حلّ يُحل. فأمَّا المحِلّ بِكَسْر الْحَاء فَهُوَ من حَلّ يَحلّ أَي وَجب يجب. قَالَ: الله جلّ وعزّ: {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْىُ مَحِلَّهُ} (البَقَرَة: 196) أَي الْموضع الَّذِي يَحِلّ فِيهِ نحرُه. والمصدر من هَذَا بِالْفَتْح أَيْضا، وَالْمَكَان بِالْكَسْرِ. وَجمع المحلّ محالّ. وَيُقَال: مَحَلّ ومحلَّة بِالْهَاءِ؛ كَمَا يُقَال: منزِل ومنزلة.
وَقَالَ اللَّيْث: الحِلّة: قوم نزُول. وَقَالَ الْأَعْشَى:
لقد كَانَ فِي شَيبَان لَو كنتَ عَالما
قِباب وحَيّ حِلّة وقنابل
أَبُو عبيد: الحِلاَل: جماعات بيُوت النَّاس وَاحِدهَا حِلّة. قَالَ: وحَيّ حِلال أَي كثير وَأنْشد شمر:
حيّ حِلاَل يَزَعون القَنْبلا
والْحِلاَل: مَتَاع الرَحْل. وَمِنْه قَول الْأَعْشَى:
ضرا إِذا وضعت إِلَيْك حِلاَلها
وَقَالَ اللَّيْث: الحَلّ الْحُلُول وَالنُّزُول.
قلت: يُقَال حَلّ يُحل وحُلُولاً. وَقَالَ المثقِّب العبديّ:
أكلّ الدَّهْر حَلّ وارتحال
أما تُبقي عليّ وَلَا تقيني
قَالَ: والحَلّ: حَلّ العُقدة. يُقَال حللتها أحُلّها حَلاً، فانحلَّت. وَمِنْه الْمثل السائر: يَا عَاقد اذكر حَلاّ.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِى فَقَدْ هَوَى} (طاه: 81) قرىء {وَمَن يَحْلِلْ} بِضَم اللَّام وَكسرهَا. وَكَذَلِكَ قرىء: {فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِى} (طه: 81) بِكَسْر الْحَاء وَضمّهَا. قَالَ الْفراء: وَالْكَسْر فِيهِ أحبُّ إليَّ من الضَّم لِأَن الْحُلُول مَا وَقع، مِن يَحُلَّ، ويَحِلُّ: يجب، وَجَاء التَّفْسِير بِالْوُجُوب لَا بالوقوع، وكلّ صَوَاب.
قَالَ: وأمّا قَوْله جلّ وعزّ: {أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ} (طاه: 86) فَهِيَ مَكْسُورَة. وَإِذا قلت: حلّ بهم الْعَذَاب كَانَت يُحلّ لَا غير. وَإِذا قلت: عليَّ أَو قلت: يحلّ لَك كَذَا وَكَذَا فَهِيَ بِالْكَسْرِ.
وَقَالَ الزّجاج: من قَالَ: يحلّ لَك كَذَا وَكَذَا فَهُوَ بِالْكَسْرِ، وَمن قَرَأَ: (فيحِلّ عَلَيْكُم) فَمَعْنَاه فَيجب عَلَيْكُم. وَمن قَرَأَ: (فيحُلّ) فَمَعْنَاه: فَينزل. وَالْقِرَاءَة {وَمَن يَحْلِلْ} بِكَسْر اللَّام أَكثر.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال حَلّ عَلَيْهِ الحقّ يَحِلُّ مَحَلاّ. قَالَ وَكَانَت الْعَرَب إِذا نظرت إِلَى الْهلَال قَالَت: لَا مرْحَبًا بِمُحلِّ الديْن مُقرِّب الْأَجَل. قَالَ ومَحِلُّ الهَدْي يَوْم النَّحْر بمنى.
قلت: مَحِلّ الهَدْي للمتمتع بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَج بِمَكَّة إِذا قدِمها، وَطَاف بِالْبَيْتِ، وسعى بَين الصَّفَا والمروة.
ومَحِلّ هَدْي الْقَارِن يومَ النَّحْر بمنى.
وَقَالَ اللَّيْث: والحِلّ: الرجل الْحَلَال الَّذِي لم يُحرم، أَو كَانَ أحرم فحلّ من إِحْرَامه. يُقَال: حلّ من إِحْرَامه حِلاً.
قَالَت عَائِشَة: طيّبت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِحرْمه حِين أحرم، ولِحلّه حِين حَلّ من إِحْرَامه. وَيُقَال رجل حِلّ وحَلاَل، وَرجل حِرْم(3/280)
وحَرَام أَي محرم. وَأما قَول زُهَيْر:
وَكم بالقَنان من مُحلّ ومحرم
فَإِن بَعضهم فسَّره وَقَالَ: أَرَادَ: كم بالقنان من عَدو يرى دمي حَلَالا، وَمن محرم أَي يرَاهُ حَرَامًا. وَيُقَال المحلّ: الَّذِي يحلّ لنا قِتَاله، وَالْمحرم: الَّذِي يحرم علينا قِتَاله. وَيُقَال: المُحِلّ: الَّذِي لَا عهد لَهُ وَلَا حُرْمَة، وَالْمحرم: الَّذِي لَهُ حُرْمَة. وَيُقَال للَّذي هُوَ فِي الْأَشْهر الْحرم: مُحرم، وللذي خرج مِنْهَا مُحِلّ. وَيُقَال للنازل فِي الْحرم: مُحرم، وللخارج مِنْهُ مُحِلّ. وَذَلِكَ أَنه مَا دَامَ فِي الْحرم يَحرم عَلَيْهِ الصَّيْد والقتال وَإِذا خرج مِنْهُ حل لَهُ ذَلِك.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ الحُلّة القُنْبُلانيّة وَهِي الكَرَاخة.
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (لَا يَمُوت لمُؤْمِن ثَلَاثَة أَوْلَاد فتمسُّه النَّار إلاّ تَحِلَّة القَسَم) .
قَالَ أَبُو عبيد: معنى قَوْله: (تحِلّة الْقسم) قَول الله جلّ وعزّ: {وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} (مريَم: 71) قَالَ: فَإِذا مرّ بهَا وجازها فقد أبرّ الله قسمَه.
وَقَالَ غير أبي عبيد: لَا قسم فِي قَوْله جلّ وعزّ: {وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} فَكيف يكون لَهُ تَحِلّة وَإِنَّمَا التحلّة للأَيمان. قَالَ: وَمعنى قَوْله (إِلَّا تَحِلَّة الْقسم) إِلَّا التعذير الَّذِي لَا يَنْدَاهُ مِنْهُ مَكْرُوه. وَمثله قَول الْعَرَب: ضَربته تحليلاً، ووعظته تعذيراً، أَي لم أبالغ فِي ضربه ووعظه. وأصل هَذَا من تَحْلِيل الْيَمين وَهُوَ أَن يحلف الرجل، ثمَّ يَسْتَثْنِي اسْتَثْنَاهُ متِّصلاً بِالْيَمِينِ غيرَ مُنْفَصِل عَنْهَا. يُقَال: آلى فلَان ألِيّة لم يتحلّل فِيهَا، أَي لم يسْتَثْن، ثمَّ يَجْعَل ذَلِك مثلا للتقليل. وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
نَجَائِب وقعهن الأرضَ تحليلُ
أَي قَلِيل هيّن يسير. وَيُقَال للرجل إِذا أمعن فِي وَعِيد أَو أفرط فِي فَخر أَو كَلَام: حِلاّ أَبَا فلَان، أَي تحلَّل فِي يَمِينك، جعله فِي وعيده إِيَّاه كاليمين. فَأمره بِالِاسْتِثْنَاءِ. وَيُقَال أَيْضا: تحلّل فلَان من يَمِينه إِذا خرج مِنْهَا بكفّارة أَو حِنْث يُوجب الكفّارة. وَيُقَال: أعطِ الْحَالِف حُلاّن يَمِينه. وَقَالَ امرء الْقَيْس:
عَلَيَّ وآلت حَلْفة لم تَحَلّل
وَقَالَ:
غذاها نمير المَاء غيرَ محلِّل
قَالَ اللَّيْث غير مُحَلل غير يسير. قَالَ: وَيحْتَمل هَذَا الْمَعْنى أَن يَقُول: غذاها غِذاء لَيْسَ بمحلِّل أَي لَيْسَ بِيَسِير، وَلكنه غذَاء مَرِيء ناجع. قَالَ: ويروى: غير مُحَلَّل، أَي غير منزول عَلَيْهِ فيكدّره ويفسده.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم غير محلَّل يُقَال: إِنَّه أَرَادَ مَاء الْبَحْر أَي أَن الْبَحْر لَا يُنزل عَلَيْهِ؛ لِأَن مَاءَهُ زُعَاق لَا يذاق فَهُوَ غير محلَّل أَي غير منزول عَلَيْهِ. قَالَ: وَمن قَالَ: غير محلَّل أَي غير قَلِيل فَلَيْسَ بِشَيْء؛ لِأَن مَاء الْبَحْر لَا يُوصف بالقلة وَلَا بِالْكَثْرَةِ لمجاوزة حدّه الْوَصْف.
وَرُوِيَ عَن عمر أَنه قضى فِي الأرنب إِذا قَتله الْمحرم بحُلاَّن. وفسّر فِي الحَدِيث أَنه(3/281)
جَدْي ذكر.
وَرُوِيَ عَن عُثْمَان أَنه قضى فِي أم حُبَيْن بحُلاّن، وَفسّر فِي الحَدِيث أَنه الحَمَل.
وَقَالَ اللَّيْث: الحُلاّن: الجَدْي الَّذِي يُبقر عَنهُ بطن أمه.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي قَالَ ولد المعزى حُلاَمٌ وَحُلاّن وَأنْشد:
تُهْدَى إِلَيْهِ ذراعُ الْجَفْر تكرمة
إمّا ذبيحاً وإمّا كَانَ حُلاّنا
قَالَ: والذبيح: الْكَبِير الَّذِي قد أدْرك أَن يضَحّى بِهِ.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحُلاَّم والحلاّن وَاحِد، وَهُوَ مَا يُولد من الْغنم صَغِيرا. وَهُوَ الَّذِي يَخُطُّون على أُذُنه إِذا وُلد خطّاً، فَيَقُولُونَ: ذكّيناه، فَإِن مَاتَ أكلوه.
وَقَالَ أَبُو تُرَاب قَالَ عَرَّام: الحُلاّم: مَا بَقَرْت عَنهُ بطنَ أمه، فَوَجَدته قد حَمَّم وشَعَّر فَإِن لم يكن كَذَلِك فَهُوَ غَضِين. وَقد أغضنت النَّاقة إِذا فعلت ذَلِك.
وَقَالَ أَبُو سعيد: ذُكر أَن أهل الجاهليّة كَانُوا إِذا ولَّدوا شَاة عَمَدوا إِلَى السَخْلة فشرطوا أُذُنه، وَقَالُوا وهم يشرطون: حُلاّن حَلاّن أَي حَلاَل بِهَذَا الشَّرْط أَن يُؤْكَل. فَإِن مَاتَ كَانَت ذَكَاته عِنْدهم ذَلِك الشَّرْط الَّذِي تقدم وَهُوَ معنى قَول ابْن أَحْمَر. قَالَ وَيُسمى حُلاَنا إِذا حُلّ من الرِّبْق، فَأقبل وَأدبر.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الحُلاّن: الحَمَل.
وروى سُفْيَان عَن عَمْرو بن دِينَار قَالَ سَمِعت ابْن عَبَّاس يَقُول: هِيَ حِلّ وبِلّ يَعْنِي زَمْزَم. فَسئلَ سُفْيَان مَا حِلّ وبِلّ؟ قَالَ: حِلّ محلَّل.
قلت: وَيُقَال: هَذَا حِلّ لَك وحلال، كَمَا يُقَال لضده: حِرْم وَحرَام أَي محرّم.
وروى الْأَصْمَعِي عَن الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان أَنه قَالَ: البِلّ الْمُبَاح بلغَة حمير.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: أَرض مِحلال، وَهِي السهلة اللّينة. ورَحَبة محلال أَي جَيِّدَة لمحلّ النَّاس، وروضة محلال إِذا أَكثر الْقَوْم الْحُلُول بهَا.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي فِي قَول الأخطل:
وشربتها بأريضة مِحلال
قَالَ الأريضة المخصبة: قَالَ: والمحلال: المختارة للحِلّة وَالنُّزُول، وَهِي العَذَاة الطّيبَة.
اللَّيْث: الحليل والحليلة: الزَّوْجَانِ، سُميّا بِهِ لِأَنَّهُمَا يُحلاّن فِي مَوضِع وَاحِد. والجميع الحلائل.
وَقَالَ أَبُو عبيد: سمّيا بذلك لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا يُحالّ صَاحبه. قَالَ: وكل من نازلك أَو جاورك فَهُوَ حليلك أَيْضا. وَأنْشد:
وَلست بأطلس الثَّوْبَيْنِ يُصبي
حليلته إِذا هدأ النيام
قَالَ: لم يرد بالحليلة هَاهُنَا امْرَأَته، إِنَّمَا أَرَادَ جارته، لِأَنَّهَا تحالّه فِي الْمنزل. قَالَ وَيُقَال: إِنَّمَا سميت الزَّوْجَة حَلِيلَة، لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا مَحَلّ إِزَار صَاحبه.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال حَلْحلت بِالْإِبِلِ إِذا قلت لَهَا حَلْ بِالتَّخْفِيفِ وَأنْشد:(3/282)
قد جعلت نَاب دُكَيْن ترحل
أُخْرَى وَإِن صاحوا بهَا وحلحلوا
قَالَ وَيُقَال: حلحلت الْقَوْم إِذا أزلتهم عَن موضعهم.
وَقَالَ أَبُو عبيد: يُقَال مَا يَتَحَلْحَل عَن مَكَانَهُ أَي مَا يَتَحَرَّك. وَأنْشد:
ثَهْلان ذُو الهَضَبات مَا يَتَحَلْحَل
يُقَال: تحلحل إِذا تحرّك وَذهب، وتلحلح إِذا قَامَ فَلم يَتَحَرَّك.
وَفِي الحَدِيث أَن نَاقَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تلحلحت عِنْد بَيت أبي أَيُّوب وَوضعت جِرَانها أَي أَقَامَت وَثبتت. وَأَصله من قَوْلك ألَحَّ يُلَحّ. وألحَّت النَّاقة إِذا بَركت فَلم تَبْرَح مَكَانهَا.
وَقَالَ أَبُو عبيد: الحُلاحل: الركين مَجْلِسه، وَالسَّيِّد فِي عشيرته. وَجمعه حَلاحِل.
قَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
يَا لهف نَفسِي إِن خطِئن كاهلا
القاتلين الْملك الحُلاَحِلا
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كسا عليّاً حُلَّة سَيِراء. السِّيَراء: برود يخالطها حَرِير.
وَقَالَ شمر: وَقَالَ خَالِد بن جَنَبة: الحُلَّة: رِدَاء وقميص تَمامهَا الْعِمَامَة. قَالَ: وَلَا يزَال الثَّوْب الْجيد يُقَال لَهُ فِي الثِّيَاب حُلَّة، فَإِذا وَقع على الْإِنْسَان ذهبت حُلَّته حَتَّى يجمعن لَهُ، إِمَّا اثْنَان وَإِمَّا ثَلَاثَة. وَأنكر أَن تكون الحُلّة إذاراً ورداء وَحده. قَالَ: والحُلّل: الوَشْي: والحِبَرة والَخَّز والقز والقُوهيّ والمَرْدِيّ وَالْحَرِير. قَالَ: وَسمعت اليمامي يَقُول: الحُلّة: كل ثوب جيّد جَدِيد تلبسه، غليظ أَو رَقِيق وَلَا يكون إلاّ ذَا ثَوْبَيْنِ.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الحُلّة: الْقَمِيص والإزار والرداء، لَا أقلَّ من هَذِه الثَّلَاثَة.
وَقَالَ شمر: الحُلّة عِنْد الْأَعْرَاب ثَلَاثَة أَثوَاب. قَالَ وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال للإزار والرداء: حُلّة، وَلكُل وَاحِد مِنْهُمَا على انْفِرَاده: حُلّة.
قلت: وأمّا أَبُو عبيد فَإِنَّهُ جعل الحُلّة ثَوْبَيْنِ.
وروى شمر عَن القَعْنَبيّ عَن هِشَام بن سعد عَن حَاتِم بن أبي نَضرة عَن عبَادَة بن نُسيَ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (خير الْكَفَن الحُلّة، وَخير الضحِيّة الْكَبْش الأقرن) .
وَقَالَ أَبُو عُبَيد: الحُلل: بُرُود الْيمن من مَوَاضِع مُخْتَلفَة مِنْهَا. قَالَ والحُلّة إِزَار ورداء، لَا تسمى حُلّة حَتَّى تكون ثَوْبَيْنِ. قَالَ: وممّا يبين ذَلِك حَدِيث عمر: أَنه رأى رجلا عَلَيْهِ حُلّة قد ائتزر بِإِحْدَاهُمَا وارتدى بِالْأُخْرَى فهذان ثَوْبَان. وَبعث عمر إِلَى مُعَاذ بن عفراء بحُلَّة فَبَاعَهَا، وَاشْترى بهَا خَمْسَة أرؤس من الرَّقِيق فَأعْتقهُمْ، ثمَّ قَالَ: إِن رجلا آثر قشرتين يَلْبسهُمَا على عتق هَؤُلَاءِ لغبين الرَّأْي. أَرَادَ بالقشرتين الثَّوْبَيْنِ.
قلت: وَالصَّحِيح فِي تَفْسِير الحُلّة مَا قَالَ أَبُو عبيد، لِأَن أَحَادِيث السّلف تدلّ على مَا قَالَ.
وَقَالَ اللَّيْث: الإحليل: مخرج اللَّبن من طُبْي النَّاقة وَغَيرهَا.
قلت: وإحليل الذّكر ثَقْبه الَّذِي يخرج مِنْهُ(3/283)
الْبَوْل وَجمعه الأحاليل.
وَقَالَ اللَّيْث وَغَيره: المَحَالّ: الْغنم الَّتِي ينزل اللَّبن فِي ضروعها من غير نَتَاج وَلَا ولادٍ، الْوَاحِدَة مُحِلّ: يُقَال أحلّت الشَّاة فَهِيَ مُحِلّ.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: أحل المالُ فَهُوَ يُحِلّ إحلالاً إِذا نزل دَرّه حينَ يَأْكُل الرّبيع. يُقَال: شَاة مُحِلّ.
أَبُو عبيد عَن الْفراء: إِذا كَانَ فِي عرقوبي الْبَعِير ضعف فَهُوَ أحَلّ وَبِه حَلَل. وذئب أحل وَبِه حَلَل، وَلَيْسَ بالذئب عَرَج وَإِنَّمَا يُوصف بِهِ لَخْمع يؤنَس مِنْهُ إِذا عدا.
وَقَالَ الطرماح:
يُحيل بِهِ الذِّئْب الأحلّ وقُوته
ذواتُ المرادِي من مَنَاقٍ ورُزَّح
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الأحَلّ: أَن يكون منهوس المؤخّر أرْوح الرجلَيْن.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: فرس أحَلّ، وحَلَلُه ضعف نَسَاه ورخاوة كعبيه.
وَفِي الحَدِيث: أَحِلّ بِمن أحَلّ بك.
قَالَ اللَّيْث: من ترك الْإِحْرَام وأحلّ بك فقاتلك.
وَفِيه قَول آخر، وَهُوَ أَن الْمُؤمنِينَ حُرّم عَلَيْهِم أَن يَقتل بَعضهم بَعْضًا، أَو يَأْخُذ بَعضهم مَال بعض، فكلّ وَاحِد مِنْهُم مُحْرِم عَن صَاحبه.
يَقُول: فَإِذا أحَلّ رجل مَا حُرّم عَلَيْهِ مِنْك فادفعه عَن نَفسك بِمَا تهيّأ لَك دفعُه بِهِ من سلَاح وَغَيره، وَإِن أَتَى الدفُع بِالسِّلَاحِ عَلَيْهِ. وإحلال البادىء ظلم، وإحلال الدَّافِع مُبَاح. وَهَذَا تَفْسِير الْفُقَهَاء. وَهُوَ غير مُخَالف لظَاهِر الْخَبَر.
وَقَالَ اللَّيْث أَرض محلال وروضة محلال إِذا أَكثر الْقَوْم الْحُلُول بهَا.
قلت لَا يُقَال لَهَا: محلال حَتَّى تُمرِع وتخصب وَيكون نباتها ناجعاً لِلْمَالِ.
وَقَالَ ذُو الرمة:
بأَجرع محلال مَرَبّ محلَّل
حَلْحَلة: اسْم رجل.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي يُقَال للناقة إِذا زجرتها: حَلْ جزم، وحلٍ منون، وحَلِي جزم لَا حليت.
وَفِي الحَدِيث (لعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المحلِّل والمحلَّل لَهُ) . وَهُوَ أَن يُطلق الرجل امْرَأَته ثَلَاثًا فيتزوجها رجل، بِشَرْط أَن يطلّقها بعد مُوَافَقَته إِيَّاهَا؛ لتحلّ للزَّوْج الأول.
وكل شَيْء أَبَاحَهُ الله فَهُوَ حَلَال، وَمَا حرّمه فَهُوَ حرَام.
وَيُقَال: أحل فلَان أَهله بمَكَان كَذَا وَكَذَا إِذا أنزلهم. وحلّ الرجل من إِحْرَامه يحِلّ إِذا خرج من حُرْمهِ وأحَلّ لُغَة، وكرهها الْأَصْمَعِي وَقَالَ: أحَلّ إِذا خرج من شهور الْحرم أَو من عهد كَانَ عَلَيْهِ. وَيُقَال للْمَرْأَة تخرج من عِدَّتها: قد حَلَّت تَحِلّ حلاّ. وأحلّ الرجل بِنَفسِهِ إِذا اسْتوْجبَ العقوية.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: حُلّ إِذا سُكن وحَلَّ إِذا عدا. وَلبس فلانٌ حُلّته أَي سلاحه.
أَبُو زيد حللت بِالرجلِ وحَلَلته، وَنزلت بِهِ ونزلته.(3/284)
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الحَلّ: الشَيْرَج.
لح: قَالَ اللَّيْث: الإلحاح: الإقبال على الشَّيْء لَا يَفْتُر عَنهُ. وَتقول هُوَ ابْن عمّ لَحَ فِي النّكرة وَابْن عمّي لَحّا فِي الْمعرفَة. وَكَذَلِكَ الْمُؤَنَّث والاثنان والجميع بِمَنْزِلَة الرجل الْوَاحِد.
وَقَالَ أَبُو عبيد مثل ذَلِك سَوَاء.
الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت: كل مَا كَانَ على فَعِلَتْ سَاكِنة التَّاء من ذَوَات التَّضْعِيف فَهُوَ مدغم، نَحْو صمّت المرأةُ وأشباهها، إلاّ أحرفاً جَاءَت نَوَادِر فِي إِظْهَار التَّضْعِيف، نَحْو لحِحَت عينُه إِذا التصقت. وَمِنْه يُقَال هُوَ ابْن عَمّي لحَّا وَهُوَ ابْن عمّ لَحَ، وَقد مَشِشَت الدابَّة، وصكِكَت، وَقد ضَبِب الْبَلَد أَو أَكثر ضِبابُه وألِلَ السقاء إِذا تغيَّرت رِيحه، وقَطِط شعره.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: تلحلح القومُ بِالْمَكَانِ إِذا ثبتوا بِهِ. وَمِنْه قَوْله:
لحَيّ إِذا قيل ارحلوا قد أُتيتمو
أَقَامُوا على أثقالهم وتلحلحوا
قَالَ: وَأما التحلحل: فالتحرك والذهاب.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: المِلحاح: الرجل الَّذِي يَعَضّ. وألَحَّ القَتَب على ظهر الْبَعِير إِذا عقره، وألحّ الرجلُ على غَرِيمه فِي التقاضي إِذا واظب، وألحّت النَّاقة، وألحّ الْجمل إِذا لزما مكانهما. فَلم يبرحا كَمَا يَحرُن الْفرس.
وَأنْشد:
كَمَا ألحّت على رُكبانها الخُور
وَرُوِيَ عَن الْأَصْمَعِي: يُقَال حَرَن الدَّابَّة وألحّ الْجمل، وخلأت النَّاقة. قَالَ: والمُلِحّ: الَّذِي يقوم من الإعياء فَلَا يبرح.
قلت: وَأَجَازَ غَيره ألحَّت النَّاقة إِذا خَلأت وَأنْشد الْفراء لامْرَأَة دَعت على زَوجهَا بعد كبره:
تَقول وَرْيا كلّما تنحنحا
شَيخا إِذا قلّبته تلحلحا
قَالَ وَيَقُول الْأَعرَابِي إِذا سُئِلَ مَا فعل الْقَوْم؟ يَقُول: تلحلحوا أَي ثبتوا. وَيُقَال: تحلحلوا أَي تفَرقُوا.
قَالَ وَقَوْلها فِي الأرجوزة تلحلحا أَرَادَت: تحلحلا فقلبت. أَرَادَت أَن أعضاءه تفرّقت من الْكبر.
أَبُو سعيد: لحّت الْقَرَابَة بيني وَبَين فلَان إِذا صَارَت لِحّا، وكلّت تِكلّ كَلَالَة إِذا تَبَاعَدت. ووادٍ لاحّ أَي ضيق بالأشِب من الشّجر. وَمَكَان لِحح: لاحّ.
وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس فِي قصَّة إِسْمَاعِيل وأمّه هَاجر وَإِسْكَان إِبْرَاهِيم إيَّاهُمَا مَكَّة: والوادي يومئذٍ لاحّ أَي كثير الشّجر. قَالَ الشماخ:
بخوصاوين فِي لِحح كنين
أَي فِي مَوضِع ضيق يَعْنِي مقَرّ عني نَاقَته. وَرَوَاهُ شمر: والوادي يَوْمئِذٍ لاخ بِالْخَاءِ. وَقد فسر فِي مَوْضِعه.
(بَاب الْحَاء وَالنُّون)
(ح ن)
حن، نح: (مستعملان) .
حن: قَالَ اللَّيْث: الحِنّ: حَيّ من الجنّ،(3/285)
يُقَال: مِنْهُم الْكلاب السود البُهم. يُقَال: كلب حِنّي.
ثَعْلَب عَن سَلمَة عَن الْفراء قَالَ: الحِنّ: كلاب الجنّ. رُوي ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس. وَقَالَ غَيره، هم سَفِلة الْجِنّ.
عَمْرو عَن أَبِيه المحنون: الَّذِي يُصرع ثمَّ يُفيق زَمَانا.
وَقَالَ اللَّيْث: حنين النَّاقة على مَعْنيين. حنينها: صوتُها إِذا اشتاقت إِلَى وَلَدهَا. وحنينها نزاعها إِلَى وَلَدهَا من غير صَوت. وَقَالَ رؤبة:
حَنَّتْ قَلوصِي أمس بالأُرْدُنّ
حِنِّي فَمَا ظُلِّمت أَن تحنِيّ
وَفِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي فِي أصل أسطوانة جِذْع فِي مَسْجده، ثمَّ تحوّل إِلَى أصلِ أُخْرَى، فحنّت إِلَيْهِ الأولى، ومالت نَحوه حَتَّى رَجَعَ إِلَيْهَا، فاحتضنها فسكنت.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: يُقَال للسهم الَّذِي يصوّت إِذا نَفَّزْتَه بَين إصبعيك: حَنَّان. وَأنْشد قَول الْكُمَيْت:
فاستل أهزع حنّانا يعلّله
عندالإدامة حَتَّى يرنو الطرِب
إدامته: تنفيزه. يعلّله: يغنّيه بِصَوْتِهِ. حَتَّى يرنو لَهُ الطَّرب: يستمع إِلَيْهِ وَينظر متعجّباً من حسنه. قَالَ أَبُو الْهَيْثَم: والحَنّان الَّذِي يحِنّ إِلَى الشَّيْء.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: الحَنّان من أَسمَاء الله بتَشْديد النُّون بِمَعْنى الرَّحِيم.
قَالَ: والحَنَان بِالتَّخْفِيفِ: الرَّحْمَة. قَالَ: والحَنَان: الرزق، والحَنَان: الْبركَة. والحَنَان الهيبة، والحَنَان: الْوَقار.
أَبُو عبيد عَن الْأمَوِي: مَا نرى لَك حَنَاناً أَي هَيْبَة.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَنَان: الرَّحْمَة، وَالْفِعْل التحنُّن. قَالَ: وَالله الحَنَّان المنَّان الرَّحِيم بعباده وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا} (مريَم: 13) أَي رَحْمَة من لدنا.
قلت: والحَنَّان من أَسمَاء الله تَعَالَى، جَاءَ على فعّال بتَشْديد النُّون صَحِيح. وَكَانَ بعض مشيايخنا أنكر التَّشْدِيد فِيهِ؛ لِأَنَّهُ ذهب بِهِ إِلَى الحنين، فاستوحش أَن يكون الحنين من صِفَات الله تَعَالَى، وَإِنَّمَا معنى الحنّان: الرَّحِيم من الحَنَان وَهُوَ الرَّحْمَة.
وَقَالَ شمر الحَنِين بمعنيين. يكون بِمَعْنى النِزاع والشوق من غير صَوت، وَيكون الصوتَ مَعَ النزاع والشوق. يُقَال: حنّ قلبِي إِلَيْهِ، فَهَذَا نزاع واشتياق من غير صَوت، وحَنَّت النَّاقة إِلَى أُلاَّفها فَهَذَا صَوت مَعَ نِزاع. وَكَذَلِكَ حَنَّت إِلَى وَلَدهَا. وَقَالَ الشَّاعِر:
يعارضْن مِلواحا كَأَن حنينها
قبيل انفتاق الصُّبْح تَرْجِيع زامر
وَأما قَوْلهم: حنانك وحنانيك فَإِن اللَّيْث قَالَ: حنانيك يَا فلَان افْعَل كَذَا أَو لَا تفعل كَذَا تذكّره الرَّحْمَة والبِرّ. وَقَالَ طرفَة:
حنانيك بعض الشَّرّ أَهْون من بعض
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَوْله: {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَواةً وَكَانَ} (مَرْيَم: 12، 13)(3/286)
أَي وَآتَيْنَاهُ حناناً. قَالَ: والحَنَان: الْعَطف وَالرَّحْمَة. وَأنْشد:
فَقَالَت حنان مَا أَتَى بك هَاهُنَا
أذو نسب أم أَنْت بالحيّ عَارِف
أَي أَمْرُنا حنان أَي عطف وَرَحْمَة.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه أنْشدهُ:
ويمنحها بَنو شَمَجاى بن جَرْم
مَعِيزهم حنانك ذَا الحنان
يَقُول رحمتك يَا رحمان فأغنني عَنْهُم
وَقَالَ الْفراء فِي قَوْله تَعَالَى: و {وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا} الرَّحْمَة، أَي وَفعلنَا ذَلِك رَحْمَة لِأَبَوَيْك.
قلت: وَقَوْلهمْ: حنانيك مَعْنَاهُ: تحنّن عليّ مرّة بعد أُخْرَى، وَحَنَانًا بعد حنان، وأذكِّرك حناناً بعد حنان. وَيُقَال: حَنّ عَلَيْهِ أَي عطف عَلَيْهِ، وحنّ إِلَيْهِ أَي نزع إِلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: الحَنّان فِي صفة الله: ذُو الرَّحْمَة والتعطّف.
وَقَالَ اللَّيْث: بلغنَا أَن أمّ مَرْيَم كَانَت تسمّى حَنّة.
قَالَ: والاستحنان: الاستطراب. وعُود حنّان مطَرِّب.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: حَنّة الرجل: امْرَأَته: وَهِي طَلّته.
عَمْرو عَن أَبِيه: هِيَ حَنّته وكَنِينته، ونَهْضته، وحاصَفَتْه وحاضنته.
وَقَالَ اللَّيْث: الحُنّة: خِرقة تلبسها الْمَرْأَة فتغطّي رَأسهَا.
قلت: هَذَا حاقّ التَّصْحِيف الْوَحْش. وَالَّذِي أَرَادَ: الخَبّة بِالْخَاءِ. وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن سَلمَة عَن الْفراء أَنه قَالَ: الخَبِيبة: الْقطعَة من الثَّوْب. وروينا لأبي عبيد عَن الْفراء أَنه قَالَ الخَبة: الْخِرْقَة تخرجها من الثَّوْب فتعصِب بهَا يدك، يُقَال خَبّة وخُبّة وخَبِيبة.
قلت: وَأما الحُنّة بِالْحَاء وَالنُّون فَلَا أصل لَهُ فِي بَاب الثِّيَاب. وَمن أَمْثَال الْعَرَب: لَا تعدم أدماء من أُمّها حَنّة يضْرب مثلا للرجل يُشبه الرجل.
قلت: والحَنّة فِي هَذَا الْمثل: العطفة والشفقة والحَيْطة.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: مَاله حانّة وَلَا جارّة. فالحانة: الْإِبِل الَّتِي تَحِنّ إِلَى أوطانها. والجارّة: الحَمُولة تحمل الْمَتَاع وَالطَّعَام.
وَفِي بعض الْأَخْبَار أَن رجلا أوصى ابْنه فَقَالَ: لَا تتزوجنّ حنانة وَلَا منانة. وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: قَالَ رجل لِابْنِهِ: يَا بُنيّ إيّاك والرَقُوبَ الغضوب، الأنّانة الخنّانة والمنّانة.
قَالَ: والحَنَّانة: الَّتِي كَانَ لَهَا زوج قبله فَهِيَ تذكُره بالتحزّن والأنين والحنين إِلَيْهِ.
الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت: قَالَ: الحَنُون من النِّسَاء: الَّتِي تتزوّج، رِقّة على وَلَدهَا إِذا كَانُوا صغَارًا ليقوم الزَّوْج بأمرهم.
وَمن أَمْثَال الْعَرَب: حنّ قِدْح لَيْسَ مِنْهَا، يضْرب مثلا للرجل ينتمي إِلَى نسب لَيْسَ مِنْهُ، أَو يدّعي مَا لَيْسَ مِنْهُ فِي شَيْء.(3/287)
وَيُقَال رَجَعَ فلَان يخُفَّيْ حُنَين. يضْرب مثلا لمن يرجع بالخيبة فِي حَاجته. وَأَصله أَن رجلا جَاءَ إِلَى عبد الْمطلب بن هَاشم وَعَلِيهِ خُفّان أَحْمَرَانِ، وَقَالَ لَهُ: أَنا ابْن أسَد بن هَاشم، فَقَالَ لَهُ عبد الْمطلب: لَا وثيابِ هَاشم، مَا أرى فِيك شمائل هَاشم، فَارْجِع راشداً، فانصرفَ خائباً. وَكَانَ يُقَال: حُنَين، فَقيل رَجَعَ بخُفي حُنين.
وحُنَين: اسْم وادٍ، بِهِ كَانَت وقْعَة أوْطاس. وَقد ذكره الله فِي كِتَابه فَقَالَ: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} (التَّوْبَة: 25) .
وروى سَلمَة عَن الْفراء وَابْن الْأَعرَابِي عَن الْمفضل أَنَّهُمَا قَالَا: كَانَت الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة تَقول لجمادي الْآخِرَة: حَنِين، وصُرف لِأَنَّهُ عُني بِهِ الشَّهْر.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي يُقَال: مَا تَحُنُّني شيأ من شرّك أَي مَا تردّه.
وَقَالَ شمر: وَلم أسمع تَحُنُّنِي بِهَذَا الْمَعْنى لغير الْأَصْمَعِي. وَيُقَال حُنّ عَنَّا شرّك أَي اصرفه، وَالْمَجْنُون من الحقّ: المنقوص. يُقَال مَا حننتك شيأ من حقّك أَي مَا نقصتك. والحَنِين للناقة، والأنين للشاة. يُقَال: مَاله حانّة وَلَا آنّة، أَي مَاله شَاة وَلَا بعير. وخِمْسُ حَنّان أَي بائص.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: أَي لَهُ حَنِين من سرعته.
والحَنّان: اسْم فَحْل من فحول خيل الْعَرَب مَعْرُوف.
وَيُقَال: حَمَل فحنّن كَقَوْلِك: حمل فهلّل إِذا جَبُن.
(نَحن نح) : كلمة يُرَاد بهَا جمع أَنا وَهِي مَرْفُوعَة.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: حِنْح زجر للغنم.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي حَنْحَن إِذا أشْفق. ونحنح إِذا ردّ السَّائِل ردّاً قبيحاً.
أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر فلَان شحيح نحيح أُبِيح. جَاءَ بِهِ فِي بَاب الإتباع.
وَقَالَ اللَّيْث النحنحة: التنخنح، وَهُوَ أسهل من السُعال. وَهِي عِلّة الْبَخِيل وَأنْشد:
يكَاد من نحنحة وأحّ
يَحْكِي سُعَال الشرق الأبحّ(3/288)
(بَاب الْحَاء وَالْفَاء)
(ح ف)
حفَّ، فَحَّ: مُستعملان.
حف: قَالَ اللَّيْث: الحُفوفُ: يُبوسَةٌ مِنْ غير دسم قَالَ رؤبة:
قالتْ سُليمى أَنْ رأَتْ حفُوفِي
مَعَ اضطرابِ اللَّحمِ وَالشُّفوفِ
وقَالَ الأصمعيُّ: حَفَّ يحِفُّ حْفوفاً وأَحْفَفْتُه.
وقالَ: سويقٌ حافٌّ: لمْ يُلَتَّ بِسَمْنٍ. عَمْرو عنْ أَبيه: الحَفَّةُ: الكَرامةُ التامّةُ، ومنهُ قولُهم: مَنْ حفَّنَا أَو رفَّنَا فليقتصد.
وقَالَ أَبو عُبَيْد: مِنْ أمْثَالِهم فِي القَصْدِ فِي المدحِ (مَنْ حفَّنَا أوْ رَفَّنَا فليقتصد) .
يقُولُ: مَنْ مَدْحنَا فَلَا يغْلُوَنَّ فِي ذَلِك وَلكن ليَتَكَلَّم بالحقِّ.
وقَالَ الْأَصْمَعِي: هوَ يَحِفُّ وَيرِفُّ أَيْ يقومُ ويقعدُ، وَينْصَح ويشْفقُ، قَالَ: وَمعنى يحفّ: تسمع لَهُ حفيفاً، ويقَال: شجر يَرِفُّ إِذا كَانَ لَهُ اهتزازٌ منَ النّضَارةِ.
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عنْ ثعْلَب عَنْ سَلَمَةَ عَنِ الفَرَّاء قَالَ: يُقَالُ: مَا يحفُهم إِلَيّ ذَلِك إلاَّ الحاجةُ يريدُ مَا يدْعُوهُم ومَا يُحوِجهم.
وقَالَ اللَّيثُ: احتفَّت المرأةُ إِذا أَمرت مَنْ يحُفُّ شعر وَجهِها نتْفاً بخيطين. وَحفَّت الْمَرْأَة وَجههَا تحُفُّهُ حَفّاً وَحِفَافاً.
وَحَفَّ القومُ بسيِّدِهِم يَحُفُّونَ حَفّاً إِذا أَطَافُوا بِهِ وَعكَفوا، وَمنْهُ قولُ الله جَلَّ وَعز: {الْعَامِلِينَ وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَآفِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِىَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ} (الزُّمَر: 75) ، قَالَ الزَّجّاجُ: جَاءَ فِي التفْسير معنى حَافِّينَ مُحْدِقينَ.
وَقَالَ الأصمَعيُّ: يُقَالُ: بقِيَ مِنْ شَعرِهِ حِفافٌ وَذلكَ إِذا صلِعَ فبقِيتْ طُرّةٌ من شعرِه حولَ رأْسهِ قَالَ: وَجمعُ الحِفَافِ أَحِفَّةٌ.
وقَال ذُو الرُّمَّةِ يصفُ الجِفَانَ الَّتِي يُطعُمُ فيهَا الضِّيفَانُ:
لهُنَّ إذَا أَصبَحْنَ مِنْهُم أَحِفةٌ
وحينَ يروْنَ الليلَ أقبلَ جائيَا
قالَ: أَراد بقوله: لهُنَّ أَي للجفَانِ أَحِفّةٌ أَي قومٌ استداروا بهَا يَأْكُلُون من الثَّرِيدِ الَّذِي لُبِّقَ فيهَا واللُّحْمَانِ الَّتِي كُلِّلتْ بهَا.
قَالَ الأصمعيُّ: وحفَّ عَلَيْهِم الغَيْثُ إِذا اشتدَّت غَبْيَتُه حَتَّى تسمعَ لَهُ حَفِيفاً، وَيُقَال: أجْرى الفرسَ حَتَّى أحَفَّه إِذا حمله على الحُضْرِ الشّديدِ حَتَّى يكون لَهُ حَفيفٌ.
قَالَ: وَيُقَال: يبِسَ حَفَّافُه وَهُوَ اللّحمُ اللّيِّنُ أَسْفَل اللَّهَاةِ.(4/5)
قَالَ: والمِحَفَّةُ: مَركبٌ من مراكِبِ النِّساء، وَقَالَ اللَّيثُ: المِحَفَّةُ: رحلٌ يُحَفُّ بِثَوْب تركبه المرأةُ.
قَالَ: وحِفَافَا كُلِّ شَيْء: جانباه، وَقَالَ طرَفة:
كَأَنَّ جَنَاحَيْ مَضْرَبِيَ تَكَنَّفَا
حِفَافَيْهِ شُكَّا فِي العسيب بمسرد
يصف ناحِيَتي عَسِيب ذَنْب النَّاقة.
قَالَ: والحفيف: صوتُ الشَّيْء، كالرَّمْية، وطيران الطَّائِر، والتهاب النَّار، وَنَحْو ذَلِك.
وَقَالَ اللَّيثُ: حَفُّ الحائِك: خَشَبَتُه العريضة يُنَسِّقُ بهَا اللُّحمَةَ بَين السَّدَى. أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ قَالَ: الحَفّ بِغَيْر هاءٍ هُوَ المَنْسَجُ وَأما الحَفَّةُ فَهِيَ الْخَشَبَة الَّتِي يَلُفُّ عَلَيْهَا الحائكُ الثَّوْبَ. وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: مَا أَنْت بِنِيرَةٍ ولاحَفَّة. مَعْنَاهُ: لَا تَصْلُح لشيءٍ، قَالَ: فالنِّيرَةُ هِيَ الخشبةُ المُعْترِضة، والحفَّةُ: القصباتُ الثَّلاثُ.
وروى أَبُو حَاتِم عَن الأصمعيّ قَالَ: الَّذِي يضرِبُ بهِ الحائِكُ كالسيفِ الحِفَّةُ بِالْكَسْرِ، وَأما الحَفُّ فالقصبة الَّتِي تجيءُ وَتذهب، كَذَا هُوَ عِنْد الْأَعْرَاب.
وَقَالَ الليثُ: الحَفَّانُ: الخَدَم. والحَفَّانُ: الصِّغارُ منَ الْإِبِل والنَّعام، الواحدةُ حَفَّانَةٌ. وَأنْشد:
وَزَفّت الشَّوْلُ من بَرْدِ الْعَشِيّ كَمَا
زَفَّ النَّعامُ إِلَى حَفَّانِه الرُّوحُ
أَبُو عُبَيْد عَن الْأَصْمَعِي: الحَفّانُ: وَلَدُ النَّعامِ، الواحدةُ حَفَّانَةٌ، الذكرُ وَالْأُنْثَى جَمِيعًا.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: حفَفْتُ الشيءَ حَفّاً إِذا قشَرْتَه، ومنهُ حَفَّتِ المرأةُ وَجههَا، قَالَ: ومنهُ الحَفَفُ وَهُوَ الضِّيقُ والفقرُ. أَبُو عُبَيد عَن الأصمعيّ: أصَابهُم مِنَ العيشِ ضَفَفٌ وحَفَفٌ وقشفٌ كلُّ هَذَا من شِدَّةِ العيشِ.
قَالَ: وجاءَنا على حَففِ أمرٍ، أَي على ناحيةٍ مِنْهُ، ثعلبٌ عَن ابْن الأعرابيِّ قَالَ: الضَّفَفُ: القِلَّةُ، والحَفَفُ: الحاجةُ. قَالَ: وَقَالَ العُقَيْلِيّ: وُلِدَ الإنسانُ على حفف، أَي على حَاجَة إِلَيْهِ، وَقَالَ: الضَّفَفُ والحفَفُ واحدٌ، وَأنْشد:
هَدِيَّةً كَانَتْ كَفَافاً حَفَفَا
لاَ تَبْلُغُ الْجارَ وَمَنْ تَلَطُّفَا
وَقَالَ أَبُو العبَّاس: الضَّفَفُ: أَن تكون الأَكَلَة أَكثر من مِقْدَار المالِ، والحَفَفُ: أَن تكون الأكلةُ بمقدارِ المَال، قَالَ: وَكَانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَكلَ كَانَ من يأْكُلُ مَعَه أَكثر عددا من قدر مبلغ المأْكُولِ وكَفَافِه، قَالَ وَمعنى قَوْله: وَمن تلطَّفا أَي من بَرَّنا لم يكن عندنَا مَا نَبَرُّه.
وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال: مَا رُئيَ عَلَيْهِم حفَفٌ وَلَا ضَفَف أَي أثَرُ عَوَزٍ، وأُولئك قوم محفوفون، وَقد حَفّتهم الحاجةُ إِذا كَانُوا محاويج.
وَقَالَ اللِّحياني: إِنَّه لَحَافٌّ بَيِّنُ الحفُوفِ أَي شديدُ الْعين. ومعناهُ أَنه يُصِيبُ النَّاس بِعَيْنه.
أَبُو زيد: مَا عِنْد فلانٍ إِلَّا حَفَفٌ مِنَ المتَاعِ، وَهُوَ القوتُ القليلُ.
وَيُقَال: حَفَّتِ الثَّرِيدةُ إِذا يَبِسَ أَعْلَاهَا فَتَشَقَّقَتْ، وحَفَّتِ الأرضُ وقفَّت إِذا يَبِسَ(4/6)
بَقلها.
وفرسٌ قَفِرٌ حافٌّ: لَا يسمن على الصَّنعة.
وحِفَافُ الرمل: مُنَقَطَعُهُ وَجمعه أَحِفَّةٌ.
فح: اللَّيْث: الفَحِيحُ: من أصوات الأفعى شبيهٌ بالنَّفْخ فِي نَضْنَضَةٍ.
قَالَ: والفحفَاحُ: الأَبَحُّ منَ الرِّجال.
الأصمعيُّ: فَحَّتِ الأفعى فَهِيَ تَفِحُّ فَحيحاً إِذا سَمِعتَ صَوتهَا من فمها، يُقَال: سَمِعتُ فحيحَ الأفعى. قَالَ: وأمَّا الكَشيشُ فصوتُهَا من جِلْدِها.
ثعلبٌ عَن ابْن الْأَعرَابِي: فَحْفَح إِذا صَحَّح المودَّة وأخلصها، وحَفْحَف إِذا ضَاقَتْ معيشتُه.
وَقَالَ أَبُو خَيرة: الأفعى تَفِحّ وتَحِفُّ والحفيفُ من جِلدِها، والفَحِيحُ من فِيهَا، وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الفُحُحُ: الأفاعي. أَبُو زيد: كَشَّتِ الأفعى وفَحَّت وَهُوَ صوتُ جِلْدِها مِنْ بَين الحيَّاتِ، وفَحِيحُ الحيَّاتِ بعد الأفعى من أصواتِ أفواهها.
(بَاب الْحَاء وَالْبَاء)
(ح ب)
حَبَّ بَحَّ: مستعملان مَا كرر مِنْهُ.
حب: قَالَ الليثُ: الحَبُّ مَعْرُوف مستعملٌ فِي أشياءَ جَمَّة من بُرَ وشَعِيرٍ حَتَّى يَقُولُوا حبَّةُ عِنَبٍ ويجمعُ على الحُبُوبِ والحبَّات والحَبّ.
وَجَاء فِي الحَدِيث: (كَمَا تَنْبُتُ الحِبَّة فِي حَمِيلِ السَّيْلِ) . قَالُوا: الحِبَّةُ إِذا كَانَت حبوبٌ مختلفةٌ من كلِّ شَيْء.
وَيُقَال لِحَبِّ الرَّياحين حِبَّة وللواحدةِ مِنْهَا حَبَّة. وَقَالَ أَبُو عُبَيْد: قَالَ الأصمعيُّ: كلُّ نَبتٍ لَهُ حبٌّ فاسمُ الحبِّ مِنْهُ الحِبَّة، وَقَالَ الفرّاء: الحِبَّة: بزُورُ البَقْل.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الْحِبَّة: نبْتٌ ينْبت فِي الْحَشِيش صِغار.
وَقَالَ الْكسَائي: الْحِبّة: حَبُّ الرياحين، وَوَاحِدَة الْحِبَّة حبّة، قَالَ: وَأما الْحِنطة وَنَحْوهَا فَهُوَ الْحَب لَا غير.
شمِر عَن ابْن الْأَعرَابِي: الحِبّة: حَبُّ البَقْل الَّذِي يَنتثِر، قَالَ: والحَبَّة: حَبَّة الطَّعَام: حَبَّةٌ من بُرَ وشعير وعَدَس ورُزّ وكل مَا يَأْكُلهُ النَّاس، قُلت أَنا: وَسمعت الْعَرَب تَقول: رَعَينا الحِبّة وَذَلِكَ فِي آخر الصَّيف إِذا هَاجَتْ الأَرْض ويَبِس البقل والعُشب وتناثرت بزورها وورقُها وَإِذا رَعَتها النّعم سَمِنت عَلَيْهَا: ورأيتهم يُسَمون الحِبّة بعد انتثارها القَميم والقَفّ، وَتَمام سِمَن النَّعَم بعد التَّبَقُّل ورَعْي العُشب يكون بِسَفّ الحِبَّة والقَميم وَلَا يَقع اسْم الحِبَّة إِلَّا على بُزُور العُشب والبُقول البريّة وَمَا تناثر من وَرقهَا فاختلط بهَا من القُلْقُلاَن والبَسباس والذُّرَق والنَّفَل والمُلاّح وأصناف أَحْرَار البُقول كلهَا وذُكورها.
وَقَالَ اللَّيْث: حَبَّة الْقلب: ثَمَرَتُه وَأنْشد:
فأصَبْتُ حَبَّةَ قَلبهَا وطِحالَها
قلت: وحَبَّة الْقلب هِيَ العَلَقَة السَّوْدَاء الَّتِي تَكونُ دَاخل الْقلب، وَهِي حَمَاطة الْقلب أَيْضا. يُقال: أَصَابَت فُلاَنة حَبَّة قَلْب فُلان إِذْ شَغَفَ قَلبَه حُبُّها. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الْحَبّة وَسَط الْقلب.(4/7)
الليثُ: الحُبُّ: نقيضُ البُغض، قالَ وَتقول: أحبَبْتُ الشَّيْء فَأنا مُحِبٌّ وَهو مُحَبٌّ. أَبُو عُبَيد عَن أبي زَيد: أحَبَّه الله فَهُوَ مَحْبوبٌ، قَالَ ومِثله محزونٌ ومجنونٌ ومَزكومٌ ومَكزوز ومقرور: وَذَلِكَ أَنهم يَقولون: قد فُعِل بغِر ألفٍ فِي هَذ كلِّه ثمَّ بني مفعولٌ على فُعِل وَإِلَّا فَلَا وَجه لَهُ، فَإِذا قَالُوا: أَفْعَلَهُ الله فَهُوَ كُله بالألِفِ. قُلْتُ: وَقد جَاءَ المُحَبُّ شاذّاً فِي الشِّعْر، وَمِنْه قَول عَنترة:
وَلَقَد نَزَلْتِ فَلَا تظُنِّي غَيره
مِنّي بمَنزلة المُحَبّ المُكْرَمِ
وَقَالَ شَمِر: قَالَ الفرّاء: وحَببته لُغةٌ وَأنْشد الْبَيْت:
فوَاللَّه لَوْلاَ تَمْرُه مَا حَبَبته
وَلَا كَانَ أَدْنى من عُبَيْد ومُشْرِقِ
قَالَ: ويُقال: حُبّ الشيءُ فَهُوَ مَحْبوب ثمَّ لَا تَقول حَبَبْتُه كَمَا قَالُوا: جُنَّ فَهُوَ مَجْنُون، ثمَّ يَقُولُونَ: أَجَنّه الله. اللَّيْث: حَبّ إِلَيْنَا هَذَا الشَّيْء وَهُوَ يَحَبُّ إِلَيْنَا حُبّاً وَأنْشد:
دَعانا فَسَمَّانا الشِّعار مُقدِّماً
وحَبَّ إِلَيْنَا أَن نَكُون المُقَدَّما
ثَعلب عَن ابْن الْأَعرَابِي: حُبَّ إِذا أُتعِب، وحَبَّ إِذا وقف، وحَبّ إِذا تودد.
أَبُو عُبَيْد عَن الْأَصْمَعِي: حَبَّ بفُلاَن مَعْنَاهُ مَا أحَبَّه إلَيّ، وَقَالَ الفرّاء: مَعْنَاهُ حَبُبَ بفلان ثمَّ أُدْغِم، وَأنْشد الفرّاء:
وزاده كلفاً فِي الحُبّ أَن مَنَعَت
وَحَبّ شَيْئا إِلَى الْإِنْسَان مَا مُنِعا
قَالَ: وَمَوْضِع مَا رَفْعٌ، أَرَادَ حَبُبَ فأدغَم وَأنْشد شَمِر:
ولحَبَّ بالطَّيْف المُلِمّ خَيالا
أَي مَا أَحبَّه إلَيّ أَي أحبْبِ بِهِ.
أَبُو عُبيد عَن الْأَصْمَعِي: الْحُبابُ: الْحَيّة، قَالَ: وَإِنَّمَا قيل الحُباب اسْم شَيْطان (لِأَن الْحَيَّة يُقَال لَهَا شَيطان) .
ويُقال للحَبيب: حُبابٌ مخفَّف، قَالَه ابْن السّكيت، وروى أَبُو عبيد عَن الْفراء مثله.
وَقَالَ اللَّيثُ: الْحِبَّةُ والحِبُّ بِمَنْزِلَة الْحَبيبة والحَبيبِ قَالَ: والمَحَبَّة: الحُبُّ. وَقَالَ اللَّيْث: حَبَابك أَن يكون ذَلِك، مَعْنَاهُ: غايةُ مَحَبَّتِك. أَبُو عبيد عَن الأصمعيِّ: حَبَابكَ أَن تَفْعلَ ذَاك مَعْنَاهُ غايةُ محبَّتك وَمثله: حُمَاداكَ أَي جُهْدُك وغايتك.
اللَّيث: حَبَّان وَحِبَّانُ لُغَةٌ: اسمٌ موضوعٌ من الحُبِّ.
قَالَ: والحُبُّ: الْجَرَّةُ الضخمة والجميع الْحِبَبةُ والحِبَابُ. قَالَ: وَقَالَ بعضُ النَّاس فِي تَفْسِير الْحُبِّ والكَرامةِ، قَالَ: الْحُبُّ: الْخَشباتُ الأربعُ الَّتِي تُوضَع عَلَيْهَا الْجَرَّةُ ذاتُ الْعُرْوَتَيْن، قَالَ والكرامة الغطاء الَّذِي يوضع فَوق تِلْكَ الجِرَّةِ من خشب كَانَ أَو من خَزَفٍ، قَالَ الليثُ: وَسمعت هَاتين الْكَلِمَتَيْنِ بِخُرَاسَانَ.
قَالَ وَأما حَبَّذَا فَإِنَّهُ حَبَّ ذَا فَإِذا وصلْتَ رَفَعْتَ بِهِ، فقلتُ حبذا زَيدٌ.
قَالَ: والْحِبُّ: القُرْطُ من حَبَّة وَاحِدَة وَأنْشد:
تبيتُ الحَيَّةُ النِّضْنَاضُ مِنْهُ
مَكان الْحِبِّ يستمِعُ السِّرَارَا(4/8)
قلتُ: وفسَّر غيْرُه الْحِبَّ فِي هَذَا الْبيتِ الْحَبِيبَ وأَرَاهُ قولَ ابنِ الأعْرَابيِّ.
وحَبابُ الماءِ: فَقاقِيعُه الَّتِي تَطْفُو كأَنَّهَا الْقوارِيرُ، وَيُقَال: بل حَبابُ الماءِ: مُعْظَمُه، وَمِنْه قَول طَرَفَةَ:
يَشُقُّ حَبابَ الماءِ حَيْزُومُها بهَا
كَمَا قسمَ التُّرْبَ المُفَايِلُ بالْيَدِ
وَقَالَ شمر: حَبَابُ الْماء: مَوْجُه الَّذِي يتْبَعُ بعضُه بَعْضًا قَالَه ابْن الْأَعرَابِي. وَأنْشد شمر:
سُمُوَّ حَبَابِ الماءِ حَالاً عَلَى حَال
وَقَالَ: قَالَ الأصمعيُّ: حَبابُ المَاء: الطَّرَائِقُ الَّتِي فِي المَاء كأَنَّها الْوَشْيُ، وَقَالَ جَريرٌ:
كَنَسْجِ الرِّيح تَطَّرِدُ الْحَبَابا
وَقَالَ: الْحَبَابُ: الطَّرَائِقُ، وَقَالَ ابْن دُريد: الحبَبُ: حَبَبُ المَاء، وَهُوَ تَكَسُّرُه وَهُوَ الحَبَابُ. وأَنْشَد اللّيثُ:
كَأَنَّ صَلاَ جَهِيزَةَ حِين تَمْشِي
حَبَابُ المَاء يَتَّبِعُ الْحَبَابَا
شَبَّه مآكَمَها بالحَبَابِ الَّذِي كَأَنَّهُ دَرَجٌ وَلم يُشَبِّهْهَا بالْفَقاقِيع.
قَالَ: وحَبَبُ الأسْنانِ: تَنَضُّدُها وَأنْشد:
وإِذا تضحك تُبْدِي حَبَباً
كأَقَاحي الرَّمل عَذباً ذَا أُشُرْ
وَقَالَ غَيره: حَبَبُ الْفَمِ: مَا يَتَحَبَّبُ من بَياضِ الرِّيقِ عَلَى الأَسْنَان.
وَقَالَ اللَّيْث: نَارُ الحُبَاحِب هُوَ ذُبابٌ يطير بِاللَّيْلِ لَهُ شُعاعٌ كالسِّراج، وَيُقَال: بل نَار الحُباحب: مَا اقْتَدَحْتَ من الشَّرارِ من النَّارِ فِي الْهَوَاء من تَصادُمِ الْحِجَارَة، وَحَبْحَبَتُها: اتِّقَادُها، وَقَالَ الفرَّاء: يُقَال للخيل إِذا أَوْرَتِ النَّار بِحوافِرِها هِيَ نَار الحُباحِب، قَالَ: وَقَالَ الْكَلْبِيّ: كَان الْحُبَاحِبُ رَجلاً من أحياءِ الْعَرَب، وكَان من أبخل النَّاس فبَخِل حَتَّى بلغ بِهِ الْبُخْل أَنه كَانَ لَا يُوقِدُ نَارا بِلَيل إِلَّا ضَعِيفَة فَإِذا انتبه منتبه ليقتبس مِنْهَا أَطْفَأَها: فَكَذَلِك مَا أَوْرَتِ الْخَيل لَا يُنتفع بِهِ كَمَا لَا يُنتفع بِنَار الْحبَاحِبِ. وَقَالَ أَبُو طَالب: يحْكى عَن الْأَعْرَاب: أنَّ الْحُباحِبَ طائرٌ أطول من الذُّبَاب فِي دِقَّة مَا يَطِيرُ فِيمَا بَين الْمغرب والعِشاء كأَنَّه شَرارَةٌ قلت: وَهَذَا مَعْرُوف.
أَبُو العبَّاس عَن ابنِ الأعْرَابي: إبِلٌ حَبْحَبَةٌ: مَهَازيلُ.
قَالَ: وَمن حَبْحَبَه نارُ أبي حُبَاحب. وَأنْشد:
يَرَى الرَّاؤُون بِالشَّفَرَاتِ مِنْها
وقُودَ أَبي حُبَاحِبَ والظُّبِينَا
وَقَالَ اللَّيْث: الحَبْحَابُ: الصَّغِير الْجِسْم.
سَلمَة عَن الْفراء قَالَ: الحَبْحَبِيُّ: الصَّغِير الْجِسْم.
ابْن هانىء: من أمثالِهم: (أهلكتَ من عشرٍ ثَمَانِياً وجِئتَ بسائرِها حَبْحَبَةً) يُقَال عِنْد المَزْرِيَةِ عَلَى المِتْلاَفِ لِمَالِهِ، قَالَ: والحَبْحَبَةُ تقع موقع الْجَمَاعَة.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: حُبَّ إِذا أُتْعِبَ، وحَبَّ إِذا وقف.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: بَعِيرٌ مُحِبٌّ وَقد أَحَبَّ إحْبَاباً وَهُوَ أَن يصيبَه مرضٌ أَو كسر(4/9)
فَلَا يَبْرَحُ مَكَانَهُ حَتَّى يبرأ أَو يَمُوت. قَالَ: والإحْبَابُ: هُوَ البُرُوكُ. وَقَالَ أَبُو الهَيْثَمِ: الإحْبَاب: أَن يُشرفَ البَعِيرُ عَلَى الموتِ من شِدَّة المرضِ فَيَبْرُكَ وَلَا يقدرَ أَن يَنْبَعِثَ وَقَالَ الرَاجزُ:
مَا كَان ذَنبي فِي مُحِبَ بَارِكْ
أَتَاهُ أَمْرُ الله وَهُوَ هَالِكْ
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: أَوّلُ الرِّيِّ التَّحَبُّبُ. وَقَالَ الأصمعيُّ: تَحَبَّبَ إِذا امْتَلأ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو عَمْرو. قَالَ: وحَبَّبْتُه فَتَحَبَّبَ إِذا ملأتَهُ لِلسِّقاء وَغَيره.
اللَّحياني: حَبْحَبْتُ بالْجَمَل حِبْحَاباً، وحَوَّبْتُ بِه تَحْوِيباً إِذا قلت لَهُ: حَوْبُ حَوْب وَهُوَ زَجْر.
أَبُو عَمْرو: الحَبَابُ: الطَّلُّ عَلَى الشَّجَرِ يُصْبِحُ عَلَيْهِ.
بح: قَالَ اللَّيْث: البَحَحُ: مصدر الأبَحِّ، تَقول: بَحَّ يَبَحُّ بَحَحاً وبُحُوحاً، وَإِذا كَانَ من دَاء فَهُوَ البُحَاحُ.
وعُودٌ أَبَحُّ إِذا كَانَ فِي صَوته غِلَظٌ. أَبُو عُبَيدة: بَحِحْتُ أبَحُّ هِيَ اللُّغَة الْعَالِيَة قَالَ: وبَحَحْتُ أَبَحُّ لُغَةٌ رواهُ ابْن السّكيت عَنهُ.
روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (مَنْ سَرَّه أَن يَسْكُنَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَة فَإِن الشَّيْطَان مَعَ الْوَاحِد وَهُوَ من الِاثْنَيْنِ أبْعَدُ) قَالَ أَبُو عبيد: أَرَادَ ببُحْبُوحَةِ الْجَنَّةِ وَسَطَها، قَالَ: وبُحْبُوحَةُ كُلِّ شَيْءٍ: وَسَطُه وخِيَارُه، وَأنْشد قولَ جرير:
قَوْمِي تَمِيمٌ هُمُ الْقَوْمُ الّذِين هُمُ
يَنْفُونَ تَغْلِبَ عَن بُحْبُوحَةِ الدّارِ
وَيُقَال: قد تَبَحْبَحْتُ فِي الدَّار إِذا تَوَسَّطْتَها وتمكنت مِنْهَا. وَقَالَ اللَّيْث: التَّبَحْبُحُ: التَّمَكُّن فِي الْحُلُول والمُقام، وَأنْشد:
وَأَهْدَى لَهَا أَكْبُشاً
تَبَحْبَحُ فِي المِرْبَدِ
قَالَ: وَقَالَ أعرابيُّ فِي امرأةٍ ضَرَبَها الطَّلْقُ: تركْتُهَا تَبَحْبَحُ عَلَى أيدِي القَوَابِل.
أَبُو العبّاسِ عنْ سَلَمة عَن الفَرَّاءِ قالَ: البَحْبَحِيُّ: الْوَاسِع فِي النَّفَقَة، الواسعُ فِي المنْزِلِ.
قالَ: ويقَالُ: نَحْنُ فِي بَاحَةِ الدَّارِ وَهِيَ وَسَطُها وَلذَلِكَ قِيلَ: تَبَحْبَحَ فِي المجْدِ. أيْ أَنَّهُ فِي مَجْدٍ وَاسعٍ. قُلْتُ: جَعَلَ الْفَرَّاءُ التَّبَحْبُحَ مِنَ البَاحَة، ولَمْ يَجعلْه مِنَ المُضَاعَفُ.
أَبو عُبَيْد عَن الأصمَعِي: بَاحَةُ الدّارِ: قاعَتُهَا وَساحَتُها. وَحكى ابنُ الْأَعرَابِي عَن البَهْدَليّ قَالَ: البَاحَةُ: النَّخْلُ الكثيرُ، والبَاحَةُ: باحةُ الدّارِ. وَأنْشد:
قَرَوا أضيافَهُم رَبَحاً بِبُحَ
يجيءُ بفضلهنّ المَشُّ سُمْر
قَالَ البُحُّ: قِدَاحُ الميسرِ.
قالَ: ويقالُ: القومُ فِي ابتِحَاحٍ أَي فِي سَعَةٍ وخِصْب. وَقَالَ الْجَعْديُّ يَصفُ الدّينارَ:
وأبَحَّ جُنديَ وثاقِبَةٍ
سُبِكَتْ كثاقبةٍ مِنَ الجَمْرِ
أرادَ بالأبَحِّ دِينَارا أبَحَّ فِي صوتِه. جُنديّ: ضُرِب بأجنادِ الشامِ. والثَّاقِبةُ: سَبيكةٌ مِنْ ذهب تَثْقُبُ أَي تَتَّقِد.(4/10)
والبَحَّاءُ فِي الباديةِ: رابيةٌ تعْرَفُ برابيةِ البحَّاءِ. وَقَالَ كَعْب:
وظلَّ سراةَ اليومِ يُبرِمُ أمرُه
برابيةِ البحَّاءِ ذاتِ الأيايلِ
(بَاب الْحَاء وَالْمِيم)
(ح م)
حم، مح: مُستعملان فِي الثنائي والمكرر.
حم: قَالَ اللّيثُ: حُمّ هَذَا الأمرُ إِذا قُضِي قضاؤهُ قَالَ: والحِمامُ: قضاءُ الْمَوْت.
وتقُولُ: أحمّني هَذَا الأمرُ واحْتَممْتُ لَهُ كَأَنَّهُ اهتمام بحَميمٍ قريبٍ، وَأنْشد الليثُ:
تعزَّ عَن الصّبابة لَا تُلامُ
كأنّك لَا يُلِم بك احْتمامُ
وَقَالَ فِي قَوْل زُهير:
مَضَت وأحمَّت حاجةُ الْيَوْم مَا تَخْلُو
قَالَ مَعْنَاهُ: حانتْ ولزِمتْ، وَقَالَ الْأَصْمَعِي: أَجمّت الحاجةُ بِالْجِيم تُجِمُّ إجماماً إِذا دنت وَحانت، وَأنْشد بَيت زُهير بِالْجِيم قَالَ: وأَحمَّ الأمرُ فَهُوَ يُحِمُّ إحماماً، وأمرٌ مُحمٌّ وَذَلِكَ إِذا أَخذَكَ مِنْهُ زَمَعٌ واهتمامٌ.
قَالَ: وحُمَّ الأمرُ إِذا قُدِّرَ وَيُقَال: عَجِلت بِنَا وبكم حُمةُ الفِراقِ أَي قُدِّر الْفِرَاق ونزلَ بِهِ حِمامُه أَي قَدره وَمَوته. قلت: وَقد قَالَ بَعضهم فِي قولِ الله: {الْعَالَمِينَ} (غَافِر: 1) معناهُ قُضِيَ مَا هُوَ كائنٌ، وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ مِنَ الْحروفِ المُعجمَةِ وَعَلِيهِ العملُ.
وَقَالَ ابنُ السِّكِّيت: أَحَمّت الحاجةُ وَأَجَمّت إِذا دَنتْ وَأنْشد:
حيِّيا ذَلِك الغزالَ الأحمّا
إِن يَكُنْ ذَلِك الفراقُ أَجَمَّا
الكسائيُّ: أَجَمَّ الأمرُ وأَحمَّ إِذا حانَ وقتُه. وَقَالَ الفرَّاء: أَحَمَّ قدومُهم: دنَا، ويقالُ: أجَمَّ. شَمِر عَن أبي عَمْرو: وأحَمَّ وأجَمَّ: دنَا، وَقَالَت الكِلاَّبية: أحَمَّ رحيلُنا فنحنُ سائرونَ غَدا، وأَجَمَّ رحيلُنا فنحنُ سائرون اليومَ إِذا عزمنا أَن نسير من يَوْمنَا. عَمْرو عَن أَبِيه: مَاء محمومٌ وممكولٌ ومَسْمولٌ ومنقوصٌ ومَثمودٌ بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَميم: القريبُ الَّذِي تَوَدُّهُ وَيودُّك.
والحامَّةُ: خاصّةُ الرجلِ مِنْ أهلِهِ وَوَلدِهِ وَذي قرَابَته.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحَميمُ: القرابةُ، يُقالُ: مُحِمٌّ مُقرِبٌ. وَقال الفراءُ فِي قَوْله تَعَالَى: {كَالْعِهْنِ وَلاَ يَسْئَلُ حَمِيمٌ} (المعَارج: 10) لايسألُ ذُو قَرابةٍ عَن قرابتهِ ولكنّهُمْ يَعرفونهم سَاعَة ثمّ لَا تعارُفَ بَعدَ تِلْكَ السَّاعَة.
اللَّيْث: الحَمِيم: المَاء الحاءِّ والحمّام: مُشْتَقّ من الحَمِيمِ تُذَكِّره الْعَرَب.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: سألتُ ابْن الْأَعرَابِي عَن الْحَمِيم فِي قَول الشَّاعِر:
وساغ لي الشرابُ وكنتُ قبلا
أكاد أَغَصُّ بِالْمَاءِ الحَميم
فَقَالَ: الْحَمِيم: المَاء الْبَارِد، قلت: فالحميم عِنْد ابْن الْأَعرَابِي من الأضداد، يكون الماءَ الحارّ وَيكون الْبَارِد. وَأنْشد(4/11)
شَمِر بَيت المُرَقَّش:
كلَّ عِشاء لَهَا مِقطرة
ذَات كِباء مُعَدَ وحَميم
قَالَ شمر: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الْحميم إِن شِئْت كَانَ مَاء حارّاً، وَإِن شِئْت كَانَ جمراً تتبخَّر بِهِ.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: الْحَمِيم: العَرَق. واستَحَمّ الفَرَس إِذا عَرِق، وَأنْشد للأعشى:
يَصيدُ النَّحوصَ ومِسجَلَها
وجَحْشَيْهما قبل أَن يَستَحِمّ
وَقَالَ أَيْضا: استَحَمّ إِذا اغْتسل بِالْمَاءِ الحَمِيم. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: أَحَمّ نفسَه إِذا غسلهَا بِالْمَاءِ الحارّ قَالَ: وشربْتُ البارحة حَمِيمة أَي مَاء سخناً. قَالَ: وَيُقَال: جَاءَ بمَحَمّ أَي بقُمقُم يُسخَّن فِيهِ المَاء. وَيُقَال: اشرب على مَا تَجِد من الوَجَع حُساً من ماءٍ حَمَيم تُريد جمع حُسْوة من ماءٍ حَار.
شمِر: الْحميم: الْمَطَر الَّذِي يكون فِي الصَّيف حِين تَسخُن الأَرْض. وَقَالَ الهُذَلي:
هُنَالك لَو دَعَوْتَ أَتاك مِنْهُم
رجالٌ مِثلُ أَرْمِيَة الْحَمِيم
وَقَالَ ابْن السِّكِّيت: الْحميمة: المَاء يُسَخَّن، يُقال: أَحِمُّوا لنا بِالْمَاءِ.
قَالَ: والْحَمِيمة وَجَمعهَا حمائم: كرائم الْإِبِل يُقَال: أَخذ المُصَدِّق حمائم الْإِبِل أَي كرائمها.
ويقالُ: طابَ حَمِيمُك وحِمَّتُك: للَّذي يخرُجُ من الحمَّام أَي طَابَ عَرَقُكَ.
الليثُ: الحمَامةُ: طائرٌ. تَقول الْعَرَب: حمامةٌ ذكرٌ وحمامةٌ أُنثى والجميعُ الحَمام. وَأنْشد:
أَو الِفاً مَكَّة من وُرْقِ الحِمَى
أَرَادَ الْحمام.
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: الحَمامُ هُوَ البَرِّيُّ الَّذِي لَا يألفُ البيوتَ قَالَ: وَهَذِه الَّتِي تكون فِي الْبيُوت هِيَ اليَمامُ. وَقَالَ: قَالَ الأصمعيُّ: اليَمامُ: ضرْبٌ منَ الْحمام بَرِّيّ، قَالَ: وَأما الْحمام فكلُّ مَا كَانَ ذَا طَوْقٍ مثلَ القُمْرِيّ والفاخِتَةِ وأشباهها.
وَأَخْبرنِي عبد الْملك عَن الرّبيع عَن الشافعيِّ أَنه قَالَ: كلُّ مَا عَبَّ وهَدَر فَهُوَ حَمامٌ يدخلُ فِيهِ القَمَارِيُّ والدَّباسِيُّ والفَوَاخِتُ سَوَاء كَانَ مُطَوَّقَةً أَو غيرَ مُطَوَّقَةٍ آلفةً أَو وحْشِيّةً.
قلت: جعل الشافعيُّ اسْم الْحمام وَاقعا على مَا عبَّ وهَدَرَ لَا على مَا كَانَ ذَا طَوْقٍ فيدخُلُ فِيهَا الوُرْقُ الأهْلِيَّة والمُطَوّقَةُ الوَحْشِيَّة. وَمعنى عَبَّ أَي شَرِبَ نَفَساً نَفَساً حَتَّى يَرَوَى وَلم يَنْقُر المَاء نقراً كَمَا يَفْعَله سَائِر الطير. والهدير صَوت الْحمام كلِّه.
ثعلبٌ عَن ابْن الْأَعرَابِي: الْحَمَامَة: الْمرْآة والحمامةُ: خِيارُ المَال، والحمامةُ: سَعْدانَةُ البعيرِ، والحمامةُ: ساحةُ القَصْر النَّقيَّة، والحمامةُ: بَكَرَةُ الدَّلوِ.
وَأنْشد المُؤَرِّج:
كَأَن عَيْنَيْهِ حَمَامتان
أَي مرآتان. والحمامة: الْمَرْأَة الجميلة.
اللَّيْث: الحُمَامُ: حُمَّى الْإِبِل والدَّوابِّ.(4/12)
يُقَال: حُمَّ البعيرُ حُمَاماً، وحُمَّ الرجلُ حُمَّى شَدِيدَة.
قَالَ: والمَحَمَّةُ: أرضٌ ذَات حُمَّى وَيُقَال: طعامٌ مَحَمَّةٌ إِذا كَانَ يُحَمُّ عَلَيْهِ الَّذِي يَأْكُلهُ. قَالَ: وَالْقِيَاس أحَمَّتِ الأرضُ إِذا صَارَت ذَات حُمّى كَثِيرَة. قَالَ: وحُمَّ الرجلُ وأَحَمَّه الله فَهُوَ مَحمومٌ. وَهَكَذَا قَالَ أَبُو عُبَيد رِوَايَة عَن أَصْحَابه.
وَقَالَ ابْن شُمَيل: الإبلُ إِذا أكلت النَّدى أَخذهَا الحُمامُ والقُماح. فَأَما الحُمَامُ فيأخذها فِي جلدهَا حَرٌّ حَتَّى يُطلى جسدُها بالطين فتدعُ الرَّتْعة ويذهبُ طِرْقُها، يكُون بهَا الشَّهْر ثمَّ يذهبُ وَأما القُماحُ فَإِنَّهُ يأخُذُها السُّلاَحُ ويذهبُ طِرْقُها ورِسْلُها ونسْلُها. يُقَال: قامحَ البعيرُ فَهُوَ مُقامِحٌ، وَيُقَال: أَخذ الناسَ حُمامُ قُر وَهُوَ المُومُ يأخذُ النَّاس.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَمّةُ: عينُ ماءٍ فِيهَا ماءٌ حارٌّ يُستشفى بالاغتسال فِيهَا.
وَفِي الحَدِيث: (مَثَلُ العالِم مثلُ الحَمَّة يَأْتِيهَا البُعَداء وَيَتْرُكهَا القُرَباء، فَبينا هِيَ كَذَلِك إذْ غَار مَاؤُهَا وَقد انْتفع بهَا قومٌ وَبَقِي أقوامٌ يتَفكّنُون) أَي يتندمون.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَمُّ: مَا اصطهرْتَ إهالَته من الألْيَة والشَّحم. والواحدةُ حَمَّةٌ. قَالَ أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: مَا أُذِيب من الأَلْيَةِ فَهُوَ حَمٌّ إِذا لم يبْق فِيهِ وَدَكٌ، واحدته حَمَّة، قَالَ: وَمَا أُذيب من الشَّحْم فَهُوَ الصُّهارةُ والجَمِيلُ، قلت: وَالصَّحِيح مَا قَالَه الْأَصْمَعِي. وَسمعت الْعَرَب تَقول: مَا أُذيب من سَنامِ الْبَعِير حَمٌّ، وَكَانُوا يُسَمُّون السَّنامَ الشَّحْم.
وَقَالَ شمر عَن ابْن عُيَيْنة: كَانَ مَسْلَمةُ بن عبد الْملك عَرَبيا وَكَانَ يَقُول فِي خطبَته: إنَّ أقلَّ النَّاس فِي الدُّنْيَا هَمّاً أقلُّهم حَمّاً، قَالَ سُفْيان: أَرَادَ بقوله: أقلهم حَمّاً أَي مُتعة، وَمِنْه تحميم المُطَلَّقة.
أَبُو عُبَيد عَن الْفراء: مَاله حَمٌّ وَلَا سَمٌّ، وَمَاله حُمٌّ وَلَا سُمٌّ غيرُك أَي مَاله هَمٌّ غَيْرك.
أَبُو عبيد: يُقَال: حَمَمْتُ حَمَّه أَي قصدتُ قصدَه. وَقَالَ طَرَفةُ:
جَعَلَتْه حَمّ كلْكَلها
من رَبِيع دِيمةٌ تَثِمُه
الأُمَويُّ: حاممتُه مُحامّةً: طالبْتُه.
ابنُ شُمَيل: الحَمَّة: حجارةٌ سود ترَاهَا لَازِقَة بِالْأَرْضِ، تَقود فِي الأَرْض اللَّيْلَة والليلتين والثلاثَ، والأرضُ تحتَ الْحِجَارَة تكون جَلَداً وسُهولة، وَالْحِجَارَة تكون مُتدانية ومتفرقةً، تكون مُلْساً مثل الْجُمع ورُؤوس الرِّجَال، وجمْعُها الحِمام، وحجارتُها متقلِّع ولازقٌ بِالْأَرْضِ، وتُنبِت نبتاً كَذَلِك لَيْسَ بِالْقَلِيلِ وَلَا بالكثير.
وَقَالَ أَبُو زيد: أَنا مُحامٌّ على هَذَا الْأَمر أَي ثَابت عَلَيْهِ.
وَقَالَ اللَّيْث: الحُمَمُ: الفحم الْبَارِد، الْوَاحِدَة حُمَمةٌ.
ورُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (إنَّ رجلا أَوْصى بَنيهِ عِنْد مَوته فَقَالَ: إِذا أنَا مُتُّ فاحرقوني بالنَّار، حَتَّى إِذا صرتُ حُمَماً(4/13)
فاسحَقوني ثمَّ ذَرُّوني فِي الرِّيح، لعلِّي أَضِلُّ الله) .
قَالَ أَبُو عُبَيد: الحُمَمُ: الفحم. الْوَاحِدَة حُمَمةٌ وَبهَا سُمِّى الرِّجُل حُمَمة.
وَقَالَ طَرَفَة:
أشَجَاكَ الرَّبْعُ أَمْ قِدَمُهْ
أَمْ رَمادٌ دَارس حُمَمُهْ
وَقَالَ اللَّيْث: الحُمَمُ: المنايا، واحدُها حُمّةٌ.
وَيُقَال: عَجِلت بِنَا حُمّة الْفِرَاق وحُمَّةُ الْمَوْت، وفلانٌ حُمَّةُ نَفسِي وحُبَّة نفْسي.
ثعلبٌ عَن ابْن الأعرابيِّ: يُقَال: لِسَمِّ الْعَقْرَب الحُمَّةُ والحُمَةُ، وَغَيره لَا يُجيز التَّشْدِيد، يَجْعَل أَصلَه حُمْوَةً.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَممُ: مصدر الأحَمِّ والحميع الْحُمُّ وَهُوَ الْأسود من كل شَيْء، وَالِاسْم الحُمَّةُ. يُقَال: بِهِ حُمَّةٌ شديدةٌ، وَأنْشد:
وقاتمٍ أحمرَ فِيهِ حُمّةٌ
وَقَالَ الْأَعْشَى:
فَأَما إِذا ركبُوا لِلصَّبَاح
فأَوْجُهُهُمْ مِن صدَى البَيْضِ حُمُّ
وَقَالَ النَّابِغَة:
أَحْوَى أَحَمِّ المُقْلَتَيْنِ مُقَلَّدِ
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَول الله جلّ وعزّ: {وَحَمِيمٍ وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ} (الواقِعَة: 43) . قَالَ: اليَحْمُومُ: الشَّديد السوَاد. وَقيل: إِنَّه الدُّخَانُ الشَّديد السوَاد. وَقيل: {وَحَمِيمٍ وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ} أَي من نَار يعذَّبون بهَا، وَدَلِيل هَذَا القَوْل قَول الله جلّ وعزّ: {الْمُبِينُ لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَالِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ ياعِبَادِ فَاتَّقُونِ} (الزُّمَر: 16) إِلَّا أَنه موصوفٌ فِي هَذَا الْموضع بِشدَّة السوَاد.
وَقيل: اليَحْمُومُ: سُرادق أهل النَّار.
وَقَالَ اللَّيْث: اليَحْمُومُ: الْفرس.
قلت: اليحمومُ: اسْم فرس كَانَ للنعمان بن المُنذر سُمِّي يَحموماً لشدَّة سوَاده.
وَقد ذكره الأعْشَى فَقَالَ:
وَيَأْمُر لليحموم كلَّ عَشيَّةٍ
بِقَتَ وتعليقٍ فقد كَاد يَسْنق
وَهُوَ يفعولٌ من الأحَمِّ الْأسود.
وَقَالَ أَبُو عُبَيد: اليحمومُ: الأسودُ من كلِّ شَيْء.
وَفِي حَدِيث عبد الرحمان بن عَوْف أَنه طلَّقَ امْرَأَته ومتَّعها بخادمٍ سوداءَ حَمَّمها إِيَّاهَا.
قَالَ أَبُو عُبَيد: معنى حَمَّمها إِيَّاهَا أَي مَتَّعها بهَا بعد الطَّلَاق. وَكَانَت الْعَرَب تُسَميها التحميم. وَأنْشد:
أَنْت الَّذِي وهبْتَ زيدا بَعْدَمَا
هَمَمتُ بالعجوز أَن تُحَمُّمَا
هَذَا رجل وُلد لَهُ ابْن سُمّاه زيدا بَعْدَمَا كَانَ هَمَّ بتطليق أُمِّه.
وَقَالَ أَبُو عُبَيدٍ: قَالَ الأصمعيّ: التّحميم فِي ثَلَاثَة أَشْيَاء هَذَا أَحدهَا.
ويُقال. حَمَّمَ الفرْخُ إِذا نبت ريشُه.
قَالَ: وحَمَّمت وَجه الرجل إِذا سَوَّدته بالحُمم، وحَمَّمَ رأسُه بعد الحلْق إِذا اسود.
وَفِي حَدِيث أَنَس: أَنه كَانَ إِذا حَمَّم رأسُه(4/14)
بمكةَ خرج فاعتَمَر.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَمْحَمة: صوْتٌ لِلْبِرْذَوْنِ دُون الصَّوْت العالي، وللفرس دون الصهيل. يُقال: تحمْحَم تَحَمْحُماً، وحَمحم حَمْحَمَة، قلت: كَأَنَّهُ حكايةُ صوتِه إِذا طلب العلَفَ أَو رأى صاحبَه الَّذِي كَانَ أَلِفه فاستأنس إِلَيْهِ. أَبو عُبَيدٍ عَن الأصمعيّ: الحِمْحِمُ: الأسْودُ، والحِمْحِمُ: نباتٌ فِي الْبَادِيَة. قلت: وَهُوَ الشُّقَّارَى وَله حب أسود، وَقد يُقَال لَهُ: الخمْخِمُ بالخاءِ وَقَالَ عنترة:
وَسْطَ الديار تَسَفُّ حَبَّ الخِمْخِم
وَحَمُومةُ: اسْم جبل فِي الْبَادِيَة.
أَبُو عَمْرو: وحمحم الثَّور إِذا نَبَّ وأَرادَ السِّفاد. وثيابُ التَّحِمَّة: مَا يُلبِس المُطلِّقُ امرأتَه إِذا مَتَّعهَا وَمِنْه قَوْله:
فإنْ تَلبَسِي عَنَّا ثِيَاب تَحِمَّةٍ
فَلَنْ يُفلح الواشِي بك المُتَنَصِّحُ
ونبتٌ يَحْمُومٌ: أخضرُ رَيَّانُ أَسودُ.
والحُمَامُ: السّيدُ الشّريفُ، قلتُ: أُراهُ فِي الأصلِ الهُمام فقُلبت الهَاءُ حاءً وَقَالَ:
أَنَا ابْن الأكْرمِينَ أَخُو الْمَعَالِي
حُمَامُ عشيرتَي وقِوامُ قَيْسِ
واليحاميمُ: الجبالُ السُّودُ.
والحَمامةُ: حلْقةُ البابِ، والحمامةُ مِنَ الفرسِ: القَصُّ قَالَه أَبُو عُبيدة.
وَقَالَ اللِّحْيانِيّ: قَالَ العامريُّ: قلتُ لبَعْضهِم: أَبَقِي عِندكم شيءٌ؟ فَقَالَ هَمْهَامِ، وَحَمْحَامِ، ومَحْمَاحِ، وبَحْبَاح، أَي لم يبقَ شيءٌ.
وَقَالَ المُنْذِريُّ: سُئِلَ أَبُو الْعَبَّاس عَن قَوْله: حم لَا يُنصرونَ. فَقَالَ معناهُ: وَالله لَا يُنصرونَ الكلامُ خبرٌ لَيْسَ بدُعاء.
مح: قَالَ الليثُ: المَحُّ: الثّوبُ الْبَالِي، والفعلُ أَمَحَّ الثَّوبُ يُمحّ وَكَذَلِكَ الدارُ إِذا عفتْ والحُبُّ وَأنْشد:
أَلا يَا قَتْلَ قد خَلُق الجديدُ
وحُبُّكِ مَا يُمِحّ وَمَا يَبيدُ
وثوبٌ ماحٌّ. وَقَالَ أَبُو عُبيد: مَحَّ الثوبُ: يَمُحُّ وأمحَّ يُمِحُّ إِذا أَخلقَ.
ثعلبٌ عَن ابْن الأعرابيِّ: قَالَ: المحَّاحُ: الكذابُ وَقَالَ: مَحَّ الكذابُ يَمُحُّ مَحاحةً.
وَقَالَ الليثُ: المحّاحُ: الَّذِي يُرْضي الناسَ بكلامِه وَلَا فِعلَ لَهُ.
قَالَ هُوَ وَأَبُو عُبيد عَن الأصمعيّ: مُحُّ البيضِ: صُفرتُه. وَأنْشد غيرهُم:
كَانَت قُريشٌ بَيضةً فَتفلَّقَتْ
فالمُحُّ خالصةٌ لعبدِ مَناف
وَقَالَ ابْن شُمَيل: مُحُّ البيضِ: مافي جَوْفه مِنْ أَصفر وأبيض كُلُّه مُحٌّ، قَالَ: وَمِنْهُم مَنْ قَالَ: المُحَّةُ الصفراءُ، والغرقيُّ: الْبيَاض الَّذِي يُؤكلُ.
أَبُو الْعَبَّاس عَنْ عَمْرو عَنْ أَبِيه قَالَ: يُقَال: لِبياضِ البيضِ الَّذِي يُؤكلُ الآحُ ولِصُفرتِها المَاحُ.
قَالَ: وَقالَ ابنُ الأعرابيِّ: مَحمَحَ الرَّجلُ إِذا أَخْلَصَ مودته.(4/15)
أَبْوَاب الثلاثي الصَّحِيح من حرف الْحَاء
قَالَ الْخَلِيل بن أَحْمد: أهملت الْحَاء مَعَ الْهَاء وَالْخَاء والغين.
(أَبْوَاب) الْحَاء وَالْقَاف ح ق ك، ح ق ج أهملت وجوهها. ح ق ش اسْتعْمل من وجوهها: (شقح) . شقح: قَالَ اللَّيْث: الْعَرَب تَقول: قُبْحاً لَهُ وشُقْحاً، وإِنَّهُ لقَبِيحٌ شَقِيحٌ، وَلَا تكَاد الْعَرَب تَعْزِلُ الشُّقْحَ من القُبْح. أَبُو عُبَيد عَن الْكسَائي: هُوَ قَبِيحٌ شَقِيحٌ، وَجَاء بالقَباحَةِ والشَّقاحَةِ. وَقَالَ أَبُو زيد: شَقَحَ الله فُلاناً وَقَبَحَهُ فَهُوَ مَشْقُوحٌ مثل قَبَحَهُ فَهُوَ مقبوحٌ. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: الشَّقْحُ: الكَسْرُ، والشَّقْحُ: البُعْدُ، والشَّقْحُ: الشَّجُّ. قَالَ: وَسمع عمَّار رجلا يسُبُّ عَائِشَة فَقَالَ لَهُ بعدَ مَا لَكَزَه لَكَزَات: أَأَنْت تسُبُّ حبيبةَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اقْعُدْ مَنْبُوحاً مَقْبوحاً مَشْقُوحاً. وَقَالَ اللَّحياني: لأشْقَحَنَّك شَقْحَ الجَوْز بالْجَنْدَل أَي لأكْسِرَنّك قَالَ: والشَّقْحُ: الكَسر. وَفِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن بيع تمر النّخل حَتَّى يُشَقِّح. أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: إِذا تَغَيَّرت البُسْرَةُ إِلَى الحُمَرةِ قيل هَذِه شَقْحَةٌ، وَقد أَشْقَحَ النَّخْلُ، قَالَ: وَهِي فِي لُغَة أهل الْحجاز الزَّهُوُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: يُقَال للأَحْمَر الأشْقَر: إنَّه لأشْقَح. قَالَ: والشَّقِيحُ: النَّاقِهُ من الْمَرَض، وَلذَلِك قيل: فلانٌ قَبِيح شَقِيحٌ. أَبُو عبيد عَن الْفراء: يُقَال لِحَياء الكلبة ظَبْيَةٌ وَشَقْحَةٌ، ولذوات الْحَافِر: وَطْبَةٌ. وَيُقَال: شاقَحْتُ فلَانا وَشَاقَيْتُه وَباذَيْتُهُ إِذا لاسَنْتَهُ بالأذيَّة. ح ق ض أهْمِلت وجُوهُها. ح ق ص قحص، حقص: (مستعملان) . قحص: قَالَ أَبُو العَمَيْثَل: يُقَال: قَحَص(4/16)
وَمَحَص إِذا مَرَّ مَرّاً سَرِيعا. وأَقْحَصْتُه وقَحَصْتُه إِذا أبعدتَه عَن الشَّيْء. وَقَالَ أَبُو سعيد: فَحَصَ بِرِجْله وقَحَصَ إِذا رَكَضَ بِرِجْله. حقص: قَالَ ابْن الْفرج: سَمِعْتُ مُدْرِكاً الْجَعْفَرِي يَقُول: سبقني فلانٌ قَبْصاً وحَقْصاً وشَدّاً بِمَعْنى وَاحِد. ح ق س الْمُسْتَعْمل من وجوهه: قسح، سحق. قسح: قَالَ اللَّيْث: القَسْحُ: بَقَاء الإنعاظ. يُقَال: إِنَّه لقُساحٌ مَقْسُوحٌ. وقَاسَحَه: يابَسَه، والقُسُوحُ: اليُبْسُ. وإِنَّهُ لقَاسِحٌ: يابسٌ. سحق: اللَّيْث: السَّحْقُ: دونَ الدَّقِّ. وَقَالَ غَيره: سَحَقَتِ الرِّيحُ الأرضَ وسَهَكَتْهُ إِذا قَشَرَت وَجْهَ الأرضِ بشدَّةِ هُبُوبها. ومُسَاحَقَةُ النِّسَاءِ لفظ مُوَلَّدٌ. وَقَالَ اللَّيْث: السَّحْقُ فِي العَدْو: دون الحُضْر وفوْق السَّحْج. وَقَالَ رُؤبةُ: فَهِيَ تَعَاطَى شَدَّةَ المُكايَلا سَحْقاً من الْجِدِّ وسَحْجاً باطِلا وَقَالَ آخر: كَانَت لنَا جَارَةٌ فَأَزْعَجَها فَاذُورَة تَسْحَق النَّوَى قُدُمَا قَالَ: والسَّحْقُ: الثَّوْبُ البَالي، والفِعْلُ الانسحاقُ وَقد سَحَقَهُ البِلَى ودَعْكُ اللُّبْسِ، وَقَالَ أَبُو زيد: ثَوْبٌ سَحْقٌ وَهُوَ الْخَلَقُ. وَقَالَ غَيره: هُوَ الَّذِي قد انْسَحَق ولان، وَفِي حَدِيث عمر أَنه قَالَ: مَنْ زَافَتْ عليهِ دراهمُهُ فلْيأتِ بهَا السُّوقَ وليَشْترِ بهَا ثَوْبَ سَحَقٍ وَلَا يُخَالِفُ النَّاسَ أَنَّها جِيادٌ. وَقَالَ اللَّيْث: السّحْقُ كالبُعْد. تَقول: سُحْقاً لهُ: بُعْداً، ولغةُ أهل الْحجاز: بُعْدٌ لهُ وسُحْقٌ، يجعلونه اسْما، والنَّصْبُ عَلَى الدُّعَاء عَلَيْهِ، يُرِيدُونَ بِهِ: أبعده الله وَأَسْحَقهُ سُحْقاً وبُعْداً، وإِنَّهُ لبَعيدٌ سحيقٌ. وَقَالَ الْفراء فِي قَوْله: {بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لاَِصْحَ ? بِ} (الْملك: 11) اجْتَمعُوا على التَّخْفِيف، وَلَو قُرئت فسُحْقاً كَانَت لُغَة حَسَنَة. وَقَالَ الزّجاج: فسُحْقاً منصوبٌ على الْمصدر. أسْحَقَهم الله سُحْقاً أَي باعدهم من رَحمتِه مُباعدةً. وَقَالَ غَيره: سَحَقه الله وأسْحَقه أَي أبعده، وَمِنْه قولُه: تَسْحَق النَّوَى قُدماً أَبُو عُبيد وَغَيره: السَّحوق مِن النّخل: الطويلةُ، وأتانٌ سَحوقٌ، وحمارٌ سحوق والجميع السُّحُقُ وَهِي الطِّوال المَسانّ، وَأنْشد أَبُو عُبيد فِي صفة النّخل: سُحُقٌ يمتِّعها الصَّفا وسَرِيُّه عُمٌّ نَواعِمُ بَينهُنَّ كُرومُ أَبُو عُبيد عَن الْأَصْمَعِي: إِذا طَالَتْ النَّخْلَة مَعَ انْجِرادٍ فَهِيَ سَحوقٌ. وَقَالَ شَمِر: هِيَ الجرداء الطويلةُ الَّتِي لَا كربَ فِيهَا وَأنْشد: وسالفةٌ كسَحوق اللِّيانِ أَضْرَم فِيهَا الغَوِيُّ السُّعُرْ شبَّه عُنُق الْفرس بالنخلة الجرداء. وَقَالَ اللَّيْث: العيْنُ تسحق الدمعَ سَحْقاً.(4/17)
ودُموعٌ مساحيقُ، وَأنْشد: طَلَى طرفَ عَيْنَيْهِ مساحيقُ ذُرَّفُ كَمَا تَقول: منكسِرٌ، ومكاسر. قلت: جعل المساحِيقَ جمعَ المُنْسَحِق وَهُوَ المُنْدَفق. قَالَ زُهَيْرٌ: (قِتْبٌ وغَرْبٌ إِذا مَا أُفرغ انسحقا) وَقَالَ اللَّيْث: الإسحاق: ارْتِفَاع الضَّرع ولُزُوقُه بالبطن. وَقَالَ لبيد: حَتَّى إِذا يَبِسَت وأسحق حالِقٌ لم يُبْلِه إرضاعُها وفِطامُها وَقَالَ شمر: أسحقَ الضَّرْع: ذهبَ مَا فِيهِ، وانسحقت الدَّلْوُ: ذهب مافيها، وأسحقت ضَرَّتُها: ضَمَرَت وَذهب لَبنهَا. وَقَالَ الأصمعيُّ: أسحَقَ: يَبِسَ. وَقَالَ أَبُو عُبيد: أسحَقَ الضّرْع: ذهب لبنُه وبَلِي. قَالَ: والسَّوحَقُ: الطويلُ من الرِّجَال. وَقَالَ الأصمعيُّ: من الأمطار السَّحَائقُ الواحدةُ سحيقَةٌ وَهُوَ الْمَطَر الْعَظِيم الْقطر، الشَّديد الوَقْع، الْقَلِيل العَرِمُ. قَالَ: وَمِنْهَا السَّحيفةُ بِالْفَاءِ وَهِي المطرة الَّتِي تجْرُف مَا مرت بِهِ. وساحُوق: بَلد، وَقَالَ: وهُنَّ بساحُوقٍ تداركنَ ذالِقا ح ق ز حزق، قحز، قزَح: مستعملة. حزق: قَالَ اللَّيْث: الحَزْق: شدةُ جذب الرِّباطِ والوَتر، وَالرجل المُتَحَزِّقُ: المتشدِّد على مَا فِي يَده ضَنّاً بِهِ وَكَذَلِكَ الحُزُقُّ والحُزُقّة والحَزِق مثله وَأنْشد: فهْي تَفَادى من حَزارٍ ذِي حَزِق وروى ابنُ الأعرابيِّ عَن الشَّعبي بِإِسْنَاد لَهُ أنَّ عليّاً خطب أَصْحَابه فِي أَمر المارقين، وحضَّهم عَلَى قِتَالهمْ، فَلَمَّا قتلوهم جَاءُوا فَقَالُوا: أبشرْ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، فقد استأصلناهم. فَقَالَ عليُّ ح: (حَزْقُ عَيْر حَزْقُ عَيُرٍ قد بقيت مِنْهُم بقيَّةٌ) . قَالَ ابْن الأعرابيّ: سمعتُ المُفَضَّل يَقُول فِي قَوْله: حَزْقُ عَيْر: هَذَا مَثَلٌ تَقوله الْعَرَب للرجلِ المُخْبِرِ بِخَبر غَيْر تامّ وَلَا مُحَصَّلٍ: حَزْقُ عَيْر حَزْقُ عَيْر أَي حُصَاصُ حِمار أَي لَيْسَ الأمرُ كَمَا زعمتم. وَقَالَ أَبُو العَبَّاس: وَفِيه قَوْل آخر: أَرَادَ عليٌّ أَنَّ أمرَهُم مُحْكَم بعد كحَزْقِ حِمْلِ الحمارِ: وَذَلِكَ أَنَّ الْحمار يَضْطَرب بِحِمله، فَرُبما أَلْقاه فيُحْزَقُ حَزْقاً شَدِيدا، يَقُول عليّ: فأَمْرُهُم بَعْدُ مُحْكَم. أَبُو عُبيد عَنِ الْفراء: رجلٌ حُزُقّةٌ وَهُوَ الَّذِي يُقارِبُ مِشْيَتَه. قَالَ: وَيُقَال: حَزُقّةُ. وَقَالَ شمر: الحُزُقَّةُ: الضيِّقُ القُدْرَة والرَّأْيِ، الشَّحيحُ. قَالَ: فإِنْ كَانَ قَصِيرا دميماً فَهُوَ حُزُقَّةٌ أَيْضا. ابْن السِّكِّيت عَنِ الأصمعيّ: رَجُلٌ حُزُقّةً وَهُوَ الضَّيِّقُ الرَّأْيِ من الرِّجَال والنِّسَاءِ، وَأنْشد: وأعْجَبْنِي مَشْيُ الحُزُقَّة خالدٍ كمشي الأتانِ حُلِّئَتْ بالمناهِلِ أَبُو عُبيدٍ عَنِ الْأَصْمَعِي: الحَزِيقُ: الجماعةُ من النَّاس وَقَالَ لَبيدٌ.(4/18)
كحزِيقِ الحَبَشِيِّيْنَ الزُّجَلْ ورُوِي: يقالُ للجماعةِ: حِزْقَةٌ وحِزَقٌ. وَجمع الحَزيق حَزَائقُ وَفِي الحَدِيث (لَا رَأْي لحَازقٍ) وَقيل: هُوَ الَّذِي ضاقَ عَلَيْهِ موضعُ قدمه مِنْ خفِّه فحزَقَها كَأَنَّهُ فاعلٌ بِمعنَى مَفْعُول. ويقالُ: أحْزقتُه إحزاقاً إِذا منعتُه. وَقَالَ: أَبُو وَجْزَةَ: فمَا المالُ إِلَّا سُؤْرُ حَقِّكَ كلِّه ولكنَّه عمَّا سِوَى الحَقِّ مُحْزَق وَقَالَ أَبُو تُرابٍ: سمعتُ شمراً وأبَا سَعيدٍ يَقولانِ: رجلٌ حُزُقَّةٌ وحُزُمَّةٌ إِذا كَانَ قَصِيرا. قحز: قَالَ اللَّيْث: القَحْزُ: الوَثبَان والقَلقَ. وَقَالَ رؤبة. إِذا تَنزَّى قاحزَاتُ القَحْز يَعْنِي بِهِ شَدَائِد الْأُمُور. وَفِي حَدِيث أبي وائلٍ أنَّ الحجاجَ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: أحْسِبُنَا قد رَوْعْنَاكَ فَقَالَ لَهُ أَبُو وائِلٍ: أما إِنِّي قد بتُّ أقْحَزُ البَارحة. وَقَالَ أَبُو عُبيد: قَوْله أقحز يَعْنِي أُنزَّى: يُقَال: قد قحز الرجلُ يقحز إِذا قلق. وَهُوَ رجلٌ قاحزٌ. وَأنْشد قَول أبي كَبِير يصف طَعنة: مُسْتَنَّةٍ سَننَ الفُلُوِّ مُرِشَّة تَنفي الترابَ بِقَاحزِ مُعرَورِف يَعْنِي خُرُوج الدَّم باسْتنَانٍ. ثعلبٌ عَن ابْن الْأَعرَابِي: قحز الرجلُ فَهُوَ قاحزٌ إِذا سَقطَ شبهَ الميِّت. وَقَالَ النَّضرُ: القَاحزُ: السهْم الطامح عَنْ كبد الْقوس ذَاهِبًا فِي السَّمَاء. يُقَال: لشَدّ مَا قحز سهمك أيْ شَخَصَ. قزَح: فِي الحَدِيث (أنَّ الله ضَرَبَ مَطْعَمَ ابْن آدم لَهُ مثلا وإِنْ قَزَّحه وَمَلَّحَهُ) . أَبُو عُبيد عَن أبي زيد قَالَ: إِذا جَعَلْتَ التَّوَابِلَ فِي القِدْرِ قلت: فَحَّيْتُها وَتَوبَلْتُهَا وقَزَحْتُها بالتَّخفيف قَالَ: وَهِي الأقزاحُ واحِدها قِزْح، وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: هُوَ القِزْحُ والقَزْحُ والفِحَا والفَحَا، قَالَ: والأَقْزَاحُ أَيْضا: خُرْءُ الْحَيَّاتِ، واحدِهَا قِزْح. قَالَ: قَزَحَ الكلبُ بِبَوْلِه قَزْحاً إِذا رفع رِجْلَه وبَال. وَقَالَ اللَّيْث: قَزَّحْتُ القِدْرَ تَقْزِيحاً إِذا بَزَرْتَها. قَالَ: وقَوْسُ قُزَحَ: طريقةٌ مُتَقَوِّسَةٌ فِي السَّمَاء غِبَّ الْمَطَر أَيَّام الرّبيع. وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: (لَا تَقولُوا قَوْس قُزَح فَإِن قُزَحَ مِن أَسمَاء الشَّيَاطِين، وَلَكِن قُولُوا: قَوْسُ الله) . قَالَ. وَقَالَ أَبُو الدُّقَيْش: القُزَحُ: الطرائق الَّتِي فِيهَا، والواحدة قُزْحَه. عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: القُسْطَانُ: قَوْسُ قُزَحَ. وسُئِل أَبُو الْعَبَّاس عَن صَرْفِ قُزَح فَقَالَ: مَن جعله اسْم شَيْطَان ألحقهُ بزُحَل، وَقَالَ المبرِّدُ: لَا ينْصَرف زُحل لِأَن فِيهِ العِلّتين المعرِفة والعدولَ. قَالَ أَبُو العبَّاس ثَعْلَبٌ: وَيُقَال: إِن قُزَحاً جمع قُزْحَة وَهِي خطوطٌ مِن صُفْرَةٍ وحُمْرة وخُضْرَةٍ، فَإِذا كَانَ هَكَذَا أَلْحَقتَه بِزيد، قَالَ: وَيُقَال: قُزَحُ: اسْم ملك مُوكَّل بِهِ، قَالَ: فَإِذا كَانَ هَكَذَا أَلْحقْتَه بِعُمر. قلت: وَعمر لَا ينْصَرف فِي(4/19)
الْمعرفَة وينصرف فِي النكِرة. وَقَوازِحُ المَاء: نُفَّاخاته الَّتِي تنتفخ فتذهب. قَالَ أَبُو وجْزَةَ: لَهُم حَاضر لَا يُجْهَلُونَ وَصَارِخٌ كسَيْلِ الغَوَادِي تَرْتَمِي بِالْقَوَازِحِ وَقَالَ أَبُو زيد: قَزَحَتِ القِدْرُ تَقْزَحُ قَزَحاً وقَزَحَاناً إِذا أقطَرَتْ مَا خَرَجَ مِنْهَا. اللَّيْث: التَّقْزِيحُ فِي رأسِ شجرةٍ أَو نَبْتٍ إِذا شَعَّب شُعَباً مثل بُرْثُنِ الْكَلْب. وَفِي الحَدِيث النَّهيُ عَن الصَّلَاة خلف الشَّجَرَة المُقَزَّحة. وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: ومِنْ غرِيب شجر الْبَرِّ: المُقَزَّحُ: وَهُوَ شجر على صُورَة التِّين لَهُ غِصْنَةٌ قِصَارٌ فِي رُؤوسِها مثل بُرْثُن الْكَلْب، وَمِنْه خبرُ الشَّعْبِيِّ عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَرِهَ أَن يُصَلِّي الرجل إِلَى الشَّجَرَة المُقَزَّحَةِ. وَقَالَ اللَّيْث فِي قَول الْأَعْشَى: فِي مُحِيلِ القِدِّ مِن صَحْبِ قُزَحْ أَرَادَ بِقُزَحَ هَاهُنَا لقباً لَهُ وَلَيْسَ باسم ح ق ط أُهمِلَت وجوهها إلَّا: قحط. قحط: الْحَرّانِي عَن ابْن السّكيت: قُحِطَ النَّاس، وَقد قَحَطَ الْمَطَرُ، وَقَالَ اللَّيْث: القَحْطُ: احْتِبَاسُ المَطَر. يُقَال: قُحِطَ القَوْمُ وأَقحطوا، وقُحِطت الأرضُ فَهِيَ مقحوطةٌ، وقَحِطَ الْمَطَر أَي احْتبسَ. ورجُلٌ قَحْطِيٌّ وَهُوَ الأَكُولُ الَّذِي لَا يُبْقِي شَيْئا من الطَّعَام. وَهَذَا من كَلَام الْحَاضِرَة ونسبوه إِلَى القَحْط لِكَثْرَة الْأكل على معنى أَنه نجا من الْقَحْط فَلذَلِك كثر أكله. وَقَالَ اللَّيْث: قحطان: أَبُو الْيمن: وَهُوَ فِي قَول نسَّابيهم قحْطَان بن هودٍ، وبعضٌ يَقُول: قحطان بن أَرْفَخْشَذْ بن سَام بن نوح. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: قُحِطَ النَّاس وأُقْحِطوا وقَحَطَ، الْمَطَر. وَقَالَ شَمِرُ: قُحوط الْمَطَر: أَن يَحْتَبِس وَهُوَ مُحْتَاج إِلَيْهِ. وَيُقَال: زمانٌ قاحط، وعام قاحط، وسنةٌ قَحِيطٌ، وأَزْمُنٌ قَواحِطُ. وَفِي الحَدِيث: (أَن مَنْ جامَع فأَقْحَطَ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ) وَمَعْنَاهُ أَن ينتشر فَيُولج، ثمَّ يَفْترُ ذَكَرُه قبل أَن يُنزلَ. والإقْحَاطُ مثل الإكسالِ، وَهَذَا مثل الحَدِيث الآخر: (الماءُ من المَاء) وَكَانَ هَذَا فِي أول الْإِسْلَام ثمَّ نُسِخَ وأُمِرُوا بالاغتسال بعد الْإِيلَاج. وَقَالَ ابْن الْفرج: كَانَ ذَلِك فِي إقْحاط الزَّمَان وإكْحَاط الزَّمَان أَي فِي شِدَّته. ح ق د حقد، حدق، قدح، قحد، دحق: مستعملات. قحد: قَالَ اللَّيْث: القَحَدَةُ: مَا بَين المأْنَتَيْن من شَحْم السنام. وناقَةٌ مِقْحَاد: ضخمة القَحَدَة وَأنْشد: مِن كلِّ كَوْمَاءَ شَطُوطٍ مِقْحَادْ أَبُو عُبَيد عَن الأصمعيِّ: المِقْحَاد: النَّاقةُ الْعَظِيمَة السَّنام: وَيُقَال للسَّنام: القَحَدَة، قَالَ: والشَّطُوطُ: الْعَظِيمَة جَنْبَتَي السَّنَام. ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيِّ قَالَ: المَحْقِدُ(4/20)
والمَحفِدُ والمحْتدُ والمَحْكِدُ كُله الأَصْل، قلت: وَلَيْسَ فِي (كتاب أبي تُرَاب) المَحْقِد مَعَ المَحْتِد وذُكر عَن ابْن الْأَعرَابِي: المَحْفِدُ: أصل السَّنامِ بِالْفَاءِ وَعَن أبي نَصْر مثله. شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي: القَحَّاد: الرجل الفَرْدُ الَّذِي لَا أَخ لَهُ وَلَا ولد. وَيُقَال: واحدٌ قاحِدٌ وصَاخِدٌ وَهُوَ الصُّنْبُور. قلت: وروى أَبُو عَمْرو عَن أبي الْعَبَّاس هَذَا الْحَرْف بِالْفَاءِ فَقَالَ: واحِدٌ فَاحِدٌ، قلت: والصوابُ مَا روى شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي. أَبُو عُبيد: قَحَدت النَّاقة وأقْحَدَتْ: صَارَت مِقْحَاداً. حقد: شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي: حَقِدَ المَعْدِنُ وأَحْقَدَ إِذا لم يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْء وَذَهَبت منالَتُه. اللَّيْث: الحِقْد: إمساكُ الْعَدَاوَة فِي الْقلب والتَربُّص بِفُرْصتها، تقولُ: حقَد يَحْقِدُ على فلَان حَقْداً فَهُوَ حاقِدٌ فالحَقْدُ الْفِعْل، والحِقْدُ الِاسْم. قلت: وَيُقَال: رجل حَقودٌ. ومَعْدِن حاقِدٌ إِذا لم يُنل شَيْئا. وجَمْع الحِقْد أحْقَادٌ. قدح: اللَّيْث: القَدَحُ: من الْآنِية مَعْرُوف. وَجمعه أَقْدَاحٌ، ومُتَّخِذه القَدَّاح، وصناعتُه القِداحةُ. والقِدْحُ: قِدْح السَّهْم وجَمْعُه قِداح، وَصانِعُه قَدَّاح أَيْضا. قَالَ: والْقَدَّاح: أُرْآدٌ رَخْصة من الفِسْفِسَة. الْوَاحِدَة قَدَّاحة. قَالَ والقَدَّاح: الْحجر الَّذِي يُورَى مِنْهُ النَّار. وَقَالَ رُؤْبة: والْمَرْوَذَ القَدّاح مَضْبوحَ الفِلَق والقَدْحُ: قَدحُك بالزنْد وبالْقَدَّاحِ لِتُورِي والمِقْدَح: الحديدة الَّتِي يُقْدَح بهَا. والقَدْحُ: فِعْلُ القادح، وَقد قَدَحَ يَقْدَحُ، وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال للَّتِي تُضْرب فَيخرج مِنْهَا النارُ قَدّاحة. وَقَالَ اللَّيْث: القَدْح: أُكَالٌ يَقع فِي الشّجر والأسنان. والقادِحة: الدُّودَة الَّتِي تَأْكُل الشّجر والسِّنَّ، تَقول: قد أسْرَعت فِي أَسْنَانه القَوادِح، وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال: وَقع القادحُ فِي خَشَبَة بَيتِه يَعْنِي الْآكِل. ويُقال: عودٌ قد قُدح فِيهِ إِذا وَقع فِيهِ القادحُ، وَقَالَ جميل: رمى الله فِي عَيْنَي بُثَيْنَةَ بالقَذَى وَفِي الغُرِّ من أنيابِها بالقَوادِح وَقَالَ اللَّيْث: القِدْحَةُ: اسْم مشتقٌ مِن اقتداح النَّار بالزنْد. وَفِي الحَدِيث: (لَو شَاءَ الله لجعل للنَّاسِ قِدْحَةَ ظُلْمَة كَمَا جعل لَهُم قِدحة نُور) . قَالَ: وَالْإِنْسَان يَقْتَدِحُ الأمرَ إِذا نظر فِيهِ وَدَبَّرَه، ويروى هَذَا البيتُ لعَمْرو بن الْعَاصِ: يَا قاتَل الله وَرْدَاناً وقِدْحَتَه أَبْدَى لعَمْرُكَ مافي النَّفس وَرْدَانُ وَوَرْدَان: غُلاَمٌ كَانَ لعَمْرو بن الْعَاصِ وَكَانَ حَصِيفاً، فاسْتشارَه عَمْرو فِي أَمر عليّ ح وَأمر مُعاوية، فَأَجَابَهُ وَرْدَان بِمَا كَانَ فِي نَفسه، وَقَالَ لَهُ: الآخرةُ مَعَ علِيّ(4/21)
وَالدُّنْيَا مَعَ مُعَاوِيَة، وَمَا أَرَاك تخْتَار على الدُّنْيَا، فَقَالَ عَمْرو: هَذَا الْبَيْت. وَمن رَوَاهُ: وقَدْحَتَه أَرَاد بِهِ مَرَّة واحِدَة. وَقَالَ اللَّيْث: القَدِيحُ: مَا يبْقى من أَسْفَل القِدْر فيُغْرَفُ بِجهْد. وَقَالَ النابغةُ: فظل الإمَاءُ يَبْتَدِرْنَ قدِيحَها كَمَا ابْتَدَرَتْ كَلْبٌ مياه قَراقِر وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال: قَدَحَ يَقْدَحُ قَدْحاً إِذا مَا غَرَف. وَيُقَال: أعْطِني قُدْحَةً من مَرقتك أَي غُرفة. والمِقْدحُ: مَا يُغْرَفُ بِهِ، وَأنْشد. لنَا مِقْدَحٌ مِنْهَا وللجَارِ مِقْدح. وَيُقَال: هُوَ يَبْذُل قَدِيح قِدْرِه يَعْنِي مَا غُرِف مِنْهَا، قَالَ: والمِقْدحَة: المِغْرفة. قَالَ: وَيُقَال: قَدَحَ فِي القِدْح يَقْدَحُ وَذَلِكَ إذَا خَزَقَ فِي السَّهْم بِسِنْخ النّصْل. وَفِي الحَدِيث (أَنَّ عُمَر كَانَ يُقَوِّمُهُم فِي الصفّ كَمَا يُقوِّمُ القَدَّاح القِدْحَ) . قَالَ: وَأول مَا يُقطع السهمُ ويُقْتَضَبُ يُسمى قِطْعاً، والجميع الْقُطُوعُ، ثمَّ يُبْرَى فَيسمّى بَرِيّاً، وَذَلِكَ قبل أَن يُقَوَّمَ، فَإِذا قُوِّم وأنَّى لَهُ أَن يُرَاش ويُنْصَل فَهُوَ القِدْح، فَإِذَا رِيشَ ورُكِّبُ نَصْلُه صَار سَهْما. الْأَصْمَعِي: قَدَّح فلانٌ فرسَه إِذا ضَمَّره فَهُوَ مُقْدَّح. وَقَدَّحَت عَيْنُه إِذا غارَتْ فَهِيَ مُقَدَّحَة. وَقَالَ أَبُو عُبيدة: وَيُقَال: قَدَحَ فِي سَاقه إِذا مَا عَمِل فِي شَيْء يكرههُ. ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: تَقول: فلَان يَفُتُّ فِي عَضُد فلَان ويَقْدَح فِي سَاقه. قَالَ: والعَضُد: أَهلُ بَيْته، وسَاقُه: نَفسُه. وَأما قَول الشَّاعِر: ولأنْت أَطْيَشُ حِين تَغْدو سادِراً رَعِشَ الجَنَانِ من الْقَدُوحِ الأقْدَح فَإِنَّهُ أَرَادَ قَول الْعَرَب: هُوَ أَطْيَشُ من ذُبَاب وكل ذُبَاب أقدحُ، وَلَا تراهُ إِلَّا وَكَأَنَّهُ يقدَحُ بيدَيْهِ، كَمَا قَالَ عنترة: هَزِجاً يَحُكُّ ذِرَاعه بذراعه قَدْحَ المُكِبّ على الزِّناد الأَجْذَم وَيُقَال فِي مَثَل: (صَدَقني وَسْمُ قِدْحه) أَي قَالَ الحقَّ. قَالَ أَبُو زيد: وَيَقُولُونَ: أبصِرْ وَسْمَ قِدْحِك أَي اعْرِف نَفسك وَأنْشد: ولَكن رَهْطُ أُمِّكَ من شُيَيْم فأبْصِرْ وَسمِ قِدْحِكَ فِي القِدَاح وَقَالَ أَبُو زيد: من أَمْثالهم (إِقْدَحْ بِدِفْلَى فِي مَرْخ) . مثل يُضْرَب للرجل الأديب الأريب، قلت: وزنادُ الدِّفْلَى والْمَرخ كَثِيرَة النَّار لَا تَصْلِد. أَبُو عُبيد قَالَ: القَادِحُ الصَّدْعُ فِي الْعود. حدق: قَالَ اللَّيْث: الْحَدقُ: جمَاعَة الحَدَقَةَ، وَهِي فِي الظَّاهِر سوادُ العيْنِ، وَفِي الْبَاطِن خَرَزَتُها وتُجمعُ على الحِدَاقِ. وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب: فالعين بعدهمْ كَأَن حِدَاقها وَقَالَ غير اللَّيْث: السوَاد الأَعْظَمُ فِي الْعين هُوَ الحَدَقة والأصغر هُوَ النّاظِرُ وَفِيه إِنْسَان العَيْنِ، وَإِنَّمَا النَّاظر كالمِرْآةِ إِذا استقْبَلْتَها(4/22)
رَأَيْت فِيهَا شَخْصَك. وَقَالَ الفرَّاء فِي قَول الله: {وَنَخْلاً وَحَدَآئِقَ غُلْباً} (عَبَسَ: 30) قَالَ: كل بُسْتَان كَانَ عَلَيْهِ حائِطٌ فَهُوَ حديقة وَمَا لم يكن عَلَيْهِ حَائِط لم يُقَلْ لَهُ حَدِيقة. وَقَالَ الزَّجّاج: الحدائقُ: الْبَسَاتِين وَالشَّجر المُلْتَفّ، وَقَالَ اللَّيْث: الحَدِيقة: أَرض ذَات شجر مثمر، والحديقة من الرياض: كل رَوْضَة قد أَحْدَقَ بهَا حاجز أَو أَرض مُرْتَفِعة. وَقَالَ عَنْتَرَةُ: فَتَرَكْنَ كل حَدِيقةٍ كالدرهم قَالَ: وكل شَيْء اسْتدار بِشَيْء فقد أَحْدَق بِهِ، وَتقول: عَلَيْهِ شامةٌ سَوْداءُ قد أَحْدَقَ بهَا بَيَاض. قَالَ: والتَّحْدِيق: شدَّة النّظر. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال للباذِنْجَان الحَدَقُ وَالمَغْدُ. غَيره: حَدَقَ فُلانٌ الشَّيْء بِعَيْنِه يَحْدِقُه حَدْقاً إِذا نظر إِلَيْهِ، وَحَدَقَ الميِّتُ إِذا فتح عيْنه وطرِف بهَا، والحُدُوق: الْمصدر، وَرَأَيْت المَيِّتَ يَحْدِقُ يَمْنَةً ويَسْرَةً أَي يفتح عَيْنيه ويَنْظُر. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: حَدِيقُ الرَّوْضِ: مَا أَعْشَبَ بِهِ والتَفّ. يُقَال: رَوْضَة بني فلَان مَا هِيَ إِلَّا حديقةٌ مَا يجوز فِيهَا شَيْء، وَقد أَحْدَقَتِ الرَّوْضَةُ عُشْباً، وَإِذا لم يكن فِيهَا عُشْبٌ فَهِيَ رَوْضَة. والحديقةُ: أرْض ذَات شجر مُثْمِر. وكل شَيْء أحَاط بِشَيْء فقد أَحْدَقَ بِهِ. دحق: الْعَرَب تسمي العَيْر الَّذِي غلب على عانَته دَحِيقاً. وَقَالَ ابْن المُظفَّر: الدَّحْقُ: أَن تَقصُر يَدُ الرَّجُل وتناوُلُه عَن الشَّيْء، تَقول: دَحَقْتُ يَدَ فُلان عَن فلَان، وَقد أَدْحَقَه الله أَي باعده عَن كل خَيْر، وَرجل دَحِيق مُدْحَق: مُنحّى عَن النَّاس والخَيْر. قَالَ: وَدَحَقَت الرَّحم إِذا رَمَتْ بِالْمَاءِ فَلم تقبله. وَقَالَ النَّابِغَة: دَحَقت عَلَيْك بِناتقٍ مِذْكارِ الْأَصْمَعِي: الدَّحُوق من الْإِبِل: الَّتِي يخرج رَحِمُها بعد نِتَاجِها. وَقَالَ ابْن هانىء: الدَّاحِق من النِّسَاء: المُخْرِجَةُ رَحِمَها شَحْماً وَلَحْمًا. رَوَاهُ شمر. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: تَقول العربُ: قَبَّحَه الله وأمًّا رَمَعَتْ بِهِ، ودَحَقَتْ بِهِ، ودَمصت بِهِ، بِمَعْنى وَاحِد. عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الدَّحُوقُ من النِّسَاء: ضدُّ المَقَاليت وهنَّ المُتْمِئات. ح ق ت مهمل الْوُجُوه. ح ق ظ مهمل الْوُجُوه. (ح ق ذ) حذق، قذح، ذقح: (مستعملات) . حذق: قَالَ اللَّيْث: الحِذْقُ والحَذَاقَةُ: مهارَة فِي كل العَمَل. تَقول: حَذَق وَحَذِق فِي عمله يَحْذِقُ ويَحْذَق فَهُوَ حاذِقٌ، والغلام يَحْذِقُ الْقُرْآن حِذْقاً وحَذَاقاً، وَالِاسْم الحَذَاقَةُ.(4/23)
ابْن السّكيت عَن أبي زيد: حَذَقَ الغلامُ الْقُرْآن وَالْعَمَل يَحْذِق حِذْقاً وحَذْقاً وحَذاقاً وحَذَاقَةً، وَقد حَذِق يَحْذَقُ لُغَة. قَالَ: وَقد حَذَقْتُ الحَبْل أَحْذِقُهُ حَذْقاً إِذا قَطَعْتَه، بِالْفَتْح لَا غَيْر. وَقد حَذَق الخَلُّ يَحْذِقُ حُذُوقاً إِذا كَانَ حَامِضاً. وَقَالَ اللَّيْث: حَذَقْتُ الشَّيْء وَأَنا أَحْذِقُه حَذْقاً، وَهو مَدُّكَ الشَّيْء تَقْطَعُه بِمِنْجَل ونَحْوِه حَتَّى لَا تُبْقِي مِنْهُ شَيْئاً، والفِعْلُ اللاَّزِمُ الانْحِذاقُ وَأَنْشَد: يَكَادُ مِنْهُ نِيَاطُ القَلْبِ يَنْحَذِقُ وأنْشَد ابْن السِّكّيت: أَنَوْراً سَرْعَ مَاذَا يَا فَرُوقُ وحَبْلُ الوَصْلِ مُنْتَكِثٌ حَذِيقُ أَي مَقْطُوع. أَبُو عُبَيْد عَن أبي زَيْد: الحُذَاقِيُّ: الفَصِيحُ اللّسَان البَيِّنُ اللَّهْجَةِ. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: حَذَقَ الْخَلُّ يَحْذِق إِذا حَمُضَ وَخَلّ باسِلٌ، وَقد بَسَلَ بَسُولاً إِذا طَال تَرْكُه فَأَخْلف طَعْمُه وتَغَيَّر، وخَلّ مُبَسَّلٌ. قذح: قَالَ ابْن الفَرَج: سَمِعْتُ خَلِيفةَ الحُصَينيّ يَقُول: المُقاذَحَة والمُقاذَعَةُ: المُشاتَمة، وقَاذَحَنِي فُلاَنٌ وقابَحَنِي: شَاتَمنِي. ذقح: فِي (نَوَادِرِ الأَعْراب) : فُلاَنٌ مُتَذَقِّحٌ لِلشّرّ، وَمُتَفَقِّح، ومُتَنَقِّح، ومُتَقَذِّذ، ومُتَزَلِّم، ومُتَشَذِّب، ومُتَحَذِّف، ومُتَلَقِّح بِمعْنى وَاحِد. ح ق ث أهملت وجوهه. ح ق ر حقر، حرق، قرح، قحر، رقح، رحق: مستعملات. حقر: الحَقْرُ فِي كل الْمعَانِي: الذِّلَّةُ. تَقول: حَقَر يَحْقِر حَقْراً وحُقْرِيَّة وَكَذَلِكَ الاحتقار، واسْتَحْقَرَه: رَآهُ حَقِيراً، وتَحْقيرُ الْكَلِمَة: تَصْغِيرُها. والحَقِير: ضِدُّ الخَطِيرِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْد: يُقَال: حَقِير نَقِيرٌ. قحر: قَالَ اللَّيْث: القَحْرُ: المُسِنُّ وَفِيه بَقِيَّة وَجَلَدٌ. أَبُو عُبَيْد عَن أبي عَمْرو: شَيْخ قَحْر وقَهْب إِذَا أسَنَّ وكَبِرَ. الْأَصْمَعِي: إِذا ارْتَفَع الجَمل عَن العَوْدِ فَهُوَ قَحْر، والأُنْثَى قَحْرَة فِي أَسْنانِ الإبلِ، وَقَالَ غَيْره: هُوَ قُحَارِيّة. رقح: قَالَ اللَّيْث: الرَّقاحِيُّ: التَّاجِر. يُقَال: إِنَّه ليُرَقّحُ مَعِيشَتَه أَي يُصْلِحها. أَبُو عُبَيْد: التّرَقُّح: الاكتِسابُ، والاسمُ الرَّقاحَةُ، وَمِنْه قَوْلُهُم فِي التَّلْبِيَة: لم نَأْتِ لِلرَّقَّاحَةِ. وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ يَصِفُ دُرّة: بِكَفَّيْ رَقَاحِيَ يُرِيدُ نمَاءَها ليُبْرِزَها للْبَيْع فَهْيَ فَريجُ رحق: الرَّحِيق: من أَسْمَاء الْخَمْر مَعْرُوف. وَقَالَ الزّجّاج فِي قَول الله جلّ وعزّ: {يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ} (المطفّفِين: 25) . قَالَ:(4/24)
الرّحِيقُ: الشّرَابُ الَّذِي لَا غِشَّ فِيهِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْد: مِنْ أَسماء الخَمْر الرّحِيقُ والرّاح. قرح: قَالَ اللَّيْث: القَرْح والقُرْح لُغَتان فِي عَضّ السِّلاح ونحْوِه مِمَّا يَجْرَحُ الجَسَد، وَتقول: إِنَّه لقَرِح قَرِيح وَبِه قَرْحَة دامِيَة، وَقد قَرِحَ قَلْبُه من الحُزْنِ. وَقَالَ الفَرَّاء فِي قَوْل الله جلّ وعزّ: {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ} (آل عِمرَان: 140) و (قُرْحٌ) قَالَ: وَأكْثر القُرّاء على فَتْحِ الْقَاف، وكأَنّ القُرْحَ أَلَمُ الجِراح بأَعْيانها. قَالَ: وَهُوَ مثل الوجْد والوُجْد. وَلَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُم وإلاّ جَهْدَهم. وَقَالَ الزّجَاج: القُرْح والقَرَح عِنْد أهل اللُّغَة بِمَعْنى وَاحِد، ومعناهما الجِراح وأَلَمُها يُقَال: قد قَرِح الرجل يقْرَح، قَرَحاً، وأصابه قَرْح، ثمَّ حكى قولَ الفَرَّاء بِعَيْنِه. أَبُو عُبَيْد: القَرِيح: الجَرِيح، وَأنْشد: لَا يُسْلِمون قَرِيحاً كَانَ وَسْطَهم يَوْم اللِّقاء وَلَا يُشْوُون مَن قَرَحوا وَقَالَ أَبُو الهَيْثم: القَرِيحُ: الَّذِي بِهِ قُرُوحٌ. والقَرِيح. الخالِص. وَقَالَ أَبُو ذُؤَيب: وإنّ غُلاماً نِيلَ فِي عهد كاهِل لَطِرْفٌ كنَصْل السَّمهريِّ قَرِيحُ نِيلَ أَي قُتِلَ فِي عَهْد كَاهِل أَي وَله عهد وميثاق. الليثُ: القَرْحُ: جَرَب شَدِيد يَأْخُذ الفُصْلان فَلَا تكَاد تنجو يُقَال: فَصِيل مقرُوح. وَقَالَ ابْن السّكيت: قَرَح فلَان فلَانا بالحقِّ إِذا استقبلَه، وقَرَحه إِذا جَرَحه يقْرَحَه، وَقد قَرِح يَقْرَح إِذا خرجَتْ بِهِ قُرُوح. قلت: الَّذِي قَالَه اللَّيْث مِن أَن القَرْح جَرَب شَدِيد يَأْخُذ الفُصْلان غلط، إِنَّمَا القَرْحَة: داءٌ يَأْخُذ الْبَعِير فيهدَل مِشْفَرُه مِنْهُ. وَقَالَ البعيث: وَنحن منَعنا بالكُلاب نِسَاءَنَا بِضَرْب كأفواه المُقَرِّحة الهُدْلِ وَقَالَ ابْن السِّكّيت: المقرِّحة: الإبِل الَّتِي بهَا قُرُوح فِي أفواهها فتَهْدَل لذَلِك مَشافرها: قَالَ: وَإِنَّمَا سَرَق البَعِيث هَذَا الْمَعْنى من عَمْرو بن شَاس: وأسيافُهم آثارهُن كَأَنَّهَا مشافِرُ قَرْحَى فِي مَبارِكها هُدْلُ وَأَخذه الكُمَيت فَقَالَ: تُشَبِّه فِي الْهَام آثارها مَشافر قَرْحَى أَكلْنَ البريرا قلت: وقَرْحَى جَمْع قَرِيح فَعِيل بِمَعْنى مفعول: قُرِحَ الْبَعِير فَهُوَ مقروح وقريح إِذا أَصَابَته القَرْحة وقرَّحت الْإِبِل فَهِيَ مُقرِّحة، والقَرْحة لَيست من الجرَب فِي شَيْء. شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي وَالْفراء: إبِلٌ قُرْحان: وَهِي الَّتِي لم تجرب قطْ. قَالَا: والصبيُّ إِذا لم يُصبه جُدَرِيٌّ قُرحان أَيْضا. وَأَنت قُرحان من هَذَا الْأَمر وقُراحِيٌّ أَي خَارج. وَقَالَ جرير:(4/25)
نُدافع عَنْكُم كلّ يَوْم عظيمةٍ وأنتَ قُراحِيٌّ بِسِيف الكواظِم أَي أَنْت خِلْوٌ مِنْهُ سليم. وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال للَّذي لم يُصبه فِي الحَرْب جِرَاحَة قُرْحانٌ. وَقَالَ شمر: قَالَ بَعضهم: القُرحانُ من الأضْداد: رجلٌ قُرْحان للَّذي قد مَسَّه القُرُوحُ، وَرجل قُرحان لم يَمْسَسْه قَرْحٌ وَلَا جُدَرِيّ وَلَا حَصْبة، وَكَأَنَّهُ الخالِص الْخَالِي من ذَلِك، وَرجل قَرِيح: خَالص، وَأنْشد بَيت أبي ذُؤَيب. أَبُو عُبَيْد عَن الْفراء فِي الْبَعِير والصبيِّ القرحان مِثل مَا روى شَمِر. قَالَ أَبُو عُبَيْد: وَمِنْه الحَدِيث الَّذِي يُرْوى أَن أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَدِموا مَعَ عُمَر الشَّام وَبهَا الطَّاعُون، فَقيل لَهُ: إنّ مَن مَعَك مِن أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُرْحانٌ فَلَا تُدْخلهم على هَذَا الطَّاعُون. وَقَالَ شَمِر: قُرْحان إِن شِئْت نَوَّنْت وَإِن شِئْت لم تُنَوَّن. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي يُقَال: اقترَحْتُه واجْتَبيتُه وخَوَّصتُه وخلَّمْته واختلمتُه واستخلصتُه واستميتُه كُله بِمَعْنى اخترْتُه. وَمِنْه يُقَال: اقترح عَلَيْهِ صَوت كَذَا، وَكَذَا أَي اخْتَارَهُ. اللَّيْث: ناقَةٌ قارح، وَقد قَرَحَتْ تقْرَح قُرُوحاً إِذا لم يَظُنُّوا بهَا حَمْلاً، وَلم تُبشِّر بذنَبِها حَتَّى يَسْتبين الْحمل فِي بَطنهَا. أَبُو عُبَيْد: إِذا تمّ حملُ النَّاقة وَلم تُلْقِه فَهِيَ حِين يَستبين الحملُ بهَا قارحٌ، وَقد قَرَحَتْ قُرُوحاً. وَقَالَ اللَّيْث: اقترحْتُ الجملَ اقتراحاً أَي رَكِبتْه من قبل أَن يُرْكَبَ. قَالَ: والاقتِراحُ: ابتِداعُ الشيْء تَبْتَدِعُه وتقترِحُه من ذَات نفْسِك من غير أَن تسمَعَه. قلت: اقتِراح كل شَيْء: اخْتِيَاره ابْتِدَاء. يُقَال: قَرَحْتُه واقترحْتُه واجْتَبَيْتُه بِمَعْنى وَاحِد. وقُرْحُ كلِّ شَيْء: أَوَّله. يُقَال: فلَان فِي قُرْحِ الْأَرْبَعين أَي أَولهَا، رَوَاهُ أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: وقَرِيحةُ الإنسانِ: طبيعتُه الَّتِي جُبِل عَلَيْهَا وجمْعُها قرائحُ لِأَنَّهَا أولُ خِلقتِه. والقريحةُ: أَوّل مَاء يَخرج من الْبِئْر حِين تُحفَر، رَوَاهُ أَبُو عُبَيد عَن الأمويّ. وَأنْشد: فإنكَ كالقريحةِ عامَ تُمْهَى شَرُوبُ المَاء ثمَّ تعودُ ماجَا ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ: الاقتِراحُ: ابتداءُ أول الشَّيْء. وَقَالَ أوْس: على حينَ أَن جَدَّ الذكاءُ وأدركَتْ قريحةُ حِسْي من شُرَيْح مُغَمِّم يَقُول: حِين جَدَّ ذكائي أَي كَبِرْتُ وأَسْنَنْتُ وَأدْركَ من ابْني قريحة حِسْي يَعْنِي شِعر ابنِه شُرَيح بن أَوْس شَبَّهه بِمَاء لَا ينقطعُ وَلَا يُغَضْغَضُ. مُغَمْمِّمٌ أَي مُغْرِق. اللَّيْث: يُقَال للصُّبْح أَقْرَحُ لِأَنَّهُ بياضٌ فِي سَواد.(4/26)
وَقَالَ ذُو الرُّمة: وَسُوجٌ إِذا الليلُ الخُدارِيُّ شَقَّه عَن الرَّكْب معروفُ السّماوَةِ أَقْرَح يَعْنِي الصُّبْح. قَالَ: والقُرحةُ: الغُرّة فِي وَسط الجَبهة. والنعت أقرحُ وقرحاءُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيدة: الغُرّة: مَا فَوق الدِّرْهَم والقُرْحةُ: قَدْرُ الدِّرهم فَمَا دونه. وَقَالَ النّضرُ: القُرْحةُ: مَا بَين عَيْنَي الْفرس مثل الدِّرهم الصَّغِير. قلت: وكُلهم يَقُول: قَرِحَ الفرسُ يقْرَحُ فَهُوَ أَقْرحُ، وَأنْشد: تُباري قُرْحةً مثل الوتي رةِ لم تكن مَغْدا يصف فرسا أُنثى، والوَتيرة: الحَلْقة الصَّغِيرَة يُتَعلَّم عَلَيْهَا الطعْن والرّمْيُ. والمَغْدُ: النّتْف أخبرَ أَن قُرحتَها جِبِلَّةٌ لم تَحدث عَن علاج نَتْف. وَقَالَ اللَّيْث: رَوْضَة قرحاءُ: فِي وَسَطِها نَوْرٌ أَبْيضُ. وَقَالَ ذُو الرمة: حَوّاءُ قَرْحاءُ أَشْرَاطِيَّةٌ وَكَفَتْ فِيهَا الذِّهابُ وحَفَّتْها البَرَاعيم وَقَالَ اللَّيْث: القارح من ذِي الْحَافِر: بِمَنْزِلَة البازِلِ. يُقَال: قَرَحَ الْفرس يَقْرَحُ قُرُوحاً فَهُوَ قارح، وقَرَحَ نابُه. وَالْجمع قُرَّحٌ وقُرْحٌ وقوارحُ وَيُقَال للْأُنْثَى: قارحٌ وَلَا يُقَال قارحة. وَأنْشد: والقارِحَ العَدَّا وكلَّ طَمِرّةٍ مَا إنْ يُنَالُ يدُ الطّويلِ قَذَالَها والقارح أَيْضا: السِّنُّ الَّتِي بهَا صَار قارحاً. وَأَخْبرنِي المُنذِريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: إِذا سَقَطَتْ رَبَاعِيَةُ الْفرس ونَبَتتْ مكانَها سِنٌّ فَهُوَ رَباع، وَذَلِكَ إِذا اسْتَتمَّ الرَّابِعَة، فَإِذا حَان قروحه سَقَطت السِّنّ الَّتِي تلِي رَباعيَتَه وَنبت مكانَها نابُه، وَهُوَ قارحُه وَلَيْسَ بعد القُروح سُقوطُ سنّ وَلَا نَبَات سنَ، قَالَ: وَإِذا دخل فِي الْخَامِسَة فَهُوَ قارحٌ. وَقَالَ غَيرُ ابْن الْأَعرَابِي: إِذا دخل الْفرس فِي السَّادِسَة واسْتَتمْ الْخَامِسَة فقد قَرِحَ. وَقَالَ الأصمعيّ: إِذا ألقَى الْفرس آخِرَ أسنانِه قيل قد قَرَحَ. وقُروحُه: وقوعُ السنِّ الَّتِي تَلِي الرّباعِيَة. قَالَ: وَلَيْسَ قروحُه نباتَه ونحوَ ذَلِك قَالَ ابْن الْأَعرَابِي. وَقَالَ اللَّيْث: القُرْحانُ والواحدة قُرْحانة: ضرْب من الكَمْأَة بِيضٌ صغَار ذواتُ رؤوسٍ كرؤوس الفُطْرِ. وَقَالَ اللَّيْث: القَراحُ: الماءُ الَّذِي لَا يُخالطه ثُفْلٌ من سَويق وَلَا غَيره وَلَا هُوَ الماءُ الَّذِي يُشْرَبُ على أثر الطَّعَام. وَقَالَ جرير: تُعَلِّلُ وَهْي سَاغِبَةٌ بَنِيهَا بِأَنْفَاسِ من الشَّبمِ القَراح قَالَ: والقَراح من الأَرْض: كلُّ قِطْعَة على حِيالِها من منابتِ النَّخل وغَير ذَلِك. قلت: القراحُ من الأَرْض: البارزُ الظاهرُ(4/27)
الَّذِي لَا شجرَ فِيهِ. وروى شَمِر عَن أبي عُبيد أَنه قَالَ: القَراحُ من الأَرْض: الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شجرٌ وَلم يَخْتَلِط بهَا شَيْء. قَالَ: والقِرْوَاحُ مثلُه. وَقَالَ ابْن شُمَيل: القِرْواح: جَلَدٌ من الأرضِ وقاعٌ لَا يَسْتَمسك فِيهِ المَاء وَفِيه إشرافٌ وظَهرُه مُستوٍ لَا يَستقرُّ بِهِ ماءٌ إلاَّ سَالَ عَنهُ يَمِينا وَشمَالًا. قَالَ: والقِرواحُ تكونُ أَرضًا عريضة نحوَ الدَّعْوة وَهُوَ لَا نبت فِيهَا وَلَا شجر: طينٌ وسمالقُ. وَقَالَ شمر: قَالَ غَيره: القِرْواح: البارزُ لَيْسَ يستُرهُ من السَّمَاء شَيْء. وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: القِرواحُ: الفضاءُ من الأَرْض المستوِي. قَالَ: والقَرَاحُ: الْخَالِص من كلِّ شَيْء الَّذِي لَا يُخالطه شَيْء غَيره. وَمِنْه قيل: مَاء قَراح. والقَراح من الأَرْض: الَّتِي لَيس بهَا شجر وَلم يَخْتَلِطْ بهَا شَيْء. وَأنْشد قَول ابْن أَحْمَر: عَضَّت من الشَّرِّ القراحِ بِمُعْظَمِ عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: القِرْواحُ من الْإِبِل: الَّتِي تَعافُ الشرابَ مَعَ الكِبار فَإِذا جَاءَ الدَّهداه، وَهِي الصِّغارُ شَرِبَت مَعَهُنَّ. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: قَرِيحُ السَّحابة: مَاؤُهَا. وَقَالَ ابْن مُقْبل: وكأنما اصْطَبَحت قرِيحَ سَحابَة وَقَالَ الطِّرمّاح: ظَعائِنُ شِمْنَ قَرِيح الخريف مَن الأنجُم الفُرْغ والذَّابحة قَالَ: والقَريحُ: السَّحابُ أولَ مَا ينشأ. وَفُلَان يشوي القراح أَي يُسَخّنُ المَاء. شَمِر عَن أبي مَنْجوف عَن أبي عُبيدة: قَالَ: القُراحُ: سِيف القَطِيف، وَأنْشد للنّابغةِ: قُرَاحِيَّةٌ أَلْوَتْ بِليفٍ كَأَنَّهَا عِفاءُ قَلُوص طَار عَنْهَا تَوَاجر تواجر: تَنْفُقُ فِي البيع لحسنها. وَقَالَ جرير: ظعائن لم يَدِنَّ مَعَ النَّصَارَى وَلم يَدرين مَا سَمَكُ القُراح وَقَالَ فِي قَوْله: وَأَنت قُرَاحِيٌ بِسِيفِ الكَواظِم قَالَ أَبُو عَمْرو: قُرَاحٌ: قَريةٌ على شاطىء الْبَحْر نِسْبَة إِلَيْهَا. والقُراحِيُّ والقُرْحانُ: الَّذِي لم يَشهد الْحَرْب. أَبُو زيد: قُرْحَةُ الرّبيع: أَوّله، وقرحةُ الشِّتاءِ: أَوله. وَأَخْبرنِي المنذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ: لَا يُقْرِّحُ البَقْلُ إِلَّا من قدر الذِّرَاع من مَاء المَطَر فَمَا زَاد. قَالَ: وتقريحه: نباتُ أَصله، وَظُهُور عُودِه. قَالَ: ويَذُرُّ البَقْلُ من مطرٍ ضَعِيف قَدْر وَضَحِ الكَفِّ وَلَا يُقَرِّحُ إِلَّا مِن قدر الذِّراع. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: والقُرَيحاءُ: هَنَةٌ تكون فِي بطن الْفرس مثل رَأس الرَّجُل. قَالَ: وَهِي(4/28)
من الْبَعِير لَقَّاطَةُ الحَصَا. قَالَ: وَمن أسْنان الفَرَسِ القارِحان، وهما خلْفَ رباعِيَتَيْه العُلْيَيَيْن، وقارحان خلف رَباعِيَتَيْه السُّفْلَيَيْنِ، ونَابانِ خَلْف قارِحَيْه الأَعْلَيَيْنِ، ونَابانِ خَلْفَ رَباعيتَيْه السُّفْلَيَيْنِ. وطريقٌ مَقْرُوح: قد أُثِّرَ فِيهِ فَصَارَ مَلْحُوباً بَيِّناً مَوْطُوءاً. حرق: قَالَ أَبُو عبيد: الحَرْقُ: حَرْق النَّابَيْن أَحَدِهِما بِالْآخرِ، وَأنْشد: أبَى الضَّيْمَ والنُّعمانُ يحْرق نابَه عَلَيْهِ فأَفْضَى والسُّيوفُ معاقِله قَالَ: وحَرِيقُ النَّاب: صَرِيفُه. وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ} (ط ? هـ: 97) وقرىء: (ثمَّ لنَحْرقَنّه) . سَلَمة عَن الْفراء: من قَرَأَ (لنَحْرقَنَّه) فَمَعْنَاه لَنَبْرُدَنَّه بالحديد بردا، من حَرَقْتُه أَحْرُقُه حَرْقاً. وَأنْشد المُفَضَّل: بِذِي فِرْقَيْن يَوْمَ بَنُو حَبِيب نُيُوبَهُم علينا يَحْرُقُونا قَالَ: قَرَأَ عَليّ ح (لنحرُقَنَّه) . وَقَالَ: الزَّجَّاجُ: مَنْ قَرَأَ (لنُحرِّقَنَّه) فَالْمَعْنى لَنَحْرِّقَنَّه مرّة بعد مرّة ومَنْ قَرَأَ (لنَحْرُقَنَّه) فتأويلُه لَنَبْرُدَنّه بالمبْرد. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: حَرَقَ عَلَيْهِ نَابَه يَحْرُقُه. وحَرَقَ نابُه يَحْرُق ويَحْرِقُ. وَقَالَ اللَّيْث: أَحْرقنا فلَان أَي بَرَّحَ بِنَا وآذانا. قَالَ: والحَرَقُ من حَرَق النَّار، وَفِي الحَدِيث: (الحَرَقُ والشَّرَقُ والْغَرَقُ شَهَادَة) . أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: حَرَقُ النَّارِ لَهبُها. قَالَ وَهُوَ قَوْله: (ضالَّة الْمُؤمن حَرَقُ النَّار) أَي لهبُها، قلت: الْمَعْنى أَن ضَالَّة الْمُؤمن إِذا أَخذهَا إِنْسَان لِتَمَلُّكِها فَإِنَّهَا تُؤَدِّيه إِلَى حَرَق النَّار، والضَّالَّةُ من الْحَيَوَان: الْإِبِل وَالْبَقر وَمَا أشبههَا مِمَّا يُبْعِد ذِهَابَه فِي الأَرْض وَيمْتَنع من السِّباع، لَيْسَ لأحد أَن يعرض لَهَا، لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَوْعد من عَرض لَهَا ليأخذها بالنَّار. وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: أَحْرَقَتْه النارُ فَاحْتَرَق. قَالَ: والحَرَقُ: مَا يُصِيب الثَّوْب من حَرَق من دقِّ القَصَّار. وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ الحَرَقُ: الثَّقْبُ فِي الثَّوْب من النَّار، والحَرَقُ مُحَرك: الثَّقْب فِي الثَّوْب من دَقِّ القَصَّارِ، جعله مثل الحَرَقِ الَّذِي هُوَ لَهب النَّار. الحَرّاني عَن ابْن السّكيت قَالَ: الحَرْقُ: أَن يُصيب الثَّوْب من النَّار احْتِرَاقٌ، والحَرْقُ: مصدر حَرَق نَاب الْبَعِير يَحْرِقُ ويَحْرُقُ حَرْقاً إِذا صرف بنابه. والحَرَق فِي الثَّوب من الدِّقّ. ابْن الْأَعرَابِي: ماءٌ حُراقٌ وقُعاعٌ بِمَعْنى وَاحِد. اللَّيْث: الحَرّاقاتُ: مَوَاضِع القَلاَّئين والفَحَّامِين. قَالَ: والحَرُوق والحُرَّاقُ: الَّذِي تُورَى بِهِ النَّار. وَرَوى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي الحَرُوق والحرُّوق والحُرّاق: مَا يُثْقَبُ بِهِ(4/29)
النَّار من خِرقة أَو نَبْخ قَالَ: والنَّبْخُ: أصُول البَرْدِي إِذا جف. وَقَالَ اللَّيْث: المُحَارَقةُ: المُبَاضَعةُ على الْجنب. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: امْرَأَة حَارِقَة: ضيِّقة المَلاقي. قَالَ وَفِي حَدِيث عليّ أَنه سُئِل عَن امْرَأَته وَقد جمعهَا إِلَيْهِ: كَيفَ وَجدتَها؟ فَقَالَ: (وَجدتُها حَارِقة طارقَةً فَائِقةً) . قَوْله: طارِقَةً أَي طَرَقْت بِخَير، وَرُوِيَ عَن عَلّي ح أَيْضا أنّه قَالَ: (كَذَبتكم الحارِقَةُ مَا قامَ لي بهَا إلاّ أسماءُ بنت عُمَيْس) هَكَذَا رَوَاهُ شمر بِإِسْنَادِهِ، قَالَ والحارِقَةُ: النِّكاحُ على الْجنب. وَقَالَ بَعضهم: الحارِقَةُ: الإبْرَاكُ. وَأما قَول جرير: أَمَدَحْتَ وَيْحَك مِنْقَراً أَن ألزَقُوا بالحَارِقَيْن فأرْسَلُوها تَظْلَع ورَوَى ابْن عُيَيْنَة عَن إِسْمَاعِيل عَن قيس أَنه قَالَ: قَالَ عَلِيّ ح: (عَلَيْكُم من النِّسَاء بالحَارِقَة فَمَا ثَبت لي مِنْهُنَّ إِلَّا أَسمَاءُ) ، قلت: كأنّه قَالَ: عَلَيْكُم بِهَذَا الضَّرْب من الجِمَاع مَعَهُنَّ. وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم فِيمَا قرأتُ بخَطّه: الحارقَةُ: النِّكاحُ على الجنّب، قَالَ: وأُخِذَ من حارِقَةِ الوَرِك. وَقَالَ اللَّيْث: الحَارِقَةُ: عصبَة مُتّصلة بَين وابِلَتي الفَخِذ والعَضُد الَّتِي تَدور فِي صَدَفَة الوَرِك والكَتِف فَإِذا انفصلت لم تَلْتَئِم أبدا، يُقال عِنْدهَا: حُرِق الرجلُ فَهُوَ مَحْرُوق. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الحَارِقَة: العَصَبَةُ الَّتِي تكون فِي الوَرِك فَإِذا انْقَطَعت مَشى صاحِبُها على أطرافِ أصابِعِه لَا يَسْتَطِيع غير ذَلِك، قَالَ: وَإِذا مَشى على أَطْرَاف أَصَابِعه اخْتِيَارا فَهُوَ مُكْتَام، وَقد اكْتَام الرَّاعِي على أطرافِ أَصَابِعه يُرِيد أَن ينَال أطرافَ الشجَرِ بعصاه لِيَهُشّ بهَا على غنمه. وَأنْشد: تَرَاه تَحْتَ الفَنَن الوَرِيقِ يشُولُ بالمِحْجن كالمَحْرُوقِ قَالَ: والحارِقَة من النِّسَاء: الَّتِي تُكثِر سَبَّ جَارَاتِها. قَالَ: والحِرْقُ، والحَروقُ، والحُروق، والحِراقُ والحُراقُ: الكُشّ الَّذِي يُلْقَح بِهِ. أَبُو عُبيد عَن أَصْحَابه: إِذا انْقَطع الشعَرُ ونَسَل: قيل: حَرِقَ يَحْرَق فَهُوَ حَرِق وَأنْشد: حَرِقَ المَفَارِقِ كالبُراء الأَعفَرِ الأَعفَر: الْأَبْيَض الَّذِي تعلوه حمرَة. اللَّيْث: الحُرقة: حَيٌّ من الْعَرَب، والحُرْقَتَان تَيْم وَسعد وهما رهطُ الْأَعْشَى. وَقَالَ ابْن السِّكيت: الحُرْقَتَان هما ابْنا قيس بن ثَعْلَبَة. وَقَالَ اللَّيْث: الحُرْقَة: مَا تجِدُ فِي العيْن من الرمد وَفِي الْقلب من الوجع أَو فِي طَعم شَيْء مُحْرِق والحارِقَةُ من السّبُع: اسمٌ لَهُ. وَقَالَ ابْن السّكيت الحرِيقَة والنَّفِيتَةُ: أَن(4/30)
يُذَرّ الدَّقِيق على مَاء أَو لبن حليب حَتَّى يَنْفِتَ ويتحسّى من نَفْتِهَا وَهِي أغْلظ من السَّخينة فيوسِّع بهَا صَاحب العيالِ لِعِيَالِهِ إِذا غَلبه الدَّهْر. وَقَالَ أَبُو مَالك: هَذِه نَار حِرَاقٌ وحُراق: تُحْرِق كُلَّ شَيْء، وَرجل حُرَاقٌ وَهُوَ الَّذِي لَا يُبْقِي شَيْئا إِلَّا أفْسدهُ، وسنَة حُراق ونَابٌ حُراق: يقطع كُلَّ شَيْء. وأَلْقَى الله الكافِرَ فِي حارقته أَي فِي نارِه. عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الْحِرْقُ والحُرَاق والحِرَاق: الكُشُّ الَّذِي يُلَقَّح بِهِ النَّخْلَة. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الْحَرْق: الْأكل المُسْتَقْصِي. والحُرْقُ: الْغَضَابي من النَّاس. وحَرِقَ الرجل إِذا سَاءَ خُلقه. ح ق ل حقل، حلق، قلح، قحل، لحق، لقح: مستعملات. حقل: قَالَ اللَّيْث: الحَقْلُ: الزَّرْع إِذا تَشعَّب قبل أَن يَغْلُظ سوقه. يُقَال: أَحقَلَت الأرضُ وأحقلَ الزرعُ. وَقَالَ أَبُو عُبيد: الْحَقْلُ: القَراحُ من الأَرْض. قَالَ: ومَثَل لَهُم: (لَا تُنبِت البقلةَ إِلَّا الحَقْلةُ) قَالَ: وَمِنْه نَهَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن المُحَاقَلة قَالَ: وَهُوَ بَيْعُ الزرعِ فِي سُنْبُله بالبُر، مأخوذٌ من الْحقْل القَراح. وَأَخْبرنِي المَخْلدي عَن المُزَني عَن الشَّافِعِي عَن سُفْيَان عَن ابْن جُرَيج، قلت لعطاء: مَا المُحَاقَلة؟ قَالَ: المُحاقلة: بَيْعُ الزَّرْع بالقَمْح قَالَ: وَهَكَذَا فسّره لي جَابر. قلت: فَإِن كَانَ مأخُوذاً من إحقَال الزرعِ إِذا تَشَعّب كَمَا قَالَ اللَّيْث فَهُوَ بيع الزَّرْع قبل صَلَاحه وَهُوَ غَرَرٌ، وَإِن كَانَ مأخوذاً من الحَقْل وَهُوَ القَرَاح، وَبَاعَ زرعا فِي سُنْبُلِه نابتاً فِي قَرَاح بالبُرّ فَهُوَ بَيْع بُرَ مَجْهُول بِبُرّ مَعْلُوم ويدخله الرِّبَا: لِأَنَّهُ لَا يؤمَن التَّفَاضل، ويدخله الغَرَرُ لِأَنَّهُ مُغَيَّب فِي أَكْمامه. وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحقل بالحقل أَن يَبِيع زرعا فِي قَراح بزرع فِي قَراح، قلت: وَهَذَا قريب مِمَّا فَسّره أَبُو عُبيد. وروى عَمْرو عَن أَبِيه أَنه قَالَ: الحقلُ: الموضعُ الجَارِسُ وَهُوَ الموضعُ البِكْر الَّذِي لم يُزرع فِيهِ قطّ زَرْع. وَقَالَ ابنُ الْأَعرَابِي: وَمن أمثالهم: (لَا تُنْبِتُ البقلةَ إِلَّا الحَقْلَةُ) ، يضْرب مثلا للكلمة الخَسِيسَة تخرج من الرجل الخسيس. وَقَالَ اللَّيْث: الحَقِيلة: مَاء الرُّطْب فِي الأمعاء، ورُبّما جعله الشَّاعِر حقْلاً وَأنْشد: إِذا الْغُرُوضُ اضْطَمَّت الحَقَائِلا قلت: أَرَادَ بالرُّطْب البقولَ الرَّطْبة من العُشْب الْأَخْضَر قبل هَيْج الأرضِ ويَجْزَأُ المالُ حِينَئِذٍ بالرُّطْب عَن المَاء وَذَلِكَ المَاء الَّذِي يَجْزَأُ بِهِ النَّعَم من البُقُول يُقَال لَهُ الحَقْل والحَقِيلَة، وَهَذَا يَدُل على أَن الحَقْل من الزَّرْع مَا كَانَ رَطْبا غَضّاً. وروى شمر عَن ابْن شُمَيل قَالَ: المُحَاقَلَة: المُزارَعة على الثُّلُث والرُّبع.(4/31)
قَالَ: والحقلُ: الزرعُ: وَقَالَ إِذا ظهر ورقُ الزَّرع واخضرّ فَهُوَ حَقْل، وَقد أَحْقَلَ الزَّرْعُ وَنَحْو ذَلِك قَالَ الشَّيْبَانِيّ. وَقَالَ شمر: قَالَ خَالِد بن جَنْبَةَ: الحقلُ: المَرعَةُ الَّتِي يزرع فِيهَا البُرُّ وَأنْشد: لَمُنْدَاحٌ من الدَّهْنَا خَصِيبٌ لتَنْفَاح الْجنُوب بهِ نَسيم أَحَبُّ إليّ من قَرَيات حِسْمَى وَمن حَقْلَيْن بَينهمَا تُخُوم وَقَالَ شمر: الْحَقْلُ: الرَّوْضَةُ، وَقَالُوا: مَوْضِع الزّرْع. والحاقِلُ: الأكَّارُ. أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: وَمن أَدْوَاءِ الإبِلِ الْحَقْلَةُ. يُقَال حَقِلت تَحْقَل حَقْلَةً. وَقَالَ العَجّاجُ: ذاكَ وتَشْفِي حَقْلَةَ الأمْرَاضِ وَقَالَ رؤبة: فِي بَطْنِه أَحْقَالُه وبَشَمه وَهُوَ أَن يَشرَب الماءَ مَعَ التُّراب فَيَبْشَم. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الحَقلة: وَجَع فِي الْبَطن يُقَال: جمل محقُول. قَالَ: وَهُوَ بمنزلَة الحَقْوَة، وَهُوَ مَغْسٌ فِي الْبَطن. وَقَالَ اللَّيْث: الحِقْلَةُ: حُسافة التَّمْر وَمَا بَقِي من نُفاياتِه. قلت: لَا أَعْرِف هَذَا الحرْف وَهُوَ مُرِيب. قَالَ اللَّيْث: والحَوْقل: الشَّيْخ إِذا فَتَر عَن الْجِمَاع. وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: الحوقل: الرجل الَّذِي لَا يَقدر على مُجامعة النِّسَاء من الكِبر أَو الضَّعف. وَأنْشد: أَقُول قَطْباً ونِعمَّا إِن سَلَق لَحَوْقَلٍ ذِراعُه قد امّلق وَقَالَ: وَكنت قد حَوْقلْت أَو دَنَوْتُ وَبعد حِيقَال الرِّجال الموْتُ وَقَالَ اللَّيْث: الحَوْقَلة: الغُرْمُول اللَّيِّن وَهُوَ الدَّوْقلة أَيْضا. قلت: وَهَذَا حرف غَلِط فِيهِ اللَّيْث فِي لَفظه وَتَفْسِيره، وَالصَّوَاب الحوْفلة بِالْفَاءِ وَهِي الكَمَرة الضخمة مَأْخُوذَة من الحفل وَهُوَ الِاجْتِمَاع والامتلاء. قَالَ ذَلِك أَبُو عَمْرو وَابْن الْأَعرَابِي. والحوقلة بِالْقَافِ بِهَذَا الْمَعْنى خطأ. وَقَالَ بَعضهم: المحاقلة: الْمُزَارعَة بالثّلُث والرُّبع وَأَقل من ذَلِك وَأكْثر، وَهُوَ مِثل المخابرة، والمحاقِلُ: المَزَارِعُ، وَالْقَوْل فِي المحاقَلة مَا رَويناه عَن عَطاء عَن جَابر وَإِلَيْهِ ذهب الشَّافِعِي وَأَبُو عُبيد. وَقَالَ اللحياني: حوْقلَ الرجل إِذا مَشى فأعْيا وضَعُف. وَقَالَ أَبُو زيد: رجل حَوْقل: مُعْيٍ، وَقد حوْقل إِذا أعْيا، وَأنْشد: مُحَوقِلٌ وَمَا بِهِ من بَاسِ إِلَّا بقايا غَيْطل النُّعاسِ وَفِي (النَّوَادِر) : أحقلَ الرجلُ فِي الرّكُوب إِذا لَزِم ظَهْرَ الراحِلة. وَيُقَال: إحقِلْ لي من الشَّرَاب وَذَلِكَ من الحِقْلة والْحُقلة، وَهُوَ مَا دُون مِلء القَدَح.(4/32)
وَقَالَ أَبُو عُبيد: الحِقلة: الماءُ الْقَلِيل. وَقَالَ أَبُو زيد: الحِقلة: الْبَقِيَّة من اللّبنِ وَلَيْسَت بالقليلة. قحل: قَالَ اللَّيْث: القاحِل: الْيَابِس من الْجُلُود. سقاء قاحِلٌ، وشيخٌ قاحل، وَقد قَحَلَ يقْحَل قُحُولاً. وَقَالَ أَبُو عُبَيْد: قَحل الرجل وقَفَل قُحُولاً وقُفولاً إِذا يَبس، وقَبَّ قُبُوباً وقَفَّ قُفُوفاً. وَقَالَ الراجز فِي صفة الذِّئب: صَبَّ عَلَيْهَا فِي الظلام الغَيْطلِ كلّ رَحِيب شِدْقُه مُسْتَقْبلِ يَدُقّ أوساطَ الْعِظَام القُحَّلِ لَا يَذْخَرُ العَامَ لِعَامٍ مُقْبِلِ وَيُقَال: تَقَحَّل الشَّيْخ تقحُّلا، وتقهَّلَ تقَهُّلاً إِذا يَبس جلدهُ عَلَيْهِ من البؤْس والكِبَر. وَشَيخ إِنْقَحْلٌ من هَذَا. شمر: قَحَلَ يَقْحَل قْحُولا، وتقَحَّل، وَشَيخ قاحِل. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: لَا أَقُول قَحِلَ وَلَكِن قَحَل. قلح: قَالَ اللَّيْث: القَلَح: صُفرة تعلو الْأَسْنَان، والنعت قَلِح وأقْلَح، وَالْمَرْأَة قَلْحَاء وقَلِحَة، وجمعُها قُلْحٌ، والاسمُ القَلح. والقُلاَحُ وَهُوَ اللُّطاخُ الَّذِي يَلْزَق بالثَّغْر قَالَ: وَيُسمى الْجُعَل أقْلَح. وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لأَصْحَابه: (مَالِي أَرَاكُم تدخلون عليّ قُلْحاً) . قَالَ أَبُو عُبَيْد: القَلَح: صفرَة فِي الأسنَان ووسَخ يركَبُها من طول ترك السِّواك، وَمعنى الحَدِيث أَنهم حُثُّوا على السِّوَاك. وَقَالَ شَمِر: الحَبْرُ: صُفرة فِي الْأَسْنَان فَإِذا كَثُرَت وغَلُظت واسودت أَو اخضرت فَهُوَ القَلَح. قَالَ الْأَعْشَى: وفَشَا فيهم مَعَ اللُّؤْم القَلَح وَفِي (النَّوَادِر) : تَقَلَّح فلانٌ الْبِلَاد تَقَلّحا وترقَّعها، والترقُّع فِي الخِصْب، والتقَلُّح فِي الجَدْب. لقح: اللَّيْث: اللِّقاحُ: اسمُ ماءِ الْفَحْل، واللقَّاح: مصدر قَوْلك: لَقِحَت الناقةُ تَلْقَح لَقاحاً إِذا حملت، فَإِذا استبان حَمْلُها قيل استبان لَقاحُها فَهِيَ لاقِح. قَالَ: والمَلْقَح: يكون مصدرا كاللَّقاح وَأنْشد: يشهَدُ مِنْهَا مَلْقَحاً ومَنْتَحا وَقَالَ فِي قَول أبي النَّجْم: وَقد أَجَنّتْ عَلَقا ملقوحا يَعْنِي لَقِحَتْهُ من الفَحْل أَي أخَذَته. وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه سُئل عَن رجل لَهُ امْرَأَتَانِ أرضعت إحداهُما غُلَاما، وأرضَعَت الْأُخْرَى جَارِيَة: هَل يتزوّج الْغُلَام الْجَارِيَة؟ قَالَ: لَا، اللِّقاحُ وَاحِد. قلت: قد قَالَ اللَّيْث: اللِّقاح: اسمِ لِمَاء الْفَحْل، فكأنّ ابْن عَبَّاس أَرَادَ أَن مَاء الفَحْل الَّذِي حَمَلتا مِنْهُ وَاحِد، فاللبن الَّذِي أرضَعَت كلُّ وَاحِدَة مِنْهُمَا مُرْضَعَها كَانَ أَصله مَاء الْفَحْل، فَصَارَ المُرْضعان وَلَدَين لزوجهما: لِأَنَّهُ كَانَ ألقَحَهما. قلت: وَيحْتَمل أَن يكون اللَّقاحُ فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس مَعْنَاهُ الإلقاح. يُقَال: ألقَحَ(4/33)
الْفَحْل النَّاقة إلقاحاً ولَقَاحاً فالإلقاح مصدر حَقِيقِيّ، واللَّقَاح اسْم يقوم مَقام الْمصدر، كَقَوْلِك أعْطَى عَطاء وَإِعْطَاء وَأصْلح إصلاحاً وصلاحاً، وَأنْبت إنباتاً ونَباتاً. قلت: وأصلُ اللَّقاح لِلْإِبِلِ، ثمَّ استُعيرَ فِي النِّسَاء، فَيُقَال: لَقِحَت إِذا حَمَلت. قَالَ ذَلِك شَمِر وَغَيره من أهل الْعَرَبيَّة. وَقَالَ اللَّيْث: أَوْلَاد الملاَقِيح والمضَامِين نُهي عَن ذَلِك فِي المُبَايَعة، لأَنهم كَانُوا يَتَبَايعون أولادَ الشَّاة فِي بطُون الأمَّهات وأصلابِ الْآبَاء، قَالَ: فالملاَقِيح فِي بطُون الأمَّهات، والمضامين فِي أصلاب الفحول. وَقَالَ أَبُو عُبيد: الملاَقِيح: مَا فِي الْبُطُون وَهِي الأَجِنَّة، الْوَاحِدَة مِنْهَا مَلْقُوحَة، قَالَ وأنشدني الأصمعيّ: إنَّا وجدنَا طَرَدَ الهَوَامِل خيرا من التَّأَنَانِ والمسائِل وعِدَةِ العامِ وعامٍ قابِلِ ملقُوحَةً فِي بَطْن نابٍ حَائِلِ يَقُول: هِيَ مَلْقُوحة فِيمَا يُظْهر لي صاحبُها، وَإِنَّمَا أُمها حائِل. قَالَ: فالملقوحُ هِيَ الأجِنَّة الَّتِي فِي بطونها، وَأما المضامين فَمَا فِي أصلاب الفُحُول. وَكَانُوا يبيعون الْجَنِين فِي بطن النَّاقة، ويبيعون مَا يَضْرِب الفحلُ فِي عَامه أَو فِي أَعْوَام. قلت: وروى مَالك عَن ابْن شهَاب عَن سعيد بن المُسَيّب أَنه قَالَ: لَا رَبًّا فِي الْحَيَوَان، وَإِنَّمَا نُهَي من الْحَيَوَان عَن ثَلَاث: عَن المضامين والملاقِيح، وحَبَلِ الحَبَلة. قَالَ سعيد: والملاقيحُ: مَا فِي ظُهُور الْجمال، والمضامينُ: مَا فِي بطُون الْإِنَاث. وَقَالَ المُزَنيُّ: أَنا أحفظ أَن الشافعيّ يَقُول: المضامين: مافي ظُهُورِ الجِمال، والملاقيحُ: مافي بُطُون إناثِ الْإِبِل. قَالَ المُزَني: وأَعْلَمْتُ بقوله عبد الْملك بن هِشَام فأنشدني شَاهدا لَهُ من شعر الْعَرَب: إنَّ المَضَامِينَ الَّتِي فِي الصُّلْب ماءَ الفُحُول فِي الظُّهُور الحُدْب لَسْنَ بمُغْنٍ عَنْك جُهْدَ اللَّزْبِ وَأنْشد فِي الملاقيح: مَنَّيْتَني ملاقِحا فِي الأبْطُن تُنتَج مَا تَلْقَح بعد أَزْمُن قلت: وَهَذَا هُوَ الصُّواب. وَأَخْبرنِي المُنذِري عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: إِذا كَانَ فِي بطن النَّاقة حَمْل فَهِيَ ضامِن ومِضْمان وَهن ضَوَامِنُ ومَضَامِينُ، وَالَّذِي فِي بَطنهَا مَلْقُوح ومَلْقُوحَة. قلت: وَمعنى المَلْقُوح المَحْمُول، وَمعنى اللاَّقح الحامِل. وَقَالَ اللَّيْث: أَلْقَحَ الفحلُ الناقَة. واللِّقْحَةُ: النَّاقة الحَلُوب، فَإِذا جعلته نعتاً قلت: نَاقةٌ لَقُوحٌ، وَلَا يُقَال نَاقَة لِقْحَة، إِلَّا أَنَّك تَقول: هَذِه لِقْحَة فُلان. قَالَ: واللِّقَاحُ جمع اللِّقْحَة، واللُّقُح جَمْع لَقُوح. قَالَ: وَإِذا نُتِجت الْإِبِل فَبَعْضُها قد وَضَع وبَعْضُها لم يَضَعْ فَهِيَ عِشار، فَإِذا وضعت(4/34)
كلهَا فَهِيَ لِقَاحٌ. وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي يُقَال: لَقِحَت النَّاقة تَلْقَح لَقَاحاً ولَقْحاً، وناقة لاقِح وإبِل لواقِحُ ولُقَّح. واللَّقُوح: اللَّبُون، وَإِنَّمَا تكون لَقُوحاً أوَّل نَتاجِها شَهْرين أَو ثَلَاثَة أشهر، ثمَّ يَقَع عَنْهَا اسْم اللَّقُوح، فَيُقَال: لَبُون. قَالَ: وَيُقَال: نَاقَة لَقُوح ولِقْحة. وَجمع لَقُوح لُقُح ولِقَاحٌ ولَقائحُ، وَمن قَالَ لِقْحَة جمعهَا لِقَحاً. قَالَ: وحيّ لَقاح: إِذا لم يُمْلَكُوا وَلم يَدِينُوا للمُلُوك. وَرُوِيَ عَن عمر أَنه أوصى عُمَّاله إذْ بَعثهمْ فَقَالَ: وأَدِرُّوا لِقْحَة الْمُسلمين. قَالَ شمر: قَالَ بَعضهم: أرادَ بلِقْحة الْمُسلمين عطاءهم. قلت: أرَاهُ أَرَادَ بلِقْحة الْمُسلمين دِرَّةَ الفَيْء وَالْخَرَاج الَّذِي مِنْهُ عطاؤُهم وَمَا فُرِض لَهُم، وإدراره: جِبايَتُه وتَحَلُّبه وجمعُه مَعَ الْعدْل فِي أهل الفَيْء حَتَّى تَحْسُن حالُهم، وَلَا تَنْقَطِع مادّةُ جِبايتهِم. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: يُقَال: لِقْحَة ولِقَح ولَقُوح ولَقَائحُ. واللِّقاح: ذواتُ الألْبَان من النُّوق، وَاحِدهَا لَقُوح ولِقْحة. قَالَ عديّ بن زيد: من يَكُنْ ذَا لِقَحٍ راخيات فلِقاحي مَا تَذُوقُ الشَّعِيرا بل حوابٍ فِي ظِلالِ فَسِيلٍ مُلِئَتْ أَجْوافُهُن عَصِيرا فتهادَرْن كَذَاك زَمَانا ثمَّ مَوَّتن فكُنَّ قُبُورا قَالَ شمر: وَتقول الْعَرَب: إنّ لي لقْحَة تُخْبِرني عَن لِقاح النَّاس. يَقُول: نَفسِي تُخْبِرُني فَتَصْدُقُني عَن نفوس النَّاس: إنْ أحْبَبْتُ لَهُم خَيْراً أَحَبُّوا لي خيرا. وَإِن أَحْبَبْت لَهُم شرا أَحبُّوا لي شرا. وَقَالَ زيد بن كَثْوة: الْمَعْنى: أنِّي أعرف مَا يصير إِلَيْهِ لِقَاحُ النَّاس بِمَا أرى من لِقْحَتِي، يُقَال: عِنْد التأْكيد للبَصَرِ بخاصِّ أُمُور النَّاس أَو عَوَامّها. وَأَخْبرنِي المُنْذِرِيّ عَن أبي الهَيْثَم أَنه قَالَ: تُنْتَجُ الإبلُ فِي أوَّل الرَّبيع فَتكون لِقاحاً واحدتها لِقْحَة ولَقْحة ولَقُوح فجَمْع لَقُوح لقائح ولُقُح، وَجمع اللِّقْحَة لِقَاح، فَلَا تزَال لِقَاحا حَتَّى يُدْبِرَ الصيفُ عَنْهَا. ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: نَاقَة لاقِح وقارح يَوْم تَحْمِل، فَإِذا استبان حَمْلُها فَهِيَ خَلِفَة. قَالَ: وقَرَحَت تَقْرَحَ قُرُوحاً، ولَقِحَت تَلْقَح لَقَاحا ولَقْحا وَهِي أَيَّام نتَاجِها عائذٌ. اللَّيْث: اللَّقَاح: مَا يُلْقَح بِهِ النَّخْلة من الفُحَّال، تَقول: أَلْقَحَ القومُ النخلَ إلْقَاحا، ولَقَّحُوها تَلْقِيحاً، واستَلْقَحت النَّخْلة أَي أَنَى لَهَا أَن تُلْقَح. قَالَ: وأَلْقَحَت الرِّيحُ الشَّجَرَة وَنَحْو ذَلِك فِي كل شَيْء يُحْمل. قَالَ: واللَّواقحُ من الرِّياح: الَّتِي تَحْمل النَّدَى ثمَّ تَمُجُّه فِي السَّحاب فَإِذا اجْتَمَع فِي السحابِ صَار مَطَرا. وحربٌ لاقحُ: مُشبَّهة بِالْأُنْثَى الحامِل. وَقَالَ الفرّاء: فِي قَول الله جلّ وعزّ:(4/35)
{وَأَرْسَلْنَا ? لرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} (الحِجر: 22) ، قَرَأَهَا حَمْزَة (وأَرْسَلْنَا الرِّيحَ لَوَاقِحَ) لِأَن الريحَ فِي معنى جمع، قَالَ: وَمن قَرَأَ (الرِّياحَ لَواقِحَ) فَهُوَ بَيِّن، وَلَكِن يُقالُ: إِنَّمَا الرِّيحُ مُلْقِحة تُلْقح الشّجر فَكيف قِيلَ لواقِح؟ فَفِي ذَلِك مَعْنيانِ أحدُهما أَن تجْعَل الريحَ هِيَ الَّتِي تَلْقَح بمرورِها على التُّرابِ والماءِ فَيكون فِيهَا اللِّقاحُ فَيُقَال رِيحٌ لاقِح كَمَا يُقَال: نَاقَة لاقِحٌ، ويَشْهَد على ذَلِك أَنه وصف رِيحَ الْعَذَاب بالعقِيم فَجَعلهَا عَقِيماً إِذْ لم تَلْقَح. قَالَ: والوجهُ الآخر أَن يكون وَصَفَها باللَّقْح وَإِن كَانَت تُلْقح كَمَا قيل: ليل نَائِم والنَّوْم فِيهِ، وسرٌّ كاتمٌ، وكما قيل: المَبْرُوزُ والمَخْتُومُ فَجعله مَبْرُوزاً وَلم يقل مُبْرِزاً، فَجَاز مَفْعُول لمُفْعَل، كَمَا جَازَ فاعِل لِمَفْعُول إِذْ لم يزدِ البِناءُ على الفِعْل، كَمَا قيل مَاء دافِق. وَأَخْبرنِي المُنْذِرِيّ عَن الحَرَّانِي عَن ابْن السِّكِّيت قَالَ: لواقِحُ: حَوَامل، واحدتها لاقِح. قَالَ: وسَمِعْتُ أَبَا الهَيْثَم يَقُول: ريحٌ لاقِحٌ أَي ذاتُ لِقاح كَمَا يُقال: دِرْهَم وازِنٌ أَي ذُو وَزْنٍ، وَرجل رامِحٌ وسائِفٌ ونابِل، وَلَا يُقَال: رَمَح وَلَا سافَ وَلَا نَبَل، يُرادُ ذُو رُمْح وَذُو سَيْفٍ وَذُو نَيْل. قلت: وَقيل: معنى قَوْله: {وَأَرْسَلْنَا ? لرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} (الحِجر: 22) أَي حوامِل جعل الرّيح لاقحاً لِأَنَّهَا تحمل المَاء والسحاب وتقلّبه وتصرّفه ثمَّ تَسْتَدِرّه، فالرياح لَوَاقِح أَي حوامل على هَذَا الْمَعْنى، وَمِنْه قولُ أبي وَجْزَة: حَتَّى سَلَكْنَ الشَّوَى مِنْهُنّ فِي مَسَك من نَسْلِ جَوَّابَةِ الْآفَاق مِهْدَاج سلكْنَ يعنِي الأُتُن أدخلن شَواهُنَّ أَي قوائمهن فِي مَسَك أَي فِي مَاء صَار كالمَسَك لأيديها، ثمَّ جعل ذَلِك المَاء من نَسْلِ ريح تجوب الْبِلَاد، فَجعل المَاء للريح كَالْوَلَدِ: لِأَنَّهَا حَملته. وَمِمَّا يُحَقّق ذَلِك قولُ الله جلّ وعزّ: {يُرْسِلُ ? لرِّيَاحَ بُشْرىً بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ حَتَّى ? إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً} (الأعرَاف: 57) أَي حَمَلَت، فَهَذَا على الْمَعْنى لَا يحْتَاج إِلَى أَن يكون لاقِحٌ بِمَعْنى ذِي لَقْح، وَلكنهَا حاملة تحمِلُ السَّحَاب وَالْمَاء. وَيُقَال للرجل إِذا تكلم فَأَشَارَ بيدَيْهِ: تلقَّحَتْ يَدَاهُ، يُشَبَّه بالناقة إِذا شالت بذنبها تُرِي أَنَّهَا لاقح لئِلاَّ يدنو مِنْهَا الفَحْلُ فَيُقَال تلقَّحت، وَأنْشد: تَلَقَّحُ أيدِيهم كأَنّ زَبِيبَهُم زبيبُ الفُحُول الصِّيدِ وَهِي تَلَمَّحُ أَي أَنهم يُشيرون بِأَيْدِيهِم إِذا خطبوا، والزَّبيبُ: شِبْه الزَّبَدِ يظْهر فِي صامِغَي الْخَطِيب إِذا زَبَّبَ شِدْقاه. لحق: اللَّيْث: اللّحَق: كلّ شَيْء لَحِق شَيْئا أَو أَلْحَقْتَهُ بِهِ من النَّبَات وَمن حَمْلِ النَّخْل، وَذَلِكَ أَن يُرْطِبَ ويُثْمِر، ثمَّ يخرُج فِي بعضه شَيْء يكون أَخْضَر قَلَّ مَا يُرْطِب حَتَّى يُدْرِكه الشِّتَاء وَيكون نَحْو ذَلِك فِي(4/36)
الكَرْم يُسَمَّى لَحَقا، قلت: وَقد قَالَ الطِّرِمَّاح فِي مثل ذَلِك يصف نَخْلَة أَطْلَعَت بعد يَنْع مَا كَانَ خرج مِنْهَا فِي وقته فَقَالَ: أَلْحَقتْ مَا اسْتَلْعَبَت بِالَّذِي قد أَنَى إذْ حَانَ حِينُ الصِّرامْ أَي ألحقَت طَلْعا غَرِيضاً كَأَنَّهَا لعِبَت بِهِ إِذْ أَطْلَعَته فِي غير حِينه: وَذَلِكَ أَن النَّخلة إِنَّمَا تُطلِعُ فِي الرّبيع، فَإِذا أخْرَجت فِي آخِرِ الصَّيف مَا لَا يكون لَهُ يَنْع فَكَأَنَّهَا غير جَادّة فِيمَا أَطْلَعَت. وَقَالَ اللَّيْث: اللَّحَقُ من النَّاس: قومٌ يَلْحَقُون بِقوم بعد مُضِيِّهم، وَأنْشد: يُغنيك عَن بُصْرَى وَعَن أبوابِها وَعَن حِصارِ الرُّومِ واغتِرَابها ولَحَقٍ يَلْحَقُ من أعرابها تَحت لواءِ المَوْتِ أَو عُقَابها قلت: يجوز أَن يكون اللَّحَقُ مصدرا للَحِقَ، وَيجوز أَن يكون جمعا للاحِق كَمَا يُقَال: خادِم وخَدَم وعَاسّ وعَسَس. وَقَالَ اللَّيْث: اللَّحَق: الدّعِيُّ المُوَصَّل بِغَيْر أَبِيه، قلت: وسَمِعْتُ بعضَهُمْ يقولُ لَهُ: المُلْحَق. وأخبرَني المُنْذِرِي عَن ثَعلب عَن سَلَمة عَن الفرّاء قَالَ الكِسائِيّ: يُقَال: زرعُوا الألحاقَ وَالْوَاحد لَحَق وَذَلِكَ أَنّ الوادِي يَنْضُب فيُلْقَى البَذْرُ فِي كل مَوضِعٍ نَضَب عَنهُ الماءُ فَيُقَال: اسْتَلْحَقُوا إِذا زَرَعُوا. وَقَالَ أَبو العبّاس: قَالَ ابنُ الأعرابيّ: اللَّحَقُ أَن يَزْرَعَ القومُ فِي جوانِبِ الوادِي. يُقَال: قد زَرَعُوا الألْحَاقَ. وَقَالَ اللَّيْث: اللَّحَاق: مصدر لَحِق يلحَقُ لَحَاقا. قَالَ: والمِلْحاقُ: الناقَةُ الَّتِي لَا تكادُ الإبِل تَفُوقُها فِي السيْر. قَالَ: رُؤْبَة: فَهِيَ ضَرُوحُ الرّكْضِ مِلْحاقُ اللَّحَق وتلاَحَقَتِ الرِّكاب وَأنْشد: أَقُولُ وَقد تَلاحَقَتِ المَطَايا كفَاكَ القَوْل إنّ عَلَيْك عينا كَفاك القَوْل: أَي ارفُق وَأَمْسِك عَن القَوْل. لاحِقٌ: اسْم فرس مَعْرُوف من خَيْل العَرَب. أَبُو عُبَيْد عَن الكسائِيّ: لَحِقْتُه وأَلْحَقْتُه بِمَعْنى وَاحِد، قَالَ: وَمِنْه مَا جَاءَ فِي دُعاء الوِتْرِ: (إِن عذابك بالكفار مُلْحق) بِمَعْنى لَاحق وَمِنْهُم من يَقُول: إنَّ عَذابك بالكُفَّارِ مُلْحَق. قلت: واللَّحَق: مَا يُلْحَق بِالْكتاب بعد الفَراغ مِنْهُ فَتُلحِق بِهِ مَا سقط عَنهُ. ويُجْمَع أَلْحاقاً وَإِن خُفِّف فَقِيل لَحْق كَانَ جائِزاً. وَيُقَال: فرَسٌ لاحِق الأيْطَل وخيل لُحْق الأياطِل إِذا ضُمِّرَتْ. ابْن شُمَيل عَن الجَعْدي: اللَّحَقُ: مَا زُرِع بِمَاء السَّمَاء وجَمْعُه الألحاقُ: وَقَالَ يَعْقُوب: اللَّحَق: الزَّرْعُ العِذْيُ. وَقَالَ: لَحَقُ الغَنَمِ: أَولادها. حلق: قَالَ اللَّيْث: الْحَلْق: مَساغُ الطَّعامِ والشَّرَاب فِي المَرِيءِ. قَالَ: ومَخْرَجُ النَّفَسِ من الحُلْقُوم، ومَوْضِعُ الذَّبْح هُوَ أَيْضاً من الْحَلْق وجَمْعُه حُلُوق، وَقَالَ أَبُو(4/37)
زَيْد: الْحَلْقُ: مَوضِع الغَلْصَمَة والمَذْبَح. ثَعْلَب عَن ابْنِ الْأَعرَابِي قَالَ: الْحَلق: الشُّؤْمُ. وَيُقَال: حَلَقَ فلَان فُلاَناً إِذا ضَرَبَه فأَصاب حَلْقَه، وَجَاء فِي الحدِيث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّه قَالَ لِصَفِيّةَ بنتِ حُيَيّ حِين قِيلَ لَهُ يَوْمَ النَّفْر: إنّها نَفِست فَقَالَ: (عقرى حلقى مَا أَرَاهَا إِلَّا حابستنا) . قَالَ أَبُو عُبيد: مَعْنَاه عَقَرَها الله وحَلَقَها أَي أَصَابها الله بِوَجَع فِي حَلْقِها كَمَا يُقَال: رأَسَه إذَا أصَابَ رَأْسَه. قَالَ: وأَصْلُه عَقْراً حَلْقاً وأَصْحابُ الحَدِيثِ يَقُولُونَ: عَقْرَى حَلْقَى. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال عِنْد الأمْر يُعْجَبُ مِنْهُ خَمْشَى وعَقْرَى وحَلْقَى كأَنه من العَقْرِ والحَلْق والخَمْش، وَأنْشد: أَلاَ قَوْمِي أُولُو عَقْرَى وحَلُقَى لِمَا لاقَتْ سَلامانُ بن غَنْمِ وَمَعْنَاهُ قَوْمي أولُوا نِسَاء قد عَقَرْنَ وُجُوههن فَخَدَشْنَها وَحَلَقْن شُعُورَهن مُتَسَلِّبَاتٍ على مَنْ قُتِلَ من رِجالها. وَقَالَ شَمِر: روى أَبُو عُبَيْد: عَقْراً حَلْقاً فَقلت لَهُ: لَمْ أَسْمَع هَذَا إلاْ عَقْرَى حَلْقَى فَقَالَ: لكِنّي لم أسْمَع فَعْلَى على الدُّعاء. قَالَ شمر: فقُلْت لَهُ: قَالَ ابْنُ شُمَيْل: إِن صِبْيان البَادِيَة يَلْعَبُون وَيَقُولُونَ: مُطَّيْرى على فُعَّيْلَى وَهُوَ أَثْقَل من حَلْقى، قَالَ: فَصَيَّره فِي كِتابه على وَجْهَيْن مُنَوَّناً وَغير مُنَوَّنٍ. وَفِي حديثٍ آخر (ليْسَ مِنَّا من سَلَق أَو حَلَق أَو خَرَق) أَي لَيْسَ من سُنَّتِنَا رَفْعُ الصَّوْت فِي المَصائبِ وَلَا حَلْقُ الشَّعَر وَلَا خَرْق الثِّياب. وَقَالَ اللَّيْث: الحالقُ: المَشْؤُومُ. يَقُول: يَحْلِقُ أهلَه ويَقْشِرُهم قَالَ: وَيُقَال: للْمَرْأَة: حَلْقى عَقْرَى: مَشْؤومة مؤذِيَةٌ: قلت: وَالْقَوْل فِي تَفْسِيرهما مَا ذَكرْنَاهُ عَن أبي عُبَيد وشَمِر. وَمِنْه قَول الرَّاجِز: يومُ أَدِيمِ بَقَّةَ الشَّرِيمِ أَفْضَلُ من يومِ احْلِقي وقُومِي وَقَالَ اللَّيْث: الحَلْقُ: حَلْق الشَّعَرِ، والمُحَلَّقُ: موضِعُ حَلْقِ الرَّأسِ بِمِنًى وَأنْشد: كَلاَّ وَرَبِّ البَيْتِ والمُحَلَّقِ وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {ءَامِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ} (الفَتْح: 27) . وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال: اشتريتُ كِساءً مِحْلَقاً إِذا كَانَ خَشِناً يَحْلِقُ الشَّعَر من الجَسَد. وَقَالَ الرَّاجِز يَصِف إبِلا تَرِدُ الماءَ فَتَشْرَب: يَنْفُضْن بالمشَافِر الهَدالِقِ نَفْضَكَ بِالْمَحاشِىء الْمَحالِقِ قَالَ والمحاشىء: أكْسِيَة خَشِنة تحلِق الْجَسَد واحِدُها مَحْشأ بِالْهَمْز، وَيُقَال: مِحْشاة بِغَيْر همز. وَيُقَال: حَلَق مِعزاه إِذا أَخذ شعرهَا وجَزّ ضأنَه، وَهِي مِعْزى محلوقةٌ وحَلِيق. وَقَالَ اللَّيْث: الحَلَقُ: نَبَات لورقه حُمُوضة يُخْلَط بالوسمة للخِضاب والواحدة حَلَقة. قَالَ: والمحلَّق من الْإِبِل: الموْسُوم بِحَلقَة فِي فَخِذِه أَو فِي أصل أُذُنه وَيُقَال لِلْإِبِلِ المُحَلَّقة حَلَق.(4/38)
وَقَالَ جَنْدَل الطُّهَوِيّ: قد خرّب الأنضاد تنشَادُ الحَلَقْ من كلِّ بالٍ وجهُه بِلَى الخَلَقْ يَقُول: خرّبوا أنضاد بيوتِنا من أمْتِعتنا بِطَلَب الضَّوَالّ. أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد: حَلِق قَضيب الْحمار يحْلَق حَلَقا إِذا احْمَرَّ وتقشَّر. قَالَ: وَقَالَ ثَوْرٌ النَّمِرِيّ: يكون ذَلِك من دَاء لَيْسَ لَهُ دَوَاء إِلَّا أَن يُخْصَى وَرُبمَا سَلِم وَرُبمَا مَاتَ، وَأنْشد: خَصَيْتُك يَا ابْن حَمْزة بالقوافي كَمَا يُخْصى من الحَلَق الْحمار وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يكون ذَلِك من كَثْرَة السِّفادِ. وَقَالَ شَمِر: يُقَال: أَتان حَلَقِيَّة إِذا تداولتها الحُمُر فأصابها داءٌ فِي رَحِمِها. وَقَالَ اللَّيْث الْحَلقة بِالتَّخْفِيفِ: من الْقَوْم والجميع الحَلَق، قَالَ وَمِنْهُم من يَقُول: حَلَقَة. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: حلْقة من النَّاس وَمن حَدِيد والجميع حِلَق. مثل بَدْرَة وبِدَر وقَصْعَة وقِصَع: وَقَالَ أَبُو عُبيد: أَختارُ فِي حَلَقة الْحَدِيد فتح اللَّام ويَجُوزُ الْجَزْم وأختار فِي حَلْقةِ الْقَوْم الجَزْم وَيجوز التّثْقِيل. وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْعَبَّاس أَنه قَالَ: أخْتَار فِي حَلْقَةِ الْحَدِيد وحلْقة النَّاس التَّخْفِيف، وَيجوز فيهمَا التّثْقِيل. وَالْجمع عِنْده حَلَق. وَقَالَ ابْن السِّكيت: هِيَ حَلْقَة الْبَاب وحَلْقَةُ الْقَوْم، وَالْجمع حَلَقٌ وحِلاقٌ. قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ: لَيْسَ فِي الْكَلَام حَلَقة إِلَّا قَوْلهم: حَلَقة للَّذين يحلقون المِعْزَى. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحَلَقَةُ: الضُّرُوعُ المُرْتَفِعة. وَقَالَ أَبُو زيد فِيمَا رَوى ابْن هانىء عَنهُ: يُقَال: وفّيْتُ حَلْقَةَ الْحَوْض تَوْفِيَة والإناء كَذَلِك. وحَلْقَةُ الإنَاءِ: مَا بَقِي بعد أَن تجْعَل فِيهِ من الشَّرَاب وَالطَّعَام إِلَى نصفه، فَمَا كَانَ فَوق النّصْف إِلَى أَعْلَاهُ فَهُوَ الْحَلْقة وَأنْشد: قَامَ يُوَفِّى حَلْقَةَ الْحَوْضِ فَلَجْ وَقَالَ أَبُو مَالك: حَلْقَة الْحَوْضِ: امتلاؤه. وحَلْقَتُه أَيْضا: دون الامتلاء وَأنْشد: فَوَافٍ كَيْلُها ومُحَلِّقُ والمُحَلِّق: دون المِلْءِ. وَقَالَ الفرزدق: أَخَاف بِأَن أُدْعَى وحَوْضِي مُحَلِّق إِذا كَانَ يَوْمُ الْحَتفِ يَوْمَ حِمَامِي وَقَالَ اللَّيْث: الْحِلق: الخاتَم من فضَّة بِلَا فصّ. أَبُو عُبيد عَن أبي زيد: الْحِلقُ: المَال الْكثير: يُقَال: جَاءَ فلَان بالحِلْق. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: أُعطِي فلانٌ الحِلْقَ أَي خَاتم المُلك يكون فِي يَده. وَأنْشد: وأُعطِي منا الْحِلقَ أبيضُ مَاجِدٌ ردِيفُ مُلُوكٍ مَا تُغِبُّ نَوَافِلُه وَقَالَ الْأَصْمَعِي وَغَيره: الحالقُ: الجَبَلُ المُنِيفُ المُشرِفُ.(4/39)
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحُلُقُ: الأَهْوِيةُ بَين السَّمَاء وَالْأَرْض، واحِدُها حَالقٌ. والحُلَّقُ: الضُّروع المرتفعة. وَقَالَ اللَّيْث: حلَق الضَّرعُ يَحْلُق حُلُوقاً فَهُوَ حالق يُرِيد ارتفاعه إِلَى الْبَطن وانضمامَه. وَفِي قَول آخر: كثْرَة لَبَنِه. أَبُو عُبيد: عَن الْأَصْمَعِي أَنه أنْشدهُ قَول الحُطَيْئَة يصف الْإِبِل: إِذا لم تكن إلاَّ الأَمَاليسُ أَصْبَحَتْ لَهَا حُلَّق ضَرَّاتُها شَكِرَات قَالَ: حُلَّق جَمْع حالق، وَرَواهُ غَيره: إِذا لم تكن إِلَّا الأَمَاليس رُوِّحَتْ مُحلَّقَةً ضَرَّاتُها شَكِرات قَالَ: محلَّقة: حُفَّلا كَثِيرَة اللَّبن وَكَذَلِكَ حُلَّق: ممْتلئة، وضرعٌ حالق: ممتلىء. وَقَالَ النَّضر: الحالق من الْإِبِل: الشَّدِيدَة الحَفْل الْعَظِيمَة الضَّرّةُ وَقد حَلَقت تَحْلِق حَلْقاً. قلت. الحالق من نَعْت الضُّرُوع جَاءَ بمَعْنَيْين مُتَضادّين: فالحالق المُرْتفع المُنْضَمّ إِلَى الْبَطن لقِلَّة لَبنِه، وَمِنْه قَوْلُ لبيد: حَتَّى إِذا يَئِسَت وأَسْحَق حالق لم يُبْلِه إرْضَاعُها وفِطَامُها فالحالق فِي بَيت لبيد الضّرْعُ المُرتفع الَّذِي قَلَّ لَبَنُه، وإسْحَاقُه دَليلٌ على هَذَا الْمَعْنى. والحَالق: الضَّرْعُ الممتلىء. وشاهدهُ قَول الحُطَيْئَة. وَقَوله: شَكِرات، يَدُل على كَثْرَة اللَّبن. شَمِر عَن ابْن الْأَعرَابِي: (هم كالحلقة المُفْرَغَة لَا يُدْرَى أَيهَا طرفها) . يضْرب مثلا للْقَوْم إِذا كَانُوا مُجْتَمعين مُؤتلفين، كلمتهم وأَيديهم واحِدَة، لَا يطْمع عَدُوُّهم فيهم وَلَا ينَال مِنْهُم. وَقَالَ اللَّيْث: الحالِق من الْكَرم والشَّرْى وَنَحْوهمَا: مَا الْتَوى مِنْهُ وَتعلق بالقُضبان. قَالَ: والمحالق من تعريش الكَرْم. قلت: كلُّ ذَلِك مَأخوذٌ من استدارته كالحلْقَةِ. وحَلَّقَت عينُ الْبَعِير إِذا غَارت. وحَلَّق الإناءُ من الشَّرَابِ إِذا امْتَلَأَ إلاّ قَلِيلا. ورُوي عَن أَنس بن مَالك أَنَّه قَالَ: (كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي العَصْر، والشَّمسُ بَيْضاء محلِّقة، فأرْجع إِلَى أَهْلي فأقُول: صَلُّوا) . قَالَ شمر: مُحَلِّقَة قَالَ أَسِيدُ: تَحْلِيق الشَّمْسِ من أوّل النهارِ: ارْتفاعها من المَشْرِق وَمن آخر النَّهَار: انحدارُها. وَقَالَ شَمِر: لَا أرى التَّحْلِيق إِلَّا الارتفاعَ فِي الْهَوَاء. يُقَال: حَلَّق النجمُ إِذا ارْتَفع، وحَلَّق الطَّائِر فِي كَبِد السَّماء إِذا ارْتَفع وَقَالَ ابْن الزُّبِير الأَسَدِي فِي النَّجْم: رُبَ مَنْهلٍ طَامٍ وردْتُ وَقد خَوَى نَجْمٌ وحَلَّق فِي السَّماء نُجُوم خَوَى: غَابَ. وَقَالَ أَبُو عُبيدة: حَلَّق ماءٌ لحوض إِذا قَلَّ وذهَب. وَفِي حَدِيث آخر: فحلَّق ببصره إِلَى السَّمَاء. قَالَ شمر أَي رَفَعَ الْبَصَر إِلَى السَّمَاء كَمَا(4/40)
يُحَلّق الطائِرُ إِذا ارْتَفع فِي الْهَوَاء، وَمِنْه: الحَالق: الجبَلُ المُشرِفُ. قَالَ: وحَلّق الحوضُ: ذهبَ مَاؤُهُ، وحَلّقت عينُ البَعيرِ إِذا غارَتْ. وَقَالَ الزَّفَيانُ: ودُونَ مَسْرَاهَا فَلاَةٌ خَيْفَق نائي الميَاهِ ناضِبٌ مُحَلِّق وحَلَّق الطَّائِر إِذا ارْتَفع فِي الْهَوَاء. وَقَالَ النّابغة: إِذا مَا الْتَقَى الجَمْعان حَلَّق فَوْقهم عَصَائِبُ طَيْرٍ تَهْتَدِي بِعصائب وَقَالَ اللَّيْث: تَحَلَّق الْقَمَر إِذا صارَتْ حوله دارَةٌ. ومُحَلِّق: اسْم رَجُل. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: أَصبَحت ضَرَّة الناقةِ حالِقاً إِذا قَاربت الملء وَلم تفعل. وَيُقَال: لَا تفعل ذَاك أمُّك حَالِقٌ، أَي أَثْكل الله أُمّك بك حَتَّى تَحْلق شعرهَا. وَيُقَال: لِحْيةٌ حَلِيقٌ، وَلَا يُقَال حَلِيقَة. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: حَلَّق إِذا أَوجع، وحَلِق إِذا وَجِعَ. وَرُوِيَ فِي الحَدِيث (دبَّ إِلَيْكُم داءُ الْأُمَم البغضاءُ وَهِي الحَالِقَةُ) ، قَالَ شمر، وَقَالَ خَالِد بن جَنْبَة: الحَالِقَةُ: قطيعةُ الرَّحِم والتَّظالم وَالْقَوْل السَّيء. وَيُقَال: وَقعت فيهم حالِقَة لَا تدع شَيْئا إِلَّا أَهْلَكَتْهُ. قَالَ: والحالِقَةُ: السّنةُ الَّتِي تَحْلِق كل شَيْء، والقومُ يحلِقُ بَعضهم بَعْضًا إِذا قَتَلَ بَعضهم بَعْضًا، وَالْمَرْأَة إِذا حَلَقت شعرهَا عِنْد المُصِيبَة حالِقَةٌ وحَلْقى. وَمثل للْعَرَب: (لأُمِّك الحَلْق ولعينِك العُبْرُ) . والحالِقَةُ: المَنِيَّة، وَتسَمى حَلاَقِ. أَبُو عُبيد: الحَلْقَة: اسمٌ يجمع السِّلاح والدُّروع وَمَا أَشْبهها. وسِكِّين حالِقٌ وحَاذِقٌ أَي حَدِيد. وحَلَّق المكُّوك إِذا بلغ مَا يُجعل فِيهِ حَلقَة، والدُّروع تسمى حَلْقَة. وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال: قد أَكْثَرَ فلَان من الحَوْلَقَة إِذا أَكْثر من قَول: لَا حَوْل وَلَا قُوْةَ إِلَّا بِاللَّه. ح ق ن حقن، حنق، قنح، نقح: مستعملة. حقن: قَالَ اللَّيْث: الحَقِينُ: لَبنٌ مَحْقونٌ فِي مِحْقن. قلت: الحَقِين: اللبنُ الَّذِي قد حُقِنَ فِي السِّقَاء، وَيجوز أَن يُقال للسِّقَاء نَفسه مِحْقن، كَمَا يُقال لَهُ مِصْرَبٌ ومِجزَم. وكل ذَلِك مَحْفُوظ عَن الْعَرَب. وَمن أمثالهم: (أَبى الْحَقِينُ العِذْرَة) يضْرب مثلا للرجل يَعْتَذر وَلَا عُذْرَ لَهُ. وَقَالَ أَبُو عُبيد: أَصْلُ ذَلِك أَن رجلا ضاف قوما فاستسْقَاهم لَبناً وَعِنْدهم لبنٌ قد حَقَنُوه فِي وَطْب فاعْتَلُّوا عَلَيْهِ وَاعْتَذَرُوا فَقَالَ: أَبى الحَقِين العِذْرَةَ أَي هَذَا الحَقين يُكَذِّبُكم. وَقَالَ المُفَضَّل: كُلّ مَا ملأتَ شَيْئا أَو دَسَسْتَه فِيهِ فقد حَقَنْتَه. وَمِنْه سُمِّيت الْحُقْنَة. قَالَ: وحَقَن الله دَمه: حَبسه فِي جلْده وملأَه بِهِ، وَأنْشد فِي نعت إبل امتلأَت أَجوافُها: جُرْداً تحقَّنَت النَّجِيلَ كأنّمَا بجُلُودِهِنّ مَدَارِجُ الأَنْبَار وَقَالَ اللَّيْث: إِذا اجْتمع الدَّمُ فِي الْجوف(4/41)
من طَعْنة جائِفَة تَقول: احتَقَنَ الدَّمُ فِي جوفِه. واحْتَقَنَ الْمَرِيض بالحُقْنَةِ. قَالَ وبعير مِحْقَان: وَهُوَ الَّذِي يَحْقِنُ الْبَوْل فَإِذا بَال أَكثر. قَالَ: والحاقِنَتان: نُقْرَتَا التَّرْقُوَتين والجميع الحَوَاقِنُ. وَقَالَ أَبُو عُبيد فِي قَول عَائِشَة: (تُوفِّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين سَحْرِي ونَحْرِي وحاقِنَتِي وذَاقِنَتي) . قَالَ أَبُو عَمْرو: الحَاقِنَة: النُّقرة الَّتِي بَين التَّرقُوة وحَبْلِ العاتِق وهما الحاقِنَتَان. وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال فِي مَثَل: (لأُلحِقَنَّ حَوَاقِنَك بَذَواقِنك) . ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحَاقِنَة المَعِدة، والذَّاقِنَة: الذَّقَنُ. قَالَ: وأحقَنَ الرجل إِذا جمع أَلوان اللبَن حَتَّى تطيب. وأَحقَن بَوْله إِذا حبَسَه. وَقَالَ ابْن شُمَيل: المُحْتَقِنَ من الضُّرُوع: الواسعُ الفسيح وَهُوَ أَحْسَنُهَا قَدْراً كَأَنَّمَا هُوَ قَلْتٌ مُجْتَمع مُتَصَعِّد حسَن، وَإِنَّهَا لمُحْتَقِنَة الضَّرْع. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الحَلْقَةُ والْحَقْنَةُ: وَجَع يكون فِي الْبَطن، والجميع أَحْقَالٌ وَأَحْقَانٌ، رَوَاهُ أَبُو تُرَاب. وَفِي الحَدِيث: (لَا رَأْي لِحاقِب وَلَا حاقِن) والحاقِنُ فِي البوْلِ والحاقِبُ فِي الغَائِطِ. نقح: اللَّيْث: النَّقْحُ: تَشْذِيبُك عَن الْعَصَا أُبَنَها وَكَذَلِكَ فِي كل شَيْء من أَذَى نحَّيْتَهُ عَن شَيْء فقد نَقَحْتَه. قَالَ: وَالمُنَقِّح للْكَلَام: الَّذِي يُنَقِّش عَنهُ وَيحسن النَّظر فِيهِ، وَقد نَقَّحتُ الْكَلَام. ورُوَي عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء أَنَّه قَالَ فِي مَثَل: (استغْنَت السُّلاَّءَة عَن التَّنْقِيح) ، وَذَلِكَ أَن الْعَصَا إِنَّما تُنَقَّح لتَمْلُسَ وتَخْلُق، والسُّلاَّءة: شَوْكَةُ النَّخْلَة وَهِي فِي غَايَة الاسْتوَاء والمَلاَسَة فَإِن ذهبتَ تَقْشِرُ مِنْهَا قِشْرَها خَشُنَت، يُضرب مثلا لمن يُريد تَقْوِيم مَا هُوَ مُسْتَقِيم. وَقَالَ أَبُو وَجْزَةَ السَّعْدِيّ: طَوْراً وَطَوْراً يَجُوبُ العُقْرَ من نَقَحٍ كالسَّنْدِ أَكْبَادُه هِيمٌ هراكِيلُ والنقحُ: الخالصُ من الرَّمل، والسّنْدُ: ثِيَاب بيض، وأكبادُ الرَّملِ: أوساطه. والهَراكيلُ: الضِّخامُ من كُثْبَانِه. أَبُو العبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: أنقَحَ الرجُلُ إِذا قلعَ حِلية سيفِهِ فِي الجَدْبِ والفَقْرِ. وأَنْقَح شِعْرَه إِذا نَقَّحَه وحَكَّكَه. قنح: قَالَ اللَّيْث: القَنْحُ: اتِّخاذُك قُنَّاحَة تَشُدُّ بهَا عِضادة بَاب وَنَحْوه تُسَمِّيه الفُرْسُ قَانَه. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال لِدَرْوَنْدِ البابِ النِّجافُ والنَّجْرانُ، ولمِتْرَسِه القُنَّاحُ، ولِعتبتِه النَّهضةُ. وَفِي حَدِيث أُمِّ زرع: (وَعِنْده أقولُ فَلَا أُقَبِّح وأشرب فأَتقنَّح) وَبَعْضهمْ يرويهِ (فأتَقَمَّح) . قَالَ ابْن جَبَلة: قَالَ شمر: سمعتُ أَبَا عُبيد يسأَلُ أَبَا عبد الله الطُّوالَ النَّحْوِي عَن معنى قَوْله فَأَتَقَنَّحَ؟ فَقَالَ أَبُو عبد الله: أظُنّها تُريد أشربُ قَلِيلا قَلِيلاً. قَالَ شمر: فَقلت: لَيْسَ التَّفسيرُ هَكَذَا، وَلَكِن التّقَنُّح أَن يشرب فَوق الرِّيِّ، وَهُوَ حَرْفٌ رُوي عَن أبي زيد فأعجَبَ ذَلِك أَبَا(4/42)
عُبيد، قُلْتُ: وَهُوَ كَمَا قَالَ شمر، وَهُوَ التَّقَنُّج والتَرْنُّح، سَمِعْتُ ذَلِك من أعرابِ بني أَسد، وَقَالَ أَبُو زيد: قَنَحْتُ من الشَّرَاب أَقْنَحُ قَنْحاً إِذا تكارهت على شَرْبه بعد الرِّيِّ، وتَقَنَّحْتُ مِنْهُ تَقَنُّحاً وَهُوَ الغالبُ على كَلَامهم. وَقَالَ أَبُو الصَّقر: قنِحْتُ أَقْنَح قَنَحاً. وَقَالَ غَيره: قَنَحْتُ الْبَاب قَنْحاً فَهُوَ مَقْنوحٌ: وَهُوَ أَن تَنْحِتَ خَشَبَة ثمَّ ترفع الْبَاب بهَا. تقولُ للنَّجَّارِ: اقنَحْ بَاب دارِنا فيصنعُ ذَلِك، وَتلك الْخَشَبَة هِيَ القُنَّاحَة وَكَذَلِكَ كلُّ خَشَبَة تُدْخِلُها تَحت أُخْرَى لتُحَرِّكَها. حنق: الحَنَق: شِدّة الاغتياظ. تَقول: حَنِقَ يَحْنَق حَنَقاً والنعت حَنِق. قَالَ: والإحْنَاقُ: لُزوقُ الْبَطن بالصُّلْب وَقَالَ لَبِيد: فأحنَقَ صُلبُها وَسَنَامُها وَقَالَ أَبُو عُبيد: المُحْنِق: الْقَلِيل اللَّحْم، واللاَّحِق مثلُه. وَقَالَ أَبُو الهَيْثَمِ: المُحْنِق: الضّامِرُ، وَأنْشد: قد قَالَتِ الأَنْسَاعُ للبَطْنِ الْحَق قِدْماً فَآضَتْ كالفَنِيق المُحْنِق وَقَالَ الْأَصْمَعِي فِي قَول ذِي الرُّمَّةِ يَصِفُ الرِّكَابَ فِي السَّفَر: مَحَانِيق تُضْحي وَهِي عُوجٌ كَأَنَّهَا بِجَوْزِ الفَلاَ مُسْتَأْجَرَاتٌ نَوَائح قَالَ: المَحَانِيق: الضُّمَّر. وروى أَبُو العبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحُنُق: السِّمانُ من الإبِلِ. قَالَ: وأَحْنَق إِذا سَمِنَ فجَاء بشحم كثير. قلتُ: وَهَذَا من الأَضْدَادِ. قَالَ: وأَحْنَق الرَّجُلُ إِذا حَقَدَ حِقْداً لَا ينحلّ. قَالَ: وأَحْنَق الزّرعُ فَهُوَ مُحْنِق إِذا انْتَشَر سفا سُنْبُلِهِ بَعْدَمَا يُقَنْبِعُ. ورُوي عَن عمرَ أنَّه قَالَ: لَا يَصلح هَذَا الأمرُ إلاَّ لمن لَا يُحْنِق على جِرَّته. قَالَ ابنُ الْأَعرَابِي: مَعْنَاهُ لَا يحقد على رَعيَّته: فَضَربهُ مثلا وَلَا يُقَال للرّاعي جِرَّة. ح ق ف حقف، فقح، قحف، قفح: مستعملة. حقف: قَالَ اللَّيْث: يُقَال: للرَّمل إِذا طَال واعوَجَّ: قد احقَوْقَفَ. واحْقَوقَفَ ظهرُ الْبَعِير، ويُجمَع الحِقْفُ أحقافاً وحُقُوفاً. وَقَالَ أَبُو عُبيد: قَالَ الْأَصْمَعِي: الحِقْفُ: الرملُ المُعَوجُّ، وَمِنْه قيل لِمَا اعوجَّ: مُحْقَوْقِف. وَقَالَ الفَرَّاء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ} (الْأَحْقَاف: 21) واحِدُها حِقْف وَهُوَ المُسْتَطِيل المُشرف. وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه مَرّ هُوَ وَأَصْحَابه وهم مُحْرِمُون بِظَبْي حاقِفٍ فِي ظلّ شَجَرَة. قَالَ أَبُو عُبيد: يَعْنِي الَّذِي قد انحنى وتثنَّى فِي نَومه. وَلِهَذَا قيل للرمل إِذا كَانَ منحنياً حِقْفٌ، قَالَ: وَكَانَت مَنازِلُ قوم عَاد بالرمال، قَالَ: وَفِي بعض التَّفْسِير فِي قَوْله: بالأحْقَافِ قَالَ: بِالْأَرْضِ. وَالْمَعْرُوف فِي كَلَام الْعَرَب الأول وَأنْشد:(4/43)
طَيَّ اللَّيَالي زُلَفاً فَزُلَفا سمَاوَةَ الْهلَال حَتَّى احْقَوْقَفا وَقَالَ اللَّيْث: الْأَحْقَاف فِي الْقُرْآن: جبل مُحيطٌ بالدنيا مِن زَبَرْجَدَةٍ خضراء، تلتَهِبُ يَوْم الْقِيَامَة فَتَحْشُرُ النَّاس من كلِّ أُفُق، قلت: هَذَا الجبلُ الَّذِي وَصفه يُقَال لَهُ قَافٌ، وَأما الْأَحْقَاف فَهِيَ رمال بِظَاهِر بِلَاد الْيمن، كَانَت عادٌ تنْزِل بهَا. شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي: الحِقْفُ: أصلُ الرْملِ، وأصل الْجَبَل والحائط. قَالَ: والظَّبْي الحَاقفُ يكون رابضاً فِي حِقْفٍ من الرَّمْلِ، وَيكون مُنْطَوِياً كالحِقْفِ. وَقَالَ ابْن شُميْل: جَمَلٌ أَحْقَفُ: خميصٌ. قحف: قَالَ اللَّيْث: القِحْفُ: الْعظم الَّذِي فَوق الدِّماغِ مِن الجُمْجُمَةِ. والجميع الأقْحافُ والقِحَفَةُ. قَالَ: والقَحْفُ: قَطْعُ القحْف أَو كَسْرُه، ورَجُل مَقْحُوفٌ: مَقْطُوع القِحْف، وَأنْشد: يَدعْنَ هامَ الْجُمْجُمِ المَقْحُوفِ صُمَّ الصَّدَى كالحَنْظَل المنْقُوفِ قَالَ: والقَحْفُ: شِدَّةُ الشُّرْبِ. وَقَالَ امْرُؤُ القَيْس لَمَّا نُعِي إِلَيْه أبُوه وَهُوَ يَشربُ: (اليوْمَ قِحافٌ وغَداً نِقافٌ) . وقحف الْإِنَاء: إِذا شرب مَا فِيهِ. أَبُو عُبَيْد عَن الأصمَعِيّ منْ أمثالِهم فِي رمْي الرّجُل صاحبَه بالمُعْضِلات أَو بِمَا يُسْكِتُه أَنْ يَقولُوا: (رماهُ بِأَقْحَافِ رأْسِه) . قَالَ أَبُو الْهَيْثَم: القِحْفُ: العَظْمُ الَّذِي فَوْق الدّماغ من الْجُمْجُمَة. الحَرّاني عَن ابْن السِّكِّيت قَالَ: القِحْفُ: مَا ضُرِبَ من الرّأسِ فَطَاح. وَأنْشد لِجَرِيرٍ: تَهْوِي بِذِي العَقْرِ أَقْحَافاً جَماجِمُهم كأَنَّهَا حَنْظُل الْخُطْبانِ تُنْتقَف أَبُو زيد عَن الكِلاَبِيِّين قَالُوا: قِحْفُ الرّأْسِ: كلّ مَا انفَلَقَ من جُمْجُمَتِه فبانَ، وَلَا يُدْعَى قِحْفاً حَتَّى يَبين، وجَمَاعَةُ القِحْفُ أَقْحَافٌ وقَحْفَةٌ وَقُحُوفٌ، وَلَا يَقُولُون لجَمِيع الجُمْجُمَةِ قِحْفٌ إلاَّ أَن تَنْكَسِرَ والجُمْجُمَة: الَّتِي فِيهَا الدِّمَاغ. وَقَالَ غَيره: ضرَبه فاقْتَحَفَ قِحْفاً من رأسِه أَي أبان قِطْعَة من الْجُمْجُمَة، والجُمْجُمَةُ كلُّها تُسَمَّى قِحْفاً وأقْحَافاً. وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: القِحافُ: شِدَّةُ المَشَارَبَة بالقِحْف، وَذَلِكَ أنَّ أحدهم إِذا قَتَلَ ثَأْره شَرِب بِقِحْفِ رأْسِه يَتَشَفى بِهِ. قلتُ: القِحْفُ عِنْد العربِ: الفِلْقَةُ من فِلَقِ الْقَصعَة أَو الْقدح إِذا تَثَلَّمَتْ، ورأيتُ أهلَ النَّعَم إِذا جَربت إبِلُهم يجْعَلُونَ الخَضْخَاضَ فِي قِحْف ويَطْلُونَ الأجربَ بالهِناء الَّذِي جَعَلُوهُ فِيهِ، وأَظُنُّهم شَبَّهُوه بِقحْف الرَّأس فسَمَّوْه بِهِ. وَقَالَ اللَّيْث: القاحِفُ من الْمَطَر كالقاعفِ إِذا جَاءَ فُجَاءَةً فاقْتَحَفَ سيلُه كل شَيْء. وَمِنْه قيل: سيلٌ قُحَافٌ وقُعَافٌ وجُحَافٌ بِمَعْنى وَاحِد. أَبُو زيد: عَجَاجَةٌ قَحْفاءُ وَهِي الَّتِي تَقْحَفُ الشَّيْء وَتذهب بِهِ. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: القُحُوفُ: المَغارِفُ. فَحق: أهمله اللَّيْث: وَحكي عَن الفَرَّاءِ أَنه(4/44)
قَالَ: الْعَرَب تَقول: فُلاَنٌ يَتَفَيْحَقُ فِي كلامِه ويَتَفَيْهَقُ إِذا تَوَسَّعَ فِيهِ. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: انْفَحَقَ بالْكلَام انْفِحَاقاً وَطَرِيق مُنْفَحِق: واسِعٌ، وَأنْشد: والعِيسُ فَوْقَ لاَحِبٍ مُعَبَّد غُبْرِ الحَصَا مُنْفَحِقٍ عَجَرَّد فقح: اللَّيْث: التَّفَقُّح: التَّفَتُّحُ بالْكلَام قَالَ: والجِرْوُ إِذا أبْصر. قيل: قد فَقَحَ يَعْنِي فَتَح عَيْنَيْهِ. وَفِي الحَدِيث: (أَن عُبيدَ الله بن جَحْش تَنَصَّر بعد إِسْلَامه فَقيل لَهُ فِي ذَلِك، فَقَالَ: إنَّا قد فَقَّحْنَا وَصَأْصَأْتُم) . قَالَ أَبُو عُبيد: قَالَ أَبُو زيد والفَرَّاء: فَقَّحَ الْجِرْوُ وجَصَّصَ إِذا فَتَح عَيْنَيْهِ، وَصَأْصَأَ إِذا لم يَفْتَحْ عَيْنَيْهِ. وَقَالَ اللَّيْث: الفُقَّاح: من العِطْر، وَقد يُجعل فِي الدَّوَاء. يُقال لَهُ: فُقَّاحُ الإِذْخِرِ، الْوَاحِدَة فُقَّاحَة، وَهُوَ من الْحَشِيش. قلت: هُوَ نَوْر الإِذْخِرِ إِذا تَفَتَّحَ بُرْعومُه، وكلُّ نَوْر تَفَتَّحَ فقد تَفَقَّح، وَكَذَلِكَ الْورْد وَمَا أشبهه من براعِيم النَّور. اللَّيْث: الفَقَحَةُ مَعْرُوفَة وَهِي الدُّبُر بجُمْعِها. قَالَ: والفَقْحَةُ: الرَّاحَة بلغةِ أهل الْيمن وَجمع الفَقْحَة فِقَاح. قفح: أَبُو بكر عَن شمر: قَالَ: قَفَح فلَان عَن الشَّيْء إِذا امْتنع عَنهُ وقَفَحَتْ نفْسُه عَن الطَّعَام إِذا تَركه وَأنْشد: يَسَفُّ خُرَاطة مَكْرِ الجِنا ب حَتَّى ترَى نفْسَه قافِحَة قَالَ شمر: قَافِحَةٌ أَي تاركة. قَالَ: والخُراطة: مَا انْخَرَط عِيدانُه وَوَرَقُه. وَقَالَ ابْن دُرَيْد: قَفَحْتُ الشيءَ أَقْفَحُه إِذا اسْتَفَفْتَه. ح ق ب حقب، حبق، قبح، قحب: مستعملة. حبق: قَالَ اللَّيْث: الحَبَق: دَوَاءٌ من أدوية الصيادلة. أَبُو عُبيد عَن الأصْمَعي قَالَ: الحَبَق: الفُوذَنْجُ. اللَّيْث: الحَبْق: ضُرَاطُ المعِز. تَقول: حَبَقَت تحبِق حَبْقاً. وَقَالَ أَبُو عُبَيْد: قَالَ الأصْمَعي: يُقَال: نَفَخَ بهَا، وحَبَق بهَا، إِذا ضَرَطَ. وعِذْقُ حُبَيْق ولون حُبَيق: ضَربٌ من التَّمْر رَدِيء، وَقد نهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن دَفْعه فِي الصَّدَقَة الْمَفْرُوضَة. أَبُو عُبَيْدة: هُوَ يمشي الدِّفِقَّى والحِبِقَّى. قَالَ: والحِبقَّى: دون الدِّفِقَّى. حقب: اللَّيْث: الحَقَبُ: حَبل يُشَدُّ بِهِ الرَّحْل إِلَى بطن الْبَعِير لِئَلَّا يَجْتَذِبَه التَّصْدير فيُقَدِّمه، وَإِذا تَعَسَّر البَوْلُ على الْجمل قيل: قد حَقِبَ البَعِيرُ حَقَباً فَهُوَ بعير حَقِبٌ. أَبُو عُبَيد عَن الأصْمَعي: من أدواتِ الرَّحْل الغَرْض والحَقَبُ، فَأَما الغَرْض فَهُوَ حِزامُ الرّحْل وَأما الحقَبُ فَهُوَ حَبْلٌ يَلي الثِّيلَ. وَقَالَ أَبُو زيد: أحْقَبْت البعيرَ من الْحَقَب. وَقَالَ الأصمعيّ: يُقَال: أَخْلَفْتُ عَن الْبَعِير(4/45)
وَذَلِكَ إِذا أصَاب حَقَبُه ثِيلَه، فيحقَبُ حَقَباً، وَهُوَ احْتِباسُ بَوْله، وَلَا يُقَال ذَلِك فِي النَّاقَة لأنَّ بَوْلَ النَّاقة مِنْ حَيائها، وَلَا يبلُغُ الحَقَبُ الحَياء، فالإخلافُ عَنهُ أَن يُحَوَّلَ الحَقَبُ فيُجْعَلَ مِمَّا يَلِي خُصْيَتِي الْبَعِير. وَيُقَال: شَكَلْتُ عَن الْبَعِير، وَهُوَ أَن تجعلَ بَين الحَقَب والتَّصديرَ خَيْطاً ثمَّ تَشُدُّه لِكَيْلاَ يدنو الحَقَبُ من الثِّيل، وَاسم ذَلِك الخيْط الشّكالُ. وَجَاء فِي الحَدِيث: (لَا رَأْي لحازِق وَلَا حاقب) فالحازق: الَّذِي ضَاقَ عَلَيْهِ خُفُّه فحزق قدمَه حَزْقاً، وَكَأَنَّهُ بِمَعْنى لَا رَأْي لذِي حَزْق، وَأما الحاقبُ فَهُوَ الَّذِي احْتاج إِلَى الْخَلَاء فَلم يَتَبَرَّز وحَصر غائِطَه، وشُبِّه بالبعير الحَقِب الَّذِي دَنَا الْحَقبُ من ثَيْله فَمَنعه من أَن يَبول. اللَّيْث: الأحْقَبُ: الْحمار الوحشيُّ سُمِّي أحقبَ لبياضٍ فِي حَقْوَيْه، وَالْأُنْثَى حَقباءُ. وَقَالَ رؤبة: كَأَنَّهَا حَقباء بلقاءُ الزَّلَق والقارَةُ الحقباءُ: الدقيقة المستطيلة فِي السَّمَاء، وَأنْشد: ترى القُنَّةَ الحقباءَ مِنْهَا كَأَنَّهَا كُمَيْتٌ يُبَارِي رَعْلَةَ الخيْل فارِدُ وَقَالَ بَعضهم: لَا يُقَال لَهَا حقباءُ حَتَّى يلتوي السّرَابُ بِحَقْوِها. أَبُو عُبَيْد عَن الْأَصْمَعِي: حمارٌ أحقبُ: أَبيض موضِع الحقَب. قلت: والقارةُ الحقباءُ: الَّتِي فِي وَسطهَا ترابٌ أعفرُ ترَاهُ يَبرق لبياضه مَعَ بُرْقةِ سائِرِه. وَقَالَ اللَّيْث: الحِقابُ: شيءٌ تَتَّخِذُه المرأةُ تعلِّق بِهِ معاليق الحُليّ، تَشُدُّه على وَسطهَا والجميع الحُقُب. قلت: الحِقَابُ هُوَ البَرِيمُ إِلَّا أَن البريمَ يكون فِيهِ ألوانٌ من الخيوط تَشُدُّه الْمَرْأَة على حَقْوَيْها. وَقَالَ اللَّيْث: الاحتقابُ: شدُّ الحقيبة من خَلْفٍ، وَكَذَلِكَ مَا حُمِل من شَيْء من خَلْف. يُقَال: احْتُقب واستُحْقِب. قَالَ النَّابِغَة: مُسْتَحْقِبي حَلَقِ الماذِيِّ يَقْدُمُهم شُمُّ العَرانِين ضَرّابُونَ لِلْهَام وَقَالَ شمر: الحَقيبة كالبَرْذَعَة تتَّخذ لِلْحِلْس وللقَتَب، فَأَما حقيبة القتَبِ فَمن خَلْفٍ وَأما حقيبة الحِلْس فمجوَّبةٌ عَن ذِرْوَة السَّنان. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الحقيبة تكون على عجُزِ الْبَعِير تَحت حِنْوَى القتب الآخَرَين. والحَقَب: حَبْلٌ يُشد بِهِ الحقيبة. وَقَالَ اللَّيْث: الحِقْبة: زمانٌ من الدَّهْر لَا وَقت لَهُ، والحُقُب: ثَمَانُون سنة والجميع أحقابٌ. أَبُو عُبيد عَن الْكسَائي: الحُقُب السِّنون، واحدتها حِقْبة، والحُقُب: ثَمَانُون سنة. وَقَالَ الفرَّاء: الحُقُب فِي لُغة قيس سنةٌ. وَجَاء فِي التَّفْسِير أَنه ثَمَانُون سنة ذُكر ذَلِك فِي تَفْسِير قَوْله: {أَوْ أَمْضِىَ حُقُباً} (الْكَهْف: 60) . وَقَالَ الزجّاج: الحُقُب: ثَمَانُون سنة.(4/46)
وَقَالَ الفرّاء فِي قَوْله جلّ وعزّ: {مَئَاباً لَّ ? بِثِينَ فِيهَآ} (النّبَأ: 23) . قَالَ: الحُقُب: ثَمَانُون سنة، السّنة ثلثمِائة وَسِتُّونَ يَوْمًا، الْيَوْم مِنْهَا ألف سنة من عدد الدُّنْيَا. قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا على غَايَة كَمَا يظنّ بعض النَّاس، وَإِنَّمَا يدل على الْغَايَة التَّوْقِيت خمسةُ أحْقابٍ أَو عشرَة، وَالْمعْنَى أَنهم يَلبثون فِيهَا أحقاباً كلما مضى حُقُب، تبعه حُقُب آخر. وَقَالَ الزجّاج: الْمَعْنى أَنهم يلبثُونَ أحقاباً لَا يذوقون فِي الأحقاب برْداً وَلَا شرابًا، وهم خَالدُونَ فِي النَّار أبدا كَمَا قَالَ الله جلّ وعزّ. وَيُقَال: حَقِبَ السماءُ حَقباً إِذا لم يُمْطِر. وحَقِب الْمَعْدن حَقَبا إِذا لم يُرْكِزْ. وحَقِب نائِلُ فلانٌ إِذا قل وانقَطع. وَالْعرب تسمِّي الثَّعْلَب مُحْقَبا لبياض بطنِه. وَأنْشد بعضُهم لأمِّ الصَّريح الكِنديَّة وَكَانَت تَحت جرير فوَقع بَينهَا وَبَين أُخت جَرِير لحاءٌ وفِخَارٌ فَقَالَت: أتعدِلين مُحْقَباً بأَوْسِ والْخَطَفَى بأشْعثَ بن قيس مَا ذَاك بالحزْم وَلَا بالكيْس عَنَتْ أنَّ رجال قومِها عِنْد رجالها كالثعلب عِنْد الذئْبِ، وأوْس هُوَ الذِّئْب، وَيُقَال لَهُ أُوَيْس. وَمن أمثالهم: (اسْتَحْقب الغَزْو أَصْحَاب البَرَاذِين) . يُقَال ذَلِك عِنْد ضِيقِ المخارج، وَيُقَال فِي مِثْله: (نَشِبَ الحديدةُ والْتوَى المِسمار) . يُقَال ذَلِك عِنْد تَأْكِيد كلِّ أَمر لَيْسَ مِنْهُ مَخْرج. قحب: اللّيث: قَحَب يَقْحُبُ قُحاباً وقَحْباً إِذا سعل. ويُقال أَخذه سُعالٌ قاحبٌ. وَأهل الْيمن يُسمُّون الْمَرْأَة المُسِنَّة قَحْبة. قَالَ: والقَحْبُ: سُعالُ الشّيخ، وسُعالُ الْكَلْب. أَبُو عُبيد عَن أبي زيد: من أمراض الْإِبِل القُحابُ وَهُوَ السُّعال، وَقد قَحَبَ يقْحُبُ قَحْباً وقُحَاباً وَكَذَلِكَ نَحَبَ يَنْحِبُ وَهُوَ النُّحاب والنُّحازُ مثله. وَقَالَ اللّحيانيُّ: الْعَرَب تَقول للبغيض إِذا سَعَل: وَرْياً وقُحاباً، وللحبيب إِذا سعل: عُمْراً وشباباً. قَالَ: والقُحاب: السُّعال. قَالَ: وَيُقَال للعجوز: القحْبَةُ والقحْمَةُ، وَكَذَلِكَ يُقَال لكل كَبِيرَة من الْغنم مُسِنَّةٍ. وَقَالَ غَيره: قيل للبغِيّ قحْبَةٌ لِأَنَّهَا كَانَت فِي الْجَاهِلِيَّة تُؤْذِنُ طُلاَّبها بقُحابها، وَهُوَ سُعالُها. وَقَالَ أَبُو زيد: عَجُوز قَحْبَة وَشَيخ قَحْب: وَهُوَ الَّذِي يَأْخُذهُ السُّعال. وَأنْشد غَيره: شَيَّبَنِي قَبْل إِنَى وقْتِ الهَرَم كلُّ عجوزٍ قَحْبَة فِيهَا صَمَمْ وَيُقَال: بِتْنَ نسَاء يُقَحَّبْنَ أَي يَسْعُلْن قبح: أَبُو عُبيد عَن أبي عَمْرو: قبحْتُ لَهُ وجهَه مخفَّفَة وأقبَحْتَ يَا هَذَا: أتيت بقَبيح. قلت: معنى قبحْتُ لَهُ وَجهه أَي قلت لَهُ: قبَحهُ الله، وَهُوَ من قَول الله(4/47)
جلّ وعزّ: {? لدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ القِيَ ? مَةِ هُمْ} (القَصَص: 42) أَي من المُبعَدين المَلْعونين، وَهُوَ من القبْح وَهُوَ الإبعاد. وَالْعرب تَقول: قبَحه الله وأُمًّا رَمعت بِهِ أَي أبعده الله وَأبْعد والدته. وَقَالَ شمر: قَالَ أَبُو زيد: قبَح الله فُلاناً قبْحاً وقُبُوحاً أَي أقصاه وباعده من كلِّ خيْر كقُبوح الكلْب والْخِنْزِير. وَقَالَ الجَعْدِيُّ: وَلَيْسَت بَشْوَهَاءَ مَقْبُوحَةٍ تُوافي الدِّيارَ بوَجْهٍ غَبِرْ وَقَالَ أُسَيْدٌ: المَقبُوحُ: الَّذِي يُرَدُّ ويُخْسَأُ، والمَنْبُوحُ: الَّذِي يُضْرَبُ لَهُ مَثَلُ الكلْب. ورُوِي عَن عمَّار أَنه قالَ لرَجُلٍ نالَ بِحَضرَتِه من عائشَة: (اسْكتْ مَقْبُوحاً مَنْبُوحاً) . أَرَادَ هَذَا المعْنى. وَيُقَال: قبُح فُلانٌ يَقْبُح قَبَاحَةً وَقُبْحاً، فَهُوَ قَبِيح وَهُوَ نَقِيض الحُسْن عامٌّ فِي كلِّ شَيْء، وَفِي الحَدِيث: (لَا تُقَبِّحُوا الوَجْهَ) مَعْنَاهُ: لَا تقُولوا، إنَّه قَبِيح فَإِن الله صَوَّره، وَقد أَحْسَن كلَّ شَيْء خَلَقَه. وَيُقَال: قَبَحَ فُلان بَثْرَةً خَرَجَت بوجْههِ: وَذَلِكَ إِذا فَضَخَها حَتَّى يَخْرجَ قَيْحُها. وكلُّ شَيْء كَسرْته فقد قبَحتَه. وروى أَبُو العبّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أنَّه قَالَ: يُقَالُ: وَقد اسْتَمْكَتَ العُدُّ فاقْبَحْهُ، والعُدُّ: البَثْرَةُ. واستِمْكاتُه: اقْتِرَابُه للانْفِقاء. وَقَالَ اللَّيْث: القَبِيحُ: طَرفُ عَظْمِ المِرْفَق. قَالَ: والإبْرَة: عُظَيْم آخَر رَأْسُه كبيرٌ وَبقِيَّتُهُ دَقِيق مُلَزَّزٌ بالقَبيح. وروى أَبُو عُبَيْد عَن الأُمَوِيِّ قَالَ: يُقال لِعَظْم الساعِدِ مِمَّا يَلِي النِّصْفَ منهُ إِلَى المِرْفَق كِسْرُ قَبِيحٍ، وَأنْشد: ولَوْ كُنْتَ عَيْراً كُنْت عَيْرَ مَذَلَّةٍ وَلَوْ كُنْت كِسْراً كُنْتَ كِسْرَ قَبِيح وَأَخْبرنِي المُنْذِريّ عَن أبي الهَيْثَم أنَّه قَالَ: القَبِيحُ: رَأْسُ العَضُد الَّذِي يَلي المِرْفَق بَيْنَ القَبِيح وبَيْنَ إبْرَة الذِّرَاع، من عِنْدِها يَذْرَعُ الذَّارِعُ. قَالَ: وطَرَفُ عَظْم العَضُد الَّذي يَلي المِنْكَب يُسَمَّى الحَسَنَ لِكَثْرَة لَحْمِه، والأسْفَل: القبيحُ. وَقَالَ شَمِر: قَالَ الفَرّاءُ: القَبِيحُ: رَأْسُ العَضُد الَّذِي يَلي الذِّراع وَهُوَ أقلّ العِظام مُشاشاً ومُخّاً، ويُقال لِطَرَفِ الذِّرَاع الإبْرَةُ وَأنْشد: حَيْثُ تُلاَقي الإبْرَةُ القَبِيحا وَقَالَ الفرّاءُ: أَسْفَل العَضُد: القَبِيحُ وأعْلاَها الحَسَنُ. وَفِي (النَّوادر) : المُقَابَحَةُ والمُكابَحةُ: المشَاتَمَةُ. روى أَبُو العبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: القبَّاحُ: الدُّبُّ الهَرِمُ. والمَقَابِحُ: مَا يُسْتَقْبَحُ من الأخْلاَق، والمَمَادِحُ: مَا يُسْتَحْسَنُ مِنْهَا. ح ق م حمق، قحم، قَمح، محق: مستعملة. قحم: قَالَ اللَّيْث: قَحَمَ الرّجلُ يَقْحَمُ قُحُوماً. وَفِي الْكَلَام العامِّ: اقْتَحَم وَهُوَ رَمْيُه بِنَفسِهِ فِي نَهرٍ أَو وهْدَة أَو فِي أَمر من غير دُرْبَة.(4/48)
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {? لنَّجْدَينِ فَلاَ ? قتَحَمَ} (البَلَد: 11) ثمَّ فسر اقْتِحَامَها فَقَالَ: (فَكَّ رَقَبة أَو أَطْعَمَ) . وقرىء: {? لْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِى يَوْمٍ} (الْبَلَد: 13، 14) وَمعنى فَلَا اقْتَحَمَ العَقَبة أَي فَلَا هُوَ اقتحم الْعقبَة، وَالْعرب إِذا نفت بِلَا فعلا كررتها كَقَوْلِه: {? لْمَسَاقُ فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّى ?} (القِيَامَة: 31) وَلم يُكَرِّرْها هَاهُنَا: لِأَنَّهُ أضمر لَهَا فعلا دلّ عَلَيْهِ سِيَاق الْكَلَام كَأَنَّهُ قَالَ: فَلَا آمَنَ وَلَا اقْتَحَم العَقَبَة، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ قَوْله: {مَتْرَبَةٍ ثُمَّ كَانَ مِنَ ? لَّذِينَ} (الْبَلَد: 17) . وَيُقَال: تَقَحَّمَتْ بفلان دابَّتُه وَذَلِكَ إِذا نَدَّتْ بِهِ فَلم يضْبط رَأسهَا، فَرُبمَا طوَّحت بِهِ فِي وهْدَة أَو وَقَصَتْ بِهِ. وَقَالَ الراجز: أقُولُ والنَّاقةُ بِي تَقَحّمُ وَأَنا مِنْهَا مُكْلَئِزٌّ مُعْصِم ويحَكِ مَا اسمُ أُمِّها يَا عَلْكَمُ يُقَال: إِن النَّاقة إِذا تَقَحَّمَتْ براكبها نادَّةً لَا يضبِط رأسَها إِنَّه إِذا سَمّى أُمَّها وقَفَت وعَلْكَم اسْم نَاقَة. وَفِي حَدِيث عليّ ح أَنه وكَّل عبد الله بن جَعْفَر بالخُصُومة وَقَالَ: (إنَّ للخصومة قُحَماً) . قَالَ اللَّيْث: القُحَمُ: العِظامُ من الْأُمُور الَّتِي لَا يَرْكَبُها كلُّ أَحَد، والواحدة قُحْمَة. وَقَالَ أَبُو عُبيد: قَالَ أَبُو زيد الكلابيُّ: القُحَم: المهالك. قَالَ أَبُو عُبيد: وأصلهُ من التقحم. قَالَ: وَمِنْه قُحْمَةُ الْأَعْرَاب، وَهُوَ أَن تُصيبَهم السَّنَةُ فتُهلكهم، فَذَلِك تَقَحُّمها عَلَيْهِم أَو تَقَحُّمُهُم بلادَ الرِّيفِ. وَقَالَ ذُو الرُّمَّة يصف الْإِبِل وَشدَّة مَا تلقى من السّير حَتَّى تُجْهِضَ أَوْلَادهَا: يُطْرِّحْنَ بالأولاد أَو يَلْتَزِمْنَها عَلَى قُحَمٍ بَين الفَلاَ والمَنَاهِلِ وَقَالَ شمر: كلُّ شاقَ صَعب من الْأُمُور المُعضِلة والحُروب والدُّيون فَهِيَ قُحَمٌ. وَأنْشد لرؤبة: من قُحَم الدَّين وزُهْدِ الأرفاد قَالَ: قُحَمُ الدَّيْنِ: كثرته ومَشَقَّتُه. قَالَ ساعِدَةُ بن جُؤَيَّة: والشيبُ داءٌ نجيسٌ لَا دَوَاء بِهِ للمرء كَانَ صَحِيحا صائبَ القُحَم يَقُول: إِذا تقَحَّمَ فِي أَمر لم يطش وَلم يخطىء، قَالَ: وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي فِي قَوْله: قومٌ إِذا حَاربُوا فِي حربهم قُحَمُ قَالَ: إقدامٌ وجرأةٌ وتقحُّم، وَقَالَ فِي قَوْله: (معنْ سَرَّه أَنْ يَتَقَحَّم جراثيمَ جَهَنَّم فَلْيَقْضِ فِي الحدِّ) . قَالَ شمر: التَّقَحُّم: التقدُّم والوقُوع فِي أُهْوِيَّة وشِدَّة بِغَيْر رَوِيَّة وَلَا تَثَبُّت. وَقَالَ العجَّاج: إذَا كَلَى واقْتُحم المَكْلِيُّ يَقُول: صُرِع الَّذِي أُصيبت كُلْيَتُه. قَالَ: واقْتَحَم النَّجْمُ إِذا غَابَ وَسقط. وَقَالَ ابْن أَحْمَر: أُراقبُ النَّجْم كَأَنِّي مُولَع بحيثُ يجْرِي النجمُ حَتَّى يَقْتَحم(4/49)
أَي يسْقط. وَقَالَ جرير فِي التقدّم: هم الحامِلُون الخيلَ حَتَّى تَقَحَّمَتْ قَرابيسُها وازداد موجاً لُبُودُها وَقَالَ اللَّيْث: المَقاحيمُ مِنَ الْإِبِل الَّتِي تَقْتحِم فَتضْرب الشّوْلَ من غير إرْسَال فِيهَا، وَالْوَاحد مِقْحَامٌ. قلت: هَذَا من نعت الفُحُول. والمُقْحَمُ: البعيرُ الَّذِي يُرّبِعُ ويُثني فِي سنة وَاحِدَة: فَتَقْتَحِمُ سنٌّ على سنَ قبل وَقتهَا. يُقَال: أُقْحِمَ البَعِيرُ وَهَذَا قَول الْأَصْمَعِي إِن الْبَعِير إِذا ألقَى سِنَّيْه فِي عَام وَاحِد فَهُوَ مُقْحَم، وَذَلِكَ لَا يكون إلاَّ لابْن الهرِمين. وَقَالَ اللَّيْث: بعيرٌ مُقْحَم. وَهُوَ الَّذِي يُقْحَمُ فِي الْمَفَازَة من غير مُسِيمٍ وَلَا سائق. وَقَالَ ذُو الرُّمَّة: أَوْ مُقْحَمٌ أَضْعَفَ الإبْطَان حَادِجُه بالأمْس فاسْتَأْخَرَ العِدْلانِ والقَتَبُ قَالَ: شبَّه بِهِ جَنَاحَي الظَّليم. قَالَ: وأعرابيٌّ مُقْحَمٌ: نَشأ فِي البَدْو والفَلَواتِ لم يُزَايلها. والتَّقْحيم: رَمْيُ الفَرَسِ فارِسَه على وَجْهِه وَأنْشد: يُقَحِّمُ الفارِسَ لَوْلا قَبْقَبُه وَفِي صفة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا تَقْتَحِمُه عَيْن من قِصَر) . قَالَ أَبُو عُبيد: اقْتَحَمَتْه عَيْني إِذا احْتَقَرَتْه، أَرَادَ الواصف أَنه لَا تستصغره العينُ وَلَا تزدريه لقصره، وَفُلَان مُقْحَمٌ أَي ضَعِيف. وكُلُّ شَيْء نُسب إِلَى الضَّعْف فَهُوَ مُقْحَمٌ، وَمِنْه قَول الجَعْدِي: علوْنَا وسُدْنَا سُؤْدَداً غير مُقْحَم وأصل هَذَا كُله من المُقْحَم الَّذِي يتَحَوَّل من سِنِّ إِلَى سِنَ فِي سنة وَاحِدَة. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: شيخ قَحْرٌ وقَحْمٌ بِمَعْنى وَاحِد. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: القَحْمُ: الْكَبِير من الْإِبِل، وَلَو شُبِّه بِهِ الرجلُ كَانَ جَائِزا، والقَحْرُ مثله. وَقَالَ أَبُو العَمَيْثَل الْأَعرَابِي: القَحْمُ الَّذِي أقْحَمَتْه السِّن ترَاهُ قد هَرِم فِي غير أَوَان الهَرَم. قَمح: قَالَ اللَّيْث: القَمْحُ: البُرُّ. قَالَ: وَإِذا جَرَى الدَّقيقُ فِي السُّنْبُل من لَدُنِ الإنضاج إِلَى الاكتناز، تَقول: قد جَرى القمحُ فِي السُّنْبل، وَقد أقْمَحَ البُرُّ. قلت: وَقد أنْضَج ونَضِج، والقَمْحُ لغةٌ شاميّةٌ، وَأهل الْحجاز قد تكلمُوا بهَا. وَقَالَ اللَّيْث: الاقْتِماحُ: أخْذُك الشَّيْء فِي راحتِك ثمَّ تَقْتَمِحهُ فِي فِيك، وَالِاسْم القُمْحَةُ كاللُّقْمَةِ والأُكْلَةِ: قَالَ: والقَمِيحَةُ: اسْم الجُوَارِشِ. قلت: يُقَال: قَمِحْتُ السويقَ أَقْمَحُهُ قَمحاً إِذا سفِفْتَه. أَخْبرنِي بذلك المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي. قَالَ: والقَمِيحَة: السَّفُوفُ من السَّويقِ وَغَيره. اللَّيْث: القُمَّحان: يُقَال: وَرْس. وَيُقَال: زَعْفَران. وَقَالَ أَبُو عُبيد: القُمَّحَانُ: زَبَدُ الخَمْرِ(4/50)
ويقالُ: طيبٌ. وَقَالَ النَّابِغَة: (يبَيسُ القُمَّحَان مِنَ المَدَام) وَقَالَ اللَّيْث: المُقامِحُ والقامِح من الْإِبِل الَّذِي قد اشْتَدَّ عطَشُه حَتَّى فَتَر لذَلِك فُتوراً شَدِيدا، وبعير مُقْمَح، وَقد قَمَحَ يَقْمَح من شِدَّةِ الْعَطش قُموحاً، وأقمحَه العطشُ فَهُوَ مُقْمَح. وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {أَعْن ? قِهِمْ أَغْلَ ? لَا فَهِىَ إِلَى ? لاَْذْقَ ? نِ} (يس: 8) : خاشعون لَا يرفعون أبصارَهم، قلت: كلُّ مَا قَالَه اللَّيْث فِي تَفْسِير القامِح والمُقامِح وَفِي تَفْسِير قوْله: {إِلَى ? لاَْذْقَ ? نِ} فخطأٌ، وَأهل الْعَرَبيَّة وَالتَّفْسِير على غيرِه، فَأَما المُقامِح فإنّ الإيَادِيّ أَقْرَأَنِي لشَمِر عَن أبي عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ: بَعِيرٌ مُقامحٌ وَكَذَلِكَ الناقةُ بِغَيْر هَاء إِذا رَفَع رأسَه عَن الحوضِ وَلم يشرَب. قَالَ وَجمعه قِمَاحٌ. وَقَالَ بِشْر بن أبي خازم يَذْكر سفينة ورُكبانَها: ونحنُ عَلَى جَوانِبها قُعُودٌ نَغُضُّ الطَّرْفَ كالإبلِ القِماح قَالَ أَبُو عُبيد: قَمَحَ البعيرُ يَقْمَحُ قُموحاً وقَمَه يَقْمَه قُموها: إِذا رفع رأسَه وَلم يشرَب المَاء. ورَوَى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيِّ أَنه قَالَ: التقَمُّحُ: كراهةُ الشُّرْبِ. وَقَالَ الهُذَليّ: فَتى مَا ابنُ الأغَرِّ إِذا شَتَوْنا وحُبّ الزَّاد فِي شَهْرَيْ قُماح رَوَاهُ بضمِّ القافِ قُماح وَرَوَاهُ ابنُ السِّكِّيت فِي شَهْري قِماح بِالْكَسْرِ وهما لُغَتَانِ. وشَهْرا قُماح هما الكانونانِ أشدُّ الشتاءِ بردا: سُمِّيا شهرَي قِماح لكَراهةِ كلِّ ذِي كَبِدٍ شُرْبَ المَاء فيهمَا: وَلِأَن الإبِلَ لَا تشربُ الماءَ فيهمَا إِلَّا تَعْذيراً. وَقَالَ أَبُو زَيد: تَقَمَّحَ فلَان من المَاء: إِذا شرِبَ المَاء وَهُوَ متكاره. وَقَالَ شمر: يُقَال لشَهْرَي قِماح: شَيْبَانُ ومَلْحانُ. وَأما قَول الله جلّ وعزّ: {أَعْن ? قِهِمْ أَغْلَ ? لَا فَهِىَ إِلَى ? لاَْذْقَ ? نِ} (يس: 8) فَإِن سَلَمة روى عَن الْفراء أَنه قَالَ: المُقْمَحُ: الغاضُّ بصرَه بعد رفعِ رأسِه. وَقَالَ الزَّجَّاج: المُقْمَحُ: الرافع رأسَه الغاضُّ بصرَه. قَالَ: وقيلَ للكانونَيْنِ شَهْرا قُمَاح: لِأَن الإبلَ إِذا وَرَدَت الماءَ فيهمَا ترفعُ رؤوسها لشِدَّة بَرْده. قَالَ: وقولُه: {أَعْن ? قِهِمْ أَغْلَ ? لَا فَهِىَ} هِيَ كِنَايَة عَن الْأَيْدِي لَا عَن الأعناقِ لأنَّ الغُلَّ يجعَلُ اليدَ تَلِي الذَّقَنَ والعُنُقَ وَهُوَ مقاربٌ للذَّقن. قلتُ: وَأَرَادَ جلّ وعزّ أنَّ أيديَهم لمّا غُلَّت عِنْد أعناقِهم رَفَعَتِ الأغلالُ أذقانَهم ورؤوسهم صُعُداً كَالْإِبِلِ الرافعةِ رؤوسها. وَقَالَ اللّيثُ: يُقَال فِي مَثَل: (الظَّمَأُ القامحُ خَيرٌ من الرِّيِّ الفاضح) . قلتُ: وَهَذَا خلاف مَا سمِعناه من العربِ، والمسموع مِنْهُم: (الظمأ الفادحُ خَيرٌ من الرِّيِّ الفاضح) وَمَعْنَاهُ العطشُ الشاقُّ خيرٌ من(4/51)
رِيَ يَفضحُ صاحبَه. وَقَالَ أَبُو عُبيد فِي قَوْل أُمِّ زَرْع: (وعِنده أقولُ فَلَا أُقَبَّحُ وأشربُ فأَتَقَمَّح) أَي أرْوَى حَتَّى أَدَعَ الشربَ من شِدة الرِّي: قلتُ: وأصْلُ التقَمُّح فِي المَاء فاستعارتْه فِي اللَّبن، أَرَادَت أَنَّهَا تَرْوى من اللَّبن حَتَّى ترفع رَأسهَا عَن شُرْبه كَمَا يفعل البعيرُ إِذا كَرِه شُرْبَ المَاء. قَالَ ابْن شُمَيل: إنَّ فلَانا لَقَموح للنَّبِيذ أَي شَرُوبٌ لَهُ وَإنَّهُ لَقَحوف للنبيذ. وَقد قَمَحَ الشرابَ والنبيذَ وَالْمَاء واللَّبَن واقْتَمَحَه وَهُوَ شُرْبه إيّاه. وقَمِح السَّوِيقَ قَمْحاً، وَأما الخبزُ والتّمرُ فَلَا يُقَال فيهمَا: قمِحَ، إِنَّمَا يُقَال الْقَمْح فِيمَا يُسَفّ. محق: قَالَ اللَّيْث: المَحْقُ: النُّقصانُ وذَهابُ الْبركَة. قَالَ: والمَحاقُ: آخر الشَّهْر إِذا امَّحَق الْهلَال. وَأنْشد: يزدادُ حَتَّى إِذا مَا تَمَّ أَعْقَبَهُ كَرُّ الْجَدِيدَيْنِ مِنْهُ ثمَّ يَمَّحِق قَالَ: وَتقول: مَحَقَه الله فامَّحق وامْتَحَق أَي ذهبَ خيرُه وبركتُه. وأَنشد لِرُؤبةَ: بِلالُ يَا ابنَ الأنجُم الأطْلاقِ لَسْنَ بنَحْسَاتٍ وَلَا أَمْحَاقِ قلت: واختلفَ أهل الْعَرَبيَّة فِي اللَّيالِي المحاقِ، فَمنهمْ من جَعَلها الثلاثَ الَّتِي هِيَ آخرُ الشهرِ وفيهَا السِّرارُ وَإِلَى هَذَا ذهب أَبُو عُبيد وَابْن الْأَعرَابِي، وَمِنْهُم من جَعَلها ليْلةَ خمسٍ وستَ وسبعٍ وَعشْرين لِأَن القمرَ يطلُع فِي أخيرِها ثمَّ يَأْتِي الصّبحُ فيَمْحَقُ ضوءَ الْقَمَر، والثلاثُ الَّتِي بعْدهَا هِيَ الدَّآدِىء وَهَذَا قَول الأصمعيّ وَابْن شُمَيل وَإِلَيْهِ ذهب أَبُو الهيْثَم والمبرِّد والرِّياشي، وَهُوَ أصحُّ القولَيْن عِندي. ابْن السّكيت عَن أبي عَمْرو: الإمْحَاقُ: أَن يَهِلك المَال كمَحاقِ الهلالِ وَأنْشد: أَبوك الَّذِي يَكْوِى أُنوفَ عُنُوقِه بأظفارِه حَتَّى أنَسَّ وأَمْحَقَا قَالَ: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: جَاءَ فِي ماحقِ الصَّيف أَي فِي شدَّةِ حَرِّه. وَقَالَ ساعِدةُ الهُذَليُّ: ظلَّتْ صَوَافِنَ بالأرْزَانِ صادِيَةً فِي ماحِقٍ من نَهَار الصَّيْف مُحْتَدِم وَيُقَال: يَوْم ماحِقٌ: إِذا كَانَ شديدَ الحَرِّ أَي أَنه يَمْحَقُ كلّ شَيْء ويَحْرِقُه وَقد مَحقْتُ الشيءَ أَمْحَقُه. وقَرْنٌ مَحِيقٌ: إِذا دُلِك فَذهب حَدّه ومَلُسَ. وَمن المَحْقِ الخَفي عِنْد الْعَرَب أَن تَلِدَ الإبلُ الذّكورَ وَلَا تِلدَ الإناثَ: لِأَن فِيهِ انقطاعَ النَّسِل وذِهابَ اللَّبَن. وَمن المَحْقِ الخَفِي النَّخْل المُقارَب بينَه فِي الغَرْسِ. وكلُّ شَيْء أبطَلْتَه حَتَّى لَا يبقَى مِنْهُ شيءٌ فقد مَحَقْتَه وَقد أمْحَقَ أَي بَطَلَ. قَالَ الله: {يَمْحَقُ ? للَّهُ ? لْرِّبَو ? اْ وَيُرْبِى ? لصَّدَقَ ? تِ} (البَقَرَة: 276) أَي يَستأْصِل الله الرِّبا فيُذْهِب رَيْعَه وبَركتَهُ. وَقَالَ أَبُو زيد: مَحَقَه الله وأَمْحَقَه وأبَى الأصمعيّ إلاّ مَحَقَه. وَيُقَال: مُحَاقُ الْقَمَر وَمِحاقُه. ومَحَّق فلانٌ بفلان تَمْحِيقاً: وَذَلِكَ أنَّ(4/52)
الْعَرَب فِي الجاهِلية إِذا كَانَ يَوْمُ المُحاق من الشَّهر، بدَرَ الرجل إِلَى مَاء الرجل إِذا غَابَ عَنهُ فيَنْزِل عَلَيه ويَسْقِي بِهِ مالَه، فَلَا يَزال قَيِّمَ المَاء ذَلِك الشَّهْر ورَبَّه حَتَّى يَنْسَلِخَ، فَإِذا انْسَلَخ كَانَ رَبُّه الأوَّلُ أحَقَّ بِه، وَكَانَت الْعَرَب تَدْعُو ذَلِك المَحِيقَ. أَبُو العبَّاس عَن ابْن الأعْرابيّ قَالَ: المَحْقُ: أَن يَذْهَب الشَّيْء كُلُّه حَتَّى لَا يُرَى مِنْهُ شَيْءٌ، وَمِنْه قَول الله: {يَمْحَقُ ? للَّهُ ? لْرِّبَو ? اْ} أَي يَسْتأْصِلُ الله. حمق: قَالَ اللَّيْث: حَمُقَ الرجلُ يَحْمُقُ حَماقَة وحُمْقاً، واسْتَحْمَق الرجُل إِذا فَعَل فِعْل الحَمْقَى. وامْرأةٌ مُحْمِقٌ: تَلِدُ الحَمْقَى. ويُقال مُحْمِقَةٌ. وَقَالَت امْرَأَةٌ من الْعَرَب: لستُ أُبالي أَن أكون مُحْمِقَهْ إِذا رأيتُ خُصْيَةً مُعَلَّقَهْ وَسُئِلَ أَبُو الْعَبَّاس عَن قَول الشَّاعِر: إِن للحُمْقِ نعْمَةً فِي رِقَابِ الْنَ اسِ تَخْفَى عَلَى ذَوِي الألْبَابِ فَقَالَ: سُئل بعضُ البُلغَاءِ عَن الْحُمقِ فَقَالَ: أَجْودُه خَيْرُه قَالَ: ومَعناه أَن الأحْمَق الَّذِي فِيهِ بُلْغَةٌ يطاوِلُك بحُمْقِه فَلَا تعثُر على حُمْقه إلاّ بعد مِرَاس طَوِيل، والأحْمَق: الَّذِي لَا مُلاَوَمَ فِيهِ ينْكَشف حُمقُه سَرِيعا فتستريح مِنْهُ وَمن صُحبتِه. قَالَ: ومعْنى البيْت مُقَدَّم ومؤخَّر، كَأَنَّهُ قَالَ: إِن للحُمق نعْمَة فِي رِقابِ العُقَلاءِ تَغِيبُ وتَخْفَى على غَيرهم من سَائِر النَّاس لأَنهم أفطَن وأذكَى من غَيره. قَالَ: والأحْمَق: مأخوذٌ من انحماق السوقِ إِذا كسدَت فَكَأَنَّهُ فَسَد عَقلُه حَتَّى كَسد. أَبُو عُبيد عَن الْأَحْمَر: نَام الثَّوْبُ وانحمق إِذا خَلُق. قالَ: وانْحمقَت السّوقُ إِذا كَسَدت. قَالَ: وَقَالَ الْكسَائي: الحُمَاقُ: الجُدَرِيُّ يُقَال منْه رجل مَحْموق. وَقَالَ ابْن دُرَيْد: انحمق الرجُل إِذا ضَعُفَ عَن الْأَمر. قَالَ: والحَمِق: الْخَفِيف اللِّحية، وَقَالَ غَيره: يُقَال رَجُلٌ أحْمَق وحَمِقٌ بِمَعْنى واحِد. والحُمَيقَاءُ: الجُدَرِيُّ الَّذِي يصيبُ الصِّبيانَ. والبَقْلَةُ الحَمقاءُ: هِيَ الفَرْفَخَةُ. قَالَ: والحَمَاق: نَبْتٌ ذكَرَتْه أمُّ الْهَيْثَم قَالَ: وذَكَر بعضُهم أَن الحَمَقِيق نَبْتٌ. وَقَالَ الْخَلِيل: هُوَ الهَمَقِيق. وَقَالَ اللَّيْث: فَرَسٌ مُحْمِق إِذا كَانَ نِتاجُها لَا يَسبِق. قلت: لَا أَعْرِفُ المُحْمِق بِهَذَا المعْنى. وَقَالَ أَبُو زيد: انْحمق الطَّعام انْحماقاً. ومَأقَ مُؤُوقاً إِذا رَخُص. ابْن السِّكِّيت: يُقَال: لِلَّيَالي الَّتِي يطلُع القمرُ فِيهَا لَيلَه كلَّه فَيكون فِي السَّمَاء وَمن دونِه غَيْمٌ فترَى ضَوْءاً وَلَا ترى قمراً فتَظُن أَنَّك قد أصْبَحْت وَعَلَيْك لَيْل: المُحْمِقات. يُقَال: غَرَّنِي غُرورَ المُحْمِقات. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قالَ: الحُمْق أصلُه(4/53)
الكسادُ. وَيُقَال للأَحْمَق: الكاسِد العَقْل. قَالَ: والحُمْق أَيْضا: الغُرور. يُقَال: سِرْنا فِي لَيَال مُحْمِقاتٍ إِذا اسْتَتر الْقَمَر فِيهَا بغَيْم أبْيضَ رَقِيق فيَسير الرَّاكِبُ وَهُوَ يَظُن أَنه قد أصبح حَتَّى يملَّ، قَالَ: وَمِنْه أَخذ اسْم الأحمق لِأَنَّهُ يغرك فِي أول مَجْلِسه بتعاقله، فَإِذا انْتهى إِلَى آخر كَلَامه بيَّن حمقه فقد غَرَّك بِأول كَلَامه.
(أَبْوَاب الْحَاء وَالْكَاف
ح ك ج: مهمل. ح ك ش
حشك، حكش، شحك، كشح: (مستعملات) .
حشك: قَالَ اللَّيْث: الحَشَك: تَرْكُكَ الناقةَ لَا تَحْلُبها حَتَّى يجْتَمع لبنُها، فَهِيَ محشوكة. قَالَ: والحَشَك الِاسْم للدِّرَّة المجتمعة وَأنْشد:
غَدتْ وَهِي محشوكَةٌ حَافلٌ
فراحَ الذِّئارُ عَلَيْهَا صَحِيحا
الذِّئَارُ: البَعَر الَّذِي يُلْطَخ بِهِ أَطْبَاءُ النَّاقة لِئَلَّا يؤثِّر الصِّرَارُ فِيهَا.
وَقَالَ أَبُو عُبَيد: الحَشَكُ: الدِّرَّةُ. حَشَكَت النَّاقة تَحْشِك حَشَكاً.
وَقَالَ زُهير:
كَمَا اسْتَغَاثَ بِسَيْءٍ فَزُّ غَيْطَلَةٍ
خَافَ الْعُيُون وَلم يُنْظَرْ بِهِ الحَشَكُ
قَالَ ابْن السّكيت: أَرَادَ الحَشْكَ فحركه للضَّرُورَة. أَبُو عبيد عَن الْفراء: حَشَكَ القَوْم وحشدوا بِمَعْنى وَاحِد.
قَالَ: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: حَشَكَتِ النخلةُ إِذا كَثُر حَمْلُها.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: مِن دُعائهم: (اللَّهُمَّ اغْفِر لي قبل حشك النَّفس وأزِّ الْعُرُوق) . قَالَ: الحَشْكُ: النَّزْعُ الشَّديد.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الرِّياحُ الحَوَاشِكُ: الْمُخْتَلفَة، وَيُقَال: الشَّدِيدَة.
وَقَالَ أَبُو زيد: حَشَكَتِ الرِّيحُ تَحْشِك حَشْكاً إِذا ضَعُفَت.
وَقَالَ غَيره: قَوْسٌ حاشِكٌ وحاشكةٌ إِذا كَانَت مُواتية للرَّامي فِيمَا يُرِيد.
وَقَالَ أُسَامَة الْهُذلِيّ:
لَهُ أسهمٌ قد طَرَّهُنَّ سَنِينُه
وحاشِكةٌ تَمْتَدُّ فِيهَا السَّواعد
والحَشْك. النَّزعُ الشَّدِيد. وَيُقَال: أَحْشَكْتُ الدَّابة إِذا أقْضَمْتَها فَحَشِكَتْ أَي قَضَمتْ.
حكش: قَالَ ابْن دُرَيْد: رجل حَكِشٌ مثل قَوْلهم حَكِر وَهُوَ اللَّجوجُ والحَكِشُ والعَكِشُ: الَّذِي فِيهِ الْتِوَاءٌ على خَصْمِه.
كشح: قَالَ ابْن السّكيت: مرَّ فلانٌ يَشُلُّهم ومرَّ يَشْحَنُهم ومرَّ يَكْشَحُهُم أَي يطردُهم. قَالَ والكاشح: المتولِّي عَنْك بوُدِّه. يُقَال: كَشَحَ عَن المَاء إِذا أَدْبَرَ عَنهُ. أَبُو عُبيد عَن الْأَصْمَعِي: كَشَحَ الرّجلُ وَالْقَوْم عَن المَاء إِذا ذَهَبُوا عَنهُ.
وَقَالَ اللَّيْث: الكَشْحُ: مَا بَين الخاصرة إِلَى الضِّلَعِ الْخَلْفِ، وَهُوَ من لَدُن السُّرَّة إِلَى المَتْن، وهما كَشْحان وَهُوَ موقع السَّيْف من المُتَقَلِّد، وَيُقَال: طوى فُلانٌ(4/54)
كشحَه عَلَى أمرٍ إِذا اسْتمرّ عَلَيْهِ، قَالَ: وَكَذَلِكَ الذَّاهِبُ الْقَاطِع. يُقَال: طوى عنِّي كَشْحَه. إِذا قِطْعَة وعاداك. وَمِنْه قَول الْأَعْشَى:
وَكَانَ طَوَى كَشْحاً وأَبَّ لِيَذّهَبا
قلت يحْتَمل قَوْله وَكَانَ طوى كَشْحاً أَي عزم على أمْر واستمرت عزيمته.
وَيُقَال: طوى كَشْحاً على ضِغْنٍ إِذا أضْمَرَهُ، وَمِنْه قَول زُهَيْر:
وكَان طوَى كَشْحاً على مُسْتَكِنَّةٍ
فَلَا هُوَ أبداها وَلم يتقَدَّم
وَيُقَال: طوَى كَشْحَه عَنهُ إِذا أعْرَض عَنهُ.
أَبُو عُبيد عَن الْأَصْمَعِي: الكاشِحُ: العَدُوُّ المُبْغِضُ.
وروى أَبُو نصر عَنهُ: سُمِّي العَدُوُّ كَاشِحاً: لِأَنَّهُ وَلاَّكَ كَشْحَه وَأعْرض عَنْك.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ المُفَضَّل: الكَاشِحُ لصَاحبه مَأْخُوذ من المِكْشَاحِ، وَهُوَ الفأْسُ.
والكُشاحَةُ: المُقَاطَعَةُ: وَقَالَ بَعضهم: سُمِّي العَدُوُّ كَاشِحاً لِأَنَّهُ يَخْبَأُ الْعَدَاوَة فِي كَشْحه وَفِيه كبِدُه، والكَبِدُ: بَيْتُ الْعَدَاوَة والبغْضَاءِ: وَمِنْه قيل للعدُوِّ: أَسْوَدُ الكبد كأنَّ الْعَدَاوَة أحرقت كَبِدَه. وَقَالَ الْأَعْشَى:
فَمَا أَجَشَمْتُ مِن إتْيَان قومٍ
هْمُ الأعداءُ والأكْبَادُ سُودُ
وجَمَلٌ مكْشُوحٌ: وُسِم بالكُشَاحِ فِي أسْفَلِ الضُّلوع وإبِلٌ مُكَشَّحَةٌ ومُجَنَّبَةٌ.
شحك: اللَّيْث: الشِّحَاكُ والشَّحْكُ. يُقَال: شَحَكْتُ الجَدْي، وَهُوَ عودٌ يُعَرَّضُ فِي فَمِ الجَدْي يَمْنَعُه من الرَّضَاع.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقال لِلْعُوْد الَّذِي يدْخل فِي فَم الفصيلِ لِئَلاَّ يَرْضَع أُمَّه: شِحَاكٌ وحِناكٌ وشِبَامٌ وشِجارٌ، وَقَالَ غَيره: شَحَكَت الدَّابة إِذا أدخلتْ ذَنَبَها بَين رِجْلَيْهَا، وَأنْشد:
يأوِي إِذا شَحَكت إِلَى أطْبَائِهَا
سَلِبُ العَسِيب كَأَنَّه ذُعْلُوق
ح ك ض
استُعمل من وجوهه: (ضحك)
ضحك: قَالَ اللَّيْث: الضَّحِك: معروفٌ، تقولُ: ضَحِك يَضْحَك ضَحِكاً وَلَو قيل ضَحَكاً لَكَانَ قِيَاساً، لِأَن مصدر فَعِلَ فَعَلٌ.
قلت: وَقد جَاءَت أَحْرُفٌ من المصادر على فَعِلَ. مِنْهَا ضَحِكَ ضَحِكاً، وخَنَقَه خَنِقاً، وخَضَف خَضِفاً وضَرِطَ ضرِطاً وسَرَق سَرِقاً، قَالَ ذَلِك الفراءُ وَغَيره.
وَقَالَ اللَّيْث: الضُّحْكَة: الشّيءُ الَّذِي يُضْحَك مِنْهُ، قَالَ والضَّحَكَة: الرّجلُ الْكثير الضَّحِك يُعابُ بِهِ.
أَبُو عُبيد عَن الْكسَائي رجلٌ ضُحَكةٌ: كَثِيرُ الضَّحك، ورجلٌ ضُحْكَةٌ. يُضْحَكُ مِنْهُ.
وَقَالَ اللَّيْث: رجلٌ ضَحَّاك نَعْتٌ على فَعَّال، قَالَ: والضَّحَّاك بن عَدْنَان زَعَمَ ابْنُ دَأْبٍ المَدَنيُّ أَنه الَّذِي يُقَال إِنَّه ملك الأَرْض، وَهُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ المُذْهب وَكَانَت أمه جِنِّيَّة فلحق بالجِنِّ ويتبَدَّى للقُرَّاء، وَتقول العَجمُ: إِنَّه لَمَّا عَمِل السِّحر وَأظْهر الْفساد أُخِذ فشُدَّ فِي جبل(4/55)
دُنْبَاوَنْد، وَيُقَال: إِن الَّذِي شدَّه أفْرِيذُون الَّذِي كَانَ مسح الدُّنْيَا فبلغت أَرْبَعَة وَعشْرين ألف فَرْسخ.
قلت: وَهَذَا كلُّه بَاطِل لَا يؤمِنُ بِمثلِهِ إِلَّا أَحمَق لَا عَقْلَ لَهُ.
وَقَالَ اللَّيْث فِي قَول الله جلّ وعزّ: {فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ} (هُود: 71) أَي طَمَثت. قلت: وروى سَلَمة عَن الفَرّاء فِي تَفْسِير هَذِه الْآيَة، لمّا قَالَ رُسُل الله جلّ وعزّ لِعبدِه وخَلِيله إِبْرَاهِيم: {لاَ تَخَفْ} (هود: 70) ضَحِكَتْ عِنْد ذَلِك امرأَتُه وَكَانَت قَائِمَة عَلَيْهِم وَهُوَ قَاعد فضَحِكت فبُشِّرَت بعد الضحِك بإسْحاق وَإِنَّمَا ضَحِكت سُرُورًا بالأمن لِأَنَّهَا خَافت كَمَا خَافَ إِبْرَاهِيم.
وَقَالَ بعض أهل التَّفْسِير: هَذَا مُقَدَّم ومؤخَّر، الْمَعْنى فِيهِ عِنْدهم فبَشَّرْنَاها بإسْحاق فَضَحكت بالبِشَارة.
قَالَ الفَرّاءُ: وَهُوَ مِمَّا يحْتَملهُ الْكَلَام وَالله أعلم بصوابه.
قَالَ الفَرّاءُ: وَأما قَوْلهم فضحِكت: حَاضَت فَلم نَسْمَعهُ من ثِقَة.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: سَمِعت أَبَا مُوسَى الحَامِض يسْأَل أَبَا الْعَبَّاس عَن قَوْله (فَضَحِكَت) أَي حَاضت، وَقَالَ: إِنَّه قد جَاءَ فِي التَّفْسِير فَقَالَ: لَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب، والتَّفْسِير مُسَلَّمٌ لأهل التَّفْسِير، فَقَالَ لَهُ: فَأَنت أنشدتنا:
تَضْحَكُ الضَّبْعُ لِقَتْلَي هُذَيلٍ
وَتَرَى الذِّئْبَ بِهَا يَسْتَهلّ
فَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: تَضْحَك هَهُنا تَكْشِر، وَذَلِكَ أَن الذِّئْب ينازعها على الْقَتِيل فتَكْشِر فِي وَجْهه وعِيداً فيتركها مَعَ لحم الْقَتِيل ويَمُر.
وَأَخْبرنِي المُنْذِرِي عَن أبي طَالب أَنه قَالَ: قَالَ بَعضهم فِي قَوْله فَضَحِكت: حَاضَتْ. قَالَ: وَيُقَال: إِن أَصله من ضَحَّاك الطَّلْعة إِذا انْشَقَّت. قَالَ: وَقَالَ الأَخْطَلُ فِيهِ بِمَعْنى الْحَيْض.
تَضْحَك الضبْع من دِماءِ سُلَيْم
إذْ رأَتْها على الحِدَاب تَمور
وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول: ضحِكَت: عَجِبت من فزع إِبْرَاهِيم.
وَقَالَ الكُميْت:
وأَضْحَكَتِ الضِّبَاعَ سُيُوفُ سَعْد
بِقَتْلَى مَا دُفِنَّ وَلاَ وُدينَا
قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: الضَّحِك: الطَّلْع. قَالَ: وَسَمعنَا من يَقُول: أَضْحَكْتَ حَوْضَك إِذا ملأته حَتَّى يفِيض.
وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب:
فجَاء بِمزْج لم يَرَ الناسُ مثلَه
هُوَ الضَّحْك إِلَّا أَنه عمل النَّحْل
قَالُوا: هُوَ العَجَب وَهَذَا يُقَوِّي مَا رُوي عَن ابْن عَبَّاس.
وَقَالَ أَبُو إسْحاق فِي قَوْله: {وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ} (هود: 71) يُروَى أنّها ضَحِكت لأنَّهَا كَانَت قَالَت لإِبْرَاهِيم: اضمُمْ لُوطاً ابْن أَخِيك إِلَيْك فإنِّي أَعْلَم أَنّه سَيَنْزِل بهؤلاء الْقَوْم عذابٌ، فَضَحِكَت سُرُوراً لمَّا أَتى الْأَمر على مَا توهَّمَت. قَالَ: فَأَما من(4/56)
قَالَ فِي تَفْسِير: ضَحِكَت: حَاضَتْ فَلَيْسَ بشيءٍ. قلت: وَقد رُوِي ذَلِك عَن مُجَاهِد وعِكْرِمة فَالله أَعْلم.
وَقَالَ اللَّيْث: قَالَ بَعضهم: فِي الضَّحِك الَّذِي فِي بَيت أبي ذُؤَيْبٍ: إِنَّه الثَّلْجُ، وَقيل: هُوَ الشَّهْدُ، وَقيل: هُوَ الزُّبْد.
عَمْرو عَن أَبِيه: الضَّحْك والضَّحَّاكُ: وليعُ الطَّلْعَةِ الَّذِي يُؤكل.
والضَّحْك: العَسَل.
والضَّحْك: النَّورُ.
والضَّحْك: المحجَّةُ.
والضَّحْك: ظُهُور الثَّنايا من الْفَرح.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال للرجل أربعُ ثنايا وأربُع رُباعيَات وأَرْبعة ضَوَاحِكُ وَالْوَاحد ضَاحِكٌ وثِنْتا عشرةَ رَحًى فِي كل شِقَ سِتُّ وَهِي الطواحنُ ثمَّ النَّواجذُ بعْدهَا وَهِي أَقْصَى الأضْراس.
اللَّيْث: الضَّحُوكُ من الطّرق: مَا وَضَح واسْتبان، وَأنْشد:
على ضَحُوك النَّقْبِ مُجْرَهِدِّ
أَبُو سعيد: ضَحِكاتُ القُلوب من الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد: خِيَارُها الَّتِي تَضْحَكُ القُلوبُ إِلَيْهَا. وضَحِكاتُ كل شَيْء: خِياره.
ورأْيٌ ضَاحِكٌ: ظاهِرٌ غير مُلْتَبِسٍ. وَيُقَال: إِن رَأْيك لَيُضَاحِكُ المشكلات أَي تظهر عِنْده المشكلات حَتَّى تُعْرَف. وطريقٌ ضَحَّاك: مُسْتبين.
وَقَالَ الفَرَزدق:
إِذا هِيَ بالرّكْب العِجالِ تَرَدَّفَتْ
نَحَائِزَ ضَحَّاك المَطَالع فِي نَقْب
نَحائِزُ الطَّرِيق: جَوادُّه.
وبُرْقَةُ ضَاحِك: فِي ديار تَميم، ورَوْضَةُ ضَاحِك بالصَّمَّانِ مَعْرُوفَة.
ح ك ص
اسْتعْمل من وجوهه: حكص، كحص.
حكص: اللَّيْث: الحِكيصُ: المَرْميُّ بالرِّيبَةِ وَأنْشد:
فَلَنْ تَرَاني أَبداً حَكِيصا
معَ المُرِيبينَ ولَنْ أَلُوصَا
قلت: لَا أعرف الحَكِيصَ وَلم أَسْمَعهُ لغير اللَّيْث.
كحص: قَالَ: الكاحِصُ: الضَّارِبُ بِرجْلِه.
سَلَمَةَ عَن الفَرّاءِ: فَحَص بِرجلِهِ وكَحَصَ بِرجْله.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: كَحَصَ الأثرُ كُحُوصاً إِذا دَثَرَ، وَقد كَحَصَه البِلَى، وَأنْشد:
والدِّيَارُ الكَوَاحِص
وكَحَص الظَّلِيمُ إِذا مَرّ فِي الأَرْض لَا يُرَى فَهُوَ كاحِص.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: الكَحْصُ: نَبْت لَهُ حَبٌّ أَسْود يُشبَّه بعيون الجَرادِ، وَأنْشد فِي صِفَة الدُّرُوعِ:
كأنَّ جَنى الكَحْصِ اليبيس قَتيرُها
إِذا نُثِلَت سَالَتْ وَلم تَتَجَمّعِ
ح ك س
حسك، سحك، كسح: (مستعملات) .
حسك: قَالَ اللَّيْث: الحسَكُ: نباتٌ لَهُ ثَمر خَشِن يتعلَّقُ بأصواف الغَنَم. قَالَ: وكل ثمَرَة يُشْبهها نَحْو ثَمَرَةِ القُطْب والسَّعْدان(4/57)
والهَراس فَهُوَ حَسَك، والواحدة حَسَكةٌ، قَالَ: والحَسَكُ من أدوات الْحَرْب رُبما اتُّخِذَ من حَدِيد فَصُبّ حول العَسْكر.
وحَسكُ الصَّدْر: حِقْدُ الْعَدَاوَة.
يُقَال: إِنَّه لَحَسِكُ الصَّدر على فُلانٍ.
قَالَ: والحِسْكِكُ: القُنْفُذُ الضَّخْمُ.
أَبُو عبيد: فِي قلبه عَلَيْك حَسِيكةٌ وحَسِيفَةٌ وسخِيمةٌ بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ غَيره: يُقَال للْقَوْم الأشِدّاء: إِنَّهُم لَحَسَكٌ أَمْرَاسٌ، الْوَاحِد حَسَكةٌ مَرِسٌ.
سحك: أَخْبرنِي المُنْذري عَن الحَرَّانِي عَن ابْن السِّكِّيت. قَالَ: سَمِعت ابْن الْأَعرَابِي يَقُول: أَسْوَدُ سُحْكُوكٌ وحُلْكُوكٌ.
قلت: ومُسْحَنْكَك مثله مُفْعَنْلَلٌ من سَحَك.
كسح: اللَّيْث: الكَسْحُ: الكَنْسُ. والكُسَاحَةُ: تُرابٌ مَجموعٌ كُسِحَ بالمِكْسَح.
والمُكاسَحَةُ: المُشَارَّةُ الشديدةُ.
قَالَ: والكَسَحُ ثِقَل فِي إِحْدَى الرِّجلين إِذا مَشَى جَرّها جَرّاً. ورجلٌ كَسْحَانُ، وَقد كَسِحَ كَسَحاً.
وَفِي حَدِيث ابْن عمر أَنَّه ذكر الصَّدَقَة فَقَالَ: هِيَ مَالُ الكُسْحَان والعُوران، واحِدُهُم أَكْسَحُ وَهُوَ المُقْعدُ يُقَال مِنْهُ: كَسِحَ كَسَحاً. وَأنْشد:
بَين مخذولٍ كَرِيمٍ جَدُّهُ
وخَذُولِ الرِّجْلِ من غير كَسَحْ
وَمعنى الحَدِيث: أَنّه كره الصَّدقة إِلَّا لأهْلِ الزَّمَانَةِ، وَأنْشد اللَّيْث بَيْتاً آخَرَ لِلأَعْشَى:
وَلَقَد أَمْنَحُ مَنْ عَادَيْتُه
كُلَّ مَا يَقْطَعُ من دَاء الكَسَحْ
قَالَ: ويروى بالشِّين.
وَقَالَ أَبُو سعيد: الكُسَاحُ: من أَدْوَاءِ الْإِبِل، جَمَل مَكْسُوح: لَا يَمْشِي من شِدة الظَّلْع.
قَالَ: وعُودٌ مُكَسَّحٌ ومُكشّح أَي مَقشورٌ مُسوًّى.
قَالَ: وَمِنْه قَول الطِّرِمَّاح:
جُمَالِيَّةٌ تَغْتَالُ فَضلَ جَدِيلها
شَنَاحٍ كَصَقْبِ الطائفِيِّ المُكَسَّحِ
ويروى المُكَشَّحِ، أَرَادَ بالشَّنَاحِي عُنُقَها لطوله.
وَقَالَ أَبُو سعيد: يُقَال: أَتينَا بني فُلانٍ فاكتسحنا مَالهم أَي لم نُبْقِ لَهُم شَيْئا.
وَقَالَ المُفضَّلُ: كسَحَ وكَثَحَ بِمَعْنى وَاحِد حكاهُ أَبُو تُرَاب.
ح ك ز
اسْتعْمل من وجوهه: حَزَكَ، زَحَكَ.
حزك: قَالَ الفراءُ: حَزَكْتُه بالحبلِ أحْزِكُه مثل حَزَقْتُه سَواء.
قَالَ: وحَزَكه وحَزَقَهُ إذَا شدّه بحبلٍ جَمَع بِهِ يَدَيْهِ ورِجْلَيْه.
أَبُو عُبيد: عَن الْأَصْمَعِي: الاحْتِزَاكُ هُوَ الاحْتِزَامُ بالثَّوْبِ.
زحك: يُقَال: زَحَكَ فلَان عَنِّي وزحَلَ إِذا تَنَحَّى.
قَالَ: رُؤْبَةُ:
كَأَنَّهُ إذْ عادَ فِيهَا وَزحَكْ
حُمَّى قَطِيفِ الخَطِّ أَوْ حُمَّى فَدَكْ(4/58)
كَأَنَّهُ يَعْنِي الهَمَّ إذْ عَاد إلَيّ أَوْزحَكَ إِذا تَنَحَّى عَنِّي.
ابْن الْفرج عَن عُرَام: أزْحَفَ الرجل وأَزْحَكَ إِذا أعْيَتْ بِهِ دابَّتُه.
ح ك ط
حكط: يُقَال: كحطَ المطرُ وقَحَطَ.
ح ك د
حكد، كدح: مستعملان.
حكد: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: هُوَ فِي مَحْكِد صدق ومَحْتِد صِدْق.
كدح: اللَّيْث: الكدْحُ: عملُ الْإِنْسَان من الخيْرِ والشَّرِّ يكدَح لنَفسِهِ بِمَعْنى يسْعَى لنَفسِهِ، وَمِنْه قولُ الله جلّ وعزّ: {الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ} (الانشقاق: 6) أَي ناصبٌ إِلَى رَبك نصْباً.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: جَاءَ فِي التَّفْسِير: إِنَّك عاملٌ لِربكَ عملا وَجَاء أَيْضا: ساعٍ إِلَى ربِّك سعياً فملاقِيه.
والكَدْحُ فِي اللُّغَة: السَّعْي والدُّؤوبُ فِي الْعَمَل فِي بابِ الدُّنْيَا، وَفِي بَاب الْآخِرَة، وقَالَ ابْن مُقْبل:
وَمَا الدهرُ إِلَّا تارتانِ فمنهما
أَمُوت وأخرَى أَبْتَغِي العيشَ أكدحُ
أَي تَارَة أسعى فِي طلب الْعَيْش وأَدْأَبُ.
وَقَالَ اللَّيْث: الكدْحُ: دون الكَدْم بالأسنان. والكدْحُ بِالْحجرِ والحافِر.
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (مَنْ سأَلَ وَهُوَ غنِيٌّ جَاءَت مَسْأَلته يَوْم الْقِيَامَة خُدوشاً أَو خُمُوشاً أَو كُدُوحاً) .
قَالَ أَبُو عُبيد: الكُدُوحُ: أَثرُ الخُدُوش وكلُّ أَثَرٍ من خَدْشٍ أَو عَضَ فَهُوَ كدْحٌ وَمِنْه قيلَ للحمار الوَحْشِي: مُكدَّح لِأَن الحُمُرَ يَعْضَضْنَه، وَأنْشد:
يَمْشونَ حوْلَ مُكَدَّمٍ قد كدَّحَت
مَتْنَيْهِ حَمْلُ حَناتِمٍ وقِلالِ
وَيُقَال: كدَحَ فُلاَنٌ وَجْه فلَان إِذا مَا عَمِل بِهِ مَا يَشِينُه، وكَدَحَ وَجْهَ أَمْرِه إِذا أفْسَدَه.
ح ك ت
اسْتعْمل من وجوهه: حتك، كتح.
حتك: قَالَ اللَّيْث: الْحَتكُ وَالحَتَكانُ شبه الرَّتَكان فِي المَشْي إِلَّا أَنَّ الرَّتَكانَ للإبِل خاصَّة، والحَتْك للْإنْسَان وغَيْره.
أَبُو عُبيد عَن الْأَصْمَعِي: الحَتْك ساكِنُ التَّاء: أَنْ يُقارِبَ الخَطوَ ويُسْرِع رَفْعَ الرِّجْل وَوَضْعها.
شَمِر: قَالَ ابنُ حبيب: رجل حَتَكة وَهُوَ القَمِىءُ، وَكَذَلِكَ الحَوْتَكُ والحوْتَكيُّ هُوَ القصيرُ القَريبُ الخَطْوِ، قَالَ: والحاتِكُ: القَطُوفُ العاجزُ قَالَ: والقَطوفُ: القريبُ الخَطْو. وَقَالَ ذُو الرُّمَّة:
لنا وَلكم يَا مَيُّ أَمْسَتْ نِعاجُها
يُماشِينَ أُمَّاتِ الرِّئالِ الحوَاتِك
وَقَالَ الرَّاجزُ:
وساقِيَيْن لم يكُونَا حَتَكا
إِذا أَقُولُ وَنَيَا تَمَهَّكا
أَي تَمَدَّدا بالدَّلْو.
والحَوْتَكُ: الصَّغِير الجِسْم اللَّئيم.
كتح: قَالَ اللَّيْث: الكَتحُ: دُون الكَدْحِ من(4/59)
الْحَصَى. والشيءُ يُصِيبُ الجِلْدَ فيُؤَثِّرُ فِيهِ.
وَقَالَ أَبُو النَّجْم يَصِفُ الحَمير:
يلتَحْنَ وَجْهاً بالحَصَى مَلْتُوحا
ومَرَّةً بِحَافِر مَكْتُوحا
وَقَالَ الآخر:
فأهْوِنْ بِذِئْب يكْتَحُ الرِّيحُ باسْتِه
أَي يضْربهُ الرِّيحُ بالحَصى قَالَ: ومَنْ روى تَكثح الرِّيحُ الثَّاء فَمَعْنَاه تَكْشِف
وَقَالَ ابنُ دُرَيْدٍ: كَتَحَ الدَّبا الأرْضَ إِذا أكل مَا عَلَيْهَا من نَبات أوْ شَجَر. وَأنْشد:
لهُمْ أشَدُّ عَلَيْكُم يَوْم ذُلِّكُمُ
من الكَواتِح من ذَاك الدَّبا السُّودِ
قَالَ: وكَتَحَتْه الرِّيحُ وكَثَحَتْه إِذا سَفَتْ عَلَيْهِ الترابَ.
ح ك ظ ح ك ذ: أهملت وجوهها
ح ك ث
كثح، كحث: مستعملان.
كثح: قَالَ اللَّيْث: الكَثْحُ: كَشْف الرِّيح الشَّيْء عَن الشَّيْء.
قَالَ: ويَكْثَحُ بالتُّراب وبالْحَصَى أَي يضْرب بِهِ.
وَقَالَ المُفَضَّل: كَثَحَ من المَال مَا شَاءَ مثل كسحَ.
كحث: قَالَ اللَّيْث: كَحَث لَهُ من المَال كَحْثاً إِذا غرَفَ لهُ منهُ غَرْفاً بيدَيْهِ.
ح ك ر
حرك، حكر، ركح: مستعملة.
حكر: اللَّيْث: الحَكْر: الظُّلْمُ والتَّنَقُّصُ وسُوء العِشْرَةِ. يُقَال: فلَان يَحْكِر فلَانا إِذا أَدْخَلَ عَلَيْهِ مَشَقّة ومَضَرَّة فِي مُعاشَرَته ومُعايَشَته، والنَّعْتُ حَكِر.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الحَكْر: اللِّجاجَة. والحَكْرُ: ادّخارُ الطَّعام للتّرَبُّص.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَكْرُ: مَا احْتَكَرْت من طَعَام ونَحْوه ممَّا يُؤْكَلُ. وَمَعْنَاهُ الجَمْعُ. وصاحِبُه مُحْتَكِر وَهُوَ احتِباسُه انتِظارَ الغَلاء، وأَنْشَد:
نَعَّمَتْها أُمُّ صِدْق بَرَّةٌ
وأَبٌ يُكْرِمُها غَيْرُ حَكِرْ
ابْن شُمَيل: إنَّهم لَيَتَحَكَّرُون فِي بَيْعهم: ينظُرون ويَتَربَّصُون. وإنَّه لَحَكِر لَا يزَال يحبِس سِلعتَه. والسوق مادَّةٌ حَتَّى يبيعَ بالكثِير من شِدَّة حَكْرِه أَي من شِدة احتباسه وترَبُّصِة. قَالَ: والسوق مَادَّة أَي مُلأى رجَالًا وبيُوعاً. وَقد مدَّت السُّوق تمُدُّ مدّاً.
حرك: اللَّيْث: تَقول: حَرَكَ الشيءُ يحرُك حَرَكاً وحَرَكَة وَكَذَلِكَ يتحرَّك وَتقول: قد أعْيا فَمَا بِهِ حَراكٌ. قَالَ. وَتقول: حركْت مَحْركَه بِالسَّيْفِ حَرْكا، والمَحْرَك: مُنتهى العُنُقِ عِنْد مِفْصل الرّأس. والحاركُ: أَعلَى الكاهِل، وَقَالَ لَبيد:
مُغْبِطُ الحارِكِ مَحْبُوك الكَفَل
أَبُو زَيْد: حَرَكَه بِالسيف حَرْكاً إِذا ضرب عُنقَه قَالَ: والمَحْرَكُ: أَصْلُ العُنُق من أعْلاَها.
وَيُقَال لِلْحَارك: مَحْرَك بِفَتْح الرَّاء: وَهُوَ(4/60)
مَفْصِل مَا بيْن الكاهِلِ والعُنُق ثمَّ الْكَاهِل: وَهُوَ بَين المَحْرَك والمَلْحاء، والظَّهْرُ: مَا بَين المَحْرَك إِلَى الذَّنَب.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَرَاكِيكُ هِيَ الحَرَاقِفُ وَاحِدهَا حَرْكَكَة.
ثَعْلَب عَن ابْن الأَعرابِي: حَرَكَ إِذا منع من الحَقّ الَّذِي عَلَيْهِ.
وحَرِكَ إِذا عُنَّ عَن النِّساء. والحَرِيكُ: العِنِّين.
وَقَالَ الفرّاء: حَركْتُ حَارِكَه: قَطَعْتُه فَهُوَ مَحْرُوك، ورُوِي عَن أَبِي هُرَيْرَة أَنَّهُ قَالَ: (آمَنْتُ بِمُحرِّف القُلُوبِ) ورَوَاهُ بَعْضُهم آمَنْتُ بمُحَرِّك القُلُوبِ، قَالَ الفرّاء: المُحَرِّفُ: المُزِيل، والمُحَرِّكُ: المُقَلِّب، وَقَالَ العَبَّاس: والمُحَرِّكُ أجْوَدُ لأَنَّ السُّنَّة تُؤيِّدُه: (يَا مُقَلِّب القُلُوب) .
ركح: أَبُو عُبَيْد عَن الأُمَوِيّ: أركَحْتُ إِلَيْهِ أَي اسْتَنَدْتُ إِلَيْهِ. وَقَالَ الْفراء: لَجَأْتُ إِلَيْهِ.
اللَّيْث: الرُّكْحُ: رُكْن من الجَبَل مُنِيفٌ صَعْبٌ، وَأنْشد:
كأنَّ فاهُ واللِّجَامُ شَاحِي
شَرْجَا غَبِيطٍ سَلِسٍ مِرْكاحِ
أَي كَأَنَّهُ رُكْح جَبَل. قلت: والمِرْكاحُ من الأقْتاب غَيْر مَا فَسَّرَه اللَّيْثُ.
أقْرَأنِي الإيادِيُّ لأَبي عُبَيْد عَن الأصْمَعِي قَالَ: المِرْكاح: القَتَب الَّذِي يَتَأخَّر فَيكون مَرْكَبُ الرَّجُل فِيهِ على آخِرةِ الرَّحْل، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح.
شَمِر عَن ابْن الْأَعرَابِي: رُكْحُ الْجَبَل: جانِبه وحرْفُه، ورُكْحُ كلِّ شَيْء: جانبُه.
وَيُقَال: أركحْتُ ظَهْري إِلَيْهِ أَي ألْجأْت ظَهْري إِلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو كَبِيرٍ الهُذَلِيّ:
وَلَقَد نُقِيمُ إِذا الخُصوم تنَافَدُوا
أحلامَهم صَعَر الخَصيم المُجْنِفِ
حَتَّى يظلَّ كأنَّه مُتَثَبِّت
بُركُوحِ أمْعَزَ ذِي رُيودٍ مُشْرف
قَالَ: مَعْنَاهُ يظَلُّ من فَرَقي أَن يتكلَّم فيُخطىءَ ويزلّ كَأَنَّهُ يمشي بِرُكْح جبل: وَهُوَ جانبُه وحرْفه فيخافُ أَن يزِلَّ ويسقُط.
وَقَالَ أَبُو خَيْرة: الرَّكْحاءُ: الأرضُ الغلِيظة المُرْتفعة. وَفِي الحَدِيث: (لَا شُفعةَ فِي فنَاء وَلَا طَريق وَلَا رُكْح) . قَالَ أَبُو عُبيْد: الرُّكْحُ: ناحيةُ البيْت من ورائِه، وَرُبمَا كَانَ فضَاءً لَا بِناءَ فِيهِ. وَقَالَ القُطَامِيُّ:
أما ترى مَا غَشِيَ الأرْكاحَا
وَقَالَ ابنُ ميَّادة:
ومُضَبَّر عَرِد الزِّجاجِ كأنَّه
إرَمٌ لِعَادَ مُلَزَّزُ الأرْكاح
وإرَم: قبر عَلَيْهِ حِجَارَة. ومُضَبَّر يَعْنِي رأسَهَا كَأَنَّهُ قبْر. والأرْكاح: الآساس والأركانُ والنَّواحي.
قَالَ: وَرَوَاهُ بعْضُهم:
أَلا تَرَى مَا غَشِيَ الأكْراحا
قَالَ: وَهِي بيُوت الرُّهْبان قُلت: وَيُقَال لَهَا: الأُكْيَراحُ، وَمَا أَرَاهَا عربيَّة.
أَبُو عُبيد عَن أبي عُبيْدة: الرُّكْحة: البقِيَّة من الثَّرِيد تبْقى فِي الجفْنة، وَمِنْه قيل للجَفنة المُرْتَكِحة إِذا اكْتَنَزَت بِالثَّريد.(4/61)
وَيُقَال: إنَّ لفُلَان ساحةً يتَرَكَّحُ فِيهَا أَي يَتوسَّع.
وَفِي النودار: تَرَكَّح فلَان فِي المعِيشة إِذا تَصَرّف فِيهَا.
وتَرَكَّح بِالْمَكَانِ تَلبَّث بِهِ.
وركَحَ الساقي على الدَّلْوِ إِذا اعْتَمد عَلَيْهَا نَزْعاً، والرّكْحُ: الاعْتماد.
وأنْشَدَ الأصْمَعِيّ:
فصادفْتَ أهْيَفَ مثل القِدْحِ
أجْرَدَ بالدَّلْو شَديد الرّكْحِ
ح ك ل
حكل، حلك، كلح، كحل، لحك، لكح: مستعملات.
كحل: قَالَ الليْث: الكُحْل: مَا يُكْتَحل بِهِ. والمِكْحال: المِيلُ تُكْحلُ بِهِ العيْنُ من المُكْحُلة.
وَقَالَ ابْن السّكيت: مَا كَانَ على مِفْعَل ومِفْعَلة مِمَّا يُعتمَل بِهِ فَهُوَ مكسور الْمِيم مثل مِخْرز ومِبضع ومِسلّة ومِرْدَعة ومِخلاة إلاَّ أَحْرفاً جاءتْ نَوَادِر بضمِّ الْمِيم وَالْعين وَهِي: مُسْعُط ومُنْخُل ومُدْهُن ومُكحُلة ومُنْصُل.
وَقَالَ اللَّيْث: الكَحَل: مصدر الأكْحَل والكَحْلاء من الرِّجَال وَالنِّسَاء: وَهُوَ الَّذِي يعلُو مَنابتَ أَشْفَاره سوادٌ خِلقة من غير كُحْل وَأنْشد:
كَأَن بهَا كُحْلاً وَإِن لم تُكَحَّلِ
والأكحلُ: عِرْقُ الْيَد يسمَّى أكحَلاً وَفِي كلِّ عُضْو مِنْهُ شُعبة لَهُ اسْم على حِدةٍ، فَإِذا قُطع فِي الْيَد لم يرقأ الدَّمُ.
قَالَ: والكَحْل: شِدة المَحْل، يُقَال: أَصَابَهُم كَحْل ومَحْل.
أَبُو عُبيد عَن الأصمعيّ: صَرَّحَت كَحْلُ غَير مُجْرًى، وكَحَلَتهم السنون.
وَأنْشد:
قومٌ إِذا صرَّحَتْ كَحْلٌ بيوتُهم
مأْوَى الضَّرِيكِ ومأْوَى كلِّ قُرضوبِ
فأجراه الشَّاعِر لِحَاجَتِهِ إِلَى إجرائه.
ثَعْلَب عَن سَلَمة عَن الْفراء: اكتَحَل الرجل إِذا وَقع فِي شِدة بعد رخاء.
اللَّيْث: الكُحَيْل: ضرب من القَطِران.
أَبُو عُبيد عَن الأصمعيّ: الكُحَيْل: الَّذِي يُطلَى بِهِ الْإِبِل للجرَب هُوَ النِّفْط. قَالَ: والقَطِران إِنَّمَا هُوَ للدَّبَر والقِرْدان.
وَقَالَ الْفراء: يُقَال: عَيْن كَحِيل بِغَيْر هَاء: مكحولة.
والكحلاء: نَبْتٌ من العُشب معروفٌ. أَبُو عُبيد: يُقَال لفُلَان كُحْل وَلفُلَان سَوادٌ أَي مَال كثير. قَالَ: وَكَانَ الأصمعيّ: يتأوَّلُ فِي سَواد الْعرَاق أَنه سُمي بِهِ للكثرة. وَأما أَنا فأحسبُه للخُضْرة.
وَمن أَمْثَال الْعَرَب الْقَدِيمَة قولُهم فِي التَّساوِي (باءَتْ عَرَارِ بكَحْل) وهما بقرتانِ كَانَتَا فِي بني إِسْرَائِيل وَقد مر تفسيرُهما.
حكل: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: فِي لِسَانه حُكْلَة: أَي عُجْمة وَقد أَحكَل الرجل على القَوْم إِذا أَبَّرَ عَلَيْهِم شرّاً. وَأنْشد:
أَبَوْا على النَّاس أبَوْا فأحْكَلوا
تأْبَي لَهُم أُرُومة وأوَّلُ(4/62)
يبْلَى الحديدُ قبلهَا والجَنْدَلُ
سَلَمة عَن الْفراء قَالَ: أَشْكَلت عَلَيَّ الأخبارُ وأَحْكلَت وأعْكلَتْ واحْتكلَتْ أَي أشكلَتْ.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: حَكَل وأَحْكل وعَكل وأَعْكَل واعْتكل واحْتكَل بِمَعْنى وَاحِد.
أَبُو عُبيد عَن الأصمعيّ: فِي لسانِه حُكلَةٌ أَي عُجمةٌ.
وَقَالَ شمر: الحُكلُ: العُجمُ من الطُّيُور والبهائم. وَقَالَ رؤبة:
لَو أنني أُعْطِيتُ عِلمَ الحُكْلِ
عِلْمَ سلَيمان كلامَ النَّمل
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الحاكِل: المُخمِّن.
لحك: قَالَ اللَّيْث: اللَّحْك: شدَّة لأْم الشَّيْء بالشَّيْء. تَقول: لُوحِكَت فَقار هَذِه النَّاقة. أَي دُوخِل بعضُها فِي بعض، والملاحَكة فِي البُنيان وَغَيره ملاءَمة. وَقَالَ الْأَعْشَى يصف نَاقَة:
ودَأْيَاً تَلاحَك مثل الفُؤو
س لاَحَمَ فِيهِ السَّليلُ الفَقَارا
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال: لَحِكَ العسلَ يلْحَكه إِذا لَعِقه. وَأنْشد:
كَأَنَّمَا ألحَك فَاه الرُّبا
وَسمعت الْعَرَب تَقول: الدابَّة تكونُ فِي الرمل تشبه السَّمكة البَيْضاء كَأَنَّهَا شَحْمة مُشربة حُمْرة فَإِذا أحَسَّت بِإِنْسَان دارت فِي مَكَانهَا وَغَابَتْ. وَيُقَال لَهَا: بِنْت النَّقَا وَيُشبه بهَا بَنانُ العذارَى، وَتسَمى الحُلَكة واللُّحَكة، وَرُبمَا قَالُوا لَهَا اللُّحَكاء وَيُقَال لَهَا الحُلَكاء.
أَبُو عُبيد عَن أبي عَمْرو قَالَ: المُتلاحِكة: النَّاقة الشديدةُ الخَلْق، والمحبوكة مِثلُها لِأَنَّهَا أُدْمِجَت إدماجاً.
حلك: قَالَ اللَّيْث: الحَلَك: شدَّة السّوادِ كلَون الغُرابِ. تَقول: إِنَّه لأشدُّ سواداً من حَلَك الغُراب. وَيُقَال للأسود الشَّديد السوَاد: حالكٌ وحُلْكوك، وَقد حَلَك يحلُك حُلوكا.
ابْن السكت عَن ابْن الْأَعرَابِي: أسْوَد حالك وحانِك ومُحْلَوْلك. وأسْودُ مثلُ حَلَكِ الغُراب وحَنكِ الْغُرَاب، وحُلْكوك ومُحْلَنْكك، والحُلَك: دابَّة قد مرَّ تفسيرُها.
كلح: اللَّيْث: الكُلوح: بُدوّ الْأَسْنَان عِنْد العبوس، وَقد كلَح كُلوحاً، وأكلَحَه الأمرُ وَقَالَ الله: {تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} (الْمُؤْمِنُونَ: 104) .
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: الكالحُ: الَّذِي قد قَلَصَت شَفَتُه عَن أَسْنَانه نَحْو مَا ترى من رُؤُوس الغَنم إِذا بَرَزت الأسنانُ وتشمَّرَتِ الشِّفاه.
قلت: وَفِي بَيْضاء بني جَذِيمة ماءٌ يُقَال لَهُ كلح وَهُوَ شَروب عَلَيْهِ نَخل بَعْل قد رَسَخَتْ عروقُها فِي المَاء.
ودَهْر كالِح وكُلاح: شَدِيد. وَقَالَ لبيد:
وعِصْمةً فِي السَّنَة الكُلاح
وسَنةٌ كَلاحِ على فَعَالِ بِالْكَسْرِ إِذا كَانَت مُجْدبة.
وسمِعْتُ أعرابيّاً يَقُول لجمل رَغُوَ قد كَشَّر عَن أنيابه: (قَبَحَ الله كلَحَته) . يَعْنِي فَمَه(4/63)
وأنيابَه.
وَقَالَ أَبُو زيد: تَكَلَّحَ البرْقُ تَكلُّحا وَهُوَ دوامُ برقِه واسْتِسْراره فِي الغَمامة البَيْضاء وَهَذَا مثل قَوْلهم: تَكلَّح إِذا تبسَّم، وتبسَّمَ البرْقُ مثلُه.
لكح: ابْن دُريد: لَكَحَه يلكَحُه لكحاً إِذا ضربَه بيدِه شَبيهٌ بالوَكْز. وَأنْشد:
يَلْهَزُه طَوْراً وطَوْراً يَلكَحُ
حَتَّى تراهُ مائلاً يُرَنَّح
ح ك ن
حنك، نكح: (مستعملات) .
نكح: قَالَ اللَّيْث: تَقول: نكحَ فلَان امّرأة يَنكِحُها نِكاحاً إِذا تزوَّجَها، ونكَحَها إِذا باضَعَها ينكِحُها أَيْضا، وَكَذَلِكَ دَحَمَها وخَجَأَها وَقَالَ الْأَعْشَى فِي نَكَحَ بِمَعْنى تزوَّج:
وَلَا تَقَرَبَنَّ جَارة إنَّ سِرَّها
عَلَيْك حرامٌ فانكِحَن أَو تأَبَّدَا
قَالَ: وامرأةٌ ناكحٌ بِغَيْر هَاء: ذاتُ زَوْج. وَأنْشد:
أحاطت بخُطَّاب الأيامَى فَطُلِّقت
غداتَئِذٍ مِنْهُنَّ مَن كَانَ ناكحا
وَيجوز فِي الشّعْر ناكحة.
وَقَالَ الطِّرِماح:
ومِثلُكَ ناحت عَلَيْهِ النسا
ءُ من بَينِ بِكْرٍ إِلَى ناكحه
قَالَ: وَكَانَ الرجل يأتى الحَيَّ خاطباً فَيقوم فِي نادِيهم فَيَقُول: خِطْبٌ أَي جِئْت خاطباً، فَيُقَال لَهُ: نِكْحٌ أَي قد أنكَحْناك.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {الزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ} (النُّور: 3) تأوِيلُه لَا يتزوجُ الزَّانِي إِلَّا زَانِيَة وَكَذَلِكَ الزَّانِيَة لَا يتزَوَّجُها إِلَّا زانٍ.
وَقد قَالَ قوم: معنى النِّكاح هَاهُنَا الْوَطْء، فَالْمَعْنى عِنْدهم الزّاني لَا يطَأ إِلَّا زَانِيَة، والزانيةُ لَا يَطَؤُهَا إلاّ زانٍ، قَالَ: وَهَذَا القَوْل يَبْعُد، لِأَنَّهُ لَا يُعرفُ شيءٌ من ذِكْر النِّكاح فِي كتاب الله إِلَّا على معنى التَّزْوِيج. قَالَ الله تَعَالَى: {وَأَنْكِحُواْ الأَيَامَى مِنْكُمْ} (النُّور: 32) . فَهَذَا تزوِيجٌ لَا شكَّ فِيهِ.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {بِاللَّهِ وَكِيلاً ياأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن} (الأحزَاب: 49) فَأعْلم أنَّ عقد التَّزْوِيج يُسمى النِّكاح، وأكثرُ التَّفْسِير أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِي قوم من الْمُسلمين فُقَرَاء بِالْمَدِينَةِ وَكَانَ بهَا بَغَايا يَزْنين ويأخُذْن الأُجْرة فأرادُوا التزوُّج بِهن وعَوْلَهن فَأنْزل الله تَحْرِيم ذَلِك.
وَيُقَال: رجل نُكَحَةٌ إِذا كَانَ كثير النِّكاح. قلت: أصلُ النِّكاح فِي كَلَام الْعَرَب الوطْء، وَقيل للتزوُّج نِكاح لِأَنَّهُ سببُ الْوَطْء المُباح.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال إِنَّه لنُكَحَة من قوم نُكَحاتٍ إِذا كَانَ شَدِيد النِّكاح.
وَيُقَال: نَكَحَ المطَرُ الأرضَ إِذا اعْتَمد عَلَيْهَا. ونَكَحَ النّعاسُ عَيْنه وناكَ المطرُ الأَرْض. وناكَ النعاسُ عينَه إِذا غلب عَلَيْهَا.
حنك: يُقَال: أَسْود حانِكٌ وحالِكٌ أَيْ شَديدُ السَّوادِ. وحَنَكُ الغُراب منقارُهُ.(4/64)
والحَنَك: الْجَمَاعَة من الناسِ ينتجِعون بَلَدا يَرْعَوْنه. يُقَال: مَا ترك الأحْنَاكُ فِي أَرْضِنا شَيْئا يَعْنُون الْجَمَاعَات الْمَارَّة.
وَقَالَ أَبُو نُخَيْلَة:
إِنَّا وكُنَّا حَنَكاً نَجْدِيّا
لمَّا انْتَجَعْنا الوَرَقَ المَرْعِيَّا
فَلم نجد رُطْباً وَلَا لَوِيّا
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ: الحَنَكُ: الأسفَلُ، والفُقْمُ: الأعْلَى مِن الْفَم. يُقَال: أَخذ بفُقْمِه.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَنَكانِ للأعْلى والأسفل. فَإِذا فَصَلُوهُما لم يكادوا يَقُولُونَ للأعْلَى حَنَك.
وَقَالَ حُمَيْدٌ يصف الفيلَ:
فالحَنَكُ الأعْلى طُوالٌ سَرْطَمُ
والحَنَكُ الْأَسْفَل مِنْهُ أَفْقَمُ
يُرِيد بِهِ الحَنَكَيْنِ.
وَقَول الله جلّ وعزّ: {لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً} (الإسرَاء: 62) .
قَالَ الْفراء: يَقُول: لأسْتَوْلِيَنَّ عَلَيْهِم إِلَّا قَلِيلا، يَعْنِي المعصومين.
وَقَالَ مُحَمَّد بنُ سَلاَّم: سألتُ يونُسَ عَن هَذِه الْآيَة فَقَالَ: يُقَال: كَأَن فِي الأَرْض كَلأً فاحتنَكه الجَرادُ أَي أَتَى عَلَيْهِ. وَيَقُول أحَدُهُم: لم أجد لِجاماً فاحْتَنَكتُ دَابَّتِي أَي ألقيتُ فِي حَنَكها حَبْلا وقدته بِهِ.
وَقَالَ الْأَخْفَش فِي قَوْله تَعَالَى: {لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ} . قَالَ: لأستأصِلَنَّهُم ولأستَمِيلَنَّهُمْ. واحتنَك فلانٌ مَا عِنْد فلانٍ أَي أَخذه كُله.
وَأَخْبرنِي المُنذرِيُّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي أنْشدهُ لزَبَّان بن سَيَّار الفزَاري:
فَإِن كنتَ تُشْكَى بالجِماحِ بن جَعْفَر
فإنَّ لدَينا مُلْجِمِينَ وحانِك
قَالَ تُشْكى: تُزَنّ. وحانك: مَن يدقّ حنَكه باللِّجَام.
سَلَمةُ عَن الْفراء: رجل حُنُك وَامْرَأَة حُنُكَة إِذا كَانَا لبيبَين عاقلين.
وَقَالَ: رجل مُحَنَّك وَهُوَ الَّذِي لَا يُسْتقلُّ مِنْهُ شَيْء مِمَّا قد عضَّته الْأُمُور.
والمُحْتَنِك: الرجل المتناهِي عقلُه وسِنُّه.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحُنُك: العُقلاء.
والحُنُك: الأكَلَة من النَّاس.
والحُنُك: خشب الرَّحْل.
قلت: الحُنُك: العقلاءُ، جمع حَنِيكٍ. يُقَال: رجل مَحْنوك وحَنِيك ومُحْتَنِك، ومُحْتَنَك إِذا كَانَ عَاقِلا. وَقَوله: الحُنُك: الْأكلَة من النَّاس جَمْع حانك وَهُوَ الآكِلُ بحَنَكه. وَأما الحُنُك: خشب الرّحْل فجَمْع حِناكٍ.
أَبُو عُبيد عَن الْأَصْمَعِي يُقَال للقِدَّةِ الَّتِي تَضُمُّ العَرَاصيفَ: حُنْكة وحِناك.
اللَّيْث: يُقَال حَنَكَتُه السِّن إِذا نَبتَت أسنانُه الَّتِي تسمى أَسْنَان الْعقل.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: جرَّذَه الدَّهْر ودَلَكَه ووَعَسَه وحَنَّكه وعَرَكه ونَجَّذَه بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ اللَّيْث: يَقُولُونَ: هم أهل الحُنْك والحِنْك والحَنَك والحُنْكة أَي أهل السن(4/65)
والتجارب. قَالَ: والتَّحْنيك: أَن تُحَنَّك الدابةَ: تَغرِز عوداً فِي حَنَكه الْأَعْلَى أَو طرَف قرن حَتَّى يُدْميه لحَدَثٍ يحدث فِيهِ.
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يُحنِّك أَوْلَاد الْأَنْصَار. قَالَ: والتَّحْنِيك أَن يَمْضُغ التَّمْر ثمَّ يَدْلِكه بحَنك الصبيّ داخلَ فِيهِ، يُقَال مِنْهُ حَنَّكْتُه وحَنَكتُه فَهُوَ مَحْنوك ومُحَنَّك. قَالَ ذَلِك شَمِر.
وَيُقَال: اسْتَحْنك الرجل إِذا اشْتَدَّ أكْله بعد قِلَّة.
والحِناك: وثاق يُرْبَط بِهِ الْأَسير وَهُوَ غلٌّ كلما جُذِب أصَاب حَنَكه.
وَقَالَ الرَّاعِي يَذكر رجلا مأسوراً:
إِذا مَا اشْتَكَى ظُلْمَ الْعَشِيرَة عَضَّه
حِناكٌ وقَرّاصٌ شَدِيد الشكائم
وَقَالَ أَبُو سعيد: يُقَال: أحنَكهم عَن هَذَا الْأَمر إحناكا وأحكمَهم أَي رَدَّهم.
قَالَ: والحَنَكة: الرابية المشرفة من القُفِّ يُقَال: أَشرِف على هاتيك الحنكة، وَهِي نَحْو الفَلَكَة فِي الغِلَظ.
وَقَالَ أَبُو خيرة: الحَنَك: آكام صغَار مُرْتَفعَة كرِفعةِ الدّار المرتفعة، وَفِي حجارتها رَخاوة وبياضٌ كالكَذَّان.
وَقَالَ النَّضر: الحَنَكة: تَلٌّ غليظ وَطوله فِي السَّمَاء على وَجه الأَرْض مثل طول الرَّزن وهما شيءٌ وَاحِد.
(بَاب الْحَاء وَالْكَاف مَعَ الْفَاء)
ح ك ف
اسْتعْمل من وجوهه: كفح، كحف، حكف.
كفح: قَالَ اللَّيْث: المُكافَحَة: مُصادَفَة الوَجْه مُفاجأة وَأنْشد:
أَعاذِلَ مَنْ تُكْتَبْ لَهُ النّارُ يَلْقَهَا
كِفاحاً ومَنْ يُكْتَب لَهُ الخُلْدُ يَسْعَد
قَالَ وَتقول فِي التَّقْبِيل: كافَحَها كِفاحاً غَفْلَةً وِجاهاً. قَالَ: المُكافَحَةُ فِي الحَرْبِ: المضارَبَة تِلْقاءَ الوُجُوه. وَفِي حَدِيث أبي هُرَيرة أنَّه سُئِل: أَتُقَبِّلُ وَأَنت صَائِم؟ فَقَالَ: نعم وأَكْفَحُها، وَبَعْضهمْ يَرْويه وأَقْحَفُها. قَالَ أَبُو عُبَيْد: مَنْ رَوَاهُ أَكْفَحُها أَرَادَ بالكَفْح اللِّقاءَ والمُباشرة لِلْجِلْد.
وكلّ مَنْ واجَهْتَه ولَقيته كَفَّةَ كَفَّة فقد كافَحْتَه كِفاحاً ومُكافَحَة.
وَقَالَ ابْنُ الرِّقاع:
تكافِحُ لَوْحاتِ الهَواجِر والضُّحَى
مكافَحَةً للمَنْخَرَيْنِ ولِلْفَم
قَالَ: ومَنْ رَوَى أَقْحَفُها أَرادَ: شُرْبَ الرِّيق. من قَحَفَ الرجلُ مَا فِي الْإِنَاء إِذا شَرِبَ مَا فِيهِ.
أَبُو عُبَيد عَن الْكسَائي: لقِيتُه كِفاحاً أَي مُواجَهَة.
وَقَالَ شمر: كَفِحَ فلانٌ عَنِّي أَي جَبُن.
والمُكافحة: المُواجهة بضَرْب أَو بِشيء. تَقول: كافَحْتُ فلَانا بالسَّيف أَي واجَهْتُه. وكافَحْتُه أَي قبَّلْتُه. وأَكْفَحْتُه عَنِّي أَي رَدَدْتُه وجَبَّنْتُه عَن الإقْدامِ عَلَيّ.
أَبُو عُبَيد عَن الفَرَّاء: كفَحْتُه بالعَصا بِالْحَاء أَي ضَرَبتُه. وَقَالَ شَمِر: الصّوابُ كفَخْته بِالْخَاءِ. قلت أَنا: كفَحْتُه بالعصا والسَّيْف(4/66)
إِذا ضربْتُه مُواجَهَة، صَحِيحٌ، وكَفَخْتُه بالعصا إذَا ضَرَبْتَه لَا غير.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: أكْفَحْتُ الدَّابَّة إِذا تَلَقَّيْتَ فاهَا باللِّجام تَضْربُه بِهِ، وَهُوَ من قَوْلهم: لَقِيتُه كِفاحاً أَي اسْتَقْبَلْته كَفَّة كَفَّة.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: كَفَحْت الشيءَ، وكَثَحْتُه إِذا كشفت عَنهُ غِطاءه.
وَقَالَ ابْن شُمَيلٍ فِي تَفْسِير قَوْله: (أَعْطَيْت مُحَمَّدًا كفاحاً أَي كثيرا من الْأَشْيَاء من الدُّنْيَا والآخِرَة.
وَفِي (النَّوَادِر) : كَفْحَةٌ من النَّاس وكَثْحَةٌ أَي جَماعة ليْسَت بِكَثِيرَة.
حكف: أهمله اللَّيْث. وروى أَبُو عَمْرو عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحُكوفُ: الاسْتِرْخاءُ فِي العَمَل.
كحف: أهمله اللَّيْث: وَقَالَ ابنُ الْأَعرَابِي: الكُحوفُ: الأعْضاء وَهِي القُحُوف.
ح ك ب
حبك، كحب، كبح: (مستعملات) .
حبك: قَالَ اللَّيْث: حَبَكْتُه بالسّيْف حَبْكا وَهُوَ ضَرْب فِي اللَّحْم دُونَ العَظْم.
ابْن هانىء عَن أبي زيد: يُقَال حَبَكْتُه بالسَّيْف حَبْكاً إِذا ضَرَبْتَه بِهِ.
اللَّيْث: إنَّه لمَحْبوكُ المَتْن والعَجُز إِذا كَانَ فِيهِ اسْتِوَاء مَعَ ارتِفَاع، وَأنْشد:
على كُل مَحْبوك السَّرَاةِ كأَنَّه
عُقابٌ هَوَتْ من مَرْقَبٍ وتَعَلَّتِ
وَقَالَ غَيره: فرسٌ مَحْبوكُ الكَفَلِ أَي مُدْمَجُه. قَالَ لبيد:
مُشْرِفُ الحارِكِ مَحْبوكُ الكَفَل
وَقَالَ الفرّاء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {لَوَاقِعٌ وَالسَّمَآءِ ذَاتِ الْحُبُكِ} (الذّاريَات: 7) . قَالَ: الحُبُك: تَكسُّر كلِّ شَيْء كالرَّمْلة إِذا مَرَّت عليْهَا الرِّيحُ الساكنةُ وَالْمَاء القَائم، والدِّرْع من الحَدِيد لَهَا حُبُك أَيْضا. قَالَ: والشَّعْرَةُ الْجَعدة تكسُّرها حُبُك، وَوَاحِدُ الحُبُك حِباك وَحَبِيكَةٌ. وروى الثورِيُّ عَن عطَاء عَن سَعيد بن جُبَيْر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لَوَاقِعٌ وَالسَّمَآءِ ذَاتِ الْحُبُكِ} (الذّاريَات: 7) : ذَات الخَلْق الْحسن. قَالَ أَبُو إِسْحَاق: وَأهل اللّغة يَقُولُونَ: ذَات الطرائق الْحَسَنَة.
قَالَ: والمَحْبوك: مَا أُجيد عَمَلُه. وَقَالَ شَمِر: دابّة مَحْبوكَة إِذا كَانَت مُدْمَجَة الخَلْق.
وَقَالَ اللَّيْث: الحِبَاكُ: ربَاطُ الحظيرة بقصبات تُعَرَّضُ ثمَّ تُشَدّ. تَقول: حَبَكْتُ الحَظِيرَةَ كَمَا تُحْبَك عُرُوش الكرْم بالحِبَالِ.
قَالَ: وحَبِيكُ البَيْضِ للرأس: طرائق حَدِيده، وَأنْشد:
والضارِبُون حَبِيكَ البَيْضِ إذْ لَحِقُوا
لَا يَنْكُصُون إِذا مَا استُلحِمُوا وحَموا
وَكَذَلِكَ طَرائِقُ الرَّمْلِ مِمَّا تَحْبكه الرِّيَاحُ إِذا جَرَت عَلَيْهِ.
ورُوِي عَن عائِشَة أنَّها كَانَت تَحْتَبِك تَحت دِرْعها فِي الصَّلاة. قَالَ أَبُو عُبَيد: قَالَ الْأَصْمَعِي: الاحتباك: الاحتِباءُ لم يُعرف إِلَّا هَذَا. قَالَ أَبُو عُبَيد: وَلَيْسَ للاحْتِبَاء(4/67)
هَهُنَا معنى، وَلَكِن الاحْتِباك شَدُّ الْإِزَار وإحكامه، أرَادَ أَنَّهَا كَانَت لَا تُصلّي إلاّ مُؤْتَزِرَة.
قَالَ: وكلُّ شَيْء أَحْكَمْتَه وأَحْسَنْتَ عَمَلَه فقد احْتَبَكْتَه. قَالَ: وَيُقَال: للدَّابَّة إِذا كَانَ شَدِيد الْخلْق مَحْبُوك.
قلت: الَّذِي روَاهُ أَبُو عُبيد عَن الْأَصْمَعِي فِي الاحْتِباك أَنه الاحْتِباءُ غَلَطٌ وَالصَّوَاب الاحْتِياك باليَاءِ. يُقَال: احْتَاكَ يَحْتَاكَ احْتِياكاً وتَحَوَّكَ بِثَوْبِهِ إِذا احْتَبَى بِهِ، هَكَذَا رَوَاهُ ابْن السّكيت وَغَيره عَن الْأَصْمَعِي بِالْيَاءِ.
قلت: الَّذِي يسبِقُ إِلَى وهمي أَن أَبَا عبيد كتب هَذَا الْحَرْف عَن الْأَصْمَعِي بِالْيَاءِ، فزلّ فِي النقط وتَوهَّمَه بَاء، والعالم وَإِن كَانَ غَايَة فِي الضَّبْط والإتقان فَإِنَّهُ لَا يكَاد يَخْلُو من زلَّة، وَالله الْمُوفق للصَّوَاب.
وَقَالَ شمر: الحُبْكَةُ. الحُجْزَةُ وَمِنْهَا أُخِذَ الاحْتِبَاكُ بِالْبَاء وَهُوَ شَدُّ الْإِزَار.
وَحكى عَن ابْن الْمُبَارك: أَنه قَالَ: جعلت سِوَاكي فِي حُبْكَتِي. أَي فِي حُجْزَتي. وَقَالَ غَيره: التَّحْبِيكُ: التوثيق وَقد حَبَّكْتُ الْعقْدَة أَي وثَّقْتُها.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: مَا طَعِمْنَا عِنْده حَبَكة وَلَا لَبَكة. قَالَ وَبَعض يَقُول: عَبَكة قَالَ: والعَبَكة والحَبَكةَ: الحَبَّة من السَّوِيق. واللَّبَكَة: اللُّقْمَة من الثَّرِيدِ. قلت: وَلم أسمع حبكة بِمَعْنى عَبَكة لغير اللَّيْث، وَقد طلبته فِي بَاب الْعين والحاء لأبي تُرَاب فَلم أَجِدهُ. وَالْمَعْرُوف: مَا فِي نِحْيِه عبكة وَلَا عَبَقَة أَي لَطْخ من السّمن أَو الزَّيْت من عَبِقَ بِهِ وعَبِكَ بِهِ أَي لصق بِهِ.
كحب: قَالَ اللَّيْث: الكَحَب بلُغَة أهل الْيمن النَّوْرَة.
والحَبَّةُ مِنْهُ كَحْبَةٌ. قلت: هَذَا حرف صَحِيح. وَقد رَوَاهُ أَحْمد بن يحيى عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: وَيُقَال: كحَّب العِنَبُ إِذا انْعَقَد.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: الكَحْبُ والكَحْمُ: الحِصْرِمُ لُغَة يَمَانِية.
وروى سَلَمة عَن الْفراء: يُقَال: الدَّرَاهِم بَين يَدَيْهِ كاحِبَة إِذا واجهتك كَثِيرَة. قَالَ: وَالنَّار إِذا ارْتَفع لهبُهَا فَهِيَ كاحِبة.
كبح: قَالَ اللَّيْث: الكَبْح: كَبْحُك الدابةَ باللجام. وَقَالَ غَيره: كَبَحه عَن حَاجته كَبْحاً إِذا ردَّه عَنْهَا، وكبح الحائطُ السهمَ كَبْحاً إِذا أصَاب الْحَائِط حِين رمى بِهِ فَرده عَن وَجهه وَلم يَرْتَزَّ فِيهِ.
وَقيل لأعرابي: مَا للصَّقرِ يُحِبّ الأرنب مَا لَا يحب الخَرَب؟ فَقَالَ: لِأَنَّهُ يكْبَحُ سَبَلَته بذَرْقِهِ فَيَرُدّه.
حكى ذَلِك الْأَصْمَعِي، ثمَّ قَالَ: رَأَيْت صقراً كأَنما صُبَّ عَلَيْهِ وِخاف خِطْمِيٌّ من ذَرْق الحُبَارَى.
قَالَ: والكابحُ: مَن استقبلك مِمَّا يُتَطَيَّرُ مِنْهُ من تَيْسٍ وَغَيره، وَجمعه كوابِحُ. قَالَ البَعِيثُ:
ومُغْتدياتٍ بالنُّحوس كَوَابِح
ح ك م
حكم، حمك، كمح، كحم، محك: مستعملات.(4/68)
حكم: قَالَ اللَّيْث: الحَكَم: الله تبَارك وَتَعَالَى، وَهُوَ أحكم الْحَاكِمين، وَهُوَ الْحَكِيم لَهُ الحُكْم.
قَالَ: والحُكم: العِلم والفِقْه {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً} (مريَم: 12) أَي عِلْماً وفِقهاً، هَذَا لِيَحْيَى بن زكريَّا. وَكَذَلِكَ قَوْله:
الصَّمت حُكم وَقَلِيل فَاعله
والحُكم أَيْضا: القضاءُ بِالْعَدْلِ. وَقَالَ النَّابِغَة:
واحكُم كحُكْم فتاة الحيِّ إِذْ نظرت
إِلَى حَمام سِراعٍ وارِدِ الثَّمَد
قلت: وَمن صِفَات الله: الحَكَم، والحَكِيم والحاكِمُ وَهُوَ أَحكُم الْحَاكِمين، ومعاني هَذِه الْأَسْمَاء مُتَقَارِبَة وَالله أعلم بِمَا أَرَادَ بهَا، وعلينا الْإِيمَان بِأَنَّهَا من أَسْمَائِهِ، والحكيم يجوز أَن يكون بِمَعْنى حاكِم، مثل قدير بِمَعْنى قَادر وَعَلِيم بِمَعْنى عَالم.
وَالْعرب تَقول: حَكَمْت وأَحْكمتُ وحكَّمت بِمَعْنى مَنَعْت ورددت، وَمن هَذَا قيل للْحَاكِم بَين النَّاس حَاكم: لِأَنَّهُ يمْنَع الظَّالِم من الظُّلم. وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي طَالب أَنه قَالَ فِي قَوْلهم: حَكَم الله بَيْننَا، قَالَ الْأَصْمَعِي: أصل الحُكومة ردُّ الرجُل عَن الظُّلم، وَمِنْه سُمِّيت حَكَمةُ اللِّجام: لِأَنَّهَا تَرُدُّ الدَّابَّة. وَمِنْه قَول لبيد:
أحكمَ الجِنْثِيَّ من عَوْراتِها
كلُّ حِرْباءٍ إِذا أُكْرِه صَلّ
والجِنْثِيُّ: السَّيْف، الْمَعْنى ردَّ السيفَ عَن عَوْرَاتِ الدِّرع وَهِي فُرَجُها كلُّ حِرْباء، وَهُوَ المِسْمار الَّذِي يُسَمّر بِهِ حَلْقُها. وَرَوَاهُ غَيره:
أحكم الجِنْثِيُّ من عَوْراتِها
كُل حِرباء ... ... .
الْمَعْنى أحرَزَ الجِنْثِيُّ وَهُوَ الزَّرَّاد مساميرها وَمعنى الإحكام حينئذٍ الإحْرازُ.
وَأَخْبرنِي المُنذري عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: حَكَم فلانٌ عَن الشَّيْء أَي رَجَعَ، وأحْكَمْتُه أَنا أَي رَجَعْتُه قلتُ: جعل ابْن الْأَعرَابِي حكم لَازِما كَمَا ترى كَمَا يُقَال: رَجَعتُه فرجعَ ونقصتُه فنقصَ، وَمَا سَمِعت حكم بِمَعْنى رَجَعَ لغير ابْن الْأَعرَابِي، وَهُوَ الثِّقَةُ الْمَأْمُون.
أَبُو عُبيد: عَن أبي عُبيدة: حَكَمتُ الْفرس وأَحْكمتُه بالْحكَمة، وروينا عَن إِبْرَاهِيم النَّخَعِي أَنه قَالَ: حكِّم الْيَتِيم كَمَا تُحكِّم وَلَدَك.
قَالَ أَبُو عُبيد: قَوْله: حَكِّم الْيَتِيم أَي امْنَعْه من الْفساد وأصلِحْه كَمَا تُصْلِح ولدَك وكما تَمنعهُ من الْفساد.
قَالَ: وكلُّ مَنْ منعتَه من شَيْء فقد حَكّمْتَه وأَحْكَمْتَه.
قَالَ جرير:
بني حنيفَة أَحْكِمُوا سُفهاءَكم
إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم أنْ أَغْضبا
يَقُول: امْنَعوهم من التعرُّض.
قَالَ: ونَرى أنَّ حَكَمَة الدَّابَّة سُمِّيت بِهَذَا الْمَعْنى: لِأَنَّهَا تمنع الدَّابَّة من كثير من الْجَهْل.
وَأما قَول الله جلّ وعزّ: {ال صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - ر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ ءايَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} (هُود: 1) فَإِن التَّفْسِير جَاءَ أَنه أُحْكِمَت آيَاته(4/69)
بِالْأَمر وَالنَّهْي والحلال وَالْحرَام، ثمَّ فُصلت بالوعد والوعيد، وَالْمعْنَى وَالله أعلم أَن آيَاته أُحْكِمَت وفُصِّلت بِجَمِيعِ مَا يُحتاج إِلَيْهِ من الدّلالة على تَوْحِيد الله وتثبيت نُبُوّة الْأَنْبِيَاء وَشَرَائِع الْإِسْلَام، والدليلُ على ذَلِك قَول الله جلّ وعزّ: {مَّا فَرَّطْنَا فِى الكِتَابِ مِن شَىْءٍ} (الأنعَام: 38) .
وَقَالَ بَعضهم: الْحَكِيم فِي قَول الله: {ال صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - ر تِلْكَ ءايَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} (يُونس: 1) إنّه فَعِيل بِمَعْنى مُفْعَل واسْتَدل بقوله جلّ وعزّ: {ال صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - ر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ ءايَاتُهُ} .
قلت: وَهَذَا إِن شَاءَ الله كَمَا قيل: وَالْقُرْآن يُوضِّح بعضُه بَعْضًا، وَإِنَّمَا جَوَّزنَا ذَلِك وصوبناه: لِأَن حَكَمْتُ يكون بِمَعْنى أَحْكَمْت فرُدَّ إِلَى الأَصْل وَالله أعلم.
وروى شمر عَن أبي سعيد الضَّرير أَنه قَالَ فِي قَول النَّخَعِيِّ: حَكِّم الْيَتِيم كَمَا تُحَكِّم ولدَك مَعْنَاهُ حَكِّمْه فِي مَاله ومِلْكهِ إِذا صَلَح كَمَا تُحَكِّم ولدَك فِي مِلْكه.
قَالَ: وَلَا يكون حَكَّم بِمَعْنى أحكم لِأَنَّهُمَا ضدَّان.
قلت: وَالْقَوْل مَا قَالَ أَبُو عُبيد، وَقَول الضَّرِير لَيْسَ بالمَرْضِيّ.
وَأما قولُ النَّابِغَة:
واحكم كَحكم فتاةِ الحَيِّ
فَإِن يَعْقُوب بن السِّكِّيت حكى عَن الرُّواة أَن مَعْنَاهُ كُنْ حَكِيماً كفتاة الحَيِّ أَي إِذا قُلت فأَصِبْ كَمَا أَصَابَت هَذِه المرأةُ إذْ نظرتْ إِلَى الحمَام فأَحْصَتْها وَلم تُخْطِىء فِي عَدَدها.
قَالَ: ويَدُلّك على أَن معنى احكم أَي كُن حكيماً قولُ النَّمِر بن تَوْلَب:
وأبغِضْ بغِيضَك بُغْضاً رُوَيداً
إِذا أَنْت حاولت أَن تَحْكُما
يُرِيد إِذا أردْت أَن تكون حكيما فَكُن كَذَا وَلَيْسَ من الحُكم فِي الْقَضَاء فِي شَيْء.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال للرجل إِذا كَانَ حكيما: قد أَحْكَمَتْه التجارب.
قَالَ: واسْتَحْكَمَ فُلانٌ فِي مَال فلَان إِذا جَاز فِيهِ حُكْمه. وَالِاسْم الحُكومة والأُحْكُومةُ وَأنْشد:
ولَمِثلُ الَّذِي جَمَعت لريبِ الده
ر يَأْبَى حكومةَ المُقتالِ
أَي يَأْبَى حُكومةَ المُحْتكِم عَلَيْك وَهُوَ المُقْتَال.
قلت: وَمعنى الحُكومة فِي أَرْش الْجِرَاحَات الَّتِي لَيْسَ فِيهَا دِيَةٌ مَعْلُومَة أَن يُجْرحَ الإنسانُ فِي مَوضِع من بدنه بِمَا يبْقى شَيْنُه وَلَا يُبطِل العُضوَ فيقتاسُ الْحَاكِم أرْشَه بِأَن يَقُول: هَذَا الْمَجْرُوح لَو كَانَ عبدا غير مَشِين هَذَا الشَّيْنَ بِهَذِهِ الْجراحَة كَانَ قِيمَته ألفَ دِرْهَم، وَهُوَ مَعَ هَذَا الشَّيْن قِيمَتُه تِسْعُ مائَة دِرْهَم، فقد نَقصه الشَّيْنُ عُشْرَ قِيمَته فيجبُ على الْجَارِح فِي الحُرّ عُشرُ دِيَتِه. وَهَذَا وَمَا أشبهه معنى الحُكومة الَّتِي يستعملها الفُقَهاءُ فِي أرش الجِراحات فاعْلَمه.
وَقَالَ اللَّيْث: التَّحكيمُ: قَول الحَرُورِيَّة لَا حُكْمَ إِلَّا لله وَلَا حَكَمَ إِلَّا الله. وَيُقَال:(4/70)
حَكَّمْنَا فلَانا بَيْننَا أَي أَجَزْنا حكمه بَيْننَا. وحاكمنا فلَانا إِلَى الله أَي دعوناه إِلَى حكم الله.
قَالَ اللَّيْث: وَبَلغنِي أَنه نُهِي أَن يُسَمَّى الرجلُ حَكَماً. قلت: وَقد سمَّى النَّاس حكيماً وَحَكَماً وَمَا علمت النَّهي عَن التَّسْمِيَة بهما صَحِيحا.
وَقَالَ اللَّيْث: حَكَمةُ اللِّجامِ: مَا أَحاطَ بحَنَكَيْه وَفِيهِمَا العِذَاران سُمِّي حَكَمَةً: لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الدّابة من الجَرْي الشَّدِيد.
قَالَ: وفَرسٌ مَحْكومةٌ: فِي رَأسها حَكَمَة، وَأنْشد:
محكومة حَكمات القِدِّ والأَبَقَا
وَرَوَاهُ غيرُه:
قد أُحْكِمَت حَكماتِ القِدِّ والأبَقَا
وَهَذَا يدل على جَواز حَكَمْتُ الفَرَس وأَحْكَمْتُه بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ اللَّيْث: وسَمَّى الأعْشى القَصِيدَة المُحْكَمة حَكيمة، فَقَالَ:
وغَرِيبَةٍ تَأتي المُلوكَ حَكِيمةً
قد قُلْتُها ليُقالَ مَنْ ذَا قالَها
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الحَكَمة: حَلْقة تكون على فَمِ الْفرس.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعْرابي: قِيلَ للْحاكم حاكِمٌ لأنّه يَمْنَعُ من الظُّلْمِ.
قَالَ: وحكَمْتُ الرَّجل وأَحْكَمْتُه وحَكَّمْتُه إِذا مَنَعْتَه.
قَالَ: وحَكَم الرجلُ يَحْكُم حُكْماً إِذا بَلَغ النِّهايَة فِي مَعْناه مَدْحاً لازِماً وَقَالَ مُرَقِّش:
يأتِي الشَّبابُ الأَقْوَرِين وَلاَ
تغْبِط أخاكَ أَنْ يُقَالَ حَكَم
أَي بَلَغ النِّهَايَة فِي مَعْنَاهُ.
قَالَ: والمُحَكِّم الشَّارِي. والمُحَكِّم: الَّذِي يحكم فِي نَفْسه.
وَقَالَ شَمِر: قَالَ أَبُو عَدْنان: اسْتَحْكَم الرجل إِذا تَناهَى عَمَّا يَضُرُّه فِي دينه أَوْ دُنْياه وَقَالَ ذُو الرُّمَّة:
لَمُسْتَحْكِمٌ جَزْلُ المُروءَةِ مُؤْمِنٌ
من القوْم لَا يَهْوَى الكلاَمَ اللَّواغِيا
قَالَ: وَيُقَال: حَكَّمْتُ فُلانا أَي أَطْلَقْتُ يَدَه فِيمَا شَاءَ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحَكَمَةُ: القُضَاةُ، والحَكَمَةُ: المُسْتَهْزِئون.
حمك: قَالَ اللَّيْث: الحَمَكُ من نعت الأَدِلاَّءِ تَقول: حَمِك يَحْمَكُ.
أَبُو عُبَيد عَن أبي زَيْد: الحَمَكَة: القَمْلَة، وَجَمعهَا حَمَك.
وَقَالَ: قد يُقْتاسُ ذَلِك لِلذَّرَّة وَمن ذَلِك قِيلَ للصبيان: حَمَك صِغار.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: إنَّه لمن حَمَكِهم أَي من أَنْذَالِهم وضُعَفائهم.
والفراخ تدعى حَمَكاً.
وَقَالَ الرَّاعي يصف فِراخَ القطا:
صَيْفِيَّةٌ حَمَكٌ حُمْرٌ حَواصِلُها
فَمَا تكادُ إلَى النَّقْناقِ تَرْتفِع
أَي لَا تَرْتَفِعُ إِلَى أُمَّهاتِها إِذا نَقْنَقَتْ.
وقَوْل الطِّرِمَّاحِ:(4/71)
وَابْن سَبيلٍ قَرَّبْتُه أُصُلاً
من فَوْز حَمْكٍ مَنْسُوبَةٌ تُلُدُه
أَرَادَ من فوز قِداح حَمكٍ فَخَفَّفَه لِحَاجَتِهِ إِلَى الوَزْن، والرِّواية المَعْرُوفَة من فَوْز بُحَ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحَمَكَةُ: الصَّبِيَّةُ الصغيرةُ، وَهِي القَمْلَةُ الصغيرةُ.
محك: اللَّيْث: المَحْك: التَّمَادي واللِّجاجَة. يُقَال: تَماحَك البَيِّعان.
وَقَالَ غَيره: رَحل مَحِك ومُماحِك ومَحْكانُ إِذا كَانَ لَجُوجاً عَسِرَ الْخُلُق.
وَفِي (النَّوادِر) : رجل مُمْتَحِك وَرجل مُسْتَلْحِك ومُتَلاحِكٌ فِي الغَضَب، وَقد أَمْحَكَ وألكَدَ يكون ذَلِك فِي الغَضَب وَفِي البُخْل.
كمح: قَالَ اللَّيْث: الكَمْحُ: رَدُّ الفَرَسِ بِاللِّجام.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الكَمَحَة: الرَّاضَةُ.
وَقَالَ اللِّحياني: كَبَحْتُه باللِّجان وأَكْبَحْتُه وكَمَحْتُه بِمَعْنى وَاحِد.
قَالَ: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: أَكْمَحْتُ الدَّابَّة إِذا جَذَبْتَ عِنانَها حَتَّى تصيرَ مُنْتَصِبَةَ الرَّأْس.
قَالَ ذُو الرُّمَّة:
... والرأسُ مُكْمَح
قَالَ: وكبَحْتُها باللِّجام بِغَيْر ألف، وَهُوَ أنْ تَجْذِبَها إِلَيْك، فتَضْرِبَ فاها باللِّجامِ لكيلاَ تَجْرِي.
وَقَالَ اللِّحياني: إنَّه لمُكْمَح ومُكْبح أَي شامخٌ. وَقد أُكْبِح وأُكْمِح إِذا كَانَ كَذَلِك.
ابْن شُمَيْل: أكْمَحَت الزَّمَعَة إِذا مَا ابيَضَّت وخَرَجَ عَلَيْهَا مثلُ القُطْن فَذَلِك الإكماحُ، والزَّمَعُ: الأُبَنُ فِي مَخارج العناقيد. ذَكَرَهُ عَن الطَّائِفي.
أَبُو زَيْد: الكَيْمُوحُ، والكِيحُ: التُّرابُ.
يُقَال: لِفُلاَن الكِيحُ والكَيْمُوح، قَالَ: الكِيحُ: التُّرَابُ. والكَيْمُوح: المُشْرِفُ.
وَقَالَ غَيره: الكَوْمَحان: هما حَبْلاَن من حِبال الرَّمْل معروفان. قَالَ ابنُ مُقْبل:
أناخَ برَمْل الكومَحَيْن إنَاخَة الْ
يَمانِي قِلاَصاً حَطّ عَنْهُنْ أَكْوُرا
يصِفُ سحابا. وَالْعرب تَقول: احْثُ فِي فِيه الكَوْمَح يَعْنُون التُّراب.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: الكَوْمَح: الرجل المُتراكِبُ الأسنَانِ فِي الفمِ حَتَّى كأنَّ فاهُ قد ضاقَ بأسنانِه. وَأنْشد:
أُهْجُ القُلاخَ واحْشُ فَاهُ الكَوْمَحا
تُرْباً فأَهْلٌ هُوَ أَنْ يُقَلَّحَا
(أَبْوَاب الْحَاء وَالْجِيم)
ح ج ش
شحج، جحش: (مستعملات) .
شحج: قَالَ اللَّيْث: الشِّحيجُ: صَوت البغلِ وبعضُ أصوات الحِمار تَقول: شَحَجَ البغلُ يَشْحَجُ شَحِيجاً، والغُراب يَشْحَجُ شَحَجاناً، وَهُوَ ترجِيعُه الصَّوتَ فَإِذا مَدَّ رَأسه قلت: نَعَب. وَيُقَال للبِغال: بنَاتُ شاحِجٍ وَبَنَات شحَّاج، وَيُقَال لحِمار الْوَحْش: مِشْحَج وشَحَّاج. وَقَالَ لَبِيد:(4/72)
فَهُوَ شَحَّاجٌ مُدِلٌّ سَنِق
لَاحق البَطْنِ إِذا يَعْدُو زَمَل
وَقَالَ غَيره: يُقَال للعربان: مُسْتَشْحَجَات ومُسْتَشْحِجَات بِفَتْح الْحَاء وَكسرهَا. قَالَ ذُو الرُّمَّة:
ومُسْتَشْحَجاتٍ بالفِراقِ كأنّها
مَثَاكِيلُ من صُيَّابَةِ النُّوبِ نُوَّحُ
وَهُوَ الشُّحَاجُ والشَّحِيجُ، والنُّهاقُ والنَّهِيقُ.
جحش: اللَّيْث: الجَحْشُ: من أَوْلَاد الْحمار كالمُهْرِ من الخَيْل والجميعُ الجِحَاش، وَالْعدَد جِحَشَة. الْأَصْمَعِي: الجَحْشُ: من أَوْلَاد الحَمِير من حِين تَضَعُه أُمُّه إِلَى أَن يُفْطَمَ من الرَّضاع، فَإِذا اسْتكْمل الحَوْلَ فَهُوَ تَوْلَب. وَقَالَ اللَّيْث: الجَحْشَةُ يَتَّخِذُها الرَّاعي من صُوفة كالحَلْقة يُلقيها فِي يَده ليَغْزِلها.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الجَحْشَةُ: الحَلْقَةُ من الوَبَر تكون فِي يَدِ الرَّاعي يَغْزِلُ مِنْهَا.
وَقَالَ اللَّيْث: الجِحاشُ: مُدَافَعَة الْإِنْسَان الشَّيْء عَن نَفسه وَعَن غَيره. وَقَالَ غَيره: هُوَ الجِحاشُ والجِحاسُ، وَقد جاحَشَه وجاحَسَه مُجاحَشَةً ومْجاحَسَةً إِذا قاتَلَه.
ورُوِي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّه سَقَطَ من فرس فجُحِش شِقُّه. قَالَ أَبُو عُبَيد: قَالَ الْكسَائي فِي (جَحَش) : هُوَ أَن يُصِيبَه شَيْء فَيَنْسَحِج مِنْهُ جلدُه وَهُوَ كالخَدْش أَو أَكْبَر من ذَلِك. يُقَال: جُحِش يُجْحَشُ فَهُوَ مَجْحُوش.
وَقَالَ ابْن الفَرَج: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الجَحْش: الجِهادُ، قَالَ: وتُحوَّل الشين سِيناً، وَأنْشد:
يَوْمًا تَرَانا فِي عِراكِ الجَحْشِ
نَنْبُو بأجْلالِ الأُمُور الرُّبْشِ
أَي الدَّوَاهِي الْعِظَام.
والجَحْيش: الفريد. يُقَال: نزل فُلاَنٌ جَحِيشاً إِذا نزل حَرِيداً فريدا.
وَقَالَ شمر: الجَحِيشُ: الشِّقّ والنَّاحيةُ، يُقَال: نَزَل فلَان الجَحيشَ. قَالَ الْأَعْشَى:
إِذا نَزَل الحَيُّ حَلَّ الجَحِيشُ
شَقِيّاً مُبِيناً غَوِيّاً غَيُورا
قَالَ: وَيكون الرجل مَجْحُوشا إِذا أُصيب شِقُّه مُشْتَقّاً من هَذَا. قَالَ: وَلَا يكون الجَحْشُ فِي الْوَجْه وَلَا فِي الْبدن، وَأنْشد:
لجارتنا الجَنْبُ الجَحِيشُ وَلَا يُرَى
لجارَتِنَا منا أخٌ وصَدِيقُ
وَقَالَ الآخر:
إِذا الضَّيْفُ أَلْقَى نَعْلَه عَن شمَالِه
جَحِيشاً وصَلَّى النارَ حَقّاً مُلَثَّما
قَالَ: جَحِيشا أَي جانباً بَعيدا.
ح ج ض
اسْتعْمل من وجوهه: (حضج) .
حضج: قَالَ اللَّيْث: انْحَضَجَ الرجل إِذا ضَرَبَ بِنَفسِهِ الأرضَ، وَيُقَال ذَلِك إِذا اتَّسَع بَطْنُه، فَإِذا فعلتَ أَنْت بِهِ ذَلِك قلتَ: حضجتُه كأنّك أدخلت عَلَيْهِ مَا كَاد يَنْشَقُّ مِنْهُ. ورُوِي عَن أبي الدّرْداءِ أَنّه قَالَ فِي الرَّكعتين بعد الْعَصْر: (أَمَّا أَنا فَلَا أدَعهُما، فَمن شَاءَ أَنْ يَنْحَضِج فَلْيَنْحَضج) قَالَ أَبُو عُبَيد: قَوْله: أَن ينحضج يَعْنِي أَن يَنْقَدَّ من الغَيْظ ويَنْشَقَّ. وَمِنْه قيل للرّجل إِذا اتَّسَع(4/73)
بطنُه وتَفَتَّقَ: قد انْحَضَج. وَيُقَال ذَلِك أَيْضا إِذا ضَرَب بِنَفسِهِ الأرضَ، فَإِذا فعلت بِهِ أنتَ ذَلِك، قلت: حَضَجْتُه.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: يَنْحَضِجُ: يَضْطَجعُ.
أَبُو عُبيد عَن الْأَصْمَعِي: أخذتُه فحَضَجْتُ بِهِ الأرضَ، أَي ضَرَبْتُ بِهِ الأَرْض. وَقَالَ مُزاحم:
إِذا مَا السوْطُ شَمَّر حالِبيْه
وقلَّص بُدْنُه بعد انْحضَاج
الحَالِبان: عِرْقان يكُونان من الخَصْرين يَعْنِي بعد انتِفاح وسِمَن. وَامْرَأَة مِحْضاج: واسعَةُ البَطْن.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَضيجُ: المَاء الْقَلِيل. يُقَال: حِضْج وحَضْج. قَالَ أَبُو عُبَيْد عَن الْأَصْمَعِي: الحِضْجُ: الماءُ الَّذِي فِيهِ الطِّين يَتَمَطَّطُ. قَالَ: وأخبَرني أَبُو مَهْدِيّ قَالَ: سَمِعت هِمْيان بن قُحافة ينشده:
فأسْأرَتْ فِي الْحَوْض حِضْجاً حاضِجا
وَقَالَ أَبُو عَمْرو فِي قَول رُؤْبة:
فِي ذِي عُبابٍ مالىء الأحضَاجِ
قَالَ: الأحضاجُ: الحِياضُ وَيُقَال: حِضْجُ الْوَادي: ناحِيَتُه.
وَقَالَ أَبُو سعيد: حَضَجَ إِذا عدا والمُحْضَجُ: الحائِدُ عَن السَّبِيل.
سَلَمَةُ عَن الفرَّاء قَالَ: المِحْضَبُ والمِحْضج والمِسْعَر: مَا يُحرَّك بِهِ النَّار. يُقَال: حَضَجْتُ النارَ وحَضبْتها.
أَبُو زيْد: حَضَجَ البعِيرُ بِحمْله وانْحضَجَت عَنهُ أداتُه انْحضاجا.
سَلَمَةُ عَن الفرَّاء: حَضَجتُ فلَانا ومغَثْتُه ومثْمَثْتُه وبرْطَلْته كُله بِمَعْنى غَرَّقْته. وَفِي الحَدِيث أنَّ بَغْلَةَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لمَّا تنَاول الْحَصَى ليَرْمِي بِهِ يَوْم حُنَيْن فَهِمَت مَا أَرَادَ فانْحضجَت أَي انْبسطَت، قَالَه ابْن الْأَعرَابِي فِيمَا رَوى عَنهُ أَبُو العبَّاس، وَأنْشد:
ومُقَتَّتٍ حضجَتْ بِهِ أيّامُه
قد قاد بعْدُ قلائِصا وعِشارا
قَالَ: مُقَتِّتٌ: فَقير. حَضَجَت: قَالَ: انْبسطَت أَيَّامه فِي الفقّرِ فأغناه الله وَصَارَ ذَا مَال.
ح ج ص
أهملت وجوهه.
ح ج س
اسْتعْمل من وجوهه: سحج، سجح، جحس.
سحج: قَالَ اللَّيْث: سَحجْتُ رَأْسِي بالمُشْط سَحْجا وَهُوَ تسريحٌ لَيّن على فرْوة الرَّأْس.
قَالَ: والسَّحْجُ: أَن يُصِيب الشيءُ الشيءَ فيَسْحجُه أَي يقشِر مِنْهُ شَيْئا قَلِيلا كَمَا يُصيبُ الحافِرَ قبل الوَجَى سَحجٌ.
وانْسحج جِلدُه من شَيْء مرَّ بِهِ إِذا تَقشَّر الجلدُ الْأَعْلَى.
قَالَ: والسَّحْجُ فِي جرْي الدَّوابّ: دون الشَّدِيد. يُقَال: حمارٌ مِسْحجٌ ومِسحاجٌ. وَقَالَ النابِغة:
رَباعِيَةٌ أضَرَّ بهَا رَباعٌ
بِذاتِ الجِذْع مِسحاجٌ شَنُون
وَقَالَ غَيره: مَرَّ يسحَجُ أَي يُسْرع. وَقَالَ(4/74)
مُزَاحِم:
على أثر الجُعْفِيِّ دهْرٌ وَقد أَتَى
لَهُ مُنْذُ ولَّى يَسْحَجُ السّير أرْبَعُ
وَقَالَ اللَّيْث: التَّسْحِيج: الكَدْمُ وَأنْشد:
قِلْواً ترى بِليتِه مُسحَّجاً
قلت: كَأَنَّهُ أَرَادَ تَرَى بِليتِه تَسْحيجاً فَجعل مُسَحَّجاً مصدرا. والمُسحَّجُ: المُعضَّضُ وَهُوَ من سَحَج الْجلد.
سجح: قَالَ اللَّيْث: الإسجاح: حُسن العَفْو. وَمِنْه الْمثل السائر (ملكْتَ فأسْجِحْ) وَقَالَ أَبُو عُبيد: من أمثالِهم فِي العفْو عِنْد الْقُدْرَة: (مَلكْت فأسْجِح) قَالَ: هَذَا يُرْوى عَن عَائِشَة أَنَّهَا قالته لِعلِيّ رَضِي الله عَنْهُمَا يَوْم الْجمل حِين ظَهَر على النَّاس فدَنَا من هَوْدَجِها، ثمَّ كَلَّمها بِكَلَام، فأجابتْه: ملكْت فأسجِح أيْ ظفِرْت فأحْسِن، فجهَّزها عِنْد ذَلِك بأحْسن الْجِهازِ إِلَى الْمَدِينَة.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: الأسْجحُ: الخَلْق المُعتَدِل الحَسَنُ. وَقَالَ اللَّيْث: (السَجَحُ) ليِّنُ الخدِّ، والنَّعت أسْجَح، وَأنْشد:
وخَدٌّ كمِرآة الغَرِيبة أسْجَح
قَالَ: وَيُقَال: مَشى فلانٌ مشْياً سجيحاً وسُجُحاً. وأنْشَدَ:
ذَرُوا التَّخاجى وامشوا مِشْيةً سُجُحاً
إنَّ الرِّجالَ أُولُو عَصْبٍ وتذْكيرِ
اللَّيْث: سَجَحَتِ الحَمامة وسَجَعَت قَالَ: ورُبما قَالُوا مُزْجِح فِي مُسْجِح كالأَزْدِ والأَسْد.
الأصمعيّ: بَنَى القومُ دُورَهم على سَجِيحَة وَاحِدَة وغِرارٍ وَاحِد أَي على قَدْرٍ وَاحِد.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: السَّجِيحَة: السَّجِيَّةُ والطَّبيعَةُ، قَالَه أَبُو زيد. قَالَ: وَيُقَال: خلّ عَن سُجْحِ الطَّرِيق أَي عَن سَنَنِه.
وَكَانَت فِي تَمِيم امْرَأَةٌ كَذَّابة أَيَّامَ مُسَيْلِمَة المْتَنَبِّىء فَتَنَبَّتْ هِيَ واسْمُها سَجاح. وبَلَغَني أنَّ مُسَيْلِمة لَعنه الله خطبَها. فتزوَّجَتْه.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: رَكِبَ فلَان سَجِيحَة رأيِه وَهُوَ مَا اخْتَارَهُ لنَفسِهِ من الرّأْي فَرَكِبه.
وَفِي (النَّوادِرِ) : يُقَال: سَجَحْت لَهُ بِشَيْء من الْكَلَام، وسَرَحْتُ وسَجَّحْتُ، وسَرَّحْتُ، وسَنَحْتُ، وسَنَّحْتُ، إِذا كَانَ كلامٌ فِيهِ تَعْرِيض بِمَعْنى من المَعَانِي.
جحس: قَالَ ابْن السِّكِّيت: جاحَسَه وجاحَشَه إِذا قاتَلَه، وَأنْشد:
لَوْ عَاشَ قاسَى لكَ مَا أُقاسِي
وَالضَّرْب فِي يَوْم الوَغى الجِحاسِ
ح ج ز
اسْتعْمل من وجوهه: حجز، جزح.
حجز: قَالَ اللَّيْث: الحَجْزُ: أَن تَحْجِزَ بَين مُقَاتِلَيْن، والحِجازُ: الِاسْم وَكَذَلِكَ الحاجِزُ. قَالَ الله جلّ وعزّ: {رَوَاسِىَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ} (النَّمل: 61) أَي حِجَازاً بَين مَاء مِلْحٍ وَمَاء عذب(4/75)
لَا يَخْتلطان، وَذَلِكَ الْحجاز قُدرَةُ الله، قَالَ: وسُمِّي الحجَازُ حِجازاً، لِأَنَّهُ فَصَل بَين الغَوْر والشّأم وَبَين البادِية. قلت: سُمِّي الحِجَازُ حِجَازاً لأنّ الحِرارَ حَجزَت بَينه وَبَين عالِيَة نَجْد. وَقَالَ ابْن السِّكَّيت: مَا ارْتَفع عَن بطن الرُّمَّة فَهُوَ نجد، قَالَ: والرُّمة: وادٍ معْلُوم، قَالَ: وَهُوَ نَجْد إِلَى ثَنايَا ذاتِ عِرْق، قَالَ: وَمَا احْتَزَمَت بِهِ الحرَار حرَّة شَوْران وعامَّة منازِل بني سُلَيْم إِلَى الْمَدِينَة، فَمَا احتاز فِي ذَلِك الشق كُله حِجَاز. قَالَ: وطَرَف تِهامة من قِبَل الْحجاز: مَدارِج العَرْج، وأولها من قِبَل نَجْد مَدارج ذاتُ عِرْق. وَأَخْبرنِي المُنذِرِيّ عَن الصَّيداويّ عَن الرِّياشِيّ عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: إِذا عَرضَت لَك الحِرارُ بنَجْد فَذَلِك الْحجاز وَأنْشد:
وفَرُّوا بالحجازِ ليُعْجِزُوني
أَرَادَ بالحجاز الحِرارَ.
وَيُقَال للجِبالِ أَيْضا حِجاز، وَمِنْه قَوْلُه:
ونَحْن أُنَاسٌ لَا حِجاز بأرضنا
وَقَالَ أَبُو عُبيد: كَانَت بَين الْقَوْم رِمِّيَّا ثمَّ حجزت بَينهم حِجِّيزَى. يُرِيدُونَ كَانَ بَينهم رمي ثمَّ صَارُوا إِلَى المحاجزة قَالَ: والحِجِّيزَى من الحَجْزِ بَين اثْنَيْنِ. وَمن أمثالهم (إِن أردْت المُحَاجزة فَقبل المُناجزة) قَالَ: والمحاجزة: المسالمة، والمناجزة: الْقِتَال.
اللَّيْث: الحِجاز: حَبْل يُلقى للبعير من قِبَل رجلَيْهِ ثمَّ يُناخُ عَلَيْهِ يُشَدُّ بِهِ رُسغا رجلَيْهِ إِلَى حِقْوَيْه وعَجُزِه.
أَبُو عُبيد عَن الْأَصْمَعِي: حَجَزْت الْبَعِير أحْجِزُه حَجْزاً وَهُوَ أَن يُنِيخه ثمَّ يَشُدَّ حبلاً فِي أصل خُفّيْه جَمِيعًا من رِجْليه ثمَّ يرفع الْحَبل من تَحْتَهُ حَتَّى يَشُده على حِقْوَيْه وَذَلِكَ إِذا أَرَادَ أَن يرْتَفع خُفّه، وَقَالَ ذُو الرُّمَّة:
فهُنّ من بَين مَحْجُوزٍ بنافذةٍ
وقَائِظٍ وكِلاَ رَوْقَيْه مُخْتَضِبُ
الْأمَوِي: فِي الحَجْز مثله أَو نَحوه.
وَقَالَ شمر: المُحْتَجِزُ: الَّذِي قد شَدَّ وسَطه. قَالَ: وَقَالَ أَبُو مَالك: يُقَال لكلِّ شَيْء يَشُدُّ بِهِ الرجُل وَسطه ليشمر ثِيَابه حِجاز قَالَ: وَقَالَ الإيادِي الاحْتِجازُ بِالثَّوْبِ: أَن يُدْرِجه الْإِنْسَان فيَشُدُّ بِهِ وَسطه، وَمِنْه أُخِذَتْ الحُجْزَة، وَقَالَت أُمُّ الرَّحَّال: إِن الْكَلَام لَا يُحْجَز فِي العِكْم كَمَا يُحْجَزُ العَباء. وَقَالَت: الحَجْزُ. أَن يُدْرج الحَبْل على العِكْم ثمَّ يُشَدُّ. والحَبْل هُوَ الحِجازُ.
وَقَالَ اللَّيْث: الحُجْزَةُ: حَيْثُ يُثْنَى طَرَفُ الْإِزَار فِي لَوْثِ الْإِزَار، وَجمعه حُجُزَات.
قَالَ: وحُجْز الرجل: مَنْبتُه وأصْلُه، وحُجْزُه أَيْضا: فَصلُ مَا بَين فَخِذه والفَخِذ الْأُخْرَى من عشيرته، وَقَالَ رؤبة:
فامْدَح كريمَ المُنْتَمَى والحُجْز
وَقَالَ أَبُو عمر: الحُجْز: الأَصْل والنَّاحية، وَقَالَ غَيره: الحُجْز: الْعَشِيرَة يَحْتَجِز بهم، وَرَوَاهُ ابْن الْأَعرَابِي:
كَرِيم المُنْتمَى والحُجْزِ
أَرَادَ أنَّه عفيف طَاهِر، كَقَوْل النَّابغة:
رِقَاقُ النِّعال طَيِّب حُجُزَاتهم(4/76)
يُرِيد أَنهم أَعِفّاء عَن الْفُجُور.
ابْن السّكيت: انحجز الْقَوْم واحتَجَزوا إِذا أَتَوا الْحجاز.
وَقَالَ ابْن بُزُرْج: الحَجَزُ والزَّنَجُ وَاحِد. يُقَال: حَجِزَ وزنِجَ وَهُوَ أَن تَقَبَّضَ أَمْعَاءُ الرَّجُل ومصارينُه من الظَّمأ، فَلَا يَسْتَطِيع أَن يُكْثِر الشُّرْب وَلَا الطُّعْم.
جزح: أَبُو عبيد عَن أبي عمْرو: الجَزْحُ: العَطِيَّة يُقَال: جَزحْت لَهُ أَي أَعْطَيْتُه. وَأنْشد أَبُو عَمْرو لِابْنِ مُقْبل:
وإنِّي إذَا ضَنَّ الرَّفُود بِرِفْده
لمُخْتَبِط من تالد المالِ جازِحُ
وَقَالَ بَعضهم: جازحٌ أَي قاطعٌ أَي أَقْطَع لَهُ مِنْ مَالِي قِطعةً.
ح ج ط
جطح: قَالَ اللَّيْث: تَقول الْعَرَب للعنز إِذا استصْعَبَت على حالِبها: جِطِحْ أَي قِرِّي فتَقِرُّ.
ح ج د
حدج، جدح، جحد، دحج: مستعملة.
دحج: أهمله اللَّيْث: وَقَالَ أَبُو عَمْرو: دَحَج إِذا جَامع.
جحد: قَالَ اللَّيْث: الجُحود: ضِدُّ الإقرارِ كالإنكار والمعرفة.
قَالَ: والجَحَد من الضِّيق والشُّحِّ. يُقَال: رجل جَحِد: قَليلُ الخَيْر.
وَقَالَ الْفراء: الجَحْد والجُحْد: الضِّيقُ فِي الْمَعيشَة. يُقَال: جَحِد عَيْشُهم جَحَداً إِذا ضاقَ واشتدَّ. وأنشدني بعضُ العرَب فِي الجُحْد:
لئِنْ بَعَثَتْ أُمُّ الحُمَيْدَيْنِ مائِراً
لقد غَنِيَتْ فِي غير بُؤسٍ وَلَا جُحْد
أَبُو عُبيد عَن أبي عَمْرو: أَجْحد الرجل وجَحَد إِذا أنْفَضَ وذَهَب مَالُه. وَأنْشد:
وبيضاءَ من أهل الْمَدِينَة لم تَذُقْ
يبيساً وَلم تَتْبَع حَمُولَةَ مُجْحِدقِ
أَبُو عُبَيد: فرس جَحْد، والأُنثى جَحْدَة والجميع جِحاد وَهُوَ الغليظُ القصيرُ.
وَقَالَ شمر: الجُحادِيَّة: قِرْبَةٌ مُلِئت لَبَناً أَو غرارة مُلِئَت تَمرا أَو حِنْطَةً. وَأنْشد:
وَحَتَّى تَرَى أنّ العَلاَةَ تُمِدّها
جُحَاديَّة والرائحاتُ الرَّواسم
وَقد مَرّ تَفْسِير الْبَيْت فِي مُعْتَلِّ العَيْنِ.
حدج: اللَّيْث: الحَدَج: حَمْلُ البِطِّيخ والحَنْظل مَا دَامَ رَطْباً، والواحدة حَدَجَة.
قَالَ: وَيُقَال: ذَلِك لحَسَك القُطْب مَا دَامَ رَطْباً، والحُدْج لُغَة فِيهِ.
أَبُو عُبيد عَن الْأَصْمَعِي: إِذا اشْتَدَّ الْحَنْظَلُ وصَلُب فَهُوَ الحَدَجُ، وَاحِدهَا حَدَجَة، وَقد أحْدَجَت الشَّجَرَة قَالَ: ونحْوَ ذَلِك قَالَ أبُو الوَلِيد الْأَعرَابِي.
اللَّيْث: التَّحْديج: شِدَّة النَّظَر بَعْدَ رَوْعَة وفَزْعَة.
ورُوي عَن ابْن مَسْعُود أَنَّه قَالَ: (حَدِّثِ القَوْمَ مَا حَدَجُوك بأَبْصَارهم) .
قَالَ أَبُو عُبيد: يَعْنِي مَا أحدُّوا النّظر إِلَيْك. يُقَال: حدَجَني بِبَصره إِذا أحد النظَر إِلَيْهِ. قَالَ وَمِنْه حديثٌ يُروَى فِي المِعْراج (ألم(4/77)
تَرَوْا إِلَى مَيِّتِكم حِين يَحْدِج ببصره فَإِنَّمَا يَنظُر إِلَى المِعْراج من حُسْنه) .
وَقَالَ أَبُو النَّجْم:
تُقَتِّلُنا مِنْهَا عُيونٌ كأَنها
عُيون المهَا مَا طَرْفُهن بحادِجِ
يُرِيد أَنَّهَا ساجِيَةُ الطَّرْف. قَالَ: وَالَّذِي يُرادُ من الحَدِيث أنَّه يَقُول: حدِّثهم مَا داموا يَشتهُون حَدِيثك ويَرمُونك بأَبصَارِهم. فَإِذا رَأيتَهُم مَلُّوا فَدَعهُم. قلت: وَهَذَا يَدلُّ على أنَّ الحَدِيث يكونُ فِي النَّظَر بِلَا رَوْعٍ وَلَا فَزَع.
ابْن السّكيت: حَدَجَه بسَهْم إِذا رَمَاه بِهِ. يُقَال: حَدَجَه بذَنْب غَيْره حَمَلَه عَلَيْه وَرَمَاه بِه، قَالَ: وَحَدج البعيرَ حَدْجاً إِذا شَدَّ عَلَيْهِ أَداته. وحَدَجَه ببصره إِذا رَمَاه بِهِ حَدْجاً وَقَالَ ابْن الفَرَج: حَدَجَه بالْعَصا حَدْجاً وحَبَجَه بهَا حَبْجاً إِذا ضَرَبُه بهَا.
وَقَالَ اللَّيْث: الْحِدْجُ: مركب لَيْسَ بِرَحْلٍ وَلَا هَوْدَج يركبه نساءُ الْأَعْرَاب، قَالَ: وحَدَجْتُ النَّاقَةَ أَحْدِجُها حَدْجاً، وَالْجمع حُدُوجٌ وأَحْدَاجٌ.
وَقَالَ شمر: سَمِعت أَعْرَابِيًا يَقُول: أُنظر إِلَى هَذَا الْبَعِير الغُرْنُوقِ الَّذِي عليهِ الحِدَاجَةُ، قَالَ: وَلَا يُحْدَجُ الْبَعِير حَتَّى يكمُل فِيهِ الأداةُ وَهِي البِدادان والبِطانُ والحَقَبُ.
قلت: وسمعتُ العربَ تقولُ: حَدَجْتُ البعيرَ. إِذا شددتَ عَلَيْهِ حِدَاجَتَه، وَجمع الحِدَاجَةِ حَدائجُ، والعربُ تسمِّي مخالي القَتَب أَبِدَّةٌ واحِدُها بِدَادٌ، فَإِذا ضُمَّتْ وأُسِرَتْ وشُدَّتْ إِلَى أَقْتَابها مَحْشُوَّةً فَهِيَ حينئذٍ حِدَاجَة ويُسَمَّى الهَوْدَجُ المشدود فَوق القَتَب حَتَّى يُشَدُّ عَلَى الْبَعِير شَدّاً وَاحِدًا بِجَمِيعِ أَداته حِدْجاً وَجمعه حُدوج. وَيُقَال: أَحْدِج بعيرَك، أَي شُدَّ عَلَيْهِ قَتَبَهُ بأَداته.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْهَيْثَم لِابْنِ السّكيت قَالَ: الحُدوجُ والأَحْداجُ والحَدَائجُ: مراكب النِّسَاء، وَاحِدهَا حِدْجٌ وحِداجةٌ. قلت وَالصَّوَاب: مَا فسَّرْتُه لَك وَلم يُفَرِّق ابنُ السّكيت: بَين الحِدْج والحِداجَة وَبَينهمَا فرق عِنْد الْعَرَب كَمَا بَينته لَك.
وَقَالَ ابْن السّكيت: سَمِعت أَبَا صاعد الْكلابِي يَقُول: قَالَ رجل من الْعَرَب لصاحبِه فِي أَتانٍ شَرُودٍ: إلْزَمْها رَمَاهَا الله بِرَاكِب قَلِيل الْحِداجَة بعيد الْحَاجة، أَرَادَ بالحِداجة أَدَاة القَتَب.
ورُوي عَن عمر أنهُ قَالَ: (حَجَّةً هَاهُنَا ثمَّ احْدِجْ هَاهُنَا حَتَّى تفْنَى) . قَالَ أَبُو عُبَيد: أحْدج هَهُنَا يَعْنِي إِلَى الْغَزْو. قَالَ والحَدْجُ شَدُّ الأحْمَالِ وتوسيقها يُقَال: حَدَجْتُ الْأَحْمَال أَحْدِجُها حَدْجاً وَالْوَاحد مِنْهَا حِدْج وَجَمعهَا حُدُوجٌ وأَحْدَاجٌ وَأنْشد قَول الْأَعْشَى:
أَلاَ قُلْ لِمَيْثَاء مَا بالها
أَلِلْبَيْنِ تُحْدَجُ أَحمَالُهَا
قَالَ: ويُرْوى تُحْدَجُ أجمالُها أَي يُشَدُّ عَلَيْهَا قلت: معنى قَول عمر: ثمَّ أحْدِج هَهُنَا أَي شُدَّ الحِدَاجَةَ وَهُوَ القَتَب بأداته على الْبَعِير للغزو. وَالرِّوَايَة الصَّحِيحَة(4/78)
تُحدَجُ أَحمالُها وَأما حَدْجُ الأحمالِ بِمَعْنى توسيقها فَغير مَعْرُوف عِنْد الْعَرَب وَهُوَ غلط. وَأما الحِدْجُ بِكَسْر الْحَاء، فَهُوَ مركَب من مراكب النِّسَاء نَحْو الهودج والمحفَّةُ ومنهُ الْبَيْت السائر:
شَرَّ يَوْمَيْها وأَغْوَاهُ لَهَا
ركِبَتْ عَنْزٌ بِحِدْجٍ جَمَلاَ
وَقَالَ الآخر:
فَخْرَ البَغِيّ بِحِدْج رَبَّ
تها إِذا مَا النَّاس شَلُّوا
شمر عَن أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ: يُقَال: حَدَجْتُهُ بِبيع سوء إِذا فعلتَ ذَلِك بِهِ. قَالَ: وأنشدني ابْن الْأَعرَابِي:
حَدَجْتُ ابْن محدوج بستين بَكْرَةً
فلمَّا استَوَتْ رِجْلاهُ ضجَّ من الوِقر
قَالَ: وَهَذَا شعر امْرَأَة تزَوجهَا رجل عَلَى ستِّين بكْرة. وَقَالَ غَيره. حَدَجْتُه بِبيع سَوْء ومتاع سَوْء إِذا ألزمته بيعا غبنتَه فِيهِ. ومنهُ قَول الشَّاعِر:
يَعِجُّ ابنُ خِرْباقٍ من البيع بعد مَا
حَدَجْتُ ابْن خرباقٍ بجَرْباء نازعِ
قلت: جعله كبعير شُدَّ عليهِ حِداجته حِين ألزمهُ بَيْعاً لَا يقَالُ منهُ.
وَقَالَ ابْن شُمَيل: أهل اليمامةِ يُسمُّون بطيخاً عِنْدهم أخضرَ مثل مَا يكون عندنَا أَيَّام التِّيرمَاه بِالْبَصْرَةِ الحَدَج.
قَالَ. والحَدَجَةُ أَيْضا. طَائِر شَبيه بالقطَا وَأهل الْعرَاق يسمون هَذَا الطَّائِر الَّذِي نُسَمِّيهِ اللَّقْلقَ أَبَا حُدَيجٍ.
جدح: اللَّيْث: جَدَحَ السويقَ فِي اللَّبن وَنَحْوه إِذَا خاضه بالْمِجْدَح حَتَّى يختَلِط.
قَالَ: والْمِجْدَح: خَشَبَة فِي رَأْسها خشبتان مُعتَرِضتان.
قَالَ: وَالْمِجْدَح فِي أَمْر السَّماء يُقَال: تردُّدُ رَيِّق المَاء فِي السَّحَاب. يُقَال: أرْسلت السَّمَاء مَجَاديحَها. وَرُوِيَ عَن عُمَرَ أَنه خرج إِلَى الاسْتِسْقَاء فَصَعدَ الْمِنبر فَلم يزدْ على الاسْتِغْفَار حَتَّى نزل، فَقيل لَهُ: إِنَّك لم تسْتَسْقِ، فَقَالَ: لقد استسقَيْتُ بِمَجَادِيح السَّماء. قَالَ أَبُو عُبَيْد: قَالَ أَبُو عمْرو: الْمَجَاديحُ وَاحِدهَا مِجْدح وَهُوَ نَجْم من النُّجُوم كَانَت الْعَرَب تزْعم أَنه يُمْطَر بِهِ كَقَوْلِهِم فِي الأَنْوَاء، وَقَالَ الأُمَوِيّ: هُوَ الْمُجْدَحُ أَيْضا بالضَّم، وأنشدنا:
وأَطْعُنُ بالقوم شطر الْمُلو
ك حَتَّى إِذا خَفَقَ الْمِجْدَحُ
قَالَ: وَالَّذِي يُراد من الحَدِيث أَنه جعل الاسْتِغْفَار استسْقَاء، يتَأَوَّلُ قَول الله جلّ وعزّ: {لله فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ} (نوح: 10، 11) وَأَرَادَ عُمَرُ إبِْطَال الأنواء والتكذيبَ بهَا، لِأَنَّهُ جعل الاسْتِغْفَار هُوَ الَّذِي يُسْتَسْقَى بِهِ لَا الْمَجَاديحَ والأنواء الَّتِي كَانُوا يسْتَسْقُون بِها. وأَخبرني المُنْذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الأعْرابي قَالَ: المِجْدَحُ: نَجْم صَغِير بَين الدَّبَران والثُّريَّا. وَقَالَ شَمِر: الدَّبَران يُقَال لَهُ المِجْدَحُ(4/79)
والتَّالي والتَّابع، قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: نَدْعُو جَناحَي الجَوْزاء المِجْدَحَين. وَيُقَال: هِيَ ثَلَاثَة كَواكِب كَأَنَّهَا مِجْدح يُعْتبر بطلوعِها الْحَرُّ، وَمِنْه قَول الرَّاجز:
يَلْفَحُها المِجْدَحُ أَيَّ لفح
تلوذ مِنْهُ بجَنَاء الطَّلْح
قلت: وَأما مَا قَالَه اللَّيْث فِي تَفْسِير المجاديح أَنَّها تَرَدُّدُ رَيِّقِ المَاء فِي السَّحَاب فَبَاطِل، وَالْعرب لَا تعرفه.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: المَجْدوح: من أَطْعِمَة أهل الْجَاهِلِيَّة: كَانَ أحدهم يَعْمِد إِلَى النَّاقة فتُقْصَد لَهُ، ويأْخذ دَمَها فِي إِنَاء فيشربه.
ج ح ظ
أهملت وجوهه إِلَّا: جَحَظَ.
جحظ: قَالَ اللَّيْث: الجَحاظان: حدقتا العَين إِذا كَانَتَا خارجتين، وَقَالَ: عين جاحظة.
وَقَالَ غَيره: الجُحوظ: خروجُ المُقْلَة ونُتُوُّهَا من الحِجاج.
وَالْعرب تَقول: لأَجْحَظَنَّ إِلَيْك أَثر يدك، يعْنون بِهِ لأُرِيَنَّك سوء أثر يَدِك، وَيُقَال: جَحَظَ إِلَيْهِ عمله يُرَاد بِهِ أَنَّ عمله نظر فِي وَجهه فَذَكَّره سُوءَ صَنِيعه. وَيُقَال: رجل جاحِظُ الْعَينَيْنِ إِذا كَانَت حَدَقَتَاه خارجَتَيْن.
ح ج ذ
أهمل اللَّيْث هَذَا الْبَاب كلّه، وَقد استعمِل مِنْهُ: ذَحَجَ.
ذحج: أَخْبرنِي المُنْذِري عَن أبي العَبّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: وَلَدَ أُدَدُ بن زيد بن مُرَّةَ بن يَشْجُب مُرَّةَ والأشعَر. وأمهما دَلَّةُ بنت ذِي مَنْجِشَان الحِمْيرَي فَهَلَكت فخلف على أُخْتها مُدِلَّة بنت ذِي مَنْجِشَان فَولدت مَالِكًا وطيِّئاً واسْمه جَلْهَمَة، ثمَّ هلك أُدَدُ فَلَنْ تتَزَوَّج مُدِلَّةُ وأقامت على ولديها مَالك وطَيء، فَقيل: أذْحَجَت على ولدِيها أَي أَقَامَت، فسُمِّي مَالك وطيِّءٌ مَذْحِجاً.
وَقَالَ غَيره: مَذْحِجٌ: أكَمة ولدتْهُما عِنْدهَا فسُمُّوا مَذْحجاً.
وَقَالَ ابْن دُرَيد: ذَحَجَه وَسَحَجَه بِمَعْنى وَاحِد، قَالَ: وذَحَجَتْه الرّيح أَي جرَّتْه.
(ح ج ث)
أُهمِلت وجوهه، وَقد قَالَ بَعضهم:
(ثحج) : سَحَجَه وثَحَجَه إِذا جَرّه جرّاً شَدِيدا.
ح ج ر
حجر، حرج، جرح، جُحر، رجح: (مستعملات) .
حجر: قَالَ اللَّيْث: الحَجَر وجَمْعُهُ الحِجارة وَلَيْسَ بِقِيَاس، لِأَن الْحجر وَمَا أشبهه يُجْمَع على أَحْجَار، وَلَكِن يجوز الاستِحْسان فِي العربيَّة كَمَا أَنه يجوز فِي الفِقْه وتَرْكُ الْقيَاس لَهُ: كَمَا قَالَ الأعْشَى يمدح قوما:
لَا ناقِصِي حسبٍ وَلَا
أَيْدٍ إِذا مُدَّتْ قِصَارَه
قَالَ: وَمثله المِهارة والبكارة لجمع الْمهْر والبَكر، وَأَخْبرنِي الْمُنْذِريّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: الْعَرَب تدخل الْهَاء فِي كل جمع على فِعَالٍ أَو فُعُول، وَإِنَّمَا زادوا هَذِه الْهَاء فِيهَا، لِأَنَّهُ إِذا سُكِت عَلَيْهِ اجْتمع فِيهِ عِنْد السَّكْتِ ساكنان، أَحدهمَا الْألف الَّتِي تنحَرُ آخر حرف فِي فِعال، وَالثَّانِي آخِر(4/80)
فِعال المَسْكُوتُ عَلَيْهِ، فَقَالُوا: عِظَام وعِظَامَهُ ونِقادٌ ونِقَادَة، وَقَالُوا: فِحَالَة وحِبَالَة وذِكَارةٌ وذُكورَةٌ وفُحُولَةٌ وحُمُولَةٌ، قلتُ: وَهَذَا هُوَ العِلّةُ الَّتِي عَلَّلَها النحويون، فأَمّا الِاسْتِحْسَان الَّذِي شَبَّهَه بالاستحسان فِي الْفِقْه فَإِنَّهُ بَاطل.
وَيُقَال: رُمِي فلانٌ بِحجر الأَرْض إِذا رُمِي بِداهِيَة من الرِّجَال، ويُرْوَى عَن الأحْنَفِ بن قيس أَنه قَالَ لعَلي ح حِين سَمَّى مُعاوِيَةُ أحدَ الْحكمَيْنِ عَمْرو بن الْعَاصِ: إِنَّك قد رُمِيت بِحجر الأَرْض فَاجْعَلْ مَعَه ابْن عَبَّاس فَإِنَّهُ لَا يَعْقِد عُقْدَةً إِلَّا حَلَّها.
وَقَالَ اللَّيْث: الحِجْر: حَطِيم مَكَّة كَأَنَّهُ حُجْرة مِمَّا يَلِي المَثْعَبَ من الْبَيْت.
قَالَ: وحِجْرٌ: مَوضِع ثَمُود الَّذِي كَانُوا ينزلونه.
قَالَ: وقَصَبَةُ الْيَمَامَة: حجْر بِفَتْح الْحَاء.
قَالَ: والحِجْرُ: اللُّبُّ والعَقْل.
قَالَ: والحِجْرُ والحُجْرُ لُغَتَانِ وَهُوَ الحَرام، قَالَ: وَكَانَ الرجل فِي الْجَاهِلِيَّة يلقى الرجل يخافُه فِي الشَّهْر الْحَرَام فَيَقُول: حِجْراً مَحْجُوراً أَي حرامٌ مُحَرَّم عَلَيْك فِي هَذَا الشَّهْر فَلَا يَنْدَاهُ مِنْهُ شَرّ، قَالَ: فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة رَأَى الْمُشْركُونَ الْمَلَائِكَة فَقَالُوا: حِجْراً مَحْجُوراً، وظنوا أَن ذَلِك يَنْفَعهُمْ عِنْدهم كفعلهم فِي الدُّنْيَا وَأنْشد:
حَتَّى دَعَوْنا بأَرْحامٍ لَهُم سَلَفَتْ
وَقَالَ قائِلهُم إِنِّي بحاجُور
يَعْنِي بمعاذٍ.
يُقَال: أَنا مُسْتَمْسِك بِمَا يعيذني مِنْك ويَحْجُرُك عني، قَالَ: وعَلى قِيَاسه العاثُورُ وَهُوَ المَتْلَفُ.
قلت: أما مَا قَالَه اللَّيْث فِي تَفْسِير قَوْله جلّ وعزّ: {وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً} (الفُرقان: 22) إِنَّه من قَول الْمُشْركين للْمَلَائكَة يَوْم الْقِيَامَة، فَإِن أهل التَّفْسِير الَّذين يُعتمدون مثل ابْن عَبَّاس وَأَصْحَابه فَسَّروه على غير مَا فَسَّرَهُ اللَّيْث، قَالَ ابْن عَبَّاس: هَذَا كُلّه من قَول الْمَلَائِكَة، قَالُوا للْمُشْرِكين: حِجْراً مَحْجُوراً أَي حُجِرَتْ عَلَيْكُم الْبُشْرَى فَلَا تُبَشَّرون بِخَير.
وأَخْبَرني المُنْذِريُّ عَن اليَزِيدِيِّ قَالَ: سمعتُ أَبَا حَاتِمٍ يَقُول فِي قَوْله: وَيَقُولُونَ حِجْراً. . تَم الْكَلَام، قَالَ الْحسن: هَذَا من قَول الْمُجْرمين، فَقَالَ الله: مَحْجُوراً عَلَيْهِم أَن يُعَاذُوا وَأَن يُجارُوا كَمَا كَانُوا يُعَاذُون فِي الدُّنْيَا ويُجارُون، فحجر الله ذَلِك عَلَيْهِم يَوْم الْقِيَامَة.
قَالَ أَبُو حَاتِم: وَقَالَ أحْمَد اللُّؤْلُؤيّ: بلغَني أَنَّ ابْن عَبَّاس قَالَ: هَذَا كُله من قَول الْمَلَائِكَة، قلت: وَهَذَا أَشْبَهُ بِنظْم القُرآن المُنَزَّل بِلِسَان الْعَرَب، وأَحْرَى أَن يكون قولُه: (حِجْراً مَحْجُوراً) كلَاما وَاحِدًا لَا كَلاَمَيْن مَعَ إِضْمَار كَلَام لَا دَلِيل عَلَيْهِ، وروى سَلَمَة عَن الفرّاء فِي قَوْله (حِجْراً مَحْجُوراً) أَي حَرَاماً مُحَرَّماً كَمَا تَقول: حَجَر التاجِرُ على غُلَامه، وحَجَر الرجل على أَهْله.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَوْله: {وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً، وقرئت (حُجْرا مَحْجُوراً) بضَمِّ الْحَاء، وَالْمعْنَى وَتقول(4/81)
الْمَلَائِكَة: حجْراً مَحْجُوراً أَي حَرَاماً مُحَرَّماً عَلَيْهِم الْبُشْرَى.
قَالَ: وأصْلُ الحِجْرِ فِي اللُّغة مَا حَجَرْتَ عَلَيْهِ أَي منعتَه من أَن يوصَلَ إِلَيْهِ وكل مَا مَنَعْتَ مِنْهُ فقد حَجَرْت عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ حَجْرُ الْحُكَّام على الأَيْتَام مَنْعُهم. وَكَذَلِكَ الحُجْرة الَّتِي يَنْزِلُها النَّاس وَهُوَ مَا حَوَّطُوا عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْن السِّكِّيت: يُقَال: حِجْراً مَحْجُوراً وحَجْراً مَحْجُوراً، قَالَ: وحَجْرُ الْإِنْسَان وحِجْرهُ بِالْفَتْح وَالْكَسْر.
وأَخْبَرَني المُنْذِرِيُّ عَن اليزيديِّ عَن أبي زَيْد فِي قَوْله: وَحَرْثٌ حِجْرٌ} (الْأَنْعَام: 138) : حرامٌ. وَيَقُولُونَ: حِجْراً: حَرَامًا، قَالَ: والحاءُ فِي الحرفين بِالضَّمِّ وَالْكَسْر لُغتان. قَالَ: وقولُه: {كَذَّبَ أَصْحَابُ الحِجْرِ} (الحِجر: 80) بِلَاد ثَمُود يُقَال لَهَا حِجرٌ. وَفِي سُورَة النِّسَاء {فِى حُجُورِكُمْ مِّن نِّسَآئِكُمُ} (النِّساء: 23) وَاحِدهَا حَجْر بِفَتْح الْحَاء.
وَقَالَ غَيره: حَجْرُ المرأَةِ وحِجْرُهَا: حِضْنُها. قلت: وَيُقَال: فلَان حَجْر فلانٍ أَي فِي كَنَفَهِ ومَنَعَتِه ومَنْعِه، كُله وَاحِد، قَالَه أَبُو زيد، وَأنْشد لحَسّان بن ثَابت:
أُولَئِكَ قَوْمٌ لَوْ لَهُمْ قِيل أَنْقذُوا
أميرَكم أَلْفَيْتُموهُم أُولي حَجْر
أَي أُولي مَنَعَة.
ابْن السكِّيت: الحِجْر: الْفرس الأُنْثى، قلت: وَتجمع حُجُوراً وحُجُورَةً وأَحْجاراً، وَقيل: أَحجار الخَيْلِ: مَا اتُّخِذَ مِنْهَا لِلنَّسْل وَلَا يكادون يُفْردون الْوَاحِدَة، قلت: بَلَى، يُقَال: هَذِه حِجرٌ من أَحْجار خَيْلي يُرَاد بالحِجْر الفرسُ الْأُنْثَى خاصَّة جعلوها كالمُحرّمَة الرَّحِم إلاَّ على حِصان كريم. وَقَالَ لي أَعْرَابيٌّ من بني مُضَرِّس وأَشار إِلَى فرس لَهُ أُنثى فَقَالَ: هَذِه الحِجْر من جِياد خَيْلِنا.
وَقَالَ اللَّيْث: المَحْجَر: المَحْرَم، والمَحْجِر من الوَجْه: حَيْثُ يَقع عَلَيْهِ النِّقَاب، وَقَالَ: مَا بَدَا لَك من النقاب مَحْجِر، وَأنْشد:
وكَأَنَّ مَحْجِرَها سِراجُ المُوقِدِ
وَقَالَ أَبُو الهَيْثم: المحجر: الحَرامُ وَأنْشد بَيت حُمَيد:
فهمَمْتُ أَنْ أَغْشَى إِلَيْهَا مَحْجِراً
ولَمَثْلُها يُغُشَى إِلَيْهِ المَحْجِرُ
يَقُول: لَمَثْلُها يُؤْتى إِلَيْهِ الحرامُ.
وَأَخْبرنِي المُنْذِريّ عَن الصَّيّداوِيّ أَنَّه سَمع عَبُّويَة يَقُول: المَحْجَر (بِفَتْح الْجِيم) : الحُرمَة وَأنْشد:
وَهَمَمْتُ أَن أَغْشَى إِلَيْهَا مَحْجَراً
قَالَ: والمَحْجِر: الْعين.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: المَحْجِر: المرعى المنخفض.
قَالَ وَقيل لبَعْضهِم: أيُّ الْإِبِل أبقى على السَّنَة؟ فَقَالَ: ابْنَةُ لَبُون، قيل: لِمَه؟ قَالَ: لِأَنَّهَا ترعى مَحْجِراً وتَتْرُك وسطا.
قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: المَحْجِر هَهُنَا النَّاحِيَة.
أَبُو عُبيد عَن أبي عَمْرو: المحاجِرُ.(4/82)
الحدائق وَاحِدهَا مَحْجِر. قَالَ لَبيدٌ:
تَرْوِي المحاجِرَ بازِلٌ عُلْكُوم
العُلْكُومُ: الضخمة من الْإِبِل القوية.
قَالَ: والحاجِرُ مِنْ مسايل الْمِيَاه ومنابت العُشْبِ: مَا اسْتَدَارَ بِهِ سَنَدٌ أَو نهرٌ مُرْتَفع والجميع الحُجْرانُ، وَقَالَ رؤبة:
حَتَّى إِذا مَا هاج حُجْران الذَّرَقْ
قلت: وَمن هَذَا قيل لهَذَا الْمنزل الَّذِي فِي طَرِيق مَكَّة حاجِرٌ. وَأما قَول العجَّاج:
وجارةُ البيتِ لَهَا حُجْرِيُّ
فَمَعْنَاه: لَهَا حُرْمَة
والحَجْرَة: النَّاحِيَة، ومَثَل للْعَرَب (فُلانٌ يَرْعَى وسطا ويَرْبِضُ حَجْرةً) . وَمِنْه قَول الْحَارِث بن حِلِّزة:
عَنَناً باطِلاً وظُلْماً كَمَا تُعْ
تَرُ عَن حَجْرَة الرَّبِيض الظِّباءُ
وحَجْرَتَا العَسْكر: جانباه من المَيْمَنة والمَيْسَرة. وَقَالَ:
إِذا اجْتَمعُوا فَضَضْنَا حَجْرَتَيْهِم
ونَجْمَعَهُم إِذا كَانُوا بَدادِ
وَقَالَ الْفراء: الْعَرَب تَقول للحَجَر الأُحْجُرّ على أُفعلّ. وَأنْشد:
يرْمِينِي الضَّعيفُ بالأُحْجُرّ
قَالَ: ومِثْلُه. هُوَ أُكْبُرّهُمُ أَي أَكْبَرَهُم. وَفرس أُطْمُرٌّ وأُتْرُجٌّ يشدِّدون آخر الْحَرْف.
وَيُقَال: تَحَجَّرَ عَلَيَّ مَا وسَّعَهُ الله أَي حَرَّمه وضَيَّقه. وَفِي الحَدِيث: (لقد تَحَجَّرْتَ وَاسِعًا) .
وَفِي النَّوَادِر يُقَال: أَمْسَى المالُ مُحْتَجِرة بُطُونُه وتَجَبَّرتْ. ومالٌ مُتَشَدِّد ومُتَجَبِّر وَيُقَال: احتجر الْبَعِير احتجاراً، واحتجر من المالِ كُلُّ مَا كَرَّشَ وَبلغ نِصْف البِطْنَة وَلم يبلغ الشِّبَع كُله، فَإِذا بلغ نِصْف البِطْنَة لم يُقَلْ، فَإِذا رَجَعَ بعد سُوء حَال وعَجَفٍ فقد اجْرَوَّش وناس مَجْرَوِّشون.
وَمن أَسمَاء الْعَرَب: حُجْرٌ، وحَجَر، وحَجَّار. ومُحَجِّر: اسْم مَوضِع بِعَيْنِه.
ومَحْجِرُ القَيْل: من أقْيَال اليَمَنَ: حَوْزَتُه وناحيته الَّتِي لَا يدْخل عَلَيْهِ فِيهَا غَيره. وَتجمع الحُجْرة حُجْرات وحُجُراتٍ وحُجَراتِ لُغَات كلهَا.
وَقَالَ ابْن السكِّيت: يُقَال لِلرَّجل إِذا كثُر مَاله وعدده: قد انتشرت حَجْرَتُه وَقد ارْتَعَجَ مَاله وارْتَعَجَ عدده.
جُحر: قَالَ اللَّيْث: الجُحْرُ لكل شَيْء يُحْتَفر فِي الأَرْض إِذا لم يكن من عِظام الْخلق والجميع الجِحَرَةُ. وَتقول: أَجْحَرْتُه فانجحر أَي أدخلته الجُحْر، وَيُقَال: اجْتحر لنَفسِهِ جُحْراً. قَالَ: وَيجوز فِي الشِّعر. جَحَرَتِ الهَناةُ فِي جِحَرَتها. وَأنْشد:
جَواحِرُها فِي صَرَّةٍ لم تَزَيَّل
وَقَالَ أَبُو عُبيد: جَواحِرُها: مُتَخَلِّفاتُها.
قَالَ والْجَحْرَة: السَّنَة الشَّديدة.
وَقَالَ زُهَيْر:
ونالَ كِرَامَ النَّاس فِي الْجَحْرَة الأكْلُ
وَقَالَ اللَّيْث: قيل لَهَا جَحْرة لِأَنَّهَا تَجْحرُ النَّاس. وَيُقَال: أَجْحَرَت نُجُومُ الشِّتاء إِذا لم تمْطُر. وَقَالَ الراجز:(4/83)
إِذا الشِّتَاءُ أَجْحَرَتْ نُجُومُه
واشْتَدَّ فِي غير ثَرًى أُرُومُه
والمُجْحَر: المُضْطَرّ المُلْجَأ، وَأنْشد:
... نحْمِي المُجْحَرِينا
وَيُقَال: جَحَرَ عَنَّا خَيْرُك أَي تَخَلَّف فَلم يُصِبنا.
وَقَالَ ابْن بُزُرْج: جَحَرَت الشَّمْس للغروب. قَالَ: وجَحَرَت الشمسُ إِذا ارْتَفَعت فأَزا الظِّلُّ. وجَحَرَ الربيعُ إِذا لم يُصِبْك مَطَرُه.
والجَحْرَة: السَّنَة.
ورُوِي عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: إِذا حاضَتِ الْمَرْأَة حَرُمَ الجُحْرَانِ، هَكَذَا رَوَاهُ بعض النَّاس بِكَسْر النُّون وَذهب بِمَعْنَاهُ إِلَى فَرْجِها ودُبُرها. (وَقَالَ) بعضُ أهل الْعلم: إِنَّمَا هُوَ الجُحْرانُ بِضَم النُّون اسْم للقُبُل خَاصَّة.
حرج: الحَرَجُ: المَأْثَم، وَرجل حَارِجٌ: آثِم، وَرجل حَرَج وحَرِج: ضَيِّقُ الصَّدْر، وَأنْشد:
لَا حَرِجُ الصَدْرِ وَلَا عَنِيفُ
وقَوْلُ الله: {يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً} (الأنعَام: 125) وَقد حَرِجَ صَدْرُه أَي ضَاقَ فَلم يَنْشَرِح لخِير.
وَرجل مُتَحَرِّج: كافٌّ عَن الإِثْم. وَقَالَ الفَرّاء: قَرَأَهَا ابْن عَبَّاس وَعمر {ضَيِّقاً حَرَجاً وَقرأَهَا النَّاس (حَرِجاً) ، قَالَ: والحَرَج فِيمَا فَسّر ابنُ عَبَّاس هُوَ المَوْضِع الْكثير الشَّجَر الَّذِي لَا تَصِلُ إِلَيْهِ الرّاعِيَة، قَالَ: وَكَذَلِكَ صَدْرُ الكافِرِ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ الحِكْمَةُ، قَالَ: وَهُوَ فِي كَسره ونصبه بِمَنْزِلَة الوَحَدِ والوَحِد، والفَرَد والفَرِد، والدَّنَفِ والدَّنِف. وَقَالَ الزّجاج: الحَرَجُ فِي اللُّغَة: أَضْيَق الضِّيق، وَمَعْنَاهُ أَنه ضَيِّقٌ جِدّاً، ومَنْ قَالَ: رَجُل حَرَجُ الصَّدْرِ فَمَعْنَاه ذُو حَرَج فِي صَدره، ومَنْ قَالَ: حَرِج جَعَلَه فَاعِلا، وَكَذَلِكَ رَجُل دَنَفٌ ذُو دَنَفٍ ودَنِفٌ نَعْتٌ.
وَقَالَ أَبُو الهيْثم: الحِراجُ: غِياضٌ من شجر السّلَم مُلْتَفَّة، واحدتها حَرَجَة، والحَرَجَة من شدَّة التفافها لَا يَقْدِرُ أَحَد أَن يَنْفُذَ فِيهَا، وَقَالَ العَجَّاجُ:
عايَنَ حَيّاً كالحِراج نَعَمُهُ
وَقَالَ اللَّيْث: أَحْرَجْتُ فلَانا: صَيَّرْتُه إِلَى الحَرَج، وَهُوَ الضِّيقُ، وَقَالَ غَيْرُه: أَحْرَجْتُ فلَانا أَي أَلْجَأْتُه إِلَى مَضِيق، وَكَذَلِكَ أَجْحَرْته وأَجْرَذْتُه بِمَعْنى وَاحِد. وَقَوْلهمْ: رجل مُتَحَرِّج كَقَوْلِك: رجل مُتأثِّم ومُتَحوّب ومْتَحَنِّث: يُلْقِي الحَرَجَ والإِثْمَ والحُوبَ والحِنْثَ عَن نَفسه، وَرجل مُتَلَوِّم إِذا تَرَبَّصَ بِالْأَمر يُرِيغُ إلْقاء المَلاَمة عَن نَفسه، وَهَذِه حُروف جَاءَت مَعَانِيهَا مُخَالفَة لألْفاظها قَالَ ذَلِك أَحْمد بن يحيى.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال لِلْغُبارِ السّاطع المُنْضم إِلَى حائِط أَو سَنَد قد حَرِجَ إِلَيْهِ وَأنْشد:
وغارَةٍ يَحْرَجُ القَتامُ لَهَا
يَهْلِكُ فِيهَا المُنَاجِدُ البَطَلُ(4/84)
وَيُقَال: أَحْرَجَنِي إِلَى كَذَا وَكَذَا فحَرِجْت إِلَيْهِ أَي انْضَمَمْت، وَقَالَ أَبُو عُبَيد: تَحْرَجُ العَيْن أَي تَحار، وَقَالَ اللَّيْث: معنى تَحْرَجُ العَيْن: لَا تَطْرِف وَلَا تَنْصَرِف، وَأنْشد قَوْلَ ذِي الرُّمّة:
وتَحْرَجُ العَيْنُ فِيهَا حِين تَنْتَقِبُ
قَالَ: والحِرْجُ: قِلادَةُ كلب، وثَلاثَةُ أَحْرِجَة، وتُجْمَع على أَحْراج وكِلابٌ مُحرَّجَة أَي مُقَلَّدَة، وَقَالَ الْأَصْمَعِي فِي قَوله يصف الثور وَالْكلاب:
طاوِي الحَشَا قَصَرَتْ عَنهُ مُحَرَّجَة)
قَالَ: مُحَرَّجة: فِي أعناقها حِرْجٌ، وَهُوَ الوَدَع، والوَدَع: خَرَز يُعَلَّق فِي أعناقها. وَقَالَ أَبُو سَعِيد: الحِرْجُ بِكَسْر الْحَاء: نَصِيب الكَلْب من الصَّيْد، وَهُوَ مَا أَشْبَه الْأَطْرَاف من الرَّأْس والكُراع والبَطْن، وَالْكلاب تطمع فِيهَا، وَقَالَ الطِّرِمَّاح:
يَبْتَدِرْنَ الأَحْراج كَالثَّوْل والحِرْ
جُ لِرَبِّ الكِلاب يَصْطَفِدُهْ
يَصْطَفِدُه أَي يَدَّخِره ويَجْعَله صَفَداً لنَفسِهِ ويَخْتارُه، شَبَّه الْكلاب فِي سُرْعتها بالزنابير وَهِي الثَّوْلُ، وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال: أَحْرِجْ لِكَلْبك من صَيْده فَإِنَّهُ أَدْعَى لَهُ إِلَى الصَّيْد.
وَقَالَ المُفَضَّل: الحِرْج: حِبال تُنْصَبُ للسَّبُع، وَقَالَ الشَّاعِر:
وشَرُّ النَّدامَى مَنْ تَبِيتُ ثِيابُه
مُخَفَّفَةً كأَنها حِرْجُ حابِلِ
وَيُقَال: حَرِجَ عَلَيَّ ظُلمك أَي حَرُم، وَيُقَال: أَحْرَجَ امْرَأَتَه بطَلْقَة أَي حَرَّمَها وَيُقَال: أكْسَعَها بالمُحْرِجات، يُرِيد بِثَلاَث تَطْلِيقَات.
والحَرَج: سَرِير الميِّت.
أَبُو عُبيد عَن الْأَصْمَعِي: الحَرَج: خشب يُشَدّ بعضُه إِلَى بعض يُحمل فِيهِ المَوْتَى.
وَقَالَ امرُؤُ الْقَيْس:
على حَرَج كالقَرّ تَخْفِقُ أكفانِي
وَأما قَول عنترة:
يَتْبَعْن قُلَّةَ رَأسه وكأنَّه
حَرَجٌ على نَعْش لَهُنَّ مُخَيَّمُ
فَإِنَّهُ وصف نَعامَةً يَتْبَعُها رِئالُها وَهِي تَبْسُط جناحيها وتَجْعَلُها تحتهَا.
وحَرَجُ النَّعْش: شِجارٌ من خَشَب جُعِلَ فَوق نَعْش الميِّت: وَهُوَ سَرِيره.
والحَرَجُ أَيْضا: مَرْكَبٌ من مراكب النِّسَاء كالهَوْدَج.
والحَرَج: الضّامر من الْإِبِل.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الحُرْجوج: الضامر من الْإِبِل وَجمعه حَرَاجيحُ، والحَرَجُ مثلهَا. والحَرَجُ: أَن يَنْظُر الرجل فَلَا يَسْتَطِيع أَن يَتَحَرَّك من مَكَانَهُ فَرَقا وغَيْظا. وَأَجَازَ بَعضهم: نَاقَة حُرْجُجٌ بِمَعْنى الحُرْجوج.
وَقَالَ غَيره: حِراجُ الظَّلْماء: مَا كَثُف والْتَفّ. وَقَالَ ابْن ميّادة:
أَلا طَرَقَتْنا أُمُّ أَوْس ودونها
حِراجٌ من الظَّلماء يَعْشَى غُرابُها
خص الغُراب لحدّة بَصَره، يَقُول: فَإِذا لم يُبْصر فِيهَا الْغُرَاب مَعَ حدَّة بَصَره فَمَا ظنُّك بِغَيْرِهِ.(4/85)
وَقَالَ اللَّيْث: الحُرْجوجُ: النَّاقة الوقَّادة الْقلب، قَالَ: والحَرَج من الْإِبِل: الَّتِي لَا تُركب وَلَا يَضْرِبها الْفَحْل ليَكُون أسمن لَهَا، إِنَّمَا هِيَ مُعَدّة. قلت: وَالْقَوْل فِي الحُرْجوج والحَرَج مَا قَالَه أَبُو عُبيد رِوَايَة عَن أبي عَمْرو، وَقَول اللَّيْث مَدْخُول.
وَقَرَأَ ابْن عَبَّاس: (وحَرْثٌ حِرْجٌ) وَقَرَأَ النَّاس: {وَحَرْثٌ حِجْرٌ} (الأنعَام: 138) ، حَدثنَا حَاتِم بن مَحْبُوب عَن عبد الجبَّار عَن سُفيان عَن عَمْرو عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يقْرَأ (وحَرْث حِرْجٌ) أَي حرَام.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الحِرْج: الودَعَة، والحِرْجُ بِمَعْنى الحِجْر: الْحَرَام، والحِرْج: مَا يلقَى للكلب من صَيْده، والحِرْجُ: القِلاَدة لكل حَيَوَان، والحِرْجُ: الثِّيَاب الَّتِي تُبْسَط على حَبْل لتجِفّ وجمعُها حِراجٌ فِي جَمِيعهَا.
وحَرَّجَ فُلان على فلَان إِذا ضيّق عَلَيْهِ.
جرح: اللَّيْث: الجَرْح: الفِعْل، تَقول: جَرَحْتُه جَرْحا، وَأَنا أجْرَحه، والجُرْح: الِاسْم، والجِراحة: الْوَاحِدَة من طَعْنَة أَو ضَرْبة، وقولُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (العجماء جَرْحُها جُبار) بِفَتْح الْجِيم لَا غير.
وَقَول اللَّيْث: الجِراحة الْوَاحِدَة خطأ، وَلَكِن يُقَال: جُرْح وجِراح وجِراحة، كَمَا يُقَال: حِجارة وجمالة وحِبالة لجَمْع الحَجَر والحَبْل والجمل.
وَقَالَ اللَّيْث: جوارِح الْإِنْسَان: عوامِل جسده من يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ، واحدتها جارحة. والجوارِحُ من الطير والسِّباع: ذواتُ الصَّيْد، الْوَاحِدَة جارحة: فالبازي جارحة، وَالْكَلب الضَّاري جارحة: سُمِّيت جوارِح لِأَنَّهَا كواسِبُ أنفُسِها من قَوْلك: جَرَحَ واجتَرَح إِذا اكْتسب.
قَالَ الله: {يُوقِنُونَ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُواْ السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ} (الجاثية: 21) .
وَأما قَول الله جلّ وعزّ: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ الْجَوَارِحِ} (المَائدة: 4) فَفِيهِ مَحْذوف أَرَادَ جلّ وعزّ: وأحلَّ لكم صيد مَا عَلَّمْتم من الجَوارِح فَحذف لِأَن فِي الْكَلَام دَلِيلا عَلَيْهِ، وَيُقَال: جَرَحَ الْحَاكِم الشَّاهِد إِذا عثَر مِنْهُ على مَا تسقُطُ بِهِ عَدَالَته من كذب وَغَيره، وَقد استُجْرِح الشَّاهِدُ.
ورُوِي عَن بعض التَّابِعِين أَنه قَالَ: كثُرت هَذِه الأحاديثُ واسْتَجْرَحتْ أَي فَسدتْ وقَلَّ صِحاحُها.
وَقَالَ عبد الْملك بن مَرْوَان: وعَظْتكم فَلم تزدادوا بِالْمَوْعِظَةِ إِلَّا اسْتِجْراحاً أَي فَسَادًا.
وَقَالَ أَبُو عُبيدة: يُقال: لإناث الخَيْل جوارحُ، واحدتُها جارحة: لِأَنَّهَا تُكْسِبُ أَرْبَابهَا نِتَاجَها. وَيُقَال: مَا لَهُ جارِحَة أَي مَا لَهُ أُنْثَى ذاتُ رَحِم تحمِل، وَمَا لَهُ جارِحَة أَي مَا لَهُ كاسِب. وَفُلَان يَجْرَحُ لِعِيَالِهِ ويَجْتَرِح، ويَقْرِش ويَقْتَرِش بِمَعْنى وَاحِد.
ابْن شُمَيل: جوارح المَال: مَا وَلَد يُقَال: هَذِه الْجَارِيَة، وَهَذِه الْفرس والنَّاقة والأتان من جوارح المَال أَي أَنَّهَا شابَّةٌ مُقْبلة الرَّحم والشَّباب، يُرْجَى ولَدُها.
رجح: قَالَ اللَّيْث: الراجِح: الوازِن. يُقَال:(4/86)
رَجَحتُ الشيءَ بيَدي أَي وزنتُه وَنظرت مَا ثِقْلُه، وأرْجَحتُ الْمِيزَان أَي أثقَلتُه حَتَّى مَال، ورَجَح الشيءُ نفسُه يَرْجَح رُجْحانا ورُجُوحا وَيُقَال: زِنْ وأرْجِح وأَعْطِ راجحا، وحِلْم راجِح: يَرْزُن بِصَاحِبِهِ فَلَا يُخِفُّه شَيْء.
والأُرْجُوحة هِيَ المَرْجوحة الَّتِي يُلْعَب بهَا. وأراجيح الإبِل: اهتزازُها فِي رَتَكانها، وَأنْشد:
على رَبِذٍ سَهْوِ الأراجيح مِرْجَم
وَالْفِعْل الارتِجاح والتَّرجُّح، وَهُوَ التَّذَبْذُب بَين شَيْئَيْنِ.
والمِرجاحُ من الْإِبِل: ذُو الأراجيح.
وَقوم مراجيحُ: حُلماءُ، واحدهم مِرْجاح ومِرْجَح.
وَقَالَ الْأَعْشَى:
من شباب تراهُمُ غيرَ مِيلٍ
وكُهُولا مراجِحاً أحلاما
غَيره: كتائِبُ رجُحٌ: جرّارة ثَقيلَة. وجِفان رُجُحٌ: مَمْلُوءَة من الثَّريد وَاللَّحم.
قَالَ لبيد:
وَإِذا شَتَوْا عادَتْ على جِيرانهم
رُجُحٌ يُوَفِّيها مَرابِعُ كُومُ
أَي قِصاعٌ يَمْلَؤُها نوقٌ مَرابِع، وَقَالَ فِي الكتائِبِ:
بِكَتائبٍ رُجُحٍ تَعَوَّدَ كَبْشُها
نَطْحَ الكِباش كَأَنَّهُن نُجومُ
ونخيلٌ مَراجيح إِذا كَانَت مَواقِيرَ، وَقَالَ الطِرمَّاح:
نَخْل القُرى شالَتْ مراجِيحُه
بالوِقْر فانْدالَتْ بِأَكْمامِها
اندالت: تدلت أكمامها حِين ثقل ثمارها عَلَيْهَا.
وَقَالَ اللَّيْث: الأَراجِيحُ: الفَلَوات كَأَنَّهَا تَتَرَجَّح بمَنْ سَار فِيهَا أَي تُطَوِّح بِهِ يَمِينا وَشمَالًا وَقَالَ ذُو الرُّمَّة:
بِلاَلٍ أَبي عَمْرو وَقد كَانَ بَيْننَا
أراجِيحُ يَحْسِرْنَ القِلاَص النَّواجِيا
أَي فيافٍ تَرَجَّح برُكْبانها
قلت: وَيُقَال لِلْجَارِيَةِ إِذا ثَقُلت روادِفُها فتَذَبْذَبَت هِيَ تَرْتَجِح عَلَيْهَا، وَمِنْه قَوْله:
ومَأْكَماتٍ يَرْتَجِحْن وُرَّمَا
وَيُقَال للحبل الَّذِي يُتَرجَّح فِيهِ: الرُّجّاحة والنُّوّاعة والنُّوّاطة والطُّوّاحة.
ح ج ل
حجل، جحل، حلج، لحج، جلح، لجح: مستعملات.
حجل: قَالَ اللَّيْث: الحَجَلُ: القَبَج، الْوَاحِدَة حَجَلة. وسمعتُ بعض الْعَرَب يَقُول: قَالَت القَطا للحَجَل: حَجَلْ حَجَلْ، تَفِرُّ فِي الْجَبَل، من خشيَة الرَّجل. فَقَالَت الحجَل للقطا: قَطَاقَطَا، بَيْضُكِ ثِنْتا، وبَيْضِي مِائَتا. قلت: الحَجَل: إناث اليَعاقِيب، واليَعاقِيبُ: ذُكورها، ورَوى ابنُ شُمَيْل حَدِيثا أنّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (اللَّهُمّ إِنِّي أَدعو قُريْشًا وَقد جعَلوا طَعَامي كطعام الحَجَل) . قَالَ النَّضْر: الحَجَل هُوَ القَبَج يَأْكُل الحبّة بعد الحبّة لَا يَجِدّ. قلت: أَرَادَ أَنهم لَا يَجِدّون فِي إجَابَتِي، وَلَا يَدْخُل(4/87)
مِنْهُم فِي دين الله إِلَّا الخَطِيئَةُ بعد الْخَطِيئَة.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَجَلَة للعَرُوس، والجميع الحِجال. وَقَالَ الفرزدق:
رَقَدْن عَلَيْهِنَّ الحِجالُ المُسَجَّف
قَالَ: الحِجال وَهِي جمَاعَة، ثمَّ قَالَ: المُسَجَّف فذَكَّر: لِأَن لفظ الحِجال لفظُ الْوَاحِد مثل الجِدار والجِراب، وَمثله قَول الله: {وَنَسِىَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحىِ الْعِظَامَ} (يس: 78) وَلم يَقُل: رَمِيمة.
اللَّيْث: الحَجْل: مشي المُقَيَّد، قَالَ: وَالْإِنْسَان إِذا رفع رجلا وتوثَّب فِي مَشْيه على رِجْل فقد حَجَلَ، ونَزَوان الغُراب: حَجْلُه. وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لزيد: أَنْت مَوْلَانَا فحَجَلَ. قَالَ أَبُو عُبيد: الحَجْل: أَن يَرْفَع رِجْلاً ويقفِزَ على الْأُخْرَى من الْفَرح، وَقد يكون بالرِّجْلَين جَمِيعًا إِلَّا أَنه قَفزٌ وَلَيْسَ بمَشْي.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَجْل والحِجْل لُغَتَانِ، وَهُوَ الخَلْخال، قَالَ: وحِجْلا القَيْدِ: حَلْقَتاه. الحرَّاني عَن ابْن السّكيت: الحِجْل: الْخَلْخال: وَجمعه حُجُول، وَنَحْو ذَلِك رَوَى أَبُو عُبيد عَن أَصْحَابه حِجْل بِكَسْر الْحَاء، وَمَا علمتُ أحدا أجَاز الحِجْل غير مَا قَالَه اللَّيْث وَهُوَ غَلَط. وَقَالَ عَدِيّ:
أعاذِلُ قد لاقيتُ مَا يَزَعُ الفَتَى
وطابقتُ فِي الحِجْلين مَشْيَ المُقَيَّد
وَقَالَ ابْن السّكّيت: حَجَل يَحْجُلُ حَجْلاً إِذا مَشَى فِي القَيْد.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي أَن المُفَضَّل أنْشدهُ:
إِذا حُجِّلَ المِقْرَى يكون وفاؤُه
تَمامَ الَّذِي تَهْوِي إِلَيْهِ المَوَارِد
قَالَ: المِقْرى: القَدَح الَّذِي يُقْرَى فِيهِ، وتَحْجِيلُه: أَن تَصُبَّ فِيهِ لُبَيْنَة قَليلَة قَدْر تَحْجِيل الْفرس ثمَّ يُوَفَّى المِقْرى بِالْمَاءِ، وَذَلِكَ فِي الجُدُوبة وعَوَز اللّبن. وَقَالَ أَبُو نصر عَن الأصمعيّ: إِذا حُجِّل المِقْرى أَي سُتِر بالحَجَلة ضَنّاً بِهِ ليشربوه هم.
وَقَالَ اللَّيْث: التَّحْجِيل: بَيَاض فِي قَوائم الفرَسِ. تَقول: فرس مُحَجَّل، وَفرس بادٍ حُجولُه، قَالَ الْأَعْشَى:
تَعَالَوْا فإنّ العِلْمَ عِنْد ذَوي النُّهى
من النَّاس كالبَلْقَاء بادٍ حُجُولُها
وَقَالَ أَبُو عُبيدة: المُحَجَّلُ من الْخَيل: أَن تكون قوائمه الْأَرْبَع بِيضاً يبلغ الْبيَاض مِنْهَا ثُلُث الوَظِيف وَنصفه أَو ثُلثَيْهِ بعد أَن يتَجَاوَز الأَرْساغ، وَلَا يَبْلُغ الرُّكْبَتَين والعُرْقُوبين، فَيُقَال: مُحَجَّل القوائم فَإِن بلغ البياضُ من التحجيل رُكبَة الْيَد وعُرْقُوبَ الرِّجْل فَهُوَ فرس مُجَبَّب، فَإِن كَانَ الْبيَاض بِرِجْليه دون الْيَد فَهُوَ مُحَجَّل إِن جَاوز الأرساغ، وَإِن كَانَ البَيَاضُ بِيَدَيْه دون رجلَيْهِ فَهُوَ أَعْصَمُ، فَإِن كَانَ فِي ثلاثِ قوائمَ دون رِجْل أَو دون يَدٍ فَهُوَ مُحَجَّل الثَّلَاث مُطْلَق الْيَد أَو الرِّجل، وَلَا يكون التَّحْجِيل وَاقعا بِيَدٍ وَلَا يَدَيْن إِلَّا أَن يكون مَعهَا أَو مَعَهُمَا رجل أَو رجلَانِ.
قلت: وأُخِذ تحجيلُ الْخَيل من الحِجْل وَهُوَ حَلْقة القَيْد، جُعِلَ ذَلِك الْبيَاض فِي(4/88)
قَوَائِمهَا بِمَنْزِلَة القُيُود، وجَمْع الحِجْل حُجُول.
وَيُقَال: أَحْجَلَ الرَّجُلُ بَعِيرَه إحجالا إِذا أطلق قيدَه من يَده اليُمنى وشَدّه فِي الأُخْرى. وحَجَّل فلَان أمرَه تَحْجِيلا إِذا شَهَرَه، وَمِنْه قَول الْجَعدِيّ يهجو لَيْلَى الأَخْيَليَّة:
أَلاَ حَيِّيَا ليلَى وقولا لَهَا هَلاَ
فقد رَكِبتْ أَمراً أَغَرّ مُحَجَّلا
وضَرْع مُحجَّل: بِهِ تَحجيل من أثر الصِّرار، وَقَالَ أَبُو النَّجم:
عَن ذِي قَرَاميصَ لَهَا مُحَجَّلِ
وحَجَّلَتِ المرأَةُ بنانَها إِذا لَوَّنَت خضابها.
أَبُو عُبيد عَن أبي زيد: نَعجةٌ حَجْلاء، وَهِي البيضاءُ الأَوْظِفة وسائرها أَسْود.
عَمْرو عَن أَبِيه: الحُجَيْلاَءُ: المَاء الَّذِي لَا تصيبه الشَّمْس.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَوْجَلة: مَا كَانَ من القوارِير من صغارها واسعَ الرَّأْس، وَأنْشد:
كأنَّ عَيْنَيْهِ من الغُؤُورِ
قَلْتَان أَوْ حَوْجَلَتا قَارُور
أَبُو الْعَبَّاس: عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحَواجِل: القوارِيرُ، والسَّواجِل: غُلُفها، وَأنْشد ابْن الْأَنْبَارِي:
نَهْج تَرَى حوله بَيْضَ القَطَا قَبَصاً
كأنّه بالأفاحِيص الحَواجيلُ
حواجِلٌ مُلِئَت زَيتاً مُجَرَّدَة
لَيست عليهنّ من خُوص سَواجِيلُ
قَالَ: القَبَصُ: الجماعاتُ والقِطَع، والسّواجيلُ: الغُلُف، وَاحِدهَا ساجُول وسَوْجَل.
قَالَ: وحَجَل الإبِل: صِغارُ أَوْلَادهَا وحَشْوُها، قَالَ لَبِيد:
لَهَا حَجَلٌ قد قرّعَت من رُؤوسه
لَهَا فوقَه ممّا تَحلَّب واشل
قَالَ ابْن السِّكِّيت: اسْتعَار الحَجل فَجَعلهَا صِغار الْإِبِل.
والتَّحجيل والصّليبُ: سِمَتان من سِماتِ الْإِبِل.
وَقَالَ ذُو الرُّمَّة يصف إبِلا:
يَلُوحُ بهَا تَحجيلُها وصَليبُها
وَأما قَول الشَّاعِر:
ألم تَعْلَمي أنّا إِذا القِدْر حُجِّلَت
وأُلْقِي عَن وَجْه الفَتاةِ سُتُورُها
حُجّلت القِدْر أَي سُتِرت كَمَا تُسْتَر العَرُوس فَلَا تَبْرُز.
وَيُقَال: حَجَلَتْ عينُه وحَجَّلَت إِذا غارت، وَأنْشد أَبُو عُبيدة:
حَواجِلُ العُيون كالقِداح
وَقَالَ آخر فِي الْإِفْرَاد دون الْإِضَافَة:
حَواجِلٌ غائِرَة العُيون
جحل: اللَّيْث: الجَحْل: ضرب من اليعاسِيب من صغارها، والجميع الجِحْلان.
أَبُو عُبيد عَن الفرّاء: الجَحْلُ: ضَرْب من الحِرْباء.
الحرّاني عَن ابْن السّكّيت قَالَ: الجَحْل هُوَ من الضِّبابِ: الضَّخم.(4/89)
أَبُو زيد: الجَحْلُ السِّقاء الضَّخْم أَو الزّقّ، قَالَ: والجَحْل: صَرْعُ الرجلِ صَاحبه. يُقَال: جَحَلَه جَحْلا إِذا صَرَعَه.
أَبُو عُبيد عَن الْأَصْمَعِي: ضَرَبَه ضَرْبا فجَحَلَه، وَيُقَال بِالتَّشْدِيدِ: جَحَّله إِذا صَرَعَه.
ابْن الْأَعرَابِي: الجَحْلاء من النوق: الْعَظِيمَة الْخلق.
قَالَ: والجُحال: السُّمُّ.
والجَحْلُ: السَّيِّد من الرِّجَال. والجَحْل: ولدُ الضَّبّ. والجَحْل: يَعْسُوب النَّحْل.
لحج: قَالَ اللَّيْث: اللَّحَجُ: الغَمَصُ نَفسه.
واللحْج مجزوم هُوَ المَيْلُولة، وَيُقَال: التَحَجُوا إِلَى كَذَا وَكَذَا، وألْحَجَهُم إِلَيْهِ كَذَا أَي أمالهم وَأنْشد قَول العجاج:
أَوْ تَلْحَجُ الألسُنُ فِينَا مَلْحَجا
أَي تَقول فِينَا فتميل عَن الحَسَنِ إِلَى الْقَبِيح.
أَبُو عُبيد عَن أبي زيد: لَحْوَجْتُ الخبَر لَحْوجة: خَلَّطْتُه عَلَيْهِ.
وَقَالَ الْفراء: لَحّجَهُ تلْحِيجاً إِذا أظهر غير مَا فِي نَفسه.
الْأَصْمَعِي وَغَيره: أَتَى فلَان فلَانا فَلم يجد عِنْده مَوئِلا وَلَا مُلْتَحجاً وَأنْشد:
حُبَّ الضَّرِيكِ تِلاَدَ المالَ زَرَّمَه
فَقْرٌ وَلم يتَّخِذ فِي النَّاس مُلْتَحَجَا
شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي: ألحاجُ الْوَادي: نواحيه وأطرافه، وَاحِدهَا لُحْجُ.
غَيره: لَحِجَ الشَّيْء إِذا ضَاقَ، ولحِجَتْ عينُه، وَقَالَ الشَّمّاخ:
بخَوْصَاوَيْنِ فِي لُحْجٍ كَنينِ
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال لزوايا الْبَيْت: الألْحاجُ والأدْحال والجوازي والحراسم والأخصام والأكسار والمَزْوِيّاتُ.
قَالَ: والملاحِيج: الطّرق الضيقة فِي الْجبَال.
وَفِي (النَّوَادِر) : لحجه بالعصا إِذا ضربه، ولحجَه بِعَيْنِه.
لجح: أَبُو عُبيد عَن الْأَصْمَعِي: اللُّجْحُ الْجِيم قبل الْحَاء: الشَّيْء يكون فِي الْوَادي نحوٌ من الدَّحْل فِي أَسْفَله وأسفل الْبِئْر والجبل كَأَنَّهُ نَقْب.
قَالَ شمر: وأنشدني ابْن الْأَعرَابِي:
بادٍ نواحِيه شَطُون اللُّجْح
قَالَ: وَالْقَصِيدَة على الْحَاء. وَأَصله اللحج الْحَاء قبل الْجِيم فقُلِب.
جلح: الجَلحُ: ذهَاب الشّعْر من مُقدَّم الرَّأْس، والنعت أَجْلَج وجَلْحَاءُ. أَبُو عُبيد: إِذا انحسر الشّعْر عَن جَانِبي الْجَبْهَة فَهُوَ أنْزَع، فَإِن زَاد قَلِيلا فَهُوَ أَجْلَحُ، فَإِذا بلغ النّصْف وَنَحْوه فَهُوَ أجْلَى ثمَّ هُوَ أَجْلَه، وَجمع الأَجْلح جُلْحٌ وجُلْحان.
اللَّيْث: جُلاح: اسمُ أبي أُحَيْحة بن الجُلاح الخزرجي.
قَالَ: والتَّجْليح: التَّصْميم فِي الأمْر والمُضِيُّ، يُقَال: جَلَّح فِي الْأَمر فَهُوَ مُجَلِّح.
وَقَالَ أَبُو زيد: جَلَّح على الْقَوْم تَجْليحا إِذا(4/90)
حَمَل عَلَيْهِم، وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
عصافِيرٌ وذِبَّان ودُودٌ
وأَجْرَأُ من مُجَلِّحَة الذِّئَاب
وَقَالَ لبِيد يصف فَلاةً:
فكُنَّ سفينَها وضَرَبْنَ جَأْشاً
لخَمْسٍ فِي مُجَلِّحة أَزُومِ
أَي مفازة مُنكَشِفة بالشرّ.
أَبُو عُبيد عَن أبي عَمْرو قَالَ: المُجَلِّح: الْكثير الْأكل، والمُجَلَّح: المأْكُول، وَقَالَ ابْن مُقْبل:
... إِذا اغْبَرَّ العِضاهُ المُجَلَّحُ
وَهُوَ الَّذِي أُكِل حَتَّى لم يُتْرَك مِنْهُ شَيْء.
قَالَ ابْن السّكيت: جَلَحَ المالُ الشجرَ يَجْلَحُه جَلْحاً إِذا أكل أَعْلَاهُ. قَالَ: والمجلوح: الْمَأْكُول رأسُه وَأنْشد:
أَلا ازْحَمِيه زَحْمةً فَرُوحي
وجاوِزِي ذَا السَّحَمِ المجلُوح
المأْكُول رَأسه.
وَقَالَ اللَّيْث: النَّاقة المجْلاحُ هُوَ المُجَلَّحَة على السَّنَة الشَّدِيدة فِي بَقَاء لَبنهَا، والجمِيعُ المجاليح، وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب:
المانِحُ الأَدَمَ والخُورَ الهِلابَ إِذا
مَا حارد الخُورُ واجْتُثَّ المجاليحُ
قَالَ: المجاليح: الَّتِي لَا تُبَالي قُحوطَ الْمَطَر، قلت: مجاليح الْإِبِل: الَّتِي تقضم العِيدان إِذا أقحطت السَّنَةُ فتَسْمَنُ عَلَيْهَا.
أَبُو عُبيد عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: المجاليحُ من النوق: الَّتِي تَدِرُّ فِي الشتَاء.
والتّجليح: السَّيْر الشّديدُ.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: جَلَّح علينا أَي أَتَى علينا.
اللَّيْث: الجالحة، والجوالح: مَا تطاير من رُؤوس النَّباتِ شِبْه القُطْن فِي الرِّيح وَمَا أشبه ذَلِك من نَسْج العنكبوت، وَكَذَلِكَ الثَّلج إِذا تهافت.
قَالَ: والجلْحَاء من البَقَر: الَّتِي تَذْهَب قرناها أُخُرا.
وقرية جَلْحاءُ: لَا حِصْن لَهَا، وقُرى جُلْح، وبقر جُلْح: لَا قُرون لَهَا.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: أَنْشدني ابْن أبي طَرَفة:
فسكَّنتُهم بالْقَوْل حَتَّى كأنَّهم
بَوَاقِرُ جُلْحٌ سَكَّنَتْها المراتِعُ
وَفِي حَدِيث أبي أَيُّوب: (مَنْ بَات على سطح أَجْلح فَلَا ذِمَّة لَهُ) .
قَالَ شمر: هُوَ السَّطْح الَّذِي لم يُحجَّر بجدار وَلَا غَيره مِمَّا يَرُدُّ الرجل، قَالَ: والأَجْلَح من الثَّيران: الَّذِي لَا قَرْن لَهُ.
وبقرة جَلْحَاء، وهودج أَجْلَح: لَا رَأْس لَهُ. وأكمة جَلْحَاء: إِذا لم تكن محددة الرَّأْس، وَفِي الحَدِيث: (إِن الله ليُؤدِّي الْحُقوق إِلَى أَهلهَا حَتَّى يَقُصَّ للشاة الجَلْجاء من الشَّاة القرناء نَطْحَتْها، قلت: وَهَذَا يبين لَك أَن الجلحاءَ من الشاءِ وَالْبَقر بِمَنْزِلَة الْجَمَّاء الَّتِي لَا قرن لَهَا.
حلج: أَبُو الْعَبَّاس عَن عَمْرو عَن أَبِيه: حَلَج إِذا مَشى قَلِيلا قَلِيلا.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: حَلَج الديكُ يَحلِجُ حلْجاً إِذا نشر جنَاحيه وَمَشى إِلَى أُنثاه ليَسْفِدها.(4/91)
قَالَ: والحُلُج: عُصَارا الحِنَّاء. والحُلُج هِيَ التُّمور بالألْبان: والحُلُج أَيْضا: الكثيرو الْأكل.
ابْن السّكيت: الْحلِيجة: عُصارة نِحْيٍ أَو لبَن أُنْقِعَ فِيهِ تمر.
وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) يُقَال: حَجَنْت إِلَى كَذَا حُجونا، وحاجَنْتُ وأَحْجَنْتُ وأَحْلَجْتُ، وحالجْتُ، ولاحَجْتُ ولَحَجْتُ لُحُوجاً وَتَفْسِيره لُصوقُك بالشَّيْء ودخولك فِي أضعافه.
اللَّيْث: الْحَلجُ: حَلْج الْقطن بالمحلاج على المِحلَج.
وَقَالَ: والْحَلْجُ فِي السّير كَقَوْلِك: بَيْننَا وَبينهمْ حَلْجَةٌ صَالِحَة وحَلْجَةٌ بعيدَة. قلت: الَّذِي سمعتُه من الْعَرَب: الْخَلْجُ فِي السّير بِالْخَاءِ، يُقَال: بَيْننَا وَبينهمْ خَلْجة بعيدَة، وَلَا أُنْكر الْحَاء بِهَذَا الْمَعْنى، غير أَن الْخلْجَ بِالْخَاءِ أَكثر وَأفْشى من الحلْج.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: دَعْ مَا تَحَلَّج فِي صدرك وتَخَلَّج أَي شَككت فِيهِ.
قَالَ شمر: وهما قريبان من السّواء.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: تَحَلّج فِي صَدْرِي وتَخَلَّج أَي شككتُ فِيهِ، وَفِي حَدِيث عَدِيّ بن حَاتِم (لَا يَتَحَلَّجَنَّ فِي صدرك طَعَام ضارَعْتَ فِيهِ النَّصْرَانيّة) .
قَالَ شمر: معنى لايَتَحَلَّجَنَّ أَي لَا يدخُلَنَّ قلبَك مِنْهُ شيءٌ يَعْنِي أَنه نظيف.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال للحِمار الْخَفِيف: مِحْلج ومِحْلاج، وَجمعه المَحاليج. والحَلِيجة: عُصارَة الْحِنّاء.
وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: المحاليج: الحُمُر الطِّوالُ.
ح ج ن
حجن، حنج، جنح، جحن، نجح: مستعملات.
حجن: قَالَ اللَّيْث: الحَجَن: اعْوِجَاج الشَّيْء الأَحْجَن، والصقر أحجن المنقار، وَمن الأنوف أَحْجَن وَهُوَ مَا أَقبلت رَوْثَتُه نَحْو الْفَم، واستأْخَرَت ناشزتاه قُبْحاً، والناشِزَة: حرف المَنْخَر.
والحُجْنة: مصدر كالْحَجَن وَهُوَ الشَّعَر الَّذِي جُعودتُه فِي أَطْرَافه، والْحُجْنَةُ أَيْضا: مَوضِع أَصَابَهُ اعْوِجاج من الْعَصَا.
والمِحْجَن: عَصا فِي طرفها عُقَّافة، وَالْفِعْل بهَا الاحتجان، وَمن ذَلِك يُقَال للرجل إِذا اخْتَص بِشَيْء لنَفسِهِ: قد احْتجنه لنَفسِهِ دون أَصْحَابه.
وَتقول: حَجَنتُه عَنهُ أَي صَدَدتُه وصرفته وَمِنْه قَوْله:
وَلَا بدَّ للمشعُوفِ من تَبَعِ الْهوى
إِذا لم يَزَعْه من هوى النَّفس حاجن
والغَزوة الحَجُون: الَّتِي يُظْهَرُ غَيرهَا ثمَّ يُخالَف إِلَى غير ذَلِك الْموضع) ، ويُقْصدُ إِلَيْهَا يُقَال: غزاهم غَزْوَة حَجُونا، وَيُقَال هِيَ الْبَعِيدَة.
والحَجُون: مَوضِع بِمَكَّة، وَمِنْه قَوْله:
فَمَا أَنْت من أهل الحَجُون وَلَا الصَّفَا
وَلَا لَك حَقُّ الشِّرْبِ فِي مَاء زَمْزَم
وَقَالَ غَيره: حَجَنْتُ الْبَعِير فَأَنا أَحْجنِهُ وَهُوَ بعير محجون إِذا وُسِم بسمة المِحْجن،(4/92)
وَهُوَ خطّ فِي طرفه عَقْفة مثل مِحْجَن الْعَصَا.
أَبُو عبيد التَّحْجِين: سِمَةٌ مُعْوَجَّة.
وَفُلَان مِحْجَنُ مَال أَي حسن الْقيام على المَال وَأنْشد:
مِحْجَنَ مالٍ حَيْثُما تَصرَّفا
وَفِي الحَدِيث: (تُوضَع الرّحِمُ يَوْم الْقِيَامَة لَهَا حُجْنَةٌ كحُجْنة المِغْزَل. قيل: حُجْنة المغزل صِنَّارَتُها. وَهِي الحديدة العقْفَاءُ الَّتِي يُعلَّق بهَا الْخَيط، ثمَّ يفتل الغَزْل، وكل مُنْعَقِف أَحْجَن.
واحْتجانُ المَال: إِصْلَاحه وَجمعه وضمُّ مَا انْتَشَر مِنْهُ. واحتجان مَال غَيْرك: اقتِطاعه وسَرِقَتهُ.
وَصَاحب المِحْجَن فِي الْجَاهِلِيَّة: رجل كَانَ مَعَه مِحْجَن وَكَانَ يقعدُ فِي جادَّة الطَّرِيق فيأخُذُ بمحْجَنه الشَّيْء بعد الشَّيْء من أثاث الْمَارَّة، فَإِن عُثِر عَلَيْهِ اعْتَلَّ بِأَنَّهُ تعلق بِمِحْجَنِهِ.
وَقَالَ أَبُو زيد: الأحْجَن: الشعَرُ الرَّجِلُ والحُجنة: الرَّجَل والسبِطُ الَّذِي لَيست فِيهِ حِجْنة، وسرتُ عَقَبَة حجوناً أَي بعيدَة.
جحن: أَبُو عُبيد عَن الكِسائي: الجَحِن: السّيِّء الغِذاء وَقد أجحَنَتْه أُمُّه، وَقَالَ الْأَصْمَعِي: فِي المُجْحَن مِثْلَه.
وَقَالَ أَبُو زيد: الجَحِن: البطيء الشَّباب. وَقَالَ الشَّمّاخ:
وَقد عرِقت مَغابِنُهَا وجادت
بِدرَّتها قِرَى جَحِنٍ قَتِينِ
يَعْنِي أَنَّهَا عَرِقَت فَسَار عرقها قِرًى للقُراد. ومَثَلٌ من الْأَمْثَال: (عجِبْتُ أَن يَجِيء من جَحِنٍ خَيْرٌ) .
اللَّيْث: جَيْحون، وجيْحان: اسْم نهر جَاءَ فيهمَا حَدِيث.
وَقَالَ غَيره: نَبْت جَحِنٌ: زَمِرٌ صَغِير مُعَطَّش، وكل نَبْتٍ ضَعُفَ فَهُوَ جَحِن.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال جحَن وأجحَنَ وجَحَّن، وحَجَنَ وأحجَن وحجَّن، وجحَدَ وأجْحَدَ وجَحَّد كُله مَعْنَاهُ إِذا ضَيَّق على عِياله فَقْراً أَو بُخْلاً.
وَيُقَال: حُجيْناء قلبِي ولُوَيْحاء قلبِي ولُوَيْذَاءُ قلبِي يَعْنِي مَا لزم القلبَ.
جنح: اللَّيْث: جَنَحَ الطائِرُ جُنوحاً إِذا كَسَر من جناحَيْه ثمَّ أقبل كالواقع اللاّجِىء إِلَى مَوضِع.
وَقَالَ الشَّاعِر:
تَرَى الطيرَ العِتاق يَظَلْن مِنْهُ
جُنُوحاً إِن سَمِعْن لَهُ حسِيسَا
والرجلُ يَجْنح إِذا أقبل على الشَّيْء يعمله بيدَيْهِ، وَقد حَنَى عَلَيْهِ صدرَه، وَقَالَ لَبِيد:
جُنُوحَ الهالِكِيّ على يَدَيْهِ
مُكِبّاً يَجْتَلي نُقَب النِّصالِ
والسفينةُ تجنَح جُنُوحاً إِذا انْتَهَت إِلَى المَاء الْقَلِيل فلَزِقت بِالْأَرْضِ فَلم تمْضِ.
وَقَالَ ابْن شُمَيل: جَنَح الرّجلُ إِلَى الْحَرورِيّة، وجَنَح لَهُم إِذا تَابعهمْ وخضع لَهُم.
وَقَالَ اللَّيْث: اجتنح الرّجل على رِجْله فِي مَقْعدِه إِذا انكَبّ على يديْه كالمتكىء على يَدٍ وَاحِدَة.(4/93)
وروى أَبُو صَالح السَّمَّان عَن أبي هُرَيْرة أنَّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمَرَ بالتَّجَنُّح فِي الصَّلَاة فشَكا ناسٌ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الضَّعْفَ فَأَمرهمْ أَن يستعينوا بالرُّكَب. قَالَ شمر: التّجنُّح والاجْتِناح كَأَنَّهُ الِاعْتِمَاد فِي السُّجود على الكَفّيْن والادِّعامُ على الرّاحتيْن وتَرْكُ الافْتراشِ للذِّرَاعين، قَالَ: وَقَالَ ابْن شُمَيْل: جَنَح الرجلُ على مَرْفِقَيْه إِذا اعْتمد عَلَيْهِمَا وَقد وضعهما بِالْأَرْضِ أَو على الوِسادة يَجْنحُ جُنوحاً وجَنْحاً.
قَالَ شمر: وَمِمَّا يُصَدِّق ذَلِك حَديثُ النُّعْمان بن أبي عَيّاش قَالَ: شكا أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِ الاعتمادَ فِي السُّجود، فرخَّص لَهُم أَن يستعينُوا بمرافِقِهم على رُكَبهم.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الاجْتِناحُ فِي النَّاقة: كَأنّ مُؤَخّرها يُسْنَد إِلَى مُقَدَّمها من شدَّة اندفاعها يَحْفِزُها رِجْلاها إِلَى صدرها.
وَقَالَ شمر: اجتنَحَتِ النّاقةُ فِي سَيْرها إِذا أَسْرَعَت وَأنْشد:
من كُلِّ وَرْقاء لَهَا دَفٌّ قَرِحْ
إِذا تَبادَرْنَ الطريقَ تجْتَنِحْ
وَقَالَ أَبُو عُبيدة: المُجْتَنِح من الخيْل: الَّذِي يكون حُضْرُه وَاحِدًا لأحد شِقَّيْه يَجْتنِح عَلَيْهِ أَي يعْتَمِدُه فِي حُضْره.
وَقَالَ اللَّيْث: جَنَح الظَّلامُ جنوحاً إِذا أقبل اللَّيْل. وجنحُ الظلام وجُنْحهُ لُغَتَانِ، وَيُقَال: كَأَنَّهُ جِنْحُ ليل يُشَبَّه بِهِ العسكرُ الجرار.
غَيْرِ سُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - ءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ} (القَصَص: 32) معنى جَنَاحك هُنَا العَضُد، وَيُقَال: اليدُ كُلّه جَناحٌ، وَقَالَ فِي قَوْله جَلّ وَعز: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} (الإسرَاء: 24) أَي أَلِنْ لَهما جانِبَك.
اللَّيْث: جَنَحَتِ الْإِبِل فِي سَيرهَا إِذا أسرعت، والنَّاقةُ الباركةُ إِذا مَالَتْ على أحد شِقَّيها يُقَال: جَنَحَت، وَقَالَ ذُو الرُّمَّة:
إِذا مَال فَوق الرَّحْل أَحْييْتِ نَفْسه
بِذِكْراك والعِيسُ المَراسيلُ جُنَّحُ
وَيُقَال للناقة إِذا كَانَت واسِعةَ الْجَنْبَيْن إِنَّهَا لمجنحة الْجَنْبَين.
وجَوَانِح الصَّدْر من الأضلاعِ: المتصلةُ رُؤوسُها فِي وَسْطِ الزَّوْر، الْوَاحِدَة جانِحَة.
وَيُقَال: أقمتُ الشيءَ فاستقَام، وأجنحتُ الشيءَ أَي أَمَلْته فجنح أَي مَال، وَقَالَ الله: {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} (الأنفَال: 61) أَي إِن مالوا إِلَيْك للصلح فمِلْ إِلَيْهَا، والسِّلْمُ: المُصَالَحة، وَلذَلِك أُنِّثَتْ.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ} (البَقَرَة: 235) الْجُنَاحُ: الْجِنَايَة والْجُرْمُ، وَأنْشد قولَ ابْن حِلِّزَةَ:
أَعلينا جُناحُ كِنْدَةَ أَنْ يَغْ
نَمَ غَازِيهُمُ ومِنَّا الجَزَاءُ(4/94)
وصف كِنْدَةَ بِأَنَّهُم جَنَوْا على بني تَغْلِبَ جِنَايَة، ثمَّ فسر الْجِنَايَة أَن يَغْنَم غَازِيهم بأَنهم غَزَوْكم فَقَتَلُوكم، وتحمِّلُونَنَا جَزَاء فِعْلهم أَي عِقابَ فعلهم، وَالْجَزَاء يكون ثَوابًا وعِقَابا، وَقيل فِي قَوْله: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} (الْبَقَرَة: 235) أَي لَا إثْمَ عَلَيْكُم وَلَا تضييق.
وَأَخْبرنِي المُنْذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الْعَرَب تَقول: أَنا إِلَيْك بِجُناح أَي مُتَشَوِّق وأنشدنا:
يَا لَهْفَ نَفِسي بعد أُسْرَةِ واهِبٍ
ذَهَبُوا وكُنْتُ إِلَيْهِم بجُناح
وجَناحُ الشَّيْء: نَفسه، وَمِنْه قَول عَدِيّ بن زَيد:
وأَحْوَرُ العَيْن مرْبُوب لَهُ غُسَنٌ
مُقَلَّدٌ من جَنَاحِ الدُّرِّ تَقْصَارا
وَقيل: جَنَاحُ الدُّرِّ: نَظْمٌ مِنْهُ يُعَرَّض.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: كلُّ شَيْء جعلتَه فِي نظام فَهُوَ جَنَاحٌ. وللعرب فِي الجَناح أمثالٌ مِنْهَا قَوْلهم للرجل إِذا جَدَّ فِي الْأَمر واحتفَل: (رَكِبَ فلانٌ جَنَاحَيْ نَعَامة) .
وَقَالَ الشَّمَّاخ:
فَمن يَسْع أَو يَركَبْ جَنَاحَيْ نَعَامَة
ليُدْرِكَ مَا قَدَّمْتَ بالأَمْسِ يُسْبَقُ
وَيُقَال: ركب القومُ جَنَاحَي الطَّائِر إِذا فارقوا أوطانهم، وَأنْشد الفَرَّاءُ:
كأَنما بجناحي طَائِر طاروا
وَيُقَال: فلَان فِي جَنَاحَي طَائِر إِذا كَانَ قلِقاً دهشاً كَمَا يُقَال: كأَنه على قرن أَعفَر، وَيُقَال: نَحن على جنَاح سَفَر أَي نُرِيد السَّفَر. وَفُلَان فِي جنَاح فلَان أَي فِي ذَراه وكَنَفِه، وَأما قَول الطرمّاح:
يَبُلّ بمَعْصُورٍ جَنَاحيْ ضَئيلَةٍ
أَفَاوِيقَ مِنْهَا هَلَّةٌ ونُقوعُ
فإنّه يُرِيد بالجناحين الشَّفَتين. وَيُقَال: أَرَادَ بهما جَانِبي اللَّهاةِ والحَلْق.
وَقَالَ أَبُو النَّجْم يصف سحابا:
وَسَحَّ كلَّ مُدْجِنٍ سَحَّاحِ
يَرْعُدُ فِي بِيض الذُّرى جُنَّاح
قَالَ الْأَصْمَعِي: جُنّاحٌ: دَانِيةٌ من الأَرْض، وَقَالَ غَيره: جُنّاحٌ: مائلة عَن القَصْد.
حنج: قَالَ اللَّيْث: الْحَنجُ: إمالة الشَّيْء عَن وَجهه، يُقَال: حَنَجْتُه أَي أَمَلْتُهُ فاحْتَنَج فعل لَازم، وَيُقَال أَيْضا: أحنَجْتهُ، وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الإحْناجُ أَن يَلْوِي الْخَبَر عَن وجههِ، وَقَالَ العجَّاج:
فتَحْمِلُ الأرواحُ وحْياً مُحْنَجاً
قَالَ: والمُحْنَج: الْكَلَام المَلْوِيّ عَن جِهَته كَيْلا يُفْطَن لَهُ، يُقَال: أَحْنَجَ عنِّي أمرَه أَي لواه. وَقَالَ اللَّيْث: المِحْنجَةُ: شَيْء من الأدوات.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي يُقَال: رَجَعَ فلَان إِلَى حِنجه وبِنْجه أَي رَجَعَ إِلَى أَصله.
أَبُو عُبيد عَن أبي عُبيدة: هُوَ الحِنْجُ والبِنْجُ للأصْل. سَلَمة عَن الْفراء: هُوَ السِّرَارُ، والإحْنَاجُ، والنَّسِيفُ، والمُهَالَسَةُ، والمُعامَسةُ وَاحِد.
عَمْرو عَن أَبِيه: الحِنَاجُ: الْأُصُول، واحدُها حِنْج.
نجح: اللَّيْث: نجَحَتْ حَاجَتُك وأَنجحتُها(4/95)
لَك. وَسَار فلَان سيراً ناجحاً ونَجِيحاً، وَقَالَ لبيد:
فمضَيْنَا فقَضَيْنَا ناجِحاً
مَوْطِناً يُسأَل عَنهُ مَا فَعَلْ
ورأي نجيحٌ: صوابٌ، وَرجل نجيح: مُنْجِح للحاجات، وَقَالَ أَوْسٌ:
نَجيحٌ جَوَادٌ أَخُو مَأْقِطٍ
نِقَابٌ يُحدِّثُ بالغائِبِ
وَيُقَال للنائم إِذا تتَابعت عَلَيْهِ رُؤَى صدق: تناجَحت أحلامه.
وَقَالَ شمر: أنجَحَ بك الباطِلُ أَي غلبك الْبَاطِل، وكل شَيْء غلبك فقد أنجحَ بك، وَإِذا غلبته فقد أَنجحت بِهِ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو. النَّجاحةُ: الصَّبر.
وَيُقَال: مَا نَفْسي عَنهُ بنجيحة أَي بصابرة، وَقَالَ ابْن مَيَّادة:
وَمَا هَجْرُ ليلَى أَن تكون تَبَاعَدت
عَلَيْك وَلَا أَنْ أَحْصَرتك شغُولي
وَلَا أَن تكون النفسُ عَنْهَا نجيحةً
بِشَيْء وَلَا مُلْتَاقَةً ببديل
ح ج ف
حجف، حفج، جحف، فحج: مستعملة.
حجف: اللَّيْث. الحَجَفُ: ضربٌ من التِّرَسَة، تُتَّخَذ من جُلُود الْإِبِل مُقَوَّرة، والواحدة جَحَفَة. ونحوَ ذَلِك قَالَ أَبُو عُبيد فِي الحَجَفِ.
وَقَالَ اللَّيْث: الْحُجَافُ: مَا يَعتَري من كَثْرَة الْأكل أَو من شَيْء لَا يلائمهُ فيأخذُه الْبَطن استِطْلاقاً، وَرجل مَحْجُوفٌ. وَقَالَ الراجز:
يَا أَيهَا الدّارِىءُ كالمَنْكُوفِ
والمُتَشَكِّي مَغْلَةَ المحجوفِ
هَكَذَا أنشدنيه المُنْذِري عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي. قَالَ: والمحجُوفُ والمجحوفُ وَاحِد، وَهُوَ الجُحافُ والحُجافُ: مَغْسٌ فِي الْبَطن شَدِيد. والمَنْكوف: الَّذِي يشتكي نكْفَتهُ، وَهُوَ أصل اللِّهْزِمة. وَقَالَ بعض الجعفريِّين: احْتَجَفْتُ نَفسِي واحتجَنتُها إِذا ظَلَفتُها.
جحف: أَبُو العبّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: الجُحْفَة: مِلْء الْيَد وَجَمعهَا جُحَف.
وَقَالَ اللَّيْث: الجَحْفُ: شدَّة الجَرْف إِلَّا أَن الجَرْف للشَّيْء الْكثير، والجَحْفَ للْمَاء. تَقول: اجتحفْنا مَاء الْبِئْر إِلَّا جُحفةً وَاحِدَة بالكَفِّ أَو بِالْإِنَاءِ.
والفِتْيان يتجاحفون الكرة بَينهم بالصَّوالجة. قَالَ: والتَّجاحف أَيْضا فِي الْقِتَال: تنَاول بَعضهم بَعْضًا بِالْعِصِيِّ والسُّيوف، وَقَالَ العجَّاج:
وَكَانَ مَا اهْتَضَّ الْجِحافُ بَهْرَجا
يَعْنِي مَا كَسره التَّجاحُف بَينهم، يُرِيد بِهِ الْقَتْل.(4/96)
وَالسّنة المُجحِفة: الَّتِي تُجْحِف بالقوم قتلا وإفساداً للأَموال.
وَقَالَ بعض الْحُكَمَاء: من آثر الدُّنْيَا أجْحفت بآخِرته.
والْجُحفَة: مِيقَات أهل الشَّام: قَرْيَة تقرب من سِيفِ الْبَحْر.
أَبُو عُبيد عَن الْفراء: الْجِحافُ: أَن يستقِيَ الرجل فَيُصِيب الدَّلْو فَم الْبِئْر فَيَنْخَرِق وَأنْشد:
قد عَلِمَتْ دلوُ بني منَافِ
تَقْوِيمَ فَرْغَيْهَا عَن الْجِحاف
الْأَصْمَعِي والفّراء: سيل جُحاف وجُرافٌ وَهُوَ الَّذِي يذهب بِكُل شَيْء، وَأنْشد.
أَبْرز عَنْهَا جُحافٌ مُضِرّ
ورُوِي عَن الأصْمَعي أَنه قَالَ: الجَحْف: أكل الثَّريد، والجَحْفُ: الضَّرْب بِالسَّيْفِ، وَأنْشد:
(و) لَا يَسْتَوِي الْجحفَان جَحْفُ ثَرِيدَة
وجَحفُ حرُوريَة بأبيض صارم
والجَحَّاف السُّلَمي: رجل من الْعَرَب مَعْرُوف.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الجَحُوف: الثَّريد يبْقى فِي وسط الجَفْنة.
فحج: قَالَ اللَّيْث: الفَحَجُ: تبَاعد مَا بَين أوساط السَّاقين فِي الْإِنْسَان والدَّابة، والنعت أفْحَجُ وفَحْجاء. أَبُو عُبيد عَن أبي عَمْرو: الأفحج: الَّذِي فِي رجلَيْهِ اعوجاج.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: أفْحَج فلَان عنَّا، وأحجم وأفَّج إِذا تبَاعد.
ح ج ب
حجب، حبج، جبح، جحب، بجح: (مستعملات) .
حجب: قَالَ اللَّيْث: حَجَب: يَحجُب حَجْباً. والحِجابة: ولَايَة الْحَاجِب. والحِجاب: اسْم مَا حجبت بِهِ بَين شَيْئَيْنِ. وَكُلُّ شَيْء منع شَيْئا فقد حجَبَه، كَمَا تحجب الأمَّ الإخوةُ عَن فريضتها وَجَمَاعَة الْحِجاب حُجُب. وَجَمَاعَة الحَاجِب حَجَبَة.
واحتجب فلَان إِذا اكْتَنَّ من وَرَاء الْحجاب.
وحِجاب الْجوف: جلدَة بَين الْفُؤَاد وَسَائِر الْبَطن.
والحاجِبان: العظمان فَوق الْعَينَيْنِ بشَعَره ولَحْمه وَثَلَاثَة حواجب.
والحَجَبَتان: رُؤُوس عظمي الوَرِكَيْن مِمَّا يَلِي الْحَرقَفَتين، والجميع الحَجَب، وَثَلَاث حجبات، وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
لَهُ حَجَباتٌ مُشرفاتٌ على الفالِ
وَقَالَ آخر.
وَلم تُوقَّع برُكُوبٍ حَجَبُهْ
وحاجِبُ الْفِيل كَانَ شَاعِرًا من الشُّعَرَاء.(4/97)
وَقَالَ شمر: قَالَ أَبُو عَمْرو: الْحِجابُ: مَا أشرف من الْجَبَل.
وَقَالَ غَيره: الحِجابُ: الحَرَّة وَقَالَ أَبُو ذُؤَيب:
شَرَفُ الحِجابِ ورَيْبُ قَرْعٍ يُقرَع
وَقَالَ غَيره: احتجبَت الْحَامِل بِيَوْم من تاسعها. وبيومين من تاسعها يُقَال ذَلِك للْمَرْأَة الْحَامِل إِذا مضى يَوْم من تاسِعها.
يَقُولُونَ: أَصبَحت مُحْتَجِبَة بِيَوْم من تاسعها، هَذَا كَلَام الْعَرَب.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: حَاجِب الشَّمْس: قرْنها، وَهُوَ نَاحيَة من قُرصها حِين تبدأ فِي الطُّلُوع. يُقَال: بدا حَاجِب الشَّمْس وَالْقَمَر.
قَالَ: وَنظر أَعْرَابِي إِلَى آخر يَأْكُل من وَسَط الرّغيف، فَقَالَ: عَليْك بحَواجبه أَي بحُروفه.
وَفِي حَدِيث أبي ذَرَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (إِن الله يغْفر للعبْد مَا لم يقَع الحِجابُ، قيل: يَا رَسُول الله: وَمَا الحجابُ؟ قَالَ: أَن تَمُوت النفسُ وَهِي مُشركَة) .
قَالَ شمر وَقَالَ ابْن شُمَيل فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود ح: (من اطَّلَع الحِجابَ وَاقع مَا وَرَاءه، قَالَ: إِذا مَاتَ الْإِنْسَان وَاقع مَا وراءَ الحِجابين: حجابِ الجنّة، وحجابِ النَّار: لِأَنَّهُمَا قد خَفِيا.
وأنشدنا الغَنَوِيّ:
إِذا مَا غَضِبْنا غَضْبَة مُضَرِيَّةً
هَتَكنا حِجابَ الشَّمْس أَو مَطَرَتْ دمَا
قَالَ: حِجابُها: ضوؤها هَاهُنَا.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو عدنان عَن خَالِد فِي قَوْل ابنِ مَسْعُود: من اطَّلعَ الحِجابَ وَاقع مَا وَرَاءه. قَالَ: اطِّلاَعُ الحِجاب: مَدُّ الرأْس، والمُطالع يَمُدُّ رأسَه ينظر من وَرَاء السِّترِ، قَالَ: والْحِجابُ السِّترِ. وَامْرَأَة محجوبة. قد سُتِرت بِستر.
قَالَ أَبُو عَمْرو وشَمِر: وَحَدِيث أبي ذرّ يدلّ على أَنه لَا ذنبَ يحجُب عَن العَبْد الرَّحْمَة فِيمَا دون الشِّرك.
وَقَالَ أَبُو زَيْد: فِي الجَبين الحاجبان وهما مَنْبِت شَعَر الحاجبين من الْعظم والجميع الحواجبُ.
حبج: قَالَ اللَّيْث: أحْبَجَتْ لنا النارُ إِذا بَدَت بَغْتَة، وأحبج العَلَم، وَقَالَ العَجَّاج:
عَلَوْتُ أحْشاه إِذا مَا أَحْبَجا
أَبُو عُبيد عَن أبي زيد: إِذا أكلت الإبِلُ العَرْفَجَ فَاجْتمع فِي بطونها عُجَر مِنْهُ حَتَّى تَشْتَكِي مِنْهُ قيل: حَبِجَت حَبَجاً.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحَبَجُ: أَن يَأْكُل البَعيرُ لِحاءَ العَرْفَج فيَسْمَنَ على ذَلِك، ويَصِيرَ فِي بَطْنه مِثلَ الأفهار، وَرُبمَا قَتله ذَلِك.
والحَبِجُ: السمينُ الْكثير الأعْفاج، قَالَ: وَقَالَ ابْن الزبير: (إِنَّا وَالله مَا نموت على مضاجعنا حَبَجا كَمَا يَمُوت بَنو مَرْوَان، وَلَكنَّا نموت قَعْصاً بِالرِّمَاحِ وموْتاً تَحت ظلالِ السيوفِ.
وَقَالَ غَيره: أَحْبَج لَك الأمرُ إِذا أعرضَ(4/98)
فأمكَن.
والحَبْجُ: مُجْتَمَع الحيِّ ومُعظمُه.
وَيُقَال: حَبَجَه بالعصا حَبْجاً، وَقد حَبَجَه بهَا حَبجاتٍ، قَالَه ابْن السّكّيت، قَالَ: وَكَذَلِكَ خَلَجه بالعصا إِذا ضربه بهَا.
قَالَ: وإبِل حَبَاجَى إِذا انتفخَتْ بطونها عَن أكل العَرْفَج فتعَقَّد فِي بطونها وتمرَّغَت من الوجَع.
أَبُو عُبيد عَن الْأَصْمَعِي: حَبَج يَحْبِج، وخَبَج يَخبِج إِذا ضَرط.
وَقَالَ شمر: حَبَجَ الرجلُ يَحبج حَبجاً إِذا انْتَفخ بطنُه عَن بَشم، وحَبِج البعيرُ إِذا أكلَ العرْفَج فتكبَّب فِي بَطْنه وضاق مَبْعَرُه عَنهُ وَلم يَخرج من جَوْفه وَرُبمَا هَلك وَرُبمَا نَجَا، قَالَ: وأنشدنا أَبُو عبد الرحمان:
أشبعتُ راعِيَّ من اليَهْيَرِّ
فظَلَّ يبْكي حَبجاً بشَرِّ
خلْف اسْتِه مثلَ نَقيقِ الهِرِّ
وَقَالَ أَبُو زيد: الحَبَجُ للبعير منزلَة اللَّوَى للْإنْسَان فَإِن سَلَح أَفَاق وإلاَّ مَاتَ.
بجح: قَالَ اللَّيْث وَغَيره: فلَان يَتَبَجَّحُ بفلان ويتمجَّح إِذا كَانَ يَهذي بِهِ إعْجاباً، وَكَذَلِكَ إِذا تَمزَّح بِهِ.
وَقَالَ اللحياني: فلَان يتبجَّح ويَتمجَّح أَي يفتخر ويباهي بِشَيْء مّا.
وَفِي حَدِيث أم زرع: (وبَجَّحَني فبجَحْتُ) أَي فرَّحَني فَفَرِحت وَقد بَجِح يَبجَحُ وبَجَحَ يَبجَحُ قَالَ الرَّاعِي:
وَمَا الفَقرُ من أَرض العَشيرة ساقَنا
إِلَيْك ولكنّا بقُرْباك نَبجَحُ
جبح: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: جَبَح القومُ بِكعابهم وجَبَخوا بهَا إِذا رَمَوْا بهَا لينظروا أَيهَا يَخرج فائزاً، وَأنْشد:
فأجْبَح القومَ مثلَ جَبْح الكِعاب
وَقَالَ اللَّيْث فِي جبَحَ القومُ بكِعابهم مثله.
أَبُو عَمْرو: الجِبْحُ والجَبْح: خَلِيّة الْعَسَل، وَثَلَاثَة أَجْبُح وأجباحٌ كَثِيرَة.
قَالَ الطِّرِمَّاح يُخَاطب ابْنه:
وَإِن كنتَ عِنْدِي أنتَ أحلَى من الجَنَى
جَنَى النحلِ أضحَى وَاتناً بَين أَجْبُح
واتِناً: مُقيما.
ح ج م
حجم، حمج، جحم، جمح، مجح، محج: (مستعملات) .
حجم: قَالَ اللَّيْث: الحَجْم: فِعلُ الحاجم، وَهُوَ الحَجَّام، وَفعله وحرفته الحِجامة.
وَفِي الحَدِيث: (أفْطَرَ الحاجمُ والمَحْجومُ) . والمِحْجَمة: قارورتُه، وتطرح الْهَاء فَيُقَال: مِحْجَم وَجمعه مَحاجمُ. وَقَالَ زُهَيْر:
وَلم يُهريقوا بَينهم مِلْءَ مِحْجَم
والمَحْجَم من الْعُنُق: مَوضِع المِحْجمة، وَقَالَ غَيره: أصل الحَجْم المَصُّ، وَقيل للحاجم حَجَّام لامتصاصه فَم المِحْجمة. يُقَال: حَجَم الصبيُّ ثديَ أُمِّه إِذا مَصَّه، وثديٌ محجوم أَي ممصوص.
أَبُو عُبيد عَن أبي زيد: أَحْجَمتِ المرأةُ للمولود إحجاماً، وَهُوَ أولُ رَضعة تُرضِعُه أُمُّه.(4/99)
وَقَالَ اللَّيْث: الحَجْم أَيْضا: وِجْدانُك مَسَّ شَيْء تَحت ثوب، تَقول: مَسِسْتُ بطن الْحُبْلَى فَوجدت حجم الصَّبِيِّ فِي بَطنهَا.
وَقد أحجم الثديُ على نحرِ الْجَارِيَة إِذا نتأ ونَهَد، وَمِنْه قَول الْأَعْشَى:
قد أَحْجَم الثديُ على نحرِها
فِي مُشْرِقٍ ذِي بهجَةٍ نائر
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: حَجَّمَ وبجَّمَ إِذا نظر نظرا شَدِيدا، قلت: وحَمَّجَ مثلُه.
وَيُقَال لِلْجَارِيَةِ إِذا غطى اللحمُ رُؤوس عظامها فَسَمنت مَا يَبْدُو لعظامها حَجْم.
وَقَالَ اللَّيْث وَغَيره: الحِجامُ: شَيْء يُجْعَل على خَطْم الْبَعِير لكيلا يَعَضّ، وَهُوَ بعير محجوم.
قَالَ: والحَجْمُ: كَفُّك إنْسَانا عَن أَمر يُريده. يُقَال: أحجم الرجلُ عَن قِرْنه، وأحْجَم إِذا جَبُن وكَفّ. قَالَه الْأَصْمَعِي وَغَيره، والإحْجامُ ضدّ الإقْدامِ.
وَقَالَ مُبْتَكِرٌ الْأَعرَابِي: حَجَمْتُه عَن حَاجته: منعته عَنْهَا.
وَقَالَ غَيره: حَجَوْتُه عَن حَاجته: مثله.
حمج: اللَّيْث: حَمَّجَت العينُ إِذا غارت، وَأنْشد:
وَلَقَد تقودُ الخيْلَ لم تُحمَّجِ
قَالَ: وَيُقَال: تحميجُها: هُزالها.
قَالَ: والتَّحْمِيج: النّظر بخوف، والتَّحميج: التَّغَيُّر فِي الْوَجْه من الْغَضَب وَنَحْوه.
وَفِي الحَدِيث أَن عمر قَالَ لرجل: (مَالِي أَرَاك مُحَمِّجا؟ .
قلت: التَّحميجُ عِنْد الْعَرَب: نظرٌ بتحديق.
وَقَالَ بعض الْمُفَسّرين فِي قَول الله جلّ وعزّ: {مُهْطِعِينَ مُقْنِعِى رُءُوسِهِمْ} (إِبْرَاهِيم: 43) قَالَ: مُحَمِّجين مُديمي النّظر، وَأنْشد أَبُو عُبيدة:
آأنْ رَأَيْت بَنِي أَبِي
ك مُحَمِّجِين إليّ شُوسَا
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: التحميجُ: فتحُ الْعين فَزَعاً أَو وعيداً، وَأنْشد قَول الْهُذلِيّ:
وحَمّجَ للجَبَان المو
تُ حَتَّى قَلْبُه يَجِبُ
قَالَ: أَرَادَ: حَمّج الجَبانُ للْمَوْت فَقَلَبه.
قلت: وَأما قولُ اللَّيْث فِي تَحميج العينِ أَنه بِمَنْزِلَة الغُثُور فَلَا يُعرف، وَكَذَلِكَ التَّحْميج بِمَعْنى الهُزال مُنكر.
جمح: قَالَ اللَّيْث: جَمَح الفرسُ بِصَاحِبِهِ جِماحاً إِذا جَرَى بِهِ جَرْيا غَالِبا، وكل شَيْء إِذا مضى لِوَجْهه على أَمر فقد جمح بِهِ. وَفرس جَمُوح وجامح، الذكرُ وَالْأُنْثَى فِي النعتين سَوَاء. وجَمَحت السفينةُ فَهِيَ تَجْمَح إِذا تركت قصدَها فَلم يضبطها الملاحون. وجَمَحوا بِكِعابِهم مثل جَبَحوا.
وَقَالَ الْفراء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ} (التّوبَة: 57) أَي وَلَّوْا إِلَيْهِ مُسْرِعين.
وَقَالَ الزّجاج: وهم يَجْمَحُون. قَالَ: يسرعون إسراعاً لَا يَرُدُّ وجوهَهم شَيْء، وَمن هَذَا قيل: فرس جَمُوح وَهُوَ الَّذِي إِذا حَمَل لم يَردّه اللِّجَام. وَيُقَال: جَمَح(4/100)
وطَمَح إِذا أسْرع وَلم يَردّ وجْهَه شيءٌ.
قُلت: فرس جَمَوح لَهُ مَعْنيانِ: أَحدهمَا: يوضع مَوضِع العَيْب. وَذَلِكَ إِذا كَانَ من عَادَته ركوبُ الرَّأْس لَا يَثْنِيه رَاكِبه، وَهَذَا من الجماح الَّذِي يُرَدُّ مِنْهُ بِالْعَيْبِ.
وَالْمعْنَى الثَّانِي فِي الْفرس الجَمُوح أَي يكون سَرِيعا نشيطاً مَرُوحاً، وَلَيْسَ بعيبٍ يُرَدُّ مِنْهُ ومصدره الجُموحُ، وَمِنْه قَول امرىء الْقَيْس:
جَمُوحاً مَرُوحاً وإِحْضارُها
كمَعْمَعَة السَّعَف المُوقَدِ
وَإِنَّمَا مَدَحَها فَقَالَ:
وأعددْتُ للحرْب وَثَّابَةً
جَوَادَ المَحثَّةِ والمُرْوَدِ
ثمَّ وصَفها فَقَالَ: جَمُوحاً مَرُوحاً أَو سَبُوحاً أَي تُسْرِعُ براكبها.
وَقَالَ أَبُو زيد: جَمَحت المرأةُ من زَوجهَا تَجْمَح جِماحاً وَهُوَ خُرُوجهَا من بَيته إِلَى أَهلهَا قبل أَن يُطلِّقَها، وَمثله طَمَحَت طِماحاً. وَأنْشد:
إِذا رأتني ذَاتُ ضِغْنٍ حَنَّتِ
وجَمَحت من زَوْجها وأَنَّتِ
وَقَالَ اللَّيْث: الجُمَّاحَةُ والجَمَامِيحُ هِيَ رُؤوس الحَلِيِّ والصِّلِّيان وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يخرج على أَطْرَافه شِبْهُ سُنْبُل غير أَنه لَيِّنٌ كأَذْنَاب الثَّعَالِب.
أَبُو عُبَيد عَن الأُمَوي: الجُمَّاح: ثَمَرَة تُجْعَل على رَأس خَشبة يلْعَب بهَا الصّبيان.
وَقَالَ شمر: الجُمَّاح: سهمٌ لَا ريشَ لَهُ أَمْلَس فِي مَوضِع النَّصْل مِنْهُ تمر أَو طين يُرْمَى بِهِ الطَّائِر فيُلْقِيه وَلَا يقتُله حَتَّى يأخُذَه رامِيه يُقَال لَهُ الجُمَّاح والجُبَّاح، وَقَالَ الراجز:
هَل يُبْلِغَنِّيهم إِلَى الصَّباحْ
هِقْلٌ كأنّ رأسَه جُمَّاحْ
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الجُمَّاح: المنهزمون من الْحَرْب. والجُمَّاحُ: سهم صَغِير يلْعَب بِهِ الصّبيان. قَالَ: وَفرس جَمُوح: سريع وَفرس جموح إِذا لم يُثْن رأسُه.
وَأَخْبرنِي المُنذِري عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الجُمَّاح: سهم أَو قَصَبَة يُجْعَل عَلَيْهِ طين ثمَّ يُرْمى بِهِ الطير، وَأنْشد لرُقَيْعٍ الوَالِبِيّ:
حَلَقَ الحوادثُ لِمَّتي فَتَرَكْن لي
رَأْسا يَصِلُّ كَأَنَّهُ جُمَّاحُ
أَي يُصَوِّت من امّلاسه، وَقَالَ الحطيئة:
بزُبِّ اللِّحَى جُرْدِ الخُصَى كالجَمامِح
وَقَالَ غَيره: الْعَرَب تسمي ذَكَر الرجل جُمَيْحاً ورُمَيْحا، وتسمِّي هَنَ الْمَرْأَة شُرَيْحا: لِأَنَّهُ من الرجل يَجْمَح فيرفع رأْسه، وَهُوَ مِنْهَا يكون مَشْروحاً أَي مَفْتُوحًا.
جحم: قَالَ اللَّيْث: الجَحيم: النَّار الشَّدِيدَة التَّأجّج كَمَا أجَّجوا نَارا لإِبْرَاهِيم النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فَهِيَ تَجْحَم جُحوما أَي تَوَقَّد تَوَقُّدا. وجاحم الْحَرْب: شدَّة الْقَتْل فِي مُعْتَركِها، وَأنْشد:
حَتَّى إِذا ذاق مِنْهَا جَاحِماً برَدَا(4/101)
وَقَالَ الآخر:
وَالْحَرب لَا يَبْقى لِجا
حِمها التخيُّل والمِراح
وَقَالَ: كلُّ نَار تُوقد على نَار جَحِيمٌ. والجَمرُ بعضُه على بعض جَحيم، وَهِي نَار جاحِمَة، وَأنْشد الْأَصْمَعِي:
وضالّةٍ مِثْل الْجَحِيم المُوقَدِ
شبّه النِّصال وحِدّتها بالنَّار، وَنَحْو مِنْهُ قَول الْهُذلِيّ:
كأنّ ظُباتِها عُقُرٌ بَعِيجُ
وَيُقَال للنار جاحم أَي تَوَقُّد والتهاب، وَرَأَيْت جُحْمَة النَّار أَي تَوقُّدها.
وَقَالَ اللَّيْث: الجَحْمَة هِيَ الْعين بلغَة حِمْير، وَأنْشد:
فياجَحْمَتا بَكِّي على أُمِّ مَالك
أكِيلَةَ قِلِّيب بِبَعْض المذانب
قَالَ: وجَحْمتا الْأسد: عَيناهُ بِكُل لُغَة.
والأجْحَمُ: الشديدُ حُمْرة الْعين مَعَ سَعَتها، وَالْمَرْأَة جحماء.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الجُحام: دَاء مَعْرُوف.
والْجُحْمُ: القَلِيلُو الحياءِ.
وَأَخْبرنِي المُنْذِري عَن أبي طَالب فِي قَوْلهم: فلَان جَحَّام، وَهُوَ يتجاحم علينا أَي يتضايق، وَهُوَ مَأْخُوذ من جاحم الْحَرْب، وَهُوَ ضيقها وشدّتها، وَقَالَ بَعضهم: هُوَ يتجاحم أَي يتحرق حِرْصا وبُخْلاً وَهُوَ من الْجَحِيم.
وَفِي الحَدِيث أَن كَلْبا كَانَ لمَيْمُونة فَأَخذه دَاء يُقَال لَهُ: الجُحامُ، فَقَالَت: وارَحْمَتا لمِسْمار تَعْنِي كلبها.
قَالَ: وَأَخْبرنِي الحرّبي عَن عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: جَحَمَتْ نارُكم تَجْحَم إِذا كثر جمرها، وَهِي جحيم وجاحمة.
محج: اللَّيْث: المَحْجُ: مسح شَيْء عَن شَيْء، وَالرِّيح تمْحَجُ الأَرْض: تذْهب بالتّراب حَتَّى تتَنَاوَل من أَدَمَة الأَرْض ترابها، وَقَالَ العجَّاج:
ومحجُ أَرْوَاح يُبارينَ الصَّبَا
أَغْشَيْن معروفَ الدِّيارِ التَّيْرَبا
والثَّيْرَب والتّوْرَب والتّوْراب أَرَادَ التُّرَاب.
وَأَخْبرنِي المُنْذِري عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: اخْتصم شَيْخَانِ غَنَوِيّ وباهِلِيّ، فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه: الْكَاذِب مَحَج أُمَّه، وَقَالَ الآخر: انْظُرُوا مَا قَالَ لي الْكَاذِب: مَحَجَ أُمّه أَي نَاكَ أُمَّه، فَقَالَ الغَنوِيّ: كذب، مَا قُلْتُ لَهُ هَكَذَا، وَلَكِنِّي قلت: الْكَاذِب مَلَجَ أمَّه أَي رضعها.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: المحَّاجُ: الْكذَّاب أَيْضا، وَأنْشد:
ومجَّاج إِذا كثر التجَنّي
قلت: فمحج عِنْد ابْن الْأَعرَابِي لَهُ مَعْنيانِ: أَحدهمَا الجِماعُ، وَالْآخر الكَذِب.
وَقَالَ ابْن الفَرَج: مَحَج الْمَرْأَة ومَخَجَها إِذا نَكَحَهَا، ومَحَج اللبنَ ومَخَجَه إِذا مَخَضه.
مجح: قَالَ غير وَاحِد: التَّمَجُّح والتبجج بِالْمِيم وَالْبَاء: البَذَخُ وَالْفَخْر. هُوَ يَتَمَجّح ويَتَبَجّح وَقد مرّ تَفْسِيره.(4/102)
(أَبْوَاب الْحَاء والشين)
ح ش ض: أهملت وجوهها:)
ح ش ص: اسْتعْمل من وجوهه: (شخص) .
شحص: قَالَ اللَّيْث: الشّحْصاءُ: الشَّاة الَّتِي لَا لبن لَهَا. أَبُو عُبيد عَن الْأَصْمَعِي: الشَّحاصَة والشَّحَص جَمِيعًا: الَّتِي لَا لبن لَهَا، والواحدة والجميع فِي ذَلِك سَوَاء. شَمِر: جمع شَحَص أشْحُص، وَأنْشد:
بأَشْحُص مُسْتَأْخِر مَسافدُه
العَدَبَّس الكِنانِّي: الشحَصُ: الَّتِي لم يَنْزُ عَلَيْهَا الْفَحْل قطّ. وَقَالَ الْكسَائي: إِذا ذهب لبن الشاةِ كلُّه فَهُوَ شَحْص.
وَفِي (النَّوَادِر) يُقَال: أَشْحَصْتُه عَن كَذَا وشَحَّصْته، وأَقْحَصْته وقَحَّصْته، وأَمْحَصْته ومَحَّصْته إِذا أبعدته، وَقَالَ أَبُو وَجْزَة السَّعْدِيّ:
ظعائِنُ من قيس بن عيلانَ أشْحَصَت
بِهن النَّوَى إِن النَّوَى ذَاتُ مِغْولِ
أَشْحَصَت بِهن أَي باعدتْهن.
ح ش س: أهملت وجوهها.
ح ش ز: مهمل.
ح ش ط
اسْتعْمل من وجوهها: شحط، حشط.
شحط: قَالَ اللَّيْث وَغَيره: الشّحط: البُعْد، يُقَال: شَحَطَت الدَّار تَشْحَط شَحْطاٍ وشُحوطاً، قَالَ: والشحْطُ: البُعْد فِي الْحَالَات كلهَا يُثَقَّل ويُخَفَّف، وَأنْشد:
والشَّحْطُ قَطَّاعٌ رَجَاءَ مَنْ رَجَا
وَقَالَ اللَّيْث: الشحْطَةُ: دَاء يَأْخُذ الْإِبِل فِي صُدُورها لَا تكَاد تنجو مِنْهُ. وَيُقَال لأَثَر سحْج يُصِيب جَنْباً أوْ فَخِذاً وَنَحْو ذَلِك. أَصَابَته شَحْطَة.
ثَعْلَب عَن عَمْرو عَن أَبِيه يُقَال: شَحَطه وسَحَطه أَي ذبحه.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: شَحَطَتْه الْعَقْرَب وَوَكَعَتْه بِمَعْنى وَاحِد.
قَالَ: وَيُقَال: شَحَط الطَّائِر وَصَامَ، ومزَقَ ومَرَقَ وسَقْسَق، وَهُوَ الشَّحْط وَالصَّوْم.
وَقَالَ اللَّيْث: الشَّوْحَطُ: ضرب من النَّبْع، وَأَخْبرنِي المُنْذِرِيّ عَن المُبَرِّد قَالَ: يُقَال إِن النَّبْع والشَّوْحَط والشَّرْيَان شَجَرَة وَاحِدَة وَلكنهَا تخْتَلف أسماؤها بكرم منابتها، فَمَا كَانَ فِي قُلّة الْجَبَل فَهُوَ النَّبْع، وَمَا كَانَ فِي سفحه فَهُوَ الشَّرْيَان، وَمَا كَانَ فِي الحضيض فَهُوَ الشَّوْحَطُ.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: من أَشجَار الْجبَال النَّبْع والشَّوْحَط والتَّأْلَب.
وَقَالَ اللَّيْث: المِشْحَطُ: عود يُوضَع عِنْد الْقَضِيب من قُضْبان الكرمْ يَقِيه من الأَرْض.
النَّضْر عَن الطَّائِفِي أَنه قَالَ: الشَّحْطُ: عود يُرْفَعُ بِهِ الحَبَلة حَتَّى تستقلّ إِلَى الْعَريش قَالَ: وَقَالَ أَبُو الْخطاب: شَحَطْتُها أَي وضعت إِلَى جَانبهَا خَشَبَة حَتَّى ترْتَفع إِلَيْهَا.
وَقَالَ اللَّيْث: التَّشحُّطُ: الِاضْطِرَاب فِي الدّم، وَالْولد يَتَشَحّط فِي السَّلَى أَي يضطرب فِيهِ، وأنشدَ بَيت النَّابِغَة:(4/103)
ويَقْذِفْن بالأَوْلاَد فِي كل منزل
تَشَحَّطُ فِي أسْلائها كالوصائِل
وَقَالَ غَيره: يُقَال: جَاءَ فلَان سَابِقًا قد شَحَطَ الخيلَ شَحْطاً أَي فاتها، وَيُقَال: شَحَطَتْ بَنو هَاشم الْعَرَب أَي فاتوهم فضلا وسبقوهم. وَيُقَال: شَحَط فِي السَّوْم وأَبْعَط إِذا طَمَح فِيهِ.
حشط: أهلمه اللَّيْث، وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الحَشْط: الكشط، ثَعْلَب عَنهُ.
ح ش د
اسْتعْمل من وجوهه: حشد، شحد، شدح.
حشد: قَالَ اللَّيْث: حَشَد الْقَوْم إِذا خَقُّوا فِي التَّعاون وَكَذَلِكَ إِذا دُعُوا فَأَسْرعُوا للإجابة قَالَ: وَهَذَا فعل يسْتَعْمل فِي الْجَمِيع، وقَلَّما يُقَال للْوَاحِد حَشَد إِلَّا أَنهم يَقُولُونَ لِلْإِبِلِ: لَهَا حالبٌ حاشد، وَهُوَ الَّذِي لَا يَفْتُر عَن حَلْبها، وَالْقِيَام بذلك. قلت: الْمَعْرُوف فِي حلْب الْإِبِل حاشِك بِالْكَاف لَا حاشِد بالدّال، وَقد مرّ تَفْسِيره فِي بَاب حَشَك إِلَّا أَن أَبَا عُبيد قَالَ: يُقَال: حَشَد القومُ، وحَشَكُوا، وتَحتْرشُوا بِمَعْنى وَاحِد فَجمع بَين الدَّال وَالْكَاف فِي هَذَا الْمَعْنى وَفِي حَدِيث صفة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي يُروى عَن أُمِّ معْبد الخُزاعِية: (مَحْفُودٌ مَحْشُودٌ أَرَادَت أَن أَصْحَابه يخدمونه ويجتمعون عَلَيْهِ. وَيُقَال: احتشد القومُ لفُلَان إِذا أردتَ أَنهم تَحَمَّعوا لَهُ وتَأَهّبوا، وَعند فلَان حَشَدٌ من النَّاس أَي جمَاعَة قد احتشدوا لَهُ، وَقَالَ أَبُو عَمْرو: يُقَال للرجل إِذا نزل بِقوم وأكرموه وأحسنوا ضيافته قد حشدوا لَهُ، وَقَالَ الفرّاء: حشدوا لَهُ وحَفَلوا لَهُ إِذا اختلطوا لَهُ وبالغوا لَهُ فِي إلْطافه وإكرامه.
الحَرَّاني عَن ابْن السِّكِّيب:
أَرض نَزْلَة: تَسِيلُ من أدنى مَطَر، وَكَذَلِكَ أَرْضٌ حَشاد وزَهادٌ، وَأَرْض شَحاح.
وَقَالَ النَّضر: الحَشادُ من المسايل إِذا كَانَت أرضٌ صُلْبة سريعةُ السَّيْل وَكَثُرت شِعابُها فِي الرَّحْبَة وحَشَد بَعْضهَا بَعْضًا.
قَالَ: وَرجل محشود: عِنْده حَشْدٌ من النَّاس.
شحد: قَالَ اللَّيْث: الشُّحْدودُ: السيءُ الخُلُق، وَقَالَت أَعرابية وأرادت أَن تركب بَغْلاً: لَعَلَّه حَيُوص أَو قَمُوص أَو شُحْدودٌ، وَجَاء بِهِ غير اللَّيْث.
شدح: أهمله اللَّيْث، وروى أَبُو عُبيد عَن الْفراء: انشدح الرجل انشداحاً إِذا استلقَى وفَرَّج رِجْلَيْه.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: نَاقَة شَوْدَح: طَوِيلَة على وَجه الأَرْض، وَأنْشد:
قَطَعتُ إِلَى مَعْرُوفِها مُنكراتِها
بِفَتْلاءِ إمْرارِ الذِّراعَيْن شَوْدَح
وَيُقَال: لَك عَن هَذَا الْأَمر مُشْتدَح ومُرْتَدَح ومُرْتَكَح ومُنْتَدَح، وشُدْحَةٌ وبُدْحَة ورُكْحة ورُدْحَة وفُسْحة بِمَعْنى وَاحِد.
وكلأ شادِح وسادِح ورادِح أَي وَاسع كثير.
ح ش ت
حتش: قَالَ اللَّيْث فِي كِتَابه: حَتَش يَنْظُر فِيهِ،(4/104)
وَقَالَ غَيره: حَتَش إِذا أدام النَّظَر. وَقيل: حَتَش الْقَوْم وتَحَتْرَشوا إِذا حَشَدوا.
تشح: قَالَ الطرماح يصف ثورا:
مَلاً بائِصاً ثمَّ اعتَرَتْهُ حَمِيَّةٌ
على تُشْحةٍ من زائِدٍ غيرِ واهِن
(ح ش ظ: مهمل) .
قَالَ أَبُو عَمْرو فِي قَوْله: على تُشْحَة أَي على جِدَ وحَمِيَّة. قلت: أَنا أَظن التشحة فِي الأَصْل أُشْحة فقُلِبت الهمزَةُ واواً ثمَّ قلبت تَاء كَمَا قَالُوا: تُراث وتَقَوى.
وَقَالَ شمر: يُقَال: أَشِحَ يَأْشَح إِذا غضب، وَرجل أَشْحانُ أَي غَضْبَان. قلت: وأصل تُشْحة أُشْحة من قَوْلك: أَشِحَ.
ح ش ذ
اسْتعْمل من وجوهه:
شحذ: قَالَ اللَّيْث: الشَّحْذُ: التَّحْدِيد. تَقول: شَحَذْت السكّين شَحْذا إِذا أَحْدَدْته فَهُوَ مشحوذ وشحِيذ، وَأنْشد:
يَشْحَذ لَحْيَيْه بنابٍ أَعْصَلِ
أَبُو عُبيد عَن الْأَحْمَر: الشَّحَذانُ: الجائِع.
وَقَالَ اللحياني: شَحَذْتُه بعيني: أَحَدَدتُها فرميته بهَا حَتَّى أصبتُه بهَا وَكَذَلِكَ زَرَقْته وحدجْته قَالَ: وشَحَذْتُه أَي سُقْته سوقاً شَدِيدا، وسائق مِشحذ.
وَقَالَ أَبُو نُخَيْلة:
قلت لإبليسَ وهامان خُذَا
سُوقا بني الجَعْراء سَوْقاً مِشْحَذا
واكْتَنِفاهم من كَذَا وَمن كَذَا
تَكَنُّفَ الرّيح الجَهام الرُّذَّذَا
وَفُلَان مَشْحُوذ عَلَيْهِ أَي مغضوب عَلَيْهِ.
وَقَالَ الأخْطَل:
خيالٌ لأرْوَى والرَّباب وَمن يكن
لَهُ عِنْد أَرْوَى والرَّباب تُبُولُ
يَبِتْ وَهُوَ مَشْحُوذٌ عَلَيْهِ وَلَا يُرَى
إِلَى بَيْضَتَي وَكْرِ الأُنوقِ سَبِيل
شمِر عَن ابْن شُميل: المِشْحاذ: الأَرْض المستوية فِيهَا حَصًى نَحْو حَصَى الْمَسْجِد وَلَا جَبَل فِيهَا، قَالَ: وَأنكر أَبُو الدُّقَيْش المِشْحاذَ.
وَقَالَ غَيره: المِشْحاذ: الأكمة القَرْواء الَّتِي لَيست بضَرِسَة الْحِجَارَة وَلكنهَا مستطيلة فِي الأَرْض، وَلَيْسَ فِيهَا شَجَر وَلَا سَهْل.
أَبُو زيد: شَحَذَت السَّمَاء تَشْحَذُ شَحْذاً، وحَلَبَت حَلْباً وَهِي فَوق البَغْشَة.
وَفِي (النَّوَادِر) : تَشَحَّذَنِي فلَان وتَزَعَّقَني أَي طردني وعَنَّاني.
ح ش ث
أهملت وجوهه.
ح ش ر
حشر، حرش، شرح، شحر، رشح: (مستعملات) .
حشر: قَالَ اللَّيْث: الْحَشر: حَشْرُ يَوْم الْقِيَامَة، والمَحْشَر: المجمَع الَّذِي يُحْشر إِلَيْهِ الْقَوْم وَكَذَلِكَ إِذا حُشِروا إِلَى بلد أَو(4/105)
معسكر وَنَحْوه.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {دِيَارِهِمْ لاَِوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن} (الحَشر: 2) نزلت فِي بني النَّضِير، وَكَانُوا قوما من الْيَهُود عاقدوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما نزل الْمَدِينَة أَلا يَكُونُوا عَلَيْهِ وَلَا لَهُ، ثمَّ نَقَضُوا الْعَهْد وَمَا يلوا كُفَّار أهل مَكَّة فقصدهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ففارَقُوه على الْجَلاء من مَنَازِلهمْ فجلَوْا إِلَى الشّام، وَهُوَ أوَّلُ حَشْر حُشِر إِلَى أَرض المَحْشَرِ، ثمَّ يُحْشَر الخَلْق يَوْم الْقِيَامَة إِلَيْهَا، وَلذَلِك قيل: لأوّل الْحَشر، وَقيل: إِنَّهُم أول من أُجْلِي من أهل الذِّمّة من جَزِيرَة الْعَرَب، ثمَّ أُجْلِي آخِرهم أيَّامَ عمر بن الْخطاب ح، مِنْهُم نَصَارى نَجْران ويهودُ خَيْبَر.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {عُطِّلَتْ وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} (التّكوير: 5) ، وَقَالَ: {ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} (الأنعَام: 38) ، وَأكْثر الْمُفَسّرين قَالُوا: تُحْشَر الوحوشُ كلهَا وَسَائِر الدّواب حَتَّى الذُّباب للْقصَاص، وأُسْنِد ذَلِك إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ بَعضهم: حشرُها: مَوتهَا فِي الدُّنْيَا.
وَقَالَ اللَّيْث: إِذا أَصَابَت الناسَ سَنَةٌ شَدِيدَة فأجْحَفَت بِالْمَالِ وأهلكت ذَوَات الْأَرْبَع قيل: قد حشرتْهُم السّنة تحشُرُهم وتحشِرُهم وَذَلِكَ أَنه تُضمُّهم من النواحي إِلَى الْأَمْصَار. وَقَالَ رؤبة:
وَمَا نَجَا من حَشْرِهَا المحْشُوشِ
وحْشٌ وَلَا طَمْشٌ من الطُّمُوشِ
قَالَ: والحَشَرَةُ: مَا كَانَ من صغَار دوابِّ الأَرْض مثل اليَرابِيع والقنافِذِ والضِّبَاب وَنَحْوهَا وَهُوَ اسْم جَامع لَا يُفْرَد الْوَاحِد إِلَّا أَن يَقُولُوا هَذَا من الحَشَرة.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الحشرات والأحْراشُ والأحْناش وَاحِد وَهِي هوامُّ الأَرْض.
وَفِي (النَّوَادِر) : حُشِر فلانٌ فِي ذَكَره وَفِي بَطْنه وأُحْثِل فيهمَا إِذا كَانَا ضخْمَين من بَين يَدَيْهِ.
وَقَالَ اللَّيْث: الْحَشوَر من الدَّوَابّ: كل مُلَزَّز الخَلْق شديده، وَمن الرِّجَال: العظيمُ البَطْن
أَبُو عُبَيد عَن الْأَحْمَر: الحَشْوَرُ: الْعَظِيم الْبَطن، وَأنْشد غَيره:
حَشْوَرَةُ الْجَنبَيْن مَعْطاءُ القَفَا
وَقَالَ اللَّيْث: الْحَشر من الآذان وَمن قُذَذِ ريش السِّهام: مَا لَطُف كَأَنَّمَا بُرِي بَرْياً، وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي فِي صفة نَاقَة:
لَهَا أُذُن حَشْر وذِفْرَى أَسِيلَة
وخَدٌّ كمِرْآة الغريبة أسْجَحُ
وَقَالَ اللَّيْث: حَشَرْت السِّنان فَهُوَ مَحْشُور أَي دقَّقْتُه وأَلْطَفْته.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل عَن أبي الخَطَّاب: الحَبَّة عَلَيْهَا قِشْرَتان، فالتي تلِي الحَبَّةَ الحَشَرَة والجميع الحَشَر، وَالَّتِي فَوق الحشرة القَصَرَة، قَالَ: والمَحْشَرة فِي لُغَة أهل الْيمن: مَا بَقِي فِي الأَرْض وَمَا فِيهَا من نَبَات بَعْدَمَا يُحْصَد الزرعُ فَرُبمَا ظهر من تَحْتَهُ نَبَات أخْضَر فَذَلِك المَحْشَرَة. يُقَال: أرسلُوا دَوَابَّهم فِي المَحْشَرة.
شحر: قَالَ اللَّيْث: الشِّحْر: سَاحل الْيمن فِي أقصاها، وَأنْشد:
رَحَلْتُ من أقْصَى بِلَاد الرُّحَّلِ
من قُلَل الشِّحْرِ فجَنْبَي مَوْكَلِ(4/106)
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الشِّحْرَةُ: الشَّطّ الضَّيِّق، والشِّحْر: الشَّطّ.
شرح: قَالَ اللَّيْث: الشَّرْح والتَّشريح: قَطْع اللَّحْم عَن العُضْو قَطْعاً، وكلُّ قطْعة مِنْهَا شَرْحَةٌ.
وَيُقَال: شَرَح الله صدرَه فانشرَح أَي وَسَّع صدرَه لقَبول الحقِّ فاتَّسع.
وَيُقَال: شرحَ فلانٌ أَمْرَه أَي أوضحه. وَشرح مَسْأَلَة مُشْكِلة إِذا بَيَّنها.
وَشرح جَارِيته إِذا سَلَقَها على قَفاها ثمَّ غَشِيَها.
وَقَالَ ابْن عَبَّاس: كَانَ أَهْل الْكتاب لَا يَأْتُون نساءَهم إِلَّا على حَرْفٍ، وَكَانَ هَذَا الحيُّ من قُرَيش يَشْرحون النساءَ شَرْحاً.
وَسَأَلَ رجل الحَسن: أَكَانَ الأنبياءُ يَشْرحون إِلَى الدُّنيا مَعَ علمهمْ برَبهمْ، يُرِيد كَانُوا يَنْبَسِطُون إِلَيْهَا ويرغبون فِي اقْتِنائها رَغْبَةً وَاسِعَة.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رجُل من الْعَرَب لفَتَاه: أَبْغني شارحاً فإنَّ أَشَاءَنا مُغَوَّسٌ، وإنّي أخافُ عَلَيْهِ الطَّمْلَ.
قَالَ أَبُو عَمْرو: الشَّارِح: الْحَافِظ، والمُغَوَّسُ: المُشَنَّخُ. قلتُ: تَشْنِيخُ النَّخْل: تَنْقِيحُه من السُّلاَّء. والأشَاءُ: صغَار النّخل.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الشّرْحُ: الحِفْظُ، والشَّرح: الفَتْحُ، والشَّرْحُ: البيانُ، والشَّرْح: الْفَهم، والشَّرْح: افْتِضاض الْأَبْكَار، وَأنْشد غَيره فِي الشَّارح بِمَعْنى الْحَافِظ:
وَمَا شاكِرٌ إِلَّا عَصافيرُ قَرْيَةٍ
يقومُ إِلَيْهَا شارِحٌ فَيُطِيرُها
وَالشَّارِح فِي كَلَام أهل الْيمن: الَّذِي يحفظ الزرعَ من الطُّيُور وَغَيرهَا.
وَقَالَ ابْن شُمَيل: الشَّرْحَة من الظِّبَاء: الَّذِي يُجاءُ بِهِ يَابسا كَمَا هُوَ لم يُقَدّد. يُقَال: خُذْ لنا شَرْحَةً من الظِّباء، وَهُوَ لحم مَشْرُوح، وَقد شَرَحْته وشَرَّحْتُه.
والتَّصْفِيف نَحْو من التَّشْريح وَهُوَ تَرْقِيق البَضْعَةِ من اللّحم حَتَّى يَشِفَّ من رِقَّته ثمَّ يُلْقَى على الجَمْر.
رشح: قَالَ ابْن المظفّر: الرَّشْح: نَدَى العَرَق على الْجَسَد. يُقَال: رشح فلَان عَرَقاً، والرَّشح: اسْم لذَلِك الْعرق، وسُمِّيت البطانة الَّتِي تَحت لِبد السَّرْجِ مِرْشحة لِأَنَّهَا تُنَشِّف الرَّشحَ يَعْنِي العَرَق.
أَبُو الْعَبَّاس عَن سَلَمَة عَن الْفراء يُقَال: أَرْشَح عَرَقاً ورَشَح عَرَقاً بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الرَّشْح: العَرَق.
وَقَالَ اللَّيْث: التَّرْشيح: أَن تُرَشِّحَ الأمُّ وَلَدهَا باللَّبن الْقَلِيل تجعلُه فِي فِيه شَيْئا بعد شَيْء حَتَّى يَقْوَى لِلْمَصِّ، قَالَ: والتَّرْشيح أَيْضا: لَحْسُ الأُمّ مَا على طفلها من النُّدُوَّةِ حِين تَلِدُهُ وَأنْشد:
أُمُّ الظِّبَاء تُرَشَّح الأطْفالاَ
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: إِذا وضعت النَّاقة وَلَدهَا فَهُوَ سَلِيل، فَإِذا قَوِي وَمَشى فَهُوَ راشِح، وَأمه مُرْشِح، فَإِذا ارْتَفع عَن الرّاشح فَهُوَ جادِل.(4/107)
وَقَالَ اللَّيْث: الراشِح والرَّواشِح: جبال تَنْدَى، فَرُبمَا اجْتمع فِي أُصُولهَا مَاء قَلِيل، فَإِن كثُر سُمِّي وَشَلاً، وَإِن رَأَيْته كالعرق يجْرِي خلال الْحِجَارَة سُمِّى راشِحا.
وَقَالَ غَيره: بَنو فلَان يَسْتَرْشحون البقلَ أَي يَنْتَظِرون أَن يَطُول فَيَرْعَوْه ويَستَرْشحون البُهْمَى يُرَبّونه ليَكْبُر، وَذَلِكَ الْموضع مُسْتَرْشَح، وَقَالَ ذُو الرُّمة يصف الْحمير:
يُقَلِّبُ أَشْبَاها كَأَن مُتُونَها
بمُستَرْشَح البُهمى من الصّخْر صَرْدَحُ
وَيُقَال: فلانُ يُرَشَّحُ للخلافة إِذا جُعِل وَلِيَّ العَهْد.
حرش: اللَّيْث: الحَرْش والتَّحْرِيش: إغراؤك الْإِنْسَان والأسدَ ليَقَع بِقِرْنه.
والأحْرَش من الدَّنانير: الخَشِن لجدَّته، والضَّبُّ أَحْرَشُ: خَشِنُ الْجلد كأنّه مُحَزَّز.
وَتقول: أَحْرَشْتُ الضَّبَّ وَهُوَ أَن تُحَرِّشَه فِي جُحْره فتُهَيِّجه فَإِذا خرج قَرِيبا مِنْك هَدَمتَ عَلَيْهِ بَقِيَّة الْجُحر وَرُبمَا حدشَ الضَّبُّ الأفْعى إِذا أَرَادَت أَن تَدْخُل عَلَيْهِ قاتلها.
قَالَ: وَقَالَ ابْن شُمَيل: يُقَال: قد احترشُوا الضِّباب.
قَالَ: والحَرْش: أَن يُقَعْقِع الرجلُ الحِجارةَ على رَأس جُحرِه، أَو يُحرّكَ عَصاً أَو حَصًى على قَفَا جُحره فيحسِبُه دابّة تُرِيدُ أَن تدخل عَلَيْهِ فَيَجِيء ويَزْحَل على رِجْليه لِيُقَاتل فيناهِزه الرجلُ فيأخُذَ بِذَنبِهِ فيُضَبِّب عَلَيْهِ فَلَا يَقْدر أَن يَفيضَ ذَنَبُه أَن يُفْلِتَه أَي لَا يقدر أَن يَنْفلِت مِنْهُ.
قَالَ شَمِر: والتَّضْبيب: شدّة الْقَبْض، قَالَ والمُنَاهَزَة: المُبادَرة، قَالَ: وأَفْعَى حَرْشاء: خشنة الْجلْدَة، وَهِي الْحَرِيش أَيْضا. وَأنْشد:
تَضْحَكُ مِنّى أَن رَأَتْني أحْتَرِشْ
وَلَو حَرَشْتِ لكَشَفْت عَن حِرْش
أَرَادَ عَن حِرِك يقلبون كَاف المخاطبة للتأنيث شِينا.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: من أمثالهم فِي مُخاطبة الْعَالم بالشيءِ مَنْ يُريد تعليمَه: (أَتُعْلِمُني بضَبَ أَنا حَرَشتُه) ونحوٌ مِنْهُ قَوْلهم: (كمعلِّمَة أمَّها البِضَاعَ) .
وَقَالَ اللَّيْث: الحَرِيشُ، يُقَال هُوَ دابّة لَهُ مَخالب كمخالب الْأسد، وَله قَرْنٌ وَاحِد فِي وسطِ هامته، وَأنْشد:
بهَا الحَرِيش وضِغْزٌ مائل ضَئْزٌ
يأوي إِلَى رَشحٍ مِنْهَا وتَقْلِيص
قلت: وَلَا أَدْرِي مَا هَذَا الْبَيْت، وَلَا أعرف قَائِله، وَقَالَ غير اللَّيْث:
وَذُو قَرْنٍ يقالُ لَهُ حَرِيش
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي فِيمَا أَقْرَأَنِيهِ الْمُنْذِرِيّ عَن أَحْمد بن يحيى لَهُ: الهِرْمِيس: الكرْكَدَّنُ: شَيْء أعظم من الْفِيل لَهُ قرن يكون فِي الْبَحْر أَو على شاطئه، قلت: وكأنّ الحَرِيش والهِرْمِيس شَيْء وَاحِد وَالله أعلم.
أَبُو عُبيد: الحَرْشُ: الأثَر، وَجمعه حِراشٌ، وَبِه سُمِّي الرجل حِراشاً.
وَسمعت غير وَاحِد من الْأَعْرَاب يَقُول للبعير الَّذِي أَجْلَبَ دَبَرُه فِي ظَهره: هَذَا بعير أَحْرَش، وَبِه حَرَش، وَقَالَ الشَّاعِر:(4/108)
فطارَ بكَفِّي ذُو حِراش مُشَمِّرٌ
أحَذُّ ذَلاَذِيلِ العَسيب قصير
أَرَادَ بِذِي حِراش جَمَلا بِهِ أثر الدّبَر. وَيُقَال: حَرَشْتُ جَرَب الْبَعِير أَحْرِشه حَرْشاً وخَرَشْتُه خَرْشاً إِذا حكَّكتَه حَتَّى تَقَشَّر الجلدُ الأعْلى فيَدْمى ثمَّ يُطْلى حينئذٍ بالهِناء.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الحَرْشاءُ من الجُرْب: الَّتِي لم تُطْل، قلت: سُمّيت حَرْشاء لخشونة جلدهَا، وَقَالَ الشَّاعِر:
وَحَتَّى كأَنِّي يَتَّقِي بِي مُعَبَّد
بِهِ نُقْبَةٌ حرشاءُ لم تَلْقَ طاليا
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: وَمن نَباتِ السَّهْل: الحَرْشاءُ والصَّفراء والغَبْراء، وَهِي أعشاب مَعْرُوفَة تَسْتَطيبُها الرّاعية.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَرْشُ، ضَرْب من البَضْع وَهِي مُسْتَلْقِية.
أَبُو سعيد: دَرَاهِم حُرْشٌ: جِيادٌ خُشْن حَدِيثَة الْعَهْد بالسِّكّة.
ح ش ل
أهملت وجوهها غير حرف وَاحِد:
شلح: قَالَ اللَّيْث: الشَّلْحاء: هُوَ السيفُ بلُغة أهل الشَّحْر وهم بأقصى الْيمن، وروى أَبُو العَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الشُّلْح: السيوف الحِدادُ.
قلتُ: مَا أُرَى الشَّلْحاء والشلْحَ عَرَبِيَّة صَحِيحَة، وَكَذَلِكَ التشليح الَّذِي يتَكَلَّم بِهِ أهل السوَاد، سمعتهم يَقُولُونَ: شُلَّح فلَان إِذا خرج عَلَيْهِ قُطَّاع الطَّرِيق فسلبوه ثِيَابه وعَرَّوْه، وأحسِبُها نَبَطِيَّة.
ح ش ن
حشن، حَنش، شحن، نشح، نحش، شنح: (مستعملات) .
حشن: قَالَ ابْن المُظَفّر وَغَيره: حَشِنَ السقاءُ يَحْشَن حَشناً وأَحْشَنْتُه أَنا إحْشَانا إِذا أكثرت استعمالَه بِحَقْن اللَّبن فِيهِ وَلم تتعهّده بِمَا يُنظّفه من الوَضَر والدّرَن فأرْوَحَ وتغيّر بَاطِنه ولَزِق بِهِ وسخ اللَّبن.
أَبُو عُبَيد عَن الأُمَويّ: الحِشْنة: الحِقدُ، وأنشدنا.
أَلا لَا أَرَى ذَا حِشْنَةٍ فِي فَؤاده
يُجَمْجِمُها إِلَّا سَيَبْدو دفِينُها
وَقَالَ شَمِر: لَا أعرف الْحِشْنَة، قَالَ: وأراهُ مأخوذاً من حَشِن السقاء إِذا لزِق بِهِ وضَر اللبنِ ودَرِن، وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي:
وَإِن أتَاها ذُو فِلاَقٍ وحَشَن
يَعْنِي وَطْبا تَفَلَّقَ لَبَنه وَوَسِخَ فَمُه
شحن: قَالَ اللَّيْث: الشَّحْنُ: مَلْؤُك السفينةَ وإتمامُك جهازَها كُلّه فَهِيَ مشحونة: مَمْلُوءَة.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلاَ تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَآ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُونِ قَالُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الاَْرْذَلُونَ قَالَ وَمَا عِلْمِى بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ إِنْ حِسَابُهُمْ إِلاَّ عَلَى رَبِّى لَوْ تَشْعُرُونَ وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ قَالُواْ لَئِنْ لَّمْ تَنْتَهِ يانُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُرْجُومِينَ قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِى كَذَّبُونِ فَافْتَحْ بَيْنِى وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِى وَمَن مَّعِى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَأَنجَيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} (الشُّعَرَاء: 119) يُرِيد المملُوء.
قلت: والشِّحْنةُ: مَا يُقامُ للدّواب من العَلَفِ الَّذِي يكفيها يومَها وليلتَها هُوَ شِحْنَتها.
وشِحْنَةُ الكُورة: مَنْ فيهم الْكِفَايَة لضبْطها من أَوْلِيَاء السُّلْطَان.
وَقَالَ اللَّيْث: الشَّحْناء: الْعَدَاوَة، وَهُوَ مُشاحن لَك، وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال:(4/109)
شاحَنْتُه مشاحنةً من الشحناء، وآحنتُه مُؤاحنة من الإحْنة.
أَبُو عُبَيد عَن الأصمعيّ وَأبي زيد: أشحَنَ الرجلُ إشحاناً، وأجْهَشَ إجهاشاً إِذا تهَيَّأ للبكاء، قَالَ الخُذَلِيّ.
... وَقد هَمَّت بإشحانِ
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: سيوف مُشْحَنةٌ فِي أغْمادِها، وَأنْشد:
إِذْ عارَتِ النَّبْل والْتَفَّ اللُّفُوفُ وَإذْ
سَلُّوا السيوفَ عُرَاةً بعد إشحَان
وَسمعت أعْرَابِيّاً يَقُول لآخر: اشحَنْ عَنْك فلَانا أَي نحّه وأبْعِده، وَقد شحنه يَشْحَنُه شَحْناً إِذا طرده.
وَقَالَ شَمِر: قَالَ الشَّيباني: الشّاحن من الْكلاب: الَّذِي يُبْعد الطريدَ وَلَا يَصِيد، وَفِي الحَدِيث (يغْفر الله لكل بشر، مَا خلا مُشْركًا أَو مُشاحِناً) .
قَالَ شَمِر: قَالَ الْأَوْزَاعِيّ: هُوَ صاحبُ البِدْعة المفارق للْجَمَاعَة والأُمَّة.
وَقيل المُشاحنة: مَا دُون الْقِتَال من السَّبِّ والتَّعاير، مَأْخُوذ من الشَّحناء. وَهِي الْعَدَاوَة.
شنح: اللَّيْث: الشناحيّ: يُنعت بِهِ الجَمل فِي تَمام خَلْقه، وَأنْشد:
أَعَدُّوا كلَّ يَعْمَلَةٍ ذَمُولٍ
وأَعْيَسَ بازلٍ قَطِمٍ شَناحِي
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: الشَّناحيُّ: الطّويل، وَيُقَال: هُوَ شَناحٌ كَمَا ترى.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الشُّنُح: الطِّوالُ. والشُّنُح: السُّكارى.
نشح: قَالَ اللَّيْث: نَشَحَ الشارِبُ إِذا شَرِب حَتَّى امْتَلَأَ.
وسِقاء نَشَّاح: نَضَّاح.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: النُّشُح السُّكَارَى.
الحرّاني عَن ابْن السّكيت: النَّشوح من قَوْلك: نَشَحَ إِذا شَرِب شُرْباً دون الرِّيِّ.
وَقَالَ أَبُو النّجْم:
حتَّى إِذا مَا غَيَّبَتْ نَشُوحا
وسمعتُ أعرابيّاً يَقُول لأَصْحَابه: أَلا وانْشَحُوا خيلَكم نَشْحاً أَي اسقوها سَقْياً يَفْثأ غُلَّتَها وَإِن لم يُرْوِها، وَقَالَ الرَّاعي يذكر مَاء ورده:
نَشحْتُ بهَا عَنْساً تَجافَى أظَلُّها
عَن الأُكْم إِلَّا مَا وَقَتْها السَّرائح
حَنش: اللَّيْث: الحَنشُ: مَا أَشْبه رُؤوسه رُؤُوس الحيّات من الحَرابِي وسَوَامِّ أَبْرَصَ ونحوِها، وَأنْشد:
تَرَى قِطَعاً من الأحْناشِ فِيهِ
جَماجِمُهُن كالخَشَلِ النَّزِيعِ
وَقَالَ شمر: الحنَش: الحَيَّة، وَقَالَ غَيره: الأَفْعَى، قَالَ ذُو الرُّمَّة:
وَكم حَنَشٍ ذَعْفِ اللُّعابِ كأنّه
على الشَّرَك العَادِيِّ نِضْوُ عِصَامِ
والذَّعْفُ: الْقَاتِل، وَمِنْه قيل: مَوت ذُعافٌ.
قَالَ شمر: وَيُقَال للضَّباب واليَرابِيع: قد(4/110)
احْتَنَشَت فِي الظَّلَم أَي اطَّرَدَت وَذَهَبت فِيهِ، وَأنْشد شمر فِي الحَنَش:
فاقْدُرْ لَهُ فِي بعض أَعْرَاض اللِّمَمْ
لَمِيمَةً من حَنَشٍ أعْمَى أَصَمْ
فالحنَشُ هَاهُنَا الحيّة، وَقَالَ الكُمَيْتُ:
فَلَا ترأمُ الْحِيتانُ أَحْنَاش قَفْرةٍ
وَلَا تَحْسَب النِّيبُ الحِجاشَ فِصَالَها
فَجعل الحَنَش دَوابَّ الأَرْض من الحيَّات وَغَيرهَا. أَبُو عُبَيد عَن أبي عَمْرو: الحَنَشُ: الحيّة، والحَنَشُ كُلّ شَيْء يُصادُ من الطَّير والهَوامِّ. يُقَال مِنْهُ: حَنَشْتُ الصيدَ أحْنِشُه وأَحْنُشُه إِذا صِدْتَه، وَقيل: المَحْنُوشُ: الَّذِي لسَعَتْه الحَنَش، وَهِي الحَيَّة، وَقَالَ رُؤْبة:
فقُلْ لذاكَ المُزْعَج المَحْنُوش
أَي فَقل لذاك الَّذِي أقلقه الحَسَد وأزعجه، وَبِه مِثْلُ مَا باللَّسِيع.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: المَحْنُوش: المَسُوق جِئْت بِهِ تَحْنِشُه أَي تسوقه مُكْرَهاً.
أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد: حَنَشْتُه عَنهُ: عطفته. قلت: هُوَ بِمَعْنى طَرَدْته، يُقَال: حَنَشه وعَنَشه إِذا سَاقه وطرده، وَقَالَ أَبُو عَمْرو: المحنوش: المَغْموزُ فِي حَسَبه.
نحش: أهمله اللَّيْث، وَقَالَ شَمِر فِيمَا قَرَأت بخَطّه: سَمِعْتُ أَعْرَابِياً يَقُول: الشِّظْفَةُ والنِّحَاشَةُ: الخُبْزُ المُحْتَرِق، وَكَذَلِكَ الجِلْفَةُ: والقِرْفَةُ.
ح ش ف
حشف، حفش، فشح، فحش: مستعملة.
حشف: قَالَ اللَّيْث: الحَشَفُ من التَمْر: مَا لم يُنْوِ، فَإِذا يَبِس صَلُب وفَسَد لَا طعم لَهُ وَلَا لحاء، وَلَا حلاوة.
وَيُقَال: قد أحشف ضَرْعُ النّاقة إِذا انقبض يَسْتَشنّ أَي يصير كالشَّنِّ.
قَالَ: والحَشَفَةُ: مَا فَوق الخِتَان.
ابْن السّكيت: الحَشِيفُ: الثَّوْب الخَلَق وَأنْشد:
أُتِيحَ لَهَا أُقَيْدِرُ ذُو حَشِيفٍ
إِذا سامَت على المَلَقَاتِ سامَا
وَيُقَال لأُذُن الْإِنْسَان إِذا يَبِس فَتَقبَّض قد استَحْشَفَ وَكَذَلِكَ ضَرْعُ الأُنثى إِذا قَلَص وتَقَبَّضَ، يُقَال لَهُ: حَشَفٌ، وَقَالَ طرفَة:
على حَشَفٍ كالشَّنِّ ذَاوٍ مُجَدَّد
وَيُقَال للجزيرة فِي الْبَحْر لَا يَعْلُوها المَاء حَشَفَةٌ وَجَمعهَا حِشافٌ إِذا كَانَت صَغِيرَة مُسْتَديرة، وَجَاء فِي الحَدِيث أنَّ موضِعَ بيتِ الله كَانَت حَشَفَة فَدَحَا الله الأَرْض عَنْهَا.
وَيُقَال: رأيتُ فلَانا مُتَحشِّفاً إِذا رَأَيْته سيِّىء الْحَال مُتَقَهِّلاً رَثَّ الْهَيئَة.
وَقَالَ شمر: الحُسَافَةُ والحُشافَةُ، بِالسِّين والشين: المَاء الْقَلِيل.
فحش: اللَّيْث: الفُحْشُ: مَعْرُوف، والفَحْشاءُ: اسْم الفاحِشَة، وكل شَيْء جَاوز حدّه وقدرَه فَهُوَ فَاحش. وأَفْحشَ الرجلُ إِذا قَالَ قولا فاحِشاً، وَقد فَحُش علينا فلَان، وَإنَّهُ لفَحَّاش، وكل أَمر لَا يكون مُوافِقاً للحق فَهُوَ فاحِشَة، وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ} (النِّساء: 19) قيل: الفاحِشَة المَبَيِّنَةُ: أَن تَزْنِي فَتُخرَجَ للحَدِّ، وَقيل: الفاحِشَةُ: خُرُوجهَا من بَيتهَا من غير إذْن(4/111)
زَوْجها.
وَقَالَ الشَّافِعِي: هُوَ أَن تَبْذَأَ على أَحْمائها بذَرَابة لِسانِها فَتُؤْذِيهَم، وتأوَّل ذَلِك فِي حَدِيث فَاطِمَة بنت قَيْس أنَّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يَجْعَل لَهَا سُكْنى وَلَا نَفَقَة، وَذكر أَنه نقلهَا إِلَى بَيت ابنِ أُمِّ مَكتُوم لِبَذاءتها وسَلاطَة لسانها، وَلم يُبْطِلْ سُكْناها لقولِ الله جلّ وعزّ: {رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ} (الطّلَاق: 1) . وَأما قَول الله جلّ وعزّ: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَآءِ} (البَقَرَة: 268) : قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: مَعْنَاهُ يَأْمُركُمْ بِأَن لَا تَتَصَدَّقُوا، وَقيل: الفَحْشَاءُ هَاهُنَا البُخْل، وَالْعرب تسمي البَخِيل فاحِشاً، وَقَالَ طرفَة:
أرى الموتَ يَعْتَامُ الكِرامَ ويَصْطفِي
عَقِيلةَ مالِ الفاحِشِ المُتَشَدِّدِ
وَفِي الحَدِيث: (إِن الله يُبْغِضُ الفَاحِشَ المُتَفَحِّش، فالفَاحِشُ هُوَ ذُو الفُحْشِ والخَنَا من قَول وفِعْل، والمتفحِّش: الَّذِي يَتكلَّف سَبَّ النّاس ويُفْحِش عَلَيْهِم بِلِسَانِهِ، وَيكون المُتَفَحِّش: الَّذِي يَأْتِي الفاحِشَة المَنْهِيَّ عَنْهَا وَجَمعهَا الفواحِش.
حفش: قَالَ اللَّيْث: الحِفْش: مَا كَانَ من أَسْقاط الْأَوَانِي الَّتِي تكون أوعيةً فِي الْبَيْت للطِّيب وَنَحْوه، وَفِي الحَدِيث أنّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعَثَ رجلا من أَصْحَابه ساعياً، فقَدِم بِمَال وَقَالَ: أمَّا كَذَا فَهُوَ من الصَّدقَات، وَأما كَذَا وَكَذَا فإنّه مِمَّا أُهْدِيَ لي، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (هَلاَّ جلس فِي حِفْشِ أُمِّه فينْظُرَ: هَل يُهدى لَهُ) .
قَالَ أَبُو عُبَيد: الحِفْشُ: الدُّرْجُ وَجمعه أَحْفَاش، قَالَ أَبُو عُبَيد: شَبَّه بيتَ أمه فِي صِغَره بالدُّرْجِ.
وَأَخْبرنِي عبد الْملك عَن الرّبيع عَن الشَّافِعِي أنّه قَالَ: الحِفْشُ: الْبَيْت الذَّليل القَرِيب السَّمْكِ من الأَرْض ونحوَ ذَلِك قَالَ ابْن الْأَعرَابِي. قلت: وأصل الحِفْش: الدُّرْج، كَمَا قَالَ أَبُو عُبَيد، وشَبَّه الْبَيْت الصَّغِير بِهِ.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَفْش مصدر قَوْلك: حَفَش السيلُ حَفْشاً إِذا جَمَع المَاء من كلِّ جانِب إِلَى مُسْتَنْقَعٍ وَاحِد، فَتلك المسايل الَّتِي تَنْصَبُّ إِلَى المَسيل الْأَعْظَم هِيَ الحَوافِشُ، واحدتها حافِشة، وَأنْشد:
عَشِيَّةَ رُحْنَا وَرَاحوا إِلَيْنَا
كَمَا مَلأ الحافِشاتُ المَسِيلا
وَيُقَال للْفرس: يَحْفِشُ الجريَ أَي يُعقب جَرْياً بعد جَرْي وَلَا يزدادُ إِلَّا جَوْدة، وَقَالَ الكُمَيْتُ يَصِفُ غَيْثاً:
بكُلِّ مُلِثَ يَحْفِشُ الأُكْمَ وَدْقُه
كأنّ التِّجارَ اسْتَبْضَعَتْه الطيالِسا
قَالَ شمر: يحفش: يَسِيل، وَيُقَال: يَقْشِر. يَقُول: اخْضَرَّ ونَضر، فشبَّهه بالطّيالِسة.
أَبُو عُبَيد عَن الأُمَوي: يُقَال: هم يَحْفِشون عَلَيْك ويَجْلِبُون عَلَيْك أَي يَجْتَمعُونَ.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَفش: الْجَرْيُ.
وَيُقَال: حَفَشَتِ الْمَرْأَة لزَوجهَا الوُدَّ إِذا اجتهدت فِيهِ.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: حَفَشَت الأوْدِية إِذا سَالَتْ كلّها.(4/112)
وتَحَفَّشَتِ الْمَرْأَة على زَوجهَا إِذا أَقَامَت ولَزِمَته وأكَبَّتْ عَلَيْهِ.
أَبُو زيد: يُقَال: حَفَشت السماءُ تَحْفِش حَفْشاً، وحشَكَت تَحْشِك حشْكاً، وأغْبَت تُغْبي إغْباء فَهِيَ مُغْبِيةٌ وَهِي الغَبْيَةُ والْحَفْشَة والحَشْكَةُ من الْمَطَر بِمَعْنى واحِد.
ابْن شُميل قَالَ: الحَفَشُ: أَن تأخذَ الدَّبَرَة فِي مُقدَّم السّنام فتأكُلَه حَتَّى يَذهَب مُقدَّمُه فِي أَسْفَله إِلَى أَعْلَاهُ فَيبقى مُؤخَّرُه مِمَّا يلى عَجُزُه قَائِما صَحِيحا، وَيذْهَب مُقَدّمُه مِمَّا يَلِي غارِبَه. يُقَال: قد حَفِش سَنَام الْبَعِير، وبعير حَفِشُ السَّنامِ، وجمل أحفَش وناقة حَفْشاء وحفِشَة، وَقَالَ شُجاعٌ الْأَعرَابِي: حَفَزوا علينا الْخَيل والرِّكابَ وحفَشوها إِذا صَبُّوها عَلَيْهِم.
وتَحَفَّشَت الْمَرْأَة فِي بَيتهَا إِذا لَزِمته فَلم تَبَرحْه.
فشح: أهْمَله الليثُ: وأخْبَرني المُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: يُقَال: فَشَجَ وفَشَّج، وفَشح وفَشَّحَ إِذا فَرَّج مَا بَين رِجْلَيه بِالْحَاء وَالْجِيم.
ح ش ب
حشب، حبش، شحب، شبح: مستعملة.
حشب: قَالَ اللَّيْث: الحوْشَب: عَظْمٌ فِي بَاطِن الْحَافِر بَين العَصَبِ والوَظِيفِ، قَالَ: والحَوْشَبُ: العَظِيم الْبَطن مثله، وَأنْشد بَيْتَ الأَعْلَم الهُذَلي:
وتَجُرُّ مُجْرِيةٌ لَهَا
لَحْمِي إِلَى أَجْرٍ حواشِبْ
أَجْرٍ جمع جِرْوٍ على أَفْعُل. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الحَوْشبُ: حَشْوُ الحافرِ، والجُبَّةُ الَّذِي فِيهِ الحَوْشَبُ، قَالَ والدَّخِيس: بَين اللَّحْمِ والعَصَب، وَأنْشد:
فِي رُسُغٍ لَا يَتَشَكّى الحوْشَبا
وَقَالَ أَبُو عُبَيدة: الحوْشَب: مَوْصِل الوَظيف فِي الرُّسْغ، وَقَالَ: الحوْشبانِ: عَظْما الرُّسغَيْن. وَمِمَّا يذكر من شعر أَسَد بن ناعِصَة:
وخَرْقٍ تَبَهْنَسُ ظِلْمانُه
يُجَاوِبُ حوْشَبَه القَعْنَبُ
قيل: القَعْنَبُ: الثَّعْلَب الذَّكَر، والحوْشَب: الأرنَب الذَّكَر، وَقيل: الحَوْشَبُ: العِجْل: وَهُوَ وَلَد الْبَقر.
وَقَالَ الآخر:
كأنَّها لما أزْلأَمّ الضُّحى
أُدْمانَةٌ يَتْبَعُها حوْشَبُ
وَقَالَ بَعضهم: الحَوْشَبُ: الضامرُ والحوْشبُ: الْعَظِيم الْبَطن، فَجعله من الأَضْداد، وَأنْشد:
فِي البُدْن عِفْضَاجٌ إِذا بدَّنْتَه
وإِذا تُضَمِّره فحَشْرٌ حوْشَبُ
فالحشْر: الدَّقِيق، والحوْشَب: الضَّامر.
وَقَالَ المؤرّج: احتَشب القومُ احتِشاباً إِذا اجْتَمعُوا.
وَقَالَ أَبُو السَّمَيْدع الأعْرابي: الحَشيب من الثِّيَاب والخَشِيب والجَشِيب: الغليظ.
وَقَالَ المُؤرّج: الْحَوْشَبُ والْحَوْشَبَة: الْجَمَاعَة من النّاس.
شبح: قَالَ اللَّيْث: الشَّبحُ: مَا بدا لَك شخصُه(4/113)
من النَّاس وَغَيرهم من الْخَلق، يُقَال: شَبَح لنا أَي مَثَل، وَأنْشد:
رَمَقْتُ بِعَيْنِي كلَّ شَبْح وحائِل
والجميع الأشباح. وَيُقَال فِي التصريف: أَسمَاء الأشباح: وَهُوَ مَا أَدْرَكته الرُّؤْية والْحِسُّ.
قَالَ: والشَّبْح: مَدُّكَ شَيْئا بَين أَوتاد. والمضروب يُشبَحُ إِذا مُدَّ للجَلْد.
وَفِي صفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ مشبوح الذِّراعين أَي عريض الذِّراعين، وَقَالَ اللَّيْث أَي طويلَها.
وَفِي بعض الرِّوَايَات: أَنه كَانَ شَبْحَ الذِّراعين.
وَيُقَال: شبحتُ الْعود شَبْحاً إِذا نَحَتَّهُ حَتَّى تُعَرِّضَه.
وَيُقَال: هلك أشباحُ مَاله أَي هلك مَا يُعرف من إبِله وغنمه وَسَائِر مواشيه، وَقَالَ الشَّاعِر:
وَلَا تذْهب الأحسابُ من عُقْرِ دَارنَا
وَلَكِن أشباحاً من المَال تَذْهَب
وَيُقَال: شَبَح الدَّاعِي إِذا مد يَده للدُّعَاء وَقَالَ جرير:
وعليكِ من صلوَات ربِّك كلَّما
شبَح الْحَجيجُ الملْبِدونَ وغاروا
شحب: اللَّيْث: شحَب يَشْحَب لونُ الرجل شُحوباً إِذا تغير من هُزال أَو عمل أَو سفر. أَبُو زيد: شحَب لَونه يشْحُب ويشحَب، وَيُقَال: شَحَب وشَحُب، وَقَالَ لَبِيد:
رأَتني قد شَحَبْت وسَلَّ جسمي
طِلاَبُ النَّازِحات من الهموم
حبش: قَالَ اللَّيْث: الحَبَش: جنس من السودَان، وهم الحَبيشُ والحُبْشان، وَيُقَال الحَبَشَة على بِنَاء سَفَرَة، قَالَ: وَهَذَا خطأ فِي الْقيَاس، لِأَنَّك لَا تَقول للْوَاحِد حابش مثل فَاسِق وفَسَقَه وَلَكِن لما تُكُلِّمَ بِهِ سَار فِي اللُّغَات وَهُوَ فِي اضطرار الشّعْر جَائِز.
قَالَ: والأُحْبُوش: جمَاعَة كالحَبَش، وَقَالَ العجّاج:
كأَنَّ صِيران المَها الأخْلاطِ
بالرَّمْل أُحْبُوشٌ من الأنباطِ
قَالَ: وَأما الْأَحَابِيش فَكَانُوا أَحيَاء من القارَة انضمُّوا إِلَى بني لَيْثٍ فِي الْحَرْب الَّتِي وَقعت بَينهم وَبَين قُرَيْش قبل الْإِسْلَام، فَقَالَ إِبْلِيس لقريش: إِنِّي جَار لكم من بني لَيْث فواقعوا محمَّدا، وَفِيه يَقُول الْقَائِل:
لَيْثٌ ودِيلٌ وكَعْبٌ وَالَّتِي ظَأَرت
جُمْعَ الْأَحَابِيش لمَّا احمَرّت الْحَدَقُ
قَالَ: فَلَمَّا سميت تِلْكَ الْأَحْيَاء بالأحابيش من قبل تَجمُّعها صَار التحبيش فِي الْكَلَام كالتَّجميع، وَقَالَ رُؤْبةُ:
أولاكِ حَبَّشْتُ لَهُم تحبيشي
وَقَالَ غَيره: حَبَّشتُ لِعِيَالِي وهَبَّشت أَي كسبت وجمعت، وَهِي الحُباشة والهُباشة وَأنْشد:
لَوْلَا حُباشاتٌ من التَّحبيش
وتحبَّش الْقَوْم وتهبشوا إِذا تجمعُوا.(4/114)
قَالَ الْأَصْمَعِي: وَقَالَ اللِّحياني: إِن الْمجْلس ليجمع حُباشات وهُباشات أَي نَاسا لَيْسُوا من قَبيلَة وَاحِدَة.
اللَّيْث: الْحُبشِيَّة: ضرب من النَّمْل سُود عِظام، لمَّا جُعل ذَلِك اسْما لَهَا غيَّروا اللَّفْظ ليَكُون فرقا بَين النِّسْبَة وَالِاسْم، فالاسم حُبْشِيَّة، وَالنِّسْبَة حَبَشِيّة.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: من أَسمَاء العُقاب الحُباشِيَّة، والنُّساريَّة تُشبَّه بالنِّسر.
ح ش م
حشم، حمش، شَحم، محش: مستعملة.
حشم: اللَّيْث: الحَشَم. خَدَم الرجل. وَقَالَ غَيره: حَشَمُ الرجل. مَنْ يغْضب لَهُ إِذا أَصَابَهُ أَمر. وَقَالَ ابْن السِّكِّيت: حَشَمتُ الرجلَ أَحْشِمه حَشْماً إِذا أَغْضَبْته، قَالَ ذَلِك الْفراء وَغَيره، وَأنْشد فِي ذَلِك:
لعَمرُك إنَّ قُرْصَ أبي خُبَيْبٍ
بطيءُ النُّضْج محشوم الأكيل
أَي مُغضَب.
قَالَ: وحَشَمُ الرجل: قَرَابته وَعِيَاله ومَنْ يغْضب لَهُ.
وَقَالَ اللَّيْث: الحِشْمة: الانقباض عَن أَخِيك فِي المَطعم وَطلب الْحَاجة. تَقول: احْتَشَمْتَ، وَمَا الَّذِي أحشمك وَيُقَال حَشَمك.
وَقَالَ اللَّيْث: الحُشوم: الإقبال بعد الهزال يُقَال: حشَم يحشِم حُشوماً، وَرجل حاشم وَقد حَشَمت الدَّوابُّ فِي أول الرّبيع، وَذَلِكَ إِذا أَصَابَت مِنْهُ شَيْئا فَحَسُنت بطونها وعَظُمت.
وَقَالَ يُونُس: تَقول الْعَرَب: الحُسوم يُورث الحُشوم، قَالَ: والحسوم: الدُّؤوب، والحُشوم: الإعياء. وَقَالَ فِي قَول مُزاحِم:
فعنَّت عُنوناً وَهِي صغْواءٌ مَا بهَا
وَلَا بالخوافي الضاربات حشُوم
أَي إعياء، وَقد حُشِم حَشما.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: فِي يَدَيْهِ حُشوم أَي انقباض، وروى الْبَيْت:
وَلَا بالخوافي الخافقات حُشُوم
وَقَالَ اللِّحياني: الحُشْمة بالضَّم: الْقَرَابَة يُقَال: لي فيهم حُشْمة أَي قَرابة. وَهَؤُلَاء أحشامي أَي جيراني وأضيافي.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: قَالَ بعض الْعَرَب: إِنَّه لمُحْتَشِم بأَمْري أَي مهتم بِهِ.
قَالَ: وأحشمتُ الرجلَ: أغضبتُه. والاحتِشام. التَغَضُّب.
شمر: وَقَالَ يُونُس: لَهُ الحُشمة: الذِّمام وَهِي الحُشْم، قَالَ: وَبَعْضهمْ يَقُول: الحُشْمة والحَشَم. وَإِنِّي لأتحشَّم مِنْهُ تحشُّماً أَي أتذمم وأستحي، قَالَ: وحَشَمت فلَانا وأحْشمته أَي أغضبته.
أَبُو عُبَيد عَن الْكسَائي: حَشَمت الرجلَ وأحشمته وَهُوَ يجلس إِلَيْك فتُؤذيه وتُسْمِعُه مَا يكره.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الحُشُم. ذَوُو الْحيَاء التَّام، والْحُسُم بِالسِّين: الأطبّاء.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الحُشُم: المماليك، والحُشُم: الأتباع، مماليك كَانُوا أَو أحراراً. والحَشَم: الاستحياء.(4/115)
حمش: قَالَ اللَّيْث: الحَمْش: الدَّقيق القوائم.
وأَوْتَار حَمْشَة، وَوَتَر حَمْش: مُسْتَحْمِش. والاسْتِحْماش فِي الْوتر أَحْسَن، وَقَالَ ذُو الرُّمَّة:
كَأَنَّمَا ضُرِبَتْ قُدَامَ أَعْيُنِها
قُطْنٌ لِمُسْتَحْمِشِ الأوْتارِ مَحْلوجُ
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: رَوَاهُ الفرّاء:
كأَنما ضُرِبَت قُدّام أعْيُنها
قُطْناً ... .
وَقَالَ اللَّيْث: سَاق حَمْشَة: جَزْمٌ والجميع حَمْش وحِماش، وَقد حَمُشت ساقُه تَحمُش حُمُوشَة إِذا دَقَّت، وَكَانَ عبد الله بن مَسْعُود حَمْشَ السَّاقَيْن.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال للرجل إِذا اشتدَّ غضبُه قد اسْتَحْمش غَضباً.
أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد: أحمشت فُلاناً وحَمَّشتهُ إِذا أَغْضَبْتَه، وَأنْشد شمر:
إِنِّي إِذا حَمَّشني تَحْمِيشى
اللِّحياني: احْتَمَش الدِّيكان واحْتَمسا إِذا اقتتلا. وحَمِش الشّرُّ وحَمِس إِذا اشتدَّ.
عَمْرو عَن أَبِيه: الحَمِيش: الشَّحْمُ المُذابُ.
أَبُو عُبَيد: حَشَشْت النَّار وأَحْمَشْتُها، وَقَالَ:
... إِحْماشُ الوَلِيدة بالقِدْر
محش: المَحْش: تناوُلٌ من لَهَب يُحرِق الْجلد ويُبْدي الْعظم.
أَبُو عُبَيد عَن أبي عُبَيدة قَالَ: المَحَاش: الْمَتَاع، والأثاث، بِفَتْح الْمِيم.
والمِحَاش: القومُ يحالفون غَيرهم من الحِلف عِنْد النَّار قَالَ النَّابغةُ:
جَمِّعْ مِحاشَك يَا يزيدُ فإنّني
أعددتُ يربُوعاً لكم وتَمِيماً
شمِر عَن ابْن الْأَعرَابِي فِي قَوْله: جَمِّع مِحاشَك سَبَّ قبائل فصيَّرهم كالشيء الَّذِي أحرقَتْه النارُ، يُقَال: مَحشَتْه النارُ وأَمْحَشَتُه.
وَقَالَ أَعْرَابِي: (مِنْ حَرَ كَاد أَن يَمحَش عِمامتي) ، قَالَ: وَكَانُوا يوقدون نَارا لَدَى الحِلف ليَكُون أوكدَ لَهُم.
وَيُقَال: مَا أَعْطَانِي إِلَّا مِحْشى خِناقٍ قَمِلٍ وَإِلَّا مَحْشاً خِناقَ قَمِلٍ فَأَما المِحْشَى فَهُوَ ثوب يُلْبَس تَحت الثِّياب ويُحْتَشى بِهِ، وَأما مَحْشاً فَهُوَ الَّذِي يَمْحَشُ البَدَنَ بِكَثْرَة وسخه وأخلاقه.
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (يخرج نَاس من النَّار قد امْتحَشُوا وصاروا حُمَماً) مَعْنَاهُ: قد احترقوا وصاروا فحماً.
وَيُقَال للخبز الَّذِي قد احْتَرَقَ قد امْتَحَش، وَهُوَ خُبْزٌ مُحاشٌ.
وَقَالَ بَعضهم: مَرَّ بِي حِمْلٌ فَمَحَشَني مَحْشاً وَذَلِكَ إِذا سَحَجَ جلدَه من غير أَن يَسْلُخَه.
شَحم: أَبُو الْعَبَّاس عَن عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الشَّحَم: البَطَر والحَشَم: الاستحياء.
وَقَالَ اللَّيْث: الشَّحْمُ، والقطعة مِنْهُ شَحْمَة، وَرجل شاحِمٌ لاحِم إِذا أطْعَم النَّاس الشحمَ واللحَم، وَقد شَحَمَهُم يَشْحَمُهُم.(4/116)
الحرّاني عَن ابْن السِّكّيت: رجل شحيم لحيم أَي سمين، وَرجل شَحِمٌ لَحِمٌ إِذا كَانَ قَرِما إِلَى اللَّحم والشحْم وَهُوَ يشتهيهما.
وَقَالَ غَيره: رجل شاحم لاحم: ذُو شَحْم ولَحم، وَكَذَلِكَ لابِنٌ وتامِرٌ. وَيُقَال: هُوَ شاحِم ولاحِم إِذا كَانَ يُطْعِم النَّاس الشَّحْم واللَّحْم.
وَالْعرب تُسَمي سنامَ الْبَعِير شَحْما، وبياضَ الْبَطن شَحْماً.
والشَّحّامُ: الَّذِي يُكثِر إطْعَام النَّاس الشَّحْمَ: وَكَذَلِكَ بيَّاعُ الشَّحْم يُقَال لَهُ: شَحّام.
وشَحْمُ الْحَنْظَل: مَا فِي جَوْفه سِوَى حبِّه. وشَحْمُ الرُّمانة الْأَصْفَر بَين ظَهْرانَي الحبِّ.
وشَحْمةُ العَيْن: حَدَقَتها، وَيُقَال: هِيَ الشَّحْمة الَّتِي تَحت الحَدَقَة:
وطَعام مَشْحوم، وخبز مشحوم: قد جُعِلَ فِيهِ الشحْم.
وأَشْحَم الرجلُ إِذا كَثُر عِنْده الشَّحْم وَكَذَلِكَ ألحَم فَهُوَ مُلْحِم.
(أَبْوَاب الْحَاء وَالضَّاد)
ح ض ص ح ض س ح ض ز
ح ض ط: أهملت وجوهها. ح ض د
اسْتعْمل من وجوهه: (دحض) .
دحض: قَالَ اللَّيْث: الدَّحْضُ: الزَّلَق. يُقَال: دَحَضتْ رِجْلُ الْبَعِير إِذا زَلِقَت.
قَالَ: والدَّحْضُ: المَاء الَّذِي تكون مِنْهُ المَزْلَقَة.
قَالَ: ودَحَضَت الشّمس عَن بطن السّماء إِذا زَالَت.
ودَحَضَت حُجَّتُه إِذا بطلت، وأدحض حُجَّتَه إِذا أَبْطَلها.
وَيُقَال: مكَان دَحْض إِذا كَانَ مَزَلّة لَا تَثْبُت عَلَيْهِ الْأَقْدَام.
ودَحِيضَةُ: ماءٌ لبني تَمِيم.
أَبُو سعيد: دحَضَ بِرجلِهِ ودَحَصَ إِذا فحص بِرجلِهِ.
ح ض ت: مهمل.
(ح ض ظ)
حضظ: قَالَ اللَّيْث: الحُضَظُ: لُغَة فِي الحُضَض: وَهُوَ دَوَاء يتَّخذ من أَبْوَال الْإِبِل.
أَبُو عُبَيد عَن اليزيدي قَالَ: الحُضَظُ، قَالَ شمر: وَلَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب ضاد مَعَ الظَّاء غير الحُضَظ.
ح ض ذ ح ض ث: أهملت وجوهها.
ح ض ر
حضر، حرض، ضرح، رحض، رضح: مستعملة.
حضر: قَالَ اللَّيْث: الحَضَر: خِلافُ البَدْو، والحاضرة: خِلافُ البادِيَة، وَأهل الحَضَر، وأَهْل البدو، والحاضِرَة: الَّذين حَضَرُوا الْأَمْصَار ومساكن الدِّيارِ الَّتِي يكون لَهُم بهَا قَرَار.
قلت: المَحْضَر عِنْد الْعَرَب: المرْجِع إِلَى(4/117)
أعداد الْمِيَاه، والمنْتجَع: المَذْهَب فِي طلب الْكلأ، وكل مُنْتَجع مَبْدًى، وَجمع المَبْدَى مَبادٍ، وَهُوَ البدو أَيْضا، فالبادية: الَّذين يتباعدون عَن أعْداد الْمِيَاه ذَاهِبين فِي النُّجَع إِلَى مساقط الْغَيْث ومنابت الْكلأ، والحاضرة: الَّذين يرجعُونَ إِلَى المحاضر فِي القيظ وينزلون على المَاء العِدِّ، وَلَا يُفارقونها إِلَى أنْ يَقع ربيع الأَرْض يمْلأ الغُدرانَ فينتجعونه.
وَقوم ناجِعَة ونَواجِعُ، وباديةٌ وبَوادٍ بِمَعْنى وَاحِد. وكل مَنْ نَزَل على مَاء عِدَ، وَلم يتَحَوَّل عَنهُ شتاء وَلَا صيفا فَهُوَ حاضِر، سَوَاء نزلُوا فِي القُرَى والأَرْياف والدُّورِ المَدَرِيَّة أَو بنوا الأَخْبِيَة على الْمِيَاه فقَرُّوا بهَا ورَعَوْا مَا حواليْها من الْكلأ، فأمَّا الأعرابُ الَّذين هم بادِيَة فَإِنَّمَا يحْضرون الماءَ العِدَّ شُهُورَ القيْظ لحَاجَة النَّعَم إِلَى الوِرْدِ غِبّاً وَرَفْهاً وربعا فِي هَذَا الْفَصْل، فَإِذا انْقَضتْ أَيَّام القيظ بدوا فتَوزَّعَتْهُم النُّجَع وافْتَلوا الفَلَوات المُكلِئَة، فَإِن وَقع لَهُم رَبيع بِالْأَرْضِ شربوا مِنْهُ فِي مُبْداهم الَّذِي انْتَوَوْه، وَإِن اسْتَأْخَرَ القَطْرُ ارْتَوَوْا على ظُهُور الْإِبِل لشفاههم وخيلهم من مَاء عِدَ يليهم، وَرفعُوا أَظْماءَهم إِلَى السِّبع والثِّمْن والعِشْر، فَإِن كَثُرت الأمطارُ والتف العُشْب وأَخْصَبت الرياضُ وأَمْرَعَتِ الْبِلَاد جزأ النَّعَم بالرُّطْبِ، وَاسْتغْنى عَن المَاء، وَإِذا عَطِش المالُ فِي هَذِه الْحَال وَردت الغُدْرانَ والتَّنَاهِي فَشَرِبت كَرْعا، وَرُبمَا سَقَوْها من الدُّحْلان.
وَقَالَ اللَّيْث: الحُضور جمع الْحَاضِر، قلت: وَالْعرب تَقول: حَيٌّ حَاضر بِغَيْر هَاء إِذا كَانُوا نازلين على مَاء عدَ، يُقَال: حَاضِرُ بني فلَان على مَاء كَذَا وَكَذَا، وَيُقَال للمقيم على المَاء حَاضر وَجمعه حُضُور وَهُوَ ضد الْمُسَافِر، وَكَذَلِكَ يُقَال للمقيم شَاهد وخافض.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَضْرة: قُرْبُ الشَّيْء، تَقول: كنت بِحَضْرَة الدَّار، وَأنْشد:
فَشَلَّتْ يَدَاه يَوْم يَحْمِلُ رأْسه
إِلَى نَهشلٍ والقَوْم حَضْرَةَ نَهْشَلِ
وَيُقَال: ضربت فلَانا بحَضرة فلَان بِمَحْضَره.
وَقَالَ اللَّيْث: الحاضِرُ الْقَوْم الَّذين حَضَرُوا الدَّار الَّتِي بهَا مُجْتَمعُهم، وَقَالَ الشَّاعِر:
فِي حاضِرٍ لَجِبٍ باللَّيْلِ سَامِرُه
فِيهِ الصواهَلُ والرَّاياتُ والعَكَر
قَالَ: فَصَارَ الحاضِرُ اسْماً جَامعا كالحاجِّ والسّامر والجَامل وَنَحْو ذَلِك.
قَالَ: والحُضْر والحِضارُ: من عَدْوِ الدوابِّ وَالْفِعْل الإحْضار، وَفرس مِحْضير ومِحْضار بِغَيْر هَاء للْأُنْثَى إِذا كَانَ شَدِيد الحُضر، وَهُوَ العَدْو، وَيُقَال عَنهُ أحضر الدَّابّةُ يُحضر إحضارا، وَالِاسْم الحُضْر وَهُوَ العَدْو.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَضِير: مَا اجْتمع من جايِئَة المِدَّة فِي الْجُرْح، وَمَا اجْتمع من السّخْدِ فِي السَّلَى وَنَحْوه.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: أَلْقَتِ الشَّاةُ حَضِيرتَها وَهُوَ مَا ألْقَت بعد الْولادَة من القَذَى.
وَقَالَ أَبُو عُبَيدة: الحَضِيرة: الصَّاءة تتبع(4/118)
السَّلَى: وَهِي لِفافة الْوَلَد.
وَقَالَ اللَّيْث: المحاضرة: أَن يُحاضِرك إِنْسَان بحَقِّك فَيذْهب بِهِ مُغَالبة أَو مُكَابَرَة.
قَالَ: والحِضارُ من الْإِبِل: البِيضُ اسْم جَامع كالهِجان، وَالْوَاحد والجميع فِي الحِضار سَوَاء.
أَبُو عُبَيد عَن الأمَوِي: نَاقَة حِضار إِذا جمعت قُوَّة ورُحْلَةً يَعْني جودة الْمَشْي.
وَقَالَ شمر: لم أسمع الحِضارَ بِهَذَا الْمَعْنى، إِنَّمَا الحِضارُ بِيضُ الْإِبِل، وَأنْشد بَيت أَي ذُؤَيْب:
بناتُ المخاضِ شِيمُها وحِضَارها
أَي سودها وبيضها.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال حَضار بِمَعْنى احضر. وحضَارِ: اسْم كَوكب مجرور أبدا.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء: يُقَال: طلعَتْ حَضارِ والوَزْن، وهما كوكبان يطلعان قبل سُهَيل، فَإِذا طلع أَحدهمَا ظُنَّ أَنه سُهَيل، وَكَذَلِكَ الوزْنُ إِذا طلع، وهما مُحَلِّفان عِنْد الْعَرَب سُمِّيا مُحَلِّفين لاخْتِلَاف الناظِرَيْنِ إِلَيْهِمَا إِذا طلعا فيحْلِف أَحدهمَا أنّهُ سُهَيْل، وَيحلف الآخر أَنه لَيْسَ بِهِ، قَالَ ذَلِك كُله أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء فِيمَا روى أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي عَنهُ.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: حضرت الصَّلَاة، وَأهل الْمَدِينَة يَقُولُونَ: حَضِرت، وَكلهمْ يَقُول: تَحْضُر.
وَقَالَ شمر: يُقَال: حَضِر القَاضِي امرأَةٌ تَحْضُر، قَالَ وَإِنَّمَا أُنْدِرت التّاءُ لوُقُوع القَاضِي بَين الْفِعْل وَالْمَرْأَة، قلت: واللغة الجيدة حَضَرت تَحْضُر.
أَبُو عُبَيد عَن الْكسَائي: كَلمته بحَضْرة فلَان وحِضْرَة فلَان وحُضْرة فلَان، وَكلهمْ يَقُول: بحَضَر فلَان.
وَقَالَ ابْن السِّكِّيت عَن الْبَاهِلِيّ: الحَضِيرة مَوضِع التَّمْر، قَالَ: وَأهل الفَلْج يسمونها الصُّوبةَ وتُسَمَّى أَيْضا الْجُرنَ والْجَرِين.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الْعَرَب تَقول: اللَّبن مُحْتَضَر فغطِّه يَعْنِي تَحْضُره الدَّوَابُّ وَغَيرهَا من أهل الأَرْض.
وحُضِر الْمَرِيض واحْتُضِر إِذا نزل بِهِ الْمَوْت، وحضرني الهمُّ واحْتَضرني وتحضَّرني.
وَقَالَ أَبُو عُبَيد: فِي قَول الجُهَنِيَّة تمدح رجلا:
يَرِدُ المِياهَ حَضِيرَةً ونَفِيضَةً
وِرْدَ القَطاةِ إِذا اسْمأَلَّ التُّبَّعُ
قَالَ: الحَضيرة: مَا بَين سَبْعَة رجال إِلَى ثَمَانِيَة، والنَّفِيضة: الْجَمَاعَة، وهم الَّذين يَنْفضونَ الطَّرِيق.
وروى سَلَمَة عَن الفرّاء قَالَ: حضيرة النَّاس وَهِي الْجَمَاعَة، ونفيضتهم وَهِي الْجَمَاعَة.
وَقَالَ ابْن السّكّيت: الحَضِيرة: الْخَمْسَة وَالْأَرْبَعَة يَغْزُون، وَأنْشد:
... وحَلْقةٌ
من الدَّارِ لَا تَأتي عَلَيْهَا الحَضائِر
وَأَخْبرنِي الإيادِيّ عَن شَمِر فِي تَفْسِير قَوْله: حَضِيرةً ونَفِيضَةً، قَالَ حَضِيرَة: يَحْضُرها النَّاس يَعْنِي المِياه، ونَفِيضَة: لَيْسَ عَلَيْهَا(4/119)
أحد، حُكيَ ذَلِك عَن ابْن الْأَعرَابِي، وَنصب حَضِيرَة ونَفِيضة على الْحَال أَي خَارِجَة من الْمِيَاه.
وروى أَبُو نصر عَن الْأَصْمَعِي: الحَضيرَة: الَّذين يَحْضُرون المَاء، والنَّفِيضَة: الَّذين يتقدمون الخَيْل وهم الطَّلائع. قلت: وَقَول ابْن الْأَعرَابِي أَحْسَن.
وَقَالَ غَيره: يُقَال للرجل يصيبُه اللَّمَم والجنُون: فلَان مُحْتَضَر، وَمِنْه قَول الرّاجز:
وانْهَم بدَلْوَيْك نَهِيمَ المُحْتَضَر
فقد أَتَتْك زُمَراً بَعْدَ زُمَر
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال لأُذُن الفِيلِ الحاضِرَةُ، ولعيْنِه الهاصَّة.
قَالَ: والْحَضْراء من النّوق وَغَيرهَا: المُبادِرة فِي الْأكل وَالشرب.
والحَضْر: مَدِينَة بُنِيت قَدِيماً بَين دَجْلة والفُرات.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الْحَضر: التَّطْفيل، وَهُوَ الشَّوْلَقِيّ، وَهُوَ القِرْواش، والواغلُ، قَالَ: والحَضْرُ: الرجل الواغِلُ الرَّاشِنُ. والحُضْرَة: الشِّدّة.
أَبُو زيد: رجل حَضِر إِذا حضر بِخَير.
قَالَ: وَيُقَال: إِنَّه ليعرف مَنْ بِحَضْرَته ومَن بِعَقْوته.
رحض: الرَّحْضُ: الغَسْل. ثوب رَحِيض مَرحوض: مغسول.
قَالَ: والمِرْحضَة: شَيْء يُتَوَضَّأ فِيهِ مثلُ كَنِيفٍ.
وَفِي حَدِيث أبي أَيُّوب (قَدِمْنا الشَّام فَوَجَدنَا بهَا مراحيض قد استُقْبِل بهَا القِبْلَة، فَكُنَّا نَتَحَرَّف ونَسْتَغْفر الله) ، أَرَادَ بالمراحِيض مَوَاضِعَ قد بُنِيتْ للغائط، وَاحِدهَا مِرْحاض، أُخِذ من الرَّحْض، وَهُوَ الغَسْل.
وَرُوِيَ عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت فِي عُثْمَان ح: استتابوه حَتَّى إِذا مَا تَرَكُوهُ كالثَّوب الرَّحيض أحالوا عَلَيه فَقَتَلُوهُ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: المِرْحاض: المُتَوضَّأ، وَقَالَ ابْن شُمَيل: هُوَ المُغْتَسَلُ.
قَالَ: والمِرْحاضَةُ: شَيْء يُتَوضَّأُ بِهِ كالتَّوْر.
أَبُو عُبَيد عَن الأصمعيّ: إِذا عَرِق المحموم من الحُمَّى فَهِيَ الرُّحَضاء. وَقَالَ اللَّيْث: الرُّحَضاء: عَرَقُ الحُمّى، وَقد رُحِضَ إِذا أَخَذته الرُّحَضاء.
حرض: قَالَ اللَّيْث: التَّحْرِيض: التَحْضِيض، قلت: وَمِنْه قولُ الله جلّ وعزّ: {يَاأَيُّهَا النَّبِىُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} (الأنفَال: 65) . قَالَ الزّجّاج: تَأوِيله حُثّهم على الْقِتَال، قَالَ: وَتَأْويل التَّحْريض فِي اللُّغَة: أَن تَحُثَّ الإنسانَ حَثّاً يعلم مَعَه أَنَّه حَارِض إنْ تَخَلَّف عَنهُ.
قَالَ: والحارض: الَّذي قد قَارب الْهَلَاك.
وَقَالَ اللِّحياني: يُقَال: حَارَض فلانٌ على العَمَل، وَوَاكب عَلَيْهِ، وَواظب عَلَيْهِ، وواصَبَ عَلَيْهِ إِذا داوم عَلَيْهِ، فَهُوَ مُحَارِض.
قلت: وَجَائِز أَن يكون تَأْوِيل قَوْله: {حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} (الأنفَال: 65) بِمَعْنى حُثَّهم على أَن يحارضوا أَي(4/120)
يُداوموا على الْقِتَال حَتَّى يُثْخِنوهم.
وَقَالَ الفرّاء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ} (يُوسُف: 85) . يُقَال: رجل حَرَض، وَقوم حَرَض وَامْرَأَة حَرَض، يكون مُوَحَّداً على كلِّ حَال، الذّكر وَالْأُنْثَى والجميع فِيهِ سَوَاء، قَالَ: وَمن الْعَرَب مَنْ يَقُول للذَّكَر حارِض، ولِلأنْثَى حارضة، ويُثَنَّى هَا هُنَا ويُجْمع: لأنّه قد خرج على صُورَة فاعِل، وفَاعِل يُجمَع.
قَالَ: والحارض: الْفَاسِد فِي جِسْمه وعقله.
قَالَ: وَأما الحَرَضُ فتُرِك جَمْعُه لِأَنَّهُ مَصْدر بِمَنْزِلَة دَنَفٍ وضَنًى، يُقَال: قومٌ دَنَفٌ وضَنًى، وَرجل دَنَف وضَنًى.
وَقَالَ الزجّاج: مَنْ قَالَ رجل حَرَضٌ فَمَعْنَاه ذُو حَرَض: وَلذَلِك لَا يُثنّى وَلَا يُجْمع، وَكَذَلِكَ رجل دَنَفٌ ذُو دَنَف، وَكَذَلِكَ كُلّ مَا نُعِت بِالْمَصْدَرِ.
الحرَّاني عَن ابْن السِّكِّيت قَالَ الْأَصْمَعِي: رجُل حارِضَةٌ: لِلّذي لَا خير فِيهِ.
وَيُقَال: كَذَب كَذْبَةً فأحرَضَ نَفسه أَي أهلكها، وَجَاء بقَوْل حَرَض أَي هَالك. وَقَالَ أَبُو زيد فِي قَوْله: {حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً} أَي مُدْنَفاً، وَهُوَ مُحْرَض، وَأنْشد:
أمِنْ ذِكْرِ سَلْمَى غَرْبَةً أَنْ نَأَتْ بهَا
كأنّك حَمٌّ للأطبّاء مُحْرَض
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأَعْرابي أَنّ بعض الْعَرَب قَالَ: إِذا لم يعلم الْقَوْم مَكَان سيّدهم فهم حُرْضانٌ كلهم.
قَالَ: والحارِضُ: السَّاقِط الَّذِي لَا خير فِيهِ. وَقَالَ: جمل حُرْضانٌ وناقة حُرْضانٌ: سَاقِط.
قَالَ: وَقَالَ أكثَمُ بنُ صَيْفي: سُوءُ حَمْل الفاقَة يُحرِض الحَسَب، ويُذْئِر العَدُوّ، ويُقَوِّي الضَّرورَة.
قَالَ: يُحْرِضه أَي يُسْقِطه.
وَقَالَ أَبُو الهيْثم: الحُرْضَة: الرجل الَّذِي لَا يَشْتري اللَّحْم وَلَا يَأْكُلهُ بِثمن إِلَّا أَن يجده عِنْد غَيره.
وَقَالَ الطّرماح يصف العَيْر:
وَيَظَلُّ المَلِيءُ يُوفى على القِرْ
نِ عَذُوباً كالحُرضَة المُسْتَفَاضِ
أَي الْوَقْت الطَّوِيل عَذُوباً لَا يَأْكُل شَيْئا.
قَالَ: والمُحْرض: الْهَالِك مَرضا الَّذِي لَا حيٌّ فيُرجَى، وَلَا ميّت فَيُوأس مِنْهُ.
وَقَالَ اللَّيْث: رجل حَرَض: لَا خيرَ فِيهِ وَجمعه أحْراض، وَالْفِعْل حَرُض يَحْرُض حُرُوضاً. وناقَةٌ حَرَض وكل شَيْء ضاوِي حَرَضٌ.
قَالَ: والحُرُض: الأُشْنان تُغسَل بِهِ الْأَيْدِي على أَثَر الطَّعَام.
والمِحْرَضَة: الوِعاء الَّذِي فِيهِ الحُرُض، وَهُوَ النَّوْفلة.
وَقَالَ غَيره: الحَرَّاضة: سُوقُ الأُشْنان:
والحَرّاض: الَّذِي يُوقد على الْجِصّ، قَالَ عَدِيُّ بن زَيْد:
مثل نَار الحَرّاض يَجْلُو ذُرَى المُزْ
ن لمنْ شَامَه إِذا يَسْتَنِير(4/121)
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: شبّه البرقَ فِي سرعَة وميضه بالنَّار فِي الأشْنان لسرعتها فِيهِ. وَقَالَ غَيره: الحَرّاض: الَّذِي يُعَالجُ القِلْى. وَقَالَ أَبُو نصر: هُوَ الَّذِي يُحرِق الأُشْنان، قُلْتُ: وشَجَر الأُشْنان يُقَال لَهُ: الحَرْض وَهُوَ من الحَمْض، وَمِنْه يُسَوَّى القِلْي الَّذِي يُغْسل بِهِ الثِّياب ويُحْرَق الحَمْضُ رَطْباً، ثمَّ يُرَشُّ الماءُ على رماده فينعَقِد ويَصِيرُ قِلياً.
وحَرَض: مَاء مَعْرُوف فِي الْبَادِيَة.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الإحْريضُ العُصْفر. وثوب مُحَرَّض: مصبوغٌ بالعصفر.
ضرح: الضَّرْح: حَفْرُك الضَّريحَ للميِّت. يُقَال: ضَرّحوا لَهُ ضَريحاً، وَهُوَ قبر بِلَا لَحْد، قلتُ: سُمِّي ضريحاً، لِأَنَّهُ يُشَقّ فِي الأَرْض شَقّاً، والضَّرح والضَّرْج بِالْحَاء وَالْجِيم: الشَّقُّ، وَقد انْضَرَحَ إِذا انشَقَّ.
ورُوِي عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ: انضرح مَا بَين القومِ وانضَرج، إِذا تبَاعد مَا بَينهم، وَقَالَ المُؤرِّج: الانْضِراحُ: الاتِّساع.
وَقَالَ اللَّيْث: الضَّرْح: أَن تأخُذ شَيْئا فَتَرْمِي بِهِ، وَيُقَال: اضْطَرَحُوا فلَانا أَي رَمَوْا بِهِ فِي نَاحيَة، والعامة تَقول: اطَّرَحُوه، يظنون أَنه من الطَّرْح، وَإِنَّمَا هُوَ الضرْح، قلت: وَجَائِز أَن يكون اطرحوه افتعالا من الضرح قُلِبَت التَّاءُ طاء ثمَّ أُدْغِمَتْ الضَّاد فِيهَا فَقيل: اطَّرَح.
وَقَالَ اللَّيْث: الضُّرَاح: بَيْت فِي السَّمَاء بِحِيال الْكَعْبَة فِي الأَرْض.
قَالَ: والمضْرَحِيُّ من الصُّقور: مَا طَال جناحاه.
وَقَالَ غَيره: المَضْرَحِيُّ: النّسْر، وبجناحيه شَبّه طَرَفَةُ ذَنَبَ نَاقَته وَمَا عَلَيْهِ من الهُلْب فَقَالَ:
كَأَنَّ جَنَاحَيْ مَضْرَحِيَ تَكَنَّفَا
حِفافيهْ شُكَّا فِي العَسِيب بِمِسْرَدِ
مَضْرَحِي: نَسْر أَبيض. حِفَافَيه: ناحيتيه. شُكَّا: خُرِزا.
وَيُقَال للرجل السَّيِّد السَّرِيّ مَضْرَحيّ. والمَضْرحِيّ: الْأَبْيَض من كل شَيْء.
أَبُو عُبَيد عَن أبي زَيْد: ضَرَحْتُ عَنّي شِهادةَ الْقَوْم أضْرَحُها ضَرْحاً إِذا جَرَّحتْها وألقَيْتَها عَنْك. وضَرَحَتِ الدَّابَّةُ برجلها إِذا رَمَحَت.
وضَرَحْتُ الضرِيحَ للميِّت أَضْرَحه ضَرْحاً
وَقَالَ أَبُو عَمْرو فِي قَول ذِي الرُّمَّة:
ضَرَحْنَ البُرُودَ عَن ترَائِب حُرَّةٍ
أَي ألْقَيْن، وَمن رَوَاهُ بِالْجِيم، فَمَعْنَاه شققْنَ وَفِي ذَلِك تَغَاير.
وَقَالَ المؤرِّج: فلَان ضَرَحٌ من الرِّجَال أَي فاسِد، وأضْرَحْتُ فلَانا أَي أفسدتُه، قَالَ: وأضرح فلانٌ السُّوقَ حَتَّى ضَرَحَتْ ضُرُوحاً وضَرْحاً أَي أكسَدَها حَتَّى كَسَدَت.
قَالَ: وبيني وَبينهمْ ضَرْح أَي تباعُد وَوَحْشَة، وَقَالَ: ضارَحْتُه ورَامَيْته وسابَبْتُه واحدٌ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيد: الأجْدل، والمَضرَحيّ، والصَّقر، والقَطَامِيّ وَاحِد.
وَقَالَ غَيره: رجل مَضْرَحيّ: عَتِيقُ النِّجار.(4/122)
وَقَالَ عرّامٌ: نِيّة ضَرَح وطَرَح أَي بعيدَة.
وَقَالَ غَيره: ضَرَحه وطَرَحه بِمَعْنى وَاحِد، وَقيل: نِيّة تَرَح ونَفَح وطَوَح وضَرَح ومَصَح وطَمَح وطَرَح أَي بعيدَة، فِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) .
رضح: اللَّيْث: الرّضْحُ: رَضْحُك النَّوَى بالمِرْضاح أَي بالحَجَر، وقلَّما يُقال بِالْحَاء، وَالْخَاء لُغَة فِيهِ، وَأنْشد:
خَبَطْناهُم بِكُلِّ أرَحَّ لأْمٍ
كمِرْضاح النَّوى عَبْلٍ وَقاحِ
والرّضِيح: النَّوَى المَرْضوح
ح ض ل
اسْتعْمل من وجوهه: حضل، ضحل.
ضحل: قَالَ اللَّيْث: الضّحْل: المَاء الْقَرِيب القعر: هُوَ الضَّحْضاحُ إلاّ أنّ الضَّحْضاح أعمُّ مِنْهُ. لِأَنَّهُ فِيمَا قلّ مِنْهُ أَو كَثُر.
قَالَ: وأَتانُ الضَّحْل: الصَّخْرَة بَعْضهَا غمرَه الماءُ، وَبَعضهَا ظَاهر.
والمَضْحَل: مَكَان يقل فِيهِ المَاء من الضَّحْل، وَبِه يُشَبَّه السّرابُ.
وَقَالَ رُؤْبَة:
يَنْسُجُ عُذْراناً على مَضاحِلاَ
وَقَالَ أَبُو عُبَيد: الضَّحْل: المَاء الْقَلِيل يكون فِي الغدير وَغَيره، وَهُوَ الضَّحْضاحُ.
وَقَالَ غَيره: يُقَال: إنّ خيرَك لضَحْل أَي قَلِيل، وَمَا أَضْحَل خَيْرَك أَي مَا أَقَلّه.
وَقَالَ شمر: غَدِير ضاحِل، إِذا رَقّ ماؤُه فَذهب، والضَّحْل يكون فِي الْبَحْر والبِئْرِ والعَيْن وَغَيرهَا.
حضل: قَالَ اللَّيْث: يُقَال للنَّخْلة إِذا فسد أصُول سَعَفِها قد حَضِلَت وحَظِلَت بالضاد والظَّاء. قَالَ: وصلاحها أَن تُشْعَل النارُ فِي كَرَبِها حَتَّى يَحْتَرِق مَا فسد من لِيفها وسَعفها ثمَّ تجودُ بعد ذَلِك.
ح ض ن
اسْتعْمل من وجوهه: حضن، نضح، نحض.
حضن: قَالَ اللَّيْث: الحِضْن: مَا دون الإبْطِ إِلَى الكَشْح، وَمِنْه الاحتضان وَهُوَ احتمالُك الشَّيْء وجعلُه فِي حِضْنك، كَمَا تَحْتَضن المرأةُ ولدَها فتحتمله فِي أحد شِقَّيْها. والمُحْتَضَن: الحِضْن، وَأنْشد للأَعْشى.
عَرِيضةُ بُوصٍ إِذا أَدْبرت
هضيمُ الحشا شَخْتَةُ المُحْتَضَنْ
وحِضْنا الْجَبَل: ناحيتاه، وحِضْنا الرجل: جَنْباه.
وَقَالَ أَبُو عُبَيد: قَالَ الْأَصْمَعِي: حِضْنُ الجَبَل وحُضْنُه: مَا أطاف بِهِ.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الحُضْنُ: أصل الْجَبَل.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَضانة: مصدر الحاضِن والحاضنة، وهما المُوَكّلان بالصّبي يرفعانه ويُربِّيانه. قَالَ: ناحيتا الفلاة: حِضْناها، وَأنْشد:
أَجَزْتُ حِضْنَيْه هِبَلاًّ وَغْبَا
هِبَلاًّ: جَمَلاً ثقيلا. قَالَ: والحِضان: أَن تَقْصر إِحْدَى طُبْيَى العَنْز وتطول الْأُخْرَى جدا فَهِيَ عَنْز حَضون.(4/123)
وَقَالَ أَبُو عُبَيْد: قَالَ أَبُو زيد وَالْكسَائِيّ: الحَضون من المِعْزَى: الَّتِي قد ذهب أحد طُبْيَيْها، وَالِاسْم الحِضان.
وَقَالَ اللَّيْث: الْحَمَامَة تحضُن على بيضها حُضوناً إِذا رجَنَتْ عَلَيْهِ للتَّفريخ فِيهِ حاضن هَكَذَا يُقَال بِغَيْر هَاء.
وَيُقَال للأثافي: سُفْعٌ حواضِنُ أَي جواثِمُ
وَقَالَ النَّابِغَة:
وسُفْعٌ على مَا بَينهُنَّ حواضِن
يَعْنِي الأثافيّ والرماد.
قَالَ والمحَاضِن: الْمَوَاضِع الَّتِي تحضُن فِيهَا الْحَمَامَة على بيضها، وَالْوَاحد مِحْضَن.
قَالَ: والمِحْضَنَة: المَعْمُولَة من الطِّين للحمامة كالقصعة الرَّوحاء.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الحاضنة: النَّخْلَة إِذا كَانَت قَصِيرَة العُذوق، قَالَ: فَإِذا كَانَت طَوِيلَة العُذوق فَهِيَ بائِنة، وَأنْشد:
من كل بائنةٍ تُبِينُ عُذُوقَها
مِنْهَا وحاضنةٍ لَهَا مِيقار
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: احْتَجَنَ فلَان بِأَمْر دوني، واحتضنني مِنْهُ أَي أخرجني مِنْهُ فِي نَاحيَة.
وَقَالَ اللَّيْث: جَاءَ فِي الحَدِيث أَن بعض الْأَنْصَار قَالَ يَوْم بُويع أَبُو بكر: تُرِيدون أَن تُحْضِنُونا من هَذَا الْأَمر. قلت: هَكَذَا وجدته فِي كتاب اللَّيْث: أَحْضَنني بِالْألف، وَالصَّوَاب حَضَنَني، وَفِي حَدِيث ابْن مَسْعُود حِين أوصى فَقَالَ: وَلَا تُحْضَن زَيْنَبُ امرأتُه عَن ذَلِك، يَعْنِي عَن النَّظر فِي وصيّته وإنفاذها.
قَالَ أَبُو عُبَيد: لاتُحْضَن: لَا تُحْجَب عَنهُ وَلَا يُقطع أمرٌ دونهَا. يُقَال: حضنتُ الرجلَ عَن الشَّيْء إِذا اخْتَزَلْتَه دونه. قَالَ: وَمِنْه حَدِيث عُمَرَ يَوْم أَتَى سَقيفَة بني ساعِدَة للبَيْعة قَالَ: فَإِذا إِخْوَاننَا من الْأَنْصَار يُرِيدون أَن يَخْتَزِلوا الأمرَ دُوننَا ويَحْضُنونا عَنهُ. هَكَذَا رَوَاهُ ابْن جَبَلَة وعليّ بن عبد الْعَزِيز عَن أبي عُبَيد بِفَتْح اليَاءِ وَهَذَا خلاف مَا رَوَاهُ اللَّيْث، لِأَن اللَّيْث جعل هَذَا الْكَلَام للْأَنْصَار، وَجَاء بِهِ أَبُو عُبَيْد لعُمَر وَهُوَ الصَّحِيح وَعَلِيهِ الرِّوَايَات الَّتِي دَار الحَدِيث عَلَيْهَا.
وَقَالَ أَبُو عُبَيد: قَالَ أَبُو زيد: أَحْضَنْتُ بالرّجُل إحْضانا وأَلْهَدت بِهِ إلهاداً أَي أَزْرَيْتُ بِهِ.
أَبُو عُبَيد عَن الْكسَائي: حَضَنْتُ فلَانا عمّا يُرِيد أَحْضُنُه وحَضَانَةً، واحتَضَنْتُه عَنهُ إِذا منعتَه عمّا يُرِيد.
وَقَالَ ابْن السّكّيت: حضن الطَّائِر بيضه يحضنه حضناً.
وحَضَنَ: اسْم جَبَل بِأَعْلَى نَجْد، وَمِنْه الْمثل السائر: (أَنْجَدَ مَنْ رَأَى حَضَنا.
وَقَالَ أَبُو عُبَيد: الحَضَنُ: نَاب الْفِيل، وَقَالَ غَيره: الحَضَن: العاج.
وَقَالَ اللَّيْث: الأعْنُز الحَضَنِيَّات: ضَرْب مِنْهَا شَدِيد الحُمرة، وضربٌ سود شَدِيدَة السَّواد، قلت: كَأَنَّهَا نسبت إِلَى حَضَن، وَهُوَ جبل بقُنّة نجدٍ مَعْرُوف.(4/124)
نضح: قَالَ اللَّيْث: النّضْح كالنَّضْخ رُبمَا اتّفقا وَرُبمَا اخْتلفَا، وَيَقُولُونَ: النّضْخ: مَا بَقِي لَهُ أثر كَقَوْلِك: على ثوبِه نَضْخُ دم، والعينُ تَنْضَح بِالْمَاءِ نَضْحاً إِذا رَأَيْتهَا تَنُور، وَكَذَلِكَ تَنْضَخ العَيْن.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: نَضَخَ عَلَيْهِ الماءُ يَنْضَخُ فَهُوَ ناضخ، وَفِي الحَدِيث (يَنْضَخُ البَحْرُ ساحِله.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: لَا يُقال من الْخَاء فَعَلْتُ، إِنَّمَا يُقَال: أَصَابَهُ نَضخٌ من كَذَا.
وَقَالَ أَبُو الهَيْثَم: قَوْلُ أبي زَيْد أَصَحُّ، والقرآنُ يَدُلّ عَلَيْهِ، قَالَ الله جلّ وعزّ: {تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} (الرَّحمان: 66) فَهَذَا يشْهد بِهِ يُقَال: نضخ عَلَيْهِ المَاء، لِأَن الْعين النَّضّاخة هِيَ الفَعّالة، وَلَا يُقَال لَهَا نَضّاخة حَتَّى تكون ناضحة.
وَقَالَ ابْن الفَرَج: سَمِعْت جمَاعَة من قَيْس يَقُولُونَ: النَّضْح والنَّضْخ وَاحِد، قَالَ: وَقَالَ أَبُو زيد: نَصَحْتُه. ونَضختُه بِمَعْنى وَاحِد، قَالَ: وسمعتُ الغَنَوِيّ يَقُول: النَّضْح والنَّضْخ وَهُوَ فِيمَا بَان أَثَره وَمَا رَقَّ بِمَعْنى وَاحِد.
قَالَ: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: النَّضْخ: الَّذِي لَيْسَ بَينه فُرَج، والنَّضْح أرقّ مِنْهُ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: النَّضح: مَا نَضحْتَه بِيَدِك مُعْتَمد، والناقةُ تَنْضح ببولها، والقِرْبة تَنضحُ، والنَّضح مِن غير اعْتِمَاد: إِذا مَرَّ فوطىء على مَاءٍ، فَنَضَح عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يُريد ذَلِك وَمِنْه نَضْحُ البَوْل فِي حَدِيث إِبْرَاهِيم. أَنه لم يكن يَرَى بِنضْح البَوْل بأْساً.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو لَيْلى: النَّضْح والنَّضْخ: مَا رَقَّ وثَخُن بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ اليزيديّ: نَضَحْناهم بالنَّبْل نَضْحا، ونَضَخْناهم نَضْخاً وَذَلِكَ إِذا فَرَّقوها فيهم.
وَقَالَ شمر: يُقَال: نَضحْتُ الأديمَ: بَلَّلته ألاّ يَنْكسِر، وَقَالَ الكُمَيْت:
نَضحْتُ أَدِيمَ الوُدِّ بيني وَبَيْنكُم
بآصِرَة الأرْحام لَو يَتَبلَّلُ
نَضحْت أَي وصلتُ.
قَالَ: وَقد قَالُوا فِي نَضْح الْمَطَر بِالْحَاء وَالْخَاء. والنّاضحُ: الْمَطَر، وَقد نضحْتنا السماءُ. والنَّضْحُ أَمْثَل من الطّلّ، وَهُوَ قَطْر بَين قَطْرَيْن، قَالَ: وَيُقَال لكل شَيْء يتحلب من عرق أَو ماءٍ أَو بَوْل يَنْضَح، وَأنْشد:
يَنْضَحْن فِي حَافَّاته بالأبوالِ
وَقَالَ: عَيناهُ تَنْضَحَانِ.
وَقَالَ: النَّضْح يَدْعُوه الهَمَلاَن، وَهُوَ أَنْ تمتلىء الْعين دمعاً ثمَّ تَنفضخ هَمَلاَناً لَا يَنْقَطِع، والجَرَّة تَنْضح ونَضَحَت ذِفْرَى البَعير بالعَرَق نَضْحاً ونَضْخاً، وَقَالَ الْقطَامِي:
حَرَجاً كَأَن من الكُحَيْلِ صُبابةً
نَضَحَت مَغابِنُها بِهِ نَضحَانا(4/125)
قَالَ: وَرَوَاهُ المُؤرّج: نُضِخَت.
وَقَالَ أَبُو عُبَيد: قَالَ أَبُو عَمْرو: نَضحْتُ الرِّيّ بالضّاد.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: فَإِن شَرِب حَتَّى يَرْوَى، قَالَ: نَصحْتُ بالصّاد الرِّيّ نَصْحا ونَصعْت بِهِ ونَقَعت، قَالَ: والنَّضح والنَّشْح وَاحِد: وَهُوَ أَن يَشرب دون الرِّيّ.
وَقَالَ غَيرهم: نضحوهم بالنَّبْل أَي رَشقوهم ورمَوْهم.
وَيُقَال: هُوَ يُناضِح عَن قومه وينافح عَن قومه أَي يذُب عَنْهُم، وَأنْشد:
وَلَو بَلاَ، فِي مَحفِلٍ، نِضَاحي
أَي ذَبيِّ ونَضْحِي عَنهُ.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: نَضَحتُ المَاء نضْحاً، ونَضَح الرجلُ بالعرق مثله إِذا عَرِقَ، وَقَالَ الكِسَائي مثله.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: نَضَح الشجرُ إِذا تَفَطَّر بالنبات.
وَقَالَ أَبُو طَالب بن عبد الْمطلب:
بُورِكَ الميِّت الغَريبُ كَمَا بور
ك نَضْحُ الرُّمَّانِ والزَّيتُون
قَالَ: والنَّضَح بِفَتْح الضّاد: الحَوْضُ الصَّغِير وَجمعه أنضَاح: قُلْتُ: ويُسمَّى نضيحاً أَيْضا قَالَه أَبُو عُبَيد.
قَالَ: والنّاضِحُ: البَعير الَّذِي يَستَقِي المَاء والأُنْثى ناضحة، وَفِي الحَدِيث (مَا سُقي من الزَّرْع نَضْحاً فَفِيهِ نصفُ العُشْر) يُرِيد مَا سُقِي بالدِّلاء والغُروب والسَّواني وَلم يُسْقَ فَتحاً.
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن عَدَّ عشر خلال من السُّنّة، وَذكر فِيهَا الانتضاح بِالْمَاءِ، وَهُوَ أَن يَأْخُذ مَاء قَلِيلا فَينْضَحَ بِهِ مذاكيره ومؤتَزَره بعد فَرَاغه من الْوضُوء لينفي بذلك عَنهُ الوَسْواس، وَهُوَ فِي خبر آخر انتفاض المَاء ومعناهما وَاحِد.
وَالرجل يُرْمَى بِأَمْر أَو يُقْرَف بتهمة فَينْتَضِح مِنْهُ أَي يُظهر التبرُّؤ مِنْهُ.
وَقَالَ اللَّيْث: النَّضِيح من الحُيَاض: مَا قَرُب من الْبِئْر حَتَّى يكون الإفراغ فِيهِ من الدَّلْو وَيكون عَظِيما، وَقَالَ الأعْشى:
فَغَدَونا عَلَيْهِم بكرةَ الوِرْ
دِ كَمَا تُورِدُ النَّضيحَ الهِيامَا
قَالَ: وَإِذا ابْتَدَأَ الدَّقيق فِي حب السُّنْبُل وَهُوَ رَطْب فقد نَضحَ وأَنْضح لُغَتَانِ.
قَالَ: والنَّضُوح: الطِّيبُ.
الحَرّاني عَن ابْن السّكيت: النَّضوحُ: الوَجور فِي أَيِّ الْفَم كَانَ، وَقَالَ أَبُو النَّجم يصف راميا:
أنْحى شِمَالا هَمَزَى نَضُوحا
أَي مَدَّ شِماله فِي الْقوس هَمَزى يَعْنِي الْقوس أَنَّهَا شَدِيدَة.
والنَّضوح أَيْضا من أَسمَاء القَوْس كَأَنَّهَا تَنْضَحُ بالنّبْل.
والنَّضَّاحة: الْآلَة الَّتِي تُسَوَّى من النُّحاس أَو الصُّفْر للنِّفْط وزَرْقه.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: المِنْضحة والمِنْضخة بِالْحَاء وَالْخَاء: الزَّرّاقَةُ. قلت: وَهِي عِنْد عوام النَّاس النَّضاحة ومعناهما وَاحِد.
قَالَ ابْن الْفرج: سَمِعت شُجاعاً السُّلَمي(4/126)
يَقُول: أمضَحْتُ عِرْضي وأَنضَحته إِذا أفْسَدْته، وَقَالَ خَليفَة: أَمضَحْتُه إِذا أَنْهَبْته النَّاس.
وَقَالَ شُجاع: مَضَح عَن الرجل، ونَضَح عَنهُ، وذَبَّ عَنهُ بِمَعْنى وَاحِد.
نحض: قَالَ ابْن المُظَفِّر: النَّحْض: اللَّحمُ نَفسه، والقطعة الضخمة مِنْهُ تسمى نَحْضة.
وَرجل نَحِيض وَامْرَأَة نَحِيضة، وَقد نَحُضا، ونحَاضَتُهما: كَثْرَة لحمهما، فَإِذا قلت: نُحِضت الْمَرْأَة فَمَعْنَاه ذهَاب لَحمهَا وَهِي مَنْحوضة ونَحِيض.
وَقَالَ ابْن السّكيت: النَّحِيضُ من الأضداد يكون الكثيرَ اللحمِ، وَيكون القليلَ اللَّحْم كَأَنَّهُ نُحِض نَحضاً.
وَقَالَ أَبُو عُبَيد وَغَيره: نَحضْتُ السِّنان فَهُوَ منحوض ونَحِيض إِذا رَقَّقْته وَأنْشد:
كموْقِفِ الأشْقَرِ إِن تقدَّما
باشَرَ منْحُوض السنَان لَهْذَما
وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
يُبَارى شَباةَ الرُّمْح خَدٌّ مُذَلَّق
كَحَد السِّنان الصُّلَّبِيِّ النَّحِيضِ
وَقَالَ غَيره: يُقَال: نَحَضْت الْعظم أَنْحَضَه نَحْضاً إِذا أخذتَ اللَّحْم الَّذِي عَلَيْهِ عَنهُ.
ونَحضْتُ فلَانا إِذا أَلْححْت عَلَيْهِ فِي السُّؤَال.
ونَحضْت السنان إِذا رقَّقْته وأَحدَدْته.
ح ض ف
اسْتعْمل من وجوهها: حفض، فَضَح.
فَضَح: قَالَ اللَّيْث: الفَضْحُ: فعل مجاوز من الفاضح إِلَى المفضوح، وَالِاسْم الفضيحة، وَيُقَال للمُفْتَضِح يَا فضوح، وَقَالَ الراجز:
قومٌ إِذا مَا رَهِبوا الفَضائحا
على النِّسَاء لَبِسوا الصَّفائحَا
قَالَ: والفُضْحَة: غُبْرة فِي طُحْلة يخالِطَها لونٌ قَبِيح، يكون فِي ألوان الْإِبِل وَالْحمام، والنعت أفضح وفَضحاء وَالْفِعْل فَضِح يَفْضَح فَضَحاً، فَهُوَ أفْضح.
وأَفضح البُسْر إِذا بَدَت فِيهِ الْحمرَة.
قَالَ أَبُو عُبَيد: يُقَال: أَفضَح النّخل إِذا احْمَرَّ أَو اصْفَرّ.
وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب الهُذَليّ:
يَا هَلْ أُريكَ حُمُولَ الحَيِّ عادِيَةً
كالنَّخْل زيَّنَها يَنْعٌ وإفضاحُ
وَقَالَ أَبُو عمْرو: سَأَلت أعرابيّاً عَن الأفَضَح فَقَالَ: هُوَ لونُ اللحمِ المَطْبُوخ:
أَبُو عُبَيد عَن أبي عَمْرو: الأفْضَح: الْأَبْيَض وَلَيْسَ بشديد الْبيَاض، وَمِنْه قَول ابْن مُقْبل يصف السَّحَاب:
أَجَشُّ سِمَاكِيٌّ من الوَبْل أفضَحُ
وَقَالَ غَيره: يُقَال للنائم وقْتَ الصَّباح: فَضَحَك الصُّبح فَقُم، مَعْنَاهُ أَن الصَّبحَ قد استنارَ وتَبَيَّن حَتَّى بيَّنك لمَنْ يراك وشَهَّرك، وَقد يُقَال: فصَحَك الصُّبْح بالصَّاد ومعناهما مُتَقَارب.
وسُئِل بعض الْفُقَهَاء عَن فَضِيخ البُسر، فَقَالَ: لَيْسَ بالفَضِيخ، وَلكنه الفَضُوح، أَرَادَ أَنه يُسْكِر فيَفْضَح شَاربه إِذا سَكِر مِنْهُ. والفضيحة اسْم من هَذَا لكل أَمر سِيِّىء(4/127)
يَشْهَر صاحِبَه بِمَا يسوءُ. وَيُقَال: افتضح الرجل افتضاحاً إِذا ركب أمرا سَيِّئاً فاشْتَهَرَ بِهِ.
حفض: قَالَ ابْن المُظَفَّر: الحَفَضُ: قَالُوا: هُوَ القَعود بِمَا عَلَيْهِ: وَقَالَ آخر: بل الحَفَضُ كل جُوالِق فِيهِ مَتَاع الْقَوْم.
أَبُو عُبَيد عَن أبي عَمْرو: الحَفَض: مَتَاع الْبَيْت، قَالَ غَيره: فسُمِّي البعيرُ الَّذِي يحملهُ حَفَضاً بِهِ، وَمِنْه قولُ عَمْرو بن كُلْثُوم:
ونحنُ إِذْ عِمادُ الحَيّ خَرّتْ
على الأَحْفاض نمْنَع مَا يَلِينا
فَهِيَ هَاهُنَا الْإِبِل، وَإِنَّمَا هِيَ مَا عَلَيْهَا من الْأَحْمَال.
الحرّاني عَن ابْن السّكيت قَالَ: الْحَفْض: مصدر حَفَضْتُ العُودَ أحفِضُه حَفْضاً إِذا حنيته وَأنْشد:
إِمَّا تَرَى دَهْراً حَنَاني حَفْضَا
قَالَ: والحَفَض: الْبَعِير الَّذِي يحمل خُرْثِيَّ الْمَتَاع، والجميع أَحْفَاض، وَأنْشد:
يَا ابْن القُرُومِ لَسْن بالأَحْفاض
قَالَ: والحَفَض أَيْضا: مَتَاع الْبَيْت، ورُوِي بيتُ عَمْرو بن كُلْثُوم:
ونحنُ إِذا عِمَادُ الحَيِّ خَرَّت
على الأحفاض نَمنع مَنْ يَلِينا
أَي خَرَّت الأحفاض عَن الْإِبِل الَّتِي تحمل خُرْثيّ المَتاع، فَيُقال: خَرّت العُمُد على الأحْفَاض أَي خَرَّت على الْمَتَاع، وَمن رَوَاهُ خَرَّت عَن الأَحْفَاضِ أَرَادَ خَرَّت عَن الْإِبِل هَكَذَا قَالَ ابْن السّكيت.
وَقَالَ شمر: حَفّضتُ الشَّيْء وحَفَضْتُه إِذا أَلْقَيْتَه، وَقَالَ فِي قَول رؤبة:
... حَنَانِي حَفْضَا
أَي أَلْقَانِي، وَمِنْه قَول أُمَيَّة:
وحُفِّضَتِ النُّذُورُ وأردَفَتْهُم
فُضُولُ الله وانْتَهَت القُسوم
قَالَ: القُسومُ: الأيْمان، وَالْبَيْت فِي صفة الجَنَّة، قَالَ: وحُفِّضَتْ: طُومِنَت وطُرِحَت، قَالَ: وَكَذَلِكَ قَول رؤبة:
... حَنَانِي حَفْضَا
أَي طامَن مِنِّي، قَالَ رَوَاهُ بَعضهم: حُفّضت البُدُور، قَالَ شمر: وَالصَّوَاب النُّذُور.
فَقَالَ شمر: وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الحَفَضُ: قُماش الْبَيْت وَرَدِيء الْمَتَاع ورُذاله، وَالَّذِي يُحْمَل عَلَيْهِ ذَلِك من الْإِبِل حَفَضَ، وَلَا يكَاد يكون ذَلِك إِلَّا رُذال الْإِبِل.
قَالَ: وَيُقَال: نِعْمَ حَفَضُ العِلْم هَذَا أَي حاملُه:
قَالَ شمر: وَقَالَ يُونُس. رَبِيعةُ كلهَا تجْعَل الحَفَض: البَعيرَ، وَقيس تجْعَل الحَفَض: المَتاعَ. .
قَالَ شمر: وَبَلغنِي عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ يَوْمًا وَقد اجْتمع عِنْده جمَاعَة فَقَالَ: هَؤُلَاءِ أَحفاضُ علم، وَإِنَّمَا أخِذ من الْإِبِل الصغار، يُقَال: إبِل أَحفاض: ضَعِيفَة. وَمن أَمْثَال الْعَرَب السائرة: (يَوْمٌ بِيَوْمِ الحَفَضِ المُجَوَّر) يضْرب للمُجازاة بالسوء، والمُجَوَّرُ: المُطَرَّح. وَالْأَصْل فِي(4/128)
هَذَا الْمثل أَن رجلا كَانَ بنُو أَخِيه يُؤْذُونَه، فَدَخَلُوا بَيْته وقلبوا مَتاعه، فَلَمَّا أدْرك بنوه صَنَعُوا بأَخيه مثل ذَلِك، فَشَكَاهُمْ، فَقَالَ: يَومٌ بِيَوْمِ الحَفَض المُجَوّر.
وَفِي (النَّوَادِر) : حَفَّضَ الله عَنْه، وحَبَّضَ عَنْه أَي سَبَّخَ عَنهُ وخَفَّفَ.
ح ض ب
اسْتعْمل من وجوهها: حبض، حضب، ضبح.
ضبح: قَالَ اللَّيْث: ضبحتُ العودَ فِي النَّار إِذا أَحْرَقْت من أعاليه شَيْئا، وَكَذَلِكَ حِجارةُ القدّاحة إِذا طلعت كَأَنَّهَا مُتَحَرِّقة مَضبُوحة، وَقَالَ رؤبة:
والمَرْوَذَا القَدَّاحِ مَضْبُوحَ الفِلَقْ
الحرّاني عَن ابْن السّكيت: ضَبَحَتْه الشمسُ وضَبَتْه إِذا غَيَّرت لَوْنَه ولَوَّحته، وَكَذَلِكَ النَّار، وَأنْشد:
عُلِّقْتُها قبل انْضباح لَوْني
وجُبْتُ لَمَّاعاً بعيدَ البَوْنِ
قَالَ: الانْضِباح: تَغَيُّر اللَّوْن.
وَقَالَ اللَّيْث: الضُّباحُ: صَوْتُ الثَّعالِب وَقَالَ ذُو الرُّمّة:
سَبَارِيتُ يَخْلُو سَمْعُ مُجْتَازِ رَكْبها
من الصَّوْت إِلَّا من ضُباحِ الثّعالبِ
قَالَ: والهام تَضْبَحُ أَيْضا ضُباحا، وَمِنْه قَول العَجَّاج:
من ضابِح الْهَام وبُومٍ بَوَّامِ
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {} (العَاديَات: 1) . قَالَ بَعضهم: يَعْنِي الْخَيْل تَضْبَح فِي عَدْوها ضَبْحاً تسمع من أفواهها صَوتا لَيْسَ بِصَهِيل وَلَا حَمْحَمة. وَقَالَ الفرّاء فِيمَا روى سَلَمة عَنهُ: الضّبح: أصوات أنفاس الْخَيل إِذا عَدَوْن، وَكَانَ ابْن عبّاس يَقُول: هِيَ الخَيْلُ تَضْبَح، وَكَانَ عَلِيٌّ يَجْعَل و {الْعادِيَتِ ضَبْحًا الإبِلَ. وَقَالَ بعض أهل اللُّغَة: مَنْ جعلهَا الْإِبِل جعل ضَبْحاً بِمَعْنى ضَبْعاً، يُقَال: ضبحت النَّاقة فِي سَيرهَا، وضَبَعَت إِذا مَدّتْ ضَبْعَيْها فِي السَّير.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: ضَبْح الخَيْلِ وصَوْتُ أجوافها إِذا عَدت.
وَقَالَ أَبُو عُبَيدة: ضَبَحَت الخيلُ وضَبَعَت إِذا عَدَتْ وَهُوَ السَّيْر، وَقَالَ فِي (كتاب الْخَيل) : هُوَ أَن يَمُدَّ الفَرَسُ ضَبْعيه إِذا عَدَا حَتَّى كَأَنَّهُ على الأَرْض طُولاً، يُقَال: ضَبَحَتْ وضَبَعَتْ، وَأنْشد:
إنّ الجِيادَ الضَّابِحَاتِ فِي الغَدَرْ
أَبُو عُبَيد عَن أبي عُبَيدة قَالَ: الضَّبْح: الرَّماد، قلتُ: أَصله من ضَبَحته النَّارُ.
حضب: قَالَ ابْن المظفّر: قَرَأَ بعض القرّاء: حَصَبُ جَهَنَّمَ} (الْأَنْبِيَاء: 98) ، وَأنْشد:
فَلَا تَكُ فِي حَربنا مِحْضَباً
فتَجْعَلَ قومَك شَتّى شُعُوبا
وَقَالَ الفرّاء: رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنَّه قَالَ: (حَضَب جَهَنّم) مَنْقُوطة، قَالَ: وكل مَا هَيَّجْتَ بِهِ النَّار أَو أَوقَدْتها بِهِ فَهُوَ حَضَب.
وَقَالَ الْكسَائي: حَضَبتُ النارَ إِذا خَبَتْ فألقيتَ عَلَيْهَا الحَطَب لتَقِد.(4/129)
وَقَالَ الفرّاء: هُوَ المَحْضَب والمحْضَأ والمِحْضَجُ والمِسْعر بِمَعْنى وَاحِد.
وَحكى ابْن دُرَيْد عَن أبي حَاتِم أَنه قَالَ: تُسمّى المِقْلَى المِحْضَب.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: أحضاب الجَبل: جَوَانِبه، وَاحِدهَا حِضْب، وَهُوَ سَفْحُه.
أَبُو عُبَيد عَن أبي عَمْرو: الحِضْبُ: صَوت القَوْسِ وَجمعه أَحْضابٌ.
وَقَالَ شَمِر: يُقَال: حِضْب وحَبْض، وَهُوَ صَوْتُ الْقوس وَجمعه أحضاب قَالَ: والحِضْب: الحيّة، وَقَالَ رُؤْبَة:
جَاءَتْ تَصَدَّى خَوْفَ حِضْبِ الاَّحْضاب
وَقَالَ فِي كِتَابه فِي (الحَيّات) : الحِضْب: الضَّخم من الحَيَّات الذَّكر، وَقَالَ: كل ذكر من الحَيَّات حِضْب مثل الْأسود والحُفَّاثِ وَنَحْوهَا، وَقَالَ رؤبة:
وَقد تَطَوَّيْتُ انْطِوَاء الحِضْبِ
بَيْنَ قَتَادِ رَدْهَةٍ وشِقْبِ
أَبُو العَباس عَن سَلَمة عَن الفرّاء قَالَ: الحَضْب بِالْفَتْح: سُرعة أَخْذِ الطَّرْقِ الرَّهْدَنَ إِذا نَقَرَ الحَبَّةَ. الطَّرقُ: الفَخّ، والرَّهْدَنُ: العُصْفُورُ إِذا نَقَر الحَبَّة.
قَالَ: والحَضْب أَيْضا: انقلاب الْحَبْل حَتَّى يسْقط. والحَضْبُ أَيْضا: دُخُول الحَبْل بَين القَعْو والبَكْرة، وَهُوَ مثل المَرَس، تَقول: حَضِبَت البَكْرَةُ ومَرِسَت، وتأْمُر فَتَقول: أَحْضِبْ بِمَعْنى أَمْرِس أَي رُدَّ الحَبْل إِلَى مجْرَاه.
حبض: قَالَ اللَّيْث: حَبَض القلبُ فَهُوَ يَحْبِض حَبْضاً أَي يضْرب ضَرَباناً شَدِيدا، وَكَذَلِكَ العِرْق يَحْبِض ثمَّ يَسْكن، وَهُوَ أشدُّ من النَّبْض، قَالَ: وتَمُدّ الوتَر ثمَّ ترسله فيحبض، والسهمُ إِذا مَا وَقع بالرّميّة وَقْعاً غير شَدِيد، يُقَال: حَبِضَ السَّهْمُ، وَأنْشد:
والنَّبْلُ يَهْوِي خطأ وحَبْضا
قَالَ: وَيُقَال: أصَاب القومَ داهية من حَبَضِ الدَّهْر.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: الحابِضُ من السّهام: الَّذِي يَقع بَين يَدي الرّامي.
وَقَالَ أَبُو زيد مِثْلَه، قلت: وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب، فأمَّا مَا قَالَه اللَّيْث: إِن الحابِضَ الَّذِي يَقع بالرّمِيّة وقْعاً غير شَدِيد فَلَيْسَ بصواب.
وَجعل ابنُ مقبل المحابِضَ أوتارَ الْعود فِي قَوْله يذكر مُغَنِّيَة تحرّك أوتار العُودِ مَعَ غِنائها:
فُضُلاً يُنَازِعُها المحابضُ
رجعَهابِأَحَذَّ لَا قَطِعٍ وَلَا مِصْحالِ
قَالَ أَبُو عَمْرو: المحابِضُ: الأوتار فِي هَذَا الْبَيْت.
وَقَالَ ابنُ مُقْبِل أَيْضا فِي محابض الْعَسَل:
كأنّ أصواتَها من حَيْثُ تَسْمَعُها
صَوْتُ المحابِض يَنْزِعْن المَحارِينا
قَالَ الْأَصْمَعِي: المحابِضُ: المَشاوِرُ، وَهِي عِيدان يُشَارُ بهَا العَسَل. وَقَالَ الشَّنفَري:
أَو الخَشْرَمُ المَبْثُوثُ حَثْحَث دَبْرَه
محابيضُ أَرْساهنَّ شارٍ مُعَسِّلُ
أَرَادَ بالشّاري الشّائرَ فَقَلَبه، والمحارين: مَا تساقط من الدَّبْر فِي الْعَسَل فَمَاتَ فِيهِ.(4/130)
أَبُو عُبَيد عَن أَصْحَابه: أحبَضْتُ حَقَّه إِحْباضاً أَي أبطَلْته فحبَضَ حُبُوضاً. أَي بَطَل وَذهب.
شَمِر: مَا لَهُ حَبْضٌ وَلَا نَبْض أَي حَرَكة.
قَالَ: وَيُقَال: الحبْضُ: حَبْضُ الْحَيَاة، والنَّبْضُ: نَبْضُ العِرْق.
وروى أَبُو عُبَيد عَن الْأَحْمَر فِي بَاب الإتباع: (مَا بِهِ حَبَض وَلَا نَبَض) محرّك الْبَاء أَي مَا يَتَحَرَّك، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْن السّكيت: مَا بِهِ حَبَضٌ وَلَا نَبَضٌ أَي مَا بِهِ حَرَاك، وَالْقِيَاس مَا قَالَه شَمِر.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: حَبَض ماءُ الرَكِيَّة إِذا انحدَرَ وَنقص
قَالَ أَبُو زيد: وَمِنْه يُقَال: حَبَضَ حَقُّ الرجل إِذا بَطَل.
وَقَالَ ابْن الفَرَج: قَالَ أَبُو عَمْرو: الإحْباضُ: أَن يكُدّ الرجل رَكِيَّتَه فَلَا يَدَعُ فِيهَا مَاء، قَالَ: والإحباط: أَن يذهب ماؤُها فَلَا يعود كَمَا كَانَ، قَالَ وَسَأَلت الحُصَيْنيّ عَنهُ، فَقَالَ: هما بِمَعْنى وَاحِد.
ح ض م
اسْتعْمل مِنْهُ: حمض، مضح، مَحْض.
حمض: قَالَ اللَّيْث: الْحمْضُ كلُّ نباتٍ لَا يَهيجُ فِي الرّبيع ويَبْقَى على القَيْظ، وَفِيه مُلوحة إِذا أكلت مِنْهُ الْإِبِل شَرِبَتْ عَلَيْهِ وَإِذا لم تجدْه رَقَّت وضَعُفَت.
وَيُقَال: حَمَضَت الْإِبِل تَحْمُضُ حُمُوضاً إِذا رَعَت الحَمْض، وَهِي إبل حوامض، وَقد أَحْمَضْناها، وَأنْشد:
قَرَيبَةٍ نُدْوَتُهُ من مَحْمَضِهْ
أَي من مَوْضِعه الَّذِي يَحْمُض فِيهِ، قَالَ: وَمن الأعْرَابِ مَنْ يُسمِّي كلَّ نَبْتٍ فِيهِ مُلُوَحة حَمْضاً.
قَالَ: واللَّحْم: حَمْض الرِّجَال.
وَإِذا حَوَّلْتَ رجلا عَن أَمْر يُقَال قد أَحْمَضْته، وَقَالَ الطِّرِمَّاح:
لَا يَنِي يُحْمِض العدُوّ وَذُو الخُلْ
لَة يُشْفَى صَدَاه بالإحماضِ
وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال: حَمَضَت الْإِبِل فَهِيَ حامضة إِذا كَانَت ترعى الخُلَّة، وَهُوَ من النبت مَا كَانَ حُلْواً، ثمَّ صَارَت إِلَى الْحَمض ترعاه، وَهُوَ مَا كَانَ من النبت مالحاً أَو مِلْحاً وأَحْمَضْتها أَنا. قَالَ: فَإِذا كَانَت مُقِيمَة فِي الحَمْض، قيل إبل حَمِيضة، وَكَذَلِكَ إبل وَاضِعَة وآركة: مُقِيمَة فِي الحَمْض.
قَالَ: وإبل زاهية: لَا تَرَى الحَمْض وَكَذَلِكَ إبل عَادِية.
قلت: وَشَجر الحَمض كثير، مِنْهَا النّجِيل والرُّغْل، والرّمث، والخِذْراف، والإخريطُ، والهرْمُ، والقُلاّمُ.
والعرَب تَقول: الخُلّة خُبْز الْإِبِل، والحَمْض فاكهتها.
وَقَالَ ابْن السّكّيت فِي كتاب (الْمعَانِي) حَمَضتُها الْإِبِل أَي رَعَيْتُها الحَمْض، وأَحمَضْتُها: صَيَّرتُها تَأْكُل الحَمْض وَقَالَ الْجَعدِيُّ:
وكَلْباً ولَخْماً لم تَزَل مُنْذُ أَحمضت
بحَمضَتِنَا أَهْلَ الجَناب وخَيْبَرا
أَي طردناهم ونفيناهم عَن مَنَازِلهمْ إِلَى(4/131)
الجناب وخيبرا.
قَالَ: وَمثله قَوْلهم:
جَاءُوا مُخِلّين فَلاَقَوْا حَمْضَا
أَي جَاءُوا يشتهون الشَّرَّ فوجدوا مَنْ شفاهم مِمّا بهم، وَقَالَ رؤبة:
ونُورِدُ المُستَوْرِدين الحَمْضا
أَي من أَتَانَا يَطْلب عندنَا شَرّاً شَفَيْناه من دائه، وَذَلِكَ أَن الْإِبِل إِذا شَبِعت من الخُلَّة اشتهت الحَمْض.
وَقَالَ بعض النَّاس: إِذا أَتَى الرجل الْمَرْأَة فِي غير مأْتاها الَّذِي يكون موضعا للْوَلَد فقد حَمَّض تحْميضاً، كَأَنَّهُ تحوّل من خير المكانين إِلَى شرِّهما شَهْوَة معكُوسَة، كفِعْل قوم لُوط الَّذين أهلكهم الله بحجارة من سجِّيل.
وَيُقَال: قد أحمض الْقَوْم إِحْماضا إِذا أفاضوا فِيمَا يؤنِسهم من الحَدِيث، كَمَا يُقَال: فلَان فكِهٌ ومُتفكِّه:
والحُمَّاض: بَقْلة بَرِّية تَنْبُتُ أَيَّام الرّبيع فِي مَسايل المَاء، وَلها ثمرةٌ حمراءُ، وَهِي من ذُكُور الْبُقُول، وَقَالَ رؤبة:
كثَمَرِ الحُمّاضِ من هَفْت العَلَق
ومَنابت الحُمّاض: الشُّعَيْبات وملاجىء الأُوْدِية وفيهَا حُموضَة، وَرُبمَا نَبَّتها الحاضِرَةُ فِي بساتينهم وسَقَوْها وربَّوها فَلَا تَهِيج وَقت هَيْج البُقُول البَرِّيّة.
وَيُقَال للَّذي فِي جَوف الأُتْرُجِّ حُمّاض، والواحدة حُمّاضة.
ولَبن حامض، وَقد حَمُض يَحْمُض حُمُوضَةً فَهُوَ حامض وَإنَّهُ لَشَدِيد الحَمض والحُموضَة.
وروى أَبُو عُبَيْد فِي كِتَابه حَدِيثا لبَعض التَّابِعين أَنه قَالَ: الأُذُنُ مجَّاجة وللنَّفْس حَمْضة.
قَالَ أَبُو عُبَيد: المجَّاجة: الَّتِي تَمُجُّ مَا تسمع، يَعْني أَنَّهَا تُلْقيه وَلَا تَعِيه إِذا وُعِظت بِشَيْء أَو نُهِيت عَنهُ، وَقَوله: وللنّفس حَمْضة، أَرَادَ بالحَمْضة الشَّهوَة، أُخِذت من شَهْوَة الْإِبِل للحَمْض إِذا ملَّت الخُلَّة.
قلت: وَالْمعْنَى أَن الآذان لَا تَعِي كُلّ مَا تسمعه، وَهِي مَعَ ذَلِك ذَات شَهْوَة لما تَسْتَطْرِفُه من غرائب الحَدِيث ونوادر الْكَلَام.
وحَمْضٌ: مَاء مَعْرُوف لبني تَمِيم.
وحُمَيْضة: اسْم رجل مَشْهُور من بني عَامر بن صَعْصَعَة: وَقَالَ ابْن شُمَيل: أَرض حَمِيضَةٌ أَي كثيرةُ أَحَمْض من الرِّمْتِ وَغَيره، وَقد أحْمَض القومُ إِذا أصابُوا حَمْضاً، ووطِئْنَا حُموضاً من الأَرْض أَي ذَوات حَمْض، قَالَ: والملُوحَة تُسَمّى الحمُوضة.
مَحْض: قَالَ اللَّيْث: المَحضُ: اللبنُ الْخَالِص بِلَا رَغْوة، وكلّ شَيْء خَلَص حَتَّى لَا يَشُوبة شَيْء يُخَالِطه فَهُوَ مَحْضٌ.
وَرجل مَمْحُوض الضَّرِيبة أَي مُخَلَّص. قلت: كَلَام الْعَرَب: رجل مَمْحوص الضَّرِيبة بالصَّاد إِذا كَانَ مُنَقَّحاً مُهَذَّباً، وَيُقَال: فِضَّة مَحْضةٌ، فَإِذا قلتَ: هَذِه الفِضَّة مَحْضاً، قلتَه بِالنّصب اعْتماداً على(4/132)
المَصْدَر.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْد: قَالَ غير وَاحِد: هُوَ عَرَبيّ مَحْض، وَامْرَأَة عربيّة مَحْضة ومَحْض، وبَحتٌ وبَحْتَة، وقَلْب وقَلبة، وَإِن شِئْت ثَنَّيتَ وجَمَعْت.
قَالَ أَبُو عُبَيد: وَقَالَ أَبُو زَيد: أمحضتُه الحَدِيث إمْحاضاً أَي صَدَقْتُه، وَكَذَلِكَ أمْحضتُه النصح، وَأنْشد:
قل للغواني أمَا فيكُنَّ فاتِكةٌ
تَعْلُو اللئيمَ بضَرْبٍ فِيهِ إِمْحَاضُ
وروى ابْن هانىء عَنهُ: أمْحَضْتُ لَهُ النُّصْح إِذا أَخْلَصْته، قلت: وَقد قَالَ غَيره: مَحْضتُك نُصحي بِغَيْر ألف، ومَحَضْتُك مَوَدَّتي، وَيُقَال: مَحَضتُ فلَانا إِذا سَقَيْتَه لَبَنًا مَحْضا لَا مَاء فِيهِ، وَقد امتحضه شاربُه، وَمِنْه قَول الرّاجز:
فامْتَحَضا وسَقَّياني ضَيْحَا
مضح: قَالَ اللَّيْث: يُقَال: مَضَح الرجلُ عِرْض فلَان وأَمْضَحَه إِذا شانه وعابه. أَبُو عُبَيد عَن أبي عُبَيدة: مَضح الرجل عِرضه وأمْضحه إِذا شانه، وَقَالَ الفَرَزْذق:
وأمضحتِ عِرضي فِي الْحَيَاة وشِنْتِني
وأوْقَدْتِ لي نَارا بِكُل مَكَان
وأنشدنا أَبُو عَمْرو:
لَا تمْضَحَن عِرضي فَإِنِّي ماضِحُ
عِرضَك إِن شاتَمتني وقادِحُ
فِي ساقِ مَنْ شاتمنِي وجارحُ
وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : مَضَحَت الْإِبِل ونضحت ورفَضَت إِذا انتشرت. ومَضحت الشَّمْس ونضَحَت إِذا انْتَشَر شُعاعها على الأرْض.
أَبْوَاب الْحَاء وَالصَّاد ح ص س، ح ص ز، ح ص ط: أهملت وجوهها. ح ص د اسْتعْمل من وجوهها: حصد، صدح، دحص. حصد: قَالَ اللَّيْث: الحَصْد: جَزُّك البُرّ وَنَحْوه من النَّبات، وقَتْلُ النَّاس حَصْدٌ أَيْضا، قَالَ الله جلّ وعزّ: {حَتَّى ? جَعَلْنَ ? هُمْ حَصِيداً خَ ? مِدِينَ} (الأنبيَاء: 15) هَؤُلَاءِ قوم قتلوا رَسُولا بُعِث إِلَيْهِم فعاقبهم الله وقتلهم مَلِكٌ من مُلُوك الْأَعَاجِم، فَقَالَ الله جلّ وعزّ: {حَتَّى ? جَعَلْنَ ? هُمْ حَصِيداً خَ ? مِدِينَ} أَي كالزرع المحصود. وَقَالَ الْأَعْشَى: قَالُوا البقِيَّةَ والهِنْديُّ يَحْصُدُهم وَلَا بقيَّة إِلَّا الثَّأرُ فانكَشَفوا قَالَ: والحَصِيدة: المزرعة إِذا حُصِدت كلّها، والجميع الحصائد، وأحصدَ البُرُّ إِذا أَتَى حَصادُه. والحَصاد: اسْم للبُرِّ المحصود بَعْدَمَا يُحْصَد، وَأنْشد: إِلَى مُقْعَدات تَطْرَحُ الريحُ بالضُّحى عَلَيْهِنَّ رَفْضاً من حَصادِ القُلاقل قلت: وحَصاد كل شَجَرَة: ثَمَرَتهَا، وحَصاد الْبُقُول البَرِّيَّة: مَا تناثر مِنْ حِبتها عِنْد هَيْجِها والقُلاقِل: بقلة بَرِّية يُشْبِه حَبُّها حَبّ السِّمْسِم، وَلها أكمام كأكمامها، وَأَرَادَ بحصاد القُلاقل: مَا تناثر مِنْهُ بعد هَيْجه. وحصاد البَرْوَقِ: حَبَّة(4/133)
سَوْدَاء، وَمِنْه قَول ابْن فَسْوة: كَأَن حَصاد البَرْوَق الجَعْدِ جائِلٌ بِذِفْرى عِفِرْناةٍ خلافَ المَعَذَّر شبَّه مَا يَقطُر من ذِفْراها إِذا عَرِقت بحب البَرْوَق الَّذِي جعله حَصَاده، لِأَن ذَلِك العَرَق يتحبَّب فيقطُر أسوَد. وَقَول الله جلّ وعزّ: {وَءَاتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} (الأنعَام: 141) يُرِيد وَالله أعلم يَوْم حَصْدِه وجَزارِه، يُقَال: حِصاد وحَصاد، وجِزاز وجَزاز، وجِداد وجَداد، وقِطاف وقَطاف. وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نهى عَن حَصاد اللَّيْل وَعَن جَداده. قَالَ أَبُو عُبَيد: يُقَال: إِنَّه إِنَّمَا نهى عَن ذَلِك لَيْلًا من أجل الْمَسَاكِين أَنهم كَانُوا يَحْضُرُونه فَيتُصدَّقُ عَلَيْهِم، وَمِنْه قَوْله: {وَءَاتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} ، وَإِذا فُعِل ذَلِك لَيْلًا فَهُوَ فِرَارٌ من الصَّدقة، وَيُقَال: بل نُهِي عَنهُ لمَكَان الهوامِّ أَلا تصيب النَّاس إِذا حَصَدوا لَيْلًا. قَالَ أَبُو عُبَيد: وَالْقَوْل الأول أحبُّ إليّ. وَقَول الله جلّ وعزّ: {جَنَّ ? تٍ وَحَبَّ} (ق: 9) قَالَ الفرّاء: هَذَا مِمَّا أُضيف إِلَى نَفسه، وَهُوَ مثل قَوْله: {جَحِيمٍ إِنَّ هَ ? ذَا} (الواقِعَة: 95) وَمثله قَوْله: {نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ} (ق: 16) والحبْلُ هُوَ الوريد نَفسه فأُضيف إِلَى نَفسه، لاخْتِلَاف لفظ الإسمين. وَقَالَ الزَّجَّاج: نصب قولَه: وحَبَّ الحصيد أَي وأنبَتْنا فِيهَا حَبَّ الحَصِيد، فَجمع بذلك جَمِيع مَا يُقْتات من حَبِّ الحِنْطة وَالشعِير وكلِّ مَا حُصِد، كَأَنَّهُ قَالَ: وحَبَّ النبْتِ الحَصِيد. وَقَالَ اللَّيْث: أَرَادَ حَبّ البُرّ المحصود. وقولُ الزجّاج أصح لِأَنَّهُ أعَمّ. وَقَالَ اللَّيْث: الحَصَدُ: مصدر الشَّيْء الأَحْصَد، وَهُوَ المُحْكم فَتْله وصَنْعته من الحبال والأوتار والدُّروع قَالَ: وَيُقَال للخَلْق الشَّديد أحْصَدُ مُحْصَد، حَصِدٌ مُسْتَحْصِد، وَكَذَلِكَ وَتر أَحْصَدُ: شَدِيد الفَتْل. وَقَالَ الجعْدِيُّ: مِنْ نَزْعِ أَحْصدَ مُسْتَأْرِب أَي شَدِيد مُحكَم. وَقَالَ آخر: خُلِقْتُ مشروراً مُمَرّاً مُحْصَدا قَالَ: والدِّرْع الحَصْداء: المُحْكَمة، قلت: ورأْي مُستحصِد: مُحْكَم. وَقَالَ لَبِيد: وخَصْمٍ كَنادِي الجِنّ أَسْقَطْت شأوَهم بمستحْصِدٍ ذِي مِرَّة وضُرُوع أَي بِرَأْي مُحْكم وثيق، والصُّرُوع والضُّرُوع: الضُّروب والقُوَى. واستحصد أمْرُ الْقَوْم واستَحْصفَ إِذا استحكم. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الْحَصادُ: نَبْتٌ لَهُ قَصَب يَنبَسِط فِي الأَرْض، لَهُ وُرَيْقَه على طرف قَصَبه. وَقَالَ ذُو الرمّة: قادَ الحَصادَ والنَّصِيَّ الأغْيَدَا شمر: الحَصْد: شجر، وَأنْشد: فِيهِ حُطامٌ مِن اليَنْبُوتِ والحَصَد(4/134)
ويروى: والخضد، وَهُوَ مَا تثنى وتكسر وخُضِد، وَفِي الحَدِيث: (وَهل يَكُبُّ النَّاس على مناخِرهم فِي النارِ إلاّ حَصائِدُ أَلْسنتهم. قَالَ أَبُو عُبَيد: أَرَادَ بالحصائد مَا قالَتْه الألسنةُ، شُبِّه بِمَا يُحصد من الزَّرْع إِذا جُزَّ، وَيُقَال: أَحْصَد الزرعُ إِذا آن حَصَاده: وحَصَدَه واحتصده بِمَعْنى وَاحِد واستحصَدَ الزرعُ وأَحصَدَ واحِد. صدح: قَالَ اللَّيْث: الصَّدْحُ: من شدَّة صوْتِ الدِّيك والغراب وَنَحْوهمَا. وَقَالَ أَبُو النَّجْم: مُحَشرِجاً ومَرَّةً صَدُوحَا قَالَ: القَيْنة الصادحةُ: المُغَنِّيَة. وصَيْدح: اسْم نَاقَة ذِي الرّمّة، وفيهَا يَقُول: فقلتُ: لِصَيْدَحَ انتَجِعي بِلاَلاً شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الصَّدَحُ: الأسوَدُ. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الصَّدَح أنشزُ من العُنَّاب قَلِيلا وأشدُّ حُمْرة، وحُمْرتُه تضرب إِلَى السوَاد. وَقَالَ غَيره: الصِّدْحَانُ: آكامٌ صغَار صِلاَبُ الحِجَارَةِ، وَاحِدُها صَدَحٌ. دحص: أهمله اللَّيْث، وَهُوَ مُسْتَعْمل، يُقَال: دَحَصَتِ الذَّبِيحَةُ بِرِجْلَيْها عِنْد الذَّبْح إِذا فحصت. وَقَالَ علْقَمَة بن عَبْدة: رغَا فَوْقَهُم سَقْبُ السَّمَاءِ فَدَاحِصٌ بِشِكَّتِه لم يُسْتَلَبْ وسَلِيبُ قَالَ: أَصَابَهُم مَا أصَاب قوم ثَمُود حِين عقروا النَّاقة فَرَغَا سَقْبُها، وَجعله سقب السَّماء. لِأَنَّهُ رُفِعَ إِلَى السَّمَاء لمَّا عُقِرَت أُمُّه. والدَّاحِصُ: الَّذِي يبْحَث بيدَيْهِ وَرجلَيْهِ وَهُوَ يَجُودُ بِنَفسِهِ كالمَذْبُوحِ. (ح ص ت) ح ص ظ ح ص ذ ح ص ث: أهملت وجوهها. ح ص ر حصر، حرص، صرح، صحر، رصح: مستعملة. حصر: قَالَ اللَّيْث: الحَصَرُ: ضرْبٌ من العِيّ، تَقول: حَصِرَ فلانٌ فَلم يقدر على الْكَلَام، وَإِذا ضَاقَ صدرُ الْمَرْء من أَمْرٍ قيل: حَصِرَ صَدْرُ الْمَرْء عَن أمره يحصَر حَصَراً. قَالَ الله: {إِلاَّ ? لَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى ? قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَ ? قٌ أَوْ جَآءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَ ? تِلُونَكُمْ} (النِّساء: 90) مَعْنَاهُ: ضَاقَت صُدُورَهُم عَن قتالكم وقتال قَومهمْ. وَقَالَ الفرّاء فِي قَوْله: {أَوْ جَآءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} (النِّساء: 90) . الْعَرَب تَقول: أَتَانِي فلانٌ ذَهَبَ عَقْلُه يُرِيدُونَ قَدْ ذَهَب عَقْلُه. قَالَ: وَسمع الكِسَائيُّ رجلا يَقُول: فأصبحتُ نظرتُ إِلَى(4/135)
ذَات التَّنَانِير. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: جعل الفرّاء قَوْله حَصِرَت حَالاً وَلَا تكون حَالاً إِلَّا بِقَدْ. قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: حَصِرَت صُدُورُهم خَبَرٌ بعد خبر كَأَنَّهُ قَالَ: أَو جَاءُوكُم، ثمَّ أخبر بَعْدُ، فَقَالَ: حصرت صُدُورُهم أَن يُقَاتِلُوكُمْ. وَقَالَ أَحْمد بن يحيى: إِذا أضمرتَ قد قَرُبَتْ من الْحَال وَصَارَت كالاسم، وَبهَا قَرَأَ من قَرَأَ: (حَصِرَةً صُدُورُهُم) . وَقَالَ أَبُو زيد: وَلَا يكون جَاءَني القَوْمُ ضَاقَتْ صُدُورهمْ إِلَّا أَن تصله بواو أَو بقد، كَأَنَّك قلت: جَاءَنِي القَوْمُ وضَاقَت صُدُورُهم. وَقَالَ غَيره: كلّ من ضَاقَ صَدْرُه بِأَمْر فقد حَصِرَ، وَمِنْه قَول لبيد: جرداءَ يَحْصَرُ دُونَها جُرَّامها يصف نَخْلَة طَالَتْ فحَصِرَ صَدْرُ صَارِمِ ثَمَرهَا حِين نظر إِلَى أعاليها، وضاق صَدْرُه أَن رَقِيَ إِلَيْهَا لطولها. وَقَالَ اللَّيْث: الْحَصرُ: اعتقال البَطْن، وَصَاحبه مَحْصُور. أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي واليزيدي: الحُصْرُ: من الغَائِط، والأُسْرُ: من البَوْلِ. قَالَ أَبُو عُبَيد: وَقَالَ الْكسَائي: حُصِرَ بغائطه، وأُحْصِرَ. وَقَالَ ابْن بُزُرْج: يُقَال: للَّذي بِهِ الْحُصرِ مَحْصُور، وَقد حُصِرَ عَلَيْهِ بَوْلُه يُحْصَر حَصْراً أَشَدَّ الحَصْر، وَقد أَخذه الحُصْرُ وَأَخذه الأُسْرُ شَيْء واحدٌ، وَهُوَ أَن يَمْسِك ببوله فَلَا يَبُول، قَالَ: وَيَقُولُونَ: حُصِرَ عَلَيْهِ بَولُه وخَلاَؤُه، وَرجل حَصِرٌ بالعَطَاء. قَالَ: وَيُقَال: قومٌ مُحْصَرون إِذا حُوصِرُوا فِي حِصْنٍ وَكَذَلِكَ هم مُحْصَرُون فِي الحَجِّ. قَالَ الله جلّ وعزّ: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} (البَقَرَة: 196) قَالَ: وَرجل حَصُورٌ إِذا حُصِرَ عَن النِّسَاء فَلَا يَسْتَطِيعُهنّ. وَقَالَ اللَّيْث: الحِصَارُ: الْموضع الَّذِي يُحْصَر فِيهِ الْإِنْسَان، تَقول: حَصَرُوه حَصْراً، وحاصَرُوه وَكَذَلِكَ قَالَ رؤبة: مِدْحَة مَحْصورٍ تَشَكَّى الحَصْرا قَالَ: يَعْنِي بالمحصور: الْمَحْبُوس، قَالَ: والإحْصَارُ: أَن يُحْصَر الحاجُّ عَن بُلُوغ المَنَاسِكِ بِمَرَض أَو نَحوه. قَالَ: والحَصور: الَّذِي لَا أرَبَ لَهُ فِي النِّسَاء: والحَصورُ كالهَيُوب: المُحْجِمُ عَن الشَّيْء، وَأنْشد: لَا بالحَصُور وَلَا فِيهَا بِسَوّار وَقَالَ غيرُه: أَرَادَ الحَصور الْبَخِيل هَاهُنَا، وَقَالَ الفرّاء: الْعَرَب تَقول للَّذي يمنعهُ خوف أَو مرض من الْوُصُول إِلَى إتْمَام حَجِّه أَو عُمْرته وكل مالم يكن مقهوراً كالحَبْس والسِّجْنِ وَأَشْبَاه ذَلِك. يُقَال فِي الْمَرَض: قد أُحْصِر، وَفِي الْحَبْس إِذْ حَبَسه سُلْطَان أَو قاهِرٌ مَانع قد حُصِر، فَهَذَا فَرْقٌ بَينهمَا، وَلَو نويْتَ بقهر السُّلْطَان أَنَّهَا عِلَّة مانِعةٌ، وَلم تذْهب إِلَى فعل الْفَاعِل جَازَ لَك أَن تَقول: قد أُحْصِر الرجلُ، وَلَو قُلْت فِي أُحْصِر من الوجَع وَالْمَرَض إِن الْمَرَض حَصَره. أَو الخَوْف(4/136)
جَازَ أَن يَقُول: حُصر، قَالَ: وَقَوله عَزَّ وَجَلٌ {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} (آل عِمرَان: 39) يُقَال: إِنَّه المُحْصَر عَن النِّسَاء لِأَنَّهَا عِلّة، وَلَيْسَ بمحبوس فعلى هَذَا فابْنِ. وأخْبَرني الْمُنْذِرِيّ عَن ابْن فَهْم عَن مُحَمَّد بن سلاّم عَن يُونُس أَنه قَالَ: إِذا رُدَّ الرجل عَن وَجه يُريدهُ فقد أُحْصِر. أَبُو عُبَيد عَن أبي عُبَيْدة: حُصِر الرجلُ فِي الحَبْس، وأُحْصِرَ فِي السّفر من مَرَضٍ أَو انْقِطَاع بِهِ. وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال: أحَصَرَهُ المرضُ إِذا مَنعه من السّفر أَو من حَاجَة يُريدُها، وحَصَرَه العدُوّ إِذا ضَيّق عَلَيْهِ فحُصِر أَي ضاقَ صدرُه، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق النحويّ: الرِّواية عَن أهل اللُّغَة أَن يُقال للَّذي يَمْنعُه الخوْف وَالْمَرَض أُحْصِر، قَالَ: وَيُقَال للمحبوس حُصِر، قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك كَذَلِك: لِأَن الرجل إِذا امْتنع من التَّصَرُّف فقد حَصَر نفْسه، فكأَن الْمَرَض أحْبَسه أَي جعله يَحْبس نَفْسَه، وقولك: حَصَرْتُه إنَّما هُوَ حَبَسْتُه لَا لأَنَّه حبَس نَفسه فَلَا يجوز فِيهِ أُحْصِر، قلت: وَقد صحَّت الرِّوَايَة عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: لاحَصْر إِلَّا حصْر الْعَدو فَجعله بِغَيْر ألف جَائِزا بِمَعْنى قَول الله جلّ وعزّ: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا ? سْتَيْسَرَ مِنَ ? لْهَدْىِ} (البَقَرَة: 196) وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَ ? فِرِينَ حَصِيرًا} (الإسرَاء: 8) . قَالَ أَبُو الْحسن الأخْفَشُ: حَصِيرا أَي مَحْبِساً ومَحْصِرا، قَالَ: وَيُقَال للْملك حَصِيرٌ لِأَنَّهُ مَحْجُوب. والحَصيرُ: الجَنْبُ. قَالَ: والحصيرُ: الْبسَاط الصَّغِير من النَّبَات. وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْهَيْثَم فِي قَول الله جلّ وعزّ: {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَ ? فِرِينَ حَصِيرًا} (الإسرَاء: 8) ، قَالَ: الحَصيرُ المَحْبِسُ: ثمَّ ذَكَرَ نَحْواً من تَفْسِير الْأَخْفَش. الحرّاني عَن ابْن السّكيت قَالَ: الحَصيرُ: المَحْبِس، وَيُقَال: رجل حَصُور وحصيرٌ إِذا كَانَ ضَيِّقاً، حَكَاهُمَا لنا أَبُو عَمْرو، قَالَ: وَيُقَال: قد حَصَرْتُ القومَ فِي مَدِينَة بِغَيْر ألف، وَقد أحْصَرهُ المرضُ أَي مَنعه من السّفر، قَالَ: والحَصُور: الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاء، وَقَالَ اللَّيْث فِي قَوْله عز وجلّ: {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَ ? فِرِينَ حَصِيرًا} (الإسرَاء: 8) يُفَسَّر على وَجْهَيْن على أَنهم يحصرون فِيهَا. قَالَ: وحَصِيرُ الأَرْض: وجْهُهَا. قَالَ: والحَصِيرُ: سَفِيفَةٌ من بَرْدِيَ أَو أَسَل. وَقَالَ القُتَيْبِيّ فِي تَفْسِير قَوْله: {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَ ? فِرِينَ حَصِيرًا} (الإسرَاء: 8) من حَصَرْتُه أَي حَبَسْتُه، فعيل بِمَعْنى فَاعل. وَقَالَ الزّجاج: حَصِيرا مَعْنَاهُ حبْساً من حَصَرتُه أَي حَبَسْتُه فَهُوَ مَحْصُور، وَهَذَا حصيرُه أَي مَحْبسه. قَالَ: والْحَصيرُ: المنسوج: سُمِّي حَصِيرا لِأَنَّهُ حُصِرَت طاقاتُه بعضُها مَعَ بعض، وَقَالَ: والْجَنبُ يُقَال لَهُ الْحَصِير، لِأَن بعض الأضلاع مَحْصورٌ مَعَ بعض. أَبُو عُبَيْد عَن أبي عَمْرو قَالَ: الحَصيرُ:(4/137)
الْجَنبُ. قَالَ: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الحَصِير: مَا بَين العِرْق الَّذِي يظْهر فِي جَنْب الْبَعِير وَالْفرس مُعْتَرضًا فَمَا فَوْقه إِلَى مُنْقَطَعِ الْجَنْب. فَهُوَ الحَصير. وَقَالَ شَمِر: الحَصيرُ: لحم مَا بَين الكَتِف إِلَى الخاصِرة. أَبُو عُبَيد عَن الْكسَائي: الحصور: النَّاقة الضّيِّقَةُ الإحليل، وَقد حَصُرت وأَحصَرَت. قَالَ: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الحِصَارُ: حَقِيبَة تُلْقى على الْبَعِير وَيرْفَع مؤخرها فَيجْعَل كآخرة الرَّحْل، ويُحْشَى مُقَدَّمُها فَيكون كقادمة الرَّحل، يُقَال مِنْهُ: قد احتَصَرْتُ الْبَعِير احتِصاراً. وَأما قَول الْهُذلِيّ: وَقَالُوا تَرَكْنا القومَ قد حَصَروا بِهِ وَلَا غَرْوَ أَن قَدْ كَانَ ثَمّ لَحِيمُ قَالَ معنى حَصَروا بِهِ أَي أَحَاطُوا بِهِ. وَقَالَ أَبُو سعيد: امرأةٌ حَصْراء أَي رَتْقَاء. وَقَالَ الزَّجاج فِي قَوْله: {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} (آل عِمرَان: 39) أَي لَا يَأْتِي النِّسَاء، وَقيل لَهُ حَصُور: لِأَنَّهُ حُصِرَ عَمَّا يكون من الرِّجَال. قَالَ: والحَصُورُ: الَّذِي لَا ينْفق على الندامى، وهم مِمَّن يُفَضِّلون الحَصور الَّذِي يكتم السرّ فِي نَفسه وَهُوَ الحَصِر، وَقَالَ جرير: وَلَقَد تَسقَّطَني الوُشَاةُ فَصَادَفُوا حَصِراً بِسِرِّك يَا أُمَيْمَ ضَنِينَا وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْعَبَّاس أَنه قَالَ: أصل الحَصْر والإحصار: المَنْعُ، قَالَ: وأَحصَرَه الْمَرَض، وحُصِر فِي الحبْس أقوى من أُحصِر، لِأَن القرآنَ جَاءَ بِهَا، قَالَ: وأحصَرْت الجَمل وحصَّرْتُه وَحَصَرْتُه: جعَلْتُ لَهُ حِصَاراً وَهُوَ كِسَاء يُجعَلُ حول سَنَامه. قَالَ: وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: أَرض مَحْصُورَةٌ وَمَنْصورة ومَضْبُوطَة أَي مَمْطُورَةٌ. وَقَالَ شَمِر: يُقَال للناقة: إِنَّهَا لَحَصِرة الشُّخْب نَشِبَةُ الدَّرِّ. والحَصَرُ: نَشَبُ الدِّرَّة فِي الْعُرُوق من خُبْثِ النَّفْس وكَرَاهَة الدِّرَّة. وَيُقَال للحِصار مِحْصَرَة للكساء حوْلَ السَّنَام. صحر: قَالَ اللَّيْث: الصَّحرَاء: الفَضَاءُ الْوَاسِع وأَصْحَرَ القومُ إِذا بَرَزُوا إِلَى فَضَاءٍ لَا يُوَارِيهم شيءٌ وَجَمعهَا الصَّحارَى والصَّحَارِي، وَلَا يجمع على الصُّحْر لِأَنَّهُ لَيْسَ بنَعْت. وحمارٌ أَصْحَرُ اللَّوْن، وَجمعه صُحْرٌ. والصُّحْرَةُ: اسْم اللَّوْنِ، والصَّحَر المَصْدَر، وَهُوَ لون غُبْرَة فِيهِ حُمْرَةٌ خفيفةٌ إِلَى بَيَاض قَلِيل، وَقَالَ ذُو الرُّمَّة: صُحْرَ السَّرَابِيل فِي أحشائِهَا قَبَبُ قَالَ: وَرجل أَصْحَرُ، وَامْرَأَة صَحْراءُ: فِي لونهما صُفْرَة. وَيُقَال للنبات إِذا أخذت فِيهِ الصُّفْرَةُ غير الْخَالِصَة قد اصحارَّ النَّبَات ثمَّ يهيجُ بَعْدُ فيَصْفَرُّ. أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: الأصْحَرُ نحوُ الأصْبَح، والأنْثَى صَحْرَاء.(4/138)
أَبُو عُبَيد عَن أبي زَيْد: لَقِيتُه صَحْرَةَ بَحْرَةَ إِذا لم يكن بَيْنَك وَبَينه شَيءٌ، وَقيل: لَمْ يُجْريا لِأَنَّهُمَا إسمان جعلا إسماً وَاحِدًا. وَقَالَ اللَّيْث: الصَّحِيرُ من صَوْت الحَمِير أشَدُّ من الصَّهيل فِي الخَيْل، يُقَال: صَحَرَ يَصْحَرُ صَحِيراً. ابْن السِّكّيت عَن أبي عَمْرو: الصَّحِيرَةُ: لَبَنٌ حليبٌ يُغْلَى، ثمَّ يُصَبُّ عَلَيْهِ السَّمنُ فَيُشْرَبُ. وَقَالَ الكِلاَبيُّ: الصَّحيرةُ: اللبَنُ الحليبُ يُسَخَّنُ، ثمَّ يُذَرُّ عَلَيْهِ الدَّقِيق ويُتَحَسَّى. وَقَالَ غَنِيَّةُ: الصَّحيرَةُ: الحَليب يَصْحَر، وَهُوَ أَن يُلْقَى فِيهِ الرَّضْفُ أَو يجعلَ فِي القِدْر فيُغْلَى بِهِ فَوْرٌ واحدٌ حَتَّى يحتَرِق. قَالَ: والاحْتِراقُ: قَبّلَ الغَلْي. وَقَالَت أُمُّ سَلَمَة لعائشةَ: سكَّنَ الله عُقَيْرَاكِ فَلَا تُصْحِريه، مَعْنَاهُ لَا تُبْرِزيه إِلَى الصَّحْراء. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الصّحْرَةُ: جَوْبَةٌ تَنْفَتِقُ بينَ جِبَال. وروى عَنهُ أَبُو عُبَيد: الصُّحْرةُ تَنْجَابُ فِي الحَرَّة تكون أَيْضا ليّنة تُطِيفُ بهَا حِجَارَة. وَقَالَ أَبُو ذَؤَيْب: أَتِيٌّ مَدَّهُ صُحَرٌ ولُوبُ وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الصَّحرَاء من الأَرْض: مِثْلُ ظهر الدَّابة الأجْرَد، لَيْسَ بهَا شَجَرٌ وَلَا إكامٌ وَلَا جبال مَلْسَاء، يُقَال صَحْرَاءُ بَيِّنَةُ الصَّحَر والصُّحْرَة. وَقَالَ شَمِر: يُقَال: أصْحَر المكانُ أَي اتَّسَع، وأصحَرَ الرجلُ: نَزَلَ الصَّحْرَاء. وَفِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كُفِّنَ فِي ثَوْبَيْنِ صُحَارِيِّيْن. صرح: أَبُو الْهَيْثَم عَن نُصَيْر: يُقَال للناقة الَّتِي لَا تُرَغِّي أَي لَا يكون للبنها رغْوَةٌ مِصْرَاحٌ يَشْفَتِرُّ شُخْبُهَا وَلَا يُرَغِّى أبدا. أَبُو عُبَيْد: الصَّرْحُ: كلّ بِنَاء عَال مُرْتَفع، وَجمعه صُرُوحٌ. وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب: تَحْسِبُ آرامَهُنَّ الصُّرُوحا وَقَالَ الزَّجّاج فِي قَوْله جلّ وعزّ: {كَ ? فِرِينَ قِيلَ لَهَا ? دْخُلِى ? لصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ} (النَّمل: 44) قَالَ: الصَّرْحُ فِي اللُّغَة: القَصْرُ، والصَّحْنُ، يُقَال: هَذِه صَرْحَةُ الدَّار وقارِعَتُها أَي ساحَتُها. وَقَالَ بعض المفسّرين: الصَّرْحُ: بلاط اتُّخِذَ لَهَا من قَوَارِيرَ. وَقَالَ اللَّيْث: الصَّرْحُ: بَيت وَاحِد يُبْنَى مُنْفَرِداً ضَخْماً طَويلا فِي السَّمَاء وَجمعه صُرُوح. قَالَ: والصَّريحُ: المَحْضُ الخالِصُ من كل شَيْء، وَيُقَال للّبن والبَوْل صَريح إِذا لم يكن فِيهِ رُغوة. وَقَالَ أَبُو النَّجم: يَسُوفُ من أَبْوَالِها الصَّرِيحَا قَالَ: والصَّرِيح من الرِّجال وَالْخَيْل: المحضُ، ويجمعُ الرجالُ على الصُّرَحاء وَالْخَيْل على الصَّرَائح. قُلْتُ: والصَّرِيح: فَحْلٌ من خَيل الْعَرَب مَعْرُوف، وَمِنْه قَول طُفَيْل: عَناجِيجُ من آلِ الصّريح وأَعْوَجٍ مَغَاوِيرُ فِيها للأرِيبِ مُعَقِّب وصَرِيحُ النُّصْحِ: مَحْضُه.(4/139)
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: صَرَحَ الشيءَ وصَرّحَه وأَصْرَحَه إِذا بَيَّنَهُ وأَظْهَرَه، وَقَالَ الهُذَلي: وكَرّمَ مَاء صَرِيحاً أَي خَالِصا، وَأَرَادَ بالتكريم التكثير، وَهِي لُغَة هُذَلِيَّة. وَيُقَال: صَرّحَ فلَان مَا فِي نَفسه تَصْريحا إِذا أَبْدَاه، وصَرّحَتِ الخمرُ تَصْريحاً إِذا ذهب مِنْهَا الزّبَدُ وَقَالَ الْأَعْشَى: كُمَيْتاً تكَشَّفُ عَن حُمْرَةٍ إِذا صَرّحَتْ بَعْدَ إزبَادِهَا وَيُقَال: جَاءَ بالكُفْر صُرَاحاً أَي جِهَاراً قلت: كَأَنَّهُ أَرَادَ صَرِيحاً. أَبُو عُبَيْد عَن الفرّاء: لَقِيتُه مُصارحَةً ومُقَارَحَةً، وصِرَاحاً وكِفَاحاً بِمَعْنى وَاحِد، وَذَلِكَ إِذا لَقِيتُه مُوَاجَهَةً. وَيُقَال: صَرّحَتِ السنَةُ إِذا ظهَرَتْ جُدُوبَتُها، وَقَالَ سَلامةُ بن جَنْدل: قومٌ إِذا صَرّحَتْ كَحْلٌ بُيُوتَهُم مَأْوَى الضُّيُوفِ ومأْوى كلِّ قُرْضُوب وَمن أَمْثَال الْعَرَب: صَرّحَتْ بِجِدّانٍ وجِلْدَانٍ إِذا أَبْدَى الرجُلُ أَقْصَى مَا يُرِيدُه. والصَّرِيحُ: الخالِصُ، والصَّرَحُ مِثْلُه. وَأنْشد ابْن السِّكّيت قولَه: تعلو السيوفُ بأَيْدِيهم جَمَاجِمَهُم كَمَا يُفَلَّق مَرْوُ الأمْعَزِ القَرَح ويومٌ مصرِّحٌ: لَا سَحَاب فِيهِ وَلَا رِيح، وَقَالَ الطِّرِمَّاحُ: إِذا امْتَلَّ يهوِي قلتَ ظِلُّ طَخَاءَة ذرا الرِّيحُ فِي أعقاب يَوْم مُصَرِّحِ أَي ذراه الرّيح فِي يَوْم مُصْحٍ. اللَّيْث: خَمْرٌ صُرَاح وصُرَاحِيَةٌ، وكأسُ صُرَاح: غير ممزوجة، وَجَاء بالْكفْر صُراحاً أَي خَالِصا جهاراً. شمر عَن ابْن شُمَيْل: الصَّرْحَةُ من الأَرْض: مَا اسْتَوَى وَظهر، يُقَال: هم فِي صَرْحَةِ المِرْبَدِ، وصرْحَةِ الدَّار، وَهُوَ مَا اسْتَوَى وَظهر، وَإِن لم يظْهر فَهُوَ صرحة بعد أَن يكون مُسْتَوِياً حَسَناً. قَالَ: وَهِي الصَّحرَاء فِيمَا زعم أَبُو أَسْلَم، وَأنْشد: كَأَنَّهَا حِين فاض الماءُ واخْتَلَفَتْ فَتْخَاءُ لاحَ لَهَا بالصرْحة الذّيبُ حرص: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: الحَرْصَةُ والشَّقْفَة والرَّعْلَةُ والسَّلعَة: الشَّجَّةُ. اللَّيْث: حَرَصَ يحْرِصُ حِرْصاً، وَقَول الْعَرَب: حَرِيصٌ عَلَيْك مَعْنَاهُ حَرِيصٌ على نفعك. وَقوم حُرَصاء وحِرَاصٌ. قلت: اللُّغَة الْعَالِيَة حَرَصَ يحرِص، وأمَّا حَرِصَ يَحْرَص فلغة رَدِيئَة والقراء مجمعون على: {: ُ: ِوَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} (يُوسُف: 103) . وَقَالَ اللَّيْث: الْحَرْصةُ مِثل العَرْصة إِلَّا أَن الحَرْصة مُستقَر وسط كل شَيْء، والعَرْصةُ: الدَّار، قلت: لم أسمع حَرْصة بِمَعْنى العَرصة لغير اللَّيْث: وَأما الصرحةُ فمعروفة. أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي وَغَيره قَالَ: أول الشِّجَاج الحارصة، وَهِي الَّتِي تحرِصُ الْجلد أَي تَشُقّه قَلِيلا، وَمِنْه قيل: حَرَصَ(4/140)
القَصّارُ الثوبَ إِذا شَقَّه، وَقد يُقَال لَهَا: الحَرْصةُ. وَقَالَ ابْن السّكيت: قَالَ الْأَصْمَعِي: الحريصةُ: سَحَابَة تَقْشِر وَجه الأَرْض وتُؤثر فِيهِ من شدَّة وَقْعها وَنَحْو ذَلِك روى أَبُو عُبَيد عَنهُ، وأصل الحَرْصُ: القشر، وَبِه سُمِّيَت الشَّجّة حارِصة، وَقيل للشرِه حَرِيص، لِأَنَّهُ يَقْشِر بحرصه وَجُوه النَّاس يسألهم. والحِرْصِيانُ فِعْليَانٌ من الحَرْصِ وَهُوَ القَشْرُ. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: يُقَال لباطن جِلْدِ الْفِيل حِرْصيان، وَقيل فِي قَول الله جلّ وعزّ: {خَلْقٍ فِى ظُلُمَ ? تٍ} (الزُّمَر: 6) هِيَ الحِرْصيان والغِرْس والبطن، قَالَ: والحِرْصِيان: بَاطِن جلد الْبَطن، والغِرْسُ: مَا يكون فِيهِ الْوَلَد. وَقَالَ فِي قَول الطرمَّاح: وَقد ضُمِّرتْ حَتَّى انْطَوَى ذُو ثَلاثِها إِلَى أَبْهَرَي دَرْمَاء شَعْبِ السَّنَاسِن قَالَ: ذُو ثلاثها أَرَادَ الحِرْصِيان والغِرْسَ والبَطن. وَقَالَ ابْن السّكيت: الحرصِيَانُ: جِلدةٌ حمراءُ بَين الْجلد الْأَعْلَى وَاللَّحم تُقْشَرُ بعد السَّلْخ، وَالْجمع الحِرْصِيَانَات، وَذُو ثَلاَثها عَنَى بِهِ بَطنهَا، والثلاثُ: الحِرْصِيانُ، والرَّحِم، والسابِيَاءُ. قلت: الحرصِيان فِعْلِيَانٌ من الْحَرْصِ، وعَلى مِثَاله حِذْريان وصِلِّيَان. رصح: أهمله اللَّيْث. وروى ابْن الْفرج عَن أبي سعيد الضَّريرِ أَنه قَالَ: الأرْصَح والأرصَعُ والأزَلُّ. وَاحِد. قَالَ: وَقَالَ ذَلِك أَبُو عَمْرو، وَيُقَال: الرَّصَعُ: قُرْبُ مَا بَين الوَرِكَيْن، وَكَذَلِكَ الرَّصَح والرَّسَحُ والزَّللُ. ح ص ل حصل، لحص، صلح، صَحِلَ: مستعملة. حصل: قَالَ اللَّيْث: تَقول: حَصَلَ الشيءُ يحصلُ حُصولاً، قَالَ: والحاصِل من كل شيءٍ: مَا بَقِي وثبَتَ وَذهب مَا سواهُ يكون من الْحساب والأعمال ونحوِها. والتحصيل: تَمْيِيز مَا يَحصُل، وَالِاسْم الحَصِيلَةُ. وَقَالَ لبيد: وكل امرىءٍ يَوْماً سَيُعْلم سَعْيُه إِذا حُصِّلت عِنْد الْإِلَه الحصائِلُ وَقَالَ الفرّاء فِي قَوْله تَعَالَى: {? لْقُبُورِ وَحُصِّلَ مَا فِى ? لصُّدُورِ} (العَاديَات: 10) أَي بُيِّن. وَقَالَ غَيره: مُيِّزَ. وَقَالَ بَعضهم: جُمِعَ. اللَّيْث: الحَوْصَلة: حَوْصَلَة الطَّائر، وَيُقَال للشاة الَّتِي عَظُم من بَطنهَا مَا فَوق سُرَّتها حَوْصلٌ وَأنْشد: أَو ذَات أَوْنَيْن لَهَا حَوْصلُ قَالَ: والطائر إِذا ثَنَى عُنُقه وَأخرج حَوْصَلَته يُقَال: قد احوَنْصَل. وَقَالَ أَبُو النَّجم: وأصبَح: الروضُ لَوِيّاً حَوْصَلهُ وحَوْصلُ الرَّوْض: قَرَارُه، وَهُوَ أبطؤها هَيْجاً، وَبِه سُمِّيت حوصلةُ الطَّائِر، لِأَنَّهَا قَرَار مَا يَأْكُلهُ.(4/141)
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: زَاوِرةُ القَطَاة: مَا تحمل فِيهِ المَاء لفراخها، وَهِي حَوْصَلتها، قَالَ: والغَرَاغِرُ: الحَوَاصِلُ، وَيُقَال: حَوْصلَة وحَوْصلَّة وحَوْصِلاء مَمْدُود بِمَعْنى وَاحِد. أَبُو زيد: الحَوْصلَّةُ للطير بِمَنْزِلَة الْمعدة للإسنان، وَهِي المصارين لِذي الظِّلْفِ والخُفِّ، والقانصةُ من الطير تُدْعَى الْجِرِّيئَةُ مَهْمُوزَة على فِعِّيلَة. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: من أدواء الْخَيل: الحَصَلُ والقَصَلُ، قَالَ: والحَصَلُ: سَفُّ الفرسِ التُّرابَ من البَقْل فيجتمِعُ مِنْهُ ترابٌ فِي بَطْنه فيقتله، قَالَ: فَإِن قَتَله الحصَلُ قيل: إِنَّه لَحَصِلٌ. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الحَصلُ فِي أَوْلَاد الْإِبِل: أَن تَأْكُل التُّرَاب، وَلَا تُخرِجَ الجِرَّة وَرُبمَا قتَلها ذَلِك. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: وَفِي الطَّعَام مُرَيْرَاؤه وحَصَلُه وغَفَاه وفَغَاهُ وحُثَالتُه وحُفالتُه بِمَعْنى وَاحِد. قَالَ: وحصَّلَ النّخل إِذا اسْتَدَارَ بلَحُه. وَقَالَ غَيره: أحصل القومُ فهم مُحْصِلون إِذا حصَّلَ نخْلُهم: وَذَلِكَ إِذا استبان البُسْرُ وتدحْرَج. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الْحَاصِل: مَا خَلَصَ من الفِضَّة من حِجَارَة المَعْدِن، وَيُقَال للَّذي يُخَلِّصه مُحَصِّل، وَأنْشد: أَلاَ رَجُلٌ جَزَاهُ الله خيرا يَدُلُّ عَلَى مُحَصِّلةٍ تُبِيتُ أَي تُبِيتُني عِنْدهَا لأُجَامِعها صَحِلَ: قَالَ اللَّيْث: الصّحَل. صَوتٌ فِيهِ بُحَّة، يُقَال: صَحِلَ صوتُه صَحَلاً فَهُوَ صَحِلُ الصَّوْت. وَفِي صفة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين وصَفَتْه بهَا أُمُّ مَعْبَد: (وَفِي صوتِه صَحَلٌ) أَرَادَت أنَّ فِيهِ كالبُحّة، وَهُوَ ألاّ يكون حادّاً. وَقَالَ ابْن شُمَيل: الأصْحَل: دون الأبَحّ، إِنَّمَا الصَّحَل: جُشوءٌ فِي الصَّوْت إِذا لم يكن صافياً وَلَيْسَ بالشديد، وَلكنه حَسَنٌ، يُوصف بِهِ الظِّباء، وَأنْشد: إِن لَهَا لَسَائقاً إِن صَحَّا لَا صَحِلَ الصوتِ وَلَا أَبَحّا إِذا السُّقَاةُ عَرَّدُوا أَلَحَّا صلح: اللَّيْث: الصُّلْح: تَصالُح الْقَوْم بَينهم، والصَّلاَح: نقيض الْفساد، والإصلاح: نقيض الْإِفْسَاد، ورجُلٌ صَالح: مُصلحٌ، والصالح فِي نَفسه، والمصلح فِي أَعماله وأُموره، وَتقول: أصلحتُ إِلَى الدَّابَّة إِذا أحسنتَ إِلَيْهَا. والصِّلْحُ: نهر بمَيْسان. وَيُقَال: صلَح فلانٌ صُلُوحاً وصَلاحاً، وَأنْشد أَبُو زيد: فكيفَ بأطرافي إِذا ماشَتَمْتَني وَمَا بعد شَتْم الْوَالِدين صُلُوح والصِّلاَح بِمَعْنى الْمُصَالحَة، وَالْعرب تؤنِّثها، وَمِنْه قَول بِشْر بن أبي خازم: يَسُومون الصِّلاح بذاتِ كَهْفٍ وَمَا فِيهَا لَهُم سَلَعٌ وَقَارُ وَقَوله: وَمَا فِيهَا أَي فِي الْمُصَالحَة وَلذَلِك أنّث الصِّلاَح.(4/142)
وصَلاَحِ: اسْم لِمَكَّة على فَعَالِ. والمصْلَحَةُ: الصَّلاَح. وتصالح الْقَوْم واصّالحوا واصطلحوا بِمَعْنى وَاحِد. لحص: قَالَ اللَّيْث: اللَّحْص والتَّلْحِيص: استقصاءُ خبر الشَّيْء وَبَيَانه، تَقول: قد لحص لي فلَان خبرَك وأمرَك إِذا بيّن ذَلِك كُله شَيْئا بعد شَيْء، وَكتب بعض الفصحاء إِلَى بعض إخوانه كتابا فِي بعض الْوَصْف فَقَالَ: وَقد كتبت كتابي هَذَا إِلَيْك وَقد حَصَّلتُه ولَحّصْتُه وفَصَّلته ووصّلْتُه وَبَعض يَقُول: لَخَّصتُه بِالْخَاءِ. وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ أَنه سَأَلَ أَبَا الْهَيْثَم عَن قَول أُمَيَّة بن أبي عَائِذ الهُذَليّ: قد كنتُ ولاَّجاً خُرُوجًا صَيْرَفا لم تَلْتَحِصْنِي حَيْصَ بَيْصَ لحَاص فَقَالَ: لحَاص أخرجه مُخْرَجَ قَطَام وحَذَامِ، قَالَ وَقَوله: لم تَلْتَحِصْنِي أَي لم تُثَبِّطْنِي. يُقَال: لحصتُ فلَانا عَن كَذَا، والْتَحصْتُه أَي حَبَسْتُه وثَبَّطْتُه. قَالَ: وَأَخْبرنِي الحرّاني عَن ابْن السّكيت فِي قَوْله: لم تَلْتَحِصْني أَي لم أَنْشَب فِيهَا. ولَحَاصِ فَعَال مِنْهُ. غَيره: لَحِصَتْ عينُه والْتَحَصَتْ إِذا الْتَزَقَت من الرَّمَص. وَقَالَ اللِّحياني: الْتَحَصَ فُلانٌ البيضَةَ إِذا تَحَسَّاها، والتحصَ الذئبُ عينَ الشَّاة، والْتَحَصَ بيضَ النَّعَام إِذا شَرِبَ مَا فِيهَا من المحِّ والبياضِ. ح ص ن حصن، حنص، صحن، نحص، نصح: مستعملة. حصن: قَالَ اللَّيْث: الحِصْنُ: كل مَوضِع حَصِين لَا يُوصَلُ إِلَى مَا فِي جَوْفه، تَقول: حَصُنَ يَحْصُن حَصَانَة، وحَصَّنَه صاحِبُه وأَحْصَنُه، والدِّرْعُ الحَصِينَةُ: المُحْكَمَةُ، وَقَالَ الْأَعْشَى: وكل دِلاصٍ كالأضَاةِ حَصِينَةٍ ترى فَضلهَا عَن رَيْعها يَتَذَبْذَبُ قَالَ شمر: الحَصينَة من الدُّرُوعِ: الأمِينَةُ المُتَدَانِيَةُ الحَلَق الَّتِي لَا يَحِيكُ فِيهَا السِّلَاح. وَقَالَ عنْتَرَةُ العبسيَّ. فَلَقَّى أَلَّتي بَدَناً حصيناً وَعَطْعَطَ مَا أَعَدَّ من السِّهَام وَقَالَ الله جلّ وعزّ فِي قصَّة دَاوُد: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِّن بَأْسِكُمْ} (الأنبيَاء: 80) ، قَالَ الفرّاء: قرىء (ليُحْصِنَكم) وَ (لتُحْصِنَكم) و (لنُحْصِنَكُم) ، فَمن قَرَأَ (ليُحْصِنَكُم) فالتذكير لِلَّبُوسِ، وَمن قَرَأَ (لتُحْصِنَكُم) ذهب إِلَى الصّنْعَة، وَإِن شئْتَ جعلتَه للدِّرْع لِأَنَّهَا هِيَ اللَّبُوس وَهِي مُؤَنَّثَة، وَمعنى (ليُحْصِنَكُم) لِيَمْنَعكُم ويُحْرِزَكُم، وَمن قَرَأَ (لنُحْصِنَكُم) بالنُّون فَمَعْنَاه (لنُحصِنَكم) نَحن والفِعْل لله عزّ وجلّ. وَقَالَ اللَّيْث: الحِصَانُ: الفَحْلُ من الخَيلِ وَجمعه حُصُن. وتَحَصَّن إِذا تكلَّف ذَلِك. أَبُو عُبَيد عَن الْكسَائي: فرس حِصَانٌ بيَّن التَّحَصَّن، وامرأَةٌ حَصَانٌ بِفَتْح الْحَاء بَيِّنَةُ الحَصَانَةِ والحُصْنِ.(4/143)
وَقَالَ شمر: امْرَأَة حَصَانٌ وحاصِنٌ وَهِي العَفيفَةُ، وَأنْشد: وحاصِنٍ من حاصِنَاتٍ مُلْسِ من الْأَذَى ومِنْ قِرَافِ الوَقْسِ الوَقْسُ: الجَرب. مُلْسٌ: لاعيب بِهن. وَقَالَ اللَّيْث: حَصُنَت المرأةُ تَحْصُن إِذا عَفَّت عَن الرِّيبَةِ فَهِيَ حَصَانٌ، قَالَ: والمُحْصَنَةُ: الَّتِي أحْصنهَا زَوجها، وَهِي الْمُحْصنَات، فَالْمَعْنى أَنَّهُنَّ أُحْصِنّ بأزواجهن. وَأَخْبرنِي الْإِيَادِي عَن شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي وَالْمُنْذِرِي عَن ثَعْلَب عَنهُ أَنه قَالَ: كَلَام الْعَرَب كُله على أفْعَلَ فَهُوَ مُفْعِل إِلَّا ثَلَاثَة أحرف أحْصَن فَهُوَ مُحْصَنٌ، وألْفَجَ فَهُوَ مُلْفَج، وأسْهَبَ فَهُوَ مُسْهَب. وَقَالَ أَبُو عُبَيد: أجمع الْقُرَّاء: على نَصْبِ الصَّاد فِي الْحَرْف الأول من النِّسَاء فَلم يَخْتَلِفُوا فِي فتح هَذِه، لِأَن تَأْوِيلهَا ذواتُ الْأزْوَاج يُسْبَيْن فيُحِلُّهُنَّ السِّبَاءُ لمنْ وَطئهَا من المالِكين لَهَا، وتنقطع العِصْمَة بَينهُنَّ وَبَين أَزوَاجهنَّ بِأَن يَحِضْن حَيْضَة ويَطْهُرن مِنْهَا، فَأَما مَا سِوَى الْحَرْف الأول فالقُرّاء مُخْتَلفُونَ، فَمنهمْ من يكسر الصَّاد، وَمِنْهُم من يفتحها، فَمن نصب ذهب إِلَى ذَوَات الْأزْوَاج، وَمن كسر ذهب إِلَى أَنَّهُنَّ أسلَمْن فأَحْصَنَّ أنْفُسَهن فهن مُحْصِنَات. قلت: وَأما قَول الله جلّ وعزّ: {فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَ ? حِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ? لْمُحْصَنَ ? تِ مِنَ ? لْعَذَابِ} (النِّساء: 25) فَإِن ابْن مَسْعُود قَرَأَ: (فَإِذا أحْصَنَّ) وَقَالَ: إحْصَانُ الأَمَةِ: إسْلامُها، وَكَانَ ابْن عَبَّاس يقْرؤهَا {فَإِذَآ أُحْصِنَّ} (النِّساء: 25) على مَا لم يُسَمّ فَاعله. ويفسره فَإِذا أُحْصِنّ بِزَوْج، وَكَانَ لَا يَرَى على الأَمَةِ حَدّاً مَا لم تتَزَوَّج، وَكَانَ ابْن مَسْعُود يرى عَلَيْهَا نِصْفَ حَدِّ الحُرَّة إِذا أسلمت وَإِن لم تُزَوّج وبِقَوْله يَقُول فُقَهاءُ الأمْصَارِ، وَهُوَ الصَّوَاب، وَقَرَأَ ابْن كثير وَنَافِع وَأَبُو عَمْرو وَعبد الله بن عَامر وَيَعْقُوب فَإِذا أُحْصِنّ بضمّ الْألف، وَقَرَأَ حَفْصٌ عَن عَاصِم مثلَه، وَأما أَبُو بكر عَن عَاصِم فقد فتح الْألف وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ (فَإِذا أحْصنَّ) بفَتْح الْألف. وَقَالَ شمر: أَصْلُ الحَصانَة المَنْعُ، وَلذَلِك قيل: مَدِينةٌ حَصِينَةٌ، ودِرْعٌ حَصينَةٌ، وَأنْشد يُونُس: زَوْجُ حَصَانٍ حُصْنُها لم يُعْقَم وَقَالَ: حُصْنُها: تَحْصِينُها نفسَها. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: حَصَنَتِ المرأةُ نفسَها، وامرأةٌ حَصَانٌ وَحَاصِنٌ. سَلَمَةُ عَن الفرّاء فِي قَوْله: {وَ ? لْمُحْصَنَ ? تُ مِنَ ? لنِّسَآءِ} (النِّساء: 24) . قَالَ: المُحْصَنَاتُ: العَفَائِفُ من النِّسَاء، المُحْصنات: ذَوَات الأزْوَاج اللَّاتِي قد أَحْصَنَهُن أَزْوَاجُهُنّ. قَالَ: والمُحْصَنَات بِنَصْبِ الصَّادِ أكثرُ فِي كَلَام العَرَب. وَقَالَ الزّجاج فِي قَوْله: {مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَ ? فِحِينَ} (النِّساء: 24) . قَالَ: مُتَزَوِّجِينَ غَيْرَ زُنَاة.(4/144)
قَالَ: والإِحْصَانُ: إحْصَانُ الفَرْج وَهُوَ إعْفَافُه، وَمِنْه قَوْله: {أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} (الأنبيَاء: 91) أَي أعَفَّتْه، قلت: والأمَةُ إِذا زُوِّجَت جَازَ أَن يُقَال: قد أُحْصِنَتْ لِأَن تَزْويجها قد أَحْصَنَها وَكَذَلِكَ إِذا أُعْتِقَت فَهِيَ مُحْصَنَة لِأَن عِتْقَها قد أَعَفَّها، وَكَذَلِكَ إِذا أَسْلَمَت فَإِن إسْلاَمَها إِحْصَانٌ لَهَا. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: المِحْصَن: القُفْلُ. وخَيْلُ الْعَرَب: حُصُونُها، وهم إِلَى الْيَوْم يُسَمُّونَها حُصُوناً ذُكُورَها وإنَاثَها. وسُئِل بعضُ الحُكّام عَن رَجُل جَعَل مَالاً لَهُ فِي الحُصُون، فَقَالَ: اشْتَروا خَيْلاً واحْمِلُوا عَلَيْهَا فِي سَبِيل الله ذَهَب إِلَى قَولِ الجُعْفِيّ: وَلَقَد عَلِمْتُ عَلَى تَوَقِّيَّ الرَّدَى أَنَّ الحُصُونَ الخَيْلُ لَا مَدَرُ القُرَى وَالْعرب تسمي السِّلَاح كُلَّه حِصْنا، وَجعل سَاعِدَةُ الهُذَلِيُّ النِّصالَ أَحْصِنَةً فَقَالَ: وأَحْصِنَةٌ ثُجْرُ الظُّبَاتِ كأنَّها إِذا لم يُغَيِّبْها الجَفِيرُ جَحِيمُ الثُّجْرُ: العِرَاض، ويروى: وأَحْصَنَه ثُجْرُ الظُّبَاتِ أَي أَحْرَزَهُ. صحن: قَالَ اللَّيْث: الصَّحْنُ: سَاحَةُ وَسَطِ الدَّار، وساحة وسَط الفَلاة وَنَحْوهَا من متون الأَرْض وسَعَة بُطُونِها، وَأنْشد: ومَهْمَهٍ أَغْبَر ذِي صُحُونِ وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الصَّحْنُ: المُسْتَوِي من الأرضِ. وَقَالَ ابْن شُمَيل: الصَّحْن: صَحْن الوَادِي، وَهُوَ سَنَده، وَفِيه شَيْء من إشْرافٍ عَن الأرضِ يُشْرِفُ الأولَ فالأوَّلَ كَأَنَّهُ مُسْنَدٌ إِسْنَادًا، وصَحْنُ الجَبَل، وصَحْنُ الأكمة مثله، وصُحُونُ الأرضِ: دُفُوفُها وَهُوَ مُنْجَرِدٌ يَسِيلُ وَإِن لم يكن مُنْجَرداً فَلَيْسَ بِصَحْن، وَإِن كَانَ فِيهِ شَجَرٌ فَلَيْسَ بِصَحْنٍ حَتَّى يَسْتَوِي. قَالَ: والأرضُ المُسْتَوِيَةُ أَيْضا مِثلُ عَرْصَة المِرْبَد صَحْنٌ. وَقَالَ الفرّاء الصَّحْنُ والصَّرْحَةُ: ساحة الدَّار وأَوْسَعُها. عَمْرو عَن أَبِيه: الصَّحْنُ: العَطِيَّةُ، يُقَال: صَحَنَه دِينَارا أَي أَعْطاهُ. وَقَالَ أَبُو زيد: خَرَجَ فلَان يَتَصَحَّن الناسَ أَي يسأَلُهُم. وَقَالَ أَبُو عَمرو: الصَّحْنُ: الضَّرْبُ، يُقَال: صَحَنَه عِشرين سَوْطاً أَي ضَرَبه. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: أَوَّلُ الأقداحِ الغُمَرُ، وَهُوَ الَّذِي لَا يُرْوِي الْوَاحِد، ثمَّ القَعْب يُرْوِي الرَّجلَ، ثمَّ العُسُّ، ثمَّ الرِّفْد، ثمَّ الصَّحْنُ، ثمَّ التِّبْنُ، ونحوَ ذَلِك قَالَ أَبُو زَيْد فِيمَا رَوَى عَنهُ أَبُو عُبَيد. وَقَالَ اللَّيْث: يُقَالُ للسَّائِلِ: هُوَ يتصحَّن الناسَ إِذا سَأَلَهُمْ فِي قَصْعَةٍ ونَحْوها. قَالَ: والصِّحْنَاةُ بِوَزْن فِعْلاة إِذا ذَهَبَت عَنْهَا الْهَاء دَخلهَا التَّنْوِين وَتجمع على الصِّحْنَى بطرح الْهَاء. وَقَالَ ابْن هانىء: سمعتُ أَبَا زَيْد يَقُول: الصِّحْنَاةُ: فارِسيَّة وتسميها الْعَرَب: الصِّيْر، قَالَ: وَسَأَلَ رجل الحَسَنَ عَن(4/145)
الصِّحْنَاة؟ فَقَالَ وَهل يَأْكُل الْمُسلمُونَ الصِّحْنَاة قَالَ: وَلم يعرفهَا الحَسَنُ، لِأَنَّهَا فارِسِيَّة، وَلَو سَأَلَهُ عَن الصِّيرِ لأجابَه. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدة فِي كتاب (الْخَيل) : صَحْنا الأذُنَيْن من الفَرَس: مُسْتَقَرُّ داخِل الأذُنَيْن، قَالَ: والصَّحْنُ: جَوْفُ الْحَافِر، والجميع أَصْحَانٌ. وَقَالَ الأصْمَعي: الصَّحْنُ: الرَّمْح، يُقَال: صَحَنَه برجْله إِذا رَمَحَه بهَا، وَأنْشد قولَه يصف عَيْراً وأَتَانه: قوداءُ لَا تَضَغْن أَو ضَغُونُ مُلِحَّةٌ لنَحْرِه صَحُونُ يَقُول: كُلَّما دَنَا الحِمَارُ مِنْهَا صَحَنَتْه أَي رَمَحَتْه. نصح: قَالَ اللَّيْث: فلانٌ ناصِحُ الجَيْبِ مَعْنَاهُ ناصِحُ القلبِ لَيْسَ فِيهِ غِشٌّ. قَالَ: وَيُقَال: نَصَحْتُ فلَانا ونَصَحْتُ لَهُ نُصْحاً ونَصِيحةً، وإنّ فلَانا لَنَاصِحُ الجيْب، مثل قَوْلهم: طَاهِر الثِّيَاب. يُرِيدُونَ بِهِ نَاصح الصَّدْر. وَقَالَ اللَّيْث: النِّصاحَةُ: السُّلُوكُ الَّتِي يُخَاطُ بهَا، وتصغيرها نُصَيِّحَةٌ، وقميص منصوح أَي مَخِيط. أَبُو عُبَيد عَن أبي عَمرو قَالَ: النِّصَاحات الجُلُودُ، وَقَالَ فِيهِ الأعْشى: فَتَرَى القومَ نَشَاوَى كُلَّهُم مِثْلَما مُدَّتْ نِصَاحَاتُ الرُّبَحْ والرُّبَحُ، قَالَ بَعضهم: أَرَادَ بِهِ الرُّبَع. وَقَالَ المؤرّج: النِّصَاحَاتُ: حِبَال يُجْعَل لَهَا حَلَق وتنصب للقُرُودِ إِذا أَرَادوا صيدها، يَعْمِد رجل فَيجْعَل عِدَّةَ حِبَالٍ، ثمَّ يَأْخُذ قِرْداً فَيَجْعَلهُ فِي حَبل مِنْهَا، والقرود تنظر إِلَيْهِ من فَوق الْجَبَل، ثمَّ يَتَنَحّى الحابِلُ فتنزل القرودُ فَتدخل فِي تِلْكَ الحبال، وَهُوَ ينظر إِلَيْهَا من حَيْثُ لَا ترَاهُ، ثمَّ ينزل إِلَيْهَا فَيَأْخُذ مَا نشب فِي الحبال، وَهُوَ قَول الْأَعْشَى: مِثْلَما مُدَّت نِصَاحَاتُ الرُّبَحْ قَالَت: والرُّبَحُ: القُرُودُ، وأَصْلُه الرُّباحُ. أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي وَأبي زيد: نصَحْتُ القيمصَ أَنْصَحُه نَصْحاً إِذا خِطْتَه، قَالَ: والنِّصَاحُ: الخَيْطُ، وَبِه سُمِّي الرَّجُلُ نِصَاحاً. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: المُتَنَصَّحُ: المُخَيَّطُ وَقَالَ ابْن مقبل: غَدَاةَ الشَّمال الشُّمْرُخُ المُتَنَصَّحُ وروى عَن أَكْثَم بن صَيْفي أَنه قَالَ: (إيَّاكُمْ وَكَثْرَة التنصح فَإِنَّهُ يُورِثُ التُّهمَة. وَقَالَ الفَرَّاءُ فِي قَول الله جلّ وعزّ: {? للَّهِ تَوْبَةً} (التّحْريم: 8) قَرَأَهَا أَهْلُ الْمَدِينَة بِفَتْح النُّون. وَذكر عَن عَاصِم (نُصُوحاً) بِضَم النُّون. قَالَ الفرَّاء: وَكَانَ الَّذين قرأوا (نُصُوحاً) أَرَادوا الْمصدر مثل القُعود، وَالَّذين قرأوا (نَصُوحاً) جَعَلُوهُ من صفة التَّوْبَة، وَالْمعْنَى أَن يُحَدِّثَ نَفسه إِذا تَابَ من ذَلِك الذَّنب ألاَّ يعود إِلَيْهِ أبدا. وسُئِل أَبُو عَمْرو عَن نُصوحاً فَقَالَ: لَا أعرفهُ. قَالَ الفرّاء: قَالَ المُفَضَّل: بَات عَذُوباً(4/146)
وعُذوباً، وعَرُوساً وعُرُوساً. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: تَوْبَةٌ نَصُوحٌ: بالِغَةٌ فِي النُّصْح. قَالَ: وَمن قَرَأَ نُصُوحاً فَمَعْنَاه يَنْصَحُون فِيهَا نُصُوحاً. وَقَالَ غَيره: النَّاصِحُ: الخالِصُ، وَقَالَ الهُذَلِيُّ: فأَزَالَ نَاصِحَها بأَبْيض مُفْرَطٍ من مَاء أَلْخَابٍ عَلَيْهِ التَّأْلَبُ يصف رجلا مَزَجَ عسلا صافياً بِمَاء حَتَّى تَفَرَّقَ فِيهِ. وَقَالَ أَبُو زيد: نَصَحْتُه أَي صَدَقْتُه، وتَوْبَةٌ نَصُوحٌ: صادِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: النَّاصِحُ: النَّاصِعُ فِي بَيت سَاعِدَة الهُذَلِيّ، حَكَاهُ أَبُو تُرَاب، قَالَ: وَقَالَ النَّضْرُ: أَرَادَ أنَّه فرّق بَين خالصها ورديئها بأبيض مُفْرَط أَي بِمَاء غَدِير مَمْلُوء. أَبُو عُبَيد عَن الأصْمَعي: إِذا شَرِبَ حَتَّى يَرْوَى قَالَ: نَصَحْتُ الرِّيّ بالصَّاد وبَضَعْتُ ونَقَعْتُ مثله. وَيُقَال: إِن فِي ثَوْبك مُتَنَصَّحاً أَي مَوضعَ خِياطة وَإِصْلَاح، كَمَا يُقَال: إِن فِيهِ مُتَرَقَّعاً. وَقَالَ النَّضر: نَصَح الغيْثُ الْبِلَاد نَصْحاً إِذا اتَّصل نَبْتُها فَلم يكن فِيهِ فضاءٌ وَلَا خَلَلٌ، وَقَالَ غَيره: نَصَح الغيثُ البلادَ ونصَرَها بِمَعْنى وَاحِد. وَقَالَ أَبُو زيد: الأرضُ المنصوحةُ هِيَ المَجُودَةُ نُصِحت نَصحاً. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال للإِبْرَة: المنْصَحَة فَإِذا غَلُظَت فَهِيَ الشَّغِيزَةُ. وَيُقَال: انْتَصَحْتُ فلَانا وَهُوَ ضد اغْتَشَشْته وَمِنْه قَوْله: أَلا رُبّ من تَغْتَشُّه لَك ناصحٌ ومُنتَصِحٍ بادٍ عَلَيْك غَوائلُهْ تَغْتَشُّه: تعُدُّه غاشًّا لَك، وتَنْتَصِحُه: تعدُّه ناصحاً لَك. وَيُقَال: نصَحْتُ فلَانا نصْحاً، وَقد نصَحْتُ لَهُ نصيحتي نُصوحاً أَي أَخْلَصتُ وصَدَقْتُ. نحص: قَالَ اللَّيْث: النَّحُوصُ: الأتَان الوحشيَّة الحائلُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيد: قَالَ الأصمعيّ: النَّحُوصُ من الأُتُنِ: الَّتِي لَا لَبنَ لَهَا. وَقَالَ شمر: النَّحُوصُ: الَّتِي مَنعَها السِّمَنُ من الحَمْل، وَيُقَال: هِيَ الَّتِي لَا لَبَنَ لَهَا وَلَا وَلدَ لَهَا. وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: يَا لَيْتَني غُودِرْت مَعَ أصحابِ نُحْصِ الجَبَل، أَرَادَ يَا لَيْتَني غُودِرْتُ شَهِيدا مَعَ شُهَدَاء أُحُد. وَقَالَ أَبُو عُبَيد: قَالَ أَبُو عَمْرو: النُّحْصُ: أصلُ الْجَبَل وسَفْحُه. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي. قَالَ: المِنْحاصُ: المرأةُ الدقيقة الطَّوِيلَة. حنص: قَالَ اللَّيْث: الحِنْصَأوَةُ من الرِّجَال: الضَّعِيف، يُقَال: رأيتُ رجلا حِنْصَأْوَةً أَي ضَعِيفا، وَقَالَ شمر نَحوه، وَأنْشد: حَتَّى ترى الحِنْصَأْوَةَ الفَرُوقَا مُتَّكِئاً يَقْتَمِحُ السَّوِيقَا(4/147)
ح ص ف حصف، حَفْص، صفح، صحف، فصح، فحص: (مستعملة) . حصف: يُقَال: رجل حَصِيفٌ بَيّن الحَصافة، وَقد حَصُفَ حَصافة إِذا كَانَ جَيِّد الرَّأْي مُحْكَم العَقِل. وثوْبٌ حَصِيفٌ إِذا كَانَ مُحْكَمَ النسج صفيقَهُ. ورَأْيٌ مُسْتَحْصِفٌ، وَقد استَحْصَفَ رأيُه إِذا استحكم، وَكَذَلِكَ المُسْتَحْصِد. وَيُقَال للْفرس وَغَيره: أَحْصَفَ إحْصَافاً إِذا عَدَا فأَسرَعَ وَفِيه تقارُب، وَمِنْه قَول العَجّاج: ذَارٍ إِذا لاَقَى العَزَازَ أَحْصَفَا رَوَاهُ أَبُو عُبَيد عَن أَصْحَابه. وَقَالَ الليثُ: الحَصَفُ: بَثْرٌ صغَار يَقِيحُ وَلَا يَعْظُم وَرُبمَا خرجَ فِي مَرَاقّ البَطن أيامَ الحرِّ. يُقَال: حَصِف جِلْدُه حَصفاً. وَقَالَ أَبُو عُبَيْد: حَصِفَ فلانٌ يَحْصَفُ حَصَفاً، وبَثِرَ وَجهُه يَبْثَرُ بَثَراً. وَقَالَ اللَّيْث: الحَصَافَةُ: ثَخَانَة الْعقل ورجلٌ حَصِيفٌ وحَصِفٌ. وأَحْصَفَ الناسجُ نَسْجَه، وَيُقَال: اسْتَحْصَفَ القومُ واستَحصَدُوا إِذا اجْتَمعُوا، قَالَ الْأَعْشَى: تأْوِي طوائِفُها إِلَى مَحْصوفَةٍ مَكْروهةٍ يَخشَى الكُمَاةُ نِزالَها قلتُ: أَرَادَ بالمحصوفة كَتِيبَة مَجْمُوعَة، وَجعلهَا مَحْصوفة من حُصِفَت فَهِيَ مَحصوفة. وَفِي (النَّوَادِر) : حَصبْتُه عَن كَذَا وَكَذَا، وأَحْصَبَتْهُ وحَصفْتُه وأحْصفْتُه، وحَصَيتُه وأَحصَيتُه إِذا أقْصَيتَه. فصح: الليثُ: الفِصحُ: فِطْر النَّصَارَى. قَالَ: والمُفْصِحُ من اللَّبَنِ إِذا ذهب عَنهُ اللِّبَأُ وكثُر مَحْضُه وقلَّت رَغْوته، وَيُقَال: فَصَّحَ اللبنُ تَفْصيحاً. أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: أولُ اللَّبَن اللِّبَأُ ثمَّ الَّذِي يَلِيهِ المُفصِح. يُقَال: أفْصح اللَّبنُ إِذا ذهب عَنهُ اللِّبأُ. وَقَالَ اللَّيْث: رجل فَصِيحٌ، وَقد فَصُحَ فصاحةً، وَقد أفْصح الرجلُ القولَ، فَلَمَّا كثُر وعُرِف أضمروا القَوْل واكتفوا بِالْفِعْلِ، كَمَا تَقول: أَحْسَن، وأَسرع، وأَبْطأ، وَإِنَّمَا هُوَ أَحْسَنَ الشيءَ وأسرعَ، الْعَمَل. قَالَ: وَقد يَجِيء فِي الشّعرِ فِي وصف العُجْم أفْصح يرادُ بِهِ بَيَان القَوْل، وَإِن كَانَ بِغَيْر الْعَرَبيَّة كَقَوْل أبي النَّجْم: أَعْجَم فِي آذانها فصيحاً يَعْنِي صَوت الْحمار أَنه أعْجَمُ وَهُوَ فِي آذان الأَتنِ فصيح بَيِّن. وَيُقَال: أَفْصِحْ لي يَا فلَان وَلَا تُجَمْجِم قَالَ: والفَصِيحُ فِي كَلَام الْعَامَّة المُعْرِبُ. وَقَالَ غَيره: يُقَال: قد فَصَحَك الصُّبْحُ أَي بَانَ لَك وغَلَبَك ضَوْؤُه، وَمِنْهُم مَن يَقُول: فَضَحَك. وَقَالَ أَبُو زيد: مَا كَانَ فُلانٌ فَصِيحاً، وَلَقَد فَصُح فَصاحَةً، وَهُوَ البيِّن فِي اللِّسَان(4/148)
والبلاغة، وَيُقَال أفْصح الصبيُّ فِي مَنْطِقه إفْصَاحاً إِذا فهمتَ مَا يَقُول فِي أول مَا يتَكَلَّم: وأفصح الأغْتَمُ إِذا فهمتَ كَلَامه بعد غُتْمَتِه. وَقَالَ ابْن شُمَيل: هَذَا يومٌ فِصْحٌ كَمَا ترى، والفِصْحُ: الصَّحْوُ من القُرِّ إِذا لم يكن فِيهِ قُرّ فَهُوَ فِصْح وَإِن كَانَ فِيهِ غَيمٌ ومَطَرٌ وريحٌ بعد ألاّ يكون فِيهِ قُرّ، وَكَذَلِكَ الفَصْيَةُ، وَهَذَا يَوْم فَصْيَةٍ كَمَا ترى، وَقد أفْصَينَا من هَذَا القُرِّ أَي خرجنَا مِنْهُ وَقد أفْصى يَومنا. وأفْصَى القُرُّ إِذا ذهب قَالَه ابْن شُمَيْل. صحف: قَالَ اللَّيْث: الصُّحُفُ: جماعةُ الصَّحِيفة، وَهَذَا من (النَّوَادِر) ، وَهُوَ أَن تجْمَع فَعِيلَة على فُعُل، قَالَ: وَمثله سفينة وسُفُن، وَكَانَ قياسُهما صحائفُ وسَفائن، قَالَ: وَقَول الله جلّ وعزّ: {? لاُْولَى ? صُحُفِ إِبْرَ ? هِيمَ وَمُوسَى ?} (الْأَعْلَى: 19) يَعْنِي الْكتب الَّتِي أنزلت عَلَيْهِمَا، قَالَ: وصحيفةُ الوَجْه: بَشَرَةُ جِلده. وَأنْشد: إِذا بَدَا من وَجهك الصَّحِيفُ قَالَ: وَإِنَّمَا سُمِّي المُصْحَفُ مُصْحَفاً لِأَنَّهُ أُصْحِفَ أَي جعل جَامعا للصُّحُف الْمَكْتُوبَة بَين الدَّفَّتَيْن. وَقَالَ الفرّاء: يُقَال: مُصحفٌ ومِصْحَف، كَمَا يُقَال: مُطرَفٌ ومِطرَفٌ قَالَ: وَقَوله: مُصحف من أُصْحِفَ أَي جُمِعت فِيهِ الصُّحُف، قَالَ: وأُطرِف: جُعل فِي طرَفيْه العَلَمان، قَالَ: فاستثقلت العربُ الضمة فِي حُرُوف فَكسرت الْمِيم، وَأَصلهَا الضَّم، فَمن ضَمّ جَاءَ بِهِ على أَصله، وَمن كَسره فلاستثقاله الضمة، وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي المُغزَل مِغْزَلاً، والأصلُ مُغْزَل من أُغْزِل أَي أُدِير. وَقَالَ أَبُو زيد: تَمِيم تَقول: المِغْزَلُ والمِطْرَفُ والمِصحف، وَقيس تَقول: المُطرَف والمُغْزَل والمُصحَف. وَقَالَ اللَّيْث: الصَّحْفة: شبه قَصْعة مُسْلَنْطِحَة عريضة وجَمْعُها صِحَاف. وَأنْشد: والمَكَاكِيك والصِّحَاف من الفِ ضةِ والضامِزاتُ تَحت الرِّحَالِ وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {تُحْبَرُونَ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَ ? فٍ مِّن ذَهَبٍ} (الزّخرُف: 71) . أَبُو عُبَيد عَن الكِسائي: أعظَمُ القِصَاع الجَفْنة، ثمَّ القَصْعةُ تَلِيهَا تُشْبع العَشَرَة، ثمَّ الصَّحْفَة تشبع الْخَمْسَة وَنَحْوهم، ثمَّ المِئكَلَة تُشْبع الرجلَيْن وَالثَّلَاثَة، ثمَّ الصُّحَيْفة تُشْبِعُ الرجل. قَالَ اللَّيْث: وَالَّذِي يَرْوِي الْخَطَأ على قِرَاءَة الصُّحُف هُوَ المُصَحِّف والصَّحَفِيُّ. صفح: قَالَ اللَّيْث: الصَّفْحُ: الْجَنب، وصفْحا كلِّ شيءٍ جانباه، قَالَ: وصَفْحَتا السَّيْف: وجهاه. وصفْحةُ الرجل: عُرْضُ وَجهه، وسَيفٌ مُصْفَحٌ: عريض، والصَّدْر المُصفَح كَذَلِك، وَأنْشد للأعشَى: أَلسنا نَحن أكرَمَ إِن نُسِبنا وأَضرَبَ بالمُهَنَّدَةِ الصِّفاح يَعْنِي العِراض، وَأنْشد: وصدرِي مُصْفَحٌ للْمَوْت نَهْدٌ إِذا ضاقَتْ عَن الموْتِ الصُّدُور(4/149)
وَفِي حَدِيث حُذَيفة أَنه قَالَ: (القُلوبُ أَرْبَعَة: فقلْبٌ أغلفُ، فَذَاك قلب الْكَافِر، وقلبٌ مَنكوسٌ فَذَاك قلب رَجَعَ إِلَى الكُفر بعد الْإِيمَان، وقلبٌ أَجْرَدٌ مثل السِّرَاج يَزْهَر فَذَاك قلب المؤمِن، وقلب مُصْفح اجتمعَ فِيهِ النِّفاق والإيمانُ، فَمَثَل الْإِيمَان فِيهِ كمَثلِ بَقْلَةٍ يُمِدُّها الماءُ العَذْب، ومثَل النِّفَاق فِيهِ كَمثل قَرْحَة يُمِدُّها القَيْحُ والدّم، وَهُوَ لأيِّهما غَلَب) . وَقَالَ شمر فِيمَا قرأتُ بخطِّه: الْقلب المُصْفَح، زعم خَالِد أَنه المُضْجع الَّذِي فِيهِ غلّ، الَّذِي لَيْسَ بخالص الدِّين. وَقَالَ ابْن بُزرْج: المُصفَح: المقلوب. يُقَال: قلبْتُ السَّيْف وأَصْفَحْتُه وصابَيْتُه. فالمُصفَحُ والمُصابَى: الَّذِي يُحَرَّف عَن حَدِّه إِذا ضُرِب بِهِ ويُمَال إِذا أَرَادوا أَن يغمدوه. قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو وَغَيره: ضَرَبه بِالسَّيْفِ مُصْفَحاً إِذا ضَرَبه بعُرْضه. وَقَالَ الطِّرِمَّاح: فلمَّا تناهتْ وَهِي عَجْلَى كَأَنَّهَا على حَرْفِ سيفٍ حَدُّه غير مُصْفَح قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: المُصْفَح: العَرِيض الَّذِي لَهُ صفحاتٌ لم تستقم على وَجْه وَاحِد كالمُصْفَح من الرُّؤُوسِ لَهُ جوانِب. قلت: وَالَّذِي عِنْدِي فِي الْقلب المُصْفَح أنَّ مَعْنَاهُ الَّذِي لَهُ صَفْحَان أَي وَجْهَان يَلقى أهل الكُفْرِ بِوَجْه، ويلقى الْمُؤمنِينَ بِوَجْه. وصَفْحُ كلِّ شَيْء: وَجهه وناحيتُه، وَهُوَ معنى الحَدِيث الآخر: (من شَرِّ الرِّجَال ذُو الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْه وَهَؤُلَاء بِوَجْه) وَهُوَ الْمُنَافِق. وَيُقَال: صَفَحَ فلانٌ عنِّي أَي أَعْرَضَ بوجههِ وَوَلاَّني وَجه قَفاه. وَأنْشد أَبُو الْهَيْثَم: يَصْفَحُ للقِنَّة وَجها جَأْبا صَفْحَ ذِرَاعَيْه لِعَظْمٍ كَلْبَا قَالَ: وصف حبلا عرّضه فاتِلُه حِين فتله فَصَارَ لَهُ وَجْهَان، فَهُوَ مَصْفُوحٌ أَي عريضٌ، وَقَوله: صَفْح ذِرَاعَيْهِ أَي كَمَا يبْسُط الْكَلْب ذِراعيْه على عَرْقٍ يُوَتِّدُه على الأَرْض بذراعيه يَتَعَرَّقه، وَنصب كَلْبا على التَّفْسِير. قَالَ: وصَفْحَتا العُنُق: ناحيتاه، وصَفْحَتا الوَرَق: وجهاه اللَّذَان يُكْتَبُ فيهمَا فَجعل حُذَيفَة قلب الْمُنَافِق الَّذِي يَأْتِي الكُفار بِوَجْه وَأهل الْإِيمَان بِوَجْه آخر ذَا وَجْهَيْن. وَقَالَ رجل من الْخَوَارِج: (لنَضْرِبَنَّكم بِالسُّيُوفِ غير مُصْفَحات) يَقُول: نضْرِبُكم بحدّها لَا بِعُرْضها. وَقَالَ الشَّاعِر: تُحَيْتَ مناطِ القُرْط من غير مُصْفَحٍ أَجَاد بِهِ خَدّ المُقَلَّد ضَارِبُه وَيُقَال: أَتَانِي فلَان فِي حَاجَة فأصفَحْتُه عَنْهَا إصفَاحاً إِذا طلبَهَا فمنَعْتُه. والمُصَفَّحَات: السيوف العريضة وَهِي الصَّفائحُ واحدتُها صفيحة. وَقَالَ لبيد يصف السَّحَاب: كأنَّ مُصفَّحَاتٍ فِي ذُراه وأَنْوَاحاً عَلَيهن المآلي(4/150)
شَبّه الْبَرْق فِي ظلمَة السَّحَاب بسيوف عِرَاضٍ، وَوَاحِد الصَّفائح صفيحة. وَيُقَال للحجارة العريضة صَفَائِح أَيْضا، واحدتها صَفيحَة وصفيح. وَقَالَ لبِيد: وصَفَائِحاً صُمّاً روا سِيها يُسَدِّدْن الغُضونا وَهِي الصُّفَّاح أَيْضا الْوَاحِدَة صُفَّاحة، وَمِنْه قَول النَّابِغَة: ويُوقِدْن بالصُّفَّاحِ نَار الحُباحِبِ وَأما قَول الله جلّ وعزّ: {حَكِيمٌ أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ ? لذِّكْرَ صَفْحاً أَن كُنتُمْ قَوْماً} (الزّخرُف: 5) الْمَعْنى أفَنُعْرِض عَن تذكيركم إعْرَاضًا من أجل إسرَافِكم على أنفُسِكم فِي كفركم، يُقَال: صَفَح عَن فلَان أَي أعرض عَنهُ مُوَلِّيا، وَمِنْه قَول كُثَيِّر يصف امْرَأَة أعرَضَتْ عَنهُ. صفُوحاً فَمَا تَلْقاك إِلَّا بَخيلَةً فَمَنْ مَلّ مِنْهَا ذَلِك الْوَصْل مَلَّتِ وَأما الصَّفوح من صِفَات الله جلّ وعزّ فَمَعْنَاه العَفُوّ. يُقَال: صَفَحْتُ عَن ذَنْبِ فلَان أَي أعْرَضت عَنهُ فَلم أُؤاخِذه بِهِ. قلت: فالصَّفُوحُ فِي نعت الْمَرْأَة المُعْرِضَةُ صَادَّةً هاجِرة والصَّفُوحُ فِي صفة الله العَفُوّ عَن ذَنْب عَبده معرِضاً عَن مجازاته تَكَرُّماً، فأحدهما ضد الآخر وَنصب قَوْله: صَفْحاً فِي قَوْله: {حَكِيمٌ أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ ? لذِّكْرَ صَفْحاً أَن كُنتُمْ قَوْماً} (الزّخرُف: 5) على الْمصدر: لأنّ معنى قَوْله {حَكِيمٌ أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ ? لذِّكْرَ صَفْحاً أَن كُنتُمْ قَوْماً} (الزّخرُف: 5) أَنُعْرِض عَنْكُم ونصفح وضَرْبُ الذِّكْر: رَدُّه وكَفُّه، وَقد أضْرب عَن كَذَا أَي كفَّ عَنهُ وَتَركه. وَقَالَ اللَّيْث: صفَحْتُ وَرَق الْمُصحف صَفْحاً وصَفَحْتُ القومَ إِذا عَرَضْتَهم وَاحِدًا وَاحِدًا، وتَصَفَّحْتُ وُجُوهَ الْقَوْم إِذا تأملتَ وُجُوههم تنظر إِلَى حُلاهم وصورهم وتَتَعَرَّف أَمرهم. قَالَ والصُّفَّاح من الْإِبِل الَّتِي عَظُمَت أسْنِمتُها، فَكَأَن سَنام النَّاقة يأْخُذُ قَرَاها، وجَمْعُها صُفَّاحات وصَفَافِيح. أَبُو عُبَيد: من أَسمَاء قِداح المَيْسر المُصْفَحُ والمُعَلَّى. قَالَ أَبُو عُبَيد، وَقَالَ أَبُو زيد: إِذا سقَى الرجلُ غيرَه أيَّ شراب كَانَ وَمَتى كَانَ قَالَ: صَفَحْتُ الرجلَ أصْفَحُه صَفْحاً، قَالَ: وصَفَحْتُ الرجلَ وأصْفَحْتُه كِلَاهُمَا إِذا سأَلَكَ فَمَنَعْته. وَفِي الحَدِيث: (التَّسْبِيحُ للرِّجال، والتَّصْفِيحُ للنِّسَاء) ، ويروى التَّصْفِيق ومعناهما وَاحِد، يُقَال: صَفَّح وصَفَّق بيدَيْهِ، وروى بَيت لبيد فِي صفة السَّحَاب: كأنَّ مُصَفِّحَاتٍ فِي ذُرَاه جعل المُصَفِّحَاتِ نسَاء يُصَفِّقْنَ بأيديهن فِي مأتم، شبّه صَوت الرَّعْد بتصفيقهن، وَمن رَوَاهُ: مُصَفَّحَات، أَرَادَ السيوف العَريضة، شبَّه بريق الْبَرْق بَبرِيقها. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الصَّافح: الناقةُ الَّتِي فقدت وَلَدهَا فَغَرَزَتْ وَذهب لَبنهَا وَقد صَفَحت صُفُوحاً. وَالرجل يصافحُ الرجل إِذا وضع صُفْحَ كَفِّه فِي صُفْح كَفّه وصُفْحا(4/151)
كَفَّيْهما: وَجْهَاهُما. وصفْحٌ: اسْم رجل من كَلْب بن وَبْرَة، وَله حديثٌ عِنْد الْعَرَب مَعْرُوف. وصِفَاحُ نَعْمَانَ: جِبال تُتَاخِمُ هَذَا الْجَبَل وتُصَادفه. ونَعْمانُ: جَبل بَين مَكَّة والطائف. أَبُو زيد: من الرؤوس: المُصَفَح، وَهُوَ الَّذِي مُسِحَ جنبا رَأسه ونتأ جَبينُه فَخرج وَظَهَرت قَمَحْدُوَتُه، والأَرْأَسُ مِثْلُ المُصْفَح وَلَا يُقَال رؤاسِي. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: فِي جَبهته صَفَحٌ أَي عُرْضٌ فاحِشٌ. قَالَ: وناقَةٌ مُصَفَّحَةٌ ومُصَرَّاةٌ ومُصَوَّاة ومُصَرّبَةٌ بِمَعْنى وَاحِد. فحص: قَالَ اللَّيْث: الفَحْصُ: شِدَّةُ الطَّلَب خلال كلِّ شَيْء، تَقول: فَحَصْتُ عَن فُلانٍ، وفَحَصْتُ عَن أمْرِه لأعْلَم كُنْهَ حالِه، والدَّجاجَة تَفْحَص برجليها وجَناحيها فِي التُّرَاب تَتَّخِذ لنَفسهَا أُفْحُوصةً تبيض أَو تَجْثُم فِيهَا. وأَفاحيصُ القَطَا: الَّتِي تُفَرِّخُ فِيهَا، وَمِنْه اشْتُقَّ قَول أبي بكر: فحَصُوا عَن أوساط الرءُوس أَي عملُوها مثل أفاحِيص القَطَا. وَمِنْه الحَدِيث الْمَرْفُوع: (مَنْ بَنَى لله مَسْجداً، ولَوْ مثل مَفْحَص قَطَاةٍ بَنَى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة) ، ومَفْحَصُ القطاة حَيْثُ تُفَرِّخ فِيهِ من الأَرْض، والمطر يفحصُ الحَصَى إِذا اشْتَدَّ وقْعُ غَبْيَتِه فَقلب الحَصَى ونحَّى بعضه عَن بعض، وغَبْيَةُ الْمَطَر: دَفْعَتُه الشَّدِيدَة بوابل من الْمَطَر. وَيُقَال: بَينهمَا فِحاصٌ أَي عَدَاوَة، وَقد فاحَصَني فلانٌ فِحَاصاً: كَأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا يَفْحَصُ عَن عيب صَاحبه وَعَن سِرِّه. وفلانٌ فَحِيصي ومُفَاحِصِي بِمَعْنى وَاحِد. حَفْص: قَالَ اللَّيْث: الدَّجاجةُ تُكَنى أُمّ حَفْصَة، وَولد الْأسد يُسمى حَفْصاً. وروى ابْن شُمَيْل عَن الْخَلِيل أَنه قَالَ: يُسمى ولد الْأسد حَفْصا. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: هُوَ السَّبع أَيْضا. والزَّبِيلُ يُسمى حَفْصاً. وَجمعه أحْفاصٌ، وَهِي المِحْفَصَةُ أَيْضا. ح ص ب حصب، حبص، صبح، صحب: مستعملة. حصب: قَالَ اللَّيْث: الحَصَبُ: الحَطَبُ الَّذِي يُلْقَى فِي تَنُّور أَو فِي وَقُودٍ، فأمَّا مَا دَامَ غير مُسْتَعْمل لِلسُّجُورِ فَلَا يُسمَّى حَصَباً، قَالَ: والحَصْبُ: رَمْيُك بالحَصْبَاء: والحَصْبَاءُ: صغارُها وكِبَارُها. وَفِي الحَدِيث الَّذِي جَاءَ فِي مقتل عُثمان ح قَالَ: (تَحاصبُوا فِي الْمَسْجِد حَتَّى مَا أُبْصِرَ أَديمُ السَّمَاء) أَي ترامَوْا بالحصْباء. وَقَالَ الْفراء فِي قَوْله: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ? للَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} (الأنبيَاء: 98) ذُكِرَ أنَّ الحَصَبَ فِي لُغَة أهلِ اليمنِ الحَطَب، وَرُوِيَ عَن عَلِيّ أَنه قَرَأَ(4/152)
(حَطَبُ جَهَنَّم) . قلت: وَيُقَال: حَصَبْتُه أحْصِبُه حَصْباً إِذا رَمَيْتَه بالحصْباء، والحجَرُ المرْمِيّ بِهِ حَصَب، كَمَا يُقَال: نَفَضْتُ الشَّيْء نَفْضاً، والمنْفُوضُ نَفَضٌ فَمَعْنَى قَوْله: {حَصَبُ جَهَنَّمَ} (الأنبيَاء: 98) أَي يُلْقَوْنَ فِيهَا كَمَا يُلْقَى الحَطَبُ فِي النَّار. وَقَالَ الفرّاء: الحَصَبُ فِي لُغَة أهل نجد: مَا رَمَيْتَ بِهِ فِي النَّار، وحَصَبْتُ الرجلَ حصْباً إِذا رمَيْتَه، وَقَول الله: {بِ ? لنُّذُرِ إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَ ? صِباً} (القَمَر: 34) أَي عذَابا يَحْصِبهم أَي يَرْميهم بحِجارة من سِجِّيل. وَيُقَال للريح الَّتِي تَحْمِل التُّرابَ والحَصى حَاصِبٌ، وللسَّحَابِ يَرْمي بالبَرَد والثَّلْج حاصِبٌ لِأَنَّهُ يَرْمِي بهما رَمْياً، وَقَالَ الأعْشَى: لَنَا حَاصِبٌ مثلُ رِجْل الدَّبَى وجَأْواءُ تُبْرِقُ عنْهَا الهَيوبَا أَرَادَ بالحاصِبِ الرُّماة. وَفِي الحَدِيث أنَّ عُمَرَ أمَرَ بِتَحْصيبِ المَسْجِدِ وَذَلِكَ أَن يُلْقَى فِيهِ الحَصى الصغار، ليَكُون أَوْثَر للمُصلِّي وأغْفَرَ لِما يُلْقَى فِيهِ من الأقْشَاب والخَراشِيِّ والأقْذَار. وَيُقَال لموْضِع الجِمَارِ بمِنى المُحَصَّب. وَأما التَّحْصِيب فَهُوَ النَّوْمُ بالشِّعْبِ الَّذِي مَخْرَجُه إِلَى الأبْطَح سَاعَة من اللَّيْل ثمَّ يَخْرُجُ إِلَى مكَّة، وَكَانَ مَوْضِعاً نَزَل بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غير أَنْ يَسُنَّه للنَّاس، فَمن شَاء حَصَّبَ وَمن شَاءَ لم يُحصِّب. والحَصْبَةُ: بَثْرَةٌ تَخْرُج بالإنسان وَيجوز الحَصَبَة، وهُما لُغتان قالهما الفرَّاء، وَقد حُصِبَ الرجلُ فَهُوَ مَحْصوب. وروى أَبُو عُبَيد عَن اليَزيدي: أرضٌ مَحْصَبةٌ: ذاتُ حَصْبَاء ومَحصاةٌ: ذاتُ حَصى. قَالَ أَبُو عُبَيد: وأرضٌ مَحْصَبَةٌ: ذاتُ حَصْبَة ومَجْدَرَةٌ: ذاتُ جُدَرِيّ. قَالَ: وَقَالَ الأصمعيُّ: الإحْصَابُ أَن يُثِيرَ الحَصَى فِي عَدْوه. وَمَكَان حاصِبٌ: ذُو حَصْبَاء، والحاصِبُ: العددُ الكثيرُ من الرَّحَّالَة، وَهُوَ معنى قَوْله: لَنَا حاصِبٌ مِثلُ رِجْلِ الدَّبَى شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي: الحَاصِبُ من التُّراب: مَا كَانَ فِيهِ الحَصْبَاء. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الحَاصبُ: الحَصْباءُ فِي الرّيح يُقَال: كَانَ يوْمُنا ذَا حاصِبٍ، وريحٌ حاصِبٌ، وَقد حَصَبَتْنا تَحْصِبُنا. وريحٌ حَصِبَةٌ: فِيهَا حَصْبَاء، وَقَالَ ذُو الرُّمَّة: حَفِيفُ نافِجَة عُثْنونُها حَصِب صحب: قَالَ اللَّيْث: الصَّحْبُ جمع الصاحب، والأصحابُ: جماعةُ الصَّحْب، وَيجمع الصاحِبُ أَيْضاً صُحْباناً وصُحْبَةً وصِحَاباً وصَحَابةً، قَالَ: والصَّحَابة مصدر قَوْلك: صاحَبَك الله وأحْسَن صَحَابتك. وَتقول للرّجُل: عِنْد التوديع: مُعاناً مُصاحَباً، وَمن قَالَ: مُعانٌ مُصَاحَبٌ فَمَعْنَاه أنْتَ مُعانٌ مُصاحَبٌ. قَالَ: والصُّحْبةُ: مصدر قَوْلك: صَحِب(4/153)
يَصْحَبُ. وَقَالَ غيرُه: يُقَال: صاحِبٌ وأَصْحَابٌ كَمَا يُقَال شَاهِدٌ وأشْهاد، وناصِرٌ وأنصَارٌ، ومَنْ قَالَ: صاحِبٌ وصُحْبة فَهُوَ كَقَوْلِك: فَارِهٌ وفُرْهَة، وغُلامٌ رائِقٌ، والجميعُ رُوقة. ويُقَال: إنَّه لمِصْحابٌ لنا بِمَا يُحَبُّ وَقَالَ الأعْشَى: فَقَدْ أراكِ لنا بالوُدِّ مِصْحَاباً وَقد أَصْحَبَ الرجلُ إِذا كَانَ ذَا أَصْحاب، أَصْحَب إِذا انْقَادَ، وَقَالَ أَبُو عُبَيد: صَحِبْتُ الرجلَ من الصُّحْبة، وأصْحَبْتُ أَي انْقَدْتُ لَهُ، وَأنْشد: تَوالِيَ رِبْعِيِّ السِّقابِ فأَصْحَبَا وكل شَيْء لَازم شَيْئا فقد استصحبه، وَمِنْه قَوْله: إنّ لَك الْفضل على صاحبِي والمسك قد يَسْتَصْحِبُ الرَّامِكا وَقَالَ الْفراء فِي قَوْله جلّ وعزّ: {وَلاَ هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ} (الأنبيَاء: 43) قَالَ: يَعْنِي الْآلهَة لَا تمنع أَنْفسهَا وَلَا هم منا يُصْحَبُون يَعْني يُجَارون أَي الْكفَّار، أَلا ترى أَن الْعَرَب تَقول: أَنا جارٌ لَك، وَمَعْنَاهُ أُجِيرُك وأمْنَعُك، فَقَالَ: يُصْحبون بالإجارَة، وَقَالَ قَتادة: لَا يُصْحَبون من الله بِخَير. وَقَالَ أَبُو عُثْمَان الْمَازِني: أصْحَبْتُ الرجلَ أَي مَنْعتُه، وَأنْشد قولَ الهُذَليّ: يَرْعَى برَوْض الحَزْنِ من أَبِّه قُرْبانَه فِي عانةٍ تُصْحَبُ أبُّه: كَلَؤُه. قُرْيانه: مجارى المَاء إِلَى الرياض، الْوَاحِد قَرِيّ، قَالَ: تُصْحَبُ: تُمْنَع وتُحْفَظَ، وَهُوَ من قَول الله: {وَلاَ هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ} (الأنبيَاء: 43) أَي يمْنَعُونَ، وَقَالَ غَيره: هُوَ من قَوْلك صَحِبَك الله أَي حفظك وَكَانَ لكَ جارا. أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي وَأبي عَمْرو: أدِيمٌ مُصْحِب إِذا كَانَ على الْجلد شَعْرُه أَو صُوفُه أَو وَبَرُه، وَقَالَ ابْن بُزُرْج: إِنَّه يَتَصحَّب من مجالستنا أَي يستحي مِنْهَا، وَإِذا قيل: فلَان يَتَسحَّبُ علينا بِالسِّين فَمَعْنَاه أَنه يتمادخ ويَتَدَلَّل. وَيُقَال: أصْحَبَ الماءُ إِذا عَلاه العَرْمَضُ فَهُوَ ماءٌ مُصْحِبٌ. وفُلانٌ صاحِبُ صِدْق. صبح: قَالَ اللَّيْث: الصُّبح والصَّبَاح هما أوّل النَّهَار، وَهُوَ الإصباح أَيْضا، قَالَ الله: {فَالِقُ ? لإِصْبَاحِ} (الأنعَام: 96) يَعْنِي الصُّبْحَ، وَأنْشد: أفْنَى رَباحاً وَذَوي رَباحِ تَنَاسُخُ الإمساءِ والإصْبَاح يُرِيدُ بِهِ المَسَاءَ والصَّبَاح. وَقَالَ الفرّاءُ مثله وَزَاد: فَإِن قَالَ الإمساء والأصْبَاح فَهُوَ جمع المسَاءِ والصُّبْح وَمثله الإبكار والأبْكار. وَقَالَ اللَّيْث: التَّصبُّح: النومُ بِالْغَدَاةِ، وَفِي حَدِيث أم زرع أَنَّهَا قَالَت: (وَعِنْده أَقُول فَلَا أُقَبَّح، وأَرْقُدُ فأَتصَبَّح) والرَّقْدَةُ تُسمّى الصَّبْحَة والصُّبْحَة، وَقد كرهها بعْضهُم. أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: المِصبَاح: الناقةُ الَّتِي تُصبِح فِي مَبْركها وَلَا تَرْتَعُ حَتَّى يرْتَفع النَّهار.(4/154)
قَالَ: وَهَذَا مِمّا يُسْتَحَبُّ من الْإِبِل. وَقَالَ اللَّيْث: المِصبَاح من الْإِبِل: مَا يَبْرك فِي مُعَرَّسِه فَلَا يثُور وَإِن أُثيرَ حَتَّى يُصبِح. وَقَالَ اللَّيْث: الصَّبُوحُ: الخَمْرُ، وَأنْشد: وَلَقَد غدوتُ إِلَى الصَّبُوح مَعِي شَرْبٌ كِرَامٌ من بني رُهْمِ والصَّبْحُ: سَقْيُك أَخَاك صَبُوحاً من لبن، قَالَ: والصَّبُوحُ: مَا شُرِبَ بِالْغَدَاةِ فَمَا دون القَائلَة، وفعلك الاصْطِبَاحُ. وَقيل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَتى تَحِلّ لنا المَيْتَة؟ فَقَالَ: (مَا لم تَصْطَبِحُوا أَو تَغْتَبِقُوا أَو تَجْتَفِئُوا بَقْلاً فشَأْنَكم بهَا) . قَالَ: أَبُو عُبَيد: مَعْنَاهُ إِنَّمَا لكم مِنْهَا الصَّبُوح، وَهُوَ الْغَدَاء، والغَبُوق وَهُوَ العَشَاء، يَقُول: فَلَيْسَ لكم أَن تجمعوهما من الميْتَة. قَالَ: وَمِنْه قَول سَمُرَة لِبَنِيهِ: يُجزىء من الضَّارُورَةِ صَبُوحٌ أَو غَبُوقٌ. قلت: وَقَالَ غير أبي عُبَيد فِي تَفْسِيره: مَعْنَاهُ: سُئِل مَتى تحل لنا المَيْتَة؟ أجابهم، فَقَالَ: إِذا لم تَجدوا من اللَّبن صَبُوحاً تَتَبَلَّغُونَ بِهِ وَلَا غَبُوقاً تَجْتَزِئُونَ بِهِ، وَلم تَجِدُوا مَعَ عَدَمكم الصَّبُوحَ والغَبُوقَ بَقْلَةً تأكلُونها وتَهْجَأ غَرَثَكم حَلَّت لكم المَيْتَةُ حينئذٍ، وَكَذَلِكَ إِذا وجدَ الرجلُ غَداء أَو عَشَاءً من الطَّعَام لم تحلّ لَهُ. وَهَذَا التَّفْسِير وَاضح بَيِّن الصَّوَاب إِن شَاءَ الله. وَيُقَال: صَبَحْتُ فُلاَناً أَي أَتَيْتُه صباحاً، وَأما قَول بُجَيْر بن زُهَيْر المُزَني وَكَانَ أسلم: صَبَحَناهم بأَلفٍ من سُلَيْمٍ وسَبْعٍ من بني عُثمان وَافي فَمَعْنَاه أَتَيْنَاهم صبَاحاً بِأَلف رجل من سُلَيْم. وَقَالَ الرَّاجز: نَحنُ صَبَحْنَا عامِراً فِي دَارِها جُرْداً تَعَادَى طَرفَيْ نَهَارها يُرِيد أتيناها صباحاً بخيل جُرْدٍ. وَيُقَال: صَبَحْتُ فُلاَناً أَي ناولتُه صَبُوحاً من لَبَنٍ أَو خَمْر أَصْبَحُه صَبْحاً، وَمِنْه قَول طَرَفَة: مَتى تأْتِني أَصْبَحْك كأساً رَوِيَّةً أَي أَسقِيك كَأْساً. وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: أَصْبَحْنا وأَمْسَيْنَا أَي صِرْنا فِي حِين ذَاك، وَأما صَبَّحْنَا ومَسَّيْنا فَمَعْنَاه أَتَيْنَاهُ صَبَاحاً وَمَساءً. وَقَالَ شمر: قَالَ أَبُو عدنان: الفرقُ بَين صَبَّحنَا وصَبَحْنَا أَنه يُقَال: صبَّحْنَا بَلَدَ كَذَا وَكَذَا، وصَبَّحْنَا فُلاَناً فَهَذِهِ مُشَدّدَة، وصَبَحْنَا أَهلهَا خَيْراً أَو شَرّاً، وَأنْشد: صَبَحْناهُم هِنْدِيَّةً بأكُفِّنا محرّبةً تذري سَوَاعِدُهُم صُعْدَا وَيُقَال أَيْضا: صَبَّحتُه خيرا أَو شرّاً. وَقَالَ النَّابِغَة: وصَبَّحَه فَلْجاً فَلَا زَالَ كَعْبُه على كل مَنْ عَادَى من النَّاس عَالِيا وَيُقَال: صَبَّحه بِكَذَا ومسّاه بِكَذَا كل ذَلِك جَائِز.(4/155)
والتَّصْبِيحُ على وُجُوه، يُقَال: صَبَّحْتُ الْقَوْم المَاء إِذا سَرَيْتَ بهم حَتَّى تُورِدَهم الماءَ صبَاحاً، وَمِنْه قَوْله: وصَبَّحْتُهم مَاء بفَيْفَاءِ قَفْرَةٍ وَقد حَلَّقِ النَّجمُ اليَمَانِيُّ فاسْتَوى أَرَادَ سَرَيْتُ بهم حَتَّى انتهيتُ بهم إِلَى ذَلِك المَاء صَبَاحاً. وَتقول: صَبَّحْتُ الْقَوْم تَصْبِيحاً إِذا أتيتهم مَعَ الصَّباح، وَمِنْه قَول عَنْتَرَة يصفُ خَيْلاً: وَغداةَ صَبَّحْنَ الجِفارَ عَوَابِساً يَهْدي أَوَائِلَهُنَّ شُعث شُزَّبُ أَي أَتَيْنِ الجِفارَ صباحاً يَعْنِي خَيْلاً عَلَيْهَا فُرْسَانها. وَيُقَال: صَبَّحْتُ القومَ إِذا سَقَيْتَهم الصَّبُوح. والتَّصْبِيحُ: الغَداء. يُقَال: قَرِّب إِلَى تَصْبِيحي. وَفِي حَدِيث المَبْعَث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَتِيما فِي حِجْر أبي طَالب، وَكَانَ يُقَرَّبُ إِلَى الصِّبْيَان تَصْبِيحُهم فيختلسون ويَكُفَّ أَي يُقَرّبُ إِلَيْهِم غداؤهم، وَهُوَ اسْم بُنِي على تَفْعيل مثل التَّرعيب للسنام المُقَطَّع، والتنبيتُ: اسْم لِمَا نبت من الغِرَاس، والتَّنوير: اسْم لنَوْرِ الشّجر. والصَّابِحُ: الَّذِي يَصْبَح إبِلَه المَاء أَي يسقيها صباحاً، وَمِنْه قَول أبي زُبَيْد: حِين لاحَتْ للصَّابح الجوزاء وَتلك السّقْيَةُ تسميها الْعَرَب الصُّبْحة وَلَيْسَت بناجعة عِنْد الْعَرَب. وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: الصَّبُوحُ: اللَّبَنُ يُصْطَبَحُ، والنَّاقة الَّتِي تُحْلَبُ فِي ذَلِك الْوَقْت صَبُوح أَيْضا، يُقَال: هَذِه النَّاقة صَبُوحِي وغَبُوقِي، قَالَ: وأنشدنا أَبُو لَيْلَى الْأَعرَابِي: مَالِي لَا أَسْقِي حُبَيِّبَاتي صَبَائِحِي غَبَائِقِي قَيْلاَتِي قَالَ: والقَيْلُ: اللَّبن الَّذِي يُشْرَبُ وَقْتَ الظهيرة، والقَيْلُ والْقَالَةُ: النَّاقة الَّتِي تُحْلَبُ فِي ذَلِك الْوَقْت، وقَيَّلْتُ القومَ إِذا سَقَيْتَهم القَيْل، قَالَ: واقْتَلْتُ اقْتِيالا إِذا شَرِبْتَ القَيْلَ. وَالْعرب تَقول إِذا نَذِرَتْ بغارة من الْخَيل تفجؤهم صباحاً: يَا صَبَاحَاه، يُنْذِرُون الحَيَّ أَجْمَعَ بالنداء العالي. وَقَالَ اللَّيْث: المِصْبَاحُ: السِّرَاجُ بالمِسْرَجة، والمِصْبَاح نَفْسُ السِّرَاج، وَهُوَ قُرْطُه الَّذِي ترَاهُ فِي القِنْدِيل وَغَيره، والقِرَاطُ لُغَة، وَهُوَ قَول الله جلّ وعزّ: {? لْمِصْبَاحُ فِى زُجَاجَةٍ ? لزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّىٌّ} (النُّور: 35) . ومصَابيحُ النُّجُوم: أعلامُ الْكَوَاكِب، وَاحِدهَا مِصْباح، وَقَول الله جلّ وعزّ: {فَأَخَذَتْهُمُ ? لصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ} (الحِجر: 83) أَي أخذتهم الهَلكَةُ وَقت دُخُولهمْ فِي الصَّباح. والمُصْبَح: الْموضع الَّذِي تُصْبِح فِيهِ، والمُمْسى: الْمَكَان الَّذِي تُمْسي فِيهِ، وَقَوله: قَرِيبَةُ المُصْبَح من مُمْسَاها والمُصْبَحُ أَيْضا: الإصْبَاحُ، يُقَال: أصْبَحْنَا إصْبَاحاً ومُصْبَحاً، وَمن أَمْثَال الْعَرَب:(4/156)
(أَعَنْ صَبُوح تُرَقِّقُ) يُضْرَبُ مثلا لمن يُجَمْجِمُ وَلَا يُصَرِّح، وَقد يُضْرَبُ أَيْضا لمنْ يُوَرِّي عَن الخَطْبِ الْعَظِيم بكناية عَنهُ، وَلمن يُوجِبُ عَلَيْك مَا لَا يجب بِكَلَام يُلَطِّفه، وَأَصله أَن رجلا من الْعَرَب نزل بِرَجُل من الْعَرَب عشَاء فَغَبَقَه لَبَنًا، فَلَمَّا روى عَلِقَ يُحَدِّثُ أُمَّ مَثْواه بِحَدِيث يُرَقِّقُهُ، وَقَالَ فِي خلال كَلَامه: إِذا كَانَ غَدا اصطبحنا وَفعلنَا، فَفَطِن لَهُ المَنْزولُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: أَعَنْ صَبُوح تُرَقِّق. وَرُوِيَ عَن الشّعبِيّ أنَّ رجلا سَأَلَهُ عَن رجل قبَّل أمّ امْرَأَته، فَقَالَ لَهُ الشَّعْبِي: أَعَن صَبُوحٍ تُرَقِّق حَرُمَت عَلَيْهِ امرأتُه، ظنّ الشَّعْبِي أَنه كنى بتقبيله إيّاها عَن جِمَاعها. وَقَالَ أَبُو عُبَيد: السِّيَاطُ الأصْبَحِيَّة منسوبة إِلَى ذِي أَصْبَح: ملك من مُلُوك حِمْيَر. وَقَالَ اللَّيْث: الصَّبَح: شدَّة الحُمرة فِي الشَّعَر. وَقَالَ أَبُو عُبَيد: قَالَ الْأَصْمَعِي: الاَّصْبَحُ: قريب من الأَصْهَب. وروى شمر عَن أبي نصْر قَالَ: فِي الشَّعر الصُّبْحَةُ والمُلْحَةُ، وَرجل أَصْبَحُ اللِّحية: للَّذي يَعْلُو شَعر لِحيته بَيَاض مُشْربٌ حُمرة، وَرجل أصبح بَيِّن الصُّبحة، وَقد اصْبَاحَّ شعره، وَمن ذَلِك قيل: دَمٌ صُبَاحِيٌّ لِشَدّة حمرته، قَالَ أَبُو زُبيد: عَبِيطٌ صُبَاحِيٌّ من الجَوْفِ أَشْقَرا وَقَالَ شمر: الأَصْبَحُ. الَّذِي يكون فِي سَوَادِ شعرَه حُمْرَة، وَمِنْه صُبْحُ النَّهارِ مُشْتَقٌّ من الأَصْبَح. وَقَالَ اللَّيْث: الصَّبِيحُ: الوضيء الْوَجْه، وَقد صَبُخَ يَصْبُح صَباحَةً، وَأما مِن الأصْبَح فَيُقَال صَبِحَ يَصْبَح صَبَحاً فَهُوَ أصْبَح الشَّعَر. قلت: ولون الصُّبْح الصادِق يَضربُ إِلَى الحُمْرَة قَلِيلا كَأَنَّهَا لونُ الشَّفق الأول فِي أول اللَّيْل. وَيُقَال للرَّجُل يُنَبَّه من سِنَةِ الغَفْلَةِ أَصْبِحْ أَي انْتبه وأَبْصِر رُشدَك وَمَا يُصْلِحُك، وَقَالَ رؤبة: أَصْبِحْ فَمَا مِنْ بَشَرٍ مَأْرُوشِ أَي بَشَرٍ مَعِيب، وقولُ الشَّمَّاخ: وتَشْكُو بِعَيْنٍ مَا أَكَلَّ رِكَابَها وقِيل المُنَادِي أَصْبَح القومُ أَدْلجِي يسْأَل السَّائِل عَنهُ فَيَقُول: الإِدْلاَجُ: سَيْرُ اللَّيْل، فَكيف يَقُول: أصبح الْقَوْم وَهُوَ يأمُر بالإدْلاَج، وَالْجَوَاب فِيهِ أَن الْعَرَب إِذا قَرَّبَتْ المكانَ تُرِيدُه تَقول: قد بَلَغْنَاه، وَإِذا قرَّبت للسَّارِي طلوعَ الصُّبْح وَإِن كَانَ غَيْرَ طالع تَقول: أَصْبَحْنَا، وَأَرَادَ بقوله: أصْبَح القومُ: دنا وقتُ دُخُولهمْ فِي الصَّباح: وَإِنَّمَا فسّرت هَذَا الْبَيْت لِأَن بعض النَّاس فَسَّره بِعَيْنِه على غير مَا هُوَ عَلَيْهِ. وصَبَاح: حَيّ من الْعَرَب، وَمن أَسمَاء الْعَرَب صُبح وصُبَيْح ومُصَبِّح وصَباحٌ وصَبيحٌ. وَمن أمثالهم السائرة فِي وصف الكذّاب قَوْلهم: (أكذب من الآخِذِ الصَّبْحان) . قَالَ شمر: هَكَذَا قَالَ ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: وَهُوَ الحُوار الَّذِي قد شرب فروِي فَإِذا أردْت(4/157)
أَن تستدر بِهِ أمَّه لم يشرب لريِّه درتها، قَالَ: وَيُقَال أَيْضا: فلَان أكذَبُ من الأَخِيذَ الصبْحَان. قَالَ أَبُو عَدْنان: الأخِيذُ: الأسِيرُ، والصَّبْحَانُ: الَّذِي قد اصطبح فروى، وَقَالَ ابْن الأعْرَابي: هُوَ رجل كَانَ عِنْد قوم فصَبَحُوه حِين نَهَضَ عَنْهُم شاخصاً، فَأَخذه قوم وَقَالُوا: دُلّنا على حَيْثُ كنت فَقَالَ: إنّما بِتُّ القَفْر، فبَيْنَا هُم كَذَلِك إِذْ قعد يَبُول فَعَلمُوا أَنه بَات قَرِيبا عِنْد قوم فاستدلوا بِهِ عَلَيْهِم واسْتَبَاحُوهم. أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: أتيتُه ذَاتَ الصَّبُوح وذَاتَ الغَبُوق إِذا أَتَاهُ غُدْوَة وعَشِيَّةً، وذَا صَبَاح وَذَا مَسَاء، وذَاتَ الزُّمَيْن وذَاتَ العُوَيْم أَي مذ ثَلَاثَة أزمان وأَعْوَام. ح ص م حصم، حمص، صحم، صمح، مصح، محص: مستعملات. حصم: قَالَ اللَّيْث: حَصَم الفرَسُ، والحَصُومُ: الضَّرُوط. أَبُو عُبَيْد عَن الْأَصْمَعِي: يُقَال: حَصَم بهَا، ومَحَصَ بهَا، وحَبَجَ بهَا وخَبَجَ بهَا بِمَعْنى وَاحِد. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: المِحْصَمَةُ: مِدَقَّةُ الْحَدِيد، قَالَ: والحَصْمَاءُ: الأَتَانُ الخَضَّافَةُ، وَهِي الضَّرَّاطة. حمص: قَالَ اللَّيْث: الحِمَّصَةُ: حَبَّةُ القِدْرِ، والجميع الحِمَّص. وروى أَبُو العَبّاس عَن سَلَمَة عَن الفرّاء قَالَ: لم يَأْتِ على فِعَّل بِفَتْح العَيْن وَكسر الفَاءِ إِلَّا قِنَّفٌ وقِلَّفٌ، وَهُوَ الطين المُتَشَقِّق إِذا نَضَبَ عَنهُ المَاء وحِمَّصٌ وقِنَّبٌ، وَرجل خِنَّبٌ وخِنّابٌ: طَوِيل. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: قَالَ المبرّد: جَاءَ على فِعِّل جِلّقٌ وحِمَّصٌ، قَالَ: وَأهل الْبَصْرَة اخْتَارُوا حمِّصاً، وَأهل الْكُوفَة اخْتَارُوا حِمَّصاً. وَقَالَ اللَّيْث: حَمَصِيص: بَقْلة دُون الحُمَّاض فِي الحُمُوضَة، طيّبةُ الطَّعْم، تنبُت فِي رَمْل عالجٍ من أَحْرَار البُقُول. قلت: رَأَيْت الحَمَصِيصَ فِي جبال الدَّهْنَاءِ وَمَا يَليها، وَهِي بَقْلَة جَعْدَةُ الوَرَقِ حامضةٌ وَلها ثَمَرَة كثمرة الحُمَّاض، وطعمُها كطَعْمِه، وسمعتهم يُشَدِّدُونَ المِيمَ من الحَمصِيصِ، وكنَّا نأكلُه إذَا أجَمْنَا التمرَ وحلاوَتَه نَتَحَمَّضُ بِهِ ونَسْتَطِيبُه، وقرأت فِي كتب الأطِبَّاء: حَبٌّ مُحَمَّصٌ يُرِيدُونَ بِهِ المقْلُوَّ، قلت: كَأَنَّهُ مَأْخُوذ من الحَمْصِ، وَهُوَ التَّرَجُّح. قَالَ اللَّيْث: الْحَمْصُ أَن يَتَرَجَّحَ الغلامُ على الأُرْجُوحَة من غير أَن يُرَجِّحَه أَحَدٌ، يُقَال: حَمَص حَمْصاً، قلت: وَلم أسمع هَذَا الْحَرْف لغير اللَّيْث. وَقَالَ: الوَرَمُ إِذا سكن يُقَال: قد انْحَمَصَ، وحَمَّصه الدواءُ. وَقَالَ غَيره: حمَّزَهُ الدَّوَاء وحَمَّصَه إِذا أَخْرَجَ مَا فِيهِ. وَفِي حَدِيث ذِي الثُّدَيَّةِ الْمَقْتُول بالنَّهْرَوانِ أَنه كَانَت لَهُ ثُدَيَّة مثلُ ثَدْي الْمَرْأَة، إِذا مُدَّتِ امْتَدَّت، وَإِذا تُرِكَتْ تَحَمَّصَت، قلت: معنى تَحَمَّصَت أَي تَقَبَّضَت، وَمِنْه(4/158)
قيل للورم إِذا انْفَشَّ قد حَمَص وَقد حَمَّصَه الدواءُ. وروى أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد: إِذا سكن وَرَمُ الْجرْح قيل حَمَص يَحْمُص حُمُوصاً، وانْحَمَصَ انْحِمَاصاً. وَقَالَ اللَّيْث: إِذا وَقعت قَذَاةٌ فِي العَيْن فَرَفَقْتَ بإخْرَاجِها مَسْحاً رُوَيْداً. قلت: حَمَصْتُها بيَدي. قَالَ: وحِمْصُ: كورَةٌ من كُوَر الشأم. عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الأَحْمَصُ: اللِّصُّ الَّذِي يسرقُ الحَمائص، واحِدُها حَمِيصَة، وَهِي الشَّاة المسروقة، وَهِي المَحْموصة والحرِيسة. سَلَمَة عَن الفرّاء: حمَّص الرجلُ إِذا اصطادَ الظِّبَاءَ نصفَ النهارِ. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: المِحْماصُ من النِّسَاء: اللِّصَّةُ الحاذِقةُ. محص: قَالَ اللَّيْث: المَحْصُ: خُلوصُ الشَّيْء. تَقول: مَحَصْتُه مَحْصاً إِذا خَلَّصتَه من كل عَيْب وَقَالَ رؤبة يصفُ فرَساً: شديدُ جَلْزِ الصُّلْبِ مَمْحُوصُ الشَّوَى كالكَرِّ لَا شَخْتٌ وَلَا فِيهِ لَوَى أَرَادَ باللَّوَى العِوَج، قَالَ: والتَّحميص: التَّطْهيرُ من الذُّنُوب. وَقَالَ الْفراء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {وَلِيُمَحِّصَ ? للَّهُ ? لَّذِينَءَامَنُواْ} (آل عِمرَان: 141) يَعْنِي يُمَحِّص الذُّنُوب عَن الَّذين آمنُوا، وَلم يزدْ الفرَّاء على هَذَا. وَقَالَ أَبُو إِسحاق: جعل الله جلّ وعزّ الْأَيَّام دُوَلاً بَين النَّاس ليُمَحِّص الْمُؤمنِينَ بِمَا يَقع عَلَيْهِم من قتل أَو ألم أَو ذهَاب مَال، ويَمْحَق الْكَافرين أَي يَستأْصِلُهم. قَالَ: والمَحْصُ فِي اللُّغَة: التخليص والتَّنْقيَةُ. قَالَ: وسمِعتُ المبرّد يَقُول: مَحِصَ الحبلُ يَمْحَص مَحْصاً إِذا ذهب وبَرُه حَتَّى يَمَّلِصَ، وحَبْلٌ محِصٌ ومَلِصٌ بِمَعْنى وَاحِد. قَالَ: وَتَأْويل قَول النَّاس: محِّص عَنَّا ذنوبنا أَي أَذْهِبْ مَا تَعلَّق بِنَا من الذُّنُوب، قَالَ: فَمَعْنَى قَوْله: {وَلِيُمَحِّصَ ? للَّهُ ? لَّذِينَءَامَنُواْ} (آل عِمرَان: 141) أَي يخلصهم من الذُّنُوب. قَالَ: ومَحَصَ الظبي يَمْحَصُ إِذا عَدَا عَدْواً شَدِيدا، وَكَذَلِكَ فَحَص الظَّبيُ. قَالَ ويُستحَبُّ من الفرَسِ أَن تَمْحَص قوائمُه أَي تَخْلُص من الرَّهَلِ. أَبُو عُبَيد عَن أبي عَمْرو: التَّمْحِيص: الاختبارُ والابتِلاءُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيدة: من صفاتِ الخَيْلِ المُمَحَّصُ والمَحْصُ، فَأَما المُمَحَّصُ فالشديد الخَلْق، والأثنَى مُمَحَّصةٌ. وَأنْشد: مُمَحَّصُ الخَلْقِ وأًى فُرافِصَهْ كلُّ شديدٍ أَسْرَه مُصامِصهْ قَالَ: والمُمَحَّصُ والفُرافِصةُ سَوَاء، قَالَ: والمَحْصُ بِمَنْزِلَة المُمَحَّصِ، والجميع مِحَاصٌ ومَحَصَاتٌ. وَأنْشد: مَحْصُ الشَّوَى مَعْصوبَةٌ قوائمُه قَالَ: وَمعنى مَحْصُ الشَّوَى: قَلِيل اللَّحْم إِذا قلت: مَحِصَ كَذَا، وَأنْشد فِي صفَةِ(4/159)
فرَس: مَحْصُ المُعَذَّرِ أشْرفَتْ حَجَباتُه ينْضُو السوابقَ زاهِقٌ فَرِدُ وَقَالَ غَيره: المَمْحوصُ: السِّنانُ المَجْلُوُّ، وَقَالَ أُسامة الهذَليّ: أَشَفُّوا بمَمحوصِ القِطاع فؤادَه والقِطاع: النِّصَال: يصف عَيْراً رُمِيَ بالنصال حَتَّى رقّ فؤادُه من الفزَع. أَبُو عُبَيد عَن أبي عَمْرو: المَمحُوصُ والمَحِيصُ: البعيرُ الشَّديدُ الخَلْقِ. عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الأمْحَصُ: الَّذِي يقبل اعتِذارَ الصّادقِ والكاذب. وَيُقَال للزِّمام الجيِّد الفَتْل مَحِصٌ ومَحْصٌ فِي الشِّعر، وَأنْشد: ومَحصٍ كاسق السَّوْذَقَانِيّ نازَعَت بكَفِّي جَشَّاءُ البُغَامِ خَفوقُ أَرَادَ مَحِصَ فخَفّفه، وَهُوَ الزِّمام الشَّديد الفَتْل، قَالَ: والخفَوق: الَّتِي يَخْفِق مِشفَراها إِذا عَدَت. قَالَ ابْن عَرَفة: {وَلِيُمَحِّصَ ? للَّهُ ? لَّذِينَءَامَنُواْ} (آل عِمرَان: 141) أَي يَبتليهم. قَالَ: وَمعنى التمحيص النَّقْص. يُقَال محَّص الله عَنْك ذُنوبَك أَي نقَّصَها: فسمَّى الله مَا أصَاب الْمُسلمين من بلَاء تمحيصاً، لِأَنَّهُ ينْقُصُ بِهِ ذنوبهم، وَسَماهُ الله من الْكَافرين مَحْقاً. قَالَ أَبُو مَنْصُور: مَحَصْتُ العَقَبَ من الشّحْم إِذا نَقّيتَه مِنْهُ لِتَفْتله وتَرا وَأَرَادَ أَنه يخلصهم من الذُّنُوب. قَالَ: وَيُقَال: مَحَصتُ الذهبَ بالنَّار. وَفرس ممحوص القوائم: إِذا خلص من الرَّهَل. صحم: قَالَ اللَّيْث: الصُّحْمَةُ: لون من الغُبرة إِلَى سَواد قَلِيل. وبلدة صَحْماء: ذَات اغبرار، وَإِذا أخذت البَقْلَةُ رِيَّها، واشتدت خُضْرتها، قيل: اصحامّت فَهِيَ مُصحامَّة. قَالَ: والصحماء: بقلة لَيست بشديدة الخُضْرة. أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: سَواد إِلَى الصُّفرَة وَقَالَ شمر فِي بَاب الفيافي: الغَبْراءُ والصَّحماءُ: فِي ألوانها بَين الغُبْرَة والصّحْمَة: قَالَ والصُّحْمةُ حُمرةٌ فِي بَيَاض وَيُقَال: صُفْرَةٌ فِي بَيَاض وَقَالَ الطِّرمّاح يصف فَلاَة: وصحماءَ أشباهِ الحَزَابيّ مَا يُرَى بهَا ساربٌ غيرُ القَطَا المُتَرَاطِنِ عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الأصْحَمُ: الْأسود الحالكُ. أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: حَنَأَت الأَرْض تَحنأ، وَهِي حانئة إِذا اخضَرَّت والتَفَّ نَبْتُها. قَالَ: وَإِذا أدبر الْمَطَر وتَغَيَّر نَبْتُها قيل اصْحَامَّت فَهِيَ مُصحامَّة. قَالَ أَبُو مَنْصُور: وَهَذَا أصح مِمَّا قَالَه اللَّيْث، وَقَالَ لبيد فِي نعت الحَمير: وصُحْمٍ صِيَامٍ بَين صَمْدٍ ورِجْلَةٍ صمح: قَالَ اللَّيْث: صَمَحَهُ الصَّيف إِذا كَاد يذيب دماغه من شدَّة الحرِّ.(4/160)
وَقَالَ الطرماح يصف كانِساً من البَقَر: يَذِيلُ إِذا نَسَمَ الأَبْرَدانْ ويُخْدِرُ بالصَّرَّة الصامِحَه والصَّرَّةُ: شِدَّة الحَرِّ، والصَّامِحَةُ: الَّتِي تؤلم الدِّماغَ بِشِدَّة حَرِّها. أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: الصَّمَحْمَحُ من الرِّجَال: الشَّديد، وَكَذَلِكَ الدَّمَكْمَكُ، وَقَالَ اللَّيْث: هُوَ الْمُجْتَمع ذُو الألْوَاحِ وَهُوَ فِي السِّنِّ مَا بَين الثَّلَاثِينَ إِلَى الْأَرْبَعين. وَقَالَ غَيره: حافِرٌ صَمُوحٌ أَي شديدٌ، وَقد صمَح صُمُوحاً، وَقَالَ أَبُو النَّجم: لَا يتَشَكَّى الحافِرَ الصّمُوحا يَلْتَحْن وجْهاً بالحصَى مَلْتُوَحا وَقَالَ أَبُو وَجْزَةَ: زِبَنّون صَمَّاحون رَكْزَ المُصامح يَقُول: مَن شادّهم شادّوه فغلبوه. أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: الصِّمْحَاءَةُ والحِزْباءَةُ: الأرضُ الغَليظَةُ، وَجَمعهَا الصِّمْحاءُ والحِزْباءُ. ثَعْلَب عَن سَلَمَة عَن الْفراء قَالَ: الصُّمَاحِيُّ مَأْخُوذ من الصَّمَاحِ: وَهُوَ الصُّنَان وَأنْشد: ساكِنَاتُ العقيق أشْهَى إِلَى النَّف سِ من الساكِنَاتِ دُورَ دِمَشْقِ يَتَضَوَّعْنَ لَو تَضَمَّخْن بالمِسْ ك صُمَاحاً كأنّه رِيحُ مَرْقِ والمَرْقُ: الإهابُ المُنْتِن، وأَنشد الْأَصْمَعِي فِي صفة ماتح: إِذا بَدَا مِنْهُ صُماحُ الصَّمح وفاض عِطْفَاه بِماءٍ سَفْح وَقَالَ: صَمَحْتُ فلَانا أصْمَحُه صَمْحاً إِذا غلَّظت لَهُ فِي مسئلة أَو غير ذَلِك. عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الأصْمَح: الَّذِي يتعمَّد رُؤُوس الْأَبْطَال بالنَّقْفِ والضَّرْب لشجاعته: وَقَالَ العجّاج: ذُوقي عُقَيْدُ وقْعَةَ السِّلاحِ والدَّاءُ قد يُطلَبُ بالصُّماحِ ويروي: يُبْرَأُ فِي تَفْسِيره. عُقَيْد: قَبيلَة من بَجيلَة فِي بكر بن وَائِل، وَقَوله: بالصُّماح أَي بالكَيّ، يَقُول: آخر الدَّوَاء الكَي. قَالَ أَبُو مَنْصُور: الصُّماحُ أَخذ من قَوْلهم: صَمَحَتْهُ الشَّمْسُ إِذا آلمت دماغه بشِدَّة حَرَّها. مصح: قَالَ اللَّيْث: مَصَحَ النَّدى يَمْصَحُ مُصوحاً إِذا رسخ فِي الثَّرى، والدَّارُ تمصَحُ مُصوحاً أَي تَدْرُسُ، وَقَالَ الطِّرِمَّاحُ: قِفَا نَسَلُ الدِّمَنَ المَاصِحَه وَهل هِيَ إِن سُئِلَتْ بائحه ومَصَحَت أَشَاعِرُ الفَرَسِ إِذا رَسَخَت أُصُولهَا حَتَّى أُمِنَت أَن تُنْتَتَفَ أَو تَنْحَصَّ، وَأنْشد: عَبْلُ الشَّوَى ماصِحَةٌ أَشَاعره ابْن الْأَعرَابِي: مَصَحَ الضَّرْع مُصُوحاً إِذا ذهب لَبَنُه، وَقَالَ ذُو الرُّمَّة: ... والهَجْرُ بالآل يَمْصَحُ وَقَالَ أَبُو عَمْرو: مَصَعَ لَبَنُ النَّاقَة ومصح إِذا ولَّى مُصُوحاً ومُصُوعاً. قَالَ: والأَمْصَحُ: الظّلُّ النَّاقِصُ.(4/161)
وَقَالَ أَبُو زيد: مَصَحَ الثَّرى مُصُوحاً إِذا رسخ فِي الأَرْض. أَبُو عُبَيْد عَن الأصْمعي: محِص بِهَا وحَصَمَ بِهَا إِذا ضَرِط.
(أَبْوَاب الْحَاء وَالسِّين
(ح س ز: مهمل)
ح س ط
اسْتعْمل مِنْهُ: سطح، سحط، طحس.
سطح: قَالَ اللَّيْث: السَّطْحُ: سَطْحُك الشيءَ على وَجه الأَرْض، كَمَا تَقول فِي الْحَرْب: سَطَحُوهُم أَي أَضْجَعُوهُم على الأَرْضِ، والسَّطِيحُ المسطوح هُوَ القَتِيلُ، وَأنْشد:
حَتَّى تَراهُ وَسْطَهَا سَطيحاً
وسَطِيحٌ الذِّئْبِيُّ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة يتكَهَّنُ سُمِّي سطيحاً، لِأَنَّهُ لم يكن لَهُ بَين مَفَاصِلِه قَصَبٌ فَكَانَ لَا يقدر على قيام وَلَا قعُود، وَكَانَ مُنْسَطِحاً على الأَرْض، وحَدَّثنا بِقِصَّتِهِ محمدُ ابنُ إسْحَاق السّعْدِيّ قَالَ: حَدثنَا عَليّ بن حَرْب المَوْصِليّ، قَالَ: حَدثنَا أَبُو أَيُّوب يَعْلَى بن عمْران البَجَلِيّ، قَالَ: حَدثنِي مَخْزُوم بن هانىء المَخْزُومِي عَن أَبِيه، وأَتَتْ لَهُ خَمْسُونَ وَمِائَة سنة قَالَ: لما كَانَت لَيْلَة ولد فِيهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ارْتَجَس إيوانُ كِسْرَى، وَسَقَطت مِنْهُ أربعَ عشرَة شُرْفَةً، وخَمِدَت نارُ فارِس، وَلم تَخْمَد قبل ذَلِك مائَة عَام، وغاضت بُحَيْرَة سَاوَةَ، وَرَأى المُوبِذَان إِبِلاً صِعاباً تقود خَيْلاً عِراباً قد قَطَعَتْ دِجْلَةَ، وانتشرت فِي بلادها فلمّا أصبح كسْرَى أفزعه مَا رأى، فلَبِس تاجه وَأخْبر مَرازِبَتَه بِمَا رأى، فورد عَلَيْهِ كتَابٌ بخمود النَّار، فَقَالَ المُوبِذَانُ: وَأَنا رَأَيْت فِي هَذِه اللَّيْلَة وقَصَّ عَلَيْهِ رُؤْيَاهُ فِي الْإِبِل، فَقَالَ لَهُ الْملك: وأيُّ شَيْء يكون هَذَا؟ قَالَ: حَادث من نَاحيَة الْعَرَب، فَبعث كسْرَى إِلَى النُّعْمَان بن الْمُنْذر أَن ابْعَثْ إليّ بِرَجُل عَالِمٍ ليخبرني عمَّا أسأله، فَوجه إِلَيْهِ بِعَبْد الْمَسِيح بن عَمْرو بن نُفَيْلَة الغَسَّانِي، فَأخْبرهُ بِمَا رأى، فَقَالَ: عِلْم هَذَا عِنْد خَالِي سَطِيح، قَالَ: فأته وسَلْه وأتِني بجوابه، فَقدم على سَطِيح وَقد أَشْفَى على الْمَوْت فأنْشَأَ يَقُول:
أَصَمُّ أم يَسْمَعُ غِطْرِيفُ اليمَن
أم فَادَ فازْلَمَّ بِهِ شَأْوُ العَنَن
يَا فَاصِلَ الْخُطَّة أَعْيَتْ مَنْ ومَنْ
أَتَاكَ شَيْخُ الحَيِّ من آل سَنَنْ
رَسُولُ قَيْل العُجْم يَسْرِي لِلْوَسَن
وأمّه من آل ذئْب بن حَجَن
أَبْيَضُ فَضْفَاضُ الرِّداء والبَدَنْ
تَجُوبُ بِي الأرضَ عَلَى ذَات شَجَن
تَرْفَعُني وَجْنَاءُ تَهْوِي من وَجَن
حَتَّى أَتَى عاري الجبين والقَطَن
لَا يَرْهَبُ الرَّعدَ وَلَا ريْبَ الزَّمن
تَلُفُّهُ فِي الرِّيح بَوْغَاءٌ الدِّمَن
كأَنَّما حُثْحِثَ من حِضْنَي ثَكَن(4/162)
فَلَمَّا سمع سَطِيح شِعْرَه رفع رأسَه فَقَالَ: عبد الْمَسِيح على جَمَلٍ مُشيح يهوي إِلَى سَطيح وَقد أوفى على الضَّرِيح، بَعَثَكَ مَلِك من بني سَاسَان لارْتجَاسِ الإيوان وخمود النيرَان ورُؤْيا المُوبِذان، رأى إبِلاً صِعَاباً تقود خَيْلاً عِرَاباً. يَا عبدَ الْمَسِيح، إِذا كَثُرَت التِّلاوة، وبُعِثَ صاحبُ الهِرَاوَة، وغاضت بُحَيرةُ سَاوَة، فَلَيْسَ الشأم لِسَطيح شَأماً، يَمْلكُ مِنْهُم مُلُوك ومَلِكات على عَدَدِ الشُّرُفات، وكلّ مَا هُوَ آتٍ آتٍ، ثمَّ قُبِضَ سَطِيحٌ مَكَانَهُ، ونهض عبد الْمَسِيح إِلَى رَاحِلَته وَهُوَ يَقُول:
شَمِّر فَإنَّك مَا عُمِّرْتَ شِمِّيرُ
لَا يُفْزِعَنَّكَ تَفْرِيقٌ وتَغْيِيرُ
إِن يُمْسِ مُلْكُ بني ساسان أفرطهم
فإنَّ ذَا الدَّهْرِ أَطْوَارٌ دَهَارِيرُ
فرُبَّما رُبَّمَا أَضْحَوْا بِمَنْزِلَةٍ
تخَافُ صَوْلَهُم أُسْدٌ مَهَاصِير
مِنْهُم أَخُو الصَّرْح بَهْرَامٌ وإخْوَتهُم
وهْرْمُزَانٌ وسَابُورٌ وسَابُورُ
والناسُ أَوْلَاد عَلاَّتٍ فَمن عَلِمُوا
أَنْ قد أقلَّ فَمَهْجُورٌ ومَحْقُورُ
وهُم بَنُو الأُمِّ لَمَّا أَن رَأَوْا نَشَباً
فَذَاك بالغَيْبِ مَحْفُوظٌ ومَنْصُورُ
والخيرُ والشَّرُّ مقرونان فِي قَرَنٍ
فالخيرُ مُتَّبَعٌ والشَّرُّ مَحْذُورُ
فلمّا قدم على كِسْرى أخبرهُ بقول سطيح فَقَالَ كِسْرى: إِلَى أَن يَمْلِكَ مِنَّا أربعةَ عشرَ مَلِكاً تكون أمُورٌ، فَملك مِنْهُم عَشَرَة فِي أَربع سِنِين، ومَلَك الْبَاقُونَ إِلَى زَمَن عُثمان.
قلت: وَهَذَا الْخَبَر فِيهِ ذكر آيَة من آيَات نبوة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل مبعثه، وَهُوَ حَدِيث حسن غَرِيب.
وَقَالَ اللَّيْث: السَّطحُ: ظَهْرُ الْبَيْت إِذا كَانَ مُسْتَوِياً، وفِعْلُكه التَّسْطِيح.
قَالَ: والمِسْطَح والمِسْطَحَةُ: شبه مِطْهَرَة لَيست بمُربَّعة، قَالَ: ويُسَمَّى هَذَا الكوزُ الَّذِي يُتَّخَذُ للسَّفر ذُو الجَنْبِ الواحِدِ مِسْطَحاً.
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنّ حَمَلَ بن مَالك قَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كنتُ بَين جَارَتَين لي فضَرَبَت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى بمِسْطح فَأَلْقَت جَنيناً ميِّتاً وَمَاتَتْ، فَقضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بدية المقتولة على عَاقِلَة القاتلة، وَجعل فِي الْجَنِين غُرَّة.
قَالَ أَبُو عُبَيد: المِسْطح: عُودٌ من عِيدان الخِباءِ أَو الفُسْطاط. وَأنْشد قَول عَوْف بن مَالك النَّضْرِيّ:
تَعرَّض ضَيْطَارُو فُعَالة دُوننَا
وَمَا خَيْرُ ضَيْطَارٍ يُقَلِّبُ مِسْطَحا
يَقُول: لَيْسَ لَهُ سلَاح يُقَاتل بِهِ غير مِسْطح.
وَفِي حَدِيث آخر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ فِي بعض أَسْفَاره، ففقدوا المَاء، فَأرْسل عَلِيّاً وَفُلَانًا يبغيان المَاء فَإِذا هما بِامْرَأَة بَين سطيحتين.
قَالَ أَبُو عُبَيد: قَالَ الْأَصْمَعِي والكِسَائي: السَّطِيحةُ: المزادَةُ تكون من جلدين، والمزادة أكبر مِنْهَا.(4/163)
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: السَّطِيحة من المزاد: إِذا كَانَت من جلدين قُوبِل أَحدهمَا بِالْآخرِ فَسُطح عَلَيْهِ فَهِيَ سطيحة.
وَقَالَ غَيره: المِسْطحُ: حصيرٌ يُسَفُّ من خُوصِ الدَّوْمِ، وَمِنْه قولُ تَمِيم بن مُقبل:
إِذا الأمْعَزُ المَحْزُوُّ آضَ كَأَنَّهُ
من الحَرِّ فِي حَدِّ الظهيرة مِسطَحُ
والمِسْطَح: أَيْضا: صفيحة عريضة من الصخر يُحَوَّط عَلَيْهِ لماء السَّمَاء، ورُبما خلق الله عِنْد فَم الرَّكِيَّة صفَاةً ملساء مستويةً فيُحَوَّط عَلَيْهَا بِالْحِجَارَةِ، ويُسقَى فِيهَا لِلْإِبِلِ شبه الْحَوْض، وَمِنْه قَول الطّرمّاح:
... فِي جَنْبَيْ مَدِيَ ومِسْطَح
والمِسْطَح أَيْضا: مَكَان مُسْتَوٍ يُجَفَّفُ عَلَيْهِ التَّمْر ويُسَمَّى الجَرِين.
والسُّطَّاحَة: بقلة ترعاها الْمَاشِيَة، ويُغسَل بورقها الرؤوس.
وَقَالَ الفرّاء: هُوَ المِسْطح والمِحْورُ والشُّوبق.
قَالَ ابْن شُمَيْل: إِذا عُرِّش الكرْمُ عُمِدَ إِلَى دعائم يُحْفَر لَهَا فِي الأَرْض، لكل دعامة شُعْبَتان، ثمَّ تؤخَذُ خَشَبَةٌ فَتُعَرَّضُ على الدّعامَتَيْن، وتُسَمَّى هَذِه الْخَشَبَة المعروضة المِسْطح، وَيجْعَل على المساطِح أُطُرٌ من أدناها إِلَى أقصاها تُسمَّى المساطِح بالأُطُر مساطِح.
طحس: قَالَ ابْن دُرَيْد: الطَّحْس يُكْنى بِهِ عَن الْجِمَاع. يُقَال: طَحَسَهاوطَحَزَها، قلت: وَهَذَا من مَناكِير ابْن دُرَيْد.
سحط: أَبُو عَمْرو والأصمعي: سَحَطه وشَحَطه إِذا ذَبَحه.
وَقَالَ اللَّيْث: سَحَط الشَّاةَ وَهُوَ ذَبْحٌ وَحِيٌّ.
وَقَالَ المُفَضَّل: المَسْحُوط من الشَّرَاب كلِّه: الممْزُوج.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: أَكلَ طَعَاما فَسَحَطه أَي أَشرقَه، وَأنْشد ابنُ السِّكِّيت:
كَاد اللُّعاعُ من الحَوْذَان يَسْحطُها
ورِجْرِجٌ بَين لَحْيَيْها خَناطِيلُ
ح س د
حسد، حدس، دحس، سدح: مستعملة.
حسد: قَالَ اللَّيْث: الحَسَدُ مَعْرُوف، وَالْفِعْل حَسدَ يَحْسُدُ حَسَداً.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحَسْدَلُ: القُرَادُ، قَالَ: وَمِنْه أُخِذ الْحَسَد لِأَنَّهُ يَقْشِرُ القَلْبَ كَمَا يَقْشِر القُرادُ الْجلد فيمتصّ دَمَهُ.
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (لَا حسَدَ إِلَّا فِي اثْنتَين، رجل آتَاهُ الله مَالا فَهُوَ يُنْفِقهُ آنَاء اللَّيْل وَالنَّهَار، وَرجل آتَاهُ الله قُرْآنًا فَهُوَ يتلُوه) . أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أَحْمد بن يحيى أَنه سُئل عَن معنى هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: مَعْنَاهُ لَا حَسَد لَا يضر إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ، قَالَ: والحَسَدُ أَن يَرَى الْإِنْسَان لِأَخِيهِ نِعْمةً فيتمنَّى أَن تُزْوَى عَنهُ وَتَكون لَهُ، قَالَ: والغَبْطُ: أَن يتَمَنَّى أَن يكون لَهُ مثلهَا من غبر أَن تُزْوَى عَنهُ، قلت: فالغَبْطُ ضرب من الْحَسَد، وَهُوَ أخَفّ مِنْهُ، أَلا ترى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لمَّا سُئل: هَل يضر الغَبْط؟ فَقَالَ: نعم، كَمَا(4/164)
يضُرّ الخبْطُ، فَأخْبر أَنه ضَارٌّ وَلَيْسَ كضرر الْحَسَد الَّذِي يتَمَنَّى صَاحبه زَيَّ النِّعْمَة عَن أَخِيه، والخَبْطُ: ضَرْبُ ورق الشّجر حَتَّى يَتَحَاتَّ عَنهُ، ثمَّ يَسْتَخلف من غير أَن يَضُرّ ذَلِك بِأَصْل الشَّجَرَة وَأَغْصَانهَا.
وَقَوله ج: (لَا حق إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ) هُوَ أَن يتَمَنَّى أَن يرزقه الله مَالا ينْفق مِنْهُ فِي سُبُل الْخَيْر، أَو يَتمنَّى أَن يكون حَافِظًا لكتاب الله تَعَالَى فيتلُوه آنَاء اللَّيْل وَالنَّهَار، وَلَا يتَمَنَّى أَن يُرْزَأ صاحِبُ المَال فِي مَاله أَو تَالِي الْقُرْآن فِي حفظه.
وأَصْلُ الحَسَدِ القَشر كَمَا قَالَ ابْن الْأَعرَابِي.
سدح: قَالَ اللَّيْث: السَّدْحُ: ذَبْحُك الحيوانَ ممدوداً على وَجه الأَرْض وَقد يكون إضْجاعُك الشيءَ على وَجه الأَرْض سَدْحاً نَحْو القِرْبَة المملُوءَة المسْدُوحَة.
وَقَالَ أَبُو النَّجْم يصف الْحَيَّة:
يأْخذ فِيهِ الحَيَّةَ النَّبُوحا
ثمَّ يَبِيتُ عِنْده مذبُوحا
مُشَدَّخَ الهامةِ أَو مَسْدُوحا
قلت: السَّدْح والسَّطْحُ وَاحِد أبدلت الطاءُ فِيهِ دَالا، كَمَا يُقَال: مَطَّ ومَدَّ وَمَا أشبهه.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: سَدَحَ بِالْمَكَانِ وردَحَ إِذا أَقَامَ بِالْمَكَانِ أَو المَرْعَى، قَالَ: وسَدَحْتُه أَي صَرَعْتُه.
وَقَالَ ابْن بُزُرْج: سَدَحت الْمَرْأَة ورَدَحَت إِذا حَظِيت عِنْد زَوجهَا ورَضِيَت.
حدس: قَالَ اللَّيْث: الحَدْسُ: التّوَهُّم فِي مَعَاني الْكَلَام والأمُور. بَلغنِي عَن فلَان أمْرٌ فَأَنا أَحْدِسُ فِيهِ أَي أَقُول بالظَّنِّ والتَّوَهُّم.
قَالَ: والحَدْس فِي السّير: سُرعَةٌ ومُضِيٌّ على طَريقَة مُسْتَمِرَّة. وَأنْشد:
كَأَنَّهَا من بَعْدِ سَيْرٍ حَدْسٍ
وحُدَسُ: اسْم أبي حَيَ من العرَب.
والعرَب تختلِفُ فِي زجر البغال فبعضٌ يَقُول: عَدَس. وَبَعض يَقُول: حَدَس. قلت: وعَدَس أَكثر من حَدَس. وَمِنْه قَول ابْن مُفَرِّغٍ:
عَدَسْ مَا لِعَبَّادٍ عَلَيْك إمارَةٌ
نَجَوْتِ وهَذَا تَحمِلين طَلِيقُ
جعل عَدَسْ اسْما للبغلة، سَمَّاهَا بالزَّجر عَدسْ.
وَقَالَ ابْن أَرقم الكُوفيُّ: حَدَسْ: قوم كَانُوا على عهد سُلَيْمَان بن دَاوُد ث وَكَانُوا يَعْنُفُون على البغال، فَإِذا ذُكِرُوا نَفَرت البِغالُ خوفًا لما كَانَت لَقِيَتْ مِنْهُم.
وَقَالَ اللِّحياني: حَدَسْتُ الشَّاة حَدْساً إِذا أضجعتها لتذبحها، وَمِنْه المثَلُ السَّائر: (حَدَسَهم بِمُطْفِئَة الرَّضْف) .
وَقَالَ ابْن كُناسَة: تَقول الْعَرَب: إِذا أمْسَى النَّجمُ قِمَّ الرَّأْس فَعُظْمَاها فاحْدِس، مَعْنَاهُ انْحَرْ أعْظَم الْإِبِل.
وَقَالَ أَبُو زيد حَدَسْتُ بالناقة: إِذا أَنَخْتها.
وَقَالَ غَيره: أصلُ الحَدْس: الرَّمْيُ، وَمِنْه حَدْسُ الظَّن إِنَّمَا هُوَ رَجْمٌ بِالْغَيْبِ.
الحَرَّاني عَن ابْن السّكيت: يُقَال: بَلَغْتُ بِهِ الحِداسَ أَي الْغَايَة الَّتِي يُجْرَى إِلَيْهَا(4/165)
وأبْعَدَ، وَلَا تَقُل الإدَاسَ.
أَبُو عُبَيد عَن الأُمَوِي: حَدَس فِي الأَرْض وعَدَسَ يَحْدِسُ ويَعْدِس إِذا ذهب فِيهَا.
وَقَالَ أَبُو زيد: تَحَدَّسْتُ عَن الْأَخْبَار تَحدُّساً، وتَنَدَّسْتُ عَنْهَا تَنَدُّساً، وتَوَجَّسْتُ إِذا كنتَ تُرِيغُ أخبارَ النَّاس لتعلمها من حَيْثُ لَا يعلمُونَ.
وَيُقَال: حَدَسْتُ عَلَيْهِ ظَنِّي ونَدَسْتُه إِذا ظَنَنْتَ الظَّنَّ وَلم تَحُقَّه.
وَمعنى الْمثل: حَدَسَهم بمُطْفِئَة الرَّضْف أَنه ذبح لأضيافه شَاة سَمِينَة أطفَأَت من شحمها ذَلِك الرَّضْف.
وَيُقَال: دحَسَ بناقته إِذا وجأ فِي سَبَلَتِها أَي أناخها فوجأها فِي نحرها، والسَّبَلَةُ هَاهُنَا نحرُها. يُقَال: مَلأ الدَّلوَ إِلَى أسْبالها أَي إِلَى شِفَاهِها.
دحس: اللَّيْث: الدَّحْسُ: التَدّسِيسُ للأمور تستبطنها وتطلُبُها أخْفى مَا تَقْدِر عَلَيْهِ: وَلذَلِك سُمِّيت دودةً تَحت التُّرَاب دَحّاسَةً، وَهِي صفراءُ صَافِيَة، لَهَا رَأس مُشَعَّبُ يَشُدّها الصِّبيان فِي الفِخاخ لصيد العصافير، لَا تُؤْذِي، وَأنْشد فِي الدَّحْس بِمَعْنى الاستبطان:
وَيعْتِلُون مَنْ مَأَى فِي الدَّحْس
وَقَالَ بعض بني سُلَيْم: وِعاءٌ مَدْحُوسٌ ومَدْكُوسٌ ومَكْبُوسٌ بِمَعْنى وَاحِد، وَهَذَا يدل على أَن الدَّيْحَسَ مثل الدَّيْكَس: وَهُوَ الشيءُ الْكثير.
أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد: دَحَسْتُ بَين الْقَوْم دَحْساً: أفسدتُ بَينهم، وَكَذَلِكَ مَأَسْتُ وأرشْتُ.
وأنشدني أَبُو بكر الْإِيَادِي:
وَإِن دَحَسُوا بالشَّرِّ فاعْفُ تَكَرُّما
وَإِن خَنَسُوا عَنْك الحديثَ فَلَا تَسَلْ
النَّضْرُ: الدَّحَّاسُ: دُودٌ يُشَدُّ فِي الفَخِّ، وَجمعه دَحَاحِيس.
سُئل الْأَزْهَرِي عَن الدَّاحس فَقَالَ: الدَّاحِسُ: قَرْحَةٌ تخرج بِالْيَدِ تسمى بِالْفَارِسِيَّةِ بَرْوَرَهْ.
وداحس: اسْم فرس مَعْرُوف.
ح س ت
اسْتعْمل من وجوهه: (سحت) .
سحت: اللَّيْث: السُّحْتُ: كلُّ حَرام قَبِيح الذِّكر يَلْزَمُ مِنْهُ الْعَار نَحْو ثمن الكَلْب وَالْخمر والخِنْزِير: وَإِذا وَقع الرجل فِيهَا قيل: قد أسْحَت الرجل. قَالَ: والسُّحْتُ: العَذَابُ، قَالَ: وسَحَتْنَاهم بلغنَا مجهودَهم فِي المَشَقَّة عَلَيْهِم، وأَسْحَتْنَاهم لُغَةٌ.
وَقَالَ الفرّاء: قُرىءَ قَوْلُ الله جلّ وعزّ: {فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ} (طاه: 61) وقرىء: (فيَسْحَتَكم) بِفَتْح الْيَاء والحاء، قَالَ: ويَسْحَتُ أَكثر وَهُوَ الاستئصال. وَأنْشد قَول الفرزدق:
وعَضُّ زَمَانٍ يَا ابْن مَرْوَان لم يَدَعْ
من المَال إِلَّا مُسْحَتاً أَو مُجَلَّفُ
قَالَ: وَالْعرب تَقول: سَحَت وأَسْحَتَ.
ويُروَى: إِلَّا مُسْحَتٌ أَو مُجَلَّفُ. ومَنْ رَوَاهُ كَذَلِك جعل معنى لم يدع: لم يَتَقَارّ، وَمن رَوَاهُ: إِلَّا مُسْحَتاً، جعل لم يَدَعْ بِمَعْنى لم(4/166)
يتْرك وَرفع قَوْله: أَو مُجَلَّفُ بإضمارٍ كأنَّه قَالَ: أَو هُوَ مُجَلَّفٌ كَذَلِك. وَهَذَا قَول الْكسَائي.
وَيُقَال: أَسْحَت الحالِقُ شَعَرَه إِذا استأصله، وأسْحَت الخاتِنُ فِي خِتَان الصَّبِي إِذا استأصله. وَكَذَلِكَ أغْدَفَهُ. يُقَال: إِذا ختنت فَلَا تُغْدِف وَلَا تُسْحِت.
وَقَالَ ابْن الْفرج: سمعتُ شُجَاعاً السُّلَمِي يَقُول: بَرْدٌ بَحْتٌ وسَحْتٌ ولَحْتٌ أَي صَادِقٌ، مثل سَاحَة الدَّار وَبَاحَتها، وَيُقَال: مالُ فلَان سُحْتٌ أَي لَا شَيْءَ على من اسْتَهْلكهُ.
وَفِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحمى بجُرَش حِمًى، وَكتب لَهُم بذلك كتابا فِيهِ: (فَمَنْ رعاه من النَّاس فَمَاله سُحْتٌ) أَي من أصَاب مالَ مَنْ رَعَى الحِمَى فقد أهدرْتُه ودَمُه سُحْتٌ أَي هَدَرٌ.
وقُرىءَ (أَكَّالُون للسُّحُتِ) مُثَقَّلا، و {لِلسُّحْتِ} (الْمَائِدَة: 42) مُخَفَّفا، وتأويله أنّ الرُّشَا الَّتِي يأكلونها يُعْقِبُهم الله بهَا أَن يُسْحِتَهم بِعَذَاب، كَمَا قَالَ الله جلّ وعزّ: {لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ} (طاه: 61) .
أَبُو عُبَيد عَن الأحْمر: المَسْحُوتُ: الجائعُ، وامرأةٌ مَسْحُوتَةٌ.
وَقَالَ رُؤبة يصفُ يُونُس والحُوتَ الَّذِي الْتَهَمَه.
يُدْفَعُ عَنهُ جَوْفُه المَسْحُوتُ
يَقُول: نَحَّى الله جلّ وعزّ جوَانِبَ جَوْفِ الْحُوت عَن يُونُس، وجافاه عَنهُ فَلَا يُصِيبُه مِنْهُ أَذَى. وَمن رَوَاهُ:
يَدْفعُ عَنهُ جوفُه المَسْحوتُ
يُرِيد أَن جوفَ الحوتِ صَار وِقاية لَهُ منَ الغَرَق، وَإِنَّمَا دفع الله جلّ وعزّ عَنهُ.
أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد: أسْحَتَ الرجلُ فِي تِجَارَته إِذا اكْتَسَبَ السُّحْتَ.
ح س ظ ح س ذ ح س ث: أهملت وجوهها.
ح س ر
حسر، حرس، سحر، سرح، رسح: مستعملة.
حسر: قَالَ اللَّيْث: الْحَسْرُ: كَشْطُكَ الشَّيءَ عَن الشيءِ. يُقَال: حَسَرَ عَن ذِراعيه، وحَسَرَ البَيْضَة عَن رَأسه، وحَسَرَت الرِّيحُ السّحابَ حَسْراً. وانْحَسَرَ الشيءُ إِذا طاوَع. وَقد يَجِيء فِي الشِّعر حَسَرَ لَازِما مثل انْحَسَر.
وَقَالَ اللَّيْث: حَسَرَ البَحرُ عَن السَّاحِل إِذا نَضِبَ عَنهُ حَتَّى بدا مَا تَحت المَاء من الأَرْض، وَلَا يُقالُ: انحسَرَ البَحْرُ.
وَقَالَ ابْن السَّكِّيت: حَسَرَ الماءُ ونَضَبَ وجَزَرَ بِمَعْنى وَاحِد، وَأنْشد أَبُو عُبَيد فِي الحُسُورِ بِمَعْنى الانكشافِ:
إِذا مَا القَلاَسِي والعَمائمُ أُخْنِسَتْ
فَفِيهن عَن صُلْعِ الرِّجال حُسُور
وَقَالَ اللَّيْث: الحَسْرُ والحُسُور: الإعياء، تَقول حَسَرَت الدَّابَّةُ والعَيْنُ، وحَسَرَها بُعْدُ الشَّيْء الَّذِي حَدَّقَتْ نَحوه، وَقَالَ رؤبة:
يَحْسُرُ طَرْفَ عَيْنِه فَضَاؤُه(4/167)
وَقَالَ الفَرَّاء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ} (المُلك: 4) يُرِيد يَنْقَلِب صاغِراً وَهُوَ حَسِيرٌ أَي كليلٌ كَمَا تَحْسِرُ الإبِل إِذا قُوِّمَتْ عَن هُزَال وَكَلال، وَهِي الحَسْرَى، وَاحِدهَا حَسِيرٌ، وَكَذَلِكَ قَوْله عزّ وجلّ: {وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُوراً} (الإسرَاء: 29) .
قَالَ: نَهَاه أَن يُعْطِيَ كُلَّ مَا عِنْده حَتَّى يَبْقَى مَحْسُوراً لَا شَيْء عِنْده.
قَالَ: والعَرَبُ تَقول: حَسَرْتُ الدَّابَّة إِذا سَيّرْتَها حَتَّى يَنْقَطِع سَيْرُها، وَأما البَصَرُ فَإِنَّهُ يَحْسُرُ عِنْد أقْصَى بُلُوغ النّظر.
وَقَالَ أَبُو الهَيْثَم: حُسِرَت الدَّابَّةُ حَسْراً إِذا أُتْعِبَتْ حَتَّى تَبْقَى، واستحسرت إِذا أَعْيَتْ، قَالَ الله تَعَالَى: {وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ} (الأنبيَاء: 19)
وَفِي الحَدِيث: (الحسير لَا يعقر) لَا يجوز للغَازِي إِذا حُسِرَت دابَّتُه وقَوَّمَتْ أَن يَعْقِرها مخافَةَ أَن يَأْخُذهَا العَدُوُّ، وَلَكِن يُسَيِّبُها.
وَقَالَ غَيره: يُقَال للرّجَّالة فِي الْحَرْب الحُسَّر، وَذَلِكَ أَنهم يَحْسِرونَ عَن أَيْدِيهم وأَرْجُلِهم.
وَقَالَ بَعضهم: سُمُّوا حُسَّرا لِأَنَّهُ لَا دُرُوعَ عَلَيْهِم وَلَا بَيْض، والحَاسِرُ: الَّذِي لَا بَيْضَةَ على رأسِه، وَقَالَ الأعْشى: يصف الدَّارعَ والحاسِر:
تَعْصِفُ بالدَّارِع والحَاسِرِ
وَفِي فتح مَكَّة أَن أَبَا عُبَيدة كَانَ يومئذٍ على الحُسَّر وهم الرَّجَّالَة، وَيُقَال للَّذين لَا دروع لَهُم.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَول الله عزّ وجلّ: {هُمْ خَامِدُونَ ياحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ} (يس: 30) هَذَا أَصْعَب مَسْأَلَة فِي الْقُرْآن إِذا قَالَ الْقَائِل: مَا الْفَائِدَة فِي مُناداة الحَسْرة، والحَسْرةُ مِمَّا لَا تُجِيب، قَالَ: والفائدة فِي مناداتها كالفائدة فِي مُناداة مَا يعقل، لِأَن النِّداءَ بابُ تَنْبِيه. إِذا قلت: يَا زَيْدُ، فَإِن لم تكن دَعوته لتخاطبه بِغَيْر النداء فَلَا معنى للْكَلَام، إِنَّمَا تَقول: يَا زيد لتنبهه بالنداء، ثمَّ تَقول لَهُ: فعلت كَذَا، أَلا تَرَى أَنَّك إِذا قلت لمن هُوَ مقبل عَلَيْك: يَا زيدُ، مَا أَحسنَ مَا صَنَعْتَ فَهُوَ أوكَدُ من أَن تَقول لَهُ: مَا أحسنَ مَا صنعت بِغَيْر نِدَاء، وَكَذَلِكَ إِذا قلت للمخاطب: أَنَا أعجَبُ مِمَّا فعلت، فقد أفدته أَنَّك مُتَعَجِّب، وَلَو قلت: واعَجَبَاهُ ممَّا فَعَلْت، وَيَا عجباه أتفعل كَذَا كَانَ دُعَاؤُك العَجَب أبلغ فِي الْفَائِدَة، وَالْمعْنَى يَا عَجَبَا أَقْبِلْ فَإِنَّهُ من أَوْقَاتِك، وَإِنَّمَا النداء تَنْبِيه للمتعَجَّب مِنْهُ لَا للعَجَب، والحَسْرَةُ أَشَدُّ النَّدَم حَتَّى يبْقى النَادِمُ كالحَسِيرِ من الدوَابِّ الَّذِي لَا مَنْفَعَة فِيهِ.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {مَن يَشَآءُ فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ} (فَاطِر: 8) . وَهَذَا نَهْيٌ مَعْنَاهُ الْخَبَر، المَعْنَى: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سوء عمله فأضله الله ذَهَبَتْ نَفْسُك عَلَيْهِم حَسْرةً وتَحسُّراً، وَيُقَال حَسِر فلَان يحسَر حَسْرَةً وحَسَراً إِذا اشتدت ندامتُه على أمرٍ فَاتَهُ، وَقَالَ المَرَّار:
مَا أَنَا اليومَ على شيْء خَلاَ
يَا ابْنَةَ القَيْن تَوَلَّى بِحَسِرْ(4/168)
وَقَالَ اللَّيْث: الطيرُ تتحَسَّر إِذا خَرَجَتْ من الرِّيش العَتِيقِ إِلَى الحَدِيث، وحَسّرها إبَّان التَّحْسِير ثَقَّلَه: لِأَنَّهُ فُعِلَ فِي مُهْلَة.
قلت: والبَّازِي يُكَرِّز للتَّحْسِير، وَكَذَلِكَ سَائِر الْجَوَارِح تَتَحَسّر.
وتَحَسَّر الوَبَرُ عَن البَعِير والشَّعَر عَن الْحمار إِذا سَقَطَ. وَمِنْه قَوْله:
تَحَسَّرَتْ عِقَّةٌ عَنهُ فأَنْسَلَها
واجْتَابَ أُخرى جَدِيدا بعد مَا ابْتَقَلاَ
وَقَالَ اللَّيْث: الْجَارِيَة تَتحَسَّر إِذا صَارَ لحمُها فِي موَاضعه، وَكَذَلِكَ البَعيرُ. وَقَالَ لبيد:
فَإِذا تَغَالَي لَحمُها وتَحَسَّرَتْ
وتَقَطَّعَتْ بعد الكَلاَلِ خِدَامُها
قلت: وتحسُّرُ لحم الْبَعِير أَن يكون الربيعُ سَمَّنه حَتَّى كثُر شحمه وتَمَكَ سَنَامه، فَإِذا رُكِبَ أَيّاماً فَذهب رَهَلُ لَحْمه، واشْتَدَّ مَا تَزَيَّم مِنْهُ فِي موَاضعه فقد تَحسّر.
وَرجل حاسِرٌ: لَا عِمامَةَ على رَأسه، وامرأةٌ حاسِرٌ بِغَيْر هَاء إِذا حَسَرَتْ عنهَا ثِيابها، ورجُلٌ حاسِرٌ: لَا دِرْعَ عَلَيْهِ وَلَا بَيْضَة على رأْسِه.
وَقَالَ الليثُ: الحَسَارُ: ضَرْبٌ من النَّباتِ يُسلِّح الإبِلَ.
ورجُلٌ مُحَسَّر: مُحَقَّرٌ مُؤْذًى.
وَفِي الحَدِيث (يخرج فِي آخر الزّمان رجُلٌ يُسَمَّى أمِيرَ العُصَبِ، أَصْحَابُه مُحَسَّرُون مُحَقَّرُون مُقْصَوْن عَن أَبْوَاب السُّلْطَان، يأتونه من كل أَوْبِ كَأَنَّهُمْ قَزَعُ الخَريفِ يُوَرِّثُهُم الله مَشارِقَ الأرْضِ ومَغَارِبها) .
أَبُو زيد فَحْلٌ حاسرٌ وفادِرٌ وجَافِرٌ إِذا أَلْقَح شَوْلَه فَعَدَلَ عَنْهَا وتَركها.
وَفِي الحَدِيث: (ادعوا الله وَلَا تستحسروا) . قَالَ النَّضْرُ: مَعْنَاهُ لَا تَمَلُّوا.
قَالَ الشَّيْخُ: رُوِي هَذَا الْحَرْف: فَحْلٌ جاسرٌ بِالْجِيم أَي فادِر، وَأَظنهُ الصَّوَاب، وَقَول العَجَّاج:
كَجَمَلِ البَحْرِ إِذا خَاضَ جَسَرْ
غَوَارِبَ اليَمِّ إِذا اليَمُّ هَدَر.
حَتَّى يُقَال حَاسِرٌ وَمَا انْحَسَرَ
يَعْنِي اليَمّ، يُقَال: حاسِرٌ إِذا جَزَر، وَقد حَسَر البَحْرُ وجَزَر وَاحِد.
وَقَوله: إِذا خَاضَ جَسَر بِالْجِيم أَي اجترأ وخاض مُعْظَمَ الْبَحْر، وَلم تَهُلْه اللُّجَحُ.
الحَسَارُ من العُشْبِ ينْبت فِي الرِّياض، الواحِدَةُ حَسَارَة.
ورِجْلُ الغُرَاب: نَبْتٌ آخر، وَدم الغزال: نبت آخر: والتأويلُ: عُشْب آخر.
سحر: قَالَ اللَّيْث: السِّحْرُ: عمل يُقْرَبُ فِيهِ إِلَى الشَّيْطَان وبمَعُونَةٍ مِنْهُ، كل ذَلِك الأمْرِ كَيْنُونَتُه السِّحْر، وَمن السِّحْر الأخْذَةُ الَّتِي تأْخُذُ العَيْنَ حَتَّى تَظُنَّ أنَّ الأمرَ كَمَا تَرى وَلَيْسَ الأصْلُ على مَا تَرَى.
وَفِي الحَدِيث أنّ قيسَ بنَ عَاصمٍ المِنْقَرِيَّ والزِّبرقان بن بدر وَعَمْرو بن الأصمِّ قَدِمُوا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَ النبيُّ عَمْراً عَن الزِّبْرِقَان فأَثْنَى عَلَيْهِ خيرا، فَلم يَرْضَ الزّبرِقَانُ بذلك، وَقَالَ: وَالله يَا رَسُول الله إِنَّه ليعلم أَنّي أفضل مِمَّا قَالَ، وَلكنه حَسَدَ(4/169)
مكانِي مِنْك، فأَثْنَى عَلَيْهِ عَمْرو شَرّاً، ثمَّ قَالَ: وَالله مَا كَذَبْتُ عَلَيْهِ فِي الأُولى وَلَا فِي الْآخِرَة، وَلكنه أرضاني فَقلت بالرِّضا، ثمَّ أَسْخَطَني فَقلت بالسُّخْطِ، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إنّ من البَيَان لسِحْراً) : / /
قَالَ أَبُو عُبَيد: كأنّ الْمَعْنى وَالله أعلم أَنه يَبْلُغُ من بَيَانِه أَنَّه يَمْدَحُ الإنسانَ فيَصْدُقُ فِيهِ حَتَّى يَصْرِفَ الْقُلُوب إِلَى قَوْله، ثمَّ يَذُمُّهُ فيَصْدُقُ فِيهِ حَتَّى يَصْرِفَ القُلُوبَ إِلَى قولِه الآخر، فكأنّه قد سَحَر السامعين بذلك. قلت: وأصل السِّحْرِ صَرْفُ الشَّيْء عَن حَقِيقَتِه إِلَى غَيره.
وَقَالَ الفرّاء فِي قَول الله: {فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} (الْمُؤْمِنُونَ: 89) مَعْنَاهُ فأَنَّى تُصْرَفُون، ومِثْلُه {إِلاَّ هُوَ} (فَاطِر: 3) ، أُفِكَ وسُحِرَ سَوَاء.
وَأَخْبرنِي المُنْذِري عَن ابْن فهم عَن مُحَمَّد بن سَلاَّم عَن يُونُسَ فِي قَوْله: {فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} (الْمُؤْمِنُونَ: 89) قَالَ: تُصْرَفُون.
قَالَ يُونُس: تَقول الْعَرَب للرّجل: مَا سَحَرَكَ عَن وَجْه كَذَا وَكَذَا، أَي مَا صَرَفَك عَنهُ.
وَقَالَ شَمِر: قَالَ ابْن عَائِشَة: العَرَبُ إِنَّمَا سَمَّت السِّحْرَ سِحْراً لِأَنَّهُ يُزِيلُ الصِّحَّة إِلَى الْمَرَض، وَإِنَّمَا يُقَال: سَحَرَه أَي أزاله عَنِ البُغْضِ إِلَى الْحبّ. وَقَالَ الكُمَيْت:
وقَادَ إِلَيْهَا الحُبَّ فانْقَادَ صَعْبُه
بِحُبَ من السِّحْرِ الحَلاَل التَّحَبُّبُ
يُرِيد أنّ غَلَبَةَ حُبّها كالسّحر ولَيْسَ بِهِ، لِأَنَّهُ حُبٌّ حَلاَلٌ، والحَلاَلُ لَا يكون سحرًا، لِأَن السِّحْرَ فِيهِ كالْخِدَاعِ. قَالَ شَمِر: وأَقْرَأَني ابْن الأعرابيّ للنَّابِغَةِ:
فَقَالَت يَمِينُ الله أَفْعَلُ إنَّني
رأَيْتُك مَسْحُوراً يَمِينُك فاجِرَه
قَالَ: مسحوراً: ذَاهِبَ العَقْلِ مُفسَداً.
قَالَ: وطعَامٌ مَسْحُورٌ إِذا أُفْسِدَ عَمَلُه، وأرضٌ مَسْحُورَة: أصَابَهَا من المَطَرِ أكثَرُ مِمَّا يَنْبَغِي فأفْسَدَها، وغَيْثٌ ذُو سِحْرِ إِذا كَانَ ماؤُه أكثَرَ مِمَّا يَنْبَغِي.
وَقَالَ ابْن شُميل: يقالُ للْأَرْض الَّتِي لَيْسَ فِيهَا نبت، إِنَّمَا هِيَ قاعٌ قَرَقُوسٌ. أَرض مَسْحُورَة: لَا تنْبت، وعَنْزٌ مَسحُورَةٌ: قليلَةُ اللَّبَن. وَقَالَ: إِنَّ البَسْقَ يَسْحَرُ أَلْبَانَ الغَنَم، وَهُوَ أَن يَنْزِلَ اللَّبَنُ قَبْلَ الوِلاَدِ.
وَقَالَ الفَرَّاء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ} (الشُّعَرَاء: 153) قَالُوا لنَبِيّ الله: لستَ بمَلَكٍ إِنَّمَا إنت بشرٌ مثلُنا.
قَالَ: والمُسَحَّرُ: المُجَوَّفُ، كَأَنَّهُ وَالله أَعْلم أُخِذَ من قَولِك: انْتَفَخَ سَحْرُك أَي أَنَّك تَأْكُلُ الطَّعامَ والشَّرابَ فَتُعَلَّلُ بِهِ، وَقَالَ لَبِيدٌ:
فإنْ تَسْأَلِينَا فِيمَ نَحن فإنَّنَا
عَصَافِيرُ من هَذَا الأَنَامِ المُسَحَّرِ
يُرِيد المُعَلَّل المخدوع، قَالَ: ونرى أنّ السَّاحر من ذَلِك أُخِذَ لِأَن كالخديعة.
وَقَالَ غَيره: {مِنَ الْمُسَحَّرِينَ} (الشُّعَرَاء: 153) أَي مِمّن سُحِرَ مَرَّةً بعد مَرَّة. والسِّحْرُ سُمِّي سِحْراً: لِأَنَّهُ صَرْفُ الشيءِ عَن(4/170)
جِهتهِ، فكأنَّ الساحِرَ لمّا أَرَى البَاطِلَ فِي صُورَةِ الْحق، وخَيَّلَ الشيءَ على غير حَقِيقَته، فقد سَحَر الشيءَ عَن وَجهه أَي صَرَفَه. وَقَالَ بعضُ أهل اللُّغَة فِي قَوْله جلّ وعزّ: {إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا} (الإسرَاء: 47) قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا أَنه ذُو سَحْرٍ مِثْلُنا، وَالثَّانِي أَنه سُحِرَ وأزيل عَن حد الاسْتوَاء.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: السِّحْرُ: الخَدِيعَةُ، والسَّحَرُ، قِطْعةٌ من اللَّيْل. وَقَوله عزّ وجلّ: {وَقَالُواْ ياأَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنَا} (الزّخرُف: 49) . يَقُول الْقَائِل: كَيفَ قَالُوا لمُوسَى: يَا أَيهَا السَّاحر وهم يَزْعمُونَ أَنهم مهتدون، فَالْجَوَاب فِي ذَلِك أَن السَّاحر عِنْدهم كَانَ نَعْتاً مَحْمُودًا، والسِّحْرُ كَانَ عِلْماً مرغوباً فِيهِ: فَقَالُوا: يَا أَيهَا السَّاحر على جِهَة التَّعْظِيم لَهُ، وخاطبوه بِمَا تَقدّم لَهُ عِنْدهم من التَّسْمِيَة بالساحر إِذْ جَاءَ بالمعجزات الَّتِي لم يعهدوا مثلهَا وَلم يكن السحر عِنْدهم كفرا وَلَا كَانَ مِمَّا يتَعايَرون بِهِ، وَلذَلِك قَالُوا لَهُ: يَا أَيهَا السَّاحر.
وَقَالَ اللَّيْث: وَشَيْء يَلْعَبُ بِهِ الصِّبيان إِذا مُدَّ خرجَ على لَوْن وَإِذا مُدَّ من جانِبٍ آخر خرج على لون آخر مُخَالف للْأولِ ويُسمَّى السَّحَّارَةَ، قَالَ: والسِّحْرُ: الغِذَاءُ، وَأنْشد:
أرانا مُوضِعِين لحَتْم غَيْبٍ
ونُسْحَرُ بالطَّعَام وبالشَّرَاب
وَقَالَ غَيره: معنى نُسْحَرُ بِالطَّعَامِ أَي نُعَلَّلُ بِهِ.
وَقَالَ اللَّيْث: السَّحَرُ: آخِرُ اللَّيْل، تَقول: لَقيتُه سُحْرةَ يَا هَذَا، وسُحرَةً بِالتَّنْوِينِ، ولَقيتُه سَحَراً وسَحَرَ بِلَا تَنْوِين، ولَقيتُه بالسَّحرِ الْأَعْلَى ولقِيتُه بِأَعْلَى سَحَرينِ ولقِيتُه بِأَعْلَى السَّحَرَين، وَقَالَ العجّاج:
غَدَا بأَعْلَى سَحَرٍ وأَحْرَسا
قَالَ: وَهُوَ خطأ، كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يَقُول: بأَعلى سَحَرَيْن، لِأَنَّهُ أولُ تنفُّس الصُّبْح، كَمَا قَالَ:
مَرَّتْ بأَعلى سحَريْنِ تَدْأَلُ
قَالَ: وَتقول: سحَرِيَّ هَذِه اللَّيْلَة. وَأنْشد:
فِي لَيْلةٍ لَا نَحْسَ فِي
سحَرِيِّها وعِشائها
وبعضٌ يَقُول: سحريَّة هَذِه اللَّيْلة.
سَلَمَةُ عَن الفرَّاء، فِي قَول الله عزّ وجلّ: {لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم} (القَمَر: 34) ، أجْرى سَحراً هَاهُنَا لِأَنَّهُ نكرَة، كَقَوْلِك: نجيناهم بلَيْلٍ، قَالَ: فَإِذا أَلْقَت الْعَرَب مِنْهُ الْبَاء لم يُجْرُوه فَقَالُوا: فعلتُ هَذَا سَحرَ يَا فتَى، وَكَأَنَّهُم فِي تَركهم إجراءَه أَن كَلَامهم كَانَ فِيهِ بِالْألف وَاللَّام فَجرى على ذَلِك، فَلَمَّا حُذفَت مِنْهُ الْألف وَاللَّام وَفِيه نِيَّتُهما لم يُصرَف، كَلَام الْعَرَب أَن يَقُولُوا: مَا زَالَ عندنَا مُنْذُ السَّحَر لَا يكادون يَقُولُونَ غَيره.
وَقَالَ الزّجاج وَهُوَ قَول سِيبَوَيْهٍ: سَحَرٌ إِذا كَانَ نكرَة يَرادُ بِهِ سَحَرٌ من الأسْحارِ انْصَرف، تَقول: أَتيتُ زيدا سَحراً من الأسحار. فَإِذا أردْت سَحَر يومِك قلت: أَتَيتُهُ سَحَرَ يَا هَذَا، وأَتَيْتُه بِسحَرَ يَا هَذَا، قلت: والقياسُ مَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ.
والسَّحُورُ: مَا يُتَسحَّرُ بِهِ وَقت السَّحَر من(4/171)
طَعام أَو لَبَنٍ أَو سَوِيق، وُضِعَ اسْما لمَا يُؤكَل ذَلِك الْوَقْت، وَقد تسحَّر الرجلُ ذَلِك الطعامَ أَي أَكَلَهُ.
وَيُقَال: أسْحَرْنا أَي دخَلنَا فِي وَقت السَّحَر، واستَحَرنا أَي سِرنا فِي وَقت السَّحَرِ ونهَضْنا للسير فِي ذَلِك الْوَقْت، وَمِنْه قَول زُهَير:
بَكَرْنَ بُكُوراً واستَحَرْنَ بسُحْرَة
وَقَالَ ابنُ شُميْل فِي بَاب الأرنب: يُقَال للأرنب مُقَطَّعَةُ الأسْحار ومُقَطِّعة الْقُلُوب لِأَنَّهَا تُقَطِّع أَسْحارَ الكلابِ بشدَّة عَدْوِها، وتُقَطِّعُ أسحارَ مَنْ يطلبُها.
وَقَالَ اللَّيْث: الإسْحارَّةُ بقلة يَسْمَنُ عَلَيْهَا المالُ.
وَقَالَ النَّضْر: الإسْحارَّةُ: بَقْلَةٌ حارَّة تَنْبُتُ على سَاق لَهَا وَرَقٌ صِغَارٌ، لَهَا حبْة سَوْدَاء كالشَّهْنِيزَة.
أَبُو عُبَيد عَن أبي عُبَيدة: السَّحْر خَفيفٌ: مَا لَصِق بالحلقوم وبالمريء من أَعلَى الْبَطن، وَقَالَ الفرَّاء فِيمَا روَى عَنهُ سَلَمة هُوَ السَّحْر والسُّحْر والسَّحَر.
وَقَالَ الليثُ: إِذا نَزَت بِالرجلِ البِطْنَةُ يُقَال: انْتَفَخَ سَحْرُه مَعْنَاهُ عدا طَوْرَه وَجَاوَزَ قدرَه.
قُلتُ: هَذَا خطأ إِنَّمَا يُقَال: انتفَخَ سَحْرُه للجبان الَّذِي مَلاَءَ الخَوفُ جوفَه فانتفَخَ السحْرُ وَهُوَ الرِّئَةُ حَتَّى رفع القلبَ إِلَى الحُلْقوم، وَمِنْه قَول الله جلّ وعزّ: {زَاغَتِ الاَْبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ} (الأحزَاب: 10) وَكَذَلِكَ قَوْله: {الْحِسَابِ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الاَْزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ} (غَافر: 18) . كل هَذَا يدل على أنّ انتِفَاخ السَّحْرِ مَثَلٌ لشدّة الخَوْف وتمكّن الْفَزع وَأَنه لَا يكون من البِطْنَة.
والسَّحَرُ والسُّحْرَةُ: بَيَاض يعْلو السَّواد، يُقَال بِالسِّين وَالصَّاد إِلَّا أَن السِّين أَكثر مَا تُسْتعمَل فِي سَحَر الصُّبح، والصادَ فِي الألوان، يُقَال: حِمارٌ أَصْحرُ وأَتَانٌ صَحرَاء.
وَقَول ذِي الرُّمّةِ يصفُ فَلاَة:
مُغَمِّضُ أَسْحارِ الخُبوتِ إِذا اكتَسَى
من الْآل جُلاًّ نَازِحَ المَاء مُقْفِر
قيل: أَسحارُ الفَلاَة: أَطرافُها، وسَحَرُ كل شيءٍ: طرَفُه، شُبِّه بأَسحار اللَّيَالِي، وَهِي أطْراف مآخيرِها، أَرَادَ مُغَمِّضَ أَطْرَاف خُبُوتِه، فَأدْخل الْألف وَاللَّام فقاما مقَام الْإِضَافَة.
وَقَالَ شمر: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الأسحارُ واحدُها سَحْر، قَالَ: وسَحْرُ الْوَادي: أَعْلَاهُ.
وَأَخْبرنِي المُنذري عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال للَّذي يَشْتَكي سَحْرَه سَحِيرٌ فَإِذا أَصَابَهُ مِنْهُ السِّلُّ فَهُوَ بَحِيرٌ وبَحِرٌ.
وَأنْشد:
وغِلْمَتي مِنْهُم سَحِيرٌ وبَحِرْ
وقائمٌ من جَذْبِ دَلْوَيها هَجِرْ
قَالَ: وسحَر إِذا تبَاعد، وسَحَر: خَدَع، وسَحَر إِذا بَكَّر.
وروى الطُّوسِيُّ عَن الخَزَّاز قَالَ: السَّحِير الَّذِي انقطَع سَحْرُه، وَهُوَ رِئتُه، والبَحِر:(4/172)
الَّذِي سُلَّ جسمُه وَذهب لحمُه، وهَجِرٌ وهَجيرٌ يَمشِي مُثْقَلاً مُتقارِبَ الخَطْو كأنّ بِهِ هِجاراً لَا يَنْشَطُ مِمَّا بِهِ من الشِّرَّةِ والبَلاءِ.
حرس: الليثُ: الحَرْسُ: وَقتٌ من الدهرِ دون الحُقْبِ. أَبُو عُبَيد: الحَرْسُ: الدَّهرُ، والمُسْنَدُ: الدَّهرُ.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَرَسُ هم الحُرَّاسُ والأحْرَاسُ، وَالْفِعْل حَرَس يَحْرُس، وَالْفِعْل اللَّازِم يَحْتَرِسُ كَأَنَّهُ يَحْتَرِزُ. قلتُ: وَيُقَال حارِسٌ وحَرَسٌ للْجَمِيع، كَمَا يُقَال: خادِمٌ وخَدَمٌ، وعاسٌّ وعَسَسٌ.
وَقَالَ الليثُ: البِناءُ الأحْرَسُ هُوَ الأصَمُّ الْبُنيان. قلت: البناءُ الأحْرَسُ هُوَ القَدِيمُ العَادِيُّ الَّذِي أَتَى عَلَيْهِ الحَرْسُ وَهُوَ الدَّهْرُ، وَمِنْه قوْلُ رُؤْبَة:
وأَيْرَمٍ أَحْرَسَ فوْقَ عَنْزِ
والأيْرَم: شبه عَلَمٍ يُبْنَى فَوق القَارَة يُسْتَدَلُّ بِهِ على الطَّرِيق، والعَنْزُ قَارَةٌ سَوْدَاء، ويروى:
وإرَمٍ أَعْيَسَ فَوق عَنْزِ
وَفِي الحَدِيث أَنَّ غِلْمةً لحاطِب بنِ أبي بَلْتَعَةَ: احْتَرَسوا ناقَةً لِرَجُلٍ فانْتَحَرُوها.
وَفِي حَدِيث آخر: جَاءَ فِي حَرِيسَةِ الجَبَلِ قَالَ: لَا قَطْعَ فِيهَا.
قَالَ شَمِر: الاحتِرَاسُ: أَن يُؤْخَذَ الشيءُ من المَرْعَى.
وَقَالَ ابْن الأعرَابي: يُقَال للَّذي يَسْرِقُ الْغنم مُحْتَرِسٌ، وَيُقَال للشَّاةِ الَّتِي تُسْرَقُ حَرِيسَةٌ. وفُلاَنٌ يأْكُلُ الحَرِيساتِ إِذا تَسَرَّقَ غَنَمَ النَّاس فَأكلهَا، وَهِي الحَرائِسُ.
وَقَالَ غَيره: يُقَال للرَّجل الَّذِي يُؤْتَمَنُ على حفظ شيءٍ لَا يُؤْمَنُ أَن يخون فِيهِ. مُحْتَرِسٌ من مِثْلِه وَهُوَ حارِسٌ.
والحَرْسان: جَبلان يُقَال لأَحَدهمَا: حَرْسُ قَساً وَفِيه هَضْبة يُقَال لَهَا الْبَيْضَاء، وَقَالَ:
هُمُ ضَرَبُوا عَن وَجْهِهَا بكَتيبَةٍ
كبيضاء حَرْسٍ فِي طَرَائِقها الرَّجْل
الْبَيْضَاء: هَضْبةٌ فِي الجبَل.
سرح: قَالَ اللَّيْث: السَّرْح: المالُ يُسَامُ فِي المَرْعَى من الأنْعَامِ.
يُقَال: سَرَح القومُ إبِلَهم سَرْحاً، وسرَحَتِ الإبلُ سَرْحاً، والمسرَحُ: مَرْعَى السَّرْح، وَلَا يُسَمَّى سَرْحاً إِلَّا بعد مَا يُغْدَى بِهِ ويُرَاح، والجميع السُّرُوحُ.
قَالَ: والسَّارح يكون اسْما للرَّاعي الَّذِي يَسْرَحُها، وَيكون السَّارح اسْما للْقَوْم لَهُم السَّرْح نَحْو الْحَاضِر والسامر وهُما جَمِيعٌ.
وَقَالَ أَبُو الهَيْثَمِ فِي قَول الله عزّ وجلّ: {حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} (النّحل: 6) . يُقَال: سَرَحْتُ الماشيةَ أَي أخْرَجْتُها بِالْغَدَاةِ إِلَى المَرْعَى، وسَرَح المالُ نَفسه إِذا رَعَى بالغَدَاة إِلَى الضُّحَى.
وَيُقَال: سَرَحْتُ أَنا أَسرَحُ سُرُوحاً أَي غَدَوْتُ، وَأنْشد لجرير:
وَإِذا غَدَوْتِ فَصَبَّحَتْكِ تَحِيَّةٌ
سبَقَتْ سُرُوحَ الشَّاحِجَاتِ الحُجَّلِ
قَالَ والسَّرْحُ: المالُ الرَّاعي.
وَقَالَ اللَّيْث: السَّرْحُ: شجرٌ لَهُ حَمْلٌ، وَهِي الأَلاَءَةُ، الواحِدَةُ سَرْحة.(4/173)
قلت: هَذَا غلط. لَيْسَ السَّرْح من الألاءَة فِي شَيْء.
قَالَ أَبُو عُبَيد: السَّرْحَةُ: ضرْبٌ من الشجَرِ مَعْرُوف، وَأنْشد: قَول عَنْتَرَة:
بَطَلٍ كأنَّ ثِيابَهُ فِي سَرْحَةٍ
يُحْذَى نِعَالَ السِّبْتِ لَيْسَ بِتَوْأَمِ
يصفه بطول القامةِ فقَدْ بَيَّنَ لكَ أَنَّ السَّرْحَةَ من كِبَارِ الشَّجَر، أَلا ترى أَنه شَبَّه بِهِ الرجلَ لِطوله، والآلاء لَا ساقَ لَهُ، وَلَا طُول.
وأَخْبَرني الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الهَيْثَم أَنه قَالَ: السَّرْح: كُلُّ شَجَرٍ لَا شوكَ فِيهَا.
وَفِي حَدِيث ابْن عمر أَنه قَالَ: (إنَّ بمَكَان كَذَا وَكَذَا سَرْحَةً لم تُجْرَدْ وَلم تُعْبَلْ، سُرَّ تَحْتَهَا سَبْعُون نَبِيّاً) ، وَهَذَا يدل على أَنَّ السَّرْحَة من عِظامِ الشَّجَر.
وَالْعرب تَكْنى عَن الْمَرْأَة بالسَّرْحةِ النَّابتَة على المَاء، وَمِنْه قَوْله:
يَا سَرْحَةَ المَاء قَدْ سُدّتْ مَوَارِدُه
أَمَا إِلَيْك طريقٌ غَيْرُ مَسْدُود
لِحَائِمٍ حامَ حَتَّى لَا حَراك بِهِ
مُحَلإٍ عَن طريقِ الوِرْدِ مَرْدُودِ
كنى بالسَّرْحَةِ، النَّابتَة على المَاء، عَن الْمَرْأَة لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ أحسن مَا تكون.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعْرابي: السَّرْحُ: كِبَارُ الذَّكْوَانِ، والذَّكْوَانُ: شَجَرٌ حَسَنٌ العَسَالِيج.
وَقَالَ اللَّيْث: السَّرْحُ: انْفِجَارُ البَوْلِ بعدَ احتباسه.
وَرَجُلٌ مُنْسَرِح الثِّيابِ إِذا كَانَ قَليلَها خَفيفاً فِيهَا وَقَالَ رؤبة.
مُنْسرِحٌ إلاَّ ذَعاليبَ الخِرَقْ
الذَّعاليبُ: مَا تَقَطَّع من الثِّيَاب.
قَالَ: وكل قِطْعَة من خرقَة مُتَمَزِّقَة أَو دمٍ سَائل مستطيل يابِسٍ فَهِيَ وَمَا أشبههَا سريحَة وَجَمعهَا سَرائح، وَقَالَ لبيد:
بِلَبَّتِه سَرائِحُ كالعَصيمِ
قَالَ: والسَّرِيح: السَّيْرُ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ الخَدَمَةُ فَوق الرُّسْغِ.
أَبُو عُبَيْد عَن الْأَصْمَعِي: المُنْسَرِحُ: الْخَارِج من ثِيابِه، قلت وَهَذَا هُوَ الصَّواب لَا مَا قَالَه اللَّيْث. وَأما السَّرائح فَهِيَ سُيُورُ نِعال الْإِبِل، كلّ سَيْرٍ مِنْهَا سريحَة. والْخِدَامُ: سُيورٌ تُشَدُّ فِي الأرْساغِ، والسرائِحُ تُشدُّ إِلَى الخدَم. والسَّريحةُ: الطريقَةُ من الدَّمِ إِذا كَانَت مستطيلة.
أَبُو سعيد: سَرَحَ السَّيلُ يَسْرَحُ سُرُوحاً وسَرْحاً إِذا جَرَى جَرْياً سهلاً، فَهُوَ سَيْلٌ سارح وَأنْشد:
ورُبَّ كلِّ شُوْذَبِيَ مُنْسرِحْ
من اللِّباسِ غَيْرَ جَرْدٍ مَا نُصِحْ
والجَرْدُ: الخَلَقُ من الثِّيَاب. مَا نُصِح أَي مَا خِيط.
وَقَالَ النّضرُ: السَّريحةُ من الأَرْض: الطَّرِيقَة الظَّاهِرةُ المسْتوِيةُ، وَهِي أكثرُ نَبْتاً وشجراً مِمَّا حولَها، وَهِي مُشْرِفةٌ على مَا حوْلها، والجميع السَّرائحُ.
وسُرُحٌ: مَاء لبني عَجْلان ذكره ابْن مُقْبِل فَقَالَ:(4/174)
قالَتْ سُلَيْمَى بِبَطْنِ القاع من سُرُحٍ
وَالْعرب تَقول: إنَّ خَيْرَك لَفي سَرِيح، وإنَّ خيْرك لسَريح وَهُوَ ضِدُّ البطِيء، وفَرَسٌ سِرياحٌ: سَرِيعٌ، وَقَالَ ابْن مُقْبِل يصفُ الخيْل:
مِنْ كلِّ أهْوجَ سِرياحٍ ومُقْرَبةٍ
تُقَاتُ يومَ لِكَاكِ الوِرْدِ فِي الغُمَرِ
قَالَ: وَإِنَّمَا خص الغُمَرَ وسَقْيها فِيهِ لِأَنَّهُ وصفهَا بالعتْقِ وسُبوطَة الخُدود ولَطَافَةِ الأفْواه كَمَا قَالَ:
وتَشربُ فِي القَعْبِ الصَّغِير وَإِن تُقَدْ
بِمشْفَرِها يَوْمًا إِلَى الماءِ تَنْقَدِ
قَالَ اللَّيْث: وَإِذا ضاقَ شيءٌ فَفَرَّجْتَ عَنهُ قلت: سَرّحتُ عَنهُ تَسْرِيحاً، وَقَالَ العَجّاجُ:
وسرّحَتْ عَنهُ إِذا تَحَوَّبا
روَاجِبُ الْجَوْفِ الصَّهِيلَ الصُّلَّبا
وتَسريحُ الشعْرِ: تَرجِيلُه وتَخْليصُ بعضه من بعض بالمُشْط، والمُشْط يُقَال لَهُ: المِرْجَلُ والمِسرح.
وأمَّا المَسرحُ بِفَتْح الْمِيم فَهُوَ المَرْعَى الَّذِي تَسْرَحُ فِيهِ الدّوَابّ للرَّعْي وَجمعه المسارح وَمِنْه قَوْله:
إِذا عَادَ المَسَارِحُ كالسِّبَاح
وتَسريحُ دَمِ العِرْق المفصود: إرْسالُه بَعْدَمَا يسيل مِنْهُ حِين يُفْصدُ مرّةً ثَانِيَة وسَمّى الله جلّ وعزّ الطّلاقَ سَراحاً فَقَالَ: {تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ} (الأحزَاب: 49) كَمَا سَمّاهُ طَلاقاً من طَلّق المرأةَ، وسَمّاه الفِرَاقَ، فَهَذِهِ ثَلاَثَةُ ألْفَاظ تَجمَعُ صَرِيحَ الطّلاق الَّذِي لَا يُدَيَّنُ فِيهَا المُطَلِّق بهَا، إِذا أنكر أَن يكون عَنَى بهَا طَلاَقاً. وأمّا الكِناياتُ عَنْهَا بغَيْرهَا مثل البائنة والبَتّة والحَرَام وَمَا أشْبَهَها فَإِنَّهُ يُصدَّق فِيهَا مَعَ الْيَمين أَنه لم يُرِد بهَا طَلاقاً.
وَقَالَ اللَّيْث: ناقَةٌ سُرُحٌ، وَهِي المنْسرِحةُ فِي سيرِها السريعة، وَأنْشد قولَ الْأَعْشَى:
بجُلاَلةٍ سُرُحٍ كَأَن بِغَرْزِها
هِرّاً إِذا انْتَعل المَطِيُّ ظِلاَلها
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: مِلاطٌ سُرُحُ الجَنْبِ هُوَ المُنْسَرِح للذهاب والمجيء، وَأَرَادَ بالملاط العَضُد.
وَقَالَ ابْن شُمَيل: ابْنا مِلاَطَى البعيرِ هما العَضُدان، قَالَ: والمِلاَطان: مَا عَن يَمِين الكِرْكِرَة وشَمالها.
اللَّيْث: السِّرْحان: الذِّئْبُ ويُجْمَع على السِّرَاح، قَالَ: والسِّرْحانِ فِعْلان من سَرَح يَسرَح.
قلت: وَيجمع السِّرْحان سَرَاحينَ وسَرَاحِي بِغَيْر نون، كَمَا يُقَال: ثعَالِبُ وثَعَالِي، وَأما السِّرَاحُ فِي جمع السِّرْحان فَغير مَحْفُوظ عِنْدِي. وسِرْحانٌ يُجْرى من أَسمَاء الذِّئْب، وَمِنْه قَوْله:
وغارَةُ سِرْحانٍ وتَقْرِيبُ تُفَّل
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: السِّرْحَانُ والسيِّد فِي لُغَة هُذَيْل: الأسَدُ. وَفِي لُغَة غَيرهم الذِّئْبُ. قَالَ أَبُو المُثَلَّم يَرْثِي رَجُلاً:
شِهَابُ أَنْدِيَةٍ حَمَّالُ أَلْوِيَةٍ
هَبَّاطُ أَوْدِيَةٍ سِرْحَانُ فِتيان
وَأنْشد أَبُو الْهَيْثَم لِطُفَيْل:(4/175)
وخَيْلٍ كأمثَالِ السِّراحِ مَصُونَةٍ
ذَخَائرَ مَا أَبْقَى الغُرابُ ومُذْهَبُ
قَالَ: وَيُقَال: سِرْحان وسَرَاحِين وسِرَاح.
اللَّيْث: السِّرْحَانُ: الذِّئْب. وَيجمع على السَّرَاح. قَالَ الْأَزْهَرِي: وَيجمع سَراحِين وسَرَاحِي بِغَيْر نون كَمَا يُقَال: ثَعَالِب وثَعَالي فَأَما السِّراحُ فِي جمع السِّرْحان فَهُوَ مسموع من الْعَرَب وَلَيْسَ بِقِيَاس. وَقد جَاءَ فِي شعر الكاهِليّ: وقِيسَ عَلَى ضِبْعَان وضِبَاع. وَلَا أعرف لَهما نظيرا.
وَقَالَ اللَّيْث: المُنْسَرِح: ضربٌ من الشّعْر على مستفعلن مفعولات مستفعلن سِتّ مرّات.
وَفِي كتاب كتبه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأُكَيْدر دُومَةِ الجَنْدلِ: (لَا تُعْدَل سارِحَتُكم وَلَا تُعَدُّ فارِدتكم) .
قَالَ أَبُو عُبَيد: أَرَادَ أنَّ ماشِيَتَهم لَا تُصْرفُ عَن مَرْعىً تُرِيدُه، والسارِحَةُ هِيَ الْمَاشِيَة الَّتِي تسرح بِالْغَدَاةِ إِلَى مراعيها.
شَمِر عَن ابْن شُمَيل: السَّرِيحةُ من الأَرْض: الطَّرِيقَة الظَّاهِرَة المستوية بِالْأَرْضِ الضّيِّقَة، وَهِي أَكثر شَجرا مِمّا حولهَا، فَتَراها مستطيلة شَجِيرَةً، وَمَا حولهَا قليلُ الشّجر، وَرُبمَا كَانَت عَقَبة وجَمْعُها سَرَائِح.
أَبُو عُبَيد عَن الكِسَائي: سَرّحَهُ الله وسَرحَه أَي وفّقَه الله، قلت: وَهَذَا حَرْفٌ غَرِيب سمعته بِالْحَاء فِي (الْمُؤلف) عَن الْإِيَادِي.
وَقَالَ شمر: قَالَ خَالِد بن جَنْبَة: السارحة: الْإِبِل وَالْغنم، قَالَ: والسارحة: الدَّابَّة الْوَاحِدَة. قَالَ: وَهِي أَيْضا الْجَمَاعَة.
وَيُقَال: تَسَرَّح فلَان من هَذَا الْمَكَان أَي ذَهَبَ وَخرج، وسَرَحْت مَا فِي صَدْرِي سَرْحاً أَي أخْرَجْته. وسُمَّى السَّرْحُ سَرْحاً لِأَنَّهُ يُسرَح فيخرجُ. وَأنْشد:
وسرَحْنَا كلَّ ضَبَ مُكْتَمِنْ
وَقَالَ فِي قَوْله: لَا تُعْدَلُ سارحتكم أَي لَا تُصرف عَن مرعىً تُرِيده. يُقَال: عَدَلْتُه أَي صَرَفْته فَعدل أَي انْصَرف.
رسح: قَالَ اللَّيْث: الرَّسَحُ: أَلا تكون للْمَرْأَة عَجِيزةٌ. فَهِيَ رَسْحاءُ. وَقد رَسِحَتْ رسَحاً. وَهِي الزَّلاَّء والمِزلاجُ. وَيُقَال للسِّمع الأزَلِّ أَرْسَح.
والرَّسْحاءُ: القَبَيحة من النِّسَاء. والجمعُ رُسْحٌ.
ح س ل
حَسَلَ، حلْس، سلح، سحل، لحس: مستعملات.
حسل: قَالَ اللَّيْث: الحِسْلُ: وَلَدُ الضَّبِّ، ويُكْنى الضَّبُّ أَبَا حِسْل.
وَقَالَ أَبُو الدُّقَيْش: تَقول الْعَرَب للضَّبّ: إِنَّه قَاضِي الدَّوَابِّ والطَّيْرِ.
قَالَ الْأَزْهَرِي: وَمِمَّا يُحَقّق قولُه مَا حَدَّثَنَاه المُنْذِرِيّ عَن عُثْمَان بن سعيد عَن نُعَيم بن حَمَّادٍ عَن مَرْوَان بن مُعَاوِيَة عَن الْحسن بن عَمْرو عَن عَامر الشّعبِيّ، قَالَ: سَمِعت النُّعْمَان بن بشير على الْمِنْبَر يَقُول: يَا أَيهَا النَّاس، إِنِّي مَا وجدت لي وَلكم مَثَلاً إِلَّا الضَّبُع والثعلب، أَتَيَا الضَّبّ فِي جُحْرِه،(4/176)
فَقَالَا: أَبَا حِسْل، قَالَ: أُجِبْتُما، قَالَا: جِئْناك نَحْتِكم. قَالَ: فِي بَيته يُؤْتى الحَكَمُ، فِي حَدِيث فِيهِ طول.
وَقَالَ اللَّيْث: جَمْعُ الحِسْل حِسَلة، قلت: ويُجْمَعُ حُسُولاً.
وروى أَبُو عُبَيْد عَن أبي زيد والأحمر أَنَّهما قَالَا: يُقَال لفَرْخِ الضَّبِّ حِين يخرج من بَيْضه حِسْل، فَإِذا كبِر فَهُوَ غَيْدَاقٌ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيدة: المَحْسُول والمَخْسولُ بِالْحَاء وَالْخَاء: المرذُول، وَقد حَسَلْتُه وخَسَلْتُه.
أَبُو عُبَيد عَن الْفراء: الحُسالة: الرَّذْلُ من كل شَيْء.
وَقَالَ بعض العَبْسِيِّينَ:
قَتَلْتُ سَرَاتكم وحَسَلت مِنْكُم
حَسِيلاً مثلَ مَا حُسِل الوَبَارُ
قَالَ شمِر: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: حَسَلْتُ: أبقَيتُ مِنْكُم بَقِيَّةً رُذَالاً، قَالَ: والحَسِيل: الرُّذَال.
وَقَالَ اللِّحْياني: سُحالة الفِضَّة وحُسالَتُها.
وَقَالَ ابْن السِّكّيت: قَالَ الطَّائي: الحَسِيلة: حَشَفُ النّخل الَّذِي لم يكن حَلاَ بُسْرُه فيُيَبِّسونه حَتَّى يَيْبَس، فَإِذا ضُرِبَ انْفَتَّ عَن نَوَاه فَيَدِنُونَه بِاللَّبنِ ويمْرُدُون لَهُ تَمرا حَتَّى يُحَلِّيه فيأكلونه لَقِيماً. يُقَال: بُلُّوا لنا من تِلْكَ الحَسيلةِ، وَرُبمَا وُدِنَ بِالْمَاءِ.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: وَلَدُ البَقَرَة يُقَال لَهُ: الحَسِيل، وَالْأُنْثَى حَسِيلة.
أَبُو العبّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال للبقرة لحَسيلة: والخَائِرَةُ والعجوز واليَفنَةُ، وَأنْشد غَيره:
عَلَيَّ الحَشِيشُ ورِيٌّ لَهَا
وَيَوْم الغُوَارِ لِحسْل بن ضَبّ
يَقُولهَا المستَأْثَرُ عَلَيْهِ مَزْرِيةً على الَّذِي يفعلُه.
قَالَ أَبُو حَاتِم: يُقَال لولد الْبَقَرَة إِذا قرمَ أَي أَكلَ من نَبَات الأَرْض حَسِيلٌ، والجميع حِسْلاَن، قَالَ: والحسيلُ إِذا هَلَكت أمه أَو ذَأَرَتْه أَي نفرت مِنْهُ فأُوجِر لَبَنًا أَو دَقِيقًا فَهُوَ مَحْسول، وَأنْشد:
لَا تَفْخَرنَّ بلحيةٍ
كَثُرَتْ منابِتُها طويلهْ
تهوَى تُفَرِّقها الريا
حُ كأَنها ذَنَبُ الحَسِيلهْ
والحَسْل: السَّوْقُ الشَّديد. يُقَال: حسْلتُها حَسْلاً إِذا ضبَطتها سَوْقاً، وَقيل لولد الْبَقَرَة حَسِيلٌ وحَسِيلةٌ، لأنَّ أمَّه تُزَجِّيه مَعهَا وَقَالَ:
كَيفَ رأيتَ نُجْعتي وحَسْلِي
سحل: قَالَ اللَّيْث: السَّحِيلُ، والجميع السُّحُل: ثوب لَا يُبرَم غزلُه أَي لَا يُفْتَل طَاقيْن طَاقيْن، يُقَال: سَحَلوهُ أَي لم يَفْتِلُوا سَداه. وَقَالَ زُهَيْر:
على كل حَالٍ من سَحِيلٍ ومُبْرَم
وَقَالَ غَيره: السّحِيلُ: الغَزْل الَّذِي لم يُبْرَم، فَأَما الثَّوبُ فَإِنَّهُ لَا يُسمى سَحِيلاً، وَلَكِن يُقَال للثوب سَحْل.
روى أَبُو عُبَيد عَن أبي عَمْرو أَنه قَالَ: السّحْلُ: ثوبٌ أَبيض من قطن وَجمعه(4/177)
سُحُلٌ. وَقَالَ المُتَنخِّل الهُذَليّ:
كالسُّحُل الْبيض جَلاَ لَوْنَها
هَطْلُ نِجاء الحَمَل الأَسْوَلِ
قَالَ: وَوَاحِد السُّحُل سَحْلٌ.
وسُحُولٌ: قَرْيَةٌ من قُرَى الْيمن يحمل مِنْهَا ثِيَاب قطن بيض تدعى السُّحُوليَّة بِضَم السِّين. وَقَالَ طرفَة:
وبالسَّفْح آياتٌ كأنَّ رُسُومَها
يَمَانٍ وشَتْه رَيْدَةٌ وسُحُولُ
ريدة وسُحُول: قَرْيَتَانِ، أَرَادَ وَشْتْه أهل ريدة وسُحول.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: المُسَحَّلَةُ: كُبَّةُ الغَزْل. وَهِي الوشيعة والمُسْمَّطَة.
وَقَالَ اللَّيْث: المِسْحَلُ: الْحمار الوَحْشِي وسَحِيلُه: أَشَدُّ نَهِيقِه.
والمِسْحَلُ: من أَسمَاء اللِّسَان، والمِسْحَلُ من الرِّجَال: الْخَطِيب، قَالَ: والمِسْحَلاَن: حَلْقَتانِ. إِحْدَاهمَا مُدْخَلَةٌ فِي الأُخْرَى على طرف شَكِيم اللِّجام. وَأنْشد قولَ رُؤبة:
لَوْلَا شَكِيم المِسْحَلَيْن انْدَقّا
والجميع المَسَاحِلُ، وَمِنْه قولُ الأَعشَى:
صددتَ عَن الْأَعْدَاء يَوْم عُبَاعِبٍ
صُدودَ المَذاكِي أَفْرَعَتْها المَسَاحِلُ
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: المِسْحَلُ: المِبْرَد، وَمِنْه سُحَالَةُ الفِضَّة. والمِسْحَلُ: فاسُ اللِّجام، والمِسْحَلُ: المطرُ الجَوْدُ. والمِسْحَل: الْغَايَة فِي السَّخاء. والمِسْحَل: الجَلاَّدُ الَّذِي يُقيمُ الحدودَ بَين يدَي السُّلْطان. والمِسْحَل: الساقي النشيط. والمِسْحَلُ: المُنْخُل، والمِسْحَلُ فمُ المَزَادَة. والمِسْحَل: الماهر بِالْقُرْآنِ. والمِسْحَلُ: الْخَطِيب والمِسْحَلُ: الثوبُ النقي من الْقطن. والمِسْحَل: الشجاع الَّذِي يعْمل وَحده. والمِسْحَلُ: الْخَيط الَّذِي يُفْتَل وَحده. والمِسحَلُ: المِيزابُ الَّذِي لَا يطاقُ ماؤُه. قَالَ: والمِسْحَلُ: الْعَزْم الصارم. يُقَال: قد ركب فلَان مِسْحَلَه إِذا عزم على الْأَمر وجَدَّ فِيهِ. وَأنْشد:
وإنَّ عِنْدِي لَو رَكِبْتُ مِسْحَلي
قَالَ: وَأما قَوْله:
الْآن لَمَّا ابْيَضَّ أعْلَى مِسْحَلِي
فالمِسْحَلاَن هَاهُنَا الصُّدْغان، وهما من اللِّجَام الخَدَّان.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: مِسْحَلُ اللِّجام: الحديدة الَّتِي تَحْتَ الحَنَك. قَالَ: والفأسُ: الحديدة الْقَائِمَة فِي الشَّكِيمَة. والشّكِيمَةُ: الحديدةُ المُعْترَضةُ فِي الْفَم.
وَقَالَ اللَّيْث: السَّحْلُ: نَحْتُك الخشَبةَ بالمِسْحَل، وَهُوَ المِبْرَد. قَالَ: وسَحَلَه بِلِسَانِهِ إِذا شَتمه، والرِّياح تَسْحَلُ الأَرضَ سَحْلاً إِذا كَشَطت عَنْهَا أَدَمَتها.
والسُّحَالَةُ: مَا تحَاتّ من الْحَدِيد وبُرِدَ من الموازين. وَقَالَ: وَمَا تحاتّ من الرُّزِّ والذُّرَة إِذا دُقّ شِبْهُ النُّخَالة فَهِيَ أَيْضا سُحالة.
قَالَ: والسَّحْلُ: الضَّربُ بالسياط يَكْشِطُ الجِلْدَ.
والسّاحِل: شاطىءُ الْبَحْر.(4/178)
وَقَالَ غَيره: سُمِّي ساحِلا: لِأَن المَاء يَسْحَلُه أَي يَقْشِرُه إِذا عَلاَهُ فَهُوَ فاعِلٌ مَعْنَاهُ مفْعُول، وَحَقِيقَته أَنه ذُو سَاحِلٍ من المَاء إِذا ارْتَفع المَدُّ ثمَّ جَزَر فَجَرَف مَا مرَّ عَلَيْهِ، والإسْحِلُ: شَجَرة من شجر المَساويك. وَمِنْه قَول امرىء الْقَيْس:
أسَارِيعُ ظَبْي أَو مساوِيك إسْحِل
ومُسْحُلاَنُ. اسْم وادٍ ذكره النَّابِغَة فِي شعره فَقَالَ:
فأَعْلَي مُسحُلاَن فحامِرَا
وشابٌ مُسْحُلانيّ يُوصف بالطول وَحسن القوام.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: باتت السَّمَاء تَسْحَلُ لَيْلَتَها أَي تَصبُّ الماءَ.
قَالَ: وانسِحَالُ النَّاقة: إسراعُها فِي سَيرهَا.
وَيُقَال: سَحَلَه مائةَ دِرْهَم إِذا نَقَدَه، والسَّحْلُ النَّقْدُ. وَقَالَ الْهُذلِيّ:
فأَصْبَح رَأْداً يَبْتَغِي المَزْج بالسّحْل
وسَحَلَه مائَةَ سَوْطٍ أَي ضَرَبَه، وانْسَحَلَت الدَّرَاهمُ إِذا امْلاَسَّت، وانسَحَل الخَطِيبُ إِذا اسْحَنْفَرَ فِي كَلَامه، وَركب مِسْحَلَه إِذا مَضَى فِي خُطْبَته.
وَفِي الحَدِيث أَنَّ ابْن مَسْعُود افْتَتَحَ سُورَةً فسحَلَها أَي قَرَأَها كلَّها.
والسِّحَالُ والمُسَاحَلَةُ: المُلاَحَاةُ بَيْنَ الرَّجُلَين، يُقَال: هُوَ يُساحِله أَي يُلاَحِيه.
وَقَالَ ابْن السّكيت: السّحَلَةُ: الأرنَبُ الصَّغِيرَة الَّتِي قد ارْتَفَعت عَن الخِرْنِق وَفَارَقت أُمَّها.
وَقَالُوا: مِسْحَلٌ: اسْم شَيْطَان فِي قَول الْأَعْشَى:
دعوتُ خَلِيلي مِسْحَلاً ودَعْوَا لَهُ
جُهُنَّامَ جَدْعا للهجين المُذَمَّم
والمِسْحَلُ: مَوضِع العِذار فِي قَول جَنْدَل الطُّهَوِيُّ الرَّجّاز:
عُلِّقْتُهَا وَقد نَزَا فِي مِسْحَلي
أَي فِي مَوضِع عِذَارَيْ من لِحْيَتِي، يَعْنِي الشيب.
وَيُقَال: ركب فلَان مِسْحَلَه إِذا ركب غَيَّه وَلم يَنْتَه عَنهُ، وأصل ذَلِك الفَرَسُ الجموح يركب رَأسه ويَعَضُّ على لجَامِه.
وَقَالَ شمر: يُقَال: سَحَلَه بالسَّوْطِ إِذا ضَرَبَه فقَشَرَ جِلْدَه، وسَحَلَه بِلِسَانِهِ، وَمِنْه قيل للسان مِسْحل وَقَالَ ابنُ أَحْمر:
وَمن خَطيبٍ إِذا مَا انساح مِسْحَلُه
مُفَرِّجُ القولِ مَيْسُوراً ومَعْسُورا
وَقَالَ بعض الْعَرَب وَذكر الشّعْر فَقَالَ: الوقْفُ والسَّحْلُ، قَالَ: والسَّحْل: أَن يتبعَ بعضُه بَعْضًا وَهُوَ السَّرْدُ قَالَ: وَلَا يَجِيء الْكتاب إِلَّا على الْوَقْف.
وَقَالَ أَبُو زيد: السِّحْلِيلُ: النَّاقة الْعَظِيمَة الضُّرْعِ الَّتِي لَيْسَ فِي الْإِبِل مِثْلُها فَتلك نَاقَة سِحْلِيلٌ. وَقَالَ الهُذَلِيُّ:
وتَجُرُّ مُجْرِيَةٌ لَهَا
لَحْمِي إِلَى أَجْرٍ حَوَاشب
سُودٍ سَحَاليلٍ كأَ
نَ جُلُودَهُنَّ ثِيابُ راهِب
قَالَ: سَحَالِيل: عِظَام الْبُطُون. يُقَال: إِنَّه لِسِحْلال الْبَطن أَي عَظِيم الْبَطن.(4/179)
وَفِي الحَدِيث أَن الله تبَارك وَتَعَالَى قَالَ لأَيَّوبَ ج: (إِنَّه لَا يَنْبَغِي أَن يُخَاصِمَني إِلَّا من يَجْعَلُ الزَّيارَ فِي فَم الْأسد، والسِّحَالَ فِي فَم العَنْقَاء) السِّحَالُ والمِسْحلُ: وَاحِد، كَمَا تَقول: مِنْطَقٌ ونِطَاقٌ، ومِئزَرٌ وإزَارٌ، وَهِي الحديدة الَّتِي تكون على طَرَفَي شَكِيمِ اللِّجام.
وَفِي الحَدِيث أَن أُمَّ حَكِيم أَتَته بِكَتِفٍ، فَجعلت تَسْحَلُها لَهُ أَي تَكْشِطُ مَا عَلَيْهَا من اللَّحْم، وَمِنْه قيل للمِبْرَد مِسْحَلٌ، ويروى: فَجعلت تَسْحاها أَي تَقْشِرُهَا.
والسّاحِيَةُ: المَطْرَةُ الَّتِي تَقْشِر الأَرْض، وسَحَوْتُ الشيءَ أَسْحَاهُ وأَسْحُوه.
وَفِي حَدِيث عَليّ صلوَات الله عَلَيْهِ أَن بني أُمَيَّة لَا يزالون يَطْعُنُون فِي مِسْحَل ضَلاَلة، قَالَ القُتَيْبِيّ: هُوَ من قَوْلهم: ركب مِسْحَله إِذا أَخذ فِي أَمر فِيهِ كَلَام وَمضى فِيهِ مُجِدّاً، وَقَالَ غَيره: أَرَادَ أَنهم يُسْرِعُون فِي الضَّلَالَة ويُجِدّون فِيهَا.
يُقَال: طَعَن فِي العِنان يَطْعُنُ، وطَعَنَ فِي مِسْحَلهِ يَطعُنُ، وَيُقَال: يَطْعَنُ بِاللِّسَانِ ويَطْعُنُ بالسِّنَان.
سلح: اللَّيْث: السَّلْح والغالِب مِنْهُ السُّلاَح. وَيُقَال: هَذَا الحَشِيشَةُ تُسَلِّح الإبِلَ تَسْلِيحاً. قلت: والإسْلِيحُ: بَقْلَة من أَحْرَار الْبُقُول تَنْبُتُ فِي الشتَاء تُسَلِّح الْإِبِل. إِذا استكثرت مِنْهَا.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: قَالَت أعرابية: وَقيل لَهَا: مَا شَجَرَة أَبِيك؟ فَقَالَت: الإسْلِيحُ رُغْوَةٌ وصَرِيح.
وَقَالَ اللَّيْث: السِّلاَحُ: مَا يُعَدّ للحرب من آلَة الْحَدِيد، والسيفُ وَحده يُسَمَّى سِلاَحاً، وَأنْشد:
ثَلاَثاً وشَهْراً ثمَّ صَارَت رَذِيَّةً
طَلِيحَ سِفَارٍ كالسِّلاَحِ المُفَرَّد
يَعْنِي السَّيْف وَحده.
قلت: وَالْعرب تؤنث السِّلاَح وتُذَكِّرُه، قَالَ ذَلِك الفرّاء وَابْن السّكيت. والعصا تُسَمَّى سِلَاحا. وَمِنْه قولُ ابْن أَحْمَر:
ولستُ بِعِرْنَةٍ عَرِكٍ سِلاَحي
عَصًى مَثْقُوبةٌ تَقِصُ الحِمارا
وَقَالَ اللَّيْث: المَسْلَحَةُ: قوم فِي عُدَّة بِموْضِعٍ مَرْصَدٍ قد وُكِّلُوا بِهِ بإزَاءِ ثَغْر، والجميعُ المسالِحُ. والمَسْلَحِيّ الوَاحِدُ المُوَكّلُ بِهِ.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: مَسْلَحة الجُند: خطاطيف لَهُم بَين أَيْديهم يَنْفضونَ لَهُم الطَّرِيق ويَتَحَسَّسُون خبر الْعَدو ويَعْلَمُون عِلْمَهم لِئَلَّا يُهجَمَ عَلَيْهِم وَلَا يَدَعُون وَاحِدًا من الْعَدو يدْخل عَلَيْهِم بِلَاد الْمُسلمين وَإِن جَاءَ جَيش أنذروا الْمُسلمين.
وَقَالَ اللَّيْث: سَيْلَحِينُ: أَرض تسمى كَذَلِك، يُقَال: هَذِه سَيْلَحُونُ، وَهَذِه سَيْلَحِينُ. وَمثله صَرِيفُونُ وصَرِيفِينُ، وَأكْثر مَا يُقَال: هَذِه سيلحونَ، وَرَأَيْت سَيْلَحينَ: وَكَذَلِكَ هَذِه قِنَّسْرُونَ، وَرَأَيْت قِنَّسْرينَ.
وَقَالَ أَبُو تُرَاب: قَالَ أَبُو عَمْرو وَأَبُو سعيد فِي بَاب الْحَاء وَالْكَاف: السُّلَحَة والسُّلَكَة: فَرْخُ الحَجَل، وَجمعه سِلْحَانٌ(4/180)
وسِلْكَانٌ.
وَالْعرب تسمي السمَاكَ الرَّامحَ ذَا السِّلَاح، وَالْآخر الأعزل.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: السَّلَحُ: ماءُ السَّمَاء فِي الغُدْرَان، وَحَيْثُ مَا كَانَ يُقَال: مَاء العِدِّ وَمَاء السِّلَحِ. قلت: وَسمعت الْعَرَب تَقول لماء السَّمَاء مَاء الكَرَع، وَلم أَسْمَع السَّلَحَ.
حلْس: شمر عَن العِتْرِيفي: يُقَال: فلَان حِلْسٌ من أَحْلاَس الْبَيْت: للّذي لَا يبرح الْبَيْت، قَالَ: وَهُوَ عِنْدهم ذمّ أَي أَنه لَا يصلح إِلَّا للُزُوم الْبَيْت، قَالَ: وَيُقَال: فلانٌ من أَحْلاَس الْبِلَاد: للَّذي لَا يزايلها من حُبِّه إيّاها، وَهَذَا مدح أَي أَنه ذُو عِزّة وشِدَّة أَي أنّه لَا يبرحها لَا يُبَالِي ذِئباً وَلَا سَنَةً حَتَّى تُخْصِبَ الْبِلَاد، فَيُقَال: هُوَ مُتَحَلِّس بهَا أَي مُقِيم، وَقَالَ غَيره: هُوَ حِلْسٌ بهَا، قَالَ: والحَلِسُ والحُلاَبِسُ: الَّذِي لَا يَبْرَح ويُلاَزِمُ قِرْنَه، وَأنْشد قَول الشَّاعِر:
فَقُلْتُ لَهَا كأيِّنْ من جَبَانٍ
يُصَابُ وَيُخْطَأُ الحَلِسُ المُحَامي
كأيّن معنى كم.
وَقَالَ اللَّيْث: الحِلْسُ: كُلُّ شَيءٍ وَلِيَ ظهر الْبَعِير تَحت الرَّحْلِ والقَتَبِ، وَكَذَلِكَ حِلْس الدَّابّة بِمَنْزِلَة المِرْشَحَة تكون تَحت اللِّبْد، وَيُقَال: فلَان من أَحْلاَس الْخَيل أَي يلْزم ظُهُور الْخَيْلِ كالحِلْس اللَّازِم لظَهْرِ الْفرس. والحِلْسُ: الْوَاحِد من أَحْلاَسِ الْبَيْت، وَهُوَ مَا بُسِط تَحت حُرِّ المَتَاع من مِسْحٍ وَنَحْوه.
وَفِي الحَدِيث (كُنْ حِلْساً من أَحْلاَسِ بَيْتك فِي الفِتْنَة حَتّى تأتِيَك يَدٌ خاطِئَة أَو مَنِيَّةٌ قاضية) أمره بِلُزُوم بَيته وَترك الْقِتَال فِي الفِتْنَة.
وَتقول: حَلَسْتُ البعيرَ فَأَنا أَحْلِسُه حَلْساً إِذا غَشَّيْتَه بِحِلْس.
وَتقول: حَلَسَتِ السَّمَاء إِذا دَامَ مَطَرُها، وَهُوَ غَيْرُ وَابِل.
وَقَالَ شَمِر: أَحْلَسْتُ بعير إِذا جعلتَ عَلَيْهِ الحِلْسَ.
وَأَرْض مُحْلِسَةٌ إِذا اخْضَرَّت كلهَا.
وَقَالَ اللَّيْث: عُشْبٌ مُسْتَحْلِسٌ تَرَى لَهُ طَرَائق بعضُها تَحت بعض من تراكُمُه وسَوَاده.
أَبُو عُبَيْد عَن الْأَصْمَعِي: إِذا غَطَّى النباتُ الأرضَ بكثْرَته قيل: قد اسْتَحْلَس، فَإِذا بَلَغ وَالتَفَّ قيل قد اسْتَأْسَد.
وَقَالَ اللَّيْث: اسْتَحْلَسَ السَّنَامُ إِذا ركبته رَوَادِفُ الشَّحْم وروَاكبُه.
اللِّحياني: الرَّابِع من قداح المَيْسَر يُقَال لَهُ: الحِلْسُ، وَفِيه أَرْبَعَة فروض، وَله غُنْمُ أَرْبَعَة أنصباء إِن فَازَ، وَعَلِيهِ غرم أَرْبَعَة أنصباء إِن لم يَفُز.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الحَلْسُ: أَن يَأْخُذ المُصَدِّقُ النَّقدَ مَكَان الفَرِيضة.
قَالَ: والحَلِس: الشجاع الَّذِي يلازِم قِرْنه، وَأنْشد:
إِذا اسْمَهَرَّ الحَلِسُ المُغَالِثُ
المغَالِثُ: الملزم لقرنه لَا يُفَارِقهُ، وَقد حَلِسَ حَلَساً.(4/181)
أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد: فِي شيات المِعْزَى: الحَلْساءُ: بَين السَّوَادِ والحُمْرَة، لون بَطنهَا كلون ظهرهَا.
وَالْعرب تَقول للرجل يُكرَه على عَمَل أَو أَمر: هُوَ مَحْلُوسٌ على الدَّبَر أَي مُلزَمٌ هَذَا الْأَمر إِلْزَام الحِلْس الدَّبَر
وسَيْرٌ مُحْلَسٌ: لَا يُفْتَرُ.
وَفِي (النَّوَادِر) : تَحَلّس فلَان لكذا وَكَذَا. أَي طَاف لَهُ وَحَام بِهِ، وتَحَلّس بِالْمَكَانِ وتَحَلَّزَ بِهِ، إِذا أَقَامَ بِهِ، وَقَالَ أَبُو سعيد: حَلِس الرجلُ بالشَّيْء وحَمِس بِهِ إِذا تَوَلّع بِهِ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال لِبِسَاطِ الْبَيْت: الحِلْسُ ولحُصُرِه الفَحُولُ.
والحَلْسُ بِفَتْح الْحَاء وَكسرهَا هُوَ العهدُ الوَثيق، تَقول: أَحْلَسْتُ فُلاناً، إِذا أَعْطَيْتَه حِلْساً أَي عَهْداً يأمَن بِهِ قومَك، وَذَلِكَ مثل سَهْم يَأْمَن بِهِ الرجل مَا دَامَ فِي يَده.
واسْتَحْلَس فلانٌ الخوْفَ، إِذا لم يُفَارِقهُ الخوفُ وَلم يَأْمَن.
وَرُوِيَ عَن الشَّعبي أَنه دخل على الحجَّاج فَعَاتَبَهُ فِي خُرُوجه مَعَ ابْن الْأَشْعَث فَاعْتَذر إِلَيْهِ وَقَالَ: إِنَّا قد اسْتَحْلَسْنَا الْخوْفَ واكْتَحَلْنا السهرَ وأصابَتْنَا خِزْيَةٌ لم نَكُنْ فِيهَا بَرَرَةً أتقياء، وَلَا فَجَرَةً أقوياء.
قَالَ: لله أَبُوكَ يَا شَعْبيّ. ثمَّ عَفَا عَنه.
لحس: قَالَ اللَّيْث: اللَّحْسُ: أكل الدودِ الصوفَ، وَأكل الْجَرَاد الخَضِر والشَّجَر.
واللاَّحُوسُ: المَشْئُوم وَكَذَلِكَ الحاسوس.
واللَّحُوسُ من النَّاس: الَّذِي يَتَّبِعُ الحلاوةَ كالذُّباب.
قَالَ: والمِلْحَسُ: الشُّجَاعُ. يُقَال: فلَان أَلَدُّ مِلْحَسٌ أَحْوَسُ أَهْيَسُ.
أَبُو عُبَيد عَن الْكسَائي: لَحِسْتُ الشيءَ أَلحَسُه لَحْساً بِكَسْر الْحَاء من لَحِسْتُ لَا غير.
وَيُقَال: أَصَابَتْهُم لَوَاحِسُ، أَي سِنُون شِدَاد تَلْحَسُ كُلّ شَيْء.
وَقَالَ الكُمَيْتُ:
وأَنْتَ رَبيعُ الناسِ وابنُ رَبيعهم
إِذا لُقِّبَتْ فِيهَا السُّنونَ اللَّوَاحِسَا
ح س ن
حسن، حنس، سحن، سنح، نحس، نسح: (مستعملات) .
حسن: قَالَ اللَّيْث: الحَسَنُ: نعت لما حَسُنَ، تَقول: حَسُنَ الشيءُ حُسْناً، وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا} (البَقَرَة: 83) وقُرِىء (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حَسَنا) .
أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أَحْمد بن يحيى أَنه قَالَ: قَالَ بعض أَصْحَابنَا: اخْتَرْنَا حَسَناً: لِأَنَّهُ يُرِيد قولا حَسَنَا.
قَالَ: والأُخْرى مصدر حَسُن يَحسُن حُسْناً.
قَالَ: وَنحن نَذْهَب إِلَى أَن الحَسَنَ شيءٌ من الحُسْنِ، والحُسْنُ: شيءٌ من الكلّ وَيجوز هَذَا فِي هَذَا، وَاخْتَارَ أَبُو حَاتِم حُسْناً.
وَقَالَ الزَّجاج: من قَرَأَ حُسْناً بِالتَّنْوِينِ فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا: قُولُوا للنَّاس قَوْلاً ذَا حُسْنٍ، قَالَ: وَزعم الأخْفَشُ أَنه يجوز أَن(4/182)
يكون حُسْناً فِي معنى حَسَناً، قَالَ: وَمن قَرَأَ حُسْنَى فهوَ خطأ لَا يجوز أَن يُقْرَأَ بِهِ.
وَقَالَ اللَّيْث: المَحْسَنُ والجميع المَحَاسن يَعْنِي بِهِ الْمَوَاضِع الحَسَنة فِي البَدَن.
يُقَال: فُلاَنَةٌ كثِيرَةُ المَحَاسن، قلت: لَا تكَاد الْعَرَب تُوَحِّد المَحَاسن، والقياسُ مَحْسَن، كَمَا قَالَ اللَّيْث.
قَالَ: وَيُقَال: امْرَأَة حسناء، وَلَا يُقَال: رجل أَحْسَن، وَرجل حُسَّان، وَهُوَ الْحَسَنُ وجارِيةٌ حُسَّانة.
وأخبرَني المُنْذِري عَن أبي الهَيْثَم أَنه قَالَ: أصل قَوْلهم: شيءٌ حَسَنٌ إِنَّمَا هُوَ شَيءٌ حَسينٌ: لِأَنَّهُ من حَسُنَ يَحسُن، كَمَا قَالُوا: عَظُمَ فَهُوَ عظيمٌ، وكَرُم فَهُوَ كرِيم، كَذَلِك حَسُنَ فَهُوَ حَسينٌ، إِلَّا أَنه جَاءَ نَادرا، ثمَّ قُلِبَ الفعيل فُعَالاً ثمَّ فُعَّالاً، إِذا بولِغَ فِي نَعته فَقَالُوا: حَسينٌ وحُسَانٌ وحُسَّان، وَكَذَلِكَ كَرِيمٌ وكُرامٌ وكُرَّامٌ.
وَقَالَ اللَّيْث: المَحَاسِنُ فِي الْأَعْمَال ضِدّ المساوِىء.
وَيُقَال: أَحْسِنْ يَا هَذَا فإنّك مِحْسانٌ، أَي لَا تزَال مُحْسِناً.
وَقَالَ المفسِّرون فِي قَول الله جلّ وعزّ: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} (يُونس: 26) فالحُسْنَى هِيَ الجَنَّةُ وضِدّ الحُسنى السُّوءَى، وَالزِّيَادَة: النّظر إِلَى الله جلّ وعزّ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَول الله جلّ وعزّ: {ثُمَّ ءاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أَحْسَنَ} (الأنعَام: 154) . قَالَ: يكون تَمامًا على المُحْسِن. الْمَعْنى تَمامًا من الله على الْمُحْسِنِينَ، وَيكون تَمامًا على الَّذِي أَحْسَنَ أَي على الَّذِي أَحْسَنهُ مُوسَى من طَاعَة الله، واتَّباع أَمْرِه.
وَقَالَ الفرّاء نَحوه، وَقَالَ: يَجْعَل الَّذِي فِي معنى مَا، يُرِيد تَمامًا على مَا أَحْسَن مُوسَى.
قلتُ: والإحسانُ: ضدُّ الْإِسَاءَة، وفسَّر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الإحسانَ حِين سألَه جبريلُ، فَقَالَ: هُوَ أَن تعبد الله كَأَنَّك ترَاهُ فَإِن لم تكن ترَاهُ فإِنه يراك، وَهُوَ تَأْوِيل قَوْله جلّ وعزّ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإْحْسَانِ} (النّحل: 90) وَقَوله جلّ وعزّ: {تُكَذِّبَانِ هَلْ جَزَآءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ} (الرَّحمان: 60) أَي مَا جَزَاء من أحسن فِي الدُّنْيَا إِلَّا أَن يُحْسَن إِلَيْهِ فِي الْآخِرَة.
والحَسَنُ: نَقاً فِي ديار بني تَمِيم مَعْرُوف، أُصِيب عِنْده بِسْطَامُ بن قيس يَوْم النَّقَا، وَفِيه يَقُول عبد الله بن عَنَمَةَ الضَّبِّيّ:
لأُمِّ الأرضِ وَيْلٌ مَا أَجَنَّتْ
بحيْثُ أَضرَّ بالحَسَنِ السبيلُ
والتَّحاسِينُ: جمعُ التحسين، اسمٌ بُنِي على تَفْعيل، وَمثله تكاليفُ الْأُمُور. وتَقَاصيبُ الشَّعَر: مَا جَعُد من ذوائِبه.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: أَحْسَنَ الرجلُ إِذا جلسَ على الحَسنِ، وَهُوَ الكَثيبُ النّقيُّ العالي.
قَالَ: وَبِه سُمِّي الغلامُ حَسَنَا.
قَالَ: والحُسَيْنُ: الْجَبَل العالي، وَبِه سمِّي الغلامُ حُسَيناً. وَأنْشد:(4/183)
تركنَا بالعُوَيْنةِ من حُسيْنٍ
نِساءَ الحيِّ يَلْقُطنَ الجُمَانَا
قَالَ: والحُسيْن هَاهُنَا جبَل.
وَفِي (النَّوَادِر) : حُسيْنَاؤُه أَن يفعل كَذَا، وحُسيْناه مثله، وَكَذَلِكَ غُنَيْماؤه وحُمَيْداؤه، أَي جهدهُ وغايتُه.
وَقَوله جلّ وعزّ: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلاَ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} (التّوبَة: 52) يَعْنِي الظَّفَر أَو الشَّهَادَة. وأنَّثهما لِأَنَّهُ أَرَادَ الخَصلَتَيْن. وَقَوله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ} (التّوبَة: 100) أَي باستقامة وسلوك للطريق الَّذِي درج السَّابِقُونَ عَلَيْهِ.
{وَءاتَيْنَاهُ فِى الْدُّنْيَا حَسَنَةً} (النّحل: 122) يَعْنِي إِبْرَاهِيم آتيناه لِسَان صِدْق.
وَقَوله عزّ وجلّ: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ} (هُود: 114) الصَّلَوَات الْخمس تكفّر مَا بَينهَا.
وَقَوله: {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} (يُوسُف: 36) الَّذين يُحسنون التَّأْوِيل.
وَيُقَال: إِنَّه كَانَ ينصر الضعيفَ ويُعينُ الْمَظْلُوم، وَيعود المرضى، فَذَلِك إحسانَه.
وَقَوله: {وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} (الرّعد: 22) أَي يدْفَعُونَ بالْكلَام الحَسنِ مَا ورد عَلَيْهِم من سَيِّء غَيرهم.
وَقَوله تَعَالَى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ} (الأنعَام: 152) قَالَ: هُوَ أَن يَأْخُذ من مَاله مَا سَتَر عَوْرتَه وسدَّ جَوْعَتَه.
وَقَوله عزّ وجلّ: {الرَّحِيمُ الَّذِى أَحْسَنَ كُلَّ شَىْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ} (السَّجدَة: 7) أحسن يَعْنِي حَسَّن. يَقُول: حَسَّن خَلْقَ كلِّ شَيْء، نصب خلْقَه على البَدَل. وَمن قَرَأَ خَلَقَه فَهُوَ فعل.
وَقَوله تَعَالَى: {وَللَّهِ الأَسْمَآءُ الْحُسْنَى} (الأعرَاف: 180) تأنيثُ الأحسنَ.
يُقَال: الِاسْم الأحسنُ والأسماءُ الحُسنَى. وَلَو قيل فِي غير الْقُرْآن الحُسَنُ لجَاز، ومثلُه قَوْله: {لِنُرِيَكَ مِنْءَايَاتِنَا الْكُبْرَى} (طاه: 23) لِأَن الْجَمَاعَة مؤنّثة.
وَفِي حَدِيث أبي رَجاء العُطَارِدِيّ وَقيل لَهُ مَا تذكُر؟ فَقَالَ: أذكرُ مَقْتَل بِسْطَام بن قيس على الحَسن. فَقَالَ الْأَصْمَعِي: هُوَ جبَلُ رمل.
وَقَوله تَعَالَى: {كَانُواْ يَعْمَلُونَ وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ} (العَنكبوت: 8) أَي يفعلُ بهما مَا يَحسُن حسْناً، ومثلُه {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا} (البَقَرَة: 83) أَي قَولاً ذَا حُسن، والخطابُ لليهودِ، أَي اصدُقوا فِي صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَقَوله تَعَالَى: {تُنصَرُونَ وَاتَّبِعُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً} (الزُّمَر: 55) أَي اتَّبِعوا الْقُرْآن، وَدَلِيله قَوْله: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ} (الزُّمَر: 23) .
وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة: كُنَّا عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي لَيْلَة ظلماء حِنْدِسٍ وَعِنْده الحَسنُ والحُسيْن ث، فَسمع تَوَلْوُل فَاطِمَة ب وَهِي تناديهما: يَا حَسَنَانُ. يَا حُسَيْنَانُ فَقَالَ: الْحَقَا بأمّكما.
قَالَ أَبُو مَنْصُور: غَلَّبت اسْم أَحدهمَا على الآخر كَمَا قَالُوا: العُمَرانُ. وَيحْتَمل أَن يكون كَقَوْلِهِم: الجَلَمَانُ للجَلَم، والقَلَمانُ للمِقْلام وَهُوَ المِقراض. هَكَذَا روى سَلَمة عَن الفرّاء بِضَم النُّون فيهمَا جَمِيعًا: كَأَنَّهُ(4/184)
جعل الاسمين اسْما وَاحِدًا، فَأَعْطَاهُمَا حَظّ الِاسْم الْوَاحِد من الْإِعْرَاب.
وَقَوله تَعَالَى: {رَبَّنَآءَاتِنَا فِى الدُّنْيَا حَسَنَةً} (البَقَرَة: 201) أَي نعْمَة، وَيُقَال: حُظوظاً حَسَنَةً وَقَوله تَعَالَى: {وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ} (النِّساء: 78) أَي نعْمَة، وَقَوله: {إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ} (آل عِمرَان: 120) أَي غَنيمَةٌ وخِصْبٌ {وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ} (آل عِمرَان: 120) أَي مَحل.
وَقَوله: {وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا} (الأعرَاف: 145) أَي يعملوا بِحَسَنِها، وَيجوز أَن يكون نحوَ مَا أمَرَنا بِهِ من الِانْتِصَار بعد الظُّلم، والصبرُ أحْسنُ من القِصاص، والعفْوُ أحْسنُ.
أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الهَيْثَم قَالَ فِي قصَّة يُوسُف: {وَقَدْ أَحْسَنَ بَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - إِذْ أَخْرَجَنِى مِنَ السِّجْنِ} (يُوسُف: 100) أَي قد أحْسنَ إليّ.
وَالْعرب تَقول: أحسنْتُ بِفُلانٍ، وأسأتُ بفُلانٍ، أَي أحسنْتُ إِلَيْهِ، وأسأْتُ إِلَيْهِ، وَتقول: أحْسِنْ بِنَا أَي أحْسِن إليْنا وَلَا تُسِيء بِنَا، وَقَالَ كُثَيِّر:
أسِيئي بِنَا أَو أحْسنِي لَا مَلُومَةٌ
لَدَيْنَا وَلَا مَقْلِيَّةٌ إِن تَقَلَّتِ
سحن: اللَّيْث: السَّحْنَةُ: لِينُ البَشَرَة ونَعْمتها.
قَالَ أَبُو مَنْصُور: النَّعْمَةُ بِفَتْح النُّون: التَّنَعُّمُ، والنِّعْمَةُ بِكَسْر النُّون: إنعام الله على العبيد.
وَقَالَ شَمِر: إِنَّه لَحَسنُ السَّحَنَة والسَّحْنَاءِ، قَالَ: وسَحْنةُ الرجل: حُسْنُ شَعره، ودِيباجَتُه: لونُه وليطُه، وَإنَّهُ لَحَسنُ سَحْناء الوجْه. قَالَ: وَيُقَال: سَحَنَاءُ مُثَقَّلٌ، وسحْنَاءُ أجوَدُ.
وَقَالَ اللَّيْث: السَّحْنُ أَن تَدْلُكَ خَشَبَةً بِمسْحَن حَتَّى تَلِينَ من غير أَن تَأْخُذ من الخَشَبَة شَيْئاً.
وَقَالَ غَيره: المساحِنُ: حِجَارَة يُدَقُّ بهَا حِجَارَة الفِضَّة واحدتُهَا مِسْحَنَةٌ.
وَقَالَ الهُذَلِيّ:
كَمَا صَرفَتْ فوقَ الجُذَاذِ المسَاحِنُ
والْجُذَاذُ: مَا جُذَّ من الْحِجَارَة، أَي كُسِر فَصَار رُفَاتاً.
وَيُقَال: جَاءَت فرس فلانٍ مُسْحِنَةً، إِذا كَانَت حَسنةَ الْحَال.
والسِّحْنَاءُ: الهيئةُ والحالُ.
أَبُو عُبَيد عَن الفرَّاء: ساحَنْتُه الشيءَ مُسَاحَنةً، وسَاحَنْتُك: خالَطْتُكَ وفاوَضْتُك.
نحس: الليثُ: النَّحْسُ: ضِدّ السَّعْدِ، والجميع االنُّحُوس من النُّجُوم وغيرِها، تَقول: هَذَا يومٌ نَحِسٌ وأيَّامٌ نَحِسَات، من جعله نعتاً ثَقَّلَهُ، وَمن أضَاف اليومَ إِلَى النّحْس خَفَّفَ النَّحْسَ، يُقَال: يومُ نَحْسٍ وأَيَّامُ نحْسٍ، وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو: (فَأَرْسَلنَا عَلَيْهِم ريحًا صَرْصَرًا فِي أيامٍ نَحَساتٍ) قلت: وَهِي جمع أيّام نَحْسَة، ثمَّ نَحْسَاتٍ جَمْعُ الْجمع، وقرئت فِي (أيامٍ نحِسَات) ، وَهِي المشئومات عَلَيْهِم فِي الْوَجْهَيْنِ.
والعرَبُ تُسَمِّي الرِّيحَ الْبَارِدَة إِذا دَبَرَتْ نَحْساً.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي فِي قَول ابْن أَحْمَر:(4/185)
كأنَّ سُلافَةً عُرِضَتْ لنحسٍ
يُحِيلُ شَفِيفُها الماءَ الزُّلاَلاَ
قَالَ: لِنَحْسٍ، أَي وُضِعت فِي ريحٍ فبردت، وشَفِيفُها: برْدُها، قَالَ: وَمعنى يُحِيلُ: يَصُبّ، يَقُول: فبرْدُها يَصُبُّ الماءَ فِي الْحَلق، وَلَوْلَا بَرْدُها لم يُشْرَب الماءُ، والنَّحْسُ: الغُبارُ، يُقَال: هاج النَّحْس أَي الغُبَارْ.
وَقَالَ الشَّاعِر:
إِذا هَاجَ نَحْسٌ ذُو عَثَانينَ والْتَقَت
سَباريتُ أَغفال بهَا الآلُ يمْصَحُ
وَقَالَ الفرّاء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {تُكَذِّبَانِ يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن} (الرَّحمان: 35) وقرىء (ونِحاسٌ) ، قَالَ: النُّحَاسُ: الدُّخان، وَأنْشد:
يُضيء كضَوْءِ سِرَاج السَّلِي
ط لم يَجْعَل الله فِيهِ نُحاسا
وَهُوَ قَول جَمِيع الْمُفَسّرين.
أَبُو عُبَيد عَن أبي عُبَيدة قَالَ: النُّحاسُ بِضَم النُّون: الدُّخَان والنِّحاس، بِكَسْر النُّون: الطَّبيعةُ وَالْأَصْل: وَقَالَ الْأَصْمَعِي نَحوه.
والنُّحَاس: الصُّفرُ والآنية.
شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: النِّحاسُ والنَّحَاس جَمِيعًا: الطبيعة. وَأنْشد بَيت لبيد:
وَكم فِينَا إِذا مَا المَحْلُ أَبْدَى
نِحاسَ القومِ من سَمْحٍ هَضُوم
وَقَالَ آخر:
يَا أَيهَا السائلُ عَنْ نِحَاسي
قَالَ: النحّاس: مبلغ أصل الشَّيْء.
أَبُو عُبَيد: اسْتَنْحَسْت، الخَبرَ إِذا تَنَدَّسْته وتَحسَّسْتَه.
ابْن بُزُرْج: نُحاسُ الرجل ونِحَاسه: سجِيَّتُه وطبيعتُه. قَالَ: وَيَقُولُونَ النُّحاس بِالضَّمِّ: الصُّفر نَفسه، والنِّحاس مكسور: دُخانه. وَغَيره يَقُول للدخان نُحاس.
حنس: قَالَ شمر: الحَوَنَّس من الرِّجَال: الَّذِي لَا يَضيمُه أحَدٌ إِذا قَامَ فِي مَكَان لَا يُحَلْحِله أحدٌ. وَأنْشد:
يَجْرِي النَّفِيُّ فَوق أنفٍ أفْطَسِ
مِنْهُ وعَيْنَيْ مُقْرِفٍ حَوَنَّس
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الحنَسُ: لُزُوم وسط المعركة شَجاعةً. قَالَ: والحُنُس: الوَرِعُون.
سنح: قَالَ اللَّيْث: السانِحُ: مَا أتاكَ عَن يمينِك من طَائِر أَو ظَبْي أَو غير ذَلِك يُتَيَمَّن بِهِ تَقول: سنح لنا سُنُوحاً. وَأنْشد:
جَرَتْ لَك فِيهَا السانحاتُ بأسْعُد
قَالَ: وَكَانَت فِي الْجَاهِلِيَّة امْرَأَة تقوم بسوق عُكاظ: فتُنشد الْأَقْوَال وتضرِبُ الْأَمْثَال. وتُخْجِلُ الرِّجَال. فانْتَدَبَ لَهَا رجل: فَقَالَت الْمَرْأَة مَا قَالَت، فأجابها الرجل فَقَالَ:
وَأَسْكَتَاكِ جامِحٌ ورامحُ
كالظَّبْيَتَيْنِ سانحٌ وبَارِحُ
فَخَجِلَتْ وهربت.
قَالَ: وَيُقَال: سانح وسَنِيحٌ. وَيُقَال: سَنَح لي رأيٌ بِمَعْنى عَرَضَ لي وَكَذَلِكَ سنَح لي قَولٌ وقَرِيضٌ.(4/186)
وَقَالَ أَبُو عُبَيد: قَالَ أَبُو عُبَيدة: سَأَلَ يونُسُ رُؤْبة وَأَنا شَاهد عَن السَّانح والبارح. فَقَالَ: السَّانحُ: مَا وَلاَّك ميامِنَه. والبارحُ: مَا وَلاَّك مَيَاسِره.
وَقَالَ شمر: قَالَ أَبُو عَمْرو الشيبانيّ: مَا جَاءَ عَن يمينِك إِلَى يسارك. وَهُوَ إِذا وَلاَّك جانِبَه الْأَيْسَر. وَهُوَ إنْسِيُّه فَهُوَ سانح. وَمَا جَاءَ عَن يسارك إِلَى يَمينك. وَوَلاَّك جَانِبه الأيمَن. وَهُوَ وَحْشِيُّه فَهُوَ بارح. قَالَ: والسانح أحْسَنُ حَالا عِنْدهم فِي التَّيَمُّن من البارح. وَأنْشد لأبي ذُؤَيْب:
أرِبْتُ لإرْبتِه فانطلقْ
تُ أُرَجِّي لِحُبّ اللقاءِ السَّنيحَا
يُرِيد: لَا أتَطَيّر من سانح وَلَا بارح. وَيُقَال: أَرَادَ أتَيَمَّن بِهِ. قَالَ: وَبَعْضهمْ يتشاءَمُ بالسَّانح.
وَقَالَ عَمْرو بن قَمِيئة:
وأشأَمُ طيْرِ الزَّاجرِين سَنِيحُها
وَقَالَ الْأَعْشَى:
أجارَهُما بِشْرٌ من الموْتِ بَعْدَمَا
جرت لَهما طَيْرُ السَّنِيح بأَشْأَم
وَقَالَ رؤبة:
فكم جَرَى من سانحِ بِسَنْحِ
وبَارِحاتٍ لم تَجُرْ بِبَرْحِ
بِطَيْرِ تخْبِيبِ وَلَا بِتَرْحِ
وَقَالَ شمر: رَوَاهُ ابْن الْأَعرَابِي بِسُنْحِ قَالَ: والسُّنْح: اليُمْنُ وَالْبركَة.
وَأنْشد أَبُو زيد:
أَقُول والطيرُ لنَا سانِحٌ
تجْري لنا أيْمَنهُ بالسُّعُودْ
وَقَالَ أَبُو مَالك: السَّانح يُتَبَرَّك بِهِ. والبارح يُتَشَاءم بِهِ. وَقد تشاءم زُهَيْر بالسَّانِح فَقَالَ:
جَرَت سُنُحاً فقلتُ لَهَا أَجِيزِي
نَوًى مَشْمولَةً فَمتى اللِّقاءُ
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: السُّنُحُ: الظِّبَاءُ المَيَامِينُ، والسُّنُح: الظِّبَاءُ المَشَائيمُ. قَالَ: والسَّنِيحُ: الخَيطُ الَّذِي يُنْظَمُ فِيهِ الدُّرُّ قبل أَن ينظم فِيهِ الدُّرُّ، فَإِذا نُظِم فَهُوَ عِقْدٌ وَجمعه سُنُح.
اللِّحياني: خَلِّ عَن سُنُح الطَّرِيق وسُجُح الطَّرِيق بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ بَعضهم: السَّنِيحُ: الدُّرُّ والحُلِيُّ، وَقَالَ أَبُو دُوَادٍ يذكر نِساءً:
ويُغَالِينَ بالسَّنِيح ولايَسْ
أَلنَ غِبَّ الصَّباحِ مَا الأخُبَارُ
وَفِي (النَّوَادِر) يُقَال: اسْتَسْنَحْتُه عَن كَذَا وتَسَنَّحْتُه واسْتَنْحَسْتُه عَن كَذَا وتَنَحَّسْتُه بِمَعْنى اسْتَفْصَحْتُه.
وَقَالَ ابْن السِّكّيت: يُقَال: سَنَحَ لَهُ سَانِحٌ فَسَنَحه عَمَّا أَرَادَ أَي صَرَفه وَرَدَّهُ.
نسح: اللَّيْث: النَّسْحُ والنُّسَاحُ: مَا تَحَاتّ عَن التَّمْر من قِشْره وفُتَات أَقْمَاعه وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يبْقى أَسْفَل الْوِعَاء.
والمِنْسَاحُ: شَيْء يُدْفَعُ بِهِ التُّرَاب ويُذَرَّى بِهِ. ونِسَاحُ: وادٍ بِالْيَمَامَةِ.
قَالَ الْأَزْهَرِي: وَمَا ذكره اللَّيْث فِي النَّسْح لم أسمعهُ لغيره، وَأَرْجُو أَن يكون مَحْفُوظًا.(4/187)
ح س ف
حسف، حفس، سحف، سفح، فسح، فحس: مستعملات.
حسف: قَالَ اللَّيْث: الحُسافَةُ: حُسَافَةُ التَّمْر: وَهِي قُشُورُه وَرَدِيئُه، تَقول: حَسَفْتُ التمرَ أَحْسِفُه حَسْفاً إِذا نَفَيْتَه.
وَقَالَ اللِّحياني وَغَيره: تَحَسَّفَت أوبارُ الْإِبِل وتَوَسَّفَت إِذا تَمَعَّطَت وتَطَايَرَت.
أَبُو زيد: رَجَع فلَان بحَسِيفَة نَفسه إِذا رَجَعَ وَلم يَقْض حاجَةَ نَفسه، وَأنْشد:
إِذا سُئِلوا المعروفَ لم يَبْخَلُوا بِهِ
وَلم يَرْجِعُوا طُلاَّبَهُ بالحَسَائِف
أَبُو عُبَيد: فِي قلبه عَلَيْهِ كَتِيفَةٌ وحَسِيفةٌ وحَسِيكَةٌ وسَخِيمة بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال لبَقِيَّة أقماع التَّمْر وقِشْره وكِسَرِه: الحُسَافَةُ.
وَقَالَ الْفراء: حُسِفَ فلَان أَي أُرْذِلَ وأُسْقِطَ. وحُسَافَةُ النَّاس: رُذَالُهم.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الحُسُوفُ: استقصاء الشَّيْء وتَنْقِيَتُه.
وَقَالَ بعض الْأَعْرَاب: يُقَال لجَرْس الحَيّات حَسْفٌ وحَسِيفٌ، وحَفِيفٌ، وَأنْشد:
أَبَاتُوني بِشَرِّ مَبِيتِ ضَيْف
بِهِ حَسْفُ الأفاعِي والبُرُوص
شمر: الحُسافَةُ: الماءُ الْقَلِيل، قَالَ: وأنشدني ابْن الْأَعرَابِي لكُثَيّر:
إِذا النَّبلُ فِي نَحْر الكُمَيْت كأنّها
شَوارِعُ دَبْرٍ فِي حُسَافَةُ مُدْهُن
قَالَ شمر: وهُوَ الحُشَافَة بالشين أَيْضا. والمُدْهن: صَخْرَةٌ يَسْتَنْقِعُ فِيهَا الماءُ.
حفس: قَالَ اللَّيْث: رجل حِيَفْسٌ وحَفَيْسأٌ إِلَى الْقصر ولؤم الخَليقَة.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: إِذا كَانَ مَعَ الْقصر سِمَنٌ قيل رجل حِيَفْس وحَفَيْتَأ بِالتَّاءِ.
قلتُ: أرى التَّاء مُبَدَلَةً من السِّين، كَمَا قَالُوا: انْحَتَّتْ أَسْنَانه وانْحَسَّت.
وَقَالَ ابْن السّكيت: رَجُلٌ حَفَيْسأٌ وحَفَيْتَأٌ بِمَعْنى وَاحِد.
سحف: اللَّيْث: السَّحْفُ: كَشْطُك الشَّعَر عَن الجِلْد حَتَّى لَا يبْقى مِنْهُ شَيْء تَقول: سَحَفْته سَحْفاً.
والسَّحِيفَةُ والسَّحائف: طرائق الشَّحْم الَّتِي بَين طرائق الطَّفَاطف وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يُرَى من شحمة عَريضَة مُلزَقة بالجِلْدة.
وناقةٌ سَحُوفٌ: كَثِيرَة السحائف وجَمَلٌ سَحُوفٌ كَذَلِك، وَقد تكون الْقطعَة مِنْهُ سَحْفَة.
قَالَ: والسَّحُوف أَيْضا من الغَنَم: الرَّقيقةُ صُوفِ البَطْن.
قَالَ أَبُو عُبَيد: والسّحافُ: السِّلُّ، وَهُوَ رجل مَسْحُوف.
والسَّيْحَفُ: النَّصلُ العريض وجَمْعُه: السَّيَاحِفُ، وَأنْشد:
سَيَاحِفُ فِي الشِّرْيان يأمُلُ نَفْعَها
صِحابِي وأُوْلِي حَدَّها مَنْ تَعَرَّما
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: سَحَفَ رأسَه وجَلَطَه وسَلَتَه إِذا حَلَقه وكَذلك سَحَتَه.(4/188)
الْأَصْمَعِي: السَّحِيفَةُ بِالْفَاءِ المَطْرَةُ الحديدة الَّتِي تَجْرُف كلّ شَيْء، والسَّحيقَةُ (بِالْقَافِ) : المَطْرَةُ الْعَظِيمَة القَطْر، الشَّدِيدَةُ الوَقْع، القليلةُ العَرْضِ، وجَمْعُها السَّحائفُ والسَّحائقُ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ أَعْرَابِي: أتَوْنا بصِحَاف فِيهَا لِحَامٌ وسِحَافٌ أَي شُحُومٌ، وَاحِدهَا سَحْفٌ، وَقد أَسْحَفَ الرجل إِذا بَاعَ السَّحْفَ وَهُوَ الشَّحْم.
أَبُو عُبَيد عَن الفرّاء قَالَ: السُّحَافُ: السُّلُّ وَهُوَ رجل مَسْحُوف.
ابْن شُمَيل: قَالَ أَبُو أسلم: ومَرَّ بناقَةٍ فَقَالَ: هِيَ وَالله لأُسْحُوفُ الأحاليل أَي واسِعَتُها قَالَ: فَقَالَ الْخَلِيل: هَذَا غَرِيب.
سفح: قَالَ اللّيث: السَّفْحُ: سَفْحُ الجَبَل وَهُوَ عُرْضُه المُضْطَجِع وَجمعه سُفوحٌ.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: السَّفْح: أصل الْجَبَل وأسْفَله.
وَقَالَ اللَّيْث: سَفَحَ الدَّمعَ سَفَحَاناً. وَأنْشد:
سِوَى سفَحَانِ الدَّمْعِ مِنْ كلِّ مَسْفَحِ
قَالَ: والسَّفْح للدَّمِ كالصّبِّ، تَقول رَجُلٌ سَفَّاحٌ للدِّماء: سَفّاك.
قَالَ الْأَزْهَرِي: وَيُقَال: سَفَحْتُ الدَّمعَ فَسَفَح وَهُوَ سَافِح ودمُوعٌ سَوافِحُ.
وَقَالَ اللَّيْث: السِّفَاحُ والمُسَافَحَةُ: أَن تُقِيم امرأةٌ مَعَ رَجُل على فجور من غير تَزْوِيج صَحِيح.
قَالَ: وَيُقَال لِابْنِ البَغِيّ ابْن المُسافِحَة، قَالَ: وَفِي الحَدِيثِ (أَوَّلُه سِفَاحٌ وَآخره نِكاحٌ) وَهِي الْمَرْأَة تُسَافِحُ رَجُلاً، فَيكون بَينهمَا اجْتِمَاع على فجور، ثمَّ يَتَزَوَّجهَا، وكَرِه بعض الصَّحَابَة ذَلِك، وَأَجَازَهُ أَكْثَرهم.
أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد قَالَ: المُسَافِحَةُ: الفاجِرَةُ، وَقَالَ الله عَزَّ وجَلَّ {مُحْصَنَات غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ} (النِّساء: 25) .
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: المُسَافِحَةُ: الَّتِي لَا تَمْتَنِعُ عَن الزِّنى، قَالَ: وسُمِّي الزِّنى سِفَاحاً: لِأَنَّهُ كَانَ عَن غير عقد، كَأَنَّهُ بِمَنْزِلَة المَاء المَسْفُوح الَّذِي لَا يَحْبِسُه شَيْء، وَقَالَ غَيره: سُمِّي الزِّنَى سِفَاحًا: لِأَنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ حُرْمة نِكاحٍ وَلَا عَقْدُ تَزْوِيج، وكل وَاحِد مِنْهُمَا سَفَحَ مَنِيَّه أَي دَفقَها بِلَا حُرْمَة أباحَتْ دَفْقَها وَيُقَال: هُوَ مَأْخُوذ من سَفَحْتُ المَاء أَي صَبَبْتُه، وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة إِذا خطب الرجُل المرأةَ قَالَ: أنكحِينِي، فَإِذا أَرَادَ الزِّنَى قَالَ: سَافِحِينِي.
وَقَالَ النَّضْرُ: السَّفِيحُ: الكِسَاءُ الغليظ.
وَقَالَ اللَّيْث: السَّفِيحَانِ: جُوَالِقَان يجعَلان كالْخُرجين، وَأنْشد:
تَنْجُو إِذا مَا اضْطَرَبَ السَّفِيحان
نَجَاء هِقْلٍ جَافِلٍ بِفَيْحَان
وَقَالَ اللحياني: يُدْخَلُ فِي قِدَاح المَيْسر قِدَاحٌ يُتَكَثَّر بهَا كَرَاهَة التُّهَمَة، أَولهَا المُصَدَّر، ثُمَّ المُضَعَّف، ثمَّ المَنِيحُ، ثمَّ السَّفِيح لَيْسَ لَهَا غُنْم وَلَا عَلَيْهَا غُرْم.
وَقَالَ غَيره: يُقَال لكل مَنْ عَمِل عَمَلاً لَا يُجْدِي عَلَيْهِ مُسَفِّح، وَقد سَفّح تَسْفِيحاً، شُبِّه بالقِدْح السَّفِيح، وَأنْشد:(4/189)
ولَطَالما أَرّبتُ غيرَ مُسَفِّح
وكَشَفْتُ عَن قَمَع الذُّرَى بحُسَام
وَقَوله: أرّبتُ أَي أحْكَمْتُ، وَأَصله من الأُرْبَة وَهِي العُقْدَة، وَهِي أَيْضا خَيْر نصيب فِي المَيْسَر، وَقَالَ ابْن مقبل:
وَلاَ تُرَدُّ عَلَيْهِم أُرْبَةُ اليَسَر
ويُقَالُ: ناقَةٌ مَسْفُوحَةُ الإبْطِ أَي واسِعَةُ الإبْط، وَقَالَ ذُو الرُّمَّة:
بِمَسْفُوحَةِ الآبَاطِ عُرْيَانةِ القَرَى
نِبَالٌ تُوَاليها رِحابٌ جُنُوبُها
وجَمَلٌ مَسْفُوح الضُّلُوع: لَيْسَ بِكَزِّهَا
وَيُقَال: بَينهم سِفاحٌ أَي سَفْكٌ للدِّماء.
فسح: الليثُ: الفُسَاحَة: السَّعَةُ الواسِعَةُ فِي الأَرْض، تَقول: بَلدٌ فَسِيحٌ وَمَفَازةٌ فَسِيحَةٌ، وَأمر فَسِيحٌ، وَلَك فِيهِ فَسْحَةٌ أَي سَعَةٌ، وَالرجل يَفْسح لِأَخِيهِ فِي الْمجْلس فَسْحاً إِذا وسَّعَ لَهُ، والقومُ يتفَسَّحُون إِذا مَكَّنُوا. وَيُقَال: انْفَسَح طَرْفُك إِذا لم يَرْدُدْه شيءٌ عَن بُعْدِ النَّظَر.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {ءَامَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِى الْمَجَالِسِ} (المجَادلة: 11) .
وَقَالَ الفَرَّاء: قَرَأَهَا النَّاس: (تَفَسَّحُوا) بِغَيْر ألف، وَقرأَهَا الحَسَنُ: (تَفَاسَحُوا) بِأَلف، قَالَ: وتفاسَحُوا وتَفَسَّحُوا مُتَقَارِبٌ فِي الْمَعْنى مثل تَعَهَّدْتَه وتَعَاهَدْتُه، وَصَاعَرْتُ وصَعَّرْتُ.
قلتُ: وَسمعت أَعْرَابِيًا من بني عُقَيْل يُسَمَّى شَمْلَة يَقُول لخَرّازٍ كَانَ يَخْرِزُ لَهُ قِرْبَة، فَقَالَ لَهُ: إِذا خَرَزْتَ فافسَحِ الخُطا لِئَلَّا يَنْخَرِمَ الخَرْزُ، يَقُول: باعد بَيْنَ الخُرْزَتَين.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: مُرَاحٌ مُنْفَسِح إِذا كَثُرت نَعَمُه، وَهُوَ ضد قَرِع المُرَاح، وَقد انْفَسَح مُرَاحُهم أَي كَثُر إِبِلُهم، وَقَالَ الهُذَلِيُّ:
سأُغْنِيكُم إِذا انْفَسَحَ المُرَاحُ
وَفِي صفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (فَسِيحُ مَا بَين المنْكِبَيْن) أَي بَعِيدٌ مَا بَينهمَا، يصفه بسَعَةِ صَدْرِه.
وَفِي حَدِيث أم زرع (وبَيْتُها فُسَاحٌ) أَي وَاسعٌ. يُقَال: بَيْتٌ فَسيحٌ وفُسَاحٌ، ويُروى فَيَاحٌ بِمَعْنَاهُ.
وجَمَلٌ مَفْسُوح الضُّلُوع بِمَعْنى مَسْفُوحٍ يَسْفَحُ فِي الأرضِ سَفْحاً، وَقَالَ حُمَيْد بن ثَوْر:
فَقَرَّبْتُ مَسْفُوحاً لِرَحْلي كَأَنَّهُ
قَرَى ضِلَعٍ قَيْدَامُها وصَعُودُها
فحس: قَالَ اللَّيْثُ: الفَحْسُ: أخذك الشَّيْء عَن يَدِك بلسانك وفمك من المَاء وَغَيره
ح س ب
حسب، حبس، سحب، سبح: مستعملة.
حسب: قَالَ اللَّيْث: الحَسَبُ: الشَّرَفُ الثَّابِت فِي الْآبَاء، رجل كريم الحَسَب، وَقوم حُسَبَاء، قَالَ: وَفِي الحَدِيث: (الحَسَبُ المَالُ، والكرَمُ التَّقْوَى) وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (تُنْكَحُ المرأةُ لِمَالِها وحَسَبِها ومِيَسَمِها ودينها فَعَلَيْك بِذَاتِ الدِّين، تَرِبَت يداك) .
قلت: وَالْفُقَهَاء يَحْتَاجُونَ إِلَى معرفَة الْحسب، لِأَنَّهُ مِمَّا يُعْتَبَرُ بِهِ مَهْرُ مثل الْمَرْأَة إِذا عُقِد النِّكَاح على مهر فَاسد، فَقَالَ شَمِر(4/190)
فِي كِتَابه (المُؤَلَّف فِي غَرِيب الحَدِيث) الحَسَبُ: الفَعَال الحَسَنُ لَهُ ولآبائه مَأْخُوذ من الحِسَاب إِذا حَسَبُوا مناقبهم، وَقَالَ المُتَلمِّس:
ومَنْ كَانَ ذَا أَصْلٍ كريم وَلم يكن
لَهُ حَسَبٌ كَانَ اللئيمَ المُذَمَّما
ففرّق بَين الحسَب والنَّسَب، فَجعل النّسَب عدد الْآبَاء والأمهات إِلَى حَيْثُ انْتهى، والحَسَبُ: الفَعَالُ مثل الشجَاعَة والجود وحُسْنِ الخُلُق وَالْوَفَاء.
قلت: وَهَذَا الَّذِي قَالَه شَمِر صَحِيح، وإنَّما سُمِّيت مَسَاعِي الرجل ومآثِرُ آبَائِه حَسَباً: لأَنهم كَانُوا إِذا تفاخَرُوا عَدَّ المُفَاخِرُ مِنْهُم مناقِبَه ومآثِرَ آبائِه وحَسَبَها، فالحَسْبُ: العَدُّ والإحصاء، والحَسَبُ: مَا عُدَّ، وَكَذَلِكَ العَدُّ مصدر عَدَّ يعُدُّ، والمعدود عددٌ.
وحدّثني مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن عَليّ بن خَشْرَم عَن مُجَالد عَن عَمْرو عَن مَسْرُوق عَن عُمَر أنّه قَالَ: (حَسَبُ الْمَرْء دينُه، ومروءتُه خُلُقه، وَأَصله عَقْلُه) ، قَالَ: وحَدَّثنا الحُسَيْنُ بن الفَرج عَن إِبْرَاهِيم بن شمَّاسٍ عَن مُسْلِم بن خَالِد، عَن الْعَلَاء عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (كَرَمُ الْمَرْء دِينُه، ومُرُوءَتُه عَقْلُه، وحَسَبُهُ خُلُقُهُ) .
الحَرّاني عَن ابْن السّكيت قَالَ: الشرفُ وَالْمجد لَا يكونَانِ إِلَّا بِالْآبَاءِ. يُقَال: رجل شرِيف، ورَجُلٌ ماجِد: لَهُ آبَاء متقدمون فِي الشّرف. قَالَ: والحَسَبُ وَالْكَرم يكونَانِ فِي الرَّجُل وَإِن لم يكن لَهُ آبَاء لَهُم شرَفٌ. وَيُقَال: رجل حَسِيب. وَرجل كَرِيمٌ بِنَفسِهِ. قلت: أَرَادَ أَن الحَسَب يحصل للرجل بكرم أخلاقِه وَإِن لم يكن لَهُ نسب، وَإِذا كَانَ حسيب الْآبَاء فَهُوَ أكْرم لَهُ.
ابْن بزُرْج قَالَ: الحَسِيبُ عندنَا من الرِّجَال: السخِيُّ الجَوادُ فَذَلِك الحسيبُ، وَلَا يُقَال لذِي الأصْلِ والصَّليبة الْبَخِيل حسيب.
قلت: يُقَال للسَّخِيِّ الجَوادِ حَسِيب. وللذي يَكْثُر أهل بَيته من الْبَنِينَ والأهل حسيب وَإِنَّمَا سُمّي حَسيباً لِكَثْرَة عدده. وسُمِّي الْجواد حسيباً لعدد مآثره ومنابته وكريم أخلاقه، وَبِكُل ذَلِك نطقت السُّنَن وَجَاءَت الْأَخْبَار، وَيبين ذَلِك مَا حدّثنا السَّعْدِيّ عَن الْجِرْجَانِيّ عَن عبد الرَّزَّاق عَن مَعْمر عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة أَنَّ هَوَازِنَ أَتَوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: أَنْت أبرُّ النَّاس وأوصلُهم وَقد سُبِيَ أبناؤُنا ونِساؤُنا وأُخِذَتْ أَمْوَالُنا، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (اخْتَارُوا إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ إِمَّا المالَ، وَإِمَّا البَنِينَ) ، فَقَالُوا: أما إِذْ خيَّرتنا بَين المَال وَبَين الحسَب فَإنَّا نَخْتَارُ الحسَب، فَاخْتَارُوا أبناءَهم ونساءَهم، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِنَّا خَيَّرنَاهُم بَين المالِ والأحْساب فَلم يَعْدِلوا بالأَحْساب شَيْئا) ، فَأطلق لَهُم السَّبيَ.
قلت: وبيّن هَذَا الحَدِيث أَن عدد أهل الْبَيْت يُسَمَّى حَسَباً.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَسَبُ: قدرُ الشيءِ كَقَوْلِك: على حسَبِ مَا أسْدَيْت إليّ(4/191)
َ شكْرِي لَك تَقول: أشكرك على حَسَب بَلاَئِك عِنْدِي أَي على قدر ذَلِك.
قَالَ: وأَمّا حَسْب مَجْزُومٌ فَمَعْنَاه كَفَى، تَقول: حَسْبك ذَاكَ أَي كَفَاكَ ذَاكَ، وَأنْشد ابْن السّكيت:
وَلم يكن مَلَكٌ للْقَوْم يُنْزِلُهم
إِلَّا صَلاَصِلُ لَا تُلْوَى على حَسَبِ
قَالَ: قَوْله: لَا تُلْوَى على حَسَب أَي يُقْسَم بَينهم بالسَّوِيَّة لَا يُؤْثَرُ بِهِ أَحَدٌ، وَقيل: لَا تُلْوَى على حَسَب أَي لَا تُلْوَى على الكِفَاية لِعَوَزِ المَاء وقِلَّتِه.
وَيُقَال أَحْسَبَني مَا أَعْطاني أَي كفَاني.
وَقَالَ الفرّاء فِي قَول الله عزّ وجلّ: {يَاأَيُّهَا النَّبِىُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (الأنفَال: 64) جَاءَ فِي التَّفْسِير: يَكْفِيك الله ويَكْفِي مَنِ اتَّبَعَك، قَالَ: وَمَوْضِع الْكَاف فِي حَسْبُكَ وَمَوْضِع مَنْ: نَصْب على التَّفْسِير كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
إِذا كَانَت الهَيْجَاءُ وانْشَقَّتِ العَصَا
فَحَسْبُك والضَّحّاكَ سَيْفٌ مُهَنَّد
وَقَالَ أَبُو العَبّاس: معنى الْآيَة: يَكْفِيك الله وَيَكْفِي مَنِ اتَّبَعك.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق النَّحْوِيّ فِي قَول الله جلّ وعزّ: {وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً} (النِّساء: 6) يكون بِمَعْنى مُحَاسِباً، وَيكون بِمَعْنى كَافِيا أَي يُعْطي كل شَيْء من العِلْمِ والحِفظِ والجزاءِ مقدارَ مَا يُحْسِبه أَي يَكْفِيه تَقول: حَسْبُك هَذَا أَي اكتفِ بِهَذَا.
قَالَ: وَقَوله تَعَالَى: {رَّبِّكَ عَطَآءً} (النّبَإِ: 36) أَي كَافِيا، وَإِنَّمَا سُمِّي الحِساب فِي الْمُعَامَلَات حِسَابا: لِأَنَّهُ يُعْلَم بِهِ مَا فِيهِ كِفايةٌ لَيْسَ فِيهِ زِيادَةٌ على الْمِقْدَار وَلَا نُقْصانٌ.
أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد. حَسِبْتُ الشيءَ أَحْسَبَه حِساباً، وحَسَبْتُ الشَّيْء أحْسَبُه حَساباً وحُسْبَاناً، وَأنْشد:
على الله حُسْبَانِي إِذا النَّفسُ أَشْرَفتْ
على طَمَعٍ أَو خافَ شَيْئا ضميرُها
وَقَالَ الْفراء: حَسِبْتُ الشيءَ: ظَنَنْتُه أَحْسِبُه وأَحْسَبهُ، والكَسْرُ أَجْوَدُ اللُّغَتَيْن.
وقُرِىء قولُ الله تَعَالَى: (وَلَا تحسبن) ، وليسَ فِي بَاب السَّالِم حَرْفٌ على فَعِل يَفْعِل بِكَسْر الْعين فِي الْمَاضِي والغابر غيرُ حَسِب يَحْسِب، ونَعِمَ يَنْعِم.
وأَمَّا قَول الله جلّ وعزّ: {البَيَانَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} فَمَعْنَاه بِحِسَاب.
وَأَخْبرنِي المنذِريُّ عَن ثَعْلَب أَنه قَالَ: قَالَ الْأَخْفَش فِي قَوْله جلّ وعزّ: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً} (الأنعَام: 96) فَمَعْنَاه بِحِسَاب، فَحذف الْبَاء.
وَقَالَ أَبُو العبَّاس: حُسْبَاناً: مصدر، كَمَا تَقول: حَسَبْتُه أَحْسبُهُ حُسْباناً وحِسَاباً، وَجعله الْأَخْفَش جَمْعَ حِسابٍ.
وَقَالَ أَبُو الهَيْثَم: الحُسْبان جمع حِساب وَكَذَلِكَ أَحْسِبَةٌ مثلُ شِهَاب وأَشْهِبَة وشُهْبَان.
وَأما قَوْله عزَّ ذِكْرُه: {وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَآءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا} (الْكَهْف: 40) فَإِن الْأَخْفَش قَالَ: الحُسْبَانُ: المَرَامي، واحدتها حُسْبَانة.(4/192)
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي أَيْضا: أَرَادَ بالحُسْبَان المَرَامِي، قَالَ: والحُسْبَانَةُ: الصاعِقَةُ، والحُسْبَانَةُ: السَّحابَة، والحُسْبانَةُ: الوِسادَةُ.
وَقَالَ ابْن شُمَيل: الحُسْبَان: سِهَامٌ يَرْمي بهَا الرَّجلُ فِي جَوف قَصَبَةٍ ينْزِع فِي القَوْسِ ثمَّ يَرْمِي بِعِشْرين مِنْهَا، فَلَا تَمرُّ بِشَيْء إِلَّا عَقَرَتْه من صاحِب سِلاَحٍ وَغَيره، فَإِذا نَزَعَ فِي القَصَبة خَرَجَت الحُسْبَانُ كَأَنَّهَا غَيْبَةُ مَطَر فتَفَرَّقَتْ فِي النّاسواحدها حُسْبَانَةٌ، والمَرَامِي مِثْلُ المَسَالِّ رَقيقَةٌ فِيهَا شيءٌ من طول لَا حُرُوف لَهَا.
قَالَ: والقِدْحُ بالحَدِيدَة: مِرْمَاةٌ.
وَقَالَ الزَّجَّاجُ فِي قَوْله عزّ وجلّ: {وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَآءِ} (الْكَهْف: 40) .
قَالَ: الحُسْبَانُ فِي اللُّغة: الحِساب.
قَالَ الله عزّ وجلّ: {: ُ: ِالبَيَانَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} (الرَّحمان: 5) أَي بِحِسَاب، قَالَ: فَالْمَعْنى فِي هَذِه الْآيَة أَي يُرْسِل عَلَيْهَا عَذَاب حُسْبَان، وَذَلِكَ الحُسْبَان حِسَابُ مَا كَسَبَتْ يداك.
قلت: وَالَّذِي قَالَه الزّجاج فِي تَفْسِير هَذِه الْآيَة بعيد، وَالْقَوْل مَا قَالَه الأخْفَشُ وَابْن الْأَعرَابِي وَابْن شُمَيْل وَالْمعْنَى وَالله أَعْلَم أَن الله يُرْسِل على جَنَّة الْكَافِر مَرَامِيَ من عَذَاب، إِمَّا بَرَدٌ وَإِمَّا حِجارة أَو غيرهُما مِما شَاءَ فَيُهْلكها ويُبْطِل غَلَّتَها وأَصْلَها.
وَقَالَ اللَّيْث: الحِسابُ والحِسابةُ: عَدُّك الشيءَ، تَقول: حَسَبْتُ الشَّيْء أَحْسُبُه حِسَابا وحِسابَةً وحِسْبَةً.
وَقَالَ النابِغَةُ:
وأَسْرَعَتْ حِسْبَةً فِي ذَلِك العَددِ
وَقَول الله عزّ وجلّ: {يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ} (البَقَرَة: 212) .
قَالَ بَعضهم: بِغَيْر تَقْدِيرٍ على آخر بِالنُّقْصَانِ، وَقيل: بِغَيْر محاسبة مَا يخَاف أحدا أَن يُحاسِبَه عَلَيْهِ، وَقيل: بغَيْر أَن حَسِبَ المُعْطَى أَنّه يُعْطِيه أعطَاهُ من حَيْث لم يَحْتسِب.
قَالَ: والحِسْبَةُ: مصدر احْتِسابك الْأجر على الله عزّ وجلّ، تَقول: فعلتُه حِسْبَةً، واحْتَسَب فِيهِ احْتِساباً.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: إِنَّه لَحَسَنُ الحِسْبَة فِي الْأَمر إِذا كَانَ حَسَنَ التَّدْبِير فِي الْأَمر وَالنَّظَر فِيهِ وَلَيْسَ هُوَ من احْتِسابِ الأجْرِ.
وَقَالَ ابْن السِّكِّيت: احْتَسَبْتُ فلَانا: اخْتَبَرْتُ مَا عِنْدَه، والنساءُ يَحْتسِبن مَا عِنْد الرِّجَالِ لَهُنَّ أَي يَختَبِرْن.
قَالَ: وَيُقَال: احْتَسَبَ فلانٌ ابْناً لَهُ وبنْتاً لَهُ إِذا ماتَا وهما كبيران، وافْتَرَط فَرَطاً إِذا مَاتَ لَهُ وَلَدٌ صَغِير لم يبلغ الْحُلُم.
قلت: وَأما قَول الله جَلَّ وَعَزَّ: {مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَىْءٍ قَدْراً} (الطّلَاق: 3) فَجَائِز أَن يكون مَعْنَاهُ من حَيْثُ لَا يُقَدِّرُهُ وَلَا يَظُنّهُ كَائِنا، من حَسِبْتُ أَحْسِب أَي ظَنَنْتُ، وَجَائِز أَن يكون مأخوذاً من حَسبْتُ أَحْسُبُ، أَرَادَ من حَيْثُ لم يَحْسُبْه لنَفسِهِ رزقا وَلَا عَدَّه فِي حِسابه.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَسْبُ والتَّحْسِيبُ: دَفْنُ المَيِّتِ، وأَنْشَد:(4/193)
غَدَاةَ ثَوَى فِي الرَّمْلِ غَيْرَ مُحَسَّبِ
أَي غَيْرَ مدفون، وَيُقَال: غيرَ مُكَفَّن. قلتُ: لَا أعرف التَّحْسِيب بِمَعْنى الدَّفْن فِي الْحِجَارَة وَلَا بِمَعْنى التَّكْفِين، وَالْمعْنَى فِي قَوْله: غير مُحَسَّب أَي غير مُوَسَّد.
قَالَ أَبُو عُبَيْدة وَغَيره: الحُسْبانَةُ: الوِسادَةُ الصَّغِيرَة، وقَدْ حَسَّبْتُ الرجل إِذا أَجْلَستَه عَلَيْهَا.
وروى أَبُو العَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: يُقَال لِبِسَاط البَيْتِ: والحِلْسُ، لِمخَادِّه المَنَابذُ ولِمساوِرِه الحُسْبَانات، ولحُصْرِه الفُحولُ.
وَقَالَ اللَّيْث: الأحْسَبُ: الَّذِي ابْيَضَّت جِلْدَتُه من دَاءٍ ففسدت شَعَرَته، فَصَارَ أَحْمَرَ وأبْيَض، وَكَذَلِكَ من الْإِبِل والنَّاس، وَهُوَ الأبْرَصُ، وأَنْشَدَ قولَ امْرِىء القَيْس:
أَيَا هِنْدُ لَا تَنْكِحِي بُوهَةً
عَلَيْهِ عَقِيقَتُه أَحْسَبَا
وَقَالَ أَبُو عُبَيْد: الأحْسَبُ: الَّذِي فِي شعره حُمْرَةٌ وبَيَاض.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحُسْبَةُ: سَواد يضْرب إِلَى الحُمْرَةِ، والكُهْبَةُ: صُفْرَةٌ تَضرِبُ إِلَى الحُمْرَةِ، والقُهْبَةُ: سَواد يضْرب إِلَى الخُضْرَة، والشُّهْبَةُ: سوادٌ وبيَاضٌ، والْحُلْبَةُ: سوادٌ صِرْفٌ، والشُّرْبَةُ: بيَاضٌ مُشْرَبٌ بحمرة، واللُّهْبَةُ: بيَاضٌ ناصعٌ نَقِيّ، والنُّوبَةُ: لَوْنُ الخِلاسِيِّ والخِلاسِيُّ: الَّذِي أَخَذ من سوادٍ شَيْئا وَمن بَيَاض شَيئاً، كَأَنَّهُ وُلِد من عَرَبِيَ وحَبَشِيَّة.
أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد: أَحْسَبْتُ الرجلَ أَي أَعْطيته مَا يَرْضَى، وَقَالَ غَيره مَعْنَاهُ: أَعْطَيْتُه حَتَّى قَالَ: حَسْبِي.
والحِسَابُ: الْكثير من قَول الله عَزَّ وجَلَّ: {رَّبِّكَ عَطَآءً} (النّبَإِ: 36) أَي كثيرا. وَيُقَال: أَتَاني حِسابٌ من النَّاس أَي جماعةٌ كَثِيرَة، وَهِي لُغَة هُذَيْل.
وَقَالَ ساعِدَةُ بنُ جُؤَيَّةَ الهُذَلِيّ:
فَلم يَنْتَبِه حَتَّى أحَاط بِظَهْرِه
حِسَابٌ وسِرْبٌ كالجرادِ يَسُوم
وأمَّا قَوْل الشَّاعِر:
باشَرْتَ بالوَجْعَاءِ طَعْنَة ثَائرٍ
بِمُثَقِّفٍ وثَوَيْتَ غيْرَ مُحَسَّب
فَإِنَّهُ يُفَسّر على وَجْهَيْن، قيل: غير مُوسَّد، وَقيل: غير مكرّم، وَمَعْنَاهُ أَنه لم يرفَعْك حَسَبُك فَيُنْجِيَكَ من الْمَوْت وَلم يُعَظَّمْ حَسَبُك.
وَقَالَ الفَرّاء فِي قَوْله جَلّ وعَزّ: {البَيَانَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} (الرَّحمان: 5) قَالَ: بِحسَاب ومنازل لَا يَعْدُوانها. وَقَالَ الزَّجَّاج: بحُسْبَان يدل على عدد الشُّهُور والسنين وَجَمِيع الْأَوْقَات.
أَبُو عُبَيد: ذَهَبَ فلَان يَتَحَسَّبُ الأخبارَ أَي يَتَحَسّسها ويطلبها تَحَسُّباً.
وَقَالَ أَحْمد بن يحيى: سألتُ ابنَ الْأَعرَابِي عَن قَول عُرْوَةَ بنِ الوَرْد:
ومُحْسِبَةٍ مَا أَخْطَأَ الحقُّ غَيرهَا
تَنَفَّسَ عَنْهَا حَيْنُها فَهْي كالشَّوِي
قَالَ: المُحْسِبَةُ بمعنيين من الحَسَب وَهُوَ الشَّرَف، وَمن الإحساب وَهِي الكِفَاية أَي(4/194)
أَنَّهَا تُحْسِبُ بلبنها أهلَها والضَّيْفَ، وَمَا صلَة، الْمَعْنى أَنَّهَا نُحِرَت هِيَ وسَلِمَ غَيرهَا.
أَبُو عُبَيد عَن أبي زِيَاد الْكلابِي: الأحْسَبُ من الْإِبِل: الَّذِي فِيهِ سَواد وحُمْرَة وبيَاض، والأَكْلَفُ نَحوه.
وَقَالَ شمر: هُوَ الَّذِي لَا لون لَهُ الَّذِي يُقَال: أَحْسِبُ كَذَا وأَحْسِبُ كَذَا.
وَقَوله تَعَالَى: {وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} (البَقَرَة: 202) أَي حِسَابُه وَاقع لَا محَالة، وكلُّ وَاقع فَهُوَ سَرِيعٌ، وسُرْعَةُ حِساب الله أَنه لَا يَشْغَلُه حِسَابُ وَاحِد عَن مُحاسَبَة الآخر، لِأَنَّهُ لَا يشْغلهُ سَمْعٌ عَن سَمْع، وَلَا شأْنٌ عَن شأْن.
وَقَوله: {يَاأَيُّهَا النَّبِىُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (الأنفَال: 64) . أَي كافيك الله. أَحْسَبَني الشيءُ أَي كَفَاني، وأعْطَيْتُه فأحسَبْتُه أَي أعطيتُه الكِفَايَة حَتَّى قَالَ حَسْبي، وَفِي قَوْله: {وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (الأنفَال: 64) كِفَايَةٌ إِذا نَصرهم الله، وَالثَّانِي حَسْبك من اتَّبَعَك من الْمُؤمنِينَ أَي يَكْفِيكُم الله جَمِيعًا.
وَقَوله: {ُاقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} ِ (الإسرَاء: 14) أَي كفى بك لنَفسك مُحَاسِباً.
وَقَوله: {يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ} (البَقَرَة: 212) أَي بِغَيرِ تَقْتِيرٍ وتضييق، كَقَوْلِك: فلَان ينْفق بِغَيْر حِسَاب أَي يُوَسِّع النّفَقَةَ وَلَا يَحْسُبُها.
{أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ} (الْكَهْف: 9) الخِطَابُ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمرادُ الأُمَّةُ.
أَخْبرنِي المُنْذِرِيّ عَن أبي بكر الخطَّابي عَن نوح بن حبيب عَن عبد الْملك بن هِشَام الذمارِي قَالَ أخبرنَا سُفْيان عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن جَابر بن عبد الله أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ: (يَحْسِب أَن مَاله أخلده) (الهُمَزة: 3) معنى أَخْلَدَه يُخْلِدُه، وَمثله: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ} (الأعرَاف: 50) أَي يُنَادي، وَقَالَ الحُطَيْئَة:
شَهِدَ الْحُطَيْئَةُ حِين يَلْقَى رَبَّه
أَنَّ الوليدَ أَحَقُّ بالعُذْرِ
سحب: اللَّيْث: السَّحْبُ: جَرُّك الشيءَ على الأَرْض تَسْحَبُه سَحْباً، كَمَا تَسحَبُ الْمَرْأَة ذيلَها، وكما تَسْحَب الريحُ الترابَ، وسُمِّي السّحابُ سحاباً لانسحابه فِي الْهَوَاء.
قَالَ: والسَّحْبُ: شِدَّةُ الْأكل والشُّرب ورَجُلٌ أُسْحوب: أَكُولٌ شَرُوب.
قُلْتُ: الَّذِي عَرَفنَاهُ وحَصَّلْناه رجلٌ أُسْحُوتٌ بِالتَّاءِ إِذا كَانَ أَكُولا شروباً، وَلَعَلَّ الأسحُوبَ بِالْبَاء بِهَذَا الْمَعْنى جَائِز.
وَيُقَال: رجل سَحْبَانُ أَي جَرَّاف يجرُف كلّ مَا مَرَّ بِهِ، وَبِه سُمِّي سَحْبَانُ وَائِل الَّذِي يضْرب بِهِ المثلُ فِي الفصاحة (أَفْصَحُ من سَحْبَانِ وائلٍ) .
وَيُقَال: فلَان يَتَسَحَّبُ علينا أَيْن يتدَلَّل وَكَذَلِكَ يَتَدَكَّلُ ويتدَعَّبُ.
والسُّحْبَةُ: فَضْلَةُ مَاء تبقى فِي الغَدِير، يُقَال: مَا بَقِي فِي الغدير إِلَّا سُحَيْبَة مَاء أَي مُوَيْهة قَليلَة.
سبح: قَالَ الله جلّ وعزّ: {قِيلاً إِنَّ لَكَ فِى النَّهَارِ(4/195)
سَبْحَاً طَوِيلاً} (المُزمّل: 7) .
قَالَ اللَّيْث: مَعْنَاهُ فراغاً للنوم.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو الدُّقَيْش: وَيكون السَّبْحُ أَيْضا فراغاً بِاللَّيْلِ.
وَقَالَ الفرَّاء: يَقُول لَك فِي النَّهَار. مَا تقضي حوائجك.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: سَبْحاً طوِيلاً، قَالَ فَرَاغاً وتَصَرُّفاً، وَمن قَرَأَ سَبْخاً فَهُوَ قَرِيبٌ من السَّبْح.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: من قَرَأَ سَبْحاً فَمَعْنَاه اضطراباً ومعاشاً. وَمن قَرَأَ: سَبْخاً أَرَادَ رَاحَة وتخفيفاً للأبدان.
وَقَالَ ابْن الفَرَج: سمِعتُ أَبَا الجهم الجَعْفَرِي يَقُول: سَبَحْتُ فِي الأَرْض وسبَخْتُ فِيهَا إِذا تَبَاعَدت فِيهَا. قَالَ: وَسبح اليَرْبُوعُ فِي الأَرْض إِذا حفر فِيهَا، وسَبَحَ فِي الْكَلَام إِذا أكثرَ فِيهِ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيدة: سَبْحاً طَويلا أَي مُنْقَلَباً طَويلا.
وَقَالَ اللَّيْث: سُبْحَانَ الله: تَنْزِيه لله عَن كل مَا لَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يُوصف بِهِ.
قَالَ: ونَصْبُه أَنه فِي مَوضِع فعل على معنى تَسْبِيحاً لَهُ، تَقول: سَبَّحْتُ الله تسبيحاً أَي نَزّهْتُه تَنْزِيها. وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَقَالَ الزّجاج فِي قَول الله جَلّ وعزّ: {ُ سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً} (الإسرَاء: 1) مَنْصُوب على الْمصدر، أسبِّح الله تَسبيحاً.
قَالَ: وسُبحَان فِي اللُّغَة: تنْزِيه لله عَزّ وجَلّ عَن السوء. قلت: وَهَذَا قَول سِيبَوَيْهٍ، يُقَال: سَبّحْت الله تسبيحاً وسُبْحَاناً بِمَعْنى وَاحِد، فالمصدر تَسْبِيح، والإسم سُبْحَانَ يقوم مقَام الْمصدر.
قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَقَالَ أَبُو الخَطّاب الْكَبِير: سُبْحانَ الله كَقَوْلِك: بَرَاءَة الله من السوء، كَأَنَّهُ قَالَ: أُبَرِّىء الله من السوء. وَمثله قَول الأعْشَى:
سُبْحَانَ مِنْ عَلْقَمَةَ الْفَاخِر
أَي بَرَاءَة مِنْهُ.
قلت: وَمعنى تَنْزِيه الله من السُّوء: تَبْعِيدُه مِنْهُ، وَكَذَلِكَ تسبيحه تبعيده، من قَوْلك: سَبَحْتُ فِي الأَرْض إِذا أَبْعَدْتَ فِيهَا، وَمِنْه قَوْله جَلَّ وعَزَّ: {سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِى} (يس: 40) ، وَكَذَلِكَ قَوْله: {نَشْطاً وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً} (النَّازعَات: 3) هِيَ النُّجُوم تَسْبَحُ فِي الفَلَكِ أَي تذهَبُ فِيهَا بَسْطاً كَمَا يَسْبَحُ السابح فِي المَاء سَبْحاً، وَكَذَلِكَ السابحُ من الخَيْل يَمُدُّ يَدَيه فِي الجَرْي سَبْحاً كَمَا يسبح السابح فِي المَاء وَقَالَ الأعْشَى:
كم فيهم من شَطْبَهٍ خَيْفَقٍ
وسَابِحٍ ذِي مَيْعَةٍ ضَامِر
وَقَالَ اللَّيْث: النُّجُوم تسْبَح فِي الْفلك إِذا جَرَت فِي دورانه.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل فِيمَا رَوَى عَنهُ أَبُو دَاوُد المَصَاحِفي: رَأَيْت فِي الْمَنَام كأنّ إنْسَانا فَسّر لي سُبْحَانَ الله فَقَالَ: أما ترى الْفرس يَسْبَحُ فِي سرعته، وَقَالَ: سُبْحَان الله: السُّرْعَة إِلَيْهِ.
قلت: والقولُ هُوَ الأوّلُ، وجِمَاعُ مَعْناه بُعْدُه تبَارك وَتَعَالَى عَن أَن يكون لَهُ مِثْلٌ أَو(4/196)
شَرِيكٌ أَو ضِدٌّ أَو نِدٌّ.
وَقَالَ الفرَّاء فِي قَول الله جَلَّ وعَزّ: {الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} (الرُّوم: 17) الْآيَة فصلّوا لله حِين تمسون وَهِي الْمغرب والعِشَاء، وَحين تُصْبِحُون صَلاَةَ الفَجْر، وعَشِيّاً الْعَصْر، وَحين تظْهِرون الأولى. وَكَذَلِكَ قَوْله: {ُوَهُوَ مُلِيمٌ فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ} ِ (الصَّافات: 143) . قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: من الْمُصَلِّين.
وَقَالَ اللَّيْث: السُّبْحَةُ من الصَّلاَةِ: التَّطَوُّع.
وَفِي الحَدِيث أَن جِبْرِيل قَالَ: (لله دون الْعَرْش سَبْعونَ حِجَاباً لَو دَنَوْنَا من أَحدهَا لأحرَقَتْنا سُبُحَاتُ وَجْه رَبنَا) قيل: يَعْنِي بالْسُبُحاتِ جَلالَه وعَظمتَه ونورَه.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: سُبُحَاتُ وَجْهِه: نُورُ وَجْهه.
وَأَخْبرنِي المُنْذِرِيُّ عَن أبي الْعَبَّاس أَنه قَالَ: السُّبُحات: مَواضِعُ السُّجود.
وَأما قَول الله: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالاَْرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَىْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَاكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} (الإسرَاء: 44) وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: قيل: إنَّ كل مَا خلق الله يسبِّحُ بحَمْدِه، وإنَّ صَرِيرَ السَّقْفِ وصريرَ الْبَاب من التَّسْبِيح، فَيكون على هَذَا الْخطاب للْمُشْرِكين وحدهم فِي {وَلَاكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} ، وَجَائِز أَن يكون تَسْبِيحُ هَذِه الْأَشْيَاء بِمَا الله بِهِ أعلم لَا يُفْقَهُ مِنْه إلاَّ مَا عُلِّمنا قَالَ: وَقَالَ قوم: {وَإِن مِّن شَىْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ} أَي مَا من شيءٍ إِلَّا وَفِيه دَلِيل أَن الله جلّ وعزّ خالِقُه، وأنَّ خالِقَه حكيمٌ مُبَرَّأٌ من الأسواء، وَلَكِنَّكُمْ أَيهَا الْكفَّار لَا تفقهون أثر الصَّنْعَةِ فِي هَذِه الْمَخْلُوقَات.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْء لِأَن الَّذين خوطبوا بِهَذَا كَانُوا مُقرِّين بِأَن الله خالقُهم وخالِقُ السَّمَاء وَالْأَرْض ومَنْ فِيهِنَّ، فَكيف يجهلون الخِلْقَة وهم عارفون بهَا.
قلت: وممّا يَدُلُّك على أَن تَسْبِيح هَذِه المخلوفات تَسبيحُ تُعِبِّدَتْ بِهِ قولُ الله جلّ وعزّ للجبال: {مِنَّا فَضْلاً ياَجِبَالُ أَوِّبِى} (سَبَإ: 10) وَمعنى أوِّبي أَي سَبِّحي مَعَ داوُد النهارَ كلَّه إِلَى اللَّيْل، وَلَا يجوز أَن يكون معنى أَمر الله جلّ وعزّ للجبال بالتأوِيبِ إِلَّا تعبُّداً لَهَا.
وَكَذَلِكَ قَوْله جلّ وعزّ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِى السَّمَاوَاتِ وَمَن فِى الاَْرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} (الحَجّ: 18) إِلَى قَوْله: {وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ} (الحَجّ: 18) فسُجودُ هَذِه الْمَخْلُوقَات عبادةٌ مِنْهَا لخالقها لَا نَفْقَهُها عَنْهَا كَمَا لَا نَفْقَه تسبيحَها.
وَكَذَلِكَ قَوْله: {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَآءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} (البَقَرَة: 74) وَقد علِم الله هُبوطَها من خَشَيتِه، وَلم يُعرِّفْنَا ذَلِك، فَنحْن نؤمِن بِمَا أَعْلَمَنا وَلَا نَدّعي بِمَا لم نُكَلَّف بأفهامنا من عِلْمِ فِعلِها كَيفيّةً نَحُدُّها.
وَمن صِفَات الله جلّ وعزّ السُّبُّوحُ القُدُّوسُ.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: السُّبُّوحُ: الَّذِي تَنزَّه عَن(4/197)
كلِّ سوءٍ، والقُدُّوسُ: الْمُبَارك، وَقيل: الطَّاهرُ، قَالَ: وَلَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب بِنَاء على فُعُّول بِضَم أَوله غير هذَيْن الإسمين الجليلين وحرف آخر وَهُوَ قَوْلهم للذّرِّيحِ وَهِي دُوَيْبَّةٌ ذُرُّوح، وَسَائِر الْأَسْمَاء تَجِيء على فَعُّول مثل: سَفُّود وقَفُّود وقَبُّور وَمَا أشبههَا.
وَيُقَال لهَذِهِ الخَرَزات الَّتِي يَعُدُّ بهَا المُسَبِّحُ تَسْبِيحَه السُّبْحَة وَهِي كلمة مولدة.
أَبُو عُبَيد عَن أَصْحَابه: السَّبْحَة بِفَتْح السِّين وَجَمعهَا سِبَاحٌ: ثِيَاب من جُلُود.
وَقَالَ مالكُ بن خَالِد الهذليّ:
إِذا عادَ المسَارِحُ كالسِّبَاح
قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو: كِسَاءٌ مُسبَّح بِالْبَاء أَي قوي شَدِيد. قَالَ: والمُشَبَّح بِالْبَاء أَيْضا والشين: المُعَرَّض.
وَقَالَ شمر: السَّباحُ بِالْحَاء: قُمُصٌ للصبيان من جُلُود. وَأنْشد:
كَأَن زَوَائِدَ المُهُرَاتِ مِنْهَا
جَوارِي الهِندِ مُرْخِيةَ السِّبَاحِ
وَأما السُّبْجَةُ بِضَم السِّين وَالْجِيم فكِساءٌ أسود.
وَقَالَ ابْن عَرَفَة المُلَقَّب بِنِفْطَوَيْه فِي قَول الله: {لِّلْمُقْوِينَ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} (الواقِعَة: 74) أَي سبِّحه بأسمائه ونزِّهه عَن التَّسمِيَة بغيْرِ مَا سَمّى بِهِ نَفسه.
قَالَ: ومَنْ سَمّى الله بِغَيْر مَا سَمّى بِهِ نَفسه فَهُوَ مُلْحِد فِي أَسْمَائِهِ، وكلّ من دَعَاهُ بأسمائه فمسبِّح لَهُ بهَا إذْ كَانَت أسماؤه مدائحَ لَهُ وأوْصافاً.
قَالَ الله جلّ وعزّ: {ُوَللَّهِ الأَسْمَآءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} ِ (الأعرَاف: 180) وَهِي صِفَاته الَّتِي وصف بهَا نَفسه، فَكل من دَعَا الله بأسمائه فقد أطاعه ومدحه ولَحِقَه ثوابُه.
وروى الْأَعْمَش عَن أبي وَائِل عَن عبد الله قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مَا أَحَدٌ أَغْيَرَ من الله، وَلذَلِك حَرَّم الفواحِشَ وَلَيْسَ أحدٌ أحَبّ إِلَيْهِ المدحُ من الله.
حبس: قَالَ اللَّيْث: الحبْسُ والمَحْبِسُ: موضعان للمَحبوسِ. قَالَ: والمَحْبِسُ يكون سِجْناً وَيكون فعلا كالحَبْسِ. قلت: المَحبَسُ: مصدر، والمحبِسُ: اسْم للموضع.
قَالَ اللَّيْث: والحَبِيسُ: الفرسُ يُجْعَلُ حَبِيساً فِي الله سَبِيل يُغْزَى عَلَيْه.
قلت: والحُبُسُ جمع الحَبِيس، يَقع على كل شَيْء وقفَه صاحبِه وَقفا مُحَرَّماً لَا يُورَثُ وَلَا يُباع من أَرض ونخل وكَرْم ومُسْتَغَلّ يُحَبَّسُ أصلُه وَقفا مُؤبّداً وتُسَبَّلُ ثَمَرَتُه تَقَرُّبا إِلَى الله كَمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعُمَر فِي نَخْلٍ لَهُ أَرَادَ أَن يتقرّب بِصَدَقَتِهِ إِلَى الله جلّ وعزّ، فَقَالَ لَهُ: (حَبِّس الأصلَ وسَبِّل الثّمَرَة) ، وَمعنى تَحْبِيسه: ألاّ يُورَثَ وَلَا يُبَاعَ وَلَا يُوهَبَ، وَلَكِن يُترَكُ أصلُه ويُجْعَلُ ثمرُه فِي سُبُل الْخَيْر.
وَأما مَا رُوِي عَن شُرَيْح أَنه قَالَ: جَاءَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِإِطْلَاق الحُبُسِ، فَإِنَّمَا أَرَادَ بهَا الحُبُسَ الَّتِي كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يَحْبِسُونها من السوائب والبَحَائِر والحام وَمَا أشبههَا، فَنزل الْقُرْآن بإحْلال مَا كَانُوا يُحرِّمون مِنْهَا وَإِطْلَاق مَا حَبَّسُوا بِغَيْر أَمر الله مِنْهَا.(4/198)
وَأما الحُبُس الَّتِي وَردت السُّنَنُ بتَحْبِيس أَصْلهَا وتَسْبِيل ثَمَرِها فَهِيَ جاريَة على مَا سَنَّها الْمُصْطَفى ج، وعَلى مَا أُمِرَ بِهِ عُمَرُ فِيهَا.
وَقَالَ اللَّيْث: الحِبَاسُ: شيءٌ يُحْبَسُ بِهِ المَاء نَحْو الحِبَاس فِي المَزْرَفَةِ يُحْبَس بِهِ فُضُولُ الماءِ. والحُباسَةُ فِي كَلَام الْعَجم: المَزْرَفَةُ: وَهِي الحُباسَات فِي الأَرْض قد أحاطت بالدّبْرَة: وَهِي المَشَارَةُ يحْبَس فِيهَا الماءُ حَتَّى تمتلىء ثمَّ يُساقُ الماءُ إِلَى غَيرهَا. قَالَ: وَتقول: حَبَّسْتُ الفرَاش بالمِحْبَس، وَهِي المِقْرَمَةُ الَّتِي تُبَسط على وَجه الْفراش للنوم.
وَتقول: احتسبتُ الشَيْءَ إِذا اخْتَصَصْتَه لنَفسك خَاصَّة.
وَفِي (النَّوَادِر) : يُقَال: جعلني فلانٌ رَبِيطَةً لكذا وحَبِيسَةً أَي يَذْهَبُ فيفعل الشَّيْء وأُوخَذُ بِهِ.
وَقَالَ المُبَرّد فِي بَاب عِلَلِ اللِّسَان: الحُبْسَةُ: تَعَذُّر الْكَلَام عِنْد إِرَادَته، والغُقْلَةُ: التواء اللِّسَان عِنْد إِرَادَة الْكَلَام.
أَبُو عُبَيد عَن أبي عَمْرو: الحِبْسُ مثل المَصْنَعة وَجمعه أَحْبَاسٌ يُجْعَل للْمَاء، والحِبْسُ: المَاء المُسْتَنْقِع. وَقَالَ غَيره: الحِبْسُ: حِجارَةٌ تُبْنَى فِي مَجْرى المَاء لتَحْبِسَه للشَّارِبَة، فيُسمّى الماءُ حِبْساً كَمَا يُقَال نِهْيٌ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: يكون الْجَبَل خَوْعاً أَي أَبيض، وَتَكون فِيهِ بُقْعَةٌ سَوْدَاء، وَيكون الْجَبَل حَبْساً أَي أسود، وَتَكون فِيهِ بقْعَة بَيْضَاء.
قَالَ: والحَبْسُ: الشَّجَاعةُ.
والحِبْس بالكَسْرِ: حِجَارَةٌ تكون فِي فُوَّهَةِ النَّهْر تَمْنَعُ طُغْيَان الماءِ.
والحِبْسُ: نِطاقُ الهَوْدَج. والحِبْسُ: المِقْرَمَةُ. والحِبْسُ: سِوَار من فِضَّة يُجْعَل فِي وسط القِرام، وَهُوَ سِتْرٌ يُجْمَعُ بِهِ ليضيءَ الْبَيْت.
ح س م
حسم، حمس، سحم، سمح، مسح، محس: (مستعملة) .
حسم: قَالَ اللَّيْث: الحَسْم: أَن تَحْسِم عرقا فتكويه بالنَّار كَيْلا يَسِيلَ دَمه.
والحَسْم: المَنْع. قَالَ: والمَحْسوم الَّذِي حُسم رَضَاعه وغِذَاؤه. تَقول حَسَمَتْه الرَّضَاعَ أمُّه تَحسِمه حَسْماً. وَتقول: أَنا أَحْسِم على فلَان الْأَمر أَي أقطعه عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَظْفَر مِنْهُ بِشَيْء.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: الحُسامُ: السَّيْف الْقَاطِع، وَقَالَ الكِسائي: حُسَام السَّيْف: طَرَفه الَّذِي يضْرب بِهِ.
وَقَالَ الْفراء فِي قَوْله تَعَالَى: {لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ} (الحَاقَّة: 7) الحُسُوم: التِّبَاع إِذا تَتَابع الشَّيْء فَلم يَنْقَطِع أوَّلُه عَن آخِره. قيل فِيهِ حُسومٌ. قَالَ وَإِنَّمَا أُخِذَ من حَسْم الدَّاء إِذا كُوِيَ صاحِبُه: لِأَنَّهُ يُحْمَى يُكْوى بالمِكواة ثمَّ يُتابع ذَلِك عَلَيْهِ.
وَقَالَ الزَّجَّاج: الَّذِي تُوجِبُه اللُّغة فِي معنى قَوْله: {حسوماً أَي تَحْسِمهم حسوماً أَي تُذْهِبهم وتُفْنِيهم.(4/199)
قلت: وَهَذَا كَقَوْلِه جَلّ وعَزَّ: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ} (الأنعَام: 45) .
وَقَالَ يُونُس: تَقول الْعَرَب: الحُسُوم يُورِث الحُشُوم. وَقَالَ: الحُسُوم. الدُّءوبُ.
قَالَ: والحُشوم. الإعياء، روى ذَلِك شمِر ليونس.
وَقَالَ اللَّيْث: الحُسُوم. الشُّؤْم. يُقَال. هَذِه ليَالِي الحُسُوم تَحْسِم الخَيْرَ عَن أهْلِها. كَمَا حُسِمَ عَن عَاد فِي قَول الله: {لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ} (الحَاقَّة: 7) أَي شُؤْماً عَلَيْهِم ونَحساً. وَذُو حُسُم: مَوضِع.
قَالَ: والْحَيْسُمَانُ اسْم رجل من خُزَاعَة. وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
وعَرَّد عَنَّا الْحَيْسُمَان بن حَابِس
وَقَالَ غَيره: الحَسْمُ: الْقطع. وَفِي الحَدِيث: (عَلَيْكُم بالصَّوْم فَإِنَّهُ مَحْسَمة أَي مَجْفَرَةٌ مَقْطَعَةٌ لِلبَاءَةِ.
ابْن هانىء عَن ابْن كُثْوَة: قَالَ من أمثالهم (وَلْغُ جُرَيَ كَانَ محسوماً) يُقَال عِنْد استكثار الْحَرِيص من الشَّيْء لم يكن يَقْدِر عَلَيْهِ فقَدَر عَلَيْهِ أَو عِنْد أمره بالاستكثار حِين قَدَر. والمَحْسومُ: السّيِّءُ الغِذاء.
سحم: قَالَ اللَّيْث: السُّحْمَةُ: سَوادٌ كلون الْغُرَاب الأسْحَم. قَالَ: والأسْحَم: اللَّيْل فِي بَيت الأعْشى:
بأسحَم دَاجٍ عَوْضُ لَا نَتَفَرَّقُ
وَقَالَ أَبُو عُبَيد الأسْحَم: الْأسود. وَيُقَال للسحاب الْأسود الأسْحَم. وللسحابة السَّوْدَاء سَحْمَاء.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب، عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: أسْحَمَتِ السَّماء وأَثْجَمَتْ. صبَّت مَاءَها.
وَقَالَ زُهَيْر يصف بقرة وحشية وذَبَّها عَن نَفسهَا بقرنها فَقَالَ:
وتَذْبِيبُها عَنْهَا بأسْحَمَ مِذْوَدِ
أَي بقرن أسود.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: السَّحْمَةُ: الكُتْلَةُ من الْحَدِيد وَجَمعهَا سَحَمٌ. وَأنْشد لطَرَفة فِي صفة الْخَيل:
... مُنْعَلاَتٌ بالسَّحَمْ
قَالَ: والسُّحُمُ: مَطَارِقُ الحَدَّاد.
وَقَالَ ابْن السّكيت: السَّحَمُ والصُّفَارُ: نَبْتَان، وَأنْشد:
إِن العُرَيْمَة مانِعٌ أَرْماحنا
مَا كَانَ من سَحَم بهَا وصُفَارِ
سمح: قَالَ اللَّيْث: رَجُلٌ سَمْحٌ، وَرِجَال سُمَحَاء. ورجُلٌ مِسْمَاحٌ، ورِجالٌ مَسَامِيحُ، وَمَا كَانَ سَمْحاً، وَلَقَد سَمُح سَمَاحَةً وجاد بِمَا لَدَيْهِ.
قَالَ: والتَّسْمِيحُ: السُّرْعَةُ، وَأنْشد:
سَمَّح واجْتابَ فَلاَةً قِيَّا
والمُسامَحَةُ فِي الطِّعان والضِّراب: المُسَاهَلَة، وَأنْشد:
وسَامَحْتُ طَعْناً بالوَشِيج المُقَوَّمِ
ورُمْحٌ مُسَمَّح: ثُقِّفَ حَتَّى لاَنَ بهَا.
أَبُو زيد: سَمَحَ لي بِذَاكَ يَسْمَحُ سَماحَةً، وَهِي الْمُوَافقَة على مَا طَلَب.
وَقَالَ غَيره: تَقول العَرَب: عَلَيْك بالحَقِّ فإنَّ فِيهِ لمَسْمَحاً أَي مُتَّسَعاً، كَمَا قَالُوا:(4/200)
إنَّ فِيهِ لمندوحة، وَقَالَ ابْن مقبل:
وَإِنِّي لأستحيي وَفِي الْحق مَسْمَحٌ
إِذا جاءَ باغِي العُرْفِ أَن أَتَعَذَّرا
أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد سَمَح لي فلَان أَي أَعْطَاني، وَمَا كَانَ سَمْحاً، وَلَقَد سَمُح بِضَم الْمِيم.
وَقَالَ ابْن الْفرج حِكَايَة عَن بعض الْأَعْرَاب قَالَ: السِّباحُ والسِّمَاح: بُيُوتٌ من أَدَم، وَأنْشد:
إِذا كَانَ المسَارِحُ كالسِّماحِ
وَيُقَال: سَمَّح البعيرُ بعد صعوبته إِذا ذَلَّ، قَالَ: وأَسْمَحَتْ قُرُونَتُه لذاك الْأَمر إِذا أطاعت وانْقَادَت.
وَيُقَال: فُلانٌ سَمِيحٌ لَمِيحٌ، وسَمْحٌ لَمْحٌ.
فِي الحَدِيث أنّ ابْن عبّاس سُئِل عَن رجل شَرِب لَبَناً مَحْضا أَيَتَوَضَّأ؟ فَقَالَ: (اسمح يسمح لَك) .
قَالَ شمر: قَالَ الْأَصْمَعِي: مَعْنَاهُ: سَهِّل يُسَهَّل لَك وَعَلَيْك، وَأنْشد:
فَلَمَّا تَنَازَعْنَا الحدِيثَ وأَسْمَحَتْ
قَالَ: أسمحت: أسهلت وانقادت.
أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ: أَسْمَحَتْ قَرِينَتُه إِذا ذَلّ واستقام، وَقَوْلهمْ: الحَنِيفِيَّة السّمْحَةُ: لَيْسَ فِيهَا ضِيقٌ وَلَا شِدّة.
أَبُو عَدْنان عَن أبي عُبَيدة: اسْمَحْ يُسْمَحْ لَك، بالقَطْع والوصْل جَمِيعًا. وسَمَحَت النَّاقَةُ فِي سيْرِها إِذا انْقَادَت وأَسْرَعَتْ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: سَمَحَ لَهُ بِحاجَتِه وأَسْمَح أَي سهَّل لَهُ.
وَقَالَ الفرّاء: رجلٌ سَمْحٌ، وَرِجَال سُمَحَاء، وَنسَاء مَسَامِيحُ.
مسح: قَالَ ابْن شُمَيْل: المَسْحُ: القولُ الحسَنُ من الرّجُل، وَهُوَ فِي ذَلِك يخدعك. يُقَال: مسحتُه بِالْمَعْرُوفِ أَي بالمعْرُوف من القَوْل، وَلَيْسَ مَعَه إِعْطَاء، وَإِذا جَاء إعْطَاء ذهب االمَسْحُ وَكَذَلِكَ مَسّحْتُه.
وَقَالَ اللَّيْث: المَسْحُ: مَسْحُك الشيءَ بِيَدِك كمسْحِك الرّشْحَ عَن جبينك، وكمسْحِك رأْسَك فِي وضوئك. وَفِي الدُّعَاء للْمَرِيض: مَسَحَ الله عَنْك مَا بِك، قَالَ: ورَجُل مَمسُوح الوَجْه: مَسيح: وَذَلِكَ أَن لَا يبْقى على أحد شِقَّيْ وَجْهه عينٌ وَلَا حاجبٌ إِلَّا اسْتَوى. قَالَ: والمَسِيخ الدّجَّالُ على هَذِه الصّفة. والمسيحُ عِيسَى ابْن مَرْيَم قد أُعْرِب اسْمه فِي الْقُرْآن على مسيح. وَهُوَ فِي التورءة مَشِيحَا. وَأنْشد:
إِذا المَسيحُ يَقْتُل المسيحَا
يَعْنِي عِيسَى ابْن مَرْيَم يقتل الدجّال بَنَيْزَكه.
قَالَ أَبُو بكر الْأَنْبَارِي: قيل سُمِّي عِيسَى مَسيحاً لِسِياحَته فِي الأَرْض.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: سُمِّي مَسيحاً، لِأَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ الأَرْض أَي يَقْطعُها.
وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ لَا يمْسَح بِيَدِهِ ذَا عاهَةٍ إِلَّا بَرَأَ، وَقَالَ غَيره: سُمِّي مَسِيحاً، لِأَنَّهُ كَانَ أَمْسَحَ الرِّجْل لَيْسَ لرجله أَخْمَصُ، وَقيل: سُمِّي مَسيحاً لِأَنَّهُ خرج من بطن أمه مَمسُوحاً بالدُّهْن.
وَرُوِيَ عَن إِبْرَاهِيم أنَّ المسيحَ الصِّدِّيقُ.(4/201)
قَالَ أَبُو بكر: واللغويون لَا يعْرفُونَ هَذَا، قَالَ: وَلَعَلَّ هَذَا قد كَانَ مُسْتَعْمَلاً فِي بعض الْأَزْمَان فَدَرَس فِيمَا درس من الْكَلَام.
قَالَ: وَقَالَ الْكسَائي: قد درس من كَلَام العَرَب شيءٌ كثير.
وَقَالَ أَبُو عُبَيد: المسيحُ عيسَى أَصله بالعبرانية مَشِيحا، فَعُرِّب وغُيِّر، كَمَا قيل مُوسَى، وَأَصله مُوشَى.
قَالَ أَبُو بكر: ورُوِي عَن بعض الْمُحدثين: المِسِّيح بِكَسْر الْمِيم وَالتَّشْدِيد فِي الدّجّال.
قَالَ حَدثنَا إسماعيلُ بن إِسْحَاق عَن عبد الله بن مَسْلَمة عَن مَالك عَن نَافِع أَن ابْن عُمَر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرَاني الله عِنْد الْكَعْبَة رجلا آدم كأحْسنِ مَن رَأَيْت، فَقيل لي: هُوَ الْمَسِيح ابْن مَرْيَم، قَالَ وَإِذا أَنا بِرَجُل جَعْد قططٍ أَعور العَيْن اليُمْنَى كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طافية، فَسَأَلتُ عَنهُ، فَقيل لي: المِسِّيح الدَّجَّال، قَالَ: وَهُوَ فِعِّيل من المَسْح.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: المَسِيحُ: الصِّدِّيق، وَبِه سُمَّي عِيسَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: والمَسِيحُ الأَعْوَرُ، وَبِه سُمِّي الدَّجَّال، ونحوَ ذَلِك قَالَ أَبُو عُبَيد.
وَقَالَ شمر: سُمِّي عِيسَى المَسيحَ لِأَنَّهُ مُسِحَ بِالْبركَةِ.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: المَسِيحُ بن مَرْيَم: الصِّدِّيق، وضد الصِّدِّيق المَسيحُ الدَّجّال أَي الضِّلِّيل الكَذَّاب، خلق الله المَسِيحَيْن أَحدهمَا ضد الآخر، فَكَانَ المَسِيحُ ابْن مَرْيَم يُبْرِىءُ الأكمهَ والأبرصَ ويُحيِي الموتَى بإذنِ الله، وَكَذَلِكَ الدَّجَّال يُحْيي الْمَيِّت وَيُمِيت الْحَيّ، وينشىء السَّحَاب، ويُنبت النَّبَات، فهما مَسِيحان: مَسِيحُ الهُدَى، ومَسِيحُ الضَّلَالَة، قَالَ لي المُنْذِري: فَقلت لَهُ بَلغنِي أَن عِيسَى إِنَّمَا سُمِّي مَسِيحاً، لِأَنَّهُ مُسِح بالبَرَكَة، وسُمِّي الدَّجَّال مَسِيحاً، لِأَنَّهُ مَمْسُوحُ العَيْن، فَأنكرهُ وَقَالَ: إِنَّمَا المَسِيحُ ضِد المَسيح، يُقَال مَسَحَه الله أَي خَلَقَه خَلْقاً حَسَناً مُبارَكا، ومَسَحَه أَي خَلَقَه قَبِيحاً مَلْعُوناً.
قَالَ: ومَسَحْتُ النَّاقَةَ ومَسَخْتُها أَي هَزَلْتُهَا وَأَدْبَرْتُها، والعَرَبُ تَقول: بِهِ مَسْحَةٌ من هُزَال ومَسْخةٌ من هُزَال، وَبِه مَسْحَةٌ من سِمَن وجَمالٍ.
والشيءُ المَمسوحُ: القَبيحُ المَشْئوم المُغَيَّرُ عَن خَلْقِه.
وَقَالَ ذُو الرُّمَّة فِي المَسْحَة بِمَعْنى الْجمال:
على وَجْه مَيَ مَسْحَةٌ من مَلاَحةٍ
وتحْتَ الثِّياب الشَّيْن لوْ كَانَ بادِيا
وَعَن جرير بن عبد الله: مَا رَآنِي رَسُول الله مُذْ أسلمت إلاَّ تَبَسَّم فِي وَجْهي، وَقَالَ: (يَطْلع عَلَيْكُم رجل من خِيَارِ ذِي يَمَنٍ على وَجْهه مَسْحَةُ مَلَكٍ) .
قَالَ شمر: الْعَرَب تَقول: هَذَا رجل عَلَيْهِ مَسْحَةُ جَمالٍ ومَسْحَةُ عِتْقٍ وكرَمٍ، لَا يُقَال إِلَّا فِي المدْحِ، وَلَا يُقَالُ: عَلَيْهِ مَسْحَةُ قَيْح وَقد مُسِحَ بالعِتْقِ والكَرَم مَسْحاً.
وَقَالَ الكُمَيتُ:(4/202)
خَوَادِمُ أَكْفَاءٌ عَلَيْهِنّ مَسْحَةٌ
من العِتْقِ أَبْدَاهَا بَنَانٌ وَمَحْجِرُ
وَقَالَ الأَخْطَلُ يَمْدَحُ رَجُلاً من ولد العَبَّاس كَانَ يُقَال لَهُ المُذْهَبُ:
لَذَ تَقَبَّله النَّعِيمُ كأنَّما
مُسِحَتْ تَرَاِئبُه بمَاءٍ مُذْهَبِ
وَفِي صفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مَسِيحُ الْقَدَمَيْنِ) أَرَادَ أَنَّهُمَا مَلْسَاوَان: لَيْسَ فيهمَا وسَخٌ وَلَا شُقاقٌ وَلَا تَكَسُّرٌ إِذا أصابهما المَاء نَبا عَنْهُما.
وَفِي حَدِيث أبي بكر: غَارة مَسْحَاء، هُوَ فعلاء من مَسَحَهم يَمْسَحهم إِذا مَرَّ بهم مَرّاً خَفِيفاً لَا يُقيم فِيهِ عِنْدهم.
قَالَ: والمَسِيحُ: الكَذاب ماسِحٌ ومِسِّيحٌ وَمِمسَحٌ وتِمْسَحٌ، وَأنْشد:
إنِّي إِذا عَنَّ مِعَنٌّ مِتْيَحُ
ذُو نَخْوَة أَو جَدِلٌ بَلَنْدَحُ
أَو كَيْذُبَانٌ مَلَذَانٌ مِمْسَحُ
وَقَالَ آخر:
بالإفْكِ والتَّكْذابِ والتَّمسَاح
قَالَ: والمَسِيحُ: سبائك الفِضَّة، والمَسِيحُ: المنديل الأخْشَنُ، والمَسِيحُ: الذِّرَاعُ، والمَسِيحُ: العَرَقُ، والمَسِيحُ: الكَثِيرُ الجِماع، وَكَذَلِكَ الماسِحُ، يُقَال: مَسَحَها أَي جَامعهَا.
قَالَ: والمَاسِحُ: القَتَّالُ، يُقَال: مسحهم أَي قَتَلَهم.
والماسِحَةُ: المَاشِطَةُ.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: المسائح: الشّعْر.
وَقَالَ شمر: هِيَ مَا مَسَحْتَ من شعرك فِي خدِّك ورَأسِك، وَأنْشد:
مَسَائِحُ فَوْدَيْ رَأْسِه مُسْبَغَلَّةٌ
جَرَى مِسْكُ دَارِينَ الأحَمُّ خِلاَلَهَا
وَقَالَ الفرّاء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {عَلَىَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ} (ص: 33) يُرِيد: أقبل يَمسَح يَضْرِبُ سُوقَها وَأَعْنَاقها، فالمسْحُ هَاهُنَا الْقطع.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب أَنه سُئِل عَن قَوْله: {عَلَىَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ} (ص: 33) وَقيل لَهُ: قَالَ قطرب: يمسحها: يُبَرِّك عَلَيْهَا، فَأنكرهُ أَبُو العَبَّاس وَقَالَ: لَيْسَ بَشَيْء، قيل لَهُ: فَإيشْ هُوَ عنْدك؟ فَقَالَ: قَالَ الفرَّاء وَغَيره: يضْرب أعناقَها وسُوقَها: لِأَنَّهَا كَانَت سَبَبَ ذَنبه.
قلتُ: ونحوَ ذَلِك قَالَ الزَّجَّاج، وَقَالَ: لم يَضْرِبْ سُوقَها وَلَا أعناقَها إِلَّا وَقد أَبَاحَ الله لَهُ ذَلِك: لِأَنَّهُ لَا يَجْعَل التَّوْبَة من الذَّنْبِ بِذَنْبٍ عَظِيم، قَالَ: وَقَالَ قوم: إِنَّه مَسَحَ أَعْنَاقَها وسُوقَها بِالْمَاءِ بِيَدِهِ، قيل: وَهَذَا لَيْسَ يُشْبِه شَغْلَها إِيَّاه عَن ذِكْرِ الله، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك قوم: لِأَن قَتْلَها كَانَ عِنْدهم مُنْكرا، وَمَا أَبَاحَهُ الله فَلَيْسَ بمُنكر، وَجَائِز أَن يُبِيح ذَلِك لسُلَيْمَان فِي وَقْتِه ويَحْظُره فِي هَذَا الوَقْتِ.
أَبُو عُبَيد: التَّمْسَحُ: الرجل المارد الْخَبِيث.
وَقَالَ اللَّيْث: التِّمْسَحُ والتِّمْسَاحُ يكون فِي المَاء شَبِيه بالسلحفاة إِلَّا أَنه يكون ضخماً طَويلا قَوِيّاً.(4/203)
قَالَ: والمُمَاسَحَةُ: المُلاَيَنَةُ والمُعَاشَرَة والقُلُوبُ غير صَافِيَة.
وَفُلَان يُتَمَسَّح بِهِ لِفَضْله وعبادته، كَأَنَّهُ يُتَقَرَّبُ إِلَى الله بالدُّنُوِّ مِنْه.
وَقَالَ غَيره: مَسَحَت الإبلُ الأرضَ يومَها دَأْباً أَي سَارَتْ سيراً شدِيداً، قَالَه ابْن دُرَيْد.
أَبُو عُبَيد: المَسْحَاءُ: الأرضُ المستوية.
وَقَالَ اللَّيْث: الأمْسَحُ من المفَاوز كالأمْلَسِ وَجمعه الأَمَاسِحُ.
والمَسَاحَةُ: ذَرْعُ الأَرْض، تَقول: مَسَحَ يَمْسَح مَسْحاً.
وَقَالَ غَيره: جمع المَسْحَاء من الأَرْض مَسَاحِي.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: المَسْحَاءُ: أَرض حَمْرَاء، والوحْفَاءُ: السَّودَاءُ.
وَقَالَ غَيره: المَسْحَاءُ: قِطْعَة من الأَرْض مستوية كَثِيرَة الحَصَى غَلِيظَة.
وتَمَاسَحَ القومُ إِذا تَبَايَعُوا فتَصَافَقوا.
أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد قَالَ: إِذا كَانَت إِحْدَى رَبْلَتي الرِّجْل تُصِيب الْأُخْرَى قيل: مَشِقَ مَشَقاً ومَسِحَ مَسَحاً.
وَقَول الله جلّ وعزّ: {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ} (المَائدة: 6) . قَالَ بَعضهم: نزل الْقُرْآن بِالْمَسْحِ، والسُّنَّةُ بالغَسْلُ.
وَقَالَ بعض أهل اللُّغَة: مَنْ خَفَضَ وأرجلكم فَهُوَ على الجِوَار.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق النَّحْوِيّ: الْخَفْضُ على الجِوار لَا يَجُوزُ فِي كِتَاب الله، إِنَّمَا يجوز ذَلِك فِي ضَرورَة الشِّعْرِ، وَلَكِن المَسْحَ على هَذِه الْقِرَاءَة كالغَسْل، وَمِمَّا يدلّ على أَنه غَسْل أَن المَسْحَ على الرِّجل لَو كَانَ مَسْحاً كمَسْح الرأْسِ لم يَجز تحديدُه إِلَى الْكَعْبَيْنِ كَمَا جَاءَ التَّحْدِيد فِي الْيَدَيْنِ إِلَى الْمرَافِق، قَالَ الله: {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ} (المَائدة: 6) بِغَيْر تَحْدِيد فِي الْقُرْآن، وَكَذَلِكَ فِي التَّيَمُّم: {فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِّنْهُ} (المَائدة: 6) من غير تَحْدِيد، فَهَذَا كُله يُوجب غَسْل الرِّجلين، وَأما من قَرَأَ: (وأرْجُلَكم) ، فَهُوَ على وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن فِيهِ تَقْدِيماً وتأْخِيراً كَأَنَّهُ قَالَ: فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمرَافِق وأرجَلكم إِلَى الْكَعْبَيْنِ، وامسحوا بُرؤسِكم وقدّم وأخرَّ ليَكُون الْوضُوء وِلاَءً شَيْئا بعد شَيْء. وَفِيه قوْلٌ آخَرُ: كَأَنَّهُ أَرَادَ أغسلوا أَرْجُلكُم إِلَى الكَعْبَيْن، لِأَن قَوْله إِلَى الْكَعْبَيْنِ قد دَلّ على ذَلِك كَمَا وَصفنَا، ويُنْسَقُ بالغَسْل على المَسْح كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
يَا لَيْت زَوْجَكِ قَدْ غَدَا
مُتَقَلِّدَّا سَيْفاً ورُمْحا
الْمَعْنى مُتَقَلِّداً سَيْفاً وحَامِلاً رُمْحاً.
وَقَالَ غَيره: رجُلٌ أَمْسَحُ القدَم وَالْمَرْأَة مَسْحَاء إِذا كَانَت قَدَمُه مستوية لَا أَخْمَصَ لَهَا، وَامْرَأَة مَسْحَاءُ الثَّدْي إِذا لم يكن لِثَدْيِها حجم.
والمَاسِحُ مِنَ الضَّاغِطِ إِذا مَسَحَ المِرْفَقُ الإبْطَ من غير أَن يعرُكَه عَرْكاً شَدِيدا.
والأَمْسَحُ: الأَرْسَحُ، وقومٌ مُسْحٌ رُسْح وَقَالَ الأَخْطَل:(4/204)
دُسْمُ العَمَائِم مُسْحٌ لَا لحومَ لَهُم
إِذا أحَسُّوا بِشَخْصٍ نابىءٍ لَبَدُوا
وَيُقَال: امْتَسَحْتُ السيفَ من غِمده وامْتَسَخْتُه إِذا اسْتَللْته.
وَقَالَ سَلَمَةُ بنُ الخُرْشُب يَصِف فَرَساً:
تَعَادَى من قوائِمها ثَلاثٌ
بتَحْجِيلٍ وَوَاحِدَةٌ بَهِيمُ
كَأَن مَسِيحَتَي وَرِقٍ عَلَيْهَا
نَمَت قُرْطَيهما أُذُنٌ خَذِيمُ
قَالَ ابْن السّكيت: يَقُول: كَأَنَّمَا أُلْبِسَتْ صَفِيحَة فِضَّة من حُسْنِ لَوْنهَا وبريقها، قَالَ: وَقَوله: نَمَتْ قُرْطَيْهما أَي نَمَتْ الْقُرْطَيْن اللَّذين من المَسِيحَتَيْن أَي رفَعَتْهُما، وَأَرَادَ أَن الْفضة مِمَّا يُتَّخَذُ لِلْحَلْي وَذَلِكَ أَصْفَى لَهَا، وأُذُنٌ خَذِيمٌ أَي مَثْقُوبَة.
وَأنْشد لعبد الله بن سَلَمَة فِي مثله:
تَعْلَى عَلَيْهِ مَسَائِحٌ من فَضَّةٍ
وتَرَى حَبَابَ المَاء غَيْرَ يَبِيس
أَرَادَ صَفَاءَ شَعْرَته وقِصَرها. يَقُول: إِذا عَرِق فَهُوَ هَكَذَا، وتَرَى المَاء أَوَّلَ مَا يَبْدُو من عَرَقه.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الأَمْسَحُ: الذِّئْب الأَزَلُّ، والأمْسَحُ: الأَعْوَرُ الأَبْخَقُ لَا تكون عينه بَلُّوْرَةً. والأَمْسَحُ: السَّيَّارُ فِي سِيَاحَتِه، قَالَ: والأَمْسَحُ: الكَذَّابُ:
وَفِي حَدِيث اللِّعان أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي ولد المُلاعَنَة: (إِن جَاءَتْ بِهِ مَمْسُوحَ الأَلْيَتَيْن) . قَالَ شمر هُوَ الَّذِي لَزِقت أَلْيَتَاه بالعَظْمِ.
رَجُلٌ أَمْسَحُ وامرأةٌ مَسْحَاء وَهِي الرَّسْحَاءُ، قَالَ ذَلِك ابْن شُمَيْل.
وَقَالَ الفرّاء: المَسْحَاءُ: أرضٌ لَا نَبَات بهَا، يُقَال: مررتُ بِخَرِيقٍ بَين مَسْحاوَيْن، والخَرِيقُ: الأَرْض الَّتِي تَوَسَّطَها النَّبَات.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: المَسْحَاءُ: قِطْعَة من الأَرْض مستوية جرداء كَثِيرَة الحَصَى لَيْسَ فِيهَا شَجَرٌ وَلَا تُنبت، غَلِيظَةٌ جَلَدٌ تَضْرِبُ إِلَى الصَّلابَة مثل صَرْحَةِ المِرْبَد لَيست بقُفَ وَلَا سَهْلَة.
وخَصِيٌّ مَمْسُوحٌ إِذا سُلِتَتْ مَذَاكِيرُه.
ابْن شُمَيْل: مَسَحَه بالْقَوْل، وَهُوَ أَن يَقُول لَهُ مَا يُحِبّ وَهُوَ يَخْدَعه.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: المَسْحُ: الكَذِبُ، مَسَحَ مَسْحاً.
وَقَالَ أَبُو سعيد فِي بعض الْأَخْبَار: نرجو النصرَ على مَنْ خَالَفَنَا ومَسْحَةَ النِّقْمَة على مَنْ سعى عَلَى إمَامِنا. قيل: مَسْحَتُها: آيَتُها وحِلْيتُها، وَقيل مَعْنَاهُ: أنَّ أَعْنَاقهم تُمسَح أَي تُقْطَفُ.
قَول الله تَعَالَى: {بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ} (آل عمرَان: 45) . قَالَ أَبُو مَنْصُور: سمى الله ابْتِدَاء أمره كلمة، لِأَنَّهُ ألْقى إِلَيْهَا الْكَلِمَة، ثمَّ كَون الْكَلِمَة بشرا. وَمعنى الْكَلِمَة: الْوَلَد. وَالْمعْنَى: يبشرك بِولد اسْمه الْمَسِيح. قَالَ الْحَرْبِيّ: سمي الدَّجَّال مسيحاً لِأَن عينه ممسوحة عَن أَن يبصر بهَا. وَسمي عِيسَى مسيحاً: اسْم خصّه الله بِهِ ولمسح زَكَرِيَّا إِيَّاه.
حمس: اللَّيْث: رَجُلٌ أَحْمَسُ: شُجَاعٌ، وعام(4/205)
أَحْمسُ، وَسَنةٌ حَمْساء: شَدِيدة، ونَجْدَةٌ حَمْسَاءُ يُرِيد بِها الشَّجَاعَة، وأصابتهم سنُون أَحَامِسُ، وَلَو أَرَادوا مَحْض النَّعْت لقالوا: سِنُونَ حُمْسٌ، إِنَّمَا أَرَادوا بالسِّنين الأَحامِس على تَذْكِير الأعوام.
وَقَالَ أَبُو الدُّقَيْش: التَّنُّورُ يُقَال لَهُ الوَطِيسُ والْحَمِيسُ.
قَالَ: والحُمْس: قُرَيش، وأَحْمَاسُ العَرَب: أَمَّهاتُهم من قُرَيْش، وَكَانُوا يَتَشَدَّدُون فِي دينهم، وَكَانُوا شجعان الْعَرَب لَا يُطاقُون، وَفِي قَيْس حُمْسٌ أَيْضا.
والحَمْسُ: جَرْسُ الرِّجال، وَأنْشد:
كأَنَّ صَوْتَ وَهْسِها تَحْتَ الدُّجَى
حَمْسُ رِجَالٍ سَمِعُوا صَوْتَ وَحَا
وأَخْبَرَني الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الهَيْثَم أَنه قَالَ: الحُمْسُ: قُرَيْش وَمن ولدت قُرَيْش وكنانة، وجَديلَةُ قيس، وهم فهْم وَعَدْوان ابْنا عَمْرو بن قَيْس عَيْلاَن، وَبَنُو عَامر بن صعصعة هَؤُلَاءِ الحُمْس، سُمُّوا حُمْساً لأَنهم تَحمَّسُوا فِي دينهم أَي تَشَدَّدوا، قَالَ: وَكَانَت الحُمْسُ سُكَّانَ الْحرم، وَكَانُوا لَا يخرجُون أَيَّام المَوْسِم إِلَى عَرَفَات، وَإِنَّمَا يقفون بالمُزْدَلِفة وَصَارَت بَنو عَامر من الحُمْس ولَيْسُوا من سَاكِني الحَرَم لِأَن أُمَّهُم قُرَشِيَّةً، وَهِي مَجْدُ بنت تَيْم بن مُرَّة.
قَالَ: وخُزَاعة سُمِّيَتْ خُزَاعَة لأَنهم كَانُوا من سكان الْحرم فَخُزِعُوا عَنهُ أَي أُخْرِجُوا، وَيُقَال: إِنَّهُم من قُرَيْش انْتَقَلُوا بِنَسَبهم إِلَى الْيمن وهم من الحُمسْ.
وأمَّا الأَحَامِسُ من الأَرْضِين فَإِن شَمِراً حكى عَن ابْن شُمَيْل أَنه قَالَ: الأَحامِسُ: الأَرْض الَّتِي لَيْسَ بهَا كَلأُ وَلَا مرتَعٌ وَلَا مَطَرٌ وَلَا شَيْء.
أرضٌ أحَامِسُ، وَيُقَال: سنُون أَحَامِس، وَأنْشد:
لَنَا إبل لم نكتسِبْها بِغَدْرةٍ
وَلم يُفْنِ مَوْلاَها السِّنُون الأَحامِسُ
وَقَالَ آخر:
سَيذْهَب بِابْن العَبْدِ عَوْنُ بْنُ جَحْوَشٍ
ضَلالاً وتُقْنِيهَا السِّنونَ الأحَامِسُ
وَقَالَ أَبُو عُبَيد: يُقَال: وَقع فلَان فِي هِنْد الأَحَامس إِذا وَقع فِي الداهية.
وَقَالَ شَمِر عَن ابْن الْأَعرَابِي: الحَمْسُ: الضلال، والهَلكَة والشَّرُّ، وأنشدنا:
فإنكُم لَسْتُم بِدَارِ تُلُنَّةٍ
ولكنَّما أَنْتُم بهنْدِ الأحَامِس
وَقَالَ رؤبة:
لاقَيْن مِنْهُ حَمَساً حَمِيسا
مَعْنَاهُ: شِدَّةً وشَجَاعَة.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي فِي قَول عَمْرو:
بِتَثْلِيث مَا نَاصَيْتَ بَعْدِي الأحامِسَا
أَرَادَ قُرَيْشاً. وَقَالَ غَيره: أَرَادَ بالأحامِس بني عامرٍ، لِأَن قُرَيْشاً ولدتهم، وَقيل: أَرَادَ الشجعان من جَمِيع النَّاس.
وَقَالَ اللِّحْيَاني: يُقَال: احْتَمَسَ الدِّيكان واحْتَمَشَا، وحَمِسَ الشَّرُّ وحَمِس إِذا اشْتَدَّ.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الأَحْمَسُ: الوَرِعُ من(4/206)
الرِّجَال الَّذِي يتشدد فِي دينه. والأَحْمَسُ: الشجاع، وَقَالَ ابْن أَحْمَر:
لَوْ بِي تَحمَّسْتِ الرِّكَابُ إِذا
مَا خَانَنِي حَسَبي وَلَا وَفْرِي
قَالَ شَمِر: تَحَمَّست: تَحَرَّمَتْ واستغاثت من الْحُمْسَةِ، وَقَالَ العَجَّاجُ:
وَلم يَهَبْنَ حُمْسَةً لأَحْمَسَا
وَلَا أَخَا عَقْدٍ وَلَا مُنْجَّسَا
يَقُول: لم يَهَبْنَ لذِي حُرْمَة حُرْمَة أَي رَكِبْنَ رؤوسهن.
وَفِي (النَّوَادِر) : الحَمِيسَةُ: القَلِيَّةُ، وقَدْ حَمَّسَ اللحمَ إِذا قَلاَه.
محس: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الأمْحَسُ: الدَّبَّاغُ الحاذِقُ.
قلت: المَحْسُ والمَعْسُ: دَلْكُ الجِلْدِ ودِبَاغُه، أبدلت الْعين حاء.
(حسم) : وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الأَحْسَمُ: الرجلُ البازل القَاطِعُ للأمور. قَالَ: وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الحَيْسَمُ: الرجلُ القَاطِعُ للأُمورِ الكَيِّسُ.
(أَبْوَاب الْحَاء وَالزَّاي)
ح ز ط
أهملت وجوهه.
ح ز د
دحز: قَالَ اللَّيْث: الدَّحزُ وَهُوَ الْجِمَاع.
ح ز ت، ح ز ظ، ح زذ، ح ز ث: أهملت وجوهها.
(ح ز ر)
حزر، حرز، زحر، زرح، رزح: مستعملات.
زحر: قَالَ اللَّيْث: زَحَرَ يَزْحَرُ زَحِيراً، وَهُوَ إِخْرَاج النَّفَس بأَنِينٍ عِنْد عمل أَو شدَّة، وَكَذَلِكَ التَّزَحّر، وَيُقَال للْمَرْأَة إِذا ولدت ولدا زَحَرَتْ بِهِ وتَزَحَّرَت عَنْهُ، وَأنْشد:
إِنِّي زعيم لَك أَن تَزحَّرِي
عَن وَارِمِ الْجَبْهَة ضخم المَنْخَرِ
يوقال: هُوَ يَتَزَحَّر بِمَالِه شُحّاً.
وَقَالَ ابْن السّسكيت: يُقَال: أَخذه الزَّحيرُ والزُّحَار، وَرجل زَحَّار. قَالَ: وَقَالَ الفرَّاء: أَنْشدني بعض كلب:
وَعند الْفقر زَحَّاراً أُنَانَا
حزر: قَالَ اللَّيْث الحَزَوَّرُ والجميع الحَزَاوِرَةُ.
وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال للغلام إِذا راهق وَلم يدْرك بعدُ حَزَوَّرٌ، وَإِذا أدْرك وَقَوِي واشتدَّ فَهُوَ حَزَوَّرٌ أَيْضا، وَقَالَ النَّابِغَة:
نزع الحَزَوَّرِ بالرِّشاءِ المُحْصَدِ
وَقَالَ أَرَادَ الْبَالِغ القَوِيَّ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم فِي (الأضداد) : الحَزَوَّرُ: الغلامُ إِذا اشْتَدَّ وَقَوي، والحَزَوَّرُ: الضعيفُ من الرِّجَال وَأنْشد:
وَمَا أَنا إنْ دَافَعْتُ مِصْرَاعَ بَابِه
بِذِي صَوْلة فَانٍ وَلَا بِحَزَوّر
وَقَالَ آخر:
إنَّ أحَقَّ النَّاسِ بالمَنِيَّهْ
حَزَوَّرٌ لَيْسَت لَهُ ذُرِّيَّهْ
قَالَ: أَرَادَ بالحَزَوَّر هَاهُنَا رجلا بالِغاً(4/207)
ضَعِيفاً.
قَالَ أَحْمد بن يحيى: قَالَ سَلَمَة: قَالَ الْفراء، قَالَ: أَخْبرنِي الأرْمُ عَن أبي عُبَيْدة، وَأَبُو نصر عَن الْأَصْمَعِي، وَابْن الْأَعرَابِي عَن المُفَضَّلُ قَالَ: الحَزَوَّرُ عِنْد العَرَب: الصَّغيرُ غَيرُ البَالغِ، وَمن العَرَب من يَجْعَل الحَزَوَّر: الْبَالِغ القَوِيّ الْبدن الَّذِي قد حمل السِّلَاح. قلتُ: وَالْقَوْل هُوَ هَذَا.
شَمِر عَن أبي عَمْرو: الحَزْوَرُ: الْمَكَان الغَلِيظُ، وَأنْشد:
فِي عَوْسَجِ الوَادِي ورَضْمِ الحَزْوَر
وَقَالَ عَبَّاسُ بن مِرْدَاسٍ:
وذابَ لُعَابُ الشَّمْس فِيهِ وأُزِّرَتْ
بِهِ قامِسَاتٌ من رِعَانٍ وحَزْوَر
وَقَالَ اللَّيْث: الحَزْرُ: حَزْرُك عدد الشَّيْء بالحَدْس، تَقول أَنا أَحْزِرُ هَذَا الطَّعَام كَذَا وَكَذَا قَفِيزا، قَالَ: والحَزْرُ: اللَّبنُ الحامض، وَقَالَ الْأَصْمَعِي: إِذا اشتدَّت حُمُوضَة اللَّبن فَهُوَ حازر، وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: هُوَ حازر وحامزٌ بِمَعْنى وَاحِد.
ابْن شُمَيْل عَن المُنْتَجِع قَالَ: الحازر: دَقِيق الشَّعِير وَله ريح لَيْسَ بِطيب.
اللَّيْث: الحَزْرَةُ: خِيَارُ المَال، وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه بعث مُصَدِّقاً فَقَالَ: (لَا تأخُذ من حَزَرَات أَنْفسِ النَّاس شَيْئا، خُذِ الشَّارِفَ والبَكْر) .
وَقَالَ أَبُو عُبَيْد: الْحَزرَةُ: خِيَارُ المَال: وَأنْشد:
الحَزَرَاتُ حَزَرَاتُ النّفْسِ
وَأنْشد شمر:
الحَزَرَاتُ حَزَرَاتُ القَلْبِ
اللُّبُنُ الغِزَار غيرُ اللُّجْبِ
حِقَاقُها الجِلادُ عِنْد اللَّزْبِ
قَالَ شمر: يُقَال: حَزَرات وحَزُرات.
وَقَالَ أَبُو سعيد: حَزَراتُ الأَمْوالِ: هِيَ الَّتِي يَوَدُّها أَرْبَابُها، وَلَيْسَ كل المَال الحَزَرَة، قَالَ: وَهِي العلائق، قَالَ: وَفِي مثل للْعَرَب:
واحَزْرَتِي وأبْتَغي النَّوافِلاَ
شَمِر عَن أبي عُبَيدة قَالَ: الحَزَرات: نُقَاوَةُ المالِ: الذّكر والأُنْثَى سَوَاء، يُقَال: هِيَ حَزْرَةُ مالِهِ وَهِي حَزْرَةُ قلبه، وَأنْشد شمر:
نُدَافِعُ عَنْهُم كلَّ يَوْم كَرِيهَةٍ
ونَبْذُلُ حَزْراتِ النُّفُوسِ ونَصْبِرُ
وَقيل لخيار المَال حَزْرة، لِأَن صاحِبها يَحْزُرها فِي نَفسه كلما رَآهَا، وَمن أَمْثَال الْعَرَب (عَدَا القَارِصُ فَحَزَر) يُضْرَبُ للأمْرِ إِذا بَلَغَ غايَتَه وأَفْعَمَ.
وَوَجْهٌ حازِرٌ: عَابِسٌ باسِرٌ
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الحَزْرَةُ: النَّبِقَةُ المُرَّة، وتُصَغَّر حُزَيْرَة.
رزح: اللَّيْث: رزح البَعيرُ رُزُوحاً إِذا أَعْيَا فقَامَ. بَعيرٌ رازح وإبِلٌ رَزْحَى: وإبِلٌ مَرَازيحُ، وبَعير مِرْزَاحٌ كَذَلِك.
والمِرْزِيحُ: الصوتُ، وَأنْشد:
ذَرْ ذَا وَلَكِن تَبَصَّر هَل تَرى ظُعُناً
تُحْدَى لساقتِها بالدَّوِّ مِرْزِيحُ
أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد: الرَّازحُ: الْبَعِير(4/208)
الَّذِي لَا يَتَحَرّك هُزَالاً، وَهُوَ الرازم أَيْضا. غَيره: وَقد رَزَحَ يَرزَحُ رُزوحاً ورَزاحاً.
النَّضر عَن الطَّائِفِي قَالَ: المِرْزَحَةُ: خَشبةٌ يُرْفعُ بهَا العِنَبُ إِذا سقط بعضُه على بعض.
والمِرْزَحُ: مَا اطمأنَّ من الأَرْض.
قَالَ الطِّرِمَّاح:
كَأَن الدُّجَى دونَ البلادِ مُوَكَّلٌ
ببَمَ بِجَنْبَيْ كلِّ عِلْوٍ ومِرْزَحِ
قَالَ أَبُو بكر الْأَنْبَارِي: رزَح فلَان مَعْنَاهُ ضَعُفَ وَذهب مَا فِي يَده، وأصلُه من رَزاحِ الإبِل إِذا ضَعُفَت ولَصِقَت بِالْأَرْضِ فَلم يكن بهَا نُهوض. وَقيل: رَزَح، أُخِذَ من المَرْزَح، وَهُوَ المطمَئِنُّ من الأرضِ، كَأَنَّهُ ضَعُف عَن الارتقاء إِلَى مَا عَلاَ مِنْهَا.
زرح: أهمله اللَّيْث: وَقَالَ شمر: الزَّرَاوِحُ: الرَّوابي الصغار، وَاحِدهَا زَرْوَح. قَالَ: وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الزّرارِحُ من التلال: مُنبسِط من التلال لَا يُمسِك الماءَ رَأْسُه صَفَاة وَقَالَ ذُو الرُّمَّة:
وتَرْجافُ أَلْحِيْهَا إِذا مَا تَنَصَّبَتْ
على رَافع الآلِ التِّلاَلُ الزَّراوحُ
قَالَ: والحَزَاوِرُ مثلهَا وَاحِدهَا حَزْورَةٌ، قَالَ: والمِزْرَحُ: المُتَطَأْطِىءُ من الأَرْض.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي. قَالَ: الزُّرَاحُ: النَّشِيطُو الحركات.
حرز: قَالَ اللَّيْث: الحِرْزُ: مَا أَحْرَزَك من موضعٍ وَغير ذَلِك. تَقول: هُوَ فِي حِرْزٍ لَا يُوصَلُ إِلَيْهِ، واحترزتُ أَنا من فلَان أَي جعَلْتُ نَفسِي فِي حِرزٍ وَمَكَان حَريز، وَقد حَرُزَ حَرازةً وحَرَزاً.
قَالَ: والحَرَزُ هُوَ الخَطَر وَهُوَ الجَوْزُ المحكوك يَلْعَبُ بِهِ الصَّبيُّ، والجميع الأحْرازُ والأخْطَار.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو فِي (نوادره) : الحَرائِزُ من الْإِبِل: الَّتِي لَا تُبَاعُ نَفَاسَةً بهَا.
وَقَالَ الشَّمَّاخُ:
يُبَاعُ إِذا بِيعَ التِّلاَدُ الحرائز
وَمن أمثالهم: (لَا حَرِيزَ من بَيْع) أَي أعطيتَنِي ثَمَناً أرضاه لم أَمْتنِع من بَيْعه.
وَقَالَ الراجز يصف فحلاً:
يَهْدِرُ فِي عَقَائلٍ حَرائِزِ
فِي مثل صُفْنِ الأَدَمِ المخَارِزِ
وَمن الأسماءَ حَرَّازٌ ومُحْرِزٌ وحَريزٌ.
رحز: مهمل.
ح ز ل
حزل، حلز، لحز، زلح، زحل: مستعملات
حزل: قَالَ اللَّيْث: الحَزْل من قَوْلك: احزألّ يَحْزَئِلُّ احزِئلالاً يُرادُ بِهِ الِارْتفَاع فِي السّير والأرضِ. قَالَ: والسحاب إِذا ارْتَفع نحوَ بَطْن السَّمَاء قيل احْزَأَلَّ، قَالَ: واحْزَأَلَّتِ الإبلُ إِذا اجْتمعت ثمَّ ارْتَفَعت عَن مَتْنٍ من الأَرْض فِي ذهابها.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: المُحْزَئِلُّ:(4/209)
الْمُرْتَفع وَأنْشد:
ذاتَ انْتِبَاذٍ عَن الحادِي إِذا بَرَكت
خَوَّتْ عَلَى ثَفِناتٍ مُحْزَئِلاَّتِ
وَقَالَ اللَّيْث: الاحتزال هُوَ الاحتزام بالثَّوْب، قلت: هَذَا تَصْحِيف، وَالصَّوَاب الاحتزاك بِالْكَاف. هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي فِي بَاب ضروب اللُّبْس، وَأَصله من الحَزْكِ والحَزْق، وَهُوَ شِدَّةُ المَدِّ والشَّدِّ، وَقد مرَّ تَفْسِيره فِي بَاب الْحَاء وَالْكَاف.
وَقَالَ شمر: يُقَال للبعير إِذا بَرَك ثمَّ تَجافَى عَن الأَرْض قد احْزَأَلَّ. واحْزَأَلَّت الأكَمَةُ إِذا اجْتمعت، واحْزَأَلَّ فؤادُه إِذا انْضمَّ من الخَوْف. وَيُقَال: احْزَأَلَّ إِذا شَخَص.
زلح: قَالَ اللَّيْث: الزَّلْحُ من قَوْلك: قَصْعَة زَلَحْلَحَة، وَهِي الَّتِي لَا قَعْر لَهَا، وَأنْشد:
ثُمَّتَ جَاءُوا بقِصَاعٍ خَمْسِ
زَلَحْلَحَات ظاهِراتِ اليُبْسِ
أُخِذْنَ من السُّوقِ بِفَلْسٍ فَلْس
قَالَ: وَهِي كلمة على فعلل أَصله ثُلاثيّ أُلحِقَ بِبناء الخُماسيّ.
وَذكر ابْن شُمَيْل عَن أبي خَيْرَة أَنه قَالَ: الزَّلَحْلَحَاتُ فِي بَاب القِصاع، واحدتها زَلَحْلَحَة.
وروى ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: الزُّلْحُ: الصِّحَافُ الكِبارُ، حذف الزِّيَادَة فِي جمعهَا.
لحز: قَالَ اللَّيْث: رَجُلٌ لَحِزٌ: شحِيحُ النّفْس، وَأنْشد:
تَرَى اللَّحِزَ الشَّحِيحَ إِذا أُمِرَّت
عَلَيْه لِما لَهُ فِيهَا مُهِينا
وَقَالَ أَبُو عُبَيْد: اللَّحِزُ: الضَّيِّقُ البخيلُ.
وأَخْبرني الإيادِيُّ عَن شَمِر قَالَ: يُقَال: رجُلٌ لِحْزٌ بِكَسْر اللَّام وإسْكانِ الْحَاء، ولَحِزٌ بِفَتْح اللَّام وَكسر الْحَاء أَي بخيل. قَالَ: وشَجَرٌ مُتَلاحِزٌ أَي مُتَضايِق دخل بعضه فِي بعض.
قَالَ: وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: رَجُلٌ لَحِزٌ. ولَحْزٌ وروى بَيت رُؤْبَة:
يُعْطِيكَ مِنْهُ الجودَ قبل اللَّحْزِ
أَي قبل أَن يَسْتَغْلِق ويَشْتَدّ.
قَالَ الْأَزْهَرِي: وَفِي هَذِه القصيدة:
إِذا أَقَلَّ الخَيْرَ كُلُّ لِحْزِ
أَي كُلُّ لَحِز شَحِيح.
وَقَالَ اللَّيْث: التَّلَحُّزُ: تَحَلُّبُ فِيك من أَكْلِ رُمَّانة أَو إجَّاصة شَهْوَةً لذَلِك.
والمَلاَحِزُ المَضَايِقُ.
حلز: قَالَ اللَّيْث: القَلْبُ يَتَحَلَّزُ عِنْد الحُزْنِ كالاعتصار فِيهِ والتَّوَجُّع.
وقَلْبٌ حَالِزٌ. وإنْسَانٌ حالِزٌ وَهُوَ ذُو (حَلْزٍ) .
ورَجُلٌ حِلِّزٌ أَي بخيل، وامرأةٌ حِلِّزَةٌ بَخِيلَةٌ.
أَبُو عُبَيْد: الحِلِّزُ والحِلِّزَةُ مِثْله وأنشدني الإيَادِيّ:(4/210)
هيَ ابْنَةُ عَمِّ القوْمِ لَا كُلِّ حِلِّزٍ
كَصَخْرَةِ يَبْسٍ لَا يُغَيِّرُهَا البَلَلْ
أَبُو عُبَيْد عَن الْأَصْمَعِي: حَلَزُون: دابَّةٌ تكون فِي الرِّمْث جاءَ بِهِ فِي بَاب فَعَلُولٍ، وَذكر مَعَه الزَّرَجُون والقَرَقُوس، فَإِن كَانَت النُّون أَصْلِيَّة فالحرف رباعي، وَإِن كَانَت زَائِدَة فالحرف ثلاثي أَصْلُه حَلَزَ.
وَقَالَ قُطْرُبٌ: الحِلِّزَةُ: ضَرْبٌ من النَّبَات، قَالَ: وَبِه سُمِّي الحارِثُ بن حِلِّزة.
قلت: وقُطْرب لَيْسَ من الثّقَات، وَله فِي اشتقاق الْأَسْمَاء حُرُوف مُنْفَرِدَة.
وَفِي نَوَادِر الْأَعْرَاب: احْتَلَزْتُ مِنْهُ حَقِّي أَي أَخَذْتُه. وتحَالَزْنا بالْكلَام: قَالَ لي وَقلت لَهُ. وَمثله: احْتَلَجْتُ مِنْهُ حَقِّي، وتحَالَجْنا بالْكلَام.
زحل: قَالَ اللَّيْث: يُقَال للشَّيْء إِذا زَالَ عَن مَكَانَهُ زَحَل، وَمِنْه قَول لَبِيد:
لَو يقُومُ الفِيلُ أَوْ فَيَّالُه
زَلَّ عَن مِثْلِ مَقَامِي وَزَحَل
قَالَ: والناقة تَزْحَلُ زَحْلاً إِذا تأخَّرَتْ فِي سَيْرِها، وَأنْشد:
قد جَعَلَتْ نَابُ دُكَيْنٍ تَزْحَلُ
أُخْراً وَإِن صاحُوا بِهِ وحَلْحَلُوا
قَالَ: والمَزْحَلُ: الموْضِعُ الَّذِي تَزْحَلُ إِلَيْهِ، وَقَالَ الأخْطَل:
يَكُن عَن قُرَيْشٍ مُسْتَمازٌ ومَزْحَلُ
قَالَ: والزَّحُولُ من الْإِبِل: الَّتِي إِذا غَشِيتِ الحوضَ ضَرَبَ الذَّائِدُ وجْهَهَا فَوَلَّتْه عَجُزَها وَلم تَزَل تَزْحَلْ حَتَّى تَرِدَ الحوْضَ.
وَزُحَلُ: اسْم كَوكبٍ من الْكَوَاكِب الكُنَّس. وسُئِلَ مُحَمَّد بن يزِيد المُبَرَّدِ عَن صَرْفه فَقَالَ: لَا ينْصَرف لأنَّ فِيهِ العِلَّتَيْنِ: المَعْرِفَة والعُدُول.
وَقَالَ غيْرُه: قيل لهَذَا الْكَوْكَب زُحَلُ لِأَنَّهُ زَحل أَي بَعُد، وَيُقَال: إِنَّه فِي السَّمَاء السَّابِعَة وَالله أعلم.
وَقَالَ ابْن السِّكِّيت: قيل لِابْنِهِ الخُسِّ: أيُّ الجِمالِ أَفْرَهُ؟ قَالَت: السِّبَحْلُ الزِّحَلّ، الرَّاحِلَةُ الفَحْلُ.
قَالَ: الزِّحَلُّ: الَّذِي يَزْحَلُ الإبَل، يُزَاحِمُها فِي الوِرْدِ حَتَّى يُنَحِّيها فَيَشْرَب، حَكَاهُ عَن الدُّبَيْرِي.
وَقَالَ أَبُو مَالك عَمْرو بن كِرْكِرَة: الزِّحْلِيفُ والزِّحْلِيلُ: المكانُ الضَّيِّقُ الزَّلِقُ من الصفَا وغَيْره.
ح زن
حزن، زنح، زحن، نحز، نزح: مستعملة.
حزن: قَالَ اللَّيْث: للْعَرَب فِي الحُزْن لُغَتَان، إِذا ثَقَلُوا فَتَحُوا، وَإِذا ضَمُّوا خَفَّفُوا، يُقَال: أَصَابَه حَزَنٌ شَدِيد وحُزْنٌ شَدِيد.
وروى يُونُس عَن أبي عَمْرو قَالَ: إِذا جَاءَ الحَزَنُ مَنُصُوباً فَتَحُوا، وَإِذا جَاءَ مَرْفُوعا أَو مكسوراً ضَمُّوا الْحَاء كَقَوْل الله عَزَّ وَجَلَّ: {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ} (يُوسُف: 84) أَي أَنَّهُ فِي مَوْضع خَفْض. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: {تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً} (التَّوْبَة: 92) أَي أَنه فِي مَوضِع النصب، وَقَالَ: {أَشْكُو بَثِّى وَحُزْنِى إِلَى اللَّهِ} (يُوسُف: 86) ضمُّوا الْحَاء هَاهُنَا، قَالَ: وَفِي اسْتِعْمَال الْفِعْل(4/211)
مِنْهُ لُغَتَانِ تَقول: حَزَنَني يَحْزُنُنِي حُزْناً فَأَنا محزون، وَيَقُولُونَ: أحزَنَني فَأَنا مُحْزَن وَهُوَ مُحْزِن، وَيَقُولُونَ: صوتٌ مُحْزِن، وأَمْرٌ مُحْزِن، وَلَا يَقُولُونَ: صَوت حَازِنٌ.
وَقَالَ غَيره: اللُّغَة الْعَالِيَة حَزَنَه يَحْزُنُه، وَأكْثر القُرَّاء قرأوا: {جُندٌ مٌّ حْضَرُونَ فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا} (يس: 76) وَكَذَلِكَ قَوْله: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِى يَقُولُونَ} (الأنعَام: 33) ، وَأما الْفِعْل اللَّازِم فَإِنَّهُ يُقَال فِيهِ: حَزِنَ يَحْزَنُ حَزَناً لَا غير.
أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد: لَا يَقُولُونَ: قَدْ حَزَنَه الأَمْرُ، وَيَقُولُونَ: يَحْزُنُه، فَإِذا قَالُوا أَفْعَلَه الله فَهُوَ بِالْألف.
وَفِي حَدِيث ابْن عمر حِين ذكر الغَزْوَ ومنْ يَغْزُو ولاَ نِيَّةَ لهُ: (إنَّ الشيطَانَ يُحَزِّنُه) .
قَالَ شمر: مَعْنَاهُ أَنه يوسوس إِلَيْهِ وَيَقُول لَهُ: لِمَ تَرَكْتَ أَهْلَكَ ومالَكَ ويُنَدِّمُه حَتّى يُحَزِّنَه.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَزْنُ من الدَّوَاب وَالْأَرْض: مَا فِيهِ خُشُونَة، والأُنْثَى حَزْنة، وَالْفِعْل حَزُنَ يَحْزُنُ حُزُونة.
قلت: وَفِي بِلَاد الْعَرَب حَزْنان: أَحدهمَا: حَزْنُ بني يَرْبُوع، وَهُوَ مَرْبعٌ من مَرَابع الْعَرَب فِيهِ رِياضٌ وقِيعان، وَكَانَت الْعَرَب تَقول: مَن تَرَبَّعَ الحَزْنَ وتَشَتَّى الصَّمَّانَ وتَقَيَّظَ الشَّرَفَ فقَدْ أَخْصَبَ، والحَزْنُ الآخَرُ: مَا بَيْنَ زُبَالَةَ فَمَا فَوق ذَلِك مُصْعِداً فِي بِلَاد نجد، وَفِيه غِلَظٌ وارتفاع.
قَالَ ذَلِك أَبُو عُبَيد، وَكَانَ أَبُو عَمْرو يَقُول: الْحَزنُ والحَزْمُ: الغَليظُ من الأَرْض.
وَقَالَ غَيره: الحَزْمُ من الأَرْض: مَا احْتَزَم من السَّيْلِ من نَجَوَاتِ المتُونِ والظهور، والجميع الحُزُومُ، والْحزنُ: مَا غَلُظَ من الأَرْض فِي ارْتِفَاع.
قلت: وَأَنا مُفَسِّرٌ الحَزْمَ من أَسْمَاء البِلاَد فِي بَابهَا إِن شَاءَ الله.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: أوَّلُ حُزُونِ الأَرْض قِفَافُها وجِبَالها وقَوَاقِيها وخَشِنُها ورَضْمُها، وَلَا تُعَدُّ أرضٌ طَيِّبَةٌ وَإِن جَلُدَتْ حَزْناً، وَجَمعهَا حُزُونٌ. قَالَ: وَيُقَال: حَزْنَةٌ وَحَزْنٌ. وَقد أَحْزَن الرَّجُلُ إِذا صَارَ فِي الحَزْنِ.
قَالَ: وَيُقَال للحَزْنِ حُزُنٌ لُغَتَانِ، وَأنْشد قَول ابْن مُقْبِل:
مَرَابِعُهُ الحُمْرُ من صَاحَةٍ
ومُصْطَافُهُ فِي الوُعُولِ الحُزُن
قلت: الحُزُن جَمْعُ حَزْنٍ
وَقَالَ اللَّيْث: يَقُول الرجل لصاحِبِه: كَيْفَ حَشَمُك وحُزَانَتُك أَي كَيْفَ مَنْ تَتَحَزَّنُ بأَمْرِهم.
قَالَ: وتُسَمّى سَفَنْجَقَانِيّةُ الْعَرَب على الْعَجم فِي أول قُدُومهم الَّذِي استحقُّوا بِهِ من الدّور والضِّيَاع مَا اسْتَحَقُّوا حُزَانة.
قَالَ الأزْهَرِي: السَّفَنْجَقَانِيَّةُ: شَرْط كَانَ للْعَرَب على الْعَجم بخُراسان إِذا افْتَتَحُوا بَلَداً صُلْحاً أَن يَكُونُوا إِذا مَرَّ بهم الجُيُوشُ أَفْذَاذاً أَو جَمَاعات أَن يُنْزِلُوهم ويَقْرُوهُم ثمَّ يُزَوِّدُوهم إِلَى نَاحيَة أُخْرَى.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: الحُزَانَةُ: عِيَال الرجل الَّذين يَتَحَزَّنُ لَهُم وبأَمْرِهم، قلت:(4/212)
وَهَذَا كُله بِتَخْفِيف الزَّاي على فُعَالة.
زحن: قَالَ اللَّيْث: زَحَنَ الرَّجُلُ يَزْحَنُ زَحْناً وَكَذَلِكَ يَتَزَحَّنُ تَزَحُّناً، وَهُوَ بُطؤه عَن أَمْرِه وَعَمله.
قَالَ: وَإِذا أَرَادَ رَحِيلاً فعَرَض لَهُ شُغْلٌ فَبَطَّأَ بِهِ، قلت: لَهُ زَحْنَةٌ بَعْدُ.
قَالَ: والرَّجُلُ الزِّيْحَنَّةُ: المُتَبَاطِىء عِنْد الْحَاجة تُطْلَبُ إِلَيْهِ، وَأنْشد:
إِذا ماالْتَوَى الزِّيحَنَّةُ المتآزِفُ
وَقَالَ غَيره: التَّزَحُّنُ: التَّقَبُّض.
قلت: زَحَنٌ وَزَحَلٌ وَاحِد، وَالنُّون مُبْدَلَةٌ من اللَّام.
وَقَالَ ابْن دُرَيد: الزَّحْنُ: الْحَرَكَة. قَالَ: وَيُقَال: زَحَنَه عَن مَكَانَهُ إِذا أزاله عَنهُ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الزَّحْنَة: القَافِلَةُ بِثِقْلِها وتُبَّاعها وحَشَمِها.
قَالَ: والزُّحْنَةُ: مُنْعَطَفُ الْوَادي.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: رَجُلٌ زَحَنٌ وَامْرَأَة زُحَنَةٌ إِذا كَانَا قَصِيرَين.
نزح: اللَّيْث: نَزَحَتِ الدَّار فَهِيَ تَنْزَح نُزُوحاً إِذا بَعُدت، وبَلَدٌ نَازِحٌ وَوصل نَازِحٌ كل ذَلِك مَعْنَاهُ البُعْدُ، قَالَ: ونَزَحَتِ البِئْرُ ونَزَحْتُ ماءَها، وبئْرٌ نَزَحٌ يَصِفُها بِقِلَّةِ المَاءِ، وَنَزَحَتِ البئْرُ أَي قَلَّ مَاؤُها.
قَالَ: وَالصَّوَاب عِنْدنا نُزِحَت البِئْرُ أَي اسْتُقِي مَاؤُها.
أَبُو عُبَيد عَن الفَرَّاء: نَزَحَتِ البِئْرُ ونَكَزَت إِذا قَلَّ ماؤُها.
وَقَالَ الْكسَائي: فَهِيَ بِئْرٌ نَزَحٌ لَا مَاءَ فِيهَا، وجَمْعُها أَنْزَاحٌ.
وَقَالَ أَبُو ظَبْيَة الْأَعرَابِي: النَّزَحُ: المَاءُ الكَدِرُ.
نحز: اللَّيْث: النَّحْزُ كالنَّخْسِ. قَالَ: والنَّحْزُ: شِبْه الدَّقِّ والسَّحْقِ.
والراكب يَنْحَزُ بصدره وَاسِطَ الرَّحْلِ قَالَ ذُو الرُّمَّة:
يُنْحَزْنَ فِي جَانِبَيْهَا وَهِي تَنْسَلِبُ
قلت: معنى قَوْله: يُنْحَزْنَ فِي جانِبيها أَي يُدْفَعْن بالأعْقَاب فِي مَرَاكِلِها يَعْنِي الرِّكابَ.
قَالَ: والنُّحَازُ: سُعَال يأْخُذُ الإبِلَ والدَّوَابَّ فِي رِئاتِها، ونَاقَةٌ ناحِزٌ: بهَا نُحَازٌ.
أَبُو عُبَيْد عَنِ الْأَصْمَعِي: إِذا كَانَ بالبَعير سُعَال. قيل: بَعِير ناحِزٌ.
قَالَ: وَقَالَ الْكسَائي: نَاقَةٌ نحِزَة ومُنَحِّزَةٌ من النُّحَازِ.
وَقَالَ أَبُو زيد مِثله وقَدْ نَحَزَ يَنْحِزُ ويَنْحَزُ.
وَقَالَ اللَّيْث: النّاحِزُ أَيْضا. أَنْ يُصِيبَ المِرْفَقُ كِرْكِرَةَ البَعير فَيُقَالُ بِهِ نَاحِزٌ.
قُلْتُ: لم أسمع النَّاحِزَ فِي بَاب الضَّاغِطِ لغير اللَّيْث، وَأرَاهُ أَرَادَ الحَازَّ فَغَيَّرَه.
وَقَالَ اللَّيْث: المِنْحازُ: مَا يُدَقُّ بِهِ، وَأنْشد.
دَقَّكَ بالمِنْحازِ حَبَّ الفُلْفُلِ
وَقَالَ الآخر:
نَحْزاً بِمِنْحَازٍ وهَرْساً هَرْسا
قَالَ: ونَحِيزَةُ الرَّجُلِ: طَبِيعَتُه، وتُجْمَع(4/213)
على النَّحَائز.
والنَّحِيزَةُ من الأَرْضِ كالطِّبَّة مَمْدُودَة فِي بَطْنِ الأَرْض تَقُودُ الفَرَاسِخ وأقَلَّ من ذَلِك. قَالَ: ورُبّما جَاءَ فِي الشِّعر النحائز يُعْنَى بهَا طِبَبٌ كالخِرَق والأدَم إذَا قُطِعَت شُرُكاً طِوَالاً.
أَبُو عُبَيْد عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: النَّحِيزَةُ: طُرَّةٌ تُنْسَجُ ثُمَّ تُخَاط على شَفَةِ الشُّقَّةِ وَهِي العَرَقَةُ أَيْضا.
شَمِر عَن ابْن شُمَيْل: النَّحِيزَةُ: طَريقَة سَوْدَاء كأَنَّها خَطٌّ، مُسْتَوِية مَعَ الأَرْض خَشِنَة، لَا يكون عَرْضُها ذِراعين، وَإِنَّمَا هِيَ عَلاَمَةٌ فِي الأرضِ، وَالْجَمَاعَة النَّحَائز، وإنَّمَا هِيَ حِجَارَةٌ وَطِينٌ، والطِّينُ أَيْضاً أَسْوَد.
وَقَالَ الأصْمَعِيّ: النَّحِيزَةُ: الطَّرِيقُ بِعَيْنه شُبِّهَ بخطوط الثَّوْبِ، وَقَالَ الشَّمَّاخُ:
فأقْبَلَها تَعْلُو النِّجَادَ عَشِيَّةً
عَلَى طُرُقٍ كأَنَّهُنَّ نَحَائزُ
وَقَالَ أَبُو زيد: النَّحِيزَةُ من الشَعَر: يكون عَرْضُها شِبْراً طَوِيلةٌ تُعَلَّقُ على الهَوْدَج، يُزَيّنُونَهُ بهَا، ورُبَّما رَقَمُوها بالعِهْن.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: النَّحِيزَةُ: النَّسِيجَةُ شِبْهُ الحَزام تكون على الفَسَاطِيط والبُيُوت تُنْسَجُ وَحْدَها فَكأَنَّ النَّحَائِزَ من الطُّرُقِ مُشَبَّهَةٌ بهَا.
وَقَالَ أَبُو خَيْرَة: النَّحِيزَةُ: الجَبَلُ المُنْقَادُ فِي الأَرْض.
قلت: أَصْلُ النَّحِيزَة: الطّرِيقَةُ المُسْتَدِقَّة، وكل مَا قَالُوا فِيهَا فَهُوَ صَحِيح، وَلَيْسَ يُشَاكِلُ بَعْضُه بَعْضاً.
زنح: أهمله اللَّيْث.
وَقَالَ أَبُو خَيْرَةَ: إِذا شَرِبَ الرجلُ المَاءَ فِي سُرْعَةِ إسَاغَةٍ فَهُوَ التَّزْنِيحُ.
قُلْتُ: وسَمَاعي من العَرَب: التَّزَنُّح. يُقَال: تَزَنَّحْتُ الماءَ تَزَنُّحاً إِذا شَرِبْتَه مَرَّة بعد أُخْرَى.
أَبُو العَبَّاس عَن ابْن الأعْرَابي: زَنَّحَ الرجلُ إِذا ضَايَقَ إنْساناً فِي مُعَامَلَةٍ أَو دَيْنٍ. قَالَ: والزُّنُجُ: المُكَافِئُون على الخَيْرِ والشَّرِّ.
ح ز ف
حفز، زحف: (مستعملان) .
زحف: قَالَ اللَّيْث: الزَّحْفُ: جَمَاعَة يَزْحَفُون إِلَى عَدُوَ لَهُم بِمَرَّة، فَهُوَ الزَّحْفُ وَجمعه الزُّحُوف. والصَّبِيُّ يَتَزَحَّفُ على بَطْنه قبل أَن يَمْشِي، والبَعيرُ إِذا أَعْيا فَجَرَّ فِرْسَنَه. يُقَال: زَحَف يَزْحَفُ زَحْفاً، فَهُوَ زاحِف، والجميع الزواحف، وَقَالَ الفرزدق:
عَلَى زَوَاحِفَ تُزْجَى مُخُّهارِيرُ
قَالَ: وأَزْحَفَها طولُ السَّفَر، ويَزْدَحِفُون فِي معنى يَتَزَاحَفُونَ وَكَذَلِكَ يَتَزَحَّفُونَ.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ} (الأنفَال: 15) .
قَالَ الزَّجَّاجُ: يُقَال: أَزْحَفْتُ للْقَوْم إِذا ثَبَتَّ لَهُم، قَالَ: فَالْمَعْنى: إِذا واقَفْتُمُوهم لِلْقِتَالِ فَلَا تُوَلُّوهم الأدبار.
قُلتُ: أصل الزَّحْفِ لِلصَّبيِّ، وَهُوَ أَن يَزْحَفَ على إسته قبل أَن يقوم وَإِذا فعل ذَلِك على بَطْنه قيل قَدْ حَبَا، وشُبِّه بِزَحْف(4/214)
ِ الصّبيان مَشْيُ الفِئَتَيْن تَلْتَقِيَان لِلْقِتَال فتمشي كل فِئَةٍ مَشْياً رُوَيْداً إِلَى الفئة الْأُخْرَى قبل التَّدَاني للضِّرَاب، وَهِي مَزَاحِفُ أهل الحَرْب، وَرُبمَا اسْتَجَنَّت الرَّجَّالَةُ بِجُنَبِها وتَزَاحَفَت من قُعُودٍ إِلَى أَن يَعْرِض لَهَا الضِّرابُ أَو الطِّعَان.
وَيُقَال: ناقَةٌ زَحُوف ومِزْحَافٌ وَهِي الَّتِي تَجُر فراسنها، قَالَ ذَلِك الْأَصْمَعِي.
وَيُقَال أَزْحَفَ البَعِيرُ إِذا أَعْيَا فَقامَ على صَاحِبِه. وإبِلٌ مَزَاحِيفُ، وَقَالَ أبُو زُبَيْد الطَّائِي:
كَأَنَّ أوْبَ مَساحِي القَوْم فَوْقَهُم
طَيْرٌ تَعِيفُ عَلَى جُونٍ مَزَاحِيف
يصف حُفْرَة قبر عُثْمَان، وَكَانُوا حَفَروا لَهُ فِي الحَرّة فَشَبَّه الْمساحِي الَّتِي تُضْرَبُ بهَا الأَرْض بِطَيْرٍ عائِفَةٍ على إبِلٍ سود معايا، قد اسودَّت من العَرَق.
وَيُقَال: أزْحَفَ لَنَا عَدُوُّنا إزْحَافاً أَي صَارُوا يزْحَفُون إِلَيْنَا زَحْفاً ليقاتلونا، وَقَالَ العَجَّاجُ يصف الثور والكلابَ:
وانْشَمْن فِي غُبَارِه وَخَذْرَفا
مَعاً وشَتَّى فِي الغُبَارِ كالسَّفَا
مِثْلَيْن ثُمَّ أَزْحَفَت وأَزْحَفَا
أَي أَسْرَع، وأَصْلُه من حُذروف الصَّبي وازْدحَفَ القومُ ازدحافاً إِذا مَشَى بعْضُهم إِلَى بعض.
وَقَالَ أَبُو زيد: زَحَفَ المُعْيي يَزْحَفُ زَحْفاً وزُحُوفاً، وَيُقَال لكلِّ مُعْي زَاحِف مَهْزُولاً كَانَ أَو سميناً.
وَقَالَ أَبُو الصَّقْر: أَزْحَفَ البَعِيرُ فهُوَ مُزْحِف، قَالَ: وأزحَف الرجلُ إزْحَافاً إِذا انْتهى إِلَى غَايَة مَا طَلَبَ وأَرَادَ.
أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد: زَحِفْتُ فِي المَشْي وأَزْحَفْتُ إِذا أَعْيَيْتَ.
وَقَالَ أَبُو سعيد الضَّرِير: الزَّاحفُ والزَّاحكُ: المُعْيي، يُقَال للذّكر والأُنْثى، وَأنْشد لكُثَيِّر:
فأُبن وَمَا مِنْهُنَّ من ذَاتِ نَجْدَةٍ
وَلَو بَلغَت إلاَّ تُرَى وَهْيَ زَاحِكُ
وتُجْمَع الزَّواحِفَ والزَّواحِك، وَقَالَ كُثَيِّر:
وقَدْ أُبْنَ أَنْضَاءً وهُنَّ زَواحِكُ
أَبُو عَمْرو: من الحَيَّات: الزَّحَّاف: وَهُوَ الَّذِي يَمْشي على أَثْنَائِهِ كَمَا تمْشي الأَفْعى. ومَزَاحِف السَّحَاب: حَيْثُ وَقع قطره وزحف إِلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو وَجْزَة:
يقْرُو مَزَاحِف جَوْن ساقطِ الرَّبَبِ
أَرَادَ: ساقِط الرَّباب فَقَصَدَه وَقَالَ الرَّبَب.
وَقَوله جلّ وعزّ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً} (الأنفَال: 15) الْمَعْنى إِذا لقيتُموهُم زاحفين: وَهُوَ أَن يَزْحَفُوا إِلَيْهِم قَلِيلا قَلِيلا. وزَحَفَ القومُ إِلَى القَومُ: دَلَفُوا إِلَيْهِم.
قَالَ أَبُو العَبَّاس: الزَّحْفُ: المَشْي قَلِيلا قَلِيلا. والزِّحَافُ فِي الشّعْر مِنْهُ، سقطَ مَا بَين الحرفين حَرْفٌ فَزَحَفَ أَحَدُهُما إِلَى الآخر، أَخْبرنِي المنْذِرِيُّ عَنهُ.
وناقَةٌ زَحُوفٌ إِذا كَانَت تَجُرّ رِجْلَيْها إِذا مَشَتْ ومِزْحاف قَالَه الْأَصْمَعِي.
حفز: قَالَ اللَّيْث: الحَفْزُ: حَثُّكَ الشَّيْء من خَلْفه سَوْقاً أَو غير سَوْق.(4/215)
وَقَالَ الْأَعْشَى:
لَهَا فَخذَان يَحْفِزانِ مَحَالَها
وصُلْباً كَبُنيَان الصُّوَى مُتَلاَحِكا
وروى أَبُو عُبَيد عَن أبي نوح عَن يُونس ابْن أبي إِسْحَاق عَن أَبِيه عَن عَليّ صلوَات الله عَلَيْهِ قَالَ: (إِذا صَلَّى الرجل فَلْيُخَوِّ، وَإِذا صَلَّت الْمَرْأَة فلْتُحَفِّز) أَي تَضَامَّ إِذا جَلَست وَإِذا سَجَدت.
أَبُو عمر فِي (النَّوَادِر) : والحَفَزُ: الأَجَل فِي لُغَة بني سعد، وَأنْشد بَعضهم هَذَا الْبَيْت:
أَو تَضْرِبوا حَفْزاً لِعَامٍ قَابل
أَي تضربوا أَجَلاً.
قَالَ: وَاللَّيْل يَحْفِزُ النهارَ أَي يَسُوقهُ، وَفِي حَدِيث أَنَس أَنَّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُتِيَ بتَمْر وَهُوَ محْتَفِزٌ فَجعل يَقْسِمه، قَالَ شَمِر: يَعْنِي أَنه كَانَ يَقسُمه وَهُوَ مُسْتَعْجِل.
قَالَ: وَمِنْه حَدِيث أبي بكرَة أَنه دَبَّ إِلَى الصَّفِّ راكِعاً وَقد حَفزهُ النَّفَس.
قلتُ وَأما قَوْله: وَهُوَ مُحْتفِز فَمَعْنَاه أَنه مُستوفِز غير مُتَمَكن من الأَرْض.
وَيُقَال حافَزْتُ الرَّجُلَ، إِذا جاثَيْتَه، وَقَالَ الشَّمَّاخُ:
كَمَا بَادر الخَصْمُ اللَّجوجُ المُخافِزُ
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: معنى حافَزْتُه: دانَيْتُه.
وَقَالَ شمر: قَالَ بعض الكِلابيين: الحَفْزُ: تَقَارُب النَّفَس فِي الصَّدر، وَقَالَت امْرَأَة مِنْهُم: حَفْزُ النَّفَس حِينَ يَدْنو الإنسانُ من الْمَوْت، وَقَالَ العُكْلِيُّ: رأيتُ فُلاناً مَحْفُوزَ النَّفَس إِذا اشْتَدَّ بِهِ، وَأنْشد:
تُرِيحُ بعد النَّفَسِ المَحْفُوز
إرَاحَة الجَدَاية النَّفُوزِ
قَالَ: وَالرجل يَحْتَفِزُ فِي جُلُوسه كَأَنَّهُ يُرِيد أَن يثور إِلَى الْقيام.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الاحْتِفازُ والاسْتِيفَاز والإقْعَاء وَاحِد.
وروى شُعْبَة عَن أبي بشر عَن مُجَاهِد، قَالَ: ذُكِرَ القَدَرُ عِنْد ابْن عَبَّاس فاحْتَفَزَ وَقَالَ: (لَو رَأَيْت أحدَهم لعَضِضْتُ بِأَنْفِهِ) .
قَالَ النَّضر: احْتَفَزَ: اسْتَوَى جَالِسا على وَرِكَيْه.
وَقَالَ شمر: قَالَ ابْن الأَعْرَابي: يُقَال: جعلتُ بيني وَبَين فلَان حَفَزاً أَي أمَداً، وَأنْشد غَيره:
وَالله أفعلُ مَا أردْتُم طَائِعاً
أَو تَضْرِبُوا حَفَزاً لعام قَابِلِ
والْحَوْفَزَان لقب لجَرَّارٍ من جَرَّارِي الْعَرَب، لُقِّبَ بِهِ لِأَن بِسْطَام بن قَيْس طَعَنَه فأعجله وَهُوَ من الْحَفزِ.
ح زب
اسْتعْمل من وجوهه: حَزَب، زحب.
زحب: قَالَ ابْن دُرَيْد: الزَّحْبُ: الدُّنُوّ من الأَرْض، زَحَبْتُ إِلَى فلَان وزحَبَ إليّ إِذا تَدَانيا.
قلت: جعل زَحَب بِمَعْنى زَحف، ولعلها لُغَة، وَلَا أحفظها لغيره.
حزب: قَالَ اللَّيْث: حَزَبَ الأمرُ فَهُوَ يَحْزُب حَزْباً إِذا نَابَكَ فَقَد حَزَبَك.(4/216)
قَالَ: والحِزْبُ: أصحابُ الرجل مَعَه على رَأْيه، والمنافقون والكافرون حِزْبُ الشَّيْطَان، وكل قوم تَشَاكلت قُلُوبهم وأعمالهم فهم أَحْزَاب وَإِن لم يَلْقَ بعضُهم بَعْضًا بِمَنْزِلَة عادٍ وَثَمُود وَفرْعَوْن أُولَئِكَ الْأَحْزَاب. و {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} (الْمُؤْمِنُونَ: 53) أَي كُلُّ طَائِفَة: هَواهُم واحدٌ.
وتَحَزَّبَ القومُ إِذا تَجَمَّعُوا فصاروا أَحْزَاباً.
وحَزَّبَ فلانٌ أَحْزَاباً أَي جمعهم، وَقَالَ رؤبة:
لَقَدْ وَجَدتُ مُصْعَباً مُسْتَصْعَبا
حِينَ رَمَى الأَحْزَابَ والمُحَزِّبا
وَقَالَ غَيره: وِرْدُ الرجل من الْقُرْآن وَالصَّلَاة حِزْبُه.
والحِزْبُ: النَّصِيبُ، يُقَال: أعْطِني حِزْبي من المَال أَي حَظِّي ونَصِيبي.
وَقَالَ اللَّيْث: الحِزْبَاءَةُ: أَرض غَلِيظَة حَزْنة، والجميع الحَزَابِيّ.
وَقَالَ شمر: قَالَ أَبُو عَمْرو: الحِزْبَاءةُ: مَكَان غليظ مُرْتَفع.
قَالَ: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الحَزَابِيُّ أماكِنُ مُنْقَادَةٌ غِلاَظٌ مُسْتَدِقَّة.
قَالَ: وبَعِيرٌ حَزَابِيَةٌ إِذا كَانَ غَلِيظاً، ورَجُلٌ حَزَابٍ وحَزَابِيَةٌ أَي غَلِيظٌ، وحِمَارٌ حَزَابِيَةٌ: غَلِيظٌ، وَقَالَ أميّة بن أبي عَائِذ الهُذَلي:
أَوَاصْحَمَ حَامٍ جَرَامِيزَه
حَزَابِيَةٍ حَيَدَى بالدِّحَالِ
أَي حَامٍ نفسَه من الرُّماة وجرامِيزُه، نفسُه وجَسدُه، وحَيَدَى أَي ذُو حَيَدَى، وأنَّثَ حَيَدَى: لِأَنَّهُ أَرَادَ الفَعْلَة، وَقَوله: بالدِّحال أَي وَهُوَ يَكُون بالدِّحَالِ.
قَالَ: وَقَالَت امْرأَةٌ تَصِفُ رَكَبَها:
إنَّ هَنِي حَزَنْبَلٌ حَزَابِيهْ
إِذا قَعَدْتُ فَوْقَه نَبَابِيَهْ
وَقَالَ ابنُ شُمَيل: الحِزْبَاءَةُ: من أَغْلَظِ القُفِّ، مُرْتَفع ارْتِفاعاً هَيِّناً فِي قُفَ أَيَرَّ شَدِيدٍ، وَأنْشد:
إِذا الشَّرَكُ العَادِيُّ صَدَّ رأَيْتَها
لِرُوسِ الحَزَابِيِّ الغِلاَظِ تَسُومَ
وَقَالَ اللَّيْث: الحَيْزَنُون: العَجُوزُ، قَالَ: والنُّونُ زَائِدَة كَمَا زيدت فِي الزَّيْتُون.
أَبُو عُبَيْد عَن الأُمَوي فِي الحَيْزَبون العَجُوز مثله.
سَلَمَة عَن الفرَّاء: الحِزْبُ: النَّوْبةُ فِي وُرُودِ المَاء. والحِزبُ: مَا يَجعله الرجلُ على نَفسه من قِرَاءَة وَصَلَاة والحِزْبُ: الصِّنْفُ من النَّاس.
وَقَالَ ابْن الأعْرَابي: الحِزْبُ: الجَمَاعة من النَّاس والجِزْبُ (بِالْجِيم) : النَّصِيبُ.
وَفِي الحَدِيث: (طَرَأَ عَلَيَّ حِزْبي من الْقُرْآن فأَحْبَبْتُ ألاَّ أَخْرُجَ حَتَّى أقْضِيَه) ، طَرَأَ عَلَي يُرِيد أَنَّه بَدَأَ فِي حزبه، كَأَنَّهُ طَلَع عَلَيْهِ من قَوْلك: طَرَأَ فلانٌ إِلَى بَلَد كَذَا وَكَذَا فَهُوَ طارىءٌ إِلَيْهِ أَي أَنه طلع إِلَيْهِ حَدِيثاً وَهُوَ غير تَانِىءٍ بِهِ.
والحازِبُ من الشُّغُلِ: مَا نَابَك.
ابْن الأَعْرَابيّ: حِمَارٌ حَزَابية وَهُوَ الحِمَارُ الْجِلْدُ.
ابْن السّكيت: رَجُلٌ حَزَابٍ وحَزَابِيَة وزَوَازٍ(4/217)
وَزَوَازِيَة إِذا كَانَ غَليظاً إِلَى القِصَرِ ماهو، ورَجُلٌ هَوَاهِيَة إِذا كَانَ مَنْخُوبَ الفُؤَادِ.
ح زم
حزم، حمز، زحم، زمح، مزح، محز: مستعملات.
حزم: قَالَ اللَّيْث: الحَزْمُ: حَزْمُك الحَطَب حُزْمَةً.
والمِحْزَمُ: حِزامَةُ البَقْل، وَهُوَ الَّذِي تُشَدُّ بِهِ الحُزْمَة، وَأَنا أَحْزِمُه حَزْماً.
والحِزَامُ للدَّابَّة: والصَّبيّ فِي مهده. يُقَال: فَرَسٌ نَبِيلُ المَحْزِم.
قَالَ: والحَزِيمُ: مَوْضِعُ الحِزَام من الصَّدْرِ والظَّهْرِ كلِّه مَا اسْتَدار، يُقَال: قَدْ شَمَّر وشَدَّ حَزِيمَه وَأنْشد:
شَيْخٌ إِذا حُمِّلَ مَكْرُوهَةً
شَدَّ الحَيازِيمَ لَهَا والحَزِيمْ
قَالَ: والحَيْزُوم: وَسَطُ الصَّدْر الَّذِي تلتقي فِيهِ رُؤُوس الجَوَانح فَوق الرُّهابَة بِحِيَال الكاهِلِ.
قُلْتُ: فَرَّقَ اللَّيْث بَيْن الحَزِيم والْحَيْزُوم، ولَمْ أر لِغَيْره هَذَا الْفرق، وَقد اسْتَحْسَنْتُه لَهُ.
قَالَ: وحَيْزُوم: اسْم فرس جِبْرِيل، وَفِي الحَدِيث أَنه سَمِعَ صَوْته يَوْم بدر يَقُول: أَقْدِم حَيْزُوم.
قَالَ: والحَزْمُ: ضَبْطُ الرجل أمره وأَخْذُه فِيهِ بالثِّقَةِ، وَيُقَال: حَزُم الرجلُ يَحْزُمُ حَزَامَةً فَهُوَ حَازِمٌ: ذُو حَزْم.
قَالَ الْأَزْهَرِي: أُخِذَ الحَزْمُ فِي الْأُمُور، وَهُوَ الأَخْذُ بالثِّقَةِ من الْحَزمِ، وَهُوَ الشَّدُّ بالحِزام والحَبْلِ استيثاقاً مِنَ المَحْزُومِ.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَزْمُ من الأَرْض: مَا احْتَزَم من السَّيْل من نَجَوَات الأَرْضِ والظُّهُورِ، والجميع الحُزُوم.
وَقَالَ شَمِر: قَالَ ابْن شُمَيْل: الْحَزْمُ: مَا غَلُظَ من الأَرْض وكَثُرت حِجَارَتُه وأَشْرَف حتَّى صَار لَهُ أَقْبَالٌ، لَا تَعْلوه الإبِلُ والنَّاسُ إِلَّا بالجَهْدِ يَعْلونه من قِبَل قُبْلِه، وَهُوَ طِينٌ وحِجَارَة، وحجارَته أَغْلَظُ وأَخْشَنُ وأَكلَبُ من حِجَارَةِ الأكمة، غَيْرَ أَن ظَهْرَه عَرِيض طَوِيلٌ يَنْقَادُ الفَرسَخَيْن والثَّلاثَة، وَدون ذَاك لَا تَعْلوها الإبِلُ إِلَّا فِي طَرِيقٍ لَهُ قُبْلٌ مِثْلُ قُبْل الجِدَار، والحُزُومُ الجَمِيعُ. قَالَ: وقَدْ يكونُ الحَزْمُ فِي القُفِّ، لِأَنَّهُ جَبَلٌ وقُفٌّ، غير أَنه لَيْس بمستطيل مثل الجَبَل، قَالَ: وَلَا تَلْقَى الْحَزْمَ إلاَّ فِي خَشُونَةٍ وقُفَ، وقا المَرَّارُ بن سَعِيدٍ فِي حَزْمِ الأَنْعَمَيْن:
بِحَزْمِ الأَنْعَمَيْن لَهُنَّ حَادٍ
مُعَرَ ساقَهُ غَرِدٌ نَسُولُ
قَالَ: وَهِي حُزوم عِدَّة، فَمِنْهَا حَزْما شَعَبْعَب، وحَزْمُ خَزَازَى، وَهُوَ الَّذِي ذكره ابْنُ الرِّقَاع فِي شِعْرِه فَقَالَ:
فَقُلْتُ لَهَا أَنَّى اهْتَدَيْت وَدُونَنَا
دُلوكٌ وأَشْرَافُ الجِبَالِ القَوَاهِرُ
وجَيْحَانُ جَيْحَانُ الجُيُوش وآلِسٌ
وحَزمٌ خَزَازَى والشُّعُوبُ القَوَاسِرُ
ويُرْوَى العَوَاسِرُ، وَمِنْهَا حَزْمُ جَدِيد، ذكره المَرَّارُ فَقَالَ:
يَقُول صِحَابي إِذْ نَظَرْتُ صَبَابَةً
بِحَزْمِ جَدِيدٍ مَا لِطَرْفِك يَطْمَحُ(4/218)
ومِنها حَزْمُ الأَنْعَمَيْن الَّذِي ذكره المَرَّارُ أَيْضا.
الحَرَّاني عَن ابْن السّكيت قَالَ: الحَزَمُ كالغَصَصِ فِي الصَّدر، يُقَال مِنْهُ: حَزِمَ يَحْزَم حَزَماً، قَالَ: حَكاهُ لي الكِلاَبِيُّ والبَاهِليّ. وبَعيرٌ أَحْزَمُ: عظيمُ مَوضِع الحِزَام، والأَحْزَمُ هُوَ المَحْزِمُ أَيْضا، يُقَال: بَعيرٌ مُجْفَرُ الأحْزَمِ، وَقَالَ ابنُ فُسْوَةَ التَّمِيمِيّ:
تَرَى ظَلِفَاتِ الرَّحْلِ شُمّاً تُبِينُها
بأَحْزَمَ كالتَّابوتِ أَحْزَمَ مُجْفَرِ
وحَزْمَةُ: اسْم فرس مَعْرُوفَة من خيل العَرَب، وسَمَّى الأخْطَلُ الحَزْمَ من الأرْضِ حَيْزُوماً فَقَالَ:
فَظَلَّ بِحَيْزُومٍ يَفُلُّ نُسُورَه
ويُوجِعُها صَوَّانُه وأَعَابِلُه
ثَعْلَب عَن سَلَمَة عَن الفَرَّاء: رَجُلٌ حَازِمٌ وقَوْمٌ حُزَّمٌ وحُزَّامٌ وأَحْزَامٌ وحَزَمَةٌ وحَزَمٌ وحَزِيمٌ وحُزَمَاءٌ، وقَدْ حَزُمَ يَحْزُمُ وَهُوَ العاقِلُ الممَيِّزُ ذُو الحُنْكَةِ، وَقَالَ ابْن كَثْوَةَ: من أَمثَالهم: (إنَّ الوَحَا من طَعَام الحَزْمَةِ) يُضْرَبُ عِنْد التحَشُّدِ على الانكماشِ وحَمْدِ المنكَمِش، قَالَ: والحَزْمَةُ: الحزْمُ. وَيُقَال للرَّجُلِ: تحَزَّمْ فِي أمرِك أَي اقْبَلْه بالحزْمِ والوَثاقَة.
زحم: قَالَ اللَّيْث: الزَّحْمُ: أَن يَزْحَمَ القَوْمُ بعضُهم بَعْضاً منْ كَثْرةِ الزِّحَامِ إِذا ازدحموا، والأمْوَاجُ تَزْدَحِمْ إِذا الْتَطَمت، وَأنْشد:
تَزَاحُمَ المَوْج إِذا الموجُ الْتَطَمْ
وأَخْبَرَني المُنْذِري عَن ثَعْلَب عَن ابْن الأعْرَابي: زَاحَمَ فُلاَنٌ الْأَرْبَعين وزَاهَمَها بِالْهَاءِ إِذا بَلَغَها، وَكَذَلِكَ: حَبَا لَهَا.
قَالَ: والفِيلُ والثَّوْرُ ذُو القَرْنَيْنِ يُكَنَّيَانِ بِمُزَاحِمٍ.
قَالَ: وأَبُو مُزَاحم: أَوَّلُ خَاقَان وَلِيَ التُّرْك وقاتَلَ العَرَب.
وَرَجُلٌ مِزْحَمٌ: يَزْحَمُ النَّاسَ فَيَدْفَعهم.
مزح: قَالَ اللَّيْث: المَزْحُ من قَوْلِك: مَزَح يَمْزَحُ مَزْحاً ومُزَاحاً ومُزَاحَةً، قَالَ: والمُزَاحُ الاسْمُ، والمِزَاحُ مَصْدَر كالمُمَازَحَةِ، مَازَحَهُ مِزَاحاً ومُمَازَحَةً.
ثَعْلَب عَن ابْن الأَعْرَابي قَالَ: المُزَّحُ من الرِّجَال: الخارِجُون من طبع الثُّقَلاَء، المُتَمَيَّزُون من طَبْعِ البُغَضَاء.
زمح: قَالَ اللَّيْث: الزَّوْمَحُ: الأَسْوَدُ القَبِيحُ من الرِّجَال قَالَ: وَمِنْهُم مَنْ يَقُول: الزُّمَّحُ، أَبُو عُبَيْد عَن أَبي عَمْرو قَالَ: الزُّمَّحُ: القَصِيرُ من الرِّجَال الشِّرِّير، وَأنْشد شَمِر:
ولَمْ تَكُ شِهْدَارَةَ الأبْعَدين
وَلَا زُمَّحَ الأقْرَبينَ الشّرِيرا
ثَعْلَب عَن ابْن الأعْرَابي قَالَ: الزُّمَّحُ: القَصِيرُ السَّمِجُ الخِلْقَةِ السَّيِّءُ الأدَمُّ المشْئُوم قَالَ: والزُّمَّاحُ: طائِرٌ كَانَت الأعْرَاب تَقول: إِنَّه يَأْخُذُ الصَّبِيَّ من مَهْدِه
قَالَ: وَزَمَّحَ الرَّجُلُ إِذا قَتَلَ الزُّمَّاحَ، وَهُوَ هَذَا الطَّائِر الَّذِي يأخُذُ الصَّبِيّ وَأنْشد:
أَعَلَى العَهْدِ بَعْدَنَا أُمّ عَمْرٍ
ولَيْتَ شِعْرِي أَمْ عَاقها الزُّمَّاحُ
حمز: قَالَ اللَّيْث: تَقول: حَمَزَ اللَّوْمُ فؤادَه(4/219)
وقلبَه أَي أوجعهُ:
أَبُو عُبَيْد: وسُئِلَ ابْن عَبَّاس: أَيُّ الأعمالِ أفْضَلُ؟ فَقَالَ: أحْمَزُها يَعْني أمْتَنُها وأقْوَاها. قَالَ: وَيُقَال: رَجُلٌ حَمِيزُ الْفُؤَاد وحامِزٌ. وَقَالَ الشَّمَّاخُ فِي رجل بَاعَ قَوْساً من رَجلٍ:
فَلَمَّا شَرَاها فاضَت العَيْنُ عَبْرَةً
وَفِي القَلْب حَزَّازٌ من اللَّوم حامِزُ
وَقَالَ أنس بن مَالك: كَنَّاني رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ببقلة كُنْتُ أجْتَنِيها، وكانَ يُكْنَى أبَا حَمْزَة. قلت: والحَمْزَةُ فِي الطَّعامِ: شِبْه اللَّذْعَةِ والحَرَارَة كَطَعْمِ الخَرْدَلِ.
وَقَالَ أَبُو حاتِم: تَغَدَّى أعْرَابيٌّ مَعَ قَوْمٍ فاعْتَمَدَ على الخَرْدَل، فَقَالُوا: مَا يُعْجِبُك مِنْهُ؟ فَقَالَ: حَمْزَةٌ فيهِ وحَرَاوَةٌ. قلت: وَكَذَلِكَ الشيءُ الحامِضُ إِذا لَذَع اللِّسَان وقَرَصَه فَهُوَ حامِز، وَقَالَ فِي قَول الشَّمَّاخ:
وَفِي الصَّدْر حَزَّازٌ من اللَّوْمِ حَامِزُ
أَي مُمِضٌّ مُحْرِقٌ. وَقَول ابْن عَبَّاس: أحْمَزُها، يُرِيد أمضُّها وأشَقُّها، والبَقْلَةُ الَّتِي جناها أنَس كَانَ فِي طعمها لَذْعٌ للسان فسُمِّيَت البقْلَةُ حَمْزةً لِفِعْلِها، وكُنِي أنَسٌ أبَا حَمْزَة لِجَنْيه إيَّاها.
وَقَالَ اللِّحياني: كلّمْتُ فلَانا بكلِمَةٍ حَمَزَتْ فُؤَادَه أَي قَبَضَتْه وغَمَّتْه فَتَقَبَّضَ فؤادُه من الغَمِّ. ورُمَّانَةٌ حامِزَةٌ: فِيهَا حُمُوضة.
شَمِر: قَالَ ابْن شُمَيْل: الحَمِيزُ: الظَّرِيفُ. ورَجُلٌ حَمِيزُ الْفُؤَاد أَي صُلْب الْفُؤَاد.
وَقَالَ الفَرَّاءُ: إشْرَب من نَبِيذك فَإِنَّهُ حَمُوزٌ لما تَجِدُ، أَي يهضمه.
وَفِي لُغَة هُذَيل: الحَمْزُ: التَّحْديدُ، يُقَال: حَمَزَ حَديدَتَه إِذا حَدَّدَها، وقَدْ جَاء ذَلِك فِي أشعارهم. وَقَالَ ابْن السِّكِّيت: يُقَال: فُلاَنٌ أحْمَزُ أمْراً من فُلاَنٍ إِذا كَانَ مُتَقَبِّضَ الأمْرِ مُشَمَّرَه، وَمِنْه اشْتُقَّ حَمْزَةُ، والحَامِزُ القَابِضُ.
محز: قَالَ اللَّيْث: المَحْزُ: النِّكاحُ، يُقَال: مَحَزَها، وأنْشَدَ لجَرِير:
مَحَزَ الفَرَزْدَقُ أمَّه من شَاعِرٍ
وقرأْت بِخَطِّ شَمِر:
رُبَّ فَتَاةٍ من بَنِي العِنَازِ
حَيَّاكَةٍ ذَاتِ هَنٍ كِنازِ
ذِي عَضُدَيْنِ مُكْلَئِزَ نَازِي
تَأَشُّ للقُبْلَةِ والمِحَازِ
أرادَ بالمِحازِ النَّيْكَ والجِماع.
(أَبْوَاب الْحَاء والطاء
ح ط د: مهمل. ح ط ت
تحط: قلت: تَحُوطُ: اسْم للقَحْطِ وَالتَّاء زَائِدَة. وَمِنْه قَول أوْس بنِ حَجَر:
الحافِظُ النَّاسَ فِي تَحُوطَ إذَا
لم يُرْسِلُوا تحْت عَائِذٍ رُبَعَا
قلت: كَأَن التَّاء فِي تحوط تَاء فعل مضارع، ثمَّ جعل اسْما معرفَة للسّنة، وَلَا يُجْري ذكرهَا فِي بَاب الْحَاء والطاء وَالتَّاء) .
ح ط ظ، ح ط ذ، ح ط ث: أهملت وجوهها.(4/220)
ح ط ر
حطر، طحر، طرح: مستعملات.
حطر: أهمل اللَّيْث حطر، وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) يُقَال: حُطِرَ بِهِ، وكُلِتَ بِهِ، وجُلِدَ بِهِ إِذا صُرِعَ.
طحر: أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: طحَر يَطْحَر طَحِيراً إِذا زَحَرَ.
قَالَ اللَّيْث: الطَّحْرُ: قَذْفُ العَينِ بِقَذَاها، وَأنْشد:
تَرَى الشُّرَيْرِيغَ يَطْفُو فَوق طَاحِرَةٍ
مُسْحَنْطِراً ناظِراً نَحْو الشَّنَاغِيبِ
يصف عَيْنَ مَاء تَفُور بِالْمَاءِ، والشُّرَيْرِيغُ: الضِّفْدَعُ الصّغِيرُ، والطَّاحِرَةُ: العَيْنُ الَّتِي تَرْمِي مَا يُطْرَحُ فِيهَا لِشِدَّةِ حَمْوَةِ مَائِهَا من مَنْبَعِها وقُوَّةِ فَوَرانهِ، والشَّنَاغِيبُ والشَّغانيبُ: الأَغصَان الرّطبَة، وَاحِدهَا شُغْنُوب وشُنْغُوب: والمُسْحَنِطُر: المُشْرِفُ المُنْتَصِبُ.
وَقَالَ اللَّيْث: طَحَرَتِ العَيْنُ الغَمْصَ وَنَحْوه إِذا رَمَتْ بِهِ.
وقَوْسٌ مِطْحَرَةٌ: تَرْمِي سَهْمَهَا صُعُدًا لَا يقْصد إِلَى الرَّمِيَّة، قَالَ: والقَنَاةُ إِذا الْتَوْت فِي الثِّقَافِ فَوَثَبَت فَهِيَ مِطْحَرَةٌ.
وَقَالَ طَرَفَةُ:
طَحُورَان عُوَّارَ القَذَى فَتَراهما
كَمَكْحُولَتي مَذْعُورَةٍ أمِّ فَرْقد
قَالَ: والطَّحِيرُ: شِبْهُ الزَّحِير، وَقد طَحَرَ يَطْحِر طَحِيراً.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: خَتَن الخاتِنُ الصَّبِيَّ فأَطْحَرَ قُلْفَتَه إِذا اسْتَأْصَلَها. وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: اخْتُن هَذَا الْغُلَام وَلَا تَطَحَر أَي تَسْتَأْصِلُ.
وَقَالَ أَبُو مَالك: يُقَال: طَحَرَه طَحْراً وَهُوَ أَن يَبْلُغَ بالشيءِ أَقْصَاه. وَيُقَال: أحفى شاربَه وأطحره إِذا ألزق جَزَّهُ.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعْرَابي: يُقَالُ: مَافي السَّمَاء طَحَرَة وَلاَ غَيَايةٌ. ابْن السِّكِّيت عَن البَاهِليّ: مَا فِي السَّماء طَحَرَةٌ أَي شَيْء من غَيْم. قَالَ: وَقَالَ الأصْمَعِيّ: مَا عَلَيْه طَحَرَةٌ إِذا كانَ عَارِياً، وَمَا بَقِيَت على الإبِل من طَحَرة إِذا نَسَلَتْ أَوْبَارها.
وَقَالَ اللِّحياني: مَا عَلَى السَّمَاء طَحَرَةٌ ولاطخْرَةٌ بِالْحَاء وَالْخَاء.
وَقَالَ الباهِلي: مَا عَلَيْهِ طُحْرُورٌ أَي مَا عَلَيْهِ ثوب وَكَذَلِكَ مَا عَلَيْهِ طُخْرُور، وَهِي الطَّحَارِيرُ والطَّخَارِيرُ لِقَزَعِ السَّحَاب.
والمِطْحَرُ: السهْم البعيدُ الذّهاب، وَقيل: المِطْحَرُ مِنَ السِّهَام: الَّذِي قد أُلْزِقَ قَذَذُه. وقِدْحٌ مِطْحَرٌ إِذا كَانَ يُسْرِع خُروجُه فائزاً. وسَهْمٌ مِطْحَرٌ: يُبْعِدُ إِذا رُمِيَ بِهِ، وَمِنْه قَول أَبِي ذُؤَيْب:
فَرَمَى فَأَلْحَقَ صَاعِدِيًّا مِطْحَراً
بالكَشْح فاشْتَمَلتْ عَلَيه الأضْلُعُ
يُرْوَى مِطْحَراً ومُطْحَراً بمعنين مُخْتَلفين.
طرح: اللَّيْثُ: طَرَحْتُ الشيءَ أَطْرَحُه طَرْحاً. قَالَ: والطِّرْحُ: الشيءُ المَطْروحُ لَا حاجَةَ لأحَدٍ فِيهِ، والطُّرُوحُ مِنَ البِلاَد: البَعِيدُ.
أبُو عُبَيد: الطَّرَحُ: البُعْدُ، وأنْشَد للأعشى:
وتُرَى نارُك من ناءٍ طَرَحْ(4/221)
وَقَالَ عُرَام: نِيَّةٌ طَوَحٌ وطَرَحٌ أَي بَعِيدَةٌ. وَقَالَ غَيره: قَوْسٌ طَرُوحٌ: يَبْعُدُ ذَهَابُ سهمها.
وَقَالَ الأصمَعِي: سَيْرٌ طُرَاحِيٌّ: شَديدٌ، وَقَالَ مُزَاحِمٌ العُقَيْليّ:
بِسَيْرٍ طُرَاحِيَ تَرَى من نَجَائه
جُلُودَ المَهَارَى بالنَّدَى الجَوْنِ تَنْبُعُ
وَيُقَال: طَرَحَ بِهِ الدَّهْرُ كُلَّ مَطْرَحٍ إِذا نَأَى بِهِ عَن أهْلِهِ وعَشِيرَته.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: طَرِحَ الرّجُلُ إِذا سَاء خُلُقُه، وطَرِحَ إِذا تَنَعَّمَ تَنعُّماً وَاسِعًا.
وَقَالَ اللِّحْيَانِيّ: قَالَت امرأةٌ من العَرب: إنَّ زَوْجِي لَطَرُوح أَرَادَت أنّه إِذا جامَعَ أَحْبَلَ.
ح ط ل
حطل، حلط، طلح، طحل، لطح، لحط: مستعملات.
حطل: أهمل اللَّيْث حطل، وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: الحِطْلُ. الذِّئْبُ والجميع أحطَالٌ.
لحط: أهمل اللَّيْث لحط، وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: اللَّحْطُ: الرَّشُّ، لَحَط بابَ دَارِه إِذا رَشَّه بِالْمَاءِ. قَالَ: واللَّحْطُ: الزّبْنُ.
طلح: قَالَ اللَّيْث: الطَّلْحُ: شجر أم غَيْلاَن، لَهُ شوك أَحْجَنُ، وَهُوَ من أعظم العِضاه شوكاً وأصْلَبِه عودا وأجوده صمغا، والوحدة طَلْحَة. قَالَ: والطَّلْحُ فِي الْقُرْآن المَوْز.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَول الله تبَارك وَتَعَالَى: {مَّخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ} (الواقِعَة: 29) جَاءَ فِي التَّفْسِير أَنه شجر المَوْز، قَالَ: والطلح: شجر أمِّ غَيْلاَن أَيْضا، قَالَ: وَجَائِز أَن يكون عُنِي بِهِ ذَلِك الشّجر، لِأَن لَهُ نَوْراً طيِّبَ الرَّائِحَةِ جِدّاً، فخُوطِبُوا وَوُعِدوا مَا يُحِبُّون مثله، إِلَّا أَن فَضله على مَا فِي الدُّنْيَا كفضل سَائِر مَا فِي الْجنَّة على سَائِر مَا فِي الدُّنْيَا. وَقَالَ مُجَاهِد: أعجبهم طَلْحُ وَجَ وحْسْنُه، فَقيل لَهُم: {مَّخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ} (الواقِعَة: 29) .
وَقَالَ الفَرَّاءُ: الطِّلاَح: جمعُ الطَّلْح من الشَّجَر، وأَنْشَد:
إنِّي زَعِيمٌ يَا نُوَيْ
قَةُ إنْ نَجَوْتِ من الزَّوَاحْ
أَن تَهْبِطِينَ بلادَ قَوْ
مٍ يَرْتَعُون من الطِّلاَحْ
أَبُو عُبَيد عَن الكِسَائي: يُقَال: إبِل طَلاَحَى وطَلِحَة إِذا رَعت الطَّلْحَ فاشتكت مِنْهُ وَكَذَلِكَ إبل أَرَاكَى وأرِكة.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعْرَابي: سُمِّي طَلْحَة الطَّلَحات الخُزاعيّ بأمهاته، وأمّه صَفِيَّة بنتُ الْحَارِث بن طَلْحَة بن عبد منَاف. وَكَانَ يُقَال لطلْحَة بن عبيد الله طَلْحَة الْخَيْر، وَكَانَ من أَجْوَادِ الْعَرَب، وَمِمَّنْ قَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم أحد: إِنَّه قد أَوْجَبَ.
وَقَالَ ابْن الأعْرَابي: المُطَلِّح فِي الْكَلَام:
البَهَّات. والمُطَلِّح فِي المَال الظَّالِم.
والطِّلْحُ المُعْيِي. والطّلْحُ: القُراد. قَالَ: والطُّلُحُ: التَّعِبُون، والطِّلُحُ: الرُّعَاة.
وَقَالَ اللَّيْث: الطَّلاَحُ: نَقِيض الصّلاح،(4/222)
والفِعْل طَلِحَ يَطْلَح طَلاَحاً. قلت وَقَالَ بَعضهم: رَجُلٌ طَالِحٌ أَي فاسِدُ الدّين لَا خَيْرَ فِيهِ.
الحرَّاني عَن ابْن السِّكِّيت قَالَ: الطَّلْحُ: مصدر طَلَحَ البعيرُ يُطْلَح طَلْحاً إِذا أَعْيَا وكَلَّ، وَقَالَ أَبُو عَمْرو: طَلِح البَعِيرُ.
قَالَ: والطَّلَحُ: النِّعْمَة، وَأنْشد قَول الأَعْشَى:
كم رَأينَا من أُناسٍ هَلَكُوا
ورأينا الْمَرْء عَمْراً بِطَلَح
وَقَالَ ابْن السّكيت: وَقيل: طَلَحَ فِي بَيت الأعْشَى: مَوضِع، وَقَالَ غَيره: أَتَى الأَعْشَى عَمْراً، وَكَانَ مَسْكَنه بِموضع يُقَال لَهُ ذُو طَلَح، وَكَانَ عَمْرو ملكا نَاعِمًا، فاجترأ الشَّاعِر بِذكر طَلَحَ دَلِيلا على النِّعْمَة، وعَلى طرح ذِي مِنْهُ، قَالَ: وَذُو طَلَح هُوَ الْموضع الَّذِي ذكره الحطيئة فَقَالَ وَهُوَ يُخَاطب عمر بن الْخطاب:
ماذَا تَقُولُ لأفْرَاخٍ بِذِي طَلَح
أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد قَالَ: إِذا أضمره الكَلالُ والإعْيَاءُ قيل: طَلَحَ يَطْلَح طَلْحاً.
وَقَالَ شمر يُقَال سَار على النَّاقة حَتَّى طَلَحَها وطَلَّحها.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: إِنَّه لَطَلِيحُ سَفَر وطِلْحُ سَفَر ورَجِيعُ سَفَر ورَذِيَّةُ سَفَر بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: بَعِيرٌ طَلِيحٌ، وناقَةٌ طَلِيحُ.
قَالَ: والمهزول من القُرَاد يُسَمّى طِلْحاً، وَقَالَ الطِّرِمَّاحُ:
وقَدْ لَوَى أَنْفَه بِمِشْفَرِها
طِلْحٌ قَرَاشِيمُ: شاحِبٌ جَسَدُه.
القراشيم: القِرْدَان.
قَالَ ابْن السّكيت: إبِلٌ طِلاَحِيَّةٌ وطُلاَحِيَّةٌ للّتي تَأْكُل الطَّلْحَ، وَأنْشد:
كَيْفَ تَرَى وقْعَ طِلاَحِيَّاتها
لطح: قَالَ اللَّيْث: اللَّطْحُ قَالَ بَعضهم كاللَّطْخ إِذا جَفَّ وحُكَّ وَلم يبقَ أثَر. قَالَ: واللَّطْحُ: كالضَّرْبِ بالْيَد.
أَبُو عُبَيْد عَن أبي عُبَيْدَةَ: اللَّطْحُ: الضَّرْبُ بالْيَدِ، يُقَال مِنْهُ لَطَحْتُ الرجلَ بِالْأَرْضِ قَالَ غَيره: هُوَ الضَّرْبُ لَيْسَ بالشّديد بِبَطن الْكَفّ وَنَحْوه.
وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَلْطَحُ أُغَيْلِمَة بني الْمطلب لَيْلَةَ الْمزْدَلِفَة وَيَقُول: أُبَيْنِيّ، لَا تَرْمُوا جَمْرةَ العَقَبَة حتّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ.
طحل: قَالَ اللَّيْث: الطُّحْلَةُ: لَوْنٌ بَين الغُبْرَة والبَياض فِي سَواد قَلِيل كَسَواد الرَّمادِ، ذِئْب أَطْحَلُ ورماد أَطْحَل.
قَالَ: وشَرَاب طَاحِل إِذا لم يكن صافي اللَّوْنِ، قَالَ رُؤْبَةُ:
وَبلدَةٍ تُكْسَى القَتامَ الطَّاحِلاَ
قَالَ: وعَنْزٌ طَحْلاَءُ، وَقد طَحِلَت طَحَلاً.
أَبُو زيد: ماءٌ طَحِل: كثِيرُ الطّحْلُبِ. ومَاءٌ طَحِل: كثِيرُ الطُّحْلُبِ. ومَاءٌ طَحِل: كَدِر، وَقَالَ زُهَيْر:
يَخْرُجْنَ من شَرَبَاتٍ ماؤُها طَحِل
عَلَى الْجُذُوع يَخَفْنَ الغَمَّ والغَرَقَا
وكِسَاءٌ أَطْحَلُ على لَوْنِ الطِّحَال.(4/223)
وطِحَال: مَوضِع، وَقد ذكره ابْن مُقْبِل فَقَالَ:
لَيْتَ اللَّيَالي يَا كُبَيْشَةُ لم تَكُن
إلاَّ كَلَيْلَتِنا بِحَزْمِ طِحَال
وَمن أمثالهم: (ضَيَّعْتَ البِكارَ عَلَى طِحَال) ، يُضْرَبُ مَثَلاً لمن طلب حَاجَة إِلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْهِ، وأصل ذَلِك أَن سُوَيْد بن أبي كَاهِل هَجَا بَنِي غُبَرَ فِي رَجَزٍ لَهُ، فَقَالَ:
منْ سَرَّهُ النَّيْكُ بِغَيْرِ مالِ
فالغُبَرِيّاتُ على طِحَالِ
شَوَاغِراً يُلْمِعْن بالقُفَّالِ
ثمَّ إِن سُوَيْداً أُسِرَ فَطَلَب إِلَى بني نُمَيْر أَن يُعينوه فِي فَكاكِه فَقَالُوا لَهُ: ضيَّعْتَ البِكارَ على طِحَال. والبِكارُ جمعَ بكْرٍ، وَهُوَ الفَتِيّ من الْإِبِل.
أَبُو العبَّاس عَن ابْن الأعرَابي: الطَّحِل: الأسوَدُ، والطَّحِلُ: الماءُ المُطَحْلِبُ.
قَالَ: والطَّحِل: الغضبانُ. والطّحِلُ: المُلآنُ: وَأنْشد:
مَا إنْ يَرُودُ وَلَا يزَال فِراغُه
طَحِلاً ويمْنَعُه من الإعْيَالِ
حلط: قَالَ اللَّيْث: حَلَطَ فلانٌ إِذا نزل بِحَال مَهْلَكَةٍ.
قَالَ: والاحْتِلاَطُ: الِاجْتِهَاد فِي مَحْكٍ ولَجاجَةٍ.
أَبُو العبّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: الحلْطُ: الغَضَبُ، والحَلْطُ القَسَمُ، والحَلْطُ: الإقامةُ بِالْمَكَانِ.
وَقَالَ: الحِلاَطُ: الغضَبُ الشديدُ. وَقَالَ فِي مَوضِع: الحُلُطُ: المُقْسِمُونَ على الشيءِ والحُلُطُ: المُقيمون فِي الْمَكَان، والحُلُطُ: الغُضَابى من النَّاس، والحُلُطُ: الهائِمُون فِي الصَّحَارَى عِشْقاً.
أَبُو عُبَيد عَن الأصمعيّ: أَحْرَضَ وَأَحْلَطَ اجْتَهدَ، وَمِنْه قيل: احْتَلَطَ فُلانٌ، وَقَالَ:
فأَلْقَى التَّهَامِيُّ مِنْهُمَا بِلَطَاتِه
وأَحْلَطَ هذَا لَا أَرِيمُ مَكانِيَا
قَال أَبُو عُبَيد: أَحْلَطَ: اجْتَهَدَ وحَلَفَ وَقَالَ: لَعلَّ الاحْتِلاطَ مِنْهُ.
قُلْتُ: احْتَلَطَ: غَضِبَ، واحْتَلَطَ: اجْتَهد.
وَقَالَ ابْن الأعْرَابي فِي قَول ابْن أَحْمَر: وأَحْلَطَ هَذَا أَي أَقَام وَيجوز حَلَفَ.
ح ط ن
حنط، حطن، طحن، نطح، نحط، طنح: مستعملات
طحن: قَالَ اللَّيْث: الطِّحْنُ: الطَّحِين المَطْحُون، والطَّحْنُ: الفِعْلُ، والطَّحَانَةُ: فِعْلُ الطَّحَّان.
قَالَ: والطّاحُونةُ والطَّحَّانَةُ: الَّتِي تَدور بِالْمَاءِ، والجميعُ الطّوَاحِين.
قَالَ: وكلّ سِنَ من الأضراس طاحِنَة. والطُّحَنَةُ: دُوَيْبَّةٌ كالجُعَلِ والجميع الطُّحَن قلتُ: الطُّحَنُ يَكون فِي الرَّمْل. وَيُقَال لَهُ الحْلَك وَلَا يُشْبِه الْجُعَل.
وَقَالَ أَبُو خَيْرَة: الطُّحَنُ هُوَ لَيثُ عِفِرِّينَ مِثْلُ الفُسْتُقَةِ، لَوْنُه لوْنُ التُّرَاب.
وَقَالَ غَيْرُه: هُوَ على هَيْئَة العَظايَة. تَشْتَال بذَنبها كَمَا تفعلُ الخَلِفَةُ من الْإِبِل، يَقُول لَهَا الصِّبْيان: اطحَنِي لنا جِرَاباً، فيطحِّنُ(4/224)
بِنَفسِهِ فِي الأَرْض حَتَّى يغيب فِيهَا. حكى ذَلِك كُله أَبُو حَاتِم عَن الأعْرَاب.
ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: إِذا كَانَ الرجلُ نِهَايَة فِي القِصَر فَهُوَ الطُّحَنَةُ.
وروى أَبُو نصر عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: الطُّحَنَةُ: دابَّةٌ دون القُنْفُذ تكون فِي الرمل تظّهَرُ أَحْيَاناً وتَدُور كأَنَّها تطحن ثمَّ تَغُوصُ، ويجتمع صِبيان الْأَعْرَاب لَهَا إِذا ظَهرت ويصيحون بهَا اطْحَنِي جِرَاباً أَو جرابَيْن.
وَيُقَال: طَحَنَتِ الأفْعَى إِذا دَخَلَتْ فِي الرَّمْلِ ورقَّقَتْه فَوْقهَا وأَخْرَجَتْ عَيْنَيها.
وَقَالَ الراجز يصف حَيَّة:
حَوَاه حاوٍ طَال مَا اسْتَبَاثَا
ذكورَها الطُّحَّنَ والأناثا
وَحكى النَّضْرُ عَن الجَعدِي قَالَ: الطاحن هُوَ الراكس من الدَّقُوقَةِ الَّذِي يَقُوم فِي وسط الكُدْسِ) .
وَمن أَمْثالهم: (أسْمَعُ جَعْجَعَةً وَلَا أَرى طِحْناً) وَقد مرَّ تَفْسِيره.
أَبُو عُبَيد عَن الفَرَّاء قَالَ. إِذا كَانَت الإبِل رِفَاقاً أَو مَعهَا أَهْلُها فَهِيَ الطَّحَّانَةُ والطَّحُونُ، والرَّطّانَةُ والرَّطون.
وَقَالَ غَيره: الطّحُون: اسْم للحرب، وَقيل هِيَ الكَتِيبَةُ من كتَائِب الخَيْل إِذا كَانَت ذَات شَوْكةٍ وكثْرَةٍ.
نطح: الليثُ: النَّطحُ لِلكباش وَنَحْوهَا، وتنَاطحَتِ الأمواجُ والسُّيول والرِّجال فِي الحَرْب.
أَبُو عُبَيْد: نَطَحَ يَنْطَح ويَنْطِحُ، قَالَ: والنَّطِيح: الَّذِي يَسْتَقْبِلُك من الظِّبَاءِ والطُّيورِ وَمَا يُزْجَر، قلت: وَغَيره يُسَمِّيهِ النَّاطِح.
وَأما النَّطِيحَةُ فِي سُورة الْمَائِدَة (3) فَهِيَ الشَّاةُ المَنْطوحَةُ تموتُ فَلَا يَحِلُّ أكلُها، وأُدخِلَت الهاءُ فِيهَا لِأَنَّهَا جُعِلت اسْما لَا نَعْتاً.
وَقَالَ أَبُو عُبَيدة: من دوائر الخَيْل دَائِرَة اللَّطاةِ، وَهِي الَّتِي وسْطَ الجَبْهة، قَالَ فَإِن كَانَت دائرتانِ قَالُوا: فَرَسٌ نَطِيحٌ، قَالَ: ويُكْرهُ دائرتا النَّطيح.
وَيُقَال: انْتَطَحَتِ الكِباشُ وتنَاطَحَت بِمَعْنى وَاحِد، وَقَالَ:
اللَّيل داجٍ والكِباشُ تَنْتَطِحْ
وَيُقَال: أَصَابهُ ناطِحٌ أَي أمْر شَديدٌ، وكلُّ أَمر شديدٍ ذِي مَشَقَّةٍ ناطحٌ، قَالَ الرَّاعِي:
كَئِيبٌ يَرُدُّ اللَّهْفَتَيْن لأُمِّه
وَقد مَسَّهُ مِنَّا ومِنْهُنَّ ناطِحُ
يصف رجُلاً غيُورا.
نحط: قَالَ اللَّيْث: النَّحْطَةُ: داءٌ يُصيبُ الخيْلَ والإبِل فِي صُدورها، فَلَا تكَاد تسلَم مِنْهُ.
قَالَ: والنَّحْطُ: شِبْه الزَّفير.
يُقَال: نَحَطَ فَهُوَ منْحوط مثل نَحَزَ فَهُوَ منحوز، وَهُوَ سُعال خَشِن قلَّما تسلَم مِنْهُ.(4/225)
والقَصَّارُ ينْحِطُ إِذا ضَرَبَ بِثَوبِه على الحَجَر ليكونَ أرْوَحَ لَهُ، وَهُوَ النَّحِيطُ، وَقَالَ الشَّاعِر أنْشدهُ الفرَّاء:
وتَنْحِطْ حَصَانٌ آخر اللَّيْلِ نَحْطةً
تَقَضَّبُ مِنْهَا أَو تَكادُ ضُلوعُها
حنط: اللَّيْث: الحِنْطةُ: البُرُّ، والحَنَّاطُ: بَيَّاعُه، والحِنَاطةُ: حِرْفَتُه.
قَالَ: والحَنُوط: يُخْلَطُ من الطّيب للْمَيت خاصَّة، وَفِي الحَدِيث أنَّ ثمُودَ لمّا استيقَنُوا بالعَذَاب تكَفَّنوا بالأَنْطَاع وتَحَنَّطُوا بالصَّبِر. قلت: هُوَ الحَنُوط والحِناطِ. وروى ابْن المُبَارَك عَن ابْن جُرَيْجٍ قلتُ لِعَطَاء: أَيُّ الحِنَاطِ أحَبُّ إِلَيْك؟ قَالَ: الكافور، قُلت: فأَين يُجْعل مِنْهُ؟ قَالَ: فِي مرافِغِه، قلت: وَفِي بطْنِه؟ قَالَ نعم، قلت: وَفِي مَرْجِعِ رِجْلَيْه ومأْبِضِه؟ قَالَ: نعم، قلت: وَفِي عَيْنَيْهِ وَأَنْفه وَأُذُنَيْهِ؟ قَالَ: نعم. قلت: أيابساً يُجْعل الكافورُ أم يُبَلُّ بماءٍ؟ قَالَ: لَا بَلْ يَابسا، قلت: أتَكْرَهُ المِسْكَ حِنَاطاً؟ قَالَ: نعم.
قلْتُ: وَهَذَا يَدُلّ على أَن كلَّ مَا يُطَيَّب بِهِ الْمَيِّت من ذَرِيرةٍ أَو مِسْكٍ أَو عَنْبَرٍ أَو كافور وَغَيره من قَصَبٍ هِنْدِي أَو صَنْدلٍ مدقوق فَهُوَ كلّه حَنوط وحِناط.
قَالَ شمر: الرُّفْغَان: أصْلا الفَخِذَين. قَالَ: وَقَالَ بعض أَعْرَاب بني تَمِيم: الرُّفْغُ من الْمَرْأَة: مَا حَوْل فَرْجها، وَقد رَفَغ الرجل المرأةَ إِذا قَعَد بَين فخذيها، وَفِي الحَدِيث (إِذا الْتقَى الرُّفْغَان فقد وجَبَ الغُسْل) .
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: يُقَال للبَقْل إِذا بَلَغ أَن يُحْصَدَ حانِطٌ، وَقد حَنَطَ الزَّرعُ وأَحْنَطَ وأَجَزَّ وأشْوى إِذا بلَغ أَن يُحْصَد، قَالَ: وأوَرَس الرَّمْثُ وأحْنَطَ، ومِثْله خَضَبَ العرْفَجُ.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: يُقَال للرِّمث أوّل مَا يتفَطَّر ليخرج ورَقه قد أقْمَل، فَإِذا زَاد قَلِيلا قيل: قد أدْبى، فَإِذا ظَهرت خُضْرَته قيل: بَقَلَ، فَإِذا ابْيَضَّ وأدرَكَ قِيلَ حَنَط.
شَمِر: يُقَال: أحْنَطَ فَهُوَ حانِطٌ ومُحْنِطٌ كِلَاهُمَا، وإنَّه لَحَسنُ الحانِطِ، قَالَ: والحانِطُ والوارِسُ وَاحِد، وَأنْشد:
تَبَدَّلْن بَعْد الرَّفض فِي حانِط الغَضَى
أَبَانَا وغُلاَّناً بِهِ يَنْبُتُ السِّدْرُ
وَقَالَ غَيره: رجلٌ حانِطٌ: كثيرُ الحِنْطَةِ، وَإنَّهُ لحانِطُ الصُّرَّةِ أَي عَظيمُها يَعْنونَ صُرَّةَ الدَّرَاهِم.
وَيُقَال: حَنَطَ ونَحَطَ إِذا زَفَر، وَقَالَ الزَّفَيَانُ:
وانْجَدَل المِسْحَلُ يَكْبُو حانِطا
أَرَادَ ناحطاً يَزْفِرُ فَقَلَبَه. وَأهل اليَمن يسمون النَّبْلَ الَّذِي يُرْمَى بِهِ حَنْطاً.
وَفِي (نَوَادِر الأعْراب) : فُلانٌ حانِطٌ إليّ ومُسْتَحْنِطٌ إليّ ومُسْتَقْدِمٌ إليّ ونَاتِلٌ إليّ ومُسْتَنْتِلٌ إلَيّ إِذا كَانَ مائلاً عَلَيْهِ مَيْل عَداوة وشحناء.
أَخْبَرَني الْمُنْذِرِيّ عَن الطُّوسِيّ عَن الخَزّاز أَن ابْن الأعْرابي أَنشدَه:
لَو أَنَّ كابِيةَ بنَ حُرْقُوصٍ بهم
نَزَلَتْ قَلُوصِي حِين أَحْنَطَها الدَّمُ
أَحْنَطها أَي رَمَّلَها ودَمَّاها وجف عَلَيْهَا.(4/226)
وَذكرت الْحِنْطىء فِي بَاب الرباعي، وَهُوَ الْقصير، وعَنْزٌ حِنْطِئَةٌ، لِأَن الْهمزَة أَصْلِيَّة.
طنح: أهمله اللَّيْث، وَقَالَ ابْن دُرَيْد: أَخْبرنِي عبد الرحمان عَن عَمه الْأَصْمَعِي قَالَ: يُقَال: طَنِحَتِ الإبلُ إِذا سَمِنَت بِالْحَاء، وطَنِخَت بِالْخَاءِ إِذا بَشِمَت، قَالَ: وَغَيره يجعلهما وَاحِدًا.
قلتُ: وَلم يُسْمَع طنح بِالْحَاء لغيره. وَأما طنخ فَمَعْنَاه اتّخم وَهُوَ صَحِيح.
حطن: أهمله اللَّيْث، والحِطَانُ: التيس، فَإِن كَانَ فِعَّالاً فالنون أَصْلِيَّة من حطن، وَإِن جعلته فعلاناً فَهُوَ من الحَطِّ.
ح ط ف
طحف، طفح، فطح، حطف: مستعملة.
طحف: قَالَ اللَّيْث: الطَّحْفُ: حَبّ يكون بِالْيمن يُطْبَخُ. قلت: هُوَ الطهف بِالْهَاءِ وَلَعَلَّ الْحَاء تبدل من الْهَاء.
فطح: قَالَ اللَّيْث: الفَطَح: عِرَضٌ فِي وسط الرَّأْس وَفِي الأَرْنَبةِ حَتَّى تلتزق بِالْوَجْهِ كالثَّوْرِ الأفطَح.
وَقَالَ أَبُو النَّجْم يَصِفُ الْهامَةَ:
قَبْصاءُ لم تُفْطَح وَلم تُكَتَّل
وَيُقَال: فطحتُ الحَدِيدَةَ إِذا عَرَّضْتَها وسَوَّيتَها كمِسْحَاةٍ أَو مِعْزَقٍ أَو غَيْرِه. قَالَ جرير:
لِفَطْحِ المسَاحي أَو لجدْلِ الأدَاهم
طفح: قَالَ اللَّيْث: طفح النَّهر إِذا امْتَلأ، ورأيته طافحاً: مُمْتَلِئاً، وَيُقَال للَّذي يَشْرَبُ الْخمر حَتَّى يمتلىء سكرا طافِحٌ.
قَالَ: والرِّيحُ تُطفح القُطْنَةَ إِذا سطعت بهَا.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: الطُّفَاحَةُ: زَبَدُ القِدْر وَمَا عَلاَ مِنْهَا. وَيُقَال اطَّفَحْتُ طُفَاحَةَ القِدْرِ إِذا أَخَذْتَها، وَأنْشد شمر:
أَتَتْكُمُ الجوْفَاءُ جَوْعَى تَطَّفِحْ
طُفَاحَةَ الإثْرِ وطَوْراً تَجْتَدِحْ
وَقَالَ غَيره: ناقَةٌ طُفَّاحَة القوائم أَي سَرِيعَتُها، وَقَالَ ابْن أَحْمَر:
طُفَّاحَةُ الرِّجْلَيْنِ مَيْلَعَةٌ
سُرُحُ المِلاَطِ بَعِيدةُ القَدْرِ
أَبُو عُبَيد عَن أبي عُبَيْدة: الطَّافِحُ والدِّهَاقُ والمَلآن وَاحِد، قَالَ: والطافح. الممتلىء الْمُرْتَفع، وَمِنْه قيل للسكران طافح أَي أَن الشَّرَاب قد ملأَهُ حَتَّى ارْتَفع، وَيُقَال: إطْفَح عَنِّي أَي إذْهَب عَنِّي.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الطَّافح: الَّذِي يَعْدُو، وَقد طَفَحَ يَطْفَحُ، وَقَالَ المُتَنَخِّل الهُذَلي يَصِفُ المُنْهَزِمِين:
كانُوا نعائم حَفَّانٍ مُنَفَّرَةٍ
مُغْطَ الحُلُوقِ إِذا مَا أُدْرِكُوا طَفَحْوا
أَي ذَهَبُوا فِي الأَرْض يَعْدُون.
حطف: الحَنْطَفُ: الضخم الْبَطن وَالنُّون فِيهِ زَائِدَة.
ح ط ب
حطب، حَبط، بطح: مستعملة.
حطب: أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: من أمثالهم فِي الْأَمر يُبرم وَلم يشهده صَاحبه قَوْلهم: (صَفْقَةٌ لم يشهدها حَاطِب) . قَالَ: وَكَانَ أَصله أَن بعض آل حَاطِب بَاعَ بيعَة غُبِن فِيهَا فَقيل ذَلِك.(4/227)
قَالَ أَبُو عُبَيد: وَقَالَ أَكْثَم بن صَيْفي: المِكْثَارُ كحاطب ليل.
قَالَ أَبُو عُبَيد: وَإِنَّمَا شبهه بحاطب اللَّيْل: لِأَنَّهُ رُبمَا نهشته الْحَيَّة، كَذَلِك المِكثارُ رُبمَا أَصَابَهُ فِي إكثاره بعضُ مَا يكره) .
قَالَ اللَّيْث: الحَطَب: مَعْرُوف، وَالْفِعْل مِنْهُ حَطَب يَحْطِب حَطْباً وحَطَباً. المُخفَّفُ مصدر، وَإِذا ثُقِّلَ فَهُوَ اسْم.
واحْتَطَب احْتِطَاباً، وحَطَبْتُ فُلاَناً إِذا احْتَطَبْتَ لَهُ.
وَقَالَ ذُو الرُّمَّة:
وهَلْ أَحْطِبَنَّ القَوْمَ وَهِي عَرِيَّةٌ
أُصُولَ أَلاءٍ فِي ثَرًى عَمِدٍ جَعْدِ
وَيُقَال للمُخَلِّط فِي كَلَامه أَو أَمْرِه حاطِب ليل، مَعْنَاهُ أَنه لَا يَتَفَقَّد كلامَه كالحاطب بِاللَّيْلِ الَّذِي يحطِبُ كُلَّ رَديء وجَيّد لِأَنَّهُ لَا يُبْصِر مَا يَجْمَع فِي حَبْله.
وَقَالَ غَيْرُه: شُبِّه الجانِي على نَفسه بِلِسَانِهِ بحاطب اللَّيْل لِأَنَّهُ إِذا حطب لَيْلاً رُبمَا وقَعتْ يَدُه على أَفْعَى فَنَهَشَتْه، وَكَذَلِكَ الَّذِي لَا يَزُمُّ لِسانَه ويَهْجُو الناسَ ويذُمُّهم رُبَّما كَانَ ذَلِك سَبَباً لِحَتْفه.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: حَطَبَ فُلاَنٌ بفُلاَن إِذا سَعَى بِهِ.
وَأما قَول الله تَعَالَى: {لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} (المَسَد: 4) فَإِنَّهُ جَاءَ فِي التَّفْسِير أَنَّهَا أُمّ جَمِيل امرأةُ أبي لَهَب، وكانتْ تمْشي بالنَّمِيمَةِ، وَمن ذَلِك قَوْل الشَّاعِر:
من البِيضِ لم تُصْطَدْ على ظَهْرِ لأْمَةٍ
ولَمْ تَمْشِ بَيْنَ الحَيِّ بالحَطَبِ الرَّطْبِ
أَي بالنميمة، وَقيل إِنَّهَا كَانَت تحمل شَوْك العِضاه فتطرحه فِي طَرِيق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَطَرِيق أَصْحَابه.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: العِنَبُ كل عَام يُقْطَع من أعاليه شَيْءٌ ويُسَمَّى مَا يُقْطَع مِنْهُ الحِطَابُ، يُقَال: قد اسْتَحْطَبَ عِنَبُكم فاحْطِبُوه حَطْباً أَي اقْطَعوا حَطَبَه.
وَيُقَال للَّذي يَحْتَطِب الحَطَبَ فيبِيعُه حَطَّاب، وَيُقَال: جاءَتِ الحَطَّابة.
وَقَالَ أَبُو تُرَاب: سَمِعتُ بعضَهم يَقُول: احْتَطَبَ عَلَيْهِ فِي الْأَمر واحْتَقَبَ بِمَعْنى وَاحِد.
حَبط: قَالَ اللَّيْث: الحَبَطُ: وَجَعٌ يَأْخُذ البَعِيرَ فِي بَطْنِه من كلأ يَسْتَوْبِلُه، يُقَال: حَبِطَت الإبلُ تَحْبَط حَبَطاً، قَالَ: وَإِذا عَمِل الرجلُ عملا ثمَّ أفْسدهُ قيل: حَبِطَ عَمَلُه، وأَحْبَطه صاحِبُه، وأَحْبطَ الله أعْمَالَ مَنْ يُشْرِك بِهِ.
وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال: حَبَطَ عَمَلُه يَحْبُط حَبْطاً وحُبُوطاً بِسُكُون الْبَاء، وحَبِطَ بطنُه إِذا انْتَفَخَ يَحْبَطُ حَبَطاً فَهُوَ حَبِطٌ، وَرَأَيْت بِخَط الأقْرَع فِي كتاب ابْن هانىء: حَبَطَ عَمَلُه يَحْبُط حُبُوطاً وحَبْطاً وَهُوَ أصَحّ.
وأمَّا قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وإنَّ مِمَّا يُنبِتُ الرّبيع مَا يقتل حَبَطاً أَو يُلِمّ) فَإِن أَبَا عُبَيد فَسَّرَ الحَبَط، وَترك من تَفْسِير هَذَا الحَدِيث أَشْيَاء لَا يَسْتَغْنِي أهل الْعلم عَن مَعْرفَتهَا، فذكرتُ الحديثَ على وَجهه لأفَسِّر مِنْهُ كلَّ مَا يُحتَاج إِلَيْهِ من تَفْسِيره.
حَدّثنا عبد الله بن مُحَمَّد بن هاجَك قَالَ:(4/228)
حَدثنَا عَليّ بن حُجْر، قَالَ: حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم عَن هِشَام عَن يحيى بن أبي كثير عَن هِلَال بن أبي مَيْمُونةَ عَن عَطاءِ بن يَسَار عَن أبي سَعِيد الخُدْرِي أَنه قَالَ: جلس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على المِنْبَر وجَلَسْنا حَوْلَه فَقَالَ: (إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم بعدِي مَا يُفْتَح عَلَيْكُم من زهرَة الدُّنْيَا وَزينتهَا) . قَالَ: فَقَالَ رجُلٌ: أَو يَأْتي الخَيْرُ بالشرِّ يَا رَسُول الله؟ قَالَ: فَسكت عَنهُ رَسُول الله وَرَأَيْنا أَنّه يُنْزَلُ عَلَيْهِ فأَفَاقَ يمْسَح عَنهُ الرُّحَضاء، وَقَالَ: أَيْنَ هَذَا السَّائِل وكأنّه حَمِده فَقَالَ: إِنَّه لَا يأْتي الْخَيْرُ بالشَّرِّ وَإِن مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ مَا يَقتُل حَبطاً أَو يُلِمّ إِلَّا آكِلةَ الْخَضِر، فَإِنَّهَا أكلت حَتَّى إِذا امْتَلَأت خاصِرَتاها اسْتقْبلت عَيْنَ الشَّمْس فَثَلَطَتْ وبالَتْ ثمَّ رَتَعَتْ، وإنَّ هَذَا المَال خَضِرَةٌ حُلْوَة، ونِعْمَ صاحِبُ المُسْلِم هُوَ لمن أعْطى الْمِسْكِين واليَتِيم وابنَ السَّبِيل أَو كَمَا قَالَ رَسُول الله: (وإنّه مَنْ يأْخُذْه بِغَيْر حَقِّه فَهُوَ كالآكل الَّذِي لَا يَشبَع وَيكون عَلَيْهِ شَهِيدا يَوْم الْقِيَامَة.
قلت: وَإِنَّمَا تَقَصَّيْتُ رِواية هَذَا الْخَبَر لِأَنَّهُ إِذا بُتِر اسْتَغْلَقَ مَعْنَاهُ، وَفِيه مَثَلان: ضَرَبَ أحدَهما للمُفْرِط فِي جمع الدُّنْيَا ومَنْع مَا جَمَع من حَقّه، والمثل الآخر ضربه للمُقْتَصِد فِي جمع المَال وبذله فِي حَقّه.
وَأما قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وإنّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ مَا يَقْتُل حَبَطاً فَهُوَ مَثَلُ الحرِيص المُفْرِط فِي الْجمع والمَنْع وَذَلِكَ أَن الرَّبيع يُنبِت أَحْرارَ العُشْب الَّتِي تحْلَوْلِيها الماشِيَة فَتَسْتَكْثِر مِنْهَا حَتَّى تَنْتَفِخَ بطونها وتَهْلِكُ، كَذَلِك الَّذِي يجمع الدُّنْيَا ويحرص عَلَيْهَا ويَشحُّ على مَا جَمَعَ حَتَّى يمنَع ذَا الحقِّ حَقّه مِنْهَا، يَهلِكُ فِي الْآخِرَة بِدُخُول النَّار واستِيجابِ الْعَذَاب) . وأمَّا مَثَلُ المُقْتَصِد الْمَحْمُود، فَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِلَّا آكِلَة الخَضِر فَإِنَّهَا أكلَتْ حَتَّى إِذا امْتَلَأت خواصِرُها استَقْبَلَتْ عينَ الشَّمْس فَثَلَطَتْ وبالَتْ ثمَّ رتَعَت، وَذَلِكَ أَن الخَضِر لَيْسَ من أَحْرار الْبُقُول الَّتِي تستكثر مِنْهَا الْمَاشِيَة فتُهْلكُه أكْلاً وَلكنه من الجَنْبَة الَّتِي ترْعاها بَعدَ هَيْج العُشبِ ويُبْسِه. وأكثرُ مَا رَأَيْت الْعَرَب يَجعَلون الخضِرَ مَا اخضَرَّ من الحَلِيّ الَّذِي لم يَصْفَرّ، والماشِيَةُ ترتَع مِنْهُ شَيئاً شَيئاً وَلَا تستكثر مِنْهُ فَلَا تحبَطُ بطونُها عَنهُ، وَقد ذكره طرفَةُ فَبيَّن أَنه من نَبَات الصَّيف فِي قَوْله:
كنَباتِ المخْزِ يمأَدْنَ إِذا
أنَبتَ الصَّيفُ عَسَالِيجَ الخَضِر
فالخَضِر من كلأ الصَّيف، وَلَيْسَ من أَحْرَار بقول الرّبيع، والنَّعَم لَا تَسْتَوْبله وَلَا تحبَط بُوطنها عَنهُ، وأمَّا الخُضارَة فَهِيَ من الْبُقُول الشتوية وَلَيْسَت من الْجَنبة فَضرب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آكِلَة الخَضِر مثلا لمن يَقْتَصِد فِي أَخذ الدُّنْيَا وَجَمعهَا وَلَا يسرف فِي قَمّها والحِرْص عَلَيْها وَأَنه ينجو من وَبَالِها كَمَا نَجَت آكِلَة الخَضِر، أَلا تَرَاه قَالَ: فَإِنَّهَا إِذا أَصَابَت من الخِضِر اسْتقْبلت عَيْنَ الشَّمْس فَثَلَطَت وبالت، وَإِذا ثَلَطَت فقد ذهب حَبَطُها، وَإِنَّمَا تَحْبَطُ الماشِيَةُ إِذا لم تَثْلِط ولَمْ تَبُلْ وأْتُطِمَت عَلَيْهَا بطونها. وَأما قَوْله ج: (إِن هَذَا(4/229)
المَالَ خَضِرَةٌ حُلوْة) فالخَضِرَةُ هَاهُنَا الناعمة الغَضَّةُ، وحَثَّ على إِعْطَاء الْمِسْكِين واليتيم مِنْهُ مَعَ حَلاَوَتِه ورغبته ورغبة النَّاس فِيهِ لِيَقِيَه الله وَبالَ نَعْمتها فِي دُنْيَاهُ وآخرته.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَبِطَاتُ: حَيٌّ من تَمِيم، مِنْهُم المِسْوَر بن عَبّادٍ الحَبَطِيّ.
قَالَ أَبُو عُبَيد: إِنَّمَا سُمُّوا الحَبطات: لِأَن أحدهم الحارثَ بن مَازِن بن عَمْرو بن تَمِيم الحَبِط كَانَ فِي سفر فأَصابه مِثْلُ الحَبَط الَّذِي يُصِيبُ المَاشِيَة فَنُسِبُوا إِلَيْهِ، وَقيل: فُلاَنٌ الحَبَطيّ، قَالَ وَإِذا نَسَبُوا إِلَى الحَبِط قَالُوا حَبَطِيٌّ، وَإِلَى سَلِمَة قَالُوا سَلَمِيّ، وَإِلَى شَقِرَة قَالُوا شَقَرِيّ، وَذَلِكَ أَنهم كَرهُوا كَثْرةَ الكسرات فَفَتَحُوا.
قلت: وَلَا أرى حَبْطَ العَمَلَ وبُطْلاَنَه مأخوذاً إِلَّا من حبَط البَطْن: لِأَن صَاحب الحَبط يَهْلِك وَكَذَلِكَ عَمَل المُنافق والمُشْرِك يَحْبط غير أنَّهم سكنوا الْبَاء من قَوْلهم: حَبِطَ عملُه يَحْبَطَ حَبْطاً وحركوها من حَبِط بَطْنَه يَحْبَط حَبَطاً، كَذَلِك أُثْبِتَ لنا عَن ابْن السِّكِّيت وغَيْرِه.
وَيُقَال: حَبِطَ دَمُ الْقَتِيل يَحْبَطُ حَبْطاً إِذا هُدِرَ، وحَبِط مَاءُ الْبِئْر حَبْطاً إِذا ذَهَب.
وَأَخْبرنِي أَبُو بكر بن عُثْمَان عَن أبي حَاتِم عَن أبي زيد أَنه حكى عَن أَعْرَابي قَرَأَ: (فَقَدْ حَبَطَ عَمَلُه) بِفَتْح الْبَاء، وَقَالَ: يَحْبُط حُبُوطاً.
قلت: وَلم أسمع هَذَا لغيره، والقِرَاءةُ: {فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} (الْمَائِدَة: 5) .
وَيُقَال: فَرَسٌ حَبِطُ القُصَيْرَى إِذا كَانَ مُنْتَفِخَ الخَاصِرَتَيْن، وَمِنْه قَول الجَعْدي:
فَلِيقُ النَّسَا حَبِطُ المَوْقِفَيْ
ن يَسْتَنُّ كالصَّدَعِ الأشْعَبِ
وَلَا يَقُولُونَ حَبِط للْفرس حَتَّى يُضِيفُوه إِلَى القُصَيْرى أَو إِلَى الخاصرة أَو إِلَى الْموقف، لأنَّ حَبَطَه انْتِفاخُ خَوَاصِرِه.
(بطح) : قَالَ اللَّيْث: البَطْحُ من قَوْلك: بَطَحَه على وَجهه فانْبَطَح، قَالَ والبَطْحاءُ: مَسِيلٌ فِيهِ دُقَاقُ الحَصَى، فَإِذا اتَّسَع وعَرُض فَهُوَ أَبْطَحُ، وبَطْحَاءُ مَكَّة وأَبْطَحُها.
قَالَ: ومِنًى من الأبْطِح.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: قُرَيْش البِطَاح هم الَّذين ينزلون الشِّعْبَ بَين أَخْشَبَيْ مكّة، وقُريش الظَّوَاهِر: الَّذين ينزلون خَارِجَ الشِّعْبِ، وأكرمهما قُرَيْش البِطَاح.
وتَبَطَّح فلانٌ إِذا اسْبَطَرَّ على وَجهه مُمْتداً على وَجه الأَرْض، وَمِنْه قَول الراجز:
إِذا تَبَطَّحْنَ عَلَى المَحَامِلِ
تَبَطُّحَ البَطِّ بِجَنْبِ الساحِلِ
وَفِي (النَّوَادِر) : البُطاحُ: مرض يَأْخُذ من الحُمَّى.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: البُطَاحِيُّ مَأْخُوذ من البُطَاح، وَهُوَ الْمَرَض الشَّديد.
وبُطَاح: منزل لبني يَرْبُوع وَقد ذكره لبيد(4/230)
فَقَالَ:
تَرَبَّعَتِ الأشْرَافَ ثُمَّ تَصَيَّفَت
حِسَاءَ البُطَاحِ وانْتَجَعْنَ السَّلاَئلاَ
والبَطِيحَةُ مَا بَيْنَ واسِط والبَصْرَة: ماءٌ مُسْتَنْقِعٌ لَا يُرى طرفاه من سعته، وَهُوَ مَغِيضُ مَاء دِجْلَة والفرات، وَكَذَلِكَ مَغَايض مَا بَيْنَ الْبَصْرَة والأهْوَاز، والطَّفُّ: ساحِلُ البَطِيحَة وَهِي البَطَائح.
وتَبَطَّحَ السَّيلُ إِذا سَالَ سَيْلاً عريضاً، وَقَالَ ذُو الرُّمَّة:
وَلَا زَالَ من نَوْءِ السِّمَاكِ عَلَيْكُما
ونوءِ الثُّريَّا وَابِلٌ مُتَبَطِّح
وَقَالَ أَبُو سعيد: يُقَال: هُوَ بَطْحَةُ رَجُل مثل قَوْلك: قامةُ رَجُل.
وَقَالَ النَّضر: الأبْطَحُ: بَطْنُ المَيْثَاء والتَّلْعة والوادي وَهُوَ البَطْحَاء، وَهُوَ التُّرَاب السهل فِي بطونها مِمَّا قد جَرَّتْه السُّيُول، يُقَالُ: أَتَيْنَا أَبْطَحَ الوَادِي فَنِمْنَا عَلَيْه، وبَطْحَاؤُه مِثْلُه، وَهُوَ تُرَابُه وحَصَاهُ السهل اللَّيِّنُ، والجميع الأبَاطِحُ لَا تنْبت شَيْئا إِنَّمَا هِيَ بَطْن المَسيل، وَيُقَال: قد انْبَطَح الْوَادي بِهَذَا الْمَكَان أَي اسْتَوْسَع فِيهِ.
أَبُو عَمْرو: البَطِحُ: رمل فِي بطحاء وسُمِّي المكانُ أَبْطَح: لِأَن المَاء يَنْبَطِح فِيهِ أَي يَذهبَ يَميناً وَشمَالًا، والبَطِحُ بِمَعْنى الأَبْطَح. وَقَالَ لبيد:
يَزَعُ الهَيَام عَن الثَّرَى ويَمُدُّه
بَطِحٌ يُهايِلُه عَلَى الكُثْبَانِ
حَدَّثَنا أبُو يَزِيد عَن عبد الجَبّار عَن سُفْيَان عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه قَالَ: كَانَ عُمَرُ أولَ مَنْ بَطَحَ المَسْجِدَ، وَقَالَ: ابْطَحُوه من الْوَادي المُبَارك، وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَائِما بالعَقِيقِ فَقيل لَهُ: إنَّكَ بالوادي المُبَارَك. قَوْله: بَطَحَ الْمَسْجِد أَي ألْقَى فِيهِ الحَصَى وَوَثَّرَه بِهِ.
قَالَ ابْن شُمَيْل: بَطْحَاءُ الْوَادي وأَبَطَحُه: حَصَاهُ السَّهْلُ اللَّيِّنُ فِي بَطْن المَسِيل.
ح ط م
حطم، حمط، طمح، طحم، مطح، محط: مستعملات.
حطم: قَالَ: اللَّيْث: الحَطْمُ: كَسْرُك الشيءَ اليَابِسَ كالعَظْم وَنَحْوه، حَطَمْتُه فانْحَطَم، والحُطام: مَا تكَسَّر من ذَلِك، وقِشْرُ البَيْض إذَا تكَسَّر حُطَامه. وَقَالَ الطِّرِمَّاحُ:
كأنَّ حُطَامَ قَيْضِ الصَّيْفِ فِيهِ
فَرَاشُ صَمِيم أقحَافِ الشُّؤُون
والحَطْمَةُ: السّنَةُ الشَّدِيدةُ، وحَطْمةُ الأسَدِ: عَيْثُه وفَرْسُه لِلْمَالِ.
وحِجْرُ مَكَّة يُقَال لَهُ: الحَطيم مِمَّا يَلِي المِيزَاب.
أَبُو دَاوُد عَن النَّضر: الحَطِيمُ: الَّذِي فِيهِ المِيْزَاب، وَإِنَّمَا سُمِّي حَطيماً لِأَن البَيْت رُفِعَ وتُرِك ذَاكَ مَحْطُوماً.
أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن الحرّاني عَن ابْن السّكيت: يُقَال: رجل حُطَمَة إِذا كَانَ كَثِيرَ الأَكْلِ.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال للنار الشَّدِيدَة: حُطَمة.
وحَطَمَ فُلاَناً أهلُه إِذا كَبِرَ فيهم كَأَنَّهُمْ صَيَّرُوه شَيْخاً محْطُوماً بُطُولِ الصّحْبَة.(4/231)
وَقَالَت عائِشَةُ فِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعْدَمَا حَطَمْتُمُوه.
وَيُقَال للجَوَارس حَاطُوم وهَاضوم وحُطَامُ الدُّنْيَا: عَرَضُها وأَثَرُها وزِينَتُها.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {أَخْلَدَهُ كَلاَّ لَيُنبَذَنَّ فِى الْحُطَمَةِ} (الهُمَزة: 4) ، الحُطَمَةُ: اسْمٌ من أَسْمَاء النَّار.
وَيُقَال: شَرُّ الرِّعَاءِ الحُطَمَةُ، وَهُوَ الرَّاعِي الَّذِي لَا يُمكن رَعِيَّتُه من المَرَاتَع الخَصِيبَة ويقبضها وَلَا يَدَعُها تَنْتشر فِي المَرْعَى.
وَيُقَال: راعٍ حُطَمٌ بِغَيْر هَاء إِذا كَانَ عنيفاً كَأَنَّهُ يَحْطِمها أَي يكسرها إِذا سَاقهَا أَو أَسَامَها لعُنفه بهَا، وَمِنْه قَول الراجز:
قَدْ حَشَّها اللَّيْلُ بِسَوَّاقٍ حُطَم
وَيُقَال: فلانٌ قد حَطَمَتْه السِّنُّ إِذا أَسَنَّ وضَعُفَ.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال للعَكَرَةِ من الإبلِ حُطَمَة لحَطْمِها الْكلأ وَكَذَلِكَ الغَنَم إِذا كَثُرت.
وحُطامُ الدُّنْيَا: كُلُّ مَا فِيهَا من مَالٍ يَفْنَى وَلَا يَبْقَى.
وَيُقَال للهاضوم حَاطُوم.
وفَرَسٌ حَطِمٌ إِذا هُزِل أَو أسَنَّ فَضَعُفَ.
الْأَصْمَعِي: إِذا تكسر يَبِيسُ البَقْلِ فَهُوَ حُطَام.
شمر: الحُطَمِيَّةُ من الدُّرُوعِ: الثَّقِيلَةُ العَرِيضَةُ.
وَقَالَ بَعضهم: هِيَ الَّتِي تَكْسِر السُّيُوفَ وَكَانَ لعَلي رَضِي الله عَنهُ دِرْعٌ يُقَال لَهَا: الحُطَمِيَّةُ.
حمط: قَالَ ابْن دُرَيْد: حمطْتُ الشيءَ حَمْطاً إِذا قَشَرْته.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَمَطِيط: نَبْتٌ وَجمعه الحَمَاطِيطُ.
قلت: ولَمْ أسمع الحَمَط بِمَعْنى القَشْر لغير ابْن دُرَيْد، وَلَا الحَمَطِيطُ فِي بَاب النَّبَات لغير اللَّيْث.
وقرأْتُ بِخَط شمر ليونس أَنه قَالَ: يُقَال: إِذا ضَرَبْتَ فأَوْجِع وَلَا تُحْمِّط، فَإِن التحميط لَيْسَ بِشَيْء. يَقُول بَالغ. قَالَ: والتحميط: أَن يُضْرَب الرَّجلُ فَيَقُول: مَا أوجعني ضَرْبُه أَي لم يُبَالِغ.
وَأما قَول المُتَلَمِّس فِي تشبيهه وشْيَ الحُلَلِ بالحَمَاطِيط:
كأنّما لَوْنُها والصُّبْح مُنْقَشِعٌ
قَبْلَ الغَزَالَةِ أَلْوَانُ الحَمَاطِيط
فَإِن أَبَا سعيد قَالَ: الحَماطِيط جمع حَمَطيطٍ: وَهِي دودة تكون فِي البَقْل أيَّام الرّبيع مُفَصَّلَةٌ بحمرة، يُشَبَّه بهَا تفصِيلُ البَنَان بالحِنّاء. شبّه المتلمس وشْي الْحُلَلِ بأَلْوَان الحَماطيط.
أَبُو عُبَيْد عَن الْأَصْمَعِي: قَالَ: الحَمَاطَةُ: حُرْقَةٌ يجدهَا الرجل فِي حلْقِه.
قَالَ أَبُو عُبَيد: وَقَالَ أَبُو عَمْرو: إِذا يَبِسَ الأَفَانَى فَهُوَ الحَمَاطُ.
قُلْتُ: الحَمَاطَةُ عِنْد العَرَب هِيَ الحَلَمَةُ وَهِي من الجَنْبَةِ، وَأما الأفَانَى فهُوَ من العُشْبِ الَّذِي يَتَنَاثر.
وَقَالَ شمر: الحَمَاطُ: من ثَمَر اليَمَنِ مَعْرُوف عِنْدهم يُؤْكَلُ. قلت: وَهُوَ يشبه(4/232)
التِّين.
قلت: وَقيل: إِنَّه مِثْلُ فِرْسِكِ الخَوْخِ.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: العَرَبُ تَقول لجِنْس من الحَيَّات. شيطانُ الحَمَاط.
وَأنْشد الفرّاء:
عَنْجَرِدٌ تَحْلِفُ حِينَ أَحْلِفُ.
كمِثْل شَيْطَان الحَمَاطِ أَعْرَفُ
العَنْجَرِدُ: المرأةُ السَّلِيطَةُ. وَقيل: الحَماطُ بلغَة هُذَيل: شجَرٌ عِظامٌ تنْبت فِي بِلَادهمْ تأْلَفُها الحيَّاتُ.
وَأنْشد بَعضهم:
كأَمْثَال العِصِيِّ من الحَمَاطِ
وحَمَاط: مَوضِع ذكره ذُو الرُّمَّة فِي شِعْره:
فَلَمَّا لَحِقْنَا بالحُمُول وَقد عَلَتْ
حَمَاطَ وَحِرْبَاءُ الضُّحَى مُتَشَاوِسُ
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال: أصبت حَماطَةَ قلبه، كَقَوْلِك: أَصبت حَبَّةَ قلبه وأَسْوَد قلبه، وَأنْشد الْأَصْمَعِي:
ليْتَ الغُرابَ رَمَى حَمَاطَة قَلْبه
عَمْرٌ وبأَسْهُمِه الَّتِي لم تُلْغَبِ
ثَعْلَب: عَن ابْن الأعرَابي أَنه ذكر عَن كَعْب أَنه قَالَ: أَسمَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْكتب السالفة: مُحَمَّد، وَأحمد، والمُتَوَكِّل والمُخْتار، وحِمْيَاطا، وَمَعْنَاهُ حَامِي الحُرَم، وفارِقْلِيطا أَي يَفْرُق بَين الْحق وَالْبَاطِل.
طحم: قَالَ اللَّيْث: طَحَمَةُ السَّيْلِ: دُفَّاعُ مُعْظَمه.
وطَحَمَةُ الفِتْنَةِ: جَوْلَةُ النَّاس عِنْدهَا.
أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد: أَتَتْنا طُحْمَةٌ من النَّاس وطَحْمَةٌ وَكَذَلِكَ طَحْمَةُ السيْلِ وطُحْمَتُه بِفَتْح الطَّاء وَضمّهَا، وهم أَكثر من القَادِيَة، والقادِيَة: أوَّلُ من يطْرَأُ عَلَيْك.
والطَّحْمَاء: نبت مَعْرُوف.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الطَّحُوم والطَّحُورُ: الدَّفُوعُ. وقَوْسٌ طَحُورٌ وطَحُومٌ بِمَعْنى وَاحِد.
محط: قَالَ اللَّيثُ: المَحْطُ كَمَا يَمْحَطُ البازِي ريشَه أَي يَدْهُنه.
يُقَال: اَمتحَط الْبَازِي.
وَيُقَال: مَحَّطَتُ الوَتَرَ وَهُوَ أَنْ يُمِرَّ الأصابعَ لتُصْلِحَه، وَكَذَلِكَ تَمْحِيطُ العَقَب تَخْلِيصُه.
وَقَالَ النَّضْرُ المُمَاحَطَةُ: شِدَّةُ سِنان الْجمل الناقَةَ إِذا اسْتَناخَها ليضْرِبها، يُقَال: سانَّها وَمَا حَطَها مِحَاطاً شَدِيداً حَتَّى ضَرَب بهَا الأَرْض.
وامْتَحطَ سيْفَه من غِمْدِه وامْتَخَطه إِذا اسْتَلَّهُ من جَفْنِه.
طمح: قَالَ اللَّيْث: يُقَال: طَمَحَ فلَان ببصره إِذا رَمَى بِهِ إِلَى الشَّيْء، وَفرس طامحُ الْبَصَر، وَقَالَ أَبُو دُوادٍ:
طَوِيلٌ طامح الطَّرْف
إِلَى مِقْرَعَةِ الكَلْبِ
وَيُقَال للْفرس إِذا رفع يَدَيْهِ قد طمّح تَطْمِيحاً.
قَالَ أَبُو عَمْرو: الطَّامِحُ من النِّسَاء: الَّتِي تُبْغِضُ زَوجهَا وَتنظر إِلَى غَيره.
وَأنْشد:(4/233)
بَغَى الوُدَّ من مطْروفَةِ العَيْن طامح
وطَمَحَت بِعَينهَا إِذا رمت ببصرها إِلَى الرجل، وَإِذا رفعت بصرها يُقَال: طَمَحَت، وطمحَ بِهِ: ذَهَب بِهِ، قَالَ ابنُ مُقْبِل:
قُوَيْرَحُ أَعْوَامٍ رَفيعٌ قَذالُه
يَظَلُّ بِبَزِّ الكَهْلِ والكَهْلُ يَطْمَح
يطمح: يجْرِي وَيذْهب بالكَهْلِ وبَزِّه. وامرأَة طَمَّاحَة: تُكثِرُ نظرَها يَميناً وَشمَالًا إِلَى غير زوْجها.
وَقَالَ: طَمَحَاتُ الدَّهْرِ: شدائِدُه، وَرُبمَا خفّف، قَالَ الشَّاعِر:
باتَتْ هُمُومِي فِي الصَّدْرِ تَحْضَؤُها
طَمْحَاتُ دهرٍ مَا كُنْتُ أَدْرَؤُها
قَالَ: مَا هَاهُنَا صلَة.
وَإِذا رَمَيْتَ بِشَيْء فِي الْهَوَاء قلتَ: طَمَّحْتُ بِهِ تطميحاً.
والطَّمّاحُ: من أَسمَاء الْعَرَب.
مطح: أهمله اللَّيْث. وَقَالَ ابْن دُرَيْد: المَطْحُ: الضربُ بِالْيَدِ، قَالَ: ومَطَحَ الرجلُ جَارِيَته إِذا نَكَحَهَا. قلت: أما الضَّرْب بِالْيَدِ مَبْسُوطة فَهُوَ البَطْحُ، وَلَا أَعْرِفُ المطجَ بِالْمِيم إِلَّا أَن تكون الباءُ أبدلت ميماً.
(أَبْوَاب الْحَاء وَالدَّال)
ح د ت ح د ظ ح د ذ
أهملت وجوهها: إِلَّا حرفا وَاحِدًا وَهُوَ: حتد.
حتد: أهمله اللَّيْث: وَهُوَ مْسْتَعْمل.
وروى أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: عَيْن حُتُد: لَا يَنقطع ماؤُها.
قلت: لم يُرِدْ عَيْنَ المَاء، وَلكنه أَرَادَ عَيْنَ الرَّأْس.
وروى أَبُو العَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي. قَالَ: الحُتُد: العيُونُ المُنْسَلقة وَاحِدهَا حَتَدٌ وحَتُودٌ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: المَحْتِدُ والمحْفِدُ والمحْقِدُ والمَحْكِدُ: الأصْلُ، يُقَال: إِنَّه لكَرِيمُ المَحْتِد.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي فِي قَول الرَّاعي:
حَتَّى أُنِيخَتْ لَدَى خَيْرِ الأنَام مَعًا
من آل حَرْبٍ نَمَاهُ مَنْصِبٌ حَتِد
قَالَ: الحَتِدُ: الخالِصُ الأَصْل من كل شَيْء، وَقد حَتِد يَحْتَد حَتَداً فَهُوَ حَتِد، وحَتَّدْتُه تَحْتِيداً أَي اخْتَرْتُه لخُلُوصِهِ وفَضْلِه.
ح د ث
اسْتعْمل من وجوهه: (حدث) .
حدث: قَالَ: الحَدَث من أَحْدَاث الدَّهْر: شِبْهُ النَّازِلَة.
قَالَ: والحَدِيثُ: مَا يُحدِّثُ بِهِ المُحَدِّثُ تحديثاً. ورجُلٌ حِدْثٌ أَي كثير الحدِيث.
والأحاديثُ فِي الْفِقْه وَغَيره مَعْرُوفَة، قلت: وَاحِدَة الْأَحَادِيث أُحْدُوثة.
وَقَالَ اللَّيْث: شابٌّ حَدَثٌ: فَتِيُّ السِّنِّ. والحَدِيثُ: الجديدُ من الْأَشْيَاء.
وَيُقَال: صَار فلانٌ أُحْدُوثَةً أَي أَكْثرُوا فِيهِ الْأَحَادِيث.(4/234)
والحَدَثُ: الإبْدَاءُ.
وَقَالَ اللحياني: رجل حَدَثٌ وحِدْث إِذا كَانَ حسَنَ الحَدِيث.
شمِر عَن ابْن الْأَعرَابِي: رجل حَدِثٌ وحِدْثٌ وحِدِّيثٌ ومُحدِّثٌ بِمَعْنى وَاحِد.
ثَعْلَب عَن الْأَعرَابِي: الحَدَثَانُ: الفأْسُ وَجمعه حِدْثان. وَأنْشد:
وجَوْنٌ تَزْلَقُ الحَدَثانُ فِيهِ
إِذا أُجَراؤُه نَحَطُوا أَجابَا
قَالَ: أَرَادَ بجَوْنٍ جَبَلاً، وَقَوله: أَجابا يَعْنِي صَدَى الجَبل تسمعه.
وَقَالَ غَيره: حَدَثانُ الدهرِ: حَوادِثُه وَرُبمَا أَنَّثَتِ العربُ الحَدثان يذهبون بِهِ إِلَى الْحَوَادِث، وَأنْشد الْفراء:
أَلاَ هَلَكَ الشِّهابُ المستنيرُ
ومِدْرَهُنا الكَمِيُّ إِذا نُغِيرُ
وحَمَّالُ المِئينِ إِذا أَلَمَّتْ
بِنَا الحَدَثانُ والإنِفُ النَّصُورُ
وَقَالَ الْفراء: يَقُولُونَ: أَهْلَكَنا الحدَثان، وأمّا حِدْثانُ الشبابِ فبكسرِ الحاءِ وَسُكُون الدَّال.
قَالَ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ: يُقَال: أَتيْتُه فِي رُبَّى شبابِه ورُبَّان شَبابِه وحُدْثَي شبابِه وَحَدِيث شَبابِه وحِدْثانِ شبابِه بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ غَيره: يُقَال: هَؤُلَاءِ قومٌ حُدْثانٌ جمعُ حَدَث، وَهُوَ الفَتِيُّ السنّ.
والعرَب تَقول: أَخَذَني مَا قَدُمَ وَمَا حَدُث بِضَم الدَّال من حَدُث، أتبعوه قَدُم، والأصلُ فِيهِ حدَث، قَالَ ذَلِك الأصمعيُّ وغيرُه.
وَيُقَال: أَحْدَث الرجلُ إِذا صَلَّع أَو فَصَّع أَو خَصَف، أيَّ ذَلِك فعل فَهُوَ مُحْدِث.
وأَحْدثَ الرجلُ وأحدثَتِ المرأةُ إِذا زَنَيا، يُكنَى بالإحداثِ عَن الزِّنى.
ومُحْدَثاتُ الْأُمُور: مَا ابتدعَه أهلُ الْأَهْوَاء من الْأَشْيَاء الَّتِي كَانَ السلفُ الصَّالح على غَيرهَا.
وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (كلُّ مُحدَثِ بِدْعة، وكلُّ بدعةٍ ضَلَالَة) .
وَيُقَال: فلانٌ حِدْثُ نِساءٍ كَقَوْلِك: تِبْعُ نسَاء وزِيرُ نسَاء.
وَيُقَال: أَحدثَ الرجلُ سيْفَه، وحادثَه إِذا جَلاَه.
ورُوِيَ عَن الحَسَنِ أَنه قَالَ: (حادِثوا هَذِه الْقُلُوب فَإِنَّهَا سريعةُ الدُّثور) مَعْنَاهُ اجلوها بالمواعظ وشوِّفوها حَتَّى تَنْفُوا عَنْهَا الطَّبَع والصَّدأَ الَّذِي تَرَاكبَ عَلَيْهَا من الذُّنُوب وَقَالَ لبيد:
كنَصْلِ السَّيْف حُودِثَ بالصِّقَال
(بَاب الْحَاء وَالدَّال مَعَ الرَّاء)
(ح د ر)
حدر، حرد، دحر، درح، ردح: مستعملات.
دحر: قَالَ اللَّيْث: الدَّحْرُ: تَبْعِيدُك الشيءَ عَن الشَّيْء، يُقَال: اللَّهم ادْحَرْ عَنَّا الشيْطان أَي اطرده ونَحِّه.
وَقَالَ الله: {قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَّدْحُورًا} (الْأَعْرَاف: 18) قَالُوا: مَطروداً.(4/235)
وَقَالَ الفرَّاء فِي قَول الله جلَّ وعزَّ: {الْمَلإِ الاَْعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ} (الصافات: 8، 9) قَرَأَ الناسُ بِضَم الدَّال ونَصْبها، فَمن ضَمّها جعَلَه مصدرا كَقَوْلِك: دَحَرْتُه دُحوراً، قَالَ: والدَّحْرُ: الدفْعُ، وَمن فتَحَها جعلهَا اسْما، كَأَنَّهُ قَالَ: يُقْذفون بداحر وَبِمَا يَدْحَرُ.
قَالَ الفرَّاء: ولستُ أَشْتَهي الْفَتْح لِأَنَّهُ لَو وُجِّه على ذَلِك على صِحَة لَكَانَ فِيهَا الْبَاء كَمَا تَقول: يُقْذَفون بالحِجارة، وَلَا يُقَال: يُقْذفون الحِجارَة، وَهُوَ جَائِز.
وَقَالَ الزجّاج: معنى قَوْله دُحوراً أَي يُدْحَرون أَي يُباعَدون.
حدر: اللَّيْث: الحَدْرُ من كلِّ شيءٍ: تَحَدُّرُه من عُلُوَ إِلَى سُفْلٍ، والمُطاوَعَةُ مِنْهُ الانحدار، تَقول: حَدَرْتُ السفينةَ فِي الماءِ حُدوراً، وحَدَرَتْ عَيْنِي الدَّمعَ فانحدر الدمعُ وتحَدَّرَ، وحَدَرْت القِراءَة حَدْراً.
والحَدور: اسْم مقدارِ المَاء فِي انحدار صَبَبه وَكَذَلِكَ الحَدور فِي سَفْح الْجَبَل وكل مَوضِع منحدر، وَيُقَال: وقَعْنا فِي حَدورٍ مُنكرَة، وَهِي الهَبوط، قلت: وَيُقَال لَهُ الحُدَراء بِوَزْن الصُّعداء.
وَقَالَ اللَّيْث: الحادر: الممتلىء لَحْمًا وشَحْماً مَعَ تَرَارَة، وَالْفِعْل حَدُر حَدارةً، وناقَةٌ حادِرةُ العيْنَيْن إِذا امتلأَتا نِقْياً فارتَوَتَا وحَسُنَتا قَالَ الأعشَى:
وعَسِيرٌ أَدْمَاءُ حادِرَةُ العَيْ
نِ خَنوفٌ عَيْرانةٌ شِمْلاَلُ
قَالَ: وكلُّ ريَّانٍ حَسَنِ الْخَلْقِ حادِرٌ، وَأنْشد:
أُحِبُّ الصَّبيَّ السَّوْءَ من أَجْلِ أُمِّه
وأُبغِضُه من بُغْضِها وهْوَ حادِرُ
وَفِي حَدِيث عُمَر أَنه ضرب رجُلاً ثَلاَثينَ سَوْطاً كلُّهَا يَبْضَعُ وَيَحْدُرُ. قَالَ أَبُو عُبَيد: قَالَ الأصْمَعِيُّ: يَبْضَعُ يَعْنِي يَشُق الْجلد، ويَحْدُرُ يَعْنِي يورِّمُ وَلَا يشقُّ، قَالَ: واخْتُلِفَ فِي إعرابه، فَقَالَ بَعضهم: يُحْدِرُ إحْداراً من أحْدَرْتُ، قَالَ: وأظنها لغتين إِذا جعلتَ الْفِعْل للضرب، فَأَما إِذا كَانَ الفعلُ للجلد أَنه الَّذِي يَرِمُ فَإِنَّهُم يَقُولُونَ: قد حَدَر جِلْدُهُ يَحْدُرُ حُدُوراً لَا اخْتِلَاف فِيهِ أعلمهُ، وَقَالَ عمر بن أبي ربيعَة:
لَو دَبَّ ذَرٌّ فَوق ضاحي جِلْدِهَا
لأَبَانَ من آثارهن حُدورُ
يَعني الْوَرَم.
قَالَ: وَكَذَلِكَ يُقَال: حَدَرْتُ السَّفِينَة فِي المَاء، وكلُّ شَيْء أرسَلْته إِلَى أَسْفَل فقد حَدَرْته حَدْراً وحُدُوراً، قَالَ: وَلم أسمعهُ بِالْألف: أحْدَرْتُ، قَالَ: وَمِنْه سُمِّيت الْقِرَاءَة السريعة الحَدْر، لِأَن صَاحبهَا يَحدُرُها حَدْراً.
قَالَ: وَأما الحَدُور فَهُوَ الْموضع المُنْحَدِر. قَالَ الأصمعيُّ: حَدَرتْهُم السَّنَةُ تَحْدُرُهُمْ إِذا حطَّتهم، وَجَاءَت بهم حُدوراً.
وفتى حادِرٌ أَي غليظٌ مُجْتَمِع، وَقد حَدَرَ يَحْدُر حَدارةً.
قَالَ: وأحْدَر ثوبَه يُحدِرُهُ إحداراً إِذا كَفَّهُ وَذَلِكَ إِذا فتله. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الحَدْرَةُ: الفتلة من فتل الأَكْسِيةِ.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال عَينٌ حَدْرة بَدْرَةٌ،(4/236)
فَأَما قَوْلهم: حدرة فَمَعْنَاه مُكْتَنِزَةٌ صُلبةٌ، وبدرة: تَبْدُرُ بِالنّظرِ. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: عين حَدْرةٌ واسعةٌ، وَأنْشد:
وعيْنٌ لَهَا حَدْرةٌ بَدْرةٌ
شُقَّتْ مآقيهما من أُخُرْ
وغريفٌ حادر أَي تامٌّ، وَقَالَ غَيره: هُوَ الغليظ الْحُرُوف، وَأنْشد:
كأَنَّكِ حادرةُ المَنْكِبَيْنِ
رَصْعَاءُ تستنُّ فِي حائرِ
يَعْنِي ضِفْدِعة ممتلئة الْمَنْكِبَيْنِ.
وَرُوِيَ عَن عبد الله بن مَسْعُود أَنه قَرَأَ قَول الله جلّ وعزّ: (وَإِنَّا لجَمِيع حادرون) (الشُّعَرَاء: 56) بِالدَّال، وَقَالَ: مُؤدون بالكُرَاع والسِّلاح، هَكَذَا حَدثنِي الْمُنْذِرِيّ عَن عَليّ بن العبّاس الخُمَرِيُّ بِالْكُوفَةِ عَن إِبْرَاهِيم بن يُوسُف الصَّيْرَفي عَن الحكم بن ظهَير عَن عَاصِم عَن زِرَ عَن عبد الله. قُلْتُ: وَالْقِرَاءَة بِالذَّالِ حاذِرون لَا غير، والدَّال شاذَّةٌ لَا يجوز عِنْدِي الْقِرَاءَة بهَا، وقرأَ عَاصِم وَسَائِر الْقُرَّاء بالذَّال.
وَقَالَ ابْن السّكيت: الحادُور: القُرْطُ وَجمعه حَوادِيرُ، وَقَالَ أَبُو النَّجم يصف امْرَأَة:
خِدَبَّةُ الخَلْق عَلَى تَحْضِيرها
بَائنةُ المنكِب من حادورها
أَرَادَ أَنَّهَا لَيست بِوَقْصاء.
والحيْدار من الحَصى: مَا صُلب واكتَنَز، وَمِنْه قولُ تَمِيم بن أُبَيّ بن مُقْبِل:
يَرْمِي النِّجَادَ بحَيْدَارِ الحَصَى قُمَزاً
فِي مَشْيَةٍ سُرُحٍ خَلْطٍ أَفَانِينَا
وَقَالَ أَبُو زيد: رَمَاه بالحَيْدَرَة أَي بالهَلَكَة.
وَقَالَ أَبُو العَبَّاس أَحْمد بن يحيى: لم يخْتَلف الروَاة فِي أَنَّ هَذِه الأبيات لعَلي بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ:
أَنَا الّذِي سَمَّتْنِ أُمِّيَ حَيْدَره
كَلَيْثِ غَابَاتٍ غَلِيظِ القَصَرَهْ
أَكِيلُكُم بالسَّيْفِ كَيْلَ السَّنْدَرهْ
ورُوِي عَن عَمْرو عَنْ أَبِيه أَنه قَالَ: الحَيْدَرَةُ: الأسَدُ، قَالَ: والسَّنْدَرَةُ: مِكْيَالٌ كَبِير.
وَقَالَ ابْن الأعْرَابي: الحَيْدَرَةُ فِي الأُسْد مثل المَلِك فِي النَّاس.
قَالَ أَبُو العَبَّاس: يَعْني لِغِلَظِ عُنُقِهِ وقُوَّةِ سَاعِدَيه، وَمِنْه غُلاَمٌ حادِرٌ إِذا كَانَ ممتلىء البَدَنِ شَدِيدَ البَطْشِ، قَالَ: واليَاءُ والهَاءُ زائدتان.
أَبُو عُبَيد عَن أبي زَيْد قَالَ: الحُدْرَةُ من الْإِبِل: مَا بَيْنَ العَشَرة إِلَى الأَرْبَعِين.
وَقَالَ شمر: يُقَال: مَالٌ حَوَادِر: مُكْتَنِزةٌ ضِخَامٌ، والحَوَادِرُ من كُعُوبِ الرِّمَاح: الغِلاَظُ المُسْتَدِيرَةُ.
وحَيٌّ حَادِرٌ: مُجْتَمِعٌ.
وَقَالَ المُؤَرِّجُ: يُقَال: حَدَروا حَوْلَهُ وَبِه يَحْدُرُون إِذا طَافُوا بِهِ.
وَقَالَ اللَّيْث: امرأةٌ حَدْرَاءُ، ورَجُلٌ أَحْدَرُ.
وَقَالَ الفَرَزْدَقُ:
عَزَفْتَ بأَعْشَاشٍ وَمَا كُنْتَ تَعْزِفُ
وأَنْكَرْتَ مِنْ حَدْرَاءَ ماكُنْتَ تَعْرِفُ
قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: الحَدْرَاءُ فِي نَعْتِ الفَرَسِ فِي حُسْنِها خَاصَّة.(4/237)
قَالَ: والحَدْرَةُ: جِرْمُ قَرْحَةٍ تَخْرُجُ بِبَاطِنِ جَفْنِ العَيْن، وقَدْ حَدَرَت عَيْنُه حَدْراً.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعْرَابي قَالَ: الحَدْرُ: الإسْرَاعُ فِي القراءَةِ وَفِي كلِّ عَمَل، وَمِنْه قيل: رَجُلٌ حَدْرَةٌ أَي مُسْتَعْجِلُ.
قَالَ: والحَدْرُ: الشَّقُّ، والحَدْرُ: الوَرَمُ بِلَا شَق، يُقَال: حَدَرَ جِلْدُه، وحَدَرَ زَيْدٌ جِلْده.
قَالَ: والحَدْرَةُ: العَيْنُ الواسِعَةُ الجاحِظَةُ. والحَادِرُ والحَادِرَةُ: الغُلاَمُ المُمْتَلِىءُ الشَّبَابِ.
ردح: ثَعْلَب عَن ابْن الأعْرَابي قَالَ: الرُّدْحِيُّ: الْكاسُورُ، وهُوَ بَقَّالُ القُرَى.
وَقَالَ اللَّيثُ: الرَّدْحُ: بَسْطُك الشيءَ فَتُسوِّي ظَهْرَه بالأرْض كَقَوْل أبي النَّجْم:
بَيْتَ حُتُوفٍ مُكْفَأً مَرْدُوحاً
قَالَ: وقَدْ يَجِيءُ فِي الشِّعْرِ مُرْدَحاً مِثْل مَبْسُوط ومُبْسَطٍ.
أَبُو عُبَيْد عَن الْأَصْمَعِي: رَدَحْتُ البَيْتَ وأَرْدَحْتُه من الرُّدْحَة، وَهِي قِطْعَة تُدْخَل فِيهَا بَنِيقة تزاد فِي الْبَيْت، وأنْشَدَ الْأَصْمَعِي:
بَيْتَ حُتُوفٍ أُرْدِحَتْ حَمَائِرُهْ
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخر الرّدْحَةُ: سُتْرةٌ فِي مُؤَخَّرِ البَيْتِ، قَالَ: وَرْدحةُ بَيْتِ الصَّائد وَقُتْرَتُه حِجارَةٌ ينصبها حَوْلَ بَيْتِه، وَهِي الحَمَائِرُ، وَاحِدهَا حِمَارَة.
وَقَالَ اللَّيْثُ: امْرَأَةٌ رَدَاح: ضَخْمَةُ العَجِيزَةِ والمآكِمِ، وقَدْ رَدُحَتْ رَدَاحَةً وَهِي رَدَاحٌ وَرَدَحَةٌ.
قَالَ: وكتِيبَةً رَدَاحٌ: ضخمة مُلَمْلَمَةٌ كَثِيرَة الفرسانِ، وكبشٌ رَدَاحٌ: ضخم الأَلْيَة.
وَرُوِيَ عَن عَلِيّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: إنَّ من وَرَائِكُمْ أُمُوراً مُتَماحِلَةً رُدُحاً، وبلاءً مُكْلِحاً مُبْلِحاً، فالمُتَمَاحِلةُ: المُتَطَاوِلَةُ، والرُّدُحُ: الْعَظِيمَة يَعْنِي الفِتَن جمع رَدَاح وَهِي الفتنةُ الْعَظِيمَة.
وَرُوِيَ عَن أبي مُوسَى أَنه ذكر الفِتَن فَقَالَ: وَبقيت الرَّدَاحُ المُظْلِمَة الَّتِي مَنْ أَشْرَفَ لَهَا أشْرَفَتْ لَهُ) ، أَرَادَ الفِتنة أَيْضا.
وَفِي حَدِيث أُمِّ زَرْع: (عُكُومُها رَدَاحٌ وبَيْتُها فَيَاحٌ) العُكُومُ: الأحْمَال المُعَدَّلَة، والرَّدَاحُ: الثَّقِيلَة الْكَثِيرَة الحشْوِ من الأثاث والأمْتِعَة.
ومائدةٌ رَادِحَةٌ، وَهِي الْعَظِيمَة الْكَثِيرَة الْخَيْر.
وَقَالَ الطِّرِمَّاحُ:
هُوَ الغَيْثُ للمُعْتَفِين المُفِيضْ
بِفَضْل مَوَائِدِه الرّادِحَهْ
وَقَالَ لبيد يصف كَتِيبَة:
ومِدْرَهِ الكَتِيبَةِ الرّدَاحِ
وَقَالَ شَمِر: رَوَى بَعضهم فِي حَدِيث عَليّ ج: (إنَّ من وَرَائكم فِتَناً مُرْدِحَة) ، قَالَ: والمُرْدِحُ لَهُ مَعْنيانِ: أحدُهما المُثْقِل، وَالْآخر المُغَطِّي على الْقُلُوب من أَرْدَحْتَ البيتَ إِذا أرسلتَ رُدْحَتَه، وَهِي سُتْرَةٌ فِي مُؤخر الْبَيْت، قَالَ: وَمَنْ رَواهُ فِتَناً رُدَّحاً فَهِيَ جمعُ الرَّادِحَةِ، وَهِي الثِّقَالُ(4/238)
الَّتِي لَا تَكادُ تَبْرَحُ، قَالَ: والرَّادِحَةُ فِي بيتِ الطِّرِمَّاح: العِظامُ الثِّقَالُ.
حرد: الحرَدُ: مصدر الأَحْرَد، وَهُوَ الَّذِي إِذا مَشَى رفعَ قوائمه رَفْعاً شَدِيدا ووضعها مَكَانهَا من شِدَّة قَطافَتِه فِي الدَّوَابِّ وَغَيرهَا، قَالَ: والرَّجُلُ إِذا ثَقُل عَلَيْهِ دِرْعه فَلم يسْتَطع الانْبِساطَ فِي المَشْي قيل حَرِدَ فَهُوَ أَحْرَد، وَأنْشد:
إِذا مَا مَشَى فِي دِرْعِه غير أَحْرَدِ
قلتُ: الحَرَدُ فِي الْبَعِير: حَادِثٌ لَيْسَ بِخِلْقة.
وَقَالَ ابْن شُمَيل: الحَرَدُ: أَن تَنْقَطِع عَصَبَةُ ذِرَاعِ البَعيرِ فَتَسْتَرْخِي يدُه، فَلَا يزَال يَخْفِق بهَا أبدا، وَإِنَّمَا تَنْقَطِع العَصَبَةُ من ظَاهر الذِّرَاع، فتراها إِذا مَشَى الْبَعِير كَأَنَّهَا تَمُدُّ مَدّاً من شدَّة ارتفاعها من الأرضِ وَرَخاوَتِها، قَالَ: والحَرَدُ إِنَّمَا يكون فِي اليَدِ، والأَحْرَدُ يُلَقِّفُ قَالَ: وتَلْقِيفُه: شِدةُ رَفعه يَده كَأَنَّمَا يمُد مَدّاً، كَمَا يَمُدُّ دَقَّاقُ الْأرز خَشَبَته الَّتِي يدق بهَا فَذَلِك التَّلْقِيف.
يُقَال: جَمَلٌ أَحْرَدُ، وناقةٌ حَرْدَاءُ.
وَأنْشد:
إِذا مَا دُعِيتُم للطِّعَانِ أَجَبْتُمُ
كَمَا لَقَّفَتْ زُبٌّ شآمِيّةٌ حُرْدُ
وَقَالَ اللَّيْث: الحَرَدُ لُغَتَانِ، يُقَال: حَرِدَ الرجلُ فَهُوَ حَرِد إِذا اغْتَاظ فَتَحَرَّشَ بالَّذِي غاظه وهَمّ بِهِ فَهُوَ حارِدٌ، وَأنْشد:
أُسُودُ شَرًى لاقَت أُسُودَ خَفِيَّةٍ
تسَاقيْنَ سُمّاً كُلّهن حَوَارِد
وَقَالَ أَبُو العبَّاس: قَالَ أَبُو زيد والأصمعي وَأَبُو عُبَيدة: الَّذِي سُمِع من العَرب الفُصَحاء فِي الغَضَب: حَرِد يَحْرَدُ حَرَداً بتحريك الرَّاء.
قَالَ أَبُو العبَّاس: وسألتُ ابنَ الأعْرابي عَنْهَا فَقَالَت: صَحِيحَة، إِلَّا أَنّ المُفَضَّل أَخْبَرَني أَنّ من العَرَب من يَقُول: حَرِدَ حَرَداً وحَرْداً، والتّسْكِينُ أَكثر، والأخْرَى فَصِيحة، قَالَ وقلَّما يلْحَنُ النَّاسُ فِي اللُّغة.
أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن الصَّيْدَاوِي عَن الرِّياشي قَالَ: قَالَ الأصْمَعيّ: الحَرَدُ: داءٌ يَأْخُذ البَعِير يَنْفُض مِنْهُ يَدَه، وَأنْشد لأبي نُخَيْلَةَ:
سَفْقاً كتَلْقِيفِ البعِير الأحْرَد
قَالَ: والأحْرَدُ من الرّجال: اللَّئِيم، وَأنْشد لرؤبة:
أَحْرَدُ أَو جَعْدُ اليَدَيْنِ جِبْز
وحَرَدْتُ حَرْدَه أَي قَصَدْتُ قَصْدَهُ.
وَقَالَ ابْن الأعْرَابي: الحَرْدُ: القَصْدُ، والحَرْدُ: المنْعُ، والحَرْدُ: الغَيْظُ، والغَضَبُ، قَالَ: وَيجوز أَن هَذَا كُله معنى قَوْله: {مِّسْكِينٌ وَغَدَوْاْ عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ} (القَلَم: 25) .
ورُوِي فِي بعض التَّفْسِير أَنّ قريتهم كَانَ اسْمهَا حَرْد.
وَقَالَ الفرَّاء فِي قَوْله تَعَالَى: {مِّسْكِينٌ وَغَدَوْاْ عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ} (القَلَم: 25) يُرِيد على حَدَ وقُدْرَة فِي أنفسهم، قَالَ: والحَرْدُ: القَصْدُ أَيْضا، كَمَا تَقول للرَّجل: قَدْ أقْبَلْتُ قِبَلكَ، وقَصَدْتُ قَصْدَك، وحَرَدْتُ حَرْدَك، قَالَ وأنشدت:(4/239)
وجَاءَ سَيْلٌ كَانَ من أَمر الله
يَحْرِدُ حَرْد الْجَنّة المُغِلَّه
يُرِيد: يقْصد قَصْدَها.
وَقَالَ غَيره فِي قَوْله: {مِّسْكِينٌ وَغَدَوْاْ عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ} (القَلَم: 25) ، قَالَ: مَنَعُوا وهُمْ قادرون أَي واجِدُون، نصَبَ قادِرِين على الْحَال.
وَقَالَ اللَّيْث: {مِّسْكِينٌ وَغَدَوْاْ عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ} (القَلَم: 25) قَالَ: على جِدَ من أَمرهم.
قلت: هَكَذَا وجدتُه فِي نسخ كتاب اللَّيْث مُقَيّدا، وَالصَّوَاب على حَدَ أَي على مَنْعٍ هَكَذَا قَالَه الفرَّاء.
وَقَالَ اللَّيْث: قَطاً حُرْدٌ: سِرَاعٌ. قلتُ: هَذَا خَطَأ، والقَطَا الحُرْدُ: القِصَارُ الأرْجُل، وَهِي مَوْصُوفةٌ بذلك، وَمن هَذَا قيل للبخيل أَحْرَدُ اليَدَيْن أَي فيهمَا انْقِباضٌ عَن العَطاء، وَمن هَذَا قوْلُ مَنْ قَالَ فِي قَوْله: {مِّسْكِينٌ وَغَدَوْاْ عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ} (القَلَم: 25) أَي على منع وبُخْل.
أَبُو عُبَيد عَن الأصْمَعي: الحُرودُ: مَباعِرُ الْإِبِل، واحِدُها حِرْد وحِرْدةٌ بِكَسْر الْحَاء.
وَقَالَ شمر: قَالَ ابْن الأعْرابي: الحُرُودُ: الأمْعاء، وأقرأنا لِابْنِ الرِّقَاعِ:
بُنِيَتْ عَلَى كَرِشٍ كأَنَّ حُرُودَها
مُقُطٌ مُطَوَّاة أُمِرَّ قُوَاها
وَسمعت العَرب تَقول للحَبْل إِذا اشْتَدَّتْ غَارةُ قُوَاه حَتَّى تَتَعَقَّدَ وتَتراكب: جَاءَ بحبْل فِيهِ حُرُود، وَقد حَرَّد حَبْله.
وَقَالَ اللَّيْث: الحُرْدِيَّة: حِياصَةُ الحَظِيرة الَّتِي تُشَدُّ عَلَى حَائط من قَصَب عَرْضاً، يَقُول: حَرَّدناهُ تحْرِيداً، والجَمِيعُ الحَرادِيّ.
قَالَ: والحَيُّ الحَرِيدُ: الَّذِي يَنزِلُ مُعْتزِلاً من جَماعة القبِيلة، وَلَا يُخالطهم فِي ارْتِجَالِه وحُلولِه.
أَبُو عُبَيد عَن أبي عَمْرو: رَجل حَرِيد، وَهُوَ المُتَحَوِّل عَن قَوْمه، وَقد حَرَد يَحْرِد حُروداً، وَمِنْه قَول جرير:
نَبْنِي على سَنَن العَدُوِّ بُيوتَنا
لَا نَسْتَجِيرُ وَلَا نَحُلُّ حَرِيدا
يَقُول: لَا نَنْزِل فِي قَوْم من ضَعْفٍ وذِلَّة لِقُوَّتِنا وكثْرتِنا.
وَقَالَ اللَّيْث: الحِرْد: قِطْعة من السِّنام.
قلتُ: لم أَسْمَع بِهَذَا لغَيْر اللَّيْث، وَهُوَ خطأ، إِنَّمَا الحِرْدُ المِعَى. وحَارَدَتِ الإبلُ إِذا انْقَطع أَلْبَانهَا وقلّت فَهِيَ محاردةٌ وناقةٌ مُحَارِدٌ بِغَيْر هَاء: شديدةُ الحرَاد.
وَقَالَ الكُمَيْت:
وحَارَدَتِ النُّكْدُ الجِلاَدُ وَلم يَكُن
لعُقْبَةِ قِدْرِ المُسْتَعِيرينَ مُعْقِبُ
وَقَالَ النَّضْرُ: المُحَرَّدُ من الأوْتارِ: الحَصِد الَّذِي يظْهر بعض قواه على بعض، وَهُوَ المُعَجَّر.
وَقَالَ: وَقَالَ يُونُس: سَمِعْتُ أعرابيّاً يسْأَل يَقُول: مَنْ يتصدَّق على المِسْكِين الحَرِد أَي الْمُحْتَاج.
وَقَالَ أَبُو عُبَيدة: حَرْدَاء على فعلاء ممدودة: بَنو نَهْشَل بن الْحَارِث، لَقَبٌ لُقِّبُوا بِهِ، وَمِنْه قَول الفرزدق:
لَعَمْر أبِيك الخَيْر مَا زَعْم نَهْشل
عَلَيَّ وَلَا حَرْدَائِها بكَبِير(4/240)
وَقد عَلِمَت يَوْم القُبَيْبَات نَهْشَلٌ
وأَحْرَادُها أَن قد مُنُوا بِعَسِير
فَجَمعهُمْ على الأحْرَاد كَمَا ترى.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الحارِدُ: القَلِيلةُ اللَّبَنِ من النُّوقِ.
وحَرَّدَ الرجلُ إِذا أَوَى إِلَى كُوخٍ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال لخَشَبِ السَّقْفِ الرَّوَافِدُ، وَيُقَال: لِمَا يُلْقَى عَلَيْهَا من أَطْنَانِ القَصَبِ حَرَادِيُّ.
قَالَ: وَرَجُلٌ حَرْدِيٌّ: واسعُ الأمعاء.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: البيتُ المُحَرَّدُ، وَهُوَ المُسَنَّمُ الَّذِي يُقَال لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ كوخ، قَالَ: والمُحَرَّدُ من كل شيءٍ المُعَوَّجُ.
درح: أهمله اللَّيْث. وروى أَبُو العَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الدَّرَحُ: الهَرِمُ التَّامُّ، وَمِنْه قيل: ناقةٌ دِرْدِحٌ للهَرِمَة المُسِنَّة.
أَبُو عُبَيد: إِذا كَانَ مَعَ القِصَرِ سِمَنٌ فَهُوَ دِرْحَايَة، وَأنْشد قَول الرَّاجز:
عَكَوَّكٌ إِذا مَشَى دِرْحَايَه
ح د ل
حدل، دحل، دلح، لحد، (لدح) : مستعملة.
حدل: قَالَ اللَّيْث: الأحْدَلُ. ذُو الخُصْيَةِ الْوَاحِدَة من كلِّ شيءٍ، قَالَ: وَيُقَال فِي بعض التَّفْسِير إِذا كَانَ مَائِلَ أَحَد الشِّقَّيْنِ فَهُوَ أحْدَلُ أَيْضا.
وَقَالَ أَبُو عُبَيد: قَالَ الفرَّاء: الأحْدَل: المائِل، وَقد حَدِلَ حَدَلاً.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو زيد: الأحْدَلُ: الَّذِي يَمْشِي فِي شِقَ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الأحْدَل: الَّذِي فِي مَنْكِبَيْه ورَقَبَتِه انكِبابٌ عَلَى صَدْرِه.
وَرَوَى ثعلبٌ عَن ابْن الأعْرَابي: فِي عُنُقِه حَدَلٌ أَي مَيْل، وَفِي مَنْكِبه دَفَأٌ.
وَقَالَ الليثُ: قَوْسٌ مُحْدَلَةٌ وَذَلِكَ لاعْوِجاج سِيَتها. قَالَ والتَّحَادُلُ: الإنحناءُ عَلَى القَوْسِ.
والحَوْدَلُ: الذَّكَرُ من القِرْدَان
أَبُو عُبَيْد عَن أبي زَيْد: حَدَلَ عَلَيَّ فُلاَنٌ يَحْدِلُ حَدْلاً أَي ظَلَمَنِي، وإنَّهُ لحَدْلٌ غير عَدْلٍ.
وَقَالَ غَيره: حَادَلني فُلاَنٌ مُحَادَلَةً إِذا رَاوَغَك، وحادَلَتِ الأُتُنُ مِسْحَلها: رَاوَغَتْه، وَقَالَ ذُو الرُّمَّة:
من العَضِّ بالأفْخَاذِ أَو حَجَباتها
إِذا رابَهُ استِعْصَاؤُها وحِدَالُها
وسمعتُ أَعْرَابيّاً يَقُول لآخر: أَلاَ وَانْزِلْ بهاتِيك الحَوْدَلَة، وَأَشَارَ إِلَى أَكَمَة بِحِذَائه، أَمَرَه بالنزول عَلَيْهَا.
والحَدَالُ: شَجَرةٌ بالْبَادية. وَقَالَ بعضُ الهُذَلِيِّين:
إذَا دُعِيَتْ بمَا فِي البَيْتِ قَالَت
تَجَنَّ من الحَدَالِ وَمَا جُنِيتُ
أَي وَمَا جُنِي لي مِنْه.
وَيُقَال للقَوْسِ حُدَالٌ إِذا طُومِنَ من طائِفِها، قَالَ الهُذليُّ يَصِفُ قَوْساً:
لَهَا مَحِصٌ غَيْرُ جَافِي القُوَى
من الثَّوْرِ حَنَّ بِوَرْكٍ حُدَال(4/241)
المَحِصُ: الوَترُ، وَقَوله: بِوَرْكٍ أَي بقَوْس عُمِلَتْ من وَرِك شَجَرَة أَي أَصل شَجَرَة من الثَّوْر أَي من عقَب الثَّوْر.
وحَدَال: اسْم أَرض لكَلْب بِالشَّام. قَالَ الرَّاعي:
فِي إِثْر مَنْ قُرِنَتْ مِنِّي قَرِينَتُه
يَوْمَ الحَدَال بِتَسْبِيبٍ من القَدَرِ
ويُرْوَى: يَوْم الحَدَالَي.
لدح: أهمله اللَّيْث. وَقَالَ ابْن دُرَيد: اللَّدْحُ: الضَّرْبُ باليَدِ، لَدَحَه بِيَدِه.
قلتُ: وَالْمَعْرُوف من كَلَامهم بِهَذَا الْمَعْنى اللَّطْحُ، وكأنّ الطاءَ وَالدَّال تَعَاقَبَا فِي هَذَا الحَرْف.
دحل: قَالَ اللَّيْث: الدَّحْلُ: مَدْخَلٌ تَحت الجُرْف أَو فِي عُرْض خشب الْبِئْر فِي أَسْفلِها وَنَحْو ذَلِك من الْمَوَارِد والمَناهِل.
قَالَ: ورُبّ بَيتٍ من بيوتِ الْأَعْرَاب يُجْعلُ لَهُ دَحْلٌ تدخل فِيهِ الْمَرْأَة إِذا دَخَل عَلَيْهِم داخلٌ تدخل فِيهِ الْمَرْأَة إِذا دَخَل عَلَيْهِم دَاخل، والجميع الأدْحَال والدُّحْلان.
وَفِي حَدِيث أبي هُرَيرة حِين سَأَلَهُ رَجلٌ مِصْرَادٌ أَيُدْخِلُ مَعَه المَبْوَلَةَ فِي البَيت، فَقَالَ: نَعم وادْحَلْ فِي الكِسْر.
قَالَ أَبُو عُبَيد الدَّحْلُ: هُوَّةٌ تكون فِي الأَرْض وَفِي أسافِلِ الأوْدِية فِيهَا ضِيقٌ ثمَّ تتَّسِعُ، قَالَ ذَلِك الأصْمَعي.
قَالَ أَبُو عُبَيد: فشبَّه أَبُو هُرَيْرَةَ جَوَانِب الخِبَاء ومداخِلَه بذلك، يَقُول: صِرْ فِيهَا كالّذي يصير فِي الدَّحْلِ.
قلتُ: وَقد رأيتُ بالخَلْصاء ونَوَاحي الدَّهْناء دُحْلاَناً كَثِيرَة، وَقد دَخَلْتُ غَيرَ دَحْلٍ مِنْهَا، وَهِي خلائقُ خلقَها الله تَحت الأَرْض يَذهَب الدَّحْلُ مِنْهَا سَكّاً فِي الأَرْض قامةً أَو قامتيْن أَو أكثرَ من ذَلِك، ثمَّ يتَلَجَّفُ يَمِيناً أَو شِمَالاً، فمرَّةً يضيقُ ومَرَّةً يتَّسِع فِي صَفَاةٍ مَلساء لَا تَحيكُ فِيهَا المَعَاوِل المُحدَّدة لصلابتِها، وَقد دخلْتُ مِنْهَا دَحْلاً، فلَمَّا انتهيتُ إِلَى المَاء إِذا جَوٌّ من المَاء الراكد فِيهِ لم أَقف على سَعَته وعُمْقِه وكثرتِه لإظلام الدَّحْلِ تَحت الأَرْض، فاستقَيْتُ أَنَا مَعَ أُصَيْحَابي من مَائه وَإِذا هُوَ عَذْبٌ زُلال، لِأَنَّهُ مَاءُ السَّمَاء يَسِيلُ إليهِ من فَوق ويَجْتَمِعُ فِيهِ.
وَأَخْبرنِي جماعةٌ من الْأَعْرَاب أَن دُحْلاَن الخلْصَاء لَا تَخْلُو من المَاء وَلَا يُسْتَقى مِنْهَا إِلَّا لِلشَّفَةِ وللخَيْل لتَعَذُّر الاستقَاءِ مِنْهَا وبُعْدِ المَاء فِيهَا من فُوهَةِ الدَّحْلِ، وسمعتهم يَقُولُونَ: دَحَلَ فلانٌ الدَّحْلَ بِالْحَاء إِذا دَخَله، وَيُقَال: دَحَلَ فلانٌ عَلَيَّ وَزَحَلَ أَي تَبَاعَدَ، ورَوَى بعضُهم قوْلَ ذِي الرُّمَّة:
إِذا رَابَهُ استَعصاؤُها ودِحالُها
وَرَوَاهُ بعضُهم وحِدَالُها، وهما قَرِيبا المعْنى من السوَاء، وَقَوله:
أَوَ اصَحَمَ حَامٍ جَرَامِيزَه
حَزَابِيَةٍ حَيَدَى بالدِّحالِ
قَالَ الأصمَعيّ: الدِّحالُ: الامتناعُ كَأَنَّهُ يُوَارِبُ ويَعْصِي، قَالَ: وَلَيْسَ من الدَّحْلِ الَّذِي هُوَ سَرَبٌ.
قَالَ شمِر: قيل للأسَدِيّة: مَا المُدَاحَلةُ؟(4/242)
فَقَالَت: أَن يَلِيتَ الإنسانُ شَيْئا قد عَلِمَه أَي يكْتُمُه وَيَأْتِي بِخَبَر سواهُ.
وَفِي حَدِيث أبي وَائِل قَالَ: وَرَد علينا كتابُ عُمَر ونحنُ بخانقِين إِذا قَالَ الرَّجُل للرَّجُل: لَا تَدْحَل فقد أَمَّنَه.
قَالَ شمِر: سمعتُ عليَّ بن مُصْعَب يَقُول: لَا تَدْحَل بالنَّبَطِيَّةِ أَي لَا تخَفْ.
وَقَالَ: فُلانٌ يَدْحَلُ عَنِّي أَي يَفِرّ، وَأنْشد:
ورَجلٍ يَدْحَلُ عنِّي دَحْلاَ
كَدَحَلاَنِ البَكْر لاقَى الفَحْلا
فَكَأَن مَعنى لَا تَدْحَلْ: لَا تَهْرُب.
وَقَالَ اللَّيْث: الدَّاحُولُ، والجميعُ الدَّاوحِيلُ، وَهِي خَشَبَاتٌ عَلَى رُؤوسِها خِرَقٌ كَأَنَّهَا طَرَّادات قِصَارٌ تُرْكَزُ فِي الأَرْض لِصَيْدِ الْحُمُر والظِّباء.
وَقَالَ غيرُه: يُقَال لِلذي يَصيدُ بالدَّواحِيل الظِّبَاء دَحَّالٌ، وَرُبمَا نَصَب الدَّحَّالُ حِبَالَةً بِاللَّيْلِ للظِّبَاء ورَكَزَ دَواحِيلَه وأَوْقَدَ لَهَا السُّرُجَ.
وَقَالَ ذُو الرُّمَّة يذكر ذَلِك:
ويَشْرَبْنَ أَجْناً والنُّجُومُ كأَنها
مصَابِيحُ دَحَّالٍ يُذكَّى ذُبَالُها
اللِّحْياني عَن أبي عَمْرو: الدَّحِلُ والدَّحِنُ: الخَبُّ الخَبيثُ.
أَبُو عُبَيد عَن الأصمَعي مِثْلُه، قَالَ: وَقَالَ الأُمَوِي: الدَّحِلُ: الخَدَّاعُ للنَّاس.
اللِّحيَاني عَن أبي عَمْرو: الدَّحِلُ والدَّحِنُ: البَطِينُ العرِيضُ البَطن.
وَقَالَ النَّضْرُ: الدَّحِلُ من الناسِ عِنْد البَيْع مَنْ يُدَاحِلُ الناسَ ويُماكِسهم حَتَّى يَسْتَمْكِنَ من حَاجَتِه، وَإنَّهُ لَيُدَاحِلُه أَي يُخادِعُه.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الدَّاحِلُ: الحَقُودُ بالدَّال.
لحد: قَالَ اللَّيثُ: اللَّحْدُ: مَا حُفِرَ فِي عَرْضِ القَبْر، وقبر ملْحُودٌ لهُ ومُلحَدٌ، وَقد لَحَدُوا لَهُ لَحْداً، وَأنْشد:
أَنَاسِيُّ مَلْحُودٌ لَهَا فِي الحَوَاجِبِ
شبَّه إنسانَ العيْن تحْتَ الحاجِب باللَّحْد، وذلكَ حِينَ غارَت عُيُون الْإِبِل من تَعب السَّيرِ.
أَبُو عُبَيد عَن أبي عُبَيدة: لَحَدْتُ لَهُ وأَلْحَدْتُ لَهُ، وَقَالَ الله عزّ وجلّ: {لِّسَانُ الَّذِى يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِىٌّ وَهَاذَا لِسَانٌ عَرَبِىٌّ مُّبِينٌ} (النّحل: 103) .
وَقَالَ الفرَّاء: يُقْرَأُ (يَلحَدُون) و (يُلْحِدُون) ، فَمَنْ قَرَأَ (يَلْحَدون) أرادَ يميلون إِلَيْهِ، و (يُلحدون) : يَعْترضون، قَالَ: وقولُه: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} (الحَجّ: 25) أَي باعتِرَاضٍ.
الحرَّاني عَن ابْن السِّكِّيت قَالَ: المُلْحِدُ: العادِلُ عَن الحَقِّ، المُدْخِلُ فِيهِ مَا ليسَ فِيهِ، قدْ أَلْحَدَ فِي الدِّين ولحَد، قَالَ: وقُرِىءَ: (يُلْحِدُون إِلَيْهِ) و (يَلْحَدُون) أَي يميلون. وقَدْ أَلْحَدْتُ للميِّتِ لَحْداً ولَحَدْتُ قَالَ: واللَّحدُ: الشَّقُ فِي جَانب الْقَبْر والضَّريحُ، والضَّرِيحةُ: مَا كَانَ فِي وَسَطه، وَأنْشد شَمِر لرؤبة:
بالعَدْل حَتَّى انْضَمَّ كلُّ عانِدِ
وتَرَكَ الإلْحَادَ كُلُّ لاحِدِ(4/243)
فجَاء باللُّغَتَيْن مَعًا، وَقَالَ: لَحْدُ كلِّ شيءٍ: حَرْفُه ونَاحِيتُه، وَقَالَ:
قَلْتَانِ فِي لَحْدَيْ صَفاً مَنْقُور
وركِيَّةٌ لَحُودٌ: زوْرَاءُ أَيْ مُخَالِفَةٌ عَن القَصْدِ.
وَقَالَ الزَّجَاجُ فِي قَوْله: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ} (الحَجّ: 25) قيل الإلْحَادُ فِيهِ الشِّرْكُ بِاللَّه، وَقيل: كلُّ ظالمٍ فِيهِ مُلْحِدٌ، وَجَاء عَن عُمَر أَنَّ احتكار الطَّعام بِمَكَّة إلْحادٌ، وَقَالَ بعض أَهْلُ اللُّغَة: معنى الْبَاء الطَّرْح، الْمَعْنى وَمن يُرِدْ فِيهِ إلحاداً بِظُلم، وأَنْشَدُوا:
هُنَّ الحرائرُ لَا رَبَّاتُ أَخْمِرَةٍ
سُودُ المحاجِر لَا يقْرَأْنَ بالسُّوَرِ
الْمَعْنى عِنْدهم لَا يقرأْنَ السُّوَرَ، قَالَ: وَمعنى الإلْحَاد فِي اللُّغة: المَيْلُ عَن القَصْدِ. وَقَالَ الليثُ: أَلْحَدَ فِي الحَرَمِ إِذا تَرَكَ القَصْدَ فِيمَا أُمر بِهِ وَمَال إِلَى الظُّلْم. وأَنْشَد:
لما رَأَى المُلْحِدُ حينَ أَلْحَما
صَوَاعِقَ الحجَّاج يَمْطُرْنَ دَمَا
قَالَ: وحَدثني شَيْخٌ مِنْ بني شَيْبَةَ فِي مَسْجِد مَكَّة قَالَ: إِنِّي لأذكر حينَ نُصِبَ المنْجَنِيقُ على أبي قُبَيْس، وَابْن الزُّبَيْر قد تَحَصَّنَ فِي هَذَا الْبَيْت، فَجعل يَرْميه بالحِجارَة والنيران، فاشتعلت النَّارُ فِي أَسْتَار الكَعْبَةِ حَتَّى أَسْرَعَتْ فِيهَا، فَجَاءَت سَحابَةٌ من نَحْو الجُدَّةِ فِيهَا رَعْدٌ وبَرْقٌ مُرْتَفعَة كَأَنَّهَا مُلاَءهٌ حَتَّى اسْتَوَتْ فَوق الْبَيْت فمطرَتْ فَمَا جاوَزَ مطرُها البَيْتَ ومواضع الطَّوَافِ حَتَّى أطفَأَتِ النّار وسال المِرْزَابُ فِي الحِجْرِ، ثمَّ عَدَلَتْ إِلَى أبي قُبَيْس فرمت بالصَّاعقة فأَحْرَقت المنْجَنِيقَ وَمَا فِيهَا، قَالَ: فحدَّثتُ بِهَذَا الحَدِيث بالبَصْرَة قَوْماً، وَفِيهِمْ رَجُلٌ من أهل وَاسِط، وَهُوَ ابْن سُلَيْمَان الطَّيَّار شَعْوَذِيُّ الحجَّاج، فَقَالَ الرَّجلُ: سمعتُ أبي يحدِّثُ بِهَذَا الحَدِيث، وَقَالَ لمَّا أُحْرِقت المنْجَنيقُ أمْسَكَ الحجَّاجُ عَن القِتَالِ، وَكتب إِلَى عبد الْملك بذلك، فَكتب إِلَيْهِ عبد الملِك: أما بعد، فإنَّ بني إسْرَائيل إِذا قَرَّبُوا لله قُرْبَاناً فَتَقَبَّله منْهُم بعث نَارا من السَّمَاء فأَكلَتْه، وإنَّ الله قَدْ رَضِي عَمَلك، وتَقَبَّل قُرْبَانك، فجِدَّ فِي أَمرك والسَّلاَم.
قَالَ شمر: روى أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ لأمية بن أبي الصَّلْت: إعلم بِأَن الله لَيْسَ كصُنْعِه صُنْعٌ، وَلَا يخفى عَلَيْهِ الملحد أَي الْمُشرك. وروى السُّدِّيّ عَن مُرّة عَن عبد الله: لَو هَمّ العَبْد بِسَيِّئَة، ثمَّ لم يعملها لم تكْتب عَلَيْهِ، وَلَو همّ بقتل رجل، وَهُوَ بِعَدَنَ أَبْيَنَ، وَهُوَ عِنْد الْبَيْت لأذاقه الله الْعَذَاب الْأَلِيم، ثمَّ تَلا الْآيَة.
يقالُ: مَا عَلَى وَجْه فُلاَنٍ لُحادَةُ لحم وَلَا مُزْعَةُ لحم أَي مَا عَلَيْهِ شيءٌ من اللَّحْم لِهُزالِه.
وَقَالَ الفَرَّاءُ فِي قَول الله جلّ وعزّ: {أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً إِلاَّ بَلاَغاً مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَن يَعْصِ} (الْجِنّ: 22، 23) أَي ملْجأ وَلَا سَرَباً ألجأُ إِلَيْهِ.
أَبُو عُبَيد عَن الأَحمر. لحَدْتُ: جُرْتُ ومِلتُ. وألْحَدْتُ: مارَيتُ وَجَادَلْتُ.(4/244)
دلح: قَالَ اللَّيْث: الدَّالِحُ: البَعِيرُ إِذا دَلَحَ. وَهُوَ تثَاقُلُه فِي مَشْيه من ثِقَل الحِمْل. والسَّحَابَةُ تَدْلَحُ فِي سَيرهَا من كثرةِ مَائِهَا. كأَنها تَنْخَزل انْخِزالاً. وَفِي الحَدِيث: (كنَّ النِّسَاء يدلحن بِالْقربِ على ظهورهن فِي الْغَزْو) أَي يَسْتَقين ويَسْقين الرِّجال.
وَيُقَال: تدالح الرّجلَانِ الحِمْل بَينهُما تدالحُاً أَي حَملاه بَينهمَا. وتدالحَا العِكم إِذا أدْخلا عُوداً فِي عُرَى الْجُوالِق. وأخذا بطرفي العُود فحملاه. وَفِي حدِيث آخر أنَّ سَلمان وَأَبا الدَّرْداء اشتريا لَحْمًا فَتَدالحاهُ بينهُما على عُود.
أَبُو عُبَيد عَن أبي عَمْرو: الدَّلْحُ: مَشْيُ الرجل بِحِمْلِه وَقد أثْقَله. يُقَال: دَلَح يَدْلَحُ. وسَحَائِبُ دُلَّحٌ: كَثيرَةُ الماءِ.
قَالَ النَّضْرُ: الدَّلاحُ من اللّبن: الَّذِي يُكْثَرُ مَاؤُهُ حَتَّى تتَبيَّن شُهْبَتُه.
ودَلَحْتُ القومَ ودَلَحْتُ لَهُم وَهُوَ نَحْو من غُسالة السِّقاء فِي الرِّقَّةِ أرَقُّ من السَّمارِ.
وفرسٌ دالحٌ: يَخْتالُ بِفارِسِه وَلَا يُتْعِبُه وَقَالَ أَبُو دواد:
ولَقَد أغْدو بِطَرْفٍ هَيْكَلٍ
سَبِط العُذْرَةِ مَيَّاسٍ دُلَحْ
ح د ن
حند، دحن، ندح، دنح: مستعملة.
ندح: قَالَ اللَّيْث النَّدْحُ: السَّعَةُ والفُسْحَةُ، تَقول: إِنَّك لَفي نَدحَةٍ من الأمْرِ ومَنْدوحَةٍ مِنْهُ وأرْضٌ مَنْدوحَةٌ: بعيدَة وَاسِعَة، وَقَالَ أَبُو النَّجْم:
يُطَوِّحُ الهَادِي بِهِ تَطْويحَا
إِذا عَلا دَوِّيَّهُ المَنْدُوحا
قَالَ: والدَّوُّ: بلدٌ مُسْتَوٍ أحد طَرفَيْهِ يُتَاخِم الحَفَر المنسوْب إِلَى أبي مُوسَى وَمَا صَاقَبَه من الطَّرِيق، وطرفُه الآخر يتاخم فلوات ثَبْرَة وطُوَيلع وأَمْواهاً غَيرهمَا.
والنَّدْحُ فِي قَول العَجَّاج الكثْرَة حيثُ يَقُول:
صِيدٌ تَسامَى وُرَّماً رِقَابُها
بنَدْح وَهْمٍ قَطِمٍ قَبْقَابُها
وَفِي حَدِيث عِمْران بن حُصَيْن أَنه قَالَ: (إنَّ فِي المعاريض لمندوحَةً عَن الْكَذِب) .
قَالَ أَبُو عُبَيد: قَوْله: مندوحة يَعْنِي سَعَةً وفُسْحَةً.
قَالَ: وَمِنْه قيل للرَّجُل إِذا عَظُم بطنُه واتَّسَعَ: قد انْدَاحَ بطنُه وانْدَحَى لُغَتَانِ، فَأَرَادَ أنَّ فِي المعاريض مَا يَسْتَغْني بِهِ الرجلُ عَن الِاضْطِرَار إِلَى الْكَذِب المَحْض.
قلت: أصَاب أَبُو عُبَيد فِي تَفْسِير المَنْدُوحَة أَنه بِمَعْنى السَّعة والفُسْحَة، وغَلِطَ فِيمَا جَعَلَه مُشْتَقّاً مِنْهُ حِين قَالَ: وَمِنْه قيل: انْدَاحَ بطنُه وانْدَحى، لِأَن النُّون فِي المندوحة أَصْلِيَّة، وَالنُّون فِي انداحَ وانْدحَى غير أَصْلِيَّة، لِأَن انْدَاحَ من الدّوْح واندَحَى من الدَّحْوِ فبينهما وَبَين النَّدْح فُرْقَانٌ كبيرٌ، لِأَن المندوحة مَأْخُوذَة من أنداحِ الأَرْض، وَاحِدهَا نَدْحٌ، وَهُوَ مَا اتَّسع من الأَرْض، وَمِنْه قَوْلُ رُؤْبَة:
صِيرَانُها فَوْضى بِكُلِّ نَدْح(4/245)
وَمن هَذَا قَوْلهم: لَك مُنْتَدَحٌ فِي البِلادِ أَي مَذْهَبٌ واسعٌ عَريض.
ابْن السّكيت: يُقَال: لي عَنْه مندوحة ومُنْتَدَح.
قَالَ: والمُنْتَدَحُ: المكانُ الواسعُ وَهُوَ النَّدْحُ، وجَمْعُه أَنْدَاح.
وَقد تَنَدَّحَتِ الغَنمُ فِي مَرَابضها إِذا تَبَدَّدَتْ واتَّسَعَتْ من البِطْنةِ، وَلَا تَقُل مَمْدُوحة.
وَفِي حَدِيث أُمِّ سَلَمَة أَنها قَالَت لعائشَةَ حينَ أَرَادَت الْخُرُوج إِلَى البَصْرَة: قد جَمَع القُرآنُ ذيْلَكِ فَلَا تَنْدَحيه.
وَبَعْضهمْ رَوَاهُ فَلَا تَبْدحيه بِالْبَاء، فَمَن قَالَه بِالْبَاء ذَهَب بِهِ إِلَى البَدَاح، وَهُوَ مَا اتَّسع من الأَرْض.
وَمن رَوَاهُ بالنُّون فقد ذَهَبَ بِهِ إِلَى النَّدْح.
وَيُقَال: نَدَحْتُ الشَّيْء نَدْحاً إِذا وَسَّعْتَه.
وَقَالَ ابْن السِّكِّيت: تَندَّحَتِ الغَنَمُ فِي مرابِضها إِذا تَبَدَّدَتْ وَاتَّسَعَتْ.
وَمِنْه يُقَال: لي عَنهُ مَنْدُوحَة ومُنْتَدَح أَي مكانٌ واسِعٌ.
حند: أهمله اللَّيْث.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحُنُدُ: الأحْساءُ، واحِدُها حَنُود، وَهُوَ حَرْفٌ غَرِيبٌ.
قلتْ: أَحْسِبُه الحُتُد بِالتَّاءِ، واحِدُها حَتُود، وَمِنْه قَوْلهم: عَيْنٌ حُتدٌ: لَا ينْقطِع مَاؤُها.
دحن: قَالَ اللَّيْث: الدَّحِنُ: العظيمُ البَطْن، وَقد دَحِنَ دَحَناً.
قَالَ: وَقيل لابنَة الخُسِّ: أيُّ الإبِلِ خَيْرٌ؟ فَقَالَت: خَيْرُ الْإِبِل الدِّحَنَّة الطويلُ الذِّراعِ القصيرُ الكُرَاعِ، وقلَّما تَجِدَنَّه.
قَالَ اللَّيْث: والدِّحِنَّةُ: الكثيرُ اللَّحْمِ الغَلِيظُ. قلتُ أَنا: ناقةٌ دِحَنّة ودِحِنَّةٌ بِفَتْح الْحَاء وَكسرهَا، فَمَن كسَرَها فَهُوَ مثل امْرَأَة عِفِرَّة وصِبِرَّة، وَمن فتحَ فَهُوَ مثالُ رجُل عكَبّ وَامْرَأَة عِكَبَّة إِذا كانَا جافِيي الْخَلق، وناقَةُ دِفَقَّةٌ: سَرِيعة.
وَأنْشد ابنُ السِّكِّيت:
أَلا ارْحَلُوا دِعْكِنّةً دِحِنَّةْ
بِمَا ارْتَعى مُزْهِيَةً مُغِنَّهْ
ويروى: أَلا ارْحلُوا ذَا عُكْنةٍ أَي جَمَلاً ذَا عُكَنٍ من الشَّحْمِ، وَهُوَ أَشْبَهُ، لِأَنَّهُ وَصفه بِنَعْتِ الذَّكَرِ فَقَالَ: ارْتَعَى.
أَبُو عُبَيد عَن الأصمعيّ قَالَ: الدَّحِل والدَّحِنُ: الخَبُّ. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الدَّحِلُ: الدَّاهِيَةُ المُنكَرُ، والدَّحِنُ: السَّمِينُ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الدَّحِنُ والدِّحْوَنَّةُ: المُنْدَلِقُ البَطْن وَأنْشد:
دِحْوَنَّةٌ مُكَرْدَسٌ بَلَنْدَحٌ
ودَحْنَا: اسْم أَرْض. وَرُوِيَ عَن سَعِيدٍ أَنه قَالَ: خَلَقَ الله آدَمَ من دَحْنَا.
دنح: أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي يُقَال: دَنَّحَ الرجُلُ ودَبَّحَ وَدَرْبَحَ إذَا ذَلَّ. وَقَالَ شَمِر: دَمَّحَ وَدَبَّحَ، قَالَ: والدَّنْحُ: يَوْمُ عِيدٍ من أَعْيادِ النَّصَارَى، وأَحْسِبُه مُعَرَّباً.
ح د ف
اسْتعْمل من وجوهها: حفد، فدح، فحد.(4/246)
حفد: قَالَ اللَّيْث: الْحَفْدُ فِي الخِدْمَةِ والعَمَل: الْخِفَّةُ والسُّرْعَةُ، وَأنْشد:
حَفَدَ الوَلاَئِدُ حَوْلَهُنَّ وَأُسْلِمَتْ
بأكفّهِنّ أَزِمَّةُ الأَجَمَالِ
وَرُوِيَ عَن عُمَر أَنه قَرَأَ قُنُوت الْفجْر: وإِلَيْكَ نَسْعَى ونَحْفِد. قَالَ أَبُو عُبَيد: أَصْلُ الْحَفْدِ: الْخِدْمَة والعَمل. قَالَ: ورُوِي عَن مُجَاهِد فِي قَول الله جلّ وعزّ: {بَنِينَ وَحَفَدَةً} (النّحل: 72) أَنّهم الخدم، وَرُوِيَ عَن عبد الله أَنَّهُم الأصْهارُ، قَالَ أَبُو عُبَيْد: وَفِي الْحَفْد لُغَة أُخْرى: أَحْفَدَ إحْفَاداً، وَقَالَ الرَّاعِي:
مَزَايِدُ خَرْقَاءِ اليَدَيْن مُسِيفَةٍ
أَخَبَّ بِهن المُخْلِفَان وَأَحْفَدَا
قَالَ فَيكون أَحْفَدَا خَدَمَا، وَقد يَكُون أَحْفَدَا غَيرهمَا. قَالَ: وَأَرَادَ بقوله: وإلَيْكَ نَسْعَى ونَحْفِد: نَعْمَلُ لله بطاعَتِه.
وَقَالَ اللَّيْث: الاحْتِفادُ: السُّرْعَةُ فِي كلِّ شَيْء، وَقَالَ الأعْشَى يَصِفُ السَّيْفَ:
ومُحْتَفِدُ الوَقْعِ ذُو هَبَّةٍ
أَجَادَ جِلاَهُ يَدُ الصَّيْقَل
قُلْتُ: وروَاه غَيرُه: ومُحْتَفِل الوقع بِاللَّامِ، وَهُوَ الصَّوَابُ.
حَدَّثنا أَبُو زيد عَن عبد الْجَبّار عَن سُفْيَان قَالَ: حَدَّثنا عَاصِم عَن زِرّ قَالَ: قَالَ عبد الله: يَا زِرّ، هَل تَدْرِي مَا الحَفَدَةُ؟ قَالَ: نعم، حُفّادُ الرَّجْلِ: من وَلَده وَوَلد وَلَده، قَالَ: لَا، وَلَكنهُمْ الأَصْهَارُ قَالَ عَاصِم: وَزعم الكَلْبِيّ أَنَّ زِرّاً قَدْ أَصَابَ، قَالَ سُفْيَان: قَالُوا: وكَذبَ الكَلْبِيّ. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: مَنْ قَالَ الحَفَدَةُ: الأَعْوَانُ فَهُوَ أَتْبَعُ لكَلَام العَرَب مِمَّنْ قَالَ الأَصْهار. وَقَالَ الفرَّاءُ فِي قَوْله جلّ وعزّ: {بَنِينَ وَحَفَدَةً} (النّحل: 72) ، الحَفَدَةُ: الأَخْتَانُ، وَقَالَ: وَيُقَال: الأَعْوَان، وَلَو قيل الحَفَدُ لكَانَ صَوَابا، لِأَن الْوَاحِد حَافِد مثل القَاعِد والقَعَد.
وَقَالَ الحَسَنُ فِي قَوْله: {بَنِينَ وَحَفَدَةً} (النّحل: 72) ، قَالَ: البَنُون: بَنُوك وبَنُو بَنِيك، وأَمَّا الحَفَدَةُ فَمَا حَفَدَك من شَيْء وعَمِلَ لَك وأَعَانَك. وروى أَبُو حَمْزَة عَن ابْن عَبَّاسٍ فِي قَوْله: {بَنِينَ وَحَفَدَةً} (النّحل: 72) قَالَ: مَنْ أعَانَكَ فَقَدْ حَفَدَكَ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْله:
حَفَدَ الوَلاَئِدُ حَوْلَهُنَّ وأُسْلِمَتْ
وَقَالَ الضَّحَّاكُ فِي قَوْله: {بَنِينَ وَحَفَدَةً} (النّحل: 72) قَالَ: بَنُو المَرْأَةِ من زَوْجها الأوَّل، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: الحَفَدَةُ: مَنْ خَدَمَك من وَلَدِكَ وَوَلد، ولدك، وَقَالَ اللَّيْث: الحَفَدَةُ: البَنَاتُ، وهُنَّ خَدَمُ الأبَوَيْنِ فِي البَيْتِ، قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: الحَفَدَةُ: وَلَدُ الوَلَد.
والحَفَدَانُ: فَوْق المَشْيِ كالخَبَبِ.
قَالَ: والمَحْفِدُ: شيءٌ تُعْلَفُ فِيهِ الدَّابَّة، وَقَالَ الأعْشَى:
وسَقْيي وإطْعَامِي الشَّعِيرَ بِمَحْفِدِ
قَالَ: والمَحْفِدُ: السَّنَامُ.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: المَحَافِدُ فِي الثَّوْبِ: وَشْيُه، واحِدُها مَحْفِد.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحَفَدَةُ:(4/247)
صُنَّاعُ الوَشْي. والْحَفْدُ: الوَشْيُ.
وَقَالَ شَمِر: سَمِعْتُ الدَّارِمي يَقُول: سَمِعْتُ ابْن شُمَيْل يَقُول لطرف الثَّوْب مِحْفَد بِكَسْر الْمِيم.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: المَحْتِدُ والمَحْفِدُ والمَحْقِدُ والمَحْكِد: الأصْلُ.
وَقَالَ أَبو تُرَاب: احْتَفَد واحْتَمَد واحْتَفَل بِمَعْنى وَاحِد.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: أَبُو قَيْس: مِكْيالٌ واسْمه المِحْفَد، وهُوَ القَنْقَلُ.
فدح: اللَّيْث: الفَدْحُ: إثْقَالُ الأَمْرِ والحِمْلِ صَاحِبَه، تَقول: نَزَل بهم أَمْرٌ فَادِحٌ. وَفِي الحَدِيث (وعَلَى الْمُسلمين ألاَّ يتْركُوا فِي الإسْلاَمِ مَفْدُوحاً فِي فِدَاءٍ أَو عَقْلٍ) ، قَالَ أَبُو عُبَيد: وَهُوَ الَّذِي فَدَحَهُ الدَّيْنُ أَي أَثْقَلَه.
فحد: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: واحِدٌ فاحِدٌ، قلتُ: هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو عَمْرو بِالْفَاءِ، وقرأتُ بِخَط شَمِر لِابْنِ الأعرابيّ قَالَ: القَحَّادُ: الرجلُ الفردُ الَّذِي لَا أَخَ لَهُ وَلاَ وَلَد، يُقَال: واحِدٌ قَاحِدٌ صَاخِدٌ، وَهُوَ الصُّنْبُورُ، قلتُ: وأنَا واقِف فِي هَذَا الحَرْفِ، وخَطُّ شَمر أقربُهما إِلَى الصَّوَاب، كَأَنَّهُ مَأْخُوذ من قَحَدَةِ السَّنَام، وَهُوَ أَصله.
ح د ب
حدب، دبح، دحب، بدح: مستعملة.
حدب: قَالَ الله جلّ وعزّ: {وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ} (الأنبيَاء: 96) ، قَالَ اللَّيْث: الْحَدَبُ: حَدُورٌ فِي صَبَبٍ، وَمن ذَلِك حَدَبُ الرّيح وحَدَبُ الرَّمْلِ والجَمِيعُ الحِدَاب، وَقَالَ الفَرَّاء: {وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ} (الأنبيَاء: 96) من كُلِّ أكَمةٍ، ومِنْ كُلِّ مَوْضع مرتَفِع، وَكَذَلِكَ قَالَ الزَّجَّاجُ: من كلِّ حَدَبٍ، قَالَ: الحَدَبُ: الأكَمَةُ. وَقَالَ اللَّيْث: الحَدَبُ: مصدر الأحْدَبِ، وَالِاسْم الحُدْبَةُ، والفِعْلُ: حَدِبَ يَحْدَبُ حَدَباً.
قَالَ: وَيُقَال: احْدَوْدَبَ ظهْرُه. قلت: والحَدَبةُ مُحرَّكةُ الْحُرُوف: موضعُ الحَدبِ فِي الظَّهر الناتىء، فالحَدبُ دُخُول الصَّدْر وخروجُ الظّهْر، والقَعَسُ: دُخُول الظَّهر وخروجُ الصَّدرِ.
اللَّيْث: حَدِبَ فلانٌ على فلانٍ يَحْدَبُ حَدَباً إِذا عطَف وحَنا عَلَيْهِ، وَيُقَال هُوَ لهُ كالوالد الحَدِب.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الحَدَأُ مثلُ الحَدَبِ، حَدِئْتُ عَلَيْهِ حَدَأً مثْلُ حدِبْتُ عَلَيْهِ حدَباً أَي أَشْفَقْتُ.
قَالَ النَّضْرُ: فِي وَظِيفَي الفرَس عُجَايَتَاهما وهما عَصَبَتان تَحمِلان الرِّجل كلهَا، قَالَ: وَأما أحْدَباهما فهما عِرقان، قَالَ: وَقَالَ بَعضهم الأحدَبُ فِي الذِّراع: عِرقٌ مُستبْطِنٌ عَظْمَ الذِّراع.
وَيُقَال: اجْتمع النَّبِيطُ يَلْعَبُونَ االحَدَبْدَبَى وَهِي لُعْبةٌ لَهُم.
وحَدَبُ الشَّتاءِ: شِدّةُ بردِه وَسنة حدباء: شَدِيدَة قَالَ مُزَاحِمٌ العُقَيْلِيُّ فِي صفة فرس:
لم يَدْرِ مَا حَدَبُ الشتاءِ ونَقْصُه
ومضتْ صَنابرُه وَلم يتَخَدَّد(4/248)
أَرَادَ أَنه كَانَ يتَعهَّدَه فِي الشتاءِ ويقومُ عَلَيْهِ والتحدُّبُ مثُله، وَمِنْه قَوْله:
إِنِّي إِذا مُضَرٌ عَلَيَّ تَحَدَّبتْ
لاقَيْتَ مُطَّلِعَ الجبالِ وُعوراً
اللَّيْث: يُقَال للدَّابة الَّذِي قد بَدَتْ حَرَاقِفُه وعَظُم ظهرهُ حدْباء حِدْبيرٌ وحِدْبارٌ.
وَقَالَ غيرُه: حَدَبُ السَّيْلِ: ارتفاعُه، وَقَالَ الفرزدق:
غدَا الحيُّ من بيْنِ الأُعَيْلام بَعْدَمَا
جرَى حَدَبُ البُهْمَى وهاجتْ أَعاصِرُه
قَالَ: حَدَبُ البُهْمى: مَا تناثر مِنْهُ فَركب بعضُه بَعْضًا كحَدَب الرَّمل.
وَقَالَ النَّضر: الحَدَبةُ: مَا أَشرف من الأرضِ وغَلُظ، قَالَ وَلَا تكون الحَدَبةُ إِلَّا فِي قُفَ أَو غِلَظِ أَرض.
وَقَالَ غيرُه: حُدْب الْأُمُور: شَوَاقُّها، وَاحِدهَا حَدْباءُ، وَقَالَ الرَّاعِي:
مروانُ أَحَزمُها إِذا نَزَلتْ بِهِ
حُدْبُ الأُمورِ وخَيرُها مأَمولا
وسَنةٌ حدباءُ: شديدةٌ، شُبِّهتْ بالدَّابةِ الحَدباء.
وَقَالَ الأصمعيُّ: الحَدَبُ والحَدَر: الأثَرُ فِي الجِلْد، وَقَالَ غَيره: الحَدَر: السِّلَع، قلت: وصوابُه الجَدَر بِالْجِيم، الواحدةُ جَدَرَة، وَهِي السِّلْعة والضَّوَاةُ.
شمِر: حَدَبُ المَاء: مَا ارْتَفع من أمواجه، وَقَالَ العجَّاج:
نَسْجَ الشَّمالِ حَدَبَ الغَدير
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: حَدَبُهُ: كثْرتُه وارتفاعه، وَيُقَال: حَدَبُ الغَديرِ تحرُّك الماءِ وأمواجِه، قَالَ: والمُتحدِّب: المتعلِّق بالشَّيْء الملازمُ لَهُ.
ابْن بُزُرْج: يُقَال: اشْترى الْإِبِل فِي حَدابِ على فَعَال أَي فِي سَنَةٍ حدْباء مثل فَسَاقِ.
دبح: ابْن شُمَيْل: دَبَّح الرَّجلُ ظهرَه إِذا ثناه فارتفع وَسَطُه كَأَنَّهُ سَنَام.
وَقَالَ اللَّيْث: التَّدْبيح: تَنْكيس الرَّأْس فِي المَشي، وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نهَى أَن يُدَبِّح الرجلُ فِي رُكُوعه كَمَا يدبِّح الْحمار.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْد: يُدبِّح، مَعْنَاهُ يطأْطىء رأْسَه فِي الرُّكُوع حَتَّى يكون أخفضَ من ظَهره.
وَقَالَ الأُمَوِيّ: دبَّح تدبيحاً إِذا طَأطأَ رأسَه.
وَقَالَ اللِّحْياني: دمَّح ودَبَّح ونحوَ ذَلِك قَالَ شمر.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: دبَّح ودنَّح إِذا ذَلَّ.
وَقَالَ النَّضر: رمْلةٌ مُدَبِّحَةٌ أَي حدْبَاء، ورِمال مدابِحُ.
أَبُو عدنان عَن الغَنَوِيّ: دبَّح الحمارُ إِذا رُكِب وَهُوَ يشتكي ظهرَه من دبَرِه، فيُرْخِي قوائمه ويُطامن ظهرَه وعَجُزَه من الْأَلَم.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: مَا بالدَّار دِبِّيح ولادِبِّيجٌ بِالْحَاء وَالْجِيم، والحاء أفصحهما وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيد: مَا بِالدَّار دبِّيجٌ بِالْجِيم، قلت: وَمَعْنَاهُ من يَدِبّ.
وَقَالَ شمر: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: التَّدبيح: خَفْضُ الرَّأْس وتنكيسه. وَأنْشد أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ:(4/249)
لما رأى هِراوةً ذاتَ عُجَرْ
دبّح واستَخْفَى ونادَى يَا عُمَرْ
قَالَ: والتدبيح: التطأطؤ. يُقَال: دبِّح لي حَتَّى أركبك.
وَقَالَ شمر: قَالَ أَبُو عَدنان: التَّدبيحُ تدبيحُ الصّبيان إِذا لَعبوا، وَهُوَ أَن يُطامِنَ أحدهم ظهرَه ليَجيءَ الآخر يَعدُو من بعيدٍ حَتَّى يركبه.
والتدبيحُ أَيْضا: تَدْبيحُ الكَمْأة، وَهُوَ أَن تَنفتحَ عَنْهَا الأرضُ وَلَا تَصْلَع أَي لَا تَظهرَ، حُكِي ذَلِك عَن الْعَرَب.
بدح: قَالَ اللَّيْث: البَدْحُ: ضَرْبُك بِشَيْء فِيهِ رَخاوة، كَمَا تَأْخُذ بِطِّيخَةً فَتَبْدحُ بهَا إنْسَانا، تَقول: رَأَيْتهمْ يتبادَحون بالكُرِينَ والرُّمّان ونحوِه عبَثاً يَعْنِي رَمْياً.
أَبُو عُبَيْد: بَدَحَت المرأةُ وتبدَّحَتْ. وَهُوَ جنسٌ من مِشْيَتِها. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: التَّبَدُّح: حُسنُ مِشْيَةِ الْمَرْأَة، وَأنْشد:
يَبْدَحْن فِي أَسْوُقٍ خُرْسٍ خَلاخِلُها
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: البَدَاح على لفظ جَناح: الأرضُ الليِّنَة الواسعةُ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: البَدْحُ: عَجْزُ الرجل عَن حَمالةٍ يحملُها، وعَجْزُ البعيرِ عَن حِمْله، وَأنْشد:
إِذا حَمَل الأحْمَالَ ليْسَ بِبادح
شمر عَن الْأَصْمَعِي: البَدَاحُ والأبْدَحُ والمَبْدوح: مَا اتَّسَع من الأَرْض، كَمَا يُقَال الأبْطَحُ والمبطوح، وَأنْشد:
إِذا عَلاَ دَوِّيَّهُ المَبْدوحا
رَوَاهُ بِالْبَاء.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الأبْدَحُ: العَرِيضُ الْجَنْبَيْنِ من الدَّوابِّ، وَقَالَ الرّاجزُ:
حتَّى يُلاَقي ذَاتَ دَفَ أبْدَحِ
بمُرْهَفِ النَّصْل رَغِيبِ المَجْرَحِ
أَبُو عُبَيد عَن الفرّاء: بَدَحْتُه بالعَصا وكَفَحْتُه بَدحاً وكَفْحاً إِذا ضَرَبْتَه.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي فِي كِتَابه فِي (الأمْثال) يرويهِ أَبُو حَاتِم لَهُ يُقَال: أكلَ مالَهُ بأبْدَحَ ودُبيْدَح، قَالَ الْأَصْمَعِي: إِنَّمَا أَصله دُبيْح، وَمَعْنَاهُ أَنه أكله بِالْبَاطِلِ، وَحَكَاهُ ابْن السِّكِّيت: أَخَذَ مَاله بأبْدَح ودُبيدَح، أخْبَرني بذلك الْمُنْذِرِيّ عَن الحَرّانيُ عَنهُ، وَقَالَ سمعتُ التَّوَّزِي يَقُول: يُقَال أكلَ مالَه بأبْدَح ودُبيْدَح أَي بِالْبَاطِلِ، قَالَ: يُضْرَبُ مَثلاً لِلْأَمْرِ الَّذِي يَبْطُلُ، وَكلهمْ قَالَ دبيْدَح بِفَتْح الدَّال الثَّانية.
عَمْرو عَن أَبِيه: يُقَال: ذَبَحَه، وبَذَحَه، ودبَحَه وَبَدحَه وَمِنْه سُمِّي بُدَيْح المُغَنِّي، كَانَ إِذا غَنَّى قَطَع غِنَاء غَيْره بِحُسْنِ صَوْتِه.
دحب: أهمله اللَّيْث، وَقَالَ ابْن دُرَيْد: الدَّحْبُ: الدَّفْع، وَهُوَ الدَّحْمُ، يُقَال: دَحَبَها ودَحَمَها فِي الجِماعِ، والاسْمُ الدُّحَاب.
ح د م
حدم، حمد، مدح، دمح، دحم: مستعملات.
حدم: قَالَ اللَّيْث: الحَدْمُ: شِدَّةُ إحْماءِ الشَّيْءِ بِحَرِّ الشَّمْسِ والنَّار، تَقول: حَدَمه كَذَا فاحتدم.
وَقَالَ الأَعْشَى:(4/250)
وإدلاجِ لَيْلٍ على غِرَّةٍ
وهَاجِرةٍ حَرُّها مُحْتَدِم
أَبُو عُبَيد عَن الفرّاء: للنّار حَدَمَة وحَمَدة، وَهُوَ صَوت الالتهاب، وَهَذَا يَوْم مُحْتَدِمٌ ومُحْتَمِدٌ، وَقَالَ أَبُو عُبَيد: الاحْتِدامُ: شِدَّةُ الحَرّ.
وَقَالَ أَبُو زيد: احْتَمَد يوْمُنا واحْتَدَمَ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: الحَدَمَةُ: من أصْوَاتِ الحيَّة، صَوْتُ حَفِّه كَأَنَّهُ دَوِيٌّ يَحْتدِم، واحْتَدَمَتِ القِدْرُ إِذا اشتدَّ غَلَيانُها.
وَقَالَ أَبُو زيد: زَفيرُ النّار: لَهبُها وشَهِيقُها، وحَدَمُها وحَمَدُها وكلْحَبَتُها بِمَعْنى وَاحِد.
واحْتَدم الشرابُ إِذا غَلَى، وَقَالَ الْجَعْدِي يصف الْخمر:
رُدَّت إِلَى أكْلَفِ المَنَاكِب مَرْ
شُومٍ مُقيمٍ فِي الطِّين مُحْتَدِم
دحم: قَالَ اللَّيْث: دَحْمٌ ودَحْمانٌ: من الأسمَاء، والدَّحْم: النِّكاحُ، يُقَال: دَحَمَها دحْماً، وَفِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قيل لَهُ: هَل يَنْكِحُ أهْلُ الجنَّةِ؟ فَقَالَ دحْماً دحْماً أَي يَدْحَمون دَحْماً، وَهُوَ شِدَّةُ الجِمَاع.
ودحْمَةُ: اسْم امْرَأَة، ودُحَيْمٌ: اسْم رجل ابْن الْأَعرَابِي: دَحَمه دَحْماً إِذا دفَعَه، وَقَالَ رؤبة:
مَا لَمْ يُبِحْ يأْجوجَ رَدْمٌ يَدْحَمُه
أَي يَدْفَعُه. وَأنْشد أَبُو عمر:
قَالَت وَكَيف وَهُوَ كالمُمَرتَك
إِنِّي لطول الفَشل فِيهِ أشتكي
فادحَمْه شَيْئا ساعَةً ثمَّ اترك
مدح: قَالَ اللَّيْث المَدْحُ: نَقِيضُ الهِجَاء، وَهُوَ حُسْنُ الثَّناء، يُقَال: مدَحْتُه مَدْحَةً واحِدَة، والمِدْحَةُ: اسْم المَديح، والجميعُ المِدَحُ، قَالَ: والمُثْنِي يمْدح ويمْتَدحُ قلتُ: وَيُقَال: فلَان يَتَمدَّحُ إِذا كَانَ يُقَرِّظُ نَفسه ويُثْني عَلَيْهَا.
والمَمَادح ضِدُّ المَقَابح، والمدائحُ جَمْعُ المديح من الشِّعر الَّذِي مُدح بِه.
ورَجُلٌ مَدَّاحٌ: كَثِيرُ المدْح للْمُلوك.
حمد: اللَّيْث: الحَمدُ: نَقيضُ الذَّمِّ، يُقَال: حَمِدْتُه على فعله، وَمِنْه المحْمدَةُ، وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الفَاتِحَة: 2) .
قَالَ الفرّاءُ: اجْتمع القُرَّاء على رفع (الحمدُ لله) ، فَأَما أهْلُ البَدْو فَمنهمْ من يَقُول: الحمدَ لله، وَمِنْهُم من يَقُول: الحمدِ لله بخفض الدَّال، وَمِنْهُم من يَقُول: الحمدُ لله فيرفع الدَّال وَاللَّام، قَالَ أَبُو العباسُ: الرفُع هُوَ القراءَةُ، لِأَنَّهُ المأْثورُ، وَهُوَ الاخْتِيارُ فِي العَربيَّة.
وَقَالَ النحويون: مَنْ نَصَبَ من الْأَعْرَاب الْحَمد الله فعَلى الْمصدر أَحْمد الْحَمد لله، وَأما مَنْ قَرَأَ: الحمدِ لله فَإِن الفَرّاء قَالَ: هَذِه كلمة كَثُرَت عَلَى ألْسنِ العَرب حَتَّى صَارَت كالاسم الْوَاحِد، فَثَقل عَلَيْهِم ضَمُّها بعد كَسْرَة فأَتْبَعوا الكَسْرَة الكَسْرَة.
وَقَالَ الزَّجَّاجُ: لَا يُلْتَفتُ إِلَى هَذِه اللُّغَة وَلَا يُعْبأ بهَا، وَكَذَلِكَ من قَرَأَ: الحمدُ لله فِي غير الْقُرْآن فَهِيَ لُغةٌ رديئةٌ.
وَقَالَ الأخْفَشُ: الحمدِ لله: الشُّكْرُ لله، قَالَ: والحمدُ أيْضاً: الثَّناء، قلت: الشُّكْر(4/251)
ُ لَا يكون إِلَّا ثَنَاء لِيَدٍ أُوليتَها، والحمدُ قدْ يكون شُكْراً للصَّنِيعة وَيكون ابْتِدَاء للثناء عَلَى الرَّجُل، فحمدُ الله الثَّنَاء عَلَيْهِ، وَيكون شُكراً لِنِعَمِه الَّتِي شَمِلَت الكُلّ.
وَقَالَ اللَّيْث: أحْمَدْتُ الرجلَ: وجَدْتُه مَحْمُودًا، وَكَذَلِكَ قَالَ غَيره: يُقَال: أتَيْنا فُلاَناً فأَحْمَدناهُ وأَذْمَمْناهُ أَي وجَدناه مَحْمُودًا أَو مذْموماً.
وَقَالَ اللَّيْث: حُمَاداك أَن تَفْعَلَ كَذَا أَي حَمْدُك، وحُماداك أَن تَنْجُوَ من فُلان رأْساً بِرَأْس.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: حَبابُك أَن تفْعَلَ ذاكَ، وَمثله حُمادَاكَ.
وَقَالَت أُمُّ سَلمَة: حُمادَياتُ النِّساء غَضُّ الطَّرْف وقِصَرُ الوَهَازَة، مَعْنَاهُ غَايَة مَا يُحْمَد مِنْهُنَّ هَذَا، وَقيل: غُناماك بِمعنى حُماداك، وعُنَاناك مِثْلُه.
وَقَالَ اللَّيْث: التَحْمِيدُ: كَثْرَةُ حَمْدِ الله بالمحَامِدِ الحسَنَة. قَالَ: وأحْمَدَ الرَّجُلُ إِذْ فَعَلَ مَا يُحْمَدُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ الأعْشَى:
وأحْمَدتَ إِذْ نَجَّيْتَ بالأمْسِ صِرْمَةً
لَهَا غُدَداتٌ واللُّواحِقُ تَلْحَقُ
ومُحمَّد وأَحْمد اسْما نَبِيِّنا الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَول الْعَرَب: أحْمَدُ إِلَيْك الله.
قَالَ اللَّيْث مَعْنَاهُ أَحْمد مَعَك الله، وَقَالَ غَيره: أشكُر إِلَيْك أيادِيَه ونعمه.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل فِي قَوْله أحْمَدُ إِلَيْكُم غَسْلَ الإحْلِيل أَي أرضاه لكم، أَقَامَ إِلَى مُقام اللَّام الزَّائِدَة.
وَقَالَ شمر: بَلَغَني عَن الْخَلِيل أَنه قَالَ: معنى قَوْلهم فِي الكُتُب: فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْك الله أَي أحْمد مَعَك الله، كَقَوْل الشَّاعِر:
ولَوْحَيْ ذِرَاعَيْن فِي بِرْكةٍ
إِلَى جُؤْجُؤٍ رَهِل الْمنْكب
يُرِيد مَعَ بركَة.
وَيُقَال: هَل تَحمَد لي هَذَا الْأَمر أَي هَل ترضاه لي.
وَفِي (النَّوَادِر) : حَمِدْتُ عَلَى فلَان حَمْداً وضمِدْتُ ضَمَداً إِذا غَضِبْتَ، وَكَذَلِكَ أَرِمْتُ أَرَماً.
وَقَول المُصَلِّي: سُبْحَانك اللَّهُمَّ وبِحَمْدِك الْمَعْنى وبِحَمْدِك أَبْتَدِىء، وَكَذَلِكَ الجِالِبُ للباء فِي بِسم الله الِابْتِدَاء، كَأَنَّك قلت: بَدَأْتُ باسْمِ الله، وَلم تَحْتَج إِلَى ذكر بدأت، لِأَن الْحَال أَنْبأَت أَنَّك مُبْتَدِىء.
أَبُو عُبَيد عَن الفَرَّاء: للنار حَمَدَة، ويَوْمٌ مُحْتَمِدٌ ومُحْتَدِمٌ: شَدِيد الحَرِّ.
والحَمِيدُ من صِفَاتِ الله بمَعْنَى المحمُودِ، ورَجُلٌ حُمَدَةٌ: كَثيرُ الْحَمدِ. وَرَجُلٌ حَمَّادٌ مِثْلُه.
وَمن أَمْثَالهم: (من أنْفق مَاله على نَفسه فَلَا يتحمد بِهِ إِلَى النَّاس) ، الْمَعْنى أَنه لَا يُحمد على إحْسانه إِلَى نَفسه، إِنَّمَا يُحْمَد على إحْسَانِه إِلَى النَّاس.
دمح: شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي: دَمَّحَ ودَبَّح إِذا طَأْطَأَ رَأْسَه.
(أَبْوَاب الْحَاء وَالتَّاء
ح ت ظ ح ت ذ ح ت ث: أهملت وجوهها.(4/252)
ح ت ر
حتر، حرت، ترح: مستعملة.
حتر: قَالَ اللَّيْث: الحَتْر: الذَّكَرُ من الثَّعَالِب، قلتُ: لَمْ أَسْمَع الحَتْرَ بِهَذَا الْمَعْنى لغير اللَّيْث، وَهُوَ مُنكر.
وَقَالَ اللَّيْث: الحِتَارُ: اسْتَدَارَ بالعَيْن مِنْ زِيقِ الجَفْن من بَاطن.
قَالَ: وحِتَارُ الظُّفْرِ: مَا أَحَاطَ بِهِ، وَكَذَلِكَ مَا يُحِيط بالخِباء، وكَذلك حِتَار الدُّبُر: حَلْقَته.
قَالَ: والمُحْتِرُ: الَّذِي لَا يُعْطِي خَيْراً وَلَا يُفْضِل على أَحَد، إِنَّمَا هُوَ كَفَافٌ بكَفَافٍ لَا ينفلت مِنْهُ شَيْء، قد أَحتَر على نَفسه وَأَهله أَي ضَيَّق عَلَيْهِم ومنعهم خَيْرَه.
أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد: حترتُ لَهُ شَيْئا بِغَيْر ألف، فَإِذا قَالَ: أَقَلَّ الرجلُ وأَحْتَر قَالَه بِالْألف، وَالِاسْم مِنْهُ الحِتْر، وَأنْشد للأعلم الهُذَلي:
إِذا النُّفَساءُ لم تُخَرَّسْ بِبِكْرِها
غُلاَماً وَلم يُسْكَتْ بِحِتْرٍ فَطِيمُهَا
وَأَخْبرنِي الإيَادِيّ عَن شمر: الحَاتِر: المُعْطِي، وَأنْشد:
إذْ لَا تَبِضُّ إِلَى التَّرا
ئِكِ والضَّرَائِكِ كَفُّ حَاتِر
قَالَ: وحَتَرْتُ: أَعْطَيْتُ عَن أبي عَمْرو، قَالَ: وَقَالَ غَيره: كَانَ عطاؤك إيّاه حَقْراً حَتْراً أَي قَلِيلا، وَقَالَ رُؤْبةُ:
إِلَّا قَلِيلاً من قَلِيلٍ حَتْرِ
قَالَ: وأَحَتَر علينا رِزْقَنا أَي أقَلَّه وحَبَسَه، قَالَ: وَيُقَال: مَا حَتَرْتُ اليومَ شَيْئا أَي مَا أَكَلتُه.
وَقَالَ الفَرَّاء: حَتَرَهُ يَحتُرُه إِذا كَسَاهُ وأعْطَاه، وَقَالَ الشَّنْفَري:
وأُمِّ عِيَالٍ قَدْ شَهِدْتُ تَقُوتُهم
إِذا حَتَرَتْهُمُ أَتْفَهَت وأقَلَّتِ.
غَيره: أحْتَرْتُ العُقْدَةَ إحْتاراً إِذا أحْكَمْتُها فَهِيَ مُحْتَرَةٌ، وبَيْنهم عَقْدٌ مُحْتَرٌ: قَد استُوثِقَ مِنْه.
وَقَالَ لَبيد:
وبِالسَّفْح من شَرْقِيِّ سَلْمَى مُحَارِبٌ
شُجَاعٌ وذُو عَقْدٍ من القعوْم مُحْتَرِ
ابْن السِّكِّيت عَن الفَزَارِيّ قَالَ: الحَتِيرَةُ: الوَكِيرَةُ، وهُو طَعَامٌ يُصْنَع عِنْد بِنَاء الْبَيْت، قُلْتُ: وَأَنا وَاقِف فِي هَذَا الْحَرْف، وَبَعْضهمْ يَقُول: حَثِيرة بالثاء.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: الحُتُرُ أكِفَّةُ الشِّقَاقِ، كل وَاحِد مِنْهَا حَتارٌ.
وَقَالَ أَبُو زيد الْكلابِي: الحِتْرُ: مَا يُوصل بِأَسْفَل الخباءِ إِذا ارْتَفع عَن الأَرْض وقلص ليَكُون سترا، يُقَال مِنْهُ حَتَرْتُ البَيْتَ.
ترح: التَّرَحُ: نقِيضُ الفَرَح، وَيُقَال: بَعْد كُلِّ فَرْحَةٍ ترْحَةٌ.
قَالَ: والمِتْرَاحُ من النُّوقِ: الَّتِي يُسْرعُ انْقطَاعُ لَبنها، والجَميعُ المَتارِيح.
وَقَالَ أَبُو وَجْزَة السَّعديّ يَمدَحُ رَجلاً:
يُحَيُّونَ فَيَّاضَ النَّدَى مُتَفَضِّلاً
إِذا التَّرِحُ المَنَّاعُ لَمْ يَتَفَضَّل
قَالَ: التَّرِحُ: القَلِيلُ الخَير.(4/253)
وَقَالَ شمر: قَالَ ابْن مَنَاذِر: التَّرَحُ: الهبُوطُ، وَمَا زلْنَا مُنْذُ الليلةِ فِي تَرَح، وَأنْشد:
كأنَّ جَرْسَ القَتَبِ المُضَبَّبِ
إِذا انْتُحي بالتّرَح المُصَوَّب
وَقَالَ: الانتحاء: أنَ يَسْقُط هَكَذَا، وَقَالَ بِيَدِهِ بَعْضُها فَوق بعض، وَهُوَ فِي السُّجُود أَن يُسْقِط جَبينَه إِلَى الأَرْضِ ويَشُدَّه وَلَا يعْتَمد على راحتيه وَلَكِن يعْتَمِدعلى جَبِينه، حكى شمر هَذَا عَن عبد الصَّمد بن حَسّان عَن بعض الْعَرَب.
قَالَ شمر: وَكنت سَأَلت ابنَ مُناذِرٍ عَن الإنْتِحَاء فِي السُّجُود فَلم يعْرِفه.
قَالَ: فذكرتُ لَهُ مَا سَمِعْتُ، فَدَعَا بدَواته وكتَبه بِيدِه.
حدَّثنا عبد الرحمان بن أبي حَاتِم، قَالَ حَدَّثنَا أبِي، قَالَ: حدَّثنا الفَضْلُ بنُ دُكيْن، قَالَ: حدَّثَنا أَبُو مَعْشَر عَن شُرَحْبيل بن سَعْد عَن عليّ بن أبي طَالب، قَالَ: نهاني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن لِبَاس القَسِّيِّ المْتَرَّح وأنْ أَفْتَرِشَ حِلْسَ دابَّتي الَّذِي يَلي ظَهْرَها، وَألا أَضَعَ حِلْسَ دابّتي على ظهرهَا حَتَّى أذكر اسْم الله، فإنَّ على كلِّ ذِرْوَةٍ شَيْطَانا، فَإِذا ذكَرْتم اسمَ الله ذَهَبَ.
قُلْتُ: كأنَّ المُتَرَّحَ المُشْبَع حُمْرَةً كالمُعَصْفَرِ.
والتّرْحُ: الفَقْرُ، قَالَ الهُذَليُّ:
كَسَوْتَ على شَفَا تَرْحٍ ولُؤْمٍ
فأَنْتَ على دَرِيسِكَ مُسْتَمِيتُ
دريسك: خَلَقك، على شفَا تَرْح أَي على شَرَف فَقْر وقِلّة، يُقَال: قَليلٌ تَرْحٌ.
حرت: قَالَ اللَّيْث: حَرَتَ الشَّيْء يَحْرُتُه حَرْتاً وَهُوَ قَطْعُك إيّاه مستديراً كالفَلْكة.
قَالَ: والمحْرُوتُ: أَصْلُ الأُنْجُذَانِ، قلت: وَلَا أَعْرِفُ مَا قَالَ الليثُ فِي الحرْتِ أَنه قَطْعُ الشَّيْء مُسْتَدِيراً، وأَظُنُّه تَصْحِيفاً: والصَّوابُ خَرَتَ الشيءَ يَخْرُتُه خَرْتاً بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة: لأنَّ الخُرْتَةَ هِيَ الثَّقْبُ المُسْتدير.
وروى أَبُو عُمَر عَن أَحْمد بن يحيى عَن أَبِيه أَنه قَالَ: الحُرْتَةُ بِالْحَاء: أَخذُ لَذْعَةِ الخَرْدَل إِذا أَخَذَ بالأنف.
قَالَ: والخُرْتَةَ بِالْخَاءِ: ثَقْبُ الشَّغِيزَة وَهِي المِسَلَّةُ.
وروى ثَعْلب عَن ابْن الْأَعرَابِي: حَرِتَ الرجُلُ إِذا سَاءَ خُلُقُه.
وَقَالَ ابْن شُمَيل: المحْرُوتُ: شَجَرَة بَيْضَاء تُجْعَل فِي المِلْح لَا تُخَالِطُ شَيْئا إِلَّا غَلَبَ رِيحُها عَلَيْهِ، وتنْبُتُ فِي البَادِية، وَهِي ذَكِيَّةُ الرّيح جدا، والواحدة مَحْرُوتَة.
وَقَالَ الدينَوَرِي: هِيَ أصل الأُنْجُذان.
ح ت ل
حتل، حلت، لحت، لتح: مستعملة.
وَقد أهمل اللَّيْث: حتل ولحت وهما مستعملان.
لتح: قَالَ اللَّيْث: اللَّتْح: ضرب الْوَجْه والجسد بالحصى حَتَّى يؤثِّرَ فِيهِ من غير جَرْح شَدِيد، وَقَالَ أَبُو النَّجْم:
يَلْتَحْنَ وَجْهاً بالحَصَى مَلْتُوحا(4/254)
يصف عانَةً طردها مِسْحَلُها، وَهِي تَعْدُو وتُثِير الحَصَى فِي وَجْهِه.
أَبُو زيد: لَتَحَها لَتْحاً إِذا نَكَحَهَا وجامعها، وَهُوَ لاتِحٌ، وَهِي مَلْتُوحة.
وَأَخْبرنِي المُنْذِري عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: لتَحْتُ فُلاناً ببصرى أَي رَمَيْتُه، حَكَاهُ عَن أبي الْحسن الْأَعرَابِي الْكلابِي، وَكَانَ فصيحاً.
ابْن الْأَعرَابِي: رجل لاتِح ولُتاحٌ ولُتَحَةٌ ولَتِحٌ إِذا كَانَ عَاقِلا داهياً، وقومٌ لُتَّاح، وهم الْعُقَلَاء من الرِّجَال والدُّهاةُ.
الأُمَوِيُّ: اللَّتْحانُ: الجائع، وامرأةٌ لَتْحَى: جائِعة.
حلت: قَالَ الليثُ: الحِلْتِيتُ. الأنْجُزَذُ، وَأنْشد:
عَلَيْك بِقُنُأَةٍ وبِسَنْدَروسٍ
وحِلْتِيتٍ وشَيْءٍ من كَنَعْدِ
قلت: أَظن هَذَا الْبَيْت مصنوعاً وَلَا يحْتَج بِهِ، وَالَّذِي حَفِظته عَن البحرانيين: الخِلْتِيت بِالْخَاءِ: الأَنْجُزَذُ، وَلَا أرَاهُ عَرَبِيّاً مَحْضاً.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: يَوْم ذُو حِلِّيتٍ إِذا كَانَ شَدِيد الْبرد، والأزِيزُ مثله.
قَالَ: والْحَلتُ: لُزُوم ظهر الخَيْل.
وَقَالَ ابْن الْفرج: قَالَ الْكسَائي: حَلَتُّه أَي ضَرَبتُه، قَالَ: وَغَيره يَقُول: حَلأْتُه.
اللحياني: حلأتُ الصوفَ عَن الشاةِ حَلأً، وحَلَتُّه حَلْتاً، وَهِي الحُلاتَةُ والْحُلاءةُ للنُّتافَةِ:
وحِلِّيتُ: مَوضِع ذكره الرَّاعِي:
بِحِلِّيتَ أَقْوَت مِنْهُمَا وتَبدَّلت
ويروى بِحَليَة.
لحت: قَالَ ابْن الْفرج: قَالَ السليمي: بَرْدٌ بَحْتٌ لَحْتٌ أَي بَرْدٌ صادِق.
وَقَالَ غَيره: لَحَتَ فلانٌ عَصَاهُ لَحْتاً إِذا قَشَرَها، ولَحَتَه بالعَذْل لَحتاً مثله.
حتل: أهمله اللَّيْث، وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحاتِلُ: المِثلُ من كل شَيْءٍ. قُلْتُ: الأصْلُ فِيهِ الحاتِنُ، فَقْلِبَت النُّون لاما، وَهُوَ حِتْنُه وحَتْله أَي مِثْلُه.
ح ت ن
حتن، حنت، نحت، نتح: مستعملة.
نحت: قَالَ اللَّيْث: النَّحْتُ نَحْتُ النَّجَّار الْخشب، يُقَال هُوَ يَنْحَتْ وينْحِتُ لُغَتَان وجَمَلٌ نَحِيتٌ قد انْحَتَّت مَنَاسِمُه، وَأنْشد:
وَهُو من الأيْن وَجٍ نَحيتُ
والنُّحاتَةُ: مَا نُحِتَ من الخَشَبِ.
وَقَالَ: نَحَتَها نَحْتاً إِذا جامَعَها، ولَحَتَها مِثْلُه.
أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد: إِنَّه لكَرِيمُ النَّحِيتةِ والطَّبِيعة والغريزة بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ اللحياني: الكَرَمُ من نحته ونحاسِهِ ونُحِتَ على الْكَرم وطُبِعَ عَلَيْهِ.
حتن: قَالَ اللَّيْث: الحَتْنُ من قَوْلك: تحَاتَنَتْ دُمُوعُه إِذا تَتَابَعَت.
وَقَالَ الطِّرِمِّاحُ:
كأنَّ الْعُيُون المُرْسَلاتِ عَشِيَّةً
شَآبِيبُ دَمْع العَبْرَةِ المُتَحَاتنِ(4/255)
قَالَ: وتحَاتَنتِ الخِصالُ فِي النِّصَالِ إِذا وقَعت خَصَلاَتٌ فِي أصلِ القِرْطاس، قيل: تحاتَنَت أَي تتَابَعتْ.
قَالَ: والخَصْلَةُ: كلُّ رَمْيَة لزِمَت القِرْطاس من غير أَن تُصِيبَه.
قَالَ: وَأهل النِّضال يَحسبون كل خَصْلَتين مُقَرْطِسة.
قَالَ: وَإِذا تَصَارَع الرّجلَانِ فصُرِعَ أحدُهما وثَبَ ثمَّ قَالَ:
الحَتَني لَا خَيْرَ فِي سَهْم زَلَجْ
وَقَوله: الحتَنَى أَي عاود الصِّرَاع.
قَالَ: والزَّالِجُ: السَّهمُ الَّذِي يَقع بِالْأَرْضِ ثمَّ يُصِيب القرْطاس.
قَالَ: والتَّحَاتُنُ: التَّبارِي.
وَقَالَ النَّابغةُ يَصِفُ الرِّياحَ واختلافَها:
شمالٌ تَحُاذِيها الجَنوبُ بقَرْضِها
ونَزْعُ الصَّبا مُورَ الدَّبُورِ تُحاتِنُ
أَبُو عُبَيد: المْحْتَتِنُ: الشيءُ المُسْتوِي لَا يخالِفُ بَعضُه بَعْضًا.
وَأنْشد غَيره للطّرِمَّاح:
تلكَ أحسابُنا إِذا احْتَتَنَ الخَصْ
لُ ومُدَّ المَدَى مَدَى الأغْراض
احتتنَ الخَصْلُ أَي اسْتَوَى إِصَابَة المُتَنَاضِلَيْن، والخَصْلةُ: الإصابةُ. وخَصَلْتُ القومَ خَصْلاً إِذا فَضَلتَهُم، وستقِفُ على تَفْسِير الخَصْل مُشْبَعاً فِي مَوْضِعه فِي كتاب الْخَاء إِن شَاءَ الله.
وَيُقَال: فلانٌ سِنُّ فلانٍ وتِنُّه وحِتْنُه إِذا كَانَ لِدَتَه عَلَى سِنِّه.
وَقَالَ الأصْمَعيّ: هُما حِتْنان أَي تِرْبان مُسْتَوِيان، وهم أَحْتان أَتْنان.
وحَوْتَنانان: وادِيان فِي بِلَاد قَيْس، كلُّ وَادٍ مِنْهُمَا يُقَال لَهُ حَوْتَنان، وَقد ذكرهمَا تميمُ بنُ أبيّ بن مقبل فَقَالَ:
ثُمَّ اسْتغَاثُوا بماءٍ لَا رِشاءَ لَهُ
من حَوْتَنانيْن لَا مِلاْحٌ وَلَا زَننُ
أَي لَا ضَيِّق قَلِيل.
وَيُقَال: رَمَى القومُ فوقَعتُ سهامُهم حَتَنى أَي مستوية لَمْ يَنْضُل أحدُهم أَصْحَابه.
أَبُو العبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: رَمَى فأحْتَن إِذا وقعَت سِهامُه كلُّها فِي مَوضِع واحِد.
حنت: أَبُو زيد: رجلٌ حِنْتَأْوٌ، وامرأةٌ حِنَتأْوَةٌ وَهُوَ الَّذِي يُعْجَبُ بنَفْسِه وَهُوَ فِي أَعْيُنِ النَّاس صَغِير.
نتح: قَالَ اللَّيْث: النَّتْجُ: خُروج العَرَق من أُصُول الشَّعْر، وَقد نَتَحَه الجِلْدُ، ومَناتحُ العَرَقِ: مَخَارِجُه من الجِلْدِ، وَأنْشد:
جَوْنٌ كأَنَّ العَرَقَ المَنْتُوحَا
لبَّسَه القَطْرَان والمُسُوحا
وَقَالَ غَيره: نَتَحَ النِّحْيُ إِذا رَشَحَ بالسَّمْنِ، وذِفْرَى البَعِير تنِتحُ عَرَقاً إِذا سارَ فِي يَوْم صَائِف شَدِيد الحَرِّ فَقَطر ذِفْرَياه عَرَقاً.
وَقَالَ ابْن السِّكْيت: نَتَح النِّحْيُ ورشَحَ ومَثّ، ونَضَحَت القِرْبةُ والوَطْب.
وروى أَبُو تُرَاب عَن بعض الْعَرَب: امْتتَحْتُ الشيءَ وانْتَتَحْتُه وانتزَعْته بِمَعْنى وَاحِد.(4/256)
ح ت ف
حتف، حفت، فتح، تفح، تحف.
حتف: قَالَ اللَّيْث: الحَتْفُ: الموْتُ، وَقَول العرَب: ماتَ فلانٌ حَتْفَ أَنْفِهِ أَي بِلاَ ضَرْبٍ وَلَا قتلٍ، والجميع الحُتُوف، وَلم أسمع للحَتْفِ فعلا.
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (منْ ماتَ حَتْفَ أَنفِه فِي سَبِيل الله فقدْ وقَعَ أَجْرُه على الله) .
قَالَ أَبُو عُبَيد: هُوَ أَن يَمُوت مَوْتاً على فِراشِهِ من غير قَتْل وَلَا غَرَق وَلَا سَبُع وَلَا غَيره.
وَرُوِيَ عَن عُبَيد بن عُمَيْر أَنه قَالَ فِي السّمك: (مَا مَاتَ حَتْفَ أَنفِه فَلَا تأْكُله) يَعْنِي الَّذِي يَمُوت فِي المَاء وَهُوَ الطافي.
وَقَالَ غَيره: إِنَّمَا قيل للَّذي يَمُوت على فرَاشه مَاتَ حَتْفَ أَنْفِه. وَيُقَال حَتْفَ أَنْفَيْه، لِأَن نَفْسه تخرُجُ بتَنَفُّسِه من فيهِ وأَنفِه.
وَيُقَال أَيْضا: ماتَ حَتْفَ فِيهِ، كَمَا يُقَال: مَاتَ حتْفَ أَنْفِه، والأنفُ والفمُ: مَخْرَجَا النَّفَس.
ومَنْ قَالَ: حَتْفَ أنْفَيْه، احْتَمَل أَن يكون أَرَادَ بأَنْفَيْه سَمَّيْ أنفِه وهما مَنْخَراه، ويُحْتَمَلُ أَن يُرادَ بِهِ أَنْفُه وفَمُه فَغُلِّب أحَدُ الإسمين على الآخر لتجاورهما.
شمر: الحَتْفُ: الأمرُ الَّذِي يُوقِعُ فِي الهلاَكِ، والسَّبَبُ الَّذِي يكون بِهِ الْمَوْت، وَأنْشد لبَعض هُذَيْل:
فَكانَ حَتْفاً بمِقْدَارٍ وأَدْرَكَه
طولُ النَّهار وليلٌ غَيْرُ مُنْصَرِم
تفح: التُّفَّاحُ هَذَا الثَّمرُ الْمَعْرُوف، وَجمعه تَفَافيح، وتُصَغَّر التُّفَّاحةُ الواحدةُ تُفَيْفِيحَة، والمَتْفَحَةُ: المكانُ الَّذِي يَنْبُتُ فِيهِ التُّفَّاحُ الكثيرُ.
تحف: قَالَ اللَّيْث: التُّحْفَةُ أبدلت التَّاء فِيهَا من الْوَاو إلاّ أَن هَذِه التَّاء تلْزم تصريف فعلهَا إلاّ فِي التفعّل فَإِنَّهُ يُقَالُ: يَتَوَحَّف، وَيَقُولُونَ أَتْحَفْتُه تُحْفَةً يَعْنِي طُرَفَ الْفَوَاكِه وَغَيرهمَا من الرياحين.
قلت: وأصلُ التُحَفَة وُحَفَة، وَكَذَلِكَ التُّهَمَة أَصْلُها وُهمَةَ وَكَذَلِكَ التُّخَمَة. وَرجل تُكَلَة، والأصلُ وُكَلَة، وتُقَاة أَصْلُها وُقَاة، وتُراثٌ أَصْلُها وُرَاث.
فتح: قَالَ اللَّيْث: الفَتْحُ: افتِتَاحُ دَار الحرْب، والفَتْح: نقيض الإغْلاَق، والفَتْحُ: أَن تحكم بَين قومٍ يختصمون إِلَيْك كَمَا قَالَ الله جلّ وعزّ مُخْبِراً عَن شُعَيْب: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} (الأعرَاف: 89) .
واسْتَفْتَحْتُ الله على فلَان أَي سألتُه النَّصْرَ عَلَيْهِ وَنَحْو ذَلِك.
قَالَ: والمَفْتَحُ: الخِزَانَةُ وكلُّ خِزَانة كَانَت لِصِنْفٍ من الْأَشْيَاء فَهُوَ مَفْتَحٍ.
والفَتَّاحُ: الحاكِمُ.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ الْفَتْحُ} (الأنفَال: 19) . أَي إِن تَسْتَنْصِرُوا فقد جَاءكُم النَّصْرُ.
وَمِنْه حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يَسْتَفْتِح(4/257)
ُ بصعاليك المُهَاجِرِين أَي يَسْتَنْصِرُ بهِمْ.
وَقَالَ الفَرَّاء: قَالَ أَبُو جهل يَوْم بدر: اللَّهم انصر أَفْضَلَ الدِّينَيْن وأحَقَّه بالنَّصْر، فَقَالَ الله: {إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ الْفَتْحُ} (الأنفَال: 19) يَعْنِي النَّصْر.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: مَعْنَاهُ إِن تستنصروا فقد جَاءَكُم النَّصْرُ.
قَالَ: وَيجوز أَن يكون مَعْنَاهُ: إِن تَسْتَقْضُوا فَقدْ جَاءَكُم القَضَاء، وَقد جَاءَ فِي التَّفْسِير المعنيان جَمِيعًا.
ورُوِي أَن أَبَا جهل قَالَ يومئذٍ: اللَّهم أقْطَعَنَا للرَّحِم وأفسدَنا للْجَمَاعَة فأَحِنْه الْيَوْم، فَسَأَلَ الله أَن يَحكمُ بحَيْن من كَانَ كَذَلِك فَنُصِرَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونَالَه هُوَ الحَيْنُ وأَصْحَابَه فَقَالَ الله: {إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ الْفَتْحُ} (الأنفَال: 19) أَي إِن تَسْتَقضُوا فَقَدْ جَاءكُم القَضَاء.
وَقيل إِنَّه قَالَ: (اللَّهم انْصُر أحَبَّ الفِئَتَيْنِ إِلَيْك) فَهَذَا يدل أَنَّ مَعْنَاه إِن تَسْتَنْصِروا، وكِلا القَوْلَيْن جَيِّد.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {مِنَ الْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ} (القَصَص: 76) .
قَالَ الفرّاء: مَفَاتحه هَاهُنَا كنوزه وخزائنه، وَالْمعْنَى: مَا إنَّ مَفَاتِحَه لتُنِيء العُصْبَة تُمِيلُهم من ثِقَلِها.
وروى أَبُو عَوانة عَن حُصَيْن عَن أبي رَزِين قَالَ: مفاتِحهُ: خزَائنه أنْ كَانَ كَافِياً مفتاحٌ واحدٌ خَزَائنَ الْكُوفَة، إِنَّمَا مَفاتِحُه المالُ.
وروى أَبُو عَوانة أَيْضا عَن إِسْمَاعِيل بن سَالم عَن أبي صَالح {مِنَ الْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ} (القَصَص: 76) .
قَالَ: مَا فِي الخَزائن من مَالٍ تنوء بِهِ العُصْبَة.
وَقَالَ الزَّجاج فِي قَوْله: {مِنَ الْكُنُوزِ مَآ} (القَصَص: 76) جَاءَ فِي التَّفْسِير أنَّ مَفاتحه كَانَت من جُلُود وَكَانَت تُحْمَلُ على سِتَّين بَغْلاً.
قَالَ: وَقيل: مَفَاتحه: خَزَائنه.
قَالَ: وَالْأَشْبَه فِي التَّفْسِير أَن مَفَاتحه خَزائنُ مَالِه وَالله اعْلَمُ بِمَا أَرَادَ.
وَقَالَ اللَّيْث: جمعُ المِفْتاح الَّذِي يُفتح بِهِ المِغْلاَق مَفَاتِيح، وجَمْعُ المَفْتَح الخِزانة المفاتح.
قلت: وَيُقَال للَّذي يُفْتَح بِهِ المِغْلاَق مفتح بِكَسْر الْمِيم ومِفتاح وجمْعُهما مَفَاتح ومفَاتيح، وَهَذَا قَول النَّحْوِيين.
وَقَول الله جلّ وعزّ: {ء أَفَلاَ يُبْصِرُونَ وَيَقُولُونَ مَتَى هَاذَا الْفَتْحُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لاَ يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ إِيَمَانُهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ} (السَّجْدَة: 28، 29) الْآيَة.
وَقَالَ مُجَاهِد: يومُ الفَتْحِ هَاهُنَا يَوْم الْقِيَامَة، وَكَذَلِكَ قَالَ قَتَادة والكَلْبِيّ.
وَقَالَ قَتَادَة: كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُونَ: إنْ لنَا يَوماً أوشكَ أَن نَسْتريح فِيهِ وننعَم فَقَالَ الكفارُ: {يُبْصِرُونَ وَيَقُولُونَ مَتَى هَاذَا الْفَتْحُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (السَّجدَة: 28) .
وَقَالَ الفَرَّاء: يَوْم الْفَتْح يَعْنِي يَوْم فتح مَكَّة.
قلتُ: وَالتَّفْسِير جَاءَ بِخِلَاف مَا قَالَ وَقد نفع الكفارَ من أهل مَكَّة إيمانُهُم يَوْم فتح مَكَّة.(4/258)
وَقَالَ الزَّجَّاجُ: جَاءَ أَيْضا فِي قَوْله: {أَفَلاَ يُبْصِرُونَ وَيَقُولُونَ مَتَى هَاذَا الْفَتْحُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (السَّجدَة: 28) مَتى هَذَا الحُكْمُ وَالقضَاءُ، فَأعْلم الله أَن يَوْم ذَلِك الْفَتْح لَا ينفع الَّذين كفرُوا إيمَانُهُم أَي مَا داموا فِي الدُّنْيَا فالتَّوْبَةُ مُعْرِضة وَلَا تَوْبَة فِي الْآخِرَة.
وَقَالَ شمر فِي قَول الأسعَر الجُعْفِي:
بأَنِّي عَن فُتَاحَتكم غَنِيّ
أَي من قضائكم وحُكْمِكم.
وَقَالَ قَتَادَة فِي قَوْله تَعَالَى: {} (الفَتْح: 1) أَي قضينا لَك قَضَاء مُبِيناً.
وَفِي حَدِيث أبي الدَّرْدَاء أَنه أَتَى بَاب مُعَاوِيَة فحجبه فَقَالَ: من يَأْتِ سُدَدَ السُّلْطَان يقم وَيقْعد، وَمن يأتِ بَابا مغلقاً يجد إِلَى جَنْبه بَابا فُتُحاً رحْباً إِن دَعَا أُجِيبَ وَإِن سَأَلَ أَعْطِي. والسّدَّة: السَّقِيفَةُ فَوق بَاب الدَّار، وَقيل: السُّدَّة: الْبَاب نَفسه.
قَالَ أَبُو عُبَيد وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الفُتُح: الْوَاسِع. قَالَ: وَلم يذهب إِلَى المفْتُوح وَلَكِن إِلَى السَّعَة. قَالَ أَبُو عُبَيد: يَعْنِي بالفُتُح الطّلب إِلَى الله وَالْمَسْأَلَة.
والفَتّاحُ فِي صفة الله مَعْنَاهُ الحَاكم، وأهلُ الْيمن يَقُولُونَ للقَاضِي الفَتَّاحُ، وَيَقُول أحدهم لصَاحبه: تعال حَتَّى أُفَاتِحَك إِلَى الفَتّاح.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الفَتَاح: الْحُكُومَة، وَيُقَال للْقَاضِي الفَتّاح: لِأَنَّهُ يَفْتح مَوَاضِع الحقِّ.
قَالَ: والفَتْحُ: النَّهْرُ، قلت: وَجَاء فِي الحَدِيث (مَا سُقِيَ فَتْحاً فَفِيهِ العُشْر) وَالْمعْنَى مَا فُتِح إِلَيْهِ ماءُ النَّهر فتحا من الزروع والنخيل فَفِيهِ العُشْر.
وَأَخْبرنِي المُنْذِرِي عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الوَسْمِيُّ أولُ الْمَطَر وَهُوَ الفَتُوح بِفَتْح الْفَاء، وأقرأنيه الْمُنْذِرِيّ فِي مَوضِع آخر أَوَّل مطر الوَسْمِي الفُتُوحُ، الواحدُ فَتْح، وأَنْشَد:
يَرْعَى غُيُوثَ العَهْدِ والفُتُوحا
قلت: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: الفتْحُ: مَا جَرَى فِي الْأَنْهَار من المَاء.
وَقَالَ الليْثُ: الفُتْحَةُ. تَفَتُّح الْإِنْسَان بِمَا عِنْده من مِلْكٍ أَو أَدَبٍ يَتَطَاوَلُ بِهِ، تَقول: مَا هَذِه الفُتْحَةُ الَّتِي أظهرتها وتَفَتَّحْتَ بهَا علينا.
وفواتِحُ الْقُرْآن: أَوَائِل السَّور، الواحدةُ فَاتِحَة، وأُمُّ الكِتَابِ يُقَال لَهَا فاتحةُ الْقُرْآن.
أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد: بَاب فُتُحٌ أَي واسعٌ ضَخْم، وَقَالَ الكِسَائِيُّ: قارورةٌ فُتُحٌ: لَيْسَ لَهَا صِمَامٌ وَلَا غِلاف.
وَقَالَ ابْن بُزُرْج: الفَتْحَي: الرِّيحُ، وأنْشَد:
أكُلُّهُمُ لَا بَارَكَ الله فيهِمُ
إِذا ذُكِرَتْ فَتْحَى من البَيْع عَاجِبُ
فَتْحَى على فَعْلَي.
شمر عَن خَالِد بن جَنْبَه يُقَال: فاتَحَ الرجلُ امْرَأَتَهُ إِذا جَامعهَا.
قَالَ: وتفاتَحَ الرّجلَانِ إِذا تَفَاتَحَا كلَاما(4/259)
بَينهمَا وتَخَافَتَا دون النَّاس.
والفُتْحَةُ: الفُرْجَةُ فِي الشَّيْء.
أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد: الفَتُوح: النَّاقة الواسعةُ الإحليل وَقد فَتَحَت وأَفْتَحَت، والثَّرُورُ مثل الفَتُوح. والفُتَاحَةُ: الحُكُومةُ، وَمِنْه قَوْله:
بأنِّي عَن فُتَاحَتِكُم غَنِيّ
حفت: قَالَ اللَّيْث: الْحَفْتُ: الهَلاكُ، تَقول: حَفَتَه الله أَي أهلكه ودَقَّ عُنُقه، قلت: لم أسمع حَفَتَه بِمَعْنى دَقَّ لغير اللَّيْث، وَالَّذِي سمعناه عَفَتَه ولَفَتَه إِذا لَوَى عَنُقَهُ وكسره، فَإِن جَاءَ عَن الْعَرَب حَفَتَه بِمَعْنى عَفَتَه فَهُوَ صَحِيح وَإِلَّا فَهُوَ مُريب وَيُشبه أَن يكون صَحِيحا لتعاقب الْحَاء والعَين فِي حُرُوف كَثِيرَة.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي إِذا كَانَ مَعَ قِصَرِ الرجل سِمَنٌ قيل رجلٌ حَفَيْتَأٌ مَهْمُوزٌ مَقْصُورٌ، وَمثله حَفَيْسَأٌ وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي:
لَا تجعليني وعُقَيْلاً عِدْلَيْنِ
حَفَيْسَأ الشَّخصِ قَصيرَ الرِّجْلَيْنِ
ح ت ب
أهملت وُجُوه هَذَا الْبَاب غير بحتِ.
بحت: قَالَ اللَّيْث: البَحْتُ: الشَّيْء الْخَالِص، خَمْرٌ بَحْتٌ وخُمُورٌ بَحْتَةٌ، والتذكير بَحْتٌ، وَلَا يجمع بَحْتٌ وَلَا يصغر وَلَا يُثنَّى.
أَبُو عُبَيد: عربيٌّ بَحْتٌ وعربية بَحْتَةٌ كَقَوْلِك وَيُقَال: بَرْدٌ بَحْتٌ لَحْتٌ أَي شَدِيد.
وَيُقَال: باحَتَ فلَان القِتال إِذا صَدَق القِتال وجَدَّ فِيهِ، وَقيل: البَرَاكَاءُ: مُبَاحَتَةُ الْقِتَال.
وحِبْتُون: اسْم جبل بِنَاحِيَة المَوْصِل.
ح ت م
حتم، حمت، محت، متح، تحم: مستعملة.
حتم: قَالَ اللَّيْث: الحاتِمُ: القَاضِي. والْحَتمُ: إيجابُ الْقَضَاء، قَالَ: وَكَانَت امْرَأَة يُقَال لَهَا صَدُوف فآلت أَلا تتَزَوَّج إِلَّا من يَرُدّ عَلَيْهَا جوابَها، فَجَاءَهَا خَاطب فَوقف ببابها، فَقَالَت لَهُ: من أَنْت؟ قَالَ: بَشَرٌ وُلِد صَغِيرا وَنَشَأ كَبِيرا. فَقَالَت: أَيْن مَنْزِلُكَ؟ قَالَ: عَلَى بِساطٍ واسعٍ وبلدٍ شاسعٍ، قريبُه بعيدٌ، وبعيدُه قريب. قَالَت: مَا اسْمك؟ قَالَ: من شَاء أحدث إسماً وَلم يكن ذَلِك حتما، قَالَت: كَأَنَّهُ لَا حَاجَة لَك، قَالَ: لَو لم تكن حَاجَة لم آتِكِ لَجَاجَة، وأَقِفْ ببابك وأَصِلْ بأسْبَابك. قَالَت: سِرٌّ حاجَتُك أم جَهْرٌ؟ قَالَ: سِرٌّ وسَتُعْلَنْ. قَالَت: فَأَنت إِذا خَاطب، قَالَ: هُوَ ذَاك، قَالَت: قُضِيَتْ، فَتَزَوَّجَهَا.
قَالَ: والحاتِمُ: الغُرابُ الأسودُ، وَيُقَال: بل هُوَ غراب البَيْنِ أحمرُ المِنْقَارِ والرِّجْلَيْن.
أَبُو عُبَيد عَن أبي عُبَيدة: الحَاتِمُ: الغُراب، وَأنْشد لِمُرَقّشٍ السَّدُوسِيّ:
ولَقَدْ غَدَوْتُ وَكنت لَا
أَغْدُو على وَاقٍ وحَاتِمْ
فَإِذا الأشَائِمُ كالأيَا
مِن والأيَامِنُ كالأشَائِمْ
وكذاك لَا خَيْرٌ وَلَا
شَرٌّ عَلَى أحَدٍ بِدَائم(4/260)
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الحاتم: المشئوم، والحاتِمُ: الأسْوَدُ من كُلِّ شَيْء.
وَقَالَ غَيره: سُمِّي الْغُرَاب الأسْوَدُ حاتماً لِأَنَّهُ يَحْتِم عِنْدهم بالفراق إِذا نَعَبَ أَي يَحْكم، والحاتِمُ: الحاكِمُ المُوجِبُ للحُكْم.
وَقَالَ اللَّيْث: التَّحَتُّم: الشَّيء إِذا أَكَلْتَه فَكَانَ فِي فمك هَشّاً.
أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد قَالَ: الحُتَامَةُ: مَا فَضَل من الطَّعام على الطَّبقَ الَّذِي يُؤْكل عَلَيْهِ فَهُوَ الحُتَامَة.
وَقَالَ غَيره: مَا بَقِي على الْمَائِدَة من الطَّعَام.
سَلَمَةُ عَن الفرَّاء: التَّحَتُّم: أَكْلُ الحُتَامَةِ وَهِي فُتاتُ الخُبز.
وَجَاء فِي الْخَبَر: (من أَكَلَ وتَحَتَّم فَلَهُ كَذَا وَكَذَا من الثَّوَاب) .
قَالَ الفَرَّاء: والتَّحَتُّم أَيْضا: تَفَتُّتُ الثُؤْلُول إِذا جَفَّ، والتَّحَتُّم: تَكَسُّر الزُّجاج بعضه على بعض.
قَالَ: والْحَتَمَةُ: القارُورَةُ المُفَتَّتَةُ.
وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) يُقَال: تحتَّمتُ لَهُ بِخَير أَي تَمَنَّيْتُ لَهُ خيرا وتَفَاءَلْتُ لَهُ. وَيُقَال: هُوَ الأخُ الْحَتْمُ أَي المَحْضُ الحَقُّ.
وَقَالَ أَبُو خِرَاش يَرْثي رَجُلاً:
فوَاللَّه لَا أَنْسَاكَ مَا عِشْتُ لَيْلَةً
صَفِيَ من الإخوانِ والْوَلَدِ الْحَتم
تحم: قَالَ اللَّيْث: الأتْحَمِيُّ: ضَرْبٌ من البُرُود وَقَالَ رُؤْبَة:
أَمْسَى كَسَحْقِ الأتْحَمِيّ أَرْسُمُه
وَقد أتحمْتُ البُرُودَ إتحاماً فَهِيَ مُتْحَمَةٌ، وَقَالَ الشَّاعِر:
صَفْرَاء مُتْحَمَةً حِيكَتْ نَمانِمُها
من الدِّمِقْسِيِّ أَو مِنْ فَاخِرِ الطُّوطِ
الطُّوطُ: القُطْنُ.
وَقَالَ غَيره: تَحَّمْتُ الثوبَ: وشَّيْتُه، وفرسٌ مُتَحَّمُ اللَّوْنِ إِلَى الشُّقْرَةِ، وَكَأَنَّهُ شُبِّه بالأتْحمِيِّ من البُرودِ وَهُوَ الأحْمَرُ.
وفرسٌ أَتْحَمِيُّ اللَّوْن.
وروى أَبُو العَبّاس عَن سَلَمَة عَن الفرَّاء قَالَ: التَّحَمَةُ: البُرُودُ المخططة بالصُّفْرَة.
عَمْرو عَن أَبِيه: التَّاحِمُ الحائِكُ.
متح: قَالَ اللَّيْث: المَتْحُ: جَذْبُك رِشَاءَ الدَّلْو تَمُدُّه بيد وتأخُذُ بيد على رَأْسِ البِئْر.
والإبلُ تَتَمَتَّحُ فِي سَيرها إِذا تَرَاوَحَت بأيديها.
وَقَالَ ذُو الرُّمَّة:
لأيْدِي المَهَارَى خَلْفَها مُتَمَتَّحُ
وفَرسٌ مَتَّاحٌ أَي مَدَّادٌ.
وسُئل ابْن عَبَّاس عَن السّفر الَّذِي تُقْصَرُ فِيهِ الصَلاة، فَقَالَ: لَا تُقْصَرُ إِلَّا فِي يَوْم مَتَّاحٍ إِلَى اللَّيْل، أَرَادَ لَا تقصر الصَّلَاة إِلَّا مَسِيرَة يَوْم يَمْتَدُّ فِيهِ السّير إِلَى الْمسَاء بِلَا وَتِيرةٍ وَلَا نُزُول.
وَقَالَ أَبُو سعيد المَتْح: القَطْعُ. يُقَال: مَتَحَ الشيءَ ومَتَخَه إِذا قطعه من أصلهِ، وَقَالَ: مَتَحَ بِسَلْحِه وَمَتَخَ بِهِ إِذا رَمَى بِهِ رَوَاهُ أَبُو تُرَاب عَنهُ.(4/261)
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال للجراد إِذا ثَبَّتَ أذنابَه ليَبِيض مَتَحَ وأَمْتَحَ ومَتَّحَ، وبَنَّ وأَبَنَّ وبَنَّنَ وقَلَزَ وأَقْلَزَ وقَلَّزَ.
قلتُ: ومَتَخَ الجَرَادُ بالخاءِ مِثْلُ مَتَحَ.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: بئرٌ مَتُوحٌ وَهِي الَّتِي يُمَدُّ مِنْهَا باليَدَيْن نَزْعاً.
قلتُ: وَهَذَا هُوَ الصَّواب لَا مَا قَالَه اللَّيْث.
وَيُقَال: رَجُلٌ ماتِحٌ ورجالٌ مُتَّاحٌ، وبَعيرٌ ماتِحٌ وجِمَالٌ مَوَاتِحُ، وَمِنْه قولُ ذِي الرُّمَّة:
ذِمامُ الرَّكَايَا أَنْكَرَتْها المَوَاتِحُ
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال مَتَحَ النهارُ ومَتَحَ الليلُ إِذا طَالاَ. ويومٌ متَّاحٌ: طَوِيلٌ تامٌّ، يُقَال ذَلِك لنهار الصَّيف وليل الشتَاء.
حمت: قَالَ اللَّيْث: الحَمِيتُ: وِعَاءُ السَّمن كالعُكَّة والجميع الحُمُت.
وَفِي حَدِيث عمر أَنه قَالَ لِرَجُلٍ أَتَاهُ سَائِلًا فَقَالَ: هَلَكْت، فَقَالَ لَهُ: أَهَلَكْتَ وأنتَ تِنِثُّ نَثِيثَ الحَمِيت.
قَالَ أَبُو عُبَيد: الأحْمَرُ الحَمِيتُ: الْزِّقُّ المُشْعَر الَّذِي يُجعَل فِيهِ السمنُ والعسلُ والزيتُ وَجمعه حُمُتٌ.
وَقَالَ ابْن السّكيت: الحَمِيتُ: المَتِينُ من كلِّ شَيْء وسُمِّي النِّحْيُ حَمِيتاً: لِأَنَّهُ مُتِّن بالرُّبِّ. قَالَ وغَضَبٌ حَمِيتٌ: شديدٌ وَأنْشد:
حتَّى يَبُوخَ الغَضَبُ الحَمِيتُ
وَيُقَال للتَّمرةِ الشديدةِ الْحَلَاوَة: هِيَ أَحْمَتُ حَلاوةً من هَذِه أَي أشدُّ حلاوة.
أَبُو عُبَيد عَن الْكسَائي: يومٌ حَمْتٌ وليلةٌ حَمْتَةٌ، وَيَوْم مَحْتٌ وليلةٌ مَحْتَةٌ وَمَحْت وَقد حَمُتَ ومَحُتَ كل هَذَا فِي شدَّة الحَرِّ، وَأنْشد شمر:
مِنْ سَافِعاتٍ وهَجِيرٍ حَمْت
عَمْرو عَن أَبِيه: الحامِتُ: التَّمر الشَّديد الْحَلَاوَة.
وَقَالَ ابْن شُمَيل: حَمَتَك الله عليْه أَي صَبَّك الله عَلَيْهِ بِحَمتِك.
محت: أَبُو عُبَيد عَن الكِسائي: مَحَتَ يَوْمُنا وحَمُتَ إِذا اشتدَّ حرُّه.
عَمْرو عَن أَبِيه. الماحِتُ: اليومُ الحارُّ.
وَقَالَ غيرُه: عربيٌّ بَحْتٌ مَحْتٌ أَي خالِصٌ.
(أَبْوَاب الْحَاء والظاء
ح ظ ذ ح ظ ث: أهملت وجوهها. ح ظ ر
اسْتعْمل من وجوهها: حظر.
حظر: قَالَ اللَّيْث: الحِظَارُ: حائِطُ الحَضِيرَة، والحَظِيرَةُ تُتَّخَذُ من خشبٍ أَو قصب، وصاحبُها مُحْتَظِر إِذا اتَّخَذَها لنَفسِهِ، فَإِذا لم تَخُصَّه بهَا فَهُوَ مُحَظِّر، وكلُّ من حَال بينكَ وَبَين شَيْء فقد حَظَرَهُ عَلَيْك.
قَالَ الله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} (الإسرَاء: 20) ، وكلُّ شَيْء حَجَزَ بَين شَيئين فَهُوَ حِظَارٌ وحِجَارٌ.
قلتُ: وسَمِعْتُ العربَ تَقول للجدار من الشَّجَر يُوضَع بعضُه على بعض ليَكُون ذَرًى لِلمَالِ يَرُدُّ عَنهُ برد الشمَال فِي الشتَاء حَظَارٌ بِفَتْح الْحَاء، وَقد حَظَّر فُلانٌ على(4/262)
نَعَمِه، وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {وَنُذُرِ إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً} (القَمَر: 31) وقُرِىء (كهَشِيم المُحْتَظَر) ، فَمن قَرَأَ المُحْتَظِر أَرَادَ كالهشيم الَّذِي جمعه صاحبُ الحظيرَة، وَمن قَرَأَ المُحْتَظَر بِفَتْح الظَّاء فالمحتظَر اسْم للحظيرة، الْمَعْنى كهشيم الْمَكَان الَّذِي يُحْتَظَرُ فِيهِ الهشيمُ، والهشيمُ: مَا يَبِسَ من الحُظُرَاتِ فارْفَتَّ وتَكَسَّر.
الْمَعْنى أَنهم بادوا وهَلكوا فصاروا كيَبِيس الشّجر إِذا تَحَطَّم.
وَقَالَ الفرّاء: معنى قَوْله: كهشيم المُحْتَظِر أَي كهشيم الَّذِي يَحْتَظِر على هَشِيمِه، أَرَادَ أَنَّه حَظَّرَ حِظَاراً رَطْباً على حِظَارٍ قديمٍ قد يَبِسَ.
وَيُقَال للحَطَبِ الرَّطْب الَّذِي يُحْظَرُ بِهِ الحَظِرُ. وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
وَلم تمشِ بينَ الحيِّ بالحظِر الرَّطْب
أَي لم تَمْشِ بَينهم بالنميمة.
وَفِي حَدِيث أُكَيْدِر دُومَة: (وَلَا يُحْظَرُ عَلَيْكُم النَّبَاتُ) .
يَقُول: لَا تُمْنَعُون من الزِّرَاعَة حَيْثُ شِئْتُم، وَيجوز أَن يكون مَعْنَاهُ: لَا يُحْمَى عَلَيْكُم المَرْتَعُ.
ورُوِي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (لَا حِمَى فِي الْأَرَاك) . فَقَالَ لَهُ رجلٌ: أَرَاكةٌ فِي حَظَارِي، فَقَالَ: (لَا حِمَى فِي الأَرَاك) .
رَوَاهُ شَمِر وقَيَّدَهُ بخَطِّه فِي حِظارِي بِكَسْر الْحَاء.
وَقَالَ: أَرَادَ بِحَظَارِ الأَرْض الَّتِي فِيهَا الزَّرْع المحاط عَلَيْهِ.
ح ظ ل
اسْتعْمل من وجوهه: حظل، لحظ.
حظل: قَالَ اللَّيْث: الحَظِلُ: المُقَتِّرُ، وَأنْشد:
طَبَانِيَةٌ فيَحْظُلَ أَو يَغَارا
قَالَ: والحاظِلُ: الَّذِي يَمْشي فِي شِقَ مهن شَكاة.
وَقَالَ: مَرَّ بِنَا فُلانٌ يَحْظُل ظالِعاً.
وَعَن ابْن الْأَعرَابِي أنَّه أنْشد:
وحَشَوْتُ الغَيْظَ فِي أَضْلاَعه
فَهُوَ يَمْشي حَظَلاناً كالنَّقِر
قَالَ: والكَبْشُ النَّقِرُ الَّذِي قد التوى عِرْقٌ فِي عُرْقُوبَيْه فَهُوَ يكُفُّ بعض مَشْيِه. قَالَ: وَهُوَ الْحَظَلاَنُ.
قَالَ: حَظَلَ يَحْظُلُ حَظَلاَناً.
وَقَالَ ابْن السّكيت: حَظَلَت النَّقِرَةُ من الشَّاء تَحْظُلُ حَظْلاً أَي كَفَّتْ بَعْضَ مِشْيَتِها.
وَأما الْبَيْت الَّذِي احْتَجَّ بِهِ الليثُ فَإِن الروَاة رَوَوْهُ مَرْفُوعاً:
فَمَا يُخْطِئْكِ لَا يُخْطِئْكِ مِنْهُ
طَبَانِيَةٌ فَيَحْظُلُ أَو يَغَارُ
يَصِفُ رجُلاً بِشدَّة الغَيْرَة، والطِّبَانَةِ لِكُل مَنْ نَظَرَ إِلَى حليلَتِه فإمَّا أَن يَحْظِلَها أَي يَكُفُّها عَن الظُّهُور أَو يَغَارُ فيغضب، وَرفع فيحظل على الِاسْتِئْنَاف.
وَقَالَ اللَّيْث: بَعيرٌ حَظِلٌ إِذا أكَلَ الحَنْظَلَ وقلَّما يَأْكُلهُ يحذفون النُّون، فَمنهمْ من يَقُول: هِيَ زَائِدَة فِي الْبناء، وَمِنْهُم من(4/263)
يَقُول هِيَ أَصْلِيَّة، وَالْبناء رُباعي وَلكنهَا أحَقّ بالطّرْح لِأَنَّهَا أخف الْحُرُوف، وهم الَّذين يَقُولُونَ: قد أسبل الزرعُ بطرح النُّون، ولغة أُخْرَى قد سَنْبَلَ الزَّرْع.
وَقَالَ شمر: حظَلْتُ على الرِّجُل وحظَرْتُ وعَجَرْتُ وحجَرْتُ بِمَعْنى وَاحِد. سَمِعت ابْن الْأَعرَابِي يَقُوله، وأنشدنا:
أَلا يَا لَيْلَ إنْ خُيِّرْتِ فينَا
بعَيْشِكِ فانْظُري أَيْنَ الخِيَارُ
فَمَا يُخْطِئْكِ لَا يُخْطِئْكِ مِنْهُ
طَبَانِيَةٌ فَيَحْظُلُ أَو يَغَارُ
قَالَ الفرَّاء: يَحْظُل: يَحْجُر ويُضَيِّق.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الحِظْلاِنُ: المَنْعُ، وأَنْشَد:
تُعَيِّرُني الحِظْلاَنَ أُمُّ مُغَلِّس
لحظ: قَالَ اللَّيْث: اللِّحَاظُ: مُؤْخِرُ العَيْنِ. واللَّحْظَةُ: النَّظْرَةُ من جانِب الأُذُن.
وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
فلمَّا تَلَتْه الخَيْلُ وهوَ مُثَابِرٌ
على الركْضِ يُخْفِي لَحظَةً ويُعِيدُها
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: اللِّحَاظُ: مِيسَمٌ من مُؤْخرِ العَيْنِ إِلَى الأُذُن وهُو خَطُّ ممْدُود، وربْما كانَ لِحَاظَيْن من جانبين، وَرُبمَا كانَ لِحَاظاً وَاحِدًا من جَانب وَاحِد، وَكَانَت سِمَةَ بني سعد.
وجَمَلٌ مَلْحُوظٌ بلِحَاظَيْن، وَقد لَحَظْتُ البَعِيرَ ولَحَّظْتُه تلْحِيظاً.
ولَحْظَةُ: مَأْسَدَةٌ بتهامة.
يُقَال: أُسْدُ لَحْظَة كَمَا يُقالُ: أُسْدُ بِيشَة. قَالَ النَّابِغةُ الجَعْدِيّ:
سَقَطُوا عَلَى أَسَدٍ بِلَحْظَة مَشْ
بُوحِ السَّوَاعِدِ باسِلٍ جَهْمِ
وَأما قَول الهُذَلِيّ يَصِفُ سِهاماً:
كساهُنَّ أَلآماً كأنَّ لِحَاظَها
وتفصِيلَ مَا بَيْنَ اللِّحَاظ قَضِيمُ
أَرَادَ كساها رِيشاً لُؤَاماً.
ولِحَاظُ الرِّيشَةِ: بَطْنُها إِذا أُخِذَتْ من الجَنَاح فَقُشِّرَتْ فأَسْفَلُها الأبيضُ هُوَ اللِّحاظُ. شَبَّه بَطْنَ الرِّيشة المقشُورة بالقَضيم، وَهُوَ الرِّقُّ الأبْيضُ يُكْتَبُ فِيهِ.
وَقَالَ غير وَاحِد: المأْقُ: طَرَفُ العَيْنِ الَّذِي يَلِي الأَنْفَ.
واللِّحاظُ: مُؤْخِرُها الَّذِي يَلِي الصُّدْغَ.
أَبُو زيد: لَحَظ فلَان يَلْحَظُ لَحَظاناً إِذا نَظرَ بمُؤْخِرِ عَيْنِه.
وفلانٌ لَحِيظُ فلانٍ أَي نَظيرُه.
ح ظ ن
اسْتعْمل من وجوهه: نظح، حنظ.
نظح: قَالَ اللَّيْث: أَنْظَح السُّنْبُلُ إِذا رَأَيْت الدَّقِيق فِي حَبِّه.
قلت: الَّذِي حَفِظْناه وسمعناه من الثِّقَات: نَضَحَ السُّنبُلُ وأَنْضحَ وَقد ذكرته فِي بَاب الْحَاء وَالضَّاد، والظَّاء بِهَذَا الْمَعْنى تَصْحِيف إِلَّا أَن يكون مَحْفُوظًا عَن الْعَرَب فَيكون لُغَة من لغاتهم، كَمَا قَالُوا بَضْرُ الْمَرْأَة لِبَظْرِها.
حنظ: تَقول الْعَرَب: رَجُلٌ حِنْظِيانٌ وحِنْذِيان وخِنْذِيان وعِنْظِيان إِذا كَانَ فَحَّاشاً.(4/264)
وَيُقَال للْمَرْأَة: هِيَ تُحَنْظِي وتُحَنذِي وتُعَنْظِي إِذا كَانَت بَذِيَّةً فحّاشةً.
قلت: وحنْظَى وعنْظَى ملحقان بالرُّبَاعي، وأصْلُها ثُلاثي، وَالنُّون فِيهَا زَائِدَة، كأنَّ الأصلَ مُعْتَل.
ح ظ ف
اسْتعْمل من وجوهه: (حفظ) .
حفظ: قَالَ اللَّيْث: الحِفْظُ: نَقِيضُ النسْيَان، وَهُوَ التَّعاهُد وقِلَّةُ الغفْلةِ.
والحَفيظُ: المُوكَّلُ بالشَّيْء يَحْفَظُه، يُقَال: فُلانٌ حَفِيظُنَا عليْكُم وحافِظُنا.
قلت: والحَفيظُ من صِفَات الله جلّ وعزّ، لَا يَعْزُبُ عَن حِفظِه الأشياءُ كُلُّها مثقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَات وَلَا فِي الأَرْض، وَقد حَفِظَ على خَلْقِه وعباده مَا يعْمَلون من خَيْرٍ أَو شَرَ، وَقد حفِظَ السمواتِ والأرضَ بقدرته وَلَا يَؤُودُه حِفْظُهما وهُو العَلِيُّ الْعَظِيم.
وَقَالَ جَلَّ وعزَّ: {ء مُّحِيطٌ بَلْ هُوَ قُرْءَانٌ مَّجِيدٌ فِى لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ} (البروج: 21، 22) قَالَ أَبُو إِسْحَاق: أَي الْقُرْآن فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ، وَهُوَ أُمُّ الكِتَاب عِنْد الله جَلَّ وعزَّ، قَالَ: وقُرِئَتْ مَحْفُوظٌ وَهُوَ من نعت قَوْله: بل هُوَ قُرْآن مَجِيدٌ مَحْفُوظٌ فِي لَوْحٍ.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَاحِمِينَ} (يُوسُف: 64) ، وقُرِىء (خَيْرٌ حِفْظاً) نَصبٌ على التَّمْيِيز، ومَنْ قَرَأَ حافِظاً، جَازَ أَن يكون حَالا، وَجَاز أَن يكون تمييزاً.
وَرَجُلٌ حَافِظٌ، وقَوْمٌ حُفَّاظٌ، وهُم الَّذين رُزقوا حِفْظ مَا سَمِعوا، وقلَّما يَنْسَوْن شَيْئاً يَعُونه.
وَقَالَ بَعضهم: الاحْتِفَاظُ: خُصُوص الحِفْظِ، تَقول: احْتَفَظْتُ بالشَّيْء لِنَفْسي.
وَيُقَال: اسْتَحْفَظتُ فُلاناً مَالا إِذا سَأَلته أَن يحفظه لَك واستحفظتُه سِرّاً، وَقَالَ الله فِي أهل الْكتاب: {بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللَّهِ} (المَائدة: 44) أَي استُودِعُوه وأَتُمِنُوا عَلَيْهِ.
وَقَالَ اللَّيْث: التَّحَفُّظ: قِلَّةُ الْغَفْلَة فِي الْكَلَام، والتَّيَقُّظُ من السَّقْطة.
والمحافظةُ: المواظبةُ على الْأَمر.
قَالَ الله جلّ وعزّ: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ} (البَقَرَة: 238) أَي واظبوا على إقَامتها فِي مَواقيتها. وَيُقَال: حافَظ على الْأَمر وَالْعَمَل وثابَرَ علَيه بمَعْنًى وحَارَضَ وبَارك إِذا داوم عَلَيْهِ.
والحِفَاظ: المحافَظةُ على الْعَهْد، والمحَامَاةُ على الحُرَمِ ومَنْعُها من العَدُوِّ، وَالِاسْم مِنْهُ الحَفيظَةُ، يُقَال: رَجُلٌ ذُو حَفِيظة. وأهلُ الحَفَائِظ: أَهلُ الحَفَاظ، وهم المحَامون على عَوْرَاتِهم الذَّابُون عَلَيْهَا، وَقَالَ العَجَّاجُ:
إنَّا أُنَاسٌ نَلزَمُ الحِفَاظا
والحِفْظَةُ: اسْم من الاحتفاظ عِنْدَمَا يُرَى من حَفِيظة الرَّجُل، تَقول: أَحْفَظْتُه فاحْتَفَظَ حِفْظَةً، قَالَ العَجَّاجُ:
مَعَ الْجَلاَ وَلاَئحِ القَتِيرِ
وحِفْظَةٍ أَكَنَّهَا ضَمِيري
يُفَسَّر على غَضْبَةٍ أَجَنَّها قَلْبي، وَقَالَ الآخر:(4/265)
وَمَا العَفْوُ إِلَّا لامرىء ذِي حَفِيظَةٍ
متَى يُعْفَ عَنْ ذنْبِ امرىء السَّوْءِ يَلْجَجِ
وَقَالَ غَيْرُه: الحِفاظُ: المُحافَظَةُ على العَهْدِ، والوَفَاء بالعَقْد، والتَّمسُّك بالوُدّ.
والْحَفِيظَةُ: الغَضَبُ لِحُرْمَةٍ تْنْتَهك من حُرَمَاتِكَ أَو جَارٍ ذِي قَرابةُ يُظْلَمُ من ذَويك أَو عَهْدٍ يُنْكَث.
والمُحْفِظَات: الأمُورُ الَّتِي تُحفِظُ الرجلَ أَي تُغضِبه إِذا وُتِرَ فِي حَميمه أَو فِي جِيرَانه، وَقَالَ القَطامِيُّ:
أخوكَ الَّذِي لَا يَمْلِكُ الحِسَّ نَفْسَه
وتَرْفَضُّ عِنْد المُحْفِظاتِ الكَتَائفُ
يَقُول: إِذا استَوْحَشَ الرجلُ من ذِي قرَابَته فاضطغن عَلَيْهِ سخيمةً لإساءَةٍ كَانَت مِنْهُ إِلَيْهِ فأوْحَشَتْه ثمَّ رَآهُ يُضامُ زَالَ عَن قَلْبه مَا احْتَقَدَهُ عَلَيْهِ وغَضِبَ لَهُ فَنَصَره وانْتَصَر لَهُ من ظالمِه.
وحُرَمُ الرَّجُل: مُحْفِظاتُه أَيْضا.
وَقَالَ النَّضْرُ: الطَّرِيق الحافِظُ هُوَ البَيِّن الْمُسْتَقيم الَّذِي لَا يَنْقَطِع، فأمَّا الطَّرِيق الَّذِي يَبينُ مَرَّةً ثمَّ يَنْقَطِع أَثَرُه ويمَّحى فَلَيْسَ بِحافِظٍ.
وَقَالَ اللَّيْث: احْفَاظَّت الجِيفَةُ إِذا انْتفَخَت.
قلت: هَذَا تَصْحِيف مُنكر، وَالصَّوَاب اجْفَأَظَّت بِالْجِيم، وروى سَلَمَةُ عَن الْفراء أَنه قَالَ: الجَفيظُ: الْمَقْتُول المُنْتَفِخُ بِالْجِيم، وَهَكَذَا قرأتُ فِي (نوادِر ابْن بُزُرج) لَهُ بِخَط أبي الهيْثَمِ الَّذِي عَرفته لَهُ اجْفَأَظَّت بِالْجِيم، والحَاء تَصْحيف، وَقد ذكر اللَّيْثُ هَذَا الحرفَ فِي كتَابِ الْجِيم فَظَنَنْتُ أَنه كَانَ مُتَحَيراً فِيهِ فَذكره فِي موضِعين.
ح ظ ب
أهمل اللَّيْث هَذَا الْبَاب وَاسْتعْمل مِنْهُ: حظب.
حظب: أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: الحُظُبًّى: صُلْبُ الرَّجل، وَأنْشد قَول الفِنْذِ الزِّمَّانِي، واسْمه شَهْلُ بنُ شَيْبَان:
ولوْلا نَبْلُ عَوْضٍ فِي
حظَبَّايَ وأوْصالِي
أَرَادَ بالعَوْضِ الدَّهْرَ لَهُ، وحُظُبَّاهُ: صُلْبُه.
الحَرَّاني عَن ابْن السِّكِّيت قَالَ الْفراء: رَجُلٌ حُظُبَّة: حُزُقَّةٌ إِذا كَانَ ضيِّقَ الْخُلُق، ورَجْلٌ حُظُبٌّ أَيْضا، وَأنْشد:
حُظُبٌّ إِذا سَاءَلتِه أَو تَركْتِه
قَلاكِ وَإِن أعْرَضْت رَاءَى وسمَّعَا
أَبُو عُبَيْد عَن الأُمَوي: مِن أمْثالهم فِي بَاب الطَّعَام: (اعْلُل تحْظُبْ) أَي كُلْ مَرَّةً بعد أخْرى تَسْمَن، يُقَال مِنْهُ قد حَظَب يَحظِبُ حُظُوباً إِذا امْتَلأ، ومِثْلُه كَظَب يَكْظِبُ كُظُوباً.
وَقَالَ الفرَّاء: حَظَبَ بَطْنُه وكَظَبَ إِذا انتفَخَ.
أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن سَلَمَةَ عَن الْفراء قَالَ: من أَمْثال بَنِي أسَد: اشْدُدْ حُظُبَّي قَوْسَك، يُرِيد اشْدُد يَا حُظُبَّى قَوْسَك، وَهُوَ اسْم رجل، أَي هَيِّىءْ أمْرَك.
ابْن السّكيت: رَأَيْت فُلاناً حاظِباً ومُحْظَئِبا(4/266)
ً أَي مُمتَلِئاً بَطِيناً.
ح ظ م
أهمل اللَّيْث وجوهه:
(حمظ) : وَقَالَ أَبُو تُراب: سَمِعت بعضَ بني سُلَيْم يَقُول: حَمَزَهُ وحَمَظَه أَي عَصَرَهُ جَاءَ بِهِ فِي بَاب الظَّاء والزَّاي.
(أَبْوَاب الْحَاء والذال
ح ذ ث: أهملت وجوهها كلهَا. ح ذ ر
اسْتعْمل من وجوهها: حذر، ذرح.
قَالَ اللَّيْث: ينظر فِي ذحر فَإِن وجد مُسْتَعْملا ذكر مَا فِيهِ قلت: وَلم أجذه مُسْتَعْملا فِي شَيْء من كَلَامهم.
حذر: قَالَ اللَّيْث: الحَذَرُ: مَصْدَر قَوْلِك: حَذِرْتُ أحْذَرُ حَذَراً فَأَنا حاذِرٌ وحَذِرٌ قَالَ: وتُقرأُ هَذِه الْآيَة: {وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ} (الشُّعَرَاء: 56) أَي مُسْتَعِدُّون وَمن قَرأَ (حَذِرون) فمعْناهُ إنَّا نخَافُ شَرَّهُم.
وَقَالَ الفرّاء فِي قَوْلِه (حاذِرونَ) ، رُوِي عَن ابْنِ مَسْعُود أنَّه قَالَ: مُؤذُوْن ذَوُو أداةٍ من السِّلاح، وقُرِىء (حَذِرون) ، قَالَ: وكأنَّ الحاذر الَّذِي يَحْذَرُك الْآن، وَكَأن الحَذِر المخلوقُ حَذِراً لَا تَلقاهُ إِلَّا حَذِراً، وَقَالَ: الزّجاج: الحاذِرُ: المسْتَعِدُّ، والحَذِرُ: المُتَيَقّظُ، وَقَالَ شمر: الحاذِرُ: المُؤذِي الشَّاكُّ فِي السِّلاحِ وَأنْشد:
وبِزّةٍ فَوْقَ كَمِيَ حَاذِرِ
ونَثْرَةٍ سَلَبْتُها عَن عَامِرِ
وحَرْبَةٍ مِثْلِ قُدَامَى الطّائر
أَبُو زيد: فِي العَيْن الحَذَرُ، وَهُوَ ثِقَلٌ فِيهَا من قَذًى يُصِيبُها. والحذَلُ: بِاللَّامِ طولُ البُكَاءِ، وألاّ تجِفّ عَيْنُ الْإِنْسَان.
اللَّيْث: أنَا حَذِيرُك مِنْ فُلاَنٍ أَي أُحَذِّرُكَهُ.
قلت: لم أسمع هَذَا الحَرْفَ لغَيْرِه، وكأنَّه جاءَ بِهِ على لَفْظِ نَذِيرُك وعَذِيرك.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقالُ حَذَارِ يَا فلَان أَي احْذَرْ وأنشدَ:
حَذَارِ من أَرْمَاحِنا حَذَارِ
جُرَّتْ لِلْجَزْمِ الَّذِي فِي الأمْر وأُنِّثَتْ لِأَنَّهَا كلمة، وتقولُ: قد سَمِعْتُ حَذَارِ فِي عَسكَرِهم ودُعِيَتْ نَزَالِ بينَهم.
قَالَ: وحُذَارُ: اسْم أبي ربيعَة بن حُذَارٍ قَاضِي الْعَرَب فِي الجاهِلية، وَكَانَ مِنْ بَنِي أسدِ بن خُزَيمَة.
أَبُو عُبَيد عَن الأصْمعي: الحِذْرِيَةُ مِن الأرضِ: الخَشِنَةُ وَالْجمع حَذَارِيّ.
وَقَالَ النَّضْرُ: الحِذْرِيَةُ: الأرضُ الغَلِيظَة من القُفّ الخَشِنَةُ.
وَقَالَ أَبُو خَيْرَةَ: أَعْلى الجبَل إِذا كَانَ صُلْباً غليظاً مُسْتوِياً فَهُوَ حِذْرِيَةٌ، ويقالُ: رَجُلٌ حِذْرِيانُ إِذا كانَ حَذِراً عَلَى فِعْلِيَانٍ.
ذرح: ابْن المُظفَّر: الذُّرَحْرَحَةُ: الواحِدَةُ مِنَ الذَّرَارِيح، وَمِنْهُم مَنْ يَقُول: ذَرِيحة واحدةٌ وتقولُ: طعَامٌ مَذْرُوحٌ وَهِي أعظم من الذُّبَاب شَيْئا، مُجَزَّعٌ مُبَرْقَشٌ بحُمْرَة وسوَادٍ وصُفْرَةٍ لَهَا جَنَاحَانِ تطيرُ بهما، وَهُوَ سَمٌّ قاتلٌ فَإِذا أرَادُوا أَنْ يَكْسِرُوا حَدَّ سَمِّه خَلَطُوه بالعَدَس فَيصير دوَاءً لِمَنْ عَضَّهُ الكلْبُ الكَلِبُ.(4/267)
قَالَ: وبَنو ذَرِيحٍ: من أحياءِ العربِ.
والذَّرَحُ: شَجَرةٌ يُتَّخَذُ مِنها الرِّحَالةُ.
عَمْرُو عنْ أَبِيه: الذَّرَائح: هَضَباتٌ تُبْسَطُ عَلَى الأرْض حُمْرٌ، واحدتُها ذَريحة.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: ذَرَّحَ إِذا صَبَّ فِي لَبَنِه مَاء ليَكْثُرَ.
أَبُو حَاتِم قَالَ أَبُو زيد: المَذِيقُ والضَّيْحُ، والمُذَرِّحُ، والذُّرَّاح والذُّلاَّحُ والمُذَرّقُ كلُّه: اللَّبَنُ الَّذِي مُزِجَ بالماءِ.
عَمْرو عنْ أَبِيه: ذَرَّحَ إِذا طَلى إداوَتَه الْجَدِيد بالطين لتطيب رائحتها. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي مرّخ إداوته بِهَذَا المَعْنَى.
قَالَ: وَيُقَال: أَحْمَرُ ذَرِيحِيٌّ إِذا كانَ شديدَ الحُمْرَة قَالَ: وذَرَّحْتُ الزَّعْفَرَان وغيرَهُ فِي الماءِ إِذا جَعَلْتَ منهُ فيهِ شَيْئا يَسِيراً.
ح ذ ل
اسْتعْمل من وجوهه: حذل، ذحل.
حذل: قَالَ اللَّيْث: الحَذَل (مُثَقَّل) : حُمْرَةٌ فِي العَيْن. تقولُ: حَذِلتْ عَيْنُه حَذَلاً.
وَقَالَ العَجّاجُ:
والشَّوْقُ شَاجٍ لِلْعُيونِ الحُذَّلِ
وصَفَها كأنَّ تلكَ الْحمْرَة اعْتَرتْها مِنْ شِدَّةِ النَّظرِ إِلَى مَا أَعْجِبَتْ بِهِ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: الحَذَلُ: حُمْرَةٌ فِي العيْنِ وانْسِلاَقٌ وسَيَلانٌ. وانْسِلاَقُهَا: حُمْرَةٌ تَعْتَرِيها.
وَقَالَ أَبُو زيد: الحَذَلُ: طُولُ البُكاء وأَلاَّ تَجِفَّ العَيْنُ.
ابْن الْأَعرَابِي: الحُذَالُ: انسلاق الْعين.
والحَذَالُ بِفَتْح الْحَاء: صَمْغُ الطَّلْح إِذا خرَجَ فأكلَ العُودَ فانحَتَّ واخْتَلَط بالصَّمْغ وَإذا كانَ كذلكَ لم يُؤْكل ولَمْ يُنتفَع بِهِ.
أخبرَني المُنْذِريّ عنْ أبي العبَّاس عَن سَلَمة عَن الفرّاء قَالَ الْحُذالُ: حَيْضُ السَّمُر وَقَالَ نُسَمِّيه الدُّوَدِم: وذلكَ أَنهم يَحُزُّونَ حَزّاً فِي سَاق السَّمُرَةِ فيخرُجُ مِنْهَا دَمٌ كأَنَّه حَيْضٌ، وَأنْشد:
كأَنَّ نبيذكَ هَذَا الحُذَال
قَالَ: والحِذْلُ: الحُجْزَةُ.
وَقَالَ ثعلبٌ: وسمِعْتُه يقولُ: حُجْزَتُه وحُذْلَتُه وحُزَّته وحُبْكتُه واحِدٌ.
ذحل: قَالَ اللَّيْث: الذَّحْلُ: طَلَبُ مكافأَةٍ بجِنَايَةٍ جُنِيتْ عَلَيْك أَو عَداوةٍ أُتِيتْ إِلَيْك.
قُلتُ: وَجمع الذَّحْلِ ذُحُول وهُوَ التِّرَةُ.
ح ذ ن
اسْتعْمل من وجوهه: حنذ، حذن.
حنذ: قَالَ اللَّيْث: الحَنْذُ: اشْتِوَاءُ اللحْمِ بالحِجَارة المُسَخَّنة، تَقول: حَنَذْتُه حَنْذاً، وَقَالَ فِي قولِ الله جلّ وعزّ: {فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} (هُود: 69) . قَالَ: مَحْنوذٌ مَشْوِيٌّ.
سَلَمَةُ عنِ الفرَّاء قَالَ: الحَنِيذُ: مَا حفَرْت لَهُ فِي الأرْضِ ثمَّ غَمَمْته وهوَ من فِعْلِ أهلِ البادِيَةِ معْرُوف، وَهُوَ مَحْنوذٌ فِي الأصْل، قدْ حُنِذَ فهُوَ مَحْنوذٌ، كَمَا قيلَ: طَبِيخٌ ومَطْبُوخٌ.
وَقَالَ فِي كتاب (المصادِرِ) : الخَيْل تُحنَّذُ إِذا أُلْقِيَتْ عَلَيْها الجِلاَلُ بعضُها عَلَى بَعض لِتَعْرَقَ.(4/268)
قَالَ: وَيُقَال: إِذا سَقَيْتَ فاحْنِذْ يَعني أخْفِسْ، يُرِيدُ أقِلَّ المَاء وأَكثِر النَّبِيذ. قَالَ: وأَعْرَق فِي مَعْنى أَخْفَسَ.
وأَخبرني المُنْذري عَن أبي الهيْثَم أَنّه أَنكرَ مَا قَالَه الفرَّاء فِي الإحنْاذِ أنّه بمعْنى أخْفسَ وأعْرَقَ وعَرَفَ الإخفاس والإعْرَاقَ.
وَقَالَ أَبُو عمر: قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: شَرَابٌ مُحْنَذٌ ومُخْفَسٌ ومُمْذًى ومُمْهًى إِذا أُكثِرَ مِزَاجُه بِالْمَاءِ، وَهَذَا ضِدُّ مَا قَالَه الفرَّاء.
وَقَالَ أَبُو الهيْثَم: أصلُ الحَنِيذِ من حِناذ الخيْل إِذا ضُمِّرَتْ. وحِناذها أَن يُظاهَرَ عليهَا جُلٌّ فَوق جُلَ حَتَّى تُجلَّلَ بأَجلاَلٍ خمسةٍ أَو سِتَّة ليَعْرَقَ الفرسُ تحْتَ تِلْكَ الْجِلاَلِ ويُخْرِجَ العَرَقُ شحمَه كيلاَ يتنفس تنفُّساً شَدِيدا إِذا أُجرى. قَالَ: والشِّوَاءُ المحنوذُ الَّذِي قد أَلْقيت فَوْقه الحجارَةَ المَرْضُوفَةَ بالنَّار حَتَّى يَنْشَوى انْشِواءً شَدِيدا فَيتهَرَّى تحتهَا.
وَيُقَال: حنَذْنا الفرسَ نحنِذُه حَنْذاً وحِناذاً أَي ظاهَرنا عَلَيْهِ الجِلاَلَ حَتَّى يعرق تَحْتَها.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْد: الحَنِيذُ: الشِّوَاءُ الَّذِي لم يُبَالَغْ فِي نُضْجه، قَالَ: وَيُقَال: هُوَ الشِّوَاءُ المَغْمُومُ. وَقَالَ شمر: الحنيذ من الشواء: الْحَار الَّذِي يقطر مَاؤُهُ وَقد شُوِي، وروى عَن شَمِر ابْن عَطِيَّة أَنه قَالَ فِي قَوْله: {جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} (هود: 69) هُوَ الَّذِي يَقْطُر مَاؤُه وَقد شُوِي وَهَذَا أَحْسنُ مَا قيل فِيهِ.
وَقَالَ شمر: الحَنِيذُ: الماءُ السُّخْنُ. وأَنْشَد لِابْنِ مَيَّادَةَ:
إِذا بَاكَرَتْه بالْحَنِيذ غَوَاسِلُهُ
قَالَ شمر: الحَنِيذُ من الشِّوَاءِ: النَّضِيجُ وَهُوَ أَن تَدُسَّه فِي النَّار وَقد حَنَذَه يَحْنِذُه حَنْذاً وَيُقَال: أَحْنِذِ اللَّحْمَ أَي أنضجه.
قلت: وَقَدْ رأيتُ بوادي السِّتَارَيْن من ديار بني سَعْد عَيْنَ مَاء عَلَيْهِ نَخْلٌ زَيْنٌ عامِرٌ وقُصُورٌ من قُصُورِ مياه الْعَرَب يُقَال لذَلِك المَاء: حَنِيذ، وَكَانَ نَشِيلُه حارّاً فَإِذا حُقِنَ فِي السِّقَاء وعُلِّق فِي الْهَوَاء حَتَّى تَضْرِبَه الرِّيحُ عَذُبَ وطابَ.
وَفِي أَعْرَاضِ مَدِينَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرْيَةٌ فِيهَا نَخْلٌ كثير يقالُ لَهَا: حَنَذ. وأَنْشَدَ ابْنُ السِّكِّيت لبَعض الرُّجازِ يصفُ النَّخْلَ وَأَنه بحذاء حَنَذ ويُتَأَبَّرُ مِنْهُ دون أَن يُؤْبَر فَقَالَ:
تَأبَّرِي من حَنَذٍ فَشُولي
تَأَبَّرِي يَا خَيْرَةَ الفَسِيلِ
إذْ ضَنَّ أَهْلُ النَّخْلِ بالْفُحُولِ
وَمعنى تَأَبري أَي تلقَّحي وَإِن لم تُؤَبَّري برائحة حِرْق فحاحيل حَنَذ: وَذَلِكَ أَنَّ النَّخْلَ إِذا كَانَ بحذاء حائِطٍ فِيهِ فُحّالٌ مِمَّا يَلِي مَهَبَّ الجنوبِ فَأَنَّهَا تَتَأَبَّرُ برَوَائحها وَإِن لم تُؤَبَّرْ، وَقَوله: فَشُولي، شبَّهها بالنَّاقَةِ الَّتِي تَلْقَح فَتَشُولُ ذَنَبها أَي ترفَعُه.
حذن: أَبُو عُبَيْد عَن الأَحْمَرِ: الحُذُنَّتَانِ: الأذُنَانِ. قلت: والواحدة حُذُنَّةٌ وحُذْنُ الرَّجُلِ وحُذْلُه: حجزته.
والْحَوْذَانَةُ: بَقْلةٌ من بُقُولِ الرِّياضِ رَأَيتُها فِي رياض الصَّمَّان وقِيعَانها، وَلها نَوْرٌ أصفرُ رائحتُه طيِّبَةٌ وتجمعُ الحوذَان.(4/269)
ح ذ ف
اسْتعْمل من وجوهها: حذف، وفذح.
حذف: قَالَ ابْنُ المُظَفَّر: الحَذُف: قَطْفُ الشَّيءِ من الطَّرَفِ كَمَا يُحْذَفُ ذَنْب الدَّابَّة. قَالَ: والمَحْذُوفُ: الزِّقُّ، وَأنْشد:
قَاعِدا حَوْلَهُ النَّدَامى فَمَا يَنْ
فَكُّ يُؤْتَى بمُوكَرٍ مَحْذُوفِ
المُوكَرُ: الزِّقُّ الملآنُ، ورَوَاهُ شمر عَن ابْن الأَعْرَابي مَجْدُوف ومَجْذُوف بِالْجِيم وبالدَّال أَو بالذَّال. قَالَ: ومَعْناهُما المقَطُوعُ، ورَواه أَبُو عُبَيد مَنْدُوف، فأَمَّا مَحْذُوف فَمَا رَواه غير اللَّيْث. قَالَ: والحذْفُ: الرَّمْيُ عَن جانِبٍ. تَقول: حَذَفَ يحْذِفُ حَذْفاً.
وَتقول: حَذَفني فُلانٌ بجائِزَةٍ أَيْ وَصَلني.
قَالَ: وَحَذَفَه بالسَّيف إِذا ضَرَبَه.
ابْن شُمَيْل: الأبْقَعُ: الغُرَابُ الأبْيَضُ الجَنَاح.
قَالَ: والحَذْفُ: الصِّغَارُ السُّودُ، والواحدة حَذَفَةٌ وَهِي الزِّيغَانُ الَّتِي تُؤكَل، والحَذَفُ: الصِّغارُ مِنَ النِّعاج، قَالَ: والحَذَفُ: شاءٌ صِغارٌ لَيست لَهَا أذنابٌ وَلَا آذانٌ يُجاءُ بهَا مِنْ جُرَشَ.
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (تَرَاصُّوا بَيْنَكُم فِي الصَّلَاة لَا تَتَخَلَّلُكُم الشياطينُ كَأَنَّهَا بناتُ حَذَفٍ) .
قَالَ أَبُو عُبَيد: الحَذَفُ هِيَ هَذِه الغَنمُ الصِّغار الحجازية واحدتها حَذَفَة، وَيُقَال لَهَا: النَّقَدُ أَيْضا. قَالَ: وَقد فُسِّر الحَذَفُ فِي بعض الرِّواية أَنَّهَا ضَأنٌ سُودٌ جُرْدٌ صِغارٌ تكون بِالْيمن.
قَالَ أَبُو عُبَيد: وَهَذَا أحبُّ التَّفسيرين إليَّ لأَنَّه فِي الحَدِيث.
والعربُ تقولُ: حَذَفَه بالْعَصَا إِذا رَمَاهُ بهَا.
قلت: وَقد رأيتُ رُعْيانَهم يَحْذِفُونَ الأرانب بِعِصيِّهم إِذا عَدَتْ ودَرَمَتْ بَين أَيْديهم فرُبَّما أَصَابَت الْعَصَا قَوَائِمَها فيصيدُونها ويذبحُونها.
وَأما الخَذْفُ بِالْخَاءِ فَإِنَّهُ الرَّمْيُ بالحَصَى الصِّغار بأطراف الْأَصَابِع، يُقَال: خذَفَه بالحَصَى خَذْفاً.
ورُوِي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نَهَى عَن الخَذْفِ بالحَصى، وَقَالَ: (إِنَّه يَفْقَأُ العَيْنَ وَلَا يَنْكِي عَدُوّاً وَلَا يُحْرِزُ صَيْداً) ، ورَمْيُ الجِمَارِ يكون بِمِثْل حَصَى الخَذْف وَهِي صِغارٌ.
ورَوَى الحَرَّاني عَن ابْن السِّكِّيت أَنه قَالَ: يُقَال: مَا فِي رَحْلِهِ حُذَافَةٌ أَي شيءٌ من طَعَام، وأكلَ الطَّعام فَمَا ترك مِنْهُ حُذَافَةً، واحتملَ رَحْلَهُ فَمَا ترك مِنْهُ حُذَافَةً.
قلتُ: وأصحابُ أبي عُبَيْدٍ رَوَوْا هَذَا الْحَرْف فِي بَاب النَّفي حُذَافَةٌ بِالْقَافِ، وَأنْكرهُ شَمِر، والصَّواب مَا قَالَه ابْن السّكِّيت وَنَحْو ذَلِك قَالَه اللِّحْياني بالفاءِ فِي (نوادره) وَقَالَ: حُذَافَةُ الأَدِيم: مَا رُمِيَ مِنْهُ.
قلت: وتَحْذِيفُ الشَّعَرِ تَطْرِيرُه وتسويته، وَإِذا أخذتَ من نواحيه مَا تُسوِّيهِ بِهِ فقد حَذَّفْتَه، وَقَالَ امْرؤْ الْقَيْس:
لَهَا جَبْهةٌ كَسَرَاة المِجَنْ
نِ حَذَّفَهُ الصَّانِعُ المُقْتدِر(4/270)
وَقَالَ النَّضْرُ: التَحْذِيفُ فِي الطُّرَّةِ أَن تُجْعَلَ سُكَيْنِيَّةً كَمَا يفعل النَّصارى.
فذح: أهمله الليثُ.
وَقَالَ ابْن دُريد: تَفَذَّحَتِ النَّاقةُ وانْفَذَحَت إِذا تَفَاجّتْ لِتَبولَ.
قلتُ: وَلم أسمع هَذَا الْحَرْف لغيرِه، والمعروفُ فِي كَلَامهم بِهَذَا الْمَعْنى تَفَشِّحَتْ وتَفَشَّجَتْ بِالْحَاء وَالْجِيم.
ح ذ ب
اسْتعْمل من وجوهه: ذبح، بذح.
حَبذ: قلت: وَأما قَوْلهم حَبَّذَا كَذَا وَكَذَا بتَشْديد الْبَاء فَهُوَ حرف مَعْنًى أُلِّفَ مِنْ حَبَّ وَذَا، يُقَال: حَبَّذَا الإمارةُ وَالْأَصْل حَبُبَ ذَا فأُدغمت إِحْدَى الباءين فِي الْأُخْرَى وشُدِّدت، وَذَا إِشَارَة إِلَى مَا يقرب مِنْك وَأنْشد بَعضهم:
حبذا رجعها إِلَيْهَا يَديهَا
فِي يَدَيْ درْعِهَا تَحُلُّ الإزَارَا
كَأَنَّهُ قَالَ: حَبُبَ ذَا، ثمَّ ترْجم عَن ذَا فَقَالَ: هُوَ رجعها يَديهَا إِلَى حَلِّ تِكَّتِها أيْ مَا أَحَبَّه وَيَدَا دِرْعِها: كُمَّاهَا.
وَأما حَبَذَ: يَحْبِذُ فَهُوَ مهملٌ.
وَقَالَ أَبُو الْحسن بن كَيْسَان: حَبَّذَا كلمتان جُعلتا شَيْئا وَاحِدًا وَلم تُغَيَّرا فِي تَثْنِيةٍ وَلَا جمعٍ وَلَا تأَنيثٍ، وَرُفِعَ بهَا الإسمُ تَقول: حَبَذَا زَيْدٌ وحَبَّذَا الزَّيْدَانِ، وحَبَّذَا الزَّيْدُون، وحَبَّذا هِندٌ وحَبَّذَا أَنْتَ وأَنْتُما وأَنْتُم. وحَبَّذَا يُبتدأ بهَا، فَإِن قلتَ: زَيْدٌ حَبَّذَا فَهِيَ جَائِزَة وَهِي قبيحة: لِأَن حَبَّذا كلمة مدح يُبتدأُ بهَا لِأَنَّهَا جَوَاب وإنَّما لم تُثَنَّ ذَا وَلم تجمع وَلم تُؤنث: لِأَنَّك إِنَّمَا أجريتها على ذِكْرِ شَيْء سمعته فكأنك قلت: حَبَّذَا الذَّكْرُ ذِكْرُ زَيْد فَصَارَ زَيْدٌ مَوضِع ذِكْرِه وَصَارَ ذَا مُشاراً إِلَى الذِّكْرِ بِهِ، والذِّكْرُ مُذَكَّر، وحَبَّذا فِي الْحَقِيقَة فِعْلٌ وَاسم، حَبَّ بِمنْزِلَةِ نِعْمَ وَذَا فَاعل بِمَنْزِلَة الرَّجُلِ.
ذبح: قَالَ اللَّيْث: الذَّبْحُ: قَطْعُ الحُلْقُوم من باطنٍ عِنْد النَّصِيل، وَهُوَ مَوضِع الذَّبْح من الْحلق. قَالَ: والذَّبِيحَةُ: الشَّاةُ المذْبُوحَةُ. والذَّبْحُ: مَا أُعِدَّ لِلذَّبْحِ وَهُوَ بِمَنْزِلَة الذَّبِيح والمذبوح.
قلتُ: والذَّبِيحَةُ: اسْم لما يُذْبَحُ من الْحَيَوَان، وأُنِّثَ لِأَنَّهُ ذُهِبَ بِهِ مَذْهَب الْأَسْمَاء لَا مَذْهَب النَّعت فَإِذا قلتَ: شاةٌ ذَبِيحٌ أَو كبشٌ ذَبِيحٌ أَو نَعْجَةٌ ذَبِيحٌ لم تُدْخِل فِيهِ الْهَاء لِأَن فَعِيلاً إِذا كَانَ نعتاً بِمَعْنى مفعول يُذَكَّرُ. يُقَال: امرأةٌ قتيلٌ وكَفٌّ خَضِيبٌ.
والذَّبْحُ: المذبوحُ وَهُوَ بِمَنْزِلَة الطِّحْنِ بِمَعْنى المَطْحُون والقِطْفِ بِمَعْنى المَقْطُوف.
قَالَ الله جلّ وعزّ: {الْبَلاَءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} (الصَّافات: 107) . أَي بِكَبْشٍ يُذْبَحُ، وَهُوَ الْكَبْش الَّذي فُدِي بِهِ إِسْمَاعِيل بن خليلُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
والمِذْبَحُ: مَا تُذْبَحُ بِهِ الذَّبِيحَةُ من شَفْرَةٍ(4/271)
وَغَيرهَا.
وَفِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهَى عَن ذَبَائِح الجِنْ.
قَالَ أَبُو عُبَيد: وذَبَائح الجِنِّ: أَن يَشْتَرِي الرجلُ الدارَ أَو يَسْتَخْرِجَ العينَ أَو مَا أشبه ذَلِك فَيَذْبَحَ لَهَا ذَبِيحَةً لِلطِيَرةِ، قَالَ: وَهَذَا التفسيرُ فِي الحَديثِ.
قَالَ: ومعناهُ أَنَّهُمْ يَتَطَيَّرُون إِلَى هَذَا الفِعْلِ مَخَافَةَ أَنَّهُم إِن لم يَذْبَحُوا ويُطْعِمُوا أَن يُصِيبَهم فِيهَا شَيْء منَ الجِنِّ يُؤْذِيهم، فأَبْطَل النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونَهَى عنْه.
وَقَالَ اللَّيْث فِي كِتابه: جاءَ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نَهَى أَن يُذَبِّحَ الرَّجُلُ فِي الصلاةِ كَمَا يُذَبِّحُ الحِمارُ.
قَالَ وقولُه: أنْ يُذَبِّح هُوَ أَن يُطأْطِىءَ الرجلُ رأْسَه فِي الرُّكوعِ حَتَّى يكونَ أخُفَضَ من ظَهْرِه.
قلتُ: صَحَّفَ الليثُ الحرْفَ، والصَّحيحُ فِي الحديثِ أنْ يُدَبِّحَ الرجلُ فِي الصَّلاةِ بالدَّالِ غَيْرِ مُعْجَمة.
كَذَلِك رَوَاهُ أصحابُ أبي عُبَيْد عنْه فِي (غَريبِ الحديثِ) ، والذَّالُ خَطَأٌ لَا شَكَّ فِيه.
رَوَى ابنُ شُمَيْل عنِ ابنِ عَوْنِ عَن ابْن سِيرين قَالَ: لمَّا كَانَ زَمَنُ ابْن المُهَلب أُتِي مَرْوَانُ برَجُلٍ كفَرَ بعدَ إسْلامِه فَقَالَ كعْبٌ أدْخِلُوه المَذْبح وضَعُوا التَّوْرَاةَ وحَلِّفُوهُ بِاللَّه.
قَالَ شَمِر: المذابِحُ: المقَاصِيرُ، ويُقَالُ هِيَ المَحارِيبُ ونحوُها.
قَالَ: وذَبَّحَ الرجلُ إِذا طأْطأَ رأْسَهُ للرُّكوعِ ودبَّحَ وَدَرْبَحَ.
قَالَ: والذَّبْحُ: الشَّقُّ وكلُّ مَا يُشَقُّ فقَدْ ذُبِحَ.
قَالَ أبُو ذُؤَيْبٍ:
كأَنَّ عيْنَيَّ فِيهَا الصَّابُ مَذْبُوحُ
وَكَذَلِكَ كلُّ مَا فُتَّ أَو قُلِعَ فقَدْ ذُبِحَ.
قَالَ: وتُسَمَّى مقَاصِيرُ الكنَائِس مَذابحَ ومَذْبحاً لأَنهم كَانُوا يذْبحُونَ فِيهَا القُرْبانَ.
وَقَالَ اللَّيْث: الذَّابِحُ: شَعَرٌ يَنْبُت بَين النَّصِيل والمذْبحِ.
قَالَ: والذُّبْحَةُ: داءٌ يأْخُذُ فِي الحَلْقِ وربَّما قَتَل.
قَالَ والذُّبَحُ: نبَاتٌ لَهُ أصْلٌ يُقْشَرُ عَنهُ قِشْرٌ أَسْوَدُ فيخرُج أبيضَ كأَنه جَزَرَةٌ، حُلْوٌ طَيِّبٌ يُؤْكَل، والواحدةُ ذُبَحةَ.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: الذُّبْحةُ بتسْكِين الْبَاء: وَجَعٌ فِي الْحَلْقِ، وَأما الذُّبَحُ فَهُوَ نَبْتٌ أحْمَرُ.
وَفِي الحَدِيث أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَوَى أسْعَدَ بنَ زُرارةَ فِي حَلْقِه من الذُّبْحَةِ، وَقَالَ: لَا أدَعُ فِي نَفسِي حَرَجاً من أسْعد.
وَكَانَ أَبُو زَيْد يقولُ: الذَّبَحَةُ والذِّبَحَةُ لهَذَا الدّاءِ وَلم يعْرِفْه بِإِسْكَان الْبَاء.
وَأَخْبرنِي المُنْذِريُّ عَن ثَعْلَب أَنَّهُ قَالَ: الذُّبَحةُ والذُّبَحُ هُوَ الَّذِي يُشْبِه الكَمْأَةَ قَالَ: ويُقالُ لهُ: الذِّبَحَةُ والمذّبَحُ والضمُّ أكثرُ وَهُوَ ضَرْبٌ من الكمْأَةِ بِيضٌ.
وَقَالَ اللَّيْث: الذُّبَاحُ: نَبْتٌ من السَّمِّ وَأنْشد:(4/272)
ولَرُبّ مَطْعَمَةٍ تكونُ ذُباحا
وَقَالَ رُؤْبَةُ:
كأساً منَ الذِّيفَانِ والذُّباح
وَقَالَ الأعْشى:
وَلَكِن مَاءُ عَلْقَمةٍ بِسَلْعٍ
يُخَاضُ عَلَيْهِ مِنْ عَلَقِ الذُّباح
أَبُو عُبَيد: عَن الْأَصْمَعِي: أخَذَهُ الذُّبَّاحُ بتَشْديد الْبَاء، وَهُوَ تَحَزُّزٌ وَتَشَقُّقٌ بَين أَصَابِع الصِّبْيَانِ من التُّرابِ.
وَقَالَ ابنُ بُزُرْج: الذُّبَّاحُ: حَزٌّ فِي باطِن أصابِع الرِّجْلِ عَرْضاً، وَذَلِكَ أَنه ذَبَحَ الأصابعَ وقَطَعَها عرْضاً، وجَمْعُهُ ذَبَابِيحُ وَأنْشد:
حَرٌّ هِجَفٌّ مُتَجَافٍ مَصْرَعُه
بِهِ ذَبَابيحُ وَنَكْبٌ تُظْلِعُه
وَكَانَ أَبُو الهَيْثَم يَقُول: ذُبَاح بالتَّخْفيف ويُنْكِر التَّشْديد.
قلت: والتَّشْديد فِي كَلَام العربِ أَكثر، وذهبَ أَبُو الهَيْثَم إِلَى أنَّه من الأدْواءِ الَّتِي جَاءت عَلَى فُعال.
وَقَالَ ابْن شُمَيل: مَذابِحُ النَّصَارى: بيوتُ كُتُبهم، وَهُوَ المَذْبَحُ لِبَيتِ كُتُبهم.
وَيُقَال: ذَبَحْتُ فارَة المِسْكِ، إِذا فَتَقْتها وأخْرَجْتَ مَافيها من المِسْكِ، وَأنْشد ابنُ السِّكِّيت:
كأنَّ بَين فَكِّها والفَكِّ
فأرَةَ مِسْكٍ ذُبِحَتْ فِي سُكِّ
أَي فُتِقت فِي الطِّيبِ الَّذِي يُقال لَهُ: سُكُّ المِسْكِ.
وَقَالَ بعضُهمْ: الذُّبَحُ: الجَزَرُ البَرِّيُّ، ولوْنُه أَحْمَرُ، وأنشدَ بيتَ الأعْشَى:
وشَمُولٍ تَحْسِبُ العينُ إِذا
صُفِّقَتْ فِي دَنّها لوْنَ الذُّبَح
ويُرْوَى صُفِّقَتْ بُرْدَتُها لوْنَ الذُّبَح) . وبُرْدَتُها: لَوْنُها وأَعْلاها.
وَيُقَال ذَبَحَتْ فُلاناً لِحْيَتُه، إِذا سَالَتْ تَحْتَ الذَّقَنِ وبَدَا مُقَدّمُ حَنكِه، فهوَ مَذْبُوحٌ بهَا، وَقَالَ الرَّاعِي:
من كلِّ أَشْمَطَ مَذْبوحٍ بِلِحْيَتِه
بادِي الأداةِ على مَرْكُوِّهِ الطَّحِلِ
يصِفُ قَيِّمَ ماءٍ منعَهُ الوِرْدَ.
ويقالُ: ذَبَحَتْه العَبْرةُ، أَي خَنَقَتْه.
شمر: يُقَال: أَصَابَهُ موت زُؤام، وذُؤاب، وذُباح. وَأنْشد للبيد:
كأساً من الذِّيفانِ والذُّبَاح
قَالَ: الذُّباح: الذّبْح.
يُقَال: أَخذهم بَنو فلانٍ بالذُّباحِ، أَي بالذَّبْح، أَي ذبحوهم.
قَالَ: وَيُقَال: أَخذ فلَانا الذُّبَحَةُ فِي حلقه بِفَتْح الْبَاء.
يُقَال: كَانَ ذَلِك مثل الذُّبَحَةُ على العُرِّ، مثل يضْرب للَّذي تخاله صديقا فَإِذا هُوَ عَدو ظَاهر الْعَدَاوَة.
وَقَالَ النَّضر: الذُّبَحَةُ: قَرْحَةٌ تخرج فِي حلق الْإِنْسَان مثل الذِّئبة الَّتِي تَأْخُذ الْحمار.
وَقَالَ النَّضْرُ: الذَّابحُ: مِيسَمٌ على الْحَلْقِ فِي عُرْضِ العُنُق، ويُقَالُ للسِّمَةِ: ذَابِحٌ.(4/273)
وَقَالَ ابْن كُنَاسة: سَعْدٌ الذَّابحُ: من الْكَوَاكِب، أحدُ السُّعُودِ سُمِّي ذابحاً لأنَّ بحذائه كَوْكَباً صَغِيرا كَأَنَّهُ قد ذبحهُ، والعربُ تقولُ: إِذا طلع الذابحُ انجحر النَّابحُ، وأصلُ الذبحِ الشّقُّ، وَمِنْه قَوْله:
كأَنَّ عَيْنَيَّ فيهَا الصَّابُ مَذْبُوح
أَي مشقوق مَعْصُور.
وَقَالَ شَمِر: المذَابِحُ: من المسَايِلِ وَاحِدهَا مَذْبَح، وَهُوَ مسِيلٌ يسيل فِي سَنَدٍ أَو عَلَى قَرار الأرضِ، إِنَّمَا هُوَ جَرْحُ السَّيْلِ بعضِه عَلَى إثْرِ بعض.
وعَرْضُ المذْبحِ فِتْرٌ أَو شِبْرٌ، وَقد تكون المذابحُ خِلْقَةً فِي الأَرْض المُسْتوية لَهَا كَهَيئَةِ النَّهْر يسيلُ فِيهَا مَاؤُهَا، فَذَلِك المذبحُ. والمَذابحُ تكون فِي جَمِيع الأرضِ فِي الأوْدِية وَغير الأوْدِيَةِ، وَفِيمَا تواطأ من الأَرْض.
بذح: البَذْحُ: الشِّقُّ. أَبُو عُبَيد عَن العَدَبَّس الكِناني: بَذَحْتُ لِسَان الفصيل بَذْحاً، إِذا فلَقْتَهُ. قلت: ورأيتُ من الرُّعْيَان مَنْ يَشُقُّ لِسَان الفصيلِ اللاَّهج بثنَاياه فيقْطَعُه، وَهُوَ الإحْزَازُ عِنْد الْعَرَب.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: أَصَابَهُ بَذْحٌ فِي رجله، أَي شَقٌّ، وَهُوَ مثل الذَّبح، وكأَنه مَقلُوب.
ح ذ م
اسْتعْمل من وجوهه: حذم، مذح.
حذم: قَالَ اللَّيْث: الحَذُمُ: القَطْعُ الوحِيُّ. وسيفٌ حَذْيَمٌ: قَاطع. وَفِي حَدِيث عُمَر أَنه قَالَ لمُؤذِّنِه: (إِذا أذَّنْت فترَسَّل، وَإِذا أقمتَ فاحْذِم) .
قَالَ أَبُو عُبَيد: قَالَ الْأَصْمَعِي: الحذْمُ: الحَدْرُ فِي الْإِقَامَة وقطعُ التَّطْويل.
قَالَ وأصلُ الحَذْم فِي الْمَشْي إِنَّمَا هُوَ الْإِسْرَاع فِيهِ، وَأَن يكون مَعَ هَذَا كأَنه يهْوِي بيدَيْهِ إِلَى خَلفه. وَقَالَ غَيره: هُوَ كالنَّتْفِ فِي المشيء شبيهٌ بمشي الأرنب.
ابْن السّكِّيت عَن الْأَصْمَعِي: يُقَال: للأرْنب حُذَمَةٌ لُذَمَةٌ، تَسْبق الْجمع بالأكَمَة. حُذَمَة: إِذا عدت فِي الأكَمَةِ أسْرَعت فسبقَت مَن يطْلبهَا، لُذَمَة: لازمةٌ للعَدْوِ.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: يُقال: حَذَم فِي مشيته أَي قَارب الخطا وأسرع.
قَالَ: والحُذَمُ: الْقصير من الرِّجَال القريبُ الخطوِ.
وَقَالَ شمر: قَالَ أَبُو عدنان: الحَذَمَانُ: شيءٌ من الذَّميل فَوق الْمَشْي.
قَالَ: وَقَالَ لي خَالِد بن جَنْبَةَ: الحَذَمَانُ: إبْطَاءُ الْمَشْي، وَهُوَ من حْروف الأضدادِ.
قَالَ: وَاشْترى فلانٌ عَبْداً حُذَام الْمَشْي: لَا خير فِيهِ.
وَقَالَ اللَّيْث: حَذَامِ: من أَسمَاء النسَاء وَأنْشد:
إِذا قَالَت حَذَامِ فَصَدِّقُوها
فَإِن القوْلَ مَا قَالَت حَذَامِ
قَالَ: جَرّتِ الْعَرَب حذَامِ فِي مَوضِع الرَّفْع لأنهَا مَصْروفةٌ من حَاذِمة فَلَمَّا صُرِفتْ إِلَى فَعَال كُسِرَت: لأَنهم وجدوا أَكثر حالاتِ المؤنَّثِ إِلَى الْكسر، كَقَوْلِك: أنتِ، عليكِ، وَكَذَلِكَ فجَارِ، وفسَاقِ، قَالَ: وَفِيه(4/274)
قولٌ آخر أَن كلّ شَيْء عُدل من هَذَا الضَّرْب عَن وجههِ يُحملُ على إِعْرَاب الْأَصْوَات والحكايات من الزَّجْرِ وَنَحْوه مجروراً، كَمَا يقالُ فِي زجْرِ البَعيرِ: ياهٍ ياهٍ، ضاعف ياهٍ مرَّتَيْنِ.
وَقَالَ ذُو الرُّمَّة:
يُنادي بَيَهْيَاهٍ وياهٍ كَأَنَّهُ
صُوَيْتُ الرُّوَيعِي ضلَّ بالليلِ صاحبُه
يقولُ: سكن الحرْف الَّذِي قبل الْحَرْف الْأَخير فحُرِّكَ آخِره بكسْرَةٍ، وَإِذا تحرَّكَ الْحَرْف قبل الْحَرْف الْأَخير وَسكن الأخيرُ جزمْت كَقَوْلِك: (بجَلْ) و (أَجَلْ) . وأمَّا حَسْبُ، وجَيْرُ، فَإنَّك كسرت آخِره، وحركْته لسكون السِّين والبَاء.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ: الحُذُمُ: الأرانبُ السِّرَاع. والحُذُمُ أَيْضا: اللُّصُوصُ الْحُذَّاقُ.
مذح: قَالَ اللَّيْث: المَذَحُ: الْتِوَاءٌ فِي الفخِذيْنِ إِذا مَشى انْسَحَجَتْ إِحْدَاهمَا بِالْأُخْرَى. يُقال: مَذِحَ الرجل يَمْذَحُ مَذَحاً، ومَذِحَتْ فخذاهُ وَأنْشد:
إِنَّك لَو صاحَبْتِنَا مَذِحْتِ
وفَكَّكِ الْحِنوَانِ فانفَتَحْتِ
أَبُو عُبَيد عَن الْأَصْمَعِي: إِذا اصْطَكَّتْ أَلْيَتَا الرَّجُل حَتَّى تنسحجا قيل: مَشِقَ مَشَقاً قَالَ: وَإِذا اصْطكَّتْ فخذاه قيل: مَذِحَ يَمْذَحُ مَذَحاً.
وَقَالَ غَيره: التَّمَذُّحُ: التَّمَدُّدُ.
ويُقال: شرب حَتَّى تمذَّحت خاصرتُه أَي انتفخت من الرِّيّ، وَأنْشد أَبُو عُبَيد:
فَلَمَّا سَقيناها العَكِيسَ تَمَذّحتْ
خواصرُها وازْدَادَ رَشْحاً وَرِيدُها
والعَكِيسُ: الدَّقِيق يُصَبُّ عَلَيْهِ الماءُ ثمَّ يُشْرَبُ.
(أَبْوَاب الْحَاء والثاء)
ح ث ر
اسْتعْمل من وجوهه: حرث، حثر.
حرث: قَالَ اللَّيْث: الْحَرْثُ: قَذفُكَ الحَبُّ فِي الأَرْض لازْدِرَاعٍ، وَقَالَ: الاحتراثُ من كَسْبِ المَال، وَقَالَ الشاعرُ يُخَاطبُ ذِئباً.
وَمن يَحْتَرِثْ حَرْثِي وحَرْثَكَ يُهْزَلِ
أَبُو عُبَيد عَن أبي عُبَيْدَةَ قَالَ: حَرَثتُ النَّاقَة وأَحْرَثتُها، إِذا سِرت عَلَيْهَا حَتَّى تُهْزَلَ، ونحوَ ذَلِك قَالَ اللّيْثُ.
ابنُ بُزُرْج: أرضٌ مَحْرُوثةٌ ومُحْرَثَةٌ: وطِئَهَا النَّاس حَتَّى أَحْرَثُوها وحَرَثُوها، وَوُطِئت حَتَّى أَثَاروها، وَهُوَ فسادٌ إِذا وُطِئتْ فَهِيَ مُحْرَثَة ومَحْرُوثَة تُقْلَبُ للزَّرْعِ وكلاهُمَا يُقال بعدُ.
عمْرُو عَن أَبيه: حَرِثَ الرجل إِذا جمع بَين أَربع نسْوةٍ، وحَرِثَ إِذا تفقَّه، وفَتَّشَ، وحَرِث إِذا اكْتسب لعيَالِه واجتهد لَهُم.
والحُرْثَةُ: عِرق فِي أَصل أُدَاف الرَّجُل. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الحَرْثُ: إشعال النَّار قَالَ اللَّيْث: مِحْراثُ النَّار: مِسْحَاتُها الَّتِي تحرّك بهَا النَّار.
ومِحْراث الحرْب: مَا يُهَيِّجُها.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: الحَرْث: الجِماع الْكثير، وَقَالَ: حرْثُ الرجلِ: امرأتُه.(4/275)
وَأنْشد المُبَرِّدُ:
إِذا أكل الْجَرَاد حُرُوثَ قومِي
فحرْثي همُّه أكلُ الْجَرَاد
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي الحرثُ: المَحَجَّةُ المكدودة بالحوافر. والحَرْث أصل جُرْدان الْحمار. والحَرْث: تفتيش الْكتاب وتدبُّره، وَمِنْه قَول عبد الله: (احْرُثوا هَذَا الْقُرْآن) أَي فتشوه. وَقَالَ غَيره: الحَرْث: الْعَمَل للدُّنيا وَالْآخِرَة. وَمِنْه حَدِيث ابْن عمر أَنه قَالَ: (احرث لدنياك كَأَنَّك تعيش أبدا واحرث لآخرتك كَأَنَّك تَمُوت غَدا) . ومعناهُ تَقْدِيم أَمر الْآخِرَة وأعمالها حِذَار الفَوْت بِالْمَوْتِ على عمل الدُّنْيَا، وَتَأْخِير أَمر للدنيا كَرَاهِيَة الِاشْتِغَال بهَا عَن عمل الْآخِرَة.
وَيُقَال: هُوَ يحْرُثُ لِعِيَالِهِ ويحترث، أَي يَكتسب.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الحُرثة: الفُرضة الَّتِي فِي طَرْف القوسِ للْوَتَرِ.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (البَقَرَة: 223) . قَالَ الزَّجَّاج: زعمَ أَبُو عُبَيدَة أَنه كِنَايَة، قَالَ: وَالْقَوْل عِنْدِي فِيهِ أنَّ معْنى نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لكم: فيهنَّ تحْرُثون الْوَلَد واللَّذَّة فأتُوا حرثَكم أنَّى شِئتم، أَي ائْتوا مَوضِع حَرْثِكم كَيفَ شِئْتم مُقْبِلةً ومُدْبرةً.
قَالَ شمِر: قَالَ الغَنَوِي: يُقال: حَرْق الْقوس والكُظرَة وَهُوَ فُرْضٌ، وَهِي من القوْسِ حَرْثٌ، وَقد حرثتُ القوسَ أحرثها إِذا هَيَّأْتَ موضعا لِعُرْوة الوَتَر، قَالَ: والزَّندة تُحْرَث ثُم تُكْظَرُ بعد الحَرْثِ فَهُوَ حَرثٌ مَا لم يُنفَذْ، فَإِذا أُنفذ فَهُوَ كُظْرٌ.
وَقَالَ الفرَّاء: حَرَثْتُ الْقُرْآن أحْرُثه، إِذا أطَلْتَ دراسَتَه وتدَبَّرْتَهُ. وَفِي الحَدِيث: أصدق الْأَسْمَاء الْحَارِث، لِأَن الْحَارِث معناهُ الكاسب.
واحتراث المَال كَسبه. وَقَول الله جلّ وعزّ: {حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ} (الشورى: 20) أَي من كَانَ يُرِيد كسب الدُّنْيَا.
حثر: أَبُو العبّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحَثْرَةُ: انْسلاق الْعين، وتصغِيرها حُثَيْرَةٌ.
قَالَ: والحَوْثرة: الفَيْشَة الضخمة وَهِي الكوْشَلَةُ، والفَيْشَلة.
أَبُو عُبَيد: حَثِر الدِّبْسُ، أَي خَثُرَ، وحَثِرَتْ عينه: خرج فِيهَا حبٌّ أحْمَر.
شَمِر عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الدَّوَاء إِذا بُلَّ وعُجِنَ فَلم يجْتَمع وتناثر فَهُوَ حَثِرٌ، وَقد حَثِرَ حَثَراً.
وأُذُنٌ حَثِرَةٌ إِذا لم تسمع سَمْعاً جيِّداً. ولسانٌ حَثِرٌ: لَا يجِد طَعْمَ الطَّعام.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابنِ الأعْرَابيِّ: حَثَّر الدَّوَاءَ، إذَا حَبَّبهُ، وحَثِرَ إذَا تَحَبَّبَ.
ابنُ شُمَيْل: الحَثَرُ مِنَ العِنَب: مَا لَمْ يُونِع وَهُوَ حَامِضٌ صُلْبٌ لم يُشْكِلْ وَلَمْ يَتَمَوَّه. وحثِرَ العَسَلُ إذَا أَخَذَ يَتَحَبَّبُ، وَهُوَ عَسَلٌ حاثِرٌ وحَثِرٌ.
والحَثَرَةُ مِنَ الجِبَأَة، كأَنَّها تُرَابٌ مَجْمُوعٌ فإذَا قُلِعَتْ رَأَيْتَ الرملَ حَوْلَها.(4/276)
عَمْرو عَنْ أَبِيه قالَ: الحثَرُ: ثمَرُ الأرَاكِ، وَهُوَ البَريرُ.
أَبُو حَاتِم الحَاثرُ الحاءُ غَيْرُ مُعْجَمَة: المُتَفَلِّقُ مِنَ اللَّبَنِ، وقَدْ حثَرَ يَحْثِرُ حُثُوراً.
وَقَالَ الحِرْمَازِيُّ: الحَثِرُ: المُتَفَلِّقُ.
ح ث ل
(اسْتعْمل من وجوهه: حثل) .
حثل: قَالَ اللَّيْث: الحَثْلُ: سُوءُ الرَّضَاعِ، تَقُولُ: أَحْثَلَتْهُ أُمُّه، وقَدْ يُحْثِلُه الدَّهْرُ بِسُوءِ الحَالِ، وأنْشَدَ:
وأَشْعَثُ يَزْهَاهُ النُّبُوح مُدَفَّعٌ
عَنِ الزَّادِ مِمَّن حَرَّفَ الدَّهْرُ مُحْثَلُ
وحُثَالَةُ النَّاسِ: رُذَالَتُهُمْ.
أَبُو زَيْد: أَحثَلَ فُلاَنٌ غَنَمَهُ، فَهِيَ مُحْثَلَةٌ إِذا هَزَلَها.
أبُو عُبَيْد: المُحْثَلُ: السَّيِّيءُ الغِذَاء.
وَقَالَ غيرُه: جَاءَ فِي الحَدِيث الَّذي يَرْويه عَبْدُ الله بنُ عُمَر أَنَّهُ ذَكَرَ آخِرَ الزَّمان: فيبْقَى حُثَالَةٌ مِنَ النَّاسِ لَا خَيْرَ فِيهم. أَرَادَ بحُثَالَةِ النَّاسِ رُذَالَهُمْ وَشِرَارَهم، وأصْلُه مِنْ حُثَالَة التَّمْرِ وحُفالَتِه وَهُوَ أَرَدَؤُه وَمَا لَا خيْرَ فِيه مِمَّا يَبْقَي فِي أَسْفَلِ الْجُلَّةِ.
ثَعلبٌ عَنِ ابْن الأعْرَابي قَالَ: الحُثَالُ: السِّفَلُ.
أَبُو عُبَيد عنِ الأصمعيّ: الْحِثيَلُ: مِنْ أسْمَاءِ الشَّجَرِ معْروفٌ.
ح ث ن
اسْتعْمل من وجوهه: حنث، حثن.
حثن: أَهْمَلَه اللَّيْثُ. وحُثُن: جَاءَ فِي شِعْرِ هُذَيْل، وهُوَ موْضِعٌ مَعْروفٌ فِي بِلاَدِهم.
حنث: قَالَ اللَّيْث: الحِنْثُ: الذِّنْبُ العظيمُ. ويُقَالُ: بَلَغَ الغُلاَمُ الحِنْث، أَي بَلَغَ مَبْلَغاً جَرَى القَلَم عَلَيْهِ بالطَّاعةِ والمَعَاصِي.
قَالَ: وحَنِثَ فِي يَمينِه حنِثاً، إذَا لمْ يُبِرَّها.
وَفِي الحَدِيث: (اليمِينُ حِنْثٌ أَوْ مَنْدَمَةٌ) يَقُول: إمَّا أَنْ ينْدَمَ عَلَى مَا حَلَفَ عَلَيْه، أَو يَحْنَثَ، فَتَلْزَمهُ الكَفَّارةُ.
وَفِي حَدِيثٍ آخَر أَنَّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إلَيْهِ يَأْتي حِرَاءَ، وَهو جَبَلٌ بِمَكَّةَ فِيهِ غَارٌ، فَكَانَ يَتَحَنَّثُ فِيه اللَّيَالِي.
قالَ أبُو العَبَّاس: قالَ ابنُ الأعْرَابي: قَوْلُه: يَتَحَنَّثُ، أَي يَفْعَلُ فِعْلاٍ يَخْرُجُ بِهِ من الحِنْثِ وَهُوَ الإثْم.
ويُقَالُ: هُوَ يَتَحَنَّث أَيْ يَتَعَبَّدُ لله. قالَ: ولِلْعَرَبِ أَفْعَالٌ تُخَالِف معَانيها أَلْفَاظَها، يقَالُ فُلانٌ يَتَنَجَّسُ إذَا فَعَل فِعْلاٍ يَخْرُجُ بِهِ مِنَ النَّجاسَةِ.
كَمَا يُقَال فُلاَنٌ يَتَأَثَّمَ وَيَتَحَرَّج، إذَا فَعَل فعْلاً يَخْرُج بِهِ مِنَ الْإِثْم والحَرَج.
قَالَ: وقَوْلُهُم: بَلَغَ الغُلاَم الحِنْثَ. أَي الإدْرَاك والبُلوغ.
قَالَ: والحِنْث فِي غير هَذَا: الرُّجُوعُ فِي اليمنِ.
وأخْبَرَني المُنْذِرِيُّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: الحِنْثُ الحُلُمُ، والْحِنْثُ: الشِّرْكُ. قَالَ الله تَعَالَى: {مُتْرَفِينَ وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ} (الواقِعَة: 46) وَأنْشد:
من يَتشَاءَمْ بِالْهدى فالحِنْثُ شَرّ(4/277)
أَي الشِّرْكُ شَرٌّ.
قَالَ: والْحِنْثُ: حِنْثُ الْيَمين إِذا لم تَبرَّ وَفِي الحَدِيث (من مَاتَ لَهُ ثَلاَثَةٌ من الْوَلَد لم يبلغُوا الحِنْثَ دخل من أيّ أَبْوَاب الجَنَّة شَاءَ) .
قَالَ ابنُ شُمَيل: مَعْنَاهُ: قبل أَن يبلغُوا فيُكْتَبَ عَلَيْهِم الإثمُ.
قَالَ: والحِنْثُ: الإثمُ، وحَنِثَ فِي يَمِينه أَي أَثِمَ.
وَقَالَ خَالِد بنُ جَنْبةَ: الحِنْثُ: أَن يَقُول الْإِنْسَان غيرَ الحَقِّ.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: عَلَى فُلان يمينٌ قد حنِثَ فِيهَا، وَعَلِيهِ أَحْنَاثٌ كَثِيرَة.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْله: {مُتْرَفِينَ وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ} .
قَالَ: الحِنْثُ: الذَّنبُ، ويُصِرُّون، أَي يَدُومون.
والحِنْثُ: المَيلُ مِنْ باطلٍ إِلَى حَقَ، وَمِن حقَ إِلَى بَاطِل.
يُقَال: قد حَنِثْتُ، أَي مِلتُ إِلَى هَوَاك عَلَيَّ، وَقد حَنِثْتُ مَعَ الحقِّ عَلَى هوَاك.
ورُوِي عَن حَكِيم بن حِزَام أَنهُ قَالَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَرَأَيْتَ أُمُوراً كُنتُ أتحنَّثُ بهَا فِي الجاهِلية مِن صلَة رَحِمٍ وصَدَقةٍ هَل لي فِيهَا مِن أَجْرٍ؟ فَقَالَ لهُ ج: أَسْلَمتَ عَلَى مَا سَلَف لَك مِنْ خَير) يُرِيدُ بقوله: كنتُ أتحَنَّث أَي أتَعَبَّدُ وألْقِي بهَا الحِنْثُ، وَهُوَ الْإِثْم، عَن نَفسِي.
ويُقالُ للشَّيْء الَّذِي يَختلفُ فِيهِ النَّاس فيحتَمِلُ وَجْهَيْن: مُحْلِفٌ، ومُحْنِث.
ح ث ف
حفث، فَحَث (حثف، فثح) : (مستعملات) .
حفث فَحَث: أَبُو عُبَيد عَن الْأَحْمَر: الحَفِثُ والفَحِثُ: الَّذِي يكونُ مَعَ الكَرِشِ وَهُوَ يُشْبهها.
وَقَالَ اللَّيْث: الحفْثَةُ: ذَاتُ الطَّرَائق من الكَرِش كأَنها أَطْبَاقُ الفَرْثِ.
وأَنشد الليثُ:
لاتُكْرِبَنَّ بَعْدَها خُرْسِيّا
إنّا وَجَدْنَا لَحْمَها رَدِيّاً
الكِرْشَ والحِفْثَة والمَرِيّا
(فَحَث) : وَقَالَ أَبُو عَمْرُو: الفَحِثُ: ذاتُ الطَّرَائق والقِبَةُ الأخرَى إِلَى جَنْبه. وَلَيْسَ فِيهَا طرائق قَالَ: وفيهَا لُغَاتٌ: حَفِثٌ، وحَثِفٌ، وحِفْثٌ، وحِثْفٌ: وَقيل: فِثْحٌ، وثِحْفٌ، ويُجْمْعُ الأحْثَافَ والأفْثَاحَ والأثحَافَ، كُلٌّ قد قيلَ.
وَقَالَ شَمِر: الحُفَّاثُ: حَيَّةٌ ضخمٌ عظيمُ الرَّأْسِ أَرْقَشُ أحْمَرُ أكْدَرُ، يُشْبُه الأسْوَد وَلَيْسَ بِهِ، إِذا حَرَّبْته انتَفَخَ ورِيدُه.
وَقَالَ ابنُ شُمَيْل: هُوَ أكبرُ مِنَ الأرْقَمِ، ورَقَشُه مِثلُ رَقَشِ الأرْقم، لَا يَضُرُّ أحدا، وجَمْعُه حَفَافِيثُ. وَقَالَ جرير:
إنَّ الحفَافيثَ عِنْدِي يَا بَنِي لَجَأٍ
يُطرِقْنَ حِينَ يصُولُ الحيَّةُ الذَّكَرُ
وَقَالَ الليثُ: الحُفَّاثُ: ضَرْبٌ من الحيَّات يأْكلُ الحشيشَ لَا يضُرّ شَيْئا.
وَيُقَال للغَضْبان إِذا انْتَفختْ أوْدَاجه: قدِ احرَنفَشَ حُفَّاثُه.(4/278)
وَفِي (النَّوَادرِ) : افتحَثْتُ مَا عِنْد فُلاَنٍ وابْتَحَثتُ بِمَعْنى واحدٍ.
ح ث ب
اسْتعْمل من وجوهه: بحث، حبث.
بحث: قَالَ اللَّيْث: البَحْثُ: طلَبُك الشيءَ فِي التُّرَاب، والبَحْث: أَن تسألَ عَن شيءٍ وتَسْتَخْبر، يُقَالُ: بحَثْتُ أبحَثُ بَحْثاً، واسْتَبْحَثتُ، وابْتَحَثْتُ، وتَبَحَّثْتُ بمعْنى واحدٍ.
والبَحُوث مِن الْإِبِل: الَّتِي إِذا سارَتْ بحثتِ التُّرَابَ بأيْديها أُخُراً، أَي ترْمي بِهِ إِلَى خَلفها، قَالَه أَبُو عَمْرو.
وَقَالَ أَبُو زيد وَابْن شُمَيْل: البَاحِثَاءُ من جِحَرَةِ اليَرابيع: تُرَابٌ يُخَيَّلُ إلَيْكَ أَنه القاصِعاءُ وليْسَ بهَا، والجميع بَاحِثَاوَات.
وسورةُ برَاءَة كانَ يُقالُ لَهَا: البَحُوث: لِأَنَّهَا بحثَتْ عنِ المنافقِينَ وأسْرَارِهم.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: البُحَّيْثى مِثال خُلَّيْطَى: لُعْبَةٌ يَلْعَبُونَ بهَا بالتُّرَاب.
قَالَ: والبحْث: المَعْدِن يُبْحَث فِيهِ عَن الذَّهب والفِضَّة.
قَالَ: والبُحَاثةُ: الترَاب الَّذي يُبْحَثُ عمّا يُطلَب فِيهِ.
وَقَالَ شمر: البُحْثَة جَاءَ فِي الحَدِيث أنّ غُلاَمَيْنِ كَانَا يَلعَبَانِ البُحْثةَ، وَهُوَ لَعِبٌ بالتُّرَابِ.
حبث: ينشد للأصْمَعي فِي أُرجوزَةٍ لَهُ:
أَوْمَجّ أَنْيَابٍ قُزَاتٍ أوْ حَبِث
والقُزَات: جَمْع قُزَة: مِن الحَيّات، وَكَذَلِكَ الحِبْثُ.
قُلت: لَا أَعرِف الحَبِث.
ح ث م
أهمله اللَّيْث وَاسْتعْمل من وجوهه: حثم.
حثم: أَبُو العبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: الحُثُمُ: الطُّرُق الْعَالِيَة.
وَسمعت الْعَرَب تَقول للرَّابية: الحَثَمة، يُقَال: انزِل بهاتِيك الحَثَمَة، وَجَمعهَا حَثَمات، ويَجوز حَثْمَة بِسُكُون الثّاء، وَمِنْه ابْن أبي حَثْمَةَ.(4/279)
أَبْوَاب الْحَاء وَالرَّاء [/ كت]
ح ر ل
اسْتعْمل من وجوهه:
رَحل: قَالَ اللَّيْث: الرَّحْلُ: مَرْكَبٌ للبعير. والرحالةُ نحوُه، كلُّ ذَلِك من مَراكِب النِّسَاء. قلت: الرَّحْلُ فِي كَلَام الْعَرَب على وجُوهٍ. قَالَ شمر: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الرحْلُ بِجَمِيعِ رَبَضِه وحَقَبِه وحِلْسِه وَجَمِيع أَغْرُضِه. قَالَ: وَيَقُولُونَ أَيْضا لأعواد الرَّحْلِ بِغَيْر أداةٍ رَحْلٌ، وَأنْشد:
كَأَن رَحْلي وأداة رَحْلِي
على حَزَاب كأَتان الضَّحْل
قلت وَهَذَا كَمَا قَالَ أَبُو عُبَيدة. وَهُوَ من مراكب الرِّجَال دون النِّسَاء.
وَأما الرحَالَةُ فَهِيَ أكبر من السَّرْج وتُغَشَّى بالجُلودِ تكون للخَيْل والنَّجائبِ من الْإِبِل وَمِنْه قَول الطرِمَّاحِ:
قَتَرُوا النجائبَ عِنْدَ ذَ
لَك بِالرحَالِ وبالرَّحَائِل
وَقَالَ عنترةُ فَجَعلهَا سُرُجاً:
إذْ لَا أَزَالُ على رِحَالَةِ سَابحٍ
نَهْدٍ مَرَاكِلُه نَبِيلِ المحْزَمِ
قلت: فقد صَحَّ أَن الرَّحل والرحالة من مراكب الرِّجَال دون النِّسَاء.
والرَّحْل فِي غير هَذَا منزِلُ الرجل ومسكَنُه وبَيْتُه، يُقَال: دخلتُ على الرَّجُل رحْلَه أَي منزِلَه وَفِي حَدِيث يزيدَ بْنِ شَجَرَة: (أَنه خطب النَّاس فِي بَعْثٍ كَانَ هُوَ قائِدَهم، فحثَّهُم على الجهادِ وَقَالَ إِنَّكُم تَرَوْن مَا أَرَى من بَيْن أَصْفَرَ وأَحمَرَ، وَفِي الرحَالِ مَا فِيهَا، فَاتَّقُوا الله وَلَا تخزوا الحُورَ العِينَ) يقولُ: مَعكُمْ من زَهْرَةِ الدُّنْيَا وزُخْرُفِها مَا يُوجِبُ عَلَيْكُم ذِكْرَ نعمةِ الله عَلَيْكُم واتقَاءَ سَخَطِه، وَأَنْ تَصْدُقوا العَدُوَّ القِتَال وتجاهِدُوهُمْ حَقَّ الجِهَادِ، فاتَّقُوا الله وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الدُّنْيَا وزُخْرُفِها، وَلَا تَوَلَّوْا عَن عَدوكُمْ إِذا الْتَقَيْتُم وَلَا تُخْزُوا الحورَ الْعين بِأَنْ لَا تُبْلُوا وَلَا تجْتَهدوا وتفْشَلُوا عَن الْعَدو فيُوَلينَ، يَعْنِي الحُورَ العِين عَنْكُم بِخَزَاية واستحْياءٍ لكم. وَقد فُسر الخَزَايةُ فِي موضعهَا.
وَقَالَ اللَّيْث: رَحْلُ الرَّجُلِ: مسكَنُه. وإنَّه لخَصِيبُ الرَّحْل. وانتهيْنَا إِلَى رِحَالِنَا: أَي إِلَى مَنَازِلِنا. ورُوِي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّهُ قَالَ:(5/5)
(إِذَا ابْتَلَّت النعَالُ فَالصَّلَاة فِي الرحَالِ) . وَقد مرّ تفسيرُه فِي كتاب الْعين.
وَيُقَال: إِن فلَانا يَرْحَلُ فُلاناً بِمَا يكره، أَي يَركَبُه.
وَيُقَال: رحَلْتُ الْبَعِير أَرْحَلُه رَحْلاً: إِذا شَدَدْتَ عَلَيْهِ الرَّحْلَ.
وَيُقَال: رحَلْتُ فلَانا بسيْفِي أَرْحَلُه رَحْلاً: إِذا علوتُهُ.
وَقَالَ أَبُو زيد: أَرْحَلَ الرجلُ البَعِيرَ، وَهُوَ رَجُلٌ مُرْحِلٌ. وَذَلِكَ إِذا أَخَذَ بَعِيرًا صَعْباً فَجعله رَاحِلَةً. وَفِي الحَدِيث عِنْد اقتراب السَّاعَة (تخرج نَار من قصر عدن تُرَحل النَّاس) رَوَاهُ شُعْبَة قَالَ: وَمعنى تُرَحّل أَي تَنْزِل مَعَهم إِذا نَزَلوا وتَقِيلُ إِذا قَالُوا. جَاءَ بِهِ مُتَّصِلا بِالْحَدِيثِ قَالَ شَمِر: وَقيل معنى ترحلهم أَي تُنْزلُهم المَرَاحِلَ. قَالَ: والترحِيلُ والإرْحَال بِمَعْنى الإشْخَاصِ والإزعَاجِ يُقَال: رَحَلَ الرجلُ إِذا سَار وأَرْحَلْتُه أَنا.
والمرحلة: المنْزِلُ يُرْتَحَلُ مِنْها. وَمَا بَيْنَ المنْزِلَين مَرْحَلَةٌ.
وَرجل رَحُولٌ، وَقوم رُحُلٌ: أَي يرتحلون كثيرا، وجمل رَحِيلٌ وناقة رَحيلَةٌ بِمَعْنى النجِيبِ والظهيرِ.
وَقَالَ أَبُو عبيد: الرَّحُول من الإبلِ الَّذِي يصلُح لِأَن يُرْحلَ. وبَعِيرٌ ذُو رُحلَةٍ: إِذا كَانَ قويًّا على أَن يُرْحلَ. والرَّاحُولُ: الرَّحْلُ، وَفِي حَدِيث الْجَعْدِي: أَنَّ ابنَ الزُّبَيْرِ أَمَرَ لَهُ بِرَاحِلَةٍ رَحيلٍ. قَالَ الْمبرد: راحِلَةٌ رَحِيلٌ أَي قويٌّ على الرحْلَةِ، كَمَا يُقال: فَحْلٌ فَحِيلٌ: ذُو فِحْلَة.
وَرُوِيَ عَن النّبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (تَجِدُونَ الناسَ كإبلٍ مائَةٍ لَيْسَ فِيهَا راحلةٌ) قَالَ ابْن قُتَيْبَةَ: الرَّاحِلَةُ هِيَ الناقةُ يختارُهَا الرَّجُلُ لمَرْكَبِه ورَحْلِه على النجابَةِ وتَمَامِ الخَلْق وحُسْنِ المَنْظَرِ، وَإِذا كَانَت فِي جَماعةِ الْإِبِل تبيَّنَتْ وعُرِفَتْ. يقولُ: فالناسُ مُتساوون، لَيْسَ لأَحَدٍ مِنْهُم على أَحَد فضلٌ فِي النَّسَب، وَلَكنهُمْ أشْبَاهٌ كإبلٍ مائَةٍ لَيست فِيهَا راحِلَةٌ تَتَبَيَّنُ فِيهَا وتَتَمَيَّزُ مِنْهَا بالتَّمَامِ وحُسْنِ المَنْظَرِ.
قلت: غَلِطَ ابنُ قُتيْبَةَ فِي شَيْئَيْنِ: فِي تَفْسِير هَذَا الحَدِيث، أحَدُهما أَنَّهُ جعَل الراحلَةَ النَّاقَةَ، وَلَيْسَ الجملُ عِنْده رَاحِلَة. والراحلةُ عِنْد العربِ كلُّ بعيرٍ نجيبٍ جوادٍ سواءٌ كَانَ ذكرا أَو أُنْثى، وَلَيْسَت الناقةُ أَوْلَى باسْمِ الراحلةِ من الجملِ، تَقول العربُ للجمَلِ إِذا كَانَ نجيباً: راحلةٌ وَجمعه رواحلُ، وَدخُول الْهَاء فِي الراحلةِ للْمُبَالَغَة فِي الصفَةِ، كَمَا يُقالُ: رَجلٌ داهيةٌ وباقِعَةٌ وعَلاَّمَةٌ. وَقيل: إنَّها سُميَتْ راحلَةً لِأَنَّهَا تُرْحَلُ، كَمَا قَالَ الله {فَهُوَ فِى عِيشَةٍ} (الحاقة: 21) أَي مَرْضِيَّةٍ، و {خُلِقَ خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ} (الطّارق: 6) أَي مَدْفُوق. وَقيل: سُميَتْ رَاحِلَةً لِأَنَّهَا ذاتُ رَحْل، وَكَذَلِكَ عيشة راضيةٌ: ذاتُ رضى. وَمَاء دافِقٌ ذُو دَفْق.
وَأما قَوْله: إِن النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرَادَ أَن النَّاس متساوُون فِي الْفضل لَيْسَ لأحد مِنْهُم فضلٌ على الآخَرِ وَلَكنهُمْ أشباهٌ كإبل مائةٍ لَيْسَ(5/6)
فِيهَا راحلةٌ، فَلَيْسَ الْمَعْنى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ. وَالَّذِي عِنْدِي فِيهِ أنَّ الله تبَارك وَتَعَالَى ذَمَّ الدُّنْيَا ورُكُونَ الخلْقِ إِلَيْهَا وحذَّرَ عِبَادَهُ سُوءَ مَغَبَّتِها، وزهَّدَهُم فِي اقتنائِها وزُخْرُفِها وضربَ لَهُمْ فِيهَا الأمْثَالَ لِيَعُوها ويَعْتَبِرُوا بهَا، فَقَالَ: {الْجَحِيمِ اعْلَمُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ أَنَّمَا الْحَيَواةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِى الاَْمْوَالِ وَالاَْوْلْادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ} (الحَديد: 20) الْآيَة. وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحذرُ أصحابَه بِمَا حذَّرَهم الله من ذَمِيم عَوَاقِبِها وينهاهم عَن التَّبَقُّرِ فِيهَا ويزهدُهم فِيمَا زهَّدَهُم الله فِيهِ مِنْهَا، فَرَغِبَ أكثرُ أَصْحَابه عَلَيْهِ السَّلَام بعده فِيهَا، وتَشَاحُّوا عَلَيْهَا وتَنَافَسُوا فِي اقتنائِها حَتَّى كَانَ الزهْدُ فِي النادِرِ القليلِ مِنْهُم، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (تَجِدُونَ النَّاس بَعْدِي كإبلٍ مِائَةٍ لَيْسَ فِيهَا راحلةٌ) وَلم يُرِدْ بِهَذَا تساوِيَهُم فِي الشَّر وَلكنه أَرَادَ أنَّ الكامِلَ فِي الْخَيْرِ والزَّاهِدَ فِي الدُّنْيَا مَعَ رَغْبَتِهِ فِي الآخِرَةِ والعملِ لَهَا قليلٌ، كَمَا أَن الراحلَةَ النجيبةَ نادِرٌ فِي الْإِبِل الكثيرِ.
وَسمعت غَيْرَ واحِدٍ من مشايِخِنا يَقُول: إِن زُهَّادَ أصحابِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يَتَتَامُّوا عشرَة مَعَ وُفُور عددِهم وَكَثْرَة خَيْرِهم، وسبْقِهم الأمَّةَ إِلَى مَا يستَوْجِبُون بِهِ كريمَ المآب برحمة الله إيَّاهم وَرِضْوانِه عَلَيْهِم فَكيف مَنْ بَعْدَهم وَقد شاهَدُوا التَّنْزِيلَ وعايَنُوا الرَّسُولَ وَكَانُوا مَعَ الرغْبَةِ الَّتِي ظَهَرَتْ مِنْهُم فِي الدُّنْيَا خَيْرَ هَذِه الْأمة الَّتِي وصَفَهَا الله جلَّ وعَزَّ فَقَالَ: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} (آل عِمرَان: 110) وواجبٌ على مَنْ بَعْدَهمْ الاستغفارُ لَهُم والترحمُ عليْهِم وَأَن يسأَلُوا الله أَلاَّ يَجْعَل فِي قُلُوبهم غِلاًّ لَهُم وَلَا يذكُرُوا أحدا بِمَا فِيهِ مَنْقَصَةٌ لَهُم، وَالله يَرْحَمنَا وإيّاهم ويتغمَّد زَلَلَنَا بفضْلِهِ وَرَحمته إِنَّه هُوَ الغفور الرَّحِيم.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: ناقَةٌ رَحِيلَةٌ: شديدَةٌ قويَّةٌ على السّير، وجمل رَحيلٌ مِثْلُه، وإنَّها لَذَاتُ رُحلَةٍ. وَقَالَ الأمَوِيُّ ناقةٌ حِضَارٌ إِذا جَمَعَتْ قُوَّةً ورُحْلَةً يَعْنِي جَوْدَةَ السّير.
وَقَالَ شَمِر: ارْتَحَلْتُ البعيرَ إِذا شدَدْتُ الرَّحْلَ عَلَيْهِ وارْتَحَلْتُه إِذا رَكِبْتَهُ بقتب أواعْرَوْرَيْتَهُ وَقَالَ الْجَعْدِي:
وَمَا عَصَيْتُ أَمِيرا غَيْرَ مُتَّهَمٍ
عِنْدِي ولكنَّ أَمْرَ المرْءِ مَا ارْتَحَلاَ
أَي يَرْتَحِلُ الْأَمر، يركبه.
قَالَ شمر: وَلَو أنّ رجلا صَرَع آخر وَقعد على ظَهره لَقلت رأيتُه مُرْتَحِله. ومُرْتَحَلُ الْبَعِير: مَوْضِعُ رَحْلِه من ظَهْرِه وَهُوَ مَرْحَلُهُ، قَالَ: وبعيرٌ ذُو رُحْلَةٍ وَذُو رِحلة وبعير مِرْحَلٌ ورَحِيلٌ إِذا كَانَ قويّاً.
الحرَّاني عَن ابْن السّكيت: قَالَ الْفراء: رِحْلَةٌ ورُحْلَةٌ بِمَعْنى واحدٍ، قَالَ وَقَالَ أَبُو عَمْرو الرحْلَةُ: الارْتحال، والرُّحْلَةُ بِالضَّمِّ: الوجْه الَّذِي تُرِيدُه. تَقول: أَنتُمْ رُحْلَتِي. قَالَ وَقَالَ أَبُو زيد نَحْواً مِنْهُ.
وَيُقَال للراحلة الَّتِي رِيضَتْ وأُدبت: قد أَرْحَلَتْ إِرْحَالاً وأَمْهَرَتْ إِمْهَاراً إِذا جَعَلها الرائِض مَهْريَّة وراحلةً.(5/7)
وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : نَاقَة رَحِيلةٌ ورحيلٌ ومُرْحِلَةٌ ومُسْتَرْحِلَةٌ أَي نجيبَةٌ. وبعير مُرْحِلٌ إِذا كَانَ سميناً وَإِن لم يكن نجيباً.
وَقَالَ اللَّيْث: ارتحل الْقَوْم ارتحالاً. والرحْلَةُ: اسمُ ارتحالِ الْقَوْم للمسير. قَالَ: والمُرْتَحَل نقيضُ المحَل. وَأنْشد قَول الْأَعْشَى:
إِنَّ مَحَلاًّ وإِنَّ مُرْتَحَلا
يُرِيد إِن ارتحالاً وَإِن حلولاً.
قَالَ: وَقد يكون المُرْتَحَلُ اسْمَ المَوْضِعِ الَّذِي تَحُلُّ فِيهِ. قَالَ: والترحُّلُ: ارتحالٌ فِي مُهْلَةٍ.
والمرحَّلُ: ضَرْبٌ من بُرُودِ الْيمن، وَقيل سمي مُرَحَّلاً لما عَلَيْهِ من تَصَاويرِ الرَّحْل وَمَا ضَاهَاهُ. قَالَ: ورَاحِيلُ اسمُ أُم يُوسُفَ ابنِ يعقوبَ. وَالْعرب تكني عَن الْقَذْف للرجل بقَوْلهمْ (يَا ابْن مُلْقَى أَرْحُلِ الرُّكبان) ويفسَّرُ قَول زُهَيْر:
ومَنْ لَا يَزَلْ يسترْحِلِ الناسَ نَفْسَهُ
وَلَا يُعْفِهَا يَوْماً من الذُّل يَنْدَمِ
تفسيرين: أحدُهما أَنَّهُ يَذِلُّ لَهُم حَتَّى يَرْكَبوه بالأَذَى ويستذِلُّوه، وَالثَّانِي: أَنه يَسْأَلُهم أَن يحملوا عَنهُ كَلَّه وثُقْلَه ومَؤُونَتَه وَمن قَالَ هَذَا القَوْل روى الْبَيْت (وَلَا يعفها يَوْمًا من النَّاس يُسْأَمِ) وَقَالَ ذَلِك كلَّه ابنُ السّكيت فِي كِتَابه فِي الْمعَانِي.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِي شيات الْخَيل: إِذا كَانَ الفَرَسُ أبيضَ الظهرِ فَهُوَ أَرْحَلُ، وَإِن كَانَ أبيضَ العَجُزِ فَهُوَ آزَرُ. وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ فِي شيات الْغنم إِن ابْيَصَّ طولُ النَّعْجَةِ غيرَ مَوْضِعِ الرَّاكب مِنْهَا فَهِيَ رَحْلاَءُ، فَإِن ابْيَضَّتْ إِحْدَى رِجْلَيْها فَهِي رَجْلاَءُ. وَقَالَ الفرزدق:
عليهِنَّ رَاحُولاَتُ كُل قطيفة
من الخَز أَوْ مِنْ قَيْصَرانَ عِلاَمُها
قَالَ: الراحُولاَتُ: المُرَحَّلُ المَوْشِيُّ على فَاعُولات. قَالَ وقَيْصَرَانُ ضربٌ من الثيابِ المَوْشِيَّةُ.
وَيُقَال: ارْتَحَل فلانٌ فلَانا: إِذا علا ظَهْرَهُ وَركِبَه. وَمِنْه حَدِيثُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَنه سَجَدَ فَركبه الحَسَنُ فأَبْطَأَ فِي سُجُودِهِ، وَقَالَ: إنَّ ابنِي ارْتَحَلَنِي فكرِهْتُ أَن أُعْجِله) .
(ح ر ن)
حرن، حنر، نخر، رنح: مستعملة
حرن: قَالَ اللَّيْث حَرَنت الدابَّةُ وحَرُنَتْ لُغَتَان، وَهِي تحرُن حِرَاناً. وَفِي الحَدِيث (مَا خلأت وَلاَ حَرَنَتْ وَلَكِن حَبَسَها حَابِسُ الْفِيلِ) .
وَيُقَال فَرَسٌ حَرُونٌ مِنْ خَيْلٍ حُرُنٍ. والحَرُونُ: اسمُ فَرَسٍ كَانَ لِبَاهِلَةَ، إِلَيْهِ تنْسب الْخَيل الحرونية. وَقَالَ أَبُو عَمْرو فِي قولِ ابْن مقبل: صَوت المحابض ينزعن المحارينا قَالَ: المحارين مايموت من النَّحْل فِي عسله وَقَالَ غَيره: المحارين من الْعَسَل مَا لزق بالخلية فعسر نَزعه أَخذ من قَوْلك حَرَنَ بِالْمَكَانِ حُرُوناً إِذا لزمَه فَلم يُفَارِقهُ وكأَنَّ العَسَل حَرِن فَعَسُر اشْتِيَارُه. وَقَالَ الرَّاعِي:
كناس تنوفه ظلت إِلَيْهَا
هجانُ الْوَحْش حَارِنةً حرونا(5/8)
قَالَ الْأَصْمَعِي فِي قَوْله حارنةً مُتَأَخِّرَة. وغيرُه يَقُول لازِمَةً. وَقَالَ ابْن شمَيْلٍ: المحارينُ حَبُّ الْقطن الْوَاحِد مِحْرَانٌ.
رنح: قَالَ اللَّيْث رُنح فلَان ترنيحاً إِذا اعتراه وهْنٌ فِي عِظَامه وَضَعْفٌ فِي جسده عِنْد ضرب أَو فزع يَغْشَاهُ وَقَالَ الطرماح:
وناصِرُكَ الأَدْنى عَلَيْهِ ظعينَةٌ
تَمِيدُ إِذا استَعْبَرْتَ مَيْدَ المُرَنَّح
وَقَالَ غَيره: رُنحَ بِهِ إِذا أُدِيرَ بِهِ كالمغشي عَلَيْهِ وَمِنْه قَول امرىء الْقَيْس:
فَظَلَّ يُرَنَّحُ فِي غَيْطَلٍ
كَمَا يستدير الْحِمارُ النَّعِرْ
قَالَ اللَّيْث المُرَنَّحُ أَيْضا ضرب من الْعود من أَجْودِه يُسْتَجْمرُ بِهِ. عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: المَرْنَحَةُ صَدْرُ السَّفِينَة قَالَ: والدَوْطِيرةُ كَوْثَلُها، والقَبُّ رَأس الدَّقَل، والقَرِيَّةُ خَشَبَة مربَّعَةٌ على رَأس القَب.
حنر: اللَّيْث: الحِنَّوْرَةُ دويبَّة ذَميمة يُشَبَّه بهَا الإنسانُ فَيُقَال يَا حِنَّوْرَةُ.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس فِي بَاب فِعّوْل الحِنَّوْر: دابَّة تشبه العَظَاءَ وَقَالَ اللَّيْث: الحَنِيرَةُ العَقْدُ المضْرُوب وَلَيْسَ بِذَاكَ العريض. قَالَ: وَفِي الحَدِيث (لَو صلَّيتم حَتَّى تَكُونُوا كالأوتار، أَو صمتم حَتَّى تَكُونُوا كالحنائر مَا نفعكم ذَلِك إِلَّا بنيَّةٍ صادِقَةٍ وورعٍ صادقٍ) .
وَتقول حنَرْتُ حَنِيرَةً إِذا بَنَيْتَها. أَبُو عَمْرو: الحَنِيرَةُ: قَوْسٌ بِلَا وَتَرٍ، وجَمْعُها حَنِيرٌ. قَالَ وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: جمعهَا حَنَائرُ. قَالَ وَفِي حَدِيث أبي ذَرَ (لَو صليتم حَتَّى تَكُونُوا كالحنائر مَا نفعكم ذَلِكُم حَتَّى تُحِبُّوا آلَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: الْحُنَيْرَةُ تَصْغِير حَنْرَة وَهِي العطْفَة المحْكَمَة لِلْقَوْس.
نحر: قَالَ اللَّيْث: النَّحْرُ: الصَّدْرُ. والنُّحُور: الصدُور. قَالَ: والنَّحْرُ: ذَبْحُكَ البعِيرَ تطعنُه فِي مَنْحَرِه حيثُ يَبْدو الحُلْقُومُ من أعْلَى الصدْر. قَالَ: ويومُ النَّحْر: يومُ الأَضْحَى.
وَإِذا تَشَاحَّ القوْمُ على أمْرٍ قيل: انْتَحَرُوا عَلَيْهِ من شِدَّةِ حِرْصِهِمْ. وإذَا اسْتَقْبَلَتْ دَارٌ دَاراً قيل: هَذِه تَنْحَرُ تِلْكَ. وَإِذا انْتَصَب الإنسانُ فِي صَلاَتِه فنهد قيل: قَدْ نَحَرَ.
قَالَ: واختلفُوا فِي تَفْسِير قَوْله تبَارك وَتَعَالَى: {ُِالْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (الكَوثر: 2) قَالَ بَعضهم: انْحَرْ البُدْنَ. وَقيل: ضَعِ اليمينَ على الشمَال فِي الصلاةِ. وَقَالَ الفَرَّاءُ: معنى قولِه {لِرَبِّكَ} استَقْبِل القِبْلَة بنَحْرِك. قَالَ: وسمعتُ بعضَ الْعَرَب يَقُول: مَنَازِلُهُ تَنَاحَرُ، هذَا يَنْحَرُ هَذَا، أَي قُبَالَتَه. وَأنْشد فِي بعض بني أَسد:
أَبَا حَكَمٍ هَل أَنْت عَم مجَالد
وسيدُ أهل الأَبْطَحِ المُتَنَاحِرِ
وَذكر الْفراء الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلين أَيْضا فِي قَوْله: {لِرَبِّكَ} .
وَقَالَ أَبُو عبيد النَّحيرَةُ: آخِرُ يومٍ من الشَّهْرِ لِأَنَّهُ يَنْحَرُ الَّذِي يَدْخُلُ بَعْدَه. قلت: مَعْنَاهُ أَنه يسْتَقْبل أول الشَّهْر. وَأنْشد للكميت:(5/9)
والغيث بالمُتَأَلقَا
تِ مِنَ الأَهِلَّة فِي النواحر
وَيُقَال لَهُ نَاحِرٌ. وَيُقَال لآخر ليلةٍ من الشَّهْر نَحيرَةٌ لِأَنَّهَا تَنْحَرُ الهِلاَلَ. وَقَالَ الْكُمَيْت أَيْضا:
فَبَادَرَ لَيْلَةَ لاَ مُقْمِرٍ
نَحيرَةَ شَهْرٍ لِشَهْرٍ سِرَاراً
أَرَادَ ليلةَ لَا رَجُلٍ مُقْمِرٍ. والسرارُ مردودٌ على الليلَةِ. ونحيرَة فعيلة بِمَعْنى فاعِلَة لأنَّها تَنْحَرُ الهلالَ، أَي تستَقْبِلُه.
وَيُقَال للسحاب إِذا انْعَقَّ بِمَاءٍ كثيرٍ: قد انْتَحَرَ انتِحَاراً. وَقَالَ الرَّاعِي:
قَمَرَّ عَلَى مَنَازِلِهَا وَأَلْقَى
بهَا الأَثْقَالَ وَانْتَحَرَ انْتِحَاراً
وَقَالَ عديُّ بن زيد يصف الْغَيْث:
مَرِحٌ وَبْلُه يسحّ سُبُوب الْ
مَاءِ سَحَا كأَنَّه مَنْحُورُ
والنحْرِيرُ: الرجُل الطَبِنُ الفَطِنُ فِي كل شَيْء، وَجمعه: النَّحَارِيرُ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: النَّحْرَةُ انْتِصَابُ الرَّجُلِ فِي الصَّلاَة بِإِزَاءِ الْمِحْرَاب. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس فِي قَوْله: {ُِالْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (الكَوثَر: 2) قَالَت طَائِفَة أُمِرَ بِنَحْرِ النُّسُكِ بَعْد الصَّلاة. وَقيل أُمِرَ أَنْ يَنْتَصِبَ بنَحْره بإزَاءِ القِبْلَة وأَلاَّ يَلْتَفِتَ يَمِينا وَلَا شمالاً.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: النَّاحِرَتَانِ: التَّرْقُوَتَان من الإِبِل والناسِ. وَالْجَوانحُ: مَا وقَعَ عَلَيْهِ الكَتِفُ مِنَ الدَّابَّة والبَعِيرِ، وهِيَ من الإنسانِ الدَّأْيُ، والدَّأْيُ: مَا كَانَ من قِبَلِ الظَّهْرِ، وَهِي سِتٌّ: ثَلاَثٌ من كل جانبٍ، وَهِي من الصَّدْر الجوانِحُ لجُنُوحِها على القَلْب. وقَالَ: الكَتِفُ على ثلاثةِ أضْلاَع من جَانب وَسِتَّة أضلاع من جَانب وَهَذِه السِّتَّة يُقَال لَهَا الدَّأَيَاتُ. أَبُو زيد الجوانح أدنى الضلوع من المَنْحَر، وفيهن النَّاحِرَتَان، وَهِي ثلاثٌ من كل جَانب، ثمَّ الدَّأَيات وَهِي ثَلاثٌ من كُل شِقّ، ثمَّ يبْقى من بعد ذَلِك سِتٌّ من كل جانبٍ متَّصِلاتٌ بالشراسيف لَا يسمونها إِلَّا الأضلاع، ثمَّ ضِلَع الخَلْفِ، وَهِي أَوَاخِر الضُّلوع.
(ح ر ف)
حرف، حفر، فَرح، رحف، رفح: مستعملة.
حرف: قَالَ اللَّيْث: الحَرْفُ من حُرُوفِ الهِجَاء. قَالَ: وَكُلُّ كَلِمَةٍ بُنِيَتْ أَدَاةً عارِيةً فِي الكلامِ لِتَفْرِقَةِ المَعَانِي فاسْمُها حرفٌ، وإِنْ كَانَ بِنَاؤُها بحرفين أَو فَوْقَ ذَلِك، مثل: حَتَّى وَهَلْ وَبل وَلَعَلّ.
وكل كلمة تُقْرَأُ على وُجُوهٍ مِنَ القُرْآنِ تُسمى حَرْفاً، يقْرَأ هَذَا فِي حرف ابْن مَسْعُود أَي فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود.
قَالَ والإنسانُ يكونُ على حَرْفٍ من أَمْرِه: كَأَنَّهُ يَنْتَظِرُ ويتوقَّعُ، فإِنْ رَأَى من نَاحِيَتِهِ مَا يحبُّ، وإلاَّ مَالَ إِلَى غَيْرِهَا. وَقَالَ الله جلّ وَعز: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} (الحَجّ: 11) أَي إِذا لَمْ يَرَ مَا أَحَبَّ انْقَلَبَ عَلَى وَجهه.
قَالَ: وحَرْفُ السفينةِ: جَانِبُ شِقها. وَقَالَ أَبُو إسحاقَ فِي تفسيرِ هَذِه الْآيَة: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} جَاءَ فِي(5/10)
التفسيرِ: على شَكَ، قَالَ: وحقيقَتُهُ أَنَّه يعبدُ الله على حرفِ الطَّرِيقَة فِي الدّين، لَا يدخُلُ فِيهِ دُخُولَ مُتَمَكنٍ. وأفادني المنذريُّ عَن ابْن اليزيدي عَن أبي زيدٍ فِي قَوْله {عَلَى حَرْفٍ} على شَكَ. وأفادني عَن أَبِي الْهَيْثَمِ أَنه قَالَ: أما تسميتُهم الْحَرْفَ حَرْفاً فحرْفُ كل شيءٍ ناحيتهُ كحرْفِ الجَبَلِ والنهرِ والسيفِ وغيرهِ، قلتُ كأَنَّ الْخَيْر والخِصْبَ ناحيةٌ، والضَّرَّ والشَّرَّ وَالْمَكْرُوه ناحيةٌ أُخْرَى، فهما حرفان، وعَلى العبْدِ أَن يَعْبُدَ خالِقَه على حَالَة السَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ. ومَنْ عَبَدَ الله على السَّرَّاءِ وحْدَهَا دون أَن يَعْبُدَه عَلَى الضَّراءِ يَبْتَلِيه الله بِهَا فَقَدْ عَبَدَهُ على حَرْفٍ، وَمن عَبَدَهُ كَيْفَما تصرَّفَتْ بِهِ الحالُ فقد عَبَدَهُ عِبادةَ عَبْدٍ مُقِرَ بأَنَّ لَهُ خَالِقاً يُصَرفه كيفَ يشاءُ، وَأَنه إِن امْتَحَنَه باللأواء وأنعم عَلَيْهِ بالسَّراء فَهُوَ فِي ذَلِك عادلٌ أَو متفضلٌ غير ظالمٍ وَلَا متعدَ، لَهُ الخيَرَةُ وَبِيَدِهِ الأمرُ وَلَا خِيَرَةَ للعَبْدِ عَلَيْهِ.
وَأما قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (نُزلَ الْقُرْآن على سَبْعَة أحرف كلهَا شاف كَاف) لقد أشبَعْتُ تَفْسِيره فِي كتاب (القراءَات وعِللِ النحويينَ) فِيهَا وَأَنا مختصرٌ لَكَ فِي هَذَا الموضِعِ من الجُمَلِ الَّتِي أودَعْتُها ذَلِك الكتابَ مَا يَقِفُ بِكَ على الصوابِ. فَالَّذِي أذْهَبُ إِلَيْهِ فِي تفسيرِ قولهِ: (نُزلَ القرآنُ على سَبْعَةِ أحرف مَا ذهب إِلَيْهِ أَبُو عبَيْدٍ واتَّبعه على ذَلِك أَبُو العَبَّاسِ أَحْمد بن يحيى.
فَأَما قَول أبي عبيدٍ فَإِن عبدَ الله بنَ مُحَمَّد ابْن هاجَك أَخْبرنِي عَن ابْن جَبَلَة عَن أبي عبيدٍ أَنه قَالَ فِي قَوْله (على سَبْعَة أحرف) يَعْنِي سبع لُغَاتٍ من لُغَات العَرَبِ. قَالَ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَن يكونَ فِي الْحَرْف الواحدِ سبعَةُ أَوْجُهٍ هَذَا لَمْ نَسمعْ بِهِ. قَالَ وَلَكِن نقُول: هَذِه اللغاتُ السبعُ متفرقَةٌ فِي الْقُرْآن فبعضه بِلُغَةِ قُرَيْش وبعضُه بلغَة هوازِنَ وبعضُه بلغَة هُذَيْلٍ وبعضُه بلغَة أهلِ اليَمَن، وَكَذَلِكَ سائِرُ اللُّغَات ومعانيها فِي هَذَا كُله وَاحِدَةٌ. قَالَ ومِمَّا يُبَينُ ذَلِك قولُ ابْن مَسْعُود: إِنِّي قد سَمِعت القراءَةَ ووجدتهم متقاربين فاقرءوا كَمَا علمْتُم، إِنَّمَا هُوَ كَقَوْل أحدكُم هَلُمَّ وَتَعَال وأَقْبِل.
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن أبي الْعَبَّاس أَنه سُئِل عَن قَوْله (نزل الْقُرْآن على سَبْعَة أحرف) فَقَالَ: مَا هِيَ إِلَّا لغاتٌ. قلت: فَأَبُو العبَّاسِ النَّحْوِيّ وَهُوَ وَاحِدُ عصره، قد ارْتَضَى مَا ذهبَ إِلَيْهِ أَبُو عبيد واستصْوبَه. قلت: وَهَذِه الأحْرُفُ السبعةُ الَّتِي مَعْنَاهَا اللغاتُ غيرُ خَارِجَةٍ من الَّذِي كُتِبَ فِي مصاحِف الْمُسلمين الَّتِي اجْتمع عَلَيْهَا السلفُ المرضيُّون وَالْخلف المتبعون فَمن قَرَأَ بحرفٍ لَا يُخَالِفُ المصحفَ بزيادةٍ أَو نُقْصانٍ أَو تَقْدِيم مؤخَّرٍ أَو تأخيرِ مُقَدَّم وَقَدْ قَرَأَ بِهِ إِمامٌ من أَئِمَّة القُرَّاءِ المُشْتهرين فِي الأَمْصَارِ فقد قَرَأَ بحرْفٍ من الحُرْوف السَّبْعَة الَّتِي نزل الْقُرْآن بهَا، وَمن قرأَ بحرفٍ شاذَ يُخَالِفُ المصحفَ، وخالَفَ بذلك جمهورَ القَرَأَةِ المعروفين، فَهُوَ غيرُ مصيبٍ. وَهَذَا مذهبُ أهلِ العِلْم الَّذين هم القُدْوَة، ومذهبُ الراسخِين فِي عِلْمِ الْقُرْآن قَدِيما وحديثاً، وَإِلَى هَذَا أَوْمَى أَبُو الْعَبَّاس(5/11)
النحويُّ، وَأَبُو بكرٍ الأنبارِيُّ فِي كتاب لَهُ ألَّفَهُ فِي اتِّبَاع مَا فِي المصحَفِ الإمَامِ، وَافقه على ذَلِك أَبُو بكرٍ مجاهدُ مُقْرِىء أهلِ العِراق وغيرُه من الاثْبَاتِ المُتْقِنِين. وَلَا يجوز عِنْدِي غيرُ مَا قَالُوا، وَالله يوفقنا للاتّباع وتجنُّبِ الابْتداع، إِنَّه خير مُوَفق وخيرُ مُعين.
وَقَالَ اللَّيْث: التحريفُ فِي الْقُرْآن: تغييرُ الكلِمَةِ عَنْ مَعْنَاهَا وَهِي قريبَةُ الشَّبَهِ، كَمَا كَانَت اليهودُ تُغَير مَعانِيَ التوْراةِ بالأَشْبَاه، فوصَفَهم الله بِفِعْلِهم فَقَالَ {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ} (النِّسَاء: 46) قَالَ: وَإِذا مَال إنسانٌ عَن شَيْء يُقَال: تحرّف وانْحَرَفَ واحْرَوْرَف وَأنْشد فِي صفة ثَوْر حفر كناساً فَقَالَ:
وَإِن أصَاب عُدَوَاءَ احْرورفا
قَالَ: والحَرْف النَّاقة الصُّلْبَةُ، شُبهت بِحَرْفِ الْجَبَل.
وَأنْشد:
جُمَالِيَّةٌ حَرْفٌ سِنَادٌ يَشُلُّهَا
وَظِيفٌ أَزَجُّ الخَطْوِرِيَّانُ سَهْوَق
قَالَ: وهَذَا البَيْتُ يَنْقُضُ تفسيرَ مَنْ قَالَ: نَاقَة حَرْفٌ: أَيْ مَهْزولَةٌ شبهت بحرْفِ كتابَةٍ لِدَقَّتِها وهُزَالِها.
وروى أَبُو عبيدٍ عَن أبي عَمْرو أَنه قَالَ: الحرْفُ: الناقَةُ الضَّامِرُ، قَالَ: وَقَالَ بعضهُم: شُبهَت بِحَرْف الْجَبَل. قَالَ أَبُو عبيدٍ وَقَالَ الأَصمعيُّ: الحرفُ: المَهْزُولَةُ، وَقَالَ شَمِر: الحَرْفُ من الجَبَلِ: مَا نَتَأَ فِي جَنْبِهِ مِنْهُ كَهَيْئَةِ الدُّكَّانِ الصغيرِ أَو نحوِه. قَالَ والحرف أَيْضا فِي أعْلاَهُ تَرَى لَهُ حَرْفاً دَقِيقًا مشرفاً على سواءِ ظَهْرِه.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحرْفُ: الشَّكُّ فِي قَول الله جلّ وَعز: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} (الحَجّ: 11) أَي شَكَ.
قَالَ أَبُو العبَّاسِ: والعربُ تَصِفُ الناقَةَ بالحَرْفِ لأَنَّها ضَامِرٌ، وتُشَبَّهُ بالحَرْفِ من حُرُوفِ المُعْجَم، وَهُوَ الأَلِفُ. وتشبَّه بِحَرْفِ الجبَل إِذا وصفت بالعِظَم. قَالَ هَذَا فِي تَفْسِير قَول كَعْب:
حَرْف أَخُوهَا أَبوهَا من مهجَّنة
وَقَالَ اللَّيْث: الْحُرْفُ: حَبٌّ كالخَرْدَلِ، الْوَاحِدَة حُرْفَةٌ. قَالَ: والمُحَارَفَةُ: المُقَايَسَةُ بالمِحْرَافِ، وَهُوَ المِيلُ الَّذِي يُسْبَرُ بِهِ الجِرَاحَاتُ وَأنْشد:
كَمَا زَلَّ عَنْ رَأْسِ الشّجِيج المُحَارِف
أَبُو عُبَيْدٍ عَن أبي زيدٍ: أَحْرَفَ الرجلُ إِحرافاً إِذا نما مَالُه وصَلُحَ. ورُوِيَ عَن ابنِ مسعودٍ أَنه قَالَ: موت المؤمِنِ بِعَرَق الجبين تبقَى عَلَيْهِ البقيَّةُ من الذُّنُوبِ فَيحَارَفُ عِنْد الْمَوْت أَي يُقَايَسُ بهَا فَيكون كَفَّارَة لذنوبه. وَمعنى عَرَقِ الجبينِ شدّةُ السيَاق. وَيُقَال: لَا تُحَارِفْ أخَاكَ بالسوءِ: أَي لَا تُجَازِهِ بِسُوءِ صَنِيعِه تُقَايِسْه، وأحْسِنْ إِذَا أَساءَ، واصْفَحْ عَنهُ. وَيُقَال للمَحْرومِ الَّذِي قُترَ عَلَيْهِ رزْقُه مُحَارَفٌ. حدَّثَنَا عبدُ الله بنُ عُرْوَةَ عَن أبي بكرٍ بن زَنْجَوَيْهِ عَن محمدِ بن يوسفَ عَن سفيانَ قَالَ حَدثنَا أَو إسحاقَ عَن قسر ابْن كركم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {ُِيَسْتَغْفِرُونَ وَفِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ}(5/12)
(الذّاريَات: 19) قَالَ: (السائلُ) : الَّذِي يسألُ الناسَ، و (المحروم) : الْمُحَارَفُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ فِي الْإِسْلَام سَهْمٌ، فَهُوَ مُحَارَفٌ. قالَ وأخْبَرَنا الزعْفرانيُّ عَن الشافِعِي أَنه قَالَ: كُلُّ من استغْنَى بكَسْبِه فَلَيْسَ لَهُ أَن يسألَ الصدقَةَ وَإِذا كَانَ لَا يبلغ كَسبه مَا يُقِيمُه وعيالَه فَهُوَ الَّذِي ذكر المفسرُونَ أنَّه المحرومُ الْمُحَارَفُ. قَالَ: والْمُحَارَفُ: الَّذِي يَحْتَرِفُ بيدَيْهِ قد حُرِمَ سهْمَه من الْغَنِيمَة لَا يَغْزُو مَعَ الْمُسلمين فَبَقيَ محروماً يُعْطَى من الصدقةِ مَا يَسُدّ حِرْمَانَهُ. وَجَاء فِي تَفْسِير قَول الله جلّ وَعز: {حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ} أنّ المحرومَ هُوَ المُحَارَفُ، والاسْمُ منْهُ الحُرْفَةُ بالضَّم، وَأما الحِرْفَة فَهُوَ اسْم من الاحْتِرَافِ، وَهُوَ الاكتسابُ؛ يُقَال هُوَ يَحْرِفُ لِعِيَالِهِ ويَحْتَرِفُ، وَيَقْرِشُ وَيَقْتَرِشُ، ويَجْرَحُ ويَجْتَرِحُ: بِمَعْنى يَكْتَسِبُ.
ثعلبُ عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: أَحْرَفَ الرجُلُ إِذا جازَى على خيرٍ أَو شَرَ. قَالَ وَمِنْه الخبرُ: (إِن العبدَ ليُحَارَفُ على عَمَلِه الخيرَ والشرَّ) . قَالَ: وأحرف إِذا اسْتغنى بعد فقر وأحرف الرجل إِذا كدّ على عِيَاله أَبُو عُبَيْدة عَن أبي زيدٍ: أحْرَفَ الرجُلُ إِحْرَافاً إِذا نَمَا مَالُه وصَلَح.
رحف: أهمله اللَّيْث وَهُوَ مُسْتَعْمل.
روى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: أَرْحَفَ الرجلُ إِذا حدَّد سكّيناً أَو غيرَه يُقَالُ: أَرْحَفَ شَفْرَتَهُ حَتَّى قَعَدَتْ كَأَنَّها حَرْبَةٌ. وَمعنى قَعَدَتْ أَي صَارَتْ. قلتُ كَأَنَّ الحاءَ مُبْدَلَةٌ من الْهَاء فِي أَرْحَفَ، والأصْلُ أَرْهَف. وسيفٌ مُرْهَفٌ وَرَهِيفٌ أَي مُحَدَّدٌ.
حفر: قَالَ اللَّيْث: الْحُفْرَةُ: مَا يُحْفَرُ فِي الأَرْضِ، وَمثله الحَفِيرَةُ، قَالَ: والحَفَرُ اسمُ المَكَانِ الَّذِي حُفِرَ كخَنْدَقٍ أَو بِئْرٍ، قَالَ وَكَذَلِكَ البئرُ إِذا وُسعَتْ فَوْقَ قَدْرِها تُسَمَّى حَفِيراً وحَفَراً وحَفِيرَةً، قَالَ: وحَفِيرٌ وحَفِيرَةٌ اسْمَا مَوْضِعَين ذكَرَهُمَا الشعراءُ القدماءُ.
قلتُ: والأَحْفَارُ المَعْرُوفَةُ فِي بلادِ العربِ ثلاثَةٌ: فَمِنْهَا حَفَر أَبي مُوسَى، وَهِي رَكَايا احْتَفَرَهَا أَبُو مُوسَى الأشْعَرِيُّ على جَادَّة البَصْرة وَقَدْ نَزَلْتُ بهَا واستَقَيْتُ من رَكَاياها وَهِي مَا بَين مَاويَّةَ والمَنْجَشَانِيَّاتِ وركايا الحَفَر مَسْنَوِيَّةٌ بعيدَة الرشَاء عَذْبَةُ الماءِ، مَسْنَوِيَّةٌ أَي يستقى مِنْهَا بالسانية وَهَذَا كَقَوْلِهِم زرع مَسْقَوِيّ أَي يُسْقَى. وَمِنْهَا حَفَرُ ضَبَّةَ: وَهِي ركايَا بِنَاحيةِ الشَّوَاجِن بعيدةُ القَعْرِ، عَذْبَةُ الماءِ. وَمِنْهَا حَفَرُ سَعْدِ بنِ زَيْدِ مَنَاةَ ابْن تَمِيم، وَهيَ بِحِذَاء العَرَمَة وَرَاءَ الدَّهْنَاءِ، يُسْتَقَى مِنْهَا بالسانيَة عِنْدَ حَبْلٍ من حِبَالِ الدَّهْنَاءِ، يُقَال لَهُ حَبْلُ الحَاضِر.
وَقَالَ الفرَّاءُ فِي قَول الله جلّ وَعز {ُيَقُولُونَ أَءِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِى} {ِالْحَافِرَةِ أَءِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً} (النَّازعَات: 10، 11) مَعْنَاهُ إنّا لمَرْدُودُون إِلَى أَمرنا الأوّل إِلَى الْحَيَاة. قَالَ: والعربُ تَقُولُ: أَتَيْتُ فُلاناً ثمَّ رَجَعتُ علَى حَافِرَتِي: أيْ رَجَعْتُ مِنْ حَيْثُ جئتُ. قالَ: وَمن ذَلِكَ قَوْلُ العَرَبِ: النَّقْد عِنْدَ الْحَافِرَةِ. والحافر معناهُ إِذا قَال قَدْ بِعْتُك(5/13)
رجعتَ عَلَيْهِ بِالثّمن؛ وهُمَا فِي الْمَعْنى واحدٌ. قَالَ: وبعضُهم يَقُول النَّقْدُ عندَ الحَافِرِ، يُرِيد عِنْد حَافِرِ الفَرَسِ، وكَأَنَّ هَذَا المَثَل جَرَى فِي الخيْلِ. قَالَ: وقالَ بعضُهم: الحافِرَةُ الأَرْضُ الَّتِي تُحْفَرُ فِيهَا قُبُورُهم، فسمَّاهَا الْحَافِرَةَ، والمعْنَى يريدُ المحْفُورَةَ، كَمَا قَالَ {مِن مَّآءٍ} (الطّارق: 6) يُرِيد مَدْفُوق. وَأَخْبرنِي المُنْذِرِيُّ عَن أبي العَبَّاس أَنه قَال: هَذِه كلمَةٌ كانُوا يَتَكَلَّمُون بهَا عِنْد السَّبْق. قَالَ والحَافِرَةُ: الأرضُ المَحْفُورَةُ، يَقُول: أقل مَا يَقَعُ حَافِرُ الفَرَسِ على الْحَافِرَةِ فقد وَجَبَ النقْدُ، يَعْنِي فِي الرهَانِ، أَي كَمَا يَسْبِقُ فيَقَعُ حَافِرُه عَلَيْها تَقول هَاتِ النَّقْدَ: وَقَالَ الليثُ: النقْدُ عِنْدَ الْحَافِرِ مَعْنَاهُ إِذا اشتريْتَه لم تَبْرَح حَتَّى تَنْقُد. الحرَّانِيّ عَن ابْن السكيتِ أَنه قَالَ: مَعْنَى النَّقْدُ عِنْد الْحَافِرَة أَيْ عِنْد أَوَّلِ كَلِمَةٍ. ويُقَال: الْتَقَى القَوْمُ فاقْتَتَلُوا عِنْدَ الْحَافِرَة أَيْ عِنْدَ أَوَّلِ كَلِمَةٍ وعِنْدَ أَوَّلِ مَا الْتَقُوا، قَالَ الله جَلّ وَعَزّ {يَقُولُونَ أَءِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِى} أَيْ فِي أَوَّلِ أَمْرِنَا. قَالَ: وَأَنْشَدَنِي ابنُ الأعرابيّ:
أَحَافِرَةً عَلَى صَلَعٍ وَشَيْبٍ
مَعَاذَ الله مِنْ سَفَهٍ وَعَارِ
كَأَنَّهُ قَالَ أأرجع فِي صِبَايَ وَأَمْرِي الأوَّلِ بعد أَن صَلِعْتُ وشِبْتُ. وَقَالَ الليثُ: الحافِرَةُ العَوْدَةُ فِي الشَّيْءِ حتَّى يُرَدَّ آخِرُه عَلَى أَوَّلِه. قَالَ: وفِي الْحَدِيثِ (إِنَّ هَذَا الأَمْرَ لَا يُتْرَكُ عَلَى حَالِه حَتَّى يُرَدَّ عَلَى حَافِرَتِه أَيْ عَلَى أَوَّلِ تَأسِيسِه، وقَالَ فِي قَوْله: {يَقُولُونَ أَءِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِى} أَي فِي الخَلْقِ الأَوَّل بَعْدَ مَا نَمُوتُ. وَقَالَ ابنُ الأَعْرَابيّ {لَمَرْدُودُونَ فِى} أيْ فِي الدُّنْيَا كَما كُنَّا.
وَقَالَ اللَّيْثُ الحَفْرُ والحَفَرُ جَزْمٌ وفَتْحٌ لُغَتَانِ: وَهُوَ مَا يَلْزَق بالأسْنَانِ من ظَاهرٍ وباطنٍ، تَقول: حَفِرَتْ أسنانهُ حفَراً، ولغةٌ أُخْرَى حفَرت أسنانُه تَحفِر حَفْراً. وأخْبرَني أبُو بكرٍ عَن شمر أنَّهُ سُئِل عَن الحَفْر فِي الأسْنان، فَقَالَ: هُوَ أَن يَحْفِرَ القَلَحُ أُصُولَ الْأَسْنَان بَيْنَ اللثة وأَصْلِ السنّ من ظَاهِرٍ وبَاطِنٍ يُلِحُّ على العَظْمِ حَتَّى يَتَقَشَّر العظْمُ إِن لم يُدْرَكْ سَرِيعا، يُقَال أَخَذَ فِيه حَفْرٌ وحَفَرَةٌ. أَبُو عبيد: عَن الْكسَائي قَالَ: الحفْر بتسكين وَقد حفر فُوَه يحفِر حَفْراً.
وَقَالَ اللَّيْث الحِفْرَاةُ نباتٌ من نباتِ الرَّبِيع، قَالَ ونَاسٌ من أَهْلِ اليمنِ يُسَمُّون الْخَشَبَةَ ذاتَ الأصَابِع الَّتِي يُذُرَّى الكُدْس المَدُوسُ وَيُنَقَّى بهَا البُرُّ مِن التبْن بِحفْرَاةَ.
ثعلبٌ عَن ابْن الأعرابيّ: أحفَرَ الرجلُ إِذا رَعَى إِبِلَه الحِفْرَى، وَهُوَ نَبْتٌ، قلتُ وَهُو مِن أَرْدَإِ المَرَاعي، قَالَ: وَأحفَرَ إِذَا عَمِل بالحِفْرَاةِ وَهِي الرَّقْش الَّذِي تُذَرَّى بِهِ الحنطةُ، وَهِي الْخَشَبَةُ المُصْمَتَة الرأسِ، فَأَما المُفَرَّجُ فَهُوَ العَضْمُ بالضَّاد والمِعْزَقَةُ، قَالَ: والمِعْزَقَةُ فِي غير هَذَا: المَرُّ، قَال والرقْشُ فِي غير هَذَا: الأكلُ الكثيرُ.
وَقَالَ أَبُو حاتمٍ: يُقَال حَافَرَ اليربوعُ مُحَافرةً، وَفُلَان أَرْوَغُ من يَرْبُوعٍ: مُحَافِرٍ، وَذَلِكَ أَن يَحْفِر فِي لُغزٍ من ألْغَازِه فيذهبَ سُفْلاً ويحفِرَ الإنسانُ حَتَّى يُعْيَى فَلَا يَقْدِر عَلَيْهِ ويُشَبَّه عَلَيْهِ الجُحْرُ فَلَا يعرفهُ من غَيره(5/14)
فيَدَعَهُ، وَإِذا فعل اليَرْبُوعُ ذَلِك قِيلَ لمن يَطْلُبُه دَعْه لَقَدْ حَافَر فَلَا يقدرُ عَلَيْهِ أحدٌ وَقَالَ: إِنَّه إِذا حَافَرَ أَبَى أنْ يَحْفِر الترابَ وَلَا يَنْبِثُه وَلَا يُدْرَى وجْهُ جُحْره، يُقَال قد حثا فترى الجُحْرَ مملوءًا تُراباً مستَوِياً مَعَ مَا سِواهُ إِذا حَثَا، ويُسَمَّى ذَلِك الحَاثِيَاءَ، ممدودٌ، يُقَال مَا أَشد اشْتِبَاه حَاثِيَائِه. وَقَالَ ابْنُ شُمَيْل: رَجُلٌ مُحَافِرٌ: لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ، وَأنْشد:
مُحَافِرُ الْعَيْش أَبى جِوَارِي
لَيْسَ لَهُ مِمَّا أفاءَ الشَّاري
غيرُ مُدَىً وبُرْمَةٍ أعشارِ
أَبُو عُبَيْدَة: يُقَال أَحْفَرَ المُهْرُ للإِثْنَاءِ والإرْبَاع والقُرُوحِ وَأَفَرَّتِ الإِبلُ للاثناء إِذا ذهبت رَوَاضِعُها وطَلَع غَيْرُها. وَقَالَ فِي كتاب (الخيْلِ) يُقَال أَحْفَرَ المُهْرُ إحْفاراً فَهُوَ مُحْفِر، قَالَ وإِحْفَارُهُ أَن يَتَحَرَّك الثَّنِيَّتان السُفْلَيَان والعُلْيَيَان من رَوَاضِعِه، فَإِذا تحرَّكْنَ قَالُوا قَدْ أَحْفَرَت ثَنَايَا رَوَاضِعِه فسَقَطْن. قَالَ وأولُ مَا يُحْفِرْنَ فِيمَا بَين ثَلَاثِينَ شهرا أدْنَى ذَلِك إِلَى ثلاثةِ أعْوَامٍ، ثمَّ يسقُطْن فَيَقَع عَلَيْهَا اسمُ الإبْدَاء، ثمَّ يُبدىء فَيخرج لَهُ ثَنِيَّتَان سُفْلَيَان وثَنِيَّتَانِ عُلْيَيَانِ مَكَانَ ثَنَايَاه الرَّواضِعِ الَّتِي سَقَطْنَ بعد ثلاثةِ أَعْوَام فَهُوَ مُبْدِىءٌ قَالَ ثمَّ يُثَني فَلَا يزَال ثَنِيّاً حَتَّى يُحْفِرَ إحْفَاراً، وإحفارُهُ أَن تُحَركَ لَهُ الرَّبَاعِيَّتَانِ السفْلَيَان والرَّبَاعيتان العُلْيَيَان من رَوَاضِعه وَإِذا تَحَرَّكْن قيل قد أَحْفَرت رُبَاعِيَاتُ رواضعه فيسقُطْنَ، وَأول مَا يُحْفِرْن فِي اسْتِيفَائه أربعةَ أعوامٍ، ثمَّ يَقع عَلَيْهَا اسمُ الإبْدَاءِ، ثمَّ لَا يزَال رَبَاعِياً حَتَّى يُحفر لِلْقُروحِ وَهُوَ أَن يَتَحَرَّك قَارِحَاه، وَذَلِكَ إِذا استَوْفَى خَمْسَةَ أعوامٍ، ثمَّ يَقع عَلَيْهِ اسْمُ الإبْدَاءِ، عَلَى مَا وَصَفْنا ثمَّ هُوَ قارح.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي إِذا استَتَم المُهْرُ سنتَيْن فَهُوَ جَذَعٌ، ثمَّ إِذا استتم الثالثةَ فَهُوَ ثَنِيٌّ، فَإِذا أثْنَى أَلْقَى رَوَاضِعَه فَيُقَال أثنَى وأَدْرَمَ للأَثناء، ثمَّ هُوَ رَبَاعٍ إِذا استتمّ الرَّابِعَة من السنين يُقَال أَهْضم للإِرْبَاعِ وَإِذا دخل فِي الْخَامِسَة فَهُوَ قارِحٌ وَقد قَرَحَ يَقْرَحُ قُرُوحاً، قلت: وصَوَابُه إِذا استَتَمّ الخامِسَةَ، فَيكون مُوَافقا لقَوْل أبي عُبَيْدَة وكأَنَّهُ سقطَ شَيْءٌ.
وَيُقَال: حَفَرْتَ ثَرَى فُلانٍ إِذا فَتَّشْتَ عَن أمْرِه ووقَفْتَ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابنُ الْأَعرَابِي حَفَرَ إِذا جَامَع وحَفَرَ إِذا فَسَدَ.
فَرح: قَالَ اللَّيْث رجل مُفْرَحٌ قد أَثْقَلَهُ الدَّيْن، وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (وَلَا يُتْرَكُ فِي الْإِسْلَام مُفْرَح) قَالَ أَبُو عبيد المُفْرَح: الَّذِي قد أَفْرَحَهُ الدَّيْنُ أَي أَثْقَلَهُ، وَلَا يجِدُ قَضَاءَهُ. قَالَ وأنشدنا أَبُو عُبَيْدَة:
إذَا أَنْتَ لم تَبْرَحْ تُؤَدي أَمَانَةً
وتَحْمِلُ أُخْرَى أَفْرَحَتْكَ الوَدَائِعُ
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ فِي قَوْله: (وَلَا يتْرك فِي الْإِسْلَام مُفْرَح) هُوَ الَّذِي أثْقَلَ الدَّيْنُ ظَهْرَه، قَالَ: وَمن قَالَ مُفْرَجٌ فَهُوَ الَّذِي أثقله الْعِيَال وَإِن لم يكن مُدَّاناً.
وَقَالَ اللَّيْث: رَجُلٌ فَرِحٌ وفَرْحَانٌ وَامْرَأَة فَرِحَةٌ وفَرْحَى، وَيُقَال مَا يسرني بِهِ مَفْروحٌ ومُفْرِحٌ، فاالمَفْرُوح: الشيءُ الَّذِي أَنا أفْرَحُ(5/15)
بِهِ، والمُفْرِحُ: الشَّيْء الَّذِي يُفْرِحُني. أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي: يُقَال: مَا يسرني بِهِ مُفْرِحٌ وَلَا يجوز مَفْرُوحٌ، وَهَذَا عِنْده مِمَّا يَلْحَنُ فِيهِ العامَّة.
رفح: قَالَ أَبُو حَاتِم: من قُرُون الْبَقر الأَرْفَحُ وَهُوَ الَّذِي يَذْهَبُ قَرْنَاهُ قِبَلَ أُذُنَيْه فِي تَبَاعُدِ مَا بَينهمَا قَالَ والأَرْفَى الَّذِي يَأْتِي أُذُنَاهُ عَلَى قَرْنَيْه.
(بَاب الْحَاء وَالرَّاء ممع والبَاء)
ح ر ب
حَرْب، حبر، ربح، رحب، بَحر، برح: مستعملات.
حَرْب: قَالَ أَبُو الْعَبَّاس قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الحارِبُ: المُشَلح، يُقَال حَرَبَه إِذا أخَذَ مَالَه، وأَحْرَبَه دَلَّه على مَا يَحْرُبُه، وحَرَّبَه إِذا أطْعمهُ الحَرَب وَهُوَ الطَّلْع، وأَحْرَبَهُ: وجده مَحْرُوباً.
وَقَالَ اللَّيْثُ: الْحَرْب: نقيضُ السَّلْم، تؤنث، وتصغيرها حُرَيْبٌ بِغَيْر هَاء رِوَايَة عَن الْعَرَب وَمثلهَا ذُرَيْع وَقُوَيْسٌ وَفُرَيْسٌ أُنْثَى ونُيَيْبٌ وذُوَيْدٌ تَصْغِير ذَوْدٍ وقُدَيْرٌ تَصْغِير قِدْر وخُلَيْقٌ يُقَال مِلْحَفة خُلَيْق. كل ذَلِك تَأْنِيثٌ يُصَغَّرُ بِغَيْر هَاءٍ. قلت أنَّثُوا الْحَرْب لأَنهم ذَهَبُوا إِلَى المُحَارَبَةِ، وَكَذَلِكَ السلْم والسَّلْم يذهب بهما إِلَى المُسالمة، فتؤنث.
وَقَالَ اللَّيْث رجل مُحَرب: شُجَاعٌ. وَفُلَان حَرْبُ فلانٍ أَي مُحَارِبهُ. ودَارُ الحَرْبِ بِلادُ المُشْرِكين الَّذين لَا صُلْحَ بَينهم وَبَين الْمُسلمين. وَتقول حَرَّبْتُ فلَانا تَحْرِيباً إِذا حرَّشْتَه تحريشاً بِإِنْسَان فأُولِعَ بِهِ وبعَدَاوته.
وَيُقَال حُرِب فلَان حَرَباً، والحَرَب أَن يُؤْخَذ مَاله كُلُّه، فَهُوَ رجل حَرِبٌ نزل بِهِ الحَرَبُ، وَهُوَ مَحْرُوبٌ حَرِيبٌ. وحَرِيبَةُ الرجلِ: مالُه الَّذِي يعِيش بِهِ. والحَرِيبُ: الَّذِي سُلِبَ حَرِيبَتَه. ابْن شُميل فِي قَوْله (اتَّقوا الدَّيْن فَإِن أَوَّلَه وآخِرَه حَرَبٌ) قَالَ يُبَاع دَارُه وعَقَارُه، وَهُوَ من الحَرِيبَةِ.
محروبٌ: حُرِبَ دِينَه أَي سُلِبَ دِينَه، يَعْنِي قولَه (فَإِن المحْرُوبَ من حُرِبَ دِينَه) وَقَالَ الله {يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} يَعْنِي الْمعْصِيَة وَقَوله {فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (البَقَرَة: 279) يُقَال: هُوَ القَتْلُ أما قَوْلُه جلّ وعَزَّ {إِنَّمَا جَزَآءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (المَائدة: 33) الْآيَة فإنّ أَبَا إسحاقٍ النحويَّ زعم أَن قَول الْعلمَاء أنّ هَذِه الْآيَة نزلت فِي الْكفَّار خَاصَّة.
ورُوِي فِي التَّفْسِير أَن أَبَا بُرْدَةَ الأسلميَّ كَانَ عاهَدَ النبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألاَّ يَعْرِضَ لمن يريدُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وألاّ يمنَعَ مِنْ ذَلِك، وَأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يمْنَعُ من يريدُ أَبَا بُرْدَةَ فمرّ قوم بِأَبِي بُرْدَةَ يُرِيدُونَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَعرض أصحابُه لَهُم فَقَتَلُوا وأخَذُوا المالَ، فَأنْزل الله جلّ وعزّ على نبيّه، وَأَتَاهُ جبريلُ فَأعلمهُ أنَّ الله يأمُرُه أَنَّ مَنْ أَدْرَكَهُ مِنْهُمْ قَدْ قَتَلَ وَأَخَذَ المالَ قَتَله وَصَلَبَهُ، وَمن قَتَل وَلم يَأْخُذِ المالَ قَتَله، وَمن أَخَذَ المالَ وَلم يَقْتُل قطع يَدَه لأَخْذِه المالَ، ورِجْلَهُ لإخَافَتِه السبيلَ.(5/16)
وَقَالَ الليثُ: شُيُوخ حَرْبى وَالْوَاحد حَرِبٌ شبيهٌ بالكَلْبى والكَلِب. وَأنْشد قَول الْأَعْشَى:
وشيوخٍ حَرْبى بشطَّيْ أَرِيكٍ
ونِسَاءٍ كأنَّهُنَّ السَّعَالي
قلت وَلم أسمع الحَرْبَى بمَعْنى الكَلْبى إِلَّا هَهُنَا. وَلَعَلَّه شَبَّهَه بالكلبى أَنه على مِثَاله.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَرْبَةُ دون الرُّمْحِ والجميع الحِرَابُ.
وَقَالَ والمِحْرَاب: الغُرْفة وَأنْشد قَول امرىء الْقَيْس:
كغزلان رمل فِي محاريب أَقْوَال.
قَالَ والمِحْرَابُ عِنْد الْعَامَّة اليومَ مَقَامُ الإمامِ فِي المَسْجِد.
وكانَتْ مَحَارِيبُ بني إسْرَائيلَ مَسَاجِدَهُم الَّتِي يَجْتَمعُونَ فِيهَا للصَّلَاة.
قَالَ أَبُو عبيد: المِحْرَابُ: سيّد الْمجَالِس ومُقدَّمُها وأشْرَفُها، وكذلِكَ هُوَ من الْمَسَاجِد. وَقَالَ ابنُ الْأَعرَابِي: المحرابُ: مَجْلِسُ الناسِ ومُجْتَمَعُهُم.
وَقَالَ الأصمعيّ: الْعَرَب تسمي القَصْرَ محْرَاباً لِشَرفه. وَأنْشد:
أَو دميةٍ صُورَ مِحْرَابُها
أَبُو درة شِيفَتْ إِلَى تَاجر
أَرَادَ بالمحراب الْقصر، وبالدُّمْيَة الصُّورَة.
وَقَالَ الأصمعيّ: عَن أَبي عَمْرِو بنِ الْعَلَاء دخلتُ مِحْرَاباً من مَحَارِيبِ حِمْيَر فَنَفَخ فِي وَجْهي رِيحُ الْمسك أَرَادَ قَصْرَاً أَو مَا يشبه القصرَ، وَقَالَ الزّجاج فِي قَول الله جلّ وعزّ: {ُِالْخِطَابِ وَهَلْ أَتَاكَ نَبَؤُا الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُواْ} . (ص: 21) قَالَ: الْمِحْرَاب أَرْفَعُ بيتٍ فِي الدَّار، وأَرْفَعُ مَكانٍ فِي المسْجِد. قَالَ والمِحْرَابُ هَهُنَا كالغُرْفة وَأنْشد:
رَبَّةُ مِحْرَابٍ إِذا جِئْتُها
لم أَلْقَهَا أَوْ أَرْتَقِي سُلَّما
وَقَالَ الفرَّاءُ فِي قَول الله جلّ وعزّ: {مَا يَشَآءُ مِن} (سَبَإ: 13) ذُكِرَ أنَّها صُوَرُ الأنبياءِ والملائكةِ، كَانَت تُصَوَّرُ فِي الْمَسَاجِد ليراها النّاسُ فيزْدَادُوا عبَادَة.
وَقَالَ الزجَّاجُ: هِيَ واحِدَةُ المِحْرابِ الَّذِي يُصَلّى فِيهِ.
وَفِي الحَدِيث أنّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث عُرْوَةَ بن مسعودٍ إِلَى قومه بِالطَّائِف فَأَتاهُمْ ودَخَل محراباً لَهُ فَأَشْرَف عَلَيْهِم عِنْد الْفجْر، ثمَّ أذَّن للصَّلَاة. وَهَذَا يَدُلُّ على أَنه غرفَة يُرْتَقَى إِلَيْهَا. وَقَالَ اللَّيْث الْمِحْرَاب عنق الدَّابَّة.
ابْن الْأَنْبَارِي عَن أَحْمد بن عبيد: سمي المحرابُ مِحْرَاباً لانفراد الإِمَام فِيهِ وبُعْدِه عَن النَّاس.
وَمِنْه يُقَال فلانٌ حَرْبٌ لفُلَان إِذا كَانَ بَينهمَا تبَاعد ومباغضة واحتجَّ بقوله:
وحارَبَ مرفَقَها دَفُّها
وسامَى بِهِ عُنُقٌ مِسْعَر
أَرَادَ بعد مرفقها من دفها.
وَقَالَ الراجز:
كأنَّهَا لَمَّا سَمَا مِحْرابُها
وَقَالَ الْأَعْشَى:(5/17)
وَترى مَجْلِسا يغص بِهِ المح
راب مِلْقوم وَالثيَاب رقاق
أَرَادَ من الْقَوْم. قَالَ: والحِرَباءُ دويبَةٌ على خِلْقة سَام أَبْرَصَ ذاتُ قوائِمَ أَربع، دقيقةُ الرَّأْس، مخطَّطَةُ الظهرِ، تستقبلُ الشمسَ نهارَها. والجميعُ محرابيّ. قَالَ والْحِربَاءُ: رأسُ المِسْمَارِ فِي الْحلقَة فِي الدرْع.
وَقَالَ أبُو عُبَيْد: الحِرْبَاءُ: مساميرُ الدرْع. وَقَالَ لبيد:
كلّ حرباء إِذا أُكْرِهَ صَلّ
قَالَ: وقَالَ أَبُو عَمْرٍ والشَّيبانيُّ: حَرَابِيّ المَتْنِ: لَحْمُ المَتْنِ، قَالَ: وَاحِدُها حِرْبَاءُ؛ شُبه بِحِرْبَاءِ الفَلاَةِ وإِنَاثُ الحرابِي يُقَال لَهَا أُمَّهَاتُ حُبَيْنٍ، الْوَاحِدَة أُمُّ حُبَيْنٍ، وَهِي قَذِرَةٌ لَا تأْكُلُهَا العَرَبُ بتَّة.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ أَبُو زَيْدٍ: أرضٌ مُحَرْبِئَةٌ مِنَ الحِرْبَاءِ.
أبُو العبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: الحُرْبَة: الجُوَالِقُ.
وَقَالَ اللَّيْثُ: الحُرْبة: الوِعَاءُ.
أَبُو عبيد: حَرِب الرجل يحرَبُ حَرَباً إِذا غضب. قَالَ وحَرَّبْتُ عَلَيْهِ غَيْرِي أَي أغْضَبْتُه وَسنَان مُحَرَّبٌ مُذَرَّبٌ إِذا كَانَ مُحَدَّراً مُؤَلَّلاً.
أَبُو عبيد عَن يونُسَ قَالَ: أَحْرَبْتُ الرجل: إِذا دَلَلْتُهُ على مالٍ يُغِيرُ علَيْه.
عمرٌ عَن أَبِيه: الحَرَبَةُ: الطَّلْقَةُ إِذا كَانَت بقِشْرِها، وَيُقَال لِقِشْرِها إِذا نُزِع: القِيقَاءَةُ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: المحرابُ: القِبْلَةُ. والمِحْرَابُ الغُرْفَة. والمِحْرَابُ: صَدْرُ المَجْلِسِ والمحراب مَأْوَى الْأسد، يُقَال: دَخَلَ فُلانٌ على الأسَدِ فِي مِحْرَابه وغِيله وعَرِينِه وَرجل مِحْرَبٌ أَي محَارب لِعَدُوه. وَقيل سمي مِحْرابُ الإمامِ مِحْرَاباً لِأَن الإِمَام إِذا قَامَ فِيهِ لم يَأْمَنْ أنْ يَلْحَن أَو يُخْطِىء فَهُوَ خَائِفٌ مَكَانا كَأَنَّهُ مَأْوى الْأسد.
رحب: شمر عَن ابْن شُمَيْل فِي قَول الله جلّ وعزّ: {ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ} (التّوبَة: 118) أَي على رُحْبِها وسعَتِهَا. وأرضٌ رَحِيبَةٌ: واسِعَةٌ. قَالَ وَقَالَ ابنُ الأعرابيّ: الرُّحْبَةُ: مَا اتَّسَع من الأرضِ. وَجَمعهَا رُحَبٌ، مثل قَرْيَة وقُرًى. قلت وَهَذَا يجيءُ شاذّاً فِي بَاب النَّاقِص، فَأَما السَّالِم فَمَا سَمِعت فَعْلَة جُمِعَتْ على فُعَل، وَابْن الْأَعرَابِي ثِقَة لَا يَقُول إِلَّا ماقَدْ سَمعه.
وَقَالَ اللَّيْث: الرَّحْبُ والرَّحيبُ: الشيءُ الواسعُ. قَالَ: رَحَبَةُ الْمَسَاجِد سَاحَاتها. ونقول رَحَب يَرْحُبُ رُحْباً ورَحَابةً. ورجلٌ رحيبُ الجوفِ: واسِعُه. وَقَالَ نصر بن سيار: أَرَحُبَكُم الدُّخُول فِي طَاعة الكِرْماني، يَعْنِي أَوَسِعَكُم. وَقَالَ الليثُ: وَهَذِه كلمة شَاذَّةٌ على فَعُلَ مُجَاوِزٍ وفَعُلَ لَا يكون مجاوِزاً أبدا. قلت لَا يجوز رحُبَكُم عِنْد النَّحْوِيين، وَنصر لَيْسَ بحُجَّة.
وَقَالَ اللَّيْث: أَرْحَبُ حيٌّ أَوْ مَوْضِعٌ يُنْسَبُ إِلَيْهِ النجائبُ الأَرْحَبِيَّةُ. قلت: ويَحْتَمِل أَن يكونَ أَرْحَبُ فَحْلاً نُسِبَتْ إِلَيْهِ النجائِبُ لأنَّها من نَسْلِه. وَقَالَ الليثُ فِي قَول الْعَرَب مَرْحباً، مَعْنَاهُ انْزل فِي الرَّحْب(5/18)
والسَّعَة فَأَقِمْ فَلَكَ عندنَا ذَلِك. وسُئل الخليلُ عَن نصْب مَرْحَباً: فَقَالَ فِيهِ كَمِينُ الْفِعْل، أَرَادَ بِهِ انْزِل أَوْ أَقِمْ فَنَصَب بِفِعْلٍ مُضْمَر، فَلَمَّا عُرِف مَعْنَاهُ المُرادُ بِه أُمِيتَ الفعلُ. قلت وَقَالَ غيرُه فِي قَوْلِهمْ: مَرْحَباً، أَتَيْت رُحْباً وسَعَةً لَا ضِيقاً. وَكَذَلِكَ قَالَ سَهْلاً، أَرَادَ نَزَلْتَ بَلداً سَهْلاً لَا حَزْناً غليظاً.
وَقَالَ شمر: سَمِعت ابْن الْأَعرَابِي يَقُول: مَرْحَبَكَ الله ومَسْهَلَكَ، ومرحباً بك الله ومسْهلاً بكَ الله. وَتقول العَرَبُ: لامرحباً بك أَي لَا رَحُبَتْ عَلَيْك بِلادُك. قَالَ وَهِي من المَصادِرِ الَّتِي تَقَعُ فِي الدُّعَاءِ للرجُلِ وَعَلِيهِ، نَحْو سَقْياً ورَحْباً وجَدْعاً وعَقْراً؛ يُرِيدُونَ سَقاك الله ورعاك.
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن أبي الْعَبَّاس عَن سَلمَة قَالَ سمعتُ الفرّاء يَقُول يُقَال رحُبتْ بلادُك رَحْباً ورَحَابةً ورحِبَتْ رَحَباً ورُحْباً. وَيُقَال أرْحَبَتْ، لُغَةٌ بذلك الْمَعْنى.
وَقَالَ اللَّيْث: الرُّحْبَى على بِنَاء فُعْلى أعْرَضُ ضِلَع فِي الصَّدْر، قَالَ: والرُّحْبَى: سِمَةٌ تَسِمُ بهَا العربُ على جَنْب الْبَعِير.
وَقَالَ أَبُو عبيد عَن أَصْحَابه: الرُّحْبَيَانِ مَرْجِعَا المِرْفَقَين، قَالَ والنَّاحِزُ إِنَّمَا يكون فِي الرُّحْبَيَيْن. وَقَالَ غَيره: الرُّحْبى: مَنْبِضُ القلبِ من الدوابّ وَالْإِنْسَان.
وَرَحْبَةُ مالكِ ابْنِ طوقٍ: مدينةٌ أَحْدَثها مالكٌ على شاطيء الْفُرَات. وَرُحَابَةُ: مَوضِع مَعْرُوف.
شمر عَن ابْن شُمَيْل قَالَ: الرّحَابُ فِي الأودية الواحدةُ رَحْبَةٌ، وَهِي مواضعُ متواطئة يسْتَنقِع الماءُ فِيهَا، وَهِي أَسْرَعُ الأرْضِ نباتاً تكون عِنْد مُنْتَهى الوَادِي وَفِي وَسَطِه، وَقد تكون فِي الْمَكَان المُشْرِف ويَسْتَنْقِعُ فِيهَا الماءُ، وَمَا حولهَا مُشْرِفٌ عَلَيْهَا، وَإِذا كَانَت فِي الأرضِ المستوية نَزَلها النَّاسُ، وَإِذا كَانَت فِي بطن المسيلِ لم يَنزِلْها النَّاس، وَإِذا كَانَت فِي بطن الْوَادي فَهِيَ أُقْنَةٌ تُمْسِكُ المَاء لَيست بالقعيرة جدا وسعتها قَدْرُ غَلْوة، وَالنَّاس ينزِلون نَاحيَة مِنْهَا، وَلَا تكونُ الرحَابُ فِي الرَّمل وتكونُ فِي بطونِ الأَرْض وَفِي ظواهرِها.
وَقَالَ الفرَّاء: يُقَال للصحراء بَين أفْنيَةِ الْقَوْم وَالْمَسْجِد رَحْبَةٌ. ورَحَبَةٌ اسمٌ وَرَحْبَةٌ نعت. يُقَال بِلَاد رَحْبَةٌ، وَلَا يُقَال رَحَبة. قلت ذهب الفرَّاء إِلَى أَنه يُقَال بلد رَحْبٌ وبلاد رَحْبَةٌ، كَمَا يُقَال بلد سَهْلٌ وبلاد سَهْلَةٌ.
برح: قَالَ اللَّيْث بَرِحَ الرجلُ يَبْرَحُ بَرَاحاً: إِذا رَام مِنْ مَوْضِعه وَيُقَال مَا بَرِحْتُ أَفْعَلُ كَذَا، بِمَعْنى مَا زِلْتُ. وَقَالَ الله جلَّ وعزَّ {لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ} (طاه: 91) أَي لن نزال.
وَقَول الْعَرَب: بَرِحَ الْخَفَاءُ، قَالَ بعضُهم مَعْنَاه زَالَ الخفاءُ، وَقيل مَعْنَى بَرِحَ الخفاءُ أَي ظهر مَا كَانَ خافياً وانكشف، مأخوذٌ من بَرَاح الأَرْض وَهُوَ الظَّاهِر البارز. وَقَالَ اللَّيْثُ: البَرَاحُ: البَيَان، يُقَال جَاءَ بالْكفْر بَرَاحاً وَيجوز أَن يكون قَوْلهم بَرِح الخَفَاءُ أَي ظهر مَا كنتُ أُخْفِي.(5/19)
والبَارِح من الظبَاءِ والطيرِ خلافُ السَّانح وَقد مَرّ تَفْسِيرهَا فِي بَاب (سنح) من هَذَا الْكتاب.
وَقَالَ الدينَوَرِي: البَيّرُوخُ: هُوَ اللُّقَّاحُ الأصْفُرُ مثل الباذنجان طيّبُ الرَّائِحَة وَيدخل فِي الأدْوية، وَيُسمى المغْدَ أَيْضا. قَالَ واللُّقَّاحُ أَيْضا ضربٌ من الفِرْسِك أجرَدُ فِيهِ حُمْرة.
وَقَالَ اللَّيْث: البارحُ من الرِّيَاح: الَّتِي تَحْمِلُ التُّرَابَ فِي شِدّة الهُبوب.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد قَالَ: البَوَارحُ الشَّمْأَلُ فِي الصيفِ خَاصَّة. قلت وكلامُ الْعَرَب الَّذين شاهَدْتُهم على مَا قالَ أَبُو زيد. وَقَالَ ابْن كُنَاسةَ: كلّ ريحٍ تكون فِي نُجُوم القيْظِ فَهِيَ عِنْد العربِ بَوَارِحُ، قَالَ وأكثرُ مَا تَهُبُّ بنجومِ الْمِيزَان، وَهِي السَمَائِم، وَقَالَ ذُو الرمة:
لاَ بَلْ هُوَ الشَّوْقُ من دارٍ تَخَوَّنَهَا
مَرّاً سحابٌ ومَرّاً بَارِحُ تَرِبُ
فنسبها إِلَى التُّراب لِأَنَّهَا قَيْظِيَّة لارِبْعِيَّة، ورياح الصَّيف كلُّها تَرِبَةٌ.
وَقَالَ الليثُ: يُقَال للمحموم الشديدِ الحُمَّى: أصَابَتْه البُرَحَاءُ، وَيُقَال بَرَّحَ بِنَا فُلانٌ تَبْرِيحاً فَهُوَ مُبَرحٌ، وَأَنا مبرَّح: إِذْ آذَاك بإلحَاحِ المَشَقّة، وَالِاسْم التَّبْرِيحُ والبُرْحُ. وَأنْشد:
لنا والهوى بَرْحٌ على مَنْ يغَالِبُه
والتباريح: كُلَفُ الْمَعيشَة فِي مشَقَّة. وضَرَبَهُ ضَرْباً مُبَرحاً، وَلَا تقل مُبَرَّحاً. وَيُقَال هَذَا الأمرُ أَبْرَحُ عَلَيَّ من ذَلِك الأمرِ أَي أَشَقُّ وأَشَدُّ. وَأنْشد لذِي الرمة:
أَنِيناً وشَكْوَى بالنَّهَارِ كثيرةٌ
عَلَيَّ وَمَا يَأْتِي بِهِ الليلُ أبْرَحُ
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي إِذا تمدَّد المحموم لِلْحُمَّى فَذَلِك المُطَوَاءُ فَإِذا تثاءب عَلَيْهَا فَهِيَ الثُّؤَبَاءُ، فَإِذا عرق عَلَيْهَا فَهِيَ الرُّحَضَاء، فَإِن اشتدت الْحمى فَهِيَ البُرحَاءُ، والبرحاء: الشدَّة والمشقَّةُ. قَالَ أَبُو عبيد وَقَالَ الْكسَائي لقِيت مِنْهُ البِرَحينَ والبُرَحينَ. وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن سَلَمَةَ عَن الفرَّاءِ: لَقِيتُ مِنْهُ بَنَاتِ بَرْحٍ وَبني بَرْحٍ، كلُّ ذَلِك مَعْنَاهُ الدَّاهيةُ والشدّة. وَقَالَ غَيره يُقَال: لقِيت مِنْهُ بَرْحاً بَارِحاً.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: ويَرْحَى لَهُ ومَرْحَى إِذا تعجَّب مِنه. وَقَالَ الْأَعْشَى:
أَبْرَحْتَ ربّاً وأَبْرَحْتَ جارا
قَالَ بَعضهم: مَعْنَاهُ أَعْظَمْتَ ربّاً، وقالَ آخَرُونَ أَعْجَبْتِ رَبّاً، وَيُقَال أُكْرِمْتَ مِن رَب. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: أَبْرَحْتَ: بَالَغْتَ، لُؤْماً وأَبْرَحْتَ كَرَماً أَي جئتَ بأَمْرٍ مُفْرِط. وَقَالَ ابْن بُزُرْجَ: قَالُوا للمرأةِ: أبرحْتِ عائِذاً وأَبْرَحَتِ العائِذُ: إِذا تَعَجَّبَ من جمَالها، وَهِي والدٌ ذاتُ صَبِي وَقَالَ أَبُو عَمْرو: بُرْحةُ كل شَيْء خِيَاره، وَيُقَال للبعير هُوَ بُرْحَةُ من البُرَح يُرِيد أَنَّهُ من خِيَار الْإِبِل. قَالَ: وأبْرَحَ فلانٌ رَجُلاً إِذا فَضَله، وَكَذَلِكَ كلُّ شَيْء تُفضّله. قَالَ وَقَالَ العُذري: بَرَّح الله عَنهُ، أَي فرَّج الله عَنهُ، قَالَ: وَإِذا غضب الإنسانُ على صَاحبه قيل: مَا أشدَّ مَا بَرِح عَلَيْهِ،(5/20)
وَالْعرب تَقول فعلنَا الْبَارِحةَ كَذَا وَكَذَا، للَّيْلَةِ الَّتِي مَضَتْ يُقَال ذَاك بعد زَوَال الشَّمْس. وَيَقُولُونَ قَبْلَ الزَّوال فعلنَا الليلةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَول ذِي الرمة:
تَبَلَّغ بَارِحّي كَرَاهُ فِيهِ
قَالَ بَعضهم: أَرَادَ النومَ الَّذِي شقّ عَلَيْهِ أمرُه لامتناعه مِنْهُ وَيُقَال أَرَادَ نوم اللَّيْلَة البارِحة. والعربُ تقولُ مَا أَشْبَهَ اللَّيْلَةَ بالبارحةِ، أَي مَا أَشْبَهَ الليلةَ الَّتِي نَحن فِيهَا بالليلةِ الأولى الَّتِي قد بَرِحت أَوْ زَالت وَمَضَت. وَيُقَال للشَّمْس إِذا غَرَبت: دَلَكَت بَرَاحِ يَا هَذَا، على فَعَالِ، الْمَعْنى أَنَّها زَالَت وبَرِحَت حِين غَرَبَت. وبَرَاحِ بِمَعْنى بَارِحةٍ، كَمَا قَالُوا لكلْبِ الصيْد كَسَابِ بِمَعْنى كاسِبَةٍ، وَكَذَلِكَ حَذَامِ بِمَعْنى حَاذِمَةٍ. وَمن قَالَ دَلَكَت الشمسُ بِرَاحِ، فَالْمَعْنى أَنَّهَا كَادَت تَغْرُب وَقد وضع يَده على حَاجِبه ينظر زَوَالهَا أَوغروبَها، ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي دلَكت بِرَاحِ أَي اسْتُريح مِنْهَا. وَأنْشد الْفراء:
هَذَا مُقام قَدَمَيْ رَبَاحِ
ذبَّبَ حَتَّى دَلَكَتْ بِرَاحِ
يَعْنِي الشمسَ. قَالَ شمر قَالَ ابْن أبي ظَبْيَة الْعَنْبَري:
بُكْرةً حَتَّى دلكت براح
أَي بعشيَ رائحٍ فأسقط الْيَاء مثل جرف هار وهائِر. وَقَالَ المفضّل دلكت بَراحِ وبَراحُ بِكَسْر الْحَاء وَضمّهَا. وَقَالَ أَبُو زيد دلكت براحٍ مجرورٌ منونٌ ودلكت براحُ مضموم غير منون.
حَدثنَا الْكُوفِي حَدثنَا الْحلْوانِي حَدثنَا عفانُ عَن حمادٍ بن سَلمَة عَن حُمَيْدٍ، قَالَ: قُلْنَا للحسَن مَا قَوْله ضربا غير مبرح؟ قَالَ: غير مُؤثر. وَهُوَ قولُ الْفراء. وَقَالَ ابنُ الأعرابيّ: دَلَكَت بَراحِ أَي استُريح مِنْهَا. وروى شمر فِي حَدِيث عِكْرِمَة أَنَّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن التَّوْلِيهِ والتبْريح، قَالَ التَّبْرِيحُ قَتْلُ السوءِ، جَاءَ التفسيرُ مُتَّصِلاً بِالْحَدِيثِ. قَالَ شمر ذكر ابْن الْمُبَارك هَذَا الحَدِيث مَعَ مَا ذُكِرَ من كراهةِ إلْقاءِ السَّمكة إِذا كَانَت حَيَّة على النارِ. وَقَالَ: أما الأكلُ فَتُؤْكلُ وَلَا يُعْجِبُني قَالَ: وَذكر بعضُهم أَن إلقاءَ القَمْل فِي النارِ مثلُه. قلت: وَرَأَيْت العربَ يملأون الوِعاء من الجَرادِ وَهِي تهتمش فِيهِ، ويحتفرون حُفْرَة فِي الرَّمل ويوقدون فِيهَا، ثمَّ يَكُبُّون الجَرادَ من الوعاءِ فِيهَا ويُهيلون عَلَيْهَا الإرَّة حَتَّى تَمُوت، ثمَّ يستخرجونَها ويشررُونها فِي الشَّمْس فَإِذا يَبِسَتْ أكلوها.
ربح: قَالَ اللَّيْث رَبِحَ فلانٌ وأَرْبَحْتُهُ، وَهَذَا بيع مُرْبِحٌ إِذا كَانَ يُرْبَحُ فِيهِ وَالْعرب تَقول رَبِحَتْ تجارتُه إِذا ربح صاحبُها فِيهَا. قَالَ الله: {فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ} (البَقَرَة: 16) . وَيُقَال أَعْطَيْتُه المَال مُرَابَحَةً على أنَّ الربحَ بيني وَبَينه، هَذَا قَول اللَّيْث. وَقَالَ غيرُه: بِعْتُه السلْعَةَ مُرَابَحَةً على كل عشرةِ دارهمَ دِرْهَمٌ، وَكَذَلِكَ اشتَرَيْتُهُ مُرَابَحةً، وَلَا بدّ من تَسْمِيَةِ الرِّبْح.
وَقَالَ الليْثُ رُبَّاحٌ اسْم القِرْد، قَالَ: وضَرْبٌ من التَّمْر يُقَال لَهُ زُبُّ رُبَّاح. وَأنْشد شمر للبعيث:(5/21)
شآمية زرْق الْعُيُون كَأَنَّهَا
رَبَابِيحُ تَنْزُو أَوْفُرار مُزَلّم
وَقَالَ أَبُو عبيد: الرُّبَّاحُ: القرد فِي بَاب فُعَّال. وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: هُوَ الرُّبَّاح للقرد، وَهُوَ الهَوْبَرُ والحَوْدَلُ. وَقَالَ خَالِد بنُ جنبه: الرُّبَّاح الفَصِيلُ والحاشيةُ الصغيرُ الضَّاوي. وَأنْشد:
حطّت بِهِ الدَّلْوُ إِلَى قَعْر الطَّوَى
كأنَّما حطَّت بِرُبَّاح ثَنِيّ
قَالَ أَبُو الْهَيْثَم كَيفَ يكون فصيلاً صَغِيرا وَقد جعله ثَنِيّاً، والثَّنِيُّ ابْن خمس سِنِين، وَأنْشد شمر لخداش بن زُهَيْر:
وَمَسَبُّكُم سُفْيَان ثمَّ تُرِكْتُم
تَتَنَتَّجُون تَنَتُّجَ الرُّبَّاح
وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي لخفاف بن ندبة:
قَرَوْا أَضْيَافَهُمْ رَبَحاً بِبُجَ
يَجِيء بفضْلِهن المسّ سُمْر
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الرَّبَحُ والربحُ مثل البَدَلِ والبِدْلُ. وَقد رَبِحَ يَربَحُ رِبْحَاً ورَبَحاً. قَالَ والبجُّ قِداح الميْسر. قَالَ وَيُقَال الرَّبَح. الفصيل، وَجمعه رِبَاحٌ مثل جمَل وجمال، وَيُقَال الرَّبَحُ الفِصَالُ، وَاحِدهَا رَابح. يَقُول أعوزَهُم الكبارُ فتقامَروا على الفِصَالِ. قَالَ: وَيُقَال أَرْبَحَ الرجل إِذا نحر لضِيفَانه الرَّبَحَ، وَهِي الفُصْلان الصغارُ.
يُقَال رَابحٌ ورَبَحٌ مثل حَارِسٍ وحَرَسٍ. وَقَالَ شمر: الرَّبَحُ: الشحْمُ: قَالَ وَمن رَوَاهُ رُبَحاً فَهُوَ ولد النَّاقة وَأنْشد:
قد هَدِلت أفْواهُ ذِي الرُّبُوح
وَأما قَول الْأَعْشَى:
مِثْلَمَا مُدَّتْ نِصَاحَاتُ الرُّبَح
فقد قيل إنّه أَرَادَ الرُّبَع، فأبدل الْحَاء من الْعين.
حبر: رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (يخرج رجلٌ من النَّار قد ذهب حِبْرُه وسِبْرُه) قَالَ أَبُو عبيد، قَالَ الْأَصْمَعِي: حِبْرُه وسِبْرُه هُوَ الجمالُ والبَهاءُ. يُقَال فلَان حَسَن الحِبْرِ والسبْرِ. وَقَالَ ابنُ أَحمر وذَكَر زَمَاناً:
لَبِسْنَا حِبْرَهُ حَتَّى اقْتُضِينَا
لأجيال وأعمال قُضِينَا
أَي لبسنا جماله وهيبته وَقَالَ أَبُو عبيد قَالَ غَيره: فلَان حَسَنُ الحَبْرِ والسَّبْر إِذا كَانَ جميلاً حسَن الهَيْئة بِالْفَتْح. قَالَ أَبُو عبيد: هُوَ عِنْدِي بالحَبْر أشبهُ، لِأَنَّهُ مصدر حَبَرْتُه حَبْراً إِذا حسَّنْتَه. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: كَانَ يُقَال للطُّفَيْلِ الغَنَوِي: مُحَبر، فِي الجاهليّة، لِأَنَّهُ كَانَ يُحَسن الشّعْر. قَالَ وَهُوَ مأخُوذ من التحبير وحُسْنِ الْخط والمنطِق. شمر عَن ابْن الأعرابيّ: هُوَ الحِبْر والسبْر بِالْكَسْرِ. قَالَ وأخبرَني أَبُو زيادٍ الكلابيُّ أَنه قَالَ: وقفت على رَجُلٍ من أهل الْبَادِيَة بعد مُنْصَرَفي منَ الْعرَاق، فَقَالَ: أمّا اللِّسَان فَبدَويٌّ، وَأما السبْرُ فحضريٌّ. قَالَ: والسبْرُ: الزيُّ والهيئةُ. قَالَ: وَقَالَت بدوية: أعجبَنَا سِبْرُ فلانٍ أَي حُسْنُ حَالِه وخصْبُهُ فِي بدنه، وَقَالَت: رَأَيْته سييءَ السبْر إِذا كَانَ شاحباً مضروراً فِي بدنه فَجعلت السبْرَ بمعنيين.(5/22)
وَقَالَ اللَّيْث: الحَبَارُ والحِبَرُ أَثَرُ الشَّيْء. وَقَالَ أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: الحَبَارُ أَثَرُ الشَّيْء وَأنْشد:
لَا تملأ الدَّلوَ وعرقْ فِيهَا
أَلا ترَى حَبَارَ مَنْ يَسْقيها
قَالَ أَبُو عبيد: وأمَّا الأحْبَارُ والرُّهبان فالفُقَهاءُ قد اخْتلفُوا فِيهِ فبعضهم يَقُول: حَبْرٌ وَبَعْضهمْ: حِبْرٌ. قَالَ، وَقَالَ الْفراء: إِنَّمَا هُوَ حِبْر. يُقَال ذَلِك للعالِم. وَإِنَّمَا قيل كَعْب الحِبْر لمَكَان هَذَا الحِبْرِ الَّذِي يُكْتَبُ بِهِ؛ وَذَلِكَ أَنه كَانَ صاحِبَ كُتُبٍ. قَالَ وَقَالَ الأصمعيُّ: لَا أَدْرِي أهوَ الحِبْرُ أَو الحَبْرُ للرجل العالمِ. وَكَانَ أَبُو الْهَيْثَمِ يَقُول: وَاحِدُ الأحْبَار حَبْرٌ لَا غيرُ، وينكر الْحِبرَ. وَأَخْبرنِي المُنْذِريُّ عَن الحرّانِيّ عَن ابْن السّكيت عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: حَبْرٌ وحِبْرٌ للعالمِ. وَمثله بَزْر وبِزْرٌ وسَجْف وسِجْفٌ. وَقَالَ ابْن السّكيت: ذهب حِبْرُه وسِبْرُه أَي هيْئَتُهُ وسَحْناؤه. وَقَالَ ابنُ الْأَعرَابِي: رجل حَسَنُ الْحِبْرِ والسبر: أَي حسن الْبشرَة. وروى عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ الْحِبْرُ من النَّاس: الداهيةُ وَكَذَلِكَ النبْرُ. وَرجل حِبْرٌ نِبْرٌ. وَقَالَ الشَّمَّاخ:
كَمَا خَطّ عِبْرَانِيَّةً بِيَمِينهِ
بِتَيْمَاءَ حَبْرٌ ثمَّ عَرَّض أَسْطُرَا
رَوَاهُ الرُّواة بِالْفَتْح لَا غيرُ.
وَقَالَ اللَّيْث: هُوَ حِبْر وَحَبْرٌ لِلْعالِم ذِميَّاً كَانَ أَو مُسلماً، بعد أَن يكون من أهل الْكتاب. قَالَ: وَكَذَلِكَ الحِبْر والحَبْر فِي الجمَال والبَهاء. قَالَ والتحبيرُ: حسن الخطّ.
وَأنْشد الفراءُ فِيمَا روى سَلمَة عَنهُ:
كتحبير الكتابِ بخَط يَوْماً
يهودِيَ يُقَارِبُ أَو يَزِيل
وَقَالَ اللَّيْث: حَبَّرْتُ الشعرَ والكلامَ، وحَبَرْته: حسَّنْتُه.
وقَالَ ابنُ السّكيت فِي قَول الله جلّ وعزّ: {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِى} (الرّوم: 15) يُسَرُّون. قَالَ: والحَبْر: السُّرورُ. وَأنْشد:
الْحَمد لله الَّذِي أعْطى الحَبَرْ
وَقَالَ الزجّاج {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِى} أَي يُكْرَمُون إكْراماً يُبَالَغُ فِيهِ. قَالَ: والحَبْرَةُ الْمُبَالغَة فِيمَا وُصِفَ بجميلٍ.
وَقَالَ الليثُ: يحبرون يُنَعَّمون. قَالَ: والحَبْرَةُ النِّعْمَة. وَقد حُبِرَ الرجلُ حَبْرَةً وحَبَراً فَهُوَ محبور.
وَقَالَ المزار الْعَدوي:
قد لَبِسْتُ الدَّهر منْ أَفْنَانِه
كُلَّ فَنَ ناعمٍ مِنْهُ حَبِر
وَقَالَ بعض الْمُفَسّرين فِي قَوْله {الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِى} قَالَ: السَّمَاعُ فِي الْجنَّة. والْحَبْرَةُ فِي اللُّغة النعْمَةُ التَّامَّة.
وَقَالَ شمر: الحَبَرُ صُفْرَةٌ تَرْكَبُ الإنسانَ وَهِي الحِبْرَةُ أَيْضا. وَأنْشد:
تجلو بأخْضَر من نَعْمَانَ ذَا أُشُرٍ
كعارض البرْقِ لم يستشرب لِحَبَرا
ونَحوَ ذَلِك قَالَ اللَّيْث فِي الحبر. وَقَالَ شَمِر: أَوله الحِبَر، وَهُوَ صُفْرَةٌ، فَإِذا اخضرّ فَهُوَ قَلَحٌ، فَإِذا ألحّ على اللثة حَتَّى تظهرَ الأسْنَاخُ فَهُوَ الحَفَر والحَفْرُ.(5/23)
وَقَالَ اللَّيْث: برودُ حِبَرَةٍ ضرب من البُرُود اليمانية.
يُقَال بُرْدُ حبرَة وبُرُودُ حِبَرَةٍ. قَالَ: وَلَيْسَ حِبَرَةُ موضعا أَو شَيْئا مَعْلُوما. إِنَّمَا هُوَ وَشْيٌ كَقَوْلِك ثوبُ قِرْمِزٍ، والقِرْمِزُ صِبْغَةٌ.
وَقَالَ اللَّيْث: الحبيرُ من السَّحَاب مَا يُرَى فِيهِ التَّنْميرُ من كَثْرَة المَاء.
قَالَ: والحبير من زَبَدِ اللُّغام إِذا صَار على رَأس الْبَعِير. قلت صحّف الليثُ هَذَا الحرفَ وَصَوَابه الْخَبِير بِالْخَاءِ لزَبَد أفْواهِ الْإِبِل هَكَذَا قَالَ أَبُو عبيدٍ فِيمَا رَوَاهُ الْإِيَادِي لنا عَن شمر، عَن أبي عُبيد.
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن أبي الْحسن الصَّيْدَاوِيُّ عَن الرياشي. قَالَ: الْخَبِير الزَّبَدُ بِالْخَاءِ وَأما الحَبيرُ بِمَعْنى السَّحَاب فَلَا أعرفهُ وَإِن كَانَ أَخذه من قَول الْهُذلِيّ:
تَغَذَّمْنَ فِي جانبيه الحَبيرَ
لَمَّا وهَى مُزْنُهُ واستُبِيحا
فَهُوَ بِالْخَاءِ أَيْضا وسنقف عَلَيْهِ فِي كتاب الْخَاء مُشْبَعاً إِن شَاءَ الله.
وروَى شَمِر عَن أبي عَمْرو قَالَ: المحْبَارُ الأَرْض السريعةُ الْكلأ.
وَقَالَ عنترةُ الطَّائِي:
لنا جِبَالٌ وَحمى مِحْبَارُ
وطُرُق يُبْنَى بهَا المَنَار
وَيُقَال للمِحْبَارِ من الأَرْض حَبِرٌ أَيْضا وَقَالَ:
لَيْسَ بِمِعْشَابِ اللوى وَلَا حَبِر
وَلَا بعيدٍ من أَذًى وَلَا قَذَر
قَالَ، وَقَالَ ابْن شُمَيْل: المِحْبَارُ الأرضُ السريعةُ النَّبَاتِ السهلةُ الدفِيئَةُ الَّتِي ببطون الأَرْض وسَرَارَتِها وأَرَاضتها فَتلك المحابير. وَقد حَبِرَت الأرضُ وأَحْبَرَتْ. وَفِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما خطب خديجَةَ وأجابَتْهُ اسْتَأْذَنت أَبَاهَا فِي أَن تَتَزَوَّجَهُ وَهُوَ ثَمِلٌ فَأذن لَهَا فِي ذَلِك، وَقَالَ: هُوَ الْفَحْل لَا يُقْرَعُ أَنْفُه فنَحَرتْ بَعِيرًا، وخلَّقت أَبَاهَا بالعبِير، وكسَتْه بُرْداً أحمرَ، فلمّا صَحا من سُكُرِه قَالَ: مَا هَذَا الحبِيرُ وَهَذَا العقير وَهَذَا العبير؟ أَرَادَ بالحبيرِ البُرْدَ الَّذِي كستْهُ، وبالعبير الخَلُوقَ الَّذِي خلّقته، وَأَرَادَ بالعقيرِ البعيرَ المنحورَ، وَكَانَ عُقر سَاقه.
والحُبَارَى ذكرهَا الحَرَبُ، وَتجمع حُبارَيَات. وللعرب فِيهَا أَمْثَال جمّة، مِنْهَا قولُهم أَذْرَقُ من حُبَارى، وأَسْلَحُ من حُبارَى، لأنَّها ترمي الصَّقْر بسَلْحِها إِذا أَرَاغها ليصيدَها فتلوث ريشه بِلَثَق سَلْحِها. وَيُقَال إنّ ذَلِك يشْتَد على الصَّقْر لمَنعه إيّاه من الطيران، وَمن أَمْثَالِهم فِي الحُبَارى: أَمْوَقُ من الحُبَارى، وَذَلِكَ أَنّها تعلّم وَلَدهَا الطيرانَ قَبْلَ نَبَاتِ جَنَاحه، فتطير مُعَارِضَةً لفَرْخِها ليتعلّم مِنْهَا الطيران، وَمِنْه المثلُ السائِر للْعَرَب (كل شَيْء يحبُّ وَلَده حَتَّى الحُبَارى وتَدِفُّ عَنَدَهُ) وَمعنى قولِهم (تَدِفُّ عَنَدَه) أَي تطير عَنَدَه أَي تُعَارضه بالطَّيران وَلَا طيران لَهُ لضعف حِفَافَيه وقَوَادِمه. وَقَالَ الأصمعيُّ: فلَان يعانِدُ فلَانا أَي يفعل فعله ويباريه. وَمن أمثالِهم فِي الحُبارى قَوْلهم: (فلَان ميت كَمَدَ(5/24)
الحُبارى) وَذَلِكَ أَنَّهَا تُحَسر مَعَ الطير أَيَّام التَّحْسِير أَي تُلقي الريش ثُمَّ يُبْطِىءُ نباتُ رِيشها فَإِذا سَار سائِرُ الطير عجزت عَن الطيران، فتموت كَمَداً، وَمِنْه قَول أبي الْأسود الدؤَلِي:
يزيدٌ ميّتٌ كَمَدَ الحُبارى
إِذا ظَعَنَتْ أُمَيَّةُ أَو يُلِمُّ
أَي يَمُوت أَو يقْرُب من الموتِ.
والحبَابِيرُ فِراخُ الحُبَارى، واحدتُها حُبُّورة جَاءَ فِي شعر كَعْب بن زُهَيْر وَقيل اليَحْبُور ذَكَرُ الحُبَارى وَقَالَ:
كأنّكُمُ ريش يَحْبُورَةٍ
قليلُ الغناءِ عَن المُرْتَمى
قلت: والحُبَارَى لَا تشربُ المَاء، وتبيضُ فِي الرمال النائِية، وكنَّا إِذا ظَعَنَّا نُسيرُ فِي حِبَالِ الدَّهْنَاء، فَرُبمَا التَقَطْنَا فِي يَوْم وَاحِدٍ من بَيْضِها مَا بَين الأَرْبعة إِلَى الثَّمَانِية، وَهِي تبيض أَرْبَعَ بَيْضَاتٍ، وَيضْرِبُ لَوْنُها إِلَى الوُرْقَةِ وطَعْمُها أَلَذُّ من طَعْمِ بَيْضِ الدَّجاج وبَيْضِ النَّعَامِ، والنعامُ أَيْضا لَا تردُ الماءَ وَلَا تشربهُ إِذا وجدته.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: اليَحْبُور: الناعمُ من الرِّجَال. ونَحْوَ ذَلِك قَالَ شَمِرُ. وَجمعه اليَحابير مَأْخُوذ من الحَبَرَة وَهِي النعْمة.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال: مَا أَغْنَى فلانٌ عني حَبَرْبَراً، وَهُوَ الشيءُ اليسيرُ من كل شَيْء، وَقَالَ شمر: ماأغْنَى فلانٌ عني حَبَرْبَراً: أَي شَيْئا. وَقَالَ ابنُ أَحْمَر الْبَاهِلِيّ:
أَمَانيُّ لَا يُغنين عَنْهَا حَبَرْبَراً
وَقَالَ اللَّيْث: يُقالُ مَا عَلَى رَأسه حَبَرْبَرَةٌ: أَي مَا على رَأسه شَعْرَةٌ. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الحَبَرْبَرُ والحَبْحَبِيُّ: الجملُ الصَّغِير. وَقَالَ شمر: رجل مُحَبَّر إِذا أكل البراغيثُ جِلْدَه فَصَارَ لَهَا أَثَرٌ فِي جِلْدِه. وَيُقَال للآنية الَّتِي يَجْعَل فِيهَا الحِبْرُ من خَزَفٍ كانَ أَو من قَوَارِيرَ مَحْبُرة ومحبَرة، كَمَا يُقَال مَزْرُعة، ومَزْرَعة، ومَقْبُرَة ومَقْبَرَة ومخبُزَة ومخبَزَة. وحِبِرٌّ موضعٌ معروفٌ فِي الْبَادِيَة. وَأنْشد شمر عجز بَيت: فَقَفَا حِبرّ.
بَحر: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: أبْحَرَ الرجلُ إِذا أَخذه السُّلُّ. وأبْحَرَ الرجلُ إِذا اشتدَّتْ حُمْرَةُ أَنْفِه. وأَبْحَرَ إِذا صادفَ إنْسَانا على غير اعْتِمَاد وَقصد لرُؤْيَته.
وَهُوَ من قَوْلهم لَقيته صَحْرة بَحْرَةً وَقَالَ اللَّيثُ: سُمي البحرُ بَحْراً لاستبْحاره، وَهُوَ انْبِسَاطُه وسَعَتُه. وَيُقَال استبْحَرَ فلانٌ فِي الْعلم. وتَبَحَّرَ الرَّاعِي فِي رَعْي كثيرٍ، وتَبَحَّر فلانٌ فِي الْعلم، وتبحّر فِي المَال، إِذا كثُرَ مَالُه، وَقَالَ غَيره: سمي البَحْرُ بَحْراً لِأَنَّهُ شَقَّ فِي الأَرْض شَقَّاً، وجَعَلَ ذَلِك الشَّقُّ لمائه قَراراً، والبحرُ فِي كَلَام الْعَرَب الشَّقَ، وَمِنْه قيل للنَّاقَةِ الَّتِي كَانُوا يَشُقّون فِي أذنها شَقّاً: بَحِيرَةٌ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق النَّحْوِيّ فِي قَول الله جلّ وعزّ: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ} (المَائدة: 103) أثْبَتُ مَا رَوَيْنا عَن أهل اللُّغَة فِي البَحِيرَةِ أَنَّهَا النّاقة كَانَت إِذا نُتِجَتْ خمسةَ أَبْطُنٍ فَكَانَ آخرُها ذكرا بَحَرُوا أُذُنَها أَي شقوها، وأعْفَوْا ظهرَها من الرُّكوب والحَمْلِ والذَّبْح وَلَا تُحَلأُ عَنْ مَاءٍ تَرِدُه(5/25)
وَلَا تُمْنَع من مَرْعى، وَإِذا لقيها المُعْيِى المنقطَعُ بِه لم يركبْها. وَجَاء فِي الحَدِيث أَن أول من بَحَّرَ البحائر وحَمَى الحَامِي وغيَّر دينَ إِسْمَاعِيل عَمْرو بن لُحَيّ بن قَمَعَة بن خِنْدِفٍ.
وَقيل: البحيرةُ الشَّاة إِذا وَلَدتْ خمسةَ أَبْطُن فَكَانَ آخرُها ذكرا بحروا أُذنها أَي شقُّوها وتُركت فَلَا يَمَسُّها أحد. قلت: والقولُ هُوَ الأوَّل لما جَاءَ فِي حَدِيث أبي الْأَحْوَص الجشميّ عَن أَبِيه أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ (أَرَبُّ إبِلٍ أَنْتَ أَمْ رَبُّ غَنَمٍ؟ فَقَالَ: منْ كُلَ قد آتَانِي الله فأَكثَرَ. فَقَالَ لَهُ: هَل تُنْتَجُ إبِلُك وافيةً أَذُنُها فَتَشُقّ فِيهَا وَتقول بُحُر؟) يُرِيد جمعَ البَحِيرة.
وَقَالَ اللَّيْث: البحيرةُ: الناقةُ إِذا نُتِجَتْ عَشْرَةَ أَبْطُنٍ لم تُرْكَبْ وَلم يُنْتَفع بظهرها فَنَهى الله عَنْ ذَلِك. قلت والقولُ هُوَ الأول فَقَالَ الفرَّاء: البحيرَةُ: هِيَ ابْنَةُ السائِبة، وسنفسر السائِبة فِي موضعهَا.
وَقَالَ اللَّيْثُ: إِذا كَانَ البحرُ صَغِيرا قيل لَهُ بُحَيْرَةٌ. قَالَ وَأما البُحَيْرةُ الَّتِي بالطَبريَّة فَإِنَّهَا بَحر عَظِيم وَهُوَ نحوٌ من عَشْرَةِ أَمْيالٍ فِي سِتَّة أَمْيَال، وغُؤُور مائِها علامةٌ لخُرُوج الدَّجَّال. قلتُ: والعربُ تَقول: لِكل قَرْيَة هَذِه بَحْرَتُنا وروى أَبُو عبيد عَن الأُمَويّ أَنه قَالَ: البَحْرَةُ الأرْضُ والبلدةُ. قَالَ: وَيُقَال: هَذِه بَحْرَتُنَا.
قَالَ: والماءُ البَحْرُ هُوَ المِلْح، وَقد أبحر المَاء إِذا صَار مِلْحاً وَقَالَ نُصَيْبٌ:
وَقد عَادَ ماءُ الأرْض بَحْراً فَزَادَنِي
إِلَى مرضِي أَن أَبْحَرَ المَشْرَبُ العَذْبُ
وحدّثنا مُحَمَّد بن إِسْحَاق السعديُّ قَالَ حدّثنا الرّمادي قَالَ حدّثنا عبد الرَّزَّاق عَن مَعْمَر عَن الزُّهري عَن عُرْوَة أَن أُسَامَةَ بن زيد أخبرهُ (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَكِب حِمَاراً عَلَى إكافٍ وتَحْتَهُ قطيفَةٌ فَرَكِبَه وأَرْدَف أُسامة وَهُوَ يَعُود سَعْدَ بنَ عُبَادة وَذَلِكَ قَبْل وقْعة بدر فَلَمَّا غشيت المجْلِسَ عجاجَةُ الدّابَّة خمَّر عبدُ الله بنُ أُبَيَ أنْفَه، ثمَّ قَالَ لَا تُغَبرُوا عليْنَا، ثمَّ نزل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوقف وَدَعاهم إِلَى الله وقَرَأَ القرآنَ فَقَالَ لَهُ عبد الله: أَيهَا الْمَرْء إِن كَانَ مَا تَقول حَقّاً فَلَا تؤذِنا فِي مَجْلِسنا، وارْجِعْ إِلَى أهلِكَ فَمن جَاءَك منّا فقُصَّ عَلَيْهِ. ثمَّ ركب دَابّته حَتَّى دخَلَ على سعدِ بن عُبَادةَ، فَقَالَ: أَيْ سَعْدُ، ألم تسمع مَا قَالَ أَبُو حُبَاب؟ قَالَ كَذَا: فَقَالَ سعد: اعْفُ عَنْه واصْفَحْ فوَاللَّه لَقَدْ أَعْطَاك الله الَّذِي أَعْطَاك، وَلَقَد اصْطَلَحَ أهل هَذِه البُحَيْرَةِ على أَن يُتَوجُوه، يَعْنِي يُمَلكُوه فَيُعَصبوه بالعِصابة، فلمَّا رَدّ الله ذَلِك بِالْحَقِّ الَّذِي أعْطَاكَهُ شَرِقَ لذَلِك فَذَلِك فعل بِهِ مَا رَأَيْت فَعَفَا عَنهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَقَالَ الْفراء فِي قَول الله جلّ وعزّ {عَمَّا يُشْرِكُونَ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِى عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (الرُّوم: 41) الْآيَة مَعْنَاهُ: أَجْدَبَ البَرُّ، وانْقَطَعت مادّةُ البَحْرِ بِذُنُوبِهِمْ، كَانَ ذَلِك ليذُوقوا الشدَّةَ بذُنُوبهم فِي العاجل.
وَقَالَ الزَّجّاج مَعْنَاهُ: ظَهَرَ الجَدْبُ فِي البَر، والقحطُ فِي مُدُن الْبَحْر الَّتِي على الْأَنْهَار. قَالَ: وكل نَهر ذِي ماءٍ فَهُوَ بَحرٌ. قلت: كل نهر لَا يَنْقَطِعُ مَاؤُهُ: مثل دِجْلة(5/26)
والنّيلِ وَمَا أشبههما من الأنهارِ العذْبة الكبارِ فَهِيَ بحارٌ. وَأما البحرُ الْكَبِير الَّذِي هُوَ مَغِيضُ هَذِه الْأَنْهَار الكبارِ فَلَا يكون مَاؤُهُ إِلَّا مِلْحاً أُجَاجاً، وَلَا يكون مَاؤُهُ إِلَّا رَاكِداً، وَأما هَذِه الأنهارُ العذْبَةُ فماؤها جارٍ. وَسميت هَذِه الأنهارُ بحاراً لِأَنَّهَا مَشْقُوقَةٌ فِي الأَرْض شَقّاً.
وَيُقَال للرَّوْضَةِ بَحْرَةٌ وَقد أبْحَرَتِ الأرضُ إِذا كثُر مناقع المَاء فِيهَا.
وَقَالَ شمر: البَحْرَةُ الأُوقَةُ يَسْتنقِع فِيهَا الماءُ.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: البَحْرَةُ: المنخفض من الأَرْض وَأنْشد شمر لِابْنِ مقبل:
فِيهِ من الأخرج المرباع قرقرة
هدر الديافيّ وسط الهجمة البُحُر
قَالَ: البُحْر الغِزَارُ والأَخْرَجُ المِرْبَاعُ المكَّاءُ.
ابْن السّكيت أَبْحَر الرجلُ إِذا ركب البحرَ والماءَ، وَقد أبرَّ إِذا ركب البرَّ، وأرْيَفَ إِذا صَار إِلَى الرِّيف.
وَقَالَ اللَّيْث: رَجُلٌ بَحْرَانِيٌّ مَنْسُوب إِلَى البَحْرَيْنِ. قَالَ وَهُوَ مَوْضِعٌ بَين الْبَصْرَة وعُمَانَ. قَالَ: وَيَقُولُونَ هَذِه البَحْريْنُ وانتهينا إِلَى الْبَحْرين.
وَقَالَ أَبُو عبيد قَالَ أَبُو مُحَمَّد اليزيدي سَأَلَني المهْدِيُّ وَسَأَلَ الْكسَائي عَن النِّسْبَة إِلَى الْبَحْرين وَإِلَى الْحِصْنَيْن، لِمَ قَالُوا حِصْنِيٌّ وبَحْرَانِيٌّ؟
فَقَالَ الْكسَائي: كَرهُوا أَن يَقُولُوا حِصْنَانِي لِاجْتِمَاع النونين، قَالَ وَقلت أَنا: كَرهُوا أَن يَقُولُوا بَحْرِيُّ فَيُشبه النِّسْبَة إِلَى البَحْرِ.
قلت أنَا وإِنمَا ثَنَّوْا الْبَحْرين لأنَّ فِي نَاحيَة قُراها بُحَيْرَةً على بَاب الأحساء، وقرى هَجَرَ بَينهَا وَبَين الْبَحْر الأخْضَرِ عَشْرَةُ فَرَاسخ، وقَدَّرْتُ البُحَيْرَة ثلاثةَ أميالٍ فِي مثلهَا، وَلَا يَغِيضُ مَاؤُهَا، وماؤها راكد زُعاق. وَقد ذكرهَا الفرزدقُ فَقَالَ:
كأنّ ديارًا بَين أَسْنُمَة النَّقا
وَبَين هَذَالِيل البُحَيْرَة مُصْحَفُ
وَقَالَ اللَّيْث: بَنَات بحرٍ ضرب من السَّحَاب.
قلت: وَهَذَا تَصْحِيف مُنكر وَالصَّوَاب بَنَات بَخْرِ
قَالَ أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: يُقَال لسَحَائِبَ يأتينَ قُبُلَ الصيفِ مُنْتَصباتٍ بَنَاتُ بَخْر وَبَناتُ مَخْر بِالْبَاء وَالْمِيم، وَنحو ذَلِك قَالَ اللحيانيّ وَغَيره، وَإِيَّاهَا أَرَادَ طرفَةُ بقوله:
كبنات المَخرِ يَمْأَدْن إِذا
أَنْبَت الصَّيْف عَسَاليجَ الْخَضِر
وَقَالَ اللَّيْث: الباحر الأحمقُ الَّذِي إِذا كُلمَ بَحِرِ كالمبْهوت، وروى أَبُو عبيد عَن الفرّاء أَنه قَالَ: الباحرُ الأحمق.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ الباحرُ الفُضُوليّ، والباحرُ الكذّاب، والباحرُ الأحْمَرُ الشَّديد الحُمْرَة، يُقَال أحْمَرُ باحِرِيٌّ وبَحْرَانِيّ. وَقَالَ ابنُ السّكيت:(5/27)
قَالَ ابْن الأعرابيّ: أحمرُ قانِىءٌ وأحمرُ باحِرِيّ وذَرِيحيٌّ بِمَعْنى وَاحِد.
وَسُئِلَ ابنُ عَبَّاس عَن الْمَرْأَة تُسْتَحَاض ويستمرُّ بهَا الدَّم، فَقَالَ تُصَلي وتتوضَّأ لكل صَلَاة فَإِذا رأَتِ الدَّم البَحْرَانِيَّ قعدت عَن الصَّلَاة.
وَقيل الدَّمُ البحرانيُّ مَنْسُوب إِلَى قَعْر الرَّحِمِ وعُمْقِها. وَقَالَ العجاج:
وِرْدٌ من الْجوف وبَحْرَانِيّ
أَي عبيط خَالص. وَيُقَال دَمٌ بَاحِرِيٌّ أَيْضا إِذا كَانَ شديدَ الحُمْرَة.
شمر يُقَال بَحِرَ الرجلُ إِذا رأى الْبَحْر فَفَرِقَ حَتَّى دُهِش، وَكَذَلِكَ بَرِقَ إِذا رأى سَنَا الْبَرْق فتحير وَبقِر إِذا رأى الْبَقر الْكثير وَمثله خَرِق وعقر وفَرِي.
عَمْرو عَن أَبِيه: قَالَ البحير والبَحِرُ: الَّذِي بِهِ السُّل، والسَّحيرُ: الَّذِي قد انْقَطَعت رِئَتُه وَيُقَال سَحِرٌ. وتاجر بَحْرِيٌّ أَي حَضَرِيّ وَأنْشد أَبُو العميثل:
كأنّ فِيهَا تَاجِرًا بحرياً
وَيُقَال للعظيم الْبَطن بحريٌّ
وَقَالَ الطرماح:
وَلم ينتطق بحريَّةٌ من مُجَاشع
عَلَيْهِ وَلم يُدْعَمْ لَهُ جَانب المهد
وَمن سكن الْبَحْرين عَظُمَ طِحَالُه. والبَحْرَةُ مَنبِتُ الثُّمام من الأوْدِيَة.
وَفِي حَدِيث أنس بن مَالك أنّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ركب فَرَساً لأبي طَلْحَة عُرْياً فَقَالَ إِنِّي (وجدته بَحْراً ؤ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة يُقَال للْفرس الْجواد إِنَّه لبَحْرٌ لَا يُنكش حُضُرُه.
وَقَالَ أَبُو عبيد قَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال فرس بَحْر وفَيْضٌ وسَكْبٌ وحَثٌّ إِذا كَانَ جواداً كثير العدْو. وَقَالَ الفراءُ البَحَرُ أَن يَلْغَى البعيرُ بِالْمَاءِ فيُكثر مِنْهُ حَتَّى يصيبَه مِنْهُ داءٌ يُقَال بَحِرَ يَبْحَرُ بَحَراً فَهُوَ بَحِرٌ وَأنْشد:
لأُعْلِطَنَّهُ وسْماً لَا يُفَارِقُه
كَمَا يُحَزُّ بِحَمْيِ الميسم البَحِرُ
قَالَ وَإِذا أَصَابَهُ الدَّاء كَوِيَ فِي مواضِعَ فَيبرأ قلت: الداءُ الَّذِي يُصِيب البعيرَ فَلَا يَرْوَى من المَاء هُوَ النَّجَرُ بالنُّون وَالْجِيم، والبَجَرُ بِالْبَاء وَالْجِيم، وَكَذَلِكَ البَقْرُ، وَأما البَحْرُ فَهُوَ داءٌ يورِث السُّل.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن الطوسي عَن أبي جَعْفَر أَنه سمع ابْن الْأَعرَابِي يَقُول: البحير المسلول الْجِسْم الذَّاهِب اللَّحْم وَأنْشد:
وغِلْمَتي مِنْهُم سَحِيرٌ وبَحِرْ
وآبقٌ من جَذْبِ دَلْوبْهَا هَجِرْ
وَيُقَال استبحر الشَّاعِر إِذا اتّسع لَهُ القَوْل وَقَالَ الطرماح:
بِمثل ثنائك يحلو المديح
وتَسْتَبحر الأَلْسُنُ المادِحَه
وَكَانَت أسماءُ بنت عُمَيْسٍ يُقَال لَهَا البَحْرِيَّة لِأَنَّهَا كَانَت هاجَرَت إِلَى بِلَاد النَّجَاشِيّ فركبت البَحْرَ، وكل مَا نُسِبَ إِلَى البَحْرِ فَهُوَ بَحْرِيُّ.
(بَاب الْحَاء وَالرَّاء مَعَ الْمِيم)
ح ر م
حرم، حمرهرحم، رمح، مرح، محر: مستعملة.(5/28)
حرم: قَالَ شَمِر قَالَ يحيى بنُ ميسرةَ الكلابيُّ: الحُرْمَةُ: المَهَابةُ. قَالَ: وَإِذا كَانَ للْإنْسَان رَحِمٌ وكنَّ نستحي مِنْهُ قُلْنَا: لَهُ حُرْمَةٌ. قَالَ: وللمسلم على الْمُسلم حُرْمَةٌ ومهابَةٌ.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: هُوَ حُرْمَتُك، وهما حُرْمَتُك، وهم حُرْمَتُك، وَهِي حُرْمَتُك، وهُنَّ حُرْمَتُك؛ وهم ذَوُو رَحِمه وجارُه وَمن يَنْصرُه غَائِبا وَشَاهدا وَمن وَجَبَ عَلَيْهِ حقُّه.
وَقَالَ مُجَاهِد فِي قَول الله {ذالِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ} (الحَجّ: 30) حُرُماتِ الله) فَإِن الحُرُماتِ مكةُ والحَجُّ وَالْعمْرَة وَمَا نهَى الله عَنهُ من مَعَاصيه كلهَا.
وَقَالَ عطاءٌ: حُرُمَاتُ الله معاصي الله.
وَقَالَ الليثُ: الحَرَمُ حَرَمُ مكَّةَ وَمَا أحَاط بهَا إِلَى قريب من الْحرم.
قلت الْحَرَمُ قد ضُرِبَ على حُدُوده بالمَنَارِ الْقَدِيمَة الَّتِي بيَّن خليلُ الله إبراهيمُ ج مَشَاعِرَها، وَكَانَت قريشٌ تعرِفُها فِي الجاهليةِ وَالْإِسْلَام؛ لأَنهم كَانُوا سكّانَ الْحَرَم، ويعلمون أنّ مَا دون الْمنَار إِلَى مَكَّة من الْحَرَم، وَمَا وراءَها لَيْسَ من الْحرم. ولمّا بعث الله جلّ وَعز مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَبِيّاً أقَرَّ قُرَيْشاً على مَا عرفوه من ذَلِك.
وَكتب مَعَ ابْن مَرْبَع الْأنْصَارِيّ إِلَى قَريش أَن قرُّوا على مشاعركم فَإِنَّكُم على إِرْث من إِرْث إِبْرَاهِيم، فَمَا كَانَ دُونَ الْمنَار فَهُوَ حَرَم وَلَا يحِلُّ صيدُه، وَلَا يُقْطَع شجرُه، وَمَا كَانَ وَرَاء الْمنَار فَهُوَ من الحلّ، يحل صيدُه إِذا لم يكن صائده مُحْرِماً.
فَإِن قَالَ قائلٌ من الْمُلْحِدِينَ فِي قَول الله جلّ وعزّ: {فَسَوْفَ يَعلَمُونَ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً} (العَنكبوت: 67) . كَيفَ يكون حرما آمنا وَقد أُخيفُوا وقُتِلُوا فِي الْحَرَم؟ فَالْجَوَاب فِيهِ أنّه جلّ وعزّ جعله حَرَماً آمنا أَمْراً وتعبُّداً لَهُم بذلك لَا إجباراً، فَمن آمَنَ بذلك كَفّ عمَّا نُهِيَ عَنهُ اتبَاعا وانتهاءً إِلَى مَا أُمِر بِهِ، وَمن أَلْحَدَ وأنْكر أَمْرَ الحَرَمِ وحرمَتهُ فَهُوَ كَافِر مُبَاح الدَّم، وَمن أَقَرَّ وركِبَ النَّهْي فصَادَ صَيْدَ الْحَرَم وقَتَلَ فِيهِ فَهُوَ فَاسق وَعَلِيهِ الكفَّارة فِيمَا قَتَل من الصَّيْد، فإنْ عادَ فإنَّ الله ينْتَقم مِنْهُ.
وأمّا الْمَوَاقِيت الَّتِي يُهَلُّ مِنْهَا لِلْحج فَهِيَ بعيدةٌ من حُدود الْحَرَم، وَهِي من الْحِل وَمن أَحْرَمَ مِنْهَا بالحجّ فِي أشهر الحَجّ فَهُوَ مُحْرِمٌ مأمورٌ بالانتهاء مَا دَامَ محرما عَن الرفَث وَمَا وراءَه من أمْرِ النِّسَاء، وَعَن التطيُّبِ بالطيب، وَعَن لُبْس الثَّوْب المخِيط، وَعَن صيْد الصَّيْدِ.
وَقَالَ اللَّيْث فِي قَول الْأَعْشَى:
بِأجْيَادَ غَرْبِيَّ الصَّفَا والمُحَرَّم
قَالَ: المحرَّم هُوَ الْحَرَمُ، قَالَ والمنسوب إِلَى الْحرم حِرْمِيٌّ.
وَأنْشد:
لَا تأويَنَّ لحرميّ مَرَرْت بِهِ
يَوْمًا وَإِن ألْقى الحِرْميُّ فِي النَّار
وَقَالَ الليثُ: إِذا نسبوا غَيْرَ النَّاس قَالُوا ثوب حَرَميٌّ.(5/29)
قلت: وَهُوَ كَمَا قَالَ اللَّيْث. وروى شمر حَدِيثا أَن فلَانا كَانَ حِرْمِيَّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: والحِرْمِيُّ: أَنَّ أشْرافَ الْعَرَب الَّذين كَانُوا يتحمَّسون فِي دينِهم إِذا حجَّ أحدُهم لم يَأْكُل طعامَ رَجُلٍ من الحَرَم، وَلم يَطُفْ إلاّ فِي ثِيَابه، فَكَانَ لكل شريفٍ من أشرافِ الْعَرَب رجلٌ من قُرَيْش، فكلُّ واحدٍ منْهُمَا حِرْمِيُ صاحبِه، كَمَا يُقَال كَرِيّ للمُكري، المكترِي وخَصْمٌ للمخاصِم والمخاصَم.
وَتقول أحْرَمَ الرَّجُلُ فَهُوَ مُحْرِمٌ وحَرَامٌ. والبيتُ الحَرَامُ، والمَسْجِدُ الحرامُ، والبلدُ الحرامُ، وَقوم حُرُمٌ، ومُحْرِمُون، وَشهر حَرَامٌ. والأشْهُرُ الحُرُم ذُو القَعْدَةِ وَذُو الحِجَّةِ والمُحَرَّمُ ورَجَبُ؛ ثلاثَةٌ سَرْدٌ أَي متتابعة وَوَاحِد فَرْدٌ.
وَقَالَ اللَّيْث: وَالْحرَام: مَا حرَّمه الله، والحُرْمَةُ مَا لايَحِلُّ لَك انتهاكُه. وَتقول: فلانٌ لَهُ حُرْمَةٌ أَي تحرَّم بِنَا بِصُحْبَة أَو بِحَقَ وذمَّةٍ. وحُرَمُ الرجل نساؤُه وَمَا يَحْمِي. والمحارِمُ مَا لَا يحِلُّ استحْلالُه. والمَحْرَمُ ذاتُ الرحِمِ فِي الْقَرَابَة الَّتِي لَا يحل تزوُّجُها، تَقول هُوَ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ وَهِي ذَاتُ رَحِمٍ مَحْرَمٍ. وَقَالَ الراجز:
وجارةُ الْبَيْت أَرَاهَا مَحْرَمَا
كَمَا بَراهَا الله، إلاَّ إنَّمَا
مكارِمُ السَّعْي لمَن تكرَّمَا
كَمَا بَراها الله كَمَا جعلهَا الله.
والمُحْرِم الدَّاخِلُ فِي الشَّهْر الحَرَامِ أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: أحْرَمَ الرجلُ فَهُوَ مُحْرِمٌ إِذا كَانَت لَهُ ذمَّة، وَقَالَ الرَّاعِي:
قتلوا ابْنَ عفَّانَ الْخَلِيفَة مُحْرِما
ودَعَا فَلم أَرَ مثلَه مَخْذُولا
قَالَ: وأحْرَمَ الْقَوْم إِذا دخلُوا فِي الشَّهْر الحَرَامِ. قَالَ زُهَيْر:
جعلن القنانَ عَن يمينٍ وحَزْنَه
وَكم بالقنانِ من مُحِلَ ومُحْرِم
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: المُحْرِمُ المسالم فِي قَول خِدَاش بن زُهَيْر.
إِذا مَا أصابَ الغَيْثُ لم يَرْعَ غَيْثَهُم
من النَّاس إِلَّا مُحْرِمٌ أَو مُكَافِل
قَالَ وَهُوَ من قَول الشَّاعِر:
وأُنْبِئْتُها أَحْرَمَتْ قَوْمَها
لِتَنْكِحَ فِي مَعْشَرٍ آخَرينا
أَي حرَّمَتْهم على نَفسهَا. قَالَ والمُكَافِلُ المُجَاوِرُ المُحَالِفُ وَالْكَفِيل من هَذَا أُخِذَ. أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي فِي قَوْله أَحْرَمَتْ قَومهَا أَي حَرَمَتْهُم أَن يَنْكِحُوها يُقَال حَرَمْتُه وأَحْرَمْتُه حِرْمَاناً إِذا منعتَه العطيّة.
وروى شَمِر لعمر أَنه قَالَ: (الصّيام إحْرَامٌ) قَالَ إِنَّمَا قَالَ الصيَامُ إحرامٌ لِامْتِنَاع الصَّائِم مِمَّا يَثْلِمُ صيامَه. قَالَ وَيُقَال للصَّائِم مُحْرِمٌ. قَالَ الرَّاعِي.
قتلوا ابْن عَفَّان الْخَلِيفَة مُحْرِماً
قَالَ أَبُو عَمْرو الشيبانيُّ: مُحْرِماً أَي صَائِما.
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (كل مُسلم عَن مُسلم مُحْرِمٌ، أخَوانِ نَصِيران) قَالَ أَبُو الْعَبَّاس قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال إنَّه لَمُحْرِمٌ عَنْك يَحْرُم أذاك عَلَيْهِ.(5/30)
قلت: وَهَذَا معنى الخَبَرِ أَرَادَ أَنه يَحْرُم على كل وَاحِد مِنْهُمَا أَن يُؤْذِي صاحبَه لحُرْمَةِ الْإِسْلَام الْمَانِعَتِهِ عَن ظُلْمه.
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي حَرُمَت الصلاةُ على الْمَرْأَة حُرْماً، وحَرِمَتْ عَلَيْهَا حَرَماً وحَرَاماً.
أَبُو نصر عَن الْأَصْمَعِي: أحْرَمَ الرجُلُ إِذا دخل فِي الإحْرَامِ بالإهْلاَل. وأَحْرَمَ إِذا صَار فِي حُرْمَةٍ من عَهْدٍ أَو مِيثَاق هُوَ لَهُ حُرْمة من أَن يُغَارَ عَلَيْه. وَيُقَال مُسلم مُحْرِمٌ وَهُوَ الَّذِي لم يُحِلّ من نَفسه شيْئاً يُوقع بِهِ.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: حَرَمْتُ الرجل العطيةَ أَحْرِمُه حِرْمَاناً؛ وَزَاد غَيره عَنهُ. وحَرِيمةً، ولغة أُخْرَى أَحْرَمْتُ وَلَيْسَت بجيدة وَأنْشد:
وأُنْبِئْتُها أحْرَمَتْ قَوْمَها
لِتَنْكِحَ فِي مَعْشَرِ آخرينا
قَالَ وحَرُمَت الصلاةُ على المرأةِ تَحْرُم حُرُوماً وروى غَيره عَنهُ وحَرُمَت الْمَرْأَة على زَوجهَا تَحرُم حُرْماً وحَرَاماً.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد أَحْرَمْتُ الرجلَ إِذا قَمَرْتَه، وحَرِمَ الرجل يَحْرَم حَرَماً إِذا قُمِرَ. وَقَالَ الْكسَائي مثله وَأنْشد غَيره:
وَرمى بِسَهْم جريمة لم يصطد
أَبُو عبيد عَن الأمويّ: اسْتَحْرَمت الكلبةُ إِذا اشتهت السفَاد، رَوَاهُ عَن بني الْحَارِث بن كَعْب. قَالَ أَبُو عبيد وَقَالَ غَيره: الاسْتِحْرَام لكل ذَات ظِلْفٍ خَاصَّة.
وَقَالَ أَبُو نصر قَالَ الْأَصْمَعِي: استَحْرَمَت الماعِزَةُ إِذا اشتهت الفحلَ، وَمَا أَبْيَنَ حِرْمَتَها. قَالَ وروى الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان عمَّن أخبرهُ، قَالَ: الَّذين تُدْرِكهُمْ السَّاعَة تبْعَث عَلَيْهِم الحِرْمَة أَي الغُلْمَة ويُسْلَبُون الحياءَ. وَفِي حَدِيث عائشةَ أَنَّهَا قَالَت: (كنت أُطَيبُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِحله وحُرْمه) الْمَعْنى أَنَّهَا كَانَت تطيّبه إِذا اغْتسل وَأَرَادَ الْإِحْرَام والإهلال بِمَا يكون بِهِ مُحْرِماً من حجَ أَو عُمْرَةٍ، وَكَانَت تطيبُه إِذا حَلَّ مِن إِحْرَامه.
وَسمعت الْعَرَب تَقول نَاقَة مُحَرَّمَةُ الظَّهْرِ إِذا كَانَت صعبة لم تُرَضْ وَلم تُذَلَّلْ. وجِلْدٌ مُحَرَّمٌ غيرُ مدبوغ. وَقَالَ الْأَعْشَى:
ترى عينَها صَغْوَاء فِي جَنْبِ مَأقها
تراقب كفّي والقطيع المحرَّما
أَرَادَ بالقطيع سَوْطه. قلت وَقد رَأَيْت الْعَرَب يسوُّون سياطهم من جُلودِ الْإِبِل الَّتِي لم تدبغ يَأْخُذُونَ السَّريحة العريضة فيقطعون مِنْهَا سيوراً عِراضاً ويدفنونها فِي الثّرى فَإِذا اتّدَنَتْ ولانَت جَعلوا مِنْهُ أَربع قُوًى ثمَّ فَتَلُوها ثمَّ علّقوها من شعَبَيْ خَشَبَة يركَّزونها فِي الأَرْض قتقلُّها أَي ترفعها من الأَرْض ممدودةً وَقد أثقلوها حَتَّى تيْبَس.
قَالَ شمر قَالَ أَبُو وَاصل الكلابيُّ: حَريمُ الدَّار مَا دخل فِيهَا مِمَّا يُغْلَق عَلَيْهِ بَابهَا، وَمَا خرج مِنْهَا فَهُوَ الفِنَاء. قَالَ: وفِنَاءُ البدوي مَا يُدْرِكهُ حُجْرَتُه وأطْنَابُه، وَهُوَ من الحضَرِي إِذا كَانَت دَارُه تُحاذيها دارٌ أُخْرَى فَفِناؤُهما حدّ مَا بَينهمَا.(5/31)
اللَّيْث: حَرِيم الدَّارِ مَا أُضِيف إِلَيْهَا وَكَانَ من حُقوقها ومرافقها. وحريم النَّهر مُلْقَى طِينِه والمَمْشى على حافَتَيْه وَنَحْو ذَلِك. والحريمُ الَّذِي حَرُم مَسُّه فَلَا يُدنَى مِنْهُ. وَكَانَت العربُ فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا حَجّت البيتَ تخْلَعُ ثِيَابهَا الَّتِي عَلَيْهَا إِذا دَخَلُوا الحَرَم، وَلم يلْبَسُوها مَا داموا فِي الحَرَم. وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
لَقىً بَين أَيدي الطائفين حَرِيمُ
وَقَالَ المفسرُون فِي قَول الله جلّ وعزّ: {يَابَنِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (الأعرَاف: 31) كَانَ أَهْلُ الجاهليَّة يطوفون بِالْبَيْتِ عُرَاةً، وَيَقُولُونَ لَا نَطوف بِالْبَيْتِ فِي ثيابٍ قد أذْنَبْنَا فِيهَا، وَكَانَت المرأةُ تطُوف عُرْيانَةً أَيْضا، إِلَّا أَنَّهَا كَانَت تلبَسُ رَهْطاً من سُيُورٍ وَقَالَت امْرَأَة من الْعَرَب:
الْيَوْم يَبْدُو بَعْضُه أَو كُلُّه
ومَا بَدَا مِنْه فَلاَ أُحِلُّه
تَعْنِي فرجَها أَنَّه يظْهر من فُرُوج الرَّهْطِ الَّذِي لبسته، فَأمر الله بَعْدَ ذكْرِه عُقُوبَةَ آدَمَ وحوّاءَ بِأَنْ بَدَتْ سَوْآتُهما بالاستِتَار، فَقَالَ {يَابَنِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} وأَعلم أَن التَّعَريَ وظهورَ السَّوْءَةِ مَكْرُوه، وَذَلِكَ من لَدُن آدَمَ.
وَقَالَ الليثُ: تَقول: هَذَا حَرَامٌ والجميع حُرُمٌ قَالَ الْأَعْشَى:
تَهادِي النهارَ لجاراتهم
وبالليل هُنَّ عَلَيْهِم حُرُم
والمحْرُومُ: الَّذِي حُرِمَ الخيْرَ حِرْماناً فِي قَول الله جلّ وعزّ: {حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ} (الذّاريَات: 19) .
وَأما قَوْله جلّ وعزّ: {ُ ((ِوَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ} (الأنبيَاء: 95) قَالَ قتادةُ عَن ابْن عباسٍ: مَعْنَاهُ واجِبٌ عَلَيْها إِذا هَلَكَتْ ألاّ تَرْجِعَ إِلَى دُنْيَاها.
وَقَالَ أَبُو مُعَاذٍ النحويُّ: بَلَغني عَن ابْن عَبَّاس أنّه قَرَأَهَا (وحَرِمَ على قَرْيَة) يَقُول وَجب عَلَيْهَا. قَالَ وَحدثت عَن سعيد بن جُبَير أَنه قَرَأها (وحِرْمُ على قَرْيَة) فَسئلَ عَنْهَا فَقَالَ عزم عَلَيْهَا وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَوْله {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ} يحْتَاج هَذَا إِلَى أَن يبيَّن، وَهُوَ وَالله أعلم أَنه جلّ وعزّ لما قَالَ {فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ} (الأنبيَاء: 94) أعْلَمَنَا أنَّه قد حرم أعمالَ الْكفَّار، فَالْمَعْنى حرَام على قَرْيَة أهلكناها، أَنْ يُتَقَبَّل مِنْهُمْ عَمَلٌ لأَنهم لَا يرجعُونَ أَي لَا يتوبون.
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن ابْن أبي الدُّمَيْكِ عَن حميد بن مَسْعدةَ عَن يزِيد بن زُرَيْعِ عَن داودَ عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ فِي قَوْله {ُ ((ِوَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ} (الأنبيَاء: 95) قَالَ: وَجَبَ على قَرْيةٍ أهلكناها أَنَّهُ لَا يَرجِع مِنْهُم رَاجِعٌ: لَا يَتُوب مِنْهُم تائبٌ. قلت وَهَذَا يُؤَيّد مَا قَالَه الزجّاج. وروى الفَرّاء بِإِسْنَادِهِ عَن ابْن عَبَّاس (حِرْمٌ) قَالَ وَقَرَأَ أهل الْمَدِينَة {وَحَرَامٌ} قَالَ الْفراء {وَحَرَامٌ} أَفْشَى فِي الْقِرَاءَة.(5/32)
أَبُو عَمْرو: الحَرُومُ النَّاقة المعْتَاطَةُ الرَّحِم والزَّجُومُ الَّتِي لَا ترغو.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الحَيْرَمُ البَقَرُ، والْحَورَمُ المالُ الكَثيرُ من الصَّامتِ والنَّاطِق. قَالَ: والحَرِيمُ قَصَبَةُ الدّار، والحريمُ فِناءُ الْمَسْجِد، والحُرْمُ الْمَنْع، قَالَ: والحريم الصّديق، يُقَال فلَان حَرِيمٌ صَرِيحٌ أَي صديقٌ خالصٌ.
وَكَانَت العربُ تسمي شهرَ رَجَبَ الأَصَمَّ والمحرَّمَ فِي الْجَاهِلِيَّة، وَأنْشد شَمِر قولَ حُمَيْدِ بن ثَوْر:
رَعَيْنَ المُرَارَ الْجَوْنَ من كلِ مذْنَبٍ
شهُورَ جُمَادى كُلَّها والمُحَرَّمَا
قَالَ وَأَرَادَ بالمحرَّم رَجَبَ، قَالَه ابنُ الْأَعرَابِي. وَقَالَ الآخر:
أقَمْنَا بهَا شَهْرَيْ رَبيعٍ كِلَيْهِما
وشَهْرَيْ جُمَادَى واستَهَلُّوا المحرَّما
وَقَالَ أَبُو زَيدٍ فِيمَا رَوَى عَنهُ أَبُو عبيد: قالَ العُقَيْلِيُّون: حَرَامُ الله لَا أفْعَلُ ذَاك ويَمِينُ الله لَا أَفْعَلُ ذَاك، ومعناهُما واحِدٌ. وَقَالَ أَبُو زيد: وَيُقَال للرجُلِ مَا هُوَ بحارِمِ عَقْلٍ، وَمَا هُوَ بِعادِمِ عَقْلٍ، مَعْنَاهُمَا أَنَّ لَهُ عَقْلاً.
وَيُقَال إِن لفُلَان مَحْرُماتٍ فَلَا تَهْتِكْها، الْوَاحِدَة مَحْرُمَةٌ يُرِيد أَن لَهُ حُرماتٍ.
رحم: قَالَ اللَّيْث: الرحْمانُ الرَّحيمُ اسمان اشتقاقُهما من الرَّحْمَة، قَالَ ورحمةُ الله وَسِعَتْ كلَّ شيءٍ، وَهُوَ أرْحَمُ الرَّاحِمين. وَقَالَ الزجَّاج: الرحْمانُ الرَّحيمُ صفتان مَعْنَاهُمَا فِيمَا ذكر أَبُو عُبَيْدَة ذُو الرَّحمة، قَالَ: وَلَا يجوز أَن يُقَال رَحْمَنٌ إِلَّا لله جلّ وعزّ. قَالَ وفَعْلانُ من أَبْنِيَةِ مَا يُبَالَغُ فِي وَصفه، قَالَ: فالرَّحْمان الَّذِي وَسِعت رحمتُه كلَّ شَيْء، فَلَا يجوز أَن يُقالَ رَحْمَنٌ لغير الله. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدةَ: هما مثلُ نَدْمان ونَدِيم.
وَقَالَ اللَّيثُ: يُقَال مَا أقْرَبَ رُحْمَ فُلانٍ إِذا كَانَ ذَا مَرْحَمَةٍ وبِرَ. قَالَ: وقولُ الله جلّ وعزّ: {وَأَقْرَبَ رُحْماً} (الْكَهْف: 81) يَقُول أبَرّ بالوالدين من الْقَتِيل الَّذِي قَتله الْخضر، وَكَانَ الأَبَوانِ مُسلمين والابنُ كَانَ كافِرًا فَوُلِدَ لَهما بعدُ بِنْتٌ فَوَلَدَتْ نَبِيّاً. وَأنْشد اللَّيْث:
أحْنَى وأَرْحَمُ مِنْ أُمَ بِواحِدِها
رُحْماً وأشْجَعُ من ذِي لِبْدَة ضارِي
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَوْله {وَأَقْرَبَ رُحْماً} أَي أقْرَبَ عَطْفاً وأُءَمَسَّ بِالْقَرَابَةِ. قَالَ والرُّحْمُ والرّحُمُ فِي اللُّغَة العطْفُ وَالرَّحْمَة وَأنْشد:
وكَيْفَ بظُلْمِ جارِيَةٍ
ومنْها اللين والرُّحْم
وَقَالَ أَبُو بكر المنذريُّ: سمعتُ أبَا الْعَبَّاس يَقُول فِي قَوْله الرَّحْمَن الرَّحِيم جمع بَينهمَا لأنَّ الرحمان عبرانيّ والرحيم عَرَبِيّ وَأنْشد لجرير:
لن تَدْرِكُوا الْمجْدَ أَو تَشْروا عَبَاءَكُم
بالخَز أَو تجْعَلُوا الينبوب ضُمْرانا
أَو تتركون إِلَى القَسَّيْنِ هِجْرَتَكم
ومَسْحَكم صُلْبَهُم رَحْمَنُ قُرْبانا(5/33)
وَقَالَ ابْن عَبَّاس: هما اسمانِ رقيقان أحَدُهما أَرَقُّ من الآخر، فالرحْمان الرَّقِيق، والرَّحِيمُ العاطِفُ على خَلْقِه بالرزق، وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو بنُ الْعَلَاء (وَأقرب رُحُما) بالتَّثْقيل واحتجّ بقول زُهَيْرٍ يمدح هَرِمَ بن سِنَانٍ:
وَمن ضَريبَتهِ التَّقْوَى ويَعْصِمُه
من سَيىءِ العَثرَاتِ الله والرُّحُمُ
وَقَالَ اللَّيْث: المرحمة الرَّحْمة، تَقول رَحِمْتُه أرْحَمُه رَحْمَةً ومَرْحَمَةً، وترحَّمْتُ عَلَيْهِ، أَي قلتُ: رَحمَةُ الله عَلَيْهِ، وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {ءَامَنُواْ وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْاْ} (البَلد: 17) أَي أَوْصى بعضُهم بَعْضًا برحْمَةِ الضَّعِيف والتَّعَطُّفِ عَلَيْهِ.
والرَّحِمُ بَيْتُ مَنْبِت الوَلَدِ وَوِعاؤُه فِي الْبَطن، وَجمعه الأَرْحامُ. وَأما الرَّحِمُ الَّذِي جاءَ فِي الحَدِيث (الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بالعَرْشِ، تَقول: اللَّهُمَّ صِلْ مَنْ وَصَلَني واقْطَعْ مَنْ قَطَعَني) فالرَّحِمُ القَرابَةُ تَجْمَع بَنِي أَبٍ وَبَينهمَا رَحِمٌ أَي قرابةٌ قَرِيبَةٌ. وناقَةٌ رَحُومٌ أصابَها داءٌ فِي رَحِمِها فَلَا تَقْبَلُ اللَّقاح، تَقول: قد رَحُمَتْ. وَقَالَ غَيْرُه: الرُّحامُ أَن تَلِدَ الشَّاةُ ثمَّ لَا تُلْقِي سَلاها. وشَاةٌ راحِمٌ وغَنَمٌ رَواحِمُ إِذا وَرِمَ رَحِمُها. وَقد رَحِمَت الْمَرْأَة وَرحُمَتْ إِذا اشتكت رَحِمَها.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ الرَّحْمُ خُرُوج الرَّحِم من عِلّةِ، والرَّحِمُ مؤنَّثَةٌ لاغيرُ وسَمَّى الله الغيثَ رَحْمَةً لِأَنَّهُ بِرَحمَتِه يَنْزِلُ من السَّمَاء. وتاءُ قَوْله { (الْأَعْرَاف: 56) أَصْلهَا هَاء وَإنْ كُتِبَتْ تَاء.
مرح: قَالَ اللَّيْث: المَرَحُ شدَّة الفَرَحِ حَتَّى يجاوزَ قَدْرَه. وَفرس مَرِحٌ مِمْرَاحٌ مَرُوحٌ، وناقة مِمْرَاحٌ مَرُوحٌ وَأنْشد:
نطوي الفلا بِمَروحٍ لَحْمُها زِيَمُ
وَقَالَ الْأَعْشَى يصف نَاقَة:
مَرِحَتْ حُرَّةٌ كقنْطَرة الرّومي
تَفْرِي الهَجِيرَ بالإرقَال
وَقَالَ اللَّيْث: التَّمْرِيحُ أَن تَأْخُذ المَزادَةَ أَوَّلَ مَا تخْرَزُ فتَملأها مَاء حَتَّى تَنْتَفِخَ خُروزُها. وَيُقَال: قد ذهبَ مَرَحُ المَزادَةِ إِذا لم يَسِلْ مِنْهَا شيءٌ، وَقد مَرِحَتْ مَرَحاناً وَأنْشد:
كأنّ قذًى فِي الْعين قد مَرِحَتْ بِهِ
وَمَا حاجَةُ الأُخْرى إِلَى المَرَحانِ
وَقَالَ شَمِر: المَرَحُ: خُرُوج الدّمْعِ إِذا كثُر، وَقَالَ عديُّ بن زيد:
مَرِحٌ وَبْلُه يَسحُ سُيوبَ ال
مَاء سَحّاً كأَنَّه مَنْحورُ
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: التّمْريحُ تطييبُ القِرْبةِ الجديدةِ بإذْخِرٍ أَو شيح فَإِذا تطيّبَت بِطِين فَهُوَ التَّشْرِيبُ. قَالَ:
وَبَعْضهمْ يجعلُ تمريحَ المزادَةِ أَن يملأها مَاء حَتَّى تَبْتَلَّ خُروزُها وَيكثر سيلانُها قبل انْتِفاخِها، فَذَلِك مَرَحُها وَقد مَرِحَت مَرَحاً. وَذهب مَرَحُ المزادَةِ إِذا انسدّت عيونُها فَلم يَسِلْ مِنْهَا شيءٌ. وَأَرْض مِمْراحٌ إِذا كَانَت سريعَة النَّباتِ حِين يُصِيبُها المطرُ. وعَيْنٌ مِمْراحٌ سريعةُ البُكاءِ. وَقَالَ الأصمعيُّ: المِمْراحُ من الأَرْض الَّتِي حَالَتْ سنة فَهِيَ تَمْرَحُ بِنَباتها.(5/34)
وَقَالَ أَبُو عَمْرو بنُ الْعَلَاء: إِذا رَمَى الرجُل فَأصَاب قيل مَرْحَى لَهُ، وَهُوَ تعجُّبٌ من جَوْدَةِ رَمْيِه قَالَ ابْن مقبل:
أَقُول والحَبْلُ مشدود بمقوده
مرحى لَهُ إِن يَفُتْنا مَسحه يَطِرِ
وأَمْرَحَ الزَّرْعُ إِمْرَاحاً ومَرِح مَرَحاً، لُغَتَانِ، إِذا أَفْرخَ سنابله أَوّلَ مَا يُخْرِجُه.
رمح: قَالَ اللَّيْث: الرمْحُ وَاحِد الرمَاح، ومُتخِذُه الرَّمَّاح، وحرفته الرمَاحَةُ. والرَّامِحُ نَجْمٌ فِي السماءِ يُقَال لَهُ السماك المِرْزَمُ. وَقَالَ ابْن كُنَاسة: هما سِمَاكَانِ، أَحدهمَا السمَاكُ الأَعْزَلُ، والآخَرُ يُقَال لَهُ السمَاكُ الرَّامِحُ، قَالَ: والرَّامِحُ أشَدُّ حُمْرَةً، ويُسَمَّى رَامِحاً لكوكب أَمَامَه تَجْعَلهُ العربُ رُمْحَه. وَقَالَ الطرماح:
مَحَاهُنّ صيبُ صَوْتِ الرّبيع
من الأنجم العُزْلِ والرَّامِحَه
والسماكُ الرَّامِحُ لَا نَوْءَ لَهُ، إِنَّمَا النَّوْءُ للأعْزل.
وَقَالَ اللَّيْث: ذُو الرُّمَيْح ضَرْبٌ من اليرابيع طَويلُ الرجْلين فِي أوساطِ أَوْظِفَتِه فِي كل وَظِيفٍ فَضْلُ ظُفْرِ، وَإِذا امْتنعت البُهْمَى ونحوُها من المَرَاعِي فَيَبِس سَفَاهَا قيل أَخَذَتْ رِمَاحُها، ورماحُها سَفَاها اليابِسُ.
وَيُقَال رَمَحَت الدابَّة، وكل ذِي حافرٍ يَرْمَحُ رَمْحاً إِذا ضَرَب بِرِجْلَيه، وَرُبمَا استُعِير الرّمْحُ لذِي الخُف. قَالَ الْهُذلِيّ:
بِطَعْن كَرَمْحِ الشَّوْلِ أَمْسَتْ غَوَارِزاً
حَوَاذِبُها تأبى على المُتَغَير
وَيُقَال بَرِئت إِلَيْك من الجِمَاحِ والرمَاحِ وَهَذَا من بَاب العُيوب الَّتِي يُرَدُّ المبيعُ بهَا. وَيُقَال رَمَحَ الجُندُب إِذا ضرب الحَصَى بِرِجْله قَالَ ذُو الرمة:
والجندب الجون يرمح
وَالْعرب تسمي الثورَ الوحشِيَّ رَامِحاً، وَأنْشد أَبُو عبيد:
وكائِنْ ذَعَرْنا من مَهَاةٍ وَرَامِحٍ
بلادُ الورَى ليستْ لَهَا بِبِلاد
ويُقَال للنَّاقَةِ إِذا سَمِنَتْ ذاتُ رُمْحٍ وللنُّوق السمَانِ ذوَاتُ رِمَاحٍ وَذَلِكَ أَنَّ صاحِبَها إِذَا أَراد نَحْرَها نَظَرَ إِلَى سِمَنِها وَحُسْنِها فامتنَعَ من نَحْرِها نَفَاسَةً بهَا لما يروقه من أَسْنِمَتِها، وَمِنْه قَول الفرزدق:
فَمَكَّنْتُ سيْفي من ذَوَات رِمَاحها
غِشَاشاً وَلم أَحْفِل بكاءَ رِعائيا
يَقُول نحرْتُها وأطعَمْتُها الأضْيَاف وَلم يمنَعْني مَا عَلَيْهَا عَن الشُّحوم عَن نحرها نَفَاسَةً.
وَيُقَال: رجلٌ رامِحٌ أَي ذُو رُمْحٍ، وقَدْ رَمَحَه إِذا طَعَنَهُ بالرُّمْحِ وَهُوَ رَامِح وَرَمَّاحٌ. وبالدَهْنَاء نُقْيَانٌ طوالٌ يُقَالُ لَهَا الأَرْمَاحُ.
وَذَكَرُ الرَّجُلِ رُمَيْحُه، وَفَرْجُ المرْأةِ شُرَيْحُها.
حمر: قَالَ اللَّيْث: الحُمْرَةُ لون الأَحْمَر، تَقول احْمَرّ الشيءُ احْمِرَاراً إِذا لزم لونَهُ فَلم يتغيّر من حالٍ إِلَى حالٍ، واحمَارّ يَحْمَارُّ احميراراً إِذا كَانَ عَرَضاً حادِثاً لَا يثبت، كَقَوْلِك: جَعَلَ يَحْمَارُّ مَرَّةً ويصفَارُّ أُخْرَى.(5/35)
قَالَ: والحُمْرَةُ تَعْتَرِي النَّاسَ فَيَحْمَرُّ موضِعُها وَتُغَالَبُ بالرُّقْيَةِ. قلت: الحُمْرَةُ وَرَمُ من جنس الطَّواعِين نَعُوذ بِاللَّه مِنْهَا.
الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت أَنه قَالَ الحُمْرَةُ بِسُكُون الْمِيم نَبْتٌ. قَالَ: وَيُقَال لِلْحُمَّرِ وَهُوَ طَائرٌ حُمَرٌ بِالتَّخْفِيفِ، الْوَاحِدَة حُمَّرةٌ وَقَالَ حُمَرَة. وَقَالَ ابْن أَحْمَر:
إلاّ تُدَارِكْهُمْ تصبِحْ منَازِلُهم
قفراً تبيض على أرجائها الحُمَرُ
قَالَ: خفّفها ضَرُورَة. وَأنْشد فِي تَشْدِيد الحمّر:
قد كنتُ أَحْسِبُكُم أُسُودَ خَفِيَّةٍ
فَإِذا لَصَافِ تبيضُ فِيهَا الحُمَّر
قَالَ وحُمَّرَاتٌ جَمْعٌ. وأنشدني الْهِلَالِي أَو الْكلابِي:
عُلق حَوْضِي نُغَرٌ مكبُّ
إِذا غفلت غَفلَة يَغبُّ
وحُمَّرَاتٌ شُرْبُهُنَّ غِبُّ
قَالَ: وَهِي القُبَّر.
وَقَالَ اللَّيْث: الحِمار العيْرُ الأَهْلِيُّ والوحشيُّ، وجمْعُه الْحَمِيرُ والحُمُراتُ، وَالْعدَد أَحْمِرَةٌ، والأنْثَى حِمَارَةٌ، قَالَ والْحَمِيرة الأُشْكُزُّ: مُعرب وَلَيْسَ بعربي وَسميت حميرةً لِأَنَّهَا تُحمَّر أَي تُقَشَّر وكل شَيْء قشَّرْتَه فقد حَمَّرْتَه فَهُوَ مَحْمُور وحَمِيرٌ.
وَقَالَ اللَّيْث: الْحِمَار خَشَبَةٌ فِي مقدَّمِ الرحْلِ تَقْبِضُ المرأةُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مقدم الإِكَافِ أَيْضاً. وَقَالَ الْأَعْشَى:
وقيدني الشعرُ فِي بَيته
كَمَا قَيَّد الأسراتُ الحمارا
وَقَالَ غَيره: الْحمار ثَلاثُ خَشَبات أَوْ أَرْبَعٌ تُعْرَض عَلَيْهَا خشبةٌ وتُؤْسَرُ بِهَا. وَقَالَ أَبُو سعيد الْحِمَارُ العُودُ الَّذِي يُحْمَل عَلَيْهِ الأَقْتَابُ، والأَسَرَاتُ النِّسَاء اللواتي يُوَكدْن الرحالَ بالقَد ويُوَثقْنَها.
وَقَالَ اللَّيْث: حِمَارُ الصَّيْقَل خشَبتُه الَّتِي يَصْقُلُ عَلَيْهَا الحديدَ قَالَ وحمار قَبَّان دَابَّةٌ صَغِيرَة لَازِقَة بِالْأَرْضِ ذَات قَوَائِم كَثِيرَة وَأنْشد الْفراء:
يَا عجبَاً لقد رأيْتُ عجبا
حِمَارَ قَبَّانٍ يَسُوق أَرْنَبَا
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي الْحَمائِر حِجَارَةٌ تُنْصَب حول قُتْرَةِ الصَّائِد واحِدُها حمارة وَأنْشد:
بَيت حتوف أُرْدِحَت حمائِره
وَقَالَ شمر فِي قَوْله ج (زُوِيتْ لي الأرضُ فرأيتُ مشارِقَها ومَغارِبها، وأُعْطِيتُ الكنْزَيْنِ الأحْمَرَ والأبْيَضَ) أَرَادَ الذّهَبَ والفِضَّة.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحمائِر حجارةٌ تُجْعل حَوْلَ الْحَوْضِ تَرُدُّ الماءَ إِذَا طَغَى وَأنشد:
كَأَنَّمَا الشَّحْطُ فِي أُعْلَى حمائِرِه
سبائِبُ القَز من رَيْطٍ وَكَتَّان
وروى حمادُ بن سلمةَ عَن ثابتٍ عَن أَنَسٍ أنّ رَسُول الله قَالَ (أُرْسِلْتُ إِلَى كل أَحْمَرَ وأَسْوَدَ) قَالَ شمر: يَعْني العربَ والعجمَ، والغالبُ على أَلْوان العربِ(5/36)
السُّمْرَةُ والأُدْمَةُ، وعَلى أَلْوان العجمِ البياضُ والحُمْرَةُ.
وَقَالَ شمر حَدثنِي السمريُّ عَن أبي مسحل أَنه قَالَ فِي قَوْله (بُعِثْتُ إِلَى الأَسْودِ والأَحْمَرِ) يُرِيد بالأسودِ الجِن، وبالأحْمَرِ الإِنَسَ، سمي الإنسُ بالأَحْمَرِ للدَّمِ الَّذِي فيهم، وَالله أعلم، وروى عَمْرو عَن أَبِيه أَنه قَالَ فِي قَوْله (بعثت إِلَى الأحْمر وَالْأسود) مَعْنَاهُ بُعِثْتُ إِلَى الأَسودِ والأبْيَض. قَالَ: وامْرأَةٌ حَمْرَاء أَي بَيْضاءُ، وَمِنْه قَول النَّبِي لعَائِشَة (يَا حُمَيْراءُ) قَالَ والأحْمَرُ الَّذِي لَا سلاحَ مَعَهُ، وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن الحَرْبي فِي قَوْله (أُعْطِيتُ الكنْزَيْنِ الأحمرَ والأبيضَ) قَالَ فالأحْمَرُ مُلْكُ الشامِ والأبيضُ مُلْكُ فارسَ، وَإِنَّمَا قيل لمُلكِ فارسَ الكنْزُ الأبيضُ لبياض أَلْوَانِهِمْ، وَلذَلِك قيل لَهُم بَنُو الأحرارِ يَعْنِي الْبيض وَلِأَن الغالبَ على كنوزهم الورِقُ وَهِي بيضٌ، وَقَالَ فِي الشامِ الكنزُ الأحمرُ لِأَن الغالبَ على أَلْوانِهم الحُمْرَةُ وعَلى كُنُوزِهم الذّهَبُ وَهُوَ أَحْمَر. وَقَالَ ابنُ السّكّيت قَالَ الأصمعيُّ أَتَانِي كلُّ أسودَ مِنْهُم وأحمرَ وَلَا يُقَال أبيضَ، حَكَاهُ عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء وَقَالَ:
جَمَعْتُمْ فأوْعَيْتُمْ وجِئْتم بِمَعْشَرٍ
توافَتْ بِهِ حُمْرانُ عَبْدٍ وسودُها
وَيُقَال كلّمْتُه فَمَا ردّ عليَّ سوداءَ وَلَا بَيْضَاء أَي كلمة رَدِيئَةً وَلَا حَسَنَة. قلت: والقولُ مَا قَالَ أَبُو عمرٍ وَأَنَّهُمْ الأسودُ والأبيضُ؛ لأنّ هذَيْن النّعْتينِ يَعُمَّان الآدميينَ أَجمعين. وَهَذَا كَقَوْلِه (بُعِثْتُ إِلَى النَّاس كَافَّة) وَكَانَت العربُ تَقول للعجمِ الَّذين يكون البياضُ غَالِبا على أَلْوانِهم مثلِ الرُّومِ والفرسِ وَمن ضاقَبَهُمْ: إِنَّهُم الحَمْراءُ، وَمِنْه حديثُ عليّ حِين قَالَ لَهُ سَراةٌ من أصحابِه العَربِ: غلبتْنا عَلَيْك هَذِه الحُمْرَةُ، فَقَالَ: لَيَضْرِبنَّكُمْ على الدّين عَوْداً كَمَا ضربتموهم عَلَيْهِ بَدْءاً، أَرادُوا بالْحَمْرَاء الفرسَ والرُّومَ. والعربُ إِذا قالُوا: فلانٌ أبيضُ وفلانةٌ بيضاءٌ، فمعناهَا الكرمُ فِي الْأَخْلَاق، لَا لونُ الخِلْقَةِ. وَإِذا قَالُوا: فلانُ أحمرُ وفلانةُ حمراءُ عَنَتْ بياضَ اللَّونِ.
ورَوَى أَبُو العبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ أَنه قَالَ فِي قولهِمْ الْحُسْنُ أَحْمَرُ أَي شاقٌّ، أَي من أَحَبَّ الحُسْنَ احتَمَل المَشَقَّة. وَكَذَلِكَ موتٌ أَحْمَرُ، قَالَ الحُمْرَةُ فِي الدَّمِ والقتالِ. يَقُول: يَلْقى مِنْهُ المشقةَ كَمَا يَلْقى من القتالِ.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: يُقَال جَاءَ بِغَنَمِه حُمْرَ الكُلى، وَجَاء بِها سُودَ البُطونِ، مَعْنَاهُمَا المَهَازِيلُ.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَمَرُ داءٌ يعتري الدابّة من كَثْرَة الشّعير، وَقد حَمِر البرذَوْنُ يحمَرُ حَمَراً. وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
لَعَمْرِي لسَعْدُ بنُ الضبابِ إِذَا غَدا
أحبُّ إلينَا مِنْك، فَافَرَسٍ حَمِر
أرَادَ يَافَا فَرَسٍ حَمِر، لقَّبَهُ بِفِي فَرَسٍ حَمِرٍ لِنَتْن فِيهِ. قَالَ وسنَةٌ حَمْرَاء شديدةٌ، وَأنْشد:
أَشْكُو إِلَيْك سَنَوَاتٍ حُمْرَا(5/37)
قَالَ: أخرج نَعته عَلَى الأعوامِ فَذكَّرَ، وَلَو أخْرَجَهُ على السَّنواتِ لقَالَ حَمْرَاوَاتٍ. وَقَالَ غَيْرُه: قيل لِسِني القَحْطِ حَمْرَاواتٌ لاحمرار الْآفَاق فِيهَا. وَمِنْه قَول أُمَيّةَ:
وسُودَت شَمْسُهُمْ إِذا طَلَعَتْ
بالجِلْبِ هفا كأنَّه كَتَمُ
والكتم صِبْغٌ أحمرُ يُخْتَضَبُ بِهِ. والجِلْبُ السحابُ الرقيقُ الَّذِي لَا ماءَ فِيهِ. والهَفُّ الرَّقِيق أَيْضا ونَصَبَه على الْحَال.
وَفِي حَدِيث عليّ ح أَنه قَالَ: كُنَّا إِذا احْمَرَّ البأْسُ اتَّقَيْنَا برَسُول الله العَدُوَّ.
قَالَ أَبُو عبيد قَالَ الأصمعيُّ: يُقَال هُوَ الموتُ الأَحْمَرُ والموتُ الأسودُ. قَالَ وَمَعْنَاهُ الشَّدِيدُ، قَالَ وَأَرَى ذَلِك من أَلْوَانِ السباعِ كأَنَّهُ من شِدَّته سَبُعٌ. وَقَالَ أَبُو زُبَيْدٍ يصف الْأسد:
إِذَا عَلِقَتْ قِرْناً خَطَاطِيفُ كَفه
رَأَى الموتَ بالعيْنَينِ أَسْودَ أَحْمَرا
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فكأنَّه أَرَادَ بقَوْلِه احْمَرّ البَأْسُ أَيْ صَارَ فِي الشدَّةِ والهَوْلِ مثل ذَلِك. وَقَالَ الأصمعيُّ يُقَال: هَذِه وَطْأَةٌ حمراءُ، إِذا كَانَت جَدِيدا ووطأةٌ دَهْمَاءُ إِذا كَانَت دَارِسَةً.
قَالَ الأصمعيُّ ويجوزُ أَن يكُون قَوْلُهمْ: الموتُ الأحمرَ من ذَلِك، أَي جديدٌ طريّ. ويروى عَن عبد الله بن الصَّامِت أَنه قَالَ: أَسْرَعُ الأَرْض خَراباً البصرةُ، قيل وَمَا يُخْرِبُها؟ قَالَ: القتْلُ الأَحْمَرُ والجوع الأغْبَرُ.
قلت والحَمْرُ بمعْنى القَشْرِ يكون باللسَان والسَّوْط والحَديد والمِحْمَرُ والمِحْلأُ: هُوَ الحديدُ أَو الحَجَرُ الَّذِي يُحْلأُ بِهِ تحْلِىءُ الإهاب وَيُنْتَفُ. وَيُقَال للهجين مِحْمَرٌ ولمَطَيَّةِ السُّوءِ مِحْمَر، وَرَجُلٌ مُحْمَرٌّ؛ لَا يُعْطي إلاَّ على الكَد والإلْحَاحِ عَلَيْهِ.
وَقَالَ شمر يُقَال حَمِرَ فلانٌ عليَّ يَحْمَرُ حَمْراً إِذا تَحَرَّق عَلَيْك غَضبا وغيظاً. وَهُوَ رجل حَمِرٌ من قوم حَمِيرِين. قَالَ وحِمِرُّ القَيْظ والشتاءِ أشَدُّهُ.
قَالَ: والعربُ إِذا ذكرت شيْئاً بالمشَقَّةِ والشدَّة وصَفَتْهُ بالحُمْرَةِ. وَمِنْه قيل سنَةٌ حَمْرَاءُ للجَدْبَةِ.
قَالَ: وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي فِي قولِهِمْ الحُسْنُ أَحْمَرُ يُرِيدُون إِنْ تَكلَّفْتَ التَّحَسُّنَ والجَمَال فاصْبِرْ فِيهِ على الأَذَى والمشقَّة. قَالَ: وحَمَرْتُ الجِلْدَ إِذا قَشَرْتَه وحلقتَه.
وَقَالَ اللَّيْث: حَمَارَّةُ الصَّيف شدَّة وَقْتِ حَره. قَالَ وَلم أَسْمَع كلمة على تَقْدِير فَعَالّة غيرَ الحمارَّة والزَّعَارَّة وَهَكَذَا.
قَالَ الْخَلِيل قَالَ اللَّيْث: وَسمعت بعد ذَلِك بخُرَاسَان سبارَّةُ الشّتَاء وَسمعت: إِن وراءَك لَقُرَّاً حِمِرّاً. قلت: وَقد جاءَتْ أَحْرُفٌ أُخَرُ على وزن فَعَالَّة.
روى أَبُو عبيدٍ عَن الْكسَائي: أَتَيْتُه فِي حَمَارَّةِ القيظ، وَفِي صَبَارَّةِ الشّتاء بالصَّاد، وهُمَا شِدَّةُ الحَر والبَرْدِ. قَالَ وَقَالَ الأمَوِيُّ: أتَيْتُه عَلَى حَبَالَّةِ ذَاك، أَي على حِينِ ذَاك، وَألقى فلَان عَلَى عَبَالَّته أَي ثِقله. قَالَه اليزيديُّ والأَحْمَرُ.(5/38)
وَقَالَ القَنَانِيّ: أَتَوْنِي بِزرَافَّتهِم يَعْنِي جَمَاعَتَهُم.
وَسمعت العربَ تَقُول كُنّا فِي حَمْراء القيظ على مَاء شُفَيَّة، وَهِي ركيَّةٌ عذبَةٌ.
وَقَالَ اللَّيْث فِي قَوْلهم: أهْلَكَ النساءَ الأحمران، يعنون الذهبَ والزعفرانَ.
أَبُو عبيد عَن أبي عُبَيْدَة: الأحمرانِ الخَمْرُ واللَّحْمُ وَأنْشد:
إِن الأحَامِرَةَ الثلاثَةَ أهلكَتْ
مَالِي وَكنت بِهِن قِدْماً مُولَعاً
الرَّاحَ واللحْمَ السمينَ إدَامُه
والزَّعْفَرانَ فَلَنْ أَرُوحَ مُبَقَّعَا
قَالَ أَرَادَ الخمرَ واللحمَ والزعفرانَ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الأصفرانِ الذَّهَبُ والزعفرانُ. قلت والصَّوابُ فِي الأحمَرينِ مَا قَالَه أَبُو عُبَيْدَة. وَالَّذِي قَالَه الليثُ يضاهي الخَبَرَ المرويَّ فِيهِ.
وَقَالَ شمر: سَمِعت ابنَ الْأَعرَابِي يَقُول: الأحمرانِ النّبيذُ واللحمُ. وَأنْشد:
الأحمرَينِ الرَّاحَ والمُحَبَّرَا
قَالَ شمِر: أَرَاد الخَمْرَ والبُرُودَ.
وَقَالَ اللَّيْث: فَرَسٌ مِحْمَرٌ والجميع المَحَامِر والمَحَامِيرُ. وَأنْشد:
يَدِبُّ إِذْ نَكَس الفُحْجُ المحاميرُ
وَقَالَ غيرُه: الْخَيل الحمارَّةُ مثلُ المَحَامِرِ سَوَاء.
وَرُوِيَ عَن شُرَيْح أَنه كَانَ يردّ الحمَّارَةَ من الخَيْلِ. قلت أَراد شريحٌ بالحمَّارَة أصحابَ الحَمِير، كأنَّه ردَّهُم فَلم يُلْحِقْهُمْ بأصحاب الخَيْلِ فِي السهامِ. وَقد يُقَال لأصْحاب البِغَال البَغَّالة ولأصحاب الجِمَال الجَمَّالَةُ وَمِنْه قولُ ابْن أَحْمَر:
شدّد كَمَا تطْرُدُ الجَمَّالَةُ الشُّرُدَا
وَرجل حَامِرٌ وحَمَّارٌ ذُو حِمَارٍ، كَمَا يُقَال فارسٌ لذِي الفَرس.
ثَعْلَب عَن سَلمَة عَن الْفراء قَالَ: حَمَرَت المرأةُ جلْدَهَا تَحمِرُهُ. والحَمْرُ فِي الْوَبر وَالصُّوف وَقد انْحَمَر مَا على الجِلْدِ وأتاهم الله بغيثٍ حِمِرَ يَحْمُر الأَرْض حمراً أَي يقشرها.
وَقَالَ ابْن السّكيت: حَمَر الخَارِزُ السَّيْرَ يحْمِرُهُ حَمْراً إِذا مَاسَحا باطِنَه ودَهَنه ثمَّ خَرَزَ بِه، وحَمَر الشَّاةَ إِذا مَا سمطها، وأُذُنُ الحِمَارِ نَبْتٌ عريضُ الوَرَق كأَنَّه شُبه بأذن الحِمَار.
وروَى أَبُو الْعَبَّاس أَنه قَالَ: يُقَال إِن الحُسْنَ أَحْمَر، يُقَال ذَلِك للرَّجُلِ يميلُ إِلَى هَوَاه، ويخْتَصُّ بِمن يُحِبُّ كَمَا يُقَال الْهَوَى غَالِب، وكما يُقَال إِن الْهوى يمِيل بإسْتِ الرَّاكِب إِذا آثَر من يهواه على غَيره.
وَقَالَ غيرهُ حِمْيرٌ اسمٌ، وَقيل هُوَ أَبُو مُلوكِ اليمَن، وَإِلَيْهِ تَنْتَهِي القبيلةُ. ومدينة ظَفَارِ كَانَت لِحِمْيَرَ. وحَمَّرَ الرجلُ إِذا تكلم بالحِمْيَريّة، وَلَهُم ألفاظٌ ولغاتٌ تخَالف لغاتِ سائِرِ الْعَرَب.
وَقَالَ بعض مُلُوكهمْ: من دَخَلَ ظَفَارِ حَمَّرَ، أَي تعلَّم الحِمْيَرِيّة. ويُقالُ للَّذين يُحَمرون رَايَاتِهم خِلاَفَ زِيّ المُسَودَةِ من بني هَاشِمٍ المُحَمرة، كَمَا يُقَال للحَرُورِيَّة(5/39)
المبيضة، لِأَن راياتِهم فِي الحُروب كَانَت بَيْضَاءَ.
محر: قَالَ اللَّيْث: المَحَارَةُ دابَّةٌ فِي الصَّدَفَيْن. قَالَ: ويُسمّى باطِنُ الأُذُن مَحَارَةً. قَالَ وربّما قَالُوا لَهَا مَحَارَةُ بالدَّابّة والصدفينِ.
وروى أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي قَالَ المَحَارَةُ الصدفَةُ قَالَ والمَحَار من الإنسانِ الحَنَكُ وَهُوَ حَيْثُ يُحنك البَيْطارُ الدَّابة.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: المَحَارَةُ النُّقْصَانُ، والمحارَةُ داخلُ الأُذُن، والمحارةُ الرجوعُ، والمَحَارة المُحاوَرَة، والمَحَارَة الصَّدَفَةُ.
قلت ذكر الأصمعيُّ وَغَيره هَذَا الحرفَ أَعنِي المحارةَ فِي بَاب حَارَ يَحُور، فدلّ ذَلِك أَنه مَفْعَلَةٌ وأَن الميمَ لَيست بأصليَّةٍ، وَخَالفهُم اللَّيْثُ فَوضع المَحَارَة فِي بَاب مَحَر، وَلَا يُعْرَف مَحَر فِي شَيْء من كَلَام الْعَرَب.
(أَبْوَاب الْحَاء وَاللَّام)
ح ل ن
اسْتعْمل من وجوهه: لحن، نحل.
لحن: قَالَ اللَّيْث: اللَّحْنُ مَا تَلْحَنُ إِلَيْهِ بلسانِك أَي تَميلُ إِلَيْهِ بِقَوْلِك.
ومِنْه قَول الله جلّ وعزّ: {} (محَمَّد: 30) وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد نزُول هَذِه الْآيَة يعرفُ المنافِقِين إِذا سَمِعَ نُطْقَهُم وكَلاَمَهُمْ؛ يستدلُّ بِهِ على مَا يَرَى من لَحْنِه، أَي من مِثْلِه فِي كَلَامه فِي اللَّحْنِ.
وروى سلمةُ عَن الْفراء فِي قَوْله: {بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِى لَحْنِ} (محَمَّد: 30) يَقُول فِي نَحْو القَوْل وَمعنى القَوْل.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الزجَّاجُ {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِى لَحْنِ} أَي نحوِ القَوْل. دلَّ بِهَذَا وَالله أعلم أنَّ قولَ القائلِ وفعلَه يَدُلاَّن على نِيَّتِه وَمَا فِي ضميرِه.
قَالَ وقولُ النّاس قد لَحَن فُلانٌ تأويلُه قد أَخَذَ فِي ناحِيةٍ عَن الصّوابِ إِلَيْهَا.
وَأنْشد:
منطقٌ صائِب وتلْحَنُ أَحْيَاناً
وخَيْر الحديثِ مَا كانَ لَحْنَا
تَأْوِيله وخيرُ الحَديثِ من مثلِ هَذِه الجاريَةِ مَا كَانَ لَا يَعْرِفُه كُلُّ أَحَدٍ إِنَّمَا يُعرَفُ أمرهَا فِي أنْحَاءِ قَوْلهَا.
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن أبي الهيثَم أَنه قَالَ: العُنْوانُ واللَّحْن واحدٌ، وَهِي العلامةُ نُشير بهَا إِلَى الإنسانِ ليفْطِنَ بهَا إِلَى غيرِه، نَقُول لَحَنَ فلانٌ بلَحْنٍ ففطِنْتُ.
وَأنْشد:
وتعرف فِي عُنْوَانِها بعضَ لَحْنِها
وَفِي جوفها صَمْعَاءُ تحكِي الدَّوَاهِيَا
قَالَ وَيُقَال للرَّجُل الَّذِي يُعَرضُ وَلَا يُصَرحُ: قد جَعَلَ كَذَا وكَذَا لَحْنَاً لحاجَتِه وعُنواناً.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد لَحَنَ الرجلُ بِلَحْنِه إِذا تكلمَ بلُغته، ولَحَنْتُ لَهُ لَحْناً أَلْحَنُ لَهُ إِذا قلتَ لَهُ قولا يَفْقَهُه عَنْك ويَخْفى على غَيره.
قَالَ ولَحِنَ عَني يَلْحَنُ لَحْناً أَي فَهِمَه. وأَلْحَنَتْهُ عَني إيّاه إلْحاناً.(5/40)
وَقَالَ أَبُو عُبيد: يُقَال لاحنْتُ النَّاس أَي فاطَنْتهم وَقَالَ فِي تَفْسِير حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَن يَكُونَ أَلْحَنَ بحُجَّتِهِ من بَعْض) يَعْنِي أَفْطَنَ لَهَا وأجْدَل. قَالَ واللَّحَنُ بفتحِ الحاءِ الفِطْنَةُ. وَمِنْه قولُ عمرَ بن عبدِ الْعَزِيز (عَجِبْتُ لمن لاَحَنَ النَّاسَ كيفَ لَا يعرفُ جوَامعَ الكَلِم) قَالَ وَمِنْه قيل: رجل لَحِنٌ، إِذا كَانَ فَطِناً. وَقَالَ لبيد:
مُتَعَوذٌ لَحِنٌ يُعِيد بِكَفه
قَلَماً على عُسُبٍ ذَبُلْنَ وَبَانِ
وأمّا قولُ عمر بن الْخطاب (تعلمُوا اللَّحْنَ والفَرَائِضَ) فَهُوَ بتسكين الحاءِ، قَالَ أَبُو عبيد: وَهُوَ الْخَطَأ فِي الْكَلَام وَقد لَحَنَ الرجلُ لَحْناً وَمِنْه حديثُ أبي العاليةِ قَالَ: (كنتُ أَطُوف مَعَ ابنِ عبَّاس وَهُوَ يُعَلمُنِي لَحْنَ الْكَلَام) .
قَالَ أَبُو عبيد: وَإِنَّمَا سَمَّاهُ لَحْناً لِأَنَّهُ إِذا بصَّرَهُ الصوابَ فقد بصَّرَهُ اللَّحْن.
قَالَ وَقَوله {بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِى لَحْنِ} أَي فِي فَحْوَاهُ وَمَعْنَاهُ.
وَقَالَ شَمِر قَالَ أَبُو عدنان: سَأَلت الكِلاَبِيينَ عَن قَول عُمَرَ: (تعلّموا اللَّحْن فِي القرآنِ كَمَا تَعَلَّمُونَه) ، فَقَالُوا كُتِبَ هَذَا عَن قَوْمٍ لَهُم لَغْوٌ لَيْسَ كلَغْوِنا، قلت مَا اللغْوُ؟ فقالَ: الفاسدُ من الكَلاَمِ.
وَقَالَ الكلابيُّون: اللَّحْنُ اللُّغَةُ، فَالْمَعْنى فِي قَول عمر: تعلمُوا اللَّحْنَ فِيهِ، يَقُول: تعلَّموا كيفَ لُغَةُ العَرَبِ الَّذين نَزَلَ القرآنُ بِلُغَتِهم.
قَالَ أَبُو عدنان: وَيكون معنى تعلَّمُوا اللَّحْن فِيهِ، أَي اعْرِفوا معانِيَه، كَقَوْلِه جلّ وعزّ: {بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِى لَحْنِ} (محَمَّد: 30) أَي فِي مَعْنَاهُ وفحواه.
قَالَ أَبُو عدنان وَأَخْبرنِي أَو زيد: أَنَّ معنَى قولِ عُمَرَ: (أُبَيٌّ أَقْرَؤُنَا، وإنَّا لنَرْغَبُ عَن كثيرٍ من لَحْنِهِ) قَالَ لَحْنُ الرجل لغَتُه. وأنشدَتْني الكلبيَّةُ:
وقومٌ لَهُم لحنٌ سِوَى لَحْنِ قَوْمِنَا
وشَكْلٌ وبيتِ الله لَسْنَا نُشَاكِلُهْ
وَقَالَ عبيد بن أَيُّوب:
وَللَّه دَرُّ الغُولِ أيُّ رفيقةٍ
لصاحِبِ قَفْرٍ خائفٍ يَتَقَتَّرُ
فَلَمَّا رأتْ أَلاَّ أُهَالَ وأنني
شُجاعٌ إِذا هُزَّ الجَبَان المطيَّرُ
أتَتْنِي بِلَحْن بعد لحْنٍ وأوْقَدَتْ
حَوَالَيَّ نيراناً تَبُوخُ وتَزْهَرُ
قَالَ الليثُ: والألحانُ الضُّرُوبُ من الأصْوَاتِ الموْضُوعَةِ المصُوغَة، قَالَ: واللَّحْنُ تَرْكُ الصّوابِ فِي الْقِرَاءَة والنَّشيد، يُخَفَّفُ ويثَقَّل، قَالَ واللَّحَّانُ واللَّحَّانَةُ: الرجلُ الكثيرُ اللَّحْن، وَقَالَ غيرُه فِي قَول الطرماح:
وأَدَّتْ إليَّ القَوْلَ عَنْهُنَّ زَوْلَةٌ
تُلاَحنُ أَو تَرْنُو لقَوْل المُلاَحن
أَي تَكلَّم بِمَعْنى كلامٍ لَا يُفْطَنُ لَهُ ويَخْفَى على النَّاس غَيْرِي. وَقَالَ بَعضهم فِي قَوْله: منطق صائب وتلحن أَحْيَانًا: إنَّها تُخْطىءُ فِي الإعرَابِ، وَذَلِكَ أَنه يُسْتَمْلَحُ من(5/41)
الجَوَارِي ذَاك إِذا كَانَ خَفِيفاً، ويستثقل منهنَّ لُزُوم حاق الْإِعْرَاب.
وقِدْحٌ لاحِنٌ إِذا لم يكن صَافِيَ الصَّوْتِ عِنْد الْإِفَاضَة. وكَذَلِكَ قَوْسٌ لاَحِنَةٌ إِذا أُنْبِضَتْ. وسَهْمٌ لاَحِنٌ عِنْد التَّنْفِيز: إِذا لم يكن حنَّاناً عنْد الإدَامَةِ على الإصْبَع والمُعْرِبُ من جَمِيعِ ذَلِك على ضِده. وملاحِنُ العُودِ ضُرُوبُ دَسْتَانَاتِهِ، يُقَال هَذَا لَحْنُ فُلانٍ العَوَّادِ، وَهُوَ الوجْهُ الَّذِي يَضْرب بِهِ.
نحل: فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس أنّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن قتل النَّحْلَةِ والنَّمْلَةِ والصُّرَدِ والهُدْهُد.
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ أَنه قَالَ: إنَّما نَهى عَن قَتْلهِن لِأَنَّهُنَّ لَا يُؤْذِينَ النَّاسَ، وَهِي أقل الطُّيُورِ والدَّوَاب ضَرَراً على النَّاس، لَيْسَ هِيَ مِثْلَ مَا يَتَأَذَّى بِهِ النّاسُ من الطيورِ الغرابِ وغيرِه، قيل لَهُ: فالنَّمْلَةُ إِذا عضَّتْ تُقْتَلُ؟ قَالَ: النملةُ لَا تعَضُّ إِنَّمَا يَعَضُّ الذَّرُّ. قيل لَهُ فَإِذا عَضَّتْ الذَّرَّةُ تُقْتَلُ؟ قَالَ: إِذا آذَتْكَ فاقْتُلْها.
قَالَ: والنَّمْلةُ الَّتِي لَهَا قَوائمُ تكون فِي البَرَارِي والخرَابَاتِ، وَهَذِه الَّذِي يَتَأَذَّى بهَا النَّاس هِيَ الذَّرُّ. ثمَّ قَالَ: والنَّمْلُ ثَلَاثَة أَصْنَافٍ: النَّمْلُ، فارز، وعُقَيْفانُ.
قَالَ اللَّيْث: والنحل دَبْرُ العسلِ، الواحدةُ نَحْلَةٌ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الزجَّاج فِي قَول الله جلّ وعزّ: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} (النّحل: 68) الْآيَة، جائزٌ أَن يكون سُميَ نَحْلاً لأنَّ الله جلَّ وعزَّ نَحَل الناسَ العسلَ الَّذِي يَخْرُج من بُطونها.
وَقَالَ غيرُه من أهل الْعَرَبيَّة النَّحْلُ يذكَّرُ ويؤَنَّثُ، وَقد أنثها الله جلَّ وعزّ فَقَالَ: {أَنِ اتَّخِذِى مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا} (النّحل: 68) والواحدةُ نَحْلَةٌ، وَمن ذكَّرَ النَّحْلَ فَلِأَن لفْظَهُ مذكَّرٌ، وَمن أَنَّثه فلأَنه جَمْعُ نحْلَة.
وَقَالَ اللَّيْث: النُّحْلُ إعْطاؤُك إنْسَاناً شَيْئا بِلَا استعاضَةٍ قَالَ ونُحْلُ الْمَرْأَة مَهْرُها وَتقول أعطيتهَا مهرهَا نحْلةً إِذا لم تُرِدْ مِنْهَا عِوَضاً.
وَقَالَ الزجّاج فِي قَول الله جلّ وعزّ: {وَءَاتُواْ النِّسَآءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} (النِّسَاء: 4) .
قَالَ بَعضهم: فَرِيضَة.
وَقَالَ بَعضهم: دِيَانَةً، كَمَا تَقول فلَان يَنْتَحِلُ كَذَا وَكَذَا، أَي يَدِينُ بِهِ.
وَقَالَ بَعضهم: هِيَ نِحْلة من الله لَهُنَّ؟ أَنْ جَعلْ على الرجالِ الصَّدَاقَ، وَلم يَجْعَل على المرْأةِ شَيْئاً من الغُرْمِ فَتلك نِحْلَةٌ من الله للنِّسَاء. وَيُقَال: نَحَلْتُ الرجلَ والمرأةَ إِذا وهَبْتُ لَهُ نَحْلَةً ونُحْلاً. قلت وَمثل نِحْلة ونُحْل حِكْمة وحُكْم.
ثعلبٌ عَن ابْن الْأَعرَابِي فِي قَوْله: {صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} أَي دِيناً وتدَيُّناً.
وَقَالَ اللَّيْث: نَحَلَ فلانٌ فلَانا أَي سابَّهُ فَهُوَ ينحَلُهُ: يسابّه.
وَقَالَ طرفَة:(5/42)
فَذَرْ ذَا وانْحَلِ النُّعْمانَ قولا
كنَحْتِ الفَأْسِ يُنْجِد أَو يَغُور
قلت: قَوْله نحل فلَان فلَانا أَي سابَّه باطلٌ وَهُوَ تَصْحِيف لنَجَل فلانُ فلَانا إِذا قطعه بالغِيبة.
وَرُوِيَ فِي الحَدِيث (مَنْ نَجل النَّاس نَجَلُوه) أَي من عابَ الناسَ عابُوه، وَمن سبَّهم سبُّوه. وَهُوَ مثلُ مَا رُوِيَ عَن أَبي الدّرْداء: إِن قارَضْت الناسَ قارضُوك وَإِن تركْتَهُمْ لم يتْرُكُوك) وَقَوله: إِن قارضْتَ الناسَ مأخوذٌ من قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (رفع الله الْحَرَج إلاّ مَن اقْتَرض عِرْضَ امرىءٍ مُسْلِمٍ فَذَلِك الَّذِي حَرِجَ) وَقد فسرناه فِي موضعِهِ. والنَّجلُ والقَرْضُ معناهُما القَطْع. وَمِنْه قيل للحديدة ذَات الْأَسْنَان مِنْجَل.
وَقَالَ اللَّيثُ: يُقَال انْتَحَل فلانُ شِعْرَ فُلانٍ إِذا ادّعاه أَنَّهُ قائِلُه. وَيُقَال نُحِل الشاعرُ قصيدةً إِذا نُسِبَتْ إِلَيْهِ وَهِي من قِيل غَيْره.
وَقَالَ الْأَعْشَى فِي الانتحال:
فكيْفَ أَنا وانْتِحالي القوا
فِ بَعْد المشيبِ كَفَى ذَاك عَارا
أَرَادَ انتحالي القوافي فدلَّت كسرةُ الْفَاء من القوافِي على سُقُوط الياءِ، فَحَذَفَها كَمَا قَالَ الله {مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ} : (سَبَإ: 13) قَالَ أَبُو الْعَبَّاس أحمدُ بن يحيى فِي قَوْلهم انْتَحلَ فلانٌ كَذَا وَكَذَا: مَعْنَاهُ قد ألْزَمَهُ نَفْسَه وَجعله كالمِلْك لَهُ، أُخِذَ من النحلة وَهِي الهِبَةُ والعطيّة يُعْطَاهَا الإنسانُ. قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى: {وَءَاتُواْ النِّسَآءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} أَرَادَ هِبَةً، والصَّدَاقُ فَرْضٌ؛ لِأَن أَهْلَ الجاهليةِ كَانُوا لَا يُعْطُون النسَاءَ من مُهُورِهِنَّ شَيْئا فَقَالَ الله تَعَالَى: {وَءَاتُواْ النِّسَآءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} هبة من الله إذْ كانَ أهلُ الجاهليَّة يَدْفَعُونَهُنَّ عَن صَدُقَاتِهِنَّ، والنحلة هِبَةٌ من الله للنِّسَاء فَرَضَهُ لَهُنَّ على الأزْوَاج.
وَقَالَ الليثُ: نَحلَ الْجِسْم يَنْحَلُ نُحْولاً فَهُوَ نَاحلٌ. قلت: وَالسيف النَّاحِلُ الَّذِي فِيهِ فُلُولٌ فَيُسَنُّ مَرَّةً بعد أُخْرَى حَتَّى يَرِقّ ويذهبَ أَثَرُ فُلُوله، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذا ضُرِبَ بِهِ فَصَمَّم انْفَلَّ فينْحني القَيْنُ عَلَيْهِ بالمَدَاوِس والصَّقْلِ حَتَّى يُذْهِبَ فُلولَه. وَمِنْه قَول الْأَعْشَى:
مَضَارِبُها من طول مَا ضربوا بِها
ومِنْ عَض هَامِ الدَّارعين نَواحِل
وجمل ناحل: مَهْزُولٌ دَقِيق وقمر ناحِل إِذا دقّ وَاسْتَقْوَسَ وَرجل ناحِلٌ وامرأةٌ نَاحِلَةٌ ونِساءٌ نَوَاحلُ وَرِجَال نُحَّلُ.
ح ل ف
حلف، حفل، لحف، فَحل، لفح، فلح: مستعملات.
حلف: قَالَ اللَّيْث: الحَلْفُ والحَلِفُ لُغَتَانِ وَهُوَ القَسَمُ والواحدة حَلْفة وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
حلفتُ لَهَا بِاللَّه حِلْفَة فاجرٍ
لناموا فَمَا إنْ مِنْ حديثٍ وَلَا صالِ
قَالَ وَيُقَال: مَحْلُوفَةً بِاللَّه مَا قَالَ ذَاك، يَنْصِبُون على ضميرِ أَحْلِفُ بِاللَّه مَحْلُوفَةً أَي قَسَماً والمحْلُوفَة القَسَم.
أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر: حَلَفت مَحْلُوفاً مصدرٌ وَكَذَلِكَ الْمَعْقُول والميسور والمعسور. وَقَالَ ابْن بُزُرْج: لَا ومحْلُوفَائِه(5/43)
لَا أفْعَلُ يُرِيد: ومحْلوفِه فمدّها. وَقَالَ الفرَّاءُ حِكَايَة عَن الْعَرَب: إنّ بني نُمَيْرٍ لَيْسَ لَهُم مَكْذُوبَةٌ؛ وَقَالَ اللَّيْثُ: رجل حلاَّفٌ وحلاَّفَةٌ كثيرُ الحلفِ. وَيَقُول استَحلَفْتُه بِاللَّه مَا فعل ذَاكَ.
قَالَ وَتقول: حَالَفَ فلانٌ فُلاَناً فَهُوَ حَلِيفُه. وَبَينهمَا حلفٌ لأنَّهُما تحالَفَا بالأَيْمان أَن يكون أمْرُهما وَاحِدًا بِالْوَفَاءِ فَلَمّا لَزِم ذَلِك عندهُم فِي الأَحْلاَفِ الَّتِي فِي العشائر والقبائِلِ صَار كلُّ شَيْءٍ لَزِمَ شَيْئاً فَلم يُفَارِقْه فَهُوَ حَلِيفُه حَتَّى يُقَال: فلانٌ حليفُ الجُودِ، وَفُلَان حليفُ الْإِكْثَار وحليفُ الإقْلاَلِ: وَأنْشد قَول الْأَعْشَى:
وشرِيكيْنِ فِي كثيرٍ من الما
لِ وَكَانَا مُحَالِفَيْ إِقْلاَلِ
وَقَالَ شَمِر: سمعتُ ابْن الْأَعرَابِي يَقُول: الأَحْلاَفُ فِي قُرَيْش خَمْسُ قبائل، عبدُ الدّار وجُمَحُ وسَهْمٌ ومَخْزُومٌ وعَدِيُّ بن كعبٍ. سُمُّوا بذلك لمَّا أَرَادَتْ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ أَخْذَ مَا فِي أَيْدِي بَنِي عَبْدِ الدّارِ من الحِجَابَةِ والرفَادَةِ واللوَاءِ والسقَايَةِ وأَبت بَنُو عَبْدِ الدّارِ، عَقَدَ كلُّ قَوْم على أَمرهم حِلْفاً مُؤكَّداً على ألاَّ يَتَخاذَلُوا، فَأَخْرَجَتْ عَبْدُ مَنَافٍ جَفْنَةً مملوءَةً طيبا فوضَعُوهَا لأَحْلاَفِهِمْ فِي الْمَسْجِد عندَ الكعبةِ، ثمَّ غَمَسَ القوْمُ أيديَهم فِيها وتعاقَدُوا ثمَّ مَسَحُوا الْكَعْبَة بِأَيْدِيهِم توكيداً. فسموا المطيَّبين، وتعاقدت بَنُو عبدِ الدّارِ وحلفاؤها حِلْفاً آخَرَ مؤكَّداً على ألاَّ يتخاذلوا، فَسُمُّوا الأَحْلاَفَ. وَقَالَ الْكُمَيْت يذكرهم:
نسبا فِي المطيَّبين وَفِي الأح
لاف حَلَّ الذُّؤَابَةَ الْجُمْهُورَا
وروى ابْن عُيَيْنَة عَن ابْن جُرَيْج عَن ابْن أبي مُلَيْكة قَالَ كنت عِنْد ابْنِ عبّاس فَأَتَاهُ ابْن صفوانَ فَقَالَ: نِعْمَ الإمارَةُ إمَارَةُ الأَحْلافِ كَانَت لَكُمُ.
قَالَ: الَّذِي كَانَ قبْلَها خيرٌ مِنْهَا، كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من المطيبِين، وَكَانَ أَبُو بكرٍ من المطيبين وَكَانَ عمر من الأَحْلاَف يَعْنِي إمارةَ عمر. وَسمع ابْن عَبَّاس نَادِبَةَ عُمَرَ وَهِي تَقول: يَا سيّد الأحْلاَفِ فَقَالَ ابْن عَبَّاس: نعم، والمُحْتَلَفِ عَلَيْهِم. قلت وَأَنَّهَا ذَكَرت مَا اقْتَصَّه ابنُ الْأَعرَابِي لِأَن القُتَيْبيَّ ذكر الطيبين والأحْلافَ فَخَلَطَ فِيمَا فسّر وَلم يُؤَد القِصَّةَ عَلَى وَجْهِها، وَأَرْجُو أَن يكونَ مَا روَاهُ شَمِرٌ عَن ابْن الْأَعرَابِي صَحِيحاً.
وَفِي الحَدِيث أنَّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَالَفَ بَيْن قُرَيْشٍ والأنصارِ أَي آخَى بَيْنَهُم، لِأَنَّهُ لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَام.
وَقَالَ الليثُ: أَحْلَفَ الغلامُ إِذا جَاوزَ رِهَاقَ الحُلُمِ. وَقَالَ بعضُهم قد أُحْلِفَ. قلت أَنا: أُحْلِفَ الغُلاَمُ بِهَذَا الْمَعْنى خَطَأٌ إِنَّمَا يُقَال أَحْلَفَ الْغُلَام إِذا رَاهَقَ الحُلُم فَاخْتلف النَّاظِرُون إِلَيْه، فَقَائِل يَقُول قد احْتَلَم وأدْرَكَ، ويَحْلِفُ على ذَلِكَ، وقائلٌ يقولُ: غَيْرُ مُدْرِك، ويَحْلِفُ على قولِه. وكلُّ شَيْء يخْتَلف فِيهِ النَّاس وَلَا يَقِفُون مِنْهُ على أَمْرٍ صَحِيح فَهُوَ مُحْلِف، وَالْعرب تَقول للشَّيْء الْمُخْتَلف فِيهِ مُحْلِفٌ ومُحْنِثٌ.(5/44)
وروى أَبُو عُبَيْد عَن الْأَصْمَعِي عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء أَنَّهُ قَالَ: حَضَارِ والوزْنُ مُحْلِفَان، وهما نجمان يَطْلُعَان قَبْلَ سُهَيْلٍ من مَطْلَعِه، فكلُّ مَنْ رآهما أوْ أَحَدَهُما حَلَفَ أَنَّهُ سُهَيْلٌ ثمَّ يَتَبَيَّنُ بعد طُلُوعِ سُهَيْلٍ أَنَّهُ غَيْرُ سُهَيْلٍ. وَيُقَال كُمَيْتٌ مُحْلِفٌ إِذا كَانَ بَين الأَحْوَى والأَحَم حَتَّى يُخْتَلَفُ فِي كُمْتَتِه. وكُمَيْتٌ غير مُحْلِفٍ إِذا كَانَ أَحْوَى خَالص الحُوَّة أَوْ أَحَمَّ بَينَ الحُمَّةِ. وَالْأُنْثَى كُمَيْتٌ مُحْلِفةٌ وغيرُ مُحْلِفةٍ. وَأنْشد أَبُو عبيد:
كُمَيْتٌ غَيْرُ مُحْلِفةٍ وَلَكِن
كلون الصّرْف عُلَّ بِه الأَدِيمُ
وناقة مُحْلِفَةُ السَّنَامِ إِذا كَانَ لَا يُدْرَى أَفِي سَنَامها شَحم أم لَا.
وَقَالَ الْكُمَيْت:
أطلالُ مُحْلِفَةِ الرُّسُو
م بأَلْوَتَيْ بَرَ وفَاجِرْ
أَيْ يَحْلِفُ اثْنانِ أَحَدُهُمَا على الدُّروس، والآخرُ على أَنَّهُ لَيْسَ بِدَارسٍ، فَيَبَرُّ أَحَدُهُمَا بيمينِه، ويَحْنَثُ الآخرُ، وَهُوَ الْفَاجِر.
وَقَالَ اللَّيْث: الْحَلْفاءُ نباتُ حَمْلُه قصب النَّشَّابِ، الْوَاحِدَة حَلَفَةٌ والجميع الحَلَفُ. قلت: الْحَلْفَاءُ نَبْتٌ أطرافُه مَحْدُودَةٌ كأنَّها أَطْرَاف سَعَفِ النَّخْلِ والخوص، يَنْبُت فِي مَغَايِضِ الماءِ والنُّزُوزِ، الْوَاحِدَة حَلَفَةٌ مثل قَصَبة وقَصْبَاء، وطَرَفَة وطَرْفَاء وشَجَرة وشَجْراءُ، وَقد يجمع حَلَفاً وشَجَراً وقَصَباً وطَرَفاً، وكَانَ الأصمعيُّ يَقُول: الْوَاحِدَة حَلِفَة، وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ الْحَلْفَاءُ واحدٌ وجميعٌ وَكَذَلِكَ طَرْفَاءُ، وبُهْمَى وشُكَاعَى واحدةٌ وجميعٌ.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ رجلٌ حليفُ اللسانِ أَي حديدُ اللسانِ وسِنَانٌ حليفٌ أَي حديدٌ. قلت: أُرَاهُ جُعِلَ حَلِيفاً لأنَّه شُبه حدَّةُ طَرْفِه بحدّة أَطْرَافِ الْحَلْفَاءِ.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ أَنه قَالَ: الْحَلْفَاءُ الأَمَةُ الصَّخَّابة، وَيُقَال أَحْلَفْتُ الرجلَ واستحلْفتُه بمعنَى واحِدٍ، وَمثله أرْهَبْتُه واستَرْهَبْتُه. وَرجل حلاَّف كثير الحَلِفِ، وحالَفَ فلَانا بَثُّه وَحُزْنُه أَي لازَمَهُ.
لحف: قَالَ ابْن الْفرج: سَمِعت الحُصَيْنيّ يَقُول: هُوَ أَفْلَسُ من ضَاربِ قِحْفِ اسْتِه وَمن ضَارِبِ لِحْفِ اسْتِه.
قَالَ: وَهُوَ شقّ الاست وَإِنَّمَا قيل ذَلِك لِأَنَّهُ لَا يجد شَيْئا يلْبسهُ فَتَقَع يَده على شُعَب استه.
وَقَالَ اللَّيْث: اللَّحْفُ تَغْطِيتُك الشيءَ باللحافِ، واللحافُ اللبَاس الَّذِي فَوق سائِر اللبَاس من دِثَارِ الْبرد ونحوهِ، تَقول لَحَفْتُ فلَانا لِحَافاً إِذا أَنْت ألبستَه إياهُ، ولَحَفْتُ لِحَافاً، وَهُوَ جَعْلُكَهُ وتَلَحَّفْتُ لِحَافاً إِذا اتخذْتَه لِنَفْسِك، وَكَذَلِكَ الْتحفْتُ وَقَالَ طرفَة:
يَلْحَفُون الأرضَ هُدَّابَ الأُزُر
أَي يجرُّونَها على الأَرْض.
أَخْبرنِي المنذريّ عَن الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت أَنه أنْشدهُ:(5/45)
كَمْ قَدْ نزلْتُ بِكُمْ ضيفاً فَتَلْحفُني
فضْلَ اللحافِ ونِعْمَ الفضْلُ يُلْتَحَفُ
قَالَ أَرادَ: أعْطَيْتَنِي فضل عَطَائِكَ وجُودِك، وَقد لَحَفَهُ فضْلَ لِحَافِه، إِذا أَنَالَه معروفَه وفضلَه وزوَّده.
أَبُو عُبَيْد عَن الْكسَائي: لَحَفْتُه وأَلْحفْتُه بِمَعْنى وَاحِد، وَأنْشد بيتَ طَرَفَة:
ورُوي عَن عائشةَ أَنَّهَا قالتْ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يُصَلّي فِي شُعُرنا وَلَا فِي لُحُفِنَا.
قَالَ أَبُو عبيد اللحَافُ كُلُّ مَا تَغَطَّيْتَ بِه فقد الْتَحَفْتَ بِهِ، ولَحَفْتُ الرجلَ أَلْحفُه إِذا فعلْتَ بِهِ ذَلِك يَعْنِي إِذا غَطّيْتَه.
وَقَول طرفَة:
يلحفون الأَرْض هدَّاب الأزر
أَي يُغَطُّونَها ويُلْبِسونَها هدّاب أزُرِهِم إِذا جرُّوها فِي الأرْضِ.
قلتُ وَيُقَال لذَلِك الثوبِ لِحَافٌ ومِلْحَفٌ بِمَعْنى واحدٍ كَمَا يُقَال إزَار وَمِئْزَرٌ وقِرَامٌ ومِقْرمٌ. وَقد يُقَال مِلْحَفَةٌ ومِقْرَمَة سَوَاء كَانَ الثَّوْب سُمْطاً أَو مُبَطَّناً يُقَال لَهُ لِحافُ، وَقد تَلَحَّف فلانٌ بالملْحَفَةِ والْتَحَفَ بِها إِذا تَغَطَّى بهَا. والملحفة عِنْد الْعَرَب هِيَ المُلاءةُ السمْط فَإِذا بُطنَتْ بِبِطَانَةٍ أَو حُشِيتْ فَهِيَ عِنْد عوامّ النَّاس مِلْحَفةٌ. وَالْعرب لَا تعرفُ ذَلِك.
وَقَالَ الزّجاج فِي قَول الله جلّ وعزّ: {لاَ يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} (البَقَرَة: 273) رُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (من سَأَل وَله أَرْبَعُون دِرْهَماً فقد أَلْحفَ) . قَالَ وَمعنى أَلْحَفَ أَي شَمِلَ بِالْمَسْأَلَة وَهُوَ مستغنٍ عَنْهَا، قَالَ واللّحاف من هَذَا اشتقاقُه لِأَنَّهُ يَشْمَل الإنسانَ فِي التَغْطية. قَالَ: وَالْمعْنَى فِي قَوْله {لاَ يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} أَي لَيْسَ مِنْهُم سُؤَالٌ فيكونَ إلحَافٌ كَمَا قَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
على لاَحِب لَا يُهْتَدى بِمنَارِه
الْمَعْنى لَيْسَ بِهِ منار فَيُهتدَى بِهِ، وَكَذَلِكَ لَيْسَ من هَؤُلَاءِ سؤالٌ فيقعَ فِيهِ إِلْحَافٌ.
وَقَالَ اللَّيْث: الإلْحَافُ شدَّةُ الإلحاح فِي الْمَسْأَلَة. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَلْحفَ الرجلُ إِذا مَشَى فِي لِحْفِ الْجَبَل وَهُوَ أصْلُه قَالَ وأَلْحَفَ إِذا آثَر ضَيْفَه بفراشِه ولحافِه فِي الْحَليت وَهُوَ الثَّلج الدائمُ والأريزُ البارِدُ وأَلْحَفَ وَلَحَّف إِذا جَرَّ إزَارَه على الأَرْضِ خُيَلاءَ وبطراً، وَأنْشد قَول طرفَة. وَيُقَال فلَان حسن اللحفة وَهِي الحالةُ الَّتِي يَتَلَحف بهَا.
فلح: قَالَ اللَّيْث: الفَلاَح والفَلَحُ السَّحُور، وَهُوَ البقاءُ فِي الْخيْر. وَفِي الأَذَان حيَّ على الفَلاح، يَعْنِي هَلُمّ على بَقَاءِ الْخَيْرِ. وَقَالَ غَيره حيّ أَي عجل وأَسْرِع على الفَلاَح، مَعْنَاهُ إِلَى الْفَوْز بِالْبَقَاءِ الدَّائِم.
الحرانيّ عَن ابْن السّكيت: الفَلَحُ والفَلاَح البَقَاءُ. وَقَالَ الْأَعْشَى:
ولَئِنْ كُنَّا كَقَوْمٍ هَلَكُوا
مَا لحيَ يِا لَقَوْمٍ من فَلَح
وَقَالَ عديّ:
ثمَّ بَعْد الفَلاَحِ والرُّشدِ ولاُّمَّة
وارتْهُمُ هُنَاكَ قُبُور(5/46)
قَالَ: والفَلَحُ السَّحُورُ، وَجَاء فِي الحَدِيث صَلَّيْنَا مَعَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى خَشِينَا أَن يفوتَ الفَلَحُ. وَقَالَ أَبُو عبيد فِي حَدِيث (حَتَّى خشينا أَن يفوتنا الْفَلاح) قَالَ وَفِي الحَدِيث (قيل وَمَا الْفَلاح قَالَ السّحُور) قَالَ، وأصْلُ الفلاحِ البقاءُ وَأنْشد للأضبط ابْن قريع السَّعْدِيّ:
لِكُل هِمَ من الهُمُوم سَعَهْ
والمُسْيُ والصُّبْحُ لَا فَلاَحَ مَعَه
يَقُول لَيْسَ مَعَ كرّ اللَّيَالِي والنَّهارِ بقاءٌ، قَالَ وَمِنْه قَول عبيد بن الأبرص:
أَفْلِحْ بِمَا شِئْتَ فَقَدْ يُبْلَغُ بالضع
ف وقَدْ يُخْدَعُ الأَرِيبُ
يَقُول عِشْ بِمَا شِئْتَ من عقلٍ وحمْق فقد يُرْزَقُ الأَحْمَقُ ويُحْرَمُ العاقِلُ. قَالَ وإنَّما قيل لأهل الجنّة: مُفْلِحُون، لفوزِهمْ بِبَقَاء الأَبَد، فَكَأَنَّ مَعْنَى فَلاحِ السَّحُورِ أَنَّ بِهِ بقاءَ الصومِ.
وَفِي حديثِ ابْن مسعودٍ أَنه قَالَ: إِذا قَالَ الرَّجُلُ لامْرَأَته استَفْلِحي بأمْرِكِ، قَالَ أَبُو عبيد قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: مَعْنَاهُ اظْفَرِي بأَمْرِك وفُوزِي بأمْرِك واستبدي بأمْرِك. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَول الله: {وَأُوْلَائِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (البَقَرة: 5) يُقَال لكلّ من أصَاب خيرا مُفْلِحٌ. وَقَالَ الليثُ فِي قَوْله جلّ وعزّ: {وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى} (طاه: 64) أَي ظَفِرَ بالمُلْكِ مَنْ غَلَب.
قَالَ والفَلاَّحُ الأَكَّارُ، وَإِنَّمَا قِيل فلاحٌ لِأَنَّهُ يَفْلَحُ الأرضَ أَي يَشُقُّها قَالَ والفَلَحُ الشقُّ فِي الشفةِ وَفِي وسَطِها دون العَلَمِ، وَرجل أَفْلَحُ وامرأةٌ فَلْحاءُ. الحرَّانِيُّ عَن ابْن السّكيت: الفَلْحُ فَلَحْتُ الأرضَ إِذا شَقَقْتُها للزِّرَاعَة. قَالَ: والفَلَحُ شقّ فِي الشَّفَةِ السُّفْلى. وَقَالَ غَيره فَإِذا كَانَ فِي العُلْيا فَهُوَ عَلَمٌ وَقَالَ أَبُو عبيد عَن أبي زيد مثله وَأنْشد:
وعَنْتَرَةُ الْفَلْحَاءُ جَاءَ ملأماً
كَأَنَّك فِنْد من عَماية أسودُ
وَيُقَال أفْلَحْتُ الأرْضَ إِذا شَقَقْتَها للحَرْثِ. وَقَالَ الزجَّاجُ الفلاَّح الأكَّار والفِلاحَةُ صِنَاعتُه. قَالَ وَيُقَال: فلحت الْحَدِيد إِذا قطعته وَأنْشد:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْلُك يَا بْنَ الصَّحْصَحْ
أَنَّ الحَدِيدَ بالحدِيدِ يُفْلَحْ
قَالَ: يُقَال للمُكَارِي فلاَّحٌ، وَإِنَّمَا يُقَال لَهُ فَلاَّحٌ تَشْبيهاً بالأكَّار، وَمِنْه قَول عَمْرو بن أَحْمَر الْبَاهِلِيّ:
لَهَا رِطْلٌ تكِيلُ الزَّيْتَ فيهِ
وفَلاَّحٌ يسوقُ لَها حِمَاراً
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: فَلَحْتُ للقَوْمِ وبالقوم أفْلَحُ فِلاَحةً وَهُوَ أَن يُزَين البيعَ وَالشِّرَاء للبائِع والمشترِي. قَالَ وفَلَّحْتُ بهم تَفْلِيحاً إِذا مكَرَ بهم، وقالَ لَهُمْ غيرَ الحقّ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الفَلْحُ النَجْسُ وَهُوَ زِيَادَة المكْترِي ليزِيد غيرُه فيُغَرُّ بِهِ. والتَّفْلِيحُ المكْرُ والاستهْزاء، وَقَالَ أَعْرَابِي: قد فلّحوا بِي: أَيْ مَكَرُوا بِي.
لفح: قَالَ اللَّيْث: تَقول لَفَحتْهُ النَّارُ إذَا أَصَابَتْ أَعالِيَ جَسَدِه فأَحْرَقَتْ. والسَّمُومُ(5/47)
تَلْفَحُ الإنسانَ. واللُّفَّاحُ شيءٌ أصفَرُ مثلُ البَاذَنْجَانِ طيبُ الرّيح.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: مَا كَانَ من الرِّيَاح بردٌ فَهُوَ نفح وَمَا كَانَ لِفحٌ فَهُوَ حَرٌّ، وَقَالَ الزجّاج فِي قَوْله {تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ} (الْمُؤْمِنُونَ: 104) قَالَ تَلْفَحُ وتَنْفَحُ بمعنَى وَاحِدٍ إِلَّا أنَّ النَّفْحَ أعْظَمُ تَأْثيراً قلتُ وَمِمَّا يُؤَيد قولَه قولُ الله: {نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ} (الأنبيَاء: 46) وَقَالَ ابنُ الأعرابيّ: اللَّفْحُ لكل حارٍ، والنَّفْحُ لِكُل بَارِدٍ، وَأنْشد أَبُو الْعَالِيَة:
مَا أنْتِ يَا بَغْدَادُ إلاَّ سَلْحُ
إِذا يَهُبُّ مَطَرٌ أَوْ نَفْحٌ
فإنْ جَفَفْتِ فَتُرابٌ بَرْحُ
قَالَ: بَرْحُ خالصٌ دَقَيقٌ
فَحل: قَالَ الليثُ: الفحلُ والجميع الفُحول والفِحَالَة: والفِحْلَةُ افتِحَالُ الْإِنْسَان فَحْلاً لدوَابه وَأنْشد:
نَحن افْتَحَلْنَا فَحْلَنَا لم نَأْتِلَهْ
قَالَ: وَمن قَالَ اسْتَفْحَلْنَا فَحْلاً لِدَوَابنَا فقد أخْطَأَ. وَإِنَّمَا الاستِفْحَالُ على مَا بَلغني من عُلُوجِ أهلِ كابُلَ وجُهَّالِهِم أَنَّهُم إِذا وجَدُوا رجُلاً من الْعَرَب جَسِيماً جميلاً خَلَّوْا بينَه وَبَين نِسائِهم رجاءَ أَن يُولَد فيهم مثْلُه. قَالَ وفَحْلٌ فَحِيلٌ أَي كريمُ المُنْتَجَب. وَأنْشد أَبُو عبيد قَول الرَّاعِي:
كَانَت هَجَائِنَ مُنْذِرٍ ومُحَرق
أُمَّاتُهُنَّ وطَرْقُهُن فَحِيلاً
أَي وَكَانَ طَرْقُهُنْ مُنْجِباً. والطَّرْقُ الفَحْلُ هَهُنَا. وَفِي حَديثِ ابْن عُمَرَ أُنَّه بَعَثَ رَجُلاً يَشْترِي لَهُ أُضْحِيَةً، فَقَالَ اشْتَرِ كَبْشاً فَحِيلاً قَالَ أَبُو عبيدٍ قَالَ الأصْمَعِيُّ قَوْله (فَحيلاً) هُوَ الَّذِي يُشْبِه الفَحُولَةَ فِي خَلْقِه ونُبْلِه. وَيُقَال إِن الفحيلَ المُنْجِبُ فِي ضِرَابه، وَأنْشد قولَ الرَّاعِي: قَالَ أَبُو عبيد والّذي يُرَادُ من الحديثِ أَنه اخْتَارَ الفَحْلَ على الخَصِي والنعجةِ وطَلَبُ جَمَالِه ونُبْلِه. وَقَالَ اللَّيْث: يُقَالُ للنَّخْلَةِ الذَّكَرِ الَّذِي يُلْقَحُ بِهِ حَوَائِلُ النَّخْلِ فُحَّالٌ الْوَاحِدَة فُحَّالَةٌ.
الحرَّانِيُّ عَن ابْن السّكيت أفَحَلْتُ فلَانا فَحْلاً إِذا أعطيْتَه فَحْلاً يضْرِبُ فِي إبِلِه وَقد فَحَلْتُ إبِلي فَحْلاً إذَا أَرْسَلْتَ فِيهَا فَحْلاً وَقَالَ الراجز:
نَفْلَحُها الْبيض القليلاتِ الطَّبَعْ
من كل عرّاص إِذا هَزّ اهْتَزَعْ
وَقَالَ غَيره: استَفْحَل أمْرُ العَدُو إذَا قَوِي واشتَدّ فَهُوَ مُسْتَفْحِلٌ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ يجمع فُحَّالُ النّخل فَحَاحِيلَ، وَيُقَال للفُحَّال فَحْلٌ وَجمعه فُحُول.
وَفِي الحَدِيث أَنَّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَخَلَ دَارَ رَجُلٍ من الأَنْصارِ وَفِي ناحيةِ الْبَيْت فَحْلٌ من تِلْكَ الفُحُول فأمَرَ بناحيةٍ منْه فُرشَتْ ثمَّ صلَّى عَلَيْه. قَالَ أَبُو عبيد: الفَحْلُ الحَصِيرُ فِي هَذَا الحديثِ، قلت هُوَ الحَصِيرُ الَّذِي رُمِلَ من سَعْفِ فُحَّالِ النَّخِيل، وأَمَّا حَدِيث عُثْمَان أَنه قَالَ لَا شُفْعَةَ فِي بِئْر وَلَا فَحْلٍ والأُرَفُ، تَقْطَعُ كُلَّ شُفْعَةٍ فإنَّه أَرَادَ بالفَحْلِ فَحْلَ النَّخْلِ وَذَلِكَ أَنَّهُ رُبَّما يكون بَين جماعةٍ فَحْلُ نَخْلٍ يأخُذُ كُلُّ واحِد من الشركاءِ فِيهِ زمنَ تَأْبِيرِ النَّخِيل مَا يَحْتَاجُ(5/48)
إِلَيْهِ من الحِرْقِ لتأبير نخِيله الإناثِ، فَإِذا بَاع واحدٌ من الشركاءِ نصيبَه من ذَلِك الفحْل بعض الشركاءِ فيهِ لم يكن للباقين من الشُّرَكَاء شُفْعَةٌ فِي المَبِيع، والّذي اشْتَرَاهُ أَحَقُّ بِهِ لأَنَّه لَا يَنْقسِمُ، والشُّفْعَةُ إنّما تَجِبُ فِيمَا يَنْقَسِمُ، وَهَذَا مذهبُ أَهْلِ الْمَدِينَة وإليْه يذهبُ الشَّافِعِي ومالكٌ وَهُوَ مُوافِقٌ لحَدِيث جَابر (إِنَّمَا جَعَل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الشفْعَةَ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ؛ فَإِذا حُدَّتْ الحدُودُ فَلَا شُفْعَة لِأَن قَوْله ج (فيمَا لَمْ يُقْسَمْ) دليلٌ على أَنه جَعَل الشُّفْعَة فِيمَا يَنْقَسِمُ، فَأَما مَا لَا يَنْقَسِمُ مثلُ الْبِئْر وفَحْلِ النّخيلِ يُبَاع مِنْهُمَا الشقْص بأَصْلِه من الأَرْض فَلَا شُفْعَة فِيهِ لأَنه لَا يَنْقَسِم، وَكَانَ أبُو عُبَيْدِ ح فسّرَ حَدِيث عثمانَ هَذَا تَفْسِيرا لم يرْتَضِه أهْلُ الْمعرفَة وَلذَلِك تركته وَلم أَحْكِهِ بعيْنِه، وتفسيرُه عَلَى مَا بيَّنْتُه.
وفُحُول الشُّعَراءِ هم الَّذين غَلَبُوا بالهِجاء مَنْ هَاجَاهُم، مثلُ جريرِ والفرزدقِ وأَشْبَاهِهمَا، وَكَذَلِكَ كُل من عَارضَ شَاعِرًا فغُلّب عَلَيْهِ، مثل علْقَمَةَ بْنِ عَبَدةَ، وَكَانَ يُسمى فَحْلاً لأنَّه عَارض امْرَأ القَيْسِ فِي قصيدته الَّتِي يَقُول فِي أَولهَا:
خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي على أُم جُنْدُبِ
بقوله فِي قصيدته:
ذهبتَ من الهُجْران فِي غيرِ مَذْهَبِ
وكلُّ واحدٍ منهمَا يعارِضُ صاحبَه فِي نَعته فَرَسَه، فَفُضلَ علقَمةُ عَلَيْهِ، ولُقبَ الفَحْل.
وَقَالَ شمر: قيل للحصير فَحْلٌ لِأَنَّهُ يُسَوّى من سَعَفِ الفَحْلِ من النَّخِيلِ، فتُكُلمَ بِهِ على التَجَوُّزِ كَمَا قَالُوا فلانٌ يَلْبَس الْقطن وَالصُّوف، وَإِنَّمَا هِيَ ثِيَاب تغزَل وتتَّخذ مِنْهُمَا، وَقَالَ المرار:
والوحشُ ساريةٌ كأَنَّ مُتُونها
قُطْنٌ تُباعُ شَدِيدَةُ الصَّقْلِ
أَرَادَ كأنَّ مُتُونها ثيابُ قطنٍ لشدَّة بياضها.
حفل: قَالَ اللَّيْث الحَفْلُ اجْتِماعُ المَاء فِي مَحْفِلِه تَقول حَفَلَ الماءُ حُفُولاً وحَفْلاً. وحَفَلَ القومُ إِذا اجْتَمعُوا والمحْفِلُ المجْلِس، والمُجْتَمَع فِي غيرِ مَجْلِسٍ أَيْضاً، تَقول احْتَفَلوا أَي اجْتَمَعوا وشاةٌ حَافِلٌ، وَقد حَفَلَتْ حُفُولاً إِذا احْتَفَلَ لَبَنُها فِي ضَرْعها، وَهن حُفَّلٌ وحَوَافِلُ. وَفِي الحَدِيث (من اشْتَرى مُحَفَّلَةً فَلم يَرْضَها رَدّها وَرَدَّ مَعهَا صَاعا من تَمْر) والمُحَفَّلَةُ النّاقة أَو الْبَقَرَة أَو الشَّاة لَا يحلِبُها صاحبُها أيّاماً حَتَّى يجتمعَ لَبَنُها فِي ضَرْعها فَإِذا احْتَلَبَها المُشْتَرِي وَجَدَها غَزِيرَةً فزَادَ فِي ثَمَنِها، فَإِذَا حَلَبَها بعد ذَلِك وَجَدها ناقِصة اللَّبَن عَمَّا حَلَبه أيامَ تَحْفِيلِها، فجعلَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَدَل لَبن التَّحْفِيل صَاعا من تَمْر، وهَذا مذْهَبُ الشّافِعيّ وأهلِ السُّنَّة الَّذين يَقُولُونَ بسنّة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
والمُحَفَّلَةُ والمُصَرَّاةُ واحدةٌ وَجَاء فِي حَدِيث رُقْيَةِ النملةِ (الْعَرُوس تَقْتَالُ وتَحْتَفِلُ وكلُّ شَيْء تَفْتَعِل، غيرَ أَنَّها لَا تَعصِي الرجُل) وَمعنى تَقْتَال أَي تَحْتَكِم على زَوْجِها وتَحْتَفِلُ أَي تَتَزَيَّن وتحتَشِد للزينَة، يُقَال حَفَّلَتَّ الشَّيْء أَي جَلَوْتُه وَقَالَ بشر يصف جَارِيَته:
رَأَى دُرَّةً بيضاءَ يَحْفِلْ لَوْنُها
سُخَامٌ كغِربان البريرِ مُقَصَّبُ(5/49)
يُرِيد أَن شعرَها يَشُبُّ بياضَ لونِها فيزيدُه بَيَاضًا بِشِدَّة سَواده.
سَلمَة عَن الفراءِ قَالَ الحوفلة القَنْفاءُ، وَقَالَ ابنُ الْأَعرَابِي حَوْفَل الرجلُ إِذا انتفَخَتْ حَوْفَلته وَهِي القَنْفَاءُ. يُقَال للْمَرْأَة تحفَّلي لزوجك أَي تزيّني لِتَحْظَيْ عِنْده، والحَفْلُ المُبالاَةُ يُقَال مَا أَحْفِلُ بفُلانٍ أَي مَا أُبَالي بِهِ. قَالَ لبيد:
فَمَتَى أَهْلِكْ فَلا أَحْفِلُه
بَجَلِي الآنَ من الْعَيْش بَجَلْ
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: الحُفَالَةُ والْحُثَالَةُ الرديءُ من كل شَيْء، وَطَرِيق مُحْتَفِلٌ ظاهرٌ مستَبِينٌ، وَقد احْتَفَلَ أَي استَبَان وَمِنْه قَول لبيدٍ يصف طَرِيقا:
تَرْزُم الشَّارِفُ من عِرْفَانِه
كُلَّما لاَح بِنَجْدٍ واحْتَفَلْ
وَقَالَ الرّاعي يصف طَرِيقا:
فِي لاَحِبٍ بِزِقَاق الأَرْض مُحْتَفِل
هاد إِذا عَزَّه الحُدْبُ الحَدَابِيرُ
قَالَ أَرَادَ بالحدب الحدابير صلابة الأَرْض أَي هَذَا الطَّرِيق ظاهرٌ مستبينٌ فِي الصَّلابةِ أَيْضاً، ومُحْتَفَلُ الأمرِ معظَمُه. ومحتفِلُ لَحْمِ الفَخذِ والساقِ أَكْثَره لَحْماً وَمِنْه قَول الهُذَليّ يصف سَيْفا:
أبْيَضُ كالرَّجْع رسوبٌ إِذا
مَا ثَاخ فِي مُحْتَفَلٍ يَخْتلي
وَيجوز فِي مُحْتَفِل. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة الاحتِفَال من عَدْوِ الْخَيل أَنْ يَرى الفارسُ أَنَّ فرسَه قد بلغَ أَقْصى حُضْرِه وَفِيه بقيَّةٌ يُقَال فرس مُحْتَفِلٌ. وَقَالَ الْقطَامِي يذكر إبِلا اشْتَدَّ عَلَيْهَا حفل اللَّبن فِي ضروعها حَتَّى أذاها فَهِيَ تَبْكي:
ذَوَارِفُ عَيْنَيها من الحَفْلِ بالضُّحَى
سَجُومٌ كتَنْضَاحِ الشنَانِ المشَرّبِ
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: الحُفَال الجمعُ العظيمُ، والحُفَالُ اللبنُ المجْتَمَعُ، وَقَالَ أَبُو تُرَابٍ: قَالَ بعضُ بَني سُلَيْم؛ فلانٌ محافظ عَلَى حَسبه ومُحَافِلٌ عَلَيْه إِذا صَانه. وَأنْشد شمر:
يَا وَرْسُ ذاتَ الحِد والحفيلْ
منحناك مَانِحَ المُخِيلْ
لَو جاءها بِصَاعِه عقيلْ
على عِهِبَّى الْكَيْل إِذْ يكيلْ
مَا بَرِحَتْ وَرسَةُ أَو يسيلْ
وَرْسَةُ اسْم عَنْز كَانَت غَزِيرَةً عَهِبَّى أَي أولِ الْكَيْل وَمِنْه عَهَتَى زمانِه أَي أَوله وعهتى كل شَيْء أوَّلُه، ورجلٌ حَفِيلٌ فِي أمْرِه أَي ذُو اجْتِهاد.
ح ل ب
حلب، حَبل، لحب، لبح، بلح، بِحل: مستعملات
أما: بِحل ولبح: فَإِن اللَّيْث أهملهما.
(بِحل) : وروَى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ البَحْلُ الإدْقَاعُ الشَّدِيدُ وَهَذَا غريبٌ.
لبح: قَالَ ابْن الأعرابيّ أَيْضا اللَّبَحُ الشجاعةُ وَبِه سُمي الرجل لَبَحاً، وَمِنْه الْخَبَر: تَبَاعَدَتْ شَعُوب من لَبَحٍ فَعَاشَ أيَّاماً.
حَبل: قَالَ اللَّيْث الحَبْلُ الرَّسَنُ، والجميع الحِبَالُ. والْحَبْلُ العَهْدُ والأَمَانُ والْحَبْلُ التَّوَاصُلُ. وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {وَاعْتَصِمُواْ(5/50)
بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً} (آل عِمرَان: 103) قالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الاعتصامُ بِحَبل الله هُوَ تَرْكُ الفُرْقَةِ واتّبَاعُ القرآنِ، وإيَّاه أَرَادَ عبدُ الله بنُ مسعودٍ بقوله: عَلَيْكُم بحبْل الله فإِنَّه كتاب الله.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الحِبْلُ الرجل العالِمُ الفَطِنُ الدَّاهي. قَالَ وأنشدني المُفَضّل:
فيا عجبا للخود تبدي قناعها
تُرَ أرِىءُ بالعيْنَيْنِ للرجُلِ الحِبْلِ
يُقَال رَأْرَأَتْ بِعَيْنيها وغَيَّقَتْ وَهَجَلَتْ؛ إِذَا أَدَارَتْه تَغْمِزُ الرَّجُلَ.
قَالَ أَبُو عبيد وأصْل الحَبْلِ فِي كلامِ العربِ يتصرَّف على وجوهٍ، مِنْهَا العَهْدُ وَهُوَ الأَمَانُ، وَذَلِكَ أنَّ العربَ كانَتْ يُخِيفُ بعضُها بَعْضًا فِي الْجَاهِلِيَّة، فكانَ الرجلُ إِذا أَرادَ سَفَراً أَخذ عهْداً من سيد الْقَبِيلَة، فيأمنُ بِهِ مَا دَامَ فِي تِلْكَ الْقَبِيلَة حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى الْأُخْرَى فيأخُذُ مثل ذَلِك أَيْضاً يُرِيدُ بِهِ الأَمَانَ. قَالَ فَمَعْنَى الحديثِ أَنَّهُ يَقُول: عَلَيْكُم بكتابِ الله وتَرْكِ الفُرقة فإِنَّه أَمَانٌ لَكُمْ وعَهْدٌ من عذَاب الله وعِقَابِه. وَقَالَ الْأَعْشَى يذكر مسيرًا لَهُ:
وَإِذا تُجَوزُها حِبَالُ قَبِيلَةٍ
أَخَذَتْ من الأُخرَى إليْكَ حِبَالَها
قَالَ: والحَبْلُ فِي غير هَذَا الموضِعِ المُوَاصَلَةُ وَقَالَ امرؤُ الْقَيْس:
إِنِّي بحبلك وَاصِلٌ حَبْلي
وَبِريش نَبْلِك رائِش نَبْلي
قَالَ: والحَبْل مِنَ الرَّمْلِ المُجْتَمِعُ الكَثِيرُ العَالِي. الحرَّانِيُّ عَن ابْن السّكيت قَالَ: الحَبْلُ الوِصَالُ، والحَبْلُ رَمْلٌ يستطيل ويمتد، والحَبْلُ حَبْلُ العاتق، والحَبْلُ الوَحِدُ مِنَ الْحِبَالِ. وَهَذَا كلُّهُ بفَتْحِ الحاءِ. قَالَ: والحِبْلُ الدَّاهية وَجمعه حُبُولٌ وَأنْشد لكثير:
فَلَا تَعْجَلي يَا عَزُّ أَنْ تَتَفَهَّمِي
بِنُصْحٍ أَتَى الْوَاشُونَ أَمْ بِحُبُول
وَقَالَ الآخرُ فِي الْحَبل بِمَعْنى الْعَهْد والذّمة:
مَا زلتُ مُعْتَصِماً بِحَبلٍ منكُم
من حَلّ سَاحَتَكُمْ بِأسْبَابٍ نجَا
بِحَبْلٍ أَي بِعَهْدٍ وذِمَّةٍ.
وَقَالَ اللَّيْث: حَبْلُ العَاتِق وُصْلَةٌ مَا بَين العاتِق والمَنْكِب. وحَبْلُ الوَرِيدِ عِرْقٌ يَدِرُّ فِي الحَلْقِ. والورِيدُ عرقٌ يَنْبِضُ من الْحَيَوَان لَا دَمَ فِيه. وَقَالَ الفرَّاءُ فِي قَول الله جلّ وعزّ: {نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ} (ق: 16) قَالَ: الحَبْلُ هُوَ الوَرِيدُ فَأُضِيفَ إلَى نَفْسِه لاختلافِ لَفْظِ الاسْمَيْنِ. قَالَ والورِيدُ عِرْقٌ بَيْنَ الحُلْقُومِ والعِلْبَاوَين.
وَقَالَ أَبُو عُبيد قَالَ الأصمعيّ: من أَمْثَالهِم فِي تسهيلِ الحاجةِ وتَقْرِيبِها: هُوَ عَلَى حَبْل ذِرَاعِك، أَي لَا يُخَالفك: وحبل الذرَاعِ عِرْقٌ فِي الْيَدِ. وحِبَالُ الفَرَسِ عروقُ قوائِمِهِ. وَمِنْه قَول امرىء الْقَيْس:
كأَنَّ نُجُوماً عُلقَتْ فِي مَصَامِه
بأمْرَاسِ كَتَّانٍ إِلَى صُم جَنْدَلِ
والأمْرَاسُ الحِبَالُ، الواحدةُ مَرَسَةٌ، شَبَّه عُروقَ قَوَائِمِه بِحبَالِ الكَتَّانِ، وَشبه صلابة(5/51)
حَوَافِرِهِ بِصُم الجندل، وشَبَّه تَحْجِيلَ قوائِمِه بِبَيَاضِ نُجومِ السَّماء.
والحَبْلُ مصدر حَبَلْتُ الصَّيْدَ واحْتَبَلْتُه إِذا نصبتَ لَهُ حِبَالَةً فنشِب فِيهَا وأخذتَه. والحِبَالَةُ جمع الحَبْلِ، يُقَال حَبَلٌ وحِبَالٌ وَحِبَالَةٌ مثل جَمَلٍ وجِمَالٍ وجِمَالَة وَذَكَرٍ وذِكَارٍ وذِكَارَة.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ فِي قصّة الْيَهُود وذُلهم إِلَى آخر الدُّنْيَا وانقضائها {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ} (آل عِمرَانَ: 112) تكلّمَ علماءٌ اللُّغَةِ فِي تَفْسِير هَذِه الْآيَة واختلَفَتْ مذاهِبُهم فِيهَا لإشكالها، فَقَالَ الفَرّاءُ معناهُ ضُرِبَتْ عَلَيْهِم الذلَّةُ إِلَّا أنْ يَعْتَصِمُوا بحبْلٍ من الله فأضْمَرَ ذَلك قَالَ وَمثله قَوْله:
رَأَتْنِي بحَبْلَيْهَا فَصَدَّتْ مَخَافَة
وَفِي الحَبْل رَوْعَاءُ الفُؤادِ فَرُوقُ
قَالَ: أَرَادَ رأَتْني أقْبَلْتُ بحَبْلَيْهَا فأضْمَرَ (أَقْبَلْتُ) كَمَا أضْمَرَ الاعْتِصَامَ فِي الْآيَة.
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن أبي العبَّاس أحمدَ بن يحيى أَنه قَالَ: هَذَا الَّذِي قَالَهُ الفراءُ بعيدٌ أَن تَحْذِفَ أَنْ وَتُبْقِيَ صِلَتَها، ولكنّ الْمَعْنى إِن شَاءَ الله ضُرِبْتْ عَلَيْهِم الذّلّة أَيْنَمَا ثُقِفُوا بِكُل مَكانٍ إِلَّا بمَوْضِعِ حَبْلٍ من الله وَهُوَ استِثْناءٌ متَّصِلٌ كَمَا تَقول ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذلّة فِي الأمْكِنَة إلاّ فِي هَذَا المكانِ.
قَالَ وقولُ الشَّاعِر (رأَتْنِي بحبليها) هُوَ كَمَا تَقول أَنا بِاللَّه أيْ مُتَمَسك فَتكون الباءُ من صِلَةِ رأَتْنِي مُتَمَسكاً بحَبْلَيْهَا فاكتَفَى بالرُّؤْيةِ من التَّمَسُّك.
قَالَ وَقَالَ الْأَخْفَش فِي قَوْله {إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللَّهِ} (آل عِمرَان: 112) إنَّهُ استثْنَاءٌ خارِجٌ من أَوّل الْكَلَام فِي معنى لَكِنْ. قلت والقولُ مَا قَالَ أَبُو العبَّاس.
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أُوصيكم بالثَّقَلَيْنِ كتابِ الله وعِتْرَتِي، أَحَدُهُما أَعْظَمُ من الآخَر، وَهُوَ كتابُ الله حَبْلٌ مَمْدُودٌ من السَّماء إِلَى الأَرْض) قلت وَفِي هَذَا الحَدِيث اتّصالُ كتابِ الله جلّ وعزّ بِهِ وَإِن كَانَ يُتْلَى فِي الأرْضِ ويُنْسَخُ ويُكْتَبُ. ومَعْنَى الحبلِ الممدُودِ نورُ هُدَاه. والعَرَبُ تُشَبه النُّورَ بالحَبلِ والخيْطِ قَالَ الله {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ} (البَقَرَة: 187) فالخيطُ الأبيضُ هُوَ نورُ الصُّبْح إِذا تَبَيَّنَ للأَبْصَارِ وانْفَلق، والْخَيْطُ الأسْوَدُ دونَه فِي الإنارة لِغَلبة سوادِ اللَّيْل عَلَيْهِ؛ وَلذَلِك نُعِتَ بالأسْود، ونُعِت الآخَرُ بالأبْيضِ.
وَالْخَيْط والحبلُ قريبان من السَّواء.
وَقَالَ الليثُ: يُقَال للكَرْمَة حَبَلَةٌ، قَالَ والحَبَلَةُ طاق من قُضبان الكرْم.
وَقَالَ أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي الجَفْنَةُ الأصلُ من أصُول الكرْم وَجَمعهَا الجَفْن وَهِي الحَبَلة بِفَتْح البَاءِ وروى أنس بن مَالك أَنه كَانَت لَهُ حَبَلَةٌ تحمل كُرَّاً وَكَانَ يسميها أمَّ الْعِيَال وَهِي الأصَلَةُ من الكرْم انتشرت قُضْبَانُها على عرائشها وامتدّت وكثُرت قضبانُها حَتَّى بلغ حملهَا كُرّاً.(5/52)
قَالَ شمر: يُقَال حَبَلة وحَبْلة، يُثقَّل ويُخَفَّف.
وَقَالَ اللَّيْث: المُحَبَّلُ الحَبْلُ فِي قَول رؤبة كلُّ جُلال يمْلَأ المُحَبَّلا قَالَ وحبِلَت الْمَرْأَة تحبَلُ حَبَلاً وَهِي حُبْلَى قَالَ: وحَبَلُ الحَبَلَةِ ولَدُ الْوَلدِ الَّذِي فِي البطْن كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة يتبايعون أولادَ مَا فِي بُطون الحوامِل فَنهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الملاقِيح والمضامينِ وَقد مر تَفْسِيرهَا.
قَالَ شمر: قَالَ يَزِيدُ بْنُ مُرَّةَ نَهَى عَن حَبَلِ الحَبَلَةِ، جعل فِي الحَبَلَةِ هاءٌ، وَقَالَ هِيَ الْأُنْثَى الَّتِي هِيَ حَبَلٌ فِي بَطْنِ أُمها فينتَظرُ أَن تُنْتَجَ من بَطْنِ أُمها، ثمَّ يُنْتَظَرُ بهَا حَتَّى تَشِبَّ ثمَّ يرسَلُ عَلَيْها الفحلُ فتَلْقَحَ فَلهُ مَا فِي بَطْنِها، وَيُقَال حَبَلُ الحَبَلَةِ للإبِل وَغَيرهَا.
قَالَ الْأَزْهَرِي جَعَلَ الأولى حَبَلَةً لِأَنَّهَا أُنْثَى فَإِذا نُتِجَت الحَبَلَةُ فولدها حَبَلٌ وَإِنَّمَا بيع حَبَلُ الحَبَلَةِ.
وَقَالَ أَبُو عبيد حَبَلُ الحَبَلَةِ وَلَدُ الجَنِين الَّذِي فِي بطن النَّاقة، وَنَحْو ذَلِك قَالَ الشَّافِعِي.
وَقَالَ اللَّيْث سِنَّورَةٌ حُبْلَى وشاةٌ حُبْلى. قَالَ: وَجمع الحُبْلَى حَبَالَى.
وَفِي حَدِيث سعدِ بْن أبي وقَّاصِ أَنه قَالَ (لقد رَأَيْتُنَا مَعَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومالنا طَعَامٌ إِلَّا الحُبْلَةُ وورق السَّمُر) .
قَالَ أَبُو عبيد الحُبْلَةُ والسَّمُرُ ضَرْبَان من الشّجر. قَالَ وَقَالَ الْأَصْمَعِي الحُبْلَةُ فِي غير هَذَا حلي كَانَ يَجْعَل فِي القلائد فِي الْجَاهِلِيَّة وَأنْشد:
ويَزِينُها فِي النَّحْرِ حَلْيٌ وَاضح
وقلائِدُ من حُبْلَةٍ وسُلُوسٍ
قَالَ والسَّلْسُ خيط يُنْظَم فِيهِ الخَرَزُ وَجمعه سُلوس.
وَقَالَ شمر قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الحَبُلَةُ ثَمَر السَّمُر شبه اللوبياء وَهُوَ العُلَّفُ من الطلح والسنْفُ من المرْخِ. وَقَالَ الْأَصْمَعِي الحُبْلَةُ ثَمَر العِضَاهِ وَنَحْو ذَلِك.
قَالَ أَبُو عَمْرو وَقَالَ الليثُ: فلَان الحُبَليّ مَنْسُوب إِلَى حَيّ من الْيمن. قَالَ والْحِبَالَةُ المصيدة وَجَمعهَا حبائل.
قَالَ أَبُو حَاتِم ينْسب الرجل من بني الْحُبْلَى وهم رَهْط عبد الله بن أُبَي المنافقِ حُبَلِيّ قَالَ وَقَالَ أَبُو زيد ينْسب إِلَى الحبلى حُبْلَوِيّ وحُبْلِيّ وحُبْلاَوِيّ. وبَنُو الحُبْلَى من الأنْصَارِ.
الحرَّاني عَن ابْن السّكيت ضَبٌّ حَابِلٌ ساحٍ يرْعَى الحُبَلَةَ والسحاءَ وَقَالَ الباهليُّ فِي قَول المتَنَخل الْهُذلِيّ:
إِن يُمْسِ نَشْوَانَ بمَصْروفَةٍ
مِنْهَا بِرِيّ، وعَلى مِرْجَلِ
لَا تقهِ الْمَوْت وَقِيَّاتُه
خُط لَهُ ذَلِك فِي المَحْبَلِ
قَالَ: نَشْوان أَي سكْرَانَ، وقولُه بمصروفةٍ أَي بخَمْرٍ صِرْفٍ على مِرْجل أَي على لَحْمٍ فِي قِدْرٍ، أَي وَإِن كَانَ هَذَا دَائِما لَهُ فَلَيْسَ يَقِيه الموتَ، خُطَّ لَهُ ذَلِك فِي المحْبَلِ أَي كُتِبَ لَهُ الموتُ حينَ حَبِلَتْ بِهِ أمُّه، والمَحْبَلُ موضِع الحَبَل قلت أَرَادَ معنى حديثِ ابْن مسعودٍ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَن(5/53)
النُّطْفَة تكون فِي الرَّحِم أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَة ثمَّ علقَة كَذَلِك ثمَّ مُضْغَة كَذَلِك ثمَّ يبعثُ الله المَلَكَ فيقولُ لَهُ اكْتُبْ رزقه وعَمَله وأَجَلَه وشقيٌّ أَو سعيدٌ فَيُخْتَمُ لَهُ على ذَلِك فَمَا من أحد إِلَّا وَقد كُتِبَ لَهُ الموتُ عِنْد انْقِضَاء الأجلِ المُؤَجَّل لَهُ) .
والمُحْتَبَلُ من الدَّبة رُسْغُها لِأَنَّهُ مَوضِع الحَبْلِ الَّذِي يَشدُّ فِيهِ إِذا رُبط وَمِنْه قَول لبيد:
وَلَقَد أَغْدُو وَمَا يَعْدِمُني
صاحبٌ غيرُ طَوِيل المُحْتَبَلْ
أَي لَيْسَ بطويل الأرْساغ، وَإِذا قصرت أرساغُه كَانَ أشدُّ لَهُ. وَمن أَمْثَال الْعَرَب فِي الشدَّةِ تصيبُ الناسَ: قد ثَارَ حابِلُهم على نَابِلِهمْ. والحابِلُ الَّذِي ينصب الحِبَالَةَ والنابلُ الرَّامي عَن قوسه بالنّبل، وَيكون النابلُ صاحبَ النبل. وَقد يُضْرَب هَذَا مثلا للْقَوْم تنْقَلب أحْوَالُهُم ويَثُورُ بعضُهم على بعض بعد السّكُون والرخاء.
وَقَالَ أَبُو زيدٍ من أمثالهم: إِنَّه لَوَاسِعُ الحَبْلِ وإنَّهُ لَضيقُ الحَبْلِ، كَقَوْلِك هُوَ ضَيقُ الخُلُق وواسع الخُلُق. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس فِي مثله: إِنَّه لواسع العَطَن وضيق العَطَن.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي رجل حَبْلاَنُ إِذا امْتَلأ غيظاً وَمِنْه حَبَلُ المَرْأَةِ وَهُوَ امتلاءُ رَحِمِها. وَقَالَ غيرُه رجل حَبْلاَنُ من الماءِ والشَّرَابِ إِذا امْتَلَأَ رِيّاً. وَفِي حديثٍ جَاءَ فِيهِ ذكْرُ الدَّجَّال لعنَهُ الله أَنه مُحَبَّل الشعْرِ كَأَن كل قَرْنٍ من قُرون رأسِه حَبْلٌ لأنَّه جعله تَقَاصيب لِجعُودة شَعْرِه وطولِه.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يقالُ لِلْمَوْتِ حَبِيلُ بَرَاحِ، قَالَ والأُحْبُلُ والْحُنْبُلُ اللُوبياء. قَالَ والحبْلُ: الثّقل، والْحُبَالُ الشَّعْرُ الْكثير، والحُبال انتفاخُ البَطْنِ من الشَّرَاب والنبيذ أَبُو عبيد عَن الْأمَوِي أَتَيْته على حبالّة ذَاك، أَي على حِين ذَاك بتَشْديد اللَّام. ابْن الْأَعرَابِي عَن الْمفضل: الحَبَلُ: انتفاخ الْبَطن من كل الشَّرَاب والنبيذ وَالْمَاء وغيرِه، وَرجل حَبْلاَنُ وَامْرَأَة حَبْلاَنَةٌ، وَبِه سمي حَمْلُ الْمَرْأَة حَبَلاً، وَفُلَان حَبْلاَنُ على فلَان أَي غضْبَانُ، وَبِه حَبَلٌ أَي غَضَبٌ وغَمٌّ، وَأَصله من حَبَلِ الْمَرْأَة وحُبَلُ مَوضِع فِي شعر لبيد:
فبخترير فأطرافِ حُبَلْ
حلب: قَالَ اللَّيْث الحَلَبُ اللَّبَنُ الحليب، تَقول شربت لَبَنًا حَلِيباً وحَلَباً، والحِلاَبُ هُوَ المِحْلَبُ الَّذِي يُحْلَبُ فِيهِ اللَّبن وَأنْشد:
صَاحِ هَل رأيتَ أَو سَمِعْتَ بِرَاعٍ
رَدَّ فِي الضَّرْعِ مَا قَرَى فِي الحِلاَبِ
قَالَ: والإحْلاَبُ أَن يَكُونَ الرُّعْيانُ إبلهُم فِي المرعى فَمَهْمَا حَلَبُوا جمَعُوا حَتَّى بلغ وَسْقاً حملوه إِلَى الحَي فَيُقَال قد جَاءُوا بإحْلاَبَيْنِ وثلاثَةِ أَحاليبَ وَإِذا كَانُوا فِي الشاءِ والبقرِ فَفَعَلُوا مَا وصفت قَالُوا جَاءُوا بإمخاضَيْنِ وثلاثةِ أَمَاخِيضَ. أَبُو عبيد عَن أبي زيد الإحْلاَبةُ أَن تحلب لأهْلك وَأَنت فِي المرعى لَبَنًا ثمَّ تبعثُ بِهِ إِلَيْهِم، يُقَال مِنْهُ أَحْلَبْتُهُمْ إحلاباً وَاسم اللَّبَنِ الإحلابَةُ. قلت وَهَذَا مسموعٌ من الْعَرَب صَحِيح، وَمثله الإعْجَالةُ والإعجالاتُ. وَقَالَ الليثُ: الحَلَب من الجبايةِ مثل الصدقةِ(5/54)
ونحوِها مِمَّا لَا تكون وظيفته مَعْلُومَة وَهِي الإحْلاَبُ فِي ديوَان الصَّدقَات.
وناقة حَلُوبٌ ذاتُ لبنٍ فَإِذا صيَّرتَها اسْما قلت هَذِه الحَلُوبَةُ لفُلَان وَقَد يخرجُون الْهَاء من الحلوبة وهم يعنونها ومثاله الرَّكُوبَةُ والرَّكُوبُ لما يركبُون، كَذَلِك الحلُوبُ والحلوبة لما يحلِبُون. وَقَالَ ابْن الأعرابيّ نَاقَة حَلْبَاةٌ رَكْبَاةٌ أَي ذاتُ لَبَنٍ تُحْلَبُ وتُرْكَبُ وَهِي أَيْضا الْحَلبانَةُ والرَّكْبَانَةُ وَأنْشد شمر:
حَلْبَانَةٍ رَكْبَانَةٍ صَفُوفِ
تَخْلِطُ بَين وَبَرٍ وصُوفِ
يُرِيد أنَّ يَدَيْها كيدَيْ ناسِجةٍ تخلط بَين وَبَرٍ وصوف من سُرْعَتها.
أَبُو عبيد: حَلَبْتُ حَلَباً مثل طلبتُ طَلَبَاً وهربْتُ هَرَبَاً وجنبت جَنَباً وجَلَبت جَلَباً، قَالَ والمَحْلَبُ شيءٌ يُجعل حبُّه فِي العِطْرِ، قَالَه الفَرَّاء والأصمعي بِفَتْح الْمِيم، وَأما الَّذِي يحلبُ فِيهِ اللَّبن فَهُوَ مِحْلَبٌ بِالْكَسْرِ وَجمعه المحالبُ.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي الحُلَّبُ والحِلِبْلاب نبتان يُقَال هَذَا تَيْسُ حُلَّب. وَمِنْه قَوْله:
أَقَبَّ كتيسِ الحُلَّبِ الغَذَوَان
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الحُلَّبُ بقلة جعدة غَبْرَاءُ فِي خضْرةٍ تنبسط على وَجه الأرضِ يسيل مِنْهَا لَبَنٌ إِذا قُطِعَتْ وَيُقَال عنز تُحْلُبةُ وتِحْلِبَة إِذا دَرَّت قبل أَن تَلِد، وقَبْلَ أَنْ تَحْمِل.
وَقَالَ اللَّيْث الحَلْبَةُ خَيْلٌ تَجْتَمِع للسبَاقِ من كل أَوْبٍ لَا تخرج من موضعٍ واحدٍ وَلَكِن من كل حَيَ، وَأنْشد أَبُو عُبَيْدَة:
نَحن سَبقنَا الحَلَبَاتِ الأرْبَعَا
الفَحْلَ والقُرَّحَ فِي شَوْطٍ مَعَا
وَإِذا جَاءَ الْقَوْم من كُل وَجْهٍ فَاجْتمعُوا لحربٍ وَغير ذَلِك قيل قد أحلبوا وَأنْشد:
إِذا نفرٌ مِنْهُم دُوَيَّةُ أَحْلَبُوا
على عامِلٍ جَاءَت مَنِيَّتُه تعدو
قَالَ وربَّمَا جمعُوا الحَلْبة حَلاَئب وَلَا يُقَال للْوَاحِد مِنْهَا حَلِيبَةٌ وَلَا حِلاَبة وَقَالَ العجاج:
وسابق الحلائب اللهَمُّ
يُرِيد الحَلْبَة.
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ أَحْلَبَ الْقَوْم غيرَ أَصْحَابهم إِذا أَعَانُوهم وأَحْلَبَ الرجُلُ غير قَوْمِه إِذا أعَان بَعْضَهُم على بَعْضٍ، وَهُوَ رجل مُحْلِبٌ. قَالَ وحَلَب الْقَوْم إِذا اجْتَمعُوا من كل أَوْب يَحْلُبون حُلُوباً وحَلْباً وأحلب الرجل صاحبَه إِذا أَعَانَهُ على الحَلْب. وَقَالَ ابنُ شُميل أَحْلَبَ بَنُو فلَان بَنِي فلَان أَي نَصَرُوهم، وأَحْلَبَ بَنُو فلَان مَعَ بَنِي فُلانٍ إِذا جَاءُوا أَنْصَاراً لَهُم. قَالَ: وَيَدْعُو الرجل للرجل فَيَقُول: مَاله أَحْلَبَ ولاَ أَجْلَبَ. وَمعنى أحْلَبَ أَي وَلَدَتْ إبِلُه الإناثَ دون الذُّكُور، وَلَا أجْلَبَ إِذْ دَعَا لإبله أَن لَا تَلِدَ الذكورَ لِأَنَّهُ المَحْقُ الخَفِيُّ لذهاب اللَّبَنِ وانقطاعِ النَّسل، وَإِذا نُتِجَت الإبِلُ الإنَاثَ فقد أَحْلَبَ وَإِذا نُتِجَت(5/55)
الذُّكُور فقد أَجْلَبَ. قَالَ ابْن السّكيت فِي قَول بشر:
أَشَارَ بِهِمْ، لَمْعَ الأَصَم، فأقْبَلُوا
عرانِينَ لَا يَأْتِيه للنصر مُحْلِبُ
كأَنَّه قَالَ لَمَعَ لَمْعَ الأَصم لِأَن الأصَمَّ لَا يسمع الْجَواب فَهُوَ يُديم اللَّمْع. وَقَوله لَا يَأْتِيهِ مُحْلِبُ أَي لَا يَأْتِيهِ مُعِينٌ من غير قومه، وَإِذا كَانَ الْمعِين من قومه لم يكن مُحْلِباً وَقَالَ:
صَرِيحٌ مُحْلِبٌ من أَهْلِ نَجْدٍ
لحي بَين أثلة والنجَامِ
وَمن أَمْثَال الْعَرَب: لَيْسَ لَهَا رَاعٍ وَلَكِن حَلْبة، يُضْرَبُ للرجل يَسْتَعِينُكِ فَتُعِينه وَلَا مَعُونَة عِنْده. قَالَه ابْن الْأَعرَابِي قَالَ وَمن أمثالهم: لَبثْ قَلِيلا يلْحق الحلائِب يَعْنِي الْجَمَاعَات أنْشد الْبَاهِلِيّ للجعدي:
وبَنُو فَزَارَةَ إِنَّهَا
لَا تُلْبِثُ الحَلْبَ الحَلاَئب
حُكيَ عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ: لَا تُلْبِثُ الحلائِبُ حَلْبَ ناقةٍ حَتَّى تَهْزِمَهُم: قَالَ وَقَالَ بَعضهم: لَا تُلْبِثُ الحلائبُ أَن تَحْلِب عَلَيْهَا تُعَاجِلُها قبل أَن تَأْتِيهَا الأَمْدَادُ وَهَذَا زَعَم أَثْبَتُ. وَمن أمثالهم حَلَبْتَ بالساعد الأشِدّ أَي استعَنْتَ بِمن يقوم بِأَمْرِك ويُعْنَى بحاجَتِك.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي أسْرع الظباء تَيْسُ الحُلَّب لِأَنَّهُ قد رعى الربيعَ، والربل والرَبْلُ مَا تَرَبّل من الرَّيحة فِي أَيَّام الصَّفَريَة وَهِي عشرُون يَوْمًا من آخِرِ القَيْظِ، والرَّيحة تكون من الْحَلب والنصِيّ والرُّخَامِي، والمَكْرِ، وَهُوَ أَن يظْهر النبت فِي أُصُوله فالتي بقيت من الْعَام الأَوّلِ فِي الأَرْض تَرُبُّ الثرى أَي تلْزمهُ. والحُلَّب نبت ينبسط على الأَرْض تدوم خُضْرَتُه لَهُ ورق صغَار يُدبغ بِهِ يُقَال سِقاءٌ حُلَّبى.
أَبُو زيد بقرة مُحِلُّ وشاةٌ مُحِلٌّ وَقد أحلَّت إحْلالاً إِذا حَلَبت بِفَتْح الْحَاء قبل وِلاَدها، قَالَ وحَلَبت أَي أَنْزَلت اللَّبَن قبل وِلاَدها.
أَبُو عبيد من أمثالهم فِي الْمَنْع: لَيْسَ كلَّ حِين أُحْلَب فأُشْرَب، هَكَذَا رَوَاهُ المنذريّ عَن أبي الْهَيْثَم.
قَالَ أَبُو عبيد وَهَذَا الْمثل يرْوى عَن سعيد بن جُبَيْر، قَالَه فِي حَدِيث سُئِلَ عَنهُ وَهُوَ يضْرب فِي كل شَيْء يُمْنَع. وَقد يُقَال: لَيْسَ كلَّ حِين أَحْلِب فأَشْرَب.
وَقَالَ اللَّيْث: تَحَلَّب فُو فُلانٍ وتحلَّب الندى إِذا سَالَ وَأنْشد:
وظلَّ كَتَيْسِ الرَّمْلِ يَنْفُض مَتْنَهُ
أذَاةً بِه من صَائك مُتَحَلبِ
شَبَّه الْفرس بالتَّيْس الَّذِي تحلّب عَلَيْهِ صائك المَطَر من الشّجر، والصائِكُ الَّذِي يتَغَيَّر لونُه وريحه والحُلْبَةُ حَبَّةٌ والجميع حُلُب. والْحُلْبُوب اللَّوْن الْأسود وَقَالَ رؤبة:
واللون فِي حُوَّته حُلْبُوب
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي الحُلُب السُّود من كل الْحَيَوَان. قَالَ والحُلُب الفُهَماء من الرِّجَال.
وَقَالَ اللَّيْث: الحُلْبُ الْجُلُوس على ركبته يُقَال احْلُبْ فَكُلْ.(5/56)
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي حَلَب يَحْلُب إِذا جلس على رُكْبَتَيْهِ.
ابْن السّكيت عَن ابْن الْأَعرَابِي أسود حُلْبُوبٌ وسَحْكُوكٌ وغِرْبيبٌ وَأنْشد:
أما تَرانِي الْيَوْم عَشّاً نَاخِصَا
أسودَ حُلْبُوباً وكنتُ وَابِصا
وَقَالَ أَبُو عبيد: الحالِبَانِ من الدّابة عِرْقان يكتنفان السُّرَّةَ وَأما قَول الشمَّاخ:
تُوَائِلُ من مِصَكَ أَنْصَبَتْهُ
حوالب أَسْهَرَيْهِ بالذَّنَينِ
فَإِن أَبَا عَمْرو قَالَ أسْهَرَاه ذَكَرُه وأَنْفُه وحوالِبُهُما عروقٌ تَمُدّ الذَّنينَ من الأَنْفِ، والمذْي من قَضِيبِه.
ويُروَى حَوَالِبُ أَسْهَرَتْهُ يَعْنِي عُرُوقاً يَذنّ مِنْهَا أَنْفُه.
وحَوَالِبُ البئْرِ مَنَابِعُ مَائِهَا، وَكَذَلِكَ حَوَالِبُ الْعُيُون الفوَّارةَ وحوالب الْعُيُون الدامقَةِ.
وَقَالَ الْكُمَيْت:
تدفَّق جُوداً إِذا مَا الْبحار
غَاضَت حَوَالِبُها الحُفَّلُ
أَي غارت موادّها، وحَلاَّبُ من أَسمَاء خيل الْعَرَب السَّابِقَة.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة حَلاَّبُ هُوَ من نتاج الأعوج.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي فِي بَاب أخلاقِ النَّاس فِي اجْتِمَاعهم وافتراقهم قَوْلهم شَتَّى تَؤُوب الحَلَبَةُ قَالَ وأصلُه أَنهم يوردون إبلهم الشَّريعة والحوضَ مَعَاً، فَإِذا صدرُوا تفرّقوا إِلَى مَنَازِلهمْ فَحلبَ كلُّ وَاحِد مِنْهُم فِي أَهله على حياله.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: من أَمْثالِهِمْ حلبت حَلْبَتَها ثمَّ أَقْلَعَتْ يُضْرَبُ مثلا للرجل يَصْخَب ويُجلب ثمَّ يسكت من غير أَن يكون مِنْهُ شيءٌ غير جَلَبتهِ وصِيَاحِه.
أَبُو عبيد عَن الأمويّ إِذا خرج من ضرع العنز شيءٌ من اللَّبن قبل أَن ينزو عَلَيْهَا التيس قيل هِيَ عَنْزٌ تُحْلُبة وتِحْلِبة.
وروى شمر للفراء وعنْزٌ تُحْلَبة.
وحَلَب اسْم بلد من الثغور الشامية.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الحَلْبُ البروك والشَّرْب الفَهْمُ يُقَال حَلَب يَحْلُب حَلْباً إِذا بَرَك وشَرَب يَشرُب شَرْباً إِذا فَهم، وَيُقَال للبليد احلُب ثمَّ اشرُب.
شمر يُقَال يومٌ حَلاَّبٌ وَيَوْم هَلاَّبٌ وَيَوْم هَمَّام وصَفْوَانُ ومَلْحَانُ وشَيْبَانُ، فَأَما الهلاَّب فاليابس بَرداً، وَأما الحَلاَّبُ فَفِيهِ ندًى، وَأما الهمّام فَالذي قد هَمَّ بالبَرْد، قَالَ والهَلْبُ تتَابع الْقطر وَقَالَ رؤبة:
والمذريات بالذواري خصبا
بهَا جُلالا ودقاقا هُلبا
وَهُوَ التَّتَابُع والمرّ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي الحِلْبَاءُ الأَمَةُ البارِكَةُ من كسلها وَقد حَلَبت تحلُب إِذا بَركت على ركبتيها.
لحب: قَالَ اللَّيْث اللَّحْبُ قَطْعُكَ اللَّحْمَ طُولاً وَلحبَ مَتْنُ الْفرس وعجزه إِذا امَّلَسَ فِي حُدُور وَأنْشد:
والمتنُ ملحوب(5/57)
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي الْمُلَحَّبُ نَحْو من المُخَذَّم.
وَقَالَ اللَّيْث: طَرِيق لاحِبُ ولِحب ومَلْحُوبٌ إِذا كَانَ وَاضِحاً. وَسمعت الْعَرَب تَقول الْتَحَب فلانٌ مَحَجَّة الطَّرِيق ولَحَبَها والْتَحَمَها إِذا رَكِبهَا، وَمِنْه قَول ذِي الرمة:
يَلْحَبْن لَا يَأْتَلي المطلوبُ والطَّلَبُ
أَي يركبن اللاحِبَ وَبِه سمي الطَّرِيق الموطأُ لاحِباً لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ لَحِبَ أَي قُشِر عَن وَجهه التُّرَاب فَهُوَ ذُو لَحْبٍ قَالَ والمِلْحَب اللِّسَان الفصيح والمِلْحَب الْحَدِيد الْقَاطِع.
وَقَالَ الْأَعْشَى:
لِسَانا كمقراض الخَفَاجِيّ مِلْحَبَا
وَقَالَ أَبُو دُواد:
رفَعْنَاها ذَمِيلاً فِي
مُحَلَ مُعْمَلٍ لَحْبِ
ولَحَب يلحَبُ إِذا أسْرع فِي سيره فَهُوَ لاحب.
بلح: قَالَ ابْن بُزُرج البوالح من الْأَرْضين الَّتِي قد عُطلت فَلَا تُزْرَعُ وَلَا تُعْمَرُ. والبَالِحُ الأرضُ الَّتِي لَا تُنْبِتُ شَيْئا وَأنْشد:
سلالي قَدُورَ الحارثيَّةَ مَا تَرَى
أَتَبْلَحُ أم يُعْطَى الوفاءَ غَرِيمُها
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ البُلَحُ طَائِر أكبر من الرَّخَم.
وَقَالَ شمر قَالَ ابْن شُمَيْل استبق رجلَانِ فَلَمَّا سبق أحدُهما صاحِبَه تَبَالحا أَي تجاحدا.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي بَلَحَ مَا على غريمي إِذا لم يكن عِنْده شَيْء، وبَلَحتْ خَفَارَتُه إِذا لم تَفِ وَقَالَ بشر بن أبي خازم:
أَلاَ بَلَحَتْ خَفَارَةُ آلِ لأْيٍ
فَلَا شَاةً تَرُدُّ وَلَا بَعِيرَا
وَبَلَحَ الغريمُ إِذا أَفْلَسَ وبَلَحَ الماءُ بُلُوحاً إِذا ذَهَبَ وبئر بَلُوحٌ وَقَالَ الراجز:
وَلَا الصماريد البِكَاءُ البِلْحُ
وَقَالَ اللَّيْث البلح الْخلال وَهُوَ حَمْلُ النّخل مَا دَامَ أخْضَرَ كحِصْرِمِ الْعِنَب.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: البلح هُوَ السيَابُ، اللَّيْث البُلَحُ طائِر أعظم من النّسر مُحترق الريش يُقَال إِنَّه لَا يَقع ريشة من ريشه وسط ريش سَائِر الطير إِلَّا أحرقته. وَيُقَال هُوَ النسْر الْقَدِيم إِذا هرم والجميع البِلُحان قَالَ: والبُلوح تَبَلُّدُ الحامِلِ تَحت الحِمْل من ثِقَلِه.
وَيُقَال حُمِل على الْبَعِير حَتَّى بَلَحَ، وَقَالَ أَبُو النَّجْم:
وَبَلَحَ النَّمْلُ بِهِ بُلُوحاً
يصف النَّمْل ونَقْلَه الحَبَّ فِي الحَر. أَبُو عبيد إِذا انْقَطع من الإعياء فَلم يقدر على التحرك قيل بَلَحَ وَقَالَ الْأَعْشَى:
واشتَلى الأوصالَ مِنْهُ وبلح
ح ل م
حمل، حلم، لحم، لمح، ملح، مَحل: مستعملات.
حمل: قَالَ اللَّيْث: الحَمَلُ الخروف والجميع الْحُمْلاَنُ. والحَمَلُ بُرْجٌ من بُرُوجِ السَّمَاءِ، أَوله الشَّرْطانِ وهما قرْنَا الحَمَل ثمَّ البُطيْن(5/58)
ثَلَاثَة كَوَاكِب ثمَّ الثُّريا وَهِي أَلْيَةُ الحَمَل، هَذِه النجومُ على هَذِه الصّفة تسمى حَمَلاً.
سَلمَة عَن الفرَّاء: المُحَامِلُ الَّذِي يَقْدر على جوابك فيدعُه إبْقَاء على مودتك، والمُجَامِل الَّذِي لَا يَقْدر على جوابك فيتركُه ويحقدُ عَلَيْك إِلَى وقتٍ مّا. وَيُقَال فلَان لَا يَحْمِلُ أَي يُظْهِر غَضَبَهُ.
سَلمَة عَن الْفراء قَالَ الحَمَلُ النَّوْءُ قَالَ وَهُوَ الطَّلِيُّ، يُقَال مُطِرْنَا بِنَوْءِ الحَمَلِ وبِنَوْءِ الطَّلِي.
اللَّيْث: حَمَلَ الشيءَ يَحْمِلُه حَمْلاً وحُمْلاَناً وَيكون الْحُمْلاَنُ أجرا لما يُحْمَلُ. قَالَ والحُمْلاَنُ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ من الدوابّ فِي الهِبَةِ خَاصَّة.
الحرانيّ عَن ابْن السّكيت: الحَمْلُ مَا كَانَ فِي بَطْنٍ أَو على رَأس شجرةٍ، وَجمعه أحْمَال والحِمْلُ مَا كَانَ على ظهْر أَو على رأسٍ. وَقَالَ غيرُه حَمْل الشّجر وحمْلُه.
وَقَالَ بَعضهم مَا ظهر فَهُوَ حِمْلٌ وَمَا بطن فَهُوَ حَمْلٌ. وَقيل مَا كَانَ لَازِما للشَّيْء فَهُوَ حَمْلٌ وَمَا كَانَ بَائِنا فَهُوَ حِمْل. وَالصَّوَاب مَا قَالَ ابْن السّكيت.
وَقَالَ الْفراء فِي قَوْله الله جلّ وعزّ: {وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا} (الْأَنْعَام: 142) الحَمُولَةُ مَا أَطاق العَمَل والحَمْل، والفرشُ الصغَارُ.
وَحدثنَا السعديُّ قَالَ حَدثنَا عمرُ بن شبة عَن غنْدر عَن شُعبةَ عَن أبي الْفَيْض قَالَ سَمِعت سعيد بن جُبَير يحدث عَن أَبِيه أَنَّ أَبَا بكر شيَّع قوما فَقَالَ لَهُم: تَرَاحَمُوا تُرْحَمُوا وتَحَامَلُوا تُحْمَلُوا، مَعْنَاهُ أَبقوا على غَيْركُمْ يُبْق عَلَيْكم وهابوا النَّاس تُهابُوا.
وَقَالَ الْفراء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا} الحَمُولة مَا أَطاق العَمل والحَمْل والفرشُ الصغَارُ.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم الحَمُولَةُ من الْإِبِل الَّتِي تَحْمِلُ الْأَحْمَال على ظُهُورهَا بِفَتْح الْحَاء. قَالَ والحُمُولة بِضَم الْحَاء هِيَ الأَحْمَال الَّتِي تُحْمَل عَلَيْهَا، وَاحِدُها حِمْلٌ وأَحْمَالٌ وحُمُولٌ وحُمُولة. قَالَ فَأَما الحُمُر والبغالُ فَلَا تدخل فِي الحَمُولة.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي الحُمُولُ الإبلُ وَمَا عَلَيْهَا، وَقَالَ غَيره: هِيَ الهَوادِجُ وَاحِدهَا حِمْل وَيُقَال الحُمُولة والحُمُول وَاحِد وَأنْشد:
أَحَزْقَاءُ للبَيْنِ استقلَّت حُمُولَها
قَالَ والحُمُول أَيْضا مَا يكون على الْبَعِير. وَقَالَ أَبُو زيد الحُمُولة مَا احْتَمَلَ عَلَيْهِ الحيُّ، والحُمُولة الأثقال. أَبُو عبيد عَن أبي زيد قَالَ الحُمُولة الحُمُول وَاحِدهَا حِمل وَهِي الهوادج أَيْضا كَانَ فِيهَا نسَاء أَو لَا، وَقَالَ ابْن السّكيت قَالَ أَبُو زيد الحُمولة مَا احْتمل عَلَيْهِ الحيّ من بعير أَو حمَار أَو غَيره، كَانَ عَلَيْهَا أَحْمالٌ أَو لم تكن. وَأنكر أَبُو الْهَيْثَم مَا قَالَه أَبُو زيد فردّ عَلَيْهِ قَوْله وَقَالَ اللَّيْث: الحَمُولة الإبِلُ الَّتِي يُحْمَلُ عَلَيْهَا الأثقالُ. والحُمُول الْإِبِل بأثقالها وَأنْشد:
أَصَاحِ تَرى وأَنْتَ إِذا بعيرٌ
حُمُول الْحَيّ يرفعها الوَجِينُ(5/59)
الوجين مَا غلظ من الأَرْض قَالَه النَّابِغَة، وَقَالَ أَيْضاً:
يُخالُ بِهِ راعي الحَمُولة طائرا
الْأَصْمَعِي: الحَمَالَةُ الغُرْم تُحمل عَن الْقَوْم، ونَحوَ ذَلِك قَالَ اللَّيث: وَقَالَ يُقَال أَيْضا حَمَالٌ، وَأنْشد قَول الْأَعْشَى:
فرع نَبْعٍ يهتزُّ فِي غُصُن الْمجد
عظيمُ الندى كثير الحَمَالِ
وَقَالَ الْأَصْمَعِي الحِمَالةُ بِكَسْر الْحَاء عِلاقة السَّيْف والجميع الحمائِل وَكَذَلِكَ المِحْمَل عِلاقة السَّيْف وَجمعه محامل قَالَ الشَّاعِر:
ذرفت دموعك فَوق ظهر المِحْمَل
والمِحْمَل الَّذِي يُرْكَبُ عَلَيْهِ بِكَسْر الْمِيم أَيْضا والمَحْمِل بِفَتْح الْمِيم الْمُعْتَمد يُقَال مَا عَلَيْهِ مَحْمِلٌ أَي مُعْتَمد.
وَقَالَ اللَّيْث: مَا على فلَان مَحْمِلٌ من تحميل الْحَوَائِج وَمَا على الْبَعِير مَحْمِلٌ من ثِقَل الحِمْلِ. أَبُو عبيد عَن أبي زيد قَالَ المُحْمِلُ المرأةُ الَّتِي ينزل لَبنهَا من غير حَبَل وَقد أَحْمَلَتْ وَيُقَال ذَلِك للناقة أَيْضا.
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ فِي قوم يخرجُون من النَّار حُمَمَاً فَيَنْبُتُون كَمَا تنْبت الحِبّة فِي حَمِيلِ السَّيْل، قَالَ أَبُو عبيد قَالَ الْأَصْمَعِي: الحَمِيلُ مَا حمله السَّيْل وكل مَحْمُولٍ فَهُوَ حَمِيلٌ.
قَالَ أَبُو عبيد وَمِنْه قَول عمر فِي الحَمِيل إِنَّه لَا يُوَرَّث إِلَّا ببيّنة، سمي حَمِيلاً لِأَنَّهُ يُحْمَلُ صَغِيرا من بِلَاد العَدُوّ وَلم يولدْ فِي الْإِسْلَام، وَيُقَال بل سمي حَمِيلا لِأَنَّهُ مَحْمُول النَّسَب، وَيُقَال للدعيّ أَيْضا حَمِيلٌ وَقَالَ الْكُمَيْت يُعَاتب قضاعَة فِي تحويلهم إِلَى الْيمن بنسبهم:
عَلاَمَ نزلتُمُ من غير فَقْرٍ
وَلَا ضَرَّاءَ مَنْزِلةَ الحَمِيلِ
وَقَالَ اللَّيْث: الْحميل المنبوذُ يَحْمِلُه قوم فَيُرَبُّونه، قَالَ وَيُسمى الولَدُ فِي بطن الأُم إِذْ أُخِذَت من أَرض الشّرك حَميلاً. وَقَالَ الْأَصْمَعِي الحَمِيلُ الكفيلُ. وَقَالَ الْكسَائي حَمَلْتُ بِهِ حَمَالَةً كَفَلْتُ بِهِ وَفِي الحَدِيث (لَا تحل الْمَسْأَلَة إِلَّا لثَلاثَةٍ) ذكر مِنْهُم رجلا تَحَمَّلَ بِحَمَالةٍ بَين قوم وَهُوَ أَن يَقع حربٌ بَين فريقين تُسفك فِيهَا الدماءُ فيتحمّل رجلٌ تِلْكَ الدياتِ ليُصلح بَينهم وَيسْأل النَّاس فِيهَا، وَقَتَادَة صَاحب الحَمَالَة سمّي بذلك لِأَنَّهُ بحمَالَةٍ كَثِيرَة فسأَل فِيهَا وأَدَّاها. وَيَجِيء الرجلُ الرجلَ إِذا انْقَطع بِهِ فِي سَفَرٍ فيقولُ لَهُ احْمِلْني فقد أُبْدِعَ بِي أَي أَعطني ظهرا أرْكُبُه. وَإِذا قَالَ الرجل للرجل أَحْمِلْني بِقطع الأَلف فَمَعْنَاه أَعنِي على حَمْلِ مَا أَحْمِلُه.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَول الله جلّ وعزّ: { (الْأَحْزَاب: 72) فَقَالَ بعد مَا ذكر أقاويل الْمُفَسّرين فِي هَذِه الْآيَة: إِن حقيقَتَها وَالله أعلم وَهُوَ مُوَافق لما فسروا أَن الله جلّ وعزّ ائْتَمن بني آدمَ على مَا افْترضَه عَلَيْهِم من طاعتِهِ وائْتمَن السماواتِ والأرضَ وَالْجِبَال بقول {} (فُصَلَت: 11) ، فَعرفنَا الله أَنّ السماواتِ(5/60)
والأرضَ لم تَحْمِل الْأَمَانَة أَي أدَّتْها، وكلُّ من خَانَ الأمانَةَ لقد حَمَلها، وكَذلك كل من أَثِمَ فقد حَمَل الإثْم، وَمِنْه قَول الله جلّ وعزّ: {إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} (العَنكبوت: 13) الْآيَة، فَأعْلم الله أنّ من بَاء بالإثْم يُسمى حَامِلا للإثمِ، والسمواتُ والأرضُ أَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَ الأَمَانَةَ وأَدَّيْنَها، وأَدَاؤُها طاعَةُ الله فِيمَا أمرهَا بِهِ والعملُ بِهِ وتركُ الْمعْصِيَة، وحَمَلَهَا الإنسانُ. قَالَ الْحسن أَرَادَ الكافرَ والمنافقَ حَمَلا الأَمَانَةَ أَي خَانَا وَلم يُطِيعَا فَهَذَا الْمَعْنى وَالله أَعْلَمُ صَحِيح وَمن أطَاع من الْأَنْبِيَاء وَالصديقين وَالْمُؤمنِينَ فَلَا يُقَال كَانَ ظَلوماً جهولاً، وتصديقُ ذَلِك مَا يَتْلو هَذَا من قوْله {ظَلُوماً جَهُولاً لِّيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} (الأحزَاب: 73) إِلَى آخرهَا، قلت وَمَا علمتُ أحدا شرح من تَفْسِير هَذِه الْآيَة مَا شرحَهُ أَبُو إِسْحَاق، وممّا يُؤيدُ قولَه فِي حمل الْأَمَانَة أَنَّ خِيَانَتَها وَترك أَدَائِها قولُ الشَّاعِر أنْشدهُ أَبُو عبيد:
إِذا أَنْتَ لم تَبْرَحْ تؤدّي أَمَانَة
وتحملُ أُخْرَى أَفْرَحَتْك الوَدَائعُ
أَرَادَ بقوله وتحملُ أُخْرَى أَي تخونها فَلَا تُؤديها يدلك على ذَلِك قَوْله أَفْرَحَتْك الودائع، أَي أثقل ظهرَكَ الأماناتُ الَّتِي تخونُها وَلَا تؤديها، يُقَال حَمَلَ فلانٌ الحِقْدَ على فلَان إِذا أَكَنَّه فِي نَفسه واضْطغنه وَيُقَال للرجل إِذا استخفّه الغَضَبُ قد احتُمل وأُقِلَّ وَيُقَال للَّذي تحَلَّم عَمَّن يَسُبُّه قد احْتَمَل فَهُوَ مُحْتَمِل وَقَالَ أَبُو عبيد عَن أَصْحَابه فِي قَول المتنخل الْهُذلِيّ:
كالسُّحُل البيضِ جَلاَ لَوْنُها
هَطْلُ نَجَاءُ الحَمَلِ الأسولِ
الحَمَلُ السَّحَاب الْأسود، قَالَ وَقيل فِي الْحمل إِنَّه المَطَرُ للّذي يكون بِنَوْءِ الَحَملِ وسمى الله جلّ وعزّ الإثْم حِمْلاً فَقَالَ {وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَىْءٌ وَلَوْ كَانَ} (فَاطِر: 18) يَقُول إنْ تَدْعُ نَفْسٌ مُثْلَةٌ بأوزارها ذَا قَرابة لَهَا أَن يَحْمِلَ وِزْرَها شَيْئا لم يَحْمِل من أوزَارها شَيْئا.
ابْن السّكيت عَن الْفراء: يُقَال امْرَأَة حامِلٌ وحامِلَةٌ إِذا كَانَ فِي بَطنهَا ولد وَأنْشد:
تمخَّضَت الْمنون لَهُ بِيَوْم
أَنى وَلكُل حاملة تُمَامُ
فَمن قَالَ حاملٌ بِغَيْر هَاء وَهَذَا نعت لَا يكون إِلَّا للمُؤنَّث وَمن قَالَ حاملةٌ بناه على حَمَلَتْ فَهِيَ حاملةٌ فَإِذا حَمَلَت الْمَرْأَة شَيْئا على ظهرِها أَو على رأْسِها فَهِيَ حاملةٌ لَا غَيْرُ؛ لِأَن هَذَا قد يكون للذَّكر. وحَمَلٌ اسْم رجل بِعَيْنِه وَقَالَ الراجز:
اشْبِهْ أَبَا أُمك أَو أَشْبِه حَمَلْ
وحَمَلٌ اسْم جبل بِعَيْنِه.
سَلمَة عَن الْفراء احْتَمَلَ الرجل إِذا غَضِبَ وَيكون بِمَعْنى حَلُم. وَقَالَ الأصمعيُّ فِي الْغَضَب غضب فلَان حَتَّى احْتَمَل وَيُقَال حَمَل عَلَيْهِ حَمْلَةً منكَرة (وَشد عَلَيْهِ شدَّة مُنكرَة) وَرجل حَمَّالٌ يحمل الكَلَّ عَن النَّاس وَرَأَيْت جبلا فِي الْبَادِيَة اسْمه حَمّال(5/61)
وحَمَلٌ اسْم جبل فِيهِ جَبَلانِ يُقَال لَهما طِمِرَّان وَقَالَ:
كَأَنَّهَا وَقد تدلّى النَّسران
ضمهما من حمل طِمِرَّان
صعبانُ عَن شمائِلٍ وأَيْمَان
مَحل: شمر عَن ابْن الأَعرابي أَرض مَحْلٌ ومَحْلَةٌ ومَحُولٌ لَا مَرْعَى فِيهَا وَلَا كَلأ وَرجل مَحْلٌ لَا يُنْتَفَع.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل المُحُول والقُحُوط احتباسُ الْمَطَر وَأَرْض مَحْل وقحط لم يصبْها الْمَطَر فِي حِينه. وأَمْحَلَ الْمَطَر أَي احْتَبَس. وأَمْحَلْنَا نَحن وَإِذا احْتَبَس القَطْرُ حَتَّى يمْضِي زمَان الوسْمِي كَانَت الأَرْض مَحُولاً حَتَّى يُصِيبهَا الْمَطَر وَيُقَال قد أَمْحَلْنَا مُنْذُ ثلاثِ سِنِين وَأَرْض مِمْحَال وَقَالَ الأخطل:
وَبَيْدَاءَ مِمْحَالٍ كأَنَّ نَعَامَها
بأرجائها القُصوى أَبَا عِزُ هُمَّلُ
وَقَالَ اللَّيْث المَحْلُ انْقِطَاعُ المَطَرِ ويُبْسُ الأرضِ من الكَلأ. أرضٌ مَحْلٌ ومَحْوُلٌ وَرُبمَا جُمِعَ المَحْلُ أَمْحَالاً وَأنْشد:
لَا يَبْرَمُون إِذا مَا الْأُفق جلّله
صِرُّ الشتَاء من الأَمْحَالِ كالأَدَمِ
أَمْحَلت الأَرْض فَهِيَ مُمْحِلٌ وأَمْحَلَ القومُ وزمانٌ ماحِلٌ وَأنْشد:
والقائلُ القولَ الَّذِي مثلُه
يُمرع مِنْهُ الزمنُ الماحِلُ
وَقَالَ القتيبي فِي قَول الله جلّ وعزّ: { (الرَّعْد: 13، 14) أَي شَدِيد الكيد المَكْرِ قَالَ وأصل المِحَالِ الحيلةُ وَأنْشد قَول ذِي الرمة:
ولَبَّس بَين أقوامٍ فَكُلٌّ
أَعْدَّ لَه الشَغَازِبَ والمِحَالا
قلت وَقَول القتيبي أصل المِحال الحيلةُ غلطٌ فاحِشٌ، وَأَحْسبهُ توهم أَن مِيم الْمحَال مِيم مِفْعل وَأَنَّهَا زَائِدَةٌ، وَلَيْسَ الْأَمر كَمَا توهمه؛ لِأَن مِفْعلاً إِذا كَانَ من بَنَات الثَّلَاثَة فَإِنَّهُ يَجِيء بِإِظْهَار الْوَاو وَالْيَاء مثل المِزْوَدُ والمِرْوَدُ والمِجْول والمِحْوَر والمِزْيَلُ والمِعْيَر وَمَا شاكلها، وَإِذا رَأَيْت الْحَرْف على مِثَال فِعَالٍ أولُه ميمٌ مكسورةٌ فَهِيَ أَصْلِيَّة، مثل مِيم مِهاد ومِلاك ومِراس ومِحال وَمَا أشبههَا. وَقَالَ الْفراء فِي كتاب (المصادر) المِحَالُ المُماحلة، يُقَال فعلت مِنْهُ مَحَلْتُ أَمْحَلُ مَحْلاً. قَالَ وَأما المَحالَةُ فَهِيَ مَفْعَلَةٌ من الْحِيلَة، قلت وَهَذَا صَحِيح كَمَا قَالَه. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَوْله {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَىْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَآءِ لِيَبْلُغَ} أَي شَدِيد القُوَّة وَالْعَذَاب يُقَال ماحلتُه مِحَالاً إِذا قاويْتُه حَتَّى يتَبَيَّن لَك أيُّكُمَا أشَدُّ والمَحْلُ فِي اللُّغَة الشدَّة وَالله أعلم، وَقَالَ شَمِر روى عبدُ الصَّمَدِ بنُ حسان عَن سُفْيَان الثَّوْريّ فِي قَوْله {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} قَالَ شَدِيد الانتقام. وَقَالَ عبدُ الرَّزَّاق عَن مَعْمرٍ عَن قَتَادَة شديدُ الحِيلَة فِي تَفْسِيره. وروى أَبُو عبيد عَن حجاج عَن ابْن جُرَيْجٌ {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} أَي الحَوْل. قَالَ أَبُو عبيد أرَاهُ أَرَادَ المَحَالَ بِفَتْح الْمِيم(5/62)
كَأَنَّهُ قِرَاءَة كَذَلِك، وَلذَلِك فسّره الحَوْل. قَالَ والمِحَالُ الكيد وَالْمَكْر قَالَ عدي بن زيد:
مَحَلوا مَحْلَهُم بِصَرْعَتِنا العا
م فَقَدْ أوْقَعُوا الرحَى بالثقَال
قَالَ مَكَرُوا وسَعَوْا. قَالَ والمِحَال المُمَاكَرَةُ.
شمر قَالَ خَالِد بن جَنْبة يُقَال تَمَحَّلْ لي خيرا أَي اطْلُبْه. قَالَ والمِحَالُ مُمَاحَلَةُ الْإِنْسَان وَهِي مُنَاكَرَتهُ إِيَّاه يُنْكِرُ الَّذِي قَالَه.
قَالَ ومَحَلَ فلانٌ بصاحبِه إِذا بَهَتَه، وَقَالَ أَنه قَالَ شَيْئا لم يَقُلْه.
وَقَالَ ابْنُ الأنْبَاريّ سَمِعت أَحْمد بن يحيى يَقُول المِحَالُ مأخوذٌ من قولِ العَرَبِ مَحَلَ فلَان بِفُلاَنٍ أَي سَعَى بِهِ إِلَى السُّلْطَانِ وعَرَّضَه لأمْرٍ يُهْلِكُه.
قَالَ ويُرْوَى عَن الأَعْرَج أَنه قَرَأَ (وَهُوَ شَدِيد المَحَال) بِفَتْح الْمِيم، قَالَ وَتَفْسِيره عَن ابْن عَبَّاس يدل على الفَتْح لِأَنَّهُ قَالَ الْمَعْنى وَهُوَ شَدِيد الحَوْل.
وَفِي حَدِيث ابْن مَسْعُود (إِن هَذَا الْقُرْآن شَافِع مشفَّع ومَاحلٌ مُصَدَّق) قَالَ أَبُو عبيد جعله يَمْحَل بِصَاحِبِهِ إِذا لم يتّبع مَا فِيهِ. قَالَ والماحل الساعِي يُقَال نَحَلْتُ بفلان أَمْحَلُ بِهِ إِذا سعيتَ بِهِ إِلَى ذِي سلطانٍ حَتَّى تُوقعه فِي وَرْطة ووشيْتَ بِهِ.
وَقَالَ اللحياني عَن الْكسَائي: يُقَال مَحلْني يَا فلَان أَي قَوني قلت وَقَول الله {شَدِيدُ الْمِحَالِ} مِنْهُ أَي شَدِيد القُوَّة. وَأما قَول النَّاس تَمَحَّلْتُ مَالا لِغَريمي فَإِن بعض النَّاس ظن أَنه بِمَعْنى احْتَلْتُ وقدَّر أَنه من المَحَالَةِ بِفَتْح الْمِيم وَهِي مَفْعَلَةٌ من الْحِيلَة، ثمَّ وُجّهت الْمِيم فِيهَا وِجْهَةَ الْمِيم الْأَصْلِيَّة فَقيل تَمَحَّلْتُ كَمَا قَالُوا مَكَان وَأَصله من الْكَوْن ثمَّ قَالُوا تَمكَّنتُ من فلَان. ومكَّنْت فُلاناً من فلَان وَلَيْسَ التمَحُّل عِنْدِي ممَّا ذهبَ إِلَيْهِ هَذَا الذاهبُ وَلكنه عِنْدِي من المَحْلِ وَهُوَ السَّعْيُ كَأَنَّهُ يسْعَى فِي طلبه ويتصرف فِيهِ.
وَقَالَ أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ إِذا حُقِن اللَّبن فِي السقاء فَذَهَبت عَنهُ حلاوة الْحَلب وَلم يتغيَّر طعمه فَهُوَ سَامِطٌ، فَإِن أَخذ شَيْئا من الرّيح فَهُوَ خَامِطٌ، فَإِن أَخذ شَيْئا من طَعْم فَهُوَ المُمَحَّل وَقَالَ شمر يُقَال مَعَ فلَان مِمْحلة أَي شكوة يُمَحل فِيهَا اللبنَ وَهُوَ المُمَحَّلُ بِفَتْح الْحَاء وتشديدها. وَقَالَ اللَّيْث المُمَحَّلُ من اللَّبن الَّذِي حُقِن ثمَّ شُرِب قبل أَن يَأْخُذَ الطَّعْمَ وَأنْشد:
إِلَّا من القارصِ والممحَّل
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: قَالَ المُتَمَاحِلُ الطويلُ من الرِّجَال. وَقَالَ غَيره: مفازَةٌ مُتَمَاحِلَةٌ بعيدَة الأطرافِ وَأنْشد:
من المُسْبَطِرات الجيادِ طِمِرَّةٌ
لَجُوجٌ هَواهَا السَّبْسَبُ المُتَمَاحِلُ
أَي هَواهَا أَنْ تَجِدَ مُتَّسَعاً بَعيدا مَا بَين الطرَفيْنِ تعدو فِيهِ.
وَرُوِيَ عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: إِن من وَرَائِكُمْ أموراً مُتَمَاحِلَةً أَرَادَ فِتَناً يطول أَيَّامُها ويَعْظُم خَطَرُها ويشتد كَلَبُها. والمِحَلُ الَّذِي قد طُرِد حَتَّى أَعْيَا وَقَالَ العجاج:
يمشي كمشي المِحَل المَبْهُور(5/63)
وَأما قَول جندل الطُّهَوي:
عُوجٌ تسانَدْن إِلَى مُمحَّلِ
فَإِنَّه أرادَ مَوْضِع مَحَال الظّهْر جعل الْمِيم لما لَزِمت المحَالة وَهِي الفَقَارَةُ من فَقَار الظّهر كالأصْلِيَّة. وَفِي (النَّوَادِر) رَأَيْت فلَانا مُتَحاحِلاً ومَاحِلاً ونَاحِلاً إِذا تَغَيَّرَ بَدَنُه.
والمَحَالَةُ البَكَرةُ الْعَظِيمَة الَّتِي تكون للسائِيّةِ، سُميَتْ مَحَالةً تَشْبِيها بِمحَالَةِ الظَّهْرِ. وَقَالَ اللَّيْث: مَفْعَلةٌ سميت مَحَالَةً لتحوُّلِها فِي دوَرانها، وقولُهم: لَا مَحَالَةَ، تُوضَعُ مَوضِع لاَ بُدَّ وَلَا حِيلَةَ مَفْعَلَةٌ أَيْضا من الحَوْلِ والقُوَّةِ، عَمْرو عَن أَبِيه: المَحْلُ: الجَدْبُ. والمَحْل الجوعُ الشَّديدُ وَإِن لم يكن جدبٌ والمَحْلُ السعَاية من ناصِحٍ وَغير ناصِحٍ. والمَحْلُ البُعْدُ والمِحَالُ المَكْرُ بِالْحَقِّ. والمِحَالُ الغَضَبُ. والمِحَالُ التَّدْبِيرُ. وَفُلَان يُماحِلُ عَن الْإِسْلَام يُمَاكِرُ ويُدَافِع.
لمح: قَالَ اللَّيْث: لَمَحَ الْبَرْقُ ولَمَعَ ولَمُحَ البَصَرُ. وَتقول لمحه ببصره. واللَّمْحَةُ النَّظْرَةُ وَقَالَ غَيره أَلْمَحَت الْمَرْأَة من وَجْهِها إِلمَاحاً إِذا أمكنت من أَنْ تُلْمَحَ، تفعل ذَلِك الحسناءُ تُرِي محاسِنَها من يتَصَدَّى لَهَا ثمَّ تُخْفِيهَا. وَقَالَ ذُو الرمة:
وأَلْمَحْنَ لَمْحاً من خُدودٍ أَسِيلَةٍ
رِوَاءً خلا مَا أَن تَشِفَّ المعاطِسُ
سَلمَة عَن الْفراء فِي قَوْله تَعَالَى: {وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ} (القَمَر: 50) قَالَ كخَطْفَةٍ بالبصر واللُّمَّاح: الصقُور الذكيّة قَالَه ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ واللَّمْحُ: النّظر بالعَجَلَةِ.
ملح: قَالَ اللَّيْث: المِلْحُ مَا يطيَّب بِهِ الطَّعَامُ. والمِلْحُ خلاف العَذْبِ من المَاء. يُقَال مَاءٌ مِلْحٌ وَلَا تَقول مالِحٌ. والمِلْحُ من الملاحة. تَقول: مَلُحَ يَمْلُحُ مَلاحَةً ومَلْحاً فَهُوَ مَايحٌ. قَالَ: وَالمُحَالَحَةُ المُوَاكَلَةُ وَإِذا وصَفْتَ الشيءَ بِمَا فِيهِ المُلُوحَة قلت سَمَكٌ مَالحٌ وَبَقْلَةُ مَالِحَةٌ وَتقول: مَلَحْتُ الشيءَ وَمَلَّحْتُه فَهُوَ مَمْلُوح مُمَلَّحٌ مَلِيحٌ. وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال هَذَا مَاء مِلْحٌ، وَلَا يُقَال مَالحٌ، قَالَ وسمك مَلِيحٌ ومَمْلُوحٌ. وَلَا يُقَال مَالحٌ، وَلم يَجِيء إِلَّا فِي بَيت العذافر:
بَصْرِيَّةٍ تَزَوَّجَتْ بَصْرِيّا
يَطْعِمُها المالِحَ وَالطَّرِيَّا
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: قَالَ يُونُس: لم أسمع أَحَداً من الْعَرَب يَقُول ماءٌ مالحٌ. قَالَ وَيُقَال سمك مَالحٌ وَأحسن مِنْهَا سَمَكٌ مَلِيحٌ وَمَمْلُوح. قَالَ وَقَالَ أَبُو الدُّقَيْش: مَاءٌ مَالحٌ وَمَاءٌ مِلْحٌ قلت: هَذَا وَإِنْ وُجِدَ فِي كَلَام العَرَبِ قَلِيلا فَهِيَ لُغَةٌ لَا تُنْكر.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: مَلَحْتُ القِدْر فَأَنا أَمْلَحُها وأَمْلُحُها إِذا كَانَ مِلْحُها بِقَدْرٍ فَإِنْ أَكْثَرْتَ مِلْحَها حَتَّى تَفْسُدَ القِدْرُ قلت مَلَّحْتها تَمْلِيحاً.
وَقَالَ اللَّيْث: المُلاَّح من الحَمْضِ وَأنْشد:
يخبطن مُلاَّحاً كذاوي القَرْمَلِ
قلت: المُلاَّحُ من بقُولِ الرياض الْوَاحِدَة مُلاَّحَةً وَهِي بَقْلَةٌ ناعمة عَرِيضَةُ الوَرَقِ فِي طعمها مُلُوحَةٌ، منابتها القِيعَانُ.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه حكى عَن أبي الْمُجيب(5/64)
الرَبَعيّ فِي صفة رَوْضَة: رَأَيْتهَا تَنْدَى من بُهْمَى وصوفَانة وزُبَادَةٍ ويَنَمةٍ ومُلاَّحَةٍ ونَهْقَةٍ.
وَقَالَ اللَّيْث: المُنْحَةُ الْكَلِمَة المَلِيحَةُ، والمَلاَّحَةُ مَنْبِتُ المِلْحِ، والمَلاَّحُ صَاحب السَّفِينَة ومُتَعَهدُ النَّهر ليصلح فُوهَتَه، وصنعته الملاَحة والملاَّحِية وَقَالَ الْأَعْشَى:
تكأكأ ملاَّحها وَسْطَها
من الْخَوْف، كَوْثَلَها يَلْتَزِم
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ المُلاَح الرّيح الَّتِي تجْرِي بهَا السَّفِينَة وَبِه سمي المَلاَّح مَلاَّحاً. وَقَالَ غَيره سُمي السَّفَّانُ ملاَّحاً لمعالجته الماءَ الْملح بإجراء السفُنِ فِيهِ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: المِلاَحُ: المِخْلاة وَجَاء فِي الْخَبَر أَن الْمُخْتَار لما قتل عمر بن سعد جعل رَأسه فِي مِلاَحٍ أَي فِي مخلاة وعلقه.
قَالَ: والمِلاَحُ الستْرَة، والمِلاَحُ الرمْح، والمِلاَحُ أَن تَهُبَّ الجَنُوبُ بَعْد الشَمال.
وَقَالَ اللَّيْث: المِلْحُ الرَّضاعُ، وَفِي حَدِيث وَفد هوَازن أَنهم كلّموا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَبْي عشائِرِهم فَقَالَ خطيبُهم إِنَّا لَوْ كُنَّا مَلَحْنا للحارِث بن أبي شَمِر الغَسَّاني أَو للنّعْمانِ بن المندر ثمَّ نزل مَنْزِلَكَ هَذَا منَّا لَحَفِظَ ذَلِك لنا وَأَنت خيرُ المكْفُولِين فِي حَدِيث طَوِيل قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الأصْمَعِيُّ فِي قَوْله: مَلَحْنا يَعْنِي أرْضَعْنا. وَإِنَّمَا قَالَ الهوازنيُّ ذَلِك لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ مُسْتَرْضَعاً فيهم، أَرْضَعَتْه حليمَةُ السَّعْدِيّة والمِلْحُ هُوَ الرَّضاعُ. وَقَالَ أَبُو الطَّمَحانِ وَكَانَت لَهُ إبلٌ سقى قوما أَلْبَانَها، ثمَّ أَغاروا عَلَيْهَا فَقَالَ:
وإِني لأَرْجُو مِلْحَها فِي بُطُونِكُم
وَمَا بَسَطَتْ من جلْد أَشْعَثَ أَغْبَرِ
يَقُول: أرْجو أَن تحفظُوا مَا شَرِبْتُم من أَلْبانها، وَمَا بسطَتْ من جُلودكم بعد أَن كُنْتُم مهازِيلَ. قَالَ وأنشدنا لغَيره:
جزى الله ربُّكَ ربُّ الْعباد
والمِلْحُ مَا وَلَدَتْ خالدة
يَعْنِي بالملح الرضاعَ وَرَوَاهُ ابْن السّكيت
لَا يعبدُ الله ربُّ العبا
د وَالْملح
وَهُوَ أصحُّ وَقَالَ أَبُو سعيد: الملحُ فِي قَول أبي الطمحان الحُرّمَةُ والذمامُ، يُقَال بَين فلانٍ وفلانٍ ملحٌ ومِلْحَةٌ إِذا كَانَ بَينهمَا حُرْمَةٌ فَقَالَ أَرْجُو أَن يَأْحُذَكُمُ الله بِحرْمَة صاحبِها وغَدْرِكُمْ بِها.
والمِلْحُ البَرَكَةُ، يُقَال: لَا يباركُ الله فِيهِ وَلَا يَمْلُحَ قَالَه ابْن الْأَنْبَارِي قَالَ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس الْعَرَب تعظّم أَمْرَ المِلْحِ والنَّار والرَّماد قَالَ وَقَوْلهمْ: مِلْحُ فلَان على ركبتَيْهِ فِيهِ قَولَانِ: أحدُهما أَنه مَضَيعٌ لِحَقّ الرّضاع غيرُ حَافظ لَهُ فأَدْنَى شَيْء يُنسيه ذِمامَه، كأنّ الَّذِي يضَعُ الملْحَ على رُكْبَتَيْهِ أدْنى شَيْء يُبَددُه. وَالْقَوْل الآخرُ: سَيىءُ الْخلق يغضَب من أَدْنى شَيْء كَمَا أَن الملْحَ على الرّكبة يتبدّدُ من أدنى شَيْء. قَالَ والملْحُ يؤنَّثُ ويذكَّر والتأنيثُ فِيهِ أَكثر.(5/65)
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الملْحُ اللبنُ، والملْحُ والمُلَحُ من الْأَخْبَار بِفَتْح الْمِيم، والملْحُ العلْم، والملْحُ العلماءُ. ويروى عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الصَّادِق يُعْطَى ثلاثَ خِصَال الملْحَةَ والمحَبَّة والمهابة) . قَالَ وَيُقَال تملَّحَت الإبلُ إِذا سمِنت، فلعلّ هَذَا مِنْهُ كَأَنَّهُ يُرِيد الفضلَ والزيادةَ، وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي هَذَا الْبَيْت:
ورد جازِرُهم حَرْفاً مُصَرّمةً
فِي الرأسِ مِنْهَا وَفِي الرجْلَينِ تمليحُ
قَالَ وَهُوَ كَمَا قَالَ:
مَا دَامَ مُخٌّ فِي سُلاَمَى أَو عيْن
قَالَ وَسَأَلَ رجل آخَرَ فَقَالَ أحب أَن تملحَني عِنْد فلَان بِنَفْسِك أَي أحب أَن تزينَني وتُطْرِيني. قَالَ مَلَح يَملَحُ ويَملُحُ إِذا رضع وَقَالَ ملَحَ الماءُ ومَلُحَ يَملُحُ مَلاحَةً. وَقَالَ ابْن بُزُرْج: مَلَح الله فِيهِ فَهُوَ مَمْلُوح فِيهِ، أَي مُبَارَكٌ لَهُ فِي عيشه ومالِه، قلت أَرَادَ بالملْحَة البركةَ. وَيُقَال: كانَ ربيعُنا مملوحاً فِيهِ، وَذَلِكَ إِذا أَلْبَنَ القومُ فِيهِ وأسمنوا. وَإِذا دُعِيَ عَلَيْهِ قيل لَا مَلَحَ الله فِيهِ أَي لَا بَارك فِيهِ.
وَيُقَال: أصبْنَا مُلْحَةً من الرّبيع أَي شَيْئا يَسِيرا مِنْهُ، وأَمْلَحَ البعيرُ إِذا حَمَل الشحْمَ، ومُلِحَ فَهُوَ مَمْلُوحٌ إِذا سمن.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: أمْلَحْتُ القِدْر بِالْألف إِذا جعلْتَ فِيهَا شَيْئا من شَحم. قَالَ ومَلَحْتُ الماشيةَ إِذا أطعمتها سَنْجَةَ الْملح وَذَلِكَ إِذا لم تَجِد حمضاً فأطعمتها هَذَا مَكَانَهُ. ومَلَّحَتْ الناقةُ فَهِيَ مُمَلَّح إِذا سمنت قَلِيلا وَمِنْه قَوْله:
من جزورٍ مُمَلح
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنَّه ضَحَّى بكبشين أمْلَحَيْنِ، قَالَ أَبُو عبيد قَالَ الْكسَائي وَأَبُو زيد وَغَيرهمَا: الأَمْلَحُ الَّذِي فِيهِ بياضٌ وَسَوَاد وَيكون البياضُ أَكثر وَكَذَلِكَ كل شعرٍ وصوفٍ فِيهِ بياضٌ وسوادٌ فَهُوَ أمْلَحُ وأنشدنا:
لكل دَهْرٍ قد لبستُ أَثْوُبا
حَتَّى اكْتَسَى الرَّأسُ قِناعاً أشيبا
أَمْلَحَ لَا لَذَّ وَلَا محبَّبا
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الأمْلَحُ الأبيضُ النقيُّ البياضِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة هُوَ الأبيضُ الَّذِي لَيْسَ يخالِط البياضَ فِيهِ عُفْرةٌ. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الأمْلَحُ الأبْلَقُ بِسَوادٍ وَبَيَاض. قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: والقولُ مَا قَالَه الأصمعيّ. وَقَالَ أَبُو عمر: الأمْلَحُ الأعْرَمُ وَهُوَ الأبلَقُ بسوادٍ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: وَاخْتلفُوا فِي تَفْسِير قَوْله:
لَا تَلُمْها إنّها من نسوةٍ
مِلْحُها موضوعَةٌ فوقَ الرُّكب
فَقَالَ الْأَصْمَعِي هَذِه زَنْجِيّة، ومِلْحُها شَحْمُها وسِمَن الزَّنج فِي أفْخَاذها. وَقَالَ شمر: الشّحم يُسمى مِلْحاً. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس قَالَ ابْن الأعرابيّ فِي قَوْله:
مِلْحُها مَوْضُوعَة فَوق الرُّكَب
هَذِه قَليلَة الْوَفَاء قَالَ والملْحُ هَهُنَا هُوَ الملْحُ. يُقَال فلَان مِلْحُه على رُكْبَتَيهِ إِذا(5/66)
كَانَ قليلَ الوفاءِ. قَالَ وَالْعرب تحلف بالملْحِ والماءِ تَعْظِيمًا لَهما. وروى قَوْله:
والملحِ مَا ولدت خالدة
بِكَسْر الْحَاء وجَعَلَ الْوَاو واوَ القَسَم، وأمَّا الكسائيُّ فَرَوَاهُ والمِلْحُ بِضَم الْحَاء عطفه على قَوْله لَا يبعد الله.
اللَّيْث: أَمْلَحْتَ يَا فلانُ جَاءَ بمعنيين: أَي جِئْت بكلمةٍ مليحةٍ، وَأَكْثَرت مِلْحَ القِدْرِ، قلت واللغة الجيدة مَلَّحْتَ الْقدر إِذا أكثرتَ ملحها بِالتَّشْدِيدِ. قَالَ والمَلْحَاءُ: وسط الظّهْر بَين الْكَاهِل والعَجُز، وَهِي من الْبَعِير مَا تَحت السَّنَام. قَالَ: وَفِي المَلْحَاءِ ستُّ مَحَالاَتٍ وَهِي سِتّ فقرات والجميع مَلْحَاوَات والمُلاَّحِيُّ ضربٌ من الْعِنَب أبيضُ، فِي حَبه طولٌ. قَالَ: والملَحُ داءٌ وعيب فِي رِجْلِ الدَّابَّة. وَقَالَ غَيره يُقَال للنَّدى الَّذِي يسْقط بِاللَّيْلِ على البقل أَمْلَحُ لبياضِه وَمِنْه قَوْله:
أقامَتْ بِهِ حَدَّ الرَّبيعِ وَجَارُها
أخُو سَلْوَةٍ مَسَّى بِهِ اللَّيْلُ أَمْلَحُ
أَرَادَ بجارها نَدَى اللَّيْلِ يُجيرُها من الْعَطش، وَقَالَ شمر: شِيْبانُ ومِلْحانُ هما الكانُونان، وَقَالَ الْكُمَيْت:
إِذا أمست الْآفَاق حُمْراً جُنُوبها
الشِيبانُ أَو مِلْحان وَالْيَوْم أَشهب
قَالَ وَقَالَ عَمْرو بن أبي عَمْرو شِيبانُ بِكَسْر الشين ومِلحان من الْأَيَّام إِذا ابيضّت الأَرْض من الحَليتِ والصقيع.
سَلمَة عَن الْفراء قَالَ: الْمليح الْحَلِيم وَكَذَلِكَ الرَاسب والمَرِثُ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: المِلاَحُ أَن تَشْتَكِي الناقةُ حياءَها فتؤخذ خرقةٌ ويُطْلَى عَلَيْهَا دَوَاءٌ ثمَّ يُلْصَقَ على الْحيَاء فَيَبْرَأُ.
قَالَ: والمِلاَحُ المراضعة، والمِلاَحُ الْمِيَاه المِلْحُ، والمِلاَحُ الرّمْح.
قَالَ أَبُو الْهَيْثَم: تَقول الْعَرَب للَّذي يخلِط كذبا بِصدق هُوَ يخصف حِذَاءه وَهُوَ يرتشي إِذا خلط كذبا بِحَق ويَمْتَلِحُ مثلُه. وَإِذا قَالُوا: فلَان يَمْلَحُ فَهُوَ الَّذِي لَا يخلص الصدْق وَإِذا قَالُوا عِنْد فلَان كذبٌ قليلٌ فَهُوَ الصدوق الَّذِي لَا يكذب وَإِذا قَالُوا إنّ فلَانا يَمْتَذِق فَهُوَ الكذوب.
لحم: قَالَ اللَّيْث: تَقول الْعَرَب هَذَا لَحْمٌ ولَحَمٌ مخفَّف ومثقَّل. وَرجل لَحيمٌ كثير لَحْمِ الْجَسَد وَقد لَحُمَ لَحامَةٌ، وَرجل لَحِمٌ أكولٌ للّحِمِ وَبَيت لَحِمٌ يكثر اللَّحْمُ فِيهِ.
وَجَاء فِي الحَدِيث (إِن الله يُبْغِضُ البيتَ اللَّحِمَ وأَهْلَه) وَفِي حديثِ آخر (يُبْغِضُ أهلَ البيتِ اللَّحِمِين) .
حَدثنَا عبد الله بن عُرْوةَ عَن الْعَبَّاس الدُريّ عَن مُحَمَّد بن عبيد الطنافسيّ قَالَ: سَأَلَ رجل سُفْيَان الثوريّ أرأيتَ هَذَا الحَدِيث الَّذِي يرْوى (إنَّ الله لَيُبْغِضُ أهلَ البيتِ اللَّحِمِين) أهُمُ الَّذين يكثرون أكل اللَّحْم؟ فَقَالَ سفيانُ: هم الَّذين يُكْثِرُون أَكْلَ لحُومِ النَّاس.
وَقَالَ نِفْطَوَيْهِ: يُقَال أَلْحَمْتُ فلَانا فلَانا، أَي مكَّنْتُهُ من عِرْضِه وشَتْمِه. وفلانٌ يَأكُلُ لُحُومَ الناسِ أَي يَغْتابُهم.
وَمِنْه قَول الشَّاعِر:(5/67)
وَإِذا أَمْكَنَهُ لحمي رَتَعْ
وَفِي الحَدِيث (إنّ أَرْبى الرِّبَا اسْتِطالةُ الرجُلِ فِي عِرْضِ أَخِيه) قلت: ومِن هَذَا قَول الله جلّ وعزّ: {تَجَسَّسُواْ وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً} (الحجرات: 12) .
وَقَالَ اللَّيْث: باز مُلْحَمٌ يطعمُ اللَّحْمَ، وبازٍ لَحِمٌ أَيْضا لِأَن أَكْلَهُ لَحْمٌ.
وَقَالَ الْأَعْشَى:
تدلّي حثيثاً كَأَن الصوا
رِ يَتْبَعُهُ أَزْرَقِيٌّ لَحِم
وَقَالَ ابْن السّكيت: رجل شحيمٌ لَحيمٌ أَي سمين وَرجل شَحِمٌ لَحِمٌ أَي قَرِمٌ إِلَى اللَّحْمِ والشحم يَشْتَهيهِما، ورجلٌ لحّام شَحّامٌ إِذا كَانَ يَبِيع اللَّحْمَ والشَّحْمَ، وَرجل مُلْحَمٌ إِذا كَانَ مُطْعَماً للصَّيْد، وَرجل مُلحِمٌ إِذا كثر عِنْده اللَّحْمُ وَكَذَلِكَ مُشْحِمٌ.
وَقَالَ اللَّيْث: أَلْحَمْتُ الْقَوْم إِذا قتلتَهم حَتَّى صَارُوا لَحْماً، واللَّحيمُ: القتيلُ. وَأنْشد قَول سَاعِدَة الْهُذلِيّ:
وَلَا رَيْبَ أَن قد كَانَ ثَمَّ لَحِيمُ
وَقَالَ أَبُو عبيد: استُلحِمَ الرجُلُ إِذا أُزْهِقَ فِي الْقِتَال. قَالَ: والملحَمَةُ: الْقِتَال فِي الْفِتْنَة. وَقَالَ شمر قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الملحمة حَيْثُ يُقَاطِعُون لحومهم بِالسُّيُوفِ.
الأصمعيُّ: أَلْحَمْتُ الْقَوْم: أطْعَمْتُهُم اللَّحْمَ بالأَلِفِ.
وَقَالَ مَالك بن نُوَيْرَة يصف ضَبُعاً:
وتظل تَنْشِطُنِي وتُلحِمُ أَجْرَيا
وسط العَرِينِ وَلَيْسَ حيٌّ يَمْنَعُ
قَالَ: جَعَلَ مَأْوَاهَا لَهَا عريناً: وَقَالَ أَبُو عبيد قَالَ غير الْأَصْمَعِي: لَحَمْتُ القومَ بِغَيْر ألِف. قَالَ شَمِر وَهُوَ الْقيَاس. قَالَ: وأَلحَمَ القَوْمُ كَثُرَ لَحْمُ بُيُوتِهم. ولَحَمَ الرجلُ كثر لَحْمُ بَدَنِه فَهُوَ لحيمٌ شحيمٌ. ولَحُمَ الصَّقْر إِذا اشْتهى اللَّحْمَ فَهُوَ لَحِمٌ. قَالَ ولَحَمَ الرَّجُل يَلحَمُ إِذا نَشِبَ بِالْمَكَانِ، ولَحْمَةُ الصّقْرِ والأَسَدِ وغيرِه مَا يأكُل. ولَحْمَةُ النَّسَب بِالْفَتْح. ولُحْمَةُ الصَّيْد مَا يُصَادُ بِهِ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: لَحْمَةُ الثَّوْب ولَحْمَةُ النَّسب بِالْفَتْح. ولُحمةُ الصَّيْد مَا يُصاد بِهِ.
أَبُو عبيد عَن الأَصمعي: لحُم الرجل وشحُم فِي بدنه إِذا أكل كثيرا فَلَحُم عَلَيْهِ، قيل لَحِم وشَحِم. وَقَالَ شمر: المُلحَمُ الدعِيُّ وَأنْشد:
حَتَّى إِذا مَا فَرَّ كلُّ مُلْحَمِ
وَقَالَ الأَصمعيُّ: هُوَ المُلْصَقُ بالْقوم لَيْسَ مِنْهُم. قَالَ: ولاحَمْتُ الشَّيْء بالشَّيْء إِذا لَزَقْتَه بِهِ.
وَقَالَ اللَّيْث يُقَال: استلحم فلَان الطَّرِيق إِذا اتَّبعه وَأنْشد:
وَمن أَرَيْنَاه الطَّريق استلْحَمَا
وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
استلحم الوَحْشُ على أكسائها
أَهْوَجُ مِحْفِيرٌ إِذا النَّقْعُ دَخَنْ(5/68)
وشَجَّةٌ متلاحِمَةٌ: إِذا بَلَغت اللَّحْمَ والتحم الصَّدْعُ والْتَأَمَ بِمَعْنى وَاحِد. والملحَمَةُ الحربُ ذَات القَتْلِ الشَّديد. واللحَامُ مَا يُلْحَمُ بِهِ الصَّدْعُ. غَيره أُلْحمَ الرجلُ إِلْحَاماً واستَلْحَم استلحاماً إِذا نشِب فِي الحرْب فَلم يجد مَخْلَصاً. قَالَ وأَلْحَمَه القتالُ، وَمِنْه حديثُ جَعْفَر الطيّار يَوْم مُؤْتَةَ أَنَّهُ أَخَذَ الرّاية بعد قتل زَيْدٍ فقاتل بهَا حَتَّى أَلْحَمَهُ القتالُ فَنزل وعَقَر فرسه.
وَيُقَال: تلاحَمَت الشَّجَّةُ إِذا أَخَذَتْ فِي اللَّحم، وتلاحَمَت أَيْضا إِذا بَرَأَت والْتَحَمَت والمُتَلاَحِمَة من النِّسَاء الرتْقَاء.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: المُتلاحِمَةُ الضيقَة الملاقي وَهِي مَآزِمُ الفَرْج. وَقَالَ أَبُو سعيد إِنَّمَا يُقَال لَهَا لاحِمَةٌ كَأَن هُنَاكَ لَحْمًا يمْنَع من الجِمَاعِ. قَالَ: وَلَا يَصح مُتلاحِمةٌ.
وَقَالَ شمر قَالَ عبد الْوَهَّاب: المُتَلاَحِمَةُ من الشجَاجِ الَّتِي تَشُقُّ اللحمَ كلَّه دون الْعظم ثمَّ تتلاحمُ بعد شَقها، فَلَا يجوز فِيهَا المِسْبَارُ بعد تلاحُمِ اللَّحْمِ، قَالَ: وتتلاحم من يوْمِها وَمن غَدٍ. وَقَالَ الْأَصْمَعِي فِي قَول الراجز يصف الْخَيل:
نُطْعِمُها اللَّحْمَ إِذا عزَّ الشَّجَرْ
والخيلُ أطعامُها اللَّحْمَ ضَرَر
قَالَ يزِيد نطعمها اللَّبَنَ فَسمى اللَّبَنَ لَحْماً لِأَنَّهَا تَسْمَنُ على اللَّبن. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي كَانُوا إِذا أجدبوا وقلّ اللَّبن يبسوا اللَّحْمَ وحَمَلُوه فِي أَسْفَارِهم وأَطْعَمُوه الخيلَ. وَأنكر مَا قَالَه الأصمعيُّ وَقَالَ إِذا لم يكن الشجرُ لم يكن اللبنُ. وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ استَلْحَم الزَّرْع واسْتَكَّ وازْدَجَّ وَهُوَ الطَّهْلِيُّ قلت مَعْنَاهُ أَنه التفَّ.
وَقَالَ أَبُو سعيد يُقَال هَذَا الكلامُ لَحِيمُ هَذَا الْكَلَام وطَريدُه أَي وَفْقُه وشكله. وَقَالَ أَبُو زيد أَلْحَمْتُ الثوبَ إِلحَاماً وأَلْحَمْتُ الطَّيْرَ إِلْحَاماً، وَهِي لُحمَةُ الثَّوْب، وَهِي الْأَعْلَى ولَحْمَتُهُ، والسَّدَى الْأَسْفَل من الثوْب، اللَّحَّامُ الَّذِي يَبِيع اللَّحْمَ وَيجمع اللَّحْمُ لحُوماً ولُحْمَاناً ولِحَاماً.
حلم: قَالَ اللَّيْث: الحُلُم الرُّؤْيَا يُقَال حَلَمَ يَحْلُم إِذا رأى فِي الْمَنَام. وَفِي الحَدِيث: (مَن تحلَّم مَا لم يَحْلَم) يَعْنِي من تكلَّف حُلْماً لم يره، والحُلُم الِاحْتِلَام أَيْضا يجمع على الأحلام. وأحْلاَمُ الْقَوْم حُلمَاؤُهم، وَالْوَاحد حَليمٌ وَقَالَ الْأَعْشَى:
فَأَمَّا إِذا جَلَسُوا بالعشيّ
فأحلام عَادٍ وأيدي هُضُم
وَقد حَلُم الرجل يَحْلَم فَهُوَ حَلِيمٌ، والحليمُ فِي صفة الله تَعَالَى مَعْنَاهُ الصبور.
وَمن أَسمَاء الرِّجَال مُحَلم وَهُوَ الَّذِي يُعَلم غَيره الْحِلْمَ، ويقالُ أَحْلَمَتْ المرأةُ إِذا وَلَدَت الحُلمَاءَ. قَالَ والأحلام الأجسَامُ، والحَلَمَةُ، والجميعُ الحَلَم، وَهُوَ مَا عَظُم من القُرَادِ. وبعيرٌ حَلِمٌ قد أفْسدهُ الحَلَمُ من كثرتها عَلَيْهِ، وأديمٌ حَلِمٌ قد أفْسدهُ الحَلَم قبل أَن يسلخ وَقد حَلِم حَلَماً وَمِنْه قَول عُقْبة:
فإنَّكَ والكتابَ إِلَى عَلِيَ
كدابغَةٍ وَقد حَلِم الأديمُ(5/69)
وعَناقٌ حَلِمَةٌ قد أَفْسَدَ
جلدَها الحَلَمُ وَكَذَلِكَ عناقُ
تَحلِمَةٌ والجميع الحِلاَمُ. وحلَّمْتُ البعيرَ أخذت عَنهُ الحَلَمَ وجماعةُ تَحْلِمَةٍ تَحَالِمٌ قد كثر الحَلَمُ عَلَيْهَا.
وَفِي الحديثِ أنَّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر مُعَاذاً أَن يأخُذَ من كل حالِمٍ دِينَارا قَالَ أَبُو الْهَيْثَم أرادَ بالحالِمِ كلَّ مَنْ بَلَغَ الحُلُم، حَلَمَ أَو لم يَحْلُم وَيُقَال حلَم فِي نَومه يحلُم حُلُماً وحُلْماً. واحْتَلَم بِمَعْنَاهُ. وَفِي الحَدِيث (الغُسْلُ يومَ الْجُمُعَة واجبٌ على كل حالِم) أَي على كل بَالغ إِنَّمَا هُوَ على من بَلَغَ الحُلُم أَي بلغ أَن يَحْتَلِمَ أَو احْتَلَم قبل ذَلِك ورُوِيَ على كل مُحْتَلِم أَي على كل بالغٍ احْتَلَم أَو لم يَحْتَلِمْ.
والحَلَمَةُ قَالَ اللَّيْث: هِيَ شجرةُ السَّعْدانِ وَهِي من أفاضل المَرْعَى.
قلت: لَيست الْحَلَمَةُ من شَجَرِ السَّعْدانِ فِي شَيْء، السعدان بَقْلٌ لَهُ حَسَكٌ مستديرٌ ذُو شوكٍ كثيرٍ إِذا يَبِسَ آذَى واطِئَه والْحَلَمَةُ لَا شوكَ لَهَا وَهِي من الْجَنْبَةِ وَقد رأيتهما، وَيُقَال للحلمة الحَمَاطَةُ.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَلَمَةُ رَأس الثَّدْي فِي وسط السَّعْدَانَةِ.
قلت: الحلمة الهُنَيَّة الشاخصة من ثَدْي الْمَرْأَة وثُنْدُوَةِ الرجُلِ، وهِيَ القُرَادُ.
وَأما السَّعدانة فَمَا أَحاطَ بالقُرَادِ مِمَّا خَالف لونُه لونَ الثدي، واللَّوْعَةُ السوادُ حول الحَلَمَةِ.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: القُرَادُ أولَ مَا يكون صَغِيرا قَمْقَامَةٌ ثمَّ يصير حَمْنَانة ثمَّ يصير قُرَاداً ثمَّ يصير حَلَمَةً.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو تحلَّم الصبيُّ إِذا أقبل شحمُه.
وَقَالَ أَوْس بن حجر:
لَحَيْنَهُمُ لَحْيَ العَصَا فَطَرَدْنَهُمْ
إِلَى سنَةٍ قِرْدَانُها لم تَحَلَّمِ
أَي لم تسمن لجُدُوبَةِ السَّنة.
وَقَالَ اللَّيْث: مُحَلمٌ نهر بِالْبَحْرَيْنِ. قلت أَنا: مُحَلم عين فوارة بِالْبَحْرَيْنِ، وَمَا رَأَيْت عينا أَكثر مَاء مِنْهَا، وماؤها حَارٌّ فِي منبعه، وَإِذا بَرُد فَهُوَ ماءٌ عَذْبٌ، ولهذه الْعين إِذا جرت فِي نَهْرِها خُلُجٌ كَثِيرَة تَتَخَلَّجُ مِنْهَا، تَسْقِي نخيل جُؤَاثَا وعَسَلَّج وقُرَيَّاتٍ من قرى هَجَر. وَأرى محلماً اسمَ رجل نسبت الْعين إِلَيْهِ.
وَقَول المخبَّل:
واسْتَيْقَهُوا لِلْمُحَلمِ
أَي أطاعوا من يعلمهُمْ الحِلْم. ويومُ حليمةَ أحدُ أَيَّام العربِ المشهورةِ، وَالْعرب تضرب بِهِ المثلَ فِي كل أَمر مُتَعالَم مَشْهُور فَتَقول: (مَا يَوْمُ حَلِيمَةَ بِسِرَ) وَقد يُضْرَب مثلا للرجل النابه الذّكر الشريف وَقد ذكره النَّابِغَةُ فِي شعره فَقَالَ يصف السيوف:
تُخِيرْنَ مِن أَزْمَان يَوْم حليمة
إِلَى اليومِ قد جُربْنَ كُلَّ التجارب
وَقَالَ ابنُ الكلبيّ: هِيَ حَلِيمَةٌ ابنةُ الْحَارِث بن أبي شمر، وجَّه أبُوها جَيْشًا(5/70)
إِلَى المنذرِ بْنِ مَاء السَّمَاء فأخرجت حليمةُ لَهُمْ مِرْكَناً من طيب وطيَّبَتْهُم رَوَاهُ أَبُو عبيد عَنهُ.
وَقَالَ اللَّيْث: الحُلاَّم الجَدْيُ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَالَ الْأَصْمَعِي: ولد المَعْزِ حُلاَّمٌ وحُلاَّنٌ.
قلت: والأصلُ حُلاَّنٌ وَهُوَ فُعْلاَنُ من التَّحْليل، فقلبت النُّون مِيماً. وشارةٌ حلِيمَةٌ سَمِينَةٌ. وَيُقَال: حَلَمْتُ خَيَالَ فلانةَ فَهُوَ مَحْلُومٌ.
وَقَالَ الأخطل:
فَحَلُمْتُها وبنورُ فَيْدةَ دونَها
لَا يبعدنّ خيالُها المَحْلُومُ
(أَبْوَاب الْحَاء وَالنُّون)
ح ن ف
نَحن، حنف، حفن، نحف، نفح: (مستعملة) .
فحن: أما فحن فمهملٌ عِنْد اللَّيْث. وفَيْحَانُ اسْم مَوضِع، وأظُنُّهُ فَيْعَالاً من فَحَنَ، وَالْأَكْثَر أَنه فَعْلاَن من الأفْيَحِ وَهُوَ الواسِعُ وسمَّت الْعَرَب الْمَرْأَة فَيْحُونَةَ.
حنف: قَالَ اللَّيْث: الحَنَفُ مَيَلٌ فِي صدر القدَمِ، فالرَّجُلُ أَحْنَفُ والرجْلُ حَنْفَاءُ، وَيُقَال: سُمي الأحنفُ بنُ قَيْسٍ بِهِ لِحَنَفٍ كَانَ فِي رِجْله.
وروى ثعلبٌ عَن أبي نصر عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ: الحَنَفُ أَن تُقْبِلَ إبْهِامُ الرجْلِ اليُمْنَى على أُخْتِهَا من اليُسْرَى وأَنْ تُقْبِلَ الأُخْرَى إلَيْها إقْبَالاً شَدِيدا.
وَأنْشد لِدَايَةِ الأحْنفِ وَكَانَت ترقصُه وَهُوَ طِفْل:
وَالله لولاَ حَنَفٌ برِجْلِهِ
مَا كانَ فِي فِتْيَانِكُمْ مِنْ مِثْلِه
ومِنْ صلةٌ هَهُنا.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الحنيفُ المائِل من خَيْرٍ إِلَى شَرَ وَمن شَرَ إِلَى خَيْرٍ.
قَالَ ثَعْلَب وَمِنْه أُخِذَ الحَنَفُ.
ورَوَى ابْنُ نجدة عَن أبي زيد أَنه قَالَ الحنيف الْمُسْتَقيم، وَأنْشد:
تعلَّمْ أَن سيَهْدِيكُم إلَيْنَا
طريقٌ لَا يَجُورُ بِكم حَنِيفُ
وَقَالَ اللَّيْث: الحنيفُ الْمُسلم الَّذِي يستقبِلُ البيتَ الحرامَ على مِلَّةِ إبراهيمَ فَهُوَ حنيفٌ. وَقيل: كلُّ من أَسْلَمَ لأمرِ الله وَلم يلْتَوِ فَهُوَ حنيفٌ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِي قَول الله جلّ وعزّ: {بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} (البَقَرَة: 135) .
قَالَ: مَنْ كَانَ على دين إبراهيمَ فَهُوَ حنيفٌ.
قَالَ: وَكَانَ عَبَدَةُ الأوْثَانِ فِي الجاهليَّة يَقُولُونَ: نَحن حُنَفَاءُ على دين إِبْرَاهِيم، فلمَّا جَاءَ الإسلامُ سَمَّوا المُسْلِمَ حنِيفاً.
وَقَالَ الأخْفش: الحنيفُ المُسْلِمُ وَكَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة يُقَال لِمَن اخْتَتَن وحَجَّ البيْتَ حنيفٌ؛ لأَنَّ العربَ لم تتمسَّكْ فِي الجاهليّة بِشَيْء من دين إِبْرَاهِيم غيرَ الخِتَان وحَج الْبَيْت، فكلُّ من اخْتَتَن وحَجَّ قيل لَهُ حَنِيفٌ. فلمَّا جاءَ الإسلامُ عَادَتْ الحنيفيَّةُ فالحنيف الْمُسلم.(5/71)
حدَّثَنَا الْحُسَيْن قَالَ حَدثنَا عُثْمَان قَالَ حَدثنَا وكيعٌ عَن مَرْزُوق قَالَ سَمِعت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله تَعَالَى: {حُنَفَآءَ للَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} (الحَجّ: 31) قَالَ حُجَّاجاً وَكَذَلِكَ قَالَ السّدي قَالَ حنفَاء حُجَّاجاً.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الزّجاج نَصَبَ {حَنِيفًا} فِي هَذِه الآيةِ على الحَالِ، الْمَعْنى بل نَتَّبِعُ مِلَّةَ إِبْرَاهِيم فِي حَالِ حَنِيفِيَّتِه، ومَعْنَى الحَنِيفِيَّةِ فِي اللُّغَة المَيْلُ، وَالْمعْنَى أَنَّ إِبْرَاهِيم حَنَفَ إِلَى دين الله وَدين الْإِسْلَام فَإِنَّمَا أُخِذَ الحَنَفُ من قَوْلهم: رِجْل حَنْفَاءُ ورَجُلٌ أَحْنَفُ، وَهُوَ الَّذِي تَمِيلُ قَدَمَاه كلُّ واحدةٍ إِلَى أُختِها بِأَصَابعها.
وَقَالَ الفرَّاءُ: الحنيفُ مَنْ سُنَّتُهُ الاخْتِتَانُ.
وَقَالَ اللَّيْثُ السُّيُوف الحنيفية تنْسب إِلَى الأحْنفِ بْنِ قَيْسٍ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ أَمَرَ باتخَاذِها. قَالَ: وَالْقِيَاس أحْنَفِيُّ. وَبَنُو حنيفةَ حَيٌّ من ربيعةَ. وَيُقَال: تَحَنَّفَ فلانٌ إِلَى الشَّيْء تحنُّفاً إِذا مَال إِلَيْهِ. وحَسَبٌ حَنِيفٌ أَي حَدِيث إسلامي لَا قَدِيمَ لَهُ.
وَقَالَ بن حَبْنَاء التميميُّ:
وماذَا غيرَ أَنَّك ذُو سِبَالٍ
تُمَسحُها وذُو حَسَبٍ حَنِيفِ
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الْحَنْفَاءُ شجرةٌ. والحَنْفَاءُ الْقوس، والحَنْفَاءُ الموسى، والحَنْفَاءُ السُّلَحْفَاةُ، والحنْفَاء الحرباءة، والحَنْفَاء الأَمَة المتلوّنة تكسَل مَرة وتنشط أُخْرَى.
نحف: قَالَ اللَّيثُ: نَحُفَ الرجل يَنْحُفُ نحافة فَهُوَ نَحِيفٌ قَضِيفٌ ضَرِبٌ قَلِيل اللَّحْم، وَأنْشد:
ترى الرَّجُلَ النحيفَ فَتَزْدَرِيه
وتَحْتَ ثِيَابِه رَجُلٌ مَزِير
نفح: أَخْبرنِي المنذريُّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: النَّفِيحُ والمِنفَحُ والمِعَنُّ الدَّاخِل مَعَ القومِ وَلَيْسَ شأنُه شَأْنَهُم.
قَالَ الْأَزْهَرِي: هَكَذَا جَاء بِهِ فِي هَذَا الْموضع.
وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: النَّفِيج بِالْجِيم الَّذِي يَعْتَرِض بَين الْقَوْم وَلا يُصلح وَلَا يفْسد، وهَذَا قَوْلُ ثَعْلَب.
قَالَ: وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: النَّفِيحُ الَّذِي يَجيءُ أَجْنَبِيّاً فيدخلُ بَين الْقَوْم ويسُلّ بَينهم ويُصلح أَمرهم.
وَقَالَ اللَّيْثُ: نَفَح الطيبُ يَنْفَحُ نَفْحاً ونُفُوحاً إِذا فَاح رِيحُه، وَله نَفْحَةٌ طيبةٌ ونَفْحَةٌ خبيثَةٌ ونَفَحت الدَّابَّة إِذا رمِحت بِرِجْلِها ورمت بحدّ حافرها.
ونَفَحَهُ بالسّيف إِذا تنَاوله شَزْراً، ونَفَحَه بِالْمَالِ نَفْحاً؛ وَلَا تزَال لَهُ نَفَحَاتٌ من المعْرُوفِ أَي دفعات. قَالَ: وَالله هُوَ النَّفَّاحُ المُنْعِمُ على عبَادِه. قلت: لم أَسْمَعْ النَّفَّاحَ فِي صِفَات الله الَّتِي جَاءَت فِي الْقُرْآن ثُمَّ فِي سُنَّةِ الْمُصْطَفى عَلَيْهِ السَّلَام، وَلَا يجوز عِنْد أَهْلِ العِلْم أَن يُوصف الله جلّ وَعز بِصفة لم يُنْزِلْها فِي كِتَابه، وَلم يبينْهَا على لِسَان نَبِيه ج. وَإِذا قِيلَ للرَّجُل نَفَّاحٌ فَمَعْنَاه الْكثير العَطَايَا.(5/72)
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ فِي قَول الله جلّ وعزّ: {وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ} (الأنبيَاء: 46) فَقَالَ: أصابَتْنَا نَفْحَةُ الصَّبا أَي رَوْحَةٌ وَطِيبٌ لَا غَمّ فِيهَا وَلَا كَرْبَ، وأصابتنا نَفْحَةٌ من سَمُومٍ: أَي حَرٌّ وغمٌّ وكربٌّ وَأنْشد فِي طيب الصَّبا:
إِذا نَفَحَتْ مِنْ عَنْ يَمِين المَشَارِق
ونَفَحُ الطّيب إِذا فَاحَ رِيحُه وَقَالَ جِرانُ الْعود يذكر جارَته:
لَقدْ عَاجَلَتْنِي بالقَبِيح وَثوْبُها
جَدِيدٌ وَمن أَرْدَانِها المسْكُ يَنْفَحُ
أَي يفُوح طيبُه، فَجعل النَّفْحَةَ مَرَّة أشَدَّ العذابِ لقَوْل الله جلّ وعزّ: {وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ} . وَجعلهَا مرّة ريحَ مِسْكٍ. وَقَالَ الأصمعيُّ: مَا كَانَ من الرّيح سَمُوماً فَلهُ لَفْحٌ وَمَا كَانَ بارِداً فَلهُ نَفْحٌ.
وَقَالَ اللَّيْث: الإنْفَحَةُ لَا تكُونُ إِلَّا لكل ذِي كَرِش، وَهُوَ شَيْء يُسْتَخْرَجُ من بَطْنِ ذِيهِ أصفرُ يُعْصَرُ فِي صوفَةٍ مُبْتَلَّةٍ فِي اللَّبن فيغلَظُ كالجُبن. الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت هِيَ إِنْفَحَةُ الجَدْي وإِنْفَحَّةُ الْجدي وَلَا تقل أَنْفِحَة. قَالَ: وحضرني أَعْرابِيَّانِ فَصيحَانِ من بني كلابٍ، فَقَالَ أَحدهمَا: لَا أَقُول إلاَّ إنْفَحَةً وَقَالَ الآخَرُ: لَا أقولُ إِلَّا مِنْفَحَةٍ، ثمَّ افْتَرقَا على أَن يسألاَ عَنْهُمَا أَشْيَاخ بَنِي كلاب، فاتفقت جماعةٌ على قولِ ذَا وجماعةٌ على قولِ ذَا، فهما لُغتانِ.
وَقَالَ أَبُو عبيد: هِيَ الإنْفَحَةُ بِكَسْر الْألف وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: إِنْفَحَةٌ وإِنْفَحَةٌ وَهِي اللُّغَة الجَيدَة، وَيُقَال مِنْفَحَةٌ وبِنَفْحَةٌ.
وَفِي الحَدِيث: (أَوَّلُ نَفْحَةٍ من دم الشَّهِيد) ، قَالَ شمر قَالَ خَالِد بن جَنْبة: نفحة الدّم أَوَّلُ فَوْرَةٍ مِنْهُ ودَفْعَةٍ. وَقَالَ الرَّاعِي:
نَرْجُو سِجَالاً من الْمَعْرُوف ينفحها
لِسَائِلِيه فَلَا مَنٌّ وَلَا حَسَدُ
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: الجَفْرُ من أَوْلادِ الضَأَنِ والمعز مَا قد استكرش وفُطِمَ خمسينَ يَوْماً من الوِلادة أَو شَهْرَيْنِ أَو صَارَت إِنْفَحَتهُ كَرِشَاً حِين رَعَى النَّبْتَ وَإِنَّمَا تكون إنْفَحَةً مَا دَامَ يَرْضَعْ. وَقَالَ الْفراء طعنة نَفُوحٌ يَنْفَحُ دَمُها سَريعاً.
وَقَالَ أَبُو زيد: من الضُّروع النَّفُوحُ وَهِي الَّتِي لَا تحبس لَبَنَها ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: النَّفْحُ الذبُّ عَن الرَّجُلِ، يُقَال: هُوَ يُنَافِحُ عَن فُلانٍ. وَقَالَ غَيره: هُوَ يُنَاضِحُ عَنهُ. وَقَالَ ابْن السّكيت: النَّفِيحةُ القَوْسُ وَهِي شطيبة من نَبْعٍ وَقَالَ مُليحٌ الْهُذلِيّ:
أَنَاخُوا مُعِيداتِ الوَجيفِ كأَنَّها
نَفَائِحُ نَبْعٍ لم تَربَّعْ ذَوَابِل
وَيُقَال للقوس النفيحة أَيْضا، وَهِي الفجواءُ المُنفَحَّة.
حفن: قَالَ اللَّيْث: الحَفْنُ أَخْذُكَ الشَّيْءَ بِرَاحَةِ الكَف والأصابِع مَضْمُومَة. ومِلْءُ كُل كفَ حَفْنَةٌ. واحْتَفَنْتُ إِذا أخذتَ لنَفسك.(5/73)
والمحْفَنُ ذُو الجَفْنِ الكثيرِ. وَكَانَ مِحْفَنٌ أَبَا بَطحَاءَ إِلَيْهِ ينْسب الدوابّ البَطْحَاوِيَّةُ.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: احتَفَنْتُ الرجلَ احْتِفَاناً إِذا اقتلعَته من الأَرْض.
قَالَ وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الحُفْنَةُ الحُفْرَةُ، وَجَمعهَا حُفَن.
وَقَالَ شمر: الحُفنة الحُفْرَةُ وَأنْشد:
هَلْ تَعْرِفُ الدَّارَ تَعفَّتْ بالحُفَنْ
قَالَ: وَهِي قَلَتَاتٌ يَحْتَفِرُها الماءُ كَهَيْئَةِ البِرَكِ.
وَقَالَ ابْنُ السكيتِ: الحُفَن: نُقرٌ يكون الماءُ فِيهَا، وَفِي أَسْفَلِها حَصًى وتُرابٌ. وأنشدني أَبُو بكر الْإِيَادِي لعَدِيّ بن الرّقاع العاملي.
بِكْرُ تُرَيثها آثَارُ مُنْبَعِقٍ
تَرى بِه حُفَنَاً زُرْقاً وغُدْرَانَا
ح ن ب
حبن، حنب، نحب، نبح، بحن، بنح: مستعملات.
حبن: قَالَ اللَّيْث: الحِبْنُ مَا يعتري الْإِنْسَان فِي الْجَسَد فيقيحُ ويَرِم، والجميع الحُبُون. والحَبَنُ أَيْن يكثر السقْي فِي شَحم الْبَطن فيعظُمَ البَطْنُ لذَلِك.
أَبُو عبيد عَن اليزيديّ قَالَ الأحْبَنُ الَّذِي بِهِ السقْيُ.
قَالَ وَقَالَ العُدَيْس الكنانيّ يُقَال لأُم حُبَيْنٍ حُبَيْنَةٌ وَهِي دَابَّة قَدْرُ كف الْإِنْسَان. وَقَالَ اللَّيْث هِيَ دُويبَة على خِلْقَةِ الْحِرْبَاءِ عريضَةُ البَطْنِ جِدَّا وَأنْشد:
أمَّ حُبَيْنٍ أبسطي بُرْدَيْك
إِن الْأَمِير دَاخِلٌ عَلَيْك
وضَارِبٌ بِالسَّيْفِ مَنْكِبَيْكِ
والحَبَنُ عِظَمُ البَطْنِ، وَلذَلِك قيل لمن سَقَى بطْنُه قد حَبَن. وَأم حُبَيْنٍ هِيَ الْأُنْثَى من الحَرَابِيّ.
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أنَّه رَأَى بِلالاً وَقد خَرَجَ بَطْنُه، فَقَالَ أمُّ حُبَيْنٍ) وَهَذَا من مَزْحِه ج أَرَادَ ضِخَمَ بطْنِه.
وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) رَأَيْت فلَانا مُحْبَئِنّاً ومقْطَئِرّاً ومُصْمَغِدّاً أَي ممتلئاً غَضَباً.
وَقَالَ ابْنُ بُزُرْج تَقول الْعَرَب فِي أُدْعِيَّة بَين الْقَوْم يتداعون بهَا: صب الله عَلَيْكَ أُمَّ حُبَين ماحضاً يَعْنُون اللَّيْلَ.
حنب: قَالَ اللَّيْث الحَنَبُ اعوجاج فِي السَّاقَيْن. قَالَ والتَّحْنِيبُ فِي الخَيْل ممَّا يُوصف صَاحبه بالشدَّة، وَلَيْسَ ذَلِك باعْوِجَاجٍ شَدِيدٍ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: التَّحْنِيبُ توتيرٌ فِي الرجْلَين.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: التَّحْنِيبُ فِي السَّاق.
وَقَالَ غَيره اعْوِجَاجٌ فِي الضُّلُوع.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل المُحَنَّبُ من الْخَيل المُعطَّفُ العِظَامِ.
قَالَ وَيُقَال حَنَّبَهُ الكِبَرُ وحَنَاه إِذا نَكَّسَه.
وَقَالَ اللَّيْث: رَجُلٌ مُحَنَّب شيخ مُنْحَنٍ وَأنْشد:
يظل نَصْباً لِرَيْبِ الدَّهْرِ يَقْذِفُه
قَذْفَ المُحَنَّبِ بالآفَاتِ والسَّقَم(5/74)
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: الْحَنْبَاءُ عِنْد الْأَصْمَعِي المُعْوَجَّةُ السَّاقَيْنِ. قَالَ: وَهِي عِنْد ابْن الأعرابيّ فِي الرجْلَيْنِ وَقَالَ فِي موضعٍ آخَرَ: الْحنْبَاءُ المعوَجَّةُ السَّاق وَهُوَ مَدْحٌ فِي الخَيْلِ. وَقد حَنَبَ فلانٌ أَزَجاً مُحْكَماً أَي بَنَاه مُحْكَماً فَحَناه.
نحب: قَالَ اللَّيْث: النَّحْبُ النَّذْرُ.
قَالَ الله جلّ وعزّ: {اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن} (الْأَحْزَاب: 23) قُتِلوا فِي سَبِيل الله فأدركوا مَا تمنَّوا فَذَلِك قَضَاء النَّحْبِ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَول الله جلّ وعزّ {اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن} أَي أَجَلَه وَكَذَلِكَ قَالَ الفرّاء. وَقَالَ شمر: النَّحْبُ النَّذْرُ، والنَّحْبُ الموتُ، والنَّحْبُ الخَطَرُ العظِيمُ.
وَقَالَ جرير:
بِطَخَفَة جالدْنَا الْمُلُوك وخيلُنا
عَشِيَّةَ بِسْطَامٍ جَرَيْن على نَحبِ
أَي على خطر عَظِيم، وَيُقَال على نَذْرٍ. وَيُقَال سَار فلَان على نَحْبٍ إِذا سَار وأَجْهَد السَّيْرَ. وَيُقَال نَحَّبَ القَوْمُ إِذا جَدُّوا فِي عَمَلِهمْ.
وَقَالَ طُفَيْلُ:
يزرن إِلاَلاً مَا يُنَحبْنَ غَيْرَهُ
بِكُل مُلَبَ أشعثِ الرأْس مُحْرِم
وَيُقَال سَار سيراً مُنَحباً: قَاصِدا لَا يُرِيدُ غَيْرَه كأنّه جعل ذَلِك نَذْراً على نَفْسِه لَا يريدُ غَيره.
وَقَالَ الكُمَيْتُ:
يَخِدْنَ بِنَا عَرْض الفَلاةِ وطُولَها
كَمَا سَار عَن يُمْنَى يَدَيْهِ المُنَحبُ
يَقُول إِن لم أبلغ مَكَان كَذَا وَكَذَا فلك يَمِيني. وَقَالَ لبيد:
أَلا تَسْأَلاَنِ المَرْءَ مَاذَا يُحَاوِلُ
أَنَخْبٌ فيُقْضَى أم ضَلالٌ وبَاطِلُ
يَقُول عَلَيْهِ نَذْرٌ فِي طُولِ سَعْيهِ.
شمر عَن عَمْرو بن زُرَارَةَ عَن محمدِ بن إِسْحَاق فِي قَوْله {اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن} قَالَ: فَرَغ من عَمَلِهِ ورجَعَ إِلَى رَبه، هَذَا لمن اسْتُشْهِد يَوْم أُحُد، وَمِنْهُم من يَنْتَظِر مَاوَعَدَهُ الله من نصْره أَو الشَّهَادَةِ على مَا مَضَى عَلَيْهِ أصحابُه. وَفِي حَدِيث طَلْحَة بن عبيد الله أَنه قَالَ لِابْنِ عَبَّاس: هَل لَك أَن أُنَاحِبَك وترفَع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَبُو عبيد قَالَ الْأَصْمَعِي: نَاحَبْتُ الرجل إِذا حَاكَمْتَه أَو قاضَيْتَه إِلَى رَجُلٍ. قَالَ أَبُو عبيد وَقَالَ غَيره: نَاحَبْتُه ونافَرْتُه أَيْضا مثلُه. قلت: أَرَادَ طلحةُ هَذَا الْمَعْنى: كأنَّه قَالَ لِابْنِ عباسٍ أُنَافِرُك فتعدّ فضائلك وحَسَبَك وأَعُد فَضَائِلي وَلَا تذكر فِي فضائلك وَحَسَبَك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقُرْبَ قَرَابَتِكَ مِنْهُ، فإنّ هَذَا الفضلَ مسلَّم لَك، فارفعه من النفَار وَأَنا أُنَافِرُك بِمَا سواهُ.
وَقَالَ أَبُو عبيد التنحيب شدَّة القَرَب للْمَاء وَقَالَ ذُو الرمة:
ورُب مَفَازَةٍ قَذَفٍ جَمُوحٍ
تَغُول مُنَحبَ القَرَبِ اغتيالا
قَالَ: والمُنَحبُ الرجُلُ. اللَّيْث: النحيبُ البُكاءُ. وَقد انْتَحَب انتحاباً. أَبُو عبيد عَن أبي زيد: من أمراض الْإِبِل النُّحَابُ والقُحَابُ والنُحازُ، وكل هَذَا من السُّعال. وَقد نَحَب يَنْحِبُ.(5/75)
وَقَالَ أَبُو سعيدٍ: التَّنْحِيبُ الإكبابُ على الشَّيْء لَا تُفَارِقُه. وَيُقَال نَحَّب فُلانٌ على أمرٍ. قَالَ وَقَالَ أَعْرَابِي أصابَتْهُ شَوْكَة فَنَحَّبَ عَلَيْهَا يَسْتَخْرِجُها أَي أكَبَّ عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي كل شيءٍ هُوَ مُنَحبٌ فِي كَذَا. عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: النَّحْبُ النومُ، والنَّحْبُ النَّفس، والنَّحْبُ صوتُ البُكاءِ، والنَّحْبُ الطُول والنَّحْبُ السمَن، والنَّحْبُ الشدَّةُ، والنَّحْب القِمَارُ والنَّحْبُ النَّذْرُ، وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن الصَيداويّ عَن الرياشي أَنه قَالَ يومٌ نَحْبٌ أَي طَوِيل.
نبح: قَالَ اللَّيْث: النَّبْحُ صَوت الْكَلْب، تَقول: نَبَحَ يَنْبَحُ نَبْحاً ونُبَاحاً، والتيسُ عِنْد السفَاد يَنْبَحُ، والحيَّة تَنْبَحُ فِي بعض أَصْواتِها وَأنْشد:
يأْخذُ فِيهِ الحيَّةَ النَّبُوحا
قَالَ: والنَّوابِحُ والنُّبُوح جماعةُ النَّابِح من الكلابِ. أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: رجل نَبَّاحٌ ونَبَّاجٌ شَدِيد الصَّوْت. قَالَ: والنُّبُوح الجماعةُ الكثيرةُ من النَّاس. وَقَالَ الأخطل
إنَّ العَرَارَةَ والنُّبُوح لِدَارِمٍ
والمستخِفُّ أخُوهُمُ الأثقالا
وَقَالَ شمر: يُقَال نَبَحَتْهُ الكِلابُ، ونَبَحَتْ عَلَيْهِ، ونَابَحَه الكلبُ. وَيُقَال فِي مَثَلٍ: فلَان لَا يُعْوَى وَلَا يُنْبَحُ، يَقُول هُوَ من ضَعْفِه لَا يُعْتَدُّ بِهِ وَلَا يُكَلَّمُ بِخَيْرٍ وَلَا شَرّ وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
نَبَحتْ كِلاَبُك طَارِقاً مثلي
وَقَالَ غَيره: الظبي يَنْبَحُ فِي بعض الْأَصْوَات وَأنْشد:
وقُصْرَى شَنِجِ الأنْسَا
ء نَبَّاح من الشُّعْب
رَوَاهُ الجاحظ نباح من الشَّعْب، وَفَسرهُ يَعْنِي من جِهَة الشَّعْب وَأنْشد:
ويَنْبَجُ بَين الشَّعْبِ نَبْحاً كَأَنَّه
نُبَاحُ سَلوقٍ أَبْصَرَتْ مَا يَرِيبُها
قَالَ: والظَّبْيُ إِذا أَسَنَّ ونَبَتَتْ لقرونِه شُعَبٌ نَبَح. قلت: وَالصَّوَاب الشُّعْب بِضَم الشين جمع الأَشْعَب وَهُوَ الَّذِي انْشَعَب قرناه.
وَقَالَ اللَّيْث: النَّبَّاحُ مَنَاقِفُ صِغَارٌ بيض يجاءُ بِهَا من مَكَّة تُجْعَلُ فِي القلائد والوُشُحِ. عَمْرو عَن أَبِيه النُّبَحَاء الصيَّاحة من الظباء.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس قَالَ ابْن الْأَعرَابِي النَّبَّاح الظبي الكثيرُ الصياحِ. والنَّبَّاحُ الهدهد الْكثير القَرْقَرة وَقَالَ أَبُو خيرة النُّبَاح صَوت الأَسْوَد يَنْبح نُباح الجرو.
بنح: أهمله اللَّيْث وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: البِنَحُ: العطايا. قلت: الأَصْل فِيهَا المِنَح جمع المنيحة فقلبت الْمِيم بَاء قَالَ والبُنَحُ الظباء.
بحن: عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: البَحْنَانَة: الجُلَّة الْعَظِيمَة البحرانية الَّتِي يحمل فِيهَا الكنعد المالح وَهِي البَحْوَنة أَيْضا وَكَذَلِكَ دَلْوُ بَحْوَنِيُّ عَظِيم كثير الأخْذِ للْمَاء. وَقَالَ ابْن الأعرابيّ يُقَال: لضَرْبٍ من النّخل بَحْنَةٌ وَبِه سُمى ابْن بُحَيْنَةَ. قَالَ: وَابْن بَحْنَةَ السوطُ. قلت: قيل للسوط ابْن بَحْنَةَ لأَنه يُسوى من قُلُوس العَرَاجين. وَيُقَال للجُلَّة الْعَظِيمَة البَحْنَاءُ أَيْضا.(5/76)
ح ن م
حنم، حمن، منح، محن، نحم: مستعملات.
حنم: أهمل اللَّيْث حنم.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: الحَنَمَةُ: البُومة قلت وَلم أسمع هَذَا الحرفَ لغيره وَهُوَ ثِقَة.
نحم: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي النَّحْمَةُ: السَّعْلَةُ وَتَكون الزّحْرَةَ. وَقَالَ اللَّيْث: نَحَم الفَهْد يَنْحَمُ نَحِيماً، وَنَحْوه من السبَاع كَذَلِك. وَكَذَلِكَ النَّئِيمُ وَهُوَ صوتٌ شَدِيد. والنُّحَامُ طَائِر أَحْمَر على خِلْقة الوزّ الْوَاحِدَة نُحَامَةٌ. وَرجل نَحَّامٌ بخيل إِذا طُلِب معروفُه كَثُر سعاله وَمِنْه قَول طرفَة:
أَرَى قبر نَحَّامٍ بخيل بِمَالِه
كقبر غوِيّ فِي البَطَالة مُفسد
وَقَالَ غَيره نحم الساقي وَالْعَامِل ينحِمُ.
وينحم نحيماً إِذا استراح إِلَى شبه أَنِين يُخرجهُ من صَدره وَأنْشد:
مَالك لَا تَنْحَمُ يَا رواحهْ
إِن النَّحيم للسُّقَاة راحهْ
منح: قَالَ اللَّيْث: مَنَحْتُ فلَانا شَاة، وَتلك الشَّاة اسْمُها المِنِيحة وَلَا تكون المَنِيحَةُ إِلَّا عَارِية للَّبَنِ خاصَّةً: أَبُو عبيد عَن الْكسَائي أمْنَحَت النَّاقة فَهِيَ تُمنِحٌ إِذا دنا نِتَاجُها. وَقَالَ شمر لَا أعرف أمْنَحَتْ بِهَذَا الْمَعْنى. قلت: أمْنَحَتْ بِهَذَا المعنَى صَحِيحٌ، وَمن الْعَرَب مسموع، وَلَا يضرُّه إِنْكَار شمر إِيَّاه.
وَفِي حَدِيث النَّبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (من مَنَحَ مِنْحة وَرِق أَو مَنح لبَناً كَانَ كَعَدْل رقَبَةٍ) .
وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: مِنْحَةُ الوَرِق هُوَ القَرْضُ. وَقَالَ أَبُو عبيد المِنْحَةُ عِنْد العربِ على مَعْنَيَيْنِ: أَحدهمَا أَن يُعْطى الرجلُ صاحبَه المالَ هبة أَو صِلَة فيكونُ لَهُ، وَأما المِنحةُ الأُخْرَى فأَنْ يمنحَ الرجلُ أخَاه نَاقَة أَو شَاة يَحْتَلِبُها زمَناً أَو أيَّاماً ثمَّ يردُّها، وَهُوَ تَأْوِيل قَوْله ج: (المِنْحَةُ مردودَةُ وَالْعَارِية مؤدَّاةٌ) ، قَالَ والمِنْحةُ أَيْضا تكون فِي الأَرْضِ يَمْنَحُ الرجلُ الرجلَ أرضَه ليزْرَعها. وَمِنْه حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من كَانَ لَهُ أرضٌ فليزرعْها أَو يمنحْها أَخَاهُ) أَي يدفعْها إِلَيْهِ حَتَّى يزرَعها فَإِذا فَرَغ رَفَع زرْعَها وردَّها على صَاحبهَا.
أَبُو عبيد عَن الْفراء: مَنَحْتُه أمْنِحُه وأمنَحُه فِي بَاب فَعَل يفعِلُ ويفعَل وَقَالَ اللَّيْث المنْحَةُ منفعتُك أخَاك بِمَا تَمْنَحَهُ. وكلُّ شَيْء تقصد بِهِ قصدَ شَيْء فقد مَنَحْتَه إِيَّاه كَمَا تمنح المرأةُ وجههَا المرآةَ وَمِنْه قَول سُوَيد بن كُرَاع:
تمنح المرآةَ وَجْهَاً وَاضِحاً
مثلَ قَرْنِ الشَّمْسِ فِي الصَّحْوِ ارْتَفَع
والمَنِيحُ الثامِنُ مِنْ قِدَاح المَيْسِر. وَقَالَ اللحياني المَنِيحُ أحدُ القِدَاحِ الأرْبَعَةِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا غُنْمٌ وَلَا غُرْمٌ، إِنَّمَا يثقَّل بهَا القداح كَرَاهَة التُّهمَة؛ أَولهَا المُصَدَّرُ ثمَّ المضعَّفُ ثمَّ المَنِيحُ ثمَّ السَّفِيحُ. والمنيح أَيْضا قِدْح من قِدَاحِ الميسر يُوثَقُ بفَوْزِه فيستعار لِيُتَيَمَّن بفوزه، فالمنيح الأولُ من لَغْو القِدَاحِ، وَهُوَ اسْم لَهُ. والمنيح الثَّانِي(5/77)
هُوَ المستعَارُ. وَأما الحَدِيث الَّذِي جَاءَ فِيهِ: (كنتُ مَنيحَ أَصْحَابِي يَوْم بَدْرٍ) ، فَمَعْنَاه أَنِّي كنت مِمَّن لَا يُضْرَبُ لَهُ بسهمٍ من الْفيء لِصِغرى، فَكنت بِمَنْزِلَة السهْم اللَّغْوِ الَّذِي لَا فوزَ لَهُ وَلَا خسْرَ عَلَيْهِ، وَقد ذكر ابْن مقبل القِدْح الْمُسْتَعَار الَّذِي يتيمن بفوزه فَقَالَ:
إِذا امْتَنَحَتْه من مَعَد عِصَابَة
غَدَا رَبُّه قَبْلَ المُفيضِينَ يَقْدَح
يَقُول إِذا استعارُوا هَذَا القِدْحَ غَدَا صاحِبُه يقْدَح النارَ لِثِقَتِهِ بفوزِه، فَهُوَ المنيحُ المستعارُ. وأمّا قَوْله:
فمهلاً يَا قُضَاعُ فَلا تَكُونِي
مَنِيحاً فِي قداح يَدَيْ مُجِيلِ
فإِنَّه أَرَاد المنِيحَ الَّذِي لَا غُنْمَ لَهُ وَلَا غُرْمَ، وَيُقَال رجل منَّاح فيَّاح إِذا كَانَ كثيرَ العطايا. أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو المَمَانِحُ النَّاقة الَّتِي يبْقى لَبَنُها بَعْدَمَا تذْهب أَلْبَانُ الْإِبِل، بِغَيْر هَاء. وَقَالَ ذَلِك الأصمعيُّ وَقد مانَحَتْ مِنَاحاً ومُمَانَحةً، وَكَذَلِكَ مانَحتِ العينُ إِذا سَالَتْ دُموعها فَلم تَنْقَطِع، وَقَالَ المُمَانح من الأمطار الْمَطَر الَّذِي لَا يَنْقَطِع.
حمن: أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي القُراد أوّل مَا يكون وَهُوَ صَغِير لَا يكَاد يرى من صغره. يُقَال لَهُ قُمْقَامة ثمَّ يصير حُمْنَانَة ثمَّ قُراداً ثمَّ حَلَمَةً.
وَقَالَ اللَّيْث أَرض مَحْمَنة كَثِيرَة الْحَمْنَان وَهِي صغَار القِرْدان. قَالَ والْحَمْنَانُ على مِثَال فَعْلان الْوَاحِدَة حَمْنَانَةٌ.
شمر عَن الأصمعيّ الحوْمانةُ وَجَمعهَا حَوَامِينُ أَماكنُ غِلاظٌ منقادَةٌ وَقَالَ أَبُو خَيْرة الحوْمانُ واحدتها حَوْمَانَةٌ وَجَمعهَا حوامينُ وَهِي شقائق بَين الجِبَال وَهِي أطيب الحُزُونة، جَلَد لَيْسَ فِيهَا إكام وَلَا أبارق.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو الحَوْمَانُ مَا كَانَ فَوق الرَّمل ودونه حِين تصعَدُه أَو تهبِطُه. وَقَالَ زُهَيْر:
بحومانة الدَّرَّاج فالمُتَثَلَّم
قلت: حوْمان فَوْعال من حمن.
محن: قَالَ أَبُو العبَّاس أَخْبرنِي سلمةُ عَن الْفراء أَنه قَالَ يُقَال محنته: ومخَنْتُه بِالْحَاء وَالْخَاء ومحجْتُه ونقَحْتُه وجَلَهْتُه وجحشته ومَشَنْتُه وعَرَمْتُه وحَسَفْتُه وخبلته وخَسَلْتُه ولَتَحْتُه كُله بِمَعْنى قشرته.
وَقَالَ اللَّيْث المحنة معنى الْكَلَام الَّذِي يُمْتَحَنُ بِهِ ليُعرف بِكَلَامِهِ ضميرُ قلبه، تَقول: امتحنْتُه وامتحَنْتُ الكلمةَ إِذا نظرتَ إِلَى مَا يصير إلَيْهِ صَيُّورُها. وَقَالَ غَيره محنته وامتحنْتُه بمنزلةِ خَبَرْتُه واختبرتُه وبلوته وابتلَيْتُه وأصل المَحْن الضربُ بالسوْطِ.
روى أَبُو عبيد عَن الأمَوِيّ مَحَنْتُه عشْرين سَوْطًا مَحْناً إِذا ضربتَه وَقَالَ المفضَّل فِيمَا رَوَى عَنهُ ابْن الْأَعرَابِي مَحنت الثَّوْب مَحْناً إِذا لبِسته حَتَّى تُخلقه وَقَالَ أَبُو سعيد: محنت الْأَدِيم مَحْناً إِذا مددته حَتَّى توسعَه قَالَ وَمعنى قَول الله جلّ وعزّ: {اللَّهِ أُوْلَائِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} (الحجرات: 3) شرح الله قُلُوبهم كأنّ مَعْنَاهُ وسّع الله على قُلُوبهم للتقوى.(5/78)
أَبُو الْعَبَّاس عَن الْأَعرَابِي المَحْن اللينُ من كل شَيْء. والمَحْنُ العطيَّة يُقَال سَأَلته فَمَا مَحَنَنِي شَيْئا أَي مَا أَعْطَانِي.
أَبُو عَمْرو: المَحْنُ النِّكَاح الشَّديد يُقَال مَحَنَها ومَخَنَها ومَسَحَها إِذا نكَحَها.
حَدثنَا الْحُسَيْن عَن سُوَيْد عَن عبد الله بن الْمُبَارك عَن صَفْوَان أَن أَبَا الْمثنى المُلَيْكي حدَّثه أَنه سمع عُتبة بن عبدٍ السُّلَمِيَّ وَكَانَ من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حدَّث أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (الْقَتْلَى ثلاثةٌ: رجل مؤْمِنٌ جاهدَ بِنَفسِهِ ومالِه فِي سَبِيل الله حَتَّى إِذا لَقِي العَدُوَّ قاتَلهُمْ حَتَّى يُقْتَلَ فَذَاك الشَّهِيد المُمْتَحَنُ فِي خَيْمة الله تَحت عَرْشه لَا يَفْضُله النبيُّون إِلَّا بِدَرَجَة النُّبُوَّة) ثمَّ ذكر الحَدِيث إِلَى آخِره، قَالَ شمر قَوْله (فَذَاك الشَّهِيد الممتحَن) هُوَ المصفَّى المهذَّب المُخْلَص.
وَرُوِيَ عَن مُجَاهِد {اللَّهِ أُوْلَائِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} (الحُجرَات: 3) قَالَ أَخْلَصَ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة {الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ} صفَّاها وهذَّبها. وَقَالَ غَيره الممتَحن الموطَّأ المذلَّل.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: مَحَنْتُه بالشدّ والعَدْوِ وَهُوَ البَلْس بالطرد والممتحِنُ والمُمَحِصّ واحِدٌ، وَجلد مُمَحَّن مقشور.
(أَبْوَاب الْحَاء وَالْفَاء)
ح ف ب: مهمل (1))
ح ف م
اسْتعْمل من وجوهه: (فَحم) .
فَحم: قَالَ اللَّيْث: الفَحْمُ الْجَمْر الطافِىء؛ الْوَاحِدَة فَحَمَةٌ وَأنْشد أَبُو الْهَيْثَم للأغلب:
قد قَاتلُوا لاَ ينفخون فِي فَحَم
يَقُول لَو كَانَ قِتَالهمْ يُغْنِي شَيْئاً وَلكنه لَا يُغْني فَكَانَ كَالَّذي ينفخُ نَارا وَلَا فَحم وَلَا حطب، فَلَا تذكو النَّارُ وَلَا تَتَّقِدُ، يضْرب هَذَا مثلا للرجل الَّذِي يُمارِسُ أمْراً لَا يُجْدِي عَلَيْهِ.
وَقَالَ اللَّيْث: فَحم الصَّبِي وَهُوَ يفحم إِذا طَال بكاؤه حَتَّى يَنْقَطِع نَفَسه.
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْكسَائي فَحِمَ الصَّبِي يفْحَمُ فُحُوماً وفُحَاماً إِذا بَكَى حَتَّى يَنْقَطِع. وَقَالَ اللَّيْث كلَّمني فلَان فأفحمتُه إِذا لم يُطِقْ جوابَك، قلت كأنّه شُبه بِالَّذِي يبكي حَتَّى يَنْقَطِع نَفَسه، وشاعر مُفْحَمٌ لَا يُجيب محاجِيَه، وَرجل مُفْحَم لَا يَقُول الشّعْر.
وَقَالَ اللَّيْث شَعَرٌ فَاحِمٌ وَقد فَحَم فُحومة وَهُوَ الْأسود الْحسن وَقَالَ الْأَعْشَى:
مبتلة هيفاءُ رُودٌ شبابُها
لَهَا مُقْلتا رِئْم وأسودُ فاحمُ
أَبُو عبيد ورُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (ضُمُّوا فَوَاشِيكُمْ حَتَّى تذهَب فَحْمَةُ الْعشَاء) . وَالْفَوَاشِي: مَا انْتَشَر من المَال، الْإِبِل وَالْغنم وَغَيرهَا. قَالَ: وفَحْمةُ العِشاء شدَّة سَواد الليلِ وظلمته، وَإِنَّمَا يكون ذَلِك فِي أوَّله حَتَّى إِذا سكن فَوْرُه قلّت ظُلمته، وَقَالَ الفرَّاء يُقَال فَحِمُوا عَن العِشَاء يَقُول(5/79)
لَا تَسِيروا فِي أَوَّله حِين تقوم الظُّلْمَةُ وَلَكِن أمهلوا حَتَّى تسكُنَ وتعدل الظلمَة ثمَّ سِيرُوا وَقَالَ لبيد:
واضْبِطِ اللَّيْل إِذا طَالَ السُّرَى
وتَدَجَّى بعد فَوْرٍ واعتدل
وَقَالَ شمر يُقَال فَحْمَةٌ وفَحَمَةٌ لُغَتَانِ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الفَحْمَةُ مَا بَين غرُوب الشَّمْس إِلَى نوم الناسِ سميت فَحْمَة لحَرها وأولُ اللَّيْل أحَرُّ من آخِره. قَالَ وَلَا تكون الفحْمة فِي الشتَاء. قَالَ وَلَا يُقَال فِي الشَّرَاب فَحْمَةٌ كَمَا يُقَال الجاشريَّة والصَّبُوح والغَبُوق والقَيْل. قَالَ: وَيُقَال للَّذي لَا يتَكَلَّم أصلا فَاحِمٌ وَيُقَال للَّذي لَا يَقُول الشّعْر مُفْحَم.
(بَاب الْحَاء وَالْبَاء مَعَ الْمِيم: مهمل)
آخر الثلاثي الصَّحِيح من حرف الْحَاء.(5/80)
أول الثلاثي المعتل من الْحَاء
أهملت الْحَاء مَعَ بَاقِي حُرُوف الْحلق فِي المعتلات
(بَاب الْحَاء وَالْقَاف)
(ح ق (وايء))
حَقي، حاق، قحا، قاح، وقح: (مستعملة) .
حَقي: وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه أعْطى غَسَلَةَ ابْنَته حَقْوَه وَقَالَ أشعرْنَها إيَّاه، وَذَلِكَ حِين توفيت وغُسلَتْ وكفنت. الحَقْوُ: الإزَارِ هَاهُنَا وَجمعه حُقِيّ. وَقَالَ أَبُو عبيد الحَقْو مَعقِد الْإِزَار من الجَنْبِ، يُقَال أخذتُ بحَقْوِ فلَان. وجمعُ الحَقْوِ حِقَاءٌ. وَقَالَ اللَّيْث الحَقْوانِ الخاصرتَان. والجميع الأَحْقَاءُ. وَالْعدَد أَحْقٍ كَمَا ترى تَقول عُذْتُ بِحَقْوِ فلَان إِذا عاذَ بِهِ ليمنَعَه، وَأنْشد:
وعذتم بأَحْقَاءِ الزّنادِق بَعْدَمَا
عركتكم عَرْكَ الرّحى بِثِفَالها
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن بشر بن مُوسَى عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: كلُّ مَوضِع يَبْلُغُه سيلُ الماءِ فَهُوَ حَقْوٌ. وَقَالَ اللَّيْث: إِذا نظرت إِلَى رَأس الثَّنِيَّةِ من ثَنَايا الْجَبَل رَأَيْت لِمَخرِمَيْها حَقْوَينِ وَقَالَ ذُو الرمة:
تَلْوِي الثنايا بأَحْقِيَها حَوَاشِيه
لَيَّ المُلاَءِ بأبوابِ التَّفَاريج
التفاريج: خَصَاص الدَرَابَزِين بنحِقرات قَالَه ثَعْلَب يَعْنِي السّراب. وَيُقَال: رمى فلانٌ بِحَقْوٍ، أَي رمى بِإِزَارِهِ. والحَقْوَةُ داءُ يَأْخُذ فِي البَطْن يورِث نَفْخَةً فِي الحَقْوَيْنِ تَقول: حُقِيَ الرجل فَهُوَ مَحْقُوُّ إِذا أَصَابَهُ ذَلِك الدَّاء قَالَ رؤبة:
من حَقْوَةِ الدَّاء وَرَاء الأعْداد
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: الحَقْوَةُ داءُ يكون فِي الْبَطن من أَن يَأكُلَ الرجُلُ اللَّحْم بَحتَاتٍ فَيَقَع عَلَيْهِ الْمَشْي وَقد حُقِيَ فَهُوَ مَحْقُوٌّ.
وَقَالَ ابْن الأَعرابي الحَقْوة فِي الْإِبِل نَحْو التَّقْطيع يأخُذُها من النُّحَازِ. قَالَ: وأكثرُ مَا تقع الحَقْوَةُ للْإنْسَان. وروى عَنهُ أَبُو الْعَبَّاس أَنه قَالَ حَقِي يَحْقَى حَقاً مقصورٌ وَرجل مَحْقُوٌّ قَالَ أَبُو بكر مَعْنَاهُ إِذا اشْتَكَى(5/81)
حَقْوَهُ أَبُو عَمْرو الحِقَاءُ رِباط الجُلّ على بطن الْفرس إِذا حُنذ للتَّضْمير وَأنْشد لطَلْق بن عدي:
/ ثمَّ حَطَطْنا الجُلَّ ذَا الحِقَاء
كَمثل لَوْن خَالِصِ الحِنَّاءِ
أخبر أَنه كُمَيْتٌ. قَالَ: الحِقاء جمع حَقْوةٍ، وَهُوَ مُرْتَفع عَن النَّجْدَةِ وَهُوَ مِنْهَا مَوضِع الحَقْوِ من الرجل يتحرَّزُ فِيهِ الضباع من السَّيْل. قَالَ أَبُو النَّجْم يصف مَطَرا:
يَنْفِي ضِبَاع القُفّ من حِفائه
وَقَالَ النَّضر: حُقِيُّ الأَرْض سُفوحها وأسنادها وَاحِدهَا حَقْوٌ وَهُوَ السَّنَدُ والهَدَفُ.
ثَعْلَب عَن سَلمَة عَن الْفراء قَالَت الدُّبَيرية يُقَال: ولغَ الْكَلْب فِي الْإِنَاء ولجن واحْتَقَى يَحْتَقي احتقاءً بِمَعْنى وَاحِد.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: حَقْوُ السَّهْم مُسْتَدَقُّه مِمَّا يَلِي الريش. وَيُقَال حَقْوُ السهْم مَوضِع الريش وَجمع الْحَقْوِ حِقَاءٌ وحُقِيٌّ.
قحا: قَالَ الليثُ: القَحْوُ تأسيس الأقْحُوَان وَهِي فِي التَّقْدِير أفْعُلاَن وَهُوَ من نَبَات الرّبيع مُفَرَّضُ الْوَرق دَقِيق العيدان لَهُ نوْرٌ أَبيض كَأَنَّهُ ثغر جَارِيَة حَدَثةِ السن. والواحدة أقْحُوانة وَلَو جعلته فِي دَوَاء قلت: دَوَاء مَقْحُوٌ ومُقَحًّى.
وأقحوانة مَوضِع مَعْرُوف فِي ديار بني تَمِيم، وَقد نزلت بِهِ.
والأُقحوان هُوَ القُرَّاصُ عِنْد الْعَرَب وَهُوَ البابُونج والبابونك عِنْد الْفرس. وَالْعرب تَقول رَأَيْت أقاحي أمره كَقَوْلِك رَأَيْت تباشير أمره وَفِي (النَّوَادِر) اقتحَيْتُ المَال وقَحَوْتُه واجْتَفَفْتُه وازْدَفَفْتُه أَي أَخَذته.
وَقَالَ: فالأقحوانة منا منزل قمِن.
حوق: عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الحُوقَةُ الْجَمَاعَة الممحزِقة وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي الحوق الكنس، والمِحوقَةُ المِكْنَسة قَالَ والحوق الحَوْقَلَةُ. وَقَالَ اللَّيْث الحَوْقُ والحُوقُ لُغَتَانِ، وَهُوَ مَا اسْتَدَارَ بالكمرة يُقَال فَيْشَلة حوقاءُ. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي الحَوْقُ الْجمع الْكثير. أَبُو عبيد عَن الْكسَائي الحُواقَةُ القماش. وَقد حُقْتُ الْبَيْت حَوْقاً: كنسته.
وَقَالَ النَّضر: حَاق بهم العذابُ كأَنَّهُ وَجب عَلَيْهِم، وَقَالَ: حاق الْعَذَاب يَحِيق فَهُوَ حَائق. وَقَالَ اللَّيْث: الحَيْق مَا حَاقَ بالإنسان من مكْرٍ أَو سُوءٍ يعملهُ فينزلُ ذَلِك بِهِ، تَقول أحاق الله بِهِمْ مَكْرَهُم وحاق بهم مَكْرهمْ. وَقَالَ الزّجاج فِي قَوْله جلّ وعزّ: {الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ} (غَافِر: 83) أَي أَحاط بهم العذابُ الَّذِي هُوَ جزءُ مَا كَانُوا يستهزءون. كَمَا تَقول أحَاط بفلان عملهُ وأهلكه كسْبُه؛ أَي أهلكه جَزَاء كَسبه. قلت: جعل أَبُو إِسْحَاق حاق بِمَعْنى أَحاط، وكأَن مأخذَه من الحُوق وَهُوَ مَا اسْتَدَارَ بالكَمَرَةِ، وَجَائِز أَن يكون الحُوقُ فُعْلاً من حاق يَحِيق كأَنَّه كَانَ فِي الأَصْل حُيْقاً فقلبت الْيَاء واواً لانضمام مَا قبلهَا، وَالْيَاء تدخل على الواوِ فِي حُرُوف كَثِيرَة، يُقَال تصوّح النبت وتصيّح إِذا تشقق وتوَّهَه وتيَّهه وطوّحه وطيّحه.(5/82)
سَلمَة عَن الْفراء فِي قَوْله: {الْعِلْمِ وَحَاقَ} هُوَ فِي كَلامِ العرَب عَاد عَلَيْهِم مَا استهزءُوا وَجَاء فِي التَّفْسِير أَحَاطَ بهم وَنزل بهم.
وقح: اللَّيْث الوَقَاحُ الحافِر الصُّلْبُ الْبَاقِي على الْحِجَارَة. والنعت وقاحٌ، الذَّكُر وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاء والجميع وُقُح وَوُقَّح، ورجلٌ وقَاحُ الْوَجْه صُلبه قليلُ الحياءِ، وَقد وَقُح وقَاحَةً وقِحَةً وَوَقَح الفرسُ وَقاحة وقِحَةً والتوقيح أَن يوقح الحافرُ بشحْمَةٍ تذاب حَتَّى إِذا تشيّطت الشحمة وذابت كُوِيَ بهَا مَوَاضِع الحَفَاء والأَشَاعِر. واستوقح إِذا صلُب وَقَالَ غَيره: وَقحْ حوضَك أَي امْدُرْه حَتَّى يَصْلُبَ فَلَا ينشَفَ الماءُ، وَقد يُوَقَّح بالصفائِح وَقَالَ أَبُو وجزة:
أفْرِغْ لَهَا فِي ذِي صَفِيحٍ أَوْقَحَا
قيح: قَالَ اللَّيْث يُقَال للجرح إِذا انْتَبَرَ: قَدْ تَقَوَّحَ. قَالَ وقَاحَ الجرحُ يَقيحُ وقَيَّحَ وأَقَاحَ، والقيح المِدَّةُ الْخَالِصَة الَّتِي لَا يخالطها دَمٌ. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي أقاح الرَّجُلُ إذَا صمَّم على الْمَنْع بعد السُّؤَال، وَرُوِيَ عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ مَنْ مَلأَ عيْنَيه من قَاحَةِ بيْتٍ قبل أَن يُؤْذَنَ لَهُ فقد فَجَر.
وَقَالَ ابنُ الْفرج سَمِعت أَبَا الْمِقْدَام السُلَميَّ يَقُول هَذِه بَاحَةُ الدَّارِ وقَاحَتُها وَمثله طين لازِبٌ ولازقٌ. ونَبِيثَةُ البِئْرِ ونَقِيثَتُها وَقد نَبَّثَ عَن الأَمْرِ ونَقَّثَ. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي عَن أبي زِيَادٍ: مَرَرْت على دَوْقَرة فَرَأَيْت فِي قَاحَتِها دَعْلَجاً شَظِيظاً. قَالَ قاحةُ الدَّار وسَطُهَا، والدَّعْلَجُ الحُوَالِقُ والدوقَرَةُ أرضٌ نَقِيَّة بَين جبالٍ أحاطت بهَا.
وروى ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي القُوح الأرَضُون الَّتِي لَا تُنْبِتُ شَيْئا، يُقَال قَاحَةٌ وقُوحٌ مثل ساحةٍ وسُوحٍ ولابَةٍ ولُوبٍ وقارَةٍ وقُورٍ.
(أَبْوَاب الْحَاء وَالْكَاف)
(ح ك (وايء)
حاك، (يحوك، ويحيك) ، كاح، حكى، حكأ، وكح، كحا: مستعملة.
حوك حيك: قَالَ اللَّيْث الحُوك بقلة ورَوَى ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحَوْكُ الباذروج. قَالَ اليزيدي ماحكّ فِي صَدْرِي مِنْهُ شَيْء وَمَا حاكَ وكلٌّ يُقَال:
فَمن قَالَ حكَّ قَالَ يحُكُّ وَمن قَالَ حاك قَالَ يحِيكُ حَيْكاً، وَيُقَال مَا أحاك فِيهِ السَّيْف وَمَا حاك كلٌّ يُقَال:
فَمن قَالَ أحَاكَ قَالَ يُحِيكُ إحاكَةً، وَمن قَالَ حاكَ قَالَ يَحيكُ حَيْكاً وحاك الحائك يحُوك حياكَةً وحَوْكاً وحَاك فِي مَشْيهِ يَحِيكُ حَيَكاناً أَي تبختر.
وَحدثنَا السَّعْدِيّ قَالَ حَدثنَا الزَّعْفَرَانِي عَن زيد بن الحُبَاب:
قَالَ أخبرنَا مُعَاوِيَة بن صَالح قَالَ أَخْبرنِي عبد الرحمان بن نُغَيْر عَن أَبِيه عَن النَوَّاس بن سَمْعان الْأنْصَارِيّ: أَنه سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن البِرّ والإثْم فَقَالَ:
(البِرُّ حُسْنُ الخُلُق وَالْإِثْم مَا حَاكَ فِي نفْسِك وكَرِهْتَ أَن يطّلِعَ عَلَيْهِ النَّاس) .(5/83)
وَقَالَ اللَّيْث الشَّاعِر يحوك الشعْرَ حَوْكاً والحائك يَحِيك الثَّوْب حَيْكاً والحِياكةُ حرْفَتُه. قلت هَذَا غلط الحائك يحوك الثَّوْب وَجَمِيع الحائك حَوَكَةٌ وَكَذَلِكَ الشَّاعِر يَحُوكُ الْكَلَام حَوْكاً. وأمّا حاك يَحِيكُ فَمَعْنَاه التَّبَخْتُر.
وَقَالَ اللَّيْث الحَيْك النسج والحَيْكُ أَخْذُ القَوْل فِي الْقلب، يُقَال:
مَا يَحِيكُ كلامُكَ فِي فلَان وَلَا يَحيكُ الفأْسُ وَلَا القَدُومُ فِي هَذِه الشَّجَرَة.
قَالَ والحَيَكَانُ مَشْيَةٌ يُحَركُ فِيهَا الْمَاشِي أَلْيَتَهُ، تقولُ رجل حَيّاكٌ وَامْرَأَة حَيّاكَةٌ تَتَحَيّكُ فِي مِشْيَتها. أَبُو عبيد عَن أبي زيد: الحيكان أَن يُحَرَّكَ مَنْكِبَيْه وجسدَه حِين يمشي مَعَ كَثْرَة لحم.
ابْن بُزُرْج قَالُوا حَوْكٌ وحَوَكٌ وحُوُوكةٌ، وَالْمعْنَى التسَاجات وَهِي الثِّيَاب بِأَعْيَانِهَا.
أَبُو نصر عَن الْأَصْمَعِي: مَا حاك سيْفُه أَي مَا قَطَع، وَمَا حَكَّ فِي صَدْرِي مِنْهُ شَيْء، أَي مَا تخالَجَ فِي صَدْرِي مِنْهُ شَيْء. قَالَ وحَاكَ يحيكُ حيكاً إِذا فَحَّجَ فِي مِشْيَتِهِ وحرّكَ مَنْكِبَيْه وَقَالَ المُبَرد: حَاكَ الثوبَ والشعرَ يحوكُهُ، كِلاَهُما بِالْوَاو، وَهُوَ يَحِيكُ فِي مِشْيته، ومِشْيةٌ حَيَكَى إِذا كَانَ فِيهَا تبختر.
كوح كيح: قَالَ الليثُ: كاوحتُ فلَانا مكاوحَةً إِذا قاتَلْتَه فَغَلَبْتَه. ورأَيتُهما يتكاوحان، والمكاوحَةُ أَيْضاً فِي الْخُصُوماتِ وَغَيرهَا. ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: أكاح زيدا. وكوَّحه إِذا غَلَبه، وأَكاحَ زيدا إِذا أَهْلَكَه.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو والتكْوِيحُ التَّغْلِيبُ وَأنْشد:
أعددتُه للخَصْم ذِي التَّعَدّي
كوَّحْتُه مِنْكَ بِدُونِ الْجَهْدِ
وكوَّحَ الزمَامُ البعيرَ إِذا ذلَّلَه، وَقَالَ الشَّاعِر:
إِذا رام بغياً أَو مراحاً أقامَهُ
زِمَامٌ بمَثْنَاهُ خِشَاشٌ مكوحُ
بمثناه بِمَا ثنى من طرفَهِ حَلْقَةً
شمر عَن الْأَصْمَعِي الكِيحُ نَاحيَة الْجَبَل وَقَالَ رؤبة:
عَن صَلَتٍ من كيحنَا لَا تَكْلِمه
وَقَالَ أَبُو عَمْرو الكِيحُ عُرْض الْجَبَل وأَغْلَظُه قَالَ والوادي رُبمَا كَانَ لَهُ كِيحٌ إِذا كَانَ فِي جُرُفٍ غليظ فجرفه كيحهُ، وَلَا يعد الكِيحُ إِلَّا مَا كَانَ من أصْلَب الحِجَارة وأخْشنها، وكل سنَدٍ جبلٍ غليظٍ كِيحٌ وَإِنَّمَا كوْحه خُشْنته وغِلَظُه، وَالْجَمَاعَة الكِيحَةُ. وَقَالَ اللَّيْث أسنانٌ كيحٌ غَلِيظَة وَأنْشد:
ذَا حَنَكٍ كِيح كحب القِلقِل
قَالَ والكِيح صقع الجُرْف وصقْع سنَدِ الْجَبَل.
وكح: أَبُو عبيد عَن أبي زيد أَوْكَحَ عطيَّتَه إيكاحاً إِذا قَطَعَها.
الْأَصْمَعِي: حفر فَأكْدَى وأَوْكَحَ إِذا بَلَغَ المكانَ الصُّلْبَ وَقَالَ المفضّل سَأَلته فاسْتَوْكَحَ استيكاحاً أَي أمسك وَلم يُعْط.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: استوكَحَتِ الفراخُ إِذا غلظت وَهِي فراخ وُكُحٌ. وَقَالَ غَيره أَرَادَ أَمْراً فَأَوْكَحَ عَنهُ أَي كفَّ عَنهُ وتَرَكَه.(5/84)
حكى: اللَّيْث الحِكاية كَقَوْلِك حكَيْتُ فلَانا وحاكَيْتُه إِذا فعلتَ مثلَ فعلِه سَوَاء وَقلت مثلَ قولِه سَوَاء لَا تجاوزُه.
سَلمَة عَن الفرّاء: الحاكِيَةُ الشادّة يُقَال حكت أَي شدّت قَالَ والحائِكة المتبخترة.
حكأ: قَالَ اللَّيْث أحكأتُ العُقْدَةَ إحْكَاء إِذا شدَدْتَّها واحْتَكأَتِ العُقْدَةُ إِذا اشتدّت وَقَالَ الأصمعيّ: أَحْكَأَ عُقْدَتَه إحكاءً إِذا شدّها، وأَنشد شمر:
أَجْلَ أَنَّ الله قد فَضَّلكم
فوقَ من أَحكأ صُلْباً بإزار
الصُّلْبُ هَاهُنَا الحَسَبُ، والإزار العِفَّةُ من الْمَحَارِم.
وَقَالَ شمر هُوَ من أحْكأتُ العُقْدَة أَي أحْكَمْتُهَا. وَقَالَ أَبُو حَاتِم قَالَ الأصمعيّ: أهل مكّة يسمون العِظَاءة الحُكَأَة. والجميع الحُكَى، مَقْصُور. قَالَ أَبُو حَاتِم. وَقَالَت أم الْهَيْثَم الحُكاءَة ممدودة مَهْمُوزَة. وَهُوَ كَمَا قَالَت. وَفِي (النَّوادر) . يَقُول لَهُ احْتَكَأَ أمْرِي لفَعَلت كَذَا، أَي لَو بَان لي أَمْرِي فِي أوّله. ابْن السّكيت يُقَال احْتَكَأ ذَاك الأمْرُ فِي نَفسِي أَي ثَبَتَ فَلم أشُكَّ فِيهِ، وَمِنْه إحْكَاء العُقْدَةِ، وَيُقَال سَمِعت أَحَادِيث فَمَا احتكأ فِي صَدْرِي مِنْهَا شيءٌ.
كحا: أهمله اللَّيْث وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ أَنه قَالَ كَحَا إِذا فسد. قلتُ: وَهُوَ غَريبٌ.
(بَاب الْحَاء وَالْجِيم)
(ح ج (وايء))
حجا، حَاج، جحا، جاح، وجح، وَحج، أحح.
حجا (أحج) : وَقَالَ اللَّيْث: تَقول حاجَيْتُه فَحَجَوْتُه إِذا ألقيت عَلَيْهِ كلمة مُحْجِيَةً مُخَالفَة المَعْنَى لِلَّفظ. والجواري يتحاجَيْن. والحُجَيَّا تَصْغِيرُ الحَجْوَى. وَتقول الجاريةُ للأخْرى جُحَيَّاكِ مَا كانَ كذَا وكذَا. والأُحْجِيَّةُ اسْم المحاجاةِ وَفِي لُغَة أُحْجُوَّة وَالْيَاء أحسن. والْحجْوَى اسْم أَيْضا للمحاجاة.
وَقَالَت بنت الخُس العاديَّةُ فِيمَا يُرْوَى لَهَا:
قَالَتْ قالَةً أختى
وحَجْوَاهَا لَهَا عَقْلُ
ترى الفتيان كالنخل
وَمَا يدرِيك مَا الدَّخْلُ
الدَّخْلُ العيْبُ.
أَبُو عُبَيْدٍ: بَينهم أُحْجِيَّةٌ يتحاجَوْن بِهَا، وَهِي مثل الأُغلوطة وأُدْعيَّه فِي مَعْنَاهَا، وَقَالَ أَبُو زيد يُقَال مِنْهُ حاجَيْتُه، وَهُوَ نَحْو قَوْلهم أَخْرِجْ مَا فِي يَدي وَلَك كَذَا.
سلمةُ عَن الْفراء قَالَ: حُجَيَّاكَ مافي يَدي، أَي حاجَيْتُك. وَقَالَ الْأَصْمَعِي فلَان يأتينا بالأحاجيّ أَي بالأغاليط. وَقَالَ اللَّيْث الحَجَاةُ فُقَّاعةٌ ترْتَفع فوقَ المَاء كأنَّها قارورةُ والجميع الحَجَوَاتُ وَأنْشد:
وعَيْنَاي فِيهَا كالحَجاة من الْقطر
وَقَالَ الْأَصْمَعِي الحَجَا مقصورٌ النُّفاخات على المَاء الْوَاحِدَة حَجَاةٌ. قَالَ: والحِجَا(5/85)
العقلُ مقصورُ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو زيد والفراءُ. وَأنْشد اللَّيْث قولَ الْأَعْشَى:
إِذْ هِيَ مثلُ الغُصْن ميَّالَةٌ
تروق عَيْنَيْ ذِي الْحِجا الزائر
وَيُقَال: هُوَ حَجٍ بِهِ قَالَ وَتقول إنَّه لَحِجَيٌّ أَن يفعل ذَاك أَي حَرِيٌّ بِهِ، وَمَا أَحْجَاهُ بِهِ وأحْراه قَالَ العجاج:
كرَّ بِأَحْجَى مَانِعٍ أَن يَمْنَعَا
وَتقول أَحْجِ بِهِ أيْ أَحْرِبه وأخلِقْ بِهِ أَن يكون، قَالَ الأصمعيُّ وَقَالَ اللَّيْث الحَجَا الزمزمة وَقَالَ الشَّاعِر:
زمزمة الْمَجُوس فِي أحجائها
وَقَالَ ابنُ الْأَعرَابِي فِي حَدِيث رَوَاهُ عَن رجل رَأَيْت عِلْجاً يومَ الْقَادِسِيَّة قد تكَنَّى وتَحَجَّى فقتلتُه؛ قَالَ ثعلبٌ سَأَلت ابنَ الْأَعرَابِي عَن تحجَّى فَقَالَ: مَعْنَاهُ زَمْزَمَ قَالَ والحِجاءُ مَمْدُود الزمْزَمة وَأنْشد:
زَمْزَةُ الْمَجُوس فِي حِجَائِها
هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو الْعَبَّاس عَنهُ وكأنهما لُغَتَانِ إِذا فتحتَ الْحَاء قصرْتَ وَإِذا كسرتها مددت، وَمثله الصَّلا والصلاءُ والأَيا والإياءُ للضَّوْءِ. قَالَ وتكنى لزم الكِنَّ، أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ حاجَانِي فلانٌ فاحْتَجَيْتُ أَي أصَبْتُ مَا سَأَلَني عَنهُ وأنشدنا:
فَنَاصِيَتي ورَاحِلَتي ورحْلي
ونِسْعَا نَاقَتِي لمن احْتَجَاهَا
وَقَالَ اللَّيْث الْحجْوَة الْحَجْمَة يَعْنِي الحدقة. قلت لَا أَدْرِي هِيَ الحَجْوَةُ أَو الجَحْوَة للحدقة. وَقَالَ الأصمعيّ حجا الرجل يحجو إِذا أَقَامَ بِالْمَكَانِ وَثَبت وَقَالَ العجاج:
فَهُنَّ يعكُفْنَ بِهِ إِذا حَجَا
وَيُقَال تحجّيتكم إلَى هَذَا الْمَكَانِ أَي سَبَقْتُكمْ إِلَيْهِ وَلَزِمتهُ قبلكُمْ وَقَالَ ابْن أَحْمَر:
أصَمَّ دُعَاء عاذلتي تحجي
بآخرنا وتنسى أوّلينا
قَالَ وأَحْجَاءُ الْبِلَاد نَوَاحِيهَا وأطرافُها، وَقَالَ ابْن مُقْبل:
لَا يُحْرِزُ المرءَ أحجاءٌ البِلاَدِ وَلَا
تُبْنَى لَهُ فِي السماواتِ السَّلاَليم
وَقَالَ غيرُه وَاحِد الأحجاء حَجاً مَنْقُوص، ناحيةُ الشَّيْء وَقَالَ ذُو الرمة:
فَجَاءَت بأَغباش تحجَّى شَرِيعَة
تِلاداً عَلَيْهَا رمْيُها واحتِبالُها
قَالَ تَحَجَّى تقصد، حَجَاهُ، وَيُقَال تحجّى فلانٌ بظَنه إِذا ظنَّ شَيْئا فادّعاه ظانّاً، وَلم يستيقنه وَقَالَ الكُمَيْتُ:
تَحَجَّى أَبُوهَا مَنْ أبوهم فصادفُوا
سواهُ وَمن يجهلْ أَبَاهُ فقد جَهِل
وَتقول: حَجَوْتُ فلَانا بكَذَا أَيْ ظننْته بِهِ، وَقَالَ الشَّاعِر:
قد كُنْت أحجو أَبَا عَمْرٍ وأَخاً ثِقَة
حتّى أَلَمَّت بِنَا يَوْمًا ملمّاتُ
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ الحَجْوُ الوُقُوف حَجَا إِذا وقف قَالَ وحَجِي معدولٌ من حَجَا إِذا وقَفَ.
وَقَالَ الكسائيُّ: مَا حَجَوْتُ مِنْهُ شَيئاً، وَمَا هَجَوْتُ مِنْهُ شَيْئا أَي مَا حفِظْتُ مِنْهُ(5/86)
شَيْئا. وَقَالَ أَبُو عبيد قَالَ الْفراء حَجِيتُ بالشَّيْء، وتحجَّيْتُ بِهِ، يُهمز وَلَا يُهمز تمسكْتُ بِهِ ولزمْتُه وَأنْشد بَيت ابْن أَحْمَر:
أَصَمَّ دَعَاءُ عَاذِلتي تَحَجَّى
أَي تمسك بِهِ وَتلْزَمهُ قَالَ وَهُوَ يحجوبه وَأنْشد:
فهن يعكفن بِهِ إِذا حَجَا
أَي إِذا أَقَامَ بِهِ وَمِنْه قَول عدي بن زيد:
أطفَّ لأنفه الموسى قصيرٌ
وَكَانَ بِأَنْفِهِ حَجِئاً ضنينا
قَالَ شمر: تحجَّيتُ تمسكت جيدا قَالَ اللحياني يُقَال مَاله حَمْجَأٌ وَلَا مَلْجَأٌ بِمَعْنى وَاحِد. وَقَالَ أَبُو زيد إنَّه لَحَجيء بني فلَان أَي لاجىءٌ إِلَيْهِم وَقَالَ ابْن هانىء قَالَ أَبُو زيد حجا سرُّه يَحْجُوه إِذا كَتَمَهُ وَيُقَال لِلرَّاعِي إِذا ضَيَّع غَنَمَه فتفرَّقَت مَا يَحْجُو فلانٌ غنَمه وَلَا إبِلَهُ، وَمَا يَحْجُو السقَاءُ شَيْئا إِذا لم يَحْبِس الماءَ ونَفَحَ من جوانبه.
وَفِي (نَوادِرِ الأَعراب) لَا محاجَاةَ عِنْدِي فِي كَذَا وَلَا مكافأةَ، أَي لَا كتمانَ لَهُ عِنْدِي وَلَا ستر. وَقَول الأخطل:
جحونا بني النُّعْمَان إِذْ عَضّ ملكهم
وَقبل بَني النعمانِ حاربَنَا عَمْرو
قَالَ الَّذِي فسره جحونا قَصَدْنَا واعتمدْنا، قلت: مِنْهُ قَوْلهم إِنَّه لحجيّ بِكَذَا أَي حَرِيٌّ وَمَا أَحْجَاه أَي مَا أَخْلَقَهُ.
جحا: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: جَحَا إِذا خَطَا. قَالَ: والجَحْوَة الخَطْوَة الْوَاحِدَة قَالَ أَبُو الْعَبَّاس إِذا سمّيت رجلا بِجُحَا فألْحِقْه بِبَاب زُفَر. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الجاحي الحسنُ الصلاةِ، والجاحي المثاقب، والجائح الجَرَاد، قَالَ: وجُحَا معدول من جَحَا يَحْجُو إِذا خَطَا، وَقَالَ غَيره بَنو حَجْوانَ حَيٌّ من الْعَرَب.
واجتحى الشيءَ واجتاحه بِمَعْنى وَاحِد إِذا استأصَلَه. وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ قَالَ أَخْبرنِي ثعلبٌ عَن سلمةَ عَن الفرَّاء وَقَالَ فِي كَلَام تجاحيا الْأَمْوَال فَقلب يُرِيد اجتاحا وَهُوَ من أَوْلَاد الثلاثةِ فِي الأَصْل.
حوج: قَالَ اللَّيْث: الحَوْجُ من الحاجةِ، تَقول أَحْوَجَهُ الله. وَقد أَحْوجَ الرجلُ إِذا احتَاجَ. والحَاجُ جمع الحاجَةِ، وَكَذَلِكَ الحوائِج والحاجات. وَتقول لقد جَاءَت بِهِ حاجةٌ حائجةٌ. قَالَ: والتَّحَوُّجُ طلب الحاجَةِ وَقَالَ العجّاج:
إِلَّا انتظارَ الْحَاج من تَحوَّجَا
وَقَالَ الْفراء هِيَ الحِوَج للحاجات وَأنْشد.
وَعَن حِوَجٍ قَضَاؤُها من شِفَائِيا
والحاجُ ضرب من الشوك. ورُوي عَن الْكسَائي أَنه قَالَ: تَصْغِير الحاجِ الشوكِ حُيَيْجَةٌ. قَالَ وأَحْيَجت الأرضُ وأَحَاجَتْ إِذا أَنْبَتَت الحَاجَ. وَقَالَ الرّاجز:
كَأَنَّهَا الحاجُ أفادت عصبَة
أَرَادَ الحاجّ فخذف إِحْدَى الجيمين وخففه كَقَوْلِه:
لسوء الغالبات إِذا فليني: أَرَادَ فلينني وَأنْشد شمر.
والشحطُ قطّاعٌ رجاءَ من رجا
إِلَّا احْتضار الحاجِ من تحوَّجا(5/87)
قَالَ شمر يَقُول إِذا بعد من تُحِبُّ انْقَطع الرَّجَاء إِلَّا أَن يكون حَاضرا لحاجَتِك قَرِيبا مِنْهَا. وَقَالَ رَجَاء من رجا، ثمَّ اسْتثْنى فَقَالَ إِلَّا احتضار الْحَاج أَي إِلَّا أَن تحضره، والحاج جمع حاجَةٍ، وتَحَوَّج طلب حَاجَة. وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن أبي الْحسن الشيخي عَن الرياشي قَالَ يُقَال حاجَةٌ وحَاجٌ وأَخْبَرني عَن أبي الْهَيْثَم أنّه قَالَ الحاجَةُ فِي كَلَام الْعَرَب الأَصْل فِيهَا حائجة حذفوا مِنْهَا الْيَاء فلمَّا جمعوها ردوا إِلَيْهَا مَا حذفوا مِنْهَا فَقَالُوا حَاجَة وحوائج فدلّ جمعهم إِيَّاهَا على حوائج أَن الْيَاء محذوفة من الْوَاحِدَة قَالَ وَقَالُوا حَاجَة حوجاء وَأنْشد:
وحُجْتُ فَلم أكُدُرْكُمُ بالأَصَابِع
أَي تعفَّفْتُ عَن سُؤَالِكُمْ. وَقَالَ اللحياني حَاجَ الرّجُلُ يَحُوجُ ويَحِيجُ، وَقد حِجتُ وحُجْتُ أَي احتَجْتُ وَيُقَال كلمت فلَانا فَمَا رَدّ عليّ حَوْجَاءَ وَلَا لَوْجَاء على فعلاء مَمْدُود، وَمَعْنَاهُ مَا ردّ عليّ كلمة قبيحة وَلَا حَسَنَة. وَقَالَ اللحياني مَالِي فِيهِ حوجَاءُ وَلَا لَوْجَاءٌ وَلَا حويْجَاءُ وَلَا لويجاء أَبُو العبّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي حَاجَ يَحُوجُ حَوْجاً إِذا احْتَاجَ. قَالَ: والحَوْجُ الطّلب، والحَوْجُ الْفقر.
جوح: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: جَاحَ الرَّجُل يجوح جَوْحاً إِذا أَهْلَكَ مَال أقربائِه، وجَاح يَجُوح جَوْحاً إِذا عدا عَن المحجَّة إِلَى غَيرهَا، أَبُو عبيد الجَائِحة الْمُصِيبَة تحل بِالرجلِ فِي مَاله فتجْتَاحُه كُلَّه. قَالَ شمر، وَقَالَ ابْن شُمَيْل: أصابَتْهُمْ جائِحة أَي سنَةٌ شديدةٌ اجتاحت أموالَهُم فَلم تَدعْ لَهُم وَجَاحاً، والوَجاح بَقِيَّة الشَّيْء من مَالٍ أَو غيرِه. وَقَالَ اللَّيْث الجوح من الاجْتِياح، يُقَال جَاحَتْهُم السّنة واجتاحتهم، وَهِي تَجُوحُهم جَوْحاً وجِياحَةً، وَهِي سنة جَائِحَة جدْبَةٌ. وَنزلت بفلان جائِحة من الجوائِح. وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنّه أَمر بِوَضْع الجوائِح وَمِنْه قَول شَاعِر الْأَنْصَار:
ولَكِنْ عرايا فِي السنين الجوائِحِ
وَأَخْبرنِي عبد الْملك عَن الرّبيع عَن الشَّافِعِي قَالَ: جِمَاع الجَوائِح كلُّ مَا أذْهَبَ الثَّمَرَة أوْ بعضَها من أمْرٍ سماوِيَ بِغَيْر جنايةِ آدَمِيّ. قَالَ وَإِذا اشْترى الرجل ثَمَر نخل بَعْدَمَا يحل بيعُه فأُصِيبَ الثَّمر بَعْدَمَا قَبضه المشترِي لزمَه الثّمن كلّه، وَلم يكن على البائِع وضْعُ مَا أصابَه من الجائِحة عَنْه. قَالَ واحتملَ أمرُه بِوَضْع الجوائِح أَن يكون حَضّاً على الْخَيْر لَا حتما كَمَا أَمَر بالصُّلْح على النّصْف وَمثل أمرِه بِالصَّدَقَةِ تَطَوّعا فَإِذا خَلَّى البائِعُ بَين المشترِي وَبَين الثَّمر فأصابته جَائِحَة لم يُحكمْ على البائِع بِأَن يضع عَنهُ من ثمنه شَيْئا.
قلت: والجائحة تكون بالبَرَدِ يقعُ من السَّمَاء إِذا عظم حَجْمُه فَكثر ضَرَرُه، وَتَكون بالبرْدِ المحرق وَالْحر المُفْرِط حَتَّى يفْسد الثَّمر.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الجَوْحُ الْهَلَاك والجائِحَةُ مأخوذةٌ مِنْهُ.
وجح: قَالَ شمر: الوَجَحُ الملجأُ وَكَذَلِكَ الوَجَحُ وَأنْشد:(5/88)
فَلَا وَجَحٌ ينْجِيكَ إِن رُمْت حَرْبَنَا
وَلَا أَنْت مِنَّا عندَ تِلْكَ بآئل
وَقَالَ حُمَيْدُ بن ثَوْر:
نضْحَ السُّقَاةِ بصُبَابات الرَّجَا
ساعةَ لَا ينفَعُها مِنْهُ وجَحٌ
قَالَ ويُروى بَيت الْهُذلِيّ: فَلَا وجْحَ ينْجِيك.
قَالَ وَقد وجَحَ يَوْجَحُ وجْحاً إِذا التجأ، كَذَلِك قرأته بِخَط شَمِر، وَرُوِيَ عَن عمر أَنه صلّى بِقوم فلمّا سلم قَالَ: من استطاعَ مِنْكُم فَلَا يُصَل مُوجِحاً. فَقُلْنَا: وَمَا المُوجِحُ؟ قَالَ: مِنْ خَلاَءٍ أَو بَوْلٍ. قَالَ شمر: هَكَذَا رُوِيَ بِكَسْر الْجِيم، قَالَ وَقَالَ بَعضهم: مُوجَحٌ وقَدْ أَوْجَحهُ بولُه. قَالَ: وَسمعت أعرابيّاً سَأَلته عَنهُ فَقَالَ هُوَ المُجِحُّ ذهب بِهِ إِلَى الْحَامِل.
قَالَ شمر وَيُقَال ثوب موجَح كثير الْغَزل كثيف قَالَ وَطَرِيق موجِح مَهْيع وَقَالَ سَاعِدَة الْهُذلِيّ:
لَقَدْ أشهدُ البيتُ المُحَجَّبَ زَانَه
فِرَاشٌ وخِدْرٌ موجَحٌ ولطائِم
قَالَ الموجَحُ الغليظُ الكثيف، وثوب وَجِيحٌ متين كثيف. قَالَ شمر كَأَنَّهُ شَبَّه مَا يجد المحتقِن من الامْتلاء والانتفاخ بذلك قَالَ: وَيكون من أَوْجَحَ الشيءُ إِذا ظهر. يُقَال (وجح) الطريقُ والنارُ إِذا وَضُح وبَدَا. قَالَه ابْن المظفّر. وَقَالَ أَبُو وجزة:
جَوْفَاءٌ محشُوَّةٌ فِي موحَحٍ مَغِصٍ
أَضْيَافُه جَوَّعٌ مِنْهُ مَهَازيلُ
أَرَادَ بالموجَح جلدا لَهُ أمْلَسَ وأضيافُه قِرْدانه والموجَحُ يُشبه المغَار. وَقَالَ:
بِكُل أمعزَ مِنْهَا غيرِ ذِي وَجَحٍ
وكل دارة هَجْلٍ ذاتِ أوجاح
أَي ذَات غِيرَان. وأوْجَحَتْ غُرَّةُ الْفرس إيجَاحاً وأوضَحتْ إيضَاحاً.
قَالَ شمر: والمُوجِحُ أيْضاً الَّذِي يوجِحُ الشَّيْء يسترهُ ويُخْفِيه من الوِجَاح وَهُوَ السّتْر وَقَالَ اللَّيْث: مَا عَلَيْهِ وَجَاحٌ أَي مَا عَلَيْهِ سِترٌ وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْفراء: الوِجَاحُ والأَجاح والوَجاح السّتْر، الحرانيُّ عَن ابْن السّكيت قَالَ الْفراء: لَيْسَ بيني وَبَينه وِجاح ووَجاح وَأجاح وإجَاحٌ أَي لَيْسَ بَيْني وبينَه سِتْرٌ قَالَ شمر: وَسمعت أَبَا معاذٍ النحويَّ يَقُول: مَا بيني وَبَينه جَاحُ بِمَعْنى وَجاح.
قَالَ شمر: والموجِحُ أَيْضا الَّذِي يُوجحُ الشَّيْء يُمْسِكُه ويمنعُه من الوَجَحِ وَهُوَ الملجَأُ. قَالَ وأقرأني إِبْرَاهِيم بن سعد عَن الْوَاقِدِيّ للجُلاَح:
أتتركُ أَمْرَ القَوْمِ فِيه بَلابِلٌ
وتترك غيظاً كَانَ فِي الصدْرِ موجِحاً(5/89)
(بَاب الْحَاء والشين)
(ح ش (وَا يء))
حَشا، شحا، حاش، شاح، وشح، وَحش. أشح.
حَشا: قَالَ اللَّيْث الحشو: مَا حشَوْتَ بِه فِراشاً أَو غيرَ ذَلِك. والحَشِيَّةُ الفِراش المحشُوُّ. وَتقول احتشيتُ بِمَعْنى امْتلأْتُ. وَتقول انْحشَى صوتٌ فِي صوتٍ وانحشى حَرْفٌ فِي حَرْفٍ. قَالَ: والاحْتِشَاء احتشاءُ الرجلِ ذِي الإبْرِدِة والمستحاضةُ تحْتَشِي بالكُرْسُف. قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لامرأةٍ: (احْتَشِي كُرْسُفاً) ، وَهُوَ الْقطن تحشُو بِهِ فرجَهَا.
والحَشْوُ من الْكَلَام الفضْل الَّذِي لَا يُعتَمد عَلَيْهِ. قَالَ: والحشو صِغَارُ الْإِبِل، وَكَذَلِكَ حَوَاشِيها صغارُها، وَاحِدهَا حاشِيَةٌ. والحَشْوُ من النّاس الَّذين لَا يُعتدُّ بهم. وحاشِيَتَا الثَّوْب جَنَبَتَاه الطويلتَان فِي طرفيْهما الهُدْبُ. وحاشيةُ السَّرَابِ كلُّ ناحيةٍ مِنْهُ.
والحشا مَا دُون الحجابِ مِمَّا فِي الْبَطن كُله من الكبد والطحَال والكَرِش وَمَا تبع ذَلِكَ حَشا كُلُّه. وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن الحَرَّاني عَن ابْن السّكيت: الحَشَا مَا بَيْن آخِرِ الأَضْلاَع إِلَى الوَرِك. قلت والشافعيُّ ح سَمَّى ذَلِك كلّه حِشْوَةً. ونحوَ ذَلِك سَمِعت الْعَرَب تَقول لجَمِيع مَا فِي البَطْنِ: حِشْوَةٌ مَا عدا الشَّحْم فَإِنَّهُ لَيْسَ من الحِشْوَة. وَقَالَ اللَّيْث الحشَا أَيْضا ظاهرُ البطْنِ وَهُوَ الخَصْرُ، وَأنْشد فِي صفة امْرَأَة:
هَضِيم الحشَا مَا الشمسُ فِي يَوْم دَجْنها
وَإِذا ثنَّيتَ قلت حشَيانِ، والجميعُ الأحشاء. وَيُقَال فلَان لطيفُ الحشَا إِذا كَانَ أقبَّ ضامر الخَصْر.
وَقَالَ اللَّيْث: تَقول حشوتُه سَهْماً إِذا أَصَبْتَ حشاه. قَالَ وَتقول: حشأتُه بالعصَا حشَأً مهموزٌ إِذا ضربْتَ بَطْنه بهَا، مَزَّقوا بَينهمَا. وَأنْشد:
وكائِنْ تَرى يَوْم الكُلاَبِ مُجَدلاً
حشوناه مَحْشُورَ الحديدةِ أَصْمَعَا
وَتقول حشَأْتُ النارَ أَي غَشِيتُها. قلت: هَذَا غلطٌ وَصَوَابه حشأتُ المرأَةَ إِذْ غشِيتَها، وَكَأَنَّهُ من تصحيفِ الورَّاقين. شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي حشَأْتُه سَهْما وحشَوْتُه. وَقَالَ الْفراء: حشأتُه إِذا أدخلته جوفَه. وَإِذا أصبتَ حشَاه قلت حَشِيْتُه. وروَى أَبُو الْفضل لنا عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: حشَأْته سهْماً إِذا رميتَه فَأصَاب جَوْفه وَأنْشد هَذِه الأبيات:
لي كلَّ يَوْم مِنْ ذُؤاله
ضغثٌ يزِيد على إبَاله
لي كلَّ يَوْم صِبْقَةٌ
فَوقِي تَأَجَّلُ كالظُّلاَله
فلأحْشَأَنَّكَ مِشْقَصاً
أَوْساً أُوَيْسُ مِنَ الهباله
والصبْقَةُ الْغُبَار وَقَوله أَوْساً أَي عوضا من هَبَالتك يَا أَوْسُ، وَهُوَ الذِّئْب كَانَ يعبَثُ فِي غَنَمِه ويَهْتَبِلُ لَحْمَها فَرَمَاهُ بِسَهْم فِي جوْفِه وقَتَلَه.
الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت قَالَ حَشَأَ الرجلُ امرأَتَهُ يَحْشَؤُهَا حَشْأً إِذا نَكَحَها.(5/90)
قَالَ وحشَأتَه بسهمٍ إِذا أصبتَ بِهِ جَوْفه. وَقد حشَا الوسادةَ يحشُوها حَشْواً. وَقَالَ أَبُو زيد حشَأتُ الرجلَ بالسهمِ حَشْأً إِذا أصبتَ بِهِ جَنْبَيْهِ وبطنَه وحشَأتُ الْمَرْأَة حَشْأ إِذا نكَحْتَها. وحشأتُ بطنَه بالعَصَا حَشْأ إِذا ضربتَه بهَا. قلت: والصوابُ فِي حشَأت مَا روينَاهُ عَن هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة.
قَالَ المنذريُّ قَالَ أَبُو حَاتِم قَالَ الأصمعيُّ الحِشْوَةُ موَاضِعُ الطَّعَام، وَفِيه الأحْشَاءُ والأقْصَاب. قَالَ وَسمعت الأصمعيَّ يَقُول: أسفلُ مواضِعِ الطعامِ الَّذِي يُؤَدي إِلَى الْمَذْهَب المَحْشَاة بنصْبِ الْمِيم والجميع مَحَاشٍ وَهِي المَبْعَرُ من الدوابّ. وَقَالَ: إيَّاكم وإتْيَانَ النِّسَاء فِي مَحَاشِيهنَّ؛ فَإِن كل مَحْشَاةٍ حَرَامٌ. قَالَ: والكُلْيَتَان فِي أَسْفَل البطْن بَينهمَا المثانة وَمَكَان الْبَوْل فِي المثانة. والمَرْبَضُ تَحت السُّرَّة وَفِيه الصفاقُ. والصفاق جلدةُ البطْن الباطِنَة والجلْدُ الأسفلُ الَّذِي إِذا انخرق كَانَ رَقِيقا. والمَأْنَةُ مَا غَلُظَ مِمَّا تَحت السُّرَّة. وروى أَبُو نصر عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ المحاشِيءُ بِالْهَمْزَةِ أكسيةٌ خَشْنَة تحلق الْجَسَد وَاحِدهَا مِحْشَأُ. وَأنْشد:
ينْفُضْن بالمشافر الهَدَالِق
نَفْضَك بالمَحَاشِىء المَحَالِقِ
وَقَالَ غَيره المِحْشَاةُ بِغَيْر همز مَا وَلِي الدُّبُرَ من المَبْعَر. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة الحَشِيَّة رِفاعةُ الْمَرْأَة وَهُوَ مَا تَضَعه المرأةُ على عَجِيزَتِها تفطمها بِهِ، يُقَال تَحَشَّت الْمَرْأَة تَحشياً فَهِيَ متحشيَةٌ.
وعيش رَقِيق الحَوَاشِي إِذا كَانَ نَاعِماً فِي دَعَةٍ. وَقَالَ ابْن السّكيت الحاشِيَتان ابنُ المَخَاض وابنُ اللَّبُون. يُقَال: أرسلَ بنُو فلَان رَائِداً وانْتهى إِلَى أَرض قد شبعت حاشيتاها.
أَبُو عبيد إِذا اشْتَكَى الرَّجُلُ حَشَاه ونَسَاهُ فَهُوَ حَشٍ ونَسٍ. قَالَ والحَشْيَان الَّذِي بِهِ الرَّبْوُ. وَامْرَأَة حَشْيَا. وَفِي حَدِيث عَائِشَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَرَجَ من بَيتهَا لَيْلًا وَمضى إِلَى البقيعِ، فتبعَتْهُ عائشةُ وظنَّت أَنه دخلَ بعضَ حُجَرِ نسائِه، فَلَمَّا أَحَسَّ بسوادِها قصد قَصْدَه فعدَتْ وعَدَا على إثْرِها، فَلم يدْرِكْها إِلَّا وَهِي فِي جَوف حُجْرَتِها، فَدَنَا مِنْهَا وَقد وقَع عَلَيْهَا البَهْرُ والرَّبْوُ فَقَالَ لَهَا مَالي أرَاك حَشْيَا رَابِية. أَرَادَ مَا لي أَرَاك قد وَقع عَلَيْك الرَّبْوُ وَهُوَ البَهْرُ، والرَّبْو يُقَال لَهُ الحشَا وَقَالَ الْهُذلِيّ:
فَنَهْنَهْتُ أُولَى الْقَوْم منْهم بضرْبةٍ
تَنَفَّس مِنْهَا كلُّ حشيانَ مُحْجِرُ
وَقَالَ الفرّاء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {قُلْنَ حَاشَ للَّهِ} (يُوسُف: 51) هُوَ مِنْ حَاشَيْتُ أُحَاشِي. وَقَالَ غَيره يُقَال شَتَمْتُم فَمَا تحشَّيْتُ مِنْهُم أحدا وَمَا حَاشَيْتُ مِنْهُم أحدا ومَا حَاشَيْتُ أَي مَا قلت حَاشَى فلانٍ أَي مَا استثْنيت مِنْهُم أحدا.
وَقَالَ أَبُو بكر بن الْأَنْبَارِي: معنى حَاشَا فِي كَلَام الْعَرَب أَعْزِلُ فلَانا من وصْفِ الْقَوْم بالحَشَا، وأعْزِلُه بناحيته وَلَا أُدْخِلُه فِي جُمْلتهم، وَمعنى الحشا النَّاحِبةُ وَأنْشد:
وَلَا أُحَاشِي من الأَقْوَامِ مِنْ أَحَدِ(5/91)
ويقالُ حاشَى لِفُلانٍ، وحَاشَا فلَانا وحَشَى فُلاَنٍ. قَالَ عمرُ بن أبي ربيعَة:
من رَامَها حاشَى النَّبِيَّ وَأَهْلهُ
فِي الفَخْرِ غَطْمَطَهُ هُنَاكَ المُزْبِدُ
وَأنْشد الْفراء:
حشَى رَهْطِ النَّبِي فإنّ مِنْهُم
بُحوراً لَا تكدرُها الدَّلاَءُ
فَمن قَالَ حاشى لِفُلانٍ خَفَضَه بِاللَّامِ الزَّائِدَة، وَمن قَالَ حَاشى فلَانا أضمر فِي حاشَى مَرْفُوعا ونصبَ فلَانا بحَاشَى، وَالتَّقْدِير حاشَى فِعْلُهُم فلَانا. وَمن قَالَ حاشى فلانٍ خفض بإضمار اللَّام لِطُول صُحبتها حَاشَى، وَيجوز أَن تَخْفِضَه بحاشى لأنَّ حَاشَى لَمَّا خلت من الصَّاحِب أَشْبَهت الِاسْم فَأَضيفَتْ إِلَى مَا بَعْدَها. وَمن الْعَرَب من يَقُول حَاشَ لفُلان فيُسقط الْألف، وقَدْ قُرِىءَ فِي الْقُرْآن بِالْوَجْهَيْنِ. قلت حَاشَ لله كَانَ فِي الأَصْل حاشَى لله فَلَمَّا كثُرَ فِي كَلاَمِهمْ حَذَفُوا الياءَ وجُعِلَ اسْما وَإِن كَانَ فِي الأَصْل فِعْلاً، وَهُوَ حَرْفٌ من حُرُوفِ الِاسْتِثْنَاء مثل عدا وخَلاَ ولِذَلِكَ خَفَضوا بِحَاشى كَمَا خَفَضُوا بهما لِأَنَّهُمَا جُعِلا حَرْفين وَإِن كَانَ فِي الأصْل فعلين. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَوْله {قُلْنَ حَاشَ للَّهِ} (يُوسُف: 51) اشتُق هَذَا من قَوْلِك كُنْتَ فِي حَشَا فَلاَنٍ أَي فِي ناحِيَتِه فَالْمَعْنى فِي حاشى لله بَرَاءَة لله من هَذَا التَنَحّي. الْمَعْنى قد نَحَّى الله هَذَا من هَذَا وَإِذا قُلْتَ حَاشَ لِزَيْدٍ من هَذَا فَالْمَعْنى قد تَنَحَّى زَيْدٌ من هَذَا وتَبَاعَد مِنْهُ، كَمَا تَقول تَنَحَّى من النَّاحِيَةِ، كَذَلِك تَحاشَى من حاشِية الشَّيْء وَهُوَ ناحيته. وَأنْشد أَبُو بكر بن الْأَنْبَارِي فِي الحشا النَّاحِيَة:
يَقُول الَّذِي أَمْسَى إِلَى الحَزْن أهْلُهُ
بأيّ الحَشَا أَمْسَى الحبيبُ المبَايِنُ
وَقَالَ أَبُو بكر بن الْأَنْبَارِي فِي قَوْلهم: حاشَى فلَانا، مَعْنَاهُ قد استثنَيْتُه وأخرجْتُه فَلم أُدْخِلْه فِي جُمْلَة الْمَذْكُورين. قلت: جعله من حَشَا الشَّيْءِ وَهُوَ ناحيتُه. وَأنْشد الباهليُّ فِي الْمعَانِي:
وَلَا يتحَشَّى الفحلُ إِن أَعْرَضَتْ بِه
وَلَا يَمْنَعُ المِرْبَاعَ مِنْهُ فَصِيلُها
قَالَ لَا يَتَحَشَّى لَا يُبالي مَنْ حاشى. يُقَال: شتَمْتُهم فَمَا تحشَّيت مِنْهُم أَحَداً وَمَا حاشَيتُ مِنْهُم أحدا أَي مَا بالَيْتُه مِنْ حاشى فلانٌ، وَقَالَ ابْن الأعرابيّ تحشَّيْتُ من فلانٍ أَي تَذَمَّمْتُ وَقَالَ الأخطل:
فلولا التَّحَشي من رِياحٍ رمَيْتُها
بكالِمةِ الأنْيابِ باقٍ وُسومُها
حوش (حاشا) : قَالَ اللَّيْث: المَحاش كَأَنَّهُ مَفْعل من الحَوْشِ. وَهُوَ قَوْمٌ لفيف أُشابَةٌ. وَأنْشد بيتَ النابِغة:
جَمعْ مَحاشَكَ يايزيدُ فإنَّني
أَعْدَدْتُ يَربوعاً لكم وتمِيماً
قلت غلط اللَّيْث فِي المَحاش من جِهَتَيْنِ إحْداهُما فَتْحُه المِيمِ وجعلُه إيَّاه مَفْعَلاً من الحَوْش، والجهةُ الْأُخْرَى مَا قَالَ فِي تفسيرِه، وَالصَّوَاب المِحاشُ بِكَسْر الْمِيم، قَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِيمَا يَرْوِي عَنهُ أَبُو عبيد وَهُوَ قَول ابْن الأعرابيّ إنَّما هُوَ: جمّع(5/92)
مِحاشَك، بِكَسْر الْمِيم، جَعَلُوهُ من مَحَشَتْه النارُ إِذا أحْرَقَتْه لَا من الحَوْش وَقد مرّ تَفْسِيره فِيمَا تقدم من الْكتاب أَن المِحاش القومُ يتحالفون عِنْد النَّار وأمَّا المَحاشُ بِفَتْح الْمِيم فَهُوَ أثاث الْبَيْت، وَأَصله من الحَوْشِ وَهُوَ جمع الشَّيْء وضَمُّه، وَلَا يُقَال للفيف النَّاس مَحاش.
وَقَالَ اللَّيْث: الحُوْش بِلادُ الجنّ لَا يَمُرُّ بهَا أحدٌ من النَّاس وَرجل حُوشِيُّ لَا يألَفُ الناسَ ولَيْلٌ حوشِيٌ مظلم هائل وَقَالَ رؤبة:
إلَيْكَ سارَتْ من بِلادِ الحوشِ
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن ابْن الْهَيْثَم أَنه قَالَ الْإِبِل الحوشِيَّةُ هِيَ الوحْشِيَّة، وَيُقَال إِن فحلاً من فحولها ضرب فِي إبل لمَهْرة بن حَيْدان فَنُتِجَتْ النجائبُ المهريَّةُ من تِلْكَ الفحول الحوشيَّةِ فَهِيَ لَا يكادُ يُدْرِكُها التَّعَب. قَالَ وَذكر أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ أَنه رأى أرْبَع فِقَرٍ من مَهْرِيَّةٍ عَظْماً وَاحِدًا. قَالَ وإبل حوشِيَّةٌ محرماتٌ لعِزَّة نُفوسِها. وَيُقَال: فلانٌ يتَتَبَّعُ حوشِيَّ الْكَلَام وَوَحْشِيَّ الكلامِ وعُقْمِيَّ الْكَلَام بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ الليثُ: يُقَال حُشْنا الصيدَ وأحَشْناها أخذْناها من نَوَاحِيهَا تعْرِفُها إِلَى الحبائل الَّتِي نُصِبَتْ لَهَا. وَيُقَال فلَان مَا يَنْحاشُ من فلَان أَي مَا يكْتَرِثُ لَهُ. وزجرتُ الذئْبَ فِي أنْحاشَ لِزَجْرِي وَأنْشد الأَصْمعيُّ بيتَ ذِي الرُّمَّة يصف النعامة وبيضها.
وبيضاءَ لاتَنْحاشُ مِنَّا وَأمّهَا
إِذا مَا رأتْنا ذِيلَ مِنْهَا زَوِيلَها
أَرَادَ بالبيضاءِ بيْضَةَ النعامة وأمُّها النعامَةُ لِأَنَّهَا باضَتْها.
قَالَ أَبُو عبيدٍ قَالَ أَبُو زيد حُشْتُ عَلَيْهِ الصيدَ وأحْوَشْتُ أَي أخَذْنا مِنْ حواليه لنَعْرِفَه إِلَى الحِبالَةِ. وَيُقَال احْتَوَش القومُ فلَانا أَو تحاوَشوه أَي جَعَلُوهُ وَسطهمْ. وَقَالَ التحْويش التَّحْوِيل.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحُواشَةُ الاستحياء، والحُواسَة بِالسِّين الأكلُ الشديدُ وَقَالَ أَبُو عبيد الحائش جِماع النَّخْلِ. وَقَالَ شمر الحائش جمَاعَة كل شجرٍ من الطرفاء والنخْلِ وَغَيرهمَا وَأنْشد:
فَوُجِدَ الحائش فِيمَا أحْدَقا
قَفْرَا من الرَّامين إِذْ تَوَدَّقا
قَالَ وَقَالَ بَعضهم إِنَّمَا جُعل حائِشاً لِأَنَّهُ لَا منْفذَ لَهُ وَيُقَال الحُواشة من الْأَمر مَا فِيهِ قَطِيعَةٌ، يُقَال لَا تَغْش الحُواشة قَالَ الشَّاعِر:
غَشِيتُ حُواشَةً وجَهِلْتُ حقّاً
وآثَرْتُ الغُواية غَيْرَ رَاض
وَقَالَ أَبُو عَمْرو فِي (نوادره) : التحوّشُ الاستحياء وَقد تحوشت مِنْهُ أَي استحيت.
وَحش: وَقَالَ اللَّيْث: الوَحْشُ كلّ شَيْء من دوابّ الْبر مِمَّا لَا يُستأنس فَهُوَ وَحْشِيٌّ والجميع الوحوشُ يُقَال هَذَا حمارُ وحْشٍ وحمارٌ وحَشْيٌّ. وكل شَيْء يَستوْحِشُ عَنِ النَّاس فَهُوَ وَحْشِي.
قَالَ وَقَالَ بَعضهم: إِذا أقْبل اللّيلُ استأنس كلُّ وحْشِيّ واستوْحَش كلُّ إنْسِيّ.(5/93)
وَيُقَال للجائع الْخَالِي البطنِ: قد توحَّش. أَبُو عبيد عَن أبي زيد: رجل موحِشٌ وَوَحْشٌ وَهُوَ الجائع من قوم أَوْحاشٍ. يُقَال بَات وَحْشاً وَوَحِشاً أَي جائعاً. وَيُقَال توحّش فلَان للدواء إِذا أَخْلى مَعِدتَه ليَكُون أسهلَ لخُرُوج الفضولِ من عُروقه.
وَفِي حَدِيث الحَرورِيّين الَّذين قَاتلُوا عَلِياً بالنهرَوَان أَنهم وحَّشوا برماحهم أَي رَمَوْا بهَا على بُعْدٍ مِنْهُم. يُقَال للرجل إِذا كَانَ بِيَدِهِ شيءٌ فَزَجَّه زَجّاً بَعيدا قد وحّش بِهِ وَقَالَ:
إِن أَنْتُم لم تَطْلُبُوا بأخيكم
فَذروا السِّلَاح ووحشوا بالأبْرَقِ
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال للمكان الَّذِي ذهبَ عَنهُ الناسُ قد أَوْحَشَ، وطلَلُ موحِشُ وَأنْشد:
لِسَلْمى موحِشاً طَلَلُ
يلوح كأنَّه خِلل
نَصَبَ موحِشاً لِأَنَّهُ نَعْتُ النكرةِ مُقدَّماً وَأنْشد:
مَنازِلُها حِشونا
على قِيَاس سنُون، وَفِي مَوضِع النصبِ والجرِ حِشِيْنَ مثل سِنين، وَأنْشد:
فأمْسَتْ بَعْدَ ساكنِها حِشِينا
قلت أَنا: حِشُون جمع حِشَةٍ وَهُوَ من الْأَسْمَاء الناقِصة وَأَصلهَا وَحْشَةٌ فنقص مِنْهَا الواوُ كَمَا نقصوها من زِنَةٍ وصِلَةٍ وعِدَةٍ، ثمَّ جَمَعوها على حِشِينَ كَمَا قَالُوا عِزِين وعِضِينَ من الْأَسْمَاء النَّاقِصَة.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: وَحش فلانٌ بِثَوْبِهِ ووحَشَ بدرْعه إِذا أرهقه طالبُه فخافَ أَن يلحقَه فرسَ بِدرْعه ليُخَففَ عَن دابّته ونحوِ ذَلِك.
قَالَ الليثُ: وَرَأَيْت فِي كتابٍ أَنَّ أَبَا النَّجْم وَحَش بِثيابه وارْتدَّ يُنْشِد، أَي رَمَى بثيابه قَالَ والوَحْشيُّ والإنسي شِقّا كُل شَيْء، فإنسيّ القَدَمِ من الْإِنْسَان مَا أَقْبَلَ مِنْهَا على القَدم الأُخْرَى ووحشيُّها مَا خالَفَ إنسيها، عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ ووحشيُّ الْقوس الفارسيّة ظهْرُها وإنسيُّها بَطْنُها المقبلُ عَلَيْك. قَالَ: ووحْشِيُّ كل دابَّةٍ شقُّه الأَيْمَنُ وإنسيُّه شقَّه الأيْسر قلت جَوَّد ابنُ المظفَّر فِي تَفْسِير الوحشيّ والإنسيّ ووافَقَ قولُه قولُ أَئِمتنا المتقنين.
وروى أَحْمد بن يحيى عَن المفضّل وَرُوِيَ عَن أبي نصرٍ عَن الأصمعيّ وَرُوِيَ عَن الأَثْرَم عَن أبي عُبَيْدَة قَالُوا كلهم: الوحشيُّ من جَمِيع الْحَيَوَان لَيْسَ الإنسانَ هُوَ الجانبُ الَّذِي لَا يُرْكَبُ مِنْهُ وَلَا يُحْلَبُ، والإنسيّ الْجَانِب الَّذِي يُركبُ مِنْهُ ويحلب مِنْهُ الحالبُ، قَالَ أَبُو الْعَبَّاس وَاخْتلف النَّاس فيهمَا من الْإِنْسَان؛ فبعضهم يُلْحِقُه بالخيلِ والإبلِ، وَبَعْضهمْ فرّق بَينهمَا فَقَالَ الوحشيّ مَا وَلِيَ الكَيْفَ، والإنسيّ مَا وَلِيَ الإبِطَ، قَالَ وَهَذَا هُوَ الاختبار ليَكُون فَرْقا بَين بني آدمَ وسائِر الْحَيَوَان. وروى أَبُو عبيد عَن أبي زيد والعَدَبَّس الْكِنَانِي، فِي الوحشِيّ والإنسي من البهائِم مثلَ مَا روى أحمدُ بن يحيى عَن المفضّل والأصمعيّ وَأبي عُبَيْدَة، وَهَكَذَا قَالَ ابْن شُمَيْل. وَرَأَيْت كَلَام الْعَرَب على مَا قَالُوهُ، وَقد روى أَبُو عبيدٍ عَن الأصمعيّ فِي الوحْشِيّ(5/94)
والإنسي شَيْئا خالفَ فِيهِ روايةَ ثعلبٍ عَن أبي نصر عَن الأصمعيّ. وَالصَّوَاب مَا عَلَيْهِ الجماعةُ وَأما قَول أبي كَبِير الْهُذلِيّ:
وَلَقَد غَدَوْتُ وصاحِبِي وحشيَّةٌ
تحتَ الرداءِ بصيرةٌ بالمُشْرِفِ
فَإِن الباهليَّ زعم أَنه عَنَى بِالوَحْشيَّةِ ريحًا تدخُلُ تحتَ ثِيَابِه، وَقَوله بصيرةٌ بالمشرف يَعْنِي الرّيح من أَشْرَفَ لَهَا أَصَابَته، والرداء السَّيْف.
شمر عَن ابْن شُمَيْل يُقَال للْوَاحِد من الوحْشِ هَذَا وَحْشٌ ضَخْمٌ وَهَذِه شَاة وَحْشٌ، وَالْجَمَاعَة هِيَ الوَحْشُ والوُحُوشُ والوحيشُ وَقَالَ أَبُو النَّجْم:
أَمْسَى يبابا والنَعَامُ نَعمُهْ
قَفْراً وآجَالُ الوحِيش غَنَمُهْ
وَهَذَا مثل ضَائِنٍ وضَئِينِ. وَأَرْض مَوْحُوشة كثيرةُ الْوَحْش. والموَحْشَةُ الفَرَقُ من الخَلْوَةِ، أخَذَتْهُ وَحْشَةٌ وَيُقَال أوحَشْتُ المكانَ إِذا صَادفته وَحْشاً، وَمِنْه قَوْله:
وأوحَشَ مِنْهَا رَحْرَحانَ فَرَاكِسا
قَالَ أَبُو عبيد وَأَرْض موحوشة كَثِيرَة الوَحْش.
وشح: وَقَالَ اللَّيْث: جمع الوِشاح وُشُحٌ وَهُوَ حَلْيُ النِّسَاء كِرْسَانِ من لُؤْلؤٍ وجَوْهَرٍ منْظُومَان مُخَالَفٌ بَينهمَا معطوفٌ أَحَدُهما على الآخَرِ، تتوشَّحُ المرأةُ بِهِ، وَمِنْه اشْتُق تَوَشَّحَ الرجلَ بِثَوْبِهِ. قلت: والتوشُّحُ بالرداء مثل التَّأَبُّط والاضْطِبَاع وَهُوَ أَن يُدْخل الرجُل الثوبَ من تحتِ يدِه اليُمْنى فيلقيَهُ على عاتِقِه الأَيْسرِ كَمَا يَفْعَله المُحْرِمُ، وَكَذَلِكَ الرجُلُ يَتَوَشَّحُ بحمائِل سَيْفه فَتَقَع الحمائِل على عاتِقِه اليُسرى وَتَكون اليُمْنى مكشوفة، وَمِنْه قَول لبيد فِي توشّحه بلجام فرسه:
وَلَقَد حَمَيْتَ الحَيَّ تحمل شِكَّتِي
فُرُطٌ وِشَاحِي إذْ غَدَوْتُ لِجامُها
أخبر أَنه خرج رَبِيئَةً أَي طَلِيعةً لِقَوْمِهِ على رَاحِلته، وَقد اجْتَنب إِلَيْهَا فَرَسه يَقُودهُ بِمِقْوَدِه وتوشَّح بلجام فَرَسه، فَإِن أحسّ بالعدوّ أَلْجَمَها أوْرَابَهُ مِنْهُ رَيْبٌ نزل عَن رَاحِلَته وأَلْجَمَ فرسه وَركبهُ تحرُّزاً من العدُو وغَاوَلهم إِلَى الْحَيّ مُنْذِراً.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد الوشحاء من المِعزى الموشّحة ببياض. وأمَّا قولُ الراجز يُخَاطب ابْنا لَهُ:
أحبُّ مِنْك مَوضِع الْوُشْحُنّ
وَأَنه زَاد نوناً فِي الوُشُح كَمَا زَادهَا فِي قَوْله ومَوْضِعَ الإزَارِ والقَفَنَّ أَرَادَ الْقَفَا فَزَاد نوناً، هَكَذَا أنشدهما أَبُو عبيد وَقَالَ اللَّيْث: ديك مُوشَّحٌ إِذا كَانَ لَهُ خُطَّتان كالوِشاح وَقَالَ الطرماح:
ونَبهْ ذَا العفَاءِ الموشَّحِ
وَقَالَ أَبُو عبيد الموشَّحَةُ من الظباء الَّتِي لَهَا طرَّتَانِ من جانِبَيْها، وَيُقَال وِشاح وإشاح كَمَا يُقَال وِكاف وِإكافٌ.
شيح: قَالَ اللَّيْث: الشيحُ نبت يُتخذ من بعضه المكانسُ. قَالَ: والشيحُ ضرب من بُرودِ الْيمن، يُقَال لَهُ الشّيح والمشَيَّح وَهُوَ مخطّط، قلت لَيْسَ فِي البرُود والثيابِ شِيحٌ وَلَا شِيح بالشين مُعْجمَة من فَوق،(5/95)
وَصَوَابه السّيح والمسيَّح بِالسِّين وَالْيَاء، وَأَنا أذكرهما فِي موضعِهما من بَاب الْحَاء وَالسِّين فِي أَبْوَاب المعتلّ، وأَعْزِي مَا قيلَ فيهمَا إِلَى قائِله إِن شَاءَ الله.
وَقَالَ اللَّيْث الشياحُ الحِذَارُ وَرجل شائحٌ حَذِر وَتقول إِنَّه لمُشيح حازمٌ حَذِرٌ، وَأنْشد:
أَمُرُّ مُشِيحاً معي فتية
فَمِنْ بَيْنِ مُؤْدٍ وَمن خَاسِر
والمشيح المجدُّ. وَقَالَ عَمْرو بن الإطنابة:
وإقدامي على المكرُوه نَفْسِي
وضربي هامةَ البطلِ المُشِيح
قَالَ اللَّيْث: وَإِذا أَرْخَى الفَرَسُ ذَنَبَهُ قيل قد أَشَاح بِذَنبِهِ وَإِذا نَحَّى الرجلُ وجْهَهُ عَن وهَجِ نارٍ أصابَه، أَو عَن أَذًى قيل قد أَشَاحَ بِوَجْهه. قلت أَمَّا مَا قَالَ فِي إشَاحَتِه عَن وَهَج النَّار فَهُوَ صَحيحٌ لأنَّه حَذَرٌ وأَمَّا قولُه: أَشَاح الفرسُ بذنَبه إِذا أَرْخَاه فَإِنَّهُ تصْحيف عِنْدِي، وَالصَّوَاب فِيهِ أَسَاح بِذَنبه، وَكَذَلِكَ أَسَابَ بِهِ، ورُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (اتَّقُوا النَّار وَلَو بِشِقّ تَمْرَةٍ ثمَّ أعْرض وأشاح) .
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي المُشِيح الجادُّ والمُشيح الحذِر، وروى سلمةُ عَن الفراءِ أَنه قَالَ: المُشِيحُ على وَجْهَيْن: أَحدهمَا المُقْبِلُ عَلَيْك، والآخَرُ المانِعُ لِما ورَاءَ ظَهْرِه، قَالَ: وَقَوله أَعْرَضَ ثمَّ أَشَاحَ: أَي أقْبَلَ. الْفراء وَيُقَال إِنَّهُم لفي مَشْيُوحَاءَ ومَشِحَاءَ من أَمرهم: أَي يُحَاوِلون أَمْراً يَبْتَدِرُونه وَقَالَ بَعضهم: فِي اختلاطٍ من أمرِهِمْ. وَقَالَ شمر: المُشِيحُ ليسَ من الأضْدَادِ، إِنَّمَا هِيَ كلمةٌ جَاءَت بِمَعْنَيَيْنِ. قَالَ: وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: أعرض بِوَجْهِه وأَشَاح أَي جَدَّ فِي الْإِعْرَاض، وَقَالَ: المُشِيحُ الجادُّ قَالَ: وأقرأَنا لطرفة يصف الْخَيل:
دُوخِلُ الصَّنْعةُ فِي أَمْتُنِها
فَهِيَ من تحتُ مُشِيحَاتُ الحُزُمْ
يَقُول جَدّ ارتفاعُها فِي الحُزُم. وَقَالَ: إِذا ضَمُرَ وارتفع حزامه سمي مُشِيحاً.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الإشَاحَةُ أَيْضا الحَذَرُ، وَأنْشد قَول أَوْسٍ:
فِي حيثُ لَا تنفعُ الإشَاحَةُ من
أَمْرٍ لمن قد يُحاولُ البِدَعا
قَالَ والإشاحَةُ الحَذَرُ والخوفُ لمن حاولَ أَن يَدْفَعَ المَوْتَ، ومُحاوَلَتُه دَفْعُهُ بِدْعَةٌ. قَالَ وَلَا يكون الحذِرُ بِغَيْر جِدّ مُشِيحاً. وَقَالَ خَالِد بن جَنْبة الشَّيْحَانُ الَّذِي يتهمّسُ عدْواً أَرَادَ السرعة، أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو الشَّيْحَانُ الطويلُ وَأنْشد شمر:
مُشِيحٌ فَوق شَيْحَانِ
يَدُورُ كأَنَّه كَلْبُ
وَقَالَ شمر: وَرُوِيَ فَوق شِيحانٍ بِكَسْر الشين.
وَقَالَ الليثُ: شَايَحَ أَي قَاتَل وَأنْشد:
وشايَحْتَ قبل اليومِ إِنَّك شِيحُ
وَقَالَ فِي قَوْله:
تُشِيح على الفَلاةِ فتعْتَليها
بِبَوْع القِدْرِ إِذْ قَلِق الوضِينُ
أَي تُديم السّير. أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: المَشْيُوحَاءُ الأَرْض الَّتِي تُنبت الشيحَ،(5/96)
يقصرُ ويمدُّ. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي يُقَال شَيَحَ الرجلُ إِذا نظر إِلَى خَصمه فضايَقَه. وَقَالَ شمر الشَّيحان الغَيور وَأنْشد الْمفضل:
لما استمرّ بهَا شَيْحان مَبْتَجِجٌ
بالبَيْن عَنْك بهَا يَرْآكَ شَنْأَنا
شحا: قَالَ الليثُ: شَحَى فلانٌ فَاهُ شَحْيَاً، واللجامُ يَشْحَى فَمَ الفَرَسِ شَحْياً. وَأنْشد:
كأنَّ فاهاً واللجام شاحِيه
جَنْباً غَبيطٍ سَلِسٍ نواحِيه
وَيُقَال: أَقبلت الخيلُ شواحِيَ وشَاحِيَاتٍ أَي فاتِحَاتٍ أَفْوَاهَهَا. أَبُو عبيدٍ عَن الْكسَائي: شَحَوْتُ فَمِي أَشْحَاه إِذا فَتَحْتُهُ. وأَشْحُوه شَحْواً مصدرهما واحِدٌ. وَأَبُو زيد قَالَ مثلَه: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي يُقَال شَحَا فَاهُ، وشَحَا فُوه وأشحَى وَشحَّى فَاه، وَلَا يُقَال أشْحَى فُوه قلت: وَالصَّوَاب مَا قَالَ الكسائيُّ. وَأَبُو زيد شَحَا يَشْحُو وَيَشْحَى شَحْواً.
عَمْرو عَن أَبِيه جَاءَنَا شَاحِياً أَي فِي غيرِ حاجةٍ وشاحِياً خاطِياً من الخَطْوِ. وَيُقَال للْفرس إِذا كَانَ وَاسع الذَّرع إِنَّه لرعِيبُ الشَّحْوَةِ وَقَالَ أَبُو سعيد تَشحَّى فلانٌ على فلانٍ إِذا بَسَط لِسَانَهُ فِيهِ. وأصْلُه التوسُّعُ فِي كُل شيْءٍ؛ قَالَ الْفراء شَحَا ماءَةٌ لبَعض العرَب، تكْتب بِالْيَاءِ وَإِن شِئْت بِالْألف، لِأَنَّهُ يُقَال شَحَوْتُ وشَحيْتُ وَلَا تجريها. نقُول هَذِه شَحَا فَاعْلَم. وَقَالَ ابْن الأعْرابي سَجَا بِالسِّين وَالْجِيم اسمُ بئرٍ قَالَ وماءةٌ يُقَال لَهَا وَشْحَى بِفَتْح الْوَاو وتسكين الشين قَالَ الراجز:
صبَّحْنَ من وشْحَى قَلِيباً سُكَّا
أشح: عَن أبي عدنَان أَشِحَ الرجل يأْشَحُ، وَهُوَ رجل أَشْحَان أَي غَضْبَانُ. قلت وَهَذَا حرف غَرِيب وأظن قَول الطرماح مِنْهُ:
على تُشْحَةٍ من ذائد غيرِ واهن
أَرَادَ على وُشْحَةٍ فَقلب الْهمزَة وَاو فِي الْفِعْل، وقلبها تَاءً فِي الشّعْر، كَمَا قَالُوا تُراث ووُراث وتُكلان فِي وُكلان وَمعنى قَوْله على تُشْحَةٍ أَي عَلَى حَمِيَّة غضب من أَشِح يَأْشَحُ.
حيش (حاشا) : ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي حَاشَ يحِيشُ حَيْشاً إِذا فَزِع. وَقَالَ عُمَر لِأَخِيهِ زيد حِين نُدِبَ لقِتَال أهل الردَّة فَتَثَاقَلَ: مَا هَذَا الحَيْش والقِلُّ؟ أَي مَا هَذَا الفَزَعُ والرعْدَة؟ قَالَ وحَوَّش إِذا جَمع وشوّح إِذا أنْكر. قَالَ والحَيْشَانُ الْكثير الْفَزع والشَّيْحَان الطَّوِيل الحسَن الطول والحَيْشَانَةُ الْمَرْأَة الذَّعُورُ، وَهِي المذْعُورَة من الرِّيبَة.
(بَاب الْحَاء والضَاد)
(ح ض (وايء))
حضا، حاض، ضحا، ضاح، وضح.
وحض (مهمل) .
حضا: قَالَ ابْن المظفر يُقَال حَضَأْت النَّارَ إِذا سَخَيْتَ عَنْهَا لتلْتهِب، وَأنْشد:(5/97)
بانْت هُمومي فِي الصَّدْرِ تَحْضَاؤها
طَحْحَاتُ دَهْرٍ مَا كنْتُ أَدْرَؤُها
سَلمَة عَن الْفراء حَضَأَتْ النارُ وحَضَبْتها وَهُوَ المَحْضَأُ والمحْضَب وَقَالَ تأبَّطَ شَراً:
ونارٍ قد حضَأْتُ بُعَيْد هَدْءٍ
بِدَارٍ مَا أُريدُ بهَا مُقاما
ضحا (ضاح) : قَالَ اللَّيْث: الضّحْوُ ارْتِفَاعُ النَّهارِ. والضُّحَى فُوَيْقَ ذَلِك والضُّحَاءُ ممدودٌ إِذا امتَدَّ النهارُ وكَرَبَ أَن يَنْتَصِف وَقَالَ رؤبة:
هابى العشيّ دَيْسقٌ ضحَاؤُه
وَقَالَ آخر:
عَلَيْهِ من نَسْجِ الضُّحَى شُفُوف
شبه السراب بالسُّنْتُورِ البيضِ. وَقَالَ الله جلّ وعزّ:
{} (الشّمس: 1) قَالَ الْفراء: ضُحَا نَهَارِهَا، وَكَذَلِكَ قَوْله: {يَرْضَى} (الضُّحَى: 1، 2) هُوَ النَّهار كُله. وَقَالَ الزجَّاجُ: {وَالضُّحَى وَالَّيْلِ} وضيائِها، وَقَالَ فِي قَوْله {يَرْضَى} : النهارُ، وَقيل ساعةٌ من ساعاتِ النَّهَارِ، وَقَالَ أَبُو عبيد يُقَال هُوَ يَتَضحَّى، أَي يَتَغَدَّى وَاسم الْغَدَاء الضَّحَاءُ، سمّي بذلك لِأَنَّهُ يُؤْكَلُ فِي الضُّحاءِ، قَالَ والضُّحَاءُ ارتفاعُ الشَّمْس الأعْلَى، وَهُوَ ممدودٌ مذكرٌ، وَالضُّحَى مؤنَّثةٌ مَقْصُورَة، وَذَلِكَ حِين تشرق الشَّمْس.
وَقَالَ اللَّيْث ضَحِيَ الرجل يَضْحَى ضَحاً إِذا أَصابَهُ حَرُّ الشَّمْس.
وَقَالَ الله: {وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَؤُا فِيهَا وَلاَ تَضْحَى} (طاه: 119) قَالَ يُؤْذِيك حَرُّ الشّمْسُ، وَقَالَ الفرَّاءُ: {وَلاَ تَضْحَى} لَا تصيبُك شمسٌ مؤذيةٌ. قَالَ: وَفِي بعض التَّفْسِير {وَلاَ تَضْحَى} لَا تَعْرَق. والأوَّلُ أَشْبَهُ بالصَّوَابِ. وَقَالَ عُمَرُ بنُ أبي ربيعَة:
رَأَتْ رَجُلاً أَمَّا إِذا الشَّمْسُ أَعْرَضَت
فَيَضْحَى وَأما بالعشيْ فَيَنْحصر
وَفِي حَدِيث ابْن عمر: اضْحَ لمن أَحرمْت لَهُ. قَالَ شمر: يُقَال ضَحِي يَضْحَى ضُحِيَّاً وضَحَا، يضْحُو ضُحُوّاً. وَقَالَ ابنُ شُمَيْل ضَحَا الرجلُ للشمس يَضْحَى ضُحُوَّاً إِذا برز لَهَا. وَشد مَا ضَحَوْتَ وضَحَيْتَ للشمس وَالرِّيح وَغَيرهمَا. وَقَالَ شمر: وَقَالَ بعض الكِلابِيينَ: الضَّاحي الَّذِي بَرَزَتْ عليهِ الشمسُ وغَدا فُلان ضَحِيّاً. وَغدا ضَاحِيّاً، وَذَلِكَ قُرْبَ طُلُوع الشمْسِ شَيْئا، وَلَا يزَال يُقَالُ غَدا ضَاحِيّاً مَا لم تكن قائِلةٌ. وَقَالَ بَعضهم الغَادي أَن يَغْدُوَ بَعْدَ صَلَاة الغَدَاةِ، والضَّاحِي إِذا استعْلَت الشمسُ، وَقَالَ بعض الكِلابِيين بَين الغَادِي والضَّاحي قدرُ فُوَاقِ نَاقةٍ وَقَالَ القُطامي:
مُستبطَئونَ وَمَا كَانَت أَنَاتُهم
إِلَّا كَمَا لَبِثَ الضّاحِي عَن الفَادِي
الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت يُقَال: ضَحِيَ يَضْحَى. إِذا برزَ للشّمس. قَالَ وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: ضَحيتُ للشمس، وضَحَيْتُ أَضْحَى مِنْهُمَا جَمِيعًا. وَأنْشد:
سَمِينِ الضَّواحي لم تورقه لَيْلَة
وأنْعَمَ، أبكارُ الهموم وعُونُهَا(5/98)
قَالَ والضواحي مَا بَدَا من جسده، وَمَعْنَاهُ لم تؤرقه لَيْلَة أبكارُ الهموم وَعُونها. وأنْعَمَ أَي وزَاد على هَذِه الصفَة. قَالَ والضواحي من الشَّجرِ القليلةُ الورَقِ الَّتِي تبرُزُ عيدَانُها للشمس. وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم يُقَال ضَحَا الشيءُ يَضْحُو فَهُوَ ضَاحٍ أَي برز، وضَحِيَ الرجل يَضْحَى إِذا برز للشمس قَالَ والضُّحَى على فُعَل، حِين تَطْلُعُ الشَّمْس فيصفو ضَوْءها والضَّحَاءُ بِالْفَتْح والمدّ إِذا ارْتَفَعَ النّهَارُ واشتَدّ وقْعُ الشّمس. والضّحَاءُ أَيْضا الغَدَاء، وَهُوَ الطَّعَامُ الَّذِي يُتَغَدّى بِهِ. قَالَ والضّاحِي من كُل شَيْء البارِزُ الظاهِرُ الَّذِي لَا يستُره مِنْك حائطٌ وَلَا غَيره.
وَيُقَال للبادية الضّاحيةُ. وَيُقَال وُلي فلَان على ضاحية مصر وضاحية الْمَدِينَة أَي على مَا يَليهَا من الْبَادِيَة.
وفُلاَنٌ سَمينُ الضَّوَاحِي وجْهُهُ وكَفَّاهُ وقَدَمَاهُ وَمَا أشبه ذَلِك.
قَالَ وضحَّيْتُ فُلاناً أُضَحيه تَضْحِية أَي غَدّيتُه وَأنْشد:
ترى الثَّوْرَ يَمْشي راجِعاً من ضَحائِه
بهَا، مِثْلَ مَشْي الهِبْرِزِيّ المُسَرْوَلِ
والهبرِزيّ الماضِي فِي أمْرِه من ضَحائِه أَي مِن غَدَائه من المرعى وقْتَ الغَدَاءِ إِذا ارْتَفَعَ النَّهَارُ.
قَالَ أَبُو عبيدةَ: لَا يُقَالُ للفَرَسِ إِذا مَا أبيضَ أَبيض، وَلَكِن يُقَال لَهُ أضْحَى قَالَ والضُّحَى مِنْهُ مأخوذٌ؛ لأنَّهم لَا يُصَلُّونَ حتّى تطلع الشَّمْس.
وَقَالَ أَبُو زيد: أنشدت بَيت شعر لَيْسَ فِيهِ حلاوةٌ وَلَا ضُحًى أَي لَيْسَ بِضَاحٍ.
وَقَالَ أَبُو مَالك: وَلَا ضَحَاءٌ. وضَاحَيْتُ فلَانا أَتَيْتُه ضَحَاءً. قَالَ وبَاعَ فلانٌ ضَاحِيَةَ أَرْضٍ إِذَا باعَ أَرْضاً لَيْسَ عَلَيْهَا حَائِطٌ، وَبَاعَ فلَان حائِطاً وحديقةً إِذا بَاعَ أَرْضاً عَلَيْهَا حائِطٌ.
سَلمَة عَن الْفراء قَالَ: تَمِيم تَقول: ضَحَوْتُ للشمس أَضْحو. قَالَ: وَيُقَال فلَان يُضاحِينَا أُضْحِيَّةَ كُل يَوْمٍ إِذا أَتاهم كُلَّ غَدَاةٍ. وَقَالَ الفَرَّاء يُقَال ضَحّت الإبلُ الماءَ ضُحًى إِذا وَردت ضُحَى. قلت فَإِن أَرَادوا أَنها رَعَتْ ضُحَى قَالُوا تَضَحّت الإبلُ تَتَضَحّى تَضَحّياً.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: ضَحّيْتُ عَن الشَّيْء وعَشَيْتُ عَنهُ، مَعْنَاهُمَا رفَقْتُ بِهِ.
وَقَالَ زيد الْخَيل:
فَلَو أَنّ نَصْراً أَصْلَحَتْ ذَات بَينهَا
لَضَحّت رُوَيْداً عَن مَظَالِمهَا عَمْرُو
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ، قَالَ: المضَحي الَّذِي يُضَحي إِبِلَه، والمضحي المُبَينُ عَن الْأَمر الخفيّ، يُقَال ضَح لي عَن أَمرك، وأَضحِ لي عَن أَمرك، وأوضِح لي عَن أَمرك وَأنْشد بيتَ زيدِ الْخَيل هَذَا، قلت: وَالْعرب قد تضع التّضْحِيَةَ مَوْضِعَ الرفْقِ والتأنّي فِي الْأَمر، وَأَصله أَنَّهُمْ فِي البَادِيَةِ يسيرُون يَوْم ظَعْنِهِمْ فَإِذا مَرُّوا بِلَمْعَةٍ من الكَلأ، قَالَ قائدُهم أَلا ضَحُّوا رُوَيْداً فيدَعونها تضحّى وتجر، ثمَّ وضعُوا التَّضْحِيَة مَوضِع الرِّفْق لرفْقِهِمْ بحَمُولتهم ومالِهِمْ فِي ضحاياها سائرة وَمَا لِلْمَالِ من(5/99)
الرِّفْق فِي تضَحيها وبلوغِها مُنْتَوَاها، وَقد شبِعَت. فَأَما بيتُ زيدِ الْخَيل فَإِن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ فِي قَوْله:
لضحّت رويداً عَن مظالمها
بِمَعْنى أَوْضَحَتْ وبيّنَتْ وَهُوَ حسن.
الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت قَالَ: الأَضْحَى مؤنثةٌ وَهِي جمع أَضْحَاةٍ، قَالَ وَقد تُذَكَّرُ، يُذْهَبُ بهَا إِلَى اليَوْمِ وَأنْشد:
رأيتكُم بَين الخَذْوَاءِ لمَّا
دَنَا الأَضْحَى وصَلَّلتِ اللحامُ
توليتمْ بودَكُم وقلتم
لَعَلُّك مِنْك أقْرَبُ أَو جُذَام
قَالَ: وَقَالَ الأصمعيّ: فِيهَا أربعُ لغاتٍ، يُقَال: أُضحيَّة وإِضحيَّةٌ وَجَمعهَا أَضاحيّ، وضحيَّة وَجَمعهَا ضَحَايَا وأَضْحَاةٌ وجمعُها أضْحَى. قَالَ وَبِه سمي يومُ الْأَضْحَى قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: أضْحَى جمع أَضْحَاة منونٌ وَمثله أَرْطَى جمع أَرْطَاةٍ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي الضحيَّة الشاةُ الَّتِي تُذْبَح ضَحْوة مثل غَدِيَّة وعَشِيَّة. قَالَ: والضحيَّة ارْتِفَاع النَّهَار تجمع ضَحَيَات وَأنْشد:
رَقود ضَحِيَّاتٍ كأنّ لسانَه
إِذا واجه السُّفَّار مِكحالٌ إِثْمِدا
ويروى أَرْمَدَا. قَالَ ضُحَيّات جمع ضُحيّة وَهُوَ ارْتِفَاع النَّهَار.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال أَضْحَى الرجلُ يفعلُ ذَاك إِذا فعل مِنْ أَوَّل النَّهار، وأَضْحَى إِذا بَلَغ وقْتَ الضُّحَى. والمَضْحَاةُ المكانُ الَّذِي لَا تكادُ تغيبُ الشمسُ عنْهُ، تَقول: عَلَيْك بِمِضْحَاةِ الجَبَلِ. قَالَ: والضَّحْيَانُ من كل شَيْء البارزُ للشّمس. وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي:
يَكْفِيك جهلَ الأحمق المستجْهلِ
ضحيانه من عَقَدَاتِ السلْسل
قَالَ: أَرَادَ بالضَّحْيانَة عَصا نابتةً فِي الشَّمْس حَتَّى طبَخَتْها فَهِيَ أَشَدُّ مَا تكون، وَهِي من الطَّلْحِ. والسلْسلُ حَبْلٌ من حِبَال الدَّهْنَاءِ.
وَيُقَال: سلاسِلُ، وَقَالَ الليْثُ: تَقول: فَعلْتُ ذَلِك الأمرَ ضَاحِيةً أَي ظَاهِرَة بيّناً وَقَالَ النَّابِغَة:
فقد جزتْكُم بَنُو ذُبْيَان ضاحيةً
حقّاً يَقِينا ولمّا يأْتنا الصّدَرُ
قَالَ: وضواحي الحوْضِ نواحيه.
وَقَالَ لبيد:
فَهَرَقْنا لَهما فِي دَاثِر
لضَواحِيه نَشِيشٌ بالْبَلَلْ
قلت: أرادَ بضواحي الحوضِ مَا ظهرَ مِنْهُ وَبَرَز، وَقَالَ جرير يمدح عبد الْملك:
فَمَا شجراتُ عِيصِكَ فِي قرَيْشٍ
بِعَشَّات الفُرُوع وَلَا ضَوَاحِي
قَالَ اللَّيْث: يُرِيد وَلَا فِي النَّواحي. قلت: أرادَ جريرٌ بقوله: (ولاضَواحِي) قريْشُ الظواهرِ وهم الَّذين لَا ينزلون شعب مَكَّة وبطحاءها. أَرَادَ جريرٌ أَن عبد الْملك من قُرَيْش البِطَاحِ لَا من قريشِ الظَّواهِر، وقريشُ البطاح أَكرَمُ وأشْرَفُ من قُرَيْشِ الظواهِرِ لِأَن البَطْحَاوِيّين من قُرَيْش حاضِرَتُهم، وهم قُطَّانُ الحَرَمِ، والظواهر(5/100)
أَعْرَابٌ باديةٌ خارجَ الحرمِ. وضَاحِيَةُ كل بَلْدَة ظاهِرَتُها البادَيةُ، يُقَال هَؤُلَاءِ ينزلون الباطِنَة، وَهَؤُلَاء ينزِلُون الضّوَاحِي.
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كتب لأُكَيْدِرِ دَوْمَةِ الجنْدَل (إِن لنا الضاحيةَ من الضّحْلِ، وَلكم الضامنَةُ من النَّخْلِ) . قَالَ أَبُو عبيد: الضاحِيَةُ مَا ظهر وبَرَزَ وَكَانَ خارِجاً من الْعِمَارَة. وَقَالَ شمر: كلُّ مَا بَرَزَ وظَهَرَ فقد ضَحَا، يَقُول: خرج الرَّجُلُ من مَنْزِلِه فَضَحَا لي، والشجرة الضَّاحِيَةُ البارزةُ للشّمْسِ، وَأنْشد لِابْنِ الدُّمَيْنَةِ يصف القوْسَ:
وخُوطٍ من فروع النبع ضاحٍ
لَهَا فِي كَف أَعْسَرَ كالضُّبَاحِ
قَالَ: الضّاحِي عُودُها الَّذِي نَبَتَ فِي غَيْرِ ظِل وَلَا فِي مَاء فَهُوَ أصْلَبُ لَهُ وأَجْوَدُ وَأما قَول الشَّاعِر:
عمي الَّذِي منعَ الدينَارَ ضَاحيةً
فَمَعْنَاه أَنه مَنعه نَهَارا جهاراً أَي جاهَرَ بالامتناع مِمَّن كَانَ يُجِيبُه.
أَبُو عبيد عَن الفرّاء: لَيْلَة إضْحِيَانَةُ وضَحْيَاءُ إِذا كَانَت مُضيئةً. وَقَالَ اللَّيْث: يَوْم إِضْحِيَانٌ لَا غَيْمَ فِيهِ، وَلَيْلَة إضْحِيَانَةٌ مضيئة شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي: لَيْلَة أَضْحِيالةُ وَلَيْلَة إِضْحِيَانَة وضَحْيَاءُ وضحْيَانَةٌ إِذا كَانَت مُقمِرة قَالَ وَلَيْلَة ضاحِيَةٌ مثل ضحْيَاءَ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: فرس أضحَى إِذا كَانَ أبْيَض وَلَا يُقَال فرس أبْيَضُ. وَإِذا اشتدّ بياضُه قيل أَبْيَضُ قِرْطَاسِيّ.
أَبُو زيد: يُقَال ضاحَيْتُه أَي أتيتُه ضُحىً، وَفُلَان يُضاحِينَا ضَحْوَة كل يومٍ أَي يأتينا. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي يُقَال للرجل إِذا مَاتَ ضَحَا ظِلُّه لِأَنَّهُ إذَا مَاتَ صَار لَا ظِلَّ لَهُ. وشجرةٌ ضاحِيَةُ الظل أَي لَا ظِلَّ لَهَا لِأَنَّهَا عَشَّةٌ دقيقَةُ الأغْصانِ. قلت: وَهَذَا معنى جيدٌ فِي بَيت جرير الَّذِي نقدم تَفْسِيره وَقَالَ الشَّاعِر:
وقَحَّمَ سيرنَا من قُورِ حِسْمَى
مَروتُ الرَّعْي ضاحيةُ الظلال
يَقُول رعيها مَرْتٌ فِيهِ وظلالُها ضاحية أَي لَيْسَ بهَا ظلّ لقلَّة شَجَرِها. وَفِي (نوادِرِ الْأَعْرَاب) : رجل ضَحَيانُ متضحَ مستضحٍ مضطحٍ إِذا أَضْحَى، ويومُ ضحيانُ أَي طَلْقٌ، وسراجٌ ضَحْيَانُ مُضِيءٌ، ومفازة ضَاحِيَة الظّلالِ لَيْسَ فِيهَا شَجَرٌ يستظَلُّ بِهِ. وَفِي الدُّعَاء: لَا أَضْحَى الله ظِلَّكَ، مَعْنَاهُ: لَا أَمَاتَكَ الله حَتَّى يُذْهِبَ ظِلَّ شَخْصِكَ الْقَائِم.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: فرس ضَاحِي العِجَان يُوصف بِهِ المحبَّب يُمدح بِهِ وضحَّيْنَا بني فُلانٍ أَتَيْنَاهم ضُحًى مُغِيرين عليْهم. وَقَالَ:
أَرَاني إِذا ناكَبْتُ قوما عَدَاوَةً
فضحيتهم، إنّي على الناسِ قَادِر
وَقَالَ شمر: أَضْحَى الرجل إِذا صَار فِي وَقْتِ الضُّحَى، وأَضْحَى فِي الغُدُو إِذا أَخَّرَه. وضَحِيَ الشيءُ وأضحيْتُه أَنا أَي أَظهَرْتُه. وَقَالَ الرَّاعِي:
حَفَرْن عُروقَه حَتَّى أظَلَّتْ
مَقَاتِلُه وَأَضْحَيْن القُرونَا(5/101)
قَالَ: وضَاحِيةُ كل بَلْدَةٍ ناحيَتُها، والجَوُّ بَاطِنهَا، يُقَال هؤلاءِ يَنْزِلُون الباطِنَة وَهَؤُلَاء ينزلون الضَّوَاحي وضواحي الأَرْض الَّتِي لم يُخَطَّ عَلَيْها.
وضح: قَالَ اللَّيْث: الموضَحُ بياضُ الصُّبْح. وَقَالَ الْأَعْشَى:
إِذْ أَتَتْكمْ شيْبَانُ فِي وَضَح الصُّبْ
ح بكبشٍ ترى لَهُ قُدَّامَا
قَالَ والموضَحُ بياضُ البرصِ وَبَيَاض الغُرَّةِ والتَحجِيلُ فِي القَوائم وَغير ذَلِك من نحوِه. ومِنَ الألوانِ إِذا كَانَ بياضٌ غَالبٌ فِي ألوان الشَّاءِ قَدْ نَشَأ فِي الصَّدْرِ والظَّهْرِ والوجهِ يقالُ بِهِ تَوْضِيحٌ شَدِيدٌ، وَقد توضّح.
وَيُقَال: أَوْضحْتُ أمرا فَوَضَح ووَضّحْتُه فتَوَضَّح، وَيُقَال من أَيْن أَوْضَحَ الراكبُ؟ وَمن أَيْن أَوْضَعَ الرَّاكِب؟ أَبُو عُبَيْدَة عَن أبي عمرٍ واستوضحتُ الشيءَ واستَشْرَفْتُ واستكْفَفتُه، وَذَلِكَ إِذا وضعْتَ يدك على عَيْنَيْكَ فِي الشَّمس تنظرُ هَلْ ترَاهُ تُوَقي بكفك عيْنَكَ شُعَاعَ الشَّمْسِ. والْموَاضِحَةُ الأسنانُ الَّتي تَبْدُو عِنْد الضَّحِك. وَقَالَ الشَّاعِر:
كلُّ خليلٍ كنتُ صافَيْتُه
لَا تَرَكَ الله لَهُ وَاضِحَهْ
كلَّهم أروَغَ من ثَعْلَبٍ
مَا أَشْبَهَ اللَّيْلَةَ بالبَارِحَهْ
وَيُقَال: استَوْضِح عَن هَذَا الأمْرِ، أَي ابْحَثْ عَنْهُ، وَيُقَال للرجُلِ الحسنِ الوجْهِ: إِنَّه لوضَّاحُ. قَالَ: والمُوضحةُ الشَّجَّةُ الَّتِي تصِلُ إِلَى العِظَام، تَقول بِهِ شَجَّةٌ أَوْضَحَتْ عَن الْعظم. وَقَالَ أَبُو عبيد: المُوضحةُ من الشجَاجِ الَّتِي تُبدي وَضَحَ الْعظم.
وَقَالَ اللَّيْث: إِذا اجْتمعت الكواكبُ الْخُنَّسُ مَعَ الكواكبِ المُضِيئةِ من كواكبِ المنازلِ سُمين جَمِيعًا الوُضَّحَ. وَفِي الحَدِيث: أَن يهوديّاً قتل جُوَيْرِية على أَوْضَاحٍ لَهَا، قَالَ أَبُو عبيد يَعْنِي حَلْيَ فضَّة، وتُوضِحُ مَوضِع مَعْرُوف.
وَقَالَ اللحياني: يُقَال: فِيهَا أَوْضَاحٌ من النَّاس وأَوْبَاشٌ وأسقاطٌ يَعْنِي جماعاتٍ من قبائلَ شتَّى. قَالَ: لم يُسْمَعْ لهَذِهِ الْحُرُوف بواحدٍ.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال: فِي الأَرْض أوضَاحٌ من كَلأ إِذا كَانَ فِيهَا شَيْءٌ قد ابيضّ، قلتُ وأكْثَرُ مَا سمعْتُ العربَ يَقُولُونَ الوَضَحُ فِي الْكلأ إِنَّمَا يَعْنون بِهِ النَّصِي والصليَّان الصيْفِيّ الَّذِي لم يسوَدّ من القِدَم وَلم يَصِرْ دِريناً. للنَّعَم وضيحةٌ ووضائح وَمِنْه قَول أبي وجزة:
لِقَوْميَ إذْ قَوْمي جميعٌ نَوَاهم
وإذْ أَنَا فِي حَيّ كثيرِ الوضائح
وَيُقَال لِلَّبن الموَضَحُ وَمِنْه قَول الْهُذلِيّ:
ثمَّ استفاءوا وَقَالُوا حبَّذا الوضح
أَي قَالُوا: اللَّبَنُ أحبُّ إِلَيْنَا من القَوَد. وَيُقَال كَثُرَ الوضَحُ عِنْدَ بَني فُلاَنٍ أَي كَثُرَتْ أَلْبَانُ نَعَمِهمْ. وَالْعرب تسمي النَّهَار الوَضَّاح والليلَ الدُّهْمَان وبِكْرُ الوَضَّاحِ صَلَاة الغَدَاةِ وَفِي أَحَادِيث المَبْعث وَدَلَائِل نبوة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل أَن أَوْحى الله إِلَيْهِ: أَنه(5/102)
كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يلْعَبُ وَهُوَ صغيرٌ مَعَ الغلمان بِعظم وضَّاح، وَهِي لُعبة لصبيانِ الْأَعْرَاب يعمِدون إِلَى عظمٍ أبيضَ فيرمونه فِي ظُلمة اللَّيْل، ثمَّ يتفرّقون فِي طلبه، فَمن وجده مِنْهُم فَلهُ القَمْر قلت وَقد رَأَيْت وِلدانهم يصغّرونه وَيَقُولُونَ عُظيمُ وضَّاح. وَأنْشد بَعضهم:
عَظِيم وضاح ضِحَنَّ الليلَة
لَا تَضِحَنَّ بعْدهَا منْ لَيْلة
وَقَوْلهمْ: ضِحَنّ أمرٌ بتثقيل النُّون من وَضَح يَضِح وَمَعْنَاهُ أُظْهَرَنّ وَأُبْدُوَنّ، كَمَا يُقَال من الْوَصْل صِلَنّ.
وَيُقَال أَوْضَحَ الرَّجُلُ إِذا جَاءَ بأوْلادٍ بيض، وأوضحت المرأَةُ إِذا ولدت أَوْلَادًا بيضًا. وَوَضَحُ الْقدَم بَيَاض إخْمصه. وَقَالَ الجميح:
وَالشوْكُ فِي وَضَح الرَّجْلَيْن مَرْكُوزُ
وَقَالَ النَّضر بن شُمَيْل: المتوضحُ والواضِحُ من الْإِبِل الأبيضُ وَلَيْسَ بالشّديد البياضِ، أشدُّ بَيَاضًا من الأعْيس والأصْهب وَهُوَ المُتَوَضح الأقراب وَأنْشد:
متوضح الأقْرَابِ فِيهِ شُهلَةٌ
شَنِجُ الْيَدَيْنِ تَخَالُه مشكولا
قَالَ الْمُنْذِرِيّ أُخبِرْتُ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ فِي قَوْلهم جَاءَ فلَان بالضحّ وَالرِّيح، وأصل الضحّ الوَضَحُ وَهُوَ فوْرُ النَّهَار وضوْء الشَّمْس، فَأسْقطت الْوَاو وزيدت الحاءُ مَكَانهَا فَصَارَت مَعَ الْأَصْلِيَّة حاءً ثَقيلَة قَالَ وَكَذَلِكَ القحة الوقْحة فَأسْقطت الْوَاو وزيدت الْحَاء مَكَانهَا فَصَارَت قِحَّةً بحائين وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة الضحُّ البرازُ الظّاهر.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الضحُّ ماضحا للشمس، والريحُ مَا نَالهُ الرّيح. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الضحّ الشَّمْس بِعَينهَا وَأنْشد:
أبيضُ أبرزه للضَّح راقِبُه
مقلَّدٌ قُضُبَ الرّيْحَان مفعُوم
وَقَالَ أَبُو زيد: تَقول من أَيْن وَضَحَ الرَّاكبُ؟ أَي من أَيْن بَدَأَ؟ وَقَالَ غَيره من أَيْن أَوْضَحَ بِالْألف.
حَوْض حيض: قَالَ اللَّيْث: الحَوْضُ مَعْرُوف، والجميع الحِيَاضُ والأحوَاضُ، وَالْفِعْل التّحْوِيضُ، واستحوضَ الماءُ أَي اتخذ لنَفسِهِ حَوْضاً، وحَوْضَى اسْم موضعٍ. الْأَصْمَعِي إِنِّي لأُدَورُ حول ذَاك الْأَمر وأُحَوض وأُحَوط حولَه بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَيْضُ مَعْرُوف، والمرة الْوَاحِدَة الحَيْضَةُ، وَالِاسْم الحِيضَةُ وَجَمعهَا الحِيض والحِيضَات جمَاعَة. وَالْفِعْل حَاضَت الْمَرْأَة تَحِيضُ حَيْضاً ومَحِيضاً، فالمحيضُ يكون اسْما وَيكون مَصْدراً. وَامْرَأَة حائِضُ، وَنسَاء حُيَّضٌ على فُعَّل، والمستحاضةُ الْمَرْأَة الَّتِي يسيل مِنْهَا الدَّمُ فَلَا يرقأُ، وَلَا يَسِيلُ من المحِيضِ، وَلكنه يسيل من عِرْقٍ يُقَال لَهُ العَاذِل، وَإِذا استُحِيضَت المرأةُ فِي غير أَيَّام حَيْضِها واستَمرّ بهَا الدَّمُ صلّت وصامت وَلم تَقْعُد عَن الصَّلاة كَمَا تقعد الْحَائِض وَقَالَ الله جلّ وَعز: {وَيَسْئَلُونَك(5/103)
َ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} (البَقَرَة: 222) قَالَ أَبُو إِسْحَاق: يُقَال قَدْ حَاضَتِ الْمَرْأَة تَحِيضُ حَيْضاً ومحيضاً ومحاضاً. قَالَ وَعند النَّحْوِيين أَن الْمصدر فِي هَذَا الْبَاب بَابه المَفْعَل والمَفْعِل جيّد بَالغٌ، وَقَالَ غَيره المحِيضُ فِي هَذِه الْآيَة المَأْتَى من الْمَرْأَة لِأَنَّهُ مَوْضعُ الحيْض فَكَأَنَّهُ قَالَ اعْتزلوا النِّسَاء فِي موضِع الْحَيض وَلَا تجامِعُوهنّ فِي هَذَا الْمَكَان. ويقالُ حاضَ السيلُ وفاضَ إِذا سَالَ، يحيض ويفيضُ. وَقَالَ عمَارَة:
أجالت حصاهن الذَّوَارِي وحَيّضَت
عليهنّ حَيْضَاتُ السُّيُول الطّواحِم
أنشدنيه المنذريُّ عَن المبرِد أَن عمَارَة أنْشدهُ. وَمعنى حيّضت أَي سيّلت. قلت: ومِنْ هَذَا قيلَ للحوضِ: حَوْضُ المَاء؛ لِأَن المَاء يَحيضُ إِلَيْهِ أَي يسيلُ، وَالْعرب تدخل الواوَ على الْيَاء والياءَ على الواوِ؛ لِأَنَّهُمَا من حيزٍ واحِدٍ وَهُوَ الهوَاءُ وهما حَرْفا لِين. وَقَالَ اللحيانيُّ فِي بَاب الضّاد وَالصَّاد: حاضَ وحاص بِمَعْنى وَاحِد. وَقَالَ أَبُو سعيد: إِنَّمَا هُوَ حاضَ وجاضَ بِمَعْنى وَاحِد. وَقَالَ الْفراء حاضَت السَّمُرَةُ تحيض إِذا سَالَ مِنْهَا الدُّوَدِم وَيجمع الْحَوْض حياضاً وأحواضاً والمحوَّض الْموضع الَّذِي يسمَّى حوضاً.
ضيح: قَالَ اللَّيْث: الضَّيَاحُ اللَّبن الخاثرُ يُصَبُّ فِيهِ الماءُ ثمَّ يُجدَحُ، يُقَال ضَيّحْتُه فَتَضَيَّح. قَالَ: وَلَا يُسمى ضَياحاً إِلَّا اللبنُ وتضيُّحُه تزيّده. قلت: الضَّيَاحُ والضّيْحُ عِنْد الْعَرَب أَن يُصَبَّ الماءُ على اللبَنِ حَتَّى يَرِق، وَسَوَاء كَانَ اللبنُ حليباً أَو رائباً، وَسمعت أعرابيَّاً يَقُول ضَوحْ لي لُبَيْنَةً وَلم يقل ضَيحْ وَهَذَا مِمَّا أَعْلمْتُكَ أَنَّهم يدْخلُونَ أحد حرفي اللَّبن على الآخَرِ كَمَا يُقالُ حَيضه وحَوَّضه وتَوّهه وتيّهه. أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: إِذا كثر المَاء فِي اللَّبن فَهُوَ الضَّيْحُ والضّيَاح وَقَالَ الْكسَائي قد ضيّحه من الضّيَاح. ورُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: من اعتذَر إِلَيْهِ أخُوه من ذَنْبٍ فردّه لم يَرِدْ عليَّ الْحوضَ إِلَّا مُتَضَيحاً وَأنْشد شمر:
قد علمت يَوْم وَرَدْنا سَيْحا
أَنِّي كفيْت أَخَوَيْهَا الميْحَا
فامتَحَضا وسقَّيا فِي ضَيْحَا
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال الريحُ والضيحُ تقويةٌ لِلَفْظِ الرّيح فإذَا أفْرَدْتَه فَلَيْسَ لَهُ معنى. قلت: وغيْرُ اللَّيْث لَا يُجيز الضيحَ.
وَقَالَ أَبُو عبيد: جَاءَ فلَان بالضح وَالرِّيح قَالَ: وَمعنى الضح الشمسُ، أَي إِنَّمَا جَاء بمثْل الشَّمس وَالرِّيح فِي الكثْرَةِ. قَالَ: والعامّة تَقول: جَاءَ بالضيح وَالرِّيح. وَلَيْسَ الضيح بِشَيْء.
(بَاب الْحَاء والصَاد)
(ح ص (وايء))
حصا، حصأ، حَاص، صَحا، صَاح، (صواح) ، صوح، وحص.
صَحا: قَالَ اللَّيْث: الصّحْوُ ذهابُ الغيْم، يُقَال اليومُ يومٌ صَحْوٍ. وأصحَتِ السماءُ فَهِيَ مُصْحِيَةٌ ويومٌ مُصْحٍ. قَالَ: والصَّحْوُ ذهابُ السُّكْرِ وتَرْكُ الصِّبَا والباطِل، يُقَال(5/104)
مِنْهُ: صَحَا قَلْبُه، وصَحَا مِنْ سُكْرِه. قلت: وَهَكَذَا قَالَ غَيْرُه. ورَوى الحرَّانِيُّ عَن ابْن السّكيت: أَصْحَت السماءُ تُصْحِي فَهِيَ مُصْحيَةٌ، وَقد صَحَا السكرانُ يَصْحُو صُحُوَّا فَهُوَ صاحٍ، ونحوَ ذَلِك قَالَ الفراءُ والأصمعيُّ.
قَالَ اللَّيْث: والمِصْحَاةُ جَامٌ يُشْرَبُ فِيهِ. وَقَالَ الأصمعيُّ فِيمَا روَى عَنهُ أَبُو عبيد: المِصْحَاةُ إِنَاءٌ، قَالَ: وَلَا أَدْري مِنْ أَي شَيءٍ هُو. شمِرٌ عَن ابْن الْأَعرَابِي المِصْحَاةُ الكَأْسُ قَالَ وَقَالَ غيرُه هُوَ القَدَحُ من الفضّة وَاحْتج بقول أَوْس:
كمِصْحَاةِ اللُّجَين تأكّلا
وَقَالَ ابْن بُزُرْج: من أَمْثالهم (يُرِيد أَنْ يَأْخُذَها من الصَّحْوَة والسَّكْرَةِ) مَثَلٌ لطَالب الأمْرِ يتجاهلُ وَهُوَ يَعْلَم.
حوص حيص: قَالَ اللَّيْث: الحَوَصُ ضِيقٌ فِي إِحْدَى الْعَينَيْنِ دونَ الأُخْرى، وَرجل أَحْوَصُ وَامْرَأَة حَوْصَاءُ، قلت: الحَوَصُ عِنْد جَمِيعهم ضيقٌ فِي الْعَينَيْنِ معَاً، رجل أَحْوَصُ إِذا كَانَ فِي عينيْه ضيقٌ، وَقد حَوِصَ يَحْوَصُ حَوَصاً.
أَبُو العبّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: الحَوَص بِفَتْح الْحَاء الصغَارُ الْعُيُون، وهم الحُوصُ. قلت: من قَالَ حَوَصٌ أَرَادَ أَنهم ذوُو حَوَص.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ الحَوْصُ الخِياطة وَقد حُصْت الثَّوْب أَحوصُهُ حَوْصاً إِذا خطِتْهُ. وَفِي حَدِيث عليّ أَنه اشْترى قَمِيصًا فَقَطع مَا فضل من الكُمَّين عَن يَدِه، ثمَّ قَالَ للخياط حُصْه أَي خِطْ كِفَافَهُ، وَمِنْه قيل للعين الضيّقة حَوْصَاءُ كَأَنَّمَا خِيط جانِبٌ مِنْهَا. قَالَ وحُصْت عينَ الْبَازِي إِذا خِطْته.
وَقَالَ ابْن السّكيت: الأَحْوَصَانِ: الأَحْوَصُ بن جَعْفَر بن كلابٍ، واسْمه ربيعةُ، وَكَانَ صغيرَ العيْنَيْنِ، وَعَمْرو بن الْأَحْوَص وَقد رَأس وَقَالَ الْأَعْشَى:
أَتَاني وَعِيدُ الحُوصِ منْ آلَ جَعْفَر
فيا عَبْدَ عَمْرٍ وَلَو نهيْت الأحَاوِصَا
يَعْنِي عبدَ عمرِو بنِ شُرَيْح بنِ الْأَحْوَص، وعَنَى بالأحاوص مَنْ وَلَده الأحْوَصُ، مِنْهُم عَوْفُ بنُ الأحْوص، وعَمْرو بن الأحْوص، وشُرَيْحٌ بن الْأَحْوَص، وَرَبِيعَة بن الْأَحْوَص.
وَقَالَ أَبُو زيدٍ يُقَال: لأطْعَنَنّ فِي حَوصك أَي لأكيدَنَّك ولأجِدّن فِي هَلاَكِكَ. وَقَالَ النَّضر: من أَمْثَال العربِ طَعَنَ فلانٌ فِي حَوْصٍ لَيْسَ مِنْه فِي شَيْء. إِذا مارس مَا لَا يُحْسِنه وتكلّف مَا لَا يَعْنيه. وحَاصَ فلاَنٌ سِقَاءَه إِذا وَهَى وَلم يكن مَعَه سِرَادٌ يخرزه بِهِ فأدخلَ فِيهِ عُودَيْنِ وسد الوَهْي بَينهمَا يخَيْط دُون الخَرْزِ.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: ناقَة مُحتَاصَةٌ وَهِي الَّتِي احْتاصَتْ رَحِمُها دُونَ الفحْل فَلَا يقدرُ عَلَيْهَا الفحلُ، وَهُوَ أَن تعقِد حَلَقَها على رَحِمِها فَلَا يقدر الفَحْلُ أَن يُجيز عليْها، يُقَال قد احْتاصَت الناقةُ واحتاصَتْ رَحِمها سواءٌ، وناقة حائص ومحتاصَةٌ وَلَا يُقَال حَاصَت النَّاقة، وبئر حَوْصاءُ ضيقةٌ.(5/105)
وَرُوِيَ أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: الحيصاءُ النَّاقة الضيّقة الحَيَا. قَالَ والمِحْيَاصُ الضيّقة الملاقي.
الأصمعيّ والفرّاء: الحائص والناقة الَّتِي لَا يَجُوز فِيهَا قضيبُ الفَحْلِ كأنّ بهَا رَتْقاً. وَقَالَ اللَّيْث الحَيْصُ الحَيْدُ عَن الشَّيْء. يُقَال هُوَ يحيصُ عني أَي يَحيدُ، وَهُوَ يحايصني، وَمَا لَك من هَذَا الأمْرِ مَحِيصٌ أَي مَحِيد، وَكَذَلِكَ مَحَاصٌ، وَفِي حَدِيث مطرّف: أَنه خرج من الطَّاعُون، فقيلَ لَهُ فِي ذَلك، فَقَالَ: هُوَ الموتُ نْحَايصُه وَلَا بُدّ مِنْهُ.
قَالَ أَبُو عبيد: مَعْنَاهُ نزوغ عَنهُ. يُقَال حَاص يحيص حَيْصاً، وَمِنْه قَول الله جلّ وعزّ: {وَظَنُّواْ مَا لَهُمْ مِّن} (فُصّلَت: 48) .
ورُوي عَن ابْن عُمَرَ أنَّه ذكر قتَالاً أوْ أَمْراً، فَقَالَ: فَحَاصَ المُسْلِمون حَيْصَةً.
ويروى فَحَاضَ الْمُسلمُونَ حَيْضَةً، مَعْنَاهُمَا وَاحِد.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: وَقع القَوْمُ فِي حَيْصَ بَيْصَ، أَي فِي اخْتِلَاط من أمْر لَا مَخْرَجَ لَهُمْ مِنْهُ. وأنشدنا لأميَّة بن عائِذ الْهُذلِيّ:
قد كنتُ خَرَّاجاً وَلُوجاً صَيرَفاً
لم تَلْتَحِصْني حَيْصَ بَيْصَ لَحَاصِ
ونصبَ حَيْصَ بيْصَ على كل حالٍ. قَالَ وَقَالَ الْكسَائي فِي حيصَ بيص مثلَه إلاّ أَنه قَالَهَا بِكَسْر الْحَاء وَالْبَاء حِيصَ بِيصَ.
الحَرّاني عَن ابْن السّكيت إِنَّك لتحسَبُ عليَّ الأَرْض حَيْصاً بَيْصاً وحِيصاً بِيصاً. وَفِي حَدِيث سعيد بن جُبَير وَسُئِلَ عَن المكاتَب يَشْتَرِطُ عَلَيْهِ أهلُه أَن لَا يخرُجَ من بَلَده، فَقَالَ: أَثْقَلْتُمْ ظهْره وجعلتم الأرْض عَلَيْهِ حَيصَ بَيصَ أَي ضيقتم الأَرْض عَلَيْهِ حَتَّى لَا مَضْربَ لَهُ فِيهَا وَلَا مُتَصَرَّفَ للكَسْبِ.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي طَالب عَن أَبِيه عَن الْفراء قَالَ: هُمْ فِي حَيْصَ بَيْصَ وحِيصَ بِيصَ.
وَقَالَ: إِذا أفْردوه أجْرَوْه وَرُبمَا تركُوا إجراءَه وَقَالُوا وَقَعُوا فِي حِيصٍ أَي فِي ضيق. وَفِي (كتاب ابْن السّكيت) فِي الْقلب والإبدال فِي بَاب الصَّاد وَالضَّاد. يُقَال: حَاصَ وحَاضَ وجَاضَ بِمَعْنى واحدٍ. وَكَذَلِكَ ناصَ وناضَ. وَقَالَ عزَّ من قَائِل {فَنَادَواْ وَّلاَتَ حِينَ} (ص: 3) أَي لات حينَ مَهْرَب.
وروى اللَّيْث بَيت الْأَعْشَى:
لقد نَال حَيْصاً من عُفَيْرَةَ حائصاً
قَالَ يرْوى بِالْحَاء وَالْخَاء. قلت: والرُّواة روَوْهُ بِالْخَاءِ خَيْصاً وَهُوَ الصَّحِيح.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل الخِيَاصة سيْرٌ طَوِيل يشدُّ بِهِ حِزَامُ الدّابّةِ.
حصا: قَالَ اللَّيْث: الحَصَى صِغَارُ الحِجَارَةِ، الْوَاحِدَة حَصَاةٌ وثلاثُ حَصَيَاتٍ. قَالَ والحَصى كَثْرَة العَدَدِ شُبه بحصى الْحِجَارَة فِي الْكَثْرَة، وَقَالَ الْأَعْشَى:(5/106)
فلستُ بالأكْثَرِ منْهُم حَصًى
وَإِنَّمَا العزَّةُ للْكاثِر
قَالَ: وحَصَاةُ اللّسَانِ ذَرَابَتُهُ. قَالَ وَفِي الحَدِيث: (وَهل يُكَبُّ الناسُ على مناخرهم فِي جَهنَّم إِلَّا حَصَا أَلْسِنَتهم) . قلت والرّواية الصَّحِيحَة (إلاَّ حصائدُ ألسنتهم) ؟ وَقد مرّ تَفْسِيره فِي بَابه، وأَمَّا الحَصَاةُ فَهُوَ الْعقل نَفسه.
وروى ابْن السّكيت عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ: فلَان ذُو حَصَاةٍ وأَصَاةٍ إِذا كَانَ حازِماً كَتُوماً على نفْسِه يحفظ سرَّه. قَالَ والحَصَاة الْعقل، وَهُوَ فَعَلَة من أحْصَيْتُ قَالَ طرفَة:
وإنّ لسانَ المَرْءِ مَا لم يَكُنْ لَهُ
حصاةٌ على عَوْرَاتِه لَدلِيلُ
يَقُول إِذا لم يكنْ مَعَ اللِّسَان عقل يحجزه عَن بسْطه فِيمَا لَا يجب دَل اللِّسَان على عَيبه بِمَا بِلَفْظ بِهِ من عُور الْكَلَام.
قَالَ اللَّيْث وَيُقَال لكل قطعَة من الْمسك حصاةٌ. قَالَ: والحصاةُ داءٌ فِي المثانَة، وَهُوَ أَن يخثُرَ الْبَوْل فيشتد حَتَّى يصير كالحصاة. يُقَال حصِيَ الرجلُ فَهُوَ مَحْصِي.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي الحَصْوُ هُوَ المَغَسُ فِي البَطْنِ. وَفُلَان ذُو حَصى أَي ذُو عَددٍ، بِغَيْر هَاء. وَهُوَ من الإحْصَاء لَا من حَصَى الْحِجَارَة وَفُلَان حَصِيٌّ وحَصيفٌ ومُسْتَحْصٍ إِذا كَانَ شديدَ العَقْل، وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَىْءٍ} (الْجِنّ: 28) أَي أحَاط علمُه بِاسْتِيفَاء عَدَدِ كل شَيْء.
وَقَالَ الْفراء فِي قَوْله {وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَلَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ} (المُزمّل: 20) قَالَ علم أَن لنْ تحفظُوا مَوَاقِيت اللَّيلِ، وَقَالَ غَيره مَعْنَاهُ {وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَلَّن تُحْصُوهُ} أَي عَلِمَ أَن لن تُطِيقوه، وَأما قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن لله تِسْعَة وَتِسْعين اسْما من أحْصَاها دخلَ الجَنّة) فمعْناه وَالله أعلم من أحْصَاهَا عِلْماً وإيماناً بهَا ويقيناً بِأَنَّهَا صفاتُ الله جلّ وعزّ، وَلم يُرد الإحصاء الَّذِي هُوَ العَدّ. والحَصَاةُ الْعقل: اسْم من الإحصاء فِي هَذَا الْموضع وَقَالَ أَبُو زُبَيد:
يُبْلغُ الجَهْدَ ذَا الْحَصَاة من القو
مِ وَمن يُلْفَ وَاهناً فَهُوَ مُود
يَقُول: يُبلغ ذَا الْحَصَاة من الْقَوْم الجَهْد أَي ذَا الْقُوَّة والرزانة وَالْعقل وَالْعلم بمصادر الْأُمُور ومواردها.
صوح، صِيحَ: أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ وَأبي عَمْرو قَالَ: الصُّوحُ حَائِط الْوَادي وهما صُوحَانِ. وَفِي الحَدِيث أَن مُحَلم بن جُثَامة قتل رجلا يَقُول لَا إلاه إلاّ الله، فلمّا مَاتَ دفنوه قَالَ فلفَظَتْه الأَرْض فألْقَوْه بَين صُوحيْن فأكلته السبَاع.
ثعلبٌ عَن ابْن الْأَعرَابِي: الصَّوْحُ بِفَتْح الصَّاد الجانبُ من الرأسِ والجبلِ. قلت: وغيرُه يَقُول صُوحٌ لوجه الْجَبَل الْقَائِم كَأنه حَائِط، وهما لُغَتَانِ صَوْحٌ وصُوحٌ.
سَلمَة عَن الْفراء قَالَ: الصُّوَاحِيُّ مَأْخُوذ من الصُّوَاح وَهُوَ الْجصّ وَأنْشد:
جَلَبْنَا الخيلَ من تثْليث حَتَّى
كأنّ على مَنَاسِجِها صُواحَا(5/107)
قَالَ: شبّه عَرَقَ الخيْلِ لما ابيضّ بالصُّوَاح وَهُوَ الجصّ.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الصَّاحَةُ من الأَرْض الَّتِي لَا تنْبِتُ شَيْئا أبدا.
وَقَالَ اللَّيْث: التصوّح تشقّق الشّعْر وتناثُره وَرُبمَا صوَّحه الجُفُوف.
قَالَ: والبقلُ إِذا أَصَابَته عاهة فيبِس قيل تَصَوّح البَقْلُ وصوّحَتْه الريحُ.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: إِذا تهيّأ النباتُ لليُبْس قيل قد اقْطَارَ فَإِذا يَبِس وانْشَقّ قِيل قد تَصَوَّح.
قلت: وتصوُّحُه من يُبْسِهِ زمانَ الحَر لَا مِنْ آفةٍ تصيبُه.
وَقَالَ ذُو الرمة يصف هَيْج البقل فِي الصَّيف:
وصوح البقْلَ نآجٌ تجيءُ بِهِ
هَيْفُ بِمَا نِيَةٌ فِي مَرهَا نكَبُ
أَبُو عبيد عَن أبي عُبَيْدَة: فإنْ تشقَّق الثَّوْب من قِبَل نَفْسه قيل قد انْصَاحَ انْصِياحاً وَمِنْه قَول عبيد:
من بَين مرتَتِقٍ مِنْهَا ومُنْصاح
قَالَ شمر: وَرَوَاهُ ابْن الأعرابيّ:
من بَين مرتَفِقٍ مِنْهَا ومنصاح
وَفسّر المُنْصَاحَ الفائِضَ الجارِي على وجْهِ الأرْضِ. قَالَ: والمُرْتَفِق الممتلىءُ.
قَالَ: ويروى عَن أبي تَمام الْأَسدي أَنه أنْشدهُ:
من بَين مرتفِق مِنْهَا ومِنْ طَاحِي
قَالَ: والطَّاحِي الَّذِي قَدْ سالَ وفاضَ وَذهب.
وَقَالَ الأصمعيُّ: انْصَاحَ الفَجْرُ انصِياحاً إِذا اسْتَنَارَ وأَضَاءَ، وَأَصله الانْشِقَاق. وتَصَايحَ غِمْدُ السَّيْف إِذا تشقّق.
وَقَالَ اللَّيْث الصُّوَّاحَةُ على تَقْدِير فُعَّالة من تشقق الصُّوف إِذا تصوَّح.
وَفِي (النَّوَادِر) : صوّحتْه الشمسُ ولوَّحتْه وصَمَحَتْه إِذا أَذْوَتْه وآذَتْه.
وَمن نَبَات الْيَاء، أَبُو عبيد عَن أبي زيد: لَقيته قبْلَ كل صَيْحٍ ونَفْرٍ، فالصَّيْحُ الصيَاح والنَّفْر التفَرُّق. وَيُقَال غَضِبَ فلانٌ من غير صَيْحٍ وَلَا نَفْرٍ، من غير قَلِيل وَلَا كثيرٍ. وَقَالَ الشَّاعِر:
كَذُوبٌ محولٌ يجعلُ الله عُرْضَةً
لأَيْمانِه من غير صيْحِ وَلَا نَفْر
قَالَ: مَعْنَاهُ من غير شَيْء. وَيُقَال: تصيّح النبْتُ إِذا تشقّق بِمَعْنى تصوَّح.
وَقَالَ اللَّيْث: تصيّح الخَشَبُ وغيرُه إِذا تصدّع.
وأنشدني أعرابيٌّ من بني كُلَيْب بن يَرْبُوع:
ويومٍ من الجوْزَاءِ مُؤتَقِد الحَصَى
تكَادُ صَيَاصِي العيْنِ مِنْهُ تَصَيَّحُ
قَالَ: والصيَاحُ صوتُ كُل شَيْء إِذا اشتدّ. والصَّيْحَةُ العذابُ.
قَالَ الله: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ} (الحِجر: 73) يَعْنِي بِهِ العذَاب. وَيُقَال: صِيحَ فِي آلِ فلَان إِذا هَلَكُوا.
وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس:(5/108)
دعْ عَنْكَ نَهْباً صِيحَ فِي حَجَرَاته
وَلَكِن حديثٌ مَا حديثُ الرَّوَاحل
وَقَالَ الله: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ} أَي الهلَكَةُ. وصَيْحةُ الْغَارة إِذا فاجأتْهم الخيلُ المُغيرةُ والصَّائِحَةُ صَيْحَةُ المَنَاحَة. وَيُقَال: مَا ينْتَظِرُون إِلَّا مثلَ صَيْحَةِ الحُبْلَى أَي شرّاً يَفْجَؤُهم. والصيْحانيّ ضَرْبٌ من التَّمْرِ أسْوَدُ صُلْبُ المَمْضَغَةِ شديدُ الحلاوَةِ.
قلت: وسُمي صَيْحَانِياً لأنّ صيْحانَ اسمُ كَبْشٍ كَانَ يُرْبَطَ عِنْدَ نَخْلةٍ بِالْمَدِينَةِ فأثمرت ثمْراً صيْحَانِيّاً فنُسِبَ إِلَى صَيْحَان.
وَقَول الله جلّ وعزّ: {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ} (هُود: 67) فذكّر الْفِعْل لِأَن الصّيْحَةَ مصدَرٌ أُرِيدَ بِهِ الصيَاحُ، وَلَو قيل وَأخذت الَّذين ظلمُوا الصيحةُ بالتأنيث كَانَ جَائِزا تذْهب بِهِ إِلَى لفظ الصّيْحَةِ.
حصأ: مهموزاً. أَبُو عبيد عَن الأُمَوِيّ: حَصَأْتُ من المَاء أَي رَوِيتُ.
وَقَالَ أَبُو زيد: حَصَأ الصَّبيُّ من اللَّبن حَصْأ إِذا أُرْضِع حَتَّى تمتلىء إنْفَحَتُه إِن كَانَ جَدْياً، وَإِن كَانَ صبِياً فبطْنُه.
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الأصمعيُّ: يُقَال للرجل وَغَيره حَصَأ بِهَا وحَصَمَ بِهَا إِذا ضَرَط.
وَقَالَ غَيره: أحْصَأتُه أَي أَرْوَيتْهُ.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الحَصَا مَا خَذَفْت بِهِ خَذْفاً وَهُوَ مَا كَانَ مثلَ بَعْرِ الْغنم.
وَقَالَ أَبُو أسلم: العظيمُ مثل بَعْرِ البعيرِ من الْحَصَى.
وَقَالَ أَبُو زيد حَصَاة وحِصِيّ وقناة وقِنِيٌّ ونواة ونِوَيٌّ ودواةٌ ودِوِيّ، هَكَذَا قيّده شمر، وغيرُه يَقُول بِفَتْح الحَاء والقَافِ وَالنُّون وَالدَّال حَصَّى وقَنَّى ونوَّى ودَوَّى. وَيُقَال نهر حَصَوِيٌّ أَي كثيرُ الحَصَى.
وَقَالَ الْأَحْمَر: أَرض مَحْصَاةٌ من الحَصَا وحَصِيَّة وَقد حَصِيتْ تَحْصَى. وَيُقَال حَصَيْتُه بالحَصَى أحْصِيه أَي رمَيْتُه.
وَقَالَ اللَّيْث فِي قَوْلهم وَقع فلَان فِي حَيْص بَيْص أَي فِي ضيقٍ وَالْأَصْل فِيهِ بَطْنُ الضبّ يُبْعَج فيخْرَجُ مَكْنُه وَمَا كَانَ فِيهِ ثمَّ يحَاصُ.
وحص: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الوحْصُ البَثْر يخرج فِي وَجه الجَارِية المَلِيحة.
وَقَالَ ابْن السّكيت: أصبَحَتْ وَلَيْسَ بهَا وَحْصَةٌ وَلَا وَذْيَةٌ.
قَالَ الأزهريُّ مَعْنَاهُ لَيْسَ بهَا عِلَّة.
(أَبْوَاب الْحَاء وَالسِّين)
(ح س (وايء))
حسا، حاس، سَحا، ساح: (مستعملة) .
حسا: قَالَ اللَّيْث: الحَسْوُ الْفِعْل، يُقَال حَسا يَحْسو حَسْواً، والشيءُ الَّذِي يُحْسَى اسمُه الحَسَاء مَمْدُود. والحُسوَةُ مِلْءُ الفَم. وَيُقَال اتَّخذُوا لَهُ حَسِيَّةً. والحُسْوَةُ الشَّيْء الْقَلِيل مِنْهُ.
الحرَّاني عَن ابْن السّكيت: حَسَوْتُ حَسْوَةً وَاحِدَة والحُسْوَةُ مِلءُ الْفَم.
وَقَالَ اللحياني: حَسوة وحُسوة وغَرفة وغُرفة بِمَعْنى وَاحِد.(5/109)
وَقَالَ يُونُس: حَسوت حَسوة وَفِي الْإِنَاء حُسوةٌ.
وَقَالَ ابْن السّكيت: شربت حَسُوّاً وحَسَاءً، وشربت مَشُوّاً ومَشَاءً.
قَالَ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: قَالَ أَبُو ذبيان بن الرعبل: أبْغض الشُّيُوخ إليَّ الحَسُوُّ الفَسُوُّ. قَالَ: الحَسُوُّ الشروبُ.
قلت: جمع الحُسْوَةِ حُسًى، وَالعرب تَقول: نمت نَوْمة كحَسْوِ الطير إِذا نَام نوماً قَلِيلا. وَيقول الرجلُ للرجلِ هَل احتسيت من فلَان شَيْئا؟ على معنى هَل وَجَدْتَ، وَقَول أبي نخيلة:
لما احْتَسَى مُنْحَدِرُ من مُصْعِد
أَن الحَيَا مُغْلوْلِبٌ لم يَجْحَدِ
احتسى أَي استَخْبَرَ فأُخْبِرَ أَن الخِصْب فاشٍ.
وَسمعت غيرَ واحدٍ من بني تَمِيم يَقُول: احتَسَيْنا حِسْياً أَي أنْبطْنا مَاء حَسْيٍ، والحَسْيُ الرَّمْل المتراكم أَسْفَله جبل أصلدُ، فَإِذا مُطِرَ الرمل نَشِفَ مَاء الْمَطَر، فَإِذا انْتهى إِلَى الْجَبَل الَّذِي أسفَلُه أمسكَ المَاء وَمنع الرملُ حرَّ الشَّمْس أَن ينشف المَاء فَإِذا اشْتَدَّ الْحر نُبِثَ وجْهُ الرمل عَن المَاء فنبَعَ بَارِدًا عذباً يتَبَرَّضُ تبرُّضاً وَقد رَأَيْت فِي الْبَادِيَة أحْسَاءُ كَثِيرَة على هَذِه الصفَة مِنْهَا أحْساءً بَنِي سَعْدٍ بحذاء هَجَرَ وقُرَاها وَهِي اليومَ دارُ القَرَامِطَةِ، وَبهَا مَنَازِلُهم وَمِنْهَا أَحْسَاءُ خِرْشَافِ وأَحْسَاءُ القَطِيف. وبحذاء حاجِرٍ فِي طَرِيق مَكَّة أَحْساءٌ فِي وادٍ مُتَطَامِن ذِي رَمْلِ إِذا رَوِيَتْ فِي الشتَاء من السُّيُول الْكَثِيرَة لم يَنْقَطِع ماءُ أحْسائها فِي القَيْظ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الحِسَى المَاء الْقَلِيل.
وَقَالَ شَمِر: يُقَال جعلت لَهُ حَسوًا وحَساء وحَسِيّة إِذا طُبَخَ لَهُ الشَّيْء الرَّقِيق يتحسَّاه إِذا اشْتَكَى صدرَه، وَيجمع الحِسْيُ حِسَاءً وأحْساءً.
سَحا: قَالَ اللَّيْث: سَحَوْتُ الطينَ بالمِسْحَاةِ عَن الأَرْضِ سَحْواً وسَحْياً، وَأَنا أَسْحَاهُ وأَسْحُوه وأسْحِيه، ثلاثُ لُغَاتٍ.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: سَحَوْتُ الطين عَن الأرْضِ أَسْحُوهُ وأَسْحَاه، وَلم يذكر أسحِيه. قَالَ وسَحْوُ الشَّحْم عَن الإهاب قَشْرُه، وَمَا قْشِرَ عَنهُ فَهُوَ سِحاءَة نَحْو سحاءةِ النواة، وسحاءة القرطاس وَفِي السَّمَاء سِحَاءةٌ من سَحَاب، أَي غيمٌ رقيقٌ. وَيُقَال: سحَّيْتُ الْكتاب تَسْحِيَةً لِشَدهِ بالسحَاءَةِ، وَيُقَال بالسحَاية، لُغَتَانِ.
قَالَ اللَّيْث: وسَمّى رؤبة سنابك الحُمُرِ مَسَاحِيَ لِأَنَّهَا تُسْحَى بهَا الأَرْض فَقَالَ:
سَوَّى مساحِيهِنّ تقطيطَ الحُقَق
قَالَ: وَرجل أُسْحُوان: كثير الأَكْلِ. قَالَ والأُسْحِيَّة كل قشرة تكونُ على مضائِغ اللَّحْم من الْجلد. ومتَّخِذُ الْمساحِي سَحَّاءٌ على فَعال وحرفته السحَايةُ.
وَقَالَ الأصمعيُّ: الساحِيَةُ المَطْرَةُ الشَّدِيدَة الوقعِ الَّتِي تَقْشِر الأرضَ. وَأنْشد أَبُو عبيد:(5/110)
أَصَابَ الأرْضَ مُنْقَمِشُ الثريَّا
بساحِيَةٍ وأَتْبَعَها طِلاَلا
قَالَ: وسَحَوْتُ القرطاسَ وسَحَيْتُه والسحَاةُ الخُفّاش وَجَمعهَا سَحاً. قَالَ: والسحاء ضربٌ من الشّجر يرعاه النَّحْل. وَكتب الْحجَّاج إِلَى عَامل لَهُ أَن أرسل إليَّ بِعَسَل السحاء أخْضَرَ فِي الْإِنَاء.
وَقَالَ ابْن السّكيت: ضَبٌّ سَاحٍ حابلٌ إِذا رعى السَّحَاءَ والحُبْلَة. وسِحَاءَةٌ أُم الرَّأْس الَّتِي تكون فِيهَا الدِّمَاغ، قَالَ: وسِحَاءَةُ القِرْطاس ممدودةٌ وسِحَاءٌ مَمْدُود بِلَا هَاء. قَالَ والسحاءُ الخفاش بِكَسْر ويُمَدّ، ويُفْتَحُ فيُقْصر، فَيُقَال هُوَ السَّحا، مقصورٌ كَمَا ترى.
حوس، حيس: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الحَوْسُ الأكلُ الشَّديد، والحُوسُ الشجعان. قَالَ والحَوْسَاءُ النَّاقة الشَّدِيدَة الأكْلِ.
قَالَ وَيُقَال حاسُوهم وجاسُوهم ودَرْنَجُوهم وفَنَّخُوهم أَي ذَلّلوهم.
وَقَالَ اللَّيْث الحَوْس انتشارُ الغَارة والقَتْل، والتحركُ فِي ذَلِك، يُقَال حُسْتُه أَي وطئْتهُ وخالطْتُه.
وَقَالَ الْفراء: حَاسَهم وجَاسَهم إِذا ذَهَبُوا وَجَاءُوا يَقْتُلُونهم.
ابْن السّكيت عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: تركت فلَانا يَحُوس بَنِي فلَان ويَجُوسهم. يَقُول يَدُوسُهمْ ويطْلُب فيهم.
وَقَالَ اللَّيْث: الأَحْوَسُ الجَرِيءُ الَّذِي لَا يهوله شَيْء وَأنْشد:
أَحُوسُ فِي الظَّلْمَاءِ بالرُّمْحِ الخَطِلْ
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ الأحْوسُ الشديدُ الأكلِ، والأحْوسُ الْكثير القَتْلِ من الرِّجَال، والأحْوَسُ الَّذِي لَا يَبْرَح مكانَه حَتَّى ينالَ حَاجته.
وَقَالَ الفرزدق يصف إبِلا:
حَوَاسَاتُ الشتَاء خَبَعْثِنَاتٌ
إِذا النَّكْبَاءُ ناوحت الشمالا
ابْن السّكيت: يُقَال للرجُل إِذا مَا تحبَّس وأَبْطَأَ: مَا زَالَ يتحوَّسُ، وإبِلٌ حُوسٌ بَطِيئةُ التحرُّك من مَرْعاها وإبلٌ حُوسٌ كثيرات الْأكل.
وَقَالَ اللَّيْث: التحوُّس الْإِقَامَة كأنَّه يُرِيد سفَراً وَلَا يَتَهَيَّأ لَهُ لانشغاله بِشَيْء بعد شَيءٍ وَقَالَ المتلمس:
سِرْقد أنَى لَك أَيُّها المُتَحَوسُ
فالدار قد كادَت لِعَهْدِك تدرُس
وَرجل حَوَّاسٌ عَوَّاسٌ طَلاَّبٌ بِاللَّيْلِ، وغيث أحْوَسِيٌّ دَائِم لَا يقطع. قَالَ الراجز:
أَنْعَتُ غيثاً رائحاً عُلْوِيّا
صَعَّدَ فِي نَخْلَةَ أَحْوَسِيّا
يَجُرُّ من عَفَائِهِ حَبِيّا
جَرّ الأسِيفِ الرَمَك الَمرعِيَّا
أنْشدهُ شمر. وَفِي حَدِيث عُمر أنّه قَالَ لرجل: بَلْ تَحُوسُكَ فِتْنَةٌ.
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ العَدَبَّس الْكِنَانِي فِي قَوْله: بَلْ تَحُوسُك فِتْنَةٌ، أَي تُخَالِطُ قَلْبك وتَحُثُّك وتُحَركُكَ على رُكُوبها.(5/111)
وَقَالَ أَبُو عبيد: وكل مَوضِع خَالَطْته وَوَطِئْتَه فقد حُسْتَه وجُسْتَه وَقَالَ الحطيئة:
رهْطُ ابنِ أَفْعَلَ فِي الخُطُوبِ أَذِلَّةٌ
دُنُسُ الثيابِ قَنَاتُهُمْ لم تُضْرَس
بِالْهَمْزِ من طُولِ الثقَافِ وجَارُهم
يُعطِي الظَّلامَةَ فِي الخطوب الحُوَّسِ
يَعْنِي الأمورَ الَّتِي تنزلُ بهم فتفْشَاهم وتَخلَّلُ دِيارَهُم.
وقَالَ ابنُ الأعرابيّ: الإبِلُ الْكَثِيرَة يُقَال لَهَا حَوْسى وَأنْشد:
تبدَّلَتْ بعد أَنِيسٍ رُغُب
وَبعد حَوْسى جامل وسرب
وحاست الْمَرْأَة ذيلَها حَوْساً إِذا سحبتها وامرأةٌ حَوْسَاءُ الذيل وَأنْشد شمر قَوْله:
تَعيِبينَ أَمْراً ثمَّ تأتينَ مِثْلَه
لقد حَاسَ هَذَا الأَمْرَ عنْدك حائس
وَذَلِكَ أَن امْرَأَة وجدت رَجُلاً على فُجُورٍ فعيّرته فَلم تلبث أَنْ وَجَدها الرجلَ على ذَلِك. ومثلٌ للْعَرَب: عَاد الحيس يُحَاس؛ أَي عَاد الْفَاسِد يُفْسِد، وَمَعْنَاهُ أَن تَقول لصاحبك: إِن هَذَا الْأَمر حَيْس أَي لَيْسَ بِمُحْكم وَهُوَ ردِيءٌ، وَمِنْه الْبَيْت: تعيبني أَمْراً.
قَالَ شمر رُوي عَن الْفراء: لقد حِيس حَيْسَهم كَمَا تَقول دَنَا هَلاَكُهُمْ.
أَبُو عبيد عَن الأُمَوِيّ: إِذا أَحْدَق بالرَّجُلِ ونَسَبِه الإمَاءُ مِنْ كُل وَجْهٍ فَهُوَ مَحْيُوسٌ، وَذَلِكَ لأَنَّه يشبَّه بالحَيْس وَهُوَ يخلط خَلْطاً شَدِيدا.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: إِذا كَانَت جدّتاه من قِبَلِ أَبِيه وأُمه أَمَةً فَهُوَ المحْيُوس من الحَيْس، يُقَال حُست أَحِيسُ حَيْساً وَأنْشد:
عَن أَكْلِيَ العِلْهِزَ أَكْلَ الحَيْس
والحيْسُ التَّمْر البرنيُّ والأَقِطُ يُدَقَّانِ ويُعْجَنَان بالسَّمْنِ عَجْناً شَدِيدا حَتَّى تَنْدُرَ مِنْهُ نواةٌ ثمَّ يسوى كالثريد وَهِي الوطيئَةُ أَيْضا، إلاّ أنّ الحيس رُبمَا جُعل فِيهِ السَّوِيقُ وأَمَّا فِي الوطيئةِ فَلَا وَأنْشد:
وَإِذا تكونُ كَرِيهَةٌ أُدْعَى لَهَا
وإذَا يُحَاسُ والحيس يدعى جُنْدُبُ
شمر وَمن أمثالهم: عَاد الحَيْسُ يُحَاسُ وَمَعْنَاهُ أَن رجلا أُمر بأَمْرٍ فَلم يُحْكِمْه فذمّه آخر فَقَامَ لِيُحْكمَه فجَاء بِشَرَ مِنْهُ فَقَالَ الْآمِر: عَادَ الحَيْسُ يُحَاسُ، أَي عَاد الفَاسد يُفْسدُ وَامْرَأَة حوْساء الذيل أَي طَوِيلَة الذيل. قَالَ: قد علمت صفراء حوساء الذيل وَقد حَاست ذَيْلَها تَحُوسُه إِذا وطئَتْهُ تسحَبُه، كَمَا يُقَال حاسَهم وجَاسهم إِذا وَطِئَهم.
سيح سوح: قَالَ اللَّيْث: السَّيْحُ المَاء الظَّاهِرُ على وجْه الأرْض يَسِيحُ سَيْحاً.
الْأَصْمَعِي: ساحَ الماءُ يسيحُ سَيْحاً إِذا جرَى على وَجه الأَرْض، وَمَاء سَيْح وغَيْلٌ إِذا جرَى على وَجه الأَرْض، وَجمعه سَيُوح وأَسْيَاحٌ، وَمِنْه قَوْله:
تِسْعَةُ أَسْيَاح وسَيْحُ الغَمَرْ
وَقَالَ اللَّيْث: السيَاحَةُ ذهَاب الرجل فِي الأرْضِ لِلْعِبَادَةِ والتَّرَهُّبِ، وسياحَةُ هَذِه الأمّة الصيَامُ ولزومُ الْمَسَاجِد.(5/112)
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (لَا سياحة فِي الْإِسْلَام) ، أَرَادَ بالسياحة مفارَقَةَ الأَمْصَارِ والذهابَ فِي الأرضِ وَأَصله من سَيْح الماءِ الْجَارِي.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ} (التّوبَة: 112) وَقَالَ {عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ} (التّحْريم: 5)
جَاءَ فِي التَّفْسِير أَن السائحين والسائحات الصائمون.
وَقَالَ الْحسن: هم الَّذين يَصومُون الْفَرْض. وَقد قيل: إِنَّهُم الَّذين يُدِيمُون الصّيام. وَقَول الْحسن أَبْيَنُ. وَقيل للصَّائِم: سائح لِأَن الَّذِي يسيح مُتَعبداً يذهبُ فِي الأَرْض لَا زادَ مَعه فحين يَجِد الزَّاد يَطْعَمُ، والصائم لَا يَطْعَم أَيْضا، فَلِشَبهَه بِهِ سمي سائحاً.
وَفِي الحَدِيث على أَنه وصف قَوْماً فَقَالَ: (لَيْسُوا بالمسَايِيح البُذُر) .
قَالَ شمر: المسايِيحُ لَيْسَ من السّياحة وَلكنه من التسييح فِي الثوْبِ أَن يكون فِيهِ خطُوطٌ مختلفةٌ لَيْسَ من نحوٍ واحدٍ
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: المُسَيَّحُ من العَبَاءِ الَّذِي فِيهِ جُدَدٌ، واحدةٌ بيضاءُ وأُخْرى سَوْدَاءُ لَيست بشديدةِ السَواد. وكل عباءة سَيْحٌ ومُسَيَّحَةٌ. يُقَال: نِعْم السَّيْحُ هَذَا، وَمَا لم يكن ذَا جُدَدٍ، فَإِنَّمَا هُوَ كِسَاء وَلَيْسَ بِعَبَاءٍ. وَقَالَ: وَكَذَلِكَ المُسَيَّح من الطّرق المبيَّنُ، وَإِنَّمَا سيَّحه كَثْرَة شَرَكِه، شُبه بالعَباءِ المُسَيَّح. وَيُقَال للحمار الْوَحْش مُسيَّح لجُدَّته الَّتِي تفْصِل بَين البَطْن والجَنْبِ.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: السيْح مِسْحٌ مُخَطَّطٌ يكونُ فِي الْبَيْت يصلح أَن يُفْتَرَش وَأَن يسْتَتر بِهِ.
وَقَالَ الأصمعيُّ: إِذا صارَ فِي الجَرَادِ خطوطٌ سودٌ وصُفْرٌ وبيضٌ فَهُوَ المُسَيَّح، فَإِذا بدا حَجْمُ جَناحِه فَذَلِك الكُتْفَان لِأَنَّهُ حينئذٍ يَكْتِف الْمَشْي فَإِذا ظَهَرَتْ أجْنِحَتُه وَصَارَ أحْمَرَ إِلَى الغُبْرَةِ فَهُوَ الغَوْغَاءُ والواحدة غَوْغَاءَةٌ؛ وَذَلِكَ حِين يَمُوجُ بعضُه فِي بَعْضٍ وَلَا يتوجّه جِهَةً وَاحِدَة، هَذَا فِي رِوَايَة عمر بن بَحْرٍ.
وَقَالَ شمر: المسايِيحُ الذَين يسيحون فِي الأرْض بالشَّر والنميمةِ والإفسادِ بَين النَّاس، والمَذَايِيعُ الَّذين يُذيعُون الْفَوَاحِش.
وَقَالَ الليثُ: السَّاحة فَضَاءٌ يكون بَين دُور الحَي، والجمعُ سوحٌ وسَاحَاتٌ، وتصغيرها سُوَيْحَةٌ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال للأتان قد انْسَاح بَطْنُها وأنْدَال سِيَاحاً إِذا ضَخُمَ ودَنَا من الأَرْض. وَيُقَال: أساحَ الفَرَسُ ذَكره وأَسابَه إِذا أخرجه من قُنْبِه. قَالَه خَليفَة الحصيني قَالَ وسيَّبه وسيَّحه مثلُه.
وَقَالَ غَيره: أسَاحَ فلانٌ نَهْراً إِذا أَجْراه. وَقَالَ الفرزدق:
وَكم لِلْمُسلمِين أسَحْتَ يَجْرِي
بِإِذن الله من نَهْر ونَهْرِ
يَقُول: كم من نَهْرٍ أجريتَه للْمُسلمين فانتفعوا بمائه.(5/113)
(بَاب الْحَاء وَالزَّاي)
(ح ز (وايء))
حزى حزا، حَاز (تحوز، تحيز) ، زاح، أزح.
حزى: قَالَ اللَّيْث: الحَازِي الكاهِنُ تَقول: حَزَا يَحْزُو ويَحْزِي ويَتَحَزَّى.
وَأنْشد:
وَمن تَحَزَّى عَاطساً أَو طَرَقا
وَقَالَ آخر:
وحازِيَةٍ ملبونة ومنجسٍ
وطارقةٍ فِي طرقها لم تُسَدَّد
قَالَ الأصمعيُّ التحزّي التكهن.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الحازِي أقَلُّ عِلْماً من الطّارق، والطّارقُ كَاد أَن يكونَ كاهِناً، والحازِي يَقُول بِظَنَ وخَوْفٍ، والعائف العالمُ بالأمور وَلَا يُسْتعافُ إِلَّا من عَلِم وحَرَّب وعرَف؛ والعَرَّاف الَّذِي يَشُمُّ الأَرْض فيعرفُ مواقِع الْمِيَاه، وَيعرف بِأَيّ بلدٍ هُوَ.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: حَزَيْت الشَّيْء أحْزيه إِذا خَرَصْتَه وحزوتُه مثلُه، لُغَتَانِ من الحازِي، وَمِنْه حَزَيْتُ الطيرَ إِنَّمَا هُوَ الخَرْصُ وحَزَا السرابُ الشيءَ يحزوه: رَفَعه. ابْن هانىء عَن أبي زيد: حزونا الطير نحزوها حَزْواً، زجرناها زجرا قَالَ: وَهُوَ عِنْدهم أَن ينعَقَ الْغُرَاب مُسْتقبِلَ رَجُلٍ وَهُوَ يُرِيد حَاجَةً فَيَقُول: هُوَ خيرٌ فَيخرج، أَو ينعق مُستَدْبِرَه فَيَقُول: هَذَا شَرٌ فَلَا يخرج، وَإِن سنح لَهُ عَن يَمِينه شيءٌ تَيَمَّنَ بِهِ، أَو سَنَح عَن يسَاره تشاءم بِهِ، فَهُوَ الحَزْوُ والزَّجْرُ، وَيُقَال أحْزَى يُحزي إحْزاء إِذا هاب وأبى. وأنشدوا:
وَنَفْسِي أَرَادَت هجر سلمى وَلم تطقْ
لَهَا الهجر هابته وأحْزَى جَنِينُها
وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب:
كعُوذِ المعطف أحْزَى لَهَا
بمصدرة المَاء رَأْمٌ
أَي رَجَعَ لَهَا، رَأْمُ أَي وَقد رُدَّ هالكٌ ضعيفٌ والعُوذُ الحديثَةُ الْعَهْد بالنتاج. وَقَالَ اللَّيْث: الحَزَا مقصورٌ: نَبَات يُشْبِه الكرفْسَ من أَحْرَار الْبُقُول، ولريحه خَمْطةٌ يزْعم الْأَعْرَاب أَن الْجِنّ لَا تدخل بَيْتا يكون فِيهِ الْحَزَا، والواحدة حَزَاةٌ. أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: الحَزَاءُ ممدودٌ: نبتٌ. وَقَالَ شمر: تَقول الْعَرَب ريحُ حَزَاء فالنَّجاءَ، قَالَ وَهُوَ نَبَات ذَفِرٌ يَتَدَخَّنُ بِهِ للأرواح، يُشْبِهُ الكَرَفْسَ، وَهُوَ أعْظَمُ مِنْهُ. فَيُقَال اهرُب إِن هَذَا ريحُ شَر. قَالَ: وَدخل عمر بن الحكم النَّهْدِيّ عَلَى يزِيد بن المهلّب وَهُوَ فِي الحَبْس فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: أَبَا خَالِد
ريحُ حزاء فالنَّجا لَا تكن
فريسة للأسد اللابد
أَي أَن هَذَا تباشيرُ شَر وَمَا يَجِيء بعد هَذَا شَرٌ مِنْهُ. وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم الحَزَاءُ ممدودة لَا يُقصر. وَقَالَ شمر: الحَزَاءُ يمَدُّ وَيقصر.
وحَزْوَى جبلٌ من جبالِ الدهناء، وَقد مررتُ بِهِ
وَمن مَهْمُوز هَذَا الْبَاب:(5/114)
حَزَأْتُ: الإبلَ وأَنا أَحْزُؤُها، وَهُوَ أَن تَضُمَّها وتسوقَها. وَقَالَ: واحْزَوْزَأَتْ الإبلُ إِذا اجْتمعت. والطائِر يحزَوْزِىء، وَهُوَ ضمُّه نفْسَه وتجَافِيه عَن بيضه وَأنْشد:
مُحْزَوْزأيْنِ الزفَّ عَن مَكَوَيْهِما
وَقَالَ رؤبة فَلم يهمز:
والسيرُ محزوزٍ بِهِ أحْزِيزَاؤُه
قَالَ ذَلِك كلُّه اللَّيْث. وَقَالَ أَبُو زيد فِي كتاب الْهَمْز:
حَزَأْتُ الْإِبِل حَزْأً
إِذا جمعتَها وسقتَها
حوز حيّز: قَالَ اللَّيْث: الحَوْزُ السيْرُ اللين. أَبُو عبيد عَن أبي زيد: الحَوْزُ السيْر الروَيْدُ. قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الحَيْز السيْرُ الروَيْدُ. وَقد حِزْتُها أَحِيزُها. وَقَالَ الْأَصْمَعِي هُوَ الْحَوْزُ وَأنْشد قَول الحطيئة:
وَقد نظرْتكم إيناءَ صَادِرةٍ
للوِرْد طَال بهَا حَوْزِي وتَناسِي
وَقَالَ عائشةُ فِي شمر: كَانَ وَالله أحْوَزِيّا نسيجَ وحْدِه. قَالَ السَّائِق الْحسن السِّيَاق وَفِيه معَ سِيَاقه بعض النفار. وَكَانَ أَبُو عَمْرو يَقُول: الأحوزي.
أَبُو عبيد قَالَ الْأَصْمَعِي الأحوزيّ الخفيثُ. وَقَالَ العجاج يصف ثوراً وكلاباً:
يحوزهن وَله حُوزِيّ
كَمَا يحوز الفِئَة الكَمِيُّ
وَبَعْضهمْ يرويهِ، كَانَ وَالله أحْوَذِياً بِالذَّالِ، وَهُوَ قريب من الأحوزي.
قَالَ شمر الحَوْز من الأرْض أَن يتخذَها رجلٌ، ويبيّن حدودَها فيستحقُّها، فَلَا يكونُ لأحدٍ فِيهَا حقٌّ مَعَه، فَذَلِك الحَوْز. وقولُ العجاج وَله حُوزِي أَي لَهُ مَذْخُورُ سَيْرٍ لم يَبْتَذِلْه أَي يَغْلبهنّ بالهُوَيْنَى.
وَقَالَ شمر فِي قَوْله: وَله حُوزِيّ، أَي لَهُ طَارِدٌ يطرُد عَن نَفْسه من نشاطِه وحْدَه. قَالَ: وَسمعت ابْن الْأَعرَابِي يَقُول: جمل حُوزِيّ ورجُلٌ حُوزِيٌّ ورجُلٌ أَحْوَزِيٌّ قد حَاز الأمورَ وأحكمَها.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَوْزُ أَيْضا موضعٌ يحوزُه الرجلُ يتَّخذْ حواليه مُسَنَّاة، والجميع الأحْوَازُ، قَالَ وكلُّ من ضمَّ شَيْئا إِلَى نَفْسه من مَال وغيرِ ذَلِك فقد حازَه واحْتَازَه. قَالَ وحَوْزُ الرجُلِ طبيعتُه من خير أَو شَرّ. قَالَ والحَوْزُ النِّكَاح وَأنْشد:
تَقول لمّا حَازَها حَوْزَ المَطِي
أَي جَامعها. وَفِي الحَدِيث: (فَلَمَّا تحوّز لَهُ عَن فِراشه) . قَالَ أَبُو عبيد التحوُّزُ هِيَ التنَحي. وَفِيه لُغَتَانِ: التحوُّز والتحيُّز.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ} (الأنفَال: 16) فالتحوز تَفَعُّلٌ والتحيّز التَّفَيْعلُ، ونحوَ ذَلِك قَالَ الفراءُ وحذّاقُ النَّحْوِيين. وَقَالَ الْقطَامِي يصف عجوزاً استضَافها فَجعلت تروغُ عَنهُ فَقَالَ:
تَحَوَّزُ عنّي خَشْيَةً أَن أضِيفَها
كَمَا انحازَت الأفْعى مخافَة ضَارِب
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَول الله: {أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ} (الْأَنْفَال: 16) نصب {مُتَحَرِّفاً} و {وُوِمُتَحَيِّزاً} على الْحَال، إِلَّا أَن(5/115)
يتحرّف لِأَن يُقاتل أَو أَن ينْحازَ أَي ينفرِدَ ليكُون مَعَ المقاتِلة. قَالَ وأصل متحيز محيوِز فأُدْغِمت الواوُ فِي الْيَاء.
قَالَ شمر: الْإِثْم حَوَّاز القلوبِ أَي يحوزَ القلْبَ ويغلبُ عَلَيْهِ حَتَّى يركب مَا لَا يَجِبُ، وكأنّه من حَاز يحوز. قَالَ الْأَزْهَرِي: وَأكْثر الرِّوَايَة (الْإِثْم حزّاز الْقُلُوب) أَي حزّ فِي القلبِ وحاكَ فِيهِ.
وَقَالَ شمر: حُزْتُ الشَّيْء أَي جمعتُه أَو نحيته قَالَ والحوزِي المتوحّد فِي قَول الطرماح:
يَطُغْنُ بِحُوزِي لم يُرَعْ بواديه
من قَرْع القِسيّ الكِنَائنُ
قَالَ: الحوزيُّ المتوحدُ وَهُوَ الفَحْلُ مِنْهَا وَهُوَ مِنْ حُزْتُ الشَّيْء إِذا جمعته أَو نحَيتَه.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال مَالك تَتَحَوَّزُ إِذا لم تَسْتقرَّ على الأرضِ، وَالِاسْم مِنْهُ التحوُّز. قَالَ: وحَيزُ الدّار مَا انضمَّ إِلَيْهَا من الْمرَافِق والمنافِع، وكلُّ ناحِية حيّزُ على حدَةٍ، بتَشْديد الْيَاء، والجميع أحْيَازٌ، وَكَانَ الْقيَاس أَن يكون أحْوَازاً، بِمَنْزِلَة الميّت والأموات وَلَكنهُمْ فرّقوا بَينهمَا كراهةَ الالتباس، وَقَالَ الرَّاعِي يصف إبِلا:
حوزيَّةٌ طُوِيَتْ على زَفَراتِها
طيَّ القناطِر قد بزلْن بزولا
قَالَ والحُوزية النوق الَّتِي لَهَا خِلْقَةٌ انْقَطَعت عَن الْإِبِل فِي خِلْقَتِها وفراهتها، كَمَا تَقول منقطِع القرين.
وَقيل نَاقَة حُوزِيةٌ أَي مُنْحازَة عَن الْإِبِل لَا تخالطها من سَيْرها مصونٌ لَا يُدْرك، وَكَذَلِكَ الرجل الحُوزيّ الَّذِي لَهُ أبدا، من رَأْيه وعقله مذخور.
وَقيل بل الحُوزية الَّتِي عِنْدهَا مذخورٌ، وَقَالَ العجّاج (يحوزُهنّ وَله حُوزِيٌّ) أَي يَغْلِبُهن بالهوينَى، وَعِنْده مذخورٌ مِنْهُ لم يبتذلْه وَفِي حَدِيث: (فَلم نزل مفطرين حَتَّى بلغنَا مَا حُوزَنَا) .
قَالَ شمر: فِي قَوْله (مَا حُوزَنا) : هُوَ الْموضع الَّذِي أرادُوه، وَأهل الشَّام يسمون المكانَ الَّذِي بَينهم وَبَين العدوّ الَّذِي فِيهِ أَساميهِم ومكاتبُهم الماحُوزُ.
قَالَ شمر: قَالَ بَعضهم: هُوَ من قَوْلك حُزْتُ الشَّيْء إِذا أحرزْتَه.
قَالَ الْأَزْهَرِي: لَو كَانَ مِنْهُ لقيل مَحازَنا أَو مَحُوزَنَا، وحزت الأرضَ إِذا أعلَمْتُها وأحيْيتُ حدودَها، وَهُوَ يُحاوِزُه أَي يُخالطه ويجامِعُه. قلت: أحسَبُ قَوْله: (مَا حوزنا) بلغَة غير عَرَبِيَّة وكأنَّه فاعُولٌ، وَالْمِيم أصليّة مثل الفاخُور لنبْت والرّاحول للرّحْلِ.
وَقَالَ الأصمعيُّ: إِذا كَانَت الإبِلُ بعيدَة المَرْعَى من الماءِ فأوَّلُ ليلَةٍ توجهِها إِلَى المَاء ليلةُ الجَوْزِ وَقد حوَّزْتُها وَأنْشد:
حوَّزَها من بُرَقِ الغَيَمِ
أهدأُ يَمْشِي مِشْيَة الظلِيم
وَيُقَال للرجل إِذا تحبّس فِي الْأَمر: دَعْنِي من حَوْزك وطِلْقِك. وَيُقَال: طوَّلَ فلانٌ علينا بالحَوْزِ والطلْقِ، والطلْقُ أَن يخليَ(5/116)
وُجُوه الْإِبِل إِلَى المَاء ويتركَهَا فِي ذَلِك تَرْعَى لَيْلَتَئِذٍ، فَهِيَ لَيْلَة الطلْقِ وأنْشدَ ابنُ السّكيت:
قد غرَّ زيدا حُوْزُه وطِلْقُهُ
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: تحوُّز الحيةِ وَهُوَ بُطْء القِيَامِ إِذا أَرَادَ أَنْ يَقُوم. وَقَالَ غَيره: التحوُّس مثله عَمْرو عَن أَبِيه: الحوْزُ الْملك الْملك وحَوْزَةُ الْمَرْأَة فرجهَا وَقَالَت امْرَأَة:
فَظَلْتُ أحْثِي التُّرْبَ فِي وَجْهِه
عنّي وأَحْمِي حَوْزَةَ الغَائب
أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي يُقَال حوزاته وَأنْشد:
لَهَا سَلَفُ يعوذُ بِكُل رَيْعٍ
حَمَى الحوْزَاتِ واشتَهر الإفَالا
قَالَ السَّلَفُ الفحْل حَمى حَوْزَاته، أَي لَا يدنو فَحل سواهُ مِنْهَا وَأنْشد الْفراء:
حمى حَوْزَاتِه فَتُرِكْن قَفْراً
وأَحْمَى مَا يَلِيه من الإجَامِ
أَرَادَ بحوْزاته نواحيَه من المراعي.
زيح زوح: قَالَ اللَّيْث: الزَّيحُ ذهَاب الشَّيْء، تَقول: قد أَزَحْتُ عِلَّتَه فزاحَتْ، وَهِي تَزِيحُ، وَقَالَ الْأَعْشَى:
هَنَأْنَا فَلم نَمْنن عَليْهَا فأصبحَتْ
رَخِيَّةَ بَالٍ قد أَزَحْنَا هُزَالَها
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: أزاحَ الأمْرَ إِذا قَضَاه، عَمْرو عَن أَبِيه: الزَّوْح تفريقُ الْإِبِل، وَيُقَال الزَّوْحُ جَمْعها إِذا تفرَّقت، والزَّوْحُ الزَّوَلاَن. شمر: زَاحَ وزَاخ بِالْحَاء وَالْخَاء بمعنَى واحدٍ إِذا تنحَّى قَالَ وَمِنْه قَول لبيد:
لَو يقوم الفيلُ أَبُو فَيَّالُه
زَاحَ عَن مثل مَقامي وزَحل
قَالَ وَمِنْه زاحت عِلَّتُه وأزَحْتُها أَنا.
أزح: قَالَ أَبُو عبيد أزَح يَأزِح أُزُوحاً، إِذا تخلّف وَقَالَ العجاج:
جَرَى ابنُ لَيْلَى جِرْيةَ السُّبُوح
جِرْيَةَ لَا كابٍ وَلَا أَزُوحِ
قَالَ الأزُوح: الثقيل الَّذِي يَزْحَرُ عِنْد الحَمْل.
وَقَالَ شمر الأَزُوح المتقاعِس عَن الأَمْر.
وَقَالَ الْكُمَيْت:
وَلم أك عِنْد مَحْملِها أَزُوحاً
كَمَا يَتَقَاعَسُ الفَرسُ الحزوَّرْ
يصف حِمَالة تحمّلها. أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي أَزَحَ الإنسانُ وغيرُه بأزِح أُزوحاً وأَرَزَ يأْرِزُ أروزاً إِذا تقبَّض ودنا بعضُه من بعض. وَقَالَ غَيره أَزَاحَتْ قدمُه إِذا زلَّت، وَكَذَلِكَ أَزَحت نَعْلُهُ قَالَ الطرّماح يصف ثوراً وحشياً:
تزِلُّ عَن الأَرْض أَزْلامُه
كَمَا زلّت القدَمُ الآزحه
وَالله أعلم.
(بَاب الْحَاء والطاء)
(ح ط (وايء))
حطا، حاط، طحا، طاح، وطح (احطوطى) .(5/117)
حطا: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ: الحَطْءُ تحريكُ الشَّيْء مُزَعْزَعاً. وَمِنْه حَدِيث ابنِ عبّاس، أَتَانِي رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَحَطَاني حُطْوةً. هَكَذَا رَوَاهُ ابْن الأعرابيّ غيرَ مَهْمُوز، وهمزه غيرُه. وقرأت بِخَط شمر فِيمَا فَسَّر من حَدِيث ابْن عباسٍ قَالَ: تنَاول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَقَقَايَ فحطأَنِي حَطْأَةَ، قَالَ شمر: قَالَ خَالِد بن جَنبة: لَا تكون الحَطَأَةُ إِلَّا صَربة بالكف بَين الْكَتِفَيْنِ، أَو على حبراش الجَنْبِ أَو الصدْر أَو الكَتَدِ، فَإِن كَانَت بِالرَّأْسِ فَهِيَ صَقْعَةٌ وَإِن كَانَت بالوجْه فَهِيَ لَطْمَةٌ. وَقَالَ أَبُو زيد، حَطَأتْ رَأسه حَطَأَةً شَدِيدَة شَدِيدَة وَهِي شدَّة القَعْدِ بالرّاحة وَأنْشد:
وَإِن حطَأْتُ كَتِفَيْه ذَرْمَلاَ
قَالَ شمر: وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي حطَأْتُ بِهِ الأرضَ حَطَأً إِذا ضربتَ بِهِ الأرْضَ وَأنْشد شمر:
وَوَاللَّه لَا أَتَى ابنَ حاطِئَةِ اسْتِها
سَجِيسَ عُجَلْيسٍ مَا أَبَان لسانيا
أَي ضارِبةَ اسْتِها. وَقَالَ اللَّيْث: المطْءُ مهموزٌ شدّة الصَّرَع، تَقول: احتمله فَحَطأ بِهِ الأرضَ، وَقال أَبُو زيد حطأت الرّجُل حَطْأً إِذا صرعتْه، وَقَالَ: حطَأْتُه حَطْأً بيَدي إِذا فَقَدْتَه.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد الحَطِىءُ من النَّاس مَهْمُوز على مِثَال فعِيلٍ هم الرُّذَالَةُ من النَّاس.
وَقَالَ غَيره: حطأ يحْطِىءُ إِذا جَعَس جَعْساً رَهْواً، وَأنْشد:
إحْطِىء فإنّك أنْتَ أقْذَرُ من مَشى
وبذاك سُميتَ الحُطَيْئَة فاذْرُق أَي أسلح.
قَالَ: حَطَأْتُه بيدِي ضرَبتهُ، والحطيْئَةُ من هَذَا تصغيرٌ حَطْأة، وَهِي العزبةُ بِالْأَرْضِ، أقْرَأَنِيهِ الْإِيَادِي.
وَقَالَ قطرب: الحَطْأَةُ ضربةٌ بِالْيَدِ مبسوطةً أيّ الجسدِ أصابَ، والحطيئة مِنْهُ مأخوذٌ، وَقيل الحَطْءُ الدفعُ، وحَطأَت القدرُ بزِبَدِها إِذا دفَعته فرمَتْ بِهِ عِنْد الغليان، وَبِه سمي الحطيْئَةُ.
وَفِي (النَّوَادِر) يُقَال: حِطْء من تمر وحِثْى من تمر أَي رَفَض قدرُ مَا يحملهُ الإنسانُ فَوق ظَهره.
طحا: قَالَ اللَّيْث: الطَّحْوُ كالدّحو، وَهُوَ البَسْطُ. وَفِيه لُغَتَانِ طحا يَطْحُو وطَحَا يَطْحَى، والطُّحِيُّ من النَّاس الرُّذَّال، وَالْقَوْم يَطْحَى بعضُهُمْ بَعْضاً أَي يَدْفَعُ.
وَقَالَ الليثُ: سألْت أبَا الدقَيْش عَن قَوْله: المُدَومة الطَّواحي، فَقَالَ: هِيَ النُّسور تستدِير حوَالي الْقَتِيل.
قَالَ: وطحا بك همُّك أَي ذهب بك فِي مَذْهَبٍ بعيدٍ، وَهُوَ يَطْحَى بِكَ طَحْواً وطَحْياً.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {ُِبَنَاهَا وَالاَْرْضِ وَمَا طَحَاهَا} (الشّمس: 6) .
قَالَ الفرّاء: طحاها ودحاها وَاحِد.
وَقَالَ شمر: {ُِبَنَاهَا وَالاَْرْضِ وَمَا طَحَاهَا} . مَعْنَاهُ وَالله أعلم، ومَنْ دَحَاها. فأبدل الطّاء من الدَّال.
قَالَ: ودحاها وسَّعَها، ونام فلَان فتدحَّى أَي اضْطَجَع فِي سَعَةٍ من الأَرْض.(5/118)
وَقَالَ ابْن شُمَيْل المُطَحي اللازق بالأرْض، رَأَيْته مَطْحِيّاً أَي مُتَبَطحاً.
قَالَ: والبَقْلَةُ المُطَحيَةُ النّابِتَةُ على وجْهِ الأَرْض قد افترشَتْها.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي إِذا ضربَه حَتَّى يمتدّ من الضّرْبة على الأَرْض قيل طَحَا مِنْهَا وَأنْشد:
من الأَنَسِ الطَّاحِي غَلَيْك العرمْرَم
قَالَ: وَمِنْه قيل طَحَا بِه قلْبُه أيْ ذهب بِهِ فِي كُلّ مَذْهَبٍ، وطَحَى الْبَعِير إِلَى الأَرْض إِمَّا خِلاءً وَإِمَّا هُزالاً، أَي لَزِق بهَا.
وَقد قَالَ شمر: قَالَ الْفراء: شربَ حَتَّى طَحَى يُرِيد مَدَّ رِجْلَيْه.
قَالَ: وقرأْتُه بخطّ الإياديّ طَحَّى مشدَّداً، وَهُوَ أَصَحُّ إِذا مَا دعوْه فِي نصرٍ أَو معروفٍ فَلم يأتِهِمْ.
قَالَ: والمطحي اللازق بِالْأَرْضِ، كل ذَلِك بِالتَّشْدِيدِ.
قلت: كَأَنَّهُ عَارض بِهَذَا الْكَلَام مَا قَالَ الأصمعيُّ فِي طحا بِالتَّخْفِيفِ.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي الطَّاحي الجمعُ الْعَظِيم، والطائح الْهَالِك، والحائط الْبُسْتَان.
قَالَ: وطَحا إِذا مد الشَّيْء، وطَحَا إِذا هَلَك، وحَطَى ألْقى إنْسَانا على وجْهه.
وَقَالَ غَيره: طَحَوْتُه أَي بطحْتُه وصرعْتُه فطَحَّى أَي انبطح انبِطَاحاً، وَفرس طاحٍ مشرِفٌ.
وَقَالَ بعض الْأَعْرَاب فِي يَمِين لَهُ: لَا والقمرِ الطَّاحي أَي المرتَفِع، والطَّاحي أَيْضا المنبِسط. أَبُو زيد يُقَال للبيت الْعَظِيم مِظَلَّةٌ مطحوَّة ومطحيَّة وطاحِيَةٌ وَهُوَ الضَّخْمُ.
حوط: قَالَ اللَّيْث: حاط يَحوط حَوْطاً وحياطَة، وَالْحمار يحوطُ عانَته يجمعها، وَالِاسْم الحِيطَة، يُقَال حاطَه حِيطَةً إِذا تعاهده.
قَالَ: واحتاطَتْ الخيلُ وأَحَاطَتْ بفلانٍ إِذا أَحْدَقَتْ بِهِ، وكلُّ من أحرز شَيْئا كلَّه، وَبلغ علمُه أقصاه فقد أحاطَ بِهِ، يُقَال هَذَا أَمْرٌ مَا أحَطْتُ بِهِ عِلْماً.
قَالَ: والحائِط سمي بذلك لِأَنَّهُ يحوط مَا فِيهِ، وَتقول حَوَّطْتُ حَائِطا.
قَالَ: والحُوَّاط عظيمةٌ تُتَّخَذُ للطعام أَو الشَّيْء يُقْلَعُ عَنهُ سَرِيعا، وَأنْشد:
إِنَّا وجدنَا عُرُس الحَنَّاط
مذمومةً لئيمةَ الحُوَّاط
وَجمع الْحَائِط حيطانٌ.
قَالَ ابْن بُزُرْج: يَقُولُونَ للدراهم إِذا نقصت فِي الفرائضِ أَو غَيرهَا: هَلُمَّ حِوَطَها.
قَالَ: والحِوَطُ مَا يتمُّ بِهِ دَرَاهِمه.
وَقَالَ غيرُه: حَاوَطْتُ فلَانا مُحاوطَةً إِذا دَاوَرْتَهُ فِي أمرٍ تريدُه مِنْهُ وَهُوَ يأباه كَأَنَّك تَحُوطُه ويحُوطُك.
وَقَالَ ابْن مقبل:
وحاوطتْهُ حَتَّى ثَنَيْتُ عِنَانَه
على مُدْبر العِلْباءِ رَيَّانَ كَاهِلُه(5/119)
وأُحِيطَ بفُلانٍ إذَا دنا هلاكُه، فَهُوَ مُحَاطٌ بِهِ. قَالَ الله جلّ وعزّ: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ} (الْكَهْف: 42) أَي أَصَابَهُ مَا أهلكه وأفسده.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الحَوْطُ خَيْطٌ مفتول من لونين أحمرَ وأسودَ، يُقَال لَهُ البَرِيمُ تشدُّه المرأةُ فِي وَسطهَا لِئَلَّا تصيبَها العينُ فِيهِ خَرَزَاتٌ وهلالٌ من فضَّة يُسمى ذَلِك الهلالُ الحَوْطَ، فَسُمي الْخَيط بِهِ.
قَالَ وَيُقَال للأرْضِ المُحاطِ عَلَيهَا حائِط وحَديقةٌ، فَإِذا لم يُحَطْ عَلَيْهَا فَهِيَ ضاحِيَةٌ.
أَبُو زيد: حُطت قومِي وأحطت الْحَائِط. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: حُطْ حُطْ إِذا أَمرته بصلَة الرَّحِم، وحُطْ حُطْ إِذا أَمرته بِأَن يحلي صبيَّه بالحَوْط وَهُوَ هلالٌ من فضَّةٍ.
طوح طيح: قَالَ: الطائحُ الْهَالِك أَو المشرِف على الْهَلَاك. وكلُّ شَيْء ذهب وفَنِي فقد طاح يطِيح طَيْحاً وطَوْحاً لُغَتَانِ.
وَقَالَ طوَّحُوا بفلان إِذا حملوه على رُكوبِ مفازة يخَاف هلاكُه فِيهَا.
وَقَالَ أَبُو النَّجْم:
يُطَوح الْهَادِي بِهِ تَطْويحا
وَقَالَ ذُو الرمة:
ونَشْوانَ من كأسِ النُّعاس كأنّه
بحبْلين فِي مَشْطُونةٍ يتطَوَّحُ
أَي يجيءُ ويذهبُ فِي الْهَوَاء، يُقَال طوّح الرجل بِثَوْبِهِ إِذا رمَى بِهِ فِي مهلَكة، وطيّح بِهِ مثلُه.
ثَعْلَب عَن سَلمَة عَن الفرَّاء قَالَ طيّحتُه وطوّحْتُه، وتضوَّع ريحُه وتضَيَّعَ، قَالَ والمياثِق والموَاثِق، وَيُقَال طاح بِهِ فرَسُه إِذا مضى بِهِ يَطِيحُ طَيْحاً، وَذَلِكَ كذهاب السهْم بِسُرْعَة.
يُقَال أَيْن طُيح بك؟ أَي أَيْن ذُهِب بك؟ قَالَ الجعديُّ يذكر فرسا:
يَطيحُ بالفارس المدجّج ذِي القونَس
حَتَّى يغيب فِي القَتَمِ
أَرَادَ القتَامَ وَهُوَ الغُبَارُ.
وَقَالَ أَبُو سعيدٍ: أَصَابَت النّاسَ طَيْحةٌ أَي أُمورٌ فرَّقت بَينهم؛ وَكَانَ ذَلِك فِي زَمَن الطَّيْحة.
وَقَالَ اللَّيْث: الطَّيْحُ الْهَلَاك.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: أطاح مالَه وطوَّحه إِذا أهلكه، وطوّح بالشَّيْء إِذا أَلْقَاهُ فِي الْهَوَاء.
وطح: اللَّيْث: الوطْحُ مَا تعلّق بالأظلاف ومخالب الطّير من العُرّة والطينِ وَأَشْبَاه ذَلِك. والواحدة وَطْحَةٌ بجزم الطَّاء.
أَبُو عبيد عَن الْأمَوِي: تَوَاطَحَ القومُ تداولوا الشَّرّ بَينهم.
قَالَ الشَّاعِر:
يَتَواطَحُون بِهِ على دينارِ
وَقَالَ أَبُو وجزة:
وَأكْثر مِنْهُم قَائِلا بمقالة
تُفَرج بَين الْعَسْكَر المُتَواطح
وتواطحت الْإِبِل على الحوْض إِذا ازدحمت عَلَيْهِ.(5/120)
احطوطى: فِي (النَّوَادِر) فلَان مُحْطَوْطٍ على فلَان ومُقْطَوْطٍ ومُكْتَوْتٍ ومحْتَيْطٍ أَي غَضْبَان.
(بَاب الْحَاء وَالدَّال)
(ح د (وايء))
حدا، حدأ، حاد، دحا، داح، وحد، ودح، أحد.
حدا: قَالَ اللَّيْث: يُقَال حدَا يَحْدُو حَدْواً وحُدَاءً مَمْدودٌ: إِذا رَجَز الْحَادِي خلف الْإِبِل وَيُقَال: حَدَا يَحْدُو حَدْواً إِذا تَبع شَيْئا. وَيُقَال للعَيْر حادِي ثلاثٍ وحادي ثمانٍ إِذا قدَّم من أُتُنه أَمَامه عدّةً.
وَقَالَ ذُو الرمة:
حادي ثمانٍ من الحُقْب السماحيج
وَيُقَال للسَّهْم إِذا مضى: حدا الريشَ وحدا النَّصْلَ.
وَقَالَ اللَّيْث: الحُدَيَّا من التَّحَدي، يُقَال فلَان يتحدى فلَانا أَي يُباريه ويُنازِعُه الْغَلَبَة، تَقول أَنا حَدَيَّاك بِهَذَا الأمْرِ أَي أبرُزْ لي وجَارِني، وَأنْشد:
حُدَيَّا الناسِ كلهم جَمِيعًا
لِتَغْلِبَ فِي الْخطوب الأولينا
عَمْرو عَن أَبِيه: الحَادِي المتعمدُ للشَّيْء، يُقَال حداه وتَحَدَّاه وتحرَّاه بِمَعْنى واحدٍ.
قَالَ وَمِنْه قَول مُجَاهِد: كنت أتحدّى القُرّاء فأقرأ، أَي أتعمَّد، وَقَالَ ابْن الأعرابيّ مثله. قَالَ: وَهُوَ حُدَيَّا النَّاس أَي يتحدَّاهم ويتعمَّدُهم. وَقَالَ: الهوادِي أَوَائِل كُل شَيْء والحَوَادِي أَوَاخِرُ كل شَيْء.
ورُوِيَ عَن الأصمعيّ أَنه قَالَ: يُقَال لَك هُدَيّا هَذَا وحُدَيَّا هَذَا وَشَرْوَاه وشكْلُه، كُله واحِدٌ.
أَبُو زيد يُقَال لَا يقوم لهَذَا الْأَمر إِلَّا ابْن إِحْدَاهمَا يَقُول إِلَّا كريم الْآبَاء والأمهات من الرِّجَال وَالْإِبِل.
وَمن مهموزه:
حدأ: قَالَ اللَّيْث: الحِدَأةُ طَائِر يطير يصيد الجِرْذَان، وَقَالَ بَعضهم إِنَّه كَانَ يصيد على عهد سليمانَ، وَكَانَ من أصْيَدِ الْجَوَارِح فَانْقَطع عَنهُ الصيدُ لدَعْوَة سُلَيْمَان.
وَقَالَ العجاج فِي صفة الأثافي:
كأنّهن الحِدأُ الأُوِيُّ
وَقَالَ أَبُو بكر بن الأنْبَارِيّ الحِدَأُ جمع الحِدَأَةِ، وَهُوَ طَائِر، وَرُبمَا فتحُوا الْحَاء فَقَالُوا حَدَأَةٌ، وحَدأ، وَالْكَسْر أجْود. وَقَالَ الحَدَأ الفُؤُوس، بِفَتْح الْحَاء.
قَالَ: وحَدِىء بِالْمَكَانِ حَدَأً إِذا لَزِقَ بِهِ وحَدِىء على صَاحبه حَدَأً إِذا عَطَف عَلَيْهِ. وحَدِئت الشَّاة إِذا انْقَطع سلاها فِي بَطنهَا واشتكت عَلَيْهِ حَدَأً، مقصورٌ مَهْمُوز. قَالَ والحَدَأُ مقصورٌ بِفَتْح الْحَاء شبه فأس يُنْقر بِهِ الْحِجَارَة وَهُوَ محدد الطّرف.
وَقَالَ الشماخ يصف الْإِبِل:
يُبَاكِرْن العِضَاهَ بِمُقْنعاتٍ
نواجِذُهن كالحَدَإ الوقِيع
شبّه أنيابَها بالفُؤُوس المحدَّدَة.
وَقَالَ ابْن السّكيت تَقول هِيَ الحِدَأَةُ والجميع الحِدَأُ مكسورُ الأوّل مهموزٌ، وَلَا تَقول حَدَأَةٌ، قَالَ: وَتقول فِي هَذِه(5/121)
الْكَلِمَة: حِدَأَ حِدَأَ وراءَك بندقَةٌ. قَالَ وَهُوَ ترخيمُ حدأة. قَالَ وَزعم ابنُ الْكَلْبِيّ عَن الشَّرْقِي أَن حِدَأةً، وبندقَةً، قبيلتان من الْيمن، وَالْقَوْل هُوَ الأَوَّل.
وَقَالَ النَّابِغَة:
فأوْرَدَهُنَ بَطْنَ الأَتْم شُعْثاً
يَصُنَّ المَشْيَ كالحِدَأ التُّؤَامِ
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: أهل الْحجاز يُخْطِئُون فَيَقُولُونَ لهَذَا الطائِر: الحُدَيّا، وَهُوَ خَطَأٌ، ويجمعونه الحَدَادِي، وَهُوَ خطأ.
قلتُ ورُوِي عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ لَا بَأْس بقتل الحِدَوْ والأَفْعَوْ للمُحْرِم، وكأنّها لُغَة فِي الحِدَإ، والحُدَيَّا تَصْغِير الحَدَوْ.
قلت وأمّا الفَأس ذاتُ الرأسين فإنّ أَبَا عبيد روى عَن الأصمعيّ وَأبي عُبَيْدَة أَنَّهُمَا قَالَا يُقَال لَهَا الحِدَأة على مثل عِنَبة، وَجَمعهَا حِدَأٌ بِكَسْر الْحَاء، وَأنْشد قَول الشماخ بِالْكَسْرِ كالحِدَإ الوقيع.
قلتُ: ورَوَى ابنُ السّكيت عَن الفرّاء وَابْن الأعرابيّ أَنَّهُمَا قَالَا هِيَ الحَدَأةُ بِفَتْح الحَاء، والجميع الحَدَأُ، وَأنْشد قولَ الشماخ بِفَتْح الْحَاء، قلت والبصريون على حِدَأةٍ بِالْكَسْرِ فِي الفأس، والكوفيّون على حَدَأَةٍ.
وَقَالَ ابْن السّكيت فِي قَوْلهم حِدَأْ حِدَأْ وراءَكِ بُنْدُقة.
قَالَ قَالَ الشَّرْقِي: هُوَ حِدَأُ بنُ نَمِرة بنِ سعد الْعَشِيرَة، وهم بِالْكُوفَةِ. وبندُقَةُ بنُ مطيّة وَهُوَ سفيانُ بنُ سَلهم بن الحكَمِ بن سعد الْعَشِيرَة، وبندقة بِالْيمن، فأغارت حِدَأُ على بندقة فنالتْ مِنْهُم، ثمَّ أغارت بندقَةُ على حِدَأَ فأبادَتْهم.
وَقَالَ أَبُو زيد فِي كتاب الْهَمْز: حَدِئتُ بِالْمَكَانِ حَدَأً إِذا لزقتَ بِهِ، وحَدئْتُ إِلَيْهِ حَدَأً إِذا لجأتَ إِلَيْهِ، وحدئتُ عَلَيْهِ حَدَأ إِذا حديْتَ عَلَيْهِ ونصرْتَه ومنَعْتَه.
وَقَالَ الْفراء فِي (الْمَقْصُور والممدود) حَدِئَت الْمَرْأَة على وَلَدهَا حَدَأً وحَدِئت الشَّاةُ إِذا انْقَطع سَلاَهَا فِي بطْنها فاشتكت مِنْهُ.
أَبُو عَمْرو: حَدِئتُ عَلَيْهِ وحَدِيتُ بِمَعْنى وَاحِد: إِذا نصرْتَه ومنعْتَه.
وروى أَبُو عبيد عَن أبي زيد فِي كتاب الغَنَمِ فِيمَا قرأْتُ على الْإِيَادِي لشمر، حَذَيتْ الشَّاة تَحْذَى حُذَاء بِالذَّالِ إِذا انْقَطع سلاها فِي بَطنهَا.
قلت: وَهَذَا تَصْحِيف وَالصَّوَاب مَا قَالَه الْفراء بِالدَّال والهمز.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: كَانَت قبيلةٌ تتعمد الْقَبَائِل بِالْقِتَالِ يُقَال لَهَا حِدَأةُ وَكَانَت قد أنزت على النّاس فتحدَّتْها قبيلةٌ يُقَال لَهَا بُنْدُقَةٌ فهزمَتْها فَانْكَسَرت حِدَأَة فَكَانَت العربُ إِذا مر بهَا حِدَئِيٌّ تَقول لَهُ حِدَأْ حِدَأْ وراءَك بندُقة.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو وَالْكسَائِيّ فِي بَاب الْهَمْز حَدَأْتُ الشيءَ: صرفْتُه.
حيد: قَالَ اللَّيْث: الحَيْدُ كلُّ حَرْف من الرَّأْس، وَأنْشد:
حابى الحُيُود فَارِضِ الحُنْجُور(5/122)
قَالَ: والحَيْدُ مَا شَخَص من الجَبَلِ واعوجّ، وكل ضِلَعٍ شديدِ الاعوجاج حَيْد، وَكَذَلِكَ من العظْم، وَجمعه حُيُود.
وَالرجل يَحِيدُ عَن الشَّيْء إِذا صَدّ عَنهُ خوفًا وَأَنفةً، مصدره: حَيْدُودَةً وحَيْداً وحَيَداناً، ومَالَكَ مَحِيدٌ عَن ذَلِك. وحُيُودُ الْبَعِير مثلُ الورِكْين والساقَين.
وَقَالَ أَبُو النَّجْم يصف فحلاً:
يقودُها ضَافي الحُيُود هَجْرَع
مُعْتَدِل فِي صَبْره هَجَنَّع
أَي يَقُود الإبلَ فحلٌ هَذِه صفته.
وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي رجل حَيَدَى: الَّذِي يَحيدُ، قَالَ وَأنْشد الْأَصْمَعِي لأمية ابْن أبي عَائِذ:
أَو اصْحَمَ حَامٍ جَرَامِيزَه
حَزَابِيَةٍ حَيَدَى بالدحال
الْمَعْنى أَنه يحمي نفسَه من الرُّماة.
قَالَ الْأَصْمَعِي وَلم أسمع فَعَلى إلاّ فِي المؤنّث إِلَّا فِي قَول الْهُذلِيّ:
كَأَنِّي ورَحْلِي إِذا رُعْتُها
على جَمَزَى جَازِىءٍ بالرمال
قَالَ: أنشدنَاهُ أَبُو شعيْبٍ عَن يَعْقُوب زُعْتها وسُمي جَدُّ جريرٍ الخَطَفَى بِبَيْت قَالَه:
وعَنقا بعد الكلال خَطَفى
ويروى خَيْطَفى.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي الحَيْدُ شاخص يخرج من الجَبَل فَيَتَقدَّم كأنَّه جنَاح.
وَقَالَ غَيره اشتكت الشَّاة حَيَداً إِذا نشب وَلَدهَا فَلم يسهل مَخْرجه. وَيُقَال: فِي هَذَا العُودِ حُرُودٌ وحُيُود: أَي عُجَرٌ. وَيُقَال قدّ فلَان السَّيْر فَحَرَّدَه وحَيَّده: إِذا جعل فِيهِ حُيوداً. وحُيودُ الْقرن مَا تلوَّى مِنْهُ. وَيُقَال قرن ذُو حِيَدٍ أَي ذُو أَنَابِيبَ مُلْتَوِية. وَقَالَ الْهُذلِيّ:
تالله يبْقى على الْأَيَّام ذُو حَيَدٍ
يَعْنِي وَعِلاً فِي قرنه حيد.
دحا: قَالَ اللَّيْث: المِدْحاةُ خَشَبَة يَدْحَى بهَا الصبيُّ فتمر على وجْه الأَرْض لَا تَأتي على شَيْء إِلَّا أجْحَفته. والمطر الدَّاحي يَدْحَى الحَصَى عَن وَجه الأَرْض. والدَّحْو الْبسط.
وَفِي حَدِيث عَليّ ح: أَنه قَالَ (اللَّهم دَاحِيَ المُدْحِيَّات) يَعْنِي باسطَ الأرَضينَ السَّبع وموسعَها، وَهِي المدحُوّات بِالْوَاو. والأُدْحيُّ مَبِيضُ النعام. وَهَذَا الْمنزل الَّذِي يُقَال لَهُ البَلْدَةُ فِي السَّمَاء بَين النَّعَائِم وسعدٍ الذّابح يُقَال لَهُ الأُدْحِيّ.
وَقَالَ الفرّاء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {ُ للهِضُحَاهَا وَالاَْرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} (النَّازعَات: 30) . قَالَ: بَسَطَها.
وَقَالَ شمر أنشدتني أعرابية:
الْحَمد لله الَّذِي أَطَاقَا
بَنَى السَّماءَ فَوْقَنَا طِبَاقَا
ثمَّ دَحَا الأرْضَ فَما أَضَافا
قَالَ شمر: وفَسَّرَتْه فَقَالَت: دحا الله الأرْضَ أوْسَعَها. قَالَت: وَيُقَال: نَام فلانٌ فتدَحَّى أَي اضْطجع فِي سَعَةِ الأَرْض.
وَقَالَ العِتْريفيُّ: تدحَّت الْإِبِل إِذا تَفَحَّصَتْ فِي مَبارِكها السهلةِ حَتَّى تَدَعَ فِيهَا قَرامِيصَ(5/123)
أمثالَ الحِفَار، وَإِنَّمَا تفعل ذَلِك إِذا سَمِنَتْ. قَالَ: وَقَالَ غَيره: دحَّ فلَان فلَانا يَدُحُّه ودَحَاه يَدْحُوه إِذا دَفعه وَرمى بِهِ، كَمَا يُقَال عَرَاه وعَرَّ إِذا أَتَاهُ.
وَفِي الحَدِيث (يَدْخل البيتَ المعمورَ كُلَّ يومٍ سَبْعُونَ أَلْفَ دِحيةٌ مَعَ كل دِحية سَبْعُونَ ألف مَلَكٍ) والدحْية رَئِيس الْجُنْدِ، وَبِه سُمي دِحيةُ الكلبيّ.
ورَوَى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الدحْيَةُ: رئيسُ الْقَوْم وسيدهم بِكَسْر الدَال.
وروى ابْن أبي ذُؤيْب عَن إِسْحَاق بن يزِيد الْهُذلِيّ أَنه سألَ ابنَ المسيَّب عَن الدَّحْوِ بالحجارَةِ فَقَالَ لَا بَأْس بِهِ.
قَالَ شمر: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي يُقَال: هُوَ يَدْحُو الحَجَرَ بِيَدِهِ أَي يَرْمِي بِهِ ويَدْفَعُه. قَالَ: والدَّاحِي الَّذِي يَدْحُو الحَجَرَ بيدِه، وَقد دَحَا بِه يَدحو دَحْوَاً ودَحَى يدحى دَحْياً.
وَقَالَ عبيد يصف غيثاً:
يَنْزِعُ جلْدَ الْحَصَى أَجَشُّ مُبْتَرِكٌ
كأنّه فَاحِصٌ أَو لاعِبٌ داحِ
قَالَ شمر: وَقَالَ غيرُه: المِدْحَاةُ لُعبة يلعَبُ بهَا أهلُ مكَّةَ. قَالَ: وَسمعت الْأَسدي يصفها وَيَقُول: هِيَ المَدَاحِي والمَسَادِي، وَهِي أَحْجَارٌ أمثالٌ القِرَصة وَقد حفروا حَفيرة بِقَدْرِ ذَلِك الحَجَرِ فيتنَحَّون قَلِيلا ثمَّ يَدْحُون بِتِلْكَ الأحجارِ إِلَى تِلْكَ الحَفيرة، فَإِن وَقع فِيهَا الحجرُ فقد قَمَر وَإِلَّا فقد قُمِر. قَالَ: وَهُوَ يَدْحُو ويَسْدُو إِذا دَحَاها على الأَرْض إِلَى الحفرة. قَالَ: والحفرة هِيَ أُدْحِيَّة وَهِي أُفْعُولة من دحَوْتُ وَأنْشد:
وَيَدْحُو بك الدَّاحِي إِلَى كُل سَوْءَةٍ
فياشر من يَدْحُو بأطيش مُدْحَوِي
دوح: قَالَ اللَّيْث: الدَّوْحُ الشجرُ العِظَام، الْوَاحِدَة دَوْحَةٌ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: بَيت الشَّعر إِذا كَانَ ضَخْماً فَهُوَ دَوْحٌ.
أَبُو عبيد: عَن أَصْحَابه: الدَّوْحَةُ الشجرةُ العظيمةُ.
وَقَالَ أَبُو عُمَر أَخْبرنِي أَبُو عبدِ الله الملهوف عَن ابْن حَمْزَة الصُّوفِي أَنه أنْشد:
لَوْلَا حِبَّتي دَاحَهْ
لَكَانَ الموتُ لي رَاحَهْ
قَالَ: فَقلت لَهُ: مادَاحَهْ؟ فَقَالَ: الدُّنْيَا. قَالَ أَبُو عُمَر: وَهَذَا حرفٌ صَحِيح فِي اللُّغَة لم يكن عِنْد أَحْمد بن يحيى، قَالَ وَقَول الصّبيان الدّاحُ مِنْهُ. وَيُقَال دَاحت الشَّجَرَة تَدُوحُ إِذا عظُمَتْ، فَهِيَ دَائحةٌ وَجَمعهَا دَوائح.
وَقَالَ الرَّاعِي:
غَذاه وحَوْلِيُّ الثرى فَوق مَتْنِه
مَدَبُّ الأَتِي والأَرَاكُ الدوائحُ
وحد أحد: قَالَ اللَّيْث: الوحَدُ المنفرِدُ، رجل وحَدٌ وثور وحَدٌ وتفسيرُ الرّجُلِ الوَحَدِ أنْ لاَ يُعْرَفَ لَهُ أَصْلٌ.
وَقَالَ النَّابِغَة:
بِذِي الجَليل على مُسْتَأْنِسِ وَحَدِ(5/124)
قَالَ: والوَحْدُ خفيفٌ: حِدَةُ كل شَيْء، يُقَال: وَحَدَ الشَّيْء فَهُوَ يَحِدُ حِدَةً، وكل شيءٍ على حِدَةٍ بائنٌ من آخَرَ، يُقَال ذَاك على حِدَتِه، وهما على حِدَتِهما، وهم على حِدَتِهم. والوَحْدَةُ الِانْفِرَاد.
ثَعْلَب عَن سَلمَة عَن الْفراء رجل وَحِيدٌ وَوَحَدٌ ووَحِدٌ، وَكَذَلِكَ فريد وفَرَدٌ وفَرِدٌ.
وَقَالَ اللَّيْث: رجلٌ وحيدٌ لَا أَحَدَ مَعَه يُؤْنِسُه، وَقد وَحُدَ يَوْحُدُ وحَادَةً وَوَحْدَةً وَوَحَداً.
قَالَ: والتَوْحيد الإيمانُ بِاللَّه وحْدَهُ لَا شريك لَهُ، وَالله الْوَاحِدُ الْأَحَد ذُو الوحْدانيَّة والتَّوَحُّدِ.
قَالَ: والوَاحِدُ أَوّلُ عَدَدٍ من الحسابِ تَقول: واحدٌ وَاثْنَانِ وثلاثةٌ إِلَى عشرَة فَإِذا زَاد قلت: أَحَدَ عشْرَ يجْرِي أحد فِي الْعدَد مجْرى واحدٍ، وَإِن شِئْت قلت فِي الِابْتِدَاء وَاحِدٌ اثْنَان ثَلَاثَة، وَلَا يُقَال فِي أحد عشر غير أحد والتأنيثُ وَاحِدَةٌ وَإِحْدَى فِي الِابْتِدَاء يجْرِي مَجْرَى وَاحِدِ فِي قَوْلك أحد وَعِشْرُونَ كَمَا يُقالُ واحِدٌ وَعِشْرُونَ.
فأمَّا إِحْدَى عشرَة، فَلَا يُقَال غَيْرُها، فَإِذا حَمَلوا الأحَدَ على الفَاعِل أُجْرِي مُجْرَى الثّاني والثالثِ، وَقَالُوا هُوَ حَادِي عشرتهم وَهَذَا ثَانِي عَشَرَتِهم والليلةُ الْحَادِيَة عشر وَالْيَوْم الْحَادِي عَشَرَ. قَالَ وَهَذَا مقلوبٌ كَمَا يُقَال: جَبَذ وجَذَبَ.
قَالَ: والوُحْدَانُ جمع الوَاحِدِ، وَيُقَال الأُحْدَانُ فِي مَوضِع الوُحْدانِ. وَيُقَال أَحِدْتُ إِلَيْهِ أَي عَهِدتُ إِلَيْهِ وَأنْشد الْفراء:
بانَ الأحِبَّةُ بالأَحْدِ الَّذِي أَحِدُوا
يُرِيد بالعهْدِ الَّذِي عهدوا. وَتقول: هُوَ أَحَدُهُم، وَهِي إحْداهُنّ، فَإِن كَانَت امرأةٌ مَعَ رجال لم يستقم أَن تَقول هِيَ إحداهُم وَلَا أحَدُهم، إلاّ أَن يُقَالَ هِيَ كأحَدِهم أَو هِيَ وَاحِدَةٌ مِنْهُم.
قَالَ: وتَقُول: الجلوسُ والقعودُ واحدٌ وأصحابي وأصحابُك واحِدٌ. قَالَ: والمَوْحَدُ كالمَثْنَى والمَثْلَثِ. تَقول جَاءُوا مَثْنَى مَثْنَى. ومَوْحَدَ ومَوْحَد. وَكَذَلِكَ جاءُوا ثُلاَثَ وثُنَاءَ وأُحَاد. قَالَ: والمِيحَادُ كالمِعْشَارِ، وَهُوَ جُزْءٌ واحدٌ كَمَا أَن المِعْشَارَ عُشْرٌ. والمَوَاحِيدُ جَمَاعةُ الميحادِ. لَو رأيتُ أَكَمَاتٍ منفرِدَاتٍ كلُّ واحدةٍ بَائِنَةٌ من الأُخْرى كَانَت مِيحاداً أَو مواحيدَ.
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنَّه قَالَ فِي قَوْله:
لقد بَهَرْتَ فَمَا تَخْفى على أَحَد
إِلَّا على أحدٍ لَا يعرف القَمَرَا
فَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم أَقَامَ أَحَدَ مُقَام مَا أَوْ شَيْء، وَلَيْسَ أحدٌ من الإنْس وَلَا من الْجنّ وَلَا يتكلَّم بِأَحَدٍ إلاّ فِي قَوْلك: مَا رأيتُ أحَداً قَالَ أَو تكلّم بِذَاكَ من الجنّ والإنْس والمَلاَئِكَةِ، فَإِذا كَانَ النَّفْسُ فِي غَيرهم قلتَ مَا رأيْتُ شَيْئا يَعْدِلُ هَذَا، وَمَا رَأَيْت مَا يَعْدل هَذَا، ثمَّ تُدْخِلُ العربُ شَيْئا على أحَدٍ، وأَحَداً على شَيْء، قَالَ الله تَعَالَى {حَكِيمٌ وَإِن فَاتَكُمْ شَىْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُواْ الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِّثْلَ مَآ أَنفَقُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أَنتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ} (المُمتَحنَة: 11) الْآيَة وَقرأَهَا ابْن مَسْعُود (وَإِن فاتكم أحد من أزواجكم) . وَقَالَ:(5/125)
وَقَالَت فَلَو شَيْءٌ أَتَانَا رَسُولُه
سِوَاكَ ولكِنْ لم نَجدْ لَك مَدْفعا
أقامَ شَيْئاً مُقَامَ أحَدٍ، أَي لَيْسَ أحَدٌ معدولاً بك.
وَتقول: ذَاك أَمْرٌ لَسْتُ فِيهِ بأَوْحَدَ: لست على حِدةٍ. قَالَ: والأَحَدُ أصلُها الْوَاو. وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْعَبَّاس أَنه سُئل عَن الْآحَاد: أهِي جمع الْأَحَد؟ فَقَالَ: معاذَ الله لَيْسَ للأَحَدِ جمعٌ؛ وَلَكِن إِن جعلْتَه جَمْعَ الوَاحِدِ فَهُوَ محتَملٌ، مثل شَاهد وأَشْهَاد، قَالَ وَلَيْسَ للْوَاحِد تثنيةٌ وَلَا للاثنين واحدٌ من جِنْسِه.
ألف أحد مقطوعةٌ، وَكَذَلِكَ إِحْدَى، وتصغير أحَدِ أُحَيْد وتصغير إِحْدَى أُحَيْدَى، وَثُبُوت الأَلِفِ فِي أَحَدٍ وإِحْدَى دليلٌ على أَنَّهَا مَقْطُوعَة وأَمَّا الأَلِفَ اثْنَي واثنَتَي فَألِفُ وَصْلٍ. وتصغيرُ اثْنَي ثُنَيَّا، وتصغير اثنَتَيْ ثُنَيّتَا.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق النَّحْوِيّ: الأَحَدُ أَصله الوَحَدُ. وَقَالَ غَيره: الفرقُ بَين الوَاحدِ والأحدِ أَنَّ الأَحدَ بُنِي لنَفْي مَا يُذكَرُ مَعَه من العَدَد، والواحدُ اسمٌ لمُفْتَتَح العَدَدِ، وأَحَدٌ يصلح فِي الْكَلَام فِي موضِعِ الجَحْدِ، وواحِدٌ فِي موضِعِ الإثْبَاتِ. تَقول مَا أَتَانِي مِنْهُم أحدٌ وَجَاءَنِي مِنْهُم وَاحدٌ. وَلا يقالُ جاءَني منْهُمْ أحدٌ، لِأَنَّك إِذا قلت: مَا أَتَانِي مِنْهُم أَحَدٌ فَمَعْنَاه، لَا وَاحِدَ أَتَانِي وَلا اثْنَانِ، وَإِذا قلت جَاءَنِي مِنْهُم وَاحِدٌ فَمَعْنَاه أَنه لم يأتني مِنْهُم اثْنَانِ، فَهَذَا أحَدَ الأَحَدِ مَا لم يُضَفْ، فَإِذا أُضِيفَ قَرُبَ من معنى الوَاحِد، وَذَلِكَ أَنَّك تَقول: قَالَ أَحَدُ الثلاثَةِ كَذَا وَكَذَا، فَأَنت تُرِيدُ وَاحِداً من الثَّلاثة.
والواحِدُ بُنِيَ على انقطاعِ النَّظِيرَ وعَوَزِ المثْلِ، والوحِيدُ بني على الوَحْدَةِ والانفرادِ عَن الْأَصْحَاب، من طَرِيق بَيْنُونَتِه عَنْهم. وَقَوْلهمْ لست فِي هَذَا الْأَمر بأوْحَدَ أَي لَسْتُ بعادم لي فِيهِ مِثْلاً وعِدْلاً وَتقول: بقيتُ وحَيداً فَرِيداً حَرِيداً بمعنَى وَاحِدٍ، وَلَا يُقَال بقيتُ أَوْحَدَ وَأَنت تُرِيدُ فَرْداً. وَكَلَام الْعَرَب يُجْرَى على مَا بُنِيَ عَلَيْهِ مأخوذاً عَنْهُم لَا يُعْدَى بِهِ مَوْضِعُه وَلَا يَجُوزُ أَن يَتَكَلم فِيهِ إِلَّا أهلُ المعرفةِ الثاقِبةِ بِهِ الّذين رسخُوا فِيهِ وأَخَذُوه عَن العربِ أَو عَمَّن أَخَذَه عَنْهُم من الأَئِمّة المأمونِين وَذَوي التَّمْيِيز المبرزين.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال فلَان إحْدَى الأَحَدِ كَمَا يُقَال واحدٌ لَا مِثْلَ لَهُ. يُقَال: هُوَ إحدَى الإحَدِ وأَوْحَدُ الأَحَدِين ووَاحِدُ الآحَادِ، قَالَ: ووَاحِدٌ وَوَحِدٌ وأَحَدٌ بِمَعْنى وَقَالَ:
فَلَمَّا الْتَقَيْنَا وَاحِدَيْنِ عَلَوْتُه
بِذِي الْكَفّ إِنِّي لِلْكُماةِ ضَرُوبُ
وسُئِلَ سُفيانُ بن عُيَيْنَة فَقَالَ: ذَاك أَحَدُ الأَحَدِين.
قَالَ وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: هَذَا أَبْلَغُ الْمَدْح.
أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي: قَالَ الْعَرَب تَقول: مَا جَاءني مِنْ أَحَدٍ وَلَا يقالُ قدْ جَاءَنِي من أَحَدٍ، وَلَا يُقَال إِذا قيلَ لَك مَا يَقُول ذَلِك أَحَدٌ بلَى يَقُول ذَلِك أَحَدٌ.(5/126)
قَالَ وَيُقَال: مَا فِي الدّارِ عَرِيبٌ، وَلَا يُقَال: بَلَى فِيهَا عَرِيبٌ.
وروى أَبُو طَالب عَن سَلمَة عَن الْفراء قَالَ: أَحَدٌ يكون للجَميع ولِلْوَاحِد فِي النّفي، وَمِنْه قَول الله جلّ وعزّ: {ُ)) ِالْوَتِينَ فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ} (الحَاقَّة: 47) جعل أَحَداً فِي موضِع جَمْع، وَكَذَلِكَ قَوْله {لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ} (البَقَرة: 285) فَهَذَا جمْع لأنّ (بَيْن) يَقَعُ إِلَّا على اثْنَيْنِ فَمَا زَاد. وَقَالَ وَالْعرب تَقول: أَنْتُم حيٌّ وَاحِد وحيٌّ واحِدُونَ، قَالَ وموضِعُ واحدينَ وَاحِدٌ وَقَالَ الْكُمَيْت:
فَرَدَّ قَوَاصِيَ الأَحْيَاء منْهُمْ
فقد أَضْحَوْا كحَي وَاحِدِينا
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن ثَعْلَب عَن سَلمَة عَن الفرَاء أَنه حكى عَن بعض الْأَعْرَاب: معي عشرةٌ فَاحْدُهُنَّ لِيَه، أَي صيرْهن لي أحَدَ عَشَرَ، ونحوَ ذَلِك قَالَ ابنُ السّكيت. قلت: جعل قَوْله فاحْدُهن ليَهْ من الحَادي لَا من أَحَدٍ.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال لَا يَقُوم لهَذَا الْأَمر إِلَّا ابْن إِحْدَاهمَا أَي الكريمُ من الرجالِ، وَفِي (النَّوَادِر) : لَا يستطيعها إِلَّا ابنُ إحْدَاتِها، يَعْنِي إِلَّا ابنُ وَاحدَةٍ مِنْهَا.
وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال هَذَا الحادِيَ عَشَرَ، وَهَذَا الثَّانِي عَشَرَ وَكَذَلِكَ الثالثَ عَشَرَ إِلَى الْعشْرين، مَفْتُوح كُله وَفِي الْمُؤَنَّث هَذِه الحاديةَ عشرةَ والثانيةَ عشرَة إِلَى الْعشْرين، تُدخِلُ الهاءَ فيهمَا جَمِيعًا. قلتُ: وَمَا ذكرت فِي هَذَا البابِ من الألفاظِ النَّادرة فِي الأَحَدِ والوَاحِد وإحْدَى والحَادي وغيرِها فَإِنَّهُ يُجْرَى على مَا جاءَ عَن الْعَرَب وَلَا يُعدى بِهِ مَا حُكِيَ عَنْهُم لقياس مُتَوَهَّمٍ اطّرادُه؛ فإنّ فِي كلامِ العربِ النوادرَ لَا تنقاس، وَإِنَّمَا يحفَظُها أهل الْمعرفَة المعنّيون بهَا وَلَا يقيسون عَلَيْهَا.
وأمّا اسْم الله جلّ ثَنَاؤُهُ أَحَدٌ فَإِنَّهُ لَا يُوصف شَيْء بالأحَدِيَّة غيرُه، لَا يُقَال رَجُلٌ أَحَدٌ وَلَا دِرْهَمٌ أَحَدٌ، كَمَا يُقَال رجل وَحَدٌ أَي فَرْدٌ، لأنّ أحَداً صفةٌ من صِفَات الله الَّتِي اسْتَأْثر بهَا، فَلَا يَشْركُه فِيهَا شيءٌ، وَلَيْسَ كَقَوْلِك: الله واحدٌ، وَهَذَا شَيْء واحدٌ، لِأَنَّهُ لَا يُقَال شَيْء أحَدٌ وَإِن كَانَ بعضُ اللغويين قَالَ إِن الأَصْل فِي الأَحَدِ وَحَدٌ.
وَقَالَ اللحياني قَالَ الكسائيُّ: مَا أَنْت إِلَّا من الأَحَدِ أَي من النَّاس وَأنْشد:
وَلَيْسَ يَطْلُبُني فِي أَمْرٍ غانيه
إِلَّا كعَمْرُو مَا عمرٌ وَمن الأَحَدِ
قَالَ وَلَو قلت: مَا هُوَ مِنَ الْإِنْسَان، تُرِيدُ من النَّاس أصَبْتَ.
قَالَ وَقَوله: {ُِوَأَخَّرَتْ ياأَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ} (الانفِطار: 6) قيل إِنَّه بِمَعْنى النَّاس، وَأما قولُ الله جلّ وعزّ: {} (الْإِخْلَاص: 1، 2) فإنّ أكثَرَ القُرّاءِ على تَنْوين {أَحَدٌ وَقد قُرِىءَ بترك التَّنْوِين، وقُرىء بِإِسْكَان الدَّال (قل هُوَ الله أحَدْ) وأجودها الرَّفْعُ مَعَ إِثْبَات التَّنْوِين فِي الإدراج، وَإِنَّمَا كُسر التنوينُ لسكونه وَسُكُون اللاّم من الله، وَمَن حذف التَّنْوِين فلالْتقاء الساكنين أَيْضا.(5/127)
وَأما قَول الله جلّ وعزّ: {أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ} فَهُوَ كِنَايَة عَن ذكر الله الْمَعْلُوم قبل نزُول الْقُرْآن، وَالْمعْنَى الَّذِي سَأَلْتُم تَبْيينَ نَسبه هُوَ الله، وَقَوله {أَحَدٌ مَرْفُوع على معنى: هُوَ الله هُوَ أحد.
ورُوِي فِي التَّفْسِير أَن الْمُشْركين قَالُوا للنَّبِي انسُب لنا رَبك فَأنْزل الله:} قلت وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أنّ لله نسبا انتسب إِلَيْهِ وَلَكِن مَعْنَاهُ نفي النّسَب عَن الله الواحِدِ لِأَن الأَنْسَابَ إِنَّمَا تكون للمخلوقين، وَالله صفته أَنه لم يَلِدْ ولدا يُنْسَب إِلَيْهِ وَلم يلده أحد، فينسبَ إِلَى وَالِدهِ وَلم يكن لَهُ مِثْل، وَلَا يكون فيُشبه بِهِ، تَعَالَى الله عَن افتراء المفترين وتقدّس عَن إلحاد الْمُشْركين وسبحانَه عَمَّا يَقُول الظَّالِمُونَ علوّاً كَبِيرا.
قلت والواحِدُ فِي صفة الله مَعْنَاهُ أَنه لَا ثَانِي لَهُ، وَيجوز أَن يُنْعَتَ الشَّيْء بأَنه وَاحِدٌ فأمَّا أَحَدٌ فَلَا يوصَفُ بِهِ غيرُ الله لِخُلوصِ هَذَا الاسمِ الشريف لَهُ جلّ ثَنَاؤُه.
وَيَقُول أحَّدْتُ الله ووحَّدْتُه وَهُوَ الأَحَدُ الوَاحِدُ، وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنَّهُ قَالَ لرجل ذكر الله وَأَوْمَأَ بأصبعَيْه فَقَالَ لَهُ: أَحد أَحدْ، مَعْنَاهُ أَشِرْ بإصبَع وَاحِدٍ وَأما قَول النَّاس توحَّد الله بالأمْرِ وتفرّد فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ صَحِيحا فِي الْعَرَبيَّة فَإِنِّي لَا أُحِبُّ أَن ألْفِظَ بلفْظٍ فِي صفة الله لم يصِفْ بِهِ نَفْسه فِي التَّنْزِيل أَو فِي السّنة وَلم أجد المتوحد وَلَا المتفرد فِي صِفَاته، وَإِنَّمَا تَنْتَهي فِي صِفَات الله إِلَى مَا وصف بِهِ نَفسه، وَلَا تجاوزه إِلَى غَيره لجوازه فِي الْعَرَبيَّة تَعَالَى الله عَن التَّمْثِيل والتشبيه علوّاً كَبِيرا.
اللحياني يُقَال: وُحِد فلَان يُوحَد أَي بَقِي وحْدَه، وَيُقَال أوحد الله جَانِبه أَي بَقي وَحْدَهُ، ويقالُ أَوْحَدَنِي فلانٌ للأعداء. قَالَ وَوحِد فلَان ووَحُد وفَرُد وفَرِد فَقِهَ وفَقُهَ وسَفُه وسَفِهَ وسَقُمَ وسَقِم وفَرُع وفَرِع وحَرُص وحَرِص.
وَقَالَ اللَّيْثُ الوَحْدُ فِي كل شَيْء مَنْصُوب لِأَنَّهُ جرى مَجْرى الْمصدر خَارِجا من الْوَصْف لَيْسَ بنعْتٍ فيتبعَ الِاسْم وَلَا بِخَبَر فيقصدَ إِلَيْهِ فَكَانَ النصبُ أولَى بِهِ إِلَّا أَن الْعَرَب قد أضافَتْ إِلَيْهِ فَقَالَت هُوَ نَسِيجُ وَحْده وهما نَسِيجَا وحْدِهِما، وهم نُسجَاء وَحْدِهم، وَهِي نسيجَة وَحْدِها، وهنّ نسائج وحْدِهِنّ؛ وَهُوَ الرجل المُصيب الرأْي. قَالَ وَكَذَلِكَ قَرِيعُ وحْدِه وَكَذَلِكَ صَرْفه وَهُوَ الَّذِي لَا يُقَارعه فِي الفَضْلِ أحَدُ.
قَالَ أَبُو بكر بن الْأَنْبَارِي وحْدَهُ مَنْصُوب فِي جَمِيع كَلَام الْعَرَب إِلَّا فِي ثلاثةِ مَوَاضِع: يُقَال لَا إلاه إلاّ الله وحدَه ومررت بزيد وحْدَه وبالقوم وحْدَهم. قَالَ وَفِي نصب وحْدَه ثَلَاثَة أَقْوَال قَالَ جماعةٌ من الْبَصرِيين هُوَ مَنْصُوبٌ على الْحَال. وَقَالَ يونُس (وحدَهُ) هُوَ بِمَنْزِلَة عِنْدَهُ. وَقَالَ هِشَام: وحدَهُ هُوَ مَنْصُوب على المصْدَر. وَحكى وَحَدَ يَحِد، صَدَّرَ وحْدَه عَن هَذَا الْفِعْل. قَالَ هِشَام وَالْفراء: نَسِيجُ وحْدِه وعُيَيْر وحْدِه ووَاحِد أُمه نكرات. الدَّلِيل على هَذَا تَقول ربّ نَسِيج وحْدِه قد رأيتُ، وربّ وَاحِدِ أمّه قد أسرْت وَقَالَ حَاتِم:(5/128)
أماوِيَّ إِنِّي رُبّ واحِدِ أُمه
أخَذْتُ وَلَا قتلٌ عَلَيْهِ وَلَا أَسْرُ
وَقَالَ أَبُو عبيد فِي قَول عَائِشَة ووصفِها عُمَرَ: كَانَ وَالله أحْوَزِياً نسيجَ وحْدِه تَعْنِي أَنه لَيْسَ شِبْهٌ فِي رَأْيه وَجَمِيع أَمْرِه وَأنْشد:
جَاءَت بِهِ مُعْتَجِراً بِبُرده
سفواءُ تَخْدِي بنسيج وحْدِه
قَالَ: وَالْعرب تَنْصِبُ وحْدَه فِي الْكَلَام كُله، وَلَا ترفعه وَلَا تَخْفِضُه إلاّ فِي ثَلَاثَة أحرف نَسِيج وحْدِه وعيير وَحده وجُحَيْشُ وحْدِه. قَالَ وَقَالَ البصريون: إنّما نصبوا وحدَه على مَذْهَب الْمصدر أَي توحَّد وَحده وَقَالَ أصحابُنَا: إنّما النصب على مَذْهَبِ الصّفة.
قَالَ أَبُو عبيد: وَقد يدْخل فِيهِ الْأَمْرَانِ جَمِيعًا. وَقَالَ شمر أمَّا نَسِيج وَحده فمحمودٌ وَأما جُحيش وحْدِه وعُيَيْر وَحده فموضوعان مَوْضِعَ الذَّمّ وهما اللَّذَان لَا يشاوران أحدا، وَلَا يُخَالِطَانِ النَّاس، وهما مَعَ ذَلِك ذَوا مَهانَةٍ وضَعْفٍ. وَقَالَ غَيره: مَعْنَى قَوْلِهم: هُوَ نَسيجُ وحْدِه أَي لَا ثانِيَ لَهُ، وأصْلُه الثوْبُ الّذي لَا يُسْدَى على سَدَاه غيرُه من الثِّيَاب لدقّته.
وَيُقَال فِي جمع الوَاحِد أُحْدَانٌ وَالْأَصْل وُحْدان فقلبت الْوَاو همزَة لانضمامها.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي يُقَال: نَسِيج وَحده وعُيير وحدِه ورجُلُ وحْدِه، وَيُقَال جلس على وَحْدِه وَجلسَ وَحْدَهُ، وجلسا على وَحْدِهما، وَقمت من على الوسادة.
ابْن السّكيت تَقول هَذَا رَجُل لَا واحِدَ لَهُ كَمَا تَقول هُوَ نسيجُ وحْدِه، والوحِيدَان ماءان فِي بِلَاد قَيْسٍ مَعْرُوفَانِ. وآلُ الوَحِيدِ حَيٌّ من بَنِي عامِرٍ.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال اقتضيْتُ كلّ دِرْهَم على وَحْدِه وعَلى حِدَتِه وَتقول فعل ذَلِك من ذَات حِدَته، وَمن ذَات نَفْسِه، وَمن ذَاتِ رَأْيه، وعَلى ذَات حِدته وَمن ذِي حِدَته بِمَعْنى وَاحِد.
ودح: قَالَ ابْن السّكيت: أَوْدَحَ الرجلُ إِذا أقرَّ بِالْبَاطِلِ وَقَالَ أَبُو زيد: الإيداحُ الإقرارُ بالذُّل والانقيادُ لمن يقودُه وَأنْشد:
وأكوى على قرنيه بعد خِصائه
بناري وَقد يكوى العَتُود فَيُودِح
وَقَالَ أَبُو عبيد قَالَ الْكسَائي: إِذا حَسَنَتْ حَالُ الْإِبِل السمَن قيل أوْدَحَتْ، عَمْرو عَن أَبِيه يُقَال مَا أغْنى عني وَدَحَةً وَلَا وَتَحَةً وَلَا وَدْحَة وَلَا وشمة وَلَا رشمة أَي مَا أغْنى عني شَيْئا.
(بَاب الْحَاء وَالتَّاء)
(ح ت (وايء))
حَتَّى، حات، تاح، وتح، تحى، و (التاحي) .
حَتَّى: مُشَدّدة التَّاء تكْتب بِالْيَاءِ وَلَا تُمَالُ فِي اللَّفظ، وَتَكون غَايَة مَعْنَاهَا معنى (إلَى) مَعَ الْأَسْمَاء، وَإِذا كَانَت مَعَ الْأَفْعَال فمعناها (إلَى أَنْ) وَكذَلك نصبوا بهَا المستقبلَ.
وَقَالَ أَبُو زيد: سَمِعت الْعَرَب تَقول: جَلَست عِنْده عتّى اللَّيْل يُرِيدُونَ حَتَّى اللَّيْل فيقْلِبُون الْحَاء عَيْناً.(5/129)