طيب وأداة وبَخُور ومُشْط وَغَيره، أَدخل فِيهَا الْهَاء على مَذْهَب الْأَسْمَاء.
وَفِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَدَب الناسَ إِلَى الصَّدَقَة. فَقيل لَهُ: قد مَنَع خَالِد بن الْوَلِيد والعبّاس عمّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أمّا خَالِد فَإِنَّهُم يظْلمُونَ خَالِدا، إنّ خَالِدا جعل رَقيقه وأعْتُدَه حُبُساً فِي سَبِيل الله. وأمّا الْعَبَّاس فَإِنَّهَا عَلَيْهِ ومثلُها مَعَه. والأعتُدُ يجمع العَتَاد: وَهُوَ مَا أعدّه الرجل من السِّلَاح والدوابّ والآلة للْجِهَاد. وَيجمع أعتِدَةً أَيْضا. وَيُقَال: فرسٌ عَتِدٌ وعَتَدٌ وَهُوَ المُعَدّ للرُّكُوب. وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
راحوا بصائرُهُم على أكتافهم
وبصيرتي يعدو بهَا عَتِدٌ وَأي
وَسمعت أَبَا بكر الْإِيَادِي يَقُول: سَمِعت شمراً يَقُول: فرسٌ عَتِدٌ وعَتَدٌ: مُعَدٌّ مُعْتَدٌ؛ وهما لُغَتَانِ. وَقَالَ ابْن السّكيت: فرسٌ عتِد وعَتَد وَهُوَ الشَّديد التامّ الخَلْق المُعَدّ للجري. قَالَ وَمثله رجل سبِطٌ وسَبَطٌ وشَعَر رَجِل ورَجَلٌ وثغْر رَتِل ورَتَل أَي مفلّج. أَبُو عبيد عَن أبي زيد قَالَ: العَتُود من أَوْلَاد الْمعز: مَا رَعَى وقَوي وَجمعه أعتِدَة وعِدَّان، وَأَصله عِتْدَان، إلاّ أَنه أدغم قَالَ: وَهُوَ العَرِيض أَيْضا. وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: إِذا أجذع الجَدْيُ أَو العَنَاق سمِّي عَرِيضاً وعَتُوداً. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: ولد المِعْزَى إِذا أجذع فَهُوَ عَرِيض، فَإِذا أثْنَى فَهُوَ عَتُود. وَقَالَ اللَّيْث: العَتُود: الجَدْي إِذا استَكْرَش. وَيُقَال: بل هُوَ إِذا بلغ السِفَاد والجميع العِدان. وَثَلَاثَة أعتِدَة. وأصل عِدّان عِتْدَان. وَأنْشد أَبُو زيد:
وَاذْكُر غُدَانَة عِدّاناً مُزَنَّمَةً
من الحَبَلَّقِ تُبْنَى حولهَا الصِّيَرُ
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العَتَاد: القَدَح وَهُوَ العَسْف والصَحْن. وَقَالَ شمر: أَنْشدني أَبُو عدنان وَذكر أنّ أَعْرَابِيًا من بني العنبر أنْشدهُ هَذِه الأرجوزة:
يَا حَمْزَ هَل شَبِعْتَ من هَذَا الخَبَطْ
أم أَنْت فِي شكَ فَهَذَا مُنْتَقَدْ
صَقْبٌ جسيمٌ وشديدُ المعتَمَدْ
يَعْلُو بِهِ كل عَتُودٍ ذاتَ وَدْ
عروقها فِي الْبَحْر يعمى بالزَبَدْ
قَالَ العَتود السِدْرة أَو الطَلْحة قَالَ: عَتْوَد على بِنَاء جَهْور: مأسدة. قَالَ ابْن مقبل:
جُلُوسًا بِهِ الشمّ العجافُ كَأَنَّهُمْ
أسود تَبْرجٍ أَو أسودٌ بعتودا
(بَاب الْعين وَالدَّال مَعَ التَّاء)
ع د ت
دعت: سقط من النُّسْخَة. وَقد ذكره ابْن دُرَيْد فَقَالَ: الدَعْت: الدّفع العنيف. دَعَته يدعَته دَعْتاً، بِالدَّال والذال. ع د ظ
اسْتعْمل من وجوهها: (دعظ) .
دعظ: قَالَ اللَّيْث: الدَعْظُ: إِيعَاب الذّكر كُله فِي فرج الْمَرْأَة يُقَال دَعَظَها بِهِ، ودعظه فِيهَا إِذا أدخلهُ كلّه فِيهَا. وَقَالَ ابْن السّكيت فِي (الْأَلْفَاظ) إِن صحّ لَهُ(2/116)
الدِعْظاية الْقصير. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر من هَذَا الْكتاب: وَمن الرِّجَال الدِعْظَاية، وَقَالَ أَبُو عَمْرو الدِعْكَاية وهما الْكثير اللَّحْم، طالا أَو قصُرا. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: الجعْظَاية بِهَذَا الْمَعْنى. ع د ذ
أهملت وجوهه.
(بَاب الْعين وَالدَّال مَعَ الثَّاء)
ع د ث
دعث، عدث، ثعد، دثع. (مستعملات) .
دعث: أَبُو عبيد عَن الأُمويّ: أول المَرَض الدَعْثُ، وَقد دُعِثَ الرجل. وَقَالَ شمر: قَالَ محاربٌ: الدَعْثُ تدقيقك التُّرَاب على وَجه الأَرْض بالقَدَم أَو بِالْيَدِ أَو غير ذَلِك، تَدْعَثُهُ دَعْثاً. قَالَ وكل شَيْء وَطِيء عَلَيْهِ فقد اندَعث ومَدَرٌ مَدْعُوثٌ. قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ: الدَعْث: بقيّة المَاء. وَأنْشد:
ومنهَلٍ ناءٍ صُوَاه دَارِسِ
وَرَرْتُهُ بِذُبَّل خوامِسِ
فاسْتَفْنَ دِعْثاً بَالِدَ المَكَارِسِ
دَلَّيْتُ دلوي فِي صَرًى مُشَاوِسِ
المَكَارِسِ مَوَاضِع الكِرْس والدِمْن. قَالَ: المُشاوِس، الَّذِي لَا يكَاد يُرى من قِلَّتِه، بَالِد المكارِس قديم الدِمْن. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الدِعْثُ والدِئْثُ: الذَحْل.
عدث: عُدْثان: اسمٌ. قَالَ ابْن دُرَيْد فِي كتاب (الِاشْتِقَاق) لَهُ: العَدْث سهولة الخُلُق، وَبِه سُمِّي الرجل عُدْثَان.
دثع: قَالَ ابْن دُرَيْد: الدَثْع الوَطْء الشَّديد، لُغَة يمانيَة. قَالَ: والدَّعْثُ: الأَرْض السهلة. وَيُقَال: الدَّعْث والدَثْع وَاحِد. قلت: أَرْجُو أَن يكون مَا قَالَ أَبُو بكر مَحْفُوظًا، وَلَا أحُقّه يَقِيناً.
ثعد: أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: إِذا دخل البُسْرَة الإرطابُ وَهِي صُلبة لم تنهضم بعد فَهِيَ جُمْسَة، فَإِذا لانت فَهِيَ ثَعْدَة وَجَمعهَا ثَعْدٌ.
(بَاب الْعين وَالدَّال مَعَ الرَّاء)
(ع د ر)
عدر، عرد، ردع، رعد، درع، دعر: مستعملات.
عدر: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: العَدَّار: المَلاَّح. قَالَ: والعَدَر: القِيلَة الْكَبِيرَة. قلت: أَرَادَ بالقِيلة الأدَر، وكأنّ الْهمزَة قُلبت عينا فَقيل: عَدِرَ عَدَراً، وَالْأَصْل: أدِرَ أدَراً. وَقَالَ ابْن دُرَيْد: العُدْرَة الجُرْأة والإقدام وَقد سَمّت الْعَرَب عُدَاراً. وَقَالَ اللَّيْث: العَدْرُ: المَطَر الْكثير. وأرضٌ معدورة ممطورة ونحوَ ذَلِك.
قَالَ شمر: قَالَ: وعَنْدَرَ الْمَطَر فَهُوَ مُعندِرٌ. وَأنْشد:
مُهْدَودراً مُعَنْدراً جُفَالا
عَمْرو عَن أَبِيه: العادِر الكذّاب. قَالَ: وَهُوَ العاثِر أَيْضا.
عرد: اللَّيْث: العَرْدُ: الشَّديد من كل شَيْء الصُلْب المنتصب. يُقَال: إِنَّه لعَرْد مَغْرِزِ العُنق. وَقَالَ العجّاج:
عَرْدَ التراقي حَشْوَراً مُعَقْرَباً(2/117)
وَيُقَال: قد عَرَدَ النابُ يَعْرِدُ عُرُوداً إِذا خرج كُله واشتدّ وانتصب، قَالَه أَبُو عَمْرو. وعَرَدَ الشّجر عُرُوداً ونَجَم نُجُوماً أوّلَ مَا يَطْلُع. وَقَالَ العجّاج:
وعُنقاً عَرْداً ورَأْساً مِرْأَسَا
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: عَرْداً: غليظاً، مِرْأَساً: مِصَكًّا للرؤوس. قَالَ: وَعَرَدَتْ أنيابُ الْجمل إِذا غَلُظت واشتدّت. قَالَ ذُو الرمة:
يُصَعِّدْنَ رُقشاً بَين عُوج كَأَنَّهَا
زِجَاجُ القَنَا مِنْهَا نَجِيمٌ وعَارِدُ
وَقَالَ فِي (النَّوَادِر) : عَرَدَ الشَجَرُ وَأَعْرَدَ إِذا غَلُظ وكَبُر.
الفرّاء: رمحٌ متَلٌّ ورمحٌ عُرُدٌّ وَوَتَرٌ عُرُدٌّ. وَأنْشد:
والقوس فِيهَا وَتَر عُرُدٌّ
مِثْلُ ذِرَاع البَكْر أَو أشَدُّ
ويروى: مثل ذِرَاع البَكْر.
شبّه الْوتر بِذِرَاع الْبَعِير فِي توتّره. وَقَالَ ابْن بُزُرْجَ: إِنَّه لقويٌّ عُرُدٌّ شَدِيد. قَالَ: والعَارِد: المُنْتَبِذُ. وَأنْشد:
ترى شؤون رَأسه العَوَارِدَا
أَي منتبِذة بعضُها من بعض. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: العَرَادَة: شَجَرَة صُلْبة العُود. وَجَمعهَا عَرَاد. وَأَخْبرنِي مُحَمَّد بن إِسْحَاق السعديّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: تَقول الْعَرَب: قيل للضَبِّ: وِرْداً وِرْداً، فَقَالَ:
أصبح قلبِي صَرِداً
لَا يَشْتَهِي أَن يَردا
إلاَّ عِرَاداً عَرِدَا
وَعَنْكَثاً مُلتبِدَا
وصلِّياناً بَرِدَا
قَالَ: وعَرَادَ: نَبْت عَرِد صُلبٌ منتصبٌ. أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: العَرَاد: نبت، واحدته عَرَادة. وَبِه سُمّي الرجل.
وَقَالَ اللَّيْث: العَرَادَة: نَبْت طيّب الرّيح. قلت: قد رَأَيْت العَرادَة فِي الْبَادِيَة، وَهِي صُلْبة العُود منتشرة الأغصان وَلَا رَائِحَة لَهَا. وَالَّذِي أَرَادَ اللَّيْث العَرادة فِيمَا أَحسب، فَإِنَّهَا بَهَار البَرّ.
أَبُو عبيد: عَرَّدَ الرجل عَن قِرْنه إِذا أحجم ونَكَل. قَالَ: والتعريد: الفِرار. وَقَالَ اللَّيْث: التعريد: سرعَة الذّهاب فِي الْهَزِيمَة. وَأنْشد لبَعْضهِم:
لما استباحُوا عَبدَ رَبَّ وَعرَّدَت
بِأبي نَعَامة أمُّ رَأْلٍ خَيْفَق
يذكر هزيمَة أبي نعَامَة الْحَرُوريّ قطري. وَقَالَ أَبُو نصر: عَرّدَ السهْمُ تعريداً إِذا نَفَذ من الرَمِيَّة. وَقَالَ سَاعِدَة الهُذَليّ:
فجالت وخالت أَنه لم يَقع بهَا
وَقد خَلّهَا قِدِحٌ صَويبٌ مُعَرِّدُ
مُعَرِّدٌ أَي نَافِذ، خَلَّها أَي دخل فِيهَا، صَويبٌ: صائبٌ قاصِد. وعَرَّدَ النَّجْم إِذا مَال للغروب بعد مَا يُكبّد السَّمَاء؛ قَالَ ذُو الرمّة:
وهَمَّت الجوزاء بالتعريد
وَقَالَ اللَّيْث: العَرَادَة: الجَرَادة الْأُنْثَى. والعَرَّادَة: شِبْه مَنْجَنيق صَغِير. والجميع العَرَّدَات. ونِيقٌ مُعَرِّدٌ: مُرْتَفع طَوِيل. وَقَالَ الفرزدق:
فَإِنِّي وإيّاكم ومَن فِي حبالكم
كمن حَبْله فِي رَأس نِيق مُعَرِّدِ(2/118)
وَقَالَ شمر فِي قَول الرَّاعِي:
بأطيَبَ من ثَوْبَيْنِ تأوي إِلَيْهِمَا
سُعَادُ إِذا نجم السماكين عَرَّدَا
أَي ارْتَفع. وَقَالَ أَيْضا:
فجَاء بأشوال إِلَى أهل خُبَّةٍ
طُرُوقاً وَقد أقعى سُهَيْل فَعَرَّدا
قَالَ: أقعى: ارْتَفع ثمَّ لم يبرح. وَيُقَال: قد عَرَّد فلَان بحاجتنا إِذا لم يقضها.
وَقَالَ اللَّيْث وَغَيره: العَرْد الذَكَر إِذا انْتَشَر واتمهَلَّ وصَلُبَ.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي عَرِد الرجل إِذا هرب. وعَرِد إِذا قوِي جِسْمه بعد الْمَرَض.
درع: الدِرْع دِرْعُ الْمَرْأَة مذكّر. ودِرْع الْحَدِيد تؤنّث. وتصغيرهما مَعًا دُرَيْع بِغَيْر هَاء. ابْن السّكيت: هِيَ دِرْع الْحَدِيد وَالْجمع الْقَلِيل أدْرُع وأدراع. فَإِذا كثرتْ فَهِيَ الدروع، وَهُوَ دِرع الْمَرْأَة لقميصها وَجمعه أَدْرَاع. ورجلٌ دَارِع عَلَيْهِ دِرْع.
وَقَالَ اللَّيْث: ادَّرَع الرجل وتَدَرَّعَ إِذا لبِس الدِرْع. والدُرَّاعَة: ضربٌ من الثِّيَاب الَّتِي تُلبس. والمِدْرَعة ضربٌ آخر، وَلَا تكون إلاّ من صوفٍ. فرّقوا بَين أَسمَاء الدِرع والدُرَّاعة والمِدْرَعة لاختلافها فِي الصَّنْعَة؛ إِرَادَة الإيجاز فِي الْمنطق. قَالَ وَيُقَال: لصُفَّة الرَحْل إِذا بدا مِنْهَا رَأْسا الواسِط والآخِرة: مُدَرَّعَة. أَبُو عبيد عَن أبي زيد فِي شِيات الْغنم من الضَّأْن: إِذا اسودّت العُنُق من النعجة فَهِيَ دَرْعَاء. وَقَالَ اللَّيْث: الدَرَع فِي الشَّاة: بَيَاض فِي صدرها ونحرها وَسَوَاد فِي الْفَخْذ. قَالَ: والليالي الدُرَعُ هِيَ الَّتِي يَطْلُع الْقَمَر فِيهَا عِنْد وَجه الصُّبْح وسائرها أسود مظلم. وَقَالَ أَبُو سعيد: شَاة دَرْعاء: مُخْتَلفَة اللَّوْن. وَقَالَ ابْن شُمَيْل الدَرْعاء: السَّوْدَاء غير أَن عُنُقهَا أَبيض، والحمراء وعنقها أَبيض فَتلك الدرعاء. قَالَ: وَإِن ابيضّ رَأسهَا مَعَ عُنقها فَهِيَ دَرْعاء أَيْضا. قلت: وَالْقَوْل مَا قَالَ أَبُو زيد. سُمِّيت دَرْعَاء إِذا اسودّ مُقَدّمها تَشْبِيها بالليالي الدُرع، وَهِي لَيْلَة سِتّ عشرَة وَسبع عشرَة وثمانيَ عشرَة اسودّتْ أوائلها وابيضّ سائرها فسُمِّينَ دُرَعاً لم يخْتَلف فِيهَا قَول الْأَصْمَعِي وَأبي زيد وَابْن شُمَيْل. وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن المبرّد عَن الرياشي عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ فِي ليَالِي الشَّهْر بعد اللَّيَالِي الْبيض: وَثَلَاث دُرَع. وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو عبيد غير أَنه قَالَ: الْقيَاس: دُرْعٌ جمع دَرْعَاء. فَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم فِيمَا أفادني عَنهُ الْمُنْذِرِيّ: ثَلَاث دُرَعٌ، وَثَلَاث ظُلَم جمع دُرْعَة وظُلْمَة لَا جمع دَرْعَاء وظلماء. قلت: هَذَا صَحِيح وَهُوَ الْقيَاس.
وروى أَبُو حَاتِم عَن أبي عُبَيْدَة أَنه قَالَ: اللَّيَالِي الدُرْع هِيَ السود الصُّدُور الْبيض الأعجاز من آخر الشَّهْر، والبِيض الصُّدُور السود الأعجاز من أول الشَّهْر. وَكَذَلِكَ غَنَم دُرْعٌ للبيض المآخير السُّود المقاديم، أَو السود المآخير الْبيض المقاديم. قَالَ: وَالْوَاحد من الْغنم والليالي دَرْعَاء، وَالذكر أدرع. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: ولغة أُخْرَى: ليالٍ دُرَع بِفَتْح الرَّاء الْوَاحِدَة دُرْعَة. قَالَ أَبُو حَاتِم: وَلم أسمع ذَلِك من غير أبي(2/119)
عُبَيْدَة.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: مَاء مُتَدرّع إِذا أُكل مَا حوله من المرعى فتباعد قَلِيلا وَهُوَ دون المُطْلِب. وَقَالَ الهُجَيْمِي: أدرَعَ القومُ إدرَاعاً، وهم فِي دُرْعَةٍ إِذا حَسَر كلؤهم عَن حوالَيْ مِيَاههمْ. ونحوَ ذَلِك قَالَ ابْن شُمَيْل. قَالَ وَإِذا جاوزْت النّصْف من الشَّهْر فقد أدْرَع، وإدراعُه: سَواد أوّله.
وَقَالَ ابْن بُزُرْجَ: يُقَال للهجين إِنَّه لمعَلهَجٌ وَإنَّهُ لأدْرع. قَالَ شمر وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَابْن الْأَعرَابِي: يُقَال دَرَعَ فِي عُنُقه حبلاً ثمَّ اختنق. قلت: وأقرأني الْإِيَادِي لأبي عبيد عَن الْأمَوِي: التذريع بِالذَّالِ الخنقُ، وَقد ذَرَّعَه إِذا خنقه. قلت: وَأما شمر فَإِنَّهُ روى لأبي عُبَيْدَة وَابْن الْأَعرَابِي: ذَرَع فِي عُنُقه حبلاً ثمَّ اختنق، بِالذَّالِ. أَبُو عبيد: الاندرَاع التَّقَدُّم. وَأنْشد للقطامي:
أمامَ الْخَيل تندرع اندراعَا
قَالَ أَبُو زيد: ذرَّعته تذريعاً إِذا جعلت عُنقه ثِنْيَ ذراعك وعضدك فخنقته، وَهُوَ الصَّوَاب.
وَقَالَ غَيره: اندرأ يفعل كَذَا وَكَذَا واندرع أَي انْدفع. وَأنْشد:
واندرعت كلُّ علاَة عَنْس
تَدَرُّعَ اللَّيْل إِذا مَا يُمسِي
وَحكى شَمِر عَن القزمُليّ قَالَ: الدِرع: ثوبٌ تجوب الْمَرْأَة وَسَطه، وَتجْعَل لَهُ يدين وتخيط فرجيه، فَذَلِك الدِرْع. ودُرِّعَت الصبيّةُ إِذا أُلبست الدِرع. ثعلبٌ عَن ابْن الْأَعرَابِي: دُرِعَ الزرعُ إِذا أُكل بعضه. وَقَالَ بعض الْأَعْرَاب: عُشْبٌ دَرِعٌ نَزَع ونَمِغٌ وذَمِطٌ ووَلخٌ إِذا كَانَ غَضًّا. وادَّرَعَ فلَان الليلَ إِذا دخل فِي ظلمته ليسري وَالْأَصْل فِيهِ ادترع كَأَنَّهُ لَيْسَ ظلمَة اللَّيْل فاستتر بِهِ.
دعر: قَالَ شمر: العُود النَخِر الَّذِي إِذا وضع على النَّار لم يَسْتوقد ودَخِن فَهُوَ دُعَرٌ وَأنْشد لِابْنِ مقبل:
باتت حَوَاطِبُ ليلى يلتمسن لَهَا
جَزْل الجِذَى غير خَوَّارٍ وَلَا دُعَرِ
قَالَ: وحَكى أَبُو عدنان عَن أبي مَالك: هَذَا زَنْد دُعَر، وَهُوَ الَّذِي لَا يورِي وَأنْشد:
مُؤْتَشِبٌ يكبو بِهِ زَنْد دُعَرْ
وَقَالَ ابْن كَثْوَةَ: الدُعَر من الْحَطب الْبَالِي وَهُوَ الدَعِر أَيْضا. وَقَالَ اللَّيْث: الدُعَر: مَا احْتَرَقَ من الْحَطب فطَفِىء قبل أَن يشتدّ احتراقه. والواحدة دُعَرَة. وَهُوَ من الزِّنَاد: مَا قد قُدِحَ بِهِ مرَارًا حَتَّى احْتَرَقَ طَرَفه فَصَارَ دُعَراً لَا يُورِي. قَالَ والدَعَارَة: مصدر الداعر، وَهُوَ الْخَبيث الْفَاجِر. قلت: وَسمعت الْعَرَب تَقول لكل حطبٍ يُعَثِّنُ إِذا استُوقِد بِهِ دُعَرٌ. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: دَعِرَ الرجلُ دَعَراً إِذا كَانَ يسرق ويزني ويؤذي النَّاس وَهُوَ الدَاعِر. وَقَالَ أَبُو المِنْهال: سَأَلت أَبَا زيد عَن شَيْء فَقَالَ: مَالك وَلِهَذَا هَذَا كَلَام المَدَاعِير. وَيُقَال للنخلة إِذا لم تقبل اللِقَاح: نَخْلَة داعِرة ونخيل مَدَاعِير، فتزاد تلقيحاً وتبخّق. قَالَ: وتبخيقها، أَن تُوطأ عُسُفُهَا حَتَّى تسترخي، فَذَلِك دواؤها. ثَعْلَب عَن(2/120)
ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال للون الْفِيل: المُدَعَّر. قَالَ ثَعْلَب والمُدعّر: اللَّوْن الْقَبِيح من جَمِيع الْحَيَوَان. والدّعَّار المُفْسِد.
ردع: أَبُو عبيد عَن الأصْمَعي الرُدَاع الوجع: فِي الْجَسَد وأنشدنا:
فواحزَنَا وعاودني رُدَاعِي
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: المرتدِع من السِّهَام: الَّذِي إِذا أصَاب الهَدَف انفضح عودُه. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: رُدِعَ إِذا نُكِس فِي مَرضه. وَقَالَ كُثَير:
وَإِنِّي على ذَاك التجلّد إِنَّنِي
مُسِرّ هُيَامٍ يَسْتَبِلّ وَيُرْدَعُ
وَقَالَ أَبُو الْعِيَال الهذليّ:
ذكرت أخي فعاودني
رُدَاع السُقْم والوصبُ
الرُدَاع: النُكْس، قد ارتدع فِي مَرضه.
وَفِي حَدِيث عمر بن الْخطاب أَن رجلا أَتَاهُ فَقَالَ لَهُ: إِنِّي رميت ظَبْيًا محرما فَأَصَبْت خُشَشَاءَهُ فَركب رَدْعَه فأسِنَ فَمَاتَ.
قَالَ أَبُو عبيد: قَوْله ركب رَدْعَه يَعْنِي أَنه سقط على رَأسه.
قَالَ وَإِنَّمَا أَرَادَ بالرَدْع: الذَّم، شبّهه برَدْع الزَّعْفَرَان. وركوبُه إِيَّاه: أَن الدَّم سَالَ فخَرّ الظبيُ عَلَيْهِ صَرِيعًا، فَهَذَا معنى قَوْله: ركب رَدْعَه.
وَقَالَ أَبُو عبيد: لَيْسَ يُعرف مَا ذكر أَبُو عبيد، ولكنّ الرَدْع العُنُق، رُدِعَ بِالدَّمِ أَو لم يُرْدَع. يُقَال: اضْرِب رَدْعَهُ كَمَا يُقَال اضْرِب كَرْدَهُ. قَالَ وسُمِّي العُنُق رَدْعاً لِأَنَّهُ بهَا يَرتدع كلُّ ذِي عُنُقٍ من الْخَيل وَغَيرهَا.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: ركب رَدْعَهُ إِذا وَقع على وَجهه، وَركب كُسْأَه إِذا وَقع على قَفاهُ.
قَالَ شمر: وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي فِي قَوْلهم: ركب رَدْعَه أَي خرّ صَرِيعًا لوجهه، غير أَنه كلّما همّ بالنهوض ركب مقاديمه. وَقَالَ أَبُو دُوَادٍ:
فعلّ وأنهل مِنْها السنا
نَ يركبُ مِنْهَا الرَدِيعُ الظِلاَلاَ
قَالَ: والرَدِيع: الصريع يركب ظِلّه.
وَقَالَ شمر: الرَدْعُ على أَرْبَعَة أوجه: الرَدْعُ: الكَفّ. رَدَعته: كففته. والرَدْع: اللَطْخ بالزعفران. وَركب رَدْعَه: مقاديمه وعَلى مَا سَالَ من دَمه والرَدْع: رَدع النَصْل فِي السهْم، وَهُوَ تركيبه وضربك إيَّاه بِحجر أَو غَيره حَتَّى يدْخل. وَقيل: ركب رَدْعَه إِن الرَدْع كلّ مَا أصَاب الأَرْض من الصريع حِين يَهْوي إِلَيْهَا، فَمَا مَسّ الأَرْض مِنْهُ أَولا فَهُوَ الرَّدْع، أيّ أقطاره كَانَ. قَالَ: وَيُقَال رُدِعَ بفلان أَي صُرِع، وَأخذ فلَانا فَرَدَعَ بِهِ الأَرْض إِذا ضَرَبَ بِهِ الأَرْض. وَيُقَال: رَدَع الرجل الْمَرْأَة إِذا وَطئهَا.
وَقَالَ اللَّيْث: الرَدْعُ: أَن تردَعَ ثوبا بِطيب أَو زعفران، كَمَا تردَع الجاريةُ صَدْرَ جَيْبها بالزعفران بملء كفّها.
وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
حُوراً يُعَلّلْنَ العَبِيرَ رَوَادِعاً
كَمَهَا الشقائق أَو ظِبَاء سَلاَمِ(2/121)
السلاَم: الشّجر.
وَأما قَول ابْن مقبل:
يجْرِي بديبَاجَتَيْه الرشح مُرْتَدِعُ
فَفِيهِ قَولَانِ. قَالَ بَعضهم: منصبغ بالعَرَق الْأسود، كَمَا يُرْدَع الثوبُ بالزعفران.
وَقَالَ خَالِد: مُرْتدِع قد انْتَهَت سِنّه. يُقَال قد ارتدع الْجمل إِذا انْتَهَت سِنّه. وأقرأني الْمُنْذِرِيّ لأبي عبيد فِيمَا قَرَأَ على أبي الْهَيْثَم الرديع الأحمق بِالْعينِ غير مُعْجمَة. وَأما الْإِيَادِي فَإِنَّهُ أَقْرَأَنِيهِ عَن شمر: الردِيغ بالغين مُعْجمَة. قلت: وَكِلَاهُمَا عِنْدِي من نعت الأحمق.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال خَرّ فِي بِئْر فَركب رَدْعه إِذا هَوَى فِيهَا. وَركب فلَان رَدْع المَنِيَّة. قَالَ والرَدْع: مقاديم الْإِنْسَان إِذا كَانَت فِي ذَلِك منيّته.
وَأنْشد قَول الْأَعْشَى فِي رَدْع الزَّعْفَرَان وَهُوَ لَطْخه:
ورَادعَة بالطيب صفراء عِنْدهَا
لجسّ الندامى فِي يَد الدرْع مُفْتَقُ
وَقيل ركب رَدْعَه إِذا رُدِع فَلم يرتدع، كَمَا يُقَال: ركب النَّهْيَ. عَمْرو عَن أَبِيه: المِردَع: الرجل الَّذِي يمْضِي فِي حَاجته فَيرجع خائباً، والمِرْدَع: السهْم الَّذِي يكون فِي فُوقه ضِيق، فيُدقّ فُوقُه حَتَّى يتفتَّح. قَالَ: وَيُقَال فِيهِ كُله بالغين، قَالَ والرَّدْع: الدقّ بِالْحجرِ. والمِرْدَع الكَسْلان من الملاحين.
رعد: قَالَ الله جلّ وعزّ: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ} (الرّعد: 13) .
قَالَ ابْن عَبَّاس: الرَعْد: مَلَك يَسُوق السَّحَاب، كَمَا يَسُوق الْحَادِي الْإِبِل بحُدَائه. وَسُئِلَ وهب بن منبِّه عَن الرَّعْد فَقَالَ: الله أعلم.
وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: قَالَ اللغويون: الرَّعْد: صَوت السَّحَاب والبَرْق ضوء وَنور يكونَانِ مَعَ السَّحَاب. قَالُوا: وَقَول الله عز وَجل: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلْائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ} (الرّعد: 13) ذِكْره الْمَلَائِكَة بعد الرَّعْد يدل على أَن الرَّعْد لَيْسَ بمَلَك. وَقَالَ: الَّذين قَالُوا: الرَّعْد ملك: ذكر الْمَلَائِكَة بعد الرَّعْد وَهُوَ من الْمَلَائِكَة كَمَا يذكر الْجِنْس بعد النَّوْع.
وَقَالَ عِكْرِمة وَطَاوُس وَمُجاهد وَأَبُو صَالح وَأَصْحَاب ابْن عَبَّاس: الرَعْد: مَلَكٌ يَسُوق السَّحَاب، وَسُئِلَ عليّ عَن الرَّعْد فَقَالَ: مَلك، وَعَن الْبَرْق فَقَالَ: مَخَاريق بأيدي الْمَلَائِكَة من حَدِيد.
وَقَالَ اللَّيْث: الرَعْد: مَلَك اسْمه الرَعْد يَسُوق السَّحَاب بالتسبيح، قَالَ ومِن صَوته اشتُقّ فِعل رَعَدَ يَرعُدُ، وَمِنْه الرِعْدَة والارتعاد. قَالَ: ورجلٌ رِعْدِيد: جَبَان. قَالَ وكل شَيْء يترجرج من نَحْو القَرِيس فَهُوَ يَتَرعدَد كَمَا تترعدَد الأَلْية.
وَأنْشد للعجَّاج:
فَهِيَ كرعديد الكَثِيب الأَهْيَم
وَقَالَ الْأَخْفَش: أهل الْبَادِيَة يَزْعمُونَ أَن الرَعد هُوَ صَوت السَّحَاب. وَالْفُقَهَاء يَزْعمُونَ أَنه مَلَك.(2/122)
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: يُقَال: رَعدَت السَّمَاء وبرقَتْ، وَرعد لَهُ وبَرَق لَهُ إِذا أوعده. وَلَا يُجِيز أَرْعَد وَلَا أبرق فِي الْوَعيد وَلَا فِي السَّمَاء. وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَة يَقُول: رَعَد وأَرْعدَ وبَرَقَ وأَبْرَقَ بِمَعْنى واحدٍ، ويحتجّ بقول الكُمَيت:
أَبْرِق وأرعد يَا يزي
د فَمَا وعِيدُك لي بضائرْ
وَلم يكن الْأَصْمَعِي يحْتَج بِشعر الكُمَيت.
وَقَالَ الفرَّاء: رَعَدت السَّمَاء وبرَقَت، رَعداً ورُعوداً وبَرْقاً وبُرُوقاً، بِغَيْر ألف. قَالَ: وَيُقَال للْمَرْأَة إِذا تزيَّنتْ وتهيّأتْ: أبرَقَتْ. قَالَ: وَيُقَال للسماء المنتظَرة إِذا كثر الرَّعْد والبرق قبل الْمَطَر: قد أرعدت وأبرقت، وَيُقَال فِي كُله: رَعدَتْ وبَرَقَتْ. قَالَ: وَإذا أوعدَ الرَجل قيل: قد أرْعدَ وَأَبْرَقَ، وَرَعَدَ وَبَرقَ.
وَقَالَ ابْن أَحْمَر:
فابْرُقْ بأرضِك مَا بدا لَك وارْعُدِ
وَقَالَ النَّضر: جَارِيَة رِعْدِيدة: تارّة ناعمة، وجَوَارٍ رَعَادِيد.
أَبُو عبيد عَن الْفراء: فِي الطَّعَام رُعَيْدَاء مَمْدُود وَهُوَ مَا يُرْمَى بِهِ إِذا نُقِّيَ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: كثيب مُرْعَد أَي مُنْهَال وَقد أُرعِد إرعَاداً وَأنْشد:
وكفل يرتجّ تَحت المِجْسَدِ
كالدِعْصِ بَين المُهُدَات المُرْعَدِ
أَي مَا تمهّد من الرمل. ورجلٌ رِعديد إِذا كَانَ جَبَاناً. ورعشِيش مثله. وجمعهما الرعاديد والرعاشيش. وَهُوَ يرتعد ويرتعش.
(بَاب الْعين وَالدَّال مَعَ اللَّام)
(ع د ل)
عدل، علد، دلع، دعل: مستعملة.
عدل: قَالَ الله جلّ وعزّ: {أَو عَدْلُ ذالِكَ صِيَاماً} (المَائدة: 95) .
قَالَ الْفراء: العَدْل: مَا عَادلَ الشَّيْء من غير جنسِه. والعِدْل: المِثل، مثل المِحْمَل وَذَلِكَ أَن تَقول: عِنْدِي عِدْلُ غلامك وعِدْل شَاتك إِذا كَانَت شاةٌ تعدِل شَاة أَو غُلَام يَعدل غُلَاما. فَإِذا أردْت قِيمَته من غير جنسه نصبت الْعين فَقلت: عَدْل. وَرُبمَا قَالَ بعض الْعَرَب: عِدلُه، وَكَأَنَّهُ مِنْهُم غلط؛ لتقارب معنى العَدْل من العِدْل. وَقد اجْتَمعُوا على أنّ وَاحِد الأعدال عِدْلٌ. قَالَ ونُصب قَوْله (صياما) على التَّفْسِير، كَأَنَّهُ: عَدلُ ذَلِك من الصّيام، وَكَذَلِكَ قَوْله: {مِّلْءُ الاَْرْضِ ذَهَبًا} (آل عِمرَان: 91) أَخْبرنِي بِجَمِيعِ ذَلِك الْمُنْذِرِيّ عَن أبي طَالب عَن أَبِيه عَن الْفراء.
وَقَالَ الزجّاج: العَدلُ والعِدْل وَاحِد فِي معنى المِثْل. قَالَ: وَالْمعْنَى وَاحِد، كَانَ المِثلُ من الْجِنْس أَو من غير الْجِنْس.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: وَلم يَقُولُوا: إِن الْعَرَب غلِطت. وَلَيْسَ إِذا أَخطَأ مخطىء وَجب أَن يَقُول: إِن بعض الْعَرَب غلِط.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العَدْلُ: الاسْتقَامَة. وَقَالَ(2/123)
عَدْلُ الشَّيْء وعِدْلُه سَوَاء أَي مثله.
قَالَ وَأَخْبرنِي ابْن فهم عَن مُحَمَّد بن سلاّم عَن يُونُس قَالَ: العَدْلُ: الفِدء فِي قَوْله جلّ وعزّ: {وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَآ} (الْأَنْعَام: 70) .
قَالَ وَسمعت أَبَا الْهَيْثَم يَقُول: العِدْلُ: المِثل: هَذَا عدله: والعَدْلُ: القِيمة يُقَال: خُذ عَدْله مِنْهُ كَذَا وَكَذَا أَي قِيمَته. قَالَ: وَيُقَال لكلّ من لم يكن مُسْتَقِيمًا: حَدْلٌ وضدّه عَدْلٌ. يُقَال: هَذَا قَضَاء عَدْلٌ غير حَدْلٍ. قَالَ والعِدْلُ: اسْم حِمْل مَعدُولٍ بِحمْل أَي مُسَوًّى بِهِ. والعَدْل: تقويمك الشَّيْء بالشَّيْء من غير جنسه حَتَّى تَجْعَلهُ لَهُ مِثلاً. وَقَول الله جلّ وعزّ: {بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُواْ ذَوَى عَدْلٍ} (الطَّلَاق: 2) . قَالَ سعيد بن المسيّب: ذَوَيْ عقل.
وَقَالَ إِبْرَاهِيم: العَدْل الَّذِي لم تظهر مِنْهُ رِيبَة.
وَكتب عبد الْملك إِلَى سَعيد بن جُبَير يسْأَله عَن العَدْل، فَأَجَابَهُ: إِن العَدْل على أَرْبَعَة أنحاء: العَدْل فِي الحكم: قَالَ الله تَعَالَى: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ} (النِّسَاء: 58) والعَدل فِي القَوْل؛ قَالَ الله تَعَالَى: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ} (الْأَنْعَام: 152) . والعَدل: الفِدْية؛ قَالَ الله: {وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ} (البَقَرَة: 123) . والعَدْل فِي الْإِشْرَاك قَالَ الله جلّ وعزّ: {ثْمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} (الأنعَام: 1) . وأمّا قَوْله جلّ وعزّ: {وَلَن تَسْتَطِيعُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَآءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} (النِّساء: 129) . قَالَ عَبِيدة السَلْماني والضحَّاك: فِي الحُبّ وَالْجِمَاع. وَقَوله سُبْحَانَهُ: {وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَآ} (الأنعَام: 70) كَانَ أَبُو عُبَيْدَة يَقُول مَعْنَاهُ وَإِن تُقسط كل أقساطٍ لَا يُقبل مِنْهَا. قلت: وَهَذَا خطأ فَاحش وإقدام من أبي عُبِيدة على كتاب الله. وَالْمعْنَى فِيهِ: لَو تَفْتَدِي بِكُل فِداء لَا يقبل مِنْهَا الْفِدَاء يَوْمئِذٍ. وَمثله قَوْله: {يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ} (المعَارج: 11) الْآيَة أَي لَا يقبل ذَلِك مِنْهُ وَلَا يُنْجيه. وَقَوْلهمْ: رجلٌ عَدْل مَعْنَاهُ ذُو عدل أَلا ترَاهُ. قَالَ فِي موضِعين: {بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُواْ ذَوَى عَدْلٍ} (الطَّلَاق: 2) ، فنُعِتَ بِالْمَصْدَرِ. وَقيل: رجل عَدْلٌ، ورجلان عَدْلٌ وَرِجَال عَدلٌ، وَامْرَأَة عَدْلٌ، ونِسْوة عَدلٌ، كل ذَلِك على معنى: رجال ذوِي عَدلٍ ونسوة ذَوَات عَدل. والعَدْل: الاسْتقَامَة. يُقَال: فلَان يَعدِل فلَانا أَي يُسَاوِيه. وَيُقَال مَا يعدِلك عندنَا شَيْء أَي مَا يَقع عندنَا شَيْء مَوْقعك. وَإِذا مَال شَيْء قلت: عَدلتُه أَي أقمتُه فاعَتَدَلَ أَي استقام وَمن قَرَأَ قَول الله جلّ وعزّ: {الَّذِى خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ} بِالتَّخْفِيفِ {فَعَدَلَكَ فِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أَىِّ صُورَةٍ مَّا} (الانفِطار: 7، 8) .
قَالَ الْفراء: من خفّف فوجهه وَالله أعلم فصرفك إِلَى أيّ صُورَة شَاءَ إِمَّا حَسَن وَإِمَّا قَبِيح وَإِمَّا طَوِيل وَإِمَّا قصير. وَمن قَرَأَ: (فَعَدَّلك) فَشدد وَهُوَ أعجب الْوَجْهَيْنِ إِلَى(2/124)
الْفراء وأجودهما فِي الْعَرَبيَّة وَمَعْنَاهُ: جعلك مُعْتَدِلاً مُعْدَّلَ الخَلْق. قَالَ: واخترتُ (عَدّلك) ؛ لِأَن (فِي) للتركيب أقوى فِي العربيِّة من أَن تكون (فِي) للعَدْلِ؛ لِأَنَّك تَقول: عَدَلْتُكَ إِلَى كَذَا وصَرفتُك إِلَى كَذَا. وَهَذَا أَجود فِي الْعَرَبيَّة من أَن تَقول: عَدلتك فِيهِ وصرفتك فِيهِ.
قلت: وَقد قَالَ غير الفرّاء فِي قِرَاءَة مَن قَرَأَ: {فَسَوَّاكَ} بِالتَّخْفِيفِ: إِنَّه بِمَعْنى: فسوّاك وقوّمك، من قَوْلك: عَدلتُ الشَّيْء فاعتدل أَي سوّيتهُ فَاسْتَوَى.
وَمِنْه قَوْله:
وعَدَلْنَا مَيْل بَدْرٍ فاعْتَدَل
أَي قوّمناه فاستقام. وَقَرَأَ عَاصِم وَالْأَعْمَش بِالتَّخْفِيفِ {فَسَوَّاكَ} ، وَقَرَأَ نافِع وَأهل الْحجاز. {} (فَعَدَّلَكَ) بِالتَّشْدِيدِ. وَقَوله: {أَو عَدْلُ ذالِكَ صِيَاماً} (الْمَائِدَة: 95) قَرَأَهَا الْكسَائي وَأهل الْمَدِينَة بِالْفَتْح، وَقرأَهَا ابْن عَامر بِالْكَسْرِ: (أَو عِدْلُ ذَلِك صياما) وَقَالَ اللَّيْث: العَدْل من النَّاس: المرضِيّ قولُه وحُكمه. قَالَ: وَتقول إِنَّه لعَدْلٌ بيّن العَدْل والعَدَالة. قَالَ: والعَدْلُ: الحُكم بالحقّ. يُقَال هُوَ يقْضِي بالحقّ ويعدل وَهُوَ حَكَم عَادلٌ: ذُو مَعْدَلةٍ فِي حكمه وَقَالَ شمر: قَالَ القُزْملي: سَأَلت عَن فلانٍ العُدَلَة أَي الَّذين يُعَدُّلُونَه. وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال رجل عُدَلَة وَقوم عُدَلَة أَيْضا وهم الَّذين يزكّون الشُّهُود. وَقَالَ يُونُس: جَائِز أَن يُقَال: هما عَدْلَان وهم عُدُول، وَامْرَأَة عَدْلة. وَقَالَ الكلابيون: امْرَأَة عَدْلٌ وقومٌ عُدُل. وَقَالَ يُونُس عَن أبي عَمْرو: الجيّد امرأةٌ عَدْلٌ، وقومٌ عَدْلٌ، ورجلٌ عَدْلٌ. وَقَالَ الباهليّ: رجلٌ عَدْل وعَادِل: جَائِز الشَّهَادَة. وَامْرَأَة عَادِلة: جَائِزَة الشَّهَادَة. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال عَدَلت الجُوَالق على الْبَعِير أعدِله عَدْلاً يُحمل على جَنْب الْبَعِير ويُعْدَل بآخر. وَفِي الحَدِيث: (مَن شرب الْخمر لم يقبل الله مِنْهُ صَرْفاً وَلَا عَدْلاً أَرْبَعِينَ لَيْلَة) . قَالَ بَعضهم: الصَرْف الْحِيلَة. والعَدل: الفِدْية. قَالَ يُونُس بن عُبَيد: الصّرْف الْحِيلَة، وَيُقَال مِنْهُ فلَان يتصرّف أَي يحتال. قَالَ الله عز وَجل: {فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلاَ نَصْراً} (الْفرْقَان: 19) وَقَالَ ابْن عَبَّاس: الصَرْف: الدِية، والعَدْلُ: السَّوِيَّة، وَقَالَ شمر: أَخْبرنِي ابْن الحَرِيش عَن النَّضر بن شُمَيْل قَالَ: العَدْلُ: الْفَرِيضَة. وَالصرْف: التطوّع. وَقَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: {ثْمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} (الْأَنْعَام: 1) أَي يُشركون. وَقَالَ الْأَحْمَر: عَدَل الْكَافِر بربه عَدْلاً وعُدُولاً إِذا سَوَّى بِهِ غَيره فعَبَدَهُ. وَقَالَ الْكسَائي: عَدَلت الشَّيْء بالشَّيْء أعدِله عُدُولاً إِذا ساويته بِهِ. وعَدل الحاكِم فِي الحكم عَدْلاً. وَقَالَ شمر: أما قَول الشَّاعِر:
أفذَاكَ أم هِيَ فِي النَجَا
ء لمن يُقَاربُ أَو يُعَادِلْ
يَعْنِي: يُعَادِل بَين نَاقَته والثَوْر، قَالَ: وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي المعادلة: الشكّ فِي الْأَمريْنِ وَأنْشد:
وَذُو الهمّ تُعْديه صَرَامَةُ هَمِّهِ
إِذا لم تُمَيّثْهُ الرُّقَى ويُعَادِل(2/125)
يَقُول يعَادِل بَين الْأَمريْنِ أيُّهما يَركبُ، تُمَيِّثه: تُذَلِّله المَشُورَات، وَقَول النَّاس: أَيْن تذْهب، وَقَالَ المرَّار:
فَلَمَّا أَن صَرَمَتْ وَكَانَ أمْرِي
قويماً لَا يمِيل بِهِ العُدُولُ
قَالَ عَدَل عنِّي يَعْدِلُ عُدولاً لَا يمِيل بِهِ عَن طَرِيقه الميْلُ.
وَقَالَ الآخر:
إِذا الهَمُّ أمْسَ وَهْو دَاء فأَمضِهِ
وَلست بمُمْضيه وَأَنت تُعَادِله
قَالَ: مَعْنَاهُ: وَأَنت تشكّ فِيهِ. رَوى أَبُو عبيد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين ذكر الْمَدِينَة فَقَالَ: (من أحدث فِيهَا حَدَثاً أَو آوى مُحْدِثاً لم يقبل الله مِنْهُ صَرْفاً وَلَا عَدْلاً) ، قَالَ أَبُو عبيد رُوي عَن مَكْحُول أَنه قَالَ الصّرْف التَّوْبَة وَالْعدْل: الْفِدْيَة. وَقَالَ أَبُو عبيد: قَوْله (من أحدث فِيهَا حَدَثاً) فَإِن الْحَدث كل حَدّ يجب لله تَعَالَى على صَاحبه أَن يُقَام عَلَيْهِ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي العَدَلُ مُحرّك: تَسْوِيَة الأوْنَين، وهما العِدْلان.
وَقَالَ اللَّيْث: العَدْل أَن تعدِل الشَّيْء عَن وَجهه، تَقول، عَدَلْتُ فلَانا عَن طَرِيقه، وعَدَلْتُ الدَّابَّة إِلَى مَوضِع كَذَا فَإِذا أَرَادَ الاعوجاج نَفسه قَالَ: هُوَ يَنْعَدِل أَي يعوجّ. وَقَالَ فِي قَوْله:
وَإِنِّي لأنْحِي الطَرْف من نَحْو أرْضهَا
حَيَاء وَلَو طاوعتُهُ لم يُعَادِل
قَالَ: مَعْنَاهُ، لم ينعَدِل قلت معنى قَوْله لم يعادل أَي لم يَعْدِل بِنَحْوِ أرْضهَا أَي بقصدها نَحوا وَلَا يكون يُعَادِل بِمَعْنى ينعدل.
وَقَالَ اللَّيْث: المعتدِلة من النوق: الحسَنَة المتّفقة الْأَعْضَاء بعضُها بِبَعْض. وروى شمر عَن محَارب:
قَالَ: المُعْنَدِلة من النوق وَجعله رباعيًّا من بَاب عَندَل. قلت وَالصَّوَاب المعتدلة بِالتَّاءِ.
وروى شمر عَن أبي عدنان أنّ الْكِنَانِي أنْشدهُ:
وعَدَل الفَحل وَإِن لم يُعْدلِ
واعْتَدَلَتْ ذاتُ السَنَام الأَمْيَل
قَالَ: اعْتِدَال ذَات السَّنَام الأميَل استقامة سَنامها من السِمَن بَعْدَمَا كَانَ مائلاً. قلت: وَهَذَا يدلّ على أَن قَول محَارب: المُعْنَدِلة غير صَحِيح، وَأَن الصَّوَاب: المُعْتَدِلة، لِأَن النَّاقة إِذا سمِنتْ اعتدلت أعضاؤها كلُّها من السنام وَغَيره. ومُعَنْدِلة من العَنْدَل وَهُوَ الصُلب الرَّأْس وَلَيْسَ هَذَا الْبَاب لَهُ بموضعٍ، لِأَن العَنْدل رباعي خَالص. شمر العَدِيل: الَّذِي يُعَادِلك فِي المحمِل والعَدْل: نقيض الجَوْر.
وَرُوِيَ عَن عمر بن الْخطاب أَنه قَالَ: الْحَمد لله الَّذِي جعلني فِي قومٍ إِذا مِلْتُ عَدَلُوني كَمَا يُعْدَل السهْم فِي الثِقاف، أَي قَوَّموني.
شمر عَن أبي عدنان: شرب حَتَّى عَدَّل أَي امْتَلَأَ. قلت وَكَذَلِكَ عَدَّنَ وأوَّن بِمَعْنَاهُ. وَيُقَال أَخذ الرجل من مَعْدَل الْبَاطِل أَي فِي طَرِيق الْبَاطِل ومذهبه، وَيُقَال انْظُرُوا(2/126)
إِلَى سُوء مَعَادِلِهِ، ومذموم مداخله، أَي إِلَى سوء مذاهبه ومسالكه، وَقَالَ زُهَيْر:
وسُدِّدَتْ ... عَلَيْهِ سِوَى
قَصْد الطَّرِيق مَعَادِلُهْ
وَيُقَال عَدَّلْتُ أَمْتعَة الْبَيْت إِذا جَعلتهَا أعدالاً مستوِية للاعتكام يَوْم الظعْن. وعَدَّل القسَّام الْأَنْصِبَاء للقَسْم بَين الشُّرَكَاء إِذا سوّاها على القِيم. وأمّا قَول ذِي الرمّة:
إِلَى ابْن العامريّ إِلَى بلالٍ
قطعتُ بنَعْفِ مَعقُلة العِدَالا
فالعرب تَقول: قطعْتُ العِدَال فِي أَمْرِي، ومضيت على عزمي، وَذَلِكَ إِذا مَيَّلَ بَين أَمريْن أيُّهما يَأْتِي، ثمَّ استقام بِهِ الرَّأْي فعزم على أوْلاَهُما عِنْده، وَيُقَال أنَا فِي عِدَال من هَذَا الْأَمر أَي فِي شكّ مِنْهُ: أأمضي عَلَيْهِ أم أتركه، وَقد عَادَلت بَين أَمريْن أيَّهما آتِي أَي ميِّلت وفرسٌ معتدل الغُرّة إِذا توسّطَت غُرَّتُه جَبهته، فَلم نصب وَاحِدَة من الْعَينَيْنِ وَلم تَمل على وَاحِد من الخدّين، قَالَه أَبُو عُبَيْدَة.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي:
العَدَوليّ من السفن مَنْسُوب إِلَى قَرْيَة بِالْبَحْرَيْنِ يُقَال لَهَا: عَدوْلَى.
قَالَ وَالخُلْجُ سفنٌ دونَ العَدوْلِيَّة.
وَقال شمر: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي قَول طرَفة:
عَدَوْليَّة أَو من سفين ابْن نَبْتَل
قَالَ نَسَبهَا إِلَى ضِخَم وقِدَم، يَقُول: هِيَ قديمَة أَو ضخمة.
وَقَالَ اللَّيْث: العَدْوَلِيَّة نُسِبَتْ إِلَى مَوضِع كَانَ يُسمى عَدَوْلاَة وَهُوَ بِوَزْن فَعَوْلاَة.
وَذكر عَن الْكَلْبِيّ أَنه قَالَ: عَدَوْلَى لَيْسُوا من ربيعَة وَلَا مُضر وَلَا ممّن يعرف من الْيمن، إِنَّمَا هم أمّة على حِدَة، قلت: وَالْقَوْل فِي العَدَوْليّ مَا قَالَه الْأَصْمَعِي.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال لزوايا الْبَيْت: المعَدَّلات والدراقيع والمُزَوَّيات والأخصام والثَفنات. وَقَالَ فِي قَول الله: {فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أَىِّ صُورَةٍ} (الانفطار: 7، 8) أَي فقوّمك. وَمن خفّف أَرَادَ: عَدَلَك من الْكفْر إِلَى الْإِيمَان، وهما نعمتان. وَهَذَا قَول ابْن الْأَعرَابِي.
وَقَالَ ابْن السّكيت عَن ابْن الْكَلْبِيّ فِي قَول النَّاس للشَّيْء الَّذِي يُئِسَ مِنْهُ: وُضِعَ على يَدَيْ عَدْلٍ قَالَ: هُوَ العَدْل بن جَزْء بن سعد العَشِيرة، وَكَانَ وَلي شُرَط تُبَّع، فَكَانَ تُبَّع إِذا أَرَادَ قتل رجل دَفعه إِلَيْهِ فَقَالَ النَّاس وُضِعَ على يَدَي عَدْلٍ.
علد: قَالَ أَبُو عَمْرو والأصمعي: الأعلاد: مضائغ فِي العُنُق من عَصَب، وَاحِدهَا عَلْد. وَقَالَ رؤبة يصف فحلاً:
قَسْبَ العَلاَبيّ جُرَازَ الأعلاد
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يُرِيد عَصَب عُنُقه. والقَسْبُ: الشَّديد الْيَابِس.
وَقَالَ اللَّيْث: العَلْدُ الصُلْب الشَّديد، كأنَّ فِيهِ يُبْساً من صلابته.
أَبُو عبيد عَن الْأمَوِي: العِلْوَدُّ: الْكَبِير. قَالَ: وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: كَانَ مُجَاشع بن دارم عِلْوَدّ الْعُنُق.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: العِلْوَدّ من الرِّجَال:(2/127)
الغليظ الرَّقَبَة.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: العِلْوَدّة من الْخَيل: الَّتِي تنقاد بقوائمها وتجذِب بعنقها القائدَ جَذْباً شَدِيدا، وقلَّما يَقُودهَا حَتَّى يَسُوقهَا سائق من وَرَائِهَا، وَهِي غير طَيِّعة القِيَاد وَلَا سَلِسة. وَأما قَول الْأسود بن يَعْفَرُ:
وغُودِرَ عِلْوَدٌّ لهَا مُتَطَاوِل
نبيل كجُثمان الجُرَادة نَاشِرُ
فَإِنَّهُ أَرَادَ بعلْوَدّها: عُنُقهَا، أَرَادَ: النَّاقة والجُرَادة: اسْم رَملَة بِعَينهَا.
وَقَالَ الراجز:
أيُّ غلامٍ لَشِ عِلْوَدّ العُنُق
لَيْسَ بكيَّاسٍ وَلَا جَدَ حَمِقْ
قَوْله: لشِ أَرَادَ: لَك لُغَة لبَعض الْعَرَب وأنشدني الْمُنْذِرِيّ فِي صفة الضبّ لبَعْضهِم:
كَأَنَّهُمْ ضَبَّان ضَبّا عَرَادَةٍ
كبيران عِلْوَدَّانِ صُفْر كُشَاهُمَا
عِلودّان: ضخمان.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: اعْلَوَّدَ الرجل بعدِي إِذا غَلُظ.
وَقَالَ أَبُو زيد: رجل عِلْوَدّ وَامْرَأَة عِلْوَدَّة، وَهُوَ الشَّديد ذُو القَسْوة. وبعير عِلْوَدّ وناقة عِلْوَدَّةٌ، وَهِي الهَرِمة.
وَقَالَ اللَّيْث: سَيِّدٌ عِلْوَدٌّ: رَزِين ثخين. وفِعْلُهُ عَلْوَدَ يُعَلْوِدُ إِذا لزم الشَّيْء مَكَانَهُ فَلم يُقدر على تحريكه.
دعل: أهمله اللَّيْث وَلم يذكرهُ شمر فِي (كِتَابه) وروى أَبُو عُمَر عَن أبي الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الدَعَل: المخاتلة بِالْعينِ. وَهُوَ يُدَاعِلُهُ أَي يخاتله. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: الداعِل الهارِب.
دلع: أَبُو عبيد عَن أبي زيد: دَلَع لِساني، ودَلَعْتُه أَنا. قَالَ: وَبَعْضهمْ يَقُول أدلَعتُهُ.
وَقَالَ ابْن بُزُرْج: دَلَعْت اللِّسَان وأدلعته. وَقَالَهُ ابْن الْأَعرَابِي.
وَقَالَ اللَّيْث: دَلَع اللِّسَان يَدْلَعُ دُلُوعاً إِذا خرج من الْفَم واسترخى. وأدلع الرجلُ لسانَه. وَقد يُقَال اندلَعَ لِسَانه قَالَ: وَجَاء فِي الْأَثر عَن بَلْعَمَ أَن الله لَعنه فأدلع لِسَانه فَسَقَطت أسَلَتُه على صَدره، فَبَقيت كَذَلِك. وَيُقَال للرجل المندَلِث البطنِ أَمَامه: مُنْدَلِع البَطْن.
وَقَالَ نُصَير فِيمَا روى لَهُ أَبُو تُرَاب: اندَلَعَ بطن الْمَرْأَة واندلق إِذا عظُم واسترخى وَقَالَ غَيره: اندلَع السَّيْف من غِمْده واندلق. وناقة دَلُوع: تتقدَّم الْإِبِل.
وَقَالَ الرّبيع: الدَلِيع: الطَّرِيق السهل فِي مَكَان حَزْن لَا صَعُود فِيهِ وَلَا هَبُوط.
وروى أَبُو عُمر عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الدَّوْلَع: الطَّرِيق البَيّن.
وروى شمر عَن محَارب: طَرِيق دَلَنَّع وَجمعه دَلاَنِع إِذا كَانَ سهلاً.
وَقَالَ شمر قَالَ الهُجَيمي: أحمقٌ دالِعٌ، وَهُوَ الَّذِي لَا يزَال دالِع اللِّسَان، وَهُوَ غَايَة الحُمْق. قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الدَوْلَعة: صَدَفة متَحوّيَة إِذا أَصَابَهَا ضَبْح النَّار خرج مِنْهَا كَهَيئَةِ الظفر فيُسْتَلُّ قدر إِصْبَع، وَهُوَ هَذَا الأظْفار الَّذِي فِي القُسْط. وَأنْشد للشَمَرْدَل:(2/128)
دَوْلَعَة تستلُّها بظفرها
علد (علند) : وَقَالَ اللَّيْث فِي بَاب العَلْد: العَلَنْدَى: البَعِير الضخم الطَّوِيل. والجميع العَلاَنِد والعَلاَدِي والعَلَنْدَيَاتُ وَأحسنه العَلاَنِد على تَقْدِير قلانس.
وَقَالَ النَّضر: العَلَنْدَاة من الْإِبِل: الْعَظِيمَة الطَّوِيلَة. وَلَا يُقَال: جمل عَلَنْدَى. قَالَ والعَفَرْنَاة مثلهَا، وَلَا يُقَال: جمل عَفَرْنَى.
وَقَالَ اللَّيْث: العَلَنْدَاة: شَجَرَة طَوِيلَة لَا شوك، لَهَا من العضاهِ قلت: لم يُصِبْ اللَّيْث فِي صفة العَلَنْدَاة؛ لِأَن العلنداة شَجَرَة صُلْبة العيدان جاسية لَا يَجْهَدها المالُ وَلَيْسَت من العضاه وَكَيف تكون من العِضَاهِ وَلَا شوك لَهَا والعِضَاهُ من الشّجر مَا كَانَ لَهُ شوك، صَغِيرا كَانَ أَو كَبِيرا، والعَلَنْدَاة لَيست بطويلة. وأطولها على قدر قَعْدَة الرجُل. وَهِي مَعَ قِصَرها كثيفة الأغصان مجتمعة.
(بَاب الْعين وَالدَّال مَعَ النُّون)
(ع د ن)
عِنْد، عدن، دعن، دنع (نَدع) : مستعملة.
عدن: قَالَ الله جلّ وعزّ: {جَنَّاتِ عَدْنٍ} (التّوبَة: 72) رُوى عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَالَ: جنَّات عدن: بُطْنَان الجنّة. قلت وبُطْنَانها: وَسطهَا. وبُطْنان الأودية: الْمَوَاضِع الَّتِي يسترِيض فِيهَا مَاء السَّيْل. فيَكْرُم نباتُها، وَاحِدهَا بَطْنٌ. قلت: والعَدْنُ مَأْخُوذ من قَوْلك: عَدَنَ فلَان بِالْمَكَانِ إِذا أَقَامَ بِهِ، يَعْدِن عُدُوناً، قَالَه أَبُو زيد وَابْن الأعرابيّ. قَالَ شمر: وَقَالَ القُزْمُلِيّ: اسْم عَدْنَان مُشْتَقّ من العَدْن، وَهُوَ أَن تلْزم الإبلُ المكانَ فتألفَه وَلَا تبرحه. تَقول تركتُ إبل بني فلَان عَوَادِن بمَكَان كَذَا وَكَذَا. قَالَ: وَمِنْه المَعْدِن، وَهُوَ الْمَكَان الَّذِي يثبت فِيهِ النَّاس وَلَا يتحوّلون عَنهُ شتاءً وَلَا صيفاً. قلت: ومَعْدِن الذَّهَب والفضّة سُمِّي مَعْدِناً لإنبات الله جلّ وعزّ فِيهِ جوهرهما وإثباته إيّاه فِي الأَرْض حَتَّى عَدَنَ أَي ثَبت فِيهَا. قَالَ الله جلّ وعزّ: {وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَىْءٍ مَّوْزُونٍ} (الحِجر: 19) ، وفُسِّرَ الْمَوْزُون على وَجْهَيْن: أَحدهمَا أَن هَذِه الْجَوَاهِر كلّها ممّا يوزَن، مثل الرَصَاص والنُحاس وَالْحَدِيد والثمنين أَعنِي الذَّهَب وَالْفِضَّة، كَأَنَّهُ قَصَدَ قصْد كل شَيْء يُوزَن وَلَا يُكَال. وَقيل: معنى قَوْله: {مِن كُلِّ شَىْءٍ مَّوْزُونٍ} أَنه المقَدّر الْمَعْلُوم وزنُه وقدرُه عِنْد الله تَعَالَى. وَقَالَ أَبُو مَالك: يُقَال: عَدَنَتْ إبلُ فلَان بمَكَان كَذَا وَكَذَا أَي صَلحَتْ بذلك الْمَكَان. وعَدَنَتْ مَعِدَته على كَذَا وَكَذَا أَي صَلحَتْ. وَقَالَ اللَّيْث: المَعْدِن مَكَان كل شَيْء يكون فِيهِ أَصله ومُبتدؤه؛ نَحْو مَعْدن الذَّهَب وَالْفِضَّة والأشياء. وَيُقَال: فلَان مَعدِن للخير وَالْكَرم إِذا جُبِل عَلَيْهِمَا. قَالَ: والعَدْن: إِقَامَة الْإِبِل فِي الحَمْض خاصَّةً. وَقَالَ أَبُو زيد: عَدَنَت الإبِلُ فِي الحَمْض تَعْدِن عُدُوناً إِذا استمرأت المكانَ ونَمَتْ عَلَيْهِ، وَلَا تَعْدِن إِلَّا فِي الحَمْض.
وَقَالَ أَبُو مَالك: يكون فِي كل شَيْء. أَبُو عبيد: العَدَّان: الزَّمَان، وَأنْشد بَيت الفرزدق:(2/129)
أَتَبْكِي على عِلْجٍ بمَيْسَان كافِرٍ
ككِسْرَى على عِدَّانِهِ أَو كقَيْصَرَا
يُخَاطب مِسْكينا الدارميّ لمّا رثى زياداً، وفيهَا يَقُول الْبَيْت:
أَقُول لَهُ لمّا أَتَانِي نَعِيُّهُ
بِهِ لَا بِظَبْيٍ فِي الصرائم أعْفَرَا
وَقَالَ أَبُو عَمْرو فِي قَوْله:
وَلَا على عَدَّان مُلك محتَضَر
أَي على زَمَانه وإبّانه. قلت: وَسمعت أعرابيًّا من بني سعدٍ بالأحساء يَقُول: كَانَ أَمر كَذَا وَكَذَا على عِدّان ابْن بورٍ، وَابْن بور كَانَ والياً بِالْبَحْرَيْنِ قبل اسْتِيلَاء القرامطة أبادهم الله عَلَيْهَا. يُرِيد: كَانَ ذَلِك أَيَّام ولَايَته عَلَيْهَا. وَقَالَ الفرّاء: كَانَ ذَلِك على عِدَّان فِرْعون. قلت: من جعل عِدَّان فِعلاَناً فَهُوَ من العَدّ والعِدَاد. وَمن جعله فِعلالاً فَهُوَ من عَدَن. وَالْأَقْرَب عِنْدِي أَنه من العَدّ؛ لِأَنَّهُ جُعِل بِمَعْنى الْوَقْت. والعَيْدان من النّخل مَا طَال وأمَّا العَدَان بِفَتْح الْعين فَإِن الفرّاء حكى عَن المفضّل أَنه قَالَ: العَدَان: سبع سِنِين. يُقَال: مكثنا فِي غلاء السّعر عَدَانَيْنِ، وهما أَربع عشرَة سنة، الْوَاحِد عَدَانٌ. وَهُوَ سبع سِنِين. وأمَّا قَول لبيد:
وَلَقَد يعلم صحبي كلهم
بعَدَان السِيف صَبري وَنَقَلْ
فَإِن شمراً رَوَاهُ بِعَدَان السِيف. وَقَالَ: عَدَان: مَوضِع على سِيف الْبَحْر. وَرَوَاهُ أَبُو الْهَيْثَم بِعِدان السَّيْف بِكَسْر الْعين. قَالَ: ويروى بَعَدَانِي السَّيْف. وَقَالَ: أرادُوا: جمع العَدِينة فقلبوا وَالْأَصْل بعَدَائن السَّيْف فأخّر الْيَاء، وَقَالَ عَدَانِي. وروى أَبُو عُمَر عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: عَدان النَّهر بِفَتْح الْعين: ضَفّته، وَكَذَلِكَ عِبْره ومِعبَره وبِرْغيله. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: العَدَانة: الْجَمَاعَة من النَّاس، وَجمعه عَدَانات. وَأنْشد:
بَني مَالكٍ لدَّ الحُضَينُ وراءكم
رجَالًا عَدَاناتٍ وخَيْلاً أكاسِما
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: رجال عَدانَات: مقيمون. وَقَالَ: رَوْضَة أُكْسُوم إِذا كَانَت ملتفّةً بِكَثْرَة النَّبَات. أَبُو عبيد عَن الفرّاء: عَدّنتُ بِهِ الأرضَ ووَجَنْتُ بِهِ الأَرْض ومَرّنتُ بِهِ الأَرْض إِذا ضربْتَ بِهِ الأَرْض. عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: العَدِين: عُرًى مُنَقَّشة تكون فِي أَطْرَاف عُرَى المزادة، واحدتها عَدِينة. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: العَدِينة: رقْعَة منقَّشَة تكون فِي عُرْوَة المَزَادة. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الغَرْبُ يُعَدَّن إِذا صغُر الأدِيم وَأَرَادُوا توفيره زادوا لَهُ عَدِينَة أَي زادوا فِي نَاحيَة مِنْهُ رُقعة، والخُفُّ يُعَدَّن: يُزَاد فِي مؤخّر السَّاق مِنْهُ زِيَادَة حَتَّى يتّسع. قَالَ: وكل رقْعَة تزاد فِي الغَرْب فَهِيَ عَدِينَة، وَهِي كالبَنِيقة فِي الْقَمِيص. وَأنْشد:
والغَرْبَ ذَا العَدِينة الموَعَّبَا
والموعّب: الموسَّعُ الموَفّر. وَقَالَ أَبُو سعيد فِي قَول المخبَّل:
خَوَامِس تنشقّ الْعَصَا عَن رؤوسها
كَمَا صَدَع الصخر الثِقالَ المُعَدِّنُ
قَالَ: المُعَدِّن: الَّذِي يُخرِج من المعدِن(2/130)
الصخر ثمَّ يكسِّرها يَبْتَغِي فِيهَا الذَّهَب. وعَدَّنَ الشاربُ إِذا امْتَلَأَ، مثل أَوَّنَ وعَدَّلَ. وعَدَنُ أبْيَن: بلد على سِيف الْبَحْر فِي أقْصَى بِلَاد الْيمن.
عِنْد: قَالَ الله جلّ وعزّ: {عَتِيدٌ أَلْقِيَا فِى جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} (ق: 24) قَالَ قَتَادَة: العنيد: المُعرِض عَن طَاعَة الله تَعَالَى. وَقَالَ الزّجاج: عَنَدَ أَي عَنَدَ عَن الحقّ. ورُوِي عَن ابْن عَبَّاس أَنه سُئِلَ عَن الْمُسْتَحَاضَة فَقَالَ: إِنَّه عِرْقٌ عانِد أَو رَكْضة من الشَّيْطَان. قَالَ أَبُو عبيد: العِرْق العانِد: الَّذِي عَنَدَ وبَغَى؛ كالإنسان يُعَانِد، فَهَذَا العِرْق فِي كَثْرَة مَا يخرج مِنْهُ بِمَنْزِلَتِهِ، وَأنْشد لِلرَّاعِي:
وَنحن تركنَا بالفُعَالِيِّ طَعنَة
لَهَا عَانِد فَوق الذراعين مُسْبِلُ
وَقَالَ شمر: العَانِد: الَّذِي لَا يَرْقأَ. قَالَ: وَأَصله من عُنود الْإِنْسَان إِذا بَغَى وعَنَدَ عَن الْقَصْد. وَأنْشد:
ومَجَّ كل عانِدٍ نَعُورِ
أَبُو عبيد: عَنَدَ العِرْق وأَعْنَدَ إِذا سَالَ. وَقَالَ الكِسائي: عَنَدَت الطعنةُ تَعْنُدُ وتَعْنِد إِذا سَالَ دَمهَا بَعيدا من صَاحبهَا، وَهِي طعنة عانِدة. قَالَ: وعَنَدَ الدمُ يَعْنِدُ إِذا سَالَ فِي جَانب. رَوَاهُ ثَعْلَب عَن سَلمَة عَن الفرّاء أَن الْكسَائي قَالَه. أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي: عَنَدَ فلَان عَن الطَّرِيق يَعْنِدُ عُنُوداً إِذا تبَاعد. وَيُقَال: فلَان يعانِد فلَانا أَي يفعل مثل فعله، وَهُوَ يُعَارضهُ ويباريه. قَالَ: والعامّة يفسّرُونه: يعانِدُه: يفعل خلاف فعله. قَالَ: وَلَا أعرف ذَلِك وَلَا أُثبته، وَأنْشد:
وَقد يحبّ كلُّ شَيْء وَلَدَهْ
حَتَّى الحُبَارَى وتَدِفُّ عَنَدَهْ
أَي مُعَارضَة للْوَلَد. قلت: تعارِضه شَفَقَة عَلَيْهِ. شمر عَن أبي عدنان عَن الْأَصْمَعِي: يُقَال عَانَدَ فلَان فلَانا إِذا جانَبَه. ودمٌ عَانِد: يسيل جَانِباً. قلت أَنا: المُعَانِد هُوَ المعارِض بِالْخِلَافِ لَا بالوفاق. وَهَذَا الَّذِي يعرفهُ العوامّ. وَقد يكون العِنَاد مُعَارضَة بِغَيْر الْخلاف؛ كَمَا قَالَ الْأَصْمَعِي. واستخرجه من عَنَدِ الحُبَارَى جعله اسْما من عانَد الحُبَارَى فَرخَهُ إِذا عَارضه فِي الطيران أوَّلَ مَا ينْهض كَأَنَّهُ يعلّمه الطيران شفَقة عَلَيْهِ. وَقَالَ اللَّيْث: عَنَدَ الرجل يَعْنِد عُنُوداً وعَاندَ مُعَانَدَةً، وَهُوَ أَن يعرف الشيءَ ويأبى أَن يقبله؛ ككفر أبي طَالب، كَانَ كفره مُعَانَدَة؛ لِأَنَّهُ عرَف وأقرّ وأنِف أَن يُقَال: تبع ابْن أَخِيه، فَصَارَ بذلك كَافِرًا.
وأمَّا العَنِيد فَهُوَ من التجبّر، يُقَال: جبّار عَنِيد. قَالَ: والعَنُود من الْإِبِل الَّذِي لَا يخالطها، إِنَّمَا هُوَ فِي نَاحيَة أبدا. وروى شمر بإسنادٍ لَهُ رَفَع الحَدِيث فِيهِ إِلَى عمر أَنه وصف نَفسه بالسياسة فَقَالَ: إِنِّي أَنْهز اللَفُوت وأضُمّ العَنُود وأُلْحِق القَطُوف وأزجُر العرُوض. قَالَ: العَنُود: الَّتِي تُعَانِد عَن الْإِبِل تطلب خِيَار المَرْتَع تتأنَّف، وَبَعض الْإِبِل يرتع مَا وجَد. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي وَأَبُو نصر: هِيَ الَّتِي تكون فِي طَائِفَة الْإِبِل أَي فِي ناحيتها. وَقَالَ القيسيُّ: العَنُود من الْإِبِل: الَّتِي تعانِد(2/131)
الْإِبِل فتعارضها. قَالَ: فَإِذا قادتهن قُدُماً أمامهنّ فَتلك السلوف. أَبُو عُمَر عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: أعنَدَ الرجل إِذا عَارض إنْسَانا بالخِلاف، وأَعْنَدَ إِذا عَارض بالاتّفاق. قَالَ: وَمِنْه قَوْله: حَتَّى الحُبَارَى ويُحبّ عَندَه أَي اعتراضه. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: عَنَدَ الرجل عَن أَصْحَابه يعنِد عُنوداً إِذا مَا تَركهم واجتاز عَلَيْهِم، وعَنَدَ عَنْهُم إِذا مَا تَركهم فِي سَفَرٍ وَأخذ فِي غير طريقهم أَو تخلَّف عَنْهُم. والعُنُود كَأَنَّهُ الْخلاف والتباعد والتَرك لَو رَأَيْت رجلا بِالْبَصْرَةِ من أهل الْحجاز لَقلت: شَدَّ مَا عَنَدْت من قَوْمك أَي تَبَاعَدت عَنْهُم. وسحابةٌ عَنُود: كَثِيرَة الْمَطَر. وَجمعه عُنُدٌ وَقَالَ الرَّاعِي:
دِعْصاً أرذَّ عَلَيْهِ فُرَّقٌ عُنُدٌ
وقدح عَنُود وَهُوَ الَّذِي يخرج فائزاً على غير وجهة سَائِر القِدَاح. وَيُقَال: استعنَدني فلَان من بَين الْقَوْم أَي قَصَدَني. وعَانَد، البعيرُ خِطامه أَي عَارَضَه. أَبُو عبيد عَن أبي زيد: مَالِي عَن ذَلِك الْأَمر عُنْدَدٌ وَلَا مُعْلَنْدَدٌ، أَي مَالِي مِنْهُ بُدّ. وَكَذَلِكَ قَالَ ابْن الْأَعرَابِي. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: العَنْدُدُ: الحِيلة. أَبُو عبيد عَن أبي زيد: أعنَدَ الرجل فِي قَيْئه إعناداً إِذا أتبع بعضَه بَعْضًا. وَقَالَ اللَّيْث: عِنْدَ: حرفُ صفةٍ يكون موضعا لغيره، وَلَفظه نصبٌ؛ لِأَنَّهُ ظَرْف لغيره وَهُوَ فِي التَّقْرِيب شِبه اللِزْق. وَلَا يكَاد يَجِيء فِي الْكَلَام إِلَّا مَنْصُوبًا؛ لِأَنَّهُ لَا يكون إِلَّا صفة مَعْمُولا فِيهَا أَو مضمراً فِيهَا فِعلٌ، إلاّ فِي حرف وَاحِد. وَذَلِكَ أَن يَقُول الْقَائِل لشَيْء بِلَا عِلم: هَذَا عِندي كَذَا وَكَذَا، فَيُقَال: أوَلك عِندٌ فيُرفع.
وَزَعَمُوا أَنه فِي هَذَا الْموضع يُرَاد بِهِ الْقلب وَمَا فِيهِ من مَعْقُول اللبّ. قلت: وَأَرْجُو أَن يكون مَا قَالَه اللَّيْث فِي تَفْسِير (عِنْد) قَرِيبا مِمَّا قَالَه النحويون. الفرّاء: الْعَرَب تَأمر من الصِّفَات بعليك وعندك ودونك وَإِلَيْك. يَقُولُونَ: إِلَيْك إِلَيْك عَنّي يُرِيدُونَ: تأخّر، كَمَا يَقُولُونَ: وَرَاءَك وَرَاءَك. فَهَذِهِ الْحُرُوف كَثِيرَة. وَزعم الكسائيّ أَنه سمع: البعيرَ بَيْنكُمَا فخذاه، فنصب الْبَعِير. وَأَجَازَ ذَلِك فِي كل الصِّفَات الَّتِي تفرد. وَلم يجزه فِي اللَّام وَلَا الْبَاء وَلَا الْكَاف. وَسمع الْكسَائي الْعَرَب تَقول: كَمَا أنْتِني يُرِيد: انتظرني فِي مَكَانك. أَبُو زيد يُقَال: إنّ تَحت طِرِّيقتك لعِنْدَاوَة. والطِّرِّيقة: اللين والسكون. والعِنْدَاوَة: الجفْوة وَالْمَكْر. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: مَعْنَاهُ: إِن تَحت سكونك لنَزْوةً وطِماحاً. وَقَالَ غَيره: العِنداوة الالتواء والعَسَرُ. وَقَالَ: هُوَ من العَدَاء. وهمزه بَعضهم فَجعل النُّون والهمزة زائدتين، على بِنَاء فِنْعَلْوَة. وَقَالَ غَيره: عِنْدَأْوة فِعْلَلْوَة.
دنع: اللَّيْث: رجلٌ دَنيعة من قوم دَنَائع. وَهُوَ الفَسْل الَّذِي لَا لُبّ لَهُ وَلَا عقل: وَأنْشد شمر لبَعْضهِم:
فَلهُ هُنَالك لَا عَلَيْهِ إِذا
دَنِعَتْ أنوفُ الْقَوْم للتّعْسِ
يَقُول لَهُ الْفضل فِي هَذَا الزَّمَان لَا عَلَيْهِ إِذا دُعِي على الْقَوْم. ودَنِعَتْ أَي دَقّت(2/132)
ْ ولَؤُمَتْ. وَرَوَاهُ ابْن الْأَعرَابِي وَإِن رَغِمَتْ. ابْن شُمَيْل: دَنِعَ الصَّبِي إِذا جُهِدَ وجاع واشتهى. وَقَالَ ابْن بزرج: دَنِع وَرَثِع إِذا طمِعَ.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الدنيع: الخسيس.
نَدع: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: أندَعَ الرجل إِذا تبع أَخْلَاق اللئام والأنذال. قَالَ: وأدنع إِذا تبع طَريقَة الصَّالِحين.
دعن: قَرَأت بِخَط أبي الْهَيْثَم فِي تَفْسِير شعر ابْن مقبل لأبي عَمْرو: يُقَال: أُدعِنت الناقةُ وأُدعِن الْجمل إِذا أطيل ركُوبه حَتَّى يهْلك، رَوَاهُ بِالدَّال وَالنُّون. وَقد أهمل اللّيث وشمر دعن.
(بَاب الْعين وَالدَّال مَعَ الْفَاء)
(ع د ف)
عدف، عفد، فدع، دفع: مستعملة.
عدف: أَبُو عبيد: العَدْف: الْأكل. قَالَ: وَقَالَ الْأَحْمَر: مَا ذقت عَدُوفاً وَلَا عَلُوساً وَلَا أَلُوساً. وَقَالَ أَبُو حسّان: سَمِعت أَبَا عَمْرو الشَّيْبَانِيّ يَقُول: مَا ذقت عَدوفاً وَلَا عَدُوفَة. قَالَ: وَكنت عِنْد يزِيد بن مَزْيَدْ الشَّيْبَانِيّ فَأَنْشَدته بَيت قيس بن زُهَيْر:
ومُجَنَّبات مَا يَذُقْن عَدُوفة
يَقْذفن المُهُرات والأمهارِ
بِالدَّال، فَقَالَ لي يزِيد من مَزْيَد: صحَّفتَ يَا أَبَا عَمْرو. وَإِنَّمَا هِيَ عَذوفة بِالذَّالِ. قَالَ: فَقلت لَهُ: لم أصحِّف أَنا وَلَا أَنْت. تَقول رَبيعة هَذَا الْحَرْف بِالذَّالِ، وَسَائِر الْعَرَب بِالدَّال. أَبُو عبيد عَن أبي زيد: العِدْفَة: مَا بَين الْعشْرَة إِلَى الْخمسين وَجَمعهَا عِدَفٌ. قَالَ شمر: وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي مثله، قَالَ: والعَدَف: القَذَى.
وَقَالَ اللَّيْث: العَدُوف: الذَوَاق الْيَسِير من العَلَف. قَالَ: والعِدْفة كالصَّنِفَة من قِطْعَة ثوبٍ. وعِذْفَة كل شَجَرَة: أَصْلهَا الذَّاهِب فِي الأَرْض، وَجَمعهَا عِدَفٌ.
وَأنْشد:
حَمَّال أثقالِ دِيَاتِ الثَأَى
عَن عِدَف الأصْل وكُرَّامِهَا
قَالَ: وَيُقَال: بل هُوَ عَن عَدَف الأَصْل جمع عَدَفَة أَي يلمّ مَا تفرّق مِنْهُ.
وَيُقَال: عَدَفَ لَهُ عِدْفَةً من مَاله إِذا قطع لَهُ قِطعة من مَاله. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العَدَف والعائر والغُضَابُ: أَذَى الْعين. وَقَالَ ابْن السّكيت: العَدْفُ الأَكْل يُقَال مَا ذَاق عَدْفاً. والعَدَفُ القَذَى.
عفد: أهمله اللَّيْث. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الاعتفاد: أَن يُغلق الرجل الْبَاب على نَفسه، فَلَا يَسأل أحدا حَتَّى يَمُوت جوعا.
وَأنْشد:
وقائلةٍ ذَا زمَان اعتفادْ
ومَن ذَاك يَبْقى على الاعتفَادْ
وَقد اعْتَفَدَ يَعْتَفِدُ اعتِفاداً.
وَقَالَ شمر: قَالَ مُحَمَّد بن أنس: كَانُوا إِذا اشتدّ بهم الْجُوع وخافوا أَن يموتوا أغلقوا عَلَيْهِم بَابا، وَجعلُوا حَظِيرة من شَجَرَة يدْخلُونَ فِيهَا ليموتوا جوعا. قَالَ: وَلَقي رجل جَارِيَة تبْكي فَقَالَ لَهَا: مَالك؟ قلت: نُرِيد أَن نَعْتَفِد. قَالَ: وَقَالَ النظّار بن هَاشم الأسَديّ:(2/133)
صاحَ بهم على اعتِفَادٍ زمانْ
مُعْتَفِدٌ قَطّاع بينِ الأقرانْ
قَالَ شمر: وَوَجَدته فِي (كتاب ابْن بزرج) : اعْتقد الرجل بِالْقَافِ وآطم وَذَلِكَ أَن يغلق عَلَيْهِ بَابا إِذا احْتَاجَ حَتَّى يَمُوت. قَالَ: وَوَجَدته فِي (كتاب أبي خَيرة) : عَفَدَ الرجل وَهُوَ يَعْفِد. وَذَلِكَ إِذا صفّ رجلَيْهِ فَوَثَبَ من غير عَدْوٍ.
دفع: قَالَ اللَّيْث: الدَفْع مَعْرُوف. يَقُول: دفع الله عَنْك الْمَكْرُوه دَفْعاً، ودافع عَنْك دِفاعاً. قَالَ والدَفْعَة: انْتِهَاء جمَاعَة قوم إِلَى مَوضِع بمرّة. والدُّفْعَة مَا دَفَعْتَ من سِقَاء أَو إِنَاء فانصبَّ بمرَّةٍ. وَقَالَ الْأَعْشَى:
وسَافَتْ من دَمٍ دُفَعَا
وَكَذَلِكَ دُفَع الْمَطَر ونحوِه. قَالَ: والدُفَّاع: طَحْمة الموج والسيل. وَأنْشد قَوْله:
جَوَاد يَفيض على المعتَفِين
كَمَا فاضَ يَمٌّ بُدُفَّاعِهِ
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الدوافع: أسافل المِيث حَيْثُ تَدْفَعُ فِي الأودية، أسفلُ كل مَيْثاء دافِعَة.
وَقَالَ اللَّيْث: الدَافِعَة: التَلْعَة تَدفَع فِي تلعَة أُخْرَى من مسايل المَاء إِذا جرى فِي صَبب وحدور من حَدَبٍ، فترى لَهُ فِي مَوَاضِع قد انبسط شَيْئا أَو اسْتَدَارَ ثمَّ دفع فِي أُخْرَى أَسْفَل مِنْهُ، فكلّ وَاحِد من ذَلِك دَافِعَة. والجميع الدَوَافِع. قَالَ: ومَجْرَى مَا بَين الدافعتين مِذْنَبٌ. وَقَالَ غَيره: المَدَافِع: المجاري والمسايل. وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي:
شِيبِ الْمُبَارك مدروسٌ مَدَافِعُهُ
هَابي المراغِ قليلِ الوَدْق مَوْظُوبِ
قَالَ شمر قَالَ أَبُو عدنان: المدروس: الَّذِي لَيْسَ فِي مَدْفِعِه آثَار السَّيْل من جدوبته. والموظوب: الَّذِي قد وُظِبَ على أكله أَي ديم عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو سعيد: مدروس مَدَافِعُهُ: مَأْكُول مافي أوديته من النَّبَات. هابي المراغِ: ثائرٌ غُبَاره. شِيبٌ: بيضٌ.
وَقَالَ اللَّيْث: الاندفاع: المضيّ فِي الأَرْض كَائِنا مَا كَانَ. وَقَالَ فِي قَول الشَّاعِر:
أَيهَا الصُلصُل المُغِذُّ إِلَى المَدْ
فَعِ من نهر مَعقلٍ فالمذَارِ
أَرَادَ بالمَدْفَع اسْم موضعٍ. قَالَ: والمُدَفَّع: الرجل المحقور الَّذِي لَا يُقْرَى إِن ضاف، وَلَا يُجْدَى إِن اجتدى. وَيُقَال: فلَان سيّد قومه غير مُدَافَعٍ أَي غير مزاحَمٍ فِي ذَلِك وَلَا مَدْفُوع عَنهُ. وَيُقَال: هَذَا طَرِيق يدْفع إِلَى مَكَان كَذَا أَي يَنْتَهِي إِلَيْهِ. ودُفِعَ فلَان إِلَى فُلان أَي انْتهى إِلَيْهِ.
وَيُقَال غشيتْنا سَحَابَة فدفَعْناها إِلَى بني فلَان أَي انصرفت عَنَّا إِلَيْهِم. والدافع: النَّاقة الَّتِي تَدْفع اللبَنَ على رَأس وَلَدهَا، إِنَّمَا يكثر اللَّبن فِي ضَرْعها حِين تُرِيدُ أَن تصنع. وَكَذَا الشَّاة المِدفاع. والمصدر الدَفْعة.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: قوم يجْعَلُونَ المفْكِه والدافع سَوَاء. يَقُولُونَ: هِيَ دَافِع بِولد،(2/134)
وَإِن شِئْت قلت: هِيَ دافِع بِلَبن، وَإِن شِئْت قلت: هِيَ دافِع بضَرْعها، وَإِن شِئْت قلت: هِيَ دافِع وتسكت. وَأنْشد:
ودافِع قد دَفَعَتْ للنَّتْجِ
قد مَخضَتْ مَخَاض خَيْل نُتْجِ
وَقَالَ النَّضر: يُقَال دفعت بلبنها وباللبن إِذا كَانَ وَلَدهَا فِي بَطنهَا، فَإِذا نُتِجت فَلَا يُقَال: دَفَعَتْ. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الدُفَّاع: الْكثير من النَّاس وَمن السّير وَمن جَرْي الْفرس إِذا تدافع جَرْيُه. وفرسٌ دَفَّاعٌ.
وَقَالَ ابْن أَحْمَر:
إِذا صَلِيتُ بَدفَّاع لَهُ زَجَلٌ
يُوَاضِخُ الشَدَّ والتقريب والخَبَبَا
ويروى بدُفَّاعٍ يُرِيد الْفرس المتدافِع فِي جريه.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: بعيرٌ مُدَفَّعٌ: كالمُقْرم الَّذِي يودَّع للفِحْلة فَلَا يُرْكَبُ وَلَا يُحْمَل عَلَيْهِ.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: هُوَ الَّذِي إِذا أُتِي بِهِ ليحمل عَلَيْهِ. قيل: ادْفَعْ هَذَا أَي دَعْه إبْقَاء عَلَيْهِ.
وَأنْشد غَيره لذِي الرمّة:
وَقَرَّبْنَ للأظعان كل مُدَفَّعِ
قَالَ: وَيُقَال: جَاءَ دُفَّاع من الرِّجَال وَالنِّسَاء إِذا ازدحموا فَركب بعضهُم بَعْضًا. أَبُو زيد: يُقَال دَافَع الرجلُ أمرَ كَذَا وَكَذَا إِذا أولع بِهِ وانهمك فِيهِ. وَيُقَال دَافَع فلَان فلَانا فِي حَاجته إِذا ماطله فِيهَا فَلم يقضها.
وَفِي (كتاب شمر) قَالَ أَبُو عَمْرو: المَدَافِع: مجاري المَاء.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: مَدْفَع الْوَادي: حَيْثُ يدْفع السَّيْل وَهُوَ أَسْفَله حَيْثُ يتفرّق مَاؤُهُ.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الدوَافِع: مَدَافِع المَاء إِلَى المِيث، والميث تدفع إِلَى الْوَادي الْأَعْظَم.
فدع: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الأفدع: الَّذِي يمشي على ظهر قَدَمَيْهِ.
أَبُو نصر عَن الْأَصْمَعِي: هُوَ الَّذِي ارْتَفع أَخْمَص رجله ارتفاعاً لَو وطىء صاحبُها على عصفورٍ مَا آذاه قَالَ: وَفِي رجله قَسَطٌ وَهُوَ أَن تكون الرِجل ملساء الْأَسْفَل كَأَنَّهَا مَالَجٌ.
وَقَالَ اللَّيْث: الفَدَعُ: مَيْل فِي المفاصل كلّها، كَأَن المفاصل قد زَالَت عَن موَاضعهَا، وَأكْثر مَا يكون فِي الأرساغ. قَالَ: وكلّ ظلِيم أفدَع؛ لِأَن فِي أَصَابِعه اعوجاجاً.
وَقَالَ رؤبة:
عَن ضَعفِ أطنابٍ وسمْكٍ أَفْدَعَا
فَجعل السّمْك المائل أَفْدَع. وَأنْشد شمر لأبي زُبَيد:
مُقَابَل الخَطْوِ فِي أَرْسَاغِهِ فَدَعُ
قَالَ: وأنشدني أَبُو عدنان:
يومٌ من النَثْرة أَو فَدْعَائِهَا
يُخْرِج نَفْسَ العَنْزِ من وَجْعَائِهَا
قَالَ: يَعْنِي بفدعائها: الذِّرَاع تُخرج نَفْس العَنْز من شدّة القُرِّ.
قَالَ ابْن شُمَيْل: الفَدَعُ فِي الْيَد: أنْ ترَاهُ يطَأ على أم قِردَانِهِ فيشخص صدر خُفه،(2/135)
جملٌ أفَدع وناقةٌ فَدْعاء. وَلَا يكون الفدع إِلَّا فِي الرُسْغ جُسْأة فِيهِ.
وَقَالَ غَيره: الفَدَع: أَن يصطك كعباه ويتباعد قدماه يَمِينا وشِمالاً.
قلت: أصل الفَدَع الْميل والعَوَج، فكيفما مَالَتْ الرِجْل فقد فَدِعَتْ.
(بَاب الْعين وَالدَّال مَعَ الْبَاء)
(ع د ب)
عبد، عدب، دعب، بعد، بدع: مستعملة.
عبد: أَبُو عبيد عَن الفرّاء: مَا عَبَّد أَن فعل ذَاك وَمَا عَتَّم وَمَا كذّب مَعْنَاهُ كُله: مالبَّث. قَالَ: وَيُقَال امتَلّ يعدو، وانكدر يعدُو، وعَبّدَ يَعدُو إِذا أسْرع بعض الْإِسْرَاع.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {يَكْتُبُونَ قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَانِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} (الزّخرُف: 81) .
قَالَ اللَّيْث: العَبَد: الأنفُ والحمِيَّة من قَول ليُستحيا مِنْهُ ويُستنكف. قَالَ: وَقَوله: {وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ} أَي الآنفين من هَذَا القَوْل. قَالَ: ويُقرأ: (فَأَنا أول العَبدِين) مَقْصُور من عَبِدَ يَعْبَدُ فَهُوَ عَبِد. قَالَ: وَبَعض الْمُفَسّرين يَقُول: {وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ} أَي كَمَا أَنه لَيْسَ للرحمان ولد أَنا لست بِأول من عبد الله.
قلت: وَهَذِه آيَة مشكلة. وَأَنا ذَاكر أقاويل السّلف فِيهَا، ثمَّ مُتبعها بِالَّذِي قَالَ أهل اللُّغَة وأُخبِر بأصَحِّها عِنْدِي وَالله الْمُوفق.
فَأَما القَوْل الَّذِي ذكره اللَّيْث أوّلاً فَهُوَ قَول أبي عُبَيْدَة، على أَنِّي مَا عَلِمتُ أحدا قَرَأَ: (فَأَنا أول العَبِدِين) وَلَو قرىء مَقْصُورا كَانَ مَا قَالَه أَبُو عُبَيْدَة مُحْتملا. وإذْ لم يقْرَأ بِهِ قارىء مشهورٌ لم يُعبَأ بِهِ.
وَالْقَوْل الثَّانِي: مَا رُوِيَ عَن ابْن عُيَيْنَة أَنه سُئِلَ عَن هَذِه الْآيَة فَقَالَ: مَعْنَاهُ: {قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَانِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ} (الزّخرُف: 81) ، يَقُول: فَكَمَا أَنِّي لستُ أوّل من عَبَدَ الله فَكَذَلِك لَيْسَ لله ولد. وَهَذَا القَوْل يُقَارب مَا قَالَه اللَّيْث آخِراً، وأضافه إِلَى بعض الْمُفَسّرين.
وَقَالَ السُّدي: قَالَ الله تَعَالَى لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قل لَهُم: إِن كَانَ على الشَّرْط للرحمان ولد كَمَا تَقولُونَ لَكُنْت أوّل من يطيعه ويعبده.
وَقَالَ الْكَلْبِيّ: إِن كَانَ مَا كَانَ.
وَقَالَ الحسَنُ وَقَتَادَة: إِن كَانَ للرحمان ولد على معنى مَا كَانَ فَأَنا أول العابدين: أوّلُ من عَبَدَ الله من هَذِه الأمّة.
وَقَالَ الْكسَائي: قَالَ بَعضهم: إِن كَانَ أَي مَا كَانَ للرحمان ولد فَأَنا أول العابدين: الآنفين، رجلٌ عَابِد وعَبِدٌ وآنِف وأنِفٌ.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي فِي قَوْله: {وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ} (الزّخرُف: 81) أَي الغِضاب الآنفين وَيُقَال: فَأَنا أول الجاحدين لِمَا تَقولُونَ. وَيُقَال: أَنا أول من يعبده على الوحدانية مخالَفةً لكم.
وَرُوِيَ عَن عليّ أَنه قَالَ: عَبِدتُ فصَمَتُّ أَي أنِفْتُ فسَكَتُّ.
وَقَالَ ابْن الأنباريّ: مَعْنَاهُ: مَا كَانَ للرحمان ولد وَالْوَقْف على الْوَلَد، ثمَّ(2/136)
يبتدىء: فَأَنا أول العابدين لَهُ، على أَنه لَا ولد لَهُ. وَالْوَقْف على (العابدين) تامّ.
قلت: قد ذكرتُ أقاويل مَن قدّمنا ذكرهم، وَفِيه قَول أحسن من جَمِيع مَا قَالُوا وأَسْوغ فِي اللُّغَة، وَأبْعد من الاستكراه وأسرع إِلَى الْفَهم.
رَوَى عبد الرازق عَن مَعْمَر عَن ابْن أبي نَجِيح عَن مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: {يَكْتُبُونَ قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَانِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} (الزّخرُف: 81) يَقُول: إِن كَانَ لله ولد فِي قَوْلكُم فَأَنا أول من عَبَدَ الله وَحده وكذّبكم بِمَا تَقولُونَ.
قلت: وَهَذَا وَاضح. وممّا يزِيدهُ وضوحاً أَن الله جلّ وعزّ قَالَ لنبيّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قل يَا مُحَمَّد للْكفَّار إِن كَانَ للرحمان ولد فِي زعمكم فَأَنا أول العابدين إلهَ الْخلق أَجْمَعِينَ الَّذِي لم يلد وَلم يُولد، وأولّ الموحِّدين للرب الخاضعين المطيعين لَهُ وَحده؛ لِأَن من عَبَدَ الله واعترف بِأَنَّهُ معبوده وَحده لَا شريك لَهُ فقد دَفَعَ أَن يكون لَهُ ولد. وَالْمعْنَى: إِن كَانَ للرحمان ولد فِي دعواكم فَالله جلّ وعزّ وَاحِد لَا شريك لَهُ، وَهُوَ معبودي الَّذِي لَا ولد لَهُ وَلَا وَالِد.
قلت: وَإِلَى هَذَا ذهب إِبْرَاهِيم بن السَرِيّ وَجَمَاعَة من ذَوي الْمعرفَة، وَهُوَ القَوْل الَّذِي لَا يجوز عِنْدِي غَيره.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَىَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِى إِسْرَاءِيلَ} (الشُّعراء: 22) الْآيَة. قلت: وَهَذِه الْآيَة تقارِب الَّتِي فسّرنا آنِفا فِي الْإِشْكَال، وَنَذْكُر مَا قيل فِيهَا ونخبر بالأصحّ الأوضح ممَّا قيل.
أَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْعَبَّاس أَنه قَالَ: قَالَ الْأَخْفَش فِي قَوْله: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَىَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِى إِسْرَاءِيلَ} قَالَ: يُقَال: إِن هَذَا استفهامٌ، كَأَنَّهُ قَالَ: أوَ تِلْكَ نعْمَة تمنُّها عليّ ثمَّ فَسَّر فَقَالَ: أَن عَبّدت بني إِسْرَائِيل فَجعله بَدَلا من النِّعْمَة.
قَالَ أَبُو العبّاس: وَهَذَا غلط؛ لَا يجوز أَن يكون الِاسْتِفْهَام يُلْقى وَهُوَ يُطْلَبُ، فَيكون الِاسْتِفْهَام كالخبر. وَقد استُقبح وَمَعَهُ (أم) وَهِي دَلِيل على الِاسْتِفْهَام. استقبحوا قَول امرىء الْقَيْس:
تروح من الحَيّ أم تَبْتَكِرْ
قَالَ بَعضهم: هُوَ أتروح من الحيّ أم تبتكر فَحذف الِاسْتِفْهَام أوّلاً وَاكْتفى بِأم. وَقَالَ أَكْثَرهم: بل الأول خبر وَالثَّانِي اسْتِفْهَام. فأمَّا وَلَيْسَ مَعَه (أم) لم يقلهُ إِنْسَان.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: وَقَالَ الفرّاء: وَتلك نعْمَة تمنها عليّ، لِأَنَّهُ قَالَ: وَأَنت من الْكَافرين لنعمتي أَي لنعمة تربيتي لَك، فَأَجَابَهُ فَقَالَ: نعم هِيَ نعْمَة عليّ أَن عَبَّدت بني إِسْرَائِيل وَلم تستعبدني. يُقَال: عَبَّدَتُ العَبِيد وأعبدتهم أَي صيّرتُهم عبيدا، فَيكون مَوضِع (أَن) رفعا وَيكون نصبا وخفضاً. من رَفَع ردّها على النِّعْمَة، كَأَنَّهُ قَالَ: وَتلك نعْمَة تعبيدك بني إِسْرَائِيل ولَمْ تُعَبِّدْني. وَمن خفض أَو نصب أضمر اللَّام. قلت: وَالنّصب أحسن الْوُجُوه، الْمَعْنى: أَن فِرْعَوْن لمّا قَالَ لمُوسَى: {قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ} (الشُّعَرَاء: 18) فاعتَدّ فرعونُ على(2/137)
مُوسَى بِأَن ربّاه وليداً مُنْذُ وُلِد إِلَى أَن كَبِر، فَكَانَ من جَوَاب مُوسَى لَهُ: تِلْكَ نعْمَة تَعتدّ بهَا عليّ لِأَنَّك عَبّدتَ بني إِسْرَائِيل وَلَو لم تُعبْدهم لكفَلني أَهلِي وَلم يُلْقوني فِي اليمّ، فَإِنَّمَا صَارَت نعْمَة لِمَا أقدمت عَلَيْهِ ممَّا حظره الله عَلَيْك.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الزجّاج: المفسّرون أخرجُوا هَذِه على جِهَة الْإِنْكَار أَن تكون تِلْكَ نعْمَة، كَأَنَّهُ قَالَ: وأيّ نعْمَة لَك عليّ فِي أَن عَبَّدت بني إِسْرَائِيل وَاللَّفْظ لفظ خبر. قَالَ: وَالْمعْنَى يخرج على مَا قَالُوا على أَن لَفظه لفظ الْخَبَر. وَفِيه تبكيتٌ للمخاطَب كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ هَذِه نعْمَة أَن اتخذتَ بني إِسْرَائِيل عَبيداً، على جِهَة التهكّم بفرعون. وَاللَّفْظ يُوجب أَن مُوسَى قَالَ لَهُ: هَذِه نعْمَة لِأَنَّك اتَّخذت بني إِسْرَائِيل عبيدا وَلم تتخذني عَبداً، وَقَالَ الشَّاعِر فِي أعبَدت الرجل بِمَعْنى عَبَّدته:
علام يُعْبِدُني قومِي وَقد كثرت
فيهم أباعِر مَا شَاءُوا وعُبْدانُ
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: المُعَبَّد: المُذَلَّل. والمُعَبّد: الْبَعِير الجَرِبُ. وَأنْشد لَطَرفة:
وأفردت إِفْرَاد الْبَعِير المعُبَّدِ
قَالَ والمُعَبَّد: المكرَّم فِي بَيت حَاتِم حَيْثُ يَقُول:
تَقول أَلا تُبقي عَلَيْك فإنني
أرى المَال عِنْد الممسكين مُعَبَّدَا
أَي مُعَظَّماً مخدُوماً. قَالَ: وَأَخْبرنِي الحرّاني عَن ابْن السّكيت: يُقَال اسْتَعْبَده وعَبَّدَه أَي أَخذه عَبْداً وَأنْشد قَول رؤبة:
يَرْضَوْنَ بالتعبيد والتأمِيّ
قَالَ: وَيُقَال: تَعَبَّدت فلَانا أَي اتّخذته عَبداً، مثل عَبَّدته سَوَاء. وَتَأَمَّيْتُ فلانةَ أَي اتخذتها أَمَةً.
وَقَالَ الفرّاء: يُقَال: فلَان عَبْدٌ بَيِّنُ العُبُودة والعُبُودِيَّة والعَبْدِيّة. وتَعَبَّد الله العَبْد بِالطَّاعَةِ أَي استعبده.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذالِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} (الْمَائِدَة: 60) قَرَأَ أَبُو جَعْفَر وشَيْبَة ونافِع وعاصِم وَأَبُو عَمْرو وَالْكسَائِيّ: و {وُوِوَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} .
قَالَ الفرّاء: هُوَ مَعْطُوف على قَوْله وَجعل مِنْهُم القِردَة والخنازير وَمن عَبَدَ الطاغوت.
وَقَالَ الزّجاج: قَوْله {وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} نَسَقٌ على {مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ} الْمَعْنى: من لَعنه الله وَمن عبد الطاغوت. قَالَ وَتَأْويل {وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} أَي أطاعه يَعْنِي الشَّيْطَان فِيمَا سوّل لَهُ وأغواه. قَالَ: والطاغوت هُوَ الشَّيْطَان.
قَالَ فِي قَول الله تَعَالَى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} (الفَاتِحَة: 5) : إياك نطيع الطَّاعَة الَّتِي نخضع مَعهَا.
قَالَ: وَمعنى الْعِبَادَة فِي اللُّغَة: الطَّاعَة مَعَ الخضوع. وَيُقَال طريقٌ مُعَبَّدٌ إِذا كَانَ مذلَّلاً بِكَثْرَة الْوَطْء، وبعيرٌ مُعَبَّد إِذا كَانَ مَطْليًّا بالقَطِران. وَقَرَأَ: (وعَبُدَ الطاغوتِ)(2/138)
يحيى بن وَثّابٍ وَالْأَعْمَش وَحَمْزَة.
قَالَ الفرّاء: وَلَا أعلم لَهُ وَجها إِلَّا أَن يكون عَبُدَ بِمَنْزِلَة حذُر وعَجُل.
وَقَالَ نُصَير الرازيّ: (عَبُدٌ) وَهمٌ ممَّن قَرَأَهُ، ولسنا نَعْرِف ذَلِك فِي العربيَّة.
ورُوي عَن النَّخعِيّ أَنه قَرَأَ: (وعُبُدَ الطاغوتِ) وَذكر الفرّاء أَن أُبَيَّاً وَعبد الله قرءا (وعبدوا الطاغوت) .
ورُوي عَن بَعضهم أَنه قَرَأَ: (وعُبَّاد الطاغوت) وَبَعْضهمْ (وعَابِدَ الطاغوت) .
ورُوي عَن ابْن عَبَّاس: (وعُبِّدَ الطاغوت) .
ورُوي عَنهُ أَيْضا: (وعُبَّدَ الطاغوت) .
قلت: وَالْقِرَاءَة الجيّدة الَّتِي لَا يجوز عندنَا غَيرهَا هِيَ قِرَاءَة العامّة الَّتِي بهَا قَرَأَ القُرّاء المشهّرون. {وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} (الْمَائِدَة: 60) على التَّفْسِير الَّذِي بيّنته من قَول حُذَّاق النَّحْوِيين.
قلت: وَأما قَول أَوْس بن حجر:
أبَنِي لبيني أَن أُمَّكُمُ
أَمَةٌ وَإِن أَبَاكُم عَبُدُ
فَإِنَّهُ أَرَادَ: وَإِن أَبَاكُم عَبْد فثقَّله للضَّرُورَة، فَقَالَ: عَبُدُ.
وَقَالَ اللَّيْث: العَبد: الْمَمْلُوك. وجماعتهم: العَبِيد، وهم العِبَاد أَيْضا؛ إلاَّ أنّ العامّة اجْتَمعُوا على تَفْرِقَة مَا بَين عباد الله والمَماليك، فَقَالُوا: هَذَا عَبْد من عباد الله، وَهَؤُلَاء عبيد مماليك.
قَالَ: وَلَا يُقَال: عَبَدَ يَعْبُدُ عِبَادَةً إلاّ لمن يَعْبُدُ الله. وَمن عَبَدَ مِن دونه إِلَهًا فَهُوَ من الخاسرين.
قَالَ: وَأما عَبْدٌ خَدَمَ مَوْلَاهُ فَلَا يُقَال: عَبَدَه.
قَالَ اللَّيْث: وَمن قَرَأَ: (وَعَبُدَ الطاغوتُ) فَمَعْنَاه صَار الطاغوتُ يُعْبَد، كَمَا يُقَال: فَقُهَ الرجل وظَرُفَ. قلت: غَلِط اللَّيْث فِي الْقِرَاءَة وَالتَّفْسِير. مَا قَرَأَ أحد من قُرَّاء الْأَمْصَار وَغَيرهم (وَعَبُدَ الطاغوتُ) بِرَفْع الطاغوت، إِنَّمَا قَرَأَ حَمْزَة: (وَعَبُدَ الطاغوتِ) وَهِي مهجورة أَيْضا.
قَالَ اللَّيْث: وَيُقَال للْمُشْرِكين: هم عَبَدَة الطاغوتِ. وَيُقَال للْمُسلمين: عِبَاد الله يَعْبُدُون الله. وَذكر اللَّيْث أَيْضا قِرَاءَة أُخْرَى مَا قَرَأَ بهَا أحد وَهِي (وعابدو الطاغوت) جمَاعَة.
وَكَانَ ح قَلِيل الْمعرفَة بالقراءات. وَكَانَ نَوْلُه ألاّ يَحْكِي الْقرَاءَات الشاذَّة، وَهُوَ لَا يحفظها القارىء قَرَأَ بهَا وَهَذَا دَلِيل على أَن إِضَافَته كِتَابه إِلَى الْخَلِيل بن أَحْمد غير صَحِيح، لِأَن الْخَلِيل كَانَ أَعقل وَأَوْرَع من أَن يسمِّى مثل هَذِه الْحُرُوف قراءات فِي الْقُرْآن، وَلَا تكون مَحْفُوظَة لقارىء مَشْهُور من قُرّاء الْأَمْصَار وَدَلِيل على أَن اللَّيْث كَانَ مغفَّلاً ونسأل الله التَّوْفِيق للصَّوَاب.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال أعبَدني فلَان فلَانا أَي ملّكني إيّاه.
قلت: وَالْمَعْرُوف عِنْد أهل اللُّغَة: أعبَدت فلَانا أَي استعبدته. وَلست أنكر جَوَاز مَا ذكره اللَّيْث إِن صحَّ لثقة من الْأَئِمَّة، فَإِن السماع فِي اللُّغَات أولى بِنَا من القَوْل بالحَدْس والظنّ وابتداع قياسات لَا تستمرّ(2/139)
وَلَا تطّرد.
وَقَالَ اللَّيْث: العِبِدَّى: جمَاعَة العَبيد الَّذين وُلِدُوا فِي العُبُودَة، تعبيدةً ابنَ تعبيدة، أَي فِي العُبُودة إِلَى آبَائِهِ.
قلت: هَذَا غَلَط. يُقَال: هَؤُلَاءِ عِبِدَّى الله أَي عِبَادُه.
وَفِي الحَدِيث الَّذِي جَاءَ فِي الاسْتِسْقَاء: (وَهَذِه عِبِدّاك بِفناء حَرَمك) .
قَالَ اللَّيْث: والعبادِيد: الْخَيل إِذا تفرّقتْ فِي ذهابها ومجيئها، وَلَا تقع إِلَّا على جمَاعَة: لَا يُقَال للْوَاحِد عِبْدِيد.
قَالَ وَيُقَال فِي بعض اللُّغَات: عبابيد، وَأنْشد:
وَالْقَوْم آتوك بَهزٌ دون إِخْوَتهم
كالسيل يركب أَطْرَاف العبَابِيد
قَالَ: وَهِي الْأَطْرَاف الْبَعِيدَة، والأشياء المتفرقة. وهم عَباديد أَيْضا.
قلت: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: العبابيد: الطُرُق الْمُخْتَلفَة.
ورَوَى أَبُو طَالب عَن أَبِيه عَن الفرّاء أَنه قَالَ: العَبَاديد والشماطِيط لَا يُفْرد لَهُ وَاحِد.
قَالَ: وَقَالَ غَيره: وَلَا يُتكلم بهما فِي الإقبال، إِنَّمَا يتَكَلَّم بهما فِي التَّفَرُّق والذهاب.
قَالَ: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال صَارُوا عَبابِيد وعَبَادِيد أَي متفرّقين.
وَقَول الله جلّ وعزّ: {وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ} (الْمُؤْمِنُونَ: 47) أَي دائنون، وكل من دَان لملكٍ فَهُوَ عَابد لَهُ.
وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: فلَان عَابِد وَهُوَ الخاضع لربّه المستسلم لقضائه المنقاد لأَمره. وَقَوله {اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ} (الْبَقَرَة: 21) أَي أطِيعُوا ربّكم. وَقيل فِي قَوْله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} (الْفَاتِحَة: 5) : إيّاك نوحِّد، وَالْعَابِد الموحِّد. وَالدَّرَاهِم العَبْديَّة كَانَت دَرَاهِم أفضل من هَذِه الدَّرَاهِم وَأكْثر وزنا. وَأما بَيت بشر:
مُعَبَّدةُ السقائف ذَات دُسْرٍ
مُضَبَّرةٌ جوانبها رَداحُ
فَإِن أَبَا عُبَيْدَة قَالَ: المعَبَّدة: المطليَّة بالشحم أَو الدُهْن أَو القار. وَقيل مُعَبَّدة: مُقَيرة. وَقَالَ شمر: يُقَال للعبيد مَعْبَدَة. وَأنْشد للفرزدق:
وَمَا كَانَت فُقَيم حَيْثُ كَانَت
بِيَثْرِب غيرَ مَعْبَدَة قُعُودِ
قلت: وَمثل معبَدة جمع العبْد مشيْخة جمع الشَّيْخ، ومسْيفة جمع السَّيْف. أَبُو عبيد عَن أبي زيد: أعبَدَ الْقَوْم بالرجُل إِذا ضربوه، وَقد أُعْبِدَ بِهِ إِذا ذهبتْ رَاحِلَته، وَكَذَلِكَ أُبْدِعَ بِهِ. أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: نَاقَة ذَات عَبَدَة أَي لَهَا قوّة شَدِيدَة. وَقَالَ شمر: العَبَدَة الْبَقَاء يُقَال مَا لثوبك عَبَدَة أَي بَقَاء سُمِّي عَلْقمة بن عَبَدَة وَقَالَ أَبُو دوادٍ الإياديُ:
إنْ تُبتذل تُبتذل من جندلٍ خِرسٍ
صَلاَبةٍ ذَات أَسدارٍ لَهَا عَبَدَه
وَقيل أَرَادَ بالعَبَدَة: الشدّة. وَقَالَ شمر: يُجمع العَبْدُ عَبيداً ومَعْبُودَاء وعِبِدَّى ومَعْبَدَة وعُبْدَاناً وعِبْدَاناً وَأنْشد:(2/140)
تركت العِبدّى يَنْقُرون عجانَهَا
وَقَالَ اللحياني: عَبَدت الله عِبَادَةً ومَعْبَداً والمُعَبَّدُ: الطَّرِيق الموطوء فِي قَوْله:
وَظيفاً وظيفاً فَوق مَوْرٍ مُعَبَّدِ
وَأنْشد شمر:
وَبَلد نائي الصُوَى مُعَبَّد
قطعتُه بذاتِ لَوْثٍ جَلْعَدِ
قَالَ: أنشدنيه أَبُو عدنان وَذكر أَن الكلابيّة أنشدته وَقَالَت: المُعَبَّد: الَّذِي لَيْسَ فِيهِ أثَر وَلَا عَلم وَلَا مَاء. وَقَالَ شمر: المُعَبَّدُ من الْإِبِل: الَّذِي قد عُمَّ جِلدُه كلّه بالقَطران من الجَرَب. وَيُقَال: المُعَبَّدُ: الأجرب الَّذِي قد تساقط وَبَره فأُفرد عَن الْإِبِل ليُهْنَأَ. وَيُقَال: هُوَ الَّذِي عَبَّده الجَرَب أَي ذَلّلَهُ. وَقَالَ ابْن مقبل:
وضَمَّنتُ أرسانَ الْجِيَاد مُعَبَّداً
إِذا مَا ضربنا رَأسه لَا يُرَنَّحُ
قَالَ: والمعَبَّد هَهُنَا الوتِد وَيُقَال أنوم من عَبّود. قَالَ الْمفضل بن سَلمَة: كَانَ عبود عبدا أسود حطاباً فَغَبَر فِي محتطبه أسبوعاً لم ينم ثمَّ انْصَرف وَبَقِي أسبوعاً نَائِما فَضرب بِهِ الْمثل وَقيل: نَام نوم عبّود وَقَالَ أَبُو عدنان: سَمِعت الكلابيّين يَقُولُونَ: بعيرٌ مُتَعَبِّدٌ ومُتَأَبِّد إِذا امْتنع على النَّاس صعوبةً فَصَارَ كآبِدة الوَحْش. قَالَ وَيُقَال: عَبِدَ فلَان: إِذا ندِم على شَيْء يفوتهُ وَيَلُوم نَفسه على تَقْصِير كَانَ مِنْهُ. وَقَالَ النَّضر: العَبَدُ طول الْغَضَب. وَقَالَ أَبُو عبيد قَالَ الفرّاء: عَبِدَ عَلَيْهِ وأحِن عَلَيْهِ وأمِد وأبِد أَي غضِب. وَقَالَ الغَنَوِيّ: العَبَدُ: الحزَنُ والوَجْد. وَقيل فِي قَول الفرزدق:
أُولَئِكَ قوم إِن هجوني هجوتهم
وأعْبَدُ أَن أهجو كُلَيباً بدَارِمِ
أعْبَدُ: أَي آنف. وَقَالَ ابْن أَحْمَر يصف الغَوّاص:
فأرسَل نَفسه عَبَداً عَلَيْهَا
وَكَانَ بِنَفسِهِ أرِباً ضَنِينَا
قيل: معنى قَوْله: عَبَداً أَي أنَفَاً. يَقُول: أنِفَ أَن تفوته الدُرَّة. وَقَالَ شمر: قيل للبعير إِذا هُنِىءَ بالقَطِران: مُعَبَّدٌ لِأَنَّهُ يتذلَّل لشهوته للقطران وَغَيره، فَلَا يمْتَنع. والتعبُّد: التذلّل. قَالَ: والمعَبَّد: المذلَّل. يُقَال: هُوَ الَّذِي يُتركُ وَلَا يُركبُ. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال: ذهب الْقَوْم عَبَادِيد وعَبَابِيد إِذا ذَهَبُوا متفرّقين، وَلَا يُقَال: أَقبلُوا عَبَادِيد. قَالَ: والعَبَادِيد: الآكام. وَقَالَ الزّجاج فِي قَول الله جلّ وعزّ: {الْمُؤْمِنِينَ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ} (الذّاريَات: 56) الْآيَة، الْمَعْنى: مَا خلقتهمْ إلاّ لأدعوهم إِلَى عبادتي وَأَنا مُرِيد العِبَادَة مِنْهُم، وَقد علم الله قبل أَن يخلقهم من يَعْبُدُه ممّن يكفر بِهِ، وَلَو كَانَ خلقهمْ ليُجبرهم على عِبَادَته لكانوا كلهم عُبَّاداً مُؤمنين. قلت: وَهَذَا قَول أهل السنّة وَالْجَمَاعَة. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: المعَابد: المسَاحِي والمُرُور، وَاحِدهَا مِعْبَدٌ. قَالَ عَدِيّ بن زيد العِبَاديّ:
إِذْ يَحْرُثْنَه بالمَعَابِدِ
وَقَالَ أَبُو نصر: المعَابد: العَبيد. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العَبْدُ: نَبَات طيّب الرَّائِحَة. وَأنْشد:(2/141)
حَرَّقها العَبد بعنظوانِ
فاليومُ مِنْهَا يومُ أَرْوَنانِ
قَالَ: والعَبْد تَكْلَف بِهِ الإبلُ؛ لِأَنَّهُ مَلْبَنَة مَسْمَنة، وَهُوَ حادٌّ المِزَاج، إِذا رعته الْإِبِل عطشت فطلبت المَاء، وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن سَلَمة عَن الفرّاء: يُقَال صُكّ بِهِ فِي أم عُبَيد، وَهِي الفَلاَة وَهِي الرّقّاصَة. قَالَ: وَقلت للقَنَاني: مَا عُبَيد؟ فَقَالَ: ابْن الفلاة. وَأنْشد قَول النَّابِغَة:
مُنَدَّى عُبَيدان المحلِّىء باقِرَهْ
قَالَ: يَعْنِي بِهِ الفَلاَة. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: عُبَيْدان: اسْم وَادي الحَيّة، وَذكر قصَّتها وَاسْتشْهدَ عَلَيْهَا بِشعر النَّابِغَة. والعِبَاد: قوم من أفناء الْعَرَب، نزلُوا بالحِيرة وَكَانُوا نَصَارَى، مِنْهُم عَدِيّ بن زيد العِبَاديّ. وَقد سَمَّت الْعَرَب عَبَّاداً وعُبَادة وعُبَاداً وعَبِيداً وعَبيدة وعَبَدَة ومَعْبَداً وعُبَيْداً وعابداً وعَبْدان وعُبَيْدان تَصْغِير عَبدان.
عدب: أهمله اللَّيْث وَهُوَ مَعْرُوف. روى أَبُو عبيد عَن أبي عُبَيْدَة والأصمعي أَنَّهُمَا قَالَا: العَداب: مُسْتَرق الرمل حَيْثُ يذهب مُعْظمها وَيبقى شَيْء مِنْهَا. وَأنْشد:
وأقفر المُودِس من عَدَابها
يَعْنِي الأَرْض الَّتِي قد أنبتت أول نبت ثمَّ أَيسَرت.
وَقَالَ ابْن أَحْمَر:
كثَور العَداب الفَرد يضْربهُ الندَى
تعَلّى الندى فِي مَتْنه وتحدّرا
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: العَدُوبُ: الرمل الْكثير. والعَدابُ: مَا استَرَقّ من الرمل. شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العُدَبيّ من الرِّجَال: الْكَرِيم الأخلاقِ. وَقَالَ كَثير:
سَرَت مَا سَرَت من لَيْلهَا ثمَّ عَرَّسَتْ
إِلَى عُدَبيَ ذِي غَناء وَذي فَضْلِ
وَقَالَ الرياشي فِي العُدبيّ مثله. وَهُوَ حرف صَحِيح غَرِيب.
بدع: قَالَ الله جلّ وعزّ: {الرَّحِيمُ قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ الرُّسُلِ وَمَآ أَدْرِى مَا يُفْعَلُ بِى وَلاَ بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَىَّ وَمَآ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} (الْأَحْقَاف: 9) الْآيَة. أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن الحَرّاني عَن ابْن السّكيت قَالَ: البِدْعة: كلّ مُحْدَثة. وَيُقَال: سِقَاء بَدِيع أَي جَدِيد. وَكَذَلِكَ زِمام بديع. وأفادني المنذريّ لأبي عُمَر الدُوريّ عَن الْكسَائي أَنه قَالَ: البِدْع فِي الشرّ وَالْخَيْر. وَقد بَدُعَ بَدَاعَةً وبُدُوعاً. ورجلٌ بِدْع وَامْرَأَة بِدْعَةٌ إِذا كَانَ غَايَة فِي كل شَيْء، كَانَ عَالما أَو شريفاً أَو شجاعاً. وَقد بُدِعَ الْأَمر بَدْعاً وبَدَعُوهُ وابتَدَعُوه. وَرجل بِدْع ورجالٌ أَبْدَاع ونساءٌ بدعٌ وأبْداع شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي: البِدْع من الرِّجَال الغُمْر قَالَ أَبُو عدنان: المبتدع الَّذِي يَأْتِي أمرا على شِبْه لم يكن ابتدأه إيّاه قلت: وَمعنى قَول الله تَعَالَى: {الرَّحِيمُ قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ الرُّسُلِ وَمَآ أَدْرِى مَا يُفْعَلُ بِى وَلاَ بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَىَّ وَمَآ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} أَي مَا كنتُ أول مَنْ أرسِل، قد أرسِل قبلي رُسُلٌ كثير.
وَفِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (إِن تِهامة كبَديع العسَل: حلُوٌ أوّله، حُلوٌ آخِره) . البَديع: السِقَاء الْجَدِيد والزِقّ الْجَدِيد. وشبّه تهَامَة بزِقّ العَسَل لِأَنَّهُ لَا يتغيّر هواؤها، فأوله وَآخره طيب، وَكَذَلِكَ العَسَل لَا يتَغَيَّر. وأمّا اللَّبن فَإِنَّهُ يتغيّر. وتهامة فِي فُصُول السّنة كلِّها طيِّبة عَذاةٌ،(2/142)
ولياليها أطيب اللَّيَالِي، لَا تؤذِي بحَرَ مُفرِط وَلَا قُرَ مؤذٍ. وَمِنْه قَول امْرَأَة من الْعَرَب وصفتْ زَوجهَا فَقَالَ: زَوجي كليلِ تهَامَة، لَا حَرّ وَلَا قُرّ وَلَا مَخَافَة وَلَا سآمة. وَقَول الله جلّ وعزّ: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضِ} (البَقَرة: 117) أَي خالقهما. وبَديعٌ من أَسمَاء الله وَهُوَ البَديع الأوَّل قبل كل شَيْء. وَيجوز أَن يكون من بَدَعَ الخَلْقَ أَي بدأه. وَيجوز أَن يكون بِمَعْنى مُبْدع.
وَقَالَ الزّجاج: بديع السَّمَاوَات وَالْأَرْض منشئهما على غير حِذَاء وَلَا مِثَال. وكلّ مَن أنشأ مَا لم يسبَق إِلَيْهِ قيل لَهُ: أَبْدَعْتَ. وَلِهَذَا قيل لمن خَالف السّنة: مُبْتَدِع. لِأَنَّهُ أحدث فِي الْإِسْلَام مَا لم يسْبقهُ إِلَيْهِ السَّلَف.
ورُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بإسنادٍ صَحِيح أَنه قَالَ: (إيَّاكم ومُحْدَثَات الْأُمُور، فَإِن كل مُحْدَثة بِدْعة، وكل بِدعَة ضَلَالَة) .
قلت: وَقَول الله تَعَالَى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضِ} بِمَعْنى مُبْدعهما؛ إِلَّا أَن (بديع) مِن بَدَع لَا مِن أَبْدَعَ. وَأَبْدَعَ أَكثر فِي الْكَلَام من بَدَعَ وَلَو استُعمل بَدَعَ لم يكن خطأ، فبَدِيع فَعِيل بِمَعْنى فَاعِل مثل قدير بِمَعْنى قَادر. وَهُوَ صفة من صِفَات الله؛ لِأَنَّهُ بَدَأَ الْخلق على مَا أَرَادَ على غير مثالٍ تَقَدّمه.
والبَديع من الحِبال: الَّذِي ابتدىء فَتْله، وَلم يكن حبْلاً فنكِث ثمَّ غُزِلَ وأعيد فتله. وَمِنْه قَول الشماخ:
وأُدْمج دَمْج ذِي شَطَنٍ بَدِيعِ
وَأنْشد الأعرابيّ فِي السّقاء:
نَضْحَ البَدِيعِ الصَفَق المُصَفَّرا
يَعْنِي المزاد الْجَدِيد الَّذِي يسرّب أول مَا يسقَى فِيهِ فَيخرج مَاؤُهُ أصفر، وَهُوَ الصَّفَق.
قلت: والبَديع بِمَعْنى السِّقاء أَو الحبْل فعِيل بِمَعْنى مفعول.
ورَوَى عبد الله بن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن رجلا أَتَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُول الله إنّي قد أُبْدِعَ بِي فَاحْمِلْنِي.
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة يُقَال للرجل إِذا كَلَّتْ رِكَابه أَو عَطِبتْ وَبَقِي مُنْقَطِعًا بِهِ: قد أُبدِع بِهِ.
قَالَ: وَقَالَ الْكسَائي مثله، وَزَاد فِيهِ: أبدَعَتِ الركابُ إِذا كَلَّتْ وعَطِبَتْ.
وَقَالَ بعض الْأَعْرَاب: لَا يكون الإبداع إلاّ بظَلْعٍ، يُقَال أبدَعَتْ بِهِ رَاحِلَته إِذا ظَلَعتْ.
قَالَ أَبُو عبيد: وَلَيْسَ هَذَا باخْتلَاف، وَبَعضه شَبيه ببعضٍ.
وَقَالَ اللحياني: يُقَال أَبْدَعَ فلَان بفلان إِذا قَطَعَ بِهِ وخَذَله وَلم يقم بحاجته وَلم يكن عِنْد ظنّه بِهِ.
وَقَالَ أَبُو سعيد: أُبْدِعَتْ حُجَّة فلَان أَي أُبْطِلَتْ، وَأَبْدَعَتْ حجّته أَي بَطَلَتْ.
وَقَالَ غَيره: أَبْدَعَ بِرُّ فلَان بشكري وأبدَع فَضله وإيجابه بوصفي إِذا شكره على إحسانه إِلَيْهِ، واعترف بِأَن شكره لَا يَفِي بإحسانه.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: بَدِعَ يَبْدَعُ فَهُوَ بَدِيعٌ إِذا سَمِنَ.(2/143)
وَأنْشد لبَشِير بن النِكْث أحد الرُجَّاز:
فبَدِعَتْ أَرْنَبُهُ وخِرْنُقُهْ
أَي سمِنتْ
وَقال اللَّيْث: قرىء: (بديعَ السَّمَوَات وَالْأَرْض) (الْبَقَرَة: 117) بِالنّصب على وَجه التَّعَجُّب لِمَا قَالَ الْمُشْركُونَ، على معنى بدْعاً مَا قُلْتُمْ وبديعاً اخترقتم، فنصبه على التعجّب وَالله أعلم أهوَ كَذَلِك أم لَا. فأمّا قِرَاءَة الْعَامَّة فالرفع، وَيَقُولُونَ: هُوَ اسْم من أَسمَاء الله.
قلت مَا علمت أحدا من القرّاء قَرَأَ: (بديعَ) بِالنّصب، والتعجُّبُ فِيهِ غير جَائِز. وَإِن جَاءَ مثله فِي الْكَلَام فنصبه على الْمَدْح كَأَنَّهُ قَالَ اذكر بديع السَّمَاوَات شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي: البِدْع من الرِّجَال الغُمْرُ.
بعد: قَالَ اللَّيْث: بَعْدُ كلمة دالّة على الشَّيْء الْأَخير. تَقول: بعدَ هَذَا، منصوبٌ. فَإِذا قلت: أمَّا بعدُ فَإنَّك لَا تضيفه إِلَى شَيْء، وَلَكِنَّك تَجْعَلهُ غَايَة نقيضاً لقَبْل.
قَالَ الله تَعَالَى: {بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الاَْمْرُ مِن قَبْلُ} (الرُّوم: 4) فرفعهما لِأَنَّهُمَا غايةٌ مقصودٌ إِلَيْهَا، فَإِذا لم يَكُونَا غَايَة فهما نَصْبٌ لِأَنَّهُمَا صفة.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: قَالُوا: قَبل وَبَعد من الأضداد.
وَقَالَ فِي قَول الله تَعَالَى: {ضُحَاهَا وَالاَْرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} (النَّازعات: 30) أَي قبل ذَلِك. قلت وَالَّذِي حَكَاهُ أَبُو حَاتِم عمَّن قَالَه خطأ، قبل وبعدُ كلّ وَاحِد مِنْهُمَا نقيض صَاحبه، فَلَا يكون أَحدهمَا بِمَعْنى الآخر، وَهُوَ كَلَام فَاسد.
وأمَّا قَول الله جلّ وعزّ: {ضُحَاهَا وَالاَْرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} (النَّازعات: 30) فَإِن السَّائِل يَسأل عَنهُ فَيَقُول: كَيفَ قَالَ: {وَالاَْرْضَ بَعْدَ} وَالْأَرْض أُنشىء خَلْقها قبل السَّمَاء، وَالدَّلِيل على ذَلِك قَول الله تَعَالَى: {مَمْنُونٍ قُلْ أَءِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِى خَلَقَ الاَْرْضَ فِى يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ} (فُصّلَت: 9) فلمَّا فرغ من ذكر الأَرْض وَمَا خَلَق فِيهَا قَالَ الله: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَآءِ} (فصلت: 11) وثُمَّ لَا يكون إِلَّا بَعد الأول الَّذِي ذُكِر قبله. وَلم يخْتَلف المفسّرون أَن خَلْق الأَرْض سَبَق خَلق السَّمَاء.
وَالْجَوَاب فِيمَا سَأَلَ عَنهُ السَّائِل أَن الدَحْوَ غيرُ الْخلق، وإنَّما هُوَ البَسْط، والخَلق هُوَ الْإِنْشَاء الأوَّل. فَالله جلّ وعزّ خلق الأَرْض أوَلاً غير مَدْحُوَّة. ثمَّ خلق السَّمَاء، ثمَّ دَحا الأَرْض أَي بَسَطها.
والآيات فِيهَا مؤتلِفة وَلَا تنَاقض بِحَمْد الله فِيهَا عِنْد من يفهمها. وَإِنَّمَا أُتِيَ الملحِد الطاعن فِيمَا شاكلها من الْآيَات من جِهَة غباوته وغِلظ فهمه، وقلَّة علمه بِكَلَام الْعَرَب.
وَقَالَ الفرّاء فِي قَوْله جلّ وعزّ: {بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الاَْمْرُ مِن قَبْلُ} (الرُّوم: 4) الْقِرَاءَة بِالرَّفْع بِلَا نونٍ لِأَنَّهُمَا فِي الْمَعْنى يُرَاد بهما الْإِضَافَة إِلَى شَيْء لَا محَالة، فَلَمَّا أدّتا عَن معنى مَا أضيفتا إِلَيْهِ وسُميتَا بِالرَّفْع، وهما فِي مَوضِع جرّ ليَكُون الرّفْع دَلِيلا على مَا سقط. وَكَذَلِكَ مَا أشبههما؛(2/144)
كَقَوْلِه:
إِن تأت من تَحت أجئها من علو
وَقَالَ الآخر:
إِذا أَنا لم أومن عَلَيْك وَلم يكن
لقاؤك إلاّ مِن وراءُ وراءُ
فَرفع إِذْ جعله غَايَة وَلم يذكر بَعدَه الَّذِي أضيف إِلَيْهِ.
قَالَ الفرّاء: وَإِن نَوَيْت أَن تُظهر مَا أضيف إِلَيْهِ وأظهرته فَقلت: لله الْأَمر من قبلِ وَمن بَعدِ جَازَ، كَأَنَّك أظهرت المخفوض الَّذِي أضفت إِلَيْهِ قَبْلَ وبَعد.
وَقَالَ اللَّيْث: البُعد على مَعْنيين: أَحدهمَا ضِدّ القُرب. تَقول مِنْهُ: بَعُدَ يَبْعُد بُعْداً فَهُوَ بَعيد. وَتقول: هَذِه الْقرْيَة بَعِيدٌ، وَهَذِه الْقرْيَة قريبٌ وَلَا يُرَاد بِهِ النعتُ، وَلَكِن يُرَاد بهما الِاسْم. وَالدَّلِيل على أَنَّهُمَا اسمان قَوْلك: قريبُه قريبٌ وبَعيده بَعيدٌ. قَالَ والبُعْدُ أَيْضا من اللعْن كَقَوْلِك: أَبْعَدَه الله أَي لَا يُرثَى لَهُ فِيمَا نَزَل بِهِ. وَكَذَلِكَ بُعْداً لَهُ وسُحْقاً. ونَصَب بُعْداً على الْمصدر وَلم يَجعله اسْما، وَتَمِيم ترفع فَتَقول: بُعْدٌ لَهُ وسُحْقٌ؛ كَقَوْلِك: غلامٌ لَهُ وفرسٌ.
وَقَالَ الفرّاء: الْعَرَب إِذا قَالَت: دَارك منّا بَعِيدٌ أَو قريبٌ، أَو قَالُوا: فُلَانَة منا قريبٌ أَو بَعِيدٌ ذكَّروا الْقَرِيب والبَعيد؛ لِأَن الْمَعْنى هِيَ فِي مَكَان قريب أَو بَعيد، فجُعل الْقَرِيب والبَعِيد خَلَفاً من الْمَكَان.
قَالَ الله جلّ وعزّ: {وَمَا هِى مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} (هُود: 83) وَقَالَ {عِندَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ} (الأحزَاب: 63) وَقَالَ {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} (الْأَعْرَاف: 56) قَالَ: وَلَو أُنِّثَتا وبُنِيتَا على بَعُدَت مِنْك فَهِيَ بعيدَة، وقرُبَت فَهِيَ قريبَة كَانَ صَوَابا. قَالَ: وَمن قَالَ قريبٌ وبعيدٌ وذكّرهما لم يُثَنِّ قَرِيبا وبعيداً، فَقَالَ: هما مِنْك قريبٌ وهما مِنْك بعيدٌ. قَالَ: ومَن أنثهما فَقَالَ: هِيَ مِنْك قريبَة وبعيدة ثنَّى وَجمع فَقَالَ: قريبات وبعيدات. وَأنْشد:
عَشِيَّةَ لَا عفراء مِنْك قريبَة
فتدنو وَلَا عفراء مِنْك بعيد
قَالَ: وَإِذا أردْت بالقريب والبعيد قَرَابة النّسَب أنّثت لَا غير، لم يخْتَلف الْعَرَب فِيهَا.
وَقَالَ الزجّاج فِي قَول الله جلّ وعزّ: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} : إِنَّمَا قيل: قريبٌ لِأَن الرَّحْمَة والغفران وَالْعَفو فِي معنى واحدٍ. وَكَذَلِكَ كلّ تَأْنِيث لَيْسَ بحقيقيّ.
قَالَ: وَقَالَ الْأَخْفَش: جَائِز أَن تكون الرَّحْمَة هَهُنَا بِمَعْنى المَطَر.
قَالَ: وَقَالَ بَعضهم يَعْنِي الفرّاء: هَذَا ذُكِّر ليفصل بَين الْقَرِيب من القُرْب والقريب من الْقَرَابَة. وَهَذَا غلط، كل مَا قَرُبَ فِي مَكَان أَو نسَبٍ فَهُوَ جارٍ على مَا يُصِيبهُ من التَّأْنِيث والتذكير.
وَقَوله جلّ وعزّ: {أَلاَ بُعْدًا لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ} (هُود: 95) قَرَأَ الكسائيّ وَالنَّاس: {كَمَا بَعِدَتْ} قَالَ وَكَانَ أَبُو عبد الرحمان السُلَمِيّ يقْرؤهَا: (بَعُدَتْ) ، يَجْعَل الْهَلَاك والبُعد سَوَاء، وهما قريبٌ من السوَاء؛ إلاّ(2/145)
أَن الْعَرَب بَعضهم يَقُول: بَعُدَ، وَبَعْضهمْ: بَعِدَ مثل سَحِقَ وسَحُق. وَمن النَّاس من يَقُول بَعُدَ فِي الْمَكَان وبَعِدَ فِي الْهَلَاك.
وَقَالَ يُونُس: الْعَرَب تَقول: بَعِدَ الرجل وبَعُدَ إِذا تَبَاعَدَ فِي غير سَبّ. وَيُقَال فِي السبّ: بَعِدَ وسَحِق لَا غير.
وَقَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {عَمًى أُوْلَائِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ} (فُصّلَت: 44) بعيد قَالَ: سَأَلُوا الردّ حِين لَا رَدّ. وَقَالَ مُجَاهِد: أَرَادَ: من مَكَان بعيد من قُلُوبهم. وَقَالَ بَعضهم: من مَكَان بعيد من الْآخِرَة إِلَى الدُّنْيَا. وَقَوله جلّ وعزّ: {مِن قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِن} (سبأ: 53) قَالَ: قَوْلهم: ساحِر، كاهِن، شاعِر. وَقَالَ الزجّاج فِي قَوْله جلّ وعزّ فِي سُورَة السَّجْدَة: {عَمًى أُوْلَائِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ} أَي بعيد من قُلُوبهم يَبعد عِنْدهم مَا يُتْلَى عَلَيْهِم. وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: هُوَ أبْعَدُ وأَبْعَدُون وَأقرب وأقربون وأباعد وأقارب. وَأنْشد:
من النَّاس من يغشى الأباعِدَ نفعُه
ويشقى بِهِ حَتَّى الْمَمَات أقارِبُهْ
فإنْ يَكُ خيرا فالبعيد يَنَالهُ
وإِنْ يَكُ شَرّاً فَابْن عمّك صَاحِبُهْ
وَقَالَ حُذّاق النَّحْوِيين: مَا كَانَ من أفعَل وفُعلَى فَإِنَّهُ تدخل فِيهِ الْألف وَاللَّام كَقَوْلِك: هُوَ الأَبْعَدُ والبُعْدَى وَالْأَقْرَب والقُرْبَى وَقَالَ ابْن شُمَيْل: قَالَ رجل لِابْنِهِ إنْ غَدوتَ على المِرْبَد ربِحْتَ عَناءً ورجعْتَ بِغَيْر أَبْعدَ أَي بِغَيْر مَنْفَعَة.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: مَا عنْدك أَبْعَد. وَإنَّك لَغَير أَبْعَدَ أَي مَا عِنْده طائل إِذا ذمّه. وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي إِنَّه لذُو بُعْدَة أَي ذُو رأيٍ وحَزْمٍ، وَإنَّك لغير أبعَد أَي لَا خير فِيك لَيْسَ لَك بُعْدُ مَذهبٍ وَقَالَ صَخْر الغيّ:
الموْعِد يُنَافِي أَن تُقَتِّلهم
أفناء فَهْم وبيننا بُعَدُ
أَي أفناء فهم ضروب مِنْهُم بُعَد جمع بُعْدة. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: أَتَانَا فلَان من بُعْدَة أَي من أَرض بعيدَة. وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي:
يَكْفِيك عِنْد الشّدة البئيسَا
ويعتلي ذَا البُعْدة النُحُوسا
ذَا البُعدَة: الَّذِي يُبعِد فِي المعاداة. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: رجل ذُو بُعْدة إِذا كَانَ نَافِذ الرَّأْي ذَا غَوْرٍ وَذَا بُعْدِ رَأْي. وَقَالَ النَّضر فِي قَوْلهم: هلك الْأَبْعَد قَالَ: يَعْنِي صاحبَه. وَهَكَذَا يُقَال إِذا كُنِيَ عَن اسْمه وَيُقَال للْمَرْأَة هَلَكت البُعْدَى. قلت: هَذَا مِثل قَوْلهم: فَلَا مرْحَبًا بالآخَر إِذا كنَى عَن صَاحبه وَهُوَ يذمّه. أَبُو عبيد عَن أبي زيد: لقِيته بُعَيْدات بَيْن إِذا لَقيته بعد حِين ثمَّ أَمْسَكت عَنهُ ثمَّ أَتَيْته. وَأنْشد شمر:
وَأَشعَث مُنَقَّد الْقَمِيص دَعوته
بُعَيْداتِ بَيْنٍ لَا هِدانٍ وَلَا نِكْسِ
وَقَالَ غَيره: إِنَّهَا لتضحك بُعَيْدات بينٍ أَي بَين المرّة ثمَّ المرّة فِي الحِين. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: هم مني غيرُ بَعَدٍ أَي لَيْسُوا بِبَعِيد. وانطلِقْ يَا فلَان غير بَاعِدٍ أَي لَا ذهبتَ(2/146)
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: تنحّ غير باعِدٍ أَي غير صاغرٍ، وتنحّ غير بعيد أَي كن قَرِيبا. وَقَول الذبياني:
فضلا على النَّاس فِي الْأَدْنَى وَفِي البَعَدِ
قَالَ أَبُو نصر: فِي الْقَرِيب والبعيد. قَالَ: وَالْعرب تَقول: هُوَ غير بَعَد أَي غير بعيد. وَرَوَاهُ ابْن الْأَعرَابِي: فِي الْأَدْنَى وَفِي البُعد قَالَ: بَعيدٌ وبُعُدٌ. وَقَالَ اللَّيْث: البِعاد يكون من المباعدة. وَيكون من اللعْن؛ كَقَوْلِك: أَبْعَدَه الله.
وَقَول الله جلّ وعزّ مخبرا عَن قوم سبأ: {ءَامِنِينَ فَقَالُواْ رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِى ذَلِكَ لاََيَاتٍ لِّكُلِّ} (سَبَإ: 19) . قَالَ الْفراء: قِرَاءَة العوامّ: (باعِدْ) . وَيقْرَأ على الْخَبَر: (ربُّنا باعَدَ) و (بَعَّدَ) . و (بَعِّدْ) جَزْمٌ. وقرىء (رَبَّنَا بَعُدَ بَيْنُ أسفارنا) و (بَيْنَ أسفارنا) قَالَ الزجّاج: من قَرَأَ (بَاعِدْ) و (بَعِّدْ) فمعناهما وَاحِد. وَهُوَ على جِهَة الْمَسْأَلَة. وَيكون الْمَعْنى: أَنهم سئموا الرَّاحَة وبطِروا النِّعْمَة، كَمَا قَالَ قوم مُوسَى: {فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ} (الْبَقَرَة: 61) الْآيَة. وَمن قَرَأَ؛ (بَعُدَ بَيْنُ أسفارنا) بِالرَّفْع فَالْمَعْنى بَعُدَ مَا يتَّصل بسفرنا. وَمن قَرَأَ: (بَعُدَ بَيْنَ أسفارنا) فَالْمَعْنى بَعُدَ مَا بَين أسفارنا وبَعُدَ سَيْرنا بَين أسفارنا قلت: قَرَأَ أَبُو عَمْرو وَابْن كثير: (بَعِّد) بِغَيْر ألفٍ. وروى هِشَام بن عمّار بِإِسْنَادِهِ عَن عبد الله بن عَامر: (بَعِّدْ) مثل أبي عَمْرو.
وَقَرَأَ يَعْقُوب الحضرميّ: (رَبُّنَا باعَدَ) بِالنّصب على الْخَبَر. وَقَرَأَ نَافِع وَعَاصِم وَالْكسَائِيّ وَحَمْزَة: (باعِد) بِالْألف على الدُعَاء.
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يُبعِد فِي المَذْهب مَعْنَاهُ: إمعانه فِي ذَهَابه إِلَى الْخَلَاء، وأبعَدَ فلَان فِي الأَرْض إِذا أمْعن فِيهَا. وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال للرجل: إِذا لم تكن من قُربان الْأَمِير فَكُن من بُعْدانِه، يَقُول: إِذا لم تكن مِمَّن يقترب مِنْهُ فتَبَاعَدْ عَنهُ لَا يُصِبْك شَرُّه. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: رَاوَدَ رجل من الْعَرَب أعرابيّة عَن نَفسهَا فَأَبت إلاّ أَن يَجْعَل لَهَا شَيْئا، فَجعل لَهَا دِرْهَمَيْنِ، فلمَّا خالطها جعلت تَقول: غمزاً ودرهماك لَك، فَإِن لم تغمز فبُعْدٌ لَك، رَفَعت البُعْدَ، يضْرب مثلا للرجل ترَاهُ يعْمل الْعَمَل الشَّديد.
دعب: رُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لجَابِر بن عبد الله وَقد تزوج: (أبِكراً تزوجتَ أم ثَيِّبًا؟) فَقَالَ: بل ثَيِّبًا. فَقَالَ: (فهَلاَّ بكرا تداعِبها وتداعبك) . قَالَ أَبُو عبيد: الدعَابة: المُزاح. قَالَ وَقَالَ: اليزيديّ: رجل دَعَّابة. وَبَعْضهمْ يَقُول رَجُلٌ دَعِبٌ. وَحكى شمر عَن ابْن شُمَيْل: يُقَال: تدعّبت عَلَيْهِ أَي تدلّلت، وَإنَّهُ لدَعِبٌ وَهُوَ الَّذِي يتمايل على النَّاس ويَرْكبهم بثَنِيَّته أَي بناحيته. وَإنَّهُ ليَتَدَاعَب على النَّاس أَي يركبهم بمُزَاحٍ وخُيَلاء ويغمّهم وَلَا يَسُبُّهم. وَإِنَّمَا الدَعِب: اللعَّابة.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال هُوَ يَدْعَبُ دَعْباً إِذا قَالَ قولا يُستملَح؛ كَمَا يُقَال: مزح يمزح. وَقَالَ الطرمَّاح:
واستطربَت ظُعْنُهُمْ لمّا احزألّ بهم
مَعَ الضُّحَى ناشِطٌ من داعِبَاتِ دِدِ(2/147)
يَعْنِي اللواتي يمزَحن ويلعبن ويُدَأَدِدْن بأصابعهنّ. والدَدُ هُوَ الضَّرْب بالأصابع فِي اللّعب. قَالَ: وَمِنْهُم مَن يروي هَذَا الْبَيْت: مِنْ دَاعِبٍ دَدِدِ، يَجعله نعتاً للداعب ويَكْسَعه بدالٍ أُخْرَى ليتمّ النَّعْت؛ لِأَن النَّعْت لَا يتمكّن حَتَّى يصير ثَلَاثَة أحرف، فَإِذا اشتقّوا مِنْهُ فعلا أدخلُوا بَين الدالين الأُوليين همزَة لِئَلَّا تتوالى الدالات فيثقل، فَيَقُولُونَ: دَأْدَدَ يُدَأْدِدُ دَأْدَدَةً. قَالَ: وعَلى قِيَاسه قَول الراجز وَهُوَ رؤبة:
يُعِدُّ ذَأْداً وهَديراً زَعْدَبَا
بَعْبَعَةً مَرّاً وَمَرّاً بأْبَبَا
وَإِنَّمَا حكى جَرْساً شِبْه بَبَبْ، فَلم يستقم فِي التصريف إلاّ كَذَلِك.
وَقَالَ آخر يصف فحلاً:
يَسُوقهَا أَعْيَسُ هَدَّار بَبِبْ
إِذا دَعَاهَا أقبلتْ لَا تَتَّئِبْ
قَالَ اللَّيْث: فأمَّا المداعبة فعلى الِاشْتِرَاك كالممازحة، اشْترك فِيهَا اثْنَان أَو أَكثر. قَالَ والدُعْبُوبُ: النشيط.
وَأنْشد قَول الراجز:
يَا رُبَّ مُهْر حَسَنٍ دُعْبُوبِ
رَحْب اللبَانِ حَسَنِ التَّقْرِيب
قَالَ: والدُعبُوب: الطَّرِيق المذلَّل الَّذِي يسلكه النَّاس. قَالَ: والدُعْبُوبة: حَبّة سَوْدَاء تُؤْكَل، وَهِي مثل الدُعَاعة. وَقَالَ بَعضهم: بل هِيَ أصلُ بقلةٍ يقشَرُ فيؤكل. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَالْفراء وَابْن شُمَيْل: الدُعْبُوب: الطَّرِيق المسلوك الموطوء. قَالَ الْفراء: وَكَذَلِكَ الذَّلِيل الَّذِي يطؤه كلّ وَاحِد. وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الدُعبُوبُ: والدُعْبُوث والدُعثوت من الرِّجَال المأبون المخنَّث. وَأنْشد:
يَا فَتى مَا قتلتُمُ غير دُعْبُو
ب وَلَا مِن قُوَارة الهِنَّبْرِ
قَالَ: وَلَيْلَة دعبوبٌ: ليلةُ سَوْءٍ شَدِيدَة وَأنْشد:
وَلَيْلَة من مُحاق الشَّهْر دعبوبِ
وَقَالَ أَبُو صَخْر:
ولكنْ تقرّ الْعين وَالنَّفس أَن ترى
بعقدته فَضْلات زُرْق دَوَاعِبِ
قَالُوا: دَوَاعِب: جَوَارٍ، ماءٌ دَاعِبٌ يَسْتَنَّ سَيلُه. قلت: لَا أَدْرِي دواعب أَو ذواعب ويُنْظَر فِي شِعر أبي صَخْر. عَمْرو عَن أَبِيه: الدُعَابُ والطَّثْرَج والحَرام والحَذَال من أَسمَاء النَّمْل. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي الدُعْبُبُ المَزّاح وَهُوَ المغنّي الْمجِيد والدُغْبُبْ الْغُلَام الشَّابُّ البَضّ.
دبع: دبع مهمل وَالله أعلم.
(بَاب الْعين وَالدَّال مَعَ الْمِيم)
(ع د م)
عدم، عمد، دمع، معد، (دعم مُدع) : مستعملات.
عدم: قَالَ اللَّيْث: العَدَم: فِقدان الشَّيْء وذهابه. يُقَال: عَدِمته أعدَمه عدماً. والعُدْم لُغَة فِيهِ. قَالَ: ورأيناهم إِذا ثَقَّلوا قَالُوا: العَدَم وَإِذا خففوا قَالُوا: العُدْم، ورجلٌ عَدِيم: لَا مَال لَهُ. وأعْدَمَ الرجل: صَار ذَا عَدَم قَالَ: وَيَقُول الرجل لحبيبه:(2/148)
عَدِمْتُ فقدك وَلَا عدمت فضلك وَلَا أعدَمَني الله فضلك أَي لَا أذهَبَ عنّي فضلك. وَقَالَ لَبِيد أنْشدهُ شمر:
وَلَقَد أغْدُو وَمَا يُعْدِمني
صَاحب غير طَوِيل المُحْتَبَلْ
قَالَ أَبُو عَمْرو: أَي مَا يَفْقِدْني فرسي. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: وَمَا يُعْدِمُني أَي لَا أعْدَمُهُ وَقَالَ أَبُو عَمْرو: يُقَال إِنَّه لعديم الْمَعْرُوف وَإِنَّهَا لعديمة الْمَعْرُوف وَأنْشد:
إنّي وجدت سُبَيْعَة ابْنة خالِدٍ
عِنْد الجَزُور عديمةَ الْمَعْرُوف
وَقَالَ: عَدِمتُ فلَانا وأَعْدَمَنِيه الله. وَرجل عَدِيم لَا مَال لَهُ. وأعدم الرجُل فَهُوَ معدِم وعَدِيم. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: رجُل عَدِيم: لَا عقل لَهُ، ورجُل مُعْدِم: لَا مَال لَهُ، وَقَالَ غَيره: فلَان يَكْسب المعدومَ إِذا كَانَ مجدوداً ينَال مَا يُحْرَمه غيرُه. وَيُقَال: هُوَ آكلكم للمأدوم، وأكسبكم للمعدوم، وأعطاكم للمحروم. وَقَالَ الشَّاعِر يصف ذئباً:
كَسُوبٌ لَهُ المعدومَ مِنْ كسَب واحدٍ
مُحَالِفُهُ الإقتار مَا يتموّل
أَي يكْسب الْمَعْدُوم وَحده وَلَا يتموّل. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال عَدِمَ يَعْدَمُ عَدَماً وعُدْماً فَهُوَ عَدِمٌ، وأعدم إِذا افْتقر، وعَدُمَ يَعْدُم عَدَامَةً إِذا حَمُقَ فَهُوَ عَدِيم أَحمَق وَأنْشد أَبُو الْهَيْثَم قَول زُهَيْر:
وَلَيْسَ مَانع ذِي قربى وَلَا رحم
يَوْمًا وَلَا مُعْدِماً من خابط وَرقا
قَالَ: مَعْنَاهُ أَنه لَا يفْتَقر من سَائل يسْأَله مَاله فَيكون كخابط وَرقا. قَالَ الْأَزْهَرِي: وَيجوز أَن يكون مَعْنَاهُ وَلَا مَانِعا من خابط وَرقا أعدمْته أَي منعته طَلَبَته.
عمد: قَالَ الله جلّ وعزّ: {بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} (الفَجر: 7) سَمِعت المنذريّ يَقُول: سَمِعت المبرّد يَقُول: رجل طَوِيل العِمَاد إِذا كَانَ مُعَمَّداً أَي طَويلا. قَالَ: وَقَوله {بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} أَي ذَات الطُول ونحوَ ذَلِك قَالَ الزجّاج. قَالَ: وَقيل: ذَات الْعِمَاد: ذَات البِنَاء الرفيع. وَقَالَ الفرّاء: ذَات الْعِمَاد أَي أَنهم كَانُوا أهل عَمَد ينتقِلون إِلَى الكَلأ حَيْثُ كَانَ؛ ثمَّ يرجعُونَ إِلَى مَنَازِلهمْ. وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال لأَصْحَاب الأْخْبِيَة الَّذين لَا ينزلون غَيرهَا: هم أهل عَمُود وَأهل عماد. والجميع مِنْهُمَا العُمُدُ. قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: كلّ خِبَاء كَانَ طَويلا فِي الأَرْض يُضرب على أعمدة كَثِيرَة فَيُقَال لأَهله: عَلَيْكُم بِأَهْل ذَلِك العَمُود، وَلَا يُقَال: أهل العَمَد. وَأنْشد:
وَمَا أهل العَمُودِ لنا بأهلٍ
وَلَا النَعَمُ المُسام لنا بِمَال
وَقَالَ فِي قَول النَّابِغَة:
يبنون تَدْمُرَ بالصُفّاح والعَمَد
قَالَ: العَمَد: أساطين الرُخَام. وأمَّا قَول الله جلّ وعزّ: {ء الاَْفْئِدَةِ إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ فِى عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ} (الْهمزَة: 8، 9) قُرِئت (فِي عُمُد) وَهُوَ جمع عِمَاد وعَمَدٌ وعُمُدٌ، كَمَا قَالُوا: إهابٌ وأَهَبٌ وأُهُبٌ. وَمَعْنَاهُ: أَنها فِي عُمُدٍ من النَّار. قَالَ ذَلِك أَبُو إِسْحَاق الزجّاج. وَقَالَ الْفراء: العُمُد والعَمَد جَمِيعًا جمعان للعمود مثل أَدِيم وأَدَمٍ(2/149)
وأُدُم، وقَضِيم وقَضَم وقُضُم. وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِى} (لقمَان: 10) قَالَ الْفراء: فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا أَنه خلقهَا مَرْفُوعَة بِلَا عَمَد، وَلَا تحتاجون مَعَ الرُّؤْيَة إِلَى خَبَر. وَالْقَوْل الثَّانِي أَنه خلقهَا بعمَد، لَا ترَوْنَ تِلْكَ الْعمد. وَقيل: العمَد الَّتِي لَا ترى لَهَا قدرته. وَقَالَ اللَّيْث: مَعْنَاهُ: أَنكُمْ لَا ترَوْنَ الْعمد، وَلها عَمَد. واحتجّ بِأَن عَمدها جبل قَاف الْمُحِيط بالدنيا، وَالسَّمَاء مثل القبّة أطرافها عَلَى قَاف. وَهُوَ من زَبَرْجَدة خضراء. وَيُقَال إنّ خضرَة السَّمَاء من ذَلِك الْجَبَل، فَيصير يَوْم الْقِيَامَة نَارا تَحْشر النَّاس إِلَى المحْشَر.
وَفِي حَدِيث عمر بن الْخطاب فِي الجالب: يَأْتِي أحدهم بِهِ عَلَى عَمُود بَطْنه. قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو عَمْرو: عَمُود بَطْنه هُوَ ظَهْره. يُقَال: إِنَّه الَّذِي يُمْسِك الْبَطن ويقوّيه، فَصَارَ كالعمود لَهُ الجالب الَّذِي يجلب الْمَتَاع إِلَى الْبِلَاد. يَقُول: يُترك وبيعَه وَلَا يتَعَرَّض لَهُ حَتَّى يَبِيع سِلْعته كَمَا شَاءَ، فَإِنَّهُ قد احْتمل المشقّة والتعب فِي اجتلابه وقاسى السّفر وَالنّصب.
قَالَ أَبُو عبيد: وَالَّذِي عِنْدِي فِي عَمُود بَطْنه أَنه أَرَادَ: أَنه يَأْتِي بِهِ على مشقّة وتَعب وَإِن لم يكن ذَلِك على ظَهره إِنَّمَا هُوَ مَثل لَهُ. وَقَالَ اللَّيْث: عَمُود الْبَطن شِبه عِرْق مَمْدُود من لدن الرَهابة إِلَى دُوَين السُرّة فِي وَسطه يشق من بطن الشَّاة. قَالَ: وعمود الكبد: عِرْق يسقيها. وَيُقَال للوتين: عَمُود السَحْر. قَالَ: وعمود السنان: مَا توسَّط شَفْرتيه من عَيْره الناتىء فِي وَسطه.
وَقَالَ النَّضر: عَمُود السَّيْف: الشَطِيبة الَّتِي فِي وسط مَتْنه إِلَى أَسْفَله. وَرُبمَا كَانَ للسيف ثَلَاثَة أعمدة فِي ظَهره، وَهِي الشُطَبُ والشطائب. وعمود الأُذُنُ: مُعظمها وقِوامها. وعمود الإعصار: مَا يَسْطع مِنْهُ فِي السَّمَاء أَو يستطيل على وَجه الأَرْض.
وَفِي حَدِيث ابْن مَسْعُود أَنه أَتَى أَبَا جهل يَوْم بدر وَهُوَ صَرِيع، فَوضع رجله عَلَى مُذَمَّرِه ليجهِز عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جهل: أعْمَدُ من سيّد قَتله قومه قَالَ أَبُو عبيد: مَعْنَاهُ: هَل زَاد عَلَى سيّد قَتله قومه هَل كَانَ إِلَّا هَذَا؟ أَي أَن هَذَا لَيْسَ بعاد. قَالَ: وَكَانَ أَبُو عبييدة يَحْكِي عَن الْعَرَب: أعمد من كيلِ مُحِقّ أَي هَل زَاد عَلَى هَذَا وَقَالَ ابْن مَيَّادة:
تُقَدَّم قيسٌ كلَّ يَوْم كريهة
ويُثنى عَلَيْهَا فِي الرخَاء ذنوبها
وأعمدُ من قومٍ كفاهم أخوهم
صِدَام الأعادي حِين فُلَّت نيوبها
يَقُول: هَل زِدْنَا عَلَى أَن كَفَينا إخوتنا. وَقَالَ شمر فِي قَوْله (أعمَدُ من سَيّد قَتله قومه) : هَذَا اسْتِفْهَام، أَي أعجب من رجل قَتله قومه. قلت: كَانَ فِي الأَصْل أأعمد من سَيّد فخففت إِحْدَى الهمزتين. وَأما قَوْلهم: أعمد من كيل محقّ فَإِنِّي سمعته فِي رِوَايَة ابْن جَبَلة وَرِوَايَة عليّ عَن أبي عبيد (محقّ) بِالتَّشْدِيدِ، ورأيته فِي كتاب قديم مسموع: أعمد من كيلٍ مُحِقَ(2/150)
بِالتَّخْفِيفِ من المَحق، وفُسِّر: هَل زَاد على مكيال نُقِصَ كَيْلُه أَي طُفِّفَ. وحسبت أَن الصَّوَاب هَذَا. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: عَمُود الكَبِد: عرقان ضَخْمان جَنَابتي السُّرة يَمِينا وشِمالاً، يُقَال: إِن فلَانا لخارجٌ عموده من كَبِدِه من الْجُوع.
أَبُو عبيد: عَمدتُ الشَّيْء: أقمته، وأعمدته: جعلت تَحْتَهُ عَمَداً.
الحرّاني عَن ابْن السّكيت قَالَ: العَمْد مصدر عمَدت للشَّيْء أعمِد لَهُ عمْداً إِذا قصدت لَهُ. وعَمدت الْحَائِط أعمِده عمْداً إِذا دَعمته. قَالَ والعَمَد مُثَقّل فِي السنَامِ وَهُوَ أَن ينشدخ انشداخاً. وَذَلِكَ إِذا رُكِب وَعَلِيهِ شحْم كثير. يُقَال بعير عَمِدٌ. وَقَالَ لَبيد:
فَبَاتَ السَّيْل يركب جانبيه
من البَقَّار كالعَمِد الثَقَالِ
قَالَ: العَمِد: الْبَعِير الَّذِي قد فسد سَنَامه. قَالَ: وَمِنْه قيل: رجل عميد ومعمود أَي بلغ الحُبُّ مِنْهُ. قَالَ وَيُقَال: عَمِد الثرى يَعمَد عَمداً إِذا كَانَ تراكب بعضُه على بعض ونَدِيَ، فَإِذا قبضت مِنْهُ على شَيْء تعقَّد وَاجْتمعَ من نُدُوَّته. قَالَ الرَّاعِي يصف بقرة وحشيّة:
حَتَّى غَدَت فِي بَيَاض الصُّبْح طيّبة
ريح المباءة تخْدِي وَالثَّرَى عَمِدُ
أَرَادَ: طيبةَ ريح المباءة، فلمَّا نوّن (طيّبة) نصب (ريح المباءة) .
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: عَمِدت الأرضُ عمدا إِذا رسخ فِيهَا المَطَر إِلَى الثَرَى حَتَّى إِذا قبضْت عَلَيْهِ فِي كفّك تعقّد وجَعُدَ. وَقَالَ اللَّيْث: العَميد: الرجل المعمود الَّذِي لَا يَسْتَطِيع الْجُلُوس من مَرضه، حَتَّى يُعمَدَ من جوانبه بالوسائد. وَمِنْه اشتُقّ القَلْب العميد. قَالَ: والجُرح العَمِدُ: الَّذِي يُعْصَر قبل أَن ينضج بَيضُه فيَرِم. وَالْقَوْل مَا قَالَه ابْن السّكيت فِي العميد من الْهوى: أَنه شُبِّه بالسَنَام الَّذِي انشدخ انشداخاً.
وَقَالَ اللَّيْث: العَمْدُ: نقيض الْخَطَأ. قلت: وَالْقَتْل على ثَلَاثَة أوجه: قتل الْخَطَأ المحْض، وَقتل الْعمد الْمَحْض وَقتل شِبْه العَمْد فالخطأ الْمَحْض: أَن يَرْمِي الرجلُ بِحجر يُرِيد تنحيته عَن مَوْضِعه. وَلَا يقْصد بِهِ أحدا، فَيُصِيب إنْسَانا فيقتله. فَفِيهِ الدِيَة على عَاقِلَة الرَّامِي، أَخْمَاسًا من الْإِبِل، وَهِي عشرُون ابْنة مَخَاض وَعِشْرُونَ ابْنة لَبُون وَعِشْرُونَ ابْن لبون، وَعِشْرُونَ حِقّة، وَعِشْرُونَ جَذَعة. وَأما شِبه العَمْد فَأن يضْرب الإنسانَ بعمود لَا يقتل مِثْلُه، أَو بِحجر لَا يكَاد يَمُوت مَن أَصَابَهُ، فَيَمُوت مِنْهُ فَفِيهِ الدِيَة مغلَّظة. وَكَذَلِكَ العَمْد الْمَحْض: فيهمَا ثَلَاثُونَ حِقّةً، وَثَلَاثُونَ جَذَعة، وَأَرْبَعُونَ مَا بَين ثَنِيَّة إِلَى بازلِ عامِها، كلُّها خَلِفَة. فأمَّا شِبْه الْعمد فالدِيَة فِيهِ على عَاقِلَة الْقَاتِل. وَأما العَمْد الْمَحْض فَهُوَ فِي مَال الْقَاتِل. شمر عَن ابْن شُمَيْل: المعمود: الحزين الشَّديد الحُزن. يُقَال: مَا عَمَدَك أَي مَا أحزنك. قَالَ وَيُقَال للْمَرِيض أَيْضا: معمود. وَيُقَال لَهُ: مَا يَعْمِدك؟ أَي مَا يوجعك. وعمدني(2/151)
المرضُ أَي أضناني. وَقَالَ شمر: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: سَأَلَ أعرابيّ أعرابيًّا وَهُوَ مَرِيض فَقَالَ لَهُ: كَيفَ تجدك؟ فَقَالَ: أمَّا الَّذِي يَعْمِدني فحُصْرٌ وأُسْرٌ. قَالَ: يعمده: يُسْقطه ويفْدحه ويشتدّ عَلَيْهِ وَأنْشد:
أَلا مَن لهمَ آخِرَ اللَّيْل عَامِد
مَعْنَاهُ: مُوجع.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه أنْشدهُ لسِماك العامليّ:
أَلا من شجتْ لَيْلَة عامدهْ
كَمَا أبدأ لَيْلَة واحدهْ
وَقَالَ مَا معرفَة فنصب أبدا على خُرُوجه من الْمعرفَة كَانَ جَائِزا.
قَالَ الْأَزْهَرِي وَقَوله: لَيْلَة عامدة أَي مُمِضّة موجعة.
وَقَالَ النَّضر: عَمِدتْ أَلْيتاه من الرّكُوب وَهُوَ أَن تَرِما وتَخْلَجا.
وَقَالَ شمر: يُقَال إِن فلَانا لعَمِدُ الثَرَى أَي كثير الْمَعْرُوف.
وَقَالَ غَيره: عَمَدت الرجل أعمِده عَمْداً إِذا ضَربته بالعمود، وعَمَدته إِذا ضربت عَمُود بَطنه.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال فلَان عُمدة قومه إِذا كَانُوا يعتمدونه فِيمَا يَحْزُبهم. وَكَذَلِكَ هم عُمْدتنا. والعَمِيد: سيّد الْقَوْم. وَمِنْه قَول الْأَعْشَى:
حَتَّى يصير عميدُ الْقَوْم متَّكئاً
يدْفع بِالرَّاحِ عَنهُ نِسوة عُجُلُ
وَيُقَال: استقام الْقَوْم على عَمُود رَأْيهمْ أَي على الْوَجْه الَّذِي يعتمدون عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْن بزرْج: يُقَال: حَلَس بِهِ وعَرِسَ بِهِ وعَمِد بِهِ ولَزِبَ بِهِ إِذا لَزِمه.
وَقَالَ اللَّيْث: العُمُدُّ: الشابّ الممتلىء شبَابًا، وَهُوَ العُمُدَّانيّ وَالْجمع العُمُدَّنِيُّون. وامرأةٌ عُمُدَّانِيَّة: ذَات جسم وعَبَالة. وَيُقَال عَمّدت السَّيْل تعميداً إِذا سدَدت وَجه جِرْيته حَتَّى يجْتَمع فِي مَوضِع بِتُرَاب أَو حِجَارَة. شمر: يُقَال للْقَوْم: أَنْتُم عُمدّتنا أَي الَّذين نعتمد عَلَيْهِم. وَكَذَلِكَ الِاثْنَان، وَالْمَرْأَة وَالْوَاحد والمرأتان. وعمود الصُّبْح هُوَ المستطير مِنْهُ. وَاعْتمد فلَان ليلته إِذا ركبهَا يسري فِيهَا. وَاعْتمد فلَان فلَانا فِي حَاجته وَاعْتمد عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو تُرَاب: سمعتُ الغَنَوي يَقُول: العَمَدُ والضَمَدُ: الْغَضَب.
قلت: وَهُوَ العَبَدُ والأبَدُ أَيْضا.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ العَمود والعِمَاد وَالعُمْدَةُ والعُمْدَان: رَئِيس الْعَسْكَر وَهُوَ الزُوَير. وَيُقَال لرِجْلي الظليم: عَمُودان.
وَقَالَ ابْن المظفر: عُمْدان: اسْم جبل أَو مَوضِع. قلتُ: أُراه أَرَادَ: غُمَدان بالغين فصحّفه. وَهُوَ حِصْن فِي رَأس جبل بِالْيمن مَعْرُوف. وَكَانَ لآل ذِي يَزَن. قلت: وَهَذَا كتصحيفه يَوْم بُعَاث وَهو من مشاهير أَيَّام الْعَرَب، فَأخْرجهُ فِي كتاب الْغَيْن وصَحَّفه.
دمع: أَبُو عُبَيد عَن الأصمعيّ: دمِعَتْ عينُه، بِكَسْر الْمِيم.
وَقَالَ الكسائيّ وَأَبُو زيد: دَمَعت عينه بِفَتْح الْمِيم لَا غير.(2/152)
أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر: مِن سِمَات الْإِبِل الدُمُع، وَهِي فِي مجْرى الدمْع. وبعير مَدْموع، وجَفْنة دامعة: ممتلئة، وَقد دَمَعَت. ورَزِمت وَقَالَ لَبيد:
إِذا جَاءَ وِرْدٌ أُسْبلت بدُمُوع
يَعْنِي الْجَفْنَة.
أَبُو عبيد: من الشِجَاج الدامعة. وَهُوَ أَن يسيل مِنْهَا دَمٌ. وثَرى دَامِع وَمَكَان دامع ودَمَّاع إِذا كانَ نَدِيّاً. وَقَدَحٌ دَمْعَان إِذا امْتَلَأَ فَجعل يسيل من جوانبه.
وَقَالَ اللَّيْث: الدَمْع: مَاء الْعين. والمَدمَع: مُجْتَمع الدَمْع فِي نواحي الْعين وَجمعه مدامع. يُقَال: فاضت مدامعُه. قَالَ والماقِيَان من المدامع، والمُؤْخِران كَذَلِك. وَامْرَأَة دَمِعة: سريعة الدَمْعة والبكاء وَمَا أكثَر دَمْعَتها، التَّأْنِيث للدَّمْعَة.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الدِمَاع مِيسَم فِي المناظِر سَائل إِلَى المَنْحِرْ، وَرُبمَا كَانَ عَلَيْهِ دِمَاعَانِ. والدُمَّاعُ دُمّاع الكَرْم، وَهُوَ مَا سَالَ مِنْهُ أيَّام الرّبيع.
وَقَالَ أَبُو عدنان: من الْمِيَاه المدامع، وَهِي مَا قَطَر من عُرْض جَبَل. قَالَ: وَسَأَلت العُقَيْليّ عَن هَذَا الْبَيْت:
والشمسُ تدمَع عَيناهَا ومَنخِرُها
وهنّ يخْرجن من بِيدٍ إِلَى بِيدِ
فَقَامَ أزعم أَنَّهَا الظَّهِيرة إِذا سَالَ لُعَاب الشَّمْس.
وَقَالَ الغَنَويّ: إِذا عطِشت الدوابّ ذَرَفت عيونُها وسالت مناخرها. قَالَ والدمْع: السيلان من الراوُوق وَهو مِصْفاة الصَّبَّاغ. قَالَ والإدْماع: مَلْء الْإِنَاء. يُقَال أَدْمِع مُشَقَّرك أَي قَدَحك، قَالَه ابْن الْأَعرَابِي.
دعم: ابْن شُمَيْل: يُقَال دَعَم الرجلُ الْمَرْأَة بأيْره يَدْعَمُها ودَحَمَها. والدعْم والدحْمُ: الطعْن وإيلاجه أجمع.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الدُعْمِيُّ: الْفرس الَّذِي فِي لَبَّته بَيَاض. والدُعْمِيُّ: النجَّار.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: إِذا كَانَت زَرَانيق الْبِئْر من خشب فَهِيَ دِعَم. اللَّيْث: الدعْمُ: أَن يمِيل الشَّيْء فتَدْعمه بِدِعامٍ، كَمَا تُدعَمُ عُرُوش الكَرْم ونحوِه. والدِّعَامة: اسْم الْخَشَبَة الَّتِي تُدعم بهَا. والمَدْعوم: الَّذِي يمِيل فيريد أَن يَقع، فتدعَمَهُ ليستقيم. وَأما المعمود فَالَّذِي تحامل الثقلُ عَلَيْهِ من فَوق، كالسقف فعُمد بالأساطين المنصوبة. والدِعامتان: خشبتا البكَرة. وَدُعْمِيّ: اسْم أبي حَيَ من ربيعَة. وَفِي ثَقِيف دُعْمِي آخر. وَيُقَال للشَّيْء الشَّديد الدَعام: إِنَّه لدُعميُّ: وَأنْشد:
اكْتَدَ دُعميّ الحوامِي جَسْرَبا
وَيُقَال: لفُلَان دعْمٌ أَي مَال كثير. وَجارية ذَات دعْمٍ إِذا كَانَت ذَات شَحم وَلحم. وَقَالَ الراجز:
لَا دَعْمَ لي لَكِن بلَيْلي دَعْمُ
جَارِيَة فِي وركيها شحمُ
قَوْله: لَا دَعْمَ لي أَي لَا سَمِن بِي يَدْعمني أَي يقوّيني: ودُعْميّ الطَّرِيق: مُعظمه.
وَقَالَ الراجز يصف الْإِبِل:
وصَدَرَتْ تَبْتَدِر الثنيَّا
تركب من دُعْمِيها دُعْمِيّا(2/153)
ودُعمّيها: وَسطهَا، دُعمِيّاً أَي طَرِيقا موطوءاً.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: إِذا كَانَ فِي صدر الْفرس بَيَاض فَهُوَ أدْعَم، وَإِذا كَانَ فِي خواصره فَهُوَ مُشَكَّل.
معد: قَالَ اللَّيْث: المَعِدَة: الَّتِي تستوعب الطَّعَام من الْإِنْسَان. والمِعْدَةُ لُغَة، وَقد مُعِدَ الرجل فَهُوَ ممعود إِذا دَوِيَت مِعدتُه فَلم يستمرىء مَا يَأْكُلهُ. والمَعْدُ كالجَذْب، تَقول: مَعَدْتُه مَعْداً.
وَقَالَ الراحز:
هَل يُرْوِيَنْ ذَوْدَكَ نَزْعٌ مَعْدُ
وساقيان سَبِطٌ وجَعْدُ
قَالَ ابْن بزرج: نزْعٌ مَعْدٌ: سريع. وبعضٌ يَقُول: شَدِيد، وَكَأَنَّهُ ينْزع من أَسْفَل قَعْر الركيَّة. وَيُقَال امتعد فلَان سَيْفه منْ غِمده إِذا استلّه واخترطه، وَجَاء إِلَى رمحه وَهُوَ مركوز فامتَعَدَه. وَجعل أحد السّاقيين جَعْداً وَالْآخر سَبِطاً لِأَن الجَعْد مِنْهُمَا أسود زنجيّ، والسَّبْط روميّ وَإِذا كَانَا هَكَذَا لم يشتغلا بِالْحَدِيثِ عَن صنعتهما، وَيُقَال: مَعَد فِي الأَرْض يَمْعَد إِذا ذهب. وذنبٌ مِمْعَدٌ وماعِد إِذا كَانَ يَجْذِب العَدْوَ جَذْباً.
وَقَالَ ذُو الرمّة يذكر صائداً شبّهه فِي سرعته بالذئب:
كَأَنَّمَا أطماره إِذا عَدَا
جَلَّلْن سِرْحان فلاةٍ مِمْعَدَا
أَبُو عبيد: المُتَمَعْدِدُ: الْبعيد. وَقَالَ مَعْن بن أَوْس:
قِفَا إِنَّهَا أمست قِفَاراً ومَن بهَا
وَإِن كَانَ مِن ذِي وُدِّنَا قد تَمَعْدَدا
أَي تبَاعد.
وَقَالَ شمر: قَوْله: المتمعدد الْبعيد لَا أعلمهُ إِلَّا من مَعَدَ فِي الأَرْض أَي ذهب فِيهَا، ثمَّ صيّره تَفَعْلُلاً مِنْهُ، وَأنشد:
وَخارِبان خَرَباً فمعَدَا
لَا يَحْسِبَان الله إِلَّا رَقَدَا
وَفِي حَدِيث عمر: اخشوشِنوا وتَمَعْددوا
وَقَالَ أَبُو عبيد: فِيهِ قَولَانِ: يُقَال هُوَ من الغِلَظ أَيْضا. وَمِنْه يُقَال للغلام إِذا شبّ وغلُظ: قد تَمَعْدَد.
وَقَالَ الراجز:
رَبَّيْتُه حَتَّى إِذا تَمَعْدَدا
وَيُقَال تَمَعْدَدُوا: تشبّهوا بعيش مَعَدّ، وَكَانُوا أهل قَشَف وغِلَظ فِي المعاش. يَقُول: فكونوا مثلهم ودَعُوا التنَعُّم وزيّ العَجَم. وَهَكَذَا هُوَ حَدِيث لَهُ آخر: عَلَيْكُم باللِبسة المَعدِّية.
وَقَالَ اللَّيْث: التَمَعْدُد: الصَّبْر على عَيْش مَعَدّ فِي الحضَر والسَّفَر. يُقَال: قد تَمَعْدَد فلَان.
قَالَ وَإِذا ذكرت أَن قوما مِمَّن تحوّلوا عَن مَعَدّ إِلَى الْيمن ثمَّ رجعُوا قلت: تَمَعْدَدوا.
قَالَ والمعَدّ الدَّال شَدِيدَة: اللَّحْم الَّذِي تَحت الكتِف أَو أسفلَ مِنْهَا قَلِيلا وَهُوَ من أطيب لحم الجَنْب. وَتقول الْعَرَب فِي مَثَل يضربونه: قد يَأْكُل المَعَدَّين أكْلَ السَوْء.
قَالَ وَهُوَ فِي الِاشْتِقَاق يخرج على مَفْعل، وَيخرج على فَعَلّ على مِثَال (عَبَنّ) وعَلَدّ،(2/154)
وَلم يُشتقّ مِنْهُ فِعل. أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: المَعَدَّان: مَوضِع رجْلي الرَّاكِب من الْفرس. أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: من أمثالهم: أَن تسمع بالمُعَيْديّ خير من أَن ترَاهُ.
وَسمعت المنذريّ يَقُول سَمِعت أَبَا الْهَيْثَم يَقُول: تسمع بالمعيديّ خير من أَن ترَاهُ.
قَالَ: وَسمعت أَبَا طَالب يَقُول: الْكَلَام الْمُخْتَار: أَن تسمع بالمعيديّ خير من أَن ترَاهُ.
قَالَ وَبَعْضهمْ يَقُول: تسمع بالميعدي لَا أَن ترَاهُ. وَإِن شِئْت قلت: لِأَن تسمع بالمعيدي خير من أَن ترَاهُ.
قَالَ أَبُو عبيد: كَانَ الكسائيّ يرى التَّشْدِيد فِي الدَّال فَيَقُول المعَيْديّ.
وَيَقُول: إِنَّمَا هُوَ تَصْغِير رجُل مَنْسُوب إِلَى مَعدّ، يضْرب مثلا لمن خَبَره خير من مَرآته.
وَكَانَ غير الْكسَائي يرى تَخْفيف الدَّال ويشدّد يَاء النِّسْبَة مَعَ يَاء التصغير.
وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال فِي مثل: تسمع بالمعيدي لَا أَن ترَاهُ. وَهُوَ تَصْغِير مَعَدّيّ، إلاّ أَنه إِذا احتمعَتْ تشديدة الْحَرْف وتشديدة يَاء النِّسْبَة مَعَ يَاء التصغير خَفَّفت تشديدة الْحَرْف.
وَقَالَ الشَّاعِر:
ضلَّت حُلُومُهُمُ عَنْهُم وغرّهُمُ
سَنُّ المعيدِيّ فِي رَعْي وتعْزيب
يضْرب لرجل الَّذِي لَهُ صِيت وذِكر، فَإِذا رَأَيْته ازدريت مَرْآته. وكأنّ تَأْوِيله تَأْوِيل أَمر. كَأَنَّهُ قَالَ: اسْمَع بِهِ وَلَا تَره.
وَقَالَ شمر: المعَدّ: مَوضِع رجل الْفَارِس من الدَّابَّة، وَمن الرجُل مثله.
وَأنْشد بَيت ابْن أَحْمَر:
فإمّا زلّ سَرجٌ عَن مَعَدِّ
وأجدر بالحوادث أَن تَكُونَا
قَالَ الْأَصْمَعِي يُخَاطب امْرَأَته فَيَقُول إِن زَلّ عَنْك سَرْجي فبِنْتِ بطلاقٍ أَو بموتٍ فَلَا تتزوجي هَذَا المطروق وَهُوَ قَوْله:
فَلَا تَصِلي بمطروقٍ إِذا مَا
سَرَى فِي الْقَوْم أصبح مُستكينا
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي مَعْنَاهُ: إِن عُرِّي فرسي من سَرْجه ومُتّ.
فَبلِّي يَا غَنِيَّ بأَرْيَحِيىِّ
من الفتيان لَا يُمْسِي بطينا
وَأنْشد شمر فِي المَعَدِّ من الْإِنْسَان:
وكأنما تَحت المعَدّ ضئيلة
يَنْفِي رقادك سمُّها وسِمَامها
يَعْنِي الحيّة. والمعْد والمغْد: النَتْف، بِالْعينِ والغين.
مُدع: روى ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: المَدْعيِّ: المتّهم فِي نسبه قلت: كَأَنَّهُ جعله من الدعْوَة فِي النّسَب. وَلَيْسَت الْمِيم أَصْلِيَّة.
(أَبْوَاب الْعين وَالتَّاء)
ع ت ظ
مهمل.
ع ت ذ
اسْتعْمل من وجوهه: (ذعت) .(2/155)
ذعت: قَالَ اللَّيْث: ذَعَتَ فلَان فلَانا فِي التُّرَاب ذَعْتاً إِذا مَعَكه فِيهِ مَعْكاً.
وَقَالَ أَبُو تُرَاب: قَالَ أَبُو زيد: ذَأَتَه ذَأْتاً، وذَعَتَه ذَعْتاً، وَهُوَ أشدّ الخَنْقِ.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: ذَعَتَه يَذْعَتُه ذَعْتاً إِذا خَنَقه. وَكَذَلِكَ زَمَتَه زَمْتاً إِذا خنقه.
ع ت ث
مهمل.
(بَاب الْعين وَالتَّاء مَعَ الرَّاء)
(ع ت ر)
عتر، عرت، ترع، تعر، رتع: مستعملات.
عتر (عرت) : أَبُو عبيد عَن أبي عُبَيدة: الرُمح العاتر: المضطرب، مثل العاسِل. وَقد عَتَر وعَسَل.
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الأصمعيّ: وَمن الرماح العَرّات والعَرَّاص، وَهُوَ الشَّديد الِاضْطِرَاب. وَقد عَرِت يَعْرَت وعَرِص يَعْرَص. قلت: قد صَحَّ عَتَر وعَرَت ودلّ اخْتِلَاف بنائهما على أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا غير الآخر.
وَقَالَ اللَّيْث فِي عَتر الرمْح يَعْتِر مثله.
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: لَا فَرَعة وَلَا عَتِيرة.
قَالَ أَبُو عبيد: العَتِيرة هِيَ الرَجَبيّة، وَهِي ذَبيحة كَانَت تُذبح فِي رَجَب يتَقرَّب بهَا أهل الجاهليّة، ثمَّ جَاءَ الْإِسْلَام فَكَانَ على ذَلِك حَتَّى نُسِخَ بعدُ.
قَالَ: وَالدَّلِيل على ذَلِك حَدِيث مِخْنَف بن سُلَيْم قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: (إِن على كل مُسلم فِي كلّ عَام أَضْحاةً وعَتِيرة) .
وَقَالَ أَبُو عبيد: الحَدِيث الأوّل نَاسخ لهَذَا يُقَال مِنْهُ: عَتَرتُ أعتِر عَتْراً.
وَقَالَ الْحَارِث بن حِلِّزة يذكر قوما أخذوهم بذَنْب غَيرهم فَقَالَ:
عَنَنَاً بَاطِلا وظُلماً كَمَا
تُعْتَرُ عَن حَجْرة الربيض الظِباءُ
قَالَ: وَقَوله: كَمَا تُعْتَر يَعْنِي العَتِيرَة فِي رَجَب، وَذَلِكَ أَن الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة كَانَت إِذا طلب أحدهم أمرا نَذر: لَئِن ظفِر بِهِ ليذبحنّ من غَنَمه فِي رَجَب كَذَا وَكَذَا، وَهِي العتائر، فَإِذا ظفِر بِهِ فربّما ضنّ بغنمه وَهِي الربِيض فَيَأْخُذ عدَدها ظباءً فيذبحها فِي رَجَب مكانَ تِلْكَ الْغنم، فَكَانَت تِلْكَ عتائره فَضرب هَذَا مثلا. يَقُول: أخذتمونا بذنب غَيرنَا، كَمَا أُخِذت الظباء مَكَان الْغنم.
وَقَالَ اللَّيْث فِي العتائر نَحوا ممّا فسَّر أَبُو عبيد، وَأنْشد:
فخرّ صَرِيعًا مثل عاتِرة النُّسْكِ
قَالَ: وَإِنَّمَا هِيَ معتورة، وَهِي مثل {فِى عِيشَةٍ} (الحَاقَّة: 21) وَإِنَّمَا هِيَ مَرْضيّة.
وَقَالَ زُهَيْر فِي العِتْر:
كمَنْصِب العِتْر دمَّى رأسَه النُسُكُ
أَرَادَ بِمنْصب العِتْر صنماً كَانَ يقرَّبُ لَهُ عِتْرٌ أَي ذِبْح فيُذبَح لَهُ ويصيب رأسُه من دم العِتْر.
الحرّاني عَن ابْن السّكيت قَالَ: العَتْر(2/156)
مصدر عَتَر الرمْح يَعْتِر عَتْراً إِذا اضْطربَ. قَالَ: والعَتَّر مصدر عَتَر يَعْتِر عَتْراً إِذا ذَبَح العَتِيرة. وَهِي ذَبِيحَة كَانَت تُذْبح فِي رجبٍ للأصنام والعتْر: الْمَذْبُوح. قَالَ والعِتْر أَيْضا: ضرْبٌ من النبت. والعتْر: الأَصْل، وَمِنْه قَوْلهم: عَادَتْ لِعِتْرها لمِيسُ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: العِتْرة: الرِيقة العَذْبة. والعِتْر: الْقطعَة من المِسْك. والعِتْرة: شَجَرَة تنْبت عِنْد وِجَار الضبّ، فَهُوَ يُمَرِّسها فَلَا تَنْمي. وَيُقَال: هُوَ أذلّ من عِتْرة الضبّ.
وَرَوى شَرِيك عَن الركين عَن الْقَاسِم بن حسّان عَن زيد بن ثَابت قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِنِّي تَارِك فِيكُم الثَقَلين خَلْفي: كتابَ الله وعِترتي، فَإِنَّهُمَا لن يَتَفَرَّقَا حَتَّى يردَا عليّ الْحَوْض) .
قَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق: وَهَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، وَرَفعه نَحوه زيد بن أَرقم وَأَبُو سعيد الخُدْرِيّ. وَفِي بَعْضهَا: (إِنِّي تَارِك فِيكُم الثَقَلين: كتاب الله وعِتْرتي أهل بَيْتِي. فَجعل العِترة أهل الْبَيْت.
وَقَالَ أَبُو عبيد: عِتْرة الرجل وأُسْرته وفَصِيلته: رَهْطُه الأدنَوْن.
وَقَالَ ابْن السّكيت: العِتْرة مثل الرَهْط.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: العِتْرة ولد الرجل وذُرّيته وعَقِبهُ من صُلْبه. قَالَ فعِتْرة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولد فَاطِمَة البَتُولِ ث.
وروى ابْن الْفرج عَن أبي سعيد قَالَ: العِتْرة: سَاق الشَّجَرَة. قَالَ: وعِترة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبد الْمطلب ووَلده. قَالَ: ومِن أمثالهم: عَادَتْ لعِتْرها لَميس ولعِكْرها أَي أَصْلهَا.
وَقَالَ ابْن المظفر: عِتْرة الرجل: أقرباؤه من وَلد عَمّه دِنْيا. وَقيل: عِتْرة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهل بَيته، وهم آله الَّذين حُرّمَت عَلَيْهِم الصَّدَقة الْمَفْرُوضَة وهم ذَوُو الْقُرْبَى الَّذين لَهُم خمس الْخمس الْمَذْكُور فِي سُورَة الْأَنْفَال قَالَ الْأَزْهَرِي وَهَذَا القَوْل عِنْدِي أقربها وَالله أعلم. وعِترة الثغر إِذا رَقّت غُرُوب الْأَسْنَان ونقِيَت وَجرى عَلَيْهَا المَاء يُقَال: إِن ثغرها لذُو أُشرة وعِتْرة قَالَ وعِتْرة المِسْحاة: خشبتها الَّتِي تسمَّى يَد المِسحاة.
واحتجّ القتيبيّ فِي أَن عترة الرجل أهل بَيته الأقربون والأبعدون بِحَدِيث رُوي عَن أبي بكر أَنه قَالَ: نَحن عِترة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّتِي تفقَّأَت عَنهُ.
قَالَ الْأَزْهَرِي: ورَوَى عَمْرو بن مرّة عَن أبي عُبَيْدَة عَن عبد الله قَالَ: لما كَانَ يَوْم بدرٍ وَأخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الأُسَارى قَالَ: مَا ترَوْنَ فِي هَؤُلَاءِ؟ فَقَالَ عمر: كذَّبوك وَأَخْرَجُوك، ضَرِّبْ أرقابهم. فَقَالَ أَبُو بكر يَا رَسُول الله: عِترتُك وقومك، تجاوزْ عَنْهُم يستنقذْهم الله بك من النَّار، فِي حَدِيث طَوِيل.
وَقَالَ أَبُو عبيد فِي غير هَذَا: العِتْر وَاحِدهَا عِتْرة: شجر صغَار.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْحسن الأسَدي عَن الرياشي قَالَ: سَأَلت الْأَصْمَعِي عَن العِتْر فَقَالَ: هُوَ نبتٌ ينْبت، مثل(2/157)
ُ المَرْزَنْجوش متفرَّقاً. قَالَ: وأنشدنا بَيت الهذليّ:
وَمَا كنتُ أخْشَى أَن أعيش خلافَهم
لستّة أَبْيَات كَمَا ينْبت العِتْر
يَقُول: هَذِه الأبيات مُتَفَرِّقَة مَعَ قلَّتها كتفرّق العِتْر فِي منبته.
وَقَالَ ابْن المظفر: العِتْر: بقلة إِذا طَالَتْ قُطِعَ أَصْلهَا فَيخرج مِنْهُ لَبَن. ثمَّ ذكر بَيت الهذليّ لِأَنَّهُ إِذا قُطِع نَبتَت من حواليه شُعَبٌ ستّ أَو ثَلَاث.
قلت: وَالْقَوْل مَا قَالَه الْأَصْمَعِي.
وَقَالَ اللَّيْث: عِتْوَارَة اسْم حيّ من كَنَانَة وَأنْشد:
من حَيّ عِتْوَار وَمن تَعَتْوَرا
وَقَالَ المبرّد: العَتْوَرَة: الشِدّة فِي الْحَرْب. وَبَنُو عِتْوَارة سُمِّيَتْ بِهَذَا لقوّتها. قَالَ وعِتْوَر: اسْم وادٍ خشِن المَسْلَك.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: العَتَر: الشِّدة والقوّة فِي جَمِيع الْحَيَوَان. قَالَ: والعُتُر: الفُرُوج المُنْعِظة وَاحِدهَا عَاتِر وعَتُور. والعَتّار: الرجل الشجاع، والفَرس القويّ على السَّير، وَمن الْمَوَاضِع: الوحشُ الخشِن.
وَقَالَ المبرّد: جَاءَ على فِعْوَل من الْأَسْمَاء خِرْوَع وعِتْوَر وَهُوَ الْوَادي الخشِن التُرْبةِ. وَبَنُو عِتْوَارة كَانُوا أُولِي صَبْرٍ وخشونة فِي الحروب.
ترع: رُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (إِن منبري هَذَا على تُرْعَة من تُرعِ الجنّة) .
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: التُرْعة: الرَّوْضَة تكون على الْمَكَان المرتفِع خاصّة، فَإِذا كَانَت فِي الْمَكَان المطمئنّ فَهِيَ رَوْضة.
قَالَ أَبُو عبيد: وَقَالَ أَبُو زِيَاد الْكلابِي: أحسنُ مَا تكون الرَّوْضَة على الْمَكَان الَّذِي فِيهِ غِلظٌ وارتفاع. وَأنْشد قَول الْأَعْشَى:
مَا رَوْضة من رياض الحَزْن مُعْشبة
خضراء جاد عَلَيْهَا مُسْبلٌ هَطِل
روى أَبُو يعلى عَن الْأَصْمَعِي عَن حمّاد بن سَلَمَة أَنه قَالَ: قَرَأت فِي مصحف أبيّ بن كَعْب: (وتَرَّعَتْ الْأَبْوَاب) . قَالَ الْأَزْهَرِي: هُوَ فِي مَوضِع {وَغَلَّقَتِ الاَْبْوَابَ} (يُوسُف: 23) .
قَالَ أَبُو عبيد: وَقَالَ أَبُو عَمْرو: التُرعَة: الدَرَجة. قَالَ أَبُو عبيد: وَقَالَ غَيرهم: التُرعَة: الْبَاب، كَأَنَّهُ قَالَ: منبري على بَاب من أَبْوَاب الجنّة. قَالَ ذَلِك سَهْل بن سعد الساعديّ، وَهُوَ الَّذِي رَوَى الحَدِيث. قَالَ أَبُو عبيد: وَهُوَ الْوَجْه عندنَا.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن عَمْرو عَن أَبِيه التُرْعَة: مَقَام الشاربة من الْحَوْض، والتُرعَة: الْبَاب، والتُرعَة: المِرْقاة من الْمِنْبَر.
وَفِي حَدِيث آخر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (إِن قَدَمَيَّ على تُرْعَة من تُرْعِ الْحَوْض) .
قلت: ترعة الْحَوْض: مَفتَح المَاء إِلَيْهِ. وَمِنْه يُقَال أَتْرَعْتُ الْحَوْض إتراعاً إِذا ملأتَهُ وأترعْتُ الْإِنَاء مثله، فَهُوَ مُتْرعٌ وسحابٌ تَرِع كثير الْمَطَر.(2/158)
قَالَ أَبُو وَجْزَة:
كَأَنَّمَا طرَقَتْ ليلى مُعَهَّدَةً
من الرياض ولاها عَارِض تَرعُ
وَقَالَ اللَّيْث: التَرَع: امتلاء الشَّيْء، وَقد أترعت الْإِنَاء، وَلم أسمع تَرِعَ الْإِنَاء، وَلَكِن يُقَال: تَرِعَ الرجل ترعاً إِذا اقتحم الْأَمر مَرَحاً، وَإنَّهُ لمُتَتَرِّع إِلَى الشرّ، وَأنْشد:
الْبَاغِي الْحَرْب يسْعَى نَحْوهَا ترِعاً
حَتَّى إِذا ذاق مِنْهَا جاحِماً بَردَا
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: هُوَ تَرِعٌ عَتِل وَقد تَرِعَ تَرَعاً وعَتِل عَتَلاً إِذا كَانَ سَرِيعا إِلَى الشرّ.
قَالَ أَبُو عبيد: والمتترِّع الشرّير، يُقَال تَتَرَّع فلَان إِلَيْنَا بالشرّ إِذا تسرّع. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: حوضٌ تَرِعٌ ومُتْرِعٌ أَي مملوءٌ. قَالَ والتَرِع: السَّفِيه السَّرِيع إِلَى الشرّ، وَنَحْو ذَلِك رَوَى الحَرّاني عَن ابْن السّكيت قَالَ: رجل تَرِعٌ إِذا كَانَت فِيهِ عَجَلة، وَقد تَرِع تَرَعاً، وَهَذَا حوضٌ تَرِعٌ أَي مَمْلُوء.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: التَرَّاع: البوّاب، والتُرْعَة: الْبَاب.
وروى أَبُو زيد عَن الكلابيين: فلَان ذُو مَتْرَعة إِذا كَانَ لَا يغْضب وَلَا يَعْجَل. قلت: وَهَذَا ضدّ الترِع.
رتع: قَالَ الله جلّ وعزّ مخبِراً عَن إخْوَة يُوسُف وَقَوْلهمْ لأبيهم يَعْقُوب ج {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ} (يُوسُف: 12) .
قَالَ الفرّاء: يَرتعْ، الْعين مجزومة لَا غير؛ لِأَن الْهَاء فِي قَوْله {أَرْسِلْهُ معرفَة ووُوِغَداً} معرفَة فَلَيْسَ فِي جَوَاب الْأَمر وَهُوَ {يَرْتَعْ} إلاّ الْجَزْم. قَالَ: وَلَو كَانَ بدل الْمعرفَة نكرَة كَقَوْلِك: أرسِل رجلا يرتع جَازَ فِيهِ الرّفْع والجزم، كَقَوْل الله جلّ وعزّ (ابْعَثْ لنا ملكا يقاتلْ فِي سَبِيل الله) (الْبَقَرَة: 246) ويقاتلُ، الْجَزْم لِأَنَّهُ جَوَاب الشَّرْط، وَالرَّفْع على أَنه صلَة للملِك كَأَنَّهُ قَالَ: ابْعَثْ لنا الَّذِي يُقَاتل.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي طَالب أَنه قَالَ: الرَتْعُ: الرَعيُ فِي الخِصْب. قَالَ: وَمِنْه قَوْلهم: القَيْدُ والرَتَعَة، وَيُقَال: الرَتَعة. قَالَ: وَمعنى الرَتْعَة: الخِصْب. وَمن ذَلِك قَوْلهم هُوَ يَرتَع أَي إِنَّه فِي شَيْء كثير لَا يُمْنَع مِنْهُ فَهُوَ مخصبٌ.
قلت: وَالْعرب تَقول: رَتَع المالُ إِذا رَعَى مَا شَاءَ، وأرْتَعْتُها أَنا. والرَتْع لَا يكون إِلَّا فِي الخِصْب والسِعَة. وإبل رِتَاع وَقوم مرتِعون وراتعون إِذا كَانُوا مخاصيب.
وَقَالَ أَبُو طَالب: سَمَاعي من أبي عَن الفرّاء: القَيْد والرَتَعة، مُثقّل. قَالَ: وهما لُغَتَانِ: الرَّتْعَة والرَتَعَة.
قَالَ أَبُو طَالب: وأوّل من قَالَ الْقَيْد والرتْعة عَمْرو بن الصَّعِق بن خويلد بن نُفَيل بن عَمْرو بن كلاب، وَكَانَت شاكرُ من هَمْدَان أسروه فَأحْسنُوا إِلَيْهِ وروّحوا عَنهُ، وَقد كَانَ يَوْم فَارق قومه نحيفاً فهَرَب من شاكِرَ فَلَمَّا وصل إِلَى قومه قَالُوا: أَيْ عَمْرو خرجْتَ من عندنَا نحيفاً وَأَنت الْيَوْم بادِنٌ، فَقَالَ: الْقَيْد والرتْعَة فأرسلها مثلا. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الرَتْع: الْأكل(2/159)
بشَرَهِ، يُقَال: رَتَعَ يَرْتَع رَتْعاً ورِتَاعاً، والرَّتَّاع: الَّذِي يتتبّع بإبله المراتع المخصِبَة.
وَقَالَ شمر: يُقَال أتيت على أَرض مُرْتِعَة وَهِي الَّتِي قد طمِع مَا لَهَا من الشِبَع، وَقد أرتع المالُ وأرتَعَت الأرضُ وغيثٌ مُرْتِع: ذُو خِصْبٍ. وَقَوْلهمْ فلَان يرتع قَالَ أَبُو بكر مَعْنَاهُ: هُوَ مُخصب لَا يَعْدَم شَيْئا يُريدهُ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: معنى {يَرْتَعْ} : يلهو. وَقَالَ فِي معنى قَوْله: أَي يلهو ويَنعَم. وَقَالَ غَيره: مَعْنَاهُ: يسْعَى وينبسط. وَقيل معنى قَوْله {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ} : يَأْكُل. واحتجّ بقوله:
وحبِيب لي إِذا لاقيته
وَإِذا يَخْلُو لَهُ لحمي رَتَعْ
مَعْنَاهُ: أكله. وَمن قَرَأَ (نرتع) بالنُّون أَرَادَ: ترتع إبلنا:
تعر: أهمله اللَّيْث وروى أَبُو عبيد عَن الْأمَوِي: جُرْح تغار بالغين إِذا كَانَ يسيل مِنْهُ الدَّم.
قَالَ أَبُو عبيد: وَقَالَ غَيره: جُرْحٌ نَعَّار بالنُّون وَالْعين.
قلت: وَسمعت غير وَاحِد من أهل الْعَرَبيَّة بهراة يزْعم أَن (تغار) بالغين تَصْحِيف، فَقَرَأت فِي (كتاب أبي عُمَر الزَّاهِد) رِوَايَة عَن أبي الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: جُرْحٌ تَعّار بِالتَّاءِ وَالْعين وتَغّار بِالتَّاءِ والغين ونَعّار بالنُّون وَالْعين بِمَعْنى وَاحِد، وَهُوَ الَّذِي لَا يرقأ فَجَعلهَا كلّها لغاتٍ وصحّحها. وَالْعين والغين فِي تعّار وتغّار تعاقبا، كَمَا قَالُوا: العَبِيثة والغبِيثة بِمَعْنى وَاحِد.
قلت: وتِعَار: اسْم جبل فِي بِلَاد قيس. وَقد ذكره لبيد:
إلاّ يرمرم أَو تِعَار
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: التعَر: اشتعال الْحَرْب.
(بَاب الْعين وَالتَّاء مَعَ اللَّام)
(ع ت ل)
عتل، تلع، تعل: مستعملة.
علت، لتع، لعت: مُهْملَة.
عتل: قَالَ الله جلّ وعزّ: {الْحَمِيمِ خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ} (الدّخَان: 47) وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: {أَثِيمٍ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} (الْقَلَم: 13) قَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ: {خُذُوهُ} بِكَسْر التَّاء، وَكَذَلِكَ قَرَأَ أَبُو عَمْرو. وَقَرَأَ ابْن كَثِير وَنَافِع وَابْن عَامر وَيَعْقُوب: (فاعتلوه) بضمّ التَّاء. قلت: هما لُغَتَانِ فصيحتان، يُقَال: عَتَلَهُ يَعَتِله ويَعتُله.
ورَوَى الْأَعْمَش عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {الْحَمِيمِ خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ} أَي خذوه فاقصِفوه كَمَا يُقصَف الحَطَب.
وَقَالَ أَبُو مُعَاذ النحويّ: العَتْل: الدَفْع والإرهاق بالسَّوْق العنيف. وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن الحرّاني عَن ابْن السّكّيت: عَتَلْتُهُ إِلَى السجْن وعَتَنْتُه فَأَنا أعْتِلُه وأعْتُلُه وأعْتِنُه وأعْتُنُه إِذا دفعتَه دَفْعاً عنيفاً.
وَقَالَ اللَّيْث: العَتْلُ: أَن تَأْخُذ بتَلْبيب الرجل فتعتِلَه، أَي تجرّه إِلَيْك وَتذهب بِهِ(2/160)
إِلَى حَبْس أَو بَلِيَّة. وأَخَذ فلَان بِزِمام النَّاقة فعتَلها إِذا قادها قَوْداً عنيفاً.
وَيُقَال: لاأَتَعَتَّل مَعَك شِبْراً أَي لَا أَبْرَح مَكَاني وَلَا أجيء مَعَك.
وأمّا قَوْله تَعَالَى: { (الْقَلَم: 13) أَثِيمٍ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} جَاءَ فِي التَّفْسِير أَن العُتُلّ هَهُنَا: الشَّديد الْخُصُومَة، وَجَاء فِي التَّفْسِير أَيْضا أَنه: الجافي الخُلُقِ اللئيمُ الضَرِيبةِ، وَهُوَ فِي اللُّغَة: الغليظ الجافي. أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: العَتَلَة: بَيْرَم النَجّار.
وَقَالَ اللَّيْث: هِيَ حَدِيدَة كَأَنَّهَا حَدّ فأسٍ عريضة فِي أَصْلهَا خَشَبَة، تُحفر بهَا الأَرْض والحيطان، لَيست بمُعَقَّفَةٍ كالفأس، وَلكنهَا مُسْتَقِيمَة مَعَ الْخَشَبَة. قَالَ: وَرجل عُتُلٌّ: أكول مَنُوع.
وَقَالَ أَبُو عبيد: العَتَلُ: القسِيّ الفارسية.
وَقَالَ أُمية:
يَرمُونَ عَن عَتَل كَأَنَّهَا غُبُطٌ
بزَمْخَرٍ يُعجل المَرمِيّ إعجالاً
قَالَ: واحدتها عَتَلة.
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: إِنَّك لعَتِلٌ إِلَى الشرّ أَي سريع، وَقد عَتِل عتَلاً.
الحرّاني عَن ابْن السّكّيت: العَتِيل: الْأَجِير بلغَة طَيء، وَجمعه العُتَلاَء.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: العَتَلَة: المدَرَة الْكَبِيرَة تتقلّع من الأَرْض إِذا أثيرت.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: العَاتِل الجِلْوَاز، وَجمعه عُتُلٌ. قَالَ: والعَتِيل: الْأَجِير وَجمعه عُتُلٌ أَيْضا. وَفِي (النَّوَادِر) : داءٌ عَتِيل شَدِيد والعتيل: الْخَادِم.
تلع: من أَمْثَال الْعَرَب: فلَان لَا يمنَع ذنَبَ تَلْعه يضْرب للرجل الذَّلِيل الحقير. والتَلْعَة: وَاحِدَة التِلاَع.
قَالَ أَبُو عبيد: وَهِي مجارِي المَاء من أعالي الْوَادي. قَالَ: والتلاع أَيْضا: مَا انهبط من الأَرْض. قَالَ وَهِي من الأضداد.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: يُقَال فِي مَثل: مَا أَخَاف إِلَّا من سَيْلِ تَلْعَتِي أَي من بني عمّي وَذَوي قَرَابَتي. قَالَ: والتَلْعَة: مَسِيل المَاء؛ لِأَن من نزل التَلْعَة فَهُوَ على خَطَر: إِن جَاءَ السَّيْل جَرف بِهِ. قَالَ: وَقَالَ هَذَا وَهُوَ نَازل بالتَلْعة فَقَالَ: لَا أَخَاف إِلَّا من مَأَمَنِي. وَقَالَ شمر: التِلاع: مسايل المَاء تسيل من الأسناد والنِجَاف وَالْجِبَال حَتَّى تنصبّ فِي الْوَادي. قَالَ وتَلْعة الْجَبَل: أَن المَاء يَجِيء فيخُدّ فِيهِ ويحفره حَتَّى يخلُص مِنْهُ. قَالَ: وَلَا تكون التِلاَع فِي الصحارى. قَالَ والتَلْعة رُبمَا جَاءَت من أبعد من خَمْسَة فراسخ إِلَى الْوَادي. قَالَ: وَإِذا جَرَت من الْجبَال فَوَقَعت فِي الصحارى حَفَرت فِيهَا كَهَيئَةِ الْخَنَادِق. قَالَ وَإِذا عظمت التَلْعَة حَتَّى تكون مثل نصف الْوَادي أَو ثُلثَيْهِ فَهِيَ مَيْثاء. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: من أمثالهم فِي الَّذِي لَا يوثق بِهِ: إِنِّي لَا أَثِق بسَيل تَلْعتك أَي لَا أَثِق بِمَا تَقول وَمَا تَجِيء بِهِ. قلت: فَهَذِهِ ثَلَاثَة أَمْثَال جَاءَت فِي التَلْعة. وَقَالَ اللَّيْث: التَلْعة: أَرض ارْتَفَعت وَهِي غَلِيظَة يتردّد فِيهَا السَّيْل، ثمَّ يَدْفع مِنْهَا إِلَى تَلْعَة أَسْفَل(2/161)
مِنْهَا. وَهِي مَكَرَمة من المنابت.
أَبُو عبيد: التَتَلُّع: التقدّم. وَأنْشد لأبي ذُؤَيْب:
فَوَردْنَ والعَيُّوقُ مقعدَ رابىءُ الض
رباء فَوق النَّجْم لَا يتَتَلَّعُ
الْأَصْمَعِي: الأتلع: الطَّوِيل. قَالَ أَبُو عبيد: وَأكْثر مَا يُرَاد بالأتلع: طول عُنُقه. وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: هُوَ أتلع وتَلِع للطويل العُنُق. قَالَ: وَرجل تَلِعٌ: كثير التلفّت. قَالَ: وَرجل تَلِعُ بِمَعْنى التَرِع. قَالَ: وَيُقَال: لزم فلَان مَكَانَهُ فَمَا يَتَتَلَّعُ ومايَتَتَالَع أَي لَا يرفع رَأسه للنهوض، وَإنَّهُ ليَتَتَالع فِي مَشْيه إِذا مَدّ عُنُقه وَرفع رَأسه. قَالَ: وَيُقَال: تَلَع فلَان رَأسه إِذا أخرجه من شَيْء كَانَ فِيهِ، وَهُوَ شبه طَلَع، إلاّ أنّ طلع أعمّ. وتَلَع الثورُ إِذا أخرج رَأسه من الكِنَاس. قلت: الْمَعْرُوف فِي كَلَام الْعَرَب أتلع رَأسه إِذا أطلعه فَنظر؛ وتلع الرأسُ نفسُه. وَقَالَ الشَّاعِر:
كَمَا أتلعَت من تَحت أَرْطى صريمةٍ
إِلَى نَبْأة الصَّوْت الظباءُ الكوانِس
وَيُقَال: تَلَع النَّهَار إِذا ارْتَفع يَتْلَع تلُوعاً. وجِيدٌ تَلِيع: طَوِيل. ومُتَالِع: جبل بِنَاحِيَة الْبَحْرين بَين السَوْدة والأحساء. وَفِي سفح هَذَا الْجَبَل عَين يسيح مَاؤُهَا، يُقَال لَهَا: عين مُتَالِع.
تعل: أهمله اللَّيْث وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: التعَل: حرارة الْحلق الهائجة.
وَأما عَلَتَ فمهمل.
(بَاب الْعين وَالتَّاء مَعَ النُّون)
(ع ت ن)
عتن، عنت، نتع، نعت: مستعملة.
عتن: أهمل اللَّيْث عتن وَهُوَ مُسْتَعْمل، أَخْبرنِي المنذريّ عَن الحَرّانيّ عَن ابْن السكّيت قَالَ: يُقَال: عَتَله إِلَى السِجْن وعَتَنه يَعْتِنه ويَعْتُنه عَتْناً إِذا دَفعه دَفْعاً عَنيفاً. أَبُو العبّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: العُتُن: الأشِدَّاء، جمع عَتُونٍ، وعاتِنٍ إِذا تشدّد على غَرِيمه وآذاه.
عنت: قَالَ الله عزّ وجلّ: {لِمَنْ خَشِىَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} (النِّساء: 25) نزلت الْآيَة فِيمَن لم يسْتَطع طَوْلاً أَي فَضْل مالٍ ينْكح بِهِ حُرّة، فَلهُ أَن ينْكح أمَة، ثمَّ قَالَ: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِىَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} . وَهَذَا يُوجب أَن من لم يخْش العَنَت وَوجد طَوْلاً لحُرَّة أَنه لَا يحلّ لَهُ أَن ينْكح أَمَة. وَاخْتلف النَّاس فِي تَفْسِير العَنَت. فَقَالَ بَعضهم: مَعْنَاهُ: ذَلِك لمن خَافَ أَن يحملهُ شدّة الشَّبَق والغُلْمة على الزِّنَى فَيلقى الْعَذَاب الْعَظِيم فِي الْآخِرَة، والحَدَّ فِي الدُّنْيَا. وَقَالَ بَعضهم: مَعْنَاهُ: أَن يعشق أَمَة، وَلَيْسَ فِي الْآيَة ذكر عشق، وَلَكِن ذَا العِشقِ يلقى عَنَتاً. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَزيد الثُمَاليّ: العَنَت هَهُنَا: الْهَلَاك. وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الهَيْثَم أَنه قَالَ: العَنَت فِي كَلَام الْعَرَب: الجَوْر والإِثْم والأَذَى. قَالَ: فَقلت لَهُ: آلتعنُّت من هَذَا؟ قَالَ: نعم، يُقَال: تعنت فلَان فلَانا إِذا أَدخل عَلَيْهِ الأَذَى. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الزجَّاج: العَنَت فِي اللُّغَة: المَشَقَّة الشَّدِيدَة؛ يُقَال: أكمَة عَنُوت إِذا كَانَت شاقَّة(2/162)
المَصْعَد. قلت: وَهَذَا الَّذِي قَالَه أَبُو إِسْحَاق صَحِيح، فَإِذا شَقَّ على الرجل العُزْبة وغلبته الغلْمة وَلم يجد مَا يتزوّج بِهِ حُرّة فَلهُ أَن ينْكح أَمَة؛ لِأَن غَلَبَة الشَّهْوَة واجتماعَ المَاء فِي صُلْب الرجل رُبمَا أدّى إِلَى العِلَّة الصعبة، وَالله أعلم.
وَقَول الله عزّ وجلّ: {وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ} (الْبَقَرَة: 220) مَعْنَاهُ: وَلَو شَاءَ الله لشدَّد عَلَيْكُم وتعبَّدكم بِمَا يَصعب عَلَيْكُم أَدَاؤُهُ؛ كَمَا فَعل بِمن كَانَ قبلكُمْ. وَقد يوضع العَنَت مَوضِع الْهَلَاك، فَيجوز أَن يكون مَعْنَاهُ: لَو شَاءَ اللَّه لأعنتكم أَي أهلككم بِحكم يكون فِيهِ غير ظَالِم. وَقَول الله عزّ وجلّ: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} (التّوبَة: 128) مَعْنَاهُ: عَزِيز عَلَيْهِ عَنَتكم، وَهُوَ لِقَاء الشدّة والمشقّة. وَقَالَ بَعضهم: مَعْنَاهُ: عَزِيز عَلَيْهِ أَي شَدِيد مَا أعنتكم أَي مَا أوردكم العَنَت والمَشَقَّة. وَقَوله عزّ وجلَّ: {نَادِمِينَ وَاعْلَمُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِى كَثِيرٍ مِّنَ الاَْمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَاكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الاِْيمَانَ} (الحُجرَات: 7) أَي لَو أطَاع مثل المُخْبِر الَّذِي أخبرهُ بِمَا لَا أصل لَهُ كَانَ سعى بِقوم من الْعَرَب إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنهم ارتدّوا لوقعتم فِي عَنَت أَي فَسَاد وهلاك. وَهُوَ قَوْله عزّ وجلّ: {رَّحِيمٌ ياأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ أَن تُصِيببُواْ قَوْمَا بِجَهَالَةٍ} (الحُجرَات: 6) الْآيَة.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: أعنت فلَان فلَانا إعناتاً إِذا أَدخل عَلَيْهِ عَنَتاً أَي مَشَقَّة.
قَالَ: وتعنَّته تعنُّتاً إِذا سَأَلَهُ عَن شَيْء أَرَادَ بِهِ اللَبْس عَلَيْهِ والمشَقَّة.
قَالَ: والعَظْم المجبور يُصِيبهُ شَيْء فَيُعْنِته. قلت: مَعْنَاهُ: أَنه يَهيضه، وَهُوَ كسر بعد انجبار، وَذَاكَ أشدّ من الْكسر الأوّل.
وَقَالَ ابْن شُمَيل: العَنَت: الْكسر، وَقد عنِتَت يَده أَو رجله أَي انْكَسَرت. وَكَذَلِكَ كل عظم. وَأنْشد:
فداوِ بهَا أضلاع جنبيك بَعْدَمَا
عَنِتن وأعيتك الجبائر من عَلُ
وَقَالَ النَضْر: الوَثْءُ لَيْسَ بعَنَت، لَا يكون العَنَت إِلَّا الْكسر. والوَثْء: الضَّرْب حَتَّى يَرْهَص الجلدَ وَاللَّحم ويصل الضَّرْب إِلَى الْعظم من غير أَن ينكسر.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الإعنات: تَكْلِيف غير الطَّاقَة.
وَيُقَال: أعْنت الجابر الكسيرَ إِذا لم يَرفُق بِهِ، فَزَاد الكسرَ فَسَادًا. وَكَذَلِكَ رَاكب الدابَّة إِذا حمله على مَا لَا يحْتَملهُ من العُنْف حَتَّى يَظْلعَ فقد أعْنته. وَقد عنِتَت الدابَّة. وجُملة العَنَت الضَّرَر الشاقّ المؤذي. والعُنْتُوت: العَقَبة الكَئُود الشاقَّة، وَهِي العَنُوت أَيْضا، قَالَه ابْن الأعرابيّ وَغَيره.
قَالَ: وعُنْتُوت الْقوس: هُوَ الحَزّ الَّذِي تدخل فِيهِ الغانة، والغانة: حَلْقة رَأس الوَتَر.
وَقَالَ ابْن الأنباريّ: أصل العَنَت التَّشْدِيد وتعنَّته إِذا ألزمهُ مَا يصعُب عَلَيْهِ.
نعت: قَالَ اللَّيْث: النَعْت: وصفك الشَّيْء تَنْعته بِمَا فِيهِ وتبالغ فِي وَصفه.
قَالَ: وكلّ شَيْء كَانَ بَالغا تَقول لَهُ: هَذَا(2/163)
نَعْت أَي جيّد بَالغ.
قَالَ: وَالْفرس النَعْت: الَّذِي هُوَ غَايَة فِي العِتْق. وَمَا كَانَ نعتاً وَلَقَد نَعُتَ ينعُت نَعَاتة. فَإِذا أردْت أَنه تكلَّف فعله قلت: نعِت.
قَالَ: واستنعتُّه أَي استوصفتُه. وَجمع النَّعْت نُعُوت.
وَقَالَ غَيره: فرس نَعْت ومُنْتَعِت إِذا كَانَ مَوْصُوفا بالعِتْق والجَودة والسَبْق.
وَقَالَ الأخطل:
إِذا غرّق الآلُ الإكامَ علونه
بمنتعِتات لَا بغالٍ وَلَا حُمُرْ
والمنتعِت من الدوابّ وَالنَّاس: الْمَوْصُوف بِمَا يفضّله على غَيره من جنسه. وَهُوَ مفتعل من النَّعْت. يُقَال: نعتّه فانتعت؛ كَمَا يُقَال: وَصفته فاتّصف. وَمِنْه قَول أبي دُواد الإياديّ:
جَار كجار الحُذَاقيّ الَّذِي اتّصفا
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: أنْعَتَ إِذا حَسُن وجههُ حَتَّى يُنْعَت.
نتع: قَالَ ابْن المظفّر: نَتَع العَرَق نُتُوعاً. وَهُوَ شِبه نَبَع نُبوعاً، إِلَّا أَن نَتَع فِي العَرَق أحسن.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ أنتع الرجلُ إِذا عرق عَرَقاً كثيرا.
وَقَالَ شمر: قَالَ خَالِد بن جَنْبة فِي المتلاحِمة من الشِجَاج: وَهِي الَّتِي تشقّ الجِلد فتزِلّه فينتِعُ اللَّحْم وَلَا يكون للمسْبار فِيهِ طَرِيق.
قَالَ: والنَتْع: ألاَّ يكون دونه شَيْء من الجِلد يواريه، وَلَا وَرَاءه عَظْم يخرج قد حَال دون ذَاك الْعظم، فَتلك المتلاحمة.
(بَاب الْعين وَالتَّاء مَعَ الْفَاء)
ع ت ف
اسْتعْمل من وجوهه: عتف، عفت.
عتف: أهمل اللَّيْث وَغَيره عتف.
روى أَبُو العبّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: العُتُوف: النَتْف.
وَقَالَ أَبُو بكر مُحَمَّد بن دُرَيد: مضى عِتْف من اللَّيْل وعِدْف من اللَّيْل أَي هَوِيّ.
عفت: قَالَ اللَّيْث بن المظفّر: عَفَت فلَان الكلامَ عَفْتاً، وَهُوَ أَن يَلْفِته ويكسره. وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: امْرَأَة عفتاء وعفكاء ولَفْتاء، وَرجل أعفت أعفك ألْفت، وَهُوَ الأخرق.
وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: الألْفت: الأعسر، وَكَذَلِكَ الأَعْفت. قَالَ: وَإِنَّمَا سُمّي ألْفت لِأَنَّهُ يعْمل بجانبه الأميل. قَالَ: وكلّ مَا رميته إِلَى جَانِبك فقد لَفَتَّه. أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد: عَفَت فلَان عظم فلَان، يَعْفِته عَفْتاً: إِذا كَسره. قلت: العَفْت واللفت: اللَيّ الشَّديد وكل شَيْء ثَنَيتَه فقد عَفَتَّه تعفِته عَفْتاً. وَإنَّك لتَعْفِتني عَن حَاجَتي أَي تثَنيني عَنْهَا.
وَيُقَال للعصِيدة: عَفِيتة ولَفيتة.
وَقَالَ الأصمعيّ: العِفَّتانيّ: الرجل الجَلْد القويّ، رَوَاهُ عَنهُ أَبُو نصر؛ وَأنْشد:
بعد أزابي العفِتَّانّي الغَلِث(2/164)
قلت: وَمَال عفتان فِي كَلَام الْعَرَب سِلِّجان يُقَال أَلْقَاهُ فِي سلجانه أَي حَلْقه.
(بَاب الْعين وَالتَّاء مَعَ الْبَاء)
ع ت ب
عتب، تبع، تَعب، بتع: مستعملة.
عتب: قَالَ الله عزّ وجلّ: {لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ} (فُصْلَت: 24) .
وَقَالَ أَبُو مُعَاذ النحويّ: قرىء: (وَإِن يُسْتَعْتَبوا) .
قَالَ: وَمَعْنَاهُ: إنْ أقالهم الله وردّهم إِلَى الدُّنْيَا لم يُعتِبوا، يَقُول: لم يعملوا بِطَاعَة الله؛ لِمَا سبق لَهُم فِي علم الله من الشَّقَاء، وَهُوَ قَول الله جلّ وعزّ: {وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} (الأنعَام: 28) .
قَالَ: ومَن قَرَأَ: {: ُ: ِلَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ} فَمَعْنَاه: إِن يستقيلوا رَبهم لم يُقِلْهُم؛ تَقول استعتبت فلَانا فَمَا أعتبني؛ كَقَوْلِك: استقلته فَمَا أقالني. قلت: وَهَذَا الَّذِي قَالَه أَبُو معَاذ فِي الْقِرَاءَتَيْن حسن إِن شَاءَ الله.
وَقَالَ ابْن شُمَيل وَابْن المظفّر: العَتْب: المَوْجِدة؛ تَقول: عَتَب فلَان على فلَان عَتْباً ومَعْتِبة إِذا وَجَد عَلَيْهِ. وَقد أعتبني فلَان أَي ترك مَا كنت أجِد عَلَيْهِ من أَجله، وَرجع إِلَى مَا أرضاني عَنهُ بعد إسخاطه إيّاي عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: رُوي عَن أبي الدَّرْدَاء أَنه قَالَ: معاتبة الْأَخ خير من فَقْده.
قَالَ فَإِن استُعتِب الْأَخ فَلم يُعْتِب فَإِن مثلهم فِيهِ قَوْلهم: لَك العُتْبى بِأَن لَا رضِيت، وَهَذَا فعل محوّل عَن مَوْضِعه؛ لِأَن أصل العُتْبى رُجُوع المستعتَب إِلَى محبّة صَاحبه، وَهَذَا على ضدّه. يَقُول: أُعتِبك بِخِلَاف رضاك.
وَأنْشد لبِشْر:
غَضِبت تَمِيم أَن تَقَتّل عَامر
يَوْم النِسَار فأُعْتِبوا بالصَيْلم
أُعتِبوا أَي أُرضوا بالاصطلام.
وَقَالَ آخر:
فدع العتاب فربّ شرْ
رٍ هاج أولَه العتابُ
والعُتْبى: اسْم على فُعْلى يوضع مَوضِع لإعتاب، وَهُوَ الرُّجُوع عَن الْإِسَاءَة إِلَى مَا يُرْضي العاتب.
وَقَالَ اللَّيْث: استعتَب فلَان إِذا طلب أَن يُعْتَب أَي يُرضَى.
قَالَ: واستَعتَب أَيْضا بِمَعْنى أَعتب.
وَأنْشد:
فَأَلْفَيْته غير مستعتِب
وَلَا ذاكرِ الله إِلَّا قَلِيلا
قَالَ الْأَزْهَرِي: قَوْله: غير مستعتِب أَي غير مستقيل أَي طَالب أَن يُقَال وَقَوله: وَلَا ذَاكر الله إِلَّا قَلِيلا أَي وَلَا ذاكرٍ الله، فَحذف التَّنْوِين.
قَالَ: والتعتب والمعاتبة والعِتاب كل ذَلِك مُخَاطبَة المدلّين أخلاّءهم طَالِبين حُسْن مراجعتهم ومذاكرة بَعضهم بَعْضًا مَا كرهوه ممّا كَسَبهم الموجِدةَ.(2/165)
قَالَ: وَيُقَال: مَا وجدت فِي قَوْله عُتْباناً وَذَلِكَ إِذا ذكر أَنه أعتبك وَلم تَرَ لذَلِك بَيَانا. قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: مَا وجدت عَنهُ عَتْباً وَلَا عِتَاباً بِهَذَا الْمَعْنى. قلت: لم أسمع العتب والعتبان والعتاب بِمَعْنى الإعتاب، إِنَّمَا العتب والعتبان: لومك الرجلَ على إساءة كَانَت لَهُ إِلَيْك فاستعتبته مِنْهَا. وكلّ وَاحِد من اللَّفْظَيْنِ يخلص للعتاب، فَإِذا اشْتَركَا فِي ذَلِك وذكَّر كلُّ وَاحِد مِنْهُمَا صاحبَه مَا فَرَطَ مِنْهُ إِلَيْهِ من الْإِسَاءَة فَهُوَ العِتاب والمعاتبة. وأمّا الإعتاب والعُتْبى فَهُوَ رُجُوع المعتوب عَلَيْهِ إِلَى مَا يُرضِي العاتب. والاستعتاب: طَلَبك إِلَى الْمُسِيء أَن يرجع عَن إساءته. وَيكون الاستعتاب الاستقالة.
أَبُو عُبيد عَن الأصمعيّ: العَتَبة أُسْكُفّة الْبَاب الَّتِي تُوطأ.
وَقَالَ اللَّيْث: كل مَرْقاة من الدَرَج عَتَبة. وَكَذَلِكَ العَتَب فِي الثنايا الشاقَّة، واحدتها عَتَبة.
وَقَالَ ابْن شُمَيل: العَتَبة فِي الْبَاب هِيَ الْأَعْلَى. قَالَ: والخشبة الَّتِي فَوق الْأَعْلَى: الْحَاجِب قَالَ: والأُسْكُفّة هِيَ السُّفْلى. والعارضتان: العِضَادتان. وَيُقَال: مَا فِي طَاعَة فلَان عَتَبٌ أَي الْتواء وَلَا نَبْوة، ومافي مودّته عتَب إِذا كَانَت خَالِصَة لَا يشوبها فَسَاد. وَيُقَال: حُمِل فلَان على عَتَبة كريهة، وعَلى عَتَب كَريه من الْبلَاء والشرّ.
وَقَالَ الشَّاعِر:
يُعْلَى على العَتَب الكريه ويوبَس
وَقَالَ ابْن السّكيت فِي قَول عَلْقَمَة:
لَا فِي شظاها وَلَا أرساغها عَتَب
أَي عيب. وَهُوَ من قَوْلك: لَا يُتَعتّب عَلَيْهِ فِي شَيْء. والفحل الْمَعْقُول أَو الظالع إِذا مَشى على ثَلَاث قَوَائِم كَأَنَّهُ يَقْفِز يُقَال: يَعْتِب عَتَباناً.
أَبُو عبيد عَن الكسائيّ: عَتَب عَلَيْهِ من العِتابِ، يَعتِب يعتُب، وَكَذَلِكَ من الْمَشْي على ثَلَاث قَوَائِم. وَتقول: عتِّب لي عَتَبة فِي هَذَا الْموضع إِذا أردْت أَن تَرقى بِهِ إِلَى مَوضِع تصعد فِيهِ.
وَقَالَ اللَّيْث: إِذا أُعنت الْعظم المجبور قيل: قد أُعتِب وأُتعب.
وَقَالَ أَبُو عبيد: يُقَال: اعتَتَب فلَان عَن الشَّيْء إِذا انْصَرف عَنهُ.
وَمِنْه قَول الكُمَيت:
فاعتتب الشوقُ عَن فُؤَادِي والش
عر إِلَى من إِلَيْهِ مُعْتَتَب
وَأنْشد المازنيّ قَول الحُطَيئة:
إِذا مخارم أَحناء عَرَضْن لَهُ
لم يَنْبُ عَنْهَا وَخَافَ الْجور فاعتَتَبا
يَقُول: لم ينبُ عَنْهَا وَلم يخف الجَوْر. واعتتب أَي رَجَعَ من قَوْلهم: لَك العُتْبى أَي لَك الرُّجُوع ممّا تكره إِلَى مَا تُحِبّ. وعَتَبة الْوَادي: جَانِبه الْأَقْصَى الَّذِي يَلِي الجَبَل. وَيُقَال للرجل إِذا مَضَى سَاعَة ثمَّ رَجَعَ: قد اعتَتَب فِي طَرِيقه اعتِتاباً، كَأَنَّهُ عَرَض عَتَبٌ فتراجع.
وَقَالَ أَبُو سعيد فِي قَول الْأَعْشَى:
وثَنَى الكفّ على ذِي عَتَب
يصل الصَّوْت بِذِي زِير أبَحَّ(2/166)
قَالَ: العَتَب: الدَسْتَانات. وَقيل: العَتَب: العيدان المعروضة على وَجه الْعود، مِنْهَا تُمد الأوتار إِلَى طَرَف العُود. وَمن أَمْثَال الْعَرَب: أَوْدَى كَمَا أَوْدَى عَتِيب.
قَالَ ابْن الكلبيّ: هُوَ عَتِيب بن أسلم بن مَالك، وهم حَيّ كَانُوا فِي دِين مَلِك أَسَرهم واستعبدهم، وَكَانُوا يَقُولُونَ: إِذا كبِر صبيانُنا افتكونا، فَلم يزَالُوا كَذَلِك حَتَّى هَلَكُوا، فصاروا مَثَلاً لمن هلك وَهُوَ مغلوب. وَمِنْه قَول عَدِيّ بن زيد:
يُرَجِّيها وَقد وَقعت بقُرّ
كَمَا ترجو أصاغرَها عَتِيبُ
وَقَالَ اللَّيْث: عَتِيب: قَبيلَة. قَالَ: وعُتْبة وعَتَّاب وعِتْبان ومعتِّب من أَسمَاء الرِّجَال. وعَتَّابة من أَسمَاء النِّسَاء.
أَبُو العبّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الْعَرَب تكنِي عَن الْمَرْأَة بالعَتَبة والنَعْل والقارُورة. والبَيْت والدُمْية والغُلّ والقَيْد. قَالَ: والعِتْب: الرجل الَّذِي يعاتِب صَاحبه أَو صديقه فِي كل شَيْء إشفاقاً عَلَيْهِ ونصيحة لَهُ. والعَتوب: الَّذِي لَا يعْمل فِيهِ العتاب. وَيُقَال: فلَان يَستعتِب من نَفسه، وَيسْتَقْبل من نَفسه، ويَستدرك من نَفسه إِذا أدْرك بِنَفسِهِ تغييراً عَلَيْهَا بِحسن تَقْدِير وتدبير.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ أَنه قَالَ: الثُبْنَة: مَا عتَّبته من قُدّام السَّرَاوِيل. وَفِي حَدِيث سلمَان أَنه كَانَ عَتَّب سراويله فتشمّر.
تَعب: قَالَ اللَّيْث: التَعَب: شدّة العَنَاء، وَقد تعِب يَتْعَب تَعَباً. وأتعب الرجلُ رِكابَه إِذا أعجلها فِي السَوْق أَو السَيْر الحَثِيثِ. قَالَ: وَإِذا أُعِنت الْعظم المجبور فقد أُتعِب.
وَقَالَ ذُو الرمة:
إِذا مَا رَآهَا رأية هِيض قلبُه
بهَا كانتياض المتعَب المُتَتَمم
وَيُقَال: أتعب فلَان نفسَه فِي عمل يمارسه إِذا أنصبها فِيمَا حمَّلها وأعملها فِيهِ.
أَبُو الْعَبَّاس عَن سَلَمة عَن الفرّاء قَالَ: أتعب فلَان القَدَح إِذا ملأَهُ مَلأ يفِيض، فَهُوَ مُتْعَب.
تبع: يُقَال: تبع فلَان فلَانا واتَّبعه؛ قَالَ الله تَعَالَى فِي قصّة ذِي القَرْنين: {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً} (الْكَهْف: 89) ، وقرىء: (اتَّبَعَ سَببا) .
قَالَ أَبُو عُبَيد: وَكَانَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء يقْرَأ: (اتَّبَعَ سَببا) بتَشْديد التَّاء، وَمَعْنَاهَا: تَبِع. قَالَ: وَهِي قِرَاءَة أهل الْمَدِينَة، وَكَانَ الكسائيّ يقْرؤهَا: {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً} مَقْطُوعَة الألِف، وَمَعْنَاهَا: لحِق وَأدْركَ.
قَالَ أَبُو عُبيد: وَيُقَال: أتبعت الْقَوْم مِثَال أفعلت إِذا كَانُوا قد سبقوك فلحِقتهم. قَالَ: واتَّبعتهم مثل افتعلت إِذا مرّوا بك فمضيت مَعَهم، وتبِعتهم تَبَعاً مثله. وَيُقَال: مَا زلت أتّبعهم حَتَّى أَتْبعتهم، أَي حَتَّى أدركتهم.
قَالَ أَبُو عُبيد: وَقِرَاءَة أبي عَمْرو أحبّ إليّ من قِرَاءَة الكسائيّ.
وَقَالَ الفرّاء: أتْبع أحسن من اتّبع؛ لِأَن الاتّباع: أَن يسير الرجل وَأَنت تسير وَرَاءه، فَإِذا قلت: أتْبعته فكأنك قَفَوته.
وَقَالَ اللَّيْث: تبِعت فلَانا واتّبعته سَوَاء.(2/167)
وأتبع فلَان فلَانا إِذا تبعه يُرِيد بِهِ شرّاً، كَمَا أتبع الشيطانُ الَّذِي انْسَلَخَ من آيَات الله فَكَانَ من الغاوين، وكما أتبع فِرْعَوْن مُوسَى. قَالَ: وَأما التَّتبُّع فَأن يتتبَّع فِي مُهْلة شَيْئا بعد شَيْء. وَفُلَان يتتبَّع مساوىء فلَان وأثَره، ويتتبَّع مَدَاقّ الْأُمُور، وَنَحْو ذَلِك. قَالَ: والتَبَع: مَا تبِع أثر شَيْء فَهُوَ تَبَعه.
وَأنْشد قَول أبي دُوَاد الإياديّ فِي صفة ظَبْية:
وقوائم تَبَع لَهَا
من خَلْفها زَمَع معلَّقْ
وَقَالَ غَيره: يُقَال لجمع التَّابِع: تَبَع، كَمَا يُقَال لجمع الحارس: حَرَس ولجمع الْخَادِم: خَدَم. قَالَ: وَالتَّابِع: التَّالِي.
وَقَالَ الفرّاء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا} (الْإِسْرَاء: 69) .
قَالَ: التبيع فِي مَوضِع تَابع أَي تَابع بالثأر لإغراقنا إيّاهم. وَقيل: معنى قَوْله: {تَبِيعًا} أَي مطالباً. وَمِنْه قَول الله جلّ وعزّ: {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} (البَقَرة: 178) يَقُول: على صَاحب الدَّم اتّباع بِالْمَعْرُوفِ أَي الْمُطَالبَة بالدِية، وعَلى الْقَاتِل أَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَان. وَرفع قَوْله: (فاتباع) على معنى: فَعَلَيهِ اتِّبَاع بِالْمَعْرُوفِ. وَالْآيَة مستقصى تَفْسِيرهَا فِي المعتلاّت من الْعين فِي بَاب عَفا يعْفُو عِنْد ذكر قَوْله: {فَمَنْ عُفِىَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَىْءٌ} (البَقَرَة: 178) .
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الظُّلم لَيُّ الواجِد، وَإِذا أُتبِع أَحَدُكم على مَليء فليَتَّبِع) مَعْنَاهُ: وَإِذا أُحِيل أحدكُم على مَلِيء فليحتَلْ، من الْحِوَالَة.
وَفِي حَدِيث مَسْرُوق عَن مُعاذ بن جَبَل أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعثه إِلَى الْيمن، فَأمره فِي صَدَقة البَقَر أَن يَأْخُذ من كل ثَلَاثِينَ من الْبَقر تَبِيعاً، وَمن كل أَرْبَعِينَ مُسِنّة.
أَبُو عُبيد عَن أبي فَقْعَس الأسَديّ قَالَ: ولد الْبَقَرَة أوَّلَ سنة تَبِيع ثمَّ جَذَع ثمَّ ثنِيّ ثمَّ رَباعٍ ثمَّ سَدَس ثمَّ صالغ.
وَقَالَ اللَّيْث: التَبِيع: العِجْل المُدْرِك، إِلَّا أَنه يتبع أُمَّه بَعْدُ. والعَدَد ثَلَاثَة أَتبِعة، والجميع الأتابيع جمع الْجمع. وبقرة مُتْبِع: خَلْفها تَبِيع. وخادم مُتْبِع: يتبعهَا وَلَدهَا حَيْثُمَا أَقبلت وأدبرت.
قلت: قَول اللَّيْث: التبيع: الْمدْرك وَهَم، لِأَنَّهُ يدْرك إِذا أثْنى أَي صَار ثنِيّاً، والتبيع من الْبَقر يسمّى تَبِيعاً حِين يستكمل الْحول، وَلَا يسمّى تَبِيعاً قبل ذَلِك، فَإِذا اسْتكْمل عَاميْنِ فَهُوَ جَذَع، فَإِذا استوفى ثَلَاثَة أَعْوَام فَهُوَ ثَنِيّ، وحينئذٍ يُسِنّ، وَالْأُنْثَى مُسِنّة، وَهِي الَّتِي تُؤْخَذ فِي أَرْبَعِينَ من الْبَقر. وَيُقَال للْأُنْثَى: تَبِيعة وللذكر تَبيع.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال للَّذي لَهُ عَلَيْك مَال يتابعك بِهِ أَي يطالبك بِهِ: تَبِيع. قَالَ: وتابع فلَان بَين الصَّلَاة وَبَين الْقِرَاءَة إِذا وَالَى بَينهمَا، فَفعل هَذَا على أثر هَذَا بِلَا مُهْلة بَينهمَا. وَكَذَلِكَ رَمَيته فأصبتُه بِثَلَاثَة أسم تِباعاً أَي وِلاءً. قَالَ: والتَبِعة والتِبَاعة: اسْم للشَّيْء الَّذِي لَك فِيهِ بغية(2/168)
شِبْهُ ظلامة وَنَحْو ذَلِك.
قلت: وَيُقَال: فلَان تِبْع نسَاء أَي يتبعهنّ، وحِدْث نسَاء يحادثهنّ، وَزِير نسَاء: يزورهنّ، وخِلْبُ نسَاء إِذا كَانَ يخالبهنّ. والخِلْب أَيْضا: حِجاب الْقلب.
وأمّا قَول الجُهَنِيَّة:
يرِد الْمِيَاه حَضِيرة ونفيضَة
وِرْد القَطَاة إِذا اسمألّ التُبَّعُ
فَإِن أَبَا عُبَيد وَابْن السّكيت قَالَا: التُبَّع: الطلّ، واسمئلاله: قُلُوصه نِصْفَ النَّهَار وضمورُه.
وَقَالَ أَبُو سعيد الضَّرِير: التُبَّع: هُوَ الدَبَران فِي هَذَا الْبَيْت، سمّي تُبّعاً لاتّباعه الثريّا.
قلت: وَقد سَمِعت بعض الْعَرَب يسمّي الدَبَران التَّابِع والتُوَيْبع. وَمَا أشبه مَا قَالَ الضَّرِير بِالصَّوَابِ، لِأَن القَطَا تَرِد الْمِيَاه لَيْلًا، وقلَّما ترِدها نَهَارا، لذَلِك يُقَال: أدَلّ من قطاة، وَقَول لَبيد يدلّ على ذَلِك:
فوردنا قبل فُرّاط القَطا
إِن من وِرْدِيَ تغليسَ النَهَلْ
وَقَالَ اللَّيْث: التُبَّع: ضرب من اليعاسيب من أعظمها وأحسنها، وَجمعه التبابع. قلت: وأمَّا تُبَّعٌ الْملك الَّذِي ذكره الله فِي كِتَابه فَقَالَ: {الاَْيْكَةِ وَقَوْمُ تُّبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ} (ق: 14) فقد روينَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (مَا أَدْرِي أتبّع كَانَ لعِيناً أم لَا) .
وَقَالَ اللَّيْث: كَانَ تُبَّع ملِكاً من الْمُلُوك وَكَانَ مُؤمنا، وَكَانَ فيهم تبابعة. قَالَ: وَيُقَال: إِن ثَبت اشْتُقّ لَهُم هَذَا الاسمُ من تُبَّع وَلَكِن فِيهِ عجمة ولُكْنة، وَيُقَال: هم الْيَوْم من وضائع تُبَّع بِتِلْكَ الْبِلَاد.
وَفِي حَدِيث أبي وَاقد الليثيّ: تابعْنا الْأَعْمَال فَلم نجد شَيْئا أبلغ فِي طلب الْآخِرَة من الزّهْد فِي الدُّنْيَا. قَالَ أَبُو عبيد قَالَ أَبُو زيد وَغَيره: قَوْله: تابعنا الْأَعْمَال يَقُول: أحكمناها وعرفناها وَيُقَال للرجل إِذا أتقن الشَّيْء وأحكمه: قد تَابع عمله.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن سَلَمة عَن الفرّاء أَنه قَالَ: يُقَال تَابع فلَان كَلَامه وَهُوَ تبيع الْكَلَام إِذا أحكمه. وَفرس متتابع الخَلْق أَي مُسْتَوٍ.
وَقَالَ حُمَيد بن ثَوْر:
ترى طَرَفيه يعسِلان كِلَاهُمَا
كَمَا اهتزّ عُود الساسَم المتتابع
قَالَ النَّابِغَة الذبيانيّ:
من لُؤْلُؤ متتابع متَسَرّد
وَقَالَ غَيره: فلَان متتابع العِلْم إِذا كَانَ علمه يشاكل بعضُه بَعْضًا لَا تفَاوت فِيهِ. وغُصن متتابع إِذا كَانَ مستوِياً لَا أُبَن فِيهِ. وَيُقَال: تَابع المرتعُ المالَ فتتابعت أَي سمَّن خَلْقها فسمِنت وحَسُنت.
وَقَالَ أَبُو وَجْزة السعديّ:
حرْفٌ مُليكية كالفحل تابعها
فِي خِصْب عَاميْنِ إفراق وتهميل
وناقة مُفرِق أَي تمكث سنتَيْن أَو ثَلَاثًا لَا تَلْقَح. وَيُقَال: هُوَ يُتَابع الحَدِيث إِذا كَانَ يَسْرده.
وأمَّا قَول سلامان الطائيّ:
أخِفن اطّناني إِن سَكتن وإنني
لفي شغل عَن ذَحلي اليُتَتَبَّعُ(2/169)
فَإِنَّهُ أَرَادَ: ذحليَ الَّذِي يُتَتبَّع، فَطرح الَّذِي وَأقَام الْألف وَاللَّام مقَامه، وَهِي لُغَة لبَعض الْعَرَب.
وَقَالَ ابْن الأنباريّ: إِنَّمَا أقحم الْألف وَاللَّام على الْفِعْل الْمُضَارع لمضارعته الْأَسْمَاء.
وَفِي حَدِيث زيد بن ثَابت حِين أمره أَبُو بكر الصدّيق بِجمع الْقُرْآن قَالَ: فعلِقت أتتبّعُه من اللخاف والعُسُب أَرَادَ أَنه كَانَ يتتبّع مَا كُتب مِنْهُ فِي اللخاف والعُسُب، وَذَلِكَ أَنه استقصى جَمع جَمِيع الْقُرْآن من الْمَوَاضِع الَّتِي كُتب فِيهَا، حَتَّى مَا كُتب فِي اللِخاف وَهِي الْحِجَارَة وَفِي العُسُب، وَهِي جريد النّخل، وَذَلِكَ أَن الرَقّ أعوزهم حِين نزل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمر كُتَّاب الْوَحْي بإثباته فِيمَا تيسَّر من كتِف ولَوْح وجِلْد وعَسِيب ولَخفَة. وَإِنَّمَا تتبَّع زيد بن ثَابت الْقُرْآن وَجمعه من الْمَوَاضِع الَّتِي كُتب فِيهَا وَلم يقتصِر على مَا حفِظ هُوَ وَغَيره وَكَانَ من أحفظ النَّاس لِلْقُرْآنِ استظهاراً واحتياطاً، لِئَلَّا يسْقط مِنْهُ حرف لسُوء حفظ حافظه، أَو يتبدّل حرف بِغَيْرِهِ. وَهَذَا يدلّك أَن الْكِتَابَة أضبط من صُدُور الرِّجَال وَأَحْرَى ألاّ يسْقط مَعَه شَيْء، فَكَانَ زيد يتتبَّع فِي مُهْلة مَا كتب مِنْهُ فِي موَاضعه ويضمّه إِلَى الصُّحُف، وَلَا يثبت فِي تِلْكَ الصُّحُف إِلَّا مَا وجده مَكْتُوبًا كَمَا أُنزِل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأملاه على مَن كتبه، وَالله أعلم.
وَفِي حَدِيث أبي مُوسَى الأشعريّ أَنه قَالَ: اتّبعوا الْقُرْآن وَلَا يتبعنَّكم الْقُرْآن فَإِنَّهُ من يتبع الْقُرْآن يهْبط بِهِ على رياض الجنَّة وَمن يتّبعه الْقُرْآن يزُخّ فِي قَفاهُ حَتَّى يقذف بِهِ فِي نَار جَهَنَّم.
قَالَ أَبُو عُبيد قَوْله: اتبعُوا الْقُرْآن يَقُول: اجعلوه إمامكم ثمَّ اُتْلُوهُ؛ كَمَا قَالَ الله عزّ وجلّ: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ} (البَقَرَةَ: 121) أَي يتّبعونه حق اتِّبَاعه.
وَأما قَوْله: وَلَا يتبعنَّكم الْقُرْآن فَإِن بعض النَّاس يحملهُ على معنى: لَا يطلبنكم الْقُرْآن بتضييعكم إيّاه، كَمَا يطْلب الرجل صَاحبه بالتبعة.
قَالَ أَبُو عبيد: وَهَذَا معنى حسن يصدّقه الحَدِيث الآخر: (إِن هَذَا الْقُرْآن شَافِع مشفَّع، وَمَاحِل مصدَّق) ، فَجعله يمحل بِصَاحِبِهِ إِذا لم يتّبع مَا فِيهِ.
قَالَ أَبُو عبيد: وَفِيه قَول آخر أحسن من هَذَا، قَوْله: لَا يتبعنكم الْقُرْآن: لَا تَدَعوا الْعَمَل بِهِ فتكونوا قد جعلتموه وَرَاء ظهوركم؛ كَمَا فعل الْيَهُود حِين نبذوا مَا أُمِروا بِهِ وَرَاء ظُهُورهمْ. وَهَذَا قريب من الْمَعْنى الأول؛ لِأَنَّهُ إِذا اتّبعه كَانَ بَين يَدَيْهِ، وَإِذا خَالفه كَانَ خَلْفه.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ، قَالَ: التُبَّع: سيد النَّحْل، والتُبَّع: الظِلّ.
وَمن أَمْثَال الْعَرَب السائرة: أتْبِع الفرسَ لجامَها، يضْرب مَثَلاً للرجل يُؤمر برَب الصَنيعة وإتمام الْحَاجة.
بتع: فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه سُئِلَ عَن البِتْع فَقَالَ: (كلّ شراب مسكِر فَهُوَ حرَام) .(2/170)
قَالَ أَبُو عُبيد: البِتْع: نَبِيذُ العَسَل، وَهُوَ خَمْر أهل الْيمن.
وَقَالَ اللَّيْث: البِتَع: الشَّديد المفاصِل والمَوَاصِل من الْجَسَد.
قلت: وَغَيره يَجْعَل البَتَع طول العُنُق، يُقَال: عُنُق بَتِع وبَتِعه.
وَقَالَ الراجز:
كل علاة بِتع دليلها
وَقَالَ الآخر:
يرقى الدَسِيعُ إِلَى هادٍ لَهُ بَتِعٍ
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: البَتِع: الطَّوِيل العُنق، والتلِع: الطَّوِيل الظّهْر.
قَالَ ابْن شُمَيْل: من الْأَعْنَاق البَتَع وَهُوَ الغليظ الْكثير اللَّحْم الشَّديد. قَالَ: وَمِنْهَا المرهَف وَهُوَ الدَّقِيق، وَلَا يكون إلاّ لعتيق.
وَيُقَال: البَتَع فِي العُنق: شدّته، والتَلَع: طوله. وَيُقَال: بَتِع فلَان عليّ بِأَمْر لم يؤامرني فِيهِ إِذا قطعه دُونك.
وَقَالَ أَبُو وَجْزَة السَعْديّ:
بَان الخليط وَكَانَ البينُ بائجةً
وَلم نخفْهم على الْأَمر الَّذِي بَتِعوا
بتعوا أَي قطعُوا دُوننَا. وَيُقَال: عُنُق أبتع وبَتِع.
وروى أَبُو تُرَاب عَن أبي مِحْجَن قَالَ: الانبتاع والانبتال: الِانْقِطَاع.
وَقَالَ أَبُو زيد: جَاءَ الْقَوْم أَجْمَعُونَ أبصعون أبتعون بِالتَّاءِ، وَهَذَا من بَاب التَّأْكِيد.
(بَاب الْعين وَالتَّاء مَعَ الْمِيم)
(ع ت م)
عتم، عَمت، متع: مستعملة.
عتم: أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ عَتَم اللَّيْل وأعتم إِذا مَرَّ مِنْهُ قِطعة. وَقَالَ: إِذا ذهب النَّهَار وَجَاء اللَّيْل فقد جَنَح الليلُ.
ورُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (لايغلبنَّكُمُ الْأَعْرَاب على اسْم صَلَاتكُمْ العِشاء، فَإِن اسْمهَا فِي كتاب الله الْعشَاء، وَإِنَّمَا يُعْتَم بِحِلاب الْإِبِل) . قَوْله: (إِنَّمَا يُعْتَم بحلاب الْإِبِل) مَعْنَاهُ: لاتسمّوها صَلَاة العَتَمة؛ فَإِن الْأَعْرَاب الَّذين يَحْلبون إبلهم إِذا أعْتِمُوا أَي دخلُوا فِي وَقت العَتَمة، سَمَّوها صَلَاة الْعَتَمَة، وسمَّاها الله فِي كِتَابه صَلَاة العِشاء، فسَمُّوها كَمَا سمّاها الله، لَا كَمَا سمّاها الْأَعْرَاب. وعَتَمة اللَّيْل: ظَلاَم أوّله عِنْد سُقُوط نُور الشَفَق. يُقَال: عَتَم اللَّيْل يَعْتِم. وَقد أعتم الناسُ إِذا دخلُوا فِي وَقت العَتَمة. وَأهل الْبَادِيَة يريحُون نَعَمَهم بُعَيد الْمغرب، ويُنيخونها فِي مُرَاحها سَاعَة يستفيقونها، فَإِذا أفاقت وَذَلِكَ بعد مَر قِطعة من اللَّيْل أَثَارُوهَا وحلبوها. وَتلك السَّاعَة تُسمى عَتَمة. وسمعتهم يَقُولُونَ: استعتِموا نَعَمكم حَتَّى تُفيق ثمَّ احتلِبوها. وَيُقَال: قعد فلَان عندنَا قدرَ عَتَمة الحلائب أَي احْتبسَ قدر احتباسها للإفاقة. وأصل العَتْم فِي كَلَام الْعَرَب المُكث والاحتباس؛ يُقَال: ضرب فلَان فلَانا فَمَا عَتَّم وَلَا عَتَّب وَلَا كَذَّب أَي لم يتمكّث وَلم يتباطأ فِي ضربه إيّاه. وقِرًى(2/171)
عاتم أَي بطيء. وَقد عَتَم قِراه، وأعتمه صَاحبه أَي أخّره.
وَقَالَ الشَّاعِر:
فلمّا رَأينَا أَنه عاتِم القِرَى
بخيل ذكرنَا لَيْلَة الهَضْب كَرْدما
وروى سَلَمة عَن الفرّاء أَنه قَالَ: يُقَال: قد أعتمتَ حاجتَك أَي أخّرتها، وعتمت حاجتُك. ولغة أُخْرَى: أعتمت حَاجَتك أَي أبطأتْ.
وَأنْشد قَوْله:
معاتِيمُ القِرَى سُرُف إِذا مَا
أجَنَّت طَخْيةُ اللَّيْل البهيم
وَقَالَ الطِرِمّاح يمدح رَجلاً:
مَتى يَعِد يُنْجز وَلَا يكتبل
مِنْهُ العطايا طولُ إعتامها
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: العُتُم يكون فعالهم مدحاً، وَيكون ذمّاً جمع عاتِم وعَتُوم، فَإِذا كَانَ مدحاً فَهُوَ الَّذِي يَقْرِي ضِيفانه اللَّيْل وَالنَّهَار، وَإِذا كَانَ ذمّاً فَهُوَ الَّذِي لَا يَحْلُب لبن إبل مُمْسياً حَتَّى ييأس من الضَّيْف.
وَقَالَ اللَّيْث بن المظفّر: يُقَال: عَتَم الرجلُ يعتِم إِذا كَفّ عَن الشَّيْء بعد المضيّ فِيهِ، وَأكْثر مَا يُقَال: عَتَّم تعتيماً.
وَفِي الحَدِيث أَن سَلْمان غرس كَذَا وَكَذَا وَدِيّاً والنبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يناوله وَهُوَ يَغْرِس، فَمَا عَتَّمت مِنْهَا ودِيَّة أَي مَا أَبْطَأت حَتَّى علِقَت.
وَقَالَ اللَّيْث: العَتَمة هُوَ الثُلُث الأول من اللَّيْل بعد غيبوبة الشَفَق؛ يُقَال أعتم الرجل إِذا صَار فِي ذَلِك الْوَقْت. وعتَّموا تعتيماً إِذا سَارُوا فَوَرَدُوا فِي ذَلِك الْوَقْت، وَكَذَلِكَ إِذا صدرُوا فِي تِلْكَ السَّاعَة.
وَقَالَ غَيره: نَاقَة عَتُوم، وَهِي الَّتِي لَا تزَال تُعَشَّى حَتَّى تذْهب سَاعَة من اللَّيْل، وَلَا تُحلب إلاَّ بعد ذَلِك الْوَقْت.
وَقَالَ الرَّاعِي:
أُدِرُّ النَسَا إِذْ لَا تدُرّ عَتُومها
وروى ابْن هانىء عَن أبي زيد الأنصاريّ أَنه قَالَ: الْعَرَب تَقول للقمر إِذا كَانَ ابْن ليلته: عَتَمَةُ سُخَيله، حلَّ أَهلهَا برُمَيلهْ، أَي قدر احتباس الْقَمَر إِذا كَانَ ابْن لَيْلَة ثمَّ غروبه قدر عَتَمة سَخْلة يرضع أمّه ثمَّ يَحتبس قَلِيلا ثمَّ يعود لرضاع أمّه، وَذَلِكَ أنَّ تفوُّق السَخْل أمَّه فُواقاً بعد فُواق يقرب وَلَا يطول. وَإِذا كَانَ الْقَمَر ابْن لَيْلَتَيْنِ قيل لَهُ: حَدِيث أَمَتين، بكذب وَمَيْن. وَذَلِكَ أَن جديثهما لَا يطول لشُغلما بمهْنة أهلهما وَإِذا كَانَ ابْن ثَلَاث قيل: حَدِيث فتيات، غير مؤتلفات. وَإِذا كَانَ ابْن أَربع قيل: عَتَمة رُبَع، غير جَائِع وَلَا مرضَع. أَرَادوا أَن قدر احتباس الْقَمَر طالعاً ثمَّ غروبَه قدرُ فوَاق هَذَا الرُبَع أَو فوَاق أُمّه. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: عَتَمة أمّ الرُبَع. وَإِذا كَانَ ابْن خمس قيل: حَدِيث وأُنْس، وَيُقَال: عَشَاء خِلفات قُعْس وَإِذا كَانَ ابْن سِتّ قيل: سِرْ وبِتْ. وَإِذا كَانَ ابْن سبع قيل: دَلْجة الضَبُع. وَإِذا كَانَ ابْن ثَمَان قيل: قمر إضْحِيان. وَإِذا كَانَ ابْن تسع قيل يُلتقط فِيهِ الجَزْع. وَإِذا كَانَ ابْن عشر قيل لَهُ: مخنِّق الْفجْر. والعُتُم من الزَّيْتُون: مَا ينْبت فِي الْجبَال.(2/172)
وَقَالَ الهذليّ:
من فَوْقه شُعَب قُرّ وأسفله
جَيْء تنطَّق بالظَيَّان والعَتَم
وثمره الزَغْبَج.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: العُتُم: الزَّيْتُون البَرّي لَا يحمل شَيْئا. وَقَالَ ذَلِك اللَّيْث.
عَمت: قَالَ اللَّيْث: العَمْت: أَن يَعْمت الصُّوف، فتُلفّ بعضه على بعض مستطيلاً أَو متّخذاً حَلْقة، كَمَا يَفْعَله الغَزَّال الَّذِي يغزِل الصُّوف فيلقيه فِي يَده. وَالِاسْم العَمِيت، وَثَلَاثَة أعمِتة ثمّ عُمُت. وَأنْشد:
يظَلّ فِي الشَّاء يرعاها ويحلبُها
ويَعْمِت الدهرَ إلاَّ رَيْثَ يَهْتَبِدُ
وَيُقَال: عَمَّت العَمِيت يُعَمته تَعميتاً. أَبُو الْعَبَّاس عَن عَمْرو بن أبي عَمْرو عَن أَبِيه أَنه أنْشدهُ:
فظلّ يَعْمِت فِي قَوْط وراجلة
يَكْفِتُ الدهرَ إلاّ رَيْثَ يَهْتَبِد
قَالَ: يعمت: يغزل، من العَمِيتة وَهِي القِطعة من الصُّوف، وَقَالَ: يَكْفِت: يجمع ويحرص، إلاّ سَاعَة يقْعد يطْبخ الهَبِيد. والراجلة: كَبْش الرَّاعِي يحمل عَلَيْهِ مَتَاعه. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: العَمِيت: الْحَافِظ العالِم الفطِن. وَأنْشد:
وَلَا تَبَغَّ الدهرَ مَا كُفِيتا
وَلَا تُمَارِ الفَطِن العَمِيتا
وَيُقَال: فلَان يَعْمِت أقرانه إِذا كَانَ يقهرهم ويلفُّهم، يُقَال ذَلِك فِي الحَرْب وجَودة الرَّأْي وَالْعلم بِأَمْر العدوّ وإثخانه. وَمن ذَلِك قيل للَفائف الصُّوف عُمُت، وَاحِدهَا عَمِيت: لِأَنَّهَا تُعْمَت أَي تُلَفّ. وَقَالَ الهذليّ يؤبّن رجلا:
يلُفّ طوائف الفُرسا
ن وهْو بلَفِّهم أَرِبُ
متع: ذكر الله عزّ وجلّ الْمَتَاع والتمتّع والاستمتاع والتمتيع فِي مَوَاضِع من كِتَابه، ومعانيها وَإِن اخْتلفت رَاجِعَة إِلَى أصل وَاحِد. وَأَنا مفسّر كل لَفْظَة مِنْهَا على مَا يصحّ لأهل التَّفْسِير وَلأَهل اللُّغَة؛ لِئَلَّا تشتبه على مَن أَرَادَ علمهَا، ولأقرِّبها على من قَرَأَهَا، والموفّق للصَّوَاب ربّنا جلّ وعزّ.
فأمّا الْمَتَاع فِي الأَصْل فكلّ شَيْء ينتفَع بِهِ ويُتبلَّغ بِهِ ويتزوَّد؛ والفناء يَأْتِي عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا. وَقَول الله جلّ وعزّ: {فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} (البَقَرة: 196) وَصُورَة المتمتّع بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَج: أَن يُحرم بِالْعُمْرَةِ فِي أشهر الْحَج، فَإِذا أحرم بِالْعُمْرَةِ بعد إهلاله شوّالا فقد صَار متمتّعاً بِالْعُمْرَةِ إِلَى الحجّ. وسُمّي متمتّعاً بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَج لِأَنَّهُ إِذا قدِم مكّة وَطَاف بِالْبَيْتِ وسعى بَين الصَّفَا والمَرْوة حَلّ من عمرته وَحلق رَأسه وَذبح نُسكه الْوَاجِب عَلَيْهِ لتمتّعه، وحلّ لَهُ كلُّ شَيْء كَانَ حرم عَلَيْهِ فِي إِحْرَامه: من النِّسَاء والطِيب، ثمَّ يُنشىء بعد ذَلِك إحراماً جَدِيدا للحجّ وَقت نهوضه إِلَى مِنًى أَو قبل ذَلِك، من غير أَن يجب عَلَيْهِ الرجوعُ إِلَى الْمِيقَات الَّذِي أنشأ مِنْهُ عُمْرته، فَذَلِك تمتّعه بِالْعُمْرَةِ إِلَى الحجّ أَي انتفاعه وتبلّغه بِمَا انْتفع بِهِ: من حِلاَق وطِيب وتنظُّف وَقَضَاء تَفَث وإلمام بأَهْله(2/173)
إِن كَانَت مَعَه؛ وكلّ هَذِه الْأَشْيَاء كَانَت محرَّمة عَلَيْهِ، فأبيح لَهُ أَن يُحِلّ وَينْتَفع بإحلال هَذِه الْأَشْيَاء كلهَا، مَعَ مَا سقط عَنهُ من الرُّجُوع إِلَى الْمِيقَات وَالْإِحْرَام مِنْهُ بالحجّ، وَالله أعلم، وَمن هَهُنَا قَالَ الشافعيّ: إِن المتمتّع أخفّ حَالا من الْقَارِن، فافهمه.
وأمَّا قَول الله جلّ وعزّ: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} (البَقَرَة: 241) ، وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: {لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَآءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} (البَقَرَة: 236) . قلت: وَهَذَا التمتيع الَّذِي ذكره الله للمطلقات على وَجْهَيْن، أَحدهمَا وَاجِب لَا يَسعهُ تَركه، وَالْآخر غير وَاجِب يستحبّ لَهُ فعله. فَالْوَاجِب للمطلَّقة الَّتِي لم يكن زَوجهَا حِين تزوّجها سَمَّى لَهَا صَداقاً، وَلم يكن دخل بهَا حَتَّى يطلّقها، فَعَلَيهِ أَن يمتّعها بِمَا عزّ وَهَان من مَتَاع ينفعها بِهِ: من ثوب يُلبِسها إيّاه، أَو خادِم يَخدمها أَو دَرَاهِم أَو طَعَام. وَهُوَ غير موقّت؛ لِأَن الله عزّ وجلّ لم يحصره بِوَقْت، وَإِنَّمَا أَمر بتمتيعها فَقَط؛ وَقد قَالَ: {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ} . وَأما الْمُتْعَة الَّتِي لَيست بواجبة وَهِي مستحبَّة من جِهَة الْإِحْسَان والمحافظة على الْعَهْد فَأن يتزوّج الرجل امْرَأَة ويسمّي لَهَا صَدَاقا، ثمَّ يطلّقها قبل دُخُوله بهَا وَبعده، فَيُسْتَحَب أَن يمتّعها بمُتْعة سوى نصف الْمهْر الَّذِي وَجب عَلَيْهِ لَهَا إِن لم يكن دخل بهَا، أَو الْمهْر الْوَاجِب كُله إِن كَانَ دخل بهَا، فيمتّعها بمُتْعة ينفعها بهَا، وَهِي غير وَاجِبَة عَلَيْهِ، وَلكنه اسْتِحْبَاب ليدْخل فِي جملَة الْمُحْسِنِينَ أَو المتّقين، وَالله أعلم. وَالْعرب تسمي ذَلِك كلُّه مُتْعة ومَتَاعاً وتَحْميماً وحَمّاً.
وأمَّا قَول الله جلّ وعزّ: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لاَِّزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} (الْبَقَرَة: 240) فَإِن هَذِه الْآيَة مَنْسُوخَة بقول الله جلّ وعزّ: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} (الْبَقَرَة: 234) فمُقام الْحول مَنْسُوخ باعتداد أربعةِ أشهر وعَشْرِ، والوصيَّة لهنّ مَنْسُوخَة بِمَا بيَّن الله من مِيرَاثهَا فِي آيَة الْمَوَارِيث. وقرىء {وَصِيَّةً لاَِّزْوَاجِهِم} و { (وصيةٌ) بِالرَّفْع وَالنّصب. فَمن نصب فعلى الْمصدر الَّذِي أُرِيد بِهِ الْفِعْل، كَأَنَّهُ قَالَ: ليوصوا لهنَّ وصيّةً. ومَن رفع فعلى إِضْمَار: فَعَلَيهم وصيّةٌ لأزواجهم. وَنصب قَوْله: (مَتَاعا) على الْمصدر أَيْضا، أَرَادَ متّعوهن مَتَاعا. وَالْمَتَاع والمُتْعة اسمان يقومان مقَام الْمصدر الحقيقيّ، وَهُوَ التمتيع، أَي انفعوهنّ بِمَا توصون بِهِ لهنّ من صلَة تَقُوتهنّ إِلَى تَمام الحَوْل.
وَأما قَول الله جلَّ وعزَّ فِي سُورَة النِّسَاء بعقب مَا حَرَّم من النِّسَاء فَقَالَ: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُمْ مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} (النِّساء: 24) أَي عاقدين النِّكَاح الْحَلَال غير زناة {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَئَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} (النِّساء: 24) فَإِن(2/174)
أَبَا إِسْحَاق الزجّاج ذكر أَن هَذِه آيَة قد غلِط فِيهَا قوم غَلَطاً عَظِيما لجهلهم باللغة، وَذَلِكَ أَنهم ذَهَبُوا إِلَى أَن قَوْله: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَئَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} من المُتْعة الَّتِي قد أجمع أهل الْعلم أَنَّهَا حرَام؛ وَإِنَّمَا معنى {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} : فَمَا نكحتموهُ مِنْهُنَّ على الشريطة الَّتِي جَرَت فِي الْآيَة أَنه الْإِحْصَان، أَن تَبْتَغُوا بأموالكم محصنين أَي عاقدين التَّزْوِيج، أَي فَمَا استمتعتم بِهِ مِنْهُنَّ على عقد التَّزْوِيج الَّذِي جرى ذكره {فَئَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} أَي مُهُورهنّ. فَإِن استمتع بِالدُّخُولِ بهَا آتى الْمهْر تَاما، وَإِن استمتع بِعقد النِّكَاح آتى نصف الْمهْر. قَالَ: وَالْمَتَاع فِي اللُّغَة: كل مَا انتُفِع بِهِ، فَهُوَ مَتَاع. قَالَ: وَقَوله: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ} (الْبَقَرَة: 236) لَيْسَ بِمَعْنى: زوّدوهن المُتَع؛ إِنَّمَا مَعْنَاهُ: أعطوهن مَا يستمتعن بِهِ. وَكَذَلِكَ قَوْله: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} (البَقَرة: 241) . قَالَ: وَمن زعم أَن قَوْله: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} (النِّساء: 24) الْمُتْعَة الَّتِي هِيَ الشَّرْط فِي التمتّع الَّذِي يَفْعَله الرافضة فقد أَخطَأ خطأ عَظِيما؛ لِأَن الْآيَة وَاضِحَة بيّنة.
قلت: فَإِن احتجّ محتجّ من الروافض بِمَا يرْوى عَن ابْن عبَّاس أَنه كَانَ يَرَاهَا حَلَالا، وَأَنه كَانَ يقْرؤهَا: (فَمَا استمتعتم بِهِ مِنْهُنَّ إِلَى أجل مسمَّى) فالثابت عندنَا أَن ابْن عَبَّاس كَانَ يَرَاهَا حَلَالا؛ ثمَّ لمَّا وقف على نهي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنْهَا رَجَعَ عَن إحلالها؛ حدَّثناه مُحَمَّد بن إِسْحَاق، قَالَ: حَدثنَا الْحسن ابْن أبي الرّبيع، عَن عبد الرَّزَّاق، عَن ابْن جُرَيج عَن عَطاء، قَالَ: سَمِعت ابْن عَبَّاس يَقُول: مَا كَانَت المُتْعة إلاَّ رَحْمَة رحم الله بهَا أمَّة مُحَمَّد، فلولا نَهْيه عَنْهَا مَا احْتَاجَ إِلَى الزِّنَى أحد إلاّ شَفى، وَالله لكَأَنِّي أسمع قَوْله: (إِلَّا شَفًى) عَطاء الْقَائِل. قَالَ عَطاء: فَهِيَ الَّتِي فِي سُورَة النِّسَاء: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} إِلَى كَذَا وَكَذَا من الأجَل، على كَذَا وَكَذَا شَيْئا مسمَّى. فَإِن بدا لَهما أَن يتراضيا بعد الْأَجَل فنعَمْ، وَأَن تفَرقا فنعَمْ، وَلَيْسَ بِنِكَاح.
قلت: وَهَذَا حَدِيث صَحِيح، وَهُوَ يبيِّن أَن ابْن عَبَّاس صحّ لَهُ نهي النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْمُتْعَة الشرطيَّة، وَأَنه رَجَعَ عَن إحلالها إِلَى تَحْرِيمهَا. وَقَوله: (إلاّ شَفى) أَي إِلَّا أَن يُشْفي أَي يُشرف أَي على الزِّنَى وَلَا يواقِعه، أَقَامَ الِاسْم وَهُوَ الشَفَى مُقام الْمصدر الحقيقيّ، وَهُوَ الإشفاء على الشَّيْء، وحَرْف كلّ شَيْء شفَاه، وَمِنْه قَول الله عزّ وجلّ: {عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ} (التَّوْبَة: 109) : وأشفى على الْهَلَاك إِذا أشرف عَلَيْهِ. وَإِنَّمَا بيَّنت هَذَا الْبَيَان لِئَلَّا يغُرّ بعضُ الرافضة غِرّ من الْمُسلمين فيُحِلّ لَهُ مَا حرّمه الله جلّ وعزّ على لِسَان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن النَّهْي عَن المُتعة الشّرطِيَّة صحّ من جِهَات لَو لم يكن فِيهِ غير مَا رُوِي عَن عَليّ بن أبي طَالب وَنَهْيه ابْن عَبَّاس عَنْهَا لَكَانَ كَافِيا. وَالله المسدّد والموفّق، لَا شريك لَهُ وَلَا نَدِيد.
وأمّا قَول الله جلَّ وعزَّ: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ(2/175)
مُّسَمًّى} (هُود: 3) فَمَعْنَاه: أَي يبقيكم بَقَاء فِي عَافِيَة إِلَى وَقت وفاتكم، وَلَا يستأصلكم بِالْعَذَابِ، كَمَا استأصل أهل القُرَى الَّذين كفرُوا. ومَتَّع الله فلَانا وأمتعه إِذا أبقاه وأنسأه إِلَى أَن يَنْتَهِي شَبَابه. وَمِنْه قَول لَبِيد يصف نخلا نابتاً على المَاء حَتَّى طَال طِواله فِي السَّمَاء، فَقَالَ:
سُحُق يمتّعها الصَفَا وسَريُّه
عُمّ نواعم بَينهُنَّ كُرُوم
والصَفا والسرِيّ: نهران يتخلَّجان من نهر محلِّم الَّذِي بِالْبَحْرَيْنِ يَسْقِي قرى هَجَر كلهَا.
وَقَول الله عزَّ وجلَّ: {لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ} (النُّور: 29) جَاءَ فِي التَّفْسِير أَنه عَنى ببيوت غير مسكونة الْخَانَات والفنادق الَّتِي ينزلها السابلةُ وَلَا يُقِيمُونَ فِيهَا إِلَّا مُقامك ظاعن. وَقيل: عَنى بهَا الخرابات الَّتِي يدخلهَا أَبنَاء السَّبِيل للانتفاض من بَوْل أَو خَلاَء. وَمعنى قَوْله: {فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ} (النُّور: 29) أَي مَنْفَعَة لكم تقضون فِيهَا حَوَائِجكُمْ مستترين عَن أبصار النَّاس، فَذَلِك الْمَتَاع. وَالله أعلم بِمَا أَرَادَ. وَقَالَ ابْن المظفر: الْمَتَاع من أَمْتعَة الْبَيْت: مَا يَستمتِع بِهِ الْإِنْسَان فِي حَوَائِجه، وَكَذَلِكَ كلّ شَيْء. قَالَ: وَالدُّنْيَا مَتَاع الْغرُور يَقُول: إِنَّمَا الْعَيْش مَتَاع أَيَّام ثمَّ يَزُول، أَي بَقَاء أَيَّام. وَيُقَال: أمتع الله فلَانا بفلان إمتاعاً أَي أبقاه الله ليستمتع بِهِ فِيمَا يحبّ من الِانْتِفَاع بِهِ وَالسُّرُور بمكانه. وَيَقُول الرجل لصَاحبه: ابغني مُتْعة أعيش بهَا أَي ابغ لي شَيْئا آكله، أَو زاداً أتزوّده، أَو قوتاً أقتاته. وَمِنْه قَول الْأَعْشَى يصف صائداً:
من آل نَبهان يَبْغِي صَحبه مُتَعا
أَي يَبْغِي لأَصْحَابه صيدا يعيشون بِهِ. والمُتَع جمع مُتْعَة. قَالَ اللَّيْث: وَمِنْهُم من يَقُول: مِتْعة، وَجَمعهَا مِتَع. ورَوَى عَمْرو عَن أَبِيه أَنه قَالَ: المُتْعة، الزَّاد الْقَلِيل، وَجَمعهَا مُتَع. قلت: وَكَذَلِكَ قَول الله عزَّ وجلَّ: {الرَّشَادِ ياقَوْمِ إِنَّمَا هَاذِهِ الْحَيَواةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الاَْخِرَةَ} (غَافِر: 39) أَي بُلْغة يُتبلَّغ بِهِ لابقاء لَهُ. وَيُقَال: لَا يُمتعِني هَذَا الثَّوْب أَي لَا يَبْقَى لي، وَمِنْه أمتع الله بك. وَيُقَال: مَتَع النَّهَار متُوعاً إِذا ارْتَفع حَتَّى بلغ غَايَة ارتفاعه قبل أَن يَزُول. وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
وأدركْنا بهَا حَكَم بن عَمْرو
وَقد متع النهارُ بِنَا فزالا
وَيُقَال للحبل الطَّوِيل ماتع. ونبيذ ماتع إِذا اشتدَّت حمرته. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الماتع من كل شَيْء: الْبَالِغ فِي الْجَوْدَة الْغَايَة فِي بَابه؛ وَأنْشد:
خُذْهُ فقد أُعطيتَه جيّداً
قد أُحكمت صيغتُه ماتِعا
أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر مَتَعت بالشَّيْء: ذهبت بِهِ. قَالَ: وَمِنْه قيل: لَئِن اشتريتَ هَذَا الْغُلَام لتَمْتَعَنَّ مِنْهُ بِغُلَام صَالح أَي لتذهبنَّ. وَقَالَ أَبُو زيد: أمتعت بأهلي وَمَالِي أَي تمتعت بِهِ. قَالَ: وَمِنْه قَول الرَّاعِي:
خليطين من شَعبين شتَّى تجاورا
زَمَانا وَكَانَا بالتفرق أمتعا
وَقَالَ الْكسَائي: طالما أُمْتِع بالعافية، فِي(2/176)
معنى: مُتِّع وتمتَّع. الحَرّانيّ عَن ابْن السّكيت: قَالَ أَبُو عَمْرو: أمتعت عَن فلَان أَي اسْتَغْنَيْت عَنهُ. وَقَالَ الأصمعيّ فِي قَول الرَّاعِي:
. . وَكَانَا بالتفرق أمتعا
قَالَ: لَيْسَ من أحد يُفَارق صَاحبه إِلَّا أمتعه بِشَيْء يَذكره بِهِ. وَكَانَ مَا أمتع بِهِ كلّ وَاحِد من هذَيْن صَاحبه أَن فَارقه. وَقَول الله جلّ وعزّ: {فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ} (التّوبَة: 69) قَالَ الفَرّاء: اسْتَمْتعُوا يَقُول: رَضُوا بنصيبهم فِي الدُّنْيَا من أنصابهم فِي الْآخِرَة، وفعلتم أَنْتُم كَمَا فعلوا. ونحوَ ذَلِك قَالَ الزّجاج. وَقَالَ غَيرهمَا: مَعْنَاهُ: اسْتَمْتعُوا بنصيبهم من الْآخِرَة فِي الدُّنْيَا. وَأنْشد المازنيّ هَذَا الْبَيْت:
ومنّا غداةَ الروعْ فِتْيان نَجْدةٍ
إِذا امتَعَت بعد الأكفّ الأشاجع
قَالَ: زعم عُمَارة بن جرير أَنهم يَقُولُونَ: نَبيذ ماتع إِذا كَانَ أَحْمَر، وَقَوله: إِذا امتَعَت أَي إِذا احْمَرَّتْ الأكفّ والأشاجع من الدَّم.
(أَبْوَاب الْعين والظاء)
ع ظ ذ ع ظ ث
مهملان.
(بَاب الْعين والظاء مَعَ الرَّاء)
ع ظ ر
اسْتعْمل مِنْهُ: عظر، رعظ.
عظر: أَبُو عبيد عَن أبي الجرّاح قَالَ: إِذا كَظَّ الرجلَ شُرْبُ المَاء وثقُل فِي جَوفه فَذَلِك الإعظار، وَقد أعظرني الشرابُ. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: العِظَار: الامتلاء من الشَّرَاب. وَقَالَ شمر: العَظَارِيّ: ذُكُور الْجَرَاد. وَأنْشد:
غَدا كالعَمَلَّس فِي حُذْله
رُؤُوس العَظَاري كالعُنْجُد
والعملَّس: الذِّئْب، وحُذْله: حُجْزة إزَاره، والعُنْجُد: الزَّبِيب. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: العُظرُ جمع عَظُور، وَهُوَ الممتلىء من أيّ الشَّرَاب كَانَ. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: العِظْير: الْقصير من الرِّجَال. وَقَالَ الأصمعيّ: العِظْير: القويّ الغليظ، وَأنْشد:
تُطَلِّح العظير ذَا اللَوْتِ الضَبِث
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: العِظْير: الكَزَ الغليظ.
رعظ: أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: الرُعْظ: مَدْخَل النَصْل فِي السهْم، وَجمعه أرعاظ. وَمن أَمْثَال الْعَرَب: إِن فلَانا ليكسِر عَلَيْك أرعاظ النَبْل، يضْرب للرجل الَّذِي يشتدّ غَضَبه. وَقد فسّر على وَجْهَيْن. أَحدهمَا أَنه أَخذ سَهْما وَهُوَ غَضْبَان شَدِيد الْغَضَب فَكَانَ يَنْكُت بنصله الأَرْض وَهُوَ واجم نَكْتاً شَدِيدا حَتَّى انْكَسَرَ رُعْظ السهْم. وَالْقَوْل الثَّانِي أَنه مثل قَوْلهم: إِنَّه ليَحْرِق عَلَيْك الأُرَّم أَي الْأَسْنَان، أَرَادوا أَنه كانَ يَصْرِف بأنيابه من شدَّة غَضَبه حَتَّى عَنِتَت أسناخُها من شدَّة الصَرِيف، شبّه مدَاخِل الأنياب ومنابتها مدَاخِل النِصال من النبال. وَقَالَ أَبُو خَيرة: سهم مرعوظ، وَصفه بالضعف وَقَالَ اللَّيْث: الرُعْظ: الَّذِي يُدخل فِيهِ سِنْخ النصل. وَأنْشد:(2/177)
يَرْمي إِذا مَا سَدَّد الأرعاظا
على قسيّ حُرْبظت حِرباظا
وَسَهْم مرعوظ إِذا انْكَسَرَ رُعْظُه فشُدّ بالعَقَب فَوْقه، وَذَلِكَ العَقَب يسمَّى الرِصَاف.
(بَاب الْعين والظاء مَعَ اللَّام)
ع ظ ل
اسْتعْمل من وجوههن: عظل، ظلع، لعظ.
عظل: رُوِيَ عَن عمر بن الخطّاب أَنه قَالَ لقوم من الْعَرَب: أشعر شعرائكم مَن لم يعاظل الْكَلَام وَلم يتّبع حُوشِيّه. قَوْله: لم يعاظل الْكَلَام أَي لم يَحمل بعضه على بعض، وَلم يتكلّم بالرَجِيع من القَوْل وَلم يكرّر اللَّفْظ وَالْمعْنَى. وحُوشيِّ الْكَلَام: وَحْشِيّه وغريبه. وَمن أيّام الْعَرَب الْمَعْرُوفَة يَوْم العَظَالَى وَهُوَ يَوْم مَعْرُوف.
وَيُقَال أَيْضا: يَوْم العَظَالَى، سمي الْيَوْم بِهِ لركوب النَّاس فِيهِ بعضهِم بَعْضًا.
وَقَالَ الأصمعيّ: ركب فِيهِ الثَّلَاثَة والاثنان الدابَّة الْوَاحِدَة. وتعظّل الْقَوْم على فلَان إِذا تركَّبوا عَلَيْهِ يضربونه.
وَقَالَ اللَّيْث: عَظَل الْجَرَاد وَالْكلاب كل مَا يلازم فِي السِفاد، وَالِاسْم العِظَال؛ وَأنْشد:
كلاب تَعَاظَلُ سودُ الفِقَا
حِ لم تحم شَيْئا وَلم تصطد
قَالَ: وجَرَاد عَظْلَى: متعاظلات؛ وَأنْشد:
يَا أمَ عَمْرو أَبْشِرِي بالبُشْرَى
موتٌ ذَرِيعٌ وجَرَاد عَظْلَى
قلت: أَرَادَ أَن يَقُول: يَا أم عَامر فَلم يستقم الْبَيْت فَقَالَ: يَا أمّ عَمْرو. وَأم عَامر: كُنْية الضبَعُ، وَالْعرب تضرب بهَا المَثَل فِي الحُمْق. وَيَجِيء الرِّجَال إِلَى وِجارها فيسُدّ فَمه بعد مَا يدْخلهُ لِئَلَّا ترى الضَّوْء، فتَحمل الضبْع عَلَيْهِ، فَيَقُول لَهَا: خامري أم عَامر، أَبْشِرِي بِرِجَال قَتْلَى، وجَرَاد عَظْلَى، فتذِلّ لَهُ، حَتَّى يَكْعَمها، ثمَّ يجرّها ويستخرجها. وتعاظلت الجرادُ إِذا تسافدت. وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: سَفَد السَبُع وعاظل. قَالَ: والسِباع كلّها تُعاظل. وَالْجَرَاد والعظاء تعاظل وَيُقَال: تعاظلت السبَاع وتشابكت. قَالَ: والعُظُل: هُوَ المجبوسون، مَأْخُوذ من المعاظلة. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: يُقَال: رَأَيْت الْجَرَاد رُدَافَى ورُكَابَى وعُظَالَى إِذا اعتظلت. وَذَلِكَ أَن ترى أَرْبَعَة وَخَمْسَة قد ارتدفت.
ظلع: أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو قَالَ: الظالع: المتَّهَم. قَالَ: وَمِنْه قَوْله:
ظَالِم الرب ظلع
قلت: هَذَا بالظاء لَا غير. وَأما الضالع بالضاد فَهُوَ المائل، وَقد ضَلَع يَضْلَع. وَيُقَال: ضَلْعك مَعَ فلَان أَي مَيْلك مَعَه. وَأَخْبرنِي أَبُو الْفضل المنذريّ عَن أبي الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ أَنه قَالَ: يُقَال: ارْقَ على ظَلْعك، فَيَقُول: رقِيت رُقِيّاً. وَيُقَال: ارقأ على ظَلْعك بِالْهَمْزَةِ فَيَقُول: رقأت، وَمَعْنَاهُ: أَصلِحْ أَمرك أوّلاً. وَيُقَال: قِ على ظَلْعك، فَيُجِيبهُ: وَقَيت، أقِي، وقيّاً. وروى ابْن هانىء عَن(2/178)
أبي زيد: تَقول الْعَرَب: اقْأ على ظَلْعك، أَي كُفّ فَإِنِّي عَالم بمساويك. وَفِي (النَّوَادِر) : فلَان يرقأ على ظَلْعه أَي يسكت على دائه وعيبه. وَقَالَ ابْن المظفر: الظَلْع كالغَمْز، وَقد ظَلَع فِي مَشْيه، يظْلَع، ظَلْعاً وَقَالَ كثير:
وكنتُ كذات الظَلْع لمّا تحاملت
على ظَلْعها يَوْم العِثَار استقلَّت
وَيُقَال: هَذِه دابَّة ظالع وبِرْذون ظالع، بِغَيْر هَاء فيهمَا. ورَوَى أَبُو عُبيد عَن الأصمعيّ فِي بَاب تَأْخِير الْحَاجة ثمَّ قَضَائهَا فِي آخر وَقتهَا: من أمثالهم فِي هَذَا: إِذا نَام ظالع الْكلاب، قَالَ: وَذَلِكَ أَن الظالع مِنْهَا لَا يقدر أَن يعاظِل مَعَ صِحاحها لضَعْفه، فَهُوَ يؤخّر ذَلِك وينتظر فرَاغ آخرهَا فَلَا ينَام، حَتَّى إِذا لم يبْق مِنْهَا شَيْء سَفَد حينئذٍ ثمَّ ينَام. وَنَحْو ذَلِك قَالَ ابْن شُمَيْل فِي كتاب (الْحُرُوف) . وَقَالَ ثَابت بن أبي ثَابت فِي كتاب (الفروق) : من أَمْثَال الْعَرَب: إِذا نَام ظالع الْكلاب، وَلَا أفعل ذَلِك حَتَّى ينَام ظالع الْكلاب. قَالَ: والظالع من الْكلاب: الصَّارِف. يُقَال صَرَفَت الكلبة وظلعت وأجعلت واستطارت إِذا اشتهت الْفَحْل. قَالَ: والظالع من الْكلاب لَا تنام، فَتضْرب مَثَلاً للمهتم بأَمْره الَّذِي لَا ينَام عَنهُ وَلَا يهمله.
وَأنْشد خَالِد بن يزِيد قَول الحطيئة يُخَاطب خيال امْرَأَة طَرَقَه:
تسدّيتِنا من بعد مَا نَام ظالع ال
كلاب وأخبى نارَه كلُّ موقِد
قَالَ أَبُو الْهَيْثَم: قَالَ بَعضهم: ظالع الْكلاب: الكلبة الصَّارِف، يُقَال: ظَلَعت الكلبة وصَرَفت، لِأَن الذُّكُور يتبعْنها وَلَا يدعْنها تنام، حَكَاهُ عَن ابْن الأعرابيّ. قَالَ: وَقَالَ غَيره: ظالع الْكلاب: الَّذِي ينتظرها أَن تسفِد ثمَّ يسفد بعْدهَا. قَالَ الْأَزْهَرِي: وَالْقَوْل مَا قَالَه الأصمعيّ فِي ظالع الْكلاب، وَهُوَ الَّذِي أَصَابَهُ ظَلْع أَي غَمْز فِي قوائمه فضعف عَن السِفَاد مَعَ الْكلاب. قَالَ: وَقَوله: ارقَأ على ظلعك أَي تصعّد فِي الْجَبَل وَأَنت تعلم أَنَّك ظالع، لَا تجهدْ نَفسك.
لعظ: قَالَ ابْن المظفر: يُقَال: هَذِه جَارِيَة ملعّظة إِذا كَانَت سَمِينَة طَوِيلَة. قلت: وَلم أسمع هَذَا الْحَرْف مُسْتَعْملا فِي كَلَام الْعَرَب لغيره، وَأَرْجُو أَن يكون ضَبطه.
(بَاب الْعين والظاء مَعَ النُّون)
ع ظ ن)
عظن، عنظ، ظعن، نعظ: مستعملة.
عظن: أهمله اللَّيْث: وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: أعظن الرجل إِذا غَلُظ جِسمه. قَالَ وأنعظ إِذا اشْتهى الْجِمَاع. وَلَا أحفظ أعظن لغير ابْن الأعرابيّ. وَهُوَ ثِقَة مَأْمُون.
عنظ: قَالَ ابْن المظفّر: العُنْظُوان: نَبْت. قَالَ: ونونه زَائِدَة، إِذا استكثر مِنْهُ الْبَعِير وَجِع بَطْنُه. قَالَ: وأصل الْكَلِمَة عين وظاء وواو. قَالَ: والعُنْظُوانة: الجرادة الْأُنْثَى. والعُنْظُب: الذّكر. وروى أَبُو عُبَيد عَن الفرّاء أَنه قَالَ: العُنْظُوان: الْفَاحِش من الرِّجَال، وَالْمَرْأَة عُنْظُوانة.(2/179)
قلت: وَيُقَال للرجل البَذِيء والفاحش: إِنَّه لعِنْظِيان، وَالْمَرْأَة: عِنْظِيانة. وَمثله رجل خِنْظِيان وَامْرَأَة خِنْظِيانة، وَهُوَ يُعَنْظِي ويُخَنْذِي ويُخَنظى. وَقَالَ الراجز يصف امْرَأَة:
باتت تعنظي بِكَ سَمْع الْحَاضِر
أَي تُسمِّع بكِ وتفضحك بشنيع الْكَلَام بمَسْمع من الْحَاضِر. والعُنْظُوان: ضرب من الحَمْض مَعْرُوف يشبه الرِمْث غير أَن الرمث أسبط مِنْهُ وَرقا وأمرأ، وأنجع للنَعَم. وعُنْظُوان: مَاء لبني تَمِيم مَعْرُوف.
ظعن: الحرّانيّ عَن ابْن السّكيت: يُقَال: هَذَا جمل تَظَّعِنه المرأةُ أَي تركبه فِي سفرها وَفِي يَوْم ظَعْنها. وَقَالَ الله عزَّ وجلَّ: {يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ} (النّحل: 80) وقرىء: (ظَعَنِكم) . والظَعْنُ: سير الْبَادِيَة لنُجْعة أَو حُضُور مَاء أَو طلب مَرْتَع أَو تحوّل من مَاء إِلَى مَاء أَو من بلد إِلَى بلد. وَقد ظَعَنوا يَظْعَنون. وَقد يُقَال لكل شاخص لسفر فِي حجّ أَو غَزْو أَو مسير من مَدِينَة إِلَى أُخْرَى: ظاعِن، وَهُوَ ضدّ الْخَافِض، يُقَال: أظاعن أَنْت أم مُقيم؟ وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الظعنة: السَفْرة القصيرة. أَبُو عُبيد عَن الكسائيّ: الظَعُون: الْبَعِير الَّذِي يُعتمل فيُحمل عَلَيْهِ. قَالَ: والظِعَان: الْحَبل الَّذِي يشدّ بِهِ الحِمْل. أَبُو عبيد عَن أبي زيد قَالَ: الظعائن: هِيَ الهوادج، كَانَ فِيهَا نسَاء أَو لم يكن، الْوَاحِدَة ظَعِينة، قَالَ: وَإِنَّمَا سمّيت النِّسَاء ظعائن لأنهنّ يكنّ فِي الهوادج. وَقَالَ ابْن السّكيت: قَالَ أَبُو عَمْرو يُقَال للبعير الَّذِي تركبه الظعينةُ الظَعُون. قَالَ: والظِعَان: النِسْعة الَّتِي يُشدّ بهَا الهوادج. قَالَ: والظعائن: النِّسَاء فِي الهوادج. أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: ظعينته وزوجه وقعيدته وعِرْسه. وَقَالَ اللَّيْث: الظعينة: الْمَرْأَة لِأَنَّهَا تَظْعن إِذا ظعن زَوجهَا وتقيم بإقامته. قَالَ: وَيُقَال هُوَ الْجمل الَّذِي يُركب، وَتسَمى الْمَرْأَة ظَعِينَة لِأَنَّهَا تركبه. قَالَ: وَأكْثر مَا يُقَال الظعينة للْمَرْأَة الراكبة. وَأنْشد قَوْله:
تبصر خليلي هَل ترى من ظعائن
لمية أَمْثَال النخيل المخارف
قَالَ: شبَّه الْجمال عَلَيْهَا هوادج النِّسَاء بالنخيل. قَالَ ابْن السّكيت: يُقَال: هَذَا جَمَل تظَّعِنه الْمَرْأَة أَي تركبه يَوْم ظعنها مَعَ حَيّها.
نعظ: قَالَ اللَّيْث: يُقَال: نعَظ ذَكَر الرجل يَنْعَظ نَعْظاً ونُعُوظاً؛ وأنعظ الرجل إنعاظاً، وأنعظت الْمَرْأَة إنعاظاً إِذا اهتاجت. قَالَ: وإنعاظ الرجل: انتشار ذَكرِه. وَأنْشد أَبُو عُبَيْدَة:
إِذا عَرِق المهقوع بِالْمَرْءِ أنعظت
حليلتُه وازداد رَشْحاً عجانُها
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: أنعظ الرجل إِذا اشْتهى الْجِمَاع، وأنعظت الْمَرْأَة إِذا اشتهت أَن تُجامَع وَقَالَ أَبُو عُبيدة: إِذا فتحت الْفرس ظَبْيَتها وقبضَتْها واشتهت أَن يضْربهَا الحِصان قيل: انتعظت انتعاظاً.
(بَاب الْعين والظاء مَعَ الْفَاء)(2/180)
ع ظ ف
اسْتعْمل من وجوهه: فظع.
فظع: قَالَ ابْن المظفر: فَظُع الأَمرُ يفظُع فَظَاعة فَهُوَ فَظِيع. وَقد أفظعني هَذَا الأمرُ وفَظِعت بِهِ. واستفظعته إِذا رأيتَه فظيعاً، وأفظعته كَذَلِك. قَالَ: وأَفْظع الأمرُ فَهُوَ مُفْظِع.
وَقَالَ أَبُو زيد: فظِعت بِالْأَمر أفظَع بِهِ فَظَاعة إِذا هَالَك وغلبك فَلم تثِق بِأَن تُطِيعهُ. وَقَالَ أَبُو وَجْزة:
ترى العِلاَفيّ مِنْهَا موفِداً فظِعاً
إِذا احزألَّ بِهِ من ظهرهَا فِقَر
قَالَ: فظِعاً أَي ملآن، وَقد فَظِع يَفْظَع فَظَعاً إِذا امْتَلَأَ.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: المَاء الفَظِيع: هُوَ المَاء الصافي الزُلاَل، وضده المُضَاض وَهُوَ الشَّديد الملوحة.
(بَاب الْعين والظاء مَعَ الْبَاء)
ع ظ ب
اسْتعْمل من وجوهه: عظب.
عظب: قَالَ اللَّيْث: عَظَب الطائرُ، وَهُوَ يَعْظِب عَظْباً، وَهُوَ سرعَة تَحْرِيك الزِمِكيّ. وَرَوَاهُ أَبُو تُرَاب للأصمعي: حَظَب على الْعَمَل وعَظَب إِذا مَرَن عَلَيْهِ. وَقَالَ: وَقَالَ أَبُو نصر: عَظَبت يدُه إِذا غلظت على الْعَمَل. قَالَ: وعَظَب جِلدُه إِذا يبِس.
وَقَالَ عُثْمَان الْجَعْفَرِي: إِن فلَانا لحسن العُظُوب على الْمُصِيبَة إِذا نزلت بِهِ يَعْنِي أَنه حسن التبصّر جميل العَزَاء.
وَقَالَ مبتكر الْأَعرَابِي: عَظَب فلَان على مالِه وَهُوَ عاظب إِذا كَانَ قَائِما عَلَيْهِ؛ وَقد حَسُن عُظُوبه عَلَيْهِ. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: العَظُوب: السمين. يُقَال: عَظِب يَعْظَب عَظْباً إِذا سمِن.
وَفِي (النَّوَادِر) : كنت الْعَام عَظِباً وعاظباً وعذياً وشظفاً وصاملاً وشذياً وشذباً، وَهُوَ كُله نُزُوله الفلاةَ ومواضعَ اليبس.
(بَاب الْعين والظاء مَعَ الْمِيم)
ع ظ م
اسْتعْمل من وجوهه: عظم، مظع.
عظم: قَالَ الله عزَّ وجلَّ: {فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً} (الْمُؤْمِنُونَ: 14) وَيقْرَأ: (فكسونا الْعظم لَحْمًا) والتوحيد وَالْجمع هَهُنَا جائزان؛ لِأَنَّهُ يعلم أَن الْإِنْسَان ذُو عِظَام، فَإِذا وحّد فَلِأَنَّهُ يدلّ على الْجمع، وَلِأَن مَعَه اللَّحْم لَفظه لفظ الْوَاحِد. وَقد يجوز من التَّوْحِيد إِذا كَانَ فِي الْكَلَام دَلِيل على الْجمع مَا هُوَ أشدَّ من هَذَا قَالَ الراجز:
فِي حَلْقكم عَظْم وَقد شَجِينا
يُرِيد: فِي حلوقكم عِظَام.
وَقَالَ عزَّ وجلَّ: {وَنَسِىَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحىِ الْعِظَامَ} (يس: 78) قَالَ: (الْعِظَام) وَهِي جمع ثمَّ قَالَ: (رَمِيم) فَوحد. وَفِيه قَولَانِ؛ أَحدهمَا: أَن الْعِظَام وَإِن كَانَت جمعا فبناؤها بِنَاء الْوَاحِد لِأَنَّهَا على بِنَاء جِدار وَكتاب وجِراب وَمَا أشبههَا، فَوحد النَّعْت للفظ؛ وَقَالَ الشَّاعِر:
يَا عَمْرو جِيرَانكُمْ باكرُ
فالقلب لَا لاه وَلَا صابرُ(2/181)
وَالْجِيرَان جمع جَار، والباكر نعت للْوَاحِد وَجَاز ذَلِك لِأَن الجِيران لم يُبن بناءُ الْجمع، وَهُوَ على بِنَاء عِرفان وسِرْحان وَمَا أشبهه. وَالْقَوْل الثَّانِي أَن الرميم فعيل بِمَعْنى مرموم، وَذَلِكَ أَن الْإِبِل تَرُمّ الْعِظَام أَي تَقْضُمها وتأكلها، فَهِيَ رِمَّة ومرمومة ورَميم. وَيجوز أَن يكون رَمِيم من رمَّ العظمُ إِذا بَلِيَ يرِمَّ فَهُوَ رامّ ورميم أَي بَال. وَمن صِفَات الله عزّ وجلّ العليّ الْعَظِيم، ويسبّح العَبْد رَبَّه فَيَقُول: سُبْحَانَ ربّي الْعَظِيم.
وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أمّا الرُّكُوع فَعَظمُوا فِيهِ الربّ) أَي اجعلوه فِي أَنفسكُم ذَا عَظمَة وعَظَمة الله لَا تكيف وَلَا تُحَدّ وَلَا تمثَّل بِشَيْء. وَيجب على الْعباد أَن يعلمُوا أَنه عَظِيم كَمَا وصف نفسَه وَفَوق ذَلِك بِلَا كيفيَّة وَلَا تَحْدِيد. وعَظَمة الذِّرَاع: مَستغلَظها.
وَقَالَ أَبُو عُبَيد: عَظَمة اللِّسَان: مستغلَظه فَوق العَكَدة، قَالَ: وعَكَدته: أَصله. وَإِن لفُلَان عَظَمة عِنْد النَّاس أَي حُرْمة يعَّظم لَهَا. وَله معاظم مثله. وَقَالَ مرقّش:
وَالْخَال لَهُ معاظم وحُرَمْ
وَإنَّهُ لعَظيم المَعَاظِم أَي عَظِيم الحُرْمة. وَيُقَال: عظُم يعظُم عِظَماً فَهُوَ عَظِيم. وَأما عَظْم اللَّحْم فبتسكين الظَّاء، يجمع عِظاماً وعِظَامة. وَقَالَ الراجز:
وَيْلٌ لبُعْران أبي نعامَهْ
مِنْك وَمن شَفْرتك الهُذَامَهْ
إِذا ابتركت فحفرت قامَهْ
ثمَّ نثرت الفَرْث والعِظَامَهْ
وَمثله الفِحالة والذِكارة وَالْحِجَارَة والنِقَادة جمع النَقَد والجِمَالة جمع الجَمَل؛ قَالَ الله: {كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ} (المُرسَلات: 33) هِيَ جمع جمالة وجمال.
وَقَالَ اللَّيْث: العَظَمة: التعظّم والنّخْوة والزَهْو.
قلت: أمَّا عَظمَة الله فَلَا تُوصَف بِمَا وصفهَا بِهِ اللَّيْث. وَإِذا وُصف العَبْد بالعَظَمة فَهُوَ ذَمّ؛ لِأَن العظمة فِي الْحَقِيقَة لله عزَّ وجلَّ، وأمَّا عَظمَة العَبْد فَهُوَ كِبْره المذموم وتجبُّره. وعُظْم الشَّيْء ومُعظمه: جُلّه وأكبره.
قَالَ ابْن السّكيت: الْعَرَب تَقول: عَظُم الْبَطن بطنُك، وعَظْم الْبَطن بَطْنك بتَخْفِيف الظَّاء، وعُظْم الْبَطن بَطْنك، يسكّنون الظَّاء وينقلون ضمّتها إِلَى الْعين، وَإِنَّمَا يكون النَّقْل فِيمَا كَانَ مدحاً أَو ذمّاً.
وَقَالَ اللَّيْث: استعظمت الْأَمر إِذا أنكرته يُقَال والعَظِمية: المُلِمَّة إِذا أعضلت. قَالَ: وَيُقَال: لَا يتعاظمني مَا أتيت إِلَيْك من عَظِيم العظِيمة. وَسمعت خَبرا فأعظمته.
قَالَ ابْن السّكيت: يُقَال: أَصَابَنَا مَطَر لَا يتعاظمه شَيْء أَي لَا يعظم عِنْده شَيْء.
وَقَالَ اللحيانيّ: يُقَال: أعظمني مَا قلتَ لي أَي هالني وعَظُم عليّ. وَيُقَال: مايُعْظِمني أَن أفعل ذَاك أَي مَا يَهُولني، ورماه بمُعْظِم أَي بعَظيم، وَقد أعظم الأمرُ فَهُوَ مُعْظِم وَالْعَظَمَة: مَا يَلِي الْمرْفق من مستغلظ الذِّرَاع وَفِيه العضلة. والعَضَلة، وَالنّصف الآخر الَّذِي يَلِي الكفّ يُقَال لَهُ الأسَلة وَدخل فِي عُظْم النَّاس وعَظْمهم(2/182)
أَي فِي مُعْظَمهم.
قلت: وَيُقَال: تعاظمني الْأَمر وتعاظمته إِذا استعظمته. وَهَذَا كَمَا يُقَال: تهيَّبني الشَّيْء وتهيَّبته.
أَبُو عبيد عَن الفرّاء قَالَ العُظْمة، شَيْء تعظَّم بِهِ الْمَرْأَة رِدْفها من مِرْفقة وَغَيرهَا. وَهَذَا فِي كَلَام بني أسَد، وَغَيرهم يَقُول: العِظَامة بِكَسْر الْعين.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: عَظْم الرجْل: خَشَبة بِلَا أَنساع وَلَا أَدَاة. وَذُو عظم: عِرْض من أَعْرَاض خَيْبَر، فِيهِ عُيُون جَارِيَة ونخيل عامرة وعَظَمات الْقَوْم. سادتهم وذوو شرفهم. وَوصف الله عَذَاب النَّار فَقَالَ: {عَذَابٌ عَظِيمٌ} (البَقَرَة: 114) وَكَذَلِكَ الْعَذَاب فِي الدُّنْيَا، وَوصف كيد النِّسَاء، فَقَالَ: {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} (يُوسُف: 28) . وَهَذَا على الاستفظاع لَهُ. وَالله أعلم.
مظع: اللَّيْث: المُظْعة: بقيَّة من الْكلأ.
قَالَ: وَالرِّيح تُمظّع الْخَشَبَة حَتَّى تستخرج نُدُوَّته.
وَقَالَ غَيره: مَظَعْت الْخَشَبَة إِذا قطعتها رَطْبة ثمَّ وَضَعتهَا بلِحَائها فِي الشَّمْس حَتَّى تتشرب ماءها، ويُترك لِحَاؤها عَلَيْهَا لِئَلَّا يتصدَّع ويتشقَق. وَقَالَ أَوْس بن حَجَر يصف رجلا قطع شَجَرَة يتَّخِذ مِنْهَا قوساً:
فمظَّعها حَوْلَيْنِ ماءَ لحائها
تُعالَى على ظهر العَرِيش وتُنزَلُ
أَبُو الْعَبَّاس عَن عَمْرو عَن أَبِيه: يُقَال للرجل إِذا روَّى دسَمَ الثَّرِيد: قد روّغه ومرَّغه ومظّعه ومَرْطله وسَغْبله.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: مظَّع فلَان وَتَره تمظيعاً إِذا ملَّسه ويَبّسه. وَكَذَلِكَ الْخَشَبَة. وَلَقَد تمظَّع فلَان مَا عنْدك أَي تلحَّسه كُله. الْأَصْمَعِي: فلَان يتمظَّع الظِلّ أَي يتتبَّعه من مَوضِع إِلَى مَوضِع.
(أَبْوَاب الْعين والذال)
ع ذ ث
مهمل.
(بَاب الْعين والذال مَعَ الرَّاء)
ع ذ ر)
عذر، ذرع، ذعر: مستعملة.
عذر: قَالَ الله عزَّ وجلَّ: {قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ} (الْأَعْرَاف: 164) نزلت فِي قوم من بني إِسْرَائِيل وَعظوا الَّذين اعتدَوا فِي السبت من الْيَهُود، فَقَالَت طَائِفَة مِنْهُم: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ} (الْأَعْرَاف: 164) ، فَقَالُوا يَعْنِي الواعظين: {مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ} . الْمَعْنى: قَالُوا: موعظتنا إيَّاهم معذِرة إِلَى ربكُم. فَالْمَعْنى: أَنهم قَالُوا: الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَاجِب علينا، فعلينا موعظة هَؤُلَاءِ ولعلّهم يتّقون. وَيجوز النصب فِي {مَعْذِرَةً} فَيكون الْمَعْنى: نعتذر معذرة بوعظنا إيّاهم إِلَى ربّنا. والمَعْذِرة: اسْم على مفعِلة من عَذَر، يعذِر، وأقيم مُقَام الِاعْتِذَار؛ كَأَنَّهُمْ قَالُوا: موعظتنا اعتذار إِلَى ربّنا، فأقيم الِاسْم مُقام الِاعْتِذَار.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {وَجَآءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الاَْعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ} (التّوبَة: 90) رَوَى الضحّاك عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَرَأَ: (وَجَاء المُعْذِرون من الْأَعْرَاب) . وَقَالَ: لعن الله(2/183)
المعذِّرين قلت: يذهب ابْن عبّاس إِلَى أَن المُعْذِرين هم الَّذين لَهُم عُذْر والمعذّرون بِالتَّشْدِيدِ الَّذين يَعْتَذِرُونَ بِلَا عذر، وَكَأَنَّهُم المقصرون الَّذين لَا عُذْر لَهُم وَالْعرب تَقول: أعذر فلَان أَي كَانَ مِنْهُ مَا يُعذَر بِهِ.
وَمِنْه قَوْلهم: قد أعذر من أنذر. وَيكون أعذر بِمَعْنى اعتذر اعتذاراً يُعذَر بِهِ.
وَمِنْه قَول لَبيد يُخَاطب ابْنَتَيْهِ:
فقوما فقولا بِالَّذِي قد علمتما
وَلَا تخمِشا وَجها وَلَا تحلقا الشَعَرْ
إِلَى الْحول ثمَّ اسْم السَّلَام عَلَيْكُمَا
وَمن يبك حولا كَامِلا فقد اعتذرْ
فَجعل الِاعْتِذَار بِمَعْنى الْإِعْذَار، والمعتذِر يكون مُحِقاً وَيكون غير مُحِقّ؛ والمعاذير يشوبها الْكَذِب.
وَاعْتذر رجل إِلَى عمر بن عبد الْعَزِيز، فَقَالَ لَهُ: عَذَرتك غير معتذِر.
وَيَقُول: عذرتك دون أَن تعتذر
وَقَرَأَ يَعْقُوب الحضرميّ وَحده: (وَجَاء المُعْذِرون) سَاكِنة الْعين، وَسَائِر قرّاء الْأَمْصَار قرءوا: {وَجَآءَ الْمُعَذِّرُونَ} (التَّوْبَة: 90) بِفَتْح الْعين وَتَشْديد الذَّال، مِمَّن قَرَأَ {الْمُعَذِّرُونَ} فَهُوَ فِي الأَصْل: المعتذرون، فأدغمت التَّاء فِي الذَّال لقرب المخرجين، وَمعنى المعتذرين: الَّذين يَعْتَذِرُونَ، كَانَ لَهُم عذر أَو لم يكن، وَهُوَ هَهُنَا شَبيه بِأَن يكون لَهُم عذر. وَيجوز فِي كَلَام الْعَرَب: المعِذّرون بِكَسْر الْعين؛ لِأَن الأَصْل: المعتذرون فأسكنت التَّاء وأدغمت فِي الذَّال ونُقِلت حركتها إِلَى الْعين، فَصَارَ الْفَتْح فِي الْعين أولى الْأَشْيَاء، وَمن كسر الْعين جرّه لالتقاء الساكنين، وَلم يُقرأ بِهَذَا.
وَيجوز أَن يكون {الْمُعَذِّرُونَ} : الَّذين يعذّرون يوهمون أَن لَهُم عذرا وَلَا عذر لَهُم.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ابْن فهم عَن مُحَمَّد بن سَلاَّم الجُمَحيّ عَن يُونُس النحويّ أَنه سَأَلَهُ عَن قَوْله تَعَالَى: {وَجَآءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الاَْعْرَابِ} (التَّوْبَة: 90) فَقَالَ: قلت ليونس: (المُعْذرون) مخفّفة كَأَنَّهَا أَقيس؛ لِأَن المُعْذِر: الَّذِي لَهُ عُذْر، والمعذّر: الَّذِي يعْتَذر ولاعذر لَهُ. فَقَالَ يُونُس: قَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء: كِلاَ الْفَرِيقَيْنِ كَانَ مسيئاً، جَاءَ قوم فعذَّروا، وجَلَّح آخَرُونَ فقعدوا.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ فِي قَوْله: {وَجَآءَ الْمُعَذِّرُونَ} . قَالَ: مَعْنَاهُ: المعتذرون.
وَيُقَال: عذَّر الرجل يَعِذّر عِذّاراً فِي معنى اعتذر.
وَيجوز عِذِّر يَعِذّر فَهُوَ مُعِذِّر، واللغة الأولى أجودهما.
قَالَ: وَمثله هَدّى يَهدّى هِدّاءً إِذا اهْتَدَى. وهِدَّى يهِدِّي.
قَالَ الله جلّ وعزّ: {أَمَّن لاَّ يَهِدِّى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - إِلاَّ أَن يُهْدَى} (يُونس: 35) .
قلت: وَيكون {الْمُعَذِّرُونَ} بِمَعْنى المقصّرين على مفعِّلين من التعذير وَهُوَ التَّقْصِير. يُقَال: قَامَ فلَان قيام تعذير فِيمَا استكفيتُه إِذا لم(2/184)
يُبَالغ وقصّر فِيمَا اعتُمد عَلَيْهِ. وَفِي الحَدِيث أَن بني إِسْرَائِيل كَانُوا إِذا عُمِل فيهم بِالْمَعَاصِي نَهَاهُم أَحْبَارهم تعذيراً، فعمَّهم الله بالعقاب، وَذَلِكَ إِذا لم يبالغوا فِي نهيهم عَن الْمعاصِي وداهنوهم وَلم ينكروا أعمالَهم بِالْمَعَاصِي حقّ الْإِنْكَار.
ورُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (لن يهْلك النَّاس حَتَّى يُعْذِروا من أنفسهم) .
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو عُبيدة: يَقُول حَتَّى تكْثر ذنوبهم وعيوبهم.
قَالَ: وَفِيه لُغَتَانِ، يُقَال أعذر الرجل إعذاراً إِذا صَار ذَا عيب وَفَسَاد.
وَكَانَ بَعضهم يَقُول: عَذَر يَعْذِر بِمَعْنَاهُ، وَلم يعرفهُ الأصمعيَّ.
قَالَ أَبُو عبيد: وَلَا أرى أَخذ هَذَا إلاَّ من العُذْر، يَعْنِي: يعذِروا من أنفسهم باستيجابهم الْعقُوبَة فَيكون لمن يعذّبهم العذرُ فِي ذَلِك.
قَالَ: وَهُوَ كالحديث الآخر: (لن يهلِك على الله إِلَّا هَالك) ، وَمِنْه قَول الأخطل:
فَإِن تَكُ حَرْبُ ابنَيْ نِزَارٍ تواضعت
فقد عَذَرْتنا فِي كلاب وَفِي كَعْب
ويروى: أعذرتْنا أَي جعلَتْ لنا عذرا فِيمَا صنَعْنا. وَمِنْه قَول النَّاس: من يَعْذِرني من فلَان. وَقَالَ ذُو الإصبع العَدْوانيّ:
عذَيرَ الحيّ من عَدْوا
ن كَانُوا حَيَّة الأَرْض
أَي هاتِ عَذِير الحيّ من عَدْوان أَي من يَعْذِرني، كَأَنَّهُ قَالَ: هَات من يَعْذِرني. وَمِنْه قَوْله:
عَذِيرَك مِن خَلِيلك من مُرَاد
وَهَذَا يرْوى عَن عليّ ح. وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: مَن عَذِيري من فلَان أَي مَن يَعْذِرني مِنْهُ، كَأَنَّهُ يخبر بإساءته إِلَيْهِ واستيجابه المجازاة، فَيَقُول: من يَعْذِرني مِنْهُ إِذا جازيتُه بِسوء فعله. قَالَ: وعذير الرجل: مَا يروم وَمَا يحاول ممَّا يُعْذَر عَلَيْهِ إِذا فعله. قَالَ العجَّاج يُخَاطب امْرَأَته:
جاريَ لَا تستنكري عذيري
سَعْيي وإشفاقي على بَعِيري
وَذَلِكَ أَنه عزم على السّفر فَكَانَ يرُمّ رَحْل راحلتِه لسفره، فَقَالَت لَهُ امْرَأَته: مَا هَذَا الَّذِي تَرُمّ؟ فخاطبها بِهَذَا الشّعْر، أَي لَا تنكري مَا أحاول. وَقَالَ شمر: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: أَعْذَر فلَان من نَفسه أَي أُتِي من قِبَل نَفْسه. قَالَ: وعَذّر يُعَذّر من نَفسه أَي أُتِي من نَفسه. قَالَ يُونُس: هِيَ لُغَة للْعَرَب. قَالَ: وَقَالَ خَالِد بن جَنْبة. يُقَال: أَما تُعْذِرني من هَذَا بِمَعْنى: أما تُنْصفني مِنْهُ، يُقَال: أعذِرني من هَذَا أَي أنصِفني مِنْهُ. وَيُقَال: لايُعْذِرك من هَذَا الرجل أحد، مَعْنَاهُ: لَا يُلزِمه الذنبَ فِيمَا تضيف إِلَيْهِ وتشكوه بِهِ. وَمِنْه قَوْلهم: من يَعذرني من فلَان أَي من يقوم بعُذْري إِن أَنا جازيته بسُوء صَنِيعه فَلَا يُلزمني لوماً على مَا يكون منّي إِلَيْهِ. وَيُقَال: اعتذر فلَان اعتذاراً وعِذْرة ومَعْذِرة من ذَنبه فعذَرته. قَالَ: وتعذَّر عليَّ هَذَا الأمرُ إِذا لم يستقم. أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: عذيري من فلَان أَي من يَعْذِرني. ونصبه على إِضْمَار هلمّ معذرتَك إيَّاي. قَالَ: والعذير أَيْضا:(2/185)
الْحَال، وَجمعه عُذُر، وَرُبمَا خُفِّفَ فَقيل: عُذْر. وَقَالَ حَاتِم:
وَقد عذرتْني فِي طِلابكم العُذْرُ
قَالَ: والعُذْرة: الناصية، وَجَمعهَا عُذَر. وَقَالَ طَرَفة:
وهِضَبَّاتٍ إِذا ابتل العُذْر
والعُذْرة: وَجَع فِي الْحلق، يُقَال مِنْهُ: رجل مَعْذُور. وَقَالَ جرير:
غَمْز الطَّبِيب نغانغ الْمَعْذُور
وَيُقَال: فلَان أَبُو عُذْر فُلَانَة إِذا كَانَ افْترعها وَقَالَ الأصمعيّ: أعذرْت الْغُلَام وَالْجَارِيَة وعَذَرتهما، لُغَتَانِ إِذا خُتِنا. وَقَالَ الراجز:
تلوية الخاتن زُبّ المُعْذَر
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العُذْرة: خاتَم البِكر، والعُذْرة: وَجَع الحَلْق، والعُذْرة: العَلاَمة. وَقَالَ أَبُو الْحسن اللِحياني: لِلْجَارِيَةِ عُذْرتان، إِحْدَاهمَا تخفِضها، وَهُوَ مَوضِع الْخَفْض من الْجَارِيَة، والعُذْرة الثَّانِيَة قِضَّتها، سمّيتا عُذْرة بالعَذْر وَهُوَ الْقطع؛ لِأَنَّهَا إِذا خُفِضت قطعت نَوَاتها، وَإِذا افْتُرِعَتْ انْقَطع خَاتم عُذْرتها. وَيُقَال لقُلْفة الصبيّ أَيْضا عُذْرة. وَفِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم استعذر أَبَا بكر من عَائِشَة، كَأَنَّهُ عَتَب عَلَيْهَا بعض الْأَمر فَقَالَ لأبي بكر: (اعذِرني مِنْهَا إِن أدّبتُها) . وَقَالَ أَبُو زيد: سَمِعت أعرابيَّيْن تميميَّاً وقيسيّاً يَقُولَانِ: تعذّرت إِلَى الرجل تعذُّراً فِي معنى اعتذرت اعتذاراً. وَقَالَ الْأَحْوَص بن محمَّد الأنصاريّ:
طريد تلافاه يزِيد برَحْمَةٍ
فَلم يُلْفَ من نَعمائه يتعذَّر
أَي يعْتَذر، يَقُول: أنعم عَلَيْهِ نعْمَة لم يحْتَج إِلَى أَن يعْتَذر مِنْهَا. وَيجوز أَن يكون معنى قَوْله يتَعَذَّر أَي يذهب عَنْهَا. وَقَالَ ابْن بُزُرْج: يُقَال: تعذّروا عَلَيْهِ أَي فرّوا عَنهُ وخَذَلوه. وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: قَوْلهم: اعتذرت إِلَيْهِ هُوَ قَطْع مَا فِي قلبه، يُقَال: اعتذرتِ المياهُ إِذا تقطَّعت، واعتذرت المنازلُ إِذا دَرَسَتْ، ومررت بمنزل معتذر: بالٍ. وَقَالَ لَبِيد:
شهورَ الصَّيف واعتذرت إِلَيْهِ
نِطافُ الشيطين من الشِمال
وَقَالَ ابْن أَحْمَر فِي الِاعْتِذَار بِمَعْنى الدُرُوس:
قد كنتَ تعرف آيَات فقد جَعَلت
أطلالُ إلْفِك بالوَدْكاء تعتذر
وأُخِذ الِاعْتِذَار من الذَّنب من هَذَا؛ لأنّ من اعتذر شابَ اعتذارَه بكذب يعفي على ذَنْبه. قَالَ: وَإِنَّمَا سُمِّيت البِكْر عَذْراء من ضِيقها، وَمِنْه يُقَال: تعذَّر عليَّ هَذَا الأمرُ. قَالَ الْمُنْذِرِيّ: وَقَالَ أَبُو طَالب المفضَّل بن سلَمَة: الِاعْتِذَار قَطْع الرجل عَن حَاجته، وقَطْعه عمَّا أمْسك فِي قلبه. قَالَ: والاعتذار: مَحْو أثر الموجِدة من قَوْلهم: اعتذرتِ المنازلُ إِذا دَرَسَت. أَبُو عُبَيد عَن الأصمعيّ يُقَال لأثر الجُرْح: عاذر. وَقَالَ ابْن أَحْمَر:
وبالظهر مني من قَرَا الْبَاب عاذر(2/186)
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: الْإِعْذَار: مَا صُنع من الطَّعَام عِنْد الخِتان، وَقد أعذرت. وَأنْشد:
كلَّ الطَّعَام تشْتَهي ربيعَهْ
الخُرْسَ والإعذارَ والنقيعَهْ
سَلَمة عَن الفرّاء قَالَ: العَذِيرة: طَعَام الخِتان. قَالَ: وعَذَرْت الغلامَ وأعذرته. وَفِي حَدِيث عليّ ح أَنه عَاتب قوما فَقَالَ: مَا لكم لَا تنظفون عَذِرَاتكم قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الأصمعيّ: العَذِرة أَصْلهَا فِنَاء الدَّار، وإيّاها أَرَادَ عليّ. قَالَ أَبُو عبيد: وَإِنَّمَا سُمِّيت عَذِرة النَّاس بِهَذَا لِأَنَّهَا كَانَت تُلْقَى بالأفنية، فكُني عَنْهَا باسم الفِناء؛ كَمَا كني بالغائط وَهِي الأَرْض المطمئنَّة عَنْهَا. وَقَالَ الحطيئة يذكر الأفنية:
لعمري لقد جرّبتكم فوجدتكم
قِباح الْوُجُوه سَيّئي العَذِرات
والمعاذر جمع مَعْذِرة، وَمن أمثالهم: المعاذر مكاذب. وَقَالَ الله عزَّ وجلَّ: {بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} (القِيَامَة: 15) قَالَ بَعضهم: وَلَو أدلى بكلّ حُجَّة يَعتذِر بهَا. وَجَاء فِي التَّفْسِير أَيْضا: وَلَو ألْقى ستوره، المعاذير: الستور بلغَة أهل الْيمن، وَاحِدهَا مِعْذار. وَيُقَال: أعذر فلَان فِي ظهر فلَان بالسياط إعذاراً إِذا ضربه فأثَّر فِيهِ شَتَمه فَبَالغ فِي شَتمه حَتَّى أثر بِهِ فِيهِ، وَقَالَ الأخطل:
وَقد أعذرن فِي وَضَح العِجَانِ
وَترك المَطَرُ بِهِ عاذراً أَي أثرا، والعِذَار: سِمَة. وَقَالَ الْأَحْمَر: من السِمَات العُذُر، وَهِي سِمَة فِي مَوضِع العِذَار، وَقد عُذِر الْبَعِير فَهُوَ مَعْذُور. وَقَالَ ابْن الأعرابيّ فِي قَول الشَّاعِر:
ومخاصمٍ قاومتُ فِي كَبَد
مثل الدِهَان فَكَانَ لي العُذْرُ
قَالَ: العُذْر: النُجْحُ. ولي فِي هَذَا الْأَمر عُذْر وعُذْرَى ومَعْذِرة أَي خُرُوج من الذَّنب. وَيُقَال فِي الْحَرْب: لمن العُذْر أَي النُجْح والغَلَبة. وَقَالَ الأصمعيّ: خلع فلَان مُعَذَّره إِذا لم يُطع مُرْشداً، وَأَرَادَ بالمعذَّر: الرَسَن ذَا العِذارين. والعَذْراء: الرَمْلة الَّتِي لم تُوطأ. ودُرَّة عَذْراء: لم تُثْقب. وَيُقَال: مَا عِنْدهم عَذِيرة أَي لَا يَعْذرون، وَمَا عِنْدهم غَفِيرة أَي لَا يَغفرون. وعذراء: قَرْيَة بِالشَّام مَعْرُوفَة. والعَذَارَى: هِيَ الْجَوَامِع كالأغلال تجمع بهَا الْأَيْدِي إِلَى الْأَعْنَاق، واحدتها عذراء. وَقَالَ اللحيانيّ: هِيَ العَذِرة والعَذِبة لِمَا سقط من الطَّعَام إِذا نُقِّي. وَيُقَال: اتخذ فلَان فِي كَرْمه عِذَاراً من الشّجر أَي سِكَّة مصطفَّة. وعذارا الْحَائِط والوادي: جانباه. وَقَالَ أَبُو سعيد: يُقَال للرجل إِذا عاتبك على أَمر قبل التقدّم إِلَيْك فِيهِ: وَالله مَا استعذرت إليّ وَمَا استنذرت، أَي لم تقدِّم إليَّ المعذرة والإنذار. والاستعذار: أَن تَقول لَهُ: اعذِرني مِنْك. وعذار اللجام: مَا وَقع مِنْهُ على خدّي الدَّابة. وَقَالَ النَّضر: عذارُ اللجام: السَّيْران اللَّذَان يُجمعان عِنْد الْقَفَا. وَقَالَ الْكسَائي: أعذرْت الْفرس: جعلت لَهُ عِذَاراً. وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: عَذَرت الفَرَس: جعلت لَهُ(2/187)
عِذَاراً. وَقَالَ ابْن المظفَّر: عَذَرت الْفرس فَأَنا أَعْذِره بالعِذَار وأعذرته إِذا جعلت لَهُ عِذَاراً، وعذَّرته تعذيراً بالعِذار. قَالَ: والعِذَار: طَعَام البِنَاء وَأَن يَسْتَفِيد الرجل شَيْئا جَدِيدا يتَّخذ طَعَاما يَدْعُو عَلَيْهِ إخوانه. وعذَّر فلَان تعذيراً للخِتان وَنَحْوه. وحِمَار عذَوَّر، وَهُوَ الْوَاسِع الجَوْف. ومُلْك عذَوَّر: وَاسع عريض. والعُذْرة: نجم إِذا طلع اشتدَّ غَمّ الحَرّ، وَهِي تطلع بعد الشعْرى وَلها وَقْدَة وَلَا ريح لَهَا وَتَأْخُذ بالنَفْس ثمَّ يطلع سُهَيْل بعْدهَا. وَقَالَ المازنيّ: العواذير: جمع العاذر وَهُوَ الأَثَر. وَقَالَ أَبُو وَجْزة السعديّ:
إِذا الحَيّ والحَوْم المُيَسِّر وَسْطنا
وَإِذ نَحن فِي حَال من الْعَيْش صَالح
وَذُو حَلَق نُقْضَى العواذيرُ بَينه
يلوح بأخطار عِظَام اللقائح
وَقَالَ الأصمعيّ: الحَوْم: الْإِبِل الْكَثِيرَة، المُيَسِّر: الَّذِي قد جَاءَ لَبَنه. وَذُو حَلَق يَعْنِي إبِلا مِيسَمُها الْحَلَق. والعواذير: جمع عاذور، وَهُوَ أَن يكون بَنو الْأَب ميسَمُهم وَاحِدًا فَإِذا اقتسموا مَا لَهُم قَالَ بَعضهم لبَعض: أَعْذِر عنّي، فيخطّ فِي المِيسم خَطاً أَو غَيره ليعرف بذلك سِمَة بَعضهم من بعض. والعاذُور أَيْضا: مَا يُقطع من مَخْفِض الْجَارِيَة. وَقَالَ الله عزَّ وجلَّ: {فَرْقاً فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً عُذْراً أَوْ} (المرسلات: 5، 6) فِيهِ قَولَانِ. أَحدهمَا: فالملقيات ذكرا للإعذار والإنذار، وَالْقَوْل الثَّانِي: أَنَّهُمَا نصبا على الْبَدَل من قَوْله: {ذِكْرًا} . وَفِيه وَجه ثَالِث وَهُوَ أَن تنصبهما بقوله: {ذِكْرًا} الْمَعْنى: الملقيات إِن ذكرت عذرا أَو نذرا. وهما اسمان أُقيما مُقام الْإِعْذَار والإنذار، وَيجوز تخفيفهما مَعًا وتثقيلهما مَعًا.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: العُذُر جمع العاذر وَهُوَ الأبداء يُقَال: قد ظهر عاذِره، وَهُوَ دَبُوقاؤه. والعُذُر جمع عِذَار وَهُوَ المستطِيل من الأَرْض. والعِذَار: اسْتِوَاء شَعَر الْغُلَام، يُقَال: مَا أحسن عِذاره أَي خَطَّ لِحيتِه. والعَذَر: الْعَلامَة، يُقَال: أَعْذِر على نصيبك أَي أعلِم عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو مَالك عَمْرو بن كِرْكِرة: يُقَال: ضربوه فأعذروه أَي ضربوه فأثقلوه.
ذعر: اللَّيْث: ذُعِر فلَان ذُعْراً فَهُوَ مَذْعوراً أَي أُخيف. والذُعْر: الفَزَع، وَهُوَ الِاسْم. وَرجل متذعّر. ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الذَعَر: الدَهَش من الْحيَاء. قَالَ: والذَعْراء والذُعْرة: الفُنْدُورة. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: الذُعرة: أم سُؤيد. والذَعْرة: الفَزْعة. وَقَالَ ابْن بزرج: ذَعَرته وأذعرته بِمَعْنى وَاحِد وَأنْشد:
غَيران شَمَّصَه الوُشاةُ فأذعروا
وَحْشاً عَلَيْك وجدتَهنَّ سُكُونا
وَالْعرب تَقول للناقة الْمَجْنُونَة: مَذْعُورَة، ونُوق مذعَّرة: بهَا جُنون.
ذرع: فِي الحَدِيث أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَذْرع ذِراعيه من أَسْفَل الجُبَّة إذراعاً، قَالَ النَّضر: أَذْرع ذِرَاعَيْهِ أَي أخرجهُمَا. وَرجل ذَرِيع الْيَد بِالْكِتَابَةِ أَي سريع الْيَد. الحرّانيّ عَن ابْن السّكيت: هَذَا ثوب سَبْع فِي(2/188)
ثَمَانِيَة فَقَالُوا: سبع لِأَن الأذرع مؤنَّثة، تَقول: هَذِه ذِرَاع، وَقلت: ثَمَانِيَة لِأَن الأشبار مذكّرة. وَقَالَ اللَّيْث: الذِّرَاع من طَرَف الْمرْفق إِلَى طرف الإصبع الْوُسْطَى. وَقد ذَرَعت الثَّوْب وَغَيره أَذْرَعه فَأَنا ذارع وَهُوَ مذروع. وَالرجل يذرِّع فِي سِبَاحته تذريعاً. قَالَ: والذِرَاع: اسْم جَامع فِي كل مَا يسمَّى يدا من الروحانيين ذَوي الْأَبدَان. قَالَ: ومذاريع الدابَّة: قَوَائِمهَا، وَاحِدهَا مذراع، وَيُقَال: مذراع، وثَوْر مَوْشِيّ المذَارع. ومذارع الأَرْض: نَوَاحِيهَا. أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو قَالَ: المذارع: هِيَ الْبِلَاد الَّتِي بَين الرِّيف والبَر؛ مثل القادسيَّة والأنبار، وَهِي المَزَالِف أَيْضا. وَقَالَ اللَّيْث: موت ذَريع: سريع فاشٍ، لَا يكَاد النَّاس يتدافنون. والذِرَاع: سِمَة بني ثَعْلَبَة من اليمَن. قَالَ: وذِراع الْعَامِل صَدْر الْقَنَاة. قَالَ: والذَرِيعة: حَلْقة يعلَّم عَلَيْهَا الرَّمْي. والذريعة: جَمَل يَستتِر بِهِ الرَّامِي من الصَّيْد فيرميه. ويسيَّب الجَمَل مَعَ الصَّيْد حَتَّى يأتلفا، وَيَمْشي الصيَّاد إِلَى جَنْبه فَيَرْمِي الصيدَ إِذا أكثبه. أَبُو عبيد: الذَرَع: ولد الْبَقَرَة الوحشيَّة، وأُمّه مُذْرِع.
وَقَالَ اللَّيْث: هنّ المُذْرِعات أَي ذَوَات ذِرْعان. قَالَ: وَأَذْرعَات: بلد تنْسب إِلَيْهِ الْخمر.
وَأنْشد بَعضهم:
تنوّرتُها من أذرعاتٍ وَأَهْلهَا
بيثربَ أدنى دارِها نظر عَال
قَالَ: وَهَذَا أَكثر الرِّوَايَة. وَقد أنْشد بِالْكَسْرِ بِغَيْر تَنْوِين من أَذْرُعَات، فأمّا الْفَتْح فخطأ، لِأَن نصب تَاء الْجَمِيع وفتحه وحفضها كسر. قَالَ وَالَّذِي أجَاز الْكسر بِلَا صَرْف فَلِأَنَّهُ اسْم لَفظه لفظ جمَاعَة لوَاحِد. وَالْقَوْل الْجيد عِنْد جَمِيع النَّحْوِيين الصّرْف، وَهُوَ مثل عَرَفات، والقُرّاء كلهم فِي قَوْله: {مِّنْ عَرَفَاتٍ} (الْبَقَرَة: 198) على الْكسر والتنوين، وَهُوَ اسْم لمَكَان وَاحِد، وَلَفظه لفظ جمع. أَبُو الْهَيْثَم: المذرَّع من النَّاس: الَّذِي أُمّه أشرف من أَبِيه. قَالَ: والهَجِين: الَّذِي أَبوهُ عَرَبِيّ وأمّه أَمَة. وَأنْشد هُوَ أَو غَيره:
إِذا باهليّ تَحْتَهُ حنظليَّة
لَهُ ولد مِنْهَا فَذَاك المذرَّعُ
وَإِنَّمَا سمّي مذرَّعاً تَشْبِيها بالبَغْل، لِأَن فِي ذِرَاعَيْهِ رَقْمين كرَقْمَتَيْ ذِرَاع الحِمَار نَزَع بهما إِلَى الْحمار فِي الشّبَه، وأُمّ الْبَغْل أكْرم من أَبِيه. الذوارع الزِقاق، وَاحِدهَا ذارع. وَقَالَ الْأَعْشَى:
والشاربون إِذا الذوارع أُغْليت
صَفْو الفِضَال بطارف وتِلاد
أَبُو عبيد: امْرَأَة ذِرَاع إِذا كَانَت خَفِيفَة الْيَدَيْنِ بالغَزْل. وَيُقَال: ذرَّع فلَان لبعيره إِذا قَيَّده بِفضل خِطامه فِي ذِرَاعَيْهِ، وَالْعرب تسمّيه تذريعاً. وَيُقَال: ضقت بِالْأَمر ذَرْعاً وذِرَاعاً، نصبت ذرْعاً لِأَنَّهُ خرج مُفَسرًا محوَّلاً؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي الأَصْل ضَاقَ ذرعي بِهِ، فلمَّا حُوّل الْفِعْل خرج قَوْله ذَرْعاً مُفَسرًا. وَمثله قَرِرْت بِهِ عَيناً وطِبت بِهِ نَفْساً.
والذَرْع يوضع مَوضِع الطَّاقَة. وَالْأَصْل فِيهِ(2/189)
أَن يَذْرَع البَعِيرُ بيدَيْهِ فِي سَيره ذَرْعاً على قَدْر سَعَة خَطْوه، فَإِذا حَملته على أَكثر من طَوْقه قلت: قد أبطرت بعيرك ذَرْعَه، أَي حَملته من السّير على أَكثر من طاقته حَتَّى يَبْطَر ويَمُدَّ عُنُقه ضَعْفاً عمَّا حُمِل عَلَيْهِ.
وَمن أَمْثَال الْعَرَب السائرة: هُوَ لَك على حَبْل الذِّرَاع، أَي أُعَجِّله لَك نَقْداً. والحَبْل عِرْق فِي الذِّرَاع، وَيُقَال: مَالِي بِهِ ذَرْع وَلَا ذِرَاع أَي مَا لي بِهِ طَاقَة. وفَرَس ذَريع: شريع وَاسع الخَطْو. وَفرس مذرّع إِذا كَانَ سَابِقًا، وَأَصله الْفرس يلْحق الوحشيّ وفارسُه عَلَيْهِ، فيطعُنه طعَنْة تَفُور بِالدَّمِ فتلطِّخ ذراعي الْفرس بذلك الدَّم فَيكون عَلامَة لسبْقه. وَمِنْه قَول تَمِيم بن أُبَيْ بن مقبل يصف الْخَيل فَقَالَ:
خلال بيُوت الحيّ مِنْهَا مذرَّع
والضَبُع مُذَرَّعة لسواد فِي أذرعها وَمِنْه قَول الْهُذلِيّ:
مذرَّعة أُمَيْمَ لَهَا فَلِيل
وذرعات الدابَّة: قوائمه. وَمِنْه قَول ابْن خذَّاق العبديّ يصف فرسا:
فأمْست كتيس الرَبْل تعدو إِذا عدت
على ذَرِعات يعتلينَ خُنُوسا
أَي على قَوَائِم يعتلين مَن جاراهن وهنّ يخْنِسْن بعض جريهنّ أَي يُبْقين مِنْهُ، يَقُول: لم يَبْذلن جَمِيع مَا عِنْدهن من السَير. وَيُقَال: فلَان ذَريعتي اللَّيْلَة أَي سبَبي ووُصلتي الَّذِي بِهِ أتسبَّب إِلَيْك، أُخِذ من الذَرِيعة. وَهُوَ الْبَعِير الَّذِي يستتِر بِهِ الرَّامِي من الصَّيْد ويخاتله حَتَّى يُكْثِبُه فيرميه.
وَقَالَ أَبُو وَجْزَة يصف امْرَأَة:
طافت بِهِ ذَات ألوان مشبّهة
ذَريعة الجِنّ لَا تُعْطِي وَلَا تدعُ
أَرَادَ كَأَنَّهَا جِنّية لَا يُطمَع فِيهَا وَلَا يُعلَم مافي نَفسهَا. أَبُو عُبيد عَن الأمويّ: التذريع: الخَنِق، وَقد ذرَّعته إِذا خَنَقته. وَقَالَ أَبُو زيد: ذرّعته تذريعاً إِذا جعلت عُنُقه بَين ذراعك وعضدِك فخَنَقْته. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: تذرَّع فلَان الجريدَ إِذا وَضعه على ذراعه فشَطَّبه. وَمِنْه قَول قيس بن الخَطيم:
ترى قَصَد المُرّان تُلْقَى كَأَنَّهَا
تَذَرُّعُ خِرصانٍ بأيدي الشواطب
قَالَ: والخِرْصان أَصْلهَا القضبان من الجريد، والشواطب جمع الشاطبة. وَهِي الْمَرْأَة الَّتِي تقشُر العَسِيب ثمَّ تلقيه إِلَى المنقّية فتأخذ كلّ مَا عَلَيْهِ بسكّينها حَتَّى تتركه رَقِيقا، ثمَّ تلقيه المنقّية إِلَى الشاطبة ثَانِيَة فتشطُبه على ذراعها وتتذرّعه. وكل قضيب من شَجَرَة خُرْص. وَهَذَا كُله قَول الأصمعيّ حَكَاهُ عَنهُ ابْن السّكيت. قَالَ: وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: التذرّع، قدر ذِرَاع ينكسر فَيسْقط. قَالَ: والتذرّع والقِصَد عِنْده وَاحِد. قَالَ: والخِرْصان: أَطْرَاف الرماح الَّتِي تلِي الأسِنَّة، الْوَاحِد خِرْص وخُرْص وخَرْص. قلت: وَقَول الأصمعيّ أشبههما بِالصَّوَابِ. وَيُقَال: ذرع الْبَعِير يَده إِذا مدَّها فِي السّير. وَيُقَال اقصِد بذرعك أَي لَا تَعْدُ بك قدرَك.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: مذارع الْوَادي: أضواجه ونواحيه. وَيُقَال: هَذِه نَاقَة تذارع بُعْدَ(2/190)
الطَّرِيق أَي تمدّ بَاعهَا وذراعها لتقطعه. وَهِي تذارع الفلاة وتَذْرعها إِذا أسرعت فِيهَا كَأَنَّهَا تقيسها. وَقَالَ الراجز يصف الْإِبِل:
وَهن يَذْرَعن الرَقَاق السَمْلَقا
ذَرْع النواطي السُحُل المرقَّقا
والنواطي: النواسج، الْوَاحِدَة ناطية. وَيُقَال: ذَرَّع فلَان بِكَذَا إِذا أقرَّ بِهِ، وَبِه سمّي المذرِّع أحد بني خَفَاجة بن عُقَيل وَكَانَ قتل رجلا من بني عَجْلان ثمَّ أقرَّ بقتْله فأقيد بِهِ فسمّي المذرِّع. وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : أَنْت ذرَّعت بَيْننَا هَذَا وَأَنت سحلته، يُرِيد: سبَّبْته، وَرجل ذَرِع: حَسَن العِشرة والمخالطة. وَمِنْه قَول خَنْساء:
جَلْد جميل مُخِيل بارع ذَرِع
وَفِي الحروب إِذا لاقيت مسعار
وَيُقَال: ذراعته مذارعة إِذا خالطته. أَبُو زيد: الإذراع: كَثْرَة الْكَلَام والإفراطُ فِيهِ، وَقد أَذْرع إِذا أفرط فِي الْكَلَام. وَيُقَال ذَرَعه الْقَيْء إِذا سَبَق إِلَى فِيهِ، وَقد أذرعه الرجل إِذا أخرجه. أَبُو عبيد عَن أبي زيد: ذَرَّع فلَان تذريعاً إِذا حرَّك ذِرَاعه فِي السَّعْي واستعان بهَا. ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: اندرع وانذرع واندر أَو رَعَف واسترعف إِذا تقدّم. قَالَ: والذَرِع: الطَّوِيل اللِّسَان بالشرّ. وَهُوَ السَيَّار الليلَ وَالنَّهَار.
(بَاب الْعين والذال مَعَ اللَّام)
ع ذ ل
عذل، لذع، ذعل (ذلع) : مستعملة.
عذل: قَالَ اللَّيْث: العَذْل: اللَوْم. وَقَالَ غَيره: العَذَل مثله. وَهُوَ مصدر عَذَل يَعْذِلُ عَذْلاً وعَذَلاً. والعُذَّال جمع العاذل. والعواذل من النِّسَاء جمع العاذلة، وَيجوز العاذلات.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: العَذْل: الإحْراق، فَكَأَن اللائم يُحْرِق بعَذْله قلب المعذول. قَالَ: وَقَول الْعَرَب: هَذِه أيّامٌ مُعْتَذِلات إِذا كَانَت نِهَايَة فِي الْحر من هَذَا.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: هَذِه أَيَّام معتذلات بذال مُعْجمَة إِذا كَانَت شَدِيدَة الحَرّ.
وَأنْشد أَبُو نصر عَن الأصمعيّ:
لوَّامة لامت بلومٍ شِهَبِ
قَالَ: الشِهَب أَرَادَ: الشهَاب، كَأَن لومها يحرقه.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ أَيْضا: العُذُل: الأيَّام الحارَّة. قَالَ: وَجمع العاذل العِرْقِ عُذُل أَيْضا. وَفِي حَدِيث ابْن عبّاس أَنه سُئِلَ عَن الْمُسْتَحَاضَة، فَقَالَ: ذَاك العاذل يغذو.
قَالَ أَبُو عُبَيد: العاذل: هُوَ اسْم العِرْق الَّذِي يسيل مِنْهُ دم الِاسْتِحَاضَة.
أَبُو عُبَيد عَن الْأَحْمَر: عَذَلْنا فلَانا فاعتذل أَي لَام نَفْسَه وأعْتب.
وَقَالَ ابْن السّكيت: سَمِعت الكِلابيّ يَقُول: رَمَى فلَان فَأَخْطَأَ ثمَّ اعتذَل أَي رمى ثَانِيَة.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن سَلَمة عَن الفرّاء أَنه قَالَ: سَمِعت المفضّل الضّبيّ يَقُول: كَانَت(2/191)
الْعَرَب تَقول فِي الْجَاهِلِيَّة لشعبان: عاذل، ولشهر رَمَضَان: ناتق، ولشوال: وَعِل، وَلِذِي القَعْدة: وَرْنة، وَلِذِي الحِجَّة: بُرَك، ولمحرّم: مؤتمر، ولصَفَر: ناجر، ولربيع الأول: خَوّان، ولربيع الآخِرِ: وَبْصان. ولجمادي الأولى: رُنَى، وللآخرة: حُنَين، ولرجب: الأصمّ.
لذع: قَالَ اللَّيْث: لَذَع يَلْذَع لَذْعاً. وَهِي حُرْقة كحُرْقة النَّار. قَالَ: ولذعتُ فلَانا بلساني. قَالَ: والقَرْحة إِذا قيَّحت تلتذع، والقَيْح يلذعها. قَالَ: والطائر يَلْذَع الجناحَ إِذا رَفْرَف ثمَّ حَرّك شَيْئا قَلِيلا جناحيه.
أَبُو عبيد: اللَوْذَعِيّ: الحَدِيد الفؤادِ. وَقَالَ الهذليّ:
فَمَا بالُ أهل الدَّار لم يتفرّقوا
وَقد خَفَّ عَنْهَا اللوذعيُّ الحُلاحِلُ
وَقيل: هُوَ الحَديد النفْس. وَيُقَال: لَذَع فلَان بعيره فِي فَخذه لَذْعة أَو لَذْعتين بطَرَف المِيسَم. وَجَمعهَا اللَذَعات.
ذعل: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الذَعَل: الْإِقْرَار بعد الْجُحُود. قلت: وَهَذَا حرف غَرِيب مَا رَأَيْت لَهُ ذكرا فِي الْكتب.
ذلع: قَالَ بعض المصحِّفين: الأذلعيّ بِالْعينِ الضخم من الأيور الطويلُ. قلت: وَالصَّوَاب: الأذْلغِيّ، بالغين لَا غير.
(بَاب الْعين والذال مَعَ النُّون)
ع ذ ن
أهملت وجوهها مَا خلا: الإذعان (عذن) .
ذعن: قَالَ الله جلّ وعزَّ: {وَإِن يَكُنْ لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ} (النُّور: 49) .
قَالَ ابْن الأعرابيّ: (مذعنين) مقرّين خاضعين.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: جَاءَ فِي التَّفْسِير: مُسْرِعين. قَالَ: والإذعان فِي اللُّغَة: الْإِسْرَاع مَعَ الطَّاعَة، تَقول: قد أذعن لي بحقّي مَعْنَاهُ: قد طاوعني لِما كنت ألتمِسه مِنْهُ، وَصَارَ يُسرع إِلَيْهِ.
وَقَالَ اللَّيْث: الإذعان: الانقياد، أذعن إِذا انْقَادَ وسَلِس بِنَاؤُه: ذَعِن يذْعن ذَعَناً. وناقة مذعان: سَلِسة الرَّأْس منقادة لقائدها. قَالَ: وَقَوله: مذعنين: منقادين.
عذن: أهمله اللَّيْث. وروى إِسْحَاق بن الْفرج عَن عَرّام أَنه قَالَ: العذَانة: الإست. وَالْعرب تَقول: كَذَبت عَذّانته وكذّانته بِمَعْنى وَاحِد.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: أعذن الرجل إِذا آذَى إنْسَانا بالمخالفة.
(بَاب الْعين والذال مَعَ الْفَاء)
ع ذ ف
عذف، ذعف: مستعملان.
ذعف: قَالَ اللَّيْث: الذُعَاف: سمّ سَاعَة. وَطَعَام مذعوف: جُعل فِيهِ الذعاف.
أَبُو عُبَيد عَن الكسائيّ: موت ذُؤاف وذُعاف. وَأنْشد:
سقتهنّ كأساً من ذُعَاف وجَوْزلا
وحيَّة ذَعْف اللعَاب: سريعة الْقَتْل.
عذف: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ:(2/192)
العُذُوف: السُّكُوت. قَالَ: والذُعُوف: المرارات.
أَبُو عَمْرو: مَا ذقت عَذُوفاً وَلَا عَدُوفاً أَي مَا ذقت شَيْئا. وَقد مرَّ تَفْسِيره فِيمَا تقدم.
(بَاب الْعين والذال مَعَ الْبَاء)
ع ذ ب
عذب، بذع، ذعب: مستعملة.
عذب: قَالَ اللَّيْث: عَذُب المَاء يَعْذُب عُذُوبة فَهُوَ عَذْب: طيب. وأعذب الْقَوْم إِذا عَذُب ماؤهم. قَالَ: واستعذَبوا إِذا استقوا مَاء عَذْباً. وعذب الْحمار يَعذُب عُذوباً فَهُوَ عاذب وعَذُوب إِذا لم يَأْكُل العَلَف من شدّة الْعَطش. قَالَ: ويَعْذُب الرجل عَن الْأكل فَهُوَ عاذب: لَا صَائِم وَلَا مفطر. وأعذبته إعذاباً، وعذَّبته تعذيباً. كَقَوْلِك فَطَمته عَن هَذَا الْأَمر. وكل من مَنعته شَيْئا فقد أعذبته وعذّبته. قَالَ: وعذَّبته تعذيباً وَعَذَابًا من الْعَذَاب. وعَذَبة السَّوْط: طَرَفه، وأطراف السيور عَذَبها وعَذَباتها. وعَذَبة قضيب الجَمَل: أسَلَته المستدِقّ فِي مقدَّمه. والجميع العَذَب. وعَذَبة شِرَاك النَّعْل: المرسلةُ من الشرَاك. والعُذَيب: مَاء مَعْرُوف بَين الْقَادِسِيَّة ومُغِيثة. وَفِي حَدِيث عليّ أَنه شَيَّع سريَّة فَقَالَ: أَعذِبوا عَن النِّسَاء.
قَالَ أَبُو عبيد: يَقُول: امنعوا أَنفسكُم عَن ذكر النِّسَاء وشَغْل الْقُلُوب بهنّ؛ فَإِن ذَلِك يكسركم عَن الغَزْو. وكلّ مَن منعته شَيْئا فقد أعذبته.
وَقَالَ عَبِيد بن الأبرص:
وتبدّلوا اليَعْبُوب بعد إلاههم
صنما فقِرّوا يَا جَدِيل وأَعْذِبوا
قَالَ والعاذب والعَذُوب سَوَاء.
وَيُقَال للْفرس وَغَيره: بَات عَذُوباً إِذا لم يَأْكُل شَيْئا وَلم يشرب لِأَنَّهُ مُمْتَنع من ذَلِك. وَأنْشد:
فَبَاتَ عَذُوباً للسماء كَأَنَّهُ
سُهَيل إِذا مَا أفردته الْكَوَاكِب
يصف ثوراً وَحْشياً بَات فَرِداً لَا يَذُوق شَيْئا.
قَالَ: والعَذُوب: الَّذِي لَيْسَ بَينه وَبَين السَّمَاء سُترة. وَكَذَلِكَ العاذب. قلت: وَقَول أبي عبيد فِي العَذُوب والعاذب: أَنه الَّذِي لَا يَأْكُل وَلَا يشرب أصوب من قَول اللَّيْث: إِن العَذُوب: الَّذِي يمْتَنع عَن الْأكل لعطشه.
وَيُقَال: أعذب عَن الشَّيْء إِذا امْتنع، وأعذب غَيره إِذا مَنعه فَيكون لَازِما وواقعاً، مثل أملق إِذا افْتقر، وأملق غَيره. أَبُو عبيد: العَذَبة: الخَيط الَّذِي يُرفع بِهِ الْمِيزَان، وعَذَبة اللِّسَان: طَرَفه.
وَقَالَ غَيره: العَذَب: مَا يخرج على أثَر الْوَلَد من الرَحِم. وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: العَذَابة: الرَحِم.
وَأنْشد:
وَكنت كذاتِ الْحيض لم تُبقِ ماءها
وَلَا هِيَ من مَاء العَذَابة طَاهِر
قَالَ: والعذابة: رَحِم الْمَرْأَة.
وَقَالَ اللحياني: استعذبت عَنْك: أَي انْتَهَيْت.(2/193)
وَيُقَال: مَرَرْت بِمَاء مَا بِهِ عَذَبة أَي لارِعْيَ فِيهِ وَلَا كلأ.
وَيُقَال: اضْرِب عَذَبة، الْحَوْض حَتَّى يظْهر المَاء أَي اضْرِب عَرْمَضه.
وَقَالَ الكسائيّ: العَذَبة: الغُصْن وَجَمعهَا عَذَب. وعَذَب النوائح هِيَ المآلي: وَهِي المعاذب أَيْضا وَاحِدهَا معذبة. وعَذُوبات النَّاقة: قَوَائِمهَا.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: عذَّبت السَّوْط فَهُوَ معذَّب إِذا جعلت لَهُ عِلاَقة.
قَالَ: وعَذَبة السَّوْط: عِلاَقته.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال للجِلدة المعلَّقة خَلْف مُؤْخِرة الرحل من أَعْلَاهُ عَذَبة وذوَابة. وَأنْشد:
قَالُوا صدقت ورفَّعو لمطيّهم
سَيْراً يُطير ذوائبَ الأكوار
عَمْرو عَن أَبِيه: يُقَال لخِرْقة النائحة عَذَبة ومِعْوَز. وَجمع العذبة معاذب على غير قِيَاس.
بذع: قَالَ ابْن المظفّر: البَذَع: شبه الفَزَع. والمبذوع كالمذعور.
وَيُقَال: بُذِعوا فابذعَرُّوا أَي فزعوا فتفرّقوا. قلت: وَمَا سَمِعت هَذَا لغير اللَّيْث.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: البَذْع: قَطرْ حُبْ المَاء.
قَالَ وَهُوَ المَذْع أَيْضا. يُقَال: مَذَع وبَذَع إِذا قَطَر.
ذعب: أهمله اللَّيْث.
وروى أَبُو تُرَاب للأصمعيّ أَنه قَالَ: رَأَيْت الْقَوْم مذعاً بيِّن كَأَنَّهُمْ عُرْف ضِبْعان، ومثعابِّين بِمَعْنَاهُ، وَهُوَ أَن يَتْلُو بعضُهم بَعْضًا قلت: وَهَذَا عِنْدِي مَأْخُوذ من انثعب المَاء وانذعب إِذا سَالَ واتصل جَرَيَانه فِي النَّهر.
(بَاب الْعين والذال مَعَ الْمِيم)
ع ذ م
اسْتعْمل من وجوهه: عذم، مذع.
عذم: قَالَ ابْن المظفّر: العَذْم: الْأَخْذ بِاللِّسَانِ واللومُ، وَقد عَذَم يَعْذِم عَذْما إِذا عَنَف فِي لومه. والعَذِيمة: الْمَلَامَة.
وَقَالَ الراجز:
يظلّ من جاراه فِي عذائم
من عُنْفُوان جَرْيه العُفاهِم
وَفرس عَذُوم أَي عَضُوض. قَالَ: والعُذّام: شجر من الْحَمْض يَنْتمىء، وانتماؤه: انشداخ ورقه إِذا مسِسَتْه، وَله ورق كورق القاقلّ، والواحدة عُذَّامة. وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن الصَيْداويّ عَن الرياشيّ أَنه قَالَ: العَذْم: العَضُ. وَذكر عَن عُمَارة بِإِسْنَاد لَهُ أَنه قَالَ: العَذْم: المَنْع، يُقَال: لأعْذِمنَّك عَن ذَلِك. قَالَ: وَالْمَرْأَة تَعْذِم الرجل إِذا أَربع لَهَا بالْكلَام أَي تشتمه إِذا سَأَلَهَا الْمَكْرُوه، وَهُوَ الإرباع. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: العُذُم: البراغيث، وَاحِدهَا عَذُوم. والعُذُم: اللوّامون والمعاتِبون. وَفِي (النَّوَادِر) : عَذَمته عَن كَذَا وَكَذَا وأعذمته أَي منعته.
مذع: أهمله اللَّيْث. وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْكسَائي: إِذا أخبر الرجل بِبَعْض الْخَبَر وكتم بَعْضًا قلت: مَذَع يَمْذَع مَذْعاً وماش(2/194)
يميش مَيْشاً. وَقَالَ غَيره: يُقَال للكذّاب: المَذَّاع، وَقد مَذَع إِذا كَذَب. وَقَالَ الْمفضل مَذَع فلَان يَمِينا إِذا حَلَف. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: المَذْع: سيلان المزادة. المَذْع: السيلان من العيونِ الَّتِي تكون فِي شَغَفَات الْجبَال. وَقَالَ أَبُو زيد: المَذّاع، الكذوب الَّذِي لَا وَفَاء لَهُ وَلَا يَحفظ أحدا بِظهْر الغَيْب.
(أَبْوَاب الْعين والثاء
(بَاب الْعين والثاء مَعَ الرَّاء)
ع ث ر
عثر، ثعر، رعث، رثع، ثرع: مستعملة.
عثر: قَالَ الله جلّ وعزّ: {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّآ إِثْماً} (المَائدة: 107) مَعْنَاهُ: فَإِن اطُّلع على أَنَّهُمَا قد خَانا. وَقَالَ الله جلَّ وعَزَّ {وَكَذالِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ} (الْكَهْف: 21) مَعْنَاهُ: وَكَذَلِكَ أَطْلعنا. وَقَالَ اللَّيْث: عَثَر الرجل يَعْثُر عُثُوراً إِذا هجم على أَمر لم يهجُم عَلَيْهِ غَيره وأعثرت فلَانا على أَمر أَي أطلعته. وعَثَر الرجل يَعْثُر عَثْرة، وعَثَر الْفرس عِثَاراً. وعيوب الدوابّ تَجِيء على فِعَال؛ مثل العِثار والعِضَاض والخِراط والضِرَاح والرِمَاح وَمَا شاكلها. أَبُو عُبيد عَن أبي عَمْرو: العَثَرِيّ: العِذْي، وَهُوَ مَا سقته السماءُ. قلت: العَثَرِيّ من الزروع: مَا سُقِي بِمَاء السَّيْل والمطر وأُجرِي إِلَيْهِ الماءُ فِي المسايلِ وحُفر لَهُ عاثور أَي أتيّ يُجْرى فِيهِ المَاء إِلَيْهِ. وَجمع العاثور عواثير. وَمن هَذَا يُقَال: وَقع فلَان فِي عاثور شرّ وعافور شرّ إِذا وَقع فِي وَرْطة لم يحتسبها وَلَا شَعَر بهَا. وَأَصله الرجلُ يمشي فِي ظُلْمة اللَّيْل فيتعثّر بعاثور المَسِيل أَو فِي خدّ خَدَّه سيلُ الْمَطَر فَرُبمَا أَصَابَهُ مِنْهُ وَثْء أَو عَنَت أَو كسر.
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (إِن قُريْشًا أهل أَمَانَة، مَن بغاها العواثر كبَّه الله لمنخره) . وَقَوله: (من بغاها العواثر) أَي بغى لَهَا المكايد الَّتِي تَعْثُر بهَا كالعاثور الَّذِي يُخَدّ فِي الأَرْض فتعثّر بِهِ الْإِنْسَان إِذا مَرَّ بِهِ لَيْلًا وَهُوَ لَا يشْعر بِهِ فَرُبمَا أَعْنته. وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ أَنه قَالَ: يُقَال: جَاءَ فلَان رائقاً عَثَّرِيّاً بتَشْديد الثَّاء إِذا جَاءَ فَارغًا قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: وَهُوَ غير العَثَريّ الَّذِي جَاءَ فِي الحَدِيث، لِأَن الَّذِي فِي الحَدِيث مخفّف الثَّاء، وَهَذَا مشدّد الثَّاء، وَنَحْو ذَلِك قَالَ أَبُو الْهَيْثَم فِي العِذْي: إِنَّه العَثَريّ بتَخْفِيف الثَّاء، وَكَانَ شمر يشدّد الثَّاء فِيهِ، وَالصَّوَاب تخفيفها؛ كَمَا قَالَ أَبُو الْعَبَّاس وَأَبُو الْهَيْثَم. وروى شمر عَن ابْن الأعرابيّ أَنه قَالَ: رجل عَثَريّ: لَيْسَ فِي أَمر الدُّنْيَا وَلَا فِي أَمر الْآخِرَة. وَقَالَ اللَّيْثِيّ فِي قَول الراجز: (وبلدة كَثِيرَة العاثور) قَالَ: يَعْنِي المتالِف. أَبُو عبيد: العِثْيَر: الغُبَار. قَالَ: وأنشده الأمويّ:
ترى لَهُم حول الصِقَعْل عِثْيره
يَعْنِي الْغُبَار. وَقَالَ اللَّيْث: العِثْيَر: الْغُبَار الساطع. وَأما قَوْلهم: مَا يرى لفُلَان أَثَرٌ وَلَا عَيْثَرٌ فَإِنَّهُ مبنيّ على مِثَال فَيْعَل. وروى الأصمعيّ عَن أبي عَمْرو بن العَلاَء أَنه قَالَ: بُنيَتْ سَيْلَحُون: مَدِينَة بِالْيمن فِي(2/195)
ثَمَانِينَ أَو سبعين سنة، وبنيت بَرَاقِش وَمعين بِغُسالة أَيْديهم، فَلَا يرى لسَيْلحين أَثَرٌ وَلَا عَيْثَرٌ، وَهَاتَانِ قائمتان. وَأنْشد قَول عَمْرو بن معد يكرب:
دَعَانَا من بَرَاقِش أَو مَعِين
فأَسمع واتلأَب بِنَا مليع
ومَلِيع: اسْم طَرِيق. وَقَالَ الأصمعيّ: العَيْثَر تبع لأثر. قَالَ: وَأما العِثْيَر فَهُوَ الْغُبَار. وَقَالَ الرياشي: العَيْثَر: أخْفى من الأَثَر، يُقَال: إِن العَيْثَر: عَين الشَّيْء وشخصه فِي قَوْله: مَاله أثر وَلَا عَيْثر وَأنْشد:
لعمر أَبِيك يَا صَخْر بن عَمْرو
لقد عيثرت طيرك لَو تعيفُ
يُرِيد: لقد أَبْصرت وعاينت. وَقَالَ اللَّيْث: العَيْثَر: مَا قَلَبْت من تُرَاب أَو مَدَر أَو طين بأطراف أَصَابِع رجليك إِذا مشيتَ وَلَا يرى من القَدَم أثر غَيره، فَيُقَال: مَا رَأَيْت لَهُ أثرا وَلَا عَيْثراً. وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ أَنه قَالَ: العثْر: الكذِب، يُقَال فلَان فِي العَثْر والبائن، يُرِيد: فِي الْحق وَالْبَاطِل.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي يُقَال: كَانَت بَين الْقَوْم عَيْثَرة وغَيْثَرة شَدِيدَة، وَكَأن العَيْثرة دون الغَيْثرَة. وَقَالَ الْأَصْمَعِي:
تركت الْقَوْم فِي غَيْثرة وعَيْثرة أَي فِي قتال دون الْقِتَال. قَالَ وَيُقَال: مَا رَأَيْت لَهُ أثرا وَلَا عَيْثراً. قَالَ: والعَيْثَر: الشَّخْص العَثَر الِاطِّلَاع على سِرِّ الرجل. وعَثَّر: مَوضِع وَهُوَ مأسَدة، جَاءَ على فَعَّل مثل بَقَّمَ. وَقَالَ أَبُو سعيد فِي قَول الْأَعْشَى:
فَبَانَت وَقد أورثت فِي الفؤا
د صَدْعاً يخالط عَثَّارها
قَالَ: عثَّارها هُوَ الْأَعْشَى عَثَر بهَا فابتُليَ بهواها وتزوّد مِنْهَا صَدْعاً فِي فُؤَاده.
وعُثَارى: اسْم وَاد.
ثعر: رَوَى أَبُو الزبير عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (إِذا مُيّز أهل الجنَّة من أهل النَّار أُخرِجوا قد امْتُحِشوا فيُلْقَون فِي نهر الْحَيَاة فَيخْرجُونَ بيضًا مثل الثعارير) . والثعارير فِي هَذَا الحَدِيث: رُؤُوس الطراثيث، ترَاهَا إِذا خرجت من الأَرْض بيضًا شُبّهوا فِي الْبيَاض بهَا. ورَوَى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الثعارير: الثآليل وَاحِدهَا ثُعرور. قَالَ: والثَعَر: كَثْرَة الثآليل. قَالَ: والثُعْرور أَيْضا: ثَمَر الذُؤْنُون وَهِي شَجَرَة مُرَّة. وَيُقَال لرأس الطُرْثُوث: ثُعْرور، وَكَأَنَّهُ كَمَرة ذَكَر الرجل فِي أَعْلَاهُ. وَقَالَ اللَّيْث: الثُعْرورة: الرجل الْقصير.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ فِي مَوضِع آخر: الثُعْرور: قِثّاء صغَار. قَالَ: وَهُوَ الثُؤلول، وَهُوَ قُرَاد الثَدْي وَهُوَ حَلَمته. قَالَ: والثعارير: نَبَات يشبه الهِلْيَوْن. وَقَالَ اللَّيْث: الثَّعْر: لُغَة فِي الثُعْر، وَهِي شَجَرَة السمّ إِذا قُطِر مِنْهُ فِي الْعين مَاتَ صَاحبه وَجَعاً.
رعث: رُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يحلِّي بَنَات فلَان وكنّ فِي حجْره رِعَاثاً من ذهب.
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو عَمْرو: وَاحِد الرَعَاث رعَثَة ورَعْثة، وَهُوَ القُرْط. قَالَ: والرَعْث فِي غير هَذَا: العِهْن من الصُّوف. وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن(2/196)
الأعرابيّ قَالَ: الرَعَثة فِي أَسْفَل الأُذُن الشَنْف فِي أَعلَى الْأذن. وَقَالَ اللَّيْث: الرَعْثة: رَعْثة الديك وَهِي لِحْيته قَالَ: وَرَعثتَا المِعْزَى: زَنَمتاها. ورَعَثَتِ العَنْزُ رَعْثاً إِذا ابيضَّت أَطْرَاف زَنَميتيْها. قَالَ: وكلّ مِعْلاق كالقُرْط وَنَحْوه يعلَّق من أذن أَو قلادة فَهُوَ رِعَاث. قَالَ: والرُعُث: ذَبَاذب من العِهْن تعلَّق من الهوادج زِينَة لَهَا، وَاحِدهَا رَعْثة. قَالَ: والرَعْثة التَلْتَلة تتخَّذ من جُف الطَلْعة يُشرب بهَا. وحُكِي عَن بَعضهم أَنه قَالَ: يُقَال لراعوفة الْبِئْر: راعوثة. قَالَ: وَهِي الأُرْعُوفة والأُرْعُوثة. وَتَفْسِيره فِي الْعين وَالرَّاء. وبَشَّار المُرَعَّث سمّي مُرَعثاً لِرَعَاث كَانَت فِي أُذُنه.
ثرع: أهمله اللَّيْث. وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ أَنه قَالَ: ثَرِع الرجل إِذا طَفَّل على قوم.
رثع: أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: رجل راثع وَهُوَ الَّذِي يرضى من العطيّة بالطفيف، ويخادن أخدان السَوْء.
وَقد رَثِع رَثَعاً. وَقَالَ اللَّيْث: رجل رَثِع وراثع: حَرِيص ذُو طَمَع.
(بَاب الْعين والثاء مَعَ اللَّام)
ع ث ل
علث، عثل، ثعل، لعث: مستعملة.
علث: أَبُو عبيد عَن الفرّاء قَالَ: المعلوث: بِالْعينِ: الْمَخْلُوط. قَالَ: وَقد سمعناه بالغين: مغلوث، وَهُوَ مَعْرُوف. الحَرّانيّ عَن ابْن السّكيت قَالَ: العَلْث: أَن يُخلط البُرّ بِالشَّعِيرِ، يُقَال: عَلَث الطعامَ يَعْلِثه عَلْثاً. وَمِنْه اشتقّ عُلاثة. قَالَ: والعَلَث: شدّة الْقِتَال. يُقَال: قد عَلِث بعضُ الْقَوْم بِبَعْض قلت: وَالَّذِي ذكره ابْن السّكيت بِالْعينِ يجوز فِي جَمِيع مَا ذكر فِي الْغَيْن. يُقَال: طَعَام مغلوث وغَلِيث وعَلِيث وَرجل غَلِث: ملازم لمن طَالب قتال أَو غَيره، وَهُوَ صَحِيح كُله. وعُلاَثة: اسْم رجل، وَهُوَ الَّذِي يَجمع من هَهُنَا وَهَهُنَا. وَقد عَلَث. قَالَ: وَيُقَال: اعتلث الزَنْدُ إِذا لم يورِ، واعتاص عِلاَثة. وَأنْشد:
فَإِنِّي غير معتِلث الزِّنَاد
أَي غير صَلْد الزِّنَاد. وَيُقَال: اعتلث فلَان زَنْداً إِذا أَخذه من شجر لَا يُدرى أيُورى أم لَا. والمعتلث من السِهَام: الَّذِي لَا خبر فِيهِ، قَالَه ابْن شُمَيْل. أَبُو زيد: إِذا خُلط البُرّ بِالشَّعِيرِ فَهُوَ عَليث. وَحكى النَّضر عَن الجعديّ: غَلَثوا البُرّ بِالشَّعِيرِ أَي خلطوه، وَهُوَ الغَلِيث. وَقَالَ أَبُو الجرّاح: الغَليث: أَن يخلط الشّعير بالبرّ للزِّرَاعَة ثمَّ يحصدان ويجمعان مَعًا. والجِرْبة: المزرعة، وَأنْشد:
جفاه ذَوَات الدَرّ واجتزّ جِرْبَةً
عليثاً وأعْيا دَرُّ كل عَتُوم
عثل: أهمله اللَّيْث. وَقَالَ الفرّاء: يُقَال: عَثَمَتْ يَدُه وعثَلَت تَعْثُل إِذا جَبَرت على غير اسْتِوَاء. وَأنْشد غَيره:
ترى مُهجَ الرِّجَال على يَدَيْهِ
كَأَن عِظَامه عَثَلت بجَبْر
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: العَثَل: ثَرْب الشَّاة، وَهُوَ الخِلْم والسِمْحاق. وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: رجل عِثْوَلّ قِثْوَلّ إِذا كَانَ عَيِيّاً(2/197)
فَدْماً ثقيلاً. قَالَ: وَقَالَ لي أعرابيّ وَلِصَاحِب لي كَانَ يستثقله، وَكُنَّا مَعًا نَخْتَلِف إِلَيْهِ، فَقَالَ لي: أَنْت قُلْقُل بُلْبُل، وَصَاحِبك هَذَا عِثْوَلٌّ قِثْوَلٌّ. ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: العَثُول: الأحمق، وَجمعه عُثُل.
ثعل: أَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْهَيْثَم قَالَ: الثُعْل: زِيَادَة طُبْي على سَائِر الْأَطِبَّاء، وَزِيَادَة سِنّ على سِنّ. وَأنْشد:
ذمّوا لنا الدُّنْيَا وهم يرضعونها
أفاويق حَتَّى مَا يدرُّ لَهَا ثُعْلُ
وَقَالَ الأصمعيّ: رجل أثعل إِذا كَانَ زَائِد السنّ. وَتلك السن الزَّائِدَة يُقَال لَهَا الراءول. اللَّيْث: رجل أثعل وَامْرَأَة ثعلاء وَقد ثَعِل ثَعَلاً وَهُوَ زِيَادَة سنّ أَو دُخُول سنّ تَحت سنّ فِي اخْتِلَاف من المَنْبت. قَالَ: والأثعل: السّيد الضخم إِذا كَانَ لَهُ فضول. قَالَ: والثَعُول: الشَّاة الَّتِي تُحلب من ثَلَاثَة أمكنة أَو أَرْبَعَة للزِّيَادَة الَّتِي فِي الطُبْي. الْأَصْمَعِي: وِرد مُثْعِل إِذا ازْدحم بعضه على بعض من كثرته. اللَّيْث الْأُنْثَى من الثعالب يُقَال لَهَا ثُعَالة. قلت: وَيُقَال لجمع الثَّعْلَب ثعالب وثعالى بِالْبَاء وَالْيَاء. وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
لَهَا أشارير من لحم تُتَمرُه
من الثعالى ووَخْز من أرانيها
أَرَادَ: من الثعالب وَمن أرانبها. وَقَالَ اللَّيْث: الثُعْلُول: الرجل الغضبان وَأنْشد:
وَلَيْسَ بِثُعْلُول إِذا سِيل واجتُدِي
وَلَا برماً يَوْمًا إِذا الضَّيْف أوهما
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: فِي أَسْنَانه ثَعَل وَهُوَ تراكب بَعْضهَا على بعض. وَقيل: أَخبث الذئاب الأَثْعل وَفِي أَسْنَانه شَخَس وَهُوَ اخْتِلَاف النِبتة. ابْن شُمَيْل: الثَّعْلَب: الذّكر، وَالْأُنْثَى ثَعْلَبَة. وَيُقَال لكل ثَعْلَب إِذا كَانَ ذكرا: هَذَا ثُعَالة، كَا ترى بِغَيْر صرف، وَلَا يُقَال للْأُنْثَى: ثُعَالة، وَيُقَال للأَسَد: أُسامة بِغَيْر صرف، وَلَا يُقَال للْأُنْثَى: أُسامة. وَبَنُو ثُعَل: حَيّ من أَحيَاء طيّء. وبَلَد مَثْعَلة: كثير الثعالب.
لعث: أهمله اللَّيْث. وَقَالَ غَيره: الألعث: الثقيل البطيء من الرِّجَال، وَقد لعِث لَعَثاً وَقَالَ أَبُو وَجْزة السعديّ:
ونفضتُ عني نومَها فسرْيتها
بالقوم من تَهِمٍ وألعثَ وانِ
والتهِم والتهِن: الَّذِي قد أثقله النُعَاس.
(بَاب الْعين والثاء مَعَ النُّون)
ع ث ن
عثن، عنث، نثع: مستعملة.
عثن: فِي حَدِيث سُرَاقة بن مَالك أَنه طلب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبا بكر حِين خرجا مهاجِرَين، فلمَّا بَصُر بهما دَعَا عَلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فساخت قَوَائِم فرسه فِي الأَرْض، فَسَأَلَهُمَا أَن يخلّيا عَنهُ، فَخرجت قَوَائِمهَا، وَلها عُثَان. قَالَ أَبُو عبيد: العُثان أَصله الدُخَان. وَجمع العُثَان عَوَاثن، وَكَذَلِكَ جمع الدُّخان دواخن على غير قِيَاس. وَأَرَادَ بالعثان هَهُنَا الغُبَار شبَّهه بالدخان، كَذَلِك قَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء. وَيُقَال: عَثَنَت الْمَرْأَة بدخنتها إِذا استجمرت، وعَثَنْت الثَّوْب(2/198)
بالطِيب إِذا دخنته عَلَيْهِ حَتَّى عَبِق بِهِ. وَطَعَام مَعْثون وعَثِن ومَدْخون ودَخِن إِذا فسد لدخان خالطه وَيُقَال للرجل إِذا استوقد بحطب رَطْب ذِي دُخَان: لَا تُعَثِّن علينا. وَقَالَ اللَّيْث: عُثْنون اللِّحْيَة: طَرَفها. وعثانين الرِّيَاح: أوائلها. وعثانين السَّحَاب: مَا تدلَّى من هَيْدبها. وعُثْنون الْبَعِير: شُعَيرات عِنْد مذبحه. وعُثْنون التَيْس: مَا تدلَّى من الشّعْر تَحت مَذْبحه. وَقَالَ أَبُو زيد: العُثْنُون: مَا فَضَل من اللِّحْيَة بعد العارضين من باطنهما. وَيُقَال لما ظهر مِنْهَا: السَبَلة. وَقد يجمع بَين السَبَلة والعَثْنُون فَيُقَال لَهما: عُثْنُون وسَبَلة. أَبُو عبيد عَن الكسائيّ: عَثْنت فِي الْجَبَل وعَفَنت إِذا صَعِدت فِيهِ. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: العَثَن: الصَنَم الصَّغِير، والوثن: الْكَبِير، وَالْجَمَاعَة: الأَعثان والأوثان. وَيُقَال: عَثَن فلَان بَيْننَا تعثيناً أَي خلَّط وأثار الْفساد. وَقَالَ أَبُو تُرَاب: سَمِعت زَائِدَة البكريّ يَقُول: الْعَرَب تَدْعُو ألوان الصُّوف العهن، غير بني جَعْفَر فَإِنَّهُم يَدعُونَهُ العِثْن بالثاء. قَالَ: وَسمعت مدرك بن غَزْوان الجعفريّ وأخاه يَقُولَانِ: العِثْن: ضرب من الخُوصة يرعاه المَال إِذا كَانَ رَطْباً، فَإِذا يبِس لم ينفع. وَقَالَ مبتكِر: هِيَ العِهْنة، وَهِي شَجَرَة غبراء ذَات زهر أَحْمَر
عنث: اللَّيْث العُنْثُوة: يَبيس الحَلِيّ خاصّة إِذا اسودَّ وبَلِيَ وَيُقَال لَهُ: عُنْثة أَيْضا. وشَبَّه الشَّاعِر شَعرَات اللِمَّة بِهِ بعد الشيب فَقَالَ:
عَلَيْهِ من لِمَّته عَنَاثِى
قلت: عَنَاثي الحليّ: ثَمَرَتهَا إِذا ابيضّت ويَبِست قبل أَن تسودَّ وتَبْلَى، هَكَذَا سَمِعت من الْعَرَب. وشبَّه الراجز بَيَاض لِمَّته ببياضها.
نثع: ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: أنثع الرجلُ إِذا قاء. وأنثع إِذا خرج الدَّم من أَنفه غَالِبا لَهُ. أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد: أنثع القَيْء مِن فِيهِ إنثاعاً، وَكَذَلِكَ الدَّم من الْأنف.
(بَاب الْعين والثاء مَعَ الْفَاء)
ع ث ف
اسْتعْمل من وجوهه: عفث.
عفث: وَقد أهمله اللَّيْث. وَفِي الحَدِيث أَن الزُبَير بن العوّام كَانَ أعفث. أَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: رجل أعفث: لَا يواري شَوَاره أَي فرجه. وَقَالَ غَيره: هُوَ الْكثير التكشّف إِذا جلس.
(بَاب الْعين والثاء مَعَ الْبَاء)
ع ث ب
عَبث، ثعب، بثع، بعث: مستعملة.
عَبث: قَالَ الله جلّ وعزّ: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً} (الْمُؤْمِنُونَ: 115) أَي لَعِباً. وَقد عبِث يَعْبَث عَبَثاً فَهُوَ عابث: لاعب بِمَا لَا يعنيه وَلَيْسَ من باله. قلت: نَصَب {عَبَثاً} لِأَنَّهُ مفعول لَهُ، الْمَعْنى: خَلَقْنَاكُمْ للعبث.
أَبُو عُبيد عَن الفرّاء: عَبَثْتُ الأقِط أَعْبَثُه عَبَثَاً وَمِثْته، ودُفته. قَالَ أَبُو عبيد: وَفِيه لُغَة أُخْرَى: غَبثته بالغَين. قَالَ: وَقَالَ الْأمَوِي: الغَبِيثة بالغين: طَعَام يُطْبخ(2/199)
وَيجْعَل فِيهِ جَرَاد وَهُوَ الغَثِيمة أَيْضا.
الحرّانيّ عَن ابْن السّكيت قَالَ: العَبْث: مصدر عَبَث الأَقِط يَعْبَثه عَبْثاً إِذا خلط رَطْبه بيابسه. وَهِي العَبِيثة. قَالَ: والعَبَث أَن يَعبَث بالشَّيْء. قَالَ: وعَبَثَت الْمَرْأَة أقِطها إِذا فرَّغَتْه على المُشَرّ الْيَابِس ليحمِل يابسه رَطْبُه. قَالَ: وَقَالَ أَبُو عُبَيدة: فِي نسب بني فلَان عَبِيثة: أَي مؤتشِب، كَمَا يُقَال: جَاءَ بعَبِيثة فِي وِعَائه أَي بُرّ وشعير قد خُلِطا.
وَقَالَ اللَّيْث: العَبِيث فِي لغةٍ: المَصْل. والعَبْث: الخَلْط، وَهُوَ بالفارسيَّة: ترفْ تَرِين. قَالَ وَتقول: إِن فلَانا لفي عَبِيثة من النَّاس ولَوِيثة من النَّاس، وهم الَّذين لَيْسُوا من أَب وَاحِد، تهبَّشُوا من أَمَاكِن شَتى. وَأنْشد:
عَبِيثَة من جُشَم وجَرْم
وَيُقَال مَرَرْنَا على غَنَم بني فلَان عَبِيثة وَاحِدَة أَي اخْتَلَط بَعْضهَا بِبَعْض.
ثعب: أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: الثَعَب: مَسِيل الْوَادي، وَجمعه ثُعْبان.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن سَلمَة عَن الفرّاء قَالَ: الثَعْب والوَقِيعة والغَدِير كلّ ذَا من مجامع المَاء.
وَقَالَ اللَّيْث: الثَعْب: الَّذِي يجْتَمع فِي مَسِيل المَطَر من الغُثاء.
قلت: لم يجوّد اللَّيْث فِي تَفْسِير الثَعْب، وَهُوَ عِنْدِي: المسيل نَفسه، لَا مَا يجْتَمع فِي المَسِيل من الغُثَاء.
وَقَالَ اللَّيْث: ثَعَبت المَاء ثَعَباً إِذا فَجَرْته فانثعَب كانثعاب الدَّم من الْأنف. قَالَ وَمِنْه اشتُقّ مَثْعَب المَطَر. قَالَ والثُعْبان: الحيَّة الضخم الطَّوِيل الذّكر قَالَ: الأَثْعَبيّ: الْوَجْه الضخم فِي حُسْن وَبَيَاض.
قلت: وَمِنْهُم من يَقُول: وَجه أُثْعبانيّ. قَالَ: والثُعْبة: ضَرْب من الوَزَغ يسمَّى سامَّ أبرص، غير أَنَّهَا خضراء الرَّأْس والحَلْق جاحظة الْعَينَيْنِ، لَا تلقاها أبدا إلاَّ فَاتِحَة فاها. وَهِي من شرّ الدوابّ. وَجَمعهَا ثُعَب.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: من أَسمَاء الفأر البِرّ والثُعْبة والعَرِم.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: الثُعْبة: دابَّة أغْلظ من الوَزَغة تلسع، وَرُبمَا قَتَلت. قَالَ: ومَثَل من أمثالهم: مَا لخَوافي كالقِلَبة، وَلَا الخُنّاز كالثُعْبة. قَالَ والخُنّاز: الوَزَغة.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الحيَّات كلهَا ثعبان، الصَّغِير وَالْكَبِير وَالْإِنَاث والذُكران.
وَقَالَ أَبُو خيرة: الثعبان الحيَّة الذّكر، وَنَحْو ذَلِك قَالَ الضَّحَّاك فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا هِىَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ} (الأعرَاف: 107) .
وَقَالَ قُطْرب: الثعبان: الحيَّة الذّكر الْأَصْفَر الْأَشْقَر، وَهُوَ من أعظم الحيَّات.
وَقَالَ أَبُو تُرَاب: قَالَ الْخَلِيل: الثُعْبان: مَاء الْوَاحِد ثَعب. قَالَ: وَقَالَ غَيره: هُوَ الثغب بالغين.
وَقَالَ شمر: قَالَ بَعضهم: الثعبان من(2/200)
الحيَّات ضخم عَظِيم أَحْمَر يصيد الفأر. وَقَالَ: وَهِي بِبَعْض الْمَوَاضِع تستعار للفأر، وَهِي أَنْفَع فِي الْبَيْت من السنانير.
وَقَالَ حُمَيد بن ثَور:
شَدِيدا توقّيه الإمامَ كَأَنَّمَا
يَرى بتوقّيه الخِشاشة أرقما
فَلَمَّا أنته أنشبت فِي خِشاشه
زِماماً كثعبان الحَمَاطة محكما
قَالَ الْأَزْهَرِي: ومَثْعب الْحَوْض: صُنْبُوره وَهُوَ ثَقْبه الَّذِي يخرج مِنْهُ المَاء. قَالَ: وَرُوِيَ عَن ثَعْلَب فِي قَوْله تَعَالَى وتشبيهه عَصا مُوسَى بثعبان مُبين فِي مَوضِع، وَقد شبَّهها فِي مَوضِع آخر بالجان فَقيل الثعبان: أضخم الحَيَّات جُثّة، والجانّ: أخفُ الحيَّات وألطفها غَلْقاً فَكيف شبّهت الْعَصَا مرّة بالثعبان ومرَّة بالجانّ؟ فَقَالَ شبَّهها فِي ضخمها بالثعبان، وَفِي خفَّتها بالجان وَنَحْو ذَلِك قَالَ الزّجاج.
بثع: أَبُو زيد: بَثِعت لِثَةُ الرجل تَبْثَع بُثُوعاً إِذا خرجت وَارْتَفَعت حَتَّى كأنَّ بهَا وَرَماً، وَذَلِكَ عيب وَإِذا ضحك الرجل فَانْقَلَبت شفته فَهِيَ باثعة أَيْضا.
وَقَالَ اللَّيْث: البَثَغ ظُهُور الدَّم فِي الشفتين وَغَيرهمَا من الجَسَد. قَالَ: وَهُوَ البَثَغ بالغين فِي الْجَسَد.
قلت: لم أسمع البَثَغ بالغين لغيره.
بعث: قَالَ اللَّيْث: بَعَثت الْبَعِير فانبعث إِذا حللت عِقَاله وأرسلته لَو كَانَ باركاً فأثرته. قَالَ: بعثته من نَومه فانبعث. قَالَ والبَعْث: بَعْث الجُنْد إِلَى العَدُوّ. قَالَ والبَعْث يكون نَعْتاً للْقَوْم يُبْعثون إِلَى وَجه من الْوُجُوه؛ مثل السفَر والرَكْب. بَعيث: اسْم رجل. قلت: هُوَ شَاعِر مَعْرُوف من بني تَمِيم؛ وبَعيث لقب لَهُ، وَإِنَّمَا بعَّثَه قولُه:
تبعَّث مني مَا تبعَّث بَعْدَمَا استمرْ
قلت: وبُعاث بِالْعينِ: يَوْم من أَيَّام الْأَوْس والخزرج مَعْرُوف ذكره الْوَاقِدِيّ وَمُحَمّد بن إِسْحَاق فِي (كِتَابَيْهِمَا) . وَذكر ابْن المظفّر هَذَا فِي كتاب (الْغَيْن) فَجعله يَوْم بُغَاث فصحّفه. وَمَا كَانَ الْخَلِيل ح يخفي عَلَيْهِ يومُ بُعَاث؛ لِأَنَّهُ من مشاهير أيَّام الْعَرَب، وَإِنَّمَا صحَّفه اللَّيْث وَعَزاهُ إِلَى خَلِيل نفسِه، وَهُوَ لِسَانه. وَالله أعلم.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ قَالُواْ ياوَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ} (يس: 52) هَذَا وقف التَمَام وَهُوَ قَول الْمُشْركين يَوْم النُشُور وَقَوله جلّ وعزّ: {مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمانُ} (يس: 52) قَول الْمُؤمنِينَ و {وُوِهَاذَا} رفع بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر {مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا} وقرىء (يَا ويلنا مِن بَعْثِنا من مرقدنا) أَي مِن بَعْث الله إيانا من مرقدنا. والبعث فِي كَلَام الْعَرَب على وَجْهَيْن أَحدهمَا الْإِرْسَال؛ كَقَوْل الله تَعَالَى: {ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى} (الْأَعْرَاف: 103) مَعْنَاهُ: أرسلنَا. والبَعْث: إثارة بارِكٍ أَو قَاعد. تَقول بعثت الْبَعِير فانبعث أَي أثرته فثار. والبَعْث أَيْضا: الْإِحْيَاء من الله للموتى. وَمِنْه قَوْله جلّ وعزّ: {ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ} (البَقَرَة: 56) أَي(2/201)
أحييناكم.
وَفِي حَدِيث حُذَيْفَة: (إِن للفتنة بَعْثات ووَقَفات فَمن اسْتَطَاعَ أَن يَمُوت فِي وَقفاتها فَلْيفْعَل) .
وَقَالَ شمر فِي قَوْله: (بعثات) أَي إثارات وهَيْجات. قَالَ: وكلّ شَيْء أثرتَه فقد بعثتَه. وَبعثت النَّائِم إِذا أهْبَبتَه. قَالَ: والبَعْث: الْقَوْم المبعوثون المُشْخصون. ويُقَال: هم البَعْث بِسُكُون الْعين.
وَفِي (النَّوَادِر) : يُقَال: ابْتَعَثْنا الشَّام عَيْراً إِذا أرْسلُوا إِلَيْهَا رِكَاباً لِلْمِيرَةِ. وباعِيثاء: مَوضِع مَعْرُوف. الأصمعيّ: رجل بَعِث: لَا يكَاد ينَام، وناقة بَعِثة: لَا تكَاد تَبْرُك.
(بَاب الْعين والثاء مَعَ الْمِيم)
ع ث م
عثم، مثع، ثعم: مستعملة.
عثم: أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: عَثَمت يَدُه تعثِم، وعثَمتها أَنا إِذا جَبَرتها على غير اسْتِوَاء. وَقَالَ أَبُو زيد فِي العثم مثله.
وَقَالَ الفرّاء: تَعْثُم بِضَم الثَّاء وتعْثُل مثله.
وَقَالَ اللَّيْث: العَثْم: إساءة الجَبْر حَتَّى يبْقى فِيهِ أَوَد كَهَيئَةِ المَشَش. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العَيْثُوم: الْأُنْثَى من الفِيلة.
وَقَالَ أَبُو عبيد: العَيْثُوم: الضَبُع وَالذكر ضِبْعان.
وَقَالَ اللَّيْث: العَيْثوم: الضخم الشَّديد من كل شَيْء. وَيُقَال للفيلَة الْأُنْثَى عَيْثوم. قَالَ: وَيُقَال للفيل الذّكر: عَيْثُوم وجمعُه عَيَاثيم.
وَقَالَ الشَّاعِر:
وَقد أَسِير أَمَام الحيّ تحملنِي
والفضلتين كِنَازُ اللَّحْم عَيثوم
وصف نَاقَته فَجَعلهَا عَيْثُوماً. قَالَ: والعَيْثام: شجر يُقَال لَهُ الْبَيْضَاء، الْوَاحِد عَيْثامة. أَبُو عبيد عَن عَمْرو: العَثْمْثَم: الشَّديد الْعَظِيم من الْإِبِل. وَقَالَ اللَّيْث: العَثمْثَم من الْإِبِل: الطَّوِيل فِي غِلَظ، وَالْجمع عَثَمْثَات. قَالَ: والأسد عَثَمْثَم، يُقَال ذَلِك من ثِقَل وَطْئه. بَغْل عَثَمْثَم: قويّ. وَقَالَ الجعديّ يصف جملا:
أَتَاك أَبُو ليلى يجوب بِهِ الدُجَى
دُجَى اللَّيْل جَوّابُ الفلاة عَثَمْثَم
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: إِنِّي لأعْثِم لَهُ شَيْئا من الرَجَز أَي أنتف. وَقَالَ ابْن الْفرج: سَمِعت جمَاعَة من قيس يَقُولُونَ: فلَان يَعْثِم ويَعْثِن أَي يجْتَهد فِي الْأَمر ويُعْمِل نَفْسه فِيهِ. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: العَثْم فِي الْكسر وَالْجرْح: تداني الْعظم حَتَّى هَمّ أَن يَجْبُر وَلم يَجْبُر بعد كَمَا يَنْبَغِي. يُقَال: أجبَر عظمُ الْبَعِير؟ فَيُقَال: لَا وَلكنه عَثَم وَلم يَجْبُر. وَقد عَثَمَ الْجرْح وَهُوَ أَن يُكْنب ويَجْلُب وَلم يبرأ بعد. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: العُثْمُ جمع عاثم وهم المُجبَّرون، عَثَمه إِذا جَبَره. عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: العُثْمان: الجانّ، جَاءَ بِهِ فِي بَاب الحيَّات: أَبُو عبيد ابْن عَمْرو: العَثْمْثَم: الشَّديد الْعَظِيم من الْإِبِل. قَالَ الْأَزْهَرِي: عُثمان: فُعْلان من العَثْم.
ثعم: اللَّيْث: الثَعْم: النَزْعُ والجرُّ. وَيُقَال: تثعَّمتْ فلَانا أرضُ بني فلَان إِذا أعجبَتْه(2/202)
وجرَّته إِلَيْهَا، ونحوُ ذلكَ كَذَلِك. قلت وَلَا أبعده من الصَّوَاب وَمَا سَمِعت الثعْم فِي شَيْء من كَلَامهم غير مَا ذكره اللَّيْث.
مثع: أهمله اللَّيْث وَهُوَ مَعْرُوف. روى أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو قَالَ: المَثَع: مشْيَة قبيحة للنِّسَاء وَقد مَثَعث تَمْثَع. وَقَالَ شمر: تَمْثَع وتَمْثُع: وَأنْشد:
كالضبع المثعاء عنَّاها السُدُم
قَالَ: المَثْعاء: الضبع المُنْتِنة.
(أَبْوَاب الْعين وَالرَّاء
(بَاب الْعين وَالرَّاء مَعَ اللَّام)
ع ر ل
اسْتعْمل من وجوهه: رعل.
رعل: أَبُو حَاتِم عَن الأصمعيّ: الأَرْعل: الأحمق، وَأنكر الأرعن. قَالَ: ومَثَل للْعَرَب: زَاده الله رَعَالة، كلَّما ازْدَادَ مَثَالة: أَي كلَّما ازْدَادَ غِنى زَاده الله حُمْقاً. وَقد رَعِل يَرْعل فَهُوَ أرعل. وعُشْب أرعل إِذا انثنى وَطَالَ، وَأنْشد:
أرعل مجَّاج الندى مَثّاثا
وناقة رعلاء، وَهُوَ أَن يُشَقّ أُذُنُها ثمَّ يُتْرَك نائساً. وَقَالَ الفِنْد الزِمَّاني:
رَأَيْت الفِتية الأعزا
ل مثل الأيْنُق الرُعْل
وَفِي (النَّوَادِر) : شَجَرَة مُرْعِلة ومُقْصِدة أَي رَطْبَة. فَإِذا عَسَتْ رَعْلتها فَهِيَ مُمْشِرة إِذا غَلظت. أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ يُقَال لفحل الدَقَل: الراعل. قَالَ: والرِعَال: الدَقَل من النخيل واحدتها رَعْلة. قَالَ: وَقَالَ أَبُو شَنْبَل الأعرابيّ: استرعلت الغَنَمُ إِذا تَتَابَعَت فِي السّير. وَرُوِيَ عَن الْأَحْمَر: من السمات فِي قَطْع الجِلْد الرَعْلة، وَهُوَ من يُشقَّ من الْأذن شَيْء ثمَّ يتْرك معلَّقاً. قَالَ أَبُو عبيد: ويسمّى ذَلِك المعلّق الرَعْل. قلت: وكلّ شَيْء متدلّ مسترخٍ فَهُوَ أَرْعَل. وَيُقَال للقلفاء من النِّسَاء إِذا طَال مَوضِع خَفْضها حَتَّى يسترخي: أرعل. وَمِنْه قَول جرير:
رَعَثاتِ عُنْبُلها الغِدَفْل الأرعل
أَرَادَ بعُنْبُلها بَظْرها. والغِدَفل: العريض الْوَاسِع. وَقَالَ اللَّيْث الرَعْل: شدَّة الطعْن، يُقَال: رَعَله بِالرُّمْحِ، وأرعل الطعنَ. قَالَ: والرَعْلة: القَطِيع من الْخَيل تكون فِي أوائلها، وَهُوَ الرَعِيل. وَتجمع الرَعَلة رِعَالاً. وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
وغارةٍ ذَات قيروان
كَأَن أسرابها الرِعَالُ
وَقَالَ بَعضهم: يُقَال للقطعة من الفرسان: رَعْلة، ولجماعة الْخَيل: رَعيل. والمُسْتَرعِل: الَّذِي ينْهض فِي الرعيل الأول. وَأنْشد أَبُو عبيد وَابْن الْأَعرَابِي قَول تأبَّط شَرّاً:
مَتى تبغني مَا دمتُ حيّاً مسلَّماً
تجدني مَعَ المسترعل المُتَعَبْهِل
وَقَالَ اللَّيْث: الرَعْلة النعامة، سميت بذلك لِأَنَّهَا لَا تكَاد تُرَى إِلَّا سَابِقَة للظليم. قَالَ: وَتجمع الرَعْلة من الْخَيل أرعالاً ثمَّ أراعيل. قَالَ: والرَعْلة: هِيَ القُلْفة. وَهِي أَيْضا: الجِلدة من أذن الشَّاة تُشَقّ فَتتْرك نائسة معلَّقة فِي مُؤخر الأُذُن. وَقَالَ(2/203)
قُطْرُب: الرِعْل: ذكر النَحْل، وَبِه سمّي رِعْل بن ذَكْوان. وَقَالَ أَبُو زيد: رَعَله بِالسَّيْفِ رَعْلاً إِذا نفحه بِهِ، وَهُوَ سيف مِرْعَل ومِخْذَم. ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ عَن الْمفضل: هُوَ أَخبث من أبي رِعْلة وَهُوَ الذِّئْب، وَكَذَلِكَ أَبُو عِسْلَة. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الْعَرَب تَقول للأحمق: كلما ازددت مَثَالة، زادك الله رعالة. قَالَ: والرعالة: الرعونة، والمَثَالة: الغِنى.
(بَاب الْعين وَالرَّاء مَعَ النُّون)
ع رن
رعن، رنع، عرن، نعر: مستعملة.
عرن: أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: العَرَن: قَرْح يخرج بقوائم الفُصْلان وأعناقها. قلت: وَأما عَرَن الدوابّ فَهُوَ غير عَرَن الفِصْلان، وَهُوَ جُسُوء فِي رُسْغ رجل الدابَّة وَمَوْضِع ثُنَنها من أُخُر لشَيْء يُصِيبهُ من الشُقَاق أَو المَشَقّة من أَن يرمح جَبلاً أَو حجرا. وَقَالَ اللَّيْث: العَرَن مثل السَحَج يكون فِي الجِلد فيُذهِب الشّعْر فَهُوَ عَرِن وَبِه عَرَن وعُرْنة وعِرَان، على لفظ العِضَاض والخِرَاط. أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ قَالَ: الخِشاش: مَا كَانَ من عود أَو غَيره يَجْعَل فِي عَظْم أنف الْبَعِير. قَالَ: والعِرَان: مَا كَانَ فِي اللَّحْم فَوق الْأنف. وَقد عرنت الْبَعِير، فَهُوَ معرون. قلت: وأصل هَذَا من العَرَن والعِرَين وَهُوَ اللَّحْم. قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الأمويّ والعَرِين: اللَّحْم وَأنْشد لغادية الدُبَيريَّة:
موشَّمة الْأَطْرَاف رَخْص عَرِينها
وَقَالَ الأصمعيّ العِرَان: عُود يَجْعَل فِي وَتَرَة الْأنف، وَهُوَ مَا بَين المنخرين، وَهُوَ الَّذِي يكون للبَخَاتيّ. وَقَالَ اللَّيْث: العِرْنين: الأنْف، وَجمعه عَرَانين. قلت: وعرانين النَّاس: وُجُوههم وأشرافهم. وعرانين السَّحَاب: أَوَائِل مَطَره. وَمِنْه قَول امرىء الْقَيْس يصف غيثاً:
كَأَن ثبيراً فِي عرانين وَبْله
من السَّيْل والغُثَّاء فلكَةُ مِغْزَل
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي وَعَن عَمْرو وَعَن أَبِيه قَالَا: الظِمْخ واحدتها ظِمْخة، وَهُوَ العِرْن واحدته عِرْنة: شَجَرَة على صُورَة الدُلْب تُقطع مِنْهُ خُشُب القصَّارين الَّتِي تدفن، وَيُقَال لبائعها: عَرّان. وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال: سِقَاء معرون: مدبوغ بالعِرْنة وَهُوَ خَشَب الظِمْخ. قَالَ: وَهُوَ شجر خشِن يشبه العَوْسجَ إلاّ أَنه أضخم مِنْهُ، وَهُوَ أثِيث الفَرْع وَلَيْسَ لَهُ سوق طوال، يُدَقّ ثمَّ يطْبخ فَيَجِيء أديمه أَحْمَر. قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو: العِرْنة: عروق العَرَتُن. وَقَالَ شمر: العَرتُن بِضَم التَّاء: شجر واحدتها عَرَتُنة. وَقَالَ غَيره: يُقَال مِنْهُ أدِيم مُعَرْتَن. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العَرِين: صِياح الفاختة. والعَرِين: اللَّحْم الْمَطْبُوخ. والعرين: الفِناء. والعَرِين: الشَوْك وَفِي الحَدِيث: دُفِن بعض الْخُلَفَاء بعرين مكَّة أَي فِي فنائها. والعران: الْقِتَال. والعران: الدَّار الْبَعِيدَة. وَقَالَ أَبُو عبيد: العران: الْبعد، يُقَال: دَارهم عارنة أَي بعيدَة. وَأنْشد قَول ذِي الرُمَّة:(2/204)
أَلا أَيهَا الْقلب الَّذِي برَّحت بِهِ
منَازِل مَيّ والعِرَان الشواسِعُ
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: أعرن الرجل إِذا تشقَّقت سيقان فِصْلانه. وأعرن إِذا وَقعت الحِكَّة فِي إبِله. وأعرن إِذا دَامَ على أكل العَرَن وَهُوَ اللَّحْم الْمَطْبُوخ.
وَقَالَ اللَّيْث: العَرَين: مأوى الْأسد.
وَقَالَ الطِرِمّاح يصف رَحْلاً:
أحمّ سراةِ أَعلَى اللَّوْن مِنْهُ
كلون سراة ثعبان العَرِين
وَقيل: العرين: الأجمة هَهُنَا.
وَقيل اللَّيْث: عُرَينة: حيّ من اليَمَن. وعَرِين: حيّ من تَمِيم وَلَهُم يَقُول جرير:
عَرِين من عُرَينة لَيْسَ مِنّا
بَرِئت إِلَى عُرَينة من عَرِين
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: العَرَن: رَائِحَة لحم لَهُ غمَر؛ يُقَال: إِنِّي لأجد رَائِحَة عَرَنِ يدك.
قَالَ: وَهُوَ العَرَم أَيْضا.
أَبُو عبيد عَن الْفراء قَالَ: إِذا كَانَ الرجل صِرّيعاً خبيثاً قيل: هُوَ عِرْنة لَا يُطاق.
وَقَالَ ابْن أَحْمَر يصف ضعفه:
وَلست بعِرْنة عَرِك سلاحي
عَصا مثقوفَة تقص الحمارا
يَقُول: لست بقويّ. ثمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ: سلاحي عَصا أسوق بهَا حماري وَلست بِمُقرِن لقِرني.
وَقَالَ أَبُو عبيد: يُقَال: هَذَا مَاء ذُو عُرانية إِذا كَثُرُوا وارتفع عُبَابه.
قَالَ: وَمِنْه قَول عديّ بن زيد العِبَاديّ:
كَانَت ريَاح وَمَاء ذُو عُرانية
وظُلمة لم تدع فَتْقاً وَلَا خَلَلا
وعِرْنان: اسْم وَاد مَعْرُوف. وبطن عُرَنة: وادٍ بِحذَاء عَرَفَات.
رعن: الرَعْن: الأنْف الْعَظِيم من الجَبَل ترَاهُ متقدّماً. وَمِنْه قيل للجيش الْعَظِيم: أرْعن، شبّه بالرَعْن من الْجَبَل. قلت: وَقد جعل الطِرِمّاح ظلمَة اللَّيْل رَعُونا. شبّهها بجبل من الظلام فِي قَوْله يصف نَاقَة تشقّ بِهِ ظُلَم اللَّيْل:
تشُقّ مُغَمِّضات اللَّيْل عَنْهَا
إِذا طرقت بمِرْداس رَعُون
ومغمِّضات اللَّيْل: دياجيرُ ظُلَمِها. بمرداس رعون: بجَبَل من الظلام عَظِيم.
وَيُقَال: الرَعُون: الْكثير الْحَرَكَة.
وَقَالَ اللَّيْث: الرَعْن من الْجبَال لَيْسَ بطويل، وَجمعه رُعُون.
وَيُقَال: بل هُوَ الطَّوِيل.
وَقَالَ رؤبة:
يعدلُ عَنهُ رَعْنُ كل صُدّ
قَالَ: ورَعُن الرجلُ يرْعُن رَعَناً ورُعُونة فَهُوَ أرعن: أهوج. وَالْمَرْأَة: رَعْناء.
قَالَ: ورُعِن الرجل فَهُوَ مَرعون إِذا غُشي عَلَيْهِ.
وَأنْشد:
كَأَنَّهُ من أوار الشَّمْس مرعون
أَي مَغْشِيّ عَلَيْهِ. ورُعَيْن: اسْم جبل بِالْيمن فِيهِ حِصْن ينْسب إِلَيْهِ. وَذُو رُعَين: ملك من الأذواء مَعْرُوف. وَكَانَ يُقَال لِلْبَصْرَةِ:(2/205)
الرَعْناء لِما يكثر بهَا من وَمَد الْبَحْر وعكِيكه.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا} (البَقَرَة: 104) كَانَ الْحسن يقْرؤهَا: (لَا تَقولُوا رَاعنا) بِالتَّنْوِينِ. وَالَّذِي عَلَيْهِ قِرَاءَة القُرَّاء: {رَاعِنَا} غير منوّن.
وَقيل فِي {رَاعِنَا} غير منوّن ثَلَاثَة أَقْوَال قد فسّرناها فِي معتلّ الْعين عِنْد ذكرنَا المراعاة وَمَا يُشتقّ مِنْهَا.
وَقيل: إِن (رَاعنا) كلمة كَانَت تجْرِي مجْرى الهُزْء فنُهِي الْمُسلمُونَ أَن يَلْفِظوا بهَا بِحَضْرَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذَلِكَ أَن الْيَهُود لعنهم الله كَانُوا اغتنموها فَكَانُوا يَسُبّون بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نُفُوسهم، ويتستّرون من ذَلِك بِظَاهِر المراعاة مِنْهَا، فأمِروا أَن يخاطبوه بالتعزير والتوقير.
وَقيل لَهُم: {لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا} كَمَا يَقُول بَعْضكُم لبَعض {وَقُولُواْ انظُرْنَا} أَي انتظرنا. وَأما قِرَاءَة الْحسن (رَاعنا) بِالتَّنْوِينِ فَالْمَعْنى: لَا تَقولُوا: حُمْقاً، من الرعونة.
نعر: الحرّانيّ عَن ابْن السّكيت: نَعَر الرجل يَنْعَر نَعِيراً، من الصَّوْت. قَالَ: وَقَالَ الأصمعيّ فِي حَدِيث ذكره: مَا كَانَت فتْنَة إِلَّا نَعَر فِيهَا فلَان أَي نَعَق فِيهَا. وَإِن فلَانا لنعَّار فِي الفِتَن. وَقد نَعَر العِرْق بالدَم يَنْعَرُ، وَهُوَ عِرْق نعَّار بِالدَّمِ إِذا ارْتَفع دَمُه. ونَعِر الْفرس وَالْحمار يَنْعَرُ نَعراً إِذا دخلت فِي أَنفه النُعَرة. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال: من أَيْن نَعَرت إِلَيْنَا؟ أَي من أَي أَقبلت. وَقَالَ شمر: الناعر: على وَجْهَيْن: الناعر: المصوّت، والناعر: العِرْق الَّذِي يسيل دَمًا. وَقَالَ المخبَّل السعديّ:
إِذا مَا هُم أصلحوا أَمرهم
نَعَرت كَمَا يَنْعَر الأخدع
يَعْنِي: أَنه يُفسِد على قومه أَمرهم. أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: إِن فِي رَأسه لنُعَرة أَي كبْراً. قَالَ: والنَعرة أَيْضا: ذُبَابَة. قَالَ وَقَالَ الأُموي: إِن فِي رَأسه لنَعَرة بِفَتْح النُّون أمرا يهُمّ بِهِ. قَالَ: وَيُقَال للْمَرْأَة وَلكُل أُنْثَى: مَا حملت نَعَرة قطّ بِالْفَتْح: أَي مَا حملت مَلقوحاً أَي ولدا. وَيُقَال: نَعَر الْجرْح بِالدَّمِ إِذا فار، يَنْعَر. وجرح نَعَّار: لَا يكَاد يَرْقأ. ونَعَر الرجل وَغَيره يَنْعِر إِذا صوَّت. أَبُو عَمْرو: النَعِر: الَّذِي لَا يستقرّ فِي مَكَان. الْأَحْمَر: النُعَرة: ذُبَابَة تسْقط على الدَّوَابّ فتؤذيها. وَمِنْهَا يُقَال: حمَار نَعِر.
وَقَالَ ابْن مقبل:
ترى النُعَرات الخُضْر حول لَبَانه
أُحَاد ومثنَى أصعقتها صواهلُهْ
أَي قَتلهَا صهيله. وَقَالَ اللَّيْث: نَعَر يَنْعِر نَعِيراً، وَهُوَ صَوت الخيشوم. قَالَ: والنُعَرة: هِيَ الخيشوم، وَمِنْهَا يَنْعِر الناعر. قَالَ: وجرح نَعُور بِصَوْتِهِ من شدَّة خُرُوج دَمه مِنْهُ. قَالَ: والنُعَرة: ذُبَابَة الْحمير الْأَزْرَق. والنُعَرة: مَا أجنَّت الْحمرُ فِي أرحامها، شبه بالذباب، وَأنْشد:
والشَدَنيات يساقطن النُعَر
قَالَ: وَامْرَأَة نعَّارة: صَخَّابة. وَيُقَال غَيْرى(2/206)
نَعْرى للْمَرْأَة. قلت: نَعْرى لَا يجوز أَن يكون تَأْنِيث نَعْران وَهُوَ الصخَّاب؛ لِأَن فعلان وفَعْلى يجيئان فِي بَاب فَعِل يَفْعَل وَلَا يَجِيء فِي بَاب فَعَل يَفعِل. وأمَّا قَول اللَّيْث فِي النعير: إِنَّه صَوت فِي الخيشوم، وَقَوله: النُّعَرة: الخَيشوم فَمَا سمعته لأحد من الأئمّة، وَمَا أُرى اللَّيْث حفِظه. وَيُقَال: سَفَر نَعُور إِذا كَانَ بَعيدا. وَمِنْه قَول طرفَة:
ومثلي فاعلمي يَا أم عَمْرو
إِذا مَا اعتاده سفر نَعُور
وهِمَّة نَعُور: بعيدَة والنعُور من الْحَاجَات: الْبَعِيدَة. ونَعَرت الرِيح إِذا هبَّت مَعَ صَوت، ورياح نواعر، وَقد نَعَرت نُعَاراً. والنَعْرة: مثل البَغرة من النَوْء إِذا اشتدّ بِهِ هبوب الرّيح وَمِنْه قَوْله:
عمِل الأنامل ساقطٍ أوراقهُ
متزحّر نَعَرَت بِهِ الجوزاء
وَيُقَال: لأُطيرنّ نُعَرتك أَي كِبْرك وجهلك من رَأسك. وَالْأَصْل فِي ذَلِك أَن الْحمار إِذا نَعِر ركب رَأسه. فَيُقَال لكل من ركب رَأسه: فِيهِ نُعَرة.
رنع: أهمله اللَّيْث. وَقَالَ شمر: قَالَ الفرّاء: كَانَ لنا البارحة مَرْنَعة وَهِي الْأَصْوَات واللعب. وَقَالَ غَيره: يُقَال للدّابة إِذا طَرَدت الذُّبَاب برأسها: رَنَعت. وَأنْشد شمر لمصاد بن زُهَيْر:
سما بالرانعات من المطايا
قويّ لَا يضلّ وَلَا يجورُ
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: أصبْنَا عِنْده مَرْنعة من طَعَام أَو شراب، كَمَا تَقول: أصبْنَا مَرْنعة من الصَّيْد أَي قِطْعَة. سَلَمة عَن الفرّاء: قَالَ: المَرْنَعَة: الرَّوْضَة. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: هِيَ المرنعة والمرغدة للروضة. وَفِي (النَّوَادِر) : يُقَال: فلَان رانع اللَّوْن، وَقد رَنَع لونهُ يَرْنَع رُنُوعاً إِذا تغيَّر وذَبَل.
(بَاب الْعين وَالرَّاء مَعَ الْفَاء)
ع رف
عرف، عفر، رفع، رعف، فرع، فعر: مستعملات.
عرف: اللَّيْث: عَرَف يَعْرف عِرْفاناً ومَعْرِفة. وَأمر عَارِف: مَعْرُوف عَرِيف. قلت: لم أسمع أَمر عَارِف أَي مَعْرُوف لغير اللَّيْث. وَالَّذِي حصَّلناه للأئِمَّة: رجل عَارِف أَي صَبُور. قَالَ أَبُو عبيد وَغَيره: يُقَال: نزلت بِهِ مُصِيبَة فوُجِد صَبُوراً عَارِفًا. قلت: وَنَفس عارفة بِالْهَاءِ مثله. وَقَالَ غَيره:
فصبرتُ عارفة لذَلِك حُرَّة
ترسو إِذا نفسُ الجَبَان تَطَلَّعُ
وَنَفس عَرُوف: صبور. إِذا حُمِلت على أَمر احتملَتْه. وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي:
فآبُوا بِالنسَاء مردَّفاتٍ
عوارفَ بعد كِنَ وائتحاح
أَرَادَ: أَنَّهُنَّ أقررن بالذلّ بعد النِعمة. ويروى: (وابتحاح) . فَمن رَوَى: (وائتجاح) فَهُوَ من الوِجَاح وَهُوَ السِتْر. وَمن رَوَى: (وابتحاح) فَهُوَ من البحوحة، وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْن الْأَعرَابِي. وَيُقَال: اعْترف فلَان إِذا ذَلَّ وانقاد. وانشد الفرّاء:
أتضجرين والمطِيّ معترفْ(2/207)
أَيْن تعترف وتصبر. وذكّر (معترف) لِأَن لفظ المطيّ مذكَّر. وأمَّا قَول الله جلّ ذكره {} (المُرسَلات: 1) فَقَالَ بعض المفسّرين فِيهَا: إِنَّهَا أُرسلت بِالْمَعْرُوفِ، وَالْعرْف والعارفة وَالْمَعْرُوف وَاحِد، وَهُوَ كلّ مَا تعرفه النفْس من الْخَيْر وتَبْسَأ بِهِ وتطمئنّ إِلَيْهِ. قَالَ الله جلّ وعزّ {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِض عَنِ الْجَاهِلِينَ} (الأعرَاف: 199) . وَقيل فِي قَوْله: {} (المرسلات: 1) : إِنَّهَا الْمَلَائِكَة أُرسلت متتابعة كعُرف الْفرس. وقرئت (عُرْفاً) و (عُرُفاً) وَالْمعْنَى وَاحِد. وَقيل المُرْسَلات: هِيَ الرُسُل. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: عَرَف الرجل إِذا أَكثر من الطِيب، وعرِف إِذا ترك الطّيب. وَقَول الله جلّ وعزّ: {الْحَكِيمُ وَإِذَ أَسَرَّ النَّبِىُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ} (التَّحْريم: 3) وقرىء (عَرَف بعضه) بِالتَّخْفِيفِ.
قَالَ الْفراء: من قَرَأَ: (عرَّف) بِالتَّشْدِيدِ فَمَعْنَاه: أَنه عرَّف حَفْصة بعضَ الحَدِيث وَترك بَعْضًا. قَالَ: وكأنّ من قَرَأَ (عَرَف) بِالتَّخْفِيفِ قَالَ: غَضِب من ذَلِك وجازى عَلَيْهِ؛ كَمَا تَقول للرجل يسيء إِلَيْك: وَالله لأعرفنَّ لَك ذَلِك. قَالَ: وَقد لعمري جازى حفصةَ بِطَلَاقِهَا. قَالَ الفرّاء: وَهُوَ وَجه حسن، قَرَأَ بذلك أَبُو عبد الرحمان السُلَميّ. قلت: وَذهب أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم ابْن السريّ فِي معنى (عرَّف) و (عَرَف) إِلَى نَحْو ممَّا قَالَه الفرّاء. قلت: وَقَرَأَ الْكسَائي والأعشى عَن أبي بكر عَن عَاصِم: (عَرَفَ بعضه) خَفِيفَة. وَقَرَأَ حَمْزَة وَنَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَابْن عَامر اليحصبيّ {عَلَيْهِ عَرَّفَ} بِالتَّشْدِيدِ.
وَأما قَول الله جلّ وعزّ: {بَالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا} (محَمَّد: 6) فَإِن الفرّاء قَالَ: يعرَّفون مَنَازِلهمْ إِذا دخلوها، حَتَّى يكون أحدهم أعرف بمنزله فِي الْجنَّة مِنْهُ بمنزله إِذا رَجَعَ من الْجُمُعَة إِلَى أَهله. وَقلت: وَهَذَا قَول جمَاعَة من المفسّرين، وَقد قَالَ بعض اللغويين: إِن معنى {الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا} أَي طيَّبها، يُقَال: طَعَام معرَّف أَي مطيَّب. وَقَالَ الْأَصْمَعِي فِي قَول الْأسود بن يعفر يهجو عِقَال بن مُحَمَّد بن شفين:
فتُدخَل أيد فِي حناجر أُقْنِعت
لعادتها من الخَزِير المعرَّف
أُقنعت أَي مُدَّت ورُفِعت للَّقْم. وَالله أعلم بِمَا أَرَادَهُ. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: قَالَ بَعضهم فِي قَول الله عزّ وجلّ: {بَالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا} : وَهُوَ وضعك الطَّعَام بعضَه على بعض من كثرته. وخَزِير معرَّف: بعضه على بعض.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: العَرْف: الرَّائِحَة، تكون طيّبة وَغير طيّبة. وَأما قَول الله جلّ وعزّ: {وَنَادَى أَصْحَابُ الاَْعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ} (الْأَعْرَاف: 48) فالأعراف فِي اللُّغَة: جمع عُرْف، وَهُوَ كل عَال مُرْتَفع. وَقَالَ بعض المفسّرين: الْأَعْرَاف: أعالي سُور بَين أهل الجَنَّة وَأهل النَّار. وأصحابها قوم اسْتَوَت حسناتهم وسيّئاتهم، فَلم يستحقُّوا الجنَّة بِالْحَسَنَاتِ،(2/208)
وَلَا النارَ بالسّيئات، فَكَانُوا على الحِجَاب الَّذِي بَين الجَنَّة وَالنَّار. قلت: رَوَى ذَلِك جرير بن حَازِم عَن قَتَادة عَن ابْن عَبَّاس، حدَّثني بذلك أَبُو الْحسن الخُلْديّ عَن يُونُس بن عبد الْأَعْلَى عَن ابْن وهب عَن جرير. وَقَالَ قوم: هم مَلَائِكَة، ومعرفتهم كلا بِسِيمَاهُمْ أَنهم يعْرفُونَ أهل الْجنَّة بإسفار وُجُوههم، وأهلَ النَّار باسوداد وُجُوههم. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: وَيجوز أَن يكون جمعه على الْأَعْرَاف على معرفَة أهل الْجنَّة وَأهل النَّار. وَالله أعلم بِمَا أَرَادَ. وَيُقَال: عَرَف الرجل ذَنبه إِذا أقرَّ بِهِ. وَقَالَ أَعْرَابِي: مَا أعرف لأحد يصرعني، أَي لَا أقِرّ بِهِ. وَيُقَال: أتيت فلَانا متنكّراً ثمَّ استعرفت أَي عرَّفته مَن أَنا. وَقَالَ مُزَاحم العُقَيليّ:
فاستعرِفا ثمَّ قولا إِن ذَا رحمٍ
هَيْمانَ كلَّفَنا من شَأْنكُمْ عَسِرا
فَإِن بغَتْ آيَة تستعرفان بهَا
يَوْمًا فقولا لَهَا العُودُ الَّذِي اختُضرا
أَبُو عُبَيْدَة: اعْترفت الْقَوْم: سَأَلتهمْ.
وَأنْشد قَول بشْر:
أسائلةٌ عُمَيرةُ عَن أَبِيهَا
خلال الركب تعترف الركابا
وأمّا الحَدِيث الَّذِي جَاءَ فِي اللّقطَة: (فَإِن جَاءَ من يعترفها) فَمَعْنَاه: مَعْرفَته إيَّاها بصفتها وَإِن لم يرهَا فِي يدك.
وَقَالَ الفرّاء: رجل عَرُوفة بِالْأَمر أَي عَارِف. أَو نَاقَة عَرْفاء إِذا كَانَت مذكَّرة يُشْبه الجِمال. وَقيل لَهَا: عَرْفاء لطول عُرْفها والضَبُع يُقَال لَهَا: عَرْفاء لطول عُرْفها. والمعارف: الْوُجُوه. وَقَالَ الهذليّ:
متكورين على المعارف بَينهم
ضرب كتعطيط المزاد الأثجل
والمَعْرَف وَاحِد. وَقيل: نَاقَة عرفاء: مشرِفة السَنَام. ومعارف الأَرْض: مَا عُرِف مِنْهَا. وسَنَام أعرف: طَوِيل. وَيُقَال للرجل إِذا ولّى عَنْك بودّه: قد هَاجَتْ معارف فلَان، ومعارفه: مَا كنت تعرفه من ضنّه بك. وَمعنى هَاجَتْ: أَي يَبِست كَمَا يهيج النَّبَات إِذا يبس. وأعراف الرِّيَاح والسحاب: أوائلها وأعاليها. الحرَّانيّ عَن ابْن السّكيت: أَصَابَت فلَانا عَرْفة، وَهِي قُرْحة تخرج فِي بَيَاض الكفّ. وَهُوَ رجل مَعْروف إِذا أَصَابَته العَرْفة. قَالَ: وَهُوَ يَوْم عَرَفة غير منوَّن، وَلَا يُقَال: العرفة. وَقد عرَّف الناسُ إِذا شهدُوا عَرَفَة. وَهُوَ المعرَّف للموقف بِعَرَفَات. والأعراف: ضرب من النّخل. وَأنْشد بَعضهم:
يغْرس فِيهَا الزَّاد والأعرافا
والنابجيَّ مُسْدِفاً إسدافاً
وَيُقَال للحازي عرَّاف. وللقُناقِن: عَراف. وللطبيب عرَّاف لمعْرِفَة كل مِنْهُم بِعِلْمِهِ. وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (من أَتَى عَرَّافاً أَو كَاهِنًا فقد كفر بِمَا أنزل على مُحَمَّد) ، أَرَادَ بالعَرَّاف: الحازي أَو المنجّم الَّذِي يدَّعي علم الْغَيْب الَّذِي اسْتَأْثر الله بِعِلْمِهِ. وعريف الْقَوْم: سيِّدهم، وَقد عَرَف عَلَيْهِم يَعْرُف عَرافة. وَقَالَ عَلْقَمَة بن عَبَدة:(2/209)
بل كلّ حيّ وَإِن عزُّوا وَإِن كرُموا
عريفهم بأثافي الشرّ مرجوم
والعُرُفَّان: دويْبَّة صَغِيرَة تكون فِي رمال عالج ورمال الدَهْنى. وَيُقَال: اعرورف الدَّم إِذا صَار لَهُ من الزَبد شِبْه العُرْف.
وَقَالَ الهذليّ:
مستنَّة سنَنَ الفَلو مِرشَّة
تَنْفِي التُّرَاب بقاحِز معرورف
يصف طعنة فارت بِدَم غَالب. وَيُقَال: اعرورف فلَان للشرّ كَقَوْلِك: اجْثَألّ وتشزّن.
وَقَالَ اللَّيْث: العُرْف: عُرْف الْفرس: ومَعْرَفة الْفرس: أصل عُرْفه. وَقَالَ غَيره: هُوَ اللَّحْم الَّذِي ينْبت عَلَيْهِ العُرْف.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: العُرْف: الْمَعْرُوف، بالضمّ. والعِرْف بِالْكَسْرِ: الصَّبْر، وَأنْشد:
قل لِابْنِ قيس أخي الرقيَّات
مَا أحسن العِرْف فِي المصيبات
وَقَالَ: أعرف فلَان فلَانا وَعرَّفه إِذا وقَفَه على ذَنبه ثمَّ عَفا عَنهُ.
رعف: أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: رَعَف يَرْعَف، ورَعَفَ يَرْعُف، هَكَذَا رَوَاهُ عَنهُ.
وَقَالَ أَبُو عبيد: الرَعْف: السَبْق رَعَفت أَرْعُف.
وَقَالَ الْأَعْشَى:
بِهِ تَرعُف الألفُ إِذا أرْسلت
غداةَ الصَّباح إِذا النَقْعُ ثارا
قلت: وَقيل للدم الَّذِي يخرج من الْأنف: رُعاف لسَبْقه علْمِ الراعف.
وَقَالَ عُمَر بن لَجَأ:
حَتَّى ترى العُلْبة من إذرائها
يَرعُف أَعْلَاهَا من امتلائها
وَقَالَ اللَّيْث: الراعف: أنف الْجَبَل، وَجمعه الرواعف. والراعف: طَرَف الأرْنَبة. وَفِي حَدِيث عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُحِر وَجعل سِحْره فِي جُفّ طَلْعة ودُفِن تَحت راعوفة الْبِئْر.
قَالَ أَبُو عبيد: راعوفة الْبِئْر: صَخْرَة تُترك فِي أَسْفَل الْبِئْر إِذا احتُفرت، تكون نابتة هُنَاكَ، فَإِذا أَرَادوا تَنْقية الْبِئْر جلس المنقي عَلَيْهَا.
قَالَ: وَيُقَال: بل هُوَ حَجَر ناتىء فِي بعض الْبِئْر يكون صُلْباً لَا يُمكنهُم حفره فيتركُ على حَاله. وَيُقَال: هُوَ حجر يكون على رَأس الْبِئْر يقوم عَلَيْهِ المستقي.
قَالَ اللَّيْث: وَيُقَال لَهُ: أرْعُوفة.
شمر عَن خَالِد بن جَنْبة قَالَ: راعوفة الْبِئْر: النَطَّافة. قَالَ: وَهِي مثل عين على قدر جُحْر الْعَقْرَب نيط فِي أَعلَى الركيَّة فيجاوزونها فِي الحَفْر خمس قِيَم وَأكْثر، فَرُبمَا وجدوا مَاء كثيرا تَبَجُّسه. قَالَ: وبالروبنج عين نَطَّافة عَذْبة وأسفلها عين زُعَاق، فَتسمع قطران النَطاقة فِيهَا: طرَقْ طرَقْ.
قَالَ شمر: من ذهب بالراعوفة إِلَى النطَّافة فَكَأَنَّهُ أَخذه من رُعَاف الْأنف وَهُوَ سيلان دَمه وقَطَرانُه. وَيُقَال ذَلِك لسيلان الذَنِين. وَأنْشد قَوْله:(2/210)
على مَنْخرَيْهِ سائفاً أَو معشّراً
بِمَا انفضّ من مَاء الخياشيم راعف
وَقَالَ شمر: من ذهب بالراعوفة إِلَى الْحجر الَّذِي يتقدّم طيّ الْبِئْر على مَا ذكر عَن الْأَصْمَعِي فَهُوَ من رَعَف الرجل أَو الْفرس إِذا تقدّم وسَبَق. وَكَذَلِكَ استرعف.
سَلَمة عَن الفرّاء قَالَ: الرُعَافِيّ: الرجل الْكثير الْعَطاء مَأْخُوذ من الرعاف وَهُوَ الْمَطَر الْكثير.
وَقَالَ غَيره: يُقَال للْمَرْأَة لُوثي على مراعفك أَي تلثَّمي ومراعفها: الْأنف وَمَا حوله.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: بَينا نَحن نذْكر فلَانا رَعَف بِهِ الْبَاب أَي دخل علينا من الْبَاب. أَبُو حَاتِم عَن الأصمعيّ يُقَال: رَعَف يَرعَف ويَرعُف. وَلم يعرف رُعِف وَلَا رَعُف فِي فعل الرعاف.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الرعوف: الأمطار الخِفاف. قَالَ: وَيُقَال للرجل إِذا استقطر الشَحْمةَ وَأخذ صُهَارتها: قد أودف واستودف، واسترعف واستوكف واستدام واستدمى كُله وَاحِد.
عفر: رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ إِذا سجد جافي عَضُديه حَتَّى يَرى مَنْ خَلْفه عُفرة إبطَيْهِ. قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو زيد والأصمعيّ: العُفْرة: الْبيَاض، وَلَكِن لَيْسَ بالبياض الناصع الشَّديد، وَلكنه لون الأَرْض. وَمِنْه قيل للظباء: عُفْر إِذا كَانَت ألوانها كَذَلِك، وَإِنَّمَا سميت بعَفَر الأَرْض وَهُوَ وَجههَا وَيُقَال: مَا على عَفَر الأَرْض مِثله أَي مَا على وَجههَا. وَرُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة أَنه قَالَ: لدَمُ عفراء أحبّ إليّ فِي الْأُضْحِية من دم سوداوين. قَالَ: وَيُقَال: عفَّرت فلَانا فِي التُّرَاب إِذا مرّغته فِيهِ، تعفيراً. قَالَ أَبُو عبيد: والتعفير فِي غير هَذَا يُقَال للوحشيَّة: هِيَ تعفّر وَلَدهَا. وَذَلِكَ إِذا أَرَادَت فطامه قطعت عَنهُ الرَّضَاع يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ. فَإِن خَافت أَن يضرّه ذَلِك ردَّته إِلَى الرَّضَاع أَيَّامًا ثمَّ أعادته إِلَى الفِطَام، تفعل ذَلِك مَرَّات حَتَّى يستمرّ عَلَيْهِ، فَذَلِك التعْفير، وَالْولد معفَّر.
قَالَ أَبُو عبيد: والأمّ تفعل مثل ذَلِك بِوَلَدِهَا الإنْسِيّ. وَأنْشد بَيت لَبِيد يذكر بقرة وَحْشية وَوَلدهَا:
لمعفَّر قَهْد تنَازع شِلْوه
غُبْس كواسب مَا يُمَنّ طعامُها
قلت: وَقيل فِي تَفْسِير المعفَّر فِي بَيت لَبيد: إِنَّه وَلَدهَا الَّذِي افترسه الذئاب الغُبْس فعفَّرته فِي التُّرَاب أَي مرَّغته. وَهَذَا عِنْدِي أشبه بِمَعْنى الْبَيْت. وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: عَفَرته فِي التُّرَاب عفراً وَأَنا أعفره وَهُوَ منعفر الْوَجْه فِي التُّرَاب ومعفَّر الْوَجْه وَقد عفَّرته تعفيراً. وَقَالَ: اعتفرته اعتفاراً إِذا ضربت بِهِ الأَرْض فمغَثْته. وَقَالَ الشَّاعِر يصف شَعَر امْرَأَة طَال حَتَّى مَسَّ الأَرْض:
تهلِك المِدْراة فِي أكنافه
وَإِذا مَا أَرْسلتهُ يعتفِرْ
أَي يسْقط شعرهَا على الأَرْض، جعله من عَفَرته فاعتفر. وَرُوِيَ أَن رجلا جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ: إِنِّي مَا قرِبت أَهلِي مذ(2/211)
عَفَار النّخل وَقد حَمَلت، فلاعن بَينهمَا. أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: عَفَار النّخل: تلقيحها وإصلاحها، يُقَال: قد عَفَروا نَخْلهمْ يعفِرون. ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: العَفَار: أَن تتْرك النخيل بعد التلقيح أَرْبَعِينَ يَوْمًا لَا تسقى. قَالَ: والعفَّار: لقّاح النخيل. أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي: العَفر: سُقي الزَّرْع بعد إِلْقَاء الحَبّ. قلت: عفر الزَّرْع: أَن يسقى سَقْية ينْبت عَنهُ، ثمَّ يتْرك أَيَّامًا لَا يسقى فِيهَا حَتَّى يعطش، ثمَّ يسُقى فيصلح على ذَلِك. وَأكْثر مَا يفعل ذَلِك بخِلْف الصَّيف وخضراواته. وَقيل فِي قَول الله جَل وَعز ذكره: {ء تَشْكُرُونَ أَفَرَءَيْتُمُ النَّارَ الَّتِى تُورُونَ أَءَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَآ أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ} (الْوَاقِعَة: 71، 72) : إِنَّهَا المَرْخ والعَفَار، وهما شجرتان فيهمَا نَار لَيْسَ فِي غَيرهمَا من الشّجر، ويسوَّى من أغصانهما الزِنَاد فيُقْتدح بهَا. وَقد رأيتهما فِي الْبَادِيَة. وَالْعرب تضرب المَثَل بهما فِي الشّرف العالي فَتَقول: فِي كل الشّجر نَار، واستَمجَد المَرْخ والعَفَار. استَمْجَد: استكثر. وَذَلِكَ أَن هَاتين الشجرتين من أَكثر الشّجر نَارا، وزنادهما أسْرع الزِّنَاد وَرْياً، والعُنَّاب من أقلّ الشّجر نَارا، وَقَالَ الْمبرد: يُقَال: رجل مَعَافرِيّ. ومَعَافر بن مُرّ أَخُو تَمِيم بن مرّ. قَالَ: وَنسب على الْجمع لِأَن مَعَافر اسْم لشَيْء وَاحِد؛ كَمَا تَقول لرجل من بني كلاب أَو من الضباب: كلابيّ وضِبابيّ. فأَمَّا النّسَب إِلَى الْجَمَاعَة فَإِنَّمَا توقع النّسَب على وَاحِد؛ كالنسب إِلَى الْمَسَاجِد تَقول: مسجديّ، وَكَذَلِكَ مَا أشبه. وَتقول: بُرْد مَعافريّ؛ لِأَنَّهُ نسب إِلَى رجل اسْمه معافر. وَقَالَ أَبُو زيد: من الظباء العُفْر وَهِي الَّتِي تسكن القِفاف وصَلاَبة الأَرْض وَهِي حُمْر. وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو زِيَاد الكلابيّ. أَبُو عبيد: اليَعْفور: ولد الْبَقَرَة الوحشيَّة. وَقَالَ اللَّيْث: اليعفور: الخِشْف سمّي يعفوراً لِكَثْرَة لزوقه بِالْأَرْضِ.
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو زيد: يُقَال للسَوِيق الَّذِي لَا يُلَتّ بالأُدْم عَفِير. وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: يُقَال: أكل فلَان خبْزًا قَفَاراً وعَفَاراً وعفيراً أَي بِلَا شَيْء مَعَه. وَقَالَ: عَلَيْهِ العَفَار والدبَار وَسُوء الدَّار. أَبُو عبيد عَن الفرّاء قَالَ: العفير من النِّسَاء: الَّتِي لَا تُهدي شَيْئا؛ قَالَ الْكُمَيْت:
وَإِذا الخُرَّد اغْبررْن من المحْ
ل وَصَارَت مِهداؤهن عفيرا
أَبُو عُبَيد: العِفْرية خَفِيفَة على مِثَال فِعللة، وَهُوَ من الْإِنْسَان: شَعَر الناصية، وَمن الدابّة: شَعَر القَفَا. قَالَ وَقَالَ: الأصمعيُ: العِفْرية النِفْرية؛ الرجل الْخَبيث المنكَر. وَمثله العَفِر. وَامْرَأَة عَفِرة. قلت: وَيُقَال: لعِفْرية الرَّأْس: عِفْراةٌ. وَقَالَ الله عزَّ وجلَّ: {مُسْلِمِينَ قَالَ عِفْرِيتٌ مِّن الْجِنِّ أَنَاْءَاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ} (النَّمل: 39) قَالُوا: العفريت: النَّافِذ فِي الْأَمر المبالغ فِيهِ مَعَ خُبْث ودهاء يُقَال: رجل عِفْر وعفريت وعِفْرية وعُفَارية بِمَعْنى وَاحِد. وَقَالَ الفرّاء: من قَالَ: عِفْرية فَجَمعه عفارٍ، وَمن قَالَ: عفريت جمعه عفاريت.(2/212)
وَجَاز أَن يَقُول: عفارٍ؛ كَقَوْلِهِم فِي جمع الطاغوت: طواغيت وطواغٍ. وَقَالَ شمر: امْرَأَة عِفِرَّة وَرجل عِفِرّ بتَشْديد الرَّاء. وَأنْشد فِي صفة امْرَأَة غير محمودة الصّفة:
وضِبَّرة مثل الأتان عِفِرَّة
ثجلاء ذَات خواصر مَا تشبع
قَالَ اللَّيْث: وَيُقَال للخبيث: عِفِرِّيّ أَي عِفِرّ، وهم العِفِرِّيُّون. قَالَ: وَأسد عَفَرْنى ولَبُؤة عَفَرْناة إِذا كَانَا جريئين. قَالَ: وأمّا لَيْثُ عِفِرِّين فَإن الْعَرَب تسمِّي بِهِ دوَيْبة يكون مأواها التُّرَاب والسهل فِي أصُول الْحِيطَان تدوِّر دُوّارة، ثمَّ تندس فِي جوفها: فَإِذا هجت رَمَت بِالتُّرَابِ صُعُداً. قَالَ وَيُقَال للرجل ابْن الْخمسين: ليثُ عِفِرين إِذا كَانَ كَامِلا.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ وَأبي عَمْرو: يُقَال: إِنَّه لأشجع من لَيْث عفرّين هَكَذَا قَالَا فِي حِكَايَة المَثَل وَاخْتلفَا فِي التَّفْسِير.
فَقَالَ أَبُو عَمْرو: هُوَ الْأسد.
وَقَالَ الأصمعيّ: هُوَ دابَّة من الحرباء يتعرّض للراكب.
قَالَ: وَهُوَ مَنْسُوب إِلَى عِفِرّين: اسْم بلد ونحوَ ذَلِك.
رَوَى أَبُو حَاتِم عَن الأصمعيّ يُقَال: إِنَّه دابّة مثل الحرباء يتحدّى الرَّاكِب وَيضْرب بذَنَبه.
وَقَالَ اللَّيْث: العِفْر: الذّكر الْفَحْل من الْخَنَازِير.
أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر: لَقيته عَن عُفْر أَي بعد حِين.
وَعَن أبي زيد: لَقيته عَن عُفْر: بعد شهر وَنَحْوه.
وَأما قَول المرّار:
على عُفُر من عَن تناء وَإِنَّمَا
تَدانى الْهوى من عَن تناء وَعَن عفر
وَكَانَ هجر أَخَاهُ فِي الْحَبْس بِالْمَدِينَةِ فَيَقُول: هجرت أخي على عُفْر أَي على بعد من الحيّ والقرابات أَي وَنحن غُرَباء وَلم يكن يَنْبَغِي لي أَن أهجره وَنحن على هَذِه الْحَالة. قَالُوا: والعُفْر: الْبعد. وَيُقَال: العُفْر: قلَّة الزِّيَارَة، يُقَال: إِلَّا عَن عُفْر أَي بعد قلَّة زِيَارَة، وَيُقَال: دخلْت المَاء فَمَا انعفرتْ قَدَمَايَ أَي لم تبلغا الأَرْض. وَمِنْه قَول امرىء الْقَيْس:
وتر الضبّ حفيفاً ماهراً
ثَانِيًا بُرْثُنه مَا ينْعفرْ
وبُرْد معافري: مَنْسُوب إِلَى مَعَافر الْيمن. ثمَّ صَار اسْما لَهَا بِغَيْر نِسْبَة فَيُقَال: مَعافر. أَبُو سعيد: تعفّر الوحشيّ تعفُّراً إِذا سمن. وَأنْشد:
ومجرُّ منتحر الطليْ تعفّرت
فِيهِ الفِرَاء بجِزع وَاد مُمكِن
قَالَ: هَذَا سَحَاب يمرّ مرّاً بطيئاً لِكَثْرَة مَائه. كَأَنَّهُ قد انتحر لِكَثْرَة مَائه وطليّه: مناتح مَائه بِمَنْزِلَة أطلاء الْوَحْش وتعفّرت: سمنت. والفِراء: حُمُر الْوَحْش. والممكن: الَّذِي أمكن مرعاه. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: أَرَادَ بالطليّ نَوْء الحَمَل ونَوْء الطَلِيّ والحَمَل وَاحِد عِنْده. قَالَ: ومنتحِر أَرَادَ أَنه نَحره فَكَانَ النَوْء بذلك الْمَكَان من(2/213)
الحَمَل. قَالَ: وَقَوله: وَاد مُمكن يُنْبت المَكْنان وَهُوَ نَبْت من أَحْرَار الْبُقُول. وَيُقَال: رماني عَن قَرْن أعفر أَي رماني بداهية. وَمِنْه قَول ابْن أَحْمَر:
وَأصْبح يَرْمِي النَّاس عَن قرن أعفرا
وَذَلِكَ أَنهم كَانُوا يتّخذون الْقُرُون مَكَان الأسِنَّة، فَصَارَ مثلا عِنْدهم فِي الشدَّة؛ تنزل بهم. وَيُقَال للرجل إِذا بَات ليلته فِي شِدّة تُقْلقه: كنت على قَرْن أعفر. وَمِنْه قَول امرىء الْقَيْس:
كَأَنِّي وأصحابي على قرن أعفرا
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال للحمار الْخَفِيف: فلْو ويَعْفور وهِنْبِر وزِهْلِق. وعَفَارة: اسْم امْرَأَة. وَمِنْه قَوْله:
بَانَتْ لتحزننا عَفَارة
سميت عَفَارة بالعَفَار من الشّجر الْوَاحِدَة عَفَارة. وعُفَير من أَسمَاء الرِّجَال.
فرع: رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (لَا فَرَعة وَلَا عَتِيرة) . قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو عَمْرو: هِيَ الفَرَعة والفَرَع، بِنصب الرَّاء. قَالَ: وَهُوَ أوَّل مَا تلِده النَّاقة. وَكَانُوا يذبحون ذَلِك لآلهتهم فِي الْجَاهِلِيَّة فنهُوا عَنهُ. وَقَالَ أَوْس بن حَجَر يذكر أَزْمَة فِي شدَّة البَرد:
وشُبّه الهَيْدَب العَبَام من الأق
وام سَقْباً مجَللاً فَرَعا
أَرَادَ: مجلَّلاً جِلد فَرَع فاختصر الْكَلَام؛ كَقَوْلِه: {وَاسْئَلِ الْقَرْيَةَ} (يُوسُف: 82) : أهل الْقرْيَة. وَيُقَال: قد أفرع الْقَوْم إِذا فعلت إبلهم ذَلِك. أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: فرَّع الرجل فِي الْجَبَل إِذا صَعِد فِيهِ وفرّع إِذا انحدر. قَالَ: وَقَالَ مَعْن بن أَوْس فِي التَّفْرِيع:
فَسَارُوا فَأَما جلّ حَيّي ففرّعوا
جَمِيعًا وَأما حَيّ دَعْد فصعَّدا
قَالَ شمر: وأفرع أَيْضا بالمعنيين. وَرَوَاهُ شمر: (فأفرعوا) أَي انحدروا. وَقَالَ الشمّاخ:
لَا يدركنَّكَ إفراعي وتصعيدي
قَالَ: إفراعي: انحداري. شمر: استفرع الْقَوْم الحَدِيث وافترعوه إِذا ابتدءوه. وَقَالَ الشَّاعِر يرثي عبيد بن أيُّوب:
ودلَّهتني بالحزن حَتَّى تَرَكتنِي
إِذا استفرع القومُ الأحاديثَ سَاهِيا
وَرُوِيَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (فرّعوا إِن شِئْتُم وَلَكِن لَا تذبحوه غَرَاة حَتَّى يَكْبَر) . قَالَ شمر: وَقَالَ أَبُو مَالك: كَانَ الرجل فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا تمّت إبِله مائَة بعير قدَّم بَكْراً فنحره لصنمه. وَذَلِكَ الْفَرْع وَأنْشد:
إِذْ لَا يزَال قَتِيل تَحت رايتنا
كَمَا تشحَّط سَقْبُ الناسك الفَرَعُ
قَالَ شمر: وَقَالَ يزِيد بن مُرَّة: من أمثالهم: أول الصَّيْد فَرَع. قَالَ: وَهُوَ مشبَّه بِأول النِّتَاج. أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي:
من القِسِيّ القَضيب والفَرَع. فالقضيب: الَّتِي عُملت من غُصْن وَاحِد غير مشقوق. والفَرَع: الَّتِي عملت من طَرَف الْقَضِيب. وَيُقَال: افترعت الْجَارِيَة إِذا ابتكرتها.(2/214)
وَيُقَال لَهُ افتراع لِأَنَّهُ أول جِمَاعهَا. ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: أفرع: هَبَط، وفرّع: صَعِد. وَقَالَ كثيِّر:
إِذا أفرعت فِي تَلْعة أصعدت بهَا
وَمن يطْلب الْحَاجَات يُفرِع ويصعد
قَالَ: وفَرَع إِذا علا. وَأنْشد:
أَقُول وَقد جاوزن من صحن رابغ
صحاصح غُبْراً يَفْرَع الْآل آلُها
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: الفَرَعة: القَمْلة الْعَظِيمَة. والفَرَعة أَيْضا: أَعلَى الْجَبَل، وَجَمعهَا فِراع. وَمِنْه قيل: جبل فارع إِذا كَانَ أطول ممّا يَلِيهِ. وَبِه سمّيت الْمَرْأَة فارِعة.
وَفِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرَع بَين جاريتين من بني عبد الْمطلب أَي حَجَز وَفرق بَينهمَا، يُقَال: فَرَعت بَين المتخاصمين أَفْرَعُ إِذا حجزت بَينهمَا.
وَقَالَ أَبُو تُرَاب: فرَّع بَين الْقَوْم وفرّق بِمَعْنى وَاحِد. ورَوَى فِي ذَلِك حَدِيثا بِإِسْنَاد لَهُ عَن أبي الطُفَيل قَالَ: كنت عِنْد ابْن عَبَّاس فجَاء بَنو أبي لَهَب يختصمون فِي شَيْء بَينهم، فَاقْتَتلُوا عِنْده فِي الْبَيْت، فَقَامَ يفرّع بَينهم أَي يحجِز بَينهم.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الفارع: عَوْن السُّلْطَان، وَجمعه فَرَعة.
قلت: هُوَ مثل الْوَازِع، وَجمعه وَزَعة أَيْضا.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: فَرَعت فرسي أَفْرَعه أَي قَدَعته. قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الْفَرْع أَيْضا: القِسْم.
وَقَالَ أَبُو زيد: تفرّع فلَان القومَ إِذا ركبهمْ وشتَمهم.
وَقَالَ غَيره: تفرَّع فلَان الْقَوْم إِذا علاهم. وَقَالَ الشَّاعِر:
وتفرّعنا من ابْني وَائِل
هَامة العِزّ وجُرْثوم الْكَرم
وَيُقَال: رجل فارع، وَنقاً فارع: مُرْتَفع طَوِيل.
وَقَالَ أَبُو سعيد: الفَرَعة: جِلْدة تزاد فِي القِرْبة إِذا لم تكن وفراء تامَّة. أَبُو عبيد: أفرعت الْمَرْأَة: حَاضَت. وأفرعت إِذا رَأَتْ دَماً قبل الْولادَة.
وَقَالَ الْأَعْشَى:
صددت عَن الْأَعْدَاء يَوْم عُبَاعب
صدودَ المذاكي أفرعتها المساحِلُ
أَي أدْمتها اللُجُم كَمَا تدمى الْحَائِض أَبُو عُبَيْدَة: الفوارع: تلاع مشرفات المسايل. وَرجل فَرْع قومه أَي شرِيف قومه.
وَقَالَ أَبُو سعيد فِي قَول الهذليّ:
وذكّرها فَيْحُ نجم الفرو
ع من صَيْهَد الحَرّ برد الشَمَال
قَالَ: هِيَ فروع الجوزاء، بِالْعينِ. قَالَ: وَهُوَ أشدّ مَا يكون الحرّ. فَإِذا جَاءَت الفروغ بالغين وَهِي من نُجُوم الدَلْو كَانَ الزَّمَان حينئذٍ بَارِدًا، وَلَا فَيْح يومئذٍ.
اللَّيْث: أَعلَى كل شَيْء: فَرْعه. وفَرَع فلَان فلَانا إِذا علاهُ. وفرعت رَأس الجَبَل: علوته. قَالَ: والفَرَع: المَال الطائل المُعَدّ. وَقَالَ الشَّاعِر:(2/215)
فمنَّ واستبقى وَلم يعتصرْ
من فَرعه مَالا وَلَا المكسِر
قَالَ: المكسر: مَا تكسَّر من أصل مَاله. قَالَ: وفَرِعَ الرجل يفرع فَرَعاً: كثر شعره، وَهُوَ أفرع. وَرجل مُفْرع الْكَتف إِذا كَانَ مُرْتَفع الْكَتف. وَيَقُول: أفرعت بفلان فَمَا أحمدته أَي نزلت بِهِ وفرعت أَرض بني فلَان أَي جَوَّلت فِيهَا فَعلمت عِلْمها. وفارعة الطَّرِيق: حَوَاشِيه. وتفرعت بني فلَان: تزوّجت فِي الذُروة مِنْهُم والسَنام. وَكَذَلِكَ تذرَّيتهم وتنصَّيتهم. والمُفْرَع: الطَّوِيل من كل شَيْء.
وَرُوِيَ عَن الشّعبِيّ أَنه قَالَ: كَانَ شُرَيح يَجْعَل المدبَّر من الثُّلُث، وَكَانَ مَسْرُوق يَجعله فارعاً من المَال.
قَالَ شمر: قَالَ أَبُو عدنان: قَالَ بعض بني كلاب: الفارع: الْمُرْتَفع العالي الهيء الْحسن. وَكَذَلِكَ الفاع من كل شَيْء.
عَمْرو عَن أَبِيه يُقَال: أفرع العروسَ إِذا قضى حَاجته من غشيانه إِيَّاهَا. وأفرعت الْفرس إِذا كبحتَه باللجام فَسَالَ الدَّم.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الفارع: العالي. والفارع: المتسَفل. قَالَ: وفرعت إِذا صعدت، وفرعت إِذا نزلت.
فعر: أهمله اللَّيْث. وَقَالَ ابْن دُرَيْد: الفَعْر لُغَة يَمَانِية، وَهُوَ ضرب النَبْت، زَعَمُوا أَنه الهَيْشَر، وَلَا أَحُق ذَاك.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ أَنه قَالَ: الفعر: أكل الفَعَارير، وَهُوَ صغَار الذآنين.
قلت: وَهَذَا يقوّي قَول ابْن دُرَيْد.
رفع: قَالَ الله جلّ وعزّ فِي صفة الْقِيَامَة: {كَاذِبَةٌ خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ} (الْوَاقِعَة: 3) قَالَ الزجّاج: الْمَعْنى: أَنَّهَا تخْفض أهل الْمعاصِي وترفع أهل الطَّاعَة. وَالرَّفْع: ضد الْخَفْض.
وَفِي الحَدِيث: (إِن الله يرفع القِسْط ويخفض) .
قلت: وتأويله: وَالله أعلم أَنه يرفع القِسْط وَهُوَ العَدْل فيُعليه على الجَوْر وَأَهله، وَمرَّة يخفضه فيُظهر أهل الجَوْر على أهل الْعدْل ابتلاء لخَلْقه. وَهَذَا فِي الدُّنْيَا، وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين. وَيُقَال: ارْتَفع الشَّيْء ارتفاعاً بِنَفسِهِ إِذا علا.
وَقَالَ ابْن المظفَّر: بَرْق رَافع: سَاطِع. وَأنْشد:
صَاح ألم تَحزُنك ريح مَرِيضَة
وبَرْق تلألأ بالعقيقين رَافع
قَالَ: وَالْمَرْفُوع من سَيْر الْفرس والبِرذَوْن دون الحُضْر وَفَوق الْمَوْضُوع يُقَال: ارْفَعْ من دابَّتك، هَكَذَا كَلَام الْعَرَب. ورَفُع الرجل يرفُع رَفَاعة فَهُوَ رفيع إِذا شَرُف، وَامْرَأَة رفيعة. وَالْحمار يُرفِّع وَفِي عَدوه ترفيعاً، أَي عدا عَدْواً بعضه أرفع من بعض. وَكَذَلِكَ لَو أخذت شَيْئا فَرفعت الأول فَالْأول قلت رفعته ترفيعاً.
والرِفعة: نقيض الذِلَّة.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: رَفَعَ الْقَوْم فهم رافعون إِذا أصعدوا فِي الْبِلَاد.
وَقَالَ الرَّاعِي:(2/216)
دعاهن دَاع للخريف وَلم تَكُن
لهنّ بلاداً فانتجعن روافعا
أَي مصعِدات، يُرِيد: لم يَكن الْبِلَاد الَّتِي دعتهنّ لهنّ بلاداً. والرُفَاعة: شَيْء تعظم بِهِ الْمَرْأَة عَجِيزتها. والجميع رفائع.
وَقَالَ الرَّاعِي:
عِرَاض القطا لَا يتّخذن الرفائعا
القطا: الأعجاز وَالْأَصْل فِيهِ قطاة الدابَّة.
والرِفاع: حَبْل الْقَيْد يَأْخُذهُ المقيَّد بِيَدِهِ يرفعهُ إِلَيْهِ، حُكِي ذَلِك عَن يُونُس النحويّ؛ وَرفعت فلَانا إِلَى الْحَاكِم أَي قدَّمته إِلَيْهِ. وَرفعت قِصَّتي: قدَّمتها.
وَقَالَ الشَّاعِر:
وهم رفعوا فِي الطعْن أَبنَاء مَذْحج
أَي قدَّموهم للحرب. وَيُقَال للَّتِي رفعت لَبنهَا فَلم تدُرّ: رَافع، بالراء. وَأما الدَّافِع فَهِيَ الَّتي دفعت اللِبَأ فِي ضَرْعها.
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الأصمعيّ: رَفع الْبَعِير ورفعته أَنا وَهُوَ السّير الْمَرْفُوع.
الحرّاني عَن ابْن السّكيت قَالَ: يُقَال: جَاءَ زمنُ الرِفاع والرَّفاع إِذا رُفع الزَّرْع، حَكَاهُ عَن أبي عَمْرو.
قَالَ: وَقَالَ الكسائيّ: لم أسمع الرِفاع، بِالْكَسْرِ. قَالَ: والرَفَاع: أَن يُحصِد الزَّرْع ويُرفع.
وَقَالَ الفرّاء: فِي صَوته رُفاعة ورَفَاعة إِذا كَانَ رفيع الصَّوْت.
وَيُقَال: رافعت فلَانا إِلَى الْحَاكِم إِذا قدَّمته إِلَيْهِ لتحاكمه.
وَقَالَ النَّابِغَة الذبيانيّ:
ورفَّعته إِلَى السِّجْفَين فالنضد
أَي بلغت بالحَفْر وقدَّمته إِلَى مَوضِع السجْفَين، وهما سِتْرا رُوَاق الْبَيْت.
قَالَ: وَهُوَ من قَوْلك: ارتفَع إليّ أَي تقدم، قَالَ: وارفعه إِلَى الْحَاكِم أَي قدِّمه، وَلَيْسَ من الِارْتفَاع الَّذِي هُوَ بِمَعْنى العُلُوّ.
قَالَ ذَلِك كلَّه يَعْقُوب بن السّكيت، وَأنْشد قَوْله:
وهم رفعوا بالطعن أَبنَاء مَذْحِج
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (كل رَافِعَة رفعت علينا من الْبَلَاغ فقد حرّمتها أَن تُعْضَد أَو تُخْبط إِلَّا لعصفور قَتَب أَو مَسَد مَحالَة) .
قَالَ عبد الله بن مُسلم: معنى قَوْله: (كل رَافِعَة رفعت علينا من الْبَلَاغ) يُرِيد: كلّ جمَاعَة مبلّغة تبلّغ عَنَّا وتذيع مَا تَقوله. وَهَذَا كَمَا تَقول: رفع فلَان على الْعَامِل إِذا أذاع خَبره. وحُكي عَنهُ أَن كل حاكية حكت عنَّا وبلَّغت فلْتحكِ أَنِّي قد حرّمتها يَعْنِي الْمَدِينَة أَن يُعضد شَجَرهَا. وَفِي (النَّوَادِر) : يُقَال: ارْتَفع الشَّيْء بِيَدِهِ وَرَفعه.
قلت: الْمَعْرُوف فِي كَلَام الْعَرَب: رفعت الشَّيْء فارتفع، وَلم أسمع ارْتَفع وَاقعا بِمَعْنى رفع، إِلَّا مَا قرأته فِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) .
ابْن السّكيت: إِذا ارْتَفع الْبَعِير عَن الهَمْلجة فَذَلِك السّير الْمَرْفُوع، يُقَال: رفع البعيرُ يَرْفَع فَهُوَ رَافع. والروافع إِذا رفعوا فِي(2/217)
سيرهم، وَرفعت الدابَّة فِي سَيرهَا. ودابة مَرْفُوع.
(بَاب الْعين وَالرَّاء مَعَ الْبَاء)
ع ر ب
عرب، عبر، ربع، رعب، برع، بعر: مستعملات.
عرب: قَالَ ابْن المظفّر: العَرَب العاربة: الصَّرِيح مِنْهُم.
قَالَ: والأعاريب: جمَاعَة الْأَعْرَاب.
وَقَالَ غَيره: رجل عربيّ إِذا كَانَ نسبه فِي الْعَرَب ثَابتا وَإِن لم يكن فصيحاً. وَجمعه العَرَب؛ كَمَا يُقَال: رجل مجوسيّ ويهوديّ، وَالْجمع بِحَذْف يَاء النِّسْبَة: الْمَجُوس وَالْيَهُود. وَرجل مُعْرِب إِذا كَانَ فصيحاً وَإِن كَانَ عجميّ النّسَب. وَرجل أعرابيّ بِالْألف إِذا كَانَ بدويّاً صَاحب نُجْعة وانتواء وارتياد للكلأ وتتبّع لمساقط الْغَيْث، وَسَوَاء كَانَ من الْعَرَب أَو من مواليهم. وَيجمع الأعرابيّ على الْأَعْرَاب والأعاريب. والأعرابيّ إِذا قيل لَهُ يَا عربيّ فَرِح بِذَاكَ وهَشّ لَهُ. والعربيّ إِذا قيل لَهُ: يَا أعرابيّ غضِب لَهُ. فَمن نزل الْبَادِيَة أَو جاور البادين وظَعَنَ بظَعنهم وانتوى بانتوائهم فهم أَعْرَاب، وَمن نزل بِلَاد الرِّيف واستوطن المدن والقُرَى الْعَرَبيَّة وَغَيرهَا مِمَّا ينتمي إِلَى الْعَرَب فهم عرب وَإِن لم يَكُونُوا فصحاء.
وَقَول الله جلّ وعزّ: {خَبِيرٌ قَالَتِ الاَْعْرَابُءَامَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَاكِن قُولُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الاِْيمَانُ فِى قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُمْ} (الحُجرَات: 14) هَؤُلَاءِ قوم من بوادي الْعَرَب قدِموا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة طَمَعا فِي الصَّدقَات لَا رَغْبَة فِي الْإِسْلَام، فسمَّاهم الله الأعرابَ، وَمثلهمْ الَّذين ذكرهم الله فِي سُورَة البَحُوث: {الاَْعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا} (التَّوْبَة: 97) الْآيَة.
قلت: وَالَّذِي لَا يفرق بَين الْعَرَب والأعراب والعربيّ والأعرابيّ رُبمَا تحامل على الْعَرَب بِمَا يتأوّله فِي هَذِه الْآيَة، وَهُوَ لَا يُمَيّز بَين الْعَرَب والأعراب. وَلَا يجوز أَن يُقَال للمهاجرين وَالْأَنْصَار: أَعْرَاب، إِنَّمَا هم عرب؛ لأَنهم استوطنوا القُرَى الْعَرَبيَّة وَسَكنُوا المُدُن، سَوَاء مِنْهُم الناشىء بالبَدْو ثمَّ استوطن الْقرى والناشىء بِمَكَّة ثمَّ هَاجر إِلَى الْمَدِينَة. فَإِن لحقت طائفةٌ مِنْهُم بِأَهْل البَدْو بعد هجرتهم واقتَنوا نَعَماً ورعَوا مساقط الْغَيْث بَعْدَمَا كَانُوا حَاضِرَة أَو مهاجرة قيل: قد تعرّبوا أَي صَارُوا أعراباً بَعْدَمَا كَانُوا عَرَباً.
وَقَالَ أَبُو زيد الأنصاريّ يُقَال: أعرب الأعجمي إعراباً، وتعرّب تعرُّباً واستعرب استعراباً كلّ هَذَا للأغْتَم دون الصبيّ.
قَالَ: وأفصح الصبِيّ فِي مَنْطِقه إِذا فهمت مَا يَقُول أوّلَ مَا يتَكَلَّم. وأفصح الأغتم إفصاحاً مثله. وَيُقَال للعربي: أفصِحْ لي إِن كنت صَادِقا أَي أَبِنْ لي كلامك.
قَالَ: وَيُقَال: عرَّبت لَهُ الْكَلَام تعريباً وأعربته لَهُ إعراباً إِذا بيَّنته لَهُ حَتَّى لَا يكون فِيهِ حَضْرمة. قَالَ: وفَصُح الرجل فَصَاحة وأفصح كلامُه إفصاحاً. قلت: وَجعل الله جلّ وعزّ الْقُرْآن المنزَّل على النَّبِي الْمُرْسل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَرَبيا لِأَنَّهُ نَسَبه إِلَى الْعَرَب(2/218)
الَّذين أنزلهُ بلسانهم، وهم النَّبِي والمهاجرون وَالْأَنْصَار الَّذين صِيغَة لسانهم لُغَة الْعَرَب فِي باديتها وقراها العربيّة. وَجعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عربيّاً لِأَنَّهُ من صَرِيح الْعَرَب. وَلَو أَن قوما من الْأَعْرَاب الَّذين يسكنون الْبَادِيَة حَضَرُوا القُرَى الْعَرَبيَّة وَغَيرهَا وتَناءوْا مَعَهم فِيهَا سُمُّوا عربا وَلم يسمُّوا أعراباً. وَيُقَال: رجل عربيّ اللِّسَان إِذا كَانَ فصيحاً.
وَقَالَ اللَّيْث: يجوز أَن يُقَال: رجل عَرَبانيّ اللسانيّ. قَالَ: وَالْعرب المستعربة هم الَّذين دخلُوا فيهم بعد فاستعربوا. وَقلت أَنا: المستعربة عِنْدِي: قوم من الْعَجم دخلُوا فِي الْعَرَب فتكلموا بلسانهم وحَكَوا هَيئاتهم وَلَيْسوا بُصَرحاء فيهم.
وَقَالَ اللَّيْث: تعرّبوا مثل استعربوا.
وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو زيد الْأنْصَارِيّ. قلت: وَيكون التعرّب أَن يرجع إِلَى الْبَادِيَة بَعْدَمَا كَانَ مُقيما بالحَضَر فيلحَق بالأعراب. وَيكون التعرّب المُقام فِي الْبَادِيَة. وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
تعرَّب آبَائِي فهلاَّ وقاهم
من الْمَوْت رَمْلاَ عالجٍ زَرُودِ
يَقُول: أَقَامَ آبَائِي بالبادية وَلم يحضروا القُرَى.
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (الثّيّب يُعْرب عَنْهَا لسانُها وَالْبكْر تُستأمَر فِي نَفسهَا) .
وَقَالَ أَبُو عبيد: هَذَا الْحَرْف جَاءَ فِي الحَدِيث: يُعْرِب، بِالتَّخْفِيفِ.
وَقَالَ الفرّاء: إِنَّمَا هُوَ يُعرِّب، بِالتَّشْدِيدِ يُقَال: عرَّبت عَن الْقَوْم إِذا تَكَلَّمت عَنْهُم واحتججت لَهُم. قلت: الْإِعْرَاب والتعريب مَعْنَاهُمَا وَاحِد، وَهُوَ الْإِبَانَة. يُقَال: أعرب عَنهُ لسانُه وعَرَّب أَي أبان وأفصح. وَيُقَال: أعرِبْ عَمَّا فِي ضميرك أَي أبِنْ. وَمن هَذَا يُقَال للرجل إِذا أفْصح فِي الْكَلَام: قد أَعْرب.
وَمِنْه قَول الْكُمَيْت:
وجدنَا لكم فِي آل حاميمَ آيَة
تأوّلها مِنّا تَقِي ومُعْرِبُ
تقِيّ: يتوقّى إِظْهَاره حِذارَ أَن يَنَالهُ مَكْرُوه من أعدائكم. ومعرب أَي مفصح بِالْحَقِّ لَا يتوقّاهم. وَالْخطاب فِي هَذَا لبني هَاشم حِين ظَهَرُوا على بني أميَّة، وَالْآيَة قَوْله جلّ وعزّ: {الصَّالِحَاتِ قُل لاَّ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِى} (الشّورى: 23) .
وأمَّا حَدِيث عمر بن الْخطاب: (مَا لكم إِذا رَأَيْتُمْ الرجل يخرق أَعْرَاض النَّاس ألاَّ تعرِّبوا عَلَيْهِ) فَلَيْسَ هَذَا من التعريب الَّذِي جَاءَ فِي خبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِنَّمَا هُوَ من قَوْلك: عرَّبت على الرجل قولَه إِذا قبَّحته عَلَيْهِ.
قَالَ أَبُو عبيد: وَقَالَ الْأَصْمَعِي وَأَبُو زيد الأنصاريّ فِي قَوْله: (ألاَّ تعربوا عَلَيْهِ) مَعْنَاهُ: ألاَّ تفسدوا عَلَيْهِ وَلَا تقبّحوه.
وَمِنْه قَول أَوْس بن حَجَر:
وَمثل ابْن عَثْم إِن ذُحول تُذُكّرت
وقتلى تِيَاسٍ عَن صِلاح تعرِّب
ويروى: يعرّب. يَعْنِي أَن هَؤُلَاءِ الَّذين(2/219)
قُتِلوا منا وَلم نتَّئر بهم وَلم نقْتل الثأر إِذا ذكر دِمَاؤُهُمْ أفسدت الْمُصَالحَة ومنعتْنا عَنْهَا. والصِلاَح: الْمُصَالحَة.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: التعريب التَّبْيِين فِي قَوْله: (الثّيّب تُعرِب عَن نَفسهَا) . قَالَ: والتعريب: المَنْع فِي قَول عمر: (أَلا تعربوا) أَي لَا تمنعوا. وَكَذَلِكَ قَوْله: (عَن صِلاَح تعرب) أَي تمنع. قَالَ: والتعريب: الْإِكْثَار من شرب العَرَب، وَهُوَ المَاء الْكثير الصافي. قَالَ: والتعريب: أَن يتَّخذ فرسا عربيّاً. قَالَ: والتعريب: تمريض العَرِب، وَهُوَ الذرِب الَمعِدة.
وَقَالَ أَبُو عبيد: وَقد يكون التعريب من الفُحْش، وَهُوَ قريب من هَذَا الْمَعْنى.
وَقَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَول الله جلّ وعزّ {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ} (البَقَرَة: 197) : وَهُوَ العرَابة فِي كَلَام الْعَرَب. قَالَ: والعِرَابة كَأَنَّهُ اسْم مَوْضُوع من التعريب، وَهُوَ مَا قبح من الْكَلَام يُقَال مِنْهُ: عرّبت وأعربت. وَمِنْه حَدِيث عَطاء: أَنه كره الْإِعْرَاب للمُحْرِم. وَقَالَ رؤبة يصف نسَاء يجمعن العَفَاف عِنْد الغرباء وَالْإِعْرَاب عِنْد الْأزْوَاج، وَهُوَ مَا يستفحش من أَلْفَاظ النِّكَاح وَالْجِمَاع فَقَالَ:
والعُرْبُ فِي عفافة وإعراب
وَهَذَا كَقَوْلِهِم: خير النِّسَاء المتبذِلة لزَوجهَا، الخِفرة فِي قَومهَا، والعُرُب: جمع العَرُوب من قَول الله جلّ وعزّ: {أَبْكَاراً عُرُباً أَتْرَاباً} (الْوَاقِعَة: 37) وَهن المتحبّبات إِلَى أزواجهنّ. وَقيل: العُرُب الغَنِجات. وَقيل: العُرُب المغتَلمات، وكلّ ذَلِك رَاجع إِلَى معنى وَاحِد.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: العَرُوب من النِّسَاء: المطيعة لزَوجهَا المتحبّبة إِلَيْهِ. قَالَ: والعَرُوب أَيْضا: العاصية لزَوجهَا، الخائنة بفرجها، الْفَاسِدَة فِي نَفسهَا. وَأنْشد:
فَمَا خلفٌ من أم عمرَان سَلْفَعٌ
من السود ورهاءُ الْعَنَان عَروبُ
وَقَالَ مُجَاهِد فِي قَول الله جلّ وعزّ: {أَبْكَاراً عُرُباً أَتْرَاباً} قَالَ: عواشق، وَقَالَ غَيره: هِيَ الشكلات بلغَة أهل مكَّة، والمَغْنوجات بلغَة أهل الْمَدِينَة.
وَقَالَ أَبُو عبيد: العَرِبة مثل العَرُوب فِي صِفَات النِّسَاء.
وَقَالَ أَبُو زيد الأنصاريّ: فعلت كَذَا وَكَذَا فَمَا عرَّب عليَّ أحد أَي مَا غيَّر عليَّ أحد.
وَقَالَ شمر: التعريب: أَن يتَكَلَّم الرجل بِالْكَلِمَةِ فيُفحش فِيهَا أَو يخطىء فَيَقُول لَهُ الآخر: لَيْسَ كَذَا وَلكنه كَذَا للَّذي هُوَ أصوب، أَرَادَ معنى حَدِيث عمر: (ألاَّ تعربوا عَلَيْهِ) .
قَالَ شمر: والعِرْب مثل الْإِعْرَاب من الْفُحْش فِي الْكَلَام.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: عرِبتْ مَعِدته عَرَباً وذرِبت ذَرباً فَهِيَ عَرِبة وذَرِبة إِذا فَسدتْ. قلت: وَيحْتَمل أَن يكون التعريب على من يَقُول بِلِسَانِهِ الْمُنكر من هَذَا لِأَنَّهُ يفْسد عَلَيْهِ كَلَامه كَمَا فَسدتْ مَعِدته.
وَقَالَ اللَّيْث: العَرَب: النشاط والأَرَن.(2/220)
وَأنْشد:
كل طِمِرَ غَذَوانٍ عَرَبُهْ
ويروى: عَدَوان. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: العِرْب: يبيس البُهْمَى والواحدة عِرْبة والتعريب: تعريب الْفرس، وَهُوَ أَن يُكْوَى على أشاعر حَافره فِي مَوَاضِع ثمَّ يُبْزغ بمبزَغ بَزْغاً رَقِيقا لَا يؤثّر فِي عَصَبه ليشتدّ أَشْعره. قلت: وأشاعر الْفرس: مَا بَين حَافره ومنتهى شعر أرساغه. وَرجل مُعْرِب: مَعَه فرس عربيّ. وَفرس مُعْرِب: إِذا خلصت عربيَّته. وَقَالَ الجعديّ:
ويصهل فِي مثل جَوف الطوِيّ
صهيلاً تبيَّنَ للمُعْرِب
أَبُو عبيد عَن الكسائيّ: المعرب من الْخَيل: الَّذِي لَيْسَ فِيهِ عِرْق هجين، وَالْأُنْثَى مُعْرِبة.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: قَالَ: العَبْرَب: السُمَّاق. قَالَ: وقِدْر عَرَبْرَبِيَّة وَهِي السُمَّاقيَّة. والعَرُوبة: يَوْم الْجُمُعَة. وَكَانَ يُقَال لَهُ فِي الْجَاهِلِيَّة: يَوْم العَرُوبة، والعَرَاب: حَمْل الخَزَم، وَهُوَ شجر يُفتل من لِحَائه الحِبَال، والواحدة عَرَابة، تَأْكُله القرود وَرُبمَا أكله النَّاس فِي المجاعة. وعرِب السَنَامُ عَرَباً إِذا ورم وتفتَّح. وَيُقَال: مَا فِي الدَّار عرِيب أَي مَا بهَا أحد. والعُرَيب: تَصْغِير الْعَرَب. وَيُقَال: ألْقى فلَان عَرَبُونه إِذا أحدث. وعرِيب: حيّ من الْيمن.
وَقَالَ الفرّاء: أعربت إعراباً وعرَّبت تعريباً إِذا أَعْطَيْت العُربان. قلت: وَيُقَال لَهُ: العَرْبون.
ورُوي عَن عَطاء أَنه كَانَ ينْهَى عَن الْإِعْرَاب فِي البيع.
وَقَالَ شمر: الْإِعْرَاب فِي البيع: أَن يَقُول الرجل للرجل: إِن لم آخذ هَذَا البيع بِكَذَا فلك كَذَا وَكَذَا من مَالِي.
وَقَالَ أَبُو زيد: عرِب الْجرْح عَرَباً وحبِط حَبَطاً إِذا بقيت لَهُ آثَار بعد البُرْء. والعَرَبات: طَرِيق فِي جبل بطرِيق مصر. وَاخْتلف النَّاس فِي الْعَرَب أَنهم لِمَ سُمُّوا عربا.
فَقَالَ بَعضهم: أول من أنطق الله لِسَانه بلغَة الْعَرَب يَعْرُب بن قَحْطان وَهُوَ أَبُو اليَمَن، وهم الْعَرَب العاربة. وَنَشَأ إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم صلى الله عَلَيْهِمَا مَعَهم فَتكلم بلسانهم، فَهُوَ وَأَوْلَاده الْعَرَب المستعرِبة.
وَقَالَ آخَرُونَ: نَشأ أَوْلَاد إِسْمَاعِيل بَعَرَبة وَهِي من تِهامة فنُسِبوا إِلَى بلدهم.
روينَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (خَمْسَة أَنْبيَاء من الْعَرَب. وهم: إِسْمَاعِيل، مُحَمَّد، شُعَيْب، صَالح، هود صلى الله عَلَيْهِم) . وَهَذَا يدلّ على أَن لِسَان الْعَرَب قديم.
وَهَؤُلَاء الْأَنْبِيَاء كلهم كَانُوا يسكنون بِلَاد الْعَرَب. فَكَانَ شُعيب وَقَومه بِأَرْض مَدْيَن.
وَكَانَ صَالح وَقَومه ثَمُود ينزلون بِنَاحِيَة الحِجْر.
وَكَانَ هود وَقَومه وهم عَاد ينزلون الْأَحْقَاف من رمال الْيمن. وَكَانُوا أهل عَمَد.
وَكَانَ إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم وَالنَّبِيّ(2/221)
الْمُصْطَفى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِمَا من سُكّان الحَرَم. وكلّ من سكن بِلَاد الْعَرَب وجزيرتها ونطق بِلِسَان أَهلهَا فهم عَرَب: يَمَنُهم ومَعَدّهم. وَالْأَقْرَب عِنْدِي أَنهم سُمّوا عربا باسم بلدهم: العَرَبات.
وَقَالَ إِسْحَاق بن الْفرج: عَرَبة: باحة الْعَرَب، وباحة دَار أبي الفصاحة إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم ث. قَالَ: وَفِيهِمَا يَقُول قَائِلهمْ:
وعَرْبة أَرض مَا يُحِلّ حرامَها
من النَّاس إلاّ اللوذعيُّ الحُلاحل
يَعْنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحِلت لَهُ مكَّةُ سَاعَة من نَهَار، ثمَّ هِيَ حرَام إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
قَالَ: واضطُرّ الشَّاعِر إِلَى تسكين الرَّاء من عَرَبة فسكَّنها.
وَأنْشد قَول الآخر:
ورُجّت باحة العَرَبات رَجاً
ترقرقُ فِي مناكبها الدِّمَاء
كَمَا قَالَ: وأقامت قُرَيْش بعرَبة فتَنَّخَتْ بهَا وانتشر سَائِر الْعَرَب فِي جزيرتها، فنُسبوا كلهم إِلَى عَرَبة؛ لِأَن أباهم إِسْمَاعِيل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بهَا نَشأ (وربل أَي كثر أَوْلَاده) فِيهَا فكثروا. فلمَّا لم تحتملهم الْبِلَاد انتشروا وأقامت قُرَيْش بهَا.
وروينا عَن أبي بكر الصّديق أَنه قَالَ: قُرَيْش هم أَوسط الْعَرَب فِي الْعَرَب دَارا، وَأحسنه جِواراً وأعربه ألْسنة.
وَقَالَ قَتَادَة: كَانَت قُرَيْش تجتبي أَي تخْتَار أفضل لُغَات الْعَرَب، حَتَّى صَار أفضل لغاتها لُغَة لَهَا فَنزل الْقُرْآن بهَا.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: العرَّاب: الَّذِي يعْمل العرابات، واحدتها عرابة، وَهِي شُمُل ضُرُوعِ الْغنم.
قَالَ: والعَرِيبة: الغريبة من الْإِبِل وَغَيرهَا.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَنهُ أَيْضا أَنه قَالَ: العَرَبة: النفْس.
قَالَ: وعَرِب الرجل إِذا غرِق فِي الدُّنْيَا. وعَرِب إِذا فصُح بعد لُكْنة فِي لِسَانه.
رعب: قَالَ ابْن المظفر: الرُعْب: الْخَوْف. وَتقول رَعَبت فلَانا رَعْبَاً ورُعْبَاً لُغَتَانِ فَهُوَ مرعوب ورَعِيب. ورعَّبته فَهُوَ مُرَعَّب، وَهُوَ مُرْتَعِب أَي فزِع.
قَالَ: والحَمَام الراعِبيّ يُرعّب فِي صَوته ترعيباً، وَهُوَ شدّة الصَّوْت تَقول: إِنَّه لشديد الرعْب.
وَقَالَ رؤبة:
وَلَا أُجِيب الرَعْب إِن دعيتُ
ويروى: إِن رُقيت. أَرَادَ بالرَعْب الوَعِيد، إِن رُقِيتُ: أَي خُدعت بالوعيد لم أنَقَدْ وَلم أخَف. أَبُو عبيد: الترْعيب: السَنَام المقطَّع.
وَقَالَ شمر: ترعيبه: ارتجاجه وسِمَنه وغِلظه، كَأَنَّهُ يرتجّ من سمنه.
وَيُقَال: أطعَمنا رُعبُوبة من سَنَام عِنْده. وَهُوَ الرُعَيْب. وَكَأن الْجَارِيَة قيل لَهَا: رُعْبُوبة من هَذَا.
وَقَالَ اللَّيْث: جَارِيَة رُعْبوبة: تارّة شَطْبة.
وَيُقَال: رُعْبوب. والجميع الرعابيب. وَقَالَ الأصمعيّ: الرُعْبُوبة: الْبَيْضَاء.
وَأنْشد اللَّيْث:(2/222)
ثمَّ ظلِلنا فِي شواء رُعْبَبه
مُلَهْوَج مثل الكشى نُكَشِّبُه
وَقَالَ غَيره: يُقَال لأصل الطلعة: رُعْبُوبة أَيْضا.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: جَاءَنَا سيل راعب وَقد رعب الواديَ إِذا ملأَهُ بالراء وأمَّا الزاعب فَهُوَ الَّذِي يَدْفع بعضُه بَعْضًا.
وَقَالَ اللَّيْث: التِرْعابة: الفَرُوقة.
أَبُو الْعَبَّاس عَن عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: المَرْعَبة: القَفْرة المُخيفة.
برع: أَبُو عبيد: البارع: الَّذِي قد فاق أَصْحَابه فِي السُودَد. وَقد بَرَع يَبْرُع وَبَرُع يَبْرُع براعة فَهُوَ بارع.
وَقَالَ غَيره: فلَان يتبرَّع بالعطاء أَي يتفضّل بِمَا لَا يجب عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: البَرِيعة: الْمَرْأَة الفائقة الْجمال وَالْعقل.
وَقَالَ غَيره: يُقَال: بَرَعه وفَرَعه إِذا علاهُ وفاقه وكلّ مُشْرِف بارعٌ فارع.
ربع: فِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرّ بِقوم يَرْبَعُون حجرا فَقَالَ: (عُمّال الله أقوى من هَؤُلَاءِ) .
وَفِي بعض الحَدِيث: (يَرْتَبِعون حجرا) .
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الرَبْع: أَن يشال الحَجَرُ بِالْيَدِ، يُفعل ذَلِك لِتعرف بِهِ شدَّة الرجل. يُقَال ذَلِك فِي الْحجر خاصَّة. قَالَ: وَقَالَ الأمويّ مثلَه فِي الرَبْع.
وَقَالَ: المِربَعة: عَصاً يحمل بهَا الأثقال حَتَّى تُوضَع على ظُهُور الدوابّ.
وأنشدنا:
أَيْن الشِظاظان وَأَيْنَ المِرْبَعَهْ
وَأَيْنَ وَسْقُ النَّاقة الجَلَنْفَعَهْ
ابْن السّكيت: رابعت الرجل إِذا رفعت مَعَه العِدْل بالعصا على ظهر الْبَعِير.
وَقَالَ الراجز:
يَا لَيْت أم العَمْر كَانَت صَاحِبي
مكانَ من أنشا على الركائب
ورابعتني تَحت ليل ضَارب
بساعد فَعْم وكفّ خاضِب
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لعديّ بن حَاتِم قبل إِسْلَامه: (إِنَّك تَأْكُل المِرْباع وَهُوَ لَا يَحِلّ فِي دينك) .
قَالَ أَبُو عبيد: المِرْباع: شَيْء كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة، يَغْزُو بَعضهم بَعْضًا، فَإِذا غنموا أَخذ الرئيس ربع الْغَنِيمَة فَكَانَ خَالِصا لَهُ دون أَصْحَابه.
وَقَالَ عبد الله بن عَنَمة:
لَك المرباع فِيهَا والصفايا
وحكمك والنَشِيطة والفُضُول
وَقَالَ غَيره: رَبَعت الْقَوْم أَرْبَعهم رَبْعاً إِذا أخذت ربع أَمْوَالهم أَو كنت لَهُم رَابِعا. والرَبْع أَيْضا: مصدر رَبَعت الوَتَر إِذا فتلته على أَربع قُوًى.
وَيُقَال: وَتَر مَرْبُوع. عَمْرو عَن أَبِيه: الرُوميّ: شِرَاع السَّفِينَة الفارغة، والمُرْبِع: شراع المَلأَى. قَالَ: والمتلمِّظة: مقْعد الاستيام وَهُوَ رَئِيس الركّاب.
أَبُو عُبَيْدَة عَن الأصمعيّ: الرَبْع: هُوَ الدَّار بِعَينهَا حَيْثُ كَانَت. والمَرْبَع: الْمنزل فِي الرّبيع خاصَّة.(2/223)
وَقَالَ شمر: الرُبُوع: أهل الْمنَازل أَيْضا.
وَقَالَ الشماخ:
تصيبُهمُ وتخطئني المنايا
وأَخْلُف فِي رُبُوع عَن ربوع
أَي فِي قوم بعد قوم.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُرِيد: فِي ربع من أَهلِي أَي فِي مسكنهم بعد ربع.
وَقَالَ أَبُو مَالك: الرّبع مثل السَكْن وهما أهل الْبَيْت. وَأنْشد:
فَإِن يَك رَبْع من رجالي أَصَابَهُم
من الله والحَتْم المُطل شَعُوب
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الرَبَّاع: الرجل الْكثير شِرَى الرُبُوع، وَهِي الْمنَازل.
وَقَالَ شمر: الرّبع يكون الْمنزل، وأهلَ الْمنزل.
قَالَ: وأمَّا قَول الرَّاعِي:
فعُجنا على رَبْع بِربع تعوده
من الصَّيف حَشَّاء الحنين نَئُوج
فَإِن الرّبع الثَّانِي طَرَف الْجَبَل. والرِبْع من أظماء الْإِبِل: أَن ترد الماءَ يَوْمًا وتدعه يَوْمَيْنِ ثمَّ ترد الْيَوْم الرَّابِع. وإبل روابع، وَقد وَردت رِبْعاً. وَأَرْبع الرجلُ إِذا وَردت إبِله رِبْعاً. والرِبْع: الحُمَّى الَّتِي تَأْخُذ كل أَرْبَعَة أيّام، كَأَنَّهُ يُحَمّ فيهمَا ثمَّ يحمّ اليومَ الرَّابِع. يُقَال: رُبع الرجل وأُرْبع.
وَقَالَ الهذليّ:
من المُرْبِعِين وَمن آزل
إِذا جَنَّه اللَّيْل كالناحط
أَبُو حَاتِم عَن الأصمعيّ: أربعت الْحُمَّى زيدا إِذا أَخَذته رِبْعاً، وأغَبَّته إِذا أخذتْه غِبَّاً. وَرجل مُغِبّ ومُرْبِع بِكَسْر الْبَاء وَأنْشد:
من المربِعين وَمن آزل
بِكَسْر الْبَاء، فَقيل لَهُ: لِمَ قلت: أربعت الحُمَّى زيدا. ثمَّ قلت: من المُرْبِعين؟ فَجَعَلته مرَّة مَفْعُولا ومرَّة فَاعِلا، فَقَالَ: يُقَال: أَرْبَع الرجلُ أَيْضا.
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: يُقَال: أربعت عَلَيْهِ الحُمَّى وَمن الغِبّ: غَبّت. قلت: كَلَام الْعَرَب: أربعت عَلَيْهِ الحُمَّى، والرجُل مُرْبَع، بِفَتْح الْبَاء.
وَقَالَ الأصمعيّ أَيْضا: يُقَال: أَرْبع الرجلُ فَهُوَ مُرْبِع إِذا وُلِد لَهُ فِي فَتَاء سِنه. وَولده رِبْعيّون.
وَقَالَ الراجز:
إِن بنِيَّ غِلْمة صِيْفِيّونْ
أَفْلح مَن كَانَ لَهُ رِبعيّون
وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال: قد رَبَع الرجل يَرْبَع إِذا وقف وَتحبَّس.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: اربَعْ على ظَلْعك، وَاربَعْ على نَفْسك وَاربع عَلَيْك، كل ذَلِك وَاحد مَعْنَاهُ: انْتظر. وَقال الْأَحْوَص:
مَا ضرّ جيراننا إِذا انتجعوا
لَو أَنهم قبل بَينهم رَبَعوا
وَقال آخر:
أَرْبَع عِنْد الْوُرُود فِي سُدُم
أنقع من غُلَّتي وَأجزاؤها
قَالَ: مَعْنَاهُ: أُلقي فِي مَاء سُدُم وَألهج(2/224)
فِيهِ.
وَفي صفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ أطول من المربوع وَأقصر من المشذَّب. فالمشذَّب: الطَّوِيل الْبَائِن. وَالمربوع: الَّذِي لَيْسَ بطويل وَلا قصير. وَكَذَلِكَ الرَّابِعَة فَالْمَعْنى: أَنه لم يكن مُفْرِط الطول، وَلكن كَانَ بَين الرَبْعة وَالمشذَّب. وَالمربوع من الشعْر: الَّذِي ذهب جُزْء من ثَمَانِيَة أَجزَاء من المديد والبسيط التامّ. وَالمثلوث: الَّذِي ذَهَب جزءان من سِتَّة أَجزَاء.
والرَبْعة: الجوفة. وَيقال: رجل رَبْعة وَامرأة رَبْعة وَرجال وَنساء رَبَعات بتحريك الْبَاء وَخولف بِهِ طَرِيق ضَخْمة وَضَخَمات لِاسْتِوَاء نعت الرجل وَالْمَرْأَة فِي قَوْلك: رجل رَبْعة وَامرأة رَبعة فَصَارَ كالاسم، وَالْأَصْل فِي بَاب فَعْلة من الْأَسْمَاء مثل تَمْرة وجَفْنة أَن يجمع على فَعَلات مثل تَمرات وجَفَنات، وَما كَانَ من النعوت على فَعْلة مثل شَاة لَجْبَة وَامْرَأَة عَبْلة أَن يجمع على فَعْلات بِسُكُون الْعين. وَإنما جمع رَبْعة على رَبَعات وَهُوَ نعت لِأَنَّهُ أشبه الْأَسْمَاء لِاسْتِوَاء لفظ المذكّر والمؤنّث فِي وَاحده.
وَقال الفرّاء: من الْعَرَب من يَقُول: امْرَأَة رَبْعة وَنسوة رَبْعات، وَكَذَلِكَ رجل رَبْعة وَرِجَال رَبْعُون، فَيَجْعَلهُ كَسَائِر النعوت وَيقال: ارتبع البعيرُ يرتبع ارتباعاً، وَالِاسْم الرَبعة، وَهُوَ أشدّ عَدْو الْبَعِير.
وَأنْشد الأصمعيّ لبَعض الشُّعَرَاء:
واعرورت العُلُطَ العُرْضِيّ تركضه
أُمّ الفوارس بالدِئداء وَالرَبعَهْ
وَقال أَبُو يحيى بن كُناسة فِي صفة أزمنة السّنة وَفصولها وَكان علاَّمة بهَا: اعْلَم أَن السّنة أَرْبَعَة أزمنة: الرّبيع الأوَل، وَهو عِنْد العامَّة: الخريف. ثمَّ الشتَاء ثمَّ الصَّيف، وَهو الرّبيع الآخر، ثمَّ القَيْظ. قَالَ: وَهذا كُله قَول الْعَرَب فِي الْبَادِيَة.
قَالَ: وَالربيع الأوَّل الَّذِي هُوَ الخريف عِنْد الْفرس يدْخل لثَلَاثَة أَيَّام من أيلُول. قَالَ وَيدخل الشتَاء لثَلَاثَة أَيَّام من كانون الأول، قَالَ: وَيدخل الصَّيف الَّذِي هُوَ الرّبيع عِنْد الفُرس لخمسة أَيَّام تَخْلُو من آذار، وَيدخل القيظ الَّذِي هُوَ صيف عِنْد الْفرس لأربعة أَيَّام تَخْلُو من حَزِيران.
قَالَ أَبُو يحيى: وربيع أهل الْعرَاق مُوَافق لربيع الفُرْس، وَهُوَ الَّذِي يكون بعد الشتَاء. وَهُوَ زمَان الوَرْد، وَهو أعدل الآوِنة، وَفيه تُقْطَع العُرُوق، وَيُشرب الدوَاء.
قَالَ: وَأهل الْعرَاق يُمطَرون فِي الشتَاء كُله، وَيُخصِبون فِي الرّبيع الَّذِي يَتْلُو الشتَاء، وَأما أهل الْيمن فَإِنَّهُم يُمطَرون فِي القَيْظ وَيُخْصبون فِي الخريف الَّذِي يسمّيه الْعَرَب الرّبيع الأول.
قلت: وَسمعت الْعَرَب تَقول لأوّل مطر يَقع بِالْأَرْضِ أَيَّام الخريف: ربيع، وَيَقُولُونَ: إِذا وَقع ربيع بِالْأَرْضِ بعثنَا الرواد وانتجعنا مساقط الْغَيْث. وسمعتهم يَقُولُونَ للنخيل إِذا خُرِفت وصُرمت: قد تربَّعت النخيلُ، وَإِنَّمَا سمّي فصل الخريف خَرِيفًا لِأَن الثِّمَار تُخترَف فِيهِ، وسمته الْعَرَب ربيعاً لوُقُوع أول الْمَطَر فِيهِ. وَيُقَال للفَصِيل الَّذِي يُنْتَج فِي أول النِّتَاج: رُبَع(2/225)
وَجمعه رباع. وَمِنْه قَول الراجز:
وعلبة نازعتها رِبَاعي
سُمِّي رُبعاً لِأَنَّهُ إِذا مَشَى ارْتَفع ورَبَع أَي وَسَّع خَطْوه وعَدَا. ورِبْعِيّ كل شَيْء: أَوله: رِبْعيّ الشَّبَاب ورِبْعِيّ النِّتَاج. يُقَال سَقْب رِبْعيّ، وسِقاب رِبْعِيَّة: وُلِدت فِي أول النِتاج. وَقَالَ الْأَعْشَى:
وَلكنهَا كَانَت نوى أجنبيَّة
توالي ربِعيّ السقاب فأصحبا
هَكَذَا سَمِعت الْعَرَب تنشِده. وفسّروا لي توالي السقاب أَنه من الْمُوَالَاة، وَهُوَ تَمْيِيز شَيْء من شَيْء، يُقَال: والينا الفِصْلان عَن أمّهاتها فتوالت، أَي فصلناها عَنْهَا عِنْد تَمام الْحول. ويشتد الْمُوَالَاة وَيكثر حَنِينها فِي أثر أمّهاتها، ويُتَّخذ لَهَا خَنْدق تحبس فِيهَا، وتُسَرَّح الْأُمَّهَات فِي وَجه من مراتعها. فَإِذا تَبَاعَدت عَن أَوْلَادهَا سُرِّحت الْأَوْلَاد فِي جِهَة غير جِهَة الأمَّهات فترعى وَحدهَا فتستمرّ على ذَلِك وتُصْحِب بعد أَيَّام. أخبر الْأَعْشَى أَن نَوَى صاحبتِه اشتدَّت عَلَيْهِ فحنَّ إِلَيْهَا حَنينَ رِبْعيّ السقاب إِذا وُولي عَن أمّه، وَأخْبر أَن هَذَا الفَصيل يستمرّ على الْمُوَالَاة ويُصحِب، وَأَنه دَامَ على حنينه الأول وتمَّ عَلَيْهِ وَلم يُصحب إصحاب السَقْب. وَإِنَّمَا فسرت هَذَا الْبَيْت لِأَن الروَاة لمَّا أشكل عَلَيْهِم مَعْنَاهُ تخبّطوا فِي استخراجه وخلّطوا وَلم يعرفوا مِنْهُ مَا يَعرف مَن شَاهد الْقَوْم فِي باديتهم، وَالْعرب تَقول: لَو ذهبت تُرِيدُ وِلاء ضَبَّة من تَمِيم لتعذَّر عَلَيْك مُوَالَاتهمْ مِنْهُم لاختلاط أنسابهم. وَقَالَ الشَّاعِر:
وَكُنَّا خُلَيطى فِي الْجمال فَأَصْبَحت
جِمالي تُوالَى وُلَّهاً من جمالِكِ
تُوالى أَي تُمَيَّز مِنْهَا. وَجَاء فِي دُعَاء الاسْتِسْقَاء: (اسقنا غيثاً مَرِيعاً مُرْبِعاً) . فالمَريع: المُخْصِب الناجع فِي المَال. والمُرْبِع: المُغْني عَن الارتياد لعمومه وَأَن النَّاس يربعون حَيْثُ كَانُوا فيقيمون للخِصْب العامّ. وَقَالَ ابْن المظفر: يُقَال: أَرْبعت الناقةُ إِذا استغلق رحمُها فَلم تَقبل المَاء. ثَعْلَب عَن سَلَمة عَن الفرّاء: يُجمع ربيع الْكلأ وربيع الشُّهُور أَرْبِعة. وَيجمع ربيع النَّهر أَرْبِعاء. قَالَ: وَالْعرب تذكر الشُّهُور كلهَا مجرَّدة إِلَّا شَهْري ربيع وَشهر رَمَضَان. وَفِي الحَدِيث فِي الْمُزَارعَة قَالَ: (وَيشْتَرط مَا سَقَى الرَبيع) يُرِيد النَّهر، وَهُوَ السَعِيد أَيْضا. أَبُو عبيد عَن الفرّاء: النَّاس على سَكَناتهم ونَزَلاتهم ورِبَاعتهم ورَبَعاتهم يَعْنِي على استقامتهم. وَقَالَ الأصمعيّ: يُقَال: مَا فِي بني فلَان أحد يُغْني رِبَاعتُه غير فلَان كَأَنَّهُ أمره وشأنه الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ.
قَالَ الأخطل:
مَا فِي معدّ فَتى يُغني رِبَاعَتُه
إِذا يهمّ بِأَمْر صَالح فَعَلا
اللِّحيانيّ: قعد فلَان الأُرْبَعاء والأَرْبُعَاوَى أَي متربّعاً. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الْخَيل تُثْنِي وتُرْبِعُ وتُقْرِح، وَالْإِبِل تُثْني وتُرْبِع وتُسْدِس وتبزُل، وَالْغنم تُثني وتُربِعُ وتُسْدِس وتَصْلُغ. قَالَ وَيُقَال للْفرس إِذا استتمَّ سنتَيْن: جَذَع. فَإِذا استتمّ الثَّالِثَة فَهُوَ ثَنِيّ، وَذَلِكَ عِنْد إلقائه رواضعه. فَإِذا استتمّ الرَّابِعَة فَهُوَ رَبَاعٍ. قَالَ: أثنى إِذا(2/226)
سَقَطت رواضعه وَنبت مَكَانَهُ سِنّ. فنبات تِلْكَ السِنِّ هُوَ الإثناء. ثمَّ تسْقط الَّتِي تَلِيهَا عِنْد إرباعه فَهِيَ رَبَاعِيته فتنبت مَكَانهَا سِنّ فَهُوَ رَبَاعٌ والجميع رُبْع وَأكْثر الْكَلَام رَبَع وأرباع. فَإِذا حَان قُرُوحه سقط الَّذِي يَلِي رباعيته فينبت مَكَانَهُ قارِحُه وَهُوَ نابه، وَلَيْسَ بعد القروح سُقُوط سنّ وَلَا نَبَات سنّ. وَقَالَ غَيره: إِذا طعن الْبَعِير فِي السّنة الْخَامِسَة فَهُوَ جَذَع، فَإِذا طَعَن فِي السَّادِسَة فَهُوَ ثَنِيّ، فَإِذا طَعَن فِي السَّابِعَة فَهُوَ رَبَاعٍ، وَالْأُنْثَى رَبَاعية فَإِذا طعن فِي الثَّامِنَة فَهُوَ سدوس وسدِيس، فَإِذا طعن فِي التَّاسِعَة فَهُوَ بازل. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: تُجْذِع العَنَاق لسنة وتُثْني لتَمام سنتَيْن، وَهِي رَبَاعية لتَمام ثَلَاث سِنِين وسَدَس لتَمام أَربع سِنِين صالغ لتَمام خمس سِنِين. وَقَالَ أَبُو فَقْعس الأسَديّ: وَلَد الْبَقَرَة أوَّلَ سنة تبِيع، ثمَّ جَذَع، ثمَّ ثنِيّ، ثمَّ رباعٍ، ثمَّ سَدَس، ثمَّ صالغ. وَهُوَ أقْصَى أسنانِه، روى ذَلِك أَبُو عبيد عَنهُ. وَقَالَ الأصمعيّ: للْإنْسَان من فَوق ثَنيَّتان ورباعِيتان بعدهمَا ونابان وضاحكان وَسِتَّة أرحاء من كل جَانب وناجِذان وَكَذَلِكَ من أَسْفَل. وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال لكل خُفّ وظِلْف ثنيَّتان من أَسْفَل فَقَط. وأمّا الْحَافِر والسِبَاع كلهَا فلهَا أَربع ثنايا. وللحافر بعد الثنايا أَربع رَباعِيات وَأَرْبَعَة قوارح وَأَرْبَعَة أَنْيَاب وَثَمَانِية أضراس. اللَّيْث: يَوْم الْأَرْبَعَاء بِكَسْر الْبَاء مَمْدُود. وَمِنْهُم من يَقُول: أربَعاء بِنصب الْبَاء، وأربعاوان وأَرْبعاوات، حمل على قِيَاس قصباء وَمَا أشبههَا. وَمن قَالَ: أَرْبِعاء حمله على أسعِداء. وَيُقَال: رُبِعت الأَرْض فَهِيَ مربوعة إِذا أَصَابَهَا مطر الرّبيع. وَأنْشد غَيره:
بأفنان مَرْبُوع الصَرِيمة مُعْبِل
قَالَ: والربيعة: بَيْضة السِّلَاح. وَكَذَلِكَ قَالَ ابْن الْأَعرَابِي ومرابيع النُّجُوم: الَّتِي يكون بهَا الْمَطَر فِي أول الأنواء. وَقَالَ أَبُو زيد: استربع الرملُ إِذا تراكم فارتفع. وَأنْشد:
مستربع من عَجَاج الصَّيف منخول
ابْن السّكيت: ربيع رَابِع إِذا كَانَ مُخْصِباً. واستربع البعيرُ للسَيْر إِذا قَوِي عَلَيْهِ. وَرجل مستربع بِعَمَلِهِ أَي مستقِل بِهِ قويّ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو وَجْزة:
مستربع بسُرَى الموماة هيَّاج
وَأما قَول صَخْر:
كريم الثنا مستربع كل حَاسِد
فَمَعْنَاه: أَنه يَحمل حسده وَيقدر عَلَيْهِ. وَهَذَا كُله من رَبْع الْحجر وإشالته. وتربعت النَّاقة سَنَاماً طَويلا أَي حَملته: وَأما قَول أبي وجزة:
حَتَّى إِذا مَا إيالات جرت بُرُحاً
وَقد رَبَعن الشَوَى من ماطرٍ ماج
فَإِن معنى رَبَعن: أَمْطَرن من قَوْلك: ربُعنا أَي أَصَابَنَا مطر الرّبيع. وَأَرَادَ بقوله: (من ماطر) أَي من عَرَق (ماج) : مِلْح. يَقُول: أمْطرت قوائمهن من عرقهنّ. والمرتَبِع من الدوابّ: الَّذِي رعى الرّبيع فسمِن ونشِط، وَيُقَال: تربّعنا الحَزْن والصَمَّان أَي رعينا بقُولها فِي الشتَاء. وتربت الإبلُ بمَكَان(2/227)
كَذَا أَي أَقَامَت بِهِ وأنشدني أعرابيّ:
تربَّعت تَحت السُمِيّ الغُيَّمِ
فِي بلد عافى الرياض مُبْهِم
عافى الرياض أَي رياضه عَافِيَة لم تُرع. مُبْهِم: كثير البُهْمَى. وأمّا قَول الشَّاعِر:
يداك يَد ربيع النَّاس فِيهَا
وَفِي الْأُخْرَى الشُّهُور من الْحَرَام
فَإِنَّهُ أَرَادَ أَن خصِب النَّاس فِي إِحْدَى يَدَيْهِ لِأَنَّهُ يَنْعَش النَّاس بسَيْبه، وَأَن فِي يَده الْأُخْرَى الْأَمْن والحِيطة ورَعْي الذِمام. وأمّا قَول الفرزدق:
أظنّك مفجوعاً برُبْع مُنَافِق
تلبّسَ أَثوَاب الْخِيَانَة والغَدْر
فَإِنَّهُ أَرَادَ أَن يَمِينه تقطع فَيذْهب ربع أَطْرَافه الْأَرْبَعَة. وَأما قَول الجعديّ:
وَحَائِل بازل تربَّعت الصي
ف طويلَ العِفاء كالأُطُم
فَإِنَّهُ نصب الصَّيف لِأَنَّهُ جعله ظرفا، أَي تربَّعت فِي الصَّيف سَنَاماً طَوِيل العَفَاء أَي حملتْه، فَكَأَنَّهُ قَالَ: تربَّعت سَنَاماً طَويلا كثير الشَّحْم. وَقَالَ ابْن السّكيت فِي قَول لبيد يصف الْغَيْث:
كأنَّ فِيهِ لما ارتفقْتُ لَهُ
رَيْطاً ومِرْباع غانِم لَجَبا
قَالَ: ذكر السَّحَاب. والارتفاق: الاتّكاء على الْمرْفق. يَقُول: اتكأت على مَرْفِقي أشيمه وَلَا أَنَام. شبَّه تَبوُّج البَرْق فِيهِ بالرَيْط الْأَبْيَض. والرَيْطة: مُلاءة لَيست بملفَّقة. وَأَرَادَ بمرباع غَانِم صوب رَعْده. شبَّهه بمرباع صَاحب الجَيش إِذا عُزِل لَهُ رُبع النَّهْب من الْإِبِل فتحانَّت عِنْد الْمُوَالَاة، فشبَّه صَوت الرَّعْد فِيهِ بحنينها. قَالَ: وَفِي بني عُقَيل رَبِيعتان: رَبِيعة بن عُقَيل، وَهُوَ أَبُو الخُلَعاء، وَرَبِيعَة بن عَامر بن عُقَيل، وَهُوَ أَبُو الأبرص وقُحافة وعَرْعَرة وقُرّة. وهما ينسبان: الرِبيعيِّينِ. وَيُقَال لولد النَّاقة يُنْتَج فِي أول النِّتَاج: رُبَع، وَالْأُنْثَى رُبَعة. والجميع رِبَاع. وَإِذا نسب إِلَيْهِ فَهُوَ رُبَعيّ. وَإِذا نسب إِلَى الرّبيع قيل: ربيعيّ. وَإِذا نسب إِلَى ربيعةِ الفَرس فَهُوَ رَبعيّ. واليرابيع: جمع اليَرْبوع. وترابيع الْمَتْن: لَحْمه، وَلم أسمع لَهَا بِوَاحِد. وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: الربَّاع: الْكثير شِرَى الرباع وَهِي الْمنَازل. قَالَ: والرَبِيعة: الرَّوْضَة. والربيعة: المزادة. والربيعة بَيْضَة الْحَرْب. والرَبِيعة: العَتِيدة. والرَبِيعَة: الحَجَر الَّذِي يشال.
وَأنْشد الْأَصْمَعِي قَول الشَّاعِر:
فوه ربيع وكفُّه قَدَح
وبطنه حِين يتّكي شَرَبَهْ
يَسَّاقط النَّاس حوله مَرضا
وَهُوَ صَحِيح مَا إِن بِهِ قَلَبَهْ
أَرَادَ بقوله: فوه ربيع أَي نهر لِكَثْرَة شربه وَجمعه أربِعاء. وَمِنْه الحَدِيث: إِنَّهُم كَانُوا يُكْرون الأَرْض بِمَا ينْبت على الْأَرْبَعَاء. وَقَالَ ابْن هانىء: قَالَ أَبُو زيد: يُقَال: بَيت أُرْبَعاواء على أفعلاواء، وَهُوَ الْبَيْت على طريقتين وَثَلَاث وَأَرْبع وَطَرِيقَة وَاحِدَة، فَمَا كَانَ على طَريقَة فَهُوَ خِبَاء، وَمَا زَاد على طَريقَة فَهُوَ بَيت. والطريقة: الْعمد الْوَاحِد، وكل عَمُود طَريقَة وَمَا كَانَ(2/228)
بَين عمودين فَهُوَ مَتْن.
بعر: البَعْر لكلّ ذِي ظِلْف وَلكُل ذِي خُفّ من الْإِبِل وَالشَّاء وبَقَر الْوَحْش والظباء، مَا خلا الْبَقر الأهلي فَإِنَّهَا تَخْثِي، وَهُوَ خِثْيها. والأرانب تَبْعَر أَيْضا. والمِبعار: الشَّاة والناقة تباعِر حالبها، وَهُوَ البِعار، ويُعدّ عَيْبا؛ لِأَنَّهَا رُبمَا أَلْقَت بَعَرها فِي المِخْلَب. ومباعر الشَّاء وَالْإِبِل: حَيْثُ تُلقى البَعَر مَنه، وَاحِدهَا مَبْعَر. الْأَصْمَعِي: الْبَعِير من الْإِبِل بِمَنْزِلَة الْإِنْسَان: يَقع على الْجمل والناقة إِذا أجْذَعا. يُقَال: رَأَيْت بَعِيرًا، وَلَا تبالي ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى، وَيجمع الْبَعِير أَبْعِرَة فِي الْجمع الأقلّ، ثمَّ أباعر وبُعراناً. وَبَنُو تَمِيم يَقُولُونَ: بِعير، بِكَسْر الْبَاء. وشِعير، وَسَائِر الْعَرَب يَقُولُونَ: بَعير، وَهُوَ أفْصح اللغَتَيْن. وَيجمع البعر أبعاراً. وَهِي البَعْرة الْوَاحِدَة. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: البُعَيرة: تَصْغِير البَعْرة وَهِي الغَضْبة فِي الله عزّ وجلّ. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: البَعَر: الفَقْر التامّ الدَّائِم. وَقَالَ ابْن هانىء: من أمثالهم: أَنْت كصاحب البَعْرة. وَكَانَ من حَدِيثه أَن رجلا كَانَت لَهُ ظِنَّة فِي قومه فَجَمعهُمْ ليستبرئهم وَأخذ بَعْرة، فَقَالَ: إِنِّي رام ببعرتي هَذِه صَاحب ظِنَّتي. فجفَل لَهَا أحدهم وَقَالَ: لَا ترمني بهَا، فأقرَّ على نَفسه، فَذَهَبت مثلا. يُقَال عَنهُ المَزْرِبة على مَن أقرَّ على نَفسه.
عبر: قَالَ الله جلّ وعزّ: {إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} (يُوسُف: 43) سَمِعت المنذريّ يَقُول: سَمِعت أَبَا الْهَيْثَم يَقُول: العابر: الَّذِي ينظر فِي الْكتاب فيعبُره أَي يعْتَبر بعضه بِبَعْض حَتَّى يَقع فهمُه عَلَيْهِ. وَلذَلِك قيل: عَبَر الرُّؤْيَا، وَاعْتبر فلَان كَذَا. وَقَالَ غَيره: أُخذ هَذَا كُله من العِبْر وَهُوَ جَانب النَّهر. وَفُلَان فِي ذَلِك العِبر أَي فِي ذَلِك الْجَانِب. وعبرت النَّهر وَالطَّرِيق عُبُوراً إِذا قطعته من هَذَا الْجَانِب إِلَى ذَلِك الْجَانِب، فَقيل لعابر الرُّؤْيَا: عَابِر لِأَنَّهُ يتأمَّل ناحتي الرُّؤْيَا فيتفكر فِي أطرافها ويتدبّر كلّ شَيْء مِنْهَا ويَمضي بفكره فِيهَا من أول مَا رأى النَّائِم إِلَى آخر مَا رأى. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى فِي قَول الله جلّ ذكره: {إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} : دخلت اللَّام فِي قَوْله: {لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} : لِأَنَّهُ أَرَادَ: إِن كُنْتُم للرؤيا عابرين وَإِن كُنْتُم عابرين الرُّؤْيَا، وتسمَّى هَذِه اللَّام لَام التعقيب لِأَنَّهَا عقَّبت الْإِضَافَة. أَبُو عبيد عَن أبي زيد: عَبَرت النَّهر وَالطَّرِيق عُبُوراً، وعَبَرت الرُّؤْيَا عَبْراً وعِبارة. واستعْبرتُ فلَانا رُؤْيَايَ، وعَبَرت الْكتاب أعبُره عَبْرا إِذا تدبّرته فِي نَفسك وَلم ترفع بِهِ صَوْتك. ورُوي عَن أبي رَزِين العُقَيلي أَنه سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: (الرُّؤْيَا على رِجْل طَائِر، فَإِذا عُبِّرت وَقعت، فَلَا تقصّها إِلَّا على وادّ أَو ذِي رَأْي) . قَالَ الزّجاج: إِنَّمَا قَالَ: لَا تقصّها إِلَّا على وادّ أَو ذِي رَأْي لِأَن الوادّ لَا يجب أَن يستقبلك فِي تَفْسِيرهَا إِلَّا بِمَا تحبّ. وَإِن لم يكن عَالما بالعبارة لم يَعْجَل لَك بِمَا يَغُمّك، لَا أَن تَعْبِيره يزيلها عمَّا جعلهَا الله عَلَيْهِ. وَأما ذُو الرَّأْي فَمَعْنَاه: ذُو الْعلم بعبارتها، فَهُوَ يُخْبِرك بِحَقِيقَة تَفْسِيرهَا، أَو بأقرب مَا يُعلمهُ مِنْهَا. وَلَعَلَّه أَن يكون فِي تَفْسِيرهَا(2/229)
موعظة ترْدعك عَن قَبِيح أَنْت عَلَيْهِ، أَو يكون فِيهَا بُشرى، فتحمد الله على النِّعْمَة فِيهَا. وَقَالَ الله عزّ وجلّ: {الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُواْ ياأُوْلِى} (الحَشر: 2) أَي تدبّروا وانظروا فِيمَا نزل بُقريظة والنَضِير، فقايسوا أفعالهم واتّعِظوا بِالْعَذَابِ الَّذِي نزل بهم. وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: عَبِر الرجلُ يَعْبر عَبَراً إِذا حزِن. وفَلان عُبْر أسفار إِذا كَانَ قَوِيا على السّفر. والعُبْر أَيْضا: الْكثير فِي كل شَيْء. وَرَأى فلَان عُبْر عينه فِي ذَلِك الْأَمر مَا يُسْخِنُ عَيْنه. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العُبْر من النَّاس: القُلْف، واحدهم عَبُور. والعُبْر: السحائب الَّتِي تسير سَيْراً شَدِيدا. والعُبْر: الثَكْلى. والعَبْر: النَّاقة القويَّة على السَفَر. والعُبْر: الْبكاء بالحزن، يُقَال: لأمّه العُبْر والعَبَر. قَالَ: والعِبَار: الْإِبِل القويّة على السّير، يُقَال للناقة هِيَ عُبْر سَفَر.
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: أعبرت الْغنم إِذا تركتَها عَاما لَا تجزُّها. وَغُلَام مُعْبَر إِذا كَاد أَن يَحْتَلِم وَلم يُخْتَن. وناقة عِبْر أسفار: تُقطع الْأَسْفَار عَلَيْهَا بِالْكَسْرِ.
أَبُو عُبَيْدَة: العَبِير عِنْد أهل الْجَاهِلِيَّة: الزَّعْفَرَان. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: العَبِيرة: الزعفرانة.
وَقَالَ اللَّيْث: العَبِير: ضرب من الطّيب قَالَ: والمَعْبَر: شطّ نهر هُوَ للعبور. والمِعْبرة: سفينة يعبَر عَلَيْهَا النَّهر. وعبّر فلَان عَن فلَان تعبيراً إِذا عَيّ بحجَّته فَتكلم عَنهُ بهَا. قَالَ: وعبَّرت الدَّنَانِير تعبيراً إِذا وزنتها دِينَارا دِينَارا. وأمَّا قَول الله جلّ وعزّ: {وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِى سَبِيلٍ} فَمَعْنَاه: إِلَّا (النِّساء: 43) مسافرين؛ لِأَن الْمُسَافِر قد يُعوزه المَاء. وَقيل: إِلَّا مارين فِي الْمَسْجِد غير مريدين الصَّلَاة. وَقَالَ اللَّيْث: العِبْرة: الِاعْتِبَار بِمَا مضى. والشعرى العَبُور، وهما شعريان. إِحْدَاهمَا الغُمَيضاء، وَهُوَ أحد كوكبي الذراعين. وأمَّا العَبُور فَهِيَ مَعَ الجوزاء تكون نيّرة. سمّيت عُبُوراً لِأَنَّهَا عَبَرت المَجَرَّة وَهِي شأمية. وتزعم الْعَرَب أَن الْأُخْرَى بَكت على أَثَرهَا حَتَّى غمِصَت فسمّيت الغُمَيصاء. وَقَالَ اللَّيْث: عَبْرة الدمع: جَرْيه. قَالَ: والدمع نَفسه يُقَال لَهُ: عَبْرة. وَمِنْه قَوْله:
وَإِن شفائي عَبْرة إِن سفَحتها
وَرجل عَبْران وَامْرَأَة عَبْرى إِذا كَانَا حزينين. أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: من أمثالهم فِي عناية الرجل بأَخيه وإيثاره إيَّاه على نَفسه قَوْله: لَك مَا أبْكِي وَلَا عَبْرة بِي، يضْرب مثَلاً للرجل يشتدّ اهتمامه بشأن أَخِيه. وَيُقَال: عبّر بفلان هَذَا الأمرُ إِذا اشتدّ عَلَيْهِ. وَمِنْه قَول الهذليّ:
مَا أَنا والسيرَ فِي مَتْلف
يعبّر بِالذكر الضَّابِط
وَيُقَال: عَبَر فلَان إِذا مَاتَ فَهُوَ عَابِر، كَأَنَّهُ عبر سَبِيل الْحَيَاة. وَأنْشد أَبُو الْعَبَّاس:
فَإِن نَعْبُر فَإِن لنا لُماتٍ
وَإِن نغبُر فَنحْن على نذور
سَلمة عَن الْفراء: العَبَر: الِاعْتِبَار. وَالْعرب تَقول: اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا ممَّن يعبَر الدُّنْيَا وَلَا يعبُرها أَي ممّن يعْتَبر بهَا(2/230)
وَلَا يَمُوت سَرِيعا حَتَّى يرضيك بِالطَّاعَةِ. وَقَالَ الأصمعيّ: يُقَال فِي الْكَلَام: لقد أسرعت استعبارك الدَّرَاهِم أَي استخراجك إيّاها. وَيُقَال: عَبَرت الطير أعبُرها وأعبِرها إِذا زجرتها. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: عبرت متاعي أَي باعدته. والوادي يعبر السَيْل عَنَّا أَي يباعده. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العَبَّار: الجَمَل القويّ على السّير. والمُعْبَر: التَيس الَّذِي تُرك عَلَيْهِ شعره سنواتٍ فَلم يُجَزّ. وَقَالَ بِشْر بن أبي خازم:
جَزيز الْقَفَا شبعان يربض حَجْرَةً
حَدِيث الخصاء وارم العَفْل مُعْبَرُ
وَقَالَ اللحياني: العَبُور من الْغنم: فَوق الْعَظِيم من إناث الْغنم. يُقَال: لي نعجتان وَثَلَاث عبائر. وَغُلَام مُعْبَر إِذا كبر وَلم يُخْتن. وَإنَّهُ لينْظر إِلَى عَبَر عينه إِذا كَانَ ينظر إِلَى مَا يُعْبِر عينه أَي يُسْخِنها. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: العُبْريّ من السِدْر: مَا كَانَ على شطوط الْأَنْهَار. وَقَالَ اللحياني العُمْريّ والعُبْريّ من السِدر الَّذِي يَشرب من الْمِيَاه. قَالَ: وَالَّذِي لَا يشرب من الْمِيَاه وَيكون بَرّيّاً يُقَال لَهُ الضال. وروى ابْن هانىء عَن أبي زيد: يُقَال للسِدْر وَمَا عظم من العوسج: العُبْرِيّ. وَقَالَ أَبُو سعيد: العُبْريّ والعُمْريّ: الْقَدِيم من السِدْر.
(بَاب الْعين وَالرَّاء مَعَ الْمِيم)
ع ر م
عمر، عرم، رمع، رعم، مرع، معر: مستعملات.
عمر: قَالَ الله جلّ وعزّ فِي كِتَابه الْمنزل عَلَيْهِ: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِى سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} (الحِجر: 72) رَوَى أَبُو الجوزاء عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لَعَمْرُكَ} يَقُول: بحياتك. قَالَ: وَمَا أقسم الله تَعَالَى بحياة أحد إلاّ بحياة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأخْبر المنذريّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: النحويون يُنكرُونَ هَذَا، وَيَقُولُونَ: معنى {لَعَمْرُكَ} : لَدِينُك الَّذِي تعمر. وَأنْشد:
أَيهَا المنكح الثريا سهيلاً
عَمْرَكَ الله كَيفَ يَلْتَقِيَانِ
قَالَ: عَمْرَك الله أَي عبادتك الله، فنصب. وَأنْشد:
عمركِ الله سَاعَة حدثينا
وذرِينا من قَول مَن يؤذينا
فأوقع الْفِعْل على اللهَ فِي قَوْله: عَمْرَك الله. قَالَ: وَتدْخل اللَّام فِي (لعمرك) ، فَإِذا أدخلتها رفعت بهَا فَقلت: لَعَمْرُك، ولعمر أَبِيك. قَالَ: فَإِذا قلت: لعمر أَبِيك الْخَيْر نصبت الْخَيْر وخفضت فَمن نصب أَرَادَ أَن أَبَاك عَمرَ الْخَيْر يَعْمُره عَمْراً وَعمارَة، وَنصب الْخَيْر بِوُقُوع العَمْر عَلَيْهِ، ومَنْ خفض الْخَيْر جعله نعتاً لأَبِيك. أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: عَمْرَك الله، لَا أفعل ذَاك نَصَب على معنى: عمَّرتك الله أَي سَأَلت الله أَن يعمّرك، كَأَنَّهُ قَالَ: عمَّرت الله إياك. قَالَ: وَيُقَال: بِأَنَّهُ يَمِين بِغَيْر وَاو.
وَقد يكون عَمْرَ اللهِ، وَهُوَ قَبِيح قَالَ: والعَمْر والعُمر وَاحِد. وسمّي الرجل عَمْراً تفاؤلاً أَن يبْقى. وعَمْرَك الله مثل ناشدتك الله.(2/231)
وَقَالَ أَبُو عبيد: سَأَلت الفرّاء لِمَ ارْتَفع {لَعَمْرُكَ} (الْحجر: 72) فَقَالَ: على إِضْمَار قسم ثَان، كَأَنَّهُ قَالَ: وعَمْرِك فلعمرُك عَظِيم، وَكَذَلِكَ لحياتك مثله.
قَالَ: وصدَّقَه الْأَحْمَر وَقَالَ: الدَّلِيل على ذَلِك قَول الله جلّ وعزّ: {اللَّهُ لَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - إِلَاهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ} (النِّساء: 87) كَأَنَّهُ أَرَادَ: وَالله ليجمعنّكم فأضمر القَسَم. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى: قَالَ الْأَخْفَش فِي قَوْله: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ} : وعَيْشِك وَإِنَّمَا يُرِيد بِهِ العُمْرُ.
وَقَالَ أهل الْبَصْرَة: أضمر لَهُ مَا يرفعهُ: لعمرك المحلوفُ بِهِ. قَالَ الفرّاء: الأَيمان يرفعها جواباتها: وَقَالَ: إِذا أدخلُوا اللَّام رفعوا. وَقَالَ المبرّد فِي قَوْلك: عَمْرَ الله: إِن شِئْت جعلت نَصبه بِفعل أضمرته، وَإِن شِئْت نصبته بواو حذفته: وعَمْرِكَ الله. وَإِن شِئْت كَانَ على قَوْلك: عمّرتك الله تعميراً، ونشدتُك الله نَشْداً، ثمَّ وضعت عمرك فِي مَوضِع التَّعْمِير وَأنْشد فِيهِ:
عَمْرتُكِ الله إلاّ مَا ذكرتِ لنا
هَل كنتِ جارتنا أَيَّام ذِي سَلَم
يُرِيد: ذكّرتك. وَقَالَ اللَّيْث: تَقول الْعَرَب: لعمرك، تَحْلِيف بعُمر المخاطَب. قَالَ: وَقد نُهي عَن أَن يُقَال: لعمر الله. قَالَ: وَفِي لُغَة لَهُم: رَعَمْلُك يُرِيدُونَ: لعمرك. قَالَ: وَتقول: إِنَّك عمري لظريف. وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن الحَرّانيّ عَن ابْن السكّيت قَالَ: يُقَال: لعمرك ولعمر أَبِيك ولعمر الله مَرْفُوعَة. قَالَ: والعَمْر والعُمْر لُغَتَانِ فصيحتان، يُقَال: قد طَال عَمْره وعُمره؛ فَإِذا أَقْسمُوا فَقَالُوا: لعَمرك وعمرِك وعمري فتحُوا الْعين لَا غير. قَالَ: وأمَّا قَول ابْن أَحْمَر:
ذهب الشَّبَاب وأَخلف العَمْر
فَيُقَال: إِنَّه أَرَادَ العُمر، وَيُقَال: أَرَادَ بالعَمْر الواحدَ من عمور الْأَسْنَان وَبَين كل سِنَّين لحم متدلَ يسمّى العَمْر وَجمعه عُمُور. وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ أَنه قَالَ: عَمَرت ربّي أَي عبدته. وَفُلَان عَامر لربّه أَي عَابِد. قَالَ: وَيُقَال: تركت فلَانا يعمُر ربَّه أَي يعبده. وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ الاَْرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} (هُود: 61) أَي أذِن لكم فِي عمارتها واستخراج قُوتكم مِنْهَا. وَقَوله جلّ وعزّ: {إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ} (فَاطِر: 11) وفُسّر على وَجْهَيْن: قَالَ الفرّاء: مَا يطوَّل من عمر من عمر معمَّر وَلَا يُنقص من عُمره يُرِيد آخر غير الأول، ثمَّ كنّى بِالْهَاءِ كَأَنَّهُ الأول. وَمثله فِي الْكَلَام: عِنْدِي دِرْهَم وَنصفه، الْمَعْنى: وَنصف آخر، فَجَاز أَن يَقُول: نصفه؛ لِأَن لفظ الثَّانِي قد يُظهر كَلَفْظِ الأول، فكنى عَنهُ كنايةَ الأول. قَالَ: وفيهَا قَول آخر: {إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ} يَقُول: إِذا أَتَى عَلَيْهِ اللَّيْل وَالنَّهَار ونقَصا من عمره. وَالْهَاء فِي هَذَا الْمَعْنى للْأولِ لَا لغيره؛ لِأَن الْمَعْنى: مَا يطوَّل وَلَا يذهب مِنْهُ شَيْء إلاَّ وَهُوَ مُحْصًى فِي كتاب، وكلٌّ حسن، وَكَأن الأوّل أشبه بِالصَّوَابِ، وَهُوَ قَول ابْن عَبَّاس، وَالثَّانِي قَول سعيد بن جُبَير. وَقَالَ(2/232)
الله جلّ وعزّ: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (البَقَرَة: 196) وَالْفرق بَين الحجّ وَالْعمْرَة أَن الْعمرَة تكون فِي السّنة كلهَا، والحجّ لَا يجوز أَن يُحْرَم بِهِ إلاّ فِي أشهر الحجّ: شوّال وَذي الْقعدَة وعَشْر من ذِي الحجَّة. وَتَمام الْعمرَة أَن يطوف بِالْبَيْتِ وَيسْعَى بَين الصَّفَا والمرة، والحجّ لَا يكون إِلَّا مَعَ الْوُقُوف بِعَرَفَة يَوْم عَرَفَة. وَالْعمْرَة مَأْخُوذَة من الاعتمار وَهُوَ الزِّيَارَة. يُقَال: أَتَانَا فلَان مُعْتَمِرًا أَي زَائِرًا. وَمِنْه قَوْله:
وراكبٌ جَاءَ من تَثْليث معتمرُ
وَيُقَال الاعتمار: الْقَصْد، وَقَالَ:
لقد سما ابْن معمر حِين اعْتَمر
الْمَعْنى: حِين قصد مغزًى بَعيدا. وَقيل: إِنَّمَا قيل للمُحْرِم بِالْعُمْرَةِ: معتمِر لِأَنَّهُ قصد لعمل فِي مَوضِع عَامر، فَلهَذَا قيل: معتمِر. وَمَكَان عَامر: ذُو عمَارَة. وَيُقَال لساكن الدَّار: عَامر والجميع عُمَّار.
أَبُو عُبَيْدَة عَن الأصمعيّ: عَمِر الرجلُ يَعْمَر عَمَراً أَي عَاشَ. وعَمَر فلَان بَيْتا يَعْمُره. وَأنْشد مُحَمَّد بن سَلاَّم كلمة جرير:
لَئِن عَمِرَت تَيْم زَمَانا بِغِرّة
لقد حُدِيت تَيمٌ حُدَاء عَصَبْصَبا
وَقَالَ اللحياني: دَار معمورة: يسكنهَا الجِنّ. وَيُقَال عَمرَ مالُ فلَان يَعْمَر إِذا كثر. وأتيت أَرض بني فلَان فأعمرتها أَي وَجدتهَا عامرة. المَعْمَر: الَّذِي يُقَام بِهِ. وَقَالَ طرفَة:
يَا لكِ من قُبَّرة بمَعْمَر
وَقَالَ آخر:
يَبْغينك فِي الأَرْض مَعْمَرا
أَي منزلا. وَقَالَ اللَّيْث: العَمْر: ضرب من النّخل، وَهُوَ السَحُوق الطَّوِيل.
قلت: غلِط اللَّيْث فِي تَفْسِير العَمْر، والعُمْر: نخل السُكّر يُقَال لَهُ: العُمْر، وَهُوَ مَعْرُوف عِنْد أهل الْبَحْرين. وَأنْشد الرياشيّ فِي صفة حَائِط نخل:
أَسْود كالليل تدجَّى أخضرُهْ
مخالط تعضوضُه وعُمُرُهْ
بَرْنيَّ عَيْدَانٍ قَلِيلا قَشَرُهْ
والعَضوض: ضرب من التَمر سَرِيّ. وَهُوَ من خير تُمْران هَجَر، أسود عَذْب الْحَلَاوَة. والعُمْر: نخل السُكّر، سَحُوقاً كَانَ أَو غير سَحوق. وَكَانَ الْخَلِيل بن أَحْمد من أعلم النَّاس بالنخيل وألوانه. وَلَو كَانَ الْكتاب من تأليفه مَا فسّر الْعُمر هَذَا التَّفْسِير. وَقد أكلت أَنا رُطَب العُمْر ورُطَب التعضوض وخَرَفتهما من صغَار النّخل وعَيْدانها وجَبّارها. وَلَوْلَا الْمُشَاهدَة لَكُنْت أحد المغترّين بالليث وخليلِه وَهُوَ لِسَانه.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال رجل عَمَّار إِذا كَانَ كثِير الصَّلَاة كثِير الصّيام. وَرجل عَمَّار مُوَقًّى مَسْتُور، مَأْخُوذ من العَمَر وَهُوَ المِنديل أَو غَيره تغطِّي بِهِ الحُرَّة رَأسهَا، وَرجل عمَّار وَهُوَ الرجل القويّ الْإِيمَان الثَّابِت فِي أمره الثخين الوَرَع، مَأْخُوذ من العَمِير، وَهُوَ الثَّوْب الصفيق النسِيج القويّ الغَزْلِ الصبور على الْعَمَل. قَالَ: والعَمَّار الزيْن فِي الْمجَالِس مَأْخُوذ(2/233)
من العَمْر وَهُوَ القُرْط والعَمّار: الطيّب الثَّنَاء وَالطّيب الروائح مَأْخُوذ من العَمَار وَهُوَ الآس. قَالَ: وعمَّار المجتمِع الْأَمر اللَّازِم للْجَمَاعَة الحِدِب على السُّلْطَان مَأْخُوذ من العِمَارة وَهِي الْقَبِيلَة المجتمِعة على رَأْي وَاحِد. قَالَ: وعمَّار: الرجل الْحَلِيم الوَقُور فِي كَلَامه وفعاله، مَأْخُوذ من العَمارة، وَهِي الْعِمَامَة. وعَمَّار مَأْخُوذ من العَمْر وَهُوَ الْبَقَاء، فَيكون بَاقِيا فِي إيمَانه وطاعته وَقَائِمًا بِالْأَمر وَالنَّهْي إِلَى أَن يَمُوت قَالَ: وعَمَّار: الرجل يجمع أهلَ بَيته وأصحابَه على أدب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقِيَام بسُنّته، مَأْخُوذ من العَمَرات وَهِي اللَحَمات الَّتِي تكون تَحت اللحِي، وَهِي النغانغ واللغاديد. وَهَذَا كُله محكيّ عَن ابْن الْأَعرَابِي.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: فِي أصل اللسَان عَمْرَتان. وَيُقَال عُمَيميرتان، وهما عظمان صغيران فِي أصل اللِّسَان. والعَمِيرة: كُوَّارة النَحْل.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال كَثِير بَثِير بَجِير عَمِير، هَكَذَا قَالَ بِالْعينِ. قَالَ: والمعمور: المخدوم. وعمرت رَبِّي وججَته أَي خدمْته. وَيُقَال للصنَبُع: أمُّ عَامر كَأَن وَلَدهَا عَامر وَمِنْه قَول الْهُذلِيّ:
وَكم من وجار كَجيْب القمِيص
بِهِ عَامر وَبِه فُرْعُل
وَمن أمثالهم: خامِري أمّ عَامر، وَيضْرب مَثَلاً لمن يُخدع بلين الْكَلَام. وَيُقَال: تركت الْقَوْم فِي عَوْمرة أَي فِي صياح وجَلَبة.
والعمَارة: الحَيّ الْعَظِيم تنفرد بظَعْنها وإقامتها ونُجْعتها. وَهُوَ من الْإِنْسَان: الصَدْر، سمّي الحيّ الْعَظِيم عِمارة بعمارة الصَّدْر، وَجَمعهَا عمائر.
وَمِنْه قَول جرير:
يجوس عمَارَة ويكفّ أُخْرَى
لنا حتّى نجاوزها دَلِيل
ورُوِي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (لَا تُعْمِروا وَلَا تُرقبوا، فَمن أُعْمِر دَارا أَو أُرْقِبها فَهِيَ لَهُ ولورثته من بعده.
وَقَالَ أَبُو عبيد: هِيَ العُمْرى والرقْبى. والعُمْرَى: أَن يَقُول الرجل للرجل: دَاري هَذِه لَك عمرك أَو يَقُول: دَاري هَذِه لَك عمري، فَإِذا قَالَ ذَلِك وسلَّمها إِلَيْهِ كَانَت للمعمَر وَلم ترجع إِلَى المعمِر إِن مَاتَ.
وأمّا الرُقْبَى: فَأن يَقُول الَّذِي أرقبها: إِن متَّ قبلي رجعت إليّ، وَإِن متُّ قبلك فَهِيَ لَك. وأصل الْعُمْرَى مَأْخُوذ من العُمْر، وأصل الرقبى من المراقبة، فَأبْطل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الشُّرُوط وأمضى الْهِبَة. وَهَذَا الحَدِيث أصل لكلّ من وهب هِبة فَشرط فِيهَا شرطا بعد مَا قبضهَا الْمَوْهُوب لَهُ: أَن الهِبَة جَائِزَة وَالشّرط بَاطِل.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَول الله جلّ وعزَّ: {مَّنْشُورٍ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ} (الطّور: 4) : جَاءَ فِي التَّفْسِير أَنه بَيت فِي السَّمَاء بِإِزَاءِ الْكَعْبَة، يدْخلهُ كلَّ يَوْم سَبْعُونَ ألْفَ ملَكٍ يخرجُون مِنْهُ وَلَا يعودون إِلَيْهِ.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: العُبْريّ والعُمْريّ: السِدْر الَّذِي يَنْبت على الْأَنْهَار ويَشرب المَاء.(2/234)
وَقَالَ أَبُو العَمَيْثل الأعرابيّ: العُبْريّ والعمريّ من السِدْر: القديمُ، على نهر كَانَ أَو غَيره. قَالَ: والضال: الحَدِيث مِنْهُ.
وَأنْشد قَول ذِي الرمة:
قطعت إِذا تجوّفت العواطي
ضروب السدر عُبريّاً وضالا
وَقَالَ: الظباء لَا تكنِس بالسدر النَّابِت على الْأَنْهَار.
وَقَالَ أَبُو سعيد الضَّرِير: القَوْل مَا قَالَ أَبُو العميثل، واحتجّ هُوَ أَو غَيره بِحَدِيث مُحَمَّد بن مَسْلَمة ومَرْحَب. قَالَ الرَّاوِي لحديثهما مَا رَأَيْت حَربًا بَين رجلَيْنِ قطّ علِمتها مثلهَا. قَالَ كلُّ وَاحِد مِنْهُمَا إِلَى صَاحبه عِنْد شَجَرَة عُمْريَّة، فَجعل كلُّ وَاحِد مِنْهُمَا يلوذ بهَا من صَاحبه. فَإِذا استتر مِنْهَا بِشَيْء خَذَم صاحبُه مَا يَلِيهِ حَتَّى يخلُص إِلَيْهِ، فَمَا زَالا يَتَخَذَّمانها بِالسَّيْفِ حَتَّى لم يبْق فِيهَا غُصْن، وأفضى كل وَاحِد مِنْهُمَا إِلَى صَاحبه، فِي حَدِيث طَوِيل.
أَبُو عبيد عَن أبي عُبَيْدَة: العَمَار: كلّ شَيْء علا الرأسَ من عِمَامَة أَو قلنسوة أَو غير ذَلِك. وَيُقَال للمعتّم: مُعتمِر.
وَقَالَ بَعضهم فِي قَول الْأَعْشَى:
... ورفعنا عمارا
أَي قُلْنَا لَهُ: عمّرك الله أَي حيَّاك الله.
وَقَالَ ابْن السّكيت: العامران فِي قيس: عَامر بن مَالك بن جَعْفَر، وَهُوَ مُلاَعِب الأسِنَّة، وَهُوَ أَبُو بَرَاء، وعامر بن الطُفَيل بن مَالك بن جَعْفَر. قَالَ: والعُمرَان أَبُو بكر وعُمَر، فغلّب عمر لِأَنَّهُ أخفّ الاسمين. قَالَ: وَقيل: سُنَّة العُمَرين قبل خلَافَة عمر بن عبد الْعَزِيز.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة نَحوه. قَالَ: فَإِن قيل: كَيفَ بدىء بعمر قبل أبي بكر وَهُوَ قبله، وَهُوَ أفضل مِنْهُ فَإِن الْعَرَب يَفْعَلُونَ مثل هَذَا، يبدءون بالأخسّ؛ يَقُولُونَ: ربيعَة ومُضَر، وسُلَيم وعامر، وَلم يتْرك قَلِيلا وَلَا كثيرا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُف: قَالَ الْأَصْمَعِي: حَدثنَا أَبُو هِلَال الراسبيّ عَن قَتَادَة أَنه سُئِلَ عَن عتق أمَّهات الْأَوْلَاد، فَقَالَ: أعتق العُمَران فِيمَن بَينهمَا من الْخُلَفَاء أمّهات الْأَوْلَاد، فَفِي قَول قَتَادَة: العُمَران: عمر بن الخطَّاب وَعمر بن عبد الْعَزِيز.
وَقَالَ أَبُو عبيد: يُقَال: عمر الله بك مَنْزِلك وَأَعْمر، وَلَا يُقَال: أعمر الله منزله، بِالْألف.
وَقَالَ يَعْقُوب بن السّكيت: العَمْران: عَمْرو بن جَابر بن هِلَال بن عُقَيل بن سُمَيّ بن مازِن بن فَزَارَة، وبَدْر بن عَمْرو بن جُؤَية بن لَوْذان بن ثَعْلَبَة بن عديّ بن فَزَارَة وهما رَوْقا فَزَارَة.
وَأنْشد لقُرَاد بن حَنَش يذكرهما:
إِذا اجْتمع الْعمرَان عَمْرو بن جَابر
وَبدر بن عَمْرو خِلت ذُبْيان تُبّعا
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: أَبُو عمْرَة: كنيَة الْجُوع، وَأَبُو عُمَير: كنية فرج الرجل.(2/235)
وَقَالَ اللَّيْث: الإفلاس يكنى أَبَا عَمْرة.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: كنية الْجُوع أَبُو عمْرَة، وَأنْشد:
إِن أَبَا عمْرَة شرّ جَار
وَقَالَ ابْن المظفر: كَانَ أَبُو عمْرَة رَسُول الْمُخْتَار، وَكَانَ إِذا نزل بِقوم حلّ بهم البلاءُ من الْقَتْل وَالْحَرب. ويعْمُر الشُّدَّاخ أحد حكَّام الْعَرَب. ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: اليعامير: الجِداء، وَاحِدهَا يَعْمُور. وَأنْشد:
مثل الذميم على قُزْم اليعامير
وَجعل قطرب اليعامير شَجرا، وَهُوَ خطأ.
وَقَالَ أَبُو الْحسن اللحياني: سَمِعت العامريَّة تَقول فِي كَلَامهَا: تركْتُم سامراً بمَكَان كَذَا وعامراً.
قَالَ أَبُو تُرَاب: فَسَأَلت مصعَباً عَن ذَلِك فَقَالَ: مقيمين مُجْتَمعين.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: العَمَر ألاَّ يكون للحُرَّة خِمار وَلَا صَوْقعة تغطّي رَأسهَا، فتُدخل رَأسهَا فِي كُمّها. وَأنْشد:
قَامَت تصلّي والْخِمار من عَمَر
قَالَ: والعَمْر حَلْقة القرط الْعليا، والْخَوْق: حَلْقةُ أسفلِ القُرط. والعَمْرة: خَرَزة الحُبّ. والعُمْرة: طَاعَة الله جلّ وعزَّ:
معر: قَالَ ابْن المظفّر: مَعِر الظُفُر يَمْعَر مَعَراً إِذا أَصَابَهُ شَيْء فنصَل. قَالَ: وَيُقَال: غضب فلَان فتمعَّر لونُه إِذا تغيَّر وعَلَتْه صُفرة.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الممعور: المقطِّب غَضَباً لله.
وَقَالَ: يُقَال: معِر الرجل وأمعر ومَعَّر إِذا فنِي زادُه.
وَقَالَ شمر: قَالَ ابْن شُمَيْل: إِذا انفقأت الرهْصَة من ظَاهر فَذَلِك المَعَر، وَقد مَعِرت مَعَراً، وجَمَل مَعر، وخُفّ مَعِر: لَا شعرَ عَلَيْهِ.
وَفِي الحَدِيث: (مَا أمعر حاجّ قطّ) مَعْنَاهُ: مَا افْتقر. وَأَصله من مَعَر الرَّأْس.
وَقَالَ أَبُو عبيد: الزَمِر والمَعِر: الْقَلِيل الشعَر. وَأَرْض معِرة إِذا انجرد نَبْتها. وأمعر القومُ إِذا أجدبوا. وتمعّر رَأسه إِذا تمعَّط.
وأمعرت الْمَوَاشِي الأرضَ إِذا رعت شَجَرهَا فَلم تَدَع شَيْئا يُرْعَى.
وَقَالَ الْبَاهِلِيّ فِي قَول هِشَام أخي ذِي الرمة:
حَتَّى إِذا أمعروا صَفْقَيْ مباءتِهِم
وجرّد الخَطْبُ أثباج الجراثيم
قَالَ: أمعروه: أكلوه. وأمعر الرجلُ إِذا افْتقر، فَهُوَ لَازم وواقع. وَمثله: أملق الرجل إِذا افْتقر، وأملقته الخطوب أَي أفقرته.
رعم: قَالَ اللَّيْث: رَعمت الشَّاة تَرْعَم فَهِيَ رَعُوم. وَهُوَ دَاء يَأْخُذهَا فِي أَنْفها فيسيل مِنْهُ شَيْء يُقَال لَهُ: الرُعَام.
قَالَ: ورَعُوم: اسْم امْرَأَة.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: الرَعُوم بالراء: من الشَّاء الَّتِي يسيل مُخَاطها من الهُزَال وَقد أَرْعمت إرعاماً إِذا سَالَ رُعَامُها وَهُوَ(2/236)
المُخَاط. وَيُقَال: كِسْر رَعِم: ذُو شَحم. والرِعْم: الشَحْم.
وَقَالَ أَبُو وجزة:
فِيهَا كسورٌ رَعِمات وسُدُفْ
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الرَعَام واليعمور: الطلِيّ وَهُوَ العَرِيض. وَيُقَال رَعَمْتُ الشمسَ إِذا نظرت وُجُوبهَا. وَقَالَ الطِرِمَّاح:
ومُشيحٍ عَدْوه مِتْأقٌ
يَرْعَم الْإِيجَاب قبل الظلام
أَي ينْتَظر وجوب الشَّمْس.
عرم: اللَّيْث: عَرَم الْإِنْسَان يَعْرُم عَرَامة فَهُوَ عَارِم، وَأنْشد:
إِن امْرُؤ يذُبّ عَن محارمي
بَسْطةُ كَفّ ولسانٍ عارمِ
وعُرَام الْجَيْش: حَدّهم وشِرَّتهم وكثرتهم. وَأنْشد:
وَلَيْلَة هَول قد سَرَيت وفِتْيةٍ
هَدَيتُ وَجمع ذِي عُرام مُلاَدِس
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: العَرِم: الْجَاهِل، وَقد عَرَم يَعْرُم وعَرُم وعَرِم.
وَقَالَ الفرّاء: العُرَاميّ من العُرّام وَهُوَ الْجَهْل.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: يُقَال لقشور العَوْسج: العُرَام، وَأنْشد:
وبالثُمَام وعُرَام العَوْسَج
قَالَ: والعَرِم: السَيْل الَّذِي لَا يُطَاق. قَالَ الله جلّ وعزّ {غَفُورٌ فَأَعْرَضُواْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّاتِهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَىْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَىْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ} (سَبَإ: 16)
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: العَرِم جمع العَرِمة وَهِي السِكْر والمُسنَّاة. وَقيل: العَرِم: اسْم وَاد. وَقيل: العَرِم هَهُنَا: اسْم الجُرَذ الَّذِي بَثَق السِكْرَ عَلَيْهِم، وَهُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ: الخلْد. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: من أَسمَاء الفأر البِرّ والثُعْبة والعَرِم. وَقيل: العَرِم: الْمَطَر الشَّديد. وَكَانَ قوم سبأ فِي نَعْمة ونِعمة وجِنان كَثِيرَة. وَكَانَت الْمَرْأَة مِنْهُم تخرج وعَلى رَأسهَا الزَبِيلِ فتعتمل بِيَدَيْهَا وتسير بَين ظهراني الشّجر المثمر فَيسْقط فِي زَبِيلها مَا تحْتَاج إِلَيْهِ من ثمار الشّجر، فَلم يشكروا نعْمَة الله، فَبعث الله عَلَيْهِم جُرَزاً وَكَانَ لَهُم سِكْر فِيهِ أَبْوَاب يفتحون مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ من المَاء، فنقبه ذَلِك الجُرَذ حَتَّى بثق عَلَيْهِم السِكْر فغرَّق جِنانَهم. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يَوْم عَارِم: ذُو نِهَايَة فِي البَرْد نهارُه وليلُه. وَأنْشد:
وَلَيْلَة إِحْدَى اللَّيَالِي العُرَّم
بَين الذراعين وَبَين المِرْزَم
تهُمّ فِيهَا العَنْز بالتكلُّم
أَبُو عُبَيد عَن الأصمعيّ قَالَ: الحيَّة العَرْماء: الَّتِي فِيهَا نُقَط سود وبيض. وَقَالَ أَبُو عبيد: ورُوِي عَن مُعاذ بن جبل أَنه ضحَّى بكبشين أعرمين. وَأنْشد الأصمعيّ:
أَبَا مَعْقِل لاتوطِئَنْك بَغَاضَى
رؤوسَ الأفاعي فِي مراصدها العُرْمِ
وَحكي عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء أَنه قَالَ: الأقلف يُقَال لَهُ: الأعرم. ورَوَى عَمْرو عَن أَبِيه أَنه قَالَ: العرامين: القُلْفان من الرِّجَال. قَالَ: والعُرمان: الأكَرَة،(2/237)
واحدهم أعرم. قلت: وَنون العرامين والعُرْمان لَيست بأصلية. يُقَال: رجل أعرم وَرِجَال عُرْمان ثمَّ عرامين جمع الْجمع. وَسمعت الْعَرَب تَقول لجمع القِعْدان من الْإِبِل: القعادين، والقِعْدانُ جمع القَعُود، والقعادين نَظِير العرامين. وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: العريم: الداهية. وَقَالَ ابْن شُمَيْل عَن الهَمْداني: العَرِم والمِعْذار: مَا يُرْفع حول الدبرة. شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي: العَرَمَة: أَرض صُلْبة إِلَى جَنْب الصَّمان. وَقَالَ رؤبَة:
وعارض العِرْض وأعناق العَرَمْ
قلت: العَرَمة تتاخم الدَهْنى وعارض الْيَمَامَة يقابلها، وَقد نزلْت بهَا. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: كَبْش أعرم: فِيهِ سَواد وَبَيَاض. وَقَالَ ثَعْلَب: العَرِم من كل شَيْء: ذُو لونين. قَالَ: والنمر ذُو عَرَم. وَكَذَلِكَ بَيْضُ القطا عُرْم. وَقَالَ أَبُو وَجْزة:
باتت تباشر عُرماً غير أَزوَاج
قَالَ: والعَرَمة: الأنبار من الحِنطة وَالشعِير. وَقَالَ اللَّيْث: العُرْمة: بَيَاض بَمَرمَّة الشَّاة الضائنة أَو المعْزى. وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ فِي أذنها نُقَط سود وَالِاسْم العَرَم. قَالَ: والعَرَمة: الكُدْس المَدُوس الَّذِي لم يُذَرّ، يَجْعَل كَهَيئَةِ الأَزَج ثمَّ يُذرَّى. قَالَ: والعَرَمْرَم: الْجَيْش الْكثير. والعَرَم: اللَّحْم، قَالَه الفرَّاء. قَالَ: وَيُقَال: عَرَمت الْعظم أعرِمه إِذا تعرّقتَه. والعُرَام والعُراق وَاحِد. وَيُقَال: أعْرُم من كلب على عُرَام. وَيُقَال: إِن جزورَكم لطيّب العَرَمة أَي طيّب اللَّحْم. وَيُقَال عَرَم الصبيّ ثدي أمّه إِذا مَصّه. وَأنْشد يُونُس:
وَلَا تُلْفَيَنّ كذات الغلا
م إِن لم تَجِد عارماً تعترمْ
أَرَادَ بِذَات الْغُلَام: الأمّ الْمُرْضع إِن لم تَجِد مَن يمتَصّ ثديها مصّته هِيَ. قَالَ: وَمَعْنَاهُ: لَا تكن كمن يهجو نَفسه إِذا لم يجد من يهجوه. وعارِمة: أَرض مَعْرُوفَة. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: عَرْمى وَالله لَأَفْعَلَنَّ ذَاك وعَرْمى وحَرْمى ثَلَاث لُغَات بِمَعْنى: أَمَا وَالله. وَأنْشد:
عَرْمى وجَدّك لَو وجدتَ لَهُم
كعداوةٍ يجدونها تَغلي
وَقَالَ شمر: العَرَم: الكُدْس من الطَّعَام، عَرَمةٌ وعَرَم. وَقَالَ بعض النَمريين: تجْعَل فِي كل سُلْفة من حبّ عَرَمة من دَمَال. فَقيل لَهُ: مَا العَرَمة؟ فَقَالَ: جُثْوة مِنْهُ يكون مزبلين حِمْلَ بقرتين.
رمع: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: الرَمِع: الَّذِي يتحرّك طَرَفُ أَنْفه من الْغَضَب.
وَيُقَال: جَاءَنَا فلَان رامعاً قِبرّاه، والقِبرّي: رَأس الْأنف، ولأنفه رَمَعَان ورَمَعٌ ورَمْع.
وَقَالَ اللَّيْث: رَمَع يَرْمَع رَمْعاً ورَمَعاناً وَهُوَ التحرك الرَمّاعة: مَا يتحرَّك من رَأس الصبيّ الرَّضِيع من يَافُوخه من رقَّته.
قَالَ: والرمَّاعة: الاست لترمّعها أَي تحرّكها.
قَالَ: واليَرْمَع: الحَصَى الْأَبْيَض الَّتِي تَلألأُ فِي الشَّمْس، الْوَاحِدَة يَرْمَعة.
وَقَالَ غَيره: اليَرْمَع: الحزَّارة الَّتِي يَلعب بهَا الصّبيان إِذا أدِيرت سَمِعت لَهَا صَوتا،(2/238)
وَهِي الخُذُروف.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الرَمّاع: الَّذِي يَأْتِيك مغضَباً ولأنْفه رَمَعان أَي تحرّك.
قَالَ: والرمَّاع الَّذِي يشتكي صُلْبَه من الرُمَاع وَهُوَ وجع يعْتَرض فِي ظهر الساقي حَتَّى يمنعهُ من السَّقْي. وَأنْشد:
بئس طَعَام العَزَب المرموع
حَوْءبة تُنْقِض بالضلوع
وَيُقَال: قبحه الله وأُمّاً رَمَعت بِهِ أَي وَلدته. أَبُو سعيد: هُوَ يَرْمَع بيدَيْهِ أَي يَقُول: لَا تَجِيء، ويومىء بيدَيْهِ، وَيَقُول: تعال. وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه غضِب غَضبا شَدِيدا حَتَّى خُيِّل إِلَى من رَآهُ أَن أَنفه يتمزَّع.
قَالَ أَبُو عبيد: لَيْسَ يتمزّع بِشَيْء، وَأَنا أَحْسبهُ يترمَّع. وَهُوَ أَن ترَاهُ كَأَنَّهُ يُرْعَد من شدّة الْغَضَب. قلت: إِن صحَّ يتمزَّع رِوَايَة فَمَعْنَاه: يتشقَّق، من قَوْلك: مَزَّعت الشَّيْء إِذا قسَّمته، وكل قِطْعَة مُزْعة، ومزعت الْمَرْأَة قطنها إِذا أقطْعته ثمَّ زبَّدته.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: دَعْه يترمَّعْ فِي طُمَّنه أَي دَعه يتسَكَّع فِي ضلالته.
وَقَالَ غَيره: مَعْنَاهُ: دَعه يتلطَّخ بخُرْئه.
مرع: شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال: أَمْرِع رَأسك دُهْنه وأَمْرِغه أَي أَكثر مِنْهُ وأوسعه.
وَقَالَ رؤبة:
كغصن بَان عودُه سَرَعْرَع
كَأَن وِرْداً من دهان يُمْرَع
وَفِي حَدِيث الاسْتِسْقَاء أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعَا فَقَالَ: (اسقِنا غيثاً مَرِيعاً) ، المَرِيع: ذُو المراعة والخِصْب، يُقَال: أمرع الْوَادي إِذا أخصب.
وَقَالَ ابْن مقبل:
وغيث مَرِيع لم يُجدَّع نباتُه
ولته أهاليل السمَاكِين مُعْشِب
لم يجدّع نَبَاته أَي لم يَنْقَطِع عَنهُ الْمَطَر فيجدَّع كَمَا يجدّع الصبيّ إِذا لم يَرْوَ من اللَّبن فيسوء غذاؤه ويُهْزَل. وأمرع الْقَوْم إِذا أَصَابُوا الْكلأ فأخصبوا. وأمرع الْمَكَان إِذا أَكْلأَ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي المُرَعة: طَائِر طَوِيل، واحدته مُرْعَة، وَجَمعهَا مُرَع. وَأنْشد:
سقى جارتَيْ سُعْدى وسُعدَى ورهطَها
وَحَيْثُ الْتقى شرقٌ بسُعْدى ومغربُ
بِذِي هَيْدب أيْما الرُبَا تَحت وَدْقه
فتَرْوَى وأيْما كلّ وَاد فيَرْعَبُ
لَهُ مُرَع يخْرجن من تَحت وَدْقه
من المَاء جُون ريشها يَتصبّب
عَمْرو عَن أَبِيه: المُرَعة: طَائِر أَبيض حسن اللَّوْن طيّب الطّعْم فِي قَدْر السُّمَانى، وَجَمعهَا مُرَع.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: المَرِع: الْموضع المخصب، وَقد أمرع الْمَكَان ومَرُع، وَلم يَأْتِ مَرَع وَيجوز مَرَّع.
وَقَالَ: مرِع الرجل إِذا وَقع فِي خصب، ومَرِع إِذا تنعّم. ابْن شُمَيْل: المُمْرِعة: الأَرْض المعشِبة المُكْلِئة.
وَقد أمرعت الأَرْض إِذا شبع غَنَمُها، وأمرعت إِذا أكلأت فِي الشّجر والبقل.(2/239)
وَلَا تزَال يُقَال لَهَا: مُمْرِعة مَا دَامَت مكلئة من الرّبيع واليبيس.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: أمرعت الأَرْض إِذا أعشبت. وَمَكَان مُمْرِع مَرِيع.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: أمرع المكانُ لَا غير. ومَرَع رأسَه بالدُهْن إِذا مَسَحه.
وَقَالَ أعرابيّ: أَتَت علينا أَعْوَام أمْرُعٌ إِذا كَانَت خِصْبة.
وَقَالَ فِي قَول أبي ذُؤَيْب:
مثلُ الْقَنَاة وأزعلته الأَمْرُع
إِنَّه عَنى السنين المخصبة.
وَقَالَ الْأَعْشَى:
سَلس مقلَّده أسيل
خدّه مرِع جنابُه
(أَبْوَاب الْعين وَاللَّام
(بَاب الْعين وَاللَّام مَعَ النُّون)
ع ل ن
علن، لعن، نعل: مستعملة.
علن: يُقَال: عَلِن الْأَمر يَعْلَن عَلناً، وعَلَن يَعْلُن إِذا شاع وَظهر. وأعلنته أَنا إعلاناً.
وَقَالَ اللَّيْث: أعلن الأمرُ إِذا اشْتهر.
قَالَ: وَتقول: يَا رجل استعلِنْ أَي أظهِرْهُ.
قَالَ: والعِلاَن: المعالنة إِذا أعلن كل وَاحِد لصَاحبه مَا فِي نَفسه.
وَأنْشد:
وكفّي عَن أَذَى الْجِيرَان نَفسِي
وإعلاني لمن يَبْغِي عِلاني
والعَلاَنية على مِثَال الْكَرَاهِيَة والفراهية: ظُهُور الْأَمر.
لعن: قَالَ الله جلّ وعزّ {بَل لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ} (البَقَرَة: 88) قَالَ أهل اللُّغَة: لعنهم الله أَي أبعدهم الله. واللعن: الإبعاد.
وَقَالَ الشَّماخ:
ذعرتُ بِهِ القطا ونفيتُ عَنهُ
مقَام الذِّئْب كَالرّجلِ اللَعِين
أَرَادَ: مقَام الذِّئْب اللعين الطريد كَالرّجلِ.
وَيُقَال: أَرَادَ: مقَام الذِّئْب الَّذِي هُوَ كَالرّجلِ اللعين، وَهُوَ المنفيّ. وَالرجل اللعين لَا يزَال منتبِذاً عَن النَّاس، شبَّه الذِّئْب بِهِ. وكلّ من لَعنه الله فقد أبعده عَن رَحمته واستحقّ الْعَذَاب فَصَارَ هَالكا.
وَقَالَ اللَّيْث: اللَّعْن: التعذيب.
قَالَ: واللَعِين: المشتوم المسبوب ولعنه الله أَي عذّبه.
قَالَ: واللعنة فِي الْقُرْآن: الْعَذَاب.
قَالَ: واللعين: مَا يُتَّخذ فِي الْمزَارِع كَهَيئَةِ خَيَال يُذْعَر مِنْهُ السبَاع والطيور.
وَقَالَ غَيره: اللَّعْن: الطَّرْد والإبعاد. وَمن أبعده الله لم تلْحقهُ رَحمته وخُلّد فِي الْعَذَاب. والمُلاعنة بَين الزَّوْجَيْنِ إِذا قذف الرجل امْرَأَته أَو رَمَاهَا بِرَجُل أَنه زنى بهَا فالإمام يلاعِن بَينهمَا. وَيبدأ بِالرجلِ ويقفه حَتَّى يَقُول: أشهد بِاللَّه أَنَّهَا زنت بفلان وَإنَّهُ لصَادِق فِيمَا رَمَاهَا بِهِ. فَإِذا قَالَ ذَلِك أَربع مَرَّات قَالَ فِي الْخَامِسَة: وَعَلِيهِ لعنة الله إِن كَانَ من الْكَاذِبين فِيمَا رَمَاهَا بِهِ. ثمَّ تُقَام الْمَرْأَة فَتَقول أَيْضا أَربع مَرَّات: أشهد(2/240)
بِاللَّه أَنه لمن الْكَاذِبين فِيمَا رماني بِهِ من الزِّنَى، ثمَّ تَقول فِي الْخَامِسَة: وَعَلَيْهَا غضب الله إِن كَانَ من الصَّادِقين. فَإِذا فرغَتْ من ذَلِك بَانَتْ مِنْهُ وَلم تحِلّ لَهُ أبدا.
وإ كَانَت حَامِلا فَجَاءَت بِولد فَهُوَ وَلَدهَا وَلَا يلْحق بِالزَّوْجِ؛ لِأَن السُنَّة نفته عَنهُ، سمّي ذَلِك كُله لِعَاناً لقَوْل الزَّوْج: عَلَيْهِ لعنة الله إِن كَانَ من الْكَاذِبين، وَقَول الْمَرْأَة: عَلَيْهَا غضب الله إِن كَانَ من الصَّادِقين.
وَجَائِز أَن يُقَال للزوجين إِذا فعلا ذَلِك: قد تلاعنا ولاعنا والْتَعَنا.
وَجَائِز أَن يُقَال للزَّوْج: قد التعن وَلم تلتعن الْمَرْأَة، وَقد التعنت هِيَ وَلم يلتعن الرجل.
وَرجل لُعَنة إِذا كَانَ يكثر لَعْن النَّاس.
وَرجل لُعْنة إِذا كَانَ النَّاس يلعنونه لشرارته.
وَالْأول فَاعل وَهُوَ اللُّعَنة، وَالثَّانِي مفعول وَهُوَ اللُّعْنة.
وَكَانَت الْعَرَب تحيّي مُلُوكهَا فِي الْجَاهِلِيَّة بِأَن تَقول للْملك: أبيتَ اللَّعْن، وَمَعْنَاهُ: أَبيت أَيهَا الملِك أَن تَأتي أمرا تُلْعَن عَلَيْهِ.
وسمعْتُ الْعَرَب تَقول: فلَان يتلاعن علينا إِذا كَانَ يتماجن وَلَا يرتدع عَن سوء وَيفْعل مَا يسْتَحق بِهِ اللَّعْن.
وَقَالَ اللَّيْث: التلاعن كالتشاتم فِي اللَّفْظ، غير أَن التشاتم يسْتَعْمل فِي وُقُوع فعل كل وَاحِد مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ. والتلاعن رُبمَا اسْتعْمل فِي فعل أَحدهمَا.
وَرجل ملعَّن إِذا كَانَ يُلعَن كثيرا.
وَقَالَ اللَّيْث: الملعَّن: المعذَّب، وَبَيت زُهَيْر يدلُّ على غير مَا قَالَ اللَّيْث، وَهُوَ قَوْله:
ومرهَّق الضِيفان يحمد فِي الْ
لأْواء غير ملعَّن القِدر
أَرَادَ قِدْره لَا تلْعن لِأَنَّهُ يُكثر لَحمهَا وشحمها.
وَفِي الحَدِيث: (اتّقوا الْملَاعن وأعِدّوا النُبَل) . والملاعن: جَوَادّ الطَّرِيق وظلال الشّجر ينزلها النَّاس نُهي أَن يُتغَوّط تحتهَا فيتأذَّى السابلةُ بأقذارها ويلعنون مَن جلس للغائط عَلَيْهَا.
وَقَالَ شمر: أقرأنا ابْن الْأَعرَابِي لعنترة:
هَل تُبْلغَنِّي دارها شَدنيَّةٌ
لعِنت بمحروم الشَّرَاب مصرَّم
وفسّره فَقَالَ: سُبَّت بذلك فَقيل: أخزاها الله فَمَا لَهَا دَرّ وَلَا بهَا لَبَن.
قَالَ: وَرَوَاهُ أَبُو عدنان عَن الْأَصْمَعِي: لعنت لمحروم الشَّرَاب.
وَقَالَ يُرِيد بقوله: بمحروم الشَّرَاب أَي قُذفت بضَرْع لَا لبن فِيهِ مصرّم.
وَقَالَ الْفراء: اللَّعْن: المَسْخ أَيْضا؛ قَالَ الله تَعَالَى: {أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّآ أَصْحَابَ السَّبْتِ} (النِّساء: 47) أَي نمسخهم.
قَالَ: واللعين: المُخْزَى المهلَك أَيْضا. وَفِي الحَدِيث: (لَا يكون الْمُؤمن لعَّاناً) أَي لَا يكون كثير اللَّعْن للنَّاس.(2/241)
نعل: أَبُو الْعَبَّاس عَن سَلَمة عَن الفرّاء قَالَ: النِعَال: الأرَضون الصِلاب.
وَأنْشد:
قوم إِذا اخضرّت نعَالهمْ
يتناهقون تناهُق الحُمُر
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: وَمِنْه الحَدِيث الَّذِي جَاءَ: (إِذا ابتلت النِّعَال فَالصَّلَاة فِي الرّحال) يَقُول: إِذا مُطرت الأرضون الصِلاب فتزلَّفت بِمن يمشي فِيهَا فصَلُّوا فِي مَنَازِلكُمْ، وَلَا عَلَيْكُم ألاَّ تشهدوا الصَّلَاة فِي مَسَاجِد الْجَمَاعَات.
وَقَالَ اللَّيْث: النَعْل: مَا جعلته وِقَاية من الأَرْض. قَالَ: وَيُقَال: نَعِل يَنْعَل وانتعل إِذا لبِس النَّعْل. قَالَ: والتنعيل: تنعيلك حافر البرذَوْن بطَبَق من حَدِيد يَقِيه الْحِجَارَة. وَكَذَلِكَ تنعيل خُفّ الْبَعِير بالجِلْد لِئَلَّا يَحْفى. ويوصف حافر حمَار الْوَحْش فَيُقَال: ناعل لصلابته. وَرجل ناعل: ذُو نعْل. فَإِذا قلت: منتعل فَمَعْنَاه: لابس نعلا. وَامْرَأَة ناعلة. وَمن أمثالهم: أطِرِّي فَإنَّك ناعلة أَرَادَ: أدِلّي على الْمَشْي فَإنَّك غَلِيظَة الْقَدَمَيْنِ غير محتاجة إِلَى النَعْلين. وَقد ذكرت اخْتِلَاف النَّاس فِي تَفْسِيره فِي كتاب الطَّاء. وَيُقَال: أنعل فلَان دابَّته إنعالاً فَهُوَ مُنْعَل والنَعْل من جَفْن السَّيْف الحديدةُ الَّتِي فِي أَسْفَل قِرابه.
أَبُو عُبَيْدَة: من وَضَح الْفرس الإنعال، وَهُوَ أَن يُحِيط البياضُ بِمَا فَوق الْحَافِر مَا دَامَ فِي مَوضِع الرُسْغ، يُقَال: فرس مُنْعَل.
وَقَالَ أَبُو خَيْرة: هُوَ بَيَاض يَمُس حوافرَه دون أشاعره.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: النَعْل: حَدِيدَة المِكْرَب، وَبَعْضهمْ يسمّيه السِنّ.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: النَعْل: العَقَب الَّذِي يُلْبَس ظهر السِّيَة من الْقوس. قَالَ: وَإِذا قُطِعت الوَدِيَّة من أمّها بِكَرَبها قيل: ودِيَّة منعَّلة.
أَبُو زيد يُقَال: رَمَاه بالمُنْعَلات أَي بالدواهي وَتركت بَينهم المُنعَلات.
ابْن السّكيت عَن الأصمعيّ: النَّعل: الذَّلِيل من الرِّجَال وَأنْشد:
وَلم أكن دارِجة ونَعْلا
وَيُقَال: انتعل فلَان الرَمْضاء إِذا سَار فِيهَا حافياً. وانتعلت المطِيُّ ظِلالَها إِذا عَقَل الظلُّ نصفَ النَّهَار؛ وَمِنْه قَول الراجز:
وانتَعَل الظلَّ فَكَانَ جوربا
ويروى: وانتُعِل الظلُّ. وانتعل الرجلُ إِذا ركب صِلاَب الأَرْض وحِرَارها وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
فِي كل إنى قَضَاهُ اللَّيْل ينتعل
شمر عَن ابْن الأعرابيّ: النَّعْل من الأَرْض والخُفُّ والكُرَاعُ والضِلَع كل هَذِه لَا تكون إِلَّا من الحَرَّة فالنعل مِنْهَا شَبيهَة بالنعل فِيهَا ارْتِفَاع وصلابة. والخُفّ أطول من النَّعْل، والكُرَاع أطول من الخُفّ، والضِلَع أطول من الكُرَاع، وَهِي ملتوية كَأَنَّهَا ضِلَع.
وأنشدنا:
فِدًى لامرىء والنعل بيني وَبَينه
شفى غيم نَفسِي من وُجُوه الحواثر(2/242)
النَّعْل: نعل الْجَبَل، والغَيْم: الوِتْر والذَحْل، وَأَصله الْعَطش. والحواثر من عبد الْقَيْس.
(بَاب الْعين وَاللَّام مَعَ الْفَاء)
ع ل ف
علف، عفل، فلع، فعل، لفع، لعف: مستعملات.
لعف: أمّا لعف فَإِن اللَّيْث قد أهمله.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد فِي (كِتَابه) وَلم أَجِدهُ لغيره: تلعَّف الأسَد والبعيرُ إِذا نظر ثمَّ أغضى ثمَّ نَظَر. وَإِن وُجد شَاهد لما قَالَ فَهُوَ صَحِيح.
علف: قَالَ ابْن المظفر: عَلَف الرجل دابَّته يَعْلِفُه عَلْفاً. والعَلَف الِاسْم. والمِعْلَف: مَوضِع العَلَف والشاءُ المعلَّفة: الَّتِي تسمَّن بِمَا يُجمع من العَلَف وَلَا تُسْرح فترعى. وَقد علَّفتها إِذا أكثرت تعهّدها بإلقاء العَلَف لَهَا. والدابَّة يَعْتلِف إِذا أكل العَلَف، ويَستعلِف إِذا طلب العَلَف بالحمحمة.
شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي: العُلَّفة من ثَمَر الطلح: مَا أخلف بعد البَرَمة، وَهُوَ شِبه اللوبياء وَهُوَ الحُبْلة من السَمُر، وَهُوَ السِنْف من المَرْخ كالإصبع. وَأنْشد قَوْله:
بجِيد أدماء تنوش العُلَّفا
وَقد أعلف الطَلْحُ إِذا خرج عُلَّفه.
أَبُو عبيد عَن ابْن الْكَلْبِيّ: أوّل مَن عَمِل الرِحَال من العَرَب عِلاَف، وَهُوَ زَبَّان أَبُو جَرْم، وَلذَلِك قيل للرِحال: عِلاَفيَّة.
وَقَالَ اللَّيْث: هِيَ أعظم الرّحال آخِرة وواسطاً وَالْجمع عِلاَفيَّات، وَشَيخ عُلْفُوف جافٍ كثير اللَّحْم وَالشعر كَبِير السنّ. وَمِنْه قَوْله:
مأوى اليتيمِ ومأوَى كلّ نَهْبَلة
تأوي إِلَى نَهْبَل كالنَسْر عُلْفوفِ
أَبُو عبيد: العَلُوفة من الْمَوَاشِي: مَا يَعْلِفون.
أَبُو الْعَبَّاس عَن عَمْرو عَن أَبِيه: العِلْف: الْكثير الْأكل. والعَلْف. الشّرْب الْكثير. والغِلْف بالغين: الخصب الْوَاسِع.
وَقَالَ أَبُو عبيد: العُلفُوف: الجافي من الرِّجَال وَالنِّسَاء.
عفل: أَخْبرنِي المنذريّ عَن المفضّل بن سَلَمة أَنه قَالَ فِي قَول الْعَرَب: رمتني بدائها وانسلَّت: كَانَ سَبَب ذَلِك أَن سعد بن زيدِ مَنَاة كَانَ تزوّج رُهْمَ بنت الْخَزْرَج بن تَيْم الله، وَكَانَت من أجمل النِّسَاء، فَولدت لَهُ مَالك بن سعد، وَكَانَ ضرائرها إِذا ساببنها يقلن لَهَا: يَا عَفْلاء.
فَقَالَت لَهَا أمهَا: إِذا ساببنك فابدئيهنَّ بعَفَالِ سُبِيَتِ فأرسلتها مثلا فسابَّتها بعد ذَلِك امْرَأَة من ضرائرها.
فَقَالَت لَهَا رُهْم: يَا عَفلاء، فَقَالَت ضَرّتها: رمتني بدائها وانسلَّت.
قَالَ: وَبَنُو مَالك بن سعد رَهْط العجَّاج كَانَ يُقَال لَهُم: العُفَيلَى.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ العَفَلة: بُظَارة الْمَرْأَة. قَالَ: وَإِذا مسّ الرجل عَفَل الْكَبْش لينْظر سِمَنه يُقَال: جسَّه وغَبَطه وعَفَله.(2/243)
وَقَالَ شمر: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: المَعْفَل: نَبات لحم ينْبت فِي قبُل الْمَرْأَة، وَهُوَ القَرْن وَأنْشد:
مَا فِي الدوابر من رجليّ من عَقَل
عِنْد الرِّهَان وَمَا أُكْوى من العَفَل
قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ: القَرْن بالناقة مثل العَفَل بِالْمَرْأَةِ، فَيُؤْخَذ الرَضْف فيُحْمَى ثمَّ يُكوى بِهِ ذَلِك القَرَن. قَالَ: والعَفَل شَيْء مدوّر يخرج بالفرج. والعَفَل لَا يكون فِي الْأَبْكَار، وَلَا يُصِيب الْمَرْأَة إلاَّ بعد مَا تَلد.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: العَفَل فِي الرِّجَال: غِلَظ يحدث فِي الدُبُر، وَفِي النِّسَاء: غِلَظ فِي الرَحِم. وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الدوابّ.
وَقَالَ اللَّيْث: عَفِلت الْمَرْأَة عَفَلاً فَهِيَ عَفَلاء. وعَفِلت النَّاقة. والعَفَلة: الِاسْم، وَهُوَ شَيْء يخرج فِي حيائها شِبه الأُدْرة.
أَبُو عبيد عَن أبي عُبَيْدَة: العَفْل: شَحم خُصْيَيْ الْكَبْش وَمَا حوله.
وَمِنْه قَول بشر:
حَدِيث الخصاء وارم العَفْل مُعْبَر
قَالَ وقالَ الْكسَائي: العَفَل: الْموضع الَّذِي يُجسّ من الشَّاة إِذا أَرَادوا أَن يعرفوا سِمَنَها من غَيره. قَالَ: وَهُوَ قَول بشر. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العافل: الَّذِي يلبَس ثيابًا قصاراً فَوق ثِيَاب طوال.
لفع: أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: التلفُّع: أَن يشتمِل الْإِنْسَان بِالثَّوْبِ حَتَّى يجلِّل جسده. قَالَ: وَهُوَ اشْتِمَال الصمَّاء عِنْد الْعَرَب.
وَقَالَ غَيره: التفع بِالثَّوْبِ مثله.
وَقَالَ أَوْس بن حَجَر:
وهبَّت الشمألُ البَلِيلِ وَإِذ
بَات كميعُ الفتاة ملتفِعا
وَفِي الحَدِيث: كُنَّ نساءُ الْمُؤمنِينَ يَشهدن مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصُّبْح ثمَّ يرجعن متلفّعات بمُرُوطهنّ مَا يُعْرَفن من الغَلَس أَي متجلِّلات بأكسِيَتهنّ. والمِرْط: كسَاء أَو مِطْرف يُشتَمل بِهِ كالمِلْحَفة.
وَيُقَال: لَفَّعْت الْمَرْأَة إِذا ضممتها إِلَيْك مشتمِلاً عَلَيْهَا.
وَيُقَال لذَلِك الثَّوْب: لِفَاع، وَمِنْه قَول أبي كَبِير:
بُجُف بذلتُ لَهَا خوافيَ ناهضٍ
حَشْر القوادم كاللِفَاع الأطحل
أَرَادَ: كَالثَّوْبِ الْأسود.
وَيُقَال: تلفّع الرجلُ بالمشيب إِذا شمِله الشيبُ، وَقد لَفَع الشيبُ رَأسه يَلْفَعُه إِذا شمِله.
وَأما قَول كَعْب:
وَقد تلفَّع بالقُور العساقيل
فالعساقيل: السراب هَهُنَا، وَهَذَا من المقلوب، الْمَعْنى: وَقد تلفّعت القُور بِالسَّرَابِ، فقلبه.
وَقَالَ اللَّيْث: إِذا اخضَرّت الأَرْض وانتفع المَال بِمَا يُصِيب من المرعى.
قيل: قد تلفّعت الإبلُ وَالْغنم.
قَالَ: ولُفِّعت المزادةُ فَهِيَ ملفَّعة إِذا قُلبت أَو نقضت فَجعل أطبَّتها فِي وَسطهَا فَذَلِك تلفيعها.(2/244)
وأمّا قَول الحطيئة:
وَنحن تلفَّعنا على عسكريهم
جهاراً وَمَا طِبي ببغي وَلَا فَخْرِ
أَي اشتملنا عَلَيْهِم.
وأمّا قَول الراجز:
وعُلْبة من قادم اللِفَاع
فاللفاع: اسْم نَاقَة بِعَينهَا. وَقيل: هُوَ الخِلْف الْمُقدم.
فلع: قَالَ ابْن المظفر: فَلَع فلَان رَأسه بِالْحجرِ يَفْلَعه إِذا شقَّه، فانفلع أَي انشقّ. والفِلْعة: القِطْعة من السَنَام، وَجَمعهَا فِلَع وتفلَّعت البطّيخة إِذا انشقّت، وتفلّع العَقِب إِذا انشقّ.
وَيُقَال للْأمة إِذا سُبَّت: لعن الله فَلعتها، يعنون: مَشقّ جَهازها أَو مَا تشقّق من عَقبهَا.
وَيُقَال: رَمَاه الله بفالعة أَي بداهية، وَجَمعهَا الفوالع.
وَيُقَال: فلع رَأسه بِالسَّيْفِ إِذا فلاه بنصفين.
وَقَالَ شمر: يُقَال: فلخته وقفحته وسلعته وفلعته وفلغته، كل ذَلِك إِذا أوضحته. قَالَ: ولفخته على رَأسه لَفْخاً. وَقَالَ: فلع رَأسه بالحَجَر إِذا شدخه وشَقَّه. وفلع السَنَامَ بالسكّين إِذا شقَّه.
وَقَالَ طُفَيل الغَنَويّ:
كَمَا شُقّ بِالْمُوسَى السنامُ المفَلَّع
فعل: قَالَ اللَّيْث: فَعَل يفعَل فَعْلاً وفِعْلاً، فالمصدر مَفْتُوح وَالِاسْم مكسور. قَالَ: والفَعَال اسْم الْفِعْل الحَسَن؛ مثل الْجُود وَالْكَرم وَنَحْوه.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: الفَعَال: فعل الْوَاحِد خاصَّة فِي الْخَيْر والشرّ، يُقَال: فلَان كريم الفَعال، وَفُلَان لئيم الفِعال. قَالَ والفِعال بِكَسْر الْفَاء إِذا كَانَ الْفِعْل بَين الِاثْنَيْنِ.
قلت: وَهَذَا الَّذِي قَالَه ابْن الْأَعرَابِي هُوَ الصَّوَاب، لَا مَا قَالَه اللَّيْث؛ وَقَالَ: فلَان حَسَن الفَعال، وَفُلَان سيء الفَعال. وَلست أَدْرِي لم قصر اللَّيْث الفعَال على الحَسَن دون الْقَبِيح.
وَقَالَ الْمبرد أَبُو الْعَبَّاس: الفَعال يكون فِي الْمَدْح والذمّ. قَالَ: وَهُوَ مُخلَّص لفاعل وَاحِد، فَإِذا كَانَ من فاعلين فَهُوَ فِعال، وَهَذَا هُوَ الدُرّ الْجيد.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الفِعَال: الْعود الَّذِي يَجْعَل فِي خُرْت الفأس يُعمل بِهِ. قَالَ: والنجَّار يُقَال لَهُ فَاعل.
وَقَالَ اللَّيْث: الفَعَلة قوم يعْملُونَ عمل الطِين والحَفْر وَمَا أشبه ذَلِك من الْعَمَل.
وَقَالَ ابْن مقبل فِي نِصَاب القَدوم، سَمَّاه فِعالاً:
وتَهْوِي إِذا العِيسُ العِتاقُ تفاضلت
هُوِيّ قَدُوم القَيْن جال فِعالُها
يَعْنِي: نصابها.
وَقَالَ النحويون المفعولات على وُجُوه فِي بَاب النَّحْو. فمفعول بِهِ، كَقَوْلِك: أكرمت زيدا وأعنت عمرا وَمَا أشبهه. ومفعول لَهُ؛ كَقَوْلِك: فعلت ذَلِك حِذارَ غضبك. وَيُسمى هَذَا مَفْعُولا من أَجْلٍ أَيْضا.(2/245)
ومفعول فِيهِ. وَهُوَ على وَجْهَيْن. أَحدهمَا الْحَال وَالْآخر فِي الظروف. فأمّا الظّرْف فكقولك: نمت الْبَيْت وَفِي الْبَيْت. وأمَّا الْحَال فكقولك: ضُرِب فلَان رَاكِبًا، أَي فِي حَال ركُوبه. ومفعول عَلَيْهِ؛ كَقَوْلِك: عَلَوْت السّطح ورقِيت الدرجَة. ومفعول بِلَا صلَة: وَهُوَ الْمصدر. وَيكون ذَلِك فِي الْفِعْل اللَّازِم وَالْوَاقِع؛ كَقَوْلِك: حفِظت حِفظاً وفهمت فهما. وَاللَّازِم كَقَوْلِك: انْكَسَرت انكساراً. وَالْعرب تَشتقّ من الْفِعْل المُثُل للأبنية الَّتِي جَاءَت عَن الْعَرَب؛ مثل فُعاله وفَعولة وأُفعول ومِفعيل وفِعليل وفُعْلول وفُعُّول وفِعَّل وفعْل وفُعَلة ومُفْعلل وفِعَيْل وفِعِيل وَيُقَال: شِعْر مفتعَل إِذا ابتدعه قَائِله وَلم يَحذُه على مِثَال تقدَّمه فِيهِ مَن قبله. وَكَانَ يُقَال: أعذب الأغاني مَا افتُعِل، وأطرف الشّعْر مَا افتُعِل؛ قَالَ ذُو الرُمَّة:
غرائب قد عُرفن بِكُل أفق
من الْآفَاق تُفتعل افتعالا
أَي يبتدع بهَا غِناء بديع وَصَوت محدَث.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: افتعل فلَان حَدِيثا إِذا اخترقه. وَأنْشد:
ذكر شَيْء يَا سُلَيْمى قد مضى
وَوُشاةٍ ينطقون المفتعَلْ
وَيُقَال لكل شَيْء يسَوَّى على غير مِثَال تقدَّمه: مفتعَل. وَمِنْه قَول لَبيد:
فرميت الْقَوْم رَمْياً صائباً
لَسْن بالعُصل وَلَا بالمفْتَعلْ
وَيُقَال: عذبني وجع أسهرني فجَاء بالمفتعَل إِذا عانى مِنْهُ ألمَاً لم يعْهَد مثله فِيمَا مضى لَهُ. وفَعَال قد جَاءَ بِمَعْنى أفعلْ، وَجَاء بِمَعْنى فاعلة، بِكَسْر اللَّام.
(بَاب الْعين وَاللَّام مَعَ الْبَاء)
ع ل ب
علب، عبل، لعب، بلع، بعل: مستعملات.
علب: فِي الحَدِيث: (لقد فَتَحَ الفُتوحَ قوم مَا كَانَت حِلْية سيوفهم الذَّهَب والفضَّة، إِنَّمَا حِلْيتها العَلاَبي والآنُك) . العلابي جمع العِلْباء، وَهُوَ العَصَب، وَبِه سمي الرجل عِلباء. وَكَانَت الْعَرَب تشدّ بالعِلباء الرَطْبِ أجفان السيوف فتجِفّ عَلَيْهَا، وتشُدّ الرماح إِذا تصدَّعت بهَا. وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
ندعّسها بالسَمْهريّ المعلَّب
وَقَالَ القتيبي: بَلغنِي أَن العلابيّ: الرَصَاص، وَلست مِنْهُ على يَقِين.
قلت: مَا علمت أحدا قَالَه، وَلَيْسَ بِصَحِيح.
وَقَالَ شمر: قَالَ المؤرّج: العِلاَب سمة فِي العِلباء. قَالَ: والعَلْب تَأْثِير كأثر العِلاب.
وَقَالَ شمر: أَقْرَأَنِي ابْن الْأَعرَابِي لطُفَيل الغنويّ:
نهُوض بأشناق الدِّيات وحَمْلِها
وثِقْل الَّذِي يَجْنِي بمنكبه لَعْب
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: لَعْب أَرَادَ بِهِ: عَلْب وَهُوَ الْأَثر.(2/246)
وَقَالَ أَبُو نصر: يَقُول: الْأَمر الَّذِي يجني عَلَيْهِ وَهُوَ بمنكبه خَفِيف.
وَفِي حَدِيث ابْن عُمَر أَنه رأى رجلا بأنْفه أثرَ السُّجُود فَقَالَ: لَا تَعْلُب صُورَتك، يَقُول: لَا تُؤثر فِيهَا أثرا بشدّة انتحائك على أَنْفك فِي السُّجُود. والعُلُوب: الْآثَار وَاحِدهَا عَلْب يُقَال ذَلِك فِي أثر المِيسم وَغَيره. وَقَالَ ابْن الرّقاع يصف الركاب:
يتبعْن نَاجِية كَأَن بدَفّها
من غَرْض نسْعَتِها علوبَ مواسم
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي يُقَال: لحم عَلِب وعَلْب وَهُوَ الصُلْب. قَالَ: والعِلْب من النَّاس: الَّذِي لَا يُطمع فِيمَا عِنْده من كلمة وَلَا غَيرهَا، قَالَ: والعِلْب من الأَرْض الغليظ الَّذِي لَو مطر دهْراً لم يُنبت خضراء. وكل مَوضِع صُلْب خَشِن من الأَرْض فَهُوَ عِلْب.
أَبُو عبيد عَن أبي عُبَيْدَة قَالَ: المعلوب: الطَّرِيق الَّذِي يُعْلَب بجنبيه. وَمثله الملحوب. والمعلوب: سيف كَانَ لِلْحَارِثِ بن ظَالِم. وَيُقَال: إِنَّه سمَّاه معلوباً لآثار كَانَت فِي مَتْنه: وَيُقَال: سُمِّي معلوباً لِأَنَّهُ كَانَ انحنى من كَثْرَة مَا ضَرَب بِهِ وَفِيه يَقُول:
أَنا أَبُو ليلى وسيفي المعلوب
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: العُلَب: جمع عُلْبة وَهِي الجَنبة والدَسْماء والسمراء. قَالَ: والعِلْبة وَالْجمع عِلَب أُبْنة غَلِيظَة من الشّجر تتَّخذ مِنْهُ المِقطرة. وَقَالَ الشَّاعِر:
فِي رجله عِلبة خشناء من قَرْظ
قد تيَّمته فبالُ الْمَرْء متبول
وَقَالَ أَبُو زيد: العُلُوب: منابت السِدر، الْوَاحِد عِلْب. قلت: والعُلْبة: جِلدة تُؤْخَذ من جلد جَنْب الْبَعِير إِذا سُلخ وَهُوَ فَطِير فتسوَّى مستديرة ثمَّ تملأ رملاً سهلاً، ثمَّ بضمّ أطرافها وتُخلّ بخِلال ويوكَى عَلَيْهَا مَقْبُوضَة بِحَبل وتترك حَتَّى تجِفّ وتيبَس، ثمَّ يُقطع رَأسهَا وَقد قَامَت قَائِمَة لجفافها تُشبه قَصْعة مدوَّرة كَأَنَّهَا نُحِتت نَحْتاً أَو خُرِطت خَرْطاً. ويعلّقها الرَّاعِي والراكب فيحلُب فِيهَا وَيشْرب بهَا. وَتجمع عُلَباً وعِلاباً. وللبدويّ فِيهَا رِفق خفَّنها وَأَنَّهَا لَا تنكسر إِذا حرّكها الْبَعِير أَو طاحت إِلَى الأَرْض. والعِلاب أَيْضا: سِمَة فِي طول عنق الْبَعِير. وَقَالَ اللَّيْث: عَلِب النبت يَعلَب عَلَباً فَهُوَ علِب إِذا جَسَأ. وعَلِب اللَّحْم واستعلب إِذا غلظ وَلم يكن هَشّاً. واستعلبت الماشيةُ البقل، إِذا ذَوَى فأجمَتْه واستغلظته. والعِلْب: الوعِل الضخم المُسِنّ. والعِلْب: عَصَب الْعُنُق الغليظ خَاصَّة. وهما عِلْباءان وعلباوان. ورُمْح مُعَلَّب إِذا جُلز ولُوي بعَصَب العلب. وعلِب الْبَعِير عَلَباً فَهُوَ علِب وَهُوَ دَاء يَأْخُذهُ فِي ناحيتَيْ عُنُقه فترِم رقبتُه. وَقَالَ شمر: يُقَال هَؤُلَاءِ عُلبوبة الْقَوْم أَي خيارهم.
قلت كَقَوْلِهِم: هَؤُلَاءِ عَصَب الْقَوْم أَي خيارهم. وَرجل عِلْب: جافٍ غليظ.
عبل: فِي حَدِيث ابْن عُمَر أَنه قَالَ لرجل: (إِذا أتيتَ مِنًى فانتهيت إِلَى مَوضِع كَذَا وَكَذَا فَإِن هُنَاكَ سَرْحة لم تُعْبَل وَلم تُجْرد وَلم تُسْرَف، سُرّ تحتهَا سَبْعُونَ نبيّاً فانزِل(2/247)
تحتهَا) . قَالَ أَبُو عبيد: قَوْله: لم تُعبل، يَقُول: لم يسْقط وَرقهَا؛ يُقَال: عَبَلْت الشَّجَرَة عَبْلاً إِذا حَتَتَّ عَنْهَا وَرقهَا. وأعْبل الشجَرُ إِذا طلع ورقه. قَالَ: وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: العَبَل: كلّ ورق مفتول كورق الأَثْل والأرْطَى والطَرْفاء. قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو: العَبَل: مِثل الْوَرق وَلَيْسَ بورق. ثَعْلَب عَن سَلَمة عَن الفرّاء قَالَ: أعبل الشّجر إِذا رَمَى بورقه. قَالَ: والسَرْو وَالنَّخْل لَا يُعبِلان وكل شجر ثَبت ورقهُ شتاء وصيفاً فَهُوَ لَا يُعْبل. قلت: وَقد ذكر أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو فِي (المصنَّف) نَحوا من قَول الفرّاء فِي أعبلت الشجرةُ إِذا سقط ورقُها، ثمَّ رَوَى عَن اليزيديّ القَوْل الأول: أعبلت الشَّجَرَة إِذا طلع وَرقهَا. وَقَالَ اللَّيْث مثله. قلت أَنا: وَسمعت غير وَاحِد من الْعَرَب يَقُول: غَضًى مُعْبِل وأرطًى معبل إِذا طلع عَبَلُه. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح وَمِنْه قَول ذِي الرمَّة:
إِذا ذَابَتْ الشَّمْس اتَّقى صَقَراتها
بأفنان مَرْبُوع الصَرِيمةَ مُعْبِل
وَإِنَّمَا يتَّقي الوحشيّ حَرّ الشَّمْس بأفنان الأرطاة الَّتِي طلع وَرقهَا، وَذَلِكَ حِين يَكنِس فِي حَمْرَاء القيظ. وَإِنَّمَا يسْقط وَرقهَا إِذا برد الزَّمَان وَلَا يَكْنس الوحشيّ حينئذٍ وَلَا يتّقي حَرَّ الشَّمْس. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: العَبْل: الغليظ والضخم، وَأَصله فِي الذراعين. وَجَارِيَة عَبْلة، وَالْجمع عَبْلات لِأَنَّهَا نعت. وَيُقَال: عَبَلتْه إِذا رَددته.
وَأنْشد:
هَا إِن رَميي عَنْهُم لمعبولْ
فَلَا صريخ الْيَوْم إلاّ المصقول
كَانَ يَرْمِي عدوّه فَلَا يُغني الرَّمْي شَيْئا، فقاتل بِالسَّيْفِ وَقَالَ هَذَا الرجز. والمعبول: الْمَرْدُود. وَقَالَ النَضْر: أعبلت الأرطاةُ إِذا نبت وَرقهَا: وأعبلَتْ إِذا سقط وَرقهَا، فَهِيَ مُعْبل. قلت: جعل ابْن شُمَيْل أعبلت الشَّجَرَة من الأضداد، وَلَو لم يحفظه عَن الْعَرَب مَا قَالَه لِأَنَّهُ ثِقَة مَأْمُون. أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: الأعبل والعبلاء: حِجَارَة بيض. وَقَالَ اللَّيْث: صَخْرَة عبلاء: بَيْضَاء.
وَأنْشد فِي صفة نَاب الذِّئْب:
يَبْرُق نابُه كالأعبل
أَي كحجر أَبيض من حِجَارَة المَرْو. وَيُقَال: رجل عَبْل وَجَارِيَة عَبْلة إِذا كَانَا ضخمين. وَقد عَبُل الْغُلَام عَبَالة. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: العبلاء: مَعْدِن الصُفْر فِي بِلَاد قَيْس وَقَالَ أَبُو عُبَيْد عَن الْأَحْمَر: ألْقى عَلَيْهِ عَبَالَّته أَي ثِقْله. وَيُقَال للرجل إِذا مَاتَ: قد عَبَلته عَبُول، مثل شَعَبته شَعُوب. وأصل العَبْل الْقطع المستأصِل، وَأنْشد:
. . عابِلتي عَبول
والمِعْبَلة: النَصْل العريض وَجَمعهَا معابل. وَقَالَ عنترة:
وَفِي البَجْلي مِعْبلة وقيع
وَقَالَ الأصمعيّ: من النصال المِعْبلة، وَهُوَ أَن يعرّض النصل ويطوّل. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: غُلَام عابل: سمين.(2/248)
وَجمعه عُبُل. وَامْرَأَة عَبُول: ثَكُول وَجَمعهَا عُبُل. ابْن شُمَيْل عَن أبي خَيْرة قَالَ: العبلاء الطَرِيدة فِي سَوَاء الأَرْض حجارتها بيض كَأَنَّهَا حِجَارَة القَدَّاح. وَرُبمَا قَدَحُوا بِبَعْضِهَا، وَلَيْسَ بالمَرْو، وَكَأَنَّهَا البَلُّور. وَقَالَ ابْن شُمَيل: الأعبل: حجر أخشن غليظ يكون أَحْمَر وَيكون أَبيض وَيكون أسود كل يكون، جبل غليظ فِي السَّمَاء.
لعب: اللَّيْث: لعِب يلعَب لُعْباً ولَعِباً. وَرجل تِلِعَّابة إِذا كَانَ يتلعّب. وَرجل لُعبَة: كَثير اللّعب. قَالَ: واللُعْبة جَزْم: الَّذِي يُلعِب بِهِ، كالشِطْرَنجة وَنَحْوهَا. وَقَالَ الفرّاء: لعِبت لَعْبة وَاحِدَة. وَرجل حسن اللِعْبة بِالْكَسْرِ. واللُعْبة: مَا يُلْعَب بِهِ. الحرّانيّ عَن ابْن السّكيت: تَقول: لمن اللُعْبة؟ فتضمّ أَولهَا لِأَنَّهَا اسْم. وَتقول: الشطرنج لُعْبة، والنَرْد لُعْبة. وكل ملعوب بِهِ فَهُوَ لُعْبة. وَتقول: اقعد حَتَّى أفرغ من هَذِه اللُعْبة، وَهُوَ حسن اللِعْبة؛ كَمَا يَقُول: حسن الجِلسة، وَقد لعِبت لَعْبة وَاحِدَة. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: لَعَب الرجل يَلْعَب إِذا سَالَ لُعَابه. وَقَالَ اللَّيْث: لُعَاب الشَّمْس: السَرَاب، وَأنْشد:
فِي قَرْقَر بلعاب الشَّمْس مضروج
قلت لُعَاب الشَّمْس: هُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ: مُخَاط الشَّيْطَان. وَهُوَ السَهَام بِفَتْح السِّين، وَيُقَال لَهُ: رِيق الشَّمْس، وَهُوَ شِبْه الْخَيط ترَاهُ فِي الْهَوَاء إِذا اشتدّ الحرّ ورَكَد الهواءُ. وَمن قَالَ: إِن لعاب الشَّمْس السراب فقد أبطل، إِنَّمَا السراب يُرَى كَأَنَّهُ مَاء جارٍ نصفَ النَّهَار. وَإِنَّمَا يعرف هَذِه الْأَشْيَاء مَن لزِم الصَّحَارِي والفلوات وَسَار فِي الهواجر فِيهَا. وَقَالَ اللَّيْث: مُلاَعب ظلِّه: طَائِر يكون بالبادية. والإثنان ملاعبا ظلّهما، وَالثَّلَاثَة ملاعبات أظلالهن. وَتقول: رَأَيْت ملاعبات أظلالٍ لهُنّ، وَلَا تقل: أظلالهن؛ لِأَنَّهُ يصير معرفَة. وَكَانَ عَامر بن مَالك أَبُو برَاء يُقَال لَهُ: مُلاَعِب الأسنَّة، سمّي بذلك يَوْم السُوبان. ولُعَاب الحَيَّة: سمّها. واللُّعَاب: فرس من خيل الْعَرَب بِهِ مَعْرُوف. ومَلاَعِب الصّبيان والجواري فِي الدَّار من ديارات الْعَرَب: حَيْثُ يَلْعَبُونَ، الْوَاحِد مَلْعَب. واللعاب: الرجل الَّذِي يكون لَهُ اللّعب حِرْفة. ولُعَاب النَّحْل: مَا تعسِّله. وَقَالَ أَبُو سعيد: استلعبت النخلةُ إِذا أطلعت طَلْعاً وفيهَا بقيَّة من حَمْلها الأول. وَقَالَ الطرماح يصف نَخْلَة:
ألحقتْ مَا استلعبتْ بِالَّذِي
قد أَنى إِذْ حَان وَقت الصرام
لَعُوب: اسْم امْرَأَة سميت لعوب لِكَثْرَة لعبها. وَيجوز أَن تسمّى لعوب لِأَنَّهُ يلْعَب بهَا. واللعباء: سَبَخة مَعْرُوفَة بِنَاحِيَة الْبَحْرين بحذاء القَطِيف وسِيف الْبَحْر.
بلع: أَبُو عبيد عَن الكسائيّ: بَلِعت الطَّعَام أبلَعه بَلْعاً وسَرِطته سَرْطاً إِذا ابتلعته. وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: بَلِع المَاء بلعاً إِذا شرِبه. قَالَ: وابتلاع الطَّعَام: ألاّ يَمْضُغه. قَالَ: والبُلَع الْوَاحِدَة بُلْعة، وَهِي من قامة البَكْرَة: سَمّها وثَقْبها. قَالَ: والبالوعة والبَلَّوعة لُغَتَانِ بِئْر تُحفر ويضيّق(2/249)
رَأسهَا، يجْرِي فِيهَا مَاء الْمَطَر. قَالَ: و (بالوعة) لُغَة أهل الْبَصْرَة. والمَبْلَع: مَوضِع الابتلاع من الحَلْق. أَبُو عبيد عَن أبي زيد: يُقَال للْإنْسَان أوَّلَ مَا يظْهر فِيهِ الشيب: قد بلَّع فِيهِ الشيب تبليعاً. وسَعْد بُلَع: نجمان معترضان خفيّان مَا بَينهمَا قريب، يُقَال: إِنَّه سمّي بُلَع؛ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ لقرب صَاحبه مِنْهُ يكَاد يَبْلَعه، يَعْنِي الْكَوْكَب الَّذِي مَعَه. وبَلْعاء بن قيس: رجل من كبراء الْعَرَب. وَرجل بُلَع ومِبْلع وَبُلَعة إِذا كَانَ كثير الْأكل. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: البوْلع: الْكثير الْأكل.
بعل: وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {وَهَاذَا بَعْلِى شَيْخًا} (هُود: 72) قَالَ الزجّاج: نصب (شَيخا) على الْحَال. قَالَ: وَالْحَال هَهُنَا نَصْبها من غامض النَّحْو. وَذَلِكَ إِذا قلت: هَذَا زيد قَائِما فَإِن كنت تقصد أَن تخبر من لم يعرف زيدا أَنه زيد لم يجز أَن تَقول: هَذَا زيد قَائِما لِأَنَّهُ يكون زيدا مَا دَامَ قَائِما، فَإِذا زَالَ عَن الْقيام فَلَيْسَ بزيد. وَإِنَّمَا تَقول للَّذي يعرف زيدا: هَذَا زيد قَائِما، فتُعمِل فِي الْحَال التَّنْبِيه، الْمَعْنى انتبِه لزيد فِي حَال قِيَامه، أَو أُشير لَك إِلَى زيد فِي حَال قِيَامه، لِأَن (هَذَا) إِشَارَة إِلَى من حضر، فالنصب الْوَجْه كَمَا ذكرنَا. وَمن قَرَأَ: (هَذَا بعلي شيخ) فَفِيهِ وُجُوه. أَحدهَا التكرير، كَأَنَّك قلت: هَذَا بعلي، هَذَا شيخ. وَيجوز أَن تجْعَل (شيخ) مبنِيّاً عَن (هَذَا) . وَيجوز أَن تجْعَل (بعلي) و (شيخ) جَمِيعًا خبرين عَن (هَذَا) فترفعهما جَمِيعًا ب (هَذَا) ؛ كَمَا تَقول: هَذَا حُلْو حامض. وَقَوله عزَّ وجلَّ: {أَلاَ تَتَّقُونَ أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ} (الصَّافات: 125) قيل: إِن بعلاً كَانَ صَنَماً من ذهب يعبدونه. وَقيل: أَتَدعُونَ بعلاً أَي ربّاً، يُقَال: أَنا بَعْل هَذَا الشَّيْء أَي ربّه ومالكه، كَأَنَّهُ قَالَ: أَتَدعُونَ ربّاً سوى الله. وَذكر عَن ابْن عبّاس أَن ضالَّة أُنشِدت، فجَاء صَاحبهَا، فَقَالَ: أَنا بَعْلهَا يُرِيد أَنا ربّها، فَقَالَ ابْن عَبَّاس: هُوَ من قَول الله جلّ وعزّ: {أَلاَ تَتَّقُونَ} (الصَّافات: 125) أَي ربّاً. وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ فِي صَدَقة النّخل: (مَا سُقِي مِنْهُ بَعْلاً فَفِيهِ العُشر) . قلت: هَذَا ذكره أَبُو عبيد فِي كتاب (غَرِيب الحَدِيث) وسمعته فِي كتاب (الْأَمْوَال) : (مَا شرب مِنْهُ بَعْلاً فَفِيهِ العُشر) وَهَذَا لفظ الحَدِيث، وَالْأول كتبه أَبُو عبيد: على الْمَعْنى. وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الأصمعيّ: البَعْل: مَا شرب بعروقه من الأَرْض من غير سَقي من سَمَاء وَلَا غَيره. وَأنْشد لعبد الله بن رَوَاحة:
هُنَالك لَا أُبَالِي نخل سَقْي
وَلَا بَعْل وَإِن عَظُم الإناءُ
قَالَ أَبُو عبيد: وَقَالَ الكسائيّ فِي البعْل: هُوَ العِذْي، وَهُوَ مَا سقته السَّمَاء. وَقَالَ ذَلِك أَبُو عُبَيْدَة. قلت: وَقد ذكر القتيبيّ هَذَا فِي الْحُرُوف الَّتِي ذكر أَنه أصلح الْغَلَط الَّذِي وَقع فِيهَا. وألفيته يتعجّب من قَول الأصمعيّ: البَعْل: مَا شرب بعروقه من الأَرْض من غير سقْي من السَّمَاء وَلَا غَيرهَا، وَقَالَ: لَيْت شعري أَيْنَمَا يكون هَذَا النّخل الَّذِي لَا يُسقى من سَمَاء(2/250)
وَلَا غَيرهَا، وتوهَّم أَنه يُصلح غَلطاً، فجَاء بأطمّ غلط. وَجَهل مَا قَالَه الأصمعيّ، وَحمله جَهله بِهِ على التخبّط فِيمَا لَا يعرفهُ، فَرَأَيْت أَن أذكر أَصْنَاف النخيل لتقف عَلَيْهَا، فيصحَّ لَك مَا حَكَاهُ أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ. فَمن النخيل السَقِيّ. وَيُقَال: المَسْقَوِيّ. وَهُوَ الَّذِي يُسقَى بِمَاء الْأَنْهَار والعيون الْجَارِيَة. وَمن السقِيّ مَا يُسقَى نَضْحاً بالدلاء والنواعير وَمَا أشبههَا.
فَهَذَا صنف. وَمِنْهَا العِذْي. وَهُوَ مَا نبت مِنْهَا فِي الأَرْض السهلة، فَإِذا مُطِرت نشِفت السهولةُ ماءَ الْمَطَر، فَعَاشَتْ عروقُها بالثرى الْبَاطِن تَحت الأَرْض، وَيَجِيء تمرها قَعقاعاً؛ لِأَنَّهُ لَا يكون ريَّان كالسَّقِيّ. ويسمَّى التَّمْر إِذا جَاءَ كَذَلِك قَسْباً وسُحّاً. وَالضَّرْب الثَّالِث من النخيل: مَا نبت ودِيُّه فِي أَرض يقرب مَاؤُهَا الَّذِي خلقه الله تَحت الأَرْض فِي رَقَّات الأَرْض ذَات النَزّ، فرسخت عروقُها فِي ذَلِك المَاء الَّذِي تَحت الأَرْض واستغنَتْ عَن سَقْي السَّمَاء وَعَن إِجْرَاء مَاء الْأَنْهَار إِلَيْهَا أَو سَقْيها نَضْحاً بالدلاء.
وَهَذَا الضَّرْب هُوَ البَعْل الَّذِي فسّره الأصمعيّ. وتَمْر هَذَا الضَّرْب من التُمْران لَا يكون ريّان وَلَا سُحّاً وَلَكِن يكون بَينهمَا وَهَكَذَا فسّر الشافعيّ ح البَعْل فِي بَاب القَسْم، فِيمَا أَخْبرنِي عبد الْملك عَن الرّبيع عَن الشَّافِعِي فَقَالَ: البَعْل: مَا رَسَخ عروقه فِي المَاء فاستغنَى عَن أَن يُسقى. قلت: وَقد رَأَيْت بِنَاحِيَة الْبَيْضَاء من بِلَاد جزيمةِ عبد الْقَيْس نخلا كثيرا عروقها راسخة فِي المَاء وَهِي مستغنية عَن السَقْي وَعَن مَاء السَّمَاء تسمَّى بَعْلاً. وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه ذكر أَيَّام التَّشْرِيق فَقَالَ: (إِنَّهَا أَيَّام أكل وشُرْب وبِعَال) . قَالَ أَبُو عبيد: البِعَال: النِّكَاح وملاعبة الرجل أَهله. يُقَال للْمَرْأَة: هِيَ تباعِل زَوجهَا بِعَالاً ومباعلة إِذا فعلت ذَلِك مَعَه. وَقَالَ الحطيئة:
وَكم من حَصَان ذَات بَعْل تركتَها
إِذا اللَّيْل أدجى لم تَجِد من تُبَاعِلُهْ
أَرَادَ: أَنَّك قتلْتَ زَوجهَا أَو أسرته. وَيُقَال للرجل: هُوَ بعل الْمَرْأَة. وَيُقَال للْمَرْأَة: هِيَ بَعْله وبعلته. وَيجمع البعل بُعولة، قَالَ الله جلّ وعزّ: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} (البَقَرَة: 228) . وَقَالَ اللَّيْث فِي تَفْسِير البعل من النّخل مَا هُوَ أطمّ من الْغَلَط الَّذِي ذَكرْنَاهُ عَن القتيبيّ. زعم أَن البعل: الذّكر من النّخل، وَالنَّاس يسمّونه الْفَحْل. قلت: وَهَذَا غلط فَاحش. وَكَأَنَّهُ اعْتبر هَذَا التَّفْسِير من لفظ البعل الَّذِي مَعْنَاهُ الزَّوْج.
قلت: وبعل النخيل: إناثها الَّتِي تُلَقَّح فتحمِل. وَأما الفُحال فَإِن ثمره ينتفض، وَإِنَّمَا يلقَّح بطَلْعه طَلعُ الْإِنَاث إِذا انْشَقَّ. وَقَالَ اللَّيْث أَيْضا: البَعْل: الزَّوْج. يُقَال: بَعَل يَبْعَل بُعولة فَهُوَ باعل أَي مستعلج قلت: وَهَذَا من أغاليط اللَّيْث أَيْضا. وَإِنَّمَا سمّي زوج الْمَرْأَة بعلاً لِأَنَّهُ سيّدها ومالكها، وَلَيْسَ من بَاب الاستعلاج فِي شَيْء. وروى سَلَمة عَن الفرّاء وَأَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: بعل الرجل يَبْعَل بَعلاً كَقَوْلِك: دَهِش وخَرِق وعَقِر. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: البعل: الضَجَر والتبرُّم بالشَّيْء.(2/251)
وَأنْشد:
بعِلت ابْن غَزْوان بَعِلت بِصَاحِب
بِهِ قبلك الإخوانُ لم تَكُ تَبْعل
قَالَ: والبَعْل: الصَنَم. والبعل: اسْم ملِك. والبعل: الزَّوْج، وَقد بَعَل يَبْعل بعلاً إِذا صَار بعلاً لَهَا.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: أصبح فلَان بَعلاً على أَهله أَي ثِقلاً عَلَيْهِم. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: البَعَل: حسن الْعشْرَة من الزَّوْجَيْنِ. والبِعال: حَدِيث العروسين. والبِعال: الْجمال. وَأنْشد:
يَا ربُّ بعل سَاءَ مَا كَانَ بعل
وَامْرَأَة حَسَنَة التبعل إِذا كَانَت مطاوِعة لزَوجهَا محِبَّة لَهُ. واستبعل النخلُ إِذا صَار بَعلاً راسخ الْعُرُوق فِي المَاء مستغنياً عَن السقْي وَعَن إِجْرَاء المَاء فِي نهر أَو عاثور إِلَيْهِ.
(بَاب الْعين وَاللَّام مَعَ الْمِيم)
ع ل م
علم، عمل، لمع، لعم، ملع، معل: مستعملات.
علم: حدّثنا مُحَمَّد بن إِسْحَاق السعديّ حَدثنَا سعد بن مَزْيد حَدثنَا أَبُو عبد الرحمان المُقْرِى فِي قَول الله جلّ وعزّ: {وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ} (يُوسُف: 68) . فَقلت: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن مِمَّن سَمِعت هَذَا؟ قَالَ: من ابْن عُيَينة، قلت: حَسْبي. وَرُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَالَ: لَيْسَ الْعلم بِكَثْرَة الحَدِيث وَلَكِن العِلم الخَشْية. قلت: ويؤيّد مَا قَالَه قولُ الله جلّ وَعز: {أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ} (فَاطِر: 28) .
وَقَالَ بَعضهم: العالِم هُوَ الَّذِي يعْمل بِمَا يعلم. قلت: وَهَذَا يقرب من قَول ابْن عُيَيْنَة. وَقَول الله جلّ وعزّ: {الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الفَاتِحَة: 2) رَوى عَطاء بن السَّائِب عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {رَبِّ الْعَالَمِينَ} قَالَ: رب الجِنّ وَالْإِنْس. وَقَالَ قَتَادَة: ربّ الْخلق كلِّهم. قلت: وَالدَّلِيل على صحَّة قَول ابْن عَبَّاس قَول الله جلّ وعزّ: {تَبَارَكَ الَّذِى نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} (الفُرقان: 1) وَلَيْسَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نذيراً للبهائم وَلَا للْمَلَائكَة، وهم كلّهم خَلْق الله، وَإِنَّمَا بُعث مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نذيراً للجنّ وَالْإِنْس. وَرُوِيَ عَن وهب بن منبّه أَنه قَالَ: لله تَعَالَى ثَمَانِيَة عشر ألف عَالم، الدُّنْيَا مِنْهَا عَالم وَاحِد؛ وَمَا العُمران فِي الخراب إِلَّا كفُسْطاط فِي صحراء. وَقَالَ الزّجاج: معنى العالمِين: كلّ مَا خلق الله كَمَا قَالَ: {وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَىْءٍ} (الأنعَام: 164) وَهُوَ(2/252)
جمع عالَم. قَالَ: وَلَا وَاحِد لعالَم من لَفظه؛ لِأَن عالَماً جَمْع أَشْيَاء مُخْتَلفَة فَإِن جعل عَالم لوَاحِد مِنْهَا صَار جمعا لِأَشْيَاء متَّفقة. قلت: فَهَذِهِ جملَة مَا قيل فِي تَفْسِير الْعَالم. وَهُوَ اسْم بني على مِثَال فاعَل؛ كَمَا قَالُوا: خَاتم وطابَع ودانَقَ.
وأمَّا قَول الله جلّ وعزّ: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ} (البَقَرَة: 102) تكلم أهل التَّفْسِير فِي هَذِه الْآيَة قَدِيما وحديثاً. وَأبين الْوُجُوه الَّتِي تأولوا: أَن المَلكين كَانَا يعلّمان النَّاس وَغَيرهم مَا يُسألان عَنهُ ويأمران باجتناب مَا حَرُم عَلَيْهِم، وَطَاعَة الله فِيمَا أُمروا بِهِ ونهوا عَنهُ. وَفِي ذَلِك حِكْمَة، لِأَن سَائِلًا لَو سَأَلَ: مَا الزِّنَى؟ وَمَا اللواط؟ لوَجَبَ أَن يُوقف عَلَيْهِ ويُعلَم أَنه حرَام. فَكَذَلِك مَجَاز إِعْلَام المَلَكين النَّاس السِحْر وأمْرهما السَّائِل باجتنابه بعد الْإِعْلَام. وَذكر أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: تَعَلَّمْ بِمَعْنى اعلَمْ. قَالَ: وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ} (البَقَرَة: 102) قَالَ وَمَعْنَاهُ أَن السَّاحر يَأْتِي الْملكَيْنِ فَيَقُول: أخبراني عَمَّا نهى الله عَنهُ حَتَّى أَنْتَهِي. فَيَقُولَانِ: نهى عَن الزِّنَى، فيستوصفهما الزِّنَى فيصفانه. فَيَقُول: وعمَّا ذَا؟ فَيَقُولَانِ: عَن اللواط. ثمَّ يَقُول: وعماذا؟ فَيَقُولَانِ: عَن السحر، فَيَقُول: وَمَا السحر؟ فَيَقُولَانِ: هُوَ كَذَا فيحفظه وينصرف، فيخالف فيكفر. فَهَذَا يعلمَانِ، إِنَّمَا هُوَ: يُعْلِمان. وَلَا يكون تَعْلِيم السحر إِذا كَانَ إعلاماً كفرا، وَلَا تعلُّمه إِذا كَانَ على معنى الْوُقُوف عَلَيْهِ ليجتنبه كفرا؛ كَمَا أَن من عرف الرِّبَا لم يَأْثَم بِأَنَّهُ عرفه، إِنَّمَا يَأْثَم بِالْعَمَلِ. قلت: وَلَيْسَ كتَابنَا هَذَا مَقْصُورا على علم الْقُرْآن فنودع مَوضِع الْمُشكل كل مَا قيل فِيهِ وَإِنَّمَا نثبت فِيهِ مَا نستَصْوبه وَمَا لَا يَسْتَغْنِي أهلُ اللُّغَة عَن مَعْرفَته.
ومِنْ صِفَات الله الْعَلِيم والعالِم والعلاَّم.
قَالَ الله جلّ وَعز: {مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ} (يس: 81)
وَقَالَ: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} (الْأَنْعَام: 73) .
وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: {يَقْذِفُ بِالْحَقِّ} (سَبَإ: 48) فَهُوَ الله العالِم بِمَا كَانَ وَمَا يكون كَوْنه، وَبِمَا يكون ولمّا يكن بعد قبل أَن يكون.
وَلم يزل عَالما، وَلَا يزَال عالِماً بِمَا كَانَ وَمَا يكون، وَلَا تخفى عَلَيْهِ خافية فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء.
وَيجوز أَن يُقَال للْإنْسَان الَّذِي علَّمه الله عِلماً من الْعُلُوم: عليم؛ كَمَا قَالَ يوسُف للملِك: {إِنِّى حَفِيظٌ عَلِيمٌ} (يُوسُف: 55) .
وَقَالَ الله جلّ وعزّ {أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ} (فَاطِر: 28) فَأخْبر جلَّ وعزَّ أَن من عباده مَن يخشاه وَأَنَّهُمْ هم الْعلمَاء.
وَكَذَلِكَ صفة يُوسُف كَانَ عليماً بِأَمْر ربّه وَأَنه وَاحِد لَيْسَ كمثْله شَيْء؛ إِلَى مَا عَلَّمه الله من تَأْوِيل الْأَحَادِيث الَّذِي كَانَ يقْضِي بِهِ على الْغَيْب، فَكَانَ عليماً بِمَا علَّمه الله.(2/253)
وَيُقَال: رجل علاَّمة إِذا بالغت فِي وَصفه بِالْعلمِ. والعِلْم نقيض الْجَهْل. وَإنَّهُ لعالم، وَقد علِم يعلَم عِلماً.
وَيُقَال: مَا علمت بِخَبَر قدومك أَي مَا شَعَرت.
وَيُقَال: استعلِمْ لي خبرَ فلَان وأعْلِمنيه حَتَّى أَعلمه.
وَقَول الله تَعَالَى: {ء} (الرحمان: 1، 2) قيل فِي تَفْسِيره: إِنَّه جلّ ذكره يسَّره لِأَن يُذكَر.
وَأما قَوْله: {الإِنسَانَ عَلَّمَهُ البَيَانَ} (الرحمان: 4) فَمَعْنَاه: أَنه علَّمه الْقُرْآن الَّذِي فِيهِ بَيَان كل شَيْء.
وَيكون معنى قَوْله: {الإِنسَانَ عَلَّمَهُ البَيَانَ} : مميّزاً يَعْنِي الْإِنْسَان حَتَّى انْفَصل من جَمِيع الْحَيَوَان.
وَقَالَ جلّ وعزَّ {تُكَذِّبَانِ وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَئَاتُ فِى} (الرحمان: 24) .
قَالُوا الْأَعْلَام: الْجبَال، وأحدها عَلَم.
وَقَالَ جرير:
إِذا قَطعنَا علما بدا علم
وَقَالَ فِي صفة عِيسَى: {يَخْلُفُونَ وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَاذَا} (الزخرف: 61) وَهِي قِرَاءَة أَكثر القرَّاء.
وَقَرَأَ بَعضهم: (وَإنَّهُ لَعَلَمٌ للساعة) الْمَعْنى أَن ظُهُور عِيسَى ونزوله إِلَى الأَرْض عَلاَمة تدلّ على اقتراب السَّاعَة.
وَيُقَال لما يُبنى فِي جَوَادِّ الطَّرِيق من الْمنَار الَّتِي يستدلّ بهَا على الطَّرِيق: أَعْلَام، وَاحِدهَا عَلَم. والعَلَم: الرَّايَة الَّتِي إِلَيْهَا يجْتَمع الْجند. والعَلَم: عَلَم الثَّوْب ورَقْمه فِي أَطْرَافه. والمَعْلَم: مَا جعل عَلامَة وعَلَماً للطرق وَالْحُدُود؛ مثل أعلاَم الحرَم ومعالمه المضروبة عَلَيْهِ.
وَفِي الحَدِيث: (تكون الأَرْض يَوْم الْقِيَامَة كقُرْصة النَقيّ لَيْسَ فِيهَا مَعْلَم لأحد) .
وَذكر سَلَمة عَن الفرّاء: العُلام: الصَقْر. قَالَ: العُلاَميّ: الرجل الْخَفِيف الذكيّ، مَأْخُوذ من العُلاَم.
وَقَالَ اللَّيْث: العُلاَم: الباشِق، وَهُوَ ضرب من الْجَوَارِح. وَأما العُلاّم بتَشْديد اللَّام فَإِن أَبَا الْعَبَّاس رَوَى عَن ابْن الأعرابيّ أَنه الحِنّاء. قلت: وَهُوَ صَحِيح.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: المَعْلَم: الْأَثر، وَجمعه المعالِم.
وَيُقَال: أعلمت الثَّوْب إِذا جعلت فِيهِ عَلامَة أَو جعلت لَهُ عَلَماً. وأعلمت على مَوضِع كَذَا من الْكتاب عَلامَة.
أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر: عالمَني فلَان فعلَمتُه أَعْلُمُه بالضمّ وَكَذَلِكَ كل مَا كَانَ من هَذَا الْبَاب بِالْكَسْرِ فِي يفعِل فَإِنَّهُ فِي بَاب المغالبة يرجع إِلَى الرّفْع؛ مثل ضاربته فضربته أضربه. وَعلمت يتَعَدَّى إِلَى مفعولين. وَلذَلِك أَجَازُوا علمتُنِي كَمَا قَالُوا: ظننتُني ورأيتُني وحسِبتُني. تَقول: علمت عبدَ الله عَاقِلا.
وَيجوز أَن تَقول: علمت الشَّيْء بِمَعْنى عَرَفته وخَبَرته.
وَقَالَ اللحياني: عَلَمت الرجل أعْلُمُه عَلْماً إِذا شققت شفته الْعليا، وَهُوَ الأعلم، وَقد(2/254)
عَلِمَ يَعْلَم عَلَماً فَهُوَ أعلم.
وَالْبَعِير يُقَال لَهُ: أعلم لعَلَم فِي مِشْفره الْأَعْلَى. وَإِذا كَانَ الشَقّ فِي شفته السُفلى فَهُوَ أَفْلح.
وَقَالَ ابْن السّكيت: العَلْم: مصدر عَلَمت شفته أعلُمها عَلْماً. والعَلَم: الشقّ فِي الشَفَة الْعليا.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال للرجل المشقوق الشّفة السُّفْلى: أَفْلح، وَفِي الْعليا: أعلم، وَفِي الْأنف: أخرم، وَفِي الأُذُن: أخرب، وَفِي الجَفْن: أشتر. وَيُقَال فِيهِ كُله أشرم.
وَيُقَال: عَلَمت عِمَّتي أَعْلِمها عَلْماً. وَذَلِكَ إِذا لُثْتها على رَأسك بعلامة تُعرف بهَا عِمّتك.
وَقَالَ الشَّاعِر:
ولُثن السُبُوب خِمْرة قرشيَّة
دُبَيريّة يَعْلِمن فِي لَوْثها عَلْما
أَبُو عبيد عَن الفرّاء العَيْلام: الضبعان، وَهُوَ ذكر الضِبَاع.
وَقَالَ الأمويّ والفرّاء: العَيْلم: الْبِئْر الْكَثِيرَة المَاء. وَرجل مُعْلِم إِذا عرف مَكَانَهُ فِي الْحَرْب بعلامة أعلمها. وأَعْلَم حمزةُ يَوْم بدر. وَمِنْه قَوْله:
فتعرّفوني إِنَّنِي أَنا ذَا كُمُ
شاكٍ سلاحي فِي الْحَوَادِث مُعْلِم
وقِدْح مُعْلَم: فِيهِ عَلامَة.
وَمِنْه قَول عنترة:
وَلَقَد شربت من المدامة بَعْدَمَا
ركد الهوا جربا لمَشُوف المعلَم
وَقَالَ شمر فِيمَا قَرَأت بِخَطِّهِ فِي كتاب (السِّلَاح) لَهُ: العَلْماء من أَسمَاء الدروع.
قَالَ: وَلم أسمعهُ إِلَّا فِي بَيت زُهَيْر بن جَناب:
جَلَّح الدَّهْر فانتحى لي وقِدْماً
كَانَ يُنْحي القُوَى على أمثالى
يدْرك التِمْسَح المولَّع فِي اللُجَّ
ة والعُصْمَ فِي رُؤُوس الْجبَال
وتصدَّى ليصرع البطل الأرْ
وَع بَين العَلْماء والسربال
وروى غير شمر هَذَا الْبَيْت لعَمْرو بن قَمِيئة. وَقَالَ: بَين العلهاء والسربال، بِالْهَاءِ. وَالصَّوَاب مَا رَوَاهُ شمر بِالْمِيم.
عمل: قَالَ الله تَعَالَى فِي آيَة الصَّدقَات: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} (التّوبَة: 60) وهم السُعاة الَّذين يَأْخُذُونَ الصَّدقَات من أَرْبَابهَا، واحدهم عَامل وساعٍ. واستُعمل فلَان إِذا وَلِي عملا من أَعمال السُّلْطَان. وَيُقَال: أعمل فلَان ذِهنه فِي كَذَا وَكَذَا إِذا دبره بفهمه. وعمِل فلَان الْعَمَل يعمَله عَمَلاً فَهُوَ عَامل. وَلم يجىء فعِلت أفعَل فَعَلاً متعدّياً إلاَّ فِي هَذَا الْحَرْف.
وَفِي قَوْلهم: هبلته أمّه هَبَلاً، وإلاّ فسائر الْكَلَام يَجِيء على فَعْل سَاكن الْعين؛ كَقَوْلِك: سرِطت اللُقْمة سَرْطاً وبِلعته بَلْعاً وَمَا أشبهه. والعُمَالة: رِزْق الْعَامِل الَّذِي جُعل لَهُ على مَا قُلِّد من الْعَمَل، وعامل الرمْح: صَدره دون السنان، وَيجمع عوامل.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: عاملت الرجل أعامله(2/255)
مُعَاملَة فِي الْمُبَايعَة وَغَيرهَا. والعَمَلة: الْقَوْم الَّذين يعْملُونَ بِأَيْدِيهِم ضروباً من الْعَمَل فِي طين أَو حَفْر أَو غَيره.
وَقَالَ اللحياني: العُمْلة والعُمَالة: أَجْر الْعَمَل.
أَبُو عُبَيْدَة: عوامل الدابَّة: قوائمه، وَاحِدهَا عاملة.
الكسائيّ: نَاقَة عَمِلة بيِّنة العَمَالة مثل اليَعْملة إِذا كَانَت فارهة، وَتجمع اليعملة من النوق: يَعْملات.
وَقَالَت امْرَأَة من الْعَرَب: مَا كَانَ لي عَمِلة إلاَّ فسادكم، أَي مَا كَانَ لي عمل. وَيُقَال: لَا تتعمَّل فِي أَمرك ذَا، كَقَوْلِك: لَا تتعَنَّ، وَقد تعنَّيت للرأي تعنَّيت من أَجلك.
وَقَالَ مُزَاحم العُقَيليّ:
تكَاد مغانيها تَقول من البِلى
لسائلها عَن أَهلهَا لَا تعَمَّلِ
أَي لَا تتعَنَّ، فَلَيْسَ لَك فِي السُّؤَال فرَج.
وَقَالَ أَبُو سعيد: سَوف أتعمَّل فِي حَاجَتك أَي أتعنَّى.
وَقَالَ الجعديّ يصف فرسا:
وترقبه بعاملة قَذوف
سريعٍ طَرْفها قلقٍ قَذَاها
أَي ترقبه بِعَين بعيدَة النّظر. والمسافرون إِذا مشَوا عَلَى أَرجُلهم يسمَّون بني العَمَل.
وَأنْشد الأصعميّ:
فَذكر الله وسمَّى وَنزل
بمنزل ينزله بَنو عملْ
لَا ضَفَف يَشْغَله وَلَا ثَقَلْ
نزل: أَقَامَ بمنى، وَرجل خَبِيث العِمْلة إِذا كَانَ خَبِيث الْكسْب وَرجل عمول إِذا كَانَ كسُوباً.
وَأنْشد الفرّاء قَول لَبيد:
أَو مِسْحَل عمِلٌ عِضَادةَ سَمْحج
بَسَرَاتها نَدَب لَهُ وكُلُوم
فَقَالَ: أوقع (عمل) على (عصادة سَمْحج) قَالَ: وَلَو كَانَت (عَامل) كَانَ أبين فِي العربيّة.
قلت: العضادة فِي بَيت لَبيد جمع العَضُد. وَإِنَّمَا وصف عَيْراً وأتانهُ وسَوقه إيّاها، فَجعل (عمل) بِمَعْنى مُعْمِل أَو عَامل، ثمَّ جعله عَمِلاً وَالله أعلم.
وَقَالَ اللَّيْث: اعتمل الرجلُ؛ إِذا عمِل لنَفسِهِ.
قلت: هَذَا كَمَا يُقَال: اختدم إِذا خدم نَفسه، واقترأ إِذا قَرَأَ السَّلَام على نَفسه. وَاسْتعْمل فلَان غَيره إِذا سَأَلَهُ أَن يعْمل لَهُ. وأعمل فلَان رَأْيه. وَيُقَال: اسْتعْمل فلَان اللبِن إِذا مَا بنى بِهِ بِنَاء. وَيُقَال: عَمَّلت الْقَوْم عُمَالتهم إِذا أَعطيتهم إيَّاها.
وعاملة: قَبيلَة، إِلَيْهَا نسب عَدِيّ بن الرِقاع العامليّ. والمعاملة فِي كَلَام أهل الْعرَاق: هِيَ الْمُسَاقَاة فِي كَلَام الحجازيّين.
ورُوِي عَن الشعبيّ أَنه أُتي بشراب مَعْمُول، قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: الْمَعْمُول فِي الشَّرَاب: الَّذِي فِيهِ اللبَن والعَسل والثّلج.
لمع: اللَّيْث: لَمَع البَرْقُ يَلْمَع إِذا أَضَاء. وألمع الرجل بِثَوْبِهِ للإنذار.(2/256)
قَالَ: وألمعت الناقةُ بذَنَبها فَهِيَ مُلْمِع.
قَالَ: وَهِي مُلْمِع: قد لَفِحَتْ. وَهِي تُلمع إلماعاً إِذا حَمَلت، ولمَع ضَرْعها عِنْد نزُول الدِرَّة فِيهِ.
قَالَ: وَإِذا تحرّك وَلَدهَا فِي بَطنهَا قيل: ألمعت.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: إِذا استبان حَمْل الأَتَان وَصَارَ فِي ضَرْعها لُمَع سَوَادٍ فَهِيَ مُلْمِع.
وَقَالَ فِي كتاب (الْخَيل) : إِذا أشرق ضَرْع الْفرس للْحَمْل قيل: ألمعتْ.
قَالَ: وَيُقَال ذَلِك لكل حافر وللسباع أَيْضا. قلت: لم أسمع الإلماع فِي النَّاقة لغير اللَّيْث، إِنَّمَا يُقَال للناقة: مُضْرِع ومُرْمِد ومُرِدّ.
وَقَوله: ألمعت النَّاقة بذَنبها شاذّ، وَكَلَام الْعَرَب: شالت النَّاقة بذنبها بعد لَقَاحها، وشَمَذت واكتارت وعَسَرت. فَإِن فعلت ذَلِك من غير حَبَل قيل: أبرقت فَهِيَ مُبْرق.
وَقَالَ اللَّيْث: اللُمَع: تلميع يكون فِي الحَجَر أَو الثَّوْب أَو الشَّيْء يتلوّن ألواناً شتَّى. يُقَال: حَجَر ملمَّع. وَوَاحِدَة اللُمَع لُمْعة. يُقَال: لُمْعة من سَواد أَو بَيَاض أَو حمرَة.
قَالَ: وَيُقَال: للبرق الخُلَّب الَّذِي لَا مَطَر فِيهِ: يَلْمَع. وَيُقَال: هُوَ أكذب من يَلْمَع. وَيُقَال: اليَلْمَع: السراب قلت: وَالْعرب تَقول: وقعنا فِي لُمْعة من نَصِيّ وصِلِّيان أَي فِي بُقعة مِنْهَا ذاتِ وَضَح لِمَا نبت فِيهَا من النَصِيّ. وَيجمع لُمَعاً. ولُمعة جَسد الْإِنْسَان نَعْمتها وبَرِيق لَوْنهَا.
وَقَالَ عَدِيّ بن زيد:
تُكذب النفوسَ لُمعتُها
وتحور بعد آثارا
وَقَالَ اللَّيْث: اليَلْمَعِيّ والألمعيّ: الكذّاب، مَأْخُوذ من اليَلْمع وَهُوَ الشَّرَاب. قلت: مَا علمت أحدا قَالَ فِي تَفْسِير اليلمعي من اللغويين مَا قَالَه اللَّيْث.
قَالَ أَبُو عبيد عَن أَصْحَابه: الألْمعيّ: الْخَفِيف الظريف. وَأنْشد قَول أَوْس بن حَجَر:
الأَلمعيّ الَّذِي يظنّ لَك الظَن
كَأَن قد رأى وَقد سمعا
وَقَالَ ابْن السّكيت: رجل يَلْمعيّ وأَلْمَعيّ للذكيّ المتوقِّد.
ورَوَى شمر عَن ابْن الأعرابيّ أَنه قَالَ: الألمعيّ: الَّذِي إِذا لمع لَهُ أوّلُ الْأَمر عرف آخِره، يُكْتَفَى بظنّه دون يقينه. وَهُوَ مَأْخُوذ من اللَمْع وَهُوَ الْإِشَارَة الخفيَّة وَالنَّظَر الخفيّ. قلت: وَتَفْسِير هَؤُلَاءِ الأئمّة اليلمعيّ مُتَقَارب يصدّق بعضُه بَعْضًا. وَالَّذِي قَالَه اللَّيْث بَاطِل؛ لِأَنَّهُ على تَفْسِيره ذمّ، وَالْعرب لَا تضع الألمعيّ إلاّ فِي مَوضِع الْمَدْح.
وَفِي حَدِيث عمر رَحمَه الله أَنه رأى عَمْرو بن حُريث فَقَالَ: أَيْن تُرِيدُ؟ قَالَ: الشأم. فَقَالَ: أمَا إِنَّهَا ضَاحية قَوْمك، وَهِي اللمَّاعة بالرُكْبان. قَالَ شمر: سَأَلت السُلَميّ والتميميّ عَنهُ فَقَالَا جَمِيعًا: اللمّاعة بالركبان: تلمع بهم أَي تدعوهم(2/257)
إِلَيْهَا وتطَّبيهم.
وَقَالَ شمر: يُقَال: لَمَع فلَان البابَ أَي برز مِنْهُ. وَأنْشد:
حَتَّى إِذا عَنْ كَانَ فِي التلمُّس
أفلته الله بشِقّ الْأَنْفس
مُلَمَّعَ البابِ رَثيم المَعْطِس
وَقَالَ شمر: يُقَال: ألمع بالشَّيْء أَي ذهب بِهِ. وَأنْشد قَوْله:
وعَمْراً وجوناً بالمشقَّر ألْمَعا
قَالَ: وَيُقَال: أَرَادَ بقوله: ألمعا: اللَّذين مَعًا، فَأدْخل عَلَيْهِ الْألف وَاللَّام.
وَقَالَ أَبُو عدنان: قَالَ لي أَبُو عُبَيْدَة: يُقَال: هُوَ الألمع بِمَعْنى الألمعيّ.
قَالَ: وَأَرَادَ متممّ بقوله:
وجوناً بالمشقر ألمعا
أَرَادَ: أَي جونا الألمع فَحذف الْألف وَاللَّام.
قَالَ شمر: وَقَالَ ابْن بُزُرْج: يُقَال: لَمَعت بالشَّيْء وألمعت بِهِ أَي فته.
وَيُقَال: ألمعْتُ بهَا الطريقَ فلمعت. وَأنْشد:
ألْمِع بهنّ وضح الطَّرِيق
لَمْعَك بالكبساء ذَات الحُوق
وَقَالَ ابْن مقبل فِي لَمَع بِمَعْنى أَشَارَ:
عَيْثي يلُبّ ابْنه المكتوم إِذا لَمَعت
بالراكبين على نَعْوان أَن يقفا
عَيْثي بِمَعْنى عَجَبى ومَرْحَى. وَيُقَال للرجل إِذا فزِع من شَيْء أَو غضب وحزِن فتغيّر لذَلِك لونُه: قد التُمِع لونُه.
وَفِي حَدِيث ابْن مَسْعُود أَنه رأى رجلا شاخصاً بَصَرُه إِلَى السَّمَاء فِي الصَّلَاة فَقَالَ: مَا يدْرِي هَذَا، لَعَلَّ بَصَره سيُلْتَمع قبل أَن يرجع إِلَيْهِ.
قَالَ أَبُو عبيد: مَعْنَاهُ: يُخْتَلس، يُقَال: التمعنا الْقَوْم: ذَهَبْنَا بهم.
وَقَالَ الْقطَامِي:
زمَان الْجَاهِلِيَّة كل حيّ
أبَوْنا من فَصِيلتهم لِمَاعا
قَالَ أَبُو عبيد: وَمن هَذَا يُقَال التمع لونُه إِذا ذهب. قَالَ: واللْمْعَة فِي غير هَذَا: هُوَ الْموضع الَّذِي لَا يُصِيبهُ الماءُ فِي الغُسْل وَالْوُضُوء.
وَفِي حَدِيث لُقْمَان بن عَاد أَنه قَالَ: إِن أرَ مطمعي فحِدَوّ تَلَمَّع، وإلاَّ أرى مطمعي فوقّاع بصُلَّع.
قَالَ أَبُو عبيد: معنى تلمَّع أَي تختطف الشَّيْء فِي انقضاضها، وَأَرَادَ بالحِدَوّ والحدَأَة، وَهِي لُغَة أهل عكة. وَيُقَال لَمَع الطَّائِر بجناحينه إِذا خَفَق بهما. ولَمَع الرجل بيدَيْهِ إِذا أَشَارَ بهما. وَيُقَال لجناحي الطَّائِر: مِلْمَعاه.
وَقَالَ حُميد يذكر قطاي:
لَهَا مِلْمَعاه إِذا أوغفا
يحُثّان جوّجزها بالوَحَى
أوغفا: أَسْرعَا. والوَحَى هَهُنَا: الصَّوْت، وَكَذَلِكَ الوَحَاة، أَرَادَ: حفيف جناحيها.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال ليافوخ الصبيّ مَا كَانَت ليّنة: لامعة. جمعهَا: اللوامع فَإِذا اشتدَّت وعادت عظما فَهِيَ اليافوخ.(2/258)
ملع: أهمله اللَّيْث.
أَبُو عبيد: المَلْع: سرعَة سير النَّاقة. وناقة مَيْلَع: سريعة. وَلَا يُقَال: جمل مَيْلع. قَالَ: وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: المَلِيع: الأَرْض الَّتِي لَا نَبَات فِيهَا.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: المَلِيع: الفَسِيح الْوَاسِع من الأَرْض الْبعيد المستوِي. وَإِنَّمَا سمّي مليعاً لمَلْع الْإِبِل فِيهَا وَهُوَ ذهابها.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: المَلِيع: الفضاء الْوَاسِع.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: المَليع: كَهَيئَةِ السِكَّة ذَاهِب فِي الأَرْض، ضيق قَعْره أقلّ من قامة، ثمَّ لَا يلبث أَن يَنْقَطِع، ثمَّ يضمحلّ إِنَّمَا يكون فِيمَا اسْتَوَى من الأَرْض فِي الصَّحَارِي ومتون الأَرْض، يَقُول الملِيعُ الغلْوتين أَو أقلّ وَالْجَمَاعَة مُلُع. وَقَالَ المرّار الفَقْعَسِيّ فِيهِ:
رَأَيْت ودونهم هَضَبات أَفْعَى
حُمُول الحيّ عالية مليعا
قَالَ: تلِيع: مَدَى الْبَصَر أَرض مستوية. وَمن أَمْثَال الْعَرَب: ذهبت بِهِ عُقَابٌ تُلاَع قَالَ بَعضهم: تُلاَع: أَرض أضيف إِلَيْهَا. وَيُقَال: قلاع من نعت الْعقَاب أضيفت إِلَى نعتها. وَقَالَ أَبُو عبيد: من أمثالهم فِي الْهَلَاك: طارت بهم العنقاء، وأودَتْ بهم عُقَابٌ تلاَع وَيُقَال ذَلِك فِي الْوَاحِد والجميع. وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم عِقَاب ملاع هُوَ العقيِّب الَّذِي يصيد الجِرْذان، يُقَال لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ: موش خارّه. أَخْبرنِي بذلك الْمُنْذِرِيّ عَنهُ. وَقَالَ أَبُو زيد: من أمثالهم: لأَنْت أخف يدا من عقيّب ملاع يَا فَتى مَنْصُوب وَهِي عُقَاب تَأْخُذ العصافير والجِرْذان لَا تَأْخُذ أكبر مِنْهَا. قَالَ: ومَلاعُ: أَرض. قَالَ: وأصابه خرء بَقَاع يَا فَتى مَصْرُوف، هُوَ أَن يُصِيبهُ غُبَار وعَرَق فَتبقى لُمَعُ من ذَلِك على جَسَده. وبَقَاع يَعْنِي بهَا أَرض. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال: مَلَع العَضِيل أُمّه وملق أمّه إِذا رضعها. وَقَالَ أَبُو تُرَاب: نَاقَة مَيْلَع مَيْلُق إِذا كَانَت سريعة. وَقَالَ شمر: المَيْلَع: النَّاقة الْخَفِيفَة السريعة. وَمَا أسْرع مَلْعها فِي الأَرْض وَهُوَ سرعَة عَنَقها. يُقَال: مَا أسْرع مَا مَلَعت وامتلعت وأملعت وَقد امتلع الْجمل فسَبق وَهُوَ سرعَة عَنَقه وَأنْشد:
جَاءَت بِهِ ميلعة طمرة
وَأنْشد الفرّاء:
وتهفو بهادٍ لَهَا ملع
كَمَا أقحم القادس الأردمونا
قَالَ: الميلع: المضطرب هَهُنَا وَهَهُنَا. والميلع: الْخَفِيف. والقادس السَّفِينَة. والأرْدم: الملاَّح.(2/259)
(بَاب الْعين وَالنُّون)
(ع ن ف)
عنف، عفن، فنع، نفع، نعف: مستعملة.
عنف: قَالَ اللَّيْث: العُنْفُ ضد الرِّفْق، يُقَال عَنُفَ بِهِ يَعْنُف عُنْفاً فَهُوَ عَنيف إِذا لم يكن رَفِيقًا فِي أمره. قَالَ: وأعنفته أَنا، وعنّفته تعنيفاً. قَالَ: وعُنْفوان الشَّبَاب أوّل بهجته، وَكَذَلِكَ عُنْفُوان النَّبَات.
قلت: عُنْفُوان فُعْلُوان من العُنْف ضدّ الرِّفْق، وَيجوز أَن يكون الأَصْل فِيهِ: أُنْفُوَان، من ائتنفت الشَّيْء واستأنفته، إِذا اقتبلتَه، فقُلبت الْهمزَة عينا، فَقيل: عُنْفوان. وَسمعت بعض تَمِيم يَقُول: اعتنفت الْأَمر بِمَعْنى ائتنفته، واعتنفنا المراعي، أَي رعينا أُنفها. وَهَذَا كَقَوْلِهِم: (أعن ترسّمت) ، مَوضِع (أأن ترسّمت) .
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي العبَّاس أَن ابْن الأعرابيّ أنْشدهُ:
لم يَخْتَرِ البَيْتَ على التعزُّبِ
وَلَا اعْتِنَافَ رُجْلَةٍ عَن مركب
قَالَ: والاعتناف الْكَرَاهَة، يَقُول لم يخْتَر كَرَاهَة الرُّجلة فيركبَ ويدع الرُجْلة، وَلكنه اشْتهى الرجلة، وَأنْشد فِي الاعتناف بِمَعْنى الْكَرَاهَة:
إِذا اعْتَنَفَتْني بلدةٌ لم أكن بهَا
نسيباً وَلم تُسْدَدْ عليَّ المطالب
وَقَالَ أَبُو عُبَيد عَن أَصْحَابه: اعْتَنَفْتُ الشَّيْء: كرهته، وَوجدت لَهُ عليّ مشقّة وعُنْفاً.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: اعتنفت الْأَمر اعتنافاً جهِلته، وَأنْشد قَول رؤبة:
بِأَرْبَع لايَعْتَنِفْنَ العَفْقا
أَي لَا يجهلْن شدّة العَدْو. قَالَ: واعتنفت الْأَمر اعتنافاً أَي أَتَيْته وَلم يكن لي بِهِ علم.
وَقَالَ أَبُو نُخَيْلة:
نَعَيْتَ امْرأ زَيْناً إِذا تُعْقَدُ الحُبَا
وَإِن أُطْلِقَتْ لم تَعْتَنِفْهُ الوقائع
يُرِيد: لم تَجدهُ الوقائع جَاهِلا بهَا.
وَقَالَ بن شُمَيْل: قَالَ الْبَاهِلِيّ: أكلتُ طَعَاما فاعتنفتُه، أَي أنكرته. قلت: وَذَلِكَ إِذا لم يُوَافقهُ.
وَيُقَال: طَرِيق مُعْتَنِفٌ أَي غير قَاصد. وَقد اعتنف اعتنافاً إِذا جَار وَلم يقْصد، وَأَصله من اعتنفت الشَّيْء إِذا أَخَذته أَو أَتَيْته غير حاذق بِهِ وَلَا عَالم.(3/5)
عفن: اللَّيْث: عَفِن الشَّيْء يَعْفَنُ عَفَناً فَهُوَ عَفِنٌ، وَهُوَ الشَّيْء الَّذِي فِيهِ نُدُوّة ويُحْبَس فِي مَوضِع مغموم فَيَعْفَنُ ويَفْسُد.
وَقَالَ اللحياني وَغَيره: عَفَنَ فِي الْجَبَل وعَثَن فِيهِ، إِذا صَعَّد فِيهِ، جَاءَ بِهِ فِي بَاب الْفَاء والثاء.
فنع: قَالَ اللَّيْث: الفَنَعُ نَفْحَة الْمسك، ونَشْر الثَّنَاء الْحسن. وَقَالَ سُوَيد بن أبي كَاهِل:
وفُرُوع سابغ أطرافُها
عَلَّلَتْها ريحُ مِسْكٍ ذِي فَنَع
أَبُو عبيد: الفَنَع: الْكَرم وَالعطَاء والجود الْوَاسِع. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: أنشدنا ابْن الْأَعرَابِي:
أظلَّ بَيْتي أم حسناء ناعمةً
عَيَّرَتْني أم عَطَاء الله ذِي الفَنَعِ
قَالَ: الفَنَعِ: الْكثير من كل شَيْء، وَكَذَلِكَ الفَنِيعُ، والفَنْع. وَيُقَال: لَهُ فَنَعٌ فِي الْجُود، وَمَال ذُو فنعٍ وفَنَأ، أَي ذُو كَثْرَة. قَالَ: والفَنَعُ أعرف وَأكْثر فِي كَلَامهم، قَالَه اللَّيْث.
نفع: قَالَ اللَّيْث: يُقَال: نَفَعَ يَنْفَعُ نَفْعاً فَهُوَ نَافِع، والنفْع ضدّ الضَّر، وَفُلَان ينْتَفع بِكَذَا وَكَذَا. قَالَ: والنِّفعُ فِي المزادة فِي جانبيها، يُشَقُّ الْأَدِيم فيُجْعَلُ فِي جانبيها، فِي كل جَانب نِفْعَةٌ.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن نَجْدة قَالَ أَبُو زيد: النَّفْعَةُ الْعَصَا، وَهِي فَعْلَةٌ من النَّفْع.
عَمْرو عَن أَبِيه: يُقَال أَنْفَع الرجل إِذا اتجَّر فِي النَّفَعَاتِ وَهِي العِصِيُّ.
وَقَالَ اللحياني: مَا عِنْدهم نَفِيعَةٌ أَي مَنْفَعَة. وَيُقَال: رجل نفَّاعٌ: إِذا كَانَ ينفع النَّاس وَلَا يضرّهم.
نعف: قَالَ اللَّيْث: النَّعْفُ من الأَرْض الْمَكَان المرتفِع فِي اعْتِرَاض، وانْتَعَف الرجلُ إِذا ارْتقى نعفاً. قَالَ:
والنَّعْفَةُ: ذؤابة النَّعْل، والنَّعَفة: أَدَم يَضرب خلف شَرْخ الرَّحْلِ.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: النَّعفة: الْجلْدَة الَّتِي تعلّق على آخِرَةِ الرَّحْل.
شمر عَن ابْن الأعرابيّ: النَّعْفَة فِي النَّعْل: السّير الَّذِي يضْرب ظهر الْقدَم من قبل وحْشِيِّها.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: النَّعْف مَا ارْتَفع عَن الْوَادي إِلَى الأَرْض، وَلَيْسَ بالغليظ.
وَقَالَ غَيره: النَّعَف: مَا انحدر عَن غِلظ الْجَبَل، وارتفع عَن مَجْرَى السَّيْل، وَمثله الخَيْف.
وَقَالَ أَبُو عبيد: يُقَال نعَافٌ نُعَّف، وقِفَافٌ قُفَّف.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: نَعْف الرملة: مقدَّمها، وَمَا استَرقّ مِنْهَا.
وَفِي (النَّوَادِر) : أخذت نَاعِفَةَ القُنَّة، وراعفتها، وطارفتها، ورُعَافها، وقائِدَتها، كل هَذَا: متقادُها. اللحياني: يُقَال: ضَعِيف نَعِيفٌ إِتْباعٌ لَهُ. وَقَالَ غَيره: الانْتِعَافُ: وضوح الشَّخْص وظهوره.
يُقَال:
من أَيْن انْتعفَ الراكبُ أَي من أَيْن وَضَحَ وَمن أَيْن ظَهَر. والمُنْتعفُ الحَدُّ بَين الحَزْنِ والسَّهلِ. وَقَالَ البَعيثُ:(3/6)
بمُنْتَعَفِ بَين الحُزُونَةِ والسّهْل
وَقَالَ ذُو الرمة:
قطعتُ بنعف مَعْقُلَةَ العِدَالا
يُرِيد: مَا استرقَّ من رمله.
ع ن ب
عِنَب، عبن، نبع، نعب: مستعملة.
عِنَب: العِنَبُ مَعْرُوف، والواحدة عِنَبَة. وَقَالَ اللَّيْث: رجل عَانِبٌ: ذُو عِنَب، كَمَا يَقُولُونَ: تَامِرٌ، ولابِنٌ، أَي ذُو تَمْرٍ وَلَبن. قَالَ: والعُنَّابُ من الثَّمر يُقَال لَهُ: السَّنجِلان بِلِسَان الْفرس.
وَقَالَ ابْن شُميل: العِنَبة: بَثْرَة تشتدّ فتَرِم وتمتلىءُ مَاء وتُوجِعُ، تَأْخُذ الْإِنْسَان فِي عينه وحَلْقه.
يُقَال: فِي عينه عِنَبة.
وَقَالَ الفرّاء: العِنَبَاءُ: العِنَبٌ مَمْدُود، رَوَاهُ أَبُو عبيد عَنهُ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: إِذا كَانَ القَطرانُ غليظاً فَهُوَ مُعَنِّب وَأنْشد:
لَو أَن فِيهِ الحنظل المقَشَّبا
والقطِرَان العاتِق المُعَنَّبا
وَقَالَ شمر قَالَ ابْن شُمَيْل: العُنَابُ: بَظْر الْمَرْأَة، قَالَ شمر: وَقَالَ غَيره: الأَعْنَبُ الأَنْف الضخمُ السَّمِجُ.
وَقَالَ أَبُو عبيد: العُنَاب: الرجل الضخم الْأنف، وَأنْشد:
وأفرق مَهْبُونِ التَّراتَى مُصَعَّدِ الْ
بلاعيم رِخْوِ المَنْكبيْن عُنَابِ
وَقَالَ شمر فِي كتاب (الْجبَال) : العُنَابُ: النَّبَكَةُ الطويلةُ فِي السَّمَاء الفاردةُ المُحَدَّدةُ الرَّأْس، يكون أسود وأحمر وأسمر، وعَلى كل لون يكون، وَالْغَالِب عَلَيْهَا السّمرة. وَهُوَ جبل طَوِيل فِي السَّمَاء لَا يُنبت شَيْئا مستدير. قَالَ: والعُنَابُ وَاحِد، قَالَ: وَلَا تَعُمُّه، أَي لَا تَجْمَعُهُ، قَالَ: وَلَو جمعت لَقلت: العُنُب. وَقَالَ الراجز:
كَمَرَةٌ كَأَنَّهَا العُنَابُ
قلت: وَهَذَا من كتاب ابْن شُمَيْل.
قَالَ شمر: وعُناب: جبل فِي طَرِيق مكَّة، قَالَ المَرَّارُ:
جعلن يمينهُنَّ رِعَانَ حَبْسٍ
وَأعْرض عَن شمائِلها العُنَابُ
وَقَالَ اللَّيْث: العُنابُ: الْجَبَل الصَّغِير الْأسود.
وَقَالَ أَبُو عبيد: العَنَبَان: التَّيْسُ من الظِّبَاء. وَجمعه عِنْبَان.
وَقَالَ اللَّيْث: ظَبْي عَنَبان: نشيط.
عبن: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: أعبن الرجلُ إِذا اتّخذ جملا عَبَنَّى، وَهُوَ القويّ. قَالَ: والعُبنَة: قوّة الْجمل والناقة. قَالَ: والعُبُنُ من النَّاس: السمان الملاح، والعُبْنُ من الدَّوَابّ: القويّات على السّير، الْوَاحِد عَبَنّى.
قَالَ أَبُو عبيد: نَسْرٌ عَبَنيٌّ، وَهُوَ الْعَظِيم.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: العَبْن: الغِلَظُ فِي الْجِسْم والخشونَةُ.
وَقَالَ اللَّيْث: العَبِّنُ والعَبَنَّى: الْجمل الضخم الْجِسْم، وناقة عَبَنَّاةٌ، وجمل عَبَنّ(3/7)
ُ الخَلْق، وناقة عَبَنَّةٌ.
نعب: قَالَ اللَّيْث: نعَب الغرابُ يَنْعَب وينعِب نعْباً ونَعِيباً ونَعَباناً ونُعْاباً، وَهُوَ صَوته. وَفرس مِنْعَب: جواد، وناقة نَعَّابةٌ: سريعة.
أَبُو عبيد: النَّعْب من سير الْإِبِل، وَقَالَ غَيره: النعْب: أَن يحرّك الْبَعِير رَأسه إِذا أسْرع، وَهُوَ من سير النجائب، يرفع رَأسه فينْعَبُ نعباناً.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: أَنْعَبَ الرجلُ إِذا نَعَر فِي الفِتن.
نبع: يُقَال: نَبَع الماءُ ينبُع نَبْعاً ونُبُوعاً إِذا خرج من الْعين، قَالَه اللَّيْث، وَلذَلِك سميت الْعين يَنْبُوعاً. قلت: وَهُوَ يَفْعُول من نبع الماءُ إِذا جرى من الْعين، وَجمعه ينابيع. وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن سَلَمة عَن الْفراء قَالَ: نبع الماءُ ينبَعُ وينبِعُ وينبُعُ، قَالَ ذَلِك الْكسَائي. وبناحية الْحجاز عَيْنٌ يُقَال لَهَا: يَنْبُع، تسقِي نخيلاً لآل عليّ بن أبي طَالب ح. نُبايع: اسْم مَكَان أَو جبل أَو وادٍ فِي بِلَاد هُذَيل، ذكره أَبُو ذُؤَيْب فَقَالَ:
وَكَأَنَّهَا بالْجِزْعِ جِزْع نُبايع
وأُولات ذِي العرجاء نَهْبٌ مُجْمَعُ
وَيجمع على نُبَاعيات. والنَّبْعُ: شجر من أَشجَار الْجبَال يتّخذ مِنْهُ القِسيُّ. وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن الْمبرد أَنه قَالَ: النَّبْع والشَّوْحَط والشّرْيَانُ: شَجَرَة وَاحِدَة، وَلكنهَا تخْتَلف أسماؤها لاخْتِلَاف منابتها وتَكْرُم على ذَلِك، فَمَا كَانَ مِنْهَا فِي قُلَّةِ الْجَبَل فَهُوَ النَّبْع، وَمَا كَانَ فِي سَفْحه فَهُوَ الشِّرْيَان، وَمَا كَانَ فِي الحَضِيض فَهُوَ الشَّوْحَطُ. والنَبْع لَا نَار فِيهِ، وَلذَلِك يضْرب بِهِ الْمثل فَيُقَال: لَو اقْتَدَحَ بالنَّبْعِ لأَوْرَى نَارا، إِذا وُصف بجَوْدَةِ الرَّأْي والحِذْقِ بالأمور. ع ن م
عنم، عَمَّن، منع، معن، نعم: مستعملات.
عنم: قَالَ اللَّيْث: العَنمُ: ضرب من شجر السِّوَاكِ لَيِّنُ الأغصان لَطِيفُها، كَأَنَّهَا بنان العَذَارى، واحدتها عَنَمَةٌ. قَالَ: وَيُقَال العَنَمُ: شَوْكُ الطَّلْحِ. قَالَ: والعَنَمُ ضرب من الوَزَغِ يشبه العَظَاية، إلاَّ أَنه أحسن مِنْهَا وأشدُّ بَيَاضًا. وَقَالَ رؤبة:
يُبدين أطرافاً لِطَافاَ عَنَمُهْ
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العَنَمُ: شَجَرَة حِجَازِيَّةُ لَهَا ثَمَرَة حَمْرَاء يُشَبَّهُ بهَا البنانُ المَخْضُوبَةٌ.
وَقَالَ أَبُو خَيْرَةَ: العَنَمُ لَهُ ثَمَرَة حمراءُ يُشَبَّهُ بهَا البنان المخضوب.
قلت: الَّذِي قَالَه اللَّيْث فِي تَفْسِير العَنَمِ أَنهُ الوَزَغُ وَشَوْكُ الطَّلْحِ غيرُ صَحِيح.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي فِي مَوضِع: العَنَمُ يُشْبِهُ العُنَّابَ، الواحدةُ عَنَمةٌ، قَالَ: والعَنَمُ: الشَّجر الحُمْرُ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: أَعْنَمَ إِذا رعى الغَنَمَ، وَهُوَ شجر يحمل ثَمراً أَحْمرَ مثل العُنَّاب، والعَيْنُومُ: الضِّفْدِعُ الذَّكَرُ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: العَنْمة: الشَّقَّةُ فِي شَفَةِ الْإِنْسَان، قَالَ: والعَنْمِيُّ الحَسَنُ(3/8)
الوَجْه المُشْرَبُ حمرَة.
وَقَالَ أَبُو زيد فِي كتاب (النَّوَادِر) : العَنَمُ واحدته عَنَمة، وَهِي أَغْصَان تنْبت فِي سُوقِ العِضَاهِ رَطْبَةٌ لَا تُشْبِهُ سَائِر أغصانه، أَحْمَر النَّوْر، يتفرق أَعالي نَوْرِهِ بِأَرْبَع فرق، كَأَنَّهُ فَنَنٌ من أراكة يخْرجن فِي الشِّتَاءِ والقَيْظ.
نعم: قَالَ اللَّيْث: نَعِمَ يَنْعَمُ نَعْمَةً فَهُوَ نَعِمٌ بَيِّنُ المَنْعَمِ.
أَبُو عُبيد عَن الْأَصْمَعِي: نَعِمَ يَنْعِمُ وَيجوز يَنْعَمُ، فَهُوَ ناعم.
ثَعْلَب عَن سَلَمة عَن الْفراء، قَالُوا: نزلُوا منزلا يَنْعِمُهُمْ وَيَنْعَمُهُمْ ويَنْعُمُهم وَيُنْعِمُهُم عَيْناً، أَربع لُغَات.
وَقَالَ اللِّحياني: نَعِمَك الله عينا، ونَعِمَ الله بِك عَيْناً ونَعِمَ وأنعم الله بك عَيناً، قَالَ: وَحكى الكسائيّ: نزل الْقَوْم منزلا يَنْعُمُهُم ويَنْعمَهُم وَيْنعُمُهم ويُنْعِمُهم، وَالْعرب تَقول: نَعَمْ ونُعْمَى عَيْنٍ، ونَعَامَ عَيْنٍ، ونَعْمَةَ عين ونَعِمَ عَينٍ ونِعَامَ عين، حَكَاهُ كلَّه اللحياني، وَقَالَ: يَا نُعْم عَيْني، أَي يَا قُرَّة عَيْني، وَأنْشد الْكسَائي فِيهِ:
صبَّحك الله بخيرٍ باكرِ
بنُعْمِ عين وشبابٍ فاخر
قَالَ: ونَعْمَةُ الْعَيْش: حُسْنُه وغَضَارَتُه، والمذكّر مِنْهُ نَعْمٌ، وَيجمع أَنْعُما.
قَالَ: ونِعْمَةُ الله: مَنُّه وعَطَاؤُه بِكَسْر النُّون، وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {فِى الاَْرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ} (لُقْمَان: 20) . قَالَ الْفراء: قَرَأَهُ ابْن عَبَّاس: (نعْمَة) قَالَ: وَلَو كَانَت نعْمَة لكَانَتْ نعْمَة دون نعْمَة أَو فَوق نعْمَة، قَالَ الْفراء: وقرىء (نِعَمه) وَهُوَ وَجه جيّد، لِأَنَّهُ قد قَالَ: {شَاكِراً لاَِّنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ} (النّحل: 121) ، فَهَذَا جمع النعم، وَهُوَ دَلِيل على أَن (نعمه) جَائِز. وَقَالَ ابْن عَبَّاس: النِّعْمَة الظَّاهِرَة: الْإِسْلَام، والباطنة: ستر الذُّنُوب.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: وَاحِدَة الأنْعُمِ نِعْمَةٌ، وَوَاحِدَة الأشُدِّ شِدَّةٌ.
وَقَالَ الزّجاج: قَرَأَ بَعضهم: {الْعَلِىُّ الْكَبِيرُ أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِى فِى الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِّنْءَايَاتِهِ إِنَّ فِى ذَلِكَ} (لقمَان: 31) ، وقرىء: (بنعمَات الله) بِفَتْح الْعين وَكسرهَا. وَيجوز (بنعْمات الله) بِإِسْكَان الْعين. فأمَّا الْكسر فعلى من جمع كِسْرة كِسِرات، وَمن أسكن فَهُوَ أَجود الْأَوْجه على من جمع كِسْرة كِسْرات، وَمن قَرَأَ (بنعمَات الله) فَلِأَن الْفَتْح أخفّ الحركات، وَهُوَ أخفّ فِي الْكَلَام من: (نِعِمات الله) .
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {يَسْطُرُونَ مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ} (القَلَم: 2) ، يَقُول: مَا أَنْت بإنعام الله عَلَيْك وحمدك إيّاه على نعْمَته بمجنون.
والنِّعمة بِالْكَسْرِ اسْم من: أنعم الله عَلَيْهِ يُنعم إنعاماً ونِعْمَةً، أُقيم الِاسْم مُقَام الإنعام، كَقَوْلِك: أنفقت عَلَيْهِ إنفاقاً ونَفَقَةً بِمَعْنى وَاحِد.
عَمْرو عَن أَبِيه: أنعم الرجلُ إِذا شيَّع صديقه حافياً خُطوات، وأنعم: أفضل وَزَاد، وَفِي الحَدِيث: (إِن أهل الْجنَّة ليتراءون أهل عليين كَمَا ترَوْنَ الْكَوْكَب الدُرّيّ فِي أُفُق السَّمَاء، وَإِن أَبَا بكر وَعمر مِنْهُم وأَنْعَما. قَالَ أَبُو عبيد، قَالَ الكسائيّ(3/9)
فِي قَوْله: وأَنْعما) ، أَي زادا على ذَلِك، يُقَال: قد أحسنتَ إليّ وأنعمت، أَي زِدْت على الْإِحْسَان، ودققتُ دَوَاء فأنعمتُ دقّه، أَي بالغت وزدت؛ وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي:
سمين الضواحي لم تؤرِّقه لَيْلَة
وأنعم أبكارُ الهُمُوم وعونُها
الضواحي: مَا بَدَأَ من جسده، لم تؤرقه لَيْلَة أبكار الهموم وعونها وأنعم، أَي وَزَاد على هَذِه الصّفة.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: أبكار الهموم: مافجئَك وعُونها: مَا كَانَ همّاً بعد همّ. وَحرب عَوَان إِذا كَانَت بعد حَرْب كَانَت قبلهَا. وَيُقَال: جَارِيَة منعَّمة ومناعَمَة، أَي مترَفة. ونعّم فلَان وَلَده إِذا ترَّفهم.
وَيُقَال: ناعِمْ حبلَكَ وَغَيره، أَي أُحْكِمْهُ.
والتنعيم: مَوضِع يقرب من مَكَّة. والنَّعامة هَذَا الطَّائِر يجمع نَعَاماً ونعامات ونعائم.
الْأَصْمَعِي: وَمن أَسمَاء الجَنُوب النُّعامى على فُعالَى.
وَقَالَ اللَّيْث: النَّعَام بغَيْرهَا: الظليم، والنعامة الْأُنْثَى. قلت: وَجَائِز أَن يُقَال للذّكر نعَامَة بِالْهَاءِ، وَكَذَلِكَ الْأُنْثَى يُقَال لَهَا نعَامَة.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: الزُّرْنُوقَان: منارتان تبنيان على رَأْسِ الْبِئْر، والنعامة: الْخَشَبَة المعترِضة على الزُرنوقين، ثمَّ تعلّق الْقَامَة وَهِي البَكَرَةُ من النّعامة، فَإِن كَانَت الزرانيق من خشب فَهِيَ دِعَمٌ.
وَقَالَ أَبُو الْوَلِيد الكلابيّ: إِذا كَانَتَا من خشب فهما النعامتان، قَالَ والمعترضة عَلَيْهِمَا هِيَ العَجَلة، والغَرْبُ معلَّق بهَا.
قلت: وَقد تكون النعامتان خشبتين يضم طرفاهما الأعليان ويُرْكَزُ طرفاهما الأسفلان فِي الأَرْض، أَحدهمَا من هَذَا الْجَانِب، وَالْآخر من الْجَانِب الآخر ويُصْقعان بِحَبل ثمَّ يُمَدُّ طرفا الْحَبل إِلَى وَتَدين مثبتين فِي الأَرْض أَو حجرين ضخمين وتعلّق الْقَامَة بَين شُعْبَتَيْ النعامتين.
وَقَول الله جلّ وعزّ: {إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِىَ} (الْبَقَرَة: 271) ، وَمثله: {إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} (النِّساء: 58) .
قَالَ أَبُو عبيد: قَرَأَ أَبُو جَعْفَر وشَيْبَة وَنَافِع وَعَاصِم وَأَبُو عَمْرو: (فنِعْما) بِكَسْر النُّون وجَزْم الْعين وَتَشْديد الْمِيم، وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ: (فَنَعِمَّا) بِفَتْح النُّون وَكسر الْعين.
وَذكر أَبُو عبيد حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين قَالَ لعَمْرو بن الْعَاصِ: (نَعِمَّا بِالْمَالِ الصَّالح للرجل الصَّالح) ، وَأَنه يخْتَار هَذِه من أجل هَذِه الرِّوَايَة.
وَقَالَ الزّجاج: النحويّون لَا يجيزون مَعَ إدغام الْمِيم تسكين الْعين وَيَقُولُونَ إِن هَذِه الرِّوَايَة فِي (نعما) لَيست بمضبوطة.
ورُوي عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ: (فنِعِمَّا) بِكَسْر النُّون وَالْعين.
وَأما أَبُو عَمْرو فَكَانَ مذْهبه فِي هَذِه كسرة خَفِيفَة مختلسة.
وَالْأَصْل فِي نعْم، نَعِمَ، ونِعِم ثَلَاث لُغَات. وَمَا فِي تَأْوِيل الشَّيْء فِي نِعِمَّا،(3/10)
الْمَعْنى: نعم الشَّيْء هِيَ.
وَأما قَول الله جلّ وعزّ: {وَإِنَّ لَكُمْ فِى الاَْنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِى بُطُونِهِ} (النّحل: 66) ، فَإِن الْفراء قَالَ: الأنْعَامُ هَهُنَا بِمَعْنى النَّعَم، والنَّعَمُ يذكر ويؤنّث. وَلذَلِك قَالَ جلّ وعزّ: {مِّمَّا فِى بُطُونِهِ} (النّحل: 66) ، وَالْعرب إِذا أفردت النعم لم يُرِيدُوا بهَا إِلَّا الْإِبِل، فَإِذا قَالُوا: الْأَنْعَام، أَرَادوا بهَا الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم. قَالَ الله تَعَالَى: {وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} (الأنعَام: 142) الْآيَة، ثمَّ قَالَ: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} (الْأَنْعَام: 143) أَي خلق مِنْهَا ثَمَانِيَة أَزوَاج. وَكَانَ الْكسَائي يَقُول فِي قَوْله جلّ وعزّ: {نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِى بُطُونِهِ} (النّحل: 66) قَالَ: أَرَادَ فِي بطُون مَا ذكرنَا.
قَالَ: وَمثله قَوْله:
مثل الْفِرَاخ نَتَقَتْ حواصله.
قَالَ: أَرَادَ حواصل مَا ذكرنَا.
وَقَالَ آخر فِي تذكير النعم:
فِي كلّ عَام نَعَم تَحْوونه
يُلْقِحُه قوم وتَنْتِجُونه
وَمن الْعَرَب من يَقُول لِلْإِبِلِ إِذا كثرت الْأَنْعَام والأناعيم. وَقَول الله جلّ وعزّ {فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ} (المَائدة: 95) ، دخل فِي النعم هَهُنَا الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم وَالله أعلم.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: من أَسمَاء الرَّوْضَة: الناعمة والواضعة والناصفة والغَلْباء واللفَّاء. وروى سَلمَة عَن الْفراء قَالَت الدُّبَيْرية يُقَال: حُقْت الحَشْرَبَةَ ونَعَمَتُها وصُلْتها. أَي كنستها، وَهِي المِحْوَقَة والمِنْعَم والمِصْوَل: المكنسة.
وَقَالَ اللَّيْث: النعامة: صَخْرَة فِي الركيَّة نَاشِزَة. قَالَ: وَزَعَمُوا أَن ابْن النعامة من الطّرق كَأَنَّهُ مَرْكب النعامة فِي قَوْله:
وَابْن النعامة يَوْم ذَلِك مركبي
قَالَ: وَيُقَال: خفت نعامتهم أَي استمرّ بهم السّير.
وَقَالَ النحويون فِي نعم وَبئسَ إِذا كَانَ مَعَهُمَا اسْم جنس بِغَيْر ألف وَلَام فَهُوَ نصب أبدا، وَإِذا كَانَت فِيهِ الْألف وَاللَّام فَهُوَ رفع أبدا، وَذَلِكَ قَوْلك: نعم رجلا زيد وَنعم الرجل زيد، نصبت رجلا على التَّمْيِيز، وَلَا يعْمل نعم وَبئسَ فِي اسمٍ علمٍ، إِنَّمَا تعملان فِي اسْم منكور دالّ على جنس أَو اسْم فِيهِ ألف وَلَام يدلّ على جنس، وَإِذا قلت بئْسَمَا فعل، أَو نعم مَا فعل فَالْمَعْنى: بئس شَيْئا وَنعم شَيْئا فعل، كَذَلِك قَول الله: {إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} ِ (النِّساء: 58) بِهِ مَعْنَاهُ نعم شَيْئا يعظكم بِهِ.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُواْ نَعَمْ} (الأعرَاف: 44) . وَفِي بعض اللُّغَات: نَعِمْ، فِي معنى نَعَم، مَوْقُوفَة الآخر، لِأَنَّهَا حرف جَاءَ لِمَعْنى، وَإِنَّمَا يُجَاب بهَا الِاسْتِفْهَام الَّذِي لَا جحد فِيهِ. وَقد يكون نَعَمْ تَصْدِيقًا، قَالَ ذَلِك النحويون.
وروى أَبُو الْعَبَّاس بِإِسْنَادِهِ عَن الْكسَائي قَالَ: نَعَمْ يكون تَصْدِيقًا وَيكون عِدَةً.
وَقَالَ اللحياني يُقَال للْإنْسَان: إِنَّه لخفيف النعامة إِذا كَانَ ضَعِيف الْعقل. وَقَالَ أَبُو(3/11)
عُبَيْدَة فِي كتاب (الْخَيل) : النعامة: الْجلْدَة الَّتِي تَغْشى الدِّمَاغ، وَنَحْو ذَلِك قَالَ الْأَصْمَعِي، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: يُقَال: أتيت أَرضًا فنعَّمتني أَي وافقتني وأقمت بهَا، وتنعَّمت فلَانا: أَتَيْته على غير دابَّة، وتنعّم فلَان قَدَمَيْهِ أَي ابتذلهما.
وَقَالَ الْفراء: ابْن النعامة عِرْق فِي الرجْل، قَالَ وسمعته من الْعَرَب.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو النعامة الظلمَة، وَالْعرب تَقول: أصمّ من نعَامَة، وَذَلِكَ أَنَّهَا لَا تلوي على شَيْء إِذا جَفَلت، وَيَقُولُونَ: أشمّ من هَيْق لِأَنَّهُ يَشَمّ الرّيح. وَقَالَ الراجز:
أشمّ من هَيْق وأهدَى من جمل
وَيَقُولُونَ: أموق من نعَامَة، وأشرد من نعَامَة، ومؤوقها: تركُها بيضها وحَضنها بيض غيرِها، وَيُقَال أجبن من نعَامَة، وأعدى من نعَامَة، وَيُقَال ركب فلَان جناحي نعَامَة إِذا جدَّ فِي أمره، وَيُقَال للمنهزمين: أضحَوا نعاماً، وَمِنْه قَول بِشر:
فأمّا بَنو عَامر بالنِّسا
ر فَكَانُوا غَدَاة لَقُونا نعاما
وَتقول الْعَرَب للْقَوْم إِذا ظعنوا مُسْرِعين: خفّت نعامتهم، وشالت نعامتهم، وَيُقَال للعذارى: كأنهن بيض نعام، وَيُقَال للْفرس: لَهُ ساقا نعَامَة لقصر سَاقيه، وَله جؤجؤ نعَامَة لارْتِفَاع جؤجِئها. وَمن أمثالهم: مَا يجمع بَين الأرْوَى والنعام، وَذَلِكَ أَن مسَاكِن الأروى شَعَف الْجبَال، ومساكن النعام السهولة، فهما لَا يَجْتَمِعَانِ أبدا. وَيُقَال لمن يكثر علله عَلَيْك: مَا أَنْت إلاّ نعَامَة، يعنون قَوْله:
وَمثل نعَامَة تُدعى بَعِيرًا
تُعاظمه إِذا مَا قيل طيري
وَلَو قيل احملي قَالَت فَإِنِّي
من الطير المرِبَّة بالوُكور
وَيَقُولُونَ للَّذي يرجع خائباً: جَاءَ كالنعامة لِأَن الْأَعْرَاب يَقُولُونَ: إِن النعامة ذهبت تطلب قرنين: فَقطعُوا أذنيها فَجَاءَت بِلَا أذنين، وَفِي ذَلِك يَقُول بَعضهم:
أَو كالنعامة إِذا غَدَتْ من بَيتهَا
يصاغ قرناها بِغَيْر أذِين
فاجتُثَّت الأذنان مِنْهَا فانتهت
جَمّاء لَيْسَ من ذَوَات قُرُون
عَمْرو عَن أَبِيه: شالت نعامتهم إِذا تَفَرَّقت كلمتهم، وشالت نعامتهم إِذا ذهب عزهم وشالت نعامتهم إِذا دَرَست طريقتهم.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: ابْن النعامة: عَظْم السَّاق، وَابْن النعامة: عِرْق الرجل، وَابْن النعامة مَحَجَّة الطَّرِيق، وَابْن النعامة: الْفرس الفاره.
وَابْن النعامة: الساقي الَّذِي يكون على الْبِئْر.
والنَّعماء والنُّعمى ضدّ البأساء والبؤسى، ونَعْمان: اسْم جبل بَين مكّة والطائف، والنعائم منزل من منَازِل الْقَمَر، وَالْعرب تسميها: النعام الصَّادِر، وَهِي أَرْبَعَة كواكب مربّعة فِي طرف المجرَّة، وَهِي شأمية.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: النعامة الرِّجْل، والنَّعَامَةُ السَّاق، والنعامة الفَيْج المستعجِل، والنعامة الفَرَحُ، والنعامة(3/12)
الْإِكْرَام والنعامة المحجَّة الْوَاضِحَة، وَمن أمثالهم: أَنْتَ كصاحبة النعامة، وَكَانَ من قصّتها أَنَّهَا وجدت نعَامَة قد غصَّت بصُعرورة فأخذتها وربطتها بخمارها إِلَى شَجَرَة، ثمَّ دنت من الحيّ فهتفت: من كَانَ يَحُفُّنا ويَرُفُنا فليتَّرِكْ، وقوَّضت بَيتهَا لتحل على النعامة، فانتهت إِلَيْهَا وَقد أساغت غُصَّتها وأُفلتت، وَبقيت الْمَرْأَة لَا صَيْدها أحرزت، وَلَا نصِيبهَا من الحيّ حَفِظت. يُقَال ذَلِك عِنْد المَزْرِيةِ على من يَثِق بِغَيْر الثِّقَة.
وَقَالَ الْمبرد: النُعمان: الدَّم، وَلذَلِك قيل للشِّقِرِ: شقائق النُّعْمَان.
معن: قَالَ الله عزّ وجلّ: {ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} (الْمُؤْمِنُونَ: 50) . قَالَ الفرّاء: (ذَات قَرَار) : أرضٍ منبسطة.
وَقَوله: (ومعين) المَاء الظَّاهِر الْجَارِي، قَالَ: وَلَك أَن تجْعَل المعِين مَفْعُولا من الْعُيُون وَلَك أَن تَجْعَلهُ فعيلاً من الماعون، يكون أَصله المَعْن، والماعون الفاعول، وَقَالَ عَبِيد:
واهية أَو مَعِنِ مُمعن
أَو هَضْبة دونهَا لُهُوب
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: مَعَن المَاء يَمْعَن إِذا جرى، وأمعن أَيْضا، قَالَ: وأمعنته أَنا، ومياه مُعْنان، قَالَ: وَقَول النمر بن تَوْلب:
وإنّ ضيَاع مَالك غَيْرُ مَعْن
أَي غير حزم وَلَا كيس، من قَوْلهم: أمعن لي بحقّي إِذا أقرّ بِهِ وانقاد.
وَقَالَ الله عزّ وجلّ: {يُرَآءُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} (المَاعون: 7) . رُوِيَ عَن عليّ ح أَنه قَالَ: الماعون: الزَّكَاة. وَقَالَ الْفراء: سَمِعت بعض الْعَرَب يَقُول: الماعون هُوَ المَاء بِعَيْنِه، وأنشدني فِيهِ:
يَمُج صَبِيرُه الماعونَ صبّا
وَقَالَ الزّجاج: من جعل الماعون الزَّكَاة فَهُوَ فاعول من المَعْن، وَهُوَ الشَّيْء الْقَلِيل، فسميت الزَّكَاة ماعوناً بالشَّيْء الْقَلِيل؛ لِأَنَّهُ يُؤْخَذ من المَال ربع عشره، وَهُوَ قَلِيل من كثير. قَالَ الرَّاعِي:
قوم على الْإِسْلَام لمَّا يمنعوا
مَا عونهم ويُبَدِّلوا تبديلا
وَمِنْهُم من قَالَ: الماعون الْمَعْرُوف كُله، حَتَّى ذكر الْقَصعَة والقِدْر والفأس.
وَقَالَ ثَعْلَب: الماعون: كلّ مَا يُستعار من قَدُوم وسُفْرَة وشَفْرة.
وَقَالَت طَائِفَة: الزَّكَاة، وَعَلِيهِ الْعَمَل.
وَقَالَ بَعضهم: الماعون: الطَّاعَة، يُقَال: ضرب الناقةَ حَتَّى أَعْطَتْ ماعونها وانقادت.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: روض ممعون، يُسقى بِالْمَاءِ الْجَارِي.
وَقَالَ عَدِيّ بن زيد العِبَاديّ:
وَذي تناوير ممعون لَهُ صَبَح
يغْدو أوابد قد أفلين أمهارا
وَيُقَال للَّذي لَا مَال لَهُ: مَاله سَعْنَةٌ وَلَا مَعْنَةٌ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: المَعْن: الْقَلِيل، والمَعْن: الْكثير، والمَعْن: الطَّوِيل، والمَعْن: الْقصير، والمَعْن: الْإِقْرَار بالحقّ، والمَعْن: الذلّ، والمَعْن: الْجُحُود، وَالْكفْر للنعم،(3/13)
والمَعْن: المَاء الظَّاهِر.
وَقَالَ اللَّيْث: المَعْن: الْمَعْرُوف، والسَّعْن: الوَدَك، قَالَ، وَيُقَال مَعْنَاهُ مَاله قَلِيل وَلَا كثير. وَأنْشد:
وَلَا ضيَّعتُه فأنامَ عَنهُ
فَإِن ضيَاع مَالك غير مَعْن
اللَّيْث: أمعن الْفرس وَغَيره إِذا تبَاعد فِي عَدْوه.
أَبُو زيد: أمْعَنَتِ الأرضُ ومُعِنَتْ إِذا رَوِيت، وَقد مَعَنها المطرُ إِذا تتَابع عَلَيْهَا فأرواها.
ومَعِين: اسْم مَدِينَة بِالْيمن. والمَعْن: الْأَدِيم فِي قَوْله:
وَلَا حبٍ كمَقَدّ المَعْن وعَّسَهُ
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: المَعْنِيَّ: الْكثير المَال، والمَعْنِيُّ: الْقَلِيل المَال.
وَقَالَ أَبُو عبيد: مَعَان الْقَوْم: منزلهم، يُقَال: الْكُوفَة مَعَان منا أَي منزل منّا.
قلت: وَالْمِيم من معَان مِيم مفعل.
عَمْرو عَن أَبِيه: أمعن الرجل إِذا كثر مَاله، وأمعن إِذا قَلّ مَاله، وأمعن بِالْحَقِّ إِذا أقرّ بِهِ بعد جحوده.
عَمَّن: عُمَان: اسْم كورة عربيّة، يُقَال: أعمن وعمّن إِذا أَتَى عُمَان. وَقَالَ رؤبة:
نَواى شآمٍ بَان أم معمِّن
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: العُمُن: المقيمون فِي مَكَان يُقَال: الرجل عامن وعَمون، وَمِنْه اشتق: عُمَان.
وروى عَمْرو عَن أَبِيه: أعْمن: دَامَ على الْمقَام بعُمان، قَالَ: وعُمان يصرف وَلَا يصرف، فَمن جعله بَلَدا صرفه فِي حالتي الْمعرفَة والنَّكرة، وَمن جعله بَلْدَة ألحقهُ بطلحة.
وَأما عَمَّان فَهُوَ بِنَاحِيَة الشأم: مَوضِع، يجوز أَن يكون فَعْلان من عمّ يعمّ لَا ينْصَرف معرفَة وينصرف نكرَة، وَيجوز أَن يكون فعَّالاً من عَمن فَيَنْصَرِف فِي الْحَالَتَيْنِ إِذا عُني بِهِ الْبَلَد.
منع: قَالَ اللَّيْث: المَنعُ أَن تَحُولَ بَين الرجل وَبَين الشَّيْء الَّذِي يُريدهُ. يُقَال: مَنَعْتُهُ فامْتَنَعَ.
وَرجل منيعٌ: لَا يُخْلَصُ إِلَيْهِ، وَفُلَان فِي عز وَمَنَعَة، وَيُقَال: مَنْعة وَامْرَأَة مَنِعَةٌ: مُتَمَنِّعَةٌ لَا تُؤَاتَى على فَاحِشَة. وَقد مَنُعَتْ مَنَاعَةً وَكَذَلِكَ حِصن منيع، وَقد مَنُعَ مناعة: إِذا لم يُرَمْ.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: المَنْعِيُّ: أكَّال المُنُوع: وَهِي السَّرَطَانَاتُ، وَاحِدهَا مَنْع. وَقَالَ غَيره: رجل مَنُوع وَمَنَّاع إِذا كَانَ بَخِيلًا ممسِكاً، قَالَ الله تَعَالَى: {عَنِيدٍ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ} (ق: 25) وَقَالَ فِي آيَة أُخْرَى: {جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً} (المعارج: 21) .
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: رجل مَنُوع: يمْنَع غَيره، وَرجل مَنِيعُ يمْنَع نَفسه وَالْمَانِع من صِفَات الله تَعَالَى لَهُ مَعْنيانِ، أَحدهمَا مَا رُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (اللَّهم لَا مَانِعَ لما أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لما مَنَعْتَ) فَكَأَنَّهُ عزَّ وجلَّ يُعْطي من استحقّ الْعَطاء، وَيمْنَع من لم يستحقّ إلاّ الْمَنْع، وَيُعْطِي من يَشَاء وَيمْنَع من يَشَاء، وَهُوَ الْعَادِل فِي جَمِيع ذَلِك؛ وَالْمعْنَى الثَّانِي فِي(3/14)
تَفْسِير الْمَانِع: أَنه تَبارك وَتَعَالَى يمْنَع أهل دينه أَي يحوطهم وَيَنْصُرهُمْ، وَمن هَذَا يُقَال: فلَان فِي مَنَعة أَي فِي قوم يمنعونه ويحمونه، وَهَذَا الْمَعْنى فِي مَنْعَة الله بَالغ، إِذْ لَا مَنَعة لمن لم يمنعهُ الله، وَلَا يمْتَنع من لم يكن الله لَهُ مَانِعا.
وَقَالَ ابْن السِّكيت: المُتَمَنِّعَتانِ البَكْرة والعَنَاق تمنَّعان على السَّنةِ لفَنَائِهِمَا، وأنهما تشبعان قبل الجِلَّة، وهما المقاتلتان للزمان عَن أَنفسهمَا.
وروى ابْن عَرَفَة عَن أَحْمد بن يحيى عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: المنِيع الْمُمْتَنع، والممنوع الَّذِي يمْنَع غَيره.
وَقَالَ عَمْرو بن معد يكرب:
براني حُبّ من لَا أَسْتَطِيع
وَمن هُوَ للَّذي أَهْوى مَنُوع
(بَاب الْعين وَالْفَاء)
ع ف ب
مهمل)
ع ف م
اسْتعْمل مِنْهُ:
فَعم: اللَّيْث: فعُم يفعُم فَعَامة وفُعُومة فَهُوَ فَعْم: ممتلىء: وَجه فعْمٌ، وَجَارِيَة فَعْمةٌ ونهر مُفْعَوعم: أَي ممتلىء، وَقَالَ الشَّاعِر:
مُفْعَوْعمٌ صَخِبُ الآذيِّ منبعق
كَأَن فِيهِ أكُفَّ الْقَوْم تَصْطَفِق
يصف نَهرا. قَالَ وَيُقَال: أفعمت الْبَيْت برائحة العُود فافعوعم، قَالَ: وأفعم المسكُ البيتَ، وأفعمت السقاء فَهُوَ مفعوم، وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي لكُثَيِّر:
أَتِيٌّ ومفعوم حَثِيث كَأَنَّهُ
غُرُوب السواني أترعتها النَّوَاضِح
قَالَ وَهُوَ مثل قَوْله:
ألناطق المبروز والمختوم
قَالَ وَلم أسمعهُ إلاّ فِي هَذَا وَمثله: المضعوف من أضعفت.
وَقَالَ غَيره: سِقَاء، مُفْعَم ومُفْأم، أَي مَمْلُوء.
وَقَالَ أَبُو تُرَاب: سَمِعت وَاقعا السّلمِيّ يَقُول أفعمت الرجل وأفغمته إِذا ملأته غَضبا أَو فَرحا.
(بَاب الْعين وَالْبَاء)
ع ب م
اسْتعْمل من وجوهه: (عبم) .
عبم: قَالَ اللَّيْث: العَبَامُ الرجل الغليظ الْخِلْقة، تَقول عَبُم يعبُم عَبَامة فَهُوَ عَبَام.
وَقَالَ غَيره: العَبَام: الفَدْم العَييّ الثقيل من الرِّجَال.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال للرجل الطَّوِيل الْعَظِيم الجسيم: عِبَمٌّ وهُدَبِد. قَالَ والعُبُم جمع عَبَام، وَهُوَ الَّذِي لَا عقل لَهُ وَلَا أدب وَلَا شجاعة وَلَا رَأس مَال، وَهُوَ عَبَمٌّ وعَبَاماء.
وَقَالَ الْفراء: هُوَ العبَاماء للأحمق. والعبام، وَأنْشد قَول أَوْس بن حَجَر:
وشُبِّه الهَيْدَبُ العَبَامُ من الأق
وام سَقْباً مُجَللاً فَرعاً(3/15)
آخر الثلاثي الصَّحِيح من حرف الْعين، والمنّة لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:
كتاب الثلاثي المعتل من حرف الْعين
(بَاب الْعين وَالْهَاء)
ع هـ (وَا يء)
عوه، عهو، هيع، (يهيع، يهوع) .
عوه، (عاه) : عاه: رُوِيَ عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نَهَى عَن بيع الثِّمَار حَتَّى تذْهب العاهة، فَقيل لِابْنِ عمر: وَمَتى ذَلِك؟ فَقَالَ: طلوعَ الثُريّا.
والعاهة: الآفة تصيب الزَّرْع وَالثِّمَار فتفسدها.
وَقَالَ ابْن بُزُرْج: عِيهَ الزرعُ فَهُوَ مَعِيهٌ ومَعُوهُ ومَعْبُوهٌ.
وَقَالَ طَبِيب الْعَرَب: اضمنوا لي مَا بَين مغيب الثريّا إِلَى طُلُوعهَا أضمنْ لكم سَائِر السّنة.
أَبُو عُبَيْدَة عَن أبي زيد: أَعاه القومُ إِذا أَصَابَت مَا شِيَتَهم العاهة. وَقَالَ غَيره: أعاه الْقَوْم وَأَعَوَهُوا، وَقد عَاهَ المَال يعُوه عاهة وعَوُوهاً.
شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي: طَعَام مَعُوه، أَصَابَته عاهة، وعِيهَ المالُ، وَرجل عائِهٌ وعاهٍ مثل مائِه وماهٍ، وَرجل عاه، أَيْضا كَقَوْلِك كَبْشٌ صافٌ، وَقَالَ طُفَيل:
ودارٍ يظعَن العاهون عَنْهَا
لنيّتهم وينسون الذِّماما
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: العاهون: أَصْحَاب الرِّيبِ والخُبْث.
وَقَالَ اللَّيْث: العاهة: البلايا والآفات، أَي فسادٌ يُصِيب الزَّرْع وَنَحْوه من حرّ أَو عَطش. وَقَالَ: أعاه الزرعُ إِذا أَصَابَته آفَة من اليرقات وَنَحْوه فأفسده، وأعاه الْقَوْم إِذا أصَاب زرعهم خاصّةً عاهةٌ.
قلت: وَسَأَلت أَعْرَابِيًا فصيحاً عَن قَول رؤبة:
جَدْب المندَّى شئِزَ المعوَّهِ
فَقَالَ: أَرَادَ بِهِ المُعَرَّج، يُقَال عرَّج وعوَّج وعوّه بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ اللَّيْث: التعويه والتعريس: نومَة خَفِيفَة عِنْد وَجه الصُّبْح. قَالَ وعوّه الرجلُ إِذا دَعَا الجحش ليلحق بِهِ فَقَالَ عَوْه عَوْه إِذا دَعَاهُ، وَيُقَال: عاه عاه إِذا زُجِرَتِ الإبِلُ لتَحْتَبِس: وَرُبمَا قَالُوا عَيْه عَيْه، وَيَقُولُونَ عَهْ عَهْ، وَيَقُولُونَ: عَهْعَهْت بِالْإِبِلِ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: أعاه الرجلُ وأعْوه وعَاهَ وعَوَّه، كُله إِذا وَقعت العاهة فِي زرعه.
وَقَالَ ابْن السّكيت: أَرض مَعْيوهة من العاهة.
عهو: عَن شمر عَن أبي عدنان عَن بَعضهم قَالَ: العِفْو والعِهْوُ جَمِيعًا: الجحش.(3/16)
قلت: وَوجدت لأبي وَجْزة السعديّ بَيْتا فِي العِهْو:
قرَّبن كلَّ صَلَخْدَى مُحْنِق قَطِمِ
عِهْوٍ لَهُ ثَبَج بالنِّيِّ مضبورُ
وَقيل: جمل عِهْو، نبيل الثَبَج لطيفه، وَهُوَ شَدِيد مَعَ ذَلِك. قلت: كَأَنَّهُ شبه الْجمل بِهِ لنحفته.
هيع: هاع يهيع رُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (خير النَّاس رجل مُمْسك بعِنان فرسه كلّما سمع هَيْعة طَار إِلَيْهَا) .
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الهَيْعة: الصَّوْت الَّذِي تَفزع مِنْهُ وتخافه من عدوّ. قَالَ: وأصل هَذَا الْجزع، يُقَال: رجل هاعٌ لاعٌ وهائِعٌ لائِعٌ إِذا كَانَ جَبَانًا ضَعِيفا، وَقد هاع يهيع هُيُوعاً وهَيَعاناً. وَقَالَ الطِرِمّاح:
أَنا ابْن حُماة الْمجد من آل مَالك
إِذا جعلت خُور الرِّجَال تهِيع
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة أَيْضا: هاع الرجل يهاع إِذا تهوّع أَي قاء قَيْأ، وهاع يهاع هَيْعاً إِذا جَاع هَيَعاناً، وهاع يهيع إِذا جَبُنَ.
وَقَالَ ابْن بُزُرْجَ: هِعْت أهاع هَيْعاً من الحبّ والحزن والجزع، قَالَ وَقَالُوا: هاع يهاع.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: الهاعُ الجَزُوع، واللاع: الموجَع.
وَقَالَ اللِّحياني: هاع يهاع هَيْعة إِذا جَاع وهاع هَيْعوعة إِذا تهوّع.
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو عَمْرو: الهائعة والواعية: الصَّوْت الشَّديد، قَالَ: وهِعْت أَهَاع، ولِعْت ألاع لَيَعاناً وهَيَعاناً إِذا ضجِرت، وَقَالَ عَدِيّ:
إِذا أَنْت فاكهت الرِّجَال فَلَا تَلَعْ
وَقل مثل مَا قَالُوا وَلَا تتزنَّدِ
وَقَالَ اللَّيْث: الهاعُ: سوء الْحِرْص، يُقَال هاع يهاعُ هَيْعة وهاعاً، وَأنْشد لأبي قيس بن الأسلت:
الكَيْسُ والقُوَّة خير من ال
إشفاق والفَهَّة والهاع
وَقَالَ: رجل هاعٌ وَامْرَأَة هاعة، قَالَ: وهاع يَهُوع هَوْعاً وهُواعاً إِذا جَاءَهُ الْقَيْء من غير تكلّف. وَإِذا تكلّف ذَلِك قيل: تهوَّع، فَمَا خرج من حلقه هُوَاعة، وَيُقَال: لأُهَوِّعَنَّه مَا أكل، أَي لأستخرجنّه من حَلْقه، وَيُقَال أَرض هَيِّعَةٌ: وَاسِعَة مبسوطة، وَرجل مُتَهَيِّع: حائر، وَطَرِيق مَهْيَعٌ: مفعل من التَّهَيُّعِ وَهُوَ الانبساط، قَالَ وَمن قَالَ مَهْيَعٌ فَعْيَل فقد أَخطَأ، لِأَنَّهُ لَا فَعَيْل فِي كَلَامهم بِفَتْح أَوله، قَالَ: وانهاع السراب انهياعاً، وَطَرِيق مَهْيَعٌ وَاضح، وَجمعه مهايع وَأنْشد:
بالغَوْرِ يَهْدِيها طَرِيق مَهْيَعُ
قَالَ: والهَيْعَة: سيلان الشَّيْء المصبوب على وَجه الأَرْض، تَقول هَاعَ يَهيعُ، وَمَاء هائع، والرَّصَاص يَهيعُ فِي المِذْوَب.
وَقَالَ غَيره: هاعت الْإِبِل إِلَى المَاء تَهيعُ إِذا أَرَادَتْهُ، فَهِيَ هائعة.
وَرُوِيَ عَن عَلْقَمَة أَنه قَالَ: الصَّائِم إِذا ذَرَعَهُ القَيْء فليتمّ صَوْمه، وَإِذا تهوّع فَعَلَيهِ الْقَضَاء، أَي استقاء، يُقَال: تهوّع نَفْسَه إِذا قاء بِنَفسِهِ كَأَنَّهُ يُخرجها. وَقَالَ رؤبة يصف(3/17)
ثوراً طعن كِلاباً:
ينْهَى بِهِ سَوَّارَهُنَّ الأشجعا
حَتَّى إِذا ناهزها تَهوّعا
وَقَالَ بَعضهم: تهوَّع أَي قاء الدَّم، وَيُقَال قاء بِنَفسِهِ فأخرجها.
أَبُو عبيد: المَهْيَع: الطَّرِيق الْوَاسِع الْوَاضِح وَقَالَ أَبُو الْعِيَال الْهُذلِيّ:
ارْجِع منيحتك الَّتِي أْتْبعْتَها
هَوْعاً وحَدَّ مذلَّق مسنون
يَقُول: رُدّها فقد جزِعت نفسُك فِي أَثَرهَا. وَقيل الهُوع: الْعَدَاوَة، وَقيل: شدّة الْحِرْص، يُقَال: هاعت نَفسه هُوعاً أَي ازدادت حرصاً.
وَفِي (النَّوَادِر) : فلَان منهاع إليّ ومُتَهَيِّع، وتيّع ومتتيّع وتَرْعان وتَرِعٌ أَي سريع إِلَى الشرّ.
(بَاب الْعين وَالْخَاء)
ع خَ (وَا يء)
خوع: اللَّيْث: الخَوْعُ: جبل أَبيض، وَأنْشد:
كَمَا يلوح الخَوْعُ بَين الأجبالْ
وَقَالَ غَيره: الخَوْع: بطن من الأَرْض يُنْبِتْ الرِّمث، وَأنْشد:
وأزفلةٍ بِبَطن الخَوْعِ شُعْثٍ
تنوء بهم مُنَعْثِلَةٌ نَئولُ
والخائع: اسْم جبل يُقَابله جبل آخر يُقَال لَهُ: نائع، وَقَالَ أَبُو وجزة السَّعْدِيّ يذكرهما:
والخائع الجَوْنُ آتٍ عَن شمائلهم
ونائع النَّعْفِ عَن أَيْمَانهم يَفَعُ
أَي مُرْتَفع.
أَبُو عبيد: خوّع وخوّف أَي نقص، وَقَالَ طَرَفة:
وجاملٍ خَوَّع من نِيبه
زجُرا لمعلَّى أُصُلا والسفيح
ويروى: خوَّف من نيبه. وَقَالَ حُمَيد بن ثَوْر:
ألَثَّت عَلَيْهِ دِيمة بعد وابل
فللجِزْع من خَوْع السُّيُول قَسِيب
يُقَال: جَاءَ السَّيْل فخوّع الْوَادي أَي كسر جَنْبَتَيْه.
(بَاب الْعين وَالْقَاف)
ع ق (وَا يء)
عوق، عقي، قوع، قعا، وعق، وَقع: مستعملة.
عوق: قَالَ اللَّيْث: تَقول: عَاق يعوق عَوْقاً، وَمِنْه التعويق والاعتياق، وَذَلِكَ إِذا أردْت أمرا فصرفك عَنهُ صَارف. تَقول: عاقني عَن الْوَجْه الَّذِي أردتُ عائق، وعاقتني الْعَوَائِق، الْوَاحِدَة عائقة. قَالَ: وَيجوز عاقني وعَقَاني بِمَعْنى وَاحِد. والتعويق تربيث النَّاس عَن الْخَيْر. وَرجل عُوَقَةٌ: ذُو تعويق للنَّاس عَن الْخَيْر. قَالَ: والعَوْق: الرجل الَّذِي لَا خير عِنْده، وَقَالَ رؤبة:
فَدَاك مِنْهُم كلُّ عَوْقٍ أَصْلَدِ
والعَوَقَةُ حيّ من الْيمن، وَأنْشد:
إِنِّي امْرُؤ حنظليّ فِي أَرومتها
لَا من عَتِيك وَلَا أخوالي العَوَقُ
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: العَوْق، الْأَمر الشاغل، والعُوق أَبُو عُوج بن عُوق.(3/18)
وَقَالَ اللَّيْث: العَيُّوق: كَوْكَب أَحْمَر مُضِيءٌ بحيال الثريّا، إِذا طلع عُلم أَن الثريا قد طلعت وعيّوق: فيعول، يحْتَمل أَن يكون بِنَاؤُه من عوْق وَمن عيْق، لِأَن الْيَاء وَالْوَاو فِي ذَلِك سَوَاء، وَأنْشد:
وعاندت الثريّا بعد هَدْءٍ
معاندة لَهَا العيُّوق جَار
قَالَ: ويَعُوق: اسْم صنم كَانَ يُعبد على زمن نوح ج. قَالَ: ويَعُوق يُقَال: إِنَّه كَانَ رجلا من صالحي زمانِه قبل نوح، فلمَّا مَاتَ جزِع عَلَيْهِ قومه، فَأَتَاهُم الشَّيْطَان فِي صُورَة إِنْسَان فَقَالَ: أمثّله لكم فِي محرابكم حَتَّى ترَوه كلّما صلَّيتم، فَفَعَلُوا ذَلِك، فتمادى بهم ذَلِك إِلَى أَن اتّخذوا على مِثَاله صنماً فعبدوه من دون الله.
وأمّا قَول الله جلّ وَعز: {وَلاَ نَصِيراً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَآئِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلاَ يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً} (الأحزَاب: 18) فَإِن المعوّقين قوم من الْمُنَافِقين كَانُوا يثبِّطون أنصار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنهُ، وَذَلِكَ أَنهم قَالُوا لَهُم: مَا مُحَمَّد وَأَصْحَابه إِلَّا أَكَلَةُ رَأس، وَلَو كَانُوا لَحْمًا لالتقمهم أَبُو سُفْيَان وَحزبه، فخلُّوهم وتعالَوا إِلَيْنَا، فَهَذَا تعويقهم إيَّاهُم عَن نُصرة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ تفعيل من عَاق يعوق.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: عاقني عَنْك عائق وعقاني عَنْك عاقٍ على الْقلب، وَأنْشد:
فَلَو أَنِّي دعوتك من بعيد
لعاقك عَن وعَاء الذِّئْب عاقى
أَرَادَ: عائق فقلبه. وَقَالَ العجّاح:
لاثٍ بِهِ الأشاءُ والعُبْرِيُّ
وَإِنَّمَا هُوَ لائث من لاث يلوث فَهُوَ لائث فَجعله من لثا يلثو فَهُوَ لاثٍ. وَمثله: جُرُف هائر وهارٍ على الْقلب.
وَقَالَ الْفراء: مثله عاث وعثا وقاف وَقفا. أَبُو عبيد عَن الأمويّ يُقَال للْمَرْأَة إِذا لم تحظَ عِنْد زَوجهَا: مَا لاقت وَلَا عَاقت، أَي لم تلصق بِقَلْبِه، وَمِنْه يُقَال: لاقت الدواةُ أَي لصِقت وَأَنا ألقْتها. قلت: كَأَن عاقت إتباع للاقت.
وروى شمر لأبي عبيد عَن الأمويّ: مافي شقائه عَيْقة من الرُّب. قلت: كَأَنَّهُ ذهب بِهِ إِلَى قَوْله مَا لاقت وَلَا عاقت. وَغَيره يَقُول: مَا فِي نِحْيِه عَبَقَةٌ وَلَا عَمَقَةٌ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: رجل عَوْقٌ لَوْقٌ وضَيِّقٌ لَيِّقٌ عَيِّقٌ.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: العَيْقة: سَاحل الْبَحْر. قلت: وَتجمع عَيْقان.
قَالَ اللَّيْث: عُوقٌ وَالِدُ عُوج، قَالَ: وعَوْقٌ مَوضِع بالحجاز، وَأنْشد:
فَعَوْق فُرمَاح فالَّ
سلوى من أَهله قفرُ
وَقَالَ اللِّحياني: سَمِعت عاقِ عاقِ وغاقِ غاقِ لصوت الْغُرَاب، قَالَ: وَهُوَ نُعاقه ونُغاقه بِمَعْنى وَاحِد.
عقي: أَبُو الْعَبَّاس: عقا يَعْقُو ويَعْقِي إِذا كرِه شيأ، والعاقي: الكاره للشَّيْء.
الحرَّانيّ عَن ابْن السّكيت: أعقى الشَّيْء يُعقي إعقاء إِذا اشتدَّت مرارته. وَيُقَال فِي مثل: لَا تكن مُرّاً فتُعقِي وَلَا حُلْواً فتُزْدَرَد وَيُقَال: فتُعْقَى، فَمن رَوَاهُ فتُعْقِي تُفْعِل(3/19)
فَمَعْنَاه: فتشتدَّ مرارتك، وَمن قَالَ: فتُعْقَى فتُلْفَظَ لمرارتك. وَيُقَال: عَقَاه واعتقاه إِذا احتبسه وَمِنْه قَول الرَّاعِي:
صبا تعتقيها مرّة وتقيمها
قَالَ بَعضهم: معنى تعتقيها تُمضيها، وَقَالَ الأصمعيّ: تحبسها.
أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر يُقَال لأوّل مَا يخرج من بطن الصَّبِي: العِقْيُ، وَقد عَقَى يَعْقِي عَقْياً فَإِذا رضع فَمَا بعد ذَلِك فَهُوَ الطَّوْف، وَيُقَال فِي مَثَلٍ: أحرص من كلب على عِقْي صبيّ.
وَقَالَ شمر قَالَ ابْن شُمَيْل: الحِوَلاَء مُضَمَّنة لما يخرج من جَوف الْوَلَد وَهُوَ فِيهَا، وَهِي أعقاؤه وَالْوَاحد عِقْي، وَهُوَ شَيْء يخرج من دُبُره وَهُوَ فِي بطن أمّه أسود بعضِهِ وأصفر بعضٍ، وَقد عَقَى يَعْقي، يَعْنِي الحُوار إِذا نُتجت أُمُّه فَمَا خرج من دُبُره عِقْيُ حَتَّى يَأْكُل الشّجر.
وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس حِين سُئِلَ عَن الْمَرْأَة تُرضع الصبيّ الرَضْعة فَقَالَ: إِذا عَقَى حرمت عَلَيْهِ الْمَرْأَة وَمَا ولدت.
قَالَ أَبُو عبيد: إِنَّمَا ذكر ابْن عَبَّاس العِقْيَ ليعلم أَن اللَّبن قد صَار فِي جَوْفه لِأَنَّهُ لَا يَعْقى من ذَلِك اللَّبن حَتَّى يصير فِي جَوْفه وَقد عَقَى الْمَوْلُود من الْإِنْس والدوابّ، وَهُوَ أوّل شَيْء يخرج من بَطْنه وَهُوَ يخرؤه.
وَقَالَ اللَّيْث: العِقْيُ: مَا يخرج من بطن الصَّبِي حِين يُولد، أسودُ لَزِجٌ كالغِراء.
وَيُقَال هَل عقَّيتم صبيّكم أَي هَل سقيتموه عَسَلاً ليسقط عِقْيُه.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ المُعَقِّي: الحائم المستدير من العِقْبان بالشَّيْء، قَالَ: وعَقَّت الدلوُ إِذا ارْتَفَعت فِي الْبِئْر وَهِي تستدير. وَأنْشد:
لَا دَلْوَ إلاَّ مِثْلُ دَلْوٍ أُهْبان
واسعةُ الفَرْغِ أدِيمان اثْنَان
مِمَّا ينقِّي من عُكَاظَ الركْبَان
إِذا السقاة اضطجعوا للأذقان
عَقَّت كَمَا عقَّت دَلُوف العِقْبان
بهَا فناهِبْ كل ساقٍ عجلَان
قَالَ: عقت: ارْتَفَعت يَعْنِي الدَّلْو كَمَا ترْتَفع العُقاب فِي السَّمَاء.
قلت: قَوْله: عقّت بمنى ارْتَفَعت. وَأَصله عقَّقَتْ، فَلَمَّا توالت ثَلَاث قافات قلبت إِحْدَاهُنَّ يَاء؛ كَمَا قَالَ العجّاج:
تقضِّي الْبَازِي إِذا الباز كَسَرْ
وَمثله قَوْلهم: التظَني من الظنّ، والتلعِّي لِلُّعاعة. وأصل تعقية الدَّلْو من العقّ وَهُوَ الشقّ. يُقَال: عَقَّ الرجلُ بسهمه إِذا رمى بِهِ فِي السَّمَاء فارتفع. وَيُسمى ذَلِك السهْم الْعَقِيقَة، وَقد مر تَفْسِيره فِي مضاعف الْعين.
وَأنْشد أَبُو عَمْرو فِي التعقية:
وعقَّت دلوُه حِين استقلّت
بِمَا فِيهَا كتعقية العُقَاب
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: عقّى الرَّامِي بسهمه من عقَّق.
وعَقْوَةُ الدَّار: ساحتها. يُقَال: نزلت بعَقْوته.(3/20)
وَقَالَ اللَّيْث: العَقْوة: ماحوالي الدَّار والمحَلَّة يُقَال مَا بَعقوة هَذِه الدَّار مثل فلَان.
وَتقول مَا يَطُورُ أحد بعَقْوة هَذَا الْأسد، وَنزلت الْخَيل بعقوة العدوّ.
قَالَ: وَالرجل يحضر الْبِئْر فَإِذا لم يَنْبِط الماءُ من قعرها اعتقى يَمْنَة ويَسْرة، وَكَذَلِكَ يشتق الإنْسَانُ الْكَلَام فيعتقي فِيهِ، والعاقي كَذَلِك، وقلّما يَقُولُونَ: عقا يعقو، وَأنْشد بَعضهم:
وَلَقَد دَرِبْتُ بالاعتقا
ء والاعتقام فنلتُ نُجْحا
وَقَالَ رؤبة:
بشَيْظميّ يفهم التفهيما
ويعتقي بالعُقم التعقيما
وَقَالَ غَيره: معنى قَوْله: ويعتقي بالعُقم التعقيم معنى يعتقي أَي يحبس وَيمْنَع بالعَقَم التعقيم أَي بالشرّ الشرّ.
قلت أَنا: أمّا الاعتقام فِي الْحفر فَإِن الأصمعيّ فسّره أَن الْحَافِر إِذا احتفر الْبِئْر فَإِذا قرب من المَاء احتفر بِئْرا صَغِيرَة فِي وَسطهَا بِقدر مَا يجد طعم المَاء، فَإِن كَانَ عذباً حفر بَقِيتَها، وَأنْشد:
إِذا انتحى معتقِما أَو لجَّفا
وَقد فسّرت هَذَا فِي بَابه. وأمّا الاعتقاء بِمَعْنى الاعتقام فَمَا سمعته لغير اللَّيْث.
وَقَالَ اللَّيْث: العِقْيان: ذهب ينْبت نباتاً، وَلَيْسَ مِمَّا يستذاب من الْحِجَارَة.
وَقَالَ غَيره: هُوَ الذَّهَب، وروى عَمْرو عَن أَبِيه: العِقْيان: الذَّهَب.
وَفِي (النَّوَادِر) : يُقَال: ماأدري من أَيْن عُقيتُ وَلَا من أَي طُبيتُ، واعتُقيتُ وأُطُّبيتُ، وَلَا من أَيْن أُتِيتُ وَلَا من أَيْن اغتُيِلْت بِمَعْنى وَاحِد.
قلت: وَجه الْكَلَام: اغْتِلْت.
وعق: فِي حَدِيث عمر أَنه ذُكر لَهُ بعضُ الصَّحَابَة فَقَالَ: وعْقَةٌ لَقِسٌ.
قَالَ أَبُو عبيد: الوعقة من الرِّجَال الَّذِي يضجر ويتبرّم مَعَ كَثْرَة صَخَب وَسُوء خلق.
وَقَالَ رؤبة:
قتلا وتوعيقا على من وعَّقا
قَالَ شمر: التوعيق: الْخلاف وَالْفساد.
وَقَالَ الْفراء: الوَعْقة: الْخَفِيف.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الوَعْقة الصَّخَّابة.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الوعِق: السيّء الْخلق الضيّق، وَأنْشد قَول الأخطل:
موطَّأ الْبَيْت مَحْمُود شمائله
عِنْد الحَمَالةِ لاكزُّ وَلَا وَعِقُ
قلت: وَهَذَا كُله مِمَّا جمعه شمر فِي تَفْسِير هَذَا الحَدِيث.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال رجل وَعْقة لعْقة وَهُوَ النَّكِدُ، وَرجل وعِق؛ فِيهِ حرص، وَوُقُوع فِي الْأَمر بِجَهْل. وَإنَّهُ لوعِق لعِق، قَالَ رؤبة:
مَخَافَة الله وَأَن يوعَّقا
أَي مَخَافَة أَن يُقَال لَهُ: إِنَّك وعِق قَالَ: وأمّا عِيّق فَمن أصوات الزّجر، يُقَال عيّق فِي صَوته.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الوَعِيق(3/21)
والرَعِيق والوُعاق والرُعاق: الصَّوْت الَّذِي يسمع من بطن الدَّابَّة. وَهُوَ صَوت جُرْدَانهِ إِذْ تقلقل فِي قُنْبه.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال مِنْهُ: وَعَق يَعِقُ وَهُوَ صَوت يخرج من حَيَاء الدابّة إِذا مشت، قَالَ: هُوَ الخقيق من قُنْب الذّكر، قَالَ:
وَيُقَال لَهُ: عُواق ووُعَاق، وَهُوَ العويق والوعيق، وَأنْشد:
إِذا مَا الركبُ حَلَّ بدار قوم
سَمِعت لَهَا إِذا هَدَرت عُوَاقا
قلت أَنا: جميعُ مَا قَالَ اللَّيْث فِي الوعيق والخفيق خطأ؛ لِأَن الوعيق والوُعَاق: صَوت الجُرْدَان إِذا تقلقل فِي قُنْب الحِصَان، كَمَا قَالَ ابْن الْأَعرَابِي وَأَبُو عُبَيْدَة، وأمّا الخقيق فَهُوَ صَوت الْحيَاء إِذا هُزلت الْأُنْثَى لَا صَوت القُنْبِ. وَقد أَخطَأ فِيمَا فسَّر.
قعا: رُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نهى أَن يُقْعِيَ الرجل فِي صلَاته.
قَالَ أَبُو عبيد:
قَالَ أَبُو عُبيدة: الإقعاء: أَن يُلصِق الرجل أليتيه بِالْأَرْضِ، وينصِب سَاقيه، وَيَضَع يَدَيْهِ بِالْأَرْضِ.
قَالَ أَبُو عبيد: وأمّا تَفْسِير الْفُقَهَاء فَهُوَ أَن يضع أليته على عَقِبَيْهِ بَين السَّجْدَتَيْنِ، كَمَا يرْوى عَن العبادلة يَعْنِي عبد الله بن عَبَّاس وَعبد الله بن عمر وَعبد الله بن الزبير وَعبد الله بن مَسْعُود.
قَالَ أَبُو عبيد: وَقَول أبي عُبَيْدَة أشبه بِكَلَام الْعَرَب، وَهُوَ الْمَعْرُوف، كَمَا يُقْعي الْكَلْب، وَلَيْسَ الإقعاء فِي السبَاع إلاّ كَمَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَة.
وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه أكل مقعياً، وَهُوَ كَمَا فسره أَبُو عُبَيْدَة.
وَقَالَ اللَّيْث: القعا: رَدَّةٌ فِي رَأس الْأنف وَذَلِكَ أَن تُشرف الأرنبة ثمَّ تقعى نَحْو القَصَبة يُقَال: قَعِيَ الرجل يَقْعَى قعاً، وأقعت أرنبته وأقعى أنفُه. وَرجل أقعى وَامْرَأَة قعواء.
قَالَ: وَقد يُقعى الرجل كَأَنَّهُ متساند إِلَى ظَهره، وَالذِّئْب وَالْكَلب يقعى كلّ وَاحِد مِنْهُمَا على استه.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الإقعاء: أَن يجلس الرجل على وركيه، وَهُوَ الاحتفاز والاستيفاز.
وَقَالَ اللَّيْث: القَعْو: شبه البَكَرة يَسْتَقي عَلَيْهَا الطيّانون.
وَقَالَ أَبُو عبيد قَالَ الْأَصْمَعِي: الخُطّاف الَّذِي تجْرِي البكرة فِيهِ إِذا كَانَ من حَدِيد، فَإِن كَانَ من خشب فَهُوَ القَعْو.
وَأنْشد غَيره:
إِن تمنعي قعوك أمنع محوري
لقعو أُخْرَى حسنٍ مُدوّر
والمِحْور: الحديدة الَّتِي تَدور عَلَيْهَا البكرة.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: القَعْو خَدّ البكرة، والقَعْو: أصل الْفَخْذ، وَجمعه القُعَى. قَالَ: والعُقَى: الْكَلِمَات المكروهات. وَرجل قَعُوُّ الألْيتين إِذا لم يكن منبسطهما، وأقعى الفرسُ إِذا تقاعس(3/22)
على أقتاره، وَامْرَأَة قَعْوى وَرجل قَعْوان.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: إِذا ضرب الْجمل النَّاقة قيل: قعا عَلَيْهَا قُعُوّاً، وقاع يقوع مثله، وَهُوَ القُعُوّ والقَوْع. ونحوَ ذَلِك قَالَ أَبُو زيد.
وَقَالَ اللَّيْث يُقَال قاعها وَقعا يقعو عَن النَّاقة وعَلى النَّاقة، وَأنْشد:
قاعَ وَإِن يَترك فَشْول دُوَّخُ
قوع: قَالَ الله جلّ وعزّ: {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ} (النُّور: 39) .
قَالَ الْفراء: القِيعة: جمع القاع كَمَا قَالُوا: جَار وجيرة. قَالَ والقاع: مَا انبسط من الأَرْض. وَفِيه يكون السراب نصف النَّهَار.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: القاع: الأَرْض الحُرَّة الطينِ الَّتِي لَا يخالطها رمل فيشربَ ماءها، وَهِي مستوية لَيْسَ فِيهَا تَطامن وَلَا ارْتِفَاع، وَإِذا خالطها الرمل لم تكن قاعاً؛ لِأَنَّهَا تشرب المَاء فَلَا تمسكه.
وَقَالَ اللَّيْث: القاع: أَرض وَاسِعَة سهلة مطمئنَّة، قد انفرجت عَنْهَا الْجبَال والآكام. يُقَال: هَذِه قاع، وَثَلَاث أقْوُع، وأقواع كَثِيرَة. وَيجمع القِيعة والقيعان. وَهُوَ مَا اسْتَوَى من الأَرْض لَا حَصَى فِيهِ وَلَا حِجَارَة وَلَا يُنبت الشّجر وَمَا حواليه أرفع مِنْهُ، وَهُوَ مصبّ الْمِيَاه وتصغّر قُويعة فِيمَن أَنَّث، وَمن ذَكَّر قَالَ: قويع، ودلّت هَذِه الْوَاو أَن ألفها مرجعها إِلَى الْوَاو، قَالَ والقُوَاعُ الذّكر من الأرانب.
روى أَبُو العبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: القُوَاعة: الأرنب الأنثي.
وَقَالَ اللَّيْث: تَقوّع الحِرْباء الشَّجَرَة إِذا علاها، كَمَا يتقوّع الفحلُ النَّاقة.
وَقَالَ أَبُو زيد: القَوَّاع: الذِّئْب الصيّاح، والقَبَّاعُ: الْخِنْزِير الجبان.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: قاعة الدَّار: ساحتها. وَكَذَلِكَ باحتها وصرْحَتُها.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال: قاعٌ وقيعان، وَهِي طين حُرّ يُنبت السِدْر، وَيُقَال أقواع، وَيُقَال قِيعةٌ وَقِيعٌ، وَهُوَ مَا اسْتَوَى من الأَرْض، وَمَا حواليه أرفع مِنْهُ، وَإِلَيْهِ مصبّ الْمِيَاه.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: قِيعة وَقِيعٌ. وَيُقَال: قاعٌ وقِيعة جمَاعَة وأقواع.
وَقَالَ ذُو الرّمة:
وودَّ عَن أقواع الشماليل بَعْدَمَا
ذَوَى بقلُها أحرارها وذكورها
قلت: وَقد رَأَيْت قِيعان الصَّمَّان وأقمت بهَا شَتْوتين الْوَاحِد مِنْهَا قاع وَهِي أَرض صُلْبة القفاف، حُرّة طينِ القيعان، تُمسك المَاء وتُنبت العُشْبَ. وربّ قاع مِنْهَا يكون ميلًا فِي ميل وأقلّ من ذَلِك وَأكْثر، وحوالي القيعان سُلْقان وآكام فِي رُؤُوس القفاف، غَلِيظَة، ينصبّ مياهها فِي القيعان، وَمن قيعانها مَا ينْبت الضالَ فترى فِيهَا حَرَجات مِنْهَا، وَمِنْهَا مَالا يُنبت، وَهِي أَرض مَريئة إِذا أعشبت ربَّعت العربَ أجمع.
وَقع: تَقول الْعَرَب وَقع ربيع بِالْأَرْضِ يَقع وقوعاً لأوّل مطر يَقع فِي الخريف.
وَيُقَال: سَمِعت وَقْع الْمَطَر، وَهُوَ شدّة(3/23)
ضربه الأَرْض إِذا وَبَل.
وَيُقَال: سَمِعت لحوافر الدَّوَابّ وَقْعاً ووقوعاً. وَوَقع القَوْل وَالْحكم إِذا وَجب.
قَالَ الله جلّ وَعز: {مُّسْلِمُونَ وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبَّةً مِّنَ الاَْرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِئَايَاتِنَا} (النَّمْل: 82) مَعْنَاهُ إِذا وَجب أخرجنَا لَهُم دابّة من الأَرْض.
وَقَالَ جلّ وعزّ: {وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ} (الأعرَاف: 134) مَعْنَاهُ: لما أَصَابَهُم وَنزل بهم.
وَيُقَال لِلْإِبِلِ إِذا بَركت، والدوابّ إِذا رَبَضت: قد وَقعت ووقَّعت، وطائر وَاقع إِذا كَانَ على شجر أَو مَوْكِن.
وَقَالَ الأخطل:
كَأَنَّمَا كَانُوا غراباً وَاقعا
فطار لما أبْصر الصواقعا
والنسر الْوَاقِع: كَوْكَب، سمّي وَاقعا لِأَن بحذائه النسْر الطَّائِر حَده مَا بَين النُّجُوم الشأميّة واليمانية، وَهُوَ معترِض غير مستطيل، وَهُوَ نيّر، وَمَعَهُ كوكبان غامضان وَهُوَ بَينهمَا وقّاد، كَأَنَّهُمَا لَهُ كالجناحين قد بسطهما وَكَأَنَّهُ يكَاد يطير، وَهُوَ مَعَهُمَا معترِض مصطّف، وَلذَلِك جَعَلُوهُ طائراً، وأمّا الْوَاقِع فَهِيَ ثَلَاثَة كواكب كالأثافي، فكوكبان مُخْتَلِفَانِ ليسَا على هَيْئَة النسْر الطَّائِر فهما لَهُ كالجناحين، ولكنهما منضّمان إِلَيْهِ كَأَنَّهُ طَائِر وَقع.
وَقَالَ اللَّيْث: الوَقْعة فِي الْحَرْب: صَدْمة بعد صدمة، وَالِاسْم الوقيعة، يُقَال وَقع بهم وأوقع بهم فِي الْحَرْب. وَالْمعْنَى وَاحِد، وَإِذا وَقع قوم بِقوم قيل: واقعوهم، وأوقعوا بهم إيقاعاً، ووقائع الْعَرَب: أيّام حروبهم، والوِقَاع: المواقعة فِي الْحَرْب.
وَقَالَ الْقطَامِي:
وَمن شهد الْمَلَاحِم والوِقاعا
والوِقَاع أَيْضا: مواقعة الرجل امْرَأَته إِذا باضعها وخالطها.
وَيُقَال: وَقع فلَان فِي فلَان، وَقد أظهر الوقيعة فِيهِ إِذا عابه. والواقعة: النَّازِلَة من صُرُوف الدَّهْر، والواقعة: اسْم من أَسمَاء يَوْم الْقِيَامَة.
قَالَ الله جلّ وعزّ: {} (الواقِعَة: 1، 2) .
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: يُقَال لكل آتٍ يتوقّع: قد وَقع الْأَمر، كَقَوْلِك قد جَاءَ الْأَمر، قَالَ والواقعة هَهُنَا: السَّاعَة وَالْقِيَامَة، قَالَ: والتوقّع تنظُّر الْأَمر. يُقَال: توقّعت مَجِيئه وتنظّرته.
وَقَالَ اللَّيْث: التوقيع: رمى قريب لَا تباعده، كَأَنَّك تُرِيدُ أَن توقعه على شَيْء وَكَذَلِكَ توقيع الإزكَانِ تَقول: وَقِّعْ. أَي ألقِ ظنّك على شَيْء.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: المُوَقَّع: الْبَعِير الَّذِي بِهِ آثَار الدَّبَر.
وَقَالَ اللَّيْث: التوقيع: سَحْج بأطراف عِظَام الدابّة من الرّكُوب، وَرُبمَا تحاصّ عَنهُ الشّعْر فنبت أَبيض، وَأنْشد:
وَلم يُوَقَّعْ برُكوبٍ حَجَبُه
وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: توقيع الْكَاتِب فِي الْكتاب الْمَكْتُوب: أَن يجمل بَين تضاعيف سطوره مقاصِد الْحَاجة ويحذف الفُضُول.(3/24)
وَهُوَ مَأْخُوذ من توقيع الدَّبَر ظهر الْبَعِير، فَكَأَن الْموقع فِي الْكتاب يُؤَثِّر فِي الْأَمر الَّذِي كتب الْكتاب فِيهِ مَا يؤكّده ويوجبه.
وَقَالَ أَبُو عبيد: الوَقْعُ: الْمَكَان الْمُرْتَفع، وَهُوَ دون الْجَبَل.
وَقَالَ شمر: كَذَلِك قَالَ ابْن الْأَعرَابِي. قَالَ: وَقَالَ غَيرهمَا الوَقْع: الحَصَى الصغار، وَاحِدهَا وَقْعة.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: أَرض وقِيعة: لَا تكَاد تَنْشَفُ الماءَ من القِيعان وَغَيرهَا من القفاف وَالْجِبَال.
قَالَ: وأمكنة وُقُع بيّنة الوَقَاعة.
قَالَ: وَسمعت يَعْقُوب بن مَسلمة الأسَديّ يَقُول: أوقعت الرَّوْضَة إِذا أَمْسَكت المَاء. وأنشدني فِيهِ:
مُوقِعة جَثْجَاثُها قد أَنْوَرا
أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر قَالَ: الوَقِعُ: الَّذِي يشتكي رِجْله من الْحِجَارَة، وَالْحِجَارَة الوَقَعُ، وَأنْشد شمر:
يَا لَيْت لي نَعْلَيْنِ من جلد الضبع
وشُرَكاً من استها لاتنقطع
كلَّ الْحذاء يحتذي الحافي الوَقِعْ
والوقَع والحَفَا والوَقَى وَاحِد.
وَقَالَ الذبياني فِي الوَقَع بِمَعْنى الْحِجَارَة:
بَرَى وَقَعَ الصَّوَّان حَدَّ نُسُورِها
فهنّ لطاف كالصِّعَادِ الذوابل
وَقَالَ رؤبة فِي الوَقَع بِمَعْنى الحفا:
لَا وَقَعٌ فِي نَعله وَلَا عَسَم
وَمعنى قَوْله: كلَّ الْحذاء يحتذي الحافي الوقِع، يَقُول: إِن الْحَاجة تحمل صَاحبهَا على التعلّق بِكُل مَا قَدَر عَلَيْهِ.
قلت: وَنَحْو مِنْهُ قَوْلهم: الغريق يتعلّق بالطحلب.
والعَسَمُ: انتشار فِي رُسْغ الْيَد. وَيُقَال: وَقِعَت الدَّابَّة تَوْقَع إِذا أَصَابَهَا دَاء ووجع فِي حافرها من وَطْ، على غلظ. والغلظ هُوَ الَّذِي بَرى حدّ نسورها.
وَقَالَ اللَّيْث فِي قَول رؤبة:
يركب قيناه وقيعا ناعلا
الوقيع الْحَافِر المحدّد كَأَنَّهُ شُحذ بالأحجار، كَمَا يوَقّع السَّيْف إِذا شُحِذ. وَقَالَ غَيره: الوقيع: الْحَافِر الصلب، والناعل: الَّذِي لَا يحفى كَأَن عَلَيْهِ نعلا.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: وقّعته الْحِجَارَة توقيعاً، كَمَا يُسَنّ الْحَدِيد بِالْحِجَارَةِ.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: الوقيعة: النُّقْرة فِي الْجَبَل يَسْتَنْقِع فِيهَا الماءُ. وَجَمعهَا وقائع.
وَقَالَ اللَّيْث: إِذا أصَاب الأرضَ مطر متفرّق أصَاب وَأَخْطَأ فَذَلِك توقيع فِي نبتها.
أَبُو عبيد عَن الكسائيّ: وَقَعتُ الحديدة أَقَعُها وَقْعاً إِذا حَدَدتها.
وَقَالَ الأصمعيّ: يُقَال ذَلِك إِذا فعلته بَين حجرين.
وَقَالَ أَبُو وَجْزة:
حرَّى موقّعة ماج البنانُ بهَا
على خِضَمّ يُسَقَّى الماءَ عجَّاج
أَرَادَ بالحَرَّى المِرْماة العطشى.(3/25)
وَقَالَ اللَّيْث: التوقيع إقبال الصيقل على السَّيْف يحدّده بِميقعة، يُقَال: سيف وقيع، وَرُبمَا وُقِّع بِالْحِجَارَةِ، ووقّعَت الحجارةُ الحافَر فقطَعت سنابكه توقيعاً، واستوقع السيفُ إِذا أَنى لَهُ الشحذُ، قَالَ: وَتسَمى خَشَبَة القَصّار الَّتِي يُدَقّ عَلَيْهَا بعد غَسْلٍ مِيقَعة، والاستيقاع شبه التوقيع.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: مَوْقِعَةُ الطَّائِر: الَّذِي يَقع عَلَيْهِ، وَجَمعهَا مواقع.
وَقَالَ شمر: يُقَال: مَوْقِعَة ومَوْقَعة للمكان الَّذِي يعْتَاد الطير إِتْيَانه، قَالَ: ومِيقعة الْبَازِي مَكَان يألفه فَيَقَع عَلَيْهِ وَأنْشد:
كَأَن متنية من النَّفِيِّ
مواقعُ الطير على الصُّفيّ
شبّه مَا انْتَشَر من مَاء الاستقاء بالدَّلْوِ على متنيه بمواقع الطير على الصَّفَا إِذا ذرقت عَلَيْهِ.
وَقَالَ اللَّيْث: المَوْقع: مَوضِع لكل وَاقع، وَتقول: إِن هَذَا الشَّيْء ليَقَع من قلبِي موقِعاً، يكون ذَلِك فِي المسرَّة والمساءة، قَالَ: والتوقيع فِي الْكتاب: أَن يُلحق فِيهِ شَيْئا بعد الْفَرَاغ مِنْهُ. والتوقيع بالظنّ وَالْكَلَام: الرَّمْي يعتمده ليَقَع عَلَيْهِ وَهْمُه.
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: كويته وَقَاعِ وَهِي الدائرة على الْجَاعِرَتَيْنِ، وَلَا تكون الإدارة حَيْثُ كَانَت وَقَالَ قيس بن زُهَيْر:
وكنتُ إِذا مُنيتُ بخصم سَوْءٍ
دَلَفت لَهُ فأكوِيه وَقَاعِ
وَقَالَ شمر: كواه وَقَاعِ إِذا كوى أمّ رَأسه.
وَقَالَ الْمفضل: بَين قَرْني رَأسه، يُقَال: وقعته أَقَعه إِذا كويته تِلْكَ الكَيَّة. والإيقاع ألحان الْغناء، وَهُوَ أَن يُوقِعَ الألحانَ ويَبْنيها، وسَمّى الْخَلِيل كتابا من كتبه فِي ذَلِك الْمَعْنى: كتاب (الْإِيقَاع) .
الْفراء: طَرِيق موقَّع: مذلَّل، وَرجل موقَّع: منجَّذ.
الْأَصْمَعِي: التوقيع فِي السّير: شَبيه بالتلقيف وَهُوَ رَفعه يَدَيْهِ إِلَى فَوق. ووقّع الْقَوْم توقيعاً إِذا عرّسوا.
وَقَالَ ذُو الرمة:
إِذا وَقعوا وَهْنا أَنا خوامطيهم
والوقعة: حيّ من بني سعد بن بكر، وَأنْشد الأصمعيّ:
من عَامر وسَلُول أَو من الوَقَعهْ
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: وَقَعت بالقوم فِي الْقِتَال وأوقعت.
ابْن هانىء عَن أبي زيد: يُقَال لغِلاف القارورة: الوَقْعَةُ والوِقَاع، والوِقَعَة للْجَمِيع.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الْوَاقِع: الرجل الَّذِي ينقُر الرَّحَى، وهم الوَقَعَة.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: الوَقْع: الْمَكَان الْمُرْتَفع وَهُوَ الْجَبَل.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي يُقَال: قُع قُع إِذا أَمرته بالسياحة والتعبّد فِي القيعان والقفار، ولُع لُع إِذا أَمرته بتعهّد لَوْعيه وهم الأسودان حول الثديين.
(بَاب الْعين وَالْكَاف)(3/26)
ع ك (وَا يء)
عكا، عوك، كعا، كوع، وعك، وكع: مستعملات.
عكا: أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي:
قَالَ: العَكْوة: أصل الذَنَب بِفَتْح الْعين رَوَاهُ لنا، قَالَ: فَإِذا تعطّف ذَنَبُه عِنْد العَكْوة وتعقّد قيل: بعير أعكى.
وَقَالَ: برذون مَعْكو: مَعْقُود الذَّنب. قَالَ: والعَكْواء من الشَّاء: الَّتِي ابيضّ ذنبها وسائرها أسود قَالَ وَلَو اسْتعْمل الْفِعْل فِي هَذَا القيل عَكِي يَعْكَى فَهُوَ أعكى. قَالَ: وَلم أسمع ذَلِك.
وأقرأني الإياديّ لأبي عُبيد عَن الْأَحْمَر قَالَ: العُكوة: أصل الذَّنب، بِضَم الْعين. قلت: هما لُغَتَانِ عُكوة وعَكْوة.
وَقَالَ اللَّيْث: عكوْت ذَنْب الدَّابَّة عَكْواً إِذا عطفته وعقدته.
أَبُو عَمْرو: العاكي: الغزَّال الَّذِي يَبِيع العُكَا جمع عُكوة، وَهِي الغَزْل الَّذِي يخرج من المِغزل قبل أَن يُكَبَّب على الدَجَاجة وَهِي الكُبَّة. والعاكي: الْمَيِّت يُقَال عكا وعكّى إِذا مَاتَ.
قَالَ: والعاكي: المولَع بِشرب العُكيِّ وَهُوَ سَوِيق المَقل.
أَبُو عبيد عَن الْفراء قَالَ: العَكِيُّ من اللَّبن: الْمَحْض.
وَقَالَ شمر: العَكِيُّ: الخاثر. وَأنْشد قَول الراجز:
وشربتان من عَكِيّ الضَأن
أحسنُ مسّاً فِي حوايا الْبَطن
من يَثْرِبيّات قِذاذ خُشْن
قَالَ شمر: النِّيءُ من اللَّبن سَاعَة يحلب، والعَكِيُّ بعد مَا يَخْثُر
وَيُقَال: عكا بِإِزَارِهِ يعكو إِذا شدّه قالصا عَن بَطْنه لئلاّ يسترخي لضخم بَطْنه، وَقَالَ ابْن مقبل:
ثمَّ مخاميص لَا يعكون بالأُزُر
يَقُول لَيْسُوا بعظام الْبُطُون فيرفعوا بآزرهم عَن الْبُطُون وَلَكنهُمْ لطافي الْبُطُون.
وَقَالَ الْفراء: هُوَ عَكْوان من الشَّحْم وَامْرَأَة مَعْكِيَّة.
وَيُقَال: عكوته فِي الْحَدِيد والوِثاق عَكْواً إِذا شددته.
وَقَالَ أُميِّة يذكر مُلْك سُلَيْمَان صلوَات الله عَلَيْهِ:
أيُّما شاطنٍ عَصَاهُ عكاهُ
ثمَّ يُلْقَى فِي السجْن والأغلال
شمر يُقَال للرجل إِذا مَاتَ: عَكّى وَقَرَضَ الرِّبَاط.
وَقَالَ ابْن السّكيت: المِعكاء على مفعال: الْإِبِل المجتمعة يُقَال: مائَة معكاء. وَقد عكت تعكو إِذا غلظت واشتدَّت من السّمن. قَالَ: ورَوَى أَبُو عُبَيْدَة بَيت النَّابِغَة:
الْوَاهِب الْمِائَة المعكاء زيّنها الَّ
عدانُ يُوضِحُ فِي أوبارها اللِبَدِ
يُوضح: يبين فِي أوبارها إِذا رُعِيَ، فَقَالَ: الْمِائَة المعكاء هِيَ الْغِلَاظ الشداد لَا يثنى وَلَا يجمع.(3/27)
وَقَالَ أَوْس:
الْوَاهِب الْمِائَة المعكاء يشفعها
يَوْم الفِضال بِأُخْرَى غيرَ مجهود
وَقَالَ الْفراء: العاكي: الشادُّ. وَقد عكا إِذا شدّ، وَمِنْه عَكْو الذَّنب، وَهُوَ شدّه.
عوك: أَبُو عبيد عَن أبي زيد: عاك عَلَيْهِ يَعُوك عَوْكاً إِذا كرَّ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ عكمَ يَعْكِم وعَتَك يَعْتِك.
وَقَالَ الْمفضل: عاك على الشَّيْء أقبل عَلَيْهِ. والمَعَاك: الْمَذْهَب. يُقَال: مَاله مَعَك أَي مَذْهَب.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: عُوكِي على مَا فِي بَيْتك إِذا أعياكِ بَيت جارتك أَي كرِّي على بَيْتك.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: لقِيته عِنْد أول صَوْك ويَوْك وعَوْك أَي عِنْد أوّل كل شَيْء. سَلَمة عَن الْفراء قَالَ: العائك: الكسوب، عَاك معاشه يَعُوكُه عَوْكاً ومَعَاكاً.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال: عُسْ مَعَاشك وعُك معاشك معاساً ومعاكاً. والقوْسُ: إصْلَاح الْمَعيشَة.
كعا: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: كعا إِذا جبن؛ عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الكاعي: المنهزم، وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي أَيْضا: الأكعاء: الْجُبَنَاء، قَالَ: والأعكاءُ العُقد.
كوع: قَالَ أَبُو عبيد سَمِعت الأصمعيّ قَالَ: يُقَال: كاعٌ وكُوعٌ فِي الْيَد.
وَقَالَ ابْن السّكيت: الكوعُ والكاع: طَرَف الزَنْد الَّذِي يَلِي أصل الْإِبْهَام. يُقَال: أَحمَق يمتخط بكوعه. وَقَالَ غَيره الكرسوع: طرف الزند الَّذِي يَلِي الْخِنْصر.
وَقَالَ اللَّيْث: الْكُوع: طرف الزند الَّذِي يَلِي الْإِبْهَام وَهُوَ أخفاهما والكَاع: طرف الزند الَّذِي يَلِي الْخِنْصر وَهُوَ الكرسوع.
قلت: وَالْقَوْل فِي الكُوع والكُرْسوع هُوَ القَوْل الأوّل.
قَالَ اللَّيْث: وَيُقَال للَّذي يعظم كاعُه: أكواع، كوعاء للْأُنْثَى. وَأنْشد:
دواخسٌ فِي رُسغِ غيرِ أكوعا
والمصدر الكَوَع. قَالَ: وتصغير الكاع كُويع، والكَوَع أَيْضا: يبس فِي الرسغين، وإقبال إِحْدَى الْيَدَيْنِ على الْأُخْرَى: بعير أكوع، وناقة كوعاء وَقد كَوِع كَوَعاً.
وَقَالَ أَبُو زيد: الْأَكْوَع: اليابسِ اليدِ من الرسغ، الَّذِي أَقبلت يَده نَحْو بطن الذِّرَاع. والأكوع من الْإِبِل: الَّذِي قد أقبل خُفُّه نَحْو الوظيف، فَهُوَ يمشي على رُسغه، وَلَا يكون الكوَع إلاّ فِي الْيَدَيْنِ. وَقَالَ غَيره: الكَوَع التواء الْكُوع. يُقَال للكلب: هُوَ يَكُوع فِي الرمل إِذا مَشى على كُوعه يمشي فِي شقّ. والكَوَع فِي النَّاس إِذا تعوّج الكفّ من قِبَل الكُوع، وَقد تكوّعت يدُه، وكاع يَكُوع إِذا مَشى على كُوعه.
وكع: وَقَالَ اللَّيْث: الوَكَع: مَيَلان فِي صدر الْقدَم نَحْو الْخِنصر. وَرُبمَا كَانَ ذَلِك فِي إِبْهَام الْيَد الرجُل أوكع وَامْرَأَة وكعاء. وَأكْثر مَا يكون ذَلِك للإماء اللواتي يُكْدَدن فِي الْعَمَل. قَالَ: وَيُقَال: الأوكع والوكعاء للأحمق والحمقاء.(3/28)
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: فِي رُسغه وكَع وكوعٌ إِذا التوى كُوعه.
أَبُو نصر عَن الأصمعيّ: الكَوَع: أَن تقبل إِبْهَام الرِّجْل على أخواتها إقبالاً شَدِيدا حَتَّى يظْهر عظم أَصْلهَا، وَقَالَ أَبُو زيد: الوَكَع فِي الرِّجل: انقلابها إِلَى وحشيّها. والكوَع فِي الْيَد: انقلاب الْكُوع حَتَّى يَزُول فَيرى شخصٌ أَصله خَارِجا. وَقَالَ غَيره: الوَكَع: ركُوب الْإِبْهَام على السّبابة من الرِجْل يُقَال: يَا ابْن الوكعاء واللكاعة اللؤم، والوكاعة: الشدّة:
وَقَالَ اللَّيْث: فرس وَكِيع إِذا كَانَ شَدِيد الإهَاب صُلْباً. وَقد وكُع وَكَاعة. وسِقَاء وَكِيع: غليظ صلب، ومزاد وكيعة وَهِي الَّتِي قُوّرت فأُلقي مَا ضعف من الْأَدِيم وَبَقِي الجيّد فخرِز. واستوكع السقاءُ إِذا مَتُن واشتدَّت مخارزه بَعْدَمَا سُرِّب. وَأنْشد الأصمعيُّ بَيت الفرزدق يصف فرسا:
ووفراءَ لم تُحْرَز بسيرٍ وكيعةٍ
غَدَوْت بهَا طَبّاً يَدي برشائها
وَقَالَ ابْن السكّيت: وفراء وافرة يَعْنِي فرسا أُنْثَى. وكيعة: وَثِيقَة الْخلق شَدِيدَة. يُقَال قد أسمن الْقَوْم وأوكعوا إِذا سمِنت إبلهم، وغلظت من الشَّحْم واشتدَّت. وكل وثيق شَدِيد فَهُوَ وَكِيع. يُقَال: دابّة وَكِيع، وسِقَاء وكِيع إِذا كَانَ محكمَ الجِلْد والخَرز. وَيُقَال: استوكعت معدته إِذا اشتدت وقويت.
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: لدغته الْعَقْرَب ووكعته وكَوَته. وَقَالَ غَيره: المِيكع: المَالَقَةُ الَّتِي يسوَّى بهَا خُدَدُ الأَرْض المكروبة وَقَالَ جرير:
جُرَّت فتاةُ مجاشع فِي مِنقر
غيرَ المراء كَمَا يجرّ الميكع
أَبُو عَمْرو الوَكْع الحلْبُ وَأنْشد:
لَأَنْتُم بوكع الضَّأْن أعلم منكُم
بقرع الكماة حيثُ تُبْغَى الجرائم
قَالَ: ووكعت الدَّجَاجَة إِذا خضعت عِنْد سفاد الديك. وأوكع الْقَوْم: قلَّ خَيرهمْ.
وَقَالَ أَبُو الجهم الْجَعْفَرِي: وَكَعْتَ الشَّاة إِذا نَهَزْتَ ضرْعهَا عِنْد الْحَلب. قَالَ: وَقَالَت العنز: احْلُبْ ودع، فَإِن لَك مَا تدع. وَقَالَت النعجة: احلب وَكَع. فَلَيْسَ لَك مَا تدع أَي انهز الضَّرع واحلب كل مَا فِيهِ.
وعك: قَالَ اللَّيْث: الوعْك: مَغْثُ الْمَرَض. تَقول: وعكته الحمّى إِذا دكّته. وَرجل موعوك أَي مَحْمُوم وَقد وعَكته الحمّى تَعِكُه.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ وعكته الحمّى فَهُوَ موعوك مثله.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الممغوث والموعوك: المحموم.
وَقَالَ اللَّيْث: الكِلاَب إِذا أخذت الصَّيْد أوعكته أَي مرّغته. قَالَ: والوَعْكة: معركة الْأَبْطَال إِذا أَخذ بَعضهم بَعْضًا. وَقد أوعكت الإبلُ إِذا ازدحمت فَركب بَعْضهَا بَعْضًا عِنْد الْحَوْض، وَهِي الوَعْكَة.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: إِذا ازدحمت الْإِبِل فِي الوِرد، واعتركت فَتلك الوَعْكة، وَقد أوعكت الإبلُ.(3/29)
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: وَعْكة الْإِبِل: جماعتها قَالَ: والوعْكة: الدفعة الشَّدِيدَة فِي الجري.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو العكوَّك: السمين.
(بَاب الْعين وَالْجِيم)
ع ج (وَا ىء)
عجا، عوج (يعيج) جعا، جوع، وجع: مستعملات.
عجا: قَالَ اللَّيْث: يُقَال الأمّ تعجو ولدَها: تؤخّر رضاعه عَن مواقيته، وَيُورث ذَلِك وَلَدهَا وَهْناً وَقَالَ الْأَعْشَى:
مُشفِقاً قلبُها عَلَيْهِ فَمَا تع
جوه إِلَّا عُفَافَةٌ أَو فُواق
قَالَ: والمعاجاة: أَلاَّ يكون للْأُم لبن يُروِي صبيّها، فتعاجيه بِشَيْء تعلّله بِهِ سَاعَة. وَكَذَلِكَ إِن ولي ذَلِك مِنْهُ غير أمّه. وَالِاسْم مِنْهُ العُجْوَة، وَالْفِعْل العَجْو. وَاسم ذَلِك الْوَلَد العَجِيُّ، وَالْأُنْثَى عجِيَّة، والجميع العُجايا.
قَالَ: وأمَّا من مُنع اللَّبن فغُذي بِالطَّعَامِ يُقَال عُوجِيّ.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْهَيْثَم قَالَ: يُقَال للبن الَّذِي يعاجي بِهِ الصَّبِي الْيَتِيم أَي يُغْذي بِهِ عُجَاوة، وَيُقَال لذَلِك الْيَتِيم الَّذِي يغذي بِغَيْر لبن أمه: عَجِيٌّ.
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: كنت يَتِيما وَلم أكن عجِيّاً. وَأنْشد اللَّيْث:
إِذا شئتَ أبصرتَ من عَقْبهم
يتامى يُعاجَون كالأذؤب
وَقَالَ آخر فِي وصف أَوْلَاد الْجَرَاد:
إِذا ارتحلتْ من منزل خلّفت بِهِ
عَجايا يُحاثِي بِالتُّرَابِ صغيرُها
أَبُو عبيد: العُجاية والعُجاوة لُغَتَانِ، وهما قدر مُضغة من لحم تكون مَوْصُولَة بعَصَبة تنحدر من ركبة الْبَعِير إِلَى الفِرْسِن.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: العُجاية: عَصَبة فِي بَاطِن يَد النَّاقة، وَهِي من الفَرَس مَضِيغة.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: العُجاية من الفَرَس: العَصَبة المستطيلة فِي الوظيف ومنتهاها إِلَى الرسغين وفيهَا يكون الحَطْم، قَالَ: والرُسْغ: مُنْتَهى العُجاية.
وَقَالَ اللَّيْث: العُجاية: عَصَب مركّب فِيهِ فُصوص عِظَام يكون عِنْد رُسغ الدابّة، قَالَ: وَإِذا جَاع أحدهم دَقَّها بَين فهرين فَأكلهَا وَقَالَ كَعْب:
شُمّ العُجَايات يتركن الْحَصَى زِيَمَا
قَالَ: وَتجمع على العُجَى، يصف حوافرها بالصلابة. والعَجْوة: تمر. يُقَال هُوَ مِمَّا غرسه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِيَدِهِ.
قلت: العَجْوة الَّتِي بِالْمَدِينَةِ هِيَ الصَيْحابية. وَبهَا ضروب من الْعَجْوَة لَيْسَ لَهَا عُذُوبة الصيحانية وَلَا رِيّها وَلَا امتلاؤها.
أَبُو سعيد: عجا شَدْقَه إِذا لواه.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْحسن الشيخي عَن الرياشي قَالَ: قَالَ أَبُو زيد: العَجِيّ: السَيء الغِذَاء.
وأنشدنا:
يسْبق فِيهَا الحَمَلَ العجِيّا
رَغْلا إِذا مَا آنس العِشّيا(3/30)
قَالَ الرياشي: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: قَالَ لنا خلف الْأَحْمَر: سَأَلت أَعْرَابِيًا عَن قَوْلهم عجا شِدْقَهُ فَقَالَ: إِذا فَتحه وأماله.
وَقَالَ الطِرمّاح يصف صائداً لَهُ أَوْلَاد لَا أمّهات لَهُم فهم يعاجَون تربية سيّئة:
إِن يصب صيدا يكن جُلُّه
لعجايا قُوتُهم باللِّحام
وَقَالَ شُمَيْل: يُقَال: لقى فلَان مَا عَجَاه وَمَا عَظَاه وَمَا أورمه إِذا لَقِي شدَّة وبلاءً.
عوج: الحرانيّ عَن ابْن السّكيت: يُقَال: مَا أعِيج من كَلَامه بِشَيْء أَي مَا أعْبأ بِهِ. قَالَ: وَبَنُو أسَد يَقُولُونَ: مَا أَعُوج بِكَلَامِهِ أَي مَا ألتفِت إِلَيْهِ أَخَذُوهُ من عُجت النَّاقة. وَيُقَال مَا عِجْتُ بَخَبرِ فلَان وَلَا أعيج بِهِ، أَي لم أستشفِ بِهِ وَلم أسْتَيْقِنُه، وشربت شربة من مَاء فَمَا عِجْتُ بِهِ أَي لم أنتفع بِهِ.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ابي الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه أنْشدهُ:
وَلم أر شَيْئا بعد ليلى ألَذُّه
وَلَا مشربا أَرْوَى بِهِ فأعيجُ
أَي أنتفع بِهِ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال: مَا يعيج بقلبي شَيْء من كلامك، وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: عاج يَعُوج إِذا عَطَف. وعاج يعيج إِذا انْتفع بالْكلَام وَغَيره. وَيُقَال: مَا عِجْتُ مِنْهُ بِشَيْء، قَالَ: والعَيْج: الْمَنْفَعَة.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: العِياج: الرُّجُوع إِلَى مَا كنتَ عَلَيْهِ. وَيُقَال مَا أَعُوج بِهِ عُووجاً. وَقَالَ: مَا أعيج بِهِ عُيُوجاً أَي مَا أكترث لَهُ وَلَا أباليه.
وَقَالَ اللَّيْث العَوْج: عطف رَأس الْبَعِير بالزمام أَو الحِطام. تَقول: عُجْت رَأسه أعُوجه عَوْجاً: قَالَ: وَالْمَرْأَة تعوج رَأسهَا إِلَى ضجيعها.
وَقَالَ ذُو الرمّة يصف جواريَ قد عُجْن إِلَيْهِ رؤوسهنّ يَوْم ظَعْنهن فَقَالَ:
حَتَّى إِذا عُجْن من أجيادهنّ لنا
عَوْج الأخِشَّة أَعْنَاق العناجيج
أَرَادَ بالعناجيج جِيَاد الرِكاب هَهُنَا، وَاحِدهَا عُنْجوج، وَيُقَال لجياد الْخَيل عناجيج أَيْضا.
وَيُقَال عُجْته فانعاج أَي عطفته فانعطف.
وَقَالَ غَيره: يُقَال: عاج فلَان فرسه إِذا عطف رَأسه وَمِنْه قَول لَبيد:
فعاجوا عَلَيْهِ من سواهِمَ ضُمَّرٍ
سَلمَة عَن الْفراء فِي قَول الله جلّ وعزّ:
قَالَ: والعِوَج بِكَسْر الْعين فِي الدّين، وَفِيمَا كَانَ التعويج فِيهِ يكثر مثل الأَرْض وَمثل قَوْلك: عُجت إِلَيْهِ أَعُوج عِيَاجا وعوَجاً.
وَأنْشد:
قفا نسْأَل منَازِل آل ليلى
مَتى عِوَج إِلَيْهَا وانثناء(3/31)
قَالَ: وَقَوله جلّ وعزّ: {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِىَ لاَ عِوَجَ لَهُ} (طاه: 108) أَي يتبعُون صَوت الدَّاعِي للحشر لَا عوج لَهُ يَقُول: لَا عِوَجَ للمدعوّين عَن الدَّاعِي، فَجَاز أَن يَقُول (لَهُ) لِأَن الْمَذْهَب إِلَى الدَّاعِي وصوته. وَهُوَ كَمَا تَقول دعوتني دَعْوَة لَا عِوَج لَك عَنْهَا أَي لَا أعُوج لَك وَلَا عَنْك. قَالَ: وكل قَائِم يكون العوج فِيهِ خلقَة فَهُوَ عَوَجٌ.
وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي فِي مثله:
فِي نابه عَوَجٌ يُخَالف شِدْقه
قَالَ والحائط والرُّمْحُ وكل مَا كَانَ قَائِما يُقَال فِيهِ: العَوَج. وَيُقَال: شجرتك فِيهَا عَوَج شَدِيد.
قلت: وَهَذَا لَا يجوز فِيهِ وَفِي أَمْثَاله إلاَّ العَوَجُ.
وَقَالَ الأصمعيّ: يُقَال هَذَا شَيْء معوجٌّ وَقد اعوجّ اعوجاجاً على افعلّ افعلالاً. وَلَا تَقول معوَّج على مفعَّل إِلَّا لعُود أَو شَيْء رُكِّب فِيهِ: العاج.
قلت: وَغَيره يُجِيز عوّجت الشَّيْء تعويجاً إِذا حنيته، وَهُوَ ضد قوّمته. فأمّا مَا انحنى من ذَاته فَيُقَال: اعوجّ اعوجاجاً، وَيُقَال عُجْته فانعاج أَي عطفته فانعطف، وَمِنْه قَول رؤبة:
وانعاج عُودي كالشظيف الأخشن
وَيُقَال عَوِجَ الشَّيْء يَعْوَجُ عَوَجاً فَهُوَ أَعْوَج لكلّ مَا يُرَى، وَالْأُنْثَى عوجاء، وَالْجَمَاعَة عُوج، وَيُقَال لقوائم الدَّابَّة: عَوج، ويستجبّ ذَلِك فِيهَا. يُقَال: نخيل عُوج إِذا مَالَتْ.
وَقَالَ لبيد يصف عَيْر وأُتُنَهُ وسَوقه إيّاها:
إِذا اجْتمعت وأَحوذ جانبيها
وأوردها على عُوج طِوال
فَقَالَ بَعضهم: مَعْنَاهُ: أوردهَا على نخل نابتة على المَاء قد مَالَتْ، فاعوجَّت لِكَثْرَة حَمْلها؛ كَمَا قَالَ فِي صفة النّخل:
غُلبٌ سواجد لم يدْخل بهَا الْحصْر
وَقيل معنى قَوْله: أوردهَا على عُوج طوال أَي على قَوَائِمهَا العُوج، وَلذَلِك قيل للخيل: عُوج، وَيُقَال نَاقَة عوجاء إِذا عَجِفت فاعوجَّ ظهرهَا؛ وَامْرَأَة عوجاء إِذا كَانَ لَهَا ولد تَعُوج إِلَيْهِ لترضعه، وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
إِذا المُرْغِث العوجاء بَات يَعُزُّها
على ثديها ذُو وَدْعتين لَهُوج
وَالْخَيْل الأعوجيّة منسوبة إِلَى فَحل كَانَ يُقَال لَهُ: أَعْوَج، يُقَال: هَذَا الحِصَان من بَنَات أَعْوَج.
وَقَالَ اللَّيْث: العاج: أَنْيَاب الفِيَلة، قَالَ وَلَا يُسمى غير الناب عاجاً.
وَقَالَ شمر: يُقَال للمَسكِ: عاج. قَالَ وأنشدني ابْن الْأَعرَابِي:
وَفِي العاج والحِنّاء كفٌّ بنانُها
كشحم النَقَا لم يُعْطهَا الزند قَادِح
أَرَادَ بشحم النقا دوابَّ يُقَال لَهَا: الحُلَك.
وَيُقَال لَهَا: بَنَات النقا يشبَّه بهَا بنان الْجَوَارِي للينها ونَعْمتها.
قلت: وَالدَّلِيل على صِحَة مَا قَالَ شمر فِي العاج أَنه المَسكُ مَا جَاءَ فِي حَدِيث مَرْفُوع أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لثَوبان: (اشْتَرِ(3/32)
لفاطمة سواراً من عاج) ، لم يُرد بالعاج مَا يُخْرط من أَنْيَاب الفِيَلة؛ لِأَن أنيابها مَيْتَةٌ، وَإِنَّمَا العاج الذُّبْلُ وَهُوَ ظهر السُّلَحْفاة البحرية.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل المَسَك من الذَّبْل وَمن العاج كهنئة السوار تَجْعَلهُ الْمَرْأَة فِي يَديهَا فَذَاك المَسَك. قَالَ: والذَّبْلُ. الْقُرُون فَإِذا كَانَ من عاج فَهُوَ مَسَك وعاج ووَقْفٌ، فَإِذا كَانَ مِن ذَبْلٍ فَهُوَ مَسَكٌ لَا غير. وَقَالَ الْهُذلِيّ:
فَجَاءَت كخاصي العَيْرِ لم تَحْلَ عاجةً
وَلَا جاجة مِنْهَا تلوح على وشم
فالعاجة: الذَّبلة، والجاجة: خرزة لَا تَسَاوِي فَلْساً.
وَقَالَ اللَّيْث: عُوجُ بن عُوق رجل ذُكِرَ من عِظَم خَلْقِه شناعةٌ، وذُكر أَنه ولد فِي منزل آدم فَعَاشَ إِلَى زمن مُوسَى، وَأَنه هلك على عِدَّان مُوسَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ اللَّيْث: وَيُقَال نَاقَة عاج إِذا كَانَت مِذعان السّير ليّنة الانعطاف، وَمِنْه قَوْله:
تَقَدَّى بِي الموماةَ عاجٌ كَأَنَّهَا
قَالَ: وَيُقَال للناقة فِي الزّجر: عَاج بِلَا تَنْوِين، وَإِن شِئْت جزمت على توهّم الْوُقُوف، يُقَال: عجعجت بالناقة إِذا قلت لَهَا: عاج عاج. قَالَ: وذُكر أَن عوْج بن عُوق كَانَ يكون مَعَ فَرَاعِنَة مصر، وَيُقَال: كَانَ صَاحب الصَّخْرَة الَّتِي أَرَادَ أَن يُطْبقَها على عَسْكَر مُوسَى ج، وَهُوَ الَّذِي قَتله مُوسَى صلوَات الله عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو عبيد: يُقَال للناقة عاجٍ وجاهٍ بِالتَّنْوِينِ.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم فِيمَا قَرَأت بخطّه: وَكلّ صَوت يُزجَر بِهِ الْإِبِل فَإِنَّهُ يخرج مَجْزُومًا، إِلَّا أَن يَقع فِي قافية فيحوّل إِلَى الْخَفْض، تَقول فِي زجر الْبَعِير؛ حَلْ حَوْب، وَفِي زجر السَّبع: هَجْ هَجْ، وجَهْ جَهْ، وجاهْ جاهْ، قَالَ: فَإِذا حكيت ذَلِك قلت للبعير: حَوْبَ أَو حَوْبِ، وَقلت للناقة: حَلْ حَلْ، وَقلت لَهَا حَلٍ، وَأنْشد:
أَقُول للناقة قولي للجمل
أَقُول حَوْبٍ ثمَّ أثنيها بِحَل
فخفض حَوْب ونوّنه عِنْد الْحَاجة إِلَى تنوينه.
وَقَالَ آخر:
قلت لَهَا حَلٍ فَلم تَحَلْحَلِ
وَقَالَ آخر:
وجمل قلت لَهُ حاهٍ جاهْ
يَا ويله من جمل مَا أشقاهْ
وَقَالَ آخر:
سفرت فَقلت لَهَا هج فتبرقعت
وَقَالَ شمر: قَالَ زيد بن كُثْوة: من أمثالهم: الْأَيَّام عُوج رواجع، يُقَال ذَلِك عِنْد الشماتة، يَقُولهَا المشموت بِهِ، أَو تقال عَنهُ، وَقد يُقَال عِنْد الْوَعيد والتهدُّد.
قلت: عُوج هَهُنَا جمع أَعْوَج، وَيكون جمع عَوْجاء، كَمَا يُقَال أصور وصُور، وَيجوز أَن يكون جمع عائج؛ فَكَأَنَّهُ قَالَ: عُوُج على فُعُل فخفّفه، كَمَا قَالَ الأخطل:
فهنّ بالبذل لَا بُخْلٌ وَلَا جُود
أَرَادَ لَا بُخُلٌ وَلَا جُوُدٌ.(3/33)
جوع: قَالَ اللَّيْث: الجُوع: اسْم للمخمصة، وَالْفِعْل جَاع يجوع جَوْعاً وجَوْعة، وَيُقَال: رجل جَائِع وجَوْعان، وَرجل جَائِع نائع، والمَجاعة: عامٌ فِيهِ جوع، وَيُقَال أجعته وجوّعته فجاع يجوع جوعا.
وَقَالَ الشَّاعِر:
أجاع الله من أشبعتموه
وَأَشْبع مَنْ بجوْركمُ أُجيعا
وَقَالَ الآخر:
كَانَ الْجُنَيْد وَهُوَ فِينَا الزُّمَّلِقْ
مجوَّعَ الْبَطن كِلاَبِيَّ الْخُلُقْ
وَقَالَ أَبُو زيد: تَقول الْعَرَب جُعت إِلَى لقائك وعطِشت إِلَى لقائك.
وَقَالَ أَبُو سعيد: المستجيع الَّذِي يَأْكُل كل سَاعَة الشَّيْء بعد الشَّيْء، وَفُلَان جَائِع القِدْر إِذا لم تكن قدره ملأى، وَامْرَأَة جائعة الوِشاح إِذا كَانَت ضامرة الْبَطن، وَيجمع الجائع جياعاً، وَرجل جوعان وَامْرَأَة جَوْعى، وَيُقَال تَوَحَّشْ للدواء وتجَوَّعْ للدواء أَي لَا تستوفِ الطَّعَام.
وجع: قَالَ اللَّيْث: الوَجَع: اسْم جَامع لكل مرض مؤلم، يُقَال: رجل وجِع وَقوم وَجَاعى، ونسوة وجاعى وَقوم وَجِعون، وَقد وَجِعَ فلانٌ رَأْسَهُ أَو بَطْنَه، وَفُلَان يَوْجَعُ رَأْسَه، وَفِيه لُغَات، يُقَال: يَوْجَع، ويَيْجع، وياجَع، وَمِنْهُم من يكسر الْيَاء فَيَقُول يِيجَعُ، وَكَذَلِكَ تَقول: أَنا أيْجَع وأنتِ تَيْجع.
قَالَ: ولغة قبيحة، مِنْهُم من يَقُول: وجِع يَجِع، قَالَ: وَتقول: أَنا أَوْجَع رَأْسِي، ويَوْجعني رَأْسِي، وأوجعت فلَانا ضربا وَجِيعاً، وتوجّعت لفُلَان ممَّا نزل بِهِ إِذا رَثَيت لَهُ من مَكْرُوه نَازل بِهِ.
وَقَالَ غَيره: يُقَال ضرب وجيع أَي موجِع، كَمَا يُقَال عَذَاب أَلِيم بِمَعْنى مؤلم، وَقيل: ضرب وجيع: ذُو وَجَع، وأليم: ذُو ألم.
وَقَالَ اللَّيْث وَغَيره: الوجعاء: الدُبُر ممدودة، وَأنْشد:
أنِفت للمرء إِذْ نيكت حليلته
وَإِذ يشدّ على وجعائها الثفَرُ
أغشى الحروب وسر بالي مضاعفة
تغشى البنان وسيفي صارم ذكر
وروى سَلمَة عَن الْفراء: يُقَال للرجل: وَجِعْتَ بَطْنَكَ مثل سَفِهْتَ رَأْيَكَ ورَشِدْتَ أَمرك.
قَالَ: وَهَذَا من الْمعرفَة الَّتِي هِيَ كالنكرة: لِأَن قَوْلك: (بَطْنك) مُفَسِّر، وَكَذَلِكَ: غَبِنْتَ رَأْيك، وَالْأَصْل فِيهِ: وجع رأسُك، وألم بطنُك، وَسَفه رأيُك ونفسُك، فَلَمَّا حُوّل الْفِعْل خرج قَوْلك: وجعت بَطْنك وَمَا أشبهه مُفَسرًا، قَالَ وَجَاء هَذَا نَادرا فِي أحرف مَعْدُودَة.
وَقَالَ غَيره: إِنَّمَا نصبوا وجعت بَطْنك بِنَزْع الْخَافِض مِنْهُ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَجعت من بَطْنك، وَكذلك سفهت فِي رَأْيك، وَهَذَا قَول الْبَصرِيين، لِأَن المفسِّرات لَا تكون إِلَّا نكرات.
وَتجمع الوجعاء: الدبر وَجْعاوات.
جعا: أهمله اللَّيْث.
وَروى أَبُو الْعَبَّاس عَن عَمْرو بن أبي عَمْرو(3/34)
عَن أَبِيه أَنه قَالَ: الْجَعْو: الطين، قَالَ وَيقال جعّ فلَان فلَانا إِذا رَمَاه بالجَعْو وَهو الطين.
وَقَالَ اللَّيْث العَيْج: شبه الاكتراث، وَأنشد:
وَما رَأَيْت بهَا شَيْئا أعِيج بِهِ
إِلَّا الثمام وَإلا مَوقَدِ النَّار
وَيُقَال: عاج بِهِ يعيج عيجوجة فَهُوَ عائج بِهِ.
وَروى أَبُو إِسْحَاق عَن هُبَيْرَة أَنه قَالَ: سَمِعت عليا يَقُول نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الجِعة.
وَفي الحَدِيث (الجِعَة شراب يصنع من الشّعير وَالحنطة حَتَّى يُسكر) .
وَقال أَبُو عبيد: الجعة من الْأَشْرِبَة وَهو نَبِيذ الشّعير.
(بَاب الْعين والشين من معتل الْعين)
ع ش (وَا يء)
عشا، عَيْش، شعا، شيع، شوع، وشع.
عشا: أخبرنَا أَبُو الْفضل بن أبي جَعْفَر عَن أبي الْحسن الطوسيّ عَن الخزاز قَالَ: سَمِعت ابْن الأعرابيّ يَقُول: العُشْو من الشُّعَرَاء سَبْعَة: أعشى بني قيس أَبُو بَصِير، وَأعشى باهلة أَبُو قُحَافَة، وَأعشى بني نَهْشل الْأسود بن يَعْفر، وَفي الْإِسْلَام أعشى بني ربيعَة من بني شَيبَان، وَأعشى هَمْدان، وَأعشى تغلب بن جاوَان، وَأعشى طِرْوَد من سُلَيم.
وَقال غَيره: وَأعشى بني مَازِن من تَمِيم. قلت: وَالعُشْو جمع الْأَعْشَى، وَقد عَشِي الرجل يعشى عشاً فَهُوَ أَعشى وَامرأة عشواء، وَرجلان أعشيان وَامرأتان عشواوَان وَرجال عُشْو وَأَعشون.
وَقَالَ اللَّيْث: العشا يكون سوء الْبَصَر من غير عمى، وَيكون الَّذِي لَا يبصر بِاللَّيْلِ ويبصر بِالنَّهَارِ.
وَقَالَ أَبُو زيد: الْأَعْشَى هُوَ السيّء الْبَصَر بِالنَّهَارِ وبالليل، وَقد عشا يعشو عَشْواً، وَهُوَ أدنى بَصَره، وَإِنَّمَا يعشو بعد مَا يَعْشَى.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: عشا يعشو إِذا أَتَى نَارا للضيافة، وعشا يعشو إِذا ضعف بَصَره.
وَقَالَ أَبُو زيد: عشِي الرجل عَن حقّ أَصْحَابه يَعْشَى عَشاً شَدِيدا إِذا ظلمهم، وَهُوَ كَقَوْلِك: عمى عَن حَقه، وَأَصله من العشا، وَأنْشد:
أَلا رُبَّ أعشى ظالمٍ متخمّط
جعلتُ لعينيه ضِيَاء فأبصرا
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: عَشِيَ عليَّ فلَان يَعْشَى عشاً مَنْقُوص: ظَلَمَنِي.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال للرِّجَال: يعشَوْن، وهما يعشيان، وَفِي النِّسَاء هن يعشَيْن، قَالَ: ولمَّا صَارَت الْوَاو فِي عشي يَاء لكسرة الشين تركت فِي يعشَيَانِ يَاء على حَالهَا، وَكَانَ قِيَاسه يعشَوَانِ، فتركوا الْقيَاس، قَالَ: وتعاشى الرجُل فِي أَمْرِي إِذا تجاهل.
الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت: عَشِي فلَان يعشى إِذا تعشّى فَهُوَ عاشٍ. وَيُقَال فِي مثل: العاشقةِ تَهِيج الآبية، أَي إِذا رَأَتْ(3/35)
الَّتِي تأبى الرَعْي الَّتِي تتعشّى هاجتها للرعي فرعت.
والعِشْيُ: مَا يُتعشّى بِهِ، وَجمعه أَعْشاء.
قَالَ الحطيئة:
وَقد نظرتكم أعشاء صادرةٍ
للخِمْس طَال بهَا حَوْزِي وَتَنْسَاسي
قَالَ شمر أَرَادَ انتظرتكم طَويلا قدر مَا تَعَشَى إبل صدرت عَن المَاء لخمس وَطَالَ عشاؤُها.
يَقُول انتظرتكم انْتِظَار إبل خوامِسَ؛ لِأَنَّهَا إِذا صدرت تعشَّت طَويلا وَفِي بطونها مَاء كثير فَهِيَ تحْتَاج إِلَى ثَقَل كثير. قَالَ: وَوَاحِد الأعشاء عِشْي.
وَقَالَ اللَّيْث: العَشْواء من النوق: الَّتِي لَا تبصر مَا أمامها، وَذَلِكَ لِأَنَّهَا ترفع رَأسهَا فَلَا تتعاهد مَوضِع أخفافها.
وَقَالَ زُهَيْر
رَأَيْت المنايا خبط عشواء من تصب
تُمِته وَمن تخطىء يُعمَّر فيهرَم
وَمن أمثالهم السائرة: هُوَ يخبِط خَبْط عشواء، يُضرب مثلا للسادر الَّذِي يركب رَأسه وَلَا يهتم لعاقبته، كالناقة العشواء الَّتِي لَا تبصر، فَهِيَ تخبط بِيَدَيْهَا كل مَا مرَّت بِهِ، وشَبَّه زُهَيْر المنايا بخبط عشواء لِأَنَّهَا تعمّ الكلّ وَلَا تخصّ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: العُقَاب العشواء: الَّتِي لَا تبالي كَيفَ خَبَطت وَأَيْنَ ضربت بمخالبها كالناقة العشواء لَا تَدْرِي كَيفَ تضع يَدهَا.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: عشا يعشو: إِذا أَتَى نَارا للضيافة، وعشا يعشو: إِذا ضعف بَصَره.
وَقَالَ اللَّيْث: العَشْو: إتيانك نَارا ترجو عِنْدهَا هدى أَو خيرا. تَقول: عشوتها أعشوها عَشْواً وعُشُوَّاً.
قَالَ: والعاشية: كل شَيْء يعشو بِاللَّيْلِ إِلَى ضوء نَار من أَصْنَاف الْخَلْق؛ كالفَرَاش وَغَيره، وَكَذَلِكَ الْإِبِل العواشي تعشو إِلَى ضوء نَار. وَأنْشد:
وعاشية حُوشٍ يِطانٍ ذعرتُها
بضربِ قتيلٍ وسطَها يتسيَّفُ
قلت: غلط فِي تَفْسِير الْإِبِل العواشي أَنَّهَا الَّتِي تعشو إِلَى ضوء النَّار. وَالْإِبِل العواشي جمع العاشية وَهِي الَّتِي ترعى لَيْلًا وتتعشّى، وَمِنْه قَوْلهم: العاشية تهيج الآبية.
وَقَول الله جلّ عزّ: {لِلْمُتَّقِينَ وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَانِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} (الزّخرُف: 36) . قَالَ الْفراء فِي كِتَابه فِي الْمعَانِي وَلم أسمع هَذَا الْفَصْل من الْمُنْذِرِيّ لِأَن بعض هَذِه السُّورَة كَانَ فَاتَ أَبَا الْفضل مَعْنَاهُ: من يعرض عَن ذكر الرحمان، قَالَ وَمن قَرَأَ (وَمن يَعْشَ عَن ذكر الرحمان) فَمَعْنَاه من يَعْمَ عَنهُ. وَقَالَ القتيبي معنى قَوْله: {لِلْمُتَّقِينَ وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَانِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} أَي يُظلم بصرُه، قَالَ: وَهَذَا قَول أبي عُبَيْدَة ثمَّ ذهب يردّ قَول الْفراء وَيَقُول: لم أر أحدا يُجِيز عشوت عَن الشَّيْء أَعرَضت عَنهُ، إِنَّمَا يُقَال: تعاشيت عَن الشَّيْء: تغافلت عَنهُ، كَأَنِّي لم أره وَكَذَلِكَ تعاميت.(3/36)
قَالَ: وعشوت إِلَى النَّار إِذا استدللت عَلَيْهَا ببصر ضَعِيف.
قلت: أغفل القتيبي مَوضِع الصَّوَاب، وَاعْترض مَعَ غفلته على الْفراء يردّ عَلَيْهِ فَذكرت قَوْله لأبين عواره فَلَا يغتر بِهِ النَّاظر فِي كِتَابه، وَالْعرب تَقول: عَشَوت إِلَى النَّار أعشو عَشْواً أَي قصدتها مهتدياً بهَا، وعشوت عَنْهَا أَي أَعرَضت عَنْهَا، فيفرقون بَين إِلَى وَعَن موصولين بِالْفِعْلِ.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: عشا فلَان إِلَى النَّار يعشو عَشْواً إِذا رأى نَارا فِي أوَّل اللَّيْل فيعشو إِلَيْهَا يستضيء بضوئها، وعشا الرجل إِلَى أَهله يعشو، وَذَلِكَ من أول اللَّيْل إِذا علم مَكَان أَهله فقصد إِلَيْهِم.
وأخبرن المنذريّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: عَشِي الرجل يَعْشَى إِذا صَار أعشى لَا يبصر لَيْلًا، عَشَا عَن كَذَا وَكَذَا يعشو عَنهُ إِذا مضى عَنهُ، وعَشَا إِلَى كَذَا وَكَذَا يعشوا إِلَيْهِ عَشْواً وعُشوَّاً إِذا قصد إِلَيْهِ مهتدياً بضوء ناره، وَأنْشد قَول الحطيئة:
مَتى تأته تعشو إِلَى ضوء ناره
تَجِد خير نَار عِنْدهَا خيرُ موقد
قَالَ: وَيُقَال: استعشى فلَان نَارا إِذا اهْتَدَى بهَا، وَأنْشد:
يتبعن جِرْوَياً إِذا هِبْن قَدَمْ
كَأَنَّهُ بِاللَّيْلِ مُسْتَعْشِى ضَرَم
يَقُول: هُوَ نشيط صَادِق الطَرْف جريء على اللَّيْل، كَأَنَّهُ مستعشٍ ضَرَمَةً وَهِي النَّار. وَهُوَ الرجل الَّذِي قد سَاق الخارب إبِله فطردها فعَمَد إِلَى ثوب فشقّه وفتله فتْلاً شَدِيدا ثمَّ غمسه فِي زَيْت أَو دهن فروّاه ثمَّ أَشْعَل فِي طَرَفه النَّار فاهتدى بهَا، واقتصّ أثر الخارب ليستنقذ إبِله.
قلت: وَهَذَا كُله صَحِيح وَإِنَّمَا أَتَى القتيبي فِي وهمه الخطأُ من جِهَة أَنه لم يفرق بَين عشا إِلَى النَّار وعشا عَنْهَا، وَلم يعلم أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا ضدّ الآخر فِي بَاب الْميل إِلَى الشَّيْء والميل عَنهُ، كَقَوْلِك: عدلت إِلَى بني فلَان إِذا قصدتهم، وَعدلت عَنْهُم إِذا مضيتَ عَنْهُم، وَكَذَلِكَ ملت إِلَيْهِم وملت عَنْهُم، ومضيت إِلَيْهِم ومضيت عَنْهُم وَهَكَذَا.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق الزّجاج فِي قَوْله جلّ وعزّ: {لِلْمُتَّقِينَ وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَانِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} (الزّخرُف: 36) أَي يُعرض عَنهُ كَمَا قَالَ الْفراء.
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: وَمعنى الْآيَة أَن من أعرض عَن الْقُرْآن وَمَا فِيهِ من الْحِكْمَة إِلَى أباطيل المضلّين فعقابُه بِشَيْطَان نقيّضه لَهُ حَتَّى يضلّه ويلازمه قريناً لَهُ فَلَا يَهْتَدِي؛ مجازاة لَهُ حِين آثر الْبَاطِل على الحقّ البيّن.
قلت: وَأَبُو عُبيدة صَاحب معرفَة بالغريب وأيّام الْعَرَب، وَهُوَ بليد النّظر فِي بَاب النَّحْو ومقاييسه.
وَفِي حَدِيث ابْن عمر أَن رجلا أَتَاهُ فَقَالَ لَهُ: كَمَا لَا ينفع مَعَ الشّرك عمل هَل يضرّ مَعَ الْإِيمَان ذَنْب؟ فَقَالَ ابْن عمر: عَشِّ وَلَا تَغْتَرَّ. قَالَ أَبُو عبيد: هَذَا مثل، وَأَصله فِيمَا يُقَال أَن رجلا أَرَادَ أَن يقطع مفازة بإبله فاتّكل على مَا فِيهَا من الْكلأ، فَقيل لَهُ عشِّ إبلك قبل أَن تفوِّز، وَخذ(3/37)
بِالِاحْتِيَاطِ، فَإِن كَانَ فِيهَا كلأ لم يَضرك مَا صنعت، وَإِن لم يكن فِيهَا شَيْء كنت قد أخَذت بالثقة، فأَراد ابْن عمر بقوله هَذَا اجْتنب الذُّنُوب وَلَا تركبها اتّكالاً على الْإِسْلَام، وَخذ فِي ذَلِك بالثقة وَالِاحْتِيَاط. يُقَال عشّيت الْإِبِل إِذا رعيتها بعد غرُوب الشَّمْس إِلَى ثلث اللَّيْل، وعشيتها أَيْضا إِذا رعيتها بعد الزَّوَال إِلَى غرُوب الشَّمْس، وعشّيت الرجل إِذا أطعمته الْعشَاء، وَهُوَ الطَّعَام الَّذِي يُؤْكَل بعد العِشاء، وَمِنْه قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِذا قُرِّب العَشَاء وأقيمت الصَّلَاة فابدؤا بالعَشَاء، فالعَشَاء: الطَّعَام وَقت العِشاء) .
وَقَالَ ابْن السّكيت: إِذا قيل لَك تَعشَّ قلت: مَا بِي تَعشَ يَا هَذَا. وَلَا تقل: مَا بِي عَشاء، قَالَ: وَرجل عَشْيان وَهُوَ من ذَوَات الْوَاو لِأَنَّهُ يُقَال عَشَيْتُه وعَشَوْتُه فَأَنا أعشوه أَي عشَّيته، وَقد عَشِي يَعْشَى إِذا تَعَشَّى، فَهُوَ عَاشَ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: يُقَال من الغَدَاء وَالْعشَاء: رجل غَدْيان وعَشْيان، قَالَ: وَالْأَصْل غدوان وعشوان؛ لِأَن أَصلهمَا الْوَاو، وَلَكِن الْوَاو تقلب إِلَى الْيَاء كثيرا؛ لِأَن الْيَاء أخفّ من الْوَاو.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: ضَحَيْتُ عَن الشَّيْء وعَشَيْتُ عَنهُ مَعْنَاهُمَا: رَفَقْت بِهِ. وَصَلَاة العِشَاء، هِيَ الَّتِي بعد صَلَاة الْمغرب، ووقتها حِين يغيب الشَّفق، وَهُوَ قَول الله جلّ وعزّ: {وَمِن بَعْدِ صَلَواةِ الْعِشَآءِ} (النُّور: 58) . وأمّا العَشِيُّ فَإِن الْمُنْذِرِيّ أَخْبرنِي عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: إِذا زَالَت الشَّمْس دُعي ذَلِك الْوَقْت العشيّ، فتحول الظل شرقياً وتحولت الشَّمْس غربية.
قلت: وصلاتا العشِيّ هما الظّهْر وَالْعصر، وحدَّثنا السعديّ عَن عمر بن شَبَّة عَن عبد الْوَهَّاب عَن أَيُّوب عَن مُحَمَّد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: صلّى بِنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِحْدَى صَلَاتي العشيّ، وأكبر ظَنِّي أَنَّهَا الظّهْر، ثمَّ ذكر الحَدِيث. قلت: وَيَقَع العِشِيّ على مَا بَين زَوَال الشَّمْس إِلَى وَقت غُرُوبهَا، كل ذَلِك عِشيّ، فَإِذا غَابَتْ الشَّمْس فَهُوَ العِشاء.
وَقَالَ اللَّيْث: العَشِيّ بِغَيْر هَاء: آخرُ النَّهَار. فَإِذا قلت: عشيّة فَهُوَ ليَوْم وَاحِد، يُقَال لَقيته عَشِيَّة يَوْم كَذَا وَكَذَا، ولقيته عشيَّة من العشيَّات. قَالَ أَبُو عبيد: يُقَال لصلاتي الْمغرب وَالْعشَاء العشاءان، وَالْأَصْل العِشاء فغُلّب على الْمغرب، كَمَا قَالُوا: الأبوان وهما الْأَب وَالأُم. وَمثله كثير. قَالَ النَّضر: العِشاء: حِين يُصَلِّي النَّاس لعتمة وَأنْشد:
ومجوّل مَلَث الْعشَاء دعَوتُه
وَاللَّيْل منتشر السقيط بهيم
قَالَ: وَإِذا صغّروا العشيّ قَالُوا: عُشَيْشيَان، وَذَلِكَ عِنْد شفى وَهُوَ آخر سَاعَة من النَّهَار. قَالَ: وَيجوز فِي تَصْغِير عشِيَّة عُشَيَّة وعُشَيشية.
قلت: كَلَام الْعَرَب فِي تَصْغِير عَشِيَّة: عُشَيشية، جَاءَ نَادرا على غير قِيَاس. وَلم أسمع عُشَيَّة فِي تَصْغِير عشِيّة، وَذَلِكَ أَن عُشية تَصْغِير العَشْوة وَهِي أوَّل ظلمَة اللَّيْل، فأرادوا أَن يفرقُوا بَين تَصْغِير(3/38)
العَشِيَّة وتصغير العَشْوة.
وَقَالَ الْفراء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ} (النَّازعَات: 46) يَقُول الْقَائِل: وَهل للعشية ضحى؟
قَالَ: وَهَذَا جيّد من كَلَام الْعَرَب. يُقَال: آتِيك العشِيّة أَو غداتَها، وآتيك الْغَدَاة عشِيّتها، فَالْمَعْنى لم يَلْبَثُوا إلاّ عَشِيَّة أَو ضحى العشية، فأضاف الضُّحَى إِلَى العشية.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْعَبَّاس أَن ابْن الْأَعرَابِي أنْشدهُ:
ألاَ لَيْت حظّي من زِيَارَة أُمِّيَهْ
غِديَّاتُ قيظ أَو عَشِياتُ أشتيه
وَقَالَ: الغَدَوات فِي القيظ أطول وَأطيب، والعشِيَّات فِي الشتَاء أطول وَأطيب، وَقَالَ: غَدِية وغدِيات؛ مثل عَشِية وعَشِيَّات.
الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت: يُقَال: لَقيته عُشَيشية وعشيشِيات وعشيشيانات وعُشَيَّانَات، ولقيته مغيربان الشَّمْس ومغيربانات الشَّمْس. وَذكر ابْن السّكيت عَن أبي عُبَيْدَة وَابْن الْأَعرَابِي أَنَّهُمَا قَالَا:
يُقَال: أوطأته عَشْوَةً وعِشْوَةً وعُشوة. وَالْمعْنَى فِيهِ: أَنه حمله على أَن يركب أمرا غير مستبين الرشد، فَرُبمَا كَانَ فِيهِ عطَبُه، وَأَصله من عَشْواء اللَّيْل وعُشوته مثل ظلماء اللَّيْل وظلمته، فأمّا العِشاء فَهُوَ أول ظلام اللَّيْل.
ورَوَى شمر حَدِيثا بِإِسْنَاد لَهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: يَا معشر الْعَرَب احمدوا الله الَّذِي رفع عَنْكُم العُشوة. وَقَالَ شمر: أَرَادَ بالعُشْوة ظلمَة الْكفْر، كلَّما ركب الْإِنْسَان أمرا بِجَهْل لَا يبصر وَجهه فَهُوَ عُشوة، مَأْخُوذ من عُشوة اللَّيْل، وَمِنْه يُقَال: أوطأته عُشْوة. وَقَالَ شمر: قَالَ أَبُو عَمْرو: العُشْوة أَيْضا فِي غير هَذَا: الشعلة من النَّار. وَأنْشد:
حَتَّى إِذا اشتال سُهَيل بِسحر
كعُشوة القابس تَرْمِي بالشرر
عَيْش: يُقَال: عَاشَ يعِيش عَيْشًا ومعاشاً ومعيشة وعِيشة ومعيشاً بِغَيْر هَاء.
وَقَالَ اللَّيْث: العَيْش: الْمطعم وَالْمشْرَب وَمَا يكون بِهِ الْحَيَاة. والمعِيشة: اسْم مَا يعاش بِهِ، والعيشة: ضرب من الْعَيْش، يُقَال. عَاشَ عِيشة صدق، وعيشة سَوْءٍ، وكلّ شَيْء يعاش بِهِ فَهُوَ معاش، وَالْأَرْض معاش لِلْخلقِ. وَيُقَال: عَيْش آل فلَان اللَّبن إِذا كَانُوا يعيشون بِهِ، وعيش آل فلَان الْخبز، وعيشهم التَّمْر، وَرُبمَا سموا الْخبز عَيْشاً.
وَقَالَ المؤرج: هِيَ الْمَعيشَة؛ قَالَ والمَعُوشة لُغَة الأَزْد. وَأنْشد لحاجز بن الجُعَيْد:
من الخفِرات لَا يُتْمٌ غَذَاها
وَلَا كدُّ المعوشة والعلاجُ
وَقَالَ ابْن السّكيت: تَقول: هِيَ عَائِشَة؛ وَلَا تقل عَيْشَة، وَتقول هِيَ رَيْطة؛ وَلَا تقل رائطة؛ وَتقول: هُوَ من بني عَيِّذ الله وَلَا تقل: عَائِذ الله.
وَقَالَ اللَّيْث فلَان العائشيّ؛ وَلَا تقل:(3/39)
العَيْشيّ؛ مَنْسُوب إِلَى بني عَائِشَة. وَأنْشد:
عبدَ بني عَائِشَة الهُلاَبعا
وَيُقَال إِنَّهُم ليتعيّشون إِذا كَانَت لَهُم بُلْغة من الْعَيْش؛ وَرجل عائش: حَاله حَسَنَة.
وَقَالَ أَكثر الْمُفَسّرين فِي قَوْله جلّ وعزّ: {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً} (طاه: 124) : إِن الْمَعيشَة الضنك عَذَاب الْقَبْر، وَقيل: إِن هَذِه الْمَعيشَة الضنك فِي نَار جهنّم، والضنك فِي اللُّغَة: الضّيق والشدة. وَقَول الله جلّ وعزّ: {وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ} (الأعرَاف: 10) فَيحْتَمل أَن يكون: مَا يعيشون بِهِ، وَيُمكن أَن يكون الوُصْلة إِلَى مَا يعيشون بِهِ، قَالَ ذَلِك أَبُو إِسْحَاق، قَالَ: وَأكْثر الْقُرَّاء على ترك الْهَمْز فِي (معايش) ، إِلَّا مَا رُوي عَن نَافِع أَنه همزها، والنحويّون على أَن همزها خطأ. وَذكروا أَن الْهمزَة إِنَّمَا تكون فِي هَذِه الْيَاء إِذا كَانَت زَائِدَة؛ نَحْو صحيفَة وصحائف، فأمّا معايش فَمن الْعَيْش، الْيَاء أَصْلِيَّة.
شيع: قَالَ اللَّيْث: شاع الشيءُ يشِيع مَشَاعاً وشَيْعُوعةً فَهُوَ شَائِع: إِذا ظهر وتفرق. وَأَجَازَ غَيره شاع شُيُوعاً. وَتقول: تَقْطُر قَطْرَة من لبن فِي المَاء فتشيع فِيهِ أَي تَفَرَّقُ فِيهِ، قَالَ: وَنصِيب فلَان شَائِع فِي جَمِيع هَذِه الدَّار، ومُشَاع فِيهَا أَي لَيْسَ بمقسوم وَلَا مَعْزُول. وَقَالَ غَيره: أشعت المَال بَين الْقَوْم، والقِدْرَ فِي الْحَيّ إِذا فرّقته فيهم. وَأنْشد أَبُو عُبَيْدَة:
فَقلت أشيعا مَشرا القِدْرَ حولنا
وأيَّ زمَان قِدْرُنا لم تُمَشَّر
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: أشاعت النَّاقة ببولها وأوزغت وأزغلت كل هَذَا إِذا رمت بِهِ رمياً وقطّعته، وَلَا يكون ذَلِك إلاَّ إِذا ضربهَا الْفَحْل. وَقَالَ أَبُو عبيد: يُقَال هَذَا شَيْعُ هَذَا أَي مثله.
وَقَالَ شمر: لم أره مُنْذُ شهر وشَيْعِه أَرَادَ: وَنَحْوه، وأنشدني أَبُو بكر:
قَالَ الخليط غَدا تصدُّعُنا
أَو شَيْعَهُ أَفلا تودّعنا
قَالَ أَبُو شيعه: أَو بعد غَد.
وَقَالَ اللَّيْث: الشَّيْع من أَوْلَاد الْأسد، وَرجل مشياع: مذياع لَا يكتم سرّاً. يُقَال: أشعت السرّ وشِعْتُ بِهِ إِذا أذعت بِهِ وَفِي لُغَة أشعت بِهِ.
وَأما قَول الله جلّ وعزّ: {أَغْرَقْنَا الاَْخَرِينَ وَإِنَّ مِن} (الصَّافات: 83) فَإِن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الْهَاء لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي إِبْرَاهِيم خُبِّر بِخَبَرِهِ فاتّبعه ودعا لَهُ. وَكَذَلِكَ قَالَ الْفراء. يَقُول: هُوَ على منهاجه وَدينه وَإِن كَانَ إِبْرَاهِيم سَابِقًا لَهُ.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم فِي قَوْله {أَغْرَقْنَا الاَْخَرِينَ وَإِنَّ مِن} إِن من شيعته نوح وَمن أهل مّلته.
قلت: وَهَذَا القَوْل أقرب؛ لِأَنَّهُ مَعْطُوف على قصّة نوح، وَهُوَ قَول الزَّجاج. والشيعة: أنصار الرجل وأَتْباعه. وكلّ قوم اجْتَمعُوا على أَمر فهم شِيعة. وَالْجَمَاعَة شِيَع وأشياع، وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم} (سَبَإ: 54) والشيعة: قوم يَهْوَوْن هوى عِتْرة النَّبِي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويوالونهم.(3/40)
أَبُو عبيد عَن أبي عُبَيْدَة قَالَ: المُشَايِع: اللَّاحِق، وَقَالَ لَبيد:
كَمَا ضم أُخْرَى التالياتِ المُشَايِعُ
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: شيّعت النَّار تشييعاً إِذا ألقيت عَلَيْهَا مَا تُذَكِّيها بِهِ، وَيُقَال: شيعت فلَانا أَي خرجت مَعَه لأودّعه، وَيُقَال: شيعنا شهر رَمَضَان بستّ من شَوَّال أَي أتبعناه بهَا. وَقَالَ أَبُو عبيد المُشَيَّع: الشجاع من الرِّجَال، قَالَ وَقَالَ الْأمَوِي يُقَال شايعت بِالْإِبِلِ شِيَاعاً إِذا دعوتها، وَقَالَ غَيره: شايعت بهَا إِذا دَعَوْت بهَا لتجتمع وتنساق وَأنْشد قَول جرير يُخَاطب الرَّاعِي:
فألقِ استك الهَلْباءَ فَوق قَعُودها
وشايعْ بهَا واضمم إِلَيْك التواليا
يَقُول صوِّت بهَا ليلحق أخراها أولاها.
رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (إِن مَرْيَم بنت عمرَان سَأَلت رَبهَا أَن يُطعمها لَحْمًا لَا دم فِيهِ فأطعمها الْجَرَاد، فَقَالَت: أَعِشه بِغَيْر رضَاع، وتابع بَينه بِغَيْر شِياع) ، الْمَعْنى تَابع بَينه فِي الطيران حَتَّى يتتابع من غير أَن يُشَايَعَ بِهِ كَمَا يشايعُ الرَّاعِي بإبله لتجتمع وَلَا تتفرّق عَلَيْهِ.
وَقَالَ اللَّيْث: الشِّياع: صَوت قَصَبَة ينْفخ فِيهَا الرَّاعِي. وَأنْشد:
حَنين النِيب تطرب للشِّياع
أَبُو الْعَبَّاس عَن الْأَعرَابِي قَالَ: الشِّياع: زَمَّارة الرَّاعِي. وَهُوَ قَول مَرْيَم فِي دعائها للجراد: اللَّهُمَّ سُقْه بِلَا شِيَاع أَي بِلَا زَمَّارة رَاع.
وَقيل: الشِّياع: الدُّعَاء، وَيُقَال: أشاعكم الله السلامَ. وشاعكم السلامُ لُغَتان، وَقَالَ الشَّاعِر:
أَلا يَا نَخْلَة من ذَات عرق
بَرُودَ الظل شاعكم السَّلَام
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: معنى شيَّعت فلَانا فِي اللُّغَة اتَّبعت، وَالْعرب تَقول: شاعكم السَّلَام أَي تبعكم السَّلَام وَتقول: آتِيك غَدا أَو شَيْعه أَي الْيَوْم الَّذِي يَتبعه. قَالَ وَمعنى الشِّيعَة: الَّذِي يتبع بَعضهم بَعْضًا وَمعنى الشِّيَع: الْفرق الَّتِي كل فرقة مِنْهُم يتبع بَعضهم بَعْضًا وَلَيْسَ كلهم متفقين قَالَ الله تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا} (الأنعَام: 159) قَالَ معنى قَوْله: {وَكَانُواْ شِيَعًا} أَي كَانُوا فرقا فِي دينهم، كل فرقة تكفّر الْفرق الْمُخَالفَة لَهَا، يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى بَعْضهَا يكفر بَعْضًا، وَكَذَلِكَ الْيَهُود، وَالنَّصَارَى تكفر الْيَهُود، وَالْيَهُود تكفرهم، وَكَانُوا أُمروا بِشَيْء وَاحِد.
اللحيانيّ عَن الْكسَائي: قَالَ يُونُس: شاعكم الله بِالسَّلَامِ يشاعكم شَيْعاً أَي ملأكم. وَقد قيل: أشاعكم الله بِالسَّلَامِ يُشيعكم إِشَاعَة.
وَيُقَال: شاعك الْخَيْر أَي لَا فارقك، قَالَ لبيد:
فشاعهم حمد وزانت قُبُورهم
أَسِرَّةُ رَيْحانٍ بقاعٍ مُنَوِّرِ
وَيُقَال فلَان يُشيِّعه على ذَلِك مَال أَي يقوّيه. قَالَ الْأَصْمَعِي: وَمِنْه تشييع النَّار بإلقاء الْحَطب عَلَيْهَا يقويها. أَبُو سعيد: هما متشايعان ومشتاعان فِي دَار أَو أَرض(3/41)
إِذا كَانَا شَرِيكَيْنِ فِيهَا، وهم شُيعاء فِيهَا، وكل وَاحِد مِنْهُم شُيِّع لصَاحبه، وَهَذِه الدَّار شَيِّعة بَينهم أَي مُشَاعة، وَقَالَ: كل شَيْء يكون بِهِ تَمام الشَّيْء أَو زِيَادَته فَهُوَ شِيَاع لَهُ.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال لما انْتَشَر من أَبْوَال الْإِبِل إِذا ضربهَا الْفَحْل فأشاعت ببولها: شاعٌ، وَأنْشد:
يقطّعن للإبْسَاس شاعاً كَأَنَّهُ
جَدَايا على الأنساء مِنْهَا بصائر
والجمل أَيْضا يقطِّع ببوله إِذا هاج، وبوله شاعٌ. وَأنْشد:
وَلَقَد رمى بالشاع عِنْد مُنَاخِه
ورغا وهدَّر أيَّما تهدير
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: جَاءَت الْخَيل شواعيّ وشوائع، مُتَفَرِّقَة، وَأنْشد للأجدع ابْن مَالك أبي مَسْرُوق بن الأجدع.
وَكَأن صرعاها كِعَابُ مقامر
ضُرِبَتْ على شُزُنٍ فهنّ شواعي
وَقَالَ شمر: شاعة الرجل: امْرَأَته، وَقَالَ رجل لعبد الْمطلب: هَل لَك شاعة؟ أَي امْرَأَة.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه سمع أَبَا المكارم يذمّ رجلا فَقَالَ: ضَبّ مَشِعٌ، أَرَادَ أَنه مثل الضبّ الحقود لَا ينْتَفع بِهِ، المَشِيع من قَوْلك: شِعْتُه أشِيعه شَيْعاً إِذا ملأته. قَالَ: والشاعة: الْأَخْبَار المنتشِرة.
شوع: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: شَوُع رَأسه يَشْوُعُ شَوَعاً إِذا اشعانّ.
قلت: هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو عمر عَنهُ، وَالْقِيَاس: شَوِع رَأسه يَشْوَع شَوَعاً.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال للرجل: شُعْ شُع إِذا أَمرته بالتقشّف وَتَطْوِيل الشّعْر، وَمِنْه قيل فلَان ابْن أَشوع. أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ قَالَ: الشُّوع: شجر البان. وَقَالَ قيس بن الخَطِيم:
بحافتيه الشُّوع والغِرْيَفِ
شعا: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: الشاعي الْبعيد. قَالَ: والشَّعْو: انتفاش الشَعَر. الشُعَا خُصَل الشّعْر المشْعانّ.
وَقَالَ أَبُو عبيد قَالَ الْأَصْمَعِي: الْغَارة الشعواء: المتفرقة، وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي:
ماويّ يَا ربّمّا غارةٍ
شعواء كاللذعة بالمِيسَم
وَقَالَ اللَّيْث: أشعى الْقَوْم الْغَارة وأشعلوها. عَمْرو عَن أَبِيه: الشَّعْوانَة الجُمَّة من الشّعْر المُشعانِّ.
قَالَ أَبُو الْهَيْثَم: شَعِيَت الْغَارة تَشْعَى شَعاً إِذا انتشرت فَهِيَ شعواء، كَمَا يُقَال: عَشِيت الْمَرْأَة تعشى عَشاً فَهِيَ عَشْواء.
وشع: أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْعَبَّاس عَن سَلَمة عَن الْفراء: يُقَال: توشَّعَ فلَان فِي الْجَبَل إِذا صعَّد فِيهِ، وَأنْشد:
وَيْلُمِّها لِقْحَةَ شِيخ قد نَحَلْ
حَوْسَاءُ فِي السهل وشُوعٌ فِي الْجَبَل
قَالَ وَأخْبرنَا عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي يُقَال وَشَع فِي الْجَبَل يَشَعُ وُشُوعاً مثله.
أَبُو عبيد عَن الْفراء وَشَعَ فلَان الْجَبَل يَشَعُ وشْعاً إِذا علاهُ.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: الوشيع:(3/42)
عَلَم للثوب. والوشيع: كُبَّة الْغَزل. والوشيع: خَشَبَة الحائك الَّتِي يسميها النَّاس الحَفَّ، وَهُوَ عِنْد الْعَرَب الحِلْوُ إِذا كَانَت صَغِيرَة، والوشيع إِذا كَانَت كَبِيرَة قَالَ: والوشيع الخُصُّ. والوشيع: سقف الْبَيْت. والوشيع: عَرِيش يبْنى للرئيس فِي المعسكر يُشرف مِنْهُ على عسكره. أَبُو عبيد: الوَشِيع: القصبة الَّتِي يَجْعَل النسَّاج فِيهَا لُحْمة الثَّوْب للنسج.
وَقَالَ اللَّيْث: الوَشِيعة، وَجَمعهَا وشائع وَهِي خَشَبَة يُلْوى عَلَيْهَا الْغَزل من ألوان شتّى من الوَشْي وَغير ألوان الوشي. وكلُّ لَفِيفة مِنْهَا وشيعة. وَمن هُنَاكَ سُمّيت قَصَبَة الحائك وشيعة؛ لِأَن فِيهَا يُوَشَّع الْغَزل. وَأنْشد قَوْله:
نَدْف القِياس القُطْن الموشَّعا
قَالَ: وتوشيعه: أَن يُلفّ بعد الندْفِ.
أَبُو سعيد الوشِيع: خَشَبَة غَلِيظَة تُوضَع على رَأس الْبِئْر يقوم عَلَيْهَا الساقي، وَقَالَ الطرماح يصف صائداً:
فأزَلّ السهمَ عَنْهَا كَمَا
زلّ بالسّاقي وشيعُ المُقَامْ
قَالَ وَوَشَّعَ كَرْمَهُ إِذا بنى جِدَاره بقَصَب أَو سعف يُشَبِّكُ الْجِدَار بِهِ، وَهُوَ التوشيع، ووشّعت المرأةُ قطنها إِذا فَرَّصَتْه وهيّأته للندف بعد الحَلْج. وَهُوَ مثل التزبيد والتسبيخ وتوشّع الشيبُ رَأْسَهُ إِذا علاهُ.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: توزّع بَنو فلَان ضيوفهم وتوشّعوهم سواءٌ، أَي ذَهَبُوا بهم إِلَى بُيُوتهم كلّ رجل مِنْهُم بطَائفَة. قَالَ: وَيُقَال: وَشَع فِيهِ القَتِيرُ ووشَّع وأتلعَ فِيهِ القتيرُ وسبّل فِيهِ الشيب ونصل بِمَعْنى وَاحِد، وَيُقَال لِمَا كِسا الغازلُ المِغْزَلَ. وَشِيعةٌ ووَلِيعة وسَليخة ونصْلَه وَيُقَال وَشْعٌ من خبر ووَشْم ووُشُوم وشمع وشموع وَكَذَلِكَ أثر وآثار.
اللَّيْث: الوَشْعُ: شجر البان، والجميع الوشُوع. قَالَ: والوَشْع من زهر الْبُقُول مَا اجْتمع على أطرافها فَهُوَ وَشْعٌ ووشوع، قَالَ وَوَشَّعَتْ البقلةُ إِذا انفرجت زَهَرتها، قَالَ: والشُّوع أَيْضا: شَجَرَة البان، الْوَاحِدَة شُوعَة، وَأنْشد قَول الطرماح:
فَمَا جَلسُ أبكارٍ أطَاع لسَرْحها
جَنَى ثَمَر بالواديين وَشُوعُ
قَالَ ويروى: وُشوع بِضَم الْوَاو، فَمن رَوَاهُ بِفَتْح الْوَاو: وَشوع فالواو وَاو النسق، وَمن رَوَاهُ: وُشوع فَهُوَ جمع وَشْع وَهُوَ زهر زَهَر الْبُقُول.
(بَاب الْعين وَالضَّاد)
ع ض (وَا يء)
عضا، عوض، ضَاعَ، ضعا، ضوع، وضع.
عضا: العِضْو والعُضو: الْوَاحِد من أَعْضَاء الشَّاة وَغَيرهَا، وَقد عضَّيْتُ الشَّاة والجَزُور تعضِية إِذا جَعلتهَا أَعْضَاء وقسمتها، وَفِي الحَدِيث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا تعضية فِي مِيرَاث إلاّ فِيمَا حمل القَسْمَ) .
قَالَ أَبُو عبيد: هُوَ أَن يَمُوت الْمَيِّت ويَدَع شَيْئا إِن قُسم بَين ورثته كَانَ فِي ذَلِك ضَرَر على جَمِيعهم أَو على بَعضهم.
يَقُول: فَلَا يقسم. والتعضية: التَّفْرِيق وَهُوَ(3/43)
مَأْخُوذ من الْأَعْضَاء. يُقَال: عضيت اللَّحْم إِذا فرقته.
قَالَ: وَالشَّيْء الَّذِي لَا يَحمل القَسْم مثل الحبّة من الْجَوْهَر؛ لِأَنَّهَا إِن فُرّقت لم ينتفَع بهَا، وَكَذَلِكَ الحمّام والطيلسان من الثِّيَاب وَمَا أشبهه. وَإِذا أَرَادَ بَعْضٌ القَسْمَ لم يُجَب إِلَيْهِ، وَلَكِن يُبَاع ثمَّ يقسم ثمنه بَينهم. وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {الَّذِينَ جَعَلُواْ الْقُرْءَانَ عِضِينَ} (الحِجر: 91) . قَالَ اللَّيْث أَي جَعَلُوهُ عِضَةً عضةً فَتَفَرَّقُوا فِيهِ أَي آمنُوا بِبَعْضِه، قَالَ: وكل قِطْعَة عِضة. وَقَالَ غَيره: العضة من الْأَسْمَاء النَّاقِصَة؛ وَأَصلهَا عِضْوة، فنُقصت الواوُ، كَمَا قَالُوا: عِزَة وَأَصلهَا عِزْوة، وثُبَة وَأَصلهَا ثُبْوة من ثَبَّيْتُ الشَّيْء إِذا جمعته، وَتجمع عِزة عزين، وثُبة ثُبات وثُبِينِ.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي فِي قَول الله جلّ وعزّ: {الَّذِينَ جَعَلُواْ الْقُرْءَانَ عِضِينَ} (الحِجر: 91) : فرقوا فِيهِ القَوْل، فَقَالُوا شعر وسحر وكهانة.
وَقَالَ الزّجاج: يُروى أَن الْمُشْركين قَالُوا فِي الْقُرْآن: أساطير الْأَوَّلين، وَقَالُوا: سحر، وَقَالُوا: شعر، وَقَالُوا: كِهَانة فقسموه هَذِه الْأَقْسَام، وعضَّوه أَعْضَاء. قَالَ: وَقيل: إِن أهل الْكتاب آمنُوا بِبَعْض وَكَفرُوا بِبَعْض كَمَا فعل الْمُشْركُونَ.
وَقَالَ الفرّاء: العِضُون فِي كَلَام الْعَرَب: السحر، وَوَاحِد العضين عِضَة. قَالَ وَيُقَال: عضَّوه أَي فرقوهُ كَمَا تُعَضَّى الشَّاة.
قلت أَنا: من جعل تَفْسِير عضين السحر جعل وَاحِدهَا عِضة، وَقَالَ هِيَ فِي الأَصْل عِضْهة والعِضَةُ السحر والعاضه السَّاحر، ثمَّ حذفت الْهَاء الْأَصْلِيَّة من عضهة وَتبقى عِضَةٌ، كَمَا قَالُوا شفة، وَالْأَصْل شَفْهَةٌ، وَسنة الأَصْل سَنْهَةٌ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: العِضَةُ والتِّوَلة: السحر، قَالَ: وعضا مَالا يعضوه إِذا فرقه.
عوض: اللَّيْث: العَوْض: مصدر قَوْلك: عاض يَعُوض عَوْضاً وعِياضاً، وَالِاسْم العِوَض، والمستعمل التعويض. تَقول: عوّضْتُه من هِبته خيرا. واعتاضني فلَان إِذا جَاءَ طَالبا للعوض والصلة، واستعاضني إِذا سَأَلَك الْعِوَض. وَأنْشد:
نعم الْفَتى ومَرْغَب المعتاض
وَالله يَجْزِي الْقَرْض بالإقراض
يَقُول: نعم مرغب الطَّالِب للعوض
وعاوضت فلَانا بِعوَض فِي البيع وَالْأَخْذ والإعطاء، وَيُقَال: اعتضته مِمَّا أَعْطيته وعِضْت: أصبت عوضا، وَأنْشد:
هَل لَكِ والعارض مِنْك عائض
فِي هَجْمة يُغْدِرُ مِنْهَا الْقَابِض
أَي هَل لَك فِي الْعَارِض مِنْك على الْفضل فِي مائَة يُسْئِرُ مِنْهَا الْقَابِض. قَالَ: وَهَذَا رجل خطب امْرَأَة فَقَالَ: أُعْطِيك مائَة من الْإِبِل يدع مِنْهَا الَّذِي يقبضهَا من كثرتها، يدع بَعْضهَا لَا يُطيق شَلّها. وَأَنا معارِضك، أُعطي الْإِبِل وآخذ نَفْسك فَأَنا عائض، أَي قد صَار مِنْك الْعِوَض كُله لي.
قلت: قَوْله عائض من عِضْت أَي أخذت(3/44)
عوضا لم أسمعهُ لغير اللَّيْث، وعائض من عاض يعوض إِذا أعْطى العِوض، وَالْمعْنَى: هَل لَك فِي هَجْمة أتزوّجك عَلَيْهَا، والعارض مِنْك أَي المعطِي عَرْضاً بذلك عائِض أَي معوِّص عِوَضاً ترضينه وَهُوَ الهَجْمة من الْإِبِل.
وَقَالَ اللَّيْث: عَوْضُ كلمة تجْرِي مجْرى الْيَمين. وَبَعض النَّاس يَقُول: هُوَ الدَّهْر وَالزَّمَان. يَقُول الرجل لصَاحبه: عوضُ لَا يكون ذَلِك أبدا، فَلَو كَانَ عوضُ اسْما للزمان إِذا لجرى بِالتَّنْوِينِ، وَلكنه حرف يُرَاد بِهِ الْقسم، كَمَا أَن أَجَلْ وَنَحْوهَا ممّا لم يتمكّن فِي التصريف حُمل على غير الْإِعْرَاب.
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْكسَائي: عوضُ بِضَم الضَّاد غير منوّن: الدَّهْر. وَقَالَ الْأَعْشَى:
رضيعي لبانٍ ثَدْيَ أمّ تقاسما
بأَسحم داج عوض لانتفرق
قَالَ أَبُو زيد قَوْله: عَوْض أَي أبدا، قَالَ وَأَرَادَ بأسحم داج: اللَّيْل. وَيجوز عوضَ لَا نتفرق بِالْفَتْح.
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو زيد، عوضُ لَا أفعل ذَلِك. وعوضَ كِلَاهُمَا بِغَيْر تَنْوِين. وَالنّصب فِي عَوْض أَكثر وَأفْشى. قَالَ: وَقَالَ الْأمَوِي: عوضَ، وَمن ذِي عوض.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: لَا أَفعلهُ عَوْضَ العائضين، وَلَا دهر الداهرين أَي لَا أَفعلهُ أبدا. قَالَ وَيُقَال: مَا رَأَيْت مثله عَوْض أَي لم أر مثله قطّ. وَأنْشد:
فَلم أر عَاما عَوْض أَكثر هَالكا
وَوجه غُلَام يَشْتَرِي وغلامَهْ
وَيُقَال: عاهده لَا يُفَارِقهُ عوضُ أَي أبدا. وَيُقَال تعاوض الْقَوْم تعاوضاً أَي ثاب مَالهم ورجالهم بعد قلّة.
وَقَالَ اللَّيْث: أَرَادَ الْأَعْشَى بقوله بأسحم داج سَواد حَلَمة ثدي أمّه. أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ والمفضل بن سَلمَة عَن أَبِيه عَن الْفراء أَنه قَالَ: لَقيته من ذِي قِبَلٍ وقَبَلٍ وَمن ذِي عِوَض وعَوَض وَمن ذِي أُنَفٍ، أَي فِيمَا يسْتَقْبل.
ضوع: قَالَ اللَّيْث الضَوَع: تضوّع الرّيح الطيّبة أَيْن نفحتُها. وَأنْشد:
إِذا قامتا تضوَّع الْمسك مِنْهُمَا
قلت وَمن الْعَرَب من يسْتَعْمل التضوع فِي الرَّائِحَة المصِنّة. وَمِنْه قَوْله:
يتضوّعن لَو تضمخن بالمس
ك صُماحاً كَأَنَّهُ ريح مَرْق
والصُّماح: الرّيح المنتن والمَرْق: الإهاب الَّذِي عُطِّن فَأَنْتن.
وَقَالَ اللَّيْث: ضَاعَ الصبيّ يضوع، وَهُوَ تضوّره فِي الْبكاء فِي شدّة وَرفع صَوت. قَالَ: والصبيّ بكاؤه تضوّع، وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس يصف امْرَأَة:
يعزّ عَلَيْهَا رِقْبَتي ويسوءها
بكاه فتثنى الْجيد أَن يتضوعا
يَقُول تثنى الْجيد إِلَى صبيّها حذارَ أَن يتضوع.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: ضَاعَ الطَّائِر إِذا زقّه. وَتقول مِنْهُ: ضُعْ ضُع إِذا أَمرته بزقّه.(3/45)
وَقَالَ ابْن السّكيت ضاعه ذَلِك يضوعه إِذا حرّكه. وَأنْشد:
يَضُوع فُؤَادَها مِنْهُ بُغام
أَي يحرّكه: قَالَ: وتضوّع الرّيح إِذا تحرّك. وَقَالَ غَيره: ضاعني أَمر كَذَا وَكَذَا يَضُوعني إِذا أفزعني.
وَرجل مَضُوع أَي مذعور. وَقَالَ الكُمَيت:
رِئاب الصُدُوع غِيَاث المَضُو
ع لأمَّته الصَّدَرُ المُبْجِل
وَيُقَال: لَا يَضُوعنَّك مَا تسمع مِنْهُ، أَي لَا تكترث لَهُ. وانضاع الفرخ والتضوّع إِذا بسط جناحيه إِلَى أمّه لتَزَقَّه، أَو فَزِعَ من شَيْء فتضوّر مِنْهُ، وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب:
فُرَيخان ينضاعان بِالْفَجْرِ كلّما
أحسّا دويّ الرّيح أَو صَوت ناعب
وَقَالَ اللَّيْث: الضُّوَع: طَائِر من طير اللَّيْل من جنس الْهَام. قَالَ: وَقَالَ أَبُو الدُّقَيْشِ: هَذَا الطَّائِر إِذا أحسّ بالصَّباح صدح. وَقَالَ الْأَعْشَى يصف فلاة:
لَا يسمع الْمَرْء فِيهَا مَا يؤنّسه
بِاللَّيْلِ إلاّ نئيم البوم والضُّوَعا
قَرَأت بِخَط أبي الْهَيْثَم: والضِّوَعا، بِكَسْر الضَّاد، وَجمعه: ضيعان، وهما لُغَتَانِ: ضُوَعٌ وضِوَعٌ، وَنصب الضُّوَع بنية النَّئيم، كَأَنَّهُ قَالَ: إِلَّا نئيم البوم وصياح الضُّوَع، فَأَقَامَ الضُّوع مقَام الصياح.
ضيع: وَمن ذَوَات الْيَاء فِي هَذَا الْبَاب ضَاعَ الشَّيْء يضيع ضيَاعًا وَضيْعة. وَترك فلَان عِيَاله بمَضْيعة ومَضِيعة. وأضاع الرجل عِيَاله وَمَاله، وضيّعهم إِضَاعَة وتضييعاً، فَهُوَ مُضِيع ومُضيِّع. وضَيْعة الرجل: حِرفته وصناعته وكَسْبه. يُقَال: مَا ضيعتك؟ أَي مَا حرفتك. وَإِذا انتشرت على الرجل أَسبَابه قيل: فَشَتْ ضَيْعته حَتَّى لَا يدْرِي بأيّها يبْدَأ. وَمعنى قَوْله فَشَتْ أَي كثرت.
وَقَالَ ابْن السّكيت: أضاع الرجل فَهُوَ مُضيع إِذا كثرت ضَيْعته وفشت. وَأنْشد قَول الشمّاخ:
أعائش مَا لأهْلك لَا أَرَاهُم
يُضيعون السوام مَعَ المضيع
وَكَيف يُضيع صاحبُ مُدفَآت
على أثباجهن من الصقيع
وَقَالَ الْبَاهِلِيّ: كَانَ الشمّاخ صَاحب إبل يلْزمهَا وَيكون فِيهَا، فَقَالَت لَهُ هَذِه الْمَرْأَة: إِنَّك قد أفنيت شبابك فِي رَعْي الْإِبِل. مَالك لَا تنْفق مَالك وَلَا تتفتَّى فَقَالَ لَهَا الشمّاخ: مَا لأهْلك لَا يَفْعَلُونَ ذَلِك وَأَنت تأمرينني أَن أَفعلهُ. ثمَّ قَالَ لَهَا: وَكَيف أُضيع إبِلا هَذِه الصفةُ صفتهَا. ودلّ على هَذِه قَوْله على أثر هَذَا الْبَيْت:
لمالُ الْمَرْء يُصلحه فيُغني
مفاقرَه أعفُّ من القُنُوع
يَقُول: لِأَن يصلح الْمَرْء مَاله وَيقوم عَلَيْهِ وَلَا يضيعه خير من القُنُوع وَهُوَ الْمَسْأَلَة.
وَقَالَ اللَّيْث: الضِّياع: الْمنَازل، سميت ضيَاعًا لِأَنَّهَا تَضيع إِذا تُرك تعهّدها وعمارتها.
وَقَالَ شمر: كَانَت ضَيْعَة الْعَرَب سياسة الْإِبِل وَالْغنم. وَيدخل فِي الضَّيْعَة الحِرفة وَالتِّجَارَة. يُقَال للرجل قُم إِلَى ضيعتك.(3/46)
قلت: الضَيْعة والضِّيَاع عِنْد الْحَاضِرَة: مَال الرجل من النّخل والكَرْم وَالْأَرْض وَالْعرب لَا تعرف الضَّيْعَة إِلَّا الحرفة والصناعة، وسمعتهم يَقُولُونَ: ضَيْعَة فلَان الخِرازة، وضيعة آخر الفَتْل، وسَفّ الخُوص وَعمل النّخل ورعي الْإِبِل وَمَا أشبه ذَلِك. وَمن أمثالهم: إِنِّي لأرى ضَيعةَ، لَا يصلحها إِلَّا ضجعة، قَالَه رَاع رَفَضت عَلَيْهِ إبلُه فِي المرعى، فَأَرَادَ جمعهَا فتبدّدت عَلَيْهِ، فاستغاث حِين عجز بِالنَّوْمِ. وَقَالَ جرير:
وقلن تروحّ لَا تكن لَك ضَيْعة
وقلبك مَشْغُول وهنّ شواغله
وَقد تكون الضَّيْعَة من الضيَاع. وَقَالَ النَّضر فِي قَوْله من ترك ضيَاعًا فإليّ قَالَ: الضّيَاع: الْعِيَال.
وَقَالَ ابْن السّكيت: من أمثالهم: الصيفَ ضيعتِ اللَّبن إِذا خُوطِبَ بِهِ الْمُذكر أَو الْمُؤَنَّث أَو الِاثْنَان أَو الْجَمِيع فَهِيَ مَكْسُورَة التَّاء لِأَن الْمثل خُوطِبَ بِهِ الْمَرْأَة فَجرى المَثَل على الأَصْل.
وضع: شمر عَن أبي زيد: وضعت النَّاقة وَهُوَ نَحْو الرقَصَان. أوضعتها أَنا. قَالَ: وَقَالَ ابْن شُمَيْل: وضع الْبَعِير إِذا عدا، وأوضعته أَنا إِذا حملتَه عَلَيْهِ. وَقَالَ اللَّيْث الدَّابَّة تضع السّير وَضْعاً، وَهُوَ سير دون. يُقَال: إِنَّهَا لحسنة الْمَوْضُوع. وَأنْشد:
بِمَاذَا تردّين امْرأ جَاءَ لَا يرى
كودّك ودّاً قد أكلّ وأوضعا
قَالَ: يُرِيد أوضعها راكبها، وَهُوَ ذَلِك السّير الدون. وَمِنْه: {ولاََوْضَعُواْ خِلَالَكُمْ} (التّوبَة: 47) .
قلت: قَول اللَّيْث: الْوَضع: سير دونٌ لَيْسَ بِصَحِيح، الْوَضع هُوَ العَدْو. وَاعْتبر اللَّيْث اللَّفْظ، وَلم يعرف كَلَام الْعَرَب فِيهِ.
فأمّا قَول الله تَعَالَى: {ولاََوْضَعُواْ خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ} (التّوبَة: 47) فَإِن الْفراء قَالَ: الْعَرَب تَقول أوضع الرَّاكِب وَوضعت النَّاقة، وَرُبمَا قَالُوا للراكب وَضَع وَأنْشد:
ألفيتني مُحْتَمِلاً بَزِّي أَضَع
وَقَالَ الْأَخْفَش: يُقَال أوضعتُ، وَجئْت موضِعاً. وَلَا توقعه على شَيْء. وَيُقَال من أَيْن أوضع الراكبُ وَمن أَيْن أوضح الرَّاكِب. هَذَا الْكَلَام الجيّد. قَالَ: وَقد يَقُول بعض قيس: أَوضعت بَعِيري فَلَا يكون لحناً.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه سَمعه يَقُول بعد مَا عُرض عَلَيْهِ كَلَام الْأَخْفَش هَذَا. وَقَالَ يُقَال: وضعُ البعيرُ يضع وَضْعاً إِذا عدا فَهُوَ وَاضع، أوضعته أَنا أُوضعه إيضاعاً قَالَ وَيُقَال: وضع الرجل إِذا عدا يضع وَضْعاً. وَأنْشد:
يَا لَيْتَني فِيهَا جذع
أَخُبَّ فِيهَا وأضع
أخُبّ من الخبب، وأضع أَي أَعْدو من الْوَضع. قَالَ وَقَول الله: {أَي أوضعوا مراكبهم خلالكم لَهُم قَالَ: وأمَّا قَوَائِم: إِذا طَرَأَ عَلَيْهِم الرَّاكِب: من أَيْن أوضح الراكبُ فَمَعْنَاه من أَيْن أنشأ، وَلَيْسَ من الإيضاع فِي شَيْء.(3/47)
قلت: وَكَلَام الْعَرَب على مَا قَالَ أَبُو الْهَيْثَم. وَقد سمعتُ نَحوا مِمَّا قَالَ من بعض الْعَرَب. ورُوي عَن النَّبِي أَنه أَفَاضَ من عَرَفَة وَعَلِيهِ السَكِينة، وأوضع فِي وَادي مُحَسِّر.
وَقَالَ أَبُو عبيد: الإيضاع: سير مثل الخَبَب، وَأنْشد:
إِذا أُعطيتُ رَاحِلَة ورَحْلا
وَلم أُوضِع فَقَامَ عليَّ ناعِي
قلت الإيضاع: أَن يُعْدِي بعيره ويحملَه على العَدْو الحثيث. وَفِي الحَدِيث عَن النَّبِي أَنه دفع من عَرَفَات وَهُوَ يسير العَنَق، فَإِذا وجد فَجْوة نصّ. فالنصّ التحريك حَتَّى يسْتَخْرج من الدَّابَّة أقْصَى سَيرهَا، وكذل الإيضاع.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: وضعت الشَّيْء أَضَعهُ وضعا، وَهُوَ ضدّ رفعته. وَرجل وضيع، وَقد وضُع يَوْضُع وَضَاعة وضَعَةً. وَهُوَ ضدّ الشريف. ووُضِع فلَان فِي تِجَارَته فَهُوَ مَوْضُوع فِيهَا إِذا خسِر فِيهَا. قَالَ: والوضائع: قوم كَانَ كسْرَى ينقلهم من بِلَادهمْ، ويُسكنهم أَرضًا أُخْرَى حَتَّى يصيروا بهَا وَضِيعةً أبدا. قَالَ والوضيعة: قوم من الْجند يَجْعَل أَسمَاؤُهُم فِي كُورة لَا يَغْزُون مِنْهَا.
قلت: أمّا الوضائع الَّذين وَصفهم فهم شبه الرهائن، كَانَ كسْرَى يرتهنهم ويُنزلهم بعض بِلَاده.
وَقَالَ اللَّيْث: والخيَّاط يُوضِّع الْقطن توضيعاً على الثَّوْب. والمواضع مَعْرُوفَة وَاحِدهَا مَوضِع. والمواضعة: أَن تواضع صَاحبك أمرا تناظره فِيهِ وَيُقَال: دخل فلَان أمرا فَوَضعه دُخُوله فِيهِ فاتّضع. قَالَ: والتواضع التذلّل. فَهَذَا جَمِيع مَا ذكره اللَّيْث فِي بَاب وضع.
الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت: يُقَال هَؤُلَاءِ أَصْحَاب وَضِيعة أَي أَصْحَاب حَمْض مقيمون لَا يخرجُون مِنْهُ، وَهِي إبل وَاضِعَة أَي مُقِيمَة فِي الحَمْض.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحَمْضُ يُقَال لَهُ الوَضِيعة. وَالْجمع وَضَائع. وَقد وَضَعت الْإِبِل تضع إِذا رعت الحمض.
وَقَالَ أَبُو زيد إِذا رعت الإبلُ الحَمْض حول المَاء فَلم تَبْرَح قيل: وضعت تضع وَضِيعة، ووضعتها أَنا فَهِيَ مَوْضُوعَة.
ابْن الْأَعرَابِي: تَقول الْعَرَب: أُوْضِعْ بِنَا وأَخْلِلْ، والإيضاع فِي الحَمْضِ والإخلال فِي الخُلَّة وَأنْشد:
وَضعهَا قيس وَهِي نزائع
فطرحت أَوْلَادهَا الوضائع
وَقَالَ أَبُو سعيد الوَضِيعة: الحَطِيطة. وَقد استوضع مِنْهُ إِذا استحطّ. وَقَالَ جرير:
كَانُوا كمشتركين لمّا بَايعُوا
خسِروا وشَفَّ عَلَيْهِم فاستَوْضعوا
قَالَ: والوضائع: مَا يَأْخُذهُ السُّلْطَان من الْخراج والعُشُور. والوضيع: أَن يوضع التَّمْر قبل أَن يجفّ، فَيُوضَع فِي الجَرِين.
وَفِي الحَدِيث (من رفع السِّلَاح ثمَّ وَضعه(3/48)
فدمه هَدَر) ، وَقَالَ بَعضهم فِي قَوْله: (ثمَّ وَضعه) أَي ضرب بِهِ. وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنه وَضعه من يَده، وَقَالَ سُدَيف:
فضع السَّوْط وارفع السَّيْف حتّى
لَا ترى فَوق ظهرهَا أمويّا
إِن مَعْنَاهُ: ضع السَّوْط على بدن من تبسطه عَلَيْهِ وارفع السَّيْف لقتلهم. وَيُقَال: وضع يَده فِي الطَّعَام إِذا أكله. وَإِذا عاكم. وأذاعا كم الرجل صاحبَه الأعدالَ يَقُول أَحدهمَا لصَاحبه: واضِع أَي أمِل العِدْل على المِرْبعة الَّتِي يحْملَانِ الْعدْل بهَا فَإِذا أمره بِالرَّفْع قَالَ رَابِع.
قلت: وَهَذَا من كَلَام الْعَرَب إِذا اعتكموا أَبُو عبيد عَن اليزيدي: مَا حَملته أمّه وُضْعاً أَي مَا حَملته على حَيْض. قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو: وضعت الْمَرْأَة فَهِيَ تضع وُضعاً وتُضْعاً فَهِيَ وَاضع.
وَقَالَ ابْن السّكيت: وضع الْبَعِير فِي سيره يضع وضعا إِذا أسْرع. والوُضع: أَن تحمل الْمَرْأَة فِي آخر طهرهَا فِي مُقْبَل الْحيض. وَهُوَ التُّضْع أَيْضا. وَأنْشد:
تَقول والْجُرْدان فِيهَا مكتنِع
أما تخَاف حَبَلاً على تُضُع
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: امْرَأَة وَاضع بِغَيْر هَاء إِذا وضعت خمارها. وَيُقَال: إِن بلدكم لمتواضع عنَا كَقَوْلِك: متراخٍ ومتباعد. وَقَالَ ذُو الرمَّة:
دَوَاء لغَوْل النازح المتواضع
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: هُوَ المتخاشع من بُعده ترَاهُ من بعيد لاصقاً بِالْأَرْضِ. وتواضع مَا بَيْننَا أَي بعد. وَيُقَال: وضع الْبَعِير حَكَمته إِذا طامن رَأسه وأسرع. وَيُرَاد بحَكَمته لَحْياه. وَقَالَ ابْن مقبل.
فهَنَّ سَمَام وَاضع حكماته
مخوّية أعجازه وكراكره
ولِوى الوضيعة: رَملَة مَعْرُوفَة.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: فرس موضِّع إِذا كَانَ يفترش وظيفه، ثمَّ يُتبع ذَلِك مَا فَوْقه من خَلفه، وَهُوَ عيب.
ووضّعت النعامةُ بيضها إِذا رَثَدته، وَهُوَ بَيْض موضّع: منضود.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْعَبَّاس أَنه قَالَ: يُقَال فِي فلَان توضيع أَي تخنيث. وَفُلَان موضَّع إِذا كَانَ مخنَّثاً.
وَيُقَال للوديعة: وضيع. وَقد وضَعْت عِنْد فلَان وضِيعاً إِذا استودعته وَدِيعَة. وَيُقَال: اتّضع فلَان بعيره إِذا كَانَ قَائِما فطامن من عُنُقه ليركبه، وَقَالَ الْكُمَيْت:
أصبحتَ فَرْعاً فُدَادياً بك اتّضعت
زيد مراكبها فِي الْمجد إِذا ركبُوا
فَجعل اتّضع متعدّياً. وَقد يكون لَازِما يُقَال: وَضعته فاتّضع.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الواضعة: الرَّوْضَة.
أَبُو عبيد عَن اليزيدي: وُضِعت فِي مَالِي وأُوضعت ووُكست وأُوكِست.
الْفراء لَهُ فِي قلبِي مَوْضِعة وموقِعة أَي محبّة.
ضعا: أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: الضَعَة: شجر مثل الثُمَام وَجمعه ضَعَوات وَقَالَ جرير:(3/49)
متخذاً فِي ضَعَوات تَوْلجا
قلت الضعة كَانَت فِي الأَصْل، ضَعْوَة نُقص مِنْهَا الْوَاو، أَلا تراهم جمعوها ضَعَوات.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ: ضعا إِذا اخْتَبَأَ، وطعا بِالطَّاءِ إِذا ذَلّ. وطعا إِذا تبَاعد أَيْضا.
قلت قَوْله ضعا إِذا اخْتَبَأَ، وَقَالَ فِي مَوضِع آخر إِذا استتر مَأْخُوذ من الضعوة وَكَأَنَّهُ اتخذ فِيهَا تولجا أَي سَرَباً فَدخل فِيهِ مستتراً.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الأضعاء السِّفَل.
(بَاب الْعين وَالصَّاد)
ع ص (وَا يء)
عَصا، عيص، صعا، صوع، وصع، عوص.
وعص. ولاََوْضَعُواْ خِلَالَكُمْ} (مهمل) .
عَصا: رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لرجل: (لَا ترفع عصاك عَن أهلك) . قَالَ أَبُو عبيد قَالَ الْكسَائي وَغَيره: يُقَال: إِنَّه لم يُرد الْعَصَا الَّتِي يَضرب بهَا، وَلَا أَمر أحدا قطّ بذلك، وَلكنه أَرَادَ الْأَدَب.
قَالَ أَبُو عبيد: وأصل الْعَصَا الِاجْتِمَاع والائتلاف، وَمِنْه قيل للخوارج: قد شقُّوا عَصا الْمُسلمين، أَي فرَّقوا جَمَاعَتهمْ. وَقَول الْقَائِل: إياك وقتيل الْعَصَا يَقُول: إياك أَن تكون قَاتلا أَو مقتولاً فِي شقّ عَصا الْمُسلمين، وَمِنْه قيل للرجل إِذا أَقَامَ بِالْمَكَانِ واطمأنّ وَاجْتمعَ إِلَيْهِ أمره: قد ألْقى عَصَاهُ وَألقى بَوَانِبَه، وَقَالَ الشَّاعِر:
فَأَلْقَت عصاها واستقرت بهَا النَّوَى
كَمَا قرَّ عينا بالإياب الْمُسَافِر
وَيُقَال للرجل إِذا كَانَ رَفِيقًا حسن السياسة لما يَلِي: إِنَّه لليّن الْعَصَا، وَقَالَ مَعْن بن أَوْس المُزَني:
عَلَيْهِ شَريب وادع ليَّن الْعَصَا
يساجلها جُماتِهُ وتساجله
وَقَالَ اللَّيْث فِي معنى الْبَيْت الأول فَأَلْقَت عصاها: كَانَت هَذِه امْرَأَة كلّما تزوّجت زوجا فارقته واستبدلت آخر، وَكَانَ عَلامَة إبائها ألاّ تكشف رَأسهَا فلمّا رضيت آخر أزواجها كشفت قناعها.
أَبُو عبيد عَن الكسائيّ: يُقَال: عَصَوته بالعصا. قَالَ: وكرهها بَعضهم وَقَالَ عَصِيت بالعصا ثمَّ ضَربته بهَا فَأَنا أَعْصى حَتَّى قالوها فِي السَّيْف تَشْبِيها بالعصى، وَقَالَ جرير:
تصف السيوف وغيركم يَعْصى بهَا
يَا ابْن القيون وَذَاكَ فعل الصيقل
وَقَالَ أَبُو زيد: عَصِيَ فِي الْقَوْم بِسَيْفِهِ وَعَصَاهُ فَهُوَ يَعْصَى فيهم إِذا عاث فيهم عَيْثاً، وَالِاسْم الْعَصَا.
أَبُو نصر عَن الأصمعيّ: عَصَاهُ بالعصا فَهُوَ يعصوه عَصْواً إِذا ضربه بالعصا. وَهُوَ يعتصي على عَصا جيّدة أَي يتوكَّأ. وَيُقَال: عَصا وعَصَوان وعُصِيّ فِي الْجمع. وَيُقَال: عِصِيّ. وَيُقَال لِلرَّاعِي إِذا كَانَ قَوِيا على إبِله ضابطاً لَهَا إِنَّه لصُلْب الْعَصَا وشديد العصاء وَمِنْه قَول عُمَر بن لَجأ:
صُلْبُ الْعَصَا جافٍ عَن التغزُّل(3/50)
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ فِي بَاب تَشْبِيه الرجل بِأَبِيهِ: الْعَصَا من العُصَيّة. قَالَ أَبُو عبيد هَكَذَا قَالَ، وَأَنا أَحْسبهُ العُصَيَّة من الْعَصَا، إِلَّا أَن يُرَاد بِهِ أَن الشَّيْء الْجَلِيل إِنَّمَا يكون فِي بدئه صَغِيرا، كَمَا قَالُوا: إِن القَرْم من الأفيل. فَيجوز على هَذَا الْمَعْنى أَن يُقَال: الْعَصَا من العُصَيَّة.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: الْعَصَا تُضرب مثلا للاجتماع، وَيضْرب انشقاقها مثلا للافتراق الَّذِي لَا يكون بعده اجْتِمَاع. وَذَلِكَ أَنَّهَا لَا تُدْعى عَصا إِذا تشقّقت.
وَأنْشد:
فللَّه شَعْبَا طِيّةٍ صدعا الْعَصَا
هِيَ الْيَوْم شتَّى وَهِي أمسِ جَمِيع
قَوْله: فللَّه لَهُ مَعْنيانِ: أَحدهمَا أَنَّهَا لَام التَّعَجُّب، تَعَجَّب مِمَّا كَانَا فِيهِ من الأُنْس واجتماع الشمل، وَالثَّانِي أَن ذَلِك مُصِيبَة موجِعة فَقَالَ: لله ذَلِك يفعل مَا يَشَاء، وَلَا حِيلَة فِيهِ للعباد إلاّ التَّسْلِيم كالاسترجاع.
وَيُقَال: قرع فلَان فلَانا بعصا الْمَلَامَة إِذا بَالغ فِي عَذْله. وَلذَلِك قيل للتوبيخ: تقريع.
وَقَالَ أَبُو سعيد: يُقَال فلَان يُصَلِّي عَصا فلَان أَي يدبّر أمره ويليه. وَأنْشد:
وَمَا صَلَّى عصاك كمستديم
قلت: وَالْأَصْل فِي تصلية الْعَصَا أَنَّهَا إِذا اعوجّت ألزمها مقوّمها حَرّ النَّار حَتَّى تلين لَهُ وتجيب التثقيف.
يُقَال: صلّيت الْعَصَا النارَ إِذا ألزمتها حَرَّها حَتَّى تلين لغامزها. وتفاريق الْعَصَا عِنْد الْعَرَب أَن الْعَصَا إِذا انْكَسَرت جُعلت أشِظَّة، ثمَّ تجْعَل الأشِظَّة أوتاداً، ثمَّ تجْعَل الْأَوْتَاد توادِيَ للصِرار.
يُقَال: هُوَ خير من تفاريق الْعَصَا وَكَانَت الْعَصَا لجَذِيمة الأبرش، وَهِي اسْم فرس كَانَت من سوابق خيل الْعَرَب. وَيُقَال للعصا: عصاة بِالْهَاءِ. يُقَال أخذت عصاته وَمِنْهُم من كره هَذِه اللُّغَة وَمن أمثالهم: إِن الْعَصَا قُرِعت لذِي الْحلم، وَذَلِكَ أَن بعض حكّام الْعَرَب أسنّ وَضعف عَن الحكم، فَكَانَ إِذا احتكم إِلَيْهِ خصمان وزلّ فِي الْحُكم قَرَعَ لَهُ بعضُ وَلَده الْعَصَا يفطّنه بقرعها للصَّوَاب فيفطُن لَهُ، وَيُقَال للْقَوْم إِذا استُذلوا: مَا هم إِلَّا عبيد الْعَصَا. وَيُقَال: عِرق عَاص، إِذا لم يرقأ دَمه:
هُوَ العاند النّحار، وَمِنْه قَول ذِي الرمة:
وَهن من واطىء تثنى حويَّته
وناشج وعواصي الْجوف تنشخب، يَعْنِي عروقاً تقطعت فِي الْجوف فَلم يرقأ دَمهَا وَيُقَال عصى فلَان أميره يعصيه عصياً وعِصْياناً إِذا لم يطعه، وَعصى العَبْد ربه إِذا خَالف أمره. وَيُقَال للْجَمَاعَة إِذا خرجت عَن طَاعَة السُّلْطَان: قد اسْتَعْصَتْ عَلَيْهِ. وَيُقَال فلَان يعْصى الرّيح إِذا اسْتقْبل مهبَّها وَلم يتَعَرَّض لَهَا، اعتصى فلَان بالعصا إِذا توكأ عَلَيْهَا فَهُوَ معتصٍ بهَا.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي يُقَال: عَصَاهُ يعصوه إِذا ضربه بالعصا قَالَ وعَصِي يَعْصَى إِذا لعب بالعصا كلعبه بِالسَّيْفِ.(3/51)
قَالَ: وَيُقَال عَصا إِذا صَلُب.
قلت كَأَنَّهُ أَرَادَ عسا بِالسِّين فقلبها صاداً وروى الْأَصْمَعِي من بعض الْبَصرِيين أَن الْعَصَا سميت عَصا لِأَن الْيَد والأصابع تَجْتَمِع عَلَيْهَا، مَأْخُوذ من قَول الْعَرَب: عصوت الْقَوْم أعصوهم، إِذا جمعتهم على خير أَو شَرّ، قَالَ: وَلَا يجوز مد الْعَصَا وَلَا إِدْخَال التَّاء مَعهَا، قَالَ وَأول لحن سمع بالعراق هَذِه عصاتي بِالتَّاءِ
والفصيل عِنْد الْعَرَب إِذا لم يتبع أمه عاصٍ وَقد عُصَى أمّه.
وَقَول الشَّاعِر: أنْشدهُ ابْن الْأَعرَابِي:
أَظُنك لما خضحضت بطنَك الْعَصَا
ذكرت من الْأَرْحَام مَا لست نَاسِيا
قَالَ الْعَصَا عَصا الْبَين هَاهُنَا.
عوص: يُقَال كَلَام عَويص. وَقد عَاص يَعَاص، وعِوص يَعْوَص، وَكلمَة عَوْصاء مِن عِوص. وداهية عوصاء: شَدِيدَة. واعتاص عليّ هَذَا الأمرُ يعتاص فَهُوَ معتاصٌ إِذا التَاث عَلَيْهِ، فَلم يهتدِ لجِهَة الصَّوَاب فِيهِ. وأعوَص فلَان بخصمه: إِذا أَدخل عَلَيْهِ من الْحُجَج ماعَسُر عَلَيْهِ الْمخْرج مِنْهُ. وَقَالَ لَبيد:
فَلَقَد أعوِص بالخصْم وَقد
أملأ الْجَفْنة من شَحم القلل
وَيُقَال للناقة إِذا ضربهَا الْفَحْل فَلم تَلْقح: قد اعتاصت. قَالَ ذَلِك اللَّيْث، وَأكْثر الْكَلَام اعتاطت بِالطَّاءِ.
شمر عَن شُمَيْل: العوصاء المَيْثاء الْمُخَالفَة: هَذِه ميثاء عَوْصاء بَيِّنَة العَوَص.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: عوّص فلَان إِذا ألْقى بَيت شعر صعبَ الاستخراج. أَبُو عبيد: العوصاء: الشدَّة، وَقَالَ غَيره: أَصَابَتْهُم عوصاء أَي شدَّة، وَقَالَ ابْن أَحْمَر:
لم تدر مَا نسج الأرندج قبله
ودِرَاسُ أعْوَصَ دارسٍ متجدد
قَالَ الْبَاهِلِيّ: أَرَادَ دراس كتاب الموصَى عَلَيْهَا متجدد لغَيْرهَا.
والأعوص: الغامض الَّذِي لَا يُوقف عَلَيْهِ، قَالَ: والمِعْياص كل متشدد عَلَيْك فِيمَا تريده مِنْهُ قَالَ والمعياص كل متشدد عَلَيْك فِيمَا تريده مِنْهُ.
عيص: قَالَ اللَّيْث: العِيص: منبِت خِيَار الشّجر قَالَ: وأعياص قُرَيْش كرامهم ينتمون إِلَى عِيص، وعيص فِي آبَائِهِم وَقَالَ العجاج:
من عيص مَرْوَان إِلَى عيصٍ غَطِم
قَالَ والمَعِيص كَمَا تَقول: المنبت. وَهُوَ اسْم رجل. وَأنْشد:
ولأثأرنَّ ربيعَة بن مُكَدَّم
حَتَّى أنال عُصَيّة بن مَعِيص
وَقَالَ أَبُو عَمْرو العيصانُ من معادن بِلَاد الْعَرَب.
الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت قَالَ: قَالَ عُمارة: العِيص من السِدْر والعَوسج والنْبع والسَلَم وَمن العضاه كلهَا إِذا اجْتمع وتدانى والتفّ. الْجَمِيع العِيصان وَهُوَ من الطَّرفاء الغَيْطلةُ، وَمن القَصَب الأجَمَةُ.
وَقَالَ الْكلابِي: العِيص: مَا التفَّ من(3/52)
عاسي الشّجر وَكثر: مثل السَلَم والطلح والسَّيال والسِدْر والسَمُر والعُرْنُط والعضاه.
وَقَالَ شمر: عِيص الرجل: أَصله.
وَأنْشد:
ولعَبْد الْقَيْس عيص أشب
وقنيب وهجانات زُهُرْ
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: من أمثالهم فِي استعطاف الرجل صَاحبه على أقربيهِ وَإِن كَانُوا لَهُ غير مستأهلين قَوْلهم: مِنْك عيصُك وَإِن كَانَ أشِبا. قَالَ أَبُو الْهَيْثَم فِي قَوْله: وَإِن كَانَ أشبا أَي وَإِن كَانَ ذَا شوك دَاخِلا بعضه فِي بعض. وَهَذَا ذمّ. قَالَ: وَأما قَوْله:
ولعَبْد الْقَيْس عِيص أشب
فَهُوَ مدح أَرَادَ بِهِ المنعة وَالْكَثْرَة. وَيُقَال هُوَ فِي عيص صدق أَي فِي أصل صدق.
صوع: قَالَ الله جلّ وعزّ: {قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ} (يُوسُف: 72) .
سَلمَة عَن الفرّاء قَالَ: الصُوَاع: ذكر. وَهُوَ الْإِنَاء الَّذِي كَانَ للْملك يَشرب بِهِ. قَالَ: والصاع يؤنث ويذكّر. فَمن أنّثه قَالَ: ثَلَاث أصوع مثل ثَلَاث أَدْوُر، وَمن ذكَّره قَالَ: أصواع مثل ثَوَاب.
وَقَالَ سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {: ِصُوَاعَ الْمَلِكِ} قَالَ: هُوَ المكوك الفارسيّ الَّذِي يلتقي طرفاه.
وَقَالَ الْحسن: الصُوَاع والسِقاية شَيْء وَاحِد. وَقد قيل: إِنَّه كَانَ من ورِق كَانَ يُكَال بِهِ، وَرُبمَا شربوا بِهِ، أَخْبرنِي بذلك المنذريّ عَن ابْن فهم عَن مُحَمَّد بن سلاّم عَن يُونُس وَيجمع الصَّاع أَيْضا صِيعاناً.
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يتوضّأ بِالْمدِّ، ويغتسل بالصاع. وَصَاع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعَة أَمْدَاد بمدهم الْمَعْرُوف عِنْدهم. وَهُوَ يَأْخُذ من الحَبّ قدر ثُلثي مِنا بلدنا. وَأهل الْكُوفَة يَقُولُونَ: عيار الصَّاع أَرْبَعَة أُمَنَاء والمدّ ربعه وصاعهم هَذَا هُوَ القفيز الحَحّاجي لَا يعرفهُ أهل الْمَدِينَة.
وَقَالَ شمر: قَالَ ابْن شُمَيْل: الصاعَة، الْبقْعَة الجرداء لَيْسَ فِيهَا شَيْء.
قَالَ: والصاعة يكسحها الْغُلَام، وينحّي حجارتها، ويكرو فِيهَا بكرته. فَتلك الْبقْعَة هِيَ الصاعة.
وَبَعْضهمْ يَقُول: الصَّاع.
وَأنْشد ابْن السّكيت:
مرِحت يداها للنجاء كَأَنَّمَا
تكْرُو بكفَّي لاعبٍ فِي صَاع
وَقَالَ ابْن السّكيت: الصَّاع: المطمئن من الأَرْض كالحفرة.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: رُبمَا اتَّخذت صاعة من أَدِيم كالنِّطَع لندف الْقطن أَو الصُّوف عَلَيْهِ.
وَقَالَ اللَّيْث: إِذا هيّأت الْمَرْأَة لندف الْقطن موضعا يُقَال صوَّعت موضعا. وَاسم ذَلِك الْموضع الصاعة.
وَقَالَ اللحياني: صُعْت الْغنم وصِعْتها أصوعها وأَصِيعها إِذا فرقتها.
ابْن السّكيت عَن أبي عَمْرو: تصوّع البقلُ(3/53)
تصوُّعاً، وتصيّع تصيُّعاً إِذا هاج. وَمثله تصوَّح وتصيَّح. وَيُقَال تصوَّع الْقَوْم إِذا تفَرقُوا تصوُّعاً.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: تصوَّع الشَعَرُ إِذا تفرّق.
وَقَالَ اللَّيْث: الكمِيُّ يصُوع أقرانه إِذا حازهم من نواحيهم، والراعي يصوع الْإِبِل كَذَلِك.
قلت: غلط اللَّيْث فِيمَا فسَّر، وَمعنى يصوع الكميّ أقرانه إِذا حمل بَعضهم على بعض أَو أَن يحمل عَلَيْهِم فَيُفَرق جمعهم. وَكَذَلِكَ الرَّاعِي يصوع إبِله إِذا فرّقها فِي المرعى والتيس إِذا أُرْسل فِي الشَّاء صاعها إِذا أَرَادَ سفادها أَي فرقها.
وَأنْشد أَبُو عبيد:
يصوع عُنوقها أحوى زنيم
لَهُ ظأْب كَمَا صخِب الغريمُ
وَيُقَال: صُعتُ الْقَوْم وصِعْتهم إِذا حملت بَعضهم على بعض.
وَقَالَ اللَّيْث فِي قَوْله:
فظلّ يَكْسُوهَا النَّجَاء الأصيعا
قَالَ: لَو ردّ إِلَى الْوَاو ولقال الأصوعا. وَقَالَ أَبُو عبيد: انصاع الرجلُ إِذا انْفَتَلَ رَاجعا، والمُنصاع والمعرِّد والناكص وَاحِد؛ قَالَ ذُو الرمة:
فانصاع جانبُه الوحشيُّ وانكدرت
يَلْحَبْن لَا يأتلي المطلوبُ والطَلَبُ
صعا: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: صعا إِذا دَقّ، وصعا إِذا صغر.
قلت: كَأَنَّهُ ذهب بِهِ إِلَى الصَعْوة، وَهُوَ طَائِر لطيف وَجمعه صِعَاءٌ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي أَيْضا: الأعصاء: الْأُصُول، والأصعاء جمع الصَعْو: طَائِر صَغِير.
وَقَالَ اللَّيْث: الصَعْو: صغَار العصافير، وَالْأُنْثَى صَعْوة. قَالَ وَهُوَ: أَحْمَر الرَّأْس وَجمعه صِعاء على لفظ السِّقَاء.
قَالَ: وَيُقَال صَعْوة وَاحِدَة، وصَعْو كثير. وَيُقَال: بل الصَّعْو والوَضَع وَاحِد كَمَا يُقَال جذب وجبذ وبض وضبَّ.
وصع: رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (إِن الْعَرْش على مَنْكِبِ إسْرَافيل، وَإنَّهُ ليتواضع لله جلّ وعزّ حَتَّى يصير مثل الوَصع) .
قَالَ أَبُو عبيد يُقَال فِي الوَصْع: إِنَّه الصَّغِير من أَوْلَاد العصافير، وَيُقَال: هُوَ طَائِر شَبيه بالعصفور الصَّغِير فِي صغر جِسْمه.
وَقَالَ اللَّيْث: الوَصْع والوَصَع صغارها خاصّة، والجميع الوِصْعان.
قَالَ: والوَصِيع: صَوت العصفور.
وَقَالَ شمر: لم أسمع الْوَصع فِي شَيْء من كَلَامهم، إِلَّا أَنِّي سَمِعت بَيْتا لَا أَدْرِي مَن قَائِله، وَلَيْسَ الْوَصع الطَّائِر فِي شَيْء:
أَنَاخَ فَنعم مَا اقلولَى وخوَّى
على خَمْس يَصَعن حَصى الجَبوب
قَالَ يصعن الْحَصَى: يغيّبنه فِي الأَرْض.
قلت: الصَّوَاب عِنْدِي: يصُعن حَصَى الجَبُوب أَي يفرّقنها يَعْنِي الثفنات الْخمس.
وَأما عِيصُو فَهُوَ ابْن إِسْحَاق أَخُو يَعْقُوب. وَهُوَ أَبُو الرّوم.(3/54)
(بَاب الْعين وَالسِّين)
ع س (وَا يء)
عسا، عوس، سعا، عيس، سوع، وسع، سيع، وعس.
عسا: أَبُو عبيد عَن الأمويّ: يُقَال للشَّيْخ إِذا وَلّى وكبِر: عتا يعتُو عُتِيّاً، وعسا يعسو مثله.
قَالَ: وَقَالَ الْأَحْمَر: عست يدُه تعسو عُسُوّاً إِذا غَلُظت من الْعَمَل.
وَقَالَ اللَّيْث: عسا الشَّيْخ يَعسو عَسْوَةً وَعَسَاءً إِذا كبِر.
قلت: وَالصَّوَاب فِي مصدر عسا مَا قَالَ الْأَحْمَر، وَيجوز عُسِيّاً مثل عُتِيّاً.
وَقَالَ اللَّيْث: عسا النَّبَات إِذا غلظ. قَالَ: ولغة أُخْرَى: عَسِى يَعْسِى عَسى، وَأنْشد:
يَهْوون عَن أَرْكَان عزّ أورما
عَن صامل عاسٍ إِذا مَا اصلخْمَمَا
قَالَ وعست يَده إِذا غلظت من الْعَمَل.
وَكَانَ جلاَّدٌ صَاحب شرطة الْبَصْرَة يكنى أَبَا العَسَاء.
قَالَ أَبُو بكر: العَسَاءُ مصدر عسا الْعود يعسو، والقَسَاءُ مصدر قسا الْقلب يقسو وَعَسَى: حرف من حُرُوف المقاربة وَفِيه ترجَ وطمع. وَهِي من الله وَاجِب وَمن الْعباد ظن، وَقد قَالَ الشَّاعِر فَجعله يَقِينا أنْشدهُ أَبُو عبيد:
ظنّ بهم كعسى وهم بتنوفَةٍ
يتناوبون جوائب الْأَمْثَال
وَقَالَ ابْن كيسَان: عَسى من الله وَاجِب وَمن الْعباد ظن، لِأَن العَبْد لَيْسَ لَهُ فِيمَا تسْتَقْبل علم نَافِذ إلاّ بدلائل مَا شَاهد، وَقد يجوز أَن تبطل الشواهد لَهُ على مَا لم يكن فَلَا يكون مَا يُظن، وَقد اجْتهد فِي عَسى بأغلب الظَّن عَلَيْهِ وَهُوَ مُنْتَهى علمه فِيمَا لم يَقع، وَالله تَعَالَى علمه بِمَا لم يكن كعلمه بِمَا كَانَ، فَلَا يكون فِي خَبره عَسى إِلَّا على علمه، فَهِيَ وَاجِبَة من قِبَله على هَذَا، وَقد قَالَ الشَّاعِر حِين انْتهى بظنّه عِنْد نَفسه إِلَى حَقِيقَة الْعلم فمثّله بعسى إِذا كَانَت أغلب الظَّن وأقواه، فَقَالَ:
ظنّي بهم كعسى وهم بتنوفة
يتنازعون جوائب الْأَمْثَال
وَقَالَ اللَّيْث: عَسى يجْرِي مجْرى لعَلّ، عسَيت، وعسَينا، وعَسَيتم، وعسَت للْمَرْأَة، وعستا، وعَسَين. يتكلّم بِهِ على فعل مَاض، وأُميت مَا سواهُ من وُجُوه فعله. لَا يُقَال: يعسَى وَلَا يعسِي، وَلَا مفعول لَهُ وَلَا فَاعل.
وَقَالَ النحويون: يُقَال: عسَى وَلَا يُقَال: عسِى.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {لَّهُمْ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِى الاَْرْضِ وَتُقَطِّعُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ أَرْحَامَكُمْ} (محَمَّد: 22) اتّفق الْقُرَّاء أَجْمَعُونَ على فتح السِّين من قَوْله {عَسَيْتُمْ} إلاّ مَا جَاءَ عَن نَافِع أَنه كَانَ يقْرَأ: (فَهَل عسيتم) بِكَسْر السِّين. وَكَانَ يقْرَأ: {عَدُوَّكُمْ} (الأعرَاف: 129) ، فَدلَّ مُوَافَقَته الْقُرَّاء على عَسى على أَن الصَّوَاب قَوْله {عَسَيْتُمْ} فتح السِّين.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: المُعْسِية: النَّاقة الَّتِي يُشكّ فِيهَا أَبِهَا لبن أم لَا.(3/55)
وَقَالَ الشَّاعِر:
إِذا المُعْسياتُ مَنَعن الصَبُو
ح خبّ جَرِيُّكِ بالمُحْصَن
جريُّه: وَكيله وَرَسُوله: والمُحْصَن: مَا أُحْصِن وادّخر مِنَ الطَّعَام.
وَقَالَ اللحياني: إِنَّه لَمَعْساة أَن يفعل ذَاك؛ كَقَوْلِك: مَحْراة، وأعِس بِهِ أَن يفعل ذَاك كَقَوْلِك أحر بِهِ. والمِعْسَاءُ من الْجَوَارِي: المراهِقة الَّتِي يَظنّ من رَآهَا أَنَّهَا قد توضَّأَت.
وَأنْشد ثَعْلَب:
ألم ترني تركت أَبَا يزِيد
وصاحِبَهُ كمِعْسَاءِ الْجَوَارِي
بِلَا خَيْط وَلَا نَيْط وَلَكِن
يدا بيد فها عِيثِي جَعَارِ
قَالَ: هَذَا رجل طعَن رجلا، ثمَّ قَالَ: تركته كمعساء الْجَوَارِي: يسيل الدَّم عَلَيْهِ كَالْمَرْأَةِ الَّتِي لم تَأْخُذ الحِشْوَةَ فِي حَيْضهَا، فدمها يسيل على فخذيها، وَقَوله. يدا بيد، أَي طعنه كفاحاً وَلم أطعنه خَتْلاً.
أَبُو عبيد عَن الْأمَوِي: العاسي: الشمراخ من شماريخ العَذْق فِي لُغَة بلحارث بن كَعْب.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الأعساء: الأرزان الصُلْبة قلت وواحدها عاسٍ.
عوس: أَخْبرنِي الإياديّ عَن شمر قَالَ يُقَال: هُوَ يعُوس عِيَاله ويعولهم أَي يقوتُهم.
وَأنْشد:
خلّي يتامَى كَانَ يُحسن عَوْسهم
ويقوتهم فِي كلّ عَام جَاحد
سَلمَة عَن الْفراء: عاس فلَان معاشه عَوْساً ورقَّحه وَاحِد.
وَقَالَ أَبُو زيد: عاس فلَان مالَه عَوْساً، وساسه سياسة إِذا أحسن الْقيام عَلَيْهِ. وَإنَّهُ لسائس مالٍ، وعائس مالٍ بِمَعْنى وَاحِد.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: يُقَال: عاس على عِيَاله يَعُوس عَوْساً إِذا كدّ وكدح عَلَيْهِم. قَالَ: والعُوس الكِباش الْبيض. قَالَ: والعُواسة: الشَّرْبَة من اللَّبن وَغَيره.
وَقَالَ اللَّيْث: والعَوْس والعَوَسان: الطوفان بِاللَّيْلِ. قَالَ: وَالذِّئْب طلب شَيْئا يَأْكُلهُ. قَالَ: والأعوس: الصيقل. ثمَّ قَالَ: وَيُقَال لكل وصّاف لشَيْء: هُوَ أعوس وصّاف. وَقَالَ جرير:
تجلو السيوف وغيركم يَعْصَى بهَا
يَا ابْن القُيُون وَذَاكَ فعل الأعوس
قلت: رَابَنِي مَا قَالَه فِي الأعوس وَتَفْسِيره إِبْدَاله قافية هَذَا الْبَيْت بغَيْرهَا. وَالرِّوَايَة: وَذَاكَ فعل الصيقل. وَالْقَصِيدَة لجرير مَعْرُوفَة وَهِي لاميّة طَوِيلَة. وَقَوله الأعوس: الصيقل لَيْسَ بِصَحِيح عِنْدِي.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: العَوَس: مصدر قَوْلك رجل أعوس، وَامْرَأَة عوساء، وَهُوَ دُخُول الخدّين حَتَّى تكون فيهمَا هَزْمتان وَهُوَ العَوَس.
أَبُو عبيدِ عَن القَنَاني: العَوَاساء من الخنافس: الْحَامِل وَأنْشد:(3/56)
بكرا عواساء تَفَاسى مُقْرِبا
وعس: أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: المِيعاس: الأَرْض الَّتِي لم تُوطأ.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الأوعس؛ السهل الليّن من الرمل.
وَقَالَ ابْن بُزُرْجَ: الميعاس، الطَّرِيق. وَأنْشد:
واعَسن ميعاسا وجُمهوراتِ
من الكَثِيب متعرِّضات
وَقَالَ اللَّيْث: الميعاس: الْمَكَان الَّذِي فِيهِ الرمل الوَعْس، وَهُوَ الرمل الَّذِي تَسُوخ فِيهِ القوائم. وَالِاسْم الوَعْساء وَرمل أوعس، وَهُوَ أعظم من الوَعْساء. وَأنْشد:
ألبِسْن دِعْصاً بَين ظَهْري أوعسا
وَقَالَ جرير:
حيَّ الهِدَملة من ذَات المواعيس
وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي:
أَلْقَت طلا بَوْعسة الحَوْمان
وَقَالَ اللَّيْث: المواعسة: ضرب من سير الْإِبِل فِي السرعة. تَقول: واعسن بالأعناق إِذا مددن الْأَعْنَاق فِي سَعَة الخَطْو. وَأنْشد:
كم اجتبن من ليل إِلَيْك وداعست
بِنَا البيدَ أَعْنَاق المهارى الشعاشع
وَقيل: المواعسة: المباراة فِي السّير وَهِي المواضحة. أَبُو عبيد المواعسة: الْإِقْدَام فِي السّير.
سوع: قَالَ اللَّيْث: سُواع: اسْم صنم عُبد زمن نوح فغرّقه الله أَيَّام الطوفان وَدَفنه فاستثاره إِبْلِيس لأهل الْجَاهِلِيَّة فعبدوه.
وَقَالَ اللحياني: يُقَال: أَتَيْته بعد سُوَاع من اللَّيْل، وَبعد سُوْع من اللَّيْل أَي بعد سَاعَة.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: السُّواعيُّ مَأْخُوذ من السُّواع وَهُوَ المَذْي وَهُوَ السُّوَعاء قَالَ:
وَيُقَال: سُع سُع إِذا أَمرته أَن يتعهّد سُوَعاءه.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: أَخْبرنِي أَبُو عُبَيْدَة أَنه قَالَ لرؤبة: مَا الوَدْي. فَقَالَ: يسمّى عندنَا السُوعاء.
وَقَالَ شمر: السوعاء مَحْدُود: المَذْي الَّذِي يخرج قبل النُطْفة. وَقد أَسْرع الرجلُ وأنشر إِذا فعل ذَلِك، حَكَاهُ عَن أبي العَمَيثل وَغَيره. والساعة: الْوَقْت الَّذِي تقوم فِيهِ الْقِيَامَة، سمّيت سَاعَة لِأَنَّهَا تفجأ النَّاس فِي سَاعَة فَيَمُوت الخَلْقُ كلُّهم عِنْد الصَّيْحَة الأولى الَّتِي ذكرهَا الله، فَقَالَ: {كُنَّا مُنزِلِينَ إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ} . (يس: 29) والساعة: جُزْء من آخر اللَّيْل وَالنَّهَار، وتُجمع سَاعَات وساعاً. وتصغّر سُويعة. وَاللَّيْل وَالنَّهَار مَعًا أَربع وَعِشْرُونَ سَاعَة. وَإِذا اعتدلا فَكل وَاحِد مِنْهُمَا اثْنَتَا عشر سَاعَة.
وَيُقَال: هُوَ ضائع سائع، وَقد أضعْت الشَّيْء وأَسَعته.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: أسعت الْإِبِل أَي أهملتها. وساعت هِيَ تَسُوع سَوْعاً. وَمِنْه قيل: ضائع سائع، وناقة مِسْياع. وَهِي الذاهبة فِي الرَعْي.(3/57)
وَقَالَ شمر: يُقَال: تَسِيعُ مَكَان تسوع.
قَالَ: وناقة مسياع: تدع وَلَدهَا حَتَّى يَأْكُلهُ السَّبع. وَرجل مِسْياع وَهُوَ المضياع لِلْمَالِ.
وَيُقَال: رُبّ نَاقَة تُسيع وَلَدهَا حَتَّى يَأْكُلهُ السبَاع.
وَيُقَال: ساوعت الْأَجِير إِذا استأجرته سَاعَة بعد سَاعَة.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: السَّاعَة: الهَلْكى، وَالطَّاعَة: المطيعون، والجاعة: الجياع.
سعا: سَلمة عَن الْفراء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {بِغُلَامٍ حَلِيمٍ فَلَمَّا بَلَغَ} (الصافات: 37) قَالَ: أطَاق أَن يُعينهُ على عمله وسعيه. وَقَالَ: وَكَانَ إِسْمَاعِيل يومئذٍ ابْن ثَلَاث عشرَة سنة، ونحوَ ذَلِك قَالَ الزجّاج.
وَقَالَ الْفراء فِي قَوْله جلّ وعزّ: {الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْاْ إِلَى ذِكْرِ} (الجُمُعَة: 9) قَالَ: السَّعْي والذهاب بِمَعْنى وَاحِد؛ لِأَنَّك تَقول للرجل: هُوَ يسْعَى فِي الأَرْض وَلَيْسَ هَذَا باشتداد.
وَقَالَ الزّجاج: أصل السَّعْي فِي كَلَام الْعَرَب التصرّف فِي كل عمل. وَمِنْه قَول الله جلّ وعزّ: {أُخْرَى وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا} (النّجْم: 39) مَعْنَاهُ: إلاّ مَا عمل. قَالَ وَمعنى قَوْله: {الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْاْ إِلَى ذِكْرِ} : فاقصدوا، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ العَدْو.
قلت: وَقد يكون السَّعْي بِمَعْنى العَدْو فِي كَلَام الْعَرَب، وَمِنْه قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِذا أتيتم الصَّلَاة فَلَا تأتوها وَأَنْتُم تسعَون، وَلَكِن ائتوها وَعَلَيْكُم السكينةُ، فَمَا أدركتم فصلُّوا، وَمَا فاتكم فأتِمُوا) فالسعي فِي هَذَا الحَدِيث العَدْو.
اللحياني: السَّاعِي الَّذِي يقوم بِأَمْر أَصْحَابه عِنْد السُّلْطَان. والجميع سُعاة. قَالَ: وَيقوم أهلَه أَي يقوم بأمرهم.
وَيُقَال؛ فلَان يسْعَى على عِيَاله أَي يتصرّف لَهُم، كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
أسعى على جُلّ بني مَالك
كل امرىء فِي شَأْنه ساعي
والسَعَاة: التصرّف. وَنَظِير السَعَاة من الْكَلَام النجَاة من نجا ينجو، والقلاة من فلاه يفلوه إِذا قطعه عَن الرَّضَاع، وَعَصَاهُ يعصوه عَصَاة، والغراة من قَوْلهم: غَرِيت بِه أَي أولعت غراةً قَالَ:
لَا تخلنا على غراتك إِنَّا
قبلُ مَا قد وشى بِنَا الأعداءُ
وَفعلت ذَلِك رجاة كَذَا وَكَذَا، وَتركت الْأَمر خشاة الْإِثْم، وأذى بِهِ أَذَى وأذاة
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: سعى إِذا مَشى، وسعى إِذا عدا، وسعى إِذا عمل، وسعى إِذا قصد.
قَالَ وَقَوله: {أَي اقصدوا.
ورُوي عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: السَّاعِي لغير رِشْدة، أَرَادَ بالساعي الَّذِي يسْعَى بِصَاحِبِهِ إِلَى سطانه فتمحِل بِهِ. وَأَرَادَ بقوله: لغير رشدة: أَنه لَيْسَ بِثَابِت النّسَب من أَبِيه الَّذِي ينتمي إِلَيْهِ.
ورُوي عَن كَعْب أَنه قَالَ: السَّاعِي مثَلث وتأوّله أَنه يُهلك ثَلَاثَة نفر بسعايته؛ أحدهم المسعِيّ بِهِ، وَالثَّانِي السُّلْطَان الَّذِي سعى(3/58)
بِصَاحِبِهِ إِلَيْهِ حَتَّى أهلكه، وَالثَّالِث هُوَ السَّاعِي نَفسه، سمى مثلثاً لإهلاكه ثَلَاثَة نفر، وَمِمَّا يحقّق ذَلِك الخبرُ الثَّابِت عَن النَّبِي أَنه قَالَ: (لَا يدْخل الْجنَّة قَتّات) فالقَتّات والساعي والماحِل وَاحِد.
وَيُقَال لعامل الصَّدقَات: ساعٍ وَجمعه سُعَاة، وَقد سعى يسْعَى إِذا عمل عمل الصَّدقَات فَأَخذهَا من أغنيائها وردّها فِي فقرائها.
وَقَالَ عَمْرو بن العدّاء الكلبيّ:
سعى عِقَالاً فَلم يتْرك لنا سَبَدا
فَكيف لَو قد سعى عَمْرو عِقَالَيْنِ
وَفِي حَدِيث عمر أَنه أُتِي فِي إِمَاء وَنسَاء سَاعَيْنَ فِي الجاهليّة، فَأمر بأولادهنّ أَن يقوَّموا على آبَائِهِم وَلَا يسترقّوا.
قَالَ أَبُو عبيد: وَأَخْبرنِي الأصمعيّ أَنه سمع ابْن عون يذكر هَذَا الحَدِيث فَقَالَ لَهُ: إِن المساعاة لَا تكون فِي الْحَرَائِر، إِنَّمَا تكون فِي الْإِمَاء.
قَالَ أَبُو عبيد: وَمعنى المساعاة الزِّنَى. وخصّ الْإِمَاء بالمساعاة لِأَنَّهُنَّ كن يسعَين على مواليهنّ فيكسِبن لَهُم.
قلت: وَمن هَذَا أُخذ استسعاء العَبْد إِذا عَتَق بعضه ورَقّ بعضه، وَذَلِكَ أَنه يسْعَى فِي فَكَاك مَا رقّ من رقبته، فَيعْمل فِيهِ ويتصرّف فِي كَسبه حَتَّى يعْتِق. وَيُسمى تصرفه فِي كَسبه سِعَايَة لِأَنَّهُ يعْمل فِيهِ.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: المساعاة: مساعاة الْأمة إِذْ ساعاها مَالِكهَا، فضَرب عَلَيْهَا ضريبة تؤدّيها بالزنى، وَمِنْه يُقَال: استُسعِي العَبْد فِي رقبته سُوعِيَ فِي غَلَّته فالمستسعَى الَّذِي يُعتقه مَالِكه عِنْد مَوته، وَلَيْسَ لَهُ مَال غَيره، فَيعتق ثلثه ويُستسعى فِي ثُلثي رقبته. والمساعاة: أَن يساعيه فِي حَيَاته فِي ضريبته. وَالسَّعْي يكون فِي الصّلاح، وَيكون فِي الْفساد.
قَالَ الله جلّ وعزّ: {الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْاْ إِلَى ذِكْرِ} (المَائدة: 33) نصب قَوْله (فَسَادًا) لِأَنَّهُ مفعول لَهُ، أَرَادَ: يسعون فِي الأَرْض للْفَسَاد. وَكَانَت الْعَرَب تسمي أَصْحَاب الحَمَالات لحَقْن الدِّمَاء وإطفاء النائرة سُعَاة؛ لسعيهم فِي صَلَاح ذَات الْبَين.
وَمِنْه قَول زُهَيْر:
سعى ساعياً غيظِ بن مُرَّة بَعْدَمَا
تبزّل مَا بَين الْعَشِيرَة بِالدَّمِ
أَي سعياً فِي الصُّلْح وجَمْع مَا تحمّلا من ديات الْقَتْلَى. وَالْعرب تسمي مآثر أهل الشّرف وَالْفضل مساعي واحدتها مَسعاة لسعيهم فِيهَا، كَأَنَّهَا مكاسبهم وأعمالهم الَّتِي أعْنوا فِيهَا أنفسهم. والسَّعاة اسْم من ذَلِك، وَمن أَمْثَال الْعَرَب: شغلت سَعَاتِي جدواي.
قَالَ أَبُو عبيد: يُضرب هَذَا مثلا للرجل يكون شيمته الْكَرم غير أَنه مُعدِم. يَقُول: شغلتني أموري عَن النَّاس والإفضال عَلَيْهِم. وَمن أمثالهم فِي هَذَا: بالساعد تبطش الْيَد.
قلت كَأَنَّهُ أَرَادَ بالسعاة الْكسْب على نَفسه والتصرّف فِي معاشه.
وَمِنْه قَوْلهم: الْمَرْء يسْعَى لغارَيْه أَي(3/59)
يكْسب لبطنه وفرجه. وساعي الْيَهُود وَالنَّصَارَى: هُوَ رئيسهم الَّذِي يُصدرون عَن رَأْيه وَلَا يقضون أمرا دونه. وَهُوَ الَّذِي ذكره حُذَيفة فَقَالَ: إِن كَانَ يَهُودِيّا أَو نَصْرَانِيّا ليردَّنه عليّ ساعيه. وَيُقَال أَرَادَ بالساعي: الْوَالِي الَّذِي عَلَيْهِ من الْمُسلمين، وَهُوَ الْعَامِل. يَقُول يُنصفني مِنْهُ. وَإِن لم يكن لَهُ إِسْلَام. وقلّ من ولى عملا على قوم فَهُوَ ساعٍ عَلَيْهِم.
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: مضَى من اللَّيْل سِعْو وسَعْواء مَمْدُود.
وَقَالَ ابْن بُزُرْجَ: السِّعواء مذكّر، قَالَ وَقَالَ: بَعضهم: السِعْوا فَوق السَّاعَة من اللَّيْل. وَكَذَلِكَ السِعواء من النَّهَار.
وَيُقَال كُنَّا عِنْده سِعْواوات من اللَّيْل وَالنَّهَار.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: قَالَ: السَعْوة السَّاعَة من اللَّيْل. والسَعْوة: الشَمَعة قَالَ: والأسعاء: سَاعَات اللَّيْل وَيُقَال للْمَرْأَة البذيئة الجالعة: سِعْوة وعِلْقَة وسِلْقة.
عيس: الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت قَالَ: العَيْس: مَاء الْفَحْل. يُقَال عاسها يعيسها عَيْساً. والعِيس جمع أعيس وعيساء، وَهِي الْإِبِل الْبيض يخالط بياضَها شَيْء من شقرة.
وَقَالَ أَبُو عبيد: عاس الفحلُ من الْإِبِل الناقةَ يعيسها عَيْساً إِذا ضربهَا.
وَقَالَ شمر: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة والمؤرِّج: العَيْسُ: مَاء الْفَحْل. وَأنْشد بَيت طرفَة.
سأحلب عَيْسا صَحْنَ سَمِّ
قَالَ والعَيْس يقتل، لِأَنَّهُ أَخبث السمّ.
قَالَ شمر: وأنشدنيه ابْن الأعرابيّ:
سأحلُب عنسا صحن سمّ
بالنُّون: وَقَالَ النَّضر: الْجمل يعيس النَّاقة أَي يضْربهَا.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: إِذا خالط بياضَ الْبَعِير شقْرة فَهُوَ أعْيس.
وَقَالَ اللَّيْث: العَيس والعِيسة: لون أَبيض مشرب صفاء فِي ظلمَة خفيّة. يُقَال: جمل أعيس. قَالَ: والعِيسة فِي أصل الْبناء فُعْلة على قِيَاس الصُّهبة والكُمْتة، وَإِنَّمَا كُسرت الْعين لمجاورتها الْيَاء. قَالَ: وظبي أعيس. قَالَ: وَعِيسَى: اسْم نبيّ الله صلوَات الله عَلَيْهِ يجمع: عِيسُون بضمّ السِّين؛ لِأَن الْيَاء زَائِدَة فَسَقَطت. قَالَ: وَكَأن أصل الْحَرْف من العَيَس. قَالَ: وَإِذا اسْتعْملت الْفِعْل مِنْهُ قلت عَيِسَ يَعْيَس أَو عاس يعيس. قَالَ وَعِيسَى شبه فُعلى.
وَقَالَ ابْن كيسَان فِي جمع عِيسَى ومُوسَى: عيسَون وموسَوْن مثل المصطفون والأدنون فِي الرّفْع، وَفِي النصب والخفض: المصطفين والأدَنين.
وَقَالَ الزّجاج: عِيسَى: اسْم أعجميّ عُدل عَن لَفظه بالأعجميّة إِلَى هَذَا الْبناء وَهُوَ غير مَصْرُوف فِي الْمعرفَة؛ لِاجْتِمَاع العجمة والتعريف فِيهِ. وَمِثَال اشتقاقه من كَلَام الْعَرَب أَن عِيسى فِعْلى. فالألف تصلح أَن تكون للتأنيث فَلَا تَنْصَرِف فِي معرفَة وَلَا نكرَة. وَيكون اشتقاقه من(3/60)
شَيْئَيْنِ: أَحدهمَا العَيَس، وَالْآخر من العَوْس وَهُوَ السياسة، فقلبت الْوَاو يَاء لانكسار مَا قبلهَا. فأمّا اسْم نبيّ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فمعدول عَن أيسُوع كَذَا يَقُول أهل السريانية.
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: إِذا نسبت إِلَى عِيسَى ومُوسَى وَمَا أشبههما مِمَّا فِيهِ الْيَاء زَائِدَة قلت موسِيٌّ وعيسيٌّ بِكَسْر السِّين وَتَشْديد الْيَاء.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة أعْيَس الزرعُ إعياساً إِذا لم يكن فِيهِ رَطْب، وأَخْلس إِذا كَانَ فِيهِ رطب ويابس، وَرجل أعيس الشّعْر: أبيضه. وَسْم أعيس: أَبيض.
قَالَ شمر: تسمّى الرّيح الْجنُوب النُعامَى بلغَة هُذَيْل، وَهِي الأَزْيب أَيْضا. قَالَ بَعضهم: نسميها مِسْعاً. وَقَالَ بعض أهل الْحجاز: يُسْع بِالْيَاءِ مَضْمُومَة. وَأما اسْم النَّبِي فَهُوَ الْيَسع. وقرىء: اللَّيْسع.
وسع: الْوَاسِع من صِفَات الله تَعَالَى: الَّذِي وسع رزقُه جميعَ خلقه، ووسعت رحمتُه كلّ شَيْء وَيُقَال: إِنَّه ليسعني مَا وسعك، وَرجل مُوسِع وَهُوَ المليء، والوُسْع: الجِدّة وقدرة ذَات الْيَد. وأوسع الرجلُ إِذا كثر مَاله. قَالَ الله جلّ وعزّ: {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ} (البَقَرَة: 236) وَيُقَال: إِنَّه لفي سَعَة من عيشه. ووسّعت الْبَيْت وَغَيره فاتّسع وَاسْتَوْسَعَ، وَفرس وَسَاعٌ إِذا كَانَ جواداً ذَا سَعَة فِي خَطْوه وذَرْعه. وَقد وسُع وَسَاعة، ووَسِع مَاء لبني سعد. وَيُقَال: مَا أسع ذَاك أَي مَا أُطِيقهُ.
وَلَا يسعني هَذَا الْأَمر مثله. ويروى عَن عمر أَنه كَانَ يَقُول: اللَّهُمَّ لَو أَسْتَطِيع أَن أسع النَّاس لوسعتهم اللَّهم إِنِّي لَا أحلّ لَهم أشعارهم وَلَا أبشارهم، من ظلمه أميره فَلَا إمرة عَلَيْهِ دوني. معنى قَوْله: أَن أسع النَّاس أَي أطيقهم، يُقَال: هَذَا الْكَيْل يَسعهُ ثَلَاثَة أُمَنَاء هَذَا الْوِعَاء يسع عشْرين كَيْلا، وَهَذَا الْوِعَاء يسع عشرُون كَيْلاً على مِثَال قَوْلك: أَنا أسع هَذَا الْأَمر وَهَذَا الْأَمر يسعني. وَالْأَصْل فِي هَذَا أَن تدخل فِيهِ فِي وعَلى وَاللَّام؛ لِأَن قَوْلك: هَذَا الْوِعَاء يسع عشْرين كَيْلا مَعْنَاهُ: يسع لعشرين كَيْلا أَي يتَّسع لذَلِك، وَمثله هَذَا الخُفّ يسع برجلي أَي يسع لرجلي ويسع على رجْلي أَي يتّسع لَهَا وَعَلَيْهَا، وَتقول هَذَا الْوِعَاء يَسعهُ عشرُون كَيْلا مَعْنَاهُ يسع فِيهِ عشرُون كَيْلا أَي يتَّسع فِيهِ عشرُون كَيْلا، وَالْأَصْل فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أَن يكون بِصفة، غير أَنهم ينزعون الصِّفَات من أَشْيَاء كَثِيرَة حَتَّى يتّصل الْفِعْل إِلَى مَا يَلِيهِ ويفضي إِلَيْهِ كَأَنَّهُ مفعول بِهِ، كَقَوْلِك كلتك واستحيتك ومكَّنتك أَي كلت لَك واستحيت لَك ومكَّنت لَك. وَيُقَال: وسعت رَحْمَة الله كل شَيْء وَلكُل شَيْء. وَقَالَ {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضَ} (البَقَرَة: 255) أَي اتَّسع لَهَا. وَعَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (إِنَّكُم لَا تَسَعون النَّاس بأموالكم فليسعهم مِنْك بَسَطُ الْوَجْه) . قَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَوْله تَعَالَى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (البَقَرَة: 115) يَقُول: أَيْنَمَا توَلّوا فاقصدوا وَجه الله بتيممكم الْقبْلَة إِن الله وَاسع عليم يدلّ على أَنه توسعة على النَّاس فِي شَيْء رخّص لَهُم.(3/61)
وَيُقَال: هَل تسع هَذَا أَي هَل تُطِيقهُ، وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {فَاسِقِينَ وَالسَّمَآءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} (الذّاريَات: 47) قَالَ أَبُو إِسْحَاق يَقُول: جعلنَا بَينهَا وَبَين الأَرْض سَعَة، جعل أوسع بِمَعْنى وسّع. وَالسعَة أَصْلهَا وِسْعة فحذفت الْوَاو.
وَيُقَال: ليسعك بَيْتك مَعْنَاهُ الْقَرار فِيهِ، وَفِي (النَّوَادِر) : اللَّهم سَعْ عَلَيْهِ أَي وسِّع عَلَيْهِ.
قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: الْوَاسِع من أَسمَاء الله: الكَثير العطايا الَّذِي يسع لما يُسأل. وَهَذَا قَول أبي عُبَيْدَة. وَيُقَال الْوَاسِع: الْمُحِيط بِكُل شَيْء من قَوْلهم: وسع كل شَيْء علما أَي أحَاط. وَقَالَ:
أعطيهم الْجهد منى بَلْه مَا أسع
مَعْنَاهُ: فدع مَا أحيط بِهِ وأقدر عَلَيْهِ. وَالْمعْنَى أعطيهم، لَا أَجِدهُ إِلَّا بِجهْد فدع مَا أحيط بِهِ.
سيع: اللَّيْث: السَيَاع بالجصّ والطين والقِير. يُقَال: سيّعت بِهِ تسييعاً؛ أَي طليت بِهِ طَلْياً رَفِيقًا، قَالَ القَطاميّ:
فَلَمَّا أَن جرى سِمَنٌ عَلَيْهَا
كَمَا بطَّنت بالفدن السَّياعا
قَالَ يجوز السَّياع والسِّياع. قلت: مَعْنَاهُ كَمَا بطنت الفدن بالسياع فقلَب.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: السَياع الطين.
وَقَالَ اللَّيْث المِسْيَعة: خَشَبَة مملّسة يطيَّن بهَا وَالْفِعْل مِنْهُ سيّعته تسييعاً أيْ طينته تطييناً، وَقَالَ رؤبة:
من شِلّها مَاء السراب لأسيعا
قَالَ يصفه بالرقّة. وَقَالَ اللَّيْث: قَالَ بَعضهم: السَّياع أَيْضا: شجر اللُبان وَهُوَ من شجر العضاه لَهُ ثَمَرَة كَهَيئَةِ الفُستق. قَالَ ولثاهُ مثل الكُنْدُر إِذا جَمَد.
(بَاب الْعين وَالزَّاي)
ع ز (وَا يء)
عزا (عزو) ، عوز، زوع، وزع، وَعز، زعا.
عزا (عزو) : أَبُو عبيد وَغَيره: عزوته إِلَى أَبِيه، أعزوه وأَعزِيه عَزْواً إِذا نسبته. وَيُقَال: إِلَى من تَعْزِي هَذَا الحَدِيث؟ أَي إِلَى من تَنْميه. ورُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (من تعزّى بعَزَاء الْجَاهِلِيَّة فأعِضوه بِهن أَبِيه وَلَا تكْنُوا) . قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْكسَائي: قَوْله تعزَّى يَعْنِي انتسب وانتمى كَقَوْلِك: يالفلان ويالبني فلَان، وَقَالَ الرَّاعِي:
فَلَمَّا الْتَقت فرساننا ورجالهم
دَعَوا يَا لكلبٍ واعتزينا لعامر
وَقَالَ بشر بن أبي خازم:
نعلو القوانس بِالسُّيُوفِ ونعتزي
والخيلُ مُشْعَرة النحور من الدَّم
وَقَالَ إِن جريح حدث عَطاء بِحَدِيث فَقيل لَهُ: إِلَى من تَعزيه؟ أَي إِلَى من تَسنده. وَأما الحَدِيث الآخر: (من لم يتعز بعزاء الله فَلَيْسَ منّا) فَإِن لَهُ وَجْهَيْن: أَحدهمَا أَلا يتعزَّى بعزاء الْجَاهِلِيَّة وَدَعوى الْقَبَائِل وَلَكِن يَقُول يَا للْمُسلمين فَتكون دَعْوَة الْمُسلمين وَاحِدَة غير مَنْهِيّ عَنْهَا.(3/62)
وَالْوَجْه الثَّانِي أَن معنى التعزّي فِي هَذَا الحَدِيث التأسّي والتصبّر، فَإِذا أَصَابَت المسلمَ مُصِيبَة تَفْجَعُه قَالَ: إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون؛ كَمَا أمره الله تَعَالَى. وَمعنى قَوْله: بعزاء الله أَي بتعزية الله إيّاه، فَأَقَامَ الِاسْم مُقَام الْمصدر الحقيقيّ وَهُوَ التَّعْزِيَة من عزَّيت؛ كَمَا يُقَال: أَعْطيته عَطاء وَمَعْنَاهُ أَعْطيته إِعْطَاء. وَأما قَول الله جلّ وعزّ: {مُهْطِعِينَ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ} (المعَارج: 37) فَمَعْنَى (عزين) خِلَقاً خِلَقا، وَجَمَاعَة جمَاعَة، وعِزُون جمع عِزْوة، فَكَانُوا عَن يَمِينه وَعَن شِمَاله جماعات فِي تَفْرِقَة.
وَقَالَ اللَّيْث: العِزَة عُصبةٌ من النَّاس فَوق الحَلْقة. وَالْجَمَاعَة عزون. ونقصانها وَاو.
قلت أصل عزة عِزْوة، كَأَن كل جمَاعَة اعزازها أَي انتسابها وَاحِد عِزة. وَهِي مثل عِضَة أَصْلهَا عِضْوة. وَقد مرّ تَفْسِيرهَا.
وَقَالَ اللَّيْث يُقَال عَزِي الرجلُ يَعْزَى عزاء مَمْدُود. وَإنَّهُ لعزِيّ: صبور إِذا كَانَ حسن العزاء على المصائب. وَتقول عزّيت فلَانا أعزّيه تَعْزِيَة أَي أسّيته وَضربت لَهُ الأُسَى وأمرته بالْعزاء فتعزّى تعزّياً أَي تصبَّر تصبّراً. والعزاء: الصَّبْر نَفسه عَن كل مَا فقدت.
وَقَالَ أَبُو زيد: عزا فلَان نفسَه إِلَى بني فلَان يعزوها عَزْواً إِذا اعتزى إِلَيْهِم، محِقّا كَانَ أَو بَاطِلا، وانتمى إِلَيْهِم مثلُه. قَالَ: وَالِاسْم العِزوة والنِمْو وَيُقَال: النِمْيَة.
قلت: والعِزة الْجَمَاعَة مَأْخُوذَة من هَذَا. وَقَالَ اللَّيْث: كلمة شنعاء من لُغَة أهل الشِّحْر يَقُولُونَ يَعْزى مَا كَانَ كَذَا وَكَذَا كَمَا نقُول نَحن: لعمري لقد كَانَ كَذَا وَكَذَا.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: العَزْو لُغَة مَرْغُوب عَنْهَا يتَكَلَّم بهَا بَنو مَهْرة بن حَيْدان يَقُولُونَ: عَزْوَى كأنّها كلمة يتلطّف بهَا. وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ يَعزى. قَالَ: وَبَنُو عَزْوان حَيّ من الجنّ وَالْعرب تَقول: إِن النعام مراكب الجنّ وَقَالَ ابْن أَحْمَر يصف الظليم:
حَلَقَتْ بَنو عَزْوان جُؤجؤَهُ
والرأسَ غير قنازع زُعْر
وَقَالَ اللَّيْث: الاعتزاء: الِاتِّصَال فِي الدَّعْوَى إِذا كَانَت حَرْب. فَكل من ادّعى فِي شعاره: أَنا فلَان بن فلَان أَو فلَان الْفُلَانِيّ فقد اعتزى إِلَيْهِ.
عوز: قَالَ اللَّيْث: العَوَز: أَن يعوزك الشَّيْء وَأَنت إِلَيْهِ مُحْتَاج. قَالَ: وَإِذا لم تَجِد الشَّيْء قلت: عازني. قلت عازني لَيْسَ بِمَعْرُوف.
وَقَالَ أَبُو مَالك: يُقَال: أعوزني هَذَا الْأَمر إِذا اشتدّ عَلَيْك وعَسُر، وَقَالَ غَيره: أعوزني الْأَمر يُعوزني أَي قلّ عِنْدِي مَعَ حَاجَتي إِلَيْهِ. وَرجل مُعْوِز: قَلِيل الشَّيْء.
وَقَالَ اللَّيْث: أعوز الرجلُ إِذا ساءت حَاله. وأعوزه الدَّهْر إِذا حلّ عَلَيْهِ الْفقر. قَالَ والمِعْوَز والجميع المعاوز وَهِي الخِرق الَّتِي يلفّ فِيهَا الصبيّ. وَقَالَ حسّان:
وموءودة مقرورة فِي معاوز
بآمتها مرموسة لم توسّد
وَقَالَ غَيره: المعاوز: خُلْقان الثِّيَاب، لُف(3/63)
ّ فِيهَا الصبيّ أَو لم يلفّ.
وَقَالَ ابْن هانىء: يُقَال: إِنَّه لعَوِز لَوِز تَأْكِيد لَهُ، كَمَا تَقول: تعساً لَهُ ونعساً.
عَمْرو عَن أَبِيه: العَوْز: ضيق الشَّيْء. وَالْمَعْرُوف العَوَز
أَبُو حَاتِم عَن أبي زيد يُقَال: مَا يُعوِز لفُلَان شَيْء إلاّ ذهب بِهِ، كَقَوْلِك: مَا يُوهِف لَهُ وَمَا يُشرف. قَالَه أَبُو زيد بالزاي قَالَ أَبُو حَاتِم: وَأنْكرهُ الْأَصْمَعِي. قَالَ: وَهُوَ عِنْد أبي زيد صَحِيح، وَمن الْعَرَب مسموع.
زعا: أهمله اللَّيْث. وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: زَعَا إِذا عدل، وشعا إِذا هرب، وَقعا إِذا ذَلَّ، وفعا إِذا فتّت شَيْئا.
وَعز: قَالَ اللَّيْث: الوَعْز: التقدِمة. يُقَال: أوعزت إِلَى فلَان فِي ذَلِك الْأَمر إِذا تقدّمت إِلَيْهِ. وروى الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت قَالَ يُقَال: وَعَّزت وأوعزت، وَلم يُجِز وَعَزت مخففاً. وَنَحْو ذَلِك روى أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي أَنه أنكر وَعَزَت بِالتَّخْفِيفِ.
وزع: قَالَ اللَّيْث: الوَزْع: كفّ النَّفس عَن هَواهَا. يُقَال: وزعته أزَعه وَزْعاً. وَفِي الحَدِيث: (لَا بدّ للنَّاس من وَزَعة) أَي من سُلْطَان يَزَع بَعضهم من بعض. والوازع فِي الْحَرْب: الموكلُ بالصفوف يَزع من تقدّم مِنْهُم بِغَيْر أمره. وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {بِئَايَاتِنَا فَهُمْ} (النَّمل: 83) أَي يُكِفّون. وَجَاء فِي التَّفْسِير: يُحبس أوّلهم على آخِرهم. وَأما قَوْله: {سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أَنْ أَشكُرَ} (الْأَحْقَاف: 15) فَمَعْنَى {رَبِّ} ألهمني. وتأويله فِي اللُّغَة: كُفّني عَن الْأَشْيَاء إلاّ عَن شكر نِعْمَتك، وكُفّني عمّا يباعدني عَنْك. هَكَذَا قَالَ أَبُو إِسْحَاق الزجّاج الْمُنْذِرِيّ عَن الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت قَالَ: يُقَال: قد أوزعته بالشَّيْء أيزاعاً إِذا أغريته، وَإنَّهُ لموزَع بِكَذَا وَكَذَا أَي مُغْرًى بِهِ وَالِاسْم الوَزُوع. وَقد أوزعه الله إِذا ألهمه. وَنَحْو ذَلِك قَالَ الْفراء. قَالَ معنى {رَبِّ} ألهمني.
وَقَالَ اللَّيْث: التَّوْزِيع: الْقِسْمَة. يُقَال وزّعنا الجَزُور فِيمَا بَيْننَا.
قلت: وَمن هَذَا أُخِذ الأوزاع، وهم الفِرَق من النَّاس. يُقَال: أتيتهم وهم أوزاع أَي متفرقون.
وَفِي حَدِيث عمر أَنه خرج لَيْلَة فِي رَمَضَان وَالنَّاس أوزاع أَي يصلونَ مُتَفَرّقين غير مُجْتَمعين على إِمَام وَاحِد.
وَقَالَ الأصمعيّ: يُقَال: بهَا أوزاع من النَّاس وأوباش، وهم الضروب المتفرقون، وَلَا وَاحِد للأوزاع. وَقَالَ الشَّاعِر يمدح رجلا:
أحْللتَ بيتكَ بِالْجَمِيعِ وبعضُهم
متفرِّق ليحلّ بالأوزاع
الأوزاع هَاهُنَا: بيُوت منتبِذة عَن مُجْتَمع النَّاس. وَفِي الحَدِيث (مَن يَزع السُّلْطَان أَكثر مِمَّن يَزع الْفرْقَان) مَعْنَاهُ: أَن من يكفّه السُّلْطَان عَن الْمعاصِي أَكثر مِمَّن يكفّه الْفرْقَان بِالْأَمر وَالنَّهْي والإنذار. وَيُقَال لَا بدّ للنَّاس من وَزَعة أَي مِمَّن يكفّهم عَن الشرّ وَالْفساد.(3/64)
وَقَوله حُصَيب الهذليّ يذكر قربه من عدوّ لَهُ:
لما رَأَيْت بني عَمْرو ويازعهم
أيقنت أَنِّي لَهُم فِي هَذِه قَوَد
قَالَ: يازعمهم لغتهم، يُرِيدُونَ: وازعهم فِي هَذِه الْوَاقِعَة أَي سيستقيدون منا
أَبُو عبيد يُقَال: أُوزِعتُ بالشَّيْء مثل أُلهمته وأُولعت بِهِ. قَالَ: ووزّعت الشَّيْء بَين الْقَوْم قسمته.
زوع: أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ وَزَعته فَأَنا أزَعُه: كففته. وزُوْعته فَأَنا أزعه مثله. قَالَ: وَيُقَال: زُعته: قدَّمته. وَقَالَ ذُو الرمّة:
وخافِق الرَّأْس مثل السَّيْف قلت لَهُ
زُعْ بالزمام وجَوْزُ اللَّيْل مركوم
أَي ادفعه إِلَى قُدَّام وقدّمه.
وَقَالَ شمر: زُعْ راحلتك أَي استحثّها، وَبَعْضهمْ يَقُول زُعْ بالزمام أيْ هيّج وحرّك.
وَقَالَ اللَّيْث: الزُوْع جذبك النَّاقة بالزمام لتنقاد.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: زُعته: حرّكته وقدّمته.
وَقَالَ ابْن السّكيت: زاعه يزوعه إِذا عطفه. وَقَالَ ذُو الرمّة:
أَلا لَا تبالي العِيس مَن شدَّ كورها
عَلَيْهَا وَلَا من زاعها بالخزائم
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ: الزاعة. الشُرط.
وَفِي (النَّوَادِر) : زوّعتِ الريحُ النبت تزوّعه، وصوّعته، وَذَلِكَ إِذا جمعته لتفريقها بَين ذرّاه، وَيُقَال: زُوعة من نبت، ولُمْعة من بنت.
وَقَالَ ابْن دُرَيد: الزّوْع: أخذك الشي بكفّك، نَحْو الثَّرِيد، أقبل يزوع الثَّرِيد إِذا اجتذبه بكفّه. قَالَ: وزعت لَهُ زَوْعة من البِطِّيخ إِذا قطعت لَهُ قِطْعَة.
(بَاب الْعين والطاء)
(ع ط (وَا يء))
عطا، عوط، طعا، طوع، عيط، يُعْط.
عطا: أَبُو عبيد العَطْو: التَّنَاوُل. يُقَال مِنْهُ: عَطَوت أعطو. وَقَالَ بشر بن أبي خازم:
أَو الأُدْم الموشَّحةِ العواطي
بأيديهن من سَلَم النِعاف
يَعْنِي الظباء وَهِي تتطالل إِذا رفعت أيديها لتتناول ورق الشّجر. والإعطاء مَأْخُوذ من هَذَا. والمعاطاة: المناولة. وَقَالَ اللَّيْث: عاطى الصبيُّ أهلَه إِذا عمِل وناولهم مَا أَرَادوا. وَالعطَاء: اسْم لما يعطَى. وَيُقَال: إِنَّه لجزيل الْعَطاء. وَهُوَ اسْم جَامع. فَإِذا أفرد قيل: العطيّة، وَجَمعهَا العطايا. وأمّا الأعْطِية فَهِيَ جمع الْعَطاء. يُقَال ثَلَاثَة أعطية، ثمَّ أعطيات جمع الْجمع. والتعاطي: تنَاول مَا لَا يجوز تنَاوله. يُقَال: تعاطى فلَان ظلمك. وَفِي الْقُرْآن: {صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى} (القَمَر: 29) أَي فتعاطى الشقيُّ عَقْر النَّاقة فَبلغ مَا أَرَادَ.
وَقَالَ اللَّيْث: وَيُقَال بل تعاطيه: جُرْأته. وَيُقَال للْمَرْأَة: هِيَ تعَاطِي خِلْمها أَي تنَاوله قُبَلها ورِيقها. وَقَالَ ذُو الرمة:
تعاطيه أَحْيَانًا إِذا جِيد جَودة
رُضَاباً كطعم الزنجبيل المعسَّل(3/65)
وَقَالَ غَيره: يُقَال: عطَّيته وعاطيته أَي خدمته وَقمت بأَمْره؛ كَقَوْلِك: نعّمته وناعمته. تَقول: من يُعَطِّيك أَي من يتولّى خدمتك. وقوس مُعْطِية: ليّنة لَيست بكزّة ولاممتنعة على من يمدّ وترها. وَقَالَ أَبُو النَّجْم:
وهَتَفى مُعطية طروحاً
أَرَادَ بالهَتَفى قوساً لوترها رنين. وقوس عَطْوى بِمَعْنى المعطية. وَيُقَال: هِيَ الَّتِي عُطفت فَلم تنكسر، وَقَالَ ذُو الرمة:
لَهُ نبعة عَطْوى كَأَن رنينها
بألوى تعاطته الأكفّ المواسح
أَرَادَ بالألوى: الْوتر. وَالنِّسْبَة إِلَى عطيّة عَطَوِيّ، وَإِلَى عَطاء عطائيّ. وَسمعت غير وَاحِد من الْعَرَب يَقُول لراحلته إِذا انْفَسَخ خَطْمه عَن مَخْطِمه: أعطِ فيعوج رَأسه إِلَى رَاكِبه فَيُعِيد الخطم على مَخطِمه. وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال هُوَ يتعاطى معالَي الْأُمُور ورفيعها، وَيتَعَاطَى أمرا قبيحاً. قَالَ: وَقَالَ رجل من قيس يكنى أَبَا قُوَّة أَقُول هُوَ يتعاطى الرّفْعَة من الْأَمر، ويتعطّى القبيحَ تعطّياً. وَيُقَال هُوَ يستعطي النَّاس بكفّه، وَفِي كفّه، استعطاءً إِذا سَأَلَهُمْ وَطلب إِلَيْهِم.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ: الأعطاء: المناولات. والمعاطاة أَن يسْتَقْبل رجل رجلا وَمَعَهُ سيف فَيَقُول: أرِني سَيْفك فيعطيه فيهزّه هَذَا سَاعَة وَهَذَا سَاعَة وهما فِي سُوق أَو مَسْجِد، وَقد نُهي عَنهُ. وَمن أَمْثَال الْعَرَب عاطٍ بِغَيْر أنواط، يضْرب مثلا لمن انتحل عِلْماً لَا يقوم بِهِ.
طوع: الحرّاني عَن ابْن السّكيت: يُقَال: قد أطَاع لَهُ المَرْتع إِذا اتّسع لَهُ المرتع، وَأمكنهُ من الرَعْي. وَقد يُقَال فِي هَذَا الْموضع: طَاع. وَقَالَ أَوْس بن زُهَير:
كَأَن جيادهن بَرْعن زُمَ
جرادٌ قد أطَاع لَهُ الوَرَاقُ
أنْشدهُ أَبُو عبيد. وَقَالَ: الْوراق: خضرَة الأَرْض من الْحَشِيش، وَلَيْسَ من الْوَرق.
وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال أمره بِأَمْر فأطاعه، بِالْألف لَا غير. وَالْعرب تَقول: لَهُ عليّ أمره مطاعة. قَالَ: وَقد طاع لَهُ إِذا انْقَادَ لَهُ بِغَيْر ألف.
وَقَالَ اللَّيْث: الطَّوع: نقيض الكَرْه، لتفعلنّه طَوْعاً أَو كرها، وطائعاً أَو كَارِهًا. وطاع لَهُ إِذا انْقَادَ لَهُ، فَإِذا مضى لأَمره فقد أطاعه، وَإِذا وَافقه فقد طاوعه. قَالَ وَالطَّاعَة: اسْم من أطاعه إطاعة. والطواعية: اسْم لما يكون مصدر المطاوَعةِ. يُقَال: طاوعت المرأةُ زَوجهَا طواعِية. قَالَ: وَيُقَال للطائع: طاعٍ، وَهُوَ مقلوب وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
حَلَفت بِالْبَيْتِ ومَن حوله
من عَائِذ بِالْبَيْتِ أَو طاع
وَهَذَا كَقَوْلِهِم: عاقني عائقٌ وعاقٍ. وَيُقَال: تطاوعْ لهَذَا الْأَمر حَتَّى تستطيعه. وَإِذا قلت: تطوَّع فَمَعْنَاه تكلّف استطاعته. قَالَ: وَالْعرب تحذف التَّاء فَتَقول اسْطاع يَسْطيع. قَالَ والتطوّع: مَا تبرّعت بِهِ من ذَات نَفسك فِيمَا لَا يلزمك فرضُه. وَفرس طَوْع العِنان إِذا كَانَ سَلِساً. وَقَول الله جلّ وعزّ: (وَمن يَطَّوَّعْ خيرا) (البَقَرَة: 158)(3/66)
الأَصْل فِيهِ وَمن يَتَطوّع، فأدغمت التَّاء فِي الطَّاء وكل حرف أدغمته فِي حرف نقلته إِلَى لفظ المدغم فِيهِ. وَمن قَرَأَ {على لفظ المضيّ فَمَعْنَاه الِاسْتِقْبَال؛ لِأَن الْكَلَام شَرط وَجَزَاء، فَلفظ الْمَاضِي فِيهِ يَئُول إِلَى معنى الِاسْتِقْبَال، وَهَذَا قَول حُذّاق النحويّين. وَأما قَول الله جلّ وعزّ: {} (الْكَهْف: 97) فَإِن أَصله اسْتَطَاعُوا بِالتَّاءِ، وَلَكِن التَّاء والطاء من مخرج وَاحِد، فحذفت التَّاء ليخفّ اللَّفْظ. وَمن الْعَرَب من يَقُول: استاعوا بِغَيْر طاء، وَلَا يجوز فِي الْقِرَاءَة. وَمِنْهُم من يَقُول: فَمَا أَسطاعوا بِأَلف مَقْطُوعَة، الْمَعْنى: فَمَا أطاعوا فزادوا السِّين قَالَ ذَلِك الْخَلِيل وسيبويه عوضا عَن ذهَاب حَرَكَة الْوَاو؛ لِأَن الأَصْل فِي أطَاع أَطْوَع. وَمن كَانَت هَذِه لغته قَالَ فِي الْمُسْتَقْبل يُسطِع بضمّ الْيَاء.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت قَالَ: يُقَال: مَا أَستطيع وَمَا اسطيع وَمَا أَسْطيع وَمَا أستيع، وَكَانَ حَمْزَة الزيّات يقْرَأ (مِمَّا اسْطَّاعوا) بإدغام الطَّاء وَالْجمع بَين ساكنين.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الزجّاج: من قَرَأَ بِهَذِهِ الْقِرَاءَة فَهُوَ لاحِنٌ مخطىء. زعم ذَلِك الْخَلِيل يُونُس وسيبويه، وَجَمِيع مَن يَقُول بقَوْلهمْ. وحجَّتهم فِي ذَلِك أَن السِّين سَاكِنة، وَإِذا أدغمت التَّاء فِي الطَّاء صَارَت طاء سَاكِنة، وَلَا يجمع بَين ساكنين. قَالَ: وَمن قَالَ: أطرحُ حَرَكَة التَّاء على السِّين فأقرأ (فَمَا اسَطَّاعوا) فخطأ أَيْضا لِأَن سين استفعل لم تحرّك قطّ.
والمطّوّعة: قوم يتطوَّعون بِالْجِهَادِ، أدغمت التَّاء فِي الطَّاء، كَمَا قُلْنَا فِي قَوْله: {وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا} . وأمّا قَوْله جلّ وعزّ: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ} (المَائدة: 30) فَإِن الْفراء قَالَ: مَعْنَاهُ فتابعته نَفسه. وَقَالَ الْمبرد؛ {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ} فعَّلت من الطَوْع. وَقَالَ أَبُو عبيد: حدّثنا يزِيد عَن وَرْقَاء عَن ابْن أبي نَجيح عَن مُجَاهِد؛ {فطوعت لَهُ نَفسه قَالَ شجَّعته. قَالَ أَبُو عبيد عَن مُجَاهِد: إِنَّهَا أعانته على ذَلِك وأجابته إِلَيْهِ. وَلَا أرى أَصله إلاّ من الطواعية.
قلت: وَالْأَشْبَه عِنْدِي أَن يكون معنى (طوّعت) سمَّحت وسهَّلت لَهُ نفسهُ قتلَ أَخِيه أَي جعلت نَفسه بهواها المُردي قتلَ أَخِيه سهلاً وهوَّنته. وأمَّا على قَول الْفراء والمبرد فانتصاب قَوْله قتل أَخِيه على إفضاء الْفِعْل إِلَيْهِ؛ كَأَنَّهُ قَالَ: فطوعت لَهُ نَفسه أَي انقادت فِي قتل أَخِيه ولقتل أَخِيه فَحذف الْخَافِض وأفضى الفعلُ إِلَيْهِ فنصبه.
وَيُقَال: فلَان طَوْع المكاره إِذا كَانَ مُعْتَادا لَهَا، ملقىً إيّاها. وَقَالَ النَّابِغَة:
فارتاع من صَوت كَلاّب فَبَاتَ لَهُ
طوعُ الشوامت من خوف وَمن صَرَد
ويروى: طوعَ الشوامت. فَمن رفع: أَرَادَ بَات لَهُ مَا أطَاع شامته من الْبرد وَالْخَوْف أَي بَات لَهُ مَا اشْتهى شامته، وَهُوَ طَوْعه، وَمن ذَلِك تَقول: اللَّهم لَا تطيعنّ بِي شامتاً أَي لَا تفعل بِي مَا يشتهيه ويحبّه.(3/67)
وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال طاع لَهُ وأطاع، سَوَاء. فَمن قَالَ: طاع قَالَ يطاع، وَمن قَالَ: أطَاع قَالَ يُطيع، فَإِذا جِئْت إِلَى الْأَمر فَلَيْسَ إلاّ أطاعه؛ كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي أوّل الْبَاب.
وَمن روى بَيت الذبياني: فَبَاتَ لَهُ طوعَ الشوامت بِالنّصب أَرَادَ بالشوامت قوائمه وَاحِدهَا شامتة يَقُول: فَبَاتَ الثَوْر طوع قوائمه أَي بَات قَائِما.
قلت: وَمن الْعَرَب من يَقُول: طاع لَهُ يَطُوع طَوْعاً فَهُوَ طائع بِمَعْنى أطَاع أَيْضا، وطاع يطاع لُغَة جيّدة.
اللحياني: يُقَال: أَطَعْت لَهُ وأطعته. وَيُقَال: طِعْت لَهُ وَأَنا أطِيع لَهُ طَاعَة، وَيُقَال: طُعْت لَهُ وَأَنا أطوع لَهُ طَوْعًا أَي انقدت، وَفرس طَوْع العِنان وطوعة الْعَنَان. وبعير طيّع: سلِس القياد.
عوط: أَبُو عبيد عَن الكسائيّ: إِذا لم تحمل الناقةُ أوّل سنة يَطرُقها الْفَحْل فَهِيَ عائط، فَإِذا لم تحمل السنةَ المقبِلة أَيْضا فَهِيَ عائطُ عُوطٍ وعُوطَطٍ.
قَالَ: وَقَالَ العَدَبَّس الكنانيّ: يُقَال تعوَّطَت إِذا حُمِلَ عَلَيْهَا الْفَحْل فَلم تحمل.
وَقَالَ ابْن بُزُرْجَ: بَكْرة عائط، وَجَمعهَا عِيطٌ، وَهِي تَعِيط. قَالَ: فأمَّا الَّتِي تعطاط أرحامُها نعائطُ عُوطٍ وَهِي مِنْ تَعُوطُ. وَأنْشد:
يَرُعْنَ إِلَى صوتي إِذا مَا سمعته
كَمَا ترعوى عِيط إِلَى صَوت أعيسا
وَقَالَ آخر:
نَجَائِب أبكار لقِحْن لعِيطط
وَنعم فهنّ المهجِرات الخيائر
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال للناقة الَّتِي لم تحمل سنوات من غير عُقْر: قد اعتاطت. قَالَ: وَرُبمَا كَانَ اعتياطها من كَثْرَة شحمها، أَي اعتاصت. قَالَ: وَقد تعتاط الْمَرْأَة. وناقة عائط. وَقد عاطت تعِيط عِياطا، ونُوق عِيط وعُوط من غير أَن يُقَال: عاطت تعوط. قَالَ: وَجمع العائط عوائِط.
وَقَالَ غَيره: العِيط: خِيَار الْإِبِل، وأفتاؤها مَا بَين الحِفّة إِلَى الرباعِية.
عيط: أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: امْرَأَة عَيْطاء: طَوِيلَة الْعُنُق. وَرجل أعيط، وقَارة عَيْطاء: مشرفة. والمصدر العَيَط. وَفرس عيطاء، وخيل عِيط: طوال.
وَقَالَ اللَّيْث: الأعيط: الطَّوِيل الرَّأْس والعنق. والعيطاء: النَّاقة الطَّوِيلَة الْعُنُق، وَالذكر أعيط وَالْجمع عِيط. قَالَ وعِيطِ: كلمة ينادَى بهَا الأَشِرُ عِنْد السكر، ويُلهج بهَا عِنْد الْغَلَبَة، فَإِن لم يزدْ على وَاحِدَة قَالُوا عيّط، وَإِن رجَّع قَالُوا: عطعط.
غَيره التعيط: غضب الرجل واحْتلاطه وتكبره. وَقَالَ رؤبة:
وَالْبَغي من تعيّط العيّاط
وَيُقَال: التعيّط هَاهُنَا: الجلبة، وصياح الأَشِر بقوله عِيطِ
وَقَالَ اللَّيْث: التعيّط تنبّع الشَّيْء من حجر أَو شجر يخرج مِنْهُ شَيْء فيصمِّغ أَو يسيل. وذفرى الْجمل تتعيّط بالعَرَق الْأسود وَأنْشد:(3/68)
تَعَيّطُ ذفراها بجَوْن كَأَنَّهُ
كُحَيْل جرى من قنفذ اللِّيت نابع
وَيُقَال عيَّط فلَان بفلان إِذا قَالَ لَهُ: عِيط عِيط.
يُعْط: قَالَ اللَّيْث: يَعَاط: زجرك للذئب إِذا رَأَيْته قلت: يَعَاطِ. يعاط وَتقول: يعَطت بِهِ وَيَا عطت بِهِ وَأنْشد:
صُبَّ على شَاءَ أبي رِباط
ذؤالةٌ كالأقُدح الأمراط
يدنو إِذا قيل لَهُ يَعَاطِ
قَالَ: وَبَعض يَقُول: يِعاط بِكَسْر الْيَاء. قَالَ: وَهُوَ قَبِيح؛ لِأَن كسر الْيَاء زادَها قبحاً. وَذَلِكَ لِأَن الْيَاء خُلِقَت من الكسرة، وَلَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب كلمة على فِعَال فِي صدرها يَاء مَكْسُورَة.
وَقَالَ غَيره: يِسَار لُغَة فِي اليَسَار. وَبَعض يَقُول: إسار بقلب الْيَاء همزَة إِذا كُسرت.
قلت: وَهُوَ بشع قَبِيح، أعنى يِسَار وإسار.
طعا: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: طعا إِذا تبَاعد. عَمْرو عَن أَبِيه: الطاعي بِمَعْنى الطائع إِذا ذلَّ.
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الأطعاء: الطَّاعَة.
(بَاب الْعين وَالدَّال)
(ع د (وَا يء))
عدا، عود، دَعَا، دَاع، ودع، وعد، يدع.
عدا (عندأوة) : قَالَ الله جلّ وعزّ: وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّواْ اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} (الْأَنْعَام: 108) وقرىء (عُدُوَّاً بِغَيْر علم) .
قَالَ المفسّرون: نُهوا قبل أَن أُذن لَهُم فِي قتال الْمُشْركين أَن يلعنوا الْأَصْنَام الَّتِي عبدوها.
وَقَوله: {فَيَسُبُّواْ اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} أَي فيسبّوا الله ظلما و (عدوا) مَنْصُوب على الْمصدر، وعَلى إِرَادَة اللَّام، لِأَن الْمَعْنى: فيَعْدُون عَدْواً أَي يَظلمون ظلما. وَيكون مَفْعُولا لَهُ أَي فيسبّوا الله للظلم. وَمن قَرَأَ (فيسبوا الله عُدُواً) فَهُوَ فِي معنى عَدْو أَيْضا. يُقَال فِي الظُّلم قد عدا فلَان عَدْواً وعُدُوَّاً وعُدْواناً وعَدَاءً أَي ظلم ظلما جَاوز من الْقدر، وقرىء (فيسبوا الله عَدُوُّاً) بِفَتْح الْعين، وَهُوَ هَهُنَا فِي معنى جمَاعَة، كَأَنَّهُ قَالَ: فيسبوا الله أَعدَاء. و (عَدُوّاً) مَنْصُوب على الْحَال فِي هَذَا القَوْل. وَكَذَلِكَ قَوْله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِىٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ} (الأنعَام: 112) (عَدُوّاً) فِي معنى أَعدَاء. الْمَعْنى: كَمَا جعلنَا لَك ولأمّتك شياطين الْإِنْس وَالْجِنّ أَعدَاء كَذَلِك جعلنَا لمن تقدّمك من الْأَنْبِيَاء أَو أممهم. و (عدُوّاً) هَهُنَا مَنْصُوب لِأَنَّهُ مفعول بِهِ و {شياطين الْإِنْس مَنْصُوب على الْبَدَل. وَيجوز أَن يكون (عدوّاً) مَنْصُوبًا لِأَنَّهُ مفعول ثَان وشياطين الْإِنْس الْمَفْعُول الأول.(3/69)
والعادي: الظَّالِم. يُقَال لَا أشمت الله بك عاديَك أَي عدوّك الظَّالِم لَك.
والاعتداء والتعدّي والعُدْوان: الظُّلم.
وَقَول الله: {فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ} (البَقَرَة: 193) أَي فَلَا سَبِيل.
وَكَذَلِكَ قَوْله: {الاَْجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلاَ} (القَصَص: 28) أَي لَا سَبِيل عليّ.
وَقَوله: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ} (البَقَرَة: 194) الأول ظلم، وَالثَّانِي جَزَاء. وَهُوَ مثل قَوْله: {يَنتَصِرُونَ وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا} (الشّورى: 40) السّيئة الأولى سَيِّئَة، وَالثَّانيَِة مجازاة، وَإِن سُمّيت سيّئة. فالاعتداء الأول ظلم، وَالثَّانِي لَيْسَ بظُلْم، وَإِن وَافق اللَّفْظ اللَّفْظ. وَمثل هَذَا فِي كَلَام الْعَرَب كثير. يُقَال: أثِم الرجلُ يأثَم إِثْمًا، وَأَثَمَهُ الله على إثمه أَي جازاه الله عَلَيْهِ يَأثِمُه أثاماً.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {وَمَن يَفْعَلْ ذالِكَ يَلْقَ أَثَاماً} (الفُرقان: 68) أَي جَزَاء لإثمه وَقَول الله جلّ ذكره: {وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (المَائدة: 2) يَقُول: لَا تعاونوا على الْمعْصِيَة وَالظُّلم، وَقَوله: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا} (البَقَرَة: 229) أَي لَا تجوزوها إِلَى غَيرهَا، وَكَذَلِكَ قَوْله: {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ} (البَقَرَة: 229) أَي يجاوزْها، وَقَوله: {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَآءَ ذالِكَ فَأُوْلَائِكَ هُمُ الْعَادُونَ} (الْمُؤْمِنُونَ: 7) أَي المجاوِزون مَا حُدّ لَهُم وأُمروا بِهِ، وَقَوله: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ} (الْبَقَرَة: 173) أَي غير مجاوِز لما يُبلِّغُهُ ويغُنيه من الضَّرُورَة، وأصل هَذَا كلّه مُجَاوزَة الْقدر والحقّ، يُقَال: تعديت الحقّ واعتديته، وعَدَونه أَي جاوزته، وَقد قَالَت الْعَرَب اعْتدى فلَان عَن الحقّ، واعتدى فَوق الْحق، كَأَن مَعْنَاهُ: جَازَ عَن الحقّ إِلَى الظُّلم، وَيُقَال: عدا فلَان طَوْره إِذا جَاوز قَدْره، وَعدا بَنو فلَان على بني فلَان أَي ظلموهم وَقَوْلهمْ: عدا عَلَيْهِ فَضَربهُ بِسَيْفِهِ لَا يُرَاد بِهِ عَدْو على الرجلَيْن، وَلَكِن من الظُّلم.
وَمن حُرُوف الِاسْتِثْنَاء قَوْلهم: مَا رَأَيْت أحدا مَا عدا زيدا، كَقَوْلِك، مَا خلا زيدا. وتنصب زيدا فِي هذَيْن. فَإِذا أخرجت (مَا) خفضت ونصبْت فَقلت: مَا رَأَيْت أحدا عدا زيدا. وَعدا زيد، وخلا زيدا، وخلا زيدٍ، النصب بِمَعْنى إلاَّ، والخفض بِمَعْنى سوى.
وَتقول: مَا يعدو فلَان أَمرك، أَي مَا يُجَاوِزهُ.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى} (الأنفَال: 42) قَالَ الْفراء: العدوة: شاطىء الْوَادي، الدُّنْيَا ممّا يَلِي الْمَدِينَة، والقُصْوى ممّا يَلِي مكّة. وَقَالَ الزجّاج: العدوة: شَفِير الْوَادي.
وَكَذَلِكَ عدا الْوَادي مَقْصُور.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت قَالَ: عِدوة الْوَادي وعُدْوته جَانِبه، والجميع عِدًى وعُدًى، قَالَ: والعِدَى: لأعداء يُقَال هَؤُلَاءِ قوم عِدَى يكْتب بِالْيَاءِ؛ وَإِن كَانَ أَصله الْوَاو لمَكَان الكسرة فِي أَوله وعدى مثله.
وَقَالَ غَيره: العُدى الْأَعْدَاء، والعِدى الَّذين لَا قرَابَة بَيْنك وَبينهمْ وَالْقَوْل الأول. والعدى أَلفه مَقْصُور يكْتب بِالْيَاءِ وَقَالَ:(3/70)
إِذا كنت فِي قوم عِدًى لست مِنْهُم
فَكل مَا علفت من خَبِيث وَطيب
وَقَالَ ابْن السّكيت زعم أَبُو عَمْرو أَن العِدَى الْحِجَارَة والصخور. وَأنْشد قَول كثير:
وَحَال السَفى بيني وَبَيْنك والعِدى
ورَهْنُ السفى غَمر النقيبة ماجد
أَرَادَ بالسَفَى: تُرَاب الْقَبْر: وبالعِدَى: مَا يُطْبقُ على اللَّحْد من الصفائح.
وَقَالَ بدر بن عَامر الهذليّ فمدّ العِدَاء، وَهِي الْحِجَارَة والصخور:
أَو استمرّ لمسكن أثوِي بِهِ
بقرار ملحدة العداء شَطُون
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: العِدَاء ممدودة: مَا عاديت على الْمَيِّت حِين تدفنه من لبِن أَو حِجَارَة أَو خشب أَو مَا أشبهه. وَالْوَاحد عِدَاءة. وَقَالَ أَيْضا: العِدَاء: حجر رَقِيق، يُقَال لكل حجر يوضع على شَيْء يستره فَهُوَ عداء. قَالَ أُسَامَة الْهُذلِيّ:
تا لله مَا حُبّي عليا بشَوَى
قد ظعن الحيّ وَأمسى قد ثوى
مغادَرا تحْت العداء وَالثَّرَى
مَعْنَاهُ: مَا حبّي عليا بخطأ.
وأعداء الْوَادي وأعناؤه: جوانبه.
وَقَالَ اللَّيْث: العُدْوة: صلابة من شاطىء الْوَادي. وَيُقَال: عِدوة: قَالَ: والعُدَواء: أَرض يابسة صُلبة.
وَرُبمَا جَاءَت فِي الْبِئْر إِذا حُفرت، وَرُبمَا كَانَت حجرا حَتَّى يحيد عَنْهَا الْحَافِر، وَقَالَ العجّاج:
وَإِن أصَاب عُدَوَاء حروفا
يصف الثور.
قلت: وَهَذَا من قَوْلهم: أَرض ذَات عُدَواء إِذا لم تكن مُسْتَقِيمَة وطيئة، وَكَانَت متعادية.
شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي: العُدَواء: الْمَكَان الغليظ الخشن.
وَقَالَ غَيره: العدواء: الْبعد، وأمَّا قَوْله:
مِنْهُ على عدواء الدَّار تسقيم
قَالَ الْأَصْمَعِي عُدَواؤه: صَرْفه واختلافه.
وَقَالَ المؤرّج: عُدَواء على غير قصد. وَإِذا نَام الْإِنْسَان على مَوضِع غير مستوٍ، فِيهِ انخفاض وارتفاع قَالَ: نمت على عُدَواء.
قَالَ شمر: وَقَالَ محَارب: العُدَوَاء: عَادَة الشّغل.
وَقَالَ النَّضر: العدواء من الأَرْض الْمَكَان المشرف، يَبْرك عَلَيْهِ الْبَعِير فيضطجع عَلَيْهِ، وَإِلَى جنبه مَكَان مطمئنّ فيميل فِيهِ الْبَعِير فيتوهنّ، فالمشرف العُدَواء، وتوهّنه أَنه يمدّ جِسْمه إِلَى الْمَكَان الوطىء فَتبقى قوائمه على المشرف فَلَا يَسْتَطِيع أَن يقوم حَتَّى يَمُوت فتوهُّنُه اضطجاعه.
وَقَالَ أَبُو زيد: طَالَتْ عدواؤهم أَي تباعدهم وتفرقهم.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: العُدَواء: الْمَكَان الَّذِي بعضه مُرْتَفع وَبَعضه متطأطىء: وَهُوَ المتعادِي. قَالَ: والعُدَاوء: إناخة قَليلَة.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: جئْتُك على فرس ذِي(3/71)
عُدَواء غَيْرَ مُجْرَى إِذا لم يكن ذَا طمأنينة وسهولة.
وَقَالَ أَبُو عمر: عُدَواء الشّوْق: مَا يَرَّح بِصَاحِبِهِ، وَيُقَال: آديتك وأعْديتك من العَدْوى وَهِي المَعُونة. والمتعدي من الْأَفْعَال: مَا يُجَاوز صَاحبه إِلَى غَيره. وَيُقَال: تعدّ مَا أَنْت فِيهِ إِلَى غَيره أَي تجاوزه، وعُدْ عَمَّا أَنْت فِيهِ أَي اصرِف هَمّك وقولك إِلَى غَيره، وعدَّيت عني الهمّ أَي نحّيته، وَتقول لمن قصدك: عدّ عني إِلَى غَيْرِي أَي اصرف مركبك إِلَى غَيْرِي. والعَدَاوة اسْم عَام من العدوّ يُقَال عَدو بَيِّنُ الْعَدَاوَة وَهُوَ عدوّ وهما عدوّ وهنّ عدوّ هَذَا إِذا جعلته فِي مَذْهَب الِاسْم والمصدر، فَإِذا جعلته نعتاً مَحْضا قلت: قلت هُوَ عدوّك، وَهِي عدوّتك وهم أعداءك وَهن عَدُوَّاتُكَ.
قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: قَوْلهم: هُوَ عدوّه مَعْنَاهُ: يعدو عَلَيْهِ بالمكروه ويظلمه. وَيُقَال فُلَانَة عدوّ فلَان وعدوّته. فَمن قَالَ: عدوّءه قَالَ: هُوَ خبر للمؤنث، فعلامة التَّأْنِيث لَازِمَة، وَمن قَالَ: فُلَانَة عدوّ فلَان قَالَ ذكَّرت عدوّاً لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة قَوْلك: امْرَأَة ظلوم وصبور وغضوب.
والأعادي جمع الْأَعْدَاء. وَيُقَال: عَدَا الْفرس يعدو عَدْواً إِذا أَحضر. وأعديته أَنا إِذا حَملته على الحُضْر. وَيُقَال للخيل الْمُغيرَة: عَادِية. قَالَ الله جلّ وعزّ: {} (العَاديَات: 1) قَالَ ابْن عَبَّاس: هِيَ الْخَيل، وَقَالَ عليّ: هِيَ الْإِبِل هَهُنَا.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال للشديد العَدْو: إِنَّه لعَدَوان.
وَفرس عَدَوان: كثير العَدو. وذئب عَدَوان: يعدو على النَّاس. وَأنْشد:
تذكُرُ إِذا أنتَ شديدُ القَفْز
عِنْد القُصَيْرى عَدَوانُ الجَمْز
وَأَنت تعدو بخَروف مُبْزى
يُخَاطب ذئباً كَانَ اخْتَطَف حروفاً لَهُ فَقتله
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: رددت عني عَادِية فلَان أَي حِدّته وغضبه.
وَقَالَ اللَّيْث: العادية، الشُغل من أشغال الدَّهْر يعدوك عَن أمورك، أَي يَشغلك وَجَمعهَا عوادٍ. وَقد عداني عَنْك أمْرٌ فَهُوَ يعدوني أَي صرفني؛ والعَدَاء: الشّغل. وَقَالَ زُهَيْر:
وعادَك أَن تلاقيها العَدَاءُ
قَالُوا: مَعْنَاهُ: عداك فقلبه. وَقَالُوا: معنى قَوْله: عادك: عادلك وعاودك: وَيُقَال: استعدى فلَان السُّلْطَان على ظالمه أَي اسْتَعَانَ بِهِ، فأعداه عَلَيْهِ أَي أَعَانَهُ عَلَيْهِ. والعَدْوى اسْم من هَذَا وَيُقَال استأداه بِالْهَمْز فآداه أَي فأعانه وقوّاه. وَبَعض أهل اللُّغَة يَجْعَل الأَصْل فِي هَذَا الهمزَة وَيجْعَل الْعين بَدَلا مِنْهَا. وَيُقَال كُفّ عَنَّا عاديتك أَي ظُلْمك وشرّك. وَهَذَا مصدر جَاءَ على فاعلة كالراغية والثاغية. يُقَال: سَمِعت راغبة الْبَعِير، وثاغية الشَّاء أَي رُغَاء الْبَعِير وثُغَاء الشَّاء. وَكَذَلِكَ عَادِية الرجُل: عَدْوه عَلَيْك بالمكروه. ورُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (لَا عَدْوى وَلَا هَامة وَلَا صَفَر) .(3/72)
والعَدْوى أَن يكون بِبَعِير جَرَب أَو بِإِنْسَان جُذَام أَو بَرَص فتتّقي مخالطته أَو مؤاكلته حِذار أَن يعدوه مَا بِهِ إِلَيْك أَي يُجَاوِزهُ فيصيبك مثلُ مَا أَصَابَهُ. وَيُقَال إِن الجرب ليُعدى أَي يُجَاوز ذَا الجربِ إِلَى من قاربه حَتَّى يَجْرَب. وَقيل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن النُقْبة تبدو بمشفر الْبَعِير فتُعدى الْإِبِل كلهَا. فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام للَّذي خاطبه: فَمَا أعدى الأوّل، وَقد نهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ إِنْكَاره الْعَدْوى أَن يُورِدَ مُصِحٌّ على مُجْرب مثلا يُصِيب الصحاحَ الجربُ، فيحقّق صاحبُها العَدْوى. والعَدْوى اسْم من أعدى يعدي فَهُوَ مُعْدٍ. وَمعنى أعدى أَي أجَاز الجرب الَّذِي بِهِ إِلَى غَيره. أَو أجَاز جرباً بِغَيْرِهِ إِلَيْهِ. وأصل هَذَا من عدا يعدو إِذا جَاوز الحدّ. وَيُقَال: عادى الْفَارِس بَين صيدين وَبَين رَجُلين إِذا طعنهما طعنتين متواليتين. والعِدَاء والمعاداة: الْمُوَالَاة. يُقَال: عادى بَين عشرَة من الصَّيْد أَي والى بَينهَا رمياً وقتلاً.
وروى شمر عَن محَارب أَنه قَالَ: العَدَاء والعِدَاء لُغتان. وَهُوَ الطَّلَقَ الْوَاحِد للْفرس. وَأنْشد:
يصرع الخَمْس عِدَاء فِي طَلْقْ
قَالَ: فَمن فتح الْعين قَالَ: جَازَ هَذَا إِلَى ذَاك، وَمن كسر العداء فَمَعْنَاه أَنه يعادي الصَّيْد من العَدْو، وَهُوَ الحُضْر حَتَّى يلْحقهُ.
وَقَالَ اللَّيْث: العَدَاء: طَوَارُ الشَّيْء، تَقول: لَزِمت عَدَاء النَّهر، وعَدَاء الطَّرِيق والجبل أَي طَوَاره. وَيُقَال: الأكحل عرقٌ عَدَاء السَّاعدِ. وَقد يُقَال عِدْوة فِي معنى العَدَاء. وعِدْوٌ فِي مَعْنَاهُ بِغَيْر هَاء. والتعداء: التفعال من كل مَا مرّ جَائِز. وعَدْوان: حيّ من قيس سَاكِني الدَّال. ومعد يكرب اسمان جُعلا اسْما وَاحِدًا فأُعطيا إعراباً وَاحِدًا، وَهُوَ الْفَتْح. وَالنِّسْبَة إِلَى عدِيّ الرُّباب عَدَوَيّ. وَكَذَلِكَ إِلَى بني عَدِيّ فِي قُرَيْش رَهْط عمر بن الْخطاب.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: يُقَال للخُلَّة من النَّبَات: العُدوة فَإِذا رعتها الْإِبِل فَهِيَ إبل عُدْوِيَّة وعَدَوِيّة وإبل عوادٍ، وَقَالَ ابْن السّكيت: إبل عادِيَة ترعى الخُلّة، وَلَا ترعى الحَمْض، وإبل آركة وأَوَارك مُقِيمَة فِي الحمض. وَأنْشد لكثير:
وَإِن الَّذِي يَنْوِي من المَال أهلُها
أوَارك لما تأتلفْ وعوادي
وروى الرّبيع عَن الشَّافِعِي فِي بَاب السَلَم ألبان إبل عوادٍ وأوَارك. وَالْفرق بَينهمَا مَا ذكرت.
وَقَالَ اللَّيْث: العَدَويَّة من نَبَات الصَّيف بعد ذهَاب الرّبيع: أَن يخضرّ صغَار الشّجر فترعاه الْإِبِل. تَقول: أَصَابَت الإبلُ عَدَويَّة.
قلت: العَدَويّة: الْإِبِل الَّتِي ترعى العُدْوة وَهِي الخُلّة. وَلم يضْبط اللَّيْث تَفْسِير العدوية فَجعله نباتاً وَهُوَ غلط. ثمَّ خلّط فَقَالَ: والعَدَويّة أَيْضا: سِخال الْغنم، يُقَال: هِيَ بَنَات أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَإِذا جُزّت عَنْهَا عقيقتها ذهب عَنْهَا هَذَا الِاسْم، قلت، وَهَذَا غلط بل تَصْحِيف مُنكر،(3/73)
وَالصَّوَاب فِي ذَلِك الغَدَوية بالغين الْمُعْجَمَة أَو الغَذَوية بِالذَّالِ. والغِذَاء صغَار الْغنم وَاحِدهَا غذِيّ. وَهِي كلهَا مفسّرة فِي معتل الْغَيْن. وَمن قَالَ: العَدَوية سخال الْغنم فقد أبطل وصحّف. وَيُقَال: فلَان يعادي بني فلَان من الْعَدَاوَة. قَالَ لله جلّ وعزّ: {الْحَمِيدُ عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (المُمتَحنَة: 7) وَقَالَ الْمَازِني: عدا الماءُ يعدو إِذا جرى. وَأنْشد:
وَمَا شعرتُ أَن ظَهرت ابتلاَّ
حَتَّى رَأَيْت المَاء يعدو شَلاَّ
وَيُقَال تعادى الْقَوْم عليّ بنصرهم أَي توالَوا أَو تتابعوا.
وَقَالَ الْخَلِيل فِي جمَاعَة العدوّ: عُدًى. قَالَ وَكَانَ حدّ الْوَاحِد عَدُو بِسُكُون الْوَاو ففخموا آخِره بواو فَقَالُوا: عدوّ، لأَنهم لم يَجدوا فِي كَلَام الْعَرَب اسْما فِي آخِره وَاو سَاكِنة. قَالَ: وَمن الْعَرَب من يَقُول قوم عدًى. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ إِنَّمَا هُوَ مثل قُضَاة وغزاة وعداة فحذفوا الْهَاء، فَصَارَت عُدى، وَهُوَ جمع عادٍ.
وَيُقَال رَأَيْت عَدِيَّ الْقَوْم مُقبلا أَي مَن حَمَل من الرّجالة. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: العَدِيَّ: جمَاعَة الْقَوْم بلغَة هُذَيْل، وَقَالَ مَالك بن خَالِد الخناعي:
لما رَأَيْت عَدِيّ الْقَوْم يسلُبُهم
طَلْحُ الشواجن والطَّرفاءُ والسلّم
وَقَالَ شمر: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي فِي قَول الأخطل:
وَإِن كَانَ حياناً عِدى آخر الدَّهْر
قَالَ العِدَى: التباعد، قوم عِدًى إِذا كَانُوا متباعدين لَا أَرْحَام بَينهم وَلَا حِلْف. وَقوم عُدى إِذا كَانُوا حَربًا. وَقَالَ فِي قَول الْكُمَيْت:
يَرْمِي بِعَيْنيهِ عَدْوة الأمد الْأَبْعَد
هَل فِي مطافه رِيَب
قَالَ: عدوة الأمد: مدّ بَصَره ينظر هَل يرى رِيبَة تريبه.
أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي: يَقُول هَؤُلَاءِ قوم عِدَى مَقْصُور يكون للأعداء والغرباء، وَلَا يُقَال: قوم عُدى إِلَّا أَن تُدْخل الْهَاء فَتَقول عُدَاة فِي وزن قُضَاة. قَالَ: وَرُبمَا جمعُوا أَعدَاء على أعاديّ.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: العُدْوة. سَنَد الْوَادي، وَقَالَ أَبُو خيرة: العُدوة: الْمَكَان الْمُرْتَفع شَيْئا على مَا هُوَ مِنْهُ.
أَبُو عبيد عَن أَصْحَابه: تقادع القومُ تقادُعاً، وتعادَوا تعادياً، وَهُوَ أَن يَمُوت بَعضهم فِي إِثْر بعض، وَأنْشد قَول عَمْرو بن أَحْمَر:
فمالكِ من أروى تعاديتِ بالعمى
ولاقيت كلاَّبا مُطِلاً وراميا
وَقَالَ العكلي: يُقَال: عادِ رجلك عَن الأَرْض أَي جافِها.
وَرُوِيَ عَن حُذَيْفَة أَنه خرج وَقد طَمّ شعره فَقَالَ: إِن كَانَ شَعْرَة لَا يُصِيبهَا المَاء جَنَابَة، فَمن ثمَّ عاديت رَأْسِي كَمَا ترَوْنَ. قَالَ شمر مَعْنَاهُ أَنه طمّه واستأصله ليصل المَاء إِلَى أصُول الشّعْر.(3/74)
وَقَالَ غَيره: عاديت رَأْسِي أَي جفوت شعره وَلم أدهُنه. وَقَالَ آخَرُونَ عاديت رَأْسِي أَي عاودته بوُضوء وَغسل. والمعاداة: الْمُوَالَاة والمتابعة.
وروى أَبُو عدنان عَن أبي عُبَيْدَة: عاديت شعري أَي رفعته عِنْد الْغسْل وعاديت الوسادة أَي ثنيتها، وعاديت الشَّيْء: باعدته، وتعاديت عَنهُ أَي تجافيت. وَمَكَان متعادٍ: بعضه مُرْتَفع، وَبَعضه متطامن. وَفِي (النَّوَادِر) فلَان مَا يعاديني وَلَا يوادبني قَالَ لَا يعاديني أَي لَا يجافيني وَلَا يواديني أَي: لَا يواتيني.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل تعادت الْإِبِل جمعاءُ أَي موّتت، وَقد تعادت بالقَرْحة. وَيُقَال: عاديت القِدْر، وَذَلِكَ إِذا طامنت إِحْدَى الأنافي وَرفعت الْأُخْرَيَيْنِ لتُميل القِدْر على النَّار.
وَقَالَ الأصمعيّ: عداني مِنْهُ شرّ أَي بَلغنِي، وعداني فلَان من شرّه بشرّ يعدّوني عَدْواً، وَفُلَان قد أعدى النَّاس بشر أَي ألزق بهم مِنْهُ شرا، وَقد جَلَست إِلَيْهِ فأعداني شرا أَي أصابني بشره.
وَرُوِيَ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ لبَعض أَصْحَابه وَقد تخلّف عَنهُ يَوْم الْجمل: مَا عدا مِمَّا بدا.
قَالَ أَبُو عُمَر: قَالَ أَحْمد بن يحيى مَعْنَاهُ: مَا ظهر مِنْك من التخلّف بَعْدَمَا ظهر مِنْك من التَّقَدُّم فِي الطَّاعَة.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: وَيُقَال فلَان فعل ذَلِك الْأَمر عَدْواً بَدْواً أَي ظَاهرا جهاراً.
وَقَالَ غَيره: معنى قَوْله: مَا عدا مِمَّا بدا أَي مَا عداك مِمَّا كَانَ بدا لنا من نصرك أَي مَا شغلك، وَأنْشد:
عداني أزورك أنّ بَهْمي
عَجَايا كلُّها إلاّ قَلِيلا
وَقَالَ أَبُو حَاتِم قَالَ الْأَصْمَعِي فِي قَول الْعَامَّة: مَا عدا من بدا هَذَا خطأ وَالصَّوَاب: أما عدا من بَدَأَ على الِاسْتِفْهَام. يَقُول: ألم يتعدّ الْحق من بَدَأَ بالظلم، وَلَو أَرَادَ الْإِخْبَار قَالَ: قد عدا من بَدَأَ بالظلم أَي قد اعْتدى، وَإِنَّمَا عدا من بَدَأَ.
وَقَالَ شمر: قَالَ ابْن شُمَيْل يُقَال: الزم عَدَاء الطَّرِيق وَهُوَ أَن تَأْخُذهُ لَا تظلمه. وَيُقَال: خُذ عَدَاء الْجَبَل أَي خُذ فِي سَنَده تَدور فِيهِ حَتَّى تعلوه، وَإِن استقام فِيهِ أَيْضا فقد أَخذ عَدَاءَهُ. وعداء الخَنْدَق وعداء الْوَادي بَطْنه.
وَقَالَ ابْن بزرج: يُقَال: الزم عَدْوَ أعداءِ الطَّرِيق، وألزم أَعدَاء الطَّرِيق أَي وَضَحُه. وَقَالَ رجل من الْعَرَب لآخر: ألبناً نسقيك أم مَاء؟ فَأجَاب: أيّهما كَانَ وَلَا عداء مَعْنَاهُ: لَا بدّ من أَحدهمَا، وَلَا يكوننّ ثَالِث.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الْأَعْدَاء: حِجَارَة الْمَقَابِر قَالَ: والادعاء آلام النَّار.
عندأوة: شمر عَن محَارب: العِنْدَأَوة: التواء وعَسَر يكون فِي الرِجْل. تَقول: إِن تَحت طرِّيقتك لعِنْدأْوة أَي خلافًا وتعسُّفاً.(3/75)
وَقَالَ بَعضهم: هُوَ من العَدَاء وَالنُّون والهمزة زائدتان. وَقَالَ بَعضهم: هُوَ بِنَاء على فِنْعَلْوة. وَقَالَ بَعضهم: عندأْوة فِعْلَلْوة. وَالْأَصْل قد أُميت فعله، وَلَكِن أَصْحَاب النَّحْو يتكلّفون ذَلِك باشتقاق الْأَمْثِلَة من الأفاعيل. قَالَ: وَلَيْسَ فِي جَمِيع كَلَام الْعَرَب شَيْء تدخل فِيهِ الْهمزَة وَالْعين فِي أصل بنائِهِ إلاّ عِنْدأوة وإمَّعة وعَبَاء وعفاء وعماء. فأمّا عظاءة فَهِيَ لُغَة فِي عظاية، وإعاء لُغَة فِي وعَاء.
وَقَالَ شمر: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: نَاقَة عندأوة، وقِنْدأوة، وسِنْدأوة أَي جريئة. قَالَ وَمعنى قَوْلهم: إِن تَحت طِرِّيقتك لعندأوة يُقَال ذَلِك للسِّكِّيت الداهي. وَقَالَ اللحياني: العنداوة: الْمَكْر والخديعة وَلم يهمزه. وَقَالَ أَبُو عبيد: يُقَال ذَلِك للمُطْرق الَّذِي يَأْتِي بداهية. قَالَ: والعنداوة أدهى الدَّوَاهِي.
دَعَا: قَالَ الله جلّ وعزّ: {وَادْعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (البَقَرَة: 23) قَالَ أَبُو إِسْحَاق يَقُول: ادعوا مَن استدعيتم طَاعَته، ورجوتم معونته فِي الْإِتْيَان بِسُورَة مثله. وَقَالَ الْفراء {وَادْعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ} يُرِيد: آلِهَتهم. يَقُول: استغيثوا بهم. وَهُوَ كَقَوْلِك للرجل: إِذا لقِيت العدوّ خَالِيا فَادع الْمُسلمين، وَمَعْنَاهُ استغث بِالْمُسْلِمين. فالدعاء هَاهُنَا بِمَعْنى الاستغاثة. وَقد يكون الدُّعَاء عبَادَة؛ وَمِنْه قَول الله جلّ وعزّ: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} (الأعرَاف: 194) أَي الَّذين تَعْبدُونَ من دون الله. وَقَوله بعد ذَلِك: {فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ} (الأعرَاف: 194) يَقُول: ادعوهُمْ فِي النَّوَازِل الَّتِي تنزل بكم إِن كَانُوا آلِهَة تَقولُونَ، يجيبوا دعاءكم. فَإِن دعوتموهم فَلم يجيبوكم فَأنْتم كاذبون أَنهم آلِهَة. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَول الله جلّ وعزّ: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} (البَقَرَة: 186) يَعْنِي الدُّعَاء لله على ثَلَاثَة أضْرب. فَضرب مِنْهَا توحيده وَالثنَاء عَلَيْهِ؛ كَقَوْلِك: ياالله لَا إِلَه إِلَّا أَنْت، وكقولك: ربّنا لَك الْحَمد، إِذا قلته فقد دَعوته بِقَوْلِك ربّنا، ثمَّ أتيت بالثناء والتوحيد. وَمثله قَوْله تَعَالَى: {يُؤْمِنُونَ وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ} (غَافِر: 60) . الْآيَة فَهَذَا الضَّرْب من الدُّعَاء. وَالضَّرْب الثَّانِي مَسْأَلَة الله العفوَ وَالرَّحْمَة وَمَا يقرِّب مِنْهُ، كَقَوْلِك: اللَّهُمَّ اغْفِر لنا. وَالضَّرْب الثَّالِث مَسْأَلته الحظُّ من الدُّنْيَا، كَقَوْلِك: اللَّهم ارزقني مَالا وَولدا. وَإِنَّمَا سمى هَذَا أجمعُ دُعَاء لِأَن الْإِنْسَان يصدّر فِي هَذِه الْأَشْيَاء بقوله: يَا الله يَا ربّ يَا رحمان. فَلذَلِك سُمّي دُعَاء. وَأما قَول الله جلّ وعزّ: {فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَآءَهُم بَأْسُنَآ إِلاَ أَن قَالُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} (الأعرَاف: 5) الْمَعْنى أَنهم لم يحصلوا ممّا كَانُوا ينتحلونه من الْمَذْهَب وَالدّين وَمَا يدَّعونه إلاَّ على الِاعْتِرَاف بِأَنَّهُم كَانُوا ظالمين. وَهَذَا كُله قَول أبي إِسْحَاق. وَالدَّعْوَى: اسْم لما تدّعيه. وَالدَّعْوَى تصلح أَن تكون فِي معنى الدُّعَاء، لَو قلت: اللَّهُمَّ أشركنا فِي صَالح دُعَاء الْمُسلمين وَدَعوى الْمُسلمين جَازَ، حكى ذَلِك سيوبيه، وَأنْشد:(3/76)
قَالَت ودعواها كثير صَخَبُه
وَقَالَ الله فِي سُورَة الْملك (27) : {كَفَرُواْ وَقِيلَ هَاذَا الَّذِى كُنتُم بِهِ} قَرَأَ أَبُو عَمْرو (تدّعون) مثقّلة وفسّره الْحسن: تكذِبون من قَوْلك: تدّعِي الْبَاطِل وتدّعي مَا لَا يكون.
وَقَالَ الفرّاء: يجوز أَن يكون (تدّعون) بِمَعْنى تَدْعون. وَمن قَرَأَ (تَدْعون) مخفّفة فَهُوَ من دَعَوْت أَدْعُو. وَالْمعْنَى: هَذَا الَّذِي كُنْتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُون، وتدْعون الله بتعجيله. يَعْنِي قَوْلهم: {اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَاذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَآءِ} (الْأَنْفَال: 32) ذكر ذَلِك لنا المنذريّ عَن ابْن فهم عَن مُحَمَّد بن سلاّم عَن يُونُس النَّحْوِيّ، وَقَالَهُ الزّجاج أَيْضا. قَالَ: وَيجوز أَن يكون (تدّعون) فِي الْآيَة تفتعلون من الدُّعَاء، وتفتعلون من الدَّعْوَى. وَقَالَ اللَّيْث: دَعَا يَدْعُو دَعْوة ودُعَاء، وادّعى يدَّعي ادّعاء ودَعْوى. قَالَ: والادّعاء فِي الْحَرْب: الاعتزاء، وَكَذَلِكَ التداعِي. قَالَ: والتداعي: أَن يدعوا القومُ بعضُهم بَعْضًا.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {وَاللَّهُ يَدْعُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِى مَن يَشَآءُ} (يُونس: 25) دَار السَّلَام هِيَ الْجنَّة وَالسَّلَام هُوَ الله. وَيجوز أَن تكون الْجنَّة دَار السَّلامَة والبقاء. وَدُعَاء الله خلقه إِلَيْهَا كَمَا يَدْعُو الرجل النَّاس إِلَى مَدْعاة أَي مأدُبة يتَّخذها. وطعامِ يَدْعُو النَّاس إِلَيْهِ. ورُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (إِن الله تَعَالَى بني دَارا واتَّخذ مأدبة، فَدَعَا النَّاس إِلَيْهَا) . وَقَرَأَ هَذِه الْآيَة: وروى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (إِذا دُعي أحدكُم إِلَى طَعَام فليجب، فَإِن كَانَ مُفطرا فَليَأْكُل، وَإِن كَانَ صَائِما فليصَلّ) . وَهِي الدّعْوة والمَدْعاة للمأدُبة. وأمَّا الدِّعوة بِكَسْر الدَّال فادّعاء الْوَلَد الدعيّ غير أَبِيه. يُقَال دعِيّ بيّن الدعْوَة والدِعاوة. والمؤذّن دَاعِي الله، وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَاعِي الأمّة إِلَى تَوْحِيد الله تَعَالَى وطاعته. قَالَ الله تَعَالَى مخبرا عَن الجنّ، الَّذين اسْتَمعُوا الْقُرْآن وولّوا إِلَى قَومهمْ منذرين: {مُّسْتَقِيمٍ ياقَوْمَنَآ أَجِيبُواْ دَاعِىَ اللَّهِ وَءَامِنُواْ بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (الْأَحْقَاف: 31) وَيُقَال لكل من مَاتَ: دُعي فَأجَاب. وَيُقَال دَعَاني إِلَى الْإِحْسَان إِلَيْك إحسانك إليّ. وَالْعرب تَقول: دَعَانَا غيث وَقع ببلدة فأَمْرَع، أَي كَانَ ذَلِك سَببا لانتجاعنا إياهُ. وَمِنْه قَول ذِي الرمَّة:
تَدْعُو أنفَه الرببُ
ورُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ للحالب (دَعْ دَاعِي اللَّبن) وَيُقَال دَاعِيَة اللَّبن قَالَ أَبُو عبيد يَقُول: أبقِ فِي الضَّرع قَلِيلا من اللَّبن، فَلَا تستوعب كلّ مَا فِيهِ؛ الَّذِي تُبقيه فِيهِ يَدْعُو مَا وَرَاءه من اللَّبن فينزله، وَإِذا استنفض كل مَا فِي الضَّرع أَبْطَأَ دَرُّه على حالبه.
قلت: وَمَعْنَاهُ عِنْدِي: دع مَا يكون سَببا لنزول الدِرّة. وَذَلِكَ أَن الحالب إِذا ترك فِي الضَّرع لأَوْلَاد الحلائب لُبَيْنةً تَرضعها طابت أَنْفسهَا، فَكَانَ أسْرع لإفاقتها والداعية: صريخ الْخَيل فِي الحروب. يُقَال: أجِيبُوا دَاعِيَة الْخَيل اللحياني: الدعْوَة الحِلْف يُقَال: دَعوة فلَان فِي بني فلَان. قَالَ: وَيُقَال: لبني فلَان الدعْوَة على قَومهمْ إِذا كَانَ يبْدَأ بهم. والدعوة الْوَلِيمَة. وَفِي نِسْبَة دَعْوة أَي دَعْوَى،(3/77)
ودعِيّ بَين الدِعوة والدَعاوة) .
وَقَالَ اللَّيْث: النادبة تَدْعُو الْمَيِّت إِذا ندبته. وَقَول الله جلّ ذكره حِين ذكر لظى نَعُوذ بِاللَّه مِنْهَا قَالَ: {لِّلشَّوَى تَدْعُواْ مَنْ} (المعَارج: 17) قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: تَدْعُو الكافرَ باسمه، وَالْمُنَافِق باسمه. وَقيل: لَيست كالدعاء: تَعالَ، وَلَكِن دعوتها إيَّاهُم مَا تفعل بهم من الأفاعيل. وَيُقَال: تداعى البناءُ والحائط إِذا تكسّر وآذن بانهدام. وَيُقَال: داعينا عَلَيْهِم الحِيطان من جوانبها أَي هدمناها عَلَيْهِم. وتداعى الكَثِيب من الرمل إِذا هِيل فانهال وتداعت القبائلُ على بني فلَان إِذا تألَّبوا، ودعا بَعضهم بَعْضًا إِلَى التناصر عَلَيْهِم.
شمر قَالَ: التداعي فِي الثَّوَاب إِذا أخلق، وَفِي الدَّار إِذا تصَدَّع من نَوَاحِيهَا والبرق يتداعى فِي جَوَانِب الْغَيْم قَالَ ابْن أَحْمَر:
وَلَا بَيْضَاء فِي نَضَد تداعى
ببرق فِي عوارض قد شرِينا
والدُعاة: قوم يَدْعون إِلَى بَيْعةِ هدى أَو ضَلَالَة، واحدهم داعٍ، وَرجل دَاعِيَة إِذا كَانَ يَدْعُو النَّاس إِلَى بِدعَة أَو دين، أدخلت الْهَاء فِيهِ للْمُبَالَغَة.
وَأما قَول الله جلّ ذكره فِي صفة أهل الْجنَّة: {وَءَاخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (يُونس: 10) يَعْنِي أَن دُعَاء أهل الْجنَّة تَنْزِيه الله وتعظيمه، وَهُوَ قَوْله: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ} (يُونس: 10) ثمَّ قَالَ: {وَءَاخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ للَّهِ} أخبر أَنهم يبتدئون بتعظيم الله وتنزيهه، ويختمونه بشكره وَالثنَاء عَلَيْهِ، فَجعل تنزيهه دُعَاء، وتحميده دُعَاء. وَالدَّعْوَى هَهُنَا مَعْنَاهَا الدُّعَاء.
أَبُو عبيد: الأُدْعِيَّة مثل الأُحْجيَّة، وَهِي الأُغلوطة، وَقد داعيته أداعيه. وَأنْشد:
أُداعيك مَا مستحقَبات مَعَ السُرى
حسان وَمَا آثارها بِحسان
أَي أحاجيك. وَأَرَادَ بالمستحقَبات السيوف. وَيُقَال: بَينهم أُدْعيَّة يتداعَون بهَا، وأحجيَّة يتحاجَون بهَا وَهِي الأُلْقيَّة أَيْضا.
وَيُقَال: لبني فلَان الدَعوة على قَومهمْ إِذا بدىء بهم فِي الدُّعَاء إِلَى أعطياتهم. وَقد انْتَهَت الدعْوَة إِلَى بني فلَان. وَكَانَ عمر بن الْخطاب ح يقدّم النَّاس فِي أعطياتهم على سوابقهم فَإِذا انْتَهَت الدعْوَة إِلَيْهِ كبّر. والتدعّي: تطريب النائحة فِي نياحتها على ميتها.
والدعوة الحِلف. وَفُلَان يَدَّعي بكرم فعاله أَي يخبر عَن نَفسه بذلك. وَيُقَال تداعت إبل فلَان فَهِيَ متداعية إِذا تحطَّمت هَزْلاً.
وَقَالَ ذُو الرمّة:
تَبَاعَدت مني أَن رَأَيْت حَمُولتي
تداعت وَأَن أحْيا عَلَيْك قطيع
والدَاعي: نَحْو المساعي والمكارم. يُقَال: لذُو مداعٍ ومساعٍ.
شمر عَن محَارب: دَعَا الله فلَانا بِمَا يكره أَي أنزل بِهِ مَكْرُوه.
قَالَ أَبُو النَّجْم:
رماك الله من عَيْش نافعي
إِذا نَام الْعُيُون سرت عليكا(3/78)
إِذا أقبلته أحوى جميشا
أتيت على حيالك فانثنيتا
والحمامة تَدْعُو إِذا ناحت. وَقَالَ بشر:
أحببنا بني سعد بن ضَيَّة إِذْ دَعوا
وَللَّه مولى دَعْوَة لَا يجيبها
يُرِيد الله وليّ دَعْوَة يُجيب إِلَيْهَا، ثمَّ يدعى فَلَا يُجيب. وَقَالَ النَّابِغَة فَجعل صَوت القطا دُعَاء:
تَدْعُو قطاً وَبهَا تُدْعى إِذا انتسبت
يَا صدقهَا حِين تدعوها فتنتسب
أَي صَوتهَا قطا وَهِي قطا وَمعنى تَدْعُو: أَي تصوّت قطا قطا.
وَيُقَال: مَا دعَاك إِلَى هَذَا الْأَمر أَي مَا الَّذِي جرَّك إِلَيْهِ واضطرك.
قَالَ الْكَلْبِيّ فِي قَول الله جلّ وعزّ: {ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنَ لَّنَا مَا هِىَ} (البَقَرَة: 68) قَالَ سل لنا رَبك.
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (الدُّعَاء هُوَ الْعِبَادَة) ثمَّ قَرَأَ: {يُؤْمِنُونَ وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ} (غَافر: 60) .
وَقَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِىِّ} (الْكَهْف: 28) قَالَ يصلّون الصَّلَوَات الْخمس. وَرُوِيَ مثل ذَلِك عَن سعيد بن المسيَّب.
وَيُقَال: تداعت السحابةُ بالبرق والرعد من كل جَانب إِذا رَعَدت وَبَرقَتْ من كل جِهَة.
وَقَالَ أَبُو عدنان: كل شَيْء فِي الأَرْض إِذا احْتَاجَ إِلَى شَيْء فقد دَعَا بِهِ، وَيُقَال للرجل إِذا أخلقت ثِيَابه: قد دعت ثيابُك أَي احتجت إِلَى أَن تلبس غَيرهَا من الثِّيَاب.
وَقَالَ الْأَخْفَش: يُقَال: لَو دُعينا إِلَى أَمر لاندعينا، مثل قَوْلك بعثته فانبعث.
وَقَالَ فِي قَول الله جلّ وعزّ: {أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَانِ وَلَداً} (مريَم: 91) أَي جعلُوا. وَقَالَ ابْن أَحْمَر الْبَاهِلِيّ:
وَكنت أَدْعُو قذاها الإثْمِد القردا
أَي كنت أجعَل وأُسَمّي.
وَقَوله: {لَن نَّدْعُوَاْ مِن دُونِهِ إِلاهاً} (الْكَهْف: 14) أَي لن نعْبد إِلَهًا دونه.
وَقَالَ جلّ وعزّ: {أَلاَ تَتَّقُونَ} (الصَّافات: 125) أَي أتعبدون ربّاً سوى الله.
وَقَالَ: {لَمَعْزُولُونَ فَلاَ تَدْعُ مَعَ اللَّهِ} (الشُّعَرَاء: 213) أَي لَا تعبد.
وَقَالَ ابْن هانىء فِي قَوْله: {ُفِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ} ِ (يس: 57) أَي مَا يتمنّون. تَقول الْعَرَب ادّع عَلَيَّ مَا شِئْت.
وَقَالَ اليزيدي: يُقَال لي فِي هَذَا الْأَمر دَعْوى ودَعاوى ودِعاوة. وَأنْشد:
تأبى قضاعة أَن ترْضى دِعاوتكم
وابنا نزار فَأنْتم بَيْضَة الْبَلَد
قَالَ: وَالنّصب فِي دعاوة أَجود.
وَقَالَ الْكسَائي: لي فيهم دِعوة أَي قرَابَة وإخاء.
قَالَ وَفِي العُرْس دِعوة أَيْضا. وَهُوَ فِي مدعاتهم كَمَا تَقول فِي عرسهم.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الدَّعوة فِي الطَّعَام.(3/79)
والدِّعوة فِي النّسَب.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ المُدَّعَى: الْمُتَّهم فِي نسبه وَهُوَ الدعيّ. والدعِيّ أَيْضا: المتبنيَّ الَّذِي تبنّاه رجل فَدَعَاهُ ابْنه ونَسَبُه إِلَى غَيره.
وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تبنّى زيد بن حَارِثَة فَأمر الله جلّ وعزّ أَن ينْسب النَّاس إِلَى آبَائِهِم، وألاّ ينسبوا إِلَى من تبنَّاهم فَقَالَ: {يَهْدِى السَّبِيلَ ادْعُوهُمْ لاَِبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْءَابَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِى الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَاكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً} (الأحزَاب: 5) وَقَالَ {مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ ذَلِكُمْ} (الأحزَاب: 4) .
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الدَّاعِي المعذَّب: دَعَاهُ الله أَي عذّبه.
وَقَالَ مُحَمَّد بن يزِيد فِي قَول الله جلّ وعزّ: {لِّلشَّوَى تَدْعُواْ مَنْ} (المعَارج: 17) تعذّب.
وَقَالَ ثَعْلَب: تنادي من أدبر.
والتدعّي: تطريب النائحة إِذا نَدَبَت.
عود: قَالَ شمر قَالَ محَارب: العَوْد: الجَمَل المسنّ الَّذِي فِيهِ بَقِيَّة قُوَّة، والجميع عِوَدة. وَيُقَال فِي لُغَة: عِيَدة وَهِي قبيحة وَقد عوّد البعيرُ تعويداً إِذا مَضَت لَهُ ثَلَاث سِنِين بعد بُزُوله أَو أربعٌ. وسُودَد عَوْد إِذا وُصف بالقدم.
قَالَ: وَلَا يُقَال للناقة: عَوْدة، وَلَا عَوَّدت.
قلت: وَقد سَمِعت بعض الْعَرَب يَقُول لفرس لَهُ: أُنْثَى عَوْدة.
ورُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه دخل على جَابر بن عبد الله منزله.
قَالَ جَابر: فعَمَدت إِلَى عَنْزٍ لي لأذبحها، فثغت، فَسمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَغْوتها، فَقَالَ: يَا جَابر: لَا تقطع دَرّاً وَلَا نَسْلًا. فَقلت: يَا رَسُول الله إِنَّمَا هِيَ عَوْدة علفناها البَلَح والرُطَب فَسَمنت.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: عوّد الرجل تعويداً إِذا أسنّ. وَأنْشد:
فَقُلْنَ قد أقصر أَو قد عوّدا
أَي صَار عَوْداً كَبِيرا.
قَالَ: وَلَا يُقَال: عَوْدٌ إِلَّا لبعير أَو لشاة. وَيُقَال للشاة: عَوْدة. وَلَا يُقَال للنعجة: عَوْدة قَالَ وناقة معوِّد.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: جمل عَوْد، وناقة عَوْدة، وناقتان عَوْدتان، ثمَّ عِوَدة فِي جَمْع العَوْدة مثل هِرَّة وهِرَر وعَوْد وعِوَدة مثل هِرّ وهِرَرةَ.
وَفِي (النَّوَادِر) : عَوْد وعِيَدة، وجمل غَلْق وغِلَقة إِذا هُزل وكبِر.
وَأما قَول أبي النَّجْم:
حَتَّى إِذا تجلَّى أصحمه
وانجاب عَن وَجه أغرَّا دَهمُه
وَتبع الْأَحْمَر عَوْد يزحمُه
فَإِنَّهُ أَرَادَ بالأحمر الصُّبْح، وَأَرَادَ بالعَوْد الشَّمْس.
وَطَرِيق عود إِذا كَانَ عادياً. وَقَالَ:
عَوْد على عَوْد من القُدْم الأول
أَرَادَ بالعَوْد الأول: الْجمل المسنّ، على عَوْد أَي عَن طَرِيق قديم.
وَقَالَ اللَّيْث تَقول: هَذَا الْأَمر أعْود عَلَيْك(3/80)
أَي أرْفق بك؛ لِأَنَّهُ يعود عَلَيْك بِرِفْق ويُسْر. والعائدة: اسْم مَا عَاد بِهِ عَلَيْك المُفْضِل من صلَة أَو فضل، وَجَمعهَا العوائد.
وعادٌ: قَبيلَة. وَيُقَال للشَّيْء الْقَدِيم: عادِيّ وبئر عاديّة.
وَقَالَ الفرّاء: يُقَال هَؤُلَاءِ عَوْد فلَان وعُوَّاده مثل زَوره وزُوَّاره، وهم الَّذين يعودونه إِذا اعتلَّ والعوائد: النِّسَاء اللواتي يَعُدن الْمَرِيض، الْوَاحِدَة عَائِدَة.
وَقَالَ اللَّيْث: العُود: كل خَشَبَة دَقَّت. قَالَ: وخشبة كل شَجَرَة غلظ أورقّ يُسمى عُوداً.
قَالَ: وَالْعود: الَّذِي يستَجْمرُ بِهِ مَعْرُوف.
وَقَول الْأسود بن يعْفُر:
وَلَقَد علمت سوى الَّذِي ينتابني
أَن السَّبِيل سَبِيل ذِي الأعواد
قَالَ الْمفضل: سَبِيل ذِي الأعواد يُرِيد الْمَوْت، عَنى بالأعواد مَا يحمل عَلَيْهِ الْمَيِّت.
قلت: وَذَلِكَ أَن الْبَوَادِي لَا جنائز لَهُم؛ فهم يضمّون عوداً إِلَى عود ويحملون الْمَيِّت عَلَيْهَا إِلَى الْقَبْر.
قَالَ وَيُقَال للرِّجَال الَّذين يعودون الْمَرِيض: عُوَّاد؛ وللنساء عُوَّد؛ هَكَذَا كَلَام الْعَرَب.
قَالَ: والعُود: ذُو الأوتار الَّذِي يضْرب بِهِ، وَيجمع عيداناً والعَوّاد الَّذِي يتخذها.
وَقَالَ شمر فِي قَول الفرزدق:
وَمن ورث العُودين والخاتم الَّذِي
لَهُ المُلك وَالْأَرْض الفضاء رحيبُها
قَالَ العودان: مِنْبَر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَصَاهُ.
وَقَالَ بَعضهم: العَوْد تَثْنِيَة الْأَمر عوداً بعد بَدْء. يُقَال: بَدَأَ ثمَّ عَاد. والعَوْدة: عوده مرّة وَاحِدَة.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ} (الْأَعْرَاف: 29، 30) يَقُول: لَيْسَ بعثكم بأشدّ من ابتدائكم. وَقيل: مَعْنَاهُ: تعودُونَ أشقياء وسعداء كَمَا ابْتَدَأَ فطرتكم فِي سَابق علمه، وَحين أَمر بنفخ الرّوح فيهم وهم فِي أَرْحَام أمّهاتهم.
وَقَوله جلّ وعزّ: {غَفُورٌ وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (المجَادلة: 3) .
قَالَ الْفراء: يصحّ فِيهَا فِي الْعَرَبيَّة: ثمَّ يعودون إِلَى مَا قَالُوا وَفِيمَا قَالُوا يُرِيد النِّكَاح، وكلٌّ صَوَاب. يُرِيد: يرجعُونَ عَمَّا قَالُوا وَفِي نقض مَا قَالُوا.
قَالَ: وَقد يجوز فِي الْعَرَبيَّة أَن تَقول: إِن عَاد لما فعل، تُرِيدُ إِن فعله مرّة أُخْرَى وَيجوز إِن عَاد لما فعل إِن نقض مَا فعل. وَهُوَ كَمَا تَقول حلف أَن يَضْرِبك فَيكون مَعْنَاهُ حلف لَا يَضْرِبك. وَحلف ليضربنّك.
وَقَالَ الْأَخْفَش فِي قَوْله: {نِّسَآئِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا} إِنَّا لَا نفعله فيفعلونه يَعْنِي الظِّهَار. فَإِذا أعتق رَقَبَة عَاد لهَذَا الَّذِي قَالَ إِنَّه علَيّ حرَام فَفعله.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: الْمَعْنى فِي قَوْله {ثُمَّ يَعُودُونَ(3/81)
لِمَا} لتحليل مَا حرَّموا، فقد عَادوا فِيهِ.
وروى الزّجاج عَن الْأَخْفَش أَنه جعل (لما قَالُوا) من صلَة (فَتَحْرِير رَقَبَة) فَالْمَعْنى عِنْده: وَالَّذين يظاهرون من نِسَائِهِم ثمَّ يعودون فَتَحْرِير رَقَبَة لما قَالُوا. قَالَ: وَهَذَا مَذْهَب حسن.
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي قَوْله: {غَفُورٌ وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} يَقُول: إِذا ظَاهر مِنْهَا فَهُوَ تَحْرِيم، كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يَفْعَلُونَهُ، وحُرّم على الْمُسلمين تحريمُ النِّسَاء بِهَذَا اللَّفْظ. فَإِن اتبع الْمظَاهر الظِّهَار طَلَاقا فَهُوَ تَحْرِيم أهل الْإِسْلَام، وَسَقَطت عَنهُ الكفَّارة. وَإِن لم يُتبع الظِّهَار طَلَاقا فقد عَاد لما حَرَّم وَلَزِمتهُ الكفّارة عُقُوبَة لما قَالَ. قَالَ: وَكَانَ تَحْرِيمه إيّاها بالظهار قولا، فَإِذا لم يطلِّقها فقد عَاد لما قَالَ من التَّحْرِيم.
وَقَالَ بَعضهم: مَعْنَاهُ: وَالَّذين يظاهرون مِنْكُم من نِسَائِهِم أَي كَانُوا يظاهرون قبل نزُول الْآيَة ثمَّ يعودون للظهار فِي الْإِسْلَام فَعَلَيهِ الْكَفَّارَة، فَأوجب عَلَيْهِ الكفّارة بالظهار.
وَقَالَ بَعضهم: إِذا أَرَادَ الْعود إِلَيْهَا وَالْإِقَامَة عَلَيْهَا مَسّ أَو لم يمسّ كفّر.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {كَانُواْ يَعْمَلُونَ إِنَّ الَّذِى فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لَرَآدُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُل رَّبِّى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أَعْلَمُ مَن جَآءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِى} (القَصَص: 85) .
قَالَ الْحسن: معاده الْآخِرَة. وَقَالَ مُجَاهِد: يُحييه يَوْم الْبَعْث. وَقَالَ ابْن عَبَّاس: {لرادّك إِلَى مَعَاد إِلَى مَعدِنك من الجنّة. وَقَالَ بَعضهم: إِلَى معاد إِلَى مَكَّة. وَقَالَ الْفراء: لرادّك إِلَى معاد حَيْثُ وُلدت. قَالَ: وَذكروا أَن جِبْرِيل قَالَ: يَا مُحَمَّد أَشْتَقْتَ إِلَى مولدك ووطنك؟ قَالَ: نعم. فَقَالَ: إِن الَّذِي فرض عَلَيْك الْقُرْآن لرادك إِلَى معاد. قَالَ والمَعَاد هَهُنَا: إِلَى عادتك حَيْثُ ولدت وَلَيْسَ من الْعود. وَقد يكون أَن تجْعَل قَوْله: لرادك إِلَى معاد لمُصَيِّرُكَ إِلَى أَن تعود إِلَى مَكَّة مَفْتُوحَة لَك فَيكون الْمعَاد تَعَجبا إِلَى معاد أَيَّما معاد لما وعده من فتح مكّة.
وَقَالَ اللَّيْث: المَعَادة والمَعَاد كَقَوْلِك لآل فلَان معادة أَي مُصِيبَة يَغْشَاهُم النَّاس فِي مناوح أَو غَيرهَا يتَكَلَّم بهَا النِّسَاء. يُقَال: خرجت إِلَى الْمُعَادَة والمعاود: المآتم. والمعاد. كل شَيْء إِلَيْهِ الْمصير. قَالَ: وَالْآخِرَة قَالَ: وَالْآخِرَة مَعَاد للنَّاس. وَأكْثر التَّفْسِير فِي قَوْله لرادك إِلَى معاد لباعثك، وعَلى هَذَا كَلَام النَّاس: اذكر الْمعَاد أَي اذكر مبعثك فِي الْآخِرَة قَالَه الزّجاج.
وَقَالَ ثَعْلَب: الْمعَاد: الْموعد. قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: إِلَى أصلك من بني هَاشم. وَقَالَت طَائِفَة وَعَلِيهِ الْعَمَل معاد أَي إِلَى الْجنَّة.
وَمن صِفَات الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: المبدىء المعيد: بَدَأَ الله الْخلق أَحيَاء ثمَّ يميتهم ثمَّ يحييهم كَمَا كَانُوا. قَالَ الله جلّ وعزّ: {لَّهُ قَانِتُونَ وَهُوَ الَّذِى يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ} (الرُّوم: 27) . وَقَالَ: {لَشَدِيدٌ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِىءُ وَيُعِيدُ} (البروج: 13) بَدَأَ وأبدأ بِمَعْنى وَاحِد.(3/82)
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: إِن الله يحبّ النَكَل على النَكَل. قيل: وَمَا النَكَل على النَكَل. قَالَ: الرجل القويّ المجرب المبدىء المعيد على الْفرس المجرب المبدىء المعيد. وَقَوله المبدىء المعيد قَالَ أَبُو عبيد: هُوَ الَّذِي قد أبدأ فِي غَزوه وَأعَاد، أَي غزا مرّة بعد مرّة، وجرَّب الْأُمُور وَأعَاد فِيهَا وأبدأ.
قلت: وَالْفرس المبدىء المعيد: الَّذِي قد رِيض وذُلّل وأُدِّب، ففارسه يصرفهُ كَيفَ شَاءَ لطواعيته وذِلِّه، وَأَنه لَا يستصعب عَلَيْهِ وَلَا يمنعهُ رِكَابه وَلَا يجمح بِهِ. وَيُقَال: معنى الْفرس المبدىء المعيد: الَّذِي قد غزا عَلَيْهِ صَاحبه مرَّة بعد أُخْرَى وَهَذَا كَقَوْلِهِم: ليل نَائِم إِذا نيم فِيهِ، وسر كاتم قد كتموه.
وَقَالَ شمر: رجل معيد أَي حاذق.
وَقَالَ كثَيِّر:
عوم المعيد إِلَى الرَجا قذفت بِهِ
فِي اللجّ داوية الْمَكَان جَموم
قَالَ. وَأما قَول الأخطل:
يشول إِن اللَّبُون إِذا رَآنِي
ويخشاني الضُواضيَةُ المُعيد
قَالَ أصل المعيد الْجمل الَّذِي لَيْسَ بعياياء وَهُوَ الَّذِي لَا يضْرب حَتَّى يُخلَط لَهُ. والمعيد: الَّذِي لَا يحْتَاج إِلَى ذَلِك. قَالَ والمعيد من الرِّجَال: الْعَالم بالأمور الَّذِي لَيْسَ بغُمْر. وَأنْشد:
كَمَا يَتبع العَوْد المعيدَ السلائب
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: المعيد: الْفَحْل: الَّذِي ضَرَب فِي الْإِبِل مَرَّات.
وَقَالَ أَبُو كَبِير الْهُذلِيّ يصف الذئاب:
إلاّ عواسر كالمِراط مُعيدة
بِاللَّيْلِ موردَ أيّم متعضَّف
أَي وَردت مرَارًا فَلَيْسَ تنكر الْوُرُود.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال رَأَيْت فلَانا مَا يبدىء وَمَا يُعِيد، أَي مَا يتَكَلَّم ببادئة وَلَا عَائِدَة. وَأعَاد فلَان الصَّلَاة فَهُوَ يُعِيدهَا. وعاود فلَان مَا كَانَ فِيهِ فَهُوَ معاوِد. واعتادني هم وحزن. قَالَ والاعتياد فِي معنى التعوّد، وَهُوَ من الْعَادة. يُقَال: عوَّدته فاعتاد وتعوَّد.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال للرجل المواظب على أمره: مُعاوِد. قَالَ وَفِي كَلَام بَعضهم: الزموا تقى الله واستعيدوها، أَي تعوَّدها. وَقَالَ فِي قَوْله:
إلاّ المعيداتُ بِهِ النواهضُ
يَعْنِي النوق الَّتِي استعادت النهْض بالدَلْو. وَيُقَال للشجاع: بَطل العاوِد. وَيُقَال: هُوَ ميعبد لهَذَا الشَّيْء أَي مطيق لَهُ لِأَنَّهُ قد اعتاده.
شمر عَن أبي عدنان: هَذَا أَمر يعوّد النَّاس على أَي يُضرِّيهم بظلمي وَقَالَ: أكره أَن يعوّد على الناسَ فيضرَوْا بظلمي أَي يعتادوه.
وَقَالَ غَيره العَوَادُ: البِرّ واللطف. يُقَال: عُدْ إِلَيْنَا، فَإِن لَك عندنَا عَوَاداً، أَي برّاً ولَطَفا.
أَبُو عبيد عَن الْأمَوِي: العُوادة، مَا أُعيد على الرجل من الطَّعَام بَعْدَمَا يفرغ.
قلت: إِذا حذفت الْهَاء. قلت: عَوَاد، كَمَا(3/83)
قَالُوا: أكال، ولَمَاظ، وقَضَام. وَيُقَال للطريق الَّذِي أَعاد فِيهِ السَّفْر وأبدءوا: مُعيد. وَمِنْه قَول ابْن مقبل يصف الْإِبِل السائرة:
يُصبحن بالخَبْت يجتَبْن النِّعاف على
أَصلاب هادٍ معبد لابسِ القَتَم
أَرَادَ بالهادي الطَّرِيق الَّذِي يُهتَدى بِهِ، والمُعيد الَّذِي لُحِب.
وَقَالَ اللَّيْث: وعادٌ الأولى هم عَاد ابْن عادِياء بن سَام بن نوح الَّذين أهلكهم الله وَقَالَ زُهَيْر:
واهلك لُقْمَان بن عَاد وعاديا
وَأما عَاد الْآخِرَة فَهُوَ بَنو أُمَيم ينزلون رمال عالِج، عَصوا الله فمُسخوا نَسناساً لكل إِنْسَان مِنْهُم يَد وَرجل من شِقّ.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: العَيْدانة، النحلة الطَّوِيلَة، وَالْجمع العَيْدان. وَقَالَ لبيد:
وأبيضَ العَيْدَانِ والجبّارِ
وَقَالَ اللَّيْث: العِيد: كل يومِ مَجْمع، وسُمّي عيداً لأَنهم قد اعتادوه. قَالَ: واشتقاقه من عَاد يعود كَأَنَّهُمْ عَادوا إِلَيْهِ. وَقَالَ العجاج يصف الثور الوحشي:
واعتاد أرباضاً لَهَا آرِيّ
كَمَا يعود الْعِيد نصرانيّ
فَجعل الْعِيد من عَاد يعود. قَالَ: وتحوّلت الْوَاو فِي الْعِيد يَاء لكسرة الْعين. وتصغير عيد عُييد، تَرَكُوهُ على التَّغْيِير؛ كَمَا أَنهم جَمَعُوهُ أعياداً وَلم يَقُولُوا: أعواداً. قَالَ: والعِيدية: نَجَائِب منسوبة مَعْرُوفَة.
وَقَالَ غَيره: مَا اعتادك من الْهم فَهُوَ عيد. وَقَالَ الْمفضل: عادني عيدِي أَي عادتي. وَأنْشد:
عَاد قلبِي من الطَّوِيلَة عِيد
أَرَادَ بالطويلة رَوْضَة بالصَّمّان تكون ثَلَاثَة أَمْيَال فِي مثلهَا. وأمَّا قَول تأبَّط شرا.
يَا عيدُ مَالك من شوق وإيراق
ومَرَّ طيف من الْأَهْوَال طرَّاق
قَالَ أَرَادَ يَا أَيهَا المعتادي. وَقَوله: مَالك من شوق كَقَوْلِك: مَالك من فَارس، وَأَنت تتعجّب من فروسيته وتمدَحه. وَمثله: قَاتله الله من شَاعِر.
ابْن الْأَنْبَارِي فِي قَوْله: يَا عيد مالكُ الْعِيد: مَا يعتاده من الْحزن والشوق.
وَقَوله: مَالك من شوق أَي مَا أعظمك من شوق. ويروى: يَا هَيَد مَالك. وَمعنى يَا هَيْد: مَا حالك وَمَا شَأْنك، وَيُقَال: أَتَى فلَان الْقَوْم فَمَا قَالُوا لَهُ: هَيْد مَالك أَي مَا سَأَلُوهُ عَن حَاله. قَالَ: والعيد عِنْد الْعَرَب: الْوَقْت الَّذِي يعود فِيهِ الْفَرح والحزن، وَكَانَ فِي الأَصْل العِوْد فلمَّا سكنت الْوَاو وانكسر مَا قبلهَا صَارَت يَاء.
وَقَالَ أَبُو عدنان يُقَال عَيْدنت النخلةُ إِذا صَارَت عَيْدانة. وَقَالَ المسيَّب بن عَلَس:
والأُدْم كالعَيْدان آزرها
تَحت الأَشَاء مكمّم جَعْلُ
قلت أَنا: من جعل العيدان فيعالاً جعل النُّون أَصْلِيَّة وَالْيَاء زَائِدَة. وَدَلِيله على ذَلِك قَوْلهم: عيدنت النَّخْلَة. وَمن جعله فعلان مثل سيحان من ساح يسيح جعل الْيَاء أَصْلِيَّة وَالنُّون زَائِدَة. وَمثله هَيْمان(3/84)
وعَيْلان.
الْأَصْمَعِي: العَيْدانة: شَجَرَة صُلبة قديمَة لَهَا عروق نَافِذَة إِلَى المَاء. وَأنْشد:
تجاوبن فِي عَيْدانة مُرْجحِنَّة
من السّدر رَوَّاها المصيفَ مَسِيلُ
وَقَالَ آخر: بَوَاسِق النخلَ أَبْكَارًا وعُوناً
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: سُمِّي العِيد عِيداً لِأَنَّهُ يعود كل سنة بفرح مجدَّد. قَالَ ثَعْلَب: وأصل الْعِيد عِوْد فقلبت الْوَاو يَاء ليفرقوا بَين الِاسْم الحقيقيّ وَبَين الْمصدر.
وَقَالَ شمر العِيديَّة: ضرب من الْغنم وَهِي الْأُنْثَى من البُرقان، وَالذكر خروف، فَلَا يزَال اسمَه حَنى تُعَقّ عقيقته.
قلت: لَا أعرف العيديَّة فِي الْغنم، وَأعرف جِنْسا من الْإِبِل العُقَيليَّة يُقَال لَهَا العِيديَّة وَلَا أَدْرِي إِلَى أيّ شَيْء نسبت.
وَقَالَ شمر: المتعيد: الظلوم. وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي لطَرَفة:
فَقَالَ أَلا مَاذَا ترَوْنَ لشارب
شديدٍ علينا سُخْطُه متعيّد
أَي ظلوم. وَقَالَ جرير:
يرى المتعيّدون عليّ دوني
أُسودَ خفِيَّة الغُلْب الرقابا
قَالَ وَقَالَ غَيره: المتعيّد: الَّذِي يتعيَّد عَلَيْهِ يُوعده.
وَقَالَ أَبُو عبد الرحمان: المتعيّد المتجنّي فِي بَيت جرير. وَقَالَ ربيعَة بن مقروم:
على الجهّال والمتعيّدينا
قَالَ والمتعيَّد: الغضبان.
وَقَالَ أَبُو سعيد: يُقَال تعيّد العائن على من يتعيَّن لَهُ إِذا تشهَّق عَلَيْهِ، وتشدَّد ليبالغ فِي إِصَابَته بِعَيْنِه.
وَحكي عَن أعرابيّ: هُوَ لَا يُتعيَّن عَلَيْهِ وَلَا يُتعيَّد. وَأنْشد ابْن السّكيت:
كَأَنَّهَا وفوقها المجلَّد
وقِربة غَرْفية ومِزود
غَيْرِي على جاراتها تَعَيَّد
قَالَ: المجلَّد: حمل ثقيل، فَكَأَنَّهَا وفوقها هَذَا الحِمْل وقربة ومزود امْرَأَة غَيْرِي تَعَيَّد أَي تندرىء بلسانها على ضَرَّاتها وتحرك يَديهَا.
وعد: اللَّيْث: الوَعْد والعِدَة يكونَانِ مصدرا واسماً. فأمّا العِدَة فتُجمع عِدَات، والوعد لَا يجمع. والموعد: مَوضِع التواعد، وَهُوَ الميعاد. وَيكون الْموعد مصدر وعدته. وَيكون الْموعد وقتا للعِدَة. والموعدة أَيْضا: اسْم للعدة. والميعاد لَا يكون إلاّ وقتا أَو موضعا. والوعيد من التهدّد.
قلت أَنا: الْوَعْد مصدر حقيقيّ، والعِدَة إسم يوضع مَوضِع الْمصدر، وَكَذَلِكَ الموعدة.
قَالَ الله جلّ وعزّ: {إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ} (التّوبَة: 114) .
وَقَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله: {مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا} (طاه: 87) قَالَ: الْموعد: الْعَهْد. وَكَذَلِكَ قَوْله: {فَأَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِى} (طاه: 86) قَالَ: عهدي.
وَقَوله جلّ وعزّ: {تُبْصِرُونَ وَفِى السَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا توعدون}(3/85)
(الذّاريَات: 22) قَالَ: رزقكم الْمَطَر، وَمَا توعدن الْجنَّة.
وَقَالَ قَتَادَة فِي قَوْله: {الْبُرُوجِ وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ} (البُرُوج: 2) إِنَّه يَوْم الْقِيَامَة.
وَقَالَ جلّ وعزّ: {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} (البَقَرَة: 51) قَرَأَ أَبُو عَمْرو (وعدنا) بِغَيْر ألف، وَقَرَأَ ابْن كثير وَنَافِع وَابْن عَامر وَعَاصِم وَحَمْزَة والكسائيّ: {واعدنا بِالْألف.
وَقَالَ أَبُو مُعَاذ النحويّ: وَاعَدت زيدا إِذا وَعدك ووعدته، ووعدت زيدا إِذا كَانَ الْوَعْد مِنْك خاصّة.
الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت: تَقول: وعدته شرا، ووعدته خيرا. قَالَ: وَهُوَ الوَعْد والعِدَة فِي الْخَيْر والشرّ.
وَأنْشد:
أَلا علّلاني كل حيّ معلَّل
وَلَا تعداني الشَّرّ وَالْخَيْر مقبل
قَالَ: وَتقول: أوعدته بالشرّ إِذا أدخلُوا الْبَاء جَاءُوا بِالْألف.
قَالَ: وأنشدني الْفراء:
أوعدني بالسجن والأداهم
رِجْلي ورِجْلي شَثْنةُ المناسم
قَالَ أَبُو بكر: العامَّة تخطىء فَتَقول: أوعدني فلَان موعداً أَقف عَلَيْهِ، وَكَلَام الْعَرَب وعدت الرجل خيرا ووعدته شرّاً وأوعدته خيرا وأوعدته شرّاً، فَإِذا لم يذكرُوا الْخَيْر قَالُوا: وعدته فَلم يدخلُوا ألفا، وَإِذا لم يذكرُوا الشرَّ قَالُوا: أوعدته فَلم يسقطوا الْألف.
وَأنْشد:
وَإِنِّي وَإِن أوعدته أَو وعدته
لأُخلف إيعادي وأُنجز موعدي
قَالَ: وَإِذا أدخلُوا الْبَاء لم يكن إلاّ فِي الشرّ، كَقَوْلِك: أوعدته بِالضَّرْبِ.
قَالَ: وواعدت فلَانا أواعده إِذا وعدتُه ووعدني.
وَقَالَ الله: وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى} وقرىء: {واعدنا فَمن قَرَأَ: (وَعَدنا) فالفعل من الله وَمن قَرَأَ (واعدنا) فالفعل من الله وَمن مُوسَى.
وَقَالَ غَيره: اتَّعدت الرجل إِذا وعدته.
وَقَالَ الْأَعْشَى:
فَإِن تتّعدني أتّعدك بِمِثْلِهَا
وَقَالَ بَعضهم: فلَان يتَّعد إِذا وثِق بعدتك. وَقَالَ:
أَنَّي أتْممت أَبَا الصبَاح فاتعدي
واستبشري بنوال غير منزور
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: مَرَرْت بِأَرْض بني فلَان غِبّ مطر وَقع بهَا، فرأيتها واعدة إذَا رُجي خَيرهَا، وتمامُ نَبْتها فِي أول مَا يظْهر النبت. وَقَالَ سُوَيد بن كُراع:
رَعَى غير مذعور بهنّ وراقه
لُعَاع تهاداه الدكادك وَاعد
وَيُقَال للدابة والماشية إِذا رُجي خَيرهَا وإقبالها: وَاعد.
وَقَالَ الراجز:
كَيفَ ترَاهَا واعداً صغارُها
يسوء شُنّاء العدا كبارُها(3/86)
وَيُقَال يَوْمنَا يعِد بَرْداً، وَهَذَا غُلَام تعد مخايلُه كرماً، وشِيمَه تعد جَلَداً وصرامة.
ودع: فِي الحَدِيث عَن النَّبِي: إِذا لم يُنكر النَّاس الْمُنكر فقد تُوُدّع مِنْهُم وَقَوله فقد تُودِّع مِنْهُم أَي أُهمِلوا وتُركوا مَا يرتكبون من الْمعاصِي وَلم يُهدَوا لرشدهم، حَتَّى يستجبوا الْعقُوبَة، فيعاقبَهم الله، وَأَصله من التوديع وَهُوَ التّرْك. وَمِنْه قَوْله جلّ وعزّ: سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ} (الضُّحَى: 3) أَي لم يقطع الله عَنْك الْوَحْي وَلَا أبغضك. وَذَلِكَ أَنه اسْتَأْخَرَ الوحيُ عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أيّاماً، فَقَالَ نَاس من النَّاس: إِن مُحَمَّدًا ودّعه ربه وقلاه فَأنْزل الله جلّ وعزّ: {سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ} الْمَعْنى: وَمَا قلاك. وَقَرَأَ عُرْوَة بن الزبير هَذَا الْحَرْف (مَا وَدَعَك رَبك) بِالتَّخْفِيفِ، وَسَائِر الْقُرَّاء قرءوه {ودَّعك بِالتَّشْدِيدِ. وَالْمعْنَى فيهمَا وَاحِد أَي مَا تَركك.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي أَحْمد الجمادي عَن ابْن أخي الْأَصْمَعِي أَن عمّه أنْشدهُ لأنَس بن زُنَيم اللَّيْثِيّ:
لَيْت شعري عَن أَمِيري مَا الَّذِي
غاله فِي الحبّ حَتَّى ودعَهْ
لَا يكن برقك برقاً خُلّباً
إِن خير الْبَرْق مَا الغيثُ مَعَه
الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت قَالَ: وَيُقَال: ذَرْ ذَا، وَدَع ذَا. وَلَا يُقَال: وَدَعته وَلَكِن تركته.
وَقَالَ اللَّيْث: الْعَرَب لَا تَقول: وَدَعته فَأَنا وادع فِي معنى تركته فَأَنا تَارِك، وَلَكِن يَقُولُونَ فِي الغابر: يدع وَفِي الْأَمر دَعْه وَفِي النَّهْي: لاتدَعْه.
وَأنْشد:
وَكَانَ مَا قدَّموا لأَنْفُسِهِمْ
أَكثر نفعا من الَّذِي وَدَعوا
يَعْنِي تركُوا. أنْشد ابْن السّكيت قَول مَالك بن نُويرة وَذكر نَاقَته:
قاظت أُثَال إِلَى الملا وتربّعت
بالحَزْن عازبة تُسنّ وتودَع
قَالَ: تودَع أَي تودَّع، وتسنّ أَي تصقل بالرعي يُقَال: سنَّ إبِله إِذا أحسن الْقيام عَلَيْهَا وصقلها. وَكَذَلِكَ إِذا صقل فرسه إِذا أَرَادَ أَن يبلغ من ضُمره مَا يبلغ الصيقل من السَّيْف وَهَذَا مثل.
وَقَالَ اللَّيْث: الوَدْع: جمع وَدْعة وَهِي مناقف صغَار تخرج من الْبَحْر تزيّن بهَا العثاكيل، وَهِي بيض فِي بَطنهَا مَشَقٌ كَشَقِّ النواة، وَهِي جُوف فِي جوفها دُوَيْبَّة كالحَلَمة. قَالَ: والوَدِيع. الرجل الهادىء السَّاكِن ذُو التُّدَعة.
وَيُقَال: ذُو وَدَاعة. قَالَ: والدَعَة: الخَفْض فِي الْعَيْش والراحة. وَرجل متَّدع: صَاحب دَعَة.
وَيُقَال: نَالَ فلَان المكارم وادِعاً أَي من غير أَن تكلّف فِيهَا مشقّة.
وَيُقَال ودُع يَوْدُع دَعة، واتَّدع تُدْعة وتُدَعة فَهُوَ متَّدِع. والتوديع: أَن يُوَدِّعَ ثوبا فِي صِوان لَا يصل إِلَيْهِ غُبَار وَلَا ريح. والمِيدع ثوب يَجْعَل وقاية لغيره. ويُنْعت بِهِ الثَّوْب المبتذَل، فَيُقَال: ثوبٌ مِيدع. ويضاف فَيُقَال: ثوبُ ميدعٍ والوَدَاع: توديع(3/87)
النَّاس بعضِهم بَعْضًا فِي السّير.
وَقَالَ ابْن بزرج: فرس وديع ومُوَدَّعٌ وَمَوْدوع.
وَقَالَ ذُو الإصبع العَدْواني:
أقصُر من قَيده وأُودعه
حَتَّى إِذا السَرْب ريع أَو فَزعًا
قَالَ وَقَالُوا: ودُع الرجلُ من الْوَدِيع. قَالَ وودَعت الثَّوْب بِالثَّوْبِ وَأَنا أدَعه مخفّف.
وَقَالَ أَبُو زيد المِيدع كل ثوب جعلته مِيدعاً لثوب جَدِيد، تودِّعه بِهِ أَي تصونه بِهِ.
وَيُقَال مِيداعة وَجمع الميدع موادع.
وَقَالَ اللحياني: ميدع الْمَرْأَة مِيدَعتها: الَّتِي تودّع بِهِ ثِيَابهَا. وَقَول عَدِيّ:
كَلاّ يَمِينا بِذَات الوَدْع لَو حَلَفت
فِيكُم وقابل قبرُ الْمَاجِد الزارا
قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: يُرِيد بِذَات الوَدْع: سفينة نوح يحلف بهَا. وَقَالَ أَبُو نصر: ذَات الوَدْع: مكّة؛ لِأَنَّهُ كَانَ يعلّق عَلَيْهَا فِي سِتْرها الوَدْع. قَالَ: وَيُقَال أَرَادَ بِذَات الوَدْع الْأَوْثَان.
وتوديع الْمُسَافِر أَهله إِذا أَرَادَ سفرا: تخليفُه إيَّاهُم خافضين وادعين، وهم يودّعونه إِذا سَافر تفاؤلاً بالدعة الَّتِي يصير إِلَيْهَا إِذا قَفَلَ وَيُقَال وَدَعته بِالتَّخْفِيفِ فودَع وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي:
وسِرْتُ المطيَّة مودعةً
تُضَحِّي رويداً وتُمسي زُزَيفا
وَهُوَ من قَوْلهم فرس وديع ومودِع ومُودَع.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: المِيدَع: الثَّوْب الَّذِي تبتذله، وتودِّع بِهِ ثِيَاب الْحُقُوق ليَوْم الحَفْل. قَالَ: وَإِنَّمَا يُتخذ المِيدع ليودع بِهِ المَصُون. وَيُقَال للثوب الَّذِي يُبتذل: مِبذَل ومِيدع، ومِعْوز ومِفْضَل. وَقَالَ الشَّاعِر:
أقدّمه قُدَّام وَجْهي واتّقي
بِهِ الشرّ إِن الصُّوف للخزّ مِيدع
وَقَالَ شمر: التوديع يكون للحيّ وللميت. وَأنْشد بَيت لَبيد:
فودِّعْ بِالسَّلَامِ أَبَا حُرَيْز
وقلّ وداعُ أربدَ بِالسَّلَامِ
قلت أَنا: والتوديع وَإِن كَانَ الأَصْل فِيهِ تخليفَ الْمُسَافِر أَهله وَذَوِيهِ وادعين فَإِن الْعَرَب تضعه مَوضِع التَّحِيَّة وَالسَّلَام، لِأَنَّهُ إِذا خلَّف أَهله دَعَا لَهُم بالسلامة والبقاء، ودعَوا لَهُ بِمثل ذَلِك؛ أَلا ترى لبيداً قَالَ فِي أَخِيه وَقد مَاتَ: فودع بِالسَّلَامِ أَبَا حُريز. أَرَادَ الدُّعَاء لَهُ بِالسَّلَامِ بعد مَوته، وَقد رثاه لبيد بِهَذَا الشّعْر وودّعه توديع الحيّ إِذا سَافر. وَجَائِز أَن يكون التوديع تَركه إِيَّاه فِي الخَفْض والدعة.
وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي قَالَ: (لينتهينّ أَقوام عَن وَدْعهم الْجُمُعَات أَو ليُختمنّ على قُلُوبهم ثمَّ ليكتُبنّ من الغافلين) . قَالَ شمر: معنى وَدْعهم الْجُمُعَات: تَركهم إيَّاها، من وَدَعته وَدْعاً إِذا تركته. قَالَ: وَزَعَمت النحوية أَن الْعَرَب أماتوا مصدر يدع ويذر، واعتمدوا على التّرْك. قَالَ شمر: وَالنَّبِيّ أفْصح الْعَرَب وَقد رُويت عَنهُ هَذِه الْكَلِمَة. ورَوَى شمر عَن محَارب: ودّعت فلَانا من وَداع(3/88)
السَّلَام.
وَقَول القطاميّ:
قفي قبل التَّفَرُّق يَا ضُبَاعا
وَلَا يَك موقف مِنْك الوداعا
أَرَادَ: وَلَا يَكْفِي مِنْك موقف الْوَدَاع، وَلَكِن ليكن موقفَ غِبْطَة وَإِقَامَة؛ لِأَن موقف الْوَدَاع يكون للفراق، وَيكون منغصاً بِمَا يتلوه من تباريح الشوق.
وودَّعت فلَانا أَي هجرته. قَالَ: والداعة من خفض الْعَيْش، والدَعَة من وقار الرجُل الْوَدِيع، ودُع يُوَدُع دَعَة ووداعة. وَأنْشد شمر قَول عُبَيد الرَّاعِي:
ثَنَاء تَشرق الأحساب مِنْهُ
بِهِ نتودّع الْحسب المصونا
أَي نقيه ونصونه.
عَمْرو عَن أَبِيه: الوَدِيع: الْمقْبرَة، وَيُقَال وَدَع الرجلُ يَدَع إِذا صَار إِلَى الدعة والسكون وَمِنْه قَول سُوَيد بن كُراع:
أرَّق العينَ خيال لم يَدَعْ
لسليمى ففؤادي منتزَع
أَي لم يبْق وَلم يقرّ.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أَحْمد بن يحيى أَنه أنْشدهُ قَول الفرزدق:
وَعَضَّ زمَان يَا ابْن مَرْوَان لم يَدَع
من المَال إِلَّا مُسْحَتٌ أَو مجلَّف
وَقَالَ فِي قَوْله: لم يدَع: لم يتقارّ وَلم يتّدع.
وَقَالَ الزّجاج: معنى لم يدع من المَال أَي لم يسْتَقرّ وأنشده سَلمَة عَن الْفراء: لم يدع من المَال إلاّ مسحتاً أَو مجلف أَي لم يتْرك من المَال إِلَّا شَيْئا مستأصلاً هَالكا أَو مجلّف كَذَلِك. وَنَحْو ذَلِك رَوَاهُ الْكسَائي وفسّره. فَقَالَ: وَهُوَ كَقَوْلِك: ضربت زيدا وَعَمْرو تُرِيدُ: وَعَمْرو مَضْرُوب كَذَلِك، فلمّا لم يظْهر الْفِعْل رفع.
وَقَالَ شمر: أَنْشدني أَبُو عدنان:
فِي الكفّ مني مَجلات أربعُ
مبتذلات مالهن ميدعُ
قَالَ: (مالهن ميدع) أَي مالهن من يكفيهن الْعَمَل، فيدعهنّ أَي يصونهنّ عَن الْعَمَل.
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: أودعت فلَانا مَالا إِذا دَفعته إِلَيْهِ يكون وَدِيعَة عِنْده. وأودعته: قبلت وديعته جَاءَ بِهِ فِي بَاب الأضداد.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَا أَعرف أَودعته؛ قبِلت وديعته، وَأنْكرهُ شمر، إِلَّا أَنه حكى عَن بَعضهم: استودعني فلَان بَعِيرًا فأبيت أَن أودعَهُ أَي أقبله.
قلت: قَالَ ابْن شُمَيْل فِي كتاب (الْمنطق) } . قلت: والكسائيّ لَا يَحْكِي عَن الْعَرَب شَيْئا إلاّ وَقد ضَبطه وَحفظه. وَيُقَال: أودعت الرجل مَالا واستودعته مَالا. وَأنْشد:
يَا ابْن أبي وَيَا بُنَيَّ أُمِّيَهْ
أودعتك الله الَّذِي هُو حسبيه
وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي:
حَتَّى إِذا ضرب القسوسُ عصاهمُ
ودنا من المتنسكين رُكُوع
أودعتنا أَشْيَاء واستودعتنا
أَشْيَاء لَيْسَ يُضعيعهِن مضيع(3/89)
وَأنْشد أَيْضا:
إِن سرّك الرِّيُّ قُبيل النَّاس
فودِّع الغَرْب بِوَهْم شَاس
ودّع الغرب أَي اجْعَلْهُ وَدِيعَة لهَذَا الْجمل أَي أَلزِمه الغَرْب.
وَأما قَول الله جلّ وعزّ: {فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ} (الأنعَام: 98) فَإِن ابْن كثير وَأَبا عَمْرو قرءا (فَمُسْتَقِرُ) بِكَسْر الْقَاف. وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ وَنَافِع وَابْن عَامر بِالْفَتْح، وَكلهمْ قرءوا {مستودع بِفَتْح الدَّال. وَقَالَ الْفراء: مَعْنَاهُ: فمستقر فِي الرَّحِم، ومستودع فِي صُلْب الْأَب. ورُوي ذَلِك عَن ابْن مَسْعُود وَمُجاهد وَالضَّحَّاك. وَقَالَ الزّجاج: من قَرَأَ فمستقر فَمَعْنَاه: فلكم فِي الْأَرْحَام مُسْتَقر وَلَكِن فِي الأصلاب مستودع. وَمن قَرَأَ (فَمُسْتَقِرُ) بِالْكَسْرِ فَمَعْنَاه. فمنكم مستقِرَّ فِي الْأَحْيَاء، ومنكم مستودَعٌ فِي الثَرَى. وَقَالَ ابْن مَسْعُود فِي قَوْله: رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا} (هود: 6) أَي مستقرها فِي الْأَرْحَام، ومستودعها فِي الأَرْض.
وَرُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَالَ: إِذا كَانَ أجل الرجل بِأَرْض أُتِّيت لَهُ إِلَيْهَا الْحَاجة، فَإِذا بلغ أقْصَى أَثَره قُبض، فَتَقول الأَرْض يَوْم الْقِيَامَة: هَذَا مَا استودعتني وَقَالَ قَتَادَة فِي قَوْله جلّ وعزّ: {الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ} (الأحزَاب: 48) يَقُول: اصبر على أذاهم. وَقَالَ مُجَاهِد: ودَع أذاهم أَي أعرِض عَنْهُم. وَقَوله: بِهِ نتودَّع الْحسب المصونا أَي نقرُّه على صونه وادعاً. وَقَالَ اللحياني: كَلَام مِيدع إِذا كَانَ يحزن، وَذَلِكَ إِذا كَانَ الْكَلَام يحتشم مِنْهُ وَلَا يستحن
وَقَالَ اللَّيْث: وَدْعان مَوضِع، وَأنْشد:
ببَيْض وَدْعان بَسَاطٌ سِيُّ
قَالَ: وَإِذا أمرت رجلا بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقار قلت: تودَّعْ واتَّدعْ، وَعَلَيْك بالمودوع، من غير أَن يَجْعَل لَهُ فعلا وَلَا فَاعِلا؛ مثل المعسور والميسور.
وَقَالَ غَيره: تودَّع فلَان فلَانا إِذا ابتذله فِي حَاجته، وتودَّع ثِيَاب ضَونه إِذا ابتذلها، وناقة مودَّعة: لَا تُركب وَلَا تحلب اللَّيْث: الأودع من أَسمَاء اليربوع وَيُقَال: توادع الْفَرِيقَانِ إِذا أعْطى كلّ وَاحِد مِنْهُمَا الآخرين عهدا أَلا يغزوهم. وَاسم ذَلِك الْعَهْد الوَدِيع، وَمِنْه الحَدِيث الَّذِي جَاءَ: (لكم يَا بني نهد ودائع الشّرك ووضائع المَال) . وَيُقَال: وَادعت الْعَدو إِذا هاونته موادعة؛ وَهِي الهُدْنة وَالْمُوَادَعَة. وَقيل فِي قَول ابْن مفرّغ:
دعيني من اللوم بعض الدعهْ
أَي اتركيني بعض التّرْك.
وَقَالَ ابْن هانىء: من أمثالهم فِي المَزْرِية على الَّذين يتصنّع فِي الْأَمر وَلَا يُعْتمد مِنْهُ على ثِقَة: دَعْنِي من هِنْد فَلَا جديدَها ودعت، وَلَا خَلقَها رَقَعت.
يدع: قَالَ اللَّيْث: الأَيدع: صِبغ أَحْمَر، وَهُوَ خشب البَقَّم، وَهُوَ على تَقْدِير أفعل. يَقُول: يَدَّعته وَأَنا أُيدِّعه تيديعاً. قَالَ: والأودع من أَسمَاء اليربوع.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: العَنْدَمُ: دم الْأَخَوَيْنِ. وَيُقَال: هُوَ الأيدع أَيْضا، وَيُقَال: البقّم، وَقَالَ الْهُذلِيّ:(3/90)
بهما من النضج المجدّح أيدع
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: أَوْذَمْتُ يَمِينا، وأيدعتها أَي أوجبتها.
شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي: أيدع الرجلُ إِذا أوجب على نَفسه حجّاً. وَأنْشد لجرير:
وَرب الراقصات إِلَى الثنايا
بشُعْت أيدعوا حَجّا تَمامًا
قَالَ أيدعوا أوجبوا على أنفسهم، وَأنْشد شمر لكثيّر:
كَأَن حُمُول الْقَوْم حِين تحمّلوا
صرِيمة نخل أَو صريمة أَيْدع
وَقَالَ ابْن قيس:
وَالله لَا يَأْتِي بخيرٍ صديقَها
بَنو جُنْدُع مَا اهتز فِي الْبَحْر أيدع
قلت: هَذَا الْبَيْت يدلّ على أَن الأيدع هُوَ البقّم؛ لِأَنَّهُ يُحْمَل فِي السفن من بِلَاد الْهِنْد.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: دُع دُع إِذا أَمرته بالنعيق بغنمه. وَغَيره يَقُول: دَعْ دَعْ بِالْفَتْح وهما لُغَتَانِ.
(بَاب الْعين وَالتَّاء)
(ع ت (وَا يء))
عتا (يعتو) ، تاع (يتيع) ، تعا (يتعى) .
عتا: قَالَ اللَّيْث عتَا يعتو عُتُوّا وعتيّا، وَهُوَ مُجَاوزَة الحدّ إِذا استكبر. وَيُقَال: تَعتّت الْمَرْأَة، وتعتّى فلَان وَأنْشد:
بأَمْره الأرضُ فَمَا تعتَّت
أَي فَمَا عصته. والعاتي: الجبّار، وَجمعه العُتَاة. وَقَول الله جلّ وعزّ: (وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عُتِياً) (مريَم: 8) وقرىء (عِتِيّاً) . وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: كل شَيْء قد انْتهى فقد عتا يعتو عُتِيّاً وعُتُوّا، وعسا يعسو عُسُوَّا وعُسِيّاً. فَأحب زَكَرِيَّا أَن يعلم من أيّ جِهَة يكون لَهُ ولد ومِثْل امْرَأَته لَا تَلد، وَمثله لَا يُولد لَهُ. قَالَ الله جلّ وعزّ: {كَذاَلِكَ} (مَرْيَم: 9) ، مَعْنَاهُ وَالله أعلم: الْأَمر كَمَا قيل لَك.
أَبُو عبيد عَن الْأمَوِي: يُقَال للشَّيْخ إِذا ولَّى وكَبِر: عتاً يعتو عتيّا، وعسا يعسو مثله.
سَلمَة عَن الْفراء الإعْتاءُ الدُّعار من الرِّجَال.
قلت وَالْوَاحد عاتِ
تاع: رُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كتب لِوَائِل بن جُحْر كتابا فِيهِ (على التِيعة شَاة والقِيمة لصَاحِبهَا) . قَالَ أَبُو عبيد: التِيعة: الْأَرْبَعُونَ من الْغنم، لم يزدْ على هَذَا التَّفْسِير. وَقَالَ أَبُو سعيد الضَّرِير: التِيعة: أدنى مَا يجب من الصَّدَقَة؛ كالأربعين فِيهَا شَاة وكخمس من الْإِبِل فِيهَا شَاة إِنَّمَا يتَعَّ التِيعة الحقّ الَّذِي وَجب لِلمُصَدِّق فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَو رام أَخذ شَيْء مِنْهَا قبل أَن يبلغ عدده مَا تجب فِيهِ التِيعة لمَنعه صَاحب المَال، فلمَّا وَجب فِيهَا الحقّ: تاع إِلَيْهِ المصدِّق أَي عَجِلَ، وتاع ربّ المَال إِلَى إِعْطَائِهِ فجاد بِه، وَأَصله من التَيْع وَهُوَ القَيء، يُقَال: أتاع قيئه فتاع.
وَقَالَ أَبُو عبيد: أتاع الرجل إتاعة، إِذا قاء. وَقَالَ القطاميّ:
تمجّ عروقُها عَلقاً مُتَاعا(3/91)
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي فِي أتاع إِذا قاء مثله.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل التِّيْع: أَن تَأْخُذ الشَّيْء بِيَدِك. يقاله: تاع بِهِ يتيع تيعاً وتَيَّعَ بِهِ إِذا أَخذه بِيَدِهِ وَأنْشد:
أعطيتهَا عُوداً وتِعْت بتمرة
وَخير المراغي قد علمنَا قصارُها
قَالَ: وَهَذَا رجل زعم أَنه أكل رغوة مَعَ صَاحِبَة لَهُ، فَقَالَ: أعطيتهَا عوداً تَأْكُل بِهِ وتعت بتمرة أَي أَخَذتهَا آكل بهَا. والمِرغاة: الْعود أَو التَّمْر أَو الكِسْرة يُرتغى بهَا وَجَمعهَا المراغي.
وَرَأَيْت بخطّ أبي الْهَيْثَم: وتِعت بتمرة. قَالَ: وَمثل ذَلِك تيَّغْت بهَا، وَأَعْطَانِي تَمْرَة فتِغت بهَا. قَالَ: وَأَعْطَانِي فلَان درهما فتِعْتُ بِهِ أَي أَخَذته وَأَنا فِيهِ وَاقِف. وَالصَّوَاب تِعت بِالْعينِ غير مُعْجمَة.
وَيُقَال أتاع قيئه، وأتاع دَمه فتاع يتيع تُيُوعاً.
والتَيُّوعات: كل بقلة أَو ورقة إِذا قطِعت أَو قُطفت ظهر لَهَا لبن أَبيض يسيل مِنْهَا؛ مثل ورق التِّين، وَيَقُول آخر يُقَال لَهَا اليتوعات.
وَقَالَ اللَّيْث: التَوْع: كسرك لِبَأ أَو سمناً بكسرة خبز ترفعه بهَا. تَقول مِنْهُ: تُعته وَأَنا أتوعه تَوْعاً قَالَ:
وتاع المَاء يتيع تيعاً إِذا تتَيَّع على وَجه الأَرْض أَي انبسط.
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (كَمَا يتتايَعُ الفَرَاشُ فِي النَّار) . قَالَ أَبُو عبيد: التَّتَابُع: التهافت فِي الشَّيْء والمتابعة عَلَيْهِ، يُقَال قد تتابعوا فِي الشرّ إِذا تهافتوا فِيهِ وسارعوا إِلَيْهِ. وَفِي حَدِيث آخر (لَوْلَا أَن يتتايع فِيهِ الغَيْران والسكران) ، أَي يتهافت وَيَقَع فِيهِ.
قَالَ أَبُو عبيد: وَيُقَال فِي التتايع: إِنَّه اللجاجة، وَهُوَ يرجع إِلَى هَذَا الْمَعْنى. قَالَ: وَلم نسْمع التتايع فِي الْخَيْر، إِنَّمَا سمعناه فِي الشَّرّ.
وَقَالَ اللَّيْث: الرجل يتتايع أَي يَرْمِي بِنَفسِهِ فِي الْأَمر سَرِيعا، وَالْبَعِير يتتايع فِي مَشْيه إِذا حرك ألواحه كَأَنَّمَا يتفكّك. وَيُقَال: أتّايعتت الرّيح بورق الشّجر إِذا ذهبت بِهِ، وَأَصله تتايعت بِهِ. وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب يذكر عقره نَاقَته، وَأَنَّهَا كاست على رَأسهَا فخرّت:
فخرّت كَمَا تَتَّايعُ الريحُ بالقَفْل
والقَفْل: مَا يبس من الشّجر.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: تُعْ تُع إِذا أَمرته بالتواضع.
شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: التِيعة لَا أَدْرِي مَا هِيَ، وبلغنا عَن الْفراء أَنه قَالَ: التِيعة من الشَّاء الْقطعَة الَّتِي تجب فِيهَا الصَّدَقَة، ترعى حول الْبيُوت.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: التتايع ركُوب الْأَمر على خلاف النَّاس. وتتايع الْقَوْم فِي الأَرْض إِذا تباعدوا فِيهَا على عمى وشَدَهٍ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: التاعة، الكُتْلة من اللِّبأ الثخينة.
وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : يتيع عليَّ فلانٌ وَفُلَان تيَّعَان وتَيَّحان تيِّع تَيِّح وتَيَّقَان وتيِّق مثله.(3/92)
تعا: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: تَعي إِذا عدا، وثَعى إِذا قذف. قَالَ: والتَّعَى الْحِفْظ الْحسن، والعَتا: الْعِصْيَان عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: العاتي المتمرد والتاعي اللِّبَأ المسترخي، والثاعي الْقَاذِف، سَلمَة عَن الْفراء قَالَ: الأتعاء سَاعَات اللَّيْل، وَالثَّعَى القَذْفُ.
(بَاب الْعين والظاء)
(ع ظ (وَا يء))
عظا، وعظ.
عظا: قَالَ اللَّيْث: العظاية: على خِلْقة سامّ أبرص أَو أعِيظم مِنْهُ شيأ. قَالَ والعظاءة لُغَة فِيهَا؛ وَالْجمع العَظَاء، وَثَلَاث عظايات.
الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت: يُقَال: عظاءة وعظاية، لُغَتَانِ؛ كَمَا يُقَال: امْرَأَة سقّاءة وسقّاية.
الأصمعيّ عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء: تَقول الْعَرَب: أَرَدْتَ مَا يُلهيني، فقلتَ مَا يَعْظيني، قَالَ: يُقَال هَذَا للرجل يُرِيد أَن ينصح صَاحبه فيخطىء، ويقولُ مَا يسوءه. قَالَ وَمثله: أَرَادَ مَا يحظيها فَقَالَ مَا يَعْظيها.
وَقَالَ اللحْياني: يُقَال: قلت: مَا أورمه وعَظَاه، أَي قلت مَا أسخطه.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل العَظَى أَن تَأْكُل الْإِبِل العُنْظُوان، وَهُوَ شجر فَلَا تَسْتَطِيع أَن تجترَّه وَلَا أَن تَبْغره فتحبَط بطونُها، فَيُقَال: عِظى الْجمل يعظي عظًى شَدِيدا فَهُوَ عظٍ عَظْيان. قَالَ وعظى فلَان فلَانا إِذا سَاءَهُ بِأَمْر يَأْتِيهِ إِلَيْهِ يَعْظيه عَظْياً.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: عظا فلَانا يعظوه إِذا قطَّعه بالغِيبة.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: عظاه يعظوه عَظْواً إِذا اغتاله فَسَقَاهُ سمّاً.
وعظ: قَالَ اللَّيْث: العِظة: الموعظة، وَكَذَلِكَ الْوَعْظ. وَالرجل يتَّعظ إِذا قَبِل الموعظة حِين يذَكَّرُ الخَير وَنَحْوه، مِمَّا يرقّ لذَلِك قلبه. يُقَال وعظته عظة. وَمن أمثالهم الْمَعْرُوفَة: لاتعظيني وتَعَظْعَظِي أَي اتْعظي وَلَا تَعظي.
قلت وَقَوله تعظعظي وَإِن كَانَ كمكرّر المضاعف فَإِن أَصله من الْوَعْظ، كَمَا قَالُوا: خضخض الشَّيْءَ فِي المَاء وَأَصله من خَاضَ.
(أَبْوَاب الْعين والذال)
(ع ذ (وَا يء))
عوذ، ذيع، عذي، ذعي، وذع.
عوذ: يُقَال: عاذ فلَان بربّه يعوذ عَوْذاً إِذا لَجأ إِلَيْهِ واعتصم بِهِ. قَالَ الله جلّ وعزّ: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْءَانَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (النّحل: 98) مَعْنَاهُ: إِذا أردْت قِرَاءَة الْقُرْآن فَقل: أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم ووسوسته. وعاذ وتعوَّذ واستعاذ بِمَعْنى وَاحِد. وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ} (يُوسُف: 79) أَي نَعُوذ بِاللَّه مَعَاذاً أَن نَأْخُذ غير الْجَانِي بِجِنَايَتِهِ، نَصبه على الْمصدر الَّذِي أُرِيد بِهِ الْفِعْل. ورُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه تزوّج امْرَأَة من الْعَرَب، فلمَّا أُدخلت عَلَيْهِ(3/93)
قَالَت: أعوذ بِاللَّه مِنْك، فَقَالَ لَهَا لقد عُذْتِ بمَعَاذ فالحقي بأهلك. والمَعَاذ فِي هَذَا الحَدِيث: الَّذِي يعاذ بِهِ. وَالله جلّ وعزّ معاذُ من عاذ بِهِ، وملجأ مَن لَجأ إِلَيْهِ، والملاَذ مِثْل المعاذ. وَقَالَ عوَّذت فلَانا بِاللَّه وأسمائه، وبالمعوذتين من الْقُرْآن إِذا قلت: أُعيذك بِكَلِمَات الله وأسمائه من كل شرّ وكل دَاء وحاسد وَعين. ويُروى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يعوِّذ نَفسه بالمعوِّذتين بعد مَا طُبَّ، وَكَانَ يعوّذ ابْني ابْنَته البتولِ ت بهما. وأمّا التعاويذ الَّتِي تكْتب وتعلَّق على الْإِنْسَان من الْعين فقد نُهي عَن تَعْلِيقهَا. وَهِي تسمى المَعَاذات أَيْضا، يعوَّذ بهَا مَن عُلِّقت عَلَيْهِ من الْعين والفزع وَالْجُنُون. وَهِي العُوَذ، واحدتها عُوذة.
الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت: قَالَ يُقَال عَوْذٌ بِاللَّه مِنْك أَي أعوذ بِاللَّه مِنْك. وَأنْشد:
قَالَت وفيهَا حَيْدة وذُعْر
عَوْذٌ بربي مِنْكُم وحُجْرُ
قَالَ: وَتقول الْعَرَب للشَّيْء ينكرونه، والأمرِ يهابونه: حُجراً أَي دَفْعاً لَهُ، وَهُوَ استعاذة من الْأَمر. وَيُقَال أُفلت فلَان من فلَان عَوَذاً إِذا خوّفه وَلم يضْربهُ أَو ضربه وَهُوَ يُرِيد قَتله فَلم يقْتله وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال فلَان عَوَذ لَك أَي ملْجأ. وَيُقَال: اللهمّ عائذاً بك من كل سوء أَي أعوذ بك عائذاً والعَوَذ: مَا دَار بِهِ الشَّيْء الَّذِي تضربه الرّيح فَهُوَ يَدُور بالعَوَذ من حجر أَو أَرومة. قَالَ وتعاوذ الْقَوْم فِي الْحَرْب إِذا تواكلوا وعاذ بَعضهم بِبَعْض.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: من دوائر الْخَيل المعوَّذ، وَهِي الَّتِي تكون فِي مَوضِع القلادة يستحبّونها. وَفُلَان عَوَذ لبني فلَان أَي لَجأ لَهُم يعوذون بِهِ. وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {كَذِباً وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادوهُمْ} (الجنّ: 6) قيل إِن أهل الْجَاهِلِيَّة كَانُوا إِذا نزلت رُفقة مِنْهُم فِي وادٍ قَالَت: نَعُوذ بعزيز هَذَا الْوَادي من مَرَدة الْجِنّ وسفهائهم أَي نلوذ بِهِ ونستجير.
وَقَالَ أَبُو عبيد وَغَيره: النَّاقة إِذا وضعت وَلَدهَا فَهِيَ عَائِذ أيّاماً، ووقَّت بَعضهم سَبْعَة أَيَّام. وَجَمعهَا عُوذ بِمَنْزِلَة النُفَساء من النِّسَاء. وَهِي من الشَّاء رُبَّى وَجَمعهَا رِباب، وَهِي من ذَوَات الْحَافِر فرِيشٌ. وَقيل سميت النَّاقة عائذاً لِأَن وَلَدهَا يعوذ بهَا، فَهِيَ فَاعل بِمَعْنى مفعول. وَقيل: إِنَّمَا قيل لَهَا: عَائِذ لِأَنَّهَا ذَات عَوْذِ أَي عاذ بهَا وَلَدهَا عَوْذاً. وَمثله قَول الله جلّ وعزّ: {خُلِقَ خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ} (الطّارق: 6) أَي ذِي دَفق.
ذيع: اللَّيْث: الذَيْع: أَن يشيع الْأَمر. يُقَال: أذعناه فذاع. وَرجل مِذْياع: لَا يَسْتَطِيع كتمان خبر. وَقوم مذاييع. وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الاَْمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ} (النِّساء: 83) وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق يَعْنِي بِهَذَا جمَاعَة من الْمُنَافِقين، وضعفةً من الْمُسلمين. قَالَ: وَمعنى (أذاعوا بِهِ) أَي أظهروه ونادَوا بِهِ فِي النَّاس وَأنْشد:
أذاع بِهِ فِي النَّاس حَتَّى كَأَنَّهُ
بعلياءَ نارٌ أُوقدت بثَقُوب
وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أُعلِم أَنه ظَاهر على قومٍ آمنٌ مِنْهُم، أَو أُعلم بتجمّع قوم يخَاف(3/94)
من جمع مثلهم أذاع المُنَافِقُونَ ذَلِك ليحذر من يَنْبَغِي أَن يحذر من الْكفَّار، وليقوى قلبُ من يَنْبَغِي أَن يقوى قلبه على مَا أذاع. وَكَانَ ضَعَفة الْمُسلمين يُشيعون ذَلِك مَعَهم عَن غير علم بِالضَّرَرِ فِي ذَلِك، فَقَالَ الله جلّ وعزّ: لَو ردّوا ذَلِك إِلَى أَن يأخذوه من قِبَل الرَّسُول وَمن قبل أولي الْأَمر مِنْهُم لعلم الَّذين أذاعوا بِهِ من الْمُسلمين مَا يَنْبَغِي أَن يذاع أَو لَا يذاع.
قَالَ أَبُو زيد: أذعت الْأَمر، وأذعت بِهِ: قَالَ: وَيُقَال أذاع الناسُ بِمَا فِي الْحَوْض إذاعة إِذا شربوا مَا فِيهِ، وأذاعت بِهِ الإبلُ إذاعة إِذا شربته، وَتركت متاعي فِي مَكَان كَذَا وَكَذَا فأذاع النَّاس بِهِ إِذا ذَهَبُوا بِهِ. وكلّ مَا ذُهب بِهِ فقد أذيع بِهِ. وأذعت السرّ إذاعة إِذا أفشيته وأظهرته.
عذي: قَالَ اللَّيْث: العِذْيُ: مَوضِع بالبادية. قَالَ والعِذْيُ: اسْم للموضع الَّذِي يُنبت فِي الشتَاء والصيف من غير نَبْع مَاء.
قلت أما قَوْله: العِذْي مَوضِع بالبادية فَلَا أعرفهُ وَلم أسمعهُ لغيره. وَأما قَوْله: فِي العذي: إِنَّه اسْم للموضع الَّذِي ينْبت فِي الشتَاء والصيف من غير نبع مَاء فَإِن كَلَام الْعَرَب على غَيره. وَلَيْسَ العِذْي اسْما للموضع، وَلَكِن العِذْي من الزروع والنخيل: مَا لَا يُسقى إلاّ بِمَاء السَّمَاء. وَكَذَلِكَ عِذْي الْكلأ والنبات: مَا بعد عَن الرِّيف وأنبته مَاء السَّمَاء. والعَذَاة: الأَرْض الطيّبة التربة الْكَرِيمَة المنبت الْبَعِيدَة عَن الأحاء والنزوز والريف، السهلةُ المَرِيئةُ الَّتِي يكون كلؤها مريئاً ناجعاً. وَلَا تكون العذاة ذَات وخامة وَلَا وباء. وَقَالَ ذُو الرمة:
بِأَرْض هجان الثرب وسميّة الندى
عذاةٍ نأت عَنْهَا المُثُوجَةُ والبحرُ
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: العَذِيَّة الأَرْض الطيّبة الَّتِي لَيست بسبِخة. وَيُقَال: رعينا أَرضًا عَذَاة، ورعينا عَذَوات الأَرْض. قَالَ وَيُقَال فِي تصريفه: عذِيَ يَعْذَى عَذًى فَهُوَ عذٍ وعَذِيٍ وعَذْى وعِذْى وَجمع العِذْى أعذاء. والعِذْى ينْبت من مَاء السَّمَاء.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: عذا يعذو إِذا طَابَ هواؤه.
وَقَالَ أَبُو زيد عَذُوَت الأرضُ، وعذِيت أحسنَ العَذَاةِ وَهِي الطيّبة الْبَعِيدَة من المَاء.
وَقَالَ حُذَيْفَة لرجل: إِن كنت لَا بدّ نازلاً بِالْبَصْرَةِ فَانْزِل عَذَواتها، وَلَا تنزل سُرّتها.
وَقَالَ شمر: العذاة: الأَرْض الطيّبة الْبَعِيدَة من الْأَنْهَار والبحور والسباخ، واستعذيت الْمَكَان واستقمأته. وَقد قامأني أَي وَافقنِي.
ذعي: أنْشد الْمَازِني:
كَأَنَّمَا أوسطها لمن رَقبْ
بمِذعَيين نُقْبة من الجربْ
قَالَ: مِذْعيان: مَكَان. وَالْبَاء فِي مَوضِع مَعَ. رَقَب: نظر، والرقيب: النَّاظر. يَقُول: هَذِه الأَرْض قد أُخذ حطبها وَأكل فتقوَّبت، وَمَا حولهَا عافٍ لم يُؤْكَل، فَكَأَنَّهَا نُقْبة جرب فِي جلد صَحِيح) .
وذع: قَالَ ابْن السّكيت فِيمَا قَرَأت لَهُ من(3/95)
الْأَلْفَاظ إِن صحّ لَهُ: وذع الماءُ يذع وهمى يهمي إِذا سَالَ. قَالَ: والواذع المَعِين. قَالَ: وكل مَاء جرى على صفاة فَهُوَ واذع.
قلت: وَهَذَا حرف مُنكر وَمَا رَأَيْته إلاّ فِي هَذَا الْكتاب. وَيَنْبَغِي أَن يفتش عَنهُ.
(بَاب الْعين والثاء)
(ع ث (وَا يء))
عثا (عثي) ، عيث، وعث، ثوع، عوث.
عثا: قَالَ الله جلّ وعزّ: {وَلاَ تَعْثَوْاْ فِى الاَْرْضِ مُفْسِدِينَ} (البَقَرَة: 60) الْقُرَّاء كلهم قرءوه {وَلَا تَعثوا بِفَتْح التَّاء من عَثِي يَعْثَى عُثُوّاً وَهُوَ أَشد الْفساد. وَفِيه لُغَتَانِ أخريان لم يُقرأ بِوَاحِدَة مِنْهُمَا عثا يعثو مثل سما يسمو، قَالَ ذَلِك الْأَخْفَش وَغَيره. وَلَو جَازَت الْقِرَاءَة بِهَذِهِ اللُّغَة لقرىء (وَلَا تَعْثُوا) وَلَكِن الْقِرَاءَة سنَّة، وَلَا يُقرأ إلاّ بِمَا قَرَأَ بِهِ الْقُرَّاء. واللغة الثَّالِثَة عاث يعيث وَتَفْسِيره فِي بَابه.
وَحكى ابْن بُزُرج: عَثَا يَعْثَى، وهم يَعْثَون فِي الأَرْض مثل يسعَون. قَالَ: وعثا يعثو عَثْواً. قلت: واللغة الجيّدة: عثِىَ يَعْثَى؛ لِأَن فَعَل يفعَل لَا يكون إِلَّا مِمَّا ثَانِيه أَو ثالثه أحد حُرُوف الْحلق.
وَقَالَ أَبُو زيد: فِي الرَّأْس العُثْوة، وَهُوَ حُفوف شعره والتباده. وقددَعثِيَ شعره يعثى عَثاً وَرجل أعثى.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الأعثى: الثقيل، الأحمق. وَرجل أعثى: كثيف اللِّحْيَة وَقد عَثِي يعثى عَثاً. أنْشد أَبُو عَمْرو:
وحاص مني فَرَقاً وطَحْربا
فَأدْرك الأعثى الدَثور الخُنْتُبا
فشدّ شدّاً ذَا نَجَاء مُلْهَبا
الدُّثُور الَّذِي ينَام نَاحيَة. والخُنْتب: الْقصير.
وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال: شَاب عَثَا الأَرْض مَقْصُور إِذا هاج نبتها. وأصل العَثَا: الشّعْر ثمَّ يستعار فِيمَا تشعّث من النَّبَات، مثل النَّصِيِّ والبُهْمَى والصِّلِّيان.
وَقَالَ اللَّيْث: الأعثى: لون إِلَى السوَاد. والأعثى: الْكثير الشّعْر. والأعثى: الضبع الْكَبِير. وَالْأُنْثَى عثواء والجميع العُثْو، وَيُقَال: العُثْيُ.
وَقَالَ أَبُو عبيد: الذّكر من الضباع يُقَال لَهُ عِثْيان.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ العَثْوة والوَفْضة والغُسْنة هِيَ الْجُمَّة من الرَّأْس وَهِي الوَفْرة.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: العِثَى: اللِّمم الطوَال. وَقَالَ ابْن الرّقاع فِيمَن قَالَ: عثا يعثو إِذا أفسد:
لَوْلَا الْحيَاء وَأَن رَأْسِي قد عثا
فِيهِ المشيب لزرت أم الْقَاسِم
عثا فِيهِ المشيب أَي أفسد.
وَقَالَ ابْن الرّقاع أَيْضا:
بسرارة حَفَش الرّبيع غُثَاؤها
حوَاء يزدرع الغَمير ثراها
حَتَّى اصطلى وهج المقيظ زَمَانه
أبقى مشاربه وشاب عثاها
أَي يبس عشبها.(3/96)
عيث: قَالَ اللَّيْث: العيث: مصدر عاث يعيث، وَهُوَ الْإِسْرَاع فِي الْفساد. وَالذِّئْب يعيث فِي الْغنم فَلَا يَأْخُذ مِنْهُ شَيْئا إلاّ قَتله. وَأنْشد غَيره لكثيّر:
وذِفْرَى ككاهل ذِيخ الخلي
ف أصَاب فَرِيقة ليل فعاثا
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: العيث أَن تركب الْأَمر لَا تبالي علام وَقعت. وَأنْشد:
فعِثْ فِيمَن يليك بِغَيْر قصد
فَإِنِّي عائث فِيمَن يليني
قَالَ: وَإِذا كَانَت الأَرْض دَهِسة فَهِيَ عَيْثة.
وَقَالَ اللَّيْث: التعييث: طلب الْأَعْمَى، وَطلب الرجل الْبَصِير الشَّيْء فِي الظلمَة. والتعييث إِدْخَال الرجل يَده فِي الكِنانة يطْلب سَهْما. وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب:
... فعيَّثَ فِي الكنانة يُرجع
وَقَالَ شمر: قَالَ أَبُو عَمْرو: العَيْثة: الأَرْض السهلة. وَقَالَ ابْن أَحْمَر الْبَاهِلِيّ:
إِلَى عَيْثية الْأَطْهَار غيَّر رسمها
بناتُ البلَى من يخطىء الْمَوْت يهرم
وَقَالَ الأصمعيّ: عَيْثة: بلد بالشُّرَيْف.
وَقَالَ المؤرج: العَيْثة بالجزيرة. وروى ابْن الْأَعرَابِي بَيت الْقطَامِي:
سَمعتهَا ورِعَان الطَوْد مُعْرِضةٌ
من دونهَا وكثيب العيثة السهِلُ
وعث: يرْوى عَن النَّبِي أَنه كَانَ إِذا سَافر سفرا قَالَ: اللَّهم إِنَّا نَعُوذ بك من وَعْثاء السّفر، وَكآبة المنقلب.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: وَهُوَ شدَّة النَصَب والمشقَّة وَكَذَلِكَ هُوَ فِي المآثم.
وَقال الْكُمَيْت يذكر قُضَاعة وانتسابهم إِلَى الْيمن:
وَابنُ ابْنهَا منا ومنكم وبعلها
خُزَيمة والأرحام وَعثاءُ حوبُها
يَقُول: إِن قطيعة الرَّحِم مأثم شَدِيد. وَإِنَّمَا أصل الوعثاء من الوعث وَهُوَ الدَهْس. الدهس: الرمال الرقيقة وَالْمَشْي يَشْتَدُّ فِيهِ على صَاحبه، فجُعل مَثَلاً لكل مَا يَشُقّ على صَاحبه.
وَقَالَ اللَّيْث: الوَعْث من الرمل: مَا غَابَتْ فِيهِ القوائم وَهُوَ مشقة، وأوعث الْقَوْم: وَقَعُوا فِي الوَعْث.
وَقَالَ غَيره: أوعث فلَان إيعاثاً إِذا خلّط. والوَعْثُ: فَسَاد الْأَمر واختلاطه، وَيجمع على الوُعُوث.
ابْن السّكيت: أوعث فلَان فِي مَاله وأقْعث فِي مَاله وطأطأ الركضَ فِي مَاله إِذا أسرف فِيهِ.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الوَعْث: كل ليّن سهل.
وَقَالَ الْفراء: قَالَ أَبُو قطرِيّ: أَرض وَعْثة ووَعِثة، وَقد وَعْثت وَعْثاً. وَقَالَ غَيره: وُعُوثة ووَعَاثة.
وَقَالَ خَالِد بن كُلْثُوم: الوعثاء: مَا غَابَتْ فِيهِ الحوافر والأخفاف من الرمل الرَّقِيق، والدَهَاسِ من الْحَصَى الصغار وَشبهه.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال طَرِيق وَعْث فِي طُرُق وُعُوث. وَقد وَعُث الطَّرِيق ووعِث وُعوثة وأوعث القومُ إِذا وافقوا الوعوثة. وأوعث الْبَعِير. وَقَالَ رؤبة:(3/97)
لَيْسَ طَرِيق خيرهِ بالأَوْعَث
قَالَ: وَيُقَال: الوَعَث: رقَّة التُّرَاب ورخاوة الأَرْض تغيب فِيهِ قَوَائِم الدَّوَابّ. وَنَقاً مُوَعَّث إِذا كَانَ كَذَلِك. وَامْرَأَة وَعْثة: كَثِيرَة اللَّحْم، كَأَن الْأَصَابِع تَسُوخ فِيهَا من لينها وَكَثْرَة لَحمهَا. وَقال رؤبة:
تُمِيلها أعجازُها الأوَاعث
ثوع: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: ثُعْ ثُعْ إِذا أَمرته بالانبساط فِي الْبِلَاد فِي طَاعَة الله.
عَمْرو عَن أَبِيه الثاعي: الْقَاذِف.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الثاعة: القَذَفة.
عوث: فِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) } : تَقول: عوَّثني فلَان عَن أَمر كَذَا تعويثَاً أَي ثبَّطني عَنهُ. وتعوَّث الْقَوْم تعوثاً إِذا تحيروا. وَتقول عوَّثني حَتَّى تعوثت، أَي صرفني عَن أَمْرِي حَتَّى تحيرت. وَتقول: إِن لي عَن هَذَا الْأَمر لَمَعاثاً أَي مندوحة، أَي مذهبا ومسلكاً، وَتقول: وَعثَّته أَي صرفته.
(بَاب الْعين وَالرَّاء)
(ع ر (وَا يء))
عرى، عرا، عير، عور، رعي، روع، ريع، ورع، وعر، يعر، يرع.
عرا: قَالَ الله جلّ وعزّ: {إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُءَالِهَتِنَا بِسُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - ءٍ} (هُود: 54) قَالَ الْفراء: كَانُوا كذّبوه يَعْنِي هوداً ثمَّ جَعَلُوهُ مختلِطاً، وادَّعَوا أَن آلِهَتهم هِيَ الَّتِي خَبَّلته لعيبه إيّاها. فهنالك قَالَ: {إِنِّى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أُشْهِدُ اللَّهِ وَاشْهَدُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ أَنِّى بَرِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - ءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ} (هود: 54) .
وَقَالَ الزّجاج فِي قَوْله {إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُءَالِهَتِنَا بِسُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - ءٍ} (هود: 54) أَي مَا نقُول إِلَّا مَسَّك بعض أصنامنا بجنون لسبّك إِيَّاهَا.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه سَمعه يَقُول: إِذا أتيت رجلا تطلب مِنْهُ حَاجَة قلت: عروْته وعررْته، واعتريته واعتررته.
وَقَالَ اللَّيْث: عراه أَمر يعروه عَرْواً إِذا غشِيه وأصابه. يُقَال: عراه الْبرد وعرته الحُمَّى وَهِي تعروه إِذا جَاءَتْهُ بنافض، وأخذته الْحمى بعُرَوائِها، وعُرِي الرجل فَهُوَ مَعْرُوّ، واعتراه الْهم، عَام فِي كلّ شَيْء.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: إِذا أخذت المحمومَ قِرَّةٌ وَوجد مسّ الْحمى، فَتلك العُرَواء وَقد عُرِي فَهُوَ مَعْرُوّ. قَالَ: وَإِن كَانَت نافضاً قيل: نفضته فَهُوَ منفوض، وَإِن عَرِق مِنْهَا فَهِيَ الرُحَضاء.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: العُرَواء: قلٌّ يَأْخُذ الْإِنْسَان من الحُمّى، ورِعدة. وأخذته الحمَّى بنافض أَي برعدة وَبرد.
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (خفّفوا فِي الْخَرص؛ فَإِن فِي المَال العرِيّة والوصيَّة) . وَفِي حَدِيث آخر أَنه رخَّص فِي الْعَرَايَا.
قَالَ أَبُو عبيد: الْعَرَايَا واحدتها عريّة. وَهِي النَّخْلَة يُعْريها صَاحبهَا رجلا مُحْتَاجا، والإعراء: أَن يَجْعَل لَهُ ثَمَرَة عامِها. قَالَ: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: استعرى الناسُ فِي كل وَجه إِذا أكلُوا الرُطَب، أَخذه من الْعَرَايَا.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ بعض الْعَرَب: منا من يُعْرِي. قَالَ: وَهُوَ أَن يَشْتَرِي الرجُلُ النّخل ثمَّ يَسْتَثْنِي نَخْلَة أَو نخلتين.(3/98)
وَقَالَ الشَّافِعِي: الْعَرَايَا ثَلَاثَة أَصْنَاف: واحدتها أَن يَجِيء الرجل إِلَى صَاحب الْحَائِط، فَيَقُول لَهُ: بِعني من حائطك ثَمَر نَخَلات بِأَعْيَانِهَا بخرْصِها من التَمْر، فيبيعه إِيَّاهَا وَيقبض التَمْر ويُسلِّم إِلَيْهِ النَخَلات يأكلها ويبيعها ويُتَمِّرها، وَيفْعل بهَا مَا يَشَاء. قَالَ: وجِمَاع الْعَرَايَا: كل مَا أُفرد ليؤكل خاصّة، وَلم يكن فِي جملَة البيع من ثَمَر الْحَائِط إِذا بِيعَتْ جُمْلَتهَا من وَاحِد. والصنف الثَّانِي أَن يحضر ربَّ الْحَائِط القومُ فَيعْطى الرجلَ ثَمَر النَّخْلَة أَو النخلتين وَأكْثر عرِيّة يأْكُلها. وَهَذِه فِي معنى المِنْحة. قَالَ وللمُعْرَى أَن يَبِيع ثَمَرهَا، ويُتَمِّره، ويصنع فِيهِ مَا يصنع فِي مَاله؛ لِأَنَّهُ قد ملكه. والصنف الثَّالِث من الْعَرَايَا أَن يعرى الرجل الرَّحُلَ النَّخْلَة وَأكْثر من حَائِطه ليَأْكُل ثَمَرهَا ويهديه ويتَمِّره وَيفْعل فِيهِ مَا أحبّ وَيبِيع مَا بَقِي من ثَمَر حَائِطه مِنْهُ فَتكون هَذِه مُفْردَة من الْمَبِيع مِنْهُ جملَة.
وَقَالَ غَيره الْعَرَايَا أَن يَقُول الْغَنِيّ للْفَقِير: ثَمَر هَذِه النَّخْلَة أَو النَخَلات لَك، وَأَصلهَا لي.
وَأما تَفْسِير قَوْله ج: أَنه رخّص فِي الْعَرَايَا فَإِن الترخيص فِيهَا كَانَ بعد نهي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْمُزَابَنَة، وَهِي بيع الثَّمر فِي رُؤُوس النّخل بالتَّمْرِ، ورخَّص من جملَة الْمُزَابَنَة فِي الْعَرَايَا فِيمَا دون خَمْسَة أوسق وَذَلِكَ الرجلُ يفضُل من قوت سنته التمرُ، فيدرك الرُطبُ ولانَقْد بِيَدِهِ يَشْتَرِي بِهِ الرُطَب، وَلَا نخل لَهُ يَأْكُل من رُطَبه، فَيَجِيء إِلَى صَاحب الْحَائِط فَيَقُول لَهُ: بِعني ثَمَر نَخْلَة أَو نخلتين أَو ثَلَاث بِخِرْصها من التَّمْر، فيعطيه التَّمْر بثمر تِلْكَ النَخَلات؛ ليصيب من رُطَبها مَعَ النَّاس، فرخّص النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من جملَة مَا حرم من الْمُزَابَنَة فِيمَا دون خَمْسَة أوسق، وَهُوَ أقلّ ممّا تجب فِيهِ الزَّكَاة، فَهَذَا معنى ترخيص النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْعَرَايَا، لِأَن بيع الرُطَب بالتَمْر محرّم فِي الأَصْل، فَأخْرج هَذَا الْمِقْدَار من الْجُمْلَة المحرَّمة لحَاجَة النَّاس إِلَيْهِ.
قلت: وَيجوز أَن تكون العِرْية مَأْخُوذَة من عَرِي يَعْرى، كَأنها عُرِّيت من جملَة التَّحْرِيم فعَرِيت أَي خلت وَخرجت مِنْهَا فَهِيَ عرِيَّة: فعيلة بِمَعْنى فاعلة، وَهِي بِمَنْزِلَة المستثناة من الْجُمْلَة، وَجَمعهَا الْعَرَايَا.
وروى أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: استعرى الناسُ فِي كل وَجه إِذا أكلُوا الرُطَب، وأعرى فلَان فلَانا ثَمَر نَخْلَة إِذا أعطَاهُ إيَّاها، يَأْكُل رُطَبها وَلَيْسَ فِي هَذَا بيع، إِنَّمَا هَذَا مَعْرُوف وَفضل، وَالله أعلم.
وَرَوَى شمر عَن صَالح بن أَحْمد عَن أَبِيه قَالَ: الْعَرَايَا: أَن يُعري الرجل من نخلِهِ ذَا قرَابَته أَو جَاره مَا لَا يجب فِيهِ الصَّدَقَة، أَي يَهَبهَا لَهُ، فأرخص للمُعْرِي فِي بيع ثَمَر نَخْلَة فِي رَأسهَا بخِرصها من التَّمْر. قَالَ والعَرِيَّة مُسْتَثْنَاة من جملَة مَا نُهي عَن بَيْعه من الْمُزَابَنَة. وَقيل: يَبِيعهَا الْمُعَرى مِمَّن أعراه إِيَّاهَا. وَقيل لَهُ أَن يَبِيعهَا من غَيره.
وَقَالَ شمر: يُقَال لكل شَيْء أهملته وخليته: قد عرّيته. وَأنْشد:
إيجعُ ظَهْري وأَلَوِّي أَبْهَري(3/99)
لَيْسَ الصَّحِيح ظَهره كالأدبر
وَلَا المعرَّى حِقبة كالموقَر
فالمعرَّى: الْجمل الَّذِي يرسَل سُدًى وَلَا يحمل عَلَيْهِ. وَمِنْه قَول لبيد:
فكلفتها مَا عُرّيت وتأبَّدت
وَكَانَت تسامي بالعَزيب الجمائلا
قَالَ: عُرّيت: ألْقى عَنْهَا الرحل، وَتركت من الْحمل عَلَيْهَا، وأُرسلت ترعى، يصف نَاقَة.
وَقَالَ أَبُو عدنان: قَالَ الْبَاهِلِيّ: العرِيّة من النّخل: الفاردة الَّتِي لَا تُمسك حَملها، يَتَنَاثَر عَنْهَا. قَالَ وأنشدني لنَفسِهِ:
فَلَمَّا بَدَت تُكْنَى تُضيع مودتي
وتخلِط بِي قوما لِئَامًا جدودُها
رددتُ على تكنى بقيَّة وصلِها
ذَمِيمًا فأمست وَهِي رَثّ جديدها
كَمَا اعتكرت للاّقطين عرِيَّة
من النّخل يوطى كلّ يَوْم جريدُها
قَالَ: اعتكارها كَثْرَة حَتّها، فَلَا تَأتي أَصْلهَا دَابَّة إِلَّا وجد تحتهَا لُقَاطاً من حملهَا وَلَا يأنى خوافيها إِلَّا وجد سِقَاطاً من أيّ مَا شَاءَ وَيُقَال: عرِي فلَان من ثَوْبه يَعْرَى عُرْياً فَهُوَ عَار، وعُرْيان. وَيُقَال هُوَ عِرْو من هَذَا الْأَمر، كَمَا يُقَال: هُوَ خِلْو مِنْهُ وعَرْوَى اسْم جبل، وَكَذَلِكَ عَرْوان.
سَلمَة عَن الْفراء قَالَ: الْعُرْيَان من النبت: الَّذِي قد عرِي عُرْياً إِذا استبان لَك. قَالَ أَبُو بكر: الأعراء الَّذين لَا يُهمهم مَا يُهِمُّ أَصْحَابهم.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: العرا: الفناء مَقْصُور يكْتب بِالْألف؛ لِأَن أنثاه عَرْوة.
وَقَالَ غَيره: العَرَى: الساحة والفناء؛ سمّي عَرًى لِأَنَّهُ عرِي من الْأَبْنِيَة والخيام. وَيُقَال: نزل بعراه وعَروتِه أَي نزل بساحته. وَكَذَلِكَ نزل بحراه. وَأما العراء مَمْدُود فَهُوَ مَا اتّسع من فضاء الأَرْض. قَالَ الله جلّ وعزّ: {يَوْمِ يُبْعَثُونَ فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَآءِ وَهُوَ سَقِيمٌ} (الصَّافات: 145) .
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: إِنَّمَا قيل لَهُ عَرَاء لِأَنَّهُ لَا شجر فِيهِ وَلَا شَيْء يغطيه. وَقيل: إِن العَراء وَجه الأَرْض الْخَالِي وَأنْشد:
ورفعتُ رجلا لَا أَخَاف عِثَارها
ونبذت بِالْبَلَدِ العَراءَ ثِيَابِي
وَقَالَ الزّجاج: العَرَاء على وَجْهَيْن: مَقْصُور وممدود. فالمقصور النَّاحِيَة، والممدود الْمَكَان الْخَالِي.
وَقَالَ أَبُو زيد: العُرَواء عِنْد اصفرار الشَّمْس إِلَى اللَّيْل إِذا اشتدّ الْبرد، واشتدّت مَعَه رِيحه بَارِدَة وشَمَال عرِيّة بَارِدَة. وَقد أعرينا إعراء إِذا بلغنَا بَرْد العِشيّ: قَالَ: وَالْعرب تَقول: أهلَك فقد أعريت.
وَيُقَال: عُرِيت إِلَى مَال لي أشدَّ العُرَواء إِذا بِعته ثمَّ تَبعته نفسُك. وعُرِي هَوَاهُ إِلَى كَذَا أَي حنّ إِلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو وجزة:
يُعْرَى هَوَاك إِلَى أَسمَاء واحتظرت
بالنأي وَالْبخل فِيمَا كَانَ قد سلفا
وَقَالَ أَبُو زيد: أعرى الْقَوْم صَاحبهمْ إعراء إِذا تَرَكُوهُ فِي مَكَانَهُ وذهبوا عَنهُ.(3/100)
وَقَالَ اللَّيْث: عَرِي الرجل عِروة شَدِيدَة وعِرْية شَدِيدَة، وعُرْيا فَهُوَ عُرْيان، وَالْمَرْأَة عُرْيَانَة. وَرجل عارٍ وَامْرَأَة عَارِية. والعُرْيان من الْخَيل: الْفرس الطَّوِيل القوائم المقلِّص. والعريان من الرمل نَقياً لَيْسَ عَلَيْهِ شجر.
وَفِي حَدِيث أنس أَن أهل الْمَدِينَة فزعوا لَيْلًا فَركب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرسا لأبي طَلْحَة عُرْياً.
قلت: وَالْعرب تَقول: فرس عُرْى، وخيل أعراء. وَلَا يُقَال رجل عُرْى. وَقد اعرورى الفارسُ فرسَه إِذا رَكبه عرياً وَكَذَلِكَ اعرورى البعيرَ وَمِنْه قَوْله:
واعرورت العُلُط العُرْضِيَّ تركضه
أُمُّ الفوارس بالدِئِداء والرَبَعهْ
أَبُو الْهَيْثَم: دابّة عُرْي وخيل أعراء، وَرجل عارٍ وَامْرَأَة عَارِية إِذا عريا من أثوابه، وَرجل عَار إِذا خلقت ثِيَابه. وَقَالَ:
أَتَيْتُك عَارِيا خلقا ثِيَابِي
على عجل تظن بِي الظنون
وَرُوِيَ عَن زَائِدَة البكريّ أَنه قَالَ: نَحن نُعاري أَي نركب الْخَيل أعراء، وَذَاكَ أخف فِي الْحَرْب وأعريت الْمَكَان إِذا تركت حُضُوره.
وَقَالَ ذُو الرمة:
ومنهلٍ أعرى جَبَاه الحُضَّر
وَقَالَ اللَّيْث أعراء الأَرْض: مَا ظهر من متونها وظهورها.
وَأنْشد:
وبلدٍ عَارِية أعراؤه
قَالَ والعراء كل شَيْء أعريته مِن سُتْرته تَقول استره من العراء. وَتقول: مَا تعرّى فلَان من هَذَا الْأَمر أَي مَا تخلص. قَالَ والنخلة العرِيَّة: الَّتِي إِذا عَرضت النّخل على بيع ثَمَرهَا عُرَّيت مِنْهَا نَخْلَة أَي عزلتها من المساومة. والجميع الْعَرَايَا. قَالَ: وَالْفِعْل مِنْهُ الإعراء، وَهُوَ أَن يَجْعَل ثَمَرَتهَا لمحتاجٍ عامها ذَلِك، أَو لغير مُحْتَاج. ومعاري الْمَرْأَة: مَالا بدّ لَهَا من إِظْهَاره، وَاحِدهَا مَعْرًى.
ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال: نزل بَعْروته وعَقْوته أَي بِفنائه.
وَقَوله جلّ وعزّ: {فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا} (البَقَرَة: 256) .
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: مَعْنَاهُ: فقد عقد لنَفسِهِ من الدّين عقدا وثيقاً لَا تحلّه حُجَّة.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: العروة من الشّجر الَّذِي لَا يزَال بَاقِيا فِي الأَرْض لَا يذهب وَجَمعهَا عُرى وَمِنْه قَول مهلهل:
خلع الْمُلُوك وَسَار تَحت لوائه
شجر العرى وعَراعِرُ الأقوام
وَنَحْو ذَلِك قَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَأَبُو عَمْرو فِي العروة.
قلت والعروة من دِقّ الشّجر: مَاله أصل بَاقٍ فِي الأَرْض؛ مثل العَرْفَج والنَصِيّ وأجناس الخُلَّة والحَمْض، فَإِذا أمحل النَّاس عصمت العروةُ الْمَاشِيَة فتبلّغت بهَا، ضربهَا الله مثلا لما يُعتصم بِهِ من الدّين فِي قَوْله {فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} .(3/101)
وَأنْشد ابْن السّكيت:
مَا كَانَ جُرِّب عِنْد مَدّ حبالكم
ضعف يخَاف وَلَا انفصام فِي العرى
قَالَ قَوْله: انفصام فِي العرى أَي ضعف فِيمَا يعْصم النَّاس.
وَقَالَ الْأَخْفَش: العروة الوثقى شُبِّه بالعروة الَّتِي يتَمَسَّك بهَا.
وَقَالَ اللَّيْث: العروة عُرْوَة الدَّلْو وَعُرْوَة الْكوز وَنَحْوه.
وَفِي (النَّوَادِر) : أَرض عُرْوة وذِروة وعِصمة إِذا كَانَت خصيبة خصباً يبْقى.
وَقَالَ ابْن السّكيت فِي قَوْلهم: أَنا النذير الْعُرْيَان: هُوَ رجل من خثعم حَمَل عَلَيْهِ يَوْم الخَلَصة عَوْف بن عَامر بن أبي عويف بن مَالك بن ذبيان بن ثَعْلَبَة بن عَمْرو بن يشْكر، فَقطع يَده وَيَد امْرَأَته، وَكَانَت من بني عُتْوارة ابْن عَامر بن لَيْث بن بكر بن عبد مَنَاة بن كنَانَة.
وروى أَبُو أُسَامَة عَن بُريد بن أبي بردة عَن أَبِيه عَن أبي مُوسَى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (إِنَّمَا مثلى ومثلكم كَمثل رجل أنذر قومه جَيْشًا فَقَالَ: أَنا النذير الْعُرْيَان، أنذِركم جَيْشًا) .
وَقَالَ اللَّيْث: جَارِيَة حَسَنَة المُعَرَّى أَي حَسَنَة عِنْد تجريدها من ثِيَابهَا، والجميع المعاري. وَقَالَ ومعاري رُؤْس الْعِظَام حَيْثُ يعرى الْعظم عَن اللَّحْم.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: المعاري: الْوُجُوه والأطراف والترائب. وَقَالَ:
فَإِن يَك سَاق من أُميَّة قلَّصت
لقيس بِحَرب لَا تُجنّ المعاريا
أَي شمر تشميراً لَا يستر معاريه. والمحاسر مثل المعاري من الْمَرْأَة. وفلاة عَارِية المحاسر إِذا لم يكن فِيهَا كِنّ من شَجَرهَا. ومحاسرها متونها الَّتِي تنحسر عَن النَّبَات.
وَقَالَ غَيره: العُرْوة: النفيس من المَال مثل الْفرس الْكَرِيم وَنَحْوه.
وَيُقَال لطوق القلادة: عُرْوَة.
وَيُقَال: فلَان عُرْيان النجِيّ إِذا كَانَ يُنَاجِي امْرَأَته، ويشاورها ويُصْدر عَن رأيها. وَمِنْه قَوْله:
أصاخ لعريان النجيّ وَإنَّهُ
لأزور عَن بعض الْمقَالة جَانِبه
أَي اسْتمع إِلَى امْرَأَته وأهانني. وعُرا المرجان: قلائد المرجان، وعرا المزادة: آذانها. والعُرَا سَادَات النَّاس الَّذين يعتِصم بهم الضعفى، ويعيشون بعُرْفهم، شبِّهوا بعُرا الشّجر العاصمة الْمَاشِيَة فِي الجدب.
شمر عَن ابْن شُمَيْل العَرَاء: مَا اسْتَوَى من ظهر الأَرْض وجَهَر. والعراء الجهراء مُؤَنّثَة غير مَعْرُوفَة.
والعراء مُذَكّر مَصْرُوف، وهما الأَرْض المستوية المُصْحِرة لَيْسَ بهَا شجر، وَلَا جبال وَلَا آكام وَلَا رمال وهما فضاء الأَرْض. وَالْجَمَاعَة الأعراء. يُقَال وطئنا أعراء الأَرْض والأعرية.
وَقَالَ أَبُو زيد: أتتنا أعراؤهم أَي(3/102)
أَفْخَاذهم. وَقَالَ الْأَصْمَعِي. الأعراء: الَّذين ينزلون فِي الْقَبَائِل من غَيرهم، واحدهم عُرْى. قَالَ الْجَعْدِي:
وأمهلت أهل الدَّار حَتَّى تظاهروا
عليّ وَقَالَ العُرْيُ مِنْهُم فأهجرَا
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: العَرَى البَرْد. وعَرِيت ليلتنا عَرًى. وَقَالَ ابْن مقبل:
وكأنما اصطبحت قريح سَحَابَة
بعَرًى تنازعه الرِّيَاح زلال
قَالَ: العرى: مَكَان بَارِد.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل العرى مثل العَقْوة، مَا بعرانا أحد أَي مَا بعقوتنا أحد.
عَمْرو عَن أَبِيه أعْرى إِذا حُمَّ العُرْوَاء قَالَ: وَيُقَال حم عُرَواء وحم بعرواء وحم العَرَوَاء.
وَقَول الشَّاعِر وَهُوَ الْجَعْدِي:
وأزجر الْكَاشِح العدوّ إِذا اغتا
بك زجرا مني على أَضَم
زجر أبي عُرْوَة السبَاع إِذا
أشفقن أَن يلتبسن بالغنم
قَالَ خلف: كَانَ أَبُو عُرْوَة يزْجر الذِّئْب فَيَقَع مَيتا من زَجره، ويصيح بالسبع فَيَمُوت مَكَانَهُ، ويشقّون عَنهُ فيجدون فُؤَاده قد خرج من غشائه.
رعي: الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت: الرَعْي مصدر رعى يرْعَى رَعْياً الْكلأ وَنَحْوه. والرِعْي: الْكلأ نَفسه بِكَسْر الرَّاء. والراعي يرْعَى الْمَاشِيَة أَي يحوطها ويحفظها. والماشية تَرْعى أَي ترتعُ وتأكل الرَّعْي. وكل شَيْء حُطْته فقد رَعيته. والوالي يرْعَى رَعيته إِذا ساسهم وحفظهم. والرِعاية: حِرْفَة الرَّاعِي، والمسوس مَرْعِيّ. وَقَالَ أَبُو قيس بن الأسلت:
لَيْسَ قَطاً مثل قُطَيّ وَلَا ال
مرعيّ فِي الأقوام كَالرَّاعِي
وَجمع الرَّاعِي رِعَاء. قَالَ الله تَعَالَى: {لاَ نَسْقِى حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَآءُ وَأَبُونَا} (القَصَص: 23) وَيجمع الرَّاعِي رُعَاة ورُعْياناً. وَأكْثر مَا يُقَال رُعَاة للولاة، والرعيان لجمع راعي النعم. وَيُقَال للنعم هِيَ ترعى وترتعي. وَقَرَأَ بعض الْقُرَّاء قَول الله تَعَالَى: (أرْسلهُ مَعنا غَدا نرتِعي ونلعبْ) (يُوسُف: 12) وَهُوَ نفتعل من الرَّعْي. وَقيل معنى نرتعي أَي يَرعى بَعْضنَا بَعْضًا. وَأما قَول الله جلّ وعزّ: {لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا} (البَقَرَة: 104) فَإِن الْفراء قَالَ هُوَ من الإرعاء والمراعاة.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: (رَاعنا) أَي رَاعنا سَمعك أَي اسْمَع منا، حَتَّى نُفَهِّمك وتفهم عَنَّا.
قَالَ: وَهِي قِرَاءَة أهل الْمَدِينَة، ويصدّقها قِرَاءَة أُبَيّ بن كَعْب: (لَا تَقولُوا راعونا) وَالْعرب تَقول: أَرْعِنا سمعَك، وراعنا سَمعك بِمَعْنى وَاحِد. وَقد مرّ معنى مَا أَرَادَ الْقَوْم براعنا من بَاب الرعن والرعونة.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: فلَان يُرَاعِي أَمر فلَان أَي ينظر إِلَى مَا يصير أمره، وراعيت النُّجُوم، وإبل راعية والجميع الرواعي.
قَالَ: والإرعاء: الْإِبْقَاء على أَخِيك.
وَقَالَ ذُو الإصبع:
بغى بعضُهم بَعْضًا(3/103)
فَلم يُرْعوا على بعض
والرَعْوى: اسْم من الإرعاء، وَهُوَ الْإِبْقَاء. وَمِنْه قَول ابْن قيس الرقيات:
إِن يكن للإاله فِي هَذِه الْأُم
ة رَعْوى يعد إِلَيْك النَّعيم.
والبَقْوى والبُقْيا: اسمان يوضعان مَوضِع الْإِبْقَاء.
وروى أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: الرَّعْوى والرُّعْيَا من رِعَايَة الْحِفَاظ.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: ارعوى فلَان عَن الْجَهْل ارعواء حسنا، ورَعْوَى حَسَنَة، وَهُوَ نزوعه وَحسن رُجُوعه.
قلت: والرَعْوى لَهَا ثَلَاثَة معَان:
أَحدهَا: الرَعْوى اسْم من الإرعاء وَهُوَ الْإِبْقَاء والرعوى رِعَايَة الحِفَاظ للْعهد، والرَعْوى حسن الْمُرَاجَعَة والنزوع عَن الْجَهْل.
وَقَالَ شمر: تكون المراعاة من الرَعْي مَعَ آخر. يُقَال: هَذِه إبل تراعي الْوَحْش أَي ترعى مَعهَا. والمراعاة: الْمُحَافظَة، والإبقاء على الشَّيْء.
قَالَ: والإرعاء: الْإِبْقَاء. وأرعيت فلَانا سَمْعِي إِذا استمعت مَا يَقُول.
والمراعاة: المناظرة والمراقبة، يُقَال: راعيت فلَانا مُرَاعَاة ورِعَاء إِذا راقبته وتأمَّلت فعله.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الرَعِيَّة: الأمّة بأسرها.
أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر: الرَعَاوى والرُعَاوى جَمِيعًا: الْإِبِل الَّتِي يُعتمل عَلَيْهَا.
وَقَالَت امْرَأَة لزَوجهَا:
تمششتني حَتَّى إِذا مَا تركتْني
كنِفْو الرُّعاوَى قلت إِنِّي ذَاهِب
قَالَ شمر: لم أسمع الرعاوي بِهَذَا الْمَعْنى إلاّ هَا هُنَا.
أَبُو عبيد عَن الْفراء: إِنَّه لترعِيّة مَال إِذا كَانَ يَصْلُح المالُ على يَده.
سَلمَة عَن الْفراء: يُقَال: تَرْعِيَّة وتِرْعِيَّة وتُرْعاية وتِرْعاية وتُرْعِيَّة بِهَذَا الْمَعْنى.
وَأنْشد الْفراء:
ودارِ حفاظ قد نزلنَا وغيرِها
أحبّ إِلَى الترعيَّة الشنآن
أَبُو عَمْرو الأُرْعُوه بلغَة أَزْد شَنُوءة: نير الفَدَّان يُحْتَرَثُ بهَا. وَيُقَال أرعى الله الْمَوَاشِي إِذا أنبت لَهَا مَا ترعاه.
وَقَالَ الشَّاعِر:
تَأْكُل من طيّب وَالله يُرعيها
وَيُقَال: فلَان لَا يُرْعى إِلَى قَول أحد أَي لَا يلْتَفت إِلَى أحد. وَرَأى فلَان راعية الشيب وَرَواعي الشيب: أولُ مَا يظْهر مِنْهُ.
وَقَالَ أَبُو سعيد: أَمر كَذَا أرْفق بِي وأرعى عليّ.
عير عور: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: العَيْر: الْفرس النشيط.
قَالَ: وَالْعرب تمدح بالعيَّار وتَذمّ بِهِ. يُقَال: فلَان عَيَّار: نشيط فِي الْمعاصِي، وَغُلَام عَيَّار: نشيط فِي طَاعَة الله تَعَالَى وَفرس عَيَّار وعيَّال: نشيط. وَيُقَال عَار(3/104)
الرجلُ يعير عَيَراناً، وَهُوَ تردده فِي ذَهَابه ومجيئه. وَمِنْه قيل: كلب عيَّار وعائر. وَهَذَا من ذوَات الْيَاء.
وَأما العاريّة والإعارة والاستعارة فَإِن الْعَرَب تَقول فيهمَا: هم يتعاورون العواريّ ويتعوَّرونها بِالْوَاو، كَأَنَّهُمْ أَرَادوا تَفْرِقَة بَين مَا يتردّد من ذَات نَفسه وَبَين مَا يُردَّد.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: الْعَارِية منسوبة إِلَى العارة، وَهِي اسْم من الْإِعَارَة. يُقَال: أعرته الشَّيْء أُعيره إِعَارَة وعارة، كَمَا قَالُوا: أطعته إطاعة وَطَاعَة، وأجبته إِجَابَة وجابة. وَهَذَا كثير فِي ذَوَات الثَّلَاث؛ مِنْهَا العارة، والدارة، والطاقة، وَمَا أشبههَا. وَيُقَال: استعرت مِنْهُ عارِيّة فأعارنيها.
وَقَالَ اللَّيْث: سمِّيت الْعَارِية عاريّة لِأَنَّهَا عارٌ على من طلبَهَا: قَالَ: والعار: كل شَيْء تلْزم بِهِ سُبّة أَو عيب. وَالْفِعْل مِنْهُ التعيير.
قَالَ وَمن قَالَ هَذَا قَالَ: هم يتعيّرون من جيرانهم الماعون والأمتعة.
قلت: وَكَلَام الْعَرَب يتعوَّرون بِالْوَاو والمعاورة والتعاور: شبه المداولة والتداول فِي الشَّيْء يكون بَين اثْنَيْنِ.
وَمِنْه قَول ذِي الرمة:
وَسِقط كعين الديك عاوَرت صَاحِبي
أَبَاهَا وَهيَّأنا لموقعها وَكْرا
يَعْنِي الزند وَما يسْقط من نارها وَأنشد ابْن المظفر:
إِذا رَد المعاوِر مَا استعارا
وَيقال: تعاوَر الْقَوْم فلَانا، واعتوروه ضربا إِذا تعاونوا عَلَيْهِ. فَكلما أمسك وَاحِد ضَرب وَاحد، وَالتعاور عَام فِي كل شَيْء. وَتَعاوَرت الرياحُ رسم الدَّار حَتَّى عَفَته أَي تواظبت عَلَيْهِ. قَالَ ذَلِك اللَّيْث.
قلت: وَهذا غلط. وَمعنى تعاوَرت الرِّيَاح رسم الدَّار: تداوَلته، فَمرَّة تَهُبّ جَنُوباً، وَمرة تهبّ شمالاً، وَمرة قَبُولاً، وَمرة دَبُوراً.
وَمنه قَول الْأَعْشَى:
دِمْنة تَفْرة تعاوَرَها الصي
ف بريحين من صَبَا وَشَمالِ
وَقال أَبُو زيد: تعاوَرنا العواريّ تعاوُراً إِذا أعَار بَعْضكُم بَعْضًا، وتعوَّرنا تعوُّراً إِذا كنت أَنْت الْمُسْتَعِير، وَتَعاوَرنا فلَانا ضربا إِذا ضَربته مرّة، ثمَّ صاحبُك، ثمَّ الآخر أَيْضا.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: التعاور والاعتوار: أَن يكون هَذَا مَكَان هَذَا وَهَذَا مَكَان هَذَا يُقَال اعتوراه وابتدَّاه، هَذَا مرّة وَهَذَا مرّة، وَلَا يُقَال: ابتدّ زيد عمرا، وَلَا اعتور زيد عمرا. وَيُقَال للحمار الأهلي والوحشي: عَيْر، وَيجمع أعياراً. وَقد يُقَال: المَعْيُوراء ممدودة؛ قَالَ ذَلِك الْأَصْمَعِي؛ مثل المعلوجاء، والمشيوخاء، والمأتوناء، يمدّ ذَلِك كُله ويُقصر. وَمن أمثالهم إِن ذهب عَيْر فعَيْر فِي الرِّبَاط. وَمن أمثالهم أَيْضا فلَان أذلّ من العَيْر، فبعضهم يَجعله الْحمار الأهلي، وَبَعْضهمْ يَجعله الوتِد.
وَقَالَ أَبُو عبيد: من أمثالهم فِي الرِّضَا بالحاضر ونسيان الْغَائِب قَوْلهم: إِن ذهب(3/105)
عير فَعير فِي الرِّبَاط قَالَ: وَلأَهل الشَّام فِي هَذَا مثل: عَيْر بعَيْر، وزيادهَ عشرَة. وَكَانَ خلفاء بني أُميَّة كلَّما مَاتَ وَاحِد زَاد الَّذِي يخلُفه فِي عطائهم عشرَة، فَكَانُوا يَقُولُونَ هَذَا عِنْد ذَلِك.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي طَالب أَنه قَالَ فِي قَول الْعَرَب: أَتَيْته قبل عَيْر وَمَا جرى، قَالَ: العير الْمِثَال الَّذِي فِي الْحَدقة يُسمى اللُّعبة. قَالَ: وَالَّذِي جرى الطَرْف، وجَرْيه حركته. وَالْمعْنَى: قبل أَن يطرِف الْإِنْسَان.
وَقَالَ الشماخ:
وتعدو القِبصَّى قبل عَيْر وَمَا جرى
وَلم تدر مَا بالي وَلم تدر بالها
قَالَ والقِبِصّى والقمصى: ضرب من العَدْو فِيهِ نَزْو.
وَيُقَال: فلَان ظَاهر الأعيار أَي ظَاهر الْعُيُوب وَقَالَ الرَّاعِي:
ونبتَّ شرَّبني نُمَير منصِبا
دَنِس الْمُرُوءَة ظَاهر الأعيار
قَالَ: كَأَنَّهُ مِمَّا يعيّر بِهِ.
وَقَالَ أَحْمد بن يحيى: أَخْبرنِي أَبُو نصر عَن الْأَصْمَعِي عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء أَنه قَالَ: مَاتَ من يحسن تَفْسِير بَيت الْحَارِث بن حِلّزة:
زَعَمُوا أَن كل من ضرب العَيْ
ر مُوَال لنا وأنّا الوَلاء
قَالَ أَبُو عَمْرو: العَيْر: هُوَ الناتىء فِي بؤبؤ الْعين. وَمَعْنَاهُ أَن كل من انتبه من نَومه حَتَّى يَدُور عَيْره جنى جِنَايَة فَهُوَ مولى لنا، يَقُولُونَهُ ظلما وتجنّياً. قَالَ: وَمِنْه قَوْله أَتَيْتُك قبل عَيْر وَمَا جرى، أَي قبل أَن ينتبه نَائِم.
وَقَالَ أَحْمد بن يحيى فِي قَوْله: وَمَا جرى: أَرَادوا جريه، أَرَادوا الْمصدر.
وَقيل فِي قَول ابْن حِلّزة: إِن العير جَبَل بالحجاز. وَفِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حرّم مَا بَين عَيْر إِلَى ثَوْر، وهما جبلان. وَقيل: العَيْر وادٍ فِي قَوْله:
وواد كجوف العَيْر قفرٍ هبطته
وَقَول كجوف العَيْر أَي كوادي العير، وكلّ وَاد عِنْد الْعَرَب جَوْف.
وَقَالَ اللَّيْث: العَيْر: اسْم مَوضِع كَانَ مخصِباً، فغيَّره الدَّهْر فأقفر، فَكَانَت الْعَرَب تُضرب بِهِ المَثَل فِي الْبَلَد الموحش.
وَقيل: العَيْر الطبل وَالْعير: الْعظم الناتىء وسط الْكَتف.
قَالَ ابْن السّكيت. قَالَ: والعَيْر: عَيْر النصل، وَهُوَ الناتىء فِي وَسطه وعَيْر القَدَم: الناتىء فِي ظهرهَا. وعَيْر الورقة: الناتىء فِي وَسطهَا. قَالَ: والعِيرُ: الْإِبِل الَّتِي تحمل المِيرة.
وروى أَبُو سَلمَة عَن الْفراء أَنه أنْشدهُ قَول ابْن حلزة: زَعَمُوا أَن كل من ضرب العير موَالٍ لنا بِكَسْر الْعين قَالَ: والعِير: الْإِبِل، موَالٍ لنا أَي الْعَرَب كلهم موَالٍ لنا من أَسْفَل، لأَنا أسرنا فيهم فلنا نعم عَلَيْهِم.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ فِي قَول الله جلّ وعزّ: {وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ} (يُوسُف: 94) إِنَّهَا كَانَت حُمُراً.(3/106)
قَالَ: وَقَول من قَالَ: العير الْإِبِل خاصّة بَاطِل، كل مَا امتِير عَلَيْهِ من الْإِبِل وَالْحمير وَالْبِغَال فَهِيَ عِير.
قَالَ: وأنشدنا نُصَير لأبي عَمْرو السعدني فِي صفة حَمِير سمّاها عِيراً، فَقَالَ:
أهكذا لَا ثَلَّة وَلَا لبنْ
وَلَا يذكين إِذا الَّذين اطْمَأَن
مُفَلطحات الرَوْث يأكن الدِمن
لَا بدّ أَن يخترن مني بَين أَن
يُسَقَن عيرًا أَو يُبَعن بِالثّمن
قَالَ وَقَالَ نصير: الْإِبِل لَا تكون عِيرا حَتَّى يُمتار عَلَيْهَا.
وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ: أَخْبرنِي أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العِير من الْإِبِل: مَا كَانَ عَلَيْهِ حِمْله أَو لم يكن. قَالَ: والعَيْر جمع عائر، وَهُوَ النشيط وَهُوَ مدح وذمّ. قَالَ: وَفرس عَيَّار إِذا عَار، وَفرس عَيَّار إِذا نشِط، فركِب جانباً ثمَّ عدل إِلَى جَانب آخر من نشاطه.
وَأنْشد أَبُو عبيد:
وَلَقَد رأيتَ فوارساً من رهطنا
غَنَظوك غَنْظ جَرَادَة الْعيار
قيل: أَرَادَ بجرادة العيّار جَرَادَة وَضعهَا فِي فِيهِ فأفلتت من فِيهِ. وَقيل: جَرَادَة الْعيار اسْم فرس والعيار اسْم رجل، قَالَ ذَلِك ابْن الْأَعرَابِي.
أَبُو عُبيد عَن الْكسَائي والأصمعي وَأبي زيد: عايرت المكاييل وعاورتها كَقَوْلِهِم: عيّرتها. وَقَالَ أَبُو الْجراح مثله. ذكر ذَلِك فِي بَاب مَا خَالَفت الْعَامَّة فِيهِ لُغَة الْعَرَب.
وَقَالَ اللَّيْث: العِيَار: مَا عايرْت بِهِ المكاييل؛ فالعِيار صَحِيح تامّ وافٍ. تَقول: عايرت بِهِ أَي سوّيته وَهُوَ العِيَار والمعيار. قَالَ: وعيَّرت الدِّينَار وَهُوَ أَن تلقي دِينَارا دِينَارا فتوازن بِهِ دِينَارا دِينَارا. وَكَذَلِكَ عيّرت تعييراً إِذا وزنت وَاحِدًا وَاحِدًا. يُقَال هَذَا فِي الْكَيْل وَالْوَزْن.
قلت: وَفرق اللَّيْث بَين عايرت وعيّرت فَجعلت عايرت فِي الْمِكْيَال وعيّرت فِي الْمِيزَان. وَالصَّوَاب مَا روينَاهُ لأبي عبيد عَن أَصْحَابه فِي عايرت وعيّرت فَلَا يكون عيّرت إلاّ من الْعَار والتعيير.
وَأنْشد أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى قَول الشَّاعِر:
وجدنَا فِي كتاب بني تَمِيم
أحقُّ الْخَيل بالركض المعَار
فَقَالَ اخْتلف النَّاس فِي المُعَار. فَقَالَ بَعضهم: هُوَ المنتوف الذَّنب وَقَالَ قوم: المعار السمين وَقَالَ قوم المعار: المُضَمَّر المُقَدَّح.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي وَحده: هُوَ من الْعَارِية. وَأنْشد غَيره:
أعيروا خيلكم ثمَّ اركبوها
وَقَالَ معنى أعيروها أَي ضمّروها بترديدها من عَار يعير إِذا ذهب وَجَاء. وَقيل للمضمَر: مُعار لِأَن طَريقَة مَتنه نتأت، فَصَارَ لَهَا عَيْر ناتىء. وَأنْشد الْبَاهِلِيّ قَول الراجز:
وَإِن أعارت حافراً معارا
وَأْباً حمت نسورَه الأوقارا(3/107)
وَقَالَ: معنى أعارت: رفعت وحوَّلت. قَالَ: وَمِنْه إِعَارَة الثِّيَاب والأدوات. قَالَ: واستعار فلَان سَهْما من كِنَانَته أَي رَفعه. وحوّله مِنْهَا إِلَى يَده. وَأنْشد قَوْله:
هثّافة تخْفض من نذيرها
وَفي الْيَد الْيُمْنَى لمستعيرِها
شهباء تُروِي الريشَ من بصيرها
شهباء: مِعْبَلَة. وَالْهَاء فِي مستعيرها لَهَا وَالبصير: طَريقَة الدَّم.
وَقَالَ بشر بن أبي خازم:
كَأَن خَفِيف منخره إِذا مَا
كَتَمن الرَبْو كِير مستعار
قيل فِي قَوْله: مستعار قَولَانِ:
أَحدهمَا: أَنه استعير فأُسرع العملُ بِهِ مبادرة لارتجاع صَاحبه إيّاه.
وَالثاني: أَن تَجْعَلهُ من التعاور، يُقَال: استعرنا الشَّيْء وَاعتورناه وَتعاوَرناه بِمَعْنى وَاحد عَارَ عَيْنَه وَيقال: عارت عينه تعار، وعوِرت تَعْوَر، وَاعورَّت تعورّ، وَاعوارَّت تعوارّ بِمَعْنى وَاحد. وَيُقَال: يَعُورها إِذا عوَّرها.
وَمنه قَول الشَّاعِر:
فجَاء إِلَيْهَا كاسراً جفن عينه
فَقلت لَهُ من عَار عَيْنك عنترة
يَقُول: من أَصَابَهَا بعُوَّار، وأعارها من العائر.
وَقَالَ ابْن بزرج: يُقَال: عَار الدمعُ يعير عَيَراناً إِذا سَالَ. وَأنْشد:
وربت سَائل عني حفِيّ
أعارت عينه أم لم تعارا
أَي أدمعت عينه. وَقَالَ اللَّيْث: عارت عينه فِي هَذَا الْبَيْت بِمَعْنى عورت وَلَيْسَ بِمَعْنى دَمَعَتْ؛ لأَنهم يَقُولُونَ عَار يعير بِمَعْنى دمع.
أَبُو عبيد عَن اليزيدي: بِعَيْنِه ساهِك وعائر وهما من الرَمَد. قَالَ: والعُوَّار مثل القذى بِالتَّشْدِيدِ:
سَلمَة عَن الْفراء قَالَ: العُوَّار: الرمد. العُوَّار الرمَد الَّذِي فِي الحَدَقة.
أَبُو عبيد عَن الْفراء: العَوَار: الْعَيْب بِفَتْح الْعين فِي الثَّوْب. وَقَالَ ذُو الرمَّة:
تُبَيِّنُ نِسْبَة المَرَئيّ لوما
كَمَا بيَّنت فِي الأدَم العَوارا
وَقَالَ اللَّيْث: العائر غَمَصة تَمُضّ الْعين، كَأَنَّمَا وَقع فِيهَا قذًى وَهُوَ العُوّار. قَالَ: وَعين عائرة: ذَات عُوّار. قَالَ: وَلَا يُقَال فِي هَذَا الْمَعْنى عارت، إِنَّمَا يُقَال عارت الْعين تعار عَوَاراً إِذا عوَّرت. وَأنْشد:
أعارت عينه أم لم تعارا
قَالَ وأَعْور الله عين فلَان، وعورها. وَرُبمَا قَالُوا: عُرْت عينه. قَالَ: وعَوِرت عينه واعورَّت إِذا ذهب بصرها.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: من أمثالهم: كلب عائر خير من كلب رابض. فالعائر المتردّد، وَبِه سمي العَيْر لِأَنَّهُ يعِير فيتردّد فِي الفلاة. وَيُقَال: جَاءَهُ سهم عائر فَقتله وَهُوَ الَّذِي لَا يُدرى من رَمَاه.
وَأنْشد أَبُو عبيد:
أخْشَى على وَجهك يَا أَمِير(3/108)
عوائراً من جندل تعير
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو قَالَ: العُوَّار: الرجل الجبان. وَجمعه العواوير.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: العواوير: الخطاطيف. وَهِي الأقذاء فِي الْعين، وَالْوَاحد مِنْهَا عُوَّار.
وَقَالَ اللَّيْث: العُوَّار: ضرب من الخطاطيف أسود طَوِيل الجناحين. قَالَ: والعُوَّار: الجبان السَّرِيع الْفِرَار وَالْجَمَاعَة العواوير. وَمن أَمْثَال الْعَرَب السائرة: أعْوَرُ عَيْنَك والحَجَر.
قَالَ اللَّيْث: يُسمى الْغُرَاب أَعور، ويصاح بِهِ فَيُقَال: عُوَير. وَأنْشد:
وصحاحُ الْعُيُون يُدعَون عُورا
وَإِنَّمَا سمي الْغُرَاب أَعور لحدّة بَصَره، كَمَا يَقُولُونَ للأعمى: أَبُو بَصِير، وللحبشي: أَبُو الْبَيْضَاء.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: يُقَال للكلمة القبيحة: عوراء، وللكلمة الحَسَنة عَيْناء. وَأنْشد قَول الشَّاعِر:
وعوراء جَاءَت من أَخ فرددتها
بسالمة الْعَينَيْنِ طالبةٍ عذرا
أَي بِكَلِمَة حَسَنَة لم تكن عوراء والعَوَر شين وقبح.
وَقَالَ اللَّيْث العوراء: الْكَلِمَة الَّتِي تهوِي فِي غير عقل وَلَا رُشْد. قَالَ: ودجلة العوراء بالعراق بمَيْسان وَيُقَال للأعمى بَصِير، وللأعور أَحول. قلت رَأَيْت بالبادية امْرَأَة عوراء، كَانَ يُقَال لَهَا الحولاء، وَقد يَقُولُونَ للأحول أَعور قَالَ والعَوَر: خَرْق أَو شَقّ يكون فِي الثَّوْب. قَالَ: والعَوَر: ترك الْحق. وَقَالَ العجاج:
وعوّر الرحمنُ من ولّى العَوَر
أَرَادَ من ولاه العور.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العَوَر: الرداءة فِي كل شَيْء. قَالَ: وَالْعرب تَقول للَّذي لَيْسَ لَهُ أَخ من أَبِيه وَأمه: أَعور.
وَقَالَ أَبُو عبيد: يُقَال للرجل إِذا كثر مَاله: ترِد على فلَان عائرةُ عين، وعائرة عينين أَي ترد عَلَيْهِ إبل كَثِيرَة، كَأَنَّهَا من كثرتها تملأ الْعَينَيْنِ، حَتَّى تكَاد تَعُورها أَي تفقؤها. يُقَال: عَار عينَه وعوَّرها.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: مَعْنَاهُ أَنَّهَا من كثرتها تعِير فِيهَا الْعين.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: أصل ذَلِك أَن الرجل من الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة كَانَ إِذا بلغ أبلُه ألفا عَار عين بعير مِنْهَا، فأرادوا بعائرة الْعين ألفا من الْإِبِل تعُور عينُ وَاحِد مِنْهَا.
وَقَالَ شمر: عورت عُيُون الْمِيَاه إِذا دفنتها وسددتها، وعوَّرت الرَّكية إِذا كبستها بِالتُّرَابِ حَتَّى تنسد عيونها.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: العُوَّار: الْبِئْر الَّتِي لَا يُستقى مِنْهَا. قَالَ: وعوَّرْت الرجل إِذا استسقاك فَلم تسقه وَقَالَ الفرزدق:
مَتى مَا ترد يَوْمًا سفارِ تَجِد بِهِ
أديهم يَرْمِي المستجيز المعوَّرا
سَفَارِ: اسْم مَاء، والمستجيز الَّذِي يطْلب المَاء؛ وَالْعرب تصغر الْأَعْوَر عُوَيرا، وَمِنْه قَوْلهم كُسَير وعوير، وكل غيرُ خير.
وَقَالَ الْفراء فِي قَوْله جلّ وعزّ: {النَّبِىَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا(3/109)
عَوْرَةٌ وَمَا} (الْأَحْزَاب: 13) الْقُرَّاء أَجمعُوا على تسكين الْوَاو من عَورَة، وَذكر عَن بَعضهم فِي شواذّ الْقرَاءَات أَنه قَرَأَ (عَوِرة) على فَعِلة. وَالْعرب تَقول: قد أَعور منزلُك إِذا بَدَت مِنْهُ عَورَة، وأعور الفارسُ إِذا كَانَ فِيهِ مَوضِع خللٍ للضرب. وَقَالَ الشَّاعِر يصف الْأسد:
لَهُ الشَّدَّة الأولى إِذا القِرْن أعورا
قَالَ وَإِنَّمَا أَرَادوا بقَوْلهمْ {النَّبِىَّ يَقُولُونَ إِنَّ} أَي ممكِنة للسُرّاق؛ لخلوتها من الرِّجَال، فأكذبهم الله جلّ وعزّ وَقَالَ: {بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا} وَلَكِن يُرِيدُونَ الْفِرَار.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَوْله {إِن بُيُوتنَا عَورَة أَي مُعورة أَي بُيُوتنَا ممّا يَلِي العدوّ وَنحن نُسرق مِنْهَا، فَأعْلم الله أَن قصدهم الْهَرَب. قَالَ: وَمن قَرَأَ (عَوِرة) فمعناها: ذَات عَورَة {هِىَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ} (الأحزَاب: 13) الْمَعْنى: مَا يُرِيدُونَ تحرّزاً من سَرَق، وَلَكِن يُرِيدُونَ الْفِرَار عَن نصْرَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَيُقَال: لَيْسَ كل عَورَة تصاب. وَمَا يُعور لفُلَان الشَّيْء إلاّ أَخذه.
وَقَالَ أَبُو زيد: مَا يُعْوِز بالزاي.
قَالَ الْأَصْمَعِي: الزَّاي تَصْحِيف، وفسّر يُعور: لَيْسَ يرى شَيْئا لَا حَافظ لَهُ إلاَّ أَخذه لَا يتحرَّج.
وَفِي الْمثل: لَيْسَ كل عَورَة تصاب أَي لَيْسَ كل خَال من الْحفاظ يُؤْخَذ.
ابْن الْأَعرَابِي: المُعْور: الْمُمكن البيّن الْوَاضِح. وَأنْشد لكثيّر:
كَذَاك أذود النَّفس يَا عَزَّ عَنْكُم
وَقد أعورت أسرابُ من لَا يذودها
أعورت: أمكنت. وَمَكَان مُعْوِر إِذا كَانَ مخوّفاً.
أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي: رجل مُعور وزقاق معور. والعامة تَقول: معوز بالزاي، وَلَا يجوز ذَلِك. وَيُقَال للشَّيْء الضائع البادي الْعَوْرَة: مُعْوِر.
وَقَالَ اللَّيْث الْعَوْرَة سوءة الْإِنْسَان، وكل أَمر يُستحيا مِنْهُ فَهُوَ عَورَة، وَالنِّسَاء عَورَة، والعورة فِي الثغور وَفِي الحروب: خَلَل يُتخوف مِنْهُ القتلُ. وَقَوله {النَّبِىَّ يَقُولُونَ إِنَّ} (الْأَحْزَاب: 13) أَي لَيست بحريزة، وَمن قَرَأَ عَوِرة ذكّر وأنّث، وَمن قَرَأَ (عَورة) قَالَ فِي التَّذْكِير والتأنيث وَالْجمع (عَوْرة) كالمصدر.
وَقَوله جلّ وعزّ {ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ} (النُّور: 58) على معنى لِيَسْتَأْذِنكُم ثَلَاث عورات أَي فِي أَوْقَات ثَلَاث عَوْرات لكم. وَقد فَسرهَا الله.
ابْن السّكيت عَن الْفراء: يُقَال مَا أَدْرِي أَي الْجَرَاد عاره، أيْ أيّ النَّاس أَخذه. قَالَ: وَلَا ينطقون فِيهِ بيفعل، وَقد قَالَ بَعضهم: يَعيره. وَيُقَال معنى عاره أَي أهلكه.
أَبُو زيد عوَّرت عَن فلَان مَا قيل لَهُ تعويراً أَي وكذّبت عَنهُ مَا قيل لَهُ تَكْذِيبًا. وَقَول العجاج:
وعوّر الرحمان من ولّى العور
يَقُول: أفسد الرحمان من جعله وليا للعَوَر، وَهُوَ قبح الْأَمر وفساده. وَيُقَال(3/110)
عوَّرت عَلَيْهِ أمره تعويرا أَي قبّحته عَلَيْهِ.
وَيُقَال: عَوْرَته عَن المَاء تعويرا أَي حَلَّأته. وعوَّرته عَن حَاجته: منعته.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَأَبُو عَمْرو: التعوير: الردّ، عَوْرَته عَن حَاجته: رَددته عَنْهَا.
أَبُو عبيد عَن الكسائيّ: عورت عَن الرجل تعويراً، وعَوَّيت عَنهُ تعوِية إِذا كذَّبت عَنهُ ورددت.
وَقَالَ ابْن الإعرابي: تعوَّر الكتابُ إِذا درس، وَكتاب أَعور: دارس. قَالَ: والأعور: الدَّلِيل السيّء الدّلَالَة لَا يحسن يَدُلّ وَلَا يَنْدلّ. وَأنْشد:
مَالك يَا أَعور لَا تندلّ
وَكَيف يندلّ امْرُؤ عِتْولُّ
قَالَ والعُوَّارى: شجر يُؤْخَذ جِراؤها فتُشدخ ثمَّ تُيَبَّس ثمَّ تُذَرَّى ثمَّ تحمل فِي الأوعية إِلَى مَكَّة فتباع ويتّخذ مِنْهَا مخانق. وَالْعرب تَقول للأحول الْعين: أَعور، وللمرأة الحولاء: هِيَ عوراء.
وَيُقَال: فلَان عُيَيرِ وحدِه، وجَحَيش وَحده وهما اللَّذَان لَا يشاوران النَّاس وَلَا يخالطانهم، وَفِيهِمَا مَعَ ذَلِك مهانة وَضعف.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل فلَان عُيَير وحدِه أَي يَأْكُل وَحده وَيكون وَحده.
وَيُقَال: لقِيت مِنْهُ ابْنة مِعْيَر يُرِيدُونَ الداهية والشدّة.
وَقَالَ الْكُمَيْت: بنى ابْنة مِعْور والأَقورينا
وَيُقَال: فلَان يعاير فلَانا ويكايله، أَي يساميه ويفاخره.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: هما يتعايبان ويتعايران، فالتعاير السباب ألف والتعايب دون التعاير إِذا عَابَ بَعضهم بَعْضًا.
وعر: أَبُو عبيد عَن أبي زيد: وعُر الطَّرِيق يَوْعُر، ووعَر يَعِر.
وَقَالَ شمر: الوَعْر: الْمَكَان الحَزن ذُو الوعورة، رمل وَعِر، وَمَكَان وَعِر. وَقد وعِر يَوْعَر وَعَراً فَهُوَ وَعِر وأوعر ووَعُر، وَقد أوعر القومُ إِذا وَقَعُوا فِي مَكَان وَعْر.
وَفِي حَدِيث أمّ زرع: زَوجي لحم جمل غَثّ على جبل وَعْر، لَا سهل فيُرتَقى، وَلَا سمين فينتقى.
قلت: والوعورة تكون غِلَظاً فِي الْجَبَل، وَتَكون وُعُوثة فِي الرمل.
وَقَالَ اللَّيْث: الوَعْر: الْمَكَان الصُلْب، وَفُلَان وَعْر الْمَعْرُوف: قَليلَة.
أَبُو عبيد: قَلِيل شَقْن ووَتْح ووَعْر وَهِي الشُقُونة والوُتُوحة والوُعُورة بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ الفرزدق:
وفَتْ ثمَّ أدّت لَا قَلِيلا وَلَا وَعْرا
يصف أم تَمِيم أَنَّهَا ولدت فأنجبت وَأَكْثَرت. واستوعر القومُ طريقَهم وأوعروا: وَقَعُوا فِي الوعر.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الوعر الْموضع المخيف الوَحِش.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: شَعَر مَعِر وَعِر زَمِر بِمَعْنى وَاحِد. اللحياني: وَعِر صَدره وَعَراً مثل وَغِر بالغين عقيبان.
ورع: قَالَ أَبُو حَاتِم: قَالَ الْأَصْمَعِي: الرِّعة: الهَدْي وَحسن الْهَيْئَة، أَو سوء الْهَيْئَة.(3/111)
يُقَال: قوم حَسَنَة رِعَتهم أَي شَأْنهمْ وَأمرهمْ وأدبهم. وَأَصله من الوَرَع، وَهُوَ الكفّ عَن الْقَبِيح.
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي قَالَ: الورَع: الجبان. وَقد ورُع يَوْرُع. وَمن التحرج: وَرِع يَرِع رِعَة. وسُمّي الجبان دَرَعاً لإحجامه ونكوصه. وَمِنْه يُقَال وَرَّعْتُ الْإِبِل عَن الْحَوْض إِذا رَددتهَا فارتدَّت.
وَفِي حَدِيث عمر أَنه قَالَ: ورِّع اللص وَلَا تراعِه.
قَالَ أَبُو عبيد: يَقُول: إِذا رَأَيْته فِي مَنْزِلك فادفعه واكففه بِمَا اسْتَطَعْت، وَلَا تنْتَظر فِيهِ شَيْئا. وكل شَيْء كففته فقد ورّعته.
قَالَ أَبُو زُبَيد
وورَّعت مَا يَكْبي الْوُجُوه رِعَايَة
ليحضُر خير أَو ليَقْصُر منْكر
يَقُول: ورعت عَنْكُم مَا يَكبي وُجُوهكُم، يمتَنّ بذلك عَلَيْهِم. وَقَوله: وَلَا تراعِه يَقُول: وَلَا تنتظره، وكل شَيْء تنتظره فَأَنت تراعيه وترعاه. وَمِنْه يُقَال: هُوَ يرْعَى الشَّمْس أَي ينْتَظر وُجُوبهَا، والساهر يرْعَى النُّجُوم.
الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت: رجل وَرِع إِذا كَانَ متحرّجاً. وَقد وَرِع يرِع وَرَعاً. قَالَ: والوَرَع: الصَّغِير الضَّعِيف. يُقَال: إِنَّمَا مَال فلَان أوراع أَي صغَار.
وَقَالَ أَبُو يُوسُف: وأصحابنا يذهبون بالورع إِلَى الجبان وَلَيْسَ كَذَلِك. وَيُقَال: مَا كَانَ وَرَعاً وَلَقَد وَرُع يَوْرُع وُرْعاً ووُروعاً ووَرَاعة، وَمَا كَانَ وَرِعاً وَلَقَد وَرِع يَرِع وَرَعاً وَوَرَاعة.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: والموارعة المناطقة. وَقَالَ حسّان:
نشدت بني النجار أَفعَال وَالِدي
إِذا العانِ لم يُوجد لَهُ من يوارعه
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي مثل ذَلِك فِيمَا رَوَى عَنهُ ثَعْلَب.
وَيُقَال: أورعت بَين الرجلَيْن وورّعت أَي حجزت.
وَقَالَ شمر: قَالَ الْفراء: أورعت بَين الرجلَيْن وورّعت أَي حجزت. وَقَالَ: التوريع: الكفّ وَالْمَنْع.
وَقَالَ أَبُو دُوَاد:
فبتنا نورّعه باللجامْ
نُرِيد بِهِ قَنَصا أَو غِوَارا
أَي نكفّه، وَمِنْه الوَرَع فِي التحرج. يُقَال: وَرِعٌ بَين الوَرَع. وَقد وَرِع يَرِع.
وَأنْشد الْمَازِني فِي الوريعة:
وردّ خليلَنا بعطاء صدق
وأعقبه الوريعةَ من نِصَاب
الوريعة اسْم فرس ونصاب اسْم فرس كَانَ لمَالِك بن نُوَيْرَة، إِنَّمَا يُرِيد أعقبه الوريعة من نسل نُصاب.
والوريعة: وَاد مَعْرُوف فِيهِ شجر كثير.
وَقَالَ الرَّاعِي يذكر الهوادج:
تخيّرن من أثل الوريعة وانتحى
لَهَا الْقَيْن يَعْقُوب بفأس ومبرد
روع ريع: الرَوْع: الْفَرْع. يُقَال: راعني هَذَا الْأَمر يروعني، وارتعْت مِنْهُ، وروَّعته(3/112)
فتروَّع.
وَقَالَ اللَّيْث: وَكَذَلِكَ كل شَيْء يَروعك مِنْهُ جمال وَكَثْرَة، تَقول: راعني فَهُوَ رائع. وَفرس رائع. والأرْوع من الرِّجَال: من لَهُ جسم وجَهَارة وَفضل وسؤدد. وَهُوَ بيِّن الرَوَع. قَالَ وَالْقِيَاس فِي اشتقاق الْفِعْل مِنْهُ روِع يَرْوَع رَوَعاً. قَالَ ورُوع الْقلب: ذهنه وخَلَده. وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (إِن رُوح الْقُدس نفث فِي رُوعي وَقَالَ: إِن نفسا لن تَمُوت حَتَّى تستوفي رزقَها، فاتّقوا الله وأجملوا فِي الطّلب) .
قَالَ أَبُو عبيد: مَعْنَاهُ كَقَوْلِك: فِي خَلَدي وَفِي نفْسي وَنَحْو ذَلِك.
وَمن أَمْثَال الْعَرَب: أَفرخَ رَوْعُك أَي انْكَشَفَ فزعك، هَكَذَا رُوي لنا عَن أبي عبيد: أفرخ رَوْعك، وفسّره لنا: ليذهبْ رُعبك وفزعك؛ فَإِن الْأَمر لَيْسَ على مَا تحاذِر قَالَ: وَهَذَا الْمثل لمعاوية، كتب بِهِ إِلَى زِيَاد. وَذَلِكَ أَنه كَانَ على الْبَصْرَة، والمغيرة بن شُعبة على الْكُوفَة فتوفِّي بهَا، فخاف زِيَاد أَن يولِّي معاويةُ عبدَ الله بن عَامر مَكَانَهُ، فَكتب إِلَى مُعَاوِيَة يُخبرهُ بوفاة الْمُغيرَة، وَيُشِير عَلَيْهِ بتولية الضَّحَّاك بن قيس مَكَانَهُ فَفطن لَهُ مُعَاوِيَة وَكتب إِلَيْهِ: قد فهمت كتابك، فأمَرِخ رَرْعَك أَبَا الْمُغيرَة، قد ضممنا إِلَيْك الْكُوفَة مَعَ الْبَصْرَة.
قلت: وكلّ من لقيتُه من اللغويين يَقُول: أفرخ رَوعُه بِفَتْح الرَّاء من روعه، إِلَّا مَا أَخْبرنِي بِهِ الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه كَانَ يَقُول: إِنَّمَا هُوَ أفرخ رُوعه بِضَم الرَّاء. قَالَ وَمَعْنَاهُ: خرج الرَوْع من قلبه قَالَ وأفرِخْ رُوعَك أَي اسكُن وامْن. فالرُوع مَوضِع الرَوْع وَهُوَ الْقلب. وَأنْشد قَول ذِي الرمة:
جذلان قد أفرخت عَن رُوعِه الكُرَب
قَالَ: وَيُقَال: أفرخت الْبَيْضَة إِذا خرج الْوَلَد مِنْهَا. قَالَ: والرَوْع الْفَزع، والفزع لَا يخرج من الْفَزع، إِنَّمَا يخرج من الْموضع الَّذِي يكون فِيهِ، وَهُوَ الرُّوع. قَالَ والرَّوع فِي الروع كالفرخ فِي الْبَيْضَة. يُقَال أفرخت الْبَيْضَة إِذا انفلقَت عَن الفرخ فَخرج مِنْهَا. قَالَ: وأفرخ فؤاد الرجل إِذا خرج رَوْعه مِنْهُ. قَالَ وَقَلبه ذُو الرمة على الْمعرفَة بِالْمَعْنَى فَقَالَ:
جذلان قد أفرخت عَن رُوعه الكرب
قلت: وَالَّذِي قَالَه أَبُو الْهَيْثَم بيّن، غير أَنِّي أستوحِش مِنْهُ؛ لانفراده بقوله. وَقد يَستدرك الْخلف على السّلف أَشْيَاء رُبمَا زلّوا فِيهَا، فَلَا ينكَر إِصَابَة أبي الْهَيْثَم فِيمَا ذهب إِلَيْهِ، وَقد كَانَ لَهُ حظّ من الْعلم موفور ح.
وَفِي الحَدِيث الْمَرْفُوع (إِن فِي كل أمة محدَّثين ومروَّعين، فَإِن يكن فِي هَذِه الْأمة مِنْهُم أحد فَهُوَ عمر) . والمروع الَّذِي ألقِي فِي رُوعه الصَّوَاب والصدق، وَكَذَلِكَ المحدَّث؛ كَأَنَّهُ حُدِّث بِالْحَقِّ الْغَائِب فَنَطَقَ بِهِ.
وَيُقَال مَا راعني إلاّ مجيئك، مَعْنَاهُ: مَا شعَرت إلاّ بمجيئك، كَأَنَّهُ قَالَ: مَا أصَاب رُوعي إلاّ ذَلِك.
وَقَالُوا: راعه أَمر كَذَا أَي بلغ الرَوْع مِنْهُ رُوعه.(3/113)
قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: راعني كَذَا وَأَنا مَروع أَي وَقع فِي رُوعي، وَهُوَ النفْس. والرَوْع. الْخَوْف.
وَيُقَال: سقاني فلَان شربةً رَاع بهَا فُؤَادِي أَي بَرَد بهَا غُلَّة رُوعي بهَا وَمن قَول الشَّاعِر:
سقتني شربةً راعت فُؤَادِي
سَقَاهَا الله من حَوْض الرَّسُول
وَقيل: الرائع من الجَمَال: الَّذِي يُعجب رُوع من رَآهُ فيسرّه. وَنَحْو ذَلِك قَالَ يَعْقُوب ابْن السّكيت.
وَفِي (النَّوَادِر) : رَاع فِي يَدي كَذَا وَكَذَا، وراق مثله، أَي فاد. ورِيع فلَان يُراع إِذا فزع.
وَفِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ركب فرسا لأبي طَلْحَة عُرْياً لَيْلًا لفزع نَاب أهل الْمَدِينَة فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ: لن تراعوا، لن تراعوا، إِنِّي وجدته بحراً، مَعْنَاهُ: لَا فزع وَلَا رَوْع فاسكُتوا واهدءوا.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الرَوْعة: المَسْحة من الْجمال. والرَدْقة الْجمال الرَّائِق. والوَعْرة: البُقعة المخيفة.
وَيُقَال نَاقَة رُواعة الْفُؤَاد إِذا كَانَت شهمة ذكيّة.
وَيُقَال فرس رُوَاع بِغَيْر هَاء.
وَقَالَ ذُو الرمة:
رفعت لَهُ رحلي على ظهر عِرْمس
رُواع الْفُؤَاد حرَّة الْوَجْه عيطل
أَبُو زيد ارتاع للخير وارتاح للخير.
شمر روّع فلَان خبزه بالسمن وروّغه إِذا روّاه.
أَبُو عبيد: أراعت الْحِنْطَة إِذا زكتْ وأرْبَتْ تُربي بمعناها، وَبَعْضهمْ يَقُول راعت، وَهُوَ قَلِيل. قَالَ:
وَقَالَ الْأمَوِي: أراعت الإبلُ إِذا كثر أَوْلَادهَا. وناقة مِرْياع؛ وَهِي الَّتِي يُعَاد عَلَيْهَا السّفر.
الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت قَالَ: الرَيْع: الزِّيَادَة يُقَال طَعَام كثير الرَّيع. والرِّيع: الْمَكَان الْمُرْتَفع.
قَالَ الله جلّ وعزّ: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍءَايَةً} (الشُّعَرَاء: 128) قَالَ وَقَالَ عُمارة: الرِيع: الْجَبَل.
وَقَالَ أَبُو يُوسُف: الرَّيع مصدر رَاع عَلَيْهِ الْقَيْء يَريعُ إِذا عَاد إِلَى جَوْفه. ورُوي عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه سُئِلَ عَن الصَّائِم يَذْرعه القيءُ هَل يفْطر؟ فَقَالَ: إِن رَاع مِنْهُ إِلَى جَوْفه شَيْء فقد أفطر.
قَالَ أَبُو عبيد: مَعْنَاهُ: إِن عَاد. وَكَذَلِكَ كلّ شَيْء رَجَعَ إِلَيْك فقد رَاع يريع. وَقَالَ طرفَة:
تَرِيع إِلَى صَوت المُهيب وتتّقي
بِذِي خُصَل روعاتِ أكلف مُلْبِد
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَول الله جلّ وعزّ: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍءَايَةً} قَالَ: يُقَال رِيع ورَيْع، ومعناهما الْموضع من الأَرْض المرتفعُ.
وَمن ذَلِك كم رَيْع أَرْضك أَي كم ارْتِفَاع أَرْضك قَالَ: وَجَاء فِي التَّفْسِير بِكُل رِيع: كل فج. قَالَ: والفج الطَّرِيق المنفرج فِي(3/114)
الْجبَال خاصّة.
وَقَالَ الْفراء: الرِيع والرَيع لُغَتَانِ مثل الرِير والرَير.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الرِيع: مَسِيل الْوَادي من كل مَكَان مشرف. وَجمعه أرياع وريوع. قَالَ: وَأنْشد لِلرَّاعِي يصف إبِلا:
لَهَا سَلَف يعوز بِكُل رِيع
حَمَى الحوزات واشتهر الإفالا
قَالَ: السّلف: الْفَحْل. حمى الحوزات أَي حمى حَوْزاته ألاّ يدنو مِنْهُنَّ فَحل سواهُ. واشتهر الإفال: جَاءَ بهَا تشبهه.
وَقَالَ اللَّيْث: الرَيْع: فضل كل شَيْء على أَصله؛ نَحْو رَيْع الدَّقِيق، وَهُوَ فَضله على كَيل البُرّ، وريع البَذْر: فضل مَا يخرج من النُزْل على أصل البَذْر. ورَيْع الدرْع فضول كُمَتِها على أَطْرَاف الأنامل. قَالَ: ورَيْعان كل شَيْء أفضله وأوله، ورَيْعان الْمَطَر أوّله. قَالَ والرِيع: السَّبِيل سُلِك أَو لم يسْلك.
شمر عَن أبي عَمْرو والأصمعيّ وَابْن الْأَعرَابِي: رَاع يَرِيع وَرَاه يرِيه أَي رَجَعَ. وراع الْقَيْء عَلَيْهِ وَرَاه عَلَيْهِ أَي رَجَعَ. وتَريَّع السرابُ وتريَّه إِذا ذهب وَجَاء. وتريَّعت الإهالةُ فِي الْإِنَاء إِذا ترقرقت، وتريَّعت يَده بالجود إِذا فاضت. وناقة لَهَا رَيْع إِذا جَاءَت بسير بعد سير، كَقَوْلِهِم: بِئْر ذَات غَيِّث.
شمر قَالَ ابْن شُمَيْل: تريَّع السمنُ على الخبزة وتريَّغ وَهُوَ خُلوف بعضه بأعقاب بعض. وتريَّعْتُ وتورعْت يَعْنِي: تلبَّثْت، وتوقّفت. وَأَنا متريِّع عَن هَذَا الْأَمر، ومُثْنَوْنٍ، ومنتقِض، أَي منتشر.
يعر: قَالَ اللَّيْث: اليَعْر: الشَّاة الَّتِي تُشدّ عِنْد زُبْية الذِّئْب.
وَقَالَ أَبُو عبيد: اليَعْر: الجدي. وَأنْشد:
أسائل عَنْهُم كلّما جَاءَ رَاكب
مُقيما بأملاح كَمَا رُبط اليَعْرُ
قلت؛ وَهَكَذَا قَالَ ابْن الْأَعرَابِي وَهو الصَّوَاب، رُبط عِنْد زُبْية الذِّئْب أَو لم يرْبط.
وَقَالَ اللَّيْث: اليُعَار: صَوت من أصوات الشَّاء شَدِيد. يُقَال يَعَرت تَيْعر يُعَارا. وَنَحْو ذَلِك قَالَ غَيره.
وَقَالَ اللَّيْث: اليَعُور: الشَّاة الَّتِي تبول على حالبها وتَبْعَر، وتفسد اللَّبن.
قلت: هَذَا وهْم. شَاة يَعُور إِذا كَانَت كَثِيرَة اليُعَار. وَكَأن اللَّيْث رأى فِي بعض الْكتب شَاة بعور بِالْبَاء فصحّفه وَجعله يَعُورا بِالْيَاءِ.
أَبُو عبيد الْأَصْمَعِي: اليَعَارة: أَن يُعَارض الفحلُ النَّاقة فيعارضها مُعَارضَة من غير أَن يُرْسل فِيهَا، وَأنْشد:
قَلَائِص يَلْقَحْن إلاّ يَعَارة
عراضا وَلَا يُشْرَين إلاّ غواليا
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: يَعارة: لَا تُضرب مَعَ الْإِبِل، وَلَكِن يَعار إِلَيْهَا الْفَحْل. وَذَلِكَ لكرمها.(3/115)
قلت: قَوْله يعَار إِلَيْهَا الْفَحْل محَال. وَمعنى بَيت الرَّاعِي هَذَا أَنه وصف نَجَائِب لَا يُرْسل فِيهَا الْفَحْل ضِنّاً بِطرقها، وإبقاء لقوَّتها على السّير؛ لِأَن لقاحها يُذهب مُنَّتها. وَإِذا كَانَت عائطاً فَهُوَ أبقى لسيرها، وأقلّ لتعبها. وَمعنى قَوْله إلاّ يعارة يَقُول: لَا تَلْقح إلاّ أَن يُفْلِت فَحل من إبل أُخْرَى فيعير ويضربها فِي عَيْرانه.
وَكَذَلِكَ قَالَ الطرماح فِي نجيبة حَمَلت يَعَارة:
سَوف تدنيك من لميسٍ سبنتا
ة أمارت بالبول مَاء الكراض
أنضجته عشْرين يَوْمًا ونِيلت
حِين نيلت يَعَارة فِي عراض
أَرَادَ أَن الْفَحْل ضربهَا يعارة فَلَمَّا مضى عَلَيْهَا عشرُون لَيْلَة من يَوْم طرقها الْفَحْل أَلْقَت ذَلِك المَاء الَّذِي كَانَت عقدت عَلَيْهِ، فَبَقيت مُنّتها كَمَا كَانَت.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: معنى اليَعَارة أَن النَّاقة إِذا امْتنعت على الْفَحْل عارت مِنْهُ أَي نفرت تعار فيعارضها الْفَحْل فِي عَدْوها حَتَّى ينالها فيستنيخها ويضربها. قَالَ: وَقَوله: (يَعارة) إِنَّمَا يُرِيد عائرة فَجعل يعارة اسْما لَهَا وَزَاد فِيهِ الْهَاء وَكَانَ حَقه أَن يُقَال: عارت تعير، فَقَالَ: يعار لدُخُول أحد حُرُوف الْحلق فِيهِ. قَالَ والعَيَّار الَّذِي ينفر، يَجِيء وَيذْهب فِي الأَرْض وَفرس عَيّار: نافر ذَاهِب فِي الأَرْض.
ومِن، بَاب عور رَوَى أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي يُقَال: رجل مُعْور، وزقاق مُعْور، والعامة تَقول: معوز: وَلَا يُقَال ذَلِك. قَالَ: وَيُقَال للشَّيْء الضائع البادي الْعَوْرَة أَيْضا: مُعْوِر. قَالَ أَبُو حَاتِم: قَالَ أَبُو زيد: تَقول الْعَرَب: مَا يُعْوز لَهُ شَيْء بالزاي إلاَّ أَخذه؛ كَقَوْلِهِم مَا يَطِفّ لَهُ شَيْء وَلَا يوهِف لَهُ شَيْء إِلَّا أَخذه. قَالَ: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: صحَّف أَبُو زيد. قَالَ وَتَفْسِيره أَنه لَيْسَ يرى شَيْئا لَا حَافظ لَهُ إلاَّ أَخذه لَا يتحرج. قَالَ: وَمثل من أمثالهم: لَيست كل عَورَة تصاب. يَقُول: لَيْسَ كل خَال من الْحفاظ يُؤْخَذ، رُبما غُفِل عَنهُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: وَالَّذِي قَالَه أَبُو زيد فِيمَا زعم مَشْهُور عِنْد الْعَرَب مَا يعوز لَهُ شَيْء إلاّ ذهب بِهِ مثل مَا يوهف.
يرع: قَالَ ابْن دُرَيْد: اليَرُوع لُغَة مَرْغُوب عَنْهَا لأهل الشِّحر؛ كَانَ تَفْسِيرهَا: الرُعْب والفزع.
وَقَالَ اللَّيْث وَغَيره: اليَرَاع: القَصَب، الْوَاحِدَة يَرَاعة. قَالَ: القصبة الَّتِي ينْفخ فِيهَا الرَّاعِي تسمى اليراعة. وَأنْشد:
أحِنُّ إِلَى ليلى وَإِن شَطّت النَوَى
بليلى كَمَا خَنّ اليراع المثقَّب
وَيُقَال للرجل الجبان: يراع ويراعة. قَالَ: واليَرَاع كالبعوض يَغشى الْوَجْه، الْوَاحِدَة يراعة. قَالَ عَمْرو بن بَحر: نَار اليراعة قيل هِيَ نَار أبي حُباحب، وَهِي شَبيهَة بِنَار الْبَرْق. قَالَ: واليراعة: طَائِر صَغِير، إِن طَار بِالنَّهَارِ كَانَ كبعض الطير، وَإِن طَار بِاللَّيْلِ فَكَأَنَّهُ شهَاب قُذف، أَو مِصْبَاح يطير. وَأنْشد:
أَو طَائِر يدعى اليراعة إِذْ تُرى(3/116)
فِي حِنْدِس كضياء نَار منوِّر
(بَاب الْعين وَاللَّام)
(ع ل (وَا يء))
علا (عَليّ) ، عول، لعا، لوع، ولع، وعل، عيل.
علا (على) : قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ وَمُسلم البَطِين فِي قَول الله جلّ وعزّ: {يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ تِلْكَ الدَّارُ الاَْخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِى الاَْرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (القَصَص: 83) قَالَ: العلُوّ: التكبّر فِي الأَرْض. وَقَالَ الْحسن: الْفساد: الْمعاصِي. وَقَالَ مُسلم: الْفساد: أَخذ المَال بِغَيْر حقّ؛ وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِى الاَْرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً} (القَصَص: 4) جَاءَ فِي التَّفْسِير أَن مَعْنَاهُ: طَغى فِي الأَرْض. وَقَوله جلّ وعزّ: {وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً} (الإسرَاء: 4) مَعْنَاهُ: لتبْغُنّ ولتتعظمُنّ، يُقَال لكل متجبّر: قد علا وتعظّم.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: تعلّى فلَان إِذا هجم على قوم بِغَيْر إِذن، وَكَذَلِكَ دَمَق وَدمَر.
على: على لَهَا مَعَان، والقُراء كلهم يفخّمونها؛ لِأَنَّهَا حرف أَدَاة.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْعَبَّاس أَنه قَالَ فِي قَول الله تَعَالَى: {ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنْكُمْ} (الأعرَاف: 63) جَاءَ فِي التَّفْسِير: مَعَ رجل مِنْكُم؛ كَمَا تَقول: جَاءَنِي الْخَيْر على وَجهك وَمَعَ وَجهك.
وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال رميت عَن الْقوس ورميت عَلَيْهَا، وَلَا تقل: رميت بهَا. وأَنشد:
أرمي عَلَيْهَا وَهِي فَرْع أجمعُ
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: يَقُولُونَ إِذا كَانَ لَهُ مَال: عَلَيْهِ مَال وَلَا يَقُولُونَ لَهُ مَال وَيَقُولُونَ: عَلَيْهِ دين، ورأيته على أوفاز كَأَنَّهُ يُرِيد النهوض. وَيَجِيء على بِمَعْنى (عَن) قَالَ الله جلّ وعزّ: {الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ} (المطفّفِين: 2) مَعْنَاهُ: إِذا اكتالوا عَنْهُم. وتجيء على بِمَعْنى عَنهُ. قَالَ مُزاحم العُقَيليّ:
غَدَتْ من عَلَيْهِ بعد مَا تمّ ظمِؤها
تَصِلّ وَعَن قيض بزبزا مَجْهَل
قَالَ الْأَصْمَعِي: مَعْنَاهُ: غَدَتْ من عِنده. قَالَ ابْن كيسَان: عَلَيْك ودونك وعندك إِذا جُعلن أَخْبَارًا رَفعن الْأَسْمَاء، كَقَوْلِك عَلَيْك ثوب، وعندك مَال، ودونك خير. ويُجعلن إغراء فيُجرين مجْرى الْفِعْل فينصبن الْأَسْمَاء. يَقُول: عَلَيْك زيدا، ودونك عمرا، وعندك بكرا أَي الزمه وخذه، وَأما الصِّفَات سواهن فيَرفعن إِذا جُعلن أَخْبَارًا وَلَا يُغرى بِهن.
قَالَ الزّجاج فِي قَوْلهم: عَلَيْهِم وإليهم: الأَصْل علاهم وإلاهم؛ كَمَا تَقول: إِلَى زيد وعَلى زيد، إلاَّ أَن الْألف غُيِّرت مَعَ الْمُضمر، فأبدلت يَاء ليُفصل بَين الْألف الَّتِي فِي آخر المتمكنة، وَبَين الْألف فِي غير المتمكنة الَّتِي الْإِضَافَة لَازِمَة لَهَا؛ أَلا ترى أَن إِلَى وعَلى ولدى لَا تنفرد عَن الْإِضَافَة. وَقَالَت الْعَرَب: فِي كِلاَ فِي حَال النصب والجرّ: رَأَيْت كليهمَا وكليكما، ومررت بكليهما، ففصلت بَين الْإِضَافَة إِلَى الْمظهر والمضمر، لما كَانَت كِلاَ تنفرد وَلَا تكون كلَاما إلاّ بِالْإِضَافَة.(3/117)
الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت: يُقَال: أَتَيْته من عَلُ بِضَم اللَّام، وأتيته من عَلُو بِضَم اللَّام وَسُكُون الْوَاو، وأتيته من عَلِي بياء سَاكِنة، وأتيته من عَلْوُ بِسُكُون اللَّام وضمّ الْوَاو، وَمن عَلْوَ ومَن عَلْوِ وَأنشد:
من عَلْوَ لَا عَجَب مِنْهَا وَلَا سَخَر
وَيروى من عَلْوُ وَمن عَلْوِ. قَالَ وَيقال: أَتَيْته من عالٍ وَمن مُعَالٍ. وَأنشد:
ظمأى النَسَا من تحتُ، ريّا من عالْ
وَأنشد فِي معال:
وَنَغَضان الرحل من مُعالِ
وَقال الْفراء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {كَبِيراً عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ أَسَاوِرَ} (الإنسَان: 21) قرىء (عاليهم) بِفَتْح الْيَاء و (عاليهم) بسكونها. قَالَ الْفراء: من فتح (عاليهم) جعلهَا كالصفة: فَوْقهم. قَالَ: وَالعرب تَقول: قوتك دَاخل الدَّار فَيَنْصبُونَ دَاخل لِأَنَّهُ محلّ، فعاليهم من ذَلِك.
وَقَالَ الزّجاج: لَا يُعرف (عالَيا) فِي الظروف. قَالَ: ولعلّ الْفراء سمع بعالي فِي الظروف. قَالَ: وَلَو كَانَ ظرفا لم يجز إسكان الْيَاء، وَلَكِن نَصبه على الْحَال من شَيْئَيْنِ: أَحدهمَا من الْهَاء وَالْمِيم فِي قَوْله: {سَلْسَبِيلاً وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ} (الْإِنْسَان: 19) ثمَّ قَالَ {كَبِيراً عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ أَسَاوِرَ} أَي فِي حَال علوّ الثِّيَاب إيَّاهُم. قَالَ: وَيجوز أَن يكون حَالا من الْولدَان. قَالَ: فالنصب فِي هَذَا بيّن. قَالَ وَمن قَرَأَ (عاليهم) فرفْعه بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر {ثِيَاب سندس.
قَالَ وَقد قرىء (عاليتَهم) بِالنّصب، و (عاليتُهم) بِالرَّفْع، وَالْقِرَاءَة بهما لَا تجوز، لخلافهما الْمُصحف. وقرىء (عَلَيْهِم ثِيَاب سندس) وَتَفْسِير نصب (عاليتهم) ورفعِها كتفسير (عاليهم) و (عاليهم) .
وَقَالَ ابْن السّكيت: سِفْل الدَّار وعِلْوها وسُفْلها وعُلْوها. وَيُقَال: علا فلَان الْجَبَل إِذا رَقِيه، يعلوه عُلُوْاً، وَعلا فلَان فلَانا إِذا قهره، وَعلا فلَان فِي الأَرْض إِذا تكبّر وطغى. وَيُقَال: فلَان تعلو عَنهُ الْعين بِمَعْنى تنبو عَنهُ، وَإِذا نبا الشيءُ عَن الشَّيْء وَلم يلصَق بِهِ فقد علا عَنهُ.
وَقَالَ اللَّيْث: عالى كل شَيْء أَعْلَاهُ. وَكَذَلِكَ عاليه كل شَيْء أَعْلَاهُ وَيُقَال نزل فلَان بعالية الْوَادي وَسافلته. فعاليته: حَيْثُ ينحدر المَاء مِنْهُ، وَسافلته، حَيْثُ ينصبّ إِلَيْهِ، وَعالية تَمِيم هم بَنو عَمْرو بن تَمِيم، وهم بَنو الهُجَيم والعنبر ومازِن. وعُليا مضرهم قُرَيْش وَقيس. قَالَ و (على) صفة من الصِّفَات وَللعرب فِيهَا لُغَتَانِ: كنت على السَّطْح، وَكنت أَعلَى السَّطْح.
وَقَالَ اللَّيْث: الله تبَارك وتَعالى هُوَ الْعلي المتعالي العالي الْأَعْلَى ذُو الْعَلَاء والعُلاَ وَالمَعَالي، تَعَالَى عَمَّا يَقُول الظَّالِمُونَ عُلُوّاً كَبِيرا. وَهُوَ الْأَعْلَى سُبْحَانَهُ بِمَعْنى العالي قَالَ: وَتَفْسِير تَعَالَى: جلّ عَن كل ثَنَاء، فَهُوَ أعظم وأجلّ وَأَعْلَى مِمَّا يُثنَى عَلَيْهِ، لَا إلاه إلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ.
قلت: وَتَفْسِير هَذِه الصِّفَات لله يقرب بَعْضهَا من بعض، فالعليّ الشريف فعيل من علا يَعْلُو، وَهُوَ بِمَعْنى العالي، وَهُوَ الَّذِي لَيْسَ فَوْقه شَيْء. وَيُقَال: هُوَ الَّذِي علا(3/118)
الْخلق فقهرهم بقدرته. وأمّا المتعالي فَهُوَ الَّذِي جَلّ عَن إفْك المفترين، وتنزّه عَن وساوس المتحيّرين. وَقد يكون المتعالي بِمَعْنى العالي. والأعلى هُوَ الله الَّذِي هُوَ أَعلَى من كل عالٍ. واسْمه الْأَعْلَى أَي صفته أَعلَى الصِّفَات. والْعَلَاء الشّرف. وَذُو الْعَلَاء صَاحب الصِّفَات العُلاَ والعُلاَ جمع العُلْيا أَي جمع الصّفة الْعليا والكلمة الْعليا. وَيكون العُلاَ جمع الِاسْم الْأَعْلَى. وَصفَة الله الْعليا: شَهَادَة أَن لَا إلاه إلاّ الله فَهَذِهِ أَعلَى الصِّفَات وَلَا يُوصف بهَا غير الله وَحده لَا شريك لَهُ. وَلم يزل الله عليّاً عَالِيا متعالياً، تَعَالَى الله عَن إلحاد الْمُلْحِدِينَ وَهُوَ الْعلي الْعَظِيم. وَيُقَال رجل عليّ أَي شرِيف، وَجمعه عِلْية يُقَال: فلَان من عِلْية النَّاس أَي من أَشْرَافهم وَمثله صَبِيّ وصِبْية. وَفُلَان عالي الكعب إِذا كَانَ ثَابت الشّرف، وعالي الذّكر.
وَقَالَ اللَّيْث: العَلْياء، رَأس كل جبل مشرِف. قَالَ: والعالية: القَنَاة المستقيمة، وَجَمعهَا العوالي. قَالَ ويسمّى أَعلَى الْقَنَاة الْعَالِيَة وأسفلها السافلة.
قلت: وَقَالَ غير اللَّيْث: عوالي الرماح: أسِنّتها، واحدتها عالية. وَمِنْه قَول الخنساء حِين خطبهَا دُرَيد بن الصِّمَّة: أتَرونني تاركة بني عمّي كَأَنَّهُمْ عوالي الرماح، وَمُرْتَثَّةً شيخ بني جُشَم. شبَّههتم بعوالي الرماح لطراءة شبابهم، وبريق سَحَناتهم، وَحسن وُجُوههم. وعالية الْحجاز: أَعْلَاهَا بَلَدا وَأَشْرَفهَا موضعا. وَهِي بِلَاد وَاسِعَة. وَإِذا نسبوا إِلَيْهَا قيل: عُلْوِيّ، وَالْأُنْثَى عُلْوِية. وَيُقَال: عالي الرجلُ وَغَيره إِذا أَتَى عالية الْحجاز. وَقَالَ بشر بن أبي خازم:
مُعَالِيةً لَا هَمّ إلاّ محجَّر
وحَرَّة ليلى السهلُ مِنْهَا فلُو بهَا
وحَرَّة ليلى وحرَّة شَوران وحَرَّة بني سُلَيم فِي عالية الْحجاز. وَقَالَ اللَّيْث: المَعْلاة: مكسب الشّرف وَجَمعهَا الْمَعَالِي. قَالَ والعُلِّيّة: الغرفة على بناءَ حُرِّية. قَالَ: وَهِي فِي التَّعْرِيف فُعُّولة.
وَقَالَ شمر: قَالَ الْأَصْمَعِي: العِلِّيّ: الغرف، واحدتها عِلِّيّة. وَقَالَ العجّاج:
وبِيعة لسورها عِلّيّ
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: العَلاَليّ من الْبيُوت، واحدتها عِلّيّة قَالَ وَوزن عِلّيّة فِعيلة، الْعين شَدِيدَة.
قلت: وعِلِّيّة أَكثر فِي كَلَامهم من عُلِّيَّة.
وَقَالَ اللَّيْث: عِلِّيّين: جمَاعَة عِلّيّ فِي السَّمَاء السَّابِعَة، إِلَيْهِ يُصعَد بأرواح الْمُؤمنِينَ.
وَقَالَ الْفراء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {تُكَذِّبُونَ كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الاَْبْرَارِ لَفِى عِلِّيِّينَ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ} (المطفّفِين: 18، 19) .
يَقُول الْقَائِل كَيفَ جمعت علّيّون بالنُّون وَهَذَا من جمع الرِّجَال؟ قَالَ: وَالْعرب إِذا جمعت جمعا لَا يذهبون فِيهِ إِلَى أَن لَهُ بِنَاء من وَاحِد واثنين قَالُوا فِي الْمُذكر والمؤنث بالنُّون من ذَلِك عِلّيّون. وَهُوَ شَيْء فَوق شَيْء غير مَعْرُوف واحدُه وَلَا اثناه. قَالَ: وَسمعت الْعَرَب تَقول: أطعمنَا مَرَقة مَرَقِينَ، تُرِيدُ اللُحمان إِذا طُبخت بِمَاء(3/119)
وَاحِد، وَأنْشد:
قد رَوِيت إلاّ دُهَيدِ هينا
قليِّصات وأُبيكرينا
فَجمع بالنُّون؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ الْعدَد الَّذِي لَا يُحَد آخِره. وَكَذَلِكَ قَول الشَّاعِر:
فَأَصْبَحت المذاهِب قد أذاعت
بهَا الإعصارُ بعد الوابلينا
أَرَادَ الْمَطَر بعد الْمَطَر غير مَحْدُود وَكَذَلِكَ علّيّون: ارْتِفَاع بعد ارْتِفَاع.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَوْله جلّ وعزّ: {الاَْبْرَارِ لَفِى} (المطففين: 18) : أَي فِي أَعلَى الْأَمْكِنَة. {عِلِّيِّينَ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ} (المطفّفِين: 19) فإعراب هَذَا الِاسْم كإعراب الْجمع، لِأَنَّهُ على لفظ الْجمع؛ كَمَا تَقول: هَذِه قِنَّسْرون وَرَأَيْت قِنَّسرين.
وَقَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله {لفي عليين قَالَ: عليون السَّمَاء السَّابِعَة.
وَقَالَ شمر: قَالَ أَبُو مُعَاذ: عليّين السَّمَاء السَّابِعَة.
قلت: وَمِنْه حَدِيث النَّبِي: (إِن أهل الْجنَّة ليتراءون أهل عليّين، كَمَا ترَوْنَ الْكَوْكَب الدُرّيّ فِي السَّمَاء) . وَيُقَال للْمَرْأَة إِذا طَهُرت من نفَاسهَا: تعلّت فُلَانَة من نفَاسهَا.
وَفِي حَدِيث سُبَيعة أَنَّهَا لما تعلّت من نفَاسهَا تشرَّفت لخُطَّابها. وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
وَلَا ذَات بعل من نِفَاس تعلّت
وَالسَّمَوَات العُلاَ جمع السَّمَاء العُلْيَا، والثنايا الْعليا، والثنايا السُّفْلى، يُقَال للْجَمَاعَة: عُلْيا وسُفْلى لتأنيث الْجَمَاعَة. وَمثله قَول الله جلّ وعزّ: {لِنُرِيَكَ مِنْءَايَاتِنَا الْكُبْرَى} (طاه: 23) وَلم يقل: الكُبَر. وَهُوَ بِمَنْزِلَة الْأَسْمَاء الْحسنى، وبمنزلة قَوْله جلّ وعزّ: {وَلِىَ فِيهَا مَأَرِبُ أُخْرَى} (طاه: 18) . وَتقول الْعَرَب فِي النداء للرجل: تعالَهْ، وللاثنين: تعاليا، وللرجال: تعالَوْا، وللمرأة: تعالَيْ، وللنساء: تعالين. وَلَا يبالون إِن كَانَ المدعوّ فِي مَكَان أَعلَى من مَكَان الدَّاعِي، أَو فِي مكانٍ دونه. وعَلْوى اسْم فرس كَانَت من سوابق خيل الْعَرَب. وَيُقَال: ضربت عِلاَوته أَي رَأسه وعُنُقه. والعِلاوة: مَا يحمل على الْبَعِير وَغَيره بَين العِدْلين. وَيُقَال: أعطَاهُ ألفا وديناراً عِلاوة، وَأَعْطَاهُ أَلفَيْنِ وَخَمْسمِائة عِلاَوة. وَجمع العِلاَوة عَلاَوَى، مثل هِراوة وهَرَاوَى. وَيُقَال: عَلِّ عَلاَواك على الْأَحْمَال وعالها. وَإِذا نسب الرجل إِلَى عليّ بن أبي طَالب ح قَالُوا عَلَوِيّ، وَإِذا نسبوا إِلَى بني عَليّ وهم قَبيلَة من كنَانَة قَالُوا: هَؤُلَاءِ العِليُّون.
أخبرنَا الْمُنْذِرِيّ عَن الطوسي عَن الخراز عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ فِي تَفْسِير قَوْله:
بَنو عَليّ كلّهم سَوَاء
قَالَ: بَنو عَليّ من بني العَبَلات من بني أميَّة الْأَصْغَر، كَانَ وَلِي من بعد طلحةِ الطلحات؛ لِأَن أمّهم عَبْلة بنت جازل من البراجم، وَهِي أم ولد أميّة الْأَصْغَر.
والمعلِّي: أحد قداح المَيْسِر، وَهُوَ القِدْح السَّابِع. وَله فوز سَبْعَة أسْهم إِن فَازَ. وغُرْم سَبْعَة أسْهم إِن لم يفز. وكلّ من قهر(3/120)
رجلا أَو عَدُوّاً فَإِنَّهُ يُقَال فِيهِ: علاهُ واعتلاه واستعلاه واستعلى عَلَيْهِ. وَيُقَال: عُلْوان الْكتاب لعُنوانه. وَالْعرب تبدل اللَّام من النُّون فِي حُرُوف كَثِيرَة؛ مثل لعلَّك ولعنَّك وعَتَله إِلَى السجْن، وعَتَنه. وَكَأن علوان الْكتاب اللَّام فِيهِ مبدلة من النُّون. وَقد مرّ تَفْسِيره فِي مضاعف الْعين.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: رجل عِلْيانا وعِلَّيَان إِذا كَانَ طَويلا جسيماً وَكَذَلِكَ نَاقَة عِلْيان وَأنْشد:
أنشدُ من خَوَّارة عِلْيانِ
مضبورة الْكَاهِل كالبنيانِ
وَقَالَ اللَّيْث: العِلْيان: الذّكر من الضباع قَالَ وَيُقَال للجمل الضخم: عِلْيان.
قلت هَذَا تَصْحِيف، إِنَّمَا يُقَال لذكر الضباع: عِثْيان بالثاء، فصحَّفه اللَّيْث، وَجعل بدل الثَّاء لاماً. وَقد مر ذكر العِثْيان فِي بَابه.
وَقَالَ اللَّيْث: العَلاَة السَنْدان؛ ويشبّه بهَا النَّاقة الصُلْبة.
قلت: وَهَكَذَا قَالَ غَيره من أَئِمَّتنَا فِي النَّاقة الصُلْبة وَهَذِه الحديدة. وَقيل فِي تَفْسِير قَوْله: {بِالْقِسْطِ وَأَنزْلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ} (الحَديد: 25) قَالَ: أنزل العَلاَة والمَرّ.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: يُقَال للرجل الَّذِي يردّ حَبل المستَقِي بالبكرة إِلَى مَوْضِعه مِنْهَا إِذا مَرِسَ المعلِّي، والرِّشاء المعلَّى.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: التعلية أَن ينتأ بعضُ الطيّ أَسْفَل الْبِئْر، فينزلَ رجل فِي الْبِئْر يعلِّي الدَّلْو عَن الْحجر الناتىء وأَنشد لعدي:
كهُويّ الدَّلْو نزّاها المُعَلْ
أَرَادَ المعلِّي. قَالَ والعلاة: صَخْرَة يُجعل لَهَا إطار من الأخْثاء وَمن اللَّبن والرماد، ثمَّ يطْبخ فِيهَا الأقط. ويجعع عَلاً. وَأنْشد أَبُو عُبَيْدَة:
وَقَالُوا عَلَيْكُم عاصِماً نستغِثْ بِهِ
رُوَيدكَ حَتَّى يصفِق البَهْمَ عَاصِم
وَحَتَّى ترى أَن العلاة تمدّها
جُخَاديّةٌ والرائحات الروائم
يُرِيد أَن تِلْكَ العلاة يزِيد فِيهَا جُحاديّة، وَهِي قِربة مَلأى لَبَنًا، أَو غِرارَة ملأى تَمرا أَو حِنْطَة يصبّ مِنْهَا فِي العلاة للتأقيط، فَذَلِك مدّها فِيهَا. وَيُقَال: نَاقَة حَلِيّة عَلِيّة حَلِيَّة: حُلْوة المنظر وَالسير عَلِيَّة: فائقة. وَيُقَال: عاليته على الْحمار، وعلّيته عَلَيْهِ. وَأنْشد ابْن السكّيت:
عاليت أَنساعي وجِلْبَ الكُور
على سَرَارة رائح مَمْطُور
وَقَالَ:
فإلاَّ تجلَّلها يعالوك فَوْقهَا
وَكَيف تُوقي ظهرَ مَا أَنْت رَاكِبه
أَي يُعلوك فَوْقهَا.
أَبُو سعيد: عَلَوْت على فلَان الرّيح أَي كنت فِي عُلاوتها. وَيُقَال: لَا تَعلُ الرّيح على الصَّيْد فيرَاح ريحِك وينفِر. وَيُقَال: أتيت الناقةَ من قِبَل مستعلاها أَي من قبل إنسيّها. قَالَ والمُسْتَعْلي هُوَ الَّذِي يقوم على يسَار الحَلُوبة. والبائن: الَّذِي يقوم على يَمِينهَا. والمستعلي يَأْخُذ العُلْبة بِيَدِهِ الْيُسْرَى ويحلب باليمنى. وَقَالَ الْكُمَيْت فِي المستعلي والبائن:(3/121)
يبشر مستعلياً بَائِن
من الحالبَينِ بِأَن لَا غرارا
ويُقال: اعلُ الوسادة أَي اقعد عَلَيْهَا، وأَعْلِ عَنْهَا أَي انْزِلْ عَنْهَا. وأنشدني أَبُو بكر الْإِيَادِي لامْرَأَة من الْعَرَب عُنِّن عَنْهَا زوجُها:
فقدنك من بعل علام تدكُّني
بصدرك لَا تغني فتيلا وَلَا تُعلِي
أَي لَا تَنزِل وَأَنت عَاجز عَن الْإِيلَاج. وَيُقَال: فلَان غير مؤتل فِي الْأَمر، وَغير مُعْتلٍ أَي غير مقصِّر. وَأنْشد أَبُو الْعَبَّاس بَيت طُفيل:
وَنحن منعنَا يَوْم حَرْس نساءكم
غَدَاة دَعَانَا عَامر غير مُعتل
وَقَالَ الْفراء: هُوَ عُلْوان الْكتاب وعُنوانه.
وَقَالَ اللحياني: عَلْونت الْكتاب عَلْونة وعلوانا، وعنونته عنونة وعنواناً.
وَقَالَ أَبُو زيد: عُلْوان كل شَيْء: مَا علا مِنْهُ، وَهُوَ العُنْوان. وَأنْشد:
وحاجة دون أُخْرَى قد سمحتُ بهَا
جَعلتهَا للَّذي أخفيت عنواناً
أَي أظهرت حَاجَة وأخفيت أُخْرَى. وَهِي الَّتِي أُريغ، فَصَارَت هَذِه عنواناً لما أردْت.
وَقَالَ أَبُو سعيد: هَذِه كلمة مَعْرُوفَة عِنْد الْعَرَب: أَن يَقُولُوا لأهل الشّرف فِي الدُّنْيَا وَالثروَة والغنى: أهل عليين. فَإِذا كَانُوا متّضعين قَالُوا: سِفليُّون. والعِلِّيُّون فِي كَلَام الْعَرَب: الَّذين ينزلون أعالي الْبِلَاد. وَإِن كَانُوا ينزلون أسافلها فهم سِفْليُّون. وَيُقَال هَذِه الْكَلِمَة تستعلي لساني إِذا كَانَت تعتزّه وتجري عَلَيْهِ كثيرا. وَتقول الْعَرَب: ذهب الرجل عَلاَء وعَلْواً، وَلم يذهب سُفْلاً إِذا ارْتَفع. وَفُلَان منِ علْية النَّاس لَا من سَفلتهم.
وَقَالَ اللَّيْث: الْفرس إِذا بلغ الْغَايَة فِي الرِّهَان يُقَال: قد استعلى على الْغَايَة. وَيُقَال: قد استعلى فلَان عَلَى النَّاس إِذا غلبهم وقهرهم وعلاهم قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى: {وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى} (طاه: 64) وَيُقَال: تعلَّى الْمَرِيض من عِلَّته إِذا أَفَاق مِنْهَا. ويَعْلى: اسْم رجل. وتَعْلى: اسْم امْرَأَة.
لعا: قَالَ اللَّيْث: يُقَال: كلبة لَعْوة، وذِئبة لَعْوة، وَامْرَأَة لَعْوة: يُعنى بكلّ ذَلِك الحريصة الَّتِي تقَاتل على مَا يُؤْكَل. والجميع اللَعَوات واللِّعاء. قَالَ: وَيُقَال للعسل وَنَحْوه إِذا تعقّد: قد تَلعّى. ولَعاً: كلمة تقال للعاثر.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: إِذا دُعي للعاثر قيل: لعاً لَك عَالِيا، وَمثله دع دع.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: من دُعَائِهِمْ: لالعاً لفُلَان أَي لَا أَقَامَهُ الله، وَمِنْه قَول الْأَعْشَى يصف نَاقَة لَهُ نجيبة:
بِذَات لوث عفرناة إِذا عَثَرت
فالتعس أدنى لَهَا من أَن تَقول لعا
وَأنْشد غَيره لرؤبة:
وَإِن هوى العاثرُ قُلْنَا دَعْ دَعَا
لَهُ وعالينا بتنعيش لعا
وَالْعرب تَدْعُو عَلَى العاثر من الدوابّ إِذا(3/122)
كَانَ جَوَاداً بالتعْس فَيَقُولُونَ: تعْساً لَهُ، وَإِن كَانَ بليداً كَانَ دعاؤهم لَهُ إِذا عثر، لعاً لَك وَهُوَ معنى قَول الْأَعْشَى:
فالتعس أدنى لَهَا من أَن يُقَال لعا
أَبُو عبيد عَن الْفراء. رجل لَعْو ولَعاً مَنْقُوص، وَهُوَ الشرِه الْحَرِيص.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: اللعُوة واللَعَاة: الكلبة وَجَمعهَا لِعَاء. وَيُقَال: مَا بِالدَّار لاعِي قَرْوٍ أَي مَا بهَا أحد. والقَرْو. الْإِنَاء الصَّغِير. شمر. اللاعي بِمَنْزِلَة الحاسي. والقَرْو. العُسّ. وَقال فِي قَوْله:
داوِيَّة شقَّت على اللاعي السَّلِعْ
وَإِنَّمَا النّوم بهَا مثل الرضِعْ
قَالَ: اللاعي من اللوعة. قلت كَأَنَّهُ أَرَادَ اللائع فقلَب، وَهُوَ ذُو اللوعة. والرضع: مصَّة بعد مَصَّة.
وَقَالَ أَبُو سعيد: يُقَال هُوَ يَلعَى بِهِ ويَلْغَى بِهِ أَي يتولع بِهِ.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: اللَعْوة: السوَاد حول الحَلَمة. قَالَ وَبِه سمّي ذُو لَعْوة: قيل من أقيال حمير.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: اللولع الرَّغْثاء، وَهُوَ السوَاد الَّذِي على الثدي، وَهُوَ اللطخة قَالَ والألعاء: السُلاتيات. والأعْلاء: الطوَال من النَّاس. وَخَرجْنَا نَتَلَعّى أَي نصيب اللّعَاعة من بقول الرّبيع.
لوع: أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن الْحَرَّانِي عَن التَوَّزيّ وثابت بن أبي ثَابت أَنَّهُمَا قَالَا: اللَوعة: السوَاد حول الحَلَمة حلمةِ ثدي الْمَرْأَة. وَقد أَلْعى ثديُها إِذا تغيَّر.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: ألواع الثدي جمع لَوْع وَهُوَ السوَاد الَّذِي على الثدي.
قلت: هَذَا السوَاد يُقَال لَهُ: لَعْوة ولَوْعة، وهما لُغَتَانِ. وَقَالَ زِيَاد الْأَعْجَم:
كذبتَ لم تغذه سوداءُ مقرِفة
بلَوع ثدي كأنف الْكَلْب دمّاع
أَبُو عبيد اللوعة: حُرقة الْهوى.
وَقَالَ ابْن بُزُرْجَ: يُقَال: لاع يَلاَع من الضجر والجزع والحزن، وَهِي اللوعة.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: لاع يلاع لَوعة إِذا جزع أَو مرض. قَالَ: واللوعة: لوعة الْحزن والحبّ وَالْمَرَض وَهُوَ وجع الْقلب. وَرجل لاعٌ وَقوم لاعون ولاعة. قَالَ: والهاع الجَزُوع، واللاع الموجَع.
أَبُو عَمْرو: يُقَال: لَا تَلَعْ أَي لَا تضجر. وَقد لِعْتُ ألاع لَيْعاناً، وهِعْت أهاع هَيْعاناً. قلت: لاتَلَعْ من لاع، كَمَا تَقول: لَا تَهَب من هاب يهاب.
أَبُو عبيد عَن أبي عُبَيْدَة: رجل هاعٌ لاعٌ، وهائع لائع إِذا كَانَ جَبَانًا ضَعِيفا.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ اللاعة: الْمَرْأَة الحديدة الْفُؤَاد الشهمة.
وَقَالَ اللَّيْث: الْمَرْأَة اللاعة قد اختُلف فِيهَا. فَقَالَ أَبُو الدُقَيش: اللَعَّة وَهِي الَّتِي تغازلك وَلَا تمكّنك.
وَقَالَ أَبُو خيرة: هِيَ اللاعة بِهَذَا الْمَعْنى امْرَأَة لاعة: إِذا كَانَت مليحة بعيدَة من الرِّيبَة. ولاع يلاع إِذا جزع جزعاً شَدِيدا.
وَقَالَ يُقَال: لاعني الهمّ والحزن فالتعْت التياعاً. واللَوْعة: حُرقة يجدهَا من(3/123)
الوجد، تلوعه لَوْعاً. وَرجل هاعٌ لاع: حَرِيص سيّء الخُلُق. وَالْفِعْل لاع يلوع لَوْعاً ولُوُوعاً. والجميع الألْواع واللاعون.
عول: قَالَ الله جلّ وعزّ: {ذالِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ} (النِّساء: 3) قَالَ أَكثر أهل التَّفْسِير: مَعْنَاهُ: ذَلِك أقرب أَلا تَجُورُوا وتميلوا، وَرُوِيَ عَن عبد الرحمان بن زيد بن أسلم أَنه قَالَ فِي قَوْله {ذالِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ} أَي أدنى أَلا يكثر عيالكم.
قلت: وَإِلَى هَذَا القَوْل ذهب الشَّافِعِي فِيمَا أَخْبرنِي عبد الْملك عَن الرّبيع عَنهُ. قلت: وَالْمَعْرُوف فِي كَلَام الْعَرَب: عَال الرجل يعول إِذا جَار، وأعال يعيل إِذا كثر عِيَاله. وَقد رَوَى أَبُو عمر عَن أَحْمد بن يحيى عَن سَلَمة عَن الْفراء أَن الْكسَائي قَالَ: عَال الرجل يعيل إِذا افْتقر، وأعال الرجل إِذا كثر عِيَاله. قَالَ الْكسَائي: وَمن الْعَرَب الفصحاء من يَقُول: عَال يعول إِذا كثر عِيَاله. قلت: وَهَذَا يؤيّد مَا ذهب إِلَيْهِ الشَّافِعِي فِي تَفْسِير الْآيَة، لِأَن الْكسَائي لَا يَحْكِي عَن الْعَرَب إلاّ مَا حفظه وَضَبطه. وَقَول الشَّافِعِي نَفسه حجَّة؛ لِأَنَّهُ عربيّ اللِّسَان فصيح اللهجة. وَقد اعْترض عَلَيْهِ بعض المتحذلقين فخطَّأه، وَقد عجل وَلم يتثبت فِيمَا قَالَ. وَلَا يجوز للحضريّ أَن يعجل إِلَى إِنْكَار مَا لَا يعرفهُ من لُغَات الْعَرَب سَلمَة عَن الفرّاء قَالَ: قَالَ الكلبيّ مَا زلت مُعيلاً، من العَيْلة أَي مُحْتَاجا. وأمّا عَوْل الْفَرِيضَة فَإِن المنذريّ أَخْبرنِي عَن المفضَّل بن سَلمَة أَنه قَالَ: عالت الفريضةُ أَي ارْتَفَعت وزادت. وَفِي حَدِيث على أَنه أُتي فِي ابْنَتَيْن وأبوين وَامْرَأَة، فَقَالَ: صَار ثمنهَا تسعا.
قَالَ أَبُو عبيد: أَرَادَ أَن السِّهَام عالت حَتَّى صَار للْمَرْأَة التسع، وَلها فِي الأَصْل الثّمن، وَذَلِكَ أَن الْفَرِيضَة لَو لم تعُلْ كَانَت من أَرْبَعَة وَعشْرين سَهْما، فلمَّا عالت صَارَت من سَبْعَة وَعشْرين: للابنتين الثُّلُثَانِ: سِتَّة عشر سَهْما وللأبوين السدسان: ثَمَانِيَة، وللمرأة ثَلَاثَة فَهَذِهِ ثَلَاثَة من سبع وَعشْرين وَهُوَ التسع وَكَانَ لَهَا قبل العَوْل ثَلَاثَة من أَرْبَعَة وَعشْرين وَهُوَ الثّمن.
وَقَالَ اللَّيْث: العَوْل: ارْتِفَاع الْحساب فِي الْفَرَائِض. وَيُقَال للفارض: أعِلِ الفريضَة. قَالَ والعَول الْميل فِي الحكم إِلَى الجَوْر. قَالَ والعول: كل أَمر عالك. وَقَالَت الخنساء:
وَيَكْفِي الْعَشِيرَة مَا عالها
وَإِن كَانَ أَصْغَرهم مولدا
أَبُو عبيد؛ عالني الشَّيْء يعولني: غلبني وَثقل عليّ. وَيُقَال لَا تعُلْني أَي لَا تغلبني قَالَ وَأنْشد الْأَصْمَعِي قَول النمر بن تولب:
وأحْبِبْ حَبِيبك حُبّاً رويداً
فَلَيْسَ يعولك أَن تَصْرما
قَالَ: وَمِنْه قَول ابْن مقبل:
عيل مَا هُوَ عائله
أَي غُلِبُ مَا هُوَ غالبه.
وَقَالَ أَبُو طَالب: يكون عِيل صَبْرُه أَي غُلب. وَيكون رُفع وغيِّر عمّا كَانَ عَلَيْهِ،(3/124)
من قَوْلهم: عالت الْفَرِيضَة إِذا ارْتَفَعت.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: عَال الْمِيزَان إِذا مَال، مَأْخُوذ من الجَور.
وَقَالَ أَبُو طَالب بن عبد المطّلب:
بميزان قِسط لَا يَغُلُّ شَعِيرة
لَهُ شَاهد من نَفسه غيرُ عائل
وَأما قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وابدأ بِمن تعول) فَإِن الْأَصْمَعِي قَالَ: عَال الرجل عِيَاله يعولهم إِذا كفاهم معاشهم. وَقَالَ غَيره: عَال عِيَاله إِذا قاتهم. والعَوْل: القَوْت. وَأنْشد:
كَمَا خامرت فِي جفنها أمُّ عَامر
لَدَى الحَبْل حَتَّى عَال أَوْس عيالها
هَكَذَا أنْشدهُ ابْن الْأَعرَابِي. وَقَالَ: أمُّ عَامر هِيَ الضبع، أَي بَقِي جراؤها وَلَا كاسب لَهُنَّ فَجعلْنَ يتبعن مَا بَقِي من الذِّئْب وَغَيره، فيأكلنه. قَالَ: وَالْحَبل حَبل الرمل.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الضبع إِذا هَلَكت قَامَ الذِّئْب بشأن جرائها. وَأنْشد فِيهِ هَذَا الْبَيْت:
وَالذِّئْب يغذو بَنَات الذِيخ نَافِلَة
بل يحْسب الذِّئْب أَن النجل للذيب
يَقُول: لِكَثْرَة مَا بَين الضباع والذئاب من السِفاد يظنّ الذِّئْب أَن أَوْلَاد الضبع أَوْلَاده.
وَقَالَ اللَّيْث: العَوْل: قَوْت الْعِيَال. قَالَ: وَوَاحِد الْعِيَال عَيَّل. يُقَال: عِنْده كَذَا وَكَذَا عيِّلا أَي كَذَا وَكَذَا نَفْساً من الْعِيَال. قَالَ: وأعال الرجل إِذا كثر عِيَاله. وأَمّا قَوْلهم: ويلَه وعَوْله فَإِن أَبَا عَمْرو قَالَ: العَوْل والعويل الْبكاء. وَأنْشد:
أبلغ أَمِير الْمُؤمنِينَ رِسَالَة
شكوى إِلَيْك مطلة وعويلا
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: العَوْل وَالعَوِيل: الاستغاثة، وَمِنْه قَوْلهم مُعَوَّلى على فلَان أَي اتكالي عَلَيْهِ واستغاثتي بِهِ.
وَقَالَ أَبُو طَالب: النصب فِي قَوْلهم: ويلَه وعَوْله على الدُّعَاء والذمّ كَمَا يُقَال ويلا لَهُ وتراباً لَهُ.
وَقَالَ شمر: العَوِيل: الصياح والبكاء. قَالَ: وأعول إعوالاً وعَوَّل تعويلاً إِذا صَاح وَبكى. وَمِنْه حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (المعوَّل عَلَيْهِ يعذَّب) . وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
فَهَل عِنْد رسم دارس من معوّل
أَي من مَبْكًى. وَقيل من مستغاث وَقيل من مَحْمِل ومعتمد. وَأنْشد:
عوِّل على خاليك نعم الْمعول
وَيُقَال: عوَّلنا إِلَى فلَان فِي حاجتنا، فَوَجدناه نعم المعوَّل، أَي فَزِعنا إِلَيْهِ حِين أعوزنا كلُّ شَيْء قَالَ: والعَوِيل يكون صَوتا من غير بكاء. وَمِنْه قَول أبي زُبَيد:
للصدر مِنْهُ عويل فِيهِ حشرجة
أَي زئير كَأَنَّهُ يشتكي صَدره.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: أعال الرجلُ وأَعْول إِذا حَرَص. وأعولت عَلَيْهِ أَي أدلَلْت عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو سعيد: عوِّلْ عَلَيْهِ أَي اسْتَعِنْ بِهِ. قَالَ وَيُقَال: فلَان عِوَلي من النَّاس أَي(3/125)
عُدَّتي ومَحْمِلي وَقَالَ تأبط شرا:
لكنما عِوَلي إِن كنت ذَا عول
على كريم بِنصب الْمجد سبَّاق
وَيُقَال: أَمر عالٍ وعائل أَي متفاقِم، على القَلْب.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي فِي قَول الهُذلي:
فازدرت مُزدار الْكَرِيم الْمعول
قَالَ: هُوَ من أعال وأعول إِذا حَرَص، وَرجل مُعْوِل أَي حَرِيص والمعول الَّذِي يَحمل عَلَيْك بدالَّة. وَأما قَول الْكُمَيْت:
وَمَا أَنا فِي ائتلاف بني نزار
بملبوس عليَّ وَلَا مَعُول
فَمَعْنَاه أَنِّي لست بمغلوب الرَّأْي من عِيل أَي غلب.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال عوَّل الرجل عَالَة هِيَ شبه الظُلَّة يسوّيها الرجل من الشّجر، يسْتَتر بهَا من الْمَطَر. وَقَالَ الْهُذلِيّ:
الطعْن شعشعة وَالضَّرْب هَيْقعة
ضرب المعوّل تَحت الدِيمة العَضَدا
وَقَالَ اللَّيْث: المِعْول: حَدِيدَة يُنقر بهَا الْجبَال. وَجمعه معاول.
وَقَالَ أَبُو زيد: أعيل الرجل فَهُوَ مُعِيل، وأعول فَهُوَ مُعْوِل إِذا حَرَص.
النَّضر عَن يُونُس: لَا يَعُول على الْقَصْد أحد أَي لَا يحْتَاج، وَلَا يعيل مثله.
عيل: أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: عَال الرجل يَعيل عيلة وَعَالَة إِذا افْتقر. وَيُقَال ترك يتامى عَيْلَى، أَي فُقَرَاء. وَوَاحِد الْعِيَال عيّل وَيجمع عيائل والعيّل يَقع على الْوَاحِد والجميع، أنْشد ابْن الأعرابيّ:
إِلَيْك أَشْكُو عَرْق دهر ذِي خبلْ
وعيّلاً شعثاً صغَارًا كالحجل
فَجعله جمَاعَة. وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة يَنْقُلهُ إِلَى عشرَة عِيّل، وَلم يقل: عيائل.
وَقَالَ الْأَحْمَر: عالني الشَّيْء يعيلني عيلاً ومَعِيلاً إِذا أعجزك. قَالَ: وَقَالَ أَبُو زيد، عِلْت الضَّالة أعيل عيلاناً إِذا لم تَدْر أَي جِهَة تبغيها. وَجَاء فِي الحَدِيث (مَا عَال مقتصد وَلَا يعيل) أَي مَا افْتقر.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: عَال يعيل وتعيَّل يتعيّل إِذا تبختر فِي مشيته. وَأنْشد:
كالمرزبانيّ عيَّال بآصال
أَي متبختر ابْن الْأَنْبَارِي: عَال الرجل فِي الأَرْض يعيل فِيهَا إِذا ضرب فِيهَا، وأعال الذِّئْب يُعيل إعالة إِذا التمس شَيْئا وَيُقَال عيّل فلَان دابّته إِذا أهمله وسيَّبها، وَأنْشد:
وَإِذا يقوم بِهِ الحسير يعيَّل
أَي يسيَّب.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: العُيُل العَيْلة، والعُيُل جمع العائل وَهُوَ الْفَقِير. والعُيُل جمع العائل وَهُوَ المتكبّر والمتبختر أَيْضا.
وَقَالَ يُونُس طَالَتْ عيلتي إياك أَي طالما عُلتك وَرَوى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن من الْبَيَان سحرًا، وَإِن من الْعلم جهلا، وَإِن من الشّعْر حُكماً وَإن من القَوْل عَيْلاً) . قيل فِي قَوْله عيلاً: عَرْضك حَدِيثك وكلامك عَلَى من لَا يُريدهُ وَلَيْسَ من شَأْنه.
ولع: أَبُو عبيد عَن الكسائيّ: الوَلُوع من(3/126)
أُولعت، وَكَذَلِكَ الوَزُوع من أُوزِعت.
قلت: وهما اسمان أقيما مقَام الْمصدر الحقيقيّ.
وَقَالَ اللَّيْث: أُولع فلَان بِكَذَا وَلُوعاً وإيلاعاً إِذا لجّ. قَالَ وَيُقَال: وَلِع يَوْلَع وَلَعاً فَهُوَ وَلِع وَوَلُوع وَلاعة. قَالَ: وَالوَلَع: نفس الوَلُوع. وَوَلِع بفلان: لجّ فِي أمره وحَرَص عَلَى إيذائه.
وَأخبرني المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن سَلمَة عَن الْفراء: وَلِعَت بِالْكَذِبِ تَلَع وَلْعاً. وَروَى أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي والأحمر: وَلَع يَلَع وَلْعاً ووَلَعاناً إِذا كذب. وَأنْشد:
وهنّ من الإخلاف والولَعان
وَقَالَ كَعْب:
لَكِنَّهَا خُلَّة قد سيط من دَمهَا
فجع وَوَلْع وإخلاف وَتبديل
وَقَالَ ذُو الإصبع العُدْواني:
إلاّ بِأَن تكذبا عَلَيّ وَلَا
أملك أَن تكذبا وَأَن تَلَعا
وَقال اللحياني: يُقَال: وَلَع يَلَع إِذا استخفّ، وَأنْشد:
فتراهن عَلَى مُهْلته
يختلين الأَرْض وَالشاةُ يَلَعْ
أَي يستخفّ عَدْواً، وذكَّر الشَّاة. قَالَ الْمَازِني فِي قَوْله: وَالشَّاة يلع أَي لَا يُجدّ فِي العدْو، كَأَنَّهُ يلْعَب. قلت: هُوَ من قَوْلهم: وَلَع يَلَع إِذا كذب، كَأَنَّهُ كذب فِي عَدْوه وَلم يجدَّ.
ابْن السّكيت: رجل وُلَعة: يُولَع بِمَا لَا يعنيه، وَهُلَعة: يجوع سَرِيعا. وَيقال وَلَع فلَانا والِع، وَوَلَعته وَالعة وَاتّلعته وَالعة، أَي خفِي عَلَيّ أمْرُه، فَلَا أَدْرِي أحيّ أم ميت. وَيُقَال: فَقدنَا فلَانا فَمَا نَدْرِي مَا وَلَعَه أَي مَا حَبسه. وَقد وَلَع فلَان بحقّي وَلْعاً أَي ذهب بِهِ.
وَقال ابْن الأعرابيّ وَغيره: الوَلِيع: الطّلع مَا دَامَ فِي قِيقائه، كَأَنَّهُ نظم اللُّؤْلُؤ فِي شدّة بياضه. وَالواحدة وَليعة وَأنشد:
وَتبسم عَن نيّر كالوليع
تُشَقَّقُ عَنهُ الرقاة الجُفُوفا
وَقال اللَّيْث: المولّع الَّذِي أَصَابَهُ لُمَعَ من بَرَص فِي جسده أَي بَرَّصه. وَأنْشد:
كَأَنَّهُ فِي الْجلد توليع البَهَقْ
قلت: التوليع: التلميع من البرص وَغَيره وَقال أَبُو ذُؤَيْب:
... بالطرتين مولَّع
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: فرس مولَّع؛ وَهُوَ الَّذِي فِي بَيَاض بَلقه استطالةٌ وتفرقةٌ.
وَقَالَ عَرّام: يُقَال: بفلان من حبّ فُلَانَة الأولع والأولق؛ وَهُوَ شبه الْجُنُون. وابتلعت فُلَانَة قلبِي وَفُلَان موتلَع الْقلب، ومُوتَله الْقلب، ومتَّلَه الْقلب ومنتزَع الْقلب بِمَعْنى وَاحِد.
وعل: اللَّيْث: الوَعِلُ وَجمعه الأوعال: وَهِي الشَّاء الجَبَليَّة. وَقد استوعلَتْ فِي الْجبَال وَيُقَال: وَعِل، ووَعْل. قَالَ: ولغة للْعَرَب: وُعِل بِضَم الْوَاو وَكسر الْعين من غير أَن يكون ذَلِك مطّرداً، لِأَنَّهُ لم يَجِيء فِي كَلَامهم فُعِل اسْما إلاّ دُئل، وَهُوَ شاذّ. قَالَ(3/127)
والوَعْل خَفِيف بِمَنْزِلَة بُدّ؛ كَقَوْلِك: مَا بُدّ من ذَلِك وَلَا وَعْل، هَذَا كُله عَن اللَّيْث.
قلت: الوَعْل خَفِيف: الملجأ، يُقَال: مَا وجد وَعْلا يَلجأ إِلَيْهِ أَي موئلاً يئل إِلَيْهِ، وَأما الوُعِل فَمَا سمعته لغير اللَّيْث. وَيُقَال استوعلت الأوعالُ إِذا ذهبت فِي قُلَل الْجبَال وَقَالَ ذُو الرمة:
وَلَو كلمت مستوعِلا فِي عَمَاية
تصبّاه من أَعلَى عمايةَ قِيلُها
يَعْنِي وَعِلاً مستوعلاً فِي قلَّة عماية وَهُوَ جبل.
وَقَالَ الْفراء: أمالك من هَذَا الْأَمر وَعْل، وَمَالك مِنْهُ وَغْل أَي ملْجأ.
وَقَالَ غَيره هما بِمَعْنى مَاله مِنْهُ بدّ. وَقَالَ ذُو الرمة:
حَتَّى إِذا لم يجد وَعْلاً ونجنجها
مَخَافَة الرَّمْي حَتَّى كلهَا هيم
وَيُقَال لأشراف النَّاس الوعُول، ولأرذالهم التُحوت. وَفِي الحَدِيث (من أَشْرَاط السَّاعَة أَن يظْهر أَو يَعْلُو التحوت، ويسفل الوعول يَعْنِي الْأَشْرَاف) .
قَالَ النَّضر: المستوعَل: الحِرْز الَّذِي يتحرز بِهِ الوعل فِي رَأس الْجَبَل. قَالَ: وَلذَلِك سمي الوعل وَعلا. والجميع المستوعَلات. وَكَذَلِكَ المستوأل بِهَمْزَة وَهُوَ الْمَكَان الَّذِي يستوئل إِلَيْهِ أَي يأوي إِلَيْهِ، وَمِنْه أَخذ الموئل. ومكانه الَّذِي يُوفيه المشترَف والجميع المشترفات يَعْلُو العلوّ لِئَلَّا يُخْتَلّ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال لعُرْوة الْقَمِيص الوَعْلة ولزرّه الزِير.
(بَاب الْعين وَالنُّون)
(ع ن (وَا يء))
عون، عَنَّا، نعو، عين، وَعَن، ينع، نعي، نوع، ونع.
عون: يُقَال امْرَأَة متعاوِنة إِذا اعتدل خَلْقُها فَلم يبدُ حجمها، وبرذون متعاون ومتدارِك ومتلاحك إِذا لحِقت قوّته وسِنّه.
وَقَالَ اللَّيْث: كل شَيْء أعانك فَهُوَ عَوْن لَك؛ كَالصَّوْمِ عَوْنٌ على الْعِبَادَة والجميع الأعوان. قَالَ: وَتقول: أعنته إِعَانَة، واستعنته، واستعنت بِهِ، وعاونته. وَقد تعاونّا أَي أعَان بَعْضنَا بَعْضًا. والمَعُونة: مَفْعُلة فِي قِيَاس من جعلهَا من العَوْن. وَقَالَ نَاس: هِيَ فَعُولة من الماعون، والماعون فاعول. وَقَالَ غَيره من النَّحْوِيين: المَعُونة مَفْعُلة من العَوْن، مثل المَغُوثة من الْغَوْث، والمَضُوفة من أضَاف إِذا أشْفق، والمشورة من أَشَارَ يُشِير. وَمن الْعَرَب من يحذف الْهَاء فَيَقُول: مَعُون وَهُوَ شاذّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب مَفْعُل بِغَيْر هَاء. ورَوَى الْفراء عَن الكسائيّ أَنه قَالَ: لَا يَأْتِي فِي المذكّر مَفْعُل بِضَم الْعين إِلَّا حرفان جَاءَا نادرين لَا يُقَاس عَلَيْهِمَا وَأنْشد:
بثين الزمى لَا إِن لَا إِن لَزِمته
على كَثْرَة الواشين أيُّ معون
وَقَالَ آخر:
ليَوْم هيجا أَو فَعال مَكْرُم
وَقَالَ الْفراء: مَعُون جمع مَعُونَة، ومكرم(3/128)
جمع مكرمَة.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذالِكَ} (البَقَرَة: 68) قَالَ الْفراء: انْقَطع الْكَلَام عِنْد قَوْله {وَلَا بكر ثمَّ اسْتَأْنف فَقَالَ {عَوَانٌ بَيْنَ ذالِكَ} قَالَ: والعوان يُقَال مِنْهَا قد عوَّنَتْ. وَقَالَ أَبُو عبيد: العَوَان من النِّسَاء: الثيّب. وَجَمعهَا عُون. وَقَالَ أَبُو زيد عانت الْبَقَرَة تَعُون عُوُوناً إِذا صَارَت عَوانا.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْهَيْثَم قَالَ: العَوَان: النَصَف الَّتِي بَين الفارض وَهِي المسنّة وَبَين الْبكر وَهِي الصَّغِيرَة. قَالَ: وَيُقَال: فرس عَوَان وخيل عُون على فُعْل. وَالْأَصْل عُوَن؛ فكرهوا إِلْقَاء ضمة على الْوَاو فسكَّنوها. وَكَذَلِكَ يُقَال رجل جواد وَقوم جُود. وَقَالَ زُهَيْر:
نَحُلَّ سهولها فَإِذا فزِعنا
جَرَى مِنْهُنَّ بالآصال عونُ
فزِعنا: أغثنا مستغيثاً. يَقُول: إِذا أغثنا ركبنَا خيلاً. قَالَ: وَمن زعم أَن العُون هَاهُنَا جمع الْعَانَة فقد أبطل. وَأَرَادَ أَنهم شجعان، فَإِذا استغيث بهم ركبُوا الْخَيل وأغاثوا.
وَقَالَ أَبُو زيد: بقرة عوان: بَين المسِنَّة والشابَّة.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العَوَان من الْحَيَوَان: السنّ بَين السنّين، لَا صَغِير وَلَا كَبِير. وَامْرَأَة عَوَان: ثيب. وَحرب عوان: كَانَ قبلهَا حَرْب.
أَبُو عبيد: الْعَانَة: الْجَمَاعَة من حُمُر الْوَحْش وَقَالَ غَيره: تجمع عُوناً وعانات.
وَقَالَ اللَّيْث: عانات: مَوضِع بالجزيرة تنْسب إِلَيْهِ الخَمُر العانيَّة. قَالَ: وعانة الرجل إسبه من الشّعْر النَّابِت على فرجه وتصغيرها عُوَيْنة.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: الْعَانَة منبِت الشّعْر فَوق القُبُل من الْمَرْأَة، وَفَوق الذّكر من الرجل، وَالشعر النَّابِت عَلَيْهَا يُقَال لَهُ الشِعْرة والإسب.
قلت: وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب لَا مَا قَالَه اللَّيْث.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: اسْتَعَانَ الرجل إِذا حلق عانته وَأنْشد:
مثل البُرام غَدا فِي أُصدة خَلَق
لم يستعن وحوامي الْمَوْت تغشاه
البُرَام: القراد. لم يستعن أَي لم يحلق عانته وحوامي الْمَوْت حوائمه فقلبه. وَهِي أَسبَاب الْمَوْت.
اللحياني: يُقَال: فلَان على عانة بكر بن وَائِل أَي على جَمَاعَتهمْ وحرسهم أَي هُوَ قَائِم بأمرهم.
اللَّيْث: رجل مِعوان: حسن المعونة.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العَوَانة النَّخْلَة الطَّوِيلَة، وَبهَا سمي الرجل، وَهِي المنفردة وَيُقَال لَهَا: القِرْواح والعُلْبة. قَالَ: والعَوَانة أَيْضا: دودة تخرج من الرمل فتدور أشواطاً كَثِيرَة.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: العَوَانة: دابَّة دون الْقُنْفُذ تكون فِي وسط الرملة الْيَتِيمَة وَهِي المنفردة من الرَمَلات فتظهر أَحْيَانًا،(3/129)
وتدور كَأَنَّهَا تطحن ثمَّ تغوص. قَالَ: وَيُقَال لهَذِهِ الدَّابَّة: الطُّحَن. قَالَ: وبالعوانة الدَّابَّة سمى الرجل.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: العَوِين: الأعوان. قَالَ الْفراء: وَمثله طَسِيس جمع طَسّ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي التعوين كَثْرَة بَوْك الْحمار لعانته والتوعين لعانته السِمَن.
وَعَن: قَالَ أَبُو عبيد عَن أبي زيد: إِذا بلغت النَّاقة أقْصَى غَايَة السِمَن قيل توعّنت فَهِيَ متوعنة وَهِي نَهِيّة مثلهَا.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ قَرْيَة النَّمْل إِذا خربَتْ فانثقل النَّمْل إِلَى غَيرهَا وَبقيت آثارها فَهِيَ الوِعَان وَاحِدهَا وَعْن. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي مثله، إلاّ أَنه قَالَ: وَعْنة.
وَقَالَ اللَّيْث الوَعْنة جمعهَا الوِعَان. بَيَاض ترَاهُ على الأَرْض تعلم بِهِ أَنه وَادي النَّمْل لَا يُنبت شَيْئا. وَأنْشد:
... كالوِعان رسومها
قَالَ وَالْغنم إِذا سمِنت أَيَّام الرّبيع فقد توعَّنت.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: الوِعَان: خطوط فِي الْجبَال شَبيهَة بالشئون.
عين: يُقَال عان الرجل فلَانا يُعينهُ عَيْناً إِذا مَا أَصَابَهُ بِالْعينِ، فَهُوَ عائن، والمصاب بِالْعينِ معِين. وَمن الْعَرَب من يَقُول: مَعْيون.
وأنشدني غير وَاحِد:
قد كَانَ قَوْمك يحسبونك سيدا
وإخال أَنَّك سيّد مَعْيون
وتعيَّن الرجلُ إِذا تشوَّه تأنّى ليصيب شيأ بِعَيْنِه. وَرجل عَيُون إِذا كَانَ نَجِىءَ الْعين.
وَيُقَال: أتيت فلَانا فَمَا عيّن لي بِشَيْء، وَمَا عيَّنني بِشَيْء أَي مَا أَعْطَانِي شيأ.
وَيُقَال: عيَّنت فلَانا أَي أخْبرته بمساويه فِي وَجهه.
وَيُقَال: بعثنَا عَيْنا أَي طَلِيعَة، يعتان لنا أَي يأتينا بالخبَر. والاعتيان: الارتياد.
وَيُقَال ذهب فلَان فاعتان لنا منزلا مُكْلئاً أَي ارتاد لنا منزلا ذَا كلأ. والعِينة: خِيَار الشَّيْء وَجَمعهَا عِيَن.
وَقَالَ الراجز:
فاعتان مِنْهَا عِينة فاختارها
حَتَّى اشْترى بِعَيْنِه خِيَارهَا
ابْن الأنباريّ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا} (هود: 37) قَالَ أَصْحَاب النَّقْل وَالْأَخْذ بالأثر: الْأَعْين يُرِيد بِهِ العَين. قَالَ: وعَيْن الله لَا تفسَّر بِأَكْثَرَ من ظَاهرهَا، وَلَا يسع أحدا أَن يَقُول: كَيفَ هِيَ أَو مَا صفتهَا. قَالَ: وَقَالَ بعض الْمُفَسّرين {بأعيننا بإبصارنا إِلَيْك.
وَقَالَ غَيره: بإشفاقنا عَلَيْك. واحتجّ بقوله: وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 -} (طه: 39) أَي لتغَذَّى بإشفاقي. تَقول الْعَرَب: على عَيْني قصدت زيدا يُرِيدُونَ الإشفاق.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: اللُّومة: السِنّة الَّتِي تُحرث بهَا الأَرْض، فَإِذا كَانَت على الفَدَان فَهِيَ العِيان وَجَمعهَا عُيُن لَا غير.
وَقَول عمر بن أبي ربيعَة:
ونفسك لم عينين جِئْت الَّذِي ترى
وطاوعت أَمر الغيّ إِذْ أَنْت سادر(3/130)
قَالَ: قَالَ الزبير: عينين: مُعَاينَة.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: عينين جعله بَدَلا من النَّفس.
أَبُو عبيد: حضرت حَتَّى عِنْت وأَعْينت بلغت الْعُيُون.
ابْن السّكيت: يُقَال قدِم فلَان من رَأس عَيْن، وَلَا تقل: من رَأس الْعين.
وَيُقَال: مَا بِالدَّار عين وَلَا عائنة أَي أحدٌ. الْفراء: لَقيته أوّل عَيْن أَي أوَّل شَيْء. وَأَبُو عبيد عَن الْكسَائي مثله.
وَقَالَ أَبُو زيد لَقيته أول عائنة مثله.
وَقَالَ الْفراء: مَا بهَا عائن وَمَا بهَا عَيَن بِنصب الْيَاء. والعَينُ: أهل الدَّار.
وَقَالَ اللحياني: إِنَّه لأعيْن إِذا كَانَ ضخم الْعين واسعها وَالْأُنْثَى عيناء. والجميع مِنْهَا عِين قَالَ الله تَعَالَى: {يَشْتَهُونَ وَحُورٌ عِينٌ} (الواقِعَة: 22) وَلَقَد عَيِنَ يَعْيَنُ عَيَنَاً وعِينةً حَسَنَة. ونعجة عيناء إِذا اسودت عينتها، وابيض سَائِر جَسدهَا قَالَ وعِينتها: مَوضِع المَحْجِر من الْإِنْسَان، وَهُوَ مَا حول الْعين. وحفر الْحَافِر فأعْيَن وأعان أَي بلغ العُيون. وَرَأَيْت فلَانا عِيَاناً أَي مُوَاجهَة.
وَيُقَال: طلعت الْعين وَغَابَتْ الْعين، أَي الشَّمْس.
وَفِي الحَدِيث: (إِن أَعْيَان بني الْأُم يتوارثون دون بني العَلاّت) .
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أَحْمد بن يحيى أَنه قَالَ: الْأَعْيَان: ولد الرجل من امْرَأَة وَاحِدَة، والأَقْران: بَنو أمّ من رجال شتّى، وَبَنُو العَلاّت: بَنو الرجل من أمّهات شَتَّى، وَمعنى الحَدِيث أَن الْإِخْوَة للْأَب وَللْأُمّ يتوارثون، دون الْأُخوة للْأَب.
ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال: أَصَابَته من الله عَيْن. قَالَ:
وَقَالَ عمر لرجل ضربه رجل بحقّ: أصابتك عين من عُيُون الله.
وَأنْشد:
فَمَا النَّاس أردَوه وَلَكِن أقاده
يَد الله والمستنصر الله غَالب
وَيُقَال: هَذِه دراهمك بِأَعْيَانِهَا وَهِي أَعْيَان دراهمك وَلَا يُقَال فِيهَا أعْيُن وَلَا عُيُون وَكَذَلِكَ يُقَال هَؤُلَاءِ إخْوَتك بأعيانهم، وَلَا يُقَال: أعين وعيون.
وَيُقَال: غارت عَيْن المَاء، وَتجمع عيُونا.
وَيُقَال: عيَّن التَّاجِر يُعيّن تعيينا وعينة قبيحة، وَهِي الِاسْم، وَذَلِكَ إِذا بَاعَ من رجل سلْعَة بِثمن مَعْلُوم إِلَى أجل مُسَمّى ثمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُ بأقلّ من الثّمن الَّذِي بَاعهَا بِهِ. وَقد كرِه العِينَة أكثرُ الْفُقَهَاء. ورُوي النَّهْي فِيهَا عَن عَائِشَة وَابْن عَبَّاس. فَإِن اشْترى التَّاجِر بِحَضْرَة طَالب العِينة سِلْعة من آخر بِثمن مَعْلُوم، وَقَبضهَا، ثمَّ بَاعهَا من طَالب الْعينَة بِثمن أَكثر مِمَّا اشْتَرَاهُ إِلَى أجل مسمّى ثمَّ بَاعهَا المُشْتَرِي من البَائِع الأول بِالنَّقْدِ بِأَقَلّ الثّمن الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ فَهَذِهِ أَيْضا عِينة. وَهِي أَهْون من الأولى. وَأكْثر الْفُقَهَاء على إجازتها، على كَرَاهَة من بَعضهم لَهَا. وَجُمْلَة القَوْل فِيهَا أَنَّهَا إِذا تعرّت من شَرط يُفْسِدهَا فَهِيَ جَائِزَة. وَإِن اشْتَرَاهَا المتعيّن بِشَرْط أَن يَبِيعهَا من(3/131)
بَائِعهَا الأول فَالْبيع فَاسد عِنْد جَمِيعهم وسمّيت عِينة لحُصُول النَّقْد لطَالب العِينة. وَذَلِكَ أَن الْعينَة اشتقاقها من العَيْن وَهُوَ النَّقْد الْحَاضِر يحصل لَهُ من فوره.
وَقَالَ الراجز:
وعَيْنه كالكالىء الضِّمَارِ
يُرِيد بعِينه حَاضر عطيته. يَقُول فَهُوَ كالضِّمار، وَهُوَ الْغَائِب الَّذِي لَا يُرجى.
والعَيْن: عين الرُكْبَة وَهِي نُقْرة الرُكْبة.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: العَيْن: الْمَطَر يَدُوم خَمْسَة أَيَّام أَو أَكثر لَا يُقلع. وَالْعين: مَا عَن يَمِين قِبلة أهل الْعرَاق.
وَكَانَت الْعَرَب تَقول: إِذا نشأت السحابة من قِبَل العَيْن فَإِنَّهَا لَا تكَاد تُخلِف، أَي من قِبَل قِبْلة أهل الْعرَاق.
الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت قَالَ: الْعين: الَّتِي يبصر بهَا النَّاظر. وَالْعين: أَن يُصِيب الْإِنْسَان بِعَين. وَالْعين: الَّذِي ينظر للْقَوْم. وعينُ الْمَتَاع: خِيَاره. وَعين الشَّيْء: نَفسه.
وَيُقَال: لَا أقبل إلاّ درهمي بعينِه. والعينُ عين الرُكبةِ وَالْعين: الَّتِي يخرج مِنْهَا المَاء. وَالْعين: الدَّنَانِير. وَالْعين: مطر أَيَّام لَا يُقلِع. وَالْعين: مَا عَنْ يَمِين قبْلَة أهل الْعرَاق.
وَيُقَال: فِي الْمِيزَان عَيْن إِذا رجحت إِحْدَى كِفَّتيه على الْأُخْرَى. وَالْعين عين الشَّمْس. قَالَ وَالْعين: أهل الدَّار.
وَأنْشد:
تشرب مَا فِي وَطْبها قبل العَين
وَالْعين: النَقْد. يُقَال: اشْتريت العَبْد بالدَيْن أَو بالعَيْن. وَعين الْقوس: الَّتِي يَقع فِيهَا البندق. وَالْعين اليَنبوع الَّذِي يَنْبع من الأَرْض وَيجْرِي. وَعين الركيَّة: منبعها.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: الْعَرَب تَقول: فِي هَذَا الْمِيزَان عَيْن أَي فِي لِسَانه مَيَل قَلِيل. وَيَقُولُونَ: هَذَا دينارٌ عَيْن إِذا كَانَ ميّالاً أرجح بِمِقْدَار مَا يمِيل بِهِ لِسَان الْمِيزَان.
قَالَ وَعين سَبْعَة دَنَانِير نصف دانق.
أَبُو سعيد عين مَعْيونة: لَهَا مادّة من المَاء وَقَالَ الطرمّاح:
ثمَّ آلت وَهِي مَعْيونة
من بطىء الضَهْل نَكْز المهامي
أَرَادَ أَنَّهَا طَمَتْ ثمَّ آلت أَي رجعت.
وَيُقَال للرجل يُظهر لَك من نَفسه مَا لَا يَفِي بِهِ إِذا غَابَ: وَهُوَ عَبْدُ عَيْنٍ، وَهُوَ صديق عَيْن. وعان الماءُ يعين إِذا سَالَ. والعِيَان: حَلْقة السِّنَّة وَجمعه عُيُن.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال إِن فلَانا لكريمٌ عينُ الْكَرم.
وَيُقَال فِي مثل: لَا أطلب أثرا بعد عين أَي بعد المعاينة. وَأَصله أَن رجلا رأى قاتِل أَخِيه فَلَمَّا أَرَادَ قَتله قَالَ: أفتدي بِمِائَة نَاقَة، فَقَالَ: لست أطلب أثرا بعد عين وَقَتله.
وَقَوله:
حبشيّاً لَهُ ثَمَانُون عينا
بَين عَيْنَيْهِ قد يَسُوق إفالا
أَرَادَ عبدا حَبَشِيًّا لَهُ ثَمَانُون دِينَارا بَين عَيْنَيْهِ يَعْنِي بَين عَيْني رَأسه. وَالْعين: الَّذِي تبعثه بتجسس الْأَخْبَار، تسميه الْعَرَب ذَا(3/132)
العِيَيْنَتين وَذَا العُيَيْنَتَين وَذَا العُوَينتين كُله بِمَعْنى وَاحِد.
قَالَ اللَّيْث: والعِينة: السَلَف. وَقد تعيّن مِنْهُ عِينة، وعيَّنة التَّاجِر. والعِين: بقر الْوَحْش وَهَؤُلَاء أَعْيَان قَومهمْ أَي أَشْرَافهم وَالْمَاء المعِين: الظَّاهِر الَّذِي ترَاهُ الْعُيُون. وثوب مُعَيَّر: يُرى فِي وشيه ترابيع صغَار تشبه عُيُون الْوَحْش.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: عيَّنت الْقرْبَة إِذا صببت فِيهَا مَاء ليخرج من مخارزها وَهِي جَدِيدَة فتنسدّ وسرَّبتها كَذَلِك.
وَقَالَ الْفراء: التعيّن أَن يكون فِي الْجلد دوائر رقيقَة.
وَقَالَ الْقطَامِي:
وَلَكِن الأدِيم إِذا تَفَرّى
بِلاً وتعيُّناً غلب الصَنَاعا
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: تعيّنت أخفافُ الْإِبِل إِذا نقِبت مثل تعيّن الْقرْبَة. وتعينتُ الشَّخْص تعيُّناً إِذا رَأَيْته. وسقاء عَيِّن إِذا رَقَّ فَلم يُمسك المَاء. وَيُقَال: عيَّن فلَان الْحَرْب بَيْننَا تعييناً إِذا أدارها وِعِينة الْحَرْب مادّتها.
وَقَالَ ابْن مقبل:
لَا تحلُب الحربُ مني بعد عِينتها
إِلَّا عُلاَلة سِيد مارد سَدِم
أَبُو عَمْرو: مَا عيّن فلَان لي شيأ، أَي لم يدلّني على شَيْء.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الكُوفَة مَعَان منا أَي منزل ومَعْلم. ورأيته بعائنة العدوّ، أَي بِحَيْثُ ترَاهُ عُيُون العدوّ، وَمَا رَأَيْت ثَمّ عائنة أَي إنْسَانا. وَرجل عَيِّن أَي سريع الْبكاء، ولقيته عَيْنَ عُنَّةٍ أَي مُوَاجهَة وعَيْنَين: جبل بأُحُد. وبالبحرين قَرْيَة تعرف بعينين، وإليها ينْسب خُلَيد عينين وَقد دَخَلتهَا أَنا، وعان المَاء يَعِين إِذا سَالَ.
عَنَّا: قَالَ الله جلّ وعزّ: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَىِّ الْقَيُّومِ} (طاه: 111) .
قَالَ الْفراء: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ} : نصِبت لَهُ وعملت لَهُ.
وَذكر أَيْضا أَنه وَضْع الْمُسلم يَدَيْهِ وجبهته وركبتيه إِذا سجد وَركع، وَهُوَ فِي معنى الْعَرَبيَّة أَن يَقُول الرجل: عَنَوت لَك: خضعت لَك وأطعتك.
قَالَ: وَيُقَال للْأَرْض: لم تعنُ بِشَيْء أَي لم تُنبت شيأ. وَيُقَال: لم تَعْنِ بِشَيْء، وَالْمعْنَى وَاحِد؛ كَمَا يُقَال حَثَوت عَلَيْهِ التُّرَاب وحَثَيت.
قَالَ وَقَوْلهمْ: أخذت الشَّيْء عَنْوة يكون غَلَبَة، وَيكون عَن تَسْلِيم وَطَاعَة مِمَّن يُؤْخَذ مِنْهُ الشَّيْء.
وَأنْشد الْفراء:
فَمَا أخذوها عَنْوة عَن مودّة
ولكنّ ضرب المشرفيّ استقالها
فَهَذَا على معنى التَّسْلِيم وَالطَّاعَة بِلَا قتال.
وَقَالَ الْأَخْفَش فِي قَوْله: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ} (طاه: 111) : استأسرت.
قَالَ: والعاني: الْأَسير.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: العاني: الخاضع، والعاني: الْأَسير. والعاني: العَبْد.(3/133)
والعاني: السَّائِل من مَاء أَو أَدَم. يُقَال: عنت القِربة تعنو إِذا سَالَ مَاؤُهَا.
وَقَالَ المتنخِّل الْهُذلِيّ:
تعنو بمخروت لَهُ ناضحٌ
ذُو رَيِّق يغذو وَذُو سَلسَل
قَالَ شمر: تعنو بمخروت أَي تسيل بمخروت أَي من شَقٍ مخروت، والخَرْت: الشَقُ فِي الشَفة والمخروت المشقوق.
وَرَوَاهُ: ذُو شَلْشَل بالشين مُعْجمَة مَعْنَاهُ: ذُو قَطَران من الواشل وَهُوَ القاطر
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: عنوت الشَّيْء: أخرجته. وَأنْشد:
وَلم يبْق بالخلصاء مِمَّا عَنَتْ بِهِ
أَي أَخرجَتْه.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: العَنَاء: الْحَبْس فِي شدّة وذل. يُقَال: عَنَا الرجلُ يعنو عُنُوَّاً وعَنَاء إِذا ذَلَّ لَك واستأثر.
قَالَ: وعنّيته أُعَنّيه تعنية إِذا أسرته فحبسته مضيِّقاً عَلَيْهِ.
ورُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (اتَّقوا الله فِي النِّسَاء فَإِنَّهُنَّ عوانٍ عنْدكُمْ) أَي كالأسرى.
قَالَ: وأخذته عَنْوة أَي قسْراً قهرا. وفُتحت هَذِه الْبَلدة عَنْوة أَي فتحت بِالْقِتَالِ قوتل أَهلهَا حَتَّى غُلبوا عَلَيْهَا، أَي فتحت الْبَلدة الْأُخْرَى صلحا؛ لم يُغلبوا وَلَكِن صولحوا على خَرْج يُؤدّونه.
وَقَالَ أَبُو عبيد فِي قَوْله: (فَإِنَّهُنَّ عنْدكُمْ عوانٍ) وَاحِدَة العواني عانية وَهِي الْأَسِيرَة يَقُول: إِنَّمَا هن عنْدكُمْ بِمَنْزِلَة الأسرى. وَرجل عانٍ وَقوم عُنَاة: وَمِنْه قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (عُودوا المرضى، وفُكّوا العاني) يَعْنِي الْأَسير.
قَالَ: وَلَا أُراه مأخوذاً إِلَّا من الذل والخضوع، وكل من ذل واستكان فقد خضع وعنا. وَالِاسْم مِنْهُ العَنْوة.
وَقَالَ الْقطَامِي:
ونأت بحاجتنا ورُبَّتَ عَنوة
لَك من مواعدها الَّتِي لم تصدق
وأُخِذت الْبِلَاد عَنوة أَي بالقهر والإذلال.
شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي: هَذَا يعنو هَذَا أَي يَأْتِيهِ فيشمَّه. والهموم تعاني فلَانا أَي تَأتيه.
وَأنْشد:
وَإِذا تعانيني الهمومُ قريتُها
سُرُح الْيَدَيْنِ تُخالس الخَطَرانا
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال للأسير: عَنَّا يعنو، وعَنِيَ يَعْنَى.
قَالَ: وَإِذا قلت أعْنَوه فَمَعْنَاه أبقَوه فِي الإسار.
قَالَ: وعُنْوان الْكتاب مشتقّ فِيمَا ذكرُوا من المَعْنَى. وَفِيه لُغَات: عنونت وعنَّيت، وعنَّنْت.
وَقَالَ الْأَخْفَش: عَنَوْت الْكتاب واعْنُهُ. وَأنْشد يُونُس:
فطِنِ الْكتاب إِذا أردْت جَوَابه
واعُن الْكتاب لكَي يُسَرّ ويُكْتما
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ عَنِيت بأَمْره عناية: وعُنِيّاً، وعنا فِي أمره سَوَاء فِي(3/134)
الْمَعْنى وَمِنْه قَوْلهم:
إياكِ أَعنِي واسمعي يَا جارهْ
وَتقول عنيتك بِكَذَا وَكَذَا عِنِيّا، والعَناء الِاسْم وَيُقَال عَنيت وتعنّيت كل يُقَال.
شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي يُقَال: عَنَّا عَلَيْهِ الْأَمر أَي شقّ عَلَيْهِ.
وَأنْشد قَول مزرِّد:
وشقّ على لعرىء وعنا عَلَيْهِ
تكاليف الَّذِي لن يستطيعا
وَيُقَال: عُني بالشَّيْء فَهُوَ مَعْنِيّ بِهِ، وأعنيته وعنَّيته بِمَعْنى وَاحِد. وَأنْشد:
وَلم أَخْلُ فِي قَفْر وَلم أُوفِ مَرْبأ
يَفَاعا وَلم أُعن المطِيّ النواجيا
قَالَ: وعنّيته: حَبسته حبسا طَويلا، وكل حبس طَوِيل فَهُوَ تعنية.
وَمِنْه قَول عُقْبة:
قطعتَ الدَّهْر كالسَدِم المعنّي
تُهَدِّرُ فِي دمشق وَمَا تريم
وَيُقَال: لقِيت من فلَان عَنْية وَعَنَاء أَي تَعَباً.
أَبُو عبيد عَن الْفراء: مَا يَعْنَى فِيهِ الأكلُ أَي مَا ينجَع. وَقد عَنَى أَي نجع، هَكَذَا رُوِي لنا عَن أبي عبيد عَنَى يَعْنَى.
وروَاه ثَعْلَب عَن سَلَمة عَن الْفراء: شرب اللَّبن شهرا فَلم يَعْنَ فِيهِ كَقَوْلِك: لم يُغنِ عَنهُ شَيْئا وَقد عَنِيَ يَعْنَى عُنِيّاً بِكَسْر النُّون من عَنِيَ.
قلت: وَالصَّوَاب مَا رَوَاهُ أَبُو الْعَبَّاس، وَهُوَ قِيَاس كَلَام الْعَرَب. وَمن أمثالهم عَنِيَّتُه تشفى الجرب يضْرب مثلا للرجل الْجيد الرَّأْي. وأصل العنِيَّة فِيمَا روى أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي أَبوال الْإِبِل يُؤْخَذ مَعهَا أَخلاط فتُخلط، ثمَّ تُحبس زَمَانا فِي الشَّمْس، ثمَّ يُعالج بهَا الْإِبِل الْجَرْبَى، سُمِّيت عَنِيَّة من التعنية وَهُوَ الْحَبْس وَنَحْو ذَلِك قَالَ أَبُو عَمْرو.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: عَنَّا يعنو إِذا أَخذ الشَّيْء قهرا، وعنا يعنو عَنْوة فيهمَا إِذا أَخذ الشَّيْء صلحا بإكرام ورفق.
وَقَالَ اللَّيْث: عناني هَذَا الْأَمر يَعْنيني عِناية فَأَنا معنِيّ بِهِ، وَقد اعتنيت بأَمْره. قَالَ: وَمعنى كل شَيْء محنته وحاله الَّتِي يصير إِلَيْهَا أمره.
وأَخبرني الْمُنْذِرِيّ عَن أَحْمد بن يحيى قَالَ: المَعْنى وَالتَّفْسِير والتأويل وَاحِد.
وَقَالَ اللَّيْث: المُعنَّى كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة إِذا بلغت إبل الرجل مائَة عَمدُوا إِلَى الْبَعِير الَّذِي أَمْأت بِهِ إبِله فأغلقوا ظَهره لِئَلَّا يركب وَلَا ينْتَفع بظهره؛ ليعلم أَن صَاحبهَا مُمْء وإغلاق ظَهره أَن يُنزع مِنْهُ سَنَاسِنُ من فِقرته ويعقر سنامه. وَقَالَ فِي قَول الفرزدق:
غلبتك بالمفقّىء والمُعَنِّي
وبيتِ المحتبِي والخافقات
قَالَ أَرَادَ بالمفقِّىء بَيته:
فلستَ وَلَو فقَّأت عَيْنَيْك واجدا
أبالك إِذْ عُدَّ المساعي كدارم
وَأَرَادَ بالمعنِّي قَوْله:
تَعَنَّى يَا جرير لغير شَيْء(3/135)
وَقد ذهب القصائد للرواة
فَكيف تردّ مَا بعُمان مِنْهَا
وَمَا بجبال مصر مشهَّرات
وَأَرَادَ بالمحتبِي قَوْله:
بَيت زُرَارَة محتبٍ بفنائه
ومجاشع وَأَبُو الفوارس نهشل
لَا يحتبِي بِفنَاء بَيْتك مثلُهم
أبدا إِذا عُدّ الفَعَال الْأَفْضَل
وَأَرَادَ بالخافقات قَوْله:
وَأَيْنَ يُقَضّى المالكان أمورها
بحقّ وَأَيْنَ الخافقات اللوامع
أَخذنَا بآفاق السَّمَاء عَلَيْكُم
لنا قمراها والنجوم الطوالع
ابْن الْأَعرَابِي: فِي الحَدِيث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لرجل: لقد عَنِي الله بك؛ قَالَ: معنى الْعِنَايَة هَاهُنَا الْحِفْظ، أَي لقد حفظ الله دينك وأمرك حَتَّى خلَّصك وَحفظه عَلَيْك وَقَالَ: عُنيت بِأَمْرك فَأَنا مَعْنِي وعَنيت فَأَنا عانٍ وعنٍ.
شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي: الأعناء: النواحي وَاحِدهَا عَناً، كَمَا ترى وَهِي الأعنان أَيْضا.
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه سُئِلَ عَن الْإِبِل، فَقَالَ: أعنان الشَّيَاطِين، أَرَادَ أَنَّهَا مثلهَا، كَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهَا من نواحي الشَّيَاطِين.
وَقَالَ اللحياني: يُقَال: فِيهَا أعناء من النَّاس، وأعراء، وَاحِدهَا عِنْو وعِرْو، أَي جماعات.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: أعناء الشَّيْء: جوانبه، وَاحِدهَا عِنْو.
وَقَالَ الْفراء: يُقَال هُوَ معنيٌّ بأَمْره وعانٍ بأَمْره وَعَنٍ بأَمْره بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ ابْن السّكيت عَن الْكسَائي: يُقَال: لم تَعْنِ بِلَادنَا بِشَيْء أَي لم تُنبت شَيْئا وَلم تَعْنُ بِشَيْء أَي لم تُنْبِت يسكنون الْعين فِيهَا شَيْئا.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: سَأَلته فَلم يَعْنُ لي بِشَيْء، كَقَوْلِك لم يَنْدَ لي بِشَيْء، وَلم يبِضّ لي بِشَيْء، وَقد عَنَّا النبت يعنو إِذا ظهر، وأعناءهُ الْمَطَر إعناء، وعنا المَاء إِذا سَالَ، وَدم عانٍ سَائل، وعَنَوت الشَّيْء: أخرجته.
وَقَالَ أَبُو سعيد: عَنَيت فلَانا عَنْياً أَي قصدته وَمن تَعْنِي بِقَوْلِك؟ أَي من تقصد؟ وعناني أَمرك أَي قصدني وَفُلَان تَتعنَّاه الحُمَّى أَي تتعهَّده، وَلَا تقال هَذِه اللَّفْظَة فِي غير الحُمَّى.
وَرُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا اشْتَكَى أَتَاهُ جِبْرِيل فَقَالَ: باسم الله أَرقيك من كل دَاء يَعْنِيك، من شرّ حَاسِد إِذا حسد، وَمن شَرّ كل ذِي عين.
قلت: قَوْله: يَعْنِيك أَي يشغلك. تَقول: هَذَا الْأَمر لَا يعنيني أَي لَا يشغلني. وَقيل: يَعْنِيك أَي يقصدك كَمَا قَالَ أَبُو سعيد، والمعنيان متقاربان.
أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي: عُني فلَان بِالْأَمر فَهُوَ مَعْنِيّ بِهِ. وَيُقَال: لتُعْنَ بحاجتي. وَيُقَال عَنِيت فِي الْأَمر إِذا تعنيت فِيهِ، فَأَنا أَعْنَى وأَنا عَنٍ. وَإِذا سَأَلت قلت كَيفَ من تُعْنى بأَمْره مضموم؛ لِأَن الْأَمر عناه وَلَا يُقَال كَيفَ من تَعْنَى بأَمْره.(3/136)
وَقَالَ اللَّيْث المعاناة: المقاساة.
وروى أَبُو سعيد عَن ابْن الْأَعرَابِي: المعاناة: المداراة.
وَقَالَ الأخطل:
فَإِن أك قد عانيت قومِي وهبتهم
فهلهل وأَوّل عَن نُعَيم بن اخثما
هلهل: تأن وانتظر.
وَأنْشد ابْن الْأَنْبَارِي فِي قَوْلهم عناني الشَّيْء أَي شغلني:
عناني عَنْك والأنصابِ حَرْب
كَأَن صُلاتها الأبطالَ هِيم
أَي شغلني. وَقَالَ آخر:
لَا تلمني على الْبكاء خليلي
إِنَّه مَا عاناك مَا قد عناني
وَقَالَ آخر:
إِن الْفَتى لَيْسَ يُقميه ويقمعه
إِلَّا تكلُّفه مَا لَيْسَ يعنيه
تَفْسِير مِنْ وَعَن
قَالَ الْمبرد: مِنْ وَإِلَى وربَّ وَفِي وَالْكَاف الزَّائِدَة وَالْبَاء الزَّائِدَة وَاللَّام الزَّائِدَة هِيَ حُرُوف الْإِضَافَة الَّتِي يُضَاف بهَا الْأَسْمَاء وَالْأَفْعَال إِلَى مَا بعْدهَا. قَالَ: وأمّا مَا وَضعه النحويون؛ نَحْو على وَعَن وَقبل وَبعد وَبَين وَمَا كَانَ مثل ذَلِك فَإِنَّمَا هِيَ أَسمَاء. يُقَال: جِئْت من عِنْده، ومِن عَلَيْهِ، وَمن عَن يسَاره، وَمن عَن يَمِينه قَالَ الْقطَامِي:
من عَنْ يَمِين الحُبَبَّا نظرةٌ قَبَل
وممَّا يَقع الْفرق فِيهِ بَين مِن وَعَن أَن مِن يُضَاف بهَا مَا قَرُب من الْأَسْمَاء، وَعَن يُوصل بهَا مَا ترَاخى؛ كَقَوْلِك: سَمِعت من فلَان حَدِيثا، وحدّثنا عَن فلَان حَدِيثا.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِي قَول الله جلّ وعزّ: {الصُّدُورِ وَهُوَ الَّذِى يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُواْ عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} (الشّورى: 25) أَي من عباده.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: حدَّثني فلَان من فلَان يُرِيد: عَنهُ، ولهِيتُ من فلَان وَعنهُ.
وَقَالَ الْكسَائي: لهيت عَنهُ لَا غير. وَيُقَال: اله مِنْهُ وَعنهُ.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: لهِيت مِنْهُ وَعنهُ: وَقَالَ عَنْك جَاءَ هَذَا يُرِيد: مِنْك.
وَقَالَ سَاعِدَة بن جُؤيَّة:
أفعنك لَا برقٌ كَأَن وميضه
غَابَ تسنَّمه ضِرَام موقَد
يُرِيد: أمنك برق، وَلَا صلَة، رَوَى جَمِيع ذَلِك أَبُو عبيد عَنْهُم.
وَالْعرب تَقول: سِرْ عَنْك، وانفُذ عَنْك، أَي امْضِ وجُز، وَلَا معنى لعنك.
وَفِي حَدِيث عمر أَنه طَاف بِالْبَيْتِ مَعَ يَعْلَى ابْن أميَّة، فَلَمَّا انْتهى إِلَى الرُّكْن الغربيّ الَّذِي يَلِي الْأسود قَالَ لَهُ: لَا تستلم. قَالَ: فَقَالَ لَهُ: انفُذ عَنْك فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يستلمه. وَفِي الحَدِيث تَفْسِيره أَي دَعه.
وَقَالَ ابْن السّكيت: تكون عَن بِمَعْنى على. وَأنْشد قَول ذِي الإصبع العَدْواني:
لاه ابْن عمك لَا أفضلت فِي حسب
عني وَلَا أَنْت ديّاني فتخزوني
قَالَ: عنّي فِي معنى عليّ، أَي لم تُفضل فِي حسب عليَّ. قَالَ: وَقد جَاءَ عَن(3/137)
بِمَعْنى بعد. وَأنْشد:
وَلَقَد شُبَّت الحروب فَمَا غَمَّر
ت فِيهَا إِذْ قَلّصت عَن حِيَال
أَي قلَّصت بعد حيالها. وَقَالَ فِي قَول لبيد:
لِوَرْد تَقْلِص الغِيطانُ عَنهُ
يَبُذّ مَسَافَة الخِمس الْكَمَال
قَالَ: قَوْله: عَنهُ أَي من أَجله. وَعَن الْفراء أنة يُقَال: اغسل عَن وَجهك ويدك، وَلَا يُقَال: اغسل عَن ثَوْبك.
وَيُقَال: جَاءَنَا الْخَبَر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتخفض النُّون. وَتقول: جَاءَنَا منَ الْخَبَر مَا أوجب السَكر فتفتح النُّون؛ لأَنَّ عَن كَانَت فِي الأَصْل عَنِى، وَمن أَصْلهَا مِنا، فدلَّت الفتحة على سُقُوط الْألف، كَمَا دلّت الكسرة فِي عَن على سُقُوط الْيَاء. وَأنْشد بَعضهم:
مِنا أَن ذَرَّ قرن الشَّمْس حَتَّى
أغاث شريدهم مَلَثُ الظلام
وَقَالَ الزّجاج: فِي إِعْرَاب من الْوَقْف، إِلَّا أَنَّهَا فتحت مَعَ الْأَسْمَاء الَّتِي يدخلهَا الْألف وَاللَّام لالتقاء الساكنين؛ كَقَوْلِك: من النَّاس، النُّون من مِن سَاكِنة، وَالنُّون من النَّاس سَاكِنة، وَكَانَ الأَصْل أَن يكسر لالتقاء الساكنين، وَلكنهَا فتحت لثقل اجْتِمَاع كسرتين، لَو كَانَ مِنِ النَّاس لثقل ذَلِك. فَأَما إِعْرَاب عَن النَّاس فَلَا يجوز فِيهِ إِلَّا الْكسر؛ لِأَن أول عَن مَفْتُوح. وَالْقَوْل مَا قَالَ الزّجاج فِي الْفرق بَينهمَا.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: المعاناة والمقاناة: حُسْن السياسة. وَيُقَال: مَا يعانون مَالهم وَلَا يقانونه أَي مَا يقومُونَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَحْمد بن يحيى: يُقَال عَدَل من الشَّيْء إِذا كَانَ مَعَه ثمَّ تَركه، وَعدل عَن الشَّيْء إِذا لم يكن مَعَه.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: بهَا أعناء من النَّاس وأفناء أَي أخلاط. وَالْوَاحد عِنْو وفِنْو. قَالَ وأعنى الرجل إِذا صَادف أَرضًا قد أمْشَرَت وَكثر كلؤها.
وَيُقَال خُذ هَذَا وَمَا عاناه أَي شاكله.
نعو: أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: النَعْو من الْبَعِير: المَشَقّ من مشفره الْأَعْلَى. وَأنْشد غَيره قَول الطرماح:
خريعَ النعو مُضْطَرب النواحي
كأخلاق الغَرِيفة ذَا غُضُون
خريع النعو: ليّنه. والغَرِيفة: النَّعْل.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ: نَعْو الْحَافِر فَرَجة فِي مؤخره.
نعي: وَقَالَ اللَّيْث: نعى يَنْعَى نَعْياً. وجاءنا نَعْي فلَان: وَهُوَ خبر مَوته. والنعِيّ بِوَزْن فعيل: نِدَاء الناعي. والنعِيّ أَيْضا: هُوَ الرجل الَّذِي يَنْعَى.
ورُوي عَن شدّاد بن أَوْس أَنه قَالَ: يَا نَعَايا الْعَرَب.
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْأَصْمَعِي وَغَيره، إِنَّمَا هُوَ فِي الْإِعْرَاب يَا نعاءِ العربَ تَأْوِيله: انعَ الْعَرَب، يَأْمر بنعيهم. كَأَنَّهُ يَقُول: قد ذهبت الْعَرَب.
وَقَالَ أَبُو عبيد: خَفْضُ نَعَاءِ مثل قَوْلهم قَطَام ودَراك ونزال. وَأنْشد للكميت:(3/138)
نعاء جُذاما غير مَوت وَلَا قتل
وَلَكِن فراقا للدعائم وَالْأَصْل
قَالَ: وَبَعْضهمْ يرويهِ يَا نُعْيان الْعَرَب.
فَمن قَالَ هَذَا أَرَادَ الْمصدر؛ يُقَال: نعيته نَعْياً ونُعياناً. .
قلت: وَيكون النُعْيان جمعا للناعي، كَمَا يُقَال لجمع الرَّاعِي: رُعْيان، ولجمع الْبَاغِي: بُغْيان وَسمعت بعض الْعَرَب يَقُول لخَدمه: إِذا جَنّ عَلَيْكُم الليلُ فثقّبوا النيرَان فَوق الآكام يَضْوِي إِلَيْهَا رُعياننا وبغياننا. قلت: وَقد يجمع النعِيّ نعايا، كَمَا تجمع المَرِيّ من النوق مرايا، والصَفِيّ صفايا.
وَمن قَالَ: يَا نعاء العربَ فَمَعْنَاه: يَا هَذَا انع الْعَرَب، وَيَا أَيهَا الرجل انعهم.
وَيُقَال: فلَان ينعى على نَفسه بالفواحش إِذا شَهَر نَفسه بتعاطيه الْفَوَاحِش. وَكَانَ امْرُؤ الْقَيْس من الشُّعَرَاء الَّذين نَعَوا على أنفسهم بالفواحش، وأظهروا التعهّر. وَكَانَ الفرزدق فَعُولاً لذَلِك. ونعى فلَان على فلَان أمرا إِذا أشاد بِهِ وأذاعه. وَفُلَان ينعى فلَانا إِذا طلب بثأره. وَكَانَت الْعَرَب إِذا قُتل مِنْهُم رجل شرِيف أَو مَاتَ، بعثوا رَاكِبًا إِلَى قبائلهم ينعاه إِلَيْهِم، فَنهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك.
وَقَالَ أَبُو زيد: النَعِيّ: الرجل الْمَيِّت. والنَعْي: الْفِعْل.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الناعي المشنِّع. يُقَال: نعى عَلَيْهِ أمره إِذا قبَّحه عَلَيْهِ.
عَمْرو عَن أَبِيه: قَالَ يُقَال: أنَعْى عَليه، ونعى عَلَيْهِ شيأ قبيحاً إِذا قَالَه تشنيعاً عَلَيْهِ.
أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر: ذهبت تَمِيم فَلَا تُنْعَى وَلَا تُسْهى وَلَا تُنْهى أَي لَا تُذكر. وتناعى بَنو فلَان فِي الْحَرْب إِذا نَعَوا قتلاهم ليحرّضوهم على الطّلب بالثأر.
وَقَالَ اللَّيْث: النعِيّ: الناعي الَّذِي ينعي. وَأنْشد قَوْله:
قَامَ النعِيّ فأسمعا
ونَعَى الكريمَ الأروعا
قَالَ: والاستغناء: شبه النفار. قَالَ: وَلَو أَن قوما مُجْتَمعين قيل لَهُم شَيْء ففزعوا مِنْهُ وَتَفَرَّقُوا نافرين لَقلت: استنْعَوا. والناقة إِذا نفرت فقد استنعت.
وَقَالَ أَبُو عبيد فِي بَاب المقلوب: استناع واستنعى إِذا تقدم، وَيُقَال: عطف. وَأنْشد:
ظلِلنا نعوج العِيس فِي عَرَصاتها
وقوفاً ونستنعي بهَا فنصورها
وَقَالَ شمر فِيمَا أَخْبرنِي عَنهُ الإياديّ: استنعى إِذا تقدم فَذهب ليتبعوه.
وَيُقَال: تَمَادى. قَالَ ورُبّ نَاقَة يستنعِي بهَا الذئبُ أَي يعدو بَين يَديهَا وتتبعه، حَتَّى إِذا امّاز بهَا عَن الحُوَار عَفَق على حوارها مُحضِراً فافترسه.
وَقَالَ أَبُو عبيد: استناع واستنعى إِذا تقدّم. وَأنْشد:
وَكَانَت ضَرْبَة من شَدْقَمِيّ
إِذا مَا اسْتَنَّت الْإِبِل استناعا
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: استناع واستنعى إِذا تَمَادى وتتابع.
نوع: قَالَ اللَّيْث: النَوع والأنواع جمَاعَة.(3/139)
وَهُوَ كل ضرب من الشَّيْء، وكل صِنف من الثِّيَاب وَالثِّمَار وَغير ذَلِك حَتَّى الْكَلَام. قَالَ: واختُلِفَ فِي النُوع، فَقَالَ بَعضهم: هُوَ الْجُوع، وَقَالَ بَعضهم: هُوَ الْعَطش. قَالَ: وَهُوَ بالعطش أشبه؛ لقَوْل الْعَرَب: هُوَ جَائِع نائع، فَلَو كَانَ الجُوع نُوعاً لم يحسن تكريره. وَقيل: إِذا اخْتلف اللفظان جَازَ التكرير وَالْمعْنَى وَاحِد.
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي فِي بَاب الإتباع: رجل جَائِع نائع.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو زيد يُقَال: جُوعا لَهُ ونُوعا، وجُوسا لَهُ وجُودا لَهُ لم يزدْ على هَذَا. قَالَ ونويعة: اسْم وادٍ بِعَيْنِه قَالَ الرَّاعِي:
بنُو يعتين فَشَاطىء التسرير
ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ: قيل لِابْنِهِ الْخُسّ: مَا أحد شَيْء؟ قَالَت: ضِرسُ جائعِ يقذف فِي مِعًى نائع.
وَقَالَ أَبُو بكر فِي قَوْلهم: هُوَ جَائِع نائع، قَالَ أَكثر أهل اللُّغَة: النائع هُوَ الجائع. وَقيل: هُوَ إتباع، كَقَوْلِهِم: حسن بَسَن. وَقيل: النائع العطشان. وَأنْشد:
لعمر بني شهَاب مَا أَقَامُوا
صُدُور الْخَيل والأسل النياعا
قَالَ: الأسَل: أَطْرَاف الأسنَّة، والنِياع: العطاش إِلَى الدِّمَاء.
وَيُقَال للغُصْن إِذا حرّكته الرِّيَاح فَتحَرك قد ناع قد ينوع نَوَعاناً، وتنوَّع تنوّعاً، واستناع استناعة، وَقد نوَّعته الرِّيَاح تنويعاً إِذا ضَربته وحرّكته.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: ناع ينُوع، ويَنِيع إِذا تمايل.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: النَوْعة: الْفَاكِهَة الرَطبة الطريّة.
شمر عَن أبي عدنان قَالَ لي أَعْرَابِي فِي شَيْء سَأَلته عَنهُ: مَا أَدْرِي على أَي منواع هُوَ أيّ على أَي وَجه.
قَالَ وَقَالَ غَيره: هَذَا على أَي منوال.
قَالَ أَبُو عدنان: وَالْمعْنَى وَاحِد فِي المِنواع والمنوال.
ونع: أهمله اللَّيْث. وَقَالَ ابْن دُرَيْد: الوَنَع لُغَة يَمَانِية: كلمة يشار بهَا إِلَى الشَّيْء الحقير.
ينع: قَالَ الله جلّ ذكره: {انْظُرُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ} (الأنعَام: 99) الينع: النُضْج. يُقَال يَنَع الشّجر يَيْنَع يَنْعاً. وأينع إِذا أدْرك. قَالَ الشَّاعِر:
فِي قِباب حول دسكرة
حولهَا الزيتونُ قد ينعا
وقرىء: (ويانعه إِن فِي ذَلِك) وَيُقَال: أينع الثمرُ فَهُوَ مُونع ويانع. كَمَا يُقَال أَيفع الْغُلَام فَهُوَ يافع، وَقد ينعَت الثَّمَرَة تينع ينعاً، وأينعت تُونع إيناعاً. واليانع: الْأَحْمَر من كل شَيْء. وثمر يَانِع: إِذا لَوَّن. وَامْرَأَة يانعة الوجنتين. وَقَالَ رَكَّاض الدُّبَيْري:
ونحرا عَلَيْهِ الدُرّ يزهو كرومُه
ترائب لَا شقرا ينعن وَلَا كُهْبا
وَفِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي ابْن الملاعَنة: (إِن جَاءَت بِهِ أمّه أحَيمر مثل اليَنَعة فَهُوَ لِأَبِيهِ) . قَالَ: اليَنَعة: خَرَزة حَمْرَاء، واليَنَع: ضرب من العقيق.
وَقَالَ أَبُو الدُّقَيش: ضروب الْجَرَاد(3/140)
الحَرْشف، والمُعَيَّن، والمَرَجَّل، والخَيْفان. قَالَ: فالمعيَّن الَّذِي يَنْسَلِخ فَيكون أَبيض وأحمر وآدَم والخَيْفان نَحوه، والمرجّل: الَّذِي بَدَأَ آثَار أجنحته قَالَ: وغَزَالُ شعْبَان، وراعية الأُتُن والكُدَم من ضروب الْجَرَاد. وَيُقَال لَهُ كُدَم السَّمُر. وَهُوَ الجَحْل والسِّرْمان والشَّقَير واليعسوب وَهُوَ جَحَل أَحْمَر عَظِيم.
(بَاب الْعين وَالْفَاء)
(ع ف (وَا يء))
عَوْف، عيف، فعا، فوع، يفع، وفع، وعف.
عَفا: قَالَ اللَّيْث: الْعَفو عَفْو الله عَن خَلْقه. وَالله العَفُوّ الغفور. قَالَ: وكل من اسْتحق عُقُوبَة فتركتها فقد عفوتَ عَنهُ.
وَقَالَ أَبُو بكر بن الْأَنْبَارِي: الأَصْل فِي قَوْله الله جلّ وعزّ: {عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ} (التّوبَة: 43) : محا الله عَنْك مَأْخُوذ من قَوْلهم: عفت الرِّيَاح الْآثَار إِذا درستها ومحتها. وَقد عفت الآثارُ تَعْفُو عُفُوّاً، لفظ اللَّازِم والمتعدّي سَوَاء.
وقرأت بِخَط شمر لأبي زيد: عَفا الله عَن العَبْد عَفْواً، وعفت الرِّيَاح الْأَثر عفاءً، فَعَفَا الْأَثر عُفُواً وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (سلوا الله العَفْو والعافية والمعافاة) فأمَّا الْعَفو فَهُوَ مَا وَصفنَا من مَحْو الله ذنُوب عبدِه عَنهُ. وأمَّا الْعَافِيَة فَأن يعافيه الله من سقم أَو بليّة. يُقَال: عافاه الله، وأعفاه أَي وهب لَهُ الْعَافِيَة من العِلَل والبلايا. وأمَّا المعافاة فَأن يعافيك الله من النَّاس ويعافيهم مِنْك.
وَقَالَ اللَّيْث: الْعَافِيَة: دفاع الله عَن العَبْد يُقَال: عافاه الله من الْمَكْرُوه يعافيه معافاة وعافية.
وَقَالَ غَيره: يُقَال: عافاه الله عَافِيَة؟ وَهُوَ اسْم يوضع مَوضِع الْمصدر الحقيقيّ وَهُوَ المعافاة. وَقد جَاءَت مصَادر كَثِيرَة على فاعلة. قَالَ: سَمِعت راغية الْإِبِل، وثاغية الشَّاء أَي سَمِعت رُغاءها وثغاءها.
وَقَالَ اللَّيْث: الْعَفو أحلّ المَال وأطيبه قَالَ وعَفْوُ كل شَيْء خِياره وأجوده، وَمَا لَا تَعب فِيهِ. وَكَذَلِكَ عُفاوته وعِفاوته. وَقَالَ حسَّان بن ثَابت:
خُذ مَا أَتَى مِنْهُم عَفْواً فَإِن منعُوا
فَلَا يكن همَّك الشيءُ الَّذِي منعُوا
قَالَ: الْعَفو الْمَعْرُوف.
وَقَالَ غَيره فِي قَول الله جلّ وعزّ: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} (الأعرَاف: 199) : الْعَفو: الْفضل الَّذِي يَجِيء بِغَيْر كُلْفة. وَالْمعْنَى: اقبَل الميسور من أَخْلَاق النَّاس، وَلَا تستقصِ عَلَيْهِم فيستقصِي الله عَلَيْك، مَعَ مَا يتَولَّد مِنْهُ من الْعَدَاوَة والبغضاء.
وَقَالَ ابْن السّكيت عَفْو الْبِلَاد: مَا لَا أثر لأحد فِيهَا بمِلك.
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من أَحْيَا أَرضًا مَيْتة فَهِيَ لَهُ) إِنَّمَا ذَلِك فِي عَفْو الْبِلَاد الَّتِي لم تُمْلك.
وَأنْشد ابْن السّكيت:
قبِيلة كشراك النَّعْل دارجة
إِن يهبطوا العَفْوَ لَا يُوجد لَهُ أثر
قَالَ: وَيُقَال لولد الْحمار عَفْو وعُفْو وعِفْو(3/141)
وعَفاً مَنْقُوص. وَأنْشد ابْن السّكيت:
وطعنٍ كتَشْهاقِ العَفَا همَّ بالنَهْق
وعَفْو المَاء: مَا فَضَل عَن الشاربة، وأُخذ بِغَيْر كُلْفة، وَلَا مزاحمة عَلَيْهِ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ العِفْو الجحش، والأتان نَفسهَا تسمى العِفاوة.
قَالَ: والعِفَاء من الْوَبر مَمْدُود. وَعَفا ظَهره: نبت لَحْمه وبرأ دَبَره.
وَقَالَ ابْن هانىء: قَالَ أَبُو زيد، يُقَال عِفْو، وَثَلَاثَة عِفَوة مثل قِرَطة، وَهِي العِفَاء وَهُوَ الجحش وَالْمهْر أَيْضا. وَكَذَلِكَ العِجْلة. والظِّئَبة جمع الظَأْب، وَهُوَ السِّلْفُ.
وَقَالَ اللَّيْث: ولد الْحمار عِفْو والجميع عِفَوة وعِفَاء؛ كَمَا قَالَ أَبُو زيد. وَهِي أفتاء الحُمُر. قَالَ: وَلَا أعلم فِي جَمِيع كَلَام الْعَرَب واواً متحركة بعد حرف متحرك فِي آخر الْبناء غيرَ وَاو عِفَوة. قَالَ وَهِي لُغَة لقيس كَرهُوا أَن يَقُولُوا عِفَاة فِي مَوضِع فِعَلَة وهم يُرِيدُونَ الْجَمَاعَة فتلتبس بوُحْدان الْأَسْمَاء. قَالَ: وَلَو تكلّف متكلِّف أَن يَبْنِي من الْعَفو اسْما مُفردا على بِنَاء فِعَلة لقَالَ: عِفَاة.
وروى أَبُو هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (إِذا كَانَ عنْدك قوتُ يَوْمك فعلى الدُّنْيَا العَفَاء) .
قَالَ أَبُو عبيد وَغَيره: العفاء: التُّرَاب. وَقَالَ زُهَير:
تحمَّل أَهلهَا مِنْهَا فَبَاتُوا
على آثَار مَا ذهب العَفَاء
قَالَ والعفاء أَيْضا: الدُّرُوس. يُقَال: عفت الدَّار عُفُوّاً وعَفَاءً.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال فِي السبّ: بِفِيهِ العَفَاء وَعَلِيهِ العَفَاء، وَالذِّئْب العوَّاء، وَذَلِكَ أَن الذِّئْب يعوِي فِي أثَرِ الظاعن إِذا خلت الدَّار. قَالَ: والاستعفاء: أَن تطلب إِلَى من يكلّفك أمرا أَن يُعفيك مِنْهُ. وَيُقَال: خُذ من مَاله مَا عَفا وَصفا أَي مَا فَضَل وَلم يشقّ عَلَيْهِ.
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (من أَحْيَا أَرضًا مَيْتة فَهِيَ لَهُ، وَمَا أكلت الْعَافِيَة مِنْهُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَة) .
قَالَ أَبُو عبيد: الْوَاحِد من الْعَافِيَة عافٍ، وَهُوَ كلّ من جَاءَك يطْلب فَضْلا أَو رِزقاً فَهُوَ عافٍ ومعتفٍ، وَقد عَفَاك يعفوك وَجمعه عُفَاةٌ وَأنْشد قَول الْأَعْشَى:
تَطوف العُفَاة بأبوابه
كطَوْف النَّصَارَى بِبَيْت الوَثَن
قَالَ: وَقد تكون الْعَافِيَة فِي هَذَا الحَدِيث من النَّاس وَغَيرهم. قَالَ: وَبَيَان ذَلِك فِي حَدِيث أم مبشّر الْأَنْصَارِيَّة قَالَت: دخل عليّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا فِي نخل لي، فَقَالَ: من غرسه؟ أمسلم أم كَافِر؟ قلت: لَا، بل مُسلم. فَقَالَ: (مَا من مُسلم يغْرس غَرْساً أَو يزرع زرعا فيأكلُ مِنْهُ إِنْسَان أَو دابّة أَو طَائِر أَو سبع إلاّ كَانَت لَهُ صَدَقَة) .
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه أَمر بإحفاء الشَّوَارِب وإعفاء اللحَى.
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْكسَائي: إعفاء(3/142)
اللحى: أَن توفَّر وتكثر. يُقَال مِنْهُ: قد عَفا الشعْرُ وَغَيره إِذا كثر، يعْفُو فَهُوَ عافٍ. وَقد عفَّيته وأعفيته لُغَتَانِ إِذا فعلت ذَلِك بِهِ، قَالَ الله جلّ وعزّ: {حَتَّى عَفَواْ} (الأعرَاف: 95) يَعْنِي كَثُرُوا.
وَفِي الحَدِيث (إِذا عَفا الوَبَر وبرىء الدَبَر حَلَّت الْعمرَة لمن اعْتَمر) . وَيُقَال للشعر إِذا طَال ووَفَى: عِفَاء. وَقَالَ زُهَيْر:
أذلك أم أقبّ الْبَطن جأبٌ
عَلَيْهِ من عقيقته عِفَاء
وَيُقَال تعفّت الديارُ تعفِّياً إِذا دَرَست.
وَقَالَ اللَّيْث: نَاقَة ذَات عِفاء: كَثِيرَة الْوَبر. قَالَ وعِفَاء النعامة: ريشه الَّذِي قد علا الزِّف الصغار. قَالَ: وَكَذَلِكَ عِفاء الديك وَنَحْوه من الطير، الْوَاحِدَة عِفاءة ممدودة. وَلَيْسَت همزَة العِفَاء والعِفاءة أَصْلِيَّة، إِنَّمَا هِيَ وَاو قُلبت ألِفاً فمُدّت؛ مثل السَّمَاء أصل مدّتها الْوَاو. وَيُقَال فِي الْوَاحِدَة: سماوة وسماءة. قَالَ: وعِفَاء السَّحَاب كالخَمْل فِي وَجهه. قَالَ: وَلَا يُقَال للريشة الْوَاحِدَة: عِفَاءة حَتَّى تكون كَثِيرَة كثيفة. قَالَ: وَقَالَ بَعضهم فِي همزَة العِفَاء: إِنَّهَا أَصْلِيَّة.
قلت وَلَيْسَت همزتها أَصْلِيَّة عِنْد النَّحْوِيين الحذّاق وَلكنهَا همزَة مدّة، وتصغيرها عُفَيّ.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {فَمَنْ عُفِىَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَىْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} (الْبَقَرَة: 178) .
قلت: وَهَذِه آيَة مشكلة، وَقد فسّرها ابْن عَبَّاس ثمَّ مَن بعده تَفْسِيرا قرّبوه على قدر أفهام أهل عصرهم، فَرَأَيْت أَن أذكر قَول ابْن عَبَّاس، وأؤيّده بِمَا يزِيدهُ بَيَانا ووضوحاً. حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق السَّعْدِيّ، قَالَ حَدثنَا المَخْزُومِي. قَالَ: حَدثنَا ابْن عُيَينة عَن عَمْرو بن دِينَار عَن مُجَاهِد قَالَ سَمِعت ابْن عَبَّاس يَقُول: كَانَ القِصَاص فِي بني إِسْرَائِيل، وَلم تكن فيهم الدِّيَة، فَقَالَ الله جلّ وعزّ لهَذِهِ الْأمة {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} (البَقَرَة: 178) إِلَى قَوْله: {فَمَنْ عُفِىَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَىْءٌ} قَالَ فالعفو أَن يُقبل الدِّيَة فِي الْعمد {ذاَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} (البَقَرَة: 178) ممّا كتب على من كَانَ قبلكُمْ، يطْلب هَذَا بِإِحْسَان ويؤدِّي هَذَا بِإِحْسَان.
قلت: فَقَوْل ابْن عَبَّاس: الْعَفو: أَن يقبل الدِّيَة فِي الْعمد الأَصْل فِيهِ أَن الْعَفو فِي مَوْضُوع اللُّغَة الْفضل.
يُقَال: عَفا فلَان لفُلَان بِمَالِه إِذا أفضل لَهُ، وَعَفا لَهُ عمّا عَلَيْهِ إِذا تَركه. وَلَيْسَ الْعَفو فِي قَوْله: {فَمَنْ عُفِىَ لَهُ} (الْبَقَرَة: 178) عفوا من ولي الدَّم، وَلكنه عَفْو من الله جلّ وعزّ. وَذَلِكَ أَن سَائِر الْأُمَم قبل هَذِه الْأمة لم يكن لَهُم أَخذ الدِّيَة إِذا قُتل قَتِيل، فَجعله الله لهَذِهِ الْأمة عَفْوا مِنْهُ وفضلاً، مَعَ اخْتِيَار ولي الدَّم ذَلِك فِي الْعمد وَهُوَ قَول الله جلّ وعزّ: {فَمَنْ عُفِىَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَىْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} (الْبَقَرَة: 178) أَي من عَفا الله جلّ وعزّ اسْمه لَهُ بِالدِّيَةِ حِين أَبَاحَ لَهُ أَخذهَا بَعْدَمَا كَانَت محظورة على سَائِر الْأُمَم، مَعَ اخْتِيَاره(3/143)
إِيَّاهَا على الدَّم، اتّباع بِالْمَعْرُوفِ أَي مُطَالبَة للدية بِمَعْرُوف، وعَلى الْقَاتِل أَدَاء الدِّيَة إِلَيْهِ بِإِحْسَان. ثمَّ بيَّن ذَلِك فَقَالَ: {ذاَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ} (البَقَرَة: 178) لكم يَا أمَة مُحَمَّد وَفضل جعله لأولياء الدَّم مِنْكُم {وَرَحْمَة خصكم بهَا {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذاَلِكَ} (البَقَرَة: 178) أَي من سفك دم قَاتل وليِّه بعد قبُوله الدِّيَة {فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (البَقَرَة: 178) وَالْمعْنَى الْوَاضِح فِي قَوْله فَمن عُفيَ ( { (ُلَهُ} ) من أَخِيه شَيْء أَي من أُحِلَّ لَهُ أَخذ الدِّيَة بدل أَخِيه الْمَقْتُول، عفوا من الله وفضلاً مَعَ اخْتِيَاره، فليطالب بِالْمَعْرُوفِ و (من) فِي قَوْله: {مِنْ أَخِيهِ} مَعْنَاهَا الْبَدَل. وَالْعرب تَقول عَرَضت لَهُ من حقّه ثوبا، أَي أَعْطيته بدل حقّه ثوبا. وَمِنْه قَول الله جلّ وعزّ: {إِسْرَاءِيلَ وَلَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلَائِكَةً فِى الاَْرْضِ يَخْلُفُونَ} (الزّخرُف: 60) يَقُول: لَو نشَاء لجعلنا بدلكم مَلَائِكَة فِي الأَرْض وَالله أعلم.
قلت: وَمَا علمت أحدا أوضح من معنى هَذِه الْآيَة مَا أوضحته، فتدبّره واقبله بشكر إِذا بَان لَك صَوَابه.
وَأما قَول الله جلّ وعزّ فِي آيَة مَا يجب للْمَرْأَة من نصف الصَدَاق إِذا طُلِّقَتْ قبل الدُّخُول بهَا فَقَالَ: {إَّلا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَاْ الَّذِى بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} (البَقَرَة: 237) فَإِن الْعَفو هُنَا مَعْنَاهُ الإفضال بِإِعْطَاء مَا لَا يجب عَلَيْك أَو تركِ الْمَرْأَة مَا يجب لَهَا، يُقَال: عَفَوْت لفُلَان بِمَالي إِذا أفضلت لَهُ فأعطيته وعفوت لَهُ عَمَّا لي عَلَيْهِ إِذا تركته لَهُ. وَقَوله {إَّلا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أَن يَعْفُونَ} فعل لجَماعَة النِّسَاء يطلِّقهن أَزوَاجهنَّ قبل أَن يمسُوهن مَعَ تَسْمِيَة الْأزْوَاج لَهُنَّ مهورهنَّ، فيعفون لِأَزْوَاجِهِنَّ مَا وَجب لهنّ من نصف الْمهْر ويتركنها لَهُم، {أَوْ يَعْفُوَاْ الَّذِى بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} وَهُوَ الزَّوْج بِأَن يُتِمّ لَهَا الْمهْر كُله، وَإِنَّمَا وَجب عَلَيْهِ نصفه، وكل وَاحِد من الزَّوْجَيْنِ عافٍ أَي مفضل أما إفضال الْمَرْأَة فَأن تتْرك للزَّوْج المطلِّق مَا وَجب لَهَا عَلَيْهِ من نصف الْمهْر. وَأما إفضال الزَّوْج فَأن يتم لَهَا الْمهْر كملاً؛ لِأَن الْوَاجِب عَلَيْهِ نصفه، فتفضّل مُتَبَرعا بِالْكُلِّ وَقَوله: {إَّلا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أَن يَعْفُونَ} فعل لجَماعَة النِّسَاء وَالنُّون نون فعل جمَاعَة النِّسَاء فِي يفعلُنْ، وَلَو كَانَ للرِّجَال لوَجَبَ أَن يُقَال إِلَّا أَن يعفوا لِأَن أَن ينصب الْمُسْتَقْبل ويحذف النُّون، وَإِذا لم يكن مَعَ فعل الرجل مَا ينصب أَو يجْزم قيل: هم يعفون وَكَانَ فِي الأَصْل يعفوون، فحذفت إِحْدَى الواوين استثقالاً للْجمع بَينهمَا، فَقيل: يعفون فافهمه. وَأما فعل النِّسَاء فَقيل لَهُنَّ يعفون لِأَنَّهُ على تَقْدِير يفعُلْن.
وَقَالَ الْفراء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {وَيَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} (البَقَرَة: 219) قَالَ: وَجه الْكَلَام فِيهِ النصب، يُرِيد: قل يُنْفقُونَ الْعَفو، وَهُوَ فضل المَال. قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: وَمن رفع أَرَادَ: الَّذِي يُنْفقُونَ الْعَفو. قَالَ: وَإِنَّمَا اخْتَار الْفراء النصب لِأَن مَاذَا عندنَا حرف وَاحِد كثُر فِي كَلَام الْعَرَب؛ فَكَأَنَّهُ قَالَ: مَا يُنْفقُونَ، وَلذَلِك اختير النصب. قَالَ: وَمن جعل ذَا بِمَعْنى الَّذِي رفع. وَقد يجوز أَن يكون مَاذَا حرفا(3/144)
وَيرْفَع بالائتناف.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: يُقَال عفَوت الرجل إِذا طلبت فَضله. والعَفْو: الْفضل.
وَقَالَ الزّجاج: نزلت هَذِه الْآيَة قبل فرض الزَّكَاة، فأُمروا أَن ينفقوا الْفضل، إِلَى أَن فرضت الزَّكَاة، فَكَانَ أهل المكاسب يَأْخُذ الرجلُ من كَسبه كل يَوْم مَا يَكْفِيهِ، ويتصدّق بباقيه، وَيَأْخُذ أهل الذَّهَب وَالْفِضَّة مَا يكفيهم فِي عَامهمْ، وينفقون بَاقِيه. هَذَا قد رُوِي فِي التَّفْسِير. قَالَ: وَالَّذِي عَلَيْهِ الْإِجْمَاع أَن الزَّكَاة فِي سَائِر الْأَشْيَاء قد بيّن مَا يجب فِيهَا.
أَبُو عبيد عَن زيد يُقَال: أكلنَا عَفْوة الطَّعَام أَي خِيَاره، وَيكون فِي الشَّرَاب أَيْضا.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الْعَافِي: مَا يُرَدُّ فِي القِدْر من المَرَقة إِذا استُعيرت وأَنْشَدها:
إِذا رَدَّ عافي القِدْر من يستعيرها
وَقَالَ ابْن السّكيت عافى فِي هَذَا الْبَيْت فِي مَوضِع الرّفْع، لِأَنَّهُ فَاعل وَمن فِي مَوضِع النصب، لِأَنَّهُ مفعول بِهِ. وَمَعْنَاهُ أَن صَاحب القِدْر إِذا نزل بِهِ الأضياف نصب لَهُم قِدْراً، فَإِذا جَاءَ من يستعير قدره فرآها مَنْصُوبَة لَهُم رَجَعَ وَلم يطْلبهَا. والعافي هُوَ الضَّيْف، كَأَنَّهُ يردّ الْمُسْتَعِير لارتداده دون قَضَاء حَاجته.
وَقَالَ غَيره: عافي الْقدر بقيَّة المرقة يردّها الْمُسْتَعِير، وَهُوَ فِي مَوضِع النصب. وَكَانَ وَجه الْكَلَام عافَى الْقدر، فَترك الْفَتْح للضَّرُورَة.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: أَعْطيته المَال عَفْواً بِغَيْر مَسْأَلَة. وَأنْشد الْأَصْمَعِي لرؤبة:
يُعفيك عافِيه وَعِيد النَحْز
قَالَ النحز: الكدّ والنخس يَقُول: مَا جَاءَك مِنْهُ عفوا أَغْنَاك عَن غَيره. والعِفَاوة: الشي يُرفع من الطَّعَام لِلْجَارِيَةِ تُسَمَّن فتؤثَر بهَا. وَقَالَ الْكُمَيْت:
وظلَّ غُلَام الْحَيّ طَيّان ساغبا
وكاعبُهم ذَات العِفاوة أسغب
قَالَ: والعِفاوة من كل شَيْء صفوته وكثرته.
وَقَالَ غَيره: عَفَت الأرضُ إِذا غطّاها النَّبَات. وَقَالَ حُمَيد يذكر دَارا:
عفت مثل مَا يعْفُو الطليح فَأَصْبَحت
بهَا كبرياء الصعب وَهِي رَكُوب
يَقُول: غطَّاها العُشْب كَمَا طَرَّ وَبَرُ الْبَعِير وَبَرأَ وَبَره. وناقة عَافِيَة اللَّحْم: كَثِيرَة اللَّحْم. ونوق عافيات. وَقَالَ لبيد:
بأسَؤق عافيات اللَّحْم كُوم
وَيُقَال عفُّوا ظهر هَذَا الْبَعِير أَي ودِّعوه حَتَّى يسمن. وَيُقَال: عَفا فلَان على فلَان فِي الْعلم إِذا زَاد عَلَيْهِ وَقَالَ الرَّاعِي:
إِذا كَانَ الجِراء عَفَتْ عَلَيْهِ
أَي زَادَت عَلَيْهِ فِي الجري. والعَفَا من الْبِلَاد مَقْصُور، مثل الْعَفو: الَّذِي لَا مِلك فِيهِ لأحد، وَجَاء فِي الحَدِيث (ويَرْعَوْن عَفَاها) أَي عَفْوها. وروى ابْن الْأَعرَابِي بَيت البعيث:
بعيد الندى جالت بِإِنْسَان عينه
عِفَاءة دمع جال حَتَّى تحدّرا
يَعْنِي دمعاً كثر وَعَفا فَسَالَ والمُعْفِي: من(3/145)
يصحبك ويتعرَّض لمعروفك. تَقول: اصطحبنا وكلانا مُعْفٍ وَقَالَ ابْن مقبل:
فَإنَّك لَا تبلو امْرأ دون صُحْبَة
وَحَتَّى تعيشا مُعْفِيَين وتجهدا
أَي تعرفه فِي الْحَالَتَيْنِ جَمِيعًا. وَيُقَال: فلَان يعْفُو على مُنْية المتمنِّي وسؤال السَّائِل أَي يزِيد عطاؤه عَلَيْهِمَا.
وَقَالَ لبيد:
يعْفُو على الْجهد وَالسُّؤَال كَمَا
يعْفُو عِهَاد الأمطار والرصدِ
أَي يزِيد ويفضل.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: عَفا يعْفُو إِذا أعْطى. وَعَفا يعْفُو إِذا ترك حقّاً. وأعفى إِذا أنْفق العَفْو من مَاله، وَهُوَ الْفَاضِل عَن نَفَقَته. قَالَ: والأعفاء: أَوْلَاد الْحمير. والأفعاء: الروائح الطيّبة. وَيُقَال: عَفا الله على أثر فلَان وعفّى الله عَلَيْهِ، وقفَّى الله على أثر فلَان وقَفاً عَلَيْهِ بِمَعْنى وَاحِد.
عَوْف، عيف: قَالَ أَبُو عبيد: من أَمْثَال الْعَرَب فِي الرجل الْعَزِيز المنيع الَّذِي يَعِزّ بِهِ الذَّلِيل، ويذلّ بِهِ الْعَزِيز قَوْلهم: لَا حُرَّ بوادي عَوْف، أَي كلّ من صَار فِي ناحيته خضع لَهُ. قَالَ: وَكَانَ الْمفضل يخبر أَن الْمثل للمنذر بن مَاء السَّمَاء، قَالَه فِي عَوْف بن محلّم الشَّيْبَانِيّ، وَذَلِكَ أَن الْمُنْذر كَانَ يطْلب زُهَيْر ابْن أُمَيَّة الشَّيْبَانِيّ بذَحْل، فَمَنعه عَوْف بن محلِّم، وأبى أَن يُسْلمه، فَعندهَا قَالَ الْمُنْذر: لَا حُرَّ بوادي عَوْف، أَي إِنَّه يقهر مَن حلّ بواديهم.
وَقَالَ أَبُو عبيد يُقَال للجرادة: أمّ عَوْف، وَيُقَال: هِيَ دُوَيْبَّة أُخْرَى. وَقَالَ الْكُمَيْت:
تُنَفِّض بُرْدَيْ أمِّ عَوْف وَلم يطِر
بِنَا بارق بخ للوعيد وللرَهْب
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو فِي بَاب الدُّعَاء للْإنْسَان: نَعِم عَوْفك. قَالَ وَهُوَ طَائِر. وَأنكر مَا يَقُوله النَّاس: إِنَّه ذكره.
قَالَ أَبُو عبيد: وَأنكر الْأَصْمَعِي قَول أبي عمر فِي نَعِم عوفك، قَالَ وَيُقَال نعم عوفك أَي جَدُّك وبختك.
قَالَ الْأَصْمَعِي: وَيُقَال: نعم عوفك إِذا دُعي لَهُ أَن يُصِيب الباءَة الَّتِي تُرْضِي، قَالَ والعوف الْحَال أَيْضا.
وَقَالَ اللَّيْث: العَوْف هُوَ الضَّيْف، وَهُوَ الْحَال، تَقول للرجل: نَعِم عوفك أَي ضيفك. قَالَ: وَيُقَال هَذَا للرجل إِذا تزوج، وعَوْفه: ذكره، وَيُقَال العَوْف من أَسمَاء الْأسد؛ لِأَنَّهُ يتعوف بِاللَّيْلِ فيطلب. وَيُقَال كل من ظفر بِاللَّيْلِ بِشَيْء فَذَلِك الشَّيْء عُوافته. قَالَ: والعَوْف أَيْضا: نبت.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: العَوْف: فرج الرجل. والعَوْف: الْحَال. والعَوْف: الكادّ على عِيَاله. والعَوْف: الْأسد. والعوف: الذِّئْب. والعَوْف. ضرب من الشّجر. يُقَال: قد عاف إِذا لزم ذَلِك الشّجر. وَأنْشد غَيره:
جَارِيَة ذَات هنٍ كالنَّوْفِ
مُلَملمٍ تستره بحَوْف
يَا لَيْتَني أَشْيَم فِيهَا عَوْفي
أَي أُولج فِيهَا ذكري. وَيُقَال لذكر الْجَرَاد:(3/146)
أَبُو عُوَيف
وَقَالَ الْفراء: هِيَ الْحَال والعَوْف والبال بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: عُوافة الْأسد: مَا يتعوَّفه بِاللَّيْلِ فيأكله.
وَمن ذَوَات الْيَاء. قَالَ اللَّيْث: عاف الشيءَ يعافه عِيَافاً إِذا كرهه، طَعَاما كَانَ أَو شرابًا. قَالَ: والعَيُوف من الْإِبِل: الَّتِي تَشَمُّ المَاء فتدعه وَهِي عطشى. قَالَ: والعِيَافة: زَجْر الطير، وَهُوَ أَن يرى طائراً أَو غراباً فيتطيَّر. وَإِن لم ير شَيْئا فَقَالَ بالحَدْس كَانَ عيافة أَيْضا. وَقد عاف الطير يعيفه وَقَالَ الْأَعْشَى:
مَا تعِيف الْيَوْم فِي الطير الرَّوَح
من غراب الْبَين أَو تيسٍ بَرَحْ
وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس، وذِكْره إِبْرَاهِيم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وإسكانه ابْنه إِسْمَاعِيل وأمّه مَكَّة وَأَن الله جلّ وعزّ فجرّ لَهما زَمْزَم قَالَ: فمرت رفْقَة من جرهم، فَرَأَوْا طائراً وَاقعا على جبل، فَقَالُوا: إِن هَذَا الطَّائِر لعائف على مَاء. قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: العائف هَاهُنَا: هُوَ الَّذِي يتردّد على المَاء ويحوم وَلَا يمْضِي. وَمِنْه قَول أبي زُبَيد:
كَأَن أَوب مساحي الْقَوْم فَوْقهم
طير تَعِيفُ عَلَى جُون مزاحيف
شبّه اخْتِلَاف الْمساحِي فَوق رُؤُوس الحفّارين بأجنحة الطير. وَأَرَادَ بالجُون المزاحيف إبِلا قد أَزْحَفت، فالطير تحوم عَلَيْهَا. يُقَال عاف الطيرُ عَلَى المَاء وغيرِه، يَعيف عَيْفاً إِذا حام عَلَيْهِ. والعائف: الَّذِي يعيف الطير فيزجرها، وَهِي العِيَافة. قَالَ: والعائف أَيضاً: الكاره للشَّيْء المتعذِّر لَهُ. وَمِنْه حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه أُتي بضبّ فَلم يَأْكُلهُ، وَقَالَ إِنِّي أعافه؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ من طَعَام قومِي. وَقَالَ ابْن السّكيت: أعاف القومُ أعافة إِذا عافت دوابُّهم المَاء فَلم تشربه.
وَقَالَ شمر: عَيَاف والطَّرِيدة: لُعْبتان لصبيان الْأَعْرَاب. وَقد ذكر الطرماح جواري شَبَبْن عَن هَذِه اللُّعبِ فَقَالَ:
قَضَت من عَيَاف والطَرِيدة حَاجَة
فهنّ إِلَى لَهو الحَدِيث خُضُوع
وَروَى إِسْمَاعِيل عَن قيس قَالَ: سَمِعت الْمُغيرَة بن شُعْبَة: يَقُول: لَا تحرّم العيفة. قُلْنَا: وَمَا العيفة؟ فَقَالَ: الْمَرْأَة تَلد فيُحصر لَبنهَا فِي ثديها فترضعه جارتها الْمرة والمرتين. قَالَ أَبُو عبيد: لَا نَعْرِف العيفَة فِي الرَّضَاع، وَلَكِن نُراها العُفَّة، وَهِي بقيّة اللَّبن فِي الضَّرع بعد مَا يُمتَكُّ أَكثر مَا فِيهِ.
فوع: أَبُو بكر عَن شمر يُقَال: أَتَانَا فلَان عِنْد فَوْعة الْعشَاء يَعْنِي أوَّل الظلمَة، قَالَ: وفُوعة النَّهَار أَوله. قَالَ: وَوجدت فَوْعة الطّيب، وفَوْغته بِالْعينِ والغين، وَهُوَ طيب رَائِحَته يَطِيرُ إِلَى خياشيمك. وَقَالَ غَيره فوعة السم: حُمَّتُه وحَدّه.
فعا: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ: الأفعاء: الروائح الطيّبة. وفَعَا فلَان شيأ إِذا فتّته. قَالَ: وأفعى الرجلُ إِذا صَار ذَا شرّ بعد خير.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الفاعِي: الغضبان المُزْبِد. والعافي: الْمِسْكِين.(3/147)
وَقَالَ شمر فِي كتاب (الحَيّات) : الأفعى من الْحَيَّات: الَّتِي لَا تَبْرَح، إِنَّمَا هِيَ مترحِّية: وتَرحِّيها استدارتها على نَفسهَا وَتَحَوّيها. قَالَ أَو النَّجْم:
زُرْق العيونِ مُتَلوّيات
حول أفاعٍ متحوّيات
قَالَ: وَيُقَال لذكر الأفعى الأُفعوان. والجميع الأفاعِي. قَالَ وَقَالَ بَعضهم: الأفعى: حيَّة عريضة على الأَرْض، إِذا مشت متثنِّية بثنيين أَو ثَلَاثَة تمشي بأثنائها تِلْكَ، خَشْناء يَجْرُش بَعْضهَا بَعْضًا. والجَرْش: الحكّ والدلك. قَالَ: وَسَأَلت أعرابيّاً من بني تَمِيم عَن الجَرْش، فَقَالَ: هُوَ العَدْو البطيء. قَالَ وَرَأس الأفعى عريض كَأَنَّهُ فلْكة، وَلها قَرْنان.
ورُوي عَن ابْن عَبَّاس أَنه سُئِلَ عَن قتل المحرِم الحيَّات، فَقَالَ: لَا بَأْس بقتل الأَفْعَوْ، وَلَا بَأْس بقتْله الحِدَوْ فَقلب الْألف فيهمَا واواً فِي لغته.
وَقَالَ اللَّيْث: الأفعى لَا تَنْفَع مِنْهَا رُقْية وَلَا ترياق. وَهِي رقشاء دقيقة الْعُنُق عريضة الرَّأْس، والأفعى: هَضْبة فِي بِلَاد بني كلاب.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد فِي بَاب سمات الْإِبِل: مِنْهَا المفعاة كالأفعى. قَالَ: والمثفَّاة كالأثافي، وَقَالَ غَيره: جمل مُفَعّى إِذا وُسم هَذِه وَقد فعَّتيه أَنا.
وفع: أهمله اللَّيْث. وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الرَبَذَة والوفيعة والطُّلية صوفة يُطلى بهَا الجَرْبَى. قَالَ: والوَفِيعة أَيْضا: صمام القارورة.
وَقَالَ ابْن السّكيت: الوفيعة تتّخذ من العراجين والخُوص مثل السَلَّة.
عَمْرو عَن أَبِيه: يُقَال للخرقة الَّتِي يَمْسح بهَا الْكَاتِب قلمه من المِداد: الوفِيعة. وَقَالَ ابْن دُرَيْد: وِفَاع القارورة: صِمامها.
وعف: أهمله اللَّيْث. وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الوُعُوف بِالْعينِ: ضعف الْبَصَر.
قلت جَاءَ بِهِ فِي بَاب الْعين وَذكر مَعَه العُوُف. وَأما أَبُو عبيد فَإِنَّهُ ذكر عَن أَصْحَابه الوَغْف بالغين ضعف الْبَصَر. وَقد قَالَ ابْن الْأَعرَابِي فِي بَاب آخر: أوغف الرجلُ إِذا ضعف بَصَره، وكأنهما لُغَتَانِ بِالْعينِ والغين.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد الوعف وَجمعه وِعَاف وَهِي مَوَاضِع فِيهَا غِلَظ يَسْتَنْقِع فِيهَا المَاء.
يفع: اللَّيْث: اليَفَاع: التَلّ المشرِف. وكلّ شَيْء مرتفِع فَهُوَ يَفَاع. وَغُلَام يَفَعة. وَقد أَيفع إِذا شَبّ وَلم يبلغ وَالْجَارِيَة يَفَعة، والأَيْفاع جمَاعَة.
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: أَيفع الْغُلَام فَهُوَ يافع، وَهُوَ على غير قِيَاس وَالْقِيَاس مُوفع. وَجمعه أيفاع وَيُقَال: غُلَام يَفَعَة. والجميع مثل الْوَاحِد على غير قِيَاس.
وَقَالَ أَبُو زيد: سَمِعت غُلَاما يَفَعة ووَفَعة بِالْيَاءِ وَالْوَاو.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي اليَفَاع: مَا ارْتَفع من الأَرْض.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي فِي قَول عدي:
مَا رجائي فِي اليافعات ذَوَات(3/148)
الهيج أم مَا صبري وَكَيف احتيالي
قَالَ اليافعات من الْأُمُور: مَا علا وغَلَب مِنْهَا.
وَقَالَ اللحياني: يُقَال: يَافَعَ فلَان وليدة فلَان ميافعة إِذا فجر بهَا.
(بَاب الْعين وَالْبَاء)
(ع ب (وَا يء))
عبأ، عيب، بعا، بيع، بوع، وبع، وعب: مستعملات.
عبأ: أمّا عبا فَهُوَ مَهْمُوز لَا أعرف فِي معتلاَّت الْعين حرفا مهموزاً غَيره. وَمِنْه قَول الله جلّ وعزّ: {قُلْ مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّى لَوْلاَ دُعَآؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً} (الْفرْقَان: 77) ، وَهَذِه آيَة مشكِلة. ورَوَى ابْن أبي نَجيح عَن مُجَاهِد أَنه قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: {قُلْ مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّى} أَي مَا يفعل بكم رَبِّي لَوْلَا دعاؤكم إيّاه لتعبدوه وتطيعوه، وَنَحْو ذَلِك قَالَ الْكَلْبِيّ.
وروى سَلمَة عَن الْفراء فِي قَوْله تَعَالَى: {قُلْ مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّى} أَي مَا يصنع بكم رَبِّي {لَوْلاَ دُعَآؤُكُمْ} ابتلاؤكم: لَوْلَا دعاؤه إيّاكم إِلَى الْإِسْلَام.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: {قُلْ مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ} أَي مَا يفعل بكم {لَوْلاَ دُعَآؤُكُمْ} مَعْنَاهُ: لَوْلَا توحيدكم. قَالَ وتأويله: أيُّ وزن لكم عِنْده لَوْلَا توحيدكم، كَمَا يَقُول: مَا عَبَأت بفلان، أَي مَا كَانَ لَهُ عِنْدِي وزن وَلَا قَدْر، قَالَ: وأصل العبء الثّقل. قَالَ وعبّأت الْمَتَاع: جعلت بعضه فَوق بعض.
وَقَالَ شمر: قَالَ أَبُو عبد الرحمان: مَا عَبَأت بِهِ شَيْئا أَي لم أعدّه شيأ.
قَالَ أَبُو عدنان عَن رجل من باهلة يُقَال: مَا عبأ الله بفلان إِذا كَانَ فَاجِرًا أَو مائقاً. وَإِذا قيل: قد عبأ الله بِهِ فَهُوَ رجلُ صدقٍ وَقد قبل الله مِنْهُ كل شَيْء. قَالَ: وَأَقُول: مَا عَبَأت بفلان أَي لم أقبل مِنْهُ شيأ وَلَا من حَدِيثه.
وَقَالَ غَيره: عبأتُ لَهُ شرا أَي هيأتُه. قَالَ وَقَالَ ابْن بزرج: احتويت مَا عِنْده وامتخرته واعتبأته وازدلعته وأخذته وَاحِد.
وَقَالَ أَبُو زيد: عَبَأت الْأَمر والطِيب عَبْأ إِذا مَا صَنعته وخلطته، وعَبأت الْمَتَاع عَبْأ إِذا مَا هيأته.
وَيُقَال عبَّأته تعبئة، وكل من كَلَام الْعَرَب وعبّأت الْخَيل تعبئة وتعبيئا، وَجمع العبء أعباء، وَهُوَ الْأَحْمَال والأثقال.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: المعبأة: خرقَة الْحَائِض. وَقد اعتبأت الْمَرْأَة بالمعبأة. قَالَ وعبا وَجهه يعبأ إِذا أَضَاء وَجهه وأشرق. قَالَ والعبوة: ضوء الشَّمْس وَجمعه عِباً.
وَقَالَ اللَّيْث العِبُّ كل حِمْل من غُرْم أَو حَمَالة. وَمَا عبَأت بِهِ شيأ: لم أباله. قَالَ: والعباية: ضرب من الأكسية وَاسع فِيهِ خطوط سود والجميع العَبَاء. والعباءة لُغَة فِيهَا. قَالَ: والعَبَا مَقْصُور: الرجل العَبَامُ، وَهُوَ الجافي. ومدَّه الشَّاعِر فَقَالَ:
كجبهة الشَّيْخ العَبَاء الثطّ
قلت: وَلم أسمع العبا بِمَعْنى العَبَام لغير(3/149)
اللَّيْث. وَأما الرجز فَالرِّوَايَة عِنْدِي كجبهة الشَّيْخ العياء بِالْيَاءِ. يُقَال شيخ عياء وعياياء وَهُوَ العبام الَّذِي لَا حَاجَة لَهُ إِلَى النِّسَاء وَمن قَالَه بِالْبَاء فقد صحف.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال فِي ترخيم اسمِ مِثْلِ عبد الرحمان أَو عبد الرَّحِيم عَبْوَيْه مثل عَمْرو وعمرويه.
وَقَالَ غَيره العَبُ: ضوء الشَّمْس وحسنها. يُقَال: مَا أحسن عَبَها وَأَصله العَبْوُ فنُقِص.
عيب: قَالَ اللَّيْث: العاب والعَيْب لُغَتَانِ. وَمِنْه المعاب. يُقَال عَابَ فلَان فلَانا يعِيبهُ عَيْبا، وَرجل عيّاب وعيّابة إِذا كَانَ يعيب النَّاس، وَعَابَ الحائطُ والشيءُ إِذا صَار ذَا عيب، وعبته أَنا.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم فِي قَول الله جلّ وعزّ: {فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا} (الْكَهْف: 79) أَي أجعلها ذَات عيب، يَعْنِي السَّفِينَة. قَالَ والمجاوِز وَاللَّازِم فِيهِ وَاحِد. قَالَ وعَيْبَةُ الْمَتَاع، وَجَمعهَا العِيَاب.
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه أمْلى فِي كتاب الصُّلْح بَينه وَبَين كُفّار أهل مَكَّة بالحُدَيبِيَة (لَا إِغْلَال وَلَا إِسْلَال وبيننا وَبينهمْ عَيْبة مَكْفُوفَة) فسّر أَبُو عبيد الإغلال والإسلال، وَأعْرض عَن تَفْسِير العَيْبة المكفوفة. وَرُوِيَ عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: مَعْنَاهُ: أَن بَيْننَا وَبينهمْ فِي هَذَا الصُّلْح صَدرا معقوداً على الْوَفَاء بِمَا فِي الْكتاب، نقِيّاً من الغِلّ والغَدْر والمكفوفة هِيَ المُشْرجة المعقودة. وَالْعرب تكني عَن الصُّدُور الَّتِي تحتوي على الضمائر المخفاة بالعِيَاب، وَذَلِكَ أَن الرجل إِنَّمَا يضع فِي عَيْبته حُرَّ مَتَاعه وثيابه، ويكتم فِي صَدره أخصّ أسراره الَّتِي لَا يحبّ شيوعها فسميت الصُّدُور عِيَاباً تَشْبِيها بِعياب الثِّيَاب وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
وكادت عِياب الودّ منا ومنكم
وَإِن قيل أَبنَاء العُمُومَة تَصْفَرُ
أَرَادَ بعياب الود صُدُورهمْ.
وَقَالَ اللَّيْث: العِيَاب: المِنْذف.
قلت وَلم أسمعهُ لغيره
بيع بوع: قَالَ أَبُو عبد الرحمان: قَالَ المفضّل الضبيّ: يُقَال بَاعَ فلَان على بيعِ فلَان. وَهُوَ مَثَل قديم تضربه الْعَرَب للرجل يُخَاصم صَاحبه وَهُوَ يُريغ أَن يغالبه: فَإِذا ظفر بِمَا حاوله قيل: بَاعَ فلَان على بيع فلَان، وَمثله شَقّ فلَان غُبَار فلَان. وَقَالَ غَيره: يُقَال بَاعَ فلَان على بيعك أَي قَامَ مقامك فِي الْمنزلَة والرفعة. وَيُقَال مَا بَاعَ على بَيْعك أحد أَي لم يساوِك أحد. وتزوّج يزِيد بن مُعَاوِيَة أمّ مِسْكين بنت عَمْرو على أمّ هَاشم فَقَالَ لَهَا:
مالكِ أمّ هَاشم تبكِّين
من قَدَر حلّ بكم تضِجْين
باعت على بيعكِ أمُّ مِسْكين
مَيْمُونَة من نسْوَة ميامين
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (البيّعان بِالْخِيَارِ مَا لم يَتَفَرَّقَا) البَيّعان هما البَائِع وَالْمُشْتَرِي وكل وَاحِد مِنْهُمَا بَيّع وبائع. وَرَوَاهُ بَعضهم: الْمُتَبَايعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لم يَتَفَرَّقَا.
وَقَالَ أَبُو عبيد: البَيْع من حُرُوف الأضداد(3/150)
فِي كَلَام الْعَرَب. يُقَال: بَاعَ فلَان إِذا اشْترى، وَبَاعَ من غَيره وَأنْشد قَول طرفَة:
ويأتيك بالأنباء من لم تبِع لَهُ
بتاتاً وَلم تضرب لَهُ وَقت موعد
أَرَادَ من لم تشتر لَهُ زاداً. وأمّا قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا يَخْطِب الرجل على خِطْبة أَخِيه وَلَا يِبِعْ على بيع أَخِيه) ، فَإِن أَبَا عبيد قَالَ: كَانَ أَبُو عُبَيْدَة وَأَبُو زيد وَغَيرهمَا من أهل الْعلم يَقُولُونَ: إِنَّمَا النَّهْي فِي قَوْله: (لَا يَبِيع على بيع أَخِيه) إِنَّمَا هُوَ: لَا يَشْتَرِي على شِرَاء أَخِيه، فَإِنَّمَا وَقع النَّهْي على المُشْتَرِي لَا على البَائِع، لِأَن الْعَرَب تَقول: بِعْت الشَّيْء بِمَعْنى اشْتَرَيْته.
قَالَ أَبُو عبيد: وَلَيْسَ للْحَدِيث عِنْدِي وَجه غير هَذَا لِأَن البَائِع لَا يكَاد يدْخل على البَائِع، وَإِنَّمَا الْمَعْرُوف أَن يُعطَى الرجل بسلعته شَيْئا فَيَجِيء مُشْتَر آخر فيزيد عَلَيْهِ.
قلت: وَأَخْبرنِي عبد الْملك عَن الرّبيع عَن الشافعيّ أَنه قَالَ فِي قَوْله: (وَلَا يَبِيع الرجل على بيع أَخِيه) هُوَ أَن يَشْتَرِي الرجل من الرجل سِلْعة ولَمّا يَتَفَرَّقَا عَن مَقامهما، فنَهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَعرض رجل آخر سلْعَة أُخْرَى على المُشْتَرِي تُشْبِه السّلْعَة الَّتِي اشْترى، ويبيعها مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَعَلَّه أَن يردّ السّلْعَة الَّتِي اشْترى أوّلاً؛ لِأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعل للمتبايعين الْخِيَار مَا لم يَتَفَرَّقَا فَيكون البَائِع الآخر قد أفسد على البَائِع الأوّل بَيْعه، ثمَّ لَعَلَّ البَائِع الآخر يخْتَار نقض البيع فَيفْسد على البَائِع والمبتاع بَيْعه. قَالَ: وَلَا أنهى رجلا قبل أَن يتبايع الْمُتَبَايعَانِ، وَإِن كَانَ تساوما، وَلَا بعد أَن يَتَفَرَّقَا عَن مقامهما الَّذِي تبَايعا فِيهِ عَن أَن يَبِيع أيُّ الْمُتَبَايعين شَاءَ؛ لِأَن ذَلِك لَيْسَ بِبيع على بيع غَيره فينهى عَنهُ. قَالَ وَهَذَا يُوَافق حَدِيث (الْمُتَبَايعين بِالْخِيَارِ مَا لم يَتَفَرَّقَا) . فَإِذا بَاعَ رجل رجلا على بيع أَخِيه فِي هَذِه الْحَال فقد عصى الله إِذا كَانَ عَالما بِالْحَدِيثِ فِيهِ، وَالْبيع لَازم لَا يفْسد.
قلت: البَائِع وَالْمُشْتَرِي سَوَاء فِي الْإِثْم إِذا بَاعَ على بيع أَخِيه، أَو اشْترى على شِرَاء أَخِيه؛ لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا يلْزمه اسْم البَائِع، مُشْتَريا كَانَ أَو بَائِعا، وكلُّ منهيّ عَن ذَلِك وَالله أعلم.
وَقَالَ الشَّافِعِي: هما متساومان قبل عَقْد الشِّرَى، فَإِذا عقد البيع فهما متبايعان، وَلَا يسميان بيِّعين وَلَا متبايعين وهما فِي السَوْم قبل العقد.
قلت: وَقد تأوّل بعض مَن يحتجّ لأبي حنيفَة وَذَوِيهِ؛ وَقَوْلهمْ: لَا خِيَار للمتبايعين بعد العقد بِأَنَّهُمَا يسميَّان متبايعين وهما متساومان قبل عقدهما البيع. واحتجّ فِي ذَلِك بقول الشماخ فِي رجل بَاعَ قوساً:
فَوَافى بهَا بعض المواسم فانبرى
لَهَا بَيّع يُغْلي لَهَا السومَ رائز
قَالَ فسمّاه بَيّعاً، وَهُوَ سائم.
قلت: وَهَذَا وهَم وتمويه. ويردّ مَا تأوّله هَذَا المحتجُّ شيآن. أَحدهمَا أَن الشماخ قَالَ هَذَا الشّعْر بعد مَا انْعَقَد البيع بَينهمَا، وتفرقا عَن مَقَامهما الَّذِي تبَايعا فِيهِ، فسمَّاه بَيِّعاً بعد ذَلِك، وَلَو لم يَكُونَا أتَمّا البيع لم يسمّه بَيّعاً. وَأَرَادَ بالبيّع: الَّذِي اشْترى. وَهَذَا لَا يكون(3/151)
حجَّة لمن يَجْعَل المتساومين بَيِّعين ولمَّا ينْعَقد بَينهمَا البيع. وَالْمعْنَى الثَّانِي الَّذِي يردّ تَأْوِيله مَا فِي سِيَاق خبر ابْن عمر، وَهُوَ مَا حَدثنَا بِهِ الْحُسَيْن بن إِدْرِيس عَن مُحَمَّد بن رُمْح عَن اللَّيْث بن سعد عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (البَيِّعان بِالْخِيَارِ مَا لم يَتَفَرَّقَا، إِلَّا أَن يخيِّر أَحدهمَا صَاحبه، فَإِذا قَالَ لَهُ: اختر فقد وَجب البيع، وَإِن لم يَتَفَرَّقَا) أَلا ترَاهُ جعل البيع ينْعَقد بِأحد شَيْئَيْنِ أَحدهمَا أَن يتفرّقا عَن مكانهما الَّذِي تبَايعا فِيهِ، وَالْآخر أَن يخيِّر أَحدهمَا صَاحبه، وَلَا معنى للتَّخْيِير إِلَّا بعد انْعِقَاد البيع. وَقد شرحت هَذَا فِي تَفْسِير حُرُوف (الْمُخْتَصر) بأوضح من هَذَا، فَإِن أردْت استقصاء مَا فِيهِ فَخذه من ذَلِك الْكتاب.
وَقَالَ اللَّيْث: البَوْع والباع لُغَتَانِ، وَلَكنهُمْ يسمون البُوع فِي الخِلْقة، فأمَّا بَسط الباع فِي الْكَرم وَنَحْوه فَلَا يَقُولُونَ إلاَّ كريم الباع، قَالَ والبَوْع أَيْضا: مصدر بَاعَ يبوع وَهُوَ بسط الباع فِي الْمَشْي، والإبلُ تبوع فِي سَيرهَا، وَالرجل يبوع بِمَالِه إِذا بسط بِهِ بَاعه وَأنْشد:
لقد خفت أَن ألْقى المنايا وَلم أنل
من المَال مَا أسمو بِهِ وأبوع
والبِياعات: الْأَشْيَاء الَّتِي يُتبايع بهَا فِي التِّجَارَة. وَقَالَ: البَيْعة الصَّفْقَة لإِيجَاب البيع على الْمُتَابَعَة وَالطَّاعَة. يُقَال: تبايعوا على ذَلِك الْأَمر؛ كَقَوْلِك أَصْفَقوا عَلَيْهِ. قَالَ: والبَيْع: اسْم يَقع على الْمَبِيع، والجميع الْبيُوع. قَالَ والبِيعة: كَنِيسَة النَّصَارَى. وَجَمعهَا بِيَع، وَهُوَ قَول الله تَعَالَى: {وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ} . (الْحَج: 40) قلت: فَإِن قَالَ قَائِل: فَلم جعل الله هدمها من الْفساد وَجعلهَا كالمساجد، وَقد جَاءَ الْكتاب بنسخ شَرِيعَة النَّصَارَى وَالْيَهُود؟ فَالْجَوَاب فِي ذَلِك أَن البِيَع والصوامع كَانَت متعبّدات لَهُم إذْ كَانُوا مستقيمين على مَا أُمروا بِهِ غير مبدِّلين وَلَا مغيرين، فَأخْبر الله جلّ ثَنَاؤُهُ أَنه لَوْلَا دَفعه النَّاس عَن الْفساد بِبَعْض النَّاس لهدّمت متعبّدات كل فريق من أهل دينه وطاعته فِي كل زمَان. فَبَدَأَ بِذكر البِيَع على الْمَسَاجِد لِأَن صلوَات من تقدم من أَنْبيَاء بني إِسْرَائِيل وأُممهم كَانَت فِيهَا قبل نزُول الْفرْقَان، وَقبل تَبْدِيل من بدّل وَأَحدثت الْمَسَاجِد وسمّيت بِهَذَا الِاسْم بعدهمْ، فَبَدَأَ جلّ ثَنَاؤُهُ بِذكر الأقدم، وأخَّر ذكر الأحدث لهَذَا الْمَعْنى، وَالله أعلم.
وَقَالَ بعض أهل الْعَرَبيَّة: يُقَال: إِن رباع بني فلَان قد بُعْن من البيع. وَقد بِعن من البَوْع فضم الْبَاء فِي البيع، وكسروها فِي البوع للْفرق بَين الْفَاعِل وَالْمَفْعُول، أَلا ترى أَنَّك تَقول: رَأَيْت إِمَاء بِعْن مَتَاعا إِذا كنّ بائعات، ثمَّ تَقول: رَأَيْت إِمَاء بُعن إِذا كنّ مبيعات، فَإِنَّمَا يتَبَيَّن الْفَاعِل من الْفَاعِل باخْتلَاف الحركات وَكَذَلِكَ من البوع.
قلت: وَمن الْعَرَب من يجْرِي ذَوَات الْيَاء على الْكسر وَذَوَات الْوَاو على الضَّم. سَمِعت الْعَرَب تَقول صِفنا بمَكَان كَذَا وَكَذَا أَي أَقَمْنَا بِهِ فِي الصَّيف وصِفْنا أَيْضا إِذا أَصَابَنَا مطر الصَّيف، فَلم يفرقُوا بَين فعل الفاعلين والمفعولين.(3/152)
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: قَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء: سَمِعت ذَا الرمّة يَقُول: مَا رَأَيْت أفْصح من أَمَة آل فلَان، قلت لَهَا كَيفَ كَانَ الْمَطَر عنْدكُمْ فَقَالَت: غِثْنا مَا شِئْنَا. رَوَاهُ هَكَذَا بِالْكَسْرِ.
وروى ابْن هانىء عَن أبي زيد قَالَ يُقَال: الْإِمَاء قد بعن أشمُّوا الْبَاء شيأ من الرّفْع. وَكَذَلِكَ الْخَيل قد قدن، وَالنِّسَاء قد عدن من مرضهن أَشمُّوا هَذَا كُله شيأ من رفع، وَقد قِيل ذَلِك، وَبَعْضهمْ يَقُول: قَول.
وَقَالَ اللحياني: يُقَال: وَالله لَا تبلغون تَبَوُّعه أَي لَا تَلْحَقُونَ شأوه. وَأَصله طول خطاه. يَقُول بَاعَ وانباع وتبوَّع. وانباع العَرَق إِذا سَالَ. قَالَ وانباعت الحيَّة إِذا بسطت بعد تَحَوِّيها لتساور وَقَالَ الشَّاعِر:
ثُمّتَ ينباع انبياع الشجاع
وَمن أَمْثَال الْعَرَب، مُطْرِق لينباع، يضْرب مثلا للرجل إِذا أضَبَّ على داهية.
الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت قَالَ: أبَعت الشَّيْء إِذا عرضته للْبيع وَقد بِعته أَنا من غَيْرِي. وَقَالَ الهمذاني:
فرضيت آلَاء الْكُمَيْت وَمن يُبع
فَرَساً فَلَيْسَ جوادنا بمباع
أَي بمعرَّض للْبيع. وَقَالَ فِي قَول صَخْر الْهُذلِيّ:
لفاتح البيع يَوْم رؤيتها
وَكَانَ قبلُ انبياعُه لَكِد
قَالَ انبياعه: مسامحته بِالْبيعِ. يُقَال: قد انباع لي إِذا سامح فِي البيع وَأجَاب إِلَيْهِ. وَإِن لم يسامح قلت: الاينباع.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال بُعْ بُعْ إِذا أَمرته بمدّ باعيه فِي طَاعَة الله تَعَالَى.
بعا: أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: البَعْو: الْجِنَايَة وَقد بعا إِذا جنى. قَالَ عَوْف:
وابْسالى بَنَّى بِغَيْر بَعْو
جَرَمناه وَلَا بِدَم مراق
يُقَال: بعا يبعو، يَبْعى.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: البعْو أَن يستعير الرجل من صَاحبه الْكَلْب فيصيد بِهِ. قَالَ وَيُقَال: أبِعنِي فرسك أَي أعِرْنيه، واستبعى يستبعي إِذا اسْتعَار. وَقَالَ الْكُمَيْت:
قد كادها خَالِد مستبعِيا حُمُرا
بالوكت تجْرِي إِلَى الغايات والهضب
والهَضَب: جري ضَعِيف. والوَكْت: القرمطة فِي الْمَشْي وَقد وكَت يكِت وَكْتاً. كادها: أرادها.
سَلَمَة عَن الْفراء: المستبعِي: الرجل يَأْتِي الرجل وَعِنْده فرس فَيَقُول: أعطنيه حَتَّى أسابِق عَلَيْهِ.
وعب: اللَّيْث: الوَعْب: إيعابك الشَّيْء فِي الشَّيْء، كَأَنَّهُ يَأْتِي عَلَيْهِ كلّه، وَكَذَلِكَ إِذا استؤصل الشَّيْء فقد استُوعب. وأوعب القومُ: إِذا خَرجُوا كلّهم إِلَى الْغَزْو. وَيُقَال: استوعب الجرابُ الدقيقَ. وَفِي الحَدِيث: (إِن النِّعْمَة الْوَاحِدَة تَستوعب جميعَ عمل العَبْد يَوْم الْقِيَامَة) ، أَي تَأتي عَلَيْهِ. وَفِي حَدِيث مُسْند (فِي الْأنف إِذا استُوعب جدْعُه الديةُ) ، وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: (إِذا أُوعِب جَدْعه) . قَالَ أَبُو عبيد ومعناهما: استؤصل. وكل شَيْء اصطُلِم(3/153)
فَلم يَبْق مِنْهُ شَيْء فقد أُوعِب واستُوعب، وَقد أوعبته فَهُوَ موعَب. وَأنْشد قَول أبي النَّجْم يمدح رجلا:
يجدع من عَادَاهُ جَدْعاً موعِبا
وَقَالَ عَبِيد بن الأبرص فِي إِيعَاب الْقَوْم إِذا نفروا جَمِيعًا:
أُنبئت أَن بني جَدِيلة أوعبوا
نُفَراء من سَلْمى لنا وتكتَّبوا
قَالَ: وَمِنْه قَول حُذَيْفَة فِي الجُنُب: قَالَ: ينَام قبل أَن يغْتَسل؛ فَهُوَ أوعب للغُسْل، يَعْنِي أَنه أَحْرَى أَن يخرج كل بقيّة فِي ذكره من المَاء.
وَقَالَ غَيره: بَيت وَعِيب، ووُعاء وعيب: وَاسع. وَيُقَال لِهَنِ الْمَرْأَة إِذا كَانَ وَاسِعًا: وَعيب. وركض وعيب: إِذا استفرغ الحُضْر كلّه.
وَقَالَ ابْن السّكيت: جدعه جَدْعاً موعِباً أَي مستأصِلاً. وأوعب الْقَوْم كلهم إِذا حَشَدوا جَاءُوا موعبِين. وَقد أوعَب بَنو فلَان جَلاَء فَلم يبْق مِنْهُم ببلدهم أحد.
وبع: أهمله اللَّيْث. أَبُو عبيد عَن أبي زيد يُقَال: كَذَبت عَفَّاقته ومخذ محدفته ووبَّاعته وَهِي استه.
عَمْرو عَن أَبِيه: أَنْبَق فلَان: إِذا خرجت ريحهُ ضَعِيفَة، فَإِن زَاد عَلَيْهَا قيل عَفَق بهَا، ووبَّع بهَا.
قَالَ: وَيُقَال لرَمَّاعة الصَّبِي: الوبّاعة والغَاذِيَة.
وَقَالَ ابْن الْفرج: قَالَ مدرك الْجَعْفَرِي: كذَبت وبَّاعته، ووبَّاغته، ونبَّاعته، ونَبَّاغته.
(بَاب الْعين وَالْمِيم)
(ع م (وَا يء))
عَمَّا، عمي، عَام، مَعًا، ماع، وَعم، وَمَعَ: مستعملات.
عَمَّا: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال عَمَّا يَعْمو: إِذا خضع وذلّ. وَمِنْه حَدِيث ابْن عمر: مثل الْمُنَافِق مثل الشَّاة بَين الربيضين: تعمو مرّة إِلَى هَذِه، وَمرَّة إِلَى هَذِه، قَالَ وَمِنْه قَوْله جلّ وعزّ: {مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذالِكَ} (النِّساء: 143) قَالَ: والعَمَا: الطُول. يُقَال: مَا أحسن عَمَّا هَذَا الرجل أَي طوله.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: سَأَلت ابْن الْأَعرَابِي عَنهُ فَعرفهُ. وَقَالَ: الأعماء: الطوَال من النَّاس. وَيُقَال عَمَى الماءُ يَعْمِي إِذا سَالَ وهَمَى يَهْمِي مثله.
وَقَالَ المؤرج: رجل عامٍ: رام. وعَمَاني بِكَذَا رماني، من التُّهمَة. قَالَ: وعَمَى النبتُ يَعْمِي واعتمّ واعتمى ثَلَاث لُغَات.
وَقَالَ اللَّيْث: العَمْي على مِثَال الرَّمْي: دفع الأمواج القذى والزَبَدَ فِي أعاليها. وَأنْشد:
زها زَبَدا يَعْمِي بِهِ الموجُ طاميا
قَالَ: وَالْبَعِير إِذا هدر عَمَى بلُغامه على هامته عَمْياً. وأنشدني الْمُنْذِرِيّ فِيمَا أَقْرَأَنِي لأبي الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي:
وغبراء مَعْمى بهَا الآلُ لم يبن
بهَا من ثنايا المَنهَلين طَرِيق
قَالَ عَمَى يعمِي إِذا سَالَ. يَقُول: سَالَ عَلَيْهَا الْآل. وَيُقَال عَمَيْت إِلَى كَذَا أَعْمِى(3/154)
عَمَياناً وعطِشت عَطَشاناً: إِذا ذهبت إِلَيْهِ لَا تُرِيدُ غَيره، غير أَنَّك تؤمُّه على الإبصار والظلمة.
قَالَ اللَّيْث: العَمَى: ذهَاب الْبَصَر من الْعَينَيْنِ كلتيهما وَالْفِعْل مِنْهُ عَمِي يَعْمَى عَمًى.
قَالَ: وَفِي لُغَة أُخْرَى: أعماىَ يعمايُ أعمَياء، أَرَادوا حَذْو ادهامَّ يدهامّ، فأخرجوه على لفظ صَحِيح، وَكَانَ فِي الأَصْل: ادهامَمَ، فادّغموا لِاجْتِمَاع الميمين فلمَّا بنوا اعمايا على أصل ادهامم اعتمدت الْيَاء الْآخِرَة على فَتْحة الْيَاء الأولى فَصَارَت ألِفاً، فلمّا اختلفتا لم يكن للإدغام فِيهَا مَسَاغ كمسَاغة فِي الميمين. وَلذَلِك لم يَقُولُوا: اعمايّ مدغمة. وعَلى هَذَا الحَذْو يجرِي هَذَا كُله فِي جَمِيع هَذَا الْبَاب، إِلَّا أَن يَقُول قَائِل تكلفاً على لفظ ادهامّ بالتثقيل: اعمايّ فلَان غير مُسْتَعْمل.
قلت: وَقَول النحويّين على مَا حَكَاهُ اللَّيْث، وَأَحْسبهُ قَول الْخَلِيل وسيبويه.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: الْأَعْمَى: اللَّيْل، وَالْأَعْمَى: السَّيْل، وهما الأبهمان أَيْضا. وَأنْشد:
وهبت إخاءك للأعميي
ن وللأبهمين وَلم أَظلِم
قَالَ: وهما الأبهمان أَيْضا بِالْبَاء لِليْل والسيل.
وروى سُفْيَان عَن ابْن جُرَيج عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً} (طاه: 125) قَالَ: أعمى عَن الحجَّة، وَقد كنت بَصيرًا بهَا.
وَقَالَ نفطويه: يُقَال عمِي فلَان عَن رُشْده وعَمِي عَلَيْهِ طريقُه إِذا لم يهتدِ لطريقه. وَرجل عمٍ، وَقوم عَمُون. قَالَ: وكلّما ذكر الله جلَّ وعزَّ العَمَى فِي كِتَابه فذمَّه يُرِيد عمى الْقلب. قَالَ الله جلّ وعزّ: {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الاَْبْصَارُ وَلَاكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِى فِى الصُّدُورِ} (الحَجّ: 46) .
وَقَالَ اللَّيْث: رجل أعمى وَامْرَأَة عمياء. وَلَا يَقع هَذَا النَّعْت على الْعين الْوَاحِدَة؛ لِأَن الْمَعْنى يَقع عَلَيْهِمَا جَمِيعًا. تَقول: عميتْ عَيناهُ، وَامْرَأَتَانِ عَمْياوان، وَنسَاء عَمْياوات.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {وَمَن كَانَ فِى هَاذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِى الاَْخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} (الإسرَاء: 72) قَالَ الْفراء: عدّد الله نِعَم الدُّنْيَا عَلَى المخاطبين، ثمَّ قَالَ: {: ُ، يَعْنِي فِي نعم الدُّنْيَا الَّتِي اقتصصناها عَلَيْكُم، فَهُوَ فِي نعم الْآخِرَة أعمى وأضلُّ سَبِيلا. قَالَ: وَالْعرب إِذا قَالُوا: هُوَ أفعل مِنْك قَالُوهُ فِي كل فَاعل وفعيل وَمَا لَا يُزَاد فِي فعله شَيْء على ثَلَاثَة أحرف. فَإِذا كَانَ على فعللت مثل زخرفت، أَو على افعللت مثل احمررت لم يَقُولُوا: هُوَ أفعل مِنْك حَتَّى يَقُولُوا: هُوَ أَشد حمرَة مِنْك، وَأحسن زخرفة مِنْك. قَالَ: وَإِنَّمَا جَازَ فِي الْعَمى لِأَنَّهُ لم يُرد بِهِ عَمَى الْعَينَيْنِ، إِنَّمَا أُرِيد بِهِ وَالله أعلم عمى الْقلب، فَيُقَال: فلَان أعمى من فلَان فِي الْقلب، وَلَا يُقَال: هُوَ أعمى مِنْهُ فِي الْعين، وَذَلِكَ أَنه لمّا جَاءَ على(3/155)
مَذْهَب أَحْمَر وحمراء تُرك فِيهِ أفعل مِنْهُ؛ كَمَا ترك فِي كثير. قَالَ: وَقد تَلْقى بعض النَّحْوِيين يَقُول: أُجيزه فِي الْأَعْمَى والأعشى والأعرج والأزرق؛ لأَنا قد نقُول: عَمِيَ وزَرِق وعَرِج وعشِي. وَلَا نقُول حَمِر وَلَا بَيِض وَلَا صَفِرَ، قَالَ الْفراء: وَلَيْسَ ذَلِك بِشَيْء، إِنَّمَا يُنظر فِي هَذَا إِلَى مَا كَانَ لصَاحبه فِيهِ فِعْل يقلّ أَو يكثر، فَيكون أفعل دَلِيلا على قِلَّة الشَّيْء وكثرته؛ أَلا ترى أَنَّك تَقول: فلَان أقوم من فلَان، وأجمل؛ لِأَن قيام ذَا يزِيد على قيام ذَا، وجماله يزِيد على جماله، وَلَا تَقول للأعميين: هَذَا أعمى من ذَا، وَلَا لميّتين: هَذَا أَمُوت من ذَا. فَإِن جَاءَ مِنْهُ شَيْء فِي شعر فَهُوَ شاذّ؛ كَقَوْلِه:
أمّا الْمُلُوك فَأَنت الْيَوْم ألأمُهم
لؤماً وأبيضهم سِرْبالَ طبّاخ
وَيُقَال: رجل عَمٍ إِذا كَانَ أعمى الْقلب، وَقَالَ الْفراء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {} (فُصّلَت: 44) قَرَأَهَا ابْن عَبَّاس: عَمٍ، وَقَالَ أَبُو مُعَاذ النَّحْوِيّ: من قَرَأَ {وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ} فَهُوَ مصدر يُقَال: هَذَا الْأَمر عَمًى، وَهَذِه الْأُمُور عَمًى؛ لِأَنَّهُ مصدر، كَقَوْلِك: هَذِه الْأُمُور شُبْهة ورِيبة، قَالَ: وَمن قَرَأَ عمٍ؛ فَهُوَ نعت؛ نقُول: أَمر عمٍ وَأُمُور عَمِيَة، وَرجل عمٍ فِي أمره: لَا يبصره، وَرجل أعمى فِي الْبَصَر. وَقَالَ الْكُمَيْت:
أَلا هَل عَمٍ فِي رَأْيه متأمِّل
وَمثله قَول زُهَيْر:
ولكنني من علم مَا فِي غَد عَم
وَفِي حَدِيث أبي رَزِين العُقَيليّ أَنه قَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيْن كَانَ رَبنَا قبل أَن يخلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض؟
قَالَ: فِي عَمَاء، تَحْتَهُ هَوَاء وفوقه هَوَاء.
قَالَ أَبُو عبيد: العَمَاء فِي كَلَام الْعَرَب: السَّحَاب، قَالَه الْأَصْمَعِي وَغَيره وَهُوَ مَحْدُود. وَقَالَ الْحَارِث بن حِلِّزةَ:
وكأنَّ الْمنون تَردْى بِنَا أصْ
حَمَ عُصْم ينجاب عَنهُ العماءُ
يَقُول: هُوَ فِي ارتفاعه قد بلغ السَّحَاب، فالسحاب ينجاب عَنهُ أَي ينْكَشف. قَالَ أَبُو عبيد: وَإِنَّمَا تأوّلنا هَذَا الحَدِيث على كَلَام الْعَرَب الْمَعْقُول عَنْهُم، وَلَا نَدْرِي كَيفَ كَانَ ذَاك العَمَاء. قَالَ: وأمَّا الْعَمى فِي الْبَصَر فمقصور، وَلَيْسَ هُوَ من هَذَا الحَدِيث فِي شَيْء.
قلت: وَقد بَلغنِي عَن أبي الْهَيْثَم وَلم يعزه لي إِلَيْهِ ثِقَة أَنه قَالَ فِي تَفْسِير هَذَا الحَدِيث. وَلَفظه: إِنَّه كَانَ فِي عمى مَقْصُور. قَالَ وكلّ أَمر لَا تُدْرِكهُ الْقُلُوب بالعقول فَهُوَ عَمًى. قَالَ: وَالْمعْنَى: أَنه كَانَ حَيْثُ لَا يُدركه عقول بني آدم، وَلَا يَبلغ كنههَ وصف.
قلت أَنا: وَالْقَوْل عِنْدِي مَا قَالَه أَبُو عُبيد أَنه العماء مَمْدُود، وَهُوَ السَّحَاب وَلَا يُدرى كَيفَ ذَلِك العَمَاء بِصفة تحصُره وَلَا نعتٍ يَحدّه. ويُقَوِّي هَذَا القَوْل قَول الله جلّ وعزّ: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ} (البَقَرَة: 210) فالغمام مَعْرُوف فِي كَلَام الْعَرَب، إلاّ أَنا لَا نَدْرِي(3/156)
كَيفَ الْغَمَام الَّذِي يَأْتِي الله جلّ وعزّ يَوْم الْقِيَامَة فِي ظُلَل مِنْهُ فَنحْن نؤمن بِهِ، وَلَا نكيِّف صفته. وَكَذَلِكَ سَائِر صِفَات الله جلّ وعزّ. وَقَالَ اللَّيْث: العَمَاية الغَوَاية. وَهِي اللَجَاجة. قَالَ والعَمَاية والعماءة: السحابة الكثيفة المطبِقة. قَالَ وَقَالَ بَعضهم: العماء: الَّذِي قد حَمَل المَاء وارتفع. وَقَالَ بَعضهم: هُوَ الَّذِي قد هراق مَاءَهُ ولمّا يتقطع تقطع الجَفْل. وَالْعرب تَقول: أَشد برد الشتَاء شَمَالٌ جِرْبياء فِي غبّ سَمَاء، تَحت ظلّ عَمَاء. قَالَ: وَيَقُولُونَ للقطعة الكثيفة: عماءة، قَالَ: وَبَعض يُنكر ذَلِك وَيجْعَل العماء اسْما جَامعا. قَالَ: والتعمية: أَن تُعَمِّي على إِنْسَان شيأ فتلبّسه عَلَيْهِ تلبيساً. قَالَ: والأعماء جمع عَمَىً وَأنْشد:
وبلد عامِيَة أعماؤه
وَقَالَ غَيره: عامِيَة: دارسة. وأعماؤه: مجاهله. بلد مَجْهل وعَمًى: لَا يُهتدى فِيهِ. والمعامي: الأرضون المجهولة. والواحدة مَعْمِيَة فِي الْقيَاس، وَلم أسمع لَهَا بِوَاحِدَة.
وَقَالَ شمر: العامِي: الَّذِي لَا يبصر طَرِيقه. وَأنْشد:
لَا تأتيّني تبتغي لين جَانِبي
برأسك نحوي عامياً متعاشياً
قَالَ: وَأَرْض عمياءُ وعامِيَة. وَمَكَان أعمى: لَا يُهتدى فِيهِ. قَالَ: وأقرأني ابْن الْأَعرَابِي:
وماءٍ صَرًى عافى الثنايا كَأَنَّهُ
من الأَجْن أبوالُ الْمَخَاض الضوارب
عمٍ شَرَكَ الأقطار بيني وَبَينه
مراريُّ مَخْشِيّ بِهِ الموتُ ناضبِ
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: قَوْله: عَمٍ شَرَك كَمَا تَقول عمٍ طَرِيقا وعمٍ مَسْلكاً. يُرِيد الطَّرِيق لَيْسَ مبَيّنَ الْأَثر.
وَفِي الحَدِيث: (من قَاتل تَحت راية عَمِّيَّة يغْضب لعَصَبة أَو ينصر عَصَبة أَو يَدْعُو إِلَى عصبَة فَقُتِل قُتل قِتلة جاهليَّة) .
وَقَالَ شمر: قَالَ إِسْحَاق بن مَنْصُور: سُئِلَ أَحْمد بن حَنْبَل عمّن قُتل فِي عَمِيَّة، قَالَ: الْأَمر الْأَعْمَى العصبية لَا يستبين مَا وَجهه. قَالَ: وَقَالَ إِسْحَاق: إِنَّمَا معنى هَذَا فِي تحارُب الْقَوْم وَقتل بَعضهم بَعْضًا. يَقُول مَنْ قتل فِيهَا كَانَ هَالكا.
وَقَالَ أَبُو زيد: العِمِّيَّة الدعْوَة العمياء فقتيلها فِي النَّار.
وَقَالَ شمر: قَالَ أَبُو الْعَلَاء: العَصَبة: بَنو العمّ. والعَصَبيَّة أخذت من العَصَبة. وَقيل: العمِّية: الْفِتْنَة. وَقيل الضَّلَالَة. وَقَالَ الرَّاعِي:
كَمَا يذود أَخُو العِمِّيَّة النجد
يَعْنِي صَاحب فتْنَة.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد يُقَال: لَقيته صَكَّةَ عُمَيّ قَالَ: وَهُوَ أشدّ الهاجرة حَرّاً.
وَقَالَ شمر: هُوَ عُمَيّ، وَكَأَنَّهُ تَصْغِير أعمى. قَالَ وأنشدني ابْن الْأَعرَابِي:
صكّ بهَا عين الظهيرة غائراً
عُمَىّ وَلم يُنْعَلن إلاّ ظلالَها
وَقَالَ غَيره: لَقيته صَكَّة، عُمَىّ، وصَكّة أعمى أَي لَقيته نصف النَّهَار فِي شدَّة(3/157)
الْحر. وعُمَيّ تَصْغِير أعمى على التَّرْخِيم. وَلَا يُقَال ذَلِك إِلَّا فِي حَمَارَّة القيظ. وَالْإِنْسَان إِذا خرج نصف النَّهَار فِي أَشد الْحر لم يتهيأ لَهُ أَن يمْلَأ عَيْنَيْهِ من عين الشَّمْس، فأرادوا أَنه يصير كالأعمى.
وَقَالَ أَبُو سعيد: يُقَال اعتمتيه اعتماءً أَي قصدته. وَقَالَ غَيره اعتمتيه: اخترته. وَكَذَلِكَ اعتمته وَالْعرب تَقول: عَمَا وَالله، وَأما وَالله، وهَمَا وَالله، يبدلون من الْهمزَة الْعين مرّة، وَالْهَاء أُخْرَى. وَمِنْهُم من يَقُول غَمَا وَالله بالغين مُعْجمَة.
مَعًا: قَالَ اللَّيْث المُعَاء مَمْدُود من أصوات السنانير. يُقَال: مَعًا يَمْعو، ومغا يمغو، لونان أَحدهمَا يقرب من الآخر وَهُوَ أرفع من الصَّئيّ أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: إِذا أرطب النّخل كُله فَذَلِك المَعْو، وَقد أمعى النخلُ. قَالَ: وَقِيَاسه أَن تكون الْوَاحِدَة مَعْوة وَلم أسمعهُ. قَالَ: وَقَالَ اليزيدي: يُقَال مِنْهُ قد أمعت النَّخْلَة. وَنَحْو ذَلِك قَالَ اللَّيْث.
عَمْرو عَن أَبِيه: الماعي اللّين من الطَّعَام. وَقَالَ النحويون هِيَ كلمة تضمّ الشَّيْء إِلَى الشَّيْء وَأَصلهَا مَعًا وَقَالَ اللَّيْث: كُنَّا مَعًا مَعْنَاهُ: كنّا جَمِيعًا.
وَقَالَ الزّجاج فِي قَول الله: {إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ} (البَقَرَة: 14) : نَصْب {مَعَكُمْ} كنصب الظروف؛ تَقول: أَنا مَعكُمْ، وَأَنا خلفكم، مَعْنَاهُ أَنا مستقرّ مَعكُمْ، وَأَنا مستقرّ خلفكم. وَقَالَ فِي قَول الله جلّ وعزّ: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ} (النّحل: 128) أَي الله ناصرهم وَكَذَلِكَ قَوْله: {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} (التّوبَة: 40) أَي الله ناصرنا.
وَقَالَ اللَّيْث: رجل إمَّعة: يَقُول لكلّ: أَنا مَعَك. قَالَ: وَالْفِعْل من هَذَا تأمّع الرجل واستأمع. قَالَ: يُقَال للَّذي يتَرَدَّد فِي غير صَنِيعَة إمّعة.
وَرُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَالَ: أُغْدُ عَالما أَو متعلّماً، وَلَا تَغْدُ إمَّعة.
قَالَ أَبُو عبيد: أصل الإمَّعة الرجل الَّذِي لَا رَأْي لَهُ وَلَا عَزْم، فَهُوَ يُتَابع كلّ أحد على رَأْيه، وَلَا يثبت على شَيْء. وَكَذَلِكَ الرجل الإمَّرة: وَهُوَ الَّذِي يُوَافق كل إِنْسَان على مَا يُريدهُ. قَالَ: وَرُوِيَ عَن عبد الله أَنه قَالَ: كُنَّا نعدّ الإمَّعة فِي الْجَاهِلِيَّة الَّذِي يَتْبع النَّاس إِلَى الطَّعَام من غير أَن يُدْعى، وَإِن الإمَّعة فِيكُم الْيَوْم المُحْقِبُ النَّاس دِينه. قَالَ أَبُو عبيد: وَالْمعْنَى الأول يرجع إِلَى هَذَا.
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (الْمُؤمن يَأْكُل فِي مِعًى وَاحِد، وَالْكَافِر يَأْكُل فِي سَبْعَة أمعاء) .
قَالَ أَبُو عبيد: نُرى ذَلِك لتسمية الْمُؤمن عِنْد طَعَامه، فَتكون فِيهِ الْبركَة، وَالْكَافِر لَا يفعل ذَلِك. قَالَ: وَقيل: إِنَّه خاصّ لرجل كَانَ يُكثر الْأكل قبل إِسْلَامه، فلمّا أسلم نقص أكلُه. ويَرْوِي أهل مصر أَنه أَبُو بصرة الغِفَاريّ، لَا نعلم للْحَدِيث وَجها غَيره؛ لأَنا نرى من الْمُسلمين مَن يَكثرُ أكلُه، وَمن الْكَافرين من يقلّ أكله، وَحَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا خُلْف لَهُ، فَلهَذَا وُجِّه هَذَا الْوَجْه.(3/158)
قلت: وَفِيه وَجه ثَالِث أَحْسبهُ الصَّوَاب الَّذِي لَا يجوز غَيره، وَهُوَ أَن قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الْمُؤمن يَأْكُل فِي مِعًى وَاحِد، وَالْكَافِر يَأْكُل فِي سَبْعَة أمعاء) مَثَل ضربه لِلْمُؤمنِ، وزهده فِي الدُّنْيَا وقناعته بالبُلْغة من الْعَيْش، وَمَا أُوتِيَ من الْكِفَايَة، وللكافر واتّساع رغبته فِي الدُّنْيَا وحرصه على جمع حُطَامها، ومنعها من حقّها، مَعَ مَا وصف الله الْكَافِر من حرصه على الْحَيَاة، وركونه إِلَى الدُّنْيَا واغتراره بزُخرفها، فالزهد فِي الدُّنْيَا مَحْمُود؛ لِأَنَّهُ من أَخْلَاق الْمُؤمنِينَ، والحرص عَلَيْهَا وَجمع عَرَضها مَذْمُوم؛ لِأَنَّهُ من أَخْلَاق الْكفَّار. وَلِهَذَا قيل: الرُغْب شُؤْم، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ كَثْرَة الْأكل دون اتساع الرَّغْبَة فِي الدُّنْيَا والحرص على جمعهَا، فَالْمُرَاد من الحَدِيث فِي مَثَل الْكَافِر استكثاره من الدُّنْيَا وَالزِّيَادَة على الشِّبَع فِي الْأكل دَاخل فِيهِ، ومثلِ الْمُؤمن زهدُه فِي الدُّنْيَا وقلّة اكتراثه بأثاثها واستعداده للْمَوْت وَالله أعلم.
وَقَالَ شمر: قَالَ الْفراء: جَاءَ فِي الحَدِيث (الْمُؤمن يَأْكُل فِي مِعًى وَاحِدَة) .
قَالَ الْفراء ومِعًى وَاحِد أعجب إليّ. قَالَ: المِعَى أَكثر الْكَلَام على تذكيره، يُقَال هَذَا معى وَثَلَاث أمعاء، رُبمَا ذَهَبُوا بِهِ إِلَى التَّأْنِيث، كَأَنَّهُ وَاحِد دَلّ على جمع. وَقَالَ الْقطَامِي:
كَأَن نُسُوع رحلي حِين ضمت
حوالب غُرَّزاً ومعى جياعا
وَقَالَ اللَّيْث: وَاحِد الأمعاء يُقَال: مِعًى ومِعَيان وأمعاء. قَالَ وَهُوَ جَمِيع مَا فِي الْبَطن مِمَّا يتردّد فِيهِ من الحوايا كلهَا.
شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الأمعاء مَا لَان من الأَرْض وانخفض. وَقَالَ رؤبة:
يحبو إِلَى أصلابه أمعاؤه
قَالَ: والأصلاب: مَا صَلُب من الأَرْض.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الأمعاء: مسايل صغَار.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: يحبو أَي يمِيل، وأصلابه: وَسطه، وأمعاؤه: أَطْرَافه.
وَقَالَ أَبُو خَيْرة المِعَى غير مَمْدُود الْوَاحِدَة أَظن مِعَاة: سهلة بَين صلبين وَقَالَ ذُو الرمة:
تراقب بَين الصُلْب من جَانب المِعَى
معَى واحفٍ شما بطيئاً نُزُولهَا
وَقَالَ اللَّيْث: المِعَى من مذانب الأَرْض، كل مِذْنب بالحضيض يناصي مِذْنباً بالسَنَد. وَالَّذِي فِي السفح هُوَ الصلب.
قلت: وَقد رَأَيْت بالصَمَّان فِي قيعانها مَسَاكَاتٍ للْمَاء وإخَاذاً متحوّية تسمى الأمعاء، وَتسَمى الحوايا، وَهِي شبه الغُدْران، غير أَنَّهَا متضايِقة لَا عَرْض لَهَا. وَرُبمَا ذهبت فِي القاع غَلْوة. وَالْعرب تَقول للْقَوْم إِذا أخصبوا وصلحت حَالهم هم فِي مثل المِعَى والكَرِش.
وَقَالَ الراجز:
يَا أيَهذا النَّائِم المفترشْ
لستَ على شَيْء فَقُمْ وانكمش
لستَ كقوم أصلحوا أَمرهم
فَأَصْبحُوا مثلَ المعى والكرش(3/159)
ميع: قَالَ اللَّيْث: ماع الماءُ يَميع مَيْعاً إِذا جرى على وَجه الأَرْض جَريا منبسطاً فِي هِينَة. وَكَذَلِكَ الدَّم يَميع وَأنْشد:
كَأَنَّهُ ذُو لبد دَلَهْمَسُ
بساعديه جَسَد مورَّس
من الدِّمَاء مَائِع ويُبَّس
وأمَعْته أَنا إماعة. والسراب يميع. قَالَ: وميعة الحُضْر ومَيْعة الشَّبَاب أَوله وأنشطه. قَالَ والمَيْعة: شَيْء من الْعطر.
وَفِي حَدِيث ابْن عمر أَنه سُئِلَ عَن فَأْرَة وَقعت فِي سمن، فَقَالَ: إِن كَانَ مَائِعا فأرِقه، وَإِن كَانَ جامِساً فألْقِ مَا حوله.
قَالَ أَبُو عبيد فِي قَوْله: إِن كَانَ مَائِعا أَي ذائباً، وَمِنْه سميت المَيْعة لِأَنَّهَا سَائِلَة.
يقالُ ماع الشَّيْء وتميّع إِذا ذاب، وَمِنْه حَدِيث عبد الله حِين سُئِلَ عَن المُهْل فأذاب فضَّة فَجعلت تميَّع وتلوَّن، وَقَالَ هَذَا: من أشبه مَا أَنْتُم راءون بالمُهْل.
وَقَالَ غَيره: يُقَال لناصية الْفرس إِذا طَالَتْ وسالت: مائعة. وَمِنْه قَول عَدِيّ:
يهزهز غصناً ذَا ذوائب مَائِعا
أُراد بالغصن الناصية.
عوم عيم: قَالَ اللَّيْث: الْعَام: حول يَأْتِي على شَتْوة وصيفة وَيجمع أعواماً. ورسم عامِيّ: قد أَتَى عَلَيْهِ عَام. وَأنْشد:
من أَن شجاك طلل عاميُّ
وَقَالَ أَبُو عبيد: أخذت فلَانا معاومة ومسانهة، وعاملته معاومة ومساناة أَيْضا.
وَفِي الحَدِيث: (نهى عَن بيع النّخل معاومة) . وَهُوَ أَن يَبِيع ثَمَر النّخل أَو الكَرْم أَو الشّجر سنتَيْن أَو ثَلَاثًا فَمَا فَوق ذَلِك.
وَيُقَال: عاومت النخلةُ إِذا حَمَلت سنة، وَلم تحمل أُخْرَى، وَكَذَلِكَ سانهَتْ: حملت عَاما وعاماً لَا.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: جَاوَرت بني فلَان ذَات العُوَيم، وَمَعْنَاهُ الْعَام الثَّالِث ممّا مضى، فَصَاعِدا إِلَى مَا بلغ الْعشْر.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: أَتَيْته ذَات الزُمَين وَذَات العُوَيم أَي مُنْذُ ثَلَاثَة أزمان وأعوام. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: هُوَ كَقَوْلِك: لَقيته مذ سُنَيَّات.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: عوَّم الكرمُ: حمل عَاما وقلّ حمله عَاما.
وَقَالَ اللحياني: المعاومة: أَن يَحِلّ دَينك على رجل، فتزيده فِي الْأَجَل ويزيدك فِي الدَّين.
قَالَ وَيُقَال: هُوَ أَن تبيع زرعك بِمَا يخرج من قَابل فِي أَرض المُشْتَرِي.
وَيُقَال: عَام مُعِيم، وشحم مُعَوِّم: شَحم عَام بعد عَام.
وَقَالَ أَبُو وَجْزَة السعديّ:
تنادَوا بأغباش السوَاد فقُربت
علافيفُ قد ظاهرن نَيّا معوِّماً
أَي شَحْماً معوِّماً.
ابْن السّكيت: يُقَال: لَقيته عَاما أوّلَ، وَلَا تقل: عَام الأوّلِ. والعَوْم: السباحة. والسفينة تعوم فِي المَاء، وَالْإِبِل تعوم فِي سَيرهَا. وَقَالَ الراجز:
وَهن بالدَوّ يَعُمن عَوما(3/160)
وَقَالَ اللَّيْث: يُسمى الْفرس السابح عَوَّاماً، يعوم فِي جريه ويسبح.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ العامَة: المِعْبَر الصَّغِير يكون فِي الْأَنْهَار وَجَمعهَا عامات.
وَقَالَ اللَّيْث: الْعَامَّة تتَّخذ من أَغْصَان الشّجر وَنَحْوه، يُعبر عَلَيْهَا الْأَنْهَار، وَهِي تموج فَوق المَاء، والجميع الْعَام والعامات.
قَالَ: والعامة: هَامة الرَّاكِب إِذا بدا لَك رأسُه فِي الصَّحرَاء وَهُوَ يسير.
قَالَ: وَقَالَ بَعضهم لَا أسمي رَأسه عَامَّة حَتَّى أرى عَلَيْهِ عِمَامَة.
الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت: عَام الرجل إِلَى اللَّبن يعام عَيْمة وَهُوَ رجل عَيْمان وَامْرَأَة عَيْمى، ويُدعى على الرجل فَيُقَال: مَاله آم وعام، فَمَعْنَى آم: هَلَكت امْرَأَته، وعام: هَلَكت مَاشِيَته فيعامُ إِلَى اللَّبن.
ورُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يتعوّذ من العَيْمة والأَيمة، فالعيمة شدَّة الشَّهْوَة للبن حَتَّى لَا يصبر عَنهُ، يُقَال: عَام يعام عيمة وَقوم عَيَامى وعِيَام. والغيمة: شدَّة الْعَطش وَالْأَيمَة: طول العُزْبة.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال عِمْت عَيْمة عَيَماً شَدِيدا. قَالَ: وكلّ شَيْء من نَحْو هَذَا مِمَّا يكون مصدرا لِفَعْلان وفَعْلى فَإِذا أنّثت الْمصدر فخفّف، وَإِذا حذفت الْهَاء فثقّل نَحْو الحَيرة والحَيَر والرَغْبة والرَغَب والرَهْبة والرَهب، وَكَذَلِكَ مَا أشبهه من ذواته.
وَقَالَ غَيره: أعامنا بَنو فلَان أَي أخذُوا حلائبنا حَتَّى بَقِينا عَيَامى نشتهي اللَّبن وأصابتنا سنة أعامتنا، وَمِنْه قَالُوا: عَام مُعِيم: شَدِيد العَيْمة.
وَقَالَ الْكُمَيْت:
بعام يَقُول لَهُ المؤلِفو
ن هَذَا المُعيم لنا المُرْجل
وَيُقَال: أعام القومُ إِذا قلّ لبنهم.
وَرُوِيَ عَن المؤرِّج أَنه قَالَ: طَابَ العَيَام أَي طَابَ النَّهَار، وطاب الشَرْق أَي الشَّمْس وطاب الهويم أَي اللَّيْل.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: عِيمة كل شَيْء خِيَاره. وَجَمعهَا عِيَم. وَقد اعتام يعتام اعتياما، واعتان يعتان اعتياناً إِذا اخْتَار.
وَقَالَ الطّرماح يمدح رجلا وَصفه بالجود:
مبسوطة يَسْتن أوراقُها
على مُواليها ومعتلمِها
وَقَالَ أَبُو سعيد: قَالَ أَبُو عَمْرو: العَيْم والغيم الْعَطش.
وَقَالَ أَبُو المثلّم الْهُذلِيّ:
تَقول أرى أُبينيك اشرهفّوا
فهم شُعْث رؤوسُهم عِيَامُ
قلت أَرَادَ: أَنهم عِيام إِلَى شرب اللَّبن شديدةٌ شهوتهم إِلَيْهِ.
وَعم: ذُكر عَن يُونُس بن حبيب أَنه قَالَ: يُقَال: وَعَمَت الدارَ أَعِم وَعماً أَي قلت لَهَا: انعمي.
وَأنْشد:
عِمَا طللى جُمْل على النأي واسلما
قَالَ يُونُس: وَسُئِلَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء عَن(3/161)
قَول عنترة:
وعِمِى صباحاً دَار عبلة واسلمى
فَقَالَ: هُوَ كَمَا يَعْمِي المطرُ وَيعْمِي الْبَحْر بزَبَده، وَأَرَادَ كَثْرَة الدُّعَاء لَهَا بالاستسقاء.
قلت: إِن كَانَ من عَمَى يعمِي إِذا سَالَ فحقّه أَن يُروى: واعمى صباحاً؛ فَيكون أمرا من عَمَى يَعْمي إِذا سَالَ أَو رمى.
قلت: وَالَّذِي سمعناه وحفظناه فِي تَفْسِير عَم صباحاً: أَن مَعْنَاهُ: أنعِم صباحاً، كَذَلِك أَخْبرنِي أَبُو الْفضل عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي؛ قَالَ: وَيُقَال: أنعم صباحاً وعِمْ صباحاً بِمَعْنى وَاحِد.
قلت: كَأَنَّهُ لمّا كثر هَذَا الْحَرْف فِي كَلَامهم حذفوا بعض حُرُوفه لمعْرِفَة الْمُخَاطب بِهِ. وَهَذَا كَقَوْلِهِم: لَا هُمّ، وَتَمام الْكَلَام اللَّهُمَّ، وكقولهم: لهنَّكَ، وَالْأَصْل لله إِنَّك.
وَمَعَ: أهمله اللَّيْث.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: الوَعْمة: ظَبْيَة الْجَبَل، والومعة الدُفعة من المَاء.(3/162)
بَاب لفيف الْعين
عوى، عا، عى، عيي، وعى، وعوع، وع، عوّ. (مستعملات) .
عوى: قَالَ اللَّيْث: عوت الكلابُ وَالسِّبَاع تَعْوي عُوَاء وَهُوَ صَوت تمدّه وَلَيْسَ بنبح.
أَبُو عبيد عَن أبي الْجراح قَالَ: الذِّئْب يَعْوِي.
وأنشدني أعرابيّ:
هَذَا أحقّ منزل بِالتّرْكِ
الذِّئْب يَعْوِي والغراب يبكي
وَمن أمثالهم فِي المستغيث بِمن لَا يغيثه قَوْلهم: لَو لَك عَوَيت لم أَعْوِهْ. وَأَصله الرجل يبيت بِالْبَلَدِ القفر فيستنبح الْكلاب بعُوائه ليندلّ بنُباحها على الحيّ. وَذَلِكَ أَن رجلا بَات بالقَفْر فاستنبح، فَأَتَاهُ ذِئْب، فَقَالَ: لَو لَك عَوَيت لم أَعْوِهْ.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال عَوَيت الحبلَ إِذا لويته. والمصدر العَيّ. والعَيُّ فِي كل شَيْء: الليّ. قَالَ: وعَوَيت رَأس النَّاقة إِذا عُجْتها، فانعوى. والناقة تَعْوِي بُرَتها فِي سَيرهَا إِذا لوتها بخَطْمها.
وَقَالَ رؤبة:
تعوي البُرَى مستوفضات وفضا
قَالَ: وَيُقَال للرجل إِذا دَعَا قوما إِلَى الْفِتْنَة: عَوَى قوما فاستُعْوُوا.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي طَالب عَن سَلمَة عَن الْفراء أَنه قَالَ: هُوَ يستعوي القومَ، ويستغويهم أَي يستغيث بهم.
وَقَالَ اللَّيْث: المُعَاوية: الكلبة المستحرمة تَعْوِي إِلَى الْكلاب إِذا صَرَفت ويَعْوِين. وَقد تعاوت الْكلاب.
وَيُقَال تعاوى بَنو فلَان على فلَان وتغاوَوْا عَلَيْهِ إِذا تجمّعوا عَلَيْهِ، بِالْعينِ والغين.
قَالَ: والعَوَّى مَقْصُور: نجم من منَازِل الْقَمَر، وَهُوَ من أنواء الْبرد.
وَقَالَ ساجع الْعَرَب: إِذا طلعت العَوَّاء، وجَثَمَ الشتَاء، طَابَ الصِّلاء.
وَقَالَ ابْن كُناسة: هِيَ أَرْبَعَة كواكب: ثَلَاث مثفَّاة مُتَفَرِّقَة، وَالرَّابِع قريب مِنْهَا كَأَنَّهُ من النَّاحِيَة الشأميّة، وَبِه سُمِّيت العَوَّاء، كَأَنَّهُ يَعْوِي إِلَيْهَا من عُوَاء الذِّئْب. قَالَ: وَهُوَ من قَوْلك: عويت الثَّوْب إِذا لويته، كَأَنَّهُ يَعْوِي لمَّا انْفَرد. قَالَ: والعوّاء فِي الْحساب يَمَانِية. وَجَاءَت مُؤَنّثَة عَن الْعَرَب.
قَالَ: وَمِنْهُم من يَقُول: أول اليمانية السِّماك الرامح، وَلَا يَجْعَل العَوّاء يَمَانِية؛ للكوكب الْفَرد الَّذِي فِي النَّاحِيَة الشأمية.(3/163)
وَقَالَ ابْن هانىء: قَالَ أَبُو زيد: العَوَّاء مَمْدُود؛ والجوزاء مَمْدُود، والشِّعْرى مَقْصُور.
وَقَالَ اللَّيْث: العَوَى والعَوَّة لُغَتَانِ، وَهِي الدُبُر.
وَأنْشد:
قيَاما يوارون عَوَّاتهم
بشتمي وعَوَّاتهم أظهرُ
وَقَالَ الآخر فِي العَوَّى بِمَعْنى العَوَّة:
فَهَلا شددت العقْد أَو بتّ طاويا
وَلم تَفْرُج العوَّى كَمَا يُفرج القَتَبْ
وَقَالَ شمر: العَوَّاء خَمْسَة كواكب كَأَنَّهَا كتابةُ ألِف، أَعْلَاهَا أخفاها. وَيُقَال: كَأَنَّهَا نون. وتدعى وَرِكي الْأسد، وعرقوب الْأسد. وَالْعرب لَا تكْثر ذكر نوئها، لِأَن السماك قد استغرقها وَهُوَ أشهر مِنْهَا وطلوعها لاثْنَتَيْنِ وَعشْرين لَيْلَة تَخْلُو من أيلول، وسقوطها لاثْنَتَيْنِ وَعشْرين لَيْلَة تَخْلُو من آذار.
وَقَالَ الْحُصَينيّ فِي قصيدته الَّتِي يذكر فِيهَا الْمنَازل:
وانتثرت عَوّاؤه
تناثُر العِقْد انْقَطع
وَمن سجعهم فِيهَا: إِذا طلعت العَوَّاء ضرب الخِبَاء، وطاب الْهَوَاء، وكُرِه العراء، وشَنَّن السقاءُ.
قلت أَنا: من قصر العَوَّى شبَّهها باست الْكَلْب، وَمن مدّها جعلهَا تعوِي من يعوِي الْكَلْب، وَالْمدّ فِيهَا أَكثر.
وَيُقَال عَفَت يَده وعواها إِذا لواها.
وَقَالَ أَبُو مَالك: عوت النَّاقة البُرَة إِذا لوتها عَيّاً. وعَوَى الْقَوْم صُدُور رِكَابهمْ وعَوَّوها إِذا عطفوها.
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: عَوَّيت عَن الرجل إِذا كذَّبت عَنهُ وردَدْت.
أَبُو عبيدِ عَن أبي زيد: العَوَّة والضَوَّةُ: الصَّوْت.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ العَوِيّ: الذِّئْب:
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال للرجل الحازم الْجلد: مَا يُنْهَى وَلَا يُعْوَى.
وَقَالَ أَبُو العميثل: عَوْيت الشَّيْء عَيّاً إِذا أملته.
وَقَالَ الْفراء: عَوَيت الْعِمَامَة عَيّة، ولويتها لَيَّة، وعَوَى الْقوس: عطفها.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: العَوُّ جمعُ عَوَّة، وَهِي أم سُوَيد.
وَقَالَ اللَّيْث (عا) مَقْصُور زجر الضَئِين. وَرُبمَا قَالُوا: عَوْ، وعايْ: وعاءِ، كلّ ذَلِك يُقَال.
وَالْفِعْل مِنْهُ: عَاعَى يُعاعي معاعاة وعاعاة. وَيُقَال: أَيْضا عَوْعى يُعوعِي عوعَاة، وعَيْعَى يعيعى عيعاة وعِيْعَاءَ وَأنْشد:
وَإِن ثِيَابِي من ثِيَاب مُحَرِّق
وَلم أستعرها من مُعَاعٍ وناعق
عَيَيَ: أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي: عَيي فلَان بياءين بِالْأَمر إِذا عجز عَنهُ. وَلَا يُقَال: أعيا بِهِ وَمن الْعَرَب من يَقُول عَيَّ بِهِ فيدغم. وَيُقَال فِي الْمَشْي: أعييت إعياء. قَالَ: وتكلَّمت حَتَّى عَيِيت عِيّاً. وَإِذا(3/164)
أَرَادوا علاج شَيْء فعجزوا يُقَال: عيِيت وَأَنا عَيِيّ، وَقَالَ النَّابِغَة:
عَيّت جَوَابا وَمَا بِالربعِ من أحد
قَالَ: وَلَا ينشد: أعيت جَوَابا. وَأنْشد لشاعر آخر فِي لُغَة من يَقُول عَييَ:
وحَتَّى حَسِبناهم فوارس كَهَمْسٍ
حَيُوا بَعْدَمَا مَاتُوا من الدَّهْر أعصرا
وَيُقَال: أعيا عليَّ هَذَا الْأَمر، وأعياني، وَيُقَال: أعياني عَيَاؤه. قَالَ المَرَّار:
وأعْيَت أَن تجيب رُقى لراقي
وَيُقَال: أعيا بِهِ بعيره وأذَمّ، سَوَاء.
وَقَالَ اللَّيْث: العِيّ تأسيس أصلِه من عين وياءين وَهُوَ مصدر العَيِّ قَالَ: وَفِيه لُغَتَانِ رجل عَييّ بِوَزْن فعيل، وَقَالَ العجاج:
لَا طائش قاقٌ وَلَا عَييّ
وَرجل عَيُّ بِوَزْن فَعْل، وَهُوَ أَكثر من عَيّ، قَالَ: وَيُقَال: عَيَيَ يَعْيَا عَن حُجّته عيّاً وعَيَّ يعيا كلُّ يُقَال؛ مثل حَيي يحيا وحَيّ. قَالَ الله جلّ وعزّ: {وَيَحْيَى مَنْ حَىَّ عَن بَيِّنَةٍ} (الْأَنْفَال: 42) وَالرجل يتكلّف عملا فيَعْيا بِهِ، وَعنهُ، إِذا لم يهتدِ لوجه عمله.
سَلمَة عَن الْفراء: يُقَال فِي فعل الْجَمِيع من عَيّ: عَيُّوا. قَالَ وأنشدني بَعضهم:
يَحِدْن بِنَا عَن كل حَيّ كأننا
أخاريس عَيُّوا بِالسَّلَامِ وبالنَسَبْ
وَقَالَ آخر:
من الَّذين إِذا قُلْنَا حديثهمُ
عَيُّوا وَإِن نَحن حدَّثناهم شَغِبوا
قَالَ: وَإِذا سكن مَا قبل الْيَاء الأولى لم تُدْغَم كَقَوْلِك: هُوَ يُعْي ويُحيى. قَالَ: وَمن الْعَرَب من أَدْغَم فِي مثل هَذَا قَالَ: وأنشدني بَعضهم:
فَكَأَنَّهَا بَين النِّسَاء سبيكة
تمشي بسدّة بَيتهَا فتُعِيُّ
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: هَذَا غير جَائِز عِند حُذّاق النَّحْوِيين. وَذكر أَن الْبَيْت الَّذِي اسْتشْهد بِهِ الْفراء لَيْسَ بِمَعْرُوف.
قلت: وَالْقِيَاس مَا قَالَ أَبُو إِسْحَاق، وَكَلَام الْعَرَب عَلَيْهِ. وَأجْمع القُرَّاء على الْإِظْهَار فِي قَوْله: {يُحْىِ وَيُمِيتُ} (الْأَعْرَاف: 158) .
وَقَالَ اللَّيْث: الإعياء: الكلال. تَقول: مشيت فأعييت، وَأَنا مُعْيٍ. قَالَ: والمعاياة: أَن تدَاخل كلَاما لَا يَهتدي لَهُ صاحبُك، قَالَ: والفحل العَيَاياء: الَّذِي لَا يَهتدِي لضراب طَرُوقته. قَالَ: وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الرِّجَال.
قلت: وَفِي حَدِيث أمّ زرع: أَن الْمَرْأَة السَّادِسَة قَالَت: زَوجي عياياء، طباقاء، كلّ دَاء لَهُ دَاء.
قَالَ أَبُو عبيد: العيَاياء من الْإِبِل: الَّذِي لَا يَضْرب وَلَا يُلْقح، وَكَذَلِكَ هُوَ من الرِّجَال.
وَقَالَ اللَّيْث: الدَّاء العَياء: الَّذِي لَا دَوَاء لَهُ قَالَ وَيُقَال: أَيْضا الدَّاء العَيَاء: الْحُمْق. وَقَالَ أَبُو زيد: جمل عَياء وجِمَال أَعْياء. وَهُوَ الَّذِي لَا يُحسن أَن يضْرب. وَقَالُوا: حَيَاء النَّاقة وَجمعه أَحيَاء.
وَقَالَ شمر: عَيِيت بِالْأَمر وعيِيته، وأعيا عليَّ ذَلِك وأعياني.(3/165)
وَقَالَ اللَّيْث: أعياني هَذَا الْأَمر أَن أَضبِطه، وعَيِيت عَنهُ.
وَقَالَ غَيره: عيِيت فلَانا أعْياه أَي جهلته. وَفُلَان لَا يَعْياه أحد أَي لَا يجهله أحد، وَالْأَصْل فِي ذَلِك أَن تعيا عَن الْإِخْبَار عَنهُ إِذا سُئِلت، جهلا بِهِ. وَقَالَ الرَّاعِي:
يَسْأَلْن عَنْك وَلَا يعياك مسؤول
أَي لَا يجهلك. وَبَنُو أَعْيا: حَيّ من الْعَرَب وَالنِّسْبَة إِلَيْهِ أعْيَوِيّ. وداء عَيِيّ مثل عياء. وَيُقَال: عاعى بالغنم وحاحى عِيعاءً وحِيحَاءً؛ وَهُوَ زجرها.
وعي: أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: وعى الحديثَ يعيه وَعْياً إِذا حفظه. وأوعى الشَّيْء فِي الوِعَاء يوعيه إيعاء بِالْألف فَهُوَ مُوعًى. قَالَ والوِعَاء يُقَال لَهُ: الإعَاء.
وَقَالَ اللَّيْث: الوَعْي: حفظ الْقلب للشَّيْء.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: إِذا جَبَر العظمُ بعد الْكسر على عَثْمٍ وَهُوَ الاعوجاج قيل: وعى يعي وَعْياً، وأَجَر يأجِر أَجْراً، ويأجُرُ أُجُوراً.
وَقَالَ أَبُو زُبَيد:
خُبَعْثِنة فِي ساعدَيه تزايُل
تَقول وَعَى من بعد مَا قد تجبّرا
وَقَالَ أَبُو زيد: إِذا سَالَ الْقَيْح من الجُرْح قيل: وَعَى الْجَرْحُ يَعِي وَعْياً. قَالَ: والوَعيى هُوَ الْقَيْح. وَمثله المِدَّة.
وَقَالَ اللَّيْث فِي وَعْيِ الْكسر والمِدَّة مثله. قَالَ: وَقَالَ أَبُو الدقيش: إِذا وعت جايئته أَي مدَّته.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال بئس واعي الْيَتِيم ووالي الْيَتِيم، وَهُوَ الَّذِي يقوم عَلَيْهِ.
أَبُو عُبَيْدَة عَن أبي عَمْرو: الواعية والوَعْي والوَعَى كلهَا الصَّوْت.
وَقَالَ اللَّيْث: الواعية الصُرَاخ على الْمَيِّت. قَالَ: والوَعَى جلبة أصوات الْكلاب وَالصَّيْد قَالَ: وَلم أسمع لَهما فعلا. قَالَ: وَإِذا أمرت من الوعي قلت عِهْ، الْهَاء عماد للوقوف لخفّتها؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيع الِابْتِدَاء وَالْوُقُوف مَعًا على حرف وَاحِد.
الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت يُقَال: مَالِي عَنهُ وَعْي أَي بُدّ، وَلَا وعْيَ عَن كَذَا أَي لَا تماسك دونه.
وَقَالَ النَّضر: إِنَّه لفي وَعْي رجال أَي فِي رجال كثير. وَقَالَ ابْن أَحْمَر:
تواعدن أَن لَا وَعْي عَن فرج راكس
فرُحْن وَلم يغضِرن عَن ذَاك مَغْضرا
وعع (وعوع) : قَالَ اللَّيْث: الوَعْوعة هِيَ من أصوات الْكلاب، وَبَنَات آوَى. قَالَ: وَتقول خطيب وَعْوع: نعت حسن. وَرجل مِهذار وَعْواع: نعت قَبِيح. وَقَالَت الخنساء:
هُوَ القَرْم واللسِن الوعوع
قَالَ والوَعْواع: الجلبة وَأنْشد:
تسمع للمرء بِهِ وَعْواعا
وَأنْشد شمر لأبي ذُؤَيْب:
وعاث فِي كُبَّة الوعواع والعِير
وَقَالَ اللَّيْث: يُضَاعف فِي الْحِكَايَة، فَيُقَال: وعوع الكلبُ وعوعة. والمصدر الوعوعة والوَعواع. قَالَ: وَلَا يُكسَر وَاو الوعواع كَمَا تكسر الزَّاي من الزلزال(3/166)
وَنَحْوه؛ كَرَاهِيَة للكسرة فِي الْوَاو. قَالَ: وَكَذَلِكَ حِكَايَة اليَعْيعة واليَعْياع من فِعال الصّبيان إِذا رمى أحدهم الشَّيْء إِلَى صبيّ آخر؛ لِأَن الْيَاء خِلْقتها الْكسر، فيستقبحون الْوَاو بَين كسرتين، وَالْوَاو خِلقتها الضَّم، فيستقبحون التقاء كسرة وضمة فَلَا تجدهما فِي كَلَام الْعَرَب فِي أصل الْبناء، وَأنْشد:
أمست كهامة يعياع تداولها
أَيدي الأوازع مَا تُلْقي وَمَا تُذَرُ
عَمْرو عَن أَبِيه: الوعوع: الديدبان يكون وَاحِدًا وجمعاً.
أَبُو نصر عَن الْأَصْمَعِي الديدبان يُقَال لَهُ الوَعْوع. قَالَ: والوعوع: الرجل الضَّعِيف. والوعوع ابْن آوى.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الوعاوع الأشدّاء، وأوّل من يغيث. وَقَالَ غَيره: الوعاوع: الخِفاف الأجرياء. وَقَالَ أَبُو كَبِير:
لَا يُجفلون عَن الْمُضَاف إِذا رَأَوْا
أُولي الوعاوع كالغَطَاط الْمقبل
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: العاعاء صَوت الذِّئْب.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الوعيُّ: الحافِظ الْكيس الْفَقِيه. وَتقول استوعى فلَان من فلَان حقّه إِذا أَخذه كُله؛ وأوعى فلَان جَدْع أَنفه واستوعاه إِذا استوعبه. وَفِي الحَدِيث: (فِي الْأنف إِذا استُوعي جدعُه الديةُ) .
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الوعاوع: أصوات النَّاس إِذا حَمَلوا. وَيُقَال للْقَوْم إِذا وعوعوا: وعاوع أَيْضا. وَقَالَ سَاعِدَة الْهُذلِيّ:
ستنصرني أفناء عَمْرو وكاهل
إِذا مَا غَزَا مِنْهُم غَزيٌّ وعاوع
والوعواع: مَوضِع. وَيُقَال عيّع الْقَوْم تعييعاً إِذا عيُّوا عَن أَمر قصدوه. وَأنْشد:
حططتُ على شقِّ الشمَال وعيّعوا
حُطُوط رَباعٍ محصَفِ الشدّ قَارب
الحطّ: الِاعْتِمَاد على السّير.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: سَمِعت عوعاة الْقَوْم، وغوغاتهم إِذا سَمِعت لَهُم لَجّة وصوتاً.
آخر لفيف الْعين والْمنَّة لله فِي تيسير مَا يسر.(3/167)
كتاب الرباعي من حرف الْعين
قَالَ الْخَلِيل بن أَحْمد: الرباعي يكون اسْما وَيكون فعلا، وَأما الخماسي فَلَا يكون إلاّ اسْما، وَهُوَ قَول سِيبَوَيْهٍ وَمن قَالَ بقوله.
(بَاب الْعين والحاء)
ع ح)
جحلنجع: وَقَالَ أَبُو تُرَاب: كنت سَمِعت من أبي الهَمَيْسَع حرفا، وَهُوَ جَحْلَنْجَع، فَذَكرته لشمر بن حَمْدَوَيْه، وتبرّأت إِلَيْهِ من مَعْرفَته، وأنشدته فِيهِ مَا كَانَ أَنْشدني، قَالَ: وَكَانَ أَبُو الهَمَيْسَع ذكر أَنه من أَعْرَاب مَدْين، وَكُنَّا لَا نكاد نفهم كَلَامه، فَكَتبهُ شمِر، والأبيات الَّتِي أَنْشدني:
إِنِّي تمنعي صوبَكِ صوب المدمع
يجْرِي على الخد كضِئْبِ الثَّعْثَع
من طمحة صبيرها جَحْلنجع
لم يَحْضُها الجدولُ بالتنوع
قَالَ وَكَانَ يُسمِّي الكورَ المِحْضى.
(ثعجح) : قَالَ أَبُو تُرَاب: وَسمعت عتير بن غرزة الْأَسدي يَقُول: اثعنجح الْمَطَر بِمَعْنى اثعحنجر: إِذا مَال وَكثر وَركب بعضُه بَعْضًا، فَذَكرته لشمر فاستغربه حِين سَمعه وَكتبه، وأنشدته فِيهِ مَا أَنْشدني عتير لعديّ بن عليّ الغاضري فِي الْغَيْث:
جَوْنٌ ترى فِيهِ الروايا دُلّحا
كَأَن جِنّانا وبَلْقا ضُرَّحا
فِيهِ إِذا مَا جُلْبه تَكَلَّحا
وسحَّ سحّاً مَاؤُهُ فاثعنجحا
(بَاب الْعين وَالْهَاء)
ع هـ)
خهفع: وَقَالَ أَبُو تُرَاب أَيْضا: سَمِعت أعرابيّاً من بني تَمِيم يكنى أَبَا الخَيْهَفْعى. وَسَأَلته عَن تَفْسِير كنيته، فَقَالَ: (يُقَال) إِذا وَقع الذِّئْب على الكلبة جَاءَت بالسِّمع، وَإِذا وَقع الْكَلْب على الذئبة جَاءَت بالخيهفعى. وَلَيْسَ هَذَا على أبنية أسمائهم مَعَ اجْتِمَاع ثَلَاثَة أحرف من حُرُوف الْحلق.
قلت: وَهَذِه حُرُوف لَا أعرفهَا، وَلم أجد لَهَا أصلا فِي كتب الثِّقَات الَّذين أخذُوا عَن الْعَرَب العاربة مَا أودعوا كتبهمْ، وَلم أذكرها وَأَنا أُحقُّها، وَلَكِنِّي ذكرتها استنداراً لَهَا، وتعجّباً مِنْهَا، وَلَا أَدْرِي مَا صحّتها.(3/168)
عهعخ: وَقَالَ ابْن المظفر: قَالَ الْخَلِيل بن أَحْمد: سمعنَا كلمة شنعاء لَا تجوز فِي التَّأْلِيف. قَالَ: وَسُئِلَ أَعْرَابِي عَن نَاقَته فَقَالَ تركتهَا ترعى العُهْعُخ. قَالَ: وَسَأَلنَا الثِّقَات من عُلَمَائهمْ، فأنكروا أَن يكون هَذَا الِاسْم من كَلَام الْعَرَب.
قَالَ: وَقَالَ الفذّ مِنْهُم: هِيَ شَجَرَة يُتَداوى بهَا وبورقها. قَالَ وَقَالَ أَعْرَابِي آخر: إِنَّمَا هِيَ الخُعْخُع.
قَالَ اللَّيْث: هَذَا مُوَافق لقياس الْعَرَبيَّة والتأليف.
(علهض علهص) : قَالَ اللَّيْث: تَقول عَلْهضت رَأس القارورة إِذا عَالَجت صِمَامها لتستخرجه. قَالَ: وعلهضت الْعين إِذا استخرجتها من الرَّأْس، وعلهضت الرجُل إِذا عالجته علاجاً شَدِيدا. قَالَ: وعلهضت مِنْهُ شيأ إِذا نلْت مِنْهُ شيأ.
قلت: علهضت رَأَيْته فِي نسخ كَثِيرَة من كتاب (الْعين) مُقَيّدا بالضاد وَالصَّوَاب عِنْدِي الصَّاد. أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العِلْهاص: صِمَام القارورة. وَفِي (نوارد اللحياني) : علهص القارورة بالصَّاد أَيْضا إِذا استخرج صِمَامها.
وَقَالَ شُجَاع الْكلابِي فِيمَا روى عَنهُ عوَّام وَغَيره: العَلْهصة والعلفصة والعرعرة فِي الرَّأْي وَالْأَمر. وَهُوَ يعلهصهم ويَعْنُف بهم ويقَسُرهم.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد فِي (كِتَابه) : رجل عُلاهض جرافض جرامض وَهُوَ الثقيل الوخم.
قلت: قَوْله: رجل علاهض مُنكر. وَمَا أرَاهُ مَحْفُوظًا.
هجرع: وَقَالَ اللَّيْث: الهِجْرَع من وصف الْكلاب السَلُوقيّةِ الخِفاف. والهِجْرَع: الطَّوِيل الممشوق. قَالَ العجاج:
أَسعر ضربا أوطُوَا لَا هجرعا
قَالَ والهِجْرَع: الطَّوِيل الأحمق من الرِّجَال. وَأنْشد:
ولأقضين على يزيدَ أميرِها
بِقَضَاء لَا رِخْوٍ وَلَيْسَ بهِجرع
وروى أَبُو عُبَيْدَة عَن الْأَصْمَعِي: الهجرع بِكَسْر الْهَاء: الطَّوِيل.
وَقَالَ شمر: يُقَال للطويل: هِجرع وهَجرع. قَالَ: وَقَالَ أَبُو نصر: سَأَلت الْفراء عَنهُ فَكسر الْهَاء وَقَالَ: هُوَ نَادِر.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: رجل هِجْرَع بِكَسْر الْهَاء، وهَرْجَع بِفَتْح الْهَاء: طَوِيل أَعْوَج.
هجنع: وَقَالَ اللَّيْث: الهَجَنَّع: الشَّيْخ الأصلع. قَالَ: والظليم الْأَقْرَع وَبِه قُوَّة بعدُ هَجَنَّع. والنعامة هَجَنَّعة. قَالَ: والهجنع من أَوْلَاد الْإِبِل مَا نُتج فِي حَمَارّة الصَّيف قَلما يسلم من قَرَع الرَّأْس.
وَقَالَ أَبُو عبيد: الهجنع الْعَظِيم الطَّوِيل.
علهج: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: المُعَلْهَج: أَن يُؤْخَذ الجِلد، فيقدّم إِلَى النَّار حَتَّى يلين، فيُمضغ ويبلع، وَكَانَ ذَلِك من مآكل الْقَوْم فِي المجاعة.
وَقَالَ اللَّيْث: المُعَلهج: الرجل الأحمق الهَذِر اللَّئِيم. وَأنْشد:(3/169)
فَكيف تساميني وَأَنت معلهج
هُذارِمة جَعْد الأنامل حَنْكَل
عنجة: قَالَ والعُنْجُه: الجافي من الرِّجَال. تَقول: إِن فِيهِ لُعنْجُهِيَّة أَي جفوة فِي جُشُوبَةِ مطعمه وأموره. وَقَالَ حسان:
وَمن عَاشَ منا عَاشَ فِي عُنْجُهِيَّةِ
على شَظف من عيشه المتنكّد
وَقَالَ رؤبة:
بِالدفع عني دَرْء كل عُنْجه
قَالَ: والعُنْجُهة: القنفذة الضخمة.
وَقَالَ الْفراء فِيمَا يروي عَنهُ أَبُو عبيد: فِيهِ عنجهِيَّة وعُنْجهانية أَي كبر وعظمة.
عجهن: وَقَالَ اللَّيْث: العُجاهن: صديق الرجل المُعْرِس الَّذِي يجْرِي بَينه وَبَين أَهله فِي إعراسه بالرسائل، فَإِذا بنى بهَا فَلَا عُجَاهن لَهُ. قَالَ: والعُجَاهنة: المَشَّاطة إِذا لم تفارق الْعَرُوس حَتَّى يبْني بهَا. قَالَ: والعَجَاهنة جمع عُجَاهن. وَقَالَ الْكُمَيْت:
ينازعن العَجَاهنة الرِّئينا
قَالَ: وَالْمَرْأَة عُجَاهنة، وَهِي صديقَة الْعَرُوس. قَالَ: وَالْفِعْل مِنْهُ تعجهن يتعجهن تعجُهناً.
وَقَالَ أَبُو عبيد: العُجَاهنُ الطبَّاخ. قلت: وَقَول الْكُمَيْت شَاهد لهَذَا.
(عجهر) : وَقَالَ ابْن دُرَيْد: عَيْجَهُور: اسْم امْرَأَة واشتقاقه من العَجْهرة وَهِي الْجفَاء.
(عدهل) : عيدهول قَالَ: وناقة عيذهول: سريعة.
عمهج وعوهج: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: العَمْهَج والعَوْهج: الطَّوِيلَة. وَقَالَ هِمْيان:
فقدَّمت حناجرا غوامجا
مُبْطِنَةً أَعْنَاقَهَا العَماهجا
قَالَ: وَقَوله مبطنة أَي جعلت الْحَنَاجِر بطائن لأعناقها.
وَقَالَ أَبُو زيد: العُماهج مثل الخامط من اللَّبن عِنْد أول تغيره.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: العماهيج: الألبان الجامدة.
وَقَالَ اللَّيْث العُمَاهج: اللَّبن الخاثر من ألبان الْإِبِل. وَأنْشد:
تُغذى بمحض اللَّبن العماهج
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العَمْهَج: الطَّوِيل من كل شَيْء. يُقَال عُنق عَمْهَج وعُمْهوج، ونبات عُماهج: أَخْضَر ملتفٌ، قَالَ وكل نَبَات غَضّ فَهُوَ عُمْهُوج.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: العمهج السَّرِيع. وَيُقَال العُمَاهج: الممتلىء لَحْمًا. وَأنْشد:
ممكورة فِي قَصَب عُمَاهج
عجهم: وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: العُجْهوم: طَائِر من طير المَاء كَأَنَّ منقاره جَلَمُ الْخياط.
(سمعج) : وَقَالَ الْفراء: لبن سَمْعَج وسَمْلَج. وَهُوَ الدسمِ الحلو.
عنبج: وَقَالَ اللَّيْث: العُنْبُج من النَّاس: الثقيل.
(همسع) : قَالَ: والهَمَيْسَع من الرِّجَال: الْقوي الَّذِي لَا يُصرع جنبه. قَالَ: والهميسعُ هُوَ جَد عدنان بن أدد.(3/170)
علهز: اللَّيْث: العِلْهِز: الوَبَر مَعَ دم الحَلَم. وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك فِي الجاهليّة. يعالج الوَبَر مَعَ دِمَاء الْحلم يَأْكُلُونَهُ.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل فِي العلهز نَحوه، وَأنْشد:
وإنَّ قِرَى قحطان قِرْف وعِلْهِز
فأقبحْ بِهَذَا ويحَ نفسِك مِنْ فعلِ
قَالَ: والعِلْهز: القُرَاد الضخم
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم فِيمَا أَخْبرنِي عَنهُ الْمُنْذِرِيّ: العِلْهِز: دم يَابِس يدق بِهِ أوبار الْإِبِل فِي المجاعات ويؤكل. وَأنْشد:
عَن أكلِيَ العلهز أكل الحَيْس
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: نَاب عِلْهِز ودِرْدِح.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل هِيَ الَّتِي فِيهَا بقيَّةِ، وَقد أسنَّت.
وَقَالَ عِكْرِمَة كَانَ طَعَام أهل الْجَاهِلِيَّة العِلْهِز وَهُوَ الحَلَم بالوبر يُشوى فيؤكل.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ العِلْهِز: الصُّوف يُنفش ويُشَرَّب بالدماء، ويُشوى ويؤكل. والمُسَوَّدُ أَنْ تُؤْخَذ المُصْران فيفُصد فِيهَا النَّاقة ويشدّ رَأسه ويُشوى ويؤكل.
هزلع: اللَّيْث: الهِزْلاع: السِّمع الأزلّ. قَالَ: وهَزْلعَتُه: انسلاله ومُضيّه.
عزهل: قَالَ: والعِزْهِل: الذّكر من الْحمام وَجمعه العَزَاهل. وَأنْشد:
إِذا سَعْدانة الشَعَفات ناحت
عَزَاهلُها سَمِعت لَهَا عَرِينا
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: العَرِين: الصَّوْت.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: العزاهيل من الْإِبِل وَاحِدهَا عُزهول، وَهِي الْمُهْملَة.
أَبُو زيد: رجل عِزْهَلّ إِذا كَانَ فَارغًا، وَأنْشد:
وَقد أُرى فِي الفِتية العزاهل
أَجُرُّ من خَزّ الْعرَاق الذائل
فضفاضة تضفو على الأنامل
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: رجل عُزهول: خَفِيف سريع.
زهنع: أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر: يُقَال: زَهْنَعْتُ الْمَرْأَة وزَتَّتُها إِذا زيّنتها، وَنَحْو ذَلِك قَالَ اللَّيْث. وَأنْشد الْأَحْمَر:
بني تَمِيم زهنعوا فتاتكم
إِن فتاة الْحَيّ بالتزتُّت
وَقَالَ ابْن بزرج: التزهنع: التلبّس والتهيؤ.
(عزه) : أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: رجل عِنْزَهْوة وعِزْهاة كِلَاهُمَا العازف عَن اللَّهْو.
وَقَالَ الْكسَائي: فِيهِ عنزهوة أَي كِبْر وَكَذَلِكَ فِيهِ خُنْزُوَانة.
أَبُو عُبَيْدَة رجل عِزْهاة وعِنْزَهْوة إِذا كَانَ لَا يُرِيد النِّسَاء.
هطلع: اللَّيْث: رجل هَطَلَّع وَهُوَ الطَّوِيل الجسيم وبَوْشٌ هَطَلَّع أَي كثير. وَقَالَ ابْن دُرَيْد: هَطَلَّع: بَوْش كثير.
هرنع: اللَّيْث: الهُرْنوع: القملة الضخمة، وَقيل للصغيرة. وَأنْشد:
يَهِزُ الهَرَانعَ عقدهُ عِنْد الخصا
بأذلّ حَيْثُ يكون من يتذلّل
وَقَالَ غَيره: الهَرَانع: أصُول نَبَات تشبه الطراثيث.(3/171)
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الهُرنعُ والهُرْنوع القملة الصَّغِيرَة. وَكَذَلِكَ القَرْدُوع.
(عرهن) : عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ العراهين والعراجين وَاحِدهَا عُرْهون وعُرْجون. وَهِي القعابل. وَهِي الكمأة الَّتِي يُقَال لَهَا الفُطْر.
هرمع: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: نشأت سَحَابَة فاهرمّع قَطْرها إِذا كَانَ جَوْداً.
وَقَالَ اللَّيْث: اهرمّع الرجل فِي مَنْطِقه وَحَدِيثه إِذا انهمك فِيهِ. والنعت مهرمِّع قَالَ: وَالْعين تهرمّع إِذا أذرت الدمع سَرِيعا. وَرجل هَرَمَّع: سريع الْبكاء يُقَال اهرمّع إِلَيْهِ إِذا تباكى إِلَيْهِ.
(عراهم) : قَالَ والعُراهم: التارّ الناعم من كل شَيْء وَأنْشد:
وقصبا عُفَاهما عُرْهوما
قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: العُراهم والعراهمة نعت للمذكر والمؤنث. وَأنْشد:
وقرَّبوا كلَّ وَأَى عُراهم
من الْجمال الجِلَّة العَفَاهم
عفهم: قَالَ والعُفاهم: النَّاقة القوية الجَلْدة، وَقَالَ غَيْلان:
يظلّ مَنْ جَارَاه فِي عَذَائِم
من عُنْفُوان جَرْيِه العُفاهم
قَالَ يصف أوّل شبابه وقوّته. قَالَ والعُفَاهم، مَن جعل الْجَمَاعَة عفاهيم فَإِنَّهُ جعل المدّة فِي آخرهَا مَكَان الألِف الَّتِي أَلْقَاهَا من وَسطهَا.
وَقَالَ شمر: عنفوان كل شَيْء: أَوله وَكَذَلِكَ عفاهمه. وَأنْشد:
من عنفوان جريه العُفاهم
وسَيْلٌ عُفاهم أَي كثير المَاء.
سَلمَة عَن الْفراء: عَيْش عُفَاهم أَي مخصب أَبُو عبيد عَن أبي زيد: عَيْش عُفَاهم: وَاسع، وَكَذَلِكَ الدَّغْفَليّ.
(عرهن عرهم) : أَبُو عبيد عَن الْفراء: بعير عُرَاهن وعُراهم وجُرَاهم: عَظِيم. قَالَ: والعرهوم: الشَّديد. وَكَذَلِكَ العلكوم.
(علهن) : وَقَالَ أَبُو عَمْرو: العُلْهُون والعُرْجون والعُرْجُد الإهَان
(عزهل عرهل) : أَبُو زيد: رجل عِزْهَلٌّ مشدد اللَّام إِذا كَانَ فَارغًا وَيجمع على العزاهل وَأنْشد:
وَقد أُرَى فِي الْفتية العزَاهل
وَقَالَ غَيره بعير عِزْهَل: شَدِيد. وَأنْشد:
وَأَعْطَاهُ عِزْهَلاّ من الصُهْب دَوْسَرا
أَخا الرُبْع أَو قد كَاد للبُزْل يُسْدِس
والعُرَاهل من الْخَيل: الْكَامِل الخَلْق. وَأنْشد:
يتبعن زَيَّاف الضُّحَى عُراهلا
ينفح ذَا خصائل غدافلا
كالبُرْد ريَّان الْعَصَا عثا كلا
غدافل: كثير سبيب الذَّنب. والعَزَاهل: الْجَمَاعَة الْمُهْملَة. وَقَالَ الشماخ:
حَتَّى اسْتَغَاثَ بأحوى فَوْقه حُبُك
يَدْعُو هديلا بِهِ العُزْفُ العزاهيل
مَعْنَاهُ: اسْتَغَاثَ الْحمار الوحشيّ بأحوى وَهُوَ المَاء فَوْقه حُبُك أَي طرائق، يَدْعُو هديلا وَهُوَ الفرخ بِهِ العُزف،(3/172)
وَهِي الحَمَام الطُورانية.
هربع: وَقَالَ اللَّيْث: لصّ هُرْبُع، وذئب هُرْبُع خَفِيف، وَقَالَ أَبُو النَّجْم:
وَفِي الصَفِيح ذِئْب صيد هُرْبُعُ
فِي كفّه ذاتُ خِطام ممتعُ
عبهر: اللَّيْث: العَبْهَر: اسْم للنرجس. وَيُقَال: الياسَمين. وَجَارِيَة عَبْهرة: رقيقَة الْبشرَة ناصعة الْبيَاض، وَأنْشد:
قَامَت ترائيك قَوَاماً عَبْهَرا
مِنْهَا ووجهاً وَاضحا وبَشَرا
لَو يَدْرُج الذَرُّ عَلَيْهِ أثَّرا
قَالَ وَيُقَال: العَبْهَر: الطَّوِيل الناعم من كل شَيْء.
عَمْرو بن أبي عَمْرو عَن أَبِيه: العَبْهَر: الطَّوِيل من الرِّجَال. والعَبْهَر النَرْجِس. وَقَالَ أَبُو كَبِير الْهُذلِيّ يصف قوساً:
وعُراضة السِّيتيْنِ تُوبِعَ بَرْيُها
تأوِي طوائفها لعجس عَبْهَر
عبهر ملاَن غليظ. وَقَالَ ذُو الرمة:
وَفِي العاج مِنْهَا والدماليج والبُرى
قِنَا مالىء للعين ريّان عبهر
والعبهرة: الْحَسَنَة الخَلْق، وَقَالَ الشَّاعِر:
عبهرة الخَلْق لُبَاخِية
تزينه بالخُلُق الطَّاهِر
وَقَالَ:
من نسْوَة بيض الوجو
هـ نواعم غِيد عباهر
عبهل: وَفِي كتاب كَتبه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِوَائِل بن حُجْر ولقومه: (من مُحَمَّد رَسُول الله إِلَى الْأَقْيَال العباهلة من أهل حَضْرموت) قَالَ أَبُو عبيد: العباهلة: الَّذين قد أُمّروا على مُلكهم لَا يُزالون عَنهُ، وَكَذَلِكَ كل شَيْء أهملته فَكَانَ مهملاً لَا يُمنع ممَّا يُرِيد، وَلَا يُضرب على يَدَيْهِ فَهُوَ مُعَبْهَل، وَقَالَ تأبّط شرّاً:
مَتى تبغني مَا دمتُ حيّاً مسلَّما
تجدني مَعَ المسترعِل المتعبهِل
قَالَ: المتعبهِل: الَّذِي لَا يُمنع من شَيْء. وَقَالَ الراجز يذكر الْإِبِل أَنَّهَا قد أُرسلت على المَاء ترِدُه كَيفَ شَاءَ، فَقَالَ:
عباهل عبهلها الوُرَّادُ
شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ: المعبهَل: المعزهَل المهمل.
وَقَالَ اللَّيْث: ملِك مُعَبْهَل: لَا يردّ أمره فِي شَيْء.
علهب: قَالَ: والعَلْهَب: التيس الطَّوِيل القرنين من الوحشيّة والإنسيّة. ويوصف بِهِ الثور الوحشيّ. وَأنْشد:
مُوَشَّى أكارعُه عَلْهَبا
والعَلْهَب: الرجل الطَّوِيل، وَالْمَرْأَة عَلْهبة.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل يُقَال للذّكر من الظباء تَيْس، وعَلْهَب، وهَبْرَج
(وَقَالَ ابْن السّكيت يُقَال للذّكر من الظباء شَبُوب ومُشِبّ وَعَلْهَب وتَشْعَم وهَبْرَج) .(3/173)
هبلع: عَمْرو عَن أَبِيه: رجل هِبْلع: أكول. وَقَالَ اللَّيْث: الهِبْلَع: الأكول الْعَظِيم اللَقْم الْوَاسِع الحُنْجور. قَالَ: وهِبْلع من أَسمَاء الْكلاب السَلوقية. وَأنْشد:
والشد يدنى لاحقاً وهبلعا
هلبع: قَالَ: والهُلابع: الكُرَّزِيّ اللثيمِ الْجِسْم وَأنْشد:
عبد بني عَائِشَة الهلابعا
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: الهُلَبِع والهُلابع من أَسمَاء الذِّئْب.
هملع: وَقَالَ اللَّيْث: الهَمَلَّع: المتخطرِف الَّذِي يوقّع وطأه توقيعاً شَدِيدا من خِفّة وَطئه. وَأنْشد:
رَأَيْت الهملع ذَا اللعوتي
ن لَيْسَ بآب وَلَا ضَهْيَد
قَالَ: ضهيد كلمة مولدة وَلَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب نَعْيَل، وَقَالَ ابْن السّكيت الهملع الذِّئْب وَأنْشد:
لَا تَأْمُرِينِي ببنات أسْفعٍ
فالعنز لَا تمشي مَعَ الهملع
قَالَ: أسفع: فَحل من الْغنم. وَقَوله: لَا نمشي مَعَ الهملّع أَي لَا تكْثر مَعَ الذِّئْب. وَقَالَ أَبُو عبيد: الهملَّع: الْبَعِير السَّرِيع. وَأنْشد اللَّيْث:
جَاوَزت أهوالاً وتحتي شيقَبٌ
يعدو رَحْلي كالفنيق هَمَلّع
وَقيل: الهمَلّع من الرِّجَال: الَّذِي لَا وَفَاء لَهُ وَلَا يَدُوم على إخاء أحد.
وَقَالَ أَبُو سعيد: الهملَّع والسَمَلَّع: السَّرِيع الْخَفِيف.
علهم: أَبُو عَمْرو: العِلْهَمّ: الضخم الْعَظِيم من الْإِبِل وَغَيرهَا. وَأنْشد:
لقد غدوتُ طارداً وقانصاً
أَقُود عِلْهَمّا أشَقّ شاخصا
أُمْرِج فِي مَرْج وَفِي فَصافِصا
أَو زهرَ ترى لَهُ بصائصا
حَتَّى نَشَا مُصامِصا دُلامصا
وَيجوز عِلّهم بتَشْديد اللَّام.
(هنبع) : وَقَالَ اللَّيْث: سَمِعت عُقْبة بن رؤبة يَقُول: الهُنْبُع: شبه مِقنعة قد خيط مقدَّمها يلبسهَا الْجَوَارِي. وَيُقَال: الهُنبع: مَا صغر مِنْهَا. والخُنْبُع مَا اتّسع مِنْهَا، حَتَّى يبلغ الْيَدَيْنِ أَو يغطّيهما. وَالْعرب تَقول: مَا لَهُ هُنبع وَلَا خُنْبع.
عنته: وَقَالَ ابْن دُرَيْد: رجل عُنْتُه وعُنْتُهيّ: وَهُوَ المبالغ فِي الأمل إِذا أخَذ فِيهِ.
همقع: سَلمَة عَن الْفراء: رجل هُمّقِع: أَحمَق، وَامْرَأَة هُمّقعة: حمقاء زعم ذَلِك أَبُو شَنْبل.
وَقَالَ اللحياني فِي (كِتَابه) : الهُمَّقع: جَنَى التَّنْضُب، وَهُوَ شجر مَعْرُوف. قَالَ: وَمثله رجل قُمَرِّز أَي قصير وَرجل زُمَّلق وَهُوَ الشَّكَّاز.
دهقع: ابْن هانىء عَن أبي زيد: الْجُوع الدُهْقوع: هُوَ الشَّديد الَّذِي يَصْرع صَاحبه.
هبقع: وَقَالَ ابْن دُرَيْد: رجل هَبْقَع وهُبَاقع: قصير ملزَّز الخَلْق.(3/174)
(بَاب الْعين وَالْخَاء من الرباعي)
(ع خَ)
خضرع: قَالَ اللَّيْث: الخُضَارع: هُوَ الْبَخِيل المتسمّح، وتأبى شيمته السماحة، وَهُوَ المتخضرِع.
(خذعب) : (قَالَ: والخُذْعوبة هِيَ الْقطعَة من القَرْعة أَو القِثّاء أَو الشَّحْم) .
خثعم: قَالَ: وخَثْعَم: اسْم جبل، فَمن نزله فهم خَثْعَمِيُّون، قَالَ: وخَثْعَم: قَبيلَة.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: الخَثْعَمة: أَن يُدخل الرّجلَانِ إِذا تعاقدا إصبعيهما فِي منخر الْجَزُور المنحور يتعاقدان على هَذِه الْحَالة.
وَقَالَ قطرب: الخثعمة: التلطّخ بِالدَّمِ. يُقَال خثعموه فَتَرَكُوهُ أَي رَمّلوه بدمه.
ختعر: وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الخيتعور: الغادر. وروَى عَن سَلمَة عَن الْفراء أَنه قَالَ: يُقَال للشَّيْطَان: الخَيْتَعُور. ونَوًى خيتعور: وَهِي الَّتِي لَا تستقيم.
وَقَالَ اللَّيْث: الخَيْتَعُور: مَا بَقِي من السراب من آخِره حَتَّى يتفرّق فَلَا يلبث أَن يضمحلّ. قَالَ وخَتعَرَتُه اضمحلاله.
قَالَ: وَيُقَال: بل الخَيْتَعُور: دُوَيْبة تكون على وَجه المَاء، لَا تلبث فِي مَوضِع إلاّ ريثما تَطْرِف. وكل شَيْء لَا يَدُوم على حَال ويتلوَّن فَهُوَ خَيْتَعُور. والغُول خيتعور. وَالَّذِي ينزل من الْهَوَاء أبيضَ كالخيوط أَو كنسج العنكبوت هُوَ الخيتعور. قَالَ والخيتعور الدُّنْيَا. وَأنْشد:
كل أُنْثَى وَإِن بدا لَك مِنْهَا
آيةُ الحبِّ حُبُّها خيتعور
قَالَ: والخَيْتَعُور: الذِّئْب، سمّي بذلك لِأَنَّهُ لَا عهد لَهُ وَلَا وَفَاء.
خرعب: أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي قَالَ الخَرْعبة الْجَارِيَة الليّنة القصبِ الطَّوِيلَة.
وَقَالَ اللَّيْث: الخَرْعَبة: الشابَّة الْحَسَنَة القَوَام، كَأَنَّهَا خُرْعوبة من خراعيب الأغصان من نَبَات سَنَتِها، وجمل خُرْعوب طَوِيل فِي حسن خَلْق. وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
بَرَهْرهة رَخْصة رُودة
كخُرعوبة البانة المنفطر
خرفع: وَقَالَ أَبُو عَمْرو الخُرْفع: مَا يكون فِي جراء العُشَر وَهُوَ حُرَّاق الْأَعْرَاب. وَيُقَال للقطن المندوف: خُرفُع
وَقَالَ اللَّيْث: الخرفع: الْقطن الَّذِي يفسُد فِي براعيمه.
(خنعب) : أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: هِيَ الخُنْعُبة والنونة والثومة والهَزْمة والوهدة والقَلْدَة والهَرْتمة والعَرْتمة والحِثْرِمة.
وَقَالَ اللَّيْث: الخُنْعُبة: مَشَقُّ مَا بَين الشاربين بِحيال الوَتَرَة.(3/175)
خبعج: وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الخَبْعَجَة: مِشية متقارِبة مثل مِشية المُريب: يُقَال: جَاءَ يُخبْعِج إِلَى رِيبَة. وَأنْشد:
كَأَنَّهُ لمّا غَدا يخبعج
صَاحب موقين عَلَيْهِ مَوْزَج
وَقَالَ آخر:
جَاءَ إِلَى جِلّتها يخبعج
فكلهن رائم تُدَرْدِج
خزعل: سَلمَة عَن الْفراء: نَاقَة بهَا خَزْعال أَي ظَلْع. وَلَيْسَ فِي الْكَلَام مثله. وخَزْعل خَزْعلة إِذا ظلع. وَقَالَ الراجز:
وسَدْو رجْلي من ضِعَاف الأرجل
مَتى أُرِد شدّتها تُخَزْعِلِ
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الخُزْعالة اللّعب والمزاح.
خذعل: وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْأَصْمَعِي: الخِذْعِل والخِرْمِل: الْمَرْأَة الحمقاء.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ: خَذْعل البطّيخَ إِذا قطعه قِطَعاً صغَارًا، وخردل اللَّحْم وخرذله بِالدَّال والذال مثله.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد خذعله: بِالسَّيْفِ: إِذا قطعه قَالَ: والخذعلة والخزعلة ضرب من الْمَشْي.
(خنتع) : وَقَالَ الْمفضل الخُنْتَعَة: الثُّرملة، وَهِي الْأُنْثَى من الثعالب.
ختلع: وَقَالَ ابْن دُرَيْد: أَخْبرنِي أَبُو حَاتِم أَنه قَالَ لأم الْهَيْثَم وَكَانَت أعرابية فصيحة: مَا فعلت فُلَانَة الأعرابية لامْرَأَة كنت أَرَاهَا مَعهَا؟ فَقَالَت: ختلعت وَالله طالعة. فَقلت: مَا ختلعت؟ فَقَالَ: ظَهرت، تُرِيدُ أَنَّهَا خرجت إِلَى البدو.
(خرعب خبرع) : وَقَالَ ابْن دُرَيْد: جَارِيَة خرعبة وخُرعوبة: دقيقة الْعِظَام كَثِيرَة اللَّحْم، وجسم خرعب، قَالَ والخُبروع النمَّام، والخَبْرَعة فعله.
خنفع: عَمْرو عَن أَبِيه الخنفع: الأحمق.
تخطع: وَقَالَ ابْن دُرَيْد: تخطع اسْم قَالَ وَأَحْسبهُ مصنوعاً لِأَنَّهُ لَا يعرف مَعْنَاهُ.
خندع: وَقَالَ أَبُو الدقيش: الخُنْدَع بِالْخَاءِ: أَصْغَر من الجندب، حَكَاهُ ابْن دُرَيْد.
(بَاب الْعين وَالْقَاف)
(ع ق)
قعضب: اللَّيْث: القَعْضَب الضخم (الشَّديد) الجريء، قَالَ والقَعْضَبة: استئصال الشَّيْء.
وَقَالَ غَيره: قعضب اسْم رجل كَانَ يعْمل الأسِنّة، إِلَيْهِ نسبت أسنة قَعْضَب.(3/176)
عَمْرو عَن أَبِيه: القعضبة: الشدّة، قَالَ: وقَرَب قَعْضَبيّ، وقَعْطَبيّ: شَدِيد. قَالَ: وَكَذَلِكَ قَرَبٌ مُقَعَّط.
قضعم: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: القَضْعم: الشَّيْخ المسِن.
(دعشق) : وَقَالَ اللَّيْث: الدُعْشُوقة: دويْبَة شِبْه خنفساء، وَرُبمَا قَالُوا للصبية وَالْمَرْأَة القصيرة: يَا دُعْشُوقة، تَشْبِيها بِتِلْكَ الدويبة.
قشعم: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: القَشْعَم: النسْر المسنّ. والقَشْعَم: الْمَوْت.
وَقَالَ اللَّيْث: القَشْعم هُوَ المسنّ من النسور والرَخَم لطول عمره. وَالشَّيْخ الْكَبِير يُقَال لَهُ: قشعم الْقَاف مَفْتُوحَة وَالْمِيم خَفِيفَة، فَإِذا ثَقَّلت الْمِيم كسرت الْقَاف، وَكَذَلِكَ بِنَاء الرباعي المنبسط إِذا ثُقّل آخِره كسر أَوله وَأنْشد:
إِذا زعمت ربيعَة القِشْعَمُّ
قَالَ: وتكنى الْحَرْب أمَّ قشعم، والضبع أمّ قشعم.
وَقَالَ أَبُو عبيد فِي القَشْعَم والقِشْعَمّ نَحوا مِمَّا قَالَ اللَّيْث، وَكَذَلِكَ قَالَ شمر. قَالَ وَقَالَ أَبُو عَمْرو: وأَمّ قشعم هِيَ المنيّة، وَهِي كنية الْحَرْب أَيْضا، وَقَالَ زُهَيْر:
لَدَى حَيْثُ أَلْقَت رَحلهَا أم قشعم
وَقَالَ أَبُو زيد كل شَيْء يكون ضخماً فَهُوَ قَشْعم وَأنْشد:
وقِصَع يُكْسَى ثُمالا قَشْعما
والثمال: الرغوة.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد القُشْعوم: الصَّغِير الْجِسْم، وَبِه سمي القُرَاد، وَهُوَ القرشوم والقِرْشام.
عشرق: وَقَالَ اللَّيْث: العِشْرِق من الْحَشِيش، ورقه شَبيه بورق الْغَار، إلاّ أَنه أعرض مِنْهُ وَأكبر إِذا حركته الرّيح تسمع لَهُ زَجلاً، وَله حَمْل كحَمْل الْغَار، إلاّ أَنه أعظم مِنْهُ. وَقَالَ الْأَعْشَى:
كَمَا اسْتَغَاثَ برِيح عِشْرِق زَجِل
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: العِشْرِق نَبَات أَحْمَر طيّب الرَّائِحَة تستعمله العرائس.
قشعر: وَقَالَ اللَّيْث: القُشْعُر: القثاء. والقُشَعْرِيرة: اقشعرار الجِلد، وكل شَيْء تغيّر فَهُوَ مقشعرّ. قَالَ والقُشْعُرة: الْوَاحِدَة من القِثَاء بلغَة أهل الْجوف من الْيمن. قَالَ: واقشعرت السّنة من شدَّة الشتَاء وَالْمحل واقشعرّت الأَرْض من المَحْل، واقشعرّ الْجلد من الجَرَب. والنبات إِذا لم يصب ريّاً فَهُوَ مُقْشَعِر.
وَقَالَ أَبُو زُبيد:
أصبح الْبَيْت بَيت آل بَيَان
مقشعِرّا والحيّ حيٌ خلوف
سَلمَة عَن الْفراء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ} (الزمر: 23) . قَالَ يقشعرّ من آيَة الْعَذَاب ثمَّ تلين عِنْد نزُول آيَة الرَّحْمَة.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي فِي قَول الله جلّ وَعز: {تُرْجَعُونَ وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالاَْخِرَةِ وَإِذَا} (الزُّمَر: 45) أَي اقشعرَّت.
وَقَالَ غَيره نفرت. واقشعر شَعَره إِذا قَفَّ.
قضعم: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال(3/177)
للناقة الهرِمة: قِضْعِم، وجَلْعَم.
(قلعم) : قَالَ: والقَلْعَم: الْعَجُوز المسنّة.
عشنق: وَقَالَ اللَّيْث: العَشَنَّق: الطَّوِيل الْجِسْم. وَامْرَأَة عَشَنَّقة: طَوِيلَة العُنُق ونعامة عَشَنَّقة. والجميع العشانق والعشانيق والعَشَنَّقُون. وَفِي حَدِيث أمّ زرع أَن إِحْدَى النِّسَاء قَالَت: زَوجي عَشَنّق إِن أنطق أَطْلَق، وَإِن أسكت أعْلَق.
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْأَصْمَعِي: العشنق الطَّوِيل. تَقول: لَيْسَ عِنْده أَكثر من طُوله بِلَا نفع، فَإِن ذكرتُ مَا فِيهِ من الْعُيُوب طلَّقني، وَإِن سكتّ تركني معلَّقة، لَا أيّماً وَلَا ذَات بعل.
عنقش: وَقَالَ أَبُو عَمْرو: العِنْقاش: اللَّئِيم الوَغْد. وَقَالَ أَبُو نُخَيلة:
لما رماني النَّاس بِابْني عَمّي
بالقِرد عِنقاشٍ وبالأصمّ
قلت لَهَا يَا نفسِ لَا تهتمي
قرشع: وَقَالَ أَبُو عَمْرو أَيْضا: القِرْشِع: الجائر، وَهُوَ حَرٌّ يجده الرجل فِي صَدره وحَلْقه. وَحكى عَن بعض الْعَرَب أَنه قَالَ: إِذا ظهر بجسد الْإِنْسَان شَيْء أَبيض كالملح فَهُوَ القِرْشِع. قَالَ: والمقرنشع: المنتصب المستبشر.
(صقعر) : وَقَالَ اللَّيْث: الصقعر: المَاء المر الغليظ.
(صرقع) : وَقَالَ أَبُو سعيد: يُقَال سَمِعت لرجله صرقعة وفَرقعة بِمَعْنى وَاحِد.
عرقص: وَقَالَ اللَّيْث: العُرْقُصَاء، والغُرَيقِصاء: نَبَات يكون بالبادية. وَبَعض يَقُول: عَرَنْقُصانة. والجميع عَرَنْقُصَان.
قَالَ: وَمن قَالَ عُرَيقِصاء وعُرْقُصاء فَهُوَ فِي الْوَاحِدَة والجميع مَمْدُود على حَال وَاحِدَة.
وَقَالَ الْفراء: العَرَقُصان والعَرَتُن محذوفان، الأَصْل عَرَنْتُن وعَرَنْقُصان، فحذفوا النُّون وأبقوا سَائِر الحركات على حَالهَا، وهما نبتان.
عَمْرو عَن أَبِيه: العَرَقُصان: دَابَّة من الحشرات.
سَلمَة عَن الْفراء: قَالَ العَرْقصة: مشي الحيَّة.
قنصعر: وَقَالَ اللَّيْث: القِنْصَعْر: الْقصير الْعُنُق وَالظّهْر المكتّل من الرِّجَال. وَأنْشد:
لَا تعدِلي بالشيظم السِبَطْرِ
الباسط الباع الشَّديد الْأسر
كلَّ لئيم حَمِق قُنْصَعْر
قَالَ وضربته حَتَّى اقعنصر أَي تقاصر إِلَى الأَرْض. وَهُوَ مقعنصر، قُدّم الْعين على النُّون حَتَّى يحسن إِخْفَاؤُهَا، فَإِنَّهَا لَو كَانَت بِجنب الْقَاف ظَهرت. وَهَكَذَا يَفْعَلُونَ فِي افعنلل، يقلبون الْبناء حَتَّى لَا تكون النُّون قبل الْحُرُوف الحَلْقية، وَإِنَّمَا أَدخلْتُ هَذِه الْكَلِمَة فِي حدّ الرباعيّ فِي قَول من يَقُول: الْبناء رباعيّ وَالنُّون زَائِدَة.
قرصع: وَقَالَ اللَّيْث: قرصعت الْمَرْأَة قرصعة(3/178)
وَهِي مشْيَة قبيحة.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: قرصعت الْمَرْأَة قرصعة وَهِي شبه قبيحة وَأنْشد:
إِذا مشت سَالَتْ وَلم تُقرصع
هز الْقَنَاة لدنة التهزّع
قَالَ: وَقَالَ أَبُو زيد: قرصعت الْكتاب قرصعة إِذا قَرْمطته. قَالَ وَيُقَال: رَأَيْته مقرنصعا أَي متزمّلا فِي ثِيَابه، وقرصعته أَنا فِي ثِيَابه.
عَمْرو عَن أَبِيه: القَرْصَع من الأيور: الْقصير المُعَجَّر، وَأنْشد:
سلوا نسَاء أشجعْ
أيّ الأيور أَنْفَع
أألطويل النُعْنُع
أم الْقصير القَرْصع
وَقَالَ أَعْرَابِي من بني تَمِيم: إِذا أكل الرجل وَحده من اللؤم فَهُوَ مُقَرْصِع.
صقعل: أَبُو عبيد عَن الْأمَوِي: الصِقَعْل: التَّمْر الْيَابِس، يُنقع فِي اللَّبن الحليب. وَأنْشد:
ترى لَهُم حول الصِّقَعْلِ عِثْيرَة
صلقع وسلقع: وَقَالَ اللَّيْث: الصَلْقع والصَلقعة: الإعدام. يُقَال صَلْقع الرجلُ فَهُوَ مُصَلقع: عديم مُعْدِم. قَالَ: وَتجوز فِيهِ السِّين. وَهُوَ نعت يَتبع البلقع لَا يفرد: يُقَال بَلْقَع سَلْقع. قَالَ: وبلاد بَلَاقِع سلاقع، قَالَ: والسَلْقع الْمَكَان الحَزْن والحصى إِذا احميت عَلَيْهِ الشَّمْس وَهِي الأَرْض القَفَار الَّتِي لَا شَيْء فِيهَا. وَيُقَال: اسلنقع البرقُ إِذا استطار فِي الْغَيْم، وَإِنَّمَا هِيَ خَطْفة خَفِيفَة لَا لبث فبها. والسِلِنْقاع الِاسْم من ذَلِك.
عسلق: قَالَ: وكل سبع جريء على الصَّيْد يُقَال لَهُ عَسْلَق والجميع عسالق. وَقَالَ غَيره: العَسَلَّق: الظليم وَقَالَ الرَّاعِي:
بِحَيْثُ يلاقي الآبِدَات العَسَلَّقُ
عَمْرو عَن أَبِيه: العَسْلَق: السراب.
(عسقل) : وَقَالَ اللَّيْث: العُسْقول: ضرب من الجَبْأة. وَهِي كمأة لَوْنهَا بَين الْبيَاض والحمرة والواحدة عُسقولة.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: هِيَ العساقيل. قَالَ: وأنشدنا أَبُو زيد:
وَلَقَد جنيتك أكمؤا وعساقلا
وَلَقَد نهيتك عَن بَنَات الأوبر
أَبُو عبيد والعساقيل من السراب أَيْضا. وَقَالَ كَعْب بن زُهَيْر:
وَقد تلفَّح بالقُور العساقيل
أَرَادَ تلفعت القُور بالعساقيل فَقلب.
وَقَالَ اللَّيْث: العسقلة والعُسقول: تلمّع السراب. وقِطَع السراب عساقل. وَقَالَ رؤبة:
جرد مِنْهَا جُدَدا عساقلا
تجريدك المصقولة السلائلا
يَعْنِي المسحلَ جرَّداتُنا انسلَتَ شعرُها، فَخرجت جُدَدا بيضًا كَأَنَّهَا عساقل السراب.
عَمْرو عَن أَبِيه يُقَال ضرب عَسْقَلانه، وَهُوَ أَعلَى رأسِه. وعسقلان من أجناد الشَّام.
عسقد: الْأَثْرَم عَن أبي عُبَيْدَة وَابْن الْأَعرَابِي(3/179)
عَن الْمفضل قَالَا العُسْقُد: الطَّوِيل الأحمق.
عسقف: وَقَالَ اللَّيْث: العسقفة نقِيض الْبكاء. يُقَال: بَكَى فلَان وعسقف فلَان أَي جَمَدت عينه فَلم يبك.
فقعس: وَبَنُو فقعس حيّ من الْعَرَب من بني أسَد. وَلَا أَدْرِي مَا أَصله فِي الْعَرَبيَّة.
صقعب: قَالَ والصَّقْعَب: الطَّوِيل من الرِّجَال.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي فِي الصَّقْعَب مثله.
عبقص: ابْن دُرَيْد العَبْقَص والعُبْقُوص: دويّبة.
عسقب: وَقَالَ اللَّيْث: العِسْقِبة: عُنِيقيد يكون منفرِداً مُلْتَزما بِأَصْل العنقود الضخم. والجميع العساقب.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: العَسْقَبة: جمود الْعين فِي وَقت الْبكاء.
قلت جعله اللَّيْث العسقفة بِالْفَاءِ وَالْبَاء عِنْدِي أصوب.
(قعمص قعمس) : والقُعْمُوص والقُعْمُوس والجُعْمُوس وَاحِد. وَيُقَال قَعْمس إِذا أبدى بمرّة، وَوضع بِمرَّة. قَالَ: وَيُقَال تحرّك قُعْمُوصه فِي بَطْنه، وَهُوَ بلغَة أهل الْيمن. قَالَ والقُعموس: ضرب من الكَمأة.
صعفق: وَقَالَ اللَّيْث: الصعفوق: اللَّئِيم من الرِّجَال. وهم الصعافقة، كَانَ آباؤهم عبيدا فاستعربوا. وَقَالَ العجَّاج:
من آل صَعْفوق وَأَتْبَاع أُخَر
قَالَ: وَقَالَ أعرابيّ: مَا هَؤُلَاءِ الصعافقة حولك. وَيُقَال هم بالحجاز مسكنهم. رذَالة النَّاس. وَيُقَال للَّذي لَا مَال لَهُ: صَعْفُوق وصعَفْقيّ. والجميع صعافقة وصعافيق.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: رجل صَعْفقيّ. قَالَ: والصعافقة يُقَال قوم من بقايا الْأُمَم الخالية بِالْيَمَامَةِ، ضلَّت أنسابُهم.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: وَغَيره يَقُول: هم الَّذين يدْخلُونَ السُّوق بِلَا رَأس مَال.
ورَوَى أَبُو عبيد عَن الشّعبِيّ أَنه قَالَ: مَا جَاءَك عَن أَصْحَاب مُحَمَّد فَخذه، ودع مَا يَقُول هَؤُلَاءِ الصعافقة. قَالَ: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الصعافقة: قوم يحضُرون السُّوق للتِّجَارَة، وَلَا نَقْد مَعَهم وَلَا رُؤُوس أَمْوَال فَإِذا اشْترى التُّجَّار شَيْئا دخلُوا مَعَهم. وَالْوَاحد صَعْفَقِيّ.
وَقَالَ غير الْأَصْمَعِي: صعفق، وَكَذَلِكَ كل من لَيْسَ لَهُ رَأس مَال. وجمعهم صعافقة وصعافيق.
وَقَالَ أَبُو النَّجْم:
يَوْم قَدرنَا والعزيز مَن قدر
وآبت الْخَيل وقضّينا الوطر
من الصعافيق وأدركنا المِئَرْ
أَرَادَ أَنهم ضعفاء لَيست لَهُم شجاعة وَلَا قُوَّة على قتالنا. وَكَذَلِكَ أَرَادَ الشّعبِيّ: أَن هَؤُلَاءِ لَا علم لَهُم وَلَا فقه، فهم بِمَنْزِلَة التُّجَّار الَّذين لَيْسَ لَهُم رُؤُوس أَمْوَال.
(سعفق) : الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت قَالَ: كلّ مَا جَاءَ على فعلول فَهُوَ مضموم الأول؛ مثل زُنبور وبُهلول وعُمروس(3/180)
وَمَا أشبه ذَلِك، إلاّ حرفا جَاءَ نَادرا، وهم بَنو سَعفوق لَخَول بِالْيَمَامَةِ. وَبَعْضهمْ يَقُول: سُعفوق (1) بِالضَّمِّ.
وَأنْشد ابْن شُمَيْل لطَرِيف بن تَمِيم:
لَا تأمنن سليمى أَن أفارقها
صَرْمى ظعائن هِنْد يَوْم سُعفوق
لقد صرمتُ خَلِيلًا كَانَ يألفني
والآمنات فراقي بعده خوقُ
قَالَ: سُعفوق: اسْم ابْنه. والخوقاء الحمقاء من النِّسَاء.
قعسر: وَقَالَ اللَّيْث: القَعْسَرِيّ: الْجمل الضخم الشَّديد. وَهُوَ القَعْسَر أَيْضا. قَالَ والقعسرِيّ: الْخَشَبَة الَّتِي يدار بهَا الرَّحَى الصَّغِيرَة. يطحن بهَا بِالْيَدِ. وَأنْشد:
الزَمْ بقعسرِيّها
وألق فِي خُرِيَّها
تُطْعِمُك من نقِيّها ونفيها
وَقَالَ: فُرِيُّها: فمها الَّذِي تُلقى فِيهِ لُهوتها. قَالَ والقعسري فِي صفة الدَّهْر. قَالَ العجاج:
أفنى الْقُرُون وَهُوَ قَعْسَرِيّ
شبه الدَّهْر بالجمل الشَّديد.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه أنْشدهُ:
دلوتمأَى دُبغت بالحُلَّب
وبأعالي السلَم المضرَّب
بلَّت بكفي عَزَب مشذّب
إِذا اتنك بالنَقِيّ الْأَشْهب
فَلَا تُقَعْسرها وَلَكِن صوّب
أَي لَا تجذبها إِلَيْك وَقت الصب. الْفراء: القعسريّ: الصُلْب الشَّديد.
سرقع: عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ السُّرْقُع: النَّبِيذ الحامض. قَالَ وكبش قَرْعَسٌ إِذا كَانَ عَظِيما.
عسقر: وَقَالَ المؤرج: رجل متعسقِر إِذا كَانَ جلدا صبوراً وَأنْشد:
وصرتَ ملهودا بقاعٍ قَرقر
يجْرِي عَلَيْك المُورُ بالتهرهر
يَا لكِ من قُنْبَرة وقُنْبر
كنت على الْأَيَّام فِي تعسقر
أَي فِي صَبر وجلادة. والتهرهر: صَوت الرّيح، تهرهرت وهرهرت وَاحِد.
قلت: وَلَا أَدْرِي مَن روى هَذَا عَن المؤرّج، وَلَا أثِق بِهِ.
عقرس: اللَّيْث: عِقْرِس: حَيّ من الْيمن.
قرعس: عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: القِرْعَوْس والقِرْعَوْش: الْجمل الَّذِي لَهُ سَنَامان.
عنسق: وَفِي (النَّوَادِر) العنسق من النِّسَاء الطَّوِيلَة المعرقة وَمِنْه قَول الراجز:
حَتَّى رُميت بمزُق عنسقِ
تَأْكُل نصف المُدّلم يُلَبَّقِ
عنقس: وَقَالَ ابْن دُرَيْد: العَنْقَس: الداهي الْخَبيث.(3/181)
قعنس: أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: المُقْعَنْسِسُ: الشَّديد. وَهُوَ المتأخّر أَيْضا.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: جَمَل مقعنسِس إِذا امْتنع أَن يضام.
(أَبُو عَمْرو: القعنسة: أَن يرفع الرجل رَأسه وصدره.
قَالَ الجعديّ:
إِذا جَاءَ ذُو خُرْجين مِنْهُم مُقَعِنسا
من الشأم فَاعْلَم أَنه شَرّ قافل)
قنعس: وَقَالَ اللَّيْث: القِنعاس: الْجمل الضخم، وَرجل قِنْعاس: شَدِيد منيع، وَقَالَ جرير:
وابنُ اللَّبون إِذا مَا لُزَّ فِي قَرَن
لم يسْتَطع صَوْلة البُزْل القناعيس
وَقَالَ أَبُو عبيد فِي القنعاس مثله.
(عقبس عقبل) : اللحياني: العقابيس: الشدائد من الْأُمُور وَقَالَ غَيره: رَمَاه الله بالعقابيس والعقابيل والعباقيل وَهِي الدَّوَاهِي.
قنْزع: اللَّيْث: المُقَنْزَعة: الْمَرْأَة القصيرة جدا. والقُنْزُعة هِيَ الَّتِي تتخذها الْمَرْأَة على رَأسهَا، والقُنزعة من الْحِجَارَة أعظم من الجَوزة وَفِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأم سُلَيم (خَضّلي قنازعك) أَي ندّيها ورطّليها بالدُهن ليذْهب شَعَثُها، وقنازعها: خُصَل شعرهَا الَّذِي تطاير من الشَعَث وتمرَّط، فَأمرهَا بترطيلها بالدهن ليذْهب شَعَثُه.
وَفِي حَدِيث آخر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن القنازع. قَالَ الْأَصْمَعِي: القنازع وَاحِدهَا قُنْزُعة وَهُوَ أَن يُؤْخَذ الشّعْر، وَيتْرك مِنْهُ مَوَاضِع لَا تُؤْخَذ. وَيُقَال: لم يبْق لَهُ من شعره إلاّ قُنْزُعة. والعُنْصُوة مثل ذَلِك. قَالَ: وَهَذَا مِثْل نَهْيه عَن القَزَع.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: القنازع: الدَّوَاهِي. والقُنْزُعة: العَجْب. وقنازع الشّعْر خُصَله ويشبَّه بهَا قنازع النَّصِيّ والإِسنامة. قَالَ ذُو الرمَّة:
قنازعَ أسنام لَهُ وثغام
وَقَالَ شمر: القنازع من الشّعْر: مَا يبْقى فِي نواحي الرَّأْس متفرّقا. وَاحِدهَا قنْزُعة. وَأنْشد:
صيَّر مِنْك الرَّأْس قنزعاتِ
واحتلق الشعرَ عَن الهامات
قَالَ: والقنازع فِي غير هَذَا الْقَبِيح من الْكَلَام. وَقَالَ عدِيّ بن زيد: أنشدنيه ابْن الْأَعرَابِي:
فَلم أحتَمل فِيمَا أتيتُ ملامة
أتيتُ الْجمال واجتنبتُ القنازعا
قَالَ شمر: وَقَالَ أَبُو عَمْرو وَابْن الْأَعرَابِي: القنازع والقناذع: الْقَبِيح من الْكَلَام، فَاسْتَوَى عِنْدهمَا الزَّاي والذال فِي الْقَبِيح من الْكَلَام، فأمّا فِي الشَعَر فَلم أسمع إلاّ قنازع. قَالَ: وَأما الديّوث فَيُقَال قنذع وقندع بِالذَّالِ وَالدَّال. وَهَذَا رَاجع إِلَى المخازي والقبائح.(3/182)
وروى شُعْبَة عَن يزِيد بن حُمير قَالَ سَمِعت زُرْعة الوحاظيّ قَالَ كُنَّا مَعَ أبي أَيُّوب فِي غَزْوَة فَرَأى رجلا مَرِيضا، فَقَالَ لَهُ: أبشِرْ، مَا من مُسلم يمرض فِي سَبِيل الله إِلَّا حَطّ الله عَنهُ خطاياه وَلَو بلغت قنذُعة رَأسه.
رَوَاهُ بُندار عَن أبي دَاوُد عَن شُعْبَة قَالَ بنْدَار: قَالَ لأبي دَاوُد: قل قنزعة؛ فَقَالَ: قنذعة.
قَالَ شمر: وَالْمَعْرُوف فِي الشَعَر القُنْزعة والقنازع، كَمَا لقَّن بنْدَار أَبَا دَاوُد فَلم يَلْقَنه. قَالَ: والقنازع من الشّعْر: مَا يَبْقى فِي نواحي الرَّأْس مُتَفَرقًا، وَاحِدهَا قنزعة. وَقَالَ ذُو الرمة يصف القطا وفراخها:
يَنُؤنَ وَلم يُكسَيْن إِلَّا قنازعا
من الريش تَنْواء الفصال الهزائل
عنقز: وَقَالَ اللَّيْث: العَنْقَز: المَرْزَنْجُوش. وَقيل العنقز السمّ. وَقيل العنقز: الداهية، من كتاب أبي عَمْرو.
وَقَالَ بَعضهم: العَنْقَز. جُرْدان الْحمار. وَأنْشد غَيره:
اسْلَمْ سَلِمتَ أَبَا خَالِد
وحيّاك رَبك بالعنقز
قعفز: أَبُو عبيد عَن الْفراء: جلس القَعْفَزَى وَقد اقعنفز وَهُوَ أَن يجابس مستوفِزا.
عقفز: أَبُو عَمْرو: العَقْفزةُ: أَن يجلس الرجل جِلسة المحتبى، ثمَّ يضمّ رُكْبَتَيْهِ وفخذيه، كَالَّذي يَهُمّ بِأَمْر شهوةٍ لَهُ وَأنْشد:
ثمَّ أَضَاءَت سَاعَة فعقفزا
ثمَّ علاها فَدَجاً وارتهزا
(زعفق) : والزعفقة: سوء الخُلُق. وَقوم زعافق: بخلاء. وَأنْشد:
إِنِّي إِذا مَا حَمْلق الزَعَافقُ
عنزق: وَيُقَال: عنزق عَلَيْهِ عنزقة أَي ضيّق عَلَيْهِ.
زبعق: وَرجل زَبَعْبَق وزَبَعْبَقِيٌّ إِذا كَانَ سيّىء الْخلق. وَأنْشد:
شِنْغِيرة ذُو خُلُق زَبَعْبَقِ
(زعبق) : وَفِي (النَّوَادِر) : تزعبق الشيءُ من يَدي أَي تبذَّر وتفرّق.
قلعط: اللَّيْث: اقلعطَّ الشَعرُ واقلعدّ. وَهُوَ الشَعر الَّذِي لَا يطول وَلَا يكون إلاّ مَعَ صَلابَة الرَّأْس وَأنْشد:
بأتلع مقلعطِّ الرَّأْس طاطِ
قعطل: وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: قَعْطَله قَعْطَلة إِذا صرعه. وَكَذَلِكَ جَعْفله. وقَعْطل على غَرِيمه إِذا ضيّق عَلَيْهِ فِي التقاضي.
قعطر: أَبُو عَمْرو: القَعْطرة: شدّة الوَثاق. وكلّ شَيْء أوثقتَه فقد قعطرتَه. (قَالَ: وَهِي الجرفسة. وَمِنْه قَوْله:
بَين صييتَيْ لَحيه مُجَرْفَسا
والكركسة: التردّد) .
قعط: قَالَ: وقعْوطوا بُيُوتهم إِذا قوّضوها(3/183)
وجوَّروها.
وَقَالَ فِي مَوضِع: قعطره أَي صرعه. وصَتَعه أَي صرعه.
قمعط: وَقَالَ اللَّيْث: اقمعطّ الرجل إِذا عظُم أَعلَى بطنِه وخَمِص أسفلُه. قَالَ: والقعموطة والقمعوطة والبعقوطة كُله: دُحروجة الجُعَل.
(عرقط) : قَالَ: والعُريقطة، دويَّبة عريضة من ضرب الجُعْل.
(قطعر) : واقطعرّ الرجل إِذا انْقَطع نَفسَه من بُهْر.
قعطب: أَبُو عَمْرو: خِمْس قَعْطَبِيّ: لَا يُبلغ إلاّ بالسير الشَّديد البَصْبَاصِ.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: ضَرَبه فقعطبه أَي قطعه.
(بعقط) : قَالَ: والبُعْقُوط: الْقصير.
عندق: اللَّيْث: العندقة مَوضِع فِي أَسْفَل الْبَطن عِنْد السُّرة كَأَنَّهُ ثغرة النَّحْر فِي الخلْقة.
(عنقد) : والعنقود من الْعِنَب، وحَمْل الْأَرَاك والبُطْم ونحوِه.
وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال: عنقود وعِنْقاد، وعُثْكول وعِثْكال.
(قردع) : وَقَالَ اللَّيْث: القُرْدوعة: الزاوية تكون فِي شِعْب جبل. وَأنْشد:
من الثياتل مأواها القراديع
سَلمَة عَن الْفراء قَالَ: القَرْدعة والقَرْدَحة: الذلّ.
(درقع) : والدَرْقَعة: فرار الرجل من الشَّدِيدَة. يُقَال: درقع، دَرْقعة، وادْرَنْقع.
عَمْرو عَن أَبِيه: الدُّرْقُع: الرّاوية.
قمعد: اللَّيْث: كَلمته فاقمعدّ اقمعدادا: والمقمعدّ: الَّذِي تكَلمه بجهدك، فَلَا يلين لَك وَلَا ينقاد.
(عرقد) : والعَرْقَدة: شدَّة فَتْل الْحَبل ونحوِه من الْأَشْيَاء كلهَا.
دعلق: وَفِي (النَّوَادِر) : دعلقت الْيَوْم فِي هَذَا الْوَادي وأعلقت، ودعلقت فِي الْمَسْأَلَة عَن الشَّيْء وأعلقت فِيهَا أَي أبعدت فِيهَا.
درقع: والجوع الدَيْقُوع والدُّرقوع: الشَّديد. وَكَذَلِكَ الْجُوع اليَرْقوع والبُرْقُوع.
(قذعل) : قَالَ بَعضهم: المقذعِلّ: السَّرِيع من كل شَيْء. وَأنْشد:
إِذا كُفيت أكتفي وإلاَّ
وجدتني أَرمُل مقذعلاَّ
(عذلق) : ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال للغلام الحارّ الرَّأْس الْخَفِيف الرّوح: عُسلوج، وعُذْلوق، وذُعْلوق، وغيْذان وغيدان، وشَمَيْذَر.
ذعلق: اللَّيْث: الذُعْلُوق: نَبَات يكون بالبادية. وَقَالَ غَيره: يُشَبَّه بِهِ المُهْر الناعم. وَأنْشد:
يَا ربّ مُهر مَزْعوقْ
مقيّل أَو مغبوق
حَتَّى شَتَا كالذُعْلوق
قذعل: أَبُو عَمْرو رجل قِذَعْل: لئيم خسيس.
قذعر: اللَّيْث: المقذعِرّ: المتعرض للْقَوْم ليدْخل فِي أُمُورهم وحديثهم. يَقُول: يَقْذَعِرّ نحوهم يَرْمِي بِالْكَلِمَةِ بعد الْكَلِمَة ويتزحّف إِلَيْهِم.(3/184)
قنذع: أَبُو عبيد: القُنْذُع والقُنْذَع: الديُّوث. وَقَالَ اللَّيْث مثله. وَهُوَ بالسُّرْيَانيَّة.
(قرثع) : اللَّيْث: القَرْثَع هِيَ الْمَرْأَة الجريئة القليلة الْحيَاء. وَقَالَ غَيره: امْرَأَة قَرْثَع وقَرْدَع وَهِي البلهاء.
أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي: القَرْثع من النِّسَاء الَّتِي تكحل إِحْدَى عينيها، وتلبس درعها مقلوباً وَجَاء عَن بَعضهم أَنه قَالَ. النِّسَاء أَربع. فمنهن أَرْبَعَة تَرْبَع، وجامعة تجمع، وَشَيْطَان سَمَعْمَع. ومنهنّ القرثع.
وَقَالَ ابْن السّكيت: أصل القرثع وَبَر صغَار تكون على الدوابّ. وَتقول: صوف قَرْثَع تشبَّه الْمَرْأَة بِهِ لضَعْفه ورداءته.
أَبُو عبيد عَن الْفراء: إِنَّه لقِرْثَعِة مالٍ، وقَرْثَعة مَال إِذا كَانَ يَصْلح المالُ على يَدَيْهِ. وَمثله إِنَّه لَتِرْعيَّة مَال.
قعثر: ابْن دُرَيْد: القَعْثَرة: اقتلاعك الشَّيْء من أَصله. والتقرعُث: التجمع.
(قعثل) : قَالَ ومَرّ يتقلعث فِي مَشْيه ويتقعثل إِذا مرّ كَأَنَّهُ يتقلّع من وَحَل.
(قمعث) : قَالَ: والقُمْعُوث: الديُّوث.
(قنعث) : وَرجل قِنْعَاث: كثير شعرِ الْوَجْه والجسد.
(قعثب) : وَقَالَ اللَّيْث: القُعْثُبان: دُوَيْبَّة كالخنفساء، تكون على النَّبَات. قَالَ: والقَعْثَب: الْكثير.
أَبُو زيد: يُقَال جمل قَبَعْثى، وناقة قَبَعثاة فِي نُوق قباعث. وَهُوَ الْقَبِيح الفراسن.
(عرقل) : قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي قَوْلهم: قد عرقل فلَان على فلَان وحوَّق مَعْنَاهُمَا: قد عوَّج عَلَيْهِ الْكَلَام وَالْفِعْل، وأدار عَلَيْهِ كلَاما لَيْسَ بِمُسْتَقِيم. وحوَّق مَأْخُوذ من حُوق الذّكر، وَهُوَ مَا دَار حول الكمرة. قَالَ: وَمن العرقلة سمّي عَرْقَل بن الخطيم. وَقَالَ غَيره: العِرْقيل: صفرَة البَيْض. وَأنْشد:
طَفلة تُحسب المجاسد مِنْهَا
زعفراناً يداف أَو عِرْقيلا
وَقيل: الغِرقيل: بَيَاض البَيْض بالغين مُعْجمَة.
عرقب: اللَّيْث: عرقبتُ الدَّابَّة إِذا قطعت عرقوبها. والعُرْقُوب عَقَب موتَّر خلف الْكَعْبَيْنِ. وَمِنْه قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (ويل لِلْعَرَاقِيبِ من النَّار) يَعْنِي فِي الْوضُوء. قَالَ: والعرقوب من الْوَادي منحنى فِيهِ، وَفِيه التواء شَدِيد. وَأنْشد:
وَمخُوف من المناهل وَحْش
ذِي عراقيب آجِن مدفان
وعراقيب الْأُمُور: عَصَاويدها، وَإِدْخَال اللَبْس فِيهَا.
أَبُو عبيد عَن ابْن الْكَلْبِيّ: من أمثالهم فِي خُلْف الْوَعْد: مواعيد عرقوب. قَالَ: وَسمعت أبي يخبر بحَديثه: أَنه كَانَ رجلا(3/185)
من العماليق يُقَال لَهُ عرقوب، فَأَتَاهُ أَخ لَهُ يسْأَله شَيْئا، فَقَالَ لَهُ عرقوب: إِذا أطلعت النَّخْلَة فلك طَلْعها. فلمَّا أطلعت أَتَاهُ للعِدَة فَقَالَ لَهُ: دعها حَتَّى تصير بَلَحا، فلمَّا أبلحت قَالَ: دعها حَتَّى تصير زَهْواً، ثمَّ حَتَّى تصير رُطَبا ثمَّ تَمْرا، فَلَمَّا أَتْمَرت عَمَد إِلَيْهَا عرقوب من اللَّيْل فجدَّها وَلم يُعْط أَخَاهُ مِنْهُ شَيْئا. فَصَارَ مثلا فِي الخُلْف. وَفِيه يَقُول الْأَشْجَعِيّ:
وعدتَ وَكَانَ الْخلف مِنْك سجيَّة
مواعيد عرقوب أَخَاهُ بِيَثْرِب
قَالَ اللَّيْث: يُقَال مرَّ بِنَا يَوْم أقصر من عُرقوب القطاة، يَعْنِي سَاقهَا. وَقَالَ غَيره العرقوب. طَرِيق ضيق يكون فِي الْوَادي.
القعِير الْبعيد، لَا يمشي فِيهِ إلاَ وَاحِد. فَيُقَال: تعرقب الرجلُ إِذا أَخذ فِيهِ، وتعرقب لخصمه إِذا أَخذ فِي طَرِيق يخفى عَلَيْهِ وَأنْشد:
وَإِن مَنطِقٌ زَلّ عَن صَاحِبي
تعرقبت آخر ذَا معتقَبْ
وَيُقَال عَرْقِب لبعيرك. أَي ارْفَعْ بعرقوبه حَتَّى يقوم. وَالْعرب تسمى الشِّقِرّاق طير العراقيب. وهم يتشاءمون بِهِ، وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
إِذا قَطناً بلَّغتنِيه ابنَ مُدْرك
فلاقيت من طير العراقيب أخيلا
وَتقول الْعَرَب إِذا وَقع الأخيل على الْبَعِير ليُكسَفَنَّ عرقوباه.
عَمْرو عَن أَبِيه يُقَال: إِذا أعياك غريمك فَعَرْقِبْ أَي احْتَل. وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
وَلَا يُعييك عُرقوب لوَأْيٍ
إِذا لم يعطك النَّصفَ الخصيمُ
وَفِي (النَّوَادِر:) عرقبت للبعير وعلّيت لَهُ إِذا أعنته بِرَفْع.
أَبُو خيرة العرقوب والعراقيب: خياشيم الْجبَال وأطرافها وَهِي أبعد الطّرق لِأَنَّك تتبع أسهلها أَيْن كَانَ.
وَيُقَال العرقوب: مَا انحنى من الْوَادي وَفِيه التواء شَدِيد.
(قرعب) : اللَّيْث المقرعِبُّ من الْبرد واقرعبَّ يقرعبُّ اقرعبابا.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: اقرنبع: انقبض.
وَقَالَ اللحياني: وَمثله اقرعبّ أَي انقبض وَقَالَ غَيره تقرعف وتَفَرْقَع.
عقرب: اللَّيْث: الْعَقْرَب: الذّكر وَالْأُنْثَى سَوَاء. وَالْغَالِب عَلَيْهِ التَّأْنِيث.
وَقَالَ أَبُو عبيد عَن ابْن الْكَلْبِيّ: العُقْرُبان الذّكر من العقارب. وأنشدنا:
كأنَّ مرعى أمّكم إِذْ غَدَتْ
عَقْربةٌ يكومها عُقْرُبان
وَيُقَال للرجل الَّذِي يقترض أَعْرَاض النَّاس: إِنَّه لتدبّ عقاربه. وَقَالَ ذُو الإصبع العَدْواني:
تسرِي عقاربُه إليّ
وَلَا تدبّ لَهُ عقارب
أَرَادَ: وَلَا تدبّ لَهُ مني عقارب.
أَبُو زيد: أرْض مَعْقرِبة ومثعلِبة: كَثِيرَة العقارب والثعالب. وَكَذَلِكَ مُضَفدِعة ومُطَحلِبة.(3/186)
عَمْرو عَن أَبِيه: العَقْربة: الأَمَة الْعَاقِلَة الخَدُوم.
وَقَالَ اللَّيْث: الْعَقْرَب سير مضفور فِي طَرَفه إبزيم يشدّ بِهِ ثَغْر الدابَّة فِي السرج. وعقرب النَّعل سير من سيوره. وحمار معقرَب الخَلْق: مُلَزَّز مجتمِع شَدِيد. قَالَ العجَّاج:
عَرْدَ التراقي حَشْورا معقرَبا
والعقربُ بُرج من بروج السَّمَاء. وَله من الْمنَازل الشَوْلة وَالْقلب والزُبَانَى. وَفِيه يَقُول ساجع الْعَرَب: إِذا طلعت الْعَقْرَب جمَس المِذْنب وقُرُّ الأشْيَب وَمَات الجندب. والعقربَّان: دويبة، يُقَال: هُوَ دَخَّال الْأذن.
عبقر: اللَّيْث: عَبْقَر: مَوضِع بالبادية كثير الجنّ، يُقَال فِي الْمثل: كَأَنَّهُمْ جنّ عَبْقَر. وَقَالَ المَرَّار العَدَويّ:
أعرفتَ الدَّار أم أنكرتها
بَين تِبراكٍ فشَسَّيْ عَبَقُر
قَالَ: كَأَنَّهُ توهم تثقيل الرَّاء. ذَلِك أَنه احْتَاجَ إِلَى تَحْرِيك الْبَاء لإِقَامَة الْوَزْن، فَلَو ترك الْقَاف على حَالهَا مَفْتُوحَة لتحوَّل الْبناء إِلَى لفظ لم يَجِيء مثله وَهُوَ عَبَقَر، وَلم يَجِيء على بنائِهِ مَمْدُود وَلَا مثقّل. فلمَّا ضم الْقَاف توهّم بِهِ بِنَاء قَرَبوس وَنَحْوه. والشاعر يجوز لَهُ أَن يقصُر قربوس فِي اضطرار الشّعْر فَيَقُول: قربُس. وَأحسن مَا يكون هَذَا الْبناء إِذا ذهب حرف المدّ مِنْهُ أَن يثقّل آخِره؛ لِأَن التثقيل كالمدّ. قَالَ: والعَبْقَرة من النِّسَاء التَارَّة الجميلة. وَقَالَ مِكْرَزُ بن حَفْص:
تبدل حِصْنٌ بأزواجه
عِشاراً وعبقرةً عبقرا
يَعْنِي عبقرة عبقرة ذهبَت الْهَاء فَصَارَ فِي القافية ألف بدلهَا. قَالَ: وعبقر اسْم من أَسمَاء النِّسَاء. قَالَ: والعبقِريّ: ضرب من البُسُط، الْوَاحِدَة عَبْقَرِيَّة. وَالْجَمَاعَة عبقريّ. قَالَ الله جلّ وعزّ: {عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِىٍّ} (الرَّحمان: 76) قلت: وَقَرَأَ بَعضهم: (وعباقريّ حسان) أَرَادَ بعباقريّ جمع عبقريّ. وَهَذَا خطأ؛ لِأَن الْمَنْسُوب لَا يُجمع على نسبته، وَلَا سيّما الرباعي لَا يجمع الْخَثْعَمِي بالخثاعمى، وَلَا المهلّبيّ بالمهالبي، وَلَا يجوز ذَلِك إلاّ أَن يكون نُسب إِلَى اسْم على بِنَاء الْجَمَاعَة بعد تَمام الِاسْم على نَحْو شَيْء تنسبه إِلَى حَضَاجر، فَتَقول: حضاجرى، فتنسب كَذَلِك إِلَى عباقر، فَتَقول: عباقريّ. والسراويلي وَنَحْو ذَلِك كَذَلِك. قلت: وَهَذَا كُله قَول حذّاق النَّحْوِيين الْخَلِيل وسيبويه والكسائيّ وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قصّ رُؤْيا رَآهَا، وَذكر عمر فِيهَا. فَقَالَ: فَلم أر عبقرياً يفرِي فريَه. قَالَ الْأَصْمَعِي فِيمَا روى أَبُو عبيد عَنهُ سَأَلت أَبَا عَمْرو بن الْعَلَاء عَن العبقريّ فَقَالَ: يُقَال: هَذَا عبقريّ قوم: كَقَوْلِك هَذَا سيد قوم وَكَبِيرهمْ وشديدهم وقويّهم وَنَحْو ذَلِك.
قَالَ أَبُو عبيد: وَإِنَّمَا أصل هَذَا فِيمَا يُقَال: أَنه نسب إِلَى عَبْقَر وَهِي أَرض يسكنهَا الْجِنّ، فَصَارَت مثلا لكل مَنْسُوب إِلَى شَيْء رفيع. وَقَالَ زُهَيْر بن أبي سلمى:
بخيلٍ عَلَيْهَا جِنّةٌ عبقرية
جديرون يَوْمًا أَن ينالوا فيستعلوا(3/187)
وَقَالَ غَيره: أصل العبقَريّ صفة لكلّ مَا بولغ فِي وَصفه. وَأَصله أَن عبقر بلد كَانَ يُوَشَّى فِيهِ البُسُط وَغَيرهَا، فنسب كل شَيْء جيّد إِلَى عَبْقَر.
وَقَالَ الْفراء: العبقريّ: الطَنافس الثخان، وَاحِدهَا عَبْقريَّة.
وَقَالَ مُجَاهِد: العبقريّ: الديباج.
وَقَالَ قَتَادَة: هِيَ الزرابيّ.
قَالَ سعيد بن جُبَير: هِيَ عِتَاق الزرابيّ.
وَقَالَ شَمِر: قرىء: (وعباقَريّ) بِنصب الْقَاف كَأَنَّهُ مَنْسُوب إِلَى عباقَر. وَقد قَالُوا: عباقر مَاء لبني فَزَارَة.
وَأنْشد لِابْنِ عَنَمة.
أَهلِي بِنَجْد ورحلي فِي بُيُوتكُمْ
على عباقر من غَوْريَّة الْعلم
برقع: وَقَالَ اللَّيْث: البِرْقع: اسْم السَّمَاء الرَّابِعَة. قلت: وَهَكَذَا قَالَ غَيره. وَجَاء ذكره فِي بعض الْأَحَادِيث قَالَ الْفراء: بِرْقَع نَادِر وَمثله هِجْرَع. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: هَجْرَع. وَقَالَ شمر: برقع اسْم السَّمَاء السَّابِع جَاءَ على فِعْلَل وَهُوَ غَرِيب نَادِر وَذكر أَبُو عبيد نَحوا مِنْهُ فِي البِرْقِع ثَعلب عَن ابْن الْأَعرَابِي عَن أبي المكارم. يُقَال: بُرْقُع وبُرْقَع وبُرقوع.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: تَقول الْعَرَب: بُرْقُع وَلَا تَقول بُرْقَع وَلَا بُرْقوع وَأنْشد:
ووجْه كبرقع الفتاة
قَالَ وَمن أنْشدهُ: كبرقوع، فَإِنَّمَا فرّ من الزحاف.
قلت: وَمَا حَكَاهُ ابْن الْأَعرَابِي عَن أبي المكارم يدلّ على أَن البُرقوع لُغَة فِي البُرقع.
وَقَالَ اللَّيْث: جمع البرقع البراقع. قَالَ: وتُلْبَسها الدوابُّ، وتَلبَسُها نسَاء الْأَعْرَاب. وَفِيه خَرقان للعينين. وَقَالَ تَوْبَة الحُمَيّر:
وَكنت إِذا مَا جئتُ ليلى تبرقعت
فقد رَابَنِي مِنْهَا الغداةَ سفورُها
وَقَالَ شمر: برقع مُوَصْوَص: إِذا كَانَ صَغِير الْعَينَيْنِ.
أَبُو الْعَبَّاس عَن عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: جوع يَرْقوع، وجوع بَرْقُوع بِفَتْح الْبَاء، وجوع بُرْكُوع وبَرْكُوع وخُنْتُور بِمَعْنى وَاحِد قلت: بَرْقوع بِفَتْح الْبَاء نَادِر، لم يَجِيء على فَعلول إلاّ صَعْفُوق. وَالصَّوَاب بُرقوع بِضَم الْبَاء. وجوع يَرْقوع بِالْيَاءِ صَحِيح. وَقَالَ غَيره: يُقَال للرجل المأبون قد برقع لحيته وَمَعْنَاهُ: تَزيّا بزيّ مَن لبس البرقع. وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
ألم تَرَ قيسا قيس عيلان بَرْقعت
لحاها وباعت نَبْلها بالمغازل
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: البُرْقُع: سِمَة فِي الْفَخْذ، حَلْقتان بَينهمَا خِبَاط فِي طول الفخِذ، وَفِي العَرْض الحلقتان صورته.
(عرقل) : أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: عرقل الرجل إِذا جَار عَن الْقَصْد.
عبقر: وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن بعض أهل اللُّغَة أَنه قَالَ: يُقَال: إِنَّه لأبرد من عَبْقَر، وأبرد من حَبْقَر، وأبرد من عَضْرَس. قَالَ: والعَبْقَر والحَبْقَر والعَضْرس: البَرَدُ. وَقيل العَضْرَسُ: الجليد. وَقيل: العضرس:(3/188)
نبت. وَأنْشد ابْن حبيب:
كَانَ فاهاً عَبْقريّ باردٌ
أَو ريح رَوض مسّه تَنضاح رِكَّ
وروى بَعضهم عَن أبي عَمْرو أَنه كَانَ يَقُول: هُوَ أبرد من عَبِ قُرّ. قَالَ: والعَبُ اسْم للبَرَد. وروى هَذَا الْبَيْت:
كَأَن فاهاً عَبُ قُرّ بَارِد
أَو ريح روض مسّه تنضاح رِك
قَالَ وَبِه سمي عَبُ شمس.
وَقَالَ الْمبرد: عَبَقُرّ. قَالَ: والعَبَقُر: الْبرد.
وَقَالَ غَيره: عبُ الشَّمْس ضوء الصُّبْح.
فرقع: قَالَ اللَّيْث: الفرقعة: نقيض الْأَصَابِع. يُقَال: فرقعها فتفرقعت. قَالَ: والمصدر الافرنقاع.
قَالَ: وَقَالَ بعض المتصلّفين: افرنقعوا عني: تَنحَّوْا عنّي.
قلت: الفرقعة فِي الْأَصَابِع والتفقيع وَاحِد. حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق قَالَ حَدثنَا أَحْمد بن مُصعب عَن وَكِيع عَن الْحسن بن صَالح عَن مُغيرة عَن إِبْرَاهِيم وَعَن لَيْث عَن مُجَاهِد أَنَّهُمَا كرها أَن يفرقع الرجل أَصَابِعه فِي الصَّلَاة.
(عفقر) : وَقَالَ أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: جَاءَ فلَان بالعَنْقَفِير والسِّلْتِم وَهِي الداهية.
وَقَالَ اللَّيْث: العَنْقفير الداهية من دواهي الزَّمَان يُقَال: غُول عنقفير. وعَقْفرتُها دهاؤها ونُكْرُها والجميع العقافير. وَيُقَال عقفرته الدَّوَاهِي حَتَّى تقعفر أَي صرعته وأهلكته. قَالَ: واغفنفرت عَلَيْهِ الدَّوَاهِي، تؤخّر النُّون من موضعهَا فِي الْفِعْل لِأَنَّهَا زَائِدَة حَتَّى يَعتدِل بهَا تصريف الْفِعْل.
(عبقر) : (أَبُو الْعَبَّاس عَن سَلمَة عَن الْفراء قَالَ: العَبْقَري السيّد من الرِّجَال: وَهُوَ الفاخر من الْحَيَوَان والجوهر. والعَبْقَريّ: الْبسَاط المنقَّش. والعبقريّ: الْكَذِب البَحْتُ. كذب عَبْقَريّ وسُماق: خَالص لَا يشوبه صدق) .
(عنقر) : وَقَالَ اللَّيْث: العُنْقُر: أوّل مَا ينْبت من أصُول القَصَب وَنَحْوه وَهُوَ غَضٌّ رَخْص قبل أَن يظْهر من الأَرْض. والواحدة عُنْقُرة. وَقَالَ العجّاج:
كعنقرات الحائر الْمَسْجُور
قَالَ وَأَوْلَاد الدهاقين يُقَال لَهُم: عُنقر شبَّههم لترارتهم ونَعْمتهم بالعُنْقُر.
(قفعل) : وَقَالَ اللَّيْث: الاقفعلال: تشنّج الْأَصَابِع والكفِّ من بَرْد أَو دَاء. وَالْجَلد قد يَقفعلُّ فينزوِي كالأُذن المقفعِلَّة. قَالَ وَفِي لُغَة أُخْرَى: اقلعفّ اقلعفافاً، وَذَلِكَ كالجَذْب والجَبْذ.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: المقفعِلّ: الْيَابِس. وَأنْشد شمر:
أصبحتُ بعد اللين مقفعِلاّ
وَبعد طيب جَسَد مصِلاّ
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال للشَّيْء يتمدد ثمَّ ينضمّ إِلَى نَفسه أَو إِلَى شَيْء: قد اقلعفّ إِلَيْهِ. وَالْبَعِير إِذا ضَرَب النَّاقة فانضم إِلَيْهَا يقلعفّ فَيصير على عرقوبيه معتمِداً عَلَيْهِمَا وَهُوَ فِي ضِرابه يُقَال: اقلعفّها وَهَذَا لَا يقلب.
عفلق: عَمْرو عَن أبيهِ: العَفْلق: الفَلْهم. وَقَالَ(3/189)
اللَّيْث: العَفْلَق: الْفرج من الْمَرْأَة إِذا كَانَ وَاسِعًا رِخْواً.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي؛ قَالَ العَضَنَّكة والعَفّلَقة: الْمَرْأَة الْعَظِيمَة الركبِ. وَأنْشد اللَّيْث:
يَا ابْن رَطُوم ذاتِ فرج عَفْلَقِ
(قلفع) : أَبُو عبيد عَن الْفراء قَالَ: القِلْفِعة: قشر الأَرْض الَّذِي يرْتَفع عَن الكمأة فيدلّ عَلَيْهَا. وَقَالَ غَيره القِلْفع مَا تقشّر عَن أسافل مياه السُّيُول فتشقّقا بعد نضوبها. وَأنْشد:
قِلْفِع روض شرِب الدِثَاثا
وَقَالَ النَّضر: يُقَال للراكب إِذا لم يكن على مركب وطىء: متقلعِف.
(علقم) : اللَّيْث: العَلْقم: شجر الحنظل، وَلذَلِك يُقَال لكل شَيْء فِيهِ مرَارَة شَدِيدَة: كَأَنَّهُ العلقم والقطعة مِنْهُ عَلْقَمَة.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي العَلقمة النَّبِعَة المُرَّة وَهِي الحَزْرة.
وَقَالَ اللحياني طَعَام فِيهِ عَلْقَمَة أَي مرَارَة.
أَبُو زيد: العَلْقم: أشدّ المَاء مرَارَة.
عملق قمعل قلعم: وَقَالَ ابْن دُرَيْد: العَمْلَقة: اخْتِلَاط المَاء وَخثورته.
وَقَالَ اللَّيْث: القُمْعُل: القَدَح الضخم بلغَة هُذَيل. وَقَالَ راجزهم:
يلتهب الأَرْض بوَأْب حَوْأَبِ
كالقمعل المنكبّ فَوق الأثلب
ينعَت حافر الْفرس.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: القُمْعُل: القَدَح الضخم.
وَقَالَ اللَّيْث: القِمْعال: سيّد الْقَوْم.
عَمْرو عَن أَبِيه: العَمْلق الجَوْر وَالظُّلم.
وَقَالَ اللَّيْث القِلَّعْم والقِلَّحم: الشَّيْخ المسن الهَرِم. والحاء أصوب اللغتين. قَالَ وَأما عِمْلاق وَهُوَ أَبُو العمالقة فَهُم الْجَبَابِرَة الَّذين كَانُوا بِالشَّام على عهد مُوسَى.
ورُوِي عَن عبد الله بن خبّاب قَالَ: سمعني أبي وَنحن نَقْرَأ السَّجْدَة ونبكي ونسجد، فَبعث إليَّ فدعاني، فَأخذ الهِراوة فضربني بهَا حَتَّى حجزه عني الرَبْو. فَقلت يأبه مَالِي؟ قَالَ: أَلا أَرَاك جَالِسا مَعَ العمالقة، هَذَا قَرْن خَارج الْآن. قلت: كانَ عبدُ الله جلس فِي مجْلِس قاصّ لَا علم لَهُ، وَكَانَ يذكّرهم فيبكيهم فَأنْكر قعوده مَعَهم ودخوله فِيمَا بَينهم وسمَّاهم عمالقة لإعجابهم بِمَا هم فِيهِ وتكبرهم على النَّاس بقراءتهم شبّههم بالجبابرة الَّذين كَانُوا على عهد مُوسَى وإعجابهم بِأَنْفسِهِم وانفرادهم عَن النَّاس وَفِيهِمْ نزلَ {قَالُوا يَامُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ} (المَائدة: 22) .
وَعَن الْأَعْمَش قَالَ: العمالقة حَرُوريَّة بني إِسْرَائِيل. قلت: كَأَن خَباباً شبّه الْقَوْم الحروريَّة.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: القَعْمَلة الفَرْجَهارة، وَهِي القَمْعَلة. قَالَ والقَلْعَمة: السَّفِلة من النَّاس الخسيس وَأنْشد:
أقلمعة بن صَلْمَعة بن فَقْع
لهنك لَا أبالك تزدريني(3/190)
وَقَالَ والقلعمة المسنَّة من الْإِبِل.
عَمْرو عَن أَبِيه: قلمع رَأسه وصلمعه إِذا حَلَقه وَقَالَ غَيره: القِمعال: رَئِيس الرِّعاء. خرج مُقَمْعِلاً إِذا كَانَ على الرعاء يَأْمُرهُم وينهاهم وَيُقَال للرجل إِذا كَانَ فِي رَأسه عُجَر: فِيهِ قماعيل، وَاحِدهَا قُمعُول، قَالَ ذَلِك ابْن دُرَيْد.
(قعبل) : اللَّيْث القَعْبَل: ضرب من الكمأة ينْبت مستطيلاً دَقِيقًا كَأَنَّهُ عُود إِذا يبس آض لَهُ رَأس مثل الدُّخْنة السَّوْدَاء.
يُقَال لَهُ فَسَوات الضباغ. أَبُو عَمْرو: القَعْبَل: الفُطر، وَهُوَ العَسْقل.
(بلقع عقبل) : وَأَرْض بلقع: قفر لَا شَيْء فِيهِ، وَكَذَلِكَ دَار بلقع وَإِذا كَانَ نعتاً فَهُوَ بِغَيْر هَاء للذّكر وَالْأُنْثَى. منزل بلقع وَدَار بلقع. فَإِذا أفردت قلت: انتهينا إِلَى بلقعة ملساء وَكَذَلِكَ القفر تَقول دَار قفر ومنزل قفر فَإِذا أفردت قلت انتهينا إِلَى قَفْرة من الأَرْض.
وَقَالَ اللَّيْث العُقبول: الَّذِي يخرج بَين الشفتين فِي غِبّ الحُمّى الْوَاحِدَة عُقبولة، والجميع العقابيل قَالَ رؤبة:
من وِرْد حُمَّى أسْأَرت عقابِلا
أَي أبْقت، وَيُقَال لصَاحب الشَّرّ: إِنَّه لذُو عقابيل. وَيُقَال لذُو عواقيل.
أَبُو عبيد عَن الْفراء: العقابيل بقايا الْمَرَض وَفِي الحَدِيث: (الْيَمين الكاذبة تدع الديار بَلَاقِع) قَالَ شمر: معنى بَلَاقِع: أَن يفْتَقر الْحَالِف، ويذهبَ مَا فِي بَيته من الْخَيْر وَالْمَال، سوى مَا ذُخِر لَهُ فِي الْآخِرَة من الْإِثْم. قَالَ والبلاقع: الَّتِي لَا شيءَ فِيهَا قَالَ رؤبة:
فَأَصْبَحت دِيَارهمْ بلاقعا
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: البَلْقعة: الأَرْض الَّتِي لَا شجر بهَا، تكون فِي الرمل وَفِي القيعان. يُقَال قاع بلْقع، وَأَرْض بَلَاقِع، وانتهينا إِلَى بلقعة ملساء. وَقَالَ غَيره يُقَال: امْرَأَة بلقع وبلقعة خلت من كل خير.
وَفِي بعض الحَدِيث فِي ذكر النِّسَاء: (شرهن السَّلْفعة البلقعة) . قَالَ: والسلفعة: البذيئة الفحَّاشة القليلة الْحيَاء. وَرجل سَلْفَع: قَلِيل الْحيَاء جريء، وَسَهْم بَلْقَعيّ إِذا كَانَ صافي النصل، وَكَذَلِكَ سِنان بَلْقعي وَقَالَ الطرماح:
تَوَهَّن فِيهِ المَضْرَحيَّة بَعْدَمَا
مَضَت فِيهِ أُذنا بَلْقَعيّ وعاملِ
(بلعق) : ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: البَلْعَق: الجيّد من جَمِيع أَصْنَاف التمور.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: البَلْعَق: ضرب من التَّمْر.
قنفع: اللَّيْث القُنْفُعة: اسْم من أَسمَاء القُنفذة الْأُنْثَى. قَالَ وتَقَنّفعت إِذا تقبّضت.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ من أَسمَاء الفأر الفُنْقُع الْفَاء قبل الْقَاف. قَالَ والفِرْنب مثله.
وَقَالَ اللَّيْث القُنْفُعة: الفُرْقُعة وَهِي الاست يَمَانِية. وَأنْشد:
قُفَرْنِية كَأَن بطبطْبَيها
وقُنْفُعها طِلاء الأُرْجُوان
والقُفرْنِيَة: الْمَرْأَة القصيرة.(3/191)
عَمْرو عَن أَبِيه: القُنْفُع: الفأر، الْقَاف قبل الْفَاء كَمَا قَالَ اللَّيْث.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: القُنْفُع: الْقصير الخسيس.
(عنفق) : اللَّيْث: العنفقة بَين الشّفة السُّفْلى وَبَين الذَقَن. وَهِي شُعَيرات سَالَتْ من مقدّمة الشّفة السُّفْلى. وَرجل بَادِي العنفقة إِذا عَرِي موضعهَا من الشّعْر.
(قعنب) : ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي يُقَال: القُعْنُب: الأنْف المعوجّ.
وَقَالَ اللَّيْث: قَعْنَب اسْم رجل من بني حَنْظَلَة. والقَعْنَب. الشَّديد الصُلْب من كل شَيْء.
(قنعب) : عَمْرو عَن أَبِيه: القَنْعبة: اعوجاج فِي الْأنف. قَالَ: والقَنْعَبة أَيْضا: الْمَرْأَة القصيرة.
(قنبع) : وَقَالَ اللَّيْث: القُنْبعة مثل الخُنْبَعة إلاّ أَنَّهَا أَصْغَر، وقَنْبعت الشَّجَرَة إِذا صَارَت زهرتها فِي قُنْبعة أَي فِي غطاء يُقَال: قَنْبعت الشَّجَرَة إِذا صَارَت زَهَرتها فِي قُنْبُعة أَي فِي غطاء. قَالَ قنبعت وبرهمت برهومة.
وَقَالَ غَيره قَنْبع الرجلُ فِي بَيته إِذا توارى وَأَصله قَبَع، فزيدت النُّون، قَالَه أَبُو عَمْرو، وَأنْشد:
وقنبع الجُعْبُوبُ فِي ثِيَابه
وَهُوَ على مَا ذلّ مِنْهُ مكتئبْ
عَمْرو عَن أَبِيه القنبع: وعَاء الحِنطة فِي السُنْبُل.
وَقَالَ النَّضر: القنبعة: الَّتِي فِيهَا السنبلة.
(دعفق) : وَقَالَ ابْن دُرَيْد: الدَعْفقة: الْحمق.
(عرقل) : أَبُو الْعَبَّاس عَن سَلمَة عَن الْفراء قَالَ: العرقلة: التعويج. يُقَال عَرْقَلَتْ عَلَي أَي اعوَجَّت.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: عِرقل إِذا جَار عَن الْقَصْد.
(عنقر) : والعُنْقُر قَالَ بَعضهم: هُوَ أصل البَرْدِيّ.
وَقَالَ ابْن الْفرج: سَأَلت عامِرِيّاً عَن أصل عشبة رَأَيْتهَا مَعَه، فَقلت: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: عُنْقُر. وَسمعت غَيره يَقُول: عُنْقَر بِفَتْح الْقَاف، وَأنْشد:
يُنجد بَين الإسْكَتين عُنْقَرهْ
وَبَين أصل الْوَرِكَيْنِ قَنْفَرهْ
(بَاب الْعين وَالْكَاف)
(ع ك)
عكرش: فِي (النَّوَادِر) : عَجُوز عِكْرِشة وعِجْرِمة وعضمَّزة وقَلْمَزَّة، وَهِي اللئيمة القصيرة.
وَقَالَ اللَّيْث: العكرش نَبَات يشبه الثِّيلَ، وَلكنه أشدّ خشونة مِنْهُ.
قلت: العكرش منبته نُزُوز الأَرْض الرقيقة، وَفِي أَطْرَاف ورقه شوك إِذا توطَّأه الْإِنْسَان بقدميه أدمتهما وأنشدني أَعْرَابِي من بني سعد يكنى أَبَا صبرَة:
اعلف حِمَارك عِكْرِشا
حَتَّى يجد وَيكْمشا
وَقَالَ اللَّيْث: العِكْرِشة: الأرنب الضخمة. وَيُقَال: سمّيت عكرشة لِأَنَّهَا ترعى(3/192)
العِكْرِش.
قلت: هَذَا غلط، الأرنب تسكن عَذَوات الْبِلَاد النائيةَ عَن الرِّيف وَالْمَاء، وَلَا تشرب المَاء، ومراعيها الحَلَمة والنِصيُّ وقَمِيم الرُّطْب إِذا هاج.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: العِكْرِشة: الْأُنْثَى من الأرانب الخُزَز: الذَكَر مِنْهَا.
قلت: سمّيتْ عِكْرِشة لِكَثْرَة وَبَرها والتفافه، شُبِّه بالعِكْرِش لالتفافه فِي منابته.
وعِكْراش بن ذُؤَيْب كَانَ قدم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَله رِوَايَة إِن صحت. وَيُقَال: إِنَّه كَانَ من أرمى أهل عصره.
(( (عكبش) : وَقَالَ بعض قيس: العكبشة والكَرْبشة: أَخذ الشَّيْء وربطه. يُقَال: كَعْبشه وكربشه إِذا فعل ذَلِك بِهِ) 2) .
سَلمَة عَن الْفراء قَالَ: العَكْبشة: الشدّ الوثيق.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد قَالَ يُونُس: عَكْبشه وعَكْشَبَه شدَّه وَثَاقا.
(عضنك) : أَبُو عبيد عَن الْأمَوِي العَضَنَّكة: الْمَرْأَة الْكَثِيرَة اللَّحْم المضطربة.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: هِيَ الْعَظِيمَة الرَكَب.
وَقَالَ اللَّيْث: العضنَّك: الْمَرْأَة اللَفَّاء الَّتِي ضَاقَ ملتقَى فخذيها مَعَ ترارتها، وَذَلِكَ لِكَثْرَة اللَّحْم.
(صعلك) : اللَّيْث: الصُعْلوك، والجميع الصعاليك: وهم قوم لَا مَال لَهُم وَلَا اعْتِمَاد. يُقَال: تصعلك الرجل إِذا كَانَ كَذَلِك. وَرجل مُصعَلك الرَّأْس: مدوّره. وَأنْشد لذِي الرمة:
يخيِّل فِي المرعى لَهُنَّ بشخصه
مصعلَكُ أَعلَى قُلَّة الرَّأْس نِقْنق
وَقَالَ شمر: المصعلَك من الأسنة الَّذِي كَأَنَّمَا حَدْرجت أَعْلَاهُ حَدْرجة، كَأَنَّمَا صَعْلكت أَسْفَله بيدِك ثمَّ مطلته صُعُداً، أَي رفعته على تِلْكَ الدَمْلكة وَتلك الاستدارة. وَرجل مصعلَك الرَّأْس: صَغِير الرَّأْس.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي فِي قَول أبي دُواد يصف خيلاً:
قد تصعلكن فِي الرّبيع وَقد قرَّ
ع جِلْدَ الفرائص الأَقدام
قَالَ: تصعلكن أَي وَقَفن وطار عِفاؤها عَنْهَا. والفريصة: مَوضِع قدم الْفَارِس.
وَقَالَ شمر: تصعلكت الإبلُ إِذا رقّت قَوَائِمهَا من السِمَن، وصعلكها البقلُ.
(عكمص) : قَالَ ابْن دُرَيْد: كل شَيْء جمعته فقد عكمصته، وَرجل عُكْمِص وعُكامص.
(عكنكع) : وَقَالَ اللَّيْث: العَكَنْكَع: الذّكر من الغِيلان. وَقَالَ غَيره يُقَال لَهُ: الكَعَنْكَع.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن سَلمَة عَن الْفراء قَالَ: الشَّيْطَان هُوَ الكَعَنْكَع والعَكَنْكَع والقازّ.
علكس: وَقَالَ اللَّيْث: عَلْكَس: اسْم رجل من(3/193)
أهل الْيمن. قَالَ وعلكس أصل بِنَاء اعلنكس الشعرُ إِذا اشتدّ سوَاده وَكثر. وَقَالَ العجاج:
بفاحم دُووِي حَتَّى اعلنكسا
قَالَ والمُعَلْكِس والمُعْلنكِس من اليبيس: مَا كثر وَاجْتمعَ.
(عركس) : قَالَ: وعركس أصل بِنَاء اعرنكس. تَقول: عركست الشَّيْء بعضه على بعض، واعرنكس الشَّيْء إِذا اجْتمع بعضُه على بعض. وَقَالَ العجَّاج:
واعرنكست أهوالُه واعرنكسا
وَقَالَ غَيره: شَعَر معلنكِس، ومعلنِكك: كثيف مُجْتَمع أسود.
(كرسع) : وَقَالَ اللَّيْث: الكُرسوع: حرف الزَنْد الَّذِي يَلِي الخِنْصِر الناتىء عِنْد الرُسْغ. وَامْرَأَة مُكَرسَعة: ناتئة الكرسوع تعاب بذلك. قَالَ وَبَعض يَقُول الكرسوع: عُظيم فِي طَرَف الوظِيف ممَّا يَلِي الرّسغ من وظيف الشَّاء وَنَحْوهَا.
وَقَالَ غَيره: كرسعت الرجل: ضربت كرسوعه والكَرْسَعة: ضرب من الْعَدو.
(عَسْكَر) : أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي العَسْكرة: الشدَّة وَقَالَ طرفَة:
ظلّ فِي عسكرة من حبّها
ونأت شحطَ مَزَار المدّكر
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: عسكرُ الرجل: جمَاعَة مَاله ونعمه.
وَأنْشد:
هَل لكَ فِي أجر عَظِيم تُؤجره
تُغيث مِسْكينا قَلِيلا عسكره
عشرُ شِيَاه سَمعه وبصره
قد حَدَّث النَّفس بمصرٍ يحضُرهْ
وَقَالَ غَيره: عسكرَ الليلُ إِذا تراكمت ظلمه. وعساكر الهمّ: مَا ركب بعضُه بَعْضًا وتتابع. وَإِذا كَانَ الرجل قَلِيل الْمَاشِيَة قيل: إِنَّه لقَلِيل الْعَسْكَر. قَالَ: والعسكر: مُجْتَمع الْجَيْش. وعسكر مُكْرَمٍ: اسْم بلد مَعْرُوف وَكَأَنَّهُ مُعرب.
(عكمس) : وَقَالَ اللَّيْث: عكمس الليلُ عَكْمسة إِذا أظلم. وَيُقَال: تَعَكمس. وكل شَيْء كثر وتراكم حَتَّى يُظلم من كثرته فَهُوَ عُكَامِس.
وَقَالَ العجّاج:
عكامس كالسندس المنشور
وَقَالَ اللحياني: إبل عُكامِس وعُكَمْس وعَكَمِس وعُكَبِس إِذا كثرت. وليلُ عُكَامس: متراكب الظلمَة.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: إِذا قاربت الْإِبِل الأَلف فَهِيَ عُكَامس وعُكَمس وعُكَبِس.
(كعسم كسعم) : وَقَالَ ابْن السّكيت: كَعْسَم وكعسب إِذا هَرَب.
وَقَالَ اللَّيْث: الكُعْسوم: الْحمار بالحميرية. وَيُقَال: بل الكسعوم.
قلت: وَالْأَصْل فِيهِ الكُسْعة، وَالْمِيم زَائِدَة وَجمع الكُسعوم كساعيم. سمّيت كسعوماً لِأَنَّهَا تُكْسع من خلفهَا.
دعكس: وَقَالَ اللَّيْث: الدَعْكَسة: لعب الْمَجُوس: يدورون قد أَخذ بَعضهم يَد بعض كالرقص. يُقَال دَعكسوا وهم يُدَعكسون، ويتدعكس بَعضهم على بعض.(3/194)
وَقَالَ الراجز:
طافوا بِهِ مُعْتكِسين نُكَّسا
عَكْف الْمَجُوس يَلْعَبُونَ الدَعْكَسا
(عكَلط) : اللَّيْث لبن عُكَلِط وعُكَلِد: خاثر.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: إِذا خَثُر اللَّبن جِدّاً وتكبَّد فَهُوَ عُكَلِط، وَعُجَلِط، وعُثَلِط.
(علكد) وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه أنْشدهُ:
وعِلْكِد خَثْلتها كالْجُفّ
قَالَت وَهِي توعدني بالكَفّ
أَلا املأنَّ وَطْبنا وكُفِّ
قَالَ أَبُو الْهَيْثَم العِلْكِد: الداهية والعِلكد: الْعَجُوز.
وَقَالَ اللحياني والفرّاء: غُلَام عِلْكِد وعُلاكد وَعَلَكدَ وعُلَكِد: غليظ حَزوّر.
وَأنْشد اللَّيْث:
أعْيَس مصبور القَرَا عِلْكَدّا
قَالَ: شدّد الدَّال اضطراراً. قَالَ: وَمِنْهُم من يشدّد اللَّام.
وَقَالَ النَّضر: فِيهِ عَلْكَدَة وجُسْأة، فِي خَلْقه أَي غِلَظ.
(دلعك) : (قَالَ: والدَلْعَك: النَّاقة الضخمة. وَقَالَهُ الْأَصْمَعِي.
(كنعد) : وَقَالَ اللَّيْث: الكَنْعَد: ضرب من السّمك البحريّ، النُّون سَاكِنة وَالْعين مَنْصُوبَة.
وَأنْشد:
قل لطَغَام الأزْد لَا تَبْطَروا
بالشِّيم والجِرِّيثِ والكَنْعَدِ
(كعدب) : عَمْرو عَن أَبِيه: يُقَال لبيت العنكبوت: الكُعْدُبَة والجُعْدُبة.
وَقَالَ اللَّيْث الكُعْدُبة: الفَسْل من الرِّجَال، وَيُقَال: كَعْدبة.
(كعتر) : قَالَ: وكعتر الرجل فِي مَشْيه إِذا تمايل كَالسَّكْرَانِ.
(كرتع) : كرتع الرجل إِذا وَقع فِيمَا لَا يعنيه.
وَأنْشد:
... يهيم بهَا الكَرْتَع
(كثعم) : وَقَالَ اللَّيْث: كثعم من أَسمَاء النَمِر أَو الفَهْد.
كعثب: قَالَ: وَامْرَأَة كَثْعَب وكَثْعَم وَهِي الضخمة الرَكب. ورَكبَ كَعْثَب، وَيُقَال: كَثْعَب. وَيُقَال هِيَ جَارِيَة كَعْثَب: ذَات رَكَب كَعْثَب.
وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال لقُبُل الْمَرْأَة: هُوَ كَعْثَبها وأجمُّها وشَكُرُها.
وَقَالَ الْفراء أَنْشدني أَبُو ثروان:
قَالَ الْجَوَارِي مَا ذهبتَ مذهبا
وعِبنني وَلم أكن مُعَيَّبا
أَرَيتَ إِن أُعطيتَ نَهْدا كعثبا
أذاك أم نعطيك هَيْداً هيدبا
أَرَادَ بالكعثب الركب الشاخص المكتنز والهَيْدِ الهيدب: الَّذِي فِيهِ رخاوة، مثل رَكَب الْعَجَائِز المسترخِي لكبرها.(3/195)
(كبعث) : وَقَالَ شمر: الكبعثاة. عَفَل الْمَرْأَة.
وَأنْشد الْبَيْت:
فجيّأها النِّسَاء فخان مِنْهَا
كَبَعْثاة ورادعة رَدْوم
قَالَ الكَبَعْثاة: العَفَل. والرادعة: استها والرَدُوم: الضَرُوط. وجَيّأها النِّسَاء أَي خِطْنَها. يُقَال: جيّأب القِرْبَة إِذا خِطتها.
(عثكل) : وَفِي الحَدِيث أَن سعد بن عُبَادة جَاءَ بِرَجُل فِي الحيّ مُخْدَج إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وُجد على امْرَأَة يَخْبُث بهَا، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (خُذُوا لَهُ عِثْكالاً فِيهِ مائَة شِمْراخ فَاضْرِبُوهُ ضَرْبَة) .
قَالَ أَبُو عبيد: العِثْكال: العِذْق الَّذِي يُسمى الكِبَاسة. وَفِيه لُغَتَانِ: عِثكال وعُثْكول.
وَأنْشد قَول امرىء الْقَيْس:
أثيثٍ كقنو النَّخْلَة المتعثكل
والقِنْو: العثكال أَيْضا. وشماريخ العثكال: أغصانه، وَاحِدهَا شِمراخ.
وَقَالَ اللَّيْث: العُثْكول: مَا علق من صوف أَو زِينَة فتذبذب فِي الْهَوَاء.
وَأنْشد:
ترى الوَدْع فِيهَا والرجاتز زِينة
بأعناقها معقودة كالعثاكل
(كعبر) : اللَّيْث: الكُعْبُرة وَالْجمع الكعابِر، وَهِي عُقَد أنابيب الزَّرْع والسنبل وَنَحْوه.
أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر: فِي الطَّعَام الكعابر، واحدتها كُعْبُرة وَهِي ممَّا يُخرج مِنْهُ فيُرمى بِهِ.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: واحدتها كُعْبُرة وكعبُرَّة وَالْجمع كعابير. وَهُوَ الغَسَق والغفى والمُدَبراء
وَقَالَ غَيره الكُعْبُرة من اللَّحْم: الفِدْرة الْيَسِيرَة أَو عظم شَدِيد مُتَعَقِّد.
وَأنْشد:
لَو يتغدّى جَملاً لم يُسْئِر
مِنْهُ سوى كْعْبَرة أَو كُعْبر
وَقَالَ ابْن شُمَيْل الكعابر: رُؤُوس عِظَام الفخذين. وَهِي الكرادس.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُسمى الرَّأْس كُله كُعبورة وكُعبرة وكُعَابرا وَجمعه كعابِر وكَعَابير.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: كُعْبُرة الوظيف: مُجْتَمع الوظيف فِي السَّاق.
وَقَالَ اللَّيْث المكعبِر من أَسمَاء الرِّجَال.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: كَعْبَر بِالسَّيْفِ إِذا قطعه بِهِ، وَبِه سُمّي المكعبِر.
بركع: وَيُقَال بركع الرجلُ على رُكْبَتَيْهِ إِذا سقط عَلَيْهِمَا.
وَقَالَ اللَّيْث البَرْكَعة: الْقيام على أَربع. وَيُقَال تبركعت الْحَمَامَة للحمامة الذّكر.
وَأنْشد:
هَيْهَات أعيا جدُّنا أَن يُصْرعا
وَلَو أَرَادوا غَيره تبركعا
وَقَالَ غَيره: بركعتُ الرجل بِالسَّيْفِ إِذا ضَربته. والبُرْكع: المسترخِي القوائم فِي ثِقل. والبُرْكع: الْقصير من الْإِبِل والكَرْبعة: الصَّرْع. يُقَال كَرْبعه: صرعه.(3/196)
عكبر: وَقَالَ اللَّيْث: العُكْبُرَةُ من النِّسَاء الجافية العَكْباء فِي خَلْقها.
وَأنْشد:
عَكْباء عُكْبُرة اللَّحيين جَحْمرِش
(عكفر) : أَبُو عَمْرو: جَارِيَة عُكْموزة: حادِرة، ثارّة. وعُكْمُز أَيْضا، وَأنْشد:
إِنِّي لأقلي الْجِلْبَحَ العَجُوزا
وأَمِقُ الفُتَيَّة العُكْموزا
قَالَ وَيُقَال للأير إِذا كَانَ مكتنزاً: إِنَّه لعُكْمُز، وَأنْشد:
وَفتحت للعَرْد بِئْرا هُزْهُزا
فالتقمت جُردانهُ والعُكْمُزا
(كعنب) : وَقَالَ ابْن دُريد رجل كعنب: قصير وكعانب الرَّأْس: عُجَر تكون فِيهِ.
(بعكن) : ورملة بَعْكَنة: غَلِيظَة تشتدّ على الْمَاشِي فِيهَا.
(عبنك) : وجمل عَبَنّك: شَدِيد صُلْب.
(دعكن) : الْأَصْمَعِي نَاقَة دِعْكِنة: سمِينة صُلْبة، وَأنْشد:
أَلا ارحلوا دِعْكِنة دِحَنَّهْ
بِمَا ارتعى مُزْهِية مُغِنّه
وَفِي (النَّوَادِر) : رجل دَعْكن: دَمِث حَسَن الخُلُق. وبرذون دَعْكن قَرُود ألْيَسِ بَين (بلعك دلعك) اللَيَس إِذا كَانَ ذلولاً.
(عنكث) : ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: عَنكث: شَجَرَة يشتهيها الضبّ فيسحجها بذَنَبه، حَتَّى تتحات فيأكل مَا تحاتّ مِنْهَا.
قَالَ وَالْعرب تحكي عَن الضبّ أَنه قيل لَهُ وِرْداً يَا ضبّ، فَقَالَ:
أصبح قلبِي صَرِدَا
لَا يَشْتَهِي أَن يرِدا
إِلَّا عَراداً عَرِدا
وَعَنْكَثا ملتبدا
وصلِّيا نابَرِدا
(علكد) : قَالَ: والعَلاكد: الْإِبِل الشداد. وَقَالَ دُكَيْن:
يَا دِيلُ مَا بتِّ بلَيْل هاجدا
وَلَا رحلتَ الأنيق العَلاكدا
(كنعر) : ابْن دُرَيْد: كَنْعَرَ سنامُ الفصيل إِذا صَار فِيهِ شَحم. وَهُوَ مثل أكعر.
(عفكل) : قَالَ: والعَفْكَل والعَنْفَك: الأحمق.
(عكرم) : وَقَالَ اللَّيْث: العِكْرِمة: الْحمام الْأُنْثَى.
(بعلبك) : وبَعْلَبَكّ: اسْم بلد. وهما اسمان جُعلا اسْما وَاحِدًا، فأُعطيا إعراباً وَاحِدًا، وَهُوَ النصب، يُقَال دخلت بعلبكّ ومررت ببعلبكّ وَهَذِه بعلبكُّ، وَمثله حَضرمَوْت ومعديكرب.
بلعك دلعك: وَقَالَ اللَّيْث: البَلْعَك: الجَمَل البليد.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الدَّلْعَك: النَّاقة الضخمة مَعَ استرخاء فِيهَا. قَالَ النَّضر هِيَ البَلْعَك والدَّلْعك وَهِي النَّاقة الثَّقِيلَة.(3/197)
وَفِي (النَّوَادِر) : رجل بَلْعَك: يُشتم ويُحْقر، وَلَا يُنكر ذَلِك لمَوْت نَفْسه وشدّة طمَعه.
(كنعر) : وَقَالَ أَبُو زيد: الكَنْعَرة: النَّاقة الجسيمة السمينة، وَجَمعهَا كناعِر.
(علكم) : اللَّيْث: العُلكُوم: النَّاقة الجسيمة السمينة.
وَقَالَ لبيد:
بُكرَت بِهِ جُرَشيّة مقطورة
تُروى المحاجر بازلٌ علكوم
وَقَالَ أَبُو الدقيش عَلْكَمُثها: عظم سَنَامها.
أَبُو عبيد: العَلاكم: الْعِظَام من الْإِبِل.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد وَاحِدهَا عَلكَم وعلكوم وعلاكم وَهُوَ الشَّديد الصلب، قَالَ: والعَنْكَل: الصُلْب أَيْضا:
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: يُقَال للتيس: إِنَّه لمكعنب القَرْن، وَهُوَ الملتوي القرنِ حَتَّى صَار كَأَنَّهُ حَلْقة، قَالَ والمشعنَب: الْمُسْتَقيم أَو المستقلم، ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ:
العَلْكَمُ: الرجل الضخم وعَلْكم اسْم نَاقَة وَأنْشد:
أَقُول والناقة بِي تَقَحَّمُ
ويحكِ مَا اسْم أمّها يَا عَلْكمُ
(عنكب) : وَقَالَ الْفراء: العَنْكَبُوت أُنْثَى. وَقد يذكّرها بعض الْعَرَب. وَأنْشد قَوْله:
على هَطَّا لَهُم مِنْهُم بيُوت
كَأَن العنكبوت هُوَ ابتناها
وَقَالَ فِي قَول الله جلّ وعزّ: {أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَآءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} (العَنكبوت: 41) قَالَ ضرب الله بَيت العنكبوت مَثَلاً لمن اتّخذ من دون الله وَلِيّاً أَنه لَا يَنْفَعهُ وَلَا يضرّه، كَمَا أَن بَيت العنكبوت لَا يَقِيهَا حَرّاً وَلَا بردا.
ابْن السّكيت عَن الْفراء أَنه قَالَ التَّأْنِيث فِي العنكبوت أَكثر. قَالَ: وَيجمع عناكب وعناكيب وعنكبوتات. قَالَ ويصغر عُنَيْكباً وعُنَيْكيباً
وَقَالَ اللَّيْث: العنكبوت بلغَة أهل الْيمن عَنْكبُوهٌ وعَنْكباهٌ. قَالَ وَهِي دويبة تنسج فِي الْهَوَاء وعَلى رَأس الْبِئْر نسجاً رَقِيقا مهلهلاً.
وَقَالَ المبرّد: العنكبوت أُنْثَى وتذكّر. والعَنْزَروت أُنْثَى وتذكّر. قَالَ والبرغوث أُنْثَى وَلَا تذكّر.
(كعدب) : وَقَالَ أَبُو عَمْرو يُقَال لبيت العنكبوت الكُعْدُبُة. وَيُقَال للنُفَّاخات الَّتِي تكون من مَاء الْمَطَر: كُعْدُبة أَيْضا وَهِي الجُعْدُبة والحَجَاة.
(دعكر) : قَالَ: وادعنكر السيلُ إِذا أقبل وأسرع. وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
اد عنكار سيل على عَمْرو
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: ادعنكر عَلَيْهِم بالفحش إِذا انْدَرَأ عَلَيْهِم بالسوء.
(كعظل) : ابْن السّكيت: كعظل يكعظل إِذا عدا عَدْواً شَدِيدا، وَكَذَلِكَ كعسب يكعسب.
(كعثل) : قَالَ والكعثلَة: الثقيل من العَدْو.
علكز: وَقَالَ أَبُو عَمْرو: العِلْكِز: الرجل الصُلْب الشَّديد.(3/198)
(كعظل) : وَقَالَ ابْن الْفرج: قَالَ أَبُو عَمْرو: الكَعْظَلة والنَغْظلة: العَدْو البطيء. وَأنْشد:
لَا يُدرَك الفوتُ بشدّ كعظل
إِلَّا بإجذام النَّجَاء المُعْجَل
(دبعك) : سَلمَة عَن الْفراء: رجل دَبعْبَك ودَبَعْبَكيّ للَّذي لَا يُبَالِي مَا قيل لَهُ من الشرّ.
(عكرد) : وَقَالَ ابْن شُمَيْل: عَكْرَد الْغُلَام وَالْبَعِير يعكرد عَكْردة إِذا سمن.
(بَاب الْعين وَالْجِيم)
(ع ج)
(ضرجع) : قَالَ اللَّيْث: الضَرْجَع من أَسمَاء النمر خاصّة.
(ضمعج) : قَالَ: والضمْعَج: الضخمة من النوق قَالَ وأتان ضمعج وَامْرَأَة ضمعج قَصِيرَة ضخمة وَأنْشد:
يَا رب بَيْضَاء ضحوك ضمعج
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: قَالَ الضَمْعَج من النِّسَاء: الَّتِي قد تمّ خلقهَا واستوثجت نَحوا من التَّمام وَكَذَلِكَ الْبَعِير وَالْفرس.
(عفضج) : وَقَالَ اللَّيْث: العِفْضاج: الضخم الرِخْو. وعَفْضَجتُه عِظم بَطْنه وَكَثْرَة لَحْمه.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: العِفْضاج من النِّسَاء: الضخمة البطنِ المسترخية اللَّحْم.
وَالْعرب تَقول إِن فلَانا لمعصوبٌ مَا عُفْضِج وماحفضج، إِذا كَانَ شَدِيد الأسْر غير رخو وَلَا مفاض الْبَطن.
(عجمض) : ابْن دُرَيْد العَجَمْضَى: ضرب من التَّمْر.
(ضجعم) : وضَجْعَم: أَبُو بطن من الْعَرَب.
(شرجع) : وَقَالَ اللَّيْث: الشَرْجَع: هُوَ السرير الَّذِي يُحمل عَلَيْهِ الْمَيِّت. قَالَ: والْمشرجَع من مطارق الحدّادين: مَا لَا حُرُوف لنواحيه. وَكَذَلِكَ من الخُشُب إِذا كَانَت مربّعة، فَأَمَرته بنحت حُرُوفه قلت: شَرْجِعه. وَأنْشد:
كَأَنَّمَا بَين عينيها ومذبحها
مُشَرجَع من عَلاَة القَيْن ممطول
وَقَالَ أميَّة بن أبي الصَّلْت يذكر الْخَالِق وملكوتَه:
وَينفذ الطوفانَ نَحن فداؤه
واقتات شَرْجَعَه بداح بَدْبَدُ
وَقَالَ شمر: أَي هُوَ الْبَاقِي وَنحن الهالكون واقتات أَي وضع. قَالَ: وشَرْجَعُه سَرِيره. وبداح بدبد أَي وَاسع.
(جرشع) : والجَرَاشع أَوديَة عِظَام. وَقَالَ الْهُذلِيّ:
كأنّ أَتِيَّ السَّيْل مُدَّ عَلَيْهِم
إِذا دَفعته فِي البَداح الجراشعُ
وَقَالَ اللَّيْث: الجُرْشُع: الضخم الصدرِ وَقيل: الجرشع: المنتفِخ الجنبين.
(شرجع) : عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الشَرْجَع: الطَّوِيل. والشَرْجَع: النعش.
جعْشم: والجُعْشُم: الصَّغِير الْبدن الْقَلِيل اللَّحْم.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: إِذا كَانَ فِيهِ قصر وَغلظ مَعَ شدّة قيل: رجل جُعْشم وكُنْدُر.
وَأنْشد:(3/199)
لَيْسَ بجعْشوش وَلَا بجُعْشُمِ
(شجعم) : وَقَالَ اللَّيْث: الشَجْعَم: الطَّوِيل مَعَ عظم جسم، وَكَذَلِكَ من الْإِبِل، وَهُوَ الجُعْشُم.
قلت وَجعل الْهُذلِيّ الشَجْعَم من نعت الحيَّة الشجاع فَقَالَ:
قد سَالم الحياتُ مِنْهُ القدما
الأفعوان والشجاع الشجعما
(عفشج) : وَقَالَ غَيره رجل عَفْشَج: ثقيل وخم.
(عنجش) : والعُنْجُش: الشَّيْخ الفاني.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال للبن إِذا خثر جدّاً وتكبّد.
(عجلط) : عُجَلِط وعُجَلِد وعُجَالط. وَأنْشد:
اصطبحت رائبا عُجَالطا
من لبن الضَّأْن فلست ساخطا
ونحواً من ذَلِك قَالَ الْأَصْمَعِي وَأَبُو عَمْرو وَهُوَ العُثَلِط، والعُكَلط.
(عسلج) : اللَّيْث: العُسلوج: الْغُصْن ابْن سنة. وَجَارِيَة عُسلوجَة البنانِ والقَوَام. وَقَالَ العجّاج:
وبطنَ أَيْم وقَوَاماً عُسْلُجا
وعسلجت الشجرةُ إِذا أخرجت عساليجها. وَقَالَ طَرَفة:
كبنات المَخْر يمأدن إِذا
أنبت الصيفُ عساليج الْخَضِر
قَالَ: وَيُقَال: بَلِ العساليج: عروق الشّجر. قَالَ: وَهِي نجومها الَّتِي تنجم من سنتها. قَالَ: والعساليج عِنْد الْعَامَّة: القضبان الحديثة. وَيُقَال عُسْلُج للعسلوج.
(عسجر) : أَبُو عَمْرو: إبل عساجير جمع العيسجور. قَالَ: والعَسْجَر: المِلْح.
وَقَالَ اللَّيْث: العَيْسَجُور: النَّاقة السريعة القويّة. والعَيْسَجُور: السِّعْلاة. وعَسْجَرتُها: خبثها.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ قَالَ: العَيْسَجُور: النَّاقة الصُلْبة. والعُبْسُور مثلهَا.
وَقَالَ غَيره عَسْجر عَسْجَرة إِذا نظر نظرا شَدِيدا. وعسجرت الْإِبِل: استمرّت فِي سَيرهَا.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ العيسجور: النَّاقة الْكَرِيمَة النّسَب. وَقيل: هِيَ الَّتِي لم تُنْتَج قطّ فَهُوَ أقوى لَهَا.
(عجنس) : وَقَالَ اللَّيْث: العَجَنَّس: الْجمل الضخم. وَأنْشد:
يتبنَّعن ذَا هَدَاهدٍ عَجَسا
إِذا الغرابان بِهِ تمرَّسا
(عسنج) : ابْن دُرَيْد العَسَنَّج الظليم
(عسجد) : وَقَالَ اللَّيْث: العَسْجَد: الذَّهَب. وَيُقَال: بل العسجد اسْم جَامع للجوهر كُله، من الدُرّ والياقوت.
وَقَالَ ثَعْلَب: اخْتلف النَّاس فِي العسجد.
فروَى أَبُو نصر عَن الْأَصْمَعِي فِي قَوْله:
إِذا اصطكت بضِيق حُجْرتاها
تلاقي العسجديّة واللطيم
قَالَ: العسجدية منسوبة إِلَى سُوق يكون فِيهَا العسجد وَهُوَ الذَّهَب.
قَالَ: وروى ابْن الْأَعرَابِي عَن الْمفضل أَنه(3/200)
قَالَ: العسجدية منسوبة إِلَى فَحل كريم، يُقَال لَهُ عسجد. قَالَ: وَأنْشد الْأَصْمَعِي:
بنُون وهجمة كأشَاء بُسّ
تحلى العسجدية واللطيم
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: العسجد: الذَّهَب. وَكَذَلِكَ العِقْيان.
وَقَالَ ابْن السّكيت: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: العسجديّة: رِكَاب الْمُلُوك الَّتِي تحمل الدِقّ الْكثير الثّمن لَيْسَ بجافٍ.
قَالَ وَقَالَ أَبُو عَمْرو: اللَطِيمة: سُوق فِيهَا بَزّ وَطيب. يُقَال أَعْطِنِي لطيمة من مسك أَي قِطْعَة.
وَقَالَ الْمَازِني: فِي العسجدية قَولَانِ: أَحدهمَا يَقُول: تَلاقَى أَوْلَاد عسجد وَهُوَ الْبَعِير الضخم. وَيُقَال الْإِبِل تحمل العسجد وَهُوَ الذَّهَب. قَالَ واللطيم: الصُّغْر من الْإِبِل. سمّيت لطيماً لِأَن الْعَرَب كَانَت تَأْخُذ الفصيل إِذا صَار لَهُ وَقت من سِنه فتُقبل بِهِ سُهَبلا إِذا طلع، ثمَّ يُلطم خدّه، وَيُقَال لَهُ: اذْهَبْ فَلَا تذوق بعْدهَا قَطْرَة.
وَقَالَ أَبُو عبيد العسجدي: فرس لبني أَسد.
(دعسج) : وَقَالَ غَيره: دَعْسَج دَعْسَجة إِذا أسْرع.
(جعمس) : اللَّيْث: الجُعْموس: العَذِرة وَرجل مُجَعْمِس وجُعَامس وَهُوَ أَن يَضَعهُ بمرّة.
وَقَالَ غَيره: العسجمة الْخِفّة والسرعة.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: الجُعْموس: مَا يطرحه الْإِنْسَان من ذِي بَطْنه وَجمعه جعاميس وَأنْشد:
مَالك من إبْل تُرَى وَلَا نَعَمْ
إلاّ جعاميسَك وسط المستحم
(عجلز) : اللَّيْث: العِجْلِزة: الْفرس الشَّدِيدَة الْخَلْق.
وَقَالَ بَعضهم: أُخذ هَذَا من جَلْز الخَلْق، وَهُوَ غير جَائِز فِي الْقيَاس ولكنهما اسمان اتّفقت حروفهما. ونحوُ ذَلِك قد يَجِيء وَهُوَ متباين فِي أصل الْبناء. وَلم أسمعهم يَقُولُونَ للذّكر من الْخَيل وَلَكنهُمْ يَقُولُونَ للجمل
عِجْلِز، وللناقة عِجْلِزة. وَهَذَا النَّعْت فِي الْخَيل أعرف.
قلت: وعِجْلِزة: اسْم رَملَة مَعْرُوفَة بحذاء حَفَرِ أبي مُوسَى، وتُجمع عَجَالز، ذكرهَا ذُو الرمة فَقَالَ:
مررن على العَجَالز نصف يَوْم
وأدَّين الأواصر والخِلالا
الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت: نَاقَة عِجلزة وعَجْلزة. قَالَ: قيس تَقول: عِجلزة، وَتَمِيم: عَجْلزة.
(جندع) : ابْن السّكيت أَيْضا الجُنْدُع والزَّنَبْتَرْ: الْقصير. وَأنْشد:
تمهجروا وأيّما تمهجر
وهم بَنو العَبْد اللَّئِيم العنصر
مَا غرهم بالأسد الغضنفر
بني استِها والجُندع الزبنتر
وَقَالَ اللَّيْث: جُنْدع وجنادِع. وَفِي الحَدِيث: (إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم الجنادع) ،(3/201)
يَعْنِي الْآفَات والبلايا.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: تَقول الْعَرَب فِي الضبّ: خرجت جنادعه. قَالَ: وَهِي هَنَات صغَار تسكن جِحَرَة الضبّ. والجنادع: الدَّوَاهِي. يُقَال: جَاءَت جنادعه، وَالله جادعه.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي من أمثالهم جَاءَت جنادعه يَعْنِي حوادث الدَّهْر وأوائل شَره.
وَقَالَ غَيره: الْقَوْم جَنَادع إِذا كَانُوا فِرَقا لَا يجْتَمع رَأْيهمْ. وَقَالَ الرَّاعِي:
بحيّ نُميريّ عَلَيْهِ مهابة
جميعٍ إِذا كَانَ اللئام جنادعا
يَقُول إِذا كَانَ اللئام فرقا شَتَّى فهم جَمِيع.
(عنجد) : اللَّيْث: العُنْجُد: الزَّبِيب. وَأنْشد:
رُؤُوس العناظب كالعُنْجُد
قَالَ: شبّه رُؤُوس الْجَرَاد بالزبيب. وَمن رَوَاهُ حناظب فَهِيَ الخنافس.
ابْن الْأَعرَابِي العَنْجَد والعُنْجُد: عَجَم الزَّبِيب.
عَمْرو عَن أَبِيه: العُنْجُد عَجَم الزَّبِيب.
سَلمَة عَن الْفراء قَالَ: هُوَ العُنْجُد والعُنْجَد، وَهُوَ عَجَم الزَّبِيب.
وَقَالَ شمر: هُوَ العُنْجُد والعُنْجَد وَأنْشد:
غَدا كالعملس فِي حُذْلِه
رؤوسُ العظاريّ كالعنجد
قَالَ: العظاري ذُكُور الْجَرَاد.
ابْن هانىء عَن أبي زيد يُقَال للزبيب: العَنْجَد والعُنْجُد والعُنْجَد ثَلَاث لُغَات.
(دعْلج) : اللَّيْث: الدَعْلَج ألوان الثِّيَاب. وَيُقَال: ضرب من الجواليق والخِرَجة.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: إِن الصبيّ ليُدعلِج دَعْلجة الجُرَذ أَي يَجِيء وَيذْهب.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الدَعْلَجَة ضرب من الْمَشْي. قَالَ: ودعلجت الشَّيْء إِذا دحرجته.
والدَعْلَجُ: الْحمار والدَعْلَجة الظلمَة. والدَعْلجة: الْأَخْذ الْكثير. وَأنْشد:
يأكلن دَعْلجة ويشبع من عَفا
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: الدَعْلج: الجُوَالق الملآن. والدعْلج: الَّذِي يمشي فِي غير حَاجَة. والدعلج الْآكِل الْكثير من النَّاس وَالْحَيَوَان، والدَعْلج: الشابّ الْحسن الْوَجْه الناعم الْبدن. والدَعْلَج: النَّبَات الَّذِي قد آزر بعضُه بَعْضًا. والدعْلَج: الذِّئْب.
(جعدل) : وَقَالَ اللَّيْث: الجَعْدَل: الْبَعِير القويّ الضخم.
(جلعد عجلد) : والجَلْعَد: النَّاقة القويّة الظهِيرة. والعُجَالد: اللَّبن الخاثر، وَهُوَ العُجَالِط. واجلعدَّ الرجلُ إِذا امتدّ صَرِيعًا. وجَلْعَدته أَنا. وَقَالَ جَنْدَل:
كَانُوا إِذا مَا عاينوني جُلْعِدوا
وضمّهم ذُو نَقِمات صِنْدِدُ
والصِنْدِد: السيّد.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: الجَلْعَد: الْجمل الشَّديد. وَيُقَال لَهُ: الجُلاَعِد. وَأنْشد:
صَوَّى لَهَا ذَا كِدْنة جُلاَعِدا
وَفِي (النَّوَادِر) : يُقَال: رَأَيْته مُجْرعِنّا، ومُجْلَعِبَّا ومُجْلَعِدّا ومُجْرَعِبّاً ومُسْلَحِدّاً إِذا(3/202)
رَأَيْته مصروعاً ممتدّاً.
(عجرد) : عَجْرَد: اسْم رجل. والعَجْرَدِيّة: ضرب من الحَرُورِيَّة، قَالَه اللَّيْث.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ العَجْرَد: الغليظ الشَّديد، وناقة عَجْرَد. وَمِنْه سمي حَمَّاد عَجْرد.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: المعجرَد العُرْيان رَوَاهُ شمر لأبي عُبَيد. المعجرِد قَالَ شمر: وَهُوَ بِكَسْر الرَّاء. قَالَ: وَكَأن اسْم عجرد وَمِنْه مَأْخُوذ. وَقيل: العَجْرَد: الذّكر، وَأنْشد شمر:
فَشَام فِي وَمّاح سلمى العَجْردا
(عرجد) : ابْن شُمَيْل: العُرْجُود: مَا يخرج من الْعِنَب أوَّل مَا يخرج كالثآليل. قَالَ: والعُرْجُود أَيْضا: العُرْجُون. وَهُوَ من الْعِنَب عُرْجُون صَغِير.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: هُوَ العُرْجُدُ والعُرْجدُّ والعُرجود: العرجون لعرجون النّخل.
(جعدب) : قَالَ والجُعْدُب: نُفَّاخات مَاء الْمَطَر. وَقَالَ اللَّيْث: جُعدُبُة: اسْم رجل من أهل الْمَدِينَة. قَالَ والجُعْدة مَا بَين صمغى الجَدْي من اللِّبأ عِنْد الْولادَة.
(جمعر) : اللَّيْث الجَمْعَرة: القارَة المرتفعة المشرفة الغليظة. يُقَال أَشْرِف على تِلْكَ الجَمْعَرة. وَنَحْو ذَلِك قَالَ ابْن شُمَيْل. قَالَ اللَّيْث: والجمعرة أَن يجمع الحمارُ نَفسه وجراميزه، ثمَّ يحمل على الْعَانَة أَو على شَيْء إِذا أَرَادَ كَوْمَة.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الجُمْعور: الجَمْع الْعَظِيم.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال للحجارة الْمَجْمُوعَة: جَمْعَر. وَأنْشد:
تحفّها أَسَافة وجَمْعَرُ
وخَلَّة فردانها تَنَشَّرُ
أُسافة: أَرض رقيقَة، وجَمعَر: غَلِيظَة يابسة. وَقَالَت عَائِشَة: كَانَ أَبُو بكر أسيفاً أَي رَقِيقا.
شمر قَالَ أَبُو عَمْرو: الجَمْعرة: الأَرْض الغليظة المرتفعة. وَأنْشد:
وانجبن عَن حَدَب الإكا
م وَعَن جماعير الجراوِل
وَقَالَ أَبُو عَمْرو أَيْضا الجمعرة: الحَرّة. والجماعير جمَاعَة. قَالَ: وَلَا يعدّ سَنَد الْجَبَل جمعرة.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ الجماعير: تجمُّع الْقَبَائِل على حَرْب الْملك. قَالَ: وَمِنْه قَوْله:
تحفهم أسافة وجمعر
إِذا الجمارُ جعلت تجمر
قَالَ: أسافة وجمعر: قبيلتان.
قلت: وَالْقَوْل مَا قَالَ الْفراء.
عجرم: اللَّيْث العُجْرُمة: شَجَرَة عَظِيمَة لَهَا عُقَد كهَنَات الكِعاب يتّخذ مِنْهُ القِسِيّ وَهِي العُجْرُومة. وعجرمتُها غلظ عُقَدها. وَقَالَ العجاج:
نواجل مثل قِسِيّ العُجْرُم
قَالَ والعِجْرِم أَيْضا: دويّبة صُلْبة كَأَنَّهَا مَقْطُوعَة، تكون فِي الشّجر وتأكل الْحَشِيش.(3/203)
أَبُو عبيد عَن الْأمَوِي العِجْرم: الْقصير الغليظ من الرِّجَال.
وَقَالَ اللَّيْث العَجَارم من الدَّابَّة: مُجْتَمع عُقَد بَين فَخذيهِ وأصلِ ذكره. والعُجْرُم: أصل الذّكر. وَإنَّهُ لمعجرَم إِذا كَانَ غليظ الأَصْل. وَقَالَ غَيره نَاقَة مُعَجرمة: شَدِيدَة. وَقَالَ أَبُو النَّجْم:
معجرَماتٍ بُزَّلا سَغَابِلا
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: العَجْرَمة: العَدْو الشَّديد. وَأنْشد:
أوسِيد عادِية يُعجرم عجرمه
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي يُقَال لِلْإِبِلِ إِذا بلغت الْخمسين: عُجْرُمة وعَجْرَمة وعِجْرِمة، ونحوَ ذَلِك.
قَالَ أَبُو حَاتِم: وَقَالَ أَبُو عَمْرو: العُرْجُوم والعُلْجُوم: النَّاقة الشَّدِيدَة.
(جنعظ) : وَقَالَ اللَّيْث: الجنعاظة الَّذِي يسْخط عِنْد الطَّعَام من سوء خلقه، وَأنْشد:
جنعاظة بأَهْله قد بَرَّحَا
إِن لم يجد يَوْمًا طَعَاما مُصْلَحا
قبَّح وَجها لم يزل مقَبَّحا
قَالَ وَهُوَ الجنْعيظ إِذا كَانَ أكولاً.
وَقَالَ غَيره: الجِنْعاظ والجِنْعِظ: الجافي الغليظ.
(جعظر) : وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (أهل النَّار كل جَعْظَرِيّ جَوَّاظ، منّاع جمّاع) . قَالَ القتيبي: أَخْبرنِي أَبُو حَاتِم عَن أبي زيد أَنه قَالَ: الجَعْظَري: الَّذِي يتنفَّج بِمَا لَيْسَ عِنْده، وَهُوَ إِلَى الْقصر ماهو. قَالَ وَقَالَ الْأَصْمَعِي يُقَال أَيْضا: جِعْظار وجِعظارة. وَأنْشد فِي أرجوزة لَهُ:
لَيْسَ بقاس وَلَا نَمّ نجِث
وَلَا بجعظار مَتى مَا يَضْطَبِث
بالجار يعلق حبلَه ضِبت شبِث
أَبُو الْعَبَّاس عَن سَلمَة عَن الْفراء أَنه قَالَ: الجَعْظَرِيّ: الطَّوِيل الجسيم الأكول الشروب البطر الْكَافِر. وَهُوَ الجِعْظارة والجِعْظار.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الجعظريّ: الْقصير السمين الأَشِر الجافي عَن الموعظة.
وَقَالَ اللَّيْث: الجَعْظريّ: الأكول. قَالَ: والجِعْظار: الْقصير الرجلَيْن الغليظ الْجِسْم. فَإِذا كَانَ مَعَ غلظ أكولاً قَوِيا سمى جَعْظِريّاً.
(عذلج) : وَقَالَ اللَّيْث: المُعَذْلَج: الناعم، عذلجته النَعْمة.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي يُقَال: عذْلجْت الولدَ وَغَيره، فَهُوَ معذلَج إِذا كَانَ حسن الغِذاء.
وَقَالَ الرياشي: هُوَ المعذلَج، والمسرعَف لِلْحسنِ العذاء.
(عثجل) : اللَّيْث: العَثْجَل: الْوَاسِع الضخم من الأساتي والأوعية.
قَالَ أَبُو عبيد: وَقَالَ أَبُو عَمْرو: العَثْجَل: الْعَظِيم الْبَطن.
جعثن: اللَّيْث الجِعْثِن: أرومة الشّجر بِمَا عَلَيْهَا من الأغصان إِذا قُطعت. والواحدة جِعْثِنة: قَالَ: وَمِنْهُم من يَقُول للْوَاحِد: جعثن والجميع الجعاثن. وكلّ شَجَرَة تبقى(3/204)
أرومتها فِي الشتَاء من عِظَام الشّجر وصغارها فلهَا جِعْثِن فِي الأَرْض، وَبَعْدَمَا يُنزع فَهُوَ جعثن، حَتَّى يُقَال لأصول الشوك جِعْثِن. وجِعْثِن من أَسمَاء النِّسَاء وتَجَعثن الرجلُ إِذا تجمّع وتقبّض. وَيُقَال لأَرُومة الصِّلِّيَان جِعْثِنة. وَقَالَ الطرماح:
وَمَوْضِع مَشكوكين ألقتهما مَعًا
كوطأة ظَبْي القُفّ بَين الجعاثِن
وَقَالَ الجِعْثِم والجِعْثِين: أصُول الصِّلِّيَان. وَأنْشد:
أَو كمجلوح جِعْثِن بَلَّه القَطْرُ
فأضحى مودِّس الْأَعْرَاض
(جعثم) : وَقَالَ اللَّيْث: الجُعْثُوم: الغُرْمول الضخم. وقولُ أبي ذُؤَيْب:
تأن ارتجاز الجُعْثميَّات وَسطهمْ
نوائحُ يُسمعن البُكَى بالأزامل
قَالُوا: الْقوس يُقَال لَهَا جُعْثُميّة.
قلت: وَلَا أَدْرِي إِلَى أيّ شَيْء نسب. وَقيل: جُعْثُمة حَيّ من الأَزْد أزدِ السراة. وَقَالَ أَبُو نصر: جُعْثمة من هُذَيل.
(عثنج) : أَبُو عَمْرو: العَثَنْثَج: الضخم من الْإِبِل. وَكَذَلِكَ العَثَمْثم والعَبَنْبَل.
(ثعجر) : اللَّيْث: الثَّعْجَرَة: انصباب الدمع. يُقَال: ثعجره إِذا صبّه، فاثعنجر أَي انصبّ. تَقول: اثعنجر دمعُه، واثعنجرت الْعين دَمْعاً. وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس حِين أدْركهُ الْمَوْت: يَا ربّ جَفْنة مثعنجِرة، وطعنة مسحنفرة، تبقى غَدا بأنقِرة. قَالَ: والمثعنجرة: الملأَى يفِيض وَدَكها واثعنجرت السحابة بقَطْرها. واثعنجر الْمَطَر نَفسه، يثعنجر اثعنجاراً.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: المُثْعَنْجِر والعُرَانِية: وَسَط الْبَحْر. وَقَالَ ثَعْلَب: لَيْسَ فِي الْبَحْر مَاء يُشبههُ كَثْرَة.
(عرجل) : اللَّيْث: العَرْجَلة من الْخَيل: القطيع. وَهِي بلغَة تَمِيم الحَرْجلة.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: رَأَيْت الْقَوْم عراجِلة أَي مُشَاة.
(عثجج) : ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: العَثْجَج: الْجمع الْكثير.
(عرجن) : وَقَالَ اللَّيْث وَغَيره: العُرْجُون: أصل العِذْق وَهُوَ أصفر عريض، شبَّه الله بِهِ الْهلَال لمّا عَاد دَقِيقًا. فَقَالَ: {الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالعُرجُونِ الْقَدِيمِ} . (يس: 39) قَالَ والعُرْجون: ضرب من الكَمْأة قدر شبر أَو دُوَين ذَلِك، وَهُوَ طيِب مَا دَامَ غَضّا وَجمعه العراجين. قَالَ والعَرْجَنة: تَصْوِير عراجين النّخل، قَالَ رؤبة:
فِي خِدْر مَيَّاس الدُّمَى مُعَرْجَنِ
أَي مصوَّر فِيهِ صور النّخل والدمى.
أَبُو عبيد عَن الْأمَوِي: عرجنته بالعصا: ضَربته.
رجعن: وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: ضربه حَتَّى ارجعنّ وارجَحَنّ أَي انبسط وَسقط.
وَقَالَ اللحياني: ضربه فارجعنّ، أَي اضْطجع وَألقى بِنَفسِهِ: وَتقول للرجل يُقَاتل الرجل: إِذا ارجعَنّ، شاصياً فارفع يدا. يَقُول: إِذا اضْطجع وغلَّبته وَرفع رجلَيْهِ فَاكْفُفْ يدك عَنهُ. وَقَالَ الشَّاعِر:(3/205)
فَلَمَّا ارجعنّوا واسترينا خيارهم
وصاروا الأُسارى فِي الْحَدِيد الملكَّد
قَالَ وَقَالَ بَعضهم: ضربناهم بقَحَازِننا فارجعنُّوا أَي بِعصِيّنا.
(عنجر) : اللَّيْث العَجَنْجرَة: علاف القارورة. قَالَ: وَكَانَ رجل يُقَال لَهُ عُنْجورة إِذا قيل لَهُ عُنْجِر يَا عُنجورة غضب.
عَمْرو عَن أَبِيه العَنْجَرة: الْمَرْأَة المكتِّلة الْخَفِيفَة الرّوح.
(ثنجر) : وَقَالَ أَبُو زيد: المثنجر والمسحَنْفِر: السَّيْل الْكثير.
(جلعم) : أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: الجَلْعَم: الْقَلِيل الْحيَاء، والجَيْعَم: الجائع.
(جَعْفَر) : قَالَ والجَعْفَر: النَّهر الملآن، وَبِه شبّهت النُوق الغزيرة. قَالَ: وأنشدني المفضّل:
من للجعافر يَا قومِي فقد صَرِيت
وَقد يساق لذات الصرية الحَلَبُ
وَقَالَ اللَّيْث: الجَعْفَر: النَّهر الْكَبِير الْوَاسِع وَأنْشد:
تأوّد عُسْلوج على شطّ جَعْفَر
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الجعفر: النَّهر الصَّغِير، فَوق الجَدْول:
(عجرف) : وَقَالَ اللَّيْث: العَجْرَفيَّة: جفوة فِي الْكَلَام، وخُرْق فِي الْعَمَل. وَيكون الْجمل عَجْرَفيّ الْمَشْي لسرعته. وَرجل فِيهِ عَجرَفية، وبعير ذُو عَجَارف. قَالَ: والعَجْرُوف: دويبة ذَات قَوَائِم طِوال. وَيُقَال أَيْضا لهَذَا النَّمْل الَّذِي رفعته عَن الأَرْض قوائمه: عجروف. قَالَ وعجاريف الدَّهْر: حوادثه. وَأنْشد:
لم ينسني أمَّ عمَّار نوى قُذُفٌ
وَلَا عجاريف دهر لَا تعريني
وتعجرف فلَان علينا إِذا تكبّر. وَرجل فِيهِ تعجرُف. والعجرفيَّة من سير الْإِبِل: اعْتِرَاض فِي نشاط. وَأنْشد:
وَمن سَيرهَا العَنَق المسبطرُّ
والعجرفية بعد الكلال
أَبُو عبيد: العَجْرَفِيَّة: الَّتِي لَا تقصد فِي سَيرهَا من نشاطها.
(عرفج) : اللَّيْث: العَرْفج: نَبَات من نَبَات الصَّيف، ليّن أغبر، لَهُ ثَمَرَة خَشْناء كالحَسَك. وَالْوَاحد عَرْفَجة: وَهُوَ سريع الاتِّقاد.
قلت: العرفج من الجَنْبة، وَله خُوصة. وَيُقَال رَعَينا رِقّة العرفج، وَهُوَ ورقه الشتَاء، وثمرته صفراء.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: إِذا مُطِر العَرْفَج ولان عُوده قيل: قد ثقب عوده، فَإِذا اسودّ شَيْئا قلت: قد تَمِل، فَإِذا ازْدَادَ قَلِيلا قيل: قد أرقاطّ، فَإِذا ازْدَادَ شَيْئا قيل: قد أدْبى. فَإِذا تمَّت خُوصته قيل: قد أَخْوَص. قلت: ونار العرفج تسميها الْعَرَب نَار الزحفتين؛ لِأَن الَّذِي يوقدها يزحف إِلَيْهَا، فَإِذا اتَّقدت زحف عَنْهَا.
جعبر: اللَّيْث الجَعْبَرِيَّة والجَعْبَرة من النِّسَاء: القصيرة الدَّميمة.(3/206)
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: الجَعْبَرِيَّة: القصيرة. وَقَالَ رؤبة:
يُمْسين من قَسّ الْأَذَى غوافلا
لاجَعْبَريّاتٍ وَلَا طَهَاملا
(عربج) : أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ العُرْبَج والثَّمْمَّ: كلْبُ الصَّيْد.
(عنبج) : وَقَالَ اللَّيْث: العُنْبُجُ: الضخم الرِخو الثقيل من كل شَيْء. وَأكْثر مَا يُوصف بِهِ الضبعان وَأنْشد:
فَولدت أعْثَى ضَرُوطاً عُنْبُجا
وَقَالَ النَّضر: العُنْبُج: الوَتَر الضخم الرِخو. العُنْبُج من الرِّجَال: الضخم الرخو الَّذِي لَا رَأْي لَهُ وَلَا عقل.
(عفنج) : وَقَالَ اللَّيْث: العَفَنْجَج من الرِّجَال: كل ضخم اللهازم ذِي وَجَنات وألواح أكُولٌ فَسْلٌ. وَهُوَ بِوَزْن فعنلل وَبَعْضهمْ يَقُول: عَفَنّج.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: العَفَنْجَج: الأحمق.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: العَفَنْجَج: الجافي الخَلْق. وَأنْشد:
وإذْ لم أعطّل قَوس ودّي وَلم أُضع
سِهَام الصِّبا للمستميت العفنجج
قَالَ المستميت الَّذِي قد استمات فِي طلب اللَّهْو وَالنِّسَاء.
(عنجف) : أَبُو عَمْرو: العُنْجُوف: والعَنْجَف: الْيَابِس هُزَالاً. وَكَذَلِكَ العُنْجُل.
(جعفل) : أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي جَعْفله إِذا صرعه. وَقَالَ طُفَيل:
وراكضةٍ مَا تَستَجِنَ بجُنّة
بَعِيرَ حِلال غادرته مجعفَل
قَالَ: المجعفل: المقلوب.
(علجم) : وَقَالَ اللَّيْث: العُلْجُوم الضِفدِع الذّكر، وَيُقَال البَطّة الذّكر. وَأنْشد:
حَتَّى إِذا بلغ الحوماتُ أكرَعَها
وخالطت مستنيماتِ العلاجيم
قَالَ: والعُلْجُوم: الظلماء المتراكمة. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ العُلْجُوم موج الْبَحْر. والعُلْجوم الأجمة. والعُلْجُوم الْبُسْتَان الْكثير النّخل. وَهُوَ الظلمَة الشَّدِيدَة وَهُوَ الضِفدِع.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: العُلْجُوم: الظبي الآدم.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: العلاجيم: طوال الْإِبِل والحُمُر. وَقَالَ الرَّاعِي:
فعُجن علينا من علاجيم جِلَّة
لحاجتنا مِنْهَا رَتُوك وفاسج
يَعْنِي إبِلا ضخاماً. الأصمعيّ عَن ابْن طرفَة: العَلْجَم: النامّ المسنّ من الْوَحْش.
قَالَ: وَمِنْه قيل للناقة المسنة علجوم. وَكَذَلِكَ العلجوم من الضفادع وَرمل معلنجم: متراكب. وَقَالَ أَبُو نُخَيلة:
كَأَن رملاً غيرَ ذِي تهيُّم
من عالج ورملها المعلنجِم
بملتقى عَثَاعث ومأكم
(جمعل) : ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الجُمَعْليلة: النَّاقة الْهَرِمة.
(جذعم) : وَيُقَال للجَذَع: جَذْعم وَجَذْعَمة.
جلعب: الطوسي عَن الحَزَّاز عَن ابْن ا(3/207)
لأعرابيّ قَالَ: اجرَعنّ وارجعنّ وأتلأَبّ واجرعبّ واجلعبّ إِذا صُرع فامتدَّ على وَجه الأَرْض.
اللَّيْث: الجلعب: الرجل الجافي الْكثير الشرّ. وَأنْشد:
جِلفا جَلَعْباً ذَا جلب
قَالَ وَيُقَال: بل الجَلَعْبَى، وَالْأُنْثَى جَلَعْباة. وهما مَا طَال فِي هَوَج وعَجْرفيَّة. قَالَ: والمجلعبّ المستعجل الْمَاضِي. قَالَ: والمجلعبّ أَيْضا من نعت الرجل الشَرير. وَأنْشد:
مُجْلَعبّاً بَين راووق ودَنّ
أَبُو عبيد عَن الْفراء رجل جلعبى الْعين، وَالْأُنْثَى جلعباة: وَهِي الشَّدِيدَة الْبَصَر وَهِي الشدّة فِي كل شَيْء.
وَقَالَ شمر: لَا أعرف الجَلَعْبى بِمَا فسّرها الْفراء. قَالَ: والجَلعباة من الْإِبِل: الَّتِي قد قَوَّست ودَنت من الكِبَر. قَالَ: والمجلعبّ: الْمَاضِي فِي السّير. والمجلعبّ أَيْضا: المصروع إمّا ميّتاً، وَإِمَّا صَرْعاً شَدِيدا. قَالَ والمجلعبّ: المحتدّ.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: المجلعبّ: المضطجع. والمجلعبّ أَيْضا: الذَّاهِب.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الجَلَعْباة: الشَّدِيدَة من الْإِبِل.
أَبُو عبيد عَن الْأمَوِي: سيل مزلعبّ ومجلعبّ: وَهُوَ الْكثير قَمْشُه.
(علجن) : اللَّيْث: العَلْجَنُ: النَّاقة الكِنَازُ اللَّحْم.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ فِي بَاب مَا زَادَت الْعَرَب فِيهِ النُّون من الْحُرُوف: نَاقَة عَلْجَن، وَهِي الغليظة المستعلِجة الخَلْق. وَأنْشد قَول الراجز:
وخلَّطت كل دِلاَث عَلْجن
تَخْلِيط خرقاء الْيَدَيْنِ خَلْبَن
(عملج) : وَقَالَ ابْن دُرَيْد: رجل عَمَلج: حسن الْغذَاء.
قلت الَّذِي روينَاهُ عَن الثِّقَات: رجل غَمَلَّج بالغين إِذا كَانَ نَاعِمًا.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: رجل عَفَلَّط: أَحمَق.
(عسلج) : عَمْرو عَن أَبِيه: العُسْلُج: الغُصْن الناعم.
(عفنج) : والعَفْنجَج: الضخم الأحمق. والعَصَلَّج المعوجّ السَّاقَيْن.
(زعبج) : الْأَثْرَم عَن أبي عُبيدة: الزَعْبَج: الْغَيْم الْأَبْيَض. قَالَ والزَعْبَج: الْحسن من كل شَيْء من الْحَيَوَان والجوهر والزَعْبَج: الزَّيْتُون.
أَبُو عبيد عَن الْفراء: الزَعْبَج: السَّحَاب الرَّقِيق.
(علجن) : أَبُو سعيد: نَاقَة عُلْجُوم وعُلْجون: أَي شَدِيدَة وَهِي العَلْجَن.
وَقَالَ أَبُو مَالك: نَاقَة عَلْجَن: غَلِيظَة.
(جعفل) : ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الجَعْفليل: الْقَتِيل المنتفِخ. وَقَالَ غَيره: طعنه فجعفله إِذا قلبه عَن السرج فصرعه.
(بَاب الْعين والشين)
(ع ش)
شعفر: شَعْفَر من أَسمَاء النِّسَاء. وأنشدني(3/208)
المنذريّ:
يَا لَيْت أنّي لم أكن كِرَّيا
وَلم أسُق بشَعْفَر المطِيّا
(عشنط عنشط) : اللَّيْث: العَشَنَّط: الطَّوِيل من الرِّجَال. وَجمعه عَشَنَّطُون وعشانط.
قَالَ: وَيُقَال هُوَ الشابّ الظريف قَالَ: والعَنْشَط: السيّء الخُلُق. وَأنْشد:
أَتَاك من الفتيان أروعُ ماجد
صبور على مَا نابه غير عَنْشَط
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: العَشَنَّط والعَنْشَط مَعًا: الطَّوِيل الأول بتَشْديد النُّون وَالثَّانِي بِسُكُون النُّون قبل الشين.
(عشزر) : اللَّيْث: العَشَنْزَر، العَسِر الخُلُق من كل شَيْء.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: العَشَنْزَر والعَشَوْزَن من الرِّجَال الشَّديد. وَأنْشد غَيره:
ضربا وطعناً باقراً عَشَنْزَرا
(عشزن) : وَقَالَ اللَّيْث: العَشَوْزَن: العَسِر الخُلُق من كل شَيْء. وَيُقَال: عَشْزَنَتُه: خِلَافه. قَالَ: وَجمع العشوزن عشاوز. وناقة عشوزنة. وَأنْشد:
أخذك بالميسور والعشوزن
وَيجوز أَن يجمع عشوزن على عشاون بالنُّون.
(شرعب) : اللَّيْث: الشَرْعَبَة: شقّ اللَّحْم والأديم طولا.
وَقَالَ أَبُو عبيد: الشَرْعَب: الطَّوِيل وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الشَرْعَبيَّة برود.
وَقَالَ الْأَعْشَى:
كالبُسْتَان والشرعبي ذَا الأذيال
وَقَالَ رؤبة يصف نَاب الْبَعِير:
قدا يخدَّاد وهذَّا شَرْعبا
(عفشل) : أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العَفْشَلِيل: الكِسَاء الغليظ.
(وَرجل عَفَنْشَل: ثقيل وخْم) .
شمعل: وَقَالَ اللَّيْث: شمعلت الْيَهُود شَمْعَلة. وَهِي قراءتهم إِذا اجْتَمعُوا فِي فُهْرهم. واشمعلَّت الْإِبِل إِذا تَفَرَّقت وَمَضَت مَرَحاً ونشاطاً. وَأنْشد:
إِذا اشمعلّت سَنَناً رسابها
بِذَات خرقين إِذا حَجَابها
وناقة شمعلة سريعة: نشيطة. واشمعلّت الْغَارة إِذا انتشرت وتفرّقت. وَأنْشد:
صبحتُ شَبَاما غَارة مشمعلَّة
وَأُخْرَى شاهديها قَرِيبا لشاكرِ
أَبُو زيد: الشَمْعَل: النَّاقة الْخَفِيفَة. وَأنْشد:
يَا أَيهَا العَوْدُ الضَّعِيف الأَثْيَل
مَالك إِذْ حُثَّ المطى تزحل
أُخْراً وتنجو بالركاب شَمْعَلُ
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: المشمعِلَّة النَّاقة السريعة والمسمغلة الطَّوِيلَة بالغين وَالسِّين.(3/209)
وَقَالَ أَبُو تُرَاب: سَمِعت بعض قيس يَقُول: اشمعطَّ الْقَوْم فِي الطّلب، واشمعلوا إِذا بَادرُوا فِيهِ، وَتَفَرَّقُوا، واشمعلت الْإِبِل واشمعطَّت إِذا انتشرت.
(شنعف) : اللَّيْث: الشِّنْعاف: الطَّوِيل الشَّديد. والشَّنْعاف: الطَّوِيل الرخو الْعَاجِز. وَأنْشد:
تزوجتِ شنعافا فآنستِ مقرفا
إِذا ابتدر الأقوام مجدا تقنّعا
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: الشناعيف وَاحِدهَا شنعاف، وَهِي رُؤُوس تخرج من الْجبَال.
(شبدع) : أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: الشبادع: العقارب. وَاحِدهَا شِبْدِعة.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: ألقيتُ عَلَيْهِ شِبْدِعا وشِبْدَعا، أَي داهية. قَالَ: وَأَصله الْعَقْرَب.
(برشع) : أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: البِرْشاع: الأهوج المنتفخ. وَأنْشد:
وَلَا ببِرشاع الوخام وَغْب
(عشرب) : وَقَالَ غَيره العَشَرَّب والعَشَرَّم: السهْم الْمَاضِي.
(شرعف) : والشُرْعُوف: نبت أَو ثَمَر.
وَقَالَ مدرك الجعفريّ: يُقَال فَرِّقوا لضوالّكم بُغْيَانا يُضبّون لَهَا أَي يشمعطّون. فَسئلَ عَن ذَلِك فَقَالَ: أضَبّوا لفُلَان أَي تفَرقُوا فِي طلبه، وَقد أضب الْقَوْم فِي بُغيتهم أَي فِي ضالّتهم أَي تفرّقوا فِي طلبَهَا.
(عنفش) : وَفِي (النَّوَادِر) : أَتَانَا فلَان مُعَنْفِشاً بلحيته، ومقنفِشاً، ومفنشياً. وَفُلَان عِنْفَاشُ اللِّحْيَة وعَنْفَشِيّ اللِّحْيَة: وقبشار اللِّحْيَة.
(شعنب) : النَّضر: الشَعْنِبَة أَن يَسْتَقِيم قرن الْكَبْش ثمَّ يلتوي على رَأسه؛ من قِبل أُذُنَيْهِ. يُقَال: كَبْش مشعنِب الْقرن بِالْعينِ والغين.
(بَاب الْعين وَالضَّاد)
(ع ض)
(ضلفع) : اللَّيْث: ضَلْفَع: مَوضِع. وَأنْشد:
بَعَمايتين إِلَى جَوَانِب ضَلْفَع
عَمْرو عَن أَبِيه: ضَلْفَعه، وضَلْعفه، وصَلمعه إِذا حَلَقه.
(عرضن) : اللَّيْث: العِرَضْنَة والعِرَضْنى: عَدْو فِي اشتقاق. وَأنْشد:
تعدو العِرَضْنَى خيلُهم حَرَاجِلا
وَامْرَأَة عِرَضْنة: ضخمة قد ذهبت عَرْضاً من سمنها.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: العرضنى عَدْو فِي اعْتِرَاض ونشاط. قَالَ وحَرَاجل وعَرَاجل: جماعات: قَالَ وَيُقَال للرجّالة: عراجل أَيْضا.
أَبُو عبيد: العِرَضْنة: الِاعْتِرَاض فِي السّير من النشاط. وَلَا يُقَال نَاقَة عِرَضْنة.
ضفدع: الضِفدِع جمعه ضفادع. وَرُبمَا قَالُوا: ضفادي. وَأنْشد بَعضهم:
ولضفادي جمّه نقانق
أَرَادَ: الضفادع؛ فَجعل الْعين يَاء؛ كَمَا قَالُوا فِي أَرَانِي فِي أرانب. يُقَال: نقّت ضفادع بَطْنه إِذا جَاع؛ كَمَا يُقَال: نقت(3/210)
عصافير بَطْنه.
(ضلفع) : وَقَالَ ابْن السّكيت فِي الْأَلْفَاظ إِن صحّ لَهُ: الضَلْفَع والضلفعة من النِّسَاء: الواسعة. وَأنْشد:
أقبلن تَقْرِيبًا وَقَامَت ضَلْفعا
فأقْبَلتهُن هِبَلاَّ أبقعا
عِنْد استها مثل استها أَو أوسعا
(عربض) : وَقَالَ اللَّيْث: أَسَد عِرْباض: رحب الكَلكَل.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: العِرباض: الْبَعِير الغليظ الشَّديد. وَمثله العِرَبْض.
شمر: العِرَبْض والعرباض: الضخم الْعَظِيم. وَأنْشد:
ألْقى عَلَيْهَا كلكلاً عِرَبْضا
وَقَالَ:
إِن لنا هوَّاسةً عِرَبْضا
(عرمض) : اللَّيْث: العَرْمَض: رِخْو أَخْضَر كالصوف فِي المَاء المزمن وَأَصله نَبَات. والعَرْمَض أَيْضا: شَجَرَة من شجر العضاه لَهَا شوك أَمْثَال مناقير الطير: وَهُوَ أصلبها عيدانا. وَيُقَال لصغار الأرك عرمض. والعرمض من السدر صغاره. وصغار العضاه عرمض والعرمض الغَلْفَق الْأَخْضَر الَّذِي يتغشّى المَاء، فَإِذا كَانَ من جوانبه فَهُوَ الطحلب.
وَقَالَ أَبُو زيد: المَاء المعرمِض والمطحلب وهما وَاحِد. وَيُقَال لَهما ثَوْر المَاء وَهُوَ الْأَخْضَر الَّذِي يخرج من أَسْفَل المَاء حَتَّى يكون فَوق المَاء.
(عضمز) : اللَّيْث: العَيْضَمُوز: النَّاقة الضخمة منعهَا الشحمُ أَن تحمل.
وَرَوَى أَبُو عبيد عَن الكسائيّ قَالَ: العيضموز: الْعَجُوز الْكَبِيرَة. وَأنْشد:
أعْطى خُبَاسة عيضموزاً كَهَّة
لَطْعاء بئس هديّة المتكرّم
قَالَ: وناقة عيضموز.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي عَجُوز عَضَمَّزة.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: العَضَمَّز: الشَّديد من كل شَيْء وَرجل عَضَمَّز الْخلق شديده.
وَقَالَ اللحياني: العَضَمَّز: الرجل الْبَخِيل، وَامْرَأَة عَضَمَّزة.
وَقَالَ حُمَيد:
عَضَمَّزةٌ فِيهَا بقاءٌ وشِدَّةٌ
ابْن السّكيت فِي بَاب الدَّوَاهِي: العضمَّزة: الداهية.
عضرط: اللَّيْث: العُضْرُوط والعُضْرُط: الَّذِي يخدمك بِطَعَام بَطْنه. وهم العضاريط والعضارطة.
الْأَصْمَعِي: العَضَارط الأجَراء. وَأنْشد:
أذاك خير أيّها العضارط
وأيها اللمعظة العَمَارط
قَالَ: رجل لعمظة ولمعظة وَهُوَ الشرِه الْحَرِيص.
وَقَالَ أَبُو زيد: اللمعظ: الشهوان الْحَرِيص. وَرجل لُعموظ ولُعموظة من قوم لعامِظة.
الْأَصْمَعِي قوم عمارط: لَا شَيْء لَهُم. واحدهم عُمْروط.
غَيره: هِيَ العِضْرِط والبُعْثُط للاست.(3/211)
يُقَال: أَلزق بُعْثطه وعِضْرِطه بالصَّلَّة يَعْنِي استه.
وَقَالَ شمر: مثل للْعَرَب إياك وكل قِرْن أهلبِ العِضْرِط.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: العِضْرِط: العِجَان والخُصْية.
(عضرس) : وَقَالَ اللَّيْث: العَضْرَس: نَبَات فِيهِ رخاوة تسودّ مِنْهُ جحافل الدوابّ إِذا أَكلته.
وَقَالَ ابْن مقبل:
والعَيْر ينفحُ فِي المَكْنَان قد كَتَنت
مِنْهُ جحافله والعَضْرَسِ الثَجِر
قَالَ: والعَضْرَس: البَرَد أَيْضا.
وَقَالَ: أَبُو الْهَيْثَم: العَضْرَس: شَجَرَة لَهَا زهرَة حَمْرَاء.
وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
مُغَرَّثةً زُرْقا كَأَن عيونها
من الذَمْر والإيساء نُوَّار عَضْرَس
(قعضب) : عَمْرو عَن أَبِيه: قرَب قَعْضَبىّ، وقَعْطبىّ، ومقعَّط: شَدِيد.
(بعثط) : أَبُو زيد: ألزق بُعثْطة بِالْأَرْضِ وعِضْرِطه وَهِي استه وجلدة خصييه ومذاكيره. وَقَالَ أَبُو مَالك البُعْثُط: العِجَان نَفسه.
(بَاب الْعين وَالصَّاد)
(ع ص)
(صعتر) : قَالَ اللَّيْث: الصَعْتريّ: الشاطر بلغَة أهل الْعرَاق. قَالَ: والصَعْتر من الْبُقُول أَيْضا.
أَبُو عَمْرو: هُوَ الصَعْتر بالصَّاد. قَالَ: وَرجل صَعْتَرِيّ لَا غير إِذا كَانَ فَتى كَرِيمًا شجاعاً.
(صنتع) : أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو الصُّنْتُع: الحِمَار الصُلْب الرَّأْس. قَالَ: والصِّعْوَنّ: الدَّقِيق العُنُق.
وَقَالَ اللَّيْث: حمَار صُنْتُع: شَدِيد الرَّأْس ناتىء الحاجبين عريض الْجَبْهَة. وظليم صُنْتُع.
عنصر: قَالَ والعُنْصَرُ: أصل الْحسب، جَاءَ عَن الفصحاء، بضمّ الْعين وَنصب الصَّاد وَقد يَجِيء نَحوه من المضموم كثير؛ نَحْو السُنْبُل وَلَكنهُمْ اتّفقوا فِي العُنْصَر والعُنْصَل والعُنْقَر. وَلَا يَجِيء فِي كَلَامهم المنبسط على بِنَاء فُعْلَل إلاّ مَا كَانَ ثَانِيه نوناً أَو همزَة نَحْو الجُنْدَب والجُؤذَر. وَجَاء السُودَد كَذَلِك كَرَاهِيَة أَن يَقُولُوا سُودُد فتلتقي الضمَّات مَعَ الْوَاو ففتحوا. ولغة طيّىء: السودُد مضموم.
وَقَالَ أَبُو عبيد: هُوَ العنصر بِضَم الصَّاد للْأَصْل.
وروى ابْن السّكيت عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ يُقَال: عُنْصَل أَو عُنْصُل للبصل البرّي، وَهُوَ لئيم العُنْصَر والعُنْصُر أَي الأَصْل، وجُؤْذُر وجُؤْذَر، وقُنْفُذ وقُنْفَذ.
قَالَ: وَقَالَ الْفراء: بُرْقُع وبُرْقَع.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: العنصر الداهية.
وَقَالَ غَيره: العنصر: الهمَّة وَالْحَاجة. وَقَالَ البَعيث:
أَلا راج بالرَهْن الخليطُ فهَجّرا
وَلم تقض من بَين العِثيّات عُنْصرا(3/212)
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: عُنْصَر الرجل وعُنْقَره: أَصله.
وَقَالَ سُويد بن كُرَاع:
أراعك بالبين الخليطُ المهجِّر
وَلم يَك عَن بَين الْأَحِبَّة عنصر
قلت: أَرَادَ: العَصَر والملجأ.
(عصفر) : وَقَالَ اللَّيْث: العصفر نَبَات سلافته الجريال وَهِي معربة.
وَقَالَ غَيره: تعصفرت الْعُنُق تعصفراً إِذا التوت.
وَقَالَ اللَّيْث: العصفور: طَائِر ذكر. والعصفور: الْجَرَاد الذّكر. قَالَ والعصفور: شِمراخ يسيل من غُرَّة الْفرس لَا يبلغ الخَطْم. وَالعصفور: قِطْعَة من الدِّمَاغ تَحت فَرْخ الدِّمَاغ، كَأَنَّهُ بَائِن مِنْهُ، بَينهمَا جُلَيدة تفصله. وَأنشد:
ضربا يزِيل الْهَام عَن سَرِيرِه
عَن أمّ فرخ الرَّأْس أَو عصفوره
قَالَ والعصفور فِي الهودج: خَشَبَة تَجْمع أَطْرَاف الخشبات فِيهَا، وَهِي كَهَيئَةِ عُصْفُور الإكاف، وعصفور الإكاف عِنْد مقدَّمه فِي أصل الذئبة وَهِي قِطْعَة خشب قدر جَمْع الكفّ أوَ أعيظم مِنْهُ شيأ، مشدودة بَين الحِنْوين المقدمين.
وَقَالَ الطرماح يصف الغَبِيط أَو الهودج:
كل مَشْكُوك عصافيره
قانىء اللَّوْن حَدِيث الدِّمام
يَعْنِي أَنه قد شُك فَشد العصفور من الهودج فِي موَاضعه بالمسامير.
وَكَانَ للنعمان بن الْمُنْذر نَجَائِب يُقَال لَهَا عصافير النُّعْمَان.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: يُقَال للجمل ذِي السَنَامين: عصفوريّ. وَيُقَال للرجل إِذا جَاع: نقَّت عصافير بَطْنه.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: العصفور السيّد. قَالَ: وَالعصافير: ضَرْب من الشّجر لَهُ صُورَة كصورة العصفور يسمون هَذَا الشّجر: مَنْ رأى مِثْلي.
(عرصف) : اللَّيْث: العِرْصاف: العَقَب المستطيل. وَيقال: أَكثر مَا يُقَال ذَلِك لِعَقَب المتنين والجنبين.
قلت: وَيُقَال للسوط إِذا سمى من العَقَب عِرصاف وعِرفاص. وعرصفت الشَّيْء إِذا جَذَبْتَهُ من شَيْء فشققته مستطيلا. وكل خُصْلة من سَرَعان المَتْنَين عِرصاف وعِرفاص سمعته من الْعَرَب.
وَقال اللَّيْث: العراصيف أَرْبَعَة أوتاد تجمعن بَين رُؤُوس أحناء الرحل فِي رَأس كل حنو مِنْهَا من ذَلِك وَدَّان مشدودان بجلود الْإِبِل؛ يعدلُونَ الحِنْو بالعُرْصُوف. وعراصيف القتَب: عصافيره الَّتِي وَصفنَا.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: العراصيف: الخُشُب الَّتِي يُشد بهَا رُؤُوس الأحناء وتُضَمّ بهَا.
وَقال الْأَصْمَعِي: فِي الرحل العراصيف وَهِي الخشبتان اللَّتَان تُشّدان بَين وَاسِط الرحل وآخرته وآخرته يَمِينا وَشمَالًا.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال للقِدَّة الَّتِي تَضم العراصيف: حنكة وحِنَاك.
صمعر: وَقَالَ اللَّيْث الصَمْعَرِيّ: اللَّئِيم(3/213)
والصَمْعَريّ: من لم يعْمل فِيهِ رُقْية وَلَا سِحْر. والصمعرية من الْحَيَّات الخبيثة، وَأنْشد:
أحية وَادي ثُغْرة صَمْعَرِيَّةٌ
أحب إِلَيْكُم أم ثلاثٌ لواقحُ
أَرَادَ باللواقح العقارب.
(عصمر) : وَقَالَ اللَّيْث: العصامير دلاء المنجنون وَاحِدهَا عُصْمُور.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: العُصْمور: دلو الدولاب. والصُمْعور: الْقصير الشجاع.
(عرصم) : ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العَرصَم: النشيط. والعَرْصَم أَيْضا: الأكول. والعرْصوم: الْبَخِيل.
وَقَالَ اللَّيْث العِرصمُّ: الرجل القويّ الشَّديد البَضْعة.
(عنفص) : اللَّيْث: العِنْفِص. الْمَرْأَة القليلة الْجِسْم. وَيُقَال أَيْضا: هِيَ الداعرة الخبيثة.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: العِنْفص: البذيئة القليلة الْحيَاء من النِّسَاء. وَأنْشد شمر:
لعمرك مَا ليلى بورهاء عِنْفِص
وَلَا عَشَّةٍ خلْخَالهَا يتقعقع
(صعنب) : ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي يُقَال الصَّعْنَب: الصَّغِير الرَّأْس.
وقالَ غَيره: صَعْنَبَي: قَرْيَة ياليمامة.
وَقَالَ اللَّيْث: الصَّعنبة: أَن تُصعنَب الثريدة، يُضَمَّ جوانبها وتُكَوَّمَ صومعتها. وَفِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سوّى ثريدة فلبَّقها بسمنٍ ثمَّ صَعْنبها.
قَالَ أَبُو عبيد: يَعْنِي رفع رَأسهَا.
وَقَالَ ابْن الْمُبَارك: صَعْنَبها: جعل لَهَا ذُروة.
وَقَالَ شمر: هُوَ أَن يضمّ جوانبها، ويكوّم صومعتها. أنْشد أَبُو عَمْرو:
يتبعْن عَوْداً كاللواء تَيْأبا
ناجٍ عَفَرنى سرعانا أغلبا
رَحْب الفُروج ذَا بَضيع مِنْهَبَا
يُحْسَب باللِّوى صُوًى مُصَعْنَبا
الصُوى: الْحِجَارَة الْمَجْمُوعَة الْوَاحِدَة صُوَّة. والمُصعنَب الَّذِي حدّد رَأسه، يُقَال: إِنَّه لمصعنَب الرَّأْس إِذا كَانَ محدّد الرَّأْس. وَقَوله: ناجٍ أَرَادَ ناجياً. (و) المِنْهَب: السَّرِيع:
وَقد أجوُبُ ذَا السماط السَبْسَبا
فَمَا ترى إِلَّا السِّرَاح اللّغَّبا
وَأَن ترى الثَّعْلَب يعفُو مَحْرَبا
محرباً: أَي منزلا. يعفُو: أَي يَأْتِي.
(صنبع) : وَقَالَ اللَّيْث: الصّنْبَعة: انقباض الْبَخِيل عِنْد الْمَسْأَلَة. تَقول: رَأَيْته يُصَنْبِع لؤماً. وصُنَيْبِعات: مَوضِع يُسمى بِهَذِهِ الْجَمَاعَة.
عَمْرو عَن أَبِيه الصَّنْعَبة: النَّاقة الصُلْبة.
عنصل: الْأَصْمَعِي وَأَبُو عَمْرو العُنْصُل والعُنْصَل: كُرّاث بَرّى يُعمل مِنْهُ خَلّ يُقَال لَهُ: خلّ العُنْصُلانيّ وَهُوَ أَشد الخلّ حموضة.
قَالَ الْأَصْمَعِي: ورأيته فَلم أقدر على أكله.(3/214)
وَقَالَ أَبُو حَاتِم سَأَلت الْأَصْمَعِي عَن طَرِيق العنصلين فَفتح الصَّاد، وَقَالَ: لَا يُقَال بِضَم الصَّاد. قَالَ وتقوله العامّة إِذا أَخطَأ إِنْسَان الطَّرِيق، وَذَلِكَ أَن الفرزدق ذكر فِي شعره إنْسَانا ضل فِي هَذَا الطَّرِيق فَقَالَ:
أَرَادَت طَرِيق العنصلين فيا سرت
فظنت الْعَامَّة أَن كل من ضل يَنْبَغِي أَن يُقَال لَهُ هَذَا. قَالَ: وَطَرِيق العنصلين هُوَ طَرِيق مُسْتَقِيم. والفرزدق وَصفه على الصَّوَاب فظنّ النَّاس أَنه وَصفه على الْخَطَأ.
وَذكر مُحَمَّد بن سلاَّم أَن الفرزدق قدم من الْيَمَامَة، وَدَلِيله عَاصِم رجل من بَلْعنبر فضلّ بِهِ الطَّرِيق فَقَالَ:
وَمَا نَحن إِن جارت صُدُور رِكَابنَا
بِأول من غرّت دلَالَة عَاصِم
أَرَادَ طَرِيق العنصلين فيا سرت
بِهِ العيس فِي وَادي الصوى المتشائم
وَكَيف يضلّ العنبريّ ببلدة
بهَا قطعت عَنهُ سيور التمائم
وَقَالَ اللَّيْث: العنصل: نَبَات أَصله شبه البَصَل، وورقه كورق الكُرّاث أَو أعرض مِنْهُ، ونَوْره أصفر يتَّخذه صبيان الْعَرَب أكاليل وَأنْشد:
وَالضَّرْب فِي جأواء ملمومة
كَأَنَّمَا هامتها عنصل
(عصلب) : أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: العَصْلبيّ: الشَّديد. وَأنْشد:
قد حَشَّها اللَّيْل بعصلبيّ
مهاجرٍ لَيْسَ بأعرابي
اللَّيْث: العصلبيّ: الشَّديد الْبَاقِي على الْمَشْي وَالْعَمَل. قَالَ وعصلبتُه: شدَّة عَصْبه.
(صلمع صلفع) : وَقَالَ اللَّيْث: الصَلْمَعة والصَّلْفعة من الإفلاس وَذَهَاب المَال. وَرجل مُصَلْمِع مُصَلْفِع مُفْقِع.
أَبُو عبيد: الأصمعيّ: صلفع رَأسه إِذا ضرب عُنُقه. قَالَ وَقَالَ الْأَحْمَر: صلمعت الشَّيْء قلعته من أَصله صلمعة وأنشدنا:
أصلمعة بن قلعمة بن فَقْع
لهِنّك لَا أبالك تزدريني
وَقَالَ الْفراء: صَلْمع رَأسه إِذا حلقه.
عَمْرو عَن أَبِيه صلفع رَأسه وضلْمعه وضلعفه وقلمعه وجلمطه إِذا حلقه.
وَأنْشد ثَعْلَب لعامر بن الطُّفَيْل يهجو قوما:
سود صَنَاعية إِذا مَا أوردوا
صدرت عَتُومهم ولمّا تُحلب
صُلْع صلامعة كَأَن أنوفهم
بَعَر ينظمه وليد يلْعَب
لَا يخطبون إِلَى الْكِرَام بناتهم
وتشيب أيّمهم وَلما تُخْطَب
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: صناعية الَّذين يَصْنعون المَال: يسمّنون فصلانهم وَلَا يسقون ألبان إبلهم الأضياف. صلامعة: رقاق الرؤوس: عَتُوم: نَاقَة غزيرة يُؤخّر حِلابها إِلَى آخر اللَّيْل.
وَقَالَ أَبُو العمثيل: يُقَال للَّذي لَا يُعرف: هُوَ صَلْمَعة بن قَلْمعة وَهُوَ هَيّ بن بَيّ، وهَيَّان ابْن بَيَّان، وطامر بن طامر.
دعمص: اللَّيْث الدُعْمُوص: دويبة تكون فِي(3/215)
مستنقَع المَاء.
(صعفر) : قَالَ: واصعنفرت الإبلُ: أجدَّت فِي سَيرهَا. واصعنفر إِذا نفر. وَقَالَ اللَّيْث اصعنفرت الحُمر إِذا ابذعَرَّت فنفرت وأسرعت فِرَارًا، وَإِنَّمَا صعفرها الخوفُ والفَرَق.
(صمعد) : أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: المصمعدّ: الذَّاهِب واصمعدّ فِي الأَرْض: ذهب فِيهَا وأمعن.
قلت: وَالْأَصْل أصعد، فزادوا الْمِيم، وَقَالُوا: اصمعدّ فشددوا فِي (نَوَادِر أبي عَمْرو) : الصَمَعْتُوت: الْحَدِيد الرَّأْس.
قَالَ الْفراء أهل الْيَمَامَة يسمّون السِّكباجة صَعْفصة. قَالَ وتسمَّى رجلا بصعفص فتصرفه إِذا جعلته عَرَبيا.
(سَلمَة عَن الْفراء قَالَ: الصَعْفَصة السِّكْبَاج) .
(صعبر) : أَبُو عبيد عَن الْفراء قَالَ: الصَعْبَر والصَنَعْبَر شجر بِمَنْزِلَة السِدْر.
(فصعل) : شجر الفِصْعِل: العَقْرَب، وَأنْشد:
وَمَا عَسى يبلغ لَسْبُ الفِصْعِلِ
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: من أَسمَاء الْعَقْرَب الفصعل، بِضَم الْفَاء وَالْعين والفرضخ مثله.
(عملص) : وقَرَب عِمْلِيص: شَدِيد مُتْعب وَأنْشد:
مَا إِن لَهُم بالدَوّ من محيص
سوى نجاء القَرَب العِمْلِيص
(دعفص) : وَقَالَ ابْن دُرَيْد الدِعفِصَة: الْمَرْأَة القليلة الْجِسْم.
(عصلد) : قَالَ والعُصْلد والعُصْلود: الصلب الشَّديد.
(بَاب الْعين وَالسِّين)
(ع س)
(عسطس) : اللَّيْث: عَسَطُوس: شَجَرَة تشبه الخيزران وَيُقَال: هِيَ شَجَرَة تكون بالجزيرة لينَة الأغصان. قَالَ وَيُقَال: عَسَطُوس من رُؤُوس النَّصَارَى بالرومية. وَأنْشد:
عَصا عَسَطُوسٍ لينُها واعتدالها
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: هُوَ الخيزران والعَسَطوس والْجُنْهِيّ.
(عرطس) : اللَّيْث عَرْطَس فلَان إِذا تنحّى. وَفِي لُغَة عرطس إِذا ذلّ عَن الْمُنَازعَة. وَأنْشد:
وَقد أَتَانِي أَن عبدا طِبْرِسا
يوعدني وَلَو رَآنِي عرطسا
وَقَالَ غَيره سَرْطَع وطَرْسَع إِذا عدا عَدْواً شَدِيدا.
عطمس: أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: العَيْطَمُوس: النَّاقة التامّة الخَلْق.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: العيطموس:(3/216)
النَّاقة الهَرِمة.
أَبُو عبيد: العَيْطَموس من النِّسَاء: الحَسَنة الطَّوِيلَة. وَقَالَ اللَّيْث: هِيَ الْمَرْأَة التَّارَّة ذاتُ قوام. وَيُقَال ذَلِك لَهَا فِي تِلْكَ الْحَال إِذا كَانَت عاقراً.
غَيره: اسمعطَّ العَجَاج اسمعطاطاً إِذا سَطَع وعسمطت الشَّيْء عَسْمطة إِذا خلطته.
(عترس) : اللَّيْث: العِتْرِيس من الغيلان: الذّكر. قَالَ: والعَنْتَرِيس: النَّاقة الْوَثِيقَة الجَوَاد. وَقد يُوصف بِهِ الفَرَس. والعتْرَسة الغصْب يُقَال: أَخذ مَاله عَتْرَسة وَقد عَتْرَسه مالَه. وَفِي الحَدِيث أَن رجلا جَاءَ إِلَى عمر بِرَجُل قد كَتَفه، فَقَالَ: أتُعترسه، يَعْنِي: أتقهره وتظلمه دون حكم حَاكم.
قَالَ شمر: وَقد رُوِيَ هَذَا الْحَرْف عَن عمر مُصحفا فَقَالُوا قَالَ عمر أبغير بيّنة؟ قَالَ: وَهَذَا محَال لِأَنَّهُ لَو أَقَامَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَة لم يكن لَهُ فِي الحكم أَن يكتفه.
عَمْرو عَن أَبِيه يُقَال للديك: العُترُسَان والعِتْرِس وَقَالَ اللَّيْث: العِتريس والعنتريس الداهية والعنتريس: الشجاع. وَأنْشد قَول أبي دؤاد:
كل طِرف موثَّق عنتريس
مستطيل الأقراب والبُلْعوم
يصف فرسا، وعنى بالبلعوم جحفلته أَرَادَ بَيَاضًا سَائِلًا على جحفلته.
الْأَصْمَعِي وَأَبُو عبيد عَن أبي الْحسن العَدَوي: العنتريس: النَّاقة الْكَثِيرَة اللَّحْم الشَّدِيدَة.
وَقَالَ وَقيل: العتَرَّس: الحادرة الخَلْق الْعَظِيم الْجِسْم العَبْل المفاصل، وَمثله الكرَوّس، قَالَ العجَّاج:
ضَخْم الخَبَاسات إِذا مَا تَخَبَّسا
غَضْبا وَإِن لَاقَى الصعاب عَتْرسَا
وَقَالَ: عَتْرَس: أَخذهم بجفاء وخُرْق، والْخُباسات الْغَنَائِم.
(عردس) : وَقَالَ أَبُو عَمْرو العرندسة: النَّاقة الشَّدِيدَة. وَقَالَ العجّاج:
وَالرَّأْس من خُزَيْمَة العرندسا
أَي الشَّديد.
(دلعس) : وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الدَلْعَس والبَلْعَس والدَلْعَك كل هَذَا: الضَخْمة من النوق مَعَ استرخاء فِيهَا، والعُبْسُور: الصلبة.
(وجمل دِلْعَوْس ودُلاَعِس إِذا كَانَ ذلولاً) .
(عبطس) : شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي: العَبْطَمُوس من النِّسَاء: الجميلة.
(عَنْبَس) : وَقَالَ اللَّيْث: العَنْبَس من أَسمَاء الأسَد، إِذا نعتّه قلت: عَنْبَس وعُنَابس. وَإِذا خصصته باسم قلت: عَنْبَسَة، كَمَا تَقول أُسَامَة وساعدة.
أَبُو عبيد: العَنْبَس: الْأسد لِأَنَّهُ عَبُوس.
بعنس: وَقَالَ أَبُو عَمْرو: البَعْنَس الأَمَة الرعناء.(3/217)
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: بَعْنَس الرجل إِذا ذَلَّ بِخِدْمَة أَو غَيرهَا وعَنْبَس إِذا جَرَح.
(عنسل) : وَقَالَ اللَّيْث: العَنْسَل: النَّاقة القويّةِ السريعة.
وَقَالَ غَيره: النُّون زَائِدَة، أَخذ من عَسَلان الذِّئْب.
(عملس) : وَقَالَ اللَّيْث العَمَلَّسُ: الذِّئْب الْخَبيث وَالْكَلب الْخَبيث وَقَالَ الطرماح يصف كلاب الصَّيْد:
يوزّع بالأمراس كلّ عَمَلَّس
من المطعِمات الصَّيْد غير الشواجن
يوزّع: يكفّ. وَقيل يُغْري، كل عملّس: كل كلب كَأَنَّهُ ذِئْب.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: العَمَلَّس: الْقوي على السّفر. والعملط: مثله. وَأنْشد:
قرب مِنْهَا كل قَرْم مُشْرَط
عَجَمْجَم ذِي كِدْنة عَمَلَّطِ
(سلفع) : اللَّيْث: السَلْفَع: الشجاع الجسيم. وَرجل سَلْفَع وَامْرَأَة سَلْفَع الذّكر وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاء: سليطة.
(عرنس) : والعِرْناس: طَائِر كالحمامة لَا تشعُر بِهِ حَتَّى يطير من تَحت القَدَم فيُفزعك.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: العِرناس: أَنْف الْجَبَل. قَالَ والشِنْعاب: رَأس الْجَبَل بِالْبَاء.
(عرمس) : وَقَالَ اللَّيْث العِرْمِس: اسْم للصخرة، وَبِه نعتت النَّاقة الصُلْبه.
(عربس) : قَالَ والعِرْبِس: متْن مُسْتَو وَهُوَ العَرْبَسِيس. وَأنْشد قَول الطرماح:
تُرَاكِل عَرْبَسِيس الْمَتْن مَرْتا
كَظهر السَّيْح مطَّردَ المُتون
قَالَ وَمِنْهُم من يَقُول: عِرْبَسيس بِكَسْر الْعين اعتبارااً بالعِرْبِس.
قلت: وَهَذَا وَهَم؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامهم على مِثَال فِعْلَليل بِكَسْر الْفَاء اسْم. وَأما فَعْلَليل فكثير، نَحْو مَرْمَرِيس ودَرْدَبِيس وخَمْجَرِير وَمَا أشبههَا.
(عمرس) : وَقَالَ غير وَاحِد العُمْرُوس والطُمْرُوس: الخروف. وَقَالَ حُمَيد بن ثَوْر يصف نسَاء نشأن بالبادية:
أُولَئِكَ لم يدرين مَا سَمَك القُرَى
وَلَا عُصُب فِيهَا رِئات العمارس
وَيُقَال للغلام الشابل عمروس.
عسبر: اللَّيْث العُسْبُر: النَّمِر وَالْأُنْثَى عُسْبُرة. قَالَ: والعُسْبُور. ولد الْكَلْب من الذئبة. والعِسْبارة: ولد الضبع من الذِّئْب.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: الفُرْعُل: ولد الضبع. وَالْأُنْثَى فُرْعُلة: قَالَ والعِسْبار: ولد الضبع من الذِّئْب وَجمعه عسابر. وَأنْشد:
وَتجمع المتفرقو
ن من الفراعل والعسابر
وَقَالَ اللَّيْث: العسبورة والعُسْبُرة: النَّاقة السريعة من النجائب وَأنْشد:
لقد أرانيَ وَالْأَيَّام تعجبني
والمقفرات بهَا الخُور العسابير
قلت: وَالصَّحِيح العُبْسورة، الْبَاء قبل السِّين فِي نعت النَّاقة، كَذَلِك رَوَاهُ أَبُو عبيد عَن أَصْحَابه.(3/218)
برعس: وَقَالَ ابْن السّكيت: نَاقَة بِرْعِيس إِذا كَانَت غزيرة وَأنْشد:
إِن سرك الغُزْر المَكُود الدَّائِم
فاعمِد براعيسَ أَبوهَا الراهم
وراهم اسْم فَحل.
(سبعر) : وَقَالَ اللَّيْث نَاقَة سِبْعارة وسبعرتُها حِدَّتها ونشاطها إِذا رفعت رَأسهَا وخَطَرت بذنبها واندفعت.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن الْمبرد قَالَ حدَّثني الرياشي عَن الْأَصْمَعِي قَالَ قيل لمنتجع بن نَبهَان: مَا السَمَيْدَع؟
فَقَالَ: السَّيِّد الموطّأ الأكناف. والأكناف: النواحي.
وَقَالَ النَّضر: الذِّئْب يُقَال لَهُ: سَمَيدع لسرعته وَالرجل السَّرِيع فِي حَوَائِجه سميدع.
(سمدع) : وَقَالَ اللَّيْث السميدع الشجاع.
(سرعب) : والسُرْعُوب: ابْن عِرْس وَأنْشد:
وثبة سُرْعوب رأى زَبَابا
أَي رأى جُرَذا ضخماً. ويجْمع سراعيب.
(سعبر) : أَبُو العبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي. بِئْر سَعْبَر أَي كثير. قَالَ ومرّ الفرزدق بصديق لَهُ فَقَالَ: مَا تشْتَهي يَا أَبَا فِرَاس؟ فَقَالَ شِواء رشراشا، ونبيذاً سَعْبَراً، وغِناء يفتق السّمع. قَالَ: الرشراش: الَّذِي يقطر، والسَعْبَر: الْكثير.
وَقَالَ اللَّيْث: السَعْبَرة: الْبِئْر الْكَثِيرَة المَاء.
وَقَالَ اللحياني: أخرجت من الطَّعَام كعابره وسعابِره بِمَعْنى وَاحِد.
(سرعف) : اللَّيْث: السَرْعَفة: حسن الغِذاء والنَّعمة. وَهُوَ سُرْعوف: ناعم.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن الشيخيّ عَن الرياشيّ قَالَ المُسَرْهَف والمسرعَف: الْحسن الغِذاء. وَأنْشد غَيره:
سرعفتُه مَا شِئْت من سِرْعاف
الْأَصْمَعِي: السُرْعوفة من النِّسَاء الناعمة الطَّوِيلَة. وَقَالَ النَّضر: السرعوفة: دابَّة تَأْكُل الثِّيَاب.
(عرفس) : ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: العِرْفاس: النَّاقة الصبور على السّير.
(عمرس) : أَبُو عبيد عَن الْأمَوِي العَمَرَّس: القويّ الشَّديد. قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو: العَمَلَّس بِاللَّامِ: القويّ على السّفر السَّرِيع.
وَقَالَ اللَّيْث: العَمَلَّس والعَمَرَّس وَاحِد، إلاّ أَن العَمَلَّس يُقَال للذئب. قَالَ: وَيُقَال: العُمْرُوس: الْجمل إِذا بلغ النَزْو. وَقَالَ غَيره: يُقَال للجَمَل إِذا أكل واجترَّ فَهُوَ فُرْفُور وعُمْرُوس. وسير عَمَرَّس وعَمَرَّد: شَدِيد والعَمَرَّس من الْجبَال. الشامخ الَّذِي يمْتَنع من أَن يصعد إِلَيْهِ.
أَبُو سعيد: العَمَرَّس والعَمَرَّط مثله.
سلعم: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي عَن الْمفضل: هُوَ أَخبث من أبي سِلْعامة وَهُوَ الذِّئْب.
وَقَالَ الطرماح يصف كلاباً:
مُرْغِنات لأخلج الشِّدْق سِلعا
مٍ مُمَرّ مفتولةٍ عضدُه
قَوْله: مُرْغِنات يَعْنِي الْكلاب أَي مصغيات(3/219)
لدعاء كلب أخلج الشدق واسعه. وَقيل: السلعام: الدَّقِيق الخَطْم الطويله.
(سملع) : اللحياني: يُقَال للخَبِّ الْخَبيث: إِنَّه تسَمَلَّعٌ هَمَلَّع. وَيُقَال للذئب: سَلَمَّع أَيْضا.
(عملس) : والعَمْلَسَة: السرعة. وَمِنْه قيل للذئب عَمَلَّس. وَيُقَال سلعن فِي عَدْوه إِذا عدا عَدْواً شَدِيدا.
(سلعف) : وسَلْعَفت الشَّيْء إِذا ابتلعته.
(عردس) : وَيُقَال: أَخذه فعَرْدسه، ثمَّ كَرْدسه فأمَّا عَرْدَسه فَمَعْنَاه: صرعه. وَأما كردسه فأوثقه.
(عدبس) : ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العَدَبَّسة: الكُتلة من التَّمْر: وَقَالَ: العَدَبّس: الْقصير الغليظ.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: جمل عَدَبّس: عَظِيم.
(طعسف) : ابْن دُرَيْد: الطَعْسَفة لُغَة مَرْغُوب عَنْهَا يُقَال: مرّ يطعسف فِي الأَرْض، أَي مرَّ يخبطها. وَكَلَام مُعَلْسَط: لَا نظام لَهُ.
(دلعس) : اللَّيْث: الدِلْعَوْسُ: الْمَرْأَة الجريئة على أمرهَا، العصِيّة لأَهْلهَا. والدلعوس: النَّاقة النشِزة الجريئة بِاللَّيْلِ، الدائبة الدُلْجة.
(سلعف) : وَقَالَ زَائِدَة الْبكْرِيّ: السِّلَّعْف والشِّلَّعْف: الرجل المضطرب الْخَلْق.
(سمعد) : وَقَالَ أَبُو سعيد: اسمغدَّ الرجل واسمعدّ إِذا امْتَلَأَ غَضَباً. وَكَذَلِكَ اشمَعَطّ واسمعَطَّ. وَيُقَال ذَلِك فِي ذكر الرجل إِذا اتْمَهَلّ.
(سلفع) : وَفِي الحَدِيث عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِى} (الْقَصَص: 25) قَالَ: لَيست بسَلْفَع. والسلفع: الجريئة القليلة الْحيَاء.
وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب:
يَوْمًا أتيح لَهُ جريء سلفع
يُقَال: رجل سلفع وَامْرَأَة سلفع بغَيْرهَا.
(أَبْوَاب الْعين وَالزَّاي)
(ع ز)
(زعفر) : الزَّعْفَرَان: صبغ: وَهُوَ من الطّيب.
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نهى أَن يتزعفر الرجل.
والأسد يُسمى مُزَعْفراً لِأَنَّهُ وَرْد اللَّوْن.
عَمْرو عَن أَبِيه أَنه قَالَ: يُقَال للفالوذ: المُلَوَّص، والمُزَعزَع، والمزعفر، والزعافر حَيّ من سعد الْعَشِيرَة.
(عفزر) : وَقَالَ أَبُو عَمْرو العَفْزر الْكثير الجلبة فِي الْبَاطِل وعَفْزَر اسْم رجل.
وَقَول جرير:
عجبنا يَا بني عُدَس بن زيد
لبسطام شَبيه عفزَّران
قلت: عفزَّران لقب مخنَّث كَانَ بِالْبَصْرَةِ. وبسطام هُوَ ابْن نُعَيم بن الْقَعْقَاع بن سعيد بن زُرارة مالأ الفرزدق على جرير فهجاه جرير.
زعنف: اللَّيْث: الزِّعْنِفة: طَائِفَة من كل شَيْء وَجَمعهَا زعانف.
قَالَ: وَإِذا رَأَيْت جمَاعَة لَيْسَ أصلهم وَاحِدًا قلت: إِنَّهُم زعانف، بِمَنْزِلَة زعانف(3/220)
الْأَدِيم، وَهِي نواحيه حَيْثُ يشدّ فِيهَا الْأَوْتَاد إِذا مدّ فِي الدّباغ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الزعانف: مَا تخرق من أسافل الْقَمِيص، يشبه بِهِ رُزَالُ النَّاس، وَأنْشد:
وطيري بمخراق أشمّ كَأَنَّهُ
سليم رماح لم تنله الزعانف
طِيري أَي اعلقي بِهِ، والمِخراق: الْكَرِيم. لم تنله الزعانف: النساءُ أَي لم يتزوّج لئيمة قطُّ، سليم رماح: قد أَصَابَته الرماح، مثل سَلِيم من الْعَقْرَب والحيَّة. قَالَ: وَأَجْنِحَة السّمك يُقَال لَهَا: زعانف.
(زبعر) : سَلمَة عَن الْفراء قَالَ: الزِّبَعْرَى: السيء الخُلُق، وَبِه سمي ابْن الزِّبَعْرَى الشَّاعِر.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة من آذان الْخَيل أذن زِبَعْرة وَهِي الَّتِي غلظت وَكثر شعرهَا.
وَقَالَ اللَّيْث: رجل زِبَعْرى وَامْرَأَة زِبَعْرَاة: فِي خُلُقها شكاسة. قَالَ والزَبْعر: ضرب من المَرْو والزبْعرِيّ: ضرب من السِّهَام مَنْسُوب.
(زعبل) : وَقَالَ اللَّيْث: الزَعْبَل: الصبيّ الَّذِي لم يَنْجَعْ فِيهِ الغِذَاء فَعظم بطنُه، ودقَّت عُنُقه. وَمِنْه قَول رؤبة:
سمط تِولّى وِلْدة زعابلا
ثَعْلَب عَن سَلمَة عَن الْفراء قَالَ: الزَعْبَلة: الَّذِي يسمن بدنه وتدِقّ رقبتُه. والزَعْبَلة: الدَّلْو. وَمِنْه قَوْله:
زَعْبَلة قَليلَة الخروق
بُلّت بكفَّي شُزَّب ممشوق
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي زَعْبَلَ إِذا أعْطى عطيّة سنيّة.
(عَرْزَم) : اللَّيْث العَرْزَم: الشَّديد القويّ المكلئزّ
وَإِذا غلظت الأرنبة قيل: اعرنزمت. واللَّهزمة كَذَلِك.
(زلعب) : أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: اعرنزم، واقرنبع، واحرنجم إِذا اجْتمع.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: جَاءَنَا سيل مزلعبّ ومُجْلَعبّ وَهُوَ الْكثير قَمْشُه.
وَقَالَ غَيره: ازلعبّ السَّحَاب إِذا كثُف. وَأنْشد:
تبدو إِذا رفع الضبابُ كسورَه
وَإِذا ازلعبّ ضبابُه لم تبدُ لي
(مرعز) : أَبُو عبيد: المِرْعِزّى إِن شدَّدت الزَّاي قصرت، وَإِن خففت مدَدت، وَالْمِيم وَالْعين مكسورتان على كلّ حَال.
وَقَالَ اللَّيْث: المِرْعِزّى كالصوف يخلّص من بَين شعر العنز. وثوب مُمَرعز وعَلى وَزنه شِغْصِلَّي. وَيُقَال مَرْعِزَاء. فَمن فتح الْمِيم مدّه وخفف الزَّاي، وَإِذا كسر الْمِيم كسر الْعين وثَقَّل الزَّاي وَقصر.
عرزل: اللَّيْث العِرْزال: مَا يجمعه الْأسد فِي مَأْوَاه من شَيْء يُمَهِّدُه لأشباله كالعُشّ. وعِرْزال الصياد: أهدامه وخِرقَه فِي القُتْرة يمتهدها.
وَقَالَ بَعضهم العِرزال: مَا يجمع من القديد فِي قُتْرته.(3/221)
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو العرزال: الْبَقِيَّة من اللَّحْم. قَالَ: والعرزال أَيْضا: مَوضِع يَتَّخِذهُ النَّاظر فَوق أَطْرَاف النّخل وَالشَّجر يكون فِيهِ فِرَارًا من الْأسد.
وَقَالَ شمر بقايا الْمَتَاع عرزال.
سَلمَة عَن الْفراء قَالَ العرزال مأوى الْأسد والعرزال مَا يخبأ للرجل من اللَّحْم والعرزال فَم المزادة وَالعرزال سَقِيفَة الناطور.
وَقَالَ أَبُو زيد العرازيل عَن الْعَرَب مظالّ ذليلةْ فِيهَا مُتَيِّعٌ خَفِيف. وَأنْشد:
قلت لقوم خَرجُوا هذاليلْ
نَوْكَى وَلَا ينفع للنوكى القِيلْ
احتذروا لَا يلقكم طَمَاليلْ
قليلةٌ أموالُهم عرازيلْ
قَالَ وعرزال الْحَيَّة: مَأْوَاه.
وَقَالَ أَبُو النَّجْم:
وكرهت أحناشُها العرازلا
يَقُول: جَاءَ الصَّيف فَخرجت من جِحَرَتِها.
(عَرْزَم) : وَقَالَ الْأَصْمَعِي حَيَّة عِرْزِم: قديمَة وَأنْشد:
وزاتَ قرنين زحوفا عِرْزِما
(عنزب) : ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: العُنْزُب السُمَّان وَهُوَ العُتْرُب والعَبْرَب وطبخ قدرا عَرَبربية أَي سُمّاقية.
(بَاب الْعين والطاء)
(ع ط)
(عرفط) : فِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شرب عَسَلاً فِي بَيت امْرَأَة من نِسَائِهِ: فَقَالَت إِحْدَى نِسَائِهِ أأكلت مَغَافِير؟ فَقَالَ: لَا وَلَكِن شربتُ عسلاً. فَقَالَت جَرَسَتْ إِذا نحلُه العُرْفُطَ. المغافير: صمغ يسيل من شجر العرفط حُلو، غير أَن رَائِحَته لَيست بطيّبة والْجَرْس: الْأكل.
وَقَالَ شمر: العُرْفُط: شَجَرَة قَصِيرَة متدانية الأغصان ذَات شوك كثير، طولهَا فِي السَّمَاء كطول الْبَعِير باركاً، لَهَا وريقة صَغِيرَة، تنْبت بالجبال تَعْلُقُها الْإِبِل أَي تَأْكُل بفيها أَعْرَاض غِصَنَتِها.
وَقَالَ مُسَافر العبسيّ يصف إبِلا:
عبسيّة لم ترع طَلْحاً مُجْعَما
وَلم تواضع عُرفُطا وسَلَما
لَكِن رعين الحزم حَيْثُ ادلَهما
بقلاً تعاشيب ونَوراً توْأما
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: العُرْفُط: شَجَرَة من العضاه.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: اعرنفط الرجلُ واجرنمز إِذا تقبّض.
(عفلط) : وَقَالَ ابْن دُرَيْد العَفْلَطة: خلطك الشَّيْء، عَفْلَطْتُه بِالتُّرَابِ.
(عطرد) : اللَّيْث: عُطارد: كَوْكَب لَا يُفَارق الشَّمْس. وَهُوَ كَوْكَب الكُتَّاب. وعُطارد: حيّ من بني سعد.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: العطرّد: الطَّوِيل.
وَقَالَ غَيره يُقَال: عَطْرِد لنا عنْدك هَذَا يَا فلَان أَي صيّره لنا عنْدك. مَا لعُدّة واجعله لنا عُطروراً مثله. قَالَ: وَمِنْه اسْم عُطَارد. وَيَوْم عَطَرّد وعَطَوَّد: طَوِيل.(3/222)
عمرط: أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: قوم عَمَارِط: لَا شَيْء لَهُم. واحدهم عُمْرُوط.
وَيُقَال: العُمروط: اللصّ وَجمعه عمارِطة.
وَقَالَ اللَّيْث: العَمَرَّط وَالْجمع العمارط وهم الخِفاف من الفتيان:
وَيُقَال: الجسور الشَّديد.
(عملط) : أَبُو عَمْرو: بعير عَمَلّط: قويّ شَدِيد. وَأنْشد:
قرَّب مِنْهَا كل قَرْم مُشْرَط
عَجَمْجَم ذِي كِدنة عَمَلَّط
المشرط: الميسّر للْعَمَل.
(عرطل) : اللَّيْث: العَرْطَل: الطَّوِيل من كل شَيْء. وَقَالَ أَبُو النَّجْم:
وكاهل ضخم دعُنْق عَرْطَل
(عطبل) : قَالَ: والعُطْبُول: الطَّوِيلَة الْعُنُق من الظباء وَالنِّسَاء. والجميع: العطابيل. وَنَحْو ذَلِك قَالَ أَبُو عبيد فِي العُطْبول من النِّسَاء.
(علبط) : الأصمعيّ: العُلَبِط: الضخم.
وَقَالَ غَيره عُلَبِط وعُلابط.
وَقَالَ أَبُو عبيد: نَاقَة عُلَبِطة: عَظِيمَة.
(عفنط) : اللَّيْث العَفَنّط: اللَّئِيم السيّيء الخُلُق. قَالَ: والعفنَط أَيْضا: الَّذِي يسمَّى عَنَاق الأَرْض.
(عرطب) : قَالَ: والعَرْطَبة: اسْم للعُود.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: العَرْطَبة: الطُنْبُور.
(ذعمط) : والذَعْمَطَة: الذّبْح الوَحِيّ. يُقَال: ذَعْمَطه إِذا وَحَّى قَتله.
(ثرعط) : والثُرُعْطُطِ حَسَاءٌ رَقِيق طُبخ بِاللَّبنِ.
وَقَالَ هِميان:
فاستوبل الْأكلَة من ثرعططه
(بعثط) : وبُعثط الْوَادي: سُرَّقه وَخير مَوضِع فِيهِ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال للرجل العالِم بالأمور: هُوَ ابْن بُعْثُطها.
وَقَالَ أَبُو زيد يُقَال: غَطِّ بُعْثُطك، وَهُوَ آسته ومذاكيره.
(عثلط) : اللحياني: لبن عُثَلِط وعُثَالط أَي خاثر.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: هُوَ المتكبّد الغليظ. وَأنْشد:
أخرس فِي مِجْزَمة عُثَالِط
(طعثن) : وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الطَعْثَنة: الْمَرْأَة السيّئة الْخُلُق. وَأنْشد:
يَا ربِّ من كتَّمني الصعادا
فَهَب لَهُ حَلِيلَة مغدادا
طَعْثَنة تَبَلَّعُ الأجلادا
أَي تلتهم الأيور بهنها.
(عرطل) : قَالَ: والعَرْطَوِيل والعَرْطَل: الشابّ الْحسن.
(بَاب الْعين وَالدَّال)
(ع د)
(عمرد) : اللَّيْث العَمَرَّد: الشرس الْخُلُق القويّ.
(دلعث) : قَالَ: والدِّلَعْث: الْجمل الضخم. وَأنْشد:
دِلاَث دِلَعْثِيٌّ كَأَن عِظَامه
وَعَث فِي محَال الزَوْر بعد كسور(3/223)
وَهَذَا كل مَا جَاءَ بِهِ اللَّيْث فِي كِتَابه فِي هَذَا الْبَاب.
دعبث: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ الدُعْبُوث: المخنَّث. وَقَالَ غَيره: هُوَ الأحمق المائق.
(درعف) : أَبُو عبيد عَن الْفراء: ادْرَعَفَّت الْإِبِل، واذرَعَفَّت إِذا مَضَت على وجوهها.
(ردعل) : والرِدَعْل: صغَار الْأَوْلَاد.
وَقَالَ عُجَير:
أَلا هَل أَتَى النصريَّ مَتْرَكُ صبيتي
رِدَعلا ومَسْبى القومِ غَصْبا نسائيا
قَالَ: الرِدَعْل: الصغار.
(دعبع) : وَقَالَ ابْن هانىء: دَعْبَعْ: حِكَايَة لفظ الرَّضِيع إِذا طلب شيأ، كَأَن الحاكي لَفظه مرّة بدَعْ وَمرَّة بَبْع فجمعهما فِي حكايته فَقَالَ: دعبع. قَالَ: وأنشدني زيد بن كُثْوة العنبريّ:
وليلٍ كأثناء الرُوَيْزِيّ جُبته
إِذا سَقَطت أوراقه دون زَرْبَع
قَالَ: زَرْبَع اسْم ابْنه ثمَّ قَالَ:
لأدنو من نفس هُنَاكَ حبِيبة
إليّ إِذا مَا قَالَ لي أَي دعبع
كسر الْعين لِأَنَّهَا حِكَايَة.
(دعثر) : أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: الدُعْثُور: الحَوْض الَّذِي لم يُتنوَّق فِي صَنعته وَلم يوسّع.
وَقَالَ العَدَبَّس: هُوَ المثلَّم.
غَيره: جَمَل دِعَثْر: شَدِيد يُدَعثر كل شَيْء أَي يكسِّره.
وَقَالَ العجاج:
قد أقرضت حَزْمةُ قرضا عَسْرا
مَا أنسأتنا مذ أعارت شهرا
حَتَّى أعدت بازلا دِعَثْرا
أفضل من سبعين كَانَت خُضْرا
وَكَانَ اسْتقْرض من ابْنَته حزمة سبعين درهما للمصدِّق، فَأَعْطَتْهُ ثمَّ تقاضته فقضاها بَكْراً.
شمر قَالَ ابْن شُمَيْل: الدعاثير: مَا تهدّم من الْحِيَاض الجَوَابي والمراكي، إِذا تكسّر مِنْهَا شَيْء فَهُوَ دُعْثُور.
وَقَالَ أَبُو عدنان: الدُعثور يحْفر حَفْراً وَلَا يبْنى، إِنَّمَا يحفِره صَاحب الْإِبِل يَوْم وِرْده.
(دلثع) : شمر قَالَ أَبُو عَمْرو الدَلْثَع: الْكثير لحم اللِّثةِ. قَالَ الجعديّ:
ودلاثعٍ حمرٍ لثاتُهم
مَرِعين شرابين للحَزْر
وَقَالَ غَيره: الدَلْثَع: الْحَرِيص الشره. وَجمعه دلاثع.
شمر عَن النَّضر وأبى خيرة: الدَلْثَع: أسهل طَرِيق يكون فِي سَهْل أَو حَزْن لَا حَطُوط فِيهِ وَلَا هَبُوط.
ثمعد: شمر عَن ابْن الأعرابيّ: المثمعدّ: الممتلىء المخصِب. وَأنْشد:
يَا رَبِّ مَن أَنْشدني الصِّعَادا
فَهَب لَهُ غرائِراً أرْآدا(3/224)
فِيهِنَّ خَود تَشْغَف الفؤادا
قد اثمعدّ خَلْقُها اثمعدادا
والصعاد: اسْم نَاقَته. أَنْشدني أَي عرَّفني من قَوْلك: أنشدت الضالَّة إِذا عرَّفتها. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: هُوَ المثمعدّ والمثمئدّ للغلام الريَّان الناهِد السمين.
(عردم) : شمر عَن محَارب: العَرْدَمة: الشدّة والصلابة، إِنَّه لعَرْدَم القَصَرة. وَقَالَ العجاج:
نحمي حُمَيَّاها بعزّ عَرْدَم
قَالَ إِذا قلت للعَرْد: عَرْدَم فَهُوَ أشدّ من العَرْد، كَمَا يُقَال للبليد: بَلْدَم فَهُوَ أبلد وأشدّ.
أَبُو عبيد عَن الأمويّ: العِرْدام: العِذْق الَّذِي فِيهِ الشماريخ. وَقَالَ رؤبة:
ويعتلي الرَّأْس القُمُدَّ عَرْدَمه
قَالَ ابْن الأعرابيّ: عَرْدَمُه: عُنُقه الشَّديد.
وَقَالَ النَّضر: العَرْدَم: الضخم التارّ الغليظ الْقَلِيل اللَّحْم. والعَرْد مثله، وَكَذَلِكَ قَالَ محَارب.
(عمرد) : قَالَ شمر: وَقَالَ محَارب: العَمَرّد: الذِّئْب الْخَبيث السَّرِيع فِي شرَه، والجميع العمارِد وَهُوَ كالعَمَرَّط، إِلَّا أَن العَمَرَّط يُوصف بِهِ الرجل الْخَبيث.
أَبُو عَمْرو: العَمَرَّد: الْبعيد من الأَرْض. وَأنْشد:
حَرْفٍ تجُدّ النازح العمرَّدا
وَقَالَ جرير يصف فرسا:
على سابح نَهْد يُشبَّه بالضحى
إِذا عَاد فِيهِ الركضُ سِيداً عَمَرَّدا
وَقَالَ أَبُو عدنان: أنشدتني امْرَأَة شدّاد الكلابيَّة لأَبِيهَا:
على رِفَلّ ذِي فُضول أقْوَد
يغتال نِسْعَيه بجَوْز مُوفِد
ضافي السبيب سَلِبٍ عَمَرِّد
فسألتها عَن العَمَرَّد فَقَالَت النجيبة الرحيل من الْإِبِل. وَقَالَت: الرحيل الَّذِي يرتحله الرجل فيركبه. قَالَ: والعَمَرَّد: السّير السَّرِيع الشَّديد، وَأنْشد:
فَلم أر للهمّ المُنيخ كرِحلة
يحثّ بهَا القومُ النَجَاء العَمَرَّدا
وَقَالَ أَبُو عبيد: العَمَرَّدُ: الطَّوِيل.
(عربد) : شمر عَن محَارب قَالَ: الأُفْعُوان يسمّى العِرْبَدّ، وَهُوَ الذّكر من الأفاعي. وَيُقَال: بل هِيَ حيَّة حَمْرَاء خبيثة وَمِنْه اشتقّت عَرْبَدة الشَّارِب. وَأنْشد:
مولَعة بخُلُق العِرْبَدّ
وَقيل: العِرْبَدّ: الشَّديد. وَأنْشد:
وَقد غضِبن غَضبا عِرْبَدا
وَقَالَ أَبُو خيرة وَابْن شُمَيْل: العِرْبَدّ الدَّال شَدِيدَة حيَّة أَحْمَر أرقش بكُدْرة وَسَوَاد، لَا يزَال ظَاهرا عندنَا وقلَّما يظلم، إِلَّا أَن يُؤذي، لَا صَغِير وَلَا كَبِير.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: العِرْبَدُ والعِرْبَدّ: الْحَيَّة. وَيُقَال للمُعربِد: عِرْبيد كَأَنَّهُ شبه بالحية.
دعرم: وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الدِعْرِم: الْقصير الذَّميم. وَأنْشد:(3/225)
إِذا الدِعْرَم الدِفْناس صَوّى لِقاحه
فَإِن لنا ذَوْداً عِظَام المحالب
لَهُنَّ فصَال لَو تكلَّمن لاشتكت
كُلَيباً وَقَالَت ليتنا لِابْنِ غَالب
وَأنْشد أَبُو عدنان:
قرَّب راعيها القَعُود الدِعْرِما
قَالَ: الدِعْرِم: الْقصير.
وَقَالَ ابْن السّكيت الدَعْرَمة: قِصر الخَطْو وَفِيه عجلة.
(عبرد) : شمر عَن أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ: امْرَأَة عُبَرِد: بَيْضَاء ناعمة. وشحم عُبَرِد إِذا كَانَ يرتجّ.
الْفراء: غُصْن عُبَرِد وعُبَارد إِذا كَانَ نَاعِمًا لينًا.
وَقَالَ اللحياني: جَارِيَة عُبَرِدَة: يرتج من نَعْمتها.
(علند) : شمر: العَلَنْدَى: الْبَعِير الضخم الطَّوِيل. وَالْأُنْثَى عَلَنْدَاة. والجميع العلاند، والعلادي والعَلَنْدَيات وأحسنها العلاند.
وَقَالَ النَّضر: العلنداة: الْعَظِيمَة الطَّوِيلَة. وجمل عَلَنْدَى. والعَفَرْناة مثلهَا وَلَا يُقَال: جمل عَفَرْنى. والعلنداة: شَجَرَة طَوِيلَة لَا شوك لَهَا من العضاه.
اللحياني: اعلندَى البعيرُ إِذا غلُظ.
ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال رجل عَلَندًى وعلنداة، وجمل كَذَلِك، وَهُوَ الطَّوِيل المديد، وعَبَنّى وعبَنَّاة، وسَرَنْدًى وسرنداة وسَبَنْتًى وسَبَنَتاة كل هَذِه الْحُرُوف منوَّنة.
(دلنع) : شمر عَن محَارب: الدَلَنَّع: الطَّرِيق السهل فِي مَكَان حَزْن، لَا صَعُودَ فِيهِ وَلَا هَبُوط. والجميع الدلانع.
(الْأَصْمَعِي: مرَّ فلَان مُنعدِلاً ومُنْوَدِلاً إِذا مَشى مسترخياً) .
(عدمل) : شمر عَن محَارب: العُدْمُل: الشَّيْء الْقَدِيم. وَأكْثر مَا يُقَال على جِهَة النِّسْبَة: ركيَّة عدملية، أَي عادِيَّة قديمَة. والجميع العَدَامِل. قَالَ: وَيُقَال للضبّ المسنّ: عُدْمُلِيّ؛ لقدمه. والأثنى عُدْمُلِيَّة. وَزعم أَبُو الدُقَيش أَنه معمرَّ عمر الْإِنْسَان حَتَّى يهرم فيسمَّى عُدْمُلِيّاً عِنْد ذَلِك. قَالَ الراجز:
فِي عُدْمُلِيّ الْحسب الْقَدِيم
وَقَالَ:
فناشحوني قَلِيلا من مسوّفة
من آجِن ركضت فِيهِ العداميلُ
قَالَ ابْن السّكيت: العداميل: الضفادع. قلت: كَأَنَّهَا الضفادع الْقَدِيمَة.
عندل: وَقَالَ أَبُو عَمْرو: العَنْدَلِيب: طَائِر أَصْغَر من العصفور.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: هُوَ البُلْبُل.
وَقَالَ أَبُو عدنان: أَخْبرنِي أَبُو عُبَيْدَة عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء أَنه قَالَ: عَلَيْكُم بِشعر الْأَعْشَى، فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَة الْبَازِي يصيد مَا بَين الكُرْكِيّ والعندليب. قَالَ: وَهُوَ طَائِر أَصْغَر من العصفور.
وَقَالَ اللَّيْث: هُوَ طَائِر يصوّت ألواناً.
قلت: وَجَعَلته رباعياً لِأَن أَصله العندل، ثمَّ مُدَّ بياء، وكُسعت بلام مكررة، ثمَّ قلبت بَاء. وَقَالَ بعض شعراء غنَّى:(3/226)
والعندليل إِذا زقا فِي جَنَّة
خيرٌ وَأحسن من زُقَاء الدُّخَّلِ
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: عندل البعيرُ إِذا اشتدَّ، وصَنْدَلَ: ضخم رَأسه.
وَقَالَ محَارب: العَنْدَل من الْإِبِل: الضخم الرَّأْس، وَهُوَ العَنْدَل. وَقَالَ غَيره. العَنْدَل: النَّاقة الضخمة وَقيل: هِيَ الشَّدِيدَة، وَقيل: الطَّوِيلَة. وَامْرَأَة عَنْدَلة: ضخمة الثديين. وَقَالَ الشَّاعِر:
لَيست بعصلاء يُذْمِي الكلبَ نكْهتُها
وَلَا بعندلة يصطكّ ثدياها
(علند) : أَبُو عدنان عَن خَالِد: يُقَال: مَا دون فلَان مُعْلَندِد بِكَسْر الدَّال أَي لَيْسَ دونه مُنَاخ وَلَا مَقِيل إلاَّ القصدَ نَحوه. وأنشدني:
كم دون مهديَّة من مُعْلَنْدِد
قَالَ: المعلندِد: الْبَلَد الَّذِي لَيْسَ بِهِ مَاء وَلَا مرعى.
وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال: مَالِي عَنهُ عُنَدَوٌ وَلَا مُعْلَنْدَد وَلَا حُنْتَأْل أَي مَالِي مِنْهُ بُدّ. وَقَالَ اللحياني: مَا وجدت إِلَى ذَلِك عُنْدُداً وعُنْدَداً ومُعْلنْدَد، ومُعْلَنْدِداً أَي سَبِيلا. وَمَالِي عَن ذَاك مُعْلَنْدِد وَلَا معلندَد.
(عندل) : وَقَالَ الْأَصْمَعِي: عندل الهدهد إِذا صوَّت عَنْدَلة.
(عندب) : شمر عَن أبي عدنان المُعَنْدِب: الغَضبان وَأنْشد:
لعمرك إِنِّي يَوْم واجهت عِنْدهَا
مُعينا لرَجْلٌ ثابتُ الْحلم كَامِله
وأعرضتْ إعْرَاضًا جميلاً مُعَنْدِبا
بعنق كشُعْرور كثير مواصله
قَالَ: الشعرور: القِثّاء، وَقَالَت الْكلابِيَّة: المعندِب الغضبان، وَهِي أنشدتني هَذَا الشّعْر لعبد يُقَال لَهُ وفيق.
(عندم) : أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي العَنْدَم: دم الأخْوين وَهُوَ الأيْدَع. وَقَالَ محَارب: العندم صبغ الدَّار برنيان. وَقَالَ أَبُو عَمْرو شجر أَحْمَر، وَقَالَ بَعضهم: العندم: دم الغزال بِلحَاء الأرْطى، يُطبخان جَمِيعًا حَتَّى ينْعَقد فيختضبُ الْجَوَارِي بِهِ.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي فِي قَول الْأَعْشَى:
سُخَاميَّةً حَمْرَاء تُحسب عَنْدما
قَالَ: هُوَ صِبْغ زعم أهل الْبَحْرين أَن جواريهم يختضبن بِهِ.
(دعبل) : ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال للناقة إِذا كَانَت فَتيّة شابّة: هِيَ القرطاس والديباج والذِعلبة. والدِّعْبِل والعيطموس.
(عردم) : قَالَ: العَرْدم: الغُرْمول الطَّوِيل الثخين المُتْمَهِلّ.
(درعف) : الفرّاء: ادرعفَّت الْإِبِل واذرعفَت: مَضَت على وجوهها.
(قدحر) : واقدحرَّ واقذَحرَّ إِذا تهَيَّأ للسباب.
(بَاب الْعين وَالتَّاء)
(ع ت)
عترف: أَبُو عبيد عَن أبي زيد: العِتْرِيف: الْخَبيث الْفَاجِر الَّذِي لَا يُبَالِي مَا صنع وَجمعه عتاريف. قَالَ: وجمَل عتريف وناقة عتريفة: شَدِيدَة وَقَالَ ابْن مقبل:(3/227)
من كل عِتْرِيفة لم تَعْدُ أَن بزلت
لم يبغ دِرَّتها رَاع وَلَا رُبَع
وَقَالَ اللَّيْث العُتْرُفان: الديك، ونَبْت عريض من نَبَات الرّبيع يُقَال لَهُ: العترفان. فأمَّا العِفريت من الرِّجَال فَهُوَ النَّافِذ فِي الْأَمر، المبالغ فِيهِ مَعَ خبث ودهاء. وَجمعه عفاريت. وَالتَّاء زَائِدَة.
قلت أَصْلهَا هَاء، والكلمة ثلاثية: أَصْلهَا عِفْر وعِفْرية.
عَمْرو عَن أَبِيه: يُقَال للديك: العُتْرُفان والعَتْرَف، والعُتْرَسان والعَتْرَس.
(عرتم) : وَقَالَ اللَّيْث: العَرْتَمة: مَا وَتَرة الْأنف والشفة. وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو عَمْرو: يُقَال للدائرة الَّتِي عِنْد الْأنف وسط الشّفة الْعليا: العَرْتَمة، والعَرْتَبة لُغَة فِيهَا.
(عرتن) : أَبُو عبيد عَن الْفراء، العَرَتُن: نَبَات: يُقَال مِنْهُ: أَدِيم مُعَرْتَن.
وَقَالَ شمر: العَرَتُن بِضَم التَّاء: شجر. وَيُقَال عَرَنْتُن والواحدة عَرَتُنة.
ابْن السّكيت عَن أبي عَمْرو العِرْنة: عروق العَرَتُن. وَهُوَ شجر خشن يشبه العَوْسج، إِلَّا أَنه أضخم وَهُوَ أثيث القرْع. وَلَيْسَ لَهُ سوق طوال، يُدَقّ ثمَّ يطْبخ فَيَجِيء أديمه أَحْمَر.
(عنتر) : عَمْرو عَن أَبِيه: العَنْتَر: الذُّبَاب. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: سُمِّيَ عنتَراً لِصوته.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو أَيْضا: العَنْتَرة: السلوك فِي الشدائد.
وَقَالَ الْمبرد: العنْتَرة: الشجَاعَة فِي الْحَرْب. وَقَالَ النَّضر: العَنْتَر: ذُبَاب أَخْضَر. وَأنْشد:
إِذا غرَّد اللَّقاع فيهمَا لعنتر
بمغدودِن مستأسِد النبت ذِي خَبْرِ
(عترف) : وَقَالَ أَبُو دؤاد فِي العُترفان: الديك:
وَكَأن أشلاء الْجِيَاد شقائق
أَو عُتْرُفان قد تحشحش للبلى
يُرِيد ديكاً قد يبس وَمَات.
(بلتع) : أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: المُتَبلتِع: الَّذِي يتكيّس ويتظرف.
(علفت) : وَقَالَ غَيره العِلْفَتان: الضخم من الرِّجَال الشَّديد. وَأنْشد:
يضْحك مني من رأى تكركسى
من فرقى من عِلْفِتان أَدْبَس
أخبثِ خَلْق الله عِنْد المَحْمِس
والتكركس: التلوث والتردد. والمحْمس مَوضِع الْقِتَال.
(عنتل) : وَقَالَ اللحياني: يُقَال لبُظَارة الْمَرْأَة: العُنْتُل والعُنْبُل. قَالَ: وأنشدني أَبُو صَفْوَان الأسَديّ يهجو ابْن ميَّادة:
ألهَفى عَلَيْك يَا ابْن ميَّادة الَّتِي
يكون ذِيَاراً لَا يُحَتُ خضابُها
إِذا زَبَنَتْ عَنْهَا الفَصيل برجلها
بدا من فروج الشملتين عُنابها
بدا عَنْتَل لَو تُوضَع الفأس فَوْقه
مذكَّرة لَا نفلّ عَنهُ غُرابها
أَي يكون خضابها ذياراً، أَرَادَ أَنَّهَا راعية تصُرّ وتحلب.
والذِيار: البَعَر الَّذِي يُضَمَّد بِهِ الإحليل لِئَلَّا يُؤثر فِيهِ الضراب.(3/228)
وَقَالَ أَبُو سعيد: هُوَ العُنْتُل والعُنْبُل للبقر، مثل نتع الماءُ ونبع.
(أَبْوَاب الْعين والظاء)
(ع ظ)
لعمظ: قَالَ اللَّيْث: اللَعْمَظة: الانتهاس عَن الْعظم مِلْء الْفَم. يُقَال لَعْمظت اللَّحْم.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: اللَعْمَظ: الْحَرِيص. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: رجل لَعْمَظة: شهوان حَرِيص.
أَبُو زيد: رجل لُعْمُوظ ولُعْموظة. وَجمعه لعامظة.
وَقَالَ الْفراء: اللَعْمَظ، الشره الْحَرِيص. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: رجل لَعْمَظة ولَمْعظة.
وَأنْشد لخاله:
أذاك خير أَيهَا العضارط
وأيها اللمعظة العمارط
قَالَ وَهُوَ الْحَرِيص اللَحَّاس.
(عنظ) : أَبُو عَمْرو: العُنْظُوان: شجر كَأَنَّهُ الحُرُض.
قلت: هَذِه شَجَرَة من الحَمْض، واحدتها عُنْظُوانة. وَمِنْه قَول الراجز:
حرّقها الحَمْض بعُنْظُوان
فاليومُ مِنْهَا يَوْم أرْونان
أَبُو عبيد عَن الْفراء: العُنْظُوان: الْفَاحِش. وَالْمَرْأَة عُنْظُوانة. وَيُقَال للْمَرْأَة البذيئة هِيَ تُعَنْظِي وتحنظي إِذا تسلّطت بلسانها فأفحشت، وتخنظي أَيْضا. وَقَالَ:
قَامَت تُخَنظي بك سَمْع الْحَاضِر
صهصلق لَا ترعوي لزاجر
لَا تَسْتَطِيع رشَدات رَاشد. وَامْرَأَة خنظيان كَثِيرَة الشرّ.
(عنظب) : وَقَالَ اللَّيْث: العُنْظُب: الْجَرَاد الذّكر.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: الذّكر من الْجَرَاد هُوَ الحُنْظب والعُنْظُب. وَقَالَ الْكسَائي هُوَ العُنْظَب والعِنْظاب والعُنْظُوب.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: هُوَ العُنْظَب، فأمَّا الحُنْظَب فالذكر من الخنافس، وَأنْشد:
وأمُّك سَوْدَاء مَوْدونة
كأنّ أناملها الحُنْظَب
ذكر القتيبيّ أَن فِي (كتاب سِيبَوَيْهٍ) العُنْظُبَاء.
وَقَالَ اللحياني: يُقَال عُنْظُب وعُنْظَب وعُنْظاب وعِنظاب وَهُوَ الْجَرَاد الذّكر وَقيل هُوَ الْجَرَاد الْأَصْفَر.
(عظلم) : وَقَالَ اللَّيْث: العِظْلَم: عُصَارة شجر لَونه كالنِيل، أَخْضَر إِلَى الكُدْرة.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: العِظْلِم نبت وَيُقَال: إِنَّه الوَسْمة.
ابْن السّكيت ليل عِظلم: أَي مظلم. وَأنْشد:
وليل عِظْلِم عرَّضت نَفسِي
وكنتُ مشيَّعا رحب الذِّرَاع
جريئاً لَا تصعصعني البلايا
وأكوي من أعاديه وَقاع
أَي كَيَّة الرَّأْس
(عنظل) : ابْن السّكيت العَنْظَلة والنَعْظلة من العَدْو البطيء.(3/229)
(أَبْوَاب الْعين والذال)
(ع ذ)
برذع: اللَّيْث: البَرْذَعة: الحِلْس الَّذِي يُلقى تَحت الرجل. والجميع البراذع
وَقَالَ شمر: هِيَ البَرْذَعة والبَرْدَعة بِالذَّالِ وَالدَّال. وازرعفَّت الْخَيل وادرعفَّت الْخَيل إِذا سبقت وَقَالَ غَيره.
البَرْذعة من الأَرْض لَا جَلَدٌ وَلَا سهل والجميع البراذع.
(ذعلب) : وَقَالَ اللَّيْث الذِعْلِبة النعامة. وَيُقَال للناقة ذعلبة، وَإِنَّمَا شبّهت بالنعامة لسرعتها وَكَذَلِكَ جمل ذعلب.
أَبُو عبيد عَن أبي عُبَيْدَة: الذعلبة: النَّاقة السريعة وَقَالَ خَالِد بن جَنَبَة: الذِعْلِبة: النُويقة الَّتِي هِيَ صَدَعٌ فِي جسمها وَأَنت تَحْقِرُها، وَهِي نجيبة.
وَقَالَ غَيره: هِيَ البَكْرَة الحَدَثة.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: هِيَ الْخَفِيفَة الْجواد وَلَا يُقَال: جمل ذعلب.
وَقَالَ غَيره: يُقَال: جمل ذعلب.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة يُقَال للْحَاجة الْخَفِيفَة: ذِعْلِبة. وَتجمع الذعاليب. وَأنْشد للمَعْلُوط:
مِمَّا أكون على الْحَاجَات ذَا لَبَث
وأحوذِيَّاً إِذا انضمّ الذعاليب
وَقَالَ اللَّيْث الذِعْلِب من الخِرَق: الْقطع المشقَّقة. وَأنْشد:
منسرحاً إلاَّ ذعاليب الْخرق
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: الذعاليب: مَا تقطّع من الثِّيَاب. قَالَ ذُو الرمة:
تنوس كأخلاق الشُفُوف ذعالبُهْ
قَالَ: وأطراف الْقَمِيص يُقَال لَهَا الذعاليب وَاحِدهَا ذُعْلُوب. وَهَذَا من (نَوَادِر أبي عَمْرو) .
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: تذعلبت تذعلُباً وَهُوَ انطلاق فِي استخفاء.
(ذلعب) : أَبُو عبيد عَن أبي زيد أَيْضا: المذلَعِبّ: المنطلق والمصمعدّ مثله.
وَقَالَ اللَّيْث: اذلعبّ الْجمل فِي سيره اذلعباباً من النَّجَاء. وَأنْشد:
ناجٍ أَمَام الحَيّ مذلعبّ
قَالَ واشتقاقه من الذعلب. قَالَ: وكل فعل رباعي ثُقّل آخِره فَإِن تثقيله معتمِد على حَرْفٍ من حُرُوف الْحلق.
(علذم) : ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَرَأَ فَمَا تلعذم وَمَا تلعثم، أَي مَا تمكَّث. قَالَ: وَقَالَ الْمفضل: يُقَال: سَأَلته عَن شَيْء فَلم يتلعثم وَلم يتلعْذَم وَلم يتلَعْلَم وَلم يتثَمْثَم وَلم يتمرَّغ وَلم يتفكَّن أَي لم يتوقّف حَتَّى أجابني.
وَقَالَ اللَّيْث: العَلْذَمِيّ من الرِّجَال: الْحَرِيص الَّذِي يَأْكُل مَا قَدَر عَلَيْهِ.
(عذفر) : وَقَالَ: العُذَافِرة: النَّاقة الشَّدِيدَة الأمينة الْوَثِيقَة الظهيرة. وَهِي الأَمُون: قَالَ: وعُذَافر اسْم كَوْكَب الذَّنب.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: العُذَافرة: النَّاقة الْعَظِيمَة وكَذلك الدَوْسَرة. وَقَالَ لَبِيد:
عُذَافرة تَقَمَّصُ بالرُدَافَى
تخوَّنها نزولي وارتحالي(3/230)
بذعر: وَيُقَال: ابذعرَّت الخيلُ وابثعرَّت إِذا ركضت تبادر شَيْئا تطلبه. وَأنْشد أَبُو عبيد فِي الابذعرار:
فطارت شِلالاً وابذعرَّت كَأَنَّهَا
عِصابة سَبْي خَافَ أَن يُتَقَسما
ابذعرت أَي نفرت وجَفَلت.
(بَاب الْعين والثاء)
(ع ث)
(رثعن) : أَبُو عبيد: المرثعِنّ: المسترخي. قَالَ: والمرثعنّ من الْمَطَر: المسترسل السَّائِل.
وَقَالَ أَبُو زيد: جَاءَ فلَان مرثعناً: سَاقِط الأكتاف أَي مسترخِياً.
وَقَالَ ابْن السّكيت فِي قَول النَّابِغَة:
كميشِ العَوالي مرثعِنّ الأسافل
قَالَ؛ مرثعنّ: متساقط لَيْسَ بسريع، وَبِذَلِك يُوصف الْغَيْث. قَالَ: والمرثعنّ من الرِّجَال: الَّذِي لَا يمْضِي على هَوْل.
وَقَالَ اللَّيْث: ارثعنّ المطرُ إِذا ثَبت وجاد، وَهُوَ يرثعنّ ارثعناناً. والمرثعنّ من الرِّجَال: الضَّعِيف.
(بعثر) : وَقَالَ الْفراء فِي قَول الله جلّ وَعز: {فُجِّرَتْ وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ} (الانفِطار: 4) قَالَ: خرج مَا فِي بَطنهَا من الذَّهَب وَالْفِضَّة. وَخُرُوج الْمَوْتَى بعد ذَلِك، قَالَ وَهُوَ من أَشْرَاط السَّاعَة: أَن تُخرج الأَرْض أفلاذَ كبِدها. قَالَ: وبَعْثرت وبحثرت لُغَتَانِ.
وَقَالَ الزّجاج: بُعثرت: أَي قُلِب ترابها وبُعث الْمَوْتَى الَّذين فِيهَا. وَيُقَال: بعثروا مَتَاعهمْ وبحثروه إِذا قلبوه يُقَال: ذهب الْقَوْم بَعْذَرَى وبَعْثَرَى إِذا تفرَّقوا.
(رعثن) : وَقَالَ اللَّيْث وَغَيره: الرَعْثَنة: التَّلْتَلَة تتّخذ من جُفِّ الطّلع فيُشرب بهَا.
(عَبْثَر) : وَقَالَ: العَبَوْثرَان: نَبَات مثل القيصوم فِي الغُبْرة، ذَفِر الرّيح، إلاّ أَنه أطيب للآكِلِ، لَهُ قضبان دِقاق، الْوَاحِدَة عَبَوثَرانة. فَإِذا يَبِسَتْ ثَمَرَتهَا عَادَتْ صفراء كدراء. وفيهَا لُغَات: عَبَوثَران، وعَبَوْثُران عَبَيثَران وَعَبَيثُران.
أَبُو عبيد عَن الْفراء: العَبَيْثَرانِ وَالعَبَوْثَران: شجر طيّب الرّيح، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْن السّكيت: هُوَ نبت طيّب الرّيح. وَأنْشد:
يَا رِيَّها إِذا بدا صُنَاني
كأنني جاني عَبَيْثَران
قلت: شبه ذَفَر صنانه بذفر هَذِه الشَّجَرَة. والذفر شدَّة ذكاء الرَّائِحَة، طيّبة كَانَت أَو خبيثة. وأمَّا الدفر بِالدَّال فَلَا يكون إلاّ للمنتن.
وَقَالَ اللحياني: وَقع بَنو فلَان فِي عبَيْثران شَرّ وعَبَوْثَران شَرّ وعَبَيْثِرة شرّ إِذا وَقَعُوا فِي أَمر شَدِيد.
قَالَ: والعَبَيْثِران: شَجَرَة طيّبة الرّيح كَثِيرَة الشوك، لَا يكَاد يتخلَّص مِنْهَا من شاكها، تضرب مثلا لكل أَمر شَدِيد.
عثلب: وَشَيخ مُعَثْلِب إِذا أدبر كِبَرا.
وَقَالَ اللَّيْث: عَثْلَب فلَان زَنْدا: أَخذه من شَجَرَة لَا يُدرى أتورِي أم تصلد.
قَالَ: وعَثْلَب: اسْم مَاء وَقَالَ الشمَّاخ:(3/231)
وصدت صدوداً عَن شَرِيعَة عَثْلَب
وَلَا بني عياذٍ فِي الصُّدُور حوامِز
وَقَالَ غَيره: عثلبت جِدَار الْحَوْض وَغَيره: كَسرته وهدمته. وَقَالَ النَّابِغَة:
وسُفْعٌ على آس ونؤى معثلَب
ابْن السّكيت: طَعَام مُعَثْلَب، وَقد عثلبوه إِذا رمَّدوه بالرماد، أَو طبخوه فجشَّشُوا طحنه لمَكَان ضيف يَأْتِيهم، أَو أَرَادوا الظعْن، أَو غِشيهم حَقّ. وَطَعَام مُغَثْمر بالغين إِذا كَانَ بقشره لم ينَقَّ وَلم يُنْخل.
(ثَعْلَب) : اللَّيْث: الثَّعْلَب الذّكر، وَالْأُنْثَى ثُعَالة.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: يُقَال للْأُنْثَى: ثَعْلَبَة. وَالذكر يُقَال لَهُ: الثُعْلُبان.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: الثَّعْلَب: مَا دخل من الرمْح فِي السنان.
وَقَالَ اللَّيْث: ثعلبَ الرجلُ من آخر فرَّ فَرَقاً.
وَفِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم استسقى يَوْمًا ودعا فَقَامَ أَبُو لُبابة، فَقَالَ يَا رَسُول الله: إِن التَّمْر فِي المرابد. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهم اسقنا، فَقَامَ أَبُو لُبابة عُريَانا يَسُدّ ثَعْلَب مِرْبده بِإِزَارِهِ.
قَالَ أَبُو عبيد: ثعلبُ المِرْبد: حُجْره الَّذِي يسيل مِنْهُ مَاء الْمَطَر، إِن أصَاب التَّمْر وَهُوَ هُنَاكَ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الثعلبة: الاست.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الثَّعْلَب: أصل الراكوب فِي الْجذع من النّخل. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: هُوَ أصل الفَسِيل إِذا قطع من أمّه.
(لعثم) : وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (مَا أحد من النَّاس عرضتُ عَلَيْهِ الْإِسْلَام إلاّ كَانَت لَهُ كَبْوة غير أبي بكر، فَإِنَّهُ لم يتلعثم) .
قَالَ أَبُو عبيد قَالَ أَبُو زيد: يَقُول: لم ينْتَظر وَلم يتمكّث. وَقد تلعثم الرجل إِذا تمكَّث وتأنّى وتردّد فِيهِ. قَالَ: والكَبْوة: الوَقْفة.
وَفِي حَدِيث لُقْمَان بن عَاد أَنه قَالَ فِي أحد إخْوَته: فَلَيْسَتْ فِيهِ لعثمة، إلاّ أَنه ابْن أمة، أَرَادَ أَنه لَا توقّف عَن ذكر مناقبه إلاّ عِنْد ذكر صَرَاحَة نسبه، فَإِنَّهُ يعاب بهجنته.
(عمثل) : أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو قَالَ العميثل: الَّذِي يُطِيل ثِيَابه. قَالَ وَقَالَ الْأَصْمَعِي: العميثل من الوعول: الذيّال بذَنَبه.
وَقَالَ اللَّيْث: العَمَيْثَل: الضخم الثقيل وَكَأن فِيهِ بُطْئاً من عِظَمه وَجمعه العماثل.
نعثل: وَفِي حَدِيث عُثْمَان أَنه كَانَ يخْطب ذَات يَوْم، فَقَامَ رجل فنال مِنْهُ، فوذَأه ابْن سَلام فاتَّذأ، فَقَالَ لَهُ رجل: لايمنعك مَكَان ابْن سَلاَم أَن تسُب نَعْثَلاً فَإِنَّهُ من شيعته.
قَالَ أَبُو عبيد قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: إِنَّمَا قيل لَهُ: نَعْثل لِأَنَّهُ كَانَ يشبَّه بِرَجُل من أهل مصر كَانَ طَوِيل اللِّحْيَة يُسمى نعثلاً، فَكَانَ عُثْمَان إِذا نيل مِنْهُ شُبَّه بذلك الرجل لطول لحيته، وَلم يَكُونُوا يَجدونَ فِيهِ عَيْبا غير هَذَا.(3/232)
وَقَالَ اللَّيْث: النَعْثَل: الشَّيْخ الأحمق. وَيُقَال: فِيهِ نَعْثَلة أَي حُمْق. قَالَ: والنَعْثَل: الذيخ وَهُوَ الذّكر من الضباع.
ابْن الْأَعرَابِي: النعثل: الصنبع لمَكَان لحيته.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: النَعْثَلة أَن يمشي مُفَاجّاً، ويقلب قَدَمَيْهِ كَأَنَّهُ يغرِف بهما. وَهُوَ من التَّبَخْتُر.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: نعثل الفرسُ فِي جريه إِذا كَانَ يعْقد على رجلَيْهِ فِي شدَّة العَدْو وَهُوَ عيب وَقَالَ أَبُو النَّجْم:
كل مكب الجري أَو منعثلة
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة فرس منعثل: يفرق قوائمه فَإِذا رَفعهَا فَكَأَنَّمَا يَنْزِعهَا من وَحل يخْفق رَأسه وَلَا يتبعهُ رِجْلَاهُ.
(ثرعم) : ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي الثِرْعامة: الْمَرْأَة وَأنْشد:
أَفْلح من كَانَت لَهُ ثِرْعامة
أَي امْرَأَة.
(بَاب الْعين وَالرَّاء وَمَا بعْدهَا من الْحُرُوف
(عنبر) : قَالَ اللَّيْث: العَنْبَر من الطّيب، وَبِه سمّي الرجل.
عَمْرو عَن أَبِيه: العنبر التُرْس.
قلت: وَإِنَّمَا قيل للترس: عنبر لِأَنَّهُ يتَّخذ من جلد سَمَكَة بحريّة يُقَال لَهَا: العنبر.
وَفِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث سَرِيّة إِلَى نَاحيَة السِّيف، فجاعوا، فَألْقى لَهُم دابَّة يُقَال لَهَا العَنْبَر، فَأكل مِنْهَا جمَاعَة السرِيَّة شهرا حَتَّى سمِنوا.
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: أَتَيْته فِي عَنْبَر الشتَاء أَي فِي شِدَّته.
(مزعل) : وَقَالَ اللَّيْث: الفُرْعُل والبُرْعُل: ولد الضبع من الضبع. والجميع الفَرَاعِل.
(رعبل) : أَبُو عُبَيْدَة عَن الْفراء: ثكلته الجَثَل، وثكلته الرَعْبَل مَعْنَاهُمَا: ثكِلته أُمُّه.
سَلمَة عَن الْفراء: امْرَأَة رَعْبَل إِذا كَانَت خرقاء رعناء.
وَقَالَ اللَّيْث: رَعْبلت اللَّحْم رَعْبَلة. والقطعة الْوَاحِدَة رُعْبُولة. والرعابيل: الثِّيَاب المتمزّقة. قَالَ وَامْرَأَة رَعْبَل فِي خُلْقان الثِّيَاب. وَقَالَ أَبُو النَّجْم:
كصوت خرقاء تراعي رَعْبِل
وَقَالَ غَيره: ريح رَعْبلة إِذا لم تستقم فِي هبوبها.
وَقَالَ ابْن أَحْمَر يصف الرّيح:
عشواء رعبلة الرواح خَجَوْ
جاة الغُدُوّ رواحُها شهر
وَقَالَ شمر فِي قَول الْكُمَيْت يصف ذئباً:
يراني فِي اللمام لَهُ صديقا
وشادنة العسابر رَعبليب
قَالَ شمر: يراني يَعْنِي الذِّئْب. وشادنة العسابِير: أَوْلَادهَا رَعْبليبٌ أَي ملاطفة.
وَقَالَ غَيره: رعبليب يمزّق مَا قدر عَلَيْهِ من رعبلت الْجلد إِذا مزقته وَمِنْه قَول ابْن أبي الحُقَيق:
من سرّه ضرب يرعبل بعضُه
بَعْضًا كمعمعة الأباء المُحْرَق(3/233)
ربع (يَرْبُوع) : وَقَالَ اللَّيْث: اليَرْبُوع: دويبة فَوق الجُرَذ الذّكر وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاء.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: هُوَ يَرَابيع المَتْن وحرَابِيّ الْمَتْن للحم الْمَتْن.
وَقَالَ أَحْمد بن يحيى: إِن جعلت وَاو يَرْبُوع أَصْلِيَّة أجريت الِاسْم المسمّى بِهِ، وَإِن جَعلتهَا غير أَصْلِيَّة لم تجره وألحقته بِأَحْمَد. وَكَذَلِكَ وَاو يَكْسُوم. قَالَ ذَلِك الْفراء.
(بلعم) : أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: البُلْعوم: مجْرى الطَّعَام فِي الْحلق. وَيُقَال: بُلْعُم. وَأما بَلْعَم: فَهُوَ اسْم رجل.
وَقَالَ اللَّيْث: البُلْعوم: الْبيَاض الَّذِي فِي جحفلة الْحمار فِي طَرَف الْفَم. وَأنْشد:
بيض البلاعيم أَمْثَال الخواثيم
(برعم) : أَبُو عبيد: البُرْعُوم: نَوْر النبت قبل أَن يتشقق.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: البُرْعُوم: زَهَر النبت قبل أَن يتفتّح. وَيُقَال: بُرْعُم، وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
الآكلين صريحَ محضهما
أكلَ الحُبَارى بُرْعُمَ الرُّطْب
وَقَالَ أَبُو زيد: براعيم الْجبَال: شَماريخها وَاحِدهَا بُرْعُومة.
وَقَالَ اللَّيْث: البراعيم: أكمام الشّجر فِيهَا الثَّمَرَة. يُقَال بَرْعَمت الشَّجَرَة فَهِيَ مُبَرعِمة إِذا أخرجت بُرْعمها.
(عنبل) : اللَّيْث: امْرَأَة عنبلة. قَالَ: وعَنْبَلتُها: طول بَظْرها قَالَ: والعُنْبُلة: الْخَشَبَة الَّتِي يدَق بهَا فِي المهراس الشَّيْء.
وَقَالَ اللحياني: عُنْبُل الْمَرْأَة: بُظَارتها. وَقَالَ جرير:
إِذا ترمَّز بعد الطلق عُنْبُلها
قَالَ القوابل هَذَا مِشْفَر الفِيل
ووَتَر عُنَابل: غليظ.
(رمعل) : الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت: ارمَعَل دمعُه وارمَعنّ إِذا سَالَ، فَهُوَ مرمعلّ ومُرْمعنّ.
(فرعن) : ابْن شُمَيْل: الدروع الفِرْعونيَّة. قَالَ شمر: هِيَ منسوبة إِلَى فِرْعَوْن مُوسَى. وَقيل الفرعون بلغَة القبط: التمساح.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو المُعْلَنْبى: الَّذِي يُشْرِف ويشخَص بِنَفسِهِ.
(علنب) : وَقَالَ اللحياني: أعلنبى الكلبُ والديك الهِرّ إِذا انتفش للنضال.
(عبنق) : قَالَ: واعبنقى وابعنقى إِذا سَاءَ خُلُقه.
(عقنب) : وعُقَاب عَقَنْبَاة وعَبَنقاة وبَعَنقاة. قَالَ الْكسَائي: هِيَ ذَات المخالب المنكَرة الخبيثة.
وَقَالَ ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: هِيَ السريعة الْأَخْذ.
وَقَالَ اللَّيْث: العَقَنباة: الداهية من العِقبان. وَجَمعهَا عَقَنْبيَات.
(عرطب) : وَفِي الحَدِيث: (إِن الله يغْفر لكل مذنب إلاّ لصَاحب عَرْطَبة أَو كوبة) .
قَالَ أَبُو عبيد: العَرْطَبة: الْعود.
وروى عَمْرو عَن أَبِيه: العَرْطَبة: الطُنْبور.
صعفص: الصَعْفصة: السِكباج. رَوَاهُ أَبُو عَمْرو فِي (كِتَابه) .(3/234)
بَاب خماسي حرف الْعين
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: (الهَبنْقَع) : الَّذِي يجلس على عَقِبَيْهِ، أَو على أَطْرَاف أَصَابِعه يسْأَل النَّاس. وَأنْشد أَبُو عبيد:
ومهُور نسوتهم إِذا مَا أَنْكَحُوا
غَدَوِيّ كل هَبَنْقَع تِنبال
شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي: الهبنقع: الَّذِي إِذا قعد فِي مَكَان لم يبرحه. وَأنْشد:
أرسلها هَبَنْقَع يَبْغِي الغزلْ
أخبر أَنه صَاحب نسَاء. وَقَالَ شمر: هُوَ الَّذِي يَأْتِيك يلْزم بابك فِي طلب مَا عنْدك لَا يبرح.
وَقَالَ اللَّيْث: رجل هبنقع وَامْرَأَة هبنقعة هُوَ الأحمق، يُعرف حمقه فِي جُلُوسه وأموره.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: قَالَ الزِبْرِقان بن بدر: أبْغض كنائني إليّ: الَّتِي تمشي الدِّفقَّى، وتجلس الهبنقعة.
قَالَ الْأَصْمَعِي: الدِفقِّي: مشي وَاسع. والهَبَنْقَعة: أَن تَرَبَّع وتمدّ إِحْدَى رِجْلَيْهَا فِي تربّعها.
اخْتَارُوا من ضروب الخماسيَّة المعتدلة خَمْسَة أوجه، وَجْهَان مستعملان فِي كَلَامهم، وَثَلَاثَة أوجه مِنْهَا مستقبحة. فالوجهان المستعملان نَحْو شَمَرْدَل وسفرجل. وَالثَّانِي خُبَعْثِن وقُذَعمِل. وَالْأَوْجه المستقبحة نَحْو سَمَرْطل ودِلَعْثَم وشبرقر. واستثقلوا بناءها فَقَالُوا: سَمَرْطول، ودلعثام. وَكَذَلِكَ مدّوا الْوَجْهَيْنِ المعتدلين، فَقَالُوا: خُبَعثين، كَمَا قَالُوا: شُرَحْبيل. وَذكر فُرْهَنْد، وَقَالَ: لَا أعرف لَهُ نظيراً، وَلم يفَسِّره.
أَبُو عبيد عَن الْفراء: (الحِنْثَعْبَة) : هِيَ النَّاقة الغزيرة. قَالَ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الخُبَعْثِنة من الرِّجَال: الشَّديد الخَلْق الْعَظِيم. وَقَالَ غَيره: هُوَ الْعَظِيم الشَّديد من الأُسْد. وَقَالَ أَبُو زُبَيد الطائيّ:
خُبَعثِنة فِي ساعديه يزايل
تَقول وَعَى من بعد مَا قد تجبرا
وَقَالَ اللَّيْث: (المُنَعثِن) من كل شَيْء: التارّ البدنِ.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: (العَشَنْزَر) : الشَّديد. وقَرَب عَشَنزَر: مُتعب: وضَبُع عَشَنْزَرة: سيّئة الخُلْق.
وَقَالَ اللَّيْث: العشنزر نعت يرجع فِي كل شَيْء إِلَى الشدّة. وَأنْشد:
ضربا وطعناً باقرا عَشَنْزَرا
وَقَالَ اللَّيْث: امْرَأَة (قَفَنْزَعة) : قَصِيرَة.(3/235)
وَقَالَ (العَفَنْقَسُ) و (العَقَنْفَس) : السيّء الخُلْق المتطاول على النَّاس. وَأنْشد:
إِذا أَرَادَ خُلُقاً عَفَنْقَسا
أقرَّه الناسُ وَإِن تَفَجَّسا
قَالَ وَيُقَال: مَا أَدْرِي مَا الَّذِي عَفْقَسه وعَقْفَسه أَي مَا الَّذِي أَسَاءَ خلقه بَعْدَمَا كَانَ حَسَن الْخلق.
قَالَ الْكسَائي: رجل عَفَنْقَس فَلَنْقَس: وَهُوَ اللَّئِيم.
وَقَالَ أَبُو زيد: العَفَنْقَس: العَسِر من الْأَخْلَاق. (والعَبَنْقَس) : الناعم الطَّوِيل من الرِّجَال: وَقَالَ رؤبة.
سوفَ العذارى العارِم العَبَنْقَسا
وَقَالَ ابْن السّكيت: العَبَنْقَس: الَّذِي جَدّتاه من جِهَة أَبَوَيْهِ عجميَّتان وَامْرَأَته عجمية. والفَلَنْقَس: الَّذِي هُوَ عربيّ لعربيّين، وجدّتاه من قِبَل أَبَوَيْهِ أمَتَان وَامْرَأَته عربيّة.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد وَأبي الْجراح (العَضْرَفُوط) : الذّكر من العَظَاء. وَقَالَ العَدَبّس الْكِنَانِي: هُوَ ضرب من العَظَاء، وَلَيْسَ بذَكَر العظاء، وَهُوَ أكبر من العظاء. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: هُوَ ذَكَر العظاء.
وَقَالَ اللَّيْث: العَضْرَفُوط: دويَّبة تسمى العِسْوَدّة، بَيْضَاء ناعمة وَجَمعهَا عضافيط وعضرفوطات.
قَالَ: وَبَعْضهمْ يَقُول: عُضْفُوط.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: مَا عِنْده قُذَعْمِلة وَلَا قِرْطَعبة أَي لَيْسَ لَهُ شَيْء. وَقَالَ النَّضر: القُذَعْمِلة: النَّاقة القصيرة الحَرَضُ. وَشَيخ قُذَعْمِل: كَبِير. وَيُقَال: مَا فِي الْوِعَاء قُذَعْمِلة. وَهُوَ الشَّيْء الْيَسِير ممّا كَانَ.
وَقَالَ اللَّيْث: (القُذَعْمِل) والقُذَعْمِلة، الْقصير الضخم من الْإِبِل، مرخّم بترك الياءين. أَبُو عَمْرو: القذعميل: الضخم الرَّأْس. وَأنْشد:
قرَّبن أجمالَ خُدور قُعْسا
كل قُذَعْمِيل كَانَ الرأسا
مِنْهُ عِباديّ تغشَّى تُرْسا
يُقَال: مَا عَلَيْهَا قِرْطَعْبة أَي خِرقة. أَبُو زيد: مَا عِنْده قُذَعملة وَلَا قرطعبة. وَقَالَ أَبُو صاعد: مَا فِي الْوِعَاء خَرْبصيصة وَلَا بِهِ قذعملة.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: (القَبَعْثَرَى) : الْجمل الضخم.
وَقَالَ اللَّيْث: هُوَ الفصيل المهزول. قَالَه: وَسَأَلت أَبَا الدقيش عَن تصغيره، فَقَالَ قُبَعْثَرة، ذهب إِلَى التَّرْخِيم.
وَقَالَ أَبُو زيد: جَمَل قَبَعْثَرىً، وناقة قَبَعْثراة: وَهِي الشَّدِيدَة.
وَفِي (النَّوَادِر) : القبعثرى مثل الخمخم، وهما دابَّتان تَكُونَانِ فِي الْبَحْر. وَقَالَ الْخَلِيل: يَسْتَعُور خماسيّ، جَعَل الْيَاء من نفس الْحَرْف. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: الزَّوَائِد لَا تلحَق بأوائل الرباعيّ والخماسيّ.
وَقَالَ اللَّيْث: (القَرَعْبَلانة) : دويْبَة عريضة محبنطِئة. وَمَا زَاد على قَرَعْبَل فَهُوَ فَضْل لَيْسَ من حروفهم الْأَصْلِيَّة. قَالَ: وَلم يَأْتِ اسْم فِي كَلَام الْعَرَب زَائِدا على خَمْسَة أحرف إلاّ بِزِيَادَات لَيست من(3/236)
أَصْلهَا أوْ وَصْلِ حِكَايَة بحكاية؛ كَقَوْلِه:
فتفتحه طَوْراً وطوراً تُجيفه
فَتسمع فِي الْحَالين مِنْهُ جَلَنْبَلَقْ
حكى صَوت بَاب ضخم فِي حالتي فَتحه وإسفَاقه، وهما حكايتان متباينتان (جَلَنْ) على حِدة، وبَلَقْ على حِدة إِلَّا أَنَّهُمَا التزقا فِي اللَّفْظ، فظنّ غير الْمُمَيز أَنَّهَا كلمة وَاحِدَة، وَنَحْو ذَلِك قَول الشَّاعِر فِي حكايته أصوات الدوابّ:
جرت الْخَيل فَقَالَت حَبَطَقْطَقْ
وَإِنَّمَا ذَلِك أرْدَاف أردفت بهَا الْكَلِمَة؛ كَقَوْلِك: عَصَبْصَب، وَأَصله من قَوْلهم: يَوْم عصيب.
وَقَالَ اللَّيْث: (السُّفُرْفَع) : شراب لأهل الْحجاز من الشّعير والحبوب. وَهِي حبشية لَيست بعربيّة. وَبَيَان ذَلِك أَنه لَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب كلمة خماسية صدرها مضموم وعجزها مَفْتُوح، إلاّ مَا جَاءَ من الْبناء المرخّم نَحْو الذُرَحْرَحة والخُبَعْثَنَة.
قَالَ: وَقَالَ بعض الْعلمَاء هُوَ (السُقُرْقَع) بالقافين وَهُوَ السُكْرَكَة.
قلت: وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي سُقُرْقَع بقافين.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: (السَقَعْطَرِيّ) : النهايةُ فِي الطول.
وَقَالَ اللَّيْث: هُوَ الضخم الشَّديد الْبَطن الطَّوِيل من الرِّجَال.
وَقَالَ شمر: (العَلْطَمِيس) : الضخم الشَّديد. وَأنْشد قَول الراجز:
لما رَأَتْ شيب قذالى عِيسا
وَهَامة كالطَسْت عَلطَمِيسا
وَقَالَ اللَّيْث: هِيَ الضخمة من النوق ذَات أقطار وسَنَام.
اللَّيْث (السَلَنْطَع) : الرجل المُتعتِّه فِي كَلَامه كَأَنَّهُ مَجْنُون.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد السِلِنْطَاع: الطَّوِيل.
وَقَالَ شمر: نَاقَة جَلَنْفعة: قد أَسِنَت وفيهَا بقيَّة. وَأنْشد:
وَأَيْنَ وسْقُ النَّاقة الجَلَنْفعَة
وَقَالَ اللَّيْث: (الجَلَنْفَع) : الغليظ من الْإِبِل.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: رجل جَنَعْدل إِذا كَانَ غليظاً شَدِيدا. وَقَالَ الراجز:
قد مُنِيت بناشىء جَنَعْدَل
وَقَالَ اللَّيْث: (الْجَنَعْدَل) : التارّ الغليظ من الرِّجَال الرَبعة.
ابْن الْأَعرَابِي: رجل يَلَنْدَد وجَنَعْدَل إِذا كَانَ غليظاً شَدِيدا.
سَلمَة عَن الْفراء: امْرَأَة عَنْجَرِد: خبيثة سيّئة الخُلُق. وَأنْشد:
عَنْجَرِد تحلف حِين أَحْلف
كَمثل شَيْطَان الحَمَاط أعرفُ
وَقَالَ غَيره: امْرَأَة عَنْجَرِد: سليطة. عَصَنْصَر: مَوضِع.
أَبُو عمر: (العَنْفَجيج) من الْإِبِل: الحديدة الْمُنكرَة. وَقَالَ ابْن مقبل:
وعنفجيج يُصِمُّ الحيّ جِرَّتها
حرفٍ طليح كركن خَرَّ من حَصَن(3/237)
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: (العَنْفَجِيج) : الجافي الخَلْق والعَفَنْجَج الأحمق.
وَقَالَ اللَّيْث (العَفَنْجَل) : الْكثير فضولِ الْكَلَام.
أَبُو عُبَيْدَة عَن أبي عَمْرو (العَرَنْدَسة) : النَّاقة الشَّدِيدَة. وَقَالَ غَيره: بعير عَرَنْدَس، وناقة عَرَنْدَسة: شَدِيد عَظِيم وَقَالَ:
أرْسلت فِيهَا جَحْجَباً عَرَنْدَسا
وعِزّ عَرَنْدس: ثَابت. وحَيُّ عَرَنْدَس إِذا وُصفوا بالعز والمَنَعة.
و (الدَلَعُثَم) هُوَ البطيء من الْإِبِل. وَرُبمَا قَالُوا دِلَعْثام.
الْفراء: (الصَنَعْبَر) : شَجَرَة. وَيُقَال لَهَا الصعبر.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي فِيمَا روى عَنهُ ثعلَب خُزَعْبِيلات الْكَلَام: هَزْله ومُزَاحه. يُقَال هَات بعض خَزعبيلاتك.
و (العنقفير) : الداهية.
وَقَالَ اللَّيْث: رجل (جِعِنْظار) ، إِذا كَانَ أكولاً قويّاً عَظِيما جَسيماً، وَهُوَ الْجَعَنْظَر.
ابْن دُرَيْد (عُقَنْفِصة) : دُوَيْبَة وَمَا بفلان (قُرَطْعَبة) أَي مَاله شَيْء وَأنْشد:
فَمَا عَلَيْهِ من لِبَاس طِحْرِبَهْ
وَمَاله من نشب قرَطْعَبَهْ
وَأَبُو عبيد عَن أبي زيد: مَا عَلَيْهِ قِرْطَعْبَه.
سَلمَة عَن الْفراء: الفُكَاهة: المُزَاح. وَكَذَلِكَ (الخُزَعْبِلة) .
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: من أَسمَاء الْعجب الخُزَعْبِلة والحَدَنْبَدَى.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: (خَزَعْبَل) وخُزَعبِل هِيَ الْأَحَادِيث المستطرَفة.
قَالَ: و (السِلِنْقاع) : الْبَرْق إِذا لمع لمعاناً متدارِكاً، وَقد اسلنقع.
قَالَ: و (الدِلِعْماظ) : الوقّاع فِي النَّاس وَرجل زِلِنْباع: مندرىء بالْكلَام. وَرجل (زِبِعْباق) : سيّء الخُلُق: و (بَرْقَعِيد) : مَوضِع. وَرجل (عَلَنْكَد) : صُلْب شَدِيد. وبلد (عَذَمْهَر) : رَحْب وَاسع. و (الهَبَرْكَع) : الْقصير. و (العَفَنْشل) : الثقيل الوخم. وَرجل (عَفَرْجَعْ) سيء الْخلق. و (زَمَعْلَق) : مثله. و (العَفَنْجَش) : الجافي. و (القَصَنْصَع) : الْقصير. و (العَلَنْدَس) . و (العَرَنْدَس) : الصلب الشَّديد. وَرجل (دَعَنْكر) مندرىء على النَّاس.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: (الجَعْفَلِيق) : الْعَظِيمَة من النِّسَاء، وَأنْشد:
قَامَ إِلَى عذراء جعفليق
قد زينت بكعب محلوق
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: رجل (قِنْذَعْل) إِذا كَانَ أَحمَق.
وَقَالَ ابْن السّكيت قَالَ أَبُو عَمْرو: (البَلَنْتَعة) من النِّسَاء: السليطة المتشائمة الْكَثِيرَة الْكَلَام.
وَقَالَ أَبُو عبيد (الهَجَنَّع) : الْعَظِيم من الرِّجَال الطَّوِيل.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة (اقرنشع) إِذا سُرَّ وابرنشق مثله. فِي (النَّوَادِر) : (الْجُنْدَعْر) : ضرب من الْجَرَاد.
اللَّيْث: (المقرنشع) : الَّذِي ينْتَصب ويتهيأ(3/238)
للشر، وَأنْشد:
إِن الْكَبِير إِذا يَشَاء رأيتَه
مُقْرَنْشِعَاً إِذا يهان استزمرا
أَي تصاغر، من الزمِر.
أَبُو زيد فِي (النَّوَادِر) : (اعرنقز) إِذا مَاتَ.
عَمْرو عَن أَبِيه: (العَثْجَرة) من النِّسَاء: المكتَّلة الْخَفِيفَة الرّوح، و (الكعْنَكعة) : الغول. و (العَرَكْرَكة) : المسترخية الشَّحْم.
الْأَصْمَعِي: (العَقَنْقَل) : الَحَبْل الْعَظِيم من الرمل يكون فِيهِ حِقَفة وجِرَفة وتعقُّد. جمعه عقاقيل.
أَبُو تُرَاب: الهجنَّع والهجنَّف: الطَّوِيل الْعَظِيم.
وَأنْشد الأصمعيّ لجران العَوْد:
شبهها الرَّائِي الْمُشبه بَيْضَة
غَدا فِي الندى عَنْهَا الظليم الهَجَنَّف
وَمن الخماسي الملحق: (العَبَنْبَل) ، وَأنْشد أَبُو عَمْرو:
سمَّيت عَوْدي الْخيْطف الهمرجلا
الهوزب الدلهاثة العَبَنْبلا
قَالَ: هُوَ الْعَظِيم. والدلهاثة: الْمُتَقَدّمَة. والهَمَرْجَل: السَّرِيع الوَسَاع. والفرجلة: التفحّج. والهوزب: الْكَبِير فِي سنّه. والْخيطف، السَّرِيع. والعَثَمْثَم: الضخم.(3/239)
هَذَا كتاب حرف الْحَاء من تَهْذِيب اللُّغَة
قَالَ أَبُو عبد الرحمان الْخَلِيل بن أَحْمد: الْحَاء: حرف مخرجه من الحلْق. وَلَوْلَا بُحّة فِيهِ لأشبه الْعين. قَالَ: وَبعد الْحَاء الْهَاء. وَلم يأتلفا فِي كلمة وَاحِدَة أَصْلِيَّة الْحُرُوف. وقبح ذَلِك على أَلْسِنَة الْعَرَب، لقرب مخرجيهما لِأَن الْحَاء فِي الْحلق بلِزق الْعين. وَكَذَلِكَ الْحَاء وَالْهَاء. ولكنهما يَجْتَمِعَانِ من كَلِمَتَيْنِ لكل وَاحِدَة معنى على حِدة كَقَوْل لبيد:
يتمارى فِي الَّذِي قلت لَهُ
وَلَقَد يسمع قولي حَيَّهَل
وكقول الآخر:
هيهاؤه وحيّهَلُهْ
وَإِنَّمَا جَمعهمَا من كَلِمَتَيْنِ: حَيّ كلمة على حِدة وَمَعْنَاهُ هَلُمَّ. وهلْ: حثيثي. فجعلهما كلمة وَاحِدَة وَكَذَلِكَ مَا جَاءَ فِي الحَدِيث: (إِذا ذكر الصالحون فحيَّهَلَ بعمر) يَعْنِي إِذا ذكرُوا فأتِ بِذكر عمر.
قَالَ: وَقَالَ بعض النَّاس: الحَيْهَلة: شَجَرَة. قَالَ: وَسَأَلنَا أَبَا خَيْرة وَأَبا الدُقيش وعِدَّة من الْأَعْرَاب عَن ذَلِك فَلم نجد لَهُ أصلا ثَابتا نطق بِهِ الشُّعَرَاء، أَو رِوَايَة منسوبة مَعْرُوفَة، فَعلمنَا أَنَّهَا كلمة مولَّدة وُضعت للمعاياة.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: حَيّهَلاَ: بَقلة تشبه الشُّكَاعى يُقَال: هَذِه حَيَّهَلاَ كَمَا ترى، لَا تنوَّن فِي حَيّ وَلَا فِي هلا. الْيَاء من حيَّ شَدِيدَة، وَالْألف من هَلاَ منقوصة وَهِي مَبْنِيَّة مثل: خَمْسَة عشر.
وَقَالَ اللَّيْث: قلت للخليل: مَا مِثل هَذَا من الْكَلَام: أَن يجمع بَين كَلِمَتَيْنِ فَتَصِير مِنْهُمَا كلمةٌ؟
قَالَ: قَول الْعَرَب عبد شمس وَعبد قيس، عبد كلمة وشمس كلمة فَيَقُولُونَ: تعبشم الرجل وتعبقس وَرجل عبشمي وعبقسي.
قلت: وَقد روينَا عَن أَحْمد بن يحيى عَن سَلَمة عَن الْفراء أَنه قَالَ: لم نسْمع بأسماء بُنيت من أَفعَال إِلَّا هَذِه الأحرف: الْبَسْمَلَة، والسبْحلة، والهيللة، والحولقة. أَرَادَ أَنه يُقَال: بسمل إِذا قَالَ: بِسم الله، وسَبْحل إِذا قَالَ: سُبْحَانَ الله، وهَيْلَل إِذا قَالَ: لَا إلاه إلاّ الله، وحَوْلَق إِذا قَالَ: لَا حول وَلَا قوّة إِلَّا بِاللَّه.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: وحمدل حمدلة إِذا قَالَ: الْحَمد لله، وجَعْفَل جَعْفلة من جُعِلت فدَاك قَالَ والحَيْعَلة من حيّ على الصَّلَاة.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: وَهَذِه الأحرف الثَّلَاثَة عَن غير الْفراء.(3/240)
وَقَالَ ابْن الأنباريّ فلَان يُبَرقل علينا، ودَعنا من البرقلة، وَهُوَ أَن يَقُول وَلَا يفعل، ويعد وَلَا ينجز، أُخذ من الْبَرْق وَالْقَوْل.
(أَبْوَاب مضاعف الْحَاء)
أهملت (الْحَاء) مَعَ الْهَاء فِي المضاعف وأهملت مَعَ الْخَاء، وأهملت مَعَ الْغَيْن
(بَاب الْحَاء وَالْقَاف)
(ح ق)
حق، قح: مستعملان فِي الثنائي والمكرر.
حق: قَالَ اللَّيْث: الْحق: نقيض الْبَاطِل، تَقول: حَقّ الشيءُ يَحِقّ حَقّا مَعْنَاهُ: وَجب يجب وجوبا. وَتقول: يحِقّ عَلَيْك أَن تفعل كَذَا وَكَذَا، وَأَنت حقيق عَلَيْك ذَلِك، وحقيق عليّ أَن أَفعلهُ.
قَالَ: وحقيق فعيل فِي مَوضِع مفعول تَقول: أَنْت محقوق أَن تفعل ذَلِك، وَتقول للْمَرْأَة: أَنْت حَقِيقَة لذَلِك، يجعلونه كالاسم، وَأَنت محقوقة أَن تفعلي ذَلِك.
وَقَالَ الْأَعْشَى:
لمحقوقة أَن تستجيبي لصوته
وَأَن تعلمي أَن المعان موفّق
وَقَالَ شمر: تَقول الْعَرَب حَقّ عليّ أَن أفعل ذَلِك، وحُقّ، وَإِنِّي لمحقوق أَن أفعل خيرا.
قَالَ: وَقَالَ الْفراء حُقّ لَك أَن تفعل كَذَا، وحَقّ عَلَيْك أَن تفعل كَذَا، فَإِذا قلت: حُقّ قلت: لَك وَإِذا قلت حَق قلت: عَلَيْك.
قَالَ: وَتقول: يَحِقّ عَلَيْك أَن تفعل كَذَا وحقّ لَك، وَلم يَقُولُوا: حَقَقْت أَن تفعل.
قَالَ: وَمعنى قَول من قَالَ حَقّ عَلَيْك أَن تفعل: وَجب عَلَيْك.
قَالَ وَتقول: إِنَّك لحقيق أَن تفعل كَذَا، وحقيق فِي حَقّ وحُقّ فِي معنى مفعول.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {حَقِيقٌ عَلَى أَن لاَ أَقُولَ عَلَى اللَّهِ} (الْأَعْرَاف: 105) .
وَقَالَ: {قَوْماً طَاغِينَ فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَآ إِنَّا لَذَآئِقُونَ} (الصَّافات: 31) .
وَقَالَ جرير:
قَصِّر فَإنَّك بالتقصير محقوق
وَقَالَ الفرزدق:
إِذا قَالَ غاوٍ من مَعَدّ قصيدة
بهَا جرب عُدّت عليّ بَزوْبَرا
فينطقُها غَيْرِي وأُرمى بذنْبها
فَهَذَا قَضَاء حَقُّه أَن يغيَّرا
قَالَ: حَقّه أَي حُقّ لَهُ. وَتقول مَا كَانَ بحقك أَن تفعل ذَاك فِي معنى مَا حُقّ لَك. وَقد حُقّ حَذرك. وَلَا تقل حَقّ حَذَرك، وحقَقت حَذَرك وأحقتته أَي فعلت مَا كَانَ يحذر. وَالْعرب تَقول: حققت عَلَيْهِ الْقَضَاء أحُقّه حَقّاً وأحققته أُحِقّه إحقاقاً أَي أوجبته.
وَمِنْه قَول الله جلّ وعزّ: {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} (البَقَرَة: 236) مَنْصُوب على معنى: حَقّ ذَلِك عَلَيْهِم حقّاً. وَهَذَا قَول أبي إِسْحَاق النَّحْوِيّ.
وَقَالَ الْفراء فِي نصب قَوْله {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} وَمَا أشبهه فِي الْكتاب: إِنَّه نصب من جِهَة الْخَبَر، لَا أَنه من نعت قَوْله {مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا} (الْبَقَرَة: 236) . قَالَ وَهُوَ(3/241)
كَقَوْلِك عبد الله فِي الدَّار حَقًا إِنَّمَا نصب حَقًا من نيّة كَلَام المخبِر، كَأَنَّهُ قَالَ: أخْبركُم بذلك حَقّاً.
قلت: وَهَذَا القَوْل يقرب مِمَّا قَالَه أَبُو إِسْحَاق؛ لِأَنَّهُ جعله مصدرا مؤكِّداً، كَأَنَّهُ قَالَ أخْبركُم بذلك أحَقُّ حَقّاً.
وَقَالَ أَبُو زَكَرِيَّا الْفراء: وكل مَا كَانَ فِي الْقُرْآن من نكرات الحقّ أَو مَعْرفَته أَو مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ مصدرا فَوجه الْكَلَام فِيهِ النصب كَقَوْل الله جلّ وعزّ: {وَعْدَ الْحَقِّ} (إِبْرَاهِيم: 22) و {وُوِالْجَنَّةِ وَعْدَ} (الْأَحْقَاف: 16) .
قلت: كَأَنَّهُ قَالَ: أعِد وعد الحقّ ووعد الصدْق.
وَأما قَول الله جلّ وعزّ: {هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ} (الْكَهْف: 44) فالنصب فِي الحقّ جَائِز. تُرِيدُ: حقّاً أَي أَحُقّ الحقّ وأُحِقّه حَقًا، قَالَ: وَإِن شِئْت خفضت الْحق تَجْعَلهُ صفة لله، وَإِن شِئْت رفعته فَجَعَلته من صفة الْولَايَة هُنَالك الْولَايَة الحقُّ لله.
وَقَالَ الْفراء فِي قَول الله جلّ وعزّ {الْمُخْلَصِينَ قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ} (ص: 84) قَرَأَ الْقُرَّاء الأول بِالرَّفْع وَالنّصب، رُوِي الرّفْع عَن عبد الله بن عَبَّاس. الْمَعْنى فَالْحق مني وَأَقُول الْحق. وَقد نصبهما مَعًا كثير من الْقُرَّاء، مِنْهُم من يَجْعَل الأوّل على معنى: الحقَّ لأملأن، وَينصب الثَّانِي بِوُقُوع الْفِعْل عَلَيْهِ لَيْسَ فِيهِ اخْتِلَاف.
وَأما قَوْله جلّ وعزّ: {ذالِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ} (مريَم: 34) رفع الْكسَائي القَوْل، وَجعل الْحق هُوَ الله. وَقد نصب (قَول) قوم من الْقُرَّاء يُرِيدُونَ: ذَلِك عِيسَى ابْن مَرْيَم: قولا حقّاً.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَقَّة من الحقّ كَأَنَّهَا أوجب وأخصّ. تَقول: هَذِه حَقَّتي أَي حَقّي. قَالَ: والحقيقة: مَا يصير إِلَيْهِ حَقّ الْأَمر ووجوبه. تَقول: أبلغت حَقِيقَة هَذَا الْأَمر، تَعْنِي يَقِين شأنِه.
وَجَاء فِي الحَدِيث: (لَا يبلغ العَبْد حَقِيقَة الْإِيمَان حَتَّى لَا يعيب مُسلما بِعَيْب هُوَ فِيهِ) .
وَقَالَ أَبُو عبيد وَغَيره: الْحَقِيقَة الرَّاية.
وَقيل: حَقِيقَة الرجل: مَا يلْزمه حفظه وَمنعه.
وَالْعرب تَقول: فلَان يَسُوق الوَسِيقة، ويَنْسِل الوَدِيقة، ويحمي الْحَقِيقَة. فالوسيقة: الطريدة من الْإِبِل، سميت وسيقة لِأَن طاردها يسِقها إِذا سَاقهَا أَي يَقْبِضُها والودَيقة: شدَّة الْحر والحقيقة مَا يحقّ عَلَيْهِ أَن يحميه.
وَقَالَ اللَّيْث حَقِيقَة الرجل: مَا يلْزمه الدفاع عَنهُ. وَجَمعهَا الْحَقَائِق.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ الْحَقِيقَة: الرَّايَة. والحقيقة: الحُرْمة. والحقيقة: الفِنَاء.
وَقَالَ ابْن المظفر: أحَقَّ الرجلُ إِذا قَالَ حَقّاً، أَو ادَّعى حقّاً فَوَجَبَ لَهُ.
وَقَالَ: حقَّق الرجل إِذا قَالَ: هَذَا الشَّيْء هُوَ الحقّ كَقَوْلِك: صدّق.
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: حَقَقْت الرجل وأحققته إِذا غلبته على الْحق وأثبتَّه عَلَيْهِ.(3/242)
قَالَ أَبُو عبيد: وَقَالَ أَبُو زيد حقَقْت حَذَر الرجل وأحققته: فعلت مَا كَانَ يحذر.
وَقَالَ شمر: حققت الْأَمر وأحققته إِذا كنت على يَقِين مِنْهُ. وأحققت عَلَيْهِ الْقَضَاء إِذا أوجبته. قَالَ وَلَا أعرف مَا قَالَ الْكسَائي فِي حققت الرجل وأحققته إِذا غلبته على الْحق.
قلت هُوَ عِنْدِي من قَوْلك حاققته فحققته أَي غلبته على الحقّ.
وَقَول الله جلّ وعزّ: {} (الحاقة: 1 3) الحاقّة: السَّاعَة وَالْقِيَامَة. سمّيت حاقّة لِأَنَّهَا تَحُقّ كل إِنْسَان بِعَمَلِهِ من خير وشرّ. قَالَ ذَلِك الزّجاج.
وَقَالَ الْفراء: سميت حاقة لِأَن فِيهَا حواقّ الْأُمُور وَالثَّوَاب.
قَالَ وَالْعرب تَقول لما عَرَفت الحَقّة مني هَرَبَتْ. والحقَّة والحاقّة بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ غَيرهمَا: سميت الْقِيَامَة حاقة لِأَنَّهَا تَحُقّ كل مُحاقّ فِي دين الله بِالْبَاطِلِ، أَي كل مجادل ومخاصم فتحُقه أَي تغلبه وتخصُمه، من قَوْلك حاققته أحاقه حِقَاقاً ومحاقة فحققته أحُقّه أَي غلبته وفَلَجْت عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَوْله {لِّلْعَالَمِينَ} رفعت بِالِابْتِدَاءِ و (مَا) رَفْعٌ بِالِابْتِدَاءِ أَيْضا. و {وُوِلِّلْعَالَمِينَ} الثَّانِيَة خبر (مَا) وَالْمعْنَى تفخيم شَأْنهَا. كَأَنَّهُ قَالَ: الحاقة أَي شَيْء الحاقة وَقَوله: {ُالْحَآقَّةُ وَمَآ أَدْرَاكَ} ِ مَعْنَاهُ: أيّ شَيْء أعلمك مَا الحاقة و {وُوِوَتَبَّ} موضعهَا رفع، وَإِن كَانَت بعد (أَدْرَاك) الْمَعْنى مَا أعلمك أيُّ شَيْء الحاقّة.
وَفِي حَدِيث ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (مَا حَقّ امرىء يبيت لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وصيَّته عِنْده) .
قَالَ الشَّافِعِي مَعْنَاهُ مَا الحزم لامرىء وَمَا الْمَعْرُوف فِي الْأَخْلَاق لامرىء إلاّ هَذَا، لَا أَنه وَاجِب.
قلت: وَهُوَ كَمَا قَالَ الشَّافِعِي ح.
وَفِي حَدِيث عليّ ح: إِذا بلغ النساءُ نَصّ الْحَقَائِق، وَرَوَاهُ بَعضهم: نصّ الحقاق فالعَصَبة أولى.
قَالَ أَبُو عبيد: نَصّ كل شَيْء منتهاه، ومبلغ أقصاه، قَالَ: وَأَرَادَ بنصّ الحِقَاق. الْإِدْرَاك؛ لِأَن وَقت الصغر يَنْتَهِي، فَتخرج الْجَارِيَة من حدّ الصغر إِلَى الْكبر. يَقُول: فَإِذا بلغت الْجَارِيَة ذَلِك فالعَصَبة أولى بهَا من أمّها، وبتزويجها وحضانتها إِذا كَانُوا مَحْرَماً لَهَا؛ مثل الْآبَاء وَالإِخْوَة والأعمام. قَالَ: والحقاق المحاقة، وَهُوَ أَن تحاقّ الأمُّ العَصَبة فِي الْجَارِيَة، فَتَقول: أَنا أَحَق بهَا، وَيَقُولُونَ: بل نَحن أحقّ.
قَالَ: وَبَلغنِي عَن ابْن الْمُبَارك أَنه قَالَ: نَصّ الحقاق: بُلُوغ الْعقل، وَهُوَ مثل الْإِدْرَاك لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ يَنْتَهِي الْأَمر الَّذِي تجب بِهِ الْحُقُوق وَالْأَحْكَام، فَهُوَ الْعقل والإدراك.
قَالَ أَبُو عبيد: وَمن رَوَاهُ نصّ الْحَقَائِق. فَإِنَّهُ أَرَادَ جمع حَقِيقَة وحقائق.(3/243)
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال للرجل إِذا خَاصم فِي صغَار الْأَشْيَاء: إِنَّه لنَزِق الحِقَاق.
وَقَالَ ابْن عَبَّاس فِي قراء الْقُرْآن: مَتى مَا يَغْلوا يحتقّوا. يَعْنِي المِرَاء فِي الْقُرْآن. وَمعنى يحتَقّوا: يختصموا، فَيَقُول كل وَاحِد مِنْهُم: الحقّ معي فِيمَا قَرَأت. يُقَال تحاقّ القومُ واحتقّوا إِذا تخاصموا، وَقَالَ كل وَاحِد مِنْهُم: الحقّ بيَدي وَمَعِي.
والمحتق من الطعْن النَّافِذ إِلَى الْجوف.
وَمِنْه قَول أبي كَبِير الْهُذلِيّ:
فمضت وَقد شرع الأسنةُ نَحْوهَا
من بَين محتَقَ بهَا ومشرَّم
أَرَادَ: من بَين طعن نَافِذ فِي جوفها، وَآخر قد شرَّم جِلدها، وَلم ينفذ إِلَى الْجوف.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّآ إِثْماً} (الْمَائِدَة: 107) مَعْنَاهُ: فَإِذا طُّلع على أَنَّهُمَا استوجبا إِثْمًا أَي جِنَايَة بِالْيَمِينِ الكاذبة الَّتِي أقدما عَلَيْهَا {فَآخَرَانِ يِقُومَانُ مَقَامَهُمَا} من وَرَثَة المتوفّى {مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ} أَي مُلِك عَلَيْهِم حقّ من حُقُوقهم بِتِلْكَ الْيَمين الكاذبة. وَقد قيل معنى {عَلَيْهِمُ} عَلَيْهِم: مِنْهُم. وَإِذا اشْترى رجل دَارا من رجل فادّعاها رجل آخر، وَأقَام بيّنة عادلة على دَعْوَاهُ وحَكَم لَهُ الْحَاكِم ببيّنته فقد استحقّها على المُشْتَرِي الَّذِي اشْتَرَاهَا أَي مَلَكَها عَلَيْهِ، وأخرجها الْحَاكِم من يَد المُشْتَرِي إِلَى يَد من استحقّها، وَرجع المشترِي على البَائِع بِالثّمن الَّذِي أدّاه إِلَيْهِ. والاستحقاق والاستيجاب قريبان من السوَاء.
وَقَالَ شمر: يُقَال: عَذَر الرجل وأعذر، واستحقّ واستوجب إِذا أذْنب ذَنبا اسْتوْجبَ بِهِ عُقُوبَة.
وَمِنْه حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا يهْلك النَّاس حَتَّى يعذروا من أنفسهم) .
عَمْرو عَن أَبِيه: يُقَال: استلاط الْقَوْم، واستحقّوا، واستوجبوا، وأوجبوا، وأسْفَوا، وأوفوْا، وأطَلُّوا، ودَنَوا، وعَذَروا وأعذروا وعذّروا إِذا أذنبوا ذنوباً يكون لمن يعاقبهم عذر فِي ذَلِك لاستحقاقهم. وَيُقَال: استحقّت إبلنا ربيعاً، وأحقَّت ربيعاً: إِذا كَانَ الرّبيع تامّاً فرعته. وَقد أحقَّ القومُ إحقاقاً إِذا أسمنوا أَي سمن مَالهم. واستحقَّت الناقةُ سمناً وأحقَّت وحقَّت إِذا سمنت. واستحقَّت النَّاقة لقاحاً إِذا لقِحت، وَاسْتحق لقاحها. يَجْعَل الْفِعْل مرّة للناقة، ومرَّة للقاح.
والحِقّ والحِقّة فِي حَدِيث صَدَقات الْإِبِل والديات.
قَالَ أَبُو عبيد: الْبَعِير إِذا اسْتكْمل السّنة الثَّالِثَة وَدخل فِي الرَّابِعَة فَهُوَ حينئذٍ حِقّ، وَالْأُنْثَى حِقّة. وَهِي الَّتِي تُؤْخَذ فِي صَدَقَة الْإِبِل إِذا جَاوَزت خمْسا وَأَرْبَعين. قَالَ: وَيُقَال: إِنَّه سمي حِقّاً لِأَنَّهُ قد اسْتحق أَن يُحمل عَلَيْهِ ويُركب. قَالَ وَيُقَال هُوَ حِقّ بيِّن الحِقّة. وَقَالَ الْأَعْشَى:
بحقَّتِها ربُطت فِي اللَجِي
ن حَتَّى السَدِيس لَهَا قد أسنّ
قلت: وَيُقَال: بعير حِقّ بيّن الحِقّ بِغَيْر هَاء.(3/244)
وَقَالَ ذُو الرمة:
أفانِينَ مَكْتُوب لَهَا دون حِقّها
إِذا حملهَا راش الحِجَاجين بالثُكْل
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال: أَتَت النَّاقة على حِقّها أَي على وَقتهَا الَّذِي ضربهَا الْفَحْل فِيهِ من قَابل هُوَ تَمَامُ حمل النَّاقة حَتَّى يَسْتَوْفِي الجنينُ السّنة. وَمعنى الْبَيْت أَنه كُتب لهَذِهِ النجائب إِسْقَاط أَوْلَادهَا قبل إنَى نتاجها. وَذَلِكَ أَنَّهَا رُكبت فِي سفر أتعبها فِيهِ شدَّة السّير، حَتَّى أجهضت أَوْلَادهَا.
وَقَالَ بَعضهم: سمّيت الحِقّة حِقّة لِأَنَّهَا استحقّت أَن يَطْرُقها الْفَحْل. وَتجمع الحِقّة حِقاقاً وحقائق.
وَقَالَ الراجز فِي الْحَقَائِق:
ومَسَدٍ أُمِرَّ من أيانِقِ
لسن بأنياب وَلَا حقائقِ
وَهَذَا مِثْل جمعهم امْرَأَة غِرَّة على غَرَائِر، وكجمعهم ضرَّة على ضرائر، وَلَيْسَ ذَلِك بِقِيَاس مطَّرِد.
وَقَالَ عَدِيّ:
أيُّ قوم قومِي إِذا عزَّت الخَمْ
ر وَقَامَت زِقاقهم بالحِقاق
ويروى: وَقَامَت حقاقهم بالزقاق. وحِقَاق الشجو: صغارها، شُبّهت بحِقاق الْإِبِل.
وَقَالَ أَبُو مَالك: أحقَّت البَكْرةُ إِذا استوفت ثَلَاث سِنِين، فَإِذا لقحت حِين تُحِقّ قيل: لقحت على بَسْرها. قَالَ: وَيُقَال استحقّت الناقةُ سِمَناً، وحَقَّت وأحقت إِذا سَمِنتْ وأحق القومُ إحقاقاً إِذا سمن مَالهم. قَالَ: واحتّقَ المالُ احتقاقاً إِذا سمن وانْتهى سِمَنه.
وَحكى ابْن السّكيت عَن أبي عَطاء أَنه قَالَ: أتيت أَبَا صَفْوَان فَقَالَ لي: مِمَّن أَنْت؟ وَكَانَ أَعْرَابِيًا، فَأَرَادَ يمتحنه. فَقلت: من بني تَمِيم. قَالَ: من أيّ بني تَمِيم؟ قلت: رِبَابيّ قَالَ: وَمَا صنيعتك؟ قلت: الْإِبِل. قَالَ فَأَخْبرنِي عَن حِقّة حقّت على ثَلَاث حِقَاق. فَقلت: سألتَ خَبِيرا، هَذِه بَكْرة كَانَ مَعهَا بكرتان فِي ربيع وَاحِد، فارتبعن فَسَمنت قبل أَن تسمنا فقد حقت عليهنّ حقة وَاحِدَة؛ ثمَّ ضَبَعت وَلم تضبعا فقد حقت عَلَيْهِنَّ أُخْرَى، ثمَّ لقِحت وَلم تَلْقحا فَهَذِهِ ثَلَاث حقات فَقَالَ لي لعمري أَنْت مِنْهُم.
وَقَالَ غَيره: يُقَال: لَا يَحُقّ مَا فِي هَذَا الْوِعَاء رِطلاً، مَعْنَاهُ: أَنه لَا يزِن رطلا.
وَقَالَ اللَّيْث: الحُقَّة من خشب، والجميع الحُقُّ والحُقَق. وَقَالَ رؤبة:
سَوَّى مساحيهن تقطيطَ الحُقَق
يصف حوافر حمر الْوَحْش وَأَن الْحِجَارَة سوت حوافرها كَأَنَّهَا قططت تقطيط الحقق.
قلت: وَقد تسوَّى الحُقَّة من العاج وَغَيره.
وَمِنْه قَول عَمْرو بن كُلْثُوم:
وثديا مثل حُق العاج رَخْصا
حَصَانا من أكف اللامسينا
وروى عَن عَمْرو بن الْعَاصِ أَنه قَالَ لمعاويةِ فِي محاورات كَانَت بَينهمَا: أَتَيْتُك من الْعرَاق، وَإِن أَمرك كحُقّ الكَهْوَل(3/245)
وكالحَجَاة فِي الضعْف، فَمَا زلت أرُمّه حَتَّى استحكم، فِي حَدِيث فِيهِ طول.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس قَالَ أَبُو عَمْرو: حُقّ الكَهْوَل: بَيت العنكبوت. وَهَذَا صَحِيح. وَقد روى ابْن قُتَيْبَة هَذَا الْحَرْف بِعَيْنِه فصحفه وَقَالَ: مثل حق الكهول؛ وخبط فِي تَفْسِيره خبط العشواء، وَالصَّوَاب مَا رَوَاهُ أَبُو الْعَبَّاس عَن أبي عَمْرو مثل حق الكهول والكهول العنكبوت وَحقه بَيته.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الْحق: صِدق الحَدِيث، والحقّ الْمِلكُ: وَالْحق: الْيَقِين بعد الشَّك. وَيُقَال أحققت الْأَمر إحقاقاً إِذا أحكمته وصححته. وَأنْشد:
قد كنت أوعزت إِلَى الْعَلَاء
بِأَن يُحقّ وَذَم الدِلاء
وثوب مُحَقّق عَلَيْهِ وشى على صُورَة الحُقَق، كَمَا يُقَال: يُرْد مُرَحَّل. وَيُقَال حققت الشَّيْء وحققته وأحققته بِمَعْنى وَاحِد.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو قَالَ: الأحق من الْخَيل: الَّذِي لَا يعرق.
وَقَالَ شمر قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الأحق: الَّذِي يضع رجله فِي مَوضِع يَده. وَأنْشد لبَعض الْأَنْصَار:
وأقْدَرُ مشرف الصَهَوات ساطٍ
كميتٌ لَا أحقُّ وَلَا شئيتُ
وَقَول الله جلّ وعزّ: {حقيق عَليّ أَلا أَقُول على الله (الْأَعْرَاف: 105) وقرىء: (حقيق عَلَى أَلا أَقُول) فَمن قَرَأَ (حقيق عليَّ) ؛ فَمَعْنَاه وَاجِب عليّ ترك القَوْل على الله إِلَّا بِالْحَقِّ وَمن قَرَأَ: (حقيق عَلَى أَلا أَقُول) فَالْمَعْنى أَنا حقيق على ترك القَوْل على الله إِلَّا بِالْحَقِّ.
وَقَالَ اللَّيْث: نَبَات الحُقيق: ضرب من التَّمْر وَهُوَ الشيص.
قلت: صحف اللَّيْث هَذِه الْكَلِمَة وَأَخْطَأ فِي التَّفْسِير أَيْضا وَالصَّوَاب لون الحُبَيْق ضرب من التَّمْر رَدِيء. ونبات الحبيق فِي صفة التَّمْر تَغْيِير. ولون الحُبَيْق مَعْرُوف. وَقد روينَا عَن النَّبِي أَنه نهى عَن لونين فِي الصَّدَقَة أَحدهمَا الجُعْرُور، وَالْآخر لون الحُبَيق. وَيُقَال لنخلته عَذْق ابْن حُبَيق، وَلَيْسَ بشيص وَلكنه رَدِيء من الدَقَل.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ الحُقُق: القريبو الْعَهْد بالأمور خَيرهَا وشرها. قَالَ: والحُقُق: المحقّقون لما ادَّعوا أَيْضا.
وروى عَمْرو عَن أَبِيه أَنه قَالَ: الحُقَّة: الداهية.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي حق عَلَيْهِ القَوْل وأحققته أَنا وحققت الْخَبَر أحُقّه حَقًا. وَيُقَال مَالِي فِيهِ حَقّ وَلَا حِقَاق أَي خُصُومَة والحُقُّ: حُقُّ الوَرِك. وحُقُّ الوابلة فِي الْعَضُد وَمَا أشبههما. وَيُقَال أصبت حاقَّ عَيْنَيْهِ. وَسمعت أَعْرَابِيًا يَقُول لِنُقْبة من الجرب ظَهرت بِبَعِير فشكُّوا فِيهَا فَقَالَ: هَذَا حاقّ صُمَادِحُ الْجَرَب.
وَتعبد عبد الله بن مطرِّف بن الشِّخِّير فَلم(3/246)
يقتصد، فَقَالَ لَهُ أَبوهُ: يَا عبد الله الْعلم أفضل من الْعَمَل، والحسنة بَين السيئتين، وَخير الْأُمُور أوساطها وشرّ السّير الْحَقْحَقَةُ.
قَالَ اللَّيْث: الحَقْحقة سير اللَّيْل فِي أَوله، وَقد نُهي عَنهُ. وَقَالَ بَعضهم: الحَقْحَقة فِي السّير: إتعاب سَاعَة وكفّ سَاعَة.
قلت: فسّر اللَّيْث الْحَقْحَقَةُ تفسيرين مُخْتَلفين لم يصب الصَّوَاب فِي وَاحِد مِنْهُمَا. والحقحقة عِنْد الْعَرَب: أَن يسَار البعيرُ وَيحمل على مَا يتعبه وَلَا يطيقه حَتَّى يُبْدَع براكبه. وَيُقَال قَرَب حقْحاق وهَقْهاق وقهقاةٌ ومُقَهْقه ومهقهَق إِذا كَانَ السّير فِيهِ شَدِيدا متعِباً. وَأما قَول اللَّيْث إِن الْحَقْحَقَةُ سير أول اللَّيْل فَهُوَ بَاطِل مَا قَالَه أحد، وَلَكِن يُقَال قَحِّموا عَن أول اللَّيْل أَي لَا تسيروا فِيهِ. وَمعنى قَول مطرِّف لِابْنِهِ: إِنَّك إِذا حملت على نَفسك من الْعِبَادَة مَا لَا تُطِيقهُ انْقَطَعت بِهِ عَن الدَّوَام على الْعِبَادَة، وَبقيت حسيراً، فتكلّفْ من الْعِبَادَة مَا تُطِيقهُ وَلَا يَحْسِرك فَإِن خير الْعَمَل مَا ديم عَلَيْهِ وَإِن قلّ.
وَقَالَ شمر فِي (كِتَابه) الْحَقْحَقَةُ:} السّير الشَّديد. يُقَال حقحق القومُ إِذا اشتدُّوا فِي السّير. قَالَ وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي الْحَقْحَقَةُ أَن يجْهد الضعيفَ شدَّةُ السّير.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الْحَقْحَقَةُ: المتعب من السّير.
قح: قَالَ اللَّيْث: القُحّ: الجافي من النَّاس وَمن الْأَشْيَاء حَتَّى إِنَّهُم ليقولون للبطيخة الَّتِي لم تنضج: إِنَّهَا لَقُحّ.
وَأنْشد اللَّيْث:
لَا أَبْتَغِي سَيْب اللَّئِيم القُحّ
يكَاد من نحنحة وأُحّ
يَحْكِي سُعَال الشَرِق الأبَحِّ
وَالْفِعْل قَحَّ يَقُحّ قُحُوحة.
قلت: أَخطَأ اللَّيْث فِي تَفْسِير القُحّ، وَفِي قَوْله للبطيخة الَّتِي لم تنضج: إِنَّهَا لَقُحّ. وَهَذَا تَصْحِيف. وَصَوَابه: الفِجّ بِالْفَاءِ وَالْجِيم. يُقَال ذَلِك لكل ثَمَرَة لم تَنْضَج. وأمّا القُحّ فَهُوَ أصل الشَّيْء وخالصه: يُقَال: عربيّ قُحّ، وعربيّ مَحْض وقَلْبٌ إِذا كَانَ خَالِصا لاهجنة فِيهِ وَفُلَان من قُحّ الْعَرَب وكُحّهم أَي من صميمهم. قَالَ ذَلِك ابْن السّكيت وَغَيره.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: يُقَال: لأضطرنك إِلَى تُرِّك وقُحَاحك أَي إِلَى أصلك.
وَقَالَ ابْن بُزُرْجَ: وَالله لقد وقعتُ بقَحَاحك، وبقُحَاح قُرّك، ووقعتُ بقُرّك، وَهُوَ أَن يعلم علمه كُله فَلَا يخفى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْء.
وَقَالَ أَبُو زيد: القُحَاح والتُّرُّ: الأَصْل. وَأنْشد:
وَأَتَتْ فِي المأروك من قُحَاحها
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: عبد كُحّ وكِحّ، وَعبد قُحّ إِذا كَانَ خَالص العُبُودة. وَكَذَلِكَ لئيم قُحّ إِذا كَانَ مَعْرُوفا لَهُ فِي اللؤم.
وَقَالَ اللَّيْث: القُحْقُح فَوق القَبّ شَيْئا والقَبَّ: الْعظم الناتىء من الظّهْر بَين(3/247)
الألْيتين.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل القُحْقُح: ملتقى الْوَرِكَيْنِ من بَاطِن والخَوْرانُ بَين القَحْقح والعُصْعُص، قَالَ والقُحْقُح لَيْسَ من طَرَف الصُلْب فِي شَيْء. وملتقاه من ظاهري العُصُعُص. قَالَ: وَأَعْلَى العصعص العَجْب وأسفله الذَنَب.
وَقَالَ غَيره: القُحْقُح: مُجْتَمع الوَرِكين، والعُصْعُص: طرف الصُلْب الْبَاطِن. وطرفه الظَّاهِر العَجَب والخَوَرَان هُوَ الدبر.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: هُوَ القُحْقُح والفَنِيك والعِضْرِط والجزأة النَوْض والناق والعُكْوَةَ والعُزَيزاء والعُصْعُص. ويقالُ لضحك القرد: القَحْقَحة ولصوته الخَنْخَنة.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن عَمْرو عَن أَبِيه يُقَال: قَرَب مُحَقْحَق، ومُقَحْقَح، وَقرَب مُهَقْهَق ومُقَهْقَه: شَدِيد. قلت وَهَذَا من مبدل المقلوب.
(بَاب الْحَاء وَالْكَاف من المضاعف)
(ح ك)
حك، كح: مستعملان.
حك: قَالَ اللَّيْث: حككت الرَّأْس، وَأَنا أَحُكّه حَكّاً، وَإِذا جعلت الْفِعْل للرأس قلت احتكّ رَأْسِي احتكاكاً وَتقول: حكّ فِي صَدْرِي؛ وَيُقَال احتكّ، وَهُوَ مَا يَقع فِي خَلَدك من وساوس الشَّيْطَان، وَفِي الحَدِيث (إيَّاكُمْ والحكّاكات فَإِنَّهَا المآثم) . ورُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن النَوَّاس بن سَمْعان سَأَلَهُ عَن البِرّ وَالْإِثْم فَقَالَ: (البِرّ حُسْن الخُلُق، وَالْإِثْم مَا حَكّ فِي نَفسك وكرهت أَن يطّلع عَلَيْهِ النَّاس) . قَالَ أَبُو عبيد: قَوْله: (مَا حَكّ فِي نَفسك) يُقَال: حَكّ فِي نَفسِي الشيءُ إِذا لم تكن منشرح الصَّدْر بِهِ، وَكَانَ فِي قَلْبك مِنْهُ شَيْء. وَمثله حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود: الْإِثْم حَوَّازُ الْقُلُوب، يَعْنِي مَا حَزَّ فِي نَفْسك وَحَكّ فاجتنبه فَإِنَّهُ الْإِثْم، وَإِن أَفْتَاك فِيهِ النَّاس بِغَيْرِهِ.
قلت وَهَذَا أصح ممّا قَالَ اللَّيْث فِي الحَكَّاكات: أَنَّهَا الوساوس.
وَقَالَ اللَّيْث: الحُكَاكة: مَا تَحَاكَّ بَين حجرين إِذا حككت أَحدهمَا بِالْآخرِ لدواء أَو غَيره وَرُوِيَ أَن رجلا سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا الإثْم؟ فَقَالَ: (مَا حَكَّ فِي صدرك فَدَعْهُ، قَالَ: فَمَا الْإِيمَان؟ قَالَ: (إِذا ساءتك سَيِّئتك وسرَّتك حَسَنتك فَأَنت مُؤمن) . قلت: مَا حَكَّ فِي صدرك أَي شَككت فِيهِ أَنه حَلَال أَو حرَام فالاحتياط أَن تتركه والحَكِيك: الكَعْب المحكوك والحَكِيك: الْحَافِر النحيت. وَقَالَ الْأَعْشَى:
وَفِي كل عَام لَهُ غَزْوَة
تحكّ الدوابر حَكّ السَفَنْ
والحَكك الْوَاحِدَة حككة حَجر رِخو أَبيض أرْخى من الرخام وأصلب من الحَصَى.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الحكَكَة: أَرض ذَات حِجَارَة مثل الرخام رِخوة.
وَقَالَ غَيره يُقَال: جَاءَ فلَان بالحُكيكات وبالأَحَاجي وبالألغاز بِمَعْنى وَاحِد وَاحِدهَا حُكَيْكَة.(3/248)
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الحُكُكُ: المُلِحُّون فِي طلب الْحَوَائِج. والحُكُكُ: أَصْحَاب الشرّ.
وَقَالَ اللَّيْث الحاكّة: السنّ. يُقَال: مَا فِي فِيهِ حاكّة. والتحكّك: التحرّش والتعرض، إِنَّه ليتحكّك بِي أَي يتَعَرَّض بشرّه لي. قَالَ: وَقَول الحُبَاب أَنا جُذَيلها المحكَّك مَعْنَاهُ: أَنا عماده وملجؤه عِنْد الشدائد.
وَقَالَ أَبُو عبيد: الجُذَيل تَصْغِير جِذْل، وَهُوَ عُود يُنصب لِلْإِبِلِ الجَرْبَى لتحتكّ بِهِ من الجرب، فَأَرَادَ أَنه يُسْتشفى بِرَأْيهِ كَمَا تَستشفِي الجربَى بالاحتكاك بذلك الْعود.
قلت وَفِيه معنى آخر أحبّ إليّ، أَرَادَ أَنه منجَّذ مجرَّس قد جَرَّب الْأُمُور وَعرفهَا وجُرِّب، فَوجدَ صُلب المكسِر غير رِخو، ثَبْتَ الغَدَر لَا يفرّ عَن قِرنه. وَقيل معنى قَوْله: أَنا جذيلها المحكك أَنه يُرِيد: أَنا دون الْأَنْصَار جذل حِكَاك لمن عاداهم وناوأهم، فَبِي تُقْرن الصعبة. وَيَقُول الرجل لصَاحبه: أجذِل للْقَوْم أَي انتصب لَهُم وَكن مخاصماً مُقَاتِلًا وَالْعرب تَقول: فلَان جِذْل حِكَاكَ خَشَعت عَنهُ الأُبَن، يعنون أَنه منقَّح لَا يُرمى بِشَيْء إِلَّا زل عَنهُ ونبا.
وَقَالَ أَبُو النَّجْم:
عرفت رسما لسعاد ناحلا
بِحَيْثُ ناصى الحُكَكاتُ عَاقِلا
قَالَ: الحككات: مَوضِع مَعْرُوف، وَهِي ذَات حِجَارَة بيض رقيقَة. وَقَالَ النَّضر: هِيَ: أَرض ذَات حِجَارَة مثل الرخام بيض رخوة تكسرها بفيك
كح: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: عبد كُحّ وكَحّ إِذا كَانَ خَالص العَبُودة.
وَقَالَ غَيره: عربيّ كُحّ وأعراب أكحاح إِذا كَانُوا خُلَّصاً.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي نَاقَة كُحْكُح وقُحْقُح وعَزُوم وعَوْزَم إِذا هرِمت.
أَبُو الْهَيْثَم عَن نُصَيْر أَنه قَالَ: إِذا أسنَّت النَّاقة وَذَهَبت حِدّة أسنانها فَهِيَ ضِرْزِم ولِطْلِط وكِحْكِح وعِلْهِز، وهِرْهِر، ودِرْدِح.
قَالَ الراجز يذكر رَاعيا وشفقته على إبِله:
يبكى على إِثْر فصيل إِن نُحرْ
والكِحْكح اللِطْلِطاء ذَات المختبر
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الكُحُح: الْعَجَائِز الهَرِمات.
قَالَ وَيُقَال: حُكَّ الرجل إِذا اختبر وحَكّ إِذا شكّ.
عَمْرو عَن أَبِيه الحِكّة: الشكّ فِي الدّين وَغَيره قَالَ: والحكَكات مَوضِع مَعْرُوف بالبادية. وَقَالَ أَبُو النَّجْم:
عرفتُ رسماً لسعاد ماثلاً
بِحَيْثُ نامى الحُكَكَاتُ عَاقِلا
وَقَالَ أَبُو الدقيش الحككات هِيَ ذَات حِجَارَة بيض كَأَنَّهَا الأقِط تتكَسر تكسّراً، وَإِنَّمَا تكون فِي بطن الأَرْض.
(بَاب الْحَاء وَالْجِيم)
(ح ج)
حج، جح: مستعملان فِي الثنائي والمكرر.
حج: قَالَ اللَّيْث: الْحَج: القصدو السّير إِلَى(3/249)
الْبَيْت خَاصَّة، تَقول حَجَّ يَحُجّ حَجّاً قَالَ: والحَجّ قَضَاء نُسُكِ سنة وَاحِدَة. وَبَعض يكسر الْحَاء فَيَقُول الحِجّ والحِجَّة وقرىء: {وَللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} (آل عمرَان: 97) . و (حج الْبَتّ) وَالْفَتْح أَكثر.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الزّجاج فِي قَول الله تَعَالَى {وَللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} يقْرَأ بِفَتْح الْحَاء وَكسرهَا، وَالْفَتْح الأَصْل. تَقول: حججْت الْبَيْت أَحُجّه حَجّا إِذا قصدته. والْحِجُّ اسْم الْعَمَل. قَالَ وَقَوله: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ} (الْبَقَرَة: 197) .
مَعْنَاهُ: أشهر الْحَج أشهر مَعْلُومَات، وَهِي شوّال وَذُو الْقعدَة وَعشر من ذِي الْحجَّة.
وَقَالَ الْفراء: مَعْنَاهُ: وَقت الْحَج هَذِه الْأَشْهر.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي طَالب فِي قَوْلهم: مَا حَجّ وَلكنه دَجّ قَالَ: الحجّ: الزِّيَارَة والإتيان، وَإِنَّمَا سمي حَاجا بزيارته بَيت الله. وَقَالَ دُكَين:
ظلَّ يُحَجّ وظللنا نحجبُه
وظلّ يَرْمِي بالحصى مبوِّبُه
قَالَ: والداجّ: الَّذِي يخرج للتِّجَارَة.
الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت: يُقَال حَجّ حَجّاً وحِجَّاً.
قَالَ الْمُنْذِرِيّ: وَسمعت أَبَا الْعَبَّاس يَقُول: قَالَ الْأَثْرَم وَغَيره: مَا سمعنَا من الْعَرَب حججْت حَجَّة وَلَا رَأَيْت رَأْية إِنَّمَا يَقُولُونَ حججْت حِجّة. قَالَ والحَجّ والحِجّ لَيْسَ عِنْد الْكسَائي بَينهمَا فُرْقَانٌ، وَغَيره يَقُول: الحَجّ حجّ الْبَيْت والحجُّ عمل السَّنَة. قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: حججْت فلَانا واعتمرته أَي قصدته. قَالَ: وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِي قَول المخبَّل:
وأشهدُ من عَوْف حُلُولا كَثِيرَة
يَحُجُّون سِبَّ الزبْرِقَان المزعفرا
أَي يقصدونه.
وَقَالَ غَيره حججْت فلَانا إِذا أَتَيْته مرَّة بعد مرّة، فَقيل حجّ الْبَيْت لِأَن النَّاس يأتونه كل سنة.
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: كَلَام الْعَرَب كُله على فعلت فَعْلة، إلاَّ قَوْلهم: حججْت حِجَّة ورأيته رُؤية.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال للرجل الْكثير الْحَج: إِنَّه لحجَّاج بِفَتْح الْجِيم من غير إمالة. قَالَ: وكل نعت على فعّال فَهُوَ غير ممال الْألف؛ فَإِذا صيَّروه اسْما خاصّاً تحوّل عَن حَال النَّعْتِ ودخلته الإمالة كاسم الحجَّاج والعجَّاج. قَالَ والحَجِيج جمَاعَة الحاجّ.
قلت: وَمثله غازٍ وغَزِيّ، وناجٍ ونَجِيّ ونادٍ ونَدِيّ للْقَوْم يتناجَون ويجتمعون فِي مجْلِس.
وَقَالَ اللَّيْث: ذُو الحِجّة شهر الحَج. قَالَ: وَتقول حَجَّ علينا فلَان أَي قدِم علينا. قَالَ والمَحَجَّة: قَارِعَة الطَّرِيق.
وَقَالَ ابْن بُزُرج: الحَجَوَّج: الطَّرِيق يَسْتَقِيم مرّة ويعوجَّ أُخْرَى وَأنْشد:
أجدُّ أيامك من حَجَوَّجِ
إِذا استقام مرّة يُعَوَّجِ
وَقَالَ اللَّيْث: الحِجَّة: شَحْمة الْأذن. وَقَالَ(3/250)
لبيد يذكر نسَاء:
يَرُضْن صعاب الدُرّ فِي كل حِجّة
وَإِن لم تكن أعناقهن عواطلا
قَالَ وَقَالَ بَعضهم: الحِجّة هَاهُنَا الْمَوْسِم. وَقيل: فِي كل حِجَّة أَي فِي كل سنة وَجَمعهَا حجج.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ الحِجّة: ثُقْبة شحمة الْأذن. وَقَالَهُ ابْن الْأَعرَابِي أَيْضا.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي الحجيج من الشَّجَاج: الَّذِي قد عولج، وَهُوَ ضرب من علاجها. قَالَ وَقَالَ أَبُو الْحسن الْأَعرَابِي: هُوَ أَن يُشَجُّ الرجل فيختلط الدَّم بالدماغ فيُصبَّ عَلَيْهِ السّمن المُغْلَى حَتَّى يظْهر الدَّم عَلَيْهِ فَيُؤْخَذ بقطنة. يُقَال مِنْهُ حججته أحُجُّه حجَّاً.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي حججْت الشَجَّة إِذا سبرتها. قَالَ وَسمعت ابْن الفقعسي يَقُول حججتها: قِسْتها.
وَحكى شمر عَنهُ نَحْو ذَلِك. قَالَ وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الحجّ أَن تفلق الهامة فَينْظر هَل فِيهَا وَكْس أَو دم. قَالَ: والوَكْس أَن يَقع فِي أُمّ الرَّأْس دم أَو عِظَام أَو يُصِيبهَا عَنَت. قَالَ وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الْحَج أَن تقدح فِي الْعظم بالحديد إِذا كَانَ قد هُشِم حَتَّى تقلع الَّتِي قد جفّت، ثمَّ يعالج ذَاك، فَيُقَال قد حُجَّ حجّاً. وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب:
وصُبّ عَلَيْهَا الطِيبُ حَتَّى كَأَنَّهَا
أَسِيٌّ على أُمّ الدماغِ حجيج
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ابْن السّكيت أَنه أنْشدهُ:
يحجّ مأمومة فِي قعرها لَجَف
فاستُ الطَّبِيب قذاها كالمغارِيد
قَالَ: يحجّ: يصلح، مأمومة: شجة بلغت أم الرَّأْس.
وَقَالَ اللَّيْث: الحُجّة: الْوَجْه الَّذِي يكون بِهِ الظفر عِنْد الْخُصُومَة، وَجَمعهَا حُجَج.
قلت: وَإِنَّمَا سميت حُجة لِأَنَّهَا تُحَجُّ أَي تُقصد؛ لِأَن الْقَصْد لَهَا وإليها. وَكَذَلِكَ مَحَجَّة الطَّرِيق هِيَ الْمَقْصد والمسلك.
وَقَالَ ثَعْلَب: حججته أَي قصدته. وَمن أَمْثَال الْعَرَب: لجّ فحجّ. قَالَ بَعضهم: مَعْنَاهُ: لجّ فَغَلب مَنْ لاجّه بحُججه. يُقَال: حاججته أُحَاجُّه حِجَاجاً ومُحاجَّة حَتَّى حججته أَي غلبته بالحجج الَّتِي أدليتُ بهَا. وَقيل معنى قَوْله: لَجَّ فحج أَنه لجّ وَتَمَادَى بِهِ لَجَاجة أَنه أدَّاه اللجاج إِلَى أَن حجّ الْبَيْت الْحَرَام، وَمَا أُراه أُرِيد إِلَّا أَنه هَاجر أهلَه بلجاجه حَتَّى خرج حاجَّاً. وَقَالَ اللَّيْث: الحِجَاج: الْعظم المستدير حول الْعين، وَيُقَال بل هُوَ الْأَعْلَى الَّذِي تَحت الْحَاجِب، وَأنْشد قَول العجاج:
إِذا حجاجا مقلتيها هجَّجا
وَقَالَ ابْن السّكيت: هُوَ الحِجَاج وَالْحجاج: العُظيم المطبِق على وَقْبة الْعين، وَعَلِيهِ ينْبت شعر الْحَاجِب، وحِجاج الشَّمْس حاجبها وَهُوَ قَرْنها. يُقَال: بدا حِجاج الشَّمْس، وحَجاجا الْجَبَل: جانباه.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحُجج الطّرق المحَفَّرة. والحُجُج: الْجراح المسبورة.(3/251)
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: الحَجَّة: خرزة أَو لؤلؤة تعلَّق فِي الْأذن. وَيُقَال للْقَوْم الحُجَّاج: حُجّ وَأنْشد:
حُجّ بِأَسْفَل ذِي الْمجَاز نزُول
وَقَالَ أَبُو عَمْرو رَأس أحجّ صُلب. وَقَالَ المرار يصف الركاب فِي سفر كَانَ سافره:
ضربن بِكُل سافلة وَرَأس
أحَجَّ كَأَن مُقْدمَه نَصِيل
جح: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي جَحَّ الرجل إِذا أكل الجُحَّ وَهُوَ البطِّيخ المُشَنَّج.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد الجُحّ: البِطّيخ الصغار، والحنظل. قَالَ وجَحَّ الشَّيْء يَجُحُّه إِذا سحبه.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي جحجحت عَن الْأَمر وحجحجت أَي كَفَفْت. وَقَالَ العجاج:
حَتَّى رأى رابئهم فحجحجا
وَقَالَ الجحجوة: النكوص. يُقَال حَمَلوا ثمَّ حجحجوا أَي نكصوا.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو الحجحج: الفَسْل من الرِّجَال وَأنْشد:
لَا تعلقي بحجحج حَيُوس
ضيَّعة ذراعه يَبُوس
أَبُو عبيد: الجحجاح من الرِّجَال: الْكَرِيم. وَقَالَ اللَّيْث: هُوَ السَّيِّد السَمْح وَجمعه جحاجحة وجحاجح. وروى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه مر بِامْرَأَة مُجحَ فَسَأَلَ عَنْهَا، فَقَالُوا: هَذِه أمة لفُلَان فَقَالَ: أيلِمّ بهَا فَقَالُوا نعم. قَالَ لقد هَمَمْت أَن ألعنه لعناً يدْخل مَعَه فِي قَبره. كَيفَ يستخدمه وَهُوَ لَا يحلّ لَهُ أَو كَيفَ يورّثه وَهُوَ لَا يحلّ لَهُ. قَالَ أَبُو عبيد معنى المحِجّ: الْحَامِل المُقْرِب. قَالَ: وَوجه الحَدِيث أَن يكون الْحمل قد ظهر بهَا قبل أَن تُسْبَى فَيَقُول إِن جَاءَت بِولد وَقد وَطئهَا بعد ظُهُور الْحمل لم يحل لَهُ أَن يَجعله مَمْلُوكا لِأَنَّهُ لَا يدرى لَعَلَّ الَّذِي ظهر لم يكن حَمْلاً، وَإِنَّمَا حدث الْحمل من وَطئه، فَإِن الْمَرْأَة رُبمَا ظهر بهَا الْحمل ثمَّ لَا يكون شيأ حَتَّى يحدث بعد ذَلِك فَيَقُول: لَا يدرى لَعَلَّه وَلَده وَقَوله أَو كَيفَ يورّثه يَقُول: لَا يدرى لَعَلَّ الْحمل قد كَانَ بِالصِّحَّةِ قبل السباء فَكيف يورثه.
وَمعنى الحَدِيث أَنه نهى عَن وَطْء الْحَوَامِل حَتَّى يَضعن كَمَا قَالَ يَوْم أَوْطاس: (أَلا لَا تُوطأ حَامِل حَتَّى تضع وَلَا حَائِض حَتَّى تُسْتَبْرَأَ بِحَيْضَة) .
وَقَالَ أَبُو زيد: قيس كلهَا تَقول لكل سَبُعة إِذا حملت فأقربت وَعظم بَطنهَا: قد أَجَحَّت فَهِيَ مُجِحّ. قَالَ اللَّيْث: أجَحَّت الكلبة إِذا حملت فأقربت. وكلبة مُجِحّ والجميع مَجَاحّ.
(بَاب الْحَاء والشين)
(ح ش)
حش، شح: مستعملان فِي الثنائي والمكرر.
حش: قَالَ اللَّيْث حشَشت النَّار بالحَطَب أَحُشّها حَشّاً، وَهُوَ ضمّكَ مَا تفرق من الْحَطب إِلَى النَّار وَأنْشد:
تالله لَوْلَا أَن تَحُشَّ الطُّبَّخُ
بِي الحجيمَ حِين لَا مستصرخُ(3/252)
يَعْنِي بالطُّبَّخ مَلَائِكَة الْعَذَاب. قَالَ: والنابِل إِذا راش السهْم فألزق القُذَذ بِهِ من نواحيه يُقَال: حشّ سَهْمه بالقُذَذ. وَأنْشد:
أَو كمِرِّيخ على شِرْيانة
حَشّه الرَّامِي بظُهْران حُشُر
قَالَ: وَالْبَعِير وَالْفرس إِذا كَانَ مُجْفَر الجنبين يُقَال: حُشّ ظهرهُ بجنبين واسعين. وَقَالَ أَبُو دواد الْإِيَادِي يصف فرسا:
من الحارك محشوش
بجنْب جُرشُع رَحْب
وَقَالَ شمر فِي قَوْله:
قد حَشّها اللَّيْل بعصْلَبيّ
قَالَ: حشّها: ضمّها. ويَحُشُّ الرجل الْحَطب، ويَحُشّ النَّار إِذا ضم الحَطَب إِلَيْهَا وأوقدها.
وَقَالَ اللَّيْث: الحُشَاشة: رَمَق بقيّة من حَيَاة. وَقَالَ الفرزدق يصف القُرَاد:
إِذا سَمِعت وَطْء الركاب تَنغَّشَتْ
حُشاشَتها فِي غير لحم وَلَا دم
أَبُو عبيد: الحُشَاشة والذَمَاء: بقيَّة النَفْس.
وَقَالَ اللَّيْث: الحشِيش: الْكلأ، والطاقة مِنْهُ حشيشة. وَالْفِعْل الاحتشاش. وَسمعت الْعَرَب تَقول للرجل: حُشَّ فرسَك. وَمِنْه الْمثل السائر: أحُشُّك وتروثني، يُضرب مثلا لمن يسيء إِلَيْك وَأَنت تحسن إِلَيْهِ.
وَمعنى أَحُشّك: أَحُشُّ لَك، وَيكون أحُشّك أعلفك الحشيشَ. وَيُقَال للمِنجَل الَّذِي يُحشّ بِهِ الْحَشِيش: مِحَشّ، أَي يُقطع بِهِ. وَرجل حَشَّاش: يجمع الْحَشِيش. وَرجل مِحَشّ حَرْب إِذا كَانَ يؤرّث نارها، وَهَذَا مَحَشّ صِدْق للبلد الَّذِي يكثر فِيهِ الْحَشِيش. وحَشّ الفرسُ يَحِشُّ حَشّاً إِذا أسْرع، وَمثله ألهب، كَأَنَّهُ يتوقّد فِي عَدْوه. وَقَالَ أَبُو دواد الإياديّ يصف فرسا:
مُلْهِب حَشُّه كحشّ حريق
وَسْط غَابَ وَذَاكَ مِنْهُ حِضار
وَفِي حَدِيث عمر أَن امْرَأَة مَاتَ زَوجهَا، فاعتدّت أَرْبَعَة أشهر وَعشرا، ثمَّ تزوّجت رجلا، فَمَكثت عِنْده أَرْبَعَة أشهر وَنصفا، ثمَّ ولدت ولدا، فَدَعَا عمرُ نسَاء من نسَاء الْجَاهِلِيَّة فسألهن عَن ذَلِك، فَقُلْنَ: هَذِه امْرَأَة كَانَت حَامِلا من زَوجهَا الأول، فلمّا مَاتَ حَشّ ولدُها فِي بَطنهَا، فلمّا مسّها الزَّوْج الآخر تحرّك وَلَدهَا. قَالَ: فَألْحق عمر الْوَلَد بِالْأولِ.
قَالَ أَبُو عبيد: قَوْله: حَشّ ولدُها فِي بَطنهَا أَي يبس. يُقَال حشَّ يَحِشُّ. وَقد أحشَّت الْمَرْأَة فَهِيَ مُحِشّ إِذا فعل وَلَدهَا ذَلِك. وَمِنْه قيل لليد إِذا شَلَّت: قد حَشَّت.
وَقَالَ شمر قَالَ ابْن شُمَيْل: الحُشّ: الْوَلَد الْهَالِك فِي بطن الحاملة، وَإِن فِي بَطنهَا لحُشّاً، وَهُوَ الْوَلَد الْهَالِك تنطوي عَلَيْهِ. وتُهَريق وَمَا عَلَيْهِ. وَقَوله تنطوي عَلَيْهِ أَي يبْقى فَلَا يخرج. قَالَ ابْن مقبل:
وَلَقَد غدوتُ على التِجَار بحَسْرة
قلقٍ حشُوش جَنِينهَا أَو حائلِ
قَالَ وَإِذا أَلْقَت وَلَدهَا يَابسا فَهُوَ الحشِيش وَلَا يخرج الْحَشِيش من بَطنهَا حَتَّى يُسطى عَلَيْهَا. وَأما اللَّحْم فَإِنَّهُ يتقطع فتبوله(3/253)
حضيراً فِي بولها. وَالْعِظَام لَا تخرج إلاّ بعد السطو عَلَيْهَا. وَقد أحشّت الناقةُ، وحَشّ الولدُ. وَيُقَال: حَشّت يدُه تحُشّ وتحِشّ إِذا دَقّت وصغرت. واستحشّت مثله. والمستحِشّة من النوق الَّتِي دقّت أوظفتها من عِظَمها وَكَثْرَة شحمها، وحَمُشت سفلتها فِي رَأْي الْعين. يُقَال استحشّها الشَّحْم وأحشّها. وَقَامَ فلَان إِلَى فلَان فاستحشّه أَي صَغُر مَعَه.
وَقَالَ أَبُو عبيد قَالَ الْأَصْمَعِي: الخَلَى: الرَطْب من الْحَشِيش، فَإِذا يبس فَهُوَ حشيش قَالَ: والمَحَشُّ: الَّذِي يَجْعَل فِيهِ الْحَشِيش وَيُقَال لَهُ مِحش بِكَسْر الْمِيم.
قلت الْعَرَب إِذا أطْلقُوا اسْم الْحَشِيش عَنَوا بِهِ الحَلِيَّ خاصّة. وَهُوَ من أَجود علف يصلح الْخَيل عَلَيْهِ، وَهُوَ من خير مرَاعِي النعم. وَهُوَ عُرْوة فِي الجَدْب، وعُقْدة فِي الأزمات، إِلَّا أَنه إِذا حَالَتْ عَلَيْهِ السّنة تغيّر لَونه، واسودّ بعد صفرته، واجتوته النَعَم وَالْخَيْل، إِلَّا أَن تُمحِل السّنة وَلَا ينْبت البقل. وَإِذا بدا الْقَوْم فِي آخر الخريف قبل وُقُوع ربيع بِالْأَرْضِ فظعَنوا منتجعين لم ينزلُوا بَلَدا لَا حَلِيَّ فِيهِ. فَإِذا وَقع ربيع بِالْأَرْضِ وأبقلت الرياض أغنتهم عَن الحَلِيِّ والصِّلِّيان.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: البقل أجمع رَطْباً ويابساً حشيش وعَلَف وخَلًى.
وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال: ألْقت النَّاقة ولدا حشيشاً إِذا يبس فِي بَطنهَا. قَالَ والحشيش: الْيَابِس من الْكلأ.
وَلَا يُقَال لَهُ وَهُوَ رطب: حشيش. وَيُقَال هَذِه لُمْعَةٌ قد أحشَّت أَي أمكنت لِأَن تُحش، وَذَلِكَ إِذا يَبِسَتْ. واللُمْعة من الحَلِيِّ، وَهُوَ الْموضع الَّذِي يكثر فِيهِ الحَلِيّ. وَلَا يُقَال لَهُ: لُمْعة حَتَّى يصفرّ أَو يبيضّ.
قلت وَهَذَا كُله كَلَام عربيّ صَحِيح.
وَقَالَ ابْن المظفر: رُوي فِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى أَن يُؤْتى النِّسَاء فِي محاشّهن بالشين. قَالَ: وَرَوَاهُ بَعضهم فِي محاسّهن قَالَ والمَحَسّة: الدبر.
قلت: كنى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الأدبار بالمحاشّ؛ كَمَا يكنى بالحُشُوش عَن مَوَاضِع الْغَائِط. والحشوش فِي الأَصْل جمع الحَشّ وَهُوَ الْبُسْتَان من النّخل وَكَانُوا يتغوّطون فِيهَا. وَمِنْه حَدِيث طَلْحَة بن عبد الله: أَنه قَالَ: إِنَّهُم أدخلوني الحَشّ، وقرّبوا اللُجّ فوضعوه على قَفَيّ فَبَايَعت وَأَنا مكرَه.
قَالَ أَبُو عبيد: الحشّ: الْبُسْتَان. وَفِيه لُغَتَانِ: حُشّ وحَشّ. وَجمعه حِشَّان. قَالَ: وسمّي مَوضِع الخلاَء حُشّاً بِهَذَا؛ لأَنهم كَانُوا يقضون حوائجهم فِي الْبَسَاتِين.
وَقَالَ شمر: سَمِعت ابْن الْأَعرَابِي يَقُول: الحشّ: حَائِط نخل، وَجمعه حِشّان.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: حشَّ عليّ الصَّيْد.
قلت: كَلَام الْعَرَب الصَّحِيح: حُشْ عليَّ الصيدَ بِالتَّخْفِيفِ، من حاش يحوش. وَمن قَالَ: حششت الصَّيْد بِمَعْنى حُشْته فَإِنِّي لم أسمعهُ لغير اللَّيْث، وَلست أُبعده مَعَ ذَلِك من الْجَوَاز. وَمَعْنَاهُ: ضُمَّ الصَّيْد من(3/254)
جانبيه؛ كَمَا يُقَال: حُشّ البعيرُ بجنبين واسعين أَي ضم، غير أَن الْمَعْرُوف فِي الصَّيْد الحوش.
عَمْرو عَن أَبِيه: الحَشَّة: الرَّوْضَة.
وَقَالَ اللحياني: حُشَاشاك أَن تفعل ذَاك، وغُنَاماك وحُمَاداك بِمَعْنى وَاحِد. وَيُقَال: حششت فلَانا فَأَنا أحُشّة إِذا أصلحت من حَاله. وحششت مَاله بِمَال فلَان أَي كثّرته. وَقَالَ الْهُذلِيّ:
فِي المُزَنيّ الَّذِي حششتُ بِهِ
مَال ضَرِيك تلادُه نَكِد
وَقَالَ ابْن الْفرج: قَالَ الْفراء يُقَال: ألحق الحِسّ بالإسّ. قَالَ وَسمعت بعض بني أَسد يَقُول: ألحق الحشّ بالإشّ. قَالَ كَأَنَّهُ يَقُول: ألحق الشَّيْء بالشَّيْء: إِذا جَاءَك شَيْء من نَاحيَة فافعل مثله. جَاءَ بِهِ أَبُو تُرَاب فِي بَاب الشين وَالسِّين وتعاقبهما.
شح: قَالَ اللَّيْث: الشُحّ: الْبُخْل، وَهُوَ الْحِرْص. يُقَال: هما يتشاحّان على أَمر إِذا تنازعاه، لَا يُرِيد كل وَاحِد مِنْهُمَا أَن يفُوته. والنعت شحيح، وَالْعدَد أشِحّة. وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً} (الأحزَاب: 19) نزلت فِي قوم من الْمُنَافِقين كَانُوا يُؤْذونَ الْمُسلمين بألسنتهم فِي الْأَمْن، ويعوّقون عِنْد الْقِتَال ويَشِحّون عِنْد الْإِنْفَاق على فُقَرَاء الْمُسلمين. وَالْخَيْر: المَال هَاهُنَا.
وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ فِي قَول الله جلّ وعزّ: {خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَائِكَ هُمُ} (الحَشر: 9) أَي من أخرج زَكَاته، وعَفّ عَن المَال الَّذِي لَا يحلّ لَهُ فقد وُقي شُحّ نفْسه.
وَقَالَ الْفراء يُقَال: شحّ يشحّ بِكَسْر الشين من يشحّ. قَالَ وَكَذَلِكَ كل فعيل من النعوت إِذا كَانَ مضاعفاً فَهُوَ على فَعَل يَفْعِل، مثل خَفِيف، وذفيف، وعفيف. قَالَ: وَبَعض الْعَرَب يَقُول: شحّ يَشَحّ وَقد شحِحْت نَشَحّ وَمثله ضَنّ يَضَنّ فَهُوَ ضنين. وَالْقِيَاس هُوَ الأوّل: ضَنّ يضِن. واللغة الْعَالِيَة ضنّ يَضَنُّ.
وَقَالَ أَبُو عبيد قَالَ الْأَصْمَعِي: رجل شَحَاح وشحِيح بِمَعْنى وَاحِد. وَأنْشد شمر:
إِنِّي وتركي ندى الأكرمي
ن وقدحي بكفيّ زنْداً شَحاحا
كتاركة بيضها بالعرا
ء وملبسة بيض أُخْرَى جَناحا
قَالَ اللَّيْث: زند شَحَاح إِذا كَانَ لَا يُورى.
وَفِي حَدِيث عَليّ ح حِين رأى رجلا يخْطب فَقَالَ: هَذَا الْخَطِيب الشَحْشَح.
قَالَ أَبُو عبيد قَالَ أَبُو عَمْرو، وَهُوَ الماهر بِالْخطْبَةِ الماضِي فِيهَا.
قَالَ أَبُو عبيد وكل ماضٍ فِي كَلَام أَو سير فَهُوَ شَحْشَح.
وَقَالَ الْأمَوِي: الشَحْشَح: المواظب على الشَّيْء. قَالَ الطرماح:
كَأَن المطايا لَيْلَة الخِمْس عُلِّقت
بوَثَّابة تنضو الرواسم شحشح
وَقَالَ ذُو الرمة:
لدن غدْوَة حَتَّى إِذا امتدَّت الضُّحَى
وحث القطينَ الشحشحانُ المكلّف
يَعْنِي الْحَادِي. قَالَ: وَيُقَال: الشحشح:(3/255)
الْبَخِيل الممسك. وَقَالَ الراجز:
فردّد الهدر وَمَا إِن شحشحا
أَي مَا بخل بهديره.
وَقَالَ شمر: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي رجل شَحْشَح وشَحشاح وشحِيح وشَحْشحان بِمَعْنى وَاحِد. قَالَ وَيُقَال للغَيُور: شَحْشَح. وفلاة شحشح: لَا شَيْء فِيهَا. وَرجل شحشح: سيّء الخُلُق. وَقَالَ نُصيب:
نُسَيَّة شحشاح غيورٍ يهينه
أخى حذر يَلْهُون وَهُوَ مشيح
وَقَالَ اللَّيْث: شحشح الْبَعِير فِي هديره، وَهُوَ الَّذِي لَيْسَ بالخالص من الهدير.
ابْن السّكيت: هُوَ الشُحّ والشِّحّ. والشُّحْ كَلَام الْعَرَب، والشِّحّ لُغَة رَدِيئَة. وَأَرْض شَحَاح: لَا تسيل إلاّ من مطر جَوْد. وَأَرْض شَحْشَح كَذَلِك. وغراب شَحْشَح: كثير الصَّوْت. وشحشح الصُّرد إِذا صات. قَالَ والشحشح: الفلاة الواسعة قَالَ مُليح:
تجْرِي إِذا مَا ظلام اللَّيْل أمكنها
من السُّرَى وفلاة شحشح جَرَد
وحمار شحشح: خَفِيف. وَمِنْهُم من يَقُول: شُحْشُح. وَقَالَ حُمَيد:
تقدّمها شَحْشَح جَائِز
لماء قعير يُرِيد الْقرى
جَائِز: يجوز إِلَى المَاء.
(بَاب الْحَاء وَالضَّاد)
(ح ض)
حض، ضح: مستعملان.
حض: قَالَ اللَّيْث: حض يَحُض حَضاً، وَهُوَ الْحَث على الْخَيْر، والْحِضِّيضَى كالحثِّيثَى. وَقَول الله تَعَالَى: {الْيَتِيمَ وَلاَ تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} (الْفجْر: 18) قَرَأَ عَاصِم وَالْأَعْمَش {الْيَتِيمَ وَلاَ تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} بِالْألف وَفتح التَّاء. وَقَرَأَ أهل الْمَدِينَة (وَلَا تحُضّون) .
وَقَرَأَ الْحسن (وَلَا يحضون) وَقَرَأَ بَعضهم (ولاتُحاضّون) بِرَفْع التَّاء. قَالَ الْفراء: وكلٌّ صَوَاب. فَمن قَرَأَ (تُحاضّون) فَمَعْنَاه تحافظون. وَمن قَرَأَ (تَحَاضّون) فَمَعْنَاه: يحضّ بَعْضكُم بَعْضًا. وَمن قَرَأَ (تَحُضّون) فَمَعْنَاه تأمرون بإطعامه وَكَذَلِكَ (يَحُضّون) وَيُقَال: حضَّضت الْقَوْم على الْقِتَال تحضيضاً إِذا حرّضْتَهم،
وَقَالَ اللَّيْث: الحُضُض يتَّخذ من أَبْوَال الْإِبِل.
وَقَالَ أَبُو عبيد عَن اليزيدي هُوَ الْحُضَض، والْحُضُظُ، والْحُظظُ، والحُظَظُ. قَالَ شمر وَلم أسمع الضَّاد مَعَ الظَّاء إِلَّا فِي هَذَا. وَهُوَ الحُدُل. سَلمَة عَن الفرّاء: الخذَال.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: الْحُضُض والْحُضَض: صَمْغ من نَحْو الصَبِر والمُرّ وَمَا أشبههما.
اللَّيْث الحضيض: قَرَار الأَرْض عِنْد سَفْح الْجَبَل.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: الحَضِيض: القَرَار من الأَرْض بعد مُنْقَطع الْجَبَل وَأنْشد بَعضهم:
الشِّعْر صَعب وطويل سُلّمه
إِذا ارْتقى فِيهِ الَّذِي لَا يُعلمهُ
زلت بِهِ إِلَى الحضِيض قَدَمُه
يُرِيد أَن يعربه فيُعجمُه(3/256)
وَالشعر لَا يسطيعه من يَظْلمه
وَقَالَ ابْن الْفرج: يُقَال احتضضت نَفسِي لفُلَان وابْتَضَضْتُها إِذا استزدتها.
ضح: قَالَ اللَّيْث الضِّحّ: ضوء الشَّمْس إِذا استمكن من الأَرْض.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: الضِّحّ نقيض الظلّ، وَهُوَ نُور الشَّمْس الَّذِي فِي السَّمَاء على وَجه الأَرْض. وَالشَّمْس هُوَ النُور الَّذِي فِي السَّمَاء يطلع ويغْرب. وَأما ضوؤه على الأَرْض فضِحّ قَالَ وَأَصله الضِحْيُ فاستثقلوا الْيَاء مَعَ سُكُون الْحَاء فثقّلوها. قَالُوا: ضحّ. وَمثله العَبْد القِنّ وَأَصله قِنْي من القِنية.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: الضِحّ كَانَ فِي الأَصْل الوِضْح، فحذفنا الْوَاو، وزيدت حاء مَعَ الْحَاء الْأَصْلِيَّة، فَقيل: الضِحّ. قلت: وَالصَّوَاب أَن أَصله الضِحْيُ من ضحِيت للشمس.
وَمن أَمْثَال الْعَرَب جَاءَ فلَان بالضحّ وَالرِّيح إِذا جَاءَ بِالْمَالِ الْكثير، يعنون أَنه جَاءَ بِمَا طلعت عَلَيْهِ الشَّمْس وهبَّت بِهِ الرّيح.
وَقَالَ اللَّيْث: الضَحضاح: المَاء إِلَى الْكَعْبَيْنِ، أَو إِلَى أَنْصَاف السُوق. قَالَ: والضحضحة والتضحيح جري السراب.
أَبُو عبيد: الضحضاح: المَاء الْقَلِيل يكون فِي الغدير وَغَيره. والضَحْل مثله. وَكَذَلِكَ المتضحضح. وَأنْشد قَول ابْن مقبل:
وَأظْهر فِي غُلاّن رقد وسيلُه
علاجيم لَا ضحلٌ وَلَا متضحضحُ
وَأنْشد شمر لساعدة بن جُؤَيَّة:
واستدبروا كل ضحضاح مُدفِّئة
وَالْمُحصنَات وأوزاعاً من الصِرَم
قَالَ وَقَالَ أَبُو عَمْرو: ضحضاح كَثِيرَة بلغَة هُذَيْل لَا يعرفهَا غَيرهم. يُقَال عَلَيْهِ إبل ضحضاح.
قَالَ الْأَصْمَعِي: هُوَ مثل الضحضاح ينتشر على وَجه الأَرْض، قَالَه فِي بَيت الهذليّ.
قَالَ وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي غنم ضحضاح، وإبل ضحضاح: كَثِيرَة.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: هِيَ المنتشرة على وَجه الأَرْض. وَمِنْه قَوْله:
تُرَى بيُوت وتُرى رماح
وغنم مزنَّم ضحضاح
وضحضح الأمرُ إِذا تبيّن.
(بَاب الْحَاء وَالصَّاد)
(ح ص)
حص، صَحَّ: مستعملان فِي الثنائي المكرر.
حص: قَالَ اللَّيْث: الحُصَاص: سرعَة العَدْو فِي شدّة. وَيُقَال الحُصَاص: الضُّرَاط.
وَرُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة أَنه قَالَ: إِن الشَّيْطَان إِذا سمع الْأَذَان خرج وَله حُصَاص. رَوَاهُ حمَّاد بن سَلمَة عَن عَاصِم بن أبي النَجُود. قَالَ حمّاد: فَقلت لعاصم: مَا الحُصَاص؟ فَقَالَ إِذا صَرَّ بأذنيه ومَصَع بذَنَبه وَعدا فَذَلِك الحصاص.
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْأَصْمَعِي: الْحُصَاص: شدَّة العَدْو وسرعته.(3/257)
قَالَ أَبُو عبيد: والحُصَاص: الضراط فِي قَول بَعضهم. قَالَ وَقَول عَاصِم والأصمعيّ أحبّ إليّ.
قلت: وَالصَّوَاب مَا قَالَا.
وَقَالَ اللَّيْث: الْحُصّ: الوَرْس وَإِن جمع فحصوص، يصْبغ بِهِ. وَأنْشد بَيت عَمْرو بن كُلْثُوم:
مشعشعة كَأَن الْحُصّ فِيهَا
إِذا مَا المَاء خالطها سخيفنا
قلت: الْحُصّ بِمَعْنى الوَرْس مَعْرُوف صَحِيح. وَقد قَالَ بَعضهم: الْحُصّ اللُّؤْلُؤ. وَلست أحُقَّه وَلَا أعرفهُ.
وَقَالَ الْأَعْشَى:
وولَّى عُمَيْر وَهُوَ كابٍ كَأَنَّهُ
يُطَلّى بحُص أَو يُغَشَّى بعِظْلِم
وَقَالَ اللَّيْث: الحَصّ: إذهاب الشّعْر سَحْجاً؛ كَمَا تَحُصُّ البَيْضة رأسَ صَاحبهَا.
وَفِي حَدِيث ابْن عمر أَن امْرَأَة أَتَتْهُ فَقَالَت: إِن بِنْتي عُرَيِّس، وَقد تمعَّط شعرهَا وأمروني أَن أرجلها بالخَمْر. فَقَالَ: إِن فعلتِ ذَاك فأَلقى الله فِي رَأسهَا الحاصَّة.
قَالَ أَبُو عبيد الحاصَّة: مَا يحُصّ شعرهَا: يَحلقه كلَّه فَيذْهب بِهِ.
وَقَالَ أَبُو قيس بن الأسلت:
قد حصّت الْبَيْضَة رَأْسِي فَمَا
أطعمُ نوما غير تَهجاع
قَالَ: وَمِنْه يُقَال: بَين بني فلَان رحم حاصَّة أَي قد قطعوها وحَصّوها، لَا يتواصلون عَلَيْهَا.
وَقَالَ اللَّيْث: سنة حَصَّاء إِذا كَانَت جَدْبة. وَقَالَ الحطَيئة:
جَاءَت بِهِ من بَنَات الطُور تَحدُره
حَصَّاءُ لم تتَّرك دون الْعَصَا شَذَبا
وناقة حصّاء، إِذا لم يكن عَلَيْهَا وَبَر. وَقَالَ الشَّاعِر:
عُلُّوا على شَارف صعبٍ مراكبها
حصّاء لَيْسَ بهَا هُلْب وَلَا وبر
عُلّوا وعُولوا وَاحِد من عَلاَّه وعالاه.
أَبُو عبيد عَن اليزيدي: إِذا ذهب الشّعْر كُله قيل: رجل أَحَصّ وَامْرَأَة حصّاء.
وَقَالَ غَيره: ريح حَصَّاء: صَافِيَة لَا غُبَار فِيهَا. وَقَالَ أَبُو قيس:
كَأَن أَطْرَاف الولايا بهَا
فِي شمأل حَصَّاء زعزاع
وَيُقَال: انحصّ ورقُ الشّجر عَنهُ وانحتّ إِذا تناثر.
وَقَالَ أَبُو عبيد: من أمثالهم فِي إفلات الجبان من الْهَلَاك بعد الإشفاء عَلَيْهِ: أُفلت وانحصّ الذَّنب.
قَالَ ويروى هَذَا الْمثل عَن مُعَاوِيَة: أَنه أرسل رجلا من غَسّان إِلَى ملك الرّوم، وَجعل لَهُ ثَلَاث ديات على أَن يُنَادي بِالْأَذَانِ إِذا دخل مَجْلِسه، فَفعل الغسَّاني ذَلِك، وَعند الملِك بطارقته، فَوَثَبُوا ليقتلوه، فنهاهم الملِك وَقَالَ: إِنَّمَا أَرَادَ مُعَاوِيَة أَن أقتل هَذَا غَدْراً وَهُوَ رَسُول فيفعل مثلَ ذَلِك بِكُل مستأمِن منا، فجهَّزه وردّه، فَلَمَّا رَآهُ مُعَاوِيَة قَالَ: أفلت وانحصّ الذَّنب. فَقَالَ كلا إِنَّه لبِهُلبه، ثمَّ حدَّثه(3/258)
الحَدِيث. فَقَالَ مُعَاوِيَة: لقد أصَاب، مَا أردْت غير ذَلِك وَأنْشد الْكسَائي:
جَاءُوا من المصرين باللصوص
كل يَتِيم ذِي قفاً محصوص
وَيُقَال: طَائِر أحصّ الْجنَاح، وَرجل أحصّ اللِّحْيَة، ورَحيم حصَّاء: مَقْطُوعَة.
وَقَالَ اللَّيْث: الحِصَّة: النَّصِيب، وَجَمعهَا الحِصَص. وَيُقَال تحاصّ الْقَوْم تَحَاصَّاً إِذا اقتسموا.
أَبُو عبيد عَن اليزيدي: أحصصت الْقَوْم: أَعطيتهم حصصهم.
وَقَالَ غَيره: حاصصته الشَّيْء أَي قاسمته، فحصَّني مِنْهُ كَذَا يحُصُّني أَي صَار ذَلِك حِصَّتي.
قَالَ شمر ورَوَى بَعضهم بَيت أبي طَالب:
بميزان قسط لَا يَحُصّ شعيرَة
قَالَ وَمَعْنَاهُ لَا ينقص شعيرَة.
وَقَالَ أَبُو زيد رجل أحصّ إِذا كَانَ نكداً مَشْئوماً. والأحصّ مَا ذكره الْجَعْدِي فَقَالَ:
فَقَالَ تجاوزت الأحصّ وماءه
وبطن شُبَيث وَهُوَ ذُو مترسم
وَقَالَ ابْن الْفرج: كَانَ حَصِيص الْقَوْم وبَصِيصهم كَذَا أَي عَدَدهم.
وَقَالَ الْفراء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {الئَنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ} (يُوسُف: 51) لمّا دُعي النسْوَة فبرَّأن يُوسُف قَالَت: لم يبْق إلاّ أَن يُقبلن عليّ بالتقرير فأقرَّت. فَذَلِك قَوْلهَا: {تَقول: ضَاقَ الْكَذِب، وتبيَّن الْحق وَهَذَا من قَول امْرَأَة الْعَزِيز.
وَقَالَ غَيره: حصحص الحقُّ إِذا ظهر وبرز.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: الحصحصة: الْمُبَالغَة. وَيُقَال: حصحص الرجل إِذا بَالغ فِي أمره.
وَقَالَ الزّجاج: الئَنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ} برز وَتبين.
قَالَ: واشتقاقه فِي اللُّغَة من الْحصّة أَي بَانَتْ حِصَّة الْحق من حِصَّة الْبَاطِل.
وَقَالَ اللَّيْث: الحصحصة: بَيَان الْحق بعد كِتْمَانه. يُقَال: حصحص الْحق: وَلَا يُقَال: حُصْحِص.
وَفِي حَدِيث سَمُرة بن جُنْدَب أَنه أُتي بِرَجُل عِنّين، فَكتب فِيهِ إِلَى مُعَاوِيَة، فَكتب: أَن اشترِ لَهُ جَارِيَة من بَيت المَال وأدخِلها عَلَيْهِ لَيْلَة، ثمَّ سَلْها عَنهُ، فَفعل سَمُرة، فلمَّا أصبح قَالَ لَهُ: مَا صنعت قَالَ: فَعَلْتُ حَتَّى حصحص فِيهَا.
قَالَ: فَسَأَلَ الْجَارِيَة فَقَالَت: لم يصنع شيأ فَقَالَ: للرجل خلِّ سَبِيلهَا يَا محصحص.
قَالَ أَبُو عبيد: قَوْله حصحِص: الحصحصة الْحَرَكَة فِي الشَّيْء حَتَّى يستمكن ويستقر فِيهِ. وَيُقَال حصحصت التُّرَاب وَغَيره إِذا حركته وفحصته يَمِينا وَشمَالًا.
وَقَالَ حُميد بن ثَوْر يصف بَعِيرًا:
وحصحص فِي صُمِّ الحصَى ثكناتُه
ورام الْقيام سَاعَة ثمَّ صَمَّمَا
قلت: أَرَادَ الرجل أَن ذكره انشام فِيهَا، فَبَالغ حَتَّى قرَّ فِي مَهْبلها.
وروى أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو أَنه قَالَ:(3/259)
الْحَصْحَصة: الذّهاب فِي الأَرْض.
قَالَ: وَقَالَ الْأَصْمَعِي قَرَب حَصْحاص وحَثْحاث، وَهُوَ الَّذِي لَا وتيرة فِيهِ.
وَقَالَ أَبُو سعيد: سير حصحاص: سريع.
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي الحِصْحِص والكَثْكَث كِلَاهُمَا الْحِجَارَة.
شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي: بِفِيهِ الحصحص أَي التُّرَاب.
قَالَ وَقَالَ أَبُو خَيرة: الكَثْكَث: التُّرَاب.
وَفِي حَدِيث عَليّ ح أَنه قَالَ: لِأَن أُحصحص فِي يَدَيَّ جمرتين أحب إليّ من أَن أُحصحص كعبتين.
قَالَ شمر: الحصحصة التحريك والتقليب للشَّيْء والترديد.
قَالَ: وَقَالَ الفقعسي: يُقَال تحصحص وتحزحز أَي لزِق بِالْأَرْضِ واستوى. وحصحص فلَان ودَهمج إِذا مَشى مَشْي المقيّد.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل مَا يُحصحص فلَان إِلَّا حول هَذَا الدِّرْهَم ليأخذه.
قَالَ: والحصحصة لزوقه بك وإتيانه إياك وإلحاحه عَلَيْك.
الأحَصّ: مَاء كَانَ نزل بِهِ كُلَيْب وَائِل فاستأثر بِهِ دون بكر بن وَائِل، فَقيل لَهُ أَسقِنا، فَقَالَ: لَيْسَ فِيهِ فَضْل عنّا. فَلَمَّا طعنه الجسَّاس استسقاهم المَاء، فَقَالَ لَهُ جسَّاس:
تجاوزت الأحَصّ، أَي ذهب سلطانك عَن الأحصّ. وَفِيه يَقُول الجعديّ:
وَقَالَ لجسّاس أَغِثْنِي بشَرْبة
تدارك بهَا طَوْلا عليّ وأنعِم
فَقَالَ تجاوزتَ الأحصّ وماءه
وبطنُ شُبَيْث وَهُوَ ذُو مترسم
صَحَّ: قَالَ اللَّيْث: الصحّة: ذهَاب السقم، والبراءة من كلّ عيب ورَيْب. يُقَال: صَحّ يصحّ صحَّة.
وَفِي الحَدِيث: (الصَّوْم مَصَحّة) بِفَتْح الصَّاد، وَيُقَال: مَصِحَّة بِكَسْر الصَّاد. قَالَ: وَالْفَتْح أَعلَى، يَعْنِي يُصَحّ عَلَيْهِ.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: صحَاح الْأَدِيم وَصَحِيحه بِمَعْنى وَاحِد. وَجمع الصَّحِيح أصحاء مثل شحيح وأشحاء. وصحّحت الْكتاب والْحساب تَصْحِيحا إِذا كَانَ سقيماً فأصلحت خطأه وأتيت فلَانا فأصححته وجدته صَحِيحا. وَأرض مَصَحَّة: لَا وباء فِيهَا، وَلَا يكثر فِيهَا الْعِلَل والأسقام. وصَحاح الطَّرِيق: مَا اشْتَدَّ مِنْهُ وَلم يسهل وَلم يُوطأ.
وَقَالَ ابْن مقبل يصف نَاقَة:
إِذا وجّهت وجهَ الطَّرِيق تيمّمت
صَحاح الطَّرِيق عِزَّة تَسَهَّلا
وأصحَّ القومُ إِذا صحَّت مَوَاشِيهمْ من الجَرَب والعاهة.
وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا يُورِدنَّ ذُو عاهة على مَصِحّ) .
وَقَالَ اللَّيْث: الصَحْصَح والصحصحان: مَا اسْتَوَى وجَرِد من الأَرْض. والجميع الصحاصح.
شمر عَن ابْن شُمَيْل: الصَحْصَح، الأَرْض(3/260)
الجرداء المستوية ذَات حَصى صغَار. قَالَ والصحصحان والصحصح وَاحِد. قَالَ: وَأَرْض صحَاصح وصَحْصحان: لَيْسَ بهَا شَيْء، وَلَا شجر، وَلَا قَرَار للْمَاء، قلَّما تكون إلاّ إِلَى سَنَد وَاد أَو جبل قريب من سَنَد وَاد. قَالَ: والصحراء أشدّ اسْتِوَاء مِنْهَا.
وَقَالَ الراجز:
ترَاهُ بالصحاصح السمالق
كالسيف من جفن السِّلَاح الدالق
وَقَالَ آخر:
وَكم قَطعنَا من نصابٍ عَرْفَج
وصَحْصحان قُذُف مخرّج
بِهِ الرذايا كالسفين المُخرج
قَالَ نِصَاب العرفج ناحيته.
قَالَ والقُذُف الَّتِي لَا مَرْتَع بهَا، والمخرّج الَّذِي لم يصبهُ مطر، وَأَرْض مخرّجة، فشبّه شخوص الْإِبِل الْحَسْرَى بشخوص السفن. قَالَ: وَيُقَال: صحصاح، وأنشذ:
حَيْثُ ارثعنّ الوَدْق فِي الصحصاح
قَالَ: والترَّهَات الصحاصح هِيَ الإباطيل.
وَقَالَ ابْن مقبل:
وَمَا ذكره دهماء بعد مزارها
بِنَجْرَان إلاّ التُرّهات الصحاصح
وَيُقَال للَّذي يَأْتِي بالأباطيل: مُصَحْصِح.
(بَاب الْحَاء وَالسِّين)
(ح س)
حس، سح: مستعملان فِي الثنائي والتكرير.
حس: قَالَ ابْن المظفر: الحَسّ: الْقَتْل الذريع. وَفِي الْقُرْآن: {إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} (آل عِمرَان: 152) أَي تقتلونهم قتلا شَدِيدا كثيرا. قَالَ: وَالْحَسّ: إِضْرَار البَرْد بالأشياء.
يُقَال أَصَابَتْهُم حاسَّة من الْبرد
الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت قَالَ: الْحَسّ: مصدر حَسَسْتُ الْقَوْم أَحُسّهم حَسّاً إِذا قَتلتهمْ. قَالَ وحَسَسْت الدابَّة أَحُسَها حَسّاً، وَذَلِكَ إِذا فَرْجَنتها بالمِحَسَّة وَهِي الفِرْجَون. قَالَ والْحِسّ بِكَسْر الْحَاء من أحسست بالشَّيْء. والْحِسّ أَيْضا: وجع يَأْخُذ النُّفَسَاء بعد الْولادَة. وَقَالَ أَوْس:
فَمَا جَبُنُوا أَنا نشُد عَلَيْهِم
وَلَكِن لَقُوا نَارا تَحُسّ وتَسْفَع
هَكَذَا رَوَاهُ شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي، وَقَالَ: تَحُس أَي تُحرِق، وتُفنى من الحاسَّة، وَهِي الآفة الَّتِي تصيب الزَّرْع والكلأ فتحرقه. وَهَكَذَا قَالَ أَبُو الْهَيْثَم:
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَوْله تَعَالَى: {إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} (آل عِمرَان: 152) مَعْنَاهُ: تستأصلونهم قتلا. يُقَال حسَّهم الْقَائِد يَحُسّهم حسّاً إِذا قَتلهمْ.
وَقَالَ الْفراء: الْحَسّ: الْقَتْل والإفناء هَاهُنَا قَالَ والحَسّ أَيْضا الْعَطف والرِّقَّة بِالْفَتْح وَأنْشد:
هَل من بَكَى الدَّار راجٍ أَن تَحِسّ لَهُ
أَو يُبكى الدارَ ماءُ العَبْرة الخَضِل
قَالَ وَسمعت بعض الْعَرَب يَقُول: مَا رَأَيْت عُقَيْلياً إلاّ حَسَسْت لَهُ يَعْنِي رَققت لَهُ.(3/261)
قَالَ الْفراء: وحَسَسْت لَهُ أَي رققت لَهُ وَرَحمته.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الْحِس بِكَسْر الْحَاء: الرقّة وَقَالَ الْقطَامِي:
أَخُوك الَّذِي يملك الحِسّ نفسُه
وترفَضّ عِنْد المحفِظات الكتائِفُ
هَكَذَا رُوِيَ لنا عَن أبي عبيد بِكَسْر الْحَاء وَمعنى هَذَا الْبَيْت معنى الْمثل السائر: الحفائظ تحلّل الأحقاد. يَقُول: إِذا رأيتُ قَرَابَتي يضام وَأَنا عَلَيْهِ وَاجِد، أخرجت مَا فِي قلبِي من السخيمة لَهُ، وَلم أَدَعْ نُصرته ومعونته. قَالَ والكتائف: الأحقاد، وَاحِدهَا كَتِيفة.
وَقَالَ أَبُو زيد: حَسَسْت لَهُ، وَذَلِكَ أَن يكون بَينهمَا رَحِم فيرقّ لَهُ. وَقَالَ أَبُو مَالك هُوَ أَن يشتكي لَهُ ويتوجَّع. وَقَالَ: أَطَّت مني لَهُ حاسَّة رَحِم. وَيُقَال: إِنِّي لأجد حِسّاً من وجع.
وَقَالَ العجاج:
وَمَا أَرَاهُم جُزَّعاً من حِسّ
عطف البلايا المسّ بعد المسّ
وعركات الْبَأْس بعد الْبَأْس
أَن يسمهرُّوا لضِراس الضَرس
يسمهرُّوا: يشتدّوا، والضراس: المعاضّة والضرس العضيّ.
وَقَالَ اللَّيْث: مَا سَمِعت لَهُ حِسّاً وَلَا جِرْساً قَالَ: والحِسّ من الْحَرَكَة والجِرْس من الصَّوْت.
قَالَ وَيُقَال ضُرِب فلَان فَمَا قَالَ حَسَ وَلَا بَسَ. وَمِنْهُم من يكسر الْحَاء وَمِنْهُم مَنْ لَا ينون فَيَقُول: فَمَا قَالَ حِسّ وَلَا بسّ.
وَالْعرب تَقول عِنْد لذعة نَار أَو وجع حاد: حَسِّ حَسِّ. وبلغنا أَن بعض الصَّالِحين كَانَ يمدّ أصبعيه إِلَى شُعلة نَار، فَإِذا لذعته قَالَ: حَسِّ حَسِّ كَيفَ صبركَ على نَار جَهَنَّم، وَأَنت تجزع من هَذَا قَالَ: والحِسُّ: مسّ الْحمى أول مَا تبدأ.
قلت وَقد قَالَ الْأَصْمَعِي: أوّل مَا يجد الْإِنْسَان مَسّ الْحمى قبل أَن تَأْخُذهُ وَتظهر فَذَلِك الرَسّ. قَالَ وَيُقَال وَجَد حِسّاً من الْحمى. قَالَ وَيُقَال جِيء بِهِ من حَسَّك وبَسّك أَي من حَيْثُ كَانَ وَلم يكن. وَقَالَ الزّجاج كَذَلِك لفظ الْأَصْمَعِي وتأويله: جِيءَ بِهِ من حَيْثُ تُدْرِكهُ حاسّة من حواسّك أَو يُدْرِكهُ تصرف من تصرفك.
قَالَ الْأَصْمَعِي وَيُقَال ضربه فَمَا قَالَ: حَسّ يَا هَذَا قَالَ وَهَذِه كلمة كَانَت تكره فِي الْجَاهِلِيَّة وَحَسِّ مثل أوّه.
قلت وَهَذَا صَحِيح قلت: وَفِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَيْلَة يسري فِي مسيره إِلَى تَبُوك فَسَار بجنبه رجل من أَصْحَابه، ونَعَسَا، فَأصَاب قدمُه قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: حَسّ قَالَ: والْحَسّ بَرْد يُحرق الْكلأ. يُقَال: أَصَابَتْهُم حاسَّة. وَيُقَال: إِن الْبرد مَحَسَّة للنبت.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ الحاسوس: المشؤوم من الرِّجَال.
وَقَالَ الْفراء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ} (آل عِمرَان: 52) وَفِي قَوْله: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِّنْ أَحَدٍ} (مريَم:(3/262)
98 -) مَعْنَاهُ فلمَّا وجد عِيسَى. قَالَ: والإحساس: الْوُجُود. تَقول فِي الْكَلَام هَل أحسست مِنْهُم من أحد؟
وَقَالَ الزّجاج معنى (أحسّ) علم وَوجد فِي اللُّغَة. قَالَ: وَيُقَال: هَل أحسست صَاحبك أَي هَل رَأَيْته؟ وَهل أحسست الْخَبَر أَي هَل عَرفته وعلمته؟ قَالَ وَيُقَال: هَل أحَسْت بِمَعْنى أحسست. وَيُقَال حَسْت بالشَّيْء إِذا عَلمته وعرفته.
وَقَالَ الْفراء تَقول من أَيْن حَسِيت هَذَا الْخَبَر يُرِيدُونَ من أَنِّي تخبّرته وَقَالَ أَبُو زبيد:
خَلا أَن الْعتاق من المطايا
حَسِين بِهِ فهن إِلَيْهِ شُوسُ
قَالَ وَقد تَقول الْعَرَب مَا أَحَسْتُ مِنْهُم أحدا فيحذفون السِّين الأولى. وَكَذَلِكَ فِي قَوْله: {وَانظُرْ إِلَى إِلَاهِكَ الَّذِى ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً} (طاه: 97) وَقَالَ: {حُطَاماً فَظَلْتُمْ} (الواقِعَة: 65) وقرىء (فظِلتم) ألقيت اللَّام المتحركة وَكَانَت فظللتم.
وَقَالَ لي الْمُنْذِرِيّ: سَمِعت أَبَا الْعَبَّاس يَقُول حَسْت وحَسَسْت: ووَدْت ووَدِدْت، وهَمْت وهَمَمْت وَقَوله جلّ وعزّ: {لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا} (الأنبيَاء: 102) أَي لَا يسمعُونَ حِسَّها وحركة تلهّبها والحَسِيس والحِسُّ الْحَرَكَة وَقَوله: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِّنْ أَحَدٍ} مَعْنَاهُ: هَل تُبصر، هَل ترى.
قلت وَسمعت الْعَرَب يَقُول ناشدهم لضوالّ الْإِبِل إِذا وقف على حَيّ: أَلاَ وأَحِسّوا نَاقَة صفتهَا كَذَا وَكَذَا. وَمَعْنَاهُ: هَل أحسستم نَاقَة فَجَاءُوا بِهِ على لفظ الْأَمر.
وَقَالَ اللَّيْث فِي قَوْله: {فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ} أَي رأى. يُقَال: أحسست من فلَان مَا سَاءَنِي أَي رَأَيْت. قَالَ: والحِسّ والْحَسِيس تَسمعه من الشَّيْء يمر قَرِيبا مِنْك وَلَا ترَاهُ. وَأنْشد فِي صفة بازٍ:
ترى الطير الْعتاق يظلن مِنْهُ
جُنوحاً إِن سمعن لَهُ حَسِيسا
وَقَالَ الله تَعَالَى: {لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا} (الْأَنْبِيَاء: 102) . قَالَ وَيُقَال: بَات فلَان بحِسَّة سَوْء أَي بِحَال سيّئة وشدَّة.
قلت: وَالَّذِي حفظناه من الْعَرَب وَأهل اللُّغَة بَات فلَان بحِيبة سَوْء، وبِكينة سَوْء، وبِبيئة سوء. وَلم أسمع بحسة لغير اللَّيْث وَالله أعلم.
وَقَوله: {يابَنِىَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ} (يُوسُف: 87) قَالَ أَبُو عبيد: تحسّست الْخَبَر وتحسيته.
وَقَالَ شمر: وتندّسته مثله.
وَقَالَ أَبُو معَاذ: التحسّس: شبه التسمّع والتبصّر. قَالَ: والتجسّس الْبَحْث عَن الْعَوْرَة، قَالَه فِي تَفْسِيره قَول الله تَعَالَى: {وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تجسسوا (الحجرات: 12) .
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: تنحست الْخَبَر وتحسسته بِمَعْنى وَاحِد. قَالَ وَيُقَال أحسست الْخَبَر وأحَسْته وحَسِيت وحَسْت إِذا عرفت مِنْهُ طَرَفاً. وَتقول مَا أحسست بالْخبر وَمَا أَحَسْتُ وَمَا حسِيت وماحَسْته أَي لم أعرف مِنْهُ شَيْئا.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال لسمك صغَار تكون(3/263)
بِالْبَحْرَيْنِ الحُسَاس، وَهُوَ سمك يجفَّف. وَيُقَال: انحسّت أَسْنَانه إِذا تكسّرت وتحاتَّت.
وَأنْشد:
فِي مَعْدن المُلْك الْكَرِيم الكِرْس
لَيْسَ بمقلوع وَلَا مُنْحسّ
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الحُساس الشؤم. وَأنْشد للراجز:
رب شريب لَك ذِي حُسَاس
شِرابه كالحزّ بالمواسي
ذِي حساس: ذِي شُؤْم. قَالَ: وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال حشحشته النَّار وحسحسته بِمَعْنى.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: إِذا جعلت اللَّحْم على الْجَمْر قلت حَسْحسته.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: هُوَ أَن تقشِر عَنهُ الرماد بعد مَا يخرج من الْجَمْر.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي ألزِق الحَسَّ بالأَسِّ. قَالَ: الحَسّ: الشَّرّ، والأس: أَصله.
أَبُو عبيد جَاءَنَا بِالْمَالِ من حَسّه وبَسّه، وَمن حَسّه وعَسَه. وَقَالَ أَبُو زيد مثله وَزَاد فِيهِ من حِسِّه وبِسِّه، أَي من حَيْثُ شَاءَ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحَسّ الْحِيلَة. قَالَ والْحُسَاس مثل الْجذاذ من الشَّيْء. وكسار الْحِجَارَة الصغار حُسَاس.
وَقَالَ الراجز يذكر حجر المنجنيق:
شُظِيّة من رَفْضة الحُسَاس
تَعْصِف بالمستلئم التَرَّاس
وحواس الْإِنْسَان خمس: وَهِي الطّعْم والشم وَالْبَصَر والسمع واللمس.
وَقَالَ اللحياني: مرَّت بالقوم حَوَاسّ أيْ سنُون شَدَّاد، وَأَرْض محسوسة: أَصَابَهَا الْجَرَاد أَو البَرْد أَو الْبرد وَيُقَال لآخذن مِنْك الشي بحَسِّ أَو ببَسِّ أَي بمشادة أَو رِفْق. وَمثله: لآخذنه هَوْناً أَو عَتْرسة، وَيُقَال اقْتصّ من فلَان فَمَا تحسحس أَي مَا تحرّك وَمَا تضوّر.
سح: قَالَ اللَّيْث: السَحّ والسُحُوح مصدران وهما سِمَن الشَّاة. يُقَال: سَحَّت وَهِي تَسِحّ سَحّاً وسُحُوحاً. وشَاة ساحّ بِغَيْر هَاء. قَالَ: وَقَالَ الْخَلِيل: هَذَا مِمَّا نحتج بِهِ أَنه قَول الْعَرَب فَلَا نبتدع فِيهِ شَيْئا.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: سَحَّت الشَّاة تسِحّ سُحُوحاً وسُحُوحة إِذا سمِنت.
وَقَالَ اللحياني: سحت الشَّاة تَسُحّ بِضَم السِّين، وشَاة ساحّ، وَقد سحَّت سُحُوحة، وغنم سِحَاح.
وَقَالَ أَبُو سعد الْكلابِي: مهزول، ثمَّ مُنْفٍ إِذا سمن قَلِيلا، ثمَّ شَنُون، ثمَّ سمين ثمَّ ساحٌّ ثمَّ مُتَرطِّم وَهُوَ الَّذِي انْتهى سِمناً.
وَقَالَ اللَّيْث: سَحّ المطرُ والدمع وَهُوَ يَسُحّ سَحّاً وَهُوَ شدَّة انصبابه.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: سحّ الماءُ يُسحّ سحّاً إِذا سَالَ من فَوق. وساح يسيح سيحاً إِذا جرى على وَجه الأَرْض. وسحَّ المطرُ والدمعُ يَسُحّ سَحّاً، وَقد سحَّه مائَة سَوط يُسحّه سحّاً إِذا جَلَده.
أَبُو عبيد عَن أبي عُبَيْدَة: سحّت الشَّاة(3/264)
تَسِحّ سُحُوحاً وسُحُوحة إِذا سمنت، وسحّ المَاء يَسِحّ سَحّاً.
وَقَالَ اللَّيْث وَغَيره: فرس مِسَحّ: سريع، شبّه فِي سرعته بانصباب الْمَطَر. وَسمعت البحرانيين يَقُولُونَ لجنس من القَسْب: السُّحّ، وبالنِبَاج عين يُقَال لَهَا عُرَيفِجان تَسْقِي نخلا كثيرا. وَيُقَال لتمرها سُحّ عريفجان وَهُوَ من أجور قَسْب رَأَيْت بتيك الْبِلَاد.
أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر: اذْهَبْ فَلَا أرنّيك بسَحْسَحي وسَحَاتي وحَرَاي وحَرَاتي وعَقْوَتِي وعَقَاتي.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي يُقَال نزل فلَان بسَحْسَحه أَي بناحيته وساحته وطعنة مُسَحسِحة: سَائِلَة ومطر سحساح وَأنْشد:
مسحسِحة تعلو ظُهُور الأنامل
سَلمَة عَن الْفراء قَالَ هُوَ السَحَاح والإيّار واللُوح والحالِق للهواء.
وَقَالَ اللَّيْث السحسحة: عَرْصَة المحَلَّة. وَيُقَال انسحّ إبط الْبَعِير عَرَقاً فَهُوَ منسحّ أَي انصبّ.
(بَاب الْحَاء وَالزَّاي)
(ح ز)
حز، زح:} مستعملان فِي الثنائي والمكرر.
حز: قَالَ اللَّيْث: الحزّ: قطع فِي اللَّحْم غير بَائِن. والفَرض فِي الْعظم والعُودِ غير طائل حَزّ أَيْضا. وَيُقَال: حززته حَزّاً، واحتززته احتزازاً. وَأنْشد:
وعبدُ يغوثَ تحجُل الطيرُ حوله
قد احتزّ عُرْشَيْه الحسام المذكّر
فَجعل الاحتزاز هَاهُنَا قَطْع الْعُنُق؛ والمَحَزّ مَوْضِعه. قَالَ والتحزيز كَثْرَة الحزّ؛ كأسنان المِنْجَل. وَرُبمَا كَانَ فِي أَطْرَاف الْأَسْنَان تحزيز.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: أَعْطيته حِذْية من لحم، وحُزّة من لحم، كلّ هَذَا إِذا قطع طولا.
قَالَ وَيُقَال: مَا بِهِ وَذْية، وَهُوَ مثل حُزَّة.
وَقَالَ اللَّيْث: جَاءَ فِي الحَدِيث: (أَخذ بحُزّته) .
قَالَ؛ يُقَال: أَخذ بعُنُقه، قَالَ وَهُوَ من السَّرَاوِيل حُزَّة وحُجزة، والعُنُق عِنْدِي مُشبّه بِهِ.
أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي: تَقول: حُجْزة السَّرَاوِيل، وَلَا تَقول: حُزّة، وَنَحْو ذَلِك قَالَ ابْن السّكيت.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال: حُجزته وحُذْلته وحُزّته وحُبْكَته.
وَقَالَ اللَّيْث: بعير محزوز: مَوْسُوم بسِمة الحَزّة، تحزّ بشَفرة ثمَّ تُفتل قَالَ والحَزَاز: هِبْرِية فِي الرَّأْس، الْوَاحِدَة حَزَازة، كَأَنَّهَا نُخَالة. وَنَحْو ذَلِك قَالَ الْأَصْمَعِي.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الحَزِيز مَا غلظ وصلب من جَلَد الأَرْض، مَعَ إشراف قَلِيل.
قَالَ: وَإِذا جَلَست فِي بطن المِرْبَد فَمَا أشرف من أَعْلَاهُ حَزيز، وَهِي الحُزَّان.
قَالَ: وَلَيْسَ فِي القِفَاف وَلَا فِي الْجبَال حُزّان، إِنَّمَا هِيَ فِي جَلَد الأَرْض. وَلَا يكون الحَزِيز إلاّ فِي أَرض كَثِيرَة الْحَصْبَاء.(3/265)
وَقَالَ الْأَصْمَعِي وَأَبُو عَمْرو: الحَزِيز: الغليظ من الأَرْض المنقادُ.
وَقَالَ ابْن الرّقاع يصف نَاقَة:
نعم قُرقور المَرَوراة إِذا
غرِق الحُزّان فِي آل السراب
وَقَالَ زُهَيْر:
تهوي تُدافعُها فِي الحَزْن ناشزَة ال
أكتاف يَنْكُبها الْحِزّان والأكم
وَقَالَ اللَّيْث: الحَزِيز من الأَرْض: مَوضِع كثرت حجارته، وغلظت، كَأَنَّهَا سكاكين. والجميع حِزّان وَثَلَاثَة أحِزّة.
قَالَ: والحَزَازة: وجع فِي الْقلب من غيظ وَنَحْوه. وتُجمع حَزَازات.
قَالَ وَيُقَال: حَزّاز بِالتَّشْدِيدِ قَالَ الشماخ:
وَفِي الصَّدْر حَزّاز من اللوم حامز
وَقَالَ آخر:
وَتبقى حزازات النُّفُوس كَمَا هيا
ابْن الْأَنْبَارِي فِي قَوْلهم: فِي قلبِي من الشَّيْء حَزَّاز مَعْنَاهُ: حُرقة وحزن.
قَالَ: والحَزاز والحزازة مثله. وَأنْشد:
إِذا كَانَ أَبنَاء الرِّجَال حزازة
فَأَنت الحَلاَل الحُلو والبارد العَذْب
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: سَمِعت أَبَا الْحسن الْأَعرَابِي يَقُول لآخر: أَنْت أثقل من الجائر، وَفَسرهُ فَقَالَ: هُوَ حزّاز يَأْخُذ على رَأس الْفُؤَاد يُكرهُ على غِبّ تُخَمة.
وَفِي الحَدِيث: (الْإِثْم حوازّ الْقُلُوب) .
قَالَ اللَّيْث يَعْنِي مَا حَزّ فِي الْقلب وحكّ.
أَبُو عبيد عَن العَدَّبس الْكِنَانِي قَالَ: العَرَك والحازّ وَاحِد وَهُوَ أَن يُحزّ فِي الذِّرَاع حَتَّى يُخلص إِلَى اللَّحْم وَيقطع الْجلد بحدّ الكِركِرة.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: إِذا أثر فِيهِ قيل: بِهِ ناكت، فَإِذا حَزّ فِيهِ قيل: بِهِ حازّ.
وَقَالَ اللَّيْث: إِذا أصَاب المرفقُ طرَف كِرْكِرة الْبَعِير فَقَطعه قيل: بِهِ حازّ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الحَزّ: الزِّيَادَة على الشّرف. يُقَال: لَيْسَ فِي الْقَبِيل أحد يَحُزّ على كرم فلَان أَي يزِيد عَلَيْهِ.
عَمْرو عَن أَبِيه الحَزّة: السَّاعَة. يُقَال أيّ حَزَّة أتيتني قضيتك حقّك. وَأنْشد:
وأبَنْتُ للأشهاد حَزَّةَ أَدَّعي
أَي أبنت لَهُم قولي حِين ادّعيت إِلَى قومِي فَقلت: أَنا فلَان بن فلَان.
اللَّيْث الحَزَاز من الرِّجَال: الشَّديد على السَوْق والقتال. وَأنْشد:
فَهِيَ تَفَادى من حَزَاز ذِي حَزِق
أَي من حزاز حَزِق،، وَهُوَ الشَّديد جذبِ الرِّبَاط.
وَهَذَا كَقَوْلِك: هَذَا ذُو زُبْدٍ، وأتانا ذُو تمر.
قلت: وَالْمعْنَى هَذَا زُبْدٌ وأتانا تمر.
وَسمعت أَعْرَابِيًا يَقُول: مرَّ بِنَا ذُو عَوْن ابْن عديّ، يُرِيد: مرَّ بِنَا عون بن عدي. وَمثله فِي كَلَامهم كثير.
وَقَالَ بعض الْعَرَب: الحَزّ: غامض من الأَرْض ينقاد بَين غليظين. والحَزّ: مَوضِع بالسراة. والحَزّ: الْوَقْت والحِين.(3/266)
وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب:
وَبِأَيِّ حَزّ مُلاوة يتقطع
أَي بأيّ حِين من الدَّهْر.
وَقَالَ مبتكر الْأَعرَابِي: المحازّة: الِاسْتِقْصَاء. وَبَينهمَا شركَة حِزَاز إِذا كَانَ كل وَاحِد مِنْهُمَا لَا يَثِق بِصَاحِبِهِ.
وَقَالَ النَّضر: الحَزَاز من الرِّجَال: الشَّديد على السَوْق والقتال وَالْعَمَل. والحزحزة من فعل الرئيس فِي الْحَرْب عِنْد تعبئة الصُّفُوف. وَهُوَ أَن يقدّم هَذَا وَيُؤَخر هَذَا يُقَال: هم فِي حَزَاحِز من أَمرهم.
وَقَالَ أَبُو كَبِير الْهُذلِيّ:
تبوأ الأبطالُ بعد حَزاحِز
هَكْع النواحز فِي مُنَاخ المَوْحِف.
والمَوْحِف: المَبْرك بِعَيْنِه. وَذَلِكَ أَن الْبَعِير الَّذِي بِهِ النُحَاز يُترك فِي مناخه لَا يثار حَتَّى يبرأ أَو يَمُوت.
أَبُو زيد: من أمثالهم: حَزَّت حازَّة من كُوعها يضْرب عِنْد اشْتِغَال الْقَوْم بقول فالقوم مشغولون بأمورهم عَن غَيرهَا أَي فالحازة قد شغلها مَا هِيَ فِيهِ عَن غَيره.
زح: قَالَ الله جلّ وعزّ: {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ} (آل عِمرَان: 185) قَالَ بَعضهم زُحزح أَي نُحّي وبُعِّد، فَقَالَ بَعضهم: هَذَا مُكَرر من بَاب المعتلّ. وَأَصله من زاح يزِيح إِذا تأخّر. وَمِنْه قَول لَبِيد:
زاحَ عَن مثل مقَامي وزَحَلْ
وَمِنْه يُقَال: زاحت عِلّته وأزحتها. وَقيل: هُوَ مَأْخُوذ من الزَوْح، وَهُوَ السَوْق الشَّديد. وَكَذَلِكَ الذَّوْح.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد يُقَال زحّه يَزحُّه إِذا دَفعه، وَكَذَلِكَ زَحْزَحه.
أَبُو عبيد عَن الْأمَوِي: تزحزحت عَن الْمَكَان وتحزحزت بِمَعْنى وَاحِد:
(بَاب الْحَاء والطاء)
(ح ط)
(حط، طح: مستعملان) .
حط: قَالَ اللَّيْث: الحَطّ: وضع الْأَحْمَال عَن الدوابّ. تَقول: حَطَطْت عَنْهَا. وَإِذا طَنِي البعيرُ فالتزقت رئته بجنبه يُقَال: حَطَ الرجلُ عَن جنب بعيره بساعده دَلْكاً على حِيَال الطَنَى، حَتَّى ينْفَصل عَن الجَنْب. تَقول حَطّ عَنهُ، وحَطّ، قَالَ: والحَطّ الحَدْر من العُلُوّ. وَأنْشد:
كجلمُود صَخْر حَطّه السيلُ من عَلي
وَالْفِعْل اللَّازِم الانحطاط. وَيُقَال للهَبُوط: حَطُوط.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الحطّ: الِاعْتِمَاد على السّير. وناقة حَطُوط، وَقد حَطّت فِي سَيرهَا. وَقَالَ النَّابِغَة:
فَمَا وخَدتْ بمثلك ذَات غَرْب
حَطُوطٌ فِي الزِّمَام وَلَا لَجُونُ
وَقَالَ الْأَعْشَى:
فَلَا لعمر الَّذِي حَطّت مناسِمُها
تَخْدِي وسِيق إِلَيْهِ الباقر الغُيُل
حَطَّت فِي سَيرهَا وانحطت أَي اعتمدت.
يُقَال ذَلِك للنجيبة السَّريعَة. قَالَ ذَلِك اللَّيْث. وَيُقَال: حَطّ الله عَنْك وِزْرَك فِي الدُّعَاء أَي خَفّف عَن ظهرك مَا أثقله من(3/267)
الإزْر.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَول الله جلّ وعزّ: {وَقُولُواْ حِطَّةٌ} (البَقَرَة: 58) قَالَ: مَعْنَاهُ: قُولُوا مَسْأَلَتنَا حطةٌ أَي حُطّ ذنوبنا عنّا. وَكَذَلِكَ الْقِرَاءَة. قَالَ: وَلَو قُرِئت (حِطَّةً) كَانَ وَجْهاً فِي الْعَرَبيَّة، كَأَن قيل لَهُم: قُولُوا احطُط عَنَّا ذنوبنا حِطّة. فحرَّفوا هَذَا القَوْل وَقَالُوا لَفْظَة غير هَذِه اللَّفْظَة الَّتِي أُمروا بهَا. وَجُمْلَة مَا قَالُوا إِنَّه أَمر عَظِيم سمَّاهم الله بِهِ فاسقين.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ابْن فهم عَن مُحَمَّد ابْن سَلاّم عَن يُونُس فِي قَوْله {وَقُولُواْ حِطَّةٌ} هَذِه حِكَايَة، هَكَذَا أمروا.
وَقَالَ الْفراء فِي قَوْله {وَقُولُواْ حِطَّةٌ} (البَقَرَة: 58) يُقَال وَالله أعلم: وَقُولُوا مَا أمرْتُم بِهِ: حِطّة أَي هِيَ حِطَّة. فخالفوا إِلَى كَلَام بالنَبَطِيَّة. فَذَلِك قَوْله {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} (الْبَقَرَة: 59) .
وروى سَعِيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا} (البَقَرَة: 58) قَالَ: رُكّعاً، {وَقُولُواْ حِطَّةٌ} : مغْفرَة، قَالُوا: حِنْطَة، ودخلوا على أستاههم، فَذَلِك قَوْله {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ} الْآيَة. وَقَالَ اللَّيْث: بلغنَا أَن بني إِسْرَائِيل حِين قيل لَهُم: {وَقُولُوا حطة إِنَّمَا قيل لَهُم ذَلِك كي يستحِطّوا بهَا أوزارهم، فتُحطَّ عَنْهُم. قَالَ: وَيُقَال حَطّ الله عَنْك وِزْرك، وَلَا أنقض ظهرك.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: قيل لَهُم قُولُوا حطة فَقَالُوا حِنْطَة سَمَقاثا أَي حِنْطة جيّدة.
قَالَ وَقَوله: أَي كلمة بهَا تحطّ عَنْكُم خطاياكم، وَهِي لَا إلاه إلاّ الله.
الْفراء: حَطّ السعرُ وانحطّ حُطوطاً وكَسَر وانكسر، يُرِيد فَتَر، وَقَالَ: سعر مقطوط، وَقد قُطَّ السعرُ وقَطَّ السعرُ، وقطَّ الله الشَّعر إِذا غلا.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَطَاطة: بَثْرة تخرج فِي الْوَجْه صَغِيرَة تُقَيِّح وَلَا تَقْرح، وَأنْشد:
وَوجه قد جلوتِ أميم صَاف
كقَرْن الشَّمْس لَيْسَ بِذِي حَطَاط
قَالَ: وَرُبمَا قَالُوا لِلْجَارِيَةِ الصَّغِيرَة: يَا حَطَاطة.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الحَطَاط: البثر، الْوَاحِدَة حَطَاطة. وَأنْشد:
قَامَ إِلَى عذراء فِي الغُطاط
يمشي بِمثل قَائِم الفُسطاط
بمكفهرّ اللَّوْن ذِي حَطاط
وَقَالَ أَبُو زيد: الأجرب الْعين الَّذِي تَبْثُر عينه ويلازمها الحَطَاط وَهُوَ الظَبظاب والجُدْجُد.
وَقَالَ اللَّيْث: جَارِيَة محطوطة الْمَتْن مَحْدُودة حسِنة وَقَالَ النَّابِغَة:
محطوطة المتنين غير مفاضة
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: حطّ وحَتّ بِمَعْنى وَاحِد.
وَفِي الحَدِيث جلس رَسُول الله إِلَى غُصْن شَجَرَة يابسة فَقَالَ بِيَدِهِ وحَطّ وَرقهَا مَعناه: وحَت وَرقهَا.
والحطيطة: مَا يُحَطّ من جملَة الْحساب فيُنقص مِنْهُ، اسْم من الحطّ، وَتجمع حطائط، يُقَال حطّ عَنهُ حطيطة وافية.(3/268)
والمِحطّ من الأدواتِ قَالَ ابْن دُرَيْد: حطّ الْأَدِيم بالمِحطّ يحطّه حطّاً وَهُوَ أَن ينقشه بِهِ وَيُقَال يصقل بِهِ الْأَدِيم. وَقَالَ غَيره: المِحَطّ من أدوات النَطَاعين وَالَّذين يجلّدون الدفاتر: حَدِيدَة معطوفة الطّرف.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحُطُط: الْأَبدَان الناعمة، والحُطُط أَيْضا: مراكد السّفل.
عَمْرو عَن أَبِيه الحِطّة: نُقْصَان الْمرتبَة. وأديم محطوط: وَأنْشد:
تثير وتُبدي عَن عروق كَأَنَّهَا
أعِنّة خَرّاز تُحَطّ وتُبْشَر
أَبُو عَمْرو الحُطائط: الصَّغِير من النَّاس وَغَيرهم وَأنْشد:
وَالشَّيْخ مثل النسْر والحطائط
والنسوة الأرامل المَبَالط
وَيَقُول صبيان الْأَعْرَاب فِي أحاجيهم: مَا حُطَائط بُطائط يميس تَحت الْحَائِط، يعنون الذّرّة والحِطاط شِدة العَدْو. والكعب الحطيط: الأدرم. والحِطَّان: التيس. وحِطّان من أَسمَاء الْعَرَب.
طح: اللَّيْث: الطَحّ: أَن يضع الرجل عقبه على شَيْء ثمَّ يَسْحَجُه بهَا. قَالَ: والمِطَحَّة من الشَّاة: مُؤخّر ظِلْفها، وَتَحْت الظلْف فِي مَوضِع المِطَحّة عُظَيم كالفَلْكة.
وَقَالَ الْكسَائي: طحّان فعلان من الطّحّ: مُلْحق بِبَاب فعلان وفعلى، وَهُوَ السَحْج.
وَقَالَ أَحْمد بن يحيى: يُقَال لهنة مثل الفَلْكة تكون فِي رِجل الشَّاة تسحَج بهَا الأَرْض: المَطَحَّة.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الطُّحُج: المَسَاحج.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: طححت الشَّيْء طَحّاً إِذا بسطت وَأنْشد:
قد ركبتْ منبسطاً مُنَطَحاً
تحسبه تَحت السراب الملحا
أَبُو زيد: مَا على رَأسه طِحْطِحة أَي مَا عَلَيْهِ شَعْرَة.
وَقَالَ اللحياني: أَتَانَا وَمَا عَلَيْهِ طِحْطِحة وَلَا طِحْربة.
وَقَالَ اللَّيْث: الطَّحْطَحة: تَفْرِيق الشَّيْء هَلَاكًا، وَأنْشد:
فيمسى نابذا سُلْطَان قَسْر
كضوء الشَّمْس طحطحه الْغُرُوب
ويروي بِالْخَاءِ: طخطخهُ. وَقَالَ رؤبة:
طحطحه آذِيّ بَحر مُتْأق
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ يُقَال: طحطح فِي ضَحِكه. وطخْطخ: وطهطه، وكتكت، وكدكد، وكركر بِمَعْنى وَاحِد.
(بَاب الْحَاء وَالدَّال)
(ح د)
حدّ، دحّ: مستعملان.
حد: قَالَ اللَّيْث: فصل مَا بَين كل شَيْئَيْنِ حَدّ بَينهَا، ومنتهى كل شَيْء حَدّه.
قلت: وَمِنْه أُخذ حُدُود الْأَرْضين، وحدود الْحرم. وَفِي الحَدِيث فِي الْقُرْآن: لكل حرف حدّ، وَلكُل حد مُطّلع.
قيل: أَرَادَ لكل حرف مُنْتَهى لَهُ نِهَايَة.(3/269)
وَقَالَ اللَّيْث: حَدّ كل شَيْء طَرَف شَباتِه، كَحَد السنان وحدّ السَّيْف، وَهو مَا دَقّ من شَفْرته، وَيُقَال حَدَّ السَّيْف واحتدّ فَهُوَ حاد حَدِيد، وأحددته. واستحدّ الرجلُ، واحتد الرجل حدّة فَهُوَ حَدِيد.
قلت: والمسموع فِي حِدّة الرجل وطيشِه: احتدّ، وَلم أسمع فِيهِ استحدّ إِنَّمَا يُقَال استحد واستعان إِذا حَلَق عانته.
وحدود الله: هِيَ الْأَشْيَاء الَّتِي بَيّن تَحْرِيمهَا وتحليلها، وَأمر أَلا يُتعدّى شَيْء مِنْهَا، فيُجاوَز إِلَى غير مَا أَمر فِيهَا أَو نهى عَنهُ مِنْهَا.
والحَدّ حَدّ الزَّانِي وحدّ الْقَاذِف وَنَحْوه مِمَّا يُقَام على من أَتَى الزِّنَى أَو الْقَذْف أَو تعاطى السّرقَة.
قلت فحدود الله ضَرْبَان؛ ضرب مِنْهَا حُدُود حدّها للنَّاس فِي مطاعمهم ومشاربهم ومناكحهم وَغَيرهَا، وَأمر بالانتهاء عَمَّا نهى عَنهُ مِنْهَا وَنهى عَن تعدّيها. وَالضَّرْب الثَّانِي عقوبات جُعلت لمن رَكب مَا نهي عَنهُ، كحدّ السَّارِق وَهُوَ قطع يَمِينه فِي ربع دِينَار فَصَاعِدا، وكحدّ الزَّانِي الْبكر، وَهُوَ جلد مائَة وتغريب عَام، وحدُّ المحصَن إِذا زَنَى الرَّجْم. وحدّ الْقَاذِف ثَمَانُون جلدَة. سميت حدوداً لِأَنَّهَا تَحُد أَي تمنع من إتْيَان مَا جُعلت عقوبات فِيهَا. وَسميت الأولى حدوداً لِأَنَّهَا نهايات نهى الله عَن تعدّيها.
وَقَالَ اللَّيْث: الحَدّ الصّرْف عَن الشَّيْء من الْخَيْر والشرّ. وَتقول للرامي: اللَّهُمَّ احدده أَي لَا توفّقه للإصابة.
وَتقول: حَدَدت فلَانا عَن الشرّ أيْ منعته. وَمِنْه قَول النَّابِغَة:
إِلَّا سُلَيْمَان إِذْ قَالَ الإلاه لَهُ
قُم للبريّة فاحدُدها عَن الفَنَد
وَقَالَ اللَّيْث وَغَيره: الحُدّ: الرجل الْمَحْدُود عَن الْخَيْر.
قلت: الْمَحْدُود المحروم. وَلم أسمع فِيهِ رجل حُدٌّ لغير اللَّيْث. وَهُوَ مثل قَوْلهم رجل جُدّ إِذا كَانَ مجدوداً.
وَقَالَ اللَّيْث: حدّ الْخمر وَالشرَاب صلابته وَقَالَ الْأَعْشَى:
وكأس كعين الديك باشرت حَدّها
بفتيان صدق والنواقيس تُضرب
قَالَ والحدّ بَأْس الرجل ونفاذه فِي نجدته، يُقَال: إِنَّه لذُو حدّ. وَقَالَ العجاج:
أم كَيفَ حدَّ مُضَر القِطْيَمُ
وَالْحَدِيد مَعْرُوف، وصانعه الحدّاد. وَيُقَال: ضربه بحديدة فِي يَده.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الحَدَّة: الغضبة.
وَقَالَ أَبُو زيد: تحدَّد بهم أَي تحرش بهم.
وَقَالَ اللَّيْث: أحدَّت الْمَرْأَة على زَوجهَا فَهِيَ مُحِدّ، وحَدَّت على زَوجهَا، وَهُوَ تسلُّبها على زَوجهَا.
وَفِي الحَدِيث: (لَا يحل لأحد أَن يُحِدَّ على ميت أَكثر من ثَلَاثَة أَيَّام، إِلَّا الْمَرْأَة على زَوجهَا، فَإِنَّهَا تُحد أَرْبَعَة أشهر وَعشرا) .
وَقَالَ أَبُو عبيد: إحداد الْمَرْأَة على زَوجهَا(3/270)
تَركهَا الزِّينَة، ونُرى أَنه مَأْخُوذ من الْمَنْع لِأَنَّهَا قد مُنعت من ذَلِك.
وَمِنْه قيل للبواب: حَدَّاد، لِأَنَّهُ يمْنَع النَّاس من الدُّخُول.
وَقَالَ الْأَعْشَى يصف الْخمر والخَمّار:
فقمنا وَلما يَصح ديكنا
إِلَى جَوْنة عِنْد حَدَّادها
يَعْنِي صَاحبهَا الَّذِي يحفظها ويمنعها. والجَوْنة: الخابية. يُقَال: أحدت الْمَرْأَة تُحِدُّ وحَدَّت تُحدُّ وتحِدّ حِداداً.
وَقَالَ اللَّيْث: حاددته أَي عاصيته. وَيُقَال: مَا عَن هَذَا الْأَمر حَدَد وَلَا مُحْتَدّ أَي مَعْزِل.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: حَدَّ الرجل يَحُدّ حَدّاً إِذا جعل بَينه وَبَين صَاحبه حَدّاً. وحدّه يَحُدّه إِذا ضربه الحدّ. وحدّه يَحُدّه إِذا صرفه عَن أَمر أَرَادَهُ. وَأما حدّ يحِدّ فَمَعْنَاه أَنه أَخَذته عجلة وطيش. وأحدَّ السَّيْف إحداداً إِذا شَحَذه وحدَّده فَهِيَ مُحَدَّد مثله.
وَفِي الحَدِيث الَّذِي جَاءَ فِي عَشْر من السُنَّة (الاستحداد من العَشْر) .
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الاستحداد: حَلْق الْعَانَة، وَمِنْه الحَدِيث الآخر حِين قَدِمَ من سفر فَأَرَادَ النَّاس أَن يطرقوا النِّسَاء لَيْلًا فَقَالَ: (أمهلوا حَتَّى تمتشط الشعِثة، وتستحدّ المُغِيبة) ، أَي تحلق عانتها.
قَالَ أَبُو عبيد: وَهُوَ استفعال من الحديدة يَعْنِي الاستحلاق بهَا.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال استحدَّ الرجل إِذا أحدّ شَفْرة بحديدة وَغَيرهَا.
قَالَ والحَدَّاد: صَاحب السجْن، وَذَلِكَ أَنه يَمنع مَن فِيهِ أَن يخرج. وَيُقَال: دون ذَلِك حَدَدٌ أَي مَنْع. وَأنْشد:
لَا تَعْبدُونَ إِلَهًا غير خالقكم
وَإِن دُعيتم فَقولُوا دونه حَدَد
أَي مَنْع. وَيُقَال: فلَان حَدِيد فلَان إِذا كَانَت دَاره إِلَى جَانب دَاره.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي فِي قَول الله جلّ وعزّ: {غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ} (ق: 22) قَالَ: أَي لِسَان الْمِيزَان. وَيُقَال {غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ} أَي فرأيُك الْيَوْم نَافِذ.
وَقَالَ شمر يُقَال للْمَرْأَة: الحَدّادة.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: مَالِي مِنْهُ بُدّ وَلَا مُحْتَدّ وَلَا مُلتَدّ، أَي مَالِي مِنْهُ بُدّ.
وَقَالَ غَيره: حُدّان: قَبيلَة فِي الْيمن. وَيُقَال: حَدداً أَن يكون كَذَا، كَقَوْلِك: مَعَاذ الله. وَقَالَ الْكُمَيْت:
حَدَداً أَن يكون سَيْبُك فِينَا
وَتِحا أَو مُحَيّناً محصوراً
دح: قَالَ اللَّيْث: الدَحَّ: شبه الدَسّ، تضع شَيْئا على الأَرْض، تدُحُّه وتدسُّه حَتَّى يلزق. وَقَالَ أَبُو النَّجْم:
بَيْتا خفِيّاً فِي الثَرَى مدحوحا
وَنَحْو ذَلِك قَالَ أَبُو عَمْرو فِي الدَحّ.
وَقَالَ غَيره: مدحوحاً: موسّعاً، وَقد دحَّه أَي وسَّعه، يَعْنِي قُتْرة الصَّائِد.
وَقَالَ شمر: دَحّ فلَان فلَانا يَدُحّه دَحّا ودَحَاه يدحوه إِذا دَفعه ورَمَى بِهِ، كَمَا قَالُوا: عراه وعرَّ إِذا أَتَاهُ. وَيُقَال: اندحّ بطنُه إِذا اتَّسع. ودَحّ فِي الثرى بَيْتا إِذا(3/271)
وسَّعه.
وَأنْشد بَيت أبي النَّجْم. وَقَالَ: مدحوحاً أَي مُسَوًى. وَقَالَ نَهْشَل:
فَذَلِك شِبْه الضبّ يَوْم رَأَيْته
على الجُحْر مندحّاً خَصِيباً ثمائله
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الدُّحُح: الأرضون الممتدّة. وَيُقَال: اندحّت الأَرْض كلأً اندِحاحاً إِذا اتَّسعت بالكلأ. قَالَ: واندحّت خواصِر الْمَاشِيَة اندحاحاً إِذا تفتّقت من أكل البقل، واندحّ بطن الرجُل. وَفِي الحَدِيث: كَانَ لأسامة بطن مُنْدَحّ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: دَحَّها يَدُحّها دَحّاً إِذا نَكَحَهَا.
وَحكى الْفراء: تَقول الْعَرَب: دحّاً محّاً يُرِيدُونَ: دعها مَعهَا.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو الدَحْدَاح: الرجل الْقصير. وَكَانَ قَالَه بِالذَّالِ ثمَّ رَجَعَ إِلَى الدَّال وَهُوَ الصَّحِيح.
وَقَالَ اللَّيْث: الدَحْداح، والدَحداحة من الرِّجَال وَالنِّسَاء: المستدير الململَم، وَأنْشد:
أغركِ أنني رجل قصير
دُحيدِحة وأنكِ عَلْطَمِيس
(بَاب الْحَاء وَالتَّاء)
(ح ت)
حت، تح، تَحت: مستعملة.
حت: قَالَ اللَّيْث: الحَتّ: فَرْكك الشَّيْء الْيَابِس عَن الثَّوْب وَنَحْوه. وحُتَات كل شَيْء: مَا تحاتّ مِنْهُ وَأنْشد:
تحتّ بقرنيها بَرِير أراكة
وتعطو بظِلفيها إِذا الْغُصْن طالها
قَالَ: والحتّ لَا يبلغ النحت.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو الْأَصْمَعِي: فرس حَتٌّ إِذا كَانَ جواداً وَجمعه أحتات.
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لسعد يَوْم أحُد: احتُتْهم يَا سعد فِداك أبي وأمّي، يَعْنِي ارددهم.
قلت: إِن صحَّت هَذِه اللَّفْظَة فَهِيَ مَأْخُوذَة من حتّ الشَّيْء وَهُوَ قَشره شَيْئا بعد شَيْء وحكُه.
وَقد رُوِيَ عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَنه قَالَ لامْرَأَة سَأَلته عَن الدَّم يُصِيب ثوبها فَقَالَ لَهَا: (حُتّيه وَلَو بضِلْع) . وَمَعْنَاهُ حُكِّيه وأزيليه. وَيُقَال: انحتّ شعرُه عَن رَأسه، وانحصّ إِذا تساقط.
عَمْرو عَن أَبِيه: الحَتَّة: القَشرة. وحَتَّه مائَة سَوط إِذا عجَّل ضربه، وحتّه مائَة دِرْهَم إِذا نَقده بالعَجَلة. والحَتّ. العجلة فِي كل شَيْء.
وَقَالَ شمر: تَركتهم حتًّا فتًّا بتًّا إِذا اسْتَأْصَلْتَهم. والحَتُوت من النّخل: الَّتِي يَتَنَاثَر بُسرها، وَهِي شَجَرَة مِحتات: منثار.
وَقَالَ النحويون: حَتَّى تَجِيء لوقت منتظر. وتجيء بِمَعْنى إِلَى. وَأَجْمعُوا أَن الإمالة فِيهَا غير مُسْتَقِيم. وَكَذَلِكَ فِي على. ولحتى فِي الْأَسْمَاء وَالْأَفْعَال أَعمال مُخْتَلفَة، وَلَيْسَ هَذَا الْمَكَان موضعا لاستقصاء تَفْسِيرهَا.(3/272)
وَقَالَ بَعضهم: حَتَّى فَعْلَى من الحتّ وَهُوَ الْفَرَاغ من الشَّيْء، مثل شَتّى من الشَتّ.
قلت: وَلَيْسَ هَذَا القَوْل ممّا يُعَرَّج عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا لَو كَانَت فَعْلى من الحت كَانَت الإمالة جَائِزَة، وَلكنهَا حرف أَدَاة وَلَيْسَت باسم وَلَا فعل.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحَتّ القَشْر. وَفِي الحَدِيث (حُتيّة بضِلْع) . قَالَ والضلع: العُود. وَأنْشد:
وَمَا أخذا الدِّيوَان حَتَّى تصعلكا
زَمَانا وحتّ الأشهبان غناهما
حت: قشر وحك. تصعلكا: افتقرا.
تح: قَالَ اللَّيْث: لَو جَاءَ فِي الْحِكَايَة تحتحه تَشْبِيها بِشَيْء لجَاز وَحسن.
تَحت: قَالَ: وَتَحْت نقيض فَوق. وَفِي الحَدِيث: (لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يظْهر التحوت، وَيهْلك الوعول.
والتحوت: الَّذين كَانُوا تَحت أَقْدَام النَّاس لَا يُؤبه لَهُم. وهم السِفَل والأنذال: والوعول: الْأَشْرَاف.
(بَاب الْحَاء والظاء)
ح ظ)
اسْتعْمل مِنْهُ: الحظّ.
قَالَ اللَّيْث: الحظّ: النَّصِيب من الْفضل وَالْخَيْر، وَجمعه حظوظ. وَفُلَان ذُو حَظّ وقِسم من الْفضل. قَالَ: وَلم أسمع من الحظّ فِعْلاً. قَالَ: وناس من أهل حِمْص يَقُولُونَ: حَنْظ، فَإِذا جمعُوا رجعُوا إِلَى الحظوظ. وَتلك النُّون عِنْدهم غُنّة، وَلَكنهُمْ يجعلونها أَصْلِيَّة. وَإِنَّمَا يجْرِي هَذَا اللَّفْظ على ألسنتهم فِي المشدد؛ نَحْو الرُزّ يَقُولُونَ: رُنْز، وَنَحْو أُتْرُجّة يَقُولُونَ: أُتْرُنْجة.
قلت: للحظّ فعل جَاءَ عَن الْعَرَب وَإِن لم يعرفهُ اللَّيْث وَلم يسمعهُ. قَالَ أَبُو زيد فِيمَا روى عَنهُ أَبُو عبيد: رجل حظيظ جَدِيد إِذا كَانَ ذَا حظّ من الرزق. قَالَ أَبُو عبيد: وَقَالَ أَبُو عَمْرو: رجل محظوظ ومجدود. قَالَ: وَيُقَال: فلَان أحظَّ من فلَان وأجدّ مِنْهُ. قَالَ: وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال حَظِظت فِي الْأَمر فَأَنا أحظّ حظّاً. وَجمع الْحَظ أَحُظٌّ وحظوظ وحظَاءٌ مَمْدُود، وَلَيْسَ بِقِيَاس.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم فِيمَا كتبه لِابْنِ بزرج يُقَال هم يحظون بهم ويجِدُّون بهم قَالَ: وَوَاحِد الأحظاء حَظٍ مَنْقُوص وَأَصله حَظّ.
وروى سَلمَة عَن الْفراء قَالَ: الحَظِيظ: الغنِيّ الموسِر.
أَبُو عبيد عَن اليزيدي: هُوَ الحُظُظ، وَقَالَ غَيره: الحُظَظ على مِثَال فُعل.
قَالَ شمر وَهُوَ الحُدُل.
(بَاب الْحَاء والذال)
(ح ذ
اسْتعْمل مِنْهُ: حذ، ذ ح) .
حذ: قَالَ اللَّيْث: الحَذّ. الْقطع المستأصل. والحَذَذ: مصدر الأحَذّ من غير فعل. والأحذّ يسمّى بِهِ الشَّيْء الَّذِي لَا يتعلّق بِهِ شَيْء. وَالْقلب يُسمى أَحَذّ. والأحذّ: اسْم عرُوض من أعاريض الشّعْر، وَهُوَ مَا كَانَ من الْكَامِل قد حذف من آخِره وتِدتامّ، يكون صَدره ثَلَاثَة أَجزَاء متفاعلن، وَآخره(3/273)
جزءان تامّان وَالثَّالِث قد حذف مِنْهُ علن وَبقيت فِي القافية مُتَفا، فَجعلت فَعِلن أَو فعْلن خَفِيفَة كَقَوْل ضابىء.
إلاَّ كُميتا كالقناة وضابئا
بالفَرج بَين لَبانه ويدِهْ
وَكَقَوْلِه:
وحُرِمت منّا صاحبا ومؤازِرا
وأخاً على السّراء والضُرّ
وَفِي حَدِيث عُتْبة بن غَزْوان أَنه خطب النَّاس فَقَالَ: إِن الدُّنْيَا قد آذَنت بصُرْم، وولّت حذّاء، فَلم يبْق مِنْهَا إلاّ صُبَابة كصُبابة الْإِنَاء.
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو عَمْرو وَغَيره قَوْله: ولّت حَذّاء هِيَ السريعة الْخَفِيفَة الَّتِي قد انْقَطع آخرهَا. وَمِنْه قيل للقطاة: حَذّاء لقصر ذَنَبها مَعَ خفّتها. قَالَ النَّابِغَة يصف القَطَا:
حَذّاء مُدبرة سكّاء مقبلة
للْمَاء فِي النَّحْر مِنْهَا نَوْطة عَجَب
قَالَ: وَمن هَذَا قيل للحمار الْقصير الذَنَب: أحَذّ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الحَذّ: الْإِسْرَاع فِي الْكَلَام والفَعال، وَمِنْه قَوْله: الدُّنْيَا ولّت حذّاء أَي سريعة، وَأمر أَحَذّ إِذا كَانَ قَاطعا سَرِيعا.
وَقَالَ اللَّيْث: الدُّنْيَا ولّت حَذّاء: مَاضِيَة لَا يتعلّق بهَا شَيْء، وقصيدة حَذّاء: سائرة لَا عيب فِيهَا.
شمر: أَمر أحَذّ أَي شَدِيد منكَر، وجئتنا بخطوب حُذّ أَي بِأُمُور منكَرة. وَقَالَ الطِرِمّاح:
يقْضِي الأُمُور الحُذّ ذَا إربة
فِي لَيّها شَزْراً وإبرامها
أَي بقربها قَلْباً ذَا إربة. وقَرَبَ حذ حاذ: سريع، أُحذ من الأحذّ: الْخَفِيف. وَقَالَ فِي قَوْله:
فزارياً أحذَّ يدِ الْقَمِيص
أَرَادَ: أحذ اليدّ، فأضاف إِلَى الْقَمِيص لِحَاجَتِهِ، أَرَادَ خفّة يَده فِي السّرقَة.
ذح: قَالَ أَبُو عبيد قَالَ أَبُو عَمْرو: الذحاذح: الْقصار من الرِّجَال واحدهم ذَحْذَاح، ثمَّ رَجَعَ إِلَى الدَّال. وَهُوَ الصَّحِيح.
(بَاب الْحَاء والثاء)
(ح ث)
حث، ثح: مستعملان.
حث: قَالَ اللَّيْث: الحَثّ: الإعجال فِي الاتّصال والحِثّيثَى الِاسْم نَفسه. يُقَال: اقْبَلُوا دِلِّيلَي ربّكم، وحِثِيثاه إيّاكم. وَيُقَال: حثثت فلَانا فاحْتَثَّ، وَهُوَ حثيث محثوث. جادّ سريع، وَقوم حِثاث، وَامْرَأَة حَثيث فِي مَوضِع حاثّة، وَامْرَأَة حَثيث فِي مَوضِع محثوثة وَقَالَ الْأَعْشَى:
تدلّى حَثيثا كَأَن الصُوا
ر يتبعهُ أَزْرَقِيّ لِحمْ
شبه الْفرس فِي السرعة بالبازي.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: جَاءَنَا بِتَمْر فَذّ، وفَضّ، وحُثّ أَي لَا يلزق بعضه بِبَعْض.
وَقَالَ اللَّيْث الحَثُوث: السَّرِيع. قَالَ: والحَثْحَثة: اضْطِرَاب الْبَرْق فِي السَّحَاب،(3/274)
وانتخال الْمَطَر أَو الثَّلج.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: خِمْس حثحاث، وحَذحاذ، وقَسْقَاس: كل ذَلِك السَّيْر الَّذِي لَا وتيرة فِيهِ.
عَمْرو عَن أَبِيه قَرَب حثحاث وثحثاح وحذحاذ ومُنَحِّب أَي شَدِيد. وَيُقَال: مَا ذقت حَثَاثا ولاحِثَاثا أَي مَا ذقت نوماً، قَالَه أَبُو عبيد وَغَيره.
وَقَالَ زيد بن كثوة: مَا جعلت فِي عَيْني حِثاثا عِنْد تَأْكِيد السهر. قَالَ والحُثحوث: السَّرِيع يُقَال: حثحِثوا ذَلِك الْأَمر أَي حركوه. قَالَ: وحيَّة حَثحاث وفَضفاض: ذُو حَرَكَة دائمة. قَالَ والحُث: المدقوق من كل شَيْء. وَسَوِيق حُثّ: غير ملثوث. وحَثّثَ الرجلُ إِذا نَام، قَالَه أَبُو عَمْرو.
ثح: قَالَ اللَّيْث: الثحثحة: صَوت فِيهِ بُحّة عِنْد اللهاة وَأنْشد:
أبح مثحثِح صَحِل الشحيج
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: قرب ثحثاح: شَدِيد مثل حثحاث.
(بَاب الْحَاء وَالرَّاء)
(ح ر)
حر، رح، حرح: مستعملات.
حر: قَالَ اللَّيْث: الحَرّ نقيض الْبرد، والحارّ: نقيض الْبَارِد. وَتقول: حَرّ النهارُ وَهُوَ يَحِرّ حَرّاً. والحَرُور حَرّالشمس. أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: حَرَرت يايوم تَحِرّ وحَرِرت تَحَرّ إِذا اشتدّ حر النَّهَار. وَقد حَرِرت تَحَرّ من الحرّية لَا غير.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: حر يَحَرّ إِذا عَتَق وحَرّ يَحِرّ إِذا سخُن مَاء أَو غَيره.
أَبُو عبيد عَن أبي عُبَيْدَة: السَمُوم: الرّيح الحادّة بِالنَّهَارِ، وَقد تكون بِاللَّيْلِ والحَرُور بِاللَّيْلِ وَقد تكون بِالنَّهَارِ وَأنْشد:
ونسجت لوامع الحرور
سبائبا كشرَق الْحَرِير
اللَّيْث: حَرّت كبده، وَهِي تَحَرُّ حِرّة ومصدره الحَرَر. وَهُوَ يُبْس الكبد عِنْد الْعَطش أَو الْحزن وَرجل حَرّان: عطشان، وَامْرَأَة حَرّى: عطشى. وَيَدْعُو الرجل على صَاحبه فَيَقُول: سلَّط الله عَلَيْهِ الحِرّة تَحت القِرّة: يُرِيد الْعَطش مَعَ الْبرد.
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: شَيْء حارّ يارّ جارّ، وَهُوَ حرّان يَرّان جَرّان. قَالَ وَيُقَال حُرّ بيّن الحُرّية والحُرُوريّة، وَزَاد شمر فَقَالَ: وبيّن الْحرار بِفَتْح الْحَاء والحَرُوريّة أَيْضا. وَأنْشد:
فَمَا رُدّ تَزْوِيج عَلَيْهِ شَهَادَة
وَلَا رُدّ من بعد الحَرَارِ عَتيق
قَالَ شمر: سَمِعت هَذَا الْبَيْت من شِيخْ من باهلة، وَمَا علمت أَن أحدا جَاءَ بِهِ.
عَمْرو عَن أَبِيه، قَالَ: الحَرّة: البثرة الصَّغِيرَة.
وَقَالَ اللَّيْث: الْحَرَارَة: حُرقة فِي طعم أَو فِي الْقلب من التوجّع.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الفُلفل لَهُ حَرَاوة وحرارة أَيْضا بالراء وَالْوَاو. وَقَالَ الفرزدق يصف نسَاء سُبِين:
خرجن حريرات وأبدين مِجْلدا
وجالت عَلَيْهِنَّ المكتَّبة الصُفْرُ(3/275)
حريرات أَي محرورات يجدن حرارة فِي صدورهن. قَالَ: والمِجْلد: المِئْلاَةُ والمكتَّبة: السِّهَام الَّتِي أُجيلت عَلَيْهِنَّ حِين اقتُسِمْن وأسهم عليهنّ.
اللَّيْث: الْحَرِير: ثِيَاب من إبريسم. قَالَ والحَريرة دَقِيق يطْبخ بِلَبن. وَقَالَ شمر: الحريرة من الدَّقِيق، والخزيرة من النُخالة.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ هِيَ العصيدة ثمَّ النَجِيرة ثمَّ الحَرِير ثمَّ الحَسُوّ.
اللَّيْث: الحَرّة: أَرض ذَات حِجَارَة سود نَخِرة؛ كَأَنَّمَا أُحرقت بالنَّار. والجميع الحَرّات والإحَرُّون والحِرَار.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: الحَرّة: الأَرْض الَّتِي أُلبستها حِجَارَة سود.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الحَرّة: الأَرْض مسيرَة لَيْلَتَيْنِ سريعتين أَو ثَلَاث فِيهَا حِجَارَة، أَمْثَال البُروك، كَأَنَّمَا شُيِّطت بالنَّار، وَمَا تحتهَا أَرض غَلِيظَة من قاع لَيْسَ بأسود، وَإِنَّمَا سوّدها كَثْرَة حجارتها وتدانيها.
وَقَالَ شمر: هِيَ حِرار ذَوَات عَدَد، مِنْهَا حَرّة واقِم، وحَرّة ليلى؛ وحرّة النَّار، وحرّة غَلاَّس. قَالَ وحَرَّة النَّار لبني سُلَيم وَهِي تسمّى أمّ صَبَّار وَأنْشد:
لدن غدْوَة حَتَّى اسْتَغَاثَ شريدهم
بحرة غلاَّس وشِلو ممزّق
وَقَالَ شمر: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الحَرّة الرجلاء: الصلبة الشَّدِيدَة: وَقَالَ غَيره هِيَ الَّتِي أَعْلَاهَا سود وأسفلها بيض.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: تكون الحَرّة مستديرة فَإِذا كَانَ مِنْهَا شَيْء مستطيلاً لَيْسَ بواسع فَذَلِك الكُراع.
وَقَالَ اللَّيْث: الحُرّ فرخ الْحمام.
وَقَالَ أَبُو عبيد: سَاق حُرّ: الذّكر من القَمَاريّ.
وَقَالَ شمر فِي سَاق حُرّ قَالَ بَعضهم: السَّاق الْحمام وحُرٌّ فرخها.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: سَاق حُرّ: ذكر الْحمام.
وَقَالَ أَبُو عدنان: يعنون بساق حُرّ لحن الْحَمَامَة.
وَقَالَ شمر: يُقَال لهَذَا الطَّائِر الَّذِي يُقَال لَهُ بالعراق باذنجان لأصغر مَا يكون جثة: حُرّ. وَيُقَال: سَاق حر صَوت القُمْرِيّ. قَالَ: وَرَوَاهُ أَبُو عدنان: سَاق حَرّ بِفَتْح الْحَاء. قَالَ وَهُوَ طَائِر تسمّيه الْعَرَب سَاق حر بِفَتْح الْحَاء لِأَنَّهُ إِذا هدر كَأَنَّهُ سَاق حَرّ قَالَ: وَالرِّوَايَة الصَّحِيحَة فِي شعر حميد:
وَمَا هاج هَذَا الشوق إلاّ حمامه
دعت سَاق حَرّ فِي حمام ترنما
اللَّيْث الحُرّ: ولد الحيَّة اللطيفة فِي قَول الطرماح:
مُنطوفي جَوف ناموسه
كانطواء الحُرّ بَين السِّلاَم
وَقَالَ شمر: الحُرّ زَعَمُوا أَنه الْأَبْيَض. قَالَ وَأنكر ابْن الْأَعرَابِي أَن يكون الحُرّ فِي هَذَا الْبَيْت الحيَّة، وَقَالَ الْحر هَاهُنَا الصَّقْر. وَسَأَلت عَنهُ أَعْرَابِيًا فصيحاً يمامِيّاً فَقَالَ مثل قَول ابْن الْأَعرَابِي.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحُرّ: الجانّ من الْحَيَّات. والحُرّ: رُطَب الأَزَاذِ.(3/276)
والحُرّ: كل شَيْء فاخر جيّد من شِعْر أَو غَيره قَالَ: والحُرّ خدّ الرجل. وَمِنْه يُقَال لطم حُرَّ وَجهه. والحُرَّة: الوَجْنة.
اللَّيْث: الحُرّ: نقيض العَبْد. قَالَ والحُرّ من النَّاس: خيارهم وأفاضلهم. قَالَ والحُر من كل شَيْء أعْتقهُ. وحُرّ الْوَجْه: مَا بدا من الوجنة. وحُرّة الذِفْرَى: مَوضِع مجالِ القُرْط وَأنْشد:
فِي خُشَشَاوَيْ حُرَّة التَّحْرِير
يَعْنِي حُرّة الذِفْرَى. قَالَ والحُرّ والحُرّة الرمل والرملة الطيّبة. والحُرّة: الْكَرِيمَة من النِّسَاء. وَقَالَ الْأَعْشَى:
حُرّة طَفْلة الأنامل تَرْتَبّ
سُخَاما نكفُّه بِخلاَل
قَالَ: والحرة نقيض الْأمة. وأحرار الْبُقُول مَا يُؤْكَل غير مطبوخ.
وَقَالَ: أَبُو الْهَيْثَم أَحْرَار الْبُقُول: مَا رَقّ مِنْهَا ورَطُب، وذكورها: مَا غلظ مِنْهَا وخَشُن.
وَقَالَ اللَّيْث: الحُرّ: ولد الظبي فِي قَول طرفَة:
بَين أكنافٍ خُفافٍ فاللِّوَى
مُحْزِفٌ تَحنو لرَخْص الظِلْف حُرّ
قَالَ: والحُرّ: الْفِعْل الْحسن فِي قَوْله:
لَا يكن حبُّكِ دَاء دَاخِلا
لَيْسَ هَذَا منكِ ماوِيّ بُحرَّ
أَي بِفعل حسن.
قلت: وأمّا قَول امرىء الْقَيْس:
لعمرك مَا قلبِي إِلَى أَهله بَحر
وَلَا مُقصر يَوْمًا فيأتيني بقُرْ
إِلَى أَهله أَي إِلَى صَاحبه بحُرَّ: بكريم؛ لِأَنَّهُ لَا يصير وَلَا يكفُّ عَن هَوَاهُ. وَالْمعْنَى أَن قلبه ينبو عَن أَهله، ويصبو إِلَى غير أَهله، فَلَيْسَ هُوَ بكريم فِي فعله.
اللَّيْث: يُقَال لليلة الَّتِي تُزفّ فِيهَا الْمَرْأَة إِلَى زَوجهَا، فَلَا يقدر فِيهَا على افتضاضها: لَيْلَة حُرَّةٍ. وَقَالَ النَّابِغَة يصف نسَاء:
شُمُس مَوَانِع كلَّ ليلةِ حُرَّة
يُخلفن ظنَّ الْفَاحِش المغيار
وَقَالَ غير اللَّيْث: فَإِن افتضَّها زَوجهَا فِي اللَّيْلَة الَّتِي زُفّت إِلَيْهِ فَهِيَ لَيْلَة شَيْبَاءَ.
حَرَّان بلد مَعْرُوف. وحَرُورَاء: مَوضِع بِظَاهِر الْكُوفَة، إِلَيْهَا نسبت الحَرُورِيَّة من الْخَوَارِج وَبهَا كَانَ أول تحكيمهم واجتماعهم حِين خالفوا عليّاً ح.
قلت: وَرَأَيْت بالدهناء رَملَة وَعْثة يُقَال لَهَا: رَملَة حَرُوراء.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي} (آل عِمرَان: 35) قَالَ أَبُو إِسْحَاق: هَذَا قَول امْرَأَة عمرَان.
وَمعنى {إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا} أَي جعلته خَادِمًا يخْدم فِي متعبّداتنا فَكَانَ ذَلِك جَائِزا لَهُم. وَكَانَ على أَوْلَادهم فرضا أَن يطيعوهم فِي نذرهم. فَكَانَ الرجل ينذِر فِي وَلَده أَن يكون خَادِمًا فِي متعبّدهم ولعُبَّادهم. وَلم يكن ذَلِك النّذر فِي النِّسَاء، إِنَّمَا كَانَ ذَلِك فِي الذُّكُور. فلمَّا ولدت امْرَأَة عمرَان مَرْيَم(3/277)
قَالَت: رب إِنِّي وَضَعتهَا أُنْثَى، وَلَيْسَ الْأُنْثَى ممَّن يصلح للنذر فَجعل الله تَعَالَى من الْآيَات فِي مَرْيَم لِما أَرَادَهُ من أَمر عِيسَى أَن جعلهَا متقبَّلة فِي النّذر. فَقَالَ الله تَعَالَى: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ} (آل عِمرَان: 37) .
وَقَالَ اللَّيْث: المحرَّر: النذيرة. وَكَانَت بَنو إِسْرَائِيل إِذا وُلد لأَحَدهم ولد ربَّما حرَّره أَي جعله نذيرة فِي خدمَة الْكَنِيسَة مَا عَاشَ، لَا يَسعهُ فِي دينهم غيرُ ذَلِك. وَقَول عنترة:
جَادَتْ عَلَيْهِ كل بِكر حرّة
أَرَادَ كل سَحَابَة غزيرة الْمَطَر كَرِيمَة.
وَقَالَ اللَّيْث: تَحْرِير الْكِتَابَة: إِقَامَة حروفها، وَإِصْلَاح السَقَط.
قلت: وتحرير الْحساب إثْبَاته مستوياً، لَا غَلَت فِيهِ وَلَا سَقَط وَلَا محو. وَيجمع الْحر أحراراً وَيجمع الْحرَّة حرائر.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحَرُّ: زجر المعَز. وَأنْشد:
قد تركب حَيْهِ وَقَالَت حَرِّ
ثمَّ أمالت جَانب الخِمَرِّ
عمدا على جَانبهَا الأَيْسرّ
قَالَ والحَيْه: زجر الضَّأْن.
حرح: أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: الحِرُ فِي الأَصْل حِرْح، وَجمعه أحراح. وَقد حَرَحْتُ الْمَرْأَة إِذا أصبْتَ ذَلِك الْمَكَان مِنْهَا. قَالَ: وَرجل حَرِح: يحبّ الأحراح. قَالَ: واستثقلت الْعَرَب حاء قبلهَا حرف سَاكن فحذفوها وشدّدوا الرَّاء. وَرَوى ابْن هانىء عَن أبي زيد أَنه قَالَ: من أمثالهم احْمِلْ حِرَك أودع، قالتها امْرَأَة أدَلّت على زَوجهَا عِنْد الرحيل، تحثّه على حملهَا وَلَو شَاءَت لركبت. وَأنْشد:
كل امرىء يحمي حِرَه
أسوده وأحمره
والشعرات المنفذات مشفره
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الحَرَّة: الظلمَة الْكَبِيرَة. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الحَرَّة: البثرة الصَّغِيرَة.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الحَرّة: الْعَذَاب الموجع. قَالَ: والحرّة: حرارة فِي الْحلق، فَإِن زَادَت فَهِيَ الحَرْوَة ثمَّ الثحثحة، ثمَّ الجَأْز ثمَّ الشَرَق، ثمَّ الفُئُوق، ثمَّ الجَرَض، ثمَّ العَسْف، وَهِي عِنْد خُرُوج الرّوح.
قَالَ وَيُقَال: حَرّ إِذا سخن، وحَرّ إِذا عَتَق وحُرّيَة الْعَرَب أَشْرَافهم. وَقَالَ ذُو الرمّة:
فَصَارَ حَيّاً وطَبَّق بعد خوف
على حُرّية الْعَرَب الهُزالى
أَي على أَشْرَافهم. قَالَ والهُزالَى مثل الكُسَالى. وَيُقَال: أَرَادَ الهُزالى بِغَيْر إمالة. وَيُقَال هُوَ من حُرّيّة قومه أَي من خالصهم. وَأَرْض حُرّيّة: رملية لينَة. والحُرّان: السوادان فِي أَعلَى الْأُذُنَيْنِ.
رح: الأرَحّ من الرِّجَال: الَّذِي يَسْتَوِي باطنُ قدمه، حَتَّى يمسّ جميعُه الأَرْض. وَامْرَأَة رحّاء الْقَدَمَيْنِ. ويستحبّ أَن يكون الرجل خميص الأخمصين، وَالْمَرْأَة كَذَلِك.
وَقَالَ اللَّيْث: الرَحَح: انْبسَاط الْحَافِر، وعِرَض الْقدَم وكل شَيْء كَذَلِك فَهُوَ أَرَحّ.(3/278)
وَقَالَ الْأَعْشَى:
فَلَو أَن عزّ النَّاس فِي رَأس صَخْرَة
ململمة تعيي الأرحّ المخدّما
أَرَادَ بالأرحّ: الوعل، وَصفه بانبساط أظلافه.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: الأرحّ: الْحَافِر العريض، والمصرور: المنقبض. وَكِلَاهُمَا عيب وَأنْشد:
لَا رَحَح فِيهَا وَلَا اصطرار
يَعْنِي: لَا فِيهِ عِرَض مفرط، وَلَا انقباض وضيق وَلكنه وَأب بِقدر مَحْمُود.
رَحْرَحان: اسْم وَاد عريض فِي بِلَاد قيس.
وَقَالَ اللَّيْث: ترحرحت الْفرس إِذا فحَّجَت قَوَائِمهَا لتبول.
وَقَالَ غَيره: طَسْت رحراح: منبسط لَا قَعْر لَهُ. وَكَذَلِكَ كلّ إِنَاء نَحوه. وجفنة رَحّاء: عريضة لَيست بقعيرة.
عَمْرو عَن أَبِيه: إِنَاء رحراح ورَحْرَح، ورَهْرَهٌ ورحرحان ورهرهان.
وَقَالَ أَبُو خيرة: قَصْعَة رَحْرَح ورحرحانيّة: وَهِي المنبسطة فِي سَعَة.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: رَحْرَح الرجلُ إِذا لم يُبَالغ قَعْر مَا يُرِيد، كالإناء الرحراح. قَالَ وعَرّض لي فلَان تعريضاً إِذا رحرح بالشَّيْء وَلم يبيّن.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الرُحُح: الجفان الواسعة. وكِرْكِرة رحّاء: وَاسِعَة. والرَحّة الحَيّة إِذا تطوّت. وَيُقَال: رحرحتَ عَنهُ إِذا سترتَ دونه. وَالله أعلم.
(بَاب الْحَاء وَاللَّام)
(ح ل)
حل، لح، (لحح، حلحل، لحلح) : مستعملات.
حل: قَالَ اللَّيْث: تَقول: حل يَحُلّ حُلولاً: وَذَلِكَ نزُول الْقَوْم بمحلَّة. قَالَ: وَهُوَ نقيض. الارتحال. والمَحَل: نقيض المرتحَل. وَأنْشد بَيت الْأَعْشَى:
إِن مَحَلاًّ وإنّ مرتحلا
وَإِن فِي السفْر مَا مضى مَهَلا
قَالَ اللَّيْث: قلت للخليل: أَلَيْسَ تزْعم أَن الْعَرَب العاربة لَا تَقول: إِن رجلا فِي الدَّار، لَا تبدأ بالنكرة، وَلكنهَا تَقول: إِن فِي الدَّار رجلا. قَالَ: لَيْسَ هَذَا على قِيَاس مَا تَقول، هَذَا حِكَايَة سَمعهَا رجل من رجل: إِن مَحَلاّ وَإِن مرتحلا. ويصف بعد حَيْثُ يَقُول:
هَل تذكر الْعَهْد فِي تَنَمُّصَ إذْ
تضرب لي قَاعِدا بهَا مثلا
إِن مَحَلاّ وَإِن مرتحلا
المَحَلّ: الْآخِرَة، والمرتحَل: الدُّنْيَا. وَأَرَادَ بالسَفْر: الَّذين مَاتُوا فصاروا فِي البرزخ؛ والمَهَل الْبَقَاء والانتظار.
قلت: وَهَذَا صَحِيح من قَول الْخَلِيل، وَهُوَ كَمَا حَكَاهُ عَن اللَّيْث. وَكلما قَالَ: قلت للخليل فَقَالَ، أَو قَالَ: سَمِعت الْخَلِيل فَهُوَ الْخَلِيل بن أَحْمد لَا تَدْلِيس فِيهِ، وَإِذا قَالَ قَالَ الْخَلِيل فَفِيهِ نظر. قلت: وَيكون المَحَلّ الْموضع الَّذِي يُحل بِهِ، وَيكون مصدرا، وَكِلَاهُمَا بِفَتْح الْحَاء؛ لِأَنَّهُمَا من(3/279)