(مُقَدّمَة الْمُؤلف)
قَالَ أَبُو مَنْصُور مُحَمَّد بن أَحْمد بن طَلْحَة بن نوح بن الْأَزْهَر الأزهريّ:
الْحَمد لله ذِي الْحول وَالْقُدْرَة بكلِّ مَا حَمِد بِهِ أقربُ عبادِه إِلَيْهِ، وَأكْرم خلائقه عَلَيْهِ، وأرضى حامدِيه لَدَيْهِ، على مَا أسبغَ علينا مِن نِعمه الظَّاهِرَة والباطنة، وآتاناه من الْفَهم فِي كِتَابه الْمنزل على نبيّ الرَّحْمَة سيد الْمُرْسلين وَإِمَام المتَّقين، محمدٍ صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله الطيبين، صَلَاة زاكية نامية وأزلفَ مقَامه لَدَيْهِ؛ ووفقنا لَهُ من تِلَاوَته، وهدانا إِلَيْهِ من تدبُّر تَنْزِيله، والتفكُّر فِي آيَاته، وَالْإِيمَان بمحكمه ومتشابهه، والبحث عَن مَعَانِيه، والفحص عَن اللُّغَة الْعَرَبيَّة الَّتِي بهَا نزلَ الْكتاب، والاهتداء بِمَا شرعَ فِيهِ ودعا الخلقَ إِلَيْهِ، وأوضحَ الصراطَ المستقيمَ بِهِ؛ إِلَى مَا فضّلنا بِهِ على كثير من أهل هَذَا الْعَصْر فِي معرفَة لُغَات الْعَرَب الَّتِي بهَا نزلَ الْقُرْآن، ووردت سنَّة الْمُصْطَفى النَّبِي المرتضى.
قَالَ جلَّ ثَنَاؤُهُ: {إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (يُوسُف: 2) ، وَقَالَ جلّ وعزّ: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الشُّعَرَاء: 192) {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الاَْمِينُ} (الشُّعَرَاء: 193) {عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} (الشُّعَرَاء: 194) {بِلِسَانٍ عَرَبِىٍّ مُّبِينٍ} (الشُّعَرَاء: 195) . وخاطبَ تَعَالَى نبيَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (النّحل: 44) .
قلت، والتوفيقُ من الله المجيدِ للصَّواب:
نزلَ القرآنُ الكريمُ والمخاطَبون بِهِ قومٌ عَرَب، أولو بيانٍ فاضلٍ، وفهمٍ بارع، أنزلهُ جلّ ذكره بلسانهم، وَصِيغَة كَلَامهم الَّذِي نشئوا عَلَيْهِ، وجُبِلوا على النُّطْق بِهِ، فتدَرّبوا بِهِ يعْرفُونَ وُجُوه خطابه، ويفهمون فنون نظامه، وَلَا يَحْتَاجُونَ إِلَى تعلُّم مشكله وغريب أَلْفَاظه، حاجةَ المولدين الناشئين فِيمَن لَا يعلم لسانَ الْعَرَب حَتَّى يعلَّمَه، وَلَا يفهم ضروبه وَأَمْثَاله، وطرقه وأساليبه، حتّى يفَهَّمَها.
وبيَّن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للمخاطبين من أَصْحَابه ج مَا عَسَى الحاجةُ إِلَيْهِ من معرفةِ بَيَان لمجمل الْكتاب وعامضه، ومتشابهه، وَجَمِيع وجوهه الَّتِي لَا غنى بهم وبالأمّة عَنهُ، فاستغنَوا بذلك عمّا نَحن إِلَيْهِ محتاجون، من معرفَة لُغَات الْعَرَب واختلافها والتبحُّر(1/5)
فِيهَا، وَالِاجْتِهَاد فِي تعلُّم الْعَرَبيَّة الصَّحِيحَة الَّتِي بهَا نزلَ الْكتاب، وَورد الْبَيَان.
فعلينا أَن نجتهدَ فِي تعلُّم مَا يُتوصَّل بتعلمه إِلَى معرفَة ضروب خطاب الْكتاب، ثمَّ السُّنن المبيِّنة لجمل التَّنْزِيل، الموضّحة للتأويل؛ لتنتفيَ عَنَّا الشبهةُ الداخلةُ على كثير من رُؤَسَاء أهل الزَّيْغ والإلحاد، ثمَّ على رُءُوس ذَوي الْأَهْوَاء والبِدَع، الَّذين تأوَّلوا بآرائهم المدخولة فأخطئوا، وتكلَّموا فِي كتاب الله جلّ وعزّ بلكنتهم العجميّةِ دونَ معرفةٍ ثاقبة، فضلُّوا وأضلُّوا.
ونعوذ بِاللَّه من الخِذلان، وإياه نسْأَل التَّوْفِيق للصَّواب فِيمَا قصدناه، والإعانة على مَا توخَّيناه، من النَّصِيحَة لجَماعَة أهلِ دين الله، إنّه خير موفِّقٍ ومعين.
وأخبرَنا أَبُو مُحَمَّد عبد الْملك بن عبد الْوَهَّاب البغويّ عَن الرّبيع بن سُلَيْمَان المراديّ عَن مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي ح أنَّه قَالَ:
(لِسَان الْعَرَب أوسعُ الْأَلْسِنَة مذهبا، وأكثرها ألفاظاً، وَمَا نعلم أحدا يُحِيط بجميعها غير نبيّ، ولكنّها لَا يذهب مِنْهَا شيءٌ على عامَّتها حَتَّى لَا يكون مَوْجُودا فِيهَا. وَالْعلم بهَا عِنْد الْعَرَب كَالْعلمِ بالسنن عِنْد أهل الْفِقْه، لَا نعلم رجلا جمعَ السّنَن كلَّها فَلم يذهبْ عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْء، فَإِذا جمع علم عامّة أهل الْعلم بهَا أَتَى على جَمِيع السّنَن، وَإِذا فرِّق علم كلّ واحدٍ مِنْهُم ذهب على الْوَاحِد مِنْهُم الشَّيْء مِنْهَا، ثمَّ كَانَ مَا ذهب عَلَيْهِ مِنْهَا مَوْجُودا عِنْد غَيره. وهم فِي الْعلم طَبَقَات: مِنْهُم الْجَامِع لأكثره وَإِن ذهبَ عَلَيْهِ بعضه، وَالْجَامِع لأقلَّ ممّا جمع غَيره. فينفرد جملَة الْعلمَاء بجميعها، وهم درجاتٌ فِيمَا وعَوْا مِنْهَا. وَكَذَا لسانُ الْعَرَب عِنْد عامّتها وخاصّتها لَا يذهب مِنْهُ شيءٌ عَلَيْهَا، وَلَا يطْلب عِنْد غَيرهَا، وَلَا يُعلمهُ إلاّ من قَبله عَنْهَا، وَلَا يَشْرَكها فِيهِ إلاّ من اتَّبعها فِي تعلُّمه مِنْهَا، وَمن قبله مِنْهَا فَهُوَ من أهل لسانها، وعِلمُ أَكثر اللِّسَان فِي أَكثر الْعَرَب أعَمّ من علم أَكثر السّنَن فِي أَكثر الْعلمَاء مقدرَة) .
قلت: قد قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى فَأحْسن، وأوضح فبيَّن، ودلّ سياقُ بَيَانه فِيمَا ذَكرْنَاهُ عَنهُ آنِفا وَفِيمَا لم نذكرهُ إيجازاً، على أنّ تعلُّم الْعَرَبيَّة الَّتِي بهَا يُتوصَّل إِلَى تعلم مَا بِهِ تجْرِي الصَّلَاة من تنزيلٍ وذكرٍ، فرضٌ على عامّة الْمُسلمين، وأنّ على الخاصّة الَّتِي تقوم بكفاية الْعَامَّة فِيمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ لدينهم الاجتهادَ فِي تعلُّم لِسَان الْعَرَب ولغاتها، الَّتِي بهَا تَمام التوصُّل إِلَى معرفَة مَا فِي الْكتاب وَالسّنَن والْآثَار، وأقاويل المفسِّرين من الصّحابة وَالتَّابِعِينَ، من الْأَلْفَاظ الغريبةِ والمخاطبات الْعَرَبيَّة فإنَّ من جهل سَعَة لِسَان الْعَرَب وَكَثْرَة ألفاظها، وافتنانها فِي مذاهبها، جَهِل جُمَل علم(1/6)
الْكتاب، وَمن عَلمها ووقَف على مذاهبها، وفهمَ مَا تأوَّله أهل التَّفْسِير فِيهَا، زَالَت عَنهُ الشُّبَه الدَّاخِلَة على مَن جَهِل لسانَها من ذَوي الْأَهْوَاء والبِدع.
وكتابي هَذَا، وَإِن لم يكن جَامعا لمعاني التَّنْزِيل وألفاظ السّنَن كلّها، فَإِنَّهُ يَحُوز جملا من فوائدها، ونُكتاً من غريبها ومعانيها، غير خَارج فِيهَا عَن مَذَاهِب المفسِّرين، ومسالك الْأَئِمَّة المأمونين، من أهل الْعلم وأعلام اللغويّين، المعروفين بالمعرفة الثاقبة والدّين والاستقامة.
وَقد دَعَاني إِلَى مَا جمعتُ فِي هَذَا الْكتاب من لُغَات الْعَرَب وألفاظها، واستقصيتُ فِي تتبُّعٍ مَا حصَّلت مِنْهَا، والاستشهاد بشواهد أشعارها الْمَعْرُوفَة لفصحاء شعرائها، الَّتِي احتجَّ بهَا أهل الْمعرفَة المؤتمنون عَلَيْهَا، خلالٌ ثلاثٌ:
مِنْهَا تَقْيِيد نكتٍ حفظتُها ووعيتُها عَن أَفْوَاه الْعَرَب الَّذين شاهدتهم وأقمت بَين ظهرانيهم سنيَّات، إِذْ كَانَ مَا أثبتَه كثيرٌ من أئمةِ أهل اللُّغَة فِي الْكتب الَّتِي ألّفوها، والنوادر الَّتِي جمعوها لَا ينوبُ منابَ الْمُشَاهدَة، وَلَا يقوم مقَام الدُّربة وَالْعَادَة.
وَمِنْهَا النَّصِيحَة الْوَاجِبَة على أهل الْعلم لجَماعَة الْمُسلمين فِي إفادتهم مَا لعلَّهم يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ. وَقد روينَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (أَلا إِن الدينَ النَّصِيحَة لله ولكتابه ولأئمة الْمُسلمين وعامتهم) .
والخلة الثَّالِثَة هِيَ الَّتِي أَكثر الْقَصْد: أَنِّي قَرَأت كتبا تصدَّى مؤلفوها لتَحْصِيل لُغَات الْعَرَب فِيهَا، مثل كتاب (الْعين) الْمَنْسُوب إِلَى الْخَلِيل، ثمَّ كتب من احتذى حَذْوَه فِي عصرنا هَذَا. وَقد أخلَّ بهَا مَا أَنا ذاكره من دَخَلها وعَوارها بعقب ذكرى الأئمةِ المتقنين وعلماء اللُّغَة المأمونين على مَا دوّنوه من الْكتب وأفادوا، وحصَّلوا من اللُّغَات الصَّحِيحَة الَّتِي روَوها عَن الْعَرَب، واستخرجوها من دواوين الشُّعَرَاء المعروفين وحفظوها عَن فصحاء الْأَعْرَاب.
وألفيت طلاب هَذَا الشَّأْن من أَبنَاء زَمَاننَا لَا يعْرفُونَ من آفَات الْكتب المصحَّفة المدخولة مَا عرفتُه، وَلَا يميزون صحيحها من سقيمها كَمَا ميزتُه. وَكَانَ من النَّصِيحَة الَّتِي التزمتُها توخِّياً للمثوبة من الله عَلَيْهَا، أَن أنصحَ عَن لُغَة الْعَرَب ولسانها العربيّ الَّذِي نزل بِهِ الْكتاب، وَجَاءَت السّنَن والْآثَار، وَأَن أهذّبها بجهدي غَايَة التَّهْذِيب، وأدلَّ على التَّصْحِيف الْوَاقِع فِي كتب المتحاذقين، والمُعْوِر من التَّفْسِير المزال عَن وَجهه، لِئَلَّا يغترّ بِهِ من يجهله، وَلَا يعتمده من لَا يعرفهُ.
وَكنت منذُ تعاطيتُ هَذَا الفنَّ فِي حداثتي إِلَى أَن بلغتُ السّبْعين، مُولَعا بالبحث(1/7)
عَن الْمعَانِي وَالِاسْتِقْصَاء فِيهَا، وَأَخذهَا من مظانها، وإحكام الْكتب الَّتِي تأتَّى لي سماعُها من أهل الثبت وَالْأَمَانَة للأئمة المشهّرين، وَأهل الْعَرَبيَّة المعروفين.
وَكنت امتُحنت بالإسار سنةَ عارضتِ القرامطةُ الحاجَّ بالهبير، وَكَانَ القومُ الَّذين وقعتُ فِي سهمهم عربا عامتهم من هوَازن، وَاخْتَلَطَ بهم أصرامٌ من تَمِيم وَأسد بالهبير نشئوا فِي الْبَادِيَة يتتبعون مساقط الْغَيْث أيامَ النُّجَع، ويرجعون إِلَى أعداد الْمِيَاه، ويرعون النَّعمَ ويعيشون بألبانها، ويتكلمون بطباعهم البدوية وقرائحهم الَّتِي اعتادوها، وَلَا يكَاد يَقع فِي منطقهم لحنٌ أَو خطأ فَاحش. فَبَقيت فِي إسارهم دهراً طَويلا.
وَكُنَّا نتشتَّى الدَّهناء، ونتربع الصَّمَّان، ونتقيَّظ السِّتارَين، واستفدت من مخاطباتهم ومحاورة بَعضهم بَعْضًا ألفاظاً جمّة ونوادر كَثِيرَة، أوقعتُ أَكْثَرهَا فِي مواقعها من الْكتاب، وستراها فِي موضعهَا إِذا أتَتْ قراءتك عَلَيْهَا إِن شَاءَ الله.(1/8)
(بَاب ذكر الْأَئِمَّة الَّذين اعتمادي عَلَيْهِم فِيمَا جمعت فِي هَذَا الْكتاب)
فأولهم أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء: أَخذ عَنهُ البصريون والكوفيون من الْأَئِمَّة الَّذين صنّفوا الْكتب فِي اللُّغَات وَعلم الْقُرْآن والقراءات. وَكَانَ من أعلم النَّاس بِأَلْفَاظ الْعَرَب ونوادر كَلَامهم، وفصيح أشعارهم وَسَائِر أمثالهم.
وحَدثني أَبُو الْفضل مُحَمَّد بن أبي جَعْفَر المنذريّ الْعدْل قَالَ: أَخْبرنِي أَبُو الْحسن الصَّيْدَاوِيُّ عَن الرياشيّ أَنه سمع الأصمعيّ يَقُول: سَمِعت أَبَا عَمْرو بن الْعَلَاء يَقُول: مَا فِي الدُّنْيَا أحد إلاّ وَأَنا أعلمُ بالشعر مِنْهُ.
قَالَ أَبُو الْحسن الصيَّداوي: فَأخْبرت أَبَا حَاتِم السجسْتانِي بذلك فَقَالَ: فَلم لم يقل الرياشيّ: وَلَا فِي الدُّنْيَا أحد إلاّ وَأَنا أعلم بالشعر مِنْهُ؟ مَنعه من ذَلِك التَّقْوَى والزُّهد والصيانة.
قَالَ: وَسمعت الرياشيّ يَقُول: سَمِعت الأصمعيّ يَقُول: سَأَلت أَبَا عَمْرو بن الْعَلَاء عَن ثَمَانِيَة آلَاف مَسْأَلَة، وَمَا مَاتَ حَتَّى أخذَ عنّي.
وحدَّثني أَبُو مُحَمَّد المزنيّ عَن أبي خَليفَة عَن مُحَمَّد بن سلاّم الجمحيّ أَنه قَالَ: كَانَ عبد الله بن أبي إِسْحَاق الْحَضْرَمِيّ أوّل من بعج النَّحْو ومدَّ القياسَ والعلل، وَكَانَ مَعَه أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء، وَبَقِي بعده بَقَاء طَويلا. قَالَ: وَكَانَ ابْن أبي إِسْحَاق أشدّ تجريداً للْقِيَاس، وَكَانَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء أوسعَ علما بِكَلَام الْعَرَب وغريبها. قَالَ: وَكَانَ بِلَال بن أبي بردة جمع بَينهمَا بِالْبَصْرَةِ وَهُوَ والٍ عَلَيْهَا زمن هِشَام بن عبد الْملك.
قَالَ مُحَمَّد بن سَلام: قَالَ يُونُس: قَالَ أَبُو عَمْرو: فغلبني ابْن أبي إِسْحَاق يَوْمئِذٍ بِالْهَمْز فَنَظَرت فِيهِ بعد ذَلِك وبالغت فِيهِ.
قَالَ: وَكَانَ عِيسَى بن عمر أَخذ عَن ابْن أبي إِسْحَاق، وَأخذ يونسُ عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء، وَكَانَ مَعَهُمَا مسلمة بن عبد الله بن سعد بن مُحارب الفِهري. وَكَانَ(1/9)
حمّاد بن الزبْرِقَان، وَيُونُس يفضّلانه.
وَأَخْبرنِي أَبُو مُحَمَّد عَن أبي خَليفَة عَن مُحَمَّد بن سَلام أَنه قَالَ: سمعتُ يُونُس يَقُول: لَو كَانَ أحدٌ يَنْبَغِي أَن يُؤْخَذ بقوله كُله فِي شَيْء كَانَ يَنْبَغِي لقَوْل أبي عَمْرو بن الْعَلَاء فِي الْعَرَبيَّة أَن يؤخذَ كلُّه، وَلَكِن ليسَ من أحدٍ إلاّ وَأَنت آخذٌ من قَوْله وتارك.
وَقَالَ يُونُس: كَانَ أَبُو عَمْرو أشدَّ تَسْلِيمًا للْعَرَب، وَكَانَ ابْن أبي إِسْحَاق وَعِيسَى يطعنان عَلَيْهِم.
قلت: وَمن هَذِه الطَّبَقَة خلفٌ الْأَحْمَر: أَخْبرنِي أَبُو بكر الْإِيَادِي عَن شمر عَن أبي عُبيد عَن الأصمعيّ قَالَ: سَمِعت خلفا الْأَحْمَر يَقُول: سمعتُ العربَ تُنشِد بَيت لبيد:
بأخِرّة الثَّلبوتِ يربأ فَوْقهَا
قفرَ المراقب خوفُها آرامها
قَالَ أَبُو عبيد: وخلفٌ الْأَحْمَر معلم الأصمعيّ ومعلِّم أهل الْبَصْرَة.
وَقَالَ الأصمعيّ: كَانَ خلفٌ مولى أبي بردة بن أبي مُوسَى، أعتقَ أبوَيه، وَكَانَا فرغانيين، وَكَانَ يَقُول الشّعْر فيُجيد، وَرُبمَا قَالَ الشعرَ فنحلهُ الشعراءَ المتقدِّمين فَلَا يتَمَيَّز من شعرهم، لمشاكلة كَلَامه كَلَامهم.
وَأَخْبرنِي أَبُو مُحَمَّد عَن أبي خَليفَة عَن مُحَمَّد بن سَلام أَنه قَالَ:
كَانَ الْخَلِيل بن أَحْمد: وَهُوَ رجلٌ من الأزد من فراهيد قَالَ: وَيُقَال رجلٌ فراهيديّ. وَكَانَ يُونُس يَقُول فُرهوديّ مثل قُردوسيّ قَالَ: فاستخرجَ من الْعرُوض واستنبط مِنْهُ وَمن علله مَا لم يَسْتَخْرِجهُ أحد، وَلم يسْبقهُ إِلَى علمه سابقٌ من الْعلمَاء كلهم.
قَالَ ابْن سَلام: وَكَانَ خلف بن حيَّان أَبُو مُحرز وَهُوَ خلفٌ الْأَحْمَر أجمعَ أَصْحَابنَا أَنه كَانَ أفرسَ النَّاس بِبَيْت شعر وأصدقه لِسَانا؛ كنَّا لَا نبالي إِذا أَخذنَا عَنهُ خَبرا أوّ أنشدَنا شعرًا ألاَّ نَسْمَعهُ من صَاحبه.
وَمن هَذِه الطَّبَقَة الْمفضل بن مُحَمَّد الضبيّ الْكُوفِي: وَكَانَ الغالبُ عَلَيْهِ رِوَايَة الشّعْر وَحفظ الْغَرِيب.
وحدّثني أَبُو مُحَمَّد عَن أبي خَليفَة عَن مُحَمَّد بن سلاّم أَنه قَالَ: أعلمُ من وردَ علينا من أهل الْبَصْرَة المفضَّل بن مُحَمَّد الضبيّ.
وروى غَيره أنَّ سُلَيْمَان بن عليَ الهاشميَّ جمعَ بِالْبَصْرَةِ بَين الْمفضل وَبَين(1/10)
الأصمعيّ، فَأَنْشد الْمفضل قَول أَوْس بن حجر:
أيتها النَّفس أجمِلي جزَعا
إنَّ الَّذِي تحذرين قد وَقعا
وفيهَا:
وَذَات هِدمٍ عارٍ نواشرُها
تصمتُ بِالْمَاءِ تولباً جذَعا
فَفطن الأصمعيّ لخطئه، وَكَانَ أحدث سنًّا مِنْهُ فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ (توَلبا جذَعا) وَأَرَادَ تَقْرِيره على الْخَطَأ، فَلم يفْطن الْمفضل لمراده فَقَالَ: كَذَلِك أنشدتهُ، فَقَالَ لَهُ الْأَصْمَعِي حينئذٍ: أخطأتَ، إِنَّمَا هُوَ (تولباً جدِعاً) فَقَالَ الْمفضل: جذَعا جذعا وَرفع صَوته فَقَالَ لَهُ الأصمعيُّ: لَو نفختَ فِي الشبُّور مَا نفعك تكلم كلامَ النملِ وأصبْ، إِنَّمَا هُوَ (جدِعا) . فَقَالَ سليمانُ الْهَاشِمِي: اختارا من نجعله بَيْنكُمَا. فاتّفقا على غُلَام من بني أسدٍ حافظٍ للشعر، فبعثَ سليمانُ إِلَيْهِ من أحضرهُ، فعرضا عَلَيْهِ مَا اخْتلفَا فِيهِ فصدَّق الأصمعيَّ وصوَّب قَوْله، فَقَالَ لَهُ الْمفضل: وَمَا الجَدِع؟ قَالَ: السيء الغِذاء.
قلت: وَهَذَا هُوَ فِي كَلَام الْعَرَب، يُقَال: أجدعتْه أمه، إِذا أساءت غذاءه.
(الطَّبَقَة الثَّانِيَة)
وَمن الطَّبَقَة الَّذين خلفوا هَؤُلَاءِ الَّذين قدَّمنا ذكرَهم وَأخذُوا عَن هَؤُلَاءِ الَّذين تقدَّموهم خَاصَّة وَعَن الْعَرَب عامَّة، وعُرفوا بالصِّدق فِي الرِّوَايَة، والمعرفة الثاقبة، وَحفظ الشّعْر وَأَيَّام الْعَرَب:
أَبُو زيدٍ سعيد بن أَوْس الْأنْصَارِيّ؛ وَأَبُو عَمْرو إِسْحَاق بن مُرَاد الشَّيْبَانِيّ مولى لَهُم، وَأَبُو عُبَيْدَة معمر بن المثنَّى التَّيْمِيّ من تيم قريشٍ مولى لَهُم؛ وَأَبُو سعيد عبد الْملك بن قُريب الأصمعيّ؛ وَأَبُو مُحَمَّد يحيى بن الْمُبَارك اليزيديّ، وَإِنَّمَا سمي اليزيدي لِأَنَّهُ كَانَ يُؤَدب ولد يزِيد بن مَنْصُور الحميريّ خَال الْمهْدي، وَلَا يقدَّم عَلَيْهِ أحدٌ من أَصْحَاب أبي عَمْرو بن الْعَلَاء فِي الضَّبْط لمذاهبه فِي قراءات الْقُرْآن.
وَمن هَذِه الطَّبَقَة من الْكُوفِيّين: أَبُو الْحسن عَليّ بن حَمْزَة الْكسَائي: وَعنهُ أَخذ أَبُو زَكَرِيَّا يحيى بن زِيَاد الفرَّاء النَّحْو والقراءاتِ والغريبَ والمعاني، فتقدَّم جَمِيع تلامدته الَّذين أخذُوا عَنهُ، إلاّ عليّ بن الْمُبَارك الْأَحْمَر، فَإِنَّهُ كَانَ مقدَّماً على الفرَّاء فِي حَيَاة الْكسَائي لجودة قريحته وتقدّمه فِي علل النَّحْو ومقاييسه. وأسرع إِلَيْهِ الموتُ فِيمَا ذكر أَبُو مُحَمَّد سَلمَة بن عَاصِم، وبقيَ الفرَّاء بعده بَقَاء طَويلا فبرَّز على جَمِيع من كَانَ فِي عصره.(1/11)
وَمن هَذِه الطَّبَقَة: أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن سعيد: أَخُو يحيى بن سعيدٍ الأمويّ الَّذِي يروي عَنهُ أَبُو عبيدٍ، وَكَانَ جَالس أعراباً من بني الْحَارِث بن كَعْب، وسألهم عَن النَّوَادِر والغريب، وَكَانَ مَعَ ذَلِك حَافِظًا للْأَخْبَار وَالشعر وَأَيَّام الْعَرَب.
وَمن هَذِه الطَّبَقَة: النَّضر بن شُميل الْمَازِني: سكن الْبَصْرَة وَأقَام بهَا دهراً طَويلا، وَسمع الحَدِيث وجالس الخليلَ بن أَحْمد، وَأَبا خَيرة الأعرابيَّ، وَأَبا الدُّقيش، واستكثر عَنْهُم.
وَمِنْهُم: أَبُو الْحسن سعيد بن مسْعدَة الْمَعْرُوف بالأخفش: وَكَانَ الْغَالِب عَلَيْهِ النَّحْو ومقاييسه، وَلم يكن حَافِظًا للغريب وَلَا مُلحقاً بطبقته الَّتِي ألحقناه بهَا فِي معرفَة الشّعْر والغريب.
وَمِنْهُم: أَبُو مَالك عَمْرو بنِ كِرْكِرَة: وَكَانَ الْغَالِب عَلَيْهِ النَّوَادِر والغريب.
فَأَما أَبُو زيد سعيد بن أَوْس الأنصاريّ: فَإِنَّهُ سمع من أبي عَمْرو بن الْعَلَاء الْقرَاءَات وجَمعها، وَرَوَاهَا عَنهُ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ وَغَيره، وَهُوَ كثير الرِّوَايَة عَن الأَعراب، وَقَرَأَ دواوين الشُّعَرَاء على الْمفضل بن مُحَمَّد الضبيّ، وجالس أَبَا الدُّقيش الأعرابيّ، ويونسَ النحويّ وَأَبا خيرةَ العدويّ. وَالْغَالِب عَلَيْهِ النَّوَادِر والغريب؛ وَله فضلُ معرفةٍ بمقاييس النَّحْو، وَعلم الْقُرْآن وَإِعْرَابه. روى عَنهُ أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سلاَّم ووثّقه. وروى عَنهُ أَبُو حَاتِم السِّجزي وقدّمه واعتد بروايته عَنهُ. وروى عَنهُ أَبُو عبد الرَّحْمَن عبد الله بن مُحَمَّد بن هَانِيء النيسابوريُّ النوادرَ وَالشعر، وَرُبمَا جمع بَينه وَبَين أبي مَالك عَمْرو بن كِرْكِرة فِيمَا يرْوى عَنْهُمَا من الْأَمْثَال والغريب والألفاظ.
وَلأبي زيد من الْكتب الْمُؤَلّفَة كتاب (النَّوَادِر الْكَبِير) ، وَهُوَ كتابٌ جامعٌ للغرائب الْكَثِيرَة والألفاظ النادرة والأمثال السائرة والفوائد الجمَّة. وَله (كتابٌ فِي النَّحْو) كَبِير، وَله (كتابٌ فِي الْهَمْز) ، وكتابٌ فِي (مَعَاني الْقُرْآن) ، وكتابٌ فِي (الصِّفَات.
وروى أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى عَن أبي نجْدة عَن أبي زيد الْأنْصَارِيّ، أَخْبرنِي بذلك الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْعَبَّاس. وروَى أَيْضا عَن أبي إِسْحَاق الحرْبي عَن أبي عدنان عَنهُ. وروى أَبُو عمر الورّاق عَن أبي الْعَبَّاس عَن ابْن نجدة عَن أبي زيد شَيْئا كثيرا.
وحدّثني الْمُنْذِرِيّ عَن أبي بكر الطلحي قَالَ: حدّثني عسْل بن ذَكوان الْبَصْرِيّ عَن رُفيع بن سَلمَة عَن أبي زيد أَنه قَالَ: دخلتُ على أبي الدُّقيش الأعرابيّ وَهُوَ مريضٌ فَقلت: كَيفَ تجدُك يَا أَبَا الدُّقيش؟ فَقَالَ: أجد مَا لَا أشتهي، وأشتهي مَا لَا أجد، وَأَنا فِي زمَان سوءٍ، زمَان من وجد لم يجُد، وَمن جاد لم يَجدْ.(1/12)
وَمَا كَانَ فِي كتابي لأبي عبيد عَنهُ، فَمَا كَانَ مِنْهُ فِي تَفْسِير (غَرِيب الحَدِيث) فَهُوَ مِمَّا أَخْبرنِي بِهِ عبد الله بن هاجَك عَن أَحْمد بن عبد الله بن جَبَلَة عَن أبي عبيد. وَمَا كَانَ فِيهِ من الْغَرِيب والنوادر فَهُوَ مِمَّا أَخْبرنِي أَبُو بكر الْإِيَادِي عَن شِمر لأبي عبيد عَنهُ. وَمَا كَانَ فِيهِ من الْأَمْثَال فَهُوَ مِمَّا أَقْرَأَنِيهِ الْمُنْذِرِيّ وَذكر أَنه عرضه على أبي الْهَيْثَم الرازيّ. وَمَا كَانَ فِيهِ من (نَوَادِر أبي زيد) فَهُوَ من (كتاب ابْن هَانِيء) عَنهُ. وَمَا كَانَ فِي كتابي لأبي حَاتِم فِي الْقُرْآن عَن أبي زيد فَهُوَ مِمَّا سمعتُه من أبي بكر بن عُثْمَان السِّجزي، حَدثنَا بِهِ عَن أبي حَاتِم. وأفادني الْمُنْذِرِيّ عَن ابْن اليزيدي عَنهُ فَوَائِد فِي الْقُرْآن ذكرتها فِي موَاضعهَا من الْكتاب.
وَأما أَبُو عَمْرو الشَّيباني: فاسمُه إِسْحَاق بن مُراد: وَكَانَ يُقَال لَهُ أَبُو عَمْرو الْأَحْمَر جاورَ بني شَيبَان بِالْكُوفَةِ فنُسب إِلَيْهِم، ثمّ قدم بَغْدَاد وَسمع مِنْهُ أَبُو عبيدٍ وروى عَنهُ الكثيرَ ووثّقه. وَكَانَ قَرَأَ دواوين الشِّعر على الْمفضل الضَّبِّيّ، وسمعها مِنْهُ أَبُو حسان، وَابْنه عَمْرو بن أبي عَمْرو. وَكَانَ الْغَالِب عَلَيْهِ النوادرَ وحفظَ الْغَرِيب وأراجيز الْعَرَب. وَله كتابٌ كَبِير فِي (النَّوَادِر) قد سَمعه أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى من ابْنه عَمْرو عَنهُ. وَسمع أَبُو إِسْحَاق الحربيُّ هَذَا الْكتاب أَيْضا من عَمْرو بن أبي عَمْرو. وسمعتُ أَبَا الْفضل الْمُنْذِرِيّ يروي عَن أبي إِسْحَاق عَن عَمْرو بن أبي عمروٍ جملَة من الْكتاب، وأودعَ أَبُو عُمرَ الورَّاقُ كِتَابه أكثرَ نوادره. رَوَاهَا عَن أَحْمد بن يحيى عَن عَمْرو عَن أَبِيه.
وَكَانَ أَبُو عمروٍ عمّر عُمراً طَويلا، نَيف على الْمِائَة، وروى عَنهُ ابْن السّكيت وَأَبُو سعيد الضَّرِير وَغَيرهمَا، وَكَانَ ثِقَة صَدُوقًا.
وَأما أَبُو عُبَيْدَة معْمر بن المثنَّى: فَإِن أَبَا عبيدٍ ذكر أَنه تيميٌّ من تيم قُرَيْش، وَأَنه مولى لَهُم، وَكَانَ أَبُو عبيدٍ يوثقه وَيكثر الرِّوَايَة عَنهُ فِي كتبه.
فَمَا كَانَ فِي كتابي لأبي عبيد عَنهُ فِي (غَرِيب الحَدِيث) فَهُوَ مِمَّا حَدثنِي بِهِ عبد الله بن هاجَك عَن ابْن جبلة عَن أبي عبيد، وَمَا كَانَ من الصِّفَات والنوادر فَهُوَ مِمَّا أَخْبرنِي بِهِ الْإِيَادِي عَن شمر لأبي عبيد عَنهُ، وَمَا كَانَ من (غَرِيب الْقُرْآن) فَهُوَ مِمَّا أسمعنيه الْمُنْذِرِيّ عَن أبي جَعْفَر الغسانيِّ عَن سَلمَة عَن أبي عُبَيْدَة.
وَله كتابٌ فِي (الْخَيل وصفاتها) ، ناولنيه أَبُو الْفضل الْمُنْذِرِيّ، وَذكر أَنه عرضه على أبي الْهَيْثَم الرَّازِيّ. وَله كتبٌ كَثِيرَة فِي أَيَّام الْعَرَب ووقائعها، وَكَانَ الْغَالِب عَلَيْهِ الشّعْر، والغريب وأخبار الْعَرَب، وَكَانَ مُخلاً بالنحو كثير الْخَطَأ، وَكَانَ مَعَ ذَلِك مغرًى بنشر مثالب الْعَرَب، جَامعا لكل غثَ وسمين، وَهُوَ مذمومٌ من هَذِه الْجِهَة، وموثوق بِهِ(1/13)
فِيمَا يروي عَن الْعَرَب من الْغَرِيب.
وَأما أَبُو سعيد عبد الْملك بن قُرَيب الْأَصْمَعِي: فإنَّ أَبَا الْفضل المنذريَّ أَخْبرنِي عَن أبي جَعْفَر الغساني عَن أبي مُحَمَّد سَلمة بن عَاصِم أَنه قَالَ: كَانَ الْأَصْمَعِي أذكى من أبي عُبَيْدَة وأحفظ للغريب مِنْهُ، وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَة أَكثر رِوَايَة مِنْهُ. قَالَ: وَكَانَ هَارُون الرشيد استخلص الْأَصْمَعِي لمجلسه، وَكَانَ يرفعهُ على أبي يُوسُف القَاضِي ويجيزه بجوائز كَثِيرَة. وَكَانَ أَكثر علمه على لِسَانه.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن الصَّيْدَاوِيُّ عَن الرياشيّ قَالَ: سمعتُ الأصمعيَّ يَقُول: خير الْعلم مَا حاضرت بِهِ. قَالَ: وَكَانَ شَدِيد التوقِّي لتفسير الْقُرْآن، صَدُوقًا صَاحب سنة، عمّرَ نيفاً وَتِسْعين سنة، وَله عقب. وَأَبُو عبيدٍ كثير الرِّوَايَة عَنهُ. وَمن رُوَاته أَبُو حَاتِم السجسْتانِي وَأَبُو نصر الْبَاهِلِيّ صاحبُ كتاب (الْمعَانِي) .
وَكَانَ أمْلى بِبَغْدَاد كتابا فِي (النَّوَادِر) فَزِيد عَلَيْهِ مَا لَيْسَ من كَلَامه. فَأَخْبرنِي أَبُو الْفضل الْمُنْذِرِيّ عَن أبي جَعْفَر الغسانيّ عَن سَلمَة قَالَ:
جَاءَ أَبُو ربيعَة صَاحب عبد الله بن ظَاهر صديقُ أبي السمراء، بِكِتَاب (النَّوَادِر) الْمَنْسُوب إِلَى الْأَصْمَعِي فَوَضعه بَين يَدَيْهِ، فَجعل الْأَصْمَعِي ينظر فِيهِ، فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا كَلَامي كُله، وَقد زِيد فِيهِ عليَّ، فَإِن أَحْبَبْتُم أَن أعْلِم على مَا أحفظه مِنْهُ وأضرب على الْبَاقِي فعلتُ وإلاّ فَلَا تقرءوه. قَالَ سَلمَة بن عَاصِم: فَأعْلم الْأَصْمَعِي على مَا أنكر من الْكتاب، وَهُوَ أرجحُ من الثُّلُث، ثمَّ أمرَنا فنسخناه لَهُ.
وَجمع أَبُو نصر عَلَيْهِ كتاب (الْأَجْنَاس) ، إلاّ أَنه ألحق بأبوابه حروفاً سَمعهَا من أبي زيد وَأتبعهُ بِأَبْوَاب لأبي زيد خَاصَّة.
وَله كتابٌ فِي (الصِّفَات) يشبه كَلَامه، غير أَن الثقاتِ لم يرووه عَنهُ.
وروى أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى عَن أبي نصر عَن الأصمعيّ نَوَادِر وأمثالاً وأبياتاً من الْمعَانِي؛ وَذكر أنَّ أَبَا نصر ثِقَة، وَأَبُو إِسْحَاق الْحَرْبِيّ كثير الرِّوَايَة عَن أبي نصر.
وَمَا وَقع فِي كتابي لأبي عبيد عَن الْأَصْمَعِي فَمَا كَانَ مِنْهُ فِي تَفْسِير (غَرِيب الحَدِيث) فَهُوَ مِمَّا أَخْبرنِي عبد الله بن مُحَمَّد بن هاجَك عَن أَحْمد بن عبد الله عَن أبي عبيد. وَمَا كَانَ مِنْهَا فِي (الصِّفَات) و (النَّوَادِر) والأبواب المتفرقة فَهُوَ مِمَّا أَخْبرنِي بِهِ أَبُو بكر الْإِيَادِي عَن شِمر(1/14)
لأبي عبيد.
وَمَا وَقع فِي كتابي لإِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ عَن أبي نصر عَن الْأَصْمَعِي فَهُوَ مِمَّا أفادنيه الْمُنْذِرِيّ عَن الْحَرْبِيّ. وَمَا كَانَ من جِهَة أَحْمد بن يحيى رِوَايَة عَن أبي نصر عَن الْأَصْمَعِي فَهُوَ من كتاب أبي عمر الورَّاق.
وَمَا رَأَيْت فِي رِوَايَته شَيْئا أنكرته.
وَأما أَبُو الْحسن عليّ بن حَمْزَة الْكسَائي: فَإِن أَبَا الْفضل الْمُنْذِرِيّ حَدثنِي عَن أبي جَعْفَر الغسانيّ عَن أبي عُمَر المقرىء أَنه قَالَ: كَانَ الكسائيّ قَرَأَ الْقُرْآن على حَمْزَة الزّيات فِي حداثته، وَكَانَ يخْتَلف إِلَيْهِ، وأُولع بالعلل وَالْإِعْرَاب، وَكَانَت قبائل الْعَرَب مُتَّصِلَة بِظَاهِر الْكُوفَة، فَخرج إِلَيْهِم وسمِع مِنْهُم اللغاتِ والنوادر، أَقَامَ مَعَهم شهرا وتزيا بزيِّهم، ثمَّ عَاد إِلَى الْكُوفَة وحضرَ حمزَةَ وَعَلِيهِ شَمْلتان قد ائتزر بِإِحْدَاهُمَا وارتدى الْأُخْرَى، فَجَثَا بَين يَدَيْهِ وَبَدَأَ بِسُورَة يُوسُف، فَلَمَّا بلغ {الذِّئْبُ} (يُوسُف: 13) لم يهمز وهمزَ حمزةُ، فَقَالَ الكسائيّ: يُهمَز وَلَا يُهمَز. فَسكت عَنهُ فَلَمَّا فرغَ من قِرَاءَته قَالَ لَهُ حَمْزَة: إنّي أشبه قراءتك بِقِرَاءَة فَتى كَانَ يأتينا يُقَال لَهُ عَليّ بن حَمْزَة. فَقَالَ الكسائيّ: أَنا هُوَ. قَالَ: تَغيَّرتَ بعدِي فأينَ كنت؟ قَالَ: أتيتُ الْبَادِيَة وَكَانَ فِي نَفسِي أشياءُ سألتُ الْعَرَب عَنْهَا ففرَّجوا عني، فلمّا دخلتُ الْمَسْجِد لم تَطِب نَفسِي أَن أجوز المسجدَ حَتَّى أسلم عَلَيْك.
قَالَ أَبُو عُمر: ثمّ دخل بَغْدَاد أيامَ المهديّ، وطُلب فِي شهر رَمَضَان قارىء يقْرَأ فِي دَار أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي التَّرَاوِيح، فذُكر لَهُ الكسائيُّ، فصلَّى بِمن فِي الدَّار، ثمَّ أُقعِدَ مؤدباً لِابْنِ أَمِير الْمُؤمنِينَ، وَأمر لَهُ بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم وَكِسْوَة وبرّ، وَدَار وبرذون.
قَالَ أَبُو جَعْفَر: وَكَانَ الْكسَائي مولى بني أسَد. وَلما نَهَضَ هَارُون الرشيد إِلَى خُرَاسَان أنهضه مَعَه، فَكَانَ يزاملهُ فِي سَفَره، وَلما انْتهى إِلَى الريّ ماتَ بهَا.
قلت: وللكسائيّ كتابٌ فِي (مَعَاني الْقُرْآن) حسنٌ، وَهُوَ دونَ كتاب الْفراء فِي (الْمعَانِي) وَكَانَ أَبُو الْفضل المنذريّ ناولَني هَذَا الْكتاب وَقَالَ فِيهِ: أخبرتُ عَن مُحَمَّد بن جَابر، عَن أبي عُمر عَن الكسائيّ. وَله كتابٌ فِي (قراءات الْقُرْآن) ، قرأته على أَحْمد بن عليّ بن رَزِين وَقلت لَهُ: حدّثكم عبد الرَّحِيم بن حبيب عَن الكسائيّ. فأقرَّ بِهِ إِلَى آخِره. وَله كتابٌ فِي (النَّوَادِر) رَوَاهُ لنا الْمُنْذِرِيّ عَن أبي طَالب عَن أَبِيه عَن الْفراء عَن الْكسَائي.
فَمَا كَانَ فِي كتابي لسَلمَة عَن الفرّاء عَن الْكسَائي فَهُوَ من هَذِه الْجِهَة، وَمَا كَانَ فِيهِ لأبي عبيدٍ عَن الكسائيّ فَهُوَ مِمَّا أسمعنيه الإياديّ عَن شِمر لأبي عبيد، أَو أسمعنيه ابْن هاجَك عَن ابْن جبلة عَن أبي عبيد فِي (غَرِيب الحَدِيث) .(1/15)
وَكَانَ الْغَالِب على الكسائيّ اللغاتِ والعِللَ وَالْإِعْرَاب، وعلْم الْقُرْآن وَهُوَ ثِقَة مَأْمُون، واختياراته فِي حُرُوف الْقُرْآن حَسَنَة، وَالله يغْفر لنا وَله.
وَأما أَبُو مُحَمَّد يحيى بن المبارَك اليزيدي: فَإِنَّهُ جالسَ أَبَا عَمْرو بن الْعَلَاء دهراً، وَحفظ حروفَه فِي الْقُرْآن حِفظاً زيْناً، وَضبط مذاهبه فِيهَا ضبطاً لَا يتقدمه أحد من أَصْحَاب أبي عَمْرو. وَكَانَ فِي النَّحْو والعلل ومقاييسها مبرِّزاً، وجالسَه أَبُو عبيد فاستكثَر عَنهُ.
وأقرأني الإياديّ عَن شِمر لأبي عبيدٍ عَن اليزيدي أَنه قَالَ: سَأَلَني المهديّ وَسَأَلَ الكسائيّ عَن النِّسْبَة إِلَى الْبَحْرين، وَعَن النِّسْبَة إِلَى حصْنَين لم قَالُوا رجل حصْنيّ وَرجل بحرانيّ؟ قَالَ: فَقَالَ الكسائيّ: كَرهُوا أَن يَقُولُوا حِصْناني لِاجْتِمَاع النُّونين. قَالَ: وَقلت أَنا: كَرهُوا أَن يَقُولُوا بحريّ فَيُشبه النِّسْبَة إِلَى الْبَحْر.
قَالَ شِمر: وَقَالَ اليزيديُّ بَيْتا فِي الكسائيّ:
إِن الكسائيَّ وَأَصْحَابه
ينحطُّ فِي النَّحْو إِلَى أَسْفَل
ولليزيديّ كتابٌ فِي (النَّحْو) ، وكتابٌ فِي (الْمَقْصُور والممدود) ، وَبَلغنِي أنّ لَهُ كتابا فِي (النَّوَادِر) ، وَهُوَ فِي الْجُمْلَة ثِقَة مَأْمُون حسنُ الْبَيَان جيّد الْمعرفَة، أحدُ الْأَعْلَام الَّذين شُهِروا بِعلم اللُّغَات وَالْإِعْرَاب.
وَأما النَّضر بن شُمَيل المازنيّ: فإنّه لزمَ الخليلَ بن أَحْمد أعواماً، وَأقَام بِالْبَصْرَةِ دهراً طَويلا. وَكَانَ يدخُل المِرْبَد وَيلقى الْأَعْرَاب ويستفيد من لغاتهم وَقد كتب الحديثَ ولقيَ الرِّجال. وَكَانَ ورِعاً ديِّناً صَدُوقًا. وَله مصنفاتٌ كَثِيرَة فِي (الصِّفَات) و (الْمنطق) و (النَّوَادِر) . وَكَانَ شِمْر بن حَمْدُويةَ صرفَ اهتمامه إِلَى كتبه فسمِعها من أَحْمد بن الحَريِش، القَاضِي كانَ بَهرَاةَ أَيَّام الطاهرية.
فَمَا عَزَيت فِي كتابي إِلَى ابْن شُميل فَهُوَ من هَذِه الْجِهَة، إلاّ مَا كَانَ مِنْهَا فِي تَفْسِير (غَرِيب الحَدِيث) ، فإنّ تِلْكَ الْحُرُوف رَوَاهَا عَن النَّضر أَبُو دَاوُد سُليمان بن سَلْم المصاحفي، رَوَاهَا عَن أبي دَاوُد عبد الصَّمد بن الْفضل الْبَلْخِي، وَرَوَاهَا لنا عَن عبد الصَّمد أَبُو عَليّ بن مُحَمَّد بن يحيى القَرَّاب، شيخ ثِقَة من مَشَايِخنَا. وحملتْ نسختُه المسموعة بعد وَفَاته إليّ. فَمَا كَانَ فِي كتابي معزيا إِلَى النَّضر رِوَايَة أبي دَاوُد فَهُوَ من هَذِه الْجِهَة.
وَتُوفِّي النَّضر سنة ثَلَاث وَمِائَتَيْنِ ح.
وَمن متأخّري هَذِه الطَّبَقَة عليّ بن الْمُبَارك الْأَحْمَر: الَّذِي يروِي عَنهُ أَبُو عبيد.(1/16)
وحدّثني المنذريّ عَن أبي جَعْفَر الغسّاني عَن سَلمَة أَنه قَالَ: كَانَ الْأَحْمَر يحفظ ثَلَاثِينَ ألف بيتٍ من الْمعَانِي والشواهد، فَأَتَاهُ سيبويهِ فناظرَه، فأفحمه الْأَحْمَر. وَكَانَ مَرُّوذياً وَهُوَ أوّل من دوّن عَن الْكسَائي. قَالَ: وَقَالَ الْفراء: أتيتُ الكسائيَّ وَإِذا الأحمرُ عِنْده، غلامٌ أشقر، يسْأَله ويكتُب عَنهُ فِي ألواحٍ وَقد بَقَلَ وجههُ. ثمَّ برَّز حَتَّى كَانَ الْفراء يَأْخُذ عَنهُ. وَكَانَ الْغَالِب عَلَيْهِ النَّحْو والغريب والمعاني.
وَمَا وَقع فِي كتابي لأبي عبيد عَن الْأَحْمَر فَهُوَ سماعٌ على مَا بيّنتُه لَك من الْجِهَات الثَّلَاث.
وَمِنْهُم: أَبُو زَكَرِيَّاء يحيى بن زِيَاد الفرّاء: وَكَانَ أَخذ النَّحْو والغريبَ والنوادر والقراءات ومعاني الْقُرْآن عَن الكسائيّ، ثمَّ برَّز بعده وصنَّف كتبا حسانا أملاها بِبَغْدَاد عَن ظهر قلبه.
وَمن مؤلّفاته كِتَابه فِي (مَعَاني الْقُرْآن وَإِعْرَابه) ، أَخْبرنِي بِهِ أَبُو الْفضل بن أبي جعفرٍ المنذريّ عَن أبي طَالب بن سَلمَة عَن أَبِيه عَن الْفراء، لم يفُتْهُ من الْكتاب كلِّه إلاّ مِقْدَار ثَلَاثَة أوراق فِي سُورَة الزخرف. فَمَا وَقع فِي كتابي للفراء فِي تَفْسِير الْقُرْآن وَإِعْرَابه فَهُوَ مِمَّا صحَّ رِوَايَة من هَذِه الْجِهَة. وللفراء كتابٌ فِي (النَّوَادِر) أسمَعنيه أَبُو الْفضل بِهَذَا الْإِسْنَاد. وَله بعدُ كتبٌ مِنْهَا كتابٌ فِي (مصَادر الْقُرْآن) ، وكتابٌ فِي (الْجمع والتثنية) ، وكتابٌ فِي (التَّأْنِيث والتذكير) ، وكتابٌ فِي (الْمَمْدُود والمقصور) ، وكتابٌ يُعرَف بيافع ويَفَعةٍ. وَله فِي النَّحْو (الْكتاب الْكَبِير) . وَهُوَ ثِقَة مَأْمُون. قَالَه أَبُو عبيدٍ وَغَيره. وَكَانَ من أهل السُّنّة، ومذاهبه فِي التَّفْسِير حَسَنَة.
وَمن هَذِه الطَّبَقَة: عَمْرو بن عُثْمَان، الملقّب بسيبويه، النحويّ: وَله (كتابٌ) كَبِير فِي النَّحْو. وَكَانَ علاّمةً حسنَ التصنيف، جَالس الْخَلِيل بن أَحْمد وَأخذ عَنهُ مذاهبَه فِي النَّحْو، وَمَا علمت أحدا سمع مِنْهُ (كتابَه) هَذَا، لأنّه اخْتُضِرَ وأسرعَ إِلَيْهِ الْمَوْت. وَقد نظرتُ فِي كِتَابه فرأيتُ فِيهِ علما جمًّا. وَكَانَ أَبُو عُثْمَان المازنيّ وَأَبُو عُمَر الجرميُّ، يحتذيان حذوَه فِي النَّحْو، وربّما خالفوه فِي العَلَل. وَكَانَ سِيبَوَيْهٍ قدِم بَغْدَاد ثمَّ عَاد إِلَى مسْقط رَأسه بالأهواز فَمَاتَ وَقد نيَّف على الْأَرْبَعين.
وَمِنْهُم: عبد الرَّحْمَن بن بُزْرُج: وَكَانَ حَافِظًا للغريب وللنوادر. وقرأتُ لَهُ كتابا بخطّ أبي الْهَيْثَم الرازيّ فِي (النَّوَادِر) ، فاستحسنتُه ووجدتُ فِيهِ فوائدَ كَثِيرَة. ورأيتُ لَهُ حروفاً فِي كتب شِمْر الَّتِي قرأتُها بخطِّه. فَمَا وَقع فِي كتابي لِابْنِ بُزْرُجَ فَهُوَ من هَذِه الْجِهَات.(1/17)
(الطَّبَقَة الثَّالِثَة)
من عُلَمَاء اللُّغَة، مِنْهُم:
أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سلاّم: وَكَانَ ديِّناً فَاضلا عَالما أديباً فَقِيها صاحبَ سُنّة، معنيًّا بِعلم الْقُرْآن وسُنَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والبحث عَن تَفْسِير الْغَرِيب وَالْمعْنَى المشْكِل.
وَله من المصنّفات فِي (الْغَرِيب المؤلَّف) .
أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن الْحسن المؤدّب أَن المِسْعَريّ أخبرهُ أَنه سمع أَبَا عبيد يَقُول: كنت فِي تصنيف هَذَا الْكتاب أَرْبَعِينَ سنة أتلقَّف مَا فِيهِ من أَفْوَاه الرّجال، فَإِذا سمعتُ حرفا عرفتُ لَهُ موقعاً فِي الْكتاب بتُّ تِلْكَ الليلةَ فرِحاً. قَالَ: ثمَّ أقبلَ علينا فَقَالَ: أحدكُم يستكثر أَن يسمعهُ منّي فِي سَبْعَة أشهر
وَأَخْبرنِي أَبُو بكر الإياديُّ عَن شِمر أَنه قَالَ: مَا للْعَرَب كتابٌ أحسن من (مصنَّف أبي عبيد) . واختلفتُ أَنا إِلَى الْإِيَادِي فِي سَمَاعه سنتَيْن وَزِيَادَة، وَكَانَ سمع نسختَه من شِمر بن حَمْدُويةَ، وَضَبطه ضبطاً حسنا، وكتبَ عَن شِمر فِيهِ زيادات كَثِيرَة فِي حَوَاشِي نسخته، وَكَانَ ح يُمْكنني من نسخته وزياداتها حَتَّى أعارض نُسْخَتي بهَا، ثمَّ أقرأها عَلَيْهِ وَهُوَ ينظر فِي كِتَابه.
وَلأبي عبيد من الْكتب الشَّرِيفَة كتابُ (غَرِيب الحَدِيث) ، قرأته من أوّله إِلَى آخِره على أبي مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد بن هاجَكَ وَقلت لَهُ: أخْبركُم أَحْمد بن عبد الله بن جبلة عَن أبي عبيدٍ فأقرَّ بِهِ. وَكَانَت نسخته الَّتِي سمِعها من ابْن جبلة مضبوطةً محكمَة، ثمَّ سَمِعت الْكتاب من أبي الْحُسَيْن المزَنيّ، حدّثنا بِهِ عَن عَليّ بن عبد الْعَزِيز عَن أبي عبيد إِلَى آخِره قِرَاءَة علينا بِلَفْظِهِ.
وَلأبي عبيد كتابُ (الْأَمْثَال) ، قرأته على أبي الْفضل المنذريّ، وَذكر أَنه عَرَضَه على أبي الْهَيْثَم الرازيّ. وَزَاد أَبُو الْفضل فِي هَذَا الْكتاب من فَوَائده أَضْعَاف الأَصْل، فسمِعنا الْكتاب بزياداته.
وَلأبي عبيد كتابٌ فِي (مَعَاني الْقُرْآن) ، انْتهى تأليفه إِلَى سُورَة طه، وَلم يتمَّه، وَكَانَ المنذريّ سَمعه من عَليّ بن عبد الْعَزِيز، وقُرىء عَلَيْهِ أَكْثَره وَأَنا حَاضر، فَمَا وَقع فِي كتابي هَذَا لأبي عبيد عَن أَصْحَابه فَهُوَ من هَذِه الْجِهَات الَّتِي وصَفتُها.
وَمن هَذِه الطَّبَقَة: أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن زيادٍ المعروفُ بِابْن الأعرابيّ: كوفيّ الأَصْل. وَكَانَ رجلا صَالحا ورعاً زاهداً صَدُوقًا.(1/18)
وَأَخْبرنِي بعضُ الثِّقَات أَن المفضّل بن مُحَمَّد كَانَ تزوَّج أمّه، وأنّه ربيبُه. وَقد سمِع من المفضَّل دواوين الشُّعَرَاء وصحَّحها عَلَيْهِ، وَحفظ من الْغَرِيب والنوادر مَا لم يحفظْه غَيره. وَكَانَت لَهُ معرفةٌ بأنساب الْعَرَب وأيّامها، وَسمع من الْأَعْرَاب الَّذين كَانُوا ينزلون بِظَاهِر الْكُوفَة من بني أسَدٍ وَبني عُقيل فَاسْتَكْثر، وجالسَ الكسائيَّ وأخذَ عَنهُ النوادرَ والنحو.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن المفضَّل بن سَلمَة عَن أَبِيه أَنه قَالَ: جرى ذكر ابْن الْأَعرَابِي عِنْد الفرّاء فعرَفه وَقَالَ: هُنَيٌّ كَانَ يزاحمنا عِنْد المفضَّل
وَكَانَ الْغَالِب عَلَيْهِ الشعرَ ومعانيه، والنوادر والغريب. وَكَانَ مُحَمَّد بن حبيب الْبَغْدَادِيّ جمعَ عَلَيْهِ كتابَ (النَّوَادِر) وَرَوَاهُ عَنهُ، وَهُوَ كتابٌ حسن. وروى عَنهُ أَبُو يُوسُف يَعْقُوب بن السكِّيت، وَأَبُو عَمرو شِمْر بن حَمْدُوَيه، وَأَبُو سعيد الضَّرِير، وَأَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى الشَّيْبَانِيّ الملقَّب بثعلب.
وَأَخْبرنِي أَبُو الْفضل المنذريّ أَن أَبَا الْهَيْثَم الرَّازِيّ حثَّه على النهوض إِلَى أبي الْعَبَّاس، قَالَ: فرحلتُ إِلَى الْعرَاق ودخلتُ مَدِينَة السَّلَام يومَ الْجُمُعَة وَمَالِي هِمّةٌ غَيره، فأتيتُه وعرَّفتُه خبري وقصدي إيّاه، فاتَّخذَ لي مَجْلِسا فِي (النَّوَادِر) الَّتِي سَمعهَا من ابْن الْأَعرَابِي حَتَّى سمِعتُ الكتابَ كلَّه مِنْهُ، قَالَ: وَسَأَلته عَن حُرُوف كَانَت أشكلت على أبي الْهَيْثَم، فَأَجَابَنِي عَنْهَا.
وَكَانَ شِمر بن حَمْدويه جَالس ابْن الأعرابيّ دهراً وَسمع مِنْهُ دواوين الشّعْر وَتَفْسِير غريبها. وَكَانَ أَبُو إِسْحَاق الحربيّ سمع من ابْن الْأَعرَابِي، وَسمع الْمُنْذِرِيّ مِنْهُ شَيْئا كثيرا. فَمَا وَقع فِي كتابي لِابْنِ الْأَعرَابِي فَهُوَ من هَذِه الْجِهَات، إلاّ مَا وَقع فِيهِ لأبي عُمَر الورَّاق، فَإِن كِتَابه الَّذِي سمَّاه (الياقوتة) وجَمَعَه على أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى وَغَيره، حُمِل إِلَيْنَا مسموعاً مِنْهُ مضبوطاً من أوَّله إِلَى آخِره. ونهضَ ناهضٌ من عندنَا إِلَى بَغْدَاد، فَسَأَلته أَن يذكر لأبي عُمَر الْكتاب الَّذِي وَقع إِلَيْنَا وصورتَه وصاحبَه الَّذِي سَمعه مِنْهُ، قَالَ: فَرَأَيْت أَبَا عُمر وعرَّفته الْكتاب فعرَفه، قَالَ: ثمَّ سَأَلته إجازتَه لمن وقَع إِلَيْهِ فَأَجَازَهُ. وَهُوَ كتابٌ حسن، وَفِيه غرائب جَمَّة، ونوادر عَجِيبَة، وَقد تصفّحته مرَارًا فَمَا رَأَيْت فِيهِ تصحيفاً.
وَمن هَذِه الطَّبَقَة: أَبُو الْحسن عَليّ بن حَازِم اللِّحياني: أَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي جَعْفَر الغَسَّانيّ عَن سَلَمة بن عَاصِم أنّه قَالَ: كَانَ اللِّحياني من أحفظ النَّاس للنوادر عَن الْكسَائي والفرّاء والأحمر، قَالَ: وَأَخْبرنِي أنّه كَانَ يَدْرُسها بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار، حَتَّى فِي الْخَلَاء.(1/19)
وَأَخْبرنِي أَبُو بكر الإياديّ أَنه عرض (النَّوَادِر) الَّذِي للِّحياني على أبي الْهَيْثَم الرَّازِيّ، وَأَنه صَححهُ عَلَيْهِ.
قلت: قد قرأتُ نُسْخَتي على أبي بكر وَهُوَ ينظر فِي كِتَابه. فَمَا وَقع فِي كتابي للِّحياني فَهُوَ من كتاب (النَّوَادِر) هَذَا.
وَمن هَذِه الطَّبَقَة: نُصَير بن أبي نُصَير الرَّازِيّ: وَكَانَ علاّمةً نحوياً، جالسَ الْكسَائي وَأخذ عَنهُ النَّحْو وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآن. وَله مؤلفات حِسانٌ سَمعهَا مِنْهُ أَبُو الْهَيْثَم الرَّازِيّ، وَرَوَاهَا عَنهُ بهَرَاة. فَمَا وَقع فِي كتابي هَذَا لَهُ فَهُوَ مِمَّا استفاده أَصْحَابنَا من أبي الْهَيْثَم وأفادوناه عَنهُ. وَكَانَ نُصيرٌ صدوقَ اللهجة كثير الْأَدَب حَافِظًا، وَقد رأى الْأَصْمَعِي وَأَبا زيد وَسمع مِنْهُمَا.
وَمن هَذِه الطَّبَقَة: عَمْرو بن أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ: روى كتابَ (النَّوَادِر) لِأَبِيهِ، وَقد سَمعه مِنْهُ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى، وَأَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ، ووثَّقه كلُّ واحدٍ مِنْهُمَا. فَمَا وَقع فِي كتابي لعَمْرو عَن أَبِيه فَهُوَ من هَذِه الْجِهَة.
وَمِنْهُم: أَبُو نصر صَاحب الأصمعيّ، والأثرم صَاحب أبي عُبَيْدَة، وَابْن نجدة صَاحب أبي زيد الْأنْصَارِيّ روى عَن هَؤُلَاءِ كلِّهم أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى، وَأَبُو إِسْحَاق الْحَرْبِيّ. فَمَا كَانَ فِي كتابي مَعزِيّا إِلَى هَؤُلَاءِ فَهُوَ مِمَّا أُثبت لنا عَن هذَيْن الرجلَيْن.
وَمِنْهُم: أَبُو حَاتِم السِّجِستاني:، وَكَانَ أحد المتقنين. جَالس الْأَصْمَعِي وَأَبا زيد وَأَبا عُبَيْدَة. وَله مؤلفات حسانٌ وكتابٌ فِي (قراءات الْقُرْآن) جامعٌ، قَرَأَهُ علينا بهَراةَ أَبُو بكر بن عُثْمَان. وَقد جالسَه شِمر وَعبد الله بن مُسلم بن قُتَيبة ووثَّقاه. فَمَا وَقع فِي كتابي لأبي حاتمٍ فَهُوَ من هَذِه الْجِهَات. وَلأبي حَاتِم كتاب كَبِير فِي (إصْلَاح المزال والمفسَد) ، وَقد قرأته فرأيته مُشْتَمِلًا على الْفَوَائِد الجمَّة، وَمَا رَأَيْت كتابا فِي هَذَا الْبَاب أنبل مِنْهُ وَلَا أكمل.
وَمِنْهُم: أَبُو يُوسُف يَعْقُوب بن إِسْحَاق السكِّيت: وَكَانَ دينا فَاضلا صَحِيح الْأَدَب، لَقِي أَبَا عَمْرو الشَّيْبَانِيّ، وَأَبا زَكَرِيَّا يحيى بن زِيَاد الْفراء، وَأَبا عبد الله مُحَمَّد بن زِيَاد الْمَعْرُوف بِابْن الْأَعرَابِي، وَأَبا الْحسن اللِّحياني. وَلَقي الأصمعيَّ فِيمَا أَحسب؛ فَإِنَّهُ كثير الذِّكر لَهُ فِي كتبه. وَيروِي مَعَ ذَلِك عَن فصحاء الْأَعْرَاب الَّذين لَقِيَهُمْ بِبَغْدَاد.
وَله مؤلَّفات حسان، مِنْهَا كتاب (إصْلَاح الْمنطق) ، وَكتاب (الْمَقْصُور والممدود) ، وَكتاب (التَّأْنِيث والتذكير) ، وَكتاب (الْقلب والإبدال) ، وَكتاب فِي (مَعَاني الشّعْر) . روى(1/20)
لنا أَبُو الْفضل المنذريُّ هَذِه الكتبَ، إلاّ مَا فَاتَهُ مِنْهَا، عَن أبي شُعيب الحَرَّاني عَن يَعْقُوب. قَالَ أَبُو الْفضل: سمعتُ الحَرَّاني يَقُول: كتبت عَن يَعْقُوب بن السّكيت من سنة خمس وَعشْرين إِلَى أَن قُتِل قَالَ: وقُتل قبل المتَوَكل بِسنة. وَكَانَ يؤدِّب أولادَ المتَوَكل. قَالَ: وقُتل المتوكِّل سنة سبعٍ وَأَرْبَعين.
قَالَ الحرَّاني: وقَتل المتوكِّل يعقوبَ بن السّكيت، وَذَلِكَ أَنه أمره أَن يشتِم رجلا من قُريش وَأَن يَنال مِنْهُ، فَلم يَفعَل، فَأمر القرشيَّ أَن ينَال مِنْهُ فنال مِنْهُ، فَأَجَابَهُ يَعْقُوب، فَلَمَّا أَن أَجَابَهُ قَالَ لَهُ المتوكِّل: أَمرتك أَن تفعلَ فَلم تفعلْ فلمَّا أَن شَتَمكَ فعلت فَأمر بِهِ فضُرب، فحمِل من عِنْده صَرِيعًا مقتولاً، ووجّه المتوكِّل من الْغَد إِلَى ابْن يَعْقُوب عشرَة آلَاف دِرْهَم دِيَته.
قلت: وَقد حُمِل إِلَيْنَا كتابٌ كَبِير فِي (الْأَلْفَاظ) مِقْدَار ثَلَاثِينَ جلدا ونُسِب إِلَى ابْن السّكيت، فَسَأَلت المنذريّ عَنهُ فَلم يَعرفْه، وَإِلَى الْيَوْم لم أَقف على مؤلف الْكتاب على الصحَّة. وقرأت هَذَا الكتابَ وأعلمتُ مِنْهُ على حُرُوف شككتُ فِيهَا وَلم أعرفْها، فجاريتُ فِيهَا رجلا من أهل الثَّبَت فعرفَ بعضَها وَأنكر بعضَها، ثمَّ وجدتُ أَكثر تِلْكَ الْحُرُوف فِي كتاب (الياقوتة) لأبي عُمر. فَمَا ذكرتُ فِي كتابي هَذَا لِابْنِ السّكيت من كتاب (الْأَلْفَاظ) فسبيله مَا وصفْتُه، وَهُوَ غير مسموعٍ فاعلمْه.
وَمن هَذِه الطَّبَقَة: أَبُو سعيد الْبَغْدَادِيّ الضَّرِير:. وَكَانَ طَاهِر بن عبد الله استقدَمه من بَغْدَاد، فَأَقَامَ بنيسابور وأملى بهَا كتبا فِي مَعَاني الشّعْر والنوادر، وردَّ على أبي عبيد حروفاً كَثِيرَة من كتاب (غَرِيب الحَدِيث) . وَكَانَ لَقِي ابْن الْأَعرَابِي وَأَبا عَمْرو الشيبانيّ. وَحفظ عَن الْأَعْرَاب نكتاً كَثِيرَة. وَقدم عَلَيْهِ القتيبيُّ فَأخذ عَنهُ. وَكَانَ شِمر وَأَبُو الْهَيْثَم يوثِّقانه ويثنيان عَلَيْهِ، وَكَانَ بَينه وَبَين أبي الْهَيْثَم فضلُ مودّةٍ. وَبَلغنِي أَنه قَالَ: يُؤْذِينِي أَبُو الْهَيْثَم فِي الْحُسَيْن بن الْفضل وَهُوَ لي صديق.
فَمَا وَقع فِي كتابي هَذَا لأبي سعيد فَهُوَ مِمَّا وجدته لِشمر بخطِّه فِي مؤلَّفاته.
وَمن هَذِه الطَّبَقَة: أَبُو عبد الرَّحْمَن عبد الله بن مُحَمَّد بن هانىء النَّيْسَابُورِي: أَخْبرنِي أَبُو الْفضل المنذريّ أَنه سمع أَبَا عليّ الأزديّ يَقُول: سَمِعت الْهُذيْل بن النَّضر بن بارح يَحكِي عَن أبي عبد الرَّحْمَن بن هانىء أَنه قَالَ: أنْفق أبي على الْأَخْفَش اثْنَي عشر ألف دِينَار.
قَالَ أَبُو عَليّ: وَبَلغنِي أَن كتب أبي عبد الرَّحْمَن بِيعَتْ بأربعمائة ألف دِرْهَم.
قَالَ: وَسمعت شمراً يَقُول: كنت عِنْد أبي عبد الرَّحْمَن فَجَاءَهُ وَكيل لَهُ يحاسبه،(1/21)
فَبَقيَ لَهُ عَلَيْهِ خَمْسمِائَة دِرْهَم، فَقَالَ: أيْشٍ أصنعُ بِهِ؟ قَالَ: تصدَّقْ بِهِ.
قَالَ: وَكَانَ أعدّ دَارا لكلِّ من يَقدَم عَلَيْهِ من المستفيدين، فيأمر بإنزاله فِيهَا ويُزيح علّته فِي النَّفَقَة والوَرَق، ويوسِّع النّسخ عَلَيْهِ.
قلت: وَلابْن هانىء هَذَا كتابٌ كَبِير يُوفيِ على ألفي ورقة فِي (نَوَادِر الْعَرَب وغرائب ألفاظها) ، وَفِي (الْمعَانِي والأمثال) . وَكَانَ شِمر سمع مِنْهُ بعضَ هَذَا الْكتاب وفرّقه فِي كتبه الَّتِي صنّفها بِخَطِّهِ. وحُمِل إِلَيْنَا مِنْهُ أَجزَاء مجلدة بسوادٍ بخطَ متقَن مضبوط. فَمَا وَقع فِي كتابي لِابْنِ هانىء فَهُوَ من هَذِه الْجِهَة.
وَمن هَذِه الطَّبَقَة أَبُو معَاذ النَّحْوِيّ المَرْوَزيّ، وَأَبُو دَاوُد سُلَيْمَان بن معبد السِّنجي: وسِنْج: قَرْيَة بمَرْو.
فأمّا أَبُو معَاذ فَلهُ كتابٌ فِي الْقُرْآن حسن. وَأما أَبُو دَاوُد فَإِنَّهُ جالسَ الأصمعيّ دهراً وَحفظ عَنهُ آداباً كَثِيرَة، وَكتب مَعَ ذَلِك الحَدِيث. وَكَانَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق السَّعْدِيّ لقِيه وَكتب عَنهُ ووثّقه، وَسَأَلَهُ عَن حُرُوف استغربها فِي الحَدِيث ففسَّرها لَهُ.
وَيَتْلُو هَذِه الطَّبَقَة أَبُو عَمْرو شِمْر بن حَمْدُويه الهرَويّ: وَكَانَت لَهُ عناية صَادِقَة بِهَذَا الشَّأْن، رَحل إِلَى الْعرَاق فِي عنفوان شبابه فَكتب الحَدِيث، وَلَقي ابْن الْأَعرَابِي وَغَيره من اللغويين، وَسمع دواوين الشّعْر من وُجُوه شتّى، وَلَقي جمَاعَة من أَصْحَاب أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ، وَأبي زيد الْأنْصَارِيّ، وَأبي عُبَيْدَة، والفرّاء. مِنْهُم: الرياشيُّ، وَأَبُو حَاتِم، وَأَبُو نصر، وَأَبُو عدنان، وَسَلَمَة بن عَاصِم، وَأَبُو حسّان. ثمَّ لمّا رَجَعَ إِلَى خُرَاسَان لقِيَ أَصْحَاب النَّضر بن شُمَيل، وَاللَّيْث بن المظفر، فَاسْتَكْثر مِنْهُم.
وَلما ألْقى عَصَاهُ بهراة ألّف كتابا كَبِيرا فِي (اللُّغَات) أسّسه على الْحُرُوف الْمُعْجَمَة وابتدأ بِحرف الْجِيم، فِيمَا أَخْبرنِي أَبُو بكر الْإِيَادِي وَغَيره مِمَّن لقِيه، فأشبعه وجوّده، إلاّ أَنه طوّله بالشواهد وَالشعر وَالرِّوَايَات الجمّة عَن أَئِمَّة اللُّغَة وَغَيرهم من الْمُحدثين، وأودعه من تَفْسِير الْقُرْآن بالروايات عَن المفسِّرين، وَمن تَفْسِير غَرِيب الحَدِيث أَشْيَاء لم يسْبقهُ إِلَى مثله أحدٌ تقدّمه، وَلَا أدْرك شأوه فِيهِ من بعده. وَلما أكمل الْكتاب ضنَّ بِهِ فِي حَيَاته وَلم يُنْسِخْه طُلاَّبَه، فَلم يُبارَك لَهُ فِيمَا فعله حَتَّى مضى لسبيله. فاختزلَ بعضُ أَقَاربه ذَلِك الكتابَ من تركته، واتصل بِيَعْقُوب بن اللَّيْث السِّجزيّ فقلّده بعض أَعماله واستصحبه إِلَى فَارس ونواحيها. وَكَانَ لَا يُفَارِقهُ ذَلِك الكتابُ فِي سفر وَلَا حضر. ولمّا أَنَاخَ يَعْقُوب بن اللَّيْث بسِيبِ بني ماوان من أَرض السوَاد وحطّ بهَا سَواده، وَركب فِي جمَاعَة الْمُقَاتلَة من عسكره مقدِّراً لِقَاء الموفَّق وَأَصْحَاب السُّلْطَان، فجُرَّ المَاء من(1/22)
النهروان على مُعَسْكَره، فغرِق ذَلِك الْكتاب فِي جملَة مَا غرق من سَواد الْعَسْكَر.
وَرَأَيْت أَنا من أوّل ذَلِك الْكتاب تفاريق أَجزَاء بِخَط مُحَمَّد بن قَسْورَة، فتصفَّحتُ أَبْوَابهَا فَوَجَدتهَا على غَايَة الْكَمَال. وَالله يغْفر لأبي عَمْرو ويتغمدُ زلته.
والضنُّ بِالْعلمِ غير مَحْمُود وَلَا مبارَك فِيهِ.
وَكَانَ أَبُو تُرَاب الَّذِي ألف كتاب (الاعتقاب) قدم هَرَاة مستفيداً من شِمْر، وَكتب عَنهُ شَيْئا كثيرا. وأملى بهراة من كتاب (الاعتقاب) أَجزَاء ثمَّ عَاد إِلَى نيسابور وأملى بهَا باقيَ الْكتاب. وَقد قَرَأت كِتَابه فاستحسنته، وَلم أره مجازِفاً فِيمَا أودَعه، وَلَا مصحِّفاً فِي الَّذِي ألّفه.
وَمَا وَقع فِي كتابي لأبي ترابٍ فَهُوَ من هَذَا الْكتاب.
وَتُوفِّي شمر ح فِيمَا أَخْبرنِي الْإِيَادِي سنة خمس وَخمسين وَمِائَتَيْنِ.
وَكَانَ أَبُو الْهَيْثَم الرَّازِيّ: قدِم هراة قبل وَفَاة شِمر بِسُنَيَّاتٍ فَنظر فِي كتبه ومُصَنَّفاته وعَلِقَ يَرُدُّ عَلَيْهِ، فَنُمِي الخَبَرُ إِلَى شِمْر فَقَالَ: (تَسَلَّحَ الرازيّ عليّ بكتبي) وَكَانَ كَمَا قَالَ؛ لِأَنِّي نظرتُ إِلَى أَجزَاء كَثِيرَة من أشعار الْعَرَب كتبهَا أَبُو الْهَيْثَم بخطِّه ثمَّ عارضها بنسخ شمر الَّتِي سَمعهَا من الشاه صَاحب المؤرّج، وَمن ابْن الْأَعرَابِي، فاعتبرَ سماعَه وَأصْلح مَا وجد فِي كِتَابه مُخَالفا لخطّ شِمر بِمَا صحَّحه شِمر.
وَكَانَ أَبُو الْهَيْثَم ح عِلمُه على لِسَانه، وَكَانَ أعذبَ بَيَانا وأفطنَ للمعنى الخفيِّ، وَأعلم بالنحو من شِمر وَكَانَ شمر أروى مِنْهُ للكتب والشِّعر وَالْأَخْبَار، وأحفظَ للغريب، وأرفقَ بالتصنيف من أبي الْهَيْثَم.
وَأَخْبرنِي أَبُو الْفضل الْمُنْذِرِيّ أَنه لازمَ أَبَا الْهَيْثَم سِنِين، وَعرض عَلَيْهِ الْكتب، وَكتب عَنهُ من أَمَالِيهِ وفوائده أَكثر من مِائَتي جِلد، وَذكر أَنه كَانَ بارعاً حَافِظًا صَحِيح الْأَدَب، عَالما ورعاً كثير الصَّلَاة، صاحبَ سُنَّة. وَلم يكن ضنيناً بِعِلْمِهِ وأدبه.
وَتُوفِّي سنة سِتّ وَسبعين وَمِائَتَيْنِ، ح.
وَمَا وَقع فِي كتابي هَذَا لأبي الْهَيْثَم فَهُوَ مِمَّا أفادنيه عَنهُ أَبُو الْفضل المنذريّ فِي كِتَابه الَّذِي لقّبه (الفاخر والشامل) . وَفِي الزِّيَادَات الَّتِي زَادهَا فِي (مَعَاني الْقُرْآن) للفرّاء، وَفِي كتاب (المؤلَّف) ، وَكتاب (الْأَمْثَال) لأبي عبيد.
وَمن هَذِه الطَّبَقَة من الْعِرَاقِيّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى الشَّيْبَانِيّ: الملقّب بثعلب، وَأَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يزِيد الثُّمَالي الملقَّب بالمبرّد.(1/23)
وَأجْمع أهل هَذِه الصِّنَاعَة من الْعِرَاقِيّين وَغَيرهم أَنَّهُمَا كَانَا عالِميْ عصرهما، وَأَن أَحْمد بن يحيى كَانَ واحدَ عصره. وَكَانَ مُحَمَّد بن يزِيد أعذبَ الرجلَيْن بَيَانا وأحفظهما للشعر المحدَث، والنادرة الطريفة، وَالْأَخْبَار الفصيحة، وَكَانَ من أعلم النَّاس بمذاهب الْبَصرِيين فِي النَّحْو ومقاييسه.
وَكَانَ أَحْمد بن يحيى حَافِظًا لمَذْهَب الْعِرَاقِيّين، أَعنِي الْكسَائي والفرّاء والأحمر، وَكَانَ عفيفاً عَن الأطماع الدنية، متورّعاً مِن المكاسب الخبيثة.
أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ أَنه اخْتلف إِلَيْهِ سنة فِي سَماع كتاب (النَّوَادِر) لِابْنِ الْأَعرَابِي، وَأَنه كَانَ فِي أُذُنه وَقْر، فَكَانَ يتَوَلَّى قِرَاءَة مَا يُسمَع مِنْهُ. قَالَ: وكتبت عَنهُ من أَمَالِيهِ فِي (مَعَاني الْقُرْآن) وَغَيرهَا أَجزَاء كَثِيرَة، فَمَا عرَّض وَلَا صرَّح بشيءٍ من أَسبَاب الطمع.
قَالَ: وَاخْتلفت إِلَى أبي الْعَبَّاس الْمبرد وانتخبت عَلَيْهِ أَجزَاء من كِتَابيه المعروفَين (بالروضة) و (الْكَامِل) . قَالَ: وقاطعته من سماعهَا على شيءٍ مسمَّى، وإنّه لم يَأْذَن لَهُ فِي قِرَاءَة حِكَايَة وَاحِدَة ممَّا لم يكن وَقع عَلَيْهِ الشَّرْط.
قلت: وَيَتْلُو هَذِه الطَّبَقَة:
طبقَة أُخْرَى أدركناهم فِي عصرنا)
مِنْهُم: أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن السرِيّ الزّجاج النَّحْوِيّ صَاحب كتاب (الْمعَانِي) فِي الْقُرْآن، حضرتُه بِبَغْدَاد بعد فَرَاغه من إملاء الْكتاب، فألفيت عِنْده جمَاعَة يسمعونه مِنْهُ. وَكَانَ متقدِّماً فِي صناعته، بارعاً صَدُوقًا، حَافِظًا لمذاهب الْبَصرِيين فِي النَّحْو ومقاييسه. وَكَانَ خدم أَبَا الْعَبَّاس الْمبرد دهراً طَويلا.
وَمَا وَقع فِي كتابي لَهُ من تَفْسِير الْقُرْآن فَهُوَ من كِتَابه. وَلم أتفرغ بِبَغْدَاد لسماعه مِنْهُ. وَوجدت النسخَ الَّتِي حُملت إِلَى خُرَاسَان غير صَحِيحَة، فجمعتُ مِنْهَا عدّة نسخ مُخْتَلفَة المخارج، وصرفت عنايتي إِلَى معارضةِ بَعْضهَا بِبَعْض حَتَّى حصَّلت مِنْهَا نُسْخَة جيّدة.
وَمِنْهُم: أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن بشّار الْأَنْبَارِي النَّحْوِيّ: وَكَانَ واحدَ عصره، وأعلمَ من شاهدتُ بِكِتَاب الله ومعانيه وَإِعْرَابه، ومعرفته اخْتِلَاف أهل الْعلم فِي مُشْكِله. وَله مؤلفات حسان فِي علم الْقُرْآن. وَكَانَ صائناً لنَفسِهِ، مقدَّماً فِي صناعته، مَعْرُوفا بِالصّدقِ حَافِظًا، حسن الْبَيَان عذبَ الْأَلْفَاظ، لم يُذكر لنا إِلَى هَذِه الْغَايَة من الناشئين بالعراق وَغَيرهَا أحد يخلُفُه أَو يسدُّ مسدَّه.(1/24)
وَمن هَذِه الطَّبَقَة: أَبُو عبد الله إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عَرَفة الملقب بنِفْطَويه: وَقد شاهدته فألفيتُه حَافِظًا للغات ومعاني الشّعْر ومقاييس النَّحْو، ومقدَّماً فِي صناعته. وَقد خدمَ أَبَا الْعَبَّاس أحمدَ بن يحيى وَأخذ عَنهُ النَّحْو والغريب، وعُرِف بِهِ.
وَإِذ فَرغْنَا من ذكر الْأَثْبَات المتقنين، والثقات المبرِّزين من اللغويين، وتسميتهم طبقَة طبقَة، إعلاماً لمن غَبِيَ عَلَيْهِ مكانُهم من الْمعرفَة، كي يعتمدوهم فِيمَا يَجدونَ لَهُم من المؤلفات المرويَّة عَنْهُم، فلنذكر بعقب ذكرهم أَقْوَامًا اتَّسموا بسمة الْمعرفَة وَعلم اللُّغَة، وألَّفوا كتبا أودعوها الصَّحِيح والسَّقيم، وحشَوْها ب (المزال المُفْسَد) ، والمصَّحف المغيّر، الَّذِي لَا يتميّز مَا يصحّ مِنْهُ إلاّ عِنْد النِّقاب المبرِّز، والعالم الفطِن، لنحذِّر الأغمار اعتمادَ مَا دوَّنوا، والاستنامةَ إِلَى مَا ألَّفوا.
فَمن الْمُتَقَدِّمين: اللَّيْث بن المظفر: الَّذِي نَحَلَ الْخَلِيل بن أَحْمد تأليف كتاب (الْعين) جملَة لينفِّقه باسمه، ويرغِّب فِيهِ مَنْ حوله. وأُثبتَ لنا عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الحنظليّ الْفَقِيه أَنه قَالَ: كَانَ اللَّيْث بن المظفَّر رجلا صَالحا، وَمَات الْخَلِيل وَلم يفرغ من كتاب (الْعين) ، فأحبَّ اللَّيْث أَن ينفِّق الكتابَ كلَّه، فسمَّى لِسَانه الْخَلِيل، فَإِذا رَأَيْت فِي الْكتاب (سَأَلت الْخَلِيل بن أَحْمد) ، أَو (أَخْبرنِي الْخَلِيل بن أَحْمد) فَإِنَّهُ يَعْنِي الْخَلِيل نفسَه. وَإِذا قَالَ: (قَالَ الْخَلِيل) فَإِنَّمَا يَعْنِي لِسَان نَفسه. قَالَ: وَإِنَّمَا وَقع الِاضْطِرَاب فِي الْكتاب من قِبَل خَلِيل اللَّيْث.
قلت: وَهَذَا صحيحٌ عَن إِسْحَاق، رَوَاهُ الثِّقَات عَنهُ.
وَأَخْبرنِي أَبُو الْفضل الْمُنْذِرِيّ أَنه سَأَلَ أَبَا الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى عَن كتاب (الْعين) فَقَالَ: ذَاك كتابٌ مَلَىْ غُدَدْ قَالَ: وَهَذَا كَانَ لفظ أبي الْعَبَّاس، وحقُّه عِنْد النَّحْوِيين ملآن غُدَداً. وَلَكِن أَبَا الْعَبَّاس كَانَ يُخَاطب عوامّ النَّاس على قدر أفهامهم، أَرَادَ أَن فِي كتاب (الْعين) حروفاً كَثِيرَة أُزيلت عَن صورها ومعانيها بالتصحيف والتغيير، فَهِيَ فَاسِدَة كفساد الغدد وضَرِّها آكلَها.
وَأَخْبرنِي أَبُو بكر الْإِيَادِي عَن بعض أهل الْمعرفَة أَنه ذكر كتاب الليثِ فَقَالَ: ذَلِك كتابُ الزَّمْنَى، وَلَا يصلح إلاّ لأهل الزوايا.
قلت: وَقد قَرَأت كتاب (الْعين) غيرَ مرَّة، وتصفّحته تَارَة بعد تَارَة، وعُنيتُ بتتبُّع مَا صُحِّف وغُيِّر مِنْهُ، فَأَخْرَجته فِي مواقعه من الْكتاب وأخبرت بِوَجْه الصحَّة فِيهِ، وبيَّنت وَجه الْخَطَأ، ودللت على مَوْضع الصَّوَاب مِنْهُ، وستقف على هَذِه الْحُرُوف إِذا تأمَّلْتَها(1/25)
فِي تضاعيف أَبْوَاب الْكتاب، وتحمد الله إِذا أنصفتَ على مَا أفيدك فِيهَا. وَالله الموفِّق للصَّوَاب، وَلَا قوَّةَ إلاّ بِهِ.
وأمَّا مَا وجدتُه فِيهِ صَحِيحا، ولغير اللَّيْث من الثِّقَات مَحْفُوظًا، أَو من فصحاء الْعَرَب مسموعاً، وَمن الرِّيبة والشكّ لشهرته وقلَّة إشكاله بَعيدا، فَإِنِّي أعْزيه إِلَى اللَّيْث بن المظفَّر، وأؤدِّيه بِلَفْظِهِ، ولعلِّي قد حفظته لغيره فِي عدَّة كتب فَلم أشتغل بالفحص عَنهُ لمعرفتي بصحَّته. فَلَا تشكَّنَّ فِيهِ مِن أجلِ أَنه زلَّ فِي حروفٍ مَعْدُودَة هِيَ قَليلَة فِي جَنْب الْكثير الَّذِي جَاءَ بِهِ صَحِيحا، واحمدْني على نفي الشُّبَه عَنْك فِيمَا صحَّحته لَهُ، كَمَا تحمدني على التَّنْبِيه فِيمَا وَقع فِي كِتَابه من جِهَته أَو جِهَة غَيره مِمَّن زَاد مَا لَيْسَ مِنْهُ. وَمَتى مَا رأيتَني ذكرت من كِتَابه حرفا وَقلت: إِنِّي لم أَجِدهُ لغيره فَاعْلَم أنَّه مُريب، وكنْ مِنْهُ على حذر وافحصْ عَنهُ؛ فَإِن وجدتَه لإِمَام من الثِّقَات الَّذين ذكرتُهم فِي الطَّبَقَات فقد زَالَت الشُّبَه، وإلاّ وقفتَ فِيهِ إِلَى أَن يَضِحَ أمرُه.
وَكَانَ شِمرٌ ح مَعَ كَثْرَة علمه وسماعه لما ألَّف كتاب (الْجِيم) لم يُخْلِهِ من حُرُوف كَثِيرَة من كتاب اللَّيْث عزاها إِلَى مُحارب، وَأَظنهُ رجلا من أهل مَرْو، وَكَانَ سمع كتاب اللَّيْث مِنْهُ.
وَمن نظراء اللَّيْث: مُحَمَّد بن المستنير الْمَعْرُوف بقطرب: وَكَانَ متَّهماً فِي رَأْيه وَرِوَايَته عَن الْعَرَب. أَخْبرنِي أَبُو الْفضل الْمُنْذِرِيّ أَنه حضر أَبَا الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى، فَجرى فِي مَجْلِسه ذكر قطرب، فهجَّنه وَلم يعبأ بِهِ.
وروى أَبُو عُمر فِي كتاب (الياقوتة) نَحوا من ذَلِك. قَالَ: وَقَالَ قطرب فِي قَول الشَّاعِر:
مثل الذَّميم على قُزْم اليعامير
زعم قطرب أَن اليعامير وَاحِدهَا يعمور: ضرب من الشّجر. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: هَذَا بَاطِل سَمِعت ابْن الْأَعرَابِي يَقُول: اليعامير: الجِداء، وَاحِدهَا يَعْمور.
وَكَانَ أَبُو إِسْحَاق الزَّجاج يهجِّن من مذاهبه فِي النَّحْو أَشْيَاء نسبه إِلَى الْخَطَأ فِيهَا.
قلت: وممَّن تكلم فِي لُغَات الْعَرَب بِمَا حضر لسانَه وروى عَن الْأَئِمَّة فِي كَلَام الْعَرَب مَا لَيْسَ من كَلَامهم:
عَمْرو بن بَحر الْمَعْرُوف بالجاحظ: وَكَانَ أوتيَ بسطةً فِي لِسَانه، وبياناً عذباً فِي خطابه، ومجالاً وَاسِعًا فِي فنونه، غير أَن أهل الْمعرفَة بلغات الْعَرَب ذمُّوه، وَعَن(1/26)
الصِّدق دفَعوه. وأخبرَ أَبُو عُمر الزَّاهِد أَنه جرى ذكره فِي مجْلِس أَحْمد بن يحيى فَقَالَ: اعذِبوا عَن ذكر الجاحظ فَإِنَّهُ غير ثِقَة وَلَا مَأْمُون.
وَأما أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن مُسلم الدينَوَرِي: فإنَّه ألَّف كتبا فِي (مُشكل الْقُرْآن وغريبه) ، وألَّف كتاب (غَرِيب الحَدِيث) ، وكتاباً فِي (الأنواء) ، وكتاباً فِي (الميسر) ، وكتاباً فِي (آدَاب الكتَبة) ، وردَّ على أبي عبيد حروفاً فِي (غَرِيب الحديثِ) سمَّاها (إصْلَاح الْغَلَط) . وَقد تصفَّحتها كلهَا، ووقفت على الْحُرُوف الَّتِي غلِط فِيهَا وعَلى الْأَكْثَر الَّذِي أصَاب فِيهِ. فأمَّا الْحُرُوف الَّتِي غَلِط فِيهَا فإنّي أثبتُّها فِي موقعها من كتابي، ودللت على مَوضِع الصَّوَاب فِيمَا غلط فِيهِ.
وَمَا رَأَيْت أحدا يَدْفَعهُ عَن الصدْق فِيمَا يرويهِ عَن أبي حَاتِم السِّجزي، وَالْعَبَّاس بن الْفرج الرِّياشيّ، وَأبي سعيد المكفوف الْبَغْدَادِيّ. فأمَّا مَا يستبدُّ فِيهِ بِرَأْيهِ من معنى غامض أَو حرفٍ من علل التصريف والنحو مُشكل، أَو حَرفٍ غَرِيب، فإنَّه ربَّما زلَّ فِيمَا لَا يخفى على مَن لَهُ أدنى معرفَة. وألفيته يَحدِس بالظنِّ فِيمَا لَا يعرفهُ وَلَا يُحسنهُ. وَرَأَيْت أَبَا بكر بنَ الْأَنْبَارِي ينْسبهُ إِلَى الْغَفْلَة والغباوة وقلَّة الْمعرفَة، وَقد ردَّ عَلَيْهِ قَرِيبا من رُبع مَا ألَّفه فِي (مُشكل الْقُرْآن) .
وممّن ألَّف فِي عصرنا الكتبَ فوُسمَ بافتعال الْعَرَبيَّة وتوليد الْأَلْفَاظ الَّتِي لَيْسَ لَهَا أصُول، وإدخالِ مَا لَيْسَ من كَلَام الْعَرَب فِي كَلَامهم.
أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْحسن بن دُرَيْد الْأَزْدِيّ: صَاحب كتاب (الجمهرة) ، وَكتاب (اشتقاق الْأَسْمَاء) ، وَكتاب (الملاحن) . وحضرته فِي دَاره بِبَغْدَاد غير مرَّةٍ، فرأيته يروي عَن أبي حاتمٍ، والرياشيِّ، وعبد الرحمن ابْن أخي الْأَصْمَعِي، فَسَأَلت إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عَرَفَة الملقب بنفطويه عَنهُ فاستخف بِهِ، وَلم يوثِّقْه فِي رِوَايَته.
ودخلتُ يَوْمًا عَلَيْهِ فَوَجَدته سَكرَان لَا يكَاد يستمرُّ لسانُه على الْكَلَام، من غَلَبَة السكر عَلَيْهِ. وتصفحت كتاب (الجمهرة) لَهُ فَلم أره دَالا على معرفَة ثاقبة، وعثرت مِنْهُ على حُرُوف كَثِيرَة أزالها عَن وجوهها، وأوقعَ فِي تضاعيف الْكتاب حروفاً كَثِيرَة أنكرتُها وَلم أعرف مخارجَها، فأثبتُّها من كتابي فِي مواقعها مِنْهُ، لأبحث عَنْهَا أَنا أَو غَيْرِي ممّن ينظُر فِيهِ. فَإِن صحَّت لبَعض الْأَئِمَّة اعتُمدَتْ، وَإِن لم تُوجد لغيره وُقِفَت.
وَالله الميسر لما يرضاه وَمَا يَشَاء.
وَمِمَّنْ ألف وَجمع من الخراسانيين فِي عصرنا هَذَا فصحَّف وغيَّر وأزالَ الْعَرَبيَّة عَن وجوهها رجلَانِ:(1/27)
أَحدهمَا يُسمى أَحْمد بن مُحَمَّد البُشْتي، وَيعرف بالخارْزَنجيّ.
وَالْآخر يكنى أَبَا الْأَزْهَر البخاريّ.
فأمَّا البُشْتيّ فَإِنَّهُ ألَّف كتابا سمَّاه (التكملة) ، أَوْمَأ إِلَى أَنه كمّل بكتابه كتاب (الْعين) المنسوبَ إِلَى الْخَلِيل بن أَحْمد.
وَأما البخاريُّ فَإِنَّهُ سمَّى كِتَابه (الحصائل) وأعاره هَذَا الِاسْم لِأَنَّهُ قصدَ قَصْدَ تَحْصِيل مَا أغفله الْخَلِيل.
ونظرتُ فِي أول كتاب البشتى فرأيته أثبت فِي صَدره الْكتب المؤلَّفة الَّتِي استخرج كِتَابه مِنْهَا فعدَّدها وَقَالَ:
مِنْهَا للأصمعي: كتاب (الْأَجْنَاس) ، وَكتاب (النَّوَادِر) ، وَكتاب (الصِّفَات) ، وَكتاب فِي (اشتقاق الْأَسْمَاء) ، وَكتاب فِي (السَّقي والأوراد) ، وَكتاب فِي (الْأَمْثَال) ، وَكتاب (مَا اخْتلف لَفظه واتَّفق مَعْنَاهُ) .
قَالَ: وَمِنْهَا لأبي عُبَيْدَة: كتاب (النَّوَادِر) ، وَكتاب (الْخَيل) ، وَكتاب (الديباج) .
وَمِنْهَا لِابْنِ شُمَيل: كتاب (مَعَاني الشّعْر) ، وَكتاب (غَرِيب الحَدِيث) ، وَكتاب (الصِّفَات) .
قَالَ: وَمِنْهَا مؤلفات أبي عبيد: (المصنَّف) ، و (الْأَمْثَال) ، و (غَرِيب الحَدِيث) .
وَمِنْهَا مؤلفات ابْن السّكيت: كتاب (الْأَلْفَاظ) ، وَكتاب (الفروق) وَكتاب (الْمَمْدُود والمقصور) ، وَكتاب (إصْلَاح الْمنطق) ، وَكتاب (الْمعَانِي) ، وَكتاب (النَّوَادِر) .
قَالَ: وَمِنْهَا لأبي زيد: كتاب (النَّوَادِر) بِزِيَادَات أبي مَالك.
وَمِنْهَا كتاب (الصِّفَات) لأبي خَيْرة.
وَمِنْهَا كتب لقطرب، وَهِي (الفروق) ، و (الْأَزْمِنَة) ، و (اشتقاق الْأَسْمَاء) .
وَمِنْهَا (النَّوَادِر) لأبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ، و (النَّوَادِر) للفرّاء، وَمِنْهَا (النَّوَادِر) لِابْنِ الْأَعرَابِي.
قَالَ: وَمِنْهَا (نَوَادِر الْأَخْفَش) ، و (نَوَادِر اللَّحياني) ، و (النَّوَادِر) لليزيدي.
قَالَ: وَمِنْهَا (لُغَات هُذيل) لعُزَير بن الْفضل الْهُذلِيّ. وَمِنْهَا كتب أبي حَاتِم السِّجزي. وَمِنْهَا كتاب (الاعتقاب) لأبي تُرَاب. وَمِنْهَا (نَوَادِر الأعاريب) الَّذين كَانُوا مَعَ ابْن طَاهِر بنيسابور، رَوَاهَا عَنْهُم أَبُو الْوَازِع مُحَمَّد بن عبد الْخَالِق، وَكَانَ عَالما بالنحو(1/28)
والغريب، صَدُوقًا، يروي عَنهُ أَبُو تُرَاب وَغَيره.
قَالَ أَحْمد بن مُحَمَّد البُشتي: استخرجت مَا وضعتُه فِي كتابي من هَذِه الْكتب.
ثمَّ قَالَ: ولعلّ بعض النَّاس يَبْتَغِي العنتَ بتهجينه والقدح فِيهِ، لِأَنِّي أسندت مَا فِيهِ إِلَى هَؤُلَاءِ الْعلمَاء من غير سَماع. قَالَ: وإنّما إخباري عَنْهُم إِخْبَار من صُحفهم، وَلَا يُزري ذَلِك على من عَرف الغثَّ من السَّمين، وميز بَين الصَّحِيح والسقيم. وَقد فعلَ مثلَ ذَلِك أَبُو ترابٍ صَاحب كتاب (الاعتقاب) ، فَإِنَّهُ روى عَن الْخَلِيل بن أَحْمد وَأبي عَمْرو بن الْعَلَاء وَالْكسَائِيّ، وَبَينه وَبَين هَؤُلَاءِ فَتْرَة.
قَالَ: وَكَذَلِكَ القتيبي، روى عَن سِيبَوَيْهٍ، والأصمعي، وَأبي عَمرو؛ وَهُوَ لم يَرَ مِنْهُم أحدا.
قلت أَنا: قد اعترَف البُشتي بِأَنَّهُ لَا سماعَ لَهُ فِي شَيْء من هَذِه الْكتب، وَأَنه نَقل مَا نقل إِلَى كِتَابه من صُحفهم، واعتلَّ بِأَنَّهُ لَا يُزْري ذَلِك بِمن عرف الغثَّ من السمين. وَلَيْسَ كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ اعترفَ بِأَنَّهُ صُحُفيّ والصُّحُفي إِذا كَانَ رَأس مَاله صُحفاً قَرَأَهَا فإنّه يصحّف فيكثِر، وَذَلِكَ أَنه يُخبر عَن كتبٍ لم يَسمعْها، ودفاتر لَا يدْرِي أصحيحٌ مَا كُتب فِيهَا أم لَا. وإنّ أَكثر مَا قَرَأنَا من الصُّحُف الَّتِي لم تُضبَط بالنقْط الصَّحِيح، وَلم يتولَّ تصحيحَها أهل الْمعرفَة لسقيمةٌ لَا يعتمدها إلاّ جَاهِل.
وَأما قَوْله: إِن غَيره من المصنفين رووا فِي كتبهمْ عَمَّن لم يسمعوا مِنْهُ مثل أبي تُرَاب والقتيبي، فَلَيْسَ رِوَايَة هذَيْن الرجلَيْن عمّن لم يرياه حجَّة لَهُ، لِأَنَّهُمَا وَإِن كَانَا لم يسمعا من كل من رويا عَنهُ فقد سمعا من جمَاعَة الثِّقَات المأمونين. فأمّا أَبُو تُرَاب فَإِنَّهُ شَاهد أَبَا سعيد الضَّرِير سِنِين كَثِيرَة، وَسمع مِنْهُ كتبا جَمَّة. ثمَّ رَحل إِلَى هَرَاة فَسمع من شِمرٍ بعض كتبه. هَذَا سوى مَا سمع من الْأَعْرَاب الفصحاء لفظا، وَحفظه من أَفْوَاههم خِطاباً. فَإِذا ذكر رجلا لم يَرَه وَلم يسمع منهُ سومِحَ فِيهِ وَقيل: لعلَّه حفظ مَا رأى لَهُ فِي الْكتب من جِهَة سماعٍ ثَبت لَهُ، فَصَارَ قَول من لم يره تأييداً لما كَانَ سَمعه من غَيره، كَمَا يفعل عُلَمَاء المحدِّثينَ؛ فَإِنَّهُم إِذا صحَّ لَهُم فِي الْبَاب حديثٌ رَوَاهُ لَهُم الثِّقَات عَن الثِّقَات أثبتوه واعتمدوا عَلَيْهِ، ثمَّ ألْحقُوا بِهِ مَا يُؤَيّدهُ من الْأَخْبَار الَّتِي أخذوها إجَازَة.
وَأما القُتَيبيُّ فإنّه رجل سمع من أبي حَاتِم السِّجْزيّ كتبَه، وَمن الرياشيّ سمع فَوَائِد جمّة، وَكَانَا من الْمعرفَة والإتقان بِحَيْثُ تُثنى بهما الخناصر؛ وسمِعَ من أبي سعيد الضَّرِير، وَسمع كتب أبي عبيد، وَسمع من ابْن أخي الأصمعيّ، وهما من الشُّهْرَة وَذَهَاب الصِّيت والتأليف الْحسن، بِحَيْثُ يُعفَى لَهما عَن خَطِيئَة غلطٍ، ونَبْذِ زلَّة تقع فِي(1/29)
كتبهما، وَلَا يلْحق بهما رجل من أَصْحَاب الزوايا لَا يعرف إلاّ بقَرْيته، وَلَا يوثق بصدقه ومعرفته ونقْلِه الغريبَ الوحشي من نُسْخَة إِلَى نُسْخَة. وَلَعَلَّ النّسخ الَّتِي نقل عَنْهُمَا مَا نَسَخَ كَانَت سقيمة.
وَالَّذِي ادّعاه البشتي من تَمْيِيزه بَين الصَّحِيح والسقيم، ومعرفته الغثَّ من السمين، دَعْوَى. وبعضُ مَا قرأتُ من أول كِتَابه دَلَّ على ضدِّ دَعْوَاهُ.
وَأَنا ذاكرٌ لَك حروفاً صحّفها، وحروفاً أَخطَأ فِي تَفْسِيرهَا، من أوراق يسيرَة كنتُ تصفّحتها من كِتَابه؛ لأثبت عنْدك أَنه مُبْطل فِي دَعْوَاهُ، متشبِّع بِمَا لَا يَفِي بِهِ.
فممّا عثرت عَلَيْهِ من الْخَطَأ فِيمَا ألّف وَجمع، أَنه ذكر فِي (بَاب الْعين والثاء) أَن أَبَا تُرَاب أنْشد:
إنْ تمنعي صَوبَكِ صَوبَ المدمِع
يَجرِي على الخدِّ كضِئْب الثِّعثِعِ
فقيّده البُشتيّ بِكَسْر الثاءين بنَقْطِه، ثمَّ فسر ضِئْب الثّعثِع أَنه شيءٌ لَهُ حب يُزرع. فَأَخْطَأَ فِي كَسره الثاءين، وَفِي تَفْسِيره إِيَّاه. وَالصَّوَاب (الثَّعثَع) بِفَتْح الثاءين، وَهُوَ اللُّؤْلُؤ. قَالَ ذَلِك أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى، وَمُحَمّد بن يزِيد الْمبرد، رواهُ عَنْهُمَا أَبُو عُمر الزَّاهِد. قَالَا: وللثَّعثَع فِي الْعَرَبيَّة وَجْهَان آخرَانِ لم يعرفهما البشتي. وَهَذَا أهوَن. وَقد ذكرتُ الْوَجْهَيْنِ الآخرين فِي موضعهما من (بَاب الْعين الثَّاء) .
وَأنْشد البُشْتيّ:
فبآمرٍ وأخيه مؤتمر
ومُعلِّل وبمطفىء الْجَمْر
قَالَ البشتي: سمِّي أحد أَيَّام الْعَجُوز آمراً لِأَنَّهُ يَأْمر الناسَ بالحذر مِنْهُ.
قَالَ: وسُمّي الْيَوْم الآخر مؤتمراً لِأَنَّهُ يأتمر النَّاس، أَي يُؤذنهم.
قلت: وَهَذَا خطأ مَحْض، لَا يُعرف فِي كَلَام الْعَرَب ائتمر بِمَعْنى آذن. وفسِّر قَول الله عزّ وَجل: {قَالَ يامُوسَى إِنَّ الْمَلاََ} (القَصَص: 20) على وَجْهَيْن: أَحدهمَا يَهُمُّون بك، وَالثَّانِي يتشاورون فِيك. وائتمر الْقَوْم وَتَآمَرُوا، إِذا أَمر بَعضهم بَعْضًا. وَقيل لهَذَا مؤتمر لأنَّ الحيّ يؤامر فِيهِ بَعضهم بَعْضًا للظعن أَو المُقام، فَجعلُوا المؤتمر نعتاً لليوم وَالْمعْنَى أَنه مؤتَمَر فِيهِ، كَمَا قَالُوا: ليل نَائِم أَي يُنام فِيهِ، وَيَوْم عاصفٌ يَعصِف فِيهِ الرّيح. وَمثله قَوْلهم: نَهَاره صَائِم، إِذا كَانَ يَصُوم فِيهِ. وَمثله كثيرٌ فِي كَلَامهم.
وَذكر فِي (بَاب الْعين وَاللَّام) : أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: أعللت الإبلَ فَهِيَ عالّة، إِذا أصدرتَها وَلم تُروِها.(1/30)
قلت: وَهَذَا تصَحيفٌ مُنكر، وَالصَّوَاب أغللت الإبلَ بالغين، وَهِي إبلٌ غالة. أَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْهَيْثَم عَن نُصيرٍ الرَّازِيّ قَالَ: صَدَرت الْإِبِل غالةً وغوَالَّ، وَقد أغللتُها، من الغُلّة والغليل، وَهُوَ حرارة الْعَطش. وَأما أعللت الْإِبِل وعللتُها فهما ضدُّ أغللتها، لِأَن معنى أعللتها وعللتها أَن يسقيها الشربة الثانيةَ ثمَّ يُصدرَها رواءً، وَإِذا عَلّت الإبلُ فقد رويتْ. وَمِنْه قَوْلهم: عرضَ عليَّ سَوْمَ عالَّة. وَقد فُسر فِي مَوْضِعه.
وروى البُشتي فِي (بَاب الْعين وَالنُّون) فال الْخَلِيل: العُنَّة: الحظيرَة، وجمعُها العُنَن. وَأنْشد:
ورَطْبٍ يُرفَّعُ فَوقَ العُننْ
قَالَ البُشتيّ: العُنَن هَاهُنَا: حِبال تُشدُّ ويُلقَى عَلَيْهَا لحمُ القديد.
قلتُ: وَالصَّوَاب فِي العُنَّة والعُنَن مَا قَالَه الْخَلِيل إِن كَانَ قَالَه. وَقد رأيتُ حُظُرات الْإِبِل فِي الْبَادِيَة تسوَّى من العَرْفَج والرِّمث فِي مَهَبِّ الشمَال، كالجدار الْمَرْفُوع قدرَ قامةٍ، لتُناخَ الْإِبِل فِيهَا، وَهِي تقيها بردَ الشمَال ورأيتهم يسمُّونها عُنَناً لاعتنانها مُعْتَرضَة فِي مهبّ الشمَال. وَإِذا يَبِسَتْ هَذِه الحُظُرات فنحروا جزوراً شرّروا لَحمهَا المقدَّدَ فَوْقهَا فيجفُّ عَلَيْهَا.
وَلست أَدْرِي عَمَّن أَخذ مَا قَالَه فِي العُنّة أَنه الْحَبل الْمَمْدُود. ومدّ الْحَبل من فِعل الْحَاضِرَة. وَلَعَلَّ قَائِله رأى فُقَرَاء الحَرَم يمدون الحبال بمنى فيلقون عَلَيْهَا لُحُوم الهَدْي وَالْأَضَاحِي الَّتِي يُعطَوْنَها، ففسر قَول الْأَعْشَى بِمَا رأى. وَلَو شَاهد العربَ فِي باديتها لعلم أنّ الْعنَّة هِيَ الحِظار من الشّجر.
وَأنْشد أَحْمد البُشتي:
يَا رُبَّ شيخٍ مِنْهُم عِنِّينِ
عَن الطعان وَعَن التجفين
قَالَ البشتي فِي قَوْله: (وَعَن التجفين) هُوَ من الجفان، أَي لَا يُطعم فِيهَا.
قلت: والتجفين فِي هَذَا الْبَيْت من الجِفان وَالْإِطْعَام فِيهَا خطأ، والتجفين هَاهُنَا: كثْرة الْجِمَاع. رَوَاهُ أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ. وَقَالَ أَعْرَابِي: (أضواني دوامُ التجفين) ، أَي أنحفَني وَهزَلني الدوامُ على الْجِمَاع. وَيكون التجفين فِي غير هَذَا الْموضع نحر النَّاقة وطبخَ لَحمهَا وإطعامَه فِي الجِفان. وَيُقَال: جَفن فلانٌ نَاقَة، إِذا فعل ذَلِك.
وَذكر البُشتي أنّ عبد الْملك بن مَرْوَان قَالَ لشيخٍ من غَطَفان: صف لي النِّسَاء.(1/31)
فَقَالَ: (خُذْها ملسَّنة الْقَدَمَيْنِ، مُقرمدَة الرفغين) قَالَ البشتيّ: المقرمَدة: الْمُجْتَمع قصبها.
قلت: هَذَا باطلٌ. وَمعنى المقرمَدة الرُّفغين الضيِّقتُهما؛ وَذَلِكَ لالتفاف فخذيها، واكتناز بادَّيْها. وَقيل فِي قَول النَّابِغَة يصف رَكَبَ امْرَأَة:
رابي المَجَسَّة بالعبير مُقرمَدِ
إِنَّه المضَيَّق، وَقيل: هُوَ المطليّ بالعَبِير كَمَا يُطلَى الْحَوْض بالقَرمَد إِذا صُرِّج. ورُفغا الْمَرْأَة: بَاطِنا أصُول فخذيها.
وَقَالَ البشتيُّ فِي (بَاب الْعين وَالْبَاء) : أَبُو عبيد: العبيبة: الرائب من الألبان.
قلت: وَهَذَا تصحيفٌ قَبِيح. وَإِذا كَانَ المصنّف لَا يُمَيّز الْعين والغين اسْتَحَالَ ادّعاؤه التَّمْيِيز بَين السقيم وَالصَّحِيح.
وأقرأني أَبُو بكر الْإِيَادِي عَن شِمر لأبي عبيد فِي كتاب (الْمُؤلف) : الغبيبة بالغين الْمُعْجَمَة: الرائب من اللَّبن. وَسمعت الْعَرَب تَقول للَّبن البيُّوت فِي السِّقاء إِذا راب من الْغَد غبيبة. وَمن قَالَ عبيبة بِالْعينِ فِي هَذَا فَهُوَ تَصْحِيف فاضح. وروينا لأبي الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: الغُبُب أَطْعِمَة النُّفَساء بالغين مُعْجمَة، واحدتها غَبِيبة. قَالَ: والعُبُب بِالْعينِ: الْمِيَاه المتدفّقة. وَقَالَ غَيره: العَبِيبة بِالْعينِ، شَيْء يقطر من المغافير. وَقد ذكرته فِي مَوْضِعه.
وَقَالَ البشتي فِي (بَاب الْعين وَالْهَاء وَالْجِيم) : العوهج: الْحَيَّة فِي قَول رؤبة:
حَصْبَ الغُواة العَوهجَ المنسوسا
قلت: وَهَذَا تَصْحِيف دالٌ على أنّ صاحبَه أَخذ عربيّتَه من كتب سقيمة، وَنسخ غير مضبوطة وَلَا صَحِيحَة، وَأَنه كَاذِب فِي دَعْوَاهُ الْحِفْظ والتمييز. والحية يُقَال لَهُ العَوْمج بِالْجِيم، وَمن صيَّره العوهج بِالْهَاءِ فَهُوَ جاهلٌ ألكن. وَهَكَذَا روى الرواةُ بَيت رؤبة. وَقيل للحية عومج لتعمجه فِي انسيابه، أَي لتلوّيه. وَمِنْه قَول الشَّاعِر يشبه زِمَام الْبَعِير بالحيةِ إِذا تلوّى فِي انسيابه:
تُلاعِب مَثْنَى حَضرمي كَأَنَّهُ
تعمجُ شيطانٍ بِذِي خِروعٍ قَفْرٍ
وَقَالَ فِي (بَاب الْعين وَالْقَاف وَالزَّاي) : قَالَ يَعْقُوب بن السّكيت: يُقَال قوزَع الديكُ وَلَا يُقَال قنْزَعَ. قَالَ البُشتيّ: معنى قَوْله قوزعَ الديك أَنه نفّشَ بُرائِلَه وَهِي قَنازعه.(1/32)
قلت: غلط فِي تَفْسِير قوزع أَنه بِمَعْنى تنفيشه قنازعَه، وَلَو كَانَ كَمَا قَالَ لجَاز فنْزَع. وَهَذَا حرفٌ لهج بِهِ عوامُّ أهلِ الْعرَاق وصبيانهم، يَقُولُونَ: قنْزع الديك، إِذا فرَّ من الديك الَّذِي يقاتله. وَقد وضع أَبُو حَاتِم هَذَا الْحَرْف فِي (بَاب المزال المفسَد) ، وَقَالَ: صَوَابه قوزع. وَكَذَلِكَ ابْن السّكيت وَضعه فِي (بَاب مَا تلحن فِيهِ العامّة) . وروى أَبُو حَاتِم عَن الأصمعيّ أَنه قَالَ: العامّة تَقول للديكين إِذا اقتتلا فهربَ أَحدهمَا: قنْزعَ الديك، وَإِنَّمَا يُقَال قوزع الديك إِذا غُلِب، وَلَا يُقَال قنْزعَ.
قلت: وظنَّ البشتيُّ بحَدْسه وَقلة مَعْرفَته أَنه مَأْخُوذ من القنْزعة فَأَخْطَأَ فِي ظنّه. وَإِنَّمَا قوزعَ فَوعل من يقزَع، إِذا خفَّ فِي عَدْوه، كَمَا يُقَال قَونَس وَأَصله قنس.
وَقَالَ البشتيّ فِي (بَاب الْعين وَالضَّاد) قَالَ: العيضوم: الْمَرْأَة الْكَثِيرَة الْأكل.
قلت: وَهَذَا تَصْحِيف قبيحٌ دالٌ على قلَّة مبالاة الْمُؤلف إِذا صحَّف، وَالصَّوَاب العيصوم بالصَّاد، كَذَلِك رَوَاهُ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى عَن ابْن الْأَعرَابِي. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: هِيَ العَصُوم للْمَرْأَة إِذا كثر أكلُها، وَإِنَّمَا قيل لَهَا عَصوم وعيصوم لأنّ كثرةَ أكلهَا يَعْصِمهَا من الهُزَال ويقوّيها. وَقد ذكرتُه فِي مَوْضِعه بِأَكْثَرَ من هَذَا الشَّرْح.
وَقَالَ فِي (بَاب الْعين وَالضَّاد مَعَ الْبَاء) : يُقَال مَرَرْت بالقوم أَجْمَعِينَ أبضعين بالضاد.
وَهَذَا أَيْضا تَصْحِيف فاضح يدلّ على أنّ قَائِله غير مُميِّز وَلَا حَافظ كَمَا زعم. أَخْبرنِي أَبُو الْفضل الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْهَيْثَم الرَّازِيّ أَنه قَالَ: الْعَرَب تؤكّد الْكَلِمَة بِأَرْبَع توكيدات فَتَقول مَرَرْت بالقوم أَجْمَعِينَ أكتعين أبصين أبتعين. هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: وَهُوَ مَأْخُوذ من البَصْع وَهُوَ الْجمع. وقرأته فِي غير كتاب من كتب حُذّاق النَّحْوِيين هَكَذَا بالصَّاد.
وَقَالَ فِي (بَاب الْعين وَالْقَاف مَعَ الدَّال) قَالَ يَعْقُوب بن السّكيت: يُقَال لِابْنِ الْمَخَاض حِين يبلغ أَن يكون ثنيَّاً: قَعودٌ وَبَكْر، وَهُوَ من الذُّكُور كالقَلوص من الْإِنَاث. قَالَ البشتي: لَيْسَ هَذَا من القَعود الَّتِي يقتعدها الرَّاعِي فَيركبهَا وَيحمل عَلَيْهَا زَاده وأداته، وَإِنَّمَا هُوَ صفة للبَكرِ إِذا بلغَ الإثناء.
قلت: أَخطَأ البشتي فِي حكايته كلامَ ابْن السّكيت ثمَّ أَخطَأ فِيمَا فسره من كِيسه وَهُوَ قَوْله إِنَّه غير القَعود الَّتِي يقتعدها الرَّاعِي، من وَجْهَيْن آخَرين. فَأَما يَعْقُوب بن السّكيت فَإِنَّهُ قَالَ: يُقَال لِابْنِ الْمَخَاض حَتَّى يبلغ أَن يكون ثَنياً قَعودٌ وَبكر، وَهُوَ من الذُّكُور كالقلوص من الْإِنَاث.
فَجعل البشتي (حَتَّى) : (حينَ) . وَمعنى حتّى إِلَى وَهُوَ انْتِهَاء الْغَايَة. وَأحد الخطأين(1/33)
من البشتي فِيمَا قَالَه من كِيسِه تأنيثُه القَعود وَلَا يكون القَعود عِنْد الْعَرَب إلاّ ذكرا. وَالثَّانِي أَنه لَا قعُود فِي الْإِبِل تعرفه العربُ غير مَا فسره ابنُ السّكيت. وَرَأَيْت العربَ تجْعَل الْقعُود البَكرَ من حينَ يُركِبُ، أَي يُمكن ظهرَه من الرّكُوب. وَأقرب ذَلِك أَن يستكمل سنتَيْن إِلَى أَن يُثْنى، فَإِذا أثنَى سمِّي جملا. والبكْر والبَكْرة بِمَنْزِلَة الْغُلَام وَالْجَارِيَة اللَّذين لم يدركا. وَلَا تكون البكرةُ قَعوداً. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي فِيمَا أَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عنهُ: الْبكر قَعودٌ مثل القَلوص فِي النوق إِلَى أَن يثْنى. هَكَذَا قَالَ النَّضر بن شُمَيْل فِي كتاب (الْإِبِل) .
قلت: وَقد ذكرت لَك هَذِه الأحرف الَّتِي أَخطَأ فِيهَا والتقطتها من أوراق قَليلَة، لتستدلّ بهَا على أنّ الرجل لم يَفِ بِدَعْوَاهُ. وَذَلِكَ أَنه ادّعَى معرفَة وحفظاً يُمَيّز بهَا الغثَّ من السمين، وَالصَّحِيح من السقيم، بعد اعترافه أَنه استنبط كِتَابه من صحف قَرَأَهَا، فقد أقرَّ أَنه صحفيٌّ لَا رِوَايَة لَهُ وَلَا مُشَاهدَة، ودلّ تصحيفه وخطؤه على أَنه لَا معرفَة لَهُ وَلَا حفظ. فَالْوَاجِب على طلبة هَذَا الْعلم ألاّ يغترُّوا بِمَا أودع كِتَابه، فإنّ فِيهِ مَنَاكِير جَمّةً لَو استقصيتُ تهذيبَها اجْتمعت مِنْهَا دفاترُ كَثِيرَة. وَالله يُعيذنا من أَن نقُول مَا لَا نعلمهُ، أَو ندَّعي مَا لَا نُحسنه، أَو نتكثَّرَ بِمَا لم نُؤْتَه. وفقنا الله للصوابِ، وأداءِ النُّصح فِيمَا قصدناه، وَلَا حَرَمنا مَا أمّلناه من الثَّوَاب.
وَأما أَبُو الْأَزْهَر البُخَاري: الَّذِي سمّى كِتَابه (الحصائل) ، فَإِنِّي نظرت فِي كِتَابه الَّذِي ألّفه بخطّه وتصفَّحته، فرأيته أقلَّ معرفَة من البُشتيّ وَأكْثر تصحيفاً. وَلَا معنى لذكر مَا غيَّر وأفسد، لكثرته. وَإِن الضَّعِيف الْمعرفَة عندنَا من أهل هَذِه الصِّنَاعَة، إِذا تأمَّل كتابَه لم يَخْفَ عَلَيْهِ مَا حلَّيتُه بِهِ. ونعوذ بِاللَّه من الخذلان وَعَلِيهِ التُّكلان.
وَلَو أنّي أودعتُ كتابي هَذَا مَا حوتْه دفاتري، وقرأته من كتب غَيْرِي وَوَجَدته فِي الصُّحُف الَّتِي كتبهَا الورّاقون، وأفسدها المصحِّفون، لطال كتابي. ثمَّ كنتُ أحدَ الجانين على لُغَة الْعَرَب ولسانها ولَقليلٌ لَا يُخْزِي صَاحبه خيرٌ من كثير يفضحُه.
وَلم أُودِعْ كتابي هَذَا من كَلَام الْعَرَب إلاّ مَا صحّ لي سَمَاعا مِنْهُم، أَو رِوَايَة عَن ثِقَة، أَو حِكَايَة عَن خطِّ ذِي معرفةٍ ثاقبة اقترنت إِلَيْهَا معرفتي، اللهمّ إلاّ حروفاً وَجدتهَا لِابْنِ دُرَيْد وَابْن المظفّر فِي كِتَابَيْهِمَا، فبينت شكّي فِيهَا، وارتيابي بهَا. وستراها فِي مواقعها من الْكتاب ووقوفي فِيهَا.
ولعلَّ نَاظرا ينظرُ فِي كتابي هَذَا فَيرى أَنه أخلَّ بِهِ إعراضي عَن حروفٍ لَعلَّه يحفظها لغيري، وَحذْفي الشواهدَ من شعر الْعَرَب للحرفِ بعد الْحَرْف، فيتوّهم ويوهم غَيره أنَّه حفِظ مَا لم أحفظْه، وَلَا يعلم أَنِّي غزَوتُ فِيمَا حذَفتُه إعفاءَ الكتابِ من التَّطْوِيل الممّل،(1/34)
والتكثير الَّذِي لَا يحصَّل.
وَأَنا مبتدىءٌ الْآن فِي ذكر الْحُرُوف الَّتِي هِيَ أصلُ كَلَام الْعَرَب، وَتَقْدِيم الأولى مِنْهَا بالتقديم أوّلاً فأوّلاً، وتبيين مدارجها لتقف عَلَيْهَا، فَلَا يعسُر عَلَيْك طلبُ الْحَرْف الَّذِي تحْتَاج إِلَيْهِ.
وَلم أر خلافًا بَين اللغويين أَن التأسيس الْمُجْمل فِي أوّل كتاب (الْعين) ، لأبي عبد الرَّحْمَن الْخَلِيل بن أَحْمد، وَأَن ابْن المظفَّر أكملَ الكتابَ عَلَيْهِ بعد تلقُّفه إِيَّاه عَن فِيهِ. وعلمتُ أَنه لَا يتقدَّم أحدٌ الْخَلِيل فِيمَا أسّسه ورسمَه. فَرَأَيْت أَن أحكيَه بِعَيْنِه لتتأمّله وتردّد فكرك فِيهِ، وتستفيد مِنْهُ مَا بك الحاجةُ إِلَيْهِ. ثمَّ أُتبعه بِمَا قَالَه بعض النحويّين ممّا يزِيد فِي بَيَانه وإيضاحه.
قَالَ اللَّيْث بن المظفَّر: لما أَرَادَ الْخَلِيل بن أَحْمد الابتداءَ فِي كتاب (الْعين) أعملَ فكره فِيهِ فَلم يُمكنهُ أَن يبتدىء من أول اب ت ث لِأَن الْألف حرف معتل فلمّا فَاتَهُ أوّل الْحُرُوف كره أَن يَجْعَل الثَّانِي أوّلاً وَهُوَ الْبَاء إلاّ بحجّة، وَبعد استقصاء. فدبَّر وَنظر إِلَى الْحُرُوف كلّها وذاقَها، فوجدَ مخرجَ الْكَلَام كلّه من الْحلق، فصيَّرَ أولاها بِالِابْتِدَاءِ بِهِ أدخلَها فِي الْحلق، وَكَانَ ذوقُه إِيَّاهَا أَنه كَانَ إِذا أَرَادَ أَن يَذُوق الْحَرْف فتح فَاه بِأَلف ثمَّ أظهر الْحَرْف، نَحْو أت، أح، أع. فَوجدَ العينَ أقصاها فِي الْحلق وأدخلها. فَجعل أول الْكتاب الْعين، ثمَّ مَا قرب مخرجُه مِنْهَا بعد الْعين الأرفع فالأرفع، حَتَّى أَتَى على آخر الْحُرُوف. فَإِذا سُئِلت عَن كلمة فَأَرَدْت أَن تعرف موضعهَا من الْكتاب فَانْظُر إِلَى حُرُوف الْكَلِمَة، فمهما وجدتَ مِنْهَا وَاحِدًا فِي الْكتاب الْمُتَقَدّم فَهُوَ فِي ذَلِك الْكتاب.
قَالَ: وقلَّب الْخَلِيل اب ت ث فوضعَها على قدر مخارجها من الْحلق. وَهَذَا تأليفه:
ع ح هـ خَ غ ق ك ج ش ض ص س ز ط د ت ظ ذ ث ر ل ن ف ب م وَا ي.
قَالَ الْخَلِيل بن أَحْمد: كَلَام الْعَرَب مبنيٌ على أَرْبَعَة أَصْنَاف: على الثنائي، والثلاثي، والرباعي، والخُماسيّ.
فأمّا الثنائيّ فَمَا كَانَ على حرفين، نَحْو قدْ، لمْ، بل، هَل، وَمثلهَا من الأدوات.
قَالَ: والثلاثي نَحْو قَوْلك ضرب، خرج، مبنيّ على ثَلَاثَة أحرف.
والرباعي نَحْو قَوْلك: دحرج، هملج، قرطس، مبنيّ على أَرْبَعَة أحرف.
قَالَ: والخماسيّ نَحْو قَوْلك: اسحنككَ، اقشعرَّ، اسحنفر، مبنيّ على خَمْسَة أحرف.(1/35)
قَالَ: وَالْألف فِي اسحنكك واسحنفر لَيست بأصلية إِنَّمَا أدخلت لتَكون عماداً وسُلَّماً للسان إِلَى السَّاكِن؛ لِأَن اللِّسَان لَا ينْطَلق بالساكن. وَالرَّاء الَّتِي فِي اقشعرَّ راءانِ أدغمت وَاحِدَة فِي الْأُخْرَى، فالتشديدةُ عَلامَة الْإِدْغَام.
قَالَ: والخماسيّ من الْأَسْمَاء نَحْو: سفرجل، وشمردل، وكنَهبُل، وقَبَعْثَر، وَمَا أشبههَا.
قَالَ: وَقَالَ الْخَلِيل: لَيْسَ للْعَرَب بناءٌ فِي الْأَسْمَاء وَفِي الْأَفْعَال أَكثر من خَمْسَة أحرف، فمهما وجدت زِيَادَة على خَمْسَة أحرف فِي فعل أَو اسْم فَاعْلَم أَنَّهَا زَائِدَة على الْبناء، نَحْو قَرَعْبَلانة، إِنَّمَا هُوَ قَرَعْبَل، وَمثل عنكبوت، إِنَّمَا هُوَ أَصله عَنكب.
قَالَ: وَالِاسْم لَا يكون أقلَّ من ثَلَاثَة أحرف: حرف يبتدأ بِهِ، وحرف يُحشَى بِهِ الْكَلِمَة، وحرف يُوقف عَلَيْهِ. فَهَذِهِ ثَلَاثَة أحرف، مثل سعد، وَبدر، وَنَحْوهمَا. فَإِن صيّرت الْحَرْف الثنائيّ مثل قد وَهل وَلَو أَسمَاء أدخلتَ عَلَيْهَا التَّشْدِيد فَقلت: هَذِه لوٌ مَكْتُوبَة، هَذِه قَدٌ حَسَنَة الكِتْبة. وَأنْشد:
لَيْت شِعري وَأَيْنَ مِنِّيَ ليتٌ
إنَّ ليتاً وإنَّ لَوًّا عناءُ
فشدَّد لوًّا حِين جعله اسْما. قَالَ: وَقد جَاءَت أسماءٌ لفظُها على حرفين، وتمامُها على ثَلَاثَة أحرف، مثل يَد وَدم وفم، وَإِنَّمَا ذهب الثَّالِث لعلَّة أَنَّهَا جَاءَت سواكن وخِلقتها السّكُون، مثل يَاء يَدْيٍ وياء دَمْيٍ فِي آخر الْكَلِمَة، فَلَمَّا جَاءَ التَّنْوِين سَاكِنا لم يجْتَمع ساكنان فَثَبت التَّنْوِين لِأَنَّهُ إِعْرَاب، وَذهب الْحَرْف السَّاكِن. فَإِذا أردتَ مَعْرفَتهَا فاطلبْها فِي الْجمع والتصغير، كَقَوْلِك: أَيْديهم، ويُدَيّة.
قَالَ: وتوجد أَيْضا فِي الْفِعْل، كَقَوْلِك: دَمِيَتْ يَده. وَيُقَال فِي تَثْنِيَة الْفَم فَمَوان. وَهَذَا يدل على أنّ الذَّاهِب من الْفَم الْوَاو.
وَقَالَ الْخَلِيل: الْفَم أَصله فَوْه كَمَا ترى، وَالْجمع أَفْوَاه. وَقد فَاه الرجُل، إِذا فتح فَاه بالْكلَام.
قلت: وَقد بيّنت فِي كتاب الْهَاء مَا قَالَه النحويون فِيهِ.(1/36)
بَاب ألقاب الْحُرُوف ومدارجها
قَالَ الْخَلِيل بن أَحْمد: اعْلَم أَن الْحُرُوف الذُّلْق والشفوية ستّة: ر ل ن ف ب م. فالراء وَاللَّام وَالنُّون سمِّيت ذُلْقاً لأنّ الذّلاقة فِي الْمنطق إِنَّمَا هِيَ بطرَف أسَلة اللِّسَان. وسمِّيت الْفَاء وَالْبَاء وَالْمِيم شفوية لأنّ مخرجها بَين الشفتين، لَا تعْمل الشفتان فِي شَيْء من الْحُرُوف إلاّ فِي هَذِه الثَّلَاثَة الأحرف. فأمّا سَائِر الْحُرُوف فَإِنَّهَا ارْتَفَعت فجرَتْ فوقَ ظهر اللِّسَان من لَدُنْ بَاطِن الثنايا من عِنْد مخرج الثَّاء إِلَى مخرج الشين بَين الْغَار الْأَعْلَى وَبَين ظهر اللِّسَان. وَلَيْسَ للسان فيهّن أَكثر من تَحْرِيك الطبقين بهنّ. وَلم ينحرفن عَن ظهر اللِّسَان انحراف الرَّاء وَاللَّام وَالنُّون.
فأمّا مخرج الْجِيم وَالْقَاف فَبين عَكدة اللِّسَان وَبَين اللَّهاة فِي أقْصَى الْفَم. وأمّا مخرج الْعين والحاء وَالْهَاء والغين فَمن الحَلْق.
وأمّا مخرج الْهمزَة فَمن أقْصَى الْحلق. وَهِي مهتوتة مضغوطة، فَإِذا رُفِّه عَنْهَا لانت وَصَارَت الْيَاء وَالْألف وَالْوَاو على غير طَريقَة الْحُرُوف الصِّحَاح.
وَلما ذلِقت الْحُرُوف الستّة ومَذِل بهنّ اللِّسَان وسَهُلت فِي الْمنطق، كثرت فِي أبنية الْكَلَام، فَلَيْسَ شيءٌ من بِنَاء الخماسيّ التَّام يَعرَى مِنْهَا أَو من بَعْضهَا. فَإِن وردَ عَلَيْك خماسيٌّ معرّى من الْحُرُوف الذُّلق والشفوية فَاعْلَم أنّه مولَّد وَلَيْسَ من صَحِيح كَلَام الْعَرَب؛ نَحْو الخَضَعْثَج والكَشَعْطَج وَأَشْبَاه ذَلِك، وَإِن أشبه لَفظهمْ وتأليفَهم فَلَا تقبلنَّ مِنْهُ شَيْئا؛ فإنّ النحارير ربَّما أدخلُوا على النَّاس مَا لَيْسَ من كَلَام الْعَرَب إِرَادَة التلبيس والتعنُّت.
وأمّا بِنَاء الرباعي المنبسط فإنّ الْجُمْهُور الْأَكْثَر مِنْهُ لَا يعرى من بعض الْحُرُوف الذُّلق إلاّ كلماتٍ نَحوا من عشر، جئن شواذَّ، فسَّرناهُنّ فِي أمكنتها، وَهِي: العَسْجد، والعَسَطوس، والقُداحِس، والدُّعْشُوقة، والدُّهَدعة، والدَّهدقة، والزَّهزقة.(1/37)
قَالَ: وأمّا الغَطْمَطِيط وجَلَنْبَلَق وحَبَطِقْطِق فإنّ لهَذِهِ الْحُرُوف وَمَا شاكلها مِمَّا يُعرف الثنائي وَغَيره من الثلاثيّ والرباعيّ والخماسيّ فإنَّها فِي موَاضعهَا بيّنة. والأحرف الَّتِي سمّيناهن فإنهنَّ عَرِين من الحُروف الذُّلق، وَلذَلِك نَزُرن فقَلَلْن. وَلَوْلَا مَا لزمهنّ من الْعين وَالْقَاف مَا حَسُنَّ على حَال، وَلَكِن الْعين وَالْقَاف، لَا تدخلان على بناءٍ إلاّ حسَّنتاه، لأنَّهما أطلق الْحُرُوف. أمّا الْعين فأنصعُ الْحُرُوف جَرْساً وألذُّها سَمَاعا. وأمّا الْقَاف فأصحُّها جَرساً. فَإِذا كَانَتَا أَو إِحْدَاهمَا فِي بِنَاء حسُنَ لنصاعتهما. فَإِن كَانَ الْبناء اسْما لَزِمته السِّين أَو الدَّال مَعَ لُزُوم الْعين أَو الْقَاف، لِأَن الدَّال لانت عَن صلابة الطَّاء وكزازتها؛ وَارْتَفَعت عَن خُفُوت التَّاء فحسنت. وَصَارَت حالُ السِّين بَين مخرجَي الصَّاد وَالزَّاي كَذَلِك. فمهما جَاءَ من بِنَاء اسْم رباعي منبسط معرى من الْحُرُوف الذُّلق والشفوية فإنّه لَا يعرى من أحد حرفي الطلاقة أَو كليهمَا، وَمن السِّين وَالدَّال أَو إِحْدَاهمَا، وَلَا يضرُّه مَا خالطه من سَائِر الْحُرُوف الصُّتْم.
وَإِذا ورد عَلَيْك شيءٌ من ذَلِك فَانْظُر مَا هُوَ من تأليف الْعَرَب وَمَا لَيْسَ من تأليفهم، نَحْو قعثج، دعثج، لَا ينْسب إِلَى الْعَرَبيَّة وَلَو جَاءَ عَن ثِقَة، أَو قَعْسَج لم يُنكر وَلم نسْمع بِهِ، وَلَكنَّا ألَّفناه، ليعرف صَحِيح بِنَاء كَلَام الْعَرَب من الدخيل.
وأمّا مَا كَانَ من هَذَا الرباعي المنبسط من المعرَّى من الْحُرُوف الذُّلْق حِكَايَة مؤلّفة نَحْو دَهداق وزَهزاق وَأَشْبَاه ذَلِك، فَإِن الْهَاء لَازِمَة لَهُ فصلا بَين حرفيه المتشابهين مَعَ لُزُوم الْعين وَالْقَاف أَو إِحْدَاهمَا. وَإِنَّمَا استحسنوا الْهَاء فِي هَذَا الضَّرْب من الْحِكَايَة للينها وهشاشتها، إِنَّمَا هِيَ نَفَس لَا اعتياصَ فِيهَا.
وَإِن الْحِكَايَة المؤلّفة غير معرّاة من الْحُرُوف الذُّلق فَلَنْ تَضُرّ أَكَانَت فِيهَا الْهَاء أم لَا، نَحْو غَطْمَطَة وأشباهه. وَلَا تكون الْحِكَايَة مؤلفة حَتَّى يكون حرف صدرها مُوَافقا لصدر مَا ضُمّ إِلَيْهَا فِي عجزها، كَأَنَّهُمْ ضمُّوا دَهْ إِلَى دَق فألّفوهما. وَلَوْلَا مَا فيهمَا من تشابه الحرفين مَا حسنت الْحِكَايَة بهما، لِأَن الحكايات الرباعيات لَا تَخْلُو من أَن تكون مؤلّفة أَو مضاعفة. فأمّا المؤلّفة فعلى مَا وصفتُ لَك، وَهُوَ نَزرٌ قَلِيل. وَلَو كَانَ العهعخ جَمِيعًا من الْحِكَايَة لجَاز فِي تأليف بِنَاء الْعَرَب وَإِن كَانَ الْخَاء بعد الْعين، لأنّ الْحِكَايَة تحْتَمل من بِنَاء التَّأْلِيف مَا لَا يحْتَمل غيرُها لما يُرِيدُونَ من بَيَان المحكيّ. وَلَكِن لمَّا جَاءَ العهعخ، فِيمَا ذكر بَعضهم، اسْما عَاما وَلم يكن بِالْمَعْرُوفِ عِنْد أَكْثَرهم وَعند أهل الْبَصَر وَالْعلم مِنْهُم رُدَّ فَلم يُقْبَل.(1/38)
وأمّا الْحِكَايَة المضاعفة فَإِنَّهَا بِمَنْزِلَة الصلصلة والزلزلة وَمَا أشبههما، يتوهمون فِي حُسن الْحَرَكَة مَا يتوهمون فِي جَرْس الصَّوْت، يضاعفون لتستمرّ الْحِكَايَة على وَجه التصريف.
والمضاعف من الْبناء فِي الحكايات وَغَيرهَا مَا كَانَ حرفا عَجزه مثل حرفي صَدره، وَذَلِكَ بِنَاء نستحسنه ونستلذُّه، فَيجوز فِيهِ من تأليف الْحُرُوف مَا جَاءَ من الصَّحِيح والمعتلّ، وَمن الذُّلق والطُّلُق والصُّتم. ويُنسَب إِلَى الثنائيّ لِأَنَّهُ يضاعفه. أَلا ترى أنّ الحاكي يَحْكِي صلصلة اللجام فَيَقُول: صلصل اللجام، فَيُقَال صَلْ يخفّف، فَإِن شَاءَ اكْتفى بهَا مَرّة، وَإِن شَاءَ أَعَادَهَا مرَّتَيْنِ أَو أَكثر من ذَلِك فَقَالَ صَلْ صَلْ صل، فيتكلف من ذَلِك مَا بدا لَهُ. وَيجوز فِي حِكَايَة المضاعَف مَا لَا يجوز فِي غَيرهَا من تأليف الْحُرُوف. أَلا ترى أَن الضَّاد وَالْكَاف إِذا ألّفتا فبدىء بالضاد فَقيل ضك كَانَ هَذَا تأليفاً لَا يحسُن فِي أبنية الْأَسْمَاء وَالْأَفْعَال إلاّ مَفْصُولًا بَين حرفيه بِحرف لَازم أَو أَكثر من ذَلِك، نَحْو الضَّنْك والضَّحِك وَأَشْبَاه ذَلِك. وَهُوَ جَائِز فِي تأليف المضاعف نَحْو الضكضاكة من النِّسَاء وَأَشْبَاه ذَلِك. فالمضاعف جَائِز فِيهِ كل غَثَ وسمين من المَفْصول والأعجاز وَغير ذَلِك.
وَالْعرب تشتق فِي كثير من كَلَامهَا أبنية المضاعف من بِنَاء الثنائي المثقل بحرفي التَّضْعِيف، وَمن الثلاثيّ المعتلّ. أَلا ترى أَنهم يقولونَ صلَّ اللجام صليلاً، فَلَو حكيت ذَلِك قلت صلّ تمد اللَّام وتثقلها، وَقد خففتها من الصلصلة، وهما جَمِيعًا صَوت اللجام، فالتَّثقيل مدٌّ والتضعيف تَرْجِيع، لِأَن الترجيع يخف فَلَا يتَمَكَّن لِأَنَّهُ على حرفين فَلَا ينقاد للتصريف حَتَّى يُضَاعف أَو يثقل، فَيَجِيء كثير مِنْهُ متّفقاً على مَا وصفتُ لَك وَيَجِيء كثير مِنْهُ مُخْتَلفا نَحْو قَوْلك: صرّ الْجنُوب صَرِيرًا، وصرصر الأخطب صرصرة، كَأَنَّهُمْ توهموا فِي صَوت الجندُب مدا، وتوهموا فِي صَوت الأخطب ترجيعاً. وَنَحْو ذَلِك كثير مُخْتَلف.
وأمّا مَا يشتقون من المضاعف من بِنَاء الثلاثيّ المعتلّ فنحو قَول العجاج:
وَلَو أنَخْنا جَمعَهم تنخنَخوا
لِفحلنا إنْ سرَّه التنوُّخ
وَلَو شَاءَ لقَالَ فِي الْبَيْت الأول: وَلَو أنخنا جمعهم تنوّخوا، ولكنّه اشتقّ التنوّخ من نَوّخناها فتنوّخت، واشتقَّ التنخنخ من قَوْلك أنخنا، لأنّ أَنَاخَ لما جَاءَ مخفّفاً حسن إِخْرَاج الْحَرْف المعتل مِنْهُ وتَضاعُفُ الحرفين الباقيين، تَقول نخنخنا فتنخنخ. وَلما قَالَ نوّخنا قرّت الْوَاو فثبتت فِي التنوّخ. فَافْهَم(1/39)
بَاب أحياز الْحُرُوف
قَالَ الْخَلِيل بن أَحْمد: حُرُوف الْعَرَبيَّة تِسْعَة وَعِشْرُونَ حرفا، مِنْهَا خَمْسَة وَعِشْرُونَ حرفا لَهَا أحيازٌ ومدارج، وَأَرْبَعَة أحرف يُقَال لَهَا: جُوفٌ. الْوَاو أجوف، وَمثله الْيَاء وَالْألف اللينة والهمزة، سمِّيت جُوفاً لِأَنَّهَا تخرج من الْجوف فَلَا تخرج فِي مدرجةٍ، وَهِي فِي الْهَوَاء فَلم يكن لَهَا حيّز تنْسب إِلَيْهِ إلاّ الْجوف. وَكَانَ يَقُول كثيرا: الْألف اللينة وَالْوَاو وَالْيَاء هوائية، أَي إِنَّهَا فِي الْهَوَاء.
قَالَ: وأقصى الْحُرُوف كلهَا الْعين، وَأَرْفَع مِنْهَا الْحَاء، وَلَوْلَا بُحّةٌ فِي الْحَاء لأشبهت الْعين، لقرب مخرج الْحَاء من مخرج الْعين. ثمَّ الْهَاء، وَلَوْلَا هَتَّة فِي الْهَاء وَقَالَ مَرّةً: هَهَّة فِي الْهَاء لأشبهت الْحَاء، لقرب مخرج الْهَاء من الْحَاء. فَهَذِهِ الثَّلَاثَة فِي حيّز وَاحِد. ثمَّ الْخَاء والغين فِي حيّز وَاحِد، ثمَّ الْقَاف وَالْكَاف فِي حيّز وَاحِد، ثمَّ الْجِيم والشين وَالضَّاد ثَلَاثَة فِي حيّز وَاحِد، ثمَّ الصَّاد وَالسِّين وَالزَّاي ثَلَاثَة فِي حيّز وَاحِد، ثمَّ الطَّاء وَالدَّال وَالتَّاء ثَلَاثَة فِي حيّز وَاحِد، ثمَّ الظَّاء والذال والثاء ثَلَاثَة فِي حيّز وَاحِد، ثمَّ الرَّاء وَاللَّام وَالنُّون ثَلَاثَة فِي حيّز وَاحِد، ثمّ الْفَاء وَالْبَاء وَالْمِيم ثَلَاثَة فِي جيّز وَاحِد، ثمَّ الْوَاو وَالْيَاء وَالْألف ثَلَاثَة فِي الْهَوَاء لم يكن لَهَا حيّز تُنسَب إِلَيْهِ غَيره.
قَالَ الْخَلِيل: فالعين والحاء وَالْهَاء وَالْخَاء والغين حَلْقية. وَالْقَاف وَالْكَاف لَهَويان. وَالْجِيم والشين وَالضَّاد شَجْرية والشَّجْر مَفرج الْفَم. وَالصَّاد وَالسِّين وَالزَّاي أسَلية، لأنَّ مبدأها من أسَلة اللِّسَان، وَهِي مستدَقّ طرف اللِّسَان. والطاء وَالدَّال والطاء نطعية، لأنّ مبدأها من نطع الْغَار الْأَعْلَى. والظاء والذال والثاء لِثوية، لِأَن مبدأها من اللِّثة. وَالرَّاء وَاللَّام وَالنُّون ذَوْلقية، وَهِي الذُّلْق، الْوَاحِد أذلق، وذولق اللِّسَان كذولق السِّنان. وَالْفَاء وَالْبَاء وَالْمِيم شفوية، وَمرَّة قَالَ: شفهية. وَالْوَاو وَالْألف وَالْيَاء هوائية. نسب كل حرف إِلَى مَدْرجته.
وَكَانَ الْخَلِيل يُسَمِّي الْمِيم مطبَقة لأنَّها تطبق إِذا لُفِظ بهَا.
قَالَ الْخَلِيل: وَاعْلَم أنّ الْكَلِمَة الثنائية المضاعفة تتصرف على وَجْهَيْن، مثل دقّ(1/40)
، قَدّ، شدّ، دشّ. والكلمة الثلاثية الصَّحِيحَة تتصرف على سِتَّة أوجه تسمَّى مسدوسة، نَحْو: ضرب، ضبر، ربض، رضب، برض، بضر. قَالَ: والكلمة الرّبَاعِيّة تتصرف على أَرْبَعَة وَعشْرين وَجها، وَذَلِكَ أَن حروفها ضُرِبت وَهِي أَرْبَعَة أحرف فِي وُجُوه الثلاثي الصَّحِيح وَهِي سِتَّة فَصَارَت أَرْبَعَة وَعشْرين، وهنَّ نَحْو:
عبقر، عبرق، عقرب، عقبر، عربق، عرقب، فَهَذِهِ سِتَّة أوجه أَولهَا الْعين.
وَكَذَلِكَ: قعبر، قبعر، قعرب، قبرع، قرعب، قربع. سِتَّة أوجه أَولهَا الْقَاف.
بعقر، بعرق، بقرع، بقعر، برقع، برعق، سِتَّة أوجه.
رقعب، رقبع، رعقب، رعبق، ربقع، ربعق. فَهَذِهِ أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ وَجها أَكْثَرهَا مهمل.
قَالَ الْخَلِيل: والكلمة الخماسيّة تتصرف على مائَة وَعشْرين وَجها، وَذَلِكَ أَن حروفها ضُرِبت وَهِي خَمْسَة أحرف فِي وُجُوه الرباعي وَهِي أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ وَجها فَتَصِير مائَة وَعشْرين وَجها، يسْتَعْمل أقلهَا ويلغى أَكْثَرهَا. وَهُوَ نَحْو: سفرجل، سفرلج، سفجرل سفجلر، سفلرج، سفلجر، سرجفل، سرلفج، سرجلف، سرفلج، سلفرج، سلجفر، سلفجر، سلجرف، سجلفر، سجرفل، سرلجف، سرفجل، سجفرل، سجرفل، سجرلف، سلرجف، سجرلف، سجفلر. فَهَذِهِ أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ وَجها الِابْتِدَاء فِيهَا بِالسِّين. وَكَذَلِكَ للفاء إِذا ابتدىء بهَا أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ وَجها، وَكَذَلِكَ للراء وَاللَّام وَالْجِيم. فَذَلِك مائَة وَعِشْرُونَ وَجها أَكْثَرهَا مهمل.
وَتَفْسِير الثلاثي الصَّحِيح أَن تكون الْكَلِمَة مَبْنِيَّة من ثَلَاثَة أحرف لَا يكون فِيهَا وَاو، وَلَا يَاء، وَلَا ألف لينَة، وَلَا همزَة فِي أصل الْبناء، لأنَّ هَذِه الْحُرُوف يُقَال لَهَا حُرُوف العِلَل. وكلمَّا سلمت كلمة على ثَلَاثَة أحرف من الْحُرُوف السالمة فَهِيَ ثلاثية صَحِيحَة. والثلاثي المعتل مَا شابَهُ حرفٌ من حُرُوف الْعلَّة.
قَالَ: واللفيف الَّذِي التف بحرفين من حُرُوف الْعِلَل مثل وفى، وغوى، ونأى. فافهمْه.
وروى غير ابْن المظفّر عَن الْخَلِيل بن أَحْمد أَنه قَالَ: الْحُرُوف الَّتِي بُني مِنْهَا كَلَام الْعَرَب ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ حرفا لكل حرف مِنْهَا صَرفٌ وَجرس. أمّا الجرس فَهُوَ فَهْم الصَّوْت فِي سُكُون الْحَرْف. وَأما الصّرْف فَهُوَ حَرَكَة الْحَرْف.
قَالَ: والحروف الثَّمَانِية وَالْعشْرُونَ على نحوين: معتلّ وصحيح. فالمعتلّ مِنْهَا(1/41)
ثَلَاثَة أحرف: الْهمزَة وَالْيَاء وَالْوَاو. قَالَ: وصُوَرهنَّ على مَا ترى: أَوَى. قَالَ: واعتلالها تغيّرها من حَال إِلَى حَال وَدخُول بَعْضهَا على بعض، واستخلاف بَعْضهَا من بعض.
قَالَ: وَسَائِر الْحُرُوف صِحَاح لَا تَتَغَيَّر عَن حَالهَا أبدا غير الْهَاء المؤنّثة، فإنّها تصير فِي الِاتِّصَال تَاء، كَقَوْلِك هَذِه شَجَره فتظهر الْهَاء، ثمَّ تَقول هَذِه شجرتك شجرةٌ طيبَة فتذهب الْهَاء وتستخلف التَّاء لأنّ التَّاء مؤنّثة. وإنّما فعلوا ذَلِك بهاء التَّأْنِيث ليفرقوا بَينهَا وَبَين الأصليَّة فِي بِنَاء الْكَلِمَة.
قَالَ: والحروف الصِّحَاح على نحوين: مِنْهَا مُذْلَق وَمِنْهَا مُصْمَت. فَأَما المُذْلقة فَإِنَّهَا سِتَّة أحرف فِي حيّزين: أَحدهمَا حيّز الْفَاء فِيهِ ثَلَاثَة أحرف كَمَا ترى: ف ب م، مخارجها من مَدرجةٍ واحدةٍ لصوتٍ بَين الشفتين لاعملَ للِّسان فِي شيءٍ مِنْهَا. والحيّز الآخر حيّز اللَّام فِيهِ ثَلَاثَة أحرف كَمَا ترى: ل ر ن، مخارجها من مَدرجةٍ وَاحِدَة بَين أسَلة اللِّسَان ومقدَّم الْغَار الْأَعْلَى. فهاتان المدرجتان هما موضعا الذَّلاقة، وحروفهما أخفُّ الْحُرُوف فِي الْمنطق، وأكثرها فِي الْكَلَام، وأحسنها فِي الْبناء.
وَلَا يحسن بِنَاء الرباعي المنبسط والخماسيّ التامّ إلاّ بمخالطة بَعْضهَا نَحْو: جَعْفَر، ودَرْدَق، وسفرجل، ودردبيس. وَقد جَاءَت كَلِمَات مُسَيَّنَةٌ شواذ، نَحْو: عَسجَد، وعَسَطُوس.
وَقَالَ: أما المُصْمتة وَهِي الصُّتْم أَيْضا فَإِنَّهَا تِسْعَة عشر حرفا صَحِيحا. مِنْهَا خَمْسَة أحرف مخارجها من الْحلق، وَهِي ع ح هـ خَ غ. وَمِنْهَا أَرْبَعَة عشر حرفا مخارجها من الْفَم مَدرُجها على ظَهر اللِّسان من أَصله إِلَى طرفه، مِنْهَا خمسٌ شواخص، وَهن: ط ض ص ظ ق وتسمَّى المستعلِيَة، وَمِنْهَا تِسْعَة مختفضة، وهنّ: ك ج ش ز س د ت ذ ث. قَالَ: وإنَّما سُمِّينَ مصمتة لِأَنَّهَا أصمتَت فَلم تدخل فِي الْأَبْنِيَة كلهَا. وَإِذا عُرّيت من حُرُوف الذلاقة قلّت فِي الْبناء، فلستَ واجداً فِي جَمِيع كَلَام الْعَرَب خماسياً بِنَاؤُه بالحروف المصمتة خَاصَّة، وَلَا كلَاما رباعياً كَذَلِك غير المسيَّنة الَّتِي ذكرتها. واستخفّت الْعَرَب ذَلِك لخفّة السِّين وهشاشتها. وَلذَلِك استخفت السِّين فِي استفعل.
قَالَ: والعويص فِي الْحُرُوف المعتلّة، وَهِي أَرْبَعَة أحرف: الْهمزَة وَالْألف اللينة وَالْيَاء وَالْوَاو. فَأَما الْهمزَة فَلَا هجاءَ لَهَا، إِنَّمَا تكْتب مرّةً ألفا ومرّة واواً ومرّة يَاء. فَأَما الْألف اللينة فَلَا صَرْف لَهَا، إِنَّمَا هِيَ جَرْس مدةٍ بعد فَتْحة، فَإِذا وَقعت عَلَيْهَا صروف الحركات ضَعُفت عَن احتمالها واستنامت إِلَى الْهمزَة أَو الْيَاء أَو الْوَاو، كَقَوْلِك عِصَابَة(1/42)
وعصائب، كَاهِل وكواهل، سِعلاة وَثَلَاث سعليات فِيمَن يجمع بِالتَّاءِ. فالهمزة الَّتِي فِي العصائب هِيَ الْالف الَّتِي فِي الْعِصَابَة، وَالْوَاو الَّتِي فِي الكواهب هِيَ الْألف الَّتِي فِي الْكَاهِل جَاءَت خَلَفاً مِنْهَا، وَالْيَاء الَّتِي فِي السِّعلَيات خلفٌ من الْألف الَّتِي فِي السعلاة، وَنَحْو ذَلِك كثير. فالألف اللينة هِيَ أَضْعَف الْحُرُوف المعتلة، والهمزة أقواها متْنا، ومخرجها من أقْصَى الْحلق من عِنْد الْعين.
قَالَ: وَالْيَاء وَالْوَاو وَالْألف اللينة مَنُوطات بهَا، ومدارج أصواتها مُخْتَلفَة، فمدرجة الْألف شاخصة نَحْو الْغَار الْأَعْلَى، ومدرجة الْيَاء مختفضة نَحْو الأضراس، ومدرجة الْوَاو مستمرة بَين الشفتين، وأصلهنّ من عِنْد الْهمزَة. أَلا ترى أَن بعض الْعَرَب إِذا وقف عندهنّ همزهن، كَقَوْلِك للْمَرْأَة افعلىءْ وتسكت، وللاثنين افعلأْ وتسكت، وَلِلْقَوْمِ افعلُؤْ وتسكت، فإنّما يُهمَزن فِي تِلْكَ اللُّغَة لأنهنّ إِذا وُقِف عِنْدهن انْقَطع أنفاسهن فرَجعْن إِلَى أصل مبتدئهن من عِنْد الْهمزَة. فَهَذِهِ حَال الْألف اللينة، وَالْوَاو الساكنة بعد الضمة، وَالْيَاء الساكنة بعد الكسرة، وَالْألف اللينة بعد الفتحة. وَهَؤُلَاء فِي مجْرى وَاحِد.
وَالْوَاو وَالْيَاء إِذا جاءتا بعد فَتْحة قويتا، وَكَذَا إِذا تحركتا كَانَتَا أقوى. وَمن تِبيان ذَلِك أَن الْألف اللينة وَالْيَاء بعد الكسرة وَالْوَاو بعد الضمة إِذا لقيهنّ حرف سَاكن بعدهن سقطن، كَقَوْلِك عبد الله ذُو الْعِمَامَة، كَأَنَّك قلت ذُلْ. وَتقول رَأَيْت ذَا الْعِمَامَة، كَأَنَّك قلت ذَلْ. وَتقول مررتُ بِذِي الْعِمَامَة، كَأَنَّك قلت ذِلْ. وَنَحْو ذَلِك كَذَلِك فِي الْكَلَام أجمع.
وَالْيَاء وَالْوَاو بعد الفتحة إِذا سكنتا ولقيهما سَاكن بعدهمَا فإنّهما يتحركان وَلَا يسقطان أبدا، كَقَوْلِك لَو انْطَلَقت: يَا فلَان، وقولك للْمَرْأَة: اخشَي الله، وَلِلْقَوْمِ: اخْشَوُا الله. وَإِذا وقفت قلت: اخشَوْا واخشَي.
فَإِذا الْتَقت الْيَاء وَالْوَاو فِي موضعٍ وَاحِد وَكَانَت الأولى مِنْهُمَا سَاكِنة فَإِن الْوَاو تُدْغَم فِي الْيَاء إِن كَانَت قبلهَا أَو بعْدهَا فِي الْكَلَام كلِّه، نَحْو: الطيّ من طوَيت، الْوَاو قبل الْيَاء؛ وَنَحْو الحيّ من الْحَيَوَان، الْيَاء قبل الْوَاو.
قَالَ: والحروف المعتلة تخْتَلف حالتها فتجري على مجارٍ شَتَّى. من ذَلِك الْألف اللينة إِذا مدّت صَارَت مدّتها همزَة ملتزقة بهَا من خلفهَا كَقَوْلِك هَذِه لاءٌ مَكْتُوبَة، وَهَذِه ماءٌ ماءُ الصِّلَة لَا ماءُ المجازاة. وَنَحْو ذَلِك من الْحُرُوف المصوّرة إِذا وَقعت مواقع الْأَسْمَاء مدّت كَمَا تمدّ حُرُوف الهجاء إِذا نسبَت أَو وُصفت؛ لأنهنّ يصرن أَسمَاء؛ لأنَّ الِاسْم مبنيٌّ على ثَلَاثَة أحرف، وَهَذِه الْحُرُوف مَثْنَى مثنى مثل لَو، ومَن، وعَن. فَإِذا(1/43)
صيرتَ وَاحِدًا مِنْهَا اسْما قوّيته بحرفٍ ثَالِث مُخرجٍ من حرفٍ ثَان كَقَوْلِه:
إنّ ليتاً وإنّ لوًّا عناءُ
جعل لوًّا اسْما حِين نعَتَه.
وروى اللَّيْث بن المظفر عَن الْخَلِيل بن أَحْمد فِي أول (كِتَابه) : هَذَا مَا ألّفه الْخَلِيل بن أَحْمد من حرف: اب ت ث، الَّتِي عَلَيْهَا مدَار كَلَام الْعَرَب وألفاظها، وَلَا يخرج شَيْء مِنْهَا عَنْهَا؛ أَرَادَ أَن يعرف بذلك جَمِيع مَا تَكَلَّمت بِهِ الْعَرَب فِي أشعارها وأمثالها وَألا يشذّ عَنهُ مِنْهَا شَيْء.
قلت: قد أشكل معنى هَذَا الْكَلَام على كثير من النَّاس حَتَّى توهّم بعض المتحذلقين أَن الْخَلِيل لم يَفِ بِمَا شرَط، لأنَّه أهمل من كَلَام الْعَرَب مَا وُجد فِي لغاتهم مُسْتَعْملا.
وَقَالَ أَحْمد البشتيّ الَّذِي ألَّف كتاب (التكملة) : نقضَ الَّذِي قَالَه الْخَلِيل مَا أودعناه كتَابنَا هَذَا أصلا؛ لأنَّ كتَابنَا يشْتَمل على ضعفَيْ (كتابِ الْخَلِيل) وَيزِيد. وسترى تَحْقِيق ذَلِك إِذا حُزْت جملتَه، وبحثت عَن كنهه.
قلت: ولمَّا قَرَأت هَذَا الْفَصْل من (كتاب البشتيّ) استدللت بِهِ على غفلته وَقلة فطنته وَضعف فهمه، واشتففت أَنه لم يفهم عَن الْخَلِيل مَا أَرَادَهُ، وَلم يفْطن للَّذي قصَده. وَإِنَّمَا أَرَادَ الْخَلِيل ح أَن حُرُوف اب ت ث عَلَيْهَا مدَار جَمِيع كَلَام الْعَرَب، وَأَنه لَا يخرج شَيْء مِنْهَا عَنْهَا، فَأَرَادَ بِمَا ألّف مِنْهَا معرفةَ جَمِيع مَا يتَفَرَّع مِنْهَا إِلَى آخِره، وَلم يُرد أَنه حصَّلَ جَمِيع مَا لَفَظُوا بِهِ من الْأَلْفَاظ على اختلافها، وَلكنه أَرَادَ أنّ مَا أسَّسَ ورسَم بِهَذِهِ الْحُرُوف وَمَا بَين من وُجُوه ثنائيِّها وثلاثيّها ورُباعيّها وخماسيّها، فِي سَالَمَهَا ومعتلّها على مَا شرح وجوهها أوَّلاً فأوَّلاً، حَتَّى انْتَهَت الْحُرُوف إِلَى آخرهَا يُعرف بِهِ جَمِيع مَا هُوَ من ألفاظهم إِذا تُتُبِّع، لَا أنّه تتبعه كلّه فحصَّله، أَو اسْتَوْفَاهُ فاستوعبه، من غير أَن فَاتَهُ من ألفاظهم لَفْظَة، وَمن معانيهم للفظ الْوَاحِد معنى.
وَلَا يجوز أَن يخفى على الْخَلِيل مَعَ ذكاء فطنته وثقوب فهمه، أَن رجلا وَاحِدًا لَيْسَ بنبيٍ يُوحى إِلَيْهِ، يُحيط علمُه بِجَمِيعِ لُغَات الْعَرَب وألفاظها على كثرتها حَتَّى لَا يفوتهُ مِنْهَا شَيْء وَكَانَ الْخَلِيل أَعقل من أَن يظنَّ هَذَا ويقدِّره، وَإِنَّمَا معنى جِماع كَلَامه مَا بيَّنته. فتفهمْه وَلَا تغلط عَلَيْهِ.
وَقد بيَّن الشَّافِعِي ح مَا ذكرته فِي الْفَصْل الَّذِي حكيته عَنهُ فِي أول كتابي هَذَا فأوضحه. أعاذنا الله من جهل الْجَاهِل، وَإِعْجَاب المتخلف، وسَدَّدنا للصَّوَاب بفضله.(1/44)
وَقد سمّيت كتابي هَذَا (تَهْذِيب اللُّغَة) ؛ لأنِّي قصدت بِمَا جمعت فِيهِ نفْيَ مَا أَدخل فِي لُغَات الْعَرَب من الْأَلْفَاظ الَّتِي أزالَها الأغبياء عَن صيغتها، وغيَّرها الغُتم عَن سننها، فهذبت مَا جمعت فِي كتابي من التَّصْحِيف والخَطاءِ بِقدر علمي، وَلم أحرص على تَطْوِيل الْكتاب بالحشو الَّذِي لم أعرف أَصله؛ والغريب الَّذِي لم يُسنده الثِّقَات إِلَى الْعَرَب.
وأسأل الله ذَا الْحول والقوَّة أَن يزيِّننا بلباس التَّقْوَى وَصدق اللِّسَان، وَأَن يُعيذنا من العُجْب ودواعيه، ويعيننا على مَا نويناه وتوخيناه؛ ويجعلنا مِمَّن توكَّل عَلَيْهِ فكفاه. وحسبُنا هُوَ وَنعم الْوَكِيل، وَلَا حول وَلَا قُوَّة إلاّ بِاللَّه، عَلَيْهِ نتوكل وَإِلَيْهِ ننيب.(1/45)
صفحة فارغة(1/46)
(ونبدأ الْآن بِأَبْوَاب المضاعف من حرف الْعين)
(بَاب الْعين والحاء)
قَالَ اللَّيْث: قَالَ الْخَلِيل بن أَحْمد: الْعين والحاء لَا يأتلفان فِي كلمة وَاحِدَة أَصْلِيَّة الْحُرُوف، لقرب مخرجيهما، إلاّ أَن يؤلَّف فعلٌ من جمعٍ بَين كَلِمَتَيْنِ، مثل حيَّ عَلَى فَيُقَال مِنْهُ: حَيْعَلَ.
قلت: وَهُوَ كَمَا قَالَه الْخَلِيل. وَقد رُوي فِي بَاب الخماسي حرفان ذكرتهما فِي أول الرباعي من الْعين، وَلَا أَدْرِي مَا صحّتهما لأنِّي لم أحفظْهما للثقات.
(بَاب الْعين مَعَ الْهَاء)
أهمل الْخَلِيل الْعين مَعَ الْهَاء فِي المضاعف وَقد قَالَ الْفراء فِي بعض كتبه: عهعهتُ بالضأن عهعهة، إِذا قلت لَهَا: عَهْ، وَهُوَ زجرٌ لَهَا. وَقَالَ غَيره: هُوَ زجرٌ لِلْإِبِلِ لتحتبس.
قلت: وَلَا أعلمني سمعته من الْعَرَب.
(بَاب الْعين مَعَ الْخَاء)
قَالَ النَّضر بن شُمَيل فِي كتاب (الْأَشْجَار) : الخُعخعُ: شَجَرَة. قَالَ: وَقَالَ أَبُو الدُّقيش: هِيَ كلمةُ معاياة وَلَا أصل لَهَا.
قلت: وَقد ذكر ابْن دُرَيْد الخُعخع فِي (كِتَابه) أَيْضا، وَأَرْجُو أَن يكون صَحِيحا؛ فإنّ ابْن شُميل لَا يَقُول إلاّ مَا أتقنَه. ورُوي عَن عَمْرو بن بَحر أنّه قَالَ: يُقَال خَعَّ الفَهْد يَخِعّ. قَالَ: وَهُوَ صوتٌ تسمعه من حَلقِه إِذا انبهَرَ عِنْد عَدْوِه. قلت: كأنّه حِكَايَة صَوته إِذا انبهر، وَلَا أَدْرِي أهوَ من كَلَام الفهّادين أَو مِمَّا تكلّمت بِهِ الْعَرَب. وَأَنا بَرِيء من عُهدته.
(الْعين مَعَ الْعين: مهمل الْوَجْهَيْنِ)
(بَاب الْعين وَالْقَاف)
عق، قع: مستعملان.
عق: رَوَت أم كُرْزٍ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي الْعَقِيقَة (عَن الْغُلَام شَاتَان مثلان، وَعَن الْجَارِيَة شَاة) . وروى عَنهُ سُلَيْمَان بن عَامر أَنه قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مَعَ الْغُلَام عقيقتُه فأهريقوا عَنهُ دَمًا، وأميطوا عَنهُ الْأَذَى) . قَالَ أَبُو عبيد فِيمَا أَخْبرنِي بِهِ عبد الله بن مُحَمَّد بن هاجك عَن أَحْمد بن عبد الله بن جَبَلة عَنهُ أَنه قَالَ: قَالَ الأصمعيّ وَغَيره: الْعَقِيقَة أَصْلهَا الشَّعر الَّذِي يكون على رَأس الصبيّ حِين يُولَد. وإنَّما سُمِّيت الشاةُ الَّتِي تُذبَح عَنهُ فِي تِلْكَ الْحَال عقيقةً لأنّه يحلَق عَنهُ ذَلِك الشعرُ عِنْد الذَّبح. وَلِهَذَا قَالَ فِي الحَدِيث: (أميطوا عَنهُ الْأَذَى) يَعْنِي(1/47)
بالأذى ذَلِك الشّعْر الَّذِي يُحلق عَنهُ. قَالَ: وَهَذَا مِمَّا قلتُ لَك إنّهم ربّما سمَّوا الشَّيْء باسم غَيره إِذا كَانَ مَعَه أَو من سَببه، فسمِّيت الشَّاة عقيقة لعقيقة الشَعَر.
قَالَ أَبُو عبيد: وَكَذَلِكَ كل مَوْلُود من الْبَهَائِم فإنَّ الشّعْر الَّذِي يكون عَلَيْهِ حِين يُولد عقيقة وعِقّة. وَأنْشد لزهير:
أذلك أم أقبُّ الْبَطن جأبٌ
عَلَيْهِ من عقيقته عفاءُ
فَجعل العقيقةَ الشّعْر لَا الشاةَ. وَقَالَ الآخر يصف العَيْر:
تحسَّرت عِقَّةٌ عَنهُ فأنسلها
واجتاب أخْرى جَدِيدا بَعْدَمَا ابتقلا
يَقُول: لما تربّع ورَعى الربيعِ وبُقُولَه أنسَلَ الشّعْر الْمَوْلُود مَعَه، وَأنْبت آخر فاجتابه، أَي لبسه فاكتساه.
قلت: وَيُقَال لهَذَا الشّعْر عقيق، بِغَيْر هَاء، وَمِنْه قَول الشّماخ:
أطار عقيقَهُ عَنهُ نُسالاً
وأُدمجَ دَمْجَ ذِي شطن بديع
أَرَادَ شعره الَّذِي ولد وَهُوَ عَلَيْهِ، أَنه أنسله عَنهُ، أَي أسْقطه.
قلت: وأصل العَقّ الشَّق وَالْقطع، وسمِّيت الشعرةُ الَّتِي يخرج الْمَوْلُود من بطن أمّه وَهِي عَلَيْهِ عقيقة، لِأَنَّهَا إنْ كَانَت على رَأس الإنسيّ حُلقت عَنهُ فَقطعت، وَإِن كَانَت على بَهِيمَة فإنّها تُنسلها. وَقيل للذبيحة عقيقة لِأَنَّهَا تذبح ويشق حلقومها ومرِيُّها ووَدَجاها قطعا، كَمَا سمّيت ذَبِيحَة بالذَّبح وَهُوَ الشق.
وَأَخْبرنِي أَبُو الْفضل الْمُنْذِرِيّ عَن الحرَّاني عَن ابْن السّكيت أَنه قَالَ: يُقَال عقّ فلانٌ عَن وَلَده، إِذا ذبح عَنْه يَوْم أسبوعه. قَالَ: وعقّ فلانٌ أَبَاهُ يعقُّه عقاً.
وأعقّ الرجلُ، أَي جَاءَ بالعُقوق. وَقَالَ الْأَعْشَى:
فإنّي وَمَا كلّفتموني وربّكم
ليعلَمُ من أَمْسَى أعقَّ وأحربا
أَي جَاءَ بالحَرَب. قَالَ: وَيُقَال أعقَّت الفرسُ فَهِيَ عَقُوق، وَلَا يُقَال مُعِقّ. وَهِي فرس عقوق، إِذا انفتَقَ بطنُها واتَّسَع للوَلَد. قَالَ: وكلُّ انشقاقٍ فَهُوَ انعقاق، وكل شقّ وَخرْقٍ فَهُوَ عَقٌّ، وَمِنْه قيل للبرق إِذا انشقّ: عقيقة.
وَقَالَ غَيره: عقّ فلانٌ وَالِديهِ يعقُّهما عقوقاً، إِذا قطعهمَا وَلم يصل رَحمَه مِنْهُمَا. وَقَالَ أَبُو سُفْيَان بن حَرْب لحمزةَ سيّد الشُّهَدَاء ح يَوْم أحد حِين مرَّ بِهِ وَهُوَ مقتولٌ: (ذُقْ عُقَق) ، مَعْنَاهُ ذُقْ الْقَتْل يَا عاقّ كَمَا قتلت، يَعْنِي من قتلتَ يَوْم بدر. وَجمع العاقّ الْقَاطِع لرحمه عَقَقةٌ.
وَيُقَال أَيْضا رجلٌ عَقٌّ. وَقَالَ الزَّفَيانُ الراجز:
أَنا أَبُو المِرقالِ عقّاً فَظَّ
لمن أعادي مَحِكا مِلظّا
وَقيل: أَرَادَ بالعَقّ المُرَّ، من المَاء العُقاق، وَهُوَ القُعاع.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن مُحَمَّد بن يزِيد الثُّمالي أَنه قَالَ فِي قَول الْجَعْدِي:
بَحرُكَ عذبُ المَاء مَا أعقّهُ(1/48)
سَيبُك والمحروم مَنْ لم يُسقَهُ
قَالَ: أَرَادَ مَا أقعَّه. يُقَال مَاء قُعاع وعُقَاقٌ إِذا كَانَ مُراً غليظاً. وَقد أقعَّه الله وأعقَّه.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي فِيمَا رَوَى عَنهُ أَحْمد بن يحيى الْبَغْدَادِيّ: العُقُق: الْبعدَاء الْأَعْدَاء. قَالَ: والعُقُق أَيْضا: قاطعو الْأَرْحَام.
وَقَالَ أَبُو زيد فِي (نوادره) : يُقَال عاققتُ فلَانا أعاقُّه عِقاقاً، إِذا خالفته. قَالَ: والعُقَّة: الحفرة فِي الأَرْض، وَجَمعهَا عُقّات.
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْأَصْمَعِي فِي بَاب السَّحَاب: الانعقاق تشقُّق الْبَرْق. وَمِنْه قيل للسيف: كالعقيقة، شبِّه بعقيقة الْبَرْق. قَالَ: وَمِنْه التَّبوُّج وَهُوَ تكشُّف الْبَرْق. وَقَالَ غَيره: يُقَال عقّت الريحُ المُزْنَ تعُقُّه عَقّاً، إِذا استدرّته كأنّها تشُقُّه شقاً. وَقَالَ الهذليُّ يصف غيثاً:
حَار وعقَّت مُزنَهُ الرّيح وانْ
قارَ بِهِ العَرْضُ وَلم يُشمَلِ
حَار، أَي تحيّر وَتردد، يَعْنِي السَّحَاب، واستدرته ريح الْجنُوب وَلم تهب بِهِ الشمَال فتقشعه. وَقَوله (وانقار بِهِ الْعرض) أَي كأنّ عرض السَّحَاب انقار، أَي وَقعت مِنْهُ قِطْعَة، وَأَصله من قُرت جيبَ الْقَمِيص فانقار، وقرتُ عينَه إِذا قلعتَها.
وَيُقَال سحابةٌ معقوقة، إِذا عُقّت فانعقّت، أَي تبعّجت بِالْمَاءِ. وسحابة عقّاقة، إِذا دَفقَت ماءها. وَقد عَقَّت. وَقَالَ عبد بني الحسحاس يصف غيثاً:
فمرَّ على الأنْهاءِ فانثجَّ مُزْنُه
فعقَّ طَويلا يسْكب المَاء ساجيا
وَيُقَال اعتقَّت السحابة بِمَعْنى عَقَّتْ.
وَقَالَ أَبُو وَجْزة:
واعتقَّ منبعجٌ بالوبل مبقُورُ
وَيُقَال للمعتذر إِذا أفرط فِي اعتذاره: قد اعتقَّ اعتقاقاً.
وروى شمر عَن بعض أَصْحَابه أَن معقِّر بن حمارٍ الْبَارِقي كُفَّ بَصَره، فَسمع يَوْمًا صَوت راعدةٍ، وَمَعَهُ بنتٌ لَهُ تَقُوده، فَقَالَ لَهَا: مَاذَا تَرين؟ فَقَالَت: أرى سَحماء عَقَّاقة، كَأَنَّهَا حُوَلاءُ نَاقَة. فَقَالَ لَهَا: وائِلى بِي إِلَى جَانب قَفْلة، فإنَّها لَا تنْبت إلاَّ بمنجاةٍ من السَّيْل. والقَفْلة: نبتة مَعْرُوفَة.
قلت: وَالْعرب تَقول لكل مسيلِ ماءٍ شقّه ماءُ السَّيْل فِي الأَرْض فأنهره ووسَّعه: عقيق.
وَفِي بِلَاد الْعَرَب أَرْبَعَة أعِقَّة، وَهِي أَوديَة عاديَّة شقَّتها السُّيول. فَمِنْهَا عقيق عَارض الْيَمَامَة، وَهُوَ وادٍ وَاسع مِمَّا يَلِي العَرَمة تندفق فِيهِ شعاب الْعَارِض، وَفِيه عيونٌ عذبة المَاء. وَمِنْهَا عقيق بِنَاحِيَة الْمَدِينَة فِيهِ عيونٌ ونخيل وَمِنْهَا عقيق آخر يدفُق سيله فِي غوريّ تِهامة، وَهُوَ الَّذِي ذكره الشَّافِعِي فَقَالَ: (وَلَو أهلوا من العقيق كَانَ أحبَّ إليَّ) . وَمِنْهَا عقيق القَنَان، تجْرِي إِلَيْهِ مياهُ قُللِ نجد وجباله.
وَذكر الباهليّ عَن الأصمعيّ أَنه قَالَ: الأعقّة الأودية.
وَيُقَال للصَّبِيّ إِذا نَشأ فِي حَيَ من أَحيَاء الْعَرَب حَتَّى شبَّ وقويَ فيهم: عُقّت تَمِيمَة(1/49)
فلانٍ فِي بني فلَان. وَالْأَصْل فِي ذَلِك أَن الصبيَّ مَا دَامَ طِفلاً تعلِّق عَلَيْهِ أمُّه التمائمَ، وَهِي الخَرزُ تعوِّذه بهَا من الْعين، فَإِذا كبِر قُطعتْ عَنهُ. وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
بِلَاد بهَا عَقَّ الشَّبَاب تميمتي
وأوَّلُ أرضٍ مسَّ جلدي ترابُها
وروى أَبُو عُمر عَن أَحْمد بن يحيى عَن ابْن الأعرابيّ أَنه قَالَ: الْعَقِيقَة: المزادة. والعقيقة: النَّهر. والعقيقة. العِصابةُ سَاعَة تشَقُّ من الثَّوْب. والعقيقة: خَرزة حَمْرَاء. والعقيقة: نواة رخوة من نوى الْعَجْوَة تُؤْكَل. قَالَ: والعقيقة: سهم الِاعْتِذَار. قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: قلت لِابْنِ الْأَعرَابِي: وَمَا سهم الِاعْتِذَار؟ فَقَالَ: قَالَت الْأَعْرَاب: إنَّ أصل هَذَا أَن يُقتل رجلٌ من الْقَبِيلَة فيطالَب الْقَاتِل بدمه، فيجتمع جماعةٌ من الرؤساء إِلَى أَوْلِيَاء الْقَتِيل ويعرضون عَلَيْهِم الدِّيَة ويسألونهم الْعَفو عَن الدَّم. قَالَت الْأَعْرَاب: فَإِن كَانَ وليُّه أبيّاً حمياً أَبى أَخذ الدِّيَة، وَإِن كَانَ ضَعِيفا شاورَ أهلَ قبيلته، فَيَقُولُونَ للطالبين: إنَّ بَيْننَا وَبَين خالقنا عَلامَة لِلْأَمْرِ وَالنَّهْي. قَالَ: فَيَقُول الْآخرُونَ: مَا علامتكم؟ فَيَقُولُونَ: نَأْخُذ سَهْما فنركِّبه على قَوس ثمَّ نرمي بِهِ نَحْو السَّمَاء، فَإِن رجَعَ إِلَيْنَا ملطَّخاً بِالدَّمِ فقد نُهينا عَن أَخذ الدِّيَة، وَإِن رَجَعَ إِلَيْنَا كَمَا صعد فقد أمرنَا بِأخذ الدِّيَة.
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ أَبُو المكارم وَغَيره:
فَمَا رجَع هَذَا السهمُ قَطْ إِلَّا نقِيّاً، وَلَكِن لَهُم بِهَذَا عُذرٌ عِنْد جُهالهم.
قَالَ: وَقَالَ الأسعر الجعفيّ من أهل الْقَتِيل وَكَانَ غَائِبا عَن هَذَا الصُّلْح:
عقُّوا بِسَهْم ثمَّ قَالُوا سالموا
يَا لَيْتَني فِي الْقَوْم إذْ مَسحوا اللِّحى
قَالَ: وعلامة الصُّلح مَسْحُ اللحى.
قُلت: وَأَخْبرنِي عبد الْملك الْبَغَوِيّ عَن الرّبيع عَن الشَّافِعِي أَنه أنْشدهُ:
عقُّوا بِسَهْم وَلم يشعُر بِهِ أحد
ثمَّ استفاءوا وَقَالُوا حَبَّذا الوَضحُ
أخبر أَنهم آثروا إبلَ الدِّيَة وَأَلْبَانهَا على دم قاتلِ صَاحبهمْ. والوضح: اللبنُ هَاهُنَا.
وَيُقَال للدلو إِذا طلعت من الركيّة ملأى: قد عَقّت عقّاً. وَمن الْعَرَب من يَقُول عقتْ تعقِيَة، وَأَصلهَا عقّقت، فلمّا توالى ثَلَاث قافات قلبوا إِحْدَاهَا يَاء كَمَا قَالُوا تظنَّيت من الظَّن. وَأنْشد ابنُ الْأَعرَابِي فِيمَا أَخْبرنِي المنذرّي عَن ثَعْلَب عَنهُ:
عَقتْ كَمَا عقت دَلوف العِقْبان
شبّه الدَّلْو إِذا نزعت من الْبِئْر وَهِي تعُّق هَوَاء الْبِئْر طالعةً بسرعةٍ بالعقاب إِذا انقضَّتْ على الصَّيدِ مسرعة.
وروى الحرّاني عَن ابْن السّكيت أَنه قَالَ: الْعَقِيقَة: صُوف الجَذَع. والجنيبة: صوف الثَّنِيّ.
وَقَالَ أَبُو عبيد: العِقاق: الْحَوَامِل من كل ذَات حافر. والواحدة عَقوق.
وَقَالَ ابْن المظفّر: يُقَال أعقت الفرَسُ والأتانُ فَهِيَ مُعِقٌّ وعَقوق، وَذَلِكَ إِذا نَبتَت الْعَقِيقَة فِي بَطنهَا على الْوَلَد الَّذِي حملتْه. وَأنْشد لرؤبة:(1/50)
قد عتق الأجدعُ بعد رقِّ
بقارحٍ أَو زولةٍ مُعِقِّ
وَأنْشد لَهُ أَيْضا فِي لُغَة من يَقُول أعقّت فَهِيَ عقوق وَجَمعهَا عُقُق:
سرا وَقد أوّنَ تأوين العُقُق
والعقاق والعَقَق: الحَمْل. قَالَ عديّ:
وَتركت العَيْر يدمي نَحره
ونحوصاً سَمْحجاً فِيهَا عَقَقْ
وَقَالَ أَبُو خِرَاش:
أبَنَّ عَقاقاً ثمَّ يَرْمَحْنَ ظَلْمَه
إباءً وَفِيه صَولةٌ وذَ مِيل
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: أظهرت الأتان عَقاقاً بِفَتْح الْعين، إِذا تبيَّن حملهَا
قلت: وَهَكَذَا قَالَ الشَّافِعِي العَقاق بِهَذَا الْمَعْنى فِي آخر كتاب الصَّرف.
وَأما الأصمعيّ فَإِنَّهُ يَقُول: العقاق مصدر العَقُوق ورُوي عَن أبي عَمْرو أَنه كَانَ يَقُول: عقّت فَهِيَ عقوق، وأعقّت فَهِيَ مُعِقّ.
قلت: واللَّغة الفصيحة أعقَّتْ فَهِيَ عقوق، قَالَه ابْن السكِّيت وَغَيره.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم فِي كتاب (الأضداد) : زعم بعض شُيُوخنَا أَنه يُقَال للْفرس الْحَامِل عقوق.
قَالَ: وَيُقَال للحائل أَيْضا عَقوق. قَالَ أَبُو حَاتِم: وأظنُّ هَذَا على التفاؤل. قلت: وَهَذَا يروَى عَن أبي زيد.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: عقيقة الصبيّ: غُرْلته إِذا خُتِن.
وَقَالَ اللَّيْث: نوى العَقوقِ نوى هشٌّ رِخوٌ ليِّن المَمْضَغْة تَأْكُله الْعَجُوز وتلوكه، وتُعلفُه العَقوقُ إلطافاً بهَا، وَلذَلِك أضيفَ إِلَيْهَا، وَهُوَ من كَلَام أهل الْبَصْرَة وَلَا تعرفه الأعرابُ فِي باديتها.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: الْعَقِيقَة: نواةٌ رِخوةٌ ليِّنة كالعجوة تُؤْكَل.
وَقَالَ شمر: عِقان الكروم والنخيل: مَا يخرج من أُصُولهَا. وَإِذا لم تقطع العِقَّان فَسدتْ الْأُصُول. وَقد أعقَّت النخلةُ والكَرْمة، إِذا أخرجت عِقَّانَها.
والعَقْعَق: طَائِر مَعْرُوف، وصوته العَقْعقة.
وَمن أَمْثَال الْعَرَب السائرة فِي الرجل يسْأَل مَا لَا يكون ومالا يُقدر عَلَيْهِ: (كلَّفْتَني الأبلق العقوق) ، ومثلهُ: (كلَّفتني بيضَ الأنوق) . والأبلق ذكر، والعقوق الْحَامِل، وَلَا يحمل الذّكر. وَأنْشد اللحياني:
طلب الأبلقَ العقوقَ فَلَمَّا
لم يجده أَرَادَ بيض الأنوق
وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : اهتلبَ السَّيْف من غمده، وامترقه، واعتقَّه، واجتلطه، إِذا استّله. وَأما قَول الفرزدق:
قفي ودِّعينا يَا هنيد فإنني
أرى الحيَّ قد شاموا العقيق اليمانيا
فَإِن بَعضهم قَالَ: أَرَادَ شاموا الْبَرْق من نَاحيَة الْيمن.
والعَقُوق: مَوضِع. وَأنْشد ابْن السّكيت:
وَلَو طلبوني بالعَقُوق أتيتهم
بألفٍ أؤدِّيه إِلَى القومِ أقرعا
يُرِيد: ألف بعير. وَأنْشد لكثيِّر يصف امْرَأَة:(1/51)
إِذا خرجت من بَيتهَا راقَ عَينها
مُعَوِّذها وأعجبتها العقائق
يَعْنِي إنَّ هَذِه الْمَرْأَة إِذا خرجت من بَيتهَا راقها معوّذ النبت حوالَي بَيتهَا. والمعوّذ من النبت: مَا ينْبت فِي أصل شجرٍ أَو حجر يستره. وَقيل العقائق: الغُدْران، وَقيل: هِيَ الرِّمال الْحمر.
وعَقّه: بطن من النَّمِر بن قاسط. قَالَ الأخطل:
وموقَّعِ أَثَرُ السِّفار بخَطْمه
من سُود عَقّة أَو بني الجوّالِ
وَبَنُو الجَوَّال فِي بني تغلب.
وَقَالَ اللَّيْث: انعقَّ الْبَرْق، إِذا انسرَب فِي السَّحَاب.
قع: أَبُو عمر عَن أَحْمد بن يحيى عَن عَمْرو بن أبي عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: القُعقُع بِضَم القافين: العَقعَق. وَقَالَ اللَّيْث: القعقع طَائِر وصوته القعقعَة. قَالَ: وَهُوَ طَائِر أبلق ببياض وسوادٍ، ضخمٌ، من طير البرّ، طَوِيل المنقار.
قلت: وَسمعت البحرانيين يَقُولُونَ للقَسْب من التَّمْر إِذا يبس وتقعقع: تمرٌ سَحٌّ وتمر قعقاع.
وقُعَيقِعان: مَوضِع بِمَكَّة اقتتل عِنْده قبيلانِ من قُرَيْش، فسمِّي قعيقعان لتقعقع السِّلَاح فِيهِ. قَالَ اللَّيْث: وبالأهواز جبل يُقَال لَهُ قعيقعان. قَالَ: وَمِنْه نحتت أساطين مَسْجِد الْبَصْرَة.
والقعقاع: طَرِيق يَأْخُذ من الْيَمَامَة إِلَى مَكَّة مَعْرُوف.
وَيُقَال للجلد الْيَابِس والتِّرسَةِ إِذا تخشخشت فحكيت صَوت حركاتها قد قعقعت قعقعة وَمِنْه قَول النَّابِغَة:
كَأَنَّك من جمال بني أقيش
يُقعقع خلف رِجليه بشنِّ
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ فِيمَا يروي عَنهُ أَحْمد بن يحيى: القعقعة والعقعقة، والخشخشة والشخشخة، والخفخفة والفخفخة والنشنشة والشنشنة، كلّه حَرَكَة القرطاس والثَّوب الْجَدِيد. وَمن أَمْثِلَة الْعَرَب: (من يجْتَمع يتقعقع عَمَده) الْمَعْنى: غبط بِكَثْرَة الْعدَد واتساق الْأَسْبَاب فَهُوَ بعَرَض الزَّوال والانتشار. وَهَذَا كَقَوْل لبيد يصف تغيُّر الزَّمَان بأَهْله:
إِن يُغْبَطوا يُهبَطوا وَإِن أمروا
يَوْمًا يَصيروا للهُلْك والنَّكَدِ
وَيُقَال للرجل إِذا مَشى فَسمِعت لمفاصل رجلَيْهِ تَقعقُعاً: إنّه لقَعْقَعانيّ. وَكَذَلِكَ العَيْر إِذا حَمَل على الْعَانَة فتقعقع لحياهُ: قعقعانيّ. وَقَالَ رؤبة:
شاحِيَ لَحْيَىْ قُعْقُعانيُّ الصَّلقْ
قعقعة المِحورِ خُطّاف العَلَقْ
وأسَدٌ ذُو قعاقع، إِذا مَشى فَسمِعت لمفاصله قعقعة.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: خمْس قعقاع وحثحاث، إِذا كَانَ بَعيدا والسَّيرُ فِيهِ متعباً لَا وتيرة فِيهِ، أَي لَا فتور فِيهِ. وَكَذَلِكَ طَرِيق قعقاع ومتقعقع، إِذا بعُد وَاحْتَاجَ السائر فِيهِ إِلَى الجِدّ. وسمّي قعقاعاً لِأَنَّهُ يقعقع الرِكاب ويتعبها. وَقَالَ ابْن مقبل(1/52)
يصف نَاقَته:
عَمَل قَوَائِمهَا على متقعقع
عَتِبِ الْمَرَاتِب خَارج متنشِّر
وبالشُّريف من بِلَاد قيس مَوَاضِع يُقَال لَهَا القعاقع.
وَيُقَال قعقعتُ القارورةَ وزعزعتها، إِذا أَرَغْت نزع صمامها من رَأسهَا. وَيُقَال للَّذي يُحَرك قداح الميسر ليجيلها: المقعقع. وَقَالَ ابْن مقبِل:
بقدحين فازا من قداح المقعقِع
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال للمهزول: صَار عظاماً تتقعقع. قَالَ: وكل شيءٍ دَقَّتُهُ صوتٌ واحِد فَإنَّك تَقول يقعقع. وَإِذا قلت لمثل الأدَم الْيَابِسَة وَالسِّلَاح قلت يتقعقع.
قلت: وَقَول النَّابِغَة يدل على خلاف مَا قَالَ: لِأَنَّهُ قد قَالَ:
يقعقع خلف رجلَيْهِ بشنِّ
والشّنّ من الأدَم، وكأنّه أَرَادَ أَنه يقعقع فيتقعقع.
وَيُقَال: أقعَّ القومُ، إِذا حفروا فأنبطوا مَاء قُعاعاً. ومياه الملاَّحات كلهَا قُعاع.
وَيُقَال للْقَوْم إِذا كَانُوا نزولاً ببلدٍ فاحتملوا عَنهُ: قد تقعقعت عَمَدهم. وَقَالَ جرير:
تقَعْقع نَحْو أَرْضكُم عمادِي
وَقَالَ أَبُو زيد: القعقعة: تتَابع صَوت الرَّعْد فِي شدّة. وجماعه القعاقع.
ويقا للحمَّى النافض قعقاع. وَقَالَ مزرِّد أَخُو الشماخ:
إِذا ذُكرت سلمى على النأي عادَني
ثُلاجيّ قعقاعٍ من الْورْد مردِمِ
وَقَالَ بعض الطائيِّين: يُقَال قعّ فلَان فلَانا يقُعُّه قعاً، إِذا اجترأ عَلَيْهِ بالْكلَام
والقعاقع: الْحِجَارَة الَّتِي ترمى بهَا النّخل لينتثر من ثمره. والمقعقِع: الَّذِي يقعقع القداح من الميسر.
وَقَالَ ابْن هرمة:
وقعقعت القداح ففزت مِنْهَا
بِمَا أَخذ السَّمينُ من القداح
وَرُوِيَ عَن السُدِّي أَنه قَالَ: سميِّ الْجَبَل الَّذِي بِمَكَّة قعيقعان لأنّ جُرهماً كَانَت تجْعَل فِيهِ قسيها وجعابها ودَرَقها، فَكَانَت تُقِعقِعُ وتصوِّت.
(بَاب الْعين مَعَ الْكَاف)
عك، كع: مستعملان
عك: أَبُو عبيد عَن الْفراء: يُقَال عككتُه أعكُّه عكّاً، إِذا حَبسته عَن حَاجته. وَكَذَلِكَ يُقَال عجسته عَن حَاجته. وَيُقَال عكته الْحمى عكّاً، إِذا لَزِمته حَتَّى تُضْنيَه. قَالَ: وَقَالَ أَبُو زيد: عككته أعكه عكاً، إِذا استعدته الحديثَ كي يكرره مرَّتَيْنِ.
وروى ابْن حبيب عَن ابْن الْأَعرَابِي: أعكّت العُشَراء من الْإِبِل تُعِكَ. وَالِاسْم العِكَّة، وَهِي أَن تستبدل لَوناً غير لَوْنهَا، وَكَذَلِكَ إِذا سمنت فأخصبت. وَقَالَ فِي قَول رؤبة:
مَاذَا ترى رَأْي أخٍ قد عَكَّا
قَالَ: عك الرجل، إِذا احْتبسَ وَأقَام.(1/53)
قَالَ الْأَصْمَعِي: عكَّني بالْقَوْل عكّاً، إِذا ردهُ عَلَيْك متعنّتاً. ورجلٌ مِعَكٌّ، إِذا كَانَ ذَا لدَدٍ والتواء وخُصومة.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الْعَرَب تَقول: ائتزر فلَان إزرةَ عكَّ وَكَّ؛ وَهُوَ أَن يُسبل طرَفيْ إزَاره. وَأنْشد:
إِن زرته تَجدهُ عَكَّ ركا
مشيته فِي الدَّار هاكَ ركَّا
قَالَ: هاك ركّ: حِكَايَة تبختره.
أَبُو عُبيد الله عَن أبي زيد: إِذا سكنت الرّيح مَعَ شدَّة الْحر قيل: يَوْم عكِيك، وَيُقَال يومٌ عكٌّ أكٌّ، وَقد عكَّ يَوْمنَا. قَالَ: وَقَالَ غَيره: العُكَّة والعكيك: شدّة الْحر. وَقَالَ ساجع الْعَرَب: (إِذا طلعت العُذْرة، لم يبْق بعُمان بُسْرة، وَلَا لأكَار بُرَّة، وَكَانَت عكة نُكْرة، على أهل الْبَصْرَة) .
والمِعَكّ من الْخَيل: الَّذِي يجْرِي قَلِيلا ثمَّ يحْتَاج إِلَى الضَّرْب، قَالَه اللَّيْث.
وَقَالَ أَبُو عبيد: العَكَوّك السمين، وَقَالَ غَيره: هُوَ الْقصير المقتدر الخَلق. وَقَالَ الراجز:
عكوَّك إِذا مَشى دِرحايه
والعُكة: زُقيق صَغِير يُجعَل فِيهِ السّمن. ويُجمَع عُكَكا وعِكاكاً.
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن الغَسَّانيّ عَن سَلمَة، أَنه قَالَ: سَمِعت أَبَا القمقام الْأَعرَابِي يَقُول: غبت غيبَة عَن أَهلِي فقدِمت، فقدَّمَتْ إليَّ امْرَأَتي عكّتين صغيرتين من سمن، ثمَّ قَالَت: حلِّني اكسُني، فَقلت:
تسلأ كلّ حُرَّةٍ نِحْيين
وَإِنَّمَا سَلأتِ عُكَّتَينِ
ثمَّ تَقول اشترِ لي قرطين
وَقَالَ اللَّيْث: عكُّ بن عَدنان هم اليومَ فِي الْيمن، وَقَالَ بعض النسَّابين، إِنَّمَا هُوَ معدّ بن عدنان، فأمّا عَكّ فَهُوَ ابْن عُدثان بالثاء، وهم من ولد قحطان، وعدنان من ولد إِسْمَاعِيل ج.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال عُكَّ إِذا حُمَّ، وعَكَّ إِذا غَلى من الحرّ.
وَقَالَ أَبُو زيد: العَكَّة: رَملَة حميت عَلَيْهَا الشَّمْس. وَأما قَول العجاج:
عكٌّ شديدُ الأَسْر قُسبُريُّ
قَالَ أَبُو زيد؛ العَكُّ: الصُّلب الشَّديد الْمُجْتَمع.
وَقَالَ اللَّيْث: العَكَّة من الحرّ: فَورةٌ شَدِيدَة فِي القيظ، وَهُوَ الْوَقْت الَّذِي تركد فِيهِ الرّيح؛ وَفِي لغةٍ: أكَّة.
كع: ابْن حبيب عَن ابْن الْأَعرَابِي: رجل كَعُّ الْوَجْه، أَي رَقِيق الْوَجْه؛ ورجلٌ كُعكُعٌ: جبان. وَقد تكعكع وتكأكأ، إِذا ارتدع ورجلٌ كَعٌّ كاعٌّ، إِذا كَانَ جَبَانًا ضَعِيفا. وَقد كعّ يكعّ كعُوعاً.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال كَعِعتُ أكَعُّ وكعَعتُ بِالْفَتْح أكِعُّ. وَكَذَلِكَ زَلِلت وزَلَلتُ، وشَحِحْتُ وشحَحْتُ أشَحُّ وأشِحُّ. وَقَالَ العجَّاج:
كعكعتُه بِالرَّجمِ والتنجُّه
وَقَالَ ابْن المظفّر: رجل كعُّ كاعٌّ، وَهُوَ الَّذِي لَا يمْضِي فِي حزم وَلَا عزم، وَهُوَ الناكص على عَقِبَيْهِ. والكاعُّ: الضَّعِيف(1/54)
الْعَاجِز. وَأنْشد:
إِذا كَانَ كَعُّ الْقَوْم للرَّحْلِ لَازِما
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال كعكعته فتكعكع. وَأنْشد لمتمِّم بن نُوَيْرَة:
ولكنَّني أمضي على ذاكَ مُقدِماً
إِذا بَعضُ مَن يلقى الخطوبَ تكعكعا
قَالَ: وأصل كعكعت: كعَّعْت، فاستثقلت الْعَرَب الْجمع بَين ثَلَاث أحرف من جنس وَاحِد ففرقوا بَينهَا بِحرف مكرَّر وَمثله كفكفتُه عَن كَذَا، وَأَصله كفَّفته.
وَقَالَ غَيره: أكَعَّه الفَرَقُ إكعاعاً، إِذا حبَسَه عَن وَجهه.
والكَعْك: الْخبز الْيَابِس. قَالَ اللَّيْث: أظنّه معرباً. وَأنْشد:
يَا حَبّذا الكعك بلحمٍ مثرودْ
وخُشْكَنانٌ معْ سويقٍ مَقنود
(بَاب الْعين وَالْجِيم)
عج، جع، مستعملان
عج: رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (أفضل الحجّ العَجّ والثَّجّ)
وَقَالَ أَبُو عبيد: العجّ: رفع الصَّوْت بِالتَّلْبِيَةِ، والثّجّ: سيلان دِماء الْهَدْي. وَيُقَال عج الْقَوْم يَعِجّون، وضجُّوا يَضِجُّون، إِذا رفعوا أَصْوَاتهم بالدُّعاء والاستغاثة.
وَقَالَ اللَّيْث: سمِّي العجّاج الرّجاز عجَّاجاً بقوله:
حَتَّى يعج ثخناً من عجعجا
قَالَ اللَّيْث: لما لم يستقم لَهُ فِي القافية عجَّا وَلم يصحَّ معنى عجَّجا ضاعفه فَقَالَ: عجعجا وهم فُعَلاء لذَلِك.
قَالَ: والتعجيج: إثارة الْغُبَار، وَهُوَ العَجَاج. وَيُقَال عجَّجت الْبَيْت دخاناً حَتَّى تعجَّج. والعَجَاج: غُبَار تثور بِهِ الرّيح، الْوَاحِدَة عَجاجة. وَفعله التعجيج.
وَفِي (النَّوَادِر) : عجّ الْقَوْم وأعجُّوا، وأَهجُّوا، وخجُّوا وأخجُّوا، إِذا أَكْثرُوا فِي فنونِهِ الركوبَ.
اللحياني: رجل عجْعاجٌ بجباج، إِذا كَانَ صيَّاحاً.
وَقَالَ أَبُو زيد: أعجَّت الرّيح، إِذا اشْتَدَّ هبوبها وأثارت الْغُبَار. قَالَ: والعجعجة فِي قضاعة كالعنعنة فِي تَمِيم، يحولون الْيَاء جيماً كَقَوْلِه:
المطعمون اللَّحْم بالعَشجِّ
وبالغداة كِسَر البَرْنجِّ
يُقلَع بالودِّ وبالصِّيصجِّ
أَرَادَ: بالعشيّ، والبرنيّ، والصِّيصيّ.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: النُّكب من الرِّيَاح أَربع: فنكباء الصِّبَا والجَنوب مهياف ملواح، ونكباء الصَّبا وَالشمَال مَعجاجٌ مِصراد لَا مَطر فِيهَا وَلَا خير، ونكباء الشمَال والدَّبور قَرّة، ونكباء الدَّبور والجنوب حارّة.
قَالَ: والمَعجاج هِيَ الَّتِي تثير الْغُبَار.
وَيُقَال: عجّ الْبَعِير فِي هديره يعجّ، فَإِن كرَّر هديره قيل عجعج. وَيُقَال للناقة إِذا زجرتها عاجْ. وَقد عجعجت بهَا.(1/55)
أَبُو عبيد عَن الْفراء: العجَاجة: الْإِبِل الْكَثِيرَة. وَقَالَ شمر: لَا أعرف الْعَجَاجَة بِهَذَا الْمَعْنى. قَالَ ابْن حبيب: العَجَاج من الْخَيل: النجيب المسنّ.
وروى شمر بِإِسْنَاد لَهُ عَن عبد الله بن عَمْرو عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يَأْخُذ الله شريطته من أهل الأَرْض، فَيبقى عَجَاجٌ لَا يعْرفُونَ مَعْرُوفا وَلَا يُنكرون مُنكَراً) . قَالَ شمر: العَجَاج من النَّاس نَحْو الرَّجَاج والرَّعاع. وَأنْشد:
يرضى إِذا رَضِي النِّسَاء عجاجةٌ
وَإِذا تُعُمّدَ عَمْدُه لم يَغضَبِ
عَمْرو عَن أَبِيه: عجّ، إِذا صَاح. وجَعّ، إِذا أكل الطين.
وَقَالَ غَيره: طَرِيق عاجٌّ زاجٌّ، إِذا امْتَلَأَ.
جع: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: جعَّ فلانٌ فلَانا، إِذا رَمَاه بالجَعْو، وَهُوَ الطِّين. وَكتب عبيد الله بن زِيَاد اللعين إِلَى عُمر بن سَعْد: أَن جعجعْ بالحسين بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا. قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: مَعْنَاهُ ضيِّق عَلَيْهِ. قَالَ: والجعجَع: الْموضع الضَّيق الخشِن.
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الأصمعيُّ: الجعجعة الحَبْس. قَالَ: وإنّما أَرَادَ بقوله (جعجع بالحسين) أَي احبسه. وَمِنْه قَول أَوْس بن حَجَر:
إِذا جعجعوا بَين الإناخة وَالْحَبْس
قَالَ: والجعجاع: المَحبِس: وَأنْشد:
205 - وَبَاتُوا بجعجاعٍ حَدِيث المعرَّجِ
قَالَ أَبُو عبيد: وَقَالَ غَيره: الجعجاع: الأَرْض الغليظة. وَقَالَ أَبُو قيس بن الأسلت:
مَنْ يَذُقِ الحربَ يَجدْ طعمها
مُرّاً وتتركْه بجعجاعِ
سَلَمة عَن الْفراء قَالَ: الجعجعة: التَّضْيِيق على الْغَرِيم فِي الْمُطَالبَة. والجعجعة: التشريد بالقوم.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الجعجع: صَوت الرَّحى، وَمِنْه مثل الْعَرَب: (جَعجعة وَلَا أرى طِحْناً) ، يضْرب للَّذي يعِد وَلَا يَفِي، قَالَ: والجعجعة: أصوات الْجمال إِذا اجْتمعت.
وَقَالَ اللَّيْث: جعجعت الْإِبِل، إِذا حرّكتَها لإناخة أَو نُهوض. وَأنْشد:
عَوْد إِذا جُعجِعَ بعد الهبِّ
وفحلٌ جعجاعٌ: شَدِيد الرُّغاء. وَقَالَ حُميد بن ثَوْر:
يطفْنَ بجعجاعٍ كأنّ جرانه
نَجيبٌ على جالٍ من الْبِئْر أجوفِ
وَيُقَال: تجعجع الْبَعِير وَغَيره، إِذا ضرَب بِنَفسِهِ الأَرْض باركاً، لمرضٍ يُصِيبهُ أَو ضرب يُثخنه. وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب:
فأبدّهنَّ حتوفهنَّ فهارب
بذَمائه أَو باركٌ متجعجعُ
وَقَالَ إِسْحَاق بن الْفرج: سَمِعت أَبَا الرّبيع الْبكْرِيّ يَقُول: الجعجع والجفجف من الأَرْض المتطامِن، وَذَلِكَ أنَّ المَاء يَتجفجف فِيهِ فَيقوم، أَي يَدُوم. قَالَ: وأردته أَن يَقُول يتجعجعَ فَلم يقُلْها فِي(1/56)
المَاء. وَقَالَ: جعجعَ الْمَاشِيَة وجفجفها، إِذا حبسَها.
وَقَالَ شمر: قَالَ أَبُو عَمْرو: الجَعجاع: الأَرْض. قَالَ: وكلُّ أرضٍ جعجاع. قَالَ شمر: وأنشدنا ابْن الْأَعرَابِي:
نحلُّ الديار وَرَاء الديا
رِ ثمَّ نجعجع فِيهَا الجُزُرْ
قَالَ: نجعجعها: نحبسها على مكروهها.
وَيُقَال: جعجعَ بهم، أَي أناخَ بهم وألزمهم الجعجاع. قَالَ: وجعجعَ البعيرُ إِذا برك. وَأنْشد:
حتّى أنخنا عزَّه فجعجعا
أَي استناخ. وجعجعَ القومُ، أَي أناخوا
(بَاب الْعين والشين)
عش، شع: مستعملان
عش: أخبرنَا الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العَشُّ: المهزول. وَقَالَ بعضُ رجاز الْعَرَب:
تضحك مني أَن رأتني عَشَّا
لبست عَصْريْ عُصُرٍ فامتشَّا
بشاشَتي وعمَلاً ففشّا
وامرأةٌ عَشَّةٌ: ضئيلة الخَلْقِ
وَقَالَ شمر: قَالَ ابْن الأعرابيّ: عشَّ بدنُ الْإِنْسَان، إِذا ضَمر ونَحَل، وأعشّهُ الله قَالَ: والعَشُّ: الْجمع وَالْكَسْب.
وَقَالَ اللَّيْث: عش الرجل معروفه يَعُشُّه، إِذا أقلَّه وَقَالَ رؤبة:
حَجَّاج مَا سَجْلُكَ بالمعشوشِ
قَالَ: وسقاه سجلاً عشاً، أَي قَلِيلا. وَأنْشد:
يُسقَينَ لَا عَشّاً وَلَا مصرَّدا
قَالَ: وَقَالَ أَبُو خَيرة العدويّ: العشّةُ: الأَرْض الغليظة. قَالَ: وأعششنا، أَي وقعنا فِي أرضٍ عشَّة. وعشَّش الخُبزُ، إِذا يبس وتكرَّج، فَهُوَ معشِّش.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: أعششتُ الْقَوْم، إِذا نزلتَ بهم على كَره حَتَّى يَتَحَوَّلُوا من أَجلك. وَأنْشد للفرزدق يصف القطا:
فَلَو تُركتْ نَامَتْ وَلَكِن أعشَّها
أَذَى من قِلاصٍ كالحنيّ المعطَّفِ
وَقَالَ أَبُو مَالك: قَالَ أَبُو الصَّقْر: أعششتُ الْقَوْم إعشاشاً، إِذا أعجلتهم عَن أَمرهم.
وأعشاش: موضعٌ مَعْرُوف فِي ديار بني تَمِيم، ذكره الفرزدق فَقَالَ:
عزَفت بأعشاشٍ وَمَا كدت تعزِف
وأنكرتَ من حَدراء مَا كنت تعرف
وشجرةٌ عَشَّةٌ: دقيقة الأغصان لئِيمة المنبت. وَقَالَ جرير:
فَمَا شجراتُ عِيصكَ فِي قُريشٍ
بعشّات الفروعِ وَلَا ضواحي
وعشّشت النَّخْلَة، إِذا قلَّ سَعَفُها ودقَّ أسفلُها. قَالَ: وعشَشتُ القميصَ إِذا رقعته، فانعشَّ.
وَقَالَ شمر: قَالَ أَبُو زيد: يُقَال جَاءَ بِالْمَالِ من عَشِّهِ وبَشِّه، وعَسِّه وبسِّه. أَي من حَيْثُ شَاءَ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: فرسٌ عَشُّ القوائم: دَقِيق القوائم.(1/57)
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العَشعَش: العُشُّ إِذا تراكبَ بعضُه على بعض.
وَقَالَ اللَّيْث: العُشّ للغراب وَغَيره على الشَّجر إِذا كثُف وضَخُم، وَيجمع عِشَشة.
وَقَالَ ابْن الْفرج: قَالَ الْخَلِيل: المعَشُّ الْمطلب. قَالَ: وَقَالَ غَيره: المعَسُّ: الْمطلب.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: قَالَ أَبُو خيرة: أرضٌ عشة: قَليلَة الشّجر فِي جَلَد عَزَاز، وَلَيْسَ بجبلٍ وَلَا رمل. وَهِي لينَة فِي ذَاك. قَالَ: وعشَّه بالقضيب عشاً: ضربه ضربات.
أَبُو عبيد: من أمثالهم: (لَيْسَ هَذَا بعشِّك فادرجي) . يضْرب مثلا لمن يرفع نَفسه فَوق قدره. ونحوٌ مِنْهُ: (تلمَّسْ أعشاشك) ، أَي تلمَّس التجنِّي والعلل فِي ذويك. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة لرجلٍ أَتَاهُ: (لَيْسَ هَذَا بعشك فاردجي) فَقيل لَهُ: لمن يُضرَب هَذَا؟ فَقَالَ: لمن يُرفع لَهُ بخيال. فَقيل: مَا مَعْنَاهُ؟ فَقَالَ: لمن يطرد.
شع: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: شعَّ القومُ إِذا تفَرقُوا. وَأنْشد للأخطل:
عِصَابَة سَبْىٍ شعَّ أَن يتَقسَّما
أَي تفرَّقوا حذار أَن يُتَقسَّموا
قَالَ: والشَّعُّ: العَجَلة. قَالَ: وانشعَّ الذِّئْب فِي الْغنم، وانشلَّ فِيهَا، وانشنَّ، وأغار فِيهَا واستغار، بِمَعْنى وَاحِد.
عَمْرو عَن أَبِيه: يُقَال لبيت العنكبوت الشَّعّ وحُقَّ الكَهُول.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: الشَّعشع والشعشان: الطَّوِيل. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: الشَّعشاع الْحسن، وَيُقَال الطَّوِيل. وَقَالَ ذُو الرُّمة:
إِلَى كلِّ مشبوح الذراعين تُتقى
بِهِ الْحَرْب شعشاع وَآخر فَدغمِ
وَقَالَ اللَّيْث: الشعشعان من كلِّ شيءٍ: الطويلُ الْعُنُق. وَيُقَال شعشعتُ الشرابَ، إِذا مزجته بِالْمَاءِ. وَيُقَال للثريدة الزُّريقاء: شعشِعها بالزيت.
وروى شمر بِإِسْنَاد لَهُ حَدِيث وَاثِلَة بن الْأَسْقَع، أَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (ثرد ثريدة ثمَّ شعشعها ثمَّ لبقها ثمَّ صَعَنَبها) قَالَ شمر: وَقَالَ ابْن الْمُبَارك: شعشعها: خلط بَعْضهَا بِبَعْض كَمَا يُشعشع الشَّرَاب بِالْمَاءِ إِذا مزج بِهِ. قَالَ: وَيَقُول الْقَائِل للثريدة الزريقاء: شعشعها بالزيت. قَالَ شمر: وَقَالَ بَعضهم: شعشع الثريدة إِذا رفع رَأسهَا، وَكَذَلِكَ صعلكها وصعنبها. قَالَ: وروى أَبُو دَاوُد عَن ابْن شُمَيْل: شعشع الثريدة إِذا أَكثر سَمنَها. قَالَ: وَقَالَ بَعضهم شعشعها طوّل رَأسهَا، من الشعشاع، وَهُوَ الطَّوِيل من النَّاس.
قلت: وروى أَبُو عبيد هَذَا الْحَرْف فِي حَدِيث وَاثِلَة: (ثمَّ سغسَغَها) بِالسِّين والغين أَي رَوَاهَا دسماً. وَهَكَذَا قَالَه ابْن الْأَعرَابِي.
وَيُقَال: شَعَّ بولَه يشُّعه، فرَّقه، فشع يشِعُّ إِذا انْتَشَر. وشععنا عَلَيْهِم الْخَيل نشُعُّها.
أَبُو عبيدٍ عَن الْفراء: الشَّعَاع: المتفرق، يُقَال: تطايَر القومُ شعاعاً، إِذا تفَرقُوا. وتطايرت الْعَصَا شعاعاً، إِذا تكسرتْ قِصَداً. وشَعاعُ السنبل: سَفاه إِذا يبس(1/58)
مَا دَامَ على السنبل وبَعْدَ انتشاره. وأشعَّ السُّنبلُ، إِذا اكتنزَ حَبُّه وانتشر سفاه.
وَيُقَال: ذهبت نَفسِي شَعَاعاً، إِذا انْتَشَر رأيها فَلم تتجه لأمرٍ حزم.
وشَعَاع الدَّم: مَا انْتَشَر إِذا استنَّ من خَرق الطَّعنة. وَأنْشد ابْن السّكيت:
طعنتُ ابْن عبدِ الْقَيْس طعنةَ ثائرٍ
لَهَا نَفذٌ لَوْلَا الشُّعاع أضاءها
يَقُول: لَوْلَا انتشار سَنَن الدَّم لأضاءها النفذ حتَّى تُستبان.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: يُقَال سقيته لَبناً شَعاعاً أَي ضَيَاحاً أُكثر مَاؤُهُ.
قلت: والشعشعة: المَزْج مَأْخُوذ مِنْهُ. وكلُّ مَا مرَّ فِي الشعَاع فَهُوَ بِفَتْح الشين، وَأما ضوء الشَّمْس فَهُوَ الشعاع بِضَم الشين، وَجمعه شُعُعٌ وأشِعّة، وَهُوَ مَا تَرَى من ضوئها عِنْد ذُرورِها مثل القضبان.
عمرٌ وَعَن أَبِيه قَالَ: الشُّعشُع: الْغُلَام الْحسن الْوَجْه الْخَفِيف الرُّوح، بِضَم الشينين.
(بَاب الْعين وَالضَّاد)
عض، ضع: مستعملان
عض: أَبُو عبيد: مَا عندنَا أَكال وَلَا عَضَاض، أَي مَا يُعَضّ عَلَيْهِ وَأنْشد شمر:
أخْدَرَ سَبْعاً لم يذُق عَضاضا
وَقَالَ ابْن بزرج: مَا أَتَانَا من عَضاضٍ وعَضوضٍ ومعضوص، أَي مَا أَتَانَا بِشَيْء نعضُّه. قَالَ: وَإِذا كَانَ القومُ لابِنِينَ فَلَا عَلَيْهِم أَلا يَرَوا عَضاضاً.
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (من تَعزَّى بعَزَاء الْجَاهِلِيَّة فأعِضُّوه بهَنِ أَبِيه وَلَا تَكْنُوا) معنى قَوْله (أعضّوه بهَنِ أَبِيه) أَي قُولُوا لَهُ اعضَضْ بأير أَبِيك، وَلَا تكنوا عَن الأير بالهن. وَأمر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك تأديباً لمن دَعَا دَعْوَة الْجَاهِلِيَّة.
أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر قَالَ: العِضُّ من الرِّجال: الداهي المنكَر وَقَالَ القطاميّ:
أَحَادِيث من عادٍ وجُرهُمَ جمّة
يثَوِّرها العِضّانِ زيدٌ ودَغْفَلُ
أَرَادَ بالعِضَّين: زيدا النمريّ ودَغفلاً النسّابة، وَكَانَا عالمي الْعَرَب بأنسابها وأيامها وحِكَمها.
وَيُقَال: بَرِئت إِلَيْك من العِضاض، إِذا باعَ دابّةً وبرىء إِلَى مشتريها من عَضِّها النَّاس. والعيوب تَجِيء على فِعال بِكَسْر الْفَاء.
وَسمعت الْعَرَب تَقول: بِئْر عَضوض وَمَاء عَضوض، إِذا كَانَ بعيد القعر يُستَقى مِنْهُ بالسانية.
وَقَالَ ابْن بزرج: يُقَال مَا كَانَت عَضُوضاً وَلَقَد أعضّت، وَمَا كَانَت جُدًّا وَلَقَد أجدَّت، وَمَا كَانَت جَرُوراً وَلَقَد أجَرّت.
والعضُّ بالأسنان، وَالْفِعْل عَضِضْتُ وأعَضُّ، الْأَمر مِنْهُ عَضَّ واعضَضْ.
ومُلْك عَضوض: شَدِيد فِيهِ عَسْف وعُنْف. والعَضُوض من أَسمَاء الدَّوَاهِي.
الحرانيّ عَن ابْن السّكيت قَالَ: العِضُّ: العِضاهُ بِكَسْر الْعين. وَبَنُو فلانٍ مُعِضُّون، إِذا كَانَت إبلُهم ترعى العِضَّ. وأرضٌ(1/59)
مُعِضّة: كَثِيرَة العِضّ. وبعيرٌ عاضّ.
وَقَالَ أَبُو زيد فِيمَا رَوَى عَنهُ ابْن هانىء: العِضاه اسمٌ يَقع على شجرٍ من شجر الشَّوك لَهُ أسماءٌ مُخْتَلفَة يجمعها العِضاه، والعِضاه الْخَالِص مِنْهُ: مَا عظُم واشتدّ شوكه. وَمَا صغُر من شجر الشوك فَإِنَّهُ يُقَال لَهُ العِضّ والشِّرْس. قَالَ: وَإِذا اجْتمعت جموعُ ذَلِك قيل لما لَه شوكٌ من صغاره عِضٌّ وشِرسٌ، وَلَا يُدعَيان عِضاهاً. فَمن العِضاه السمرُ، والعُرفُط، والسَّيَال، والقَرَظ، والقَتَاد الأعظَم، والكَنَهبُل، والسِّدْر، والغافُ، والغَرَب فَهَذِهِ عضاهٌ أجمع. وَمن عِضاه الْقيَاس وَلَيْسَ بالعضاه الْخَالِص: الشَّوحط، والنَبْع، والشِّريان، والسَّرَاء، والنَّشَم، والعُجُرم، والتألب، والغَرَف. فَهَذِهِ كلُّها تُدعى عضاه الْقيَاس وَلَيْسَت بالعضاه الْخَالِص وَلَا بالعِضِّ.
وَمن العِضِّ والشِّرس القتاد الْأَصْغَر، وَهِي الَّتِي ثمرتُها نُفّاخة كنُفّاخة العُشَر، إِذا حُرّكت انفقأت. وَمِنْهَا الشُّبْرم، والشِّبرِق، والحاجُ، واللَّصَف، والكلبة، والعِتْر، والثغْرُ. فَهَذِهِ عِض وَلَيْسَت بعضاه. وَمن شجر الشوك الَّذِي لَيْسَ بِعِضِّ وَلَا عِضاه: الشُّكاعَى، والحُلاَوَى، والحاذُ، والكُبّ، والسُّلَّج.
وَفِي (النَّوَادِر) : هَذَا بلدٌ بِهِ عِضٌّ وأعضاض وعَضاض، أَي شجرٌ ذُو شوك.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العُضّ بِضَم الْعين: عَلَف الْأَمْصَار، مثل الكُسْب والنَّوى المرضوخ. قَالَ: وَقَالَ الْمفضل: العُضُّ: الْعَجِين. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: العُضّاض عِرنين الْأنف. وَأنْشد غَيره:
لما رَأَيْت العبدَ مشرحِفَّا
أعدَمته عُضَّاضَهُ والكفّا
سَلمَة عَن الْفراء، قَالَ: العُضَاضيُّ: الرجل الناعم اللّين، مَأْخُوذ من العُضاض، وَهُوَ مَا لانَ من الْأنف.
وَيُقَال: أعضَّ الحجّام المِحجمَةَ قَفاهُ.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال عضّ الرجل بِصَاحِبِهِ يعَضُّه، إِذا لَزِمَه.
وَقَالَ النَّضر: إنّه لعِضُّ مالٍ، إِذا كَانَ حسنَ الْقيام عَلَيْهِ وفلانٌ عِضُّ سفَر: قويٌّ عَلَيْهِ. وعِضُّ قتال. وَأنْشد الْأَصْمَعِي:
إنّا إِذا قُدنا لقومٍ عَرضا
لم نُبقِ من بغْي الأعادي عِضّا
ابْن شُمَيْل: عاضّ الْقَوْم الْعَيْش مُنْذُ الْعَام فَاشْتَدَّ عِضاضهم، أَي اشْتَدَّ عَيشهم. وإنّه لعِضاض عَيْش، أَي صَبورٌ على الشدّة. وغَلَقٌ عِضٌّ: لَا يكَاد ينفتح.
الْأَصْمَعِي: مَاء عَضوض: بعيد القعر. ونحوَ ذَلِك قَالَ النَّضر.
وقوس عَضوض، إِذا لزِق وترها بكبدها.
وَقَالَ أَبُو زيد: الْبِئْر العضوض، هِيَ الضيّقة. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: هِيَ الْكَثِيرَة المَاء.
وَقَالَ أَبُو خيرة: امْرَأَة عَضوض: لَا ينفُذ فِيهَا الذّكر من ضِيقها. وفلانٌ عِضُّ فلَان وعضيضة، أَي قِرْنه.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العَضعَض: العِضُّ الشَّديد. قَالَ: والضَّعضَع: الضَّعِيف.(1/60)
والتَّعضوض: تمر أسود، التَّاء فِيهِ لَيست بأصلية. وَفِي الحَدِيث أنّ وفْد عبد الْقَيْس قدِموا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَ فِيمَا أهدَوا لَهُ قِرَبٌ من تعضوض.
وَأنْشد الرياشيُّ فِي صفة النّخل:
أسود كاللَّيل تدجّى أخضره
مخالط تعضوضه وعُمُره
بَرنيَّ عَيدانٍ قليلٍ قِشَره
والعُمُر: نخل السكّر.
قلت: وَقد أكلت التعضوض بِالْبَحْرَيْنِ فَمَا أعلمني أكلتُ تَمْراً أحمَتَ حلاوةً مِنْهُ، ومنبته هَجَر وقُراها.
ضع: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الضّعُّ: تَأْدِيب النَّاقة والجمل إِذا كَانَا قضيبَين. قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: هُوَ أَن يُقَال لَهُ ضَعْ ليتأدّب.
قَالَ: والضَّعضع: الضَّعِيف.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: رجلٌ ضَعضاع: لَا رَأْي لَهُ وَلَا حَزْم. والضعضاع: الضَّعِيف من كل شَيْء.
وَقَالَ غَيره: تضعضعَ فلانٌ، إِذا خضع وذل. وَقد ضعضعه الدَّهْر. وَالْعرب تسمِّي الْفَقِير متضعضِعاً. وَقد تضعضع، إِذا افْتقر.
قلت: وأصل الْبَاب من الْوَضع.
(بَاب الْعين وَالضَّاد)
عص، صع: مستعملان
عص: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العَصُّ هُوَ الأَصْل الْكَرِيم، وَكَذَلِكَ الأَصّ. قَالَ: والعَصعَص: عَجْب الذنَبِ، بِفَتْح الْعين وَجمعه عَصاعص.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي فِي مَوضِع آخر: هُوَ العُصعُص والعَصعَص والعُصَص والعُصُص، لغاتٌ كلُّها صَحِيحَة. وَهُوَ العُصعوص أَيْضا.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: عصَّ الشيءُ، إِذا اشتدّ.
صع: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الصَّعصَع: المتفرِّق. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: الصَّعصَع: طَائِر أبرشُ يصيد الجنادب، وَجمعه صعاصع.
وَقَالَ الأصمعيّ: الصَّعصعة: التَّفْرِيق. والصَّعصعة: التحريك. وَأنْشد لأبي النَّجْم:
تحسبه يُنْحِى لَهَا المعاولا
ليثاً إِذا صعصعته مُقَاتِلًا
أَي حرَّكتَه لِلْقِتَالِ. وَقَالَ أَبُو النَّجْم أَيْضا فِي التَّفْرِيق:
ومُرثعِنّ وَبْلُهُ يصعصِعُ
أَي يفرّق الطَّيرَ وينفّرُه.
قلت: وَأَصله من صاعه يَصُوعه، إِذا فرَّقه.
وَقَالَ أَبُو سعيد: تصعصع وتضعضع بِمَعْنى وَاحِد، إِذا ذلَّ وخضع. قَالَ: وَسمعت أَبَا الْمِقْدَام السّلمِيّ يَقُول: تصرّع الرجل لصَاحبه وتضرّع، إِذا تذلَّل واستخذى.
وَقَالَ أَبُو السميدع: تصعصع الرجُل، إِذا جبُن. قَالَ: والصَّعصعة: الفَرَق.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: صعصعهم حرَّكهم. وَقَالَ أَيْضا: إِذا فرَّق مَا بَينهم.(1/61)
وَقَالَ الأصمعيُّ: الزعزعة، والصعصة، بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ أَبُو الْحسن اللِّحياني: صعصعَ رأسَه بالدُّهن وصَغْصغَه، إِذا روّاه وروّغه.
وَقَالَ أَبُو سعيد: الصعصعة: نَبت يُستمشَى بِهِ.
وَقَالَ إِسْحَاق بن الْفرج: قَالَ أَبُو الْوَازِع: قَالَ اليمامي: هُوَ نبْتٌ يشرب مَاؤُهُ للمَشْي.
(بَاب بِالْعينِ وَالسِّين)
عس، سع: مستعملان.
عس: قَالَ الله تَعَالَى: {ُِالْكُنَّسِ وَالَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ وَالصُّبْحِ إِذَا} (التّكوير: 17 18) قَالَ ابْن جُريج: قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله: {الْكُنَّسِ وَالَّيْلِ إِذَا} قَالَ: هُوَ إقباله. وَقَالَ قَتَادَة: هُوَ إدباره وَإِلَيْهِ ذهب الكلبيّ.
قَالَ الْفراء: اجْتمع المفسِّرون على أَن معنى عسعس أدبَر. قَالَ: وَكَانَ بعض أَصْحَابنَا يزْعم أَن عسعَسَ مَعْنَاهُ دنا من أوّله وأظلم. وَكَانَ أَبُو الْبِلَاد النحويّ ينشد بَيْتا:
عسعسَ حتَّى لَو يَشَاء ادَّنا
كَانَ لَهُ من ضَوئِه مَقْبِسُ
قَالَ: ادَّنا: إذْ دنا، فأدغم. قَالَ الْفراء: وَكَانُوا يُرَون أنّ هَذَا الْبَيْت مَصْنُوع.
وَكَانَ أَبُو حَاتِم وقطرب يذهبان إِلَى أنَّ هَذَا الْحَرْف من الأضداد. وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَة يَقُول ذَلِك أَيْضا: عسعس الليلُ أَي أقبل، وعسعسَ إِذا أدبر. وَأنْشد:
مدّرعات اللّيل لمّا عسعَسا
أَي أقبلَ. وَقَالَ الزِّبرقان:
وردتُ بأفراس عتاقٍ وفتيةٍ
فوارِطَ فِي أعجازِ ليل معسعسِ
أَي مُدبر.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق بن السريّ: عسعس الليلُ إِذا أقبل، وعسعس إِذا أدبر. قَالَ: والمعنيان يرجعان إِلَى أصلٍ وَاحِد، وَهُوَ ابْتِدَاء الظلام فِي أوّله وإدباره فِي آخِره.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: العسعسة: ظلمَة اللَّيْل كلّه، وَيُقَال إدباره وإقباله. قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: وَهَذَا هُوَ الِاخْتِيَار.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: العَسوس النَّاقة الَّتِي إِذا ثارت طوفت ثمَّ دَرَّت.
ونحوَ ذَلِك قَالَ أَبُو عبيد. وَقَالَ آخَرُونَ: نَاقَة عسوس، إِذا ضجرت وساء خلقُها عِنْد الْحَلب. وَأنْشد أَبُو عبيدٍ لِابْنِ أحمرَ الْبَاهِلِيّ:
وراحت الشَّولُ وَلم يحبُها
فحلٌ وَلم يعتسَّ فِيهَا مُدِرّ
قَالَ شمِر: قَالَ الهُجَيمي: لم يعتسَّها: لم يطْلب لَبنهَا.
وَقَالَ اللَّيْث: المَعَسُّ، الْمطلب. وَأنْشد قولَ الأخطل:
مُعقَّرة لَا تنكرُ السيفَ وسْطَها
إِذا لم يكن فِيهَا مَعَسٌّ لحالبِ
أَبُو زيد: عسست الْقَوْم أعُسُّهم، إِذا أطعمتَهم شَيْئا قَلِيلا، وَمِنْه أَخذ العَسوس(1/62)
من الْإِبِل.
وَقَالَ الْفراء: العَسُوس من النَّاس: الَّتِي لَا تُبالي أَن تدنُوَ من الرِّجَال.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: إنّه لعسوسُ من الرّجال إِذا قلَّ خَيره. وَقد عَسَّ عليّ بخيره، وإنَّ فِيهِ لعُسُساً قَالَ: والاعتساس والاعتسام: الِاكْتِسَاب.
وَقَالَ ابْن المظفر: العَسُّ: نَفض اللَّيل عَن أهل الرِّيبة؛ يُقَال عسّ يعُسُّ عَسًّا فَهُوَ عاسّ. قَالَ: والعاسّ اسمٌ يَقع على الْوَاحِد وَالْجمع.
قلت: العاسّ وَاحِد وَجمعه العَسَس، كَمَا يُقَال خَادِم وخدَم، وحارس وحرس.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: العُسُّ: القَدح الَّذِي يعبّ فِيهِ الِاثْنَان وَالثَّلَاثَة والعِدّة. قَالَ: والرِّفد أكبر مِنْهُ.
وَقَالَ أَيْضا: العُسُس: التُّجار الحُرصاء، والعُسُس: الْآنِية الْكِبَار.
قَالَ: والعَسِيس: الذِّئْب الْكثير الْحَرَكَة.
أَبُو عبيد: من أمثالهم فِي الحثّ على الْكسْب قَوْلهم: (كلبٌ عَسَّ خيرٌ من كلبٍ ربَضَ) ، وَبَعْضهمْ يَقُول: (كلبٌ عاسٌّ خير من كلب رابضٍ) . والعاسُّ: الطَّالِب، يُقَال عَسّ يعُسُّ إِذا طلب. والذِّئب العَسوس: الطَّالِب للصَّيد.
وَقَالَ الأصمعيّ: يُقَال للذِّئب العَسعَسُ لأنّه يعُسّ بِاللَّيْلِ ويَطلُب، وَقَالَ لَهُ العسعاس. والقنافذ يُقَال لَهَا العَساعِس؛ لكثرةِ تردُّدها بِاللَّيْلِ.
وَيُقَال: عسعس فلانٌ الأمرَ، إِذا لبَّسه وعمّاه، وَأَصله من عسعسة اللَّيْل.
وَيُقَال: جَاءَ بِالْمَالِ من عَسِّهِ وبَسِّه، أَي من طلبه وجهده.
قَالَ: وعَسْعَسُ: موضعٌ مَعْرُوف فِي بِلَاد الْعَرَب. وعسعسٌ: اسْم رجل.
وَقَالَ اللَّيْث: عسعست السحابةُ، إِذا دنت من الأَرْض، لَا يُقَال ذَلِك إلاّ بِاللَّيْلِ فِي ظلمَة وبَرق.
وَقَالَ أَبُو الْوَازِع: العُسُّ: الذّكر. وَأنْشد:
لاقت غُلَاما قد تشظّى عُسُّهُ
مَا كَانَ إلاّ مَسُّه فدسُّهُ
قَالَ: عُسُّه: ذكَره.
وَيُقَال: اعتسستُ الشَّيْء، واحتسستُهُ، واقتسستُه، واشتممته، واهتممته، واختششته. وَالْأَصْل فِي هَذَا أَن تَقول: شمِمتُ بلد كَذَا وخَشَشته، إذَا وطئته فعَرفتَ خِبرته.
وَيُقَال: عسَّ عليَّ خَبَرُ فلَان، أَي أَبْطَأَ.
سع: أَبُو الْعَبَّاس عَن عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: السَّعِيع: الشَّيلَم. قَالَ: وَقَالَ ابنُ الأعرابيّ: السَّعيع: الرَّدِيء من الطَّعَام.
وَقَالَ ابْن بُزرج: طعامٌ مسعوع من السَّعيع، وَهُوَ الَّذِي أصابَه السَّهام.
وَفِي حَدِيث عمر أَنه سَافر فِي عقب رَمَضَان فَقَالَ: (إنّ الشَّهْر قد تَسعسَعَ فَلَو صُمْنا بقيّته) قَالَ أَبُو عبيد: قَوْله (تَسَعسعَ) ، أَي أدبرَ وفَنِيَ إلاّ أقلَّه. وَكَذَلِكَ يُقَال للْإنْسَان إِذا كبِر حتّى يهرمَ ويولّيَ: قد تسعسَعَ. وَأنْشد لرؤبة يذكر امْرَأَة تخاطب صَاحِبَة لَهَا، فَقَالَ يذكرهَا:(1/63)
قَالَ وَمَا تألو بِهِ أَن ينفعا
يَا هندُ مَا أسرعَ مَا تسعسعا
يَعْنِي أنّها أخبرتْ صاحبتَها عَن رؤبة أَنه قد أدبَر وفني.
ثَعْلَب عَن سَلمَة عَن الْفراء قَالَ: السعسعة الفَنَاء. ونحوَ ذَلِك قَالَ ابنُ الْأَعرَابِي. وَقَالَ الْفراء: سعسعتُ بالعَناقِ، إِذا زجرتَها فَقلت لَهَا: سَعْ سَعْ.
وَقَالَ غَيره: سعسع شعرَه وسغسغه، إِذا روّاه بالدُّهن.
أَبُو الْوَازِع: تسعسعت حَاله، إِذا انحطّت. وتسعسعت فَمه، إِذا انحسرت شفتُه عَن أَسْنَانه.
شمر عَن أبي حَاتِم: تسعسع الرجلُ، إِذا اضطربَ وأسنَّ. وَلَا يكون التسعسُع إلاّ باضطراب مَعَ الْكبر. وَقد تسعسعَ عُمره. وَقَالَ عَمْرو بن شأس:
وَمَا زَالَ يُزْجِي حبَّ ليلى أمامَه
وليدَين حَتَّى عُمْره قد تسعسعا
وكلُّ شَيْء بلي وتغيّر إِلَى الْفساد فقد تسعسع.
وَقَالَ شمر: من روى حَدِيث عمر: (إنَّ الشَّهْر قد تشعشع) ، وَذهب بِهِ إِلَى رقَّة الشَّهر وقلَّة مَا بَقِي مِنْهُ، كَمَا يُشعشَع اللبنُ وَغَيره إِذا رُقِّق بِالْمَاءِ، كَانَ وَجها.
(بَاب الْعين وَالزَّاي)
عز، زع: مستعملان
عز: الْعَزِيز من صِفَات الله جلّ وعزّ وأسمائه الْحسنى. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق بن السريّ: الْعَزِيز فِي صفة الله تَعَالَى: الْمُمْتَنع، فَلَا يغلبه شَيْء. وَقَالَ غَيره: هُوَ القويّ الْغَالِب على كلّ شَيْء، وَقيل: هُوَ الَّذِي لَيْسَ كمثله شَيْء.
وَيُقَال مَلكٌ أعزّ وعزيزٌ، بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِى فِى} (ص: 23) مَعْنَاهُ غلبني. وَقَرَأَ بَعضهم: (وعازني فِي الْخطاب) أَي غالبني.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت قَالَ: يُقَال عزّه يعزُّه، إِذا غَلبه وقهره. وَأنْشد فِي صفة جمل:
يَعُزُّ على الطَّرِيق بمنكِبَيْهِ
كَمَا ابتركَ الخليعُ على القِداح
يَقُول: يغلب هَذَا الجملُ الإبلَ على لُزُوم الطَّرِيق، فشبَّه حرصَه على لُزُوم الطَّريقِ وإلحاحَه على السَّير، بحِرص هَذَا الخليعِ على الضَّرب بِالْقداحِ، لعلَّه أَن يسترجعَ بعضَ مَا ذهبَ من مَاله. والخليع: المخلوع المقمور مَاله.
وَأما قَول الله عزّ وجلّ: {اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا} (يس: 14) فَمَعْنَاه قوّيناه وشدّدناه. وَقَالَ الْفراء: وَيجوز (عزَزنا) مخفّفاً بِهَذَا الْمَعْنى، كَقَوْلِك شدَدنا قَالَ: وَيُقَال عَزَّ يَعَزّ، بِفَتْح الْعين من يَعزّ، إِذا اشتدّ. وَيُقَال عزّ كَذَا وَكَذَا، جامعٌ فِي كل شَيْء، إِذا قلّ حتَّى لَا يكَاد يُوجد. وَهُوَ يَعِزُّ بِكَسْر الْعين عِزَّةً فَهُوَ عَزِيز.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: يُقَال عزّ الرجل يعِزّ عِزًّا وعِزّة إِذا قوىَ بعد ذلّة. وعززت عَلَيْهِ(1/64)
أعِزّ عِزًّا وعَزَازة. قَالَ: وعَزَّت النَّاقة تعُزُّ عُزوزاً فَهِيَ عَزُوزٌ، إِذا كَانَت ضيّقة الإحليل. قَالَ: وأعززتُ الرجل: جعلتُه عَزِيزًا. وأعززته: أكرمته وأحببته.
وَأَخْبرنِي الإياديّ أَنه وجد شمراً يضعِّف قَول أبي زيد فِي قَوْله أعززته أَي أحببته.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: شَاة عَزوز: ضيّقة الإحليل لَا تُدرّ حتَّى تحلب بِجهْد. وَقد أعزّت، إِذا كَانَت عَزُوزاً.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال تعزَّزَتْ، لهَذَا الْمَعْنى. أَبُو عبيد عَن أبي زيد: إِذا استبانَ حملُ الشَّاة وعظُم ضرعُها قيل رمّدت، وأعزّت وأضرعَت، بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَول الله عزّ وجلّ: {الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الاَْعَزُّ مِنْهَا} (المنَافِقون: 8) وقرىء: (ليَخُرجَنَّ الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل) أَي ليخرجن الْعَزِيز مِنْهَا ذليلا، فَأدْخل الْألف وَاللَّام على الْحَال.
وَقَالَ: جلّ وعزّ: {فَسَوْفَ يَأْتِى اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} (المَائدة: 54) يَقُول: يتذللون للْمُؤْمِنين وَإِن كَانُوا أعزة، ويتعززون على الْكَافرين وَإِن كَانُوا فِي شرف الأحساب دونهم.
وَالْعرب تَقول: (إِذا عزّ أَخُوك فهُنْ) ، الْمَعْنى إِذا غلبك وقهرَك فَلم تقاومْه فتواضعْ لَهُ؛ فَإِن اضطرابك عَلَيْهِ يزيدك ذُلاًّ.
وَمن كَلَام الْعَرَب: (مَن عَزّ بَزّ) وَمَعْنَاهُ من غَلَب سَلب.
والعَزَاز: الأَرْض الضُّلبة.
وَيُقَال للمطر الوابل إِذا ضربَ الأرضَ السهلةَ بغيبتها فشدّدها حتَّى لَا تَسُوخ فِيهَا القوائم وَيذْهب وعوثتها: قد شدّد مِنْهَا وعزّزَ مِنْهَا. وَقَالَ:
عزّزَ مِنْهُ وَهُوَ معطي الإسهالْ
ضربُ السوارى متْنَه بالتَّهتال
وَيُقَال أعززنا: أَي وقَعنا فِي الأَرْض العَزاز، كَمَا يُقَال أسهلنا، أَي وقعنا فِي أَرض سهلة.
وَفِي الحَدِيث أنّه (استُعِزَّ برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ) . قَالَ أَبُو عَمْرو: واستُعِزَّ بفلان، أَي غُلِب، يُقَال ذَلِك فِي كل شيءٍ من مرضٍ أَو عاهة. قَالَ: واستعزَّ الله بفلانٍ. واستَعزَّ فلانٌ بحقّي، أَي غلبني. وفلانٌ مِعزازُ الْمَرَض، إِذا كَانَ شديدَ الْمَرَض. وَيُقَال لَهُ أَيْضا إِذا مَاتَ: استُعِزَّ بِهِ.
وَفِي حَدِيث ابْن عمر (أنّ قوما اشْتَركُوا فِي لحم صيدٍ وهم مُحرمون، فسألوا بعض أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عمّا يجب عَلَيْهِم، فَأمر كلّ واحدٍ مِنْهُم بكفّارة ثمَّ سَأَلُوا عمر وَأخبروه بِفُتْيَا الَّذِي أفتاهم، فَقَالَ: إِنَّكُم معزَّزٌ بكم) ، أَي مشدّد بكم، ومثقَّل عَلَيْكُم الْأَمر.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: العِزُّ: الْمَطَر الشَّديد الوابل. قَالَ: والعَزَّاء: الشدّة. وَقَالَ الْفراء: يُقَال للْأَرْض العَزَاز عَزّاءُ أَيْضا.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: العَزَاز: مَا غلظ من الأَرْض وأسرع سيلُ مطره، يكون من القِيعان والصَّحاصح وأسناد الْجبَال والآكام وَظُهُور القِفاف. وَقَالَ العجّاج:(1/65)
من الصَّفا العاسي ويَدهَسْنَ الغَدَرْ
عَزَازَه ويهتمِرْن مَا انْهمَرْ
وتعزَّز لحمُ النَّاقة، إِذا اشتدّ وصلُب.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو فِي مسَائِل الْوَادي: أبعدها سيلا الرَّحَبة، ثمَّ الشُّعبة، ثمَّ التَّلْعة، ثمَّ المِذْنب، ثمَّ العَزَازة.
وَقَالَ الفرّاء: العَزَّة: بنت الظَّبية، وَبهَا سمِّيت الْمَرْأَة عَزّة.
وَقَالَ أَبُو عبيدةَ فِي كتاب (الْخَيل) : العزيزاء وهما عُزَيزاوا الْفرس: مَا بَين جَاعِرَتَيْهِ. وَقَالَ أَبُو مَالك: العُزَيزاء: عصبَة رقيقَة مركّبة فِي عظم الخَوْران إِلَى الورك. وَأنْشد فِي صفة الْفرس:
أمِرَّت عُزيزاهُ ونيطت كُرومهُ
إِلَى كفلٍ رابٍ وصُلْبٍ موثِّقِ
قَالَ: والكرمة: رَأس الْفَخْذ المستديرُ كأنّه جَوْزة، وموضعها الَّذِي تَدور فِيهِ من الورك القَلْت.
وَقَالَ ابنُ شُمَيْل: يُقَال للعنز إِذا زُجرتْ: عَزْ عَزْ، وعزعزتُ بهَا فَلم تَعَزعَز، أَي لم تتنحَّ.
ثعلبٌ عَن ابْن الْأَعرَابِي: العَزعزُ الْغَلَبَة. قَالَ: والزَّعزع الفالوذ.
قَالَ: وعزّ المَاء يعزّ، وعزّت القَرحة تَعِزّ، إِذا سَالَ مَا فِيهَا وَكَذَلِكَ مَذَع وبَذَعَ، وصَهَى، وهمى، وفزّ، إِذا سَالَ وَيُقَال عَزُزت النَّاقة، إِذا ضَاقَ إحليلُها وَلها لبنٌ كثير.
قلت: أظهر التَّضْعِيف فِي عَزُزت، وَلَيْسَ ذَلِك بِقِيَاس.
وَقَول الله جلّ وعزّ: {الْكُبْرَى أَفَرَءَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى} (النّجْم: 19) جَاءَ فِي التَّفْسِير أَن اللاتَ صنَم كَانَ لثقيف، وَأَن العُزَّى سمُرةٌ كَانَت لغطَفانَ يعبدونها، وَكَانُوا بنَوْا عَلَيْهَا بَيْتا وَأَقَامُوا لَهَا سَدَنة، فَبعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَالِد بن الْوَلِيد إِلَيْهَا، فهدم الْبَيْت وأحْرق السَّمُرة.
والعُزَّى: تَأْنِيث الأعزّ، مثل الْكُبْرَى والأكبر. والأعزُّ بِمَعْنى الْعَزِيز، والعُزَّى بِمَعْنى العزيزة.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: إنّما فلانٌ عنزٌ عَزُوزٌ لَهَا دَرٌّ جَمٌّ، إِذا كَانَ كثير المَال شحيحاً والعزوز: الضيّقة الإحليل.
وَقَالَ ابْن شُميل: شاةٌ عَزوزٌ بيِّنة العِزاز.
زع: يُقَال للرِّيح الشَّدِيدَة الَّتِي تقلع الْأَشْجَار وتحرّكها تحريكاً شَدِيدا: ريح زَعزعانٌ وزَعْزَعٌ وزَعزاع، كل ذَلِك مسموع من الْعَرَب، والجميع الزعازع. وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب:
وراحتْه بَلِيلٌ زَعزَعُ
وزعزعتُ الشيءَ، إِذا أرَغْتَ إِزَالَته من مُثَبَّته فحرّكتَه تحريكاً. وَقَالَ:
لزُعزِعَ من هَذَا السَّريرِ جوانبُه
والزَّعزاعة: الكتيبة الْكَثِيرَة الْخَيل. وَقَالَ زهَيرٌ يمدح رجلا:
يُعطِي جزيلاً ويسمو غير متّئدٍ
بِالْخَيْلِ للْقَوْم فِي الزَّعزاعة الجُولِ
أَرَادَ فِي الكتيبة الَّتِي يتحرَّك جُولها، أَي ناحيتها، وتترمّز. فأضاف الزعزاعة إِلَى الجول.
وزعزعت الإبلَ، إِذا سُقتَها سَوْقاً عنيفاً. وسَيرٌ زَعزَعٌ: شَدِيد.
أَبُو عَمْرو والأصمعيّ: الزَّعازع والزّلازل(1/66)
هِيَ الشدائد.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: يُقَال للفالوذ الزَّعزَع، والمُزَعزَع، والملوَّص، والمزَعفَر، واللَّمْص.
(بَاب الْعين والطاء)
عط، طع: مستعملان.
عط: أَبُو الْعَبَّاس عَن (ابْن) الْأَعرَابِي قَالَ: الأعطّ: الطَّوِيل. قَالَ: والعطعطة: صِياح المُجّان.
وَقَالَ اللَّيْث: العطعطة: حِكَايَة أصوات المُجّان إِذا قَالُوا عِيط عِيط عِنْد الْغَلَبَة. فَيُقَال: هم يعطعطون.
الحَرّاني عَن ابْن السّكيت قَالَ: العُطعُط: الجَدْي، وَيُقَال لَهُ العُتعُتُ أَيْضا.
والعَطُّ: شَقُّ الثَوب. يُقَال عَطّ ثوبَه فانعطَّ. وعَطِّطْه، أَي شقِّقْه.
وَيُقَال: ليثٌ عَطَاط: جسيمٌ شَدِيد. قَالَ ذَلِك أَبُو عَمْرو، وَأنْشد قَول المتنخل:
وَذَلِكَ يَقتُل الفِتيانَ شفعاً
ويسلُب حُلّةَ اللَّيث العَطَاطِ
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: انعطَّ العُود انعطاطاً، إِذا تننَّى من غير كسر يَبين.
وَقَالَ غَيره: العَطُّ فِي الْفِعْل، والعَتُّ فِي القَوْل.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: عطَّ فلانٌ فلَانا إِلَى الأَرْض يعُطُّه عَطًّا، إِذا صَرَعه. ورجلٌ معطوط معتوت، إِذا غُلِبَ قولا وفعلاً.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: العُطُطُ: الملاحف المقطّعة.
طع: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: الطَّعُّ: اللَّحس. قَالَ: والطَّعطَع من الأَرْض: المطمئن.
وَقَالَ اللَّيْث: الطعطعة: حِكَايَة صَوت اللاطع والناطع والمتمطِّق، وَذَلِكَ إِذا ألصقَ لسانَه بِالْغَارِ الْأَعْلَى ثمَّ لَطع من طيب شَيْء أكله.
(بَاب الْعين وَالدَّال)
عد، دع: مستعملان
عد: رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنّ أبيضَ بن حَمَّالٍ المأْرِبيّ قدِمَ عليهِ، فاستقطعه الْملح الَّذِي بمأرب، فأقطعَه إيّاه، فَلَمَّا ولَّى قَالَ رجلٌ: يَا رَسُول الله أَتَدْرِي مَا أقطعته؟ إِنَّمَا أَقْطعت لَهُ المَاء العِدَّ. قَالَ: فرجعَه مِنْهُ.
قَالَ ابْن المظفّر: العِدّ: مَوضِع يتَّخذه النَّاس يجْتَمع فِيهِ مَاء كثير، والجميع الْأَعْدَاد. قَالَ: والعِدُّ: مَاء يُجمَع ويُعَدّ.
قلت: غلط الليثُ فِي تَفْسِير العِدّ، وَالصَّوَاب فِي تَفْسِير العِدّ مَا رَوَاهُ أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ أَنه قَالَ: المَاء العِدّ: الدَّائِم الَّذِي لَا انْقِطَاع لَهُ، مثل مَاء الْعين وَمَاء الْبِئْر. وَجمع العِدّ أعداد، وَأنْشد لذِي الرمة يذكر امْرَأَة حضرتْ مَاء عِدّاً بَعْدَمَا(1/67)
نشّت مِياه الغُدران فِي القيظ، فَقَالَ:
دعت ميَّةَ الأعدادُ واستبدلت بهَا
خَناطيل آجالٍ من العِين خُذَّلِ
استبدلت بهَا، يَعْنِي منازلها الَّتِي ظعنت عَنْهَا حَاضِرَة أعداد الْمِيَاه، فخالفها إِلَيْهَا الْوَحْش وأقامت فِي منازلها.
قَالَ شمر: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: العِدّ الْقَدِيمَة من الركايا. قَالَ: وَمِنْه قَوْلهم: حسَبٌ عِدٌّ، أَي قديم. وَأنْشد:
فوردَتْ عِدًّا من الْأَعْدَاد
أقدمَ من عادٍ وَقوم عادِ
قَالَ: وَقَالَ أَبُو عدنان: سَأَلت أَبَا عُبَيْدَة عَن المَاء العِدّ فَقَالَ لي: المَاء العِدّ بلغَة تَمِيم: الْكثير. قَالَ: وَهُوَ بلغَة بكر بن وَائِل: المَاء الْقَلِيل. قَالَ: بَنو تَمِيم يَقُولُونَ: المَاء العدّ مثل كاظمة جاهليٌّ إسلاميّ لم يَنزَح قطّ. قَالَ: وَقَالَت لي الْكلابِيَّة: المَاء العِدّ الرَّكيّ. يُقَال أمِن العِدِّ هَذَا أم من مَاء السَّمَاء؟ وأنشدتني:
وَمَاء لَيْسَ من عِدِّ الركايا
وَلَا حلَب السماءِ قد استقيت
وَقَالَت: ماءُ كلِّ ركية عِدٌّ، قلَّ أَو كثُر.
وَقَالَ أَبُو زيد: حسبٌ عِدٌّ، أَي قديم. وَقَالَ الحطيئة:
والحسَبُ العِدُّ
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال انْقضت عِدّةُ الرجل، إِذا انْقَضى أجَله، وَجَمعهَا العِدَد. وَمثله انْقَضتْ، مُدّته، وَهِي المُدَد.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: يُقَال: هَذَا عِدادُه وعِدُّه، ونِدُّه ونديده، وبِدّه وبديده، وسِيُّه، وزِنُّه وزَنّه، وحَيدُه وحِيدُه، وغَفْره وغَفَره، ودِنُّه، أَي مثله.
ورُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (مَا زَالَت أُكْلة خَيبر تُعادُّني، فَهَذَا أوانَ قطعَتْ أبهَري) : قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الأصمعيّ: هُوَ من العِداد، وَهُوَ الشَّيْء الَّذِي يَأْتِيك لوقتٍ، مثل الحُمَّى الرِّبْع والغِبّ؛ وَكَذَلِكَ السمّ الَّذِي يقتل لوقتٍ. وَأنْشد:
يلاقي من تذكُّر آل ليلى
كَمَا يلقى السَّليمُ من العِدادِ
وَمعنى قَوْله (تعادُّني) أَي تراجعني بألم السمّ فِي أَوْقَات مَعْدُودَة، كَمَا قَالَ النَّابِغَة فِي حيّة عضّت رجلا فَقَالَ:
تطلّقه حينا وحيناً تراجعُ
وَأما قَول الهذليّ فِي الْعداد:
هَل أنتِ عارفةُ الْعداد فتُقصِرِي
فَمَعْنَاه هَل تعرفين وَقت وفاتي.
وَقَالَ ابْن السّكيت: إِذا كَانَ لأهل الْمَيِّت يومٌ أَو لَيْلَة يجْتَمع فِيهِ النِّساء للنياحة عَلَيْهِ فَهُوَ عِدادٌ لَهُم. وَيُقَال: فلانٌ عِدادُه فِي بني فلانٍ إِذا كَانَ ديوانُه مَعَهم.
ثَعْلَب عَن عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: العِداد والبِداد: المناهدة. قَالَ: وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: فلانٌ عِدُّ فلانٍ وبِدُّه أَي قِرنه، والجميع(1/68)
أعدادٌ وأبداد. والعدائد: النظراء، واحدهم عديد.
أَبُو عُبَيْدَة عَن الْأَصْمَعِي: عِداد الْقوس: صَوتهَا. وَقَالَ غَيره: العِدّة جمَاعَة قلّت أَو كثرت يُقَال: رَأَيْت عدّة رجال وعدّة نسَاء. والعِدّة: مصدر عددت الشَّيْء عدا وعدة. وَالْعدة عدّة الْمَرْأَة شهوراً كَانَت أَو أَقراء أَو وضع حَمْل كَانَت حملتْه من الَّذِي تعتدّ مِنْهُ. يُقَال: اعتدَّت الْمَرْأَة عِدَّتَها من وَفَاة زَوجهَا وَمن تطليقه إِيَّاهَا اعتداداً. وَجمع العِدّة عِدَد، وأصل ذَلِك كلّه من العَدّ.
والعَدَدُ فِي قَوْله جلّ وعزّ: {لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَىْءٍ} (الجنّ: 28) لَهُ مَعْنيانِ: أَحدهمَا: أحصى أَي أحَاط علمُه بِكُل شَيْء عددا أَي معدوداً، فَيكون نَصبه على الْحَال. يُقَال عددت الدَّرَاهِم عدًّا. وَمَا عُدَّ فَهُوَ مَعْدُود وعَدَد، كَمَا يُقَال نفضتُ ثَمَر الشّجر نفْضاً، والمنفوض نَفَض. وَيجوز أَن يكون معنى قَوْله {لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَىْءٍ} (الجنّ: 28) أَي أَحْصَاهُ إحصاءً. فالعدد اسْم من العدّ أقيم مقَام الْمصدر الَّذِي هُوَ معنى الإحصاء، كَمَا قَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
ورُضْتُ فذلّتْ صعبةً أيَّ إذلالِ
والعديد: الْكَثْرَة، يُقَال مَا أَكثر عديدَ بني فلَان. وَبَنُو فلانٍ عديدُ الْحَصَى، إِذا كَانُوا لَا يُحصَون كَثْرَة كَمَا لَا يُحصَى الْحَصَى. وَيُقَال: هَذِه الدَّرَاهِم عَديدُ هَذِه الدراهِم، إِذا كَانَت بعددها.
وَيُقَال: إنَّهم ليتعادُّون على عشرَة آلَاف أَي يزِيدُونَ عَلَيْهَا فِي الْعدَد. وَيُقَال هم يتعادُّون كَذَا وَكَذَا رَجلاً ويتعدّدون بمعناها.
وَقَالَ اللَّيْث: هم يتعدَّدون على عشرةِ آلَاف، أَي يزِيدُونَ عَلَيْهَا فِي الْعدَد. وَيُقَال: هم يتعادُّون، إِذا اشْتَركُوا فِيمَا يعادُّ بِهِ بعضُهم بَعْضًا من المكارم وَغَيرهَا. والعُدَّة: مَا أعِدَّ لأمرٍ يحدُث، مثل الأُهبة. يُقَال أَعدَدْت لِلْأَمْرِ عُدَّتَه.
وَقَالَ أَبُو عبيد: العِدَّان: الزَّمان. وَأنْشد قَول الفرزدق:
ككِسرى على عِدَّانه أَو كقيصرا
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال كَانَ ذَلِك فِي عِدّان شبابه وعِدَّان مُلكه، وَهُوَ أفضلُه وأكثرُه. قَالَ: واشتقاقه من أَن ذَلِك كَانَ مهيّأً مُعَدًّا.
قلت: وَأما العِدَّانُ الَّذِي هُوَ جمع عتود، فَهُوَ مفسَّر فِي أَبْوَاب الثلاثي الصَّحِيح من الْعين.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: العديدة: الحِصَّة، والعدائد: الحِصَص فِي قَول لبيد:
تطير عدائد الأشراك شفعاً
ووتراً والزعامةُ للغلامِ
قَالَ شمر: وَقيل العدائد الَّذين يعادُّ بعضُهم بَعْضًا فِي الْمِيرَاث. وأمّا قَول أبي دُوَاد فِي صفة الْفرس:
وطِمِرَّةٍ كِهراوة ال
أعزابِ لَيْسَ لَهَا عَدائدْ
فَمَعْنَاه لَيْسَ لَهَا نَظَائِر.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: العَدْعَدة: العَجَلة.
أَبُو الْعَبَّاس عَن عَمْرو عَن أَبِيه: العُدّ(1/69)
والعُدّة: البَثْر يخرج على وُجُوه المِلاَح، يُقَال قد استَمْكَتَ العُدّ فاقْبَحْه، أَي ابيضّ رَأسه من الْقَيْح فافضخه حَتَّى تمسح عَنهُ قيْحه.
وَقَالَ أَبُو العمثيل: العِداد: يَوْم الْعَطاء وَيَوْم العَرْض. وَأنْشد شمر لجهم بن سَبَل:
من الْبيض العقائل لم يقصِّر
بهَا الْآبَاء فِي يَوْم العِدادِ
قَالَ شمر: أَرَادَ فِي يَوْم الفخار ومعادّة بَعضهم بَعْضًا.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: يُقَال أتيتُ فلَانا فِي يَوْم عِدَاد، أَي يَوْم جُمُعَة أَو فِطر أَو عيد. وَالْعرب تَقول: مَا يأتينا فلانٌ إِلَّا عِدادَ الْقَمَر الثريا، وإلاَّ قِرانَ الثريا؛ أَي مَا يأتينا فِي السّنة إِلَّا مرّة.
وأنشدني الْمُنْذِرِيّ وَذكر أنَّ أَبَا الْهَيْثَم أنْشدهُ:
إِذا مَا قَارن القمرُ الثريا
لثالثةٍ فقد ذهبَ الشتاءُ
قَالَ أَبُو الْهَيْثَم: وَإِنَّمَا يقارن الْقَمَر الثريا ليلةَ ثالثةٍ من الهِلال، وَذَلِكَ أوّلَ الرّبيع وَآخر الشتَاء.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: يُقَال بِهِ عِدادٌ من اللَّمَم وَهُوَ شبه الْجُنُون يَأْخُذ الْإِنْسَان فِي أَوْقَات مَعْلُومَة.
وَقَالَ الأصمعيّ: يُقَال مَا نراكَ إلاّ عِدّةَ الثريا الْقَمَر، أَي فِي عِدّة نزُول الْقَمَر بِالثُّرَيَّا.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال للبغل عَدْ عَدْ، إِذا زجرتَه. قَالَ: وعَدَسْ مثله.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: العدعدة: صَوت القطا، وكأنّه حِكَايَة.
وَقَالَ طَرَفة:
أرى الْمَوْت أعدادَ النُّفُوس وَلَا أرى
بَعيدا غَدا مَا أقربَ اليومَ من غدِ
يَقُول: لكلّ إنسانٍ مِيتةٌ فَإِذا ذهبت النُّفُوس ذهبت مِيَتُهم كلُّها.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ} (البَقَرَة: 203) قَالَ الشَّافِعِي: المعدودات ثَلَاثَة أَيَّام بعد يَوْم النَّحر. ورُوي هَذَا عَن ابْن عَبَّاس، وَهُوَ قَول الضَّحّاك.
أَبُو الْهَيْثَم عَن ابْن بزرج: يُقَال فلانٌ إنّما يَأْتِي أَهله العَدَّة، وَهِي من الْعداد، أَن يَأْتِي أَهله فِي الشَّهْر والشهرين.
وَقَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله عزّ وَجل: {فِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ} (البَقَرَة: 203) قَالَ: هِيَ أَيَّام التَّشْرِيق. وَقَالَ الزّجّاج: كلُّ عددٍ قلّ أَو كثُر فَهُوَ مَعْدُود، وَلَكِن معدودات أدَلُّ على القِلّة؛ لِأَن كلَّ قَلِيل يجمع بِالْألف وَالتَّاء نَحْو دريهمات. وَقد يجوز أَن يَقع الْألف وَالتَّاء للتكثير.
دع: قَالَ الله جلّ وعزّ: {يَلْعَبُونَ يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ} (الطُّور: 13) قَالَ المفسِّرون وَهُوَ قَول أهل اللُّغة يدَعُّونَ: يدفَعون إِلَى نَار جهنَّم دفعا عنيفاً. والدّعُّ: الدفْع. وَقَالَ مُجَاهِد: {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ} قَالَ: دَفْراً فِي أقفيتهم. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الدَّفر: الدّفع.
وَكَذَلِكَ قَوْله: {بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِى يَدُعُّ الْيَتِيمَ} (المَاعون: 2) ، أَي يَعنُف بِهِ دفعا وانتهاراً.(1/70)
وَيُقَال: دعدعَ فلانٌ جفنتَه، إِذا ملأها من الثَّرِيد وَاللَّحم. ودعدَعَ السيلُ الواديَ. إِذا ملأَهُ. وَقَالَ لبيد:
فدعدعَا سُرَّة الرِّكاء كَمَا
دعدعَ ساقي الْأَعَاجِم الغَرَبا
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: الدَّعداع والدَّحداح: الرجل الْقصير.
وَقَالَ غَيره: الدعدعة: أَن يَقُول الرَّاعِي للمِعْزَى: داعْ داعْ، وداعٍ داعٍ، وَهُوَ زجرٌ لَهَا.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال لِلرَّاعِي: دُعْ دُعْ، إِذا أمرتَه بالنعيق بغنمه.
وَقَالَ غَيره: دَعدِعْ بهَا. وَمِنْه قَول الفرزدق:
دَعدِعْ بأعنُقِك التَّوائِم إنّني
فِي باذخ يَا ابنَ المراغة عالى
والدَّعدعة أَيْضا: أَن يَقُول الرجل للعاثر: دَعْ. وَمِنْه قَول رؤبة:
وإنْ هوَى العاثرُ قُلْنَا دعدَعا
قَالَ أَبُو سعيد: مَعْنَاهُ دع العِثار.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: إِذا دُعيَ للعاثر قيل لعاً لَك عَالِيا. وَمثله دَعْ دَعْ. وَأنْشد:
لحا الله قوما لم يَقُولُوا لعائرِ
وَلَا لِابْنِ عَمٍ ناله العَثْرُ دَعْ دَعَا
قلتُ: جعل لعاً ودَعْ دَعَا دُعاءً لَهُ بالانتعاش.
وروى ابْن هانىء عَن أبي زيد: دعدعتُ بالصبيّ دعدعة إِذا عثَر فَقلت لَهُ دع أَي ارتفعْ.
وَقَالَ اللَّيْث نحوَه، وَقَالَ: الدَّعدعة: أَن تَقول للعاثر: دَعْ دَعْ، أَي قُم وانتعش.
وَقَالَ شمْر فِي قَول رؤبة:
وَإِن هوى العاثر قُلْنَا دَعْ دَعَا
لَهُ وعالَينا بتنعيشٍ لَعَا
قَالَ: قَالَ الأصمعيّ: مَعْنَاهُ إِذا وقَع منا واقعٌ نَعَشْناه وَلم ندَعْه يَهلِك. قَالَ: وَقَالَ غَيرهمَا: دَعْ دَعَا، مَعْنَاهُ أَن يَقُول لَهُ: رفَعَك الله، وَهُوَ مثل لعاً.
وروى الشاه عَن المؤرّج بَيت طرفَة بِالدَّال:
وعذاريكم مقلّصة
فِي دُعَاع النّخل تصطرمه
وفسَّر الدّعاعَ مَا بَين النخلتين. وَهَكَذَا رَأَيْته بِخَط شِمر رِوَايَة عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: والدُّعاع: متفرّق النّخل. قَالَ: وَقَالَ أَبُو منجوف: الدُّعاع: النَّخل المتفرّق. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: مَا بَين النَّخْلَة إِلَى النَّخْلَة دُعاع.
قلتُ: وَرَوَاهُ بعضُهم: (فِي ذُعاع النّخل) بِالذَّالِ، أَي فِي متفرِّقه، من ذعذعت الشَّيْء، إِذا فرّقتَه.
وَقَالَ اللَّيْث: الدّعدعة: عَدْوٌ فِي التواءٍ وبُطء. وَأنْشد:
أسْقى على كلِّ قومٍ كَانَ سعيُهم
وسطَ الْعَشِيرَة سعياً غير دعداعِ
أَي غير بطيء. قَالَ: والدَّعدع: نبتٌ يكون فِيهِ ماءٌ فِي الصَّيف يَأْكُلهُ البقرُ. وَأنْشد:
رعَى القَسْوَرَ الجونيّ من حول أشمس
وَمن بطن سقمان الدعادع سِدْيَما(1/71)
يصف فحلاً. وَأنْشد شمر للطرمّاح، يصف امْرَأَة:
لم تعالج دمحقاً بائتاً
شُجِّ بالطخف لِلَدْم الدَّعاعْ
قَالَ: الطَّخْف: اللَّبن الحامض. واللَّدْم: اللَّعْق. والدَّعَاع: عِيَال الرجل الصغار. يُقَال أدعَّ الرجُلُ، إِذا كثر دَعاعُه.
قَالَ شِمر: والدُّعاع بِضَم الدَّال: حبُّ شَجَرَة برّيّة. وَأنْشد للطرمّاح أَيْضا:
أُجُد كالأتانِ لم ترتعِ الف
ثَّ وَلم ينْتَقل عَلَيْهَا الدُّعاعْ
والفَثُّ: حبُّ شَجَرَة برّيّة أَيْضا. والأتان: صَخْرَة المَاء.
وَقَالَ اللَّيْث: الدُّعاعة: حبّة سَوْدَاء يأكلها فُقَرَاء الْبَادِيَة إِذا أجدبوا. قَالَ: وَيُقَال لنملةٍ سَوْدَاء تشاكل هَذِه الحبّة دُعاعةٌ، والجميع دُعاع. ورجلٌ دَعّاع فثَّاثٌ؛ يجمع الدُّعاع والفَثَّ ليأكلهما.
قلت: هما حبّتان بريّتان إِذا جاعَ البدويّ فِي الْقَحْط دقّهما وعجنهما واختبزهما فأكلهما.
وَقَالَ اللَّيْث: الدعدعة: أَن تحرِّك مكيالاً أَو جُوالقاً أَو غير ذَلِك حَتَّى يكتنز. وَأنْشد للبيد:
المطمعون الجَفْنة المدعدَعه
دَعْد: من أَسمَاء الْعَرَب. وَقَالَ بعض الْأَعْرَاب: يُقَال لأمّ حُبَين: دعد.
قَالَ الأزهريّ: لَا أعرفهُ. وَحكى أَبُو الوزاع ذَلِك عَن بعض الْأَعْرَاب.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: قَالَ أعرابيٌّ: كم تدعُّ ليلتكم هَذِه من الشَّهْر؟ أَي كم تُبقى سواهَا. وَأنْشد:
لسنا لأضيافكم بالدُّعُع
(بَاب الْعين وَالتَّاء)
عت، تع: مستعملان.
عت: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: العُتْعُت: الجَدْي. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: يُقَال للشابّ الشَّديد القويّ عُتعُت. وَأنْشد:
لما رَأَتْهُ مُؤْدَناً عِظْيَرّا
قَالَت أريدُ العُتعُتَ الذِّفِرّا
فَلَا سَقَاهَا الوابلَ الجِوَرّا
إلهُها وَلَا وقَاها العَرّا
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: العَتُّ: غَطُّ الرجل بالْكلَام وغيرِه.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: وَمَا زلتُ أُعاتُّه وأُصاتُّه عِتاتاً وصِتاتاً، وَهِي الخُصومة. وَيُقَال عتّه عتّاً، إِذا ردَّ عَلَيْهِ قَوْله. وتعتَّت فِي الْكَلَام تعتُّتًّا، إِذا تردَّدَ فِيهِ.
عَمْرو عَن أَبِيه: العتعَت: الجَدْي، بِالْفَتْح.
وَقَالَ بن الأعرابيّ: هُوَ العُتعُت، والعُطعُط، والعَرِيض، والإمَّر، والهِلَّع، والطَّلِيّ، واليَعْر، واليَعْمور، والرَّعّام، والعرّام، والرغّام، واللَّسَّاد.
وَقَرَأَ ابْن مَسْعُود: (عَتَّى حِين) فِي مَوضِع: {عَنْهُمْ حَتَّى} (الصَّافات: 174) .(1/72)
تع: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: التَّعُّ: الاسترخاء. ورُوي عَن عَمْرو عَن أَبِيه أنّه قَالَ: التَّعتَع: الفأفاء، وَهُوَ التعتعة فِي الْكَلَام.
وَيُقَال تُعتِعَ فلانٌ، إِذا رُدَّ عَلَيْهِ قولهُ. وَلَا أَدْرِي مَا الَّذِي تعتعَه؟ وَقد تَعتَعَ البعيرُ وغيرُه، إِذا ساخَ فِي الخبارى أَو فِي وُعُوثة الرمال. وَقَالَ الشَّاعِر:
يُتعتع فِي الخَبار إِذا عَلاه
ويعثُر فِي الطَّرِيق الْمُسْتَقيم
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: تَعتَعْتُ الرجلَ وتلتلْتُه، وَهُوَ أَن تُقبِل بِهِ وتُدبر بِهِ وتعنفُ عَلَيْهِ فِي ذَلِك. وَهِي التعتعة والتلتلة.
(بَاب الْعين والظاء)
اسْتعْمل (من) وجهيه:
عظ: قَالَ يُونُس بن حبيب فِيمَا قَرَأت لَهُ بِخَط شِمر: يُقَال عظَّ فلانٌ فلَانا بِالْأَرْضِ، إِذا ألزقَه بهَا، فَهُوَ معظوظ بِالْأَرْضِ قَالَ: والعِظاظ شبه المِظَاظ، يُقَال عاظَّه وماظَّه عِظاظاً ومِظاظاً إِذا لاحاه ولاجّه.
وَقَالَ أَبُو سعيد: العِظاظ والعضاض وَاحِد، ولكنَّهم فرّقوا بَين اللَّفْظَيْنِ لمّا فرقوا من المعنَيين. وَيُقَال عضَّته الحُروب، وعظَّتْه بِمَعْنى وَاحِد.
عَمْرو عَن أَبِيه: عظعظَ فِي الْجَبَل، وعصعص وبَرْقَط، وبقَّط، وعتَّب، إِذا صعِد فِيهِ.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: المعظعِظ من السِّهَام: الَّذِي يضطرب إِذا رُمي بِهِ. وَأنْشد لرؤبة:
وعظعظَتْ سِهامُهم عِظعَاظا
وعظعظ الكلبُ، إِذا نكص عَن الصَّيد وحاد فِي الْقِتَال.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي فِي بَاب ادّعاء الرجل علما لَا يُحسِنه: يُقَال (لَا تَعظيني وتَعظعَظي) ، أَي لَا توصيني وأوصِي نفسَك. وَقيل معنى تعظعظي، أَي كُفّي وارتدعي عَن وعظك، إيّاي. وَقيل معنى تعظعظي، اتّعظي، أَصله من الْوَعْظ، نَقله إِلَى المضاعف.
(بَاب الْعين والذال)
اسْتعْمل من وجهيه:
ذع: قَالَ اللَّيْث: الذعذعة: التَّفْرِيق.
قلت: وَأَصله من بَاب ذاع يذيع، وأذعته أَنا، فَنقل إِلَى المكرر المضاعف، كَمَا يُقَال نخنخ بعيره فتنخنخ من الإناخة.
وَيُقَال ذعذع فلانٌ مالَه، إِذا بذّره. وذعذعت الرِّيحُ التُّرَاب، إِذا فرَّقته وذرَته وسَفَتْه، كلُّ ذَلِك مَعْنَاهُ وَاحِد وَقَالَ النَّابِغَة:
غَشِيتُ لَهَا منازلَ مُقْوِياتٍ
تذعذِعها مُذعذِعةٌ حَنونُ
ورجلٌ ذَعذاع، إِذا كَانَ مِذياعاً للسرِّ نمّاماً لَا يكتُم سرًّا.
وتذعذعَ شعرُه، إِذا تشعَّثَ وتمرَّط.
وَقَالَ بَعضهم: رجلٌ مُذعذَع، إِذا كَانَ دعيًّا.(1/73)
قلت: وَلم يَصحَّ فِي هَذَا الْحَرْف من جهةِ مَن يوثقْ بِهِ، وَالْمَعْرُوف بِهَذَا الْمَعْنى رجل مدغدغ. وقرأت بِخَط أبي الْهَيْثَم:
وعذاريكم مقلّصة
فِي ذُعاع النَّخلِ تجترمه
قَالَ أَبُو الْهَيْثَم: الرِّوَايَة (فِي ذُعاع النَّخل) . قَالَ: ودُعاع تَصْحِيف. قَالَ: والذَّعاع: الفِرَق، واحدتها ذَعاعة. قَالَ: والذَّعاع النَّخل المتفرّق. قَالَ: وَيُقَال الدُّعاع: مَا بَين النخلتين، بِضَم الدَّال.
(بَاب الْعين والثاء)
عث، ثع: مستعملان
عث: أَبُو عبيد: العَثعَث: الْكَثِيب من السهل، وَجمعه العثاعث. وَقَالَ رؤبة:
أقفرت الوعساءُ والعَثاعِثُ
وَقَالَ غَيره: يُقَال عثعثَ فلانٌ متاعَه وحثحثَه وبثبثه، إِذا بذَّره وفرَّقه.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أَحْمد بن يحيى أَنه قَالَ: العثعث الْفساد. قَالَ: وعثعثَ متاعَه، إِذا حرَّكه. قَالَ وذُكر لعليَ زمانٌ فَقَالَ: (ذَاك زمن العَثَاعث) ، أَي الشدائد.
وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : عثعثَ بِالْمَكَانِ وغثغث بِهِ، إِذا أَقَامَ بِهِ، بِالْعينِ والغين. وَيُقَال: أَطْعمنِي سَوِيقاً حُثًّا وعُثٌّ ا، إِذا كَانَ غير ملتوت بدسم.
والعُثُّ: السُّوس، الْوَاحِدَة عُثّة. وَقد عُثَّ الصُّوف، إِذا أكله العُثّ.
وَيُقَال للْمَرْأَة الزَّريّة: مَا هِيَ إلاّ عُثَّة.
وَقَالَ ابْن حبيب: العِثاث: رفع الصَّوت بالغِناء والترنُّمُ فِيهِ. يُقَال عَثَّثَ وعاثَّ عِثاثاً. وَقَالَ كثيّر يصف قوساً:
هتوفاً إِذا ذاقها النازعون
سَمِعتَ لَهَا بعد حَبضٍ عِثاثاً
وَقَالَ بعضُهم: هُوَ شبه ترنُّم الطَّست إِذا ضُرِب.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: العِثَاث: الأفاعي الَّتِي يَأْكُل بعضُها بَعْضًا فِي الجدب. وَيُقَال للحيّة: العَثَّاء والنكْزاء.
وَفِي (النَّوَادِر) : تعاثثت فلَانا وتعاللته. وَيُقَال اعتثه عِرقُ سَوء واغتثَّه عِرقُ سَوء، إِذا تعقّله عَن بُلُوغ الْخَيْر والشّرف.
ثع: رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنّ امْرَأَة أَتَتْهُ بولدٍ لَهَا فَقَالَت: إنّ ابْني هَذَا بِهِ جنونٌ يُصيبُه فِي الْأَوْقَات. فَمسح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صدرَه ودعا لَهُ فثعَّ ثَعَّةً فَخرج من جَوْفه جِرْوٌ أسودٌ يسعَى. قَالَ أَبُو عبيد: فَقَوله ثعَّ ثعةً أَي قاء قيئة. وَقد ثَعَعت يَا رجل.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ يُقَال: ثع يثعّ، وانثعّ ينثعّ، وهاع يَهَاع، وأتاع يُتيع، كلّ ذَلِك إِذا قاء.
قلت: وَقد جَاءَ هَذَا الْحَرْف فِي بَاب التَّاء وَالْعين من (كتاب اللَّيْث) ، وَهُوَ خطأ، وَصَوَابه بالثاء.
وَقَالَ المبرّد: الثعثعة والثغثغة: كلامٌ فِيهِ لُثغة.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن عَمرو عَن أَبِيه أَنه قَالَ الثَّعثَع: اللُّؤْلُؤ قَالَ: وَيُقَال لِلصَّدَف ثَعثَع، وللصوف الْأَحْمَر ثَعثع. قَالَ أَبُو(1/74)
عَمْرو: وَسَأَلت المبرّد عَنْهَا فروى عَن الْبَصرِيين نَحوا ممّا قَالَ ثَعْلَب وعَرَفه.
(بَاب الْعين وَالرَّاء)
عر، رع: مستعملان
عر: قَالَ الله جلّ وعزّ: {وَأَطْعِمُواْ الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} (الحَجّ: 36) قَالَ أهل اللُّغة وَهُوَ قَول أهل التَّفْسِير القانع: الَّذِي يسْأَل. والمعترُّ: الَّذِي يُطيف بك يطْلب مَا عنْدك سَأَلَك أَو سكت عَن السُّؤَال.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: قَالَ ابنُ الْأَعرَابِي: يُقَال عَرَوت فلَانا واعتريته، وعَررته واعتررته، إِذا أتيتَه تطلب معروفَه.
وَقَالَ: وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكمْ مِّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ} (الفَتْح: 25) قَالَ شَمِر: قَالَ عبد الله بن مُحَمَّد بن هانىء: المَعَرَّة: الْجِنَايَة كجناية العَرّ، وَهُوَ الجرب. وَأنْشد:
قل للفوارسِ من غَزِيّة إنّهم
عِنْد اللِّقَاء مَعرَّةُ الأبطالِ
قَالَ: وَقَالَ ابْن شُميل: يُقَال عَرَّه بشَرَ، أَي ظَلمه وسَبَّه وأخذَ مَاله.
وَقَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن يسَار: المَعَرَّة فِي تَفْسِير الْآيَة الغُرْم. يَقُول: لَوْلَا أَن تصيبوا مِنْهُم مُؤمنا بِغَيْر علم فتغرموا ديتَه، فأمّا إثمُه فإنّه لم يَخْشَه عَلَيْهِم.
وَقَالَ شمر: المَعَرَّة: الْأَذَى. ومَعرَّة الحبيش: أَن ينزلُوا بقومٍ فيأكلوا من زُرُوعهمْ شَيْئا بِغَيْر علم، وَهُوَ الَّذِي أَرَادَهُ عمر بقوله: (اللَّهم إنّي أَبْرَأ إِلَيْك من مَعرَّة الْجَيْش) .
فأمّا قَول الله جلّ وعزّ: {مَحِلَّهُ وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكمْ مِّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ} (الفَتْح: 25) فالمعرة الَّتِي كَانَت تصيب الْمُؤمنِينَ أَنهم لَو كبسوا أهل مكّة، وَبَين ظهرانيهم قومٌ مُؤمنُونَ لم يتميَّزوا من الْكفَّار، لم يأمنوا أَن يطؤوا الْمُؤمنِينَ بِغَيْر علم فيقتلوهم فتلزمهم دياتهم، وتلحقهم سُبَّةٌ بأنَّهم قتلوا مَن هم على دينهم إِذْ كَانُوا مختلطين بهم. يَقُول الله: لَو تميَّز الْمُؤْمِنُونَ من الْكفَّار لسلَّطناكم عَلَيْهِم وعذّبناهم عذَابا أَلِيمًا. فَهَذِهِ المعرّة الَّتِي صانَ الله الْمُؤمنِينَ عَنْهَا، وَهِي غُرم الدِّيات ومَسَبّة الكُفّار إيَّاهُم.
وَأما مَعرَّة الْجَيْش الَّتِي تبرَّأ عمر مِنْهَا، فَهِيَ وطأتهم مَن مَرُّوا بِهِ من مُسلم أَو مُعاهَد، وإصابتهم إيَّاهُم فِي حريمهم وَأَمْوَالهمْ ومزارعهم بِمَا لم يؤذَنْ لَهُم فِيهِ.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أنّه قَالَ: المعَرَّة الشدّة. والمعرّة: كوكبٌ فِي السَّمَاء دون المجرَّة. والمعرَّة: الدِّيَة. والمَعرَّة: قتال الْجَيْش دون إِذن الْأَمِير. والمعرّة: تلوُّن الْوَجْه من الْغَضَب.
قلت: روى أَبُو العبّاس هَذَا الْحَرْف بتَشْديد الرَّاء. فَإِن كَانَ من تمعَّر وجهُه أَي تغيّرَ فَلَا تَشْدِيد فِيهِ. وَإِن كَانَ مفعلة من العَرّ فَهِيَ مشدّدة كأخواتها.
وَفِي حَدِيث حَاطِب بن أبي بَلتَعة أنّه لمَّا كتب إِلَى أهل مَكَّة كتابَه يُنذرهم أمْرَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أطلعَ الله عزّ وجلّ رسولَه على الْكتاب، فَلَمَّا عُوتِب حاطبٌ فِيمَا كتب قَالَ: (كنتُ رجلا عريراً فِي أهل مَكَّة،(1/75)
فأحببتُ أَن أتقرّب إِلَيْهِم ليحفظوني فِي عيالاتي عِنْدهم) . أَرَادَ بقوله (كنت فيهم عريراً) أَي غَرِيبا مجاوراً لَهُم، وَلم أك من صميمهم وَلَا لي فيهم شُبكة رحم. والعرير فعيل بِمَعْنى فَاعل، وَأَصله من قَوْلك عررته عَرًّا فَأَنا عارٌّ وعرير، إِذا أتيتَه تطلب معروفه. واعتررته بِمَعْنَاهُ.
وَفِي حَدِيث سَلمان الفارسيّ أَنه (كَانَ إِذا تعارَّ من اللَّيْل قَالَ: سبحانَ ربِّ النبيِّين) قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الكسائيّ: تعارّ، إِذا اسْتَيْقَظَ. يُقَال تعارّ يتَعارُّ تَعَارًّا، إِذا اسْتَيْقَظَ من نَومه. قَالَ: وَلَا أَحسب يكون ذَلِك إِلَّا مَعَ كَلَام.
قَالَ أَبُو عبيد: وَكَانَ بعض أهل الْعلم يَجعله مأخوذاً من عِرار الظليم، وَهُوَ صَوته. وَلَا أَدْرِي أهوَ من ذَلِك أم لَا.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: يُقَال عَرَّ الظَّليم يَعِرُّ عِراراً. وَقَالَ أَبُو الجرَّاح: عارّ الظليم يُعارّ عِراراً، وزمرت النعامة زِماراً.
وَفِي حَدِيث أبي بكر أَنه أعطي سَيْفا محلًّى، فَنزع عمرُ الحليةَ وَأَتَاهُ بهَا وَقَالَ: (أَتَيْتُك بِهَذَا لما يَعْرُرُك من أُمُور النَّاس) . قَالَ أَبُو عبيد: أُراه: لما يَعرُوك، أَي لما يَأْتِيك. وَلَو كَانَ من العَرّ لقَالَ: لما يعرُّك.
قلت: عرّه وعَرَاه بِمَعْنى وَاحِد، إِذا أَتَاهُ. وَقَالَ ابْن أَحْمَر:
ترعى القطاةُ الخمِسَ قَفُّورَها
ثمَّ تعرُّ الماءَ فِيمَن يعُرّ
أَي تَأتي الماءَ وتَردُه.
وَفِي حَدِيث سعد أَنه (كَانَ يدمُل أرضَه بالعُرَّة وَيَقُول: مِكتَل عُرّةٍ مِكتَل بُر) . قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الأصمعيّ: أَرَادَ بالعُرّة عذِرَةَ النَّاس. قَالَ: وَمِنْه قيل: عرَّ فلانٌ قومَه بشَرَ إِذا لطَخهم بِهِ. قَالَ أَبُو عبيدِ: وَقد يكون عرَّهم بشرَ من العَرّ، وَهُوَ الجرب، أَي أعداهم شرُّه. وَقَالَ الأخطل:
ونَعررْ بقومٍ عَرّةً يكرهونها
ونحيا جَمِيعًا أَو نموت فنقتلُ
وَيُقَال: لقيتُ مِنْهُ شَرًّا وعَرًّا، وَأَنت شرٌّ مِنْهُ وأعرّ.
أَبو عبيد عَن الأمويّ: العَرّ: الجرَب. يُقَال عَرَّت الإبلُ تَعِرُّ عرًّا فَهِيَ عارّة. قَالَ: والعَرُّ: قَرح يخرج مِن أَعْنَاق الفُصلان، يُقَال قد عُرَّتْ فَهِيَ معرورة.
قَالَ أَبُو عبيد: وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: كلُّ شيءٍ بَاء بشيءٍ فَهُوَ لَهُ عَرار. وَأنْشد قَول الأعشَى:
فقد كَانَ لَهُم عَرار
وَمن أَمْثَال الْعَرَب: (باءت عَرارِ بكَحْلٍ) و (عَرَارِ بكَحْلَ) غير مُجْرًى. وَأنْشد ابْن حبيب فِيمَن أَجْرى:
باءت عرار بكحلٍ والرِّفاقُ مَعًا
فَلَا تمنَّوْا أمانيَّ الأضاليلِ
قَالَ: وكحل وعرار: ثَوْر وبقرة كَانَا فِي سِبْطينِ من بني إِسْرَائِيل فعُقِر كحل وعقرت بِهِ عرارِ، فوقعتْ حربٌ بَينهمَا حتَّى تفانَوا، فضُرِبا مثلا فِي التَّسَاوِي. وَقَالَ الآخر:(1/76)
باءت عرارِ بكَحْلَ فِيمَا بَيْننَا
والحقُّ يعرفُه ذَوُو الْأَلْبَاب
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: يُقَال تزوّج فلانٌ فِي عرارة نساءٍ يلدن الذُّكور وَفِي شَرِيّةِ نساءٍ يلدن الْإِنَاث.
وَقَالَ أَبُو عبيد: العَرارة: الشدّة. وَأنْشد قولَ الأخطل:
إنّ العرارةَ والنُّبوحَ لدارمٍ
والمستخِفُّ أخوهم الأثقالا
قَالَ: وَقَالَ الأصمعيّ: العَرار: بهَار البَرّ.
قلت: الْوَاحِدَة عَرارة، وَهِي الحَنْوة الَّتِي يتيمَّن الْعَجم من الفُرس بهَا. وأُرى أنّ فرس كلحبة اليربوعيّ سمِّيت العرارة بهَا. وَهُوَ الْقَائِل:
يسائلني بَنو جُشَمَ بنِ بكر
أغرَّاء العرَارةُ أم بهيمُ
وَقَالَ بعضُهم: العرارة: الجرادة، وَبهَا سمِّيت الْفرس. وَقَالَ بشر:
عرارةَ هَبْوةٍ فِيهَا اصفرار
والعُرَّة: الأُبْنة فِي الْعَصَا، وَجَمعهَا عُرَر.
وَقَالَ اللَّيْث: حمارٌ أعرُّ، إِذا كَانَ السِّمَن مِنْهُ فِي صَدره وعنقه أكثرَ مِنْهُ فِي سَائِر خَلْقه.
قَالَ: والعَرّ والعَرَّة، والعَرار والعَرارة: الْغُلَام والجاريةُ المُعْجَلانِ عَن الْفِطَام. والمعرور: المقرور. ورجلٌ معْرور: أَتَاهُ مَا لَا قِوام لَهُ مَعَه. وعُرعرة الْجَبَل: أَعْلَاهُ. وعُرعُرة السَّنام: غاربه. وعُراعر الْقَوْم: ساداتهم، أُخِذ من عُرعرة الْجَبَل وَقَالَ المهَلهِل:
خَلَعَ الملوكَ وَسَار تَحت لوائه
شجرُ العُرَى وعَراعرُ الأقوامِ
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الأصمعيّ: عُرعرة الْجَبَل: غلظه ومعظمه. قَالَ: وَكتب يحيى بن يعمر إِلَى الحجّاج: (إِنَّا نزلنَا بعُرعرة الْجَبَل والعدوُّ بحضيضه) . فعرعرته: غِلظه وحَضيضُه: أصلُه.
قَالَ أَبُو عبيد: وَمن عُيوب الْإِبِل العَرَر، وَهُوَ قِصَر السَّنام يُقَال بعيرٌ أعرّ وناقة عرّاء.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: العَرعَر: شجرٌ يُقَال لَهُ السَّاسَم، وَيُقَال لَهُ الشَّيزَى. وَيُقَال هُوَ شجرٌ يُعمَل مِنْهُ القطران.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: عَرعارِ: لُعبةٌ لصبيان الْأَعْرَاب. قَالَ الْكُمَيْت:
وبلدةٍ لَا ينَال الذئبُ أفرخَها
وَلَا وَحَى الوِلْدِة الداعِينَ عَرعارِ
أَي لَيْسَ بهَا ذئبٌ لبُعدها عَن الناسِ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال عرعرت القارورةَ، إِذا نزعتَ مِنْهَا سِدَادَها. وَيُقَال ذَلِك إِذا سددتها. وَيُقَال عَرعَرَتُها: سِدادها. قَالَ: وعُرعُرتها: وكاؤها.
وعُرعُرة الْإِنْسَان: جلد رَأسه.
قَالَ الأصمعيّ: يُقَال لِلْجَارِيَةِ الْعَذْرَاء عرّاء. وَقَالَ أَبُو عَمْرو فِي قَول الشَّاعِر يذكر امْرَأَة:
وركبَتْ صَومَها وعُرعُرَها
أَي سَاءَ خلقهَا وَقَالَ غَيره: مَعْنَاهُ أنّها ركبت القَذِر من أفعالها. وَأَرَادَ بعرعرتها(1/77)
عُرّتها. وَكَذَلِكَ الصَّوم عُرَّة النعام.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: يُقَال فِي مثل: (عُرَّ فقرَه بِفِيهِ لعلَّه يُلهيه) . يَقُول: خَلِّه وغَيَّه إِذا لم يُطِعْك فِي الْإِرْشَاد فلعلَّه أَن يَقع فِي هَلكة تُلهيه عَنْك وتشغله. وَقَالَ قيس بن زُهَيْر:
يَا قَومنَا لَا تعرُّونا بداهية
يَا قَومنَا واذْكُرُوا الْآبَاء والقُدَما
وَقَالَ ابنُ الأعرابيّ: يُقَال عُرّ فلانٌ، إِذا لقّب بلقبٍ يعرُّه.
قَالَ: وعَرَّ، إِذا نقصَ، وعَرَّه يعُرُّه، إِذا لقَّبه بِمَا يَشينُه. وعَرّ يعُرُّ، إِذا صادفَ نوبتَه من المَاء وَغَيره.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: العُرَّى: المَعِيهة من النِّسَاء.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: العَرَّة: الخَلَّة القبيحة. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: العِرار الْقِتَال، يُقَال عاررتُه إِذا قاتلتَه.
رع: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الرَّعّ السّكُون.
وَقَالَ أَبُو عبيد: المترعرِع هُوَ المتحرِّك.
قلت: وسمعتُ العربَ تَقول للقصَب الرَّطب إِذا طَال فِي منبته: قَصَبٌ رعراع. وَمِنْه قيل للغلام الَّذِي شبَّ وامتدّت قامته: رعراعٌ ورَعْرَع، والجميع رَعارع. وَمِنْه قَول لبيد:
ألاَ إنَّ إخوانَ الشَّباب الرَّعارعُ
وَيُقَال رعرعَ الفارسُ دابّتَه، إِذا كَانَ ريّضاً فركِبه ليروضَه ويُذلَّه. وَقَالَ أَبُو وَجْزة السعديّ:
تَرِعاً يرعرعه الغلامُ كأنّه
صَدَعٌ يُنَازع هِزَّةً ومِراحا
وَقَالَ شِمر فِيمَا قَرَأت بخطِّه: الرَّعاع كالرَّجاج من النَّاس، وهم الرُّذَالُ والضُّعفاء، وهم الَّذين إِذا فزِعوا طاروا. قَالَ: وَقَالَ أَبُو العميثل: يُقَال للنعامة رَعَاعة، لِأَنَّهَا كأنّها أبدا منخوبة فزعة.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: الرعرعة: اضْطِرَاب المَاء الصافي الرَّقيق على الأَرْض، وَمِنْه قيل غلامٌ رعرَع. قَالَ: وَيُقَال ترعرعت سِنُّه وتزعزعت، إِذا نَغَضت.
(بَاب الْعين وَاللَّام)
عل، لع: مستعملان
عل: قَالَ أَبُو زيد فِي كتاب (النَّوَادِر) : يُقَال هما أَخَوان من عَلّة، وهما ابْنا عَلّةٍ، إِذا كَانَت أُمَّاتهما شتّى وَالْأَب وَاحِد وهم بَنو العَلاَّت، وهم من عَلاَّت، وهم إخوةٌ من عَلَّةٍ وعَلاَّتٍ. كلُّ هَذَا من كَلَامهم. وَنحن أخَوَانِ من عَلّة، وَهُوَ أخي من عَلّة: من ضَرّتين، وَلم يَقُولُوا من ضَرّة. والعَلّة: الرابَّة. وَبَنُو العَلاَّت: بَنو رجلٍ واحدٍ من أُمَّهاتٍ شتّى.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: هم بَنو عَلّةٍ وَأَوْلَاد عَلّة. وَقَالَ أَوْس بن حَجَر:
وهمْ لمقلِّ المَال أولادُ عَلّةٍ
وَإِن كَانَ مَحْضا فِي العمومة مُخْوَلا
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: تعلَّلتُ بِالْمَرْأَةِ تعلُّلاً، أَي لهوتُ بهَا. وَيُقَال علَّلَنا فلانٌ بأغانيهِ، إِذا غنّاهم بأغنيّة بعد أُخْرَى.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: العليلة: الْمَرْأَة المطيَّبة(1/78)
طيبا بعد طِيب. قَالَ: وَمِنْه قَول امرىء الْقَيْس:
وَلَا تُبعِدِيني من جَنَاكِ المُعلَّلِ
أَي المطيَّب مرّة بعد أُخْرَى. وَمن رَوَاهُ (المعلِّل) فَهُوَ الَّذِي يعلِّل مُترشِّفه بالريق.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: المعلِّل: المُعِين بالبرّ بعد البرّ. قَالَ: والمعلِّل: دَافع جابي الخَراج بالعِلل.
وَفِي الحَدِيث: (يتوارث بَنو الْأَعْيَان من الْأَخَوَات دون بني العَلاّت) ، أَي يتوارث بَنو الْإِخْوَة للْأَب والأمّ دون الْإِخْوَة للْأَب.
والعِلال هُوَ الْحَلب قبل استيجاب الضَّرع للحلب بِكَثْرَة اللَّبن.
وَقَالَ بعض الْأَعْرَاب فِيهِ:
العَنز تعلم أنّى لَا أكرّمها
عَن العِلالِ وَلَا عَن قِدر أضيافي
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: العُلالة والعُراكة والدُّلاكة: مَا حلبتَه قبل الفِيقة الأولى وَقبل أَن تَجْتَمِع الثَّانِيَة. وَيُقَال لأوّل جري الْفرس بُداهتُه، وللذي يكون بعده عُلالته. وَقَالَ الْأَعْشَى:
إلاّ عُلالةَ أَو بُدا
هةَ سابحٍ نهد الجُزاره
علَّ ولعلَّ حرفان وُضِعا للترجّي فِي قَول النحويّين. وأثبِتَ عَن ابْن الأنباريّ أَنه قَالَ: لعلّ يكون ترجياً، وَيكون بِمَعْنى كي، وَيكون ظنّاً كَقَوْلِك: لعلّي أحجّ العامَ، مَعْنَاهُ أظنُّني سأحجّ. وَيكون بِمَعْنى عَسَى لَعَلَّ عبد الله يقوم مَعْنَاهُ عَسى عبد الله. وَيكون بِمَعْنى الِاسْتِفْهَام كَقَوْلِك: لعلَّك تَشْتمنِي فأعاقبَك، مَعْنَاهُ هَل تَشْتمنِي؟
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن الْحُسَيْن بن فهم أنّ مُحَمَّد بن سلاّم أخبرهُ عَن يُونُس أَنه سَأَلَهُ عَن قَول الله تَعَالَى: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ} (الْكَهْف: 6) ، و {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ} (هود: 12) قَالَ: مَعْنَاهُ كأنّك فَاعل ذَلِك إِن لم يُؤمنُوا. قَالَ: ولعلّ لَهَا مَوَاضِع فِي كَلَام الْعَرَب، من ذَلِك قَوْله: {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (النُّور: 27) و {وُوِلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} (طاه: 113) و {وُوِلَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ} (طاه: 44) قَالَ: مَعْنَاهُ كي تَذكرُوا، وكي يتقوا، كَقَوْلِك: ابعثْ إليّ بدابّتك لعلّي أركبها، بِمَعْنى كي.
قَالَ: وَتقول انطلقْ بِنَا لعلّنا نتحدّث، أَي كي نتحدّث.
الحرّاني عَن ابْن السّكيت: فِي لعلّ لُغَات، يَقُول بعض الْعَرَب لعلّي، وَبَعْضهمْ لعلّني، وَبَعْضهمْ لعَنِّي، وَبَعْضهمْ عَلِّي، وَبَعْضهمْ علَّني، وَبَعْضهمْ لأنّي، وَبَعْضهمْ لأنّني، وَبَعْضهمْ لوَنَّني. وَقَالَ العجاج حاكياً قَول ابْنَته:
يَا أبتا عَلَّكَ أَو عساكا
وَيُقَال: تعاللتُ نَفسِي وتلوَّمْتها، أَي استزدتها.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: إِذا وَردت الإبلُ الماءَ فالسَّقْية الأولى النَّهَل، وَالثَّانيَِة العَلَل.
قلت: وسمعتُ الْعَرَب تَقول: عَلَّت الْإِبِل تَعِلّ، إِذا شربت الشربة الثَّانِيَة، وَقد عللتُها أَنا أعُلُّها، بِضَم الْعين.(1/79)
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: علّ الرجلُ يَعِلُّ من الْمَرَض، وعلّ يعِلّ ويَعُلُّ من عَلَل الشَّراب. وَقد اعتلَّ العليل عِلَّةً صعبة.
وَقَالَ أَبُو عبيد: يُقَال عرضَ عليَّ سَومَ عالَّةٍ، إِذا عرضَ عَلَيْك الطّعامَ وَأَنت مُستغنٍ عَنهُ، وَهُوَ كَقَوْلِهِم: عَرْضَ سابِرِيَ.
أَبُو عبيد: العَلُّ: الْكَبِير المُسِنّ. والعَلُّ: القُراد. وَالْجمع أعلال. قَالَه الأصمعيّ، قَالَ: وَبِه شبِّه الرجل الضَّعِيف، فَيُقَال كأنّه عَلّ.
أَبُو عبيد عَن أبي عُبَيْدَة: اليعلول: الْمَطَر بعد الْمَطَر، وَجمعه اليعاليل. قَالَ: واليعاليل أَيْضا: حَباب المَاء. قَالَ: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: اليعلول: غَدِير أَبيض مطّرد. قَالَ: وَهُوَ السَّحاب المطَّرد أَيْضا.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: العُلعُل: اسْم ذكر الرجُل. والعُلعل: ذكر القَنَابر. والعُلعُل: طرف الضِّلع الَّتِي تُشرف على الرَّهابة وَهِي طرف الْمعدة. قَالَ: ويُجمع العلعلُ مِنْهَا كلهَا على عُلُل وعَلالل. قَالَ: والعُلُل أَيْضا: جمع العَلول، وَهُوَ مَا يعلَّل بِهِ الْمَرِيض من الطَّعَام الْخَفِيف، فَإِذا قوِيَ أكله فَهُوَ الغُلُل جمع غَلول.
وَقَالَ اللِّحياني: عاللت الناقةَ عِلالاً، إِذا حلبتَها صباحاً وَمَسَاء وَنصف النَّهَار وَقَالَ أَبُو زيد: العُلالة: أَن تحلب النَّاقة أوّلَ النَّهَار وآخرَه وتحلب وسط النَّهَار، فَتلك الحلبة الْوُسْطَى هِيَ العُلالة، وَقد يُدعَى كلُّهن عُلالة.
وَقَالَ الْفراء: يُقَال إِنَّه لفي عُلعُولِ شرَ وزُلزُول شَرّ، أَي فِي قتال واضطراب. وَقَالَ أَبُو سعيد: تَقول الْعَرَب: أَنا عَلاَّنُ بأرضِ كَذَا كَذَا، أَي جَاهِل.
قَالَ: وَامْرَأَة علاّنة: جاهلة. قَالَ: وَهِي لُغَة مَعْرُوفَة.
قلت: لَا أعرف هَذَا الْحَرْف وَلَا أَدْرِي من رَوَاهُ عَن أبي سعيد.
وَقَالَ الْفراء: الْعَرَب تَقول للعاثر: لعاً لَك وَتقول عَلْ ولَعَلْ، وعَلَّك ولعلَّك وَاحِد. وَقَالَ الفرزدق:
إِذا عثَرت بِي قلت عَلّكِ وانْتهى
إِلَى بَاب أَبْوَاب الْوَلِيد كلالُها
وَأنْشد أَيْضا:
فهنّ على أكتافهم ورماحهم
يقلن لمن أدركن تَعْساً وَلَا لَعَلْ
قلت: شُدِّدت اللَّام فِي قَوْلهم عَلَّكِ لأَنهم أَرَادوا عَلْ لَك. وَكَذَلِكَ لعلَّك إِنَّمَا هُوَ لَعَلْ لَك.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال للبعير ذِي السَّنامين: يَعلول، وقِرعَوْس، وعُصفوريّ.
لع: أَبُو عبيد عَن أبي زيد: لعلع فلانٌ عظمَ فلانٍ، إِذا كَسره. قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو: فلَان يتلعلع من الْجُوع والعطش، أَي يتضوّر.
واللَّعلَع: السراب. ولعلعتُه: بصيصُه. ولَعلَعٌ: مَاء فِي الْبَادِيَة مَعْرُوف، وَقد وردتُه.
أَبُو عبيد عَن الْفراء: اللُّعَاع: أوّل النبت، وَقد ألعَّتْ الأرضُ.(1/80)
سلمةُ عَن الفرّاء: خرجنَا نتلعَّى، أَي نَأْكُل اللُّعاع. كَانَ ذَلِك فِي الأَصْل نتلعَّع فكثرت العَيناتُ فقلبت إحداهَا يَاء، كَمَا قَالُوا تظنّيت من الظنّ.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: عسلٌ متلعِّع، وَهُوَ الَّذِي إِذا رفعتَه امتدَّ مَعَك فَلم يتقطَّع للزُوجته. قَالَ: واللُّعاعة: كل نباتٍ ليّن من أَحْرَار الْبُقُول فِيهِ مَاء كثير لزِج. وَيُقَال لَهُ النّعاعة أَيْضا. وَأنْشد:
كادَ اللُّعاع من الحَوذانِ يَسحَطُها
ورِجرِجٌ بَين لَحييها خَناطيلُ
وَقَالَ اللَّيْث: امرأةٌ لَعَّة: مليحة عفيفة. ورجلٌ لعَّاعة يتكلَّف الألحانَ من غير صَوَاب. وَرُوِيَ عَن المؤرِّج أَنه قَالَ: اللعلاع: الجبان.
وَقَالَ أَبُو الْحسن اللِّحياني: فِي الْإِنَاء لُعاعة، أَي جِزعة من الشَّرَاب.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: ببلدِ بني فلانٍ لُعاعةٌ حَسَنَة، ونُعاعةٌ حَسَنَة، وَهُوَ نبتٌ ناعم فِي أوّل مَا ينْبت. وَمِنْه قيل: (إنّما الدُّنيا لُعاعة) .
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: اللُّعَاعة: الهِندِبَاء، يمدّ وَيقصر. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: اللُّعاعة: الْكلأ الْخَفِيف، رُعي أَو لم يُرْعَ.
(بَاب الْعين وَالنُّون)
عَن، نع: مستعملان
عَن: أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْعَبَّاس عَن سَلمَة عَن الْفراء أَنه قَالَ: العَنّة والعُنّة: الِاعْتِرَاض بالفضول. قَالَ: وشاركه شِركة عنان، أَي فِي شيءٍ عنّ لَهما، أَي عرض.
الحرانيّ عَن ابْن السّكيت: يُقَال شَاركهُ شِركة عنان، وَذَلِكَ إِذا اشْتَركَا فِي مالٍ مَعْلُوم وبانَ كلُّ واحدٍ مِنْهُمَا بِسَائِر مَاله دونَ صَاحبه، وكأنّ أَصله أنَّه عنّ لَهما شيءٌ فاشتركا فِيهِ، أَي عَرَض.
قَالَ: وشاركه شِركة مُفَاوَضَة، وَذَلِكَ أَن يكون مالُهما جَمِيعًا من كلّ شيءٍ يملكانه بَينهمَا.
وَقَالَ غَيره: سمِّيت شركَة الْعَنَان عناناً لمعارضة كل واحدٍ مِنْهُمَا صَاحبه بمالٍ مثل مَال صَاحبه، وعَملٍ فِيهِ مثلِ عمله بيعا وَشِرَاء. يُقَال عانّه عِناناً ومُعانّةً، كَمَا يُقَال عَارضه يُعَارضهُ عِراضاً ومعارضة.
والعَنن: الِاعْتِرَاض، اسمٌ من عَنّ. قَالَ ابْن حلِّزة:
عَنناً بَاطِلا وظلماً كَمَا تُع
تَرَ عَن حَجرة الربيض الظباءُ
وسمِّي عِنانُ اللجام عناناً لاعتراض سَيْرَيه على صفحتي عنق الدّابة عَن يَمِينه وشماله.
قلت: والشِّركة شركتان: شركَة الْعَنَان وَشركَة الْمُفَاوضَة. فأمّا شِركة العِنَان فَهُوَ أَن يُحضر كلُّ واحدٍ من الشَّرِيكَيْنِ دَنَانِير أَو دَرَاهِم مثل مَا يُخرج الآخر وَيخلطانها وَيَأْذَن كلُّ واحدٍ مِنْهُمَا لصَاحبه بأنْ يتّجر فِيهِ، وَلم يخْتَلف الْفُقَهَاء فِي جَوَاز هَذِه الشّركَة وأنهما إنْ ربحا فِيمَا تجَرا فِيهِ(1/81)
فَالرِّبْح بَينهمَا، وَإِن وُضِعا فعلى رُؤُوس أموالهما. وَأما شركَة الْمُفَاوضَة فَأن يشتركا فِي كل شيءٍ يملكانه أَو يستفيدانه من بعد. وَهَذِه الشّركَة عِنْد الشَّافِعِيَّة بَاطِلَة.
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: أعننت اللجامَ، إِذا علمتَ لَهُ عِناناً.
وَقَالَ يَعْقُوب بن السّكيت: قَالَ الْأَصْمَعِي: أعننت الْفرس وعَنَنته، بِالْألف وَغير الْألف، إِذا عمِلت لَهُ عناناً، وَأهل الْعرَاق يَقُولُونَ: أعَنَّ الفارسُ، إِذا شدَّ عنانَ دابّته إِلَيْهِ ليَثنِيَه عَن السّير، فَهُوَ مُعِنَّ وعَنَّ دابّته عَنًّا: جعل لَهَا عِنانا. وَجمع العِنان أعِنّة.
والعَنُون من الدوابّ: الَّتِي تُباري فِي سَيرهَا الدوابَّ فتقدُمها. قَالَ النَّابِغَة
كأنّ الرحلَ شُدَّ بِهِ خَذوفٌ
من الجَونات هاديةٌ عَنونُ
والخَذوف: السَّمينة من حُمر الْوَحْش.
وَفِي حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود أَنه قَالَ: (وَكَانَ رجلٌ فِي أرضٍ لَهُ إذْ مرّت بِهِ عَنَانةٌ تَرَهْيَأُ) . قَالَ أَبُو عبيد: العَنانة: السحابة، وَجَمعهَا عَنانٌ. قَالَ: وَفِي بعض الحَدِيث: (لَو بلغَتْ خطيئتُه عَنَان السَّحاب) . وَرَوَاهُ بَعضهم: (أعنانَ السَّمَاء) . فَإِن كَانَ الْمَحْفُوظ أعنانَ السَّمَاء فَهِيَ النَّواحي. وأعنان كلّ شيءٍ: نواحيه، قَالَه يُونُس النحويّ، الواحدُ عَنٌّ وَمِنْه يُقَال: أخذَ فِي كلِّ عَنّ وسَنَ وفَنَ.
وَقَالَ اللَّيْث: عَنان السَّمَاء: مَا عنَّ لَك مِنْهَا إِذا نظرتَ إِلَيْهَا، أَي مَا بدا لَك مِنْهَا. وَأما قَوْله:
جَرَى فِي عَنانِ الشِّعريينِ الأماعزُ
فَمَعْنَاه جرى فِي عِراضها سَرابُ الأماعز حِين يشتدُّ الحرُّ.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: يُقَال عَنَّ الرجلُ يعِنُّ عَنًّا وعنناً، إِذا اعترضَ لَك من أحد جانبيك من عنْ يَمِينك أَو من عَن شمالك بمكروه.
قَالَ: والعَنّ المصدَر، والعَنَن اسْم، وَهُوَ الْموضع الَّذِي يَعِنّ فِيهِ العانّ.
قَالَ: وسمِّي العِنان من اللجام عِناناً لِأَنَّهُ يعترضُه من ناحيتيه وَلَا يدْخل فمَه مِنْهُ شَيْء.
قَالَ: وسمِّي عُنوان الْكتاب عنواناً لِأَنَّهُ يعِنُّ لَهُ من ناحيتيه. قَالَ: وَأَصله عُنَّان، فَلَمَّا كثرت النونات قلبت إِحْدَاهَا واواً. قَالَ: وَمن قَالَ عُلوان جعل النونَ لاماً؛ لأنّها أخفّ وَأظْهر من النُّون.
قَالَ: وَيُقَال للرجل الَّذِي لَا يصرِّح بالشَّيْء بل يعرِّض: قد جعل كَذَا وَكَذَا عنواناً لِحَاجَتِهِ. وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
وتعرف فِي عنوانها بعضَ لحنها
وَفِي جوفها صمعاء تحكي الدَّواهيا
قَالَ: وكلَّما استدللت بِشَيْء تُظْهِره على غَيره فَهُوَ عنوانٌ لَهُ. وَقَالَ حسان بن ثَابت يرثي عُثْمَان ح:
ضحَّوا بأشمطَ عُنوانُ السُّجودِ بِهِ
يقطِّع اللَّيْل تسبيحاً وقرآنا
قَالَ: وَيُقَال للحظيرة من الشّجر يحظَّر بهَا على الْغنم وَالْإِبِل فِي الشتَاء للتتذرى بهَا(1/82)
من برد الشَّمَال عُنّة. وَجَمعهَا عُنَنٌ وعِنان، مثل قُبّة وقباب.
قَالَ: وسمِّي العِنِّينُ عِنّيناً لِأَنَّهُ يعنّ ذكرهُ لقبل المرأةِ من عَن يَمِينه وَعَن شِمَاله فَلَا يَقْصِدهُ.
قَالَ: وعَنَنتُ الكتابَ، وعَنَّنته، وعلونتُه بِمَعْنى وَاحِد.
أَبُو عبيد عَن الأمويّ: امْرَأَة عِنّينة، وَهِي الَّتِي لَا تُرِيدُ الرِّجَال. قَالَ أَبُو عبيد: وَقَالَ الْأَحْمَر: عنونت الْكتاب وعنّنته.
وَقَالَ اللِّحياني: عنّنت الْكتاب تعنيناً، وعنَّيتُه تعنيةً، إِذا عنونته.
وَقَالَ غَيره: فلانٌ عَنّانٌ على آنف الْقَوْم، إِذا كَانَ سباقاً لَهُم. وفلانٌ عنّانٌ عَن الْخَيْر وخَنَّاسٌ وكزَّام، أَي بطيءٌ عَنهُ.
وعنعنة بني تَمِيم: إبدالهم الْهمزَة عينا، كَمَا قَالَ ذُو الرمَّة:
أعَنْ توسَّمتَ مِن خَرقاء منزِلةً
ماءُ الصبابة من عينيكَ مسجُومُ
وَقَالَ جرانُ الْعود:
فَمَا أُبن حتّى قُلْنَ يَا لَيْت عَنَّنا
ترابٌ وعَنَّ الأرضَ بِالنَّاسِ تخْسَفُ
وَقَالَ الْفراء: لُغَة قُرَيْش وَمن جاورهم أنَّ، وَتَمِيم وَقيس وأسدٌ وَمن جاورَهم يجْعَلُونَ ألف أنَّ إِذا كَانَت مَفْتُوحَة عينا، يَقُولُونَ: أشهد عَنَّك رسولُ الله، فَإِذا كسروا رجَعوا إِلَى الْألف. قَالَ: الْعَرَب تَقول: لأَنَّك تَقول ذَاك، ولَعَنَّك تَقول ذَاك، مَعْنَاهُمَا لعلَّك.
وَيُقَال مَلأ فلانٌ عِنَان دابّته، إِذا أعداه وحَمَله على الحُضْر الشَّديد. وَأنْشد ابْن السّكيت:
حرف بعيد من الْحَادِي إِذا مَلَأت
شمسُ النَّهَار عِنانَ الأبْرَقِ الصَّخِبِ
قَالَ: أَرَادَ بالأبرق الصَّخِب الجندب. وعِنانه: جَهده. يَقُول: يَرمَضُ فيستغيث بالطيران فَتَقَع رجلُه فِي جناحيه فَتسمع لَهما صَوتا. وَلَيْسَ صَوته من فِيهِ؛ وَلذَلِك يُقَال صرَّ الجندب.
وللعرب فِي العِنان أَمْثَال سائرة. يُقَال: ذَلّ عنانُ فلَان، إِذا انْقَادَ. وفلانٌ أبيُّ العِنان، إِذا كَانَ ممتنِعا. وَيُقَال أَرْخِ من عِنانه، أَي رفِّه عَنهُ. وهما يجريان فِي عِنانٍ إِذا استَويا فِي فضلٍ أَو غَيره. وَقَالَ الطرمَّاح:
سَيعْلَمُ كلُّهم أَنِّي مُسِنٌّ
إِذا رفَعوا عناناً عَن عِنانِ
الْمَعْنى سَيعْلَمُ الشُّعَرَاء كلُّهم أَنِّي قارِح.
وَجرى الفرسُ عِناناً، إِذا جرى شوطاً. وَيُقَال: اثنِ عليَّ عنانَه، أَي رُدَّه عليّ وثنيت على الْفرس عِنانَه، إِذا ألجمتَه. وَقَالَ ابْن مُقبل يذكر فرسا:
وحاوطني حتَّى ثنيتُ عنانَه
على مُدبر العِلْباء ريانَ كاهلُه
حاوَطني، أَي داورني وعالجني. ومدبِر عِلبائه: عُنُقه. أَرَادَ أنّه طَوِيل الْعُنُق، فِي علبائه إدبار.
وَيُقَال للرجل الشريف الْعَظِيم السُّودَد: إِنَّه لطويل الْعَنَان. وفرسٌ طَوِيل الْعَنَان، إِذا ذُمَّ بقصر عُنُقه. فَإِذا قَالُوا قصير العِذار فَهُوَ(1/83)
مدحٌ، لِأَنَّهُ وصف حينئذٍ بسعة جَحفلته.
وَيُقَال امْرَأَة معنَّنة، إِذا كَانَت مجدولةً جدلَ الْعَنَان، غيرَ مسترخية الْبَطن.
وَرجل مِعَنٌّ، إِذا كَانَ عِرِّيضاً مِتْيَحا. وَامْرَأَة مِعَنّة: تعتَنُّ وتعترض فِي كل شَيْء. وَرُوِيَ عَن بعض الْعَرَب أَنه قَالَ:
إنَّ لنا لكَنَّهْ
مِعَنَّةً مِفَنَّهْ
سِمعنَّةً نِظرَنَّه
أَي تعتنُّ وتفتنُّ فِي كل شَيْء.
وَيُقَال: إنّه ليَأْخُذ فِي كل عَنَ وفنَ، بِمَعْنى وَاحِد.
وسمِعتُ العربَ تَقول: كُنَّا فِي عُنَّةٍ من الْكلأ وفُنّة، وثُنة، وعانكة من الْكلأ، بِمَعْنى وَاحِد، أَي كُنَّا فِي كلأ كثير وخِصب.
ابْن شُمَيْل: العانُّ، من صفة الْجبَال: الَّذِي يعتَنُّ لَك فِي صَوبِك وَيقطع عَلَيْك طريقك. يُقَال: بموضِع كَذَا عانٌّ يعتنُّ للسالك.
ثعلبٌ عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العُنُن: المعترضون بالفضول، الْوَاحِد عانٌّ وعَنُون. قَالَ: والعُنُن جمع العِنِّين وَجمع المعنون أَيْضا. وَيُقَال عُنَّ الرجل وعُنِّن وعُنِنَ وأُعْنِنَ، فَهُوَ عَنِين مَعنونٌ مُعَنٌّ مُعَنّن.
قَالَ والتعنين: الْحَبْس فِي المطبق الطَّوِيل.
عَمْرو عَن أَبِيه: يُقَال للمجنون: معنون ومهروع، ومخفوع، ومعتوه، وممتوه، ومُمَتّهٌ، إِذا كَانَ مَجْنُونا.
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: لعنّك لبني تَمِيم. قَالَ: وَبَنُو تيم الله بن ثَعْلَبَة يَقُولُونَ: رَعَنَّك تَقول ذاكَ ولغَنَّك، بِمَعْنى لعلَّك، بالغين.
وَقَالَ اللَّيْث: العُلوان لُغَة فِي العنوان غير جيّدة. قَالَ: وَيُقَال عننت الكتابَ عنّاً. قَالَ: وعَنْونته. قَالَ: وَهُوَ فِيمَا ذُكر مشتقٌ من الْمَعْنى. قَالَ: وعَنّيتُه تعنيةً، كلُّها لُغَات.
وَقَالَ النحويون: (عَن) حرفُ صفةٍ، وَهُوَ اسْم. و (مِن) من الْحُرُوف الخافضة. وَالدَّلِيل على ذَلِك أَنَّك تَقول أَتَيْته من عَن يَمِينه وَمن عَن شِمَاله، وَلَا تقدم (عَنْ) على (مِن) . وَقَالَ الشَّاعِر:
من عَن يَمِين الحُبَيَّا نظرةٌ عَجَل
وَتقول: أخذت الشَّيْء مِنْهُ، وحدّثني فلَان عَن فلَان. وَيُقَال تنحَّ عني وانصرفْ عنّي، وَخذ مِنْهُ كَذَا وَكَذَا.
وَقَالَ أَبُو زيد: الْعَرَب تزيد عَنْك فِي كَلَامهَا، يُقَال: خُذ ذَا عَنْك، الْمَعْنى خُذ ذَا، و (عَنْك) زِيَادَة. وَقَالَ الجعديّ يُخَاطب ليلى:
دَعي عنكِ تَشتامَ الرِّجَال وأقبلي
علَى أذلغيّ يمْلَأ استكِ فيشلا
أَرَادَ يمْلَأ استَك فيشلةً، فَخرج فيشلاً نصبا على التَّفْسِير.
نع: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: النَّعْ: الضَّعْف.
سَلمَة عَن الْفراء قَالَ: النَّعَّة ضَعفُ الغُرمول بعد قوّته.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: النُّعنع: الْفرج الدَّقِيق الطَّوِيل. وَأنْشد:(1/84)
سَلُوا نساءٍ أَشْجَع
أيُّ الأيُور أنفَعْ
أالطويل النُّعْنُعْ
أم الْقصير القَرصَع
قَالَ: والقرصَع: الْقصير المعجَّر.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: يُقَال للطويل من الرِّجَال نُعنُع.
وَقَالَ غَيره: تنعنعت الدارُ، إِذا نأت وبعُدت.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: النُّعاعة: بقلة ناعمة. وَقَالَ شِمْر: لم أسمع نُعاعة إلاّ للأصمعي. قَالَ: ونُعاعة: مَوضِع. وَأنْشد:
لَا عَيْش إلاّ إبلٌ جُمّاعه
موردها الجَيْأة أَو نُعاعه
وَيُقَال لبَظر الْمَرْأَة إِذا طَال نُعنُع ونُغنُعُ.
وَقَالَ الْمُغيرَة بن حبناء:
وإلاّ جُبتُ نُعنُعَها بقولٍ
يُصيّره ثمانٍ فِي ثمانِ
قَوْله ثَمَان فِي مَوضِع النصب، وَهُوَ على لُغَة من يَقُول: رَأَيْت قاضٍ وَهَذَا قاضٍ ومررت بقاض.
(بَاب الْعين وَالْفَاء)
عف، فع: مستعملان
عف: أَبُو عبيد: العُفافة: بقيّة اللَّبن فِي الضَّرع بَعْدَمَا يُمتَكُّ أَكْثَره. قَالَ: وَهِي العُفّة أَيْضا. وَقَالَ الْأَعْشَى:
وتَعادَى عَنهُ النهارَ فَمَا تع
جوه إلاّ عُفافةٌ أَو فُواقُ
وَقَالَ غَيره العُفافة: الْقَلِيل من اللَّبن فِي الضَّرع قبل نزُول الدِّرّة.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن سَلمَة عَن الْفراء قَالَ: العُفافة: أَن تَأْخُذ الشَّيْء بعد الشَّيْء، فَأَنت تعتفُّه.
وروى عَمْرو عَن أَبِيه: العَفْعَف: ثَمَر الطَّلح.
وَقَالَ أَبُو زيد: العُفافة: الرَّمث يرضعه الفصيل فِي قَول بَعضهم. قَالَ: وَبَعْضهمْ يَقُول: العُفافة أَن تتْرك الناقةُ على الفصيل بعد مَا ينفض مَا فِي ضرْعهَا فتجمع لَهُ اللبنَ فُواقاً خَفِيفا.
وَقَالَ ابْن الْفرج: يُقَال للعجوز عُفّة وعُثّة. قَالَ: والعُفّة: سَمَكَة جرداء بَيْضَاء صَغِيرَة إِذا طُبخت فَهِيَ كالأرُزّ فِي طعمها.
وَيُقَال عفّ الْإِنْسَان عَن الْمَحَارِم يَعِفُّ عِفّةً وعَفافاً، فَهُوَ عَفيفٌ وَجمعه أعِفّاء وَامْرَأَة عفيفة الْفرج ونسوةٌ عفائف.
فع: أَبُو الْعَبَّاس عَن سَلمَة عَن الْفراء: يُقَال للقصّاب فَعفَعانيّ، وهَبْهَبيّ، وسطّار. قَالَ: ورجلٌ فَعفَع وفُعافِعٌ، إِذا كَانَ خَفِيفا. وَيُقَال للجدي فَعفَع. قَالَ: وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: الفعفعيُّ: القصّاب وَأنْشد غَيره لصخر الغيّ:
فنادَى أَخَاهُ ثمّ طَارَ بشَفرةٍ
إِلَيْهِ اجتزارَ العفعفيّ المُناهِبِ
عَمْرو عَن أَبِيه: الفعفع: زجرُ الْغنم.
قلت: وَهِي الفعفعة.(1/85)
وَقَالَ المؤرج: رجلٌ فعفاعٌ وَعواعٌ لَعلاعٌ رَعراعٌ، أَي جبان.
(بَاب الْعين وَالْبَاء)
عب، بِعْ
عب: جَاءَ فِي الْخَبَر: (مُصُّوا الماءَ مَصًّا وَلَا تعُبُّوه عَبًّا) . والعبُّ: أَن يشرب المَاء وَلَا يتنفّس. وَقيل: (الكُباد من العبّ) ، وَهُوَ وجع الكبد.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن عَمْرو عَن أَبِيه أَنه قَالَ: العبُّ أَن يشرب المَاء دغرقة بِلَا غَنْث. والدغرقة: أَن يصبَّ الماءَ مرّة وَاحِدَة. والغَنْث: أَن يقطّع الجَرْع.
وَقَالَ الشافعيّ: الحَمَام من الطَّير: مَا عبّ وهدَر. وَذَلِكَ أنّ الْحمام يعُبُّ المَاء عبًّا وَلَا يشرب كَمَا يشرب سَائِر الطير نقراً.
أَبُو عُبَيْدَة: فرسٌ يعبوب: جوادٌ بعيد القَدْر فِي الجري. قَالَ: وَقَالَ المنتجع: هُوَ الطَّوِيل. وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: اليعبوب: كلُّ جدول ماءٍ سريع الجري، وَبِه شبّه الْفرس اليعبوب.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَنهُ أَنه قَالَ: العُنْبَب: كَثْرَة المَاء. وَأنْشد:
فصبّحتْ والشَّمس لم تَقضَّبِ
عينا بغضيانَ ثجوجَ العُنْبَبِ
قلت: عُنبَب فُنْعَل من العبّ، وَالنُّون لَيست بأصلية، وَهِي كنون عُنْصَل وجندب.
عَمْرو عَن أَبِيه: العَبعَبة: الصُّوفة الْحَمْرَاء.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: العَبعَب: كساءٌ مخطَّط. وَأنْشد:
تخلُّجَ المجنونِ جَرَّ العَبعَبا
وَقَالَ أَبُو عَمْرو فِيمَا روى أَبُو عبيد عَنهُ: العَبْعَب الشابّ التَّامْ وروى عَمْرو عَن أَبِيه: العَبعَب: نَعْمة الشّباب.
وَأَخْبرنِي الْإِيَادِي عَن شِمر أَنه قَالَ: العَبعَب والعَبعاب: الطَّوِيل من الرِّجَال.
وَقَالَ اللَّيْث: العَبعَب من الأكسية: الناعم الرَّقِيق.
قلت: وَرَأَيْت فِي الْبَادِيَة ضربا من الثُّمام يُلْثِي صمغاً حلواً يُؤخَذ من قضبانه ويؤكل، يُقَال لَهُ لَثَى الثُّمام، فَإِن أَتَى عَلَيْهِ الزمانُ تناثرَ فِي أصُول الثُّمام، فَيُؤْخَذ بترابه وَيجْعَل فِي ثوب ويصبُّ عَلَيْهِ المَاء ويُشْخَل بِهِ أَي يصفّى ثمَّ يُغلَى بالنَّار حَتَّى يخثُر ثمَّ يُؤْكَل. وَمَا سَالَ مِنْهُ فَهُوَ العبيبة. وَقد تعبَّبتُها أَي شربتها.
وَيُقَال: هُوَ يتعبّب النَّبِيذ، أَي يتجرَّعه.
وروى مُحَمَّد بن حبيب عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: العُبَب: عِنَب الثَّعْلَب. قَالَ: وشجرُهُ يُقَال لَهُ الرَّاء، مَمْدُود. وَقَالَ ابْن حبيب: هُوَ العُبَب، وَمن قَالَ عِنَب الثَّعْلَب فقد أَخطَأ.
وروى أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ: الفَنا مَقْصُور: عِنَب الثَّعْلَب. فَقَالَ عنبٌ وَلم يقلْ عُبَب.
وَقد وجدتُ بَيْتا لأبي وجزة السعديّ يدلُّ على قَول ابْن الأعرابيّ، وَهُوَ قَوْله:
إِذا تربَّعتِ مَا بينَ الشُّريف إِلَى
أَرض الفَلاَح أولاتِ السَّرح والعُبَبِ(1/86)
وَفِي حَدِيث النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (إنّ الله عزّ وجلّ وضَعَ عَنْكُم عُبِّيَّة الْجَاهِلِيَّة وتعظُّمَها بِآبَائِهَا) . أَبُو عبيد: العُبِّيَّة والمِبِّيّة: الكِبْر.
قلت: وَلَا أَدْرِي أهوَ فعليّة من العَبّ، أم هُوَ من العَبْوِ وَهُوَ الضَّوْء.
أَبُو عبيد: العُباب: معظَم السَّيْل وارتفاعه وكثرته.
عَمْرو عَن أَبِيه: عبعَبَ، إِذا انهزم. قَالَ: وعُبَّ الشَّيْء، إِذا شُرِب. وعَبَّ، إِذا حسُن وجهُه بعد تغيُّر.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: عُبْ عُب، إِذا أمرتَه أَن يسْتَتر.
وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : رجلٌ عَبعابٌ قبقاب، إِذا كَانَ واسعَ الْحلق والجوف جليلَ الْكَلَام.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: العُبُب: الْمِيَاه المتدفّقة.
بِعْ: عَمْرو عَن أَبِيه: بعّ الماءَ بعًّا، إِذا صبّه. قَالَ: وَيُقَال أتيتُه فِي عَبعَب شبابه وعِهِبَّى شبابه. قَالَ والبَعبَع: صبُّ المَاء المُدارَكُ.
قلت: لِأَنَّهُ أَرَادَ حِكَايَة صَوته إِذا خرج من الْإِنَاء وَنَحْو ذَلِك.
قَالَ اللَّيْث: وَقَالَ أَبُو زيد: البعابعة: الصعاليك الَّذين لَا مالَ لَهُم وَلَا ضَيعة.
قَالَ: والبُعّة من أَوْلَاد الْإِبِل: الَّذِي يُولد بينَ الرُّبع والهُبَع. وَقَالَ الْفراء مثله.
وَقَالَ اللَّيْث: بعّ السحابُ يُبعّ بعًّا وبعَاعاً، إِذا لجّ بمطره.
وَقَالَ أَبُو عبيد: ألْقى عَلَيْهِ بَعاعَه، أَي ثِقْله. وأخرجت الأَرْض بَعاعُها، إِذا أنبَتت أنواعَ العُشْب أيامَ الرّبيع. وَأَلْقَتْ السحابةُ بَعاعَها، أَي ماءها وَثقل مطرها. وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
وَألقى بصَحراء الغَبيطِ بَعاعَه
نزولَ الْيَمَانِيّ ذِي العِياب المحمَّلِ
شمر عَن أبي عَمْرو: العُباب: كَثْرَة المَاء.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: العُباب: الْمَطَر الْكثير وَقَالَ المَرّار:
عوامد للحمى متصيّفات
إِذا أَمْسَى لصيفته عُباب
وَقَالَ رؤبة:
كأنّ فِي الأقتاد ساجاً عوهقا
فِي المَاء يفرُقنَ العُبابَ الغلفقَا
الغَلْفَق جعله نعتاً للْمَاء الْكثير. وَيُقَال للعِرمِضِ فَوق المَاء غلفق.
(بَاب الْعين وَالْمِيم)
عَم، مَعَ
عَم: رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه اخْتصم إِلَيْهِ رجلانِ فِي نخلِ غرسَه أحدُهما فِي أَرض الآخر، قَالَ الرَّاوِي للْحَدِيث: (فَلَقَد رَأَيْت النّخل يُضرَب فِي أُصُولهَا بالفؤوس وإنّها لَنخلٌ عُمٌّ) .
قَالَ أَبُو عبيد: العُمُّ: التامّة فِي طولهَا والتفافها، واحدتها عميمة. قَالَ: وَمِنْه قيل للْمَرْأَة عميمة إِذا كَانَت وثيرة. وَأنْشد للبيد فِي صفة نخيل طَالَتْ:
سُحُق يمتِّعها الصَّفا وسَرِيُّه
عُمٌّ نواعم بينهنَّ كروم(1/87)
الصَّفا: نهر بالبحرَين. والسريّ: خليجٌ ينخلج مِنْهُ.
وَيُقَال: اعتمَّ النبتُ اعتماماً، إِذا التفّ وَطَالَ. ونبتٌ عميم. وَقَالَ الْأَعْشَى:
مؤزَّرٌ بعَميمِ النبت مُكتهِلُ
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت قَالَ: العَمُّ الْجَمَاعَة من الحيّ. والعمّ: أَخ الْأَب. والعَمَم: الجِسم التامّ، يُقَال: إنّ جسمَه لعَممٌ، وإنّه لعَمَمُ الجِسم.
وَيُقَال اسْتَوَى شبابُ فلانٍ على عَمَمه وعُمُمِه، أَي على طوله وَتَمَامه.
أَبُو عبيد عَن أبي عمر قَالَ: العماعم: الْجَمَاعَات، وَاحِدهَا عَمٌّ على غير قِيَاس. قَالَ أَبُو عبيد: وَقَالَ الكسائيّ: استعمَّ الرجلُ عَمّاً، إِذا اتخذَ عَمًّا. قَالَ: وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال تعمَّمتُ الرجل، إِذا دَعوته عَمّاً. وَمثله تخوَّلتُ خالاً. وَيجمع العمّ أعماماً وعُموماً وعُمومة.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه أنشدَهُ:
عَلاَمَ بنَتْ أختُ اليرابيع بيتَها
عليَّ وَقَالَت لي بليلٍ تعمَّمِ
مَعْنَاهُ أنّه لما رَأَتْ الشيبَ بِرَأْسِهِ قَالَت لَهُ: لَا تأتنا خِلْماً وَلَكِن ائتِنا عَمًّا
الحرّاني عَن ابْن السّكيت: يُقَال هما ابْنا عَمٍ وَلَا يُقَال هما ابْنا خَال، وَيُقَال هما ابْنا خَالَة وَلَا يُقَال ابْنا عمَّة.
وَفِي حَدِيث عُرْوَة بن الزُّبير أَنه ذكر أُحَيحةَ بن الجُلاَح وقولَ أَخْوَاله فِيهِ: (كنّا أهلَ ثُمِّهِ ورُمِّه، حَتَّى اسْتَوَى على عُمُمِّه) قَالَ: قَالَ أَبُو عبيد: قَوْله (حَتَّى اسْتَوَى على عُممِّه) أَرَادَ على طوله واعتدال شبابه، يُقَال للنبات إِذا طَال: قد اعتمّ.
وَقَالَ شمر: قَالَ أَبُو منجوف: يُقَال قد عَمَّمناك أمرنَا، أَي ألزمناك.
قَالَ شمر: والمعمَّم: السيّد الَّذِي يقلّده القومُ أمورَهم، ويلجأ إِلَيْهِ عوامُّهم. وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب الهذليّ:
وَمن خير مَا جمع الناشىء ال
معمَّم خِيرٌ وزندٌ وَرِيُّ
قَالَ: والعَمَمُ من الرِّجَال: الْكَافِي الَّذِي يعمُّهم بِالْخَيرِ. وَقَالَ الْكُمَيْت:
بَحر جريرُ (بن شقٍ) من أرومته
وخالدٌ من بنيه المِدره العممُ
قَالَ: والعمم أَيْضا فِي الطُّول والتمام. وَقَالَ أَبُو النَّجْم:
وقَصَب رؤد الشبابِ عَمَمُه
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: خَلْق عَمَمٌ، أَي تامّ.
وَفِي حَدِيث عَطاء: (إِذا توضَأتَ فَلم تعمُمْ فتيمَّم) ، قَالَ شمر: قَوْله (فَلم تعمُمْ) ، يَقُول: إِذا لم يكن فِي المَاء وضوءٌ تامٌّ فتيمَّم. وَأَصله من الْعُمُوم.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: عُمَّ، إِذا طُوّل. وعَمَّ، إِذا طَال. قَالَ: وعمعم الرجُل، إِذا كثُر جيشُه بعد قلّة.
وَمن أمثالهم: (عَمَّ ثؤباءُ الناعسِ) ، يضْرب للحدَث يحدُث ببلدة ثمَّ يتعدّاه إِلَى سَائِر البُلدان. وَأَصله أَن الناعسَ يتثاءب فِي الْمجْلس فيُعدى ثؤباؤه أهلَ مجلسِه.
وَيُقَال رجل عُمِّيّ ورجلٌ قُصريّ. فالعُمّيّ:(1/88)
العامّ، والقُصريّ: الخاصّ.
والعِمامة من لِبَاس الرَّأْس مَعْرُوفَة، وَجَمعهَا العمائم. وَقد تعممّها الرجل واعتمّ بهَا. وَإنَّهُ لحسَن العِمَّة. وَقَالَ ذُو الرمة:
واعتمَّ بالزَّبد الجَعْد الخراطيمُ
وَالْعرب تَقول للرجل إِذا سُوِّد: قد عُمِّم. وَذَلِكَ أنَّ العمائم تيجانُ الْعَرَب. وَكَانُوا إِذا سوّدوا رجلا عمَّموه عِمَامَة حَمْرَاء. وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
رأيتُك هرَّيتَ العمامةَ بَعْدَمَا
رأيتكَ دهراً فاصعاً لم تعصَّبِ
وَكَانَت الفرسُ إِذا ملّكت رجلا توّجوه، فَكَانُوا يَقُولُونَ للْملك مَتوّج.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: فرسٌ معمَّم، إِذا انحدرَ بَيَاض ناصيته إِلَى منبتها، وَمَا حولهَا من الرَّأْس والناصية معمَّم أَيْضا. قَالَ: وَمن شيات الْخَيل: أدرعُ معمَّم، وَهُوَ الَّذِي يكون بياضُه فِي هامته دون عُنُقه.
وَالْعرب تَقول رجلٌ مُعَمٌّ مُخْوَلٌ، إِذا كَانَ كريم الْأَعْمَام والأخوال، وَمِنْه قَول امرىء الْقَيْس:
بجيدِ مُعَمَ فِي الْعَشِيرَة مُخْوَلِ
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال فِيهِ مُعِمٌّ مُخْوِل أَيْضا.
قلت: وَلم أسمعهُ لغيره، وَلَكِن يُقَال رجل مِعَمٌّ مِلَمٌّ، إِذا كَانَ يعمُّ الناسَ فضلُه ومعروفُه ويَلُمّهم، أَي يجمعهُمْ وَيصْلح أمورَهم.
وَقَالَ اللَّيْث: العامّة: عيدانٌ يُشَدُّ بعضُها إِلَى بعض ويُعبَر عَلَيْهَا.
قلت: خفّف ابنُ الْأَعرَابِي الْمِيم من العامَة بِمَعْنى المِعْبَر، وَجعله مثل هَامة الرَّأْس وقامَة العَلَق، فِي حروفٍ مخفّفة الْمِيم، وَهُوَ الصَّوَاب.
وَقَوله الله عزّ وجلّ: {} (النّبَإِ: 1) أَصله عَن مَا يتساءلون، فأدغمت النُّون من عَن فِي الْمِيم من مَا وشُدِّدتَا ميماً، وحذفت الْألف فرقا بَين الِاسْتِفْهَام وَالْخَبَر فِي هَذَا الْبَاب. والخبرُ كَقَوْلِك: عَمَّا أَمرتك بِهِ، الْمَعْنى عَن الَّذِي أَمرتك بِهِ. وَأما قَول ذِي الرّمّة:
بَراهنّ عَمَّا هنّ إِمَّا بَوادىءٌ
لحاجٍ وَإِمَّا راجعاتٌ عوائدُ
فَإِن الْفراء قَالَ: مَا صلَة، وَالْعين مبدلة من ألف أنْ. الْمَعْنى براهنّ يَعْنِي الركاب أنْ هن إمّا بَوادىءُ لحَاجَة فِي سفر مُبْتَدأ، وَإِمَّا أَن عُدْن راجعات من السّفر، وَهِي لُغَة تَمِيم، يَقُولُونَ عَن هُنّ.
وَأما قَول الآخر يُخَاطب امْرَأَة اسْمهَا عَمَّى:
فقِعدَكِ عَمَّى الله هلاَّ نعيتِهِ
إِلَى أهل حيَ بالقنافذ أوردوا
فإنّ عَمَّى اسْم امْرَأَة، أَرَادَ يَا عَمَّى. وقِعدَكِ وَالله يمينان.
وَقَالَ المسيّب بن علَس يصف نَاقَة:
وَلها إِذا لحِقتْ ثمائلها
جَوزٌ أعمُّ ومِشفَرٌ خَفِقُ
قَالَ أَبُو عَمْرو: الجَوز الأعمّ: الغليظ التامّ. والجوز: الْوسط. قَالَ: ومِشفَرٌ خَفِق: أهدَلُ، فَهُوَ يضطرب إِذا عَدَتْ.(1/89)
مَعَ: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: المعُّ الذَّوَبان.
أَبُو عبيد: المعمعانيّ: الْيَوْم الشَّديد الحرّ. قَالَ: والمعمعة: حِكَايَة صَوت لَهب النّار إِذا شُبّت بالضِّرام. وَمِنْه قَول امرىء الْقَيْس:
كمعمعة السَّعَف الموقَدِ
وَيُقَال للحرب مَعمعة: وَلها مَعْنيانِ: أَحدهمَا أصوات المقاتِلة، وَالْآخر اسْتعَار نارها.
وَقَالَ شمِر: امرأةٌ مَعمَعٌ، وَهِي الذكيّة المتوقِّدَة.
وَفِي حديثٍ مَرْفُوع: (لَا تَهْلك أمّتي حتّى يكون التمايُل والتّمايُز والمعامع) ، يُرِيد بالمعامع الحروبَ وهَيْج الْفِتَن والتهابَ نيرانها، وَالْأَصْل فِيهِ معمعة النَّار، وَهُوَ سرعَة تلهُّبِها. وَمثله معمعة الحَرّ.
وَمثل هَذَا قَوْلهم: (الْآن حينَ حَمِيَ الْوَطِيس) .
والمَعمعة: الدَّمْشقة، وَهُوَ عَملٌ فِي عجَل.
وأمّا (مَعَ) فَهِيَ كلمةٌ تضم الشيءَ إِلَى الشي، وَأَصلهَا مَعاً، وستراها فِي معتّل الْعين بأوضحَ من هَذَا التَّفْسِير إِن شَاءَ الله.
وَقَالَ اللَّيْث: إِذا أَكثر الرجلُ من قَول (مَعَ) قيل يُمعمِع معمعةً. قَالَ: ودِرهم مَعمعيٌّ: كتب عَلَيْهِ (مَع مَع) .
ثعلبٌ عَن ابْن الأعرابيّ: مَعمَع الرجلُ، إِذا لم يحصُل على مَذْهَب، فَهُوَ يَقُول لكلّ: أَنا مَعَك وَمِنْه قيل لمن هَذِه صفتُه: إمّعٌ وإمَّعَة.(1/90)
بِسم الله الرحمان الرَّحِيم
هَذِه أَبْوَاب الثلاثي الصَّحِيح من حُرُوف الْعين أهملت (الْعين مَعَ الْحَاء) فِي الثلاثي الصَّحِيح إِلَى آخر وجوهها.
بَاب الْعين مَعَ الْهَاء)
ع هـ خَ
ع هـ غ
أهملت وجوهها كلّها.
بَاب الْعين وَالْهَاء مَعَ الْقَاف)
عهق، هقع: مستعملان.
عقه، هعق، قعه، قهع: مُهْملَة.
عهق: قَالَ اللَّيْث: العهيقة: النشاط. وَأنْشد:
إنّ لرَيعان الشَّبَاب عَيهقا
قلت: الَّذِي سمعناه من الثِّقَات الغَيْهقة بالغين مُعْجمَة، بِمَعْنى النشاط. وَأَخْبرنِي أَبُو الْفضل المنذريّ عَن أبي الْحسن الصَّيداويّ عَن الرياشيّ عَن أبي عُبَيْدَة قَالَ: الغَيهق: النشاط، بالغين. وَأنْشد:
كأنّما بِي مِن إرانِي أَولَقُ
وللشَّباب شِرَّةٌ وغيهق
قَالَ: فالغَيهق بالغين مَحْفُوظ صَحِيح، وَأما العيهقة بِالْعينِ فَإِنِّي لَا أحفظها لغير اللَّيْث، وَلَا أَدْرِي أَهِي لغةٌ حفظت عَن الْعَرَب، أم الْعين تَصْحِيف. وَالله أعلم.
ورُوي عَن أبي عَمْرو أَنه قَالَ: العِيهاقُ: الضَّلال. وَلَا أَدْرِي مَا الَّذِي عوهقَك، أَي الَّذِي رمَى بك فِي العِيهاق.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: العَوهق: الخُطّاف. والعَوهق: الْغُرَاب الجبليّ، وَيُقَال هُوَ الشِّقِرّاق. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: العوهق: اللازَوَرْد الَّذِي يُصبغ بِهِ. والعوهق من شجر النَّبْع الَّذِي يتَّخذ مِنْهُ القسيُّ أجودُه. وَأنْشد لبَعض الرجاز يصف قوساً:
وكلّ صفراءَ طَروحٍ عَوهقِ
والطَّروح من القسي: الَّتِي تُبعِد السهمَ إِذا رُمِي بِهِ عَلَيْهَا.
وَقَالَ اللَّيْث: العوهق: الْغُرَاب الْأسود الجسيم. والعوهق: اسْم جمل للْعَرَب نُسبت إِلَيْهِ النجائب. وَقَالَ رؤبة:
قوراء فِيهَا من بَنَات العَوْهَق(1/91)
قَالَ: والعوهق لونٌ كلون السَّمَاء مُشرَبٌ سواداً. قَالَ: والعوهقانِ: كوكبان بحذاء الفرقدين على نسقٍ طريقتهما مِمَّا يَلِي القطب. وَأنْشد:
بِحَيْثُ باري الفرقدانِ العوهقا
عِنْد مَسَكِّ القطبِ حَيْثُ استوسقا
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ فِي موضعٍ آخر قَالَ: الغَقَقَة العواهق. قَالَ: وَهِي الخطاطيف الجبلية. والعوهق أَيْضا: اللازورد. والعوهق: لون الرماد.
قلت: وكلُّ مَا ذكرت فِي العوهق من الْوُجُوه صَحِيح بِلَا شكّ.
هقع: أَبُو عبيد عَن الْأمَوِي: رجلٌ هُقَعةٌ: يكثر الاتّكاء والاضطجاعَ بَين الْقَوْم. وَقَالَ شمر: لَا أعرف هُقَعة بِهَذَا الْمَعْنى.
قلت: هُوَ صَحِيح وَإِن أنكرهُ شمِر. أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن (ابْن) الأعرابيّ عَن ابْن السّكيت عَن الْفراء قَالَ يُقَال للأحمق الَّذِي إِذا جلس لم يكد يبرح: إِنَّه لهُكَعة. وَقَالَ بعض الْعَرَب: اهتكعَ فلَانا عِرقُ سَوءٍ، واهتقَعه، واهتنَعه، واختضمه، وارتكسه، إِذا تعقَّله وأقْعَده عَن بُلُوغ الشّرف وَالْخَيْر.
وروى أَبُو عبيد عَن الْفراء أَنه قَالَ: الهَكعة النَّاقة الَّتِي استرخت من الضَّبَعة. وَقد هكِعَت هَكعاً.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: هَقِعت النَّاقة هَقَعاً فَهِيَ هَقِعة، وَهِي الَّتِي إِذا أَرَادَت الْفَحْل وَقعت من شدّة الضَّبَعة. قلت: فقد استبان لَك أَن الْقَاف وَالْكَاف لُغَتَانِ فِي الهَقِعة والهَكِعة.
وَيُقَال: قَشط فلانٌ عَن فرسه الجُلَّ وكشَطه، إِذا كشفه. وَهُوَ القُسط والكُشط للعُود. وَقد تعاقبت الْقَاف وَالْكَاف فِي حُرُوف كَثِيرَة لَيْسَ هَذَا موضعَ استقصاءٍ لذكرها. فَمَا قَالَه الأمويّ فِي الهقعة صَحِيح لَا يضُرُّه إِنْكَار شمر إيّاه.
وَقد روى شمر عَن ابْن شُمَيْل أَنه قَالَ: يُقَال سانَّ الْفَحْل الناقةَ حَتَّى اهتقعها، يتقوَّعها ثمَّ يَعِيسها. قلت: معنى اهتقعها، أَي نوَّخها ثمَّ علاها وتسدّاها.
وروى أَبُو عبيد عَن الْفراء وَغَيره: اهتُقِع لونُه وامتُقِع لَونه، إِذا تغيّر لونُه. وَقَالَ غَيره: تَهقَّع فلانٌ علينا، وتترَّع وتطبَّخ، بِمَعْنى وَاحِد، أَي تكبّر وَعدا طَورَه. وَقَالَ رؤبة:
إِذا امْرُؤ ذُو سَورَةٍ تهقّعا
والاهتقاع فِي الحمّى: أَن تدع المحمومَ يَوْمًا ثمَّ تهتقعه، أَي تعاوده فتُثْخنه. وكل شيءٍ عاودك فقد اهتقعك.
والهَقْعة: منزلٌ من منَازِل الْقَمَر، وَهِي ثَلَاثَة كواكب تكون فَوق مَنكبي الجوزاء كأنّها أثافٍ، وَبهَا شُبّهت الدائرة الَّتِي تكون بجنْب الدوابّ فِي مَعَدِّه ومَركَلِه، وَهِي دَائِرَة يُتشاءم بهَا. يُقَال هُقِع الفرسُ فَهُوَ مهقوع. وَأنْشد أَبُو عُبَيْدَة:
إِذا عَرِق المهقوع بِالْمَرْءِ أنعظت
حليلته وازداد حَرًّا عجانُها(1/92)
والهيقعة: حِكَايَة أصوات السيوف فِي معركة الْقِتَال إِذا ضُرب بهَا. وَقد ذكره الهذليُّ فِي شعره فَقَالَ:
الطعْن شغشغةٌ وَالضَّرْب هيقعةٌ
ضربَ المعوِّل تَحت الدِّيمة العضَدا
شبّه أصواتَ الْمُضَاربَة بِالسُّيُوفِ بِضَرْب العَضَّاد للشجر بفأس لبِنَاء عالَةٍ يستكنُّ بهَا من الْمَطَر.
قهقع: روى ابْن شُمَيْل عَن أبي خَيرة قَالَ: يُقَال قهقع الدُّبُّ قهقاعاً، وَهُوَ حِكَايَة صَوت الدبّ فِي ضحكه، وَهُوَ حِكَايَة مؤلّفة.
(بَاب الْعين مَعَ الْكَاف)
هكع، عهك: مستعملان
كهع، كعه، هعك، عكه: مُهْملَة.
هكع: روى أَبُو الْعَبَّاس عَن سَلمَة عَن الْفراء قَالَ: الهُكاعيّ مَأْخُوذ من الهُكاع، وَهُوَ شَهْوَة الْجِمَاع. قَالَ: والهُكاع أَيْضا: النّوم بعد التَّعَب. وَقَالَ أعرابيّ: مررتُ بإراخٍ هُكَّعٍ فِي مئرانها، أَي نِيام فِي مأواها، وَأنْشد ابْن السّكيت قَول الهذَليّ:
وتبوّأ الأبطالُ بعد حَزاحزٍ
هكْعَ النواحز فِي مناخ الموحِفِ
قَالَ: مَعْنَاهُ أَنهم تبوءوا مراكزهم فِي الْحَرْب بعد حزاحز كَانَت لَهُم حَتَّى هكعوا بعد ذَلِك وهُكوعهم: بروكهم لِلْقِتَالِ كَمَا تهكع النواحز من الْإِبِل فِي مباركها، أَي تسكن وتطمئنّ.
وَقَالَ الطِرمّاح يذكر بقر الْوَحْش:
ترى العِينَ فِيهَا من لدنْ مَتَع الضُّحى
إِلَى اللَّيْل فِي الغَضْيا وهُنَّ هكوعُ
قَالَ بَعضهم هنّ هُكوع أَي نِيام، وَقَالَ بَعضهم: مُكِبّاتٌ إِلَى الأَرْض، وَقيل مطمئنّات. والمعاني مُتَقَارِبَة.
وَالْبَقر تهكع فِي كِناسها عِنْد اشتداد الحرّ نصفَ النَّهَار. والهُكاع: السُّعالُ أَيْضا.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: هكعَ عظمه، إِذا انْكَسَرَ بَعْدَمَا جَبَر.
سلمةُ عَن الْفراء قَالَ: الهكِعة من النوق: الَّتِي قد استرخت من شدّة الضَّبَعة. وناقةٌ مِهكاعٌ: تكَاد يُغشَى عَلَيْهَا من الضَّبَعة.
وَيُقَال: هكَع الرجلُ إِلَى الْقَوْم، إِذا نزل بهم بَعْدَمَا يُمسِي. وَقَالَ الشَّاعِر:
وَإِن هكعَ الأضيافُ تَحت عشيّةٍ
مصدَّقة الشَّفّان كاذِبة القطرِ
وهكَع اللَّيْل هكوعاً، إِذا أرْخى سُدوله. وَرَأَيْت فلَانا هاكعاً، أَي مُكِبّاً. وَقد هكع إِلَى الأَرْض، إِذا أكبَّ.
عهك: أهمله اللَّيْث وَغَيره. وَوجدت حرفا قرأته فِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) ، يُقَال: تَركتهم فِي عيهكة وعوهكة، ومَعْوَكة وعَوِيكة، ومَحْوَكة. وَقد تعاوكوا، إِذا اقتتَلوا.
(بَاب الْعين وَالْهَاء مَعَ الْجِيم)
اسْتعْمل وجوهه: عهج، عجه، هجع، جعه.
عهج: أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ:(1/93)
العَوهج: الظَّبية الطَّوِيلَة الْعُنُق.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال للناقة الْفتية عَوهَج. وَيُقَال للنعامة عوهج. وَقَالَ العجاج:
فِي شملةٍ أَو ذَات زِفَ عوهجا
كَأَنَّهُ أَرَادَ الطَّويلة الرجلَيْن.
وروى أَبُو تُرَاب للأصمعيّ أَنه قَالَ: العَهج والعوهج: الطَّوِيلَة.
عجه: أهمله اللَّيْث.
وقرأت فِي كتاب (الْجِيم) لِابْنِ شُمَيْل: عجهت بَين فلَان وَفُلَان، مَعْنَاهُ أَنه أصابهما حَتَّى وَقعت الفُرقة بَينهمَا.
قَالَ: وَقَالَ أعرابيّ: أندرَ الله عينَ فلَان، لقد عجَّهَ بَين نَاقَتي وَوَلدهَا.
قلت: وَهَذَا حرفٌ غَرِيب لَا أحفظه لغير النَّضر، وَهُوَ ثِقَة.
هجع: يُقَال أتيت فلَانا بعد هَجْعة، أَي بعد نومَة خَفِيفَة من أوّل اللَّيْل. وَقد هجع يهجع هجوعاً، إِذا نَام. وقومٌ هجوع، ونسوةٌ هُجَّع وهواجع.
وروى ابْن حبيب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال للرجل الأحمق الغافل عَمَّا يُرَاد بِهِ: هِجْع وهِجعة، وهُجَعة، ومِهجَع وَأَصله من الهُجوع وَهُوَ النّوم.
وَقَالَ أَبُو تُرَاب: مضى هجيعٌ من اللَّيْل وهزيعٌ، بِمَعْنى وَاحِد. قَالَ: وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: هجَع غَرَثُه وهَجَأَ، إِذا سكن. قَالَ: وَقَالَ ابنُ شُمَيْل: هجع جوعُ الرجل يهجع هَجعاً، أَي انْكَسَرَ جوعُه وَلم يشْبع بعدُ. قَالَ: وهجأ فلَان غَرَثَه وهجعَ غرثَه، وهجأ غرثُه أَيْضا. قَالَ: وأهجع غرثَه وأهجأه، إِذا سكَّن ضَرَمه.
قَالَ: وهجّع القومُ تهجيعاً، إِذا نوّموا.
قلت: وسمِعت أَعْرَابِيًا من بني تَمِيم يَقُول: هجعنا هجعةً خَفِيفَة وقتَ السَّحَر.
جعه: الجِعَة من الْأَشْرِبَة. وَهُوَ عِنْدِي من الْحُرُوف النَّاقِصَة، وَقد أخرجتُه فِي معتل الْعين وَالْجِيم فأوضحته.
ع هـ ش: أهملت وجوهها.
وأهمل سَائِر وجوهه.
(بَاب الْعين وَالْهَاء مَعَ الضَّاد)
اسْتعْمل من وجوهه: عضه.
وأهمل سَائِر وجوهه.
عضه: رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (أَلا أنبئكم مَا العِضَهُ؟) . قَالُوا: بلَى يَا رَسُول الله. قَالَ: (هِيَ النَّميمة) . قَالَ أَبُو عبيد: وَكَذَلِكَ هِيَ فِي الْعَرَبيَّة. وَأنْشد قَوْله:
أعوذُ بربي من النافثا
ت فِي عُقَد العاضه المُعْضِه
وَفِي حَدِيث ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (إيَّاكُمْ والعِضَهَ، أَتَدْرُونَ مَا العِضَه؟ هِيَ النميمة) . وروى اللَّيْث فِي كِتَابه (لعن رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم العاضهة والمستعضهة) ، وَفَسرهُ: الساحرة والمستسحرة.
وروى أَبُو عبيد عَن الكسائيّ أَنه قَالَ: العِضَهُ الْكَذِب، وَجمعه عِضُونَ، وَهُوَ من العضيهة. قَالَ: وَيُقَال: يَا لِلعضيهة،(1/94)
وياللأَفيكة، وَيَا لِلْبَهِيتة.
قَالَ شمر وَغَيره من النحويِّين: كسرت هَذِه اللَّام على معنى اعجبوا لهَذِهِ العضيهة. وَإِذا نُصِبت اللَّام فمعناها الاستغاثة، يُقَال ذَلِك عِنْد التعجُّب من الْإِفْك العظِيم.
وَأما قَول الله جلّ وعزّ: {الَّذِينَ جَعَلُواْ الْقُرْءَانَ عِضِينَ} (الحِجر: 91) فقد اخْتلف أهل الْعَرَبيَّة فِي اشتقاق أَصله وَتَفْسِيره: فَمنهمْ من قَالَ وَاحِدهَا عِضَة، وَأَصلهَا عِضْوة، من عضَّيتُ الشَّيْء، إِذا فرَّقتَه، جعلُوا النُّقصانَ الْوَاو. الْمَعْنى أنَّهم فرَّقوا يُعنَى الْمُشْركُونَ أقاويلَهم فِي الْقُرْآن، أَي فجعلوه مرّةً كَذِباً، ومرّة سِحراً، ومرّةً شعرًا، وَمرَّة كِهَانة. وَمِنْهُم من قَالَ: أصل العِضَة عِضْهة، فاستثقلوا الجمعَ بَين هاءين فَقَالُوا عِضَة، كَمَا قَالُوا شَفَة وَالْأَصْل شَفْهة، وَكَذَلِكَ سَنَة وَأَصلهَا سَنْهة.
وَقَالَ الْفراء: العِضُون فِي كَلَام الْعَرَب السِّحر، وَذَلِكَ أنّه جعله من العِضْه.
وَرُوِيَ عَن عِكْرِمَة أَنه قَالَ: العِضْهُ السِّحر بِلِسَان قُرَيْش. وهم يَقُولُونَ للساحر عاضه.
وَالْكسَائِيّ ذهب إِلَى هَذَا.
وروى أَبُو عبيد عَن أبي عُبَيْدَة أَنه قَالَ: الحيّة العاضِهُ والعاضهة: الَّتِي تقتُل إِذا نهست من ساعتها.
وَقَالَ ابْن السّكيت: العضيهة: أَن تعضه الإنسانَ وتقولَ فِيهِ مَا لَيْسَ فِيهِ. قَالَ: وَإِذا كَانَ الْبَعِير يرْعَى العِضاهَ قلت بعيرٌ عَضِهٌ. وَإِذا نسبت إِلَى العضاه قلت عِضاهيٌّ. قَالَ: وأرضٌ مُعضِهة: كَثِيرَة العِضاه. وَأنْشد:
وقرَّبوا كلَّ جُماليَ عَضِهْ
قلت: وَاخْتلفُوا فِي عضاه الشّجر. فأمّا النحويون فَإِنَّهُم يَقُولُونَ: العضاهُ من الشّجر: مَا فِيهِ شوك.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: العضاه وَاحِدهَا عِضَة، وَيُقَال عِضَهٌ، وَيُقَال عِضْهة. قَالَ: وَهِي كل شَجَرَة جَازَت الْبُقُول كَانَ لَهَا شوك أَو لم يكن. قَالَ: والزَّيتون من العِضاه.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ أَنه قَالَ: العِضاه كلُّ شجرٍ لَهُ شوك. قَالَ: ومِن أعرفِ ذَلِك الطَّلح، والسَّلَم، والعُرفُط.
وروى ابْن هانىء عَن أبي زيد أَنه قَالَ: العِضَاهُ اسمٌ يَقع على شجرٍ من شجر الشوك لَهُ أسماءٌ مُخْتَلفَة يجمعها العِضاه. قَالَ: وَوَاحِد العِضاه عضاهة وعِضْهة وعِضَة. قَالَ: وإنّما العضاه الخالصُ مِنْهُ مَا عظُم واشتدَّ شوكه. قَالَ: وَمَا صغُر من الشوك فإنّه يُقَال لَهُ العِضُّ والشِّرس. قَالَ: والعِضُّ والشِّرس لَا يُدعَيانِ عِضاهاً.
قلت: وَقد مرَّ هَذَا فِي بَاب العض بِأَكْثَرَ من هَذَا الشَّرْح.
وَمن أَمْثَال الْعَرَب: (فلَان ينتجب عِضاهَ فلَان) ، مَعْنَاهُ أنّه ينتحل شِعره والانتجاب: أَخذ النَّجَب من الشّجر، وَهُوَ قِشره.
وَمن أمثالهم السائرة:
وَمن عِضَةٍ مَا يَنْبُتنَّ شَكيرُها
وَهُوَ كَقَوْلِهِم. (الْعَصَا من العُصَيّة) وَقَالَ الشَّاعِر:(1/95)
إِذا مَاتَ مِنْهُم ميِّتٌ سُرِق ابنُه
وَمن عِضَةٍ مَا يَنبتنَّ شكيرها
يُرِيد أنّ الابنَ يشبه الأبَ، فَمن رأى هَذَا ظنّه هَذَا، فكأنَّ الابْن مَسْرُوق. والشَّكير: مَا ينبُت فِي أصل الشَّجَرَة.
ع هـ ص: أهملت وجوهها.
ع هـ س: أَيْضا مُهْملَة الْوُجُوه.
(بَاب الْعين وَالْهَاء مَعَ الزَّاي)
اسْتعْمل من وجوهه: هزع، عزه.
هزع: أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر: مضى هزيعٌ من اللَّيْل كَقَوْلِك: مضى جَرْسٌ وجَرشٌ وهَدِىء كلّه بِمَعْنى وَاحِد.
قَالَ أَبُو عَمْرو: تهزّعت الْمَرْأَة فِي مِشيتها، إِذا اضْطَرَبَتْ. وَقَالَ أَبُو عبيد: وأنشدنا قولَ الراجز فِي صفة امْرَأَة:
إِذا مَشَتْ سَالَتْ وَلم تُقَرصِعِ
هزّ القَناةِ لَدْنةَ التهزُّعِ
قَالَ: قرصعت فِي مشيتهَا، إِذا قرمطت خُطاها.
وَقَالَ الأصمعيّ: مرّ فلانٌ يَهزَع ويَمْزَع، أَي يُسرع.
وَفرس مهتزِع: سريع. وَسيف مهتزع: جيّد الاهتزاز. وَأنْشد ابنُ السّكيت:
من كلِّ عَرّاصٍ إِذا هِزَّ اهتَزَعْ
مثل قُدامَى النَّسرِ مَا مَسَّ بَضَعْ
أَرَادَ بالعرّاص السَّيفَ البرّاق المضطرب. وَقَوله (إِذا هُزّ اهتزع) أَي إِذا اهتزَّ. وسيفٌ مهتزِعٌ: جيّد الاهتزاز إِذا هُزّ. وفرسٌ مهتزِع: شَدِيد العَدْو.
أَبُو تُرَاب: قَالَ الْأَصْمَعِي: مر فلانٌ يَهْزع ويَقْزِع، أَي يَعرُج، وَهُوَ أَن يعدوَ عدوا شَدِيدا أَيْضا. وَأنْشد ابْن السّكيت لرؤبة يصف الثور وَالْكلاب:
وَإِن دنتْ من أرضه تهزَّعا
أَرَادَ أنّ الكلابَ إِن دنت من قَوَائِم الثور تهزَّعَ، أَي أسرعَ فِي عدوه.
وَقَالَ الأصمعيّ وَغَيره: انهزَعَ عَظمُه انهزاعاً، إِذا انْكَسَرَ، وَقد هزّعه تهزيعاً. وَأنْشد:
لَفتاً وتهزيعاً سَوَاءَ اللَّفْتِ
أَي سِوى اللَّفت، وَهُوَ اللَّيُّ دونَ الْكسر.
الحرّاني عَن ابْن السّكيت: يُقَال: مَا فِي كِنَانَته أهزع، أَي مَا فِيهَا سهم.
قَالَ: فيتكلم بِهِ بِحرف الْجحْد. إلاّ أَنَّ النمر بن تولب قَالَ:
فَأرْسل سَهْما لَهُ أهزعا
فشكَّ نواهقَه والفَما
وَقَالَ اللَّيْث: الأهزع من السِّهام: مَا يبْقى فِي الكنانة وَحده، وَهُوَ أردؤها.
قَالَ: وَيُقَال مَا فِي الجَعْبة إلاَّ سهمُ هِزَاعٍ أَي وحدَه. وَأنْشد:
وبقيتُ بعدهُم كسهمِ هِزَاعِ
وَقَالَ العجاج:
لَا تَكُ كالرامي بغَيرِ أَهزَعا(1/96)
يَعْنِي كمن ليسر فِي كِنَانَته أهزع وَلَا غَيره، فَهُوَ يتكلّف الرَّمْي بِلَا سهمٍ مَعَه.
قَالَ: والتهزُّع: العُبوس والتنكُّر. يُقَال تهزَّعَ فلانٌ لفُلَان. قَالَ: واشتقاقه من هزيع اللَّيل، وَهِي ساعةٌ ذاتُ وَحْشَة.
عزه: أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: رجلٌ عِزهاةٌ وعِنْزَهوةٌ، كِلَاهُمَا العازفَ عَن اللَّهو قَالَ: وَقَالَ الكسائيّ: فِيهِ عِنْزهوة، أَي كِبْر.
قلت: وَالنُّون وَالْوَاو وَالْهَاء الْأَخِيرَة زائدات فِي العنزهوة.
وَقَالَ اللَّيْث: جمع العِزهاةِ عِزْهُونٍ، تسْقط مِنْهُ تِلْكَ الْهَاء وَالْألف الممالة، لِأَنَّهَا زَائِدَة فَلَا تستخلِف فَتْحة، وَلَو كَانَت أَصْلِيَّة مثل ألف مثنَّى لاستخلَفت فَتْحة كَقَوْلِك مُثَنَّوْن. قَالَ: وكلُّ ياءٍ ممالة مثل يَاء عِيسَى وياء مُوسَى فَهِيَ مَضْمُومَة بِلَا فَتْحة، تَقول فِي جمع مُوسَى وَعِيسَى عِيسُونَ ومُوسُونَ. وَتقول فِي جمع أعشى أعشَوْن، وَيحيى يحيَون لِأَنَّهُ على بِنَاء أفعل وَيفْعل، فَلذَلِك فتحت فِي الْجمع.
(بَاب الْعين وَالْهَاء مَعَ الطَّاء)
اسْتعْمل من وجوهه: هطع
وأهمل بَاقِي وجوهه.
هطع: قَالَ الله عزّ وجلّ {مُهْطِعِينَ مُقْنِعِى رُءُوسِهِمْ} (إِبْرَاهِيم: 43) . سمِعتُ أَبَا الْفضل المنذريّ يَقُول: المهطِع: الَّذِي ينظر فِي ذلَ وخشوع. والمُقْنِعُ: الَّذِي يرفع رَأسه وَينظر فِي ذلّ. وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن السريّ فِي قَوْله {مُهْطِعِينَ} (إِبْرَاهِيم: 43) : مسرٍ عين. وَأنْشد:
بدجلة أهلُها وَلَقَد أَرَاهُم
بدجلةَ مُهطِعين إِلَى السماعِ
أَي مُسرِعين وَهُوَ قَول أبي عُبَيْدَة.
وَيُقَال: أهطعَ الْبَعِير فِي سيره واستهطع إِذا أسْرع. وَقَالَ بعض المفسّرين فِي قَوْله {مُهْطِعِينَ} (إِبْرَاهِيم: 43) قَالَ: محمِّجين. والتحميج: إدامةُ النّظر مَعَ فتح الْعَينَيْنِ. وَإِلَى هَذَا ذهب أَبُو الْعَبَّاس.
وَقَالَ اللَّيْث: بعير مهطِع: فِي عُنُقه تصويب. وَيُقَال للرجل إِذا قرّ وذلّ: قد أربخَ وأهطَع. وَأنْشد اللَّيْث:
تَعَبّدني نِمْر بن سعد وَقد أُرى
ونمر بن سَعدٍ لي مطِيعٌ ومُهطِعُ
قَالَ: وهطَع يهطَع، إِذا أقبل على الشَّيْء ببصره.
وَقَالَ شمِر: لم أسمع (هاطع) إلاّ لطُفيل، وَهُوَ الناكس. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: أهطع وهَطَع، إِذا أسرعَ مُقبلا خَائفًا، لَا يكون إِلَّا مَعَ خوف.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: الهَطِيع: الطَّرِيق الْوَاسِع.
قلت: وَلم أسمع الهَطِيع بِمَعْنى الطَّرِيق لغيره، وَهُوَ من مَنَاكِيره الَّتِي يتفرد بهَا.
(بَاب الْعين وَالْهَاء مَعَ الدَّال)
اسْتعْمل من وجوهه: عهد، عده، هدع، دهدع(1/97)
عهد: وَفِي الحَدِيث أَن عجوزاً زارت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ، فَأقبل عَلَيْهَا وتخفَّى بهَا، فعاتّبتْهُ عائشةُ فِي إقباله عَلَيْهَا فَقَالَ: (إِنَّهَا كَانَت تَأْتِينَا أزمانَ خَدِيجَة، وإنَّ حُسْنَ الْعَهْد من الْإِيمَان) . قَالَ أَبُو عبيد: الْعَهْد فِي أَشْيَاء مُخْتَلفَة: فَمِنْهَا الحِفاظ ورعاية الْحُرْمَة، وَهُوَ هَذَا الَّذِي فِي هَذَا الحَدِيث. قَالَ: وَمِنْهَا الوصيّة، كَقَوْل سعد حِين خَاصم عَبْدَ بنَ زَمْعة فِي ابْن أمَة زمْعة فَقَالَ: (هُوَ ابْن أخي، عَهِدَ إليَّ فِيهِ أخي) ، أَي أوصى. قَالَ: وَمِنْه قَول الله جلّ وعزّ: {أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ} (يس: 60) يَعْنِي الوصيّة. قَالَ: والعَهد: الْأمان، قَالَ الله جلّ وعزّ: {لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} (البَقَرَة: 124) ، وَقَالَ: {فَأَتِمُّو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ} (التّوبَة: 4) . قَالَ: وَمن الْعَهْد أَيْضا الْيَمين يحلفُ بهَا الرجل يَقُول: عليّ عهدُ الله. قَالَ: وَمن الْعَهْد أَيْضا أَن تَعهد الرجلَ على حالٍ أَو فِي مَكَان فَتَقول: عَهدي بِهِ فِي مكانٍ كَذَا وَكَذَا، وبحالِ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: وَأما قَول النَّاس: أخذتُ عَلَيْهِ عَهد الله وميثاقَه، فَإِن العهدَ هَاهُنَا الْيَمين، وَقد ذَكرْنَاهُ.
قلت: والعهد: الْمِيثَاق، وَمِنْه قَول الله جلّ وعزّ: {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ} (النّحل: 91) .
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: العَهْد: جمع العَهْدة، وَهُوَ الْمِيثَاق وَالْيَمِين الَّتِي تستوثق بهَا ممّن يعاهدك؛ وإنَّما سمّي اليهودُ وَالنَّصَارَى أهل الْعَهْد للذمّة الَّتِي أُعطُوها والعُهْدة المشترطة عَلَيْهِم وَلَهُم. قَالَ: والعهد والعهدة وَاحِد. تَقول: برئتُ إِلَيْك من عُهدة هَذَا العَبْد، أَي مِمَّا يدركك فِيهِ من عيبٍ كَانَ معهوداً فِيهِ عِنْدِي قَالَ: وَيُقَال استعهَدَ فلانٌ من فلَان، أَي كتب عَلَيْهِ عُهدة وَأنْشد لجرير يهجو الفرزدقَ حِين تزوّجَ بنتَ زِيق:
وَمَا استعهدَ الأقوامُ من ذِي خُتونةٍ
من النَّاس إلاّ مِنْك أَو من مُحاربِ
قَالَ: وإنّما قيل (وليّ الْعَهْد) لِأَنَّهُ وليّ الْمِيثَاق الَّذِي يُؤْخَذ على مَن بايَعَ الْخَلِيفَة.
قَالَ: والعَهدة، بِفَتْح الْعين: أوّل مطرٍ، وجمعُها العِهاد. والوَلِيّ: الَّذِي يَليهَا من الأمطار، أَي يتّصل بهَا من الأمطار. قَالَ: والعَهْد: مَا عهدتَه فثافنتَه. تَقول: عهدي بفلانٍ وَهُوَ شابٌّ، أَي أَدْرَكته فرأيته كَذَلِك. وَكَذَلِكَ المَعْهَد.
وَقَالَ اللَّيْث: المعهَد: الْموضع الَّذِي كنتَ عهِدتَه أَو عهِدتَ بِهِ هوى لَك. والجميع الْمعَاهد. قَالَ: والمعاهَدة والاعتهاد والتَّعاهُد والتعهُّد وَاحِد، وَهُوَ إِحْدَاث الْعَهْد بِمَا عهِدته.
شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العِهاد: أوائِلُ الوسميّ، وَاحِدهَا عَهد. وَقَالَ أَبُو زيد: العَهْد الْمَطَر الأوّل، وَجَمعهَا العِهاد. يُقَال أرضٌ معهودة، إِذا عمَّها الْمَطَر. قَالَ: وَالْأَرْض المعهَّدة تعهيداً: الَّتِي تصيبها النُّفضة من الْمَطَر. والنُّفضة: المَطْرة تصيب الْقطعَة من الأَرْض وتخطىء الْقطعَة. يُقَال أَرض منفّضة تنفيضاً.
وَقَالَ ابْن شُميل: يُقَال مَتى عهدُك بفلان؟ أَي مَتى رؤيتك إيّاه؟ وعَهده: رُؤْيَته وَيُقَال(1/98)
أَنا أُعهِدُك من هَذَا الْأَمر، أَي أَنا كفيلك وَأَنا أُعهدك من إباقِه، أَي أُبرِّئك من إباقه.
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْأَحْمَر: يُقَال فِي كَرَاهَة المعايب: (المَلَسَى لَا عُهدة لَهُ) ، قَالَ أَبُو عبيد: مَعْنَاهُ أنّه خرجَ من الْأَمر سالما وانقصَى عَنهُ، لَا لَهُ وَلَا عَلَيْهِ.
قلت: وفسّره غَيره فَقَالَ: المَلَسَى أَن يَبِيع الرجلُ سلْعَة يكون قد سرقَها فيمَّلِسُ ويغيب عَن مشتريها ساعةَ يقبض ثمنهَا، فَإِن استُحقّت فِي يدَي المُشْتَرِي لم يتهيَّأ لَهُ أَن يتبع البَائِع بِضَمَان عهدتها، لِأَنَّهُ امَّلسَ هَارِبا واستخفى. وعُهدتها: أَن يبيعَها وَبهَا عيبٌ تُردُّ من مثله، أَو يكون فِيهَا استحقاقٌ لمَالِكهَا، والمَلَسَى ذَهابٌ فِي خُفية، كَأَنَّهَا صفةٌ لفَعْلته.
وَقَالَ اللِّحياني: يُقَال فِي عقله عُهدةٌ، أَي ضعف. وَفِي خطِّه عُهدة، إِذا لم يُقِم حروفَه.
وَقَالَ أَبُو سعيد: العَهِد: الَّذِي يحبُّ الولايات والعهود. وَقَالَ الْكُمَيْت:
نامَ المهلَّب عَنْهَا فِي إمارته
حَتَّى مضَت سَنَةٌ لم يَقْضِها العَهِدُ
قَالَ: وَكَانَ المهلَّب يحبُّ العهود.
وَأنْشد أَبُو زيد:
فهنَّ مُناخاتٌ يُجلَّلنَ زِينَة
كَمَا اقتانَ بالنَّبت العِهادُ المحوَّف
قَالَ أَبُو مَالك: المحوَّف الَّذِي قد نَبتَت حافاتُه، واستدار بِهِ النَّبَات. والعِهاد: مواقع الوسميّ من الأَرْض.
وَقَالَ النَّضر بن شُمَيْل: قَالَ الْخَلِيل بن أَحْمد: فَعَلَ لَهُ مَعْهُود ومشهود وَلَيْسَ لَهُ موعُود. قَالَ: مشهود يَقُول هُوَ الساعةَ، والمعهود مَا كَانَ من أمس، والموعود مَا يكون غَدا
أَبُو حَاتِم عَن أبي زيد: تعهدّت ضيعتي وكلّ شَيْء، وَلَا يُقَال تعاهدت.
قلت: وَقد أجَاز الفرّاء تعاهدت، رَوَاهُ عَنهُ ابْن السّكيت.
وَيُقَال: عاهدتُ الله ألاّ أفعل كَذَا وَكَذَا. وَمِنْه الذميُّ المعاهَد الَّذِي أُومنَ على شُروط استُوثِقَ مِنْهُ بهَا، وعَلى جزيةٍ يؤدِّيها، فَإِن لم يفِ بهَا حلَّ سفكُ دَمه.
وَقَالَ أَبُو زيد: من أمثالهم: (مَتى عهدُك بأسفلِ فِيك) ، وَذَلِكَ إِذا سألتَه عَن أمرٍ قديم لاعهدَ لَهُ بِهِ.
وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا يُقتل مؤمنٌ بِكَافِر، وَلَا ذُو عهدٍ فِي عَهْدِه) ، مَعْنَاهُ لَا يقتل مؤمنٌ بكافرٍ بتّةً لِأَنَّهُمَا غير متكافىء الدَّم، وإنّما يتكافأ دِمَاء الْمُؤمنِينَ. ثمَّ قَالَ: وَلَا يقتل ذُو الْعَهْد من الكفّار، أَي ذُو الذمّة والأمان، مَا دامَ على عَهده الَّذِي عُوهِد عَلَيْهِ، فَنهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قتل الْمُؤمن بالكافر، أيَّ كَافِر كَانَ. وَنهى عَن قتل الذمّي المعاهَد الثَّابِت على عَهده.
عده: العَيْدَه: السيّء الخلُق من الْإِبِل وَغَيره. قَالَ رؤبة:
وخَبْطَ صِهميم الْيَدَيْنِ عَيدهِ
وَيُقَال: فِيهِ عَيدهَةٌ وعيدهيّة، أَي كِبْر. وكلُّ من لَا ينقاد للحقّ ويتعظّم فَهُوَ عَيدَه(1/99)
ٌ وعَيداه. وَقَالَ الشَّاعِر:
وَإِنِّي على مَا كَانَ من عَيْدهِيّتي
ولُوثة أعرابيّتي لأرِيبُ
هدع: قَالَ الباهليّ: الهَودع: النعام.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: هِدَعْ زجرٌ للبَكر تسكّنه. وَيُقَال إِن رجلا أتَى السُّوقَ ببكرٍ لَهُ يَبِيعهُ، فساومَه بِهِ رجل فَقَالَ: بكم البَكر؟ قَالَ: إنّه جمل. قَالَ: هُوَ بَكر فَبَيْنَمَا هُوَ يماريه إذْ نفر الْبكر فَقَالَ صَاحبه، هِدَعْ وَإِنَّمَا يُقَال هِدَعْ للبَكر ليسكن، فَقَالَ: (صَدَقني سِنُّ بكرِه) .
دهع: قَالَ اللَّيْث: دَهاعِ ودَهْدَاع: زجرٌ للعُنوق. وَيُقَال دَهدعَ بهَا راعيها دَهدعة، وَكِلَاهُمَا مجروران. وَيُقَال دَهَّع بهَا أَيْضا.
(بَاب الْعين وَالْهَاء مَعَ التَّاء)
اسْتعْمل من وجوهه: عته، عهت.
عته: أَبُو الْعَبَّاس عَن عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الْمَعْتُوه والمخفوق: الْمَجْنُون. قَالَ: وَقَالَ ابنُ الأعرابيّ: قَالَ المفضّل: رجل معتّه، إِذا كَانَ مَجْنُونا مضطرباً فِي خَلْقه. وَرجل معتّه، إِذا كَانَ عَاقِلا معتدلاً فِي خَلْقه.
قَالَ أَبُو العبّاس: وَقَالَ الأصمعيّ نَحوا من ذَلِك.
وَقَالَ أَبُو سعيد الضَّرِير: تعتّه فلانٌ فِي كَذَا وَكَذَا، وتأرّب، إِذا تنوَّقَ وبالغَ. وفلانٌ يتعتّه لَك عَن كثيرٍ ممّا تَأتيه، أَي يتغافل عَنْك فِيهِ.
وَقَالَ اللَّيْث: الْمَعْتُوه: المدهوش من غير مَسِّ جُنون قَالَ: والتعتُّه: التجنُّن وَأنْشد لرؤبة:
عَن التصابي وَعَن التعتُّهِ
وَقَالَ غَيره: عُتِه فلانٌ فِي الْعلم، إِذا أولعَ بِهِ وحَرَص عَلَيْهِ. وعُتِه فلَان فِي فلَان، إِذا أولع بإيذائه ومحاكاة كَلَامه وحركاته وَيُقَال هُوَ عَتيهُه، وَجمعه العُتَهاء. وَهُوَ العَتاهة والعتاهية: مصدر عُتِهَ، مثل الرفاهة والرَّفاهيَة.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: مَا كانَ فلانٌ معتوهاً وَلَقَد عُتِه عتْهاً.
عهت: روى أَبُو الوزاع عَن بعض الْأَعْرَاب: فلانٌ متعهِّتٌ، إِذا كَانَ ذَا نِيقة وتخيُّر؛ وَكَأَنَّهُ مقلوب عَن المتعتِّه.
ع هـ ظ
ع هـ ذ
ع هـ ث
أهملت وجوهها.
(بَاب الْعين وَالْهَاء مَعَ الرَّاء)
اسْتعْمل من وجوهه: عهر، هرع، هعر.
عهر: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الْوَلَد للفِراش وللعاهر الْحجر) ، العاهر: الزَّانِي.
قَالَ أَبُو زيد: وَيُقَال للْمَرْأَة الْفَاجِرَة عاهرة، ومُعاهِرة، ومسافحة.
وَقَالَ أَبُو عبيد: معنى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وللعاهر الْحجر) ، أَي لَا حقّ لَهُ فِي النّسَب؛ وَهُوَ كَقَوْلِك: لَهُ التُّراب، وبِفيه الأثلَب، أَي لَا شَيْء لَهُ.
وروى أَبُو عُمر عَن أَحْمد بن يحيى وَمُحَمّد بن يزِيد أَنَّهُمَا قَالَا: يُقَال للْمَرْأَة(1/100)
الْفَاجِرَة العَيهَرَةُ. قَالَا: وَالْيَاء فِيهَا زَائِدَة، وَالْأَصْل عَهَرة مثل ثَمَرَة.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن المفضّل بن سَلمَة أَنه قَالَ: لَقِي عبدُ الله بن صَفْوَان بن أُميَّة أَبَا حاضرٍ الأسيِّديّ أسيّد بن عَمْرو بن تَمِيم فراعَه جمالُه فَقَالَ لَهُ: مِمَّن أَنْت؟ قَالَ: من بني أسيِّد بن عَمْرو، وَأَنا أَبُو حَاضر. فَقَالَ: أُفَّةً لَك: عُهيرَةٌ تيّاس. قَالَ أَبُو طَالب: والعُهَيرة: تَصْغِير العَهِر. قَالَ: والعَهر: العاهر، وَهُوَ الزّاني.
وَقَالَ ابْن شُميل: قَالَ رؤبة: العاهر: الَّذِي يتبع الشرَّ، زَانيا كَانَ أَو سَارِقا.
وَقَالَ اللَّيْث: العَيْهرة من النِّسَاء: الَّتِي لَا تستقرُّ نَزَقاً فِي مكانٍ فِي غير عِفّة.
هعر: قَالَ اللَّيْث: يُقَال هيعرت الْمَرْأَة وتهيعرت، إِذا كَانَت لَا تستقرُّ فِي مَكَان.
قلت: كأنَّه عِنْد اللَّيْث مقلوب من العيهرة، لِأَنَّهُ جعل مَعْنَاهُمَا وَاحِدًا.
هرع: أَبُو الْعَبَّاس عَن عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: يُقَال: للمجنون: مهروع مخفوع ممسوس.
وَقَالَ غَيره: الهَرِعة من النِّسَاء: الَّتِي تُنزِل حِين يخالطها الرجل قبلَه شَبَقاً وحِرصاً على جمَاعه إِيَّاهَا. والهَيْرَع: الرجل الجَبان وَمِنْه قَول ابْن أَحْمَر:
ولستُ بهَيْرَعٍ خَفِقٍ حَشَاهُ
إِذا مَا طيّرتْه الريحُ طارا
وَأما قَول الله عزّ وجلّ: {وَجَآءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ} (هُود: 78) فإنّ أَبَا الْفضل أَخْبرنِي عَن أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى أَنه قَالَ: الإهراع: إسراعٌ فِي طمأنينة. ثمَّ قيل لَهُ: إسراع فِي فَزَع؟ فَقَالَ: نعم.
وَقَالَ الكسائيّ: الإهراع: إسراعٌ فِي رِعدة. وَقَالَ المهلهل:
فَجَاءُوا يُهرَعون وهم أسارَى
نَقُودهم على رغم الأنوفِ
وَقَالَ اللَّيْث: (يُهرَعون وهم أُسارى) ، أَي يساقون ويعجّلون. يُقَال هُرِعوا وأهرِعوا قَالَ: وَإِذا أشرعَ القومُ رماحَهم ثمَّ مضَوا بهَا قيل: هرّعوا بهَا. وَقد تهرَّعت الرِّماحُ، إِذا أَقبلت شَوارع. وَأنْشد قَوْله:
عِنْد البديهة والرماح تهرّع
قَالَ: ورجلٌ هَرِع: سريع الْبكاء.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي وَأبي عَمْرو: الهَرِع: الْجَارِي، وَقد هَرع وهَمع، إِذا سَالَ. قَالَا: وريحٌ هَيْرَعٌ: تَسْفِي التُّرَاب.
وروى أَبُو تُرَاب لأبي عمرٍ وَقَالَ: المهروع: المصروع من الْجهد. وَقَالَهُ الكسائيّ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الهَيرع والهَيْلع: الضَّعِيف، وَقَالَ الباهليّ: هِيَ الفَرَعة والهَرَعَة، للقملة الصَّغِيرَة.
وَقَالَ أَبُو سعيد: هِيَ الفَرْعة والهَرْعَة.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: أُهرِع الرجلُ إهراعاً، إِذا أَتَاك وَهُوَ يُرعَد من الْبرد. وَقد يكون الرجلُ مُهرَعاً من الحمَّى والغَضَب، وَهُوَ حِين يُرعَد. والمُهرَع أَيْضا: الْحَرِيص جَاءَ بِهِ كلِّه أَبُو عبيد فِي بَاب مَا جَاءَ فِي لفظ مفعول بِمَعْنى فَاعل.
هعر: قَالَ بعضُهم: الهَيْعرونُ: الدَّاهية. وَيُقَال للعجوز المسنَّة هَيعرون، كأنَّها(1/101)
سمِّيت بالداهية.
قلت: وَلَا أحقُّ الهَيعَرون وَلَا أُثبته، وَلَا أَدْرِي مَا صحّته.
(بَاب الْعين وَالْهَاء مَعَ اللَّام)
اسْتعْمل من وجوهه: عله، عهل، لهع، هلع.
عله: أَبُو عبيد قَالَ: العَلِهُ: الَّذِي يتردّد متحيّراً، والمتبلّد مثله. وَمِنْه قَول لبيد يصف بقرة وحشيةً أكل السباعُ ولدَها:
عَلِهت تبلَّدُ فِي نِهاء صُعائدٍ
سَبعاً تُؤاماً كَامِلا أيامُها
وَقَالَ غَيره: فرسٌ عَلْهَى: نشيطة نزقة.
وَقَالَ اللَّيْث: العَلْهان: مَن تنازعه نفسُه إِلَى الشرّ. والفعلُ عَلِهَ عَلَهاً. قَالَ: والعَلْهان: الجائع، وَالْمَرْأَة عَلْهَى. قَالَ: والعَلَه أَصله الحِدّة والانهماك وَأنْشد:
وجُردٍ يَعْلَهُ الدَّاعِي إِلَيْهَا
مَتى ركب الفوارسُ أَو مَتى لَا
قَالَ: والعَلْهان. الظَّليم. والعالِهُ: النّعامة. قَالَ: والعَلَه أَيْضا: خُبثُ النفْس وأذى الخُمار.
وَقَالَ أَبُو سعيد: رجلٌ عَلْهان عَلاَّن. فالعَلْهان: الجازع والعَلاَّن: الجائع.
وَقَالَ شمر: قَالَ خَالِد بن كُلْثُوم: العَلْهاء: ثَوْبَان يُندَف فيهمَا وبر الْإِبِل يَلْبسهُمَا الشُّجاع تَحت الدِّرع يتوقّى بهما من الطعْن. وَقَالَ عَمْرو بن قمئة:
وتَصَدَّى لِتَصرَعَ البَطَلَ الأر
وَعَ بَين العَلْهاء والسِّربالِ
وَقَالَ شمر فِي كِتَابه فِي السِّلَاح: من أَسمَاء الدروع الْعلمَاء بِالْمِيم، قَالَ: وَلم أسمعهُ إِلَّا فِي بَيت زُهَيْر بن جَنَاب:
وتصدَّى لتصرعَ البَطلَ الأر
وَعَ بَين العَلْماء والسِّربالِ
قَالَ: تصدَّى يَعْنِي الْمنية لتصيب البطل المتحصِّن بدرعه وثيابه. وقرأت القَوْل الأول لَهُ بخطِّه أَيْضا فِي كِتَابه (غَرِيب الحَدِيث) فظننتُ أَنه رَوَاهُ مرّة بِالْهَاءِ وَمرَّة بِالْمِيم.
عهل: أَبُو عبيد: العيهل: السريعة من الْإِبِل.
وَقَالَ اللَّيْث مثله. قَالَ: وَامْرَأَة عيهلة: لَا تستقرّ نَزقاً تَرَدَّدُ إقبالاً وإدباراً. قَالَ: وَيُقَال للْمَرْأَة عيهل وعيهلة، وَلَا يُقَال للناقة إِلَّا عيهل. وَأنْشد:
ليَبكِ أَبَا الجدعاء ضيفٌ مُعيَّلٌ
وأرملةٌ تغشى الدَّواخنَ عَيهلُ
وَأنْشد غَيره:
فَنعم مُناخ ضِيفانٍ وتَجْر
ومُلقَى زِفر عيهلةٍ بَجَالِ
وَقَالَ شمر: نَاقَة عَيْهلة: ضخمة عَظِيمَة. قَالَ: وَلَا يُقَال جمل عيهل، وَيُقَال نَاقَة عيهلة وعَيهل، وَقَالَ عبد الله بن الزبير الأسديّ:
جُماليّة أَو عَيْهل شَدْقمية
بهَا من نُدوب النِّسعِ والكُور عاذرُ
لهع: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: فِي فلانٍ لهيعةٌ، إِذا كَانَ فِيهِ فَتْرَة وكسل.
وَقَالَ اللَّيْث: اللَّهِع من الرِّجَال:(1/102)
المسترسل إِلَى كلَ. وَقد لَهِعَ لَهَعاً، فَهُوَ لَهِعٌ ولهيع.
وَقَالَ غَيره: رجلٌ فِيهِ لَهيعةٌ ولهاعةٌ، أَي غَفلَة. وَقيل: اللهِيعة: التَّواني فِي الشِّرَاء وَالْبيع حتَّى يُغبَن.
وَقَالَ الأصمعيّ: تَلَهْيَعَ فِي كَلَامه، إِذا أفرطَ، وَكَذَلِكَ تَبلتَعَ. قَالَ: وَدخل مَعْبَد بن طَوق العنبريّ على أَمِير فتكلَّم وَهُوَ قائمٌ فَأحْسن، فَلَمَّا جلس تَلهيَعَ فِي كَلَامه فَقيل لَهُ: يَا معبد، مَا أظرفك قَائِما وأمْوَقك جَالِسا فَقَالَ: إِذا قُمت جَدَدْت، وَإِذا جلستُ هزلت.
هلع: قَالَ الله جلّ وعزّ: {فَأَوْعَى إِنَّ الإِنسَانَ} (المعَارج: 19) . أَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي طَالب عَن أَبِيه عَن الْفراء أَنه قَالَ: الهَلُوع: الضَّجور، وصفتُه كَمَا قَالَ الله تَعَالَى ذكره: {هَلُوعاً إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً} (المعَارج: 20) {جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً} (المعَارج: 21) . فَهَذِهِ صفة الهَلُوع. وَقد هَلِعَ يَهلَعُ هَلَعاً.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن سَلمَة عَن الْفراء أَنه قَالَ: نَاقَة هِلواعٌ، وَهِي الَّتِي تضجر فتسرع بالسير.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: الهَلُوع: الَّذِي يفزع ويجزع من الشَّرّ.
وَقَالَ اللَّيْث: نَاقَة هِلواعٌ: حَدِيدَة سريعة مِذعان. قَالَ الطِّرِمَّاح:
قد تبطّنتُ بهِلواعةٍ
عُبْرِ أسفارٍ كَتوم البُغامْ
وَقد هَلْوَعَتْ هَلْوعةً، إِذا مَضَت وجدَّت.
قَالَ: والهوالع من النَّعام، الْوَاحِدَة هَالِع وهالعة، وَهِي الحديدة فِي مُضيِّها. وَأنْشد الباهليُّ قَول المسيَّب بن عَلَس يصف نَاقَة شبَّهها بالنعامة:
صَكَّاء ذِعلبة إِذا استدبرتَها
حَرَج إِذا استقبلتها هِلواعِ
قَالَ: وَقَالَ الأصمعيّ: نَاقَة هِلواعٌ: فِيهَا نَزَق وخِفّة. وَقَالَ غَيره: هِيَ النَّفور وَقَالَ الباهليّ: قَوْله (صَكّاء) شبّهها بالنعامة ثمَّ وصفَ النعامة بالصَّكَك، وَلَيْسَ الصكَّاء من صفة النَّاقة.
أَبُو عبيد عَن أبي زَيد: يُقَال: مَا لَهُ هِلّع وَلَا هِلّعة، أَي مَاله جدي وَلَا عَنَاق.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الهَوْلع: الجَزَع.
وَقَالَ أَبُو الْوَازِع عَن الأشجعيّ: رجلٌ هَمَلَّع وهَوَلَّعٌ، وَهُوَ من السُّرعة.
وَقَالَ غَيره: ذئبٌ هُلَعٌ بُلَع. والهُلَع: الْحَرِيص على الشَّيْء. والبُلَع من الابتلاع.
(بَاب الْعين وَالْهَاء مَعَ النُّون)
اسْتعْمل من وجوهه: عهن، هنع، نهع.
عهن: أَبُو الْعَبَّاس: عَن سَلمَة عَن الْفراء: فلَان عاهن، أَي مسترخٍ كسلان. وَقَالَهُ ابْن الْأَعرَابِي. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: أصل العاهن أَن يتقصَّف الْقَضِيب من الشَّجَرَة وَلَا يَبِين مِنْهَا فَيبقى معلَّقاً مسترخياً. قَالَ: والعاهن فِي غير هَذَا: الطَّعام الْحَاضِر، والشَّراب الْحَاضِر.
وَقَالَ أَبُو عبيد: العاهن: الْحَاضِر. وَأنْشد قَول كثير:(1/103)
وَإِذ معروفُها لَك عاهنُ
قلت: وَرَأَيْت فِي الْبَادِيَة شَجَرَة لَهَا وردة حمراءُ يسمُّونها العِهْنة.
والعِهْنُ: الصُّوف الْمَصْبُوغ ألواناً، وَجمعه عُهونٌ. وَمِنْه قَوْله جلَّ وعزَّ: {الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ} (القَارعَة: 5) .
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال لكلّ صُوفٍ عِهنٌ، والقطعة عِهنة وَأنْشد أَبُو عبيدٍ:
فاضَ فِيهِ مثلُ العهون من الرَّوْ
ضِ وَمَا ضَنَّ بالإخاذ غُدُرْ
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الأصمعيّ: يُقَال للسَّعَفات اللواتي يَلِينَ القِلَبةَ العَواهن فِي لُغَة أهل الْحجاز قَالَ: وأمّا أهل نجد فيسمُّونها الخَوَافي.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو الشيبانيّ: العَواهن: عُروق فِي رحم النَّاقة. وَقَالَ ابنُ الرِّقاع:
أوكَتْ عَلَيْهِ مَضِيقاً من عواهنها
كَمَا تضمَّنَ كشحُ الحُرَّةِ الحبَلاَ
(عَلَيْهِ) : على الْجَنِين. وَقَالَ شمر: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: عَواهنها: مَوضِع رَحمهَا من بَاطِن، كعواهن النّخل.
وَقَالَ أَبُو الْجراح: عَهَنت عواهنُ النّخل تَعهَنُ، إِذا يبِست. قَالَ: وَهِي الجرائد.
وَقَالَ أَبُو زيد: رمَى بالْكلَام على عواهنه، إِذا لم يبال أصابَ أم أَخطَأ.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العِهَان والإهان، والعُرهون والعُرجون، والفِتاق، والعَسَق، والطَّريدة، واللَّعِين، والضِّلَع والعُرجُدُّ، وَاحِد.
قلت: والكلُّ أصل الكِباسة
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: وَيُقَال إِنَّه ليَحْدِسُ الكلامَ على عواهنه، وَهُوَ أَن يتعسَّف الكلامَ وَلَا يتأتّى. وَيُقَال إنّه لعِهْنُ مالٍ، إِذا كَانَ حسنَ الْقيام عَلَيْهِ. وَيُقَال: خُذْ من عاهن المَال وآهنِه، أَي من عاجله وحاضره. وَيُقَال عَهنتُ على كَذَا أعْهَنُ، الْمَعْنى أَي أُثبِّى مِنْهُ مَعرِفةً.
هنع: أَبُو عبيد عَن أبي زيد: الهَنْعَة من سمات الْإِبِل فِي منخفض الْعُنُق؛ يُقَال بعير مهنوع، وَقد هُنِع هَنْعاً.
والهَنْعة: كوكبان أبيضان بَينهمَا قِيدُ سَوط يَطلُعان على إِثْر الهَقْعة فِي المجرَّة. وَقَالَ بَعضهم: الهَنْعة قَوس الجوزاء يرمِي بهَا ذراعَ الْأسد، وَهِي ثَمَانِيَة أنجم فِي صُورَة قَوس.
والهَنَع: تطامنٌ والتواءٌ فِي عُنق الْبَعِير. وَقد هَنِع هَنْعاً. وظليمٌ أهنَع ونعامةٌ هَنْعاء، وَهُوَ التواءٌ فِي عُنُقهَا حَتَّى يقصر لذَلِك عَمَّا يفعل الطَّائِر الطَّوِيل الْعُنُق من بَنَات المَاء والبرّ.
وَفِي الحَدِيث ذكر رجل فِيهِ هَنَعٌ قَالَ شمر: الهَنَع: أَن يكون فِيهِ انحناءٌ قَلِيل مثل الجنأ. وَقَالَ رؤبة:
والجنّ وَالْإِنْس إِلَيْهَا هُنَّعُ
أَي خُضوع.
وَقَالَ أَبُو زيد: الهَنْعاء من النوق: الَّتِي انحدرت قَصَرتُها وأشرفَ حاركُها. وَقَالَ بعض الْعَرَب: نَدْعُو الْبَعِير الْقَائِل بعنقه إِلَى الأَرْض أهنَع، وَهُوَ عيبٌ. قَالَ: والهَنَع فِي العُفر من الظّباء خاصّة دون الأُدْم، وَذَلِكَ أنّ فِي أَعْنَاق العُفْر قِصَراً. قَالَه ابْن الْأَعرَابِي.(1/104)
نهع: قَالَ اللَّيْث: نهع يَنهَع نُهوعاً، إِذا تهوَّع للقيء وَلم يَقْلِسْ شَيْئا.
قلت: هَذَا حرف مُريبٌ وَلَا أحقّه.
عفه: أهمله اللَّيْث وَغَيره. وروَى بَعضهم بَيت الشَّنفرَى:
عُفاهيّة لَا يُقصر السِّترُ دونَها
وَلَا تُرتجى للبيت مَا لم تُبَيِّتِ
قيل العُفاهيّة: الضَّخمة، وَقيل هِيَ مثل العُفاهمة. يُقَال عَيش عُفاهمٌ، أَي ناعم.
قلت: أمّا العُفاهية فَلَا أعرفهَا، وَأما العُفاهمة فمعروف صَحِيح.
(بَاب الْعين وَالْهَاء مَعَ الْبَاء اسْتعْمل من وجوهه: هبع، عهب
هبع: أَبُو عُبيد عَن الأصمعيّ: الهُبَع: الحُوار الَّذِي يُنْتج فِي الصَّيف فِي آخر النِتاج، وَالْأُنْثَى هُبَعة. وسمِّي هُبَعاً لِأَنَّهُ يهبَع إِذا مشَى، أَي يمدُّ عنقَه ويتكاره ليدرك أمّه. وَأنْشد الْأَصْمَعِي:
كأنَّ أوبَ ضَبْعِه المَلاَّذِ
ذَرعُ اليمانينَ سَدَى المِشواذِ
يستهبع المُواهِقَ المحاذي
عافيهِ سَهواً غير مَا إجراذِ
قَوْله (يستهبع المواهق) أَي يُبطره ذَرْعَه فيحمله على أَن يهبع. والمواهقُ: المبارى.
وَقيل الحُمُر كلُّها تَهبَع فِي مشيتهَا، أَي تمدّ عنقَها.
وَقَالَ ابْن السّكيت: الْعَرَب تَقول: مَاله هُبَع وَلَا رُبَع. فالرُّبع: مَا نُتج فِي أوّل الرّبيع. والهُبَع: مَا نتج فِي الصَّيف. قَالَ: وَقَالَ الأصمعيّ: سَأَلت جبر بن حبيب: لمَ سُمِّي الهُبَع هُبَعاً؟ فَقَالَ لأنّ الرِّباعَ تنْتج فِي رِبْعيّة النّتاج، أَي فِي أَوله، ويُنتَج الهُبَع فِي الصيفية، فَإِذا ماشَى الرِّباعَ أبطرْنَهُ ذَرْعَه لأنَّها أقوى مِنْهُ فهَبَع، أَي اسْتَعَانَ بعنقه فِي مِشيته.
عهب: أَبُو الْعَبَّاس عَن عَمْرو عَن أَبِيه أَنه قَالَ: أتيتُه فِي رُبَّى شبابه، وحِدْثَى وعِهِبَّى شبابه وعِهِبَّاء شبابه، يقصر ويمد. وَأنْشد:
على عِهِبَّى عَيشِها المخرفَجِ
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: يُقَال عَوهَبَه وعَوهَقَه، إِذا ضلَّله. وَهُوَ العِيهابُ والعِيهاق.
وَقَالَ اللَّيْث: العيهب: الضَّعيف من الرِّجَال عَن طلبِ وِتره. وَأنْشد:
حللتُ بِهِ وِتري وأدركتُ ثُؤرتي
إِذا مَا تناسَى ذَحلَه كلُّ عَيهبِ
وَقَالَ أَبُو زيد: عَهِبتُ الشيءَ أعهبَه، وغَهِبته أغهَبه، إِذا جهلته. وَأنْشد:
وكائن ترى من آمل جمع همةٍ
تقضَّت لياليه وَلم تقضَ أنحبُهُ
لُمِ المرءَ إِن جاءَ الْإِسَاءَة عَامِدًا
وَلَا تُحْفِ لوماً إنْ أَتَى الذنبَ يَعهبُه
أَي يجهله. وكأنَّ العيهب مَأْخُوذ من هَذَا.(1/105)
قلت: وَالْمَعْرُوف فِي هَذِه الْحُرُوف الْغَيْن، وَقد أوضحتُه فِي بَابه.
(بَاب الْعين وَالْهَاء مَعَ الْمِيم)
اسْتعْمل مِنْهُ: عهم، عَمه، همع، مهع.
همع: أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: هَمَعت عينُه إِذا سَالَتْ دموعها. وَقَالَ: غَيره: تهمَّع الرجلُ إِذا تباكى. وسحابٌ هَمِعٌ: ماطر. وَإِذا سقط الطَّلُّ على الشّجر ثمَّ سَالَ قيل: هَمَع. وَقَالَ العجَّاج:
بادَرَ مِن ليل وطَلَ أهمعا
اللَّيْث: الهَيْمَع: الموتُ الوحِيُ. قَالَ: وذبحه ذبحا هيمعاً، أَي سَرِيعا.
قلت: هَكَذَا قَالَ اللَّيْث الهيمع بِالْعينِ وَالْيَاء قبل الْمِيم. وَقَالَ أَبُو عبيد: سَمِعت الْأَصْمَعِي يَقُول الهِمْيع: الْمَوْت. وَأنْشد للهذلي:
من المُربِعين وَمن آزلٍ
إِذا جنَّه الليلُ كالناحط
قبله:
إِذا وَرَدُوا مِصرهم عُوجلوا
من الْمَوْت بالهِميعِ الذَّاعطِ
هَكَذَا رَوَاهُ الروَاة بِكَسْر الْهَاء وَالْيَاء بعد الْمِيم.
قلت: وَهُوَ الصَّوَاب. قلت: والهيمع عِنْد البصراء تَصْحِيف.
مهع: وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ أَنه قَالَ: المَهْع، الْمِيم قبل الْهَاء: تلوُّن الْوَجْه من عارضٍ فادح. وأمّا المَهْيَع فَهُوَ مَفعَل من هاع يهيع، وَالْمِيم لَيست بأصليّة.
عَمه: قَالَ الله جلّ وعزّ: {فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} (البَقَرَة: 15) قَالَ أهل اللُّغَة: العَمِه والعامه: الَّذِي يتردّد متحيّراً لَا يَهْتَدِي لطريقه ومذهبِه. وَقَالَ رؤبة:
ومَهمهٍ أطرافُه فِي مَهمهِ
أعمى الهُدى بالجاهلين العُمَّهِ
وَمعنى يعمهون يتحيّرون. وَقد عَمِه يعمَه عَمَهاً. وَقَالَ بَعضهم: العَمَه فِي الرَّأْي والعَمَى فِي الْبَصَر.
قلت: وَيكون العَمَى عَمَى الْقلب، يُقَال رجلٌ عَمٍ، إِذا كَانَ لَا يبصر بِقَلْبِه.
عهم: أَبُو عبيد: نَاقَة عَيْهم عيهل، وَهِي السَّريعة.
وَقَالَ غَيره: عَيهم: مَوضِع بالغَور من تِهامة.
وروى ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العَهْميُّ الضَّخم الطَّوِيل.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: العَيهمانُ: الرجل الَّذِي لَا يُدلج، ينَام على ظهر الطَّرِيق. وَأنْشد:
وَقد أُثيرُ العَيهَمانَ الراقدا
قَالَ: والعياهيم: نَجَائِب الْإِبِل، وَقيل العياهيم الشدادُ من الْإِبِل، الْوَاحِد عَيهم وعيهوم. وَيُقَال للفِيل الذّكر عَيْهم.
وَقَالَ اللَّيْث: نَاقَة عيهامة: مَاضِيَة. قَالَ: وعيهمتها: سرعتها. وَجَمعهَا عياهيم. وَقَالَ ذُو الرمّة:
هَيْهَات خَرقاءُ إلاّ أَن يُقرِّبَها
ذُو الْعَرْش والشَّعشعاناتُ العياهيمُ(1/106)
وَقَالَ غَيره: العَيهوم: الْأَدِيم الأملس. وَأنْشد لأبي دُوَاد:
فتعفَّت بعد الرَّباب زَمَانا
فَهِيَ قَفرٌ كأنَّها عيهومُ
وَقيل شبّه الدَّار فِي دروسها بالعَيْهم من الْإِبِل، وَهُوَ الَّذِي أنضاه السَّيرُ حتّى بلاّه، كَمَا قَالَ حُميد بن ثَوْر:
عَفَتْ مِثْلَمَا يَعفُو الطَّليحُ وأصبحتْ
بهَا كِبرياءُ الصَّعب وَهِي رَكوبُ
أَبْوَاب الْعين وَالْخَاء)
وَمَا يليهما من الْحُرُوف)
ع خَ غ: مهمل
ع خَ ق: مهمل
ع خَ ك: مهمل
ع خَ ج: مهمل
(بَاب الْعين وَالْخَاء مَعَ الشين)
اسْتعْمل من وجوهه: خشع.
وأهملت الْوُجُوه الأُخر
خشع: فِي الحَدِيث: (كَانَت الْكَعْبَة خُشعةً على المَاء وَبَعْضهمْ رَوَاهُ: كَانَت حَشَفة فدُحِيتْ مِنْهَا الأَرْض) .
وسمعتُ الْعَرَب تَقول للحَثْمة اللاطئة بِالْأَرْضِ: هِيَ الخُشْعة، وَجَمعهَا خُشَع.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الخُشعة: الأكَمة. قَالَ: وَهِي الحَثْمة، والسَّرْوَعة، والصائدة، والقائدة.
وَقَالَ شمر: قَالَ أَبُو زيد: خَشَعت الشَّمْس وكَسفَتْ وخسفت بِمَعْنى وَاحِد.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو صَالح الكلابيّ: خشوع الْكَوَاكِب إِذا غارت فَكَادَتْ تغيب فِي مَغيبها. وَأنْشد:
بدر تَكاد لَهُ الكواكبُ تخشعُ
وَقَالَ أَبُو عدنان: خَشَعت الْكَوَاكِب، إِذا دنت من المغيب. وخضعت أَيدي الْكَوَاكِب، إِذا مَالَتْ لِتَغَيُّبٍ.
وَقَالَ الله جلّ ثَنَاؤُهُ: {نُّكُرٍ خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الاَْجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ} (القَمَر: 7) وقرىء: (خَاشِعًا أَبْصَارهم) . قَالَ الزّجاج: نَصب {نُّكُرٍ} (القَمَر: 7) على الْحَال، الْمَعْنى يخرجُون من الأجداث (خُشَّعاً) . قَالَ: وَمن قَرَأَ (خَاشِعًا) فعلى أنَّ لَك فِي أَسمَاء الفاعلين إِذا تقدّمت على الْجَمَاعَة التَّوْحِيد نَحْو (خَاشِعًا أَبْصَارهم) ، وَلَك التَّوْحِيد والتأنيث لتأنيث الْجَمَاعَة كَقَوْلِك: (خاشعة أَبْصَارهم) . قَالَ: ولكَ الْجمع نَحْو {نُّكُرٍ خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الاَْجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ} (القَمَر: 7) تَقول مَرَرْت بشبابٍ حسن أوجههم، وحسانٍ أوجههم، وحسنة أوجههم. وَأنْشد:
وشبابٍ حَسَنٍ أوجهُهم
من إياد بن نزار بن مَعَدّ
وَقَالَ جلّ وعزّ: {وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَانِ} (طاه: 108) أَي سكنت. وكلُّ سَاكن خاضع خاشع.
والتخشُّع لله: الإخبات والتذلُّل.
وَإِذا يَبِسَتْ الأَرْض وَلم تُمطَر قيل: قد خَشَعت. قَالَ الله تَعَالَى: {وَتَرَى الاَْرْضَ هَامِدَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَآءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} (الحَجّ: 5) . سمعتُ العربَ تَقول: رَأَيْت أَرض بني فلانٍ خاشعةً هامدة مَا فِيهَا خضراء. وخشَعَ سَنامُ الْبَعِير، إِذا أُنضِي(1/107)
َ فَذهب شحمُه وتطأطأ شرفُه. وجِدار خاشع، إِذا تداعى واستوى مَعَ الأَرْض. وَقَالَ النَّابِغَة:
ونُؤيٌ كجِذم الحوضِ أثلم خاشعُ
قَالَ اللَّيْث: خشع الرجل يخشَع خشوعا، إِذا رمَى ببصره إِلَى الأَرْض. واختَشَع، إِذا طأطأ صَدره وتواضع. قَالَ: والخُشُوع قريبٌ من الخضوع، إلاّ أَن الخضوع فِي الْبدن وَالْإِقْرَار بالاستخداء، والخشوع فِي الْبدن والصَّوت وَالْبَصَر. قَالَ الله: {وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَانِ} (طاه: 108) :
وَقَالَ ابنُ دَريد: خشَع الرجل خَراشيَّ صدرِه، إِذا رمَى بهَا.
قلت: جعل خشَع وَاقعا، وَلم أسمعهُ لغيره.
(بَاب الْخَاء وَالْعين مَعَ الضَّاد)
اسْتعْمل من وجوهه:
خضع: قَالَ الله جلّ وعزّ: {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} (الشُّعَرَاء: 4) . أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي جَعْفَر الغسّاني عَن سَلَمة عَن أبي عُبَيْدَة، أَن يُونُس أخبرهُ عَن أبي عَمْرو أَنه قَالَ: خاضعين لَيْسَ من صفة الْأَعْنَاق، إِنَّمَا هُوَ من صفة الْكِنَايَة عَن الْقَوْم الَّذين فِي آخر الْأَعْنَاق، فَكَأَنَّهُ فِي التَّمْثِيل: فظلَّت أَعْنَاق الْقَوْم خاضعين، فالقومُ فِي مَوضِع هم.
وَقَالَ الكسائيّ: أَرَادَ فظلت أعناقُهم خاضِعِيها هم، كَمَا تَقول: يدُك باسطها، تُرِيدُ أَنْت، فاكتفيتَ بِمَا ابتدأتَ من الِاسْم أَن تكُرَّه.
قلت: وَهَذَا غير مَا قَالَ أَبُو عَمْرو.
وَقَالَ الْفراء: الْأَعْنَاق إِذا خضعت فأربابها خاضعون. فجعلَ الفعلَ أوّلاً للأعناق ثمَّ جعل خاضعين للرِّجَال. قَالَ: وَهَذَا كَمَا تَقول: خضعت لَك، فتكتفي من قَوْلك خضعَتْ لَك رقبتي.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: قَالَ خاضعين وذكّر الْأَعْنَاق، لِأَن معنى خضوع الْأَعْنَاق هُوَ خضوع أَصْحَاب الْأَعْنَاق، لمَّا لم يكن الخضوع إلاّ بخضوع الْأَعْنَاق جَازَ أَن يخبر عَن الْمُضَاف إِلَيْهِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
رَأَتْ مَرَّ السِّنينَ أَخذْنَ منّي
كَمَا أخذَ السِّرارُ من الهلالِ
لمّا كَانَت السنون لَا تكون إِلَّا بمرّ أخبر عَن السنين وَإِن كَانَ أضافَ إِلَيْهَا الْمُرُور. قَالَ: وَذكر بعضُهم وَجها آخر، قَالُوا: مَعْنَاهُ فظلت أَعْنَاقهم لَهَا خاضعين هم، وأضمر (هُمْ) وَأنْشد:
ترى أرباقَهم متقلِّدِيها
كَمَا صَدِىء الحديدُ على الكُماةِ
قَالَ: وَهَذَا لَا يجوز مثلُه فِي الْقُرْآن. فَهَذَا على بدلِ الغلَط يجوز فِي الشّعْر، كَأَنَّهُ قَالَ ترى أرباقهم ترى متقلّديها، كَأَنَّهُ قَالَ: ترى قوما متقلّدي أرباقهم.
وَقلت: وَهَذَا الَّذِي قَالَه الزّجاج مَذْهَب الْخَلِيل. وَمذهب سِيبَوَيْهٍ أنّ بدل الْغَلَط لَا يجوز فِي كتاب الله عزّ وجلّ.
قلت: وخضَع فِي كَلَام الْعَرَب يكون لَازِما وواقعاً، تَقول خضعتُه فخضَع وَمِنْه قَول جرير:(1/108)
أعدّ الله للشعراء منّي
صواعقَ يَخضَعون لَهَا الرقابا
فَجعله وَاقعا مُتَعَدِّيا. وَيُقَال خضع الرجلُ رقبتَه فاختضعَتْ وخضَعت.
وَقَالَ ذُو الرمّة:
يظلُّ مختضِعاً يَبْدُو فتنكرهُ
حَالا ويسطع أَحْيَانًا فينتسبُ
مختضعاً: مطأطىء الرَّأْس. والسُّطوع: الانتصاب، وَمِنْه قيل للرجلِ الأَعنَق: أسطع. وَفِي حَدِيث عمر أَن رجلا فِي زَمَانه مرّ برجلٍ وَامْرَأَة قد خَضَعا بَينهمَا حَدِيثا، فضربَ الرجلَ حتّى شجَّه، فرُفِع إِلَى عُمرَ فأهدرَه.
شِمر عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الْعَرَب تَقول: اللَّهم إِنِّي أعوذ بك من الخُنوع والخضوع. فالخانع: الَّذِي يَدْعُو إِلَى السَّوءة، والخاضع نَحوه. وَقَالَ رؤبة:
مِن خالباتٍ يختلبن الخُضعا
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الخُضَّع: اللواتي قد خضَعن بالْقَوْل ومِلْن. قَالَ: وَالرجل يخاضع الْمَرْأَة وَهِي تخاضعه، إِذا خضَع لَهَا بِكَلَام وخضعتْ لَهُ فيطمع فِيهَا. وَمن هَذَا قَول الله عزّ وجلّ: {إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِى فِى} (الأحزَاب: 32) . وَقَالَ الْكُمَيْت يصف نسَاء ذواتِ عفاف:
إذْ هُنّ لَا خُضُع الحدي
ث وَلَا تكشَّفت المَفاضِل
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الاختضاع: المرّ السَّرِيع. وَأنْشد فِي صفة فرسٍ جواد:
إِذا اخْتَلَط المسيحُ بهَا تولّت
بسَومٍ بَين جَرْيٍ واختضاعِ
الْمَسِيح: العَرق يَقُول: إِذا عرقت أخرجت أفانينَ جَريها.
أَبُو عبيد: الخَيضَعة: الْبَيْضَة.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن الْأَثْرَم عَن أبي عُبَيْدَة قَالَ: يُقَال لبيضة الْحَدِيد الخَيضَعَة، والرّبيعة. وَأنْشد:
والضاربون الهامَ فَوق الخيضَعَهْ
وَقَالَ شمر: قَالَ ابْن الأعرابيّ: الخيضعة: الغُبار. قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو: هُوَ صَوت الْقِتَال. قَالَ: وَقَالَ اللَّيْث: الخيضعة حَيْثُ يخضع الأقرانُ بعضُهم لبَعض. قَالَ: وَيُقَال (للسّيوف خَضَعة) ، وَهُوَ صَوت وقعها.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد قَالَ: الخَضِيعة: صَوتٌ يخرج من قنْب الْفرس الحِصانِ، وَهُوَ الوقيب. وَأنْشد:
كَأَن خَضِيعةَ بطن الجوا
دِ وعوعةُ الذِّئْب فِي الفدفدِ
والأخضع من الرِّجَال: الَّذِي فِيهِ جَنَأٌ، وَقد خَضِع يخضَع خَضَعاً، فَهُوَ أخضَع.
وخضَعت أَيدي الْكَوَاكِب، إِذا مَالَتْ لِتَغَيُّبٍ. وَقَالَ ابْن أَحْمَر:
تكَاد الشَّمْس تخضع حِين تبدو
لهنَّ وَمَا وَبِدنَ وَمَا لُحِينا
وَقَالَ ذُو الرمة:
إِذا جعلت أَيدي الْكَوَاكِب تخضعُ
وخضعت الْإِبِل، إِذا جَدَّت فِي سَيرهَا. وَقَالَ الكُميت:(1/109)
خواضع فِي كلِّ ديمومة
يكَاد الظليم بهَا ينحَلُ
وإنَّما قيل ذَلِك لأنّها خضعت أعناقَها حِين جدّ بهَا السَّير. وَمِنْه قَول جرير:
وَلَقَد ذكرتكِ والمطيُّ خواضعٌ
وكأنهنّ قطا فلاةٍ مَجهلِ
ع خَ ص
ع خَ س
أهملت وجوهها.
(بَاب الْعين وَالْخَاء مَعَ الرَّاء)
اسْتعْمل من وجوهه:
خزع: يُقَال خَزَعت الشَّيْء فانخزعَ، كَقَوْلِك قطعته فَانْقَطع وخزَّعتُ اللَّحْم تخزيعاً، إِذا قطّعته قِطَعاً. وَيُقَال: تخزّعت من فلانٍ شَيْئا، إِذا أَخَذته مِنْهُ. وَهَذِه خِزْعة لحم تخزَّعتها من الجَزُور، أَي اقتطعتها.
وَقَالَ مبتكر الْكلابِي: اختزعتُه عَن الْقَوْم واختزلته، إِذا قطعته عَنْهُم.
وَقَالَ إِسْحَاق بن الْفرج: سَمِعت خَليفَة الحُصينيّ يَقُول: اختزعَ فلَانا عِرْقُ سَوء فاختزله، أَي اقتطعه دونَ المكارم وقعدَ بِهِ.
وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : يُقَال بِهِ خَزعة، وَبِه خَمعة، وَبِه خزلة، وَبِه قَزْلة، إِذا كَانَ يظلع من إِحْدَى رجلَيْهِ.
وَقَالَ ابْن السّكيت: قَالَ أَبُو عِيسَى: يبلغ الرجلَ عَن مَمْلُوكه بعضُ مَا يكره فَيَقُول: مَا يزالُ خُزَعَةٌ خَزَعَهُ، أَي شَيْء سَنَحه عَن الطَّرِيق. وَمعنى سنَحه أَي عَدَله وَصَرفه، وَهُوَ الرجل. قَالَ: وخزغني ظَلْع فِي رجْلي، أَي قطعني عَن الْمَشْي.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال خزعَ فلانٌ عَن أَصْحَابه، إِذا كَانَ مَعَهم فِي مَسيرٍ فخنسَ عَنْهُم. قَالَ: وسمِّيت خُزاعة بِهَذَا الِاسْم لأنّهم لمّا سَارُوا مَعَ قَومهمْ من مأرِبَ فَانْتَهوا إِلَى مكّة تخزَّعوا عَنْهُم فأقاموا، وَسَار الْآخرُونَ إِلَى الشَّام. وَقَالَ حسان:
فَلَمَّا هبَطْنا بطْنَ مرَ تخزَّعتْ
خُزاعةُ عنّا بالحُلول الكَراكرِ
وَقَالَ ابْن السّكيت: قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: إنَّما سُمُّوا خُزَاعة لأَنهم انخزعوا من قَومهمْ حِين أَقبلُوا من مأرب فنزلوا بِظَاهِر مَكَّة. قَالَ: وهم بَنو عَمْرو بن ربيعَة وَهُوَ لحيّ ابْن حَارِثَة، أوّل من بَحر البحائر وغيّر دين إبراهيمج.
ع خَ ط
أهملت وجوهه:
(بَاب الْعين وَالْخَاء مَعَ الدَّال)
اسْتعْمل من وجوهه:
خدع: قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو زيد: يُقَال خدعته خدعاً وخديعة. وَأنْشد قَول رؤبة:
فقد أُداهي خِدْعَ مَن تخدَّعا
وَأَجَازَ غَيره خَدْعاً بِالْفَتْح.
وَقَالَ أَبُو الْحسن اللحياني: يُقَال خدعَتِ السوقُ وانخدعت، أَي كسدت. قَالَ: وَقَالَ أَبُو الدِّينار فِي حَدِيثه: والسُّوق خادعةٌ، أَي كاسدة. قَالَ: وَيُقَال رجل(1/110)
خدّاع وخَدُوع وخُدَعة، إِذا كَانَ خَبّاً. والخُدْعة: مَا يُخدَع بِهِ.
وَقَالَ أَبُو عبيد: سمعتُ الكسائيّ يَقُول الحربُ خُدَعة. قَالَ: وَقَالَ أَبُو زيد مثلَه خُدَعة. قَالَ: ورجلٌ خُدْعة، إِذا كَانَ يُخدَع. وروى فِي الحَدِيث: (الحربُ خَدْعةٌ) ، أَي يَنْقَضِي أمرُها بخَدْعةٍ وَاحِدَة وَقيل (الحربُ خُدْعة) ، ثَلَاث لُغَات، وأجودها مَا قَالَ الكسائيّ وَأَبُو زيد (خُدَعة) .
وَيُقَال: خدَعَتْ عينُ الرجل، إِذا غارت. وخدعَ خَيرُ الرجل، أَي قلّ. وخدعت الضبعُ فِي وِجارها. وَقَالَ أَبُو العميثل: خَدَعَ الضبُّ إِذا دخَلَ فِي وجارِه ملتوياً. وخدَع الثَّعْلَب، إِذا أخذَ فِي الرَّوَغان. ورفعَ رجلٌ إِلَى عمر ابْن الخطّاب مَا أهمَّه من قُحوط الْمَطَر، فَقَالَ لَهُ: (خدَعَتِ الضِّباب وجاعت الْأَعْرَاب) .
والخَدُوع من النُّوق: الَّتِي تدُرُّ مرَّةً وترفع لبنَها مرّة. وطريقٌ خَدوع، إِذا كَانَ يَبين مرّةً وَيخْفى أُخْرَى وَقَالَ الشَّاعِر:
ومستكرهٌ من دارس الدَّعس داثرٌ
إِذا غفلت عَنهُ الْعُيُون خَدوعُ
وَقَالَ اللِّحياني: خدعتُ ثوبي خَدْعاً وثنيتُه ثَنْياً، بِمَعْنى وَاحِد. وخادعت الرجلَ بِمَعْنى خدعته، وعَلى هَذَا يوجَّه قَول الله جلّ وعزّ: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} (النِّساء: 142) مَعْنَاهُ أَنهم يقدِّرون فِي أنفسهم أَنهم يخدعون الله وَالله هُوَ الخادعُ لَهُم، أَي الْمجَازِي لَهُم جزاءَ خداعهم.
وَقَالَ شمر: روى الأصمعيُّ بيتَ الرَّاعِي:
وخادعَ المجدَ أقوامٌ لَهُم وَرَقٌ
راحَ العضاهُ بِهِ والعرقُ مدخولُ
قَالَ: خادعَ: ترك. قَالَ شِمر: وَرَوَاهُ أَبُو عَمْرو: (وخادعَ الْحَمد) ، قَالَ: وفسَّره أَنهم تركُوا الْحَمد، أَي أَنهم لَيْسُوا من أَهله.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الخِداع: المنْع. والخِداع: الْحِيلَة.
وَقَالَ اللَّيْث: خادعتُه مخادعةً وخداعاً.
ورجلٌ مخدَّع: خُدِع مرَارًا. قَالَ: والخَيْدع: الرجل الخدوع. وطريقٌ خَيدعٌ وخادع، وغَوْلٌ خيدع: جَائِر عَن الْقَصْد وَلَا يُفطَن لَهُ.
والأخدعان: عِرْقان فِي صفحتي الْعُنُق قد خفِيا وبَطَنا. والأخادعُ الجميعُ. ورجلٌ مخدوع: قد أُصِيب أخدعُه.
والمُخْدَع والمِخدع: الخِزَانة.
وأخدعتُ الشَّيْء، إِذا أخفيتَه.
وَمن أَمْثَال الْعَرَب: (أخدع من ضبَ حَرشْتَه) ، وَهُوَ من قَوْلك خدَع منّي فلَان، إِذا توارى وَلم يظْهر.
وروى ابْن الأنباريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الخادع: الْفَاسِد من الطَّعَام وَغَيره. وَأنْشد قَوْله:
إِذا الرِّيقُ خَدَعْ
قَالَ أَبُو بكر: فَتَأْوِيل قَوْله جلّ وعزّ: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ} (البَقَرَة: 9) : يفسدون مَا يُظهرون من الْإِيمَان بِمَا يُضمِرون من(1/111)
الْكفْر، كَمَا أفسَد الله نِعَمهم فِي الدُّنْيَا بِأَن أصارَهم إِلَى عَذَاب النَّار.
وَفِي حديثٍ مَرْفُوع: (يكون قبل خُرُوج الدجّال سنونَ خَدّاعة) ، قَالَ شِمر: السنون الخوادع: القليلة الْخَيْر الفواسد. قَالَ: وَيُقَال السُّوق خادعةٌ. إِذا لم يُقدَر على الشَّيْء إلاّ بغلاء. قَالَ: وَكَانَ فلانٌ يُعطِي فخَدَعَ، أَي أمسك ومَنَعَ.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: خدع الريقُ أَي فسد. وَقَالَ غَيره: نقصَ فتغيَّر. وماءٌ خادعٌ: لَا يُهتدى لَهُ.
أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر: خدعتِ السُّوق، إِذا قَامَت.
وَقَالَ الْفراء: بَنو أَسد يَقُولُونَ: إنَّ السُّوق لخادع، وَإِن السِّعر لخادع. وَقد خدعَ إِذا ارْتَفع وغلا.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي فِي قَوْله (سنُون خدّاعة) ، قَالَ: سنُون يقلُّ فِيهَا الْمَطَر. يُقَال خدعَ المطرُ إِذا قلّ، وخدع الرِّيقُ فِي فَمه إِذا قلّ. وَقَالَ غَيره: الخدّاعة الَّتِي يكثُر فِيهَا الْمَطَر، ويقلُّ النباتُ والرَّيع. كأنّه من الخديعة: وَالتَّفْسِير هُوَ الأول.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: الخَدْع: منع الحقّ. والختم: منع الْقلب من الْإِيمَان. قَالَ: والخُدَعة هم ربيعَة بن كَعْب بن سعد بن زيد مَنَاة بن تَمِيم.
ابنُ شُمَيْل: رجلٌ مخدَّع، أَي مجرَّس صَاحب دهاء ومَكْر، وَقد خُدِّع. وَأنْشد:
أبايع بَيْعاً من أريب مخدّعِ
وَإنَّهُ لذُو خُدْعة، وَذُو خُدَعاتٍ: أَي ذُو تجريب للأمور.
وبعيرٌ بِهِ خَادع وخالع، وَهُوَ أَن يَزول عَصَبُهُ فِي وظيف رجله إِذا برك. وَبِه خُويدِع وخُوَيلع والخادع أقلّ من الخالع. وفلانٌ خادعُ الرَّأْي، إِذا كَانَ متلوِّناً لَا يثبت على رَأْي وَاحِد. وَقد خدَعَ الدهرُ، إِذا تلوَّن.
(بَاب الْعين وَالْخَاء مَعَ التَّاء)
اسْتعْمل من وجوهه:
ختع: أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: دَليلٌ خُتَعٌ، وَهُوَ الماهر بالدّلالة.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال ختع يختع خُتوعاً، وَهُوَ ركوبُ الظُّلمة والمضيّ على الْقَصْد بِاللَّيْلِ كَمَا يفعل الدليلُ بالقوم. قَالَ رؤبة:
أعيَتْ إدلاَّءَ الفلاة الخُتَّعا
قَالَ: والخُتْعة: النَّمِرة الْأُنْثَى. والخَتيعة: تتَّخذ من أَدمٍ يغشَّى بهَا الْإِبْهَام لرمي السِّهام.
قلت: وَقَالَ ابْن شُمَيْل مثله فِي الخَتِيعَة.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الخِتاع: الدَّستبانات.
وَقَالَ شمر: يُقَال رجل خُتَعة وخُتَع، وَهُوَ السَّرِيع الْمَشْي الدَّليلُ. تَقول: وجدته خُتَعَ لَا سُكَعَ، أَي لَا يتحيّر. والخَوتع: الدَّلِيل أَيْضا. وَأنْشد:
بهَا يَضِلُّ الخَوتعُ المشهَّرُ
والخَوتع: الذُّباب الْأَزْرَق ذبابُ العُشْب.
وَمن أمثالهم: (هُوَ أشأم من خَوتعةَ) ،(1/112)
وَكَانَ رجلا من بني غُفَيلةَ بن قاسط مشئوماً. رَوَاهُ أَبُو عبيدٍ عَن ابْن الكلبيّ.
ع خَ ظ: مهمل.
(بَاب الْعين وَالْخَاء مَعَ الذَّال)
اسْتعْمل مِنْهُ:
خذع: قَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال خذّعته بِالسَّيْفِ تخذيعاً، إِذا قطّعته. وروى بَيت أبي ذُؤَيْب الهذليّ:
وَكِلَاهُمَا بطلُ اللِّقاءِ مخذَّعُ
مَعْنَاهُ أَنه مُعاودٌ للحروب قد جُرح فِيهَا جَرحاً بعد جَرح، وَقد شُطّب بِالسُّيُوفِ.
قَالَ: وَمن رَوَاهُ (مخدَّع) فَمَعْنَاه المدرّب الَّذِي خُدع مرَارًا حَتَّى حَذِق.
وَقَالَ اللَّيْث: الخَذْع قَطع فِي اللَّحْم، أَو فِي شَيْء رَطْب لَا صلابة لَهُ، مثل القَرعة تُخذَّع بالسكين، وَلَا يكون قطعا فِي عظم أَو فِي شَيْء صُلْب.
وَقَالَ غَيره: الخَذِيعة: طَعَام يتّخذ من اللَّحْم بِالشَّام.
وَقَول رؤبة:
كأنّه حاملُ جنبٍ أخذَعا
قَالَ ابْن الأعرابيّ: مَعْنَاهُ أَنه خُذع لحمُ جنبِه فتدلَّى عَنهُ.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه يُقَال للشِّواء: المخذَّع، والمَعلَّس، والوزيم، والسَّحساح.
ع خَ ث: مهمل.
(بَاب الْعين وَالْخَاء مَعَ الرَّاء)
اسْتعْمل من وجوهه:
خرع: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: ثوب مخرَّع: مصبوغ بالخِرِّيع، وَهُوَ العُصْفر.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد قَالَ: الخرِيع: الْفَاجِرَة من النِّسَاء. قَالَ شمر: وَكَانَ الْأَصْمَعِي يكره أَن تكون الخريع الْفَاجِرَة، قَالَ: وَهِي الَّتِي تتثنى من اللِّين. وَأنْشد لُعتْبة بن مرداس يَصِف مِشفر الْبَعِير:
تكفُّ شبا الأنياب عَنْهَا بِمشْفرٍ
خَريعٍ كسِبْتِ الأحوريّ المخصَّرِ
قَالَ: والخَرَاعة: الرَّخاوة، وَكَذَلِكَ الخَرَع. وَمِنْه قيل لهَذِهِ الشَّجَرَة الخِرْوع، لرخاوته، وَهِي شَجَرَة تحمل حَبّاً كأنّه بيضُ العصافير، يسمَّى السِّمسم الهنديّ.
وَقَالَ غَيره: يُقَال للْمَرْأَة الشابّة الناعمة اللينة خَرِيع. قَالَ: وَبَعْضهمْ يذهب بِالْمَرْأَةِ الخَرِيع إِلَى الْفُجُور. وَقَالَ كثير:
وفيهنَّ أشباه المها رعَت الملا
نواعمُ بيضٌ فِي الْهوى غير خُرَّعِ
وإنَّما نَفى عَنْهَا المقابح لَا الممادح. أَرَادَ غير فواجر.
وَيُقَال: اخترعَ فلانٌ الْبَاطِل، إِذا اخترقه.
والخَرْع: الشقُّ، يُقَال خرعته فانخرع، أَي شققته فانشقَّ. وانخرعت الْقَنَاة، إِذا انشقّت. وانخرعت أعضاءُ الْبَعِير، إِذا زَالَت عَن موَاضعهَا. وَقَالَ العجاج:
وَمن همزنا رأسَه تخرَّعا(1/113)
ورُوي عَن بعض التَّابِعين أَنه قَالَ: (لَا يَجزي فِي الصَّدقة الخَرِع) ، وَهُوَ الفصيل الضَّعِيف. وكلُّ ضعيفٍ خَرِعٌ. وغُصن خَرِعٌ: ليّن ناعم.
وَقَالَ الرَّاعِي يذكر مَاء:
معانقاً سَاق رَيّا ساقُها خَرِعُ
أَبُو عَمْرو: الخَرَاوِيع من النِّسَاء: الحِسان. وَامْرَأَة خِرْوعة: رَخْصة ليّنة.
وَقَالَ أَبُو سعيد: الاختراع والاختزاع: الْخِيَانَة وَالْأَخْذ من المَال. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الاختراع: الِاسْتِهْلَاك. وَفِي الحَدِيث: (إِن المُغيبةَ يُنفَق عَلَيْهَا من مَال زَوجها مَا لم تخترع مالَه) . وَتقول: اختزع فلانٌ عُوداً من الشَّجَرَة، إِذا كسرهَا.
أَبُو عبيد عَن الكسائيّ: من أدواء الْإِبِل الخُراع، وَهُوَ جنونُها. وناقة مخروعة. وَقَالَ غَيره: نَاقَة خريع ومخروعة، وَهِي الَّتِي أصابَها خُراع، وَهُوَ انقطاعٌ فِي ظهرهَا فَتُصْبِح باركةً لَا تقوم. قَالَ: وَهُوَ مرضٌ يفاجئها فَإِذا هِيَ مخروعة.
وَقَالَ شِمر: قَالَ ابْن بزرج: الْجُنُون، والطُّوفان، والثَّوَلُ، والخُراع، وَاحِد.
وروى أَبُو سعيد الخُدريّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (لَو سمع أحدكُم ضغطةَ الْقَبْر لجزِع) أَو (لخَرِع) . قَالَ شِمر: من رَوَاهُ خرِع فَمَعْنَاه انْكَسَرَ وَضعف. قَالَ: وكلُّ رِخْو ضَعيف خَرِيع وخَرِع. وَأنْشد لرؤبة:
لَا خرِعَ الْعظم وَلَا موصَّما
قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الخرِيع: الضَّعيف. وَقَالَ أَبُو النَّجْم يصف جَارِيَة:
فَهِيَ تَمَطَّى فِي شباب خِروَعِ
أَي ناعم.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: خَرِعَ الرجلُ إِذا استرخى رَأْيه بعد قوّة، وضُعف جسمهُ بعدَ صلابة. وَقيل: الخرَع الدهَش. وَقد خرِع خَرَعاً إِذا دَهِش.
(بَاب الْعين وَالْخَاء مَعَ اللَّام)
اسْتعْمل من وجوهه: خلع، خعل
خلع: يُقَال خلع الرجل ثَوْبه. وخلعَ امْرَأَته وخالعها، إِذا افتدت مِنْهُ بمالها فطلَّقها وأبانَها من نَفْسه. وسمِّي ذَلِك الْفِرَاق خُلْعاً لِأَن الله جلّ وعزّ جعل النِّسَاء لباساً للرِّجَال والرجالَ لبَاساً لهنّ، فَقَالَ: {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ} (البَقَرَة: 187) . وَهِي ضجيعته وضَجِيعُه، فَإِذا افتدت الْمَرْأَة بمالٍ تعطيه لزَوجهَا ليُبينَها مِنْهُ فأجابها إِلَى ذَلِك فقد بَانَتْ مِنْهُ وخلع كلُّ واحدٍ مِنْهُمَا لبَاس صَاحبه، وَالِاسْم من ذَلِك الخُلْع والمصدر الخَلْع. وَقد اخْتلعت الْمَرْأَة مِنْهُ اختلاعاً، إِذا افتدتْ بمالها. فَهَذَا معنى الخُلْع عِنْد الْفُقَهَاء.
وَالْخلْع، بِفَتْح الْخَاء: اللَّحْم يُؤْخَذ من الْعِظَام ويطبخ ويبزّرُ ثمَّ يَجْعَل فِي وعاءٍ يُقَال لَهُ القَرف ويُتزوّد بِهِ فِي الْأَسْفَار. قَالَ ذَلِك ابْن السّكيت وَغَيره.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ أنّه قَالَ: الخَولع: الفزَع. والخَولع: الرجل الأحمق. والخولع: الحنظل المدقوق الملتوت بِمَا يطيّبه ثمَّ يُؤْكَل، وَهُوَ(1/114)
المبسَّل. قَالَ: والخولع: اللَّحْم يُغلَى بالخَلِّ ثمَّ يُحمل فِي الْأَسْفَار. والخولع: الغُول. والخَولع: الذِّئْب. والخولع: المقامر الْمَحْدُود الَّذِي يُقْمَر أبدا. والخولع: الْغُلَام الْكثير الْجِنَايَات، مثل الخليع. وَأنْشد غَيره لجرير فِي الخولع: الفَزَع:
لَا يعجبنك أَن تَرى لمجاشعٍ
جَلَدَ الرِّجال وَفِي الْقُلُوب الخَولعُ
يَعْنِي الفزَع.
وخُلعة المَال وخِلعته: خِيَاره. أَبُو سعيد: سمِّي خِيار المَال خُلْعة لأنّه يَخلع قلبَ النَّاظر إِلَيْهِ. وَأنْشد الزّجاج:
وَكَانَت خُلْعَةً دُهساً صَفايا
يَصُور عُنُوقَها أحوى زَنيم
يَعْنِي المِعزَى، أنَّها كَانَت خياراً
والخِلْعة من الثِّيَاب: مَا خلعتَه فطرحتَه على آخر أَوْ لم تطرحه.
والخليع: الَّذِي يجني الْجِنَايَات يؤخَذ بهَا أولياؤه فيتبرءون مِنْهُ وَمن جناياته وَيَقُولُونَ: إنّا قد خلعنا فُلاناً فَلَا نأخُذُ أحدا بجنايةٍ تُجنَى عَلَيْهِ، وَلَا نؤاخَذ بجناياته الَّتِي يجنيها. وَكَانَ يسمَّى فِي الْجَاهِلِيَّة الخليع.
وَيُقَال للذئب خليع. وَيُقَال للشَّاطر من الفتيان: خليع لِأَنَّهُ خَلَعَ رسَنَه. وَيُقَال للصيّاد: خَليع.
والخَلْع كالنَّزْع إلاّ أَن فِيهِ مُهلة.
وَقَالَ اللَّيْث: المخلَّع من النَّاس: الَّذِي كأنَّ بِهِ هَبْتَةً أَو مَسَّاً. وَيُقَال فلانٌ يتخلَّع فِي مَشْيه، وَهُوَ هزُّه يَدَيْهِ. وَرجل مخلوع الْفُؤَاد، إِذا كَانَ فزِعاً قَالَ: والمخلَّع من الْعرُوض: ضربٌ من الْبَسِيط، كَقَوْل الْأسود بن يعفر:
مَاذَا وُقُوفِي على رسمٍ عَفا
مُخلَولقٍ دارسٍ مستعجمِ
وَيُقَال: أصابَه فِي بعض أَعْضَائِهِ خَلْع، وَهُوَ زَوَال المفاصل من غير بينونة. قَالَ: والبُسرة إِذا نَضِجَتْ كلُّها فَهِيَ خَالع. وَإِذا أسفَى السُّنبل فَهُوَ خَالع. يُقَال خلَع الزَّرْع يَخلَع خَلاعَةً.
والخَلَعْلَع من أَسمَاء الضِّباع.
وَيُقَال: خَلُعَ الشيْخُ، إِذا أَصَابَهُ الخالع، وَهُوَ التواء العرقوب. وَقَالَ الراجز:
وجُرّةٍ تَنْشُصها فتنتَشِصْ
من خالعٍ يُدركه فيهتبصْ
الجُرَّة: خَشَبَة يثقَّل بهَا حِباله الصَّائِد، فَإِذا نشب فِيهَا الصَّيْد أثقلتْه.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الخالع من الشّجر: الهشيم السَّاقِط.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي فِيمَا روى عَنهُ أَبُو الْعَبَّاس: خَلَعت العضَاهُ، إِذا أورقت. وَقَالَ غَيره: خلع الشجرُ، إِذا أنبتَ وَرقا طرياً. والخالع: دَاء يَأْخُذ فِي عرقوب الدَّابَّة.
وَفِي حَدِيث عُثْمَان أنّه كَانَ إِذا أُتيَ بِالرجلِ الَّذِي قد تخلَّع فِي الشَّرَاب المُسكِر جلدَه ثَمَانِينَ جلدَة. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: معنى قَوْله تخلَّع فِي الشَّرَاب هُوَ أَن يدمنَ فيشربَ الليلَ وَالنَّهَار. قَالَ: والخليع: الَّذِي قد خلعه أهلُه وتبرَّءوا مِنْهُ.
وَيُقَال خُلِع فلانٌ من الدِّين وَالْحيَاء. وقومٌ(1/115)
مبيِّنو الخلاعة.
خعل: أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو قَالَ: الخَيْعَل: قَمِيص لَا كُمَّيْ لَهُ. وَقَالَ غَيره. قد يقلب فَيُقَال الخَيْلع، وربّما كَانَ غير منصوح الفَرجَيْن. وَقَالَ تأبّط شرا:
مَشْي الهَلوكِ عَلَيْهَا الخَيْعَلُ الفُضُلُ
أَبُو الْعَبَّاس عَن سَلمَة عَن الْفراء قَالَ: الخَوْعلة: الاختباء من رِيبَة.
وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : اختلعوا فلَانا، أَي أخذُوا مَاله.
(بَاب الْعين وَالْخَاء مَعَ النُّون)
اسْتعْمل من وجوهه: خنع، نخع
خنع: رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (إنّ أنخعَ الْأَسْمَاء عِنْد الله أَن يتسمَّى الرجلُ باسم مَلِكِ الْأَمْلَاك) ، وَبَعْضهمْ يرويهِ: (إِن أخنع الْأَسْمَاء) . قَالَ أَبُو عبيد: فَمن رَوَاهُ أنخع أَرَادَ: إِن أفتلَ الْأَسْمَاء وأهلكَها لَهُ. والنَّخْع هُوَ الْقَتْل الشَّديد، وَمِنْه النَّخْع للذبيحة، وَهُوَ أَن يجوز بِالذبْحِ إِلَى النخاع.
وَمن روى (إِن أخنعَ الْأَسْمَاء) ، أَرَادَ أَن أشدَّ الْأَسْمَاء ذلاًّ وأوضعَها عِنْد الله. والخانع: الذَّلِيل الخاضع.
أَبُو الْعَبَّاس عَن سَلمَة عَن الْفراء عَن الدُّبيرية: يُقَال للجمل المتَنوِّق مخنَّع وموضَّع.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن الصيداويّ عَن الرياشيّ: رجل ذُو خُنُعات، إِذا كَانَ فِيهِ فَسَاد. وَقد خنع فلانٌ إِلَى الْأَمر السيّء، إِذا مالَ إِلَيْهِ. وَيُقَال: لقِيت فلَانا بخَنْعةٍ فقهرته، أَي لقيتُه بخلاء. وَيُقَال لَئِن لقيتك بخَنْعة لَا تُفلتْ منّي. وَأنْشد:
تمنّيت أَن ألْقى فلَانا بخَنْعةٍ
معي صارمٌ قد أحدثَتْه صياقلُه
وَقَالَ اللَّيْث: الخانع: الْفَاجِر. يُقَال خَنَع إِلَيْهَا، إِذا مَال إِلَيْهَا للفجور. واطّلعتُ مِنْهُ على خَنْعة، أَي على فَجْرة. وَقَالَ الْأَعْشَى:
وَلَا يُرَونَ إِلَى جارَتهم خُنُعا
وخُنَاعة: قَبيلَة من هُذيل. والنَّخَع: قَبيلَة من الأزد.
وَقَالَ أَبُو زيد: خنَع لَهُ وَإِلَيْهِ، فَهُوَ يَخنع خُنوعاً، إِذا ضَرَعَ لَهُ وَطلب إِلَيْهِ وَلَيْسَ بِأَهْل أَن يَطلُب إِلَيْهِ. وأخنعتْه إِلَيْهِ الحاجةُ، أَي اضطرَّتْه، وَالِاسْم الخُنْعَةُ. واطّلعتُ مِنْهُ على خُنْعة، أَي فَجْرة.
قلت: يُقَال خَنَعةٌ وخُنْعة للفجرة.
نخع: وَفِي الحَدِيث: (ألاّ لَا تخنَعوا الذَّبيحة حتَّى تجِبَ) . والنَّخْع للذَّبيحة: أَن يَعجَل الذابحُ فَيبلغ القطعُ إِلَى النُّخاع.
والنُّخاع فِيمَا أخبر أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: خيطٌ أَبيض يكون داخلَ عظم الرقَبة، وَيكون ممتدّاً إِلَى الصُّلب. والمَنْخَع: مفصِل الفَهْقة بَين الرَّأْس والعُنق من بَاطِن.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال نَخَع فلانٌ لي بحقِّي وبَخَع، بِالْبَاء وَالنُّون، إِذا أذْعن.
وَهَكَذَا حكى أَبُو عبيد عَن أبي زيد. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الناخع: الَّذِي يبيِّن(1/116)
الْأُمُور. قَالَ: والنِّخاع والنُّخاع: خَيط الفَقَار المتّصل بالدِّماغ.
وتنخَّع السحابُ: إِذا قاء مَا فِيهِ من الْمَطَر.
وَقَالَ الشَّاعِر:
وحالكة اللَّيَالِي من جُمادى
تَنَخَّعَ فِي جَواشنِها السَّحابُ
(بَاب الْعين وَالْخَاء مَعَ الْفَاء)
اسْتعْمل من وجوهه:
خفع: أَبُو الْعَبَّاس عَن عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: المخفوع: الْمَجْنُون.
وَقَالَ اللَّيْث: خُفِع الرجلُ من الْجُوع فَهُوَ مخفوع. وَأنْشد لجرير:
يمشونَ قد نفخَ الخزيرُ بطونَهم
وغدَوا وضيفُ بني عِقالٍ يُخفَع
قَالَ: وانخفعت رئتُه، إِذا انشقَّتْ من دَاء يُقَال لَهُ الخُفاع. ورجلٌ خَوفَعٌ، وَهُوَ الَّذِي بِهِ اكتئاب ووجوم. وكلُّ من ضعف ووجَم فقد انخفَع وخُفِع، وَهُوَ الخُفَاع.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ انجعفت النَّخلة وانخفعت وانقعرت، وتجوّخت، إِذا انقلعتْ من أَصْلهَا.
(بَاب الْعين وَالْخَاء مَعَ الْبَاء)
اسْتعْمل من وجوهه: بخع، خبع، خعب.
بخع: قَالَ الله عزّ وجلّ: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىءَاثَارِهِمْ} (الْكَهْف: 6) قَالَ الْفراء: أَي مخرجٌ نفسَك وقاتلٌ نفسَك. وَقَالَ الْأَخْفَش: يُقَال بخعت لَك نَفسِي ونصحي، أَي جَهَدتهما، أبخع بخوعاً.
وَفِي حَدِيث عَائِشَة أَنَّهَا ذكرت عُمَر فَقَالَت: (بَخع الأرضَ فقاءت أُكُلَها) ، أَي استَخرجَ مَا فِيهَا من الْكُنُوز وأموال الْمُلُوك.
وَيُقَال بخعتُ الأرضَ بالزراعة، إِذا نهكتَها وتابعت حراثتها وَلم تجِمَّها عَاما، وبخعَ الوجدُ نفسَه، إِذا نهكها. وَقَالَ الشَّاعِر:
أَلا أيُّهذا الباخعُ الوجدِ نفسَه
لشيءٍ نَحتْه عَن يَدَيْهِ المقادرُ
وَقَالَ أَبُو زيد: بَخَع لَهُ بحقِّه، إِذا أقرَّ. وبَخَع لَهُ بِالطَّاعَةِ بُخوعاً.
وَفِي حَدِيث عُقْبة بن عَامر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (أَتَاكُم أهلُ اليمنِ، هم أرقُّ قلوباً وألينُ أَفْئِدَة وأبخعُ طَاعَة) وَرَوَاهُ نصر بن عليّ بإسنادٍ لَهُ، قَالَ نصر: قلت للأصمعيّ: مَا أبخعُ طَاعَة؟ قَالَت: أنصح طَاعَة. وَقَالَ غَيره: أبلغ طَاعَة.
خبع: قَالَ اللَّيْث: الخَبْع لُغَة تَمِيم فِي الخَبْء. وامرأةٌ خُبْعَةٌ خُبأة بِمَعْنى وَاحِد. قَالَ: وخبعَ الصبيُّ خُبوعاً إِذا فُحِم من الْبكاء، أَي انقطعَ نَفسُه.
خعب: الخَيعابة والخَيعامة: المأبون. وَقَالَ تأبط شرا:
وَلَا خَرعٍ خيعابةٍ ذِي غوائل
هَيامٍ كجفْر الأبطح المتَهَيِّلِ
ويروى: (خيعامة) .
(بَاب الْعين وَالْخَاء مَعَ الْمِيم)
اسْتعْمل من وجوهه: خمع، خعم(1/117)
خمع: أَبُو عبيد عَن الْفراء: الخِمْع: الذِّئب، وَجمعه أخماعٌ قَالَ: وَمِنْه قيل للِّصّ خِمْع.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الخِمع: اللصُّ. والخِمْع: الذِّئْب.
وَقَالَ شمر: الخوامع: الضِّباع، اسمٌ لَهَا لازمٌ؛ لأنّها تخمع خُماعاً وخَمَعاناً وخُموعاً.
وَقَالَ ابْن المظفَّر: خَمَع فِي مَشْيه، إِذا عَرَجَ. والخُمَاع: العَرَج.
خعم: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الخَيْعامة: المأبون. قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الضَّمَج هَيَجان الخَيْعامة، وَهُوَ المأبون.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الخوعم: الأحمق.
وروى عَمْرو بن أبي عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الخيعم والخيعامة، والمجبوس والجَبِيس، والمأبون والمتدثِّر، والمِثْفرُ، والمِثفار، والممسوح وَاحِد.
قَالَ اللَّيْث: وَقَالَ الْخَلِيل بن أَحْمد: لم يأتلف الْعين والغين فِي شَيْء من كَلَام الْعَرَب.
(أَبْوَاب الْعين وَالْقَاف)
ع ق ك
ع ق ج. أهملت وجوهها
(بَاب الْعين وَالْقَاف مَعَ الشين)
عقش، عشق، قشع، قعش، شقع: مستعملة.
عشق: سُئِلَ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى عَن الحبّ والعِشْق أَيهمَا أَحْمد؟ فَقَالَ الحبّ؛ لِأَن العِشق فِيهِ إفراط. قَالَ: وَقَالَ ابنُ الأعرابيّ: العُشُق المصلحون غُروسَ الرياحين ومُسوُّوها. قَالَ: والعُشُق من الْإِبِل: الَّذِي يلْزم طَروقتَه وَلَا يحنُّ إِلَى غَيرهَا. قَالَ: والعَشَق: اللَّبلابُ، واحدتها عَشَقةٌ. قَالَ والعُشُق: الْأَرَاك أَيْضا. قَالَ: وسمِّي العاشق عَاشِقًا لأنّه يذبُل من شدَّة الْهوى كَمَا تذبُل العَشقَة إِذا قُطعت.
وَقَالَ أَبُو عبيد: امرأةٌ عاشقٌ بِغَيْر هَاء، ورجلٌ عاشقٌ مثله.
قلت: وَالْعرب خذَفت الْهَاء من نعت الْمَرْأَة من حُروف كَثِيرَة. مِنْهَا قَوْلهم: (تحسبها حَمقاء وَهِي باخس) . وَيَقُولُونَ: امرأةٌ بالغٌ، إِذا أدْركْت. وَيَقُولُونَ للْأمة خَادِم، والرجلُ كَذَلِك فِي هَذِه الْحُرُوف.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال عَشِق يَعشَق عِشْقاً. قَالَ والعَشَق الْمصدر والعِشْق الِاسْم. وَقَالَ رؤبة يصف العَير والأتان:
وَلم يُضِعْها بَين فِركٍ وعَشَق
وَقَالَ أَبُو تُرَاب: العَشَق والعَسَق، بالشين وَالسِّين: اللّزوم للشَّيْء لَا يُفَارِقهُ، وَلذَلِك قيل للكَلِيفِ عاشقٌ للزومه هَوَاهُ. والمَعْشَق(1/118)
والعِشْقُ وَاحِد وَقَالَ الْأَعْشَى:
وَمَا بِي من سُقْم وَمَا بِي مَعْشَقُ
عقش: أَبُو سعيد: العَقْش: أَطْرَاف قُضبان الْكَرم. وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ العَقَش: ثَمر الْأَرَاك، وَهُوَ الحَثَر، والجَهَاض، والغَيْلة والكبَاث.
قعش: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: القُعوش من مراكب النِّسَاء شبه الهوادج، وَقَالَ رؤبة يصف السَّنَة:
حدباء فكّت أُسُر القُعوشِ
قَالَ: وَاحِدهَا قَعْش.
وَقَالَ اللَّيْث نَحوا مِمَّا قَالَه، قَالَ: والقَعْش كالقَعْض وَهُوَ الْعَطف.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: تَقَعْوَشَ الْبناء وتقعوَسَ، إِذا انهدمَ. قَالَ: وانقعش الْحَائِط، إِذا انقلع. وانقعشَ القومُ، إِذا انقلعوا فَذَهَبُوا.
قشع: رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة أَنه قَالَ: (لَو حدّثتكم بكلِّ مَا أعلم لرميتموني بالقشع) .
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الأصمعيّ وَغَيره: القِشَع: الْجُلُود الْيَابِسَة، الْوَاحِد مِنْهَا قَشْع.
قَالَ أَبُو عبيد: وَهَذَا على غير قِيَاس الْعَرَبيَّة ولكنّه هَكَذَا يُقَال. وَأنْشد قَول متمِّم يرثي أَخَاهُ:
وَلَا بَرَمٍ تُهدِي النساءُ لعِرْسِهِ
إِذا القَشْع من حِسِّ الشتَاء تقعقعا
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: القَشْعة: النُّخامة، وَجَمعهَا قِشَع. كأنّه أَرَادَ رميتموني بهَا اسْتِخْفَافًا بِي. وَقَالَ غَيره: القَشْعة: مَا تقلَّف من يَابِس الطِّين إِذا نَشّت الغُدران عَنهُ ورسَب فِيهَا طينُ السَّيل فجفَّ وتشقَّق. وَجَمعهَا قِشَع. فَكَأَنَّهُ أَرَادَ: لَو حدثتكم بكلِّ مَا أعلم لرميتموني بِالْحجرِ والمدر تَكْذِيبًا لحديثي. وَيُقَال للجلد الْيَابِس قَشْع وقِشْع.
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: قشعت الرّيح السَّحابة فأقشعت. قَالَ: وأقشع القومُ إِذا تفرّقوا.
وَقَالَ اللَّيْث: القَشْع: السَّحاب المتقشِّع عَن وَجه السَّمَاء. قَالَ: وانقشعَ الهمُّ عَن الْقلب. قَالَ: والقَشْعة: قطعةٌ من السَّحَاب، إِذا انقشع الْغَيْم تبقى القَشْعة فِي نواحي الأفُق. قَالَ: والقَشْعة: بيتٌ من أدَمٍ يُتّخَد من جُلُود الْإِبِل، والجميع قَشْع. قَالَ: وربّما اتُّخِد من جُلُود الْإِبِل صِوانٌ للمتاع يسمَّى قَشْعاً.
قَالَ شمر: قَالَ ابْن الْمُبَارك: القَشْعة: النِّطَع. قَالَ: وَقَالَ غَيره: هِيَ القِربة البالية.
قَالَ: وَمَات رجلٌ بالبادية فأوصى أَن ادفنوني فِي مَكَاني هَذَا وَلَا تنقُلوني عَنهُ، فَقَالَ:
لَا تَجْتَوِي القَشْعةُ الخرقاءُ مَبناها
النَّاس ناسٌ وَأَرْض الله سَوَّاها
قَالَ: الخرقاء: المتخرِّقة. وَقَوله مبناها، يَعْنِي بِهِ حَيْثُ بُنِيت القَشْعة. قَالَ: والاجتواء: ألاّ يوافقَك المكانُ وَلَا مَاؤُهُ.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: القِشَع: الأنطاعُ المُخْلِقة. قَالَ: وَقَول أبي(1/119)
هُرَيْرَة: (لرميتموني القِشَع) قَالَ: القِشَع هَاهُنَا: البُزَاق. وَقَالَ أَبُو سعيد: القِشَع: النُّخامة يقشمها الرجلُ من صَدره، أَي يُخرجهَا بالتنخُّم، أَي لبزقتم فِي وَجْهي.
شقع: قَالَ اللَّيْث: يُقَال شَقَع الرجل فِي الْإِنَاء، إِذا كرَع فِيهِ. وَمثله قَمَع، ومَقَع، وقَبَع، كلُّ ذَلِك من شدّة الشُّرب.
وَقَالَ غيرُه: شَقَعه بِعَيْنِه، إِذا لَقَعَه.
(بَاب الْعين وَالْقَاف مَعَ الضَّاد)
اسْتعْمل من وجوهه: قعض، قضع.
قعض: قَالَ اللَّيْث وَغَيره: القَعْض: عطفك الْخَشَبَة، كَمَا تُعطَف عُروش الكَرْم. وَقد قعضه فانقعضَ، أَي انحنى. وَقَالَ رؤبة:
أَطْرَ الصَّنَاعَيْنِ العريشَ القَعْضا
قضع: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: قُضاعة مَأْخُوذ من القَضْع، وَهُوَ الْقَهْر. يُقَال قَضَعه قَضْعاً. قَالَ: والقُضاعة أَيْضا: كلبة المَاء. قَالَ: وَكَانُوا أشدّاء كَلِبينَ فِي الحروب ونحوِ ذَلِك.
قَالَ اللَّيْث: وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي فِي مَوضِع آخر القُضاعة: القَهْر. وَبِه سمِّيت قضاعة.
(بَاب الْعين وَالْقَاف مَعَ الصَّاد)
عقص، صقع، صعق، قصع، قعص: مستعملة.
عقص: رُوِيَ عَن عمر بن الخطّاب أَنه قَالَ: (من لبّد أَو عَقَص فَعَلَيهِ الْحلق) يَعْنِي من المحرِمينَ بِالْحَجِّ أَو الْعمرَة. قَالَ أَبُو عبيد: العَقْص: ضربٌ من الضَّفْر، وَهُوَ أَن يُلوَى الشَّعَر على الرَّأْس، وَلِهَذَا يُقَال: للْمَرْأَة عِقْصة وَجَمعهَا عِقَصٌ وعِقاص. وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس يصف شعر امْرَأَة:
غدائره مستشزِراتٌ إِلَى العُلاَ
تَضِلُّ العِقاصُ فِي مثنَّى ومرسَلِ
وصفهَا بِكَثْرَة الشّعْر والتفافِه.
وَقَالَ اللَّيْث: العَقْص: أَن تَأْخُذ الْمَرْأَة كل خُصْلة من شعرهَا فتلويَها ثمَّ تَعقِدَها حتّى يبْقى فِيهَا التواءٌ ثمَّ تُرسلها؛ وكلُّ خُصلة عقيصة. قَالَ: وَالْمَرْأَة ربّما اتّخذَتْ عقيصةً من شعر غَيرهَا.
وَقَالَ شمر: سمعتُ ابْن الْأَعرَابِي يَقُول: العِقاص: المَدَارِي فِي قَول امرىء الْقَيْس. قَالَ: العَقْص والضَّفر ثَلَاث قُوًى، وقُوَّتان. قَالَ: وَالرجل يَجْعَل شعره عقيصتين وضفيرتين فيرُخيهما من جانبيه.
ثعلبٌ عَن ابْن الْأَعرَابِي: العِقاص، والرَّبَض، والحوِيّة، والحاوية وَاحِد، وَهِي الدُّوَّارة الَّتِي فِي بطن الشَّاة.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: العَقْصاء من المِعْزى: الَّتِي قد التوَى قرناها على أذنيها من خلفهَا. والقَصماء: الْمَكْسُورَة الْقرن الْخَارِج. والعَضْباء: الْمَكْسُورَة الْقرن الدَّاخِل، وَهُوَ المُشاش. والنَّصْباء: المنتصبة القرنين. وَقَالَ أَبُو عبيد: العَقِص من الرِّجَال: الضيِّق الْبَخِيل. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: العَقِص من الرَّمل كالعَقِد. وَقَالَ الأصمعيّ: المِعقَص: السهْم ينكسر نصله فَيبقى سِنْخُه فِي السهْم، فيُخرج ويُضرب حَتَّى يُطَوَّل ويردّ إِلَى مَوْضِعه فَلَا يسدّ(1/120)
مسدّهُ؛ لِأَنَّهُ دُقِّق وطُوِّل. قَالَ الْأَصْمَعِي: وَلم يدر النَّاس مَا مَعاقص فَقَالُوا مَشاقص، للنصال الَّتِي لَيست بعريضة. وَأنْشد للأعشى:
وَلَو كنتُم نبْلاً لكنتم معاقصا
وَرَوَاهُ غَيره: (مشاقصا)
قَالَ: وعقص أمره، إِذا لواه فلبَّسَه.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: المِعقاص من الْجَوَارِي: السيِّئة الخُلُق. قَالَ: والمِعقاص هِيَ النِّهاية فِي سوء الْخلق. قَالَ: والمِعقاص: الشَّاة المعوّجة الْقرن.
وَفِي (النَّوَادِر) : يُقَال أخذْتُه معاقصة ومقاعصة، أَي مُعازَّةً ومُغالبة.
قعص: رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنّه قَالَ: (مَن خَرج فِي سبيلِ الله فقُتِل قَعْصاً فقد اسْتوْجبَ المآب) . قلت: أَرَادَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه اسْتوْجبَ حُسن المآب، وَهُوَ قَول الله جلّ وعزَّ: {ذَالِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ} (ص: 25) ، فاختصر الْكَلَام.
قَالَ أَبُو عبيد: القَعْص: أَن يُضرب الرجلُ بالسِّلاح أَو بِغَيْرِهِ فَيَمُوت مكانَه قبلَ أَن يَرِيمَه. وَقد أقعصَه الضاربُ إقعاصاً. وَكَذَلِكَ الصَّيد.
وَفِي حَدِيث آخر جَاءَ فِي أَشْرَاط السّاعة قَالَ: (ومُوتانٌ يكون فِي النَّاس كقُعاص الْغنم) ، قَالَ أَبُو عبيد: القُعاص: داءٌ يأخُذ الْغنم لَا يُلبِثها إِلَى أَن تَمُوت. قَالَ: وَمِنْه أُخذ الإقعاص فِي الصَّيْد، يُرمى فَيَمُوت مكانَه.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: المِقعاص: الشَّاة الَّتِي بهَا القُعاص، وَهُوَ داءٌ قَاتل.
وَقَالَ بعض الْأَعْرَاب: انقعص وانقعف وانغرفَ، إِذا مَاتَ. وَأخذت المَال مِنْهُ قَعصاً، وقعصتُه إِيَّاه، إِذا اعتززته.
اللَّيْث: شاةٌ قَعوص: تضرب حالبَها وتمنع دِرَّتها. وَمَا كَانَت قعوصاً وَلَقَد قَعِصتْ قَعَصاً.
قصع: فِي حَدِيث رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّه (خطب على نَاقَة وَهِي تَقصَع بجِرّتها) قَالَ أَبُو عبيد: القَصْع: ضمُّك الشَّيْء على الشَّيْء حتّى تقتله أَو تهشمه. قَالَ: وَمِنْه قَصْع القملة. وإنّما قيل للصبيّ إِذا كَانَ بطيء الشَّبَاب قَصِيع يُرِيدُونَ أنّه مردّد الْخلق بعضه إِلَى بعضٍ فَلَيْسَ يَطُول. قَالَ: وقَصْع الجِرَّة: شدّة المضْغ وضمّ بعض الْأَسْنَان إِلَى بعض.
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن ثعلبٍ عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: قُصَعة اليربوع وقاصعاؤه: أَن يحْفر حُفيرةً ثمَّ يسدُّ بابَها بترابها. وَقَالَ الفرزدَق يهجو جَرِيرًا:
وَإِذا أخذتُ بقاصعائك لم تَجِدْ
أحدا يُعِينُك غيرَ من يتقصَّعُ
يَقُول: أَنْت فِي ضعفك إِذا قصدتُ لَك كبني يَرْبُوع لَا يُعينك إِلَّا ضعيفٌ مثلك. وإنّما شبههم بِهَذَا لأنّه عَنى جَرِيرًا، وَهُوَ من بني يَرْبُوع.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: القاصعاء والقُصَعة: فَم حُجر اليربوع أوّلَ مَا يبتدىء فِي حَفره. قَالَ: ومأخذه من القَصْع، وَهُوَ ضمُّ الشَّيْء إِلَى الشَّيْء.(1/121)
أَبُو عبيد: قَصَع العطشانُ غُلَّته بِالْمَاءِ، إِذا سكّنها. وَمِنْه قَول ذِي الرمة يصف الْوَحْش:
فانصاعت الحُقْبُ لم تقصَعْ جرائرَها
وَقد نَشَحْنَ فَلَا ريٌّ ولاهِيمُ
وَقَالَ أَبُو سعيدٍ الضَّرير: قَصْع الناقةِ الجرَّةَ: استقامة خُرُوجهَا من الْجوف إِلَى الشِّدق غير منقطعةٍ وَلَا نَزْرة، ومتابعةُ بَعْضهَا بَعْضًا. وإنّما تفعل الناقةُ ذَلِك إِذا كَانَت مطمئنّةً سَاكِنة لَا تسير، فَإِذا خَافت شَيْئا قطعت الجِرّة. قَالَ: وأصل هَذَا من تقصيع اليربوع، وَهُوَ إخراجُه ترابَ جُحْره وقاصعائه. فجعلَ هَذِه الجرَّةَ إِذا دَسَعتْ بهَا النَّاقة بِمَنْزِلَة التُّراب الَّذِي يُخرجه اليربوع من قاصعائه.
وَقَالَ أَبُو زيد: قصعت الناقةُ بجِرتها قَصْعاً، وَهُوَ المضغ، وَهُوَ بعد الدّسْع. والدسْع: أَن تنْزع الجِرّة من كَرشها، ثمَّ القَصْع بعد ذَلِك، والمضْغ، والإفاضة.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: قصّع الزرعُ تقصيعاً، إِذا خرجَ من الأَرْض قَالَ: وَإِذا صَار لَهُ شُعَبٌ قيل: قد شعّبَ.
وَقَالَ غَيره: قصَّع أوّلُ الْقَوْم من نَقْب الْجَبَل، إِذا طلعوا. وسيفٌ مِقْصَعٌ ومِقصَلٌ: قطّاع.
وَقَالَ أَبُو سعيد: القَصِيع: الرَّحَى. وَيُقَال تقصَّع الدُّمّل بالصَّديد، إِذا امْتَلَأَ مِنْهُ. وقَصَّع مثلُه. وَيُقَال قصعتُه قصعاً وقمعتُه قمعاً بِمَعْنى واحدٍ. وقصَّع الرجل فِي بَيته، إِذا لزمَه وَلم يبرحه. وَقَالَ ابْن الرُّقيات:
إنِّي لأُخلي لَهَا الفراشَ إِذا
قَصَّع فِي حِضْنِ عِرْسِه الفَرِقُ
وَجمع القَصْعة قِصاع.
صعق: قَالَ الله جلّ وعزّ: {يُشْرِكُونَ وَنُفِخَ فِى الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِى السَّمَاوَاتِ وَمَن فِى الاَْرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ} (الزُّمَر: 68) فسَّروه الموتَ هَا هُنَا. وَقَوله جلّ وعزّ: {وَخَرَّ موسَى صَعِقًا} (الأعرَاف: 143) مَعْنَاهُ مَغْشِيّاً عَلَيْهِ. وَنصب {صَعِقًا} (الأعرَاف: 143) على الْحَال، وَقيل إنّه خرَّ مَيتا. وَقَوله: {فَلَمَّآ أَفَاقَ} (الأعرَاف: 143) دليلٌ على الغَشْي؛ لأنّه يُقَال للَّذي غُشِي عَلَيْهِ وَالَّذِي يذهب عقله: قد أَفَاق. وَقَالَ الله فِي الَّذين مَاتُوا: {ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ} (البَقَرَة: 56) .
والصَّاعقة والصَّعْقة: الصَّيحة يُغْشى مِنْهَا على من يسْمعهَا أَو يَمُوت. قَالَ الله جلّ وعزّ: {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ} (الرّعد: 13) يَعْنِي أصواتَ الرَّعْد. وَيُقَال لَهَا الصَّواقع أَيْضا، وَمِنْه قولُ الأخطل:
كأنّما كَانُوا غراباً وَاقعا
فطار لمّا أبصَر الصواقعا
وَقَالَ رؤبة:
إذَا تتلاَّهنّ صلصالُ الصَّعَقْ
أَرَادَ الصَّعْق فثقّله، وَهُوَ شدّة نهيقه وصوته.
وَقَالَ جلّ وعزّ: (فذرهم حَتَّى يلاقوا يومهم الَّذِي فِيهِ يَصعقون) وقرئت (يُصْعَقُونَ) (الطّور: 45) : أَي فذرْهم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة حِين يُنفَخ فِي الصُّور فيصعق(1/122)
الخلقُ، أَي يموتون.
وَقَالَ اللَّيْث: الصَّعق: مثل الغَشْي يَأْخُذ الإنسانَ من الحرّ وَغَيره. وَيُقَال أصعقته الصيحةُ: قتلتْه. وَأنْشد الفرّاء:
أُحادَ ومَثْنَى أصعقتها صواهلُه
أَي قَتلهَا صَوتُه. وَيُقَال للبرق والرعد إِذا قتلا إنْسَانا: أَصَابَته صَاعِقَة. وَقَالَ لبيد يرثي أَخَاهُ:
فجّعنِي الرعدُ والصَّواعق بَال
فَارس يَوْم الكريهة النَّجُدِ
وَقيل: أَرَادَ بالصواعق صَوت الرَّعْد، يدلّ على ذَلِك قَوْله جلّ وعزّ: {يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - ءَاذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ} (البَقَرَة: 19) فَلَا يسدُّون آذانهم إلاّ من شدّة صَوت الرَّعْد.
وَيُقَال صَعِق وصُعِق. فَمن قَالَ صَعِق قَالَ: فَهُوَ صَعِقٌ، وَمن قَالَ صُعِق قَالَ: فَهُوَ مصعوق. وقرىء: (يَصعَقون) و (يُصعَقون) ، يُقَال صعقتْه الصاعقةُ وأصعَقته.
صقع: أَبُو عبيد: صُقِعت الأَرْض، إِذا أَصَابَهَا الصقيع.
شِمر عَن ابْن الْأَعرَابِي: صُقِعت الأَرْض وأُصقِعْنا، وَأَرْض صَقِعةٌ ومصقوعة. وَكَذَلِكَ ضُرِبت الأرضُ وأُضرِبْنا، وجُلِدت وأُجلِدَ الناسُ. وَقد ضُرِبَ البقل، وجُلِدَ، وصُقِعَ.
وَقَالَ ابْن بُزرج: يُقَال أصقع الصقيعُ الشجرَ، فالشجر صَقِعٌ ومُصْقَع. وأصبحت الأرضُ صَقِعةً وضَرِبة. وَيُقَال أضْربَ الضريبُ النباتَ، فالنباتُ ضريبٌ ومُضرَبٌ.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: صَقِعت الرّكيةُ تَصقَع صَقَعاً، إِذا انهارت.
وَقَالَ أَبُو عبيد: الصِّقاع: خِرقة تكون على رَأس الْمَرْأَة توقِّي بهَا الخِمَار من الدُّهن.
وَقَالَ غَيره: الصِّقاع: صِقاع الخباء، وَهُوَ أَن يؤخذَ حَبلٌ فيمدَّ على أَعْلَاهُ ويوتَّر ويشدّ طرفاه إِلَى وَتَدين رُزَّا فِي الأَرْض من ناحيتي الخباء، وَذَلِكَ إِذا اشتدَّت الريحُ فخافوا تقويضَها الأخبية.
وسمِعتُ الْعَرَب تَقول: اصقعوا بَيتكُمْ فقد عَصَفت الرّيح. فيَصعقونه بالحبل كَمَا وَصفته.
والصَّقيع: صَوت الدِّيك. وَقد صقَع يصقَع إِذا صاحَ.
قلت: والصِّقاع: حَدِيدَة تكون فِي مَوضِع الحَكَمة من اللجام. وَقَالَ ربيعَة بن مقروم الضبِّيُّ:
وخصمٍ يركب العَوصَاء طاطٍ
على المُثْلى غُناماه القِذاعُ
طَموحِ الرّأس كنتُ لَهُ لجاماً
يُخَيِّسُه، لَهُ مِنْهُ صِقاعُ
وَقَالَ أَبُو عبيد: يُقَال للخِرقة الَّتِي يشدُّ بهَا أنف النَّاقة إِذا ظُئرت على ولد غَيرهَا: الغِمامة، وللذي يُشَدُّ بِهِ عَيناهَا: الصِّقاع. وأَنشد:
إِذا رأسٌ رأيتُ بِهِ طِماحاً
شددت لَهُ الغمائم والصِّقاعا
وَيُقَال: مَا أَدْرِي أَيْن صَقَع وبَقَع، أَي(1/123)
مَا أَدْرِي أَيْن ذهَب؛ قلّما يُتكلَّم بِهِ إلاّ بِحرف نفي.
وَقَالَ أَبُو زيد: الصَّقَعيّ: الحُوار الَّذِي يُنتَج فِي الصَّقيع، وَهُوَ من خير النِّتَاج. وَأنْشد بَيت الرَّاعِي:
خَراخر تُحسِب الصَّقعيَّ حتّى
يظلُّ يقُرُّه الرَّاعِي سِجالا
قَالَ: الخراخر: الغزيرات اللَّبن، الْوَاحِد خِرخِرٌ. يَعْنِي أنَّ اللبَن يكثُر حَتَّى يَأْخُذهُ الرَّاعِي فيصبّه فِي سقائه سِجالاً سِجالاً. قَالَ: والإحساب: الإكفاء.
وَقَالَ أَبُو نصر: الصَّقعيّ: أوّل النِّتَاج، وَذَلِكَ حِين تَصقَع الشمسُ فِيهِ رؤوسَ البَهْم صَقْعاً. قَالَ: وبعضُ الْعَرَب يسمِّيه الشمسيَّ والقيظِيَّ، ثمَّ الصَّفَريُّ بعد الصَّقعيّ. وَأنْشد بيتَ الرَّاعِي:
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: سَمِعت طائفيّاً يَقُول لزُنبور عِنْدهم: الصَّقيع.
والصُّقْع: النَّاحِيَة، والجميع الأصقاع. وَقد صَقَع فلانٌ نَحْو صُقْع كَذَا وَكَذَا، أَي قَصَده.
ثعلبٌ عَن ابْن الأعرابيّ: مَا أَدْرِي أَيْن صَقَع وبَقَع. والصَّقِع: الْغَائِب الْبعيد الَّذِي لَا يُدرى أَيْن هُوَ. قَالَ: وَيُقَال صَهٍ صاقعُ إِذا سمِع رجلا يكذب قَالَ: اسكتْ، قد ضَلَلتَ عَن الحقّ. قَالَ: والصَّاقع: الَّذِي يَصقع فِي كلّ النواحي.
وَيُقَال صقعتُه بكَيَ، إِذا وسمتَه على رَأسه أَو وَجهه. وصُقِع الرجلُ آمَّةً، إِذا شُجَّ آمَّة.
وظليمٌ أصقعُ: قد ابيضَّ رأسُه. وعُقَابٌ أصقع والجميع صُقْع، إِذا كَانَ فِي رؤوسها بَيَاض. وَقَالَ ذُو الرمّة:
من الزُّرق أَو صُقْع كأنَّ رؤوسها
من القَهْزِ والقُوهيّ بيضُ المقانعِ
ثعلبٌ عَن ابْن الْأَعرَابِي: الصَّوقعة من البرقُع: رَأسه. قَالَ: وَيُقَال لكفِّ عين البرقُع الضَّرس، ولخيطه الشَّبامان. وَيُقَال صَوقعَ الثريدةَ، إِذا سطَحها. قَالَ: وصومعَها وصعنَبَها إِذا طوّلها.
أَبُو زيد: يُقَال مَا يُدرَى أَيْن صَقَع فلانٌ، أَي مَا يُدرى أَيْن توجَّه. وَأنْشد:
فللَّه صُعلوكٌ تشدَّد همُّه
عَلَيْهِ وَفِي الأَرْض العريضة مَصقَعُ
يَقُول: متوجَّه.
وَقَالَ اللَّيْث: الأصقَع من الْفرس: ناصيتُه الْبَيْضَاء.
وَقَالَ غَيره: الأصقع طَائِر، وَهُوَ الصُّفاريّة، قَالَه قطرب.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: الصَّقْعاء: دُخَّلة كدراء اللَّوْن صَغِيرَة، ورأسها أصفر، قصيرةُ الزمِكَّى.
قَالَ أَبُو الْوَازِع: الصُّقعة: بياضٌ فِي وسط رَأس الشَّاة السَّوْدَاء؛ وموقعُها من الرَّأْس الصَّوقعة.
(بَاب الْعين وَالْقَاف مَعَ السِّين)
عسق، عقس، قعس، سقع: مستعملة
عسق: أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: عَسِق بِهِ الشيءُ يَعسَق عَسَقاً، إِذا لصِق بِهِ.(1/124)
ثعلبٌ عَن ابْن الْأَعرَابِي: عَسِقَ بِهِ وعَكِس بِهِ بِمَعْنى وَاحِد. قَالَ: والعُسُق: المتشدِّدُون على غرمائهم فِي التقاضي. قَالَ: والعُسُق: اللقَّاحون. والعُسُق: عراجين النَّخل، وَاحِدهَا عَسَق.
وَقَالَ اللَّيْث وَابْن دُرَيْد: هُوَ العَسَق للعُرجون الرديّ. وَالْعرب تَقول: عَسِق بِي جُعَلُ فلانٍ، إِذا ألحَّ عَلَيْهِ فِي شَيْء يُطَالِبهُ بِهِ.
عقس: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الأعقَس من الرِّجَال: الشَّديد السّكّة فِي شِرَائِهِ وَبيعه. قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا مذموماً لأنّه يخَاف الغَبْن وَمِنْه قَول عمر فِي بَعضهم: (عَقِسٌ لَقِسٌ) .
وَقَالَ أَبُو زيد: العَوقس: ضربٌ من النبت. وَقد ذكره ابْن دُرَيْد فِي (كِتَابه) وَقَالَ: هُوَ العَسَق.
وَقَالَ اللَّيْث: فِي خُلُقه عَقَسٌ، أَي التواء.
قعس: أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: عزّة قعساء: ثَابِتَة قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الأقعَس: الَّذِي فِي عُنقه انكبابٌ إِلَى ظَهره. وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: الأقعس: الَّذِي فِي ظَهره انكبابٌ وَفِي عُنُقه ارتداد. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: الأقعس الَّذِي قد خرجتْ عَجيزتُه. وَقَالَ غَيره: هُوَ المنكبُّ على صَدره. قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: وَالْقَوْل قَول صاحبنا. وَأنْشد:
أقعس أبْزى فِي استه استئخار
أَبُو زيد: بعيرٌ أقعَس: فِي رجلَيْهِ قِصَر وَفِي حاركه انصِباب.
وَقَالَ الأصمعيّ: ليل أقعَس: شَدِيد. وتقاعسَ الليلُ، إِذا طَال.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الأقعسان هما أقعَس ومُقاعِس ابْنا ضَمرة، من بني مُجاشع.
وَقَالَ أَبُو عبيد: المُقْعنسس: الشَّديد. قَالَ: وَهُوَ المتأخِّر أَيْضا.
وَقَالَ اللِّحياني: اقعنسس الْبَعِير وغيرُه، إِذا امْتنع فَلم يتبع. وكلُّ مُمْتَنع فَهُوَ مقعنسس.
وَقَالَ اللَّيْث: القعَس: نقيض الحدَب. قَالَ: والقعساء من النَّمل: الرّافعةُ صدرها وذنبَها. قَالَ والقُعاس: التواءٌ يَأْخُذ فِي الْعُنُق من ريح كَأَنَّهَا تهصره إِلَى مَا وَرَاءه. قَالَ: والقَوعس: الغليظ الْعُنُق الشَّديد الظّهْر من كلِّ شَيْء. قَالَ: والقَعْوَس: الشَّيْخ الْكَبِير.
وتقعْوَسَ الْبَيْت إِذا تهدَّم. وتقعوسَ الشَّيْخ، إِذا كبِر. ذكر ذَلِك أَبُو عبيدٍ عَن الْفراء.
سقع: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الْأَسْقَع: المتباعِد من الْأَعْدَاء والحسَدة. وَقَالَ الْخَلِيل: كلُّ صادٍ تَجِيء قبل الْقَاف وكل سينٍ تَجِيء قبل الْقَاف فللعرب فِيهِ لُغَتَانِ: مِنْهُم من يَجْعَلهَا سيناً وَمِنْهُم من يَجْعَلهَا صاداً، لَا يبالون أمتصلة كَانَت بِالْقَافِ أَو مُنْفَصِلَة، بعد أَن تَكُونَا فِي كلمةٍ وَاحِدَة، إلاّ أَن الصَّاد فِي بعضٍ أحسنُ والسينَ فِي بَعْضهَا أحسن.
قَالَ: والسُّقع: مَا تَحت الرَّكية وجُولُها من نَوَاحِيهَا، والجميع الأسقاع، وكلُّ ناحيةٍ سُقْع وصُقْع، وَالسِّين أحسن.(1/125)
والعُقاب أسقع وأصقع. والأسقع: اسْم طويئرٍ كأنّه عُصْفُور فِي ريشه خضرةٌ وَرَأسه أَبيض، يكون بقُرب المَاء. والجميع الأساقع. وَإِن أردْت بالأسقَع نعتاً فالجميع السُّقْع.
قَالَ: والسَّوقعة من الْعِمَامَة والرداء والخِمار: الْموضع الَّذِي يَلِي الرَّأْس، وَهُوَ أسرعه وسَخاً، بِالسِّين أحسن. قَالَ: ووَقْبة الثَّريد سَوقعة، بِالسِّين أحسن.
وَقَالَ أَبُو تُرَاب: قَالَ النَّضر: هُوَ صُقْع الركيّة وأصقاعها، لنواحيها. قَالَ: وَيُقَال سُقْع. والديك يسقَع ويَصقَع.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: ضاف رجلٌ من الْعَرَب رجلا فقدَّم إِلَيْهِ ثريدةً وَقَالَ لَهُ المُضيف: لَا تَصقَعها وَلَا تَقعَرْهَا وَلَا تَشرِمْها. قَالَ: فَقَالَ لَهُ الضَّيْف: فَمن أَيْن آكل؟ قَالَ: لَا أَدْرِي. فَانْصَرف جائعاً.
قلت: قَوْله لَا تَصقَعْها، أَي لَا تأكلها من أَعْلَاهَا. وَقَوله لَا تَقعَرها، أَي لَا تبتدىء فِي أكلهَا من أَسْفَلهَا. وَقَوله لَا تشرِمْها، أَي تأكلها من حروفها وجوانبها. فلمَّا قَالَ لَهُ المضيفُ ذَلِك لم يجد سَبِيلا إِلَى أكلهَا.
(بَاب الْعين وَالْقَاف مَعَ الزَّاي)
عزق، زعق، زقع، قزع: مستعملة
عزق: أَبُو عبيد عَن أبي زيد: أرضٌ معزوقة، إِذا شققتَها بفأسٍ أَو غَيرهَا. عزقتها أعزِقُها عَزْقاً. وَلَا يُقَال فِي غير الأَرْض.
قَالَ شمِر: وَيُقَال للفأس والمِسحاة مِعزَق، وَجمعه المَعَازق. وَأنْشد:
وَإِنَّا لنُمضِي بالأكفِّ رماحَنا
إِذا أُرعِشَت أيديكمُ بالمعازقِ
قَالَ: وَهِي البِيلة المعقَّفة. وَقَالَ بَعضهم: هِيَ الفؤوس، وَاحِدهَا معزَقة. قَالَ: وَهِي فأسٌ لرأسها طَرَفان.
وَقَالَ اللَّيْث: رجلٌ عَزِقٌ، أَي فِي خُلقه عُسر وبُخل. قَالَ: والعَزْوَقُ: حمل الفستق فِي السّنة الَّتِي لَا ينْعَقد لُبُّه. وَهُوَ دباغٌ. قَالَ: وعَزْوَقتُه: تقبُّضه. وَأنْشد هُوَ أَو غَيره:
مَا تَصنع العنزُ بِذِي عَزْوَق
يثبتها فِي جِلْدِها العَزْوَقُ
وَذَلِكَ أنّه يدبغ جلدُها بالعَزْوَق
قَالَ: والعَزَق: علاج فِي عسر.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: العَزْوَق: الفُستُق. قَالَ: والعُزُق: السَّيِّئو الْأَخْلَاق، واحدهم عَزِق. يُقَال هُوَ عَزِقٌ نَزِقٌ زَنِقٌ زَعِق. قَالَ: والعُزُق: مُذرُّو الحِنطة. والعُزُق: الحفّارون. قَالَ: وأعزَقَ، إِذا عمِل بالمِعْزقة، وَهِي الحِفراءة والعَضْم. وأعزقَ بالمِعزَقة، وَهِي المَرُّ الَّذِي يكون مَعَ الحفّارين. وَأنْشد المفضّل:
يَا كفّ ذوقي نَزوانَ المِعزقه
زعق: أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: أزعقتُه فَهُوَ مزعوق، وَمَعْنَاهُ المذعور، فِي بَاب أفعلته فَهُوَ مفعول. قَالَ: وَقَالَ الأمويّ: زعقته بِغَيْر ألف فانزعق، أَي فَزِع. وأنشدنا:
تعلَّمي أنَّ عليكِ سائقاً(1/126)
لَا مبطئاً وَلَا عنيفاً زاعقا
لَبّاً بأعجاز المطيّ لاحقا
وَقَالَ اللَّيْث وَغَيره: الزُّعاق المَاء المُرُّ الغليظ الَّذِي لَا يُطاق شُربه من أُجوجته. قَالَ: وَطَعَام مزعوق: أَكثر مِلحُه. وأزعق القومُ، إِذا حفَروا فَهَجَمُوا على ماءٍ زُعاق.
قَالَ: والزّعقوقة: فَرخُ القَبَج. وَأنْشد اللَّيْث:
كأنَّ الزَّعاقيق والحَيقُطَانَ
يُبادِرْنَ فِي الْمنزل الضَّيْوَنا
وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : أرضٌ مزعوقة، ومدعوقة، وممعوقة، ومبعوقة، ومشحوذة، ومَسْنِيَّة، إِذا أصابَها مطرٌ وابلٌ شَدِيد.
قزع: رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نهى عَن القَزَع. قَالَ أَبُو عبيد: هُوَ أَن يُحلق رَأس الصبيّ وَيتْرك مِنْهُ مَوَاضِع فِيهَا الشَّعَر متفرِّقة. وَكَذَلِكَ كل شَيْء يكون قطعا متفرِّقة فَهُوَ قَزَع. وَمِنْه قيل لقطع السَّحَاب فِي السَّمَاء قَزَع.
وَفِي حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ حِين ذكر يعسوبَ الدّين فَقَالَ: (يَجْتَمعُونَ إِلَيْهِ كَمَا يجْتَمع قَزَع الخريف) ، يَعْنِي قِطَع السَّحاب. وَقَالَ ذُو الرمّة:
ترى عُصَب القطا هَمَلاً عَلَيْهِ
كأنَّ رِعالَه قَزَعُ الجَهَامِ
وَقَالَ الأصمعيّ قَزَع الفرسُ يعدو، ومَزَع يعدو، إِذا أحْضَر. قَالَ: ورجلٌ مقزَّعٌ، إِذا كَانَ خَفِيفا. وَبشير مُقزَّعٌ، إِذا جُرِّد للبُشارة. قَالَ متمّم:
وجئتَ بِهِ تعدو بشيراً مقزَّعا
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: كلُّ إنسانٍ جرّدتَه لأمرٍ وَلم تشغَلْه بِغَيْرِهِ فقد قَزَّعتَه. والمقزَّع من الْخَيل: المهلوب الَّذِي جُزَّ عُرفُه وناصيتُه. وَقَالَ أَبُو عبيد: هُوَ الْفرس الشَّديد الخَلْق والأَسْر. وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: التقزيع: الحُضْر الشَّديد.
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الأصمعيّ: المقزّع: السَّريع الْخَفِيف: قَالَ ذُو الرمة:
مُقَزَّعٌ أطلسُ الأطمارِ لَيْسَ لَهُ
إلاّ الضِّراءَ وإلاّ صيدَها نشَبُ
وَقَالَ اللَّيْث: رجلٌ مقزّع: لَا يُرى على رَأسه إِلَّا شُعَيرات متفرِّقة تَطايَرُ فِي الرِّيح. قَالَ: والمقزَّع من الْخَيل مَا تَنَتَّفُ ناصيتُه حتَّى تَرقّ. وَأنْشد:
نزائع لِلصّريحِ وأعْوَجِيَ
من الجُرْدِ المقزَّعةِ العِجالِ
قَالَ: والمقزَّع: الرَّقِيق الناصيةِ خِلْقةً.
قَالَ أَبُو سعيد: قَزَعُ الْوَادي: غُثاؤه. وقَزَع الْجمل: لُغامه على نُخْرته.
وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال قَوزَعَ الديك وَلَا يُقَال قنزعَ. وَقَالَ أَبُو حَاتِم عَن الأصمعيّ: تَقول الْعَامَّة إِذا اقتتل الديكان فهرب أحدُهما: قَنَزَع الدِّيك؛ وَإِنَّمَا يُقَال قَوزَع الدِّيك إِذا غُلِب؛ وَلَا يُقَال: قَنزعَ.
قلت: وَالْأَصْل فِيهِ قَزَع، إِذا عدا هَارِبا وقَوزَعَ فَوعَلَ مِنْهُ.
وَقَالَ إِسْحَاق بنُ الْفرج: تَقول الْعَرَب: أقزَع لَهُ فِي الْمنطق وأقذعَ وأزهف، إِذا تعدَّى فِي القَوْل.
وَفِي (النَّوَادِر) : القَزَعة: ولد الزِّنى.(1/127)
سَلمَة عَن الْفراء: قَزَع قَزَعاناً، وزمَعَ زَمَعاناً، وَهُوَ مَشْيٌ مُتَقَارب.
وَقَالَ النَّضر نحوَه.
وَقَالَ ابْن السّكيت: مَا عَلَيْهِ قِزَاع وَلَا قَزَعة، أَي مَا عَلَيْهِ شَيْء من الثِّياب.
زقع: قَالَ اللَّيْث: الزَّقْع: أشدُّ ضُراطِ الْحمار وَقد زَقَعَ زَقْعاً.
وَقَالَ النَّضر: الزَّقاقيع: فِراخ القَبَج. وَقَالَ الْخَلِيل: هِيَ الزعاقيق، واحدتها زُعقوقة.
(بَاب الْعين وَالْقَاف مَعَ الطَّاء)
اسْتعْمل من وجوهه: قعط، قطع.
قعط: رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنّه أَمر المتعمِّم بالتلحِّي وَنهى عَن الاقتعاط.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى: قَالَ ابنُ الأعرابيّ: يُقَال للعمامة المِقْعطة. وَجَاء فلانٌ مقتعِطاً، إِذا جَاءَ متعمِّماً طابِقيّاً. وَقد نُهي عَنْهَا.
ونحوَ ذَلِك قَالَ اللَّيْث. قَالَ: وَيُقَال قعطت الْعِمَامَة قعطاً. وَأنْشد:
طُهَيّة مقعوطاً عَلَيْهَا العمائمُ
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: القاعط: الْيَابِس. وقَعَط شعرُه من الحُفوف إِذا يبس.
وَقَالَ الأصمعيّ: قَعَط فلانٌ على غَرِيمه، إِذا شدَّد عَلَيْهِ فِي التقاضي. وقعَّط وَثاقه، إِذا شدّده.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: المِعْسَر: الَّذِي يقعِّط على غَرِيمه فِي حَال عُسرته.
وَيُقَال قعّط على غَرِيمه، إِذا ألحّ عَلَيْهِ. قَالَ: والقاعط: المضيِّق على غَرِيمه.
وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : يُقَال قعَّط فلانٌ على غَرِيمه، إِذا صَاح أَعلَى صِياحه. وَكَذَلِكَ جَوَّق، وثَهَّتَ، وجوَّر.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: يُقَال للْأُنْثَى من الحِجْلان قُعَيطة.
قَالَ أَبُو عَمْرو: القَعْوطة: تقويض الْبناء، مثل القَعْوشة.
وَقَالَ ابْن السكّيت: القَعْط: الطَّرْد. ورجلٌ قَعَّاطٌ: شَدِيد السَّوق. قَالَ: والقعط: الكَشْف. وَقد أقعط الْقَوْم عَنهُ إقعاطاً، إِذا انكشفوا انكشافاً.
قطع: قَالَ الله جلّ وَعز: {قِطَعًا مِّنَ الَّيْلِ مُظْلِماً} (يُونس: 27) و (قِطْعاً) : والقِطْع: اسْم مَا قُطِع. يُقَال قطعتُ الشَّيْء قَطْعا، وَاسم مَا قُطِع فسقَطَ قِطْع.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب أَنه قَالَ: من قَرَأَ (قِطْعاً) جعل المظلم من نَعته، وَمن قَرَأَ {قِطَعًا مِّنَ الَّيْلِ} (يُونس: 27) فَهُوَ الَّذِي لَهُ يَقُول البصريُّون الْحَال.
وَأَخْبرنِي عَن الحرَّانيّ عَن ابْن السّكيت قَالَ: القَطْع: مصدر قطعتُ. والقِطْع: الطَّائِفَة من اللَّيْل. قَالَ: والقِطْع: طِنْفسة تكون تَحت الرحل على كتفَي الْبَعِير. والجميع قُطوع. وَأنْشد:
أتتك العِيسُ تنفُخُ فِي بُراها
تَكَشَّفُ عَن مناكبها القُطوعُ
قَالَ: والقِطْع: نصلٌ قصير، وَجمعه أقطاع.(1/128)
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الاَْرْضِ أُمَمًا} (الأعرَاف: 168) أَي فرَّقناهم فرقا. قَالَ: {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الاَْسْبَابُ} (البَقَرَة: 166) . أَي انْقَطَعت أسبابُهم ووُصَلهم. وَأما قَوْله: {فَتَقَطَّعُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً} (الْمُؤْمِنُونَ: 53) فَإِنَّهُ واقعٌ، كَقَوْلِك: قطَّعوا أمرَهم. وَقَالَ لبيدٌ بِمَعْنى اللَّازِم:
وتقطّعَتْ أسبابُها ورِمامُها
أَي انْقَطَعت حبالُ مودّتها.
وَقَوله: {وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} (يُوسُف: 31) أَي قطعنها قَطْعاً بعد قطع، وخدشْنَ فِيهَا خدوشاً كَثِيرَة، وَلذَلِك ثُقِّل.
وَقَالَ جلّ وعزّ: {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَآءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ} (الحَجّ: 15) أجمع المفسّرون على أنّ تَأْوِيل قَوْله (ثمَّ ليقطَعْ) : ثمَّ ليختنق. وَهُوَ محتاجٌ إِلَى شرحٍ يزِيد فِي بَيَانه، وَالْمعْنَى وَالله أعلمُ من كَانَ يظنُّ من الكفّار أنّ الله لَا ينصُر مُحَمَّدًا حتّى يُظْهره على المِلل كلّها فليمُتْ غيظاً، وَهُوَ تَفْسِير قَوْله {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَآءِ} (الحَجّ: 15) والسَّبب: الْحَبل يشدُّه المختنقُ إِلَى سَقْف بَيته. وسماءُ كلِّ شيءٍ: سقفُه. {ثُمَّ لْيَقْطَعْ} (الحَجّ: 15) ، أَي ليمدَّ الْحَبل مشدوداً على حَلْقه مدّاً شَدِيدا يوتِّره حتَّى يقطع حياتَه ونَفْسَه خَنْقاً.
وَقَالَ الْفراء: أَرَادَ ثمَّ ليجعل فِي سَمَاء بَيته حبلاً ثمَّ ليختنقْ بِهِ، فَذَلِك قَوْله ثمَّ ليقطع اختناقاً. قَالَ: وَفِي قِرَاءَة عبد الله: (ثمَّ ليقطعه) يَعْنِي السَّبَب، وَهُوَ الحبْلُ المشدودُ فِي عُنُقه حَتَّى تَنْقَطِع نفسُه فَيَمُوت.
وَقَالَ جلّ ذكره: {قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارِ} (الحَجّ: 19) أَي خِيطَتْ وسُوِّيت وجُعِلتْ لَبُوساً لَهُم.
وَفِي حَدِيث ابْن عبَّاسٍ قَالَ: (نخل الجنّة سَعَفُها كِسوةٌ لأهل الجنّة، مِنْهَا مقطّعاتُهم وحُلَلُهم) . وَفِي حَدِيث آخر (أنَّ رجلا أَتَى النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَلِيهِ مقطَّعات لَهُ) ، وَفِي حَدِيث ثالثٍ (وَقت الضُّحَى إِذا تقطَّعت الظّلال) أَي قَصُرت. قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الكسائيّ: المقطَّعات: الثِّياب الْقصار. قَالَ: وسمِّيت الأراجيزُ مقطَّعاتٍ لقِصَرها. وَقَالَ شَمِر فِي كِتَابه فِي (غَرِيب الحَدِيث) : المقطَّعات من الثِّيَاب: كل ثوبٍ يقطَع من قَمِيص وَغَيره. أَرَادَ أَن من الثِّيَاب الأردية والمطارف، والأكسيةَ والرِّياط الَّتِي لم تقطع وإنّما يتعطَّف بهَا مَرَّةً ويُتَلفَّع بهَا أُخْرَى؛ وَمِنْهَا القُمُص والجِبَاب والسَّراويلات الَّتِي تقطع ثمَّ تخاط؛ فَهَذِهِ هِيَ المقطَّعات. وَأنْشد شمر لرؤبة يصف ثوراً وحشياً:
كأنَّ نصِعاً فَوْقه مقطَّعا
مخالطَ التقليص إذْ تدرَّعا
قَالَ: وَقَالَ ابنُ الْأَعرَابِي: يَقُول: كَأَن عَلَيْهِ نِصعاً مقلِّصا عَنهُ. يَقُول: تخال أَنه ألبس ثوبا أَبيض مقلِّصا عَنهُ لم يَبلُغْ كُراعَه، لأنَّها سُودٌ لَيست على لَونه. قَالَ: والمقَطَّعات: برودٌ عَلَيْهَا وشيٌ مقطَّع. قَالَ: وَلَا يُقَال للثياب الْقصار مقطَّعات. قَالَ شمر: وممّا يقوّي قَوْله حَدِيث ابْن عَبَّاس فِي وصف سَعَف نخل الْجنَّة: (مِنْهَا مقطَّعاتهم) . وَلم يكن ليصف ثيابَهم بالقصَر، لِأَنَّهُ ذمٌّ وعيب. وأمّا قَوْله (إِذا(1/129)
تقطَّعت الظلال) فإنّ أَبَا عبيد قَالَ: الظِّلال تكون ممتدَّةً فِي أول النَّهَار، فكلَّما ارْتَفَعت الشمسُ قصُرت الظلال؛ فَذَلِك تقطُّعها.
وَفِي حَدِيث الأبيَض بن حَمّال المأرِبيّ أَنه (استقطع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المِلْح الَّذِي بمأرب فأقطعَه إيّاه) . يُقَال استَقطع فلانٌ الإمامَ قَطيعةً من عَفْو الْبِلَاد فأقطعه إِيَّاهَا، إِذا سَأَلَهُ أَن يُقطعها لَهُ مفروزةً محدودة يملّكه إِيَّاهَا، فَإِذا أعطَاهُ إِيَّاهَا كَذَلِك فقد أقطعه إِيَّاهَا. والقطائع من السُّلطان إِنَّمَا تجوز فِي عَفو الْبِلَاد الَّتِي لَا ملك لأحدٍ عَلَيْهَا وَلَا عمارةَ توجب مِلْكاً لأحد، فيُقْطع الإمامُ المستقطِعَ مِنْهَا قدرَ مَا يتهيّأ لَهُ عِمارته بإجراء المَاء إِلَيْهِ، أَو باستخراج عينٍ فِيهِ، أَو بتحجيرٍ عَلَيْهِ ببناءٍ أَو حائطٍ يُحرزه.
وَقَالَ ابْن السّكيت: قَالَ أَبُو عَمْرو: قِطاع النّخل وقَطاعه، مثل الصِّرام والصَّرام، والجِداد والجَدَاد. قَالَ: وأقطع النخلُ إقطاعاً، إِذا أصرمَ وحانَ قِطافُه. ومقاطع الْقُرْآن: مَوَاضِع الْوُقُوف، ومبادئه: مَوَاضِع الِابْتِدَاء. وعَودٌ مُقْطَع، إِذا انْقَطع عَن الضِّراب. قَالَ النَّمر بن تولب يصف امْرَأَته:
قَامَت تَبَاكَى أَن سَبأتُ لفتيةٍ
زِقّاً وخابيةً بعَودٍ مُقْطَعِ
وَقد أُقطِعَ، إِذا جَفَر. وناقةٌ قَطُوع: يَنْقَطِع لبنُها سَرِيعا. وَيُقَال هَذَا فرسٌ يقطِّع الجري، أَي يَجري ضروباً من الجري لمرحِهِ ونشاطه. وقطّعت الخمرَ بِالْمَاءِ، إِذا مَزَجتَها. وَقد تقطّع فِيهَا المَاء. وَقَالَ ذُو الرمة:
تقطُّعَ مَاء المُزْن فِي نُطف الخمرِ
وَيُقَال أقطعَ القومُ، إِذا انْقَطَعت مياه السماءِ المزنِ فَرَجَعُوا إِلَى أعداد الْمِيَاه. وَقَالَ أَبُو وَجْزة السَّعْدِيّ:
تَزُور بِي القَرْمَ الحَواريَّ إنّهم
مناهلُ أعدادٌ إِذا الناسُ أَقطعوا
وبئر مِقطاع: يَنْقَطِع مَاؤُهَا سَرِيعا. وأقطعت الدجاجةُ، إِذا انقطعَ بيضُها.
أَبُو عبيد فِي (الشيات) : وَمن الغُر المتقطِّة، وَهِي الَّتِي ارْتَفع بياضها من المنخرين حتَّى تبلغ الغُرَّةُ عينَيه دون جَبهته.
وَقَالَ غَيره: المقطع من الحَلْي هُوَ الشَّيْء الْيَسِير مِنْهُ الْقَلِيل. وَفِي الحَدِيث: (نُهي عَن لُبْس الذَّهَب إلاَّ مقطَّعاً) ، وَهُوَ مثل الحَلْقَة والخُرْص وَمَا أشبهه.
والقُطَيعاء مَمْدُود: التَّمْر الشِّهريز. وَقَالَ الشَّاعِر:
باتوا يعشُّون القُطَيعاءَ ضيفَهم
وَعِنْدهم البَرنيُّ فِي جُلَل دُسْمِ
وَيُقَال: مدَّ فلانٌ إِلَى فلانٍ بثدي غير أقطعَ، ومَتَّ بالتَّاء مثلُه، إِذا توسَّلَ إِلَيْهِ بقرابةٍ. وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
دَعَاني فَلم أُورَأ بِهِ فأجبتُه
فمدَّ بثدي بَيْننَا غيرِ أقطعا
وَيُقَال قطَّع فلانٌ على فلانٍ العذابَ، إِذا لَوَّن عَلَيْهِ ضروباً من الْعَذَاب.
وَيُقَال قَطَعَ فلانٌ رحِمَه قَطْعاً، إِذا لم يَصِلْها، وَالِاسْم القَطِيعة. وَجَاء فِي(1/130)
الحَدِيث: (مَن زَوّج كريمتَه من فَاسق فقد قَطَع رحِمَها) . وَذَلِكَ أنّ الْفَاسِق يطلِّقها ثمَّ لَا يُبالي أَن يَغشاها.
وَيُقَال قطعت الْحَبل قَطْعاً فَانْقَطع، وَقطعت النَّهر قَطعاً وقُطوعاً. وقطعَتِ الطير تقطع قُطوعاً، إِذا جَاءَت من بلد إِلَى بلد فِي وقتِ حرَ أَو برد؛ وَهِي قواطع الطير.
وَقَالَ أَبُو زيد: قطعت الغِربانُ إِلَيْنَا فِي الشتَاء قُطوعاً. وَرجعت فِي الصَّيف رُجوعاً. والطَّير المقيمة بِبَلَد شتاءَها وصيفَها هِيَ الأوابد.
وقُطِع بالرجُل، إِذا انْقَطع رجاؤه. ورجلٌ منقَطَعٌ بِهِ، إِذا كَانَ مُسَافِرًا فأُبدع بِهِ وعَطِبتْ راحلتُه وَذهب زادُه ومالُه. ومنقطَع كلِّ شيءٍ: حَيْثُ يَنْقَطِع، مثل منقطَع الرَّمل والحَرَّة وَمَا أشبههما. والمنْقطِع الشيءُ نفسُه.
الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت قَالَ: مَا كَانَ من شيءٍ قُطِع من شيءٍ فإنْ كَانَ الْمَقْطُوع قد يبْقى مِنْهُ الشَّيْء وَيقطع قلت أَعْطِنِي قِطعة. وَمثله الْخِرْقَة. وَإِذا أردْت أَن تجمع الشَّيْء بأسره حتَّى تسمي بِهِ قلت: أَعْطِنِي قُطعة. قَالَ: وَأما المرَّة من الْفِعْل فبالفتح قطعت قَطْعة. وَقَالَ الْفراء: سمعتُ بعضَ الْعَرَب يَقُول: غلبني فلانٌ على قُطعةٍ من أرضٍ، يُرِيد أَرضًا مفروزة مثل القطيعة. فَإِذا أردتَ بهَا قِطعةً من شَيْء قُطِع مِنْهُ قلت قِطعة. وَقَالَ غَيره: القَطَعة مَوضِع الْقطع من يَد الأقطع، يُقَال ضربَه بقطَعَتِه.
وَقَالَ اللَّيْث: يَقُولُونَ قُطِع الرجل، وَلَا يَقُولُونَ قَطِع الأقطع لأنّ الأقطع لَا يكون أقطعَ حتَّى يقطعهُ غَيره. وَلَو لزمَه ذَلِك من قِبَل نَفسه لقيل قَطِع أَو قَطُع. وَيجمع الأقطع قُطعاناً. وَامْرَأَة قطيع الْكَلَام، إِذا لم تكن سليطة. ورجلٌ قطيع الْقيام، إِذا كَانَ ضَعِيفا. وَقد قطعت المرأةُ، إِذا صَارَت قطيعاً. وَيُقَال أقطعَني فلانٌ نَهرا، إِذا أذِن لَهُ فِي حفره. وأقطعَني قُضباناً. من كرمه، إِذا أذن لَهُ فِي قطعهَا.
وَقَالَ اللَّيْث: القِطْع: الْقَضِيب الَّذِي يُقطع لِبَرْي السِّهام، وَجمعه قُطعانٌ وأَقطُع. قَالَ الهذليّ:
فِي كفِّه جَشْءٌ أجَشُّ وأقطُعُ
أَرَادَ بالأقطُع السِّهام.
قلت: هَذَا غلط، قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الأصمعيّ: القِطع من النِّصال: الْقصير العريض. وَكَذَلِكَ قَالَ غَيره، وسواءٌ كَانَ النصل مركَّباً فِي السهْم أَو لم يكن مركَّباً. وسمِّي النَّصل قِطْعاً لأنّه مَقْطُوع من الْحَدِيد، وربَّما سمَّوه مَقْطُوعًا وَجمعه المقاطيع. وَقَالَ الشَّاعِر:
أشفَّتْ مقاطيع الرُّماةِ فؤادَها
إِذا سمعَتْ صوتَ المغرِّد تَصلِدُ
قَالَ: المقاطيع: النصال هَاهُنَا.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال هَذَا الثوبُ يُقْطِعك قَمِيصًا، ويقطِّع لَك تقطيعاً، إِذا صلح أَن يقطع قَمِيصًا. وروى أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ: لَا أعرف هَذَا ثوبٌ يُقْطِع وَلَا يُقطِّع، وَلَا يقطِّعني وَلَا يَقْطعني، هَذَا كلُّه من كَلَام المولَّدين.(1/131)
قَالَ أَبُو حَاتِم: وَقد حَكَاهَا أَبُو عُبَيْدَة عَن الْعَرَب.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال قاطعتُ فلَانا على كَذَا وَكَذَا من الْأجر وَالْعَمَل مقاطعَةً. وَقَالَ: ومقطَّعة الشَّعَر: هَناتٌ صغارٌ مثل شعر الأرانب.
قلت: هَذَا لَيْسَ بِشَيْء، وأُراه أَرَادَ مَا قَالَه ابْن شُميل فِي كتاب (الصِّفَات) : يُقَال للأرنب السَّريعة مقطِّعة النِّياط، ومقطِّعة الأسحار، ومقطِّعة السُّحور، لشدّة عَدْوها، أنَّها تقطّع رئاتِ مَن يعدو على إثْرهَا ليصيدَها فَلَا يلْحقهَا. وَيُقَال للْفرس الْجواد: إنّه ليقطِّع الخَيْل تقطيعاً، إِذا كَانَ يسبقهنَّ فَلَا يلحقنه. وَمِنْه قولُ الجعديّ يصف فرسا:
يقطّعهنّ بتقريبه
ويأوي إِلَى حُضُرٍ مُلْهِبِ
وَمن هَذَا قَول عُمر فِي أبي بكر: (وَلَيْسَ فِيكُم من تَقَطَّعُ عَلَيْهِ الأعناقُ مثلُ أبي بكر) مَعْنَاهُ لَيْسَ فِيكُم سابقٌ إِلَى الْخيرَات تَقَطَّعُ أعناقُ مسابقيه سبقاً إِلَى كلّ خير حَتَّى يلْحق شأوَه أحدٌ مثل أبي بكر، رَضِي الله عَنْهُمَا.
عَمْرو عَن أَبِيه: يُقَال فلانٌ قطيعُ فلانٍ، أَي شبيهُه فِي قدِّه وخَلْقه، وَجمعه أقطعاء. والتقطيع: مَغْص يجده الْإِنْسَان فِي بَطْنه وأمعائه. وَيُقَال جَاءَت الطَّيرَ مُقْطَوطِعاتٍ وقواطعَ، بِمَعْنى وَاحِد. وفلانٌ مُنْقَطع القرين، إِذا لم يكن لَهُ مِثْلٌ فِي سخاءٍ أَو فضل. وَيُقَال قَاطع فلانٌ فلَانا بسيفيهما، إِذا نظرا أيُّهما أقطع. وسيفٌ قاطعٌ وقطّاع ومِقطَع. وكل شيءٍ يُقطع بِهِ فَهُوَ مِقطَع.
قَالَ: والمَقطَع: مَوضِع القَطْع. والمَقْطع: مصدر كالقَطع. والمَقْطَع: غَايَة مَا قُطِع. وَيُقَال مَقْطع الثَّوب، ومَقطع الرمل إِلَى حَيْثُ لَا رمل وَرَاءه. والمقطع: الْموضع الَّذِي يُقطع فِيهِ النهرُ من المعابر.
وَرجل قَطُوعٌ لإخوانه ومِقطاع: لَا يثبتُ على مؤاخاةٍ.
وَشَيْء حسنُ التقطيع، إِذا كَانَ حسنَ القَدّ.
وَيُقَال لقاطع رَحمَه: إنّه لقُطَعةٌ قُطَعٌ.
وَبَنُو قُطَيعة: حيٌّ من الْعَرَب، وَالنِّسْبَة إِلَيْهِم قُطَعيّ.
وَقَالَ اللَّيْث: القَطِيع: السَّوط المتقطّع.
قلت: سمِّي السَّوط قَطِيعاً لأنَّهم يَأْخُذُونَ القِدَّ المحرَّم فيقطّعونه أَرْبَعَة سيور، ثمَّ يفتلونه ويلوونه ويعلِّقونه حتّى يجفَّ، فَيقوم قَائِما كَأَنَّهُ عَصا. سمِّي قطيعاً لِأَنَّهُ يقطع أربعَ طاقاتٍ ثمَّ يلوي.
ومَقطَع الْحق: حَيْثُ يُفصَل بَين الْخُصُوم بنصِّ الحكم. وَقَالَ زُهَيْر:
فإنّ الحقَّ مقطَعُه ثلاثٌ
يمينٌ أَو نفارٌ أَو جِلاءُ
وقُطَّاع الطُّرق: الَّذين يُعارضون أَبنَاء السَّبِيل فيقطعون بهم الطَّرِيق.
وَقَالَ اللَّيْث: الْقَاطِع: مِثالٌ كالمِقْطَع يُقطَع عَلَيْهِ الأديمُ والثوبُ وَنَحْوه.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: إِنَّمَا هُوَ القِطاع لَا الْقَاطِع. قَالَ: وَهُوَ مثل لِحاف ومِلحف، وسراد ومِسرد وقِرام ومِقرم، وَإِزَار ومئزر، ونِطاق ومِنطَق.(1/132)
وقَطَعات الشّجر: أَطْرَاف أُبَنها الَّتِي تخرج مِنْهَا إِذا قُطِعت، الْوَاحِدَة قَطَعة.
والقُطع: البُهر. يُقَال قُطع الرجلُ فَهُوَ مَقْطُوع. وَالْفرس أَيْضا يأخُذه القُطْع.
وَيُقَال للْفرس إِذا انْقَطع عِرقٌ فِي بَطْنه أَو شحمٌ: مقطوعٌ، وَقد قُطِع.
وَقَالَ اللَّيْث: الأُقطوعة: شَيْء تبْعَث بِهِ الجاريةُ إِلَى صاحبِها عَلامَة أنَّها صارَمته. وَأنْشد:
قَالَت لجاريتيها اذْهَبَا
إِلَيْهِ بأُقطوعةٍ إذْ هَجَرْ
وتقطيع الْبَيْت فِي بيُوت الشّعْر: تجزئته بالأفعال.
قَالَ أَبُو ذُؤَيْب:
كأنّ ابنةَ السَّهميّ دُرَّةُ قامسٍ
لَهَا بعد تقطيع النُّبوح وهيجُ
أَرَادَ بعد هَدْءِ من اللَّيْل، وَالْأَصْل فِيهِ القِطع وَهُوَ طائفةٌ من اللَّيْل. والنُّبُوح: الْجَمَاعَات.
وَيُقَال قطعتُ الحوضَ قَطْعاً، إِذا ملأته إِلَى نصفه أَو ثلثه ثمَّ قطعتَ الماءَ مِنْهُ. وَمِنْه قَول ابْن مُقْبل، يذكر إبِلا سقى لَهَا فِي الْحَوْض على عَجَلةٍ وَلم يُروها:
قَطعنَا لهنَّ الحوضَ فابتلَّ شَطرُه
بشُربٍ غِشاشٍ وَهُوَ ظمآنُ سائرُه
وأقطعت السماءُ بِموضع كَذَا وَكَذَا، إِذا انْقَطع المطرُ هُنَاكَ وأقلعت. وَيُقَال: مَطرت السَّمَاء بِبَلَد كَذَا وأقطعتْ بِبَلَد كَذَا.
ورجلٌ مُقْطَعٌ: لَا ديوانَ لَهُ.
وَقَالَ شمر: القَطْع: مَغَسٌ يجده الْإِنْسَان فِي بَطْنه. يُقَال قُطِّع فلانٌ فِي بَطْنه تقطيعاً، وَهُوَ مَغَس يجده فِي أمعائه. قَالَ: وَيُقَال للْقَوْم إِذا جفّتْ مياه ركاياهم: أَصَابَتْهُم قُطعة مُنكرَة. وَقد قَطَع مَاء قليبكم، إِذا ذهب ماؤُها.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: تَقول العربُ: اتَّقُوا القُطَيعاءَ، أَي أَن يَنْقَطِع بعضُكم من بعضٍ فِي الْحَرْب.
وَيُقَال للرجل الْقصير: إنّه لمقطَّع مجذَّر.
أَبُو زيد: أقطعَ الرجلُ إقطاعاً فَهُوَ مُقطِعٌ، إِذا لم يُرد النِّسَاء وَلم ينقشر عُجارِمُه. قَالَ: وقُطع بفلانٍ قَطعاً، إِذا قطع بِهِ الطَّرِيق وَإِذا عجَز عَن سَفَره لنفقةٍ هَلَكت أَو رَاحِلَة عَطِبتْ، فقد انقُطِع بِهِ. وَيُقَال للرجل الْغَرِيب بِالْبَلَدِ: قد أُقطِع عَن أَهله إقطاعاً فَهُوَ مُقْطَعٌ عَنْهُم. وأَقطعَ كَلَام الرجل إقطاعاً فَهُوَ مُقْطِع، إِذا بكتوه بالحقّ فَلم يقدر على الْجَواب. وقَطَع مَاء قليبكم قُطوعاً، إِذا قل مَاؤُهَا وَذهب.
وروى ابْن شُميل حَدِيثا مَرْفُوعا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه (نَهى عَن لُبْس الذَّهَب إلاّ مقطَّعاً) . قَالَ النَّضر: المقطَّع: الخاتَم، والقُرطُ، والشَّنْف.
وَقَالَ أَبُو عُبيد: المقطَّع هُوَ الشَّيْء الْيَسِير مِنْهُ: مثل الحَلْقة والشَّذرة وَنَحْوهَا.
وَقَالَ أَبُو سعيد: يُقَال: لأقطِّعن عُنق دابّتي، أَي لأبيعنَّه. وَأنْشد لأعرابيَ تزوّجَ امْرَأَة وسَاق إِلَيْهَا مهرهَا إبِلا فَقَالَ:
أَقُول والعَيساءُ تمشي والفُضُلْ
فِي جِلّةٍ مِنْهَا عَراميسَ عُطُلْ(1/133)
قطّعْتُ بالأحراحِ أعناقَ الإبلْ
يَقُول: اشتريتُ الأحراحَ بإبلي.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الأقطع: الأصمّ. قَالَ: وأنشدني أَبُو المكارم:
إنَّ الأحيمِر حِين أَرْجُو رِفده
غَمْراً لأَقطَعُ سيِّىءٌ الإصْرَانِ
قَالَ: والإصران: جمع إصْر، وَهُوَ الخِنّابة، وَهُوَ سَم الْأنف. قَالَ: والخنّابتان: مَجرَيَا النفَس فِي المنخرين. أَرَادَ أَنه يتصامم عليَّ وَلَا مَشَمَّ لَهُ مَعَ ذَلِك، فَهُوَ أخشَمُ أصمّ.
وَقَالَ أَبُو تُرَاب: القُطْعة فِي طيِّىءٍ كالعنعنة فِي تَمِيم، وَهُوَ أَن يَقُول يَا أَبَا الحَكَا، يُرِيد يَا أَبَا الحكم، فَيقطع كلامَه.
قلت: وكلُّ مَا مرَّ فِي الْبَاب من هَذِه الْأَلْفَاظ وَاخْتِلَاف مَعَانِيهَا فَالْأَصْل واحدٌ والمعاني مُتَقَارِبَة وَإِن اخْتلفت الْأَلْفَاظ. وَكَلَام الْعَرَب آخذٌ بعضُه برقاب بعض، وَهَذَا يدلُّك على أنَّ لسانَ الْعَرَب أوسع الْأَلْسِنَة نطقاً وكلاماً.
(بَاب الْعين وَالْقَاف مَعَ الدَّال)
عقد، عدق، قعد، قدع، دقع، دعق: مستعملان
عقد: قَالَ الله جلّ وعزّ {يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} (المَائدة: 1) قيل العُقود العهود، وَقيل الْفَرَائِض الَّتِي أُلزِموها. وَقَالَ الزَّجاج فِي قَوْله: {أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} (المَائدة: 1) : خَاطب الله جلّ وعزّ الْمُؤمنِينَ بِالْوَفَاءِ بِالْعُقُودِ الَّتِي عقدهَا عَلَيْهِم والعقود الَّتِي يَعقدها بعضُهم على بعضٍ على مَا يُوجِبهُ الدِّين. قَالَ: والعُقود: العهود، واحدُها عَقْد، وَهِي أوكدُ العهود. يُقَال: عهِدتُ إِلَى فلانٍ فِي كَذَا وَكَذَا، فتأويله ألزمتُه ذَلِك، فَإِذا قلت عاقدتُه أَو عَقَدتُ عَلَيْهِ، فتأويله أَنَّك ألزمته ذَلِك باستيثاق. وَيُقَال: عقدتُ الحبلَ فَهُوَ مَعْقُود، وَكَذَلِكَ الْعَهْد. وأعقدت الْعَسَل وَنَحْوه فَهُوَ مُعْقَدٌ وعَقيد. وروى بَعضهم: عقدت الْعَسَل والكلامَ: أعقدت. وَأنْشد:
وكأنَّ رُبَّاً أَو كُحَيلاً مُعْقداً
وَيُقَال عقَد فلانٌ الْيَمين، إِذا وكَّدها.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ابْن اليزيديّ عَن أبي زيد فِي قَوْله عزّ وجلّ: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} (النِّساء: 33) و (عقدت أَيْمَانكُم) وقرىء: (عَقَّدت) بِالتَّشْدِيدِ، مَعْنَاهُ التوكيد كَقَوْلِه: {وَلاَ تَنقُضُواْ الاَْيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} (النّحل: 91) فِي الْحلف أَيْضا. قَالَ: فَأَما الْحَرْف فِي سُورَة الْمَائِدَة: {وَلَاكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الاَْيْمَانَ} (المَائدة: 89) بِالتَّشْدِيدِ فِي الْقَاف قِرَاءَة الْأَعْمَش وَغَيره، وَقد قرىء بِالتَّخْفِيفِ: (عَقَدتم) . وَقَالَ الحطيئة:
أُولَئِكَ قومِي إنْ بَنوْا أَحسنوا الْبَنَّا
وَإِن عَاهَدُوا أوفَوْا وَإِن عاقدوا شدُّوا
وَقَالَ فِي عَقَد:
قومٌ إِذا عَقدوا عَقْداً لجارهم
فَقَالَ فِي بيتٍ: عقدوا، وَفِي بيتٍ: عاقدوا. والحرف قرىء بِالْوَجْهَيْنِ.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: عُقدة الْكَلْب: قضيبه. وإنّما قيل لَهُ عُقدة إِذا عَقَدت عَلَيْهِ(1/134)
الكلبة فانتفخ طرَفه. قَالَ: والعَقَد: تشبُّث ظَبية اللَّعوة ببُسرة قضيب الثَّمثَم. والثَّمثَم: كلب الصَّيْد. واللَّعوة: الْأُنْثَى. وظَبيتُها: حياؤها.
وَقَالَ الأصمعيّ: العُقدة من الأَرْض: البُقعة الْكَثِيرَة الشّجر، ذكره أَبُو عبيد عَنهُ.
وَقَالَ غَيره: كلُّ مَا يَعْتَقِدهُ الْإِنْسَان من العَقَار فَهُوَ عُقْدَةٌ لَهُ.
وَيُقَال: فِي أَرض بني فلَان عُقدةٌ تكفيهم سنَتَهم. مَعْنَاهُ الْبَلَد ذُو الشّجر والكلأ والمرتع.
وَقَالَ أَبُو عبيد: العَقِدة من الرمل والعَقَدة: المتعقِّد بعضُه على بعض، والجميع عَقِدٌ وعَقَد. وَقَالَ هميان:
يفتُق طُرْقَ العَقدِ الرَّواتجا
قَالَ: وَقَالَ الْأَحْمَر: التعقُّد فِي الْبِئْر: أَن يخرُج أَسْفَل الطيّ وَيدخل أَعْلَاهُ إِلَى جِراب الْبِئْر. وجرابُها: اتساعها.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الذّنَب الأعقَد: المعْوَجّ. وفحلٌ أعقدُ، إِذا رفعَ ذنبَه، وَإِنَّمَا يفعل ذَلِك من النشاط.
وَالْعرب تَقول: عَقد فلانٌ ناصيته، إِذا غضِب وتهيّأ للشرّ. وَقَالَ ابنُ مُقْبل:
أثابوا أَخَاهُم إذْ أَرَادوا زياله
بأسواط قِدَ عاقدين النواصيا
والعَقْد: عَقد طاق الْبناء، وَجمعه عُقود، وَقد عقَّده البنَّاءُ تعقيداً. وَمَوْضِع العَقْد من الْحَبل عُقْدة، وَمِنْه عُقدة النِّكَاح.
والأعقد من التيوس: الَّذِي فِي قرْنه التواء. ورجلٌ أعقد، إِذا كَانَ فِي لِسَانه رَتَج.
وأعقدت الْعَسَل فعَقَد وانعقَد، وعسلٌ عقيد، وَكَذَلِكَ عقيد عصير الْعِنَب. وتعقَّد القوسُ فِي السَّمَاء، إِذا صَار كأنّه عَقْدٌ مبنّي.
والعاقد من الظباء: الَّذِي ثنى عنقَه، والجميع العواقد. وَقَالَ النَّابِغَة الذبياني:
حسانِ الوُجوهِ كالظِّباء العواقدِ
وَهِي العواطف أَيْضا.
واليعقيد: طَعَام يُعقَد بالعسل.
والعِقْد: القلادة، وجمعُه الْعُقُود.
وَإِذا أَرتَجَت الناقةُ على مَاء الْفَحْل فَهِيَ عاقدٌ، وَذَلِكَ أَنَّهَا تَعقِد بذنبها فَيعلم أَنَّهَا قد حَمَلت وعَقَدت فمَ الرَّحِم على المَاء فارتتج.
والحاسب يعْقد بأصابعه إِذا حَسَب.
والعَقَد: قَبيلَة من الْعَرَب ينْسب إِلَيْهِم فلانٌ العَقَديّ.
وناقة معقودة القَرَا، إِذا كَانَت وَثِيقَة الظَّهر.
وانعقَد النكاحُ بَين الزَّوجين، وَالْبيع بَين البيِّعين. وانعقد عَقدُ الْحَبل انعقاداً. ومَوضع العقد من الْحَبل مَعقِد، وَجمعه مَعاقد.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: العَقَد: ترطُّب الرمل من كَثْرَة الْمَطَر. وروضة عَقِدةٌ، إِذا اتَّصلَ نبتُها. والعَقْد: الْجمل الْقصير الصَّبور على الْعَمَل.
وَقَالَ عرّام: عَقدَ فلانٌ عنقَه إِلَى فلانٍ وعكَدها، إِذا لَجأ إِلَيْهِ.
شمر عَن ابْن الأعرابيّ: العُقدة من المرعى هِيَ الجنْبة مَا كَانَ فِيهَا من مَرعَى(1/135)
عامٍ أوّل فَهُوَ عُقدةٌ وعُروة، فَهَذَا من الجَنْبة. وَقد يُضطرُّ المالُ إِلَى الشّجر فيسمَّى عُقدةً وَعُرْوَة. فَإِذا كَانَت الجنبة لم يقل للشجر عقدَة وَلَا عُرْوَة. قَالَ: وَمِنْه سمِّيت العُقدة. وَأنْشد:
خضَبَتْ لَهَا عُقَدُ البِراق جَبينَها
من عَركها عَلجانَها وعرادَها
عدق: ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: هِيَ العَودقة والعَدْوقة لخُطَّاف الدّلو. قَالَ: وَجَمعهَا عُدُق.
وَقَالَ اللَّيْث: العودقة: حَدِيدَة ثلاثُ شعب يسْتَخْرج بهَا الدَّلو من الْبِئْر. وأعدقَ بِيَدِهِ فِي نواحي الْبِئْر والحوض كَأَنَّهُ يطْلب شَيْئا وَلَا يرَاهُ.
وَقَالَ غَيره: رجلٌ عادقُ الرَّأْي؛ لَيْسَ لَهُ صَيُّورٌ يصير إِلَيْهِ. يُقَال عَدَق بظنِّه عدقاً، إِذا رجمَ بظنِّه ووجّه الرَّأْي إِلَى مَا لَا يستبين رُشده.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: العَدَق: الخطاطيف الَّتِي تُخرج بهَا الدِّلاء، وَاحِدهَا عَدَقة.
قعد: قَالَ الله عزّ وجلّ: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَآءِ الَّلَاتِى لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً} (النُّور: 60) .
أَخْبرنِي المنذريّ عَن الحرّانيّ عَن ابْن السّكيت قَالَ: امرأةٌ قاعدٌ، إِذا قعدَتْ عَن المَحيض. فَإِذا أردتَ القُعود قلتَ قَاعِدَة. قَالَ: وَيَقُولُونَ: امرأةٌ واضعٌ، إِذا لم يكن عَلَيْهَا خِمار. وأتانٌ جَامع، إِذا حملتْ. قَالَ: وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: الْقَوَاعِد من صِفَات الْإِنَاث، لَا يُقَال رجالٌ قَوَاعِد.
قَالَ: وَيُقَال رجلٌ قاعدٌ عَن الغَزْو، وَيقوم قُعَّادٌ وقاعدون.
قَالَ: وقعيدة الرجُل: امْرَأَته، وَالْجمع قعائد، سمِّيت قعيدةً لِأَنَّهَا تقاعده.
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: يَقُول قِعْدَك الله مثل نشدتك الله. وَقَالَ أَيْضا قعِدَك الله، أَي الله مَعَك. وَأنْشد:
قَعيدَكما الله الَّذِي أَنْتُمَا لَهُ
ألم تسمعا بالبيضَتَين المناديا
قَالَ وَأنْشد غَيره عَن قُرَيبة الأعرابية:
قعيدَكِ عَمرَ الله يَا بنت مالكٍ
ألم تعلمينا نعِمَ مأوَى المعصِّبِ
قَالَ: وَلم أسمعْ بَيْتا اجْتمع فِيهِ العَمْر والقَعِيد إلاّ هَذَا.
قَالَ: وَقَالَ الأصمعيّ: قِعدَك لَا أفعلُ ذَاك وقعيدَك. وَقَالَ متمِّم:
قَعيدَكِ أَلا تُسمِعيني مَلامةً
وَلَا تنكئي قَرْحَ الْفُؤَاد فييجَعا
وَقَالَ أَبُو عبيدٍ أَيْضا فِي كِتَابه فِي (النَّحْو) : عُليا مُضَر تَقول: قَعيدَك لتفعلنَّ كَذَا. قَالَ: القَعيد: الْأَب.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْهَيْثَم قَالَ: القَعيد: المُقاعد. وَأنْشد:
قعيدَكما الله الَّذِي أَنْتُمَا لَهُ
ألم تسمعا بالبيضتين المناديا
يَقُول: أَيْنَمَا قَعدت فَأَنت مُقاعِد لله، أَي هُوَ مَعَك. قَالَ: وَيُقَال قعيدَك الله لَا تفعل كَذَا، وقَعدك الله بِفَتْح الْقَاف، وَأما قِعْدَكَ فَلَا أعرفهُ.
وَيُقَال قَعَدَ قَعْداً وقُعوداً. وَأنْشد:
فقَعْدكِ أَلا تُسمعيني مَلامةً(1/136)
قَالَ: وَيُقَال قعّدت الرجلَ وأقعدته، أَي خدمته، فَأَنا مُقْعِدٌ لَهُ ومقعّد لَهُ. وَأنْشد:
تَخِذها سُرِّيّةً تقعِّده
أَي تخدمه. وَقَالَ الآخر:
وَلَيْسَ لي مُقعِدٌ فِي الْبَيْت يُقْعدني
وَلَا سَوامٌ وَلَا مِن فضّةٍ كيسُ
وَأما قَول الله عزَّ وجلّ: {الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ} (ق: 17) فَإِن النَّحْوِيين قَالُوا: مَعْنَاهُ عَن الْيَمين قعيد وَعَن الشمَال قعيد، فَاكْتفى بِذكر الْوَاحِد عَن صَاحبه، كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
نَحن بِمَا عندنَا وَأَنت بِمَا
عنْدك راضٍ والرأي مختلفُ
أَرَادَ: نَحن بِمَا عندنَا راضون، وَأَنت بِمَا عنْدك راضٍ. وَقَالَ الفرزدق:
إنّي ضمنت لمن أَتَانِي مَا جنى
وأبى وَكَانَ وَكنت غير غَدُورِ
وَلم يقل غدورين.
سَلمَة عَن الْفراء: تَقول الْعَرَب: قعد فلانٌ يشتُمني وَقَامَ يشتُمني، بِمَعْنى طفِق. وَأنْشد لبَعض بني عَامر:
لَا يُقنِع الجاريةَ الخِضابُ
وَلَا الوشاحانِ وَلَا الجلبابُ
من دون أَن تلتقي الأركابُ
ويَقعُدَ الأير لَهُ لعابُ
كَقَوْلِك يصير.
وَقَول الله جلّ وعزّ {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ} (البَقَرَة: 127) الْقَوَاعِد: الآساس، واحدتها قَاعِدَة.
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَوَاعِد السَّحاب: أصولُها المعترِضة فِي آفَاق السَّماء، شبِّهت بقواعد البِناء، قَالَه فِي تَفْسِير حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين سَأَلَ عَن سحابةٍ: (كَيفَ ترَوْنَ قواعدها وبواسقَها؟) . فالقواعد: أسافلها. والبواسق: أعاليها.
وَمن أَمْثَال الْعَرَب السائرة: (إِذا قَامَ بك الشَّرُّ فاقعُدْ) يفسَّر على وَجْهَيْن: أَحدهمَا أنّ الشرَّ إِذا غلبَك فذِلّ لَهُ وَلَا تضطربْ فِيهِ. وَالْوَجْه الثَّانِي أنَّ مَعْنَاهُ إِذا انتصبَ لَك الشرُّ وَلم تجدْ مِنْهُ بدّاً فانتصبْ وجاهدْه. وَهَذَا يُروَى عَن الْفراء.
أَبُو عبيد عَن أبي عُبيدة قَالَ: القعيد: الَّذِي يَجِيء مِن ورائك من الظباء الَّتِي يُتطيَّر مِنْهَا. قَالَ: وَمِنْه قَول عَبِيد بن الأبرص:
تَيسٌ قعيدٌ كالوشيجة أعضبُ
ذكره فِي بَاب السانح والبارح.
وَمن دُعاء الْأَعْرَاب على الرجل بالشرّ يَقُول أحدُهم للرجل: (حلبت قَاعِدا وشربتَ قَائِما) ، يَقُول: لَا ملكتَ غير الشَّاء الَّتِي تُحلب مِن قُعود، وَلَا ملكت إبِلا تحلبها قَائِما. والشاءُ مَال الضَّعْفَى والذُّلاّن، وَالْإِبِل مَال الْأَشْرَاف والأقوياء.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: إِذا صَارَت الفسيلة لَهَا جِذع قيل قد قَعَدت، وَفِي أَرض فلانٌ من القاعِدِ كَذَا وَكَذَا أصلا.
وَقَالَ: فلانٌ مُقْعَد الْحسب، إِذا لم يكن شرفٌ. وَقد أقعَدَه آباؤه وتقعَّدوه. وَمِنْه قَول الطرِماح يهجو رجلا:(1/137)
ولكنَّه عبدٌ تقَعَّد رأيَه
لئامُ الفحول وارتخاصُ المناكح
أَي أقعدَ حسبَه عَن الْكَرم لؤمُ آبَائِهِ.
وَقَالَ الْخَلِيل: إِذا كَانَ بيتٌ فِيهِ زحافٌ قيل لَهُ مُقْعَد.
قلتُ: وَأما قَوْلهم رجلٌ قُعدُدٌ وقُعدَدٌ إِذا كَانَ لئيماً، فَهُوَ من الْحسب المُقْعَد.
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الإقواء: نُقصان الْحَرْف من الفاصلة، كَقَوْلِه:
أفبعدَ مقتلِ مَالك بن زُهَيرٍ
ترجو النساءُ عواقبَ الأطهارِ
فنقَص من عروضه قوّة. قَالَ: وَكَانَ يسمِّي هَذَا المُقْعَد.
قلت: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح عَن الْخَلِيل، وَهَذَا غير الزِّحاف، وَهُوَ عيبٌ فِي الشّعْر، والزحاف لَيْسَ بِعَيْب.
قلت: وَيُقَال رجلٌ قعيدُ النّسَب ذُو قُعدُد، إِذا كَانَ قَلِيل الْآبَاء إِلَى الجدّ الْأَكْبَر. وفلانٌ أقعدُ بني فلانٍ، إِذا كَانَ أقربَهم إِلَى الجدّ الْأَكْبَر. وَكَانَ عبد الصَّمد بن عَليّ بن عبد الله بن العبّاس الهاشميّ أقعدَ بني الْعَبَّاس نسبا فِي زَمَانه. وَلَيْسَ هَذَا ذمّاً عِنْدهم، وَأما القعدد المذموم فَهُوَ اللَّئِيم فِي حَسبه. وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن عمرٍ وَعَن أَبِيه قَالَ: القُعدُد الْقَرِيب النّسَب من الجدّ الْأَكْبَر. والقُعدُد: الْبعيد النّسَب من الجدّ الْأَكْبَر، وَهُوَ من الأضداد.
وَقَالَ ابْن السّكيت فِي قَول البعيث:
لقىً مُقعَد الْأَنْسَاب منقَطَعٌ بِهِ
قَالَ مَعْنَاهُ أنّه قصير النَّسب، من القُعدد. وَقَوله (منقطَع بِهِ) أَي لَا سَعْيَ بِهِ، إِن أَرَادَ أَن يسْعَى لم يكن بِهِ على ذَلِك قُوّةُ بُلْغةٍ، أَي شَيْء يَتَبلّغ بِهِ.
وَقَالَ ابْن شُميل: رجل مُقعَد الْأنف، وَهُوَ الَّذِي فِي مَنْخرَيْهِ سَعةٌ وَقصر.
وَأما قَول عَاصِم بن ثَابت الأنصاريّ:
أَبُو سُلَيْمَان وريشُ المقعَدِ
ومُجْنأ من مَسْكِ ثَورٍ أجردِ
فإنّ أَبَا الْعَبَّاس قَالَ: قَالَ ابنُ الأعرابيّ: المُقْعَد: فَرخ النَّسر، وريشُه أجودُ الرِّيش. قَالَ: وَمن رَوَاهُ (المُعقد) فَهُوَ اسْم رجلٍ كَانَ يَريشُ السِّهام.
وَقيل: المقعَد: النَّسر الَّذِي قُشِّب لَهُ حتّى صِيدَ فأُخِذ ريشُه.
ورجلٌ مُقعَدٌ، إِذا أزمَنَه داءٌ فِي جَسَده حتّى لَا حَرَاكَ بِهِ والإقعاد والقُعاد: داءٌ يَأْخُذ النجائبَ فِي أوراكها، وَهُوَ شِبهُ ميل العجُز إِلَى الأَرْض. يُقَال أُقعِدَ البعيرُ فَهُوَ مُقعَد.
والمقعَدة من الْآبَار: الَّتِي احتفِرت فَلم يُنبَط مَاؤُهَا فتُركت. وَهِي المُسهَبة عِنْدهم.
وَيُقَال: اقتعَد فلَانا عَن السَّخاء لؤمُ جِنْثِه. وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
فَازَ قِدْحُ الكلبيِّ واقتعدت مَغْ
رَاء عَن سَعْيه عروقُ لئيم
وَقَالَ اللَّيْث: القُعْدة من الدوابّ: الَّذِي يقتعده الرجلُ للرُّكُوب خاصّة. قَالَ: والقَعُود والقَعودة من الْإِبِل خاصّةً: مَا اقتعده الرَّاعِي فَرَكبهُ وَحمل عَلَيْهِ زادَه ومتاعَه. والجميع قِعدان. وَقَالَ النَّضر بن شُمَيْل: القَعود من الذُّكُور، والقَلوص من(1/138)
الْإِنَاث.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: هِيَ قَلوصٌ للبكْرة الْأُنْثَى، وَالْبكْر قَعودٌ مثل القلوص، إِلَى أَن يُثْنِيا، ثمَّ هُوَ جَمَلٌ.
قلت: وعَلى هَذَا التَّفْسِير قولُ من شاهدتُ من الْعَرَب: لَا يكون القَعودُ إلاّ البكرَ الذّكَر، وَجمعه قِعدانٌ، ثمَّ القَعَادين جمع الْجمع. وَلم أسمعْ قعودة بِالْهَاءِ لغير اللَّيْث.
وَأَخْبرنِي المنذريّ أَنه قَرَأَ بخطّ أبي الْهَيْثَم للكسائي أَنه سمع من يَقُول قَعودةٌ للقلوص، وللذكر قَعود.
قلت: وَهَذَا للكسائي من نَوَادِر الْكَلَام الَّذِي سمِعه من بَعضهم، وَكَلَام أَكثر الْعَرَب على غَيره.
وَقَالَ النضْر: القُعدة: أَن يقتعد الرَّاعِي قَعوداً من إبِله فيركبه. فَجعل القُعدة والقَعودَ شَيْئا وَاحِدًا.
وَقَالَ اللَّيْث: القعيدة الْجَرَاد الَّذِي لم يستوِ جناحاه.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: القَعَد: الشُّراة الَّذين يحكِّمون وَلَا يُحَاربُونَ. قَالَ: والقَعَد النَّخْلُ الصغار.
قلت: القَعَد جمع قاعدٍ فِي الْمَعْنيين، كَمَا يُقَال خادمٌ وخَدَم، وحارسٌ وحَرَس. والقَعَديّ من الْخَوَارِج: الَّذِي يرى رَأْي القَعَد الَّذين يَرَون التَّحْكِيم حقّاً غير أنَّهم قعدوا عَن الْخُرُوج على النَّاس.
وَجعل ذُو الرمّة فِراخ القَطَا قبل نهوضها للطَّيرَان مُقْعَدات، فَقَالَ:
إِلَى مُقعَداتٍ تطرُد الريحُ بالضَّحى
عليهنَّ رَفْضاً من حَصاد القلاقلِ
والمقعَدات: الضَّفادع أَيْضا.
وثَديٌ مقعَد، إِذا كَانَ ناهداً.
والقِعدة: ضربٌ من الْقعُود كالجِلسَة. والقَعْدة: ب 1 جلْسَة وَاحِدَة. وَذُو القَعْدة: الشَّهر الَّذِي يَلِي شوالاً.
وقواعد الهودج: خشَبات معْترضاتٌ فِي أَسْفَله يركّب عِيدان الهَودج فِيهَا.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: القعيدة من الرمال: الَّتِي لَيست بمستطيلة.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: القُعُدات: الرّحال والسُّروج.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: المُقعَدة: الدَّوخلة من الخوص. قَالَ: ورجلٌ قُعدَد: لئيم الأَصْل. وَقَالَ: الإقعاد: قلّة الأجداد، والإطراف كَثْرَة الأجداد؛ وَكِلَاهُمَا مدحٌ.
وَقَالَ النَّضر: القُعدة: أَن يقتعد الرَّاعِي قَعُوداً من إبِله فيركبه. والاقتعاد: الرّكُوب. يَقُول الرجل لِلرَّاعِي: نستأجرك بِكَذَا وعلينا قُعدتك، أَي علينا مركبك، تركب من الْإِبِل مَا شِئْت وَمَتى مَا شِئْت. وَأنْشد أَبُو عبيد للكميت:
لم يقتعدها المعجِّلون وَلم
يَمسخْ مطاها الوُسوقُ والحَقَبُ
وَقَالَ ابْن بُزْرُج: قَالُوا: أقْعَدَ بذلك الْمَكَان، كَمَا يُقَال أقامَ. وَأنْشد:
أقعدَ حتّى لم يجد مُقْعندَدا(1/139)
وَلَا غَدا وَلَا الَّذِي يَلِي غَدا
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي فِي قَول الراجز:
تُعجِل إضجاعَ الجَشير القاعدِ
قَالَ: الْقَاعِد: الجوالق الممتلىء حبًّا، كأنّه من امتلائه قَاعد. والجشير: الجُوالق.
ورحًى قَاعِدَة: بطحن الطاحن بهَا بالرائد بِيَدِهِ.
وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال: مَا تقعَّدني عَن ذَلِك الْأَمر إلاّ شُغل، أَي مَا حَبَسَنِي.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: رجلٌ قُعدُد: قريب من الجدّ الْأَكْبَر، ورجلٌ قُعدُد إِذا كَانَ خاملاً.
دعق: أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي: دعق الخيلَ يدعقُها دعقاً، إِذا دفَعها فِي الْغَارة. وَقَالَ: أساءَ لبيدٌ فِي قَوْله:
لَا يهمُّون بإدعاق الشَّلَلْ
وَقَالَ غَيره: دعقَها وأدعقها لُغَتَانِ.
وَيُقَال دعقت الْإِبِل الحوضَ، إِذا خبطتْه حَتَّى تَثلمه قَالَ: وطريقٌ دعْق ومدعوقٌ، أَي موطوء. ودعقَت الإبلُ الحوضَ دعقاً، إِذا وردَت فازدحمت على الحوضِ. وَقَالَ الراجز:
كَانَت لنا كدَعقةٍ الوِرد الصَّدِي
وَقَالَ إِسْحَاق بن الْفرج: قَالَ أَبُو عَمْرو: طريقٌ مدعوس ومدعوق، وَهُوَ الَّذِي دعقَه النَّاس. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: طَرِيق دَعْسٌ ودعقٌ، أَي موطُوء كثير الْآثَار.
وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : مداعق الْوَادي، ومَثادقه، ومذابحه، ومهارقه: مَدافعه. وَيُقَال أصابتنا دَعقةٌ من مطر، أَي دُفعة شَدِيدَة.
دقع: رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ للنِّسَاء: (إنكنّ إِذا جُعْتُنَّ دَقِعْتُنَّ، وَإِذا شبعتُنُّ خجِلتُنَّ) قَالَ أَبُو عبيد؛ قَالَ أَبُو عَمْرو: الدَّقَع: الخضوع فِي طلب الْحَاجة والحرصُ عَلَيْهَا. والخجَل: الكسل والتواني عَن طلب الرزق. قَالَ أَبُو عبيد: والدَّقَع مَأْخُوذ من الدقعاء، وَهُوَ التُّرَاب، يَعْنِي أنهنَّ يلصقن بِالْأَرْضِ من الْفقر والخضوع. وَقَالَ الْكُمَيْت:
وَلم يَدقعوا عِنْدَمَا نابهم
لوقْع الحروب وَلم يخجلوا
يَقُول: لم يستكينوا للحرب.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الدَّقَع: سوء احْتِمَال الْفقر. والخجَل: سوء احْتِمَال الْغنى.
أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر: الجُوع الدَّيقوع: الشَّديد، وَهُوَ اليرقوع أَيْضا.
وَقَالَ النَّضر: جوعٌ أدقَع ودَيْقوع، وَهُوَ من الدَّقعاء.
أَبُو عبيد: قَالَ الْفراء: المداقيع: الْإِبِل الَّتِي تَأْكُل النّبتَ حتّى تُلصقَه بِالْأَرْضِ. وَقَالَ أَبُو زيد: أدقعَ إليَّ فلانٌ فِي الشتيمة، إِذا لم يتكرَّم عَن قَبِيح القَوْل وَلم يألُ قَذْعاً. والمُدقِع: الْفَقِير الَّذِي قد لصِق بالتُراب من الْفقر.
وَقَالَ اللَّيْث: الداقع من الرِّجَال: الَّذِي يطْلب مداقّ الكَسْب. قَالَ: والداقع: الكئيب المهتمُّ أَيْضا.
وَقَالَ شمر: أدقعَ فلانٌ فَهُوَ مُدقع، إِذا(1/140)
لزِق بِالْأَرْضِ فقرا. وَيُقَال قد دَقِع أَيْضا. وَرَأَيْت الْقَوْم صَقْعى دَقْعى، أَي لازقين بِالْأَرْضِ.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل. يُقَال بِفِيهِ الدَّقعاء والأدقَع، يَعْنِي التُّراب. قَالَ: والدُّقَاع: التُّراب. وَقَالَ الْكُمَيْت يصف الْكلاب:
مَجازيع قَفرٍ مَداقيعُه
مَسَاريفُ حينَ يُصِبْن اليسارا
قَالَ: ومَداقيع: ترْضى بِشَيْء يسير. قَالَ: والداقع الَّذِي يرضى بالشَّيْء الدُّون.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: يُدعَى على الرجل فَيُقَال: رماك الله بالدَّوقَعة، فوعلة من الدقَع.
قدع: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: القَدَع: الكفّ قلت: جعله من قدِع يَقدع قَدَعاً وَفُلَان لَا يَقدع، أَي لَا يَرتدع قَالَ: والقَدَع: انسلاق الْعين من كَثْرَة الْبكاء. وَكَانَ عبد الله بن عمر قَدِعاً.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: قدِعَتْ عينُه قَدَعاً، إِذا ضعُفتْ من طول النَّظر إِلَى الشَّيْء. وَأنْشد شِمر:
كم فيهم من هجين أمُّه أمَةٌ
فِي عينهَا قَدَعٌ فِي رجلهَا فَدَعُ
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: تقادع الْقَوْم تقادُعاً، وَهُوَ أَن يَمُوت بعضُهم فِي إِثْر بعض.
قَالَ: وَقَالَ الفرّاء: قُدِعت لي الْخَمْسُونَ، إِذا دنت مِنْهُ. وَأنْشد:
مَا يسْأَل الناسُ عَن سِنّي وَقد قُدِعَتْ
لي أَرْبَعُونَ وطالَ الوِردُ والصَّدَرُ
وَقَالَ شمر: سمعتُ ابنَ الأعرابيّ يَقُول قُدِعَتْ لي أَرْبَعُونَ، أَي أُمضِيَتْ. وَيُقَال قَدَعها، أَي أمضاها، كَمَا يُقدع الرجل عَن الشَّيْء.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: قَدَع السِّتِّينَ: جازها.
قلت: فَاحْتمل أَن تُقدع فتَقْدَع، كَمَا تَقول: قدعت الرجلُ عَن الْأَمر فقَدِع، أَي كففتُه فكفّ وارتدع. والقَدوع: الَّذِي يُقدَع، فَعول بِمَعْنى مفعول.
وَقَالَ عرّام: امرأةٌ قَدوع: تأنف من كل شَيْء. وَقَالَ الطرمّاح:
وإلاّ فمدخول الفِناء قَدوعُ
قَدوع بِمَعْنى مقدوع هَاهُنَا.
وَقَالَ أَبُو عبيد: قدعتُ الرجلَ وأقدعتُه، إِذا كففتُه عَنْك. والقِدعة من الثِّيَاب: دُرّاعة قَصِيرَة. وَقَالَ مُليحٌ الهذليّ:
بِتِلْكَ عَلِقتُ الشوقَ أيامِ بِكرُها
قصيرُ الخُطَى فِي قِدعةٍ يَتعطَّفُ
وأمرأة قَدِعة: حيّيةٌ قَليلَة الْكَلَام. وانقدعَ فلانٌ عَن الشَّيْء، إِذا استحيا مِنْهُ.
والمِقدعة: عَصا يَقدع بهَا الإنسانُ عَن نَفسه. وتقادعَ الْقَوْم بالرّماح، إِذا تطاعنوا. وتقادعت الذِّبّان فِي المَرَق، إِذا تهافتت فِيهِ.
وَقَالَ أَبُو مَالك؛ يُقَال: مرَّ بِهِ فرسُه يَقْدَع. وَيُقَال: اقدعْ من هَذَا الشَّرَاب، أَي اقْطَعْ مِنْهُ، أَي اشربه قِطَعاً قِطعاً.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: المِجْوَل: الصُّدرة، وَهِي الصِّدار، والقِدعة، والعِدقة.(1/141)
(بَاب الْعين وَالْقَاف مَعَ التَّاء)
اسْتعْمل من وجوهه: عتق، قتع.
عتق: قَالَ الله جلّ وعزّ: {وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُواْ بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (الحَجّ: 29) قَالَ الْحسن: هُوَ الْبَيْت الْقَدِيم؛ وَدَلِيله قَول الله تَعَالَى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكاً} (آل عِمرَان: 96) . وَقَالَ غَيره: الْبَيْت الْعَتِيق أُعتِق من الغرقِ أَيَّام الطُّوفان، وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ} (الحَجّ: 26) ، وَهَذَا دليلٌ على أَن الْبَيْت رفع وَبَقِي مَكَانَهُ. وَقيل إِنَّه أُعتِق من الْجَبَابِرَة وَلم يدَّعه مِنْهُم أحدٌ.
أَبُو عبيدٍ عَن الْأَصْمَعِي: عَتَقَت الفرسُ، إِذا سبقت الخيلَ فنجَتْ. وَيُقَال فلانٌ مِعتاق الوَسِيقة، إِذا أنجاها وسبقَ بهَا. وَيُقَال عَتَّق بِفِيهِ يعتِّق، إِذا بزَمَ، أَي عضَّ. وعتَق التمرُ وَغَيره وعَتُق يعْتق، إِذا صَار قَدِيما. وعتُق فلانٌ بعد استعلاج، إِذا صَار عتيقاً، وَهُوَ رقّة الْجلد. ورجلٌ عَتيق وَامْرَأَة عتيقة، إِذا عَتَقا من الرِّقّة. وَيُقَال هَذَا فرخ قطاةٍ عاتقٌ، إِذا كَانَ قد استقلّ وطار، ونُرى أَنه من السَّبْق. وَقَالَ غَيره: عَتَق من الرقّ يَعتق عِتقاً، وعَتاقاً، وعَتاقة.
أَبُو عبيد عَن الْفراء قَالَ: العِتْق: صلاحُ المَال. يُقَال عتقتُ المالَ فَعَتَق. أَي أصلحتُه فصَلَح.
وَأَخْبرنِي الْإِيَادِي عَن شمِر أَنه قَالَ: العاتق: الْجَارِيَة الَّتِي قد أدركتْ وبلغَتْ وَلم تتزوَّج بعدُ. وَأنْشد:
أقيدي دَماً يَا أمَّ عمرٍ وهرقتِهِ
بكفَّيك يَوْم السِّتْر إِذْ أَنْت عاتقُ
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: العاتق: الْجَارِيَة الَّتِي قد بلغت أَن تدَّرع وعتَقَت من الصِّبا والاستعانة بهَا فِي مِهْنةِ أَهلهَا، سمِّيت عاتقاً بِهَذَا.
وَقَالَ شمر: يُقَال لجيِّد الشَّرَاب عاتق.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: عتَقت منّي يمينٌ، أَي سبَقَتْ. وَقَالَ أَوْس:
عليَّ ألِيَّةٌ عَتَقَتْ قَدِيما
وَقَالَ أَبُو زيد: أعتق يمينَه، أَي لَيْسَ لَهَا كفّارة. قَالَ: وَقَوله: (عليّ أليّةٌ عتقت قَدِيما) ، أَي لزمَتْني.
وَقَالَ اللَّيْث: فرسٌ عتيقٌ: رائعٌ بيِّن العِتْق. قَالَ: والعاتقان: مَا بَين المنكبِين والعُتق، والجميع الْعَوَاتِق. قَالَ: والعاتق من الزِّقاق: الجيِّد الْوَاسِع. وَقَالَ لبيد:
أُغلِي السِّباءَ بكلِّ أدكنَ عاتقٍ
أوجَونةٍ قُدِحَتْ وفُتَّ خِتامُها
قلت: جعلَ العاتق تبعا للأدكن، لِأَنَّهُ أَرَادَ بكلّ أدكن عاتقٍ خمره الَّتِي فِيهِ، وَهُوَ كَقَوْلِه (أَو جونة قُدحت) وَهِي الخابية، وَإِنَّمَا يُقدح مَا فِيهَا. والقَدْح: الغَرْف.
والمعتَّقة: ضرب من العِطْر.
وَأما قَول عنترة:
كذَب العتيقُ وماءُ شَنٍ باردٌ
فَإِنَّهُ أَرَادَ بالعتيق التمرَ الَّذِي قد عَتَق. خَاطب امْرَأَته حِين عاتبتْه على إيثاره فرسَه بألبان إبِله فَقَالَ لَهَا: عَلَيْك بِالتَّمْرِ وَالْمَاء الْبَارِد، وذَرِي اللَّبن لفرسي الَّذِي أحميكِ(1/142)
بركوبي ظَهره.
وعتِيق الطَّير هُوَ الْبَازِي، فِي قَول لبيد:
كعتيق الطَّيرِ يُغْضي ويُجَلّ
وَقَالَ أَبُو عبيد: العاتق: الْخمر الْقَدِيمَة. قَالَ: وَيُقَال هِيَ الَّتِي لم يفُضَّ ختامَها أحدٌ.
وَقَالَ حسَّان:
أَو عاتقٍ كَدم الذَّبيح مُدامِ
وَقَالَ اللَّيْث: المعتَّقة من أَسمَاء الطِّلاَ وَالْخمر. وَقَالَ الْأَعْشَى:
وسَبِيّةٍ ممّا تعتِّق بابلٌ
كَدم الذَّبيح سلبتُها جريالَها
وبَكْرةٌ عتيقة، إِذا كَانَت نجيبةً كَرِيمَة.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: كل شَيْء بلغ النِّهَايَة فِي جودةٍ أَو رداءةٍ، أَو حُسْنٍ أَو قُبحٍ، فَهُوَ عَتيق وَجمعه عُتُقٌ. قَالَ: والعتيق: التَّمر السِّهريز.
قتع: قَالَ اللَّيْث: القَتَع: دُودٌ حُمر تَأْكُل الْخشب، الْوَاحِدَة قَتَعة. وَقيل: القَتَع: الأَرَضة. وَأنْشد:
غادرتُهمْ باللِّوى صَرْعَى كأنهُم
خُشْبٌ تقصَّف فِي أجوافها القَتَعُ
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: هِيَ السُّرْفة، والقَتَعة، والهِرنِصانة، والْحُطيِّطة، والبُطيِّطة، والسَّرْوَعة، والعَوَانة، والطُّحَنة.
أَبُو عبيد: قاتَعه، إِذا قَاتله. وَهِي المقاتعة.
(بَاب الْعين وَالْقَاف مَعَ الظَّاء)
قعظ: أهمل غيرَ حرفٍ وَاحِد جَاءَ بِهِ العجاج:
أُقعِظوا إقعاظا
قَالَ اللَّيْث: أقعظَني فلانٌ إقعاظاً، إِذا أدخلَ عَلَيْك مشقَّةً فِي أمرٍ كنت عَنهُ بمَعزِل.
(بَاب الْعين وَالْقَاف مَعَ الذَّال)
اسْتعْمل من وجوهه: عذق، قذع، ذعق.
عذق: قَالَ الأصمعيّ وَغَيره: العَذْق بِالْفَتْح: النَّخلة نَفسهَا؛ والعذق بِالْكَسْرِ: الكِباسة، وَجمعه عُذوق وأعذاق. قَالَ: وأعذَقَ الإذخرُ، إِذا أخرَجَ ثمرَه.
وَقَالَ ابنُ الْأَعرَابِي: عَذَق السَّخبَرُ، إِذا طَال نباتُه، وثمرته عَذَقةٌ. وخَبْراء العَذَق مَعْرُوفَة بِنَاحِيَة الصَّمَّان.
وَقَالَ الأصمعيّ: عذَقَ فلانٌ شَاة لَهُ، إِذا علَّق عَلَيْهَا صوفةً يَعرِفُها بهَا.
قلت: وَقد سَمِعت غير واحدٍ من الْعَرَب يَقُول اعتذقت بكْرةً لأقتضبَها، أَي أعلمت عَلَيْهَا لنَفْسي.
وَقَالَ ابنُ الأعرابيّ: اعتذقَ الرجلُ واعتذبَ، إِذا أسبلَ لعمامته عَذَبتين من خلف. وَقَالَ أعرابيٌّ: مِنّا من عُذِق باسمه، أَي شُهر وعُرِف بِهِ. وَيُقَال للَّذي يقوم بِأَمْر النَّخْل وإباره وتذليل عُذوقه: عاذق. وَقَالَ كَعْب بن زُهَيْر يصف نَاقَة لَهُ:
تنجو ويقطُر ذِفْراها على عُنقٍ
كالجِذْع شذَّب عَنهُ عاذقٌ سَعَفا
وَيُقَال: فِي بني فلانٍ عِذْقٌ كهل، أَي عزٌّ قد بلغَ غايتَه، وَأَصله الكِباسة إِذا أينعت،(1/143)
تضرب مثلا للشرف الْقَدِيم. قَالَ ابنُ مُقْبل:
وَفِي غَطَفَانَ عِذْق صِدقٍ ممنَّعٌ
على رغم أقوامٍ من النَّاس يانعُ
فَقَوله عذقٌ يَانِع، كَقَوْلِك: عِزٌّ كهل، وعِذْقٌ كهل.
وَقَالَ أَبُو تُرَاب: سمعتُ عرّاماً يَقُول: كذبَتْ عَذَّاقته وعذّانته، وَهِي استه. وامرأةٌ عَذَقانة، وشَقَذانة، وغَذَوانةٌ، أَي بذيَّةٌ سليطة. وَكَذَلِكَ امرأةٌ سَلَطانة وسَلَتَانة.
وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : فلانٌ عَذِق بالقلوب ولَبِق. وطِيبٌ عَذِق، إِذا كَانَ ذكيَّ الرّيح طيّباً.
ذعق: قَالَ اللَّيْث: الذُّعاق بِمَنْزِلَة الزُّعاق: المُرّ. سمعنَا ذَلِك من بَعضهم، فَلَا أَدْرِي ألغةٌ هِيَ أَو لُثغة.
قلت: وَلم أسمع ذُعاق بِالذَّالِ فِي شَيْء من كَلَام الْعَرَب، وَلَيْسَ بمحفوظٍ عِنْدِي.
قذع: جَاءَ فِي الحَدِيث: (من رَوى فِي الْإِسْلَام هجاء مُقْذِعاً فَهُوَ أحد الشاتِمَيْنِ) . والهِجاء المُقْذِع: الَّذِي فِيهِ فُحش وقَذْفٌ وسَبٌّ يقبُح ذِكره. يُقَال أقذعَ فلانٌ لفلانٍ إقذاعاً، إِذا شَتَمه شتماً يُستفحَش، وَهُوَ القَذْع. وَقَالَ اللَّيْث: قذعتُ الرجل أقذَعه قَذْعاً، إِذا رميتَه بالفُحش من القَوْل.
قلت: وَلم أسمع قَذَعت بِغَيْر ألفٍ لغير اللَّيْث. وَقَالَ العجّاج:
بل أيُّها القائلُ قولا أقذَعا
أَرَادَ أَنه أقذَع فِيهِ، وَقيل أقذعا نعتٌ لِلْقَوْلِ، أَرَادَ قولا ذَا قَذَع.
وَقَالَ أَبُو زيدٍ عَن الكلابيين: أقذعتُه، بلساني إقذاعاً، إِذا قهرتَه بلسانك. وقذعته بالعصا، إِذا ضربتَه.
قلت: أَحسب الَّذِي رُوي لأبي زيد عَن الكلابيين بِالدَّال لَا بِالذَّالِ.
وروى أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: قدَعته عَن الْأَمر، إِذا كففته، وأقذعته بِالذَّالِ، إِذا شتمتَه. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح الغايةُ.
وقرأت فِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : تقذَّعَ لَهُ بِالذَّالِ وَالدَّال، وتقذّح وتقزَّح، إِذا استعدَّ لَهُ بالشرّ.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: ذَعقه وزَعقَه، إِذا صَاح بِهِ وأفزعه.
قلت: وَهَذَا من زيادات ابْن دُرَيْد.
(بَاب الْعين وَالْقَاف مَعَ الثَّاء)
قعث، عثق
قعث: أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو قَالَ: إِذا حفَن لَهُ من مالِه حَفنةً قَالَ: قَعثْتُ لَهُ قَعثةً. وَقَالَ أَبُو زيد مثله. قَالَ: وَكَذَلِكَ هِثْت هَيْثاً لَهُ، إِذا حَثَوتَ لَهُ.
وَقَالَ ابْن المظفر: الإقعاث: الْإِكْثَار من العطيَّة.
قلت: وَقد أَبَاهُ الأصمعيّ. وَقَالَ رؤبة فِي أرجوزة لَهُ:
أقعَثَني مِنْهُ بسيبٍ مُقْعَثِ
لَيْسَ بمنزورٍ وَلَا بريِّثِ
وَقَالَ الأصمعيّ: قد أساءَ رؤبة حِين قَالَ (بسَيبٍ مُقْعَثِ) فَجعل سيبَه قعثاً، وَإِنَّمَا(1/144)
القَعْثُ الهيِّن الْيَسِير.
وَقَالَ غَيره: يُقَال إِنَّه لقَعيث كثير، أَي وَاسع. ومطر قعيثٌ: غزير.
وروى ابْن الْفرج للأصمعي أَنه قَالَ: انقعثَ الجدارُ وانقعر وانقعف، إِذا سقط من أَصله. وروى عَنهُ أَيْضا أَنه قَالَ: اقتعثَ الحافرُ اقتعاثاً، إِذا استخرجَ تُرَابا كثيرا من الْبِئْر.
قَالَ أَبُو تُرَاب: وَقَالَ عَرّام: القُعَاث: داءٌ يَأْخُذ الغنَمَ فِي أنوفها. قَالَ: وانقعثَ الشَّيْء وانقعف، إِذا انقلع.
عثق: أهمله اللَّيْث. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: سحابٌ متعثِّق، إِذا اختلطَ بعضُه بِبَعْض. وَفِي (لُغَات هُذَيْل) : أعثقت الأرضُ، إِذا أخصبَت.
(بَاب الْعين وَالْقَاف مَعَ الرَّاء)
عقر، عرق، قرع، قَعْر، رقع، رعق: مستعملات
عقر: أَبُو عبيد عَن أبي عُبَيْدَة: العاقر الْعَظِيم من الرمل. وَعنهُ عَن الأصمعيّ: العاقر من الرمال: الرَّملة الَّتِي لَا تنبِتُ شَيْئا.
وَقَالَ ابْن شُمَيل: يُقَال نَاقَة عقير وجملٌ عَقير. قَالَ: والعَقْر لَا يكون إلاّ فِي القوائم. عَقَره، إِذا قطع قَائِمَة من قوائمه.
وَقَالَ الله فِي قصّة ثَمُود: {صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى} (القَمَر: 29) ، أَي تعاطَى الشقيُّ عَقر النَّاقة فبلغَ مَا أَرَادَ. قلت: والعَقْر عِنْد الْعَرَب: كَسْف عرقوب الْبَعِير، ثمَّ جُعِل النَّحر عقراً لأنّ العَقْر سببٌ لنحره، وناحِرُ الْبَعِير يَعقِره ثمَّ ينحره.
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين قيل لَهُ يومَ النَّفْر فِي أَمر صفيّة: إِنَّهَا حَائِض، فَقَالَ: (عَقْرى حَلْقَى، مَا أُراها إلاّ حابستَنا) . قَالَ أَبُو عبيد: معنى عَقْرَى عقَرها الله، وحَلْقَى: حَلَقَها. فَقَوله عقَرها يَعْنِي عقر جسَدها. وحَلَقَها: أَصَابَهَا الله بوجعٍ فِي حَلْقها. قَالَ أَبُو عبيد: أصحابُ الحَدِيث يَرْوُونَهُ (عَقْرَى حَلْقَى) ، وَإِنَّمَا هُوَ (عَقْراً حَلْقاً) . قَالَ: وَهَذَا على مَذْهَب الْعَرَب فِي الدُّعَاء على الشَّيْء من غير إرادةٍ لوُقُوعه، لَا يُرَاد بِهِ الْوُقُوع.
وَقَالَ شمر: قلتُ لأبي عبيد: لم لَا تجيز عَقْرَى؟ فَقَالَ: لِأَن فعَلَى تَجِيء نعتاً، وَلم تجىء فِي الدُّعَاء. فقلتُ: روى ابْن شُميل عَن الْعَرَب: (مُطَّيرَى) وعَقرى أخفُّ مِنْهَا؟ فَلم يُنكره وَقَالَ: صيِّروه على وَجْهَيْن.
وَفِي حَدِيث عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لمّا مَاتَ قَرَأَ أَبُو بكر حِين صعِد إِلَى منبره فَخَطب: {يَعْلَمُونَ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ} (الزُّمَر: 30) قَالَ عمر: (فعَقِرتُ حتّى خَرَرتُ إِلَى الأَرْض) قَالَ أَبُو عبيد: يُقَال عَقِر وبَعِل، وَهُوَ مثل الدَّهَش.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن إِبْرَاهِيم الحربيّ عَن مَحْمُود بن غيلَان عَن النَّضر بن شُمَيْل عَن الهرماس بن حبيبٍ عَن أَبِيه عَن جدِّه قَالَ: بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عُيينةَ بن بدر حِين أسلمَ الناسُ ودجَا الْإِسْلَام، فهجَم على بني عديّ بن جُندَب بِذَات الشُّقوق، فَأَغَارُوا عَلَيْهِم وَأخذُوا أَمْوَالهم حتّى أحضروها المدينةَ عِنْد نَبِيّ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(1/145)
فَقَالَت وُفُود بني العنبر أُخِذنا يَا رسولَ الله مُسلمين غيرَ مشْركين حِين خَضْرَمنا النَّعَم. فردَّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذراريَّهم وعَقارَ بُيُوتهم. قَالَ أَبُو الْفضل: قَالَ الحربيّ: ردّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذراريَّهم لِأَنَّهُ لم يَرَ أَن يَسبيَهم إلاَّ على أمرٍ صَحِيح، ووجَدَهم مُقِرّين بِالْإِسْلَامِ. قَالَ إِبْرَاهِيم: أَرَادَ بعَقار بُيُوتهم أرَضِيهم.
قلت: غلط أَبُو إِسْحَاق فِي تَفْسِير العَقَار هَاهُنَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ بعقار بُيُوتهم أمتعةَ بُيُوتهم من الثِّيَاب والأدوات.
أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ أَنه قَالَ: أَنْشدني أَبُو مَحْضَة قصيدةً وأنشدَني مِنْهَا أبياتاً، فَقَالَ: هَذِه الأبياتُ عَقَار هَذِه القصيدة، أَي خيارُها. قَالَ: وعَقارُ الْبَيْت ونَضَده: متاعُه الَّذِي لَا يبتذَل إِلَّا فِي الأعياد والحقوقِ الْكِبَار.
قَالَ: وَمِنْه قيل: البُهْمَى عُقْر الْكلأ، أَي خير مَا رعَت الْإِبِل. وَقَالَ: بيتٌ حسنُ الأَهَرة، والظَّهَرَة، والعَقار.
قلت: وَالْقَوْل مَا قَالَ ابنُ الأعرابيّ: وعَقار كلّ شيءٍ: خِيَاره.
وَقَالَ أَبُو عبيد: سمعتُ الأصمعيّ يَقُول: عُقر الدَّار: أصلُها فِي لُغَة أهل الْحجاز، فأمّا أهل نجدٍ فَيَقُولُونَ عَقْر. قَالَ: وَمِنْه قيل العَقَار، وَهُوَ الْمنزل، والأرضُ، والضِّياع. [قَالَ: وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: العُقْر والعُقُر، يخفّف ويثقّل: مؤخّر الْحَوْض. قَالَ: وَيُقَال للناقة الَّتِي تشرب من عُقر الْحَوْض عَقِرة.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: مَفْرغ الدَّلْو من مؤخّره عُقْره، وَمن مقدَّمه إزاؤه.
قَالَ أَبُو عبيد: العَقَاراء: اسْم مَوضِع. وَأنْشد لحميد بن ثَوْر يصف الْخمر:
ركودُ الحُميَّا طَلَّةٌ شابَ ماءَها
لَهَا من عَقاراء الكروم زَبيبُ
قَالَ شمر: ويروى هَذَا الْبَيْت لحميد: (لَهَا من عُقارات الكروم رَبيبُ) . قَالَ: والعُقارات: الْخُمُور. رَبيب، من يربُّها ويملكها.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: العُقار: اسْم للخمر.
وروى شمرٌ عَن ابْن الأعرابيّ: سمّيت الْخمر عُقاراً لِأَنَّهَا تَعقِر الْعقل. وَقَالَ غَيره: سمِّيت عُقاراً لِأَنَّهَا تلْزم الدَّنَّ. يُقَال عاقَره، إِذا لازمَه وداومَ عَلَيْهِ. والمعاقرة: الإدمان. وَقيل: سمِّيت عقارا لمعاقرتها الدنَّ، أَي ملازمتها إِيَّاه.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: المِعقَر من الرِّحال: الَّذِي لَيْسَ بواقٍ. قَالَ أَبُو عبيد: لَا يُقَال مِعقَرٌ إلاّ لما كَانَت تِلْكَ عادتَه. فأمّا مَا عَقَر مَرَّةً فَلَا يكون إلاّ عاقراً. قَالَ أَبُو عبيد: وَقَالَ أَبُو زيد: سَرج عُقر. وَأنْشد قَول البَعيث:
ألحَّ على أكتافهم قَتَب عُقَرْ
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (خَمسٌ مَن قتلهنَّ وَهُوَ حرامٌ فَلَا جُناح عَلَيْهِ: الْعَقْرَب، والفأرة، والغراب، والحِدأ، وَالْكَلب الْعَقُور) . قَالَ أَبُو عبيد: بَلغنِي عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة أَنه قَالَ: مَعْنَاهُ كل سبع عَقور وَلم يخصّ بِهِ الْكَلْب. قَالَ أَبُو(1/146)
عبيد: وَلِهَذَا يُقَال لكل جارح أَو عَاقِر من السبَاع: كلب عَقور، مثل الْأسد والفهد والنمر وَالذِّئْب وَمَا أشببهَا.
قلت: ولنساء الْأَعْرَاب خَرزة يُقَال لَهَا العُقَرَة، يزعمن أنَّها إِذا علِّقت على حَقْو الْمَرْأَة لم تحمل إِذا وطِئت.
وَرُوِيَ عَن ابْن بزرج أَنه قَالَ: يُقَال امْرَأَة عَاقِر، وَلَقَد عَقُرت أشدَّ العُقْر، وأعقر الله رَحمهَا فَهِيَ مُعقَرة، وَقد عَقُر الرجل مثل الْمَرْأَة، وَرِجَال عُقُر وَنسَاء عُقر. وَقَالُوا: امْرَأَة عُقَرة مثل هُمَزة، وَهُوَ دَاء فِي الرَّحِم. وَأنْشد ابْن بزرج:
سقَى الكلابيُّ العُقيليَّ العُقُرْ
قَالَ: والعُقُر: كلُّ مَا شربه إنسانٌ فَلم يُولَد لَهُ، فَهُوَ عُقُر لَهُ. قَالَ: وَيُقَال أَيْضا عَقَرَ وعَقِر، إِذا عَقُر فَلم يحمَل لَهُ. قَالَ: وعُقَرة الْعلم النِّسيان. وَيُقَال عَقرتُ ظهر الدَّابَّة، إِذا أدبرتَه فانعقر، وَمِنْه قَوْله:
عقرتَ بَعِيري يَا امْرأ القيسِ فانزلِ
وَأما قَوْله:
وَيَوْم عقرتُ للعذارى مطيّتي
فَمَعْنَاه أنّه نحرها لهنَّ.
والعُقْر للمغتَصَبة من الْإِمَاء كمهر الْمثل للحُرَّة.
وبَيْضة العُقْر يُقَال هِيَ بَيْضَة الديك، يُقَال إِنَّه يبيض فِي السّنة بَيْضَة وَاحِدَة ثمَّ لَا يعود، يضْرب مثلا للعطِية النَّزْرة الَّتِي لَا يربُّها مُولِيها ببرَ يتلوها.
وَقَالَ اللَّيْث: بَيْضَة الْعقر: بَيْضَة الديك، تُنسب إِلَى العُقر لأنَّ الْجَارِيَة الْعَذْرَاء يُبلَى ذَلِك مِنْهَا بَيْضَة الديك، فَيعلم شَأْنهَا، فَتضْرب بَيْضَة الديك مثلا لكلِّ شَيْء لَا يُسْتَطَاع مَسُّه رخاوةً وضعفاً.
وخلَّط اللَّيْث فِي تَفْسِير عَقْر الدَّار وعُقْر الْحَوْض، فَخَالف بِمَا قَالَ الأئمةَ، وَقد أمضيت تفسيرهما على الصِّحَّة، وَلذَلِك أضربت عَن ذكر مَا قَالَ اللَّيْث.
قَالَ: وَقَالَ الْخَلِيل: سمعتُ أعرابيّاً من أهل الصَّمَّان يَقُول: كلُّ فُرجة تكون بَين شَيْئَيْنِ فَهُوَ عَقْر وعُقْر لُغَتَانِ. قَالَ: وَوضع يَدَيْهِ على قائمتي الْمَائِدَة وَنحن نتغدَّى فَقَالَ: مَا بَينهمَا عُقْر. قَالَ والعَقْر: الْقصر الَّذِي يكون مُعْتَمدًا لأهل الْقرْيَة. وَقَالَ لبيد:
كعَقْر الهاجريّ إِذا ابتناه
بأشباهٍ حُذِينَ على مثالِ
وَقَالَ غَيره: العَقْر: الْقصر على أيّ حَال كَانَ.
وَقَالَ اللَّيْث: الْعقر: غيم ينشأ من قِبَل الْعين فيغشى عين الشَّمْس وَمَا حواليها. قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: الْعقر غيمٌ ينشأ فِي عُرض السَّمَاء ثمَّ يقصِدُ على حياله من غير أَن تبصره إِذا مرَّ بك، وَلَكِن تسمع رعدَه من بعيد. وَأنْشد لحميد بن ثَوْر يصف نَاقَة:
وَإِذا احزألَّت فِي المُنَاخ رأيتَها
كالعَقْر أفرده العَماءُ الممطرُ
قَالَ: وَقَالَ بعضُهم: العَقْر فِي هَذَا الْبَيْت: الْقصر، أفردَه العماء فَلم يظَلِّلْه وأضاء لعين النَّاظر لإشراق نور الشَّمْس عَلَيْهِ من(1/147)
خلال السَّحاب.
وَقَالَ بَعضهم: العَقْر: الْقطعَة من الْغَمَام. ولكلَ مقَال؛ لأنَّ قطع السَّحَاب تشبه بالقصور.
وأمّا قَول لبيد:
لما رأى لُبَدُ النُّسورَ تطايرتْ
رفَعَ القوادمَ كالعقير الأعزلِ
من رَوَاهُ (العقير) قَالَ: شبَّه النَّسر لمَّا تساقطَ ريشُه فَلم يَطِرْ بفرَسٍ كُسِف عرقوباهُ فَلم يُحضِر. والأعزل: المائل الذنَب.
وَقَالَ بَعضهم: عَقْر النَّخْلَة: أَن يُكشَط ليفُها عَن قُلْبها ويُستخرج جَذَبُها، وَهُوَ جُمَّارُها، فَإِذا فُعِل بهَا ذَلِك يَبِسَتْ وَلم تصلح إِلَّا للحطَب. يُقَال عَقر فلانٌ النخلةَ، فَهِيَ معقورة وعقير.
ومعاقرة الْخمر: إدمانُ شُربها، أُخذ من عُقر الْحَوْض، وَهُوَ مقَام الْوَارِدَة، فكأنَّ شاربَها يلازم شربهَا ملازمةَ الْإِبِل الْوَارِدَة عُقرَ الْحَوْض حتّى تَروَى.
وَيُقَال رفع فلانٌ عقِيرتَه يتغنّى، إِذا رفع صوتَه بالغِناء. وَأَصله أَن رجلا أُصِيب عضوٌ من أَعْضَائِهِ وَله إبلٌ اعتادت حُداءَه، فانتشرت عَلَيْهِ إبلُه فرفَع صَوته بالأنين لما أَصَابَهُ من الْعقر فِي بدنه، فتسمَّعت لَهُ إبلُه فخُيِّلَ إِلَيْهَا أنَّه يَحْدُو بهَا فاجتمعت وراعَتْ إِلَى صَوته، فَقيل لكلِّ مَن رفع صوتَه بِالْغنَاءِ: قد رفَع عقيرتَه.
وَأما قَول طُفيل يصف هوادج الظعائن:
عَقاراً يظلُّ الطَّيرُ يخطف زهوَه
وعالَيْنَ أعلاقاً على كلِّ مُفْأمِ
فَإِن الأصمعيّ رفع الْعين من قَوْله (عُقارا) ، وَقَالَ: هُوَ مَتَاع الْبَيْت. وَأما أَبُو زيد وابنُ الأعرابيّ فروياه (عَقارا) بِالْفَتْح، وَقد مرَّ تَفْسِيره فِي حَدِيث الهِرماس. وَقَالَ أَبُو زيد: عَقار الْبَيْت: مَتاعُه الحَسَن. قَالَ: وَيُقَال للنَّخل خاصّة من بَين المَال عَقَار.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: العُقَرة: خَرزةٌ تعلَّق على العاقر لتلد. قَالَ: والقُرَرة: خرزة للعَين. والسُّلْوانة: خرزة للإبغاض بعد المحبّة.
وَقَالَ الأصمعيّ: العَقَر: أَن يُسلم الرجل قوائمه فَلَا يقدر أَن يمشيَ من الفَرَق. وَيُقَال رجَعت الحربُ إِلَى عُقْرٍ، إِذا سكنت وعَقْر النَّوى: صرفهَا حَالا بعد حَال. وَقَالَ أَبُو وَجْزةَ:
حلّت بِهِ حَلّةً أسماءُ ناجعة
ثمَّ استمرت بِعقرٍ من نَوًى قَذَفِ
والعَقْر: مَوضِع. والعُقير: قَرْيَة على شاطىء الْبَحْر بحذاء هَجَر.
وَقَالَ أَبُو سعيد: المعاقَرة: المُلاعَنة، وَبِه سمَّى أَبُو عبيدةَ كتاب (المعاقرات) . وكلأٌ عُقار: يَعقِر الإبلَ ويقتلُها. قَالَ: وَمِنْه سمِّي الْخمر عُقاراً لِأَنَّهَا تعقر الْعقل. وَقد قَالَه ابْن الأعرابيّ. وعُقْر النَّار: مُعظَمها ووسطها، وَمِنْه قَول الْهُذلِيّ:
كأنَّ ظُباتِها عُقُرٌ بعيجُ
شبّه النصالَ وحدَّها بالجمرِ إِذا سُخِيَ. وتعقَّر شَحم النَّاقة، إِذا اكتنز كلُّ مَوضِع مِنْهَا شحماً. وَيُقَال عُقِر كلأُ هَذِه الأَرْض،(1/148)
إِذا أُكل. وَقد أعقرتك كلأَ مَوضِع كَذَا فاعقِره، أَي ارعَهُ.
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: العَقَّار والعقاقير: كل نبتٍ ينبُت ممّا فِيهِ شِفَاء يُستَمشى بِهِ. قَالَ: وَلَا يسمَّى شيءٌ من العقاقير فُوهاً، يَعْنِي وَاحِد أَفْوَاه الطِّيب إلاَّ الَّتِي لَهَا رائحةٌ تُشَمُّ.
ورُوى عَن الشعبيّ أَنه قَالَ: لَيْسَ على زانٍ عُقرٌ. قَالَ ابْن شُمَيْل: عُقر الْمَرْأَة: مَهرها، وَجمعه أَعقار. وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: العُقر: الْمهْر. وَقَالَ ابْن المظفَّر: عُقر الْمَرْأَة: دِيَة فرجهَا إِذا غُصِبت فَرجَها. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: عُقر الْمَرْأَة: ثوابٌ تُثابُه المرأةُ من نِكَاحهَا.
وَيُقَال عُقِرت ركيّتهم، إِذا هُدمت.
وَقَالَ أَبُو عبيد فِي بَاب الْبَخِيل يُعطى مَرّةً ثمّ لَا يعود: (كَانَت بيضةَ الدِّيك) . قَالَ: فَإِن كَانَ يُعطى شَيْئا ثمَّ يقطعهُ آخر الدَّهْر قيل للمرة الْأَخِيرَة: (كَانَت بَيْضَة العُقْر) .
عرق: شمر: قَالَ أَبُو عَمْرو: العِراق مياه بني سعد بن مَالك، وَبني مَازِن بن عَمْرو بن تَمِيم. وَيُقَال: هَذِه إبلٌ عراقية. قَالَ: وسمِّيت العِراق عِراقاً لقُربها من الْبَحْر. قَالَ: وَأهل الْحجاز يسمُّون مَا كَانَ قَرِيبا من الْبَحْر عِراقاً. وَيُقَال أعرق الرجلُ فَهُوَ مُعرِقٌ، إِذا أخَذَ فِي بلد العراقِ.
وَقَالَ أَبُو سعيد: المُعْرِقة: طريقٌ كَانَت قُرَيْش تسلكه إِذا سَارَتْ إِلَى الشَّام تَأْخُذ على سَاحل الْبَحْر، وَفِيه سلكت عيرُ قُرَيْش حِين كَانَت وقعةُ بدر. وَمن هَذَا قَول عمر لسَلْمان: (أَيْن تَأْخُذ إِذا صَدَرت، أعلَى المُعْرِقة أم عَلى الْمَدِينَة) .
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ أَنه قَالَ فِي تَفْسِير الحَدِيث الَّذِي جَاءَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنّه (وقّتَ لأهل الْعرَاق ذَات عِرق) قَالَ: العِراق شاطىء الْبَحْر أَو النَّهر، فَقيل الْعرَاق لأنّه على شاطىء دجلة والفرات حَتَّى يتّصل الْبَحْر، وَهُوَ اسمٌ للموضع. وعَلِمَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنهم سيُسلمون ويحجُّون، فبيَّن ميقاتهم.
وَقَالَ اللَّيْث: الْعرَاق: شاطىء الْبَحْر على طوله، وَقيل لبلد الْعرَاق عِراقٌ لِأَنَّهُ على شاطىء دجلة والفرات عِدَاءً حَتَّى يتَّصل بالبحر.
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْكسَائي والأصمعي: أعرقنا، أَي أَخذنَا فِي الْعرَاق. وَقَالَ بَعضهم: الْعرَاق مُعَرَّبٌ، وَأَصله إيران فعرّبته الْعَرَب فَقَالَت: عراق. قلت: وَالْقَوْل هُوَ الأوّل.
وَقَالَ أَبُو زيد: استعرقت الْإِبِل، إِذا رعَت قُرب الْبَحْر، وكلُّ مَا اتَّصل بالبحر من مَرعًى فَهُوَ عِراق.
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو زيد: إِذا كَانَ الجِلد فِي أسافل الْإِدَاوَة مثْنيّاً ثمَّ خُرِزَ عَلَيْهِ فَهُوَ عِراق، فَإِذا سُوِّي ثُمَّ خُرِزَ عَلَيْهِ غير مَثنيَ فَهُوَ طِباب.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ، قَالَ: العُرُق: أهل الشّرف، واحدهم عَريق وعَرُوق. قَالَ: والعُرُق: أهل السَّلامة فِي الدّين. وغلامٌ عَريق: نحيف الْجِسْم(1/149)
خَفِيف الرُّوح. والمِعْرق: حَدِيدَة يُبرَى بهَا العُراق من العِظام. يُقَال عَرقت مَا عَلَيْهِ من اللَّحْم بمِعرق، أَي بشفرة.
وَفِي حديثٍ مَرْفُوع أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُتِيَ بعَرَقٍ من تَمْر. هَكَذَا رَوَاهُ ابْن جَبَلة وَغَيره عَن أبي عُبيد، وَأَصْحَاب الحَدِيث يخفّفون فَيَقُولُونَ عَرْق.
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الأصمعيّ: العَرَق: السَّفيفة المنسوجة من الخُوص قبل أَن يسوَّى مِنْهَا زَبيلٌ، فسمِّي الزَّبيل عَرَقاً لذَلِك، وَيُقَال لَهُ عَرَقَةٌ أَيْضا. قَالَ: وَكَذَلِكَ كلُّ شَيْء يصطفُّ، مثل الطَّير إِذا اصطفَّتْ فِي السَّمَاء، فَهُوَ عَرَقة. وَقَالَ غَيره: وَكَذَلِكَ كلُّ شَيْء مضفورٍ عَرْضاً فَهُوَ عَرَق. وَقَالَ أَبُو كَبِير الهذليّ:
نغدو فنترك فِي المزاحف مَن ثَوى
ونُمِرُّ فِي العَرقات من لم نقتلِ
يَعْنِي نأسرهم فنشُدُّهم فِي العَرَقات، وَهِي النُّسوع.
وَفِي حَدِيث آخر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (قَالَ مَن أَحْيَا أَرضًا مَيْتةً فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لعرقٍ ظالمٍ حقّ) . قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ هِشَام بن عُرْوَة وَهُوَ الَّذِي روى الحَدِيث العِرق الظَّالِم: أَيْن يَجِيء الرجل إِلَى أَرض قد أَحْيَاهَا رجلٌ قبلَه فيَغرِس فِيهَا غَرساً، أَو يُحدث فِيهَا شَيْئا ليستوجب بِهِ الأَرْض. فَلم يَجْعَل لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهِ شَيْئا، وَأمره بقلع غِراسه وَنقض بنائِهِ، وتفريغه لمَالِكه.
وَفِي حَدِيث آخر رُوي عَن عِكراش بن ذُؤَيْب أَنه قدم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بإبلٍ من صَدَقات قومه كَأَنَّهَا عُروق الأرطَى. قلت: عُروق الأرطى طِوالٌ ذاهبةٌ فِي ثرى الرمال الممطورة فِي الشتَاء، ترَاهَا إِذا استُخرِجت من الثَّرى حُمراً تقطر مَاء وفيهَا اكتناز. فشبَّه الْإِبِل فِي ألوانها وسمنها وحسنها واكتناز لحومها وشحومها، بعُروق الأرطى. وعُروق الأرطى يقطُر مِنْهَا الماءُ لانسرابها فِي رِيّ الثَّرى الَّذِي انسابت فِيهِ. والظِّباء وبقر الْوَحْش تَجِيء إِلَيْهَا فِي حَمْرَاء القيظ فتستثيرها من مساربها وتترشّف ماءها، فتَجزأ بِهِ عَن وُرُود المَاء. وَقَالَ ذُو الرّمة يصف ثوراً حفر أصل أَرْطَاة ليكنس فِيهِ من الحَر فَقَالَ:
تَوخّاه بالأظلاف حتّى كأنّما
يُثير الكُبابَ الجعدَ عَن مَتنِ مِحمَلِ
الكُباب: مَا تكبَّب من الثرى وجَعُد لرطوبته. والمِحْمَل: حِمالة السَّيف من السُّيور. شبّه حمرةَ عروقِ الأرطى بحمرتها.
وَفِي حَدِيث آخر أنّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (دخل على أمِّ سَلمَة وَتَنَاول عَرْقاً ثمَّ صلَّى وَلم يتَوَضَّأ) . العَرْق جمعُه عُراق، وَهِي الْعِظَام الَّتِي اعترِق مِنْهَا هَبْر اللَّحْم وبقيَ عَلَيْهَا لحومٌ رقيقَة طيّبة، فتكسَّر وتُطبَخ، وَيُؤْخَذ إهالتها من طُفاحتها، ويؤكل مَا على الْعِظَام من عُوَّذ اللَّحْم الرَّقِيق، ويُتمَشش مُشاشُها. ولحمُها من أمرأ اللُّحمان وأطيبها. يُقَال عرقت الْعظم وتعرَّقته واعترقتُه، إِذا أخذت اللحمَ عَنهُ نَهْساً بأسنانك. وعظمٌ معروق، إِذا نُفِيَ عَنهُ لحمُه.
وَأنْشد أَبُو عبيد لبَعض الشُّعراء:(1/150)
وَلَا تُهدِي الأمرَّ وَمَا يَلِيهِ
وَلَا تُهدِنَّ معروقَ العظامِ
والعُرام مثل العُراق، قَالَه الرياشيّ. يُقَال عَرَمت الْعظم أعرُمه. قَالَ: والعِظامُ إِذا كَانَ عَلَيْهَا شَيْء من اللَّحْم تسمَّى عُراقا. وَإِذا جرِّدت من اللَّحْم تسمَّى عُراقاً أَيْضا، وَهُوَ قَول أبي زيد.
وفرسٌ معروق ومُعتَرق، إِذا لم يكن على قصبه لحْمٌ. وَقَالَ الشَّاعِر:
قد أشهد الغارةَ الشَّعواءَ تَحملني
جرداءُ معروقة اللَّحيينِ سُرحُوبُ
وَإِذا عرِي لَحْياها من اللَّحْم فَهُوَ من عَلَامَات العِتْق.
وَفرس معرَّق، إِذا كَانَ مضمَّراً، يُقَال عرّق فرسَه تعريقاً، إِذا أجراه حَتَّى سَالَ عَرقُه وضَمَر وَذهب رَهَلُ لَحْمه.
والعريق من الْخَيل: الَّذِي لَهُ عِرْقٌ كريم. وَقد أعرقَ الفرسُ، إِذا صَار عريقاً كَرِيمًا.
وَالْعرب تَقول: إنَّ فلَانا لمُعرَقٌ لَهُ فِي الْكَرم، وَفِي اللؤم أَيْضا. وَيُقَال أعرق فِي أَعْمَامه وأخواله وعرَّقُوا فِيهِ. وَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز: إِن امْرأ لَيْسَ بَينه وَبَين آدم أبٌ حَيٌّ لمُعْرَق لَهُ فِي الْمَوْت.
وَيُقَال أعرقتِ الشجرةُ، إِذا انساب عروقُها فِي الأَرْض. وتعرّقَتْ مثله.
وَالْعُرُوق: عُروق نباتٍ فِيهَا صُفرة يصْبغ بهَا. وَمِنْهَا عروق حُمر يصبَغ بهَا أَيْضا.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: العَرَقة: الطُّرَّة. تنسج على جَوَانِب الفُسطاط. والعَرَقة: خَشَبَة تُعرض على الْحَائِط بَين اللَّبِن. وجَرَى الْفرس عَرَقاً أَو عَرَقين، أَي طَلَقاً أَو طَلَقين. والمُعْرَق من الشَّرَاب: الَّذِي قُلِّل مِزاجُه، كأنّه جُعل فِيهِ عِرقٌ من المَاء. والعَرَق: السَّطْر من الْخَيل، وَهُوَ الصفّ. وَقَالَ طُفيلٌ الغَنَوَيُّ يصف الْخَيل:
كأنّهنَّ وَقد صَدَّرن مِن عَرَقٍ
سيدٌ تمَطَّرُ جُنْحَ اللَّيلُ مبلولُ
قَالَ شمِر: صدَّرن، أَي أخرجن صدورهنَّ من الصفّ، زعم ذَلِك أَبُو نصر. قَالَ: وَخَالفهُ ابنُ الْأَعرَابِي فَرَوَاهُ (صُدِّرنَ من عَرَق) ، أَي صُدِّرن بَعْدَمَا عَرِقْن، يذهب إِلَى العَرَق الَّذِي يخرج منهنَّ إِذا أُجرِينَ.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: أعرقت الكأس وعرّقتها، إِذا أقللتَ ماءها. وَأنْشد قَول الْقطَامِي:
ومصرَّعِينَ من الكَلالِ كأنَّما
شرِبوا الطِّلاءَ من الغبوقِ المُعْرَقِ
قَالَ: وعرَّقت فِي الدَّلو وأعرقت فِيهَا، إِذا جعلتَ فِيهَا مَاء قَلِيلا وَأنْشد هُوَ أَو غَيره:
لَا تملأ الدَّلوَ وعرِّقْ فِيهَا
ألاَ تَرَى حَبارَ من يسقيها
وَفِي حَدِيث عمر أَنه قَالَ: (ألاَ لَا تُغالوا صُدُقَ النِّساء فإنّ الرجل يغالي بصداقها حَتَّى يَقُول جَشِمتُ إليكِ عَرَق القِربة) . قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْكسَائي: عَرَق القِربة: أَن يَقُول نَصِبتُ لكِ وتكلَّفتُ حَتَّى عرِقتُ كعرَق القِربة. وعَرَقَها: سيلان مَائِهَا. قَالَ: وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: عَرَق القِربة: أَن يَقُول تكلَّفتُ إِلَيْك مَا لم يبلغهُ أحدٌ حتّى جَشِمتُ مَا لَا يكون؛ لِأَن الْقرْبَة لَا تعرق.(1/151)
وَهَذَا مثلُ قَوْلهم: (حتّى يَشيب الغُرابُ ويبيضَّ القار) وَقَالَ شمر: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: عَرَق القِربة وعلَقها وَاحِد، وَهُوَ مِعلاقٌ تُحمَل بِهِ القِربة.
قَالَ: وَيُقَال فلانٌ عِلْق مَضِنَّةٍ وعِرقُ مَضَنَّةٍ، بِمَعْنى وَاحِد، سمِّي عِلْقاً لأنّه عَلِق بِهِ لحبِّه إِيَّاه. يُقَال ذَلِك لكلِّ مَا أحبَّه.
وَقَالَ أَبُو عبيد: وَقَالَ الأصمعيّ: عَرَق الْقرْبَة كلمة مَعْنَاهَا الشدَّة. قَالَ: وَلَا أَدْرِي مَا أَصْلهَا. وَأنْشد قَول ابْن الْأَحْمَر:
لَيست بمَشْتَمةٍ تُعدُّ وعَفوُها
عَرَق السِّقاء على القَعود اللاغبِ
قَالَ أَبُو عبيد: أَرَادَ أنّه يسمع الكلمةَ تغيظه وَلَيْسَت بمشتمةٍ فَيَأْخُذ بهَا صَاحبهَا وَقد أُبلِغَتْ إِلَيْهِ كعَرَق السِّقاء على القَعود اللاغب وَأَرَادَ بالسِّقاء الْقرْبَة.
وَقَالَ شمر: والعَرَق: النَّفْع والثَّواب. تَقول الْعَرَب: اتَّخذْت عِنْد فلانٍ يدا بَيْضَاء وَأُخْرَى خضراءَ فَمَا نِلتُ مِنْهُ عَرَقاً. وَأنْشد:
سأجعلُه مكانَ النُّون منِّي
وَمَا أُعطِيتُه عَرَقَ الخلالِ
يَقُول: لم أُعطَه للمخالَّة والموادَّة كَمَا يُعطى الخليلُ خليلَه، ولكنّي أخذتُه قَسراً.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: يُقَال لقيتُ مِنْهُ ذاتَ العَرَاقِي، وَهِي الداهية. قَالَ: وَقَالَ الأصمعيّ: يُقَال للخشبتين اللَّتَيْنِ تُعرَضان على الدَّلو كالصَّليب: العَرْقُوَتان، وَهِي العَراقي. وَقَالَ الكسائيّ: يُقَال إِذا شددتهما عَلَيْهَا: قد عَرقَيتُ الدَّلوَ عَرقاةً. وَقَالَ الأصمعيّ أَيْضا: العَرقوتان: الخشبتان اللَّتَان تضُمّان مَا بَين وَاسِط الرّحل والمؤخّرة. وَالْعرب تَقول فِي الدُّعاء على الرجُل: استأصل الله عِرقاتَهُ، ينصبون التَّاء لأَنهم يجعلونها وَاحِدَة مُؤَنّثَة.
وَقَالَ اللَّيْث: العِرقاة من الشّجر أرومُه الْأَوْسَط، وَمِنْه تنشعب العروقُ، وَهِي على تَقْدِير فِعلاة.
قلت: وَمن كسر التَّاء فِي مَوضِع النصب وَجعلهَا جمع عِرْقةٍ فقد أَخطَأ.
وَقَالَ شمر: قَالَ ابْن شُمَيْل: العَرقُوة أكَمة تنقاد لَيست بطويلة فِي السَّماء، وَهِي على ذَلِك تُشرِف على مَا حولهَا، وَهِي قريبٌ من الرَّوض أَو غير قريب من الرّوض. قَالَ: وَهِي مُخْتَلفَة، مكانٌ مِنْهَا ليِّن ومكانٌ مِنْهَا غليظ، وَإِنَّمَا هِيَ جانبٌ من أرضٍ مستوية، مشرفٌ على مَا حوله. والعَرَاقي: مَا اتَّصل من الإكام وآضَ كأنّه حَرفٌ واحدٌ طَوِيل على وَجه الأَرْض. وَأما الأكمة فَإِنَّهَا تكون ملمومة. وَأما العَرقُوةُ فتطول على وَجه الأَرْض وظهرِها، قَليلَة الْعرض، لَهَا سَنَدٌ، وقُبْلها نِجافٌ وبِرَاقٌ، لَيْسَ بسهلٍ وَلَا غليظ جدا، يُنبت، فأمّا ظَهره فغليظٌ خَشِنٌ لَا يُنبت خيرا.
وَقَالَ أَبُو خيرة: العَرقُوة والعَراقي: مَا غلُظ مِنْهُ فمنعَكَ من عُلوِّه.
قلت: وَبهَا سمِّيت الدَّاهيةُ الْعَظِيمَة ذاتَ الْعِرَاقِيّ، وَمِنْه قَول عوفِ بن الْأَحْوَص:
لقِينا من تدرُّئكم علينا
وقَتْلِ سَراتنا ذاتَ العَرَاقي(1/152)
وَيُقَال: إنّ بغنَمك لعِرْقاً من لبن، قَلِيلا كَانَ أَو كثيرا.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: العِراق تقَارب الخَرْز، يضْرب مثلا لِلْأَمْرِ فَيُقَال: لأَمره عِرَاقٌ، إِذا اسْتَوَى. وَإِذا لم يستو قيل: لَيْسَ لأَمره عِراق. وَيُقَال عَرَقْت القربةَ فَهِيَ معروقة من العِراق.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال مَا أكثَرَ عَرَقَ غنمِه، إِذا كثُر لبنُها عِنْد ولادِها.
وَقَالَ اللَّيْث: اللبَن: عَرَق: بتحلَّب فِي الْعُرُوق حتَّى ينتهيَ إِلَى الضَّرْع. وَقَالَ الشمّاخ يصف إبِلا:
تُضحي وَقد ضَمِنَتْ ضَرّاتُها عَرَقاً
من ناصع اللَّون حُلو الطَّعم مجهودِ
قلت: وَرَوَاهُ الرواةُ (غُرَقاً) ، وَهُوَ جمع الغُرقة، وَهِي الجُرعة من اللَّبَن.
وَقَالَ اللَّيْث: لبَن عَرِقٌ، وَهُوَ الَّذِي يُخضُّ فِي السِّقاء ويعلَّق على الْبَعِير لَيْسَ بَينه وَبَين جنب الْبَعِير وِقاء، فيعرق وَيفْسد طعمُه من عَرَقه. قَالَ: والعِرق: الحَبْل الصَّغِير. وَقَالَ الشماخ:
مَا إنْ يزَال لَهَا شأوٌ يقدِّمها
مُحرَّبٌ مثلُ طوطِ العِرق مجدولُ
وَفِي (النَّوَادِر) : يُقَال تركتُ الحقَّ مُعْرِقاً وصادحاً، وسائحاً، أَي لائحاً بيّناً.
أَبُو عبيد عَن الكسائيّ: عَرَق فِي الأَرْض عُروقاً، إِذا ذهبَ فِيهَا. وَقَالَ غَيره: العِرْق الْوَاحِد من أعراق الْحَائِط؛ يُقَال رفَع الْحَائِط بعِرقٍ أَو عِرْقين. ورجلٌ عُرَقةٌ: كثير العَرَق. وَقد تعرَّقَ فِي الحمّام.
قَعْر: قَالَ الله جلّ وعزّ: {النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ} (القَمَر: 20) معنى المنقعر المنقلع من أَصله. وَقَالَ ابْن السكّيت: يُقَال قعرتُ النخلةَ، إِذا قلعتَها من أَصْلهَا حتّى تسقُط. وَقد انقعرت هِيَ. وَقَالَ لبيد يرثي أَخَاهُ:
وأربَدُ فارسُ الهيجا إِذا مَا
تقعّرت المَشاجر بالفئامِ
وَأَخْبرنِي الإياديّ عَن شمر عَن ابْن الأعرابيّ أنّه قَالَ: صحّف أَبُو عُبَيْدَة فِي مجلسٍ واحدٍ فِي ثَلَاثَة أحرف فَقَالَ: ضَربته فانعقر، وَإِنَّمَا هُوَ فانقعر. وَقَالَ: فِي صَدره حَشك وَالصَّحِيح حَسَك. وَقَالَ: شُلَّت يدُه، وَالصَّوَاب شَلَّت يَده.
أَبُو عبيدٍ عَن الكسائيّ: إناءٌ نَصْفانُ وشَطْرانُ: بلغ مَا فِيهِ شَطرَه، وَهُوَ النِّصف. وإناءٌ قَعرَانُ: فِي قَعْره شَيْء. ونَهْدَانُ، وَهُوَ الَّذِي علا وأشرفَ. والمؤنّث من هَذَا كلِّه فَعْلَى. وَقَالَ الكسائيّ: قَعَرْتُ الإِناءَ، إِذا شربتَ مَا فِيهِ حتّى تَنْتَهِي إِلَى قَعْرهِ. وأقعرْت الْبِئْر، إِذا جعلتَ لَهَا قعراً. وَيُقَال بِئْر قَعِيرة، وَقد قَعُرتْ قَعارةً. وقَعَرتُ شَجَرَة من أَرومتها فانقعرت. وَامْرَأَة قعيرةٌ وقَعِرةٌ، نَعتُ سَوءٍ فِي الْجِمَاع. وقَعر كلِّ شيءٍ: أقصاه. وقعَّر الرجلُ، إِذا روّى فَنظر فِيمَا يَغمُضُ من الرَّأْي حتَّى يَسْتَخْرِجهُ.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: القَعَر: الْعقل التامّ. وَيُقَال هُوَ يتقعَّر فِي كَلَامه، إِذا كَانَ يتنحَّى وَهُوَ لحَّانة، ويتعاقل وَهُوَ هِلباجة.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال مَا خرجَ من أهل هَذَا القعر أحَدٌ مثله، كَقَوْلِك: من أهل هَذَا(1/153)
الْغَائِط، مثل الْبَصْرَة والكوفة.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: قَالَت الدُّبيرية: القَعْر: الجَفْنة، وَكَذَلِكَ المِعجَن، والشِّيزى والدَّسيعة. روى ذَلِك الْفراء عَن الدُّبيريّة.
قرع: يُقَال أقرعت بَين الشُّركاء فِي شَيْء يقتسمونه فاقترعوا عَلَيْهِ وتقارعوا فقرعَهم فلَان وَهِي القُرعة.
ورُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنّ رجلا أَعتق ستّةَ أعبدٍ لَهُ عِنْد مَوته لَا مَال لَهُ غَيرهم، قأقرعَ بَينهم وَأعْتق اثْنَيْنِ وأرَقَّ أَرْبَعَة.
ثعلبٌ عَن ابْن الْأَعرَابِي. قَالَ القَرَع والسَّبَق والنَّدَب: الخَطَر الَّذِي يُستَبَقُ عَلَيْهِ.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: القَرَع: بثْرٌ يخرج بأعناق الفُصلان وقوائمها، فَإِذا أَرَادوا أَن يعالجوها نَضَحوها بِالْمَاءِ ثمَّ جرُّوها فِي التُّراب. يُقَال قرَّعت الفصيلَ تقريعاً. وَقَالَ أَوْس بن حجَر يذكر الْخَيل:
لَدَى كلِّ أخدُود يغادرنَ دارِعاً
يُجَرُّ كَمَا جُرَّ الفصيلُ المُقَرَّعُ
وَمن أمثالهم السائرة: (استنَّتِ الفِصالُ حتَّى القَرْعَى) ، يُضرب مثلا لمن تعدَّى طورَهُ وادّعى مَا لَيْسَ لَهُ.
وَقَالَ شمر: العوامُّ يَقُولُونَ: (هُوَ أحَرُّ من القَرْع) ، وَإِنَّمَا هُوَ من القَرَع. والقَرَع: قَرَعُ الفِناء من المرعى، وقَرَعُ مأوى المَال ومُراحها من المَال. وَيُقَال أَيْضا قَرِعَ فِناءُ فلانٍ، إِذا لم تكن لَهُ غاشيةٌ يَغْشَونه. وَقَالَ الهذليّ:
وخذَّالٌ لمَوْلَاهُ إِذا مَا
أَتَاهُ عائلاً قَرِع المُراحِ
والقَرَع: قرَع الكرش، وَهُوَ أَن يذهب زئبُره ويرقّ فِي شدّة الحرّ. والقَرَع: قَرَع الرَّأْس، وَهُوَ أَن يَصلَع فَلَا يبْقى على رَأسه شعر، يُقَال رجلٌ أَقرع وَامْرَأَة قرعاء.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: قرعاء الدَّار: ساحتها.
وَقَالَ النَّضر: أَرض قرِعة: لَا تنْبت شَيْئا. والقرعاء: مَنْهَلة من مناهل طَرِيق مَكَّة بَين العَقَبة والعُذَيب. وَجَاء فلانٌ بالسَّوءَة القرعاء والسَّوءة الصَّلعاء، وَهِي المنكشفة. وأصبحت الرياضُ قُرْعاً: قد جَرَدتها الْمَوَاشِي فَلم تَدَع بهَا شَيْئا من الْكلأ.
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يَجِيء كنز أحدهم يَوْم الْقِيَامَة شجاعاً أقرعَ لَهُ زَبيبتان) قَالَ أَبُو عَمْرو: هُوَ الَّذِي لَا شعرَ على رَأسه. وَقَالَ أَبُو عبيد: والشُّجاع: الحيّة، وَسمي أقرعَ لأنَّه يَقرِي السّمَّ ويجمعه فِي رَأسه حتَّى يتمعَّط مِنْهُ فروةُ رَأسه. وَقَالَ ذُو الرمّة يصف حيّة:
قرى السمَّ حتّى انمازَ فروةُ رأسِه
عَن الْعظم صِلٌّ فاتك اللَّسعِ ماردُه
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: أمّا قَوْلهم ألفٌ أقرعُ فَهُوَ التَّامّ.
وَقَالَ ابْن السّكيت: تُرسٌ أقرعُ، إِذا كَانَ صُلباً، وَهُوَ القَرَّاع أَيْضا. وَقَالَ أَبُو قيس ابْن الأسلت:(1/154)
ومُجْنأ أسمرَ قرّاعِ
وَقَالَ آخر:
فَلَمَّا فَنَى مَا فِي الْكَتَائِب ضاربوا
إِلَى القُرْع من جِلد الهِجانِ المجوَّبِ
أَي ضَربوا بِأَيْدِيهِم إِلَى التِّرَسةِ لمّا فنيت سهامُهم. وفَنَى بِمَعْنى فَنِيَ فِي لُغَة طيِّىء.
وقِدْح أَقرع، وَهُوَ الَّذِي حُكَّ بِالحصى حتّى بَدَت سَفاسِقُه، أَي طرائقه. وعُودٌ أَقرع، إِذا قَرِع من لحائه.
والقريع: الْفَحْل الَّذِي يُصَوَّى للضِّراب. وَيُقَال فلانٌ قَرِيعُ الكتِيبة وقِرِّيعها، أَي رئيسها.
وَقَالَ ابْن السّكيت: قريعةُ الْبَيْت: خير مَوضِع فِيهِ، إِن كَانَ فِي حَرَ فخيارُ ظِلِّه، وَإِن كَانَ فِي برد فخيار كِنِّه. وقُرعة كلِّ شَيْء خيارُه. وَيُقَال إنّ نَاقَتك لقريعة، أَي مؤخرة للضَّبَعة. وَقد قَرَع الْفَحْل الناقةَ، إِذا ضربَها. واستقرعت النَّاقة، إِذا اشتهت الضراب، وَكَذَلِكَ الْبَقَرَة.
والقُرعة: الجِرابُ الْوَاسِع يُلقَى فِيهِ الطّعام. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: القُرعة: الجرابُ الصَّغِير، وَجَمعهَا قُرَعٌ، رَوَاهُ ثَعْلَب عَن عَمْرو عَن أَبِيه.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن الْحَرْبِيّ أَنه قَالَ فِي حَدِيث عمّار قَالَ: قَالَ عَمْرو بن أَسد بن عبد العُزَّى حِين قيل لَهُ: مُحَمَّد يخْطب خَدِيجَة، قَالَ: نِعم البُضْع لَا يُقرَع أَنفه. قَالَ أَبُو إِسْحَاق: قَوْله (لَا يُقرَع أَنفه) كَانَ الرجل يَأْتِي بِنَاقَة كَرِيمَة إِلَى رجل لَهُ فحلٌ يسْأَله أَن يُطرقَها فحلَه، فإنْ أخرجَ إِلَيْهِ فحلاً لَيْسَ بكريمٍ قرعَ أَنفه وَقَالَ: لَا أريده. وَهُوَ مَثلٌ للخاطب الكفيء الَّذِي لَا يُرَدُّ إِذا خطبَ كريمةَ قوم.
وَفِي حَدِيث آخر: (قَرِع المسجدُ حِين أصيبَ أصحابُ النَّهْر) . قَالَ الْحَرْبِيّ: معنى قَوْله (قَرِع المسجدُ) أَي قلّ أَهله، كَمَا يَقرع الرأسُ إِذا قلَّ شعره.
وَفِي حَدِيث النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه لما أَتَى على مُحَسِّر (قَرَع راحلتَه) ، أَي ضربهَا بِسَوْطِهِ.
قَالَ: وحدّثني أَبُو نصر عَن الْأَصْمَعِي، يُقَال (العَصَا قُرِعتْ لذِي الْحلم) ، يَقُول: إِذا نُبِّه انتبَه. وَأنْشد:
لِذِي الحلمِ قبلَ الْيَوْم مَا تُقرَعُ الْعَصَا
وَمَا عُلِّم الإنسانُ إلاّ ليعلما
قَالَ: وَقَالَ الأصمعيّ: يُقَال فلانٌ لَا يُقرع، أَي لَا يرتدع.
قَالَ: وقَرَع فلانٌ سِنَّهُ ندماً. وأنشدنا أَبُو نصر:
وَلَو أنّي أطعتُك فِي أمورٍ
قَرعتُ ندامةً من ذَاك سِنّي
قَالَ. وَأَخْبرنِي أَبُو نصر عَن الأصمعيّ قَالَ: قَارِعَة الطَّرِيق: ساحتُها. وقَرِع المُراح، إِذا لم يكن فِيهِ إبل. وقارعة الطَّرِيق: أَعْلَاهُ. وَأنْشد لبَعْضهِم، وَيُقَال إِنَّه لعمر بن الخطَّاب:
مَتى ألقَ زِنباعَ بن رَوحٍ ببلدة
لي النِّصف مِنْهَا يَقرع السنَّ مِن نَدَم
وَكَانَ زنباع بن رَوْح فِي الْجَاهِلِيَّة ينزلُ مَشارفَ الشَّام، وَكَانَ يَعْشُر من مَرَّ بِهِ، فخرجَ فِي تِجَارَة إِلَى الشَّام وَمَعَهُ ذَهَبَة قد(1/155)
جعلهَا فِي دَبِيل وألقَمَها شارفاً لَهُ، فَنظر إِلَيْهَا زنباعٌ تَذرِف عَيناهَا فَقَالَ: إنّ لَهَا لشأناً. فنحرها وَوجد الذهبةَ، فعَشَرها، فَقَالَ عمر هَذَا الْبَيْت.
وَفِي حَدِيث آخر أَن عُمر أَخذ قَدَحَ سَويقٍ فشرِبَه حَتَّى قرعَ القدحُ جبينَه. قَالَ إِبْرَاهِيم: يُقَال قرعَ الْإِنَاء جبهةَ الشارِبِ، إِذا استوفَى مَا فِيهِ. وَأنْشد:
كأنَّ الشُّهبَ فِي الآذان مِنْهَا
إِذا قَرَعوا بحافتها الجبينا
قَالَ: وَفِي حَدِيث أبي أُمَامَة أَن النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (مَن لم يغْزُ أَو يجهِّزْ غازياً أَصَابَهُ الله بقارعة) . قَالَ: وَأَخْبرنِي أَبُو نصر عَن الْأَصْمَعِي: يُقَال أَصَابَته قَارِعَة، يَعْنِي أمرا عَظِيما يقرعُه. وَقَالَ الكسائيّ: القارِعةُ: الْقِيَامَة. وَقَالَهُ الْفراء.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: والقرَّاع: طَائِر لَهُ منقارٌ غليظ أعقف، يَأْتِي العُودَ اليابسَ فَلَا يزَال يَقرعُه حَتَّى يدخُلَ فِيهِ. قَالَ: واقتُرِع فلانٌ، إِذا اختير، وَمِنْه قيل للفحل قريع.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: القِراع: أَن يَأْخُذ الرجل النَّاقة الصَّعبةَ فيُربِضَها للفحل فيبسُرها. يُقَال قرِّع لجملِك. وقريعة الْإِبِل: كريمتها. والمُقْرَع: الْفَحْل يُعقَل فَلَا يُترك أَن يضْرب فِي الْإِبِل، رَغْبَة عَنهُ. قَالَ: وتميمٌ تَقول: خُفَّانِ مُقْرَعانِ، أَي مُنقلان. وأقرعت نَعْلي وخُفِّي، إِذا جعلتَ عَلَيْهَا رُقعةً كثيفة. قَالَ: والقريع من الْإِبِل: الَّذِي يَأْخُذ بِذِرَاع النَّاقة فينيخها.
وَأَخْبرنِي أَبُو نصرٍ عَن الأصمعيّ قَالَ: إِذا أسرعت الناقةُ اللَّقَح فَهِيَ مِقراع. وَأنْشد:
ترى كلَّ مِقراعٍ سريعٍ لقاحُها
تُسِرُّ لِقاحَ الْفَحْل ساعةَ تُقرَعُ
وقرعَ التَّيْسُ العَنْز، إِذا قفطَها.
أَبُو عبيد عَن الأمويّ: يُقَال للضأن قد استوبلت، وللمعزى استدَرَّت. وللبقر: استقرعت، وللكلبة: استحرمت.
وَقَالَ النَّضر: القَرْعة: سِمَةُ على أيبَسِ السَّاق، وَهِي رَكزَةٌ بِطرف المِيسَم، وربَّما قُرعَ قرعَة أَو قرعتين. وبعير مقروع وإبل مقرّعة.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: يُقَال فلَان لَا يُقرَع، أَي لَا يرتدِع. فَإِذا كَانَ يرتدع قيل رجلٌ قَرِع وَيُقَال أقرعته، إِذا كففتَه. وَقَالَ رؤبة:
دَعني فقد يُقرِع للأضزِّ
صكَّى حجاجَيْ رأسِه وبَهزي
وَقَالَ أَبُو سعيد: يُقَال فلانٌ مُقْرِعٌ لَهُ ومُقْرِن لَهُ، أَي مطيق، وَأنْشد بَيت رؤبة هَذَا. فقد يكون الإقراع كفّاً، وَيكون إطاقةً. وَقَالَ رؤبة فِي الكفّ:
أقرعَه عنّي لجامٌ يُلجمُه
أَبُو عبيد عَن الْفراء: أقرعتُ إِلَى الحقِّ إقراعاً، إِذا رجعتَ إِلَيْهِ.
وَقَالَ ابنُ السّكيت: قرَّع الرجلُ مكانَ يَده من الْمَائِدَة فَارغًا، أَي جعله فَارغًا.
أَبُو عبيد عَن الْفراء: بتُّ أتقرَّعُ البارحةَ، أَي أتقلَّب. قَالَ: وقرّعتُ الْقَوْم، أَي أقلقتُهم. وَأنْشد الْفراء:
يقرِّع للرِّجَال إِذا أتَوه
ولِلنِّسوان إِن جئن السَّلامُ(1/156)
وَقَالَ غَيره: قرّعتُ الرجلُ إِذا وبَّختَه وعذَلته. ومرجعه إِلَى مَا قَالَ الْفراء.
واستقرعَ حافرُ الدَّابَّة، إِذا اشتدَّ. واستقرع الكرِشُ، إِذا استوكَعَ. والأكراش يُقَال لَهَا القُرْع. وَقَالَ الرَّاعِي:
رعَينَ الحَمْضَ حَمضَ خُناصراتٍ
بِمَا فِي القُرع من سَبَل الغوَادِي
قيل: أَرَادَ بالقُرع غُدراناً فِي صلابة من الأَرْض. والأكراش يُقَال لَهَا قُرعٌ، إِذا ذهب خَملُها. وَمَكَان أَقرع: شديدٌ صلب، وَجمعه الأقارع. وَقَالَ ذُو الرّمة:
كَسا الأكمَ بُهَمَى غَضَّةً حبشيّةً
تؤاماً ونُقعانَ الظُّهُور الأقارعِ
وَيُقَال أَقرع الْمُسَافِر، إِذا دنا من منزله. وأقرعَ دَارَه آجُرّاً، إِذا فرشَها بالآجرّ. وأقرعَ الشَّرُّ، إِذا دَامَ. وأقرعَ الرجلُ عَن صَاحبه وانقرعَ، إِذا كفّ.
وَفِي حَدِيث عَلْقَمَة أَنه كَانَ يقرِّع غنمَه، أَي يُنْزِي التَّيسَ عَلَيْهَا.
أَبُو عَمْرو: القَروع من الركايا: الَّتِي تُحفَر فِي الْجَبَل من أَعْلَاهَا إِلَى أَسْفَلهَا. وَقَالَ الفرّاء: هِيَ القليلة المَاء. وأقرعَ الغائص والمائح، إِذا انْتهى إِلَى الأَرْض. والقرّاعة والقدّاحة: الَّتِي يُقتدح بهَا النَّار. والقِراع والمقارعة: الْمُضَاربَة بالسُّيوف. والقَرْع: حَمْل اليقطين. وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحبُّ القَرْع. وَيُقَال قوارعُ الْقُرْآن: الْآيَات الَّتِي من قَرَأَهَا أمِنَ، مثل آيَة الكرسيّ وآيات آخر سُورَة الْبَقَرَة.
وَقَول الله سُبْحَانَهُ: {وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ} (الرّعد: 31) وَقيل فِي التَّفْسِير: سِرّيةٌ من سَرايا رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمعنى القارعة فِي اللُّغَة: النَّازِلَة الشَّدِيدَة تنزِل عَلَيْهِم بأمرٍ عَظِيم؛ وَلذَلِك قيل ليَوْم الْقِيَامَة القارعة.
وَيُقَال أنزلَ الله قَرعاءَ وقارعة ومُقْرِعة، وأنزلَ بِهِ بَيْضَاء ومبيضة، وَهِي الْمُصِيبَة الَّتِي لَا تدَعُ مَالا وَلَا غَيره.
والمِقْرعة: الَّتِي يُضرَب بهَا الدابّة. والإقراع: صكُّ الْحمير بعضِها بَعْضًا بحوافرها. وَقَالَ رؤبة:
أَو مُقْرَعٌ من ركضها دامى الزَّنَقْ
عَمْرو عَن أَبِيه: القريع: المقروع. والقريع: الْغَالِب.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال: قَرَعَ فلانٌ فِي مِقْرعهِ، وقَلَد فِي مِقْلده، وكَرص فِي مِكرصه، وصَربَ فِي مِصربه، كلُّه السِّقاء والزِّقّ. قَالَ: والمِقْرع: وعاءٌ يُجبَى فِيهِ التَّمر، أَي يجمع.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ: يُقَال إِنَّمَا قَرَعناك واقترعناك، وقَرحناك واقترحناك، ومَخَرْناك وامتَخَرْناك، وانتضلناك، أَي اخترناك.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَرِع الرجل إِذا قُمِر فِي النضال. وقَرِع، إِذا افتقرَ. وقرِع، إِذا اتَّعظ.
ابْن السّكيت: القَرِيعة والقُرعة: خِيَار المَال. وَيُقَال قد أقرعوه، إِذا أَعْطوهُ خيرَ النَّهب. وَيُقَال نَاقَة قريعة، إِذا كَانَ الْفَحْل يكثر ضرابها ويبطىء لقاحها.(1/157)
رقع: قَالُوا: الرقيع: الرجل الأحمق، سمي رقيعاً لِأَن عقله كأنّه قد أخلقَ واسترمَّ وَاحْتَاجَ إِلَى أَن يُرقَع برُقعة. ورجلٌ مَرْقَعانٌ وامرأةٌ مَرْقَعانة. وَقد رقُع يرقُع رقاعة.
وَيُقَال رقَعت الثَّوْب ورقَّعته.
وَالسَّمَاوَات السَّبع يُقَال لَهَا سَبْعَة أَرقعَة، كلُّ سماءٍ مِنْهَا رَقعت الَّتِي تَلِيهَا فَكَانَت طَبَقاً لَهَا، كَمَا يُرقّع الثَّوْب بالرُّقعة. وَيُقَال الرَّقيع: السماءُ الدُّنْيَا الَّتِي تلِي الأَرْض، سمِّيت رقيعاً لأنَّها رقِعت بالأنوار الَّتِي فِيهَا.
وَيُقَال قَرّعَني فلانٌ بلومِه فَمَا ارتقعت بِهِ، أَي لم أكترثْ لَهُ.
ثَعْلَب عَن عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: جوعٌ يَرقُوع ودَيقوع ويُرقوع، إِذا كَانَ شَدِيدا. وَيُقَال رقَع الغرضَ بسهمه، إِذا أَصَابَهُ، وكلُّ إصابةٍ رقْع.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: رَقْعة السَّهم صوتُه فِي الرُّقعة. وَيُقَال رقعَه رقعاً قبيحاً، إِذا شتَمه وهجاه. وَيُقَال رقع ذَنَبه بِسَوْطِهِ، إِذا ضربَه. وَيُقَال: بِهَذَا الْبَعِير رُقعةٌ من جرب ونُقبة من جرب، وَهِي أوَّل الجرب.
وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال مَا ترتقع مني برقاعِ، أَي مَا تطيعني وَلَا تقبل مِمَّا أنصحك بِهِ شَيْئا. وَيُقَال للَّذي يزِيد فِي الحَدِيث: هُوَ صَاحب تَبْنيق وترقيع وتوصيل، وَهُوَ صاحبُ رَمِيّةٍ: يزِيد فِي الحَدِيث.
رعق: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: الرَّعيق والرُّعاق والوَعيق: الصَّوْت الَّذِي يُسمَع من بطن الدَّابَّة، وَهُوَ الوُعَاق. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: هُوَ صَوت جُردانه إِذا تقلقلَ فِي قُنْبِه.
وَقَالَ اللَّيْث: الرُّعاق: صوتٌ يُسمَع من قُنب الدابّة كَمَا يُسمَع الوعيق من ثَفْر الْأُنْثَى. يُقَال رعَق يَرعَق رُعاقاً. ففرَّق بَين الرعيق والوعيق. وَالصَّوَاب مَا قَالَه ابنُ الأعرابيّ.
(بَاب الْعين وَالْقَاف مَعَ اللَّام)
عقل، علق، لقع، لعق، قلع، قعل: مستعملات.
عقل: فِي الحَدِيث أَن امْرَأتَيْنِ من هُذيلٍ اقتتلتا، فرمت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى بحَجرٍ فأصابَ بَطنهَا فقتلتها، فَقضى رَسُول الله عَلَيْهِ بدِيتها على عَاقِلَة الْأُخْرَى.
أخبرنَا عبد الْملك عَن الرّبيع عَن الشَّافِعِي أنّه قَالَ: الْعَاقِلَة هم العَصَبة. قَالَ: وَقضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بديةِ شِبهِ الْعمد وَالْخَطَأ المحضِ على الْعَاقِلَة، يؤدُّونها فِي ثَلَاث سِنِين إِلَى وَرَثَة الْمَقْتُول. قَالَ: والعاقلة هم القَرابة من قِبَل الْأَب. قَالَ: وَمَعْرِفَة الْعَاقِلَة أَن يُنظرَ إِلَى إخْوَة الْجَانِي من قبل الْأَب فيحمَّلون مَا تحمل الْعَاقِلَة، فَإِن احتملوها أدَّوها فِي ثَلَاث سِنِين، وَإِن لم يحتملوها رُفعت إِلَى بني جدِّه، فَإِن لم يحتملوها رفعت إِلَى بني جدّ أَبِيه، فَإِن لم يحتملوها رفعت إِلَى بني جدّ أبي جدّه، ثمَّ هَكَذَا لَا ترفع عَن بني أبٍ حَتَّى يعْجزُوا قَالَ ومَن فِي الدِّيوَان ومَن لَا ديوانَ لَهُ فِي الْعقل سَوَاء.(1/158)
وَقَالَ إِسْحَاق بن مَنْصُور: قلت لِأَحْمَد بن حَنْبَل: مَن الْعَاقِلَة؟ فَقَالَ: الْقَبِيلَة، إلاَّ أنَّهم يُحمَّلون بِقدر مَا لَا يُطِيقُونَ، فَإِن لم تكن عَاقِلَة لم يُجعَل فِي مَال الْجَانِي وَلَكِن يُهدر عَنهُ. وَقَالَ إِسْحَاق: إِذا لم تكن الْعَاقِلَة أصلا فَإِنَّهُ يكون فِي بَيت المَال وَلَا تُهدر الديةَ.
قلت: والعَقْل فِي كَلَام الْعَرَب: الدِّية، سميت عَقلاً لِأَن الديَة كَانَت عِنْد الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة إبِلاً، وَكَانَت أموالَ الْقَوْم الَّتِي يرقئون بهَا الدِّمَاء، فسمِّيت الدِّيَة عَقْلاً لأنّ الْقَاتِل كَانَ يكلَّف أَن يَسُوق إبل الدِّيَة إِلَى فِنَاء وَرَثَة الْمَقْتُول، ثمَّ يَعْقِلهَا بالعُقُل ويسلمها إِلَى أوليائه. وأصل الْعقل مصدر عقلت الْبَعِير بالعقال أعقله عقلا، والعِقال: حَبل يُثنَى بِهِ يَد الْبَعِير إِلَى رُكْبَتَيْهِ فيشدُّ بِهِ.
وَقضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي دِيَة الْخَطَأ الْمَحْض وبشِبه الْعمد أَن يغرمَها عَصَبةُ الْقَاتِل ويُخرج مِنْهَا وَلَده وَأَبوهُ فأمّا دِيَة الْخَطَأ الْمَحْض فَإِنَّهَا تقسم أَخْمَاسًا: عشْرين بنتَ مَخَاض، وَعشْرين بنت لبون، وَعشْرين ابْن لبون، وَعشْرين حِقّة، وَعشْرين جَذَعَة. وَأما دِيَة شبه الْعمد فإنَّها تغَلّظ، وَهِي مائَة بعير أَيْضا، مِنْهَا ثَلَاثُونَ حقة، وَثَلَاثُونَ جَذَعَة، وَأَرْبَعُونَ مَا بَين ثنية إِلَى بازلِ عامِها، كلُّها خَلِفة فعصبة الْقَاتِل إِن كَانَ الْقَتْل خطأ مَحْضا غرِموا الدِّيَة لأولياء الْقَتِيل أَخْمَاسًا كَمَا وصفت، وَإِن كَانَ القتْل شبه الْعمد غَرِموها مغلَّظة كَمَا وصفت فِي ثَلَاث سِنِين، وَهُوَ العَقْل، وهم الْعَاقِلَة.
وَيُقَال عقلتُ فلَانا، إِذا أَعْطَيْت ديتَه ورثتَه. وعقلتُ عَن فلَان، إِذا لزمتْه جنايةٌ فغرِمتَ ديتَها عَنهُ. وَهَذَا كَلَام الْعَرَب.
وَرُوِيَ عَن الشّعبِيّ أَنه قَالَ: (لاتعقل الْعَاقِلَة عمدا وَلَا عبدا وَلَا صُلحاً وَلَا اعترافاً) . الْمَعْنى أنّ الْقَتْل إِذا كَانَ عمدا مَحْضا لم تلْزم الديةُ عَاقِلَة الْقَاتِل؛ وَكَذَلِكَ إنْ صُولح الْجَانِي من الدِّيَة على مالٍ بِإِقْرَار مِنْهُ لم يلْزم عاقلتَه مَا صُولح عَلَيْهِ. وَإِذا جنى عبد لرجلٍ حرّ على إِنْسَان جِنَايَة خطأ لم تغرم عاقلةُ مَوْلَاهُ جِنَايَة العَبْد، وَلكنه يُقَال لسيّده: إمّا أَن تسلّمه برمّته إِلَى وليّ الْمَقْتُول أَو تفديه بمالٍ يؤدّيه من عِنْده. وَقيل معنى قَوْله: (لَا تعقل الْعَاقِلَة عبدا) أَن يجني حرٌّ على عبدٍ جِنَايَة خطأ فَلَا يغرم عاقلةُ الْجَانِي ثمنَ العَبْد. وَهَذَا أشبه بِالْمَعْنَى. وَرَوَاهُ بَعضهم: (لَا تعقل الْعَاقِلَة العَمْد وَلَا العَبْد) .
وَقَالَ سعيد بن الْمسيب فِي تابعِيه من أهل الْمَدِينَة: الْمَرْأَة تُعاقل الرجل إِلَى ثلث دِيَتهَا، فَإِذا جَازَت الثُّلُث رُدّت إِلَى نصف دِيَة الرجل. وَمَعْنَاهُ أنّ دِيَة الْمَرْأَة فِي أصل شَرِيعَة الْإِسْلَام على النّصْف من دِيَة الرجل، كَمَا أَنَّهَا تَرث نصفَ مَا يَرث الذّكر، فَجَعلهَا سعيد بن الْمسيب جراحَها مُسَاوِيَة جراحَ الذَّكر فِيمَا دون ثلث الدِّيَة، تَأْخُذ كَمَا يَأْخُذ الرجل إِذا جُنِي عَلَيْهِ، فلهَا فِي إِصْبَع من أصابعها عشر من الْإِبِل كإصبع الرَّجل، وَفِي إِصْبَعَيْنِ من أصابعها عشرُون من الْإِبِل، وَفِي ثَلَاث أَصَابِع(1/159)
ثَلَاثُونَ كالرَّجل. فَإِذا أُصِيب أربعٌ من أصابعها رُدّت إِلَى عشْرين لأنَّها جَاوَزت ثلث الدِّيَة فردّت إِلَى عشْرين لأنّها جَاوَزت ثلث الدِّيَة فردّت إِلَى النّصْف مِمَّا للرجل.
وأمّا الشَّافِعِي وَأهل الْكُوفَة فَإِنَّهُم جعلُوا فِي إِصْبَع الْمَرْأَة خمْسا من الْإِبِل، وَفِي إِصْبَعَيْنِ لَهَا عشرا. وَلم يعتبرِ الثُّلُث الَّذِي اعْتَبرهُ ابْن الْمسيب.
وَفِي حَدِيث أبي بكر الصّديق أَنه قَالَ حِين امْتنعت الْعَرَب من أَدَاء الزَّكَاة إِلَيْهِ بعد موت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَو مَنَعُونِي عِقَالاً ممّا أدَّوا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقاتلتهم عَلَيْهِ) . قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْكسَائي: العِقال صَدَقة عَام، يُقَال أخذَ مِنْهُم عقال هَذَا الْعَام، إِذا أُخِذَتْ مِنْهُم صدقتُه. وَأنْشد غَيره لعَمْرو بن العَدّاء الْكَلْبِيّ:
سَعَى عِقالاً فَلم يَتركْ لنا سَبَداً
فَكيف لَو قد سعى عَمْرو عِقالينِ
لأصبحَ الحيُّ أوباداً وَلم يَجدوا
عِنْد التفرُّق فِي الهيجا جِمالينِ
وَقَالَ بَعضهم: أَرَادَ أَبُو بكر ح بالعِقال الْحَبل الَّذِي كَانَ يُعقَل بِهِ الْفَرِيضَة الَّتِي كَانَت تُؤْخَذ فِي الصَّدَقَة، إِذا قبضهَا المصدِّق أخذَ مَعهَا عِقالاً يَعْقِلهَا بِهِ. وَذَلِكَ أَنه كَانَ على صَاحب الْإِبِل أَن يؤدّي على كلّ فريضةٍ عِقالاً تُعقَل بِهِ، ورِواءً، أَي حبلاً.
وَيُقَال: فلانٌ قَيدُ مائَة، وعِقالُ مائَة، إِذا كَانَ فداؤُه إِذا أسر مائَة من الْإِبِل. وَقَالَ يزِيد بن الصَّعِق:
أساور بَيض الدارعين وأبتغي
عقال المئينَ فِي الصَّباح وَفِي الدهرِ
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الأصمعيّ: يُقَال عَقَلَ الرجلُ يَعقِل عَقلاً، إِذا كَانَ عَاقِلا. وَقَالَ غَيره؛ سمِّي عقلُ الْإِنْسَان وَهُوَ تَمْيِيزه الَّذِي بِهِ فَارق جميعَ الْحَيَوَان عقلا لأنّه يعقله، أَي يمنعهُ من التورُّط فِي الهَلَكة، كَمَا يعقل العقالُ البعيرَ عَن ركُوب رَأسه. وَقيل إِن الديّة سمِّيت عقلا لِأَنَّهَا إِذا وصلت إِلَى وليّ الْمَقْتُول عقلَتْه عَن قتل الْجَانِي الَّذِي أدَّاها، أَي منَعتْه. وَقَالَ الأصمعيّ: عقّل الظبيُ يَعقِل عُقولاً، أَي امْتنع؛ وَبِه سمِّي الوَعِل عَاقِلا. وَمِنْه المَعقِل، وَهُوَ الملجأ. وعقل الدَّوَاء بطنَه يعقله عقلا، إِذا أمْسكهُ بعد استطلاقه وَيُقَال: أَعْطِنِي عَقلاً، فيعطيه دَوَاء يُمسِك بَطْنه.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: إِذا استَطْلَق بطنُ الْإِنْسَان ثمَّ استمسك فقد عَقَل بطنُه، وَقد عقل الدواءُ بطنَه، سَوَاء. وَيُقَال القومُ على مَعاقلهم الأولى من الدِّية، أَي يؤدُّونها كَمَا كَانُوا يؤدّونها فِي الجاهليّة، واحدتها معقُلة. وعقل المصدِّقُ الصدقَة، إِذا قبضَها. وَيُقَال لَا تشتر الصَّدقة حتّى يَعْقِلهَا المصدّق، أَي يقبضهَا. وَيُقَال نَاقَة عَقْلاء وبعير أَعقل بيِّن العَقَل، وَهُوَ أَن يكون فِي رجله التواء. والعُقّال: أَن يكون بالفرس ظَلْعٌ سَاعَة ثمَّ ينبسط. وَقد اعتقل فلانٌ رمحَه، إِذا وضعَه بَين ركابه وساقِه. واعتقل الشاةَ، إِذا وضعَ رِجْلَيْهَا بَين فَخذه وَسَاقه فحلبَها. وَيُقَال لفُلَان عُقلةٌ يَعقِل بهَا(1/160)
الناسَ، يَعْنِي أنّه إِذا صارعَهم عقلَ أرجلَهم، ويه الشَّغزَبيَّة والاعتقال.
قَالَ: وَقَالَ غير وَاحِد: العَقْل: ضربٌ من الوشي. والعقيلة: الْكَرِيمَة من النِّسَاء وَالْإِبِل وَغَيرهَا، والجميع العقائل. وعَقَل الظلُّ، إِذا قَامَ قَائِم الظهيرة. وَيُقَال اعتقل فلانٌ الرحْلَ، إِذا ثنَى رجله فوضَعها على المورك. وَقَالَ ذُو الرمة:
أطَلْتُ اعتقالَ الرَّحلِ فِي مدلهمَّةٍ
إِذا شرَك الموماة أودَى نظامُها
أَي خفيت آثَار طرقها.
وَيُقَال تعقَّل فلانٌ قادمة رحلِهِ، بِمَعْنى اعتقله. وَقَالَ النَّابِغَة:
متعقّلين قوادمَ الأكوارِ
وَسمعت أعرابيّاً يَقُول لآخر: تعقَّلْ لي بكفَّيك حتَّى أركبَ بَعِيري. وَذَلِكَ أنّ بعيره كَانَ قَائِما مُثقلًا، وَلَو أناخه لم ينْهض بِهِ وبِحِمله، فَجمع لَهُ يَدَيْهِ وشبَّك بَين أَصَابِعه حتَّى وضع فيهمَا رِجلَه وَركب.
وَيُقَال اعتقِل لِسَانه، إِذا لم يقدر على الْكَلَام. وَقَالَ ذُو الرمّة:
ومعتقل اللِّسَان بِغَيْر خَبْلٍ
يَميد كأنّه رجلٌ أميمُ
قَالَ أَبُو سعيد: يُقَال عقلَ فلَانا وعَكَله، إِذا أقامَه على إِحْدَى رجلَيْهِ، وَهُوَ معقولٌ مُنْذُ الْيَوْم. وكلُّ عقلٍ رَفْع. وَصَارَ دم فلانٍ مَعقُلةً على قومه، إِذا غَرِموه. وَيُقَال اعتقل فلانٌ من دم صاحِبِه وَمن طائلته، إِذا أَخذ العَقْل. والمعاقل: حَيْثُ تُعقل الْإِبِل. وعقَلت الْمَرْأَة شَعْرها، إِذا مَشَطته. والماشطة: الْعَاقِلَة. والدُّرة الْكَبِيرَة الصافية عَقِيلة الْبَحْر والمعقول: الْعقل، يُقَال مَاله مَعْقُول، أَي مَاله عقل.
ثعلبٌ عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الْعقل: التثبُّت فِي الْأُمُور. وَالْعقل الْقلب، وَالْقلب: الْعقل.
اللَّيْث: العَقْل: المعقِل، وَهُوَ الحِصن، وَجمعه عقول، وَأنْشد:
وَقد أَعدَدْت للحدثَانِ حِصناً
لوَ انّ الْمَرْء يَنْفَعهُ العُقولُ
قلت: أُراه أَرَادَ بالعقول التحصُّن فِي الْجَبَل؛ يُقَال وَعِلٌ عَاقل، إِذا تحصّنَ بوَزَرِه عَن الصيَّاد. وَلم أسمع العَقْل بِمَعْنى المَعقِل لغير اللَّيْث.
وعاقلٌ: اسْم جبلٍ بِعَيْنِه. وبالدَّهْنَاء خَبْرَاءُ يُقَال لَهَا مَعقُلة. قلت: وَقد رَأَيْتهَا وفيهَا حوايا كثيرةٌ تمسِك ماءَ السَّمَاء دهراً طَويلا. وَإِنَّمَا سمِّيت مَعْقُلة لإمساكها المَاء.
وعواقيل الْأَدْوِيَة: دراقيعها فِي معاطفها، وَاحِدهَا عاقول.
والقعنقل من الرمل: مَا ارتكم وتعقّلَ بعضه بِبَعْض، وَيجمع عَقنقَلاتٍ وعَقاقِل. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: عقنقل الضَّبّ: كُشْيتُه فِي بَطْنه.
وَيُقَال لفلانٍ قلبٌ عقول ولسانٌ سَئول.
وَفِي حَدِيث الدَّجَّال وَصفته: (ثمَّ يَأْتِي الخِصْبُ فيعقِّل الكَرْمُ) .
روى سَلمَة عَن الْفراء أَنه قَالَ فِي قَوْله (يعقِّل الْكَرم) قَالَ: مَعْنَاهُ أَنه يخرج(1/161)
العُقيَّلَى وَهُوَ الحِصرِم ثمَّ يمجَّج، أَي يَطِيب طعمُه.
وَيُقَال أعقلتُ فلَانا، أَي ألفيتُه عَاقِلا. وعقّلت فلَانا أَي صيّرته عَاقِلا.
ومَعقِل: اسْم رجل، وَكَذَلِكَ عَقيلٌ، وعُقيل.
علق: أَبُو عبيد عَن الْفراء قَالَ: الْقَامَة هِيَ العَلَق، وَجمعه أعلاقٌ. وَأنْشد:
عيونها خُزرٌ لصوت الأعلاقْ
قلت: العَلق: اسمٌ جَامع لجَمِيع آلَات الاستقاء بالبكَرة، وَيدخل فِيهِ الخشبتانِ اللَّتان تُنصَبان على رَأس الْبِئْر، ويُلاقَى بَين طرفيهما العاليين بحبلٍ، ثمَّ يوتَّدان على الأَرْض بِحَبل آخر يمدُّ طرفاه إِلَى الأَرْض، ويمدّان إِلَى وَتَدين أُثبتا فِي الأَرْض، وتعلَّق الْقَامَة وَهِي البَكَرة مِن شُعبتي طرفِي الخشبتين، ويستقي عَلَيْهَا بدلوين ينزِع بهما ساقيان. وَلَا يكون العَلَق للسَّانية. وَجُمْلَة الأداة من الخطَّاف والمِحور والبكرة والنعامتين وحِبالها عَلقَ هَكَذَا خفظتُه عَن الْعَرَب.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العَلَق: الْحَبل المعلَّق بالبكرة. وَأنْشد:
بئس مَقام الشَّيْخ ذِي الكرامهْ
مَحالةٌ صرَّارةٌ وقامه
وعَلَقٌ يزقو زُقاء الهامه
قَالَ: لما كَانَت البكرة معلَّقة فِي الْحَبل جعل الزُّقاءُ لَهُ، وإنّما هُوَ للبكرة. قَالَ: والعَلَق: الْحَبل الَّذِي فِي أَعلَى البكرة.
قَالَ: وَقَوله (كَلِفْتُ إليكَ عَلَق القِربة) و (عَرَق القِربة) . فأمّا علقها فَالَّذِي تشدُّ بِهِ ثمَّ تعلَّق. وأمّا عَرَقها فأنْ تَعرقَ من جَهدها. قَالَ: وَإِنَّمَا قَالَ: كلِفتُ إِلَيْك عَلَق الْقرْبَة لأنّ أشدّ الْعَمَل عِنْدهم السَّقي.
وَفِي الحَدِيث أنّ امْرَأَة جَاءَت بابنٍ لَهَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد أعلقت عَنهُ من العُذْرة، فَقَالَ: (عَلامَ تَدْغَرن أولادكنَّ بِهَذِهِ العُلَق، عَلَيْكُم بِكَذَا) .
وَقَالَ عُثْمَان بن سعيد فِي حَدِيث أمِّ قيس: (دخلتُ على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بابنٍ لي وَقد أعلقْتُ عَنهُ) . قَالَ: قَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ: قَالَ سُفْيَان: حفظتُه من فِي الزُّهري: (وَقد أعلَقتُ عَنهُ) .
قلت: والإعلاقُ: معالجة عُذْرة الصبيّ ورفْعُها بالإصبع. يُقَال أعلقَتْ عَنهُ أمُّه، إِذا فعلَتْ ذَلِك بِهِ وغمزَتْ ذَلِك الْموضع بإصبعيها ودفعتْه.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ فِيمَا روَى عَنهُ أَبُو الْعَبَّاس: أعلقَ، إِذا غَمَزَ حلْقَ الصبيِّ الْمَعْذُور؛ وَكَذَلِكَ دَغَرَ. قَالَ: والعُلُق: الدَّوَاهِي. والعُلقُ: المنايا أَيْضا. والعُلُق أَيْضا: الأشغال.
وَقَالَ الله عزّ وجلّ: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً} (الْمُؤْمِنُونَ: 14) ، العَلَقة: الدَّم الجامد الغليظ، وَمِنْه قيل لهَذِهِ الدابَّة الَّتِي تكون فِي المَاء عَلَقة، لأنّها حَمْرَاء كَالدَّمِ. وكلُّ دمٍ غليظٍ عَلقٌ.
وَيُقَال عَلِق العَلَق بِحنَك الدابّة يَعْلَق عَلَقاً، إِذا عضَّ على مَوضع العُذرة من حلقه يشربُ(1/162)
الدَّم. وَقد يُشرَط موضعُ المحاجم من الْإِنْسَان ويرسَل عَلَيْهِ العَلَق حَتَّى يمصَّ دمَه.
قَالَ: والمعلوق من الدوابّ وَالنَّاس: الَّذِي أخذَ العلقُ بحَلْقه عِنْد شُربه المَاء من عينٍ أَو غَيره.
وَيُقَال عَلِق فلانٌ فُلانةَ، إِذا أحبَّها؛ وَقد عُلِّقها تَعْلِيقا، وَهُوَ معلَّق القلبِ بهَا. والعَلاَقة: الْهوى اللازمُ للقلب.
والعِلاقة بِالْكَسْرِ: عِلاقة السَّيْف والسَّوط.
وَيُقَال: عَلِق فلانٌ يفعل كَذَا، كَقَوْلِك: طفِق يفعل كَذَا.
وَيُقَال جَاءَ بعُلَقَ فُلَقَ. وَقد أعلقَ وأفلقَ، إِذا جَاءَ بالداهية. وعُلَق فُلَق لَا ينْصَرف. حَكَاهُ أَبُو عبيد عَن الْكسَائي.
الحرّانيُّ عَن ابْن السكِّيت: نَاقَة عَلوقٌ، إِذا رئمت بأنفها ومنعَتْ دِرّتها. وَأنْشد للجعْديّ:
وَمَا نَحَنِي كمِناحِ العَلُو
قِ مَا تَرَ من غِرّةٍ تضربِ
يَقُول: أَعْطَانِي من نَفسه غير مَا فِي قلبه، كالناقة الَّتِي تُظهِر بشمِّها الرأمَ والعطف، وَلم ترأمْه.
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: المَعَالق من الْإِبِل مثل العَلوق. وَأنْشد غَيره:
أم كَيفَ ينفع مَا تُعْطِي العَلوقُ بِهِ
رئمانَ أنفٍ إِذا مَا ضُنَّ باللَّبنِ
وَقَالَ ابْن السّكيت: العَلِيقة: النَّاقة يُعْطِيهَا الرجلُ القومَ يمتارون، ويعطيهم دراهمَ ليمتاروا لَهُ عَلَيْهَا. وَأنْشد:
أرسلَها عليقةً وَقد علِمْ
أنَّ العَليقاتِ يُلاقين الرَّقِمْ
يَعْنِي أنَّهم يودّعون رِكابهم ويخفِّفون عَنْهَا بِهَذِهِ العليقة يركبونها.
وَقَالَ غَيره: يُقَال للدابّة عَلوقٌ. والعَلوق: المَغْرة أَيْضا. والعَلوق: نبت. وَقَالَ الْأَعْشَى:
هُوَ الْوَاهِب الْمِائَة المصطفا
ة لاطَ العَلوقُ بهنَّ احمرارا
أَي حسَّن هَذَا النبتُ ألوانَها.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: العَلوق: مَاء الْفَحْل، لأنَّ الإبلَ إِذا عَلِقَتْ وعقَدت على المَاء انقلبت ألوانُها واحمرَّت، فَكَانَت أنفَسَ لَهَا فِي نفْس صَاحبهَا.
وَفِي الحَدِيث: (أَرْوَاح الشُّهداء فِي أَجْوَاف طَيرٍ خُضْرٍ تَعلُق من ثمار الجنّة) ، قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الأصمعيّ: تعلُق يَعْنِي تَنَاوَلُ بأفواهها. يُقَال علقَتْ تعلُق عُلوقاً. وَأنْشد:
إنْ تدنُ من فَنَنِ الألاءة تعلُقِ
الأصمعيّ: المِعْلق: قَدَحٌ يعلِّقه الرَّاكِب مِنْهُ، وَجمعه مَعَالق.
أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر: حديثٌ طَوِيل العَوْلق، أَي طَوِيل الذَّنَب.
وَيُقَال فلانٌ عِلْقُ علمٍ، وطِلبُ علمٍ، وتِبعُ علم.
والعُلْقة من الطَّعَام والمركب: مَا يُتبلَّغ بِهِ وَإِن لم يكن تامّاً. وَمِنْه قَوْلهم: (ارضَ من(1/163)
الْمركب بِالتَّعْلِيقِ) ، يضْرب مثلا لرجلٍ يُؤمر بِأَن يقنعَ بِبَعْض حَاجته دون تَمامهَا، كالراكب عليقةً من الْإِبِل سَاعَة بعد سَاعَة. وَيُقَال: هَذَا الْكلأ لنا فِيهِ عُلقة أَي بُلْغة. وَعِنْدهم عُلقةٌ من مَتَاعهمْ، أَي بقيّة. والعُلْقة من الطَّعَام: الْقَلِيل الَّذِي يُتَبَلَّغ بِهِ.
وَقَالَ ابْن السّكيت: العَلْقَى: نبت. وبعيرٌ عالقٌ: يَرَعَى العَلْقَى. قَالَ: وَيُقَال مَا فِي الأَرْض عَلاَق، وَمَا فِيهَا لَبَاقٌ، أَي مَا فِيهَا مُرتَقَع، وَيُقَال مَا فِيهَا مَا يتبلَّغ بِهِ. وَقَالَ:
ليسَ إلاّ الرّجيعَ فِيهَا عَلاَقُ
الرَّجيع: الجِرَّة.
وَقَالَ الله عزّ وجلّ فِي صفة الْمَرْأَة الَّتِي لَا يُنصِفها زوجُها وَلَا يُحسِن مُعاشرتَها وَلَا يخلِّي سبيلَها: {فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} (النِّساء: 129) . وامرأةٌ معلَّقةٌ، إِذا لم يُنفقْ عَلَيْهَا زوجُها وَلم يطلِّقْها، فَهِيَ لَا أيِّمٌ وَلَا ذاتُ بعل.
وَيُقَال علّق فلانٌ لراحلته، إِذا فسخَ خِطامها عَن خَطْمها وألقاه على غاربها فَيكون أهنأ لرعيها.
والعِلْقة: الإتْب، يلبسهَا نسَاء الْأَعْرَاب وَقَالَ ابْن السّكيت: العِلْق: الشَّيْء النفيس. قَالَ: والعَلْق فِي الثَّوب: مَا عَلِق بِهِ. يُقَال هَذَا الشَّيْء عِلْق مَضَنّةً، أَي يُضَنَّ بِهِ، وَجمعه أعلاق. وَيُقَال مَا عَلَيْهِ عِلقة، إِذا لم يكن عَلَيْهِ ثوب لَهُ أدنى قيمَة. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس العِلقة: الصُّدرَة تلبسها الْجَارِيَة تتبذَّل بِهِ. وَيُقَال فلانٌ ذُو معلاقٍ وَفُلَان مِفلاقٌ، إِذا كَانَ شديدَ الْخُصُومَة، وَمِنْه قَول مهلهِل يرثي كليباً:
إنّ تحتَ الْأَحْجَار حزماً وعزماً
وخصيماً ألدَّ ذَا مِعلاقِ
ومِعلاق الرجُل: لِسَانه إِذا كَانَ جَدِلاً. وَيُقَال للمِعلاق مُعلوق، وَهُوَ مَا يعلَّق عَلَيْهِ الشَّيْء.
وَقَالَ اللَّيْث: أدخَلوا على المعلوق الضمة والمدّة، كأنّهم أَرَادوا حدَّ المُدهُن والمنخُل ثمَّ أدخلُوا عَلَيْهِ المدَّة. وكلُّ شَيْء عُلِّق بِهِ شَيْء فَهُوَ مِعلاقُه. قَالَ: وفرقُ مَا بَين المعلاق والمِغْلاق أنَّ المغلاق يفتح بالمفتاح، والمعلاق يعلَّق بِهِ الْبَاب ثمَّ يدْفع المعلاق من غير مِفْتَاح فينفتح. يُقَال علِّق البابَ وأزلجْه. قَالَ: وَيكون تَعْلِيق الْبَاب تركيبه ونصبه.
وَقَالَ اللَّيْث: والعَولَق: الغُول. وكلبة عَولقةٌ: حريصة. وَقَالَ الطرِمّاح:
عَوْلَقُ الحِرصِ إِذا أمشَرَتْ
ساوَرَتْ فِيهِ سُؤورَ المَسَامْ
والعَليق: القَضيم يعلق على الدابّة. قَالَ: وَيُقَال للشراب عليق. وَأنْشد لبَعض الشُّعَرَاء وَأَظنهُ شعرًا مصنوعاً:
اسقِ هَذَا وَذَا وَذَاكَ وعلِّقْ
لَا تسمِّ الشرابَ إلاّ عليقا
وَيُقَال للشَّيْخ: لقد عَلِقَ الكِبَرُ مِنْهُ مَعالِقَه، جمع مَعلق. ومعاليق الْعُقُود والشُّنوف: مَا يُجعل فِيهَا من كل مَا يحسُن فِيهَا.
والعُلَّيق: نَبَات مَعْرُوف يتعلَّق بِالشَّجَرِ ويلتوي عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْن السّكيت: العَلوق: مَا يعلق بالإنسانِ. قَالَ: والمنيّةُ عَلوق. وَقَالَ(1/164)
المفضَّل النُّكري:
وسائلةٍ بثعلبةَ بنِ سَيرٍ
وَقد علقتْ بثعلبةَ العَلوقُ
ومَعاليقُ: ضربٌ من النَّخل مَعْرُوف. وَقَالَ الراجز يصفه:
لَئِن نجوتُ ونَجتْ معاليقْ
من الدَّبا إنّي إِذا لمرزوقْ
أَبُو الْحسن اللحياني: سلق فلانٌ فلَانا بلسانِه وعَلَقه، إِذا تناولَه.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: يُقَال لفُلَان فِي هَذِه الدَّار عِلاقة، أَي بقيّةُ نصيبٍ. والدَّعوى يُقَال لَهَا عِلاقة. وَقَالَ ابْن السّكيت: بعيرٌ عالق: يرْعَى العَلَقى. وبعير عالقٌ: يعلُق العضاهَ، أَي ينتِف مِنْهَا، سمِّي عالقاً لِأَنَّهُ يعلُق العضاهَ لطُوله.
لعق: يُقَال لعِقتُ الشَّيْء ألعَقُه لَعْقاً. واللَّعوق: اسْم كلِّ مَا يُلعَق من دَوَاء أَو عسَل أَو غَيره. والمِلعقة: مَا يُلعَق بِهِ. واللُّعقة: الشَّيْء الْقَلِيل مِنْهُ. ولَعِقتُ لَعقة وَاحِدَة. واللُّعاق: مَا بقيَ فِي فِيكَ من طعامٍ لعِقتَه.
وَفِي الحَدِيث (إنّ للشَّيْطَان لَعوقاً) ، واللَّعوق: اسْم لما تلعقُه.
أَبُو عبيد عَن الْفراء: يُقَال للرجل إِذا مَاتَ: قد لَعِق إصبَعَه. وَيُقَال قد ألعقتُه من الطَّعام مَا يَلعقُه، إلعاقاً.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: اللَّعْوَقة: سُرعة الْإِنْسَان فِيمَا أخذَ فِيهِ من عمل وخِفّةٌ فِيمَا أَهْوى. ورجلٌ لَعْوَقٌ: مسلوس الْعقل.
لقع: أَبُو عبيد عَن الفرَّاء قَالَ: اللُّقاعة والتِّلقَّاعة: الْكثير الْكَلَام. وَقَالَ غَيره: اللُّقَّاعة: الدَّاهية من الرِّجَال. وَيُقَال لَقَعه بالبعرة، إِذا رَمَاه بهَا، ولقعَه بِعَيْنِه، إِذا أَصَابَهُ بهَا. وَفِي حَدِيث سَالم بن عبد الله بن عمر أنّه دخل على هِشَام بن عبد الْملك فَقَالَ لَهُ: إنّك لذُو كُدْنة، فَلَمَّا خرجَ من عِنْده أَخَذته قفقفةٌ، أَي رِعدة، فَقَالَ لصَاحبه: أتُرى الْأَحول لقَعَني بِعَيْنِه؟ يَعْنِي هشاماً أنّه أَصَابَهُ بِعَيْنِه. وَكَانَ أحْوَل.
وَقَالَ اللَّيْث: اللِّقَاع: الكساء الغليظ.
قلت: هَذَا تَصْحِيف، وَالَّذِي أَراده اللِّفاع بِالْفَاءِ، وَهُوَ كساءٌ يُتلفَّع بِهِ. وَمِنْه قَول أبي كَبِير يصف ريش النَّسر:
حَشْرِ القوادِم كاللِّفَاع الأطحَلِ
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: فلانٌ لُقَعة، للَّذي يتلقّع الكلامَ وَلَا شَيْء وَرَاء الْكَلَام. وامرأةٌ مِلقَعةٌ: فحّاشة. وَأنْشد:
وَإِن تكلَّمتِ فكوني مِلقَعه
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال التُقِع لونُه، والتُفع لَونه، واستُفِع لَونه، ونُطِع وانتُطِعَ، واستُنطِع لَونه، بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: إِذا أَخذ الذُّبَاب شَيْئا بمُتْكِ أنْفِه من عسل وَغَيره قيل لقَعه يلقَعُه
وَقَالَ غَيره: مرّ فلانٌ يلقَع، إِذا أسْرع.
وَقَالَ بعض الرجّاز:
صَلَنْقَعٌ بلَنْقعُ
وَسطَ الرِّكاب يَلقع
وَقَالَ اللحياني: التُقِع لونُه، والتُمِع لونُه، إِذا تغيَّر لونُه.
قلع: رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (لَا يدْخل(1/165)
الجنةَ قَلاَّعٌ وَلَا دَيْبوب) . قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: سَمِعت ابْن نجدة يَقُول: قَالَ أَبُو زيد: القَلاَّع: السَّاعِي بِالرجلِ إِلَى السُّلطان بِالْبَاطِلِ. قَالَ: والقَلاّع: القوّاد. والقلاَّع: النّباش. والقلاّع: الْكذَّاب. قَالَ: وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: القَلاَّع: الَّذِي يَقع فِي النَّاس عِنْد الْأُمَرَاء، سمِّي قلاَّعاً لِأَنَّهُ يَأْتِي الرجل المتمكّن عِنْد الْأَمِير، فَلَا يزَال يَقع فِيهِ ويَشِي بِهِ حتَّى يقلعَه ويُزيلَه عَن مرتبته. والدّيبوب: النّمام القَتَّات.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: قد أقلعوا بِهَذِهِ الْبِلَاد قِلاعاً، إِذا ابتَنوها. وَأنْشد فِي صفة السُّفن:
مَواخرٌ فِي سَواءِ اليمِّ مُقْلَعةٌ
إِذا علَوْا ظهرَ قُفَ ثُمّت انحدروا
قَالَ: شبَّهها بالقلعة. أُقلِعتْ: جُعِلت كأنَّها قلعة.
قلت: أَخطَأ اللَّيْث فِي تَفْسِير قَوْله مُقْلَعة أنّها جُعِلت كالقلعة وَهِي الحِصن فِي الْجَبَل. والسُّفن المُقلَعة: الَّتِي سوِّيت عَلَيْهَا القِلاع، وَهِي الشِّراع والجِلال الَّتِي إِذا رُفعت ساقت الريحُ السفينةَ بهَا.
وَأَخْبرنِي أَبُو الْفضل عَن أبي الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: القِلاع: شِراع السَّفِينَة، والجميع: القُلُع. قَالَ: والقُلاَع والخُرَاع وَاحِد، وَهُوَ أَن يكون صَحِيحا فيقعَ مَيتا، يُقَال انقلع وانخرعَ. قَالَ: والقَلْع: الكِنْف تكون فِيهِ الأدوات. قَالَ: وَمن أمثالهم: (شحمِي فِي قَلْعي) ، والجميع قلعة وقلاع. قَالَ: وَمعنى قَوْلهم (شحمي فِي قلعي) مثلٌ لمن حصَّل مَا يُرِيد قَالَ: وَقَول عمر فِي ابْن مَسْعُود: (كُنَيْفٌ مَلِيء عِلماً) شبّه عمر قلب ابْن مَسْعُود بكِنْف الرَّاعِي، لأنَّ فِيهِ مِبراتَه ومِقَصَّيْه وشَغِيزته ونُصُحَه، فَفِيهِ كلُّ مَا يُرِيد. هَكَذَا قلْبُ ابْن مَسْعُود قد جمع فِيهِ كلّ مَا يحْتَاج إِلَيْهِ الناسُ من الْعُلُوم.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: القَلَعة: السَّحابة الضخمَة، والجميع قَلَع. وَالْحِجَارَة الضَّخمة هِيَ القَلَع أَيْضا. قَالَ: والقَلْعة: الْحصن، وَجمعه قُلوع قَالَ: والقُلاَّع: الْحِجَارَة والقِلْع: الرجل البليد الَّذِي لَا يفهم. والقِلْع: الَّذِي لَا يثبت على الْخَيل.
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَصفته، أَنه (كَانَ إِذا مَشى تَقَلَّع) ، وَفِي حَدِيث ابْن أبي هَالة: (إِذا زَالَ زَالَ قَلِعاً) ويروى (قُلْعاً) وَالْمعْنَى وَاحِد، أَرَادَ أنَّه كَانَ يُقلُّ قَدَمَه على الأَرْض إقلالاً بَائِنا ويباعد بَين خُطاه، لَا كمن يمشي اختيالاً وتنعُّماً.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: القَلُوع: الْقوس الَّتِي إِذا نُزِع فِيهَا انقلبت وَقَالَ غَيره: القَلوع: النَّاقة الضَّخمة الثَّقيلة، وَلَا يُقَال للجمل؛ وَهِي الدَّلوح أَيْضا. والقَيلع: الْمَرْأَة الضخمة الجافية.
قلت: وَهَذَا كلُّه مأخوذٌ من القَلَعة وَهِي السَّحابة الضخمة. وَكَذَلِكَ قَلَعة الْجَبَل وَالْحِجَارَة.
وَقَالَ الْفراء: يُقَال مَرْج القَلَعة: للقرية الَّتِي دون حُلوانِ الْعرَاق، وَلَا يُقَال مرج القَلْعة.
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْأَصْمَعِي: القَلَع:(1/166)
الْوَقْت الَّذِي تُقلِع فِيهِ الحمَّى. والقُلُوع: من الإقلاع. وَأنْشد:
كأنّ نَطاة خَيبرَ زوّدَتْه
بَكورَ الوِرد ريِّثةَ القُلوعِ
ونَطاة خَيبر: قَرْيَة مِنْهَا على عين مَاء مُؤبٍ، وَهِي كَثِيرَة الحمّى.
أَبُو عبيد عَن الْفراء قَالَ: القُلاّعة والقُلاَعة، يشدّد ويخفّف، هما قِشْر الأَرْض الَّذِي يرْتَفع من الكمأة فيدلُّ عَلَيْهَا، وَهِي القِلْفِعة.
وَقَالَ اللَّيْث: القُلاَّع: الطين الَّذِي يتشقق إِذا نضَب عَنهُ المَاء، كلُّ قِطْعَة مِنْهَا قُلاّعة.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: القُلاّع: نبتٌ من الجَنْبة، ونِعم المرعى هُوَ رطبا كَانَ أَو يَابسا. رَوَاهُ ابْن حبيب عَنهُ. والقُلاَع بِالتَّخْفِيفِ من أدواء الْفَم وَالْحلق.
وَيُقَال أقلعَ الرجلُ عَن عمله، إِذا كفَّ عَنهُ. وأقلعت السَّمَاء بَعْدَمَا مَطَرت، إِذا أَمْسَكت.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: دَائِرَة القالع هِيَ الَّتِي تكون تَحت اللِّبْد، وَهِي لَا تُستَحبّ.
الحرّاني عَن ابْن السّكيت قَالَ: القَلْعان هما من بني نُمير، وهما صَلاَءةُ وشُريحٌ ابْنا عَمْرو بن خَوَيلفة بن عبد الله بن الْحَارِث بن نُمير. وَأنْشد:
رغبنا عَن دِمَاء بني قُريعٍ
إِلَى القَلْعَينِ إنّهما اللُّبابُ
وَقُلْنَا للدَّليل أقِمْ إِلَيْهِم
فَلَا تلغَى بغيرهم كلابُ
قعل: قَالَ ابْن المظفّر: القُعال: مَا تناثَرَ من نَور العِنَب وفاغيةِ الحنّاء وأشباهه. وَقد أقعَلَ النَّور، إِذا انشقّ عَن قُعالته. واقتعله الرجلُ، إِذا استنفضه فِي يَده عَن شجرِه.
وَقَالَ غَيره: اقعالَّ النَّور بِمَعْنى أقعَلَ.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: القواعل: رُؤُوس الْجبَال وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
عُقابُ يَنُوفَ لَا عقابُ القواعلِ
والقيعلة: العُقاب الَّتِي تسكن قواعل الْجبَال. وَأنْشد:
وحلَّقتْ بك العُقابُ القَيعَلهْ
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: القيعلة: الْمَرْأَة الجافية الغليظة الْعَظِيمَة.
وَقَالَ غَيره: الاقِعيلال: الانتصاب فِي الرّكُوب. وصخرة مُقْعالَّة، أَي منتصبة لَا أصل لَهَا فِي الأَرْض.
وَقَالَ الأصمعيّ: القَعْوَلة فِي الْمَشْي: أَن تُقْبَل إِحْدَى القدمَين على الْأُخْرَى. يُقَال قَعوَلَ فِي مَشْيه قَعولة.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: قَعولَ، إِذا مشَى مِشية قبيحة. قَالَ: والقَعْل: الرجل الْقصير الْبَخِيل المشؤوم، كَأَنَّهُ يَغرِف بقدميه التُّرَاب، يَعْنِي المقَعْوِل والقَعَل: عود يسمَّى المِشحَط، يُجعَل تَحت سُرُوع القطوف لئلاَّ تتعفَّر.
(بَاب الْعين وَالْقَاف مَعَ النُّون)
عنق، قنع، قعن، نعق، نقع: مستعملة.
قلت: أما
عقن: فإنّه مهمل، إِلَّا أَن(1/167)
يكون العِقْيانُ فِعيالاً مِنْهُ، وَهُوَ الذَّهب، وَالْأَقْرَب إِنَّه فِعلانٌ من عَقى يَعقِي، وَالنُّون زَائِدَة.
عنق: قَالَ الله جلّ وَعز: {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} (الشُّعَرَاء: 4) أَكثر المفسِّرين ذَهَبُوا بِمَعْنى الْأَعْنَاق فِي هَذِه الْآيَة إِلَى الْجَمَاعَات، يُقَال جَاءَ الْقَوْم عُنُقاً عنقًا، إِذا جَاءُوا فرقا، كلُّ جماعةٍ مِنْهُم عُنق. وَمِنْه قَوْله:
إِن العراقَ وأهلهُ
عنقٌ إِلَيْك فهَيْتَ هَيتا
أَرَادَ أنّهم مالوا إِلَيْك جَمِيعًا. وَيُقَال هم عُنُق واحدٌ عَلَيْهِ، وإلبٌ وَاحِد. وَقيل فِي تَفْسِير الْآيَة: {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ} (الشُّعَرَاء: 4) ، أَي رقابهم، كَقَوْلِك: ذلّت لَهُ رِقَاب الْقَوْم وأعناقهم. وَقد مرَّ تَفْسِير قَوْله {خَاضِعِينَ} (الشُّعَرَاء: 4) على مَا قَالَ فِيهِ النحويون.
والعُنُق مؤنّثة، وَقد ذكّره بَعضهم، قالهُ الْفراء وَغَيره. يقالُ ضُرِبَتْ عُنُقه. وَقَالَ رؤبة يصف السَّراب أَو الْآل:
تبدو لنا أعلامُه بعد الغَرَقْ
خَارِجَة أعناقُها من مُعتَنَقْ
ذكر السرابَ وانقماس الْجبَال فِيهِ إِلَى مَا دون ذُراها. والمعتنق: مخرج أَعْنَاق الْجبَال من السَّراب، أَي اعتنقت فأخرجت أعناقَها.
وَيُقَال عانق الرجلُ جَارِيَته، وَقد تعانقا. فَأَما الاعتناق فَأكْثر مَا يسْتَعْمل فِي الْحَرْب، وَمِنْه قَول زُهَيْر:
إِذا مَا ضاربوا اعتنقا
وَقد يجوز الاعتناق فِي غير الْحَرْب بِمَعْنى التعانق، وكلٌّ فِي كلَ جَائِز.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: العُنُق: الْجمع الْكثير من النَّاس. قَالَ: والعُنق: الْقطعَة من المَال. قَالَ: والعنق أَيْضا: الْقطعَة من الْعَمَل، خيرا كَانَ أَو شرا.
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (المؤذّنون أطولُ الناسِ أعناقاً يومَ الْقِيَامَة) . قَالَ ابْن الأعرابيّ: يُقَال لفلانٍ عنقٌ من الْخَيْر، أَي قِطْعَة، فَمَعْنَاه أَنهم أَكثر النَّاس أعمالاً. وَقَالَ غَيره: هُوَ من طول الْأَعْنَاق؛ لِأَن النَّاس يومئذٍ فِي الكرب وهم فِي الرَّوح والنشاط مشرئبّون لما أُعِدَّ لَهُم من النَّعيم.
وَفِي حَدِيث آخر: يخرج عُنُق من النَّار) .
وَقد تخفّف العُنُق فَيُقَال عُنْق
والعانقاء: جُحرٌ من جِحَرة اليربوع يملؤه تُرَابا، فَإِذا خَافَ اندسَّ فِيهِ إِلَى عُنُقه فَيُقَال: تعنَّق.
قَالَ: وَأَخْبرنِي المفضّل أَنه يُقَال لجِحَرة اليربوع: الناعقاء والعانقاء، والقاصعاء، والنافقاء، والراهطاء، والدَّامَاء.
أَبُو عبيد: من أَمْثَال الْعَرَب: (طارت بهم العَنْقاء المُغْرِب) وَلم يفسِّره، وَقَالَ اللَّيْث: العنقاء: اسْم مَلِك، والتأنيث عِنْده للفظ العنقاء. وَقَالَ غَيره: العنقاء من أَسمَاء الداهية. وَقيل العنقاء طَائِر لم يَبقَ فِي أَيدي النَّاس من صفتهَا غير اسْمهَا؛ يُقَال: (ألوَى بِهِ العُنْقاء المُغْرب) . وَقَالَ أَبُو زيد: العنقاء: أكمة فَوق جبل مُشْرف. وَقَالَ الزّجاج: العنقاءُ المُغْرب: طَائِر لم يره(1/168)
أحد. وَقَالَ عِكرمة فِي قَول الله جلّ وعزّ: {عَلَيْهِمْ طَيْراً} (الفِيل: 3) قَالَ: هِيَ عنقاءُ مُغْرِبة. فَهَذَا جَمِيع مَا جَاءَ فِي العنقاء الْمغرب.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: إِذا خرجَ من النَّهر ماءٌ فَجرى فقد خرجَ عُنُق. قَالَ: والعُنُق من النَّاس الْجَمَاعَة. وَجَاء الْقَوْم عُنقاً عُنقاً، إِذا جَاءُوا أَرْسَالًا. وَقَالَ الأخطل:
وَإِذا المِئونُ تواكَلتْ أعناقُها
فاحملْ هناكَ على فَتى حَمَّالِ
قَالَ ابنُ الأعرابيّ: أعناقها: جماعاتها. وَقَالَ غَيره: ساداتها. وَقَالَ: المِعْنَقة: القلادة. والمَعنَّقة: دويْبَّة. والعَنَق والعَنيق: ضربٌ من السَّير، وَقد أَعْنَقت الدابّة.
وَقَالَ أَبُو زيد: كَانَ ذَلِك على عُنُق الدَّهْر، أَي على قديم الدَّهر. والعَناق: الْأُنْثَى من أَوْلَاد المِعزَى إِذا أَتَت عَلَيْهَا السّنة، وَجَمعهَا عُنُوق، وَهَذَا جمعٌ نَادِر. وَيَقُولُونَ فِي الْعدَد الْأَقَل: ثَلَاث أعنُقٍ وأربعُ أعنُق. وَقَالَ الفرزدق:
دعدِعْ بأعنُقِك التوائِم إنّني
فِي باذخٍ يَا ابنَ المراغة عالِي
وَقَالَ أَوْس بن حجر فِي العُنوق:
يَصُوع عُنوقَها أحوَى زنيمٌ
لَهُ ظَأبٌ كَمَا صَخِب الغريمُ
وَمن أَمْثَال الْعَرَب: (هَذِه العُنُوق بعد النُّوق) ؛ يضْرب مثلا للَّذي يُحَطُّ عَن مرتبته بعد الرّفْعَة، أنَّه صَار يرْعَى العُنوق بعد مَا كَانَ يرْعَى الْإِبِل. وراعي الشَّاء عِنْد الْعَرَب مَهين ذليل، وراعي الْإِبِل قويٌّ مُمْتَنع.
وعَنَاق الأَرْض: دابّة فُويق الْكَلْب الصِّيني يصيد كَمَا يصيد الفهدُ وَيَأْكُل اللَّحمَ، وَهُوَ من السِّباع، يُقَال إنّه لَيْسَ شيءٌ من الدوابّ يوَبِّر أَي يعفِّي أَثَره إِذا عدا غَيره وَغير الأرنب؛ وَجمعه عُنوقٌ أَيْضا، والفُرْسُ تسمِّيه (سياه قُوشْ) ، وَقد رَأَيْته فِي الْبَادِيَة أسودَ الرَّأْس أَبيض سائِره. وَرَأَيْت بالدَّهناء شبه منارةٍ عاديّة مبنيَّة بالحجارَة، ورأيتُ غُلَاما من بني كُلَيْب بن يَرْبُوع يَقُول: هَذِه عَنَاقُ ذِي الرمة، لِأَنَّهُ ذكرهَا فِي شعره.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: يُقَال: لقيتُ مِنْهُ أذُنَيْ عَنَاقٍ، أَي داهية وأمراً شَدِيدا. قَالَ: وَيُقَال جَاءَ فلانٌ بأذنَيْ عنَاق، أَي جَاءَ بِالْكَذِبِ الْفَاحِش. وَيُقَال رجَع فلانٌ بالعَناق، إِذا رجَع خائباً؛ يوضع العَناقُ مَوضِع الخيبة. وَأنْشد ابنُ الأعرابيّ:
أمِن ترجيعِ قاريَةٍ تركتمْ
سَباياكم وأبتُمْ بالعَنَاقِ
وَصفهم بالجُبْن
والأعنَق: فحلٌ من خيل الْعَرَب مَعْرُوف، إِلَيْهِ تنْسب بناتُ أعنقَ من الْخَيل الْجِيَاد.
وَأنْشد ابنُ الْأَعرَابِي:
تظلُّ بناتُ أعنَقَ مُسْرَجاتٍ
ويروى: (مُسرِجات) . قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: اخْتلفُوا فِي أعنَقَ، فَقَالَ قَائِل: هُوَ اسمُ(1/169)
فرَس. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ دِهقانٌ كثير المَال من الدَّهاقين. فَمن جعله رجلا رواهُ: (مُسرِجات) ، وَمن جعله فرسا رَوَاهُ (مُسرَجات) .
وَفِي حَدِيث مُعاذٍ وَأبي مُوسَى أَنَّهُمَا كَانَا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفرٍ وَمَعَهُ أصحابُه فأناخوا لَيْلَة مُعرِّسين، وتوسَّد كلٌّ ذراعَ رَاحِلَته. قَالَا: فانتبهْنَا وَلم نَرَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد رَاحِلَته، فاتَّبعناه فَأخْبرنَا ج أنّه خُيِّر بَين أَن يدْخل نصفُ أمته الجنّةَ وَبَين الشَّفَاعَة، وأنَّه اخْتَار الشَّفَاعَة. قَالَ: (فانطلقْنا إِلَى النَّاس مَعانِيقَ نبشِّرهم) ، قَالَ شمر: قَوْله معانيقَ أَي مُسرعين، يُقَال أعنقْتُ إِلَيْهِ أُعْنِقُ إعناقاً. ورجلٌ مُعْنِقٌ وقومٌ مُعْنِقون ومعانيق. وَقَالَ القُطامي:
طرقَتْ جَنوبُ رِحالَنا من مَطْرَقِ
مَا كنت أحسبها قريب المُعنَقِ
وَقَالَ ذُو الرمّة:
أشاقتك أخلاقُ الرُّسوم الدَّوائِرِ
بأدعاص حَوضَى المُعنِقات النوادرِ
قَالَ شمر: قَالَ أَبُو حَاتِم: المُعْنِقات: المتقدّمات فِيهَا. قَالَ: والعَنَق والعَنيق من السَّير مَعْرُوف، وهما اسمان مِن أعنقَ إعناقاً.
وَفِي (النَّوَادِر) : أعلقْتُ فِي الأَرْض وأعنقت، وبلادٌ مُعْلِقة ومُعْنِقة، أَي بعيدَة.
ووادي العَنَاق بالحِمَى فِي أَرض غَنِي.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: المعَانق هِيَ مُقَرِّضات الأساقي، لَهَا أطواقٌ فِي أعناقها ببياضٍ
وَيُقَال عَنَّقت السحابةُ، إِذا خرجت من مُعظم الغَيم، ترَاهَا بَيْضَاء لإشراق الشَّمْس عَلَيْهَا. وَأنْشد شمر:
مَا الشُّرب إلاّ نَغَباتٌ فالصَّدَرْ
فِي يَوْم غَيمٍ عنَّقَتْ فِيهِ الصُّبُر
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: معانيق الرمال: حِبالٌ صغَار بَين أَيدي الرِّمال، الْوَاحِدَة مُعْنِقة.
وَيُقَال: أَعْنَقت الثريا، إِذا غَابَتْ. وَأنْشد:
كأنّي حِين أعنقَتِ الثريّا
سُقِيتُ الراحَ أَو سُمّاً مَدُوفا
وأعنقت النُّجومُ، إِذا تقدّمت للمغيب. والمُعْنِق: السَّابِق؛ يُقَال جَاءَ الفرسُ مُعْنِقاً. ودابةٌ مِعناقٌ: قد أعْنَقَ.
نعق: قَالَ الله عزّ وجلّ: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِى يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَآءً وَنِدَآءً} (البَقَرَة: 171) قَالَ أهل اللُّغة الفراءُ وَغَيره النعيق: دُعَاء الرَّاعِي الشَّاء. يُقَال انعِق بضأنك، أَي ادعُها. وَقد نَعَقَ بهَا ينعق نعيقاً.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي طَالب عَن أَبِيه عَن الْفراء فِي قَول الله عزّ وجلّ: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِى يَنْعِقُ} (البَقَرَة: 171) الْآيَة قَالَ: أضَاف المَثَل إِلَى الَّذين كفرُوا ثمَّ شبههم بالراعي وَلم يقل كالغَنَم. وَالْمعْنَى وَالله أعلم: مثل الَّذين كفرُوا كَالْبَهَائِمِ الَّتِي لَا تفقه مَا يَقُول الرَّاعِي أَكثر من الصَّوت، فأضاف التَّشْبِيه إِلَى الرَّاعِي وَالْمعْنَى فِي المرعى. قَالَ: وَمثله فِي الْكَلَام: فلانٌ يخافك كخوف الْأسد، الْمَعْنى كخوفه الأسدَ، لِأَن الْأسد مَعْرُوف أنّه الْمخوف.(1/170)
قلت: ونحوَ ذَلِك قَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِيمَا أَخْبرنِي المنذريّ عَن الغسّاني عَن سَلمَة عَن أبي عبيده:
وَقَالَ الزّجاج: ضرب الله لَهُم هَذَا المثَل وشبَّههم بالغنم المنعوق بهَا بِمَا لَا تسمع مِنْهُ إلاّ الصَّوتَ، فَالْمَعْنى مثلك يَا مُحَمَّد وَمثلهمْ كَمثل الناعق والمنعوق بِهِ بِمَا لَا يسمع، لأنّ سمعهم لم يكن يَنْفَعهُمْ، فَكَانُوا فِي تَركهم قبولَ مَا يسمعُونَ بِمَنْزِلَة من لم يسمع.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال نَغَق الْغُرَاب ونَعَق، بِالْعينِ والغَين.
قلت: كَلَام الْعَرَب نَغَق بالغين، ونعق الرَّاعِي بالشاء بِالْعينِ، وَلم أسمعهم يَقُولُونَ فِي الْغُرَاب نَعَق، ولكنَّهم يَقُولُونَ نَعَب بِالْعينِ.
والناعقان: كوكبانِ من كواكب الجوزاء، وهما أَضْوَأ كوكبينِ فِيهَا، يُقَال إِن أَحدهمَا رجلُها الْيُسْرَى وَالْآخر منكبها الْأَيْمن الَّذِي يُسمى الهَنْعة.
قعن: قُعَين حيٌّ من بني أسَد. وَأنْشد أَبُو عُبَيْدَة:
فداءٌ خَالَتِي وفِدًى خليلي
وَأَهلي كلُّهمْ لبني قُعَين
وَقَالَ أَبُو بكر بن دُرَيْد: القَعَن: قِصرٌ فَاحش فِي الْأنف. وَمِنْه اسْم قُعَين.
قلت: وَالَّذِي صحّ للثقات فِي عُيُوب الْأنف القَعَم بِالْمِيم. روى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: القَعَم: ضِخَم الأرنبة ونتوءُها وانخفاض القَصَبة. وَقَالَ: والقَعَم أحسن من الخَنَس والفَطَس.
قلت: وَقد عَاقَبت العربُ بَين الْمِيم وَالنُّون فِي حُرُوف كَثِيرَة لقرب مخرجيهما، مثل الأيْم والأَيْن، والغَيم والغَين، وَلَا أُبعد أَن يكون القَعَم والقَعَن مِنْهَا.
وَقَالَ اللَّيْث: القَيعون من العُشب مَعْرُوف، على بِنَاء فيعول، وَهُوَ مَا طَال مِنْهُ. قَالَ: واشتقاقه من قَعن. قَالَ: وَيجوز أَن يكون قيعون فعلوناً من القَيع كَمَا قَالُوا زَيْتون من الزَّيْت، وَالنُّون مزيدة.
قنع: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: أقنَعَ الرجلُ، إِذا صادفَ القِنْعَ، وَهُوَ الرَّمل الْمُجْتَمع. وَقَالَ أَبُو عبيد: القِنْعُ: أَسْفَل الرمل وَأَعلاهُ.
وَقَالَ الأصمعيّ: القِنْع: متَّسَع الحَزْن حَيْثُ يُسهِل. وَقَالَ ذُو الرّمة:
وأبصرنَ أنَّ القِنعَ صَارَت نِطافُه
فَرَاشاً وأنّ البقل ذاوٍ ويابسُ
قَالَ: ويُجمَع القِنع قِنَعةً وقِنْعاناً.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: القَنَعة من الرمل: مَا اسْتَوَى أسفلُه من الأَرْض إِلَى جَنبه، وَهُوَ اللَّبَبُ وَمَا استرقَّ من الرمل.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: قَنِعتُ بِمَا رزقتُ، مَكْسُورَة، وَهِي القَناعة. وقَنَعت إِلَى فلَان، يُرِيد خَضَعت لَهُ والتزقْت بِهِ وانقطعت إِلَيْهِ. وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {وَأَطْعِمُواْ الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} (الحَجّ: 36) .
وأفادني المنذريّ عَن ابْن اليزيدي لأبي زيد النحويّ قَالَ: قَالَ بعضُهم: القانع(1/171)
السَّائِل، وَقَالَ بَعضهم: المتعفِّف؛ وكلٌّ يصلُح. وَقَالَ الْفراء: القانع: الَّذِي يَسْأَلك، فَإِذا أعطيتَه شَيْئا قَبِله.
وَقَالَ أَبُو عبيد فِي تَفْسِير حديثٍ رَوَاهُ: (لَا يجوز شَهَادَة كَذَا وَكَذَا، وَلَا شَهَادَة القانع مَعَ أهل الْبَيْت لَهُم) .
قَالَ: القانع الرجل يكون مَعَ الرجل يطْلب فضلَه وَيسْأل معروفه. قَالَ: وَيُقَال قَنَعَ يقنَع قُنوعاً، إِذا سَأَلَ، وقَنِع يقنَع قناعةً، إِذا رَضِي، الأول بِفَتْح النُّون من قنَع، وَالْآخر بِكَسْرِهَا من قِنع. وَأنْشد أَبُو عبيد قَول الشماخ:
لمَالُ الْمَرْء يُصلِحه فيُغِني
مفاقرَه أعفُّ من القُنوع
أَي من الْمَسْأَلَة. وَهَكَذَا قَالَ ابْن السّكيت. وَمن الْعَرَب مَن أجَاز القُنوع بِمَعْنى القِناعة، وَكَلَام الْعَرَب الجيّدُ هُوَ الأوّل.
وَقَول الله جلّ وعزّ: {مُهْطِعِينَ مُقْنِعِى رُءُوسِهِمْ} (إِبْرَاهِيم: 43) قَالَ لي أَبُو الْفضل: سَمِعت أَحْمد بن يحيى يَقُول: المُقنِع: الَّذِي يرفع رأسَه ينظر فِي ذلّ. قَالَ: والإقناع: رفعُ الرَّأْس والنَّظرُ فِي ذُل وخُشوع. ويُروى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ فِي الدُّعاء: (تُقْنِع يديكَ فِي الدُّعاء) تقنع يَديك فِي الدُّعَاء: أَي ترفعهما. وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال أقنعَ رأسَه، إِذا رفَعه. قَالَ: وأقنعَني كَذَا وَكَذَا، أَي أرضاني. قَالَ: وقَنعت الْإِبِل والغنمُ للمرتع، إِذا مَالَتْ إِلَيْهِ؛ وأقنعتُها أَنا. وَقَالَ القتيبيّ: المُقْنِع رأسَه: الَّذِي رفَعَه وَأَقْبل بطَرْفه إِلَى مَا بَين يَدَيْهِ. قَالَ: والإقناع فِي الصَّلَاة من تَمامهَا. وَقَالَ اللَّيْث: الْإِقْنَاع: أَن يُقْنع الْبَعِير رأسَه إِلَى الْحَوْض ليشربَ مِنْهُ، وَهُوَ مده رأسَه. قَالَ: وَالرجل يُقنع الْإِنَاء للْمَاء الَّذِي يسيل من شِعْبٍ، ويُقنِع رأسَه نَحْو الشَّيْء إِذا أقبل بِهِ إِلَيْهِ لَا يصرفهُ عَنهُ. وَقَالَ العجاج:
أشرف رَوقاه صَليفاً مُقْنِعَا
يَعْنِي عنق الثَّور فِيهِ كالانتصاب أَمَامه. وأقنع الْإِنَاء فِي النَّهر، إِذا استقبلَ بِهِ جِريةَ المَاء. قَالَ: والمُقْنَعة من الشَّاء: المرتفعة الضَّرع لَيْسَ فِي ضَرعها تصوُّب.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثعلبٍ عَن سَلمَة عَن الْفراء: نَاقَة مقنَعة الضَّرع: الَّتِي أخلافُها ترتفعُ إِلَى بَطنهَا. قَالَ: والمقْنَع من الْإِبِل: الَّذِي يرفع رَأسه خِلقة. وَأنْشد:
بمُقنَعِ من رَأسه جُحاشِرِ
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: أقنع فلانٌ رأسَه، وَهُوَ أَن يرفعَ بصرَه ووجهَه إِلَى مَا حيالَ رأسِه من السَّمَاء. قَالَ: والمقْنِع: الرافع رَأسه إِلَى السَّمَاء.
وَقَالَ شِمر: قَالَ الغنويّ: الْإِقْنَاع: أَن تضعَ النَّاقة عُثنونَها فِي المَاء وترفع من رأسِها قَلِيلا إِلَى المَاء، تجتذبه اجتذاباً.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: المُقنَع: الْفَم الَّذِي يكون عطفُ أَسْنَانه إِلَى دَاخل الْفَم، وَذَلِكَ القويّ الَّذِي يقطع بِهِ كلَّ شَيْء؛ فَإِذا كَانَ انصبابُها إِلَى خَارج فَهُوَ أَدْفَق، وَذَلِكَ ضعيفٌ لَا خيرَ فِيهِ. وَقَالَ الشماخ يصف الْإِبِل:
يُباكرنَ العِضاهَ بمُقْنَعَاتٍ
نواجذُهنَّ كالحَدَأ الوَقيعِ
وَقَالَ ابْن ميّادة يصف الْإِبِل أَيْضا:(1/172)
تباكر العضاهَ قبل الإشراقْ
بمقنَعاتٍ كقعاب الأوراق
قَالَ: قَوْله كقعاب الأوراق، يَقُول: هِيَ أفتاءٌ فأسنانها بيض. وَأما قَول الرَّاعِي:
زَجِل الحُداء كأنَّ فِي حيزومه
قَصَباً ومُقنَعةَ الحنينِ عَجولا
فإنّ عُمارة بن عقيل زعمَ أَنه عَنى بمقْنَعة الحنين النأيَ؛ لأنّ الزامر إِذا زمر أقنعَ رَأسه. فَقيل لَهُ: قد ذكر القصَب مَرَّةً، فَقَالَ: هِيَ ضروب. وَقَالَ غَيره: أَرَادَ وَصَوت مُقْنَعة الحنين، فَحذف الصَّوت وَأقَام مقنَعة مقَامه. وَمن رَوَاهُ (ومُقْنِعةَ الحنين) أَرَادَ نَاقَة رفعت حنينها.
وروى الحَدِيث أَن الرُّبيِّعَ بنتَ معوِّذ قَالَت: (أتيتُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقناع من رُطبٍ وأَجْرٍ زُغْب) قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو زيد: القُنْع والقناع: الطبَق الَّذِي يؤكَل عَلَيْهِ الطَّعَام. وَقَالَ غَيره: وتجعَل فِيهِ الْفَاكِهَة. وَقَوله (وأجرٍ زُغْب) جمع جَرو، وَأَرَادَ بهَا صِغَار القِثَّاء، شبّهها بأجْرِي الكلابِ لطراءتها.
وَيُقَال رجلٌ مَقْنَع وقُنْعانٌ، وَرِجَال مَقانع وقُنعان، إِذا كَانُوا مرضيِّين. وَأنْشد أَبُو عبيد:
فقلتُ لَهُ بُؤْ بامرىءٍ لستَ مثلَه
وَإِن كنتَ قُنعاناً لمن يطلُب الدَّما
والقِناع والمِقْنعة: مَا تتقنَّع بِهِ الْمَرْأَة من ثوبٍ يغطِّي محاسنَها ورأسَها.
وقنّع فلانٌ فلَانا بالسَّوط، إِذا علا بِهِ رأسَه. وقنَّعه الشيبُ خِمارَه، إِذا علا رأسَه الشَّيب. وَقَالَ الْأَعْشَى:
وقنّعه الشيبُ مِنْهُ خِمارا
وَقَالَ اللَّيْث: القَنوع بِمَنْزِلَة الهَبوط بلغَة هذيلٍ، مؤنّثة. وَقَالَ المفضّل: إنّه للئيمُ القِنْع بِكَسْر الْقَاف، إِذا كَانَ لئيمَ الأَصْل. وَيُقَال أقنعَ فلانٌ الصبيّ فقَبَّله، وَذَلِكَ إِذا وضَعَ إِحْدَى يَدَيْهِ على فأس قَفاهُ وَجعل الْأُخْرَى تَحت ذَقَنه وأماله إِلَيْهِ فقبَّله.
وقَنَعةُ الْجَبَل والسَّنام: أعلاهما؛ وَكَذَلِكَ قَمَعتُهما. وَيُقَال قنَّعت رَأس الْجَبَل وقَنَعته، إِذا علوته.
وَقَالَ اللَّيْث: المِقنَعة: مَا تقنّع بِهِ المرأةُ رأسَها. قَالَ: والقِناع أوسع مِنْهَا.
قلت: وَلَا فرق بَينهمَا عِنْد الْعَرَب، وهما مثل لِحافٍ ومِلحفة، وقِرامٍ ومِقرمة.
أَبُو عبيد عَن الكسائيّ: القِنعان: الْعَظِيم من الوعول.
نقع: أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: النِّقاع، وَاحِدهَا نَقْع، وَهِي الأَرْض الحُرَّة الطِّين الطيّبةُ الَّتِي لَا حزونة فِيهَا وَلَا ارتفاعَ وَلَا انهباط. وَقَالَ: والقاع مثله. وَقَالَ غَيره: النِّقاع: قِيعان الأَرْض. وَأنْشد الْأَصْمَعِي:
يَسُوف بأنفيه النِّقاعَ كأنّه
عَن الرَّوص من فَرط النَّشاط كعيمُ
قَالَ: وَيُقَال صبغَ فلانٌ ثوبَه بنَقُوع وَهُوَ صبغٌ يُجعَل فِيهِ من أَفْوَاه الطِّيب.
قَالَ: وسمٌّ ناقع: ثَابت. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: النقيع: السمُّ الثَّابِت. يُقَال سمٌّ منقوع، ونقيع، وناقع. وَأنْشد:(1/173)
فبتُّ كَأَنِّي ساورتني ضئيلة
من الرُّقش فِي أنيابها السمُّ ناقعُ
وَقَالَ غَيره: يُقَال سمٌّ مُنْقَع، وموتٌ ناقع: دَائِم.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: نَقَعتُ بِالْمَاءِ وَمِنْه أنقعُ نُقوعاً، إِذا شربَ حَتَّى يرْوى، وَقد أنقعَني المَاء. قَالَ: وَسمعت أَبَا زيد يَقُول: الطَّعَام الَّذِي يُصنع عِنْد الإملاك: النَّقيعة. يُقال مِنْهُ نَقَعت أنقَع نُقوعاً.
وَقَالَ الْفراء: النَّقيعة: مَا صَنَعه الرجلُ عِنْد قدومه من السَّفَر، يُقَال أنقعتُ إنقاعاً. وَأنْشد:
إنّا لنضربُ بالصوارم هامَهم
ضَربَ القُدارِ نقيعة القُدّامِ
وَقَالَ شمر: قَالَ ابْن شُمَيْل: النقيعة طَعَام المِلاك. يُقَال دعَونا على نقيعتهم. قَالَ: وربَّما نقَعوا عَن عدّة من الْإِبِل إِذا بلغَتْها، جَزوراً مِنْهَا، أَي نَحروه، فَتلك النَّقيعة. وَأنْشد:
مَيْمُونَة الطير لم تَنعِقْ أشائمها
دائمة الْقدر بالأفراع والنقُعِ
وَقَالَ خَالِد بن جَنْبة: إِذا زُوِّج الرجل فأطعمَ عَيْبَتَه قُلْنَا: نَقَع لَهُم، أَي نحر.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: النَّقيعة: مَا نُحِر من النَّهب قبل القَسْم.
وَقَالَ ابْن السّكيت: النقيعة: الْمَحْض من اللَّبن يبرَّد. حَكَاهُ عَن بعض الْأَعْرَاب. وَقَالَ الأصمعيّ: يُقَال انتقَعَ بَنو فلانٍ نقيعةً، إِذا جَاءُوا بناقةٍ من نهبٍ فنحروها.
قلت: وَقد ذكرت اخْتلَافهمْ فِي النَّحيرة الَّتِي تُدعَى النَّقيعة، ومأخذها عِنْدِي من النَّقْع والنَّحر وَالْقَتْل، يُقَال سمٌّ ناقع، أَي قَاتل. وَقد نقَعه، إِذا قَتله. وَأما اللبنُ الَّذِي يبرَّد فَهُوَ النَّقيع والنقيعة، وَأَصله من أنقعتُ اللَّبن فَهُوَ نَقِيع، وَلَا يُقَال مُنْقَع وَلَا يَقُولُونَ نقعتُه.
وَهَذَا سَمَاعي من الْعَرَب.
وَوجدت للمؤرّج حروفاً فِي الإنقاع مَا عِجْتُ بهَا، وَلَا علمتُ ثِقَة من رَوَاهَا عَنهُ. يُقَال أنقعت الرجل، إِذا ضربتَ أنفَه بإصبعك. وأنقعت الْمَيِّت، إِذا دفنتَه. قَالَ: وأنقعت الْبَيْت، إِذا زخرفتَه. وأنقعت الْجَارِيَة، إِذا افترعتَها. وأنقعتُ الْبَيْت، إِذا جعلت أَعْلَاهُ أَسْفَله. قلت: وَهَذِه حروفٌ لم أسمعها لغير المؤرّج.
وَرُوِيَ عَن عمر أَنه قَالَ: (مَا على نسَاء بني الْمُغيرَة أَن يسفكن من دموعهنّ على أبي سُلَيْمَان مَا لم يكن نَقعٌ وَلَا لقلقَة) . قَالَ أَبُو عبيد: النَّقع: رفع الصَّوْت. قَالَ لبيد:
فَمَتَى يَنْقَع صُراخٌ صادقٌ
يُحْلِبوها ذاتَ جَرسٍ وزَجَلْ
ويروى (يَجْلبوها) ، يَقُول: مَتى سمعُوا صَارِخًا، أَي مستغيثاً، أحلبوا الحربَ، أَي جمعُوا لَهَا.
والنَّقع فِي غير هَذَا: الْغُبَار، قَالَ الله جلّ وعزّ: {صُبْحاً فَأَثَرْنَ بِهِ} (العَاديَات: 4) أَي غباراً. وَقَالَ شمر: قَالَ أَبُو عَمْرو: معنى فَمَتَى ينقع صُراخٌ، أَي يرْتَفع. وَقَالَ غَيره: يَدُوم وَيثبت. وَقَالَ الْفراء: يُقَال نَقَع الصَّارِخ بِصَوْتِهِ وأنقع صوتَه، إِذا تابعَه وأدامه.(1/174)
شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي: النَّقْع: الْغُبَار الْمُرْتَفع. والنَّقْع: الصُّراخ الْمُرْتَفع. قَالَ شمر: وَقيل فِي قَول عمر: (مَا لم يكن نَقع وَلَا لقلقةٌ) إِنَّه شقّ الْجُيُوب. قَالَ: وَوجدت للمرّار الأسَدي فِيهِ بَيْتا:
نقَعنَ جيوبهنَّ عليّ حيّاً
وأعددنَ المرائيَ والعويلا
وَيُقَال: فلَان مِنْقَع، أَي يُشتَفى بِرَأْيهِ، أَصله من نَقعتُ بالريّ.
وَقَالَ أَبُو عبيد: مِنْقع البُرَم: تَوْرٌ صَغِير، وَجمعه مَناقع، وَلَا يكون إلاَّ من حِجَارَة. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: هِيَ المِنْقعة والمِنقع.
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنّه (نَهَى أَن يُمنَع نَقْع الْبِئْر) ، قَالَ أَبُو عبيد: نقع الْبِئْر: فَضْل مَائه الَّذِي يخرج مِنْهُ أَو من العَين قبل أَن يصيَّر فِي إناءٍ أَو وعَاء. قَالَ: وفسّره الحديثُ الآخر: (مَن مَنَعَ فضْل المَاء ليمنع بِهِ فَضْلَ الْكلأ منَعَه الله فضلَه يَوْم الْقِيَامَة) . قَالَ: وأصل هَذَا فِي الْبِئْر يحتفرها الرجلُ بالفلاةِ من الأَرْض يسْقِي بهَا مواشيَه، فَإِذا سَقَاهَا فَلَيْسَ لَهُ أَن يمْنَع المَاء الفاضلَ عَن مواشيه مواشي غَيره، أَو شارباً يشرب بشفته. وَإِنَّمَا قيل للْمَاء نَقْعٌ لِأَنَّهُ ينقَع بِهِ أَي يُروى بِهِ. يُقَال: نَقَع بالريّ وبضَع. وَيُقَال: مَا نقعت بِخَبَرِهِ، أَي لم أشتفِ بِهِ.
وَقَالَ اللَّيْث: النَّقع: الْبِئْر الْكَثِيرَة المَاء، والجميع الأنقعة.
وَيُقَال نقع المَاء غُلّتَه، إِذا أروى عطشَه.
وَمن أَمْثَال الْعَرَب: (إنّ فلَانا لشَرَّابٌ بأنقُع) يضْرب مثلا للرجل الَّذِي قد جرّب الْأُمُور وعَرفها ومارسَها حتّى خبرَها. وَالْأَصْل فِيهِ أنّ الدَّلِيل من الْعَرَب فِي باديتها إِذا عَرَف الْمِيَاه الغامضة فِي الفلَوات ووردها وشرِب مِنْهَا، حَذِق سُلوكَ الطّرق الَّتِي تؤدّيه إِلَى المحاضر والأمواه. والأنقُع: جمع النَّقْع، وَهُوَ كلُّ ماءٍ مستنقِع من ماءٍ عِدٍ أَو غَدِير.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: نقع المَاء ينقع نُقوعاً، إِذا ثَبت. والنَّقوع: مَا أنقعتَ من شَيْء. يُقَال سَقونا نَقوعاً، لدواءٍ أُنقِعَ من اللَّيْل.
وَفِي حَدِيث مُحَمَّد بن كَعْب القُرظيّ قَالَ: (إِذا استَنقَعتْ نفْسُ الْمُؤمن جَاءَهُ مَلَكٌ فَقَالَ لَهُ السَّلَام عليكَ وليَّ الله. ثمّ نَزَع هَذِه الْآيَة: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ} (النّحل: 32) وَقَالَ شمر: قَوْله إِذا استنقعت نفس الْمُؤمن، قَالَ بَعضهم: يَعْنِي إِذا خرجَتْ. قَالَ شمر: وَلَا أعرفهَا. وَقَالَ ابْن مقبل:
مستنقِعان على فضول المِشْفرِ
قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو: يَعْنِي نابَي النَّاقة، أَنَّهُمَا مستنقعان فِي اللُّغام. وَقَالَ خَالِد بن جَنْبَة: مَعْنَاهُ مصوِّتان.
قلت: قَوْله (إِذا استنقَعَتْ نفسُ الْمُؤمن) لَهُ مخرجان؛ أَحدهمَا أَنَّهَا اجْتمعت فِي فِيهِ كَمَا يستنقع المَاء فِي مَكَان، وَالثَّانِي خرجَتْ، من قَوْله نقعتُه، إِذا قتلتَه.
وَقَالَ اللَّيْث: الأُنقوعة: وَقْبة الثَّرِيد الَّتِي فِيهَا الودَك. وكلُّ شيءٍ سالَ إِلَيْهِ المَاء من مَثْعبٍ وَنَحْوه فَهُوَ أُنقوعة.
قَالَ: والنَّقيع: شراب يُتّخذ من الزَّبِيب(1/175)
يُنقَع فِي المَاء من غير طبخ. وَقيل فِي السَّكَر إنّه نَقيع الزَّبيب. والنَّقوع: شرابٌ ينقع فِيهِ زبيب وَأَشْيَاء ثمَّ يصفَّى مَاؤُهُ ويُشرَب. وَذَلِكَ المَاء اسْمه النَّقوع.
وَيُقَال استَنقع الماءُ، إِذا اجتمعَ فِي نِهْي وَغَيره، وَكَذَلِكَ نَقَع ينقَع نُقوعاً.
وَقَالَ النَّضر: يُقَال نقَعه بالشَّتم، إِذا شتَمه شتماً قبيحاً. قَالَ: والنقائع: خَبارَى فِي بِلَاد بني تَمِيم.
وَيُقَال نقَعتْ بِذَاكَ نَفسِي، أَي اطمأنَّتْ إِلَيْهِ وروِيَتْ بِهِ.
وَفِي حَدِيث المَبْعث (أنّه أتَى رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَلَكانِ فأضجعاه وشَقَّا بطنَه، فرجَع وَقد انتُقِع لونُه) فِي حَدِيث طَوِيل. قَالَ أَبُو عُبيدٍ واللِّحياني: يُقَال انتُقِع لَونه وامتُقِع لَونه، إِذا تغيَّر. وَقَالَ النَّضر: يُقَال ذَلِك إِذا ذهب دمُه وتغيَّر لونُ بَشرته، إمّا من خوف، وَإِمَّا من مَرض. حَكَاهُ بالنُّون عَن أبي ذؤابة.
(بَاب الْعين وَالْقَاف مَعَ الْفَاء)
عقف، عفق، قعف، قفع، فقع: مستعملات.
عقف: أَبُو الْعَبَّاس عَن عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ النسّابة الْبكْرِيّ: للنَّمل جدّان: فازرٌ وعُقْفان. ففازرٌ: جدّ السُّود. وعُقفان: جدّ الحُمر.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن إِبْرَاهِيم الحربيّ أَنه قَالَ: النَّمْل ثَلَاثَة أَصْنَاف: النَّمْل، والفازر، والعُقيفان. قَالَ: والعُقيفان الطَّوِيلَة القوائم تكون فِي الْمَقَابِر والخرابات. وَأنْشد:
سُلِّط الذرُّ فازراً وعقيفاً ن ...
قَالَ: والذرّ: الَّذِي يكون فِي الْبيُوت يُؤْذِي النَّاس. قَالَ: والفازر: المدوَّر الْأسود يكون فِي التَّمر.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال للْفَقِير الْمُحْتَاج أعقَف، وَالْجمع عُقفان. وَأنْشد:
يَا أيُّها الأعقف المُزْجى مطيَّتَه
لَا نعْمَة تَبتغِي عِنْدِي وَلَا نَشَبا
قَالَ: والعَقْفاء: ضرب من الْبُقُول مَعْرُوف.
قلت: الَّذِي أعرفهُ فِي بُقول الْبَادِيَة القَفعاء، وَلَا أعرف العقفاء.
وَقَالَ اللَّيْث: العُقَاف: دَاء يَأْخُذ الشَّاة فِي قَوَائِمهَا حتّى تعوجّ. يُقَال عُقفت الشَّاة فَهِيَ معقوفة. والعُقّافة: خَشَبَة فِي رَأسهَا جُحنةٌ يحتجَن بهَا الشَّيْء. والعقفاء: حديدةٌ قد لُوِي طرفُها. والعقْفُ والعَطف وَاحِد. وعقفت الشَّيْء أعْقِفُه عقفاً فانعقَف، أَي عطفتُه فانعطف.
قَالَ: وعُقْفانُ: حيٌّ من خُزاعة.
قعف: أَبُو عبيد عَن الْفراء: سَيل جُحافٌ وقُعافٌ وجُراف، بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ اللَّيْث: القاعف من الْمَطَر: الشَّديد(1/176)
يقعَف الْحِجَارَة ويجرفها. والقَعف: شدّة الْوَطْء واجترافُ التُّرَاب بالقوائم. وَأنْشد:
يقعفن قاعاً كفراشِ الغِضرمِ
مظلومةً وضاحياً لم يُظلَم
أَبُو عَمْرو: انقعف الجُرف، إِذا انهارَ وانقعَر. وَأنْشد الْأَصْمَعِي:
واقعتفِ الجِلْمةَ مِنْهَا واقتثِثْ
فإنّما تكدحها لمن يَرِثْ
قَوْله مِنْهَا، أَي الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا. اقتعفِ الجَلْمة، أَي اقلع اللَّحْم بجملته.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: القَعْف: السُّقوط فِي كلّ شَيْء. وَقَالَ فِي مَوضِع: القَعَف محركاً: سُقُوط الْحَائِط. قَالَ: والنَّعَف: الْجبَال الصغار بعضُها على بعض، الْوَاحِدَة نَعَفة.
عفق: سمعتُ غير واحدٍ من الْعَرَب يَقُول للَّذي يُثير الصيدَ ناجش. وللذي يَثني وَجهه ويردُّه على الصَّائِد عافق. وَيُقَال اعفقْ عليَّ الصَّيْد، أَي اثنه واعطفه. وَقَالَ رؤبة:
فَمَا اشتَلاهَا صَفقةً للمنصفَقْ
حتَّى تَردَّى أربعٌ فِي المنعَفَقْ
يصف عيرًا أورد أُتُنَه الماءَ فَرَمَاهَا الصَّائِد فصَفَقها العَير لينجوَ بهَا، فَرَمَاهَا الصَّائِد فِي منعفَقها، أَي فِي مَكَان عَفْق العير إيّاها.
وَقَالَ أَبُو تُرَاب: قَالَ بعضُ الْعَرَب: عفقت الإبلُ تَعفِق عَفْقاً، إِذا كَانَت ترجع إِلَى المَاء فِي كلِّ يومٍ أَو كلِّ يَوْمَيْنِ. وكلُّ راجعٍ مختلفٍ عافقٌ وغافق. وَيُقَال إِنَّك لتَعفِق، أَي تكْثر الرُّجُوع.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: إنّه ليعفّق الغنمَ بعضَها على بعض، أَي يردّها عَن وَجههَا. وَأنْشد:
ولاتكُ مِعفاقَ الزِّيَارَة واجتنبْ
إِذا جئتَ إكثارَ الكلامِ المعَيَّبِ
وَقَالَ اللَّيْث: عفَق الرجلُ يَعفِق، إِذا ركِبَ رأسَه وَمضى. قَالَ: وعفقَ يعفق، إِذا خنَس وارتدّ ورجَع.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: يُقَال للرجل وَغَيره: عَفَق بهَا وحَبَجَ بهَا، إِذا ضَرَط. قَالَ: وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال كذبَتْ عَفّاقته، وَهِي استُه.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: أعفقَ الرجلُ، إِذا أكثرَ الذَّهابَ والمجيء فِي غير حَاجَة. قَالَ: وعافقَ الذئبُ الْغنم، إِذا عاثَ فِيهَا ذَاهِبًا وجائياً. وتعفَّق فلانٌ بفلان، إِذا لَاذَ بِهِ. وَقَالَ عَلْقَمَة:
تعفَّق بالأرطَى لَهَا وَأَرَادَهَا
قَالَ: والعُفُق: الضرّاطون فِي الْمجَالِس. والعُفُق: الأستاه. قَالَ: والعُفُق: الذئاب الَّتِي لَا تنام وَلَا تُنيم تردُّداً فِي الْفساد. وَقَالَ غَيره: اعتفق الأسدُ فريستَه، إِذا عطف عَلَيْهِ فافترسَه. وَقَالَ:
وَمَا أسدٌ من أسود العري
نِ يعتفق السَّائِلين اعتفاقا
وعفقَ الرجلُ جاريتَه، إِذا جامَعها.
وَقَالَ القتيبي فِي تَفْسِير قَول لُقْمَان: (خذي منّي أخي ذَا العِفَاق) : أَخْبرنِي أَبُو سُفْيَان عَن الأصمعيّ قَالَ: عفَق يَعفِق، إِذا ذهب(1/177)
َ ذَهاباً سَرِيعا. قَالَ: والعَفْقُ هُوَ الْعَطف أَيْضا.
فقع: تَقول الْعَرَب: (فلانٌ أذلُّ من فَقْع بقَرقر) ، قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو زيد والأحمر: الفِقَعة: البِيض من الكمأة، وَاحِدهَا فَقْع.
وَقَالَ اللَّيْث: الفَقْع: كمءٌ يخرج من أصل الإجرِدّ، وَهُوَ نبت، وَهُوَ من أردأ الكمأة وأسرعها فَسَادًا. قَالَ: والفُقّاع هُوَ الشَّراب الْمَعْرُوف. قَالَ: والفقاقيع واحدتها فُقّاعة، وَهِي الحَجَا الَّتِي تعلو مَاء الْمَطَر والشرابَ إِذا مُزج بِالْمَاءِ، كأنّها قَوَارِير صغارٌ مستديرة.
وَفِي الحَدِيث النَّهي عَن التفقيع فِي الصَّلَاة يُقَال فقَّعَ فلانٌ أصابعَه تفقيعاً، إِذا غمزَ مفاصلَها فأنقضَتْ، وَهُوَ الفرقعة أَيْضا، وكل ذَلِك قد جَاءَ فِي الحَدِيث. وَقَالَ بَعضهم: التفقيع: التشدُّق فِي الْكَلَام؛ يُقَال قد فقّع، إِذا تشدَّقَ وَجَاء بكلامٍ لَا معنَى لَهُ. وتفقيع الوردة: أَن تُضرَب بالكفّ فتفقع حتَّى تسمعَ لَهَا صَوتا عَالِيا. وفقَع الْحمار، إِذا ضرط. وإنّه لفَقَّاعٌ، أَي ضرّاط.
وَقَالَ الله جلّ ذكره: {صَفْرَآءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا} (البَقَرَة: 69) قَالَ أَبُو إِسْحَاق: فَاقِع نعت للأصفر الشَّديد الصُّفرة. يُقَال أصفر فَاقِع، وأبيض ناصع، وأحمر قانىء. وَقَالَ أَبُو عبيد: يُقَال أَبيض ناصع. وَقَالَ اللحياني. يُقَال أصفر فَاقِع وفُقّاعي.
وَقَالَ اللَّيْث: الإفقاع: سوء الْحَال، وَقد أفقَعَ فَهُوَ مُفقِع: فَقير مجهود. يُقَال فَقير مُفْقِع مُدقع.
قَالَ: والمُفْقِع أَسْوَأ مَا يكون من حالاته. وَقَالَ عدي بن زيد فِي فقاقيع الْخمر إِذا مزجت:
وطفا فوقَها فقاقيعُ كاليا
قوتِ حمرٌ يُثيرها التصفيقُ
قفع: قَالَ اللَّيْث: يُقَال أَحْمَر قُفَاعيٌّ، وَهُوَ الْأَحْمَر الَّذِي يتقشَّر أَنفه من شدَّة حمرته.
قلت: لم أسمع لغير اللَّيْث أَحْمَر قُفاعي الْقَاف قبل الْفَاء، وَالْمَعْرُوف فِي بَاب الألوان أصفر فَاقِع وفُقَاعيٌّ، الْفَاء قبل الْقَاف، وَهُوَ الصَّحِيح.
وَيُقَال شاهٌ قفعاء، وَهِي القصيرة الذّنَب، وَقد قَفِعتْ قَفَعاً. وكبشٌ أقفَع، وَهِي كباشٌ قُفْع. وَقَالَ الشَّاعِر:
إنّا وجدنَا العِيسَ خيرا بقيّةً
من القُفْع أذناباً إِذا مَا اقشعرَّتِ
قلت: أرَاهُ أَرَادَ بالقُفْع أذناباً المِعزَى؛ لِأَنَّهَا إِذا صَرِدت اقشعرَّت. وأمّا الضَّأْن فَإِنَّهَا لَا تقشعرُّ من الصَّرَد.
والقفعاء من أَحْرَار الْبُقُول، وَقد رَأَيْتهَا فِي بِلَاد تَمِيم، وَلها نُوَير أَحْمَر. وَقد ذكرهَا زُهَيْر فَقَالَ:
بالسِّيِّ مَا تُنبتُ القَفْعاء والحَسَكُ
وَقَالَ اللَّيْث: القَفْعاء: حشيشة خوّارة من نَبَات الرّبيع خَشْناء الْوَرق، لَهَا نَورٌ أَحْمَر مثل شَرَر النَّار، وورقها ترَاهَا مستعْلياتٍ من فَوق، وَثَمَرهَا مُقَفَّعٌ من تَحت. قَالَ: وَالْأُذن القَفعاء كأنّما أصابَتْها نارٌ فتزوَّت من أَعْلَاهَا وأسفلها. قَالَ: والرِّجْل(1/178)
القفعاء: الَّتِي ارتدّت أصابعُها إِلَى القَدَم، وَقد قَفِعَتْ قَفَعاً.
وَيُقَال تقفَّعت الأصابعُ من الْبرد، وَقد قَفَّعها الْبرد. قَالَ: وَنظر أعرابيٌّ إِلَى قُنفذةٍ قد تقبّضتْ فَقَالَ: أتُرى البردَ قَفَّعها.
قَالَ: والمِقْفعة: خشبةٌ يضْرب بهَا الْأَصَابِع. والقُفَّاع: نباتٌ متقفِّع كأنّه قرونٌ صَلابةً إِذا يبِس، يُقَال لَهُ كفُّ الْكَلْب.
وَفِي حَدِيث عمر أَنه ذُكر عِنْده الجرادُ فَقَالَ: (لَيْت عِندنا مِنْهُ قَفعةً أَو قَفعتين) . قَالَ أَبُو عبيد: القَفْعة: شيءٌ شَبيه بالزَّبِيلِ لَيْسَ بالكبير، يُعمَل من خُوص، وَلَيْسَ لَهُ عُرًى. وَقَالَ شمر: القَفعة مثل القُفَّة تُتَّخذ واسعةَ الْأَسْفَل ضيّقة الْأَعْلَى، حشوُها مكانَ الحَلفاء عَراجين تُدَقُّ، وظاهرها خوصٌ على عمل سِلال الخوص. قَالَ: وسمعتُ مُحَمَّد بن يحيى يَقُول: القَفعة الجُلّة، بلغَة الْيمن، يُحمَل فِيهَا القُطن.
ثعلبٌ عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: القَفْع: القِفاف، واحدتها قَفعة. قَالَ: والقَفْع: الدَّبَّابات الَّتِي يُقاتَل تحتهَا، واحدتها قفْعة.
وَقَالَ اللَّيْث: القَفْع ضَبْرُ يتّخذ من خشب يمشي بهَا الرِّجَال إِلَى الْحُصُون فِي الحروب، يدْخل تحتهَا الرِّجَال. قَالَ: وَيُقَال لهَذِهِ الدُّوَّارت الَّتِي يَجْعَل الدَّهّانون فِيهَا السِّمسم المطحون ويضعون بعضَها على بعض ثمَّ يضغطونها حتّى تُسيلَ الدهنَ: القَفَعات.
وَيُقَال قفَعتُه عمّا أَرَادَ قفعاً، إِذا منعتَه فانقفَعَ انقفاعاً. وَيُقَال قفِّع هَذَا، أَي أوعِهِ. ورجلٌ قفَّاعٌ لمَاله، إِذا كَانَ لَا ينفقُه. وَلَا يُبَالِي مَا وقَع فِي قفعتِه، أَي وِعائه.
(بَاب الْعين وَالْقَاف مَعَ الْبَاء)
عقب، عبق، قبع، قَعْب، بقع، بعق مستعملات.
عقب: قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: قَالَ ابْن الأعرابيّ: العاقب والعَقُوب: الَّذِي يَخْلُف من كَانَ قبلَه فِي الْخَيْر. وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (لي خَمْسَة أَسمَاء: أَنا مُحَمَّد، وَأَنا أَحْمد، والماحي يمحو الله بيَ الْكفْر، والحاشر أحشُر النَّاس على قدميَّ، وَالْعَاقِب) . قَالَ أَبُو عبيد: العاقب: آخر الْأَنْبِيَاء. قَالَ: وكل شَيْء خَلفَ بعد شَيْء فَهُوَ عاقب لَهُ، وَقد عَقَب يَعقِب عَقْباً وعُقوباً. وَلِهَذَا قيل لولد الرجل عَقِبه وعَقْبه، وَكَذَلِكَ آخر كل شيءٍ عَقِبه.
وَفِي حَدِيث عمر أَنه سَافر عَقِبَ رَمَضَان، أَي فِي آخِره. قَالَ: وَقَالَ أَبُو زيد: جَاءَ فلانٌ على عُقْب رَمَضَان وَفِي عُقْبه بِالضَّمِّ وَالتَّخْفِيف، إِذا جَاءَ وَقد ذهب الشَّهْر كلُّه. وَجَاء فلانٌ على عَقِب رمضانَ وَفِي عَقِبه، إِذا جاءَ وَقد بقيتْ فِي آخِره أَيَّام.
قَالَ: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: فرسٌ ذُو عَقْبٍ، أَي جري بعد جري. وَمن الْعَرَب من يَقُول ذُو عَقِبٍ فِيهِ.
الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت قَالَ: إبلٌ مُعاقِبَةٌ: ترعى مرّةً فِي حَمضٍ ومرّةً فِي خُلَّة. وَيُقَال عاقبتُ الرّجل من العُقْبة، إِلَى راوحتَه فَكَانَت لَك عُقْبةٌ وَله عُقْبة. وَكَذَلِكَ(1/179)
أعقبته. وَيَقُول الرجلُ لزميله: أعقِبْ وعاقِبْ، أَي انزِلْ حتّى أركبَ عُقبتي. وَكَذَلِكَ كلُّ عمل.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} (الرّعد: 11) قَالَ الْفراء: المعقِّبات: الملائكةُ ملائكةُ اللَّيْل تعقِّب مَلَائِكَة النَّهَار.
قلت: جعل الفراءُ عقَّبَ بِمَعْنى عاقب، كَمَا يُقَال ضاعَفَ وضعَّف وعاقد وعَقَّد بِمَعْنى وَاحِد، فكأنَّ مَلَائِكَة النَّهَار تحفظ العبادَ فَإِذا جَاءَ الليلُ جَاءَ مَعَه ملائكةُ اللَّيْل وصَعِد ملائكةُ النَّهَار، فَإِذا أقبلَ النَّهَار عادَ من صعِد وصعِد ملائكةُ اللَّيْل، كأنَّما جَعَلوا حفظهُ عُقَباً أَي نُوَباً.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: كلُّ مَن عمِل عملا ثمَّ عَاد إِلَيْهِ فقد عقَّب؛ وَمِنْه قيل للَّذي يَغْزُو غزْواً بعد غَزْوٍ، وللذي يتقاضى الدَّينَ فَيَعُود إِلَى غَرِيمه فِي تقاضيه: مُعَقِّب. وَقَالَ لبيد:
حتَّى تهجَّرَ فِي الرَّواحِ وهاجَه
طلبَ المعقِّب حقَّه المظلومُ
وَقَالَ سَلامَة بن جندل:
إِذا لم يُصِبْ فِي أوّل الغَزْو عَقَّبا
أَي غزا غَزْوَة أُخْرَى.
قَالَ: وَقَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (معَقِّباتٌ لَا يَخِيب قائلُهنّ، وَهُوَ أَن يسبّح فِي دُبر صلَاته ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ تَسْبِيحَة، ويكبّر أَرْبعا وَثَلَاثِينَ تَكْبِيرَة، ويحمِّد الله ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ تَحْمِيدَة) . فسمِّين معقِّباتٍ لأنّها عَادَتْ مرّةً بعد مرّة.
وَقَالَ شمر: أَرَادَ بقوله: معقِّبات لَا يخيب قائلهن: تسبيحات تَخْلُف بأعقاب النَّاس. قَالَ: والمُعقِّب من كل شَيْء: مَا خَلَفَ يُعقِّب مَا قبله. وَأنْشد:
ولكنْ فَتى من صَالح الْقَوْم عقّبا
يَقُول: عُمِّر بعدهمْ وبقيَ. وَيُقَال عقَّب فِي الشَّيب بأخلاق حَسَنَة.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أَحْمد بن يحيى قَالَ: قَالَ الْأَخْفَش فِي قَوْله: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ} (الرّعد: 11) : إنَّما أنثت لِكَثْرَة ذَلِك مِنْهَا نَحْو نسّابة وعلاّمة؛ وَهُوَ ذكَر.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: قَالَ الْفراء: مَلَائِكَة مُعَقِّبةٌ، ومعقِّبات جمع الْجمع.
وَقَالَ أَبُو سعيد فِي قَول لبيد:
طلب المعقِّب حقَّه المظلومُ
قَالَ: المعقِّب: الْغَرِيم الماطل فِي قَول لبيد. قَالَ: والمعقِّب: الَّذِي أُغِير عَلَيْهِ فحُرِبَ فَأَغَارَ على الَّذِي كَانَ أغارَ عَلَيْهِ فاسترجعَ مالَه.
وَأما قَوْله عزّ وجلّ: {لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} (الرّعد: 41) فإنَّ الْفراء قَالَ: مَعْنَاهُ لَا رادَّ لحكمه. قَالَ: والمعقِّب: الَّذِي يكُرُّ على الشَّيْء؛ وَلَا يكرُّ أحدٌ على مَا أحكمه الله.
وروى شمر عَن عبد الصَّمد عَن سُفْيَان أَنه قَالَ فِي قَول الله: {مُدْبِراً وَلَمْ} (النَّمل: 10) : لم يلْتَفت. وَقَالَ مُجَاهِد: لم يرجع. قَالَ شمر: وكلُّ راجعٍ معَقِّبٌ. وَقَالَ الطرمّاح:
وَإِن تونَّى التّالياتُ عقَّبا
أَي رجَع.
وَأَخْبرنِي المنذرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن(1/180)
الأعرابيّ أَنه أنْشدهُ فِي صفة الْفرس:
يمْلَأ عينَيك بالفِناءِ ويُرْ
ضيك عِقاباً إِن شئتَ أونَزَقا
قَالَ: عِقاباً: يعقِّب عَلَيْهِ صاحبُه، أَي يَغْزُو عَلَيْهِ مرّة بعد أُخْرَى. قَالَ: وَقَالُوا عِقاباً أَي جَريا بعد جَري.
قلت: هُوَ جمع عَقِب.
قَالَ: وَقَالَ الْحَارِث بن بدر: (كنت مرّةً نُشْبةً وَأَنا الْيَوْم عُقْبة) .
قَالَ: مَعْنَاهُ كنتُ إِذا نَشِبتُ بإنسانٍ وعَلِقتُ بِهِ لَقِي منّى شّراً، فقد أعقبتُ الْيَوْم ورجعتُ.
قلت: وَلما حوّل الله الخلافةَ من بني أُميَّة إِلَى بني هَاشم قَالَ سُدَيف، شَاعِر ولد العبّاس، لبني أُميَّة فِي قصيدة لَهُ:
أعقبى آل هاشمٍ يَا أمَيَّا
يَقُول: انزلي عَن الْخلَافَة حتّى يعلوَها بَنو هَاشم فإنّ العُقبة لَهُم الْيَوْم عَلَيْكُم.
أَبُو عبيد: قَالَ الْأَصْمَعِي: عَقَّبتُ الخَوْقَ، وَهُوَ حَلْقة القُرط، وَهُوَ أَن يُشَدَّ بعَقبٍ إِذا خَشُوا أَن يَزِيغ. وأنشدنا:
كأنَّ خَوقَ قُرطها المعقوبِ
على دَباةٍ أَو على يعسُوبِ
وعقَبت القِدح بالعَقَب مثلُه. وعقَبَ فلانٌ مَكَان أَبِيه عَقباً. وعقَبتُ الرجل فِي أَهله، إِذا بغيتَه بشرَ وخلفتَه. وعَقبت الرجل: ضربت عقبه وعقبت الرجُل: إِذا ركِبتَ عُقبة وركِب عُقبة. وَيُقَال أكلَ فلانٌ أَكلَة أعقبتْه سَقَماً.
وعقِب الْقدَم: مؤخّرها، وَيُقَال عَقْبٌ، وَجمعه أعقاب. وَمِنْه قَوْله: (ويلٌ لِلْأَعْقَابِ من النَّار) .
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {حَكِيمٌ وَإِن فَاتَكُمْ شَىْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُواْ الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِّثْلَ مَآ أَنفَقُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أَنتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ} (المُمتَحنَة: 11) هَكَذَا قَرَأَهَا مَسْرُوق وفسَّرها: فغنِمتُم، وَقرأَهَا حُميدٌ: (فعقَّبتم) قَالَ الْفراء: وَهُوَ بِمَعْنى عَاقَبْتُمْ. قَالَ: وَهِي كَقَوْلِه: (وَلَا تصاعر) {عَزْمِ الاُْمُورِ} (لقمَان: 18) . وقرىء (فَعَقَبْتُم) خَفِيفَة. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: من قَرَأَ {الْكُفَّارِ} (المُمتَحنَة: 11) فَمَعْنَاه أصبتموهم فِي الْقِتَال بالعقوبة حَتَّى غَنِمْتُم قَالَ: وَمن قَرَأَ (فعقبتم) فَمَعْنَاه: فغنمتم. قَالَ: وأجودها فِي اللُّغَة فعقَّبتم وعَقَبتم جيّد أَيْضا، أَي صَارَت لكم عُقْبى. إلاّ أنَّ التَّشْدِيد أبلغ. وَقَالَ طرفَة:
فعقَبتُم بذَنُوبٍ غَيْرَ مَرّ
قَالَ: وَالْمعْنَى أنّ من مَضَت امْرَأَته مِنْكُم إِلَى مَنْ لَا عهد بَيْنكُم وَبَينه، أَو إِلَى مَن بَيْنكُم وبينَه عهدٌ فنكثَ فِي إِعْطَاء الْمهْر فغَلبتم عَلَيْهِم فَالَّذِي ذهبت امْرَأَته يُعطَى من الْغَنِيمَة المهرَ من غير أَن يُنقَص من حقِّه فِي الْغَنَائِم شَيْء، يُعطَى حقَّه كَمَلاً بعد إِخْرَاج مُهُور النِّسَاء.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: تعقّبت الرجلَ، إِذا أخذتَه بذنبٍ كَانَ مِنْهُ.
وَفِي حَدِيث: (المُعْتَقِبُ ضامنٌ لما اعتَقَب) . وَهَذَا يُروى عَن إِبْرَاهِيم النَّخعيّ. يُقَال اعتقبت الشَّيْء، إِذا حبستَه عنْدك. وَمَعْنَاهُ أنّ البائعَ إِذا بَاعَ الشيءَ ثمَّ مَنعه المشتريَ حتَّى تَلِف عِنْد البَائِع هلك من مَاله، وضمانُه مِنْهُ.(1/181)
شمر عَن أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ: المِعقب: الخِمار. وَأنْشد:
كمِعقَب الرَّيْط إذْ نَشَّرتَ هُدَّابَه
قَالَ: وسمِّي الخِمار مِعقباً لأنّه يعقُب المُلاءةَ يكون خلفا مِنْهَا.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: قَالَ ابنُ الْأَعرَابِي: المِعقَب: القُرط. والمِعقَب: السَّائِق الحاذق بالسَّوق. والمِعقب: بَعير العُقَب. والمِعقَب: الَّذِي يرشَّح للخلافة بعد الإِمَام. والمِعْقَب: النَّجْم الَّذِي يطلُع فيركب بطلوعه الزميلُ المعاقب. وَمِنْه قَول الراجز:
كأنَّها بَين السُّجوف مِعقَبُ
وَقَالَ شمر: العُقبة: الشَّيْء من المرق يردُّه مستعير الْقدر إِذا ردَّها. وَقَالَ الْكُمَيْت:
وحاردتِ النُّكْدُ الجلادُ وَلم يكن
لعُقبةِ قِدر المستعيرينَ مُعْقِبُ
وَقَالَ الْأَخْفَش فِي قَول الله: {هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا} (الْكَهْف: 44) أَي عَاقِبَة.
وَقَالَ أَبُو سعيد: يُقَال رَأَيْت عَاقِبَة من طير، إِذا رأيتَ طيراً يعقُب بعضُها بَعْضًا، تقع هَذِه فتطير ثمَّ تقع هَذِه موقعَ الأولى.
وَقَالَ الْفراء: يُقَال عاقبَه عَاقِبَة بِمَعْنى الْعقَاب والمعاقبة، جعله مصدرا على فاعلة كالعافية وَمَا أشبههَا.
وَقَالَ اللَّيْث: عَاقِبَة كل شيءٍ: آخِره؛ وَكذلك عاقِبُه، والجميع العواقب والعُقُب. قَالَ: والعُقبانُ والعُقْبى كالعاقبة والعُقُب. قَالَ: وَيُقَال أتَى فلانٌ إليَّ خيرا فعَقَبَ بِخَير مِنْهُ. وَأنْشد:
فعقَبتم بذَنوب غير مَرّ
قَالَ: وَالْفرق بَين العَقَب والعَصَب أنَّ العصَب يضْرب إِلَى الصُّفرة والعَقَب يضْرب إِلَى الْبيَاض، وَهُوَ أصلبُها وأمتنُها. وأمّا العَقِب مؤخّر الْقدَم فَهُوَ من العَصَب لَا من العَقَب. قَالَ: والعَقِب مؤنّثة، وَثَلَاث أعقب، وَتجمع على الأعقاب.
وَفِي الحَدِيث: (ويلٌ لِلْأَعْقَابِ من النَّار) وَهَذَا يدلُّ على أَن المسحَ على الْقَدَمَيْنِ غير جَائِز، وَأَنه لَا بدّ من غَسل الرجلَيْن إِلَى الْكَعْبَيْنِ، لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يُوعِد بالنارِ إلاّ فِي ترك العَبد مَا فُرض عَلَيْهِ. وَهُوَ قَول أَكثر أهل الْعلم.
والليلُ وَالنَّهَار يتعاقبان، وهما عَقيبانِ كلُّ واحدٍ مِنْهُمَا عَقِيبُ صَاحبه. وَيُقَال تعقّبت الخبرَ، إِذا سألتَ غير من كنتَ سألتَه أوّلَ مرّة.
وَيُقَال أُعقِبَ عِزُّ فلانٍ ذُلاًّ، أَي أُبدِل.
أَبُو عبيدٍ عَن الْأَحْمَر قَالَ: الأعقاب هِيَ الخَزَف الَّتِي تُجعَل بَين الْآجر فِي الطيّ لكَي يشتدَّ. وَقَالَ شمر: أعقاب الطيّ: دوائره إِلَى مؤخره. وَقد عقَّبنا الركيّة، أَي طويناها بحجَرٍ من وَرَاء حجر. قَالَ: والعُقاب: حجرٌ يستَنْتِل على الطيّ فِي الْبِئْر، أَي يَفْضُل.
وَقَالَ اللَّيْث: العُقاب: صَخْرَة ناتئة نَاشِزَة فِي الْبِئْر فِي جُولها، وربَّما كَانَت من قِبَل الطيّ، وَذَلِكَ أَن تَزُول الصَّخرةُ عَن موضعهَا. قَالَ: وَالرجل الَّذِي ينزل فِي الْبِئْر فيرفعها يُقَال لَهُ المعقِّب.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الْقَبِيلَة:(1/182)
صَخْرَة على رَأس الْبِئْر، والعقابانِ من جنبتيها يَعْضدانها.
وَقَالَ اللَّيْث: العُقاب هَذَا الطَّائِر يؤنّث، والجميع العِقْبان وَثَلَاث أعقب، إلاّ أَن يَقُولُوا: هَذَا عُقابٌ ذكَر. قَالَ: والعُقاب: العَلَم الضَّخم. والعُقاب: اللِّواء الَّذِي يُعقَد للوُلاة، شُبِّه بالعقاب الطَّائِر. قَالَ: والعُقاب: الصَّخرة الْعَظِيمَة فِي عُرض الجَبَل.
والعِقاب والمعاقبة: أَن تجزي الرجلَ بِمَا فعل سُوءاً، وَالِاسْم العُقوبة. وَيُقَال أعقبته بِمَعْنى عاقبته.
وَيُقَال استعقبَ فلانٌ من فعله ندماً. وَيُقَال أعقبَه الله خيرا بإحسانه، بِمَعْنى عوَّضَه وأبدله، وَهُوَ معنى قَوْله:
وَمن أطَاع فأعقِبْه بِطَاعَتِهِ
كَمَا أطاعك وادلُلْه على الرَّشَدِ
واليعقوب: ذكر الحجَل، وَجمعه يعاقيب.
وَقَالَ اللَّيْث: يَعْقُوب بن إِسْحَاق اسمُه إِسْرَائِيل، سمِّي بِهَذَا الِاسْم لِأَنَّهُ وُلد مَعَ عِيصُو فِي بطن وَاحِد، وُلِد عيصو قبله ويعقوبُ متعلِّق بعَقِبه، خرجا مَعًا، فعِيصو أَبُو الرُّوم.
وتسمَّى الْخَيل يعاقيبَ تَشْبِيها بيعاقيب الحجَل، وَمِنْه قَول سَلامَة بن جندل:
ولَّى حثيثاً وَهَذَا الشيبُ يطلبُه
لَو كَانَ يُدركُه ركضُ اليعاقيبِ
وَقَالَ الله جلّ وعزّ فِي قصّة إِبْرَاهِيم وَامْرَأَته: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} (هُود: 71) قرىء (يعقوبُ) بِالرَّفْع وقرىء يَعْقُوب بِفَتْح الْبَاء. فَمن رفَعَ فَالْمَعْنى وَمن وَرَاء إِسْحَاق يعقوبُ مبشَّر بِهِ. وَمن فتح يَعْقُوب فَإِن أَبَا زيد والأخفش زعما أَنه مَنْصُوب وَهُوَ مَوضِع الْخَفْض، عطفا على قَوْله (بِإسْحَاق) . الْمَعْنى فبشرناها بِإسْحَاق وَمن وَرَاء إِسْحَاق بِيعقوبَ.
قلت: وَهَذَا غير جَائِز عِنْد حذاق النَّحْوِيين من البَصريين والكوفيين. فَأَما أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى فَإِنَّهُ قَالَ: نصب يَعْقُوب بإضمار فعل آخر، قَالَ: كَأَنَّهُ قَالَ فبشرناها بِإسْحَاق وَوَهَبْنَا لَهَا من وَرَاء إِسْحَاق يعقوبَ. وَيَعْقُوب عِنْده فِي مَوضِع النصب لَا فِي مَوضِع الْخَفْض بالفِعلِ المضمَر. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الزّجاج: عطف (يعقوبَ) على الْمَعْنى الَّذِي فِي قَوْله: {فَبَشَّرْنَاهَا} (هُود: 71) كَأَنَّهُ قَالَ: وهبنا لَهَا إِسْحَاق وَمن وَرَاء إِسْحَاق يَعْقُوب، أَي وهبناهُ لَهَا أَيْضا.
وَهَكَذَا قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي. وَقَول الْفراء قريبٌ مِنْهُ. وَقَول الْأَخْفَش وَأبي زيد عِنْدهم، خطأ.
وَقَالَ اللَّيْث: المِعقاب من النِّسَاء: الَّتِي تَلد ذكرا بعد أُنْثَى. قَالَ: والعُقَب: نُوَب الْوَارِدَة تَرِدُ قطعةٌ فَتَشرب، فَإِذا وَردت قطعةٌ بعْدهَا فَشَرِبت فَذَاك عُقبتها. وعُقبة الْمَاشِيَة فِي المرعى: أَن ترعى الخُلّةَ عُقبةً ثمَّ تُحوَّل إِلَى الحمض، فالحَمضُ عُقبتُها. وَكَذَلِكَ إِذا حوِّلت من الحمض إِلَى الخُلّة فالخُلّة عُقبتها: / / وَهَذَا الْمَعْنى أَرَادَ ذُو الرمة:
من لائح المَرْو والمرعَى لَهُ عُقَب(1/183)
وأوله:
ألهاه آءٌ وتَنُّومٌ وعُقْبتُه
من لائح المَرْو ...
وَيُقَال فلانٌ عُقبةٌ من بني فلَان، أَي آخر مَن بقيَ مِنْهُم.
أَبُو عبيد: يُقَال على فلانٍ عِقْبة السَّرْو وَالْجمال، إِذا كَانَ عَلَيْهِ أثَر ذَلِك. وَقَالَ الْفراء فِي الجَمَال: عِقبةٌ، بِكَسْر الْعين أَيْضا، أَي بقيّة. وَأما عُقبة القِدر فإنّ الأصمعيَّ والبصريِّين جعلوها بِضَم الْعين، وَكَانَ الْفراء يجيزها بِالْكَسْرِ أَيْضا بِمَعْنى الْبَقِيَّة. وَمن قَالَ عُقبة الْقدر جعلهَا من الاعتقاب.
وَقَالَ اللِّحيانيُّ: العِقبة والعِقمة: ضربٌ من ثِيَاب الهَودج مَوْشِيّ، وَمِنْهُم من يَقُول عَقْمة وعَقْبة بِالْفَتْح. وَقَالَ: عُقبة الْقَمَر: عودته، وَيُقَال عَقْبة بِالْفَتْح، وَذَلِكَ إِذا غابَ ثمَّ طلع. ونخل مُعاقِبة: تحمل عَاما وتُخلِف آخَر وَقَالَ ابْن السّكيت: إبلٌ مُعاقِبة: ترعَى مرَّةً فِي حَمض وَمرَّة فِي خُلَّة. وَجَاء فلانٌ مُعْقِباً، إِذا جَاءَ فِي آخر النَّهَار.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: عَقَب فلانٌ على فُلَانَة، إِذا تزوّجها بعد زَوْجِها الأوّل، فَهُوَ عاقبٌ لَهَا، أَي آخر أزواجها. وعقّب فلَان فِي الصَّلَاة تعقيباً، إِذا صلَّى فَأَقَامَ فِي مَوْضِعه ينْتَظر صَلَاة أُخْرَى. وَفِي الحَدِيث: (مَن عَقَّب فِي صلاةٍ فَهُوَ فِي الصَّلَاة) .
وقُرارة القِدْر: عُقبته.
وعَقيبك: الَّذِي يعاقبك فِي الْعَمَل، يعْمل مرّة وتعمل أَنْت مرّة.
وَقَالَ أَبُو سعيد: قِدحٌ معقَّبٌ، وَهُوَ الْمعَاد فِي الرِّبابة مرّةً بعد مرةٍ تيمُّناً بفوزه. وَأنْشد:
بمثنَى الأيادي والمَنيح المعَقَّبِ
وَقَالَ أَبُو زيد: جَزورٌ سَحُوف المعقَّب، إِذا كَانَ سميناً. وَأنْشد:
بجلمةِ عِليانٍ سَحوفِ المعقَّبِ
أَبُو عُبَيْدَة: المِعْقَب: نجم يتعاقب بِهِ الزميلان فِي السَّفَر، إِذا غَابَ نجم وطلعَ نجمٌ آخر ركب الَّذِي كَانَ يمشي. وَأنْشد:
كأنّها بينَ السُّحوفِ مِعقَبُ
وَقَالَ اللحياني: عقَبتُ فِي إِثْر الرجُل أعقُبُ عَقْباً، إِذا تناولته بِمَا يكره ووقعتَ فِيهِ. وأعقب الرجلُ إعقاباً، إِذا رجعَ من شرَ إِلَى خير. وَيُقَال: لم أجد عَن قَوْلك متعقَّباً، أَي رُجُوعا أنظر فِيهِ، أَي لم أرخِّص لنَفْسي التعقُّبَ فِيهِ لأنظرَ آتِيهِ أم أدعُه.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الْعَرَب تسمِّي النَّاقة السَّوْدَاء عُقاباً، على التَّشْبِيه.
وَقَالَ اللِّحيانيّ: عَقَبونا مِن خَلفنا وعقَّبونا، أَي نزلُوا بعد مَا ارتحلنا. وَيُقَال عقَبت الْإِبِل تَعقُبُ عَقْباً، إِذا تحوّلت من مَكَان إِلَى مكانٍ ترعى فِيهِ. وعقَب فلَان يعقُب عَقْباً، إِذا طلب مَالا أَو شَيْئا.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: العَقْب: العِقاب. وَأنْشد:
لَيْنٌ لأهل الْحق ذُو عَقْبٍ ذكَرْ(1/184)
والعَقْب: الرُّجُوع. وَأنْشد لذِي الرمّة:
كأنّ صياحَ الكُدرِ ينظرنَ عَقْبنا
تراطُنُ أنباطٍ عليهِ طَغامِ
مَعْنَاهُ ينْتَظر صَدَرنا ليرِدْنَ بَعدنَا.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: إبلٌ عَاقِبَة: تَعقُب فِي مرتعٍ بعد الحَمْض؛ وَلَا تكون عَاقِبَة إلاّ فِي سنةٍ شَدِيدَة، تَأْكُل الشّجر ثمَّ الحمض. قَالَ: وَلَا تكون عَاقِبَة فِي العُشْب. والمعقّب: الرجل يخرج من حانة الخمّار إِذا دخَلها من هُوَ أعظمُ قدرا مِنْهُ. وَمِنْه قَوْله:
وَإِن تلتمِسني فِي الحوانيت تصطدِ
أَي أكون معقِّباً
وَفِي حَدِيث أنس بن مَالك أَنه سُئِلَ عَن التعقيب فِي رَمَضَان فَقَالَ: (إِنَّهُم لَا يرجعُونَ إلاّ لخير يرجونه أَو شرَ يخافونه) . قَالَ شمر: قَالَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه: إِذا صلى الإِمَام فِي شهر رَمَضَان بِالنَّاسِ ترويحةً أَو ترويحتين ثمَّ قَامَ الإِمَام من آخر اللَّيْل فَأرْسل إِلَى قوم فَاجْتمعُوا فصلَّى بهم بعد مَا نَامُوا فَإِن ذَلِك جَائِز إِذا أَرَادَ بِهِ قيامَ مَا أُمر أَن يصلَّى من الترويح. وأقلُّ ذَلِك خمسُ ترويحات، وَأهل الْعرَاق عَلَيْهِ. قَالَ: فأمّا أَن يكون إمامٌ صلّى بهم أوّلَ اللَّيْل الترويحات ثمَّ رَجَعَ آخر الَّيْلِ ليصلّي بهم جمَاعَة فَإِن ذَلِك مَكْرُوه؛ لما رُوِيَ عَن أنس وَسَعِيد بن جُبير فِي كراهيتهما التعقيب. وَكَانَ أنس يَأْمُرهُم أَن يصلُّوا فِي بُيُوتهم.
وَقَالَ شمر: والتعقيب: أَن يعْمل عملا من صلاةٍ أَو غَيرهَا ثمَّ يعود فِيهِ من يَوْمه. يُقَال: عقَّبَ بصلاةٍ بعد صلاةٍ، وغزوة بعد غَزْوَة. قَالَ: وسمعتُ ابْن الْأَعرَابِي يَقُول: هُوَ الَّذِي يفعل الشَّيْء ثمَّ يعود ثَانِيَة. يُقَال صلّى من اللَّيْل ثمَّ عقَّب، أَي عادَ فِي تِلْكَ الصَّلَاة.
وَفِي حَدِيث عمر أَنه (كَانَ يعقِّب الجيوشَ فِي كل عَام) ، قَالَ شمر: مَعْنَاهُ أنّه يردُّ قوما وَيبْعَث آخَرين يعاقبونهم. يُقَال قد عُقِّبَ الغازيةُ بأمثالهم وأُعقِبوا، إِذا وُجِّه مكانَهم غيرُهم.
قَالَ: وَيُقَال عقَّبت الْأَمر، إِذا تدبَّرتَه. قَالَ: والتعقُّب: التدبُّر وَالنَّظَر ثَانِيَة. قَالَ طفيلٌ الغنوي:
فَلَنْ يجد الأقوامُ فِينَا مَسَبَّةً
إِذا استُدبرتْ أيَّامنا بالتعقُّبِ
يَقُول: إِذا تعقَّبوا أيامنا لم يَجدوا مَسَبَّةً.
واستعقبتُ الرجلَ وتعقّبتُه، إِذا طلبتَ عورَتَهُ وعثرته. وَيُقَال استعقبَ فلانٌ من كَذَا وَكَذَا خيرا وشراً.
وَيُقَال هما يعتقبان ويتعقّبان: إِذا ذهبَ أَحدهمَا جَاءَ الآخر مكانَه.
ابْن شُمَيْل: يُقَال بَاعَنِي فلَان سِلعةً وَعَلِيهِ تعقِبَةٌ إِن كَانَت فِيهَا، وَقد أدركتني فِي تِلْكَ السّلْعَة تعقِبة. وَيُقَال: مَا عَقَب فِيهَا فَعَلَيْك فِي مَالك، أَي مَا أدركني فِيهَا من دَرَكٍ فعليكَ ضمانُه.
وَقَالَ شمر: العَقَبة: الْجَبَل الطَّوِيل يَعرِض للطَّريق فيأخُذُ فِيهِ، وَهُوَ طويلٌ صعبٌ شَدِيد وَإِن كَانَت خُرمت بعد أَن تشتدَّ، وتطول فِي(1/185)
السَّمَاء فِي صعُود وهبوط، أطْوَلُ من النَّقْب وأصعب مرتقًى، وَقد يكون طولهما وَاحِدًا. سَنَد النَّقْب فِيهِ شَيْء من اسلِنْقاء، وسَنَد العَقبة مستوٍ كَهَيئَةِ الْجِدَار.
قلت: وَتجمع الْعقبَة عِقاباً وعَقَبات.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال من أَيْن كَانَ عَقِبُك أَي من أَيْن أَقبلت؟ وَيُقَال لَقِي فلانٌ من فلانٍ عُقْبةَ الضَّبُع، أَي شِدَّة. وَهُوَ كَقَوْلِك: لَقِي مِنْهُ استَ الكلبة. قَالَ: والعِقاب: الْخَيط الَّذِي يشدُّ بِهِ طرفا حَلقة القُرْط.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: عَقِب النبتُ يَعقَب عَقَباً أشدَّ العَقَب، إِذا دَقّ عودُه واصفرَّ ورقُه. وكلُّ شَيْء كانَ بعد شيءٍ فقد عَقَبه. وَقَالَ جرير:
عقَبَ الرّذاذُ خِلافَهم فكأنّما
بسَطَ الشواطبُ بينهنَّ حَصِيرا
وَقَالَ ابْن السّكيت: فلانٌ يَسقِي على عَقِب آل فلانٍ، أَي بعدهمْ. وَذهب فلانٌ وعَقَبَه فلانٌ: يَتْلُو عَقِبه.
قَعْب: أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ابي الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: أوّل الأقداح الغُمَر، وَهُوَ الَّذِي لَا يبلُع الريّ؛ ثمَّ القَعْب، وَهُوَ قَدرُ رِيِّ الرجل، وَقد يروي الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَة؛ ثمَّ العُسُّ. قَالَ ابْن الأعرابيّ أَيْضا: والقاعب: الذِّئْب الصَّيَّاح.
وَقَالَ اللَّيْث: الْقَعْب: قدح ضخمٌ جافٍ غليظ. والقَعبة: شبه حُقّة مطبَقة يكون فِيهَا سَوِيق الْمَرْأَة. وحافر مقعَّب: كأنّه قعبةٌ لاستدارته.
وَقَالَ غَيره: قعَّب فلانٌ فِي كَلَامه وقعّر فِي كَلَامه بِمَعْنى وَاحِد. وَهَذَا كلامٌ لَهُ قعبٌ، أَي غَور.
قبع: فِي الحَدِيث: (كَانَت قَبيعةُ سيف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من فضَّة) قَالَ شمر: قبيعة السَّيْف: مَا تَحت الشاربين مِمَّا يكون فوقَ الغِمد فَيَجِيء مَعَ قَائِم السَّيْف. والشاربان: أنفان طويلان أسفلَ الْقَائِم، أَحدهمَا من هَذَا الْجَانِب وَالْآخر من هَذَا الْجَانِب. قَالَ: وَقَالَ خَالِد بن جَنْبة: قبيعة السَّيْف: رَأسه الَّذِي مُنْتَهى الْيَد إِلَيْهِ.
أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي: القَوبَع: قَبِيعة السَّيْف وَأنْشد لمُزاحمٍ العُقَيلي:
فصاحُوا صِياحَ الطَّير من مُحزئلّةٍ
عَبورٍ لهاديها سِنان وقَوبَعُ
ورُوي عَن الزِّبرِقان بن بدرٍ السعديّ أنَّه قَالَ: (أبغضُ كنائني إليَّ الطُّلَعة القُبَعَة) ، وَهِي الَّتِي تُطلِع رأسَها ثمَّ تخبؤه كأنّها قنفذةٌ تقبع رَأسهَا.
وَيُقَال قبَعَ فلانٌ رَأس الْقرْبَة والمزادة، وَذَلِكَ إِذا أَرَادَ أَن يَسقي فِيهَا فَيدْخل رَأسهَا فِي جوفها ليَكُون أمكنَ للسَّقي فِيهَا، فَإِذا قلب رَأسهَا على خَارِجهَا قِيل قَمَعَه بِالْمِيم، هَكَذَا حفظت الحرفين عَن الْعَرَب.
وَقَالَ شمر: قَالَ الْمفضل: يُقَال قَبَعتُ السِّقَاء قَبْعاً، إِذا ثنيتَ فَمه فجعلتَ بَشرته الدَّاخِلَة ثمَّ صببتَ فِيهِ اللبنَ أَو الماءَ. قَالَ: وخنثَ سقاءَه، إِذا ثنى فَمه فَأخْرج أدَمتَه، وَهِي الدَّاخِلَة.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: خنث فَم السِّقاء: قلبَ(1/186)
فمَه دَاخِلا كَانَ أَو خَارِجا. وكلُّ قلبٍ يُقَال لَهُ خَنْث.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: القُبوع: أَن يدْخل الْإِنْسَان رأسَه فِي قَمِيصه أَو ثَوْبه. وَقد قبع يقبع قُبوعاً. وَأنْشد:
وَلَا أطرقُ الجاراتِ باللَّيْل قابعاً
قُبوعَ القَرَنْبَى أخطأته مجاحره
وَقَالَ اللَّيْث: قبع الْخِنْزِير يقبع قَبْعاً وقُباعاً. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: القَبْع: صوتٌ يردّده الْفرس من مَنْخرَيْهِ إِلَى الْحلق، وَلَا يكون إلاّ من نفارٍ أَو شيءٍ يكرههُ. وَقَالَ عنترة:
إِذا وقَع الرماح بِمَنْكِبَيه
تولّى قابعاً فِيهِ صُدودُ
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال لصوتِ الْفِيل القَبْعُ والنَّخَفة. قَالَ: والقَبْع: الصِّياح. والقَبْع: أَن يطأطىء الرجل رأسَه فِي الرُّكوع شَدِيدا. والقَبْع: تَغْطِيَة الرَّأْس باللَّيل لرِيبة.
وَقَالَ اللَّيْث: القُباع: الأحمق. وَكَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة رجل أَحمَق يُقَال لَهُ قُباع بن ضَبّة، يضْرب مثلا لكل أَحمَق. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: يُقَال للقنفذ قُبَاع لأنّه يقبع، أَي يخبأ رَأسه وَقَالَ: وَكَانَ بِالْبَصْرَةِ مكيالٌ وَاسع لأَهْلهَا، فمرَّ والِيها بِهِ فَرَآهُ وَاسِعًا فَقَالَ: (إِنَّه لقُبَاع) ، فلقِّب ذَلِك الْوَالِي قُباعاً. وَيُقَال للْمَرْأَة الواسعة الجَهَاز: إنّها لقُباع.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن سَلمَة عَن الْفراء أَنه قَالَ: القُبَاعيّ من الرِّجَال: الْعَظِيم الرّأس، مَأْخُوذ من القُبَاع، وَهُوَ المِكيال الْكَبِير.
وَقَالَ اللَّيْث: قَبَع الْإِنْسَان يقبع قبوعاً، إِذا تخلف عَن أَصْحَابه. وَأنْشد:
قَوَابِعَ فِي غَمَّى عَجاجٍ وعِثْيَرِ
قَالَ: وقُبَع: دويْبَّة من دَوابّ الْبَحْر.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: قبع الرجل فِي الأَرْض يقبع قُبوعاً، إِذا ذهب فِيهَا. قَالَ: وَقَالَ الْأمَوِي: قَبَع الرجلُ فَهُوَ قابع، إِذا أعيا وانبهر. يُقَال عدا حتَّى قبع.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: القُبَعة: طُويِّرٌ أبقع مثل العصفور يكون عِنْد جِحَرة الجِرذان، فَإِذا فزِع أَو رُمي دخلَ الجُحر.
بقع: فِي الحَدِيث: (يُوشك أَن يُستَعمَلَ عَلَيْكُم بُقعانُ الشَّام) قَالَ أَبُو عبيد: أَرَادَ ببُقعان الشَّام سَبْيَها ومماليكَها؛ سمُّوا بذلك لأنَّ الْغَالِب على ألوانهم الْبيَاض والصُّفرة، وَقيل لَهُم بُقْعانٌ لاختلاط ألوانهم وتناسلهم من جِنْسَيْنِ مُخْتَلفين.
وَقَالَ أَبُو عبيد: يُقَال مَا أَدْرِي أَيْن سَكع وبقع، أَي أَيْن ذهب.
وَقَالَ غَيره: انبقَعَ فلانٌ انبقاعاً، إِذا ذَهبَ مسرعاً وعَدا وَقَالَ ابْن أَحْمَر:
كالثعلب الرَّائِح الممطور صِبغَتُه
شَلَّ الحواملُ مِنْهُ كَيفَ ينبقعُ
قَوْله (شلَّ الْحَوَامِل مِنْهُ) دَعَا عَلَيْهِ أَن تَشَلَّ قوائمُهُ لسرعته.
وَيُقَال للضَّبع باقع. وَيُقَال للغراب أبقع، وَجمعه بُقعانٌ، لاختلاط لَونه.
وَإِذا انتضح الماءُ على بدن المستقي من ركيّةٍ ينْزع مِنْهَا بالعَلَق فابتلَّتْ مواضعُ من(1/187)
جسَده قيل قد بقَّع. وَمِنْه قيل للسُّقاة بُقْع وَأنْشد ابْن الأعرابيّ:
كفَوْا سَنِتِينَ بالأسياف بُقْعاً
على تِلْكَ الجِفار من النفيِّ
السَّنِتُ: الَّذِي أَصَابَته السّنة. والنفيُّ: المَاء الَّذِي ينتضح عَلَيْهِ.
أَبُو الْحسن اللِّحياني: أرضٌ بَقِعةٌ: فِيهَا بُقَع من الْجَرَاد. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: يُقَال عَلَيْهِ خُرء بقاعِ وَهُوَ الْعرق يُصيب الإنسانَ فيبْيَضُّ على جلده شبه لُمَع. قَالَ: والبقعة: قطعةٌ من الأَرْض على غير هَيْئَة الَّتِي إِلَى جنبها، والجميع بُقَع وبقاع. والباقعة: الرَّجل الدَّاهية. يُقَال مَا فلانٌ إلاّ باقعة من البواقع، لحلوله بقاعَ الأَرْض وَكَثْرَة تنقيبه فِي الْبِلَاد ومعرفته بهَا، فشبِّه الرجل الْبَصِير بالأمور بِهِ، وَدخلت الْهَاء فِي نعت الرجل مُبَالغَة فِي صفته، كَمَا قَالُوا: رجلٌ داهية، وعَلاَّمة، ونسّابة.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال أَصَابَهُ خُرء بَقَاعَ وبَقَاعِ يَا فَتى، وبَقاع مَصْرُوف وَغير مَصْرُوف، وَهُوَ أَن يصيبَه غبارٌ وعرقٌ، فَتبقى لمع مِنْهُ على جسده. قَالَ: وَأَرَادُوا ببقاعِ أَرضًا بِعَينهَا.
قَالَ: وَيُقَال تشاتما وتقاذفا بِمَا أبقى ابنُ بُقَيع قَالَ: وَابْن بُقَيع: الْكَلْب، وَمَا أبقى من الجِيفة.
وَقَالَ أَو عَمْرو: الباقعة: الطَّائِر الحَذِر، إِذا شرِب المَاء نظر يَمنةً ويَسرة.
وَقَالَ اللِّحياني: يُقَال ابتُقِع لَونه، وامتُقِع لونُه، وانتُقِع لَونه، بِمَعْنى وَاحِد.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: يُقَال للأبرص: الأبقع، والأسلَع، والأقْشَر، والأصلخ، والأعرم، والملمَّع، والأذمل. والجميع بُقْع.
وبقيع الغَرْقَدِ: مَقبُرة بِالْمَدِينَةِ، كَانَ منبتاً لشجر الغَرقد فنُسب إِلَيْهِ وعُرفَ بِهِ. والغَرقد: شجر العَوسَج.
عبق: أَبُو الْحسن اللِّحياني، وَيَعْقُوب بن السّكيت: يُقَال مافي نِحْيِه عَبَقةٌ وَلَا عَمقَة، أَي مَا فِيهِ وضَر من السَّمْن. وأصل ذَلِك من قَوْلك: عبِق بِهِ الشَّيْء يَعبَق عَبَقاً، إِذا لصِق بِهِ. وَقَالَ طرفَة:
ثمَّ راحوا عَبَقُ المسكِ بهم
يُلحفون الأرضَ هُدَّابَ الأُزُرْ
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: عَسِق بِهِ وعَبِق بِهِ: إِذا لصق بِهِ. وريح عَبِقٌ: لاصق. وَقَالَ ابْن شُمَيل: قَالَ الخُزاعيُّون وهم من أعرَبِ النَّاس رجلٌ عبِقٌ لبِق، وَهُوَ الظريف. أَبُو عبيد: شَيْنٌ عَباقِيَةٌ، وَهُوَ الَّذِي لَهُ أثرٌ بَاقٍ. وَقَالَ غَيره: العَباقية: شَجَرَة ذَات شوك تُؤذي مَن عَلِق بهَا. وَأنْشد:
غداةَ شُواحطٍ لَنَجَوْتَ شَدّاً
وثوبُك فِي عَباقيةٍ هَريدُ
وَقَالَ اللَّيْث: العَباقية: الرجلُ الداهيةُ ذُو شرَ ونُكر. وَأنْشد:
أطفَّ لَهَا عَباقيَةٌ سَرَندى
جريء الصَّدْر منبسطُ اليمينِ
وَقَالَ ابْن شُميل: العَباقية: اللص الخارب الَّذِي لَا يُحجم عَن شَيْء. ورُوي عَن(1/188)
الأصمعيّ أَنه قَالَ رجلٌ عِبقَّانة زِبِقَّانة، إِذا كَانَ سيّء الْخلق والمروءة كَذَلِك.
وَقَالَ اللَّيْث: امْرَأَة عَبِقة ورجلٌ عَبِق، إِذا تطيَّبا بطيبٍ فَلم تذْهب رائحتُه أَيَّامًا.
بعق: أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: البُعاق: الْمَطَر الَّذِي يتبعَّق بِالْمَاءِ تبعُّقاً. وَفِي حَدِيث حُذَيْفَة أَنه قَالَ: مَا بَقِي من الْمُنَافِقين إِلَّا أَرْبَعَة. فَقَالَ رجل: (فَأَيْنَ الَّذين يبعِّقون لقاحَنا وينقُبون بُيُوتنَا؟) يَعْنِي أَنهم ينحرونها. فَقَالَ حُذَيْفَة: أُولَئِكَ هم الْفَاسِقُونَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: قَوْله (يبعِّقون لقاحنا) ، يَعْنِي أَنهم ينحرونها ويُسيلون دماءَها يُقَال انبعق الْمَطَر، إِذا سَالَ بِكَثْرَة. وَقَالَ اللَّيْث: الانبعاق: أَن ينبعق عَلَيْك الشَّيْء مفاجأةً من حيثُ لم تحتسبْه. وَأنْشد:
بَيْنَمَا الْمَرْء آمنا راعهُ را
ئعُ حتفٍ لم يَخْشَ مِنْهُ انبعاقَه
وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : ابتعقَ فلانٌ كَذَا وَكَذَا ابتعاقاً، إِذا أَخذه من تِلْقَاء نَفسه، فَهُوَ مبتعق.
وَقَالَ اللَّيْث: البُعاق: شدّة الصَّوْت. والباعق: المطَر يفاجىء بوابل. وَقد بَعَق بُعاقاً. وَأنْشد:
تيمَّمتُ بالكِدِيَوْنِ كي لَا يفوتَني
من المَقْلة الْبَيْضَاء تفريطُ باعقِ
قَالَ: يَعْنِي تَرْجِيع المؤذّن إِذا مَدَّ صوتَه فِي أَذَانه.
قلت: وَرَوَاهُ غَيره: (تَفْرِيط ناعق) مِن نعَق الرَّاعِي بغنمه، إِذا زجَرها ودعاها.
(بَاب الْعين وَالْقَاف مَعَ الْمِيم)
عقم، عمق، قمع، قعم، معق، مقع: مستعملات.
عقم: عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: العَقْميُّ: الرجُل القديمُ الْكَرم والشَّرف. قَالَ: والعُقمي من الْكَلَام: غريبُ الْغَرِيب.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: قَالَ ابْن بُزْرج: امرأةٌ عَقَام ورجلٌ عَقَام، إِذا كَانَا سيِّئَيء الخُلُق. وَمَا كَانَ عَقاماً وَلَقَد عَقُم تَخلّقه. قَالَ: وَامْرَأَة عقيم: لَا تَلد. ورجلٌ عقيم: لَا يُولَد لَهُ. قَالَ: وَجمع العَقام والعَقيم العُقْم. وَيُقَال للعقيم من النِّسَاء: قد عَقِمَتْ، وَفِي سوء الْخلق: قد عقُمتْ. قَالَ: وَقد قَالُوا فِي الْعَقِيم أَيْضا: مَا كَانَت عقيماً، وَلَقَد عُقمتْ فَهِيَ معقومة. وَهُوَ العُقْم والعَقْم. وَقد عَقَم الله رحمهَا.
وَقَالَ أَبُو عبيد: سمعتُ الأصمعيّ يَقُول: عَقامٌ وعقيمٌ بِمَعْنى وَاحِد، مثل بَجَالٍ وبجيل، وشَحاحٍ وشحيح.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال حَربٌ عَقام وعُقام: لَا يَلوي فِيهَا أحدٌ على أحد. قَالَ: وَيُقَال عُقِمت الرَّحِم عُقماً، وَذَلِكَ هَزمةٌ تقمع فِي الرَّحِم فَلَا تقبل الْوَلَد.
قَالَ: وَالرِّيح العَقيم فِي كتاب الله يُقَال هِيَ الدَّبور، لَا تُلقح شَجرا وَلَا تحمل مَطَرا. وَقَالَ جلّ وعزّ: {مُلِيمٌ وَفِى عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} (الذّاريَات: 41) . قَالَ أَبُو إِسْحَاق: الرّيح الْعَقِيم: الَّتِي لَا يكون مَعهَا لَقْحٌ، أَي لَا تَأتي بمطَر، إنّما هِيَ ريحُ(1/189)
الإهلاك. وَيُقَال المُلْكُ عقيم يقتُل الْوَالِد فِيهِ ولدَه، والولَدُ والدَه. وحربٌ عقيمٌ: يكثر فِيهَا القَتْل فَيبقى النِّساء أَيامَى.
وَفِي حَدِيث ابْن مَسْعُود حِين ذكر القيامةَ وأنَّ الله يَظهَر للخَلْق، قَالَ: (فيخرُّ الْمُسلمُونَ سجوداً لربِّ الْعَالمين وتُعقَم أصلاب الْمُنَافِقين فَلَا يقدرُونَ على السُّجُود) . قَالَ أَبُو عبيد: قَوْله تُعقَم أصلابُ الْمُنَافِقين، يَعْنِي تيبس مفاصلُهم فَتبقى أصلابُهم طبقًا وَاحِدًا. قَالَ: والمفاصل يُقَال لَهَا المعاقم. وَقَالَ النَّابِغَة:
تخطُو على مُعُجٍ عُوجٍ معاقمها
يَحسبن أنّ تُراب الأَرْض منتَهبُ
وَقَالَ أَبُو عبيد: يُقَال الْمَرْأَة معقومة الرَّحِم، كَأَنَّهَا مسدودتها. وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الأصمعيّ: الاعتقام أَن يحفروا الْبِئْر فَإِذا اقتربوا من المَاء احتفرُوا بِئْرا صَغِيرَة فِي وَسطهَا بِقدر مَا يَجدونَ طعمَ المَاء، فَإِن كَانَ عذباً حفَروا بقيّتَها. قَالَ: وأنشدنا للعجاج:
إِذا انتحى معتقماً ولجَّفاً
وَقَالَ اللَّيْث فِي الاعتقام: إنّه المضيُّ فِي الْحفر سُفْلاً.
وَقَالَ هُوَ وَغَيره: العَقْم: ضربٌ من الوشي، الْوَاحِدَة عَقْمة. وَقَالَ الأصمعيّ: العُقميُّ: كلامٌ عقيم، لَا يشتقُّ مِنْهُ فعل. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: إنّه لعالمٌ بعُقميّ الْكَلَام وعُقْبيّ الْكَلَام، وَهُوَ غامض الْكَلَام الَّذِي لَا يعرفُه النَّاس، وَهُوَ مثلُ النَّوَادِر. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: سَأَلت رجلا من هُذيل عَن حرفٍ غَرِيب فَقَالَ: هَذَا كلامٌ عُقْميٌّ، يَعْنِي أَنه من كَلَام الجاهليّة لَا يُعرَف الْيَوْم. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال فلانٌ ذُو عُقْميّاتٍ، إِذا كَانَ يلوِّي بخَصمه.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم السِّجزيّ: العَقَام: اسْم حيّة تسكُن الْبَحْر. قَالَ: وحدَّثني من أَثِق بِهِ أنّ الأسودَ من الحيّاتِ يَأْتِي شطَّ الْبَحْر فيصْفِر فَتخرج إِلَيْهِ العَقَام، فيتَلاويان ثمَّ يفترقان، فَيذْهب هَذَا فِي البرّ وَيرجع العَقَام إِلَى الْبَحْر.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: العَقْم: الْقطع؛ وَمِنْه قيل المُلْكُ عقيم؛ لِأَنَّهُ تقطع فِيهِ الْأَرْحَام بِالْقَتْلِ والعقوق. قَالَ: وَيُقَال عُقِمت الْمَرْأَة تُعقَم عَقْماً، وعَقِمَتْ تَعقَم عَقَماً، وعَقمت تَعقُم عُقماً. وَرجل عقيم: لَا يُولد لَهُ. وَامْرَأَة عقيم: لَا تحمل.
قعم: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: القَعَم: ضِخَم الأرنبة ونتوءُها وانخفاض القَصَبة. قَالَ: والقَعَم أحسن من الخَنَس والفَطَس. وَقَالَ فِي موضعٍ آخر: فِي أَنفه قَعَم أَي عَوَج.
قَالَ: والقَيعَم: السنّور.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: القَعْم: صِياحُ السنّور.
وَقَالَ اللَّيْث: أُقعِم الرجلُ، إِذا أَصَابَهُ الطَّاعُون فَمَاتَ. قَالَ: وأقعمته الحيّة، إِذا لدغَتْه فماتَ من سَاعَته. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: لَك قمعة هَذَا المَال وَلَك قُمْعته، أَي لَك خِيَاره وأجوده.
عمق: قَالَ الله جلّ وعزّ: {يَأْتُوكَ(1/190)
رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ} (الحَجّ: 27) قَالَ الْفراء: لُغَة أهل الْحجاز عميق. وَبَنُو تَمِيم يَقُولُونَ معيق. وَقَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله: {مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ} (الحَجّ: 27) قَالَ: من كل طريقٍ بعيد.
وَقَالَ اللَّيْث فِي قَوْله {مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ} (الحَجّ: 27) .
قَالَ: وَيُقَال مَعِيق. والعميق أَكثر من المَعِيق فِي الطَّرِيق. قَالَ: والفجّ: المضربُ الْبعيد.
قلت: وَقد قَالَ غَيره: هُوَ الشِّعب الْوَاسِع بَين الجبلين.
وَتقول الْعَرَب: بِئْر عميقة ومعيقة، وَقد أعمقتها وأمعقتها، وَقد عمُقَت ومعُقت مَعاقةً. وإنّها لبعيدةُ العَمْق والمعْق.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: يُقَال: لي فِي هَذِه الدَّار عَمقَ أَي حقّ، وَمَالِي فِيهَا عَمَق أَي حقٌّ.
وَقَالَ اللَّيْث: الأعماق والأمعاق: أَطْرَاف الْمَفَازَة الْبَعِيدَة؛ وَكَذَلِكَ الأماعق. وَقَالَ رؤبة:
وقاتم الأعماق خاوي المختَرَقْ
مشتبه الْأَعْلَام لمّاع الخَفَقْ
وقرأت بِخَط شِمر لِابْنِ شُميل قَالَ: المَعْق: بُعد أَجْوَاف الأَرْض على وَجه الأَرْض يَقُود المعقُ الأيامَ. يُقال عَلَونا مُعُوقاً من الأَرْض مُنكرَة، وعلَونا أَرضًا مَعْقاً. وأمّا المَعِيق فالشديد الدُّخول فِي جَوف الأَرْض، يُقَال غَائِط مَعيق.
قَالَ شمر: وَقَالَ الْأَصْمَعِي وَابْن الْأَعرَابِي: الأعماق شَيْئَانِ: المطمئنّ، وَيجوز أَن يكون بعيدَ الغَور. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي فِي قَول رؤبة: (وقاتم الأعماق) : يَعْنِي الْأَطْرَاف.
وَيُقَال تعمَّق فلانٌ فِي الْأَمر، إِذا تنوّق فِيهِ، فَهُوَ يتعمَّق.
وَقَالَ ابْن السّكيت: العُمَق: مَوضِع على جادّة طَرِيق مَكَّة، بَين معدِن بني سُلَيم وَذَات عِرق. والعامة تَقول العُمُق، وَهُوَ خطأٌ. قَالَه الْفراء. وعَمْق: مَوضِع آخر.
وَقَالَ ابْن السّكيت: العِمْقَى: نبت. وبعيرٌ عامق: يرْعَى العِمْقَى.
قمع: أَبُو عبيد: قَمعتُ الرجلَ وأقمعتُه بِمَعْنى وَاحِد وروى الحرّاني عَن ابْن السّكيت قَالَ: أقمعت الرجلَ بِالْألف، إِذا طلع عَلَيْك فرددتَه. قَالَ: وقمعته، إِذا قهرته. وَقَالَ غَيره: قمعت الوَطْبَ، إِذا جعلتَ القِمَع فِي فَمه لتصبَّ فِيهِ لَبَنًا أَو مَاء. وقمعت القِربة، إِذا ثنيتَ فمها إِلَى خَارِجهَا، فَهِيَ مقموعة. والقَمَع: ورم يكون فِي مؤق الْعين، يُقَال قَمِعت العينُ تَقمع قَمَعاً، إِذا ورِمَ مُؤقها. وَمِنْه قَول الْأَعْشَى:
ومأقاً لم يكن قَمِعاً
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: القَمَعة: ذُبَاب عَظِيم أَزْرَق، وَجَمعهَا قَمَعٌ، يَقع على رُؤُوس الدوابّ فيؤذيها. وَقَالَ أَوْس بن حجر:
ألم تَرَ أنّ الله أنزلَ مُزنةً
وعُفرُ الظِّباء فِي الكِناس تَقَمَّعُ
يَعْنِي تحرِّك رؤوسها من القَمَع
الحرانيّ عَن ابْن السّكيت قَالَ: القَمْع:(1/191)
مصدر قمعتُه أمقعُه قمعاً. قَالَ: والقَمَع: بَثر يخرج فِي أصُول الأشفار. قَالَ: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: القَمَع: فسادٌ فِي موق الْعين واحمرار. قَالَ: والقَمَع أَيْضا: جمع قَمَعة، وَهِي السَّنام. قَالَ: والقَحَدة أصلُه. وَأنْشد:
وهم يُطعِمون الشَّحمَ من قَمَع الذُّرى
قَالَ: والقَمَع أَيْضا: ذُبَاب يركب الْإِبِل والظباءَ إِذا اشتدَّ الحرّ، فَإِذا وقَع عَلَيْهَا تقمَّعت مِنْهَا.
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (ويلٌ لأقماع القَول، ويلٌ للمصرِّين) قَوْله: ويلٌ لأقماع القَوْل، عَنى بِهِ الَّذين يسمعُونَ القولَ وَلَا يَعُونَه وَلَا يعْملُونَ بِهِ، كَمَا أنّ الأقماع لَا تُمسِك شَيْئا مِمَّا يصبُّ فِيهَا. شبّه آذانَهم بهَا فِي كَثْرَة مَا يدخلهَا من المواعظ وهم مُصِرُّونَ على ترك العَمَل بهَا. وَوَاحِد الأقماع قِمَع، وَهُوَ الأداة الَّتِي يُصَبُّ فِيهَا مَا يُحقَن فِي السقاءِ وَغَيره من الأوعية. وَقيل الأقماع أُرِيد بهَا الأسماع.
شمر عَن أبي عَمْرو قَالَ: القَمِيعة: الناتئة بَين الْأُذُنَيْنِ من الدوابّ، وَجَمعهَا قمائع. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: القميعة: طَرف الذَّنَب، وَهُوَ من الْفرس مُنْقَطع العسيب، وَجَمعهَا قمائع. وَأنْشد لذِي الرمة:
وينفُضنَ عَن أقرابهنَّ بأرجلٍ
وأذنابٍ حُصِّ الهُلْبِ زُعْر القمائعِ
وقَمَعة العرقوب مثل قَمَعة الذنَب. والقَمَع: ضِخَم قَمعة العُرقوب، وَهُوَ من عُيُوب الْخَيل، يستحبُّ أَن يكون الْفرس حَدِيد طرف العُرقوب. وَقَالَ بَعضهم: القَمَعة: الرَّأْس، وَجَمعهَا قَمَع. وَقَالَ قَائِل من الْعَرَب: (لأجزَّنَّ قَمَعكم) ، أَي لأضربنّ رؤوسكم.
وَقَالَ الأصمعيّ: حدّثني أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء قَالَ: قَالَ سيف بن ذِي يزن حِين قاتلَ الْحَبَشَة:
قد علمَتْ ذاتُم نِطَعْ
أنّى إذمْ موتُ كَنَعْ
أضربُهم بذِمْ قَلَعْ
اقتربُوا قِرفَمْ قِمَعْ
قَالَ: أَرَادَ: النطع، وَإِذا الْمَوْت كنع، فأبدل من لَام الْمعرفَة ميماً. وَقَوله (قِرف القمع) أَرَادَ أنَّهم أوساخ أذلاّء كالوسخ الَّذِي يُقرَف من القِمَع. وَنصب (قِرفَ) لِأَنَّهُ أَرَادَ يَا قرف القِمَع. والقِمَع: مَا التزق بالعنقود من حبّ الْعِنَب والتَّمْر. والثُّفروق: قِمَع البُسرة وَالتَّمْرَة.
والمِقمعة: شبه الجِرَزة من الحديدِ والعَمَد يُضرب بهَا الرَّأْس، وَجَمعهَا المقامع. قَالَ الله تَعَالَى: {وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ} (الحَجّ: 21) وَهِي الجِرَزَة من الْحَدِيد، وَالله أعلم.
وقَمَعة بن إلْيَاس بن مُضَر: أحد ولدِ خِندِف، يُقَال إِنَّه لقّب بقَمَعةَ لأنّه انقمع فِي ثَوْبه حِين خرج أَخُوهُ مدركةُ بن إلْيَاس فِي بُغاء إبل أَبِيه، وَقعد الْأَخ الثَّالِث يطبخُ الْقدر، فسمِّي باغي الْإِبِل مُدركة، وسمّي طابخ الْقدر طابخة، وسمِّي المنقمع فِي ثَوْبه قَمَعة. وَهَذَا قَول النسَّابين.(1/192)
ومتقمَّع الدَّابَّة: رَأسهَا وجَحافلها، وَيجمع على المقامع. قَالَ ذُو الرمّة:
وأذناب زُعر الهُلْب صُحْم المقامِع
يُرِيد أَن رؤوسها سُود.
وَقَالَ الأصمَعيّ: يُقَال لَك قُمْعة هَذَا المَال، أَي خِيَاره.
وَقَالَ غَيره: إبل مقموعة: أَخذ خيارُها. وَقد قمعتُها قَمعاً. وَيُقَال تقمّعتها، أَي أخذت قُمْعَتها. وَقَالَ الراجز:
تقمَّعوا قُمعتَها العقائلا
أَبُو خيرة: القَمَع: مثل العَجاجة تثور فِي السَّمَاء.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: من ألوان الْعِنَب الأقماعيّ، وَهُوَ الفارسيّ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: القَمَعة: مَا فِي مؤخّر الثُّنّة من طرف العُجاية مِمَّا لَا يُنبت الشّعْر.
وَقَالَ شمر: القَمَع طبَق الْحُلْقُوم، وَهُوَ مجْرى النّفَس إِلَى الرئة.
وَفِي حَدِيث عَائِشَة أَنَّهَا كَانَت تلعب بالبناتِ مَعَ صواحبَ لَهَا، قَالَ: (فَإِذا رأين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انقمعْنَ) ، أَي تغيَّبْن، يُقَال قَمعتُه فانقمَعَ، أَي ذلّلتُه. قَالَ: وانقماعهنَّ: دخولهنَّ فِي بيتٍ أَو سِتْر.
وَحكى شمر عَن أعرابيّة أَنَّهَا قَالَت: القَمْع أَن تَقْمع آخَرَ بالْكلَام حتّى تتصاغرَ إِلَيْهِ نفسُه. قَالَ: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: سمِّي القِمَع قِمَعاً لأنّه يُدخَل فِي الْإِنَاء. يُقَال قمعتُ الإناءَ أقمعه. قَالَ: والقَمْع: أَن يوضع القِمَع فِي فَم السقاء ثمَّ يُملأ.
قَالَ أَبُو تُرَاب: سَمِعت أَبَا سعيد وَغَيره من أهل الْعلم يَقُولُونَ: إداوَةٌ مقموعة ومقنوعة، بِالْمِيم وَالنُّون: خُنِثَ رَأسهَا.
وَقَالَ شمر: وَقَالَ بَعضهم: القَمَع: طَبَق الحُلقوم.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: القَمْع: الذُّلّ. والقَمْع: الدُّخول فِراراً وهرباً.
أَبُو عبيد عَن الأمويّ: اقتمعتُ مَا فِي السقاء، أَي شربته كلَّه وأخذته.
سَلمَة عَن الْفراء: يُقَال: خُذْ هَذَا الإناءَ فاقمعه فِي فَمه ثمَّ اكْلِتْه فِي فِيهِ.
مقع: أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر: يُقَال: امتَقَع الفصيلُ مَا فِي ضَرع أُمِّه، إِذا شرِب مَا فِيهِ أجمع. وَكَذَلِكَ امتقَّه وامتكَّه.
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْفراء: مُقِعَ فلَان بسَوءةٍ، إِذا رُمي بهَا. وَقَالَ غَيره: مقَعْته بشرَ ولقَعتُه بِمَعْنَاهُ، إِذا رميتَه بهَا. وَقَالَ غَيره: امتُقِع لونُه وانتُقِع لَونه، إِذا تغيَّر لَونه من فزع أَو علّة.
وَقَالَ اللَّيْث: المَقْع والمَعْق: الشُّرب الشَّديد. قَالَ: والفصِيل يَمقَع أمَّه، إِذا رَضِعَها.
(أَبْوَاب الْعين وَالْكَاف)
ع ك ج: مهمل:
(بَاب الْعين وَالْكَاف والشين)
اسْتعْمل مِنْهُ: شكع، عكش: مستعملان.
شكع: أَبُو عبيد: الشُّكاعَى: نبتٌ، وَقد رأيتُه(1/193)
فِي الْبَادِيَة، وَهُوَ من أَحْرَار الْبُقُول. قَالَ: وَقَالَ الْأَحْمَر: أشكعَني وأحمشني وأذرأني وأحفَظَني، كلُّه أغضبَني. وَقَالَ غَيره: شَكِع الرجلُ يَشكع شَكَعاً، إِذا كثُر أنينُه وضجرهُ من مَرضٍ يُقلِقه. وَيُقَال لكلِّ متأذَ من شيءٍ: شَكِعٌ وشاكع. وَيُقَال للبخيل اللَّئِيم شَكِعٌ. وَقَالَ ابْن أَحْمَر الباهليّ يذكر الشُّكاعَى وتداويَه بِهِ حِين سَقَى بَطنُه.
شربت الشكاعى والتددْتُ ألِدَّةً
وأقبَلْتُ أفواهَ العروقِ المكاوِيا
عكش: أهمله اللَّيْث.
أَبُو الْعَبَّاس عَن عَمْرو بن أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ عَن أَبِيه أَنه قَالَ: هِيَ العنكبوت، والمُولَةُ، والعُكاشة، والعُكّاشة، وَبِه سمي الرجلُ عُكّاشة. وكلُّ شَيْء لزمَ بعضُه بَعْضًا فقد تعكَّش.
وَقَالَ الأصمعيّ: شعر عَكِشٌ ومتعكِّشٌ، إِذا تلبَّد. وشعرٌ عِكشُ الْأَطْرَاف، إِذا كَانَ جَعدًا. وشجرة عكِشَة: كثيرةُ الْفُرُوع متشجنة. قَالَ والعُكَّاشُ: اللَّوَّاء الَّذِي يتفشَّغ الشجرُ ويلتوي عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: العَوْكشة من أدوات الحرَّاثين: مَا يُذرَّى بِهِ الأكداسُ المَدُوسة، وَهِي الحِفراة أَيْضا. وَيُقَال شدَّ مَا عَكِشَ رأسُه، أَي لزمَ بعضُه بَعْضًا.
(بَاب الْعين وَالْكَاف وَالضَّاد)
اسْتعْمل مِنْهُ حرف وَاحِد
ضكع: روى أَبُو عبيد عَن الْفراء: رجل ضَوكَعةٌ، وَهُوَ الأحمق. وَقَالَ غَيره: الضَّوكع: المسترخي القوائم فِي ثقل.
وَأما العَضَنّكُ فقد أَثْبَتْنَاهُ فِي رباعيّ الْعين.
(بَاب الْعين وَالْكَاف وَالصَّاد)
اسْتعْمل من وجوهه:
عكص: أَبُو عبيد عَن الْفراء: رجل عَكِصٌ عَقِص: شكس الْخلق سيِّئُه. وَرَأَيْت مِنه عَكَصاً، أَي عسراً وسوءَ خُلُق.
ورملة عكِصَةٌ: شاقّة المسلك.
كعص: قَالَ بَعضهم: الكَعْص: اللَّئِيم. قلت: وَلَا أعرفهُ أَنا.
(بَاب الْعين وَالْكَاف وَالسِّين)
اسْتعْمل من وجوهه: عكس، سكع، كسع، عسك.
عكس: أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: العَكيس: الدَّقِيق يُصَبُّ عَلَيْهِ الماءُ ثمَّ يُشرب. وأنشدنا لمنظور الْأَسدي:
لمَّا سقيناها العكيسَ تمذّحت
خَواصرُها وازداد رشحاً وريدها
وَقَالَ أَبُو عبيد: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: إِذا صُبَّ لبنٌ على مرقٍ كَائِنا مَا كَانَ فَهُوَ العكيس.
أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر: عكست الْبَعِير عكساً، وَهُوَ أَن تشدَّ عنقَه إِلَى إِحْدَى يَدَيْهِ وَهُوَ بَارك، وَالِاسْم العِكاس. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي مثله.
وَرُوِيَ عَن الرّبيع بن خُثَيم أَنه قَالَ: (اعكِسوا أنفسَكم عكسَ الْخَيل باللُّجُم) .(1/194)
قَالَ شمر: مَعْنَاهُ اقدعوها وكفوها. قَالَ أعرابيٌّ من بني نُفَيل شنقتُ الْبَعِير وعكستُه، إِذا جذبتَ من جريرِه ولزمت من رَأسه فهملج. قَالَ: وَقَالَ الجعديّ: العَكْس أَن يَجعلَ فِي رَأس الْبَعِير خطاماً ثمَّ يعقده إِلَى ركبته لِئَلَّا يصُول.
وَقَالَ اللَّيْث: الْعَكْس: ردُّك آخرَ الشَّيْء على أوّله. وَأنْشد:
وهُنَّ لَدَى الأكوار يُعْكَسْنَ بالبُرى
على عَجَلٍ مِنْهَا ومنهنَّ يُكسَعُ
قَالَ: وَالرجل يمشي مَشيَ الأفعى فَهُوَ يتعكَّس تعكُّساً، كَأَنَّهُ قد يبِست عُروقُه. وربّما سمِّي السَّكْرَان كَذَلِك.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال مِن دون ذَلِك مِكاسٌ وعِكاس، وَذَلِكَ أَن تَأْخُذ بناصيته وَيَأْخُذ بناصيتك.
عسك: أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: عَسِك بِهِ، وسَدِك بِهِ، إِذا لزمَه. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: عسق بِهِ وعَسِك بِهِ، إِذا لصِق بِهِ.
كعس: اللَّيْث: الكَعْس: عِظام السُّلامَى، وَجمعه الكِعاس. وَهِي أَيْضا عِظَام البراجم فِي الْأَصَابِع، وَكَذَلِكَ من الشَّاء وَغَيرهَا.
كسع: رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (لَيْسَ فِي الكُسْعة صَدَقة) ، قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الكُسْعة: الْحمير.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن الطوسيّ عَن الخرّاز قَالَ: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الكُسْعة: الرَّقيق، سمِّيت كُسْعة لأنّك تكسعها إِلَى حَاجَتك. قَالَ: والنُّخّة: الْحمير. والجَبْهة: الْخَيل
قلت: سمِّيت الْحمير كُسعةً لأنّها تُكسَعُ فِي أدبارها إِذا سِيقَت وَعَلَيْهَا أحمالُها.
وَفِي (النَّوَادِر) : كسعَ فلانٌ فلَانا وكسَحه، وثَفَنَه، ولَظَّه ولاظَه ولأظه، يلُوظُه ويلُظُّه ويَلأَظُه، إِذا طرده.
والكَسع أَيْضا: أَن يُؤْخَذ مَاء بَارِد فَيضْرب بِهِ ضروع الحلائب إِذا أَرَادوا تغريزها ليبقى لَهَا طِرقُها وَيكون أقوى لأولادها الَّتِي تُنتجُها فِيمَا تقتبل. وَقَالَ ابْن حلّزة:
لاتكسَع الشُّولَ يأغبارها
إِنَّك لَا تَدْرِي مَن الناتجُ
واحلُبْ لأضيافك ألبانَها
فإنَّ شرَّ اللبنِ الوالجُ
والأغبار: جمع غُبْر، وَهُوَ بَقِيَّة اللَّبن فِي الضَّرع. يَقُول: لَا تغرِّز إبلك وَأَنت تُريغُ بذلك قوَّةَ نسلها، واحلبْها لأضيافك فلعلَّ عدوّك يُغير عَلَيْهَا فَيكون الناتجَ دُونك.
وَقَالَ ابنُ الْأَعرَابِي: قَالَ أَعْرَابِي: ضِفتُ قوما فأتوني بكُسَعٍ جَبِيزاتٍ معشِّشات. قَالَ: الكُسَع: الكِسَر. والجَبيزات: اليابسات.
وَيُقَال: كَسَعَ فلانٌ فلَانا بِمَا سَاءَهُ، إِذا همَزه من وَرَائه بكلامٍ قَبِيح. وَيُقَال: ولَّى القومُ أدبارَهم فكسَعَوهم بسيوفهم، أَي ضربوا دوابرهم.
وكُسَع: حيٌّ من الْعَرَب رُماة، وَكَانَ فيهم رجلٌ رامٍ، فرمَى بَعْدَمَا أسدفَ الليلُ عيرًا فَأَصَابَهُ، فظنَّ أنّه أخطأه فَكسر قوسَه، ثمَّ نَدم من الْغَد حِين نظر إِلَى العَير قد اسبطَرّ(1/195)
َ مَيتا وسهمُه فِيهِ. فَصَارَ مثلا لكلِّ نادمٍ على فعلٍ فعَلَه. وَفِيه يَقُول الفرزدقُ وَقد ضربه مثلا لنَفسِهِ حِين طلّق امْرَأَته نوار:
ندمتُ ندامةَ الكُسَعيِّ لمّا
غَدَتْ مني مطلَّقةً نَوارُ
وَقَالَ اللَّيْث: الكُسْعة: الرِّيش الْمُجْتَمع الْأَبْيَض تَحت ذنَب العُقاب، وَجَمعهَا الكُسَع. وكَسَعتِ الظَّبية والناقةُ، إِذا أدخلت ذنَبها بَين رِجْلَيْهَا. وناقة كاسع بِغَيْر هَاء. والكَسَع فِي (شِيات الْخَيل) من وضح القوائم: أَن يكون الْبيَاض فِي طرف الثُّنّة فِي الرِّجل. قَالَه أَبُو عُبَيْدَة.
وَقَالَ أَبُو سعيد: إِذا خطَرَ الفحلُ فضربَ بَين فَخذيهِ فَذَلِك الاكتساع، فَإِن شالَ بِهِ ثمّ طَواه فقد عَقْرَبه.
وَقَالَ أَبُو سعيد: الكُسْعة تقع على الْإِبِل العوامل، وَالْبَقر الْحَوَامِل، وَالْحمير، والرَّقيق. وَإِنَّمَا كَسْعُها أنّها تُكْسَع بالعِصِيِّ إِذا سِيقتْ.
سكع: قَالَ ابْن السّكيت: مَا أَدْرِي أَيْن سَكَع وبكع وبقع، أَي مَا أَدْرِي أَيْن ذهب.
وَقَالَ أَبُو زيد: المسكِّعة من الأرَضينَ: المِضَلَّة.
عَمْرو عَن أَبِيه: رجل نَفِيح ونِفِّيح، وساكع، وشَصِيب، أَي غَرِيب.
وَفِي (النَّوَادِر) : يُقَال فلانٌ فِي مُسَكِّعةٍ ومُسَكَّعة من أمره، وَهِي المضلِّلة المودِّرة الَّتِي لَا يُهتَدى فِيهَا لوجه الْأَمر.
وَأنْشد اللَّيْث:
ألاَ إنّه فِي غَمْرَةٍ يتسكَّعُ
أَي لَا يدْرِي أَيْن يَأْخُذ من أَرض الله.
(بَاب الْعين وَالْكَاف وَالزَّاي)
اسْتعْمل من وجوهه: زعك، عكز.
زعك: أَبُو عبيد عَن أَصْحَابه: الأزعكيّ: الْقصير اللَّئِيم. وَقَالَ غَيره: هُوَ المسنُّ الفاني.
عكز: عَمْرو عَن أَبِيه: العِكْز: الرجل السيّىء الْخلق الْبَخِيل المشؤوم. وَقَالَ غَيره: العُكّازة: عَصا فِي أَسْفَلهَا زُجٌّ يتوكّأ عَلَيْهَا الرجل، وَجَمعهَا عكاكيز وعُكَّازات.
ع ك ط: أهملت وجوهه.
(بَاب الْعين وَالْكَاف وَالدَّال)
عكد، دعك، دكع: مستعملة.
عكد: أَبُو عُبَيْدَة: الْقلب عَكَدته، وَهُوَ أصل الْقلب بَين الرئتين. وَقَالَ اللَّيْث: العكَدة: أصل اللِّسَان وعُقْدته.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: يُقَال حَبَابُك وشَبَابُك، وأمّ معكودِك، ومَعكودُك، ومجهودُك أَن تفعل كَذَا وَكَذَا، مَعْنَاهُ كلِّه غايتك وَآخر أَمرك. وَيُقَال استعكد الضبُّ بحجرٍ أَو شجر، إِذا تعصَّم بِهِ مَخَافَة عُقابٍ أَو باز. وَأنْشد ابنُ الأعرابيّ فِي صفة الضبّ:
أذا استعكَدَتْ مِنْهُ بكلِّ كُداية
من الصَّخر وافاها لَدَى كلِّ مَسرحِ
وَقَالَ اللَّيْث: عَكِد الضبُّ يعكَد عَكَداً، إِذا سمِنَ وصلُب.(1/196)
دعك: أَبُو زيد: الداعكة من النِّسَاء: الحمقاء الجريئة. والدَّعَك: الحُمق والرُّعونة، وَقد دعِك دعَكاً، ورجلٌ داعك من قومٍ داعكين، إِذا هَلَكُوا حُمقاً، والدَّعْك: دعْك الْأَدِيم. ودعَكتُ الثَّوْب باللُّبْس، إِذا ليّنتَه. ودعكت الْخصم دعكاً، ومعكتُه مَعكاً، إِذا ذلَّلتَه.
وَقَالَ ابنُ الأعرابيّ: يُقَال تنحَّ من دَعْكة الطَّرِيق وَعَن ضَحْكه وضَحّاكِهِ، وَعَن حنّانِه وجَدِيّته وسليقته.
قَالَ: وَيُقَال للرجل الأحمق داعكةٌ بِالْهَاءِ. وَأنْشد:
هبَنَّقيٌّ ضعيفُ النَّهْض داعكة
يَقْني المُنَى ويراها أفضلَ النَّشبِ
دكع: أَبُو عبيد عَن أبي زيد: من أمراض الْإِبِل الدُّكاع، وَهُوَ سعالٌ يأخذُها. قَالَ: وَيُقَال دكَعَ البعيرُ دَكْعاً، وقَحَب يَقحَب، ونَحب يَنحِب، ونَحَز ينحَز وينحِز، كلُّه بِمَعْنى السُّعال.
وَقَالَ اللَّيْث: الدُّكاع: داءٌ يَأْخُذ الْخَيل فِي صدورها كالخَبْطة فِي النَّاس؛ يُقَال دُكِع الْفرس، فَهُوَ مدكوع.
(بَاب الْعين وَالْكَاف وَالتَّاء)
عتك، كتع، كعت: مستعملة.
عتك: ابْن هانىء عَن أبي زيد: العاتك من اللَّبن: الحازر، وَقد عتك يَعتِك عُتوكاً. وَقَالَ أَبُو مَالك: العاتك: الرَّاجِع من حالٍ إِلَى حَال.
عَمْرو عَن أَبِيه: العتيك: الْأَحْمَر من القِدَم، وَهُوَ نعتٌ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: العاتك: اللَّجوج الَّذِي لَا ينثني عَن الْأَمر. وَأنْشد:
نُتبعهم خيْلاً لنا عواتكا
قَالَ: وسمِّيت الْمَرْأَة عَاتِكَة لصفائها وحُمرتها. وَقَالَ: عتكت الْمَرْأَة على زَوجهَا، إِذا نَشَزت.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: عتك فلَان يَعتِك عَتْكاً، إِذا كرَّ فِي الْقِتَال. وعتكَ عتكة مُنكرةً، إِذا حَمَل.
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (أَنا ابنُ العواتك من سُلَيم) ، روى القتيبي لأبي الْيَقظَان أَنه قَالَ: العواتك ثَلَاث نسْوَة تسمَّى كلُّ واحدةٍ عَاتِكَة: إحداهنّ عَاتِكَة بنت هِلَال بن فالج بن ذَكْوان، وَهِي أمُّ عبد منَاف بن قصيّ. وَالثَّانيَِة: عَاتِكَة بنت مُرّة بن هِلَال بن فالج بن ذكْوَان، وَهِي أمُّ هَاشم بن عبد منَاف. وَالثَّالِثَة: عَاتِكَة بنت الأوقصِ بن مُرّة بن هِلَال بن فالج بن ذكْوَان، وَهِي أم وهب أبي آمِنَة أم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَالْأولى من العواتك عمَّة الْوُسْطَى، وَالْوُسْطَى عمَّة الْأُخْرَى وَبَنُو سُليم تَفْخَر بِهَذِهِ الْولادَة.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: العاتكة من القسيّ: الَّتِي طَال بهَا العهدُ فاحمرَّ عودُها.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: نبيذٌ عاتك، إِذا صفَا.
اللِّحياني: أَحْمَر عاتك، وأحمر أقشر، إِذا كَانَ شَدِيد الْحمرَة. ونخلة عَاتِكَة، إِذا كَانَت لَا تأتبِر، أَي لَا تقبل الإبار، وَهِي(1/197)
الصَّلود تحمل الشِّيص.
وَقَالَ الحرمازي: عتك القومُ إِلَى مَوضِع كَذَا، إِذا عدَلوا إِلَيْهِ. وَقَالَ جرير:
... وَلَا أَدْرِي على أيِّ صَرفَيْ نيّة عتَكوا
وَقَالَ اللَّيْث: عتك فِي الأَرْض يَعتِك، إِذا ذهبَ فِيهَا. وعتيك: أَبُو قَبيلَة من الْيمن.
كتع: ابْن السّكيت وَغَيره: مَا بِالدَّار كَتِيع، كَقَوْلِك مَا بهَا عَرِيب.
عَمْرو عَن أَبِيه: الكُتْعة: الدَّلو الصَّغِير، وَجَمعهَا كُتَع.
أَبُو عبيد: كاتعه وقاتعه، إِذا قَاتله.
وَيُقَال جَاءَ الْقَوْم أَجْمَعُونَ أكتعون أبصعون أبتعون بِالتَّاءِ، تؤكَّد الْكَلِمَة بِهَذِهِ التواكيد كلِّها. أَخْبرنِي بذلك الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْهَيْثَم. وَقَالَ غَيره: وَقَالَ بَعضهم: الكُتَع: الذِّئب بلغَة أهل الْيمن.
وَقَالَ اللَّيْث: الكُتَع من أَوْلَاد الثعالب، وَيجمع كُتْعاناً. قَالَ: وأكتع حرف يُوصل بِهِ أجمع لَا يفرد. وجمعاء كتعاء، وجُمَع كُتَع، وأجمعون أكتعون؛ كلُّ هَذَا توكيد. قَالَ: ورجلٌ كُتَع: لئيم، وهم الكُتَعون. لم أسمعهُ لغيره.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الكتيع: المفرَد من النَّاس.
سَلمَة عَن الْفراء: إِذا كَانَت الدَّلْو صَغِيرَة فَهِيَ الحُرْجة والكُتْعة، وَإِذا كَانَت كَبِيرَة فَهِيَ السَّجيلة.
وَفِي (النَّوَادِر) : جَاءَ فلانٌ مُكَوتعاً ومُكْتِعاً ومُكْعراً ومُكعتراً، إِذا جَاءَ يمشي مشياً سَرِيعا.
كعت: أهمله اللَّيْث. وَأَخْبرنِي المنذرِي عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الكُعَيت: البُلبُل جَاءَ مصغَّراً كَمَا ترى.
وَقَالَ أَبُو زيد: رجلٌ كَعْتٌ وامرأةٌ كَعْتة، وهما القصيران. لم أسمعهُ لغيره.
(بَاب الْعين وَالْكَاف والظاء)
اسْتعْمل من وجوهه: عكظ، كعظ.
عكظ: أَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: إِذا اشتدَّ على الرجل السفرُ وبَعُدَ قيل: قد تنكَّظ، فَإِذا التوى عَلَيْهِ أمره فقد تعكَّظ.
وَقَالَ إِسْحَاق بن الْفرج: سَمِعت بعضَ بني سليم يَقُولُونَ: عكَّظه عَن حَاجته ونكَّظه، إِذا صرفَه عَنْهَا. وعكَّظ عَلَيْهِ حَاجته ونكَّظها، إِذا نكَّدها.
وَقَالَ غير وَاحِد: عُكاظ: اسْم سوقٍ من أسواق الْعَرَب، وموسمٌ من مواسمهم الْجَاهِلِيَّة. وَكَانَت قبائل الْعَرَب تَجْتَمِع بعكاظ كلّ سنة ويتفاخرون بهَا ويحضرها شعراؤهم فيتناشدون مَا أَحْدَثُوا من الشّعْر ثمَّ يتفرّقون.
وأديمٌ عُكاظيٌّ نُسب إِلَى عكاظ، وَهُوَ(1/198)
مَا يُحمل إِلَى عكاظ فَيُبَاع بِهِ.
وَقَالَ اللَّيْث: سمِّي عكاظ عُكاظَ لأنَّ الْعَرَب كَانَت تَجْتَمِع بهَا فيعكِظ بعضُهم بَعْضًا بالفَخار، أَي يَدْعَك. وعكظَ فلانٌ خصمَه باللَّدد والحُجَج عَكْظاً.
وَقَالَ غَيره: عكَظ الرجلُ دابّتَه يعكِظها عكظاً، إِذا حبَسَها. وتعكّظ القومُ تَعكُّظاً، إِذا تحبَّسوا ينظرُونَ فِي أُمُورهم. قَالَ: وَبِه سمِّيت عكاظ.
كعظ: قَالَ ابْن المظفّر: يُقَال للرجل الْقصير الضّخم كَعيظٌ ومكعَّظٌ.
ع ك ذ: مُهْملَة
(بَاب الْعين وَالْكَاف والثاء)
اسْتعْمل من وجوهه:
كثع: أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: الكَثْعة والكَثْأة: اللّبن الخاثر. يُقَال كَثَع وكثأ.
شمر عَن ابْن الأعرابيّ: كثأ اللَّبن، إِذا ارْتَفع وَصفا الماءُ من تَحْتَهُ.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال أكْثَعَ سقاؤك، إِذا خرج زُبده. وشرِبتُ كَثْعةً من لبن، أَي حِين ظَهرت زُبدتُه.
وَقَالَ المفضّل: كثَّعتِ اللحيةُ وكثّأت، إِذا كثُرت وكثُفت. وَيُقَال كثعت الْغنم تكثَعُ فَهِيَ كاثعة، إِذا سَلَحَتْ. ورمَت الْغنم بكُثوعها، إِذا رمت بسُلوحها. وَاحِدهَا كَثْع.
وَقَالَ اللَّيْث: شفةٌ كاثعة، إِذا كثر دمُها حتَّى كَادَت تنْقَلب. ولِثَة كاثعة أَيْضا. وَامْرَأَة مكثِّعة.
وَقَالَ ابْن الْفرج: قَالَ الأصمعيّ: يُقَال للْقَوْم: ذروني أكثِّع سقاءكم وأكثِّئه، أَي آكل مَا علاهُ من الدَّسَم.
عكث: وأمَّا عكث فَإِنِّي لَا أحفظ فِي ثلاثيِّه حرفا أعتمده. وَفِي رُباعيه العنكث، وَهُوَ نبتٌ مَعْرُوف، وَكَأن النُّون فِيهِ زَائِدَة.
(بَاب الْعين وَالْكَاف مَعَ الرَّاء)
عكر، عَرك، كرع، كعر، ركع: مستعملات
عكر: أَبُو عُبيد: عَكِرَ الماءُ عكَراً، إِذا كدِر؛ وَكَذَلِكَ النَّبِيذ. وأعكرته وعكّرته: جعلت فِيهِ عكَراً.
وَفِي الحَدِيث: (أَنْتُم الْعَكَّارُونَ لَا الفرَّارون) قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: العكّار: الَّذِي يحمل فِي الْحَرْب تَارَة بعد تَارَة. وَقَالَ غَيره: العكّار: الَّذِي يولِّي فِي الْحَرْب ثمَّ يكرُّ راجِعاً. يُقَال عَكَر واعتكر بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ اللِّحياني: اعتكر الشبابُ، إِذا دامَ وثبتَ حتَّى ينتهيَ منتهاه. وَقَالَ غَيره: اعتكر الليلُ، إِذا اخْتَلَط سوادُه. وَأنْشد:
وأعسف اللَّيْل إِذا الليلُ اعتكرْ
وحدّثني حَاتِم بن مَحْبُوب عَن عبد الْجَبَّار عَن سُفْيَان عَن عبد الْملك بن عُمَيْر قَالَ: عَاد عَمْرو بن حُريث أَبَا العُريانِ الأسديَّ فَقَالَ لَهُ: كَيفَ تجدك؟ فأنشده:
تقارُبُ الْمَشْي وسُوءٌ فِي الْبَصَر
وَكَثْرَة النسْيَان فِيمَا يُدَّكَر(1/199)
وقلُة النّوم إذَا اللَّيلُ اعتكَرْ
وتركيَ الْحَسْنَاء فِي قُبل الطُّهُرْ
وَقَالَ اللَّيْث: اعتكر العسكرُ، إِذا رجَعَ بعضُه على بعض فَلم يُقدَر على عدِّه. واعتكر الْمَطَر، إِذا اشتدَّ. واعتكرت الرِّيَاح، إِذا جَاءَت بالغُبار.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: طَعَام معتكِر، أَي كثير.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: العكَرة: الْكثير من الْإِبِل.
وَقَالَ اللَّيْث: العكَر: دُرديُّ النَّبيذ. قَالَ: والعَكَر من الْإِبِل: مَا فَوق الْخَمْسمِائَةِ.
أَبُو عبيد عَن أبي عُبَيْدَة: العِكْر: الأَصْل. ورجَع فلانٌ إِلَى عِكره. وَأنْشد:
ليَعُودَنْ لمعدَ عِكْرها
دَلجُ الليلِ وتأخاذ المِنَحْ
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: لبنٌ عكركرٌ: غليظ. وَأنْشد:
فجَّعهم باللَّبنِ العكركرِ
عِضٌّ لئيمُ المنتمَى والعُنصُرِ
وَيُقَال: بَاع فلانٌ عِكرةَ أرضه، أَي أَصْلهَا.
والعكَدة والعَكَرة: أصل اللِّسَان.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: العكَر: الصَّدأ على السَّيف وَغَيره. قَالَ: وأنشدني المفضَّل:
فصرتُ كالسَّيفِ لَا فِرِنْدَ لَهُ
وَقد علاهُ الخَبَاطُ والعكَرَا
قَالَ: الخَباط: الغُبار. ونسَقَ بالعكر على الْهَاء فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَقد علاهُ يَعْنِي السَّيْف وعكرَه الغبارُ. قَالَ: وَمن جعل الْهَاء للخباط فقد لحنَ، لأنّ الْعَرَب لَا تقدِّم المكنَّى على الظَّاهِر.
عَرك: فِي الحَدِيث أَن العَرَكيَّ سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الطُّهور بِمَاء الْبَحْر. قَالَ أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: والعَرَكيُّ: صيّاد السمَك، وَجمعه عَرَك. قَالَ: وَمِنْه قيل للملاّحين عَرَك لأنّهم يَصيدون السمكَ. وَقَالَ زُهير:
يَغْشَى الحداةُ بهم حُرَّ الْكَثِيب كَمَا
يُغْشِي السَّفائنَ موجَ اللُّجّة العَرَكُ
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: العَرَك والعَرِك: الصَّوْت.
وَقَالَ غَيره: العَروك: نَاقَة فِيهَا بقيَّة من سَمِنها وسَنامها، لَا يُعلَم ذَلِك حتَّى يُعرَك سَنامُها بِالْيَدِ. وَقَالَ غَيره: العَركيّة الْمَرْأَة الْفَاجِرَة. وَقَالَ ابْن مقْبل يهجو النجاشيّ:
وَجَاءَت بِهِ حيّاكة عَرَكيّةٌ
تنازعَها فِي طُهرها رجُلانِ
والعِراك: ازدحام الْإِبِل على المَاء، وَقد اعتركت اعتراكاً. واعتراك الرِّجال فِي الْحَرْب: ازدحامُهم، وعَرْكُ بعضِهم بَعْضًا.
والمعركة: الْموضع الَّذِي يعتركون فِيهِ إِذا التقَوا؛ وَالْجمع المعارك. وَيُقَال عاركتُه عراكاً ومعاركة، وَبِه سمِّي الرجلُ مُعارِكاً.
وَيُقَال عركتُ الْأَدِيم عَرْكاً، إِذا دلكتَه دَلْكاً. وعركت القومَ فِي الْحَرْب عَركاً.
وعريكة الْبَعِير: سَنامه إِذا عرَكه الحِمْل، وَجمعه العَرِيكُ. وَيُقَال: إنّ فلَانا لليِّنُ العريكة، إِذا كَانَ سَلِسَ الْأَخْلَاق سهلَها.(1/200)
وَفُلَان شَدِيد العريكة، إِذا كَانَ شَدِيد النَّفس أبيّاً.
وأرضٌ معروكة، وَقد عَرِكت، إِذا جرَدتها الماشيةُ من الرَّعي.
وناقةٌ عَرُوك، إِذا لم يُعلَم سِمنُها من هُزالها إلاّ بالجسّ.
وَيُقَال لقيتُه عَرْكةً أَو عَرْكتين، أَي مرّة أَو مرَّتين. ولقيتُه عَرَكات.
وَفِي الحَدِيث: أَن بعض أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَت مُحرِمةً فَذكرت العِراك قبل أَن تُفِيض. والعِراك: المَحيض. وَامْرَأَة عارك، أَي حَائِض. وَقد عَرَكت تَعْركُ عِراكاً. ونساءٌ عواركُ، أَي حُيَّض.
ورجلٌ عَرِكٌ، إِذا كَانَ شَدِيدا صِرِّيعاً لَا يُطاق. وَقوم عركون.
أَبُو عبيد عَن العَدَبَّس الْكِنَانِي قَالَ: العَرْك والحازّ وَاحِد، وَهُوَ أَن يَحُزَّ المِرفَق فِي الذِّراع حتّى يخلُص إِلَى اللَّحْم وَيقطع الجلدَ بحدِّ الكِرْكِرة. وَقَالَ الشَّاعِر يصف بَعِيرًا بَائِن المِرفَق، فَقَالَ:
قَلِيل العرك يَهجر مِرفقاها
أَبُو عبيد عَن أبي زيد قَالَ: العركركة من النِّسَاء: الْكَثِيرَة اللَّحم الرَّسحاء القبيحة. وسمعتُ غير واحدٍ من الْعَرَب يَقُول: ناقةٌ عَركركةٌ وَجَمعهَا عَرَكْركات، إِذا كَانَت ضخمةً سَمِينَة. وأنشدني أَعْرَابِي:
يَا صاحبَيْ رحلي بلَيلٍ قوما
وقرِّبا عَركركاتٍ كُوما
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: بعيرٌ بِهِ ضاغطٌ عركرك. وَأنْشد:
أَصْبِر من ذِي ضاغطٍ عَرَكْركِ
ألقَى بَوَانِي زَوْره للمبرَكِ
وَقَالَ اللَّيْث: ركَبٌ عركرك، وَهُوَ الضَّخم من أركاب النِّسَاء. قَالَ: وَأَصله ثلاثي، وَلَفظه خماسيّ.
وَقَالَ شجاعٌ السُّلمي: اعترك الْقَوْم واعتوَكوا، إِذا ازدحموا.
عَمْرو عَن أَبِيه: فلانٌ مَيْمُون العريكة، والحريكة، والسَّليقة، والنقيمة، والنقيبة، والنخيجة، والجَبِيلة، والطبيعة، بِمَعْنى وَاحِد.
كرع: شمر عَن أبي عَمْرو: أكرعَ القومُ، إِذا صَبَّتْ عَلَيْهِم السماءُ فاستنقع الماءُ حتَّى سقَوا إبلَهم من مَاء السَّمَاء.
قلت: وَسمعت الْعَرَب تَقول لماء السَّمَاء إِذا اجْتمع فِي غَدِير كَرَعٌ، وَقد شرِبنا الكَرَع، وأروينا نَعمَنا بالكَرَع. وَمِنْه قَول الرَّاعِي يصف إبِلا وراعيَها:
يَسُنُّها آبِلٌ مَا إنْ يجزِّئها
جَزْءاً شَدِيدا وَمَا إنْ ترتَوي كَرَعا
وَرُوِيَ عَن عِكْرِمَة أَنه كرِه الكَرْع فِي النَّهر.
شمر عَن أبي زيد: الكَرْع: أَن يشرب الرجل بفَّيهِ من النَّهر غير أَن يشرب بكفَّيه أَو بِإِنَاء. وكلُّ شَيْء شربتَ مِنْهُ بفيك من إِنَاء أَو غَيره فقد كرَعتَ فِيهِ. وَقَالَ الأخطل:
يُروى العِطاشَ لَهَا عَذْبٌ مقَبَّلهُ
إِذا العِطاشُ على أَمْثَاله كَرَعوا
والكارع: الَّذِي رمَى بفمه فِي المَاء.(1/201)
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الكَرِيع: الَّذِي يشرب بيدَيْهِ من النَّهر إِذا فَقَد الْإِنَاء.
وَقَالَ أَبُو عبيد: الكارعات والمُكْرِعات من النخيل: الَّتِي على المَاء. وَقد أكرعَتْ وكرعت، وَهِي كارعةٌ ومُكْرِعة. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: المكرِعات من الْإِبِل: اللواتي تدخل رؤوسها إِلَى الصِّلاء فيسودُّ أعناقها. وَقَالَ الأخطل:
وَلَا تنزلْ بجعديَ إِذا مَا
تردَّى المُكرَعاتُ من الدُّخانِ
وَجعل غَيره المكرعات هَاهُنَا النَّخيلَ النابتةَ على المَاء، كَمَا قَالَ لبيدٌ يصف نخلا:
يشربن رِفْهاً عراكا غير صادرة
فكلُّها كارعٌ فِي المَاء مغتَمرُ
وَقَالَ اللَّيْث: كرعَ الْإِنْسَان فِي المَاء يكرع كرْعاً وكُروعاً، إِذا تناولَه بِفِيهِ من مَوْضِعه. وكرع فِي الْإِنَاء، إِذا أمال نَحوه عنقَه فشرِب مِنْهُ. وَقَالَ النَّابِغَة:
بصهباء فِي حافاتها الْمسك كارع
أَي مجعول فِيهِ. وَقَالَ شمر: أنشدَنيه أَبُو عدنان:
بزوراء فِي أكنافها الْمسك كارع
قَالَ: والكارع الْإِنْسَان، أَي أنتَ المِسك لأنّك أَنْت الكارعُ فِيهَا، أَي نَفَسُك مثل الْمسك.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: إِذا سالَ أنفٌ من الحَرَّة فَهُوَ كُراع. وَقَالَ غَيره: الكُراع: ركنٌ من الْجَبَل يعْتَرض فِي الطَّرِيق. وكُراع الغَمِيم: مَوضِع مَعْرُوف بِنَاحِيَة الْحجاز. وفرسٌ مُكرَع القوائم: شديدها. قَالَ أَبُو النَّجْم:
أحقبُ مجلوزٌ شَواهُ مُكرَعْ
وأكارعُ الأرضِ: أطرافُها القاصية، شبِّهت بأكارع الشَّاة، وَهِي قَوَائِمهَا. والأكارع من النَّاس: السَّفِلة، شُبِّهوا بأكارع الدوابّ، وَهِي قَوَائِمهَا. وَفِي الحَدِيث: (لَا بَأْس بالطلَب فِي أكارع الأَرْض) .
وَقَالَ اللَّيْث: جَارِيَة كرعةٌ: مِغْليمٌ. وَرجل كرِعٌ، وَقد كَرِعت إِلَى الْعَمَل كَرَعاً.
قَالَ: والكُراع من الْإِنْسَان: مَا دونَ الرُّكبة، وَمن الدوابّ: مَا دُونَ كعوبها. وَيُقَال هَذِه كُراعٌ؛ وَهِي الوظيف. قَالَ: وكُراع كلِّ شَيْء: طرَفه. وكُراع الأَرْض: ناحيتُها.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: الأكرع: الدَّقِيق مقدَّم السَّاقَيْن، وَفِيه كَرَعٌ، أَي دقّة. وَقَالَ أَبُو عَمْرو أَيْضا فِيمَا روى عَمرو عَنهُ: تطهَّر الْغُلَام، وتكرَّعَ، وتمكَّى، إِذا تطهَّر للصَّلَاة.
وَقَالَ اللَّيْث: الكُراع: اسمٌ يجمع الخَيلَ والسِّلاح إِذا ذُكر مَعَ السِّلَاح. والكُراع: الخيلُ نفسُها. ورِجلا الجنْدَب: كُراعاه. وَمِنْه قَول أبي زُبَيدٍ الطَّائِي:
وَنفى الجُندَبُ الحَصَى بكُرَاعي
هـ وأوفى فِي عُوده الحِرباءُ
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال أكرعَك الصَّيدُ، وأخْطَبك، وأصقبك، وأقنى لَك، بِمَعْنى أمكنك. وكرِع الرجلُ، إِذا تطيَّبَ بطيبٍ فصاكَ بِهِ، أَي لصِقَ بِهِ. والكَرَّاع: الَّذِي يخادِن الكَرَعَ، وهم السِّفَلُ من(1/202)
النَّاس، يُقَال للْوَاحِد كَرَعٌ ثمَّ هلَّم جرّا. والكرَّاع: الَّذِي يسقى مالَه بالكَرَع، وَهُوَ مَاء السَّمَاء وَفِي الحَدِيث: أَن رجلا سمع قَائِلا يَقُول فِي سَحَابَة: (اسقِي كَرَعَ فلَان) ، وإنَّما أَرَادَ موضعا يجْتَمع فِيهِ مَاء السَّمَاء فيسقي بِهِ صاحبُه زرعَه.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: أكرعَ القومُ، إِذا أَصَابُوا الكرَع، وَهُوَ مَاء السَّماء، فأوردوه إبلَهم.
كعر: أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: إِذا حَمَل الحُوارُ فِي سَنامه شحماً فَهُوَ مُكْعِرٌ، وَقد أكعرَ إكعاراً.
وَفِي (النَّوَادِر) : مرَّ فلانٌ مُكعِراً، إِذا مرَّ يعدو مُسرِعاً. والكَيْعَر من الأشبال: الَّذِي قد سَمِن وحَدَرَ لحمُه.
اللَّيْث: كَعِر الصبيُّ كَعَراً، إِذا امْتَلَأَ بطنُه من كَثْرَة الْأكل. وكَعِرَ بطنُه كَعَراً أَيْضا، إِذا سَمِن. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي فِي كَعِر الصبيّ وكَعِر بطنُه مثله.
ركع: صَلَاة الصُّبح رَكْعَتَانِ، وَصَلَاة الظّهْر أَربع رَكْعَات. وكلُّ قَومةٍ يتلوها الرُّكُوع والسجدتان من الصَّلواتِ كلِّها فَهِيَ رَكْعَة. وَيُقَال ركَع المصلِّي رَكْعَة وَرَكْعَتَيْنِ وَثَلَاث ركَعات. وَأما الرُّكوع فَهُوَ أَن يَخفض المصلّي رأسَه بعد القَومة الَّتِي فِيهَا القراءةُ حتَّى يطمئنَّ ظَهره رَاكِعا. يُقَال ركع رُكُوعًا، وَالْأول تَقول فِيهِ رَكع رَكْعَة. وَقَالَ لبيد:
أدِبُّ كأنِّي كلَّما قُمتُ راكعُ
فالراكع المنحني فِي قَول لبيد.
وكلُّ شَيْء ينكَبُّ لوجهه فتمسُّ ركبتُه الأَرْض أَولا تمسُّها بعد أَن يخْفض رَأسه فَهُوَ رَاكِع، وَجمع الرَّاكِع رُكَّعٌ ورُكوع.
وَكَانَت الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة تسمِّي الحنيفَ رَاكِعا، إِذا لم يعبُد الْأَوْثَان. وَيَقُولُونَ: ركَعَ إِلَى الله.
وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
إِلَى ربّه ربِّ الْبَريَّة راكعُ
وَيُقَال: ركع الرجلُ، إِذا افتقرَ بعد غنى وانحطَّت حالُه. وَقَالَ الشَّاعِر:
وَلَا تهينَ الْفَقِير عَلَّكَ أَن ترْ
كعَ يَوْمًا والدَّهرُ قد رفَعَه
أَرَادَ: وَلَا تهيننْ، فَجعل النُّون ألفا سَاكِنة، فَاسْتَقْبلهَا سَاكن آخر فَسَقَطت.
(بَاب الْعين وَالْكَاف مَعَ اللَّام)
عكل، علك، كلع، كعل، لكع، لعك: مستعملات
عكل: أَبُو عبيد عَن الْفراء: عكَل يعكُلُ عَكْلاً، مثل حدس يحدِس حدساً، إِذا قَالَ بِرَأْيهِ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: العَوكل: الْمَرْأَة الحمقاء.
وَقَالَ أَبُو عبيد: العَوكلة: الرَّملة الْعَظِيمَة.(1/203)
وَقَالَ ذُو الرمة:
وَقد قابلتْهُ عَوكلاتٌ عوانك
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: العُكْل: اللَّئيم من الرِّجَال، وَجمعه أعكال.
اللَّيْث عكَل السَّائِق الإبلَ يَعكِلُها عَكلاً، إِذا سَاقهَا وضمَّ قواسيها. وَأنْشد:
نَعَمٌ تُشَلُّ إِلَى الرئيس وتُعكَلُ
قَالَ: والعَكَل: لُغَة فِي العَكَر من الْإِبِل، وَالرَّاء أحسن.
وعُكْل وتيمٌ وعديٌّ: قبائل من الرِّباب. والعربُ تذكر عُكلاً بالغباوة وقلَّة الفطنة، وَيَقُولُونَ لمن يُستَحمَق: عُكليٌّ.
وإيلٌ معكولة، أَي معقولة برِجْلٍ، وَاسم الْحَبل عِكال. قَالَ ذَلِك أَبُو عَمْرو. وَقد عكلتُه أعكُلُه عَكلاً. رَوَاهُ أَبُو عبيدٍ عَنهُ.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: العوكلة: الأرنب، وَهِي الرَّملة أَيْضا.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العاكل، والمُعْكِل، والغَيذَانُ، والمخمِّن: الَّذِي يظنُّ فَيُصِيب.
قَالَ: ورجلٌ عاكل، وَهُوَ الْقصير الْبَخِيل المشؤوم، وَجمعه عُكُلٌ. وَيُقَال: أعكَلَ عليّ الْأَمر وأحكلَ، واعتكل واحتكل، إِذا أشكلَ.
علك: يُقَال علكَ الفرسُ اللجام يعلُكه عَلْكاً. وَقَالَ النَّابِغَة:
تحتَ العَجاج وَأُخْرَى تعلك اللُّجُما
والعَلِكَة: الشِّقشقة عِنْد الهدير. قَالَ رؤبة:
يجمعن زأراً وهديراً مَحْضا
فِي عَلِكاتٍ يعتلين النَّهْضا
والعِلْك: صمغ يُمضغ فَلَا يَمَّاع، وَجمعه عُلوكٌ وأعلاك.
وَفِي حَدِيث جرير بن عبد الله أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَأَلَهُ عَن منزله ببِيشَةَ، فوصَفَها جرير فَقَالَ: (سَهلٌ ودَكدَاك، وسَلَم وأراك، وحَمْضٌ وعَلاك) . والعَلاك: شجر ينْبت بِنَاحِيَة الْحجاز، وَيُقَال لَهُ العَلَك. وَقَالَ لبيد:
لتقيَّظَتْ عَلَكَ الْحجاز مُقِيمَة
فجنوبَ ناصفةٍ لقاحُ الحَوْأبِ
أَبُو عبيد عَن العدبّس الكنانيّ قَالَ: العَولك: عِرق فِي الْخَيل والحُمر والغَنَم يكون فِي البُظارَة غامضاً دَاخِلا فِيهَا. قَالَ: والبُظارة: مَا بَين الإسكَتَينِ. وأنشدنا:
يَا صاحِ مَا أصبَرَ ظهرَ غنَّامْ
خشِيتُ أَن يظْهَرَ فِيهِ أوْرامْ
من عَوْلكَينِ غلَبا بالإبْلام
وَذَلِكَ أَن امْرَأتَيْنِ ركبتا غنّاماً، وَهُوَ اسمُ جمل. وَجمع العولك عوالك.
وَقَالَ أَبُو عبيد: وَقَالَ الْفراء: العَولك: عِرقٌ فِي رَحِم الشَّاة.
كلع: سَلمَة عَن الفرّاء: الكُلاعيُّ مَأْخُوذ من الكُلاَع، وَهُوَ الْبَأْس والشدّة والصَّبر فِي المواطن.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الكولَع: الوسَخ.
أَبُو عبيد عَن الْفراء: كَلَعَ عَلَيْهِ الوسخُ كَلَعاً، إِذا يبِس. وَعَن الْأَصْمَعِي: كلِعَتْ(1/204)
رجلُه كَلَعاً، إِذا تشقَّقتْ وتوسّختْ.
اللَّيْث: كلِع البعيرُ كلَعاً، إِذا تشقَّقَ فِرْسِنُه؛ وَهُوَ كَلِعٌ. قَالَ: والكَلَعة: دَاء يَأْخُذ الْبَعِير فِي مؤخّره، وَهُوَ أَن يَجرَد الشعرُ عَن مؤخّره وينشقَّ ويسودّ، وربَّما هلَكَ مِنْهُ. ورجلٌ كَلِعٌ، وَهُوَ الْأسود الَّذِي سوادُه كالوسَخ.
وَذُو الكَلاَع: ملك من مُلُوك حمير. وَقَالَ ابْن دُرَيْد: التكلُّع: التَّحَالف؛ لُغَة يمَانية. قَالَ: وَبِه سمِّي ذُو الكَلاَع لأنّهم تكلَّعوا على يَده، أَي تجمَّعوا.
أَبُو عبيد عَن الْفراء: إِذا كثرت الغنمُ فَهِيَ الكَلِعة. وَقَالَ النَّضر: الكلَع: أشدُّ الجرَب، وَهُوَ الَّذِي يَبِصُّ جرباً فييبس فَلَا ينجع فِيهِ الهِنَاء.
وَقَالَ ابْن حبيب: إِذا اجْتمعت الْقَبَائِل وتناصرت فقد تكلَّعت. وأصل هَذَا من الكلَع يركب الرِّجْلَ.
لكع: فِي الحَدِيث: (أسعد النَّاس فِي آخر الزَّمان لُكَعٌ ابْن لُكَع) قَالَ أَبُو عبيد: اللُّكع عِنْد الْعَرَب: العَبْد اللَّئِيم. وَقَالَ غَيره: اللُّكَع: الأحمق. وَامْرَأَة لَكَاع ولكيعة.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال لكِعَ الرجلُ يَلكَع لكَعاً، فَهُوَ ألكَع لُكَعٌ مَلْكعان، وَامْرَأَة لَكَاعِ مَلْكعانة. ورجلٌ لكيع وَامْرَأَة لكيعة، كلُّ ذَلِك يوصَف بِهِ الحُمق والمُوق.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الملاكيع: مَا يخرج مَعَ الْوَلَد من سُخْدٍ وصاءةٍ وَغَيرهَا، وَمن ذَلِك قيل للْعَبد ومَن لَا أصل لَهُ لُكَع.
وَقَالَ اللَّيْث: وَيُقَال لَكوع. وَأنْشد:
أَنْت الْفَتى مَا دَامَ فِي الزَّهَر الندى
وَأَنت إِذا اشتدَّ الزمانُ لَكُوعُ
أَبُو عُبَيْدَة: إِذا سَقَطت أضراس الفَرَس فَهُوَ لُكَعٌ وَالْأُنْثَى لُكَعة. وَإِذا سقط فمُه فَهُوَ الألكع. ورجلٌ وَكِيع لكيع، وَوَكوع لَكوع: لئيم.
وَقَالَ أَبُو تُرَاب: سمعتُ شجاعاً السُّلميّ يَقُول: لكَع الرجلُ الشاةَ، إِذا نَهَزَها. ونكعها، إِذا فعل بهَا ذَلِك عِنْد حَلْبِها، وَهُوَ أَن يضْرب ضرعَها لتدرّ. قَالَ: وَعبد ألكعُ أوكَع، وَامْرَأَة لكعاء ووَكْعاء، وَهِي الحمقاء.
قَالَ الْبكْرِيّ: هَذَا شتمٌ للْعَبد واللئيم.
شمر عَن أبي نهشل: يُقَال هُوَ لُكَعٌ لاكع. قَالَ: وَهُوَ الضيِّق الصَّدْر، الْقَلِيل الغَناء الَّذِي تؤخّرهُ الرِّجَال عَن أمورها فَلَا يكون لَهُ موقع، فَذَلِك اللُّكَع.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: يُقَال للرجل إِذا كَانَ خبيثَ الفَعالِ شحيحاً قَلِيل الْخَيْر: إِنَّه للَكُوع.
كعل: أهمله اللَّيْث.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الخِثْي للثَّور، والكَعْل لكلِّ شيءٍ، إِذا وضَعَه.
وَقَالَ غَيره: الكَعْل من الرِّجَال: الْقصير الْأسود. وَقَالَ جَندلٌ الطُّهويّ:
وأصبحتْ ليلى لَهَا زَوجٌ قَذِرْ
كَعْلٌ تَغشَّاهُ سَوادٌ وقِصَرْ(1/205)
(بَاب الْعين وَالْكَاف مَعَ النُّون)
عَنْك، عُكَن، كنع، نكع، كعن: مستعملة.
عَنْك: ابْن شُمَيْل: جَاءَ من السَّمَك بعِنْكٍ، أَي شَيْء كثير مِنْهُ. وجاءنا من الطَّعام بعِنْكٍ، أَي بِشَيْء كثير مِنْهُ.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي قَالَ العانك: الرَّملة الَّتِي فِيهَا تعقُّد حتَّى يبْقى فِيهَا الْبَعِير لَا يقدر على السَّير فِيهَا. يُقَال قد اعتنك.
وَقَالَ اللَّيْث: العانك: لونٌ من الْحمرَة. دم عانكٌ، إِذا كَانَ فِي لَونه صُفرة. وَأنْشد:
أَو عانكٍ كَدم الذَّبِيح مُدامِ
قَالَ: والعانك من الرَّمل فِي لَونه حُمرة.
قلت: كلُّ مَا قَالَه اللَّيْث فِي العانك، فَهُوَ خطأٌ وتصحيف. وَالَّذِي أَرَادَهُ اللَّيْث من صفة الحُمرة فَهُوَ عاتك بِالتَّاءِ، وَقد مرَّ تَفْسِيره فِي بَابه.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: سمعتُ أعرابيّاً يَقُول:
أَتَانَا فلانٌ بنبيذ عاتكٍ
يصيِّر الناسكَ مثل الفاتك
وَأما العانك من الرمال فَهُوَ الَّذِي فسَّره الْأَصْمَعِي، لَا مَا فِيهِ حُمرة.
وَأما مَا اسْتشْهد بِهِ من قَوْله:
أَو عانكٍ كَدم الذَّبيح مُدامِ
فإنِّي سَمِعت الإياديَّ يروي عَن شمر أنَّ أَبَا عبيدٍ أنْشدهُ:
أَو عاتقٍ كَدم الذَّبِيح ...
فإنْ كَانَ وَقع لليث بِالْكَاف فَهُوَ عاتك بِالتَّاءِ، كَمَا روى ابْن الْأَعرَابِي عَن من قَالَ من الْأَعْرَاب: أَتَانَا بنبيذ عاتك، أَي بنبيذ أَحْمَر.
وَقَالَ اللَّيْث: العِنْك: سُدفة من اللَّيْل. وَقَالَ الأصمعيّ وَغَيره: أَتَانَا فلانٌ بعد عِنكٍ من اللَّيْل، أَي بعد سَاعَة وَبعد هُدْء. وَيُقَال مكث عِنكاً، أَي عصراً وزماناً.
ثَعْلَب عَن عَمْرو عَن أَبِيه: أعنكَ الرجلُ، إِذا تَجَر فِي العُنوك، وَهِي الْأَبْوَاب. وأعنكَ: وقَعَ فِي العِنْكة، وَاحِدهَا عِنْك، وَهُوَ الرَّمل الْكثير.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: عنكْتُ البابَ وأعنكتُه، إِذا أغلقتَه، لُغَة يَمَانِية.
أَبُو تُرَاب عَن الْأَصْمَعِي: العِنْك: الثُّلُث الْبَاقِي من اللَّيل. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: العِنْك ثلثُه الثَّانِي.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: يُقَال للباب العِنْك، ولصانِعه الفَيْتَق.
عُكَن: قَالَ اللَّيْث وَغَيره: العُكَن: الأطواء فِي بطن الْجَارِيَة من السِّمن. وَلَو قيل جَارِيَة عكْناءُ لجَاز، وَلَكنهُمْ يَقُولُونَ معكَّنة. وَوَاحِدَة العُكَن عُكْنة.
وَيُقَال تعكَّن الشيءُ تعكُّناً، إِذا رُكِمَ بعضُه على بعضٍ وانثنى.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: عُكَن الدِّرع: أثناؤها؛ يُقَال درعٌ ذاتُ عُكَن، إِذا كَانَت وَاسِعَة تَثَنَّى على اللابس من سَعَتها.
أَبُو عبيد عَن الْفراء قَالَ: العَكْنانُ(1/206)
والعَكَنانُ: الْإِبِل الْكَثِيرَة الْعَظِيمَة. وَأنْشد:
هَل باللِّوَى من عَكَرٍ عَكْنَانْ
كنع: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: قَالَ أعرابيّ: (لَا وَالَّذِي أكنَعُ بِهِ) ، أَي أَحْلف بِهِ. وَرُوِيَ عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ: سمعتُ أَعْرَابِيًا يَدْعُو: (ربِّ أعوذ بك من الخُنوع والكُنوع) فَسَأَلته عَنْهُمَا فَقَالَ: الخُنوع: الْغدر. والخانع: الَّذِي يضع رَأسه للسَّوءة يَأْتِي أمرا قبيحاً فَيرجع عارُه عَلَيْهِ فيستحي مِنْهُ وينكِّس رَأسه. قَالَ: والكُنوع: التَّصاغُر عِنْد الْمَسْأَلَة. وَقَالَ غَيره: الكنوع: الذلُّ والخضوع.
وَفِي الحَدِيث: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث خَالِد بن الْوَلِيد إِلَى ذِي الخَلَصَة ليهدمها، وفيهَا صنم يعبدونه، فَقَالَ لَهُ السَّادن: (لَا تفعلْ فَإِنَّهَا مُكنِّعتُك) ، أَخْبرنِي المنذريّ عَن ثعلبٍ عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: المكنَّع: المتقفِّع الْيَد. وَقَالَ أَبُو عبيد: الكانع: الَّذِي تقبَّضت يَده ويبِست. وَأَرَادَ الْكَافِر بقوله إِنَّهَا مكنِّعتُك، أَي تخبل أعضاءَك وتيبِّسها.
وَفِي حَدِيث آخر: أنّ الْمُشْركين يَوْم أُحُد لمَّا قَرُبوا من الْمَدِينَة (كَنَّعوا عَنْهَا) ، وَمعنى كنَّعُوا، أَي أحجموا عَن الدُّخول فِيهَا وانقبضوا.
وَيُقَال اكتنع اللَّيل، إِذا حضَر ودنا. وَقَالَ الشَّاعِر:
آبَ هَذَا اللَّيْل واكتنعا
وَمَا من روى بَيت النَّابِغَة:
بزوراء فِي أكنافها المسكُ كانع
فَمَعْنَاه اللاصق بهَا.
وأمرٌ أكنعُ: نَاقص؛ وَأُمُور كُنْع. وَمِنْه قَول الْأَحْنَف بن قيس: (كلُّ أمرٍ ذِي بالٍ لم يُحمَدِ الله عَلَيْهِ فَهُوَ أكنع) .
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الكُنوع: الطمع. والكانع: السَّائِل الخاضع. وروى بَيْتا فِيهِ:
رمَى الله فِي تِلْكَ الأكفّ الكوانع
وَمَعْنَاهُ الدَّواني للسؤال والطمع.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: الكانع: الَّذِي قد تدانَى وتصاغر وتقاربَ بعضُه من بعض. والمكتنع: الْحَاضِر.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: أَسِير كانع: قد ضمَّه القِدُّ. وَأنْشد بَيت النَّابِغَة:
بَزَوراءَ فِي حافاتها المسكُ كانعُ
قَالَ: أَرَادَ تكانفَ الْمسك وتراكُبَه.
وروى إِسْحَاق بن الْفرج للأصمعي: يُقَال بضَّعه، وكنَّعه، وكوّعه، بِمَعْنى وَاحِد.
عَمْرو عَن أَبِيه: الكنيع: المكسور الْيَد. والكنيع: الْعَادِل من طريقٍ إِلَى غَيره. يُقَال كنَعوا عنّا، أَي عدلوا.
سَلمَة عَن الفرّاء قَالَ: المُكنَعَة: الْيَد الشَّلاَّء.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: كُنِع الرجلُ، إِذا صُرع على حَنَكه. واكتنع فلانٌ منّي، أَي دنا منّي.
وَقَالَ اللَّيْث: الأكنع والكَنِع: الَّذِي قد تشنَّجتْ يدُه. قَالَ: وتكنَّعَ فلانٌ بفلانٍ، إِذا تضبَّثَ بِهِ وتعلَّق. وَقَالَ متمم:
وعانٍ ثَوَى فِي القِدِّ حتّى تكنَّعا(1/207)
أَي تقبَّض وَاجْتمعَ. وكنع الموتُ كنوعاً، إِذا دنا وَقرب. وَأنْشد:
إنّي إِذا الموتُ كنَعْ
وكنعت العُقابُ، إِذا ضمَّت جناحيها للانقضاض، فَهِيَ كانعة جانحة. وَقَالَ فِي قَوْله:
رمى الله فِي تِلْكَ الأنوفِ الكوانعِ
قَالَ: هِيَ اللازقةُ بالوجوه. قَالَ: والاكتناع: التعطُّف؛ يُقَال اكتَنَع عَلَيْهِ، أَي عطفَ عَلَيْهِ.
قَالَ: وكنعان بن سَام بن نُوح، إِلَيْهِ ينْسب الكنعانيُّون، وَكَانُوا أمّة يَتَكَلَّمُونَ بلغةٍ تضارع العربيَّة. قَالَ: وأكنع الرجل، للشَّيْء، إِذا ذلّ لَهُ وخضع. وَقَالَ العجاج:
مِن نفثهِ والرِّفقِ حتّى اكنَعا
نكع: أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: النَّكِعة من النِّسَاء: الْحَمْرَاء اللَّوْن. قَالَ: والنَّكوع: القصيرة من النِّسَاء، وَجَمعهَا نُكُع. وَأنْشد لِابْنِ مقبل:
لَا سُودٌ وَلَا نُكُعُ
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن الحرَّاني عَن ابْن السكِّيت قَالَ: سَمِعت ابْن الْأَعرَابِي يَقُول: أَحْمَر كالنَّكَعة، قَالَ: وَهِي ثَمَرَة النُّقاوَى، وَهُوَ نبتٌ أَحْمَر. قَالَ: وَيُقَال هُوَ أَحْمَر مثل نَكَعة الطُّرثوث. قَالَ: وَأخْبرنَا ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ حكى عَن بَعضهم أَنه قَالَ: (فَكَانَت عَيناهُ أشدَّ حمرَة من النُّكعة) هَكَذَا رَوَاهُ بِضَم النُّون لنا قلت: وسماعي من الْأَعْرَاب نَكَعة قَالَ: وَهِي جَنَاةُ ثمرِ شَجَرَة حمراءُ كالنَّبق فِي استدارته.
وَقَالَ اللحياني: أَحْمَر نكِعٌ وأحمر عاتك.
وَقَالَ اللَّيْث: الأنكع: المتقشِّر الْأنف، وَقد نَكِع ينكَع نكَعاً مَعَ حمرَة لونٍ شَدِيدَة.
قلت: وَقد رَأَيْت نكَعة الطُّرثوث فِي أَعْلَاهَا كَأَنَّهَا ثُومة ذكرِ الرجل مشربَة حُمرة.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال كسعه ونكَعه، إِذا ضربَ دبرَه بِظهْر قدمهِ. وَأنْشد:
بنِي ثُعَلٍ لَا تَنكَعوا العنزَ إنّه
بنِي ثُعَلٍ من ينكَع العنزَ ظالمُ
وَقَالَ الأصمعيّ: النَّكْع: الإعجال عَن الْأَمر؛ يُقَال نكعته عَن ذَلِك الْأَمر، إِذا أعجلتَه. وَقَالَ عديّ بن زيد:
تُقْنصك الْخَيل وتصطادك ال
طَّير وَلَا تُنكَع لَهْوَ القَنِيصْ
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: لاتُنكَع: لَا تُمنَع.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: المنكَع: الرَّاجِع وَرَاءه، وَقد أنكعَه.
وروى أَبُو ترابٍ عَن واقعٍ السُّلميّ: نكَع عَن الْأَمر ونَكلَ بِمَعْنى وَاحِد. وَأنْشد أَبُو حَاتِم فِي الإنكاع بِمَعْنى الإعجال:
أرى إبلي لَا تُنكَعُ الوِردَ شُرَّداً
إِذا شُلَّ قومٌ عَن وُرودٍ وكُعْكِعوا
كعن: أَبُو عَمْرو: الإكعان: فتور النشاط. وَقد أكعنَ إكعاناً. وَأنْشد لطَلْق بن عديَ يصف نعامتين وَقد شدَّ فارسٌ عَلَيْهِمَا:
والمهرُ فِي آثارهنّ يَقبِصُ(1/208)
قَبصاً تخال الهِقلَ مِنْهُ يَنكِصُ
حَتَّى اشمعلَّ مُكْعِناً مَا يَهبِصُ
قلت: وَأَنا وَاقِف فِي هَذَا الْحَرْف.
(بَاب الْعين وَالْكَاف مَعَ الْفَاء)
اسْتعْمل من وجوهه: عكف، عفك.
عكف: قَالَ الله جلّ وعزّ: {وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (البَقَرَة: 187) . عاكفون: مقيمون فِي الْمَسَاجِد، عكَف يعكُف ويعكِفُ، إِذا أَقَامَ. وَمِنْه قَوْله: {يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ} (الأعرَاف: 138) أَي يُقِيمُونَ وَأما قَوْله جلّ وعزّ: {الْحَرَامِ وَالْهَدْىَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ} (الفَتْح: 25) فإنَّ مُجَاهدًا وَعَطَاء قَالَا: مَحْبُوسًا. وَكَذَلِكَ قَالَ الْفراء. يُقَال عكفته أعكفه عكفاً، إِذا حبستَه. وَقد عكَّفْت الْقَوْم عَن كَذَا، أَي حبَستهم. وَقَالَ الْأَعْشَى:
وكأنَّ السُّموط عكَّفها السِّل
كُ بعِطَفيْ جَيداءَ أُمِّ غزالِ
أَي حبسَها وَلم يدعْها تتفرَّق.
وَيُقَال إنّك لتَعكفني عَن حَاجَتي، أَي تصرِفني عَنْهَا.
قلت: يُقَال عكفتُه عكفاً، فعكف يعكف عكوفاً. وَهُوَ لازمٌ وواقع، كَمَا يُقَال رجعتُه فرجَع، إلاّ أنّ مصدر اللَّازِم العكوف، ومصدر الْوَاقِع العَكْف.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال عكَف يعكِفُ ويعكفُ عَكْفاً وعكوفاً، وَهُوَ إقبالك على الشَّيْء لَا ترفع عَنهُ وجهَك. وَقَالَ العجاج يصف ثوراً:
فهنَّ يعكُفن بِهِ إِذا حَجَا
أَي يقْبلنَ عَلَيْهِ. قَالَ: وعكَفت الخيلُ بقائدها، إِذا أقبلَتْ عَلَيْهِ. وعكفت الطَّير بالقتلى.
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يعْتَكف فِي العَشْر الْأَوَاخِر فِي الْمَسْجِد وَالِاعْتِكَاف فِي الْمَسْجِد: الْإِقَامَة فِيهِ وتركُ الْخُرُوج مِنْهُ إلاّ لحَاجَة الْإِنْسَان، يصلِّي فِيهِ وَيقْرَأ الْقُرْآن. وقومٌ عُكوف: مقيمون. وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب يصف الأثافيّ:
فهنَّ عُكُوفٌ كنوح الكري
م قد شفّ أكبادَهن الهوِيُّ
وَقَوله: {ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً} (طاه: 97) ، أَي مُقيما. وَعَكَفَ على الشَّيْء: أَقَامَ عَلَيْهِ.
عفك: أَبُو عبيد عَن الْأمَوِي: الأعفك: الأحمق.
أَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: امرأةٌ عَفْتاء وعفكاء ولَفْتَاء، إِذا كَانَت خرقاء. قَالَ: والعَفَك والعَفَت يكونَانِ العَسَر والخُرْق.
وَقَالَ اللَّيْث: الأعفك: الأحمق الَّذِي لَا يثبت على كلمة وَاحِدَة وَلَا يتمُّ أمرا حتَّى يَأْخُذ فِي غَيره. قَالَ: وَهُوَ المخلَّع من الرِّجَال. وَأنْشد:
صاحِ ألم تعجب لقَوْل الضيطرِ
الأعفكِ الأحدلِ ثُمَّ الأعسرِ
وَقَالَ بعض الْعَرَب: هَؤُلَاءِ الطماطمة يعفِكون الكلامَ عفكاً ويَلفِتونه لفتاً.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: العَفِيك واللَّفيك: المشبَع حُمقاً.(1/209)
(بَاب الْعين وَالْكَاف مَعَ الْبَاء)
عكب، عبك، كبع، كَعْب، بعك، بكع: مستعملات.
عكب: أَبُو عبيد عَن أبي عُبَيْدَة: العَكوب: الْغُبَار، بِفَتْح الْعين. وَأنْشد قَول بشر بن أبي خازم:
على كلِّ مَعْلُوبٍ يثور عَكوبُها
قَالَ: والمعلوب: الطَّرِيق الَّذِي يُعلَب بجَنْبَتَيْه.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: عكفت الْخَيل عكوفاً، وعكبت عُكوباً، بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ اللَّيْث نَحوه: طير عكوف وعُكوب. وَأنْشد لمزاحم العُقَيلي:
تظلُّ نُسورٌ من شَمامِ عليهمُ
عُكوباً مَعَ العِقْبانِ عِقبانِ يذبُلِ
قَالَ: وَالْبَاء لُغَة بني خَفاجة من بني عُقَيل.
وَيُقَال عكبت الْقدر تعكُب عكوباً، إِذا ثار عُكابُها، وَهُوَ بُخارُها وشدَّة غليانها. وَأنْشد:
كأنّ مُغيرات الجيوش التقتْ بهَا
إِذا استحمشَتْ غَلْياً وفاضتْ عُكوبُها
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: غلامٌ عَضْبٌ وعَصْبٌ وعَكْبٌ، إِذا كَانَ خَفِيفا نشيطاً فِي عمله. قَالَ: والعكب: الشدَّةُ فِي الشرِّ والشَّيطنة، وَمِنْه قيل للمارد من الجنّ وَالْإِنْس عِكَبّ. قَالَ: والعَكْب: الغُبار، وَمِنْه قيل للْأمة عَكْباء. وَقَالَ غَيره: العِكَبُّ: الجافي الغليظ، وَكَذَلِكَ الأعكب. والعِكبُّ العجليُّ: شَاعِر جيّد الشِّعر. والعاكب من الْإِبِل: الْكَثِيرَة. وَقَالَ الراجز:
فغَشِيَ الذادةَ مِنْهَا عاكبُ
وَقَالَ اللَّيْث: العَكَب: غِلظٌ فِي لَحْي الْإِنْسَان؛ وَمِنْه أمَةٌ عَكْباء: جافية الخَلْق عِلجةٌ، من آمٍ عُكْب.
عبك: أَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال مَا أغْنَى عنّي عَبَكة. قَالَ: والعَبَكة: مَا يتعلَّق بالسِّقاء من الوضَر، وَيُقَال الشَّيْء الهيِّن. قَالَ: والعَبْك: السَّويق.
عَمْرو عَن أَبِيه: مَا ذُقتُ عَبَكةً، وَهِي الحبّة من السَّويق، وَلَا لَبَكةً، وَهِي الحبّة من الثَّرِيد.
وَقَالَ اللَّيْث: مَا ذقت عبكة وَلَا لبَكة، والعَبَكة: قِطْعَة من السويق أَو كسرة، واللَّبَكة: لُقْمة من ثريدٍ أَو نَحوه.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: العَبْك: خَلْطُك الشيءَ.
كَعْب: قَالَ الله تَعَالَى: {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ} (المَائدة: 6) قَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَأَبُو بكر عَن عَاصِم وَحَمْزَة (وأرجلِكم) خفضاً، والأعشى عَن أبي بكر بِالنّصب مثل حَفْص. وَقَرَأَ يَعْقُوب الحضرميّ والكسائيّ وَنَافِع وَابْن عَامر: {وَأَرْجُلَكُمْ} (المَائدة: 6) نصبا، وَهِي قِرَاءَة ابْن عَبَّاس، يردُّه على قَوْله: {فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ} (المَائدة: 6) . وَكَانَ الشَّافِعِي يقْرَأ بِالنّصب {وَأَرْجُلَكُمْ} (المَائدة: 6) .
وَاخْتلف النَّاس فِي الْكَعْبَيْنِ. وَسَأَلَ ابْن جَابر أَحْمد بن يحيى عَن الكعب، فَأَوْمأ(1/210)
ثَعْلَب إِلَى رجله إِلَى المَفْصِل مِنْهَا بسبَّابته فَوضع السبّابة عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: هَذَا قَول المفضَّل وَابْن الْأَعرَابِي: قَالَ: ثمَّ أَوْمَأ إِلَى المَنْجِمَيْن وَقَالَ: هَذَا قَول أبي عَمْرو بن الْعَلَاء والأصمعي قَالَ: وكلٌّ قد ذهبَ مذهبا.
وَقَالَ ابْن المظفَّر: الكعب: الْعظم لكلِّ ذِي أَربع. وَكَعب الْإِنْسَان: مَا أشرف فَوق رُسغِه عِنْد قدمه. وَكَعب الْفرس: بَين عظم الوظيف وَعظم السَّاق الناتىء من خلف. والكعب من الْقصب والقنا: أُنبوب مَا بَين العُقدتين، والجميع الكعوب. وَالْعرب تَقول: جَارِيَة دَرْماء الكعب، إِذا لم يكن لرؤوس عظامها حَجْم، وَذَلِكَ أؤثَر لَهَا قَالَ الراجز يصف جَارِيَة:
ساقاً بَخَنداةً وكعباً أدرما
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: الكَعْب من السّمن: الكُتْلة. والكَعْب من الرُّمح: طرف الأنبوب الناشز. والكعبان: الناشزان من جَانِبي الْقَدَمَيْنِ. وَأنكر قَول النَّاس إنّه فِي ظهر الْقدَم.
أَبُو عبيد: الكاعب: الْجَارِيَة الَّتِي كَعَب ثدياها وكعَّب، بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف، والجميع الكواعب. وَقَالَ الله: {وَأَعْنَاباً وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً} (النّبَإِ: 33) . ووجهٌ مكعَّبٌ، إِذا كَانَ جَافيا ناتئاً. وَيُقَال جَارِيَة كَعابٌ أَيْضا بِمَعْنى الكاعب.
أَبُو عَمْرو وَابْن الْأَعرَابِي: الكُعبة: عُذرة الْجَارِيَة. وَأنْشد قَول الراجز:
ركَبٌ تَمَّ وتَمَّتْ رَبَّتُه
قد كَانَ مَخْتُومًا ففُضَّتْ كُعبتُه
وَأما الْبَيْت الْحَرَام فَهُوَ الكَعبة بِفَتْح الْكَاف، سمِّي كعبةً لارتفاعه وتربُّعه. وكلُّ بيتٍ مربَّع عِنْد الْعَرَب فَهُوَ كعبة. وَذُو الكَعَبات: بيتٌ كَانَ لِرَبِيعَة، وَقد ذكره الْأسود بن يعفر فِي شعره فَقَالَ:
وَالْبَيْت ذِي الشُّرُفات من سِندادِ
وَقَالَ اللَّيْث: الثَّوْب المكعَّب: المطويّ الشَّديد الإدراج. يُقَال كعبت الثوبَ تكعيباً. قَالَ: والكعب من القَصَب: أنبوب مَا بَين العُقدتين، وَجمعه كعوب. وَقَالَ أَوْس بن حجر يصف رمحاً واستواء كعوبه:
تَقاكَ بكعبٍ واحدٍ وتلَذُّه
يداك إِذا مَا هُزَّ بالكفّ يَعسِلُ
وَقَالَ اللَّيْث: ثديٌ كاعب ومكعِّب، ومتكعِّبٌ، بِمَعْنى واحدٍ.
وَقَالَ الأصمعيّ: سمِّيت الْكَعْبَة للتربيع.
وَقَالَ أَبُو عبيد: الكعب: الْقطعَة من السّمن الجامس.
وَقَالَ اللَّيْث: كعبت الشَّيْء تكعيباً: إِذا ملأتَه.
أَبُو عبيد عَن الْفراء: المكعَّب من الثِّيَاب: المُوَشَّى.
وَقَالَ أَبُو سعيد: أَعلَى الله كَعبه، أَي أَعلَى جَدَّه. وَقَالَ غَيره: مَعْنَاهُ أَعلَى الله شرفَه.
وَقَالَ أَبُو زيد: أكعبَ الرجلُ إكعاباً، وَهُوَ الَّذِي ينْطَلق مضارّاً لَا يُبَالِي مَا وَرَاءه. وَمثله كلَّل تكليلاً.
عَمْرو عَن أَبِيه: يُقَال للدَّوخلَّة: المكعَّبة والوشيجَة، والمُقعَدة، والشَّوغرة.(1/211)
كبع: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الكُبَع: جمل البحْر. وَيُقَال للْمَرْأَة الدميمة: يَا وَجه الكُبع.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الكَبْع: النَّقْد. وَأنْشد:
قَالُوا ليَ اكبَعْ قلت لستُ كابعا
والكَبْع: القَطْع. وَأنْشد:
تركتُ لصوص المِصر من بَين بائسٍ
صليبٍ ومكبوع الكراسيع باركِ
والكبْع: المنْع. وَقَالَ أَبُو تُرَاب: الكُبوع والكُنوع: الذلّ والخضوع.
بكع: فِي حَدِيث أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ: (لقد خَشِيتُ أَن تبكعَني بهَا) . أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: التبكيت والبَكْع: أَن تسْتَقْبل الرجل بِمَا يكره. وَقَالَ شمر: يُقَال بكّعه تبكيعاً، إِذا واجَهَه بِالسَّيْفِ وَالْكَلَام.
وَقَالَ اللَّيْث: البَكْع: شدَّة الضّرب المتتابع، تَقول بكعتُه بالسَّيف والعصا.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: بكعتُه بِالسَّيْفِ: قطعتُه.
بعك: ابْن السّكيت: تَقول الْعَرَب: وقعْنا فِي بَعكُوكاء ومَعْكوكاء، أَي فِي جَلَبةٍ وصِياح.
وَقَالَ غَيره: البَعْكوكة من الْإِبِل: المجتمعة الْعَظِيمَة. وَقَالَ الراجز:
يخرُجن من بَعكوكة الخِلاطِ
وَقَالَ اللِّحياني: تركته فِي بَعْكوكةِ الْقَوْم، أيْ فِي جَمَاعَتهمْ. قَالَ: وبَعْكوكة الشَّرّ: وَسطه.
قلت: وَهَذَا حرف جَاءَ نَادرا على فَعلولة، وَأكْثر كَلَامهم على فُعلولة وفُعلول، مثل بُهلول وكُهْلول وزُغلول.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: البَعَك: الغِلَظ والكزازة فِي الْجِسْم، وَمِنْه اشتق بَعْكَك.
قلت: وَلم أجد هَذَا لغيره.
(بَاب الْعين وَالْكَاف مَعَ الْمِيم)
عكم، كعم، كمع، مَعَك: مستعملة.
عكم: أَبُو عبيد: عكم يعكِم، إِذا كرَّ رَاجعا. وَقَالَ لبيد:
فجال وَلم يَعْكِم
أَي هرب وَلم يكرّ. وَقَالَ شمر: يكون عكَم فِي بَيت لبيدٍ بِمَعْنى انْتظر، فكأنّه قَالَ: فجال وَلم ينْتَظر، يَعْنِي الثَّورَ هربَ وَلم ينْتَظر. وَأنْشد شمر بَيت الْهُذلِيّ:
أزُهَيْرُ هَلْ عَن شَيبةٍ من مَعْكِمِ
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: العِكم: بَكَرة الْبِئْر. وَأنْشد:
وعُنق مثل عَمُود السَّيْسَبِ
رُكِّبَ فِي زَورٍ وثيق المَشعَبِ
كالعِكم بَين القامتين المُنْشَبِ
وَحَدِيث أمّ زَرْع: (عُكومها رَدَاح، وبيتها فَيَاح) . قَالَ: قَالَ أَبُو عبيد: العُكوم: الْأَحْمَال والأعدال الَّتِي فِيهَا الأوعية من صُنوف الْأَطْعِمَة وَالْمَتَاع، واحِدها عِكْم.
قلت: وَسمعت الْعَرَب تَقول يَوْم الظَّعن لخدَمهم: اعتكموا. وَقد اعتكموا، إِذا سوَّوا الأعدال ليشدُّوها على الحَمُولة. وكلُّ عِدلٍ عِكمٌ، وَجمعه عكومٌ وأعكام.
وَقَالَ الفرّاء: يَقُول الرجل لصَاحبه اعكُمني وأعكمِني، فَمَعْنَى اعكُمني أَي اعكُم لي،(1/212)
وَيجوز بِكَسْر الْكَاف. وَأما أعكمني بِقطع الْألف فَمَعْنَاه أعنّي على العَكْم. وَمثله احلُبْني أَي احلُبْ لي، وأحلِبني أَي أعنّى على الحَلْب وَمثله المُسْنِي وألمِسني، وابغِني وأبْغِني.
وَقَالَ اللَّيْث: عكمتُ الْمَتَاع أعكمه عكماً، إِذا بسطتَ ثوبا وَجعلت فِيهِ مَتَاعا فشددته، ويسمَّى حينئذٍ عِكْماً. والعِكام: الْحَبل الَّذِي يُعكم عَلَيْهِ. قَالَ: والعِكْم عِكم الثِّياب الَّذِي يشدُّ بِهِ العكَمة، والعكَمتان تُشدَّان من جَانِبي الهودج بِثَوْب. وَيُقَال للدابّة إِذا شرِبت فَامْتَلَأَ بطنُها: مَا بقيَتْ فِي جوفها هَزْمةٌ وَلَا عَكْمةٌ إلاَّ امْتَلَأت. وَأنْشد:
حَتَّى إِذا مَا بلَّتْ العكوما
من قَصب الأجوافِ والهُزوما
قَالَ: وَيُقَال الهَزْم: دَاخل الخاصرة. والعِكْم: دَاخل الجَنْب. قَالَ: وَيُقَال عُكِم عنّا فلانٌ يُعكَم، إِذا رُدَّ عَن زيارتنا. وَأنْشد:
ولاحتْه من بعد الجُزُوء ظَماءةٌ
وَلم يَك عَن وِرد الْمِيَاه عُكومُ
وَقَالَ ابْن السّكيت: العِكم: نَمَط الْمَرْأَة تَجْعَلهُ كالوِعاء وَتجْعَل فِيهِ ذخيرتها.
أَبُو العبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: يُقَال للغلام الشابل المنعَّم: معكَّم، ومكتَّل، ومصدَّر، وكلثوم، وحِضَجْر.
كعم: رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نهى عَن المكاعمة والمكامعة. قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ غير وَاحِد: أما المكاعمة فَأن يلثَم الرجلُ صاحبَه، أُخِذ من كِعام الْبَعِير، وَهُوَ أَن يُشَدَّ فمُه إِذا هاج، يُقَال مِنْهُ كَعَمته أكْعَمُه كَعْماً، فَهُوَ مكعوم. وَقَالَ ذُو الرمة:
يهماء خابِطُها بالخوف مكعوم
يَقُول: قد شدّ الْخَوْف فَمه فمنعَه من الْكَلَام، فَجعل النَّبِي ج لثمَه إِيَّاه بِمَنْزِلَة الكعام.
وَقَالَ اللَّيْث: الكِعْم: شَيْء من الأوعيَة يُوعَى فِيهِ السلاحُ وَغَيره، والجميع الكِعام. وَقَالَ أَبُو سعيد: كُعوم الطَّرِيق: أفواهه. وَأنْشد:
ألاَ نَام الخليُّ وبتُّ حِلساً
بِظهْر الغَيب سُدَّ بِهِ الكُعومُ
قَالَ: بَات هَذَا الشَّاعِر حِلساً لما يحفظ ويرعى، كأنّه حِلسٌ قد سُدَّ بِهِ كُعوم الطَّرِيق، وَهِي أفواهه.
كمع: قَالَ أَبُو عبيد: المكامعة فِي الحَدِيث: أَن يُضاجع الرجلُ صاحبَه فِي ثوبٍ وَاحِد، أَخذ من الكِمْع والكميع، وَهُوَ الضَّجيع. وَمِنْه قيل لزَوْج الْمَرْأَة هُوَ كَمِيعها. وَأنْشد لأوس:
وهبّت الشمألُ البليلُ وإذْ
بَات كَميعُ الفتاة مُلتفِعا
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال كامعتُ الْمَرْأَة، إِذا ضمَّها إِلَيْهِ يصونُها.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الكِمْع من الأَرْض: الْغَائِط المتطأطىء. وَأنْشد:
فظلَّت على الأكماع أكماع دَعْلجٍ
على جِهَتَيها من ضُحَى وهَجيرِ
وَقَالَ شمر: الكِمْع: المطمئنّ من الأَرْض، وَيُقَال مستَقَرُّ المَاء. قَالَ: وَقَالَ أَبُو نصر: الأكماع: أَمَاكِن من الأَرْض(1/213)
يرْتَفع حروفها وتطمئنّ أوساطها.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: الكِمَع: الإمَّعة من الرِّجَال، والعامّة تسمّيه المعمعيّ واللِّبْديّ.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: كَمَع فِي الْإِنَاء، وكَرَع فِيهِ، وشرعَ. وَأنْشد:
أَو أعوجيَ كبُردِ العَصْب ذِي حجلٍ
وغُرّةٍ زيَّنَتْه كامعٍ فِيهَا
قَالَ إِسْحَاق بن الْفرج: سَمِعت أَبَا السَّمَيْدع يَقُول: كمع الفرسُ والرجلُ وَالْبَعِير فِي المَاء وكرع، ومعناهما شرع.
مَعَك: رُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَالَ: (لَو كَانَ المعْك رجلا كَانَ رجلَ سَوء) . وَفِي حَدِيث آخر: (المعك طَرَفٌ من الظُّلْم) . المعْك: المَطْل واللَّيُّ بالدَّين، يُقَال معكَه بِدَينِه يمعكُه مَعْكاً، إِذا مَطَله ودافعه. وماعَكَه ودالكَه، إِذا ماطَلَه. وَقَالَ زُهَيْر:
... . وَلَا
تمعَكْ بعرضِك إنَّ الغادرَ المَعِكُ
والمَعْك: الدَّلْك. يُقَال معكت الْأَدِيم أمعَكهُ معكاً، إِذا دلكته دلكا شَدِيدا.
وَيُقَال معّكته فِي التُّرَاب تمعيكاً، إِذا مرَّغتَه فِيهِ. وَقد تمعَّك فِي التُّرَاب وتمرَّغ. وَالْحمار يتمعَّك ويتمرَّغ فِي التُّرَاب. ومعَكت الرجلَ أمعكُه، إِذا ذَلَّلته وأهنته.
(أَبْوَاب الْعين وَالْجِيم)
ع ج ش:)
اسْتعْمل من وجوهه: شجع، جشع، جعش.
شجع: رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (يَجِيء كنز أحدهم يَوْم الْقِيَامَة شجاعاً أفرعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ) . أما الْأَقْرَع فقد مرّ تَفْسِيره. وَأما الشُّجاع فَإِن أَبَا عبيد وَغَيره قَالُوا: الشجاع: الحيَّة الذّكَر. وَأنْشد الْأَحْمَر:
قد سالمَ الحياتُ مِنْهُ القدما
الأفعوانَ والشُّجاعَ الشجعمَا
نصب الأفعوانَ والشُّجاع بِمَعْنى الْكَلَام، لِأَن الْحَيَّات إِذا سالمت القدمَ فقد سالَمَها القدمُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: قد سَالم القدمُ الحياتِ؛ ثمَّ جَعَلَ الأفعوان بَدَلا مِنْهَا. والشَّجعم من الْحَيَّات الْخَبيث المارد.
وَقَالَ اللحياني: يُقَال للحية شُجاع وشِجاع.
وَقَالَ شمر فِي كتاب (الْحَيَّات) : الشُّجاع ضرب من الْحَيَّات لطيفٌ دَقِيق، وَهُوَ زَعَمُوا أجرؤها. وَقَالَ ابْن أَحْمَر:
وحبَتْ لَهُ أذنٌ يراقبُ سمعَها
بصَرٌ كناصبة الشُّجاع المُسْخِدِ
حبَتْ: انتصبت. وناصبةُ الشجاعِ: عينه الَّتِي ينصبها للنَّظَر إِذا نظر.
وَقَالَ اللَّيْث: جمع الشُّجاعِ الحيّةِ الشُّجعان، وَثَلَاثَة أشجعة. قَالَ: ورجلٌ شجاعٌ وَامْرَأَة شُجاعة ونسوة شجاعات، وَقوم شُجعاء وشُجْعان وشَجْعة. قَالَ: وَيُقَال رجل شَجِيع وشُجاع، مثل عَجيب وعُجاب. قَالَ: والشَّجاعة: شدَّة الْقلب(1/214)
عِنْد الْبَأْس. قَالَ: وَيُقَال للأسد أَشْجَع، وللبؤةِ شَجْعاء. وَأنْشد للعجّاج:
فولَدَت فَرَّاسَ أُسْدٍ أشجعا
يَعْنِي أمّ تَمِيم وَلدته أسداً من الْأسود وَأنْشد للأعشى:
بأشجعَ أخّاذٍ على الدَّهْر حُكمَه
فَمن أيّ مَا تَأتي الحوادثُ أَفرَقُ
وَقَالَ غَيره: يُقَال للحيّة الأشجعَ. وَأنْشد:
قد عضَّه فقضَى عَلَيْهِ الأشجعُ
والأشجع: الْمَجْنُون، وَبِه شجَع أَي جُنُون.
وَقَالَ اللَّيْث: قد قيل أنَّ الأشجع من الرِّجال: الَّذِي كأنّ بِهِ جنوناً. قَالَ: وَهَذَا خطأ، لَو كَانَ كَذَلِك مَا مَدَح بِهِ الشُّعَرَاء. قَالَ: والشِّجِعة من النِّساء: الجريئة على الرِّجَال فِي كَلَامهَا وسلاطتها.
وَقَالَ اللِّحياني: يُقَال للجبان الضَّعِيف إنّه لشَجْعة.
وَقَالَ الأصمعيّ: شُجاع الْبَطن: شدّة الْجُوع. وَأنْشد لأبي خِراش الْهُذلِيّ:
أردُّ شُجاعَ البطنِ لَو تعلمينه
وأُوثِر غَيْرِي من عِيالِك بالطُّعمِ
والشَّجْعة: الفصيل تضعُه أمُّه كالمخبَّل.
قلت: وَمِنْه قيل للرجل الضَّعِيف شَجْعة.
وَيُقَال شجُع الرجلُ يشجُع شجاعة. قَالَ: وَيُقَال لقد تشجَّعَ فلانٌ أمرا عَظِيما، أَي رَكبه. والمشجوع: المغْلوب بالشجاعة. والأشجع: الرجُل الطَّوِيل، والمصدر الشَّجَع. وَقَالَ سُويد:
بصِلاب الأَرْض فيهنَّ شَجَعْ
وَقَالَ اللَّيْث: الشَّجَع فِي الْإِبِل: سرعَة نقلهَا قَوَائِمهَا. جَملٌ شَجِعٌ وناقة شَجِعة وَأنْشد:
على شَجِعاتٍ لَا شِخاتٍ وَلَا عُصْلِ
أَرَادَ بالشَّجِعات قَوَائِم الْإِبِل أنَّها طِوال.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: رجلٌ أَشْجَع: طَوِيل؛ وَامْرَأَة شَجْعاء. قَالَ: وشَجْع: قَبيلَة من عُذرة، وشُجَعُ: قَبيلَة من كنَانَة وَأَشْجَع فِي قيس.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي وَأبي عَمْرو قَالَا: الأشاجع: عروق ظَاهر الكفّ، وَهُوَ مَغْرِز الْأَصَابِع.
وَقَالَ ابْن السّكيت: وَاحِدهَا أَشْجَع.
وَقَالَ اللَّيْث: الأشجع فِي الْيَد وَالرجل: العصَب الْمَمْدُود فَوق السُّلامَى مَا بَين الرُّسغ إِلَى أصُول الْأَصَابِع الَّتِي يُقَال لَهَا أطناب الْأَصَابِع فَوق ظهر الكفّ. قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: هُوَ العُظَيم الَّذِي يصل الإصبعَ بالرُّسْغ، لكلّ إصبعٍ أشجَع. قَالَ: واحتجَّ الَّذِي قَالَ هُوَ العصب بقَوْلهمْ للذئب والأسد: عارِي الأشاجع. فَمن جَعَل الأشاجعَ العصب قَالَ لتِلْك الْعِظَام هِيَ الأسناع، وَاحِدهَا سِنْع.
جشع: فِي الحَدِيث أَن مُعاذاً لما خرج إِلَى الْيمن شيعه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبكى معاذٌ جشعاً لفراق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ابْن السّكيت: الجَشَعُ: أَسْوَأ الْحِرْص. وَقَالَ سُوَيد:
وكلابُ الصَّيد فيهنَّ جَشَعْ(1/215)
وَقَالَ شمر: الجشَع. شدَّة الْجزع لفراق الإلْف. قَالَ: والجشَع: الْحِرْص الشَّديد على الْأكل وَغَيره. رجلٌ جَشِعٌ: وقومٌ جَشِعون.
وَقَالَ ابْن شُميل: رجلٌ جَشِعٌ بَشِع: يجمع جَزعاً وحِرصاً وخُبثَ نفس.
وَقَالَ بعض الْأَعْرَاب: تجاشعنا المَاء نتجاشعه تجَاشُعاً، وتناهبناه، وتشاححناه إِذا تضايقنا عَلَيْهِ وتعاطشنا.
وَمن الْأَسْمَاء مجاشع.
جعش: أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: الجُعشوش: الرجل الطَّوِيل. وَقَالَ شمر: الجُعشوش: الرجلُ الدقيقُ النحيف، وَكَذَلِكَ الجعسوس. وَقَالَ غَيره: رجلٌ جُعشوش وجُعسوسٌ، إِذا كَانَ قمياً زريّاً. وَقيل: الجُعشوش اللَّئِيم.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الجُعشوش: النَّحيف الضامر. وَأنْشد:
يَا ربَّ قَرْم سَرِسٍ عَنَطنَطِ
لَيْسَ بجعسُوسٍ وَلَا بأذْوَط
وَقَالَ ابْن حِلِّزة:
بَنو لُجيم وجَعَاسيسُ مُضَرْ
كل ذَلِك يُقَال بِالسِّين والشين.
(بَاب الْعين وَالضَّاد وَالْجِيم)
أهملت وجوهها غير حرف وَهُوَ:
ضجع: قَالَ النحويون: أصل بِنَاء الْفِعْل من الِاضْطِجَاع، ضجع يضجَع فَهُوَ ضاجع. وقلّما تسْتَعْمل. والافتعال مِنْهُ اضْطجع يضطجع اضطجاعاً فَهُوَ مُضْطَجع.
وَقَالَ ابْن المظفر: وَكَانَت هَذِه الطَّاء فِي الأَصْل تَاء، ولكنَّه قَبُح عِنْدهم أَن يَقُولُوا اضتجع فأبدلوا التَّاء طاء. وَله نَظَائِر أذكرها فِي موَاضعهَا.
قلت: وَقَالَ الْفراء: من الْعَرَب من يَقُول اضَّجَعَ بتَشْديد الضَّاد، فِي مَوضِع اضْطجع. وَأنْشد:
لمّا رأى أَن لادَعَه وَلَا شِبَعْ
مالَ إِلَى أرطاةِ حِقْفٍ فاضَّجَعْ
وَقَالَ: أدغمَ الضَّاد فِي التَّاء فَجَعلهَا ضاداً شَدِيدَة.
وَقَالَ ابْن الْفرج: قَالَ الْفراء: يُقَال أضجعتُه فاضطجع. قَالَ: وَبَعْضهمْ يَقُول: (فالْضَجَعْ) بِإِظْهَار اللَّام، وَهُوَ نَادِر. قَالَ: وربّما أبدلوا اللَّام ضاداً كَمَا أبدلوا الضَّاد لاماً، قَالَ بَعضهم: الطراد واضْطِرادُ، لطرادِ الْخَيل.
قَالَ: وروى إِسْحَاق عَن الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان عَن لَيْث عَن مُجَاهِد وَالْحكم قَالَا: إِذا كَانَ عِنْد اضطرادِ وَعند ظلّ السيوف أجزَى الرجلَ أَن تكون صلَاته تَكْبِيرا، قَالَ: وفسَّره ابْن إِسْحَاق الطِّراد.
وَيُقَال ضاجعَ الرجلُ امرأتَه مضاجعةً، إِذا نَام معَها فِي شعارٍ وَاحِد، وَهُوَ ضَجِيعها وَهِي ضجيعَتُه.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال أضجعتُ فلَانا، إِذا وضعتَ جنبَه بِالْأَرْضِ، وضَجَعَ، وَهُوَ يَضجَع نَفْسُه. قَالَ: وكلُّ شَيْء تَخفضه فقد(1/216)
أضجعته. والإضجاع فِي بَاب الحركات مثلُ الإمالة والخفض. قَالَ: والإضجاع فِي القوافي. وَأنْشد:
والأعوج الضاجع من إكفائها
وَهُوَ أَن يخْتَلف إِعْرَاب القوافي، يُقَال: أكفأ وأضجعَ بِمَعْنى وَاحِد.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: رجلٌ ضاجع أَي أَحمَق، ودلوٌ ضاجعة أَي ممتلئة. وغنم ضاجعة: كَثِيرَة لَازِمَة للحَمْض. ورَجلٌ ضُجْعيٌ، ضِجْعِيٌ وقُعديٌ وقِعديّ: كثير الِاضْطِجَاع فِي بَيته.
وَقَالَ الأصمعيّ: ضَجَعت الشمسُ للغروب وضَجَع النجمُ فَهُوَ ضاجع، إِذا مالَ للمغيب؛ ونجومٌ ضواجع.
وَيُقَال أَرَاك ضاجعاً إِلَى فلانٍ: مائلاً إِلَيْهِ. وَيُقَال ضِجْع فلانٍ إِلَى فلَان، كَقَوْلِك: صِغْوه إِلَيْهِ.
ومضاجع الْغَيْث: مساقطه.
ورجلٌ أضجع الثنايا: مائلُها؛ والجميع الضُّجْع.
وَيُقَال تضاجعَ فلانٌ عَن أمرِ كَذَا وَكَذَا، إِذا تغافلَ عَنهُ.
أَبُو عَمْرو: الضواجع: مصَابُّ الأودية، وَاحِدهَا ضاجعة، كأنَّ الضاجعة رَحْبةٌ ثمَّ تستقيم بعدُ فَتَصِير وَاديا.
وسحابة ضَجوع: بطيئة من كَثْرَة مَائِهَا. والضَّجوع: رَملَة بِعَينهَا مَعْرُوفَة. والضُّجوع: بِضَم الضَّاد: حيٌّ فِي بني عَامر.
والمَضاجع: اسْم مَوضِع. والمضاجع: جمع المَضْجَع أَيْضا. قَالَ الله جلّ وعزّ: {لاَ يَسْتَكْبِرُونَ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} (السَّجدَة: 16) أَي تَتَجَافَى عَن مضاجعها الَّتِي اضطجعت فِيهَا.
والاضطجاع فِي السُّجُود: أَن يتضامَّ ويُلصِقَ صَدره بِالْأَرْضِ. وَإِذا قَالُوا: صلَّى مُضْطَجعا فَمَعْنَاه أَن يضطجع على شقِّه الْأَيْمن مُسْتَقْبلا الْقبْلَة.
وَقَالَ ابْن السّكيت: الضَّجوع: مَوضِع. قَالَ: ودلوٌ ضاجعة: ملأى مَاء، تمِيل فِي ارتفاعها من الْبِئْر، لثقلها. وَأنْشد لبَعض الرجاز:
إِن لم تجىء كالأجْدَل المسِفِّ
ضاجعةً تَعدِلُ مَيل الدَّفّ
إذَنْ فَلَا آبَتْ إليَّ كفِّي
أوْ يُقطعَ العِرقُ من الألَفِّ
قَالَ: والألفُّ: عِرقٌ فِي العضُد.
وَقَالَ أَبُو عبيد: الضَّجوع: النَّاقة الَّتِي ترعى نَاحيَة. والعَنود مثلُها. قَالَ: وَقَالَ الْفراء: إِذا كثرت الْغنم فَهِيَ الضاجعةُ والضَّجْعاء. وَيُقَال أضجعَ فلانٌ جُوالقَه، إِذا كَانَ ممتلئاً ففرَّغه. وَمِنْه قَول الراجز:
تُعجِلُ إضجاعَ الجَشيرِ القاعدِ
والجشير: الجُوالق. والقاعد: الممتلىء.
ع ج ص: مهمل
(بَاب الْعين وَالْجِيم مَعَ السِّين)
عجس، عسج، سجع، جعس: مستعملات
عجس: أَبُو عبيدٍ عَن الْفراء: عجسته عَن حاجتِه: حَبسته. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: عَجسني(1/217)
عَجَاساءُ الْأُمُور عَنْك. وَقَالَ: مامنعك فَهُوَ العَجَاساء.
أَبُو عَمْرو: العَجاساءُ من الْإِبِل: الثَّقِيلَة الْعَظِيمَة الحوساء، الْوَاحِدَة عَجَاساء والجميع عَجَاساء. قَالَ: وَلَا يُقَال جَمَلٌ عَجاساء. قَالَ: والعَجاساء يمدُّ ويُقصَر. وَأنْشد:
وطافَ بالحوضِ عَجَاساً حُوسُ
قَالَ أَبُو الْهَيْثَم: لَا نَعْرِف العَجاسا مَقْصُورَة. وَقَالَ شمر: عَجَاساء اللَّيْل: ظُلمتُه المتراكبة؛ وَمن الْإِبِل: الضخام، يُقَال للْوَاحِد والجميع عَجاساء. وَأنْشد قَول الرَّاعِي:
وَإِن بركَتْ مِنْهَا عَجَاساءُ جِلَّةٌ
بمَحْنِيَةٍ أشلَى العِفاسَ وبَرْوَعا
يَقُول: إِذا استأخرتْ من هَذِه الْإِبِل عَجاساءُ دَعَا هَاتين الناقتين فتبعتْهما الْإِبِل.
أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى: العُجوس: آخر ساعةٍ من اللَّيْل؛ والعُجوس أَيْضا: مشيُ العاجساء، وَهِي النّاقة السمينة تتأخّر عَن النُّوق لثقل قَتَالها، وقَتالها: لَحمهَا وشحمها. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: العُجْسَة: السَّاعة من اللَّيْل، وَهِي الهُتْكة والطَّبِيق.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: المعجِس والعِجْس: مَقبض الرَّامِي من الْقوس. وَقَالَ الْكسَائي: العَجْس والعَجْس والعِجْس وَاحِد.
وَقَالَ اللَّيْث: العَجْس: شدَّة الْقَبْض على الشَّيْء.
أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر: لَا آتِيك سَجيسَ عُجَيسٍ، وَمَعْنَاهُ الدَّهر. وَأنْشد:
فأقسمت لَا آتِي ابنَ ضَمرةَ طَائِعا
سَجِيسَ عُجَيسٍ مَا أبانَ لساني
أَي لَا آتِيك أبدا. وَهُوَ مثل قَوْلهم: (لَا آتِيك الأزلَمَ الجذَع) ، وَهُوَ الدَّهر.
وَقَالَ غَيره: تعجّسَت بيَ الراحلةُ وعَجَستْ بِي، إِذا تنكَّبَتْ بِهِ عَن الطَّرِيق من نشاطها. وَأنْشد لذِي الرمة:
إِذا قَالَ حادينا أيا عجَسَتْ بِنَا
صُهابيّةُ الْأَعْرَاف عُوجُ السَّوالِفِ
ويروى: (عجَّستْ بِنَا) بِالتَّشْدِيدِ.
أَبُو زيد: يُقَال هَذِه أرضٌ مضبوطة، أَي قد عمَّها الْمَطَر. وَقد تعجَّستْها غيوث، أَي أصابتها غيوث بعد غيوث فتثاقلت عَلَيْهَا.
وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : تعجَّسَه عِرقُ سَوء وتعقَّله وتثقَّلَه، إِذا قصَّر بِهِ عَن المكارم.
وروى ابْن شُمَيْل فِي حَدِيث (يتعجَّسكم عِندَ أهل مَكَّة) ، قَالَ النَّضر: مَعْنَاهُ يضعِّف رأيَكم عِنْدهم.
وَقَالَ اللَّيْث: عَجْزُ الْقوس وعَجْسُه.
عسج: أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: العَسْج: ضربٌ من سير الْإِبِل. وَمِنْه قَول ذِي الرمة:
والعِيسُ من عاسجٍ أَو واسجٍ خببا
وَقَالَ اللَّيْث: العَسْج: مدُّ العُنق فِي السَّير. وَأنْشد:
عَسجْنَ بأعناق الظباء وأعين ال
جآذرِ وارتجَّت لهنَّ الروادفُ
وَقَالَ غَيره: العوسج: شجر كثير الشوك(1/218)
مَعْرُوف، وَهِي ضروبٌ مِنْهَا مَا يُثمر ثمراً أحمرَ يُقَال لَهُ المُصَع.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: فِي بِلَاد باهلة معدِنٌ من مَعادن الفِضَّة يُقَال لَهُ عوسَجة. وعَوسَجةٌ من أَسمَاء الرِّجَال. والعواسج: قَبيلَة مَعْرُوفَة.
سجع: تَقول الْعَرَب: سجعت الْحَمَامَة تَسجَع سجعاً، إِذا دعَتْ وطرَّبتْ فِي صَوتهَا، فَهِيَ سَجوعٌ وساجعة، وحمامٌ سواجع.
وَقَالَ اللَّيْث: سجع الرجلُ، إِذا نطقَ بكلامٍ لَهُ فواصل. وصاحبُه سَجّاعةٌ.
قلت: ولمّا قضى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي جَنين امرأةٍ ضربتها أُخْرَى فسقطَ ميّتاً بغُرَّةٍ على عَاقِلَة الضَّاربة قَالَ رجلٌ مِنْهُم: (كَيفَ نَدِي مَنْ لَا شرِبَ وَلَا أكَل، وَلَا صاحَ فاستهلّ، وَمثل دَمه يُطَلُّ) قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إيَّاكُمْ وسجعَ الكُهَّان) . ورُوي عَنهُ ج أَنه نَهَى عَن السَّجْع فِي الْكَلَام والدُّعاء، لمشاكلة كَلَام الكهنَة وسجعهم فِيمَا يتكهَّنون. فأمّا فواصل الْكَلَام المنظوم الَّذِي لَا يشاكل المسجَّع فَهُوَ مباحٌ فِي الْخطب والرسائل. وَالله أعلم.
وَقَالَ أَبُو عبيد: بَينهم أُسجوعة من السَّجع، وَجَمعهَا الأساجيع والساجع: القاصد فِي سيره. وكل قَصدٍ سجْع. قَالَ ذُو الرمة:
قطعتُ بهَا أَرضًا ترى وجهَ ركبِها
إِذا علَوها مُكفأ غير ساجعِ
أَرَادَ أنّ السَّمومَ قَابل هُبوبها وجوهَ الرّكْب فأكفئوها عَن مهبِّها اتِّقاء لحرِّها.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: نَاقَة ساجع: طَوِيلَة.
قلت: وَلم أسمع هَذَا لغيره.
وَيُقَال نَاقَة ساجع، إِذا طرَّبت فِي حنينها.
جعس: قَالَ اللَّيْث وَغَيره: الجَعْس العَذِرة. وَقد جَعَس يَجعَس جَعْساً. قَالَ: والجُعسُوس: اللَّئِيم الخِلقة والخُلقُ. وهم الجعاسيس. وَقد مر تَفْسِيره فِي بَاب جعش.
(بَاب الْعين وَالْجِيم مَعَ الزَّاي)
عجز، عزج، جزع، جعز، زعج: مستعملات
عجز: قَالَ الله جلّ وعزّ: {وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِى الاَْرْضِ وَلاَ فِى} (العَنكبوت: 22) قَالَ الْفراء: يَقُول الْقَائِل كَيفَ وصَفَهم الله أنّهم لايُعجِزون فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء وَلَيْسوا فِي أهل السَّمَاء؟ فَالْمَعْنى مَا أَنْتُم بمعجزين فِي الأَرْض وَلَا من فِي السَّمَاء بمعجز. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: مَعْنَاهُ مَا أَنْتُم بمعجزين فِي الأَرْض وَلَا لَو كُنْتُم فِي السَّمَاء.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: قَالَ الْأَخْفَش: مَعْنَاهُ مَا أَنْتُم بمعجزين فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء، أَي لاتعجزوننا هرباً فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء. قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: وَقَول الْفراء أشهر فِي الْمَعْنى، وَلَو كَانَ قَالَ وَلَا أَنْتُم لَو كُنْتُم فِي السَّمَاء بمعجزين لَكَانَ جَائِزا.
قلت: وَمعنى الإعجاز الْفَوْت والسبق. يُقَال أعجزني فلانٌ، أَي فَاتَنِي. وَقَالَ اللَّيْث: أعجزَني فلانٌ، إِذا عَجزتَ عَن طلبه وإدراكه.
وَقَالَ الله فِي سُورَة سبأ (هـ) : {وَالَّذِينَ سَعَوْاْ فِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - ءَايَاتِنَا مُعَاجِزِينَ} (الحَجّ: 51) وقرأه بَعضهم:(1/219)
(معجِّزين) وَقَالَ الْفراء: من قَرَأَ {مُعَاجِزِينَ} (الحَجّ: 51) فتفسيره معاندين. وَقَالَ بَعضهم: مسابقين، وَهُوَ قَول الزّجاج. وَمن قَرَأَ معجِّزين فَالْمَعْنى مثبِّطين عَن الْإِيمَان بهَا، من الْعَجز وَهُوَ نقيض الحَزْم. وَأما الإعجاز فَهُوَ الْفَوْت، وَمِنْه قَول الْأَعْشَى:
فَذَاك وَلم يُعجِزْ من الْمَوْت رَبَّه
وَلَكِن أَتَاهُ الموتُ لَا يتأبّقُ
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: إنّه ليُعاجِز إِلَى ثقةٍ، إِذا مالَ إِلَيْهِ. وَيُقَال فلانٌ يُعاجز عَن الحقِّ إِلَى الْبَاطِل، أَي يلجأ إِلَيْهِ. وَيُقَال هُوَ يُكارز إِلَى ثقةٍ مُكارَزةً، إِذا مَال إِلَيْهِ.
وَرُوِيَ عَن عَليّ ح أَنه قَالَ: (لنا حقٌ إنْ نُعْطَهُ نأخذْه، وَإِن نُمنَعْه نركبْ أعجاز الْإِبِل وَإِن طَال السُّرى) . القتيبيُّ: أعجاز الْإِبِل: مآخيرها، جمع عَجُز، وَهُوَ مركب شاقّ. قَالَ: وَمَعْنَاهُ إِن مُنِعنا حَقَّنا ركبْنا المشقَّة وصَبَرنا عَلَيْهِ وَإِن طَال، وَلم نَضجَرْ مِنْهُ مُخِلِّين بحقِّنا.
قلت: لم يُرد عليّ ح بقوله هَذَا ركوبَ المشقَّة، ولكنّه ضربَ أعجازَ الْإِبِل مثلا لتقدُّم غَيره عَلَيْهِ وتأخيره إِيَّاه عَن حقِّه، فَيَقُول: إِن قُدِّمنا للْإِمَامَة تقدّمنا، وَإِن مُنِعْنا حقَّنا مِنْهَا وأخِّرنا عَنْهَا صَبرنَا على الأثَرة علينا وَإِن طَالَتْ الْأَيَّام.
وَفِي كَلَام بعض الْحُكَمَاء: (لَا تَدَبَّروا أعجازَ أمورٍ قد ولَّت صُدورها) ، يَقُول: إِذا فاتك الْأَمر فَلَا تُتبعْه نفسَك متحسِّراً على مَا فَاتَ، وتعزَّ عَنهُ متوكِّلاً على الله.
وَقَالَ اللَّيْث: الْعَجُوز: الْمَرْأَة الشيخة، وَالْفِعْل عَجُزت تعجُز عَجْزاً.
قلت: وروى أَبُو عبيد عَن الكسائيّ: عجَّزت المرأةُ فَهِيَ معجِّز. قَالَ: وَبَعْضهمْ عَجَزَتْ بِالتَّخْفِيفِ. وَقَالَ ابْن السّكيت: عجَزت عَن الْأَمر أعجِز عَنهُ عَجْزاً ومَعجَزة. قَالَ: وَقد يُقَال عَجِزَتِ الْمَرْأَة تَعْجَز، إِذا عظُمت عجيزتها. وعجَّزت تعجّز تعجيزاً، إِذا صَارَت عجوزاً. قَالَ: وامرأةٌ معجَّزَة: ضخمة العجيزة. قَالَ يُونُس: امْرَأَة معجِّزة: طعنت فِي السنّ. وَامْرَأَة معجَّزة: ضخمة العجيزة. وَقَالَ ابْن السّكيت: تعجّزت البعيرَ، إِذا ركبت عَجُزَه.
وَأَخْبرنِي أَبُو الْفضل عَن أبي الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ، قَالَ رجل من بني ربيعَة بن مَالك: (إنْ الحقَّ بقَبَلٍ فَمن تعدَّاه ظَلَم، وَمن قَصَّر عَنهُ عَجَز، وَمن انْتهى إِلَيْهِ اكْتفى) قَالَ: لَا أَقُول عَجِزَ إلاّ من العجيزة، وَمن الْعَجز عَجَز. وَقَوله (بقَبَلٍ) أَي يَضِحُ لَك حَيْثُ ترَاهُ. وَهُوَ مثل قَوْلهم (إنّ الحقَّ عارِي) .
قلت: وَالْعرب تَقول لامْرَأَة الرجل وَإِن كَانَت شابّة: هِيَ عَجوزُهُ، وَللزَّوْج وَإِن كَانَ حَدثا: هُوَ شَيْخُها.
وَقلت لامرأةٍ من الْعَرَب: حالِبِي زوجَكِ. فتذَّمَّرتْ وَقَالَت: هلاّ قلت: حالبي شَيخكِ؟
وَيُقَال للخمر إِذا عَتُقت عَجُوز.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: الْكَلْب: مِسْمَار مَقبِض السَّيْف. قَالَ: وَمَعَهُ آخرُ يُقَال لَهُ العَجوز.
وَقَالَ اللَّيْث: الْعَجُوز: نصل السَّيْف.
قلت: وَالْقَوْل مَا قَالَ ابْن الْأَعرَابِي. قَالَ: والعجوز: القِبْلة. والعجوز: الْبَقَرَة.(1/220)
والعجوز: الْخمر. وَيُقَال للرجل عَجُوز وللمرأة عَجُوز. قَالَ: وَيُقَال للْمَرْأَة عجوزَةٌ بِالْهَاءِ أَيْضا.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب أَنه قَالَ: رجلٌ معجوز، ومشفوه، ومعروك، ومنكود، إِذْ ألِحَّ عَلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَة.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: فحلٌ عَجِيز وعجيس، إِذا عَجَز عَن الضراب.
قلت: وَقَالَ أَبُو عبيد فِي بَاب العنِّين: هُوَ العَجِير بالراء، للَّذي لَا يَأْتِي النِّسَاء. قلت: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح.
وَقَالَ اللَّيْث: العجيزة: عجيزةُ الْمَرْأَة خاصّةً. وَامْرَأَة عجزاء، وَقد عَجِزَتْ عَجَزاً. قَالَ: والجميع عجيزات، وَلَا يَقُولُونَ عَجَائِز مَخَافَة الالتباس.
وَقَالَ ابْن السّكيت: عَجُز الرجل: مؤخَّره، والجميع الأعجاز؛ وَيصْلح للرَّجل وَالْمَرْأَة. وَأما العجيزة فعجيزة الْمَرْأَة خَاصَّة.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: العُجْز والعَجُز والعَجْز، وَكَذَلِكَ العُضْد والعضُد والعَضْد، ثلاثُ لُغَات. قَالَ: وتعجّزت البعيرَ: ركبت عَجُزه.
وَقَالَ اللَّيْث: العجزاء من الرمال: حَبل مرتفعٌ كأنّه جَلَد، لَيْسَ برُكام رمل، وَهُوَ مكرُمةٌ للنبت، والجميع العُجْز لِأَنَّهُ نعتٌ لتِلْك الرَّملة.
وَقَالَ غَيره: عُقابٌ عَجْزاء، إِذا كَانَ فِي ذنبها ريشة بَيْضَاء أَو ريشتان. وَقَالَ الشَّاعِر:
عَجْزاءَ ترزُق بالسُّلَيِّ عيالَها
وَيُقَال لِدابرة الطَّائِر: العِجازة. والعِجازةُ أَيْضا: مَا تعظِّم بِهِ الْمَرْأَة عجيزتها. وَيُقَال إعجازة، مثل العِظامة والإعظامة. قَالَه ابْن دُرَيْد.
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: فلانٌ عِجزة ولد أَبَوَيْهِ، أَي آخِرهم، وكَذلك كِبْرَة ولد أَبَوَيْهِ. قَالَ: والمذكر والمؤنث وَالْجمع وَالْوَاحد فِي ذَلِك سَوَاء. قَالَ: وَقَالَ أَبُو زيد فِي العِجزة مثله.
قلت: أَرَادَ بِكبرة ولد أَبَوَيْهِ أكبرهم.
وَقَالَ اللَّيْث: العِجزة ابنُ العجزة، هُوَ آخر ولدِ الشَّيْخ. وَيُقَال وُلد لعِجزة، أَي بَعْدَمَا كبِر أَبَوَاهُ. قَالَ: وَيُقَال اتَّقِي الله فِي شيبتكِ وعَجْزكِ، أَي بعد مَا تصيرين عجوزاً. وعجّز فلانٌ رأيَ فلَان، إِذا نسبه إِلَى خلاف الحزم، كَأَنَّهُ نسبه إِلَى الْعَجز. وأعجزتُ فلَانا، إِذا ألفيتَه عَاجِزا.
عزج: أهمله اللَّيْث. وَقَالَ ابْن دربد فِي (كِتَابه) : العَزْج: الدَّفع. قَالَ: وَقد يكنى بِهِ عَن النِّكَاح.
وَقَالَ غَيره: عَزَجَ الأَرْض بالمسحاة، إِذا قَلَبها. كأنّه عاقب بَين عَزق وعَزَج.
جزع: قَالَ الله جلّ وعزّ: {إِذا مَسّه الشَّرّ منوعا وَإِذا مَسّه الْخَيْر جزوعا. (المعارج: 19 20) والجَزوع ضدّ الصّبور على الشرّ. والجَزَع: نقيض الصَّبْر. وَقد جزِع يجزَع جزَعاً فَهُوَ جازع، فَإِذا كثُر(1/221)
مِنْهُ الْجزع فَهُوَ جَزُوع.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن الحرّاني عَن ابْن السّكيت قَالَ: الجَزْع بِفَتْح الْجِيم: الخَرَز الْيَمَانِيّ. والجِزْع، بِكَسْر الْجِيم: جِزع الْوَادي، وَهُوَ منعطَفهُ. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: هُوَ مُنحَناهُ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: هُوَ إِذا قطعتَه إِلَى الْجَانِب الآخر. والجميع أجزاع. وَقَالَ غَيره: الجَزْع أَيْضا قَطعك وَاديا أَو مفازة أَو موضعا تقطعه عَرضاً. وناحيتاه جِزعاه. وَقَالَ الْأَعْشَى:
جازعاتٍ بَطنَ العقيق كَمَا تَم
ضِي رِفاقٌ أمامهنّ رِفاقُ
قَالَ اللَّيْث: لَا يسمَّى جِزعُ الْوَادي جِزعاً حَتَّى تكون لَهُ سعةٌ تُنب الشّجر وَغَيره. قَالَ: والجازع: الْخَشَبَة الَّتِي ترفع بَين خشبتين عرضا منصوبتين ليوضع عَلَيْهِ سُروغ الكروم وقضبانها، لترفعَها عَن الأَرْض.
وَقَالَ ابْن شُمَيل نَحوا مِنْهُ.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: المجزِّع من الرُّطَب: الَّذِي بَلغَ الإرطابُ نصفه.
قَالَ شمر: قَالَ المِسعريُّ: المجزِّع بِالْكَسْرِ. وَهُوَ عِنْدِي بِنصب الزَّاي على وزن مخطَّم.
وَقلت: وسماعي من الهجريِّين رُطَبٌ مجزِّع بِكَسْر الزَّاي كَمَا رَوَاهُ المسعريّ عَن أبي عبيد. يُقَال جزَّع فَهُوَ مجزِّع.
وَيُقَال: فِي القِرْبة جِزعةٌ من المَاء، وَفِي الوَطْب جِزْعة من اللَّبن، إِذا كَانَ فِيهِ شَيْء قَلِيل. وَقَالَ اللَّيْث: الجِزْعة من اللَّبن فِي السِّقاء مَا كَانَ أقلَّ من نِصْفه، وَكَذَلِكَ المَاء. وَكَذَلِكَ المَاء فِي الْحَوْض.
الْأَصْمَعِي: مضَتْ جِزعة من اللَّيْل، أَي ساعةٌ من أوّلها وَبقيت جزعة من آخرهَا.
أَبُو زيد: كلأ جُزَاع، وَهُوَ الَّذِي يقتُل الدوابّ. ولحمٌ مجزَّع: فِيهِ بياضٌ وَحُمرَة. وَنوى مجزَّع، إِذا كَانَ محكوكاً.
وَقَالَ غَيره: تجزّع السهمُ، إِذا تكسر. وَقَالَ الشَّاعِر:
إِذا رُمحُه فِي الدَّارعِينَ تجزَّعا
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: انجزعَ الحبلُ بنصفين، إِذا انْقَطع. وانجزعت الْعَصَا. قَالَ: والجُزَع: المحور الَّذِي تَدور فِيهِ المَحالة، لُغَة يَمَانِية. قَالَ: والجُزَع أَيْضا: الصِّبغ الْأَصْفَر الَّذِي يسمَّى العُرُوق.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: يُقَال فِي الْحَوْض جِزعة، وَهُوَ الثُّلُث أَو قريبٌ مِنْهُ، وَهِي الجِزَعُ. وَقد جزَّع الحوضُ، إِذا لم يبْق فِيهِ إلاّ جِزْعة. وَيُقَال: فِي الغدير جِزعة، وَلَا يُقَال: فِي الركيّة جزعة.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الجِزعة، والكُثبة، والغُرقة، والخَمْطة: البقيَّة من اللَّبن.
جعز: أهمله اللَّيْث. وَقَالَ ابْن دُرَيْد: الجَعَز والجَأَزُ: الغَصص؛ كَأَنَّهُ أبدل من الْهمزَة عينا.
زعج: قَالَ اللَّيْث: الإزعاج: نقيض الْإِقْرَار، يُقَال أزعجته من بِلَاده فشَخَص، وَلَا يَقُولُونَ أزعجتُه فَزَعج. وَلَو قيل انزعج وازدعج لَكَانَ قِيَاسا.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: يُقَال زَعَجه وأزعَجه، إِذا أقلقَه.(1/222)
وَقَالَ غَيره: الزّعَج: القَلَق. وَقد أزعجه الأمرُ، إِذا أقلقه.
(بَاب الْعين وَالْجِيم مَعَ الدَّال عجد، جدع، جعد، دعجٌ: مستعملات.
عجد: قَالَ اللَّيْث: العُجْد: الزَّبيب. قَالَ: وَهُوَ حبّ الْعِنَب أَيْضا، وَيُقَال بل ثمرةٌ غير الزَّبِيب شبيهةٌ بِهِ، وَيُقَال بل هُوَ العُنْجُد.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي عَن المفضَّل، وَعَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: العُنْجُد: عَجْم الزَّبِيب. قَالَ: وحاكم أَعْرَابِي رجلا إِلَى القَاضِي فَقَالَ: بعتُ مِنْهُ عُنْجُداً مُذْجَهْرٌ فَغَاب عنّي. قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الجَهْر: قِطْعَة من الدَّهْر.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: العُنجدُ: رَدِيء الزَّبِيب، وَيُقَال عَنْجَد، وَيُقَال بل هُوَ حبُّ الزَّبِيب.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: العَجَد: الغِربان، واحدته عَجَدة. وَقَالَ الْهُذلِيّ يصف خيلاً:
فأرسلوهنَّ يَهتلِكْنَ بهمْ
شَطْرَ سَوَامٍ كأنَّها العَجَدُ
جدع: أَبُو عبيد عَن أبي زيد: جدعت الرجلَ أجدعُه جدعاً، إِذا سجنته، فَهُوَ مجدوع. قَالَ شمر: الْمَحْفُوظ جَذَعت الرجل بِالذَّالِ بِمَعْنى حبست. وَأنْشد:
كأنّه من طول جَذْع العَفْسِ
قَالَ: وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: جَذع الرجلُ عِيَاله، إِذا حَبَس عَنْهُم الْخَيْر وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: الَّذِي عندنَا فِي ذَلِك أنّ الجَدْع والجَذْع بِمَعْنى وَاحِد، وَهُوَ حَبْس من تحبسه على سوء ولايةٍ وعَلى الإذالة مِنْك لَهُ قَالَ: وَالدَّلِيل على ذَلِك قَول أَوْس:
وذاتُ هِدمٍ عارٍ نواشرها
تُصمِتُ بِالْمَاءِ تولَباً جَدِعاً
قَالَ: وَهُوَ من قَوْلك جَدَعته فجدِع، كَمَا تَقول ضَربَ الصَّقيعُ النباتَ فضَرِبَ، وَكَذَلِكَ صَقِع، وعَقَرته فعَقِر أَي سقط، وقَرَحته فقَرِح.
أَبُو عبيد عَن الكسائيّ: الجدِع: السيّء الْغذَاء. وَقد أجدعته أمُّه. وَقَالَ الأصمعيّ: الجَدَاعُ: السَّنَة الَّتِي تُذهب كلَّ شيءٍ. وَأنْشد:
لقد آليتُ أَغدِر فِي جَدَاعِ
وإنْ مُنِّيتُ أُمّاتِ الرِّباعِ
وَيُقَال جدَّع الْقَحْط النباتَ، إِذا لم يَزْكُ لانْقِطَاع الْغَيْث عَنهُ وَقَالَ ابْن مُقْبِل:
وغيث مَريع لم يجدَّعْ نباتُه
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: جادعت الرجل مُجادَعةً، وَهِي المشاتَمة. والمشارَّةُ نَحْوهَا.
وَقَالَ اللَّيْث: الجَدْع: قطع الْأنف وَالْأُذن والشَّفَة، تَقول جدعته جدعاً فَأَنا جادع. وَإِذا لزِمه النَّعْت قلت أجْدَعُ، وَقد جَدِعَ جَدَعاً. قَالَ: والجَدَعة: مَوضِع الجَدْع من المجدوع.(1/223)
دعجٌ: قَالَ اللَّيْث: الدَّعَج: شدّة سَواد (سوادِ) الْعين وَشدَّة بَيَاض بيَاضها؛ عينٌ دعجاء، وامرأةٌ دَعْجاء، ورجلٌ أدعج بيِّن الدَّعَج. وَقَالَ العجاج يصف انفلاق الصُّبْح:
تسُور فِي أعجاز ليلٍ أدعجا
قَالَ: جعل اللَّيْل أدعج لشدَّة سوَاده مَعَ شدّة بَيَاض الصُّبْح.
قلت: وَقد قَالَ غير اللَّيْث: الدُّعجة والدَّعَج سوادٌ عامٌّ فِي كلِّ شَيْء. يُقَال رجل أدعج اللَّوْن، وتيسٌ أدعج القرنين والعينين. وَقَالَ ذُو الرمة يصف ثوراً وحشياً وقرنيه:
جرى أدعج الروقَين والعَينِ واضحُ ال
قَرَا أسفع الخدَّين بالبين بارحُ
فجعلَ القَرْنَ أدعجَ كَمَا ترى.
قلت: وَرَأَيْت فِي الْبَادِيَة غليِّماً أسود كأنّه حُمَمةٌ، وَكَانَ يسمَّى نُصَيراً ويلقَّب دُعيجاً، لشدّة سوَاده.
وَقَالَ أَبُو نصر: سَأَلت الأصمعيّ عَن الدَّعَج والدُّعجة فَقَالَ: الدَّعَج: شدّة السوَاد، ليلٌ أدعج وَعين دعجاء بيِّنة الدعَج والدُّعْجة فِي اللَّيْل: شدةُ سوَاده.
قلت: وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب، وَالَّذِي قَالَه اللَّيْث فِي الدَّعج إنّه شدّة سَواد سوادِ الْعين مَعَ شدَّة بَيَاض بياضها، خطأٌ مَا قَالَه أحدٌ غَيره.
وأمّا قَول العجاج:
فِي أعجازِ ليلٍ أدعجا
فَإِنَّهُ أَرَادَ بالأدعج الليلَ المظلم الْأسود.
جعد: قَالَ اللَّيْث: الجَعْدة: حشيشة تنبُتُ على شاطىء الْأَنْهَار خضراء، لَهَا رَعْثة كرعثة الديك طيِّبة الرّيح تنْبت فِي الرّبيع وتيبس فِي الشتَاء؛ وَهِي من الْبُقُول.
قلت: الجعدة بقلة بِرّيّة لَا تنْبت على شطوط الْأَنْهَار، وَلَيْسَ لَهَا رَعْثة.
وَقَالَ النَّضر بن شُميل: الجَعْدة: شَجَرَة طيّبة الرّيح خضراء، لَهَا قُضُب فِي أطرافها ثَمَر أَبيض، يُحشَى بهَا الوسائد لطيب رِيحهَا، إِلَى المرارة مَا هِيَ، وَهِي جهيدةٌ يصلُح عَلَيْهَا المَال، واحدتها وجَماعتها جَعدة.
وأجاد النَّضر فِي صفة الجعدة.
وَقَالَ النَّضر أَيْضا: الجعاديد والصعارير أوّل مَا ينفتح الإحليل باللبأ، فَيخرج شيءٌ أصفر غليظ يَابِس، وَفِيه رخاوة وبلل كأنّه جُبْن، فيندُصُ من الطُّبْي مُصَعْرَراً، أَي يخرج مدحرجاً.
وَنَحْو ذَلِك قَالَ أَبُو حَاتِم فِي الصَّعارير والجعاديد. وَقَالَ: يخرج اللبأ أولَ مَا يخرج مصمِّغاً. وَقَالَ فِي كِتَابه فِي (الأضداد) : قَالَ الْأَصْمَعِي: زَعَمُوا أَن الجعدَ السّخيُّ. قَالَ: وَلَا أعرف ذَلِك، والجعد: الْبَخِيل، وَهُوَ مَعْرُوف. قَالَ: وَقَالَ كثيِّر فِي السخيّ كَمَا زَعَمُوا يمدح بعض الْخُلَفَاء:
إِلَى الْأَبْيَض الْجَعْد ابْن عَاتِكَة الَّذِي
لَهُ فضل مُلكٍ فِي الْبَريَّة غالبُ
قلت: وَفِي أشعار الْأَنْصَار ذِكرُ الجعدِ وُضِعَ موضعَ الْمَدْح، أبياتٌ كَثِيرَة، وهم من أَكثر الشُّعَرَاء مدحاً بالجعد.(1/224)
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى أَنه قَالَ: الجَعْد من الرِّجَال: الْمُجْتَمع بعضه إِلَى بعض. والسَّبِط: الَّذِي لَيْسَ بمجتمع. وَأنْشد:
قَالَت سُلَيمى لَا أحبُّ الجَعْدِينْ
وَلَا السِّباطَ إنهمْ مَناتِينْ
وَأنْشد أَبُو عبيد:
يَا ربَّ جعدٍ فيهمُ لَو تدرينْ
يَضرب ضَر السُّبُط المقاديمْ
قلت: وَإِذا كَانَ الرجل مداخَلاً مُدمَج الخلْقِ معصوباً فَهُوَ أشدُّ لأسْرِه، وأخفُّ لَهُ إِلَى منازلة الأقران، فَإِذا اضْطربَ خَلْقُه وأفرط فِي طوله فَهُوَ إِلَى الاسترخاء مَا هُوَ. والجَعْدُ إِذا ذُهب بِهِ مذهبَ الْمَدْح فَلهُ مَعْنيانِ مستحبان: أَحدهمَا أَن يكون معصوب الْجَوَارِح شديدَ الْأسر غير مُسترخٍ وَلَا مُضْطَرب. وَالثَّانِي أَن يكون شعره جَعدًا غير سَبِط؛ لأنَّ سبوطة الشّعْر هِيَ الْغَالِبَة على شُعُور الْعَجم من الرّوم وَالْفرس، وجُعودةَ الشّعْر هِيَ الْغَالِبَة على شُعور الْعَرَب. فَإِذا مُدِح الرجل بالجعد لم يَخرُج من هذَيْن المعنَيين. وَأما الْجَعْد المذموم فَلهُ أَيْضا مَعْنيانِ كِلَاهُمَا منفيٌّ عمَّن يُمدح: أَحدهمَا أَن يقالُ رجلٌ جَعْدٌ، إِذا كَانَ قَصِيرا متردّد الْخلف. وَالثَّانِي أَن يُقَال رجلٌ جعدٌ، إِذا كَانَ بَخِيلًا لئيماً لَا يَبِضُّ حَجَرُه. وَإِذا قَالُوا رجل جَعْد الْيَدَيْنِ، وجعد الأنامل، لم يكن إلاّ ذمّاً مَحْضا.
والجُعودة فِي الخدَّين: ضدُّ الأَسالة، وَهُوَ ذَمٌّ أَيْضا. والجعودة ضدُّ السُّبوطة مدحٌ، إلاّ أَن يكون قَطَطاً مُفلفَلاً كشعر الزنج والنُّوبة، فَهُوَ حينئذٍ ذمّ. وَقَالَ الراجز:
قد تيَّمتْني طَفلةٌ أُملودُ
بفاحمٍ زيَّنَه التجعيدُ
وثرًى جَعْد، إِذا ابتلّ فتعقَّد. وزَبَدٌ جَعد: مُجْتَمع. وَمِنْه قَول ذِي الرمة:
واعتمَّ بالزَّبَدِ الجعدِ الخراطيمُ
وَالْعرب تسمِّي الذِّئب أَبَا جَعدة، وَمِنْه قَول عَبيد بن الأبرص:
هِيَ الخمرُ صِرفاً وتُكْنَى الطِلاءَ
كَمَا الذِّئبُ يكنى أَبَا جَعدةِ
قَالَ أَبُو عبيد: يَقُول: الذِّئْب وَإِن كنّي أَبَا جعدة ونُوِّه بِهَذِهِ الكنية فإنَّ فعلَه غير حَسَن، وَكَذَلِكَ الطِّلاءُ وَإِن كَانَ خائراً فإنّ فعلَه فِعلُ الْخمر لإسكاره شاربَه. كلامٌ هَذَا مَعْنَاهُ.
ع ج ت: أهملت وجوهه.
ع ج ط: أهملت وجوهه.
(بَاب الْعين وَالْجِيم والظاء)
اسْتعْمل من وجوهه:
جعظ: رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي أَنه قَالَ: (أَلا أنبئكم بِأَهْل النَّار؟ كلُّ جَظَ جَعِظٍ مستكبِر) قلت: مَا الجَظُّ؟ قَالَ: (الضخم) قلت: مَا الجَعِظ؟ قَالَ: (الْعَظِيم فِي نَفسه) .
قلت: وَتَفْسِير الجَعِظ عِنْد اللغويين يقرب من التَّفْسِير الَّذِي جَاءَ فِي الحَدِيث. وَقَالَ اللَّيْث: الجَعِظ: الرجل السيّىء الخُلق يتسخَّط عِنْد الطَّعام.(1/225)
وَقَالَ أَبُو زيد الأنصاريّ: الجِعظايَة: الرجل الْقصير اللحِيم. وَأنْشد أَبُو سعيد بَيت العجاج:
تواكلوا بالمِربد، الغِناظا
والجُفرتين أُجعِظوا إجعاظا
قلت: مَعْنَاهُ تعظَّموا فِي أنفسهم وزَمُّوا بآنُفِهم.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: جعظه وأجعظه، إِذا رفَعه ومنعَه، وَأنْشد بَيت العجاج هَذَا.
وروى سَلمَة عَن الْفراء أَنه قَالَ: الجظُّ والجوّاظ: الطَّوِيل الجسيم، الأكول الشروب، البَطِر الكَفور. قَالَ: وَهُوَ الجِعظار أَيْضا.
قلت: والجَعْظَريُّ مثله.
(بَاب الْعين وَالْجِيم مَعَ الذَّال)
اسْتعْمل من وجوهه: عذج، جذع، ذعج.
عذج: أهمله اللَّيْث. وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: يُقَال رجل مِعْذَجٌ، إِذا كَانَ كثير اللَّوم. وَأنْشد:
فعاجت علينا من طُوالٍ سَرعرعٍ
على خوف زَوج سيِّىء الظَّن مِعذَجٍ
ذعج: أهمله اللَّيْث. وَقَالَ ابْن دُرَيْد: الذَّعْج: الدّفع، وربّما كني بِهِ عَن النِّكَاح. يُقَال ذعجها ذعجاً.
قلت: وَلم أسمع الذَّعج بِهَذَا الْمَعْنى لغير ابْن دُرَيْد، وَهُوَ من مَنَاكِيره.
جذع: أَخْبرنِي أَبُو الْفضل عَن أبي الْحسن الصيداويّ عَن الرياشي أَنه قَالَ: المجذوع: الَّذِي يُحبَس على غير مرعى. وَهُوَ الجَذْع. وَأنْشد:
كَأَنَّهُ من طول جَذْع العَفْس
ورَمَلان الخِمْسِ بعد الخِمسِ
وَقَالَ شمر: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: جذَع الرجل عيالَه، إِذا حبسَ عَنْهُم خيرا.
وَقَالَ ابْن السّكيت فِي الجَذْع نَحوا مِمَّا قَالَا.
وَأما الجذَع فَإِنَّهُ يخْتَلف فِي أَسْنَان الْإِبِل وَالْخَيْل وَالْبَقر وَالشَّاء. وَيَنْبَغِي أَن يفسَّر قولُ الْعَرَب فِيهِ تَفْسِيرا مُشْبَعاً، لحَاجَة النَّاس إِلَى مَعْرفَته فِي أضاحيهم وصَدقاتهم وَغَيرهَا.
فأمَّا الْبَعِير فإنّه يُجذِع لاستكماله أَرْبَعَة أَعْوَام ودخوله فِي السّنة الْخَامِسَة، وَهُوَ قبل ذَلِك حِقٌّ. وَالذكر جَذَع وَالْأُنْثَى جَذَعة، وَهِي الَّتِي أوجبهَا النَّبِي فِي صَدَقَة الْإِبِل إِذا جاوزتْ سِتِّين. وَلَيْسَ فِي صدقَات الْإِبِل سنٌّ فَوق الجَذعة. وَلَا يَجزِي الْجذع من الْإِبِل فِي الْأَضَاحِي.
وأمّا الجَذَع من الْخَيل فإنّ المنذريّ أَخْبرنِي عَن أبي الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: إِذا استتمَّ الْفرس سنتَيْن وَدخل فِي الثَّالِثَة فَهُوَ جَذَع، وَإِذا استتمَّ الثَّالِثَة وَدخل فِي الرَّابِعَة فَهُوَ ثَنِيّ.
وَأما الْجذَع من الْبَقر فَإِن أَبَا حَاتِم روى عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ: إِذا طلعَ قرن الْعجل وقُبِضَ عَلَيْهِ فَهُوَ عَضْب. ثمَّ بعد ذَلِك جَذَع، وَبعده ثَنِيٌّ وَبعده رَبَاع وَقَالَ عتبَة بن أبي حَكِيم: لَا يكونُ الْجذَع من الْبَقر حتّى(1/226)
يكون لَهُ سنتَانِ وَأول يَوْم من الثَّالِث. قلت: وَلَا يَجزِي الجَذَع من الْبَقر فِي الْأَضَاحِي.
وَأما الجَذَع من الضَّأْن فَإِنَّهُ يَجزِي فِي الضحيّة، وَقد اخْتلفُوا فِي وَقت إجذاعه، فروى أَبُو عبيد عَن أبي زيد فِي أسنَان الغنمِ فَقَالَ فِي المِعزَى خاصّةً: إِذا أَتَى عَلَيْهَا الحولُ فالذكر تَيْسٌ وَالْأُنْثَى عَنْز، ثمَّ يكون جَذَعاً فِي السّنة الثَّانِيَة وَالْأُنْثَى جَذَعة، ثمَّ ثنيّاً فِي الثَّالِثَة، تمّ رباعياً فِي الرَّابِعَة. وَلم يذكر الضَّأْن.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: الإجذاع وقتٌ وَلَيْسَ بسنَ. قَالَ: والجَذَع من الْغنم لسنة، وَمن الْخَيل لِسنتَيْنِ، وَمن الْإِبِل لأَرْبَع سِنِين. قَالَ: والعَنَاق تُجذِع لسنة، وربّما أجذعت العَناقُ قبل تَمام السّنة للخصب، وتَسمَن فيُسرع إجذاعها، فَهِيَ جَذَعة لسنة، وثنيّة لتَمام سنتَيْن.
وَسمعت المنذرِي يَقُول: سَمِعت إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ يَقُول فِي الْجَذَع من الضَّأْن قَالَ: إِذا كَانَ ابْن شابَّين أجذع لسِتَّة أشهر إِلَى سَبْعَة أشهر، وَإِذا كَانَ ابْن هَرِمَين أجذعَ لثمانية أشهر إِلَى عشرَة أشهر.
قلت: فَابْن الأعرابيّ فرَّق بَين المعزى والضأن فِي الإجذاع، فجعلَ الضأنَ أسرعَ إجذاعاً.
قلت: وَهَذَا الَّذِي قَالَه ابْن الأعرابيّ إِنَّمَا يكون مَعَ خِصب السّنة وَكَثْرَة اللَّبن والعُشْب.
قَالَ الْمُنْذِرِيّ: وَقَالَ الْحَرْبِيّ: قَالَ يحيى بن آدم: إِنَّمَا يَجزي الْجذع من الضَّأن فِي الْأَضَاحِي لِأَنَّهُ ينزو فيُلقح، فَإِذا كَانَ من المعزى لم يُلقح حَتَّى يثنَى.
وَذكر أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: الجَذَع من الْمعز لسنة، وَمن الضَّأْن لثمانية أشهر أَو تِسْعَة.
وَقَالَ اللَّيْث: الجَذَع من الدوابّ والأنعام قبل أَن يُثْنِيَ بِسنة، وَهُوَ أوّلُ مَا يُسطاع ركوبُه والانتفاعُ بِهِ، وَالْجمع جُذْع وجِذْعان. قَالَ: والدهر يسمَّى جَذَعاً لِأَنَّهُ جَدِيد الدَّهْر. وَيُقَال: فلانٌ فِي هَذَا الْأَمر جَذَع، إِذا أخذَ فِيهِ حَدِيثا. وَإِذا طَفِئَتْ حَرْب بَين قوم فَقَالَ بَعضهم: إِن شِئْتُم أعدناها جَذَعة، أَي أولَ مَا يبْتَدأ فِيهَا.
وَقَالَ غَيره: الأزلم الجذَع هُوَ الدَّهر؛ يُقَال: لَا آتِيك الأزلم الجذَع: أَي لَا آتِيك أبدا، لأنَّ الدَّهرَ أبدا جديدٌ، كَأَنَّهُ فَتِيٌّ لم يُسِنّ.
والجِذْع: جِذْع النَّخْلَة، وَلَا يتبيَّن لَهَا جذعٌ حتّى يتبيَّن سَاقهَا.
والجِذاع: أحياءٌ من بني سَعْدٍ معروفون بِهَذَا اللقب.
وجُذعان الجِبال: صغارُها. وَقَالَ ذُو الرمّة:
جَواريه جُذعانَ القِضاف النَّوابكِ
والقَضَفَة: مَا ارْتَفع من الأَرْض.
وَرُوِيَ عَن عَليّ ح أَنه قَالَ: (أسلم أَبُو بكر وَأَنا جَذَعمة) ، أَرَادَ: وَأَنا جَذَع، أَي حَدَث السنّ غير مدرك، فَزَاد فِي آخرهَا ميماً كَمَا زادوها فِي سُتْهُم للعظيم(1/227)
الاست، وزُرقُم للأزرق، وكما قَالُوا للِابْن ابنُمٌ.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: يُقَال: ذهب القومُ جِذَعَ مِذَعَ، إِذا تفرَّقوا فِي كلّ وَجه.
وَفِي (النَّوَادِر) : جَذَعت بَين البعيرين، إِذا قرنتهما فِي قَرَن، أَي حَبل.
(بَاب الْعين وَالْجِيم والثاء)
اسْتعْمل من وجوهه: عثج، ثعج
عثج: قَالَ ابْن المظفر: العَثَج والثَّعج لُغَتَانِ، وأصوبهما العَثَج، وهم جماعةٌ من النَّاس فِي السَّفر. قَالَ الراجز:
لاهُمَّ لَوْلَا أَن بكرا دونكا
يَبَرُّك الناسُ ويفجُرونكا
مَا زَالَ مِنَّا عَثَجٌ يأتونكا
ذكر هَذِه الأرجوزة مُحَمَّد بن إِسْحَاق فِي كتاب (المَبعث) ، وَأَن بعض الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة ارتجزَ بهَا.
وَقَالَ اللَّيْث: العَثَوْثَج: الْبَعِير السَّريع الضَّخم، يُقَال قد اعثوثَجَ اعثيجاجاً.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: رَأَيْت عَثْجاً من النَّاس وعَثَجاً، أَي جمَاعَة.
وَقَالَ الْفراء فِيمَا أَقْرَأَنِي المنذريّ لَهُ، وَرَوَاهُ عَن أبي طَالب عَن أَبِيه عَنهُ: رَأَيْت عُثَجاً من النَّاس وعَثَجاً، أَي جمَاعَة. وَيُقَال للْجَمَاعَة من الْإِبِل تَجْتَمِع فِي المرعى عَثَج. وَقَالَ الرَّاعِي يصف فحلاً:
بناتُ لَبونِه عَثَجٌ إِلَيْهِ
يَسُفنَ اللِّيتَ مِنْهُ والقَذَالا
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: سَأَلت المفضَّل عَن معنى هَذَا الْبَيْت فَأَنْشد:
لم تلتفتْ لِلِدَاتِها
ومَضَت على غُلَوائها
قَالَ: قلت: أُرِيد أبْيَنَ من هَذَا. قَالَ: فَأَنْشَأَ يَقُول:
خُمصانةٌ قَلِقٌ موشَّحُها
رُؤد الشَّبَاب غَلاَ بهَا عَظْمُ
يَقُول: من نجابة هَذَا الْفَحْل سَاوَى بناتُ اللَّبون من بنَاته قذَالَه؛ لحُسْن نباتها.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العَثْجج: الْجمع الْكثير. قَالَ: وَيُقَال عَثِجَ يَعْثَج، وَهُوَ أَن يديم الشُّربَ شَيْئا بعد شَيْء. وَهِي العُثْجة والعَثْج. وَمثله غَفَق يَغفِق.
(بَاب الْعين وَالْجِيم مَعَ الرَّاء)
عرج، عجر، جرع، جعر، رَجَعَ، رعج: مستعملات.
عرج: قَالَ الله جلّ وعزّ: {الْمَعَارِجِ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} (المعَارج: 4) أَي تصعد. يُقَال: عَرَج يَعرُج عُروجاً. وَقَوله جلّ وعزّ: {دَافِعٌ مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ} (المعَارج: 3) قَالَ قَتَادَة: ذِي المعارج ذِي الفواضل والنِّعَم. وَقيل مَعارجُ الْمَلَائِكَة، وَهِي مَصاعدُها الَّتِي تصعَد فِيهَا وتَعرُج فِيهَا، ذكر ذَلِك أَبُو إِسْحَاق. وَقَالَ الْفراء: ذِي المعارج من نعت الله، لأنَّ الْمَلَائِكَة تعرُج إِلَى الله، فوصَف نفسَه بذلك. والقُرَّاء كلُّهم على التَّاء فِي قَوْله {الْمَعَارِجِ} (المعَارج: 4) إلاّ مَا ذُكِر عَن(1/228)
عبد الله، وَهُوَ قَول الْكسَائي.
وَقَالَ اللَّيْث: عَرَج يعرُج عُروجاً ومَعْرَجاً. قَالَ: والمَعْرج: المصعد. والمَعرَج: الطَّريق الَّذِي تصعَد فِيهِ الْمَلَائِكَة. قَالَ: والمِعراجُ يُقَال: شبه سُلَّم أَو دَرَجَة تعْرُج فِيهِ الْأَرْوَاح إِذا قُبِضَتْ. يُقَال لَيْسَ شَيْء أحسَنُ مِنْهُ، إِذا رَآهُ الرُّوح لم يَتَمَالَك أَن يَخرج. قَالَ: وَلَو جمع على المعاريج لَكَانَ صَوَابا. فأمّا المعارج فَجمع المعرَج.
قلت: وَيجوز أَن يجمع الْمِعْرَاج مَعارج.
الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت قَالَ: العَرَج: مصدر عرِج الرجلُ يَعرَج، إِذا صَار أعرج. قَالَ: وَحكى لنا أَبُو عَمْرو: العَرَج: غَيبوبة الشَّمْس. وَأنْشد:
حَتَّى إِذا مَا الشمسُ همَّتْ بعرَجْ
وَقَالَ الأصمعيّ: عرَج يعرُج، إِذا مشَى مِشيةَ العُرجان.
وَقَالَ اللَّيْث: عرِج يَعرَج، وَقد أعرجَه الله. قَالَ: والتعريج: أَن تحبِسَ مطيَّتَك مُقيما على رُفقتك أَو لحاجةٍ. وَيُقَال للطَّريق إِذا مَال: قد انعرَج. وانعرج الْوَادي، ومنعرَجهُ: حَيْثُ يمِيل يَمنةً ويَسرة. قَالَ: وانعرج الْقَوْم عَن الطَّرِيق، إِذا مالُوا عَنهُ. قَالَ: وعرَّجنا النَّهر، أَي أملناه يَمنة ويَسْرة. والعَرْجاء: الضَّبُع، والجميع عُرْج.
وَقَالَ شمر: الْعَرَب تجْعَل عُرْج معرفَة لَا تَنْصَرِف، تجعلها يَعْنِي الضباعَ بِمَنْزِلَة قَبيلَة. وَقَالَ أَبُو مكعِّت الْأَسدي:
أفكانَ أول مَا أُثِبْتَ تهارشت
أبناءُ عُرْجَ عَلَيْك عِنْد وِجارِ
قَالَ: أَوْلَاد عُرجَ، لم يُجرِها بِمَنْزِلَة قَبيلَة.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: العَرْج: الْكثير من الْإِبِل. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: إِذا جَاوَزت الْإِبِل الْمِائَتَيْنِ وقاربت الْألف فَهِيَ عَرْجٌ وعُروجٌ وأعراج.
وَقَالَ ابْن السّكيت: العَرْج من الْإِبِل نحوٌ من الثَّمَانِينَ. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: أعرجَ الرجلُ إِذا كَانَ لَهُ عَرْجٌ من الْإِبِل. وأمرٌ عَرِيجٌ مَرِيجٌ: ملتبس. قَالَ أَبُو ذُؤَيْب:
كَمَا نوَّر المِصباحُ للعُجْم، أمرُهم
بُعَيدَ رقاد النائمين عَريجُ
والعَرْج: منزل بَين مَكَّة وَالْمَدينَة.
وَجمع الْأَعْرَج عُرج وعُرجان.
والأعَيرج من الْحَيَّات، قَالَ أَبُو خَيْرة: هِيَ حيّةٌ صَمَّاء لَا تَقبل الرُّقية، وتَطفِر كَمَا يطفر الأفعى، والجميع الأُعيرجات.
وَقَالَ أَبُو زيد مثلَه.
شمر عَن ابْن شُمَيْل قَالَ: الأعيرج: حيّةٌ عريض لَهُ قَائِمَة وَاحِدَة، عريضٌ مثل النَّبْث والترابِ تَنْبِثُه من ركيّة أَو مَا كانَ، فَهُوَ نَبْثٌ. وَهُوَ نَحْو الأصَلَة.
ثعلبٌ عَن ابْن الْأَعرَابِي: الأعيرج أخبثُ الْحَيَّات، يقفز على الْفَارِس حتَّى يصير معَه فِي سَرجه. قَالَ: والعارج: الْغَائِب.
وَقَالَ اللَّيْث: وَلَا يؤنّث الأعيرج. قَالَ: والعَرَج فِي الْإِبِل كالحقَب، وَهُوَ ألاّ يَسْتَقِيم مخرجُ بَوله، فَيُقَال حَقِبَ البعيرُ وعَرِج، حَقَباً وعَرَجاً، وَلَا يكون ذَلِك إلاّ(1/229)
للجمل إِذا شُدَّ عَلَيْهِ الحقَب. يُقَال أخلِفْ عَنهُ لئلاَّ يحقَب.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: إِذا وَردت الإبلُ يَوْمًا نصفَ النَّهَار وَيَوْما غُدوة فَتلك العُرَيجاء.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي فِيمَا روى عَنهُ أَبُو العبّاس وَأَخْبرنِي بِهِ الْمُنْذِرِيّ عَنهُ: العُرَيجاء: أَن تردَ غَدوةً وتصدُر عَن المَاء فَتكون سائرَ يَوْمهَا فِي الْكلأ وليلتَها ويومَها من غدِها، ثمَّ ترد لَيْلًا المَاء، ثمَّ تصدر عَن المَاء، تكون بَقِيَّة لَيْلَتهَا فِي الْكلأ ويومها من الْغَد وليلتها ثمَّ تصبِّح المَاء غدْوَة، فَهَذِهِ العُريجاء. قَالَ: وَفِي الرِّفْه الظاهرةُ، والضاحية، والآيِبة، والعُريجاء.
وَقَالَ الكسائيّ: يُقَال إِن فلَانا ليَأْكُل العُريجاء، إِذا أكلَ كلَّ يومٍ مرّة وَاحِدَة.
عجر: رُوِيَ عَن عَليّ ح أَنه طَاف ليلةَ وقعةِ الْجمل على الْقَتْلَى مَعَ مَوْلَاهُ قَنْبَر، فوقَف على طَلْحَة بن عبيد الله وَهُوَ صريع، فَبكى ثمَّ قَالَ: (عَزَّ عليَّ، أَبَا مُحَمَّد أَن أَرَاك معفَّراً تَحت نُجُوم السَّماء إِلَى الله أَشْكُو عُجَري وبُجَرِي) . قَالَ أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يزِيد: مَعْنَاهُ إِلَى الله أَشْكُو همومي وأحزاني الَّتِي أُسِرُّها.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن الكُدَيمي قَالَ: سَأَلت الأصمعيّ قلت: يَا أَبَا سعيد، مَا عُجَري وبُجري؟ فَقَالَ: غمومي وأحزاني.
وَقَالَ أَبُو عبيد: يُقَال أفضيتُ إِلَيْهِ بعُجَرى وبُجَري، أَي أطلعْتُه من ثقتي بِهِ على معايبي. قَالَ: وأصل العُجَر العُروقُ المتعقِّدة فِي الْجَسَد. والبُجَر الْعُرُوق المتعقّدة فِي الْبَطن خاصّة. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: قَالَ الْأَصْمَعِي فِي قَوْلهم: حدَّثته بعُجَري وبُجَري، فالعُجْرَةُ: الشَّيْء يجْتَمع فِي الْجَسَد كالسِّلْعة، والبُجْرةُ نَحْوهَا. فيراد أخبرتُه بكلّ شَيْء عِنْدِي لم أستُرْ عَنهُ شَيْئا من أَمْرِي.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: عَجَر الفرسُ يعجرُ، إِذا مدَّ ذنبَه يعدو.
وَقَالَ أَبُو زُبَيد:
مِن بينِ مُودٍ بالبسيطة يعجُر
أَي هالكٍ قد مدَّ ذَنبه.
وَقَالَ أَبُو عبيد: فرسٌ عاجر، وَهُوَ الَّذِي يعجُر برجليه كقُماص الْحمار. والمصدر العَجَران. وَأما قَول تَمِيم بن أبيّ بن مقبل:
جُردٌ عواجرُ بالألبادِ واللُّحُمِ
فَإِنَّهُ يَقُول: عَلَيْهَا ألبادها ولحمها، يصفها بالسِّمَن، وَهِي رافعةٌ أذنابَها من نشاطها.
وَرَوَاهُ شمر:
أما الأداة ففينا ضُمَّر صُنُعٌ
جُردٌ عواجر بالألباد واللجُمِ
بِالْجِيم. قَالَ: وَيُقَال الْخَيل عواجر بلُجمها وألبادها، إِذا عَدَتْ وَعَلَيْهَا سُروجُها وألبادُها وأداتُها.
وَرَوَاهُ أَبُو الْهَيْثَم بِالْحَاء.
قَالَ شمر: وَيُقَال عَجَر الريقُ على أنيابه، إِذا عَصَب بِهِ ولزِق، كَمَا يَعجِر الرجلُ بِثَوْبِهِ على رَأسه. وَقَالَ مزرِّد بن ضرار أَخُو الشماخ:
إِذْ لَا يزَال نائساً لعابُه
بالطَّلَوَان عَاجِزا أنيابُه(1/230)
قَالَ: وَقَالَ الأصمعيّ: عَجَر الفرسُ يَعجِر عجراً، إِذا مرّ مرّاً سَرِيعا. وعَجَر عجراً، إِذا مدّ ذنبَه.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العَجَر: القُوّة مَعَ عِظَم الجسَد. قَالَ: والعَجير بالراء غير مُعْجمَة، والقَحول، والحَرِيك، والضعيف، والحصُور: العِنِّين.
سَلمَة عَن الْفراء قَالَ: الأعجر: الأحدب، وَهُوَ الأفزر، والأفرص، والأفرس، والأدنُّ، والأثبج قَالَ: والعجّار الَّذِي يَأْكُل العجاجير، وَهِي كُتَل الْعَجِين تُلقى على النَّار ثمَّ تُؤْكَل. والعَجَّار: الصِّرِّيع الَّذِي لَا يُطاق جَنْبُهُ فِي الصِّراع المُشَغزِبُ لصَرِيعه.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: إِذا قُطع العجيم كُتَلاً على الخوان قبل أَن يُبسَط فَهُوَ المُشنَّق والعجاجير.
سَلمَة عَن الْفراء قَالَ: العَجْر: ليُّكَ عُنقَ الرجل.
وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : عجر عنقَه إِلَى كَذَا وَكَذَا يَعجِره، إِذا كَانَ على وجهٍ فأرادَ أَن يرجعَ عَنهُ إِلَى شيءٍ خلفَه وَهُوَ يُنهى عَنهُ، أَو أَمرته بالشَّيْء فعَجر عنقَه وَلم يرد أَن يذهب إِلَيْهِ لأمرك.
وَقَالَ أَبُو سعيد فِي قَول الشَّاعِر:
فَلَو كنتَ سَيْفا كَانَ أَثْرك عُجرة
وكنَت دَداناً لَا يؤيِّسه الصَّقْلُ
يَقُول: لَو كنت سَيْفا كنت كَهاماً بِمَنْزِلَة عُجْرة التِّكَّة لَا تقطع شَيْئا.
وَقَالَ شمر: يُقَال عَجَرتُ عَلَيْهِ، وحَظَرت عَلَيْهِ، وحَجَرتُ عَلَيْهِ، بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ الْفراء: جَاءَ فلَان بالعُجَر والبُجَر، أَي جَاءَ بِالْكَذِبِ. وَقَالَ أَبُو سعيد: هُوَ الْأَمر الْعَظِيم. وَجَاء بالعَجَارِيّ والبَجاريّ، وَهِي الدَّواهي.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: عَجَره بالعصا وبَجره، إِذا ضرَبه بهَا فانتفخَ موضعُ الضَّرب مِنْهُ. والعَجاريُّ: رُؤُوس العِظام. وَقَالَ رؤبة:
وَمن عَجَاريهنَّ كلَّ جنجنِ
فخفّف يَاء العجاريّ وَهُوَ مشدّد
وَقَالَ أَبُو عبيد: العَجِير: الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاء. وَقَالَ شمر: يُقَال عَجِير وعِجِّير.
وَقَالَ غَيره: المِعجَر والعِجار: ثوبٌ تلفُّه الْمَرْأَة على استدارة رَأسهَا ثمَّ تجلبِب فَوْقه بجلبابها. وَجمع المِعجر المعاجر. قَالَ شمر: وَمِنْه أُخِذ الاعتجار، وَهُوَ ليُّ الثَّوْب على الرَّأْس من غير إدارةٍ تَحت الحنَك.
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه (دخل مكةَ يَوْم الْفَتْح معتجراً بعمامةٍ سَوْدَاء) الْمَعْنى أَنه لفَّها على رَأسه وَلم يتَلحَّ بهَا. وَقَالَ الراجز:
جَاءَت بِهِ معتجراً ببُردهِ
سَفْواء تَخدِي بنسيجِ وَحدِهِ
وَقَالَ اللَّيْث: المعاجر من ثِيَاب اليَمن.
قَالَ: ومِعْجَر الْمَرْأَة أَصْغَر من الرِّداء وأكبر من المِقْنعة.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: العجراء: الْعَصَا الي فِيهَا أُبَنٌ؛ يُقَال ضربَه بعَجْراءَ من سَلَم.(1/231)
وَقَالَ اللَّيْث: حافرٌ عَجِرٌ: صُلب شَدِيد. وَقَالَ المرَّار:
سَلِطُ السُّنْبُكِ ذُو رُسغٍ عَجِرْ
قَالَ: والأعجر: كلُّ شَيْء ترى فِيهِ عُقداً. قَالَ: وكيسٌ أعجر، وَهُوَ الممتلىء. وبطنٌ أعجرُ: ملآنُ، وَجمعه عُجْر. وَقَالَ عنترة:
أبَنِي زَبِيبةَ مَا لمُهركمُ
متجرّداً وبطونُكم عُجْرُ
قَالَ: والعُجْرة: كلُّ عقدةٍ فِي الْخَشَبَة. والخَلنْجُ فِي وشيِه عُجَر. قَالَ: وَالسيف فِي فرِندِه عُجَر.
جرع: الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت قَالَ: الجَرْع مصدر جَرِع الماءَ يَجرَع جَرْعاً. والجَرْع: جمع جَرْعة، وَهِي دِعصٌ من الرمل لَا تنْبت شَيْئا.
قلت: الَّذِي سمعته من الْعَرَب فِي الجرع غير مَا قَالَه. والجَرَع عِنْدهم: الرَّملة العَذاة الطيِّبة المَنبِت الَّتِي لَا وُعوثةَ فِيهَا، وَيُقَال لَهَا الجَرْعاء والأجرع، وَيجمع أجارع وجَرْعاوات. وتُجمع الجَرَعة جَرَعاً، غير أنَّ الجرعاء والأجرع أكبر من الجَرَعة. وَقَالَ ذُو الرمّة فِي الأجرع فَجعله يُنبِت النَّبَات:
بأجرعَ مِرباعٍ مَرَبَ مُحلَّلِ
وَلَا يكون مَرَبّاً محلَّلاً إلاّ وَهُوَ يُنبِت النَّبَات.
وَقَالَ غير ابْن السّكيت فِي الأجرَعِ والجَرَع نَحوا مِمَّا قلته.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الجَرِع من الأوتار: أَن يكون مُسْتَقِيمًا وَيكون فِي مواضعَ مِنْهُ نُتوٌّ، فيمسَح بِقِطْعَة كسَاء حتّى يذهب.
وَقَالَ ابْن شُميل: من الأوتار المجرَّع، وَهُوَ الَّذِي اخْتلف فتلُه وَفِيه عُجَر لم يُجَدْ فتلُه وَلَا إغارته، فظهرَ بعضُ قُواه على بعض. يُقَال وترٌ مجرَّع وجَرِع.
وَيُقَال جَرِع المَاء يَجرَعُه جَرْعاً واجترعه، فَإِذا تابعَ الجرعَ مرّة بعد أُخْرَى كالمتكاره قِيلَ: تجرَّعه. قَالَ تَعَالَى: {يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ} (إِبْرَاهِيم: 17) . والجُرعة: ملْء الْفَم يبتلعُه. والجَرعة المرّة الْوَاحِدَة. وَجمع الجُرعة جُرَع.
وَيُقَال مَا من جُرعة أَحْمد عُقباناً من جُرعةِ غيظ تكظمها.
وَمن أَمْثَال الْعَرَب: (أفلتَ فلانٌ جُرَيعةَ الذَّقَن) و (بجُريعة الذَّقَن) ، يُرِيدُونَ أَن نَفسه صَارَت فِي فِيهِ فكاد يَهلِك فأفلتَ وتخلَّصَ.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: من أمثالهم فِي إفلات الجبان: (أفلَتَني جُريعةَ الذَّقَن) ، إِذا كَانَ مِنْهُ قَرِيبا كقُرب الجُرعة من الذَّقَن ثمَّ أفلتَه. ورَوَى غَيره عَن أبي زيد يُقَال (أفلتَني فلانٌ جَريضاً) إِذا أفلتَك وَلم يكَدْ و (أفلتَني جُريعةَ الرِّيق) ، إِذا سبقَك فابتلعتَ عَلَيْهِ ريقَك غيظاً.
قلت: وَمَا رَوَاهُ أَبُو عبيد عَن أبي زيد صحيحٌ لَا شكَّ فِيهِ.
جعر: أَبُو عبيد عَن أبي الْجراح العقيليّ والأصمعي: الجِعار: الْحَبل يُشَدُّ بِهِ وسطُ الرجُل إِذا نزل فِي الْبِئْر وطرفُه فِي يَد(1/232)
رجل، فَإِن سقَطَ مدَّه بِهِ.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه أنْشدهُ:
لَيْسَ الجِعارُ مُنْجياً من القِدرْ
وإنْ تجعَّرتَ بمحبوكٍ مُمَرّ
وفسّر ابْن الْأَعرَابِي الجِعار كَمَا فسّراه
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: من أمثالهم فِي فِرار الجبان وخضوعه:
روغِي جَعارِ وانظري أَيْن المفَرّ
قَالَ: وجَعَارِ هِيَ الضّبُع: وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال لَهَا أمُّ جَعَارِ لِكَثْرَة جعرها. وَأنْشد غَيره:
عَشْنزَرةٌ جواعرُها ثمانٍ
فُويقَ زَماعِها خَدَم حُجُولُ
ترَاهَا الضَّبُع أعظمَهنَّ رَأْسا
جُراهِمةً لَهَا حِرَةٌ وثِيلُ
قَالَ بَعضهم: إنّما قَالَ جواعرُها ثمانٍ لأنّ للضّبُع خروقاً كَثِيرَة. والجُراهمة: المغتلِمة. وَجعلهَا خُنثَى لَهَا حِرَةٌ وثِيلٌ
قلت أَنا: وَالَّذِي عِنْدِي فِي تَفْسِير قَوْله (جواعرها ثَمَان) أَرَادَ كَثْرَة جعرها. والجواعر: جمع الجاعرة، وَهُوَ الجَعْر، أخرجه على فاعلة وفواعل وَمَعْنَاهَا الْمصدر، كَقَوْل الْعَرَب: سَمِعت رواغي الْإِبِل أَي رُغاءَها، وَسمعت ثواغي الشَّاء أَي ثُغاءها. وَكَذَلِكَ الْعَافِيَة مصدر وَجَمعهَا عَوافٍ. وَقَالَ الله جلّ وَعز: {الاَْزِفَةُ لَيْسَ لَهَا} (النّجْم: 58) ، أَي لَيْسَ لَهَا دونه جلَّ وعزّ كشْفٌ وَظُهُور. وَقَالَ: {عَالِيَةٍ لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا} (الغَاشِيَة: 11) أَي لَغْواً. وَمثله كثيرٌ فِي كَلَام الْعَرَب. وَلم يُرد عددا محصوراً بقوله (جواعرها ثَمَان) ، وَلكنه وصفهَا بِكَثْرَة الْأكل والجعر وَهِي آكَلُ الدوابّ.
وَأما الجاعرتان اللَّتَان تكتنفان الذَنَب والذنبُ بَينهمَا فليستا من قَول الْهُذلِيّ فِي شَيْء.
وَقَالَ أَبُو زيد: والجاعرتان من الْبَعِير: العظمان المتكنّفان أصلَ الذَّنب والذنبُ بَينهمَا. وَقَالَ اللَّيْث: الجاعرتان حَيْثُ يكوى من الْحمار فِي مؤخّره على كاذَتَيه. وَيُقَال للدُّبُر الجاعرة والجعراء.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: الجَعْر يُبْس الطبيعة. وَرجل مِجعارٌ إِذا كَانَ كَذَلِك.
وَقَالَ اللَّيْث: الْجَعر: مَا يَبِس فِي الدُّبر من العَذِرة، أَو خرجَ يَابسا. قَالَ: وَلَا يُقَال للكلب إلاّ جَعَر يَجعَر جَعْراً. قَالَ: وَبَنُو الجَعْراء: حيٌّ من الْعَرَب يعيَّرون بِهَذَا اللقب.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: الْجَعُور: خَبْراءُ لبني نهشَل. والجَعُور الْأُخْرَى: خَبْراء لبني عبد الله بن دارِم، يمْلَأ الْغَيْث الْوَاحِد كلتَيهما، فَإِذا امتلأتا وثِقوا بكَرع شتائهم. وَأنْشد:
إِذا أردْت الجَفْر بالجَعور
فاعمل بكلِّ مارنٍ صَبورِ
وروى مَالك بن أنس بإسنادٍ لَهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (نَهَى عَن لونين فِي الصَّدقة من التَّمر:(1/233)
الْجُعرور، ولون الحُبَيْق) . وَقَالَ الأصمعيّ: الْجُعرور: ضربٌ من الدَّقَل يحمل شَيْئا صغَارًا لَا خيرَ فِيهِ. ولون الحُبَيق من أردأ التُّمرانِ أَيْضا.
ولصبيان الْأَعْرَاب لعبةٌ يُقَال لَهَا الْجِعِرَّى، الرَّاء شَدِيدَة، وَذَلِكَ أَن يُحمل الصبيُّ بَين اثْنَيْنِ على أَيْدِيهِمَا. ولُعبةٌ أُخْرَى يُقَال لَهَا سَفْد اللِّقاح، وَذَلِكَ انتظامُ الصِّبيان بَعضهم فِي إِثْر بعض، كلُّ ذَلِك آخِذٌ بحُجزة صاحبِه من خَلفه.
رعج: أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي فِي الْبَرْق الارتعاج، وَهُوَ كثرته وتتابُعه.
وَقَالَ اللَّيْث: الإرعاج: تلألؤ الْبَرْق وتفرُّقه فِي السَّحَاب. وَأنْشد العجَّاج:
سحّاً أهاضيبَ وبَرْقاً مُرعِجا
وروى ابنُ الْفرج عَن أبي سعيد أَنه قَالَ: الارتعاج والارتعاش والارتعاد وَاحِد.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: رعَجَني هَذَا الْأَمر وأرعجَني، أَي أقلقَني.
قلت: هَذَا منكَر وَلَا آمَنُ أنْ يكون مصحَّفاً، فَالصَّوَاب أزعجني بِمَعْنى أقلقني، بالزاي. وَقد مرَّ فِي بَابه.
رَجَعَ: قَالَ الله جلّ وعزّ: {وَالتَّرَآئِبِ إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} (الطّارق: 8) قَالَ مُجَاهِد: إِنَّه على ردّ المَاء إِلَى الإحليل لقادر. وَقَالَ غَيره: إنّه على بَعثِهِ يومَ الْقِيَامَة لقادر، وَاعْتِبَار هَذَا بقوله جلّ وعزّ: {لَقَادِرٌ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَآئِرُ} (الطّارق: 9) الْمَعْنى إنّه على بَعثه لقادرٌ يَوْم الْقِيَامَة. وَقيل على رجعه لقادر، أَي على ردِّه إِلَى صلب الرجل وتَرِيبةِ الْمَرْأَة. وَالله أعلم بِمَا أَرَادَ.
وَأما قَوْله تبَارك وَتَعَالَى: {نَاصِرٍ وَالسَّمَآءِ ذَاتِ الرَّجْعِ} (الطّارق: 11) فإنَّ الْفراء قَالَ: تبتدىء بالمطر ثمَّ ترجع بِهِ كلَّ عَام. وَقَالَ غَيره: ذَات الرَّجع، أَي ذَات الْمَطَر؛ لِأَنَّهُ يجيءُ وَيرجع ويتكرَّر. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الرَّجْع فِي كَلَام الْعَرَب المَاء. وَأنْشد قولَ الْهُذلِيّ يصف السَّيْف وجعلَه كَالْمَاءِ:
أبيضُ كالرَّجع رسوبٌ إِذا
مَا ثاخَ فِي مُحتَفَل يَختَلي
وقرأت بِخَط أبي الْهَيْثَم لِابْنِ بزرج، حَكَاهُ عَن الْأَسدي قَالَ: يَقُولُونَ للرّعد رَجْع.
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه (نَهى أَن يُستنجَى بَرجيعٍ أَو عظْم) قَالَ أَبُو عبيد: الرَّجيع يكون الروثَ والعذِرة جَمِيعًا، وإنّما سمّي رجيعاً لأنَّه رجَع عَن حَاله الأولى بعد أَن كَانَ طَعَاما أَو علفَاً إِلَى غير ذَلِك. وَكَذَلِكَ كلُّ شَيْء يكون من قولٍ أَو فعل تردَّدَ فَهُوَ رجيع لأنّ مَعْنَاهُ مرجوع مَرْدُود. وَقَالَ الله جلّ وعزّ {اسْتَغْنَى إِنَّ إِلَى رَبِّكَ} (العَلق: 8) أَي الرُّجوع والمرجع، مصدرٌ على فُعلَى.
وَقَالَ الأصمعيّ: يُقَال هَذَا رجيع السبُع ورَجعهُ. يَعْنِي نَحوه.
وَقَالَ اللَّيْث: رَجْع الْجَواب، ورجْع الرَّشْق فِي الرَّمْي: مَا يُردُّ عَلَيْهِ. والمرجوعة والمرجوع: جَواب الرِّسالة. قَالَ: وَيُقَال لَيْسَ لهَذَا البيع مرجوع، أَي لَا يُرجَع فِيهِ. قَالَ: ورجَع إليَّ فلانٌ من مرجوعِه كَذَا، يَعْنِي ردَّه الْجَواب. قَالَ: والرَّجْع: نَبَات الرّبيع، وَقيل الرَّجْع: الغدير، وَجمعه رُجْعان والرَّجِيع: الْعرق، سمِّي رجيعاً لِأَنَّهُ كَانَ مَاء فَعَاد عَرَقاً. وَقَالَ لبيد:(1/234)
رجيعاً فِي المغابن كالعصيم
أَرَادَ العرقَ الأصفَر، شبَّهه بعَصيم الحِنّاء وَهُوَ أثَره. وَيُقَال للجِرّة رجيعٌ أَيْضا. وكلُّ طعامٍ بَرَد فأُعيد على النَّار فَهُوَ رجيع. وَيُقَال سيفٌ نجيح الرَّجْع ونجيح الرجيع، إِذا كَانَ مَاضِيا فِي الضريبة. وَقَالَ لبيدٌ يصف السَّيْف:
بأخلقَ محمودٍ نجيحٍ رجيعهُ
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {ء قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ} (الْمُؤْمِنُونَ: 99 100) يَعْنِي العبدَ إِذا بُعِث يومَ الْقِيَامَة فأبصر وعرفَ مَا كَانَ يُنكره فِي الدُّنْيَا يَقُول لرَبه ارجعوني، أَي رُدُّوني إِلَى الدُّنيا، وَقَوله (ارجعوني) واقعٌ هَاهُنَا، وَيكون لَازِما كَقَوْلِه: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ} (الأعرَاف: 150) ومصدره لَازِما الرُّجوعُ، ومصدرهُ وَاقعا الرَّجْع. يُقَال رجعتُه رجْعاً فرجَع رُجُوعا، يَسْتَوِي فِيهِ لفظ اللَّازِم وَالْوَاقِع.
وَقَالَ اللَّيْث: الرَّجيع من الْكَلَام: الْمَرْدُود إِلَى صَاحبه. والرجيع من الدوابّ وَالْإِبِل: مَا رجَعْتَه من سفر إِلَى سفَر، وَالْأُنْثَى رجيعة. وَقَالَ ذُو الرمّة يصف نَاقَة:
رجيعةُ أسفارٍ كَأَن زمامَها
شُجاعٌ لَدَى يُسرَى الذراعين مطرقُ
قَالَ: والرجْع: الخَطْو، قَالَ الهذليّ:
نَهْدٌ سليمٌ رجْعُه لَا يظلعُ
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ قَالَ: إِذا ضُرِبت الناقةُ مِراراً فَلم تَلقَح فَهِيَ مُمارِنٌ، فإنْ ظهر لَهُم أنّها قد لقِحتْ ثمَّ لم يكن بهَا حملٌ فَهِيَ راجعٌ ومُخْلفة.
وَقَالَ أَبُو زيد: إِذا أَلْقَت الناقةُ حملَها قبل أَن يستبِين خَلْقُه قيل قد رجَعت تَرجِع رِجاعاً. وَأنْشد أَبُو الْهَيْثَم للقِطاميّ يصف نجيبة لنجيبين:
وَمن عَيرانةٍ عَقدت عَلَيْهَا
لَقاحاً ثمَّ مَا كَسَرتْ رِجاعا
قَالَ: أَرَادَ أَن الناقةَ عقدت عَلَيْهَا لقاحاً ثمَّ مَا رمَتْ بِمَاء الْفَحْل وَكسرت ذنبها بَعْدَمَا شالت بِهِ.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ أَنه أنْشدهُ للمرَّار يصف إبِلا:
مَتابيعُ بُسْطٌ مُتْئماتٌ رواجعٌ
كَمَا رجَعتُ فِي لَيْلهَا أمُّ حائلِ
قَالَ: بُسْط: مخلاَّةٌ على أَوْلَادهَا بُسِطتْ عَلَيْهَا لَا تُقبَض عَنْهَا. مُتئمات: مَعهَا ابْن مَخاضٍ وحُوار. رواجع: رجَعتْ على أَوْلَادهَا. وَيُقَال رواجع: نُزَّع. أمُّ حَائِل: أمّ وَلَدهَا الْأُنْثَى.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: أرجعَ الرجلُ يَده، إِذا أهوَى بهَا إِلَى كِنَانَته ليَأْخُذ سَهْما.
قَالَ: وَيُقَال هَذَا متاعٌ مُرجِع، أَي لَهُ مرجوع.
وروى أَبُو عبيد فِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه (رأى فِي إبل الصَّدقة نَاقَة كَوماء، فَسَأَلَ عَنْهَا فَقَالَ المُصَدِّق: إنّي ارتجعتُها بِإِبِل. فسكَتَ) . قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الارتجاع: أَن يَقدَمَ الرجلُ المصرَ بإبله فيبيعها ثمَّ يَشْتَرِي بثمها مثلَها أَو غَيرهَا،(1/235)
فَتلك الرِّجْعة. وَقَالَ الْكُمَيْت يصف الأثافيّ:
جُردٌ جلادٌ معطَّفات على ال
أورَقِ لَا رِجعةٌ وَلَا جَلَبُ
قَالَ: فإنْ ردَّ أثمانَها إِلَى منزله من غير أَن يَشْتَرِي بهَا شَيْئا فَلَيْسَتْ برِجْعة. قَالَ أَبُو عبيد: وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الصَّدقة، إِذا وجَب على ربِّ المَال سِنٌّ من الْإِبِل فَأخذ المصدِّق مَكَانهَا سِنّاً آخرَ فوقَها أَو دونَها، فَتلك الَّتِي أَخذ رِجعةٌ، لِأَنَّهُ ارتجعها من الَّتِي وجبتْ لَهُ.
وَقَالَ الأصمعيّ: يُقَال باعَ فلانٌ إبلَه فارتجعَ مِنْهَا رِجعةً صَالِحَة.
قَالَ: وَشَكتْ بَنو تَغلِب إِلَى مُعَاوِيَة السنةَ فَقَالَ: كَيفَ تَشْكون الْحَاجة مَعَ اجتلاب المِهارة وارتجاع البِكارة؟ أَي تجلبون أَوْلَاد الْخَيل فترتجعون بأثمانها الْبكارَة للقِنْية.
وَحكى ابنُ الأعرابيّ عَن بعض الْعَرَب أَنه قَالَ: (أوصانا أَبونَا بالرِّجَع والنُّجَع) ، أَي أوصانا بِأَن نبيع النِّيب والأكائل، ونرتجع بأثمانها القُلُص للقِنية.
وَقَالَ ابْن السّكيت: الرَّجيعة: بعير ارتجعتَه، أَي اشتريتَه من أجلاب النَّاس، لَيْسَ من الْبَلَد الَّذِي هُوَ بِهِ. وَهِي الرجائع. وَأنْشد قَوْله:
وبرَّحَ بِي إنقاضُهنَّ الرجائعُ
وَقَالَ غَيره: أرجعَ الله همَّه سُروراً، أَي أبدلَ همَّه سُرُورًا.
وَقَالَ الكسائيّ: أرجعَت الناقةُ فَهِيَ مُرجِعٌ، إِذا حسُنتْ بعد هُزال. وأرجَعَ من الرَّجيع، إِذا أنجى من النَّجْو. وراجعت الناقةُ رجاعاً، إِذا كَانَت فِي ضربٍ من السَّير فرجَعَتْ إِلَى سيرٍ سواهُ. وَقَالَ البعيث يصف نَاقَته:
وَطول ارتماء البِيد بالبِيدِ تغتلي
بهَا نَاقَتي تختبُّ ثمَّ تراجعُ
وَيُقَال: رجَع فلانٌ على أنْف بعيره، إِذا انْفَسَخ خطمُه فردَّه عَلَيْهِ. ثمَّ يسمَّى الخِطام رِجاعاً.
والمُراجع من النِّسَاء: الَّتِي يموتُ زوجُها أَو يطلِّقها فترجع إِلَى أَهلهَا. وَيُقَال لَهَا أَيْضا رَاجع.
وَيُقَال للْمَرِيض إِذا ثَابت إِلَيْهِ نفسُه بعد تهوُّكٍ من العلّة: رَاجع. وَيُقَال طَعنه فِي مَرجِع كَتفيهِ.
ابْن شُمَيْل: الراجعة: الناشغة من نواشغ الْوَادي. والرُّجْعان: أعالي التلاع قبل أَن يجْتَمع مَاء التلعة. وَقَالَ اللَّيْث: هِيَ مثل الحُجْران.
وَيُقَال: هَذَا أرجَعُ فِي يَدي من هَذَا، أَي أَنْفَع.
وَقَالَ ابْن الْفرج: سَمِعت بعض بني سُليم يَقُول: قد رجَع كَلَامي فِي الرجُل ونجَع فِيهِ بِمَعْنى وَاحِد. قَالَ: وَرجع فِي الدّابّةِ العَلَفُ ونَجَع، إِذا تبيَّن أَثَره. قَالَ: والتَّرجيع فِي الْأَذَان: أَن يكرِّر قَوْله: أشهد أَن لَا إلاه إلاّ الله أشهد أَن مُحَمَّدًا رسولُ الله. ورجْع الوشم والنُّقوش وترجيعه: أَن يُعاد عَلَيْهِ السَّوادُ مرَّةً بعد أُخْرَى.(1/236)
وَيُقَال: هَل جاءتك رِجعةُ كتابك ورُجْعانُه، أَي جَوَابه. وَكَذَلِكَ الرِّجعة بعد الطَّلَاق بِالْكَسْرِ. وأمّا قَوْلهم: فلانٌ يؤمِن بالرَّجْعة فَهُوَ بِالْفَتْح. قلت: وَيجوز الْفَتْح فِي رِجعة الْكتاب ورِجعة الطَّلاق. يُقَال طلّق فلانٌ فلانةَ طَلَاقا يملك فِيهِ الرَّجعة. وأمّا قَول ذِي الرمة يصف نسَاء تجلَّلْن بجلابيبهنَّ:
كأنَّ الرِّقاقَ المُلحَماتِ ارتجعنَها
على حَنوة القُريان ذَات الهمائِم
أَرَادَ أنهنَّ رددنَها على وُجوهٍ ناضرة ناعمة كالرياض.
وَقَالَ اللَّيْث: الترجيع: تقَارب ضروب الحركات فِي الصَّوت. قَالَ: وترجيع وشْي النقش والوشم: خطوطه. وَقَالَ زُهَيْر:
مراجيع وشم فِي نَواشر مِعصَمِ
جمع المرجوع، وَهُوَ الَّذِي أُعِيد عَلَيْهِ سوَاده.
وَيُقَال: جعلهَا الله سَفرةً مُرجِعة والمُرجعة: الَّتِي لَهَا ثوابٌ وعاقبةٌ حَسَنَة.
وَيُقَال الشَّيْخ يمرض يومينِ فَلَا يُرجِع شهرا، أَي لَا يثوب إِلَيْهِ جِسْمه وقوّته شهرا. واسترجع فلانٌ عَن مصيبةٍ نزلت بِهِ، إِذا قَالَ: إِنَّا لله وإنّا إِلَيْهِ رَاجِعُون. فَهُوَ مسترجِعٌ.
(بَاب الْعين وَالْجِيم مَعَ اللَّام)
جعل، عجل، علج، جلع، لعج: مستعملات.
عجل: قَالَ الله جلّ وعزّ: {خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} (الأنبيَاء: 37) قَالَ الْفراء: خلق الإنسانُ من عَجَل وعَلى عَجَل كَأَنَّك قلت: بِنيتُه العَجَلة وخِلقتُه العَجَلة وعَلى العجلة. وَنَحْو ذَلِك قَالَ أَبُو إِسْحَاق: خُلِق الْإِنْسَان من عَجَل وخُلِق الْإِنْسَان عجولاً، خُوطب العربُ بِمَا تَعقِل؛ والعربُ تَقول للَّذي يُكثِر الشَّيْء: خُلِقْتَ مِنْهُ، كَمَا يُقَال خُلِقتَ من لعبٍ، إِذا بُولغ فِي وَصفه باللَّعب.
وَقَالَ ابْن اليزيديّ: سمعتُ أَبَا حَاتِم يَقُول فِي قَوْله: {خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} (الأنبيَاء: 37) : أَي لَو يعلمُونَ مَا استعجلوا، والجوابُ مُضْمر. وروى أَبُو عُمر عَن أبي الْعَبَّاس أَنه قَالَ: العَجَل: العَجَلة. قَالَ: والعَجَل: الطِّين، قَالَه ابْن الْأَعرَابِي.
وَقَالَ ابْن عَرَفَة: قَالَ بعض النَّاس: خُلِق الْإِنْسَان من عجل، أَي من طين. وَأنْشد:
وَالنَّخْل ينْبت بَين المَاء والعَجَلِ
قَالَ: وَلَيْسَ عِنْدِي فِي هَذَا حكايةٌ عمّن يُرجَع إِلَيْهِ فِي علم اللُّغَة.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ} (الأعرَاف: 150) : تَقول عَجِلتُ الشَّيْء، أَي سبقته. وأعجلته: استحثثته.
وَأما قَول الله تَعَالَى: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِىَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} (يُونس: 11) فَإِن الفرّاء قَالَ: مَعْنَاهُ لَو أُجِيب الناسُ فِي دُعاء أحدهم على ابْنه وشبيهه فِي قَوْله: لعنك الله وأخزاك وَشبهه، لهلكوا. قَالَ: وَنصب قَوْله {اسْتِعْجَالَهُم} (يُونس: 11) بِوُقُوع الْفِعْل وَهُوَ يعجِّل. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: نصب استعجالهم على نعت(1/237)
مصدرٍ محذوفٍ، الْمَعْنى وَلَو يعجِّل الله للنَّاس الشرَّ تعجيلاً مثل استعجالهم. وَقَالَ القتيبيّ: مَعْنَاهُ لَو عجَّل الله للنَّاس الشرَّ إِذا دَعَوا بِهِ على أنفسهم عِنْد الْغَضَب وعَلى أَهْليهمْ وَأَوْلَادهمْ، واستعجلوا بِهِ كَمَا يستعجلون بِالْخَيرِ فيسألونه الْخَيْر والرحمةَ لقُضِي إِلَيْهِم أجلُهم، أَي مَاتُوا.
قلت: الْمَعْنى وَلَو يعجل الله للنَّاس الشرَّ فِي الدُّعَاء كتعجيله استعجالهم بِالْخَيرِ إِذا دعَوه بِالْخَيرِ لهلكوا.
وَقَوله عزّ وَجل: {مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ} (الإسرَاء: 18) العاجلة: الدُّنيا، والآجلة الْآخِرَة. والعاجل: نقيض الآجل، عامٌّ فِي كل شَيْء.
وَقَالَ اللَّيْث: العَجَل: مَا استُعجِل بِهِ من طعامٍ فقدِّم قبل إِدْرَاك الغَداء. وَأنْشد:
إِن لم تُغِثني أكن يَاذَا الندى عَجَلاً
كلُقمةٍ وَقعت فِي شِدق غَرْثانِ
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: العُجالة: مَا تعجَّلتَه.
وَقَالَ اللحياني: (الثيِّبُ عُجالة الرَّاكِب) : تَمرٌ بسَويق.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: العجاجيل هَنّاتٌ من الأقطِ يجعلونها طِوالاً بغلظ الكفّ وطولها، مثل عجاجيل التَّمر والحيس، وَالْوَاحد عُجّال. وَيُقَال أَتَانَا بِعُجَّال وعِجَّول، أَي بجُمعةٍ من التَّمْر قد عُجِن بالسَّويق أَو بالأقط.
قلت: والإعجالة اللَّبَن الَّذِي يعجِّله المعجّل إِلَى أَهله إِذا كَانَت إبِله فِي العَزيب قبل وُرُود الْإِبِل، وَجَمعهَا الإعجالات. قَالَ الْكُمَيْت:
أتتكمْ بإعجالاتها وَهِي حُفَّلٌ
تَمُجُّ لكم قبل احتلابٍ ثُمالَها
يُخَاطب الْيمن يَقُول: أتتكم مودَّة مَعَدَ بإعجالاتها. والثُّمال: الرغوة. يَقُول: لكم عندنَا الصَّريح لَا الرَّغوة.
قلت: وَالَّذِي يَجِيء بالإعجالة من الْإِبِل فِي العَزيب يُقَال لَهُ المعجِّل. وَقَالَ الْكُمَيْت:
لم يقتعدها المعجِّلون وَلم
يَمْسَخْ مَطاها الوُسوقُ والحَقَبُ
وَقَالَ الأصمعيّ: العُجَيلي: ضرب من السّير سريع. قَالَ الشَّاعِر:
يَمشي العُجَيلَى والخَنيفَ ويَضْبِرُ
والعِجْلة: ضربٌ من النَّبتْ، وَمِنْه قَوْله:
ذَا عِجلةٍ وَذَا نَصِيّ ضاحي
أَبُو عبيد: العَجَلة: الْخَشَبَة المعترضة على النعامتين، والغَرْب معلَّق بالعَجَلة.
النَّضر: المِعجال من الْحَوَامِل: الَّتِي تضع ولدَها قبلَ إناه: / / وَقد أعجلَتْ فَهِيَ مُعْجِلة، وَالْولد مُعْجَل. والمعاجيل: مختصَرات الطُّرق، يُقَال: خُذْ مَعاجيل الطُّرق فإنَّها أقرب.
وَفِي (النَّوَادِر) : أخذتُ مستعجِلةً من الطَّرِيق، وَهَذِه مستعجِلات الطَّرِيق، وَهَذِه خُدعة من الطَّرِيق، ومَخدَع، ونَفَذٌ من الطَّرِيق، ونَسَم، ونَبَق وأنباق، كلُّه بِمَعْنى القُربة والخُصْرة.
وَمن أَمْثَال الْعَرَب: (لقد عَجِلَتْ بأيِّمكَ(1/238)
العَجول) ، أَي عَجِل بهَا الزَّواج.
والإعجال فِي السّير: أَن يَثِبَ الْبَعِير إِذا رَكبه الرَّاكِب قبل استوائه عَلَيْهِ. يُقَال جملٌ مِعجال وناقةٌ معجال. وَقَالَ الرَّاعِي يصف رَاحِلَته:
فَلَا تُعجِل الْمَرْء قبل الورو
كِ وهْي بِرُكبته أبصَر
وَقَالَ أَبُو عبيد: رجل عَجِل وعَجُل، لُغَتَانِ. وَقَالَهُ ابْن السّكيت وَغَيره.
وَقَالَ اللَّيْث: الاستعجال والإعجال والتعجُّل وَاحِد.
قلت: هِيَ بِمَعْنى الاستحثاث وَطلب العجلة.
وَرجل عَجْلان وَامْرَأَة عَجْلَى، وَقوم عِجالٌ وعَجَالى وعُجالَى.
والعَجَل: عَجَل الثيران، واحدته عجلة. والعَجلة: المَنْجَنون الَّذِي يُستَقى عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: العِجْلة: القِربة. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: العِجلة: المزادة. والعجلة: شَجَرَة. والعِجلة: الدُّولاب أَيْضا. قَالَ: وأنشدني المفضّل فِي صفة فرس:
عَرِقَتْ وأنجى نحرها فكأنّما
خَلْفي وقدّامي عُجَيلةُ مُخْلِفِ
قَالَ: أنجى، إِذا استخرج عرق فرسه. والعَجُول من الْإِبِل: الواله الَّتِي فَقدت ولدَها، وَهِي الثَّكْلى من النِّسَاء؛ وَجمعه عُجُل. وَقَالَ الْأَعْشَى:
يَدفع بِالرَّاحِ عَنهُ نِسوةٌ عُجُلُ
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: ولد الْبَقَرَة عِجْل وَالْأُنْثَى عجلة، وَيُقَال عِجَّولٌ وَجمعه عجاجيل. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: يُجمع العِجْل عِجَلة. وَقَالَ أَبُو خيرة: هُوَ عِجلٌ حِين تضعُه أمُّه إِلَى شهر، ثمَّ بَرغَزٌ وبُرغُزٌ نَحوا من شَهْرَيْن وَنصف، ثمَّ هُوَ الفرقد.
علج: ابْن السّكيت: إِذا أكل البعيرُ العَلَجان قيل بعير عالج. وعالج: رمال مَعْرُوفَة فِي الْبَادِيَة. وَيُقَال هَذَا عَلُوجُ صِدقٍ، وعَلوك صِدق، وألوك صِدق، لِمَا يُؤْكَل. وماتلوَّكت بأَلوكٍ وَلَا تعلَّجت بعَلوج.
وَفِي حَدِيث عَليّ ح أَنه بعث رجلَيْنِ وَقَالَ لَهما: (إنَّكُمَا عِلجان فعالجا) . العِلج: الرجل القويّ الضّخم. وَقد استعلجَ الغلامُ، إِذا خرج وجههُ وعَبُل بدنُه. وَقَوله (فعالجا) أَي حارِسا العمَل الَّذِي ندبتكما لَهُ وزاولاه. وكل شيءٍ زاولتَه ومارسته فقد عالجتَه. وَيُقَال للعَير الوحشي إِذا سَمِن وقوِيَ عِلجٌ، وَيجمع عُلوجاً ومَعلوجَى بِالْقصرِ ومَعلوجاء بالمدّ وأعلاجاً. والعُلَج: الشَّديد من الرِّجَال الصِّرِّيع؛ وَيُقَال لَهُ عُلَّج بِالتَّشْدِيدِ.
وَيُقَال: اعتلجَتْ أمواجُ الْبَحْر، إِذا تلاطمت. واعتلج القومُ، إِذا اتّخذوا صِراعاً وقتالاً.
وَيُقَال: عالجتَ فلَانا فعلجتُه، إِذا زاولتَه فغلبتَه.
والعَلَجانُ: شجر يُشبه العَلَندَى، وَقد رأيتُهما فِي الْبَادِيَة، وأغصانهما صليبة، الْوَاحِدَة عَلَجانة.
وناقة عَلِجةٌ: شَدِيدَة، وتُجمع عَلِجات.(1/239)
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: المعتلجة: الأَرْض الَّتِي استأسد نباتُها والتفَّ وكثُر. وَيُقَال للرَّغيف الغليظ الْحُرُوف عِلج، وَيُقَال للرجل القويّ الضخم من الكفّار عِلجٌ أَيْضا.
والمُعالج: المداوِي، سَوَاء عالجَ جريحاً أَو عليلاً أَو دابَّة. وَفِي حَدِيث عَائِشَة أنّ عبد الرحمان بن أبي بكر توفّي بالحُبْشِيّ على رَأس أميالٍ من مكّة، فنقله ابْن صَفْوانَ إِلَى مكّة فَقَالَت عَائِشَة: (مَا آسَى على شيءٍ من أمره إلاّ خَصْلَتَيْنِ: أَنه لم يُعالِجْ وَلم يُدفَن حَيْثُ مَاتَ) . قَالَ شمر: معنى قَوْلهَا لم يُعالِجْ، أَرَادَت أَنه لم يعالج سكرةَ الْمَوْت فَتكون كفّارة لذنوبه.
قلت: وَيكون مَعْنَاهُ أنّ علّته لم تمتدَّ بِهِ فيعالجَ شدّة الضَّنَى ويقاسيَ عَلَزَ الْمَوْت.
جعل: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: جَعَل: صيَّر. وجَعَل: أقبل. وَجعل: خَلَق. وجعَلَ: قالَ، وَمِنْه قَوْله: {الْمُبِينِ إِنَّا جَعَلْنَاهُ} (الزّخرُف: 3) . أَي قُلْنَاهُ. وَقَالَ غَيره: صيّرناه. وَيُقَال جَعل فلانٌ يصنع كَذَا وَكَذَا، كَقَوْلِك طَفِق وعَلِق يفعل كَذَا وَكَذَا. وَيُقَال جعلتُه أحذقَ النَّاس بِعَمَلِهِ، أَي صيّرته. وَقَول الله عزّ وجلّ: {سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولِ} (الفِيل: 5) مَعْنَاهُ صيَّرهم. وَقَالَ عزّ وجلّ: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَآءِ كُلَّ شَىْءٍ حَىٍّ} (الأنبيَاء: 30) ؛ أَي خلقْنا. وَإِذا قَالَ الْمَخْلُوق جَعلْتُ هَذَا الْبَاب من شجرةِ كَذَا، فَمَعْنَاه صيّرته.
أَبُو عبيد: الجِعال: الخِرقة الَّتِي تُنزَل بهَا القُدور، قَالَه الْأَصْمَعِي. قَالَ: وَقَالَ الكسائيّ: أجعلتُ الْقدر إجعالاً، إِذا أنزلتَها بالجِعال. قَالَ: وَكَذَلِكَ من الجُعْل فِي العطيّة أجعلتُ لَهُ بِالْألف. وَقَالَ الأصمعيّ: هِيَ الجَعَالة بِالْفَتْح، من الشَّيْء تَجعَله للْإنْسَان.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: أجَعَلت الكلبةُ والسِّباعُ كلُّها، إِذا اشتهت الْفَحْل. وَقَالَ غَيره: استجعلَت أَيْضا بِمَعْنَاهُ.
وَقَالَ اللَّيْث: الجُعْل: مَا جعلتَه للْإنْسَان أجرا على عمله. قَالَ: والجَعَالاتُ: مَا يتجاعل النَّاس بَينهم عِنْد البَعْثِ أَو الْأَمر يَحزُبُهم من السُّلْطَان. والجُعَل: دابّة سَوْدَاء من دوابّ الأَرْض، تُجمَع جِعلاناً. وماءٌ مُجْعِلٌ وجَعِلٌ، إِذا تهافتت فِيهِ الجِعلان.
وَمن أَمْثَال الْعَرَب: (لزِقَ بامرىءٍ جُعَلُه) ، يُقَال ذَلِك عِنْد التنغيص والإفساد. وَأنْشد أَبُو زيد:
إِذا أتيتُ سُليمَى شُبَّ لي جُعَلٌ
إنّ الشقيَّ الَّذِي يَصْلَى بِهِ الجُعَلُ
قَالَه رجلٌ كَانَ يتحدَّث إِلَى امْرَأَة، فَكلما أَتَاهَا وقَعد عِنْدهَا صبَّ الله عَلَيْهِ مَنْ يقطع حَدِيثهمَا.
وَقَالَ ابْن بزرج: قَالَت الْأَعْرَاب: لنا لُعبةٌ يلْعَب بهَا الصِّبيان نسمِّيها: جَبَّى جُعَلُ، يضع الصبيُّ رأسَه على الأَرْض ثمَّ يَنْقَلِب على ظَهره. قَالَ: وَلَا يُجْرون جَبَّى جُعَلُ إِذا أَرَادوا بِهِ اسْم رجل. فَإِذا قَالُوا هَذَا جعلٌ بِغَيْر جَبَّى أجرَوْه.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: الجَعْل: قصار النّخل. وَقَالَ لبيد:(1/240)
جَعْلٌ قِصارٌ وعَيدانٌ ينوء بِهِ
من الكوافر مهضوم ومهتَصَرُ
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: الجَعَل: القِصَر مَعَ السِّمَن واللجاج.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: الجَعْوَل: الرَّأْلُ ولدُ النعام.
جلع: أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر: امْرَأَة جالعٌ، إِذا كَانَت متبرِّجة، بِغَيْر هَاء.
قَالَ: وَقَالَ الأصمعيّ: امرأةٌ جَلِعة، وَهِي الَّتِي قد ألقَتْ قِناع الْحيَاء؛ وَالِاسْم مِنْهُ الجَلاعة.
وَقَالَ اللَّيْث: المجالعة: تنازُع الْقَوْم عِنْد شُربٍ أَو قِمار. وَأنْشد:
أيدِي مُجالِعةٍ تكفُّ وتَنْهَدُ
قلت: وَرَوَاهُ غَيره: (أَيدي مُخالِعة) ، وهم المقامرون.
ورُوي فِي الحَدِيث أنَّ الزُّبير بن العَوَّام (كَانَ أجْلَعْ فَرِجاً) ، قَالَ القتيبي: الأجلع من الرِّجَال: الَّذِي لَا يزَال يَبْدُو فَرجُه. قَالَ: والأجلع: الَّذِي لَا تنضمُّ شَفَتاه على أَسْنَانه. قَالَ: وَكَانَ الْأَخْفَش أجلعَ لَا تنضمُّ شَفتاه.
وروَى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: الجَلِع المنقلب الشّفة.
قلت: أصل الجَلْع: الكشْف، يُقَال جَلعت المرأةُ خِمَارَها، إِذا كشفَتْه عَن رَأسهَا.
وَقَالَ الراجز:
جالعة نصيفَها وتَجتَلحْ
أَي تتكشَّف وَلَا تسَتَّر.
وروى ابنُ الفَرَج: أَبُو تُرَاب عَن خَليفَة الحُصَينيّ أَنه قَالَ: الجَلَعة والجَلَقة: مَضحَك الْإِنْسَان.
وَقَالَ الأصمعيّ: انجلع الشَّيْء، إِذا انكشَفَ. قَالَ الحكم بن مُعَيّة:
ونسَّعتْ أسنانَ عَونٍ فانجلعْ
عُمورُها عَن ناصلاتٍ لم تَدَعْ
وَيُقَال للرجل إِذا انحسرت لِثاتُه عَن أَسْنَانه: قد نسَّع فوه.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: جَلَع الغلامُ غُرلتَه وفَصعها، إِذا حَسَرها عَن الحَشَفَة جَلْعاً وفَصْعاً.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الجَلعَم: الْقَلِيل الْحيَاء، الْمِيم زَائِدَة.
وَأَخْبرنِي الإياديُّ عَن شمر أَنه قَالَ: الجُلَعلَعة: الخُنْفَسَاءة. قَالَ: ويروى عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ: كَانَ عندنَا رجلٌ يَأْكُل الطين، فامتخَط فَخرجت من أَنفه جُلَعلَعة نصفُها طين وَنِصْفهَا خُنْفُساء قَد خُلِق. قَالَ شمر: وَلَيْسَ فِي الْكَلَام فُعَلعِل.
وَقَالَ اللَّيْث: الجَلَعلَع من الْإِبِل: الْحَدِيد النَّفْس.
لعج: أَبُو عبيد: اللاعج: الهَوَى المُحرِق، وَكَذَلِكَ كلُّ مُحرِق. وَأنْشد قَول الهذَليّ:
ضربا أَلِيمًا بسِبتٍ يَلعَج الجِلِدا
وَقَالَ اللَّيْث: لَعَج الحزْنُ فؤادَه يَلعَج لَعْجاً، وَهُوَ حرارتُه فِي الْفُؤَاد. وَقَالَ غَيره: التعجَ الرجلُ، إِذا ارتمضَ من هَمَ يُصِيبه.
وَسمعت أَعْرَابِيًا من بني كُليب يَقُول: لمّا(1/241)
فَتح أَبُو سعيد القِرمِطِيّ هَجَرَ سوَّى حِظاراً من سعَف النَّخل وملأه من النِّسَاء الهَجَريَّات، ثمَّ أَلعجَ النَّار فِي الحِظار فاحترقْن.
(بَاب الْعين وَالْجِيم مَعَ النُّون)
عجن، عنج، جعن، نجع، نعج: مستعملات.
عجن: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العُجُن أهل الرَّخاوة من الرِّجَال وَالنِّسَاء. يُقَال للرجل عجينة وعَجين، وللمرأة عجينة لَا غير، وَهُوَ الضَّعِيف فِي بدنه وعقله. قَالَ: والعُجُن: جمع عاجن، وَهُوَ الَّذِي أسنَّ فَإِذا قَامَ عجنَ بيدَيْهِ. يُقَال خَبَزَ وعَجَن، وثَنَّى وثَلَّث، ووَرَّصَ، كلُّه من نعت الْكَبِير.
وَقَالَ اللَّيْث: العَجّان: الأحمق، وَيُقَال إِن فلَانا ليعجن بمرفقيه حُمقاً.
قلت: وَسمعت أعرابيّاً يَقُول لآخر: يَا عجّان إنّك لتَعجِنُه. فَقلت لَهُ: مَا يَعجِن ويحَك؟ قَالَ: سَلْحه. فَأَجَابَهُ الآخر: أَنا أعجنه وَأَنت تَلقَمه.
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: يُقَال عَجِنت الناقةُ تَعْجَنُ عَجَناً، إِذا سمنَتْ.
وَقَالَ اللَّيْث: العجْناء: النَّاقة الْكَثِيرَة لحمِ الضَّرع مَعَ قلَّة لَبنهَا، بيّنة العَجَن. قَالَ: والمتعجّن: الْبَعِير المكتنز سِمَناً، كأنّه لحمٌ بِلَا عظم.
قَالَ: والعِجان مَعْرُوف، وَهُوَ آخر الذّكر مَمْدُود فِي الْجلد، والجميع العُجُن، وَثَلَاثَة أعجنة. وَأنْشد:
يمدُّ الحبلَ مُعْتَمدًا عَلَيْهِ
كأنّ عجانه وترٌ جَديدُ
وَقَالَ غَيره: والعِجان: العُنق بلغَة قومٍ من الْيمن. وَأنْشد بعضُهم:
يَا رُبَّ خَودٍ ضَلْعةِ العِجان
عِجانُها أطولُ من سِنانِ
وعجان الْمَرْأَة: الوَتَرة الَّتِي بَين قبُلها وثَعلبتها.
وَقَالَ اللحياني: عجنت الرجل، إِذا أصبتَ عِجانه.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: عاجنة الْمَكَان: وسطُه. وَأنْشد للأخطل:
بعاجنةِ الرَّحوبِ فَلم يَسِيروا
ثَعْلَب عَن ابْن عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: أعجنَ الرجلُ، إِذا ركب العَجْناء، وَهِي السَّمينة. وَقد عجِنَتْ عَجَناً. وأعجَن، إِذا جَاءَ بولدٍ عجينةٍ، وَهُوَ الأحمق. وأعجنَ، إِذا أسنَّ فَلم يَقُم إِلَّا عاجناً، وأعجن إِذا وَرِمَ عِجانُه، وَهُوَ الخَطُّ الَّذِي بَين أُدافه وثعلبتِه. قَالَ: والمعجون: المجبوس من الرِّجَال.
أَبُو الهيْثم عَن نُصير: من الضُّروع الأعجَن. قَالَ: والعَجَن: لحْمَة غَلِيظَة مثل جُمع الرجُل حِيالَ فِرقَني الضَّرَّة، وَهُوَ أقلُّها لَبَنًا وأحسنُها مَرآة.
قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: تكون العجناء غزيرة وبكيئة.
وَقَالَ ابْن السّكيت: العَجْن: مصدر عجنت الْعَجِين. والعَجَن: عيب يُصِيب الناقةَ فِي(1/242)
حيائها، وَهُوَ شبيهٌ بالعَفَل، يُقَال نَاقَة عَجْناء.
وَقَالَ ابنُ دُرَيْد: العَجِنة والعَجْناء من الْإِبِل: الَّتِي يَرِمُ حياؤها فَلَا تلقح. قَالَ: والمعتَجِنة: الَّتِي قد انْتَهَت سِمَناً.
عنج: أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: العِناج إِن كَانَ فِي دَلْوٍ ثَقيلَة فَهُوَ حبلٌ أَو بطانٌ يشدُّ تحتهَا ثمَّ يشدُّ إِلَى العَراقي فَيكون عَوناً للوذَم. وَإِذا كَانَت الدلوُ خَفِيفَة شُدَّ خيط تحتهَا إِلَى العَرقُوة، وربّما شُدَّ فِي إِحْدَى آذانها. قَالَ: وَقَالَ الْكسَائي: عنَجت الدَّلوَ عَنجاً.
وَقَالَ أَبُو زيدٍ مثل قَول الْأَصْمَعِي.
وَقَالَ اللَّيْث فِي العناج نَحوا مِمَّا قَالَا. قَالَ: وكلُّ شيءٍ تَجذبه إِلَيْك فقد عَنجْتَه.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: قَالَ نُصَير: عَنَجت البَكر أُعنِجه عَنجاً، إِذا ربطتَ خِطامَه فِي ذراعه وقَصَرتَه. وإنّما يُفعل ذَلِك بالبكر الصَّغِير إِذا رِيضَ. وَهُوَ مأخوذٌ من عِناج الدَّلو.
قَالَ: وَمن أمثالهم: (عَودٌ يُعَلَّم العَنْج) ، يضْرب مثلا لمن أَخذ فِي تعلُّم شيءٍ بعد مَا كبِر.
وَقَالَ أَبُو زيد: عنجت الْبَعِير أعنُجه عَنْجاً، إِذا جذبتَ خطامه إِلَيْك وَأَنت راكبُه.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: قَالَ الأصمعيّ فِي قَوْلهم: (عَودٌ يعلَّم العَنْجَ) : أَي يرُاضُ فيردّ على رجلَيْهِ.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو زيد: العَنْج: أَن يجذب راكبُه خِطامَه قِبَلَ رَأسه، حتَّى ربَّما لزِم ذِفراه بقادمة الرَّحْل. وَقَالَ الحطيئة يمدح قوما عقدوا لجارهم عهدا فوفوا بِهِ وَلم يُخفروه:
قومٌ إِذا عَقدوا عَقداً لجارهمُ
شَدُّوا العِناجَ وشدُّوا فَوْقه الكَرَبا
وَهَذِه أمثالٌ ضربهَا لإيفائهم بالعهد.
وَقَالَ النَّضر: عَنَجة الهَوْدجِ: عضادةٌ عِنْد بَابه تسُدُّ الْبَاب.
وَقَالَ اللَّيْث: العَنَج بلغَة هُذَيْل: الرَّجُل. قَالَ: وَيُقَال بالغَين: غَنَج.
قلت: قَالَه ابنُ الأعرابيّ وَغَيره بالغين، وَلم أسمعهُ بِالْعينِ من أحدٍ يُرجع إِلَى علمه، وَلَا أَدْرِي مَا صحتُه.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: العَناجيج: جِيَاد الْخَيل، وَاحِدهَا عُنجوج.
وَقَالَ اللَّيْث: وَيكون العُنْجُوج من النجائب أَيْضا قَالَ: والعُنجُج: الضَّيْمُرَانُ من الرَّياحين.
قلت: لم أسمعهُ لغيره.
وَيُقَال: إنّي لَا أرى لأمرك عِناجاً، أَي مِلاكاً، مَأْخُوذ من عِناج الدَّلو. وَأنْشد اللَّيْث:
وبعضُ القَوْل لَيْسَ لَهُ عِناجٌ
كسَيْل المَاء لَيْسَ لَهُ إتاءُ
عَمْرو عَن أَبِيه: أعنجَ الرجل، إِذا اشْتَكَى عِناجَه. والعِناج: وجع الصُّلب والمفاصل.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: رجلٌ مِعْنجٌ: يتعرَّض للأمور.
نجع: قَالَ أَبُو عبيد: سمعتُ الأصمعيّ يَقُول: المنتَجَع: المنزلُ فِي طلب الْكلأ.(1/243)
والمحضر: المرجعُ إِلَى الْمِيَاه.
قلت: النُّجْعة عِنْد الْعَرَب: الْمَذْهَب فِي طلب الْكلأ. والباديةُ تحضُر مَحاضرَها عِنْد هَيج العُشب وَنقص الخُرَف، وفَناء مَاء السَّمَاء فِي الغُدران، فَلَا يزالون حَاضِرَة يشربون الماءَ العِدَّ حَتَّى يقعَ ربيعٌ بِالْأَرْضِ خَرَفيّاً كانَ أَو شَتياً، فَإِذا وقعَ الربيعُ توزّعَتْهم النُّجَع وتتبَّعوا مسَاقطَ الْغَيْث يرعَون الْكلأ والعُشب إِذا أعشَبت الْبِلَاد، وَيَشْرَبُونَ الكَرَع، فَلَا يزالون فِي النُّجَع إِلَى أَن يهيج العُشب من عامٍ قَابل وتَنشَّ الغُدران، فيرجعون إِلَى مجاضرهم على أعداد الْمِيَاه.
وَقَالَ اللَّيْث: انتجعنا أَرضًا نطلُب الرِّيف. وانتجعنا فلَانا نطلب معروفَه. وَأنْشد قَول ذِي الرمة:
فقلتُ لصَيدحَ انتجِعِي بِلَالًا
وَيُقَال: نجعَ فِي الْإِنْسَان طعامُه ينجع، إِذا استمرأه وصَلَح عَلَيْهِ.
قَالَ: والنَّجيع: دَمُ الجَوف.
وَيُقَال نجعتُ البعيرَ أنجَعهُ، إِذا سقيتَه النَّجوع، وَهُوَ المَدِيدُ، وَذَلِكَ أَن تسقيه الماءَ بالبِزْر أَو السِّمسم.
وَقَالَ ابْن السّكيت: هُوَ النَّجوع للمديد، وَقد نجعت الْبَعِير. وَيُقَال هَذَا طعامٌ يُنجَع بِهِ ويُستنجَع بِهِ ويُستَرجَع عَنهُ، وَذَلِكَ إِذا نَفَعَ واستُمرِىء فسُمِن عَنهُ. وَكَذَلِكَ الرِّعْي. وَهُوَ طعامٌ ناجعٌ، ومُنْجع، وغائر. ونُجِع الصبيُّ بِلَبن الشَّاة، إِذا غُذِي بِهِ وسُقِيَه. وَمِنْه الحَدِيث: (عَلَيْك باللَّبَن الَّذِي نُجِعْتَ بِهِ) ، أَي غُذِيتَ بِهِ.
عَمْرو عَن أَبِيه: أنجع الرجلُ، إِذا أفلحَ. ونجع الدَّوَاء وأنجعَ، إِذا عمل. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: أنجعَ إِذا نفع. يُقَال نَجَع فِيهِ الدواءُ ينجَع ويَنجِع ونَجَّعَ بِمَعْنى وَاحِد. وَيُقَال للمُنتَجَع مَنْجَع، وَجمعه مناجع، وَمِنْه قَول ابْن أَحْمَر:
كَانَت مناجعَها الدَّهنا وجانبُها
والقُفُّ مِمَّا نرَاهُ قِرْفة دَرَرا
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: مَاء ناجع ونجيع، إِذا كَانَ مريئاً.
جعن: جَعْونةُ من أَسمَاء الْعَرَب. وَقَالَ أَبُو عَمْرو الشيْباني: رجلٌ جَعوَنة، إِذا كَانَ قَصِيرا سميناً.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: الجَعْن فعلٌ مُماتٌ، وَهُوَ التقبُّض. قَالَ: وَمِنْه اشتقاق جَعونة.
نعج: ثَعْلَب عَن أبي نصر عَن الأصمعيّ قَالَ: النَّعجة والعَجَّان: الأحمق.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: إِذا أكل الإنسانُ لحمَ ضأنٍ فثُقل على قلبه فَهُوَ نَعِجٌ. وَأنْشد:
كأنَّ القومَ عُشُّوا لحمَ ضأنٍ
فهمْ نَعِجونَ قد مَالَتْ طُلاهمْ
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو عَمْرو: أنعج القومُ إنعاجاً، إِذا سَمِنت إبلُهم. وَقد نَعَجت الْإِبِل تنعَج، إِذا سمِنت. قَالَ: وَهِي فِي شعر ذِي الرمّة.
وَقَالَ شمر: نعجت الإبلُ إِذا سمنت، حرفٌ غَرِيب. قَالَ: وفتّشت شعر ذِي الرمة فَلم أجد هَذِه الْكَلِمَة فِيهِ.
قلت: نَعج بِمَعْنى سمِنَ حرفٌ صَحِيح.(1/244)
ونَظَر إليّ أعرابيٌّ كَانَ عهدُه بِي وَأَنا ساهمُ الْوَجْه، ثمّ رَآنِي وَقد ثابَتْ إليَّ نَفسِي، فَقَالَ لي: (نَعِجْتَ أَبَا فلانٍ بَعْدَمَا رَأَيْتُك كالسَّعَف الْيَابِس) . أَرَادَ صَلَحت وسَمِنت.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ فِي قصَّة دَاوُد وَقَول أحد المَلكين اللذَين احْتَكَمَا إِلَيْهِ: {الصِّرَاطِ إِنَّ هَذَآ أَخِى لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِى نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِى فِى الْخِطَابِ} (ص: 23) قَالَ أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يزِيد: النَّعْجة عِنْد الْعَرَب: الْبَقَرَة الوحشية، وَحكم الْبَقَرَة عِنْدهم حكم الضَّائنة، وَحكم الظبية حكم الماعزة. والنعجة: الْأُنْثَى من الضَّأْن، وَجَمعهَا نِعاج. وَالْعرب تكني بالنعجة وَالشَّاة عَن الْمَرْأَة، ويسمُّون الثور الوحشيّ شَاة.
وَقَالَ أَبُو خيرة: النَّاعجة من الأَرْض السهلة المستوية، مَكْرُمةٌ للنَّبات تنْبت الرِّمْث. والنواعج والناعجات من الْإِبِل: البِيض الْكَرِيمَة. وجملٌ ناعج وناقة ناعجة. وَقد نَعِج اللونُ الْأَبْيَض يَنْعَج نُعوجاً، وَهُوَ الْبيَاض. وَقَالَ العجاج:
فِي ناعجات من بَياضٍ نَعِجا
ومَنعِج: اسْم مَوضِع.
وَقَالَ أَبُو تُرَاب: قَالَ أَبُو عمرٍ و: النَّعَج: السِّمَن، يُقَال نَعِجَ هَذَا بعدِي، أَي سَمِن. قَالَ: والنَّعْج: أَن يربوَ وينتفخ. قَالَ: وَقَالَ غَيره: النَّهَج مثله.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: الناعجة: الْبَيْضَاء من الْإِبِل، وَيُقَال هِيَ الَّتِي يُصاد عَلَيْهَا نِعاج الْوَحْش.
وَقَالَ ابْن دُريد: النَّعْج: ضرب من سير الْإِبِل. قد نَعجَت الناقةُ نَعْجاً. وَأنْشد:
يَا ربِّ ربَّ القُلُصِ النَّواعجِ
وَقَالَ غَيره: النَّواعج: الْبيض من الْإِبِل.
(بَاب الْعين وَالْجِيم مَعَ الْفَاء)
عجف، عفج، جعف، فجع، جفع، مستعملات
عجف: أَبُو زيد: عَجَفْتُ نَفسِي عَن الطَّعَام أعجِفُها، إِذا حبستَ نفسَك عَنهُ وَأَنت تشتهيه لتُؤْثِر بِهِ غَيْرك. وَلَا يكون العَجْف إلاّ على الْجُوع والشَّهوة.
قلت: وَهُوَ التَّعجيفُ أَيْضا، وَهُوَ قَول الراجز:
لم يَغْذُها مُدٌّ وَلَا نَصيفُ
وَلَا تُميراتٌ وَلَا تعجيفُ
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: عَجَفَت نَفسِي على الْمَرِيض، إِذا أقمتَ على تمريضه. وعَجَفَت نَفسِي على أذَى الْخَلِيل، إِذا لم تخذُلْه. وَقَالَ الراجز:
إنّي وَإِن عَيَّرتِنِي نُحولي
لأَعْجِفُ النفسَ على خليلي
وعجفَت نَفسِي عَنهُ عَجفاً، إِذا احتملتَ عَنهُ وَلم تؤاخذْه. وَقيل التعجيف: سوء الْغذَاء والهزَال. وسيفٌ معجوف، إِذا كَانَ داثراً لم يُصقَل. وَقَالَ كَعْب بن زُهَيْر:
وكأنّ موضعَ رَحْلها من صُلبها
سَيفٌ تقادمَ عهدُه معجُوفُ
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: العَجَف: غلظ الْعِظَام وعَرَاؤها من اللَّحْم.
وَتقول الْعَرَب: أشدُّ الرِّجَال الأعجَف(1/245)
الضَّخم: وَقَالَ اللَّيْث: العَجَف: ذَهاب السِّمَن. والذّكر أعجف والأنْثى عجفاء، والجميع عِجافٌ فِي الذُّكران وَالْإِنَاث، وَالْفِعْل عَجُف يَعجُف عَجَفاً. قَالَ: وَلَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب أفعل وفعلاء جمعهَا على فِعال غير أعجف وعَجْفاء، وَهِي شاذّة، حَمَلوها عى لفظ سِمان فَقَالُوا سِمان وعِجاف وَجَاء أفعل وفعلاء على فَعُلَ يفعُل فِي أحرف مَعْدُودَة، مِنْهَا عجُف يعجُف فَهُوَ أعجف، وأدُم يأدُم فَهُوَ آدَم، وسمُر يَسمُر فَهُوَ أسمر، وحَمُق يحمُق فَهُوَ أَحمَق، وخَرُق يخرُق فَهُوَ أخرق.
وَقَالَ ابْن السّكيت: قَالَ الْفراء: يُقَال عَجُف وعَجِف، وحَمُق وحَمِق، ورعُن ورعِنَ، وخَرُق وخرِق. وَقَالَ ابْن الأعرابيّ فِي قَوْله:
وَلَا تُميراتٌ ولاتعجِيفُ
قَالَ: التَّعجِيف: أَن ينْقل قُوتَها إِلَى غَيرهَا قبل أَن تشبع من الجدوبة. قَالَ: والعُجوف: مَنع النَّفْس من المقابح. والعُجوف أَيْضا: تَرْك الطَّعَام.
وَقَول الله جلّ وعزّ: {يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ} (يُوسُف: 43) هِيَ الهَزْلى الَّتِي لَا لحم عَلَيْهَا وَلَا شَحم، ضُربت مثلا بِسبع سِنِين لَا قَطْرَ فِيهَا وَلَا خِصب.
عفج: أَبُو عبيد عَن أبي زيد: الأعفاج للْإنْسَان وَاحِدهَا عَفْج. والمصارين لذوات الخفّ والظِّلف وَالطير. وَقَالَ شمر: يُقَال لوَاحِد الأعفاج عَفْجٌ وعَفَج وعِفْج. وَقَالَ اللَّيْث: العَفْج من أمعاء الْبَطن لكلِّ مَا يجترّ كالمِمْرَغة للشاء. وَقَالَ الشَّاعِر:
مَباشيم عَن غِبّ الخزيرِ كأنّما
تُنقنِق فِي أعفاجهنَّ الضفادعُ
وَقَالَ أَبُو زيد: عَفَجه بالعصا عفجاً، إِذا ضربَه بهَا فِي ظَهره وَرَأسه. قَالَ: وعفجَ الرجلُ جاريتَه، إِذا نكَحها. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: المِعفجة: الْعَصَا. وَقَالَ: والمِعفَج الأحمق الَّذِي لَا يضْبط الْعَمَل وَالْكَلَام، وَقد يعالج شَيْئا يعيشُ بِهِ على ذَلِك. يُقَال إِنَّهُم ليَعفِجون ويَعثِمون فِي النَّاس. والعَثْم: أَن يَعثِم بعضَ الْأَمر ويَعجِز عَن بعض.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: العَفَجة: نِهاءٌ إِلَى جَنْب الْحِيَاض، فَإِذا قَلَص ماءُ الْحِيَاض اغترفوا من مَاء العَفَجة يسربون مِنْهَا.
جعف: رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (مَثل الْكَافِر كمثَل الأَرزة المُجْذِيَة حتَّى يكون انجعافُها مرّة وَاحِدَة) . قَالَ أَبُو عَمْرو: الانجعاف: الانقلاع. وَمِنْه قيل جعفتُ الرجلَ، إِذا صَرعتَه فضربتَ بِهِ الأَرْض. وَنَحْو ذَلِك قَالَ أَبُو عُبَيْدَة.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: يُقَال ضربه فجعبَه وجَعَفَه وجأفه، وجَعفله وجفَله، إِذا صَرَعَه.
وَقَالَ اللَّيْث: جُعف: حيّ من الْيمن. والجَعْف: شِدّةُ الصرع.
فجع: الفجيعة: الرزيئة الموجعة، وَجَمعهَا فجائع. والتفجُّع: التوجّع والتضوُّر للمرزِئة. والفواجع: المصائب المؤلمة الَّتِي تفجع الْإِنْسَان بِمَا يعزُّ عَلَيْهِ من مالٍ أَو حميم، والواحدة فاجعة ودَهر فاجعٌ وَمَوْت فاجع. وَقد فجِع فلانٌ فَهُوَ(1/246)
مفجوع. وفجعني الموتُ بفلانٍ، إِذا أصيبَ لَهُ حميم. وَقَالَ لبيد:
فجَّعني الرَّعْد والصواعقُ بالفا
رس يومَ الكريهةِ النَّجُدِ
جفع: قَالَ بَعضهم: جَعفَه وجَفَعه، إِذا صَرَعَه. وَهَذَا مقلوب، كَمَا قَالُوا: جذب وجَبَذ. وروى بعضهُم بَيت جرير:
وضيفُ بني عِقالٍ يُجْفَعُ
الْجِيم، أَي يُصرع من الْجُوع. وَرَوَاهُ بَعضهم: (يُخفَع) بِالْخَاءِ.
وَقد أهمل اللَّيْث جفع، وَلم يصحَّ لي فِيهِ شَيْء.
(بَاب الْعين وَالْجِيم مَعَ الْبَاء)
عجب، عبج، جبع، جعب، بعج: مستعملات.
عجب: قَالَ الله جلّ وعزّ: {طِينٍ لاَّزِبٍ بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخُرُونَ} (الصَّافات: 12) قَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ: (بل عجبتُ ويسخرون) بِضَم التَّاء، وَهَكَذَا قَرَأَ عليّ وَابْن عَبَّاس. وَقَرَأَ ابْن كَثِير، وَنَافِع، وَابْن عَامر، وَعَاصِم، وَأَبُو عَمْرو: {طِينٍ لاَّزِبٍ} (الصَّافات: 12) بِنصب التَّاء. وَقَالَ الْفراء: وَالْعجب وَإِن أسْند إِلَى الله تَعَالَى فَلَيْسَ مَعْنَاهُ من الله كمعناه من الْعباد؛ أَلا ترى أَنه قيل {فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} (التّوبَة: 79) وَلَيْسَ السُّخْريُّ من الله كمعناه من الْعباد.
وَقَالَ الزّجاج: أصل الْعجب فِي اللُّغة أَن الْإِنْسَان إِذا رأى مَا ينكرُه ويَقِلُّ مثله قَالَ: قد عجبتُ من كَذَا. وعَلى هَذَا معنى قِرَاءَة من قَرَأَ (بل عجبتُ) ، لأنّ الْآدَمِيّ إِذا فَعَل مَا يُنكره الله جَازَ أَن يَقُول فِيهِ عجبتُ. وَالله قد عَلِم مَا أنكرهُ قبل كَونه، وَلَكِن الْإِنْكَار والعَجَب الَّذِي تلْزم بِهِ الحجّةُ عِنْد وُقُوع الشَّيْء.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العَجَب: النَّظر إِلَى شَيْء غير مألوف وَلَا مُعْتَاد. وَقَالَ: العِجْب: الَّذِي يحبُّ محادثة النِّسَاء وَلَا يَأْتِي الرِّيبة. والعُجْب: فَضلةٌ من الْحُمْق صَرَفَها إِلَى العُجْب.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: العَجْب والعِجْب والعُجْب: الرجل الَّذِي يُعجِبه القُعود مَعَ النِّساء. قَالَ: والعَجْب: عَجْب الذَّنب، وَهُوَ العُصعُص.
وَقَالَ اللَّيْث: عَجِبَ يَعجَب عَجَباً، وأمرٌ عَجِيب وعُجاب. قَالَ: والاستعجاب: شدّة التعجُّب. وقصّةٌ عَجَب. وَيُقَال أعجبني هَذَا الشَّيْء وأُعجِبتُ بِهِ، وَهُوَ شيءٌ معجِبٌ، إِذا كَانَ حسنا جدّاً. والمُعجَب: الْإِنْسَان المُعجَب بِنَفسِهِ أَو بالشَّيْء تَقول: عجَّبت فلَانا بِشَيْء تعجيباً فعجِب مِنْهُ.
قَالَ: وعُجوب الكُثبان: أواخرها المستدِقّة. وَقَالَ لبيد:
بعُجوب أنقاء يَمل هَيَامُها
وناقة عَجْباء بيِّنة العَجَب، إِذا دقَّ أَعلَى مؤخَّرها وأشرفت جاعرتاها، وَهِي خِلقة قبيحة فِيمَن كَانَت. قَالَ: والعَجْب من كل دابَّة: مَا ضُمَّت عَلَيْهِ الوركانِ من أصل الذَّنب المغروز فِي مُؤخر العَجُز. وَيُقَال لشَدَّ مَا عجُبت النَّاقة، إِذا دقَّ أَعلَى(1/247)
مؤخّرها وأشرفت جاعرتُها.
وَقَالَ الله تَعَالَى: (إنْ هَذَا لشَيْء عُجاب) خَفِيف، وَقَرَأَ أَبُو عبد الرحمان السُّلَميُّ: {وَاحِداً إِنَّ هَاذَا لَشَىْءٌ} (ص: 5) بِالتَّشْدِيدِ. قَالَ الْفراء: هُوَ مثل قَوْلهم رجل كريم وكُرَامٌ وكُرَّام، وكبير وكُبَار وكُبَّار.
وَفِي (النَّوَادِر) : تعجَّبني فلانٌ وتفتَّنني، أَي تَصَبّاني.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْعَبَّاس أَنه قَالَ: التعجُّب: أَن تَرَى الشَّيْء يُعجِبُك تظنُّ أنّك لم تَرَ مثلَه. قَالَ: وَقَوْلهمْ لله زيد كأنَّه أَي جَاءَ بِهِ الله من أَمر عَجِيب، وَكَذَلِكَ قَوْلهم: لله درُّه، أَي جَاءَ بدرِّه من أَمر عَجِيب لكثرته.
عبج: أهمله اللَّيْث. وَقَالَ إِسْحَاق بن الْفرج: سَمِعت شجَاعاً السُّلَميَّ يَقُول: العَبَكة: الرجُل البغيض الطَّغَامة الَّذِي لَا يَعِي مَا يَقُول وَلَا خير فِيهِ. قَالَ: وَقَالَ مُدركٌ الْجَعْفَرِي: هُوَ العَبَجة، جَاءَ بهما فِي بَاب الْكَاف وَالْجِيم.
جعب: أَبُو عبيد عَن أبي عُبَيْدَة: الجعابيب: الْقصار من الرِّجَال. وَقَالَ اللَّيْث: الجُعْبوب: الدنيّ من الرِّجَال.
ثعلبٌ عَن عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الجَعْبيّ: ضربٌ من النَّمْل. وَقَالَ اللَّيْث: هُوَ نملٌ أَحْمَر. وَجمعه جَعْبِيَّات.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الجِعِبَّى والجَعْبَاء والجَعْواء، والناطقةُ الخرساء: الدُّبُر وَنَحْو ذَلِك. وَقَالَ اللَّيْث: الجَعْباء: الدُّبر. قَالَ: والجَعْبة: كنَانَة النُّشَّاب.
وَقَالَ ابْن شُمَيل: الجَعْبة: المستديرة الواسعة الَّتِي على فمها طبقٌ من فَوْقهَا. قَالَ: والوفْضَة أَصْغَر مِنْهَا وأعلاها وأسفلها مستوي. قَالَ: وأمَّا الجعبة فَفِي أَعْلَاهَا اتساع وَفِي أَسْفَلهَا تبنيق ويفرَّج أَعْلَاهَا لئلاّ ينتكث ريش السِّهَام، لِأَنَّهَا تُكَبُّ فِي الجعبة كَبّاً، فظُباتُها فِي أَسْفَلهَا، ويُفَلطَح أَعْلَاهَا من قِبَل الريش، وَكِلَاهُمَا من شقيقتين من خَشَب.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي فِيمَا يروي عَنهُ أَبُو تُرَاب: ضربَه فجعَبه وجعفَه، إِذا ضربَ بِهِ الأَرْض. ويثقَّل فَيُقَال جعَّبه تجعيباً، أَي صرعَه. قَالَ: والمتجعِّب: الميّت أَيْضا.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: المِجْعَب: الصِّرِّيع من الرِّجَال يَصرَع وَلَا يُصرَع.
وَفِي (النَّوَادِر) : جَيشٌ يتَجَعْبَى ويتجَرْبَى، ويتقبقب، ويتهبهب، ويتدربَى: يركب بعضُه بَعْضًا.
جبع: أهمله اللَّيْث. وَأنْشد أَبُو الْهَيْثَم قولَ ابْن مُقْبِل:
وطَفلةٍ غيرِ جُبّاعٍ وَلَا نَصَفٍ
وَقَالَ: أَرَادَ غير قَصِيرَة.
وَقَالَ غَيره: الجُبّاع: سهمٌ قصير يَرمِي بِهِ الصِّبيان. وَيُقَال للْمَرْأَة القصيرة جُبّاعٌ تَشْبِيها بِالسَّهْمِ الْقصير.
بعج: قَالَ ابْن المظفر وَغَيره: يُقَال تبعَّج السحابُ بالمطر وانبعج، وتبعَّق وانبعق، إِذا انفرَج عَن الوَبْل الشَّديد. وَقَالَ العجّاج:
حَيْثُ استهلَّ المُزْنُ أَو تبعَّجا(1/248)
وَيُقَال بعَّج الْمَطَر تبعيجاً فِي الأَرْض، إِذا اشتدَّ وقعُه حتَّى فَحَص الْحِجَارَة.
قَالَ: ورجلٌ بَعِجٌ كَأَنَّهُ مبعوجٌ الْبَطن من ضعف مَشيِه.
قَالَ: وَيَقُولُونَ بَعَجه حبُّ فلانٌ، إِذا اشتدَّ وجدُه وحَزِن لَهُ.
قلت: لَعَجَه حبُّه أصوبُ من بعجه، لأنّ البعج الشقُّ. يُقَال بعجَ بَطْنه بالسكّين، إِذا شقَّه وخضخضَه فِيهِ. وَقَالَ الْهُذلِيّ:
كأنَّ ظُباتِها عُقُرٌ بَعيجُ
شبّه ظُباتِ النصال بِنَار جمرٍ سُخِيَ فظهرت حُمرتُه.
وَفِي الحَدِيث: (إِذا رَأَيْت مكّة قد بُعِجَتْ كظائمَ، وساوَى بناؤها رؤوسَ الْجبَال، فاعلمْ أنّ الْأَمر قد أظَلَّك) . بُعِجَتْ أَي شُقَّتْ وَفتح كظائمُها بعضُها فِي بعض واستُخرِج عيونها.
والبواعج: أَمَاكِن فِي الرمل تَسترِقّ، فإِذا نبتَ فِيهَا النصيُّ كَانَ أرقَّ لَهُ وَأطيب. وَقَالَ الشَّاعِر يصف فرسا:
فَإِذا لَهُ بالصَّيف ظِلٌّ باردٌ
ونصِي باعجَةٍ ومَحضٌ مُنْقَعُ
قَوْله (مُنْقَع) ، أَي أُديمَ لَهُ اللبنُ الْمَحْض يسقاه. من نقع الشيءُ إِذا دَامَ.
وباعجَة: اسْم مَوضِع.
(بَاب الْعين وَالْجِيم مَعَ الْمِيم)
عمج، عجم، جمع، جعم، مجع، معج: مستعملات
عجم: قَالَ الله جلّ وعزّ: {لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصِّلَتْءَايَاتُهُءَاعْجَمِىٌّ} (فُصّلَت: 44) . قَالَ الْفراء: قرىء (أاعجَميٌّ وعربيٌّ) بالاستفهام، وَجَاء فِي التَّفْسِير: أيكونُ هَذَا الرَّسُول عربيّاً والكتابُ أعجَميٌّ. قلت: وَمَعْنَاهُ أَن الله قَالَ: وَلَو جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أعجمياً لقالوا هلاّ فصّلت آيَاته عربيَّةَ مفصَّلَةَ الْآي. كأنّ التَّفصيل للسان الْعَرَب، ثمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ: أعْجميٌّ وعربيّ؟ حِكَايَة عَنْهُم، كَأَنَّهُمْ يعْجبُونَ فَيَقُولُونَ كتاب أعجميٌّ ونبيٌّ عَرَبِيّ، كَيفَ يكون هَذَا؟ فَكَانَ أشدَّ لتكذيبهم.
وَقَالَ الْفراء: وَقِرَاءَة الْحسن بِغَيْر اسْتِفْهَام، كأنّه جعله من قبل الْكَفَرَة. والأعجم والأعجمي: الَّذِي لَا يُفصِح وَإِن كانَ عربيَّ النَّسب. والعَجَميّ: الَّذِي نسبته إِلَى الْعَجم وَإِن كَانَ يفصح. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: يُقرأ (أأعجميٌّ) بهمزتين، وَيقْرَأ (أعْجميٌّ) بِهَمْزَة وَاحِدَة بعْدهَا همزَة خَفِيفَة تشبه الْألف، وَلَا يجوز أَن تكون ألفا خَالِصَة لِأَن بعْدهَا عينا وَهِي سَاكِنة. وَيقْرَأ: (أَعَجميٌّ) بِهَمْزَة وَاحِدَة وَالْعين مَفْتُوحَة.
قَالَ: وَقَرَأَ الْحسن: (أَعْجَميٌّ وعربيٌّ) بِهَمْزَة وَاحِدَة وَسُكُون الْعين. قَالَ: وَجَاء فِي التَّفْسِير أَن الْمَعْنى لَو جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أعجمياً لقالوا هلاّ بُيِّنت آيَاته أقرآن أعجميٌّ ونبيٌّ عربيّ. وَمن قَرَأَ (أأعْجميٌّ) بِهَمْزَة وَألف فَإِنَّهُ مَنْسُوب إِلَى اللِّسان الأعجميّ. تَقول: هَذَا رجلٌ أعجميٌّ، إِذا كَانَ لَا يُفصح، كَانَ من الْعَجم أَو من الْعَرَب. ورجُلٌ عَجَميٌّ، إِذا كَانَ من الْأَعَاجِم، فصيحاً كَانَ أَو غير فصيج. قَالَ: والأجود(1/249)
فِي الْقِرَاءَة: (أأعجميّ) بِهَمْزَة وَألف على جِهَة النِّسْبَة إِلَى الْأَعْجَم. أَلا ترى قَوْله: {أَلِيمٍ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْءَاناً أعْجَمِيّاً لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصِّلَتْءَايَاتُهُءَاعْجَمِىٌّ وَعَرَبِىٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَءَامَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ وَالَّذِينَ} (فُصّلَت: 44) وَلم يقرأهُ أحد عَجمياً. وَأما قِرَاءَة الْحسن (أعجمي وعربي) فعلى معنى هلاَّ بيِّنت آيَاته فَجعل بعضُه بَيَانا للعجم، وَبَعضه بَيَانا للْعَرَب. قَالَ: وكلُّ هَذِه الْأَوْجه الْأَرْبَعَة سَائِغَة فِي العربيّةِ وَالتَّفْسِير.
وَأَخْبرنِي أَبُو الْفضل عَن أبي الْعَبَّاس أَنه سُئِلَ عَن حُرُوف المعجم: لم سمِّيتْ مُعجماً؟ فَقَالَ: أمّا أَبُو عَمْرو الشيبانيّ فَيَقُول: أَعْجَمت أبْهَمت. قَالَ: والعَجَميّ مُبهَم الْكَلَام لَا يتبيَّن كَلَامه. قَالَ: وَأما الْفراء فَيَقُول: هُوَ من أعجمت الْحُرُوف. قَالَ: وَيُقَال قُفل مُعجَم، وأمرٌ معجَمٌ، إِذا اعتاص. قَالَ: وسمِعتُ أَبَا الهيْثم يَقُول: مُعجَم الخطّ هُوَ الَّذِي أعجمَه كَاتبه بالنُّقط. تَقول: أعجمتُ الكتابَ أُعجِمُه إعجاماً. وَلَا يُقَال عجَمتُه، إنَّما يُقَال عَجَمتُ الْعود، إِذا عَضِضتَه لتعرف صلابتَه من رَخاوته. قَالَ: والعَجْم: عضٌّ شَدِيد بالأضراس دونَ الثنايا. قَالَ: وَكَانُوا يعجمُون القِدحَ بَين الضِّرسين إِذا كَانَ مَعْرُوفا بالفَوز ليؤثروا فِيهِ أثرا يعرفونه بِهِ.
وَفِي الحَدِيث: (العَجْماءُ جُرْحُها جُبَار) ، قَالَ أَبُو عبيد: أَرَادَ بالعجْماء البهيمةَ، سمِّيت عجماءَ لأنَّها لَا تتكلَّم. قَالَ: وكلُّ من لَا يقدر على الْكَلَام فَهُوَ أعجمُ ومُستعجِم. قَالَ: وَيُقَال قَرَأَ فلانٌ فاستَعجم عَلَيْهِ مَا يَقْرَؤُهُ، إِذا الْتبس عَلَيْهِ فَلم يتهيَّأ لَهُ أَن يمضيَ فِيهِ. وَقَالَ الْحسن: (صَلَاة النَّهار عَجْماء) مَعْنَاهُ أَنه لَا يُسمَعُ فِيهَا قِرَاءَة. قَالَ: وَمعنى قَوْله: (العَجْماء جُرحُها جُبارٌ) الْبَهِيمَة تَنْفَلِت فتصيب إنْسَانا فِي انفلاتها، فَذَلِك هَدَرٌ، وَهُوَ معنى الجُبَار. وَقَالَ غَيره: العَجَم جمع العجَميّ، وَكَذَلِكَ الْعَرَب جمع العربيّ. وَنَحْو هَذَا من جمعهم اليهوديَّ والمجوسي اليهودَ والمجوسَ. والعُجْم جمع الْأَعْجَم الَّذِي لَا يُفصِح، وَيجوز أَن يكون جمعَ العَجَم، فَكَأَنَّهُ جمع الجَمْع. وَكَذَلِكَ العُرْب جمع الْعَرَب، يُقَال هَؤُلَاءِ الْعَرَب والعَجَم، وَهَؤُلَاء العُرب والعُجم. قَالَ ذُو الرمّة:
وَلَا يرى مثلَها عُجْمٌ وَلَا عَرَبُ
فَأَرَادَ بالعُجْم جمع العَجَم، لِأَنَّهُ عطف عَلَيْهِ العَرَب.
وَقَالَ اللَّيْث: المُعْجَم: الْحُرُوف المقطَّعة، سمِّيت معجَماً لِأَنَّهَا أَعْجَمِيَّة. قَالَ: وَإِذا قلت كتابٌ معجَّم فإنّ تعجيمَه تنقيطه لكَي تستبين عُجمتُه وتَضِحَ.
قلت: وَالَّذِي قَالَه أَبُو الْعَبَّاس وَأَبُو الْهَيْثَم أبْيَن وأوضَح.
وَقَالَ ابْن السّكيت وَغَيره: العَجَم: نَوى التَّمْر والنَّبِق، الْوَاحِدَة عَجَمة. والعَجَم. صِغار الْإِبِل، وَيجمع عُجوماً. والعَجْم: العَضّ. وَقَالَ فِي قَول عَلْقَمَة:
سُلاّءةٌ كعصا النَّهديِّ غُلَّ لَهَا
ذُو فَيئةٍ من نَوى قُرَّانَ معجومُ
قَالَ ابْن السّكيت: معنى قَوْله (غُلّ) ، أَي أُدخِل لَهَا إدخالاً فِي بَاطِن الْحَافِر فِي مَوضِع النُّسور. وشبَّه النسور بنوى قُرّانَ(1/250)
لأنَّها صِلاب. قَالَ: وَقَوله (ذُو فيئة) يَقُول: لَهُ مَرجوع. وَلَا يكون ذَلِك إلاّ من صلابته؛ وَهُوَ أَن يُطعم الْبَعِير النَّوى، ثمَّ يفتّ بعره فَيخرج مِنْهُ النَّوَى يُعلَفه مرّة أُخْرَى، وَلَا يكون ذَلِك إلاّ من صلابته. قَالَ: وَقَوله (معجوم) يُرِيد أَنه نوى الفمِ، وَهُوَ أَجود مَا يكون من النَّوَى؛ لِأَنَّهُ أَصْلَب من نوى النَّبِيذ الْمَطْبُوخ.
قَالَ: وخطب الْحجَّاج يَوْمًا فَقَالَ: (إنّ أَمِير الْمُؤمنِينَ نكب كنانتَه فعَجَم عيدانها عُوداً عُوداً، فوجدني أمرَّها عوداً) ، يُرِيد أَنه قد رازَها بأضراسه ليمتحنَ صلابتها. وَقَالَ النَّابِغَة:
فضلَّ يَعجُم أَعلَى الرَّوقِ منقبضاً
أَي يعضّ أعْلى قَرنه وَهُوَ يقاتله.
وَيُقَال فلانٌ صُلب المَعْجمة، وَهُوَ الَّذِي إِذا جرّستْه الأمورُ وُجِد صلباً.
شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي: نَاقَة ذَات مَعْجَمة، أَي ذَات صلابة وشِدّة. وَأنْشد بَيت المرّار:
جمالٌ ذَات معجمةٍ ونوقٌ
عَواقدُ أمسَكتْ لَقحاً وحُولُ
وَقَالَ غَيره: ذَات مُعْجمَة، أَي ذَات سِمَن. وَأنْكرهُ شمر.
وَقَالَ اللَّيْث: يَقُول الرجل للرجل: طَال عهدي بك، مَا عجمَتْك عَيْني مُنْذُ كَذَا وَكَذَا، أَي مَا أخذَتْك. وَقَالَ اللحياني: رَأَيْت فلَانا فجعلَتْ عَيْني تَعجمُه، أَي كأنّها لَا تعرفه وَلَا تمْضِي فِي مَعْرفَته كأنّها لَا تُثبته. وَقَالَ أَبُو دَاوُد السِّنْجيّ: رَآنِي أعرابيٌّ فَقَالَ لي: تعجُمك عَيْني، أَي يتخيَّل إليّ أنِّي رَأَيْتُك. قَالَ: وَنظرت فِي الْكتاب فعجَمتُ، أَي لم أقفْ على حُرُوفه. وَأنْشد:
على أنّ الْبَصِير بهَا إِذا مَا
أعَار الطرفَ يَعجُم أَو يَفِيلُ
واستعجَمتْ على المصلِّي قراءَتُه، إِذا لم تَحضُره.
وَالْإِبِل تسمَّى عواجمَ وعاجماتٍ لِأَنَّهَا تعجُم الْعِظَام. وَمِنْه قَوْله:
وكنتُ كعظم العاجمات اكتَنفْنَهُ
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: فحلٌ أعجم: يهدر فِي شِقشقةٍ لَا ثُقْب لَهَا، فَهِيَ فِي شدقه لَا يَخْرجُ الصَّوتُ مِنْهَا. وهم يستحبّون إرسالَ الْأَخْرَس فِي الشَّول؛ لِأَنَّهُ لَا يكَاد يكون إلاّ مئناثاً.
قَالَ: والعَجَمات: صخور تنْبت فِي الأودية. وَقَالَ أَبُو دُوَاد:
عذبٌ كَمَاء المُزْنِ أَن
زلَه من العَجماتِ باردْ
يصف ريقَ جاريةٍ بالعُذوبة.
ورُوي عَن أمّ سَلمَة أَنَّهَا قَالَت: (نَهَانَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نَعجُم النَّوى طَبْخاً) ، وَهُوَ أَن يُبالغَ فِي طبخه وإنضاجه حتّى يتفتّت النَّوَى وَيفْسد. قَالَ القتيبيّ: مَعْنَاهُ أَنه أَن يُبَالغ فِي طبخه وإنضاجه. قَالَ: وَرَأى أَن تُؤْخَذ حلاوته عفوا، يَعْنِي حلاوة التَّمْر وَلَا يبلغ فِي ذَلِك النَّوَى، إمّا لِأَنَّهُ قوتٌ للدواجن فَيذْهب قوّته إِذا أنضج، أَو لأنّه يُفْسِد طعم السُّلاَفة.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ فِيمَا روى عَنهُ أَب(1/251)
وَالْعَبَّاس: العَجْميّ من الرِّجَال: المميِّز الْعَاقِل. قَالَ: والعَجوم: النَّاقة القويّة على السَّفر.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: نَاقَة عَجَمجمةٌ: شَدِيدَة. وَأنْشد:
باتت تُباري ورِشاتٍ كالقطا
عجمجماتٍ خُشفاً تَحت السُّرَى
الورِشات: الخِفاف. والخُشُف: الْمَاضِيَة فِي سَيرهَا بِاللَّيْلِ.
(1 وَمن بَاب عجم:
قَالَ أَبُو زيد: يُقَال إِنَّه لتعجُمك عَيْني، أَي كأنّي أعرفُك. وَيُقَال: لقد عجموني ولفَظوني، إِذا عرفوك.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: أنشدنا ابنُ الأعرابيّ لجُبيهاء:
فَلَو أنَّها طافت بظِنْبٍ معجَّمٍ
نفَى الرقَّ عَنهُ جَدبُه فَهُوَ كالحُ
قَالَ: المعجّم: الَّذِي قد أُكلَ حتّى لم يَبقَ مِنْهُ إلاّ قَلِيل. والظِّنْب: أصل العرفج إِذا انسلخَ من ورقه 1) .
عمج: أَبُو عبيد: يُقَال عَمَج فِي سيره ومَعَج، إِذا سَار فِي كلِّ وَجه، وَذَلِكَ من النشاط. والتعمُّج: التَّلوّي فِي السّير. وَيُقَال: تعمّج السيلُ فِي الْوَادي، إِذا تعوَّجَ يَمنةً ويَسرةً.
وَقَالَ العجاج:
ميّاحة تَمِيحُ مَشْياً رَهْوَجا
تَدَافُعَ السَّيلِ إِذا تعمَّجا
وَيُقَال: عَمَج فِي المَاء، إِذا سبَح. والعَموج: السابح فِي شعر أبي ذُؤَيْب.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: العَومَج: الحيَّة. والتعمُّج: التَّلوِّي.
معج: يُقَال معج الرجلُ جاريتَه يَمعجُها، إِذا نكَحها، ومَعجَ المُلْمولَ فِي المُكحُلة، إِذا حرَّكه فِيهَا.
وَقَالَ اللَّيْث: حِمارٌ مَعَّاج: يشتقُّ فِي عَدْوه يَمِينا وشِمالاً. وَقد مَعَج يَمعَج، إِذا جَرَى فِي كلّ وَجه. وَقَالَ العجّاج يصف العَيْر:
غمر الأجاريِّ مِسَحّاً مِمعَجا
وَالرِّيح تمعع فِي النَّبَات: تَقلبُه وتَفْليه. وَقَالَ ذُو الرمة:
أَو نفحةٍ من أعالي حَنوةٍ مَعجَتْ
فِيهَا الصَّبا مَوهناً والرَّوضُ مرهومُ
قَالَ: والفصيل يَمعَج ضرعَ أمِّه، إِذا لهزَه وقلَّبَ فَاه فِي نواحيه ليستمكن. وَقَالَ عُقبة بن غَزْوان: فعل ذَلِك فِي مَعجة شبابه وغَلوة شبابه وعُنفُوانه. وَقَالَ غَيره: فِي موجة شبابه بِمَعْنَاهُ.
مجع: أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: المِجْعة من النِّسَاء هِيَ الَّتِي تَكلَّمُ بالفُحش، وَالِاسْم مِنْهُ المَجَاعة.
وَقَالَ ابْن الْفرج: سمعتُ جمَاعَة من قيس يَقُولُونَ: تماجَنَ الرجُلان وتماجعا، إِذا ترافثا.
وَقَالَ غَيره: يُقَال للرجل إِذا أكل التمرَ(1/252)
بِاللَّبنِ: قد تمجَّعه، وَهُوَ لَا يزَال يتمجَّع، وَهُوَ أَن يَحسُوَ حُسوةً من اللَّبن ويَلقَم عَلَيْهَا تَمرةً. وَذَلِكَ المجيع عِنْد الْعَرَب. وربَّما أُلقِيَ التمرُ فِي اللَّبَن حتّى يتشرَّبَه، فيؤكل التَّمر وتَبقى المُجَاعة، وَهِي فُضالة المَجِيع. ورجلٌ مَجَّاعة ومُجَّاعة، إِذا كَانَ يحبُّ المجيع. وَأنْشد اللَّيْث:
جارتي للخبيصِ والهرُّ للفأ
رِ وشاتي إِذا اشتهينا مجيعا
كَأَنَّهُ قَالَ: وشاتي للمجيع إِذا اشتهيناه.
جعم: قَالَ اللَّيْث: الجَعماء من النِّسَاء: الَّتِي أُنكرَ عقلُها هَرَماً. قَالَ: وَلَا يُقَال للرجُل أجْعَم. قَالَ: وَيُقَال للناقة المسنَّة جعماء، قَالَ: وجَعِم الرجُل جَعَماً، إِذا قرِم إِلَى اللَّحم وَهُوَ فِي ذَلِك أكول. ورجلٌ جَعِمٍ وامرأةٌ جَعِمة، وَبِهِمَا جَعَمٌ، أَي غِلظُ كلامٍ فِي سَعةِ خَلق. وَقَالَ العجاج:
إِذْ جَعِمَ الذُّهلانِ أيَّ مَجْعَمِ
أَي جَعِموا كَمَا يُقرَم إِلَى اللَّحم.
وَقَالَ غَيره: الجَعْماء من النِّسَاء: الهَوْجاء البَلْهاء. وجَعِم الرجلُ لكذا، إِذا خفَّ لَهُ.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: الجِعْميُّ: الْحَرِيص. والجَعوم: الْمَرْأَة الجائعة. والجَعوم: الطَّموعُ فِي غير مطمع.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: جَعِم الرجلُ يَجعَم، إِذا طمِع جَعمَا. قَالَ: وَقَالَ الأصمعيّ: الجَعماء: المسنة من النُّوق. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: هِيَ الجمعاء والجعماء مَعًا.
ابْن السّكيت: جَعِمت الإبلُ تجعَم جَعَماً، وَهُوَ طَرَفٌ من القَرَم، إِذا لم تَجِد حَمْضاً وَلَا عِضاهاً فتَقرَم إِلَيْهَا فتقضَم العِظامَ وخَروءَ الْكلاب.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال للدُّبر الجَعْماء والوَجْعاء، والجَهْوة، والصِّمارَى.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ الجَعَم: الجُوع. يُقَال يَا ابْن الجعماء. وَقَالَ ابنُ الأعرابيّ: الجيعم الجائع.
جمع: قَالَ الله عزّ وجلّ: {فَأَجْمِعُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْ} (يُونس: 71) قَالَ الفرّاء: الْإِجْمَاع: الإعداد والعزيمة على الْأَمر. قَالَ: وَنصب {شُرَكَآءَكُمْ} (الأعرَاف: 195) بِفعل مُضْمر كَأَنَّك قلت: فَأَجْمعُوا أَمركُم وَادعوا شركاءكم. قَالَ: وَكَذَلِكَ هِيَ فِي قِرَاءَة عبد الله. وَأنْشد فِي الْإِجْمَاع:
يَا لَيْت شعري والمُنى لَا تنفعُ
هَل أغدُوَنْ يَوْمًا وأمري مُجمَعُ
قَالَ الْفراء: فَإِذا أردْت جمع المتفرِّق قلت: جمعت القومَ فهم مجموعون، كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: {ذالِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ} (هُود: 103) . قَالَ: وَإِذا أردْت كسبَ المَال قلت جمَّعت المَال، كَقَوْل الله تَعَالَى: {الَّذِي جَمَّعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ. وَقد يجوز {الَّذِى جَمَعَ} (الهُمَزة: 2) بِالتَّخْفِيفِ.
وَقَالَ الزّجاج: الَّذِي قَالَه الْفراء غلطٌ فِي إضماره وَادعوا شركاءكم؛ لأنَّ الْكَلَام لَا فَائِدَة فِيهِ، لأَنهم كَانُوا يَدْعون شركاءهم لِأَن يُجمعوا أَمرهم. قَالَ: وَالْمعْنَى فَأَجْمعُوا أَمركُم مَعَ شركائكم. وَإِذا كَانَ الدُّعاء لغير شيءٍ فَلَا فَائِدَة فِيهِ. قَالَ: وَالْوَاو بِمَعْنى مَعَ كَقَوْلِك: لَو تُركت الناقةُ(1/253)
وفصيلَها لرضيعها. الْمَعْنى لَو تُركت مَعَ فصيلها. قَالَ: وَمن قَرَأَ: (فاجمعوا أَمركُم وشركاءهم) بِأَلف مَوْصُولَة فَإِنَّهُ يعْطف (شركاءكم) مَعَ (أمركمْ) . قَالَ: وَيجوز فاجمعوا أَمركُم على شركائكم. وَقَالَ الأصمعيّ: جمعتُ الشَّيْء، إِذا جئتَ بِهِ من هَاهُنَا وَهَاهُنَا. قَالَ: وأجمعتُه، إِذا صيَّرتَه جَمِيعًا. وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب:
وأولاتِ ذِي العَرْجاء نَهبٌ مُجمَعُ
وَقَالَ الْفراء فِي قَوْله جلّ وعزّ: {فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُواْ صَفّاً} (طاه: 64) قَالَ: الْإِجْمَاع: الإحكام والعزيمة على الشَّيْء، تَقول: أجمعتُ الخروجَ وأجمعتُ على الْخُرُوج. قَالَ: وَمن قَرَأَ: {فاجمعوا كيدكم فَمَعْنَاه لَا تدَعوا من كيدكم شَيْئا إِلَّا جئْتُمْ بِهِ.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: أجمع أمرَه، أَي جعله جَمِيعًا بَعْدَمَا كَانَ متفرِّقاً. قَالَ: وتفرُّقه أَنه جعل يدبِّره فَيَقُول مرّةً أفعل كَذَا وَمرَّة أفعل كَذَا، فَلَمَّا عزمَ على أمرٍ مُحكم أجمعَه، أَي جعله جَمِيعًا. قَالَ: وَكَذَلِكَ يُقَال أجمعتُ النَّهب. والنَّهب: إبلُ القومِ الَّتِي أغار عَلَيْهَا اللُّصوص فَكَانَت متفرِّقةً فِي مراعيها فجمعوها من كلّ ناحيةٍ حتّى اجتمعتْ لَهُم ثمَّ طردوها وساقوها، فَإِذا اجْتمعت قيل أجمعوها. وَأنْشد:
نهبٌ مُجمَعُ
وَقَالَ بَعضهم: جمعت أَمْرِي. وَالْجمع: أَن تجمع شَيْئا إِلَى شَيْء. وَالْإِجْمَاع: أَن تجْعَل المتفرّقَ جَمِيعًا، فَإِذا جعلته جَمِيعًا بَقِي جَمِيعًا وَلم يكد يتفرَّق، كالرأي المعزوم عَلَيْهِ المُمضَى.
وَقَالَ غَيره فِي قَول أبي وَجْزة السعديّ:
وأجمعتِ الهواجرُ كلَّ رَجعٍ
من الأجماد والدَّمِث البَثاءِ
أَجمعت: أيبسَتْ. والرَّجع: الغدير. والبَثاء: السهل.
وَقَالَ بَعضهم: أجمعْتُ الْإِبِل: سقتُها جَمِيعًا. وأجمعَتِ الأرضُ سَائِلَة وَأجْمع الْمَطَر الأَرْض، إِذا سَالَ رَغابُها وجَهادُها كلُّها.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {ءَامَنُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ إِذَا نُودِىَ لِلصَّلَواةِ مِن يَوْمِ} (الجُمُعَة: 9) قَالَ الْفراء: خفّفها الْأَعْمَش وثقَّلها عاصمٌ وَأهل الْحجاز. قَالَ: وفيهَا لُغَة: الجُمْعة، وَهِي لبني عُقيل. قَالَ: وَلَو قرىء بهَا لَكَانَ صَوَابا. قَالَ: وَالَّذين قَالُوا الجُمعَةَ ذَهَبُوا بهَا إِلَى صفة الْيَوْم أنّه يجمع النَّاس، كَمَا يُقَال رجلٌ هُمَزة لمُزَة: ضُحَكة.
وَقَالَ اللَّيْث: الجمْعة يَوْم خُصَّ بِهِ لِاجْتِمَاع النَّاس فِي ذَلِك الْيَوْم، وَتجمع على الجُمُعات والجُمَع، وَالْفِعْل مِنْهُ جمَّع الناسُ، أَي شهِدوا الْجُمُعَة.
قلت: الْجُمُعَة تثقَّل وَالْأَصْل فِيهَا التَّخْفِيف جُمْعة. فَمن ثقل أتبع الضمّةَ، وَمن خفّف فعلى الأَصْل. والقراء قرءوها بالتثقيل.
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه ذكر الشُّهَدَاء(1/254)
فَقَالَ: (وَمِنْهُم أَن تَمُوت الْمَرْأَة بجُمْع) ، قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو زيد والكسائيّ: يَعْنِي أَن تَمُوت وَفِي بَطنهَا ولد. وَقَالَ الكسائيّ: وَيُقَال بجَمْعٍ أَيْضا. قَالَ أَبُو عبيد: وَقَالَ غَيرهمَا: وَقد تكون الَّتِي تَمُوت بجُمع أَن تَمُوت لم يمسَّها رجل. قَالَ: وَرُوِيَ ذَلِك فِي الحَدِيث: (أيُّما امرأةٍ مَاتَت بجُمْع لم تُطمثْ دخلت الجنّة) . وَأنْشد أَبُو عبيد:
وردْناه فِي مجْرى سُهيل يَمَانِيا
بصُعرِ البُرَى من بَين جُمعٍ وخادِجِ
قَالَ: والجُمْع: النَّاقة الَّتِي فِي بَطنهَا ولدٌ. والخادج: الَّتِي أَلْقَت ولدَها.
أَبُو الْعَبَّاس: الجُمَّاع: الضُّروب من النَّاس المتفرّقون. وَأنْشد قَول ابْن الأسلت:
من بَين جَمع غيرِ جُمّاعِ
وَالْجمع: اسْم لجَماعَة النَّاس. ويُجمَع جموعاً.
وَقَالَ اللَّيْث: جُمَّاع كلّ شَيْء: مُجْتَمع خَلْقِه. من ذَلِك جُمّاع جسَدِ الْإِنْسَان.
قَالَ: وجُمَّاع الثَّمرة وَنَحْوهَا، إِذا اجْتمعت براعيم فِي موضعٍ واحدٍ على حملهَا. وَقَالَ ذُو الرمّة:
وَرَأس كجُمَّاع الثّريا ومِشفرٌ
كسِبْتِ اليَمَاني قَدُّه لم يُحَرَّدِ
وروى ابْن هانىء عَن أبي زيد: مَاتَت النساءُ بأجماع، والواحدة بجُمْع، وَذَلِكَ إِذا مَاتَت وولدُها فِي بَطنهَا، ماخضاً كَانَت أَو غير ماخض. قَالَ: وَإِذا طلّق الرجلُ امْرَأَته وَهِي عذراء لم يدخلْ بهَا قيل طُلِّقَتْ بجُمْع، أَي طُلّقتْ وَهِي عذارء لم يدْخل بهَا؛ وَكَذَلِكَ إِذا مَاتَت وَهِي عذراء قيل: مَاتَت بِجمع.
وَيُقَال ضربوه بأجماعهم، إِذا ضَربوه بِأَيْدِيهِم. وضربه بِجُمْعِ كفِّه. وَيُقَال: أَمركُم بجُمْع فَلَا تُفشوه، أَي أَمركُم مُجْتَمع فَلَا تفرّقوه بالإظهار.
وَقَالَ أَبُو سعيد: يُقَال أدام الله جُمعَةَ بَيْنكُمَا، كَقَوْلِك أدام الله ألفة مَا بَيْنكُمَا.
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه أُتي بتمرٍ جنيبٍ فَقَالَ: من أَيْن لكم هَذَا؟ قَالُوا: إِنَّا لنأخُذ الصَّاعَ من هَذَا بالصاعين. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (فَلَا تَفعلُوا، بِعْ الجَمْع بِالدَّرَاهِمِ وابتعْ بالدَّراهم جنيباً) . قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الأصمعيّ: كلُّ لونٍ من النّخل لَا يُعرف اسْمه فَهُوَ جَمْع. يُقَال قد كثُر الجَمْع فِي أَرض فلانٍ، لنخلٍ يخرج من النَّوَى. ومزدلفة يُقَال لَهَا جَمْع. وَقَالَ ابْن عَبَّاس: (بعثَني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الثَّقَل من جَمع بلَيْل) .
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: ضربت فلَانا بجُمْع كفّي، وَمِنْهُم من يكسر فَيَقُول بِجِمْع كفي. وَتقول أعطيتُك من الدَّرَاهِم جُمْعَ الكفّ كَمَا تَقول مِلْء الكفّ.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال الْمَسْجِد الجامعُ نعتٌ لَهُ لِأَنَّهُ عَلامَة للاجتماع يَجمع أَهله. قَالَ: وَلَا يُقَال مَسْجِد الْجَامِع.
قلت: النحويون أَجَازُوا جَمِيعًا مَا أنكرهُ اللَّيْث. وَالْعرب تضيف الشَّيْء إِلَى نَفسه(1/255)
وَإِلَى نَعته إِذا اخْتلف اللفظان، كَمَا قَالَ الله جلّ وعزّ: {الزَّكَواةَ وَذَلِكَ دِينُ} (البَيّنَة: 5) وَمعنى الدّين المِلّة كَأَنَّهُ قَالَ: وَذَلِكَ دينُ الملّة القيِّمة.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: الْعَرَب تضيف الِاسْم إِلَى نَعته كَقَوْلِه جلّ وعزّ: {الْجَنَّةِ وَعْدَ} (الْأَحْقَاف: 16) و {وُوِوَعْدَ الْحَقِّ} (إِبْرَاهِيم: 22) وصلاةُ الأولى، وَمَسْجِد الجامعِ.
قلت: وَمَا علمت أحدا من النحويِّين أبَى إجازتَه، وَإِنَّمَا هُوَ الْوَعْد الصِّدقُ، والمسجدُ الجامعُ، وَالصَّلَاة الأولى.
وَقَالَ اللَّيْث: المَجمَع يكون اسْما للنَّاس، وللموضع الَّذِي يَجْتَمعُونَ فِيهِ. قَالَ: وَالْجَمَاعَة: عددُ كلِّ شيءٍ وكثرته. والجِماع: مَا جَمَع عددا، كَمَا تَقول: جِماع الخباء أخبية. وَقَالَ الْحسن: (اتَّقوا هَذِه الْأَهْوَاء الَّتِي جِمَاعهَا الضَّلَالَة ومعادها النَّار) . وَكَذَلِكَ الْجَمِيع، لِأَنَّهُ اسْم لَازم.
وَقَالَ اللَّيْث: رجل جَمِيع، أَي مُجْتَمع فِي خَلْقه. وَأما المُجتمِع فَالَّذِي اسْتَوَت لحيتُه وَبلغ غايةَ شبابه، وَلَا يُقَال للنِّسَاء. وَأنْشد أَبُو عبيد:
قد سادَ وَهُوَ فَتى حَتَّى إِذا بلغَتْ
أَشدُّهُ وغلا فِي الْأَمر واجتمعا
وَيُقَال للرجل إِذا اسْتَوَت لحيته: مُجتمِع، ثمَّ كَهْلٌ بعد ذَلِك.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: لَك هَذَا المَال أجمعُ، وَلَك هَذِه الحِنطة جمعاءُ، وَهَؤُلَاء نسوةٌ هنَّ جُمَعُ لَك، غير منوَّن وَلَا مَصْرُوف.
قَالَ: وَتقول: استجمعَ السَّيلُ، واستجمَعَتْ للمرء أمورُه، واستجمعَ الفرسُ جَرْياً. وَأنْشد:
ومستجمع جَريا وَلَيْسَ ببارحٍ
تُباريه فِي ضاحي المِتانِ سواعدُه
يَعْنِي السَّراب. وسواعده: مجاري المَاء.
والمجامعة والجِماع: كِنَايَة عَن النِّكاح.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الجمعاء: النَّاقة الكافَّة الهرمة.
ابْن بزرج: يُقَال أَقمت عِنْده قَيظةً جَمْعَاء وَلَيْلَة جَمْعَاء.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: قِدرٌ جِماعٌ وجامعة، وَهِي الْعَظِيمَة. وَقَالَ الكسائيّ: أكبر البِرام الْجِمَاع، ثمَّ الَّتِي تَليها المِئكلة.
وَيُقَال فلانٌ جماعٌ لبني فلَان، إِذا كَانُوا يأوُون إِلَى رَأْيه وسُودده، كَمَا يُقَال مَرَبٌّ لَهُم. وَاشْترى دابّةً جَامعا: تصلُح للسَّرج والإكاف. وأتان جَامع: أوّلَ مَا تحمل.
وَقَالَ اللحياني: ذهب الشَّهْر بجُمْعٍ وبجمْع، أَي أجمع. وفلانٌ جَمِيع الرَّأْي، أَي لَيْسَ بمنتشر الرَّأْي.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: المَجمعة: الأَرْض القَفْر. والمَجمَعة: مَا اجتَمع من الرمال، وَهِي المَجامع. وَأنْشد:
بَات إِلَى نَيْسبِ خَلَ خادعِ
وَعْثِ النِّهاض قاطعِ المجامع
بالأَمِّ أَحْيَانًا وبالمُشايِعِ(1/256)
المشايع: الدَّلِيل الَّذِي يُنَادي إِلَى الطَّرِيق يَدْعُو إِلَيْهِ.
وَقَالَ ابْن السّكيت: أجمع الرجلُ بناقته، إِذا صَرَّ أخلافَها أجمع. وَكَذَلِكَ أكمشَ بهَا. وجمَّعتِ الدجاجةُ تجميعاً، إِذا جَمعت بيضها فِي بَطنهَا وَيُقَال لِلْجَارِيَةِ إِذا شبّت؛ قد جمَعت، أَي لبست الدِّرع والخمار.
وَيُقَال استأجرته مشاهرةً ومجامَعة، أَي كلَّ جُمعةٍ بِكَذَا.
وَاسْتَجْمَعَ البقلُ: إِذا يبس كلُّه. وَاسْتَجْمَعَ الْوَادي، إِذا لم يبْق مِنْهُ موضعٌ إلاّ سالَ. وَاسْتَجْمَعَ القومُ، إِذا ذَهَبُوا كلُّهم لم يبقَ مِنْهُم أحد، كَمَا يستجمع الْوَادي بالسَّيل.
وَرُوِيَ عَن عمر بن عبد الْعَزِيز أَنه قَالَ: (عجبتُ لمن لاحَنَ الناسَ كَيفَ لَا يعرف جوامعَ الْكَلم) يَقُول: كَيفَ لَا يقْتَصر على الإيجاز وَيتْرك الفضولَ من الْكَلَام. وَهُوَ من قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أوتيتُ جوامعَ الكَلِم) يَعْنِي الْقُرْآن وَمَا جَمَع الله عزَّ وجلَّ بِلُطْفِهِ من الْمعَانِي الجَمَّة فِي الْأَلْفَاظ القليلة، كَقَوْلِه تَعَالَى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِض عَنِ الْجَاهِلِينَ} (الأعرَاف: 199) .
(أَبْوَاب الْعين والشين)
ع ش ض)
ع ش ص)
أهملت وجوهُها.
(بَاب الْعين والشين مَعَ السِّين)
اسْتعْمل من وجوهه:
شسع: أَبُو عبيد عَن أبي زيد: شَسَعْت النَّعْل وأشسعتُها إِذا جعلتَ لَهَا شِسعاً.
ابْن بُزْرُج: يُقَال شَسِعت النَّعلَ، وقَبِلت وشرِكتْ، إِذا انْقَطع كلُّ ذَلِك مِنْهَا. قَالَ: وَيَقُولُونَ للرجل الْمُنْقَطع الشسع: شاسع. وَأنْشد:
من آل أخنس شاسع النعلِ
يَقُول: منقطِعه.
شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي: أشسعت النَّعْل وشسَّعتها: جعلت لَهَا شسعاً. وَقَالَ اللَّيْث: الشِّسع السَّير نَفسه، وَجمعه شُسوع. قَالَ: والشاسع: الْمَكَان الْبعيد، وَقد شَسَع شسوعاً. وربَّما زادوا فِي الشِّسع نوناً. وَأنْشد:
ويل لأجمال الكرِيِّ منّي
إِذا غدوتُ وعدونَ إنّي
أحدو بهَا مُنْقَطِعًا شِسْعَنّى
فَأدْخل النُّون.
وَقَالَ الْمفضل: الشِّسع: جُلُّ مالِ الرجل، يُقَال ذهب شِسع مَاله، أَي أَكْثَره. وَأنْشد:
عَداني عَن بَنِيَّ وشِسْع مَالِي
حِفاظٌ شَفَّني ودمٌ ثقيلُ
وشِسع الْمَكَان: طَرَفه؛ يُقَال حللنا شِسعَيِ الدَّهناء.
وكلُّ شَيْء نبا وشخَص فقد شَسَع. وَقَالَ بِلَال بن جرير:
لَهَا شاسِعٌ تَحت الثِّيَاب كَأَنَّهُ
قَفا الديك أوفَى غُرفه ثمَّ طرَّبا
ويروى: (أوفى غُرفةً) .(1/257)
وروى عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الأحوز: القُبَضة من الرِّعاء الحسنُ الْقيام على مَاله. وَهُوَ الشِّسع أَيْضا، وَهُوَ الصِّيصةُ أَيْضا. وَقَالَ شمر: قَالَ محَارب: إنَّ لَهُ شِسْعَ مالٍ، وَهُوَ الْقَلِيل. قَالَ: وَقَالَ العُقيلي: الشِّسع: مَا ضَاقَ من الأَرْض. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: عَلَيْهِ شسعٌ من المَال، ونَصِيّةٌ، وعُنصلة، وعِنْصِيَة؛ وَهِي البقيَّة. وَأنْشد بَيت المرار:
عَداني عَن بنيّ وشِسع مَالِي
قَالَ: وَيُقَال فلانٌ شِسع مَال، كَقَوْلِك أيِّلُ مَال وإزاءُ مَال.
وَيُقَال شَسعت دَاره شُسوعاً، إِذا بَعدت.
(بَاب الْعين والشين مَعَ الزَّاي)
اسْتعْمل من وجوهه:
عشز: أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: عشز الرجل يَعشِز عَشَزاناً، وَهِي مِشية الْمَقْطُوع الرِّجل.
اللَّيْث: العَشْوَزُ: مَا صلُب مسلكُه من طريقٍ أَو أَرض. وَأنْشد لِلشَّمّاخ:
المقفِراتُ العشاوزُ
وقالهُ أَبُو عَمْرو وَأنْشد:
تَدقّ شُهبَ طلحِهِ العشاوزُ
(بَاب الْعين والشين مَعَ الطَّاء)
اسْتعْمل من وجوهه: عشط، عَطش
عشط: قلت: لم أجد فِي بَاب ثلاثيِّ عشط شَيْئا صَحِيحا.
العَنْشط والعشَنَّط مِن رباعيِّه، وَالنُّون زَائِدَة. وروى أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ أَنه قَالَ: العَشَنَّط بتَشْديد النُّون، والعَنْشَط بتسكين النُّون: الطَّويل.
عَطش: قَالَ اللَّيْث وَغَيره: يُقَال رجلٌ عطشان وَامْرَأَة عَطْشَانَة وعطشَى، والجميع عِطاش. وَقد عَطِش يَعْطَش عطشاً. وَتقول: هُوَ عاطِشٌ غَدا. والمعاطش: مَوَاقِيت الظِّمْء.
قلت: وَاحِدهَا مَعطَش، وَقد يكون المعطش مصدرا لعطش يعطش. وَيُقَال عطّشت الإبلَ إِذا زِدْت فِي ظِمئها وحبستَها عَن المَاء يومَ وِردِها، فَإِن لم تبالغ فِي ذَلِك قلت أعطشتها والمُعَطَّش: الْمَحْبُوس عَن المَاء عمدا.
اللِّحياني: مَكَان عَطِشٌ وعَطُشٌ، أَي قَلِيل المَاء. قَالَ: وَيُقَال رجل عَطشانُ نطشان، وقومٌ عَطاشَى وعُطاشَى. وَقد أعطشَ فلَان وإنّه لمُعْطِشٌ، إِذا عطشت إبلُه وَهُوَ لَا يُرِيد ذَلِك. ورجلٌ مِعطاشٌ وامرأةٌ مِعطاش.
(بَاب الْعين والشين مَعَ الذَّال)
اسْتعْمل من وجوهها
شعذ: قَالَ اللَّيْث: اسْتعْمل مِنْهُ الشَّعوذة والشَّعوذيّ. قَالَ: وَلَيْسَ من كَلَام أهل الْبَادِيَة. فأمَّا الشعوذة فخِفَّة فِي الْيَد وأُخَذٌ كالسِّحر، يُرَى الشَّيْء بِغَيْر مَا هُوَ عَلَيْهِ أَصله فِي رَأْي الْعين. قَالَ: والشَّعوذيّ(1/258)
اشتقاقه مِنْهُ، لسرعته، وَهُوَ الرَّسول لِلْأُمَرَاءِ على الْبَرِيد.
(بَاب الْعين والشين مَعَ الثَّاء)
شعث: رُوِيَ عَن عمر أَنه سَأَلَ زيدا عَن الجَدِّ وَالإِخْوَة فَقَالَ لَهُ: (شَعِّثْ مَا كنت مُشعِّثاً) قَالَ شمر: فسَّرهُ شُعْبَة قَالَ: التشعيث: التَّفْرِيق. وَيُقَال تشعَّثه الدَّهْر، أَي أَخذه. قَالَ: وتشعّثَ مالَه، إِذا أخذَه. قَالَ: وشَعِثْتُ من الطَّعَام: أكلت قَلِيلا. ولمّ الله شَعَثه، أَي جمع مَا تفرَّق مِنْهُ. وَمِنْه شَعَث الرَّأْس.
وَقَالَ اللَّيْث: تَقول رجل أَشْعَث وشَعِثٌ وشَعْثَانُ الرَّأْس. وَقد شعِث يشعَث شَعَثاً وشُعوثة. وشعّثته أَنا تشعيثاً، وَهُوَ المغبَرّ الرَّأْس المنتَتِفُ الشّعْر الحافُّ الَّذِي لم يَدَّهن.
قَالَ: والتشعُّث: التفرُّق والتنكّث، كَمَا يتشعّث رَأس المسواك. والتشعُّث: انتشار الْأَمر. وَأنْشد:
لمَّ الْإِلَه بِهِ شعثاً ورمَّ بِهِ
أمورَ أمّتهِ وَالْأَمر منتشرُ
وَقَالَ النَّابِغَة:
فلستَ بمستبقٍ أَخا لَا تَلُمُّه
على شَعَثٍ أيُّ الرجالِ المهذَّبُ
والأشعث: اسْم الوتد، سمِّى أشعثَ لتشعُّث رَأسه؛ وَمِنْه قَوْله:
وَأَشْعَث عاري الضَّرتين مُشَجَّج
بأيدي السَّبايا لَا أرى مثله جَبرا
قَالَ: والمشعَّث فِي الضَّرب الْخَفِيف من الشّعْر: مَا صَار فِي آخِره مَكَان فاعلن مفعولن كَقَوْل سَلامَة بن جندل:
وكأنَّ ريقتَها إِذا نبَّهتَها
صهباءُ عَتَّقَها لشَرْبٍ ساقي
قَالَ: وَيُقَال فِي الدُّعَاء: لمَّ الله شَعَثكم وجَمَع شَعْبكم، ولمّ الله شَعَثَ أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي جمع كلمتَهم.
وَقَالَ الأصمعيّ: يُقَال للبُهمى إِذا يَبِس سفاه: أَشْعَث. قَالَ ذُو الرمّة:
مَا زَالَ مُذْ أوجفَتْ فِي كلِّ ظاهرةٍ
بالأشعث الفردِ إلاّ وَهُوَ مهمومُ
قَالَ الْأَصْمَعِي: أَسَاءَ ذُو الرمّة فِي هَذَا الْبَيْت، وَإِدْخَال (إلاّ) هَاهُنَا قَبِيح، كَأَنَّهُ كره لَهُ إِدْخَال تَحْقِيق على تَحْقِيق. وَلم يُرد ذُو الرمّة مَا ذهبَ إِلَيْهِ، إِنَّمَا أَرَادَ لم يَزَلْ من مكانٍ إِلَى مَكَان يستقري المراتعَ إلاّ وَهُوَ مهموم، لأنّه رأى المراعي قد يَبِسَتْ. ف (مَا زَالَ) هَاهُنَا لَيْسَ بتحقيق، إِنَّمَا هُوَ كَلَام مجحودٌ فحقَّقه ب (إلاّ) .
(بَاب الْعين والشين مَعَ الرَّاء)
عشر، عرش، شرع، رعش، شعر: مستعملات
عشر: قَالَ اللَّيْث: العَشْر عدد المؤنّث، وَالْعشرَة عدد المذكّر، فَإِذا جَاوَزت الْعشْرَة أنَّثت الْمُذكر وذكَّرتَ الْمُؤَنَّث، تَقول عشر نسْوَة وَعشرَة رجال، فَإِذا جاوزْت الْعشْر فإنّ ابْن السّكيت حكَى عَن الْفراء تَقول فِي الْمُذكر أحد عشَر. قَالَ: وَمن الْعَرَب من يسكِّن الْعين فَيَقُول أَحَدَ عْشَر، وَكَذَلِكَ يسكّنها إِلَى تسعةَ عشَر، إلاّ اثْنَي عشر فإنّ(1/259)
َ الْعين مِنْهُ لَا تسكّن لسكون الْألف وَالْيَاء قبلهَا. قَالَ: وَالْعدَد منصوبٌ مَا بَين أحدَ عشرَ إِلَى تسعةَ عشرَ فِي النصب وَالرَّفْع والخفض، إلاَّ اثْنَي عشر فَإِن اثنَيْ واثنتي يعربان لِأَنَّهُمَا على هجاءين. قَالَ: وَإِنَّمَا نُصب أحد عشر وَأَخَوَاتهَا لأنَّ الأَصْل أحدٌ وعَشَرة، فَأسْقطت الْوَاو وصيِّرا جَمِيعًا اسْما وَاحِدًا، كَمَا تَقول: هُوَ جاري بيتَ بيتَ، ولقيتُه كِفَّةَ كِفَّة، وَالْأَصْل بيتٌ لبيتٍ، وكِفَّةٌ لِكفَّة، فصُيِّرتا اسْما وَاحِدًا. وَتقول فِي الْمُؤَنَّث إِحْدَى عَشَرة، وَمن الْعَرَب من يكسر الشين فَيَقُول عَشِرة، وَمِنْهُم من يسكّن الشين فَيَقُول إِحْدَى عَشْرة، وَكَذَلِكَ اثْنَتَيْ عَشَرة، واثنتي عَشِرة واثنتي عَشْرة، وثِنتيْ عَشَرة وعَشِرة وعَشْرة. قَالَ: وَتسقط الْهَاء من النيِّف فِيمَا بَين ثَلَاث عشرَة إِلَى تسع عشرَة من الْمُؤَنَّث. وَإِذا جُزتَ إِلَى الْعشْرين اسْتَوَى المذكّر والمؤنّث فَقلت عشرُون رجلا وَعِشْرُونَ امْرَأَة.
قَالَ: وَتقول: هَذَا الْوَاحِد وَالثَّانِي وَالثَّالِث إِلَى الْعَاشِر فِي الْمُذكر، وَفِي الْمُؤَنَّث: هَذِه الْوَاحِدَة وَالثَّانيَِة وَالثَّالِثَة والعاشرة.
وَتقول: هُوَ عَاشر عَشَرةٍ وَهِي عاشِرةُ عَشْرٍ. فَإِذا كَانَ فيهنَّ مُذَكّر قلت: هِيَ عاشرة عَشَرةٍ، غلَّبتَ الْمُذكر على الْمُؤَنَّث.
وَتقول: هُوَ ثالثُ ثلاثةَ عشرَ، أَي هُوَ أحدهم. وَفِي الْمُؤَنَّث: ثالثةُ ثلاثَ عشرةَ لَا غير بِالرَّفْع فِي الأول. وَتقول: هُوَ ثالثُ عَشَرَ وَهُوَ ثالثَ عشرَ، يَا هَذَا، بِالرَّفْع وَالنّصب، وَكَذَلِكَ إِلَى تِسْعَة عشر. فَمن رفَع قَالَ: أردْت هُوَ ثالثُ ثلاثةَ عشرَ، فألقيتُ الثلاثةَ وتركتُ ثالثَ على إعرابه. وَمن نصبَ قَالَ: أردْت هُوَ ثالثُ ثلاثةَ عَشَر، فَلَمَّا أسقطت الثلاثةَ ألزمْتُ إعرابَها الأوّلَ ليُعلَم أنّ هَاهُنَا شَيْئا محذوفاً. وَتقول فِي الْمُؤَنَّث: هِيَ ثالثةُ عَشْرة وَهِي ثالثةَ عَشْرة. وَتَفْسِير الْمُؤَنَّث مثل تَفْسِير الْمُذكر.
وَتقول: هُوَ الْحَادِي عَشرَ وَهُوَ الثَّانِي عشر وَالثَّالِث عَشَرَ إِلَى الْعشْرين، مَفْتُوح كلُّه. وَفِي الْمُؤَنَّث: هَذِه الحاديةَ عشرةَ والثانيةَ عشرةَ إِلَى الْعشْرين، تدخل الْهَاء فِيهَا جَمِيعًا.
وَقَالَ الكسائيّ: إِذا أدخلتَ فِي الْعدَد الْألف وَاللَّام فأدخِلْهُما فِي الْعدَد كلِّه، فَتَقول: مَا فعَلَت الأحدَ عَشَرَ الألفَ الدِّرْهَم. والبصريون يدْخلُونَ الألفَ وَاللَّام فِي أوّله فَيَقُولُونَ: مَا فعلت الْأَحَد عشرَ ألف دِرْهَم.
وَقَالَ اللَّيْث: تَقول: عشرتُ القومَ: صرتُ عاشرَهم، وَكنت عاشرَ عَشْرة. قَالَ: وعشرت القومَ وعَشَرتُ أَمْوَالهم، إِذا أخذتَ مِنْهُم العُشْر، وَبِه سمِّي العَشَّار. والعُشْر: جُزْء من العشَرة، وَهُوَ العَشِير والمِعشار. قَالَ: وَتقول: جاءَ الْقَوْم عُشَار عُشَارَ، ومعشر مَعشر، أَي عشرَة عشرَة، كَمَا تَقول: جَاءُوا أُحاد أُحاد، وثُناء ثُناءَ، ومَثنى مَثني.
قَالَ: والعِشْر: ورد الْإِبِل يَوْم الْعَاشِر. وَفِي حسابهم: العِشْر التَّاسِع. وإبلٌ عواشر: ترِد المَاء عِشراً، وَكَذَلِكَ الثوامن(1/260)
والسوابع والخوامس.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: إِذا وَردت الْإِبِل كلَّ يَوْم قيل: وردَتْ رِفْهاً، فَإِن وردَتْ يَوْمًا وَيَوْما لَا قيل: وردتْ غِبّاً، فَإِذا ارتفعتْ عَن الغِبِّ فالظِّمْء الرِّبع، وَلَيْسَ فِي الْورْد ثِلثٌ، ثمَّ الخِمس إِلَى العِشْر. فَإِن زَادَت فَلَيْسَ لَهَا تسميةُ وِردٍ، وَلَكِن يُقَال: هِيَ ترِدُ عشرا وغِبّاً وعِشْراً ورِبعاً إِلَى الْعشْرين، فَيُقَال حينئذٍ ظِمؤها عِشرانِ. فَإِذا جاوزَت الْعشْرين فَهِيَ جوازىء.
وَقَالَ اللَّيْث: إِذا زَادَت على الْعشْرَة قَالُوا: وردنا رِفهاً بعد عِشر. قَالَ: وعشّرتُ الشيءَ تعشيراً، إِذا كَانَ تِسْعَة فزدت وَاحِدًا حتّى تَمَّ عَشرة. قَالَ: وعَشَرْتُ، خَفِيفَة: أخذتُ وَاحِدًا من عشرَة فَصَارَ تِسْعَة. فالعشور نُقصان والتعشير زِيَادَة وَتَمام.
وَقَالَ اللَّيْث: قلتُ للخليل: مَا معنى الْعشْرين؟ قَالَ: جمَاعَة عِشْر قلت: فالعِشْر كم يكون؟ قَالَ: تِسْعَة. قلت: فعشرون لَيْسَ بِتمَام إنَّما هُوَ عِشْران ويومان. قَالَ: لمّا كَانَ من العِشْر الثَّالِث يومانِ جمعتَه بالعشرين. قلت: وَإِن لم يستوعب الْجُزْء الثَّالِث؟ قَالَ: نعم، أَلا ترى قَول أبي حنيفَة إِذا طلقَّها تَطْلِيقَتَيْنِ وعُشر تَطْلِيقَة فَإِنَّهُ يَجْعَلهَا ثَلَاثًا، وَإِنَّمَا من الطَّلقَة الثَّالِثَة فِيهِ جُزْء. فالعشرون هَذَا قياسُه. قلت: لَا يُشبه العِشْرُ التطليقة، لأنّ بعض التطليقة تَطْلِيقَة تامّة، وَلَا يكون بعض العِشْر عِشراً كَامِلا. أَلا تَرى أنّه لَو قَالَ لامْرَأَته: أَنْت طالقٌ نصفَ تَطْلِيقَة أَو جُزْءا من مائَة تطليقةٍ كَانَ تَطْلِيقَة تامّة، وَلَا يكون نصف العِشر وَثلث العِشْر عِشراً كَامِلا.
وَقَالَ اللَّيْث: وَيَوْم عاشُوراء هُوَ الْيَوْم الْعَاشِر من المحرَّم.
قلت: وَلم أسمع فِي أَمْثِلَة الْأَسْمَاء اسْما على فاعولاء إلاّ أحرفاً قَليلَة. قَالَ ابْن بزرج: الضَّاروراء: الضَّراء، والسّاروراءُ: السّرّاء، والدَّالولاءُ: الدَّالّة. وَقَالَ ابنُ الأعرابيّ: الخابوراءُ: مَوضِع.
وَرُوِيَ عَن ابْن عبّاس أَنه قَالَ فِي صَوْم عَاشُورَاء: (لَئِن سَلِمْتُ إِلَى قَابل لأصومنَّ الْيَوْم التَّاسِع) . وَرُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ: رعَت الْإِبِل عشرا، وَإِنَّمَا هِيَ تسعةُ أيّام.
قلت: وَلقَوْل ابْن عباسٍ وجوهٌ من التأويلات: أَحدهَا أنّه كره موافقةَ الْيَهُود لأنَّهم يَصُومُونَ اليومَ الْعَاشِر. وروى ابْن عُيَيْنَة عَن عُبيد الله بن أبي يزِيد قَالَ: سمعتُ ابْن عباسٍ يَقُول: (صُومُوا التَّاسِع والعاشر وَلَا تشبَّهوا باليهود) . وَالْوَجْه الثَّانِي مَا قَالَ إِسْمَاعِيل بن يحيى المزَني: يحْتَمل أَن يكون التَّاسِع هُوَ الْعَاشِر.
قلت: كَأَنَّهُ تأوّلَ فِيهِ عِشر الْورْد أنّها تِسْعَة أَيَّام، وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ اللَّيْث عَن الْخَلِيل، وَلَيْسَ ببعيدٍ من الصَّوَاب.
وَقَالَ اللَّيْث: المعشِّر: الحمارُ الشَّديد النَّهيق الَّذِي لَا يزَال يوالي بَين عشرِ ترجيعات فِي نهيقِهِ، ونهيقُه يُقَال لَهُ التعشير. وَيُقَال عشّر يعشّر تعشيراً.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {سُيِّرَتْ وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ} (التّكوير: 4) . قَالَ الْفراء: العِشار لُقَّحُ(1/261)
الْإِبِل، عطّلَها أهلُها لاشتغالهم بِأَنْفسِهِم. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: العِشار النُّوقُ الَّتِي فِي بطونها أولادُها إِذا أَتَت عَلَيْهَا عشرَة أشهر. قَالَ: وَأحسن مَا تكون الْإِبِل وأنْفَسُها عِنْد أَهلهَا إِذا كَانَت عِشاراً.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: إِذا بلغت الناقةُ فِي حملهَا عشرةَ أشهرٍ فَهِيَ عُشَراء، ثمَّ لَا يزَال ذَلِك اسمَها حتَّى تَضَعَ وَبَعْدَمَا تضعُ لَا يزايلُها؛ وَجَمعهَا عِشار. ... وَقَالَ غَيره: إِذا وضعَتْ فَهِيَ عائذٌ وجمعُها عُوذٌ.
قلت: الْعَرَب يسمُّونها عِشاراً بَعْدَمَا تضع مَا فِي بطونها، للزومِ الاسمِ لَهَا بعد الْوَضع، كَمَا يسمُّونها لِقاحاً.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال عَشَّرَتْ فَهِيَ عُشَرَاء، وَالْعدَد عُشَرَاوات، والجميع العِشَار. قَالَ: وَيُقَال يَقع اسمُ العِشار على النُّوق الَّتِي نُتِج بعضُها وَبَعضهَا مَقاريب.
وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّه قَالَ للنِّسَاء: (إنّكنَّ أَكثر أهل النَّار، لأنكنَّ تُكْثِرنَ اللَّعنَ وتَكفُرنَ العشير) ، قَالَ أَبُو عبيد: أَرَادَ بالعشير الزَّوج، سمِّي عشيراً لأنَّه يعاشِرها وتُعاشِره. وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ} (الحَجّ: 13) ، أَي لبئس المعاشر.
وَأَخْبرنِي المنذرِيّ عَن أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى قَالَ: المَعْشَر والنَّفَر وَالْقَوْم والرّهط، هَؤُلَاءِ معناهم الْجمع؛ لَا واحدَ لَهُم من لَفظهمْ، للرِّجَال دون النِّسَاء. قَالَ: وَالْعشيرَة أَيْضا للرِّجَال. قَالَ: والعالَم أَيْضا للرِّجَال.
وَقَالَ أَبُو عبيد: الْعَشِيرَة تكون للقبيلة وَلمن هُوَ أقربُ إِلَيْهِ من الْعَشِيرَة، وَلمن دونهم.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الْعَشِيرَة العامّة؛ مثل بني تَمِيم وَبني عَمْرو بن تَمِيم.
وَقَالَ اللَّيْث: المَعشَر: كلُّ جماعةٍ أمرُهم وَاحِد، نَحْو معشر الْمُسلمين ومعشر الْمُشْركين.
وَقَالَ اللَّيْث: الْعَاشِرَة: حلْقة التعشير من عواشر الْمُصحف، وَهِي لفظةٌ مولَّدة.
وَالْعرب تَقول: بُرمةٌ أعشار، أَي متكسِّرة، وَمِنْه قَول امرىء الْقَيْس فِي عشيقتِهِ:
وَمَا ذَرفت عيناكِ إِلَّا لتضربي
بسهميكِ فِي أعشار قلبٍ مقتَّلِ
وَفِيه قولٌ آخر أعجَبُ إليَّ من هَذَا القَوْل، قَالَ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى: أَرَادَ بقوله (بسهميك) هَاهُنَا سهْمَي قِداح الميسر، وهما المعلَّى والرَّقيب، فللمعَلّى سَبْعَة أنصباء، وللرقيب ثَلَاثَة، فَإِذا فَازَ الرجلُ بهما غَلب على جزور الميسِر كلِّها فَلَا يطْمع غيرُه فِي شَيْء مِنْهَا. قَالَ: فَالْمَعْنى أَنَّهَا ضربت بسهامها على قلبِهِ فخرجَ لَهَا السَّهمانِ، فغلبتْه على قلبِه كلِّه وفتنتْه فملكتْه. قَالَ: وَيُقَال أَرَادَ بسهميها عينيها.
قلت: وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْهَيْثَم فِي تَفْسِير هَذَا الْبَيْت بنحوٍ مِمَّا فسَّره أَبُو الْعَبَّاس، إِلَّا أنّه جعل اسمَ السَّهم الَّذِي لَهُ ثَلَاثَة أنصباء الضَّريبَ، وَجعله ثعلبٌ الرَّقيب. وَنظرت فِي بَاب الميسر للِّحياني فِي (نوادره) فَذكر أَن بعض الْعَرَب يسمِّيه(1/262)
الرَّقِيب، وَبَعْضهمْ يُسَمِّيه الضَّريب. وَهَذَا التَّفْسِير فِي هَذَا الْبَيْت هُوَ الصَّحِيح.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال عشَّرت القَدَح تعشيراً، إِذا كسَّرتَه فصيّرته أعشاراً. قَالَ وعَشر الحبُّ قلبَه، إِذا أضناه. وأعشَرْنا مُنْذُ لم نلتق، أَي أَتَى علينا عشر لَيَال.
وَأما قَول لبيد يصف مَرتعاً:
هَمَلٍ عشائرُه على أَوْلَادهَا
من راشحٍ متقوِّب وفَطِيمِ
فإنّ شمراً روى لأبي عَمْرو الشيبانيّ أَنه قَالَ: العشائر: الظِّباء الحديثات الْعَهْد بالنتاج.
قلت: كأنّ العشائر فِي بَيت لبيدٍ بِهَذَا الْمَعْنى جمع عِشارٍ، وعشائرُ هُوَ جمع الْجمع، كَمَا يُقَال جمالٌ وجمائلُ، وحبال وحبائل.
وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال ذهبَ القومُ عُشارَياتٍ وعُسَارَياتٍ، إِذا ذَهَبُوا أيَادي سَبا متفرِّقين فِي كل وَجه.
وَوَاحِد العُشارَيات عُشارَى، مثل حُبارى وحُبارَيات.
والعُشارة: الْقطعَة من كلِّ شَيْء، قومٌ عُشارة وعشارات. وَقَالَ حَاتِم طَيء يذكر طيّئاً وتفرُّقَهم:
فصاروا عُشاراتٍ بكلِّ مكانِ
وَرُوِيَ عَن ابْن شميلٍ أَنه قَالَ: رجلٌ أعْشَر، أَي أَحمَق.
قلت: لم يَروه لي ثقةٌ أعتمده، وَلم أسمعهُ لغيره، وَلَعَلَّه رجل أعسَر، وَلَا أحقُّ وَاحِدًا مِنْهُمَا.
وَجمع العَشِير أعشراء. وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (تِسْعَة أعشراء الرِّزق فِي التِّجَارَة، وجزءٌ مِنْهَا فِي السابِياء) . أَرَادَ تِسْعَة أعشار الرزق.
والعَشير والعُشر وَاحِد، مثل الثَّمين والثُّمن، والسَّديس والسُّدس. والعَشير فِي حِسَاب مساحة الأَرْض: عُشر القَفِيز، والقفيز: عُشر الجريب.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَن أَعْرَابِيًا ذكر نَاقَة فَقَالَ: (إِنَّهَا لمِعشارٌ مِشْكار) ، قَالَ: معشار: غزيرةٌ ليلةَ تُنتَج، ومشكار: تغزر فِي أوَّل نبت الرّبيع.
وَذُو العُشيرة: مَوضِع بالصَّمَّان مَعْرُوف، نسب إِلَى عُشَرة نابتة فِيهِ. والعُشَر من كبار الشَّجر، وَله صمغٌ حُلْو يُقَال لَهُ سُكّر العُشَر.
وتِعْشار: مَوضِع بالدهناء، وَقيل وَهُوَ مَاء.
عرش: قَالَ الله جلّ وعزّ: {الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طاه: 5) ، وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: {أَرْجَآئِهَآ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ} (الحَاقَّة: 17) . وروى سفيانُ الثَّوْريّ عَن عَمّار الدُّهْني عَن مسلمٍ البَطِين عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: (الكرسِيُّ مَوضِع الْقَدَمَيْنِ، والعَرْش لَا يُقْدر قدره) .
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: قَالَ ابْن عَبَّاس: (الْعَرْش مجْلِس الرحمان) أرْسلهُ ابْن الْأَعرَابِي إرْسَالًا وَلم يُسنده. وَحَدِيث الثَّوري مُتَّصِل صَحِيح.
وَالْعرش فِي كَلَام الْعَرَب: سَرِير المَلِك، يدلُّك على ذَلِك سَرِير ملكة سبأ، سَمَّاهُ(1/263)
الله جلّ وعزّ عرشاً فَقَالَ: {يَقِينٍ إِنِّى وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَىْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} (النَّمل: 23) . قلت: وَالْعرش فِي كَلَام الْعَرَب أَيْضا: سَقْف الْبَيْت، وَجمعه عروش؛ وَمِنْه قَول الله جلّ وعزّ: {أَوْ كَالَّذِى مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِىَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} (البَقَرَة: 259) قَالَ الْكسَائي فِي قَوْله: {وَهِىَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} (البَقَرَة: 259) : على أَرْكَانهَا. وَقَالَ غَيره من أهل اللُّغَة: على سقوفها، أَرَادَ أنَّ حيطانها قائمةٌ وَقد تهدَّمت سقوفُها فَصَارَت فِي قَرَارهَا، وانقعرت الْحِيطَان من قواعدها فتساقطت على السقوف المتهدِّمة قبلهَا. وَمعنى الخاوية والمنقعرة وَاحِد، يدلُّك على ذَلِك قولُ الله عزّ وجلّ فِي قصَّة قوم عَاد: {صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ} (الحَاقَّة: 7) ، وَقَالَ فِي مَوضِع آخر يذكر هلاكهم أَيْضا: {النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ} (القَمَر: 20) ، فَمَعْنَى الخاوية والمنقعر فِي الْآيَتَيْنِ وَاحِد، وَهِي المنقلعة من أُصُولهَا حتَّى خَوَى مَنبِتها. وَيُقَال انقعرت الشجرةُ، إِذا انقلعت، وانقعر الْبَيْت، إِذا انقلعَ من أَصله فانهدم. وَهَذِه الصّفة فِي خراب الْمنَازل من أبلغ الصِّفات. وَقد ذكر الله جلّ وعزّ فِي مَوضِع آخر من كِتَابه مَا دلَّ على مَا ذكرته، وَهُوَ قَوْله: {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ} (النّحل: 26) أَي قلع أبنيتَهم من أساسها، وَهِي الْقَوَاعِد، فتساقطت سقوفُها وعَلتْها الْقَوَاعِد وحيطانُها وهم فِيهَا. وَإِنَّمَا قيل للمنقعر خاوٍ لأنَّ الْحَائِط إِذا انقلعَ من أُسِّه خَوَى مكانُه، أَي خلا. ودارٌ خاوية، أَي خَالِيَة.
وَقَالَ بَعضهم فِي قَوْله: {وَهِىَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} (البَقَرَة: 259) أَي خاوية عَن عروشها لتهدُّمها، جعل على بِمَعْنى عَن، كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: {لِّلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا} (المطفّفِين: 2) أَي اكتالوا عَنْهُم لأَنْفُسِهِمْ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي أَيْضا: الْعَرْش: بناءٌ فَوق الْبِئْر يقوم عَلَيْهِ الساقي. وَأنْشد:
أكلَّ يومٍ عَرشُها مَقيلي
قَالَ: وَالْعرش: المُلْك، يُقَال ثُلَّ عرشُه، أَي زالَ مُلكه وعزُّه. قَالَ زُهَيْر:
تداركتما الأحلافَ قد ثُلّ عرشُها
وذِبْيانَ إذْ زَلَّت بأقدامها النعلُ
قلت: وَقد رأيتُ الْعَرَب تسمِّي المَظَالَّ الَّتِي تُسوَّى من جريد النَّخل ويُطرَح فوقَها الثُّمامُ عُروشاً، وَالْوَاحد مِنْهَا عريشٌ، ثمَّ يُجمَع عُرُشاً، ثمَّ عروشاً جمعُ الْجمع. وَمِنْه حَدِيث ابْن عمر أنّه كَانَ يقطع التلبيةَ إِذا نظرَ إِلَى عروش مكّة، يَعْنِي بيُوت أهل الْحَاجة مِنْهُم. وَمِنْه حَدِيث سعدٍ أَنه قَالَ: (تمتّعنا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وفلانٌ كافرٌ بالعُرُش) ، يَعْنِي وَهُوَ مقيمٌ بعروش مكَّة وَهِي بيوتها فِي حَال كفره.
وَيُقَال للحظيرة الَّتِي تسوَّى للماشية تُكنُّها من الْبرد: عَرِيش.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الإعراش: أَن تُمنع الْغنم أَن ترتع؛ وَقد أعرشتها، إِذا منعتَها أَن ترتع. وَأنْشد:
يُمحَى بِهِ المَحلُ وإعراشُ الرُّمُمْ
وَيُقَال اعرَوّشْتُ الدّابةَ، واعترشته،(1/264)
وتعَرْوشته، إِذا ركبته.
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو زيد: بِئْر معروشة، وَهِي الَّتِي تُطوَى قدرَ قامةٍ من أَسْفَلهَا بِالْحِجَارَةِ ثمَّ يُطوَى سائرها بالخشب وحدَه فَذَلِك الخشبُ هُوَ الْعَرْش. يُقَال مِنْهُ عرشت الْبِئْر أعْرِشُها. فَإِذا كَانَت كلُّها بِالْحِجَارَةِ فَهِيَ مطوّيةٌ وَلَيْسَت بمعروشة. وَقَالَ غَيره: المَثَاب: مَقام الساقي فَوق العروش. وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
وَمَا لمِثَابات العروش بقيةٌ
إِذا استُلّ من تَحت العروش الدعائمُ
وَقَالَ اللَّيْث: الْعَرْش: السَّرير للْملك وَالْعرش والعريش: مَا يُستظَلّ بِهِ. قَالَ: وعرشُ الرجُل: قِوامُ أمره، فَإِذا زَالَ قِوام أمره قيل: ثُلَّ عرشُه.
وَقيل لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم بدر: أَلا نَبني لَك عَرِيشًا تتظلَّل بِهِ؟
وَيُقَال عرّشت الكرْمَ تعريشاً، إِذا عطَفت العيدَان الَّتِي تُرسَل عَلَيْهَا قُضبان الْكَرم، وَالْوَاحد عرش والجميع عروش، وَيُقَال عريشٌ وَجمعه عُرُش.
والعريش: شِبه الهودج يُتَّخذ للْمَرْأَة تقعد فِيهِ على بَعِيرهَا. وَقَالَ رؤبة:
أَطْرَ الصَّناعَينِ العريشَ القَعضا
وَيُقَال عرّش الحمارُ بِعانته تعريشاً، وَذَلِكَ إِذا حَمَل على عانته فَرفع رأسَه شاخساً فَاه. وَقَالَ رؤبة أَيْضا:
كأنّ حيثُ عرَّش القبائلا
من الصَّبيبين وحِنواً ناصلا
وللعُنق عُرشان بَينهمَا الْقَفَا، وَفِيهِمَا الأخدعان، وهما لحمتان مستطيلتان عَدَاء العنُق. وَقَالَ الشَّاعِر:
وَعبد يَغُوث تحجل الطير حوله
وَقد هذّ عُرشيه الحسَام المذكَّرُ
وَالْعرش فِي الْقدَم: مَا بَين الحِمارِ والإصبع من ظهر الْقدَم، وَالْجمع الأعراش.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: ظهر الْقدَم العَرش وباطنه الأَخْمص. وَقَالَ الأصمعيّ: العُرشان: مَا زَالَ عَن العِلباوَين. قَالَ: والأُذنان تسمَّيان عُرشين لمجاورتهما العُرشين. يُقَال أَرَادَ فلانٌ أَن يُقرَّ بحقّي فنفثَ فلانٌ فِي عُرشيه. وَإِذا سارّه فِي أُذُنَيْهِ فقد دنا من عُرشيه.
وَإِذا نبتَت رواكيبُ أربعٌ أَو خمسٌ على جذع النَّخلة فَهِيَ العَرِيش، قَالَ ذَلِك أَبُو عَمْرو.
وعَرش الثريَّا: كواكب قريبٌ مِنْهَا.
وَيُقَال اعترشَ العنبُ الْعَريش اعتراشاً، إِذا علاَه، وَقد عَرشوهُ عَرشاً.
وبعيرٌ معروش الجنبين: عظيمهُما، كَمَا تُعرش الْبِئْر إِذا طويتْ.
أَبُو زيد: تعرَّشنا بِبِلَاد كَذَا، أَي ثبتنا. وتَعَرَّشَ فلانٌ بهَا.
وَقَالَ شمر: عَرِشَ فلانٌ وعَرِسَ.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: العُرشان من الْفرس: آخر شعر العُرف.
وَقَالَ شمر: وبَطِر وبَهِتَ مثل عَرِشَ وعَرِسَ.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: يُقَال للكلب إِذا(1/265)
خَرِق فَلم يدنُ للصَّيد: عَرِشَ وعَرِسَ.
شعر: قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللَّهِ} (المَائدة: 2) قَالَ الْفراء: كَانَت العربُ عامّةً لَا يرَوْنَ الصّفا والمروةَ من الشعائر، وَلَا يطوفون بَينهمَا، فَأنْزل الله جلّ وعزّ: {لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللَّهِ} (المَائدة: 2) ، أَي لَا تستحلُّوا تَركَ ذَلِك وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: شَعَائِر الله وَاحِدهَا شعيرَة، وَهِي مَا أُشعرَ ليُهدَى إِلَى بَيت الله وَقَالَ الزّجاج: شَعَائِر الله يُعنَى بهَا جَمِيع متعبَّدات الله الَّتِي أشعرَها الله، أَي جعلهَا أعلاماً لنا، وَهِي كلُّ مَا كَانَ من موقفٍ أَو مسعًى أَو ذِبْح. وإنّما قيل شَعَائِر الله لكلِّ عَلَمٍ مِمَّا تُعُبِّد بِهِ لأنَّ قَوْلهم شَعَرت بِهِ: علمتُه، فَلهَذَا سمِّيت الْأَعْلَام الَّتِي هِيَ متعبَّداتُ الله شَعَائِر.
وَأما إِشْعَار الهَدْي فإنّ أَبَا عبيدٍ روى عَن الْأَصْمَعِي أنّه قَالَ: إِشْعَار الهَدْي هُوَ أَن يُطعَن فِي أسنمتها فِي أحد الْجَانِبَيْنِ بمبضعٍ أَو نَحوه بِقدر مَا يسيل الدَّم، وَهُوَ الَّذِي كَانَ أَبُو حنيفَة يكرههُ، وزعَمَ أنّه مُثْلة وسنّة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أولى بالاتِّباع.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الْإِشْعَار: الْإِعْلَام. والشِّعار: العَلاَمة. قَالَ: وَلَا أرى مشاعر الحجّ إلاّ من هَذَا لأنَّها علاماتٌ لَهُ.
وَفِي حَدِيث آخر أَن جِبْرِيل أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ: (مُرْ أمَّتَك أَن يرفعوا أصواتَهم بِالتَّلْبِيَةِ فإنَّها من شِعار الحجّ) . وَمِنْه شِعار العَساكر، إنّما يَسِمُون لَهَا عَلامَة ينصبونها ليعرف بهَا الرجل رُفقَتَه.
وَفِي حَدِيث آخر أَن شعار أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ: يَا منصورُ أمِتْ أَمِتْ
وَرُوِيَ عَن عمر بن الْخطاب أنَّ رجلا رمى الجمرةَ فَأصَاب صَلَعَتَه بحجرِ فَسَالَ الدَّم فَقَالَ رجل: أُشعِر أميرُ الْمُؤمنِينَ ونادى رجل آخر: يَا خَليفَة، وَهُوَ اسْم رجلٍ، فَقَالَ رجل من بني لِهْبٍ: ليُقتَلَنَّ أَمِير الْمُؤمنِينَ. فرجَع فقُتِل فِي تِلْكَ السَّنة. ولِهْبٌ: قَبيلَة من الْيمن فيهم عِيافةٌ وزَجْر، وتشاءم هَذَا اللِّهبي بِقول أُشعِرَ أميرُ الْمُؤمنِينَ فَقَالَ ليقْتلن. وَكَانَ مُراد الرجل أَنه أُعلِمَ بسيلان الدمِ عَلَيْهِ من الشُّجّة، كَمَا يُشعَر الْهَدْي، وَذهب بِهِ اللِّهبيُّ إِلَى الْقَتْل؛ لأنّ الْعَرَب كَانَت تَقول للملوك إِذا قُتلوا: أُشعِروا.
وَكَانُوا يَقُولُونَ فِي الْجَاهِلِيَّة: دِيَة المُشعَرة ألفُ بعير، يُرِيدُونَ دِيَة الْمُلُوك. فلمّا قَالَ الرجل أُشعِر أَمِير الْمُؤمنِينَ جعله اللِّهبيُّ قتلا فِيمَا توجَّه لَهُ من علم العيافة، وَإِن كَانَ مُراد الرجل أَنه دُمِّيَ كَمَا يدمَّى الهديُ إِذا أُشعِر.
وروى شمر بإسنادٍ لَهُ عَن بَعضهم أَنه قَالَ: (لَا سَلَبَ إلاّ لمن أشعَرَ عِلْجاً، فأمّا من لم يُشعِرْ فَلَا سَلَبَ لَهُ) : قَالَ شمر: قَوْله إلاّ لمن أشعرَ عِلجاً، أَي طعنه حتّى دخَل السنانُ جَوفَه. قَالَ: والإشعار: الإدماء بطعن أَو رمي أَو وَجْءٍ بحديدة. وَأنْشد لكثيِّر:
عَلَيْهَا ولمّا يبلغَا كلَّ جهدها
وَقد أشعرَاها فِي أظل ومَدْمَعِ
أشعراها: أدمياها وطعناها وَقَالَ الآخر:
يَقُول للمُهْر والنُّشَّابُ يُشعره
لَا تَجزعَنَّ فشرُّ الشَّيمة الجزُع
قَالَ: وَمِنْه إِشْعَار الْهَدْي. وَدخل التَّجُوبيّ(1/266)
ُ على عُثمان فأشعره مِشقَصاً. وَأنْشد أَبُو عُبَيْدَة:
نقتِّلهم جيلاً فجِيلاً تراهُمُ
شَعَائِر قُربان بهَا يُتقرَّبُ
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {فَاذْكُرُواْ اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} (البَقَرَة: 198) هُوَ مُزدلِفة، وَهِي جَمْع، تسمَّى بهما جَمِيعًا. والمَشْعَر: المَعْلَم المتعبِّد من متعبّداته.
وأمّا قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لغَسَلةِ ابْنَته حِين طرحَ إليهنَّ حَقوَه فَقَالَ: (أشعِرْنَها إيّاه) فإنَّ أَبَا عبيد قَالَ: مَعْنَاهُ اجعلْنَه شِعارها الَّذِي يَلِي جسَدها.
وَجمع الشِّعار شُعُر. والدِّثار: الَّذِي فَوْقه، وَجمعه دُثُر
وَقَالَ اللَّيْث: الشِّعار: مَا استشعرتَ من الثِّياب تحتهَا. قَالَ: وسمِّي شعاراً لأنّه يَلِي شعَر الْجَسَد دون مَا سواهُ من اللِّباس. قَالَ: والشِّعار: مَا ينادِي بِهِ القومُ فِي الحروب ليعرفَ بعضُهم بَعْضًا. وَقَالَ فِي قَول الْأَعْشَى:
فِي حيثُ وارَى الأديمُ الشِّعارا
أَرَادَ فِي حَيْثُ وارَى الشعار الْأَدِيم، فقلَبه.
قَالَ: وَقَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للْأَنْصَار: (أَنْتُم الشِّعار وغيركم الدِّثار) ، أَرَادَ أنَّهم أخصُّ أَصْحَابه، كَمَا سمّاهم عيبتَه وكَرِشَه.
وروى عَمْرو عَن أَبِيه أَنه قَالَ: الشِّعار: الرَّعد. وَأنْشد:
وقطار غادية بِغَيْر شعارِ
الغادية: السحابة الَّتِي تَجِيء غدْوَة.
وَقَالَ شمر: قَالَ ابْن شُمَيْل: الشِّعار: مَا كَانَ من شجرٍ فِي لينٍ ووَطاء من الأَرْض يحلُّه النَّاس، نَحْو الدَّهناء وَمَا أشبههَا، يستدفئون بهَا فِي الشتَاء، ويستظلُّون بهَا فِي القيظ، فَهُوَ الشِّعار. يُقَال أرضٌ ذاتُ شِعار. وَأنْشد:
تعدَّى الجانبَ الوحشي يأدو
مَدِبَّ السَّيل واجتنبَ الشِّعارا
قلت: قيّده شمر بخطِّه شِعار بِكَسْر الشين، وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي بِكَسْر الشين مثل شعار الْمَرْأَة. وَأما ابْن السّكيت فَرَوَاهُ عَن أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ (شَعار) بِفَتْح الشين فِي الشّجر.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن الصيداويّ عَن الرياشيّ قَالَ: قَالَ أَبُو زيد: الشَّعار كُله مكسور إلاّ شَعار الشّجر. قَالَ: والشِّعار: كَثْرَة الشّجر.
قلت: فِيهَا لُغَتَانِ: شِعار وشَعار، فِي كَثْرَة الشّجر.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: روضةٌ شَعْراء: كَثِيرَة الشَّجر. ورملة شَعْراء: تُنبت النَّصِيَّ.
وروى شمر عَن ابْن الْأَعرَابِي وَأبي عَمْرو أَنَّهُمَا قَالَا: استشعر القومُ، إِذا تداعَوا بالشِّعار فِي الْحَرْب. وَقَالَ النَّابِغَة الذبياني فِيهِ:
مستشعِرين قد الفَوْا فِي دِيَارهمْ
دُعاء سُوعٍ ودُعْميَ وأيوبِ
يَقُول: غزاهم هَؤُلَاءِ فتداعَوْا بَينهم فِي بُيُوتهم بشِعارهم.
أَبُو عبيد: أشعرتُ السِّكِّينَ: جعلتُ لَهَا شَعيرة.(1/267)
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الشَّعْراء: ذُبابٌ يلسَع الْحمار فيدور. قَالَ: وشَعَر لكذا، أَي فطِن لَهُ. وشَعِر، إِذا ملك عبيدا.
وَقَالَ اللَّيْث: الشَّعيرة: البَدَنة الَّتِي تُهدَى، وَجَمعهَا الشَّعائر. قَالَ: وشعائر الله: مَنَاسِك الحجّ، أَي علاماته. والمشعَر: مَوضع المَنْسَك من مَناسك الْحَج. قَالَ: والشَّعَر: مَا لَيْسَ بصوفٍ وَلَا وبَر، والوَاحدة شَعَرة، ويُجمع على الشُّعُور والأشعار. ورجلٌ أشعَرُ شَعْرانيٌّ: طَوِيل الشّعْر.
وَقَالَ ابْن السّكيت: رجل أشعرُ: طَوِيل الشَّعر. ورجلٌ أظفَر: طَوِيل الْأَظْفَار. وَرجل أعنَقُ: طَوِيل العنُق. وَيُقَال رجلٌ رأَى الشعرة، إِذا رأى الشَّيبَ فِي رَأسه.
وَقَالَ اللَّيْث: الْأَشْعر: مَا اسْتَدَارَ بالحافر من مُنْتَهى الْجلد حيثُ ينْبت الشُّعَيرات حوالَي الْحَافِر، وَجمعه الأشاعر.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْهَيْثَم عَن نُصير الرازيّ قَالَ: يُقَال لناحيتَي فرج الْمَرْأَة الأَسْكَتانِ، ولطرفيهما الشُّفْران، وللذي يليهما الأشعران.
وَقَالَ اللحياني: أشعَرُ خفِّ الْبَعِير حَيْثُ يَنْقَطِع، وأشعر الحافرِ مثله، وأشعر الحياءِ حَيْثُ يَنْقَطِع الشَّعَر. قَالَ: والأشعر: شَيْء يخرج بَين ظِلفي الشَّاة كأنّه ثؤلول تُكوَى مِنْهُ.
وَقَالَ اللَّيْث: شعَرت بِكَذَا أشعُر، أَي فطِنتُ لَهُ وعلمته. وليت شِعري: لَيْت علمي. وَمَا يُشعِرك: مَا يُدريك. قَالَ: والشِّعر: القريض الْمَحْدُود بعلامات لَا يُجاوزها، وقائله شاعرٌ لِأَنَّهُ يَشعُر مَالا يشعُر غَيره، أَي يعلم. وجمعُه الشُّعراء. وَيُقَال شَعَرتُ لفلانٍ، أَي قلتُ لَهُ شِعراً. وَأنْشد:
شَعَرت لكم لما تبيَّنتُ فَضلكُمْ
على غَيْركُمْ مَا سَائِر النَّاس يَشْعُر
وَقَالَ اللحياني: يُقَال من الشِّعر شَعَر فلَان، وشعُر يشعُر شَعراً وشِعراً، وَهُوَ الِاسْم.
قَالَ: وشعرت بفلانٍ شِعرة وشِعراً ومشعورة ومشعوراً وشِعْرَى وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: لَا أعرف شِعْرَى قَالَ: وَيُقَال مَا شَعرت لفُلَان، حَكَاهُ عَن الْكسَائي. قَالَ: وَهُوَ كلامُ الْعَرَب. وَيُقَال ليتَ شعري لفلانٍ مَا صنَعَ، وليتَ شِعري عَن فلَان مَا صنع، وليتَ شعري فلَانا مَا صنع. وَأنْشد بَيت أبي طَالب بن عبد المطَّلب:
ليتَ شِعري مُسافرَ بنَ أبي عَم
رٍ ووليتٌ يقولُها المحزونُ
وَأنْشد فِي لَيْت شعري عَنْ:
يَا لَيْت شعري عَن فلانٍ مَا صنَع
وَعَن أبي زيد وَكم كَانَ اضْطجع
وَقَالَ آخر:
يَا لَيْت شعري عَنْكُم حَنِيفا
وَقد جَدَعنا مِنْكُم الأنوفا
وَقَالَ اللَّيْث: الشَّعير: جنسٌ من الْحُبُوب، الْوَاحِدَة شعيرَة. قَالَ: والشَّعارير: صغَار القِثَّاء، واحدُها شُعرور. وَفِي حديثٍ رُوي، أنّه أهدي لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شعارير. قَالَ: والشَّعارير: لُعبةٌ للصِّبيان، لَا يُفردُ.(1/268)
يُقَال لَعبْنا الشَّعارير. والشَّعراء: فَاكِهَة، جمعُه وواحده سَوَاء. والشَّعِيرة فِي الحُليّ: هَنَةٌ تُتَّخذ على خِلْقة الشَّعِيرة. وَبَنُو الشُّعيراء: قَبيلَة مَعْرُوفَة.
وَقَالَ الله: {وَأَقْنَى وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى} (النّجْم: 49) . الشِّعرى: كوكبٌ نيِّر يُقَال لَهُ المِرزَم، وهما شِعريَانِ أَحدهمَا تسمَّى الغُميصاء، وَالْأُخْرَى يُقَال لَهَا العَبُور. وَقد عبَدَ الشِّعرى العَبورَ طائفةٌ من الْعَرَب فِي الجالية وَقَالُوا إِنَّهَا عَبَرت السَّمَاء عَرْضاً، وَلم يَعْبُرها عَرْضاً غيرُها. قَالَ الله: {وَأَقْنَى وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى} (النّجْم: 49) أَي ربُّ الشِّعرى الَّتِي تَعبُدون. وسمِّيت الْأُخْرَى الغُمَيصاء لأنَّ الْعَرَب قَالَت فِي أحاديثها إِنَّهَا بَكت على إثْر العَبور حتَّى غَمِصَتْ.
وشَعْر: جبل لبني سليم.
والشَّعرانُ: ضربٌ من الرِّمث أَخْضَر يضْرب إِلَى الغبرة.
والشِّعْرة: الشعَر على عانة الرَّجُل ورَكَب الْمَرْأَة وعَلى مَا وراءهما.
قَالَ اللحيانيّ: يُقَال تيسٌ أشعرُ وعَنْزة شعراء، وَقد شَعِر يَشعَر شَعَراً. وَكَذَلِكَ كلّ مَا كثُر شعره. قَالَ: وَسَأَلت أَبَا زيادٍ عَن تَصْغِير الشُّعور فَقَالَ: أُشَيعار، رَجَعَ إِلَى أشعار. وَهَكَذَا جَاءَ فِي الحَدِيث: (على أشعارهم وأبشارهم) .
وَيُقَال استشعرت الشِّعار وأشعَرْتُه غَيْرِي. وَيُقَال أُشعِرتُ بفلانٍ، أَي أُطلِعت عَلَيْهِ. وأشعَرتُ بِهِ، أَي أطْلَعْتُ عَلَيْهِ.
وَتقول للرجل: استشعِرْ خشيةَ الله، أَي اجْعَلْهُ شعارَ قَلْبك.
وَيُقَال: أشعرتُ الخُفَّ والقَلَنْسُوَةَ وَمَا أشبههما. وشعَّرته وشَعَرته. وخفٌّ مُشعَر ومَشعور.
وَقَالَ الْكسَائي: يُقَال أشعَرَ لفلانٍ مَا عمِله، وأشعَرَ فلَانا مَا عمله.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي طَالب عَن أَبِيه عَن الْفراء يُقَال الشّماطيط والعَبادِيد والشّعارير والأبابيل، كل هَذَا لَا يُفْرَد لَهُ وَاحِد.
وَقَالَ أَبُو عبيد عَن الْفراء: ذَهَبُوا شعاليلَ مِثل شعارير بقِردَحْمةٍ، أَي تفرّقوا.
وَيُقَال أُشعِر الجنينُ فِي بطن الأمّ، إِذا نبت شعره. وَأنْشد ابْن السّكيت فِي ذَلِك:
كلَّ جنينٍ مُشعَرٍ فِي الغِرسِ
واستشعر فلانٌ الخوفَ، إِذا أضمرَه. وأشعَرَ فلانٌ جُبَّتَه، إِذا بطّنها بالشّعَر، وَكَذَلِكَ أشعَرَ مِيثَرةَ سَرْجه.
وَقَالَ ابْن السّكيت: أرضٌ ذاتُ شِعارٍ، أَي ذاتُ شَجَر. وَقيل الشِّعار: مكانٌ ذُو شجر. قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو: بالموصل جبلٌ يُقَال لَهُ شَعْران، سمِّي بِهِ لِكَثْرَة شجرِه قَالَ: وأرضٌ شَعْراء: كَثِيرَة الشّجر. وَقَالَ الطرمّاح:
شُمّ الأعالي شابك حولهَا
شَعْرَانُ مبيضٌّ ذرى هامها
أَرَادَ شَمٌ أعاليها، فَحذف الْهَاء وَأدْخل الألفَ وَاللَّام، كَمَا قَالَ زُهَيْر:
حُجْنُ المخالبِ لَا يَغْتاله الشِّبَعُ
أَي حُجن مخالبه. قَالَ والمشاعر: كلُّ موضعٍ فِيهِ خَمَر وأشجار. وَقَالَ ذُو الرمّة(1/269)
يصف ثوراً وحشياً:
يلوح إِذا أفْضى ويُخفِي بريقه
إِذا مَا أجنّتْه غُيوبُ المشاعرِ
وأمّا قَول الشَّاعِر:
على شَعْراء تُنقِضُ بالبِهامِ
فإنّه أرادَ بالشّعراء خصيةً كَثِيرَة الشعَر النَّابِت عَلَيْهَا. وَقَوله (تُنقِض بالبهام) عَنَى أُدرةً فِيهَا إِذا فُشّتْ خرجَ لَهَا صَوتٌ كصوت المُنْقِض بالبَهْم إِذا دَعَاهَا.
وَيُقَال شاعَرْتُ فلانةَ، إِذا ضاجعتَها فِي ثوبٍ واحدٍ فكنتَ لَهَا شِعاراً وَكَانَت لَك شِعاراً. وَيَقُول الرجل لامْرَأَته: شاعِرِيني.
أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر قَالَ: الشَّعِرة من المِعزَى: الَّتِي ينبُت الشّعر بَين ظِلفَيْها فتَدمَى.
وَيُقَال للرجل الشَّديد: فلانٌ أشعرَ الرَّقَبَة، شبِّه بالأسد وَإِن لم يكن ثَمَّ شَعَر. وَكَانَ زِيَاد بن أَبِيه يُقَال لَهُ أشعَرُ بَرْكاً، أَي أنّه كثير شعر الصَّدْر.
وأشعَر: قَبيلَة من الْعَرَب، مِنْهُم أَبُو مُوسَى الأشعريُّ. ويُجْمَعون الأشعرِينَ بتَخْفِيف يَا النِّسْبَة كَمَا يُقَال قوم يمانون.
رعش: قَالَ اللَّيْث: يُقَال قد أخذتْ فلَانا رِعشةٌ عِند الحَرْب ضعفا وجُبناً. وَقَالَ النَّضر: إنّه لرَعِشٌ إِلَى الْقِتَال وَإِلَى الْمَعْرُوف، أَي سريع إِلَيْهِ. والرِّعشة: العَجَلة. وَأنْشد:
والمُرعَشِينَ بالقنا المقوَّمِ
كَأَنَّمَا أرعشوهم، أَي أعجلوهم.
قَالَ: وتسمَّى الدابّة رعشاء لانتفاضها من شهامتها ونشاطها.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال للجبان رِعشيش. وَيُقَال ارتعشَتْ يدُه، إِذا ارتعدت. قَالَ: وارتعشَ رأسُ الشَّيخ، إِذا رجَفَ من الْكبر. والرَّعشاء من النعام: السَّريعة، والظليمُ رَعِشٌ، وَهُوَ على تَقْدِير فَعِلٍ، بَدَلا من أفعل. وَكَذَلِكَ النَّاقة الرَّعْشاء، والجمل أرعَش. وَهُوَ الرَّعْشَنُ، والرَّعشَنة. وَأنْشد:
من كلِّ رعشاءَ وناجٍ رَعْشَنِ
وَالنُّون زَائِدَة فِي الرَّعْشَنِ كَمَا زادوها فِي الصَّيدَن، وَهُوَ الأصيد من الْمُلُوك، وكما قَالُوا للْمَرْأَة الخلاَّبة خَلْبَن. وَمِنْهُم من يَقُول: الرَّعْشَنُ بناءٌ رباعيٌّ على حِدَة. والرُّعاش: رِعشة تعتري الإنسانَ من داءٍ يصيبُه لَا يسكن.
شرع: قَالَ الله جلّ وعزّ: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} (المَائدة: 48) وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: {يَخْتَلِفُونَ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الاَْمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} (الجَاثيَة: 18) وَقَالَ: {عَلِيمٌ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الِدِينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا} (الشّورى: 13) قَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَوْله: {شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} (المَائدة: 48) قَالَ بَعضهم: الشِّرعة فِي الدّين والمنهاجُ: الطَّريق، وَقيل الشِّرعة والمنهاج جَمِيعًا: الطَّريق. والطَّريق هَاهُنَا: الدِّين، ولكنَّ اللفظَ إِذا اختَلف أُتي بِهِ بألفاظٍ تؤكد بهَا القصَّة وَالْأَمر، كَمَا قَالَ عنترة:
أقوَى وأقفَرَ بعد أمِّ الهيثَمِ
فَمَعْنَى أقوى وأقفَرَ وَاحِد يدلُّ على الخَلْوة، إلاّ أنّ اللَّفظين أوكدُ فِي الخَلْوة. قَالَ: وَقَالَ مُحَمَّد بن يزِيد: شِرعةً مَعْنَاهَا ابْتِدَاء الطَّرِيق. والمنهاج: الطَّرِيق المستمرّ.(1/270)
وَقَالَ الفرّاء فِي قَوْله: {يَخْتَلِفُونَ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الاَْمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} (الجَاثيَة: 18) ، قَالَ: على دينٍ ومِلّة ومنهاج، وكلُّ ذَلِك يُقَال. وَقَالَ القتيبيّ: (على شَرِيعَة) : على مِثال ومذْهب، وَمِنْه يُقَال شَرَع فلَان فِي كَذَا وَكَذَا، أَي أخذَ فِيهِ. وَمِنْه مَشارع المَاء، وَهِي الفُرَض الَّتِي تَشرع فِيهَا الْوَارِدَة.
وَقَوله جلّ وعزّ: {عَلِيمٌ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الِدِينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا} (الشّورى: 13) قَالَ ابْن الأعرابيّ فِيمَا روى عَنهُ أَبُو الْعَبَّاس: شَرَع أَي أظهَرَ.
وَقَالَ فِي قَوْله: {شُرَكَاءُ شَرَعُواْ لَهُمْ مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ} (الشّورى: 21) قَالَ: أظهرُوا لَهُم. قَالَ: والشارع: الرَّبَّانيّ، وَهُوَ الْعَالم الْعَامِل المعلِّم. قَالَ: وشرعَ فلانٌ إِذا أظهرَ الحقَّ وقَمَعَ الْبَاطِل.
وَقَالَ ابْن السّكيت: الشَّرْع: مصدر شَرَعتُ الإهابَ، إِذا شققتَ مَا بَين الرِّجلين وسلختَه. قَالَ: وهم فِي الْأَمر شَرَعٌ، أَي سَوَاء.
قلت: فَمَعْنَى شَرَعَ بيَّنَ وأوضَحَ، مَأْخُوذ من شُرِع الإهابُ، إِذا شُقَّ وَلم يُزقَّقْ وَلم يُرجَّلْ. وَهَذِه ضروبٌ من السَّلخ مَعْرُوفَة، أوسعُها وأبيَنها الشَّرْع.
وَقيل فِي قَوْله: {عَلِيمٌ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الِدِينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا} (الشّورى: 13) إنّ نُوحاً أوّلُ من أَتَى بِتحريم الْبَنَات وَالْأَخَوَات والأمَّهات. وَقَوله جلّ وعزّ: {نُوحاً وَالَّذِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ} (الشّورى: 13) أَي وَشرع لكم مَا أَوْحَينَا إِلَيْك وَمَا وصَّينا بِهِ الْأَنْبِيَاء قبلك. والشِّرعة والشريعة فِي كَلَام الْعَرَب: المَشْرعة الَّتِي يشرعُها النَّاس فيشربون مِنْهَا ويستَقُون، وربَّما شرَّعوها دوابَّهم حَتَّى تشرعَها وتَشربَ مِنْهَا. والعربُ لَا تُسمِّيها شَرِيعَة حتّى يكون المَاء عِدّاً لَا انقطاعَ لَهُ ويكونَ ظَاهرا مَعِيناً لَا يُستَقى مِنْهُ بالرِّشاء. وَإِذا كَانَ من مَاء السَّمَاء والأمطار فَهُوَ الكَرَع، وَقد أكرعوه إبلَهم فكرعتْ فِيهِ، وَقد سقَوها بالكَرَع.
ورُفع إِلَى عليّ ح أمرُ رجلٍ سافرَ مَعَ أصحابٍ لَهُ فَلم يَرجع حِين قَفَلوا إِلَى أَهَالِيهمْ، فاتَّهم أهلُه أصحابَه فرافعوهم إِلَى شُريح، فَسَأَلَ الأولياءَ البيِّنةَ فعجَزوا عَن إِقَامَتهَا وأخبروا عليّاً بِحكم شُريح، فتمثّل بقوله:
أوردَها سعدٌ وسعدٌ مُشتَمِلْ
يَا سعدُ لَا تُروَى بهذاك الإبلْ
ثمَّ قَالَ: (إنّ أهوَنَ السَّقْي التشريع) ثمَّ فرَّق بَينهم وسألهم وَاحِدًا وَاحِدًا فَاعْتَرفُوا بقتْله فقتلَهم بِهِ: أَرَادَ عليٌّ أنّ الَّذِي فعله شُريحٌ كَانَ يَسِيرا هيِّناً، وَكَانَ نَوْلُه أَن يحْتَاط ويمتحِن بأيسر مَا يُحتاط بِهِ فِي الدِّمَاء، كَمَا أنّ أهونَ السَّقْي لِلْإِبِلِ تشريعها الماءَ، وَهُوَ أَن يوردَ ربُّ الْإِبِل إبلَه شَرِيعَة لَا يُحتاج مَعَ ظُهُور مَائِهَا إِلَى نَزْعٍ بالعَلَق من الْبِئْر وَلَا جَبْي فِي الْحَوْض. أَرَادَ أنّ الَّذِي فعله شُريح من طلب البيّنة كَانَ هيّناً، فَأتى الأهوَنَ وتركَ الأحوطَ، كَمَا أَن أَهْون السَّقي التشريع.
وَقَالَ اللَّيْث: شرعت الواردةُ الشَّرِيعَة، إِذا تناولت المَاء بِفيها. والشريعة: المَشْرَعَة.(1/271)
قَالَ: وَبهَا سُمِّي مَا شرَع الله للعبادِ شَرِيعَة، من الصَّلَاة وَالصَّوْم وَالنِّكَاح والحجّ وَغَيره.
قَالَ: وَيُقَال أشرعنا الرماحَ نحوهم وشرعْناها فشَرعَتْ، فَهِيَ شَوارعُ. وَأنْشد:
أفاجوا من رماح الخطِّ لمَّا
رأونا قد شرعناها نِهالا
وَكَذَلِكَ السُّيوف. وَقَالَ الآخر:
غداةَ تعاورتْهم ثَمَّ بِيضٌ
شُرِعْن إِلَيْهِ فِي الرَّهَج المكِنِّ
قَالَ: وإبلٌ شُروع: قد شرعت الماءَ تشربُ. قَالَ الشماخ:
تُسدُّ بِهِ نوائبُ تعتريه
من الْأَيَّام كالنَّهَل الشُّروعِ
والشارع من الطَّرِيق: الَّذِي يشرع فِيهِ النَّاس عامّةً. وَهُوَ على هَذَا الْمَعْنى ذُو شَرْع من الْخلق يشرعون فِيهِ. ودورٌ شارعةٌ، إِذا كَانَت أَبْوَابهَا شارعةً فِي طَرِيق شَارِع.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: دُورٌ شوارع: على نَهْج وَاحِد.
قَالَ أَبُو عبيد: الشِّراع: الأوتار، وَهِي الشُّرُع. وَقَالَ لبيد:
إِذا حَنَّ بالشُّرعِ الدِّقاقِ الأناملُ
وَقَالَ آخر:
كَمَا ازدهرت قَينةٌ بالشِّراع
لإسوارِها عَلَّ مِنْهَا اصطباحا
وَقَالَ اللَّيْث: تسمَّى الأوتار شِراعاً مَا دَامَت مشدودة على قوسٍ أَو عُودٍ.
وَأنْشد للنابغة:
كقوس الماسخيّ أرنَّ فِيهَا
من الشِّرْعيّ مربوعٌ متينُ
والشِّراع: شراع السَّفِينَة، وَهِي جُلولُها وقلاعُها.
وَقَالَ اللَّيْث: إِذا رفعَ الْبَعِير عنقَه قيل: رفعَ شِراعَه. وَجمع الشِّراع أشرعة. قَالَ: وَيُقَال هَذَا شِرعةُ ذَاك، أَي مثله. وَأنْشد للخليل يذمّ رجلا:
كفّاك لم تُخلقا للندى
وَلم يَك لؤمهما بدعَه
فكفٌّ عَن الْخَيْر مَقْبُوضَة
كَمَا حُطَّ عَن مائَة سبعه
وَأُخْرَى ثَلَاثَة آلافها
وتِسعُ مئيها لَهَا شِرعَه
أَي مثلهَا. وَيُقَال: هم فِي هَذَا الْأَمر شَرَعٌ وَاحِد، أَي سَوَاء.
قلت: كَأَنَّهُ جمع شَارِع، أَي يشرعون فِيهِ مَعًا.
ويُقال شَرعُك هَذَا، أَي حسبُك. وَمن أمثالهم:
شَرعُك مَا بلَّغك المحَلاَّ
وَقَالَ اللَّيْث: والشِّرعة: حِبالة من العَقَب يُجعَل شَركاً يُصطاد بِهِ القطا. ويُجمع شِرَعاً. وَقَالَ الرَّاعِي:
من آجنِ المَاء محفوفاً بهَا الشِّرَعُ
والشَّراعة: الجُرأة. والشَّريع: الرجُل الشُّجاع. وَقَالَ أَبُو وَجْزة:(1/272)
وَإِذا خبَرتَهُم خَبَرتَ سماحةً
وشَراعةً تَحت الوشيجِ المُورَدِ
وَقَالَ ابْن شُميل: الشُّراعيّة، النَّاقة الطَّوِيلَة العنُق. وَأنْشد:
شُراعيّة الْأَعْنَاق تلقى قلوصَها
قد استلأت فِي مَسْك كوماءَ بادنِ
قلت: لَا أَدْرِي شُراعيّة، أَو شِراعيّة، وَالْكَسْر عِنْدِي أقرب، شبّهت أعناقُها بِشراع السَّفينة لطولها. يَعْنِي الْإِبِل. وَأما السِّنان الشُّراعيّ فَهُوَ منسوبٌ إِلَى رجلٍ كَانَ يَعمل الأسنَّة فِيمَا أَخْبرنِي المنذريُّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي وَذكر أَنه أنْشدهُ:
وأسمر عاتكٌ فِيهِ سنانٌ
شُراعيٌّ كساطعة الشُّعاعِ
أَرَادَ بالأسمر الرُّمحَ. والعاتك: المحمَرُّ من قِدمه.
والشَّريع من اللِّيف: مَا اشتدَّ شوكُه وصَلَح لغِلظه أَن يُخرَز بِهِ، سمعتُ ذَلِك من الهَجَريِّين.
وَفِي جبال الدهناء جبلٌ يُقَال لَهُ شَارِع، ذكر ذَلِك ذُو الرمة فِي شعره.
وَقَالَ اللَّيْث: حِيتانٌ شُرُوع: رَافِعَة رَأسهَا. وَأما قَول الله جلّ وعزّ فِي صفة الحِيتان: {يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ} (الأعرَاف: 163) فَمَعْنَاه أنّ حيتانَ الْبَحْر كَانَت ترِدُ يومَ السبت عُنُقاً من الْبَحْر يُتاخم أَيْلة، ألهمها الله أنّها لَا تُصاد يَوْم السَّبت لنَهْيه الْيَهُود عَن صيدها، فَلَمَّا عَتَوْا وصادوها بحيلة توجَّهت لَهُم، مُسِخوا قِرَدة.
وروى شِمر عَن محَارب: يُقَال للنَّبت إِذا اعتمَّ وشبِعت مِنْهُ الْإِبِل: قد أشرعت، وَهَذَا نبتٌ شُرَاع.
قَالَ: والشوارع من النُّجُوم: الدَّانية من المغيب. وكلُّ دانٍ من شيءٍ فَهُوَ شَارِع، وَقد شَرَع لَهُ ذَلِك. وَكَذَلِكَ الدَّار الشارعة: الَّتِي قد دنت من الطَّريق وقَرُبتْ من النَّاس. وَهَذَا كلُّه راجعٌ إِلَى شيءٍ وَاحِد، إِلَى القُرب من الشَّيْء والإشراف عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: يُقَال أشرعَ يدَه فِي المِطهرة، إِذا أدخلَها فِيهَا إشراعاً. قَالَ: وشَرَعتْ يدُه فِيهَا. وشرعَت الإبلُ الماءَ وأشرعناها.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الشَّريع: الكَتَّان، وَهُوَ الأَبَقُ، والزِّير، والرازقيّ. ومُشَاقته السَّبيخة.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الشَّرَّاع: الَّذِي يَبِيع الشَّريع، وَهُوَ الكتّان الجيّد واللِّيفُ الجيّد.
(بَاب الْعين والشين وَاللَّام)
عشل، علش، شعل، شلع: مستعملة
عشل: أهملَ ابْن المظفر عشل، وشلع، وهما مستعملان.
فأمّا عشل فَإِن أَبَا الْعَبَّاس روى عَن ابْن الأعرابيّ أَنه قَالَ: العاشل والعاشن والعاكل: المخمِّن الَّذِي يظنُّ فَيُصِيب وَأما:
علش: فإنَّ ابْن الأعرابيّ زعم أَن العِلّوْشَ هُوَ(1/273)
ابْن آوَى. وَقَالَ اللَّيْث: علش لُغَة حميرية، مِنْهُ العلّوش، وَهُوَ الذِّئْب. قَالَ: وَقَالَ الْخَلِيل: لَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب شين بعد لَام، وَلَكِن كلُّها قبل اللَّام.
قلت: وَقد وُجِد فِي كَلَامهم الشين بعد اللَّام. قَالَ ابْن الْأَعرَابِي وَغَيره: رجلٌ لشلاشٌ، إِذا كَانَ خَفِيفا.
وأمّا:
شلع: فإنّ أَبَا عبيد روى عَن الْفراء أَنه قَالَ: الشعَلَّعُ: الطَّوِيل من الرِّجَال.
قلتُ: وَلَا أَدْرِي أزِيدت الْعين الأولى أَو الْأَخِيرَة. فَإِن كَانَت الْأَخِيرَة مزيدةً فَالْأَصْل شعل، وَإِن كَانَت الأولى هِيَ المزيدة فَالْأَصْل شلَع.
شعل: الشُّعلة: شبه الجِذْوة، وَهِي قطعةُ خشبةٍ يُشعَل فِيهَا النَّار، وَكَذَلِكَ القَبَس والشِّهاب. وَأما الشَّعيلةُ فَهِيَ الفَتيلة المُروّاة بالدُّهن يُستصبَح بهَا. وَقَالَ لبيد:
أصاح تَرى بُريقاً هبَّ وَهنا
كمصباح الشَّعيلة فِي الذُّبالِ
وَيُقَال أشعلتُ النَّار فِي الْحَطب فاشتعلت. واشتعل فلانٌ غَضبا، واشتعل رأسُه شيباً، أَصله من اشتعال النَّار. وَنصب (شيباً) على التَّفْسِير، وَإِن شئتَ جعلتَه مصدرا، وَكَذَلِكَ قَالَ حُذَّاق النَّحويين.
أَبُو عبيدٍ عَن الأصمعيّ وَأبي عَمْرو قَالَا: الْغَارة المُشْعِلة: المتفرِّقة. وَقد أشعلتْ، إِذا تفرّقت. قَالَ وَيُقَال أشعَلتِ القِربةُ والمزادة، إِذا سَالَ مَاؤُهَا. والمِشعَلُ وَجمعه المَشَاعل: أسَاقٍ لَهَا قَوَائِم. وَأنْشد الأصمعيّ لذِي الرمّة:
أضَعْنَ مَواقِتَ الصلوَاتِ عمدا
وحالفْن المشاعِلَ والجِرارا
وَقَالَ: أشعَلَ فلانٌ إبلَها، إِذا عمَّها بالهِناء وَلم يَطْلِ النُّقَبَ من الجَرب دون غَيرهَا من بَدَن الْبَعِير الأجرب.
وَيُقَال أشعلتُ جَمعَهم، أَي فرّقته. وَقَالَ أَبُو وجزة:
فعادَ زمانٌ بعد ذاكَ مفرِّقٌ
وأشعل وَلْيٌ من نوى كلَّ مُشعَلِ
وأشعَلتِ الطعنةُ، إِذا خرج دمُها. وأشعلَت الْعين: كثُر دمعُها.
وَقَالَ ابْن السّكيت: جَاءَ جيشٌ كالجراد المُشْعِل، وَهُوَ الَّذِي يخرجُ فِي كلّ وَجه. وكتيبة مُشْعِلة، إِذا انتشرت. وأشعَلَتِ الطعنةُ، إِذا خرجَ دمُها متفرِّقاً. وَجَاء كالحريق المُشعَل، بِفَتْح الْعين.
أَبُو عُبَيْدَة: فرسٌ أشعَل. وغُرّةٌ شعلاء: تَأْخُذ إِحْدَى الْعَينَيْنِ حتّى تدخلَ فِيهَا. قَالَ: قَالَ: وَيكون الشَّعَل فِي النَّواصي والأذناب فِي نَاحيَة مِنْهَا.
وَقَالَ اللَّيْث: الشَّعَل: بياضٌ فِي الناصية والذَّنَب، والاسمُ الشُّعْلة. وَقد اشعالّ الْفرس اشعيلالاً، إِذا صَار ذَا شَعَل. وفرسٌ أشعلُ وشَعلاء. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: إِذا كَانَ البياضُ فِي طرف الذَّنب فَهُوَ أشعَل، فَإِذا كَانَ فِي وسط الذَّنب فَهُوَ أصْبَغُ، وَإِن كَانَ فِي صَدره فَهُوَ أدْعَم، فَإِذا بلغ التحجيل إِلَى رُكْبَتَيْهِ فَهُوَ مجبَّب، فَإِن كَانَ فِي يَدَيْهِ فَهُوَ مقفَّز.(1/274)
أَبُو عبيد عَن الْفراء: ذهَبوا شَعاليل وشعارير. وَقَالَ أَبُو وجزة:
حتّى إِذا مَا دنتْ مِنْهُ سوابقُها
ولِلُّغَامِ بعطفيه شعاليلُ
أَي فِرق وقِطع: يَعْنِي الْكلاب والثور، أَي سوابق الْكلاب
(بَاب الْعين والشين مَعَ النُّون)
عشن، عنش، شنع، شعن، نعش، نشع: مستعملات.
عشن: أَبُو عبيد عَن الْفراء: عَشَن بِرَأْيهِ واعتشَنَ، إِذا قَالَ بِرَأْيهِ. وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: العاشِنُ: المخمِّن.
وأفادني الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْهَيْثَم قَالَ: العُشَانة: اللُّقاطة من التَّمْر. يُقَال: تَعشَّنتُ النخلةَ واعتشنتُها، إِذا تتبعت كُرابتَها فأخذتَه.
ابْن نجدة عَن أبي زيد: يُقَال لما يبْقى فِي الكبَاسة من الرُّطَب إِذا لقُطت النخلةُ العُشَانُ والعُشَانة، والغُشَان، والنُّدَار مثلُه.
عنش: روى ابْن الأعرابيّ قَول رؤبة:
فقلْ لذاك المُزعَج المعنوشِ
وفسَّره قَالَ: المعنوش المستفَزُّ المَسُوقُ. يُقَال عنشَه يعنِشه، إِذا سَاقه.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: المعانَشة: الْمُفَاخَرَة. قَالَ: والمعانَشة أَيْضا: المعانَقة فِي الْحَرْب.
وَقَالَ أَبُو عبيد: عانشتُه وعانقتُه بِمَعْنى واحدٍ وَحكى ابْن الْأَعرَابِي عَن أبي المكارم أَنه قَالَ: فلانٌ صَديق العِناش، أَي العِناق فِي الحَرْب. وَقَالَ بعض أهل اللُّغَة: من كَلَام أهل نجد: فلانٌ يعتنِشُ النَّاس، أَي يظلمُهم. وَأنْشد لرجلٍ من بني أَسد:
وَمَا قولُ عَبْسٍ وائلٌ هُوَ ثَأْرنَا
وقاتِلُنا إلاّ اعتناشٌ بباطلِ
أَي ظلم.
اللحيانيُّ: مالَه عُنشُوشٌ، أَي مَاله شَيْء.
وَقَالَ ابْن السّكيت: العَنَشْنَشُ: الطَّوِيل. وَقَالَ:
عَنَشْنَشٌ تحمله عَنَشْنَشَه
للدِّرع فَوق ساعديه خشخشه
شعن: تَقول الْعَرَب: رَأَيْت فلَانا مُشْعانَّ الرَّأْس، إِذا رأيتَه شَعِثاً منتفش الرَّأْس مُغبرّاً.
وروى عَمْرو عَن أَبِيه: أشْعَنَ الرجلُ، إِذا ناصَى عدوَّه فاشعانَّ شعرُه. والشّعَن: مَا تناثَر من ورق العُشْب بعد هَيجه ويُبسه.
وَقد أهمل اللَّيْث (عشن) ، و (عنش) ، و (شعن) ، وَهِي مستعملة.
شنع: أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: شنّعت النَّاقة فِي سَيرهَا، إِذا شمَّرت تشنيعاً، فَهِيَ مشنِّعة. والتشنُّع: الانكماش والجدّ.
وَقَالَ أَبُو سعيد: تَشنَّع فلانٌ لهَذَا الْأَمر، إِذا تهيّأ لَهُ.
ابْن السّكيت: حكى لي العامريّ: تشنَّع الرجلُ قِرنَه، إِذا رَكبه. وتشنَّع الرجل راحلتَه، إِذا ركبهَا. وتشنَّع القومُ، إِذا جدُّوا وانكمشوا.(1/275)
اللَّيْث: الشُّنْع والشَّناعة والشُّنوع، كلُّ هَذَا من قُبح الشَّيْء الَّذِي يُستَشنَع قُبْحه، وَهُوَ شنيعٌ أشنع، وقِصَّةٌ شَنْعاء، ورجلٌ أشنعُ الخَلْق. وَأنْشد شمر:
وَفِي الْهَام مِنْهَا نظرة وشُنوعُ
أَي قُبح يُتعجَّب مِنْهُ.
وَقَالَ اللَّيْث: تَقول رَأَيْت أمرا شَنِعتُ بِهِ شُنْعاً، أَي استشنعته. وَأنْشد لمروان:
فوِّضْ إِلَى الله الأمورَ فَإِنَّهُ
سيكفيك لَا يشنعْ بِرَأْيِك شانعُ
قَالَ: وشنَّعت على فلانٍ أمرَه تشنيعاً.
وَقد اشتَشْنَعَ بفلانٍ جهلُه.
وَفِي (النَّوَادِر) : شنَعَنا فلانٌ وفَضَحنا.
قَالَ: والمشنوع: الْمَشْهُور.
نشع: الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت قَالَ: النَّشوع والوَشوع: الوَجور الَّذِي يُوجَره الصبيُّ أَو الْمَرِيض. وَمِنْه قَول المرّار:
إِلَيْكُم يَا لئام النَّاس إنّي
نُشِعتُ العزَّ فِي أنفي نُشوعاً
قَالَ: والنَّشوع: السَّعوط. يُقَال أنشعته.
وَقَالَ أَبُو عبيد: كَانَ الأصمعيّ ينشد بَيت ذِي الرمة:
فالأمُ مُرضَعٍ نُشِع المَحَارا
قَالَ: وَهُوَ إيجارك الصبيَّ الدَّوَاء.
ثعلبٌ عَن ابْن الْأَعرَابِي: نُشِع الصبيُّ ونُشِغ بِالْعينِ والغين، إِذا أُوجِرَ فِي الْأنف. وَقَالَ الأصمعيّ فِيمَا روى عَنهُ أَبُو تُرَاب: هُوَ النُّشوع والنّشوغ، للوَجُور.
وروى عَمْرو عَن أَبِيه: أنشعَ الصبيَّ، إِذا سَعَطَه. وَهُوَ النَّشوع والنَّشوغ.
وَقَالَ اللَّيْث: النَّشوع: أَن يُعطَى الكاهن جُعلاً على كِهانته. وَأنْشد للعجّاج:
قَالَ الحوازي واستحَتْ أَن تُنشَعا
وَرَوَاهُ ابْن السّكيت: (وأبَى أَن يُنْشَعا) . وَيُقَال نُشِعت بِهِ نُشوعاً، أَي أُولعت بِهِ. وفلانٌ منشوعٌ بِكَذَا وَكَذَا، أَي مُولعٌ بِهِ. وَقَالَ أَبُو وجزة:
نَشِعٌ بِمَاء البقل بَين طرائقِ
من الْخلق مَا منهنَّ شيءٌ مضيَّعُ
وطرائقه: اخْتِلَاف ألوان البقل.
نعش: اللَّيْث: النعش: سَرِير الْمَيِّت. وَأنْشد:
أمحمولٌ على النَّعش الهُمامُ
وسمعتُ المنذريّ يَقُول: سَمِعت أَبَا الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى وَسُئِلَ عَن قَوْله:
يتْبعن قُلَّةَ رَأسه وَكَأَنَّهُ
حَرَج على نعشٍ لهنَّ مخيِّم
فَحكى عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: النَّعام منخوبُ الْجوف لَا عقل لَهُ. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: إنَّما وصَف الرئال أنَّها تتبع النعامة فتطمح بأبصارها قُلّة رَأسه، وكأنَّ قُلّة رَأسه ميّت على سَرِير قَالَ: وَالرِّوَايَة (مخيِّم) .
قَالَ: وَيَقُولُونَ: النَّعش: الميّت، والنَّعشُ: السرير. قَالَ المنذريّ وَحَكَاهُ عَن الْأَصْمَعِي فِيمَا أَحسب. قلت: وروى(1/276)
الْبَاهِلِيّ هَذَا الْبَيْت فِي كِتَابه.
... وكأنّه
زَوْجٌ على نعشٍ لهنَّ مخيَّم
قَالَ: هَذِه نعامٌ يتبعن الذّكر. والمخيَّم: الَّذِي جُعل بِمَنْزِلَة الْخَيْمَة. والزَّوج: النَّمَط. وقُلَّة رَأسه: أَعْلَاهُ. يَتْبعن، يَعْنِي الرئال.
قلت: وَمن رَوَاهُ (حَرَج على نعش) ، فالحرَج: المشبَّك الَّذِي يُطْبَق على الْمَرْأَة إِذا وُضعَتْ على سَرِير الْمَوْتَى، يسمِّيه النَّاس النَّعْش، وإّما النَّعشُ السريرُ نفسُه، سمِّي حَرجاً لأنّه مشبَّك بعيدانٍ كأنّها حَرَج الهَودج.
وبناتُ نعشٍ: سَبْعَة كواكب، فأربعةٌ مِنْهَا نعشٌ لِأَنَّهَا مربّعة، وَثَلَاثَة مِنْهَا بناتٌ يُقَال للْوَاحِد مِنْهَا ابْن نَعْش، لأنَّ الْكَوْكَب مُذَكّر. قلت: والشاعر إِذا اضطُرَّ يجوز أَن يَقُول بَنو نَعش، كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
إِذا مَا بَنو نَعشٍ دَنَوْا فتصوَّبوا
وَوجه الْكَلَام بناتُ نعش، كَمَا يُقَال بَنَات آوى وَبَنَات عِرس، وَالْوَاحد مِنْهَا ابْن عِرس وَابْن مِقرَض. وهم يؤنّثون جَمِيع مَا خلا الْآدَمِيّين.
أَبُو عبيد عَن الكسائيّ: نَعَشه الله وأنعشَه.
وَقَالَ ابْن السّكيت: نَعَشَه الله، أَي رفَعَه، وَلَا يُقَال أنعشَه، وَهُوَ من كَلَام العامّة.
وَقَالَ شمر: النَّعش: الْبَقَاء والارتفاع، يُقَال نعشَه الله، أَي رَفعه. قَالَ: والنَّعش من هَذَا لأنّه مرتفعٌ على السَّرير. قَالَ: ونعَشْتُ فلَانا إِذا جبرتَه بعد فَقْر، ورفعتَه بعد عَثْرة. قَالَ: والنَّعش إِذا مَاتَ الرجُل فهم ينعَشونه، أَي يذكرُونَهُ ويرفعون ذكره.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال انتعِشْ نعشَك الله. وَمِنْه قَوْله: (تَعِسَ فَلَا انْتَعش، وشِيكَ فَلَا انتَقَش) . قَالَ: والنَّعْش: الرّفْع، يُقَال نعشه الله بعد فَقْر. ونعَشتُ الشجرةَ، إِذا كَانَت مائلةً فأقمتها. قَالَ: وَيُقَال أنعَشتُه بِالْألف أَيْضا. وَقَالَ رؤبة:
أنعشَني مِنْهُ بسَيبٍ مُقْعَثِ
وَغَيره يَقُول: (أقعثَني) . وَالربيع ينعش الناسَ، أَي يُخْصبهم.
(بَاب الْعين والشين مَعَ الْفَاء)
عفش، عشف، شفع، شعف: مستعملة
شفع: قَالَ الله تَعَالَى جدّه: {مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً} (النِّساء: 85) يَقُول: أَي من يكْتَسب حَسَنَة يكن لَهُ نصيبٌ مِنْهَا، ومَن يشفع شَفَاعَة سَيِّئَة يكن لَهُ كِفلٌ مِنْهَا.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَرَأَ: {مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً} (النِّساء: 85) أَي يزْدَاد عملا إِلَى عمل. قَالَ: والشَّفْع: الزِّيَادَة. وعينٌ شافعة: تنظُر نظَرين. وَأنْشد:
وَلم أكُ خلت فِي بَصرِي شفُوعا
وَأنْشد ابنُ الْأَعرَابِي:
مَا كَانَ أبصرَني بِغرّاتِ الصِّبا
فاليوم قد شُفِعَتْ ليَ الأشباحُ
أَي أرى الشَّخْص الْوَاحِد شَخْصَيْنِ لضعف بَصرِي.(1/277)
قَالَ الْمُنْذِرِيّ: وسمعتُ أَبَا الْعَبَّاس وَسُئِلَ عَن اشتقاق الشُّفعة فِي اللُّغَة فَقَالَ: الشُّفعة: الزِّيَادَة، وَهُوَ أَن يشفِّعك فِيمَا تطلب حتّى تضمَّه إِلَى مَا عنْدك فتزيده وتشفعه بهَا، أَي تزِيدُه بهَا، أَي إِنَّه كَانَ وِتراً وَاحِدًا فضمَّ إِلَيْهِ مَا زَاده وشفعَه بِهِ.
وروى أَبُو عُمر عَن الْمبرد وثعلبٍ أَنَّهُمَا قَالَا فِي قَول الله تبَارك وَتَعَالَى: {مَن ذَا الَّذِى يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} (البَقَرَة: 255) قَالُوا: الشَّفَاعَة: الدُّعاء هَاهُنَا. والشفاعة: كَلَام الشَّفيع للملِكِ فِي حاجةٍ يسْأَلهَا لغيره.
وَقَالَ القتيبيّ فِي تَفْسِير الشُّفعة: كَانَ الرجلُ فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا أَرَادَ بيعَ منزلٍ أَتَاهُ جارُه فشَفَع إِلَيْهِ فِيمَا بَاعَ فشفّعه وجعَلَه أولى ممَّن بَعُدَ سببُه، فسمِّيتْ شُفعةً وسمِّي طالبُها شَفِيعًا.
قلتُ: جعلَ القتيبيُّ شفع إِلَيْهِ بِمَعْنى طَلبَ إِلَيْهِ. وأصلُ الشُّفعة مَا فسَّره أَبُو الْهَيْثَم وَأَبُو العبَّاس أَحْمد بن يحيى.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} (الفَجر: 3) {وَالْوَتْرِ وَالَّيْلِ إِذَا} (الفَجر: 4) قَالَ الْأسود بن يزِيد: الشَّفْع: يَوْم الْأَضْحَى؛ والوَتْر: يَوْم عَرَفَة. وَقَالَ عَطاء: الْوتر هُوَ الله تَعَالَى: والشَّفْع: خَلْقُه. وروى ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: الوَتْر آدمُ شُفِع بِزَوْجَتِهِ. وَقَالَ فِي الشفع وَالْوتر: إِن الأعدادَ كلَّها شفعٌ ووتْر.
وَقَالَ اللَّيْث: الشَّفع من الْعدَد: مَا كَانَ زوجا، تَقول: كَانَ وِتراً فشفعته بآخر. قَالَ: والشافع: الطالبُ لغيره يستشفِع بِهِ إِلَى الْمَطْلُوب. وَتقول: تشفّعت لفلانٍ إِلَى فلَان فشفّعني فِيهِ، وَاسم الطَّالِب شفِيع. وَقَالَ الْأَعْشَى:
واستشفعتْ من سَراة الحيّ ذَا ثقةٍ
فقد عَصاها أَبوهَا وَالَّذِي شَفَعا
قَالَ: وَتقول: إنّ فلَانا ليَشفَعُ لي بعداوةٍ، أَي يُضادُّني. قَالَ الْأَحْوَص:
كأنَّ من لامَنِي لأصرمَها
كَانُوا علينا بلومهمْ شفعوا
مَعْنَاهُ أنَّهم كأنّهم أغرَوْني بهَا حِين لامُوني فِي هَواهَا، وَهُوَ كَقَوْلِه:
... إنّ اللّومَ إغراءُ
عَمْرو عَن أَبِيه: الشُّفْعة: الْجُنُون، وَجَمعهَا شُفَع.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال فِي وَجهه شَفْعة وسَفْعةٌ، وشُنْعة، ورَدَّةٌ ونَظْرَةٌ، بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: يُقَال للمجنون: مشفوع ومسفوع.
وَفِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث مصدِّقاً فَأَتَاهُ بشاةٍ شَافِع فردَّها وَقَالَ: (ائْتِنِي بمُعتاط) . قَالَ أَبُو عبيد: الشافع: الَّتِي مَعهَا وَلَدهَا، سمِّيت شافعاً لأنّ وَلَدهَا شَفَعها وشفعَتْه هِيَ. وَقَالَ شمر: قَالَ الْفراء: نَاقَة شافعٌ، إِذا كَانَ فِي بَطنهَا ولدٌ، يتلوها آخر. ونحوَ ذَلِك قَالَ أَبُو عُبَيْدَة، وَأنْشد:
وشافع فِي بَطنهَا لَهَا ولدْ
ومَعَها من خلفهَا لَهُ وَلَدْ
وَقَالَ:
مَا كَانَ فِي الْبَطن طلاها شافعُ
وَمَعَهَا لَهَا وليدٌ تابعُ(1/278)
الأصمعيّ: نَاقَة شَفوع: تجمع بَين مِحلبين فِي حَلْبة، وَهِي القَرون.
وشُفعة الضُّحى: رَكعَتَا الضُّحى؛ جَاءَ فِي الحَدِيث.
شعف: قَالَ الله جلّ وعزّ: {قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِى ضَلَالٍ مُّبِينٍ} (يُوسُف: 30) . وَقد قرىء الْحَرْف بِالْعينِ والغين، فَأَخْبرنِي المنذريّ عَن الْحُسَيْن بن فهم عَن مُحَمَّد بن سلاّم، عَن يُونُس أَنه قَالَ: مَن قَرَأَهَا (شعفها حبا) فَمَعْنَاه تيَّمها. وَمن قَرَأَهَا: {شَغَفَهَا} (يُوسُف: 30) قَالَ: أصَاب شغَافها.
وَأخْبرنَا عَن الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت أَنه قَالَ: شَعَفه الحبُّ، إِذا بلغ مِنْهُ. وفلانٌ مشعوفٌ بفلانة، وَقد شعفَه حبُّها. وَيُقَال شَعَفَ الهِناءُ الْبَعِير، إِذا بلغ مِنْهُ ألمه.
وَقَالَ الْفراء فِي قَوْله {شَغَفَهَا} (يُوسُف: 30) : زَعَمُوا أَن الحسنَ كَانَ يقْرَأ بهَا. قَالَ: وَهُوَ من قَوْله شُعِفْتُ بهَا، كَأَنَّهُ قد ذهب بهَا كلّ مَذْهَب. والشَّعَف: رُؤُوس الْجبَال.
وَقَالَ أَبُو عبيد: الشَّعْف بِالْعينِ: إحراق الحبِّ القلبَ مَعَ لذَّةٍ يجدهَا، كَمَا أنّ البعيرَ إِذا هُنِىءَ بالقَطِران يبلغ مِنْهُ مثل ذَلِك.
وَقَالَ شمر: شَعَفَها: ذهبَ بهَا كلَّ مَذْهَب.
قَالَ: والمشعوف: الذاهبُ الْقلب. وَأهل هجر يَقُولُونَ للمجنون: مشعوف.
وَقَالَ أَبُو سعيد فِي قَوْله:
كَمَا شَعَفَ المنهوءَةَ الرجلُ الطالِي
يَقُول: أحرقْتُ فؤادها بحبِّي كَمَا أحرقَ الطالي هَذِه المهنوءة.
وَقَالَ أَبُو زيد: شعَفه حبُّها يَشعَفُه، إِذا ذهبَ بفؤاده، مثل شعَفَه المرضُ، إِذا أذابَه. قَالَ: وَقَوله:
كَمَا شَعَفَ المهنوءةَ الرجلُ الطالي
يَقُول: فؤادها طَائِر من لذّة الهِناء.
سَلمَة عَن الْفراء عَن الدُّبيرية قَالَت: يُقَال ألْقى عَلَيْهِ شَعَفَه وشغَفَه، ومَلقَه، وحُبَّه وحُبَّتَه، وبِشرَه بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي فِي قَوْله:
شَعَف الكلابُ الضارباتُ فؤادَهُ
قَالَ: المشعوف: الذاهبُ الْفُؤَاد. وَبِه شُعافٌ أَي جُنُون. وَقَالَ جندلٌ الطُّهوَيّ:
وَغير عَدْوَى من شُعافٍ وحَبَن
والحَبَن: المَاء الْأَصْفَر.
وَفِي الحَدِيث: (مِن خير النَّاس رجلٌ فِي شَعفَةٍ فِي غُنَيمةٍ لَهُ حتّى يَأْتِيهِ الْمَوْت) ، قَالَ أَبُو عبيد: الشَّعفة: رَأس الْجَبَل.
قلت: وَتجمع شَعَفاتٍ.
وَفِي حَدِيث آخر أَنه ذكر يأجوجَ وَمَأْجُوج فَقَالَ: (عِراض الْوُجُوه صِغار الْعُيُون، صُهْب الشِّعاف، من كلِّ حَدَبٍ يَنسِلون) . قَوْله: صُهب الشِّعاف يُرِيد شُعُور رؤوسهم، واحدُها شَعَفة، وَهِي أَعلَى الشَّعَر. وشَعَفَة كلّ شَيْء: أَعْلَاهُ.
وَقَالَ رجل: ضرَبني عمرُ بدِرَّته فأغاثني الله بشَعفَتين فِي رَأْسِي) ، يَعْنِي أنَّهما وقَتَاه الضَّربَ. وَأَرَادَ بهما ذؤابتين على رَأسه.
وَقَالَ أَبُو زيد: الشَّعْفة: المَطْرة الهيِّنة. قَالَ: ومثلٌ للْعَرَب: (مَا تنفَع الشَّعْفة فِي(1/279)
الْوَادي الرُّغُب) . يضْرب مثلا للَّذي يعطيك قَلِيلا لَا يَقع مِنْك مَوقعاً وَلَا يسدُّ مَسَدّاً. والوادِي الرُّغُب: الْوَاسِع الَّذِي لَا يملؤه إِلَّا السَّيْل الجُحاف.
وَمن أمثالهم الْمَعْرُوفَة: (لكِنْ بشَعْفينِ أنتِ جَدُود) . يُضرب مثلا لمن كَانَ فِي حالٍ سيِّئة فحسنت حالُه. وشَعْفانِ: جبلانِ بالغَور.
وَقَالَ اللَّيْث: الشَّعَف: رُؤُوس الكمأة والأثافي المستديرة. قَالَ: وشَعَفة الْقلب: رأسُه عِنْد معلَّق النِّياط، وَلذَلِك يُقَال: شَعفَني حبُّها. قَالَ: وشعفَات الأثافي والأبنية: رؤوسُها. وَقَالَ العجّاج:
دَواخساً فِي الأرضِ إلاَّ شَعفَا
قلت: مَا علمتُ أحدا جَعَلَ للقلب شَعَفةً غير اللَّيْث. والحبُّ الشديدُ يتمكّن من سَواد الْقلب لَا مِن طَرفه.
عشف: أهملَه اللَّيْث. وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: العَشُوف: الشَّجَرَة الْيَابِسَة.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل فِي كتاب (الْمنطق) : الْبَعِير إِذا جِيءَ بِهِ أوّلَ مَا يُجاءُ بِهِ لَا يَأْكُل القَتَّ والنَّوَى، يُقَال إنّه لمُعْشِف. والمُعْشِف: الَّذِي عُرضَ عَلَيْهِ مَا لم يكن يَأْكُل فَلم يأكلْه. وأكلتُ طَعَاما فأعشَفْتُ عَنهُ، أَي مرِضتُ عَنهُ وَلم يهنأني. وإنّي لأعشِفُ هَذَا الطعامَ أَي أقْذَره وأكرهه. وَوَاللَّه مَا يُعشَف لي الْأَمر الْقَبِيح، أَي مَا يُعرفُ لي. وَقد ركبتَ أمرا مَا كَانَ يُعشَف لَك، أَي مَا كَانَ يُعرف لَك.
عفش: أهمله اللَّيْث. وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : بهَا عُفاشَة من النَّاس، ونُخاعة، ولفُاظة، يَعْنِي من لَا خير فِيهِ من النَّاس.
(بَاب الْعين والشين مَعَ الْبَاء)
عشب، عبش، شبع، شعب، بشع: مستعملات.
عشب: قَالَ اللَّيْث: العَشْب: الْكلأ الرَّطْب، وَهُوَ سَرَعان الْكلأ فِي الرّبيع يَهيج وَلَا يبقَى. وأرضٌ عَشِبةٌ ومُعْشِبة، وَقد أعشَبتْ واعشوشبتْ إِذا كثُر عُشْبُها. وأعشبَ القومُ إِذا أَصَابُوا عُشْباً. قَالَ: وأرضٌ عَشِبة بيّنة العَشَابة. وَلَا يُقَال عَشِبت الأَرْض، وَهُوَ قياسٌ إنْ قيل. وَأنْشد لأبي النَّجْم:
يقُلْن للرائد أعشبتَ انزلِ
قلت: الْكلأ عِنْد الْعَرَب يَقع على العُشْب وَهُوَ الرُّطْب، وعَلى العُرْوة وَالشَّجر والنصِيّ والصِّلِّيان الطيّب، كلُّ ذَلِك من الْكلأ، فأمّا العُشْب فَهُوَ الرُّطْب من الْبُقُول البريّة تنْبت فِي الرّبيع. وَيُقَال روضٌ عاشب: ذُو عُشْب. وروضٌ مُعْشِب. وَيدخل فِي العُشب أَحْرَار الْبُقُول وذكورها. فأحرارها: مَا رقَّ مِنْهَا وَكَانَ نَاعِمًا. وذكورها: مَا صُلب وغلُظ مِنْهَا.
وَقَالَ الأصمعيّ: يُقَال شيخٌ عَشَمة بِالْمِيم. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: يُقَال شيخ عَشمة وعَشبة، بِالْمِيم وَالْبَاء. وَقَالَ غَيرهمَا: عيالٌ عَشَبٌ: لَيْسَ فيهم صَغِير. وَقَالَ الراجز:
جمعتُ مِنْهُم عَشَباً شَهابرا
وَقَالَ اللَّيْث: رجلٌ عَشَبٌ وامرأةٌ عَشَبة،(1/280)
وهما القصيرانِ فِي دَمامة. وَقد عَشُب عُشوبةً وعَشابة.
وَقَالَ ابْن السّكيت: إِذا رعَى البعيرُ العُشبَ قيل عاشب. قَالَ: وبَلَدٌ عاشبٌ وَقد أعشَبَ، أَي ذُو عُشْب. وأرضٌ مُعْشِبة وعَشيبة: كَثِيرَة العُشب.
وَقَالَ اللِّحيانيّ: يُقَال هَذِه أرضٌ فِيهَا تعاشيب، إِذا كانَ فِيهَا ألوانُ العُشْب.
عبش: أهمله اللَّيْث. وروى أَبُو عُمَر عَن ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: العَبْش الصَّلاح فِي كلّ شَيْء. قَالَ: وَالْعرب تَقول: الخِتان عَبْشٌ لِلصَّبيِّ، أَي صلاحٌ، بِالْبَاء. وَذكره فِي مَوضِع آخر العَمْش بِالْمِيم. وَقد ذكره اللَّيْث فِي كِتَابه فهما لُغَتَانِ. يُقَال الخِتان صلاحٌ للْوَلَد فاعمِشوه واعبِشُوه. وكلتا اللغتين صَحِيحَة.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: العَبْش: الغباوة. ورجلٌ بِهِ عُبْشة.
شعب: قَالَ الله جلّ وعزّ: {وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ} (الحُجرَات: 13) قَالَ الْفراء: الشُّعوب أكبر من الْقَبَائِل، والقبائل أكبر من الأفخاذ.
أَبُو عبيد عَن ابْن الكلبيّ أَنه قَالَ: الشَّعْب أكبر من الْقَبِيلَة، ثمَّ الْقَبِيلَة، ثمَّ الْعِمَارَة، ثمَّ الْبَطن، ثمَّ الفَخِذ.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب قَالَ: أُخِذت الْقَبَائِل من قبائل الرَّأْس لاجتماعها. قَالَ: وَمِنْهَا الشَّعب والشُّعوب، والقبائل دونهَا.
وَقَالَ اللَّيْث: الشَّعب: مَا تشعَّب من قبائل الْعَرَب والعجم. والجميع الشُّعوب. قَالَ: والشُّعوبيُّ: الَّذِي يصغِّر شأنَ الْعَرَب وَلَا يرى لَهُم فضلا على غَيرهم.
وروَى أَبُو عبيدٍ بإسنادٍ لَهُ حَدِيثا عَن مَسْرُوق أنّ رجلا من الشُّعوب أسلمَ فَكَانَت تُؤْخَذ مِنْهُ الْجِزْيَة، فَأمر عُمر بألاّ تؤخَذ مِنْهُ.
قَالَ أَبُو عبيد: والشُّعوب هَاهُنَا: الْعَجم، وَفِي غير هَذَا الْموضع أَكثر من الْقَبَائِل.
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: الشَّعب شَعْب الرَّأْس: يَعْنِي شأنَه الَّذِي يضُمُّ قبائله. قَالَ: وَفِي الرَّأْس أربعُ قبائل. وَأنْشد:
فإنْ أودَى معاويةُ بن صخرٍ
فبشِّر شَعبَ رَأسك بانصداعِ
قَالَ: والشَّعب: أَبُو الْقَبَائِل الَّذِي ينتسبون إِلَيْهِ، يَعْنِي يجمعهُمْ ويضمُّهم. قَالَ: وَيُقَال شَعَبتُه، أَي فرّقته. وشعَبتُه، أَي أصلحته. قَالَ: والشَّعيب: المزادة، سمِّيت شعيباً لِأَنَّهَا من قطعتين شُعِبتْ إِحْدَاهمَا إِلَى الْأُخْرَى، أَي ضُمَّتْ. وَأنْشد أَبُو عبيدٍ لعليّ بن الغدير الغَنَويّ فِي الشَّعب بِمَعْنى التَّفْرِيق:
وَإِذا رَأَيْت المرءَ يشعَبُ أمره
شَعْبَ الْعَصَا ويَلجُّ فِي العِصيانِ
قَالَ: مَعْنَاهُ يفرِّق فِي أمرَه.
وَرُوِيَ عَن ابْن عبّاس أنّ رجلا قَالَ لَهُ: مَا هَذِه الفُتيا الَّتِي شعَبت النَّاس. قَالَ أَبُو عبيد: معنى شَعَبَتْ فرّقت الناسَ. وَقَالَ الأصمعيّ: شعبَ الرجلُ أمرَه، إِذا فرَّقَه وشتَّته. قَالَ أَبُو عبيد: وَيكون الشَّعب(1/281)
بِمَعْنى الْإِصْلَاح. وَهَذَا الْحَرْف من الأضداد. وَأنْشد للطِرمّاح:
شَتَّ شَعبُ الحيِّ بعد التئامْ
وشجاكَ اليومَ رَبعُ المُقَامْ
إنّما هُوَ شَتَّ الْجَمِيع وَمِنْه شَعْب الصَّدع فِي الْإِنَاء، إنّما هُوَ إصلاحُه وملاءمته وَنَحْو ذَلِك.
وَقَالَ ابْن السّكيت فِي الشّعب إِنَّه يكون بمعنيين: يكون إصلاحاً، وَيكون تفريقاً.
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو زيد: يُقَال أقَصَّته شَعوبُ إقصاصاً، إِذا أشرف على الْمنية ثمَّ نجا، وشَعوبُ: اسْم المنيّة معرفةٌ لَا تَنْصَرِف.
أَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْهَيْثَم: يُقَال شعَبتْه شَعوبُ فأشعَبَ، أَرَادَ بشعوب الْمنية. فأشعَبَ، أَي مَاتَ.
وَقَالَ ابْن السّكيت: أشعبَ الرجلُ، إِذا ماتَ أَو فارقَ فِراقاً لَا يرجع. وَقَالَ غَيره: انشعبَ الرجلُ، إِذا مَاتَ. وَأنْشد:
لاقَى الَّتِي تشعَبُ الْأَحْيَاء فانشعبا
وَقَالَ اللَّيْث: الشَّعْب: الصَّدْع الَّذِي يشعبه الشَّعَّاب. والمِشْعَب: مِثقَبُه. والشُّعْبة: الْقطعَة الَّتِي يُوصَل بهَا الشَّعب من القَدَح.
قَالَ وَيُقَال أشعبَه فَمَا يَنْشعِب، أَي مَا يلتئم. قَالَ: والتأم شَعب بني فلانٍ، إِذا كَانُوا متفرِّقين فَاجْتمعُوا. قَالَ: وَيُقَال تفرَّق شَعبُهم. وَهَذَا من عجائب كَلَامهم.
قَالَ: وانشعبَ الطريقُ، إِذا تفرَّق. وانشعَبَ النَّهر، وانشعبت أغصانُ الشَّجَرَة. قَالَ: وَيُقَال هَذِه عَصاً فِي رَأسهَا شُعبتانِ.
قلت: وسماعي من الْعَرَب عَصا فِي رَأسهَا شُعبان بِغَيْر تَاء.
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (إِذا قَعَد الرجلُ من الْمَرْأَة بَين شُعَبها الْأَرْبَع اغتسلَ) ، وَقَالَ بعضُهم: شُعَبها الْأَرْبَع: يداها ورجلاها، كُنِي بِهِ عَن الْإِيلَاج. وَقَالَ غَيره: شُعَبها الْأَرْبَع: رجلاها وشُفْرا فرجهَا كنَّى بذلك عَن تغييبه الْحَشَفَة فِي فرجهَا.
وَقَالَ اللَّيْث: شُعَب الْجبَال رؤوسها. وأقطارُ الْفرس: شُعَبُه، وَهِي عُنقُه ومَنْسِجهُ وَمَا أشرف مِنْهُ. وَأنْشد:
أشمُّ خنذيذٌ منيفٌ شُعَبُه
وشُعَب الدَّهْر: حالاته. وَأنْشد قَول ذِي الرمّة:
وَلَا تَقَسَّمَ شَعباً وَاحِدًا شُعَبُ
أَي ظننتُ ألاّ يتقسَّم الْأَمر الواحدَ أمورٌ كَثِيرَة.
قلت: لم يجوِّد الليثُ فِي تَفْسِير الْبَيْت. وَمَعْنَاهُ أنّه وصف أَحيَاء كَانُوا مُجْتَمعين فِي الرَّبيع، فلمَّا قَصَدوا المَحاضرَ تقسَّمتهم الْمِيَاه. وشُعَب الْقَوْم: نِيَّاتُهم فِي هَذَا الْبَيْت، وَكَانَت لكلّ فرقةٍ مِنْهُم نيَّةٌ غير نيَّة الآخرين، فَقَالَ: مَا كنت أظنُّ أنّ نيّات مُخْتَلفَة تفرِّق نيّةً مجتمعة. وَذَلِكَ أنَّهم كَانُوا فِي منتواهم ومنتجعهم مُجْتَمعين على نيّة وَاحِدَة، فلمَّا هاجَ العُشبُ ونَشَّت الغُدرانُ توزَّعتْهم المحاضر، فَهَذَا معنى قَوْله:(1/282)
وَلَا تَقَسَّم شعبًا وَاحِدًا شُعَبُ
وأوَّلُه:
لَا أَحسب الدهرَ يُبلِي جِدَّةً أبدا
وَلَا تَقسَّمَ شعبًا وَاحِدًا شُعَبُ
وَقَالَ اللَّيْث: مَشعَب الحقّ: طَرِيق الْحق. وَقَالَ الْكُمَيْت:
وَمَا ليَ إلاّ مَشعَبَ الحقِّ مَشْعَبُ
قَالَ: وظبْيٌ أشعبُ، إِذا انفرقَ قرناه فتباينا بينونةً شَدِيدَة.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: تَيسٌ أشعبُ، إِذا انْكَسَرَ قرنُه. وعنزٌ شَعْباء.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الأشعب: الظَّبْي الَّذِي قد انشعَبَ قرناه، أَي تبَاعد مَا بَينهمَا.
وَقَالَ اللَّيْث: والشَّعب: مَا انفرج بَين جبلين. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الشّعب: مسيل المَاء فِي بطن من الأَرْض لَهُ حرفان مشرفان، وعرضُه بطحةُ رجلٍ إِذا انبطح. وَقد يكون بَين سندَيْ جبلين.
وَقَالَ اللَّيْث: الشُّعَب: الْأَصَابِع قَالَ: وَالزَّرْع يكون على ورقةٍ ثمّ يشعِّب. قَالَ: وَيُقَال للْمَيت: قد انشعَبَ. وَأنْشد لسهمٍ الغنويّ:
حتّى يصادفَ مَالا أَو يقالَ فَتى
لاقَى الَّتِي تَشعَبُ الفِتيانَ فانشعبا
قَالَ: والشِّعب: سِمَةٌ لبني مِنقَر كَهَيئَةِ المِحجَن وَصورته. وجَمَلٌ مشعوب.
وشَعبان: اسْم شهر. وشَعبانُ: حيٌّ من الْيمن. وَقَالَ غَيره: إِلَيْهِم نُسِب الشَّعْبيّ. والشُّعبة: صَدْعٌ فِي الْجَبَل تأوي إِلَيْهِ الطُّيور.
وشَعَبعَب: مَوضِع.
وَقَالَ الأصمعيّ: شَعَبه يَشعَبه شعبًا، إِذا صَرَفَه. وشعَبَ اللجامُ الفرسَ، إِذا كفَّه. وَأنْشد:
شاحِيَ فِيهِ واللجامُ يشعَبُه
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الشِّعاب: سِمةٌ فِي الْفَخْذ فِي طولهَا، خَطَّان يُلاقَى بَين طرفيهما الأعليين، والأسفلان متفرّقان. وَأنْشد:
نارٌ عَلَيْهَا سِمَةٌ الغواضرْ
الحَلْقتان والشِّعابُ الفاجرْ
يُقَال بعير مشعوب وإبل مشعَّبة. وَقَالَ غَيره: شُعَبَى: اسْم مَوضِع فِي جبل طيّىء.
وَقَالَ الكسائيّ: الْعَرَب تَقول: أبي لَك وشعبي لَك، مَعْنَاهُ فديتك. وَأنْشد:
قَالَت رَأَيْت رجلا شَعْبِي لكِ
مُرَجّلاً حسبتُه ترجيلَك
قَالَ: وَمَعْنَاهُ رَأَيْت رجلا فديتك شبَّهتُه إياك.
وَقَالَ الأصمعيّ: يسمَّى الرَّحْلُ شَعِيباً. وَمِنْه قَول المرّار يصف نَاقَة:
إِذا هِيَ خَرَّت خَرَّ مِن عَن شِمالها
شَعِيبٌ بِهِ إجمامُها ولُغوبها
يَعْنِي الرَّحْلَ لأنّه مشعوبٌ بعضُه إِلَى بعض، أَي مضموم، وَكَذَلِكَ المزادَة(1/283)
سميت شَعيباً لأنَّه ضُمَّ بعضُها إِلَى بعض.
وَقَالَ شمر عَن ابْن الأعرابيّ: الشَّعِيب: المزادة من أديمَين يُقابَلان لَيْسَ فيهمَا فِئَام فِي زواياهما. وَقَالَ الرَّاعِي يصف إبِلا ترعى فِي العَزيب:
إِذا لم تَرُح أدَّى إِلَيْهَا معجِّلٌ
شعيبَ أَدِيم ذَا فِراغَينِ مُترعا
يَعْنِي: ذَا أديمين قُوبِل بَينهمَا. قَالَ: والشَّعيب مثل السَّطيحة.
شبع: رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (المتشبِّع بِمَا لَا يَملك كلابسِ ثَوبَيْ زُور) قَالَ أَبُو عبيد: يَعْنِي المتزيِّن بِأَكْثَرَ ممّا عِنْده يتكثَّر بذلك ويتزيَّن بِالْبَاطِلِ، كَالْمَرْأَةِ تكون للرجل وَلها ضرائر، فتتشبّع تدَّعي من الحُظوة عِنْد زَوجهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا عِنْده لَهَا، تُرِيدُ بذلك غَيظَ جارتها وإدخالَ الْأَذَى عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الرِّجَال. وَمعنى ثَوْبَي الزُّور: أَن يُعمَد إِلَى الكُمَّينِ فيُوصَلَ بهما كُمَّانِ آخَرانِ، فَمن نظر إِلَيْهِمَا ظنَّهما ثَوْبَيْنِ.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الشِّبْع من الطَّعَام: مَا يَكْفِيك. والشِّبَع الْمصدر. يُقَال قدِّمْ إليَّ شِبْعي. قَالَ: والشَّبْع: غلظ السَّاقين. والشِّبْع: مصدر شَبِع يشبَعُ شِبَعاً.
قَالَ اللَّيْث قَالَ: الشِّبْع: اسْم مَا أشبعَ من الطَّعام وَغَيره. وَأنْشد:
وكلُّكمُ قد نَالَ شِبْعاً لبطنه
وشِبْع الْفَتى لؤمٌ إِذا جاعَ صاحبُه
ورجلٌ شَبْعانُ وامرأةٌ شَبْعي وشَبعانة. وَقَالَ غَيره: امرأةٌ شَبعَى الوشاحِ، إِذا كَانَت مُفاضةً. وَامْرَأَته شَبَعي الدِّرع، إِذا كَانَت ضخمةً. وَيُقَال: أشبعتُ الثوبَ صِبْغاً. وكلُّ شيءٍ توفّره فقد أشبعتَه حتّى الْكَلَام يُشْبَع فيوفَّر حروفُه.
وَجَاء فِي الحَدِيث أنّ زمزمَ كَانَ يُقَال لَهَا شُباعة فِي الْجَاهِلِيَّة؛ لأنّ ماءها يُروِي العَطْشان ويُشْبع الغَرثان.
وَقَالَ أَبُو زيد: هَذَا ثوبٌ شَبيع وثيابٌ شُبُع، إِذا أَكْثرُوا غزل الثَّوْب وثَلّة الحَبْل، وَهُوَ صوفُه أَو شعره وَوبره.
ابْن السّكيت: يُقَال هَذَا بلدٌ قد شَبِعتْ غنمُه، إِذا وُصِف بِكَثْرَة النَّبْت، وَهَذَا بلدٌ قد شُبِّعتْ غنمُه، إِذا قاربت الشِّبَع وَلم تَشْبَعْ.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: شَبُع عقلُه فَهُوَ شَبيع؛ ورجلٌ مُشْبَع الْعقل وشبيع الْعقل، أَخْبرنِي بذلك المنذريّ عَن ثَعْلَب عَنهُ.
بشع: قَالَ اللَّيْث: البَشَع: طعمٌ كريهٌ فِيهِ حُفوفٌ ومرارةٌ كطعم الهَليلَج قَالَ: ورجلٌ بَشِع الْفَم وامرأةٌ بشِعة الْفَم، إِذا كَانَ رَائِحَة فمهما كريهة لَا يتخللان وَلَا يستاكان والمصدر البَشَع والبَشاعة. ورجلٌ بَشِع الخُلُق، إِذا كَانَ سيِّيء العِشرة والخُلق. ورجلٌ بَشِع المنظر، إِذا كَانَ دميماً.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: البَشِع: الخَشِن من الطَّعام واللِّباس وَالْكَلَام.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: رجلٌ بَشِع النَّفس، أَي خَبِيث النَّفْس. وبَشِع الوجْه، إِذا كَانَ(1/284)
عَابِسا باسراً. وثوبٌ بَشِعٌ: خَشِن. وأكلنا طَعَاما بَشِعاً، أَي حافّاً يَابسا لَا أُدْمَ فِيهِ. وخَشَبة بَشِعة: كثيرةُ الأُبَن.
وَقَالَ ابْن دُريد: البَشَع: تَضايُق الحَلْق بطعامٍ خَشِن. قَالَ: وبَشِعَ الْوَادي بشَعاً، إِذا تضايقَ بِالْمَاءِ. وبَشِعْتُ بِهَذَا الْأَمر: ضِقتُ بِهِ ذَرْعاً. وكلامٌ بَشِعٌ: خَشِن.
(بَاب الْعين والشين مَعَ الْمِيم)
عشم، عمش، شعم، شمع، معش مشع: مستعملات.
عشم: أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: شيخٌ عَشَمة. وَقَالَهُ أَبُو عُبَيْدَة.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: العَشَم: الشُّيُوخ. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: العُشُم: ضربٌ من الشّجر، واحده عاشم وعَشِم.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: العَيشوم؛ نبت. وَقَالَ اللَّيْث: هُوَ مَا يبِس من الحُمَّاض. وَأنْشد:
كَمَا تَناوحَ يومَ الرِّيح عَيشومُ
قلت: العَيشوم: نبتٌ غير الحُمَّاض، وَهُوَ من الخُلَّة يشبه الثُّدَّاء.
وَقَالَ اللَّيْث: عَشمَ الخبزُ يَعشِم عُشوماً، وخبزٌ عاشم.
قلت: لَا أعرف العاشم فِي بَاب الخُبز. والعُسوم بِالسِّين: كِسَر الخُبز الْيَابِسَة، قَالَه يُونُس فِيمَا رَوَاهُ شمر.
عمش: أَبُو زيد: الْأَعْمَش: الْفَاسِد الْعين الَّذِي تَغْسِق عَيناهُ. وَمثله الأرمَص.
وَقَالَ اللَّيْث العَمَش: ألاّ تزَال العينُ تُسيل الدَّمع، وَلَا يكَاد الْأَعْمَش يُبصر بهَا. وَالْمَرْأَة عمشاءُ. وَالْفِعْل عَمِشَ يَعمَشُ عَمَشاً.
قَالَ: والعَمْش: مَا يكون فِيهِ صلاحُ الْبدن. يُقَال الخِتان عَمْشٌ للغلام؛ لِأَنَّهُ يُرَى فِيهِ بعد ذَلِك زِيَادَة. وَهَذَا طعامٌ عَمِشٌ لَك، أَي موافقٌ لَك.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي مثله فِي العَمْش، أنّه صلاحُ الْبدن. وَقَالَ: يُقَال اعمِشُوه، أَي طهِّروه، يَعْنِي الْغُلَام.
وَقَالَ غَيره: عَمِشَ جسمُ المريضُ، إِذا ثابَ إِلَيْهِ. وَقد عمَّشه الله تعميشاً. وفلانٌ لَا تَعمِش فِيهِ الموعظةُ، أَي لَا تنجع. وَقد عَمَش فِيهِ قولُك، أَي نجع.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: العُمْشوش: العُنقود يُؤْكَل مَا عَلَيْهِ ويُترك بعضُه، وَهُوَ العُمشوقُ أَيْضا، حَكَاهُ أَحْمد بن يحيى عَنهُ.
وَيُقَال تعامَشْتُ أَمر كَذَا وتعامستُه وتعامصتُه، وتغاطسته وتغاطشته، وتعاشيتُه، كلُّه بِمَعْنى تغابيتُه.
شعم: أهمله اللَّيْث. روى أَبُو الْعَبَّاس عَن عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الشَّعْم: الْإِصْلَاح بَين النَّاس. وَهُوَ حرفٌ غَريب.
وَقَالَ أَبُو الْحسن اللِّحياني: رجلٌ شُعمومٌ وشُغْمومٌ، بِالْعينِ والغين، أَي طَوِيل.
معش: أهمله اللّيث: وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ أنّه قَالَ: المَعْش بالشين: الدَّلك الرَّفيق.
قلت: وَهُوَ المَعْس بالسِّين أَيْضا، يُقَال(1/285)
مَعَسَ إهابَه مَعْساً. وكأنَّ المَعْشَ أهْوَنُ من المَعْس.
شمع: رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (مَن يتتبَّع المَشْمَعَة يُشمِّع الله بِهِ) . قَالَ القتيبيّ: المَشْمعة: المُزاح والضّحِك. وَقَالَ المتنخّل الْهُذلِيّ:
سأبدؤهم بمَشمَعةٍ وأَثْنِي
بجُهدي من طعامٍ أَو بِساطِ
يُرِيد أنَّه يبْدَأ أضيافَه عِنْد نزولهم بالمُزاح والمضاحكة، ليؤنسهم بذلك.
قَالَ: وَيُقَال شَمَع الرجلُ يَشمَع شُموعاً، إِذا لم يَجِدَّ. وَمِنْه قَول أبي ذُؤَيْب الهذليّ:
فيجِدُّ حينا فِي العلاج ويَشْمَعُ
وَأَرَادَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنّ مَن كَانَ مِن شَأْنه العبثُ بِالنَّاسِ والاستهزاء، أصاره الله إِلَى حالةٍ يُعبَث بِهِ فِيهَا ويُستهزأ بِهِ مِنْهُ.
وَقَالَ أَبُو عبيد: الشَّموع: الْمَرْأَة اللعوب الضَّحوك.
وَقَالَ ابْن السكّيت: قُلِ الشَّمَع للمُومِ وَلَا تقل الشَّمْع.
وَقَالَ اللَّيْث: أشمَع السِّراجُ، إِذا سَطَعَ نورُه. وَأنْشد:
كلمعِ بَرقٍ أَو سراجٍ أَشمَعا
مشع: قَالَ اللَّيْث: المَشْع: نوعٌ من الْأكل. يُقَال مَشَعتُ القِثّاءَ مشعاً، أَي مَضَغته.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: المَشْع: السَّير السهل. والمَشْع: أكل القِثّاء وَغَيره مِمَّا لَهُ جَرْسٌ عِنْد الْأكل. قَالَ: وَيُقَال مشّعْنا القَصْعة تمشيعاً، أَي أكلنَا كلَّ مَا فِيهَا.
أَبُو عبيد عَن الْفراء: مَشع فلانٌ يَمشَع مَشْعاً، إِذا جَمَع وكسَب.
الْأَصْمَعِي: امتشع السَّيْف من غمده، إِذا امتعَدَه وسلّه مُسرِعاً.
وَقَالَ ابْن الْفرج: سَمِعت خليفةَ الحصينيَّ يَقُول: امتشعتُ مَا فِي الضَّرع وامتشقته، إِذا لم تدع فِيهِ شَيْئا. قَالَ: وَكَذَلِكَ امتشعت مَا فِي يَد الرجل وامتشقته، إِذا أخذت مَا فِي يَده كُله. قَالَ: وامتَشَعَ سيفَه وامتلخه، إِذا استلّه.
وروى ابْن شُمَيْل حَدِيثا أَنه نُهِيَ أَن يتَمشّع برَوْثٍ أَو عَظْم. قَالَ: والتمشُّع: التَّمسُّح فِي الِاسْتِنْجَاء.
قلت: وَهُوَ حرف صَحِيح. وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ: تمشَّعَ الرجُل وامتشَّ، إِذا أزالَ الْأَذَى عَنهُ.
(أَبْوَاب الْعين وَالضَّاد)
ع ض ص
ع ص س
ع ض ز
مهملات الْوُجُوه.
عضط: قَالَ ابْن دُرَيْد: العِضيَوط: الَّذِي يُحدث إِذا جامَعَ، وَيُقَال لَهُ العِذْيَوطُ. وَيُقَال للأحمق: أذوَط وأضْوَط.
(بَاب الْعين وَالضَّاد مَعَ الدَّال)
اسْتعْمل من وجوهه:
عضد: قَالَ الله جلّ وعزّ: {يُكَذِّبُونِ قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِئْايَاتِنَآ أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا} (القَصَص: 35) قَالَ الزّجاج: أَي سنُعينك بأخيك. قَالَ: وَلَفظ الْعَضُد على(1/286)
جِهَة الْمثل، لأنّ اليدَ فَوْقهَا عضدها؛ وكلّ معينٍ فَهُوَ عَضُد. وعاضَدَني فلانٌ على فلانٍ، أَي عاونَني.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: أهل تهَامَة يَقُولُونَ العُضُد والعُجُز. فيؤنّثونهما، وَتَمِيم تَقول العَضُد والعَجز ويذكِّرون، وَفِيه لُغَتَانِ أخريان عَضْدٌ وعُضْد. وَقَالَ جلّ وعزّ: {وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً} (الْكَهْف: 51) . وقرىء: (وَمَا كنت) ، أَي مَا كنت يَا مُحَمَّد لتتّخذ المضلِّين أنصاراً.
وعضُد الرجل: أنصارُه وأعوانه. والاعتضاد: التقوِّي والاستعانة.
وَقَالَ اللَّيْث: العضُد: مَا بَين المَرفِق إِلَى الْكَتف، وهما العَضُدَان، والجميع الأعضاد. وفلانٌ يَعضُد فلَانا، أَي يُعِينه. قَالَ: واليَعْضِيد: بقلةٌ من بقول الرّبيع فِيهِ مرَارَة.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: عَضُد الْحَوْض: من إزائه إِلَى مؤخّره. والإزاء: مصبُّ المَاء فِيهِ. قَالَ اللَّيْث: وَجمعه أعضادٌ. وَأنْشد للبيد:
راسخ الدِّمْنِ على أعضاده
ثلمتْهُ كلُّ ريحٍ وسَبَلْ
يصف الحوضَ الَّذِي قد طَال عهدُه بالواردة.
وَقَالَ أَبُو عبيد: المعضّد: الثَّوْب المخطَّط. قَالَ: وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال لأعلى ظَلِفَتي الرَّحْل ممّا يَلِي العَرَاقِي العَضُدان، وأسفلهما الظَّلِفتان، وهما مَا سَفَلَ من الحِنْوَين: الواسط والمؤخرة.
وَقَالَ اللَّيْث: للرَّحْل العَضُدان، وهما خشبتان لصيقتانِ بِأَسْفَل الواسط. قَالَ: وعِضادتا الإبزيم من الْجَانِبَيْنِ، وَمَا كَانَ نَحْو ذَلِك فَهُوَ العِضادة.
قلت: وعضادتا الْبَاب: الخشبتان المنصوبتان عَن يَمِين الدَّاخِل وشِماله.
وَيُقَال فلانٌ عَضُدُ فلانٍ، وعِضادته، ومُعاضِده، إِذا كَانَ يعاونه ويرافقه. وَقَالَ لبيد:
أَو مِسحَلٌ سَنِقٌ عِضادةُ سَمحجٍ
بسَراتها نَدَبٌ لَهُ وكُلومُ
يَقُول: هُوَ يَعضُدها يكون مرّةً عَن يَمِينهَا ومرّةً عَن يسارها لَا يفارقها: والعاضد: الَّذِي يمشي إِلَى جَانب دابّةٍ عَن يَمِينه أَو عَن يسَاره. وَقد عَضَد يعضُد عُضوداً، وَالْبَعِير معضود. وَقَالَ الراجز:
ساقَتُها أربعةٌ كالأشطانْ
يَعضُدها اثْنَان ويتلوها اثنانْ
وَيُقَال اعضُدْ بعيرك وَلَا تَتْلُه. وعضَد البعيرُ البعيرَ، إِذا أخذَه بِعضُده فصرعه، وضَبَعَه إِذا أَخذه بضَبْعه. وحمار عَضِدٌ وعاضد، إِذا ضمَّ الأتُن من جوانبها.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: العضادتان: العودان اللَّذَان فِي النِّير الَّذِي يكون على عُنُق ثَوْر العَجَلة. قَالَ: والواسط: الَّذِي يكون وسطَ النِّير.
وَقَالَ الكسائيّ: يُقَال للدُّملج المِعضَدَةُ، وَجَمعهَا مَعاضد.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: إِذا صَار للنخلة جِذعٌ يتَنَاوَل مِنْهُ المتناوِل فَتلك النَّخلةُ(1/287)
العَضِيد، وَجَمعهَا عِضْدانٌ. وَقَالَ غَيره: عَضَدَ القتبُ البعيرَ عضْداً، إِذا عضَّه فعقَره. وَقَالَ ذُو الرمة:
وهُنَّ على عَضْدِ الرِّحال صوابرُ
وعضَدَتها الرِّحالُ، إِذا ألحّتْ عَلَيْهَا. وأعضاد الْبَيْت: نواحيه. والعَضَد: مَا عُضِدَ من الشَّجر، بِمَنْزِلَة المعضود.
وَقَالَ النَّضر: أعضاد الْمزَارِع: جُدورها. والعَضَد: دَاء يَأْخُذ الْبَعِير فِي عَضُده، وَمِنْه قَول النَّابِغَة:
شَكَّ المُبيطِرِ إذْ يَشفي من العَضَدِ
ورجلٌ عُضاديٌّ: ضخم العضُد.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: عضَدتُ الرجلَ أعضُده، إِذا أصبتَ عَضُده، وَكَذَلِكَ إِذا أعنتَه وَكنت لَهُ عَضُداً.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: اليَعضِيد: التَّرْخَجْقُوق.
وَقَالَ ابْن السّكيت: امرأةٌ عَضَادٌ. وَقَالَ المؤرّج: وَيُقَال للرجل الْقصير عَضَاد. وَأنْشد قَول الهذليّ:
لَهَا عُنُق لم تُبْلِهِ جَيْدريَّةٌ
عَضَادٌ وَلَا مكنوزةُ اللَّحم ضَمْرَزُ
عَمْرو عَن أَبِيه: ناقةٌ عَضادٌ، وَهِي الَّتِي لَا تردُ النَّضيح حَتَّى يَخلُوَ لَهَا، تنصرمُ عَن الْإِبِل. وَيُقَال لَهَا القَذُور.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الْعَرَب تَقول: فلانٌ يفُتُّ فِي عَضُد فلانٍ ويَقدح فِي سَاقه. قَالَ: فالعَضُد: أهل بَيته. وساقُه: نَفسُه.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: إِذا نحرت الرِّيح من هَذِه العضُد أَتَاك الْغَيْث، يَعْنِي نَاحيَة الْيَمين.
الأصمعيّ: السَّيْف الَّذِي يُمتَهَنُ فِي قطع الشّجر يُقَال لَهُ المِعضَد. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: المعضاد: سيف يكون مَعَ القصّابين يُقطَع بِهِ الْعِظَام.
ع ض ت
ع ض ظ
ع ض ذ
ع ض ت
أهملت وجوهها غير حرف واحدٍ.
فِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : امْرَأَة تَعضوضة. قلت: أَرَاهَا الضيِّقة. والتَّعضوض: نوع من التَّمر.
قلت: وَالتَّاء فيهمَا لَيست بأصلية، وَهِي مثل ترنوق المَسِيل.
(بَاب الْعين وَالضَّاد مَعَ الرَّاء)
عرض، عضر، ضرع، رضع: مستعملة
عرض: قَالَ لله جلَّ وعزَّ: {وَلاَ تَجْعَلُواْ اللَّهَ عُرْضَةً لاَِيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ} (البَقَرَة: 224) قَالَ سَلمَة عَن الْفراء: يَقُول: لَا تجْعَلُوا الْحلف بِاللَّه مُعْتَرضًا مَانِعا لكم أَن تَبرُّوا، فَجعل العُرضة بِمَعْنى الْمُعْتَرض. ونحوَ ذَلِك قَالَ أَبُو إِسْحَاق الزجّاج.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: يُقَال جعلتُ فلَانا عُرضةً لكذا وَكَذَا، أَي نصبتُه لَهُ.
قلت: وَهَذَا قريبٌ مِمَّا قَالَه النحويون، لِأَنَّهُ إِذا نُصِب فقد صَار مُعْتَرضًا مَانِعا.
قلت: وَقَوله عُرضَة: فُعلة مِن عَرضَ يَعرِض.(1/288)
وكلُّ مانعٍ منعَكَ من شُغل وَغَيره من الْأَمْرَاض فَهُوَ عارضٌ، وَقد عَرضَ عارضٌ، أَي حَال حائلٌ وَمنع مَانع. وَمِنْه قيل لَا تَعرِضْ لفلانٍ، أَي لَا تعترضْ لَهُ فتمنعَه باعتراضك أَن يقْصد مُرادَه وَيذْهب مذهبَه. وَيُقَال سلكتُ طريقَ كَذَا فَعرض لي فِي الطَّريق عارضٌ، أَي جبلٌ شامخ قطع عليَّ مذهبِي على صَوْبي.
وَقَالَ أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: فلانٌ عُرضة للشَّرّ، أَي قويٌّ عَلَيْهِ. وفلانة عُرضةٌ للأزواج، أَي قويَّة على الزَّوْج.
قلت: وللعُرضة معنى آخر، وَهُوَ الَّذِي يَعرِض لَهُ الناسُ بالمكروه ويقَعون فِيهِ. وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
وإنْ يَتركوا رَهْط الفَدَوْكسِ عُصبةً
يتامَى أيامَى عُرضةً للقبائل
أَي نَصباً للقبائل يعترضهم بالمكروه مَن شَاءَ.
وَقَالَ اللَّيْث: فلانٌ عُرضَةٌ للنَّاس: لَا يزالون يَقعون فِيهِ.
وَقَول الله جلّ وعزّ: {يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَاذَا الاَْدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا} (الأعرَاف: 169) قَالَ أَبُو عبيد: جَمِيع مَتَاع الدُّنيَا عَرَضٌ، بِفَتْح الرَّاء. يُقَال: إنّ الدُّنيا عَرضٌ حَاضر، يَأْكُل مِنْهَا البَرُّ والفاجر. وَأما العَرْض بِسُكُون الرَّاء فَمَا خالفَ الثمنَين: الدَّنانيرَ وَالدَّرَاهِم، من مَتَاع الدُّنيا وأثاثها، وَجمعه عُروض. فَكل عَرْضٍ داخلٌ فِي العَرَض، وَلَيْسَ كلُّ عَرَضٍ عَرْضاً.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يُقَال عَرَضْتُ لفلانٍ من حقِّه ثوبا فَأَنا أعرِضه عَرضاً، إِذا أعطيتَه ثوبا أَو مَتَاعا مكانَ حقِّه. و (من) فِي قَوْلك عرضت لَهُ من حقّه بِمَعْنى الْبَدَل، كَقَوْل الله عزّ وجلّ: {إِسْرَاءِيلَ وَلَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلَائِكَةً فِى الاَْرْضِ يَخْلُفُونَ} (الزّخرُف: 60) يَقُول: لَو نشَاء لجعلنا بدلكم فِي الأَرْض مَلَائِكَة.
وَقَالَ اللَّيْث: عَرضَ فلانٌ من سِلعته، إِذا عارضَ بهَا: أعْطى وَاحِدَة وأخذَ أُخْرَى. وَأنْشد قَول الراجز:
هَل لكِ والعارِضُ منكِ عائضُ
فِي مائَة يُسْئِر مِنْهَا القابضُ
قلت: وَهَذَا الرجز لأبي مُحَمَّد الفقعسيّ يُخَاطب امْرَأَة خطبَها إِلَى نَفسهَا ورغّبها فِي أَن تنكحه بِمِائَة من الْإِبِل يَجعلها لَهَا مهْرا. وَفِيه تَقْدِيم وَتَأْخِير، وَالْمعْنَى: هَل لكِ فِي مائَة من الْإِبِل يُسئر مِنْهَا قابضُها الَّذِي يَسُوقهَا لكثرتها. ثمَّ قَالَ: والعارض مِنْك عائض، أَي المعطِي بدل بُضْعكِ عَرْضاً عائض، أَي آخذ عِوضاً يكون كِفاءً لما عَرَضَ مِنْك. يُقَال عِضْتُ أَعاضُ، إِذا اعتضتَ عوضا، وعُضْتُ أعوض، إِذا عوَّضت عوضا، أَي دفعت. فَقَوله عائض من عِضْت لَا من عُضْت.
وَقَالَ اللَّيْث: العَرَض من أَحْدَاث الدَّهْر من الْمَوْت وَالْمَرَض وَنَحْو ذَلِك. وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْأَصْمَعِي: العَرَض: الْأَمر يَعرِضُ للرجل يُبتَلَى بِهِ. قَالَ: وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال أَصَابَهُ سهمُ عَرَضٍ، مُضَاف، وَحَجَر عَرَض، إِذا تُعُمِّد بِهِ غيرُه فَأَصَابَهُ. فَإِن سقَطَ عَلَيْهِ حجرٌ من غير أَن يَرمِيَ بِهِ أحدٌ فَلَيْسَ بعَرَض. ونحوَ ذَلِك قَالَ النَّضر.(1/289)
وَيُقَال: مَا جَاءَك من الرَّأْي عَرَضاً خيرٌ مِمَّا جَاءَك مُستكرَهاً، أَي مَا جَاءَك من غير تروية وَلَا فكر. وَيُقَال: عُلِّق فلانٌ فلانةَ عَرَضاً، إِذا رَآهَا بَغْتَة من غير أنْ قصَدَ لرؤيتها فَعَلِقَها.
وَقَالَ ابْن السّكيت فِي قَوْله: (عُلِّقْتُها عرضا) : أَي كَانَت عَرَضاً من الْأَعْرَاض اعترضَني من غير أَن أطلبه. وَأنْشد:
وإمّا حُبّها عَرَضٌ وإمّا
بشاشة كلّ علقٍ مستفادِ
يَقُول: إِمَّا أَن يكون الَّذِي بِي من حبِّها عَرَضاً لم أطلبه، أَو يكون عِلْقاً.
وَقَالَ اللِّحياني: العَرَض: مَا عَرَضَ للْإنْسَان من أمرٍ يحبِسُه، من مرضٍ أَو لُصوص. قَالَ: وَسَأَلته عُراضةَ مالٍ، وعَرْض مالٍ، وعَرَض مالٍ فَلم يُعطِنيهِ.
وَقَالَ ابْن السّكيت: عرضْت الجُندَ عَرْضاً. قَالَ: وَقَالَ يُونُس: فاتَه العَرَض بِفَتْح الرَّاء، كَمَا يُقَال قبضَ الشَّيْء قَبْضاً، وَقد أَلْقَاهُ ودخَلَ فِي القَبَض.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: العَرْضَ: خِلاف الطُّول. وَيُقَال عَرَضتُ العُودَ على الْإِنَاء أَعرُضُه. وَقَالَ غير الأصمعيّ: أعرِضُه. وَفِي الحَدِيث: (وَلَو بعودٍ تَعرُضُه عَلَيْهِ) ، أَي تضعه معروضاً عَلَيْهِ.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: العَرْض: الْجَبَل. وَأنْشد:
كَمَا تَدَهْدَى من العَرْض الجلاميدُ
ويشبّه الْجَيْش الكثيف بِهِ فَيُقَال: ماهو إلاّ عَرْضٌ، أَي جبل. وَأنْشد:
إنّا إِذا قُدنا لقومٍ عَرْضا
لم نُبقِ من بَغْي الأعادي عِضّا
والعَرْض: السَّحاب أَيْضا، يُقَال لَهُ عَرْض إِذا استكثَفَ. قَالَه ابْن السّكيت وَغَيره.
يُقَال عرضتُ المتاعَ وَغَيره على البيع عَرْضاً. وَكَذَلِكَ عَرْض الجُنْدِ والكِتاب. وَيُقَال لَا تَعرِضَ عَرْض فلَان، أَي لَا تذكرهُ بِسوء.
وَيُقَال عَرضَ الفرسُ يَعرِض عرضا، إِذا مرَّ عارضاً فِي عَدْوه. وَقَالَ رؤبة:
يَعرِض حتَّى يَنصِبَ الخيشوما
وَذَلِكَ إِذا عدَا عارضاً صدرَه ورأسَه مائلاً.
ورُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنّه ذكر أهل الجنّة فَقَالَ: (لَا يُبولُون وَلَا يتغوَّطون، إِنَّمَا هُوَ عَرَق يَجرِي فِي أعراضهم مثل ريح المِسْك) قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الأمويّ: وَاحِد الأعراضِ عِرْض، وَهُوَ كل مَوضِع يعرق من الْجَسَد. يُقَال فلَان طيّب العِرْض، أَي طيّب الرّيح. قَالَ أَبُو عبيد: الْمَعْنى هَاهُنَا فِي العِرْض أَنه كل شَيْء فِي الْجَسَد من المَغَابن، وَهِي الْأَعْرَاض. قَالَ: وَلَيْسَ العِرض فِي النّسَب من هَذَا بِشَيْء.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: العِرض: بدن كلِّ الْحَيَوَان. والعِرضُ: النَّفْس.
قلت: فَقَوله (عَرَق يجْرِي من أعراضهم) ، مَعْنَاهُ من أبدانهم على قَول ابْن الأعرابيّ، وَهُوَ أحْسَنُ من أَن يُذهب بِهِ إِلَى أَعْرَاض المغابن.
وَقَالَ الأصمعيّ: رجل خَبِيث العِرض، إِذا(1/290)
كَانَ مُنتِن الرِّيح. وسِقاءٌ خبيثُ العِرض، أَي مُنْتن الرّيح.
وَقَالَ اللحياني: لبَن طيِّب العِرض، وَامْرَأَة طيّبة الْعرض، أَي الرِّيح. قَالَ: والعِرْض: عِرض الْإِنْسَان ذُمَّ أَو مُدِحَ، وَهُوَ الجَسد. قَالَ: ورجلٌ عِرضٌ وامرأةٌ عِرضة، وعِرَضْنٌ وعِرَضْنَة، إِذا كَانَ يعْتَرض الناسَ بِالْبَاطِلِ.
وَأخْبرنَا السعديّ عَن الْحُسَيْن بن الْفرج عَن عَليّ بن عبد الله قَالَ: قَالَ سُفْيَان فِي قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَيُّ الْوَاجِد يُحِلُّ عِرضَه وعقوبته) قَالَ: عِرضُه أَن يُغَلَّظ لَهُ. وعقوبته الحَبْس.
قلت: معنى قَوْله (يُحلُّ عِرضه) أَن يُحِلّ ذمّ عِرضه لأنّه ظَالِم، بَعْدَمَا كَانَ محرَّماً مِنْهُ لَا يحلّ لَهُ اقتراضه والطعن عَلَيْهِ.
وَقَالَ اللَّيْث: عِرض الرجل: حَسَبه. وَقَالَ غَيره: العِرْض: وَادي الْيَمَامَة. وَيُقَال لكلِّ وادٍ فِيهِ قُرًى ومياهٌ: عِرْض. وَقَالَ الراجز:
أَلا ترى فِي كل عِرضٍ مُعْرِضِ
كلَّ رَدَاحٍ دَوْحة المحوَّضِ
وَقَالَ الأصمعيّ: أخصبَ ذَلِك العِرض، وأخصبت أعراضُ الْمَدِينَة، وَهِي قُراها الَّتِي فِي أَوديتهَا. وَقَالَ شمر: أَعْرَاض الْيَمَامَة هِيَ بطونُ سوادِها حَيْثُ الزّرعُ وَالنَّخْل.
وعَرَضَ الجيشَ عَرْضاً. وَقد فَاتَهُ العَرَض، وَهُوَ الْعَطاء والطمع. وَقَالَ عديّ بن زيد:
وَمَا هَذَا بِأول مَا أُلَاقِي
من الحَدَثان والعَرَض القريبِ
أَي الطَّمع الْقَرِيب. يُقَال أَخذ القومُ أطماعَهم، أَي أَرْزَاقهم.
وأمَّا العُرْض فَهُوَ ناحيةُ الشَّيْء من أَي جهةٍ جئتَه. يُقَال استعرض الخوارجُ النَّاس، إِذا قتلوهم من أيّ وجهٍ أمكنَهم. وَقيل: استعرضوهم أَي قتلوا من قدَروا عَلَيْهِ أَو ظفِروا بِهِ وَيُقَال اضربْ بِهَذَا عُرضَ الْحَائِط، أَي ناحيته وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: عُرْضا أنفِ الْفرس: مُبْتَدأ مَا انحدرَ من قَصَبَة الْأنف فِي حافتيه جَمِيعًا.
وَرُوِيَ عَن مُحَمَّد بن عَليّ أَنه قَالَ: (كُلِ الجُبُنَّ عُرْضاً) قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: مَعْنَاهُ اعترضْه واشترِه ممَّن وجدتَه، وَلَا تسْأَل عَن عَمَلِه، أعمِلَه مسلمٌ أَو غَيره. وَهُوَ مَأْخُوذ من عُرض الشَّيْء، وَهُوَ ناحيته.
وَقَالَ اللِّحياني: ألقِهِ فِي أيّ أَعْرَاض الدَّار شئتَ. الْوَاحِد عُرْضٌ وعَرْض وَقَالَ: خُذْهُ من عُرض النَّاس وعَرْضهم، أَي من أيّ شقَ شئتَ. وكلُّ شَيْء أمكنكَ من عُرضِه فَهُوَ مُعْرِض لَك، يُقَال أعرضَ لَك الظَّبيُ فارمِه، أَي ولاّك عُرضَه، أَي ناحيته.
ثعلبٌ عَن ابْن الْأَعرَابِي: العُرض: الْجَانِب من كل شَيْء. والعُرُض مثقَّل: السَّير فِي جَانب، وَهُوَ محمودٌ فِي الْخَيل مَذْمُوم فِي الْإِبِل. وَمِنْه قَوْله:
معترضاتٍ غيرَ عُرضيَّاتِ
أَي يَلزَمْن المَحَجّة.
قَالَ: والعَرَض: مَا يَعرِض للْإنْسَان من الهموم والأشغال. يُقَال عَرَض لي يَعرِض، وعَرِضَ يَعرَض، لُغَتَانِ. قَالَ:(1/291)
والعِرْض: بدن كلّ الْحَيَوَان.
وَقَالَ اللَّيْث: العَروض: طريقٌ فِي عُرض الْجَبَل، والجميع عُرُضٌ، وَهُوَ مَا اعترضَ فِي عُرض الْجَبَل. قَالَ: وعُرض الْبَحْر وَالنّهر كَذَلِك.
وَيُقَال جَرَى فِي عُرض الحَدِيث، وَيُقَال فِي عُرض النَّاس، كلُّ ذَلِك يُوصَف بِهِ الوسَط. قَالَ لبيد:
فتوسَّطَا عُرضَ السَّرِيّ وصدّعا
مَسجورةً متجاوراً قُلاَّمُهَا
قَالَ: وَيُقَال نظرتُ إِلَيْهِ عَن عُرُض، أَي جَانب. وَأنْشد:
ترَى الريشَ عَن عُرضِهِ طامياً
كعَرضك فوقَ نِصالٍ نصالا
يصف مَاء صَار ريشُ الطَّائِر فوقَه بعضُه فَوق بعض، كَمَا تعرِضُ نصلاً فَوق نصل.
وَفِي حَدِيث عمر أَنه خطب فَقَالَ: (ألاَ إنَّ الأُسَيفِعَ أُسَيفِعَ جُهينة رضيَ عَن دينه وأمانته بِأَن يُقَال سابِقُ الحاجّ، فادّانَ مُعرِضاً قد رِينَ بِهِ) . قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو زيد فِي قَوْله (فادّانَ مُعرِضاً) يَعْنِي استدانَ مُعرضاً، وَهُوَ الَّذِي يعترضُ النَّاس فيستدِين ممَّن أمكنَه.
وروى أَبُو حَاتِم عَن الأصمعيّ فِي قَوْله (فادّانَ مُعْرِضاً) ، أَي أَخذ الدَّينَ وَلم يُبالِ ألاّ يؤدّيَه.
وَقَالَ شمر فِي مؤلَّفه: المُعرِض هَاهُنَا بِمَعْنى الْمُعْتَرض الَّذِي يعْتَرض لكل من يُقْرضه. قَالَ: وَالْعرب تَقول: عَرَض لي الشيءُ وَأعْرض وتعرَّضَ واعترضَ بِمَعْنى وَاحِد. قَالَ شمر: وَمن جَعَل المُعرِضَ مُعرضاً هَاهُنَا بِمَعْنى الْمُمكن فَهُوَ وجْهٌ بعيد، لأنَّ معرِضاً مَنْصُوب على الْحَال لِقَوْلِك ادّان، فَإِذا فسَّرته أَنه يَأْخُذ مِمَّن يمكنُه فالمُعْرِض هُوَ الَّذِي يُقرِضه، لأنّه هُوَ الْمُمكن. قَالَ شمر: وَيكون المُعْرِضُ من قَوْلك أعرضَ ثَوبُ المُلْبِس، أَي اتّسَعَ وعَرُض. وَأنْشد لطائيٍ فِي أعرض بِمَعْنى اعْترض:
إذاأعرضَتْ للناظرِينَ بدا لهمْ
غِفارٌ بِأَعْلَى خدِّها وغِفارُ
قَالَ: وغِفارٌ: مِيسمٌ يكون على الخدّ.
قَالَ: وَيُقَال أعرضَ لَك الشيءُ، أَي بدا وظهَرَ. وَأنْشد:
إِذا أعْرَضَتْ داويّةٌ مُدلهمَّةٌ
وغرّدَ حاديها فَرَيْنَ بهَا فِلْقَا
أَي بَدَت.
وَقَالَ الفرَّاء فِي قَول الله جلّ وعزّ: {وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضاً} (الْكَهْف: 100) أَي أبرزْناهَا حتّى رأوها. قَالَ: وَلَو جعلتَ الْفِعْل لَهَا زدتَ ألفا فقلتَ أعرضَتْ، أَي استبانتْ وظهرتْ.
وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ أَنه قَالَ فِي بَيت ابْن كُلْثُوم:
وأعرضتِ اليمامةُ واشمخرَّتْ
أَي أبدتْ عُرضَها. وَيُقَال ذَلِك لجَبَلها وَهُوَ عارضُها.
وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي قَوْله (فادّان مُعْرِضاً) أَي استدانَ مُعْرِضاً عَن الْأَدَاء مولِّياً عَنهُ. قَالَ: وَلم نجدْ أعرضَ بِمَعْنى اعْترض فِي(1/292)
كَلَام الْعَرَب. وَقَالَ ابْن شُمَيْل فِي قَوْله (فادّانَ مُعْرِضاً) قَالَ: يعرِض إِذا قيل لَهُ لَا تستدِنْ فَلَا يَقبَل.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ يُقَال عَرّضْتُ أَهلِي عُراضةً؛ وَهِي الهديّةُ تُهديها لَهُم إِذا قدِمتَ من سفَر. وَأنْشد للراجز:
يَقدُمُها كلُّ عَلاةٍ عِلْيانْ
حَمراء من مُعَرَّضات الغِربانْ
يَعْنِي أَنَّهَا تَقْدُم الْإِبِل فيسقُط الغرابُ على حِملها إِن كَانَ تَمرا فيأكله، فكأنّها أهدته لَهُ.
قَالَ: وَيُقَال قوسٌ عُرَاضة، أَي عريضة. وَيُقَال لِلْإِبِلِ: إنّها العُراضاتُ أثرا. وَقَالَ ساجعهم: (وأرْسِل العُراضاتِ أثرا، يَبغينك فِي الأَرْض مَعْمراً) ، أَي أرسل الإبلَ العريضة الْآثَار عَلَيْهَا رُكبانُها ليرتادوا لَك منزلا تنتجعه.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: يُقَال تعرَّضَ لي فلانٌ، وعَرَض لي يَعرِض، وَاعْترض لي يشتُمني وَيُؤْذِينِي، وَمَا يُعْرِضك لفُلَان.
وَيُقَال عَتودٌ عَروض، وَهُوَ الَّذِي يَأْكُل الشجرَ بعُرْضِ شِدقه. قَالَ: وَيُقَال للماعز إِذا نَبَّ وَأَرَادَ السِّفاد عَريض، وَجمعه عِرْضان. وَيُقَال عريض عَروض، إِذا اعترضَ المرعَى بشِدقه فَأَكله.
وَيُقَال تعرَّضَ فلانٌ فِي الْجَبَل، إِذا أخذَ فِي عَرُوضٍ مِنْهُ فاحتاجَ أَن يَأْخُذ فِيهِ يَمِينا وَشمَالًا. وَمِنْه قَول عبد الله ذِي البِجادين المزَنيّ يُخَاطب نَاقَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يَقُودهَا على ثنّيةٍ رَكوبة، فَقَالَ:
تعرَّضي مَدَارجاً وسُومِي
تعرُّضَ الجوزاءِ للنجوم
وَهُوَ أَبُو الْقَاسِم فاستقيمي
وَيُقَال: تعرَّضتُ الرِّفاقَ أسألهم، أَي تصدَّيت لَهُم أسألهم.
وَقَالَ اللِّحياني: يُقَال تعرَّضت معروفَهم ولمعروفهم، أَي تصدَّيت. وَيُقَال استُعمل فلانٌ على العَروض، يُعنَى مكةُ والمدينةُ واليمن. وَيُقَال أَخذ فِي عَروضٍ مُنكرَة، يَعْنِي طَرِيقا فِي هَبوط.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال تعرَّضَ فلانٌ بِمَا أكره. وَيُقَال تعرَّضَ وصلُ فلانٍ، أَي دخَلَه فَسَاد. وَأنْشد:
فاقطعْ لُبانةَ مَن تَعرَّضَ وصلُه
وَقيل: معنى (مَنْ تعَرَّضَ وصلُه) : أَي زاغَ وَلم يستَقِمْ، كَمَا يتعرَّض الرجل فِي عَروض الْجَبَل يَمِينا وَشمَالًا.
وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس يصف الثريا:
إِذا مَا الثريَّا فِي السَّمَاء تعرَّضَتْ
تعرُّضَ أثناءِ الوشاحِ المفصَّلِ
أَي لم تستقم فِي سَيرهَا ومالت كالوشاح المعوَّج أثناؤه على جَارِيَة توشَّحت بِهِ.
وَيُقَال اعترضَ الشيءُ، إِذا مَنَع، كالخشبة المعترضة فِي الطَّرِيق تمنع السالكين سلوكَها. واعترضَ فلانٌ عِرضَ فلانٍ، إِذا وَقع فِيهِ وتنقَّصه فِي عِرضه وحَسَبه. وَيُقَال اعْترض لَهُ بسهمٍ، إِذا أقبلَ بِهِ قُبْلَه فَأَصَابَهُ. واعترضَ الفرسُ فِي رَسَنه، إِذا لم يستقمْ لقائده. وَقَالَ الطرمّاح:
وأماني المليك رُشدي وَقد كن
تُ أخَا عُنجهيّةٍ واعتراضِ(1/293)
وَيُقَال اعترضَ الجندُ على قائدهم. واعتَرَضَهم الْقَائِد، إِذا عرضَهم وَاحِدًا وَاحِدًا، وَقَول الراجز:
معترضاتٍ غيرَ عُرضيّات
يَقُول: اعترَاضهنَّ من النشاط، لَيْسَ اعترَاضَ صعوبة.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: العُرُض محرّك: السَّير فِي جَانب. قَالَ: وَهُوَ محمودٌ فِي الْخَيل مذمومٌ فِي الْإِبِل. قَالَ: وَمِنْه قَوْله:
معترضاتٍ غيرَ عُرضيّات
أَي يلزَمن المحَجَّة.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال عارضَ فلانٌ فلَانا: إِذا أخذَ فِي طريقٍ وَأخذ فِي غَيره فَالْتَقَيَا. وعارضَ فلانٌ فلَانا، إِذا فعلَ مثلَ فعله وأتى إِلَيْهِ مثل الَّذِي أتَى إِلَيْهِ. وَيُقَال عارضتُ فلَانا فِي السَّير، إِذا سِرْت حيالَه وحاذيتَه. وعارضتُه بمتاعٍ أَو دابّةٍ أَو شيءٍ مُعارضةً، إِذا بادلتَه بِهِ. وعارضتُ كتابي بِكتابه. وفلانٌ يُعارضني، أَي يباريني. وَيُقَال سِرنا فِي عِراض الْقَوْم، إِذا لم تستقبلهم وَلَكِن جئتهم من عُرضهم.
وَقَالَ أَبُو عبيد: أُلقحتْ نَاقَة فلانٍ عِراضاً، وَذَلِكَ أَن يُعارضها الْفَحْل مُعَارضَة فيضربها من غير أَن تكون فِي الْإِبِل الَّتِي كَانَ الفحلُ رسيلاً فِيهَا. وَقَالَ الرَّاعِي:
فلائص لَا يُلقَحن إلاَّ يَعارةً
عِراضاً وَلَا يُشرَينَ إلاَّ غواليا
وَقَالَ ابْن السّكيت فِي قَول البَعِيث:
مَدحنا لَهَا رَوقَ الشَّباب فعارضَتْ
جَنَاب الصِّبا فِي كاتم السرِّ أعجما
قَالَ: عارضَتْ: أخذَت فِي عُرضٍ، أَي ناحيةٍ مِنْهُ. جَناب الصِّبا: إِلَى جَنْبه. وَقَالَ اللحياني: بعير مُعارِضٌ، إِذا لم يستقم فِي القطار. وَيُقَال جَاءَت فلانةُ بولدٍ عَن عِراض ومعارضة، إِذا لم يعرف أَبوهُ وَيُقَال للسَّفيح: هُوَ ابْن المعارَضة. والمُعارَضة: أَن يُعَارض الرجُلُ الْمَرْأَة فيأتيهَا بِلَا نِكَاح وَلَا مِلْك.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: يُقَال عرَّض لي فلانٌ تعريضاً، إِذا رَحرحَ بالشَّيْء وَلم يبيِّن وَقَالَ غَيره: عرّضت الشيءَ: جعلتُه عريضاً. والمعَاريض من الْكَلَام: مَا عُرِّض بِهِ وَلم يصرَّح. والتعريض فِي خِطبة الْمَرْأَة فِي عِدّتها: أَن يتكلَّم بِكَلَام يُشْبه خِطبتها وَلَا يصرِّح بِهِ، وَهُوَ أَن يَقُول لَهَا: إنّك لجميلة، وَإِن فيكِ لبقيّةً، وَإِن النِّسَاء لمِنْ حَاجَتي. والتعريض قد يكون بِضرب الْأَمْثَال وَذكر الألغاز، وَهُوَ خلافُ التَّصْرِيح فِي جُملة الْمقَال. وعَرَّض الْكَاتِب تعريضاً، إِذا لم يبيِّن الحروفَ وَلم يقوِّم الخطّ. وَمِنْه قَول الشَّمَّاخ:
بتيماءَ حَبرٌ ثمَّ عَرَّضَ أسطُرا
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: عَرَّضَ الرجلُ: إِذا صَار ذَا عارضة. والعارضة: قوّة الْكَلَام وتنقيحه، والرأي الجيِّد. وعَرَّضَ فلانٌ، إِذا دامَ على أكل العَرِيض، وَهُوَ الإمَّر. وإبلٌ معرَّضة: سِمَتُها العِراض فِي عَرض الْفَخْذ لَا فِي طوله. يُقَال مِنْهُ عَرَضتُ الْبَعِير وعرّضته تعريضاً.
والعَرِيض من المِعزَى: مَا فوقَ الفطيم وَدون الجَذَع. وَقَالَ بَعضهم: العريض من(1/294)
الظباء: الَّذِي قَارب الإثناء. والعريض عِنْد أهل الْحجاز خاصَّةً: الخصيُّ، وَجمعه عِرضان. وَيُقَال أعرضْتُ العِرضانَ، إِذا خَصَيْتَها. وَيُقَال أعرضتُ العِرضانَ، إِذا جَعلتهَا للْبيع وَلَا يكون العريض إِلَّا ذكرا.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: إِذا رعَى الجَفْرُ من أَوْلَاد المِعزَى وقَوِيَ فَهُوَ عريضٌ، وَجمعه عِرضانٌ. وروى ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: إِذا أجذَع الجدْيُ والعَناق سمِّي عريضاً وعَتُوداً، وَجمعه عِرضان. قَالَ: والعارض جَانب العِراق. والعارض: السَّحابُ المُطِلّ.
وَقَالَ اللَّيْث: أعرضْتُ الشيءَ، أَي جعلتُه عَريضاً. واعترضت عُرْضَ فلانٍ، إِذا نحوتَ نحوَه. قَالَ: ونظرتُ إِلَى فُلَانَة مُعارَضةً، إِذا نظَرتَ فِي عُرضٍ. ورجلٌ عِرِّيضٌ: إِذا كَانَ يتعرَّض للنَّاس بالشرِّ. قَالَ: والعَروض: عرُوض الشّعْر، والجميع الأعاريض، وَهُوَ فواصل أَنْصَاف الشّعْر، سمِّي عرُوضا لِأَن الشعرَ يُعرَض عَلَيْهِ، فالنصف الأوّل عرُوض؛ لأنّ الثَّانِي يُبنَى على الأول. وَالنّصف الْأَخير الشَّطر. قَالَ: وَمِنْهُم من يَجْعَل الْعرُوض طرائقَ الشّعْر وعموده، مثل الطَّوِيل، تَقول: هُوَ عروضٌ وَاحِد. وَاخْتِلَاف قوافيه يسمَّى ضروباً. قَالَ: ولكلَ مقَال. والعَروض عَرُوض الشّعْر مُؤَنّثَة، وَكَذَلِكَ عَروض الجَبل.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: عَتودٌ عَروضٌ، وَهُوَ الَّذِي يَأْكُل الشَّيْء بعُرض شِدقه. وأخَذ فِي عَروضٍ منكَرة.
وَقَالَ ابْن السّكيت: عَرَفتُ ذَلِك فِي عَروض كَلَامه، أَي فَحوى كَلَامه وَمعنى كَلَامه. وَقَالَ التغلبي:
لكلّ أناسٍ من مَعدَ عِمارةٌ
عَروضٌ إِلَيْهَا يلجئون وجانبُ
قَالَ: وَتقول هِيَ عَروض الشِّعر. وَأخذ فلانٌ فِي عَروض مَا تُعجِبني، أَي فِي نَاحيَة. وَيُقَال هَذِه ناقةٌ فِيهَا عُرضِيَّةٌ، إِذا كَانَت ريِّضَاً لم تُذَلَّل. وَيُقَال ناقةٌ عُرضيّةٌ وجَملٌ عُرْضيٌّ. وَقَالَ الشَّاعِر:
واعرورتِ العُلُطَ العُرضيَّ تركضه
أم الفوارسِ بالدِّيداء والرَّبَعَه
وَفِي حَدِيث عمر حِين وصف نفسَه بالسياسة وحُسن النَّظر لرعيّته فَقَالَ: (إنّي أضمُّ العَنود، وأُلْحِقُ العَطوف، وأزجر العَروض) ، قَالَ شمر: العَروض العُرْضيّة من الْإِبِل: الصَّعبة الرَّأْس الذَّلول وسطُها الَّتِي يُحمل عَلَيْهَا ثمَّ تساق وسطَ الْإِبِل المحمّلة، وَإِن ركبهَا رجلٌ مضَتْ بِهِ قُدماً وَلَا تَصَرَّف لراكبها. قَالَ: وإنّما قَالَ: (أزجُر العَروضَ) لِأَنَّهَا تكون آخر الْإِبِل. قَالَ: وَتقول ناقةٌ عَروض وفيهَا عَروض، وناقة عُرْضية. وَقَالَ ابْن السّكيت: ناقةٌ عَروضٌ، إِذا قبِلتْ بعض الرياضة وَلم تستحكم. قَالَ شمر: وَأما فِي قَول حميد:
فَمَا زالَ سَوطي فِي قِرابي ومِحجني
وَمَا زلتُ مِنْهُ فِي عَروضٍ أذودُها
أَي فِي ناحيةٍ أداريه وَفِي اعْتِرَاض. وَقَالَ فِي قَول ابْن أَحْمَر يصف جَارِيَة:
ومنَحتُها قولي على عُرْضيّة
عُلُطٍ أُدارىء ضِغنَها بتودُّدِ(1/295)
وَقَالَ ابنُ الأعرابيّ: شبّهها بناقةٍ صعبةٍ فِي كَلَامه إيَّاها ورفقِه بهَا. وَقَالَ غَيره: منحتُها: أعَرتُها وأعطيتها. وعُرضيّة: صعوبة، كأنّ كلامَه ناقةٌ صَعبة. وَيُقَال إِنَّه أَرَادَ كلَّمتها وَأَنا على ناقةٍ صعبة فِيهَا اعْتِرَاض. والعُرضيُّ: الَّذِي فِيهِ جفاءٌ وَاعْتِرَاض. وَقَالَ العجّاج:
ذُو نَخْوةٍ حُمَارسٌ عُرضيُّ
وَقَالَ اللَّيْث: المِعراض: سهمٌ يُرمَى بِهِ بِلَا ريش يَمضِي عَرْضاً. والمَعرَض: الْمَكَان الَّذِي يُعرَض فِيهِ الشَّيْء. وثوبٌ مِعرضٌ: تُعرَض فِيهِ الْجَارِيَة والعارضة: عارضة الْبَاب. وفلانٌ شَدِيد الْعَارِضَة: ذُو جَلَد وصرامة. والعوارض: سقائف الْمحمل. والعوارض: الثنايا، سمِّيت عوارضَ لأنّها فِي عُرض الْفَم. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الْعَوَارِض: الْأَسْنَان الَّتِي بعد الثَّنايا، يُقَال فُلَانَة نقيّة الْعَوَارِض.
وَقَالَ اللحياني: الْعَوَارِض من الأضراس. وَقَالَ غَيره: الْعَارِض: مَا بَين الثنيّة إِلَى الضرس. وقِيل: عَارض الْفَم: مَا يَبْدُو مِنْهُ عِنْد الضحك. وَقَالَ كَعْب:
تجلو عوارض ذِي ظَلْم إِذا ابتَسَمتْ
كأنّه مُنهَلٌ بِالرَّاحِ معلولُ
يصف الثنايا وَمَا بعْدهَا.
وَفِي الحَدِيث أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعثَ أم سُلَيم لتنظرَ إِلَى امْرَأَة فَقَالَ: (شمِّي عوارضَها) ، قَالَ شمر: الْعَوَارِض هِيَ الْأَسْنَان الَّتِي فِي عُرض الْفَم، وَهِي مَا بَين الثَّنايا والأضراس، وَاحِدهَا عَارض. وَقَالَ جرير:
أتَذْكُر يومَ تَصقُلُ عارضَيها
بفَرعِ بَشامةٍ سُقِيَ البَشامُ
وَقَالَ شمر: الْعَارِض أَيْضا: الخدُّ. يُقَال أخذَ الشَّعَرَ من عارضيه، أَي خدَّيه. وَإِنَّمَا أمرَ النَّبِي بشمَ عوارضها لتَبورَ بذلك ريحَ فمها، أطيّب أَمْ خَبِيث.
وَقَالَ اللِّحياني: عارضا الْوَجْه وعَروضاه: جانباه. وَقَالَ الأصمعيّ: يُقَال بَنو فلَان أكَّالون للعوارض، جمع الْعَارِضَة، وَهِي الشَّاة أَو الْبَعِير يصيبُه داءٌ أَو سبُعٌ أَو كسر.
وَقَالَ شمر: يُقَال عَرضَتْ من إبل فلَان عارضةٌ، أَي مرِضت. قَالَ: وَبَعْضهمْ يَقُول عَرِضت. قَالَ شمر: وأجوده عَرَضَت. وَأنْشد:
إِذا عَرِضَتْ مِنْهَا كَهاةٌ سمينةٌ
فَلَا تُهدِ مِنْهَا واتَّشِق وتَجَبجَبِ
اللَّيْث: يُقَال فلانٌ يعدو العِرَضْنةَ، وَهُوَ الَّذِي يشتقُّ فِي عَدْوه.
وَقَالَ اللحياني: يُقَال اشْتَرِ بِهَذَا عُرَاضة لأهْلك، أَي هديّة، مثل الحنّاء وَنَحْوه.
وَقَالَ أَبُو زيد فِي العُراضة: الهديّة التَّعْرِيض مَا كَانَ من مِيرةٍ أَو زادٍ بعد أَن يكون على ظهر بعير. يُقَال عَرِّضونا من مِيرتكم.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: العُراضة: مَا أطعمَه الراكبُ من استطعَمَه من أهل الْمِيَاه. وَقَالَ هِميان:
وعرَّضوا المجلسَ مَحْضا ماهجاً
أَي سقَوهم. وَيُقَال: عَرَفت ذَلِك فِي(1/296)
مِعراض كَلَامه، ومعاريض كَلَامه وفحواه أَي فِي عرُوض كَلَامه. وَمِنْه قَول عِمرانَ بن حُصَين: (إنّ فِي المعاريض لمَندوحةً عَن الْكَذِب) . وَيُقَال عرضَتِ الشَّاةُ الشوكَ تعرُضه، إِذا تناولتْه وأكلتْه. وَيُقَال رَأَيْته عَرْضَ عين، أَي ظَاهرا من قريب.
والمعَرَّضة من النِّسَاء: الْبكر قبل أَن تُحجَب، وَذَلِكَ أَنَّهَا تُعرَض على أهل الحيِّ عَرضةً ليرغِّبوا فِيهَا من رَغِب، ثمَّ يحجبونها. وَقَالَ الْكُمَيْت:
لياليَنا إذْ لَا تزالُ تَروعُنا
مُعرَّضةٌ منهنَّ بِكر وثيِّبُ
وَيُقَال استُعرِضت النَّاقة بِاللَّحْمِ، فَهِيَ مستَعرَضَة، كَمَا يُقَال قُذِفت بِاللَّحْمِ ولُدِسَت، إِذا سمنتْ. وَقَالَ ابْن مقبل:
قَبَّاء قد لحقَتْ خسيسةَ سنِّها
واستُعرِضت ببضيعها المتبتِّرِ
قَالَ: خسيسة سِنِّها: حِين بَزَلتْ، وَهِي أقصَى أسنانها.
وَيُقَال: كَانَ لي على فلانٍ نَقدٌ فأعسرته واعترضتُ مِنْهُ، أَي أخذتُ العَرْض. وَإِذا طلب قومٌ عِنْد قومٍ دَمًا فَلم يُقِيدوهم قَالُوا: نَحن نَعْرِض مِنْهُ فاعترِضوا مِنْهُ، أَي اقْبَلُوا الدّيةَ عَرْضاً.
وَيُقَال انْطلق فلانٌ يتعرَّض بجَمله السوقَ، إِذا عرضَه على البيع. وَيُقَال تَعرَّضْ بِهِ، أَي أقمْه فِي السُّوق. وفلانٌ معتَرَضٌ فِي خُلقه، إِذا ساءك كلُّ شيءٍ من أمره. وعَرضَ الرَّامِي القوسَ، إِذا أضجعها ثمَّ رمَى عَنْهَا عَرْضاً.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {تَجْهَلُونَ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُواْ هَاذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم} (الْأَحْقَاف: 24) أَي قَالُوا: الَّذِي وُعدنا بِهِ سحابٌ فِيهِ الْغَيْث. فَقَالَ الله: {مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم} (الْأَحْقَاف: 24) .
وَيُقَال للرِّجْل الْعَظِيم من الْجَرَاد: عَارض؛ يُقَال مرَّ بِنَا عارضٌ قد مَلأ الْأُفق.
وَقَالَ أَبُو زيد: الْعَارِض: السحابة ترَاهَا فِي ناحيةِ السَّمَاء، وَهُوَ مثل الجُلْب، إلاّ أنّ الْعَارِض يكون أبيضَ والجُلْبُ إِلَى السَّواد، والجُلب يكون أضيقَ من الْعَارِض وأبعَدَ. والعوارض من الْإِبِل: الَّتِي تَأْكُل العِضاهَ عُرُضاً، أَي تَأْكُله حيثُما وَجدته.
وَقَول ابْن مُقبل:
مهاريق فَلُّوجٍ تعرَّضْنَ تاليا
أَرَادَ: تعرّضهنّ تالٍ يقرؤهن؛ فَقلب.
وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال مَا يَعْرُضك لفُلَان، وَلَا يُقَال مَا يُعَرِّضك. وَيُقَال: هَذِه أرضٌ مُعْرِضة: يستعرضها المَال ويعترضها، أَي هِيَ أرضٌ مُعْرِضة فِيهَا نبتٌ يرعاه المَال إِذا مرَّ فِيهَا.
ضرع: الْحَرَّانِي عَن ابْن السّكيت: الضَّرْع ضرع الشَّاة والناقة. والضَّرَع: الضَّعِيف.
وَقَول الله جلّ وعزّ: {تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} (الأنعَام: 63) قَالَ أَبُو إِسْحَاق: الْمَعْنى تَدْعون مُظهرِينَ الضَّرَاعة، وَهِي شدّة الْفقر إِلَى الشَّيْء والحاجةِ إِلَيْهِ. وانتصابهما على الْحَال وَإِن كَانَا مصدرين.
وَأما قَول الله تَعَالَى: {فَلَوْلا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ} (الأنعَام: 43) فَمَعْنَاه تخشَّعُوا(1/297)
وتذلَّلوا وخضعوا.
وَقَالَ شمر: يُقَال ضَرِعَ فلَان لفُلَان وضَرَع لَهُ، إِذا مَا تخشَّعَ لَهُ وَسَأَلَهُ أَن يُعطيَه. قَالَ: وَيُقَال قد أضرَعْتُ لَهُ مَالِي، أَي بذلْتُه لَهُ. وَقَالَ الْأسود:
وَإِذا أخِلاَّئي تنكَّبَ وُدُّهم
فأبُو الكُدادةِ مالُه ليَ مُضْرَعُ
أَي مبذول. وَقَالَ الْأَعْشَى:
سائلْ تميماً بِهِ أيامَ صفقتهم
لمّا أَتَوْهُ أُسارى، كلُّهم ضَرَعا
أَي ضرعَ كلُّ واحدٍ مِنْهُم وخضع. قَالَ: وَيُقَال ضَرَع لَهُ واستضرعَ. قَالَ: وَقَالَ ابْن شُمَيْل: لفلانٍ فرسٌ قد ضَرِع بِهِ، أَي غلبَه، وَهُوَ فِي حديثٍ لِسَلْمان. وتضرَّع الظلُّ: قلَّ وقَلَص. وَقَالَ يُوسُف بن عَمرو:
فمِلنَ قُدَيداً بكرَة، وظلالُه
تضرَّعُ فِي فَيءِ الغَداةِ تضرُّعا
مِلْنَ قُديداً، أَي من قُديد.
والضَّريع: الشَّراب الرَّقِيق. وَقَالَ يصف ثغراً:
حَمشُ اللِّثاتِ شتيتٌ وَهُوَ معتدلٌ
كأنّه بضريع الدَّنِّ مصقولُ
والضريع: لغةٌ فِي الضرَع الضَّعِيف. وَقَالَ:
ومطويّةٍ طيَّ القَليبِ رفعتُها
بمستنبِحٍ جِنْحَ الظلام ضريعِ
المطويّة عَنى بِهِ الأُذن. والمستنبح: الَّذِي ينبح نبحَ الْكلاب طلبا للقِرى.
أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر: ضرّعت الشمسُ أيْ دنت للغروب. وَقَالَ غَيره: رجلٌ ضارع، أَي نحيف ضاويّ. وَفِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِ رأى ولدَيْ جعفرٍ الطيّار فَقَالَ: (مَالِي أراهما ضارعين) . الضارع: الضاوِيُّ النحيف. وَمِنْه قَول الْحجَّاج لسَلم بن قُتَيْبَة: (مَالِي أراكَ ضارعَ الْجِسْم؟) .
أَبُو عبيد عَن الأمويّ: الضريعة من الْغنم: الْعَظِيمَة الضَّرع. وَقَالَ أَبُو زيد: الضَّرْع جِماع، وَفِيه الأطْباءُ وَهِي الأخلاف، وَاحِدهَا طِبْيٌ وخِلْف، وَفِي الأطْباء الأحاليل، وَهِي خُروق اللَّبَن.
أَبُو عبيد عَن الكسائيّ قَالَ: ضرَّعتِ القِدرُ تضريعاً، إِذا حانَ أَن تُدرِك. وَقَالَ الأصمعيّ: التضرُّع: التلوّي والاستغاثة.
وَقَالَ اللَّيْث: رجلٌ ضَرَعٌ، وَهُوَ الغُمر من الرِّجَال الضعيفُ. وَأنْشد:
فَمَا أَنا بالواني وَلَا الضَّرَعِ الغُمْرِ
وَيُقَال جسدُك ضارعٌ، وجَنْبك ضارع وَأنْشد:
من الحُسْن إنعاماً وجنبُك ضارعُ
قَالَ: وقومٌ ضَرَع ورجلٌ ضَرَع. وَأنْشد:
وأنتُم لَا أُشاباتٌ وَلَا ضَرَعُ
قَالَ: وأضرعت الناقةُ فَهِيَ مُضْرِعٌ، إِذا قرُبَ نِتاجُها.
قَالَ: والمضارعة للشَّيْء: أَن يضارعَه كأنّه مثلُه أَو شِبْهه. وَقَالَ الْأَزْهَرِي: والنحويون يَقُول للْفِعْل الْمُسْتَقْبل: مضارِع؛ لمشاكلتِهِ الْأَسْمَاء فِيمَا يلْحقهُ من الْإِعْرَاب.(1/298)
وَيُقَال هَذَا ضِرْع هَذَا وصِرعه، بالضاد وَالصَّاد، أَي مثله. والضُّروع والصُّروع: قُوَى الحَبْل، وَاحِدهَا ضِرعٌ وصِرعٌ.
أَبُو عبيد عَن الْفراء: جَاءَ فلانٌ يتضرَّع لي ويتأرض، ويتصدّى ويتأتّى، أَي يتعرّض.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {ءَانِيَةٍ لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ} (الغَاشِيَة: 6) قَالَ الْفراء: الضريع: نبتٌ يُقَال لَهُ الشِّبرِق، وَأهل الْحجاز يسمُّونه الضَّريعَ إِذا يَبِس. وَهُوَ اسمٌ. وَجَاء فِي التَّفْسِير أَن الكفَّار قَالُوا: إنَّ الضَّريع لتَسمَنُ عَلَيْهِ إبلُنا. فَقَالَ الله: {ضَرِيعٍ لاَّ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِى مِن جُوعٍ} (الغَاشِيَة: 7) .
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال للجِلدة الَّتِي على الْعظم تَحت اللَّحم من الضَّلَع: هِيَ الضَّريع.
ثعلبٌ عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الضَّريع: العَوسَج الرَّطب، فَإِذا جفَّ فَهُوَ عَوسَجٌ، فَإِذا زادَ جُفوفُه فَهُوَ الخَزيز. قَالَ: والضارع: المتذلِّل الغنيّ. والضَّرَع: الرجُل الجَبان. والضَّرَع: المتهالك من الْحَاجة للغنيّ. والضَّرَع: الْجمل الضَّعِيف.
عضر: أهمله اللَّيْث. وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن عَمْرو عَن أبي عمرٍ وَقَالَ: العاضر: الْمَانِع، وَكَذَلِكَ الغاضر، بِالْعينِ والغين.
رضع: قَالَ الله جلّ وعزّ: {تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ} (الحَجّ: 2) وَاخْتلف النحويون فِي علّة دُخُول الْهَاء فِي المرضِعة، فَقَالَ الْفراء: المرضِعة: الْأُم. والمُرضِع: الَّتِي مَعهَا صبيٌّ تُرضِعُه. قَالَ: وَلَو قيل فِي الأمّ مُرضِع لأنَّ الرَّضَاع لَا يكون إلاّ من الْإِنَاث، كَمَا قَالُوا امْرَأَة حَائِض وطامث، كانَ وَجها. قَالَ: وَلَو قيل فِي الَّتِي مَعهَا صبيٌّ مرضعةٌ كَانَ صَوَابا. وَقَالَ الْأَخْفَش: أَدخل الْهَاء فِي الْمُرضعَة لِأَنَّهُ أَرَادَ وَالله أعلم الفِعلَ. وَلَو أَرَادَ الصّفة لقَالَ مُرضِع. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: الَّذِي قَالَه الْأَخْفَش لَيْسَ بخطأ.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ابْن اليزيدي عَن أبي زيد قَالَ: المُرضعة: الَّتِي ترْضع. قَالَ و (كلُّ مُرْضِعةٍ) : كلّ أمَ. قَالَ: والمرضع: الَّتِي قد دنا لَهَا أَن تُرضِع وَلم تُرضِع بعد. والمُرضِع: الَّتِي مَعهَا الصبيُّ الرَّضِيع.
وَقَالَ اللَّيْث: قَالَ الْخَلِيل: امرأةٌ مرضع: ذاتُ رَضِيع، كَمَا يُقَال امرأةٌ مُطفِل: ذَات طِفْل، بِلَا هَاء، لِأَنَّك لَا تَصِفُها بفعلٍ مِنْهَا واقعٍ أَو لَازم، فَإِذا وصفتَها بفعلٍ هِيَ تَفْعَلهُ قلت مُفْعِلة، كَقَوْل الله تَعَالَى: {تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ} (الحَجّ: 2) وصفَها بِالْفِعْلِ فَأدْخل الْهَاء فِي نعتها. وَلَو وصفَها بأنَّ مَعهَا رضيعاً قَالَ مُرضِع.
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنّه قَالَ: (انظرنَ مَا إخْوانكنّ، فإنّما الرضَاعَة من المَجَاعة) ، وَتَفْسِيره أَن الرَّضاعَ الَّذِي يحرِّم رِضَاعُ الصَّبِي؛ لِأَنَّهُ يُشْبِعه ويَغذوه ويسكِّن جَوعتَه، فأمّا الْكَبِير فرضاعُه لَا يحرّم؛ لِأَنَّهُ لَا ينفعُه من جوعٍ وَلَا يُغنيه من طَعَام، وَلَا يَغْذوه اللَّبن كَمَا يغذو الصغيرَ الَّذِي حياتُه بِهِ.
وَقَالَ اللَّيْث: تَقول رضُع الرجل يرضُع رضاعة فَهُوَ رَضِيع راضع، أَي لئيم، والجميع الراضعون. وَالْعرب تَقول: لئيم راضع. وَيُقَال نُعِتَ بِهِ لأنّه يرضَع ناقتَه من(1/299)
لؤمه لئلاَّ يُسمَع صوتُ الشَّخب فيطلب لبنه.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الراضع والرَّضِع: الخسيس من الْأَعْرَاب، الَّذِي إِذا نزل بِهِ الضَّيْف رضِع شاتَه بفمه لئلاَّ يسمعهُ الضَّيف. يُقَال مِنْهُ رَضِع يرضَع رَضْعاً وَقَالَ بَعضهم: لَو عيَّرتُ رجلا بالرضع لخَشِيتُ أَن يَحُور بِي داؤه. قَالَ: والرَّضَع: صِغار النّخل، واحدهُ رَضَعة. وَامْرَأَة مُرضِع: مَعهَا رَضِيع. وَامْرَأَة مرضِعةٌ: ثَديُها فِي فَم ولدِها.
اللَّيْث: الراضعتان من السن: اللَّتَان شرِب عَلَيْهِمَا اللَّبن.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: رضَع الصبيُّ يَرضِع، ورضِعَ يرضَع. قَالَ: وَأَخْبرنِي عِيسَى بن عمر أَنه سمع العربَ تُنشِد:
وذمُّوا لنا الدُّنيا وهم يَرضِعونها
أفاويقَ حتّى مَا يُدرُّ لَهَا ثُعْلُ
قَالَ: وَقَالَ الأمويّ: الرَّضوعة من الْغنم: الَّتِي تُرضِع. قَالَ: وَيُقَال رَضاعٌ ورِضاع، ورَضاعة ورِضاعة.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} (البَقَرَة: 233) اللَّفْظ لفظ الْخَبَر وَالْمعْنَى معنى الْأَمر، كَمَا تَقول حسبُك درهمٌ، فاللفظ لفظ الْخَبَر وَالْمعْنَى معنى الْأَمر، مَعْنَاهُ اكتفِ بدرهم. وَكَذَلِكَ معنى الْآيَة: لرتضعِ الوالداتُ. وَقَوله: {وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ أَوْلَادَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} (البَقَرَة: 233) أَي تَطْلُبُوا مُرضِعةً لأولادكم.
(بَاب الْعين وَالضَّاد مَعَ اللَّام)
اسْتعْمل من وجوهه: عضل، علض، ضلع، ضعل.
عضل: قَالَ الله عزّ وجلّ: {فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} (البَقَرَة: 232) نزلت فِي مَعقِل بن يَسار المُزَني، وَكَانَ زوّج أختَه رجلا فطلَّقهَا، فَلَمَّا انْقَضتْ عِدّتُها خطبَها، فآلى ألاّ يزوّجه إِيَّاهَا، ورغبتْ أُخْته فِيهِ، فَنزلت: {فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ} (البَقَرَة: 232) الْآيَة. وَيُقَال عَضَل فلانٌ أيِّمَه، إِذا منعهَا من التَّزْوِيج يعضُلها ويعضِلها عَضْلاً. قَالَه الأصمعيّ وَغَيره.
وَأما قَول الله: {وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآءَاتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ} (النِّساء: 19) فإنَّ العَضْل فِي هَذِه الْآيَة من الزَّوج لامْرَأَته، وَهُوَ أَن يُضارَّها وَلَا يحسنَ معاشرتَها ليضطرّها بذلك إِلَى الافتداء مِنْهُ بمهرها؛ سَمَّاهُ الله عَضْلاً لِأَنَّهُ يمْنَعهَا حقَّها من النَّفقة وحُسن العِشرة والإنصاف فِي الْفراش، كَمَا أَن الوليّ إِذا منع حريمتَه من التَّزْوِيج، قد منعهَا الحقَّ الَّذِي أُبِيح لَهَا من النِّكَاح إِذا دعَتْ إِلَى كفءٍ لَهَا.
وروى معمر عَن أيُّوب عَن أبي قلَابَة أَنه قَالَ فِي الرجل يَطّلع من امْرَأَته على فاشحة، قَالَ: لَا بَأْس أَن يضارَّها حتَّى(1/300)
تختلع مِنْهُ. قَالَ الأزهريّ: فَجعل الله اللواتي يَأْتِين الفاحشةَ مستثنَياتٍ من جملَة النِّسَاء اللواتي نَهَى الله أزواجهنّ من عَضْلهنَّ ليذهبوا بِبَعْض مَا آتَوهن من الصَدَاق.
وَرُوِيَ عَن عمر أَنه قَالَ: (أعضَلَ بِي أهلُ الْكُوفَة، مَا يرضَون بأمير وَلَا يرضاهم أَمِير) قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الأمويّ فِي قَوْله (أعضل بِي أهلُ الْكُوفَة) : هُوَ من العُضال وَهُوَ الْأَمر الشَّديد الَّذِي لَا يقوم بِهِ صاحبُه. يُقَال قد أعضلَ الأمرُ فَهُوَ مُعضِل. قَالَ: وَيُقَال قد عضَّلت الْمَرْأَة تعضيلاً، إِذا نشِب الولدُ فخرجَ بعضُه وَلم يخرجْ بعضٌ فَبَقيَ مُعْتَرضًا وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَة يحمل هَذَا على إعضال الْأَمر وَيَرَاهُ مِنْهُ.
وَيُقَال: أنزلَ الْقَوْم بِي أمرا مُعضِلاً لَا أقوم بِهِ. وَقَالَ ذُو الرمة:
وَلم أقذِفْ لمؤمنةٍ حَصانٍ
بِإِذن الله مُوجِبةً عُضالا
وَقَالَ شمر: الدَّاء العُضَال: المنكَر الَّذِي يأخُذ مُبادَهةً ثمَّ لَا يلبث أَن يقتُل، وَهُوَ الَّذِي يعي الأطبّاء. يُقَال أمرٌ عُضال ومُعْضِل، فأوّلُه عُضال، فَإِذا لزِم فَهُوَ مُعضِل.
قَالَ: وعَضْل الْمَرْأَة عَن الزَّوْج: حَبسهَا.
وَقَالَ الأصمعيّ: يُقَال عضّلت الأرضُ بِأَهْلِهَا، إِذا ضَاقَتْ بهم لكثرتهم. وَأنْشد لأوس بن حجَر:
ترى الأرضَ مِنَّا بالفضاء مَرِيضَة
معضِّلةً منا بِجمعٍ عَرَمْرمِ
وَيُقَال فلانٌ عُضْلةٌ من العُضَل، أَي داهيةٌ من الدَّواهي.
وَأما العَضَل بِفَتْح الضَّاد وَالْعين فَهُوَ الجُرَذ، وَجمعه عِضْلان. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: العَضَل ذكر الفأر. وَقَالَ اللَّيْث: بَنو عَضَل: حيٌّ من كنَانَة وَقَالَ غَيره: عَضَل والدِّيش: حيانِ يُقَال لَهما القارَة، وهم من كنَانَة.
وَقَالَ أَبُو زيد: عضَّلت النَّاقة تعضيلاً وبدّدت تبديداً، وَهُوَ الإعياء من الْمَشْي والرُّكوبِ وكلِّ عمل. وَقَالَ أَبُو مَالك: عضّلت المرأةُ بِوَلَدِهَا، إِذا غَصَّ فِي الْفرج فَلم يخرجْ وَلم يدخلْ.
وَسُئِلَ الشعبيّ عَن مَسْأَلَة مُشْكلةٍ فَقَالَ: (زَبَّاء ذاتُ وَبَرٍ، لَو وَردت على أَصْحَاب مُحَمَّد لعَضَّلَتْ بهم) قَالَ شمر: عضَّلت بهم، أَي ضَاقَتْ عَلَيْهِم.
قلت: أَرَادَ أنّهم يَضيقون بِالْجَوَابِ عَنْهَا ذَرعاً؛ لإشكالها.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال للقطاةِ إِذا نَشِب بيضُها: قطاة مُعَضِّل.
قَالَ الْأَزْهَرِي: كَلَام الْعَرَب: قطاة مُطرِّق وَامْرَأَة معضِّل.
والعُضليُّ: القويّ من الرِّجَال والعَضيل: المنكَر مِنْهُم الضَّخم الشَّأْن، الجمْع العَضِيلون والعُضَلاء. فَإِذا كَانَ من غير الرِّجَال فجمعُه عُضُل. وناقةٌ عضيلة: نكيرةٌ فِي الشدَّة. وحِصنٌ عَضِيل: نَكِير مُشرف. ومكانٌ عَضيل: ضيِّق بأَهْله، وَيكون المشرفَ، نَحْو حِصنٍ عضيل. قَالَ(1/301)
مرّار:
إِذا ضُمَّ لي بَحْرَا جذيمةَ والتقتْ
عليَّ روابي كلُّهنَّ عضيلُ
الروابي: الْأَشْرَاف من الأَرْض.
أَبُو عَمْرو: العَضَلة: شَجَرَة مثل الدِّفْلَى، تأكلهُ الْإِبِل فَتَشرب كلَّ يومٍ عَلَيْهِ المَاء.
قَالَ الْأَزْهَرِي: لَا أَدْرِي أهِيَ العَضَلة أم العَصَلة، وَلم يروِها لنا الثِّقات عَن أبي عَمْرو.
وَقَالَ اللَّيْث: العَضَلة: كل لحمةٍ غليظةٍ مُنْتَبرة مثل لحْمَة السَّاق والعضد. يُقَال ساقٌ عَضِلَةٌ: ضخمة. قَالَ: والدَّاء العُضال: الَّذِي أعيا الأطباءَ علاجُه. وَالْأَمر المُعْضِل: الَّذِي قد أعيا صاحبَه القيامُ بِهِ. قَالَ: وعضَّلت عَلَيْهِ، أَي ضيّقتُ عَلَيْهِ أمره وحُلتُ بَينه وَبَين مَا يَرُومه، ظُلماً. قَالَ: والعَضَل: مَوضِع بالبادية كثير الغِياض. قَالَ: واعضألَّت الشَّجَرَة، إِذا التفّت وَكثر أغصانُها. وَأنْشد:
كأنّ زِمامُها أَيْمٌ شجاعٌ
تراءَدَ فِي غُصونٍ مُعْضئلّهْ
قَالَ الْأَزْهَرِي: وَرَوَاهُ غَيره: (مُعطئلّهْ) بِالطَّاءِ.
علض: أهمله اللَّيْث غير حرفٍ وَاحِد، قَالَ: العِلّوْض: ابْن آوى، بلغَة حمير. وروى ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العِلّوض: ابْن آوى.
ضعل: أهمله اللَّيْث. وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الضاعِل: الْجمل القويّ. قَالَ: والطاعل: السهْم المقوَّم وَلم أسمع هذَيْن الحرفين إلاّ لَهُ. قَالَ: والضَّعَل: دقّة الْبدن من تقَارب النّسَب. وَهَذِه الْحُرُوف غَرِيبَة، وَهِي من (نَوَادِر ابْن الأعرابيّ) .
ضلع: أَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: ضلوع كلِّ إِنْسَان أَربع وَعِشْرُونَ ضِلعاً، وللصَّدر مِنْهَا اثْنَتَا عشرَة ضِلعاً تلتقي أطرافها فِي الصَّدْر، وتتّصل أَطْرَاف بَعْضهَا بِبَعْض وتسمَّى الجوانح، وخلْفها من الظّهْر الكَتِفانِ، والكتفانِ بحذاء الصَّدْر. واثنتا عشرَة ضلعاً أَسْفَل مِنْهَا فِي الجنبين، البطنُ بَينهمَا، لَا تلتقي أطرافُها، على طرف كلّ ضلع مِنْهَا شُرسُوف، وَبَين الصَّدر والجنبين غُضروفٌ يُقَال لَهُ الرَّهابة، وَيُقَال لَهُ لسانُ الصَّدر. وكل ضِلع من أضلاع الجنبين أقصر من الَّتِي تَلِيهَا إِلَى أَن تَنْتَهِي إِلَى آخرهَا، وَهِي الَّتِي فِي أَسْفَل الْجنب، يُقَال لَهَا الضِّلع الخِلْف.
أَبُو عبيد عَن أبي زيد: الضالع: الجائر. وَقَالَ الْكسَائي مثله. وَقد ضَلِعَ يَضْلَع، إِذا مَال. وَمِنْه قيل: ضَلْعُك مَعَ فلَان.
أَبُو زيد: هم عَلَيْهِ أَلْبٌ وَاحِد، وضَلْعٌ وَاحِد. يَعْنِي اجْتِمَاعهم عَلَيْهِ بالعداوة.
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (اللَّهم إنّي أعوذ بك من الهمِّ والحزَن، والعَجْز والكسَل، والبُخْل والْجُبْن، وضَلَعِ الدَّين، وغَلَبة الرِّجَال) . وَقَالَ ابْن السّكيت: الضَّلْع: الْميل، وَمِنْه قَوْلهم: ضَلْعُك مَعَ فلَان. قَالَ: والضلَع: الاعوجاج. رُمحٌ ضَلِعٌ: معوَّج.
قلت: فَمَعْنَى (ضَلَع الدَّين) ثِقَلُه حتّى يمِيل(1/302)
بِصَاحِبِهِ عَن حدّ الاسْتوَاء لثقله.
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه أَمر امْرَأَة فِي دم الْحيض يُصيب الثَّوْب: (حُتِّيه بِضِلَع) . هَكَذَا رَوَاهُ الثِّقَات بِكَسْر الضَّاد وَفتح اللَّام. وَأَخْبرنِي المنذريُّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ أَنه قَالَ: الضِّلَع: العُود هَاهُنَا.
قلت: أصل الضِّلَع ضِلَع الْجنب، وَقيل للعود الَّذِي فِيهِ انحناء وعِرَضٌ واعوجاجٌ ضِلَع، تَشْبِيها بالضِّلَع الَّذِي هُوَ وَاحِد الأضلاع.
وَقَالَ اللَّيْث: هِيَ الضِّلَع والضِّلْع، لُغَتَانِ. قَالَ: وَالْعرب تَقول هَذِه ضِلَعٌ وَثَلَاث أضلُع.
وَفِي حَدِيث ثَالِث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لمّا نظر إِلَى الْمُشْركين يَوْم بدرٍ قَالَ: (كأنّي بكم يَا أَعدَاء الله مُقتَّلينَ بِهَذِهِ الضِّلَع الْحَمْرَاء) ، قَالَ الأصمعيّ: الضِّلَع: جُبيل يستطيل فِي الأَرْض لَيْسَ بمرتفع فِي السَّمَاء، يُقَال: انْزِلْ بهاتيك الضِّلَع. وَقَالَ غَيره: الضِّلع جُبَيل صغيرٌ لَيْسَ بمنقاد وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الضِّلَع: خطٌّ يُخَطُّ فِي الأَرْض ثمَّ يُخَطُّ آخر، ثمَّ يُبْذَر مَا بَينهمَا. ورُمْحٌ ضَلِعٌ: أَعْوَج. وَأنْشد:
بِكُل شعشعاعٍ كجذع المزدَرَع
فَلِيقُه أجردُ كالرُّمح الضَّلِع
يصف الْإِبِل تَنَاوَلُ الماءَ من الْحَوْض بِكُل عُنقٍ كجِذع الزُّرنوق. والفليق: المطمئن فِي عنق الْبَعِير الَّذِي فِيهِ الْحُلْقُوم.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال إنّي بِهَذَا الْأَمر مُضطلعٌ ومُطَّلعٌ، الضَّاد تدغَم فِي التَّاء فيصيران طاء مشدّدة، كَمَا تَقول اطَّنَّني أَي اتّهمني، واطَّلم إِذا احْتمل الظُّلم. قَالَ: واضطلع الحِمْلَ، إِذا احتملته أضلاعه. وَقَالَ ابْن السّكيت: هُوَ مضطلِع بِحمْلِهِ، أَي قويٌّ عَلَيْهِ، وَهُوَ من الضَّلاعة. قَالَ: وَلَا يُقَال مطّلع بِحمْلِهِ.
وَقَالَ اللَّيْث: ورجلٌ أضلع وامرأةٌ ضَلعاءُ وقومٌ ضُلْع، إِذا كَانَت سنُّه شبيهةَ الضِّلع. قَالَ: والأضلع يُوصف بِهِ الشَّديد الغليظ.
وَفِي صفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ ضليعَ الْفَم. قَالَ أَبُو عبيد: أَرَادَ أَنه كَانَ وَاسع الْفَم. وَقَالَ القتيبي: ضليع الْفَم: عظيمُه، يُقَال ضليعٌ بَيِّنُ الضلاعة. قَالَ: وَمِنْه قَول الجنيّ الَّذِي صارعَ عمر بنَ الخطّاب: (إنّي مِنْهُم لضليع) قَالَ أَبُو عبيد: مَعْنَاهُ إِنِّي مِنْهُم لَعظيم الخَلْق. قَالَ القتيبي: وَالْعرب تذمُّ بصغر الفَمِ وتحمد سَعَته. قَالَ: وَمِنْه قَوْله فِي منطق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه (كَانَ يفْتَتح الْكَلَام ويختمه بأشداقه) ، وَذَلِكَ لِرُحْب شِدقه. وَيُقَال للرَّجُل إِذا كَانَ كَذَلِك أشْدَق، بيِّن الشّدِق.
وَقَالَ الأصمعيُّ: قلت لأعرابيّ: مَا الْجمال؟ فَقَالَ: غُؤور الْعَينَيْنِ، وإشرافُ الحاجبَين، ورُحْب الشدقين.
وَقَالَ ابْن السّكيت: فرسٌ ضليع الخَلْق، إِذا كَانَ تامَّ الخَلْق مُجْفَر الجنبين غليظَ الألواح كثير العَصَب. الضّليع: الطَّوِيل الأضلاع العريض الصَّدْر الْوَاسِع الجنبين.
وَقَالَ الأصمعيّ: المضلوعة: القَوس. وَقَالَ المتنخِّل الهذليّ:(1/303)
واسلُ عَن الحبِّ بمضلوعةٍ
تابَعَها البارِي وَلم يَعجَلِ
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: المضلَّع: الثَّوْب الَّذِي قد نُسج بَعضُه وَترك بعضه. وَقَالَ غَيره: بُردٌ مضلّع، إِذا كَانَت خطوطه عريضةً كالأضلاع.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الضَّوْلع: المائل بالهَوَى. هِيَ ضِلَعٌ عَلَيْهِ أَي جائرة عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْن هَرْمة يصف امْرَأَة:
وَهِي علينا فِي حكمهَا ضِلَع
جائرة فِي قَضَائهَا خَنِعهْ
ع ض ن
اسْتعْمل من وجوهه:
نعض: أَبُو زيد عَن الْأَصْمَعِي: النُّعْض: شجر من الغَضا لَهُ شوك، واحدتها نُعْضَة. وَهُوَ مَعْرُوف.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: مَا نعَضْتُ مِنْهُ شَيْئا، أَي مَا أصبت.
قلت: وَلَا أحقُّه، وَلَا أَدْرِي مَا صحّته، وَلم أره لغيره.
(بَاب الْعين وَالضَّاد مَعَ الْفَاء)
اسْتعْمل من وجوهه: ضعف، ضفع، فضع.
ضعف: قَالَ الله جلّ وعزّ: {أَجْراً عَظِيماً يانِسَآءَ النَّبِىِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ} (الأحزَاب: 30) وَقَرَأَ أَبُو عَمْرو: (يُضَعَّفْ) ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: مَعْنَاهُ يَجْعَل الْوَاحِد ثَلَاثَة، أَي تعذَّبُ ثَلَاثَة أعذبة. قَالَ: عَلَيْهَا أَن تعذَّب مرّةً فَإِذا ضوعف ضعفين صَار الْعَذَاب ثلاثةَ أعذِبة.
قلت: هَذَا الَّذِي قَالَه أَبُو عُبَيْدَة هُوَ مَا يَسْتَعْمِلهُ النَّاس فِي مجَاز كَلَامهم، وَمَا يتعارفونه بَينهم. وَقد قَالَ الشَّافِعِي شَبِيها بقوله فِي رجل أوصى فَقَالَ: أعْطوا فلَانا ضِعفَ مَا يُصِيب وَلَدي. قَالَ: يعْطى مثله مرَّتين. قَالَ: وَلَو قَالَ ضعفَيْ مَا يُصِيب وَلَدي، نظرتَ، فَإِن أصَاب مائَة أعطيتَه ثَلَاثمِائَة.
قلت: وَقد قَالَ الْفراء شَبِيها بقولهمَا فِي قَول الله عزّ وجلّ: {يَرَوْنَهُمْ مِّثْلَيْهِمْ رَأْىَ الْعَيْنِ} (آل عِمرَان: 13) . قلت: والوصايا يسْتَعْمل فِيهَا الْعرف الَّذِي فِي خطابهم مَوْضُوع كَلَام الْعَرَب يذهب إِلَيْهِ وَهْمُ الموصِي والموصَى إِلَيْهِ، وَإِن كَانَت اللُّغة تحْتَمل غَيره يتعارفه المخاطِب والمخاطب، وَمَا يسْبق إِلَى الأفهام من شَاهد الْمُوصي مِمَّا ذهب وهمه إِلَيْهِ كَذَلِك. وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَن ابْن عباسٍ وَغَيره. فَأَما كتاب الله عزّ وجلّ فَهُوَ عربيٌّ مُبين، ويردّ تَفْسِيره إِلَى الْموضع الَّذِي هُوَ صِيغَة ألسنتها، وَلَا يُستعمل فِيهِ الْعرف إِذا خالفَتْه اللُّغَة. والضِّعف فِي كَلَام الْعَرَب: المِثْل إِلَى مَا زَاد، وَلَيْسَ بمقصور على مثلين، فَيكون مَا قَالَه أَبُو عُبَيْدَة صَوَابا، يُقَال هَذَا ضِعْف هَذَا أَي مِثْلُه، وَهَذَا ضعفَاهُ أَي مثلاه. وَجَائِز فِي كَلَام الْعَرَب أَن تَقول: هَذَا ضِعفاه أَي مثلاه وَثَلَاثَة أَمْثَاله، لِأَن الضعْف فِي الأَصْل زِيَادَة غير محصورة. أَلا ترى قَول الله عزّ وجلّ: {وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَائِكَ لَهُمْ جَزَآءُ(1/304)
الضِّعْفِ} (سَبَإ: 37) لم يُرِدْ بِهِ مِثْلاً وَلَا مثلَين، ولكنَّه أَرَادَ بالضِّعف الْأَضْعَاف، وأَولى الْأَشْيَاء بِهِ أَن يُجعلَ عشرةَ أَمْثَاله، لقَوْل الله جلّ وعزّ: {مَن جَآءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَآءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - إِلاَّ مِثْلَهَا} (الأنعَام: 160) فأقلُّ الضعْف مَحْصُور وَهُوَ الْمثل، وَأَكْثَره غير مَحْصُور. وَأما قَول الله تَعَالَى: {بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا} (الأحزَاب: 30) إنّهما ضعفانِ اثْنَان فَإِن سِيَاق الْآيَة وَالْآيَة الَّتِي بعْدهَا دلّ على أنّ المُرَاد من قَوْله {ضِعْفَيْنِ} (البَقَرَة: 265) مَرَّتينِ. أَلا ترى قَوْله بعد ذكر الْعَذَاب: {اللَّهِ يَسِيراً وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَآ أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً} (الأحزَاب: 31) . فَإِذا جعل الله لأمّهات الْمُؤمنِينَ من الْأجر مثلَيْ مَا لغيرهنّ من نسَاء الأمَّة تَفْضِيلًا لهنّ عليهنّ، فَكَذَلِك إِذا أَتَت بفاحشةٍ إحداهُنَّ عُذبتْ مثلَيْ مَا يعذَّب غَيرهَا. وَلَا يجوز أَن تُعطَى على الطَّاعَة أجرَين، وعَلى الْمعْصِيَة أَن تعذّبَ ثَلَاثَة أعذبة.
وَهَذَا الَّذِي قلتُه قولُ حُذّاق النَّحْوِيين وقولُ أهل التَّفْسِير. وَإِذا قَالَ الرجل لصَاحبه: إِن أَعْطَيْتنِي درهما كافأتك بضعفين، فَمَعْنَاه بِدِرْهَمَيْنِ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الزَّجَّاجُ فِي قَول الله: {فَئَاتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ} (الأعرَاف: 38) قَالَ: عذَابا مضاعفاً؛ لأنّ الضِّعف فِي كَلَام الْعَرَب على ضَرْبَيْنِ: أَحدهمَا الْمثل، وَالْآخر أَن يكون فِي معنى تَضْعِيف الشَّيْء {قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ} (الأعرَاف: 38) أَي للتابع والمتبوع؛ لأنّهم قد دخلُوا فِي الْكفْر جَمِيعًا، أَي لكلَ عذابٌ مضاعف.
وَقَول الله جلّ وعزّ: {إِذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَواةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ} (الإسرَاء: 75) أَي أذقْناك ضِعفَ عَذَاب الْحَيَاة وضِعفَ عَذَاب الْمَمَات، ومَعناهما التَّضْعِيف.
وَقَول الله جلّ وعزّ: {عِندَ اللَّهِ وَمَآ ءاتَيْتُمْ مِّن زَكَواةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَائِكَ} (الرُّوم: 39) مَعْنَاهُ الداخلون فِي التَّضْعِيف، أَي يُثابون الضِّعْف الَّذِي قَالَ الله تَعَالَى: {وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَائِكَ لَهُمْ جَزَآءُ الضِّعْفِ} (سَبَإ: 37) .
وَالْعرب تَقول ضاعفت الشَّيْء وضعّفته، بِمَعْنى وَاحِد. وَمثله امْرَأَة مُناعَمة ومنعَّمة، وصاعَر المتكبّر خَدَّه وصعّره، وعاقدت وعقّدت، وعاقبت وعقّبت، بِمَعْنى وَاحِد.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو قَالَ: المضعوف من أضعفتُ الشَّيْء وَأنْشد قَول لبيد:
وعالَين مضعوفاً وفَرداً سُموطُه
جُمانٌ ومَرجانٌ يشكُّ المفاصلا
وَأما قَول الله عزّ وجلّ: {مُّسْلِمُونَ اللَّهُ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن} (الرُّوم: 54) قَالَ قَتَادَة: {اللَّهُ الَّذِى خَلَقَكُمْ} (الرُّوم: 54) قَالَ: من النُّطفة. {ضَعْفٍ قُوَّةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ} (الرُّوم: 54) ، قَالَ: الهَرَم. وَفِيه لُغَتَانِ: الضَّعْف والضُّعْف. وَقَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة: {علم أَن فِيكُم ضعفا و: {فَهُمْ مُّسْلِمُونَ اللَّهُ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةٍ ثُمَّ جَعَلَ} (الرُّوم: 54) بِفَتْح الضَّاد فيهمَا. وَقَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَنَافِع وَابْن عَامر وَالْكسَائِيّ: (من ضُعْفٍ) و (ضُعْفاً) بِضَم الضَّاد، وهما لُغَتَانِ. وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال ضعف الرجل يضعف ضَعفاً وضُعفاً، وَهُوَ خلاف القُوّة قَالَ:(1/305)
وَمِنْهُم من يَقُول: الضَّعف فِي الْعقل والرأي، والضُّعف فِي الْجَسَد. قلت: هما عِنْد جمَاعَة أهل الْبَصَر باللغة لُغَتَانِ جَيِّدتان مستعملتان فِي ضَعف الْبدن وضَعف الرَّأْي.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن عُثْمَان بن سعيد عَن سلاّم الْمَدَائِنِي عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء عَن نَافِع عَن ابْن عمر أنّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَهَا: (خَلقكُم من ضُعْف) .
وَيُقَال أضعفت فلَانا: أَي وجدته ضَعِيفا؛ وضعّفته، أَي صيّرته ضَعِيفا، واستضعفته، أَي وجدته ضَعِيفا أَيْضا. وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال أضعفت الشَّيْء وضاعفتُه، إِذا زدتَ على أصل الشَّيْء فَجَعَلته مثلين أَو أَكثر من ذَلِك.
أَبُو عَمْرو: أَضْعَاف الْجَسَد: عِظامه، الْوَاحِد ضِعف قَالَ: وَيُقَال أَضْعَاف الْجَسَد: أعضاؤه وَيُقَال فلانٌ ضَعِيف مُضْعِف، فالضّعيف فِي بدنه، والمضْعِف: الَّذِي دابّته ضَعِيفَة، كَمَا يُقَال فلانٌ قويٌ مُقّوٍ، فالقويّ فِي بدنه، والمُقْوِي: الَّذِي دابّته قويّة.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: رجلٌ مضعوف ومهبوتٌ، إِذا كَانَ فِي عقله ضَعف.
شمر: وَمن الدُّروع المضاعَفة، وَهِي الَّتِي ضُوعِف حَلقُها.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال للرجل إِذا انتشرتْ ضيعتُه وكثُرت: أضعفَ الرَّجلُ فَهُوَ مُضْعِف. والأَضعاف: الْجوف قَالَ رؤبة:
فِيهِ ازدهافٌ أيُّما ازدهافِ
وَالله بَين القلبِ والأضعافِ
فأضعاف الْجَسَد: عِظامه، الْوَاحِد ضِعْف. والضَّعَف: الثِّيَاب المضعَّفة، على مِثَال النَّفَض بِمَعْنى المنفوض. قَالَ الأفوه:
تَتبعُ أسلافَنا عِينٌ مخدَّرة
من تَحت دَوْلجِهنَّ الرَّيْطُ والضَّعَفُ
وأرضٌ مُضْعَفة: أَصَابَهَا مطرٌ ضَعِيف.
ابْن بزرج: رجل مضعوف وضَعوف وَضَعِيف قَالَ: وَرجل مغلوبٌ وغَلوب، وبعيرٌ معجوف وعَجيف وعجوف وأعجف، وناقة عجوف وعجيف، وَكَذَلِكَ امْرَأَة ضعوف. وَيُقَال للرجل ضَعِيف، إِذا كَانَ ضَرِير البصَر. وتضعَّفت الرجل، إِذا استضعفتَه.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: رجل مضعوف ومَهْبوت ومرثوء، إِذا كَانَ فِي عقله ضعف.
ضفع: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: ضَفَع الرجل يَضفَع ضفعاً، إِذا أبدى.
وَقَالَ اللَّيْث: ضَفع، إِذا أحدثَ. وفَضَعَ لغةٌ فِي ضَفَعَ، وَهُوَ الإبداء.
وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: نَجْو الْفِيل الضَّفْع، وَجلده الحَوْران، وباطن جلده الحِرْصِيان.
قلت: والضفْعانة: ثَمَرَة السَّعدانة ذَات الشّوك، وَهِي مستديرة كَأَنَّهَا فَلْكة، لَا ترَاهَا إِذا هاجَ السَّعدانُ وانتثر ثَمَرهَا إلاّ مسلنْقيةً قد كَشَرَتْ عَن شَوْكهَا وانتصَّت لقَدَم من يَطَؤُهَا، وَالْإِبِل تسمَن على السَّعدان وتطيب عَلَيْهِ أَلْبَانهَا.
(بَاب الْعين وَالضَّاد مَعَ الْبَاء)
عضب، ضبع، بضع، بعض: مستعملة(1/306)
عضب: قَالَ الشَّافِعِي فِي الْمَنَاسِك: (وَإِذا كَانَ الرجل معضوباً لَا يسْتَمْسك على الرَّاحِلَة فحجَّ عَنهُ رجلٌ فِي تِلْكَ الْحَالة فإنّه يَجْزِيه) . والمعضوب فِي كَلَام الْعَرَب: المخبول الزَّمِن الَّذِي لَا حَراكَ بِهِ. يُقَال عضبَتْهُ الزَّمانةُ تَعضِبه عَضباً، إِذا أقعدته عَن الْحَرَكَة وأزمنَتْه.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: العَضَب: الشَّلَل، والعَرَج والخبَل.
وَقَالَ شمر: يُقَال عضبت يَده بِالسَّيْفِ، إِذا قطعتَها. وَتقول: لَا يَعضِبُك الله، وَلَا يَعضِب الله فلَانا، أَي لَا يَخْبِله الله وإنَّه لمعضوب اللِّسَان، إِذا كَانَ مَقْطُوعًا عَييّاً فَدْماً. وَفِي مثلٍ: (إنَّ الْحَاجة ليَضِبُها طلبُها قبلَ وَقتهَا) . يَقُول: يقطعهَا ويُفسدها. والعَضَب فِي الرمْح: الْكسر؛ وَيُقَال عَضِب قَرنُه عَضَباً. قَالَ: وَتَدْعُو العربُ على الرجل فَتَقول: مَاله عضَبَه الله يدعونَ عَلَيْهِ بِقطع يَده وَرجله.
وروى أَبُو عُبَيْدَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِإِسْنَادِهِ، أَنه (نَهَى أَن يضحَّى بالأعضَبِ القَرْنِ والأذُن) ، قَالَ أَبُو عبيد: الأعضب: المكسور الْقرن الدَّاخِل قَالَ: وَقد يكون العَضَب فِي الْأذن أَيْضا. فَأَما الْمَعْرُوف فَفِي القَرْن وَأنْشد للأخطل:
إنَّ السيوفَ غُدوَّها ورواحَها
تركت هوازنَ مثلَ قرنِ الأعضَب
قَالَ أَبُو عبيد: وأمّا نَاقَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّتِي كَانَت تسمَّى العضْباء، فَلَيْسَ من هَذَا، إِنَّمَا ذَاك اسمٌ لَهَا سمِّيت بِهِ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: يُقَال عضبتُه بالعصا، إِذا ضربتَه بهَا، أعضِبُه عضْباً. وَيُقَال عضبتُه بالرُّمح أَيْضا، وَهُوَ أَن يشغَله عَنهُ. وَقَالَ غَيره: عَضَب عَلَيْهِ، أَي رجَع عَلَيْهِ. وفلانٌ يُعاضِب فلَانا، أَي يرادّه. وَقَالَ الأصمعيّ: إِنَّك لتَعضِبُني عَن حَاجَتي، أَي تقطعني عَنْهَا.
وَقَالَ اللَّيْث: العَضْب: القَطْع؛ يُقَال عضَبَه يَعضِبُه، أَي قَطَعه. والعَضْب: السَّيْف الْقَاطِع.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال للغلام الحادِّ الرَّأْس الْخَفِيف الْجِسْم: عَضْب، ونَدْبٌ، وشَطْب، وشَهْب، وعَصْب، وعَكْب، وسَكْب.
أَبُو حَاتِم عَن الأصمعيّ: يُقَال لولد الْبَقَرَة إِذا طلع قرنُه، وَذَلِكَ بَعْدَمَا يَأْتِي عَلَيْهِ حولٌ: عَضْب، وَذَلِكَ قبل إجذاعه. وَقَالَ الطائفيّ: إِذا قُبِض على قرنه فَهُوَ عَضْبٌ، وَالْأُنْثَى عَضبة، ثمَّ جَذَع، ثمَّ ثَنِيٌّ، ثمَّ رَباعٍ، ثمَّ سَدَسٌ، ثمَّ التَّمَم والتَّمَمة. فَإِذا استجمعت أسنانُه فَهُوَ عَمَمٌ.
ضبع: شمر عَن ابْن الأعرابيّ: الضَّبْع من الأَرْض: أكمة سوداءُ مستطيلة قَلِيلا.
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنّ رجلا أَتَاهُ فَقَالَ: (يَا رسولَ الله أكلَتْنا الضَّبُع) قَالَ أَبُو عبيد: الضَّبُع هِيَ السّنة المُجْدبة. وَأنْشد:
أبَا خُراشةَ أمّا أنتَ ذَا نفرٍ
فإنّ قوميَ لم تأكلهمُ الضَّبُعُ
والضَّبُع: الْأُنْثَى من الضِّباع. وَيُقَال للذّكر ضِبعانٌ وَيجمع، ضُبْعاً وضِباعاً ومَضْبَعة. وأمّا الضَّبْعُ بِسُكُون الْبَاء فَهُوَ العَضُدُ؛ يُقَال أخَذ بضَبْعيه، أَي بعضُديه.(1/307)
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو قَالَ: الاضطباع بِالثَّوْبِ: أَن يُدخل رِدَاءَهُ تَحت يَده الْيُمْنَى ثمَّ يُلقِيَه على عَاتِقه الْأَيْسَر، كَالرّجلِ يُرِيد أَن يعالجَ أمرا فيتهيّأ لَهُ. يُقَال قد اضطبعتُ بثوبي. وَهُوَ مَأْخُوذ من الضَّبْع، وَهُوَ العضُد.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: إِذا لوى الفرسُ حافرَه إِلَى عَضُدِه فَذَلِك الضَّبْع، فَإِذا هَوَى بحافره إِلَى وحشيِّه فَذَلِك الخِناف. وَيُقَال ضَبَعت النَّاقة تَضبَع ضَبْعاً، وضبّعت تضبيعاً، إِذا مدَّت ضَبْعَيها فِي سَيرهَا واهتزَّت. وَيُقَال ضَبَع الرجُل يَضْبَعُ ضَبْعاً، إِذا رفَعَ يَدَيْهِ بالدُّعاء. وَمِنْه قَول الراجز:
وماتَنِي أيدٍ علينا تَضْبَعُ
وَيُقَال ضابعناهم بِالسُّيُوفِ، أَي مددنا أيديَنا إِلَيْهِم بالسُّيوف ومدُّوها إِلَيْنَا. وَقَالَ الراجز:
لَا صُلحَ حتّى تضبعوا ونضبعا
وَيُقَال ضَبَعَوا لنا من الطَّريق ضَبْعاً، أَي جعلُوا لنا فِيهِ قسما، كَمَا تَقول: ذَرعوا لنا طَرِيقا.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: ضَبَع القومُ للصُّلح، أَي مالوا إِلَيْهِ وأرادوه. قَالَ شمر: وَلم أسمعْ هَذَا إلاّ لأبي عَمْرو، وَهُوَ من نوادره. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: مرّت النَّجائبُ ضوابعَ. وضَبْعها: أَن تَهوى بأخفافها إِلَى العَضُد إِذا سَارَتْ.
أَبُو سعيد: الضَّبْع: الجَور. وَفُلَان يَضْبَع، أَي يجور.
سَلمَة عَن الْفراء قَالَ: الضُّبْع: فنَاء الْإِنْسَان، يُقَال كنّا فِي ضُبْعٍ فلانٍ، أَي فنائه. قَالَ: والضَّبُع: السّنة المُهلِكة.
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: يُقَال للناقة إِذا أَرَادَت الْفَحْل: قد ضَبِعَتْ ضَبَعةً. وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال أضبعَتْ فَهِيَ مُضْبِعة. قَالَ: والمَضبَعة: اللَّحْم الَّذِي تَحت الْإِبِط من قُدُم. وفرسٌ ضابع وَجمعه ضوابع، وَهُوَ الْكثير الجري. وضُبَيعة: قَبيلَة فِي ربيعَة. وضُبَاعة: اسْم امْرَأَة.
وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : حِمارٌ مضبوع، ومخنوق، ومذءوب، أَي بِهِ خُنَاقِيَّةٌ وذئبة، وهما داءان. وَمعنى المضبوع دعاءٌ عَلَيْهِ أَن تَأْكُله الضبع.
بضع: أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي وَأبي زيد: إِذا شرِب حَتَّى يرْوى قَالَ بَضَعت أبضَع، وَقد أبضَعَني. وَقَالَ أَبُو زيد: بضَعتُ بِهِ وَمِنْه بُضوعاً. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: أَعْطيته بَضعةً من اللَّحْم وَجَمعهَا بِضَع، إِذا أعطَاهُ قِطْعَة مجتمعة. وَمثلهَا الهَبرة.
وَقَالَ اللَّيْث: بضَعت اللَّحْم بَضْعاً وبضّعته تبضيعاً، إِذا قطّعته، وإنّ فلَانا لشديد البَضْعة حسَنُها، إِذا كَانَ ذَا جِسمٍ وسِمَن. قَالَ: والبضيع: اللَّحْم أَيْضا وَأنْشد:
خاظي البضيع لحمُه خَظَا بَظَا
قَالَ: وَبَضعتُ من صَاحِبي بُضوعاً، إِذا أمرتَه بِشَيْء فَلم يَفْعَله، فدخَلَك مِنْهُ مَا سئمت من أَن تَأمره أَيْضا بِشَيْء.
سَلمَة عَن الْفراء: بَضْعة وبَضْع مثل تَمْرة وتَمْر، وبَضْعة وبَضَعات مثل تَمْرة وتَمَرات، وبَضْعة وبِضَع مثل بَدْرة وبِدَر، وَبضْعَة وبِضاع مثل صَحْفَة وصحاف.(1/308)
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: البضيع: الجزيرة فِي الْبَحْر. والبضيع: اللَّحْم. قَالَ سَاعِدَة الْهُذلِيّ:
سادٍ تجَرَّم بالبَضِيعِ ثمانيا
يُلوِي بِعَيقات البحور ويُجنَبُ
سادٍ مقلوب من الإسآد، وَهُوَ سَيْر اللَّيْل. تجَرَّم فِي البَضِيع، أَي أَقَامَ فِي الجزيرة. يُلوِي بعَيْقات، أَي يذهب بِمَا فِي ساحات الْبَحْر. ويُجنَب، أَي يُصيبه الجَنوب.
وَيُقَال جبهتُه تتبضَّع، أَي تسيل عرقاً. قَالَه الأصمعيُّ. وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب:
إلاّ الحميمَ فَإِنَّهُ يتبضَّعُ
قَالَ: يتبضَّع: يتفتَّح بالعرق ويسيل متقطِّعاً قَالَ: والبُضَيع: اسْم مَوضِع وَأنْشد لحسان:
فالبُضَيع فحَوملِ
وَقَالَ الله: {فَلَبِثَ فِى السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} (يُوسُف: 42) قَالَ الْفراء: البِضع: مَا بَين الثَّلَاثَة إِلَى مَا دون الْعشْرَة. وَقَالَ شمر: البِضْع لَا يكون أقلَّ من ثَلَاث وَلَا أكثرَ من عَشرة. وَقَالَ أَبُو زيد: أَقمت عِنْده بِضْع سِنِين. وَقَالَ بَعضهم: بَضْع سِنِين. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: البِضْع: مَا لم يبلغ العَقْدَ وَلَا نصفَه، يُرِيد مَا بَين الْوَاحِد إِلَى أَرْبَعَة. وَقَالَ اللَّيْث: البِضْع: مَا بَين ثَلَاثَة إِلَى عشرَة. وَيُقَال الْبضْع سَبْعَة. وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال لَهُ بضعَة وَعِشْرُونَ رجلا وَله بضع وَعِشْرُونَ امْرَأَة.
وَقَالَ الله عزّ وجلّ: {وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ} (يُوسُف: 88) البضاعة: السِّلعة، وَأَصلهَا الْقطعَة من المَال الَّذِي يُتْجَر فِيهِ، وَأَصلهَا من البَضْع وَهُوَ القَطْع. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: البِضاعة: جُزْء من أَجزَاء المَال. قَالَ: والبِضْع من أربعٍ إِلَى تسع. قَالَ: وَقَالَ الْفراء: يُقَال للسُّيوف بَضَعة وَاحِدهَا باضع وللسِّياط خَضَعة، وَاحِدهَا خاضع. قَالَ: والباضع فِي الْإِبِل مثل الدَّلاّل فِي الدُّور. قَالَ: وَاخْتلف النَّاس فِي البُضْع، فَقَالَ قوم: هُوَ الْفرج، وَقَالَ قوم: هُوَ الْجِمَاع.
أَبُو عبيد عَن أبي عُبَيْدَة: بضَعتُه بالْكلَام وأبضَعته، وَهُوَ أَن تبيِّن لَهُ مَا تنازعه حتَّى يشتفيَ كَائِنا من كَانَ. وَقَالَ الأصمعيّ: يُقَال مَلك فلانٌ بُضْعَ فُلَانَة، إِذا ملك عُقدَة نِكَاحهَا، وَهُوَ كِنَايَة عَن مَوضِع الغِشْيان. وَقَالَ بعضُهم: ابتضعَ فلانٌ وبَضَع، إِذا تزوَّج. والمباضعة: الْمُبَاشرَة، يُقَال باضَعَها مباضعَةً، إِذا جامَعَها، وَالِاسْم البُضْع.
اللَّيْث: يُقَال بضعتُه فانبضَع وبَضَع، أَي بيّنته فتبيَّنَ. قَالَ: والباضعة من الْغنم: قطعةٌ انقطعَتْ عَنْهَا، تَقول فِرْقٌ بَواضع.
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي وَغَيره: الباضعة من الشجاج: الَّتِي تشُجُّ اللَّحْم تَبضَعه بعد الْجلد وَبعد المتلاحِمة.
أَبُو سعيد: هُوَ شَرِيكي وبَضِيعي، وهم بُضَعائي وشركائي. وَقَالَ أَوْس بن حجر يصف قوساً:
ومَبضوعةً من رأسِ فَرعِ شظيّةٍ
يَعْنِي قوساً بَضَعَها، أَي قطَعها.(1/309)
وَيُقَال أبضَعْت بضَاعَة للْبيع كائنة مَا كَانَت.
بعض: قَالَ الله جلّ وعزّ فِي قصَّة مُؤمن آل فِرْعَوْن وَمَا أجراه على لِسَانه فِيمَا وعظَ بِهِ آل فِرْعَوْن: {رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِى} (غَافر: 28) . أَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْهَيْثَم أنّه قَالَ فِي تَفْسِير قَوْله: {صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِى} (غَافر: 28) ، قَالَ: كل الَّذِي يَعدكُم، أَي إِن يكنْ مُوسَى صَادِقا يُصبْكم كل الَّذِي ينذركم ويتوعّدكم بِهِ، لَا بعضٌ دونَ بعض، لأنّ ذَلِك من فعل الكُهَّان، وأمّا الرُّسُل فَلَا يُوجد عَلَيْهِم وعدٌ مَكْذُوب. وَأنْشد:
فياليتَه يُعفَى ويُقرِعُ بَيْننَا
عَن الْمَوْت أَو عَن بعض شكواه مُقْرِعُ
لَيْسَ يُرِيد عَن بعض شكواه دونَ بعض، بل يُرِيد الكلّ، وَبَعض ضدُّ كلّ. وَقَالَ ابْن مُقْبل يُخَاطب ابنَتيْ عَصَر:
لَوْلَا الحياءُ وَلَوْلَا الدِّين عِبتُكما
بِبعض مَا فيكما إذْ عِبْتُما عَوَري
أَرَادَ: بكلّ مَا فيكما، فِيمَا يُقَال.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَوْله: {كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِى} (غَافر: 28) : من لطيف الْمسَائِل أَن النبيَّ ج إِذا وعَدَ وَعدا وقعَ الوعدُ بأسْره وَلم يقعْ بعضُه، فَمن أَيْن جَازَ أَن يَقُول بعضُ الَّذِي يَعدكُم، وحقُّ اللَّفْظ كلّ الَّذِي يعدِكم. وَهَذَا بابٌ من النّظر يذهب فِيهِ المُناظِر إِلَى إِلْزَام الحجّة بأيسر مَا فِي الْأَمر. وَلَيْسَ فِي هَذَا نفيُ إِصَابَة الكلّ وَمثله قَول القطاميّ:
قد يُدرِك المتأنِّي بعضَ حَاجته
وَقد يكون مَعَ المستَعْجِلِ الزَّلَلُ
وإنّما ذكر الْبَعْض ليوجب لَهُ الكلّ، لَا أنَّ البعضَ هُوَ الكلّ، ولكنّ الْقَائِل إِذا قَالَ أقلّ مَا يكون للمتأني إِدْرَاك بعض الْحَاجة، وَأَقل مَا يكون للمستعجل الزَّلَل، فقد أبانَ فضلَ المتأنّي على المستعجل بِمَا لَا يقدر الخصمُ أَن يدفعَه. وكأنَّ مُؤمنَ آل فِرْعَوْن قَالَ لَهُم: أقلُّ مَا يكون فِي صدقه أَن يُصِيبكُم بعضُ الَّذِي يَعدكُم.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى: أجمعَ أهلُ النَّحْو على أنّ البعضَ شيءٌ من أَشْيَاء، أَو شَيْء من شَيْء، إلاّ هشاماً، فَإِنَّهُ زعم أَن قَول لبيد:
أَو يعتلقْ بعضَ النُّفوسِ حِمَامُها
فادّعى وَأَخْطَأ أنّ الْبَعْض هَاهُنَا جمع. وَلم يكن هَذَا من عمله، وإنّما أَرَادَ لبيد بِبَعْض النُّفُوس نَفسه. قَالَ: وَأما جزم (أَو يعتلقْ) فإنّه ردّه على معنى الْكَلَام الأوّل وَمَعْنَاهُ جَزَاء، كأنّه قَالَ: وَإِن أخرجْ فِي طلب المَال أُصبْ مَا أمّلت أَو يعتلق الموتُ نَفسِي. وَقَالَ فِي قَوْله: {صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِى} (غَافر: 28) إنَّه كَانَ وعدَهم شَيْئَيْنِ من الْعَذَاب: عَذَاب الدُّنْيَا وَعَذَاب الْآخِرَة، فَقَالَ: يصبكم هَذَا العذابُ فِي الدُّنيا، وَهُوَ بعضُ الوعدَين، من غير أَن نَفَى عذابَ الْآخِرَة.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال إنّ بعض الْعَرَب تصل ببعضٍ كَمَا تصل بِمَا. من ذَلِك قَول الله:(1/310)
{كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِى} (غَافر: 28) . قَالَ: وَبَعض كلِّ شيءٍ طَائِفَة مِنْهُ. وَيُقَال جَارِيَة حُسَّانة يشبه بعضُها بَعْضًا. وبعَّضتُ الشَّيْء تبعيضاً، إِذا فرَّقتَه أَجزَاء. وبعضٌ مذكّر فِي الْوُجُوه كلّها. والبعوضة مَعْرُوفَة، والجميع البَعوض.
وَقَالَ الكسائيّ: قومٌ مبعوضون. وَقد بُعِض الْقَوْم، إِذا آذاهم البعوض. وأبعَضُوا: إِذا كَانَ فِي أَرضهم بعوض. وأرضٌ مَبْعَضة وَرمل الْبَعُوضَة مَعْرُوفَة بالبادية.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: قلت للأصمعيّ: رَأَيْت فِي (كتاب ابْن المقفّع) : (الْعلم كثيرٌ ولكنَّ أخْذَ الْبَعْض خيرٌ من تَرك الكُلّ) . فَأنكرهُ أشدّ الْإِنْكَار وَقَالَ: الْألف وَاللَّام لَا تدخلان فِي بعض وكلّ؛ لِأَنَّهُمَا معرفَة بِغَيْر ألف وَلَام، وَفِي الْقُرْآن: {شَآءَ اللَّهُ وَكُلٌّ} (النَّمل: 87) قَالَ أَبُو حَاتِم: وَلَا تَقول العربُ الكلَّ وَلَا البعضَ، وَقد اسْتَعْملهُ الناسُ حَتَّى سِيبَوَيْهٍ والأخفش فِي كتبهما، لقلَّة علمهما بِهَذَا النَّحْو، فاجتنِبْ ذَلِك فَإِنَّهُ لَيْسَ من كَلَام الْعَرَب.
ع ض م
اسْتعْمل من وجوهها: عضم، معض
عضم: قَالَ اللَّيْث: العَضْم فِي الْقوس: المَعجِس، وَهُوَ المَقبِض، والجميع العضام. قَالَ: والعضام: عَسِيب الْبَعِير، وَهُوَ ذَنَبُه العَظْم لَا الهُلْب، وَالْعدَد أعضمة، والجميع العُضُم. والعَضْمُ: الخَشْبة ذاتُ الْأَصَابِع يذرَّى بهَا. وعَضْم الفدّان: لَوحُه العريض فِي رَأسه الحديدة تُشقُّ بِهِ الأَرْض.
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: هُوَ العَضْم، والعَجْس، والمَقبِض، كُله بِمَعْنى وَاحِد وأنشدنا:
ربَّ عَضْمٍ رأيتُ فِي وسط ضَهْر
قَالَ: الضَّهر: البُقعة من الْجَبَل يُخَالف لونُها سَائِر لَونه. قَالَ: وَقَوله (رُبَّ عَضْم) أرادَ أَنه رأى عوداً فِي ذَلِك الْموضع فقطعَه وعمِل مِنْهُ قوساً. قَالَ: والعَضْم: الحِفْراة الَّتِي يُذَرَّى بهَا.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: العَضُوم: النَّاقة الصُّلبة فِي بدنهَا، القويّة على السَّفر. قَالَ: والعَصوم بالصَّاد: الكثيرةُ الْأكل.
معض: اللَّيْث: يُقَال مَعِض الرَّجلُ من شَيْء سمِعه وامتعض مِنْهُ، إِذا شقَّ عَلَيْهِ وأوجعَه وتوجَّع مِنْهُ وَقَالَ رؤبة:
ذَا مَعَضٍ لَوْلَا يردُّ المعْضا
قَالَ: والفِعل المجاوِز أمعضتُه أَنا إمعاضاً ومعَّضتُه تمعيضاً.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: المعَّاضة من الْإِبِل: الَّتِي ترفع ذَنَبها عِنْد نتاجها.(1/311)
(أَبَوا الْعين وَالصَّاد)
ع ص س
ع ص ز
أهملت وجوهها. وَلَا تأتلف الصَّاد مَعَ السِّين وَلَا مَعَ الزَّاي فِي شَيْء من كَلَام الْعَرَب.
ع ص ط
صعط، صطع.
صعط: قَالَ اللحياني: الصَّعوط والسَّعوط بِمَعْنى وَاحِد. وروى أَبُو تُرابٍ لَهُ فِي (كِتَابه) : خطيبٌ مِصطَعٌ ومِصْقَعٌ، بِمَعْنى وَاحِد.(1/312)
(بَاب الْعين وَالصَّاد مَعَ الدَّال)
(ع ص د)
عصد، صدع، صعد، دعص: مستعملة
عصد: أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد: يُقَال: عَصَد فلَان يَعْصِد عُصُوداً إِذا مَاتَ. وَأنْشد شَمِر:
على الرحل ممَّا منَّه السَيْر عاصدُ
وَقَالَ اللَّيْث: العاصد هَهُنَا: الَّذِي يعصِد العَصِيدة أَي يُديرها ويقلبها بالمِعْصَدة، شبَّه الناعس بِهِ لِخَفَقان رَأسه. قَالَ: وَمن قَالَ: إِنَّه أَرَادَ الميّت بالعاصد فقد أَخطَأ. ابْن شُمَيل: تركتُهم فِي عِصْواد وَهُوَ الشَّرّ من قَتْل أَو سِبَاب أَو صَخَب. وَقد عَصْوَدوا مُنْذُ الْيَوْم عَصْوَدة أَي صاحوا واقتتلوا.
وَقَالَ اللَّيْث: العِصْواد: جَلَبة فِي بَلِيَّة، يُقَال: عَصَدتهم العَصَاوِيدُ، وهم فِي عِصْواد بَينهم، يَعْنِي البلايَا والخُصُومات. قَالَ: وَجَاءَت الإبِل عَصَاوِيد: ركِب بعضُها بَعْضًا. وَكَذَلِكَ عصاويد الْكَلَام. وَقَالَ ابْن شُمَيل: العَصَاويد: العِطَاش من الإبِل. وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: رجُل عِصْواد: عَسِر شَدِيد، وَامْرَأَة عِصْواد: صَاحِبَة شَرّ. وَأنْشد:
يَا مَيَّ ذَات الطَوق والمِعضادِ
فدتْكِ كُلَّ رَعبَلٍ عِصْوادِ
ووِرْد عِصْواد: مُتْعِب وَأنْشد:
وَفِي القَرَب العِصواد للعِيس سائق
وَقوم عَصَاوِيد فِي الْحَرْب: يلازمون أقرانهم وَلَا يفارقونهم. وَأنْشد:
لمّا رأيتهمُ لَا دَرْءَ دونهمُ
يدعُون لِحْيان فِي شُعث عصاويد
وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : يَوْم عَطَوَّد وعَطَرَّد وعَصَوَّد أَي طَوِيل. وركِب فلَان عِصْوَدَّة وعِرْبَدَّة إِذا ركِب رَأْيه. وَقَالَ أَبُو عُبَيدة: عَصَد الرجلُ الْمَرْأَة عَصْداً، وعَزَدها عَزْداً إِذا جَامعهَا. وَقَالَهُ اللَّيْث. قَالَ: وَيُقَال: أعصِدْني حِمَارك أَي أعِرْنيه لأُنْزِيه على أتَاني. قَالَ: وَرجل عَصِيد معصود: نَعْت سَوْء. وَيُقَال: عصدتُه على الْأَمر عَصْداً إِذا أكرهتَه عَلَيْهِ. والعَصْد: اللَيُّ، وَبِه سمِّيت العَصِيدة.
صدع: قَالَ الله جلّ وعزّ: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} (الْحجر: 94) قَالَ بعض المفسّرين: اجهَر بِالْقُرْآنِ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} : أظهِر مَا تؤمَر بِهِ، أُخِذ من الصَدِيع(2/5)
وَهُوَ الصُّبْح. قَالَ: وَتَأْويل الصَدْع فِي الزُجاج: أَن يَبين بعضُه من بعض. وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن الحَرّانيّ عَن ابْن السِكيت قَالَ: الصَدْع: الفَصْل. وَأنْشد لجرير:
هُوَ الْخَلِيفَة فارضَوا مَا قَضَاهُ لكم
بالحقّ يصدع مَا فِي قَوْله جَنَفُ
قَالَ: يصدع: يفصل ويُنْفِذ. وَقَالَ ذُو الرُمَّة:
فَأَصْبَحت أرمي كلَّ شَبْح وَحَائِل
كَأَنِّي مُسَوَ قِسْمةَ الأَرْض صادع
يَقُول: أَصبَحت أرمي بعيني كل شَبْح وَهُوَ الشَّخْص وَحَائِل: كل شَيْء يتحرّك. يَقُول: لَا يأخذني فِي عَيْني كسر وَلَا انثناء كَأَنِّي مُسوّ، يَقُول: كَأَنِّي أُرِيد قِسْمة هَذِه الأَرْض بَين أَقوام، صادع: قَاض، يصدع: يَفْرُق بَين الحقّ وَالْبَاطِل. وَقَالَ الفَرّاء: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} (الْحجر: 94) أَي اصدع بِالْأَمر، أَقَامَ (مَا) مقَام الْمصدر. وَقَالَ ابْن عَرَفة: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤمر أَي فرّق بَين الحقّ وَالْبَاطِل، من قَوْله جلّ وعزّ: {مِنَ اللَّهِ} (الرّوم: 43) أَي يتفرقون. وَقَالَ مُجَاهِد: {بِمَا تُؤمر أَي بِالْقُرْآنِ. قلت: ويسمّى الصُّبْح صَدِيعاً، كَمَا يسمّى فَلَقاً؛ وَقد انصدع وانفطر وانفلق وانفجر إِذا انشقَّ. وَقَالَ اللَّيْث: الصَدْع: شَقّ فِي شَيْء لَهُ صلابة. قَالَ: وصدعْت الفلاة أَي قطعتها فِي وسط جَوْزها. وَكَذَلِكَ صَدَع النهرَ: شقَّه شَقّاً، وصدع بالحقّ: تكلّم بِهِ جِهاراً. وَقَالَ الله تَعَالَى: {الرَّجْعِ وَالاََرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ} (الطارق: 12) قَالَ الفرّاء: ذَات الصدع: تتصدع بالنبات. وَقَالَ اللَّيْث: الصَدْع: نَبَات الأَرْض لِأَنَّهُ يصدع الأَرْض فتصدّع بِهِ. قَالَ: والصَدِيع: انصداع الصُّبْح، والصَدِيع: رُقعةٌ جَدِيدَة فِي ثوب خَلَق. وَقَالَ لَبِيد:
دعِي اللوم أَو بِيني كشَقّ صَدِيع
قَالَ بَعضهم: هُوَ الرِدَاء الَّذِي شُقَّ صِدْعتين، يضْرب مثلا لكل فُرْقة لَا اجْتِمَاع بعْدهَا. والصِدْعة والصَدِيع: قِطْعَة من الظباء والغَنَم. وجَبَل صادع: ذَاهِب فِي الأَرْض طُولاً. وَكَذَلِكَ سَبِيل صادع ووادٍ صادع. وَهَذَا الطَّرِيق يَصْدَع فِي أَرض كَذَا وَكَذَا. وَيُقَال: رَأَيْت بَين الْقَوْم صَدَعات أَي تفرّقاً فِي الرَّأْي والهَوَى، يُقَال: أصلِحوا مَا فِيكُم من الصَدَعات أَي اجتمِعوا وَلَا تتفرّقوا. وَقَالَ اللَّيْث: الصُدَاع: وَجَع الرَّأْس، وَقد صُدِّع الرجل تصديعاً. قَالَ: وَيجوز فِي الشّعْر صُدِع فَهُوَ مصدوع بِالتَّخْفِيفِ. وتصدّع القومُ: تفرّقوا. الحَرّاني عَن ابْن السّكيت: الصَّدْع فِي الزُجَاجة والحائط وَغَيرهمَا. والصَدَع: الوَعِل بَين الوَعِلين: لَيْسَ بالعظيم وَلَا بالشَّخْت. وَكَذَلِكَ هُوَ من الظِباء. وَأنْشد:
يَا رُبّ أبَّازٍ من العُفْر صَدَعْ
تقبَّض الذئبُ إِلَيْهِ فاجتَمَعْ
وَقَالَ اللَّيْث: الصَّدَع: الفَتِيّ من الأوعال. قَالَ: وَيُقَال: هُوَ الرجل الشابّ الْمُسْتَقيم القناةِ. عَمْرو عَن أَبِيه: الصَّدِيع: الثَّوْب المشقَّق. والصديع: الصُّبْح. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي فِي قَوْله تَعَالَى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} أَي شُقّ جماعاتهم بِالتَّوْحِيدِ.(2/6)
وَقَالَ غَيره: أظهِر التَّوْحِيد وَلَا تَخَفْ أحدا. وَقَالَ غَيره: فرّق القَوْل فيهم مُجْتَمعين وفُرَادَى. قَالَ ثَعْلَب: وَسمعت أَعْرَابِيًا كَانَ يحضر مجْلِس ابْن الأعرابيّ يَقُول: معنى (اصدع بِمَا تُؤمر) أَي اقصد بِمَا تُؤمر. قَالَ: وَالْعرب تَقول: اصدَع فلَانا أَي اقصده لِأَنَّهُ كريم. أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد: الصِرْمة والقِصْلة والحُدْرة: مَا بَين الْعشْرَة إِلَى الْأَرْبَعين من الْإِبِل، فَإِذا بلغتْ سِتّين فَهِيَ الصِدْعة. وَقَالَ ابْن السِكّيت: رجل صَدَع وصَدْع وَهُوَ الضَرْب الْخَفِيف اللحِم، وَأما الوَعِل فَلَا يُقَال فِيهِ إِلَّا صَدَع: وَعِل بَين وَعِلين.
صعد: قَالَ الله جلّ وعزّ: {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ} (آل عمرَان: 153) الْآيَة قَالَ الفرّاء: الإصعاد: فِي ابْتِدَاء الْأَسْفَار والمخارج؛ تَقول أصعدنا من مكَّة وأصعدنا من الْكُوفَة إِلَى خُرَاسَان، وَمن بَغْدَاد إِلَى خُرَاسَان وَأَشْبَاه ذَلِك، فَإِذا صعِدت فِي السُلَّم أَو الدرجَة وأشباهه قلت: صَعِدت وَلم تقل: أصعدت. وَقَرَأَ الْحسن: (إِذْ تَصْعَدون) جعل الصُعود فِي الْجَبَل كالصعود فِي السُّلّم. وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن الحَرّانيّ عَن ابْن السكيّت قَالَ: يُقَال: صعِد فِي الْجَبَل وأصعد فِي الْبِلَاد. وَيُقَال: مَا زلنا فِي صَعُود، وَهُوَ الْمَكَان فِيهِ ارْتِفَاع. قَالَ: وَقَالَ أَبُو صَخْر: يكون النَّاس فِي مباديهم، فَإِذا يبِس البقلُ وَدخل الحَرّ أخذُوا إِلَى مَحَاضرهم، فَمن أمَّ القِبلة فَهُوَ مُصْعِد، وَمن أمّ الْعرَاق فَهُوَ منحدر. قلت: وَهَذَا الَّذِي قَالَه أَبُو صَخْر كَلَام عربيّ فصيح، سَمِعت غير وَاحِد من الْعَرَب يَقُول: عَارَضنَا الحاجّ فِي مَصْعدهم أَي فِي قصدهم مكَّة، وعارضناهم فِي مُنْحَدرهم أَي فِي مَرْجِعهم إِلَى الْكُوفَة من مكّة. وَقَالَ ابْن السِكّيت: قَالَ لي عُمَارة: الإصعاد إِلَى نَجْد والحِجاز واليمن والانحدار إِلَى الْعرَاق وَالشَّام وعُمَان. قلت: وَهَذَا يشاكل كَلَام أبي صَخْر. وَقَالَ الْأَخْفَش: أصعد فِي الْبِلَاد: سَار وَمضى، وأصعد فِي الْوَادي: انحدر فِيهِ، وأمَّا صعِد فَهُوَ ارتقاء. أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد وَأبي عَمْرو يُقَال: أصعد الرجل فِي الْبِلَاد حَيْثُ توجّه. وَقَالَ غَيرهم: أصعدت السفينةُ إصعاداً: إِذا مدَّت شِرَاعها فَذَهَبت بهَا الرّيح صُعُداً. وَقَالَ اللَّيْث: صعِد إِذا ارْتقى، واصَّعَّد يَصَّعَّدُ إصّعّاداً فَهُوَ مصَّعِّد إِذا صَار مستقبِل حَدُور أَو نهر أَو وادٍ أَو أَرض أرفع من الْأُخْرَى. قَالَ: وصَعّد فِي الْوَادي إِذا انحدر. قلت: والاصَّعَّاد عِنْدِي مثل الصُعُود؛ قَالَ الله تَعَالَى: {كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِى السَّمَآءِ} (الْأَنْعَام: 125) يُقَال: صعِد واصَّعّد واصَّاعَد بِمَعْنى وَاحِد. وَقَالَ الله تَعَالَى: {فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً} (النِّساء: 43) قَالَ الفرّاء فِي قَوْله تَعَالَى: {صَعِيداً جُرُزاً} (الْكَهْف: 8) : الصَّعِيد: التُّرَاب، وَقَالَ غَيره: هِيَ المستوية. وَقَالَ أَبُو عُبَيدة فِي قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إيّاكم والقُعود بالصُعُدات) : قَالَ: الصُعُدات: الطُرُق، مَأْخُوذَة من الصَعيد، وَهُوَ التُّرَاب. وَجمع الصَّعِيد صُعُد، ثمَّ صُعُدات جمع الْجمع. وَقَالَ الشَّافِعِي فِيمَا رُوِي لنا عَن الرّبيع لَهُ: لَا يَقع اسْم صَعِيد إلاّ على تُرَاب ذِي(2/7)
غُبار. فأمّا الْبَطْحَاء الغليظة والرقيقة والكَثِيب الغليظ فَلَا يَقع عَلَيْهِ اسْم صَعِيد وَإِن خالطه تُرَاب أَو صَعِيد أَو مَدَر يكون لَهُ غُبَار كَأَن الَّذِي خالطه الصعيدَ. قَالَ: وَلَا يَتيَمم بنُورة وَلَا كُحل وَلَا زِرْنيخ، وكل هَذَا حِجَارَة. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق بن السرِيّ: الصَّعِيد: وَجه الأَرْض. قَالَ: وعَلى الْإِنْسَان أَن يضْرب بيدَيْهِ وَجه الأَرْض، وَلَا يُبَالِي أَكَانَ فِي الْموضع تُرَاب أَو لم يكن؛ لِأَن الصَّعِيد لَيْسَ هُوَ التُّرَاب، إِنَّمَا هُوَ وَجه الأَرْض، تُرَابا كَانَ أَو غَيره. قَالَ: وَلَو أَن أَرضًا كَانَت كلهَا صخراً لَا تُرَاب عَلَيْهِ ثمَّ ضرب المتيمِّمُ يَده على ذَلِك الصخر لَكَانَ ذَلِك طَهُوراً إِذا مَسَح بِهِ وَجهه. قَالَ الله جلّ وعزّ: {فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا} (الْكَهْف: 40) فأعلمك أَن الصَّعِيد يكون زَلَقاً.
والصُعُدات: الطُرُق، وسمّي صَعيداً لِأَنَّهُ نِهَايَة مَا يُصْعَد إِلَيْهِ من بَاطِن الأَرْض لَا أعلم بَين أهل اللُّغَة اخْتِلَافا فِيهِ أَن الصَّعِيد وَجه الأَرْض. قلت: وَهَذَا الَّذِي قَالَه أَبُو إِسْحَاق أَحْسبهُ مَذْهَب مَالك وَمن قَالَ بقوله وَلَا أستيقنه. فأمَّا الشافعيّ والكوفيّون فالصعيد عِنْدهم التُّرَاب. وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال للحديقة إِذا خَرِبت وَذهب شَجْراؤها: قد صَارَت صَعِيدا أَي أَرضًا مستوية لَا شجر فِيهَا. شَمِر عَن ابْن الأعرابيّ: الصَّعِيد: الأرضُ بِعَينهَا، وَجَمعهَا صُعُدات وصِعْدان. وَقَالَ أَبُو عُبَيد: الصُعُدات: الطُرُق فِي قَوْله: (إيَّاكُمْ وَالْقعُود بالصُعُدات) . قَالَ: وَهِي مَأْخُوذَة من الصَّعيد وَهُوَ التُّرَاب، وَجمعه صُعُد ثمَّ صُعُدات مثلُ طَرِيق وطُرُق وطُرُقات قَالَ: وَقَالَ غَيره: الصَّعِيد: وَجه الأَرْض البارزُ قلَّ أَو كثر. تَقول: عَلَيْك الصعيدَ أَي اجْلِسْ على وَجه الأَرْض.
وَقَالَ جرير:
إِذا تَيْم ثوتْ بصعيد أَرض
بَكت من خُبْث لؤمهم الصعيدُ
وَقَالَ فِي أُخْرَى:
والأطيبين من التُّرَاب صَعِيدا
سَلَمة عَن الفرّاء، قَالَ: الصَّعِيد: التُّرَاب، والصعيد: الأَرْض، والصعيد: الطَّرِيق يكون وَاسِعًا وضيّقاً، والصعيد: الْموضع العريض الْوَاسِع. والصعيد: الْقَبْر.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {عَنِيداً سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً} (المدَّثِّر: 17) قَالَ اللَّيْث وَغَيره: الصَّعُود: ضِدّ الهَبُوط، وَهِي بِمَنْزِلَة العَقَبة الكَئُود، وَجَمعهَا الأصْعِدة. وَيُقَال: لأُرهِقَنَّك صَعُوداً أَي لأُجشِّمنَّك مشقة من الْأَمر. وَإِنَّمَا اشتقوا ذَلِك لِأَن الِارْتفَاع فِي صَعود أشقّ من الانحدار فِي هَبُوط. قَالَ فِي قَوْله: {عَنِيداً سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً} يَعْنِي مشقَّة من الْعَذَاب. وَيُقَال: بَل جبل فِي النَّار من جَمْرة وَاحِدَة يكلَّف الْكَافِر ارتقاءه ويُضرب بالمَقَامع، فكلّما وضَعَ عَلَيْهِ رجله ذَابَتْ إِلَى أَسْفَل وركه، ثمَّ تعود مَكَانهَا صَحِيحَة. قَالَ: وَمِنْه اشتُقّ تصعَّدني ذَلِك الأمرُ أَي شقَّ عليَّ. وَقَالَ أَبُو عُبَيد فِي قَول عُمَر: مَا تصعَّدتني خُطْبة، مَا تصعَّدتني خُطْبة النِّكَاح: أَي مَا تكاءدتني وَمَا بَلَغت منّي وَمَا جَهَدتني. وَأَصله من الصَّعُود وَهِي العَقَبة(2/8)
الشاقَّة. وَقَالَ اللَّيْث: الصُعُد شجر يذاب مِنْهُ القار. وَقَالَ غَيره: التصعيد: الإذابة، وَمِنْه قيل: خَلّ مُصَعَّد وشراب مصعَّد إِذا عولج بالنَّار حَتَّى يَحُول عمَّا هُوَ عَلَيْهِ، لوناً وطعماً. أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: إِذا وَلَدت النَّاقة لغير تَمَام وَلكنهَا خَدَجت لسِتَّة أشهر أَو سَبْعَة فعُطفت على ولدِ عامِ أوَّلَ فَهِيَ صَعُود. وَقَالَ اللَّيْث: الصَّعُود: النَّاقة يَمُوت حُوارها فترجع إِلَى فَصِيلها فتدُرّ عَلَيْهِ، وَقَالَ: هُوَ أطيب لِلبنها. وَأنْشد:
لَهَا لبن الخليَّة والصَّعُود
قلت: وَالْقَوْل مَا قَالَه الأصمعيّ، سَماع من الْعَرَب، وَلَا تكون صَعُوداً حَتَّى تكون خادِجاً. أَبُو عبيد: الصَّعْدة: الأَلَّة، وَهِي نَحْو مِن الْحَرْبة أَو أَصْغَر مِنْهَا. وَقَالَ النَّضر: الصَّعْدة: القَنَاة. وَقَالَ اللَّيْث: هِيَ الْقَنَاة المستوية تنْبت كَذَلِك لَا تحْتَاج إِلَى التثقيف، وَكَذَلِكَ من القَصَب، وَجَمعهَا الصِّعَاد. وَأنْشد:
صَعْدة نابتة فِي حائر
أَيْنَمَا الريحُ تُمَيِّلْها تمِلْ
وَقَالَ آخر:
خرير الرّيح فِي قَصَب الصِّعَاد
قَالَ: والصَعْدة من النِّسَاء: المستقيمة كَأَنَّهَا صَعْدة قَناةٍ، وجَوَارٍ صَعْدات، خَفِيفَة لِأَنَّهُ نعت. وَثَلَاث صَعَدات لِلقنا مثقَّلة لِأَنَّهُ اسْم. وَقَالَ ابْن شُمَيل: رُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه خرج على صَعْدة يتبعهَا حُذَاقِيّ. قَالَ: الصَعْدة: الأتَان الطَّوِيلَة، والْحُذَاقِيّ: الْجَحش. وَقَالَ الأصمعيّ: الصُّعَداء: هُوَ التنفّس إِلَى فَوق، مَمْدُود. وَقَوْلهمْ: صنع أَو بلغ كَذَا وَكَذَا فَصَاعِدا أَي فَمَا فَوق ذَلِك: وعُنُق صاعد أَي طَوِيل. وَيُقَال: فلَان يتبع صُعُداء مَعْنَاهُ أَنه يرفع رَأسه وَلَا يطأطئه. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: يُقَال للناقة: إِنَّهَا لفي صعيدة بازلَيها أَي قد دنت ولَمَّا تَبْزُل، وَأنْشد:
سَدِيس فِي صَعِيدة بازلَيها
عَبَنَّاة وَلم تَسِق الْجَنِينا
زِيَادَة من غير خطّ المصنِّف:
والصُّعْدُد: الصُّعُود وَهِي المشَقَّة، قَالَ:
أغشيتَهم عَوْصاء فِيهَا صُعْدُد
أُردِف فِي آخِره دَال، كَمَا أُردف فِي دُخلل الرجل أَي دخيله وبِطانته. والصَّعُوداء: الثنِيَّة الصعبة. وَقَالَ ابْن مقبل:
وحدَّثته أَن السَّبِيل ثنِيَّة
صعوداء يَدْعُو كل كهل وأمردا
وَفِي نَفسه وصدره صَعْداء أَي مَا يتصاعده ويتكاءده، قَالَ الهذليّ:
وَإِن سيادة الأقوام فَاعْلَم
لَهَا صَعْداء مَطْلَعُها طَوِيل
والصُّعَداء: الِارْتفَاع. ومثاله من المصادر المُضَواء من المضيّ، والمُطَواء من التمطّي، والثُّوبَاء من التثاؤب، والغُلَواء من الغلوّ، قَالَ ذُو الرمّة:
قطعت بنهَّاض إِلَى صُعَدائه
إِذا شمَّرت عَن سَاق خِمْس ذلاذلُه
والصَعْد: الْجَبَل الطَّوِيل، قَالَ:
وَلَقَد سموتُ إِلَيْك من جبل
دون السَّمَاء صَمَحْمَح صَعْدِ(2/9)
والمَصْعَد: الْحَرّ الْمُرْتَفع.
دعص: الدِعْص: الكَثِيب من الرمل المجتمِع. وَجمعه دِعَصَة وأدعاص، وَهُوَ أقل من الحِقْف. أَبُو عُبَيد عَن أبي زيد: أدعصه الحَرُّ إدعاصاً إِذا قَتله، وأهرأه البَرْد إِذا قَتله. اللَّيْث: المندعِص: الشَّيْء الميّت إِذا تفسَّخ، شُبّه بالدِعْص لِوَرَمه. قَالَ: وَوَاحِدَة الدِعْص دِعْصَة. وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : دَعَص بِرجلِهِ ودَحَص ومحص وقَعَص إِذا ارتكض. وَيُقَال: أخَذْتُه مداعَصَة ومداغَصَة ومقاعصة ومرافصة ومحايصة ومتايَسة أَي أَخَذته مُعَازَّة.
(بَاب الْعين وَالصَّاد مَعَ التَّاء)
(ع ص ت)
اسْتعْمل من وجوهه: صعت، صتع.
صعت: قَالَ ابْن شُمَيل: جَمَل صَعْت الرُّبَة إِذا كَانَ لطيف الجُفْرة. وَأنْشد ابْن الأعرابيّ فِيمَا روى أَبُو الْعَبَّاس عَنهُ:
هَل لكِ يَا خَدْلة فِي صَعْت الرُبَهْ
مُعْرَنزِم هامتُه كالْجُبْجُبَهْ
قَالَ: الرُّبَة: العُقْدة، وَهِي هَهُنَا الكَوْسَلة وَهِي الحَشَفَة.
صتع: أَبُو عَمْرو: الصَّتَع: حِمَار الْوَحْش. قَالَ: والصَّتَع: الشابّ القويّ. وَأنْشد:
يَا بنت عَمْرو قد مُنحتِ وُدّي
والْحَبْلَ مَا لم تقطعي فمُدّي
وَمَا وِصال الصَّتَع القُمُدّ
وَقَالَ غَيره: يُقَال للحمار الوحشيّ: صُنْتُع. وَقَالَ الطرمَّاح:
صُنْتع الحاجبين خَرَّطه البَقْ
لُ بَدِيئاً قبل استكاك الرياضي
وَهُوَ فُنْعُل من الصَّتَع. وَقَالَ اللَّيْث: جَاءَ فلَان يَتَصتَّع علينا بِلَا زَاد وَلَا نَفَقَة وَلَا حَقّ وَاجِب. وَقَالَ أَبُو زيد: جَاءَ فلَان يتصتَّع إِلَيْنَا، وَهُوَ الَّذِي يَجِيء وَحده لَا شَيْء مَعَه. وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : هَذَا بعير يتمسّح ويتصتّع إِذا كَانَ طُلُقاً. وَيُقَال للْإنْسَان مثلُ ذَلِك إِذا رَأَيْته عُرْياناً. وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن الطوسيّ عَن الخرّاز عَن ابْن الأعرابيّ أَنه أنْشدهُ:
وأَكَل الْخَمْسَ عيالٌ جُوّع
وَتَلِيت وَاحِدَة تصَتَّعُ
قَالَ: تَلِي فلَان بعد قومه وغَدَر إِذا بَقِي. قَالَ: وتصتّعها: تردُّدها. وروى غَيره عنْه: تصتَّع فِي الْأَمر إِذا تلدَّد فِيهِ لَا يدْرِي أَيْن يتوجّه.
ع ص ظ، ع ص ذ، ع ص ث:
أهملت وجوهها.
(بَاب الْعين وَالصَّاد مَعَ الرَّاء)
(ع ص ر)
عصر، عرص، صعر، صرع، رصع، رعص: مستعملات.
عصر: قَالَ الله جلّ وعَزّ: {ُءِ} (الْعَصْر: 1، 2) قَالَ الفرّاء: وَالْعصر: الدَّهْر، أقسم الله بِهِ. وروى مُجَاهِد عَن ابْن عبّاس أَنه قَالَ: العَصْر: مَا يَلِي المغربَ من النَّهَار. وَقَالَ قَتَادَة: هِيَ سَاعَة من سَاعَات النَّهَار. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: الْعَصْر: الدَّهْر، وَالْعصر:(2/10)
الْيَوْم، وَالْعصر: اللَّيْلَة. وَأنْشد:
وَلَا يلبث العصران يَوْم وَلَيْلَة
إذَا طَلَبَا أنْ يُدْرِكا مَا تيمَّما
وَقَالَ ابْن السّكيت فِي بَاب مَا جَاءَ مثنَّى: اللَّيْل وَالنَّهَار يُقَال لَهما: العَصْران. قَالَ: وَيُقَال: العَصْران: الْغَدَاة والعَشِيّ. وَأنْشد:
وأمطُلُه العَصْرين حَتَّى يَمَلَّني
ويرضى بِنصْف الدَّين وَالْأنف راغِمٌ
وَقَالَ اللَّيْث: الْعَصْر: الدَّهْر، وَيُقَال لَهُ: العُصُر مثقَّل. قَالَ: والعَصْران: اللَّيْل وَالنَّهَار. والعَصْر العَشِيّ. وَأنْشد:
تَرَوَّحْ بِنَا يَا عَمْرو قد قَصُر الْعَصْر
قَالَ: وَبِه سمّيت صَلَاة الْعَصْر. قَالَ: والغداة والعَشِيّ يسمّيان العصرين. وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْعَبَّاس قَالَ: صَلَاة الْوُسْطَى: صَلَاة الْعَصْر. وَذَلِكَ لِأَنَّهَا بَين صَلَاتي النَّهَار وصلاتي اللَّيْل. قَالَ: وَالْعصر: الحَبْس، وسُمِّيت عَصْراً لِأَنَّهَا تعصَر أَي تُحْبَس عَن الأولى. قَالَ: والعَصْر: العطِيَّة. وَأنْشد:
يعصر فِينَا كَالَّذي تعصر
أَبُو عبيد عَن الكسائيّ: جَاءَ فلَان عَصْراً أَي بطيئاً. وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} (يُوسُف: 49) قَالَ أَكثر المفسّرين: أَي يَعْصِرون الأعناب وَالزَّيْت. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: هُوَ من العَصَر وَهُوَ المَنجاة والعُصْرة والمُعْتَصَر والمُعَصَّر. وَقَالَ لبيد:
وَمَا كَانَ وقّافاً بدار مُعَصّر
وَقَالَ أَبُو زُبَيد:
وَلَقَد كَانَ عُصْرة المنجود
أَي كَانَ مَلْجأ المكروب. وَقَالَ اللَّيْث: قرىء: (وَفِيه تُعْصَرون) بضمّ التَّاء أَي تُمطَرون. قَالَ: وَمن قَرَأَ: (تَعْصِرون) فَهُوَ من عَصْر العِنب. قلت: مَا علمت أحدا من القرّاء المشهَّرين قَرَأَ: تُعصرون، وَلَا أَدْرِي من أَيْن جَاءَ بِهِ اللَّيْث. قَالَ: وَيُقَال: عصرت العِنَب وعصَّرته إِذا ولِيت عَصْره بِنَفْسِك، واعتصرت إِذا عُصِر لَك خاصَّة. والاعتصار: الالتجاء. وَقَالَ عَدِيّ بن زيد:
لَو بِغَيْر المَاء حَلْقي شَرِق
كنتُ كالغَصَّان بِالْمَاءِ اعتصاري
قَالَ: والعُصَارة: مَا تحلَّب من شَيْء تَعْصِره. وَأنْشد:
فَإِن العذَارى قد خلطن لِلِمَّتى
عُصَارة حِنّاء مَعًا وصَبِيب
وَقَالَ الراجز:
عُصَارة الجُزء الَّذِي تحلّبا
ويروى تجلّبا، من تجلّب الْمَاشِيَة بَقِيَّة العُشْب وَتلزّجته: أَي أَكلته، يَعْنِي: بقيَّة الرُطْب فِي أَجْوَاف حُمُر الْوَحْش. قَالَ: وكل شَيْء عُصر مَاؤُهُ فَهُوَ عَصِير. وَأنْشد قَول الراجز:
وَصَارَ بَاقِي الجُزْء من عصيره
إِلَى سَرَار الأَرْض أَو قُعوره
يَعْنِي بالعصير الْجُزْء وَمَا بَقِي من الرُّطْب فِي بطُون الأَرْض ويبس مَا سواهُ.
وَقَالَ الله جلَّ وعزَّ: {وَهَّاجاً وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ}(2/11)
مَاء ثجاجاً) [النّبأ: 14] رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: المُعْصِرات: هِيَ الرِّيَاح. قَالَ الْأَزْهَرِي: سمّيت الرِّيَاح مُعْصِرات إِذا كَانَت ذواتِ أعاصِير، وَاحِدهَا إعصار، من قَول الله جلّ وعزَّ: {إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ} (الْبَقَرَة: 266) . والإعصار: هِيَ الرّيح الَّتِي تَهُبُّ من الأَرْض كالعَمُود الساطع نَحْو السَّمَاء، وَهِي الَّتِي يسمّيها بعض النَّاس الزّوْبَعة، وَهِي ريح شَدِيدَة، لَا يُقَال لَهَا إعصار حَتَّى تَهُبّ كَذَلِك بِشدَّة. وَمِنْه قَول الْعَرَب فِي أَمْثَالهَا:
إِن كنتَ ريحًا فقد لاقيتَ إعصارا
يضْرب مَثَلاً للرجل يَلْقَى قِرْنه فِي النَجْدة والبَسَالة. وَقَالَ ابْن الأعرابيّ يُقَال: إعصار وعِصَار، وَهُوَ أَن تَهيج الريحُ الترابَ فترفعه. وَقَالَ أَبُو زيد: الإعصار: الرّيح الَّتِي تَسْطَع فِي السَّمَاء. وَجمع الإعصار الأعاصير، وَأنْشد الأصمعيّ:
وبينما المرءُ فِي الْأَحْيَاء مغتبِط
إِذا هُوَ الرَمْس تعفوه الأعاصير
وَرُوِيَ عَن أبي الْعَالِيَة أَنه قَالَ فِي قَوْله: {وَأَنزَلْنَا مِنَ} : (النبأ: 17) إِنَّهَا السَّحَاب. قلت: وَهَذَا أشبه بِمَا أَرَادَ الله جلَّ وعزَّ؛ لِأَن الأعاصير من الرِّيَاح لَيست من ريَاح الْمَطَر، وَقد ذكر الله أَنه يُنزل مِنْهَا مَاء ثجاجاً.
الْعَصْر: الْمَطَر، قَالَ ذُو الرمة:
وتَبْسِم لَمْع الْبَرْق عَن متوضّح
كلون الأقاحي شاف ألوانَها العَصْرُ
وقولُ النَّابِغَة:
تَنَاذرها الراقُون من سُوء سمّها
تراسلهم عصراً وعصراً تراجع
عصراً أَي مرّة. والعُصَارة: الغَلَّة. وَمِنْه يقْرَأ. {وَفِيه تَعْصِرون (يُوسُف: 49) أَي تستغلون. وعَصَر الزَّرْع: صَار فِي أكمامه. والعَصْرة شَجَرَة. وَقَالَ الفرّاء. السحابة المُعْصِر: الَّتِي تتحلّب بالمطر وَلما تَجْتَمِع، مثل الْجَارِيَة المعصر قد كَادَت تحيض وَلما تحِضْ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: المعصِرات: السحائب، لِأَنَّهَا تُعْصِر المَاء. وَقيل مُعْصِرات كَمَا يُقَال: أجزَّ الزرعُ إِذا صَار إِلَى أَن يُجَزَّ، وَكَذَلِكَ صَار السَّحَاب إِلَى أَن يمطر فيعصر. وَقَالَ البَعِيث فِي المعصرات فَجَعلهَا سحائب ذَوَات الْمَطَر فَقَالَ:
وَذي أُشُر كالأُقحوان تشوفُه
ذِهابُ الصَّبَا والمُعْصِرات الدوالحُ
والدوالح من نعت السَّحَاب لَا من نعت الرِّيَاح، وَهِي الَّتِي أثقلها المَاء فَهِيَ تَدْلَحُ أَي تمشي مشي المُثْقَل، والذِهاب الأمطار. وَقَالَ بَعضهم: المعصِرات، الرِّيَاح. قَالَ: و (مِنَ) فِي قَوْله: {وَأَنزَلْنَا مِنَ} (النبأ: 14) قَامَت مقَام الْبَاء الزَّائِدَة، كَأَنَّهُ قَالَ: وأنزلنا بالمعصرات مَاء ثَجَّاجاً. قلت: وَالْقَوْل هُوَ الأول. وأمَّا مَا قَالَه الفرّاء فِي المُعْصِر من الْجَوَارِي: إِنَّهَا الَّتِي دنت من الْحيض ولمَّا تحِض فَإِن أهل اللُّغَة خالفوه فِي تَفْسِير المعصر، فَقَالَ أَبُو عُبَيد عَن أَصْحَابه: إِذا أدْركْت الجاريةُ فَهِيَ مُعْصِر، وَأنْشد:
قد أعصرت أَو قد دنا إعصارها(2/12)
قَالَ: وَقَالَ الْكسَائي: هِيَ الَّتِي قد راهقت الْعشْرين. وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: المعصِر سَاعَة تَطْمُث أَي تحيض، لِأَنَّهَا تُحبس فِي الْبَيْت يَجْعَل لَهَا عَصَراً. قَالَ: وكل حِصن يتحصَّن بِهِ فَهُوَ عَصَر. وَقَالَ غَيره: قيل لَهَا معصر لانعصار دم حَيْضهَا ونزول مَاء تَريبتها للجماع، وروى أَبُو العبّاس عَن عَمْرو بن عَمْرو عَن أَبِيه يُقَال: أعصرت الجاريةُ وأشْهدت وتوضَّأت إِذا أدْركْت. وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال لِلْجَارِيَةِ إِذا حرمت عَلَيْهَا الصَّلَاة وَرَأَتْ فِي نَفسهَا زِيَادَة الشَّبَاب: قد أعصَرت فَهِيَ مُعْصِر: بلغت عُصْرة شبابها وإدراكها. وَيُقَال:
بلغت عَصْرها وعُصُورها. وَأنْشد:
وفنَّقها المراضع والعُصُور
وَرُوِيَ عَن الشعبيّ أَنه قَالَ: يَعْتِصر الوالدُ على وَلَده فِي مَاله. وَرَوى أَبُو قِلاَبة عَن عمر بن الْخطاب أَنه قضى أَن الْوَالِد يعتصر وَلَده فِيمَا أعطَاهُ، وَلَيْسَ للْوَلَد أَن يعتصر من وَالِده، لفضل الْوَالِد على الْوَلَد. قَالَ أَبُو عُبَيد: قَوْله: يعتصر يَقُول: لَهُ أَن يحْبسهُ عَنهُ ويمنعه إيّاه. قَالَ: وكل شَيْء حَبَسته ومنعته فقد اعتصرته وَقَالَ ابْن أَحْمَر:
وَإِنَّمَا العَيش بربّانه
وَأَنت من أفنانه معتصِر
قَالَ: وعصرت الشَّيْء أعصِره من هَذَا. وَقَالَ طَرَفة:
لَو كَانَ فِي أملاكنا أحَد
يعصر فِينَا كَالَّذي تعصِرْ
وَقَالَ أَبُو عُبَيْد فِي مَوضِع آخر: المعتصر الَّذِي يُصِيب من الشَّيْء: يَأْخُذ مِنْهُ ويحبسه. قَالَ: وَمِنْه قَول الله: {فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} (يُوسُف: 49) . وَقَالَ أَبُو عُبَيدة فِي قَوْله:
يعصر فِينَا كَالَّذي تَعْصِرْ
أَي يتّخذ فِينَا الأيادي. وَقَالَ غَيره: أَي يُعْطِينَا كَالَّذي تُعْطِينَا. وَقَالَ شمر: قَالَ ابْن الأعرابيّ فِي قَوْله: (يعتصر الرجل مَال وَلَده) قَالَ: يعتصر: يسترجع. وَحكى فِي كَلَام لَهُ: قوم يعتصرون الْعَطاء ويُعبِرون النِّسَاء، قَالَ: يعتصرونه: يسترجعونه بثوابه. تَقول: أخذت عصرته: أَي ثَوَابه أَو الشَّيْء نَفْسه. وَقَوله: يُعْبِرون النِّسَاء أَي يختِنونهنّ. قَالَ: والعاصر والعَصُور: هُوَ الَّذِي يَعتصر ويعصر من مَال وَلَده شَيْئا بِغَيْر إِذْنه. شمر عَن العِتريفيّ قَالَ: الاعتصار: أَن يَأْخُذ الرجل مَال وَلَده لنَفسِهِ، أَو يبقّيه على وَلَده. قَالَ: وَلَا يُقَال: اعتصر فلَان مَال فلَان إلاّ أَن يكون قَرِيبا لَهُ. قَالَ: وَيُقَال للغلام أَيْضا: اعتصر مَال أَبِيه إِذا أَخذه قَالَ: وَيُقَال: فلَان عاصر إِذا كَانَ ممسِكاً. يُقَال: هُوَ عاصرٌ قَلِيل الخَير قَالَ شمر وَقَالَ غَيره: الاعتصار على وَجْهَيْن. يُقَال: اعتصرت من فلَان شَيْئا إِذا أصبته مِنْهُ. وَالْآخر أَن تَقول: أَعْطَيْت فلَانا عطيَّة فاعتصرتها أَي رجعت فِيهَا. وَأنْشد:
ندِمت على شَيْء مضى فاعتصرته
ولِلنحْلة الأولى أعفُّ وَأكْرم
فَهَذَا ارتجاع. قَالَ: وَأما الَّذِي يمْنَع فَإِنَّمَا(2/13)
يُقَال لَهُ: قد تعصّر أَي تعسّر، يَجْعَل مَكَان السِّين صاداً. ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ يُقَال: مَا عَصَرك وثَبَرك وغَصنَك وشَجَرك أَي مَا مَنعك. والعصَّار: المَلِك المَلْجأ. وَيُقَال: مَا بَينهمَا عَصَر وَلَا يَصَر وَلَا أيصر وَلَا أعصر أَي مَا بَينهمَا مودَّة وَلَا قرَابَة. وَرُوِيَ فِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بِلَالًا أَن يؤذِّن قبل الْفجْر ليعتصر معتصرُهم أَرَادَ الَّذِي يُرِيد أَن يضْرب الْغَائِط. وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه أنْشدهُ:
أدْركْت معتصري وأدركني
حلمي ويَسّر قائدي نَعْلي
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: معتصري: عُمُري وهَرَمي. وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال هَؤُلَاءِ موالينا عُصْرة أَي دِنْية دون مَن سواهُم. قلت: وَيُقَال: قُصْرة بِهَذَا الْمَعْنى. قَالَ: والمِعْصَرة: الَّتِي يُعصر فِيهَا الْعِنَب. والمِعْصار: الَّذِي يَجْعَل فِيهِ شَيْء ثمَّ يعصر حَتَّى يتحلَّب مَاؤُهُ.
وَكَانَ أَبُو سعيد يروي بَيت طَرَفة:
لَو كَانَ فِي أملاكنا أحد
يعصر فِينَا كَالَّذي يُعصرْ
أَي يصاب مِنْهُ وَأنكر تعصر. قَالَ: وَيُقَال: أَعْطَاهُم شَيْئا ثمَّ اعتصره إِذا رَجَعَ فِيهِ. والعِصَار الحِين، يُقَال: جَاءَ فلَان على عِصَار من الدَّهْر أَي حِين. وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال: نَام فلَان وَمَا نَام لعُصْر وَمَا نَام عُصْراً، أَي لم يكَدْ ينَام. وَجَاء وَلم يجىء لعُصْر أَي لم يجىء حِين الْمَجِيء. وَقَالَ ابْن أَحْمَر:
يدعونَ جارهم وذِمَّته
عَلَها وَمَا يدعونَ من عُصْر
أَي يَقُولُونَ: واذِمَّة جارنا، وَلَا يَدْعون ذَلِك حِين يَنْفَعهُ. وَقَالَ الأصمعيّ: أَرَادَ: من عُصُر فخفَّف، وَهُوَ الملجأ. وَيُقَال: فلَان كريم العَصير أَي كريم النّسَب. وَقَالَ الفرزدق:
تجرّد مِنْهَا كلّ صهباء حُرَّة
لعَوْهجِ أَو للداعريّ عصيرها
والعِصَار: الفُسَاء.
وَقَالَ الفرزدق أَيْضا:
إِذا تعشّى عَتيق التَّمْر قَامَ لَهُ
تَحت الخَمِيل عِصار ذُو أضاميم
وأصل العِصَار مَا عصرتْ بِهِ الرّيح من التُّرَاب فِي الْهَوَاء. والمعصور: اللِّسَان الْيَابِس عطشاً. قَالَ الطِرِمَّاح:
يَبُلّ بمعصور جَنَاحَيْ ضئيلةٍ
أفاويق مِنْهَا هَلَّة ونُقُوع
فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن امْرَأَة مرَّت متطيّبة لذيلها عَسرَة، قَالَ أَبُو عبيد: أَرَادَ: الْغُبَار أَنه ثار من سَحْبها، وَهُوَ الإعصار. قَالَ: وَتَكون العَصَرة من فَوْح الطّيب وهَيْجه، فشبَّهه بِمَا تثير الرّيح من الأعاصير. أنْشدهُ الأصمعيّ:
(وبينما المرءُ فِي الْأَحْيَاء مغْتَبِط
إِذا هُوَ الرَّمسُ تعفوه الأعاصير)(2/14)
قَالَ الدينوريّ: إِذا تبيَّنت أكمام السُنْبل قيل: قد عَصَّر الزَرْعُ، مَأْخُوذ من العَصَر وَهُوَ الحِرْز أَي تحرَّز فِي غُلْفه. وأوعية السُنْبل أخْبِيته ولفائفه وأغْشيته وأكمته وقنابعه. وَقد قنبعت السُنْبل. وَهِي مَا دَامَت كَذَلِك صمعاء ثمَّ ينفقىء) .
عرص: أَبُو عبيد عَن الفرّاء: عرِص الْبَيْت أَي خَبُثت رِيحته. قَالَ: وَقَالَ الأصمعيّ: كل جَوْبة منفتِقة لَيْسَ فِيهَا بِنَاء فَهِيَ عرْصة. قلت: وتُجمع عَرَصات وعِراصاً. وَأنْشد أَبُو عُبَيدةَ بَيت المخبّل:
سيكفيك صرب الْقَوْم لَحمٌ معرّصٌ
وماءُ قدور فِي القِصاع مشيبُ
فروى ثَعْلَب عَن سَلَمة عَن الفرّاء أَنه قَالَ: لحم معرَّص أَي مقطَّع. وَقَالَ اللَّيْث: اللَّحْم المعرّص: الَّذِي يُلْقى على الجَمْر فيختلِط بالرَّمَاد وَلَا يَجُود نُضْجُه. قَالَ: فَإِن غيَّبْته فِي الْجَمْر فَهُوَ مملول، فَإِن شَوَيته فَوق الْجَمْر فَهُوَ مُفْأد. قلت: وَقَول اللَّيْث فِي المعرَّص أعجب إِلَيّ من قَول الفرّاء. وَقد روينَا عَن ابْن السِكِّيت فِي المعرَّص نَحوا مِمَّا قَالَه اللَّيْث. أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: العَرّاص من البُرُوق: الشَّديد الِاضْطِرَاب. وَقَالَ اللَّيْث: العَرّاص من السَّحَاب: مَا أظلّ من فوقُ، وَلَا يكون إلاَّ إِذا رَعَد وبَرَق. وَأنْشد لذِي الرمة:
يَرْقَدُّ فِي ظِلّ عَرّاص ويطرده
حفيفُ نافجة عُثْنُونها حَصِبُ
أَبُو عُبَيد عَن الفرّاء قَالَ: العَرَص والأرن: النشاط، وَقد عَرِصَ يعرَص. والترصّع مثله. أَبُو عُبَيْدَة: رمح عَرّاص: إِذا هُزّ اضْطربَ. وَقَالَ ابْن حبيب: بعير معرَّص للَّذي ذَلَّ ظهرُه وَلم يَذِلَّ رأسُه. قَالَ: ولَحْم معرَّص إِذا لم يُنْعَم طَبْخه وَلَا إنضاجه. وَقَالَ اللَّيْث: العَرْص: خَشَبة تُوضَع على الْبَيْت عَرْضاً إِذا أَرَادوا تسقيفه، ثمَّ يُلْقَى عَلَيْهِ أطرافُ الخُشُب الْقصار. وروى أَبُو عُبَيد عَن الأصمعيّ هَذَا الْحَرْف بِالسِّين المعرَّس: الَّذِي عُمِل لَهُ عَرْس، وَهُوَ الْحَائِط يَجْعَل بَين حائطي الْبَيْت لَا يَبلغ أقصاه، ثمَّ يوضع الْجَائِز من طَرَف العَرْس الدَّاخِل إِلَى أقْصَى الْبَيْت، ويُسَقّف الْبَيْت كُله: فَمَا كَانَ بَين الحائطين فَهُوَ السَهْوة، وَمَا كَانَ تَحت الْجَائِز فَهُوَ المُخْدَع قلت: رَوَاهُ أَبُو عُبيد بِالسِّين، وَرَوَاهُ اللَّيْث بالصَّاد، وهما لُغَتَانِ وَيُقَال: تركت الصّبيان يَلْعَبُونَ ويعترصون ويَمْرَحُون. وسُمّيت ساحة الدَّار عَرْصة لاعتراص الصّبيان فِيهَا. ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: العَرُوص: النَّاقة الطيّبة الرَّائِحَة إِذا عَرِقتْ. وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : تعرَّصْ يَا فلَان وتهجَّسْ وتَعرَّج أَي أقِم والمِعراص: الهِلاَل، لبُرُوقه. وَقَالَ:
وَصَاحب أَبْلَج كالمعراص
رعص: أَبُو عُبيد عَن الأصمعيّ يُقَال للحيَّة إِذا ضُربت فلوت ذَنَبها: قد ارتعصتْ، وَأنْشد للعجّاج:
إِلَّا ارتعاصاً كارتعاص الْحَيَّهْ
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: ارتعص الجَدْي إِذا طَفَر من نشاطه.(2/15)
وَقَالَ اللَّيْث: الرَعْص بِمَنْزِلَة النَفْض، تَقول: ارتعصت الشَّجَرَة وَقد رعصتها الريحُ وأرعصتها، لُغَتَانِ. والثور يطعُن الْكَلْب فيحتمله ويَرْعُصُه رَعْصاً إِذا هزّه ونفضه. وروى البخاريّ فِي (كِتَابه) لأبي زيد: ارتعص السُوق إِذا غلا. وَالَّذِي رَوَاهُ شمر لأبي عبيد لأبي زيد: ارتفص، بِالْفَاءِ. قَالَ شمر: وَلَا أَدْرِي مَا ارتفص. قلت: ارتفص السُّوق بِالْفَاءِ إِذا غلا صَحِيح، كَأَنَّهُ مَأْخُوذ من الرُّفْصة وَهِي النّوبَة. وَالَّذِي رَوَاهُ مؤلف (الحصائل) تَصْحِيف وَخطأ. وَيُقَال: رَعَص عَلَيْهِ جلْدُه، يرعَص وارتعص واعترص إِذا اختلج، وروى ابْن مهديّ عَن أبي الزاهريَّة عَن ابْن شَجَرَة أَن أَبَا ذَرّ خرج بفرس لَهُ فتمعّك ثمَّ نَهَضَ ثمَّ رَعَص فسكَّنه وَقَالَ: اسكن فقد أجيبت دعوتك، قَالَ القتيبيّ: قَوْله: رعص يُرِيد أَنه لمَّا قَامَ من مراغه انتفض وأُرْعِد. يُقَال: رعص وارتعص.
رصع: أَبُو عبيد عَن الفرّاء: الترصُّع: النشاط مثل العَرَص. قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الرَّصْعاء من النِّسَاء: الزَلاَّء. وَقَالَ اللَّيْث: الرَّصَع مثل الرسَح، وَهِي رَصْعاء إِذا لم تكن عجزاء. قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: هِيَ الَّتِي لَا إسكتين لَهَا. قَالَ: وأمَّا الرَصْع بِسُكُون الصَّاد فشِدَّة الطعْن، يُقَال: رصعه بِالرُّمْحِ وأرصعه. وَقَالَ العجّاج:
وَخْضاً إِلَى النّصْف وطعناً أرصعا
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الرصائع: سيور مضفورة فِي أسافل حمائل السَّيْف، الْوَاحِدَة رِصَاعة. وَقَالَ اللَّيْث: الرَصيعة: العُقْدة الَّتِي فِي اللِّجَام عِنْد المعذَّر حَتَّى كَأَنَّهُ فَلْس. قَالَ: وَإِذا أخذت سَيْرًا فعقدت فِيهِ عُقَداً مثلَّثة فَذَلِك الترصيع. وَهُوَ عَقْد التَميمة وَمَا أشبه ذَلِك. وَقَالَ الفرزدق:
وجئن بأولاد النَّصَارَى إليكُم
حَبَالَى وَفِي أعناقهنَّ المراصع
أَي الخَتْم فِي أعناقهنّ. وَقَالَ اللَّيْث: الرَّصَع: فِراخ النَحْل. قلت: هَذَا خطأ؛ قَالَ ابْن الأعرابيّ: الرَضَع: فِراخ النَحْل بالضاد، رَوَاهُ أَبُو الْعَبَّاس عَنهُ، وَهُوَ الصَّوَاب، وَقد مرّ فِي بَاب الضَّاد وَالْعين. وَالَّذِي قَالَه اللَّيْث بالصَّاد فِي هَذَا الْبَاب تَصْحِيف. أَبُو عُبيدة فِي كتاب (الْخَيل) : الرصائع واحدتها رَصِيعة، وَهِي مَشَكّ محاني أطرافِ الضلوع من ظَهْر الْفرس. وَفرس مرصَّع الثُّنَن إِذا كَانَت ثُنَنُه بعضُها فِي بعض. وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: الرصيعة: البُرّ يُدَقّ بالفِهْر ويبَلّ ويُطبخ بِشَيْء من سَمْن. عَمْرو عَن أَبِيه: الرَصِيع: زِرّ عُرْوة الْمُصحف، ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ، الرَصَّاع: الْكثير الجِماع. قَالَ: والرِّصَاع: الْجِمَاع، وَأَصله فِي العصفور الْكثير السفاد: وَقد تراصعت العصافير.
قَالَ أَبُو عبيد فِي بَاب لزوق الشَّيْء: رصِع فَهُوَ رَصِع مثل عَسِق وعَبِق وعَتِق وعَتِك.
صرع: أَبُو عُبَيد: الصُّرُوع: الضروب فِي قَول لَبِيد:
وخَصْم كنادي الجنّ أسقطت شأوهم
بمستحوِذٍ ذِي مِرّة وصُروع
وَقَالَ غَيره: صروع الحبْل: قُواه.(2/16)
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: هما صِرْعان وضِرْعان وحَتْنان، وَهَذَا صِرْع هَذَا وضِرْعه أَي مِثله، وَأنْشد ابْن الأعرابيّ:
مثل البُرَام غَدا فِي أُصْدَة خَلَق
لم يَسْتَعِنْ وحوامي الموتِ تغشاه
فرَّجْت عَنهُ بصَرْعَينا لأرملة
أَو بائس جَاءَ مَعْنَاهُ كمعناه
قَالَ يصف سَائِلًا شبَّهه بالبُرَام وَهُوَ القُرَاد: لم يستعِن يَقُول: لم يحلق عانته، وحوامي الْمَوْت وحوائمه: أَسبَابه، وَقَول: بصرعينا أَرَادَ بهما إبِلا مختلِفة الْمَشْي تَجِيء هَذِه وَتذهب هَذِه لكثرتها، هَكَذَا رَوَاهُ بِفَتْح الصَّاد وَقَالَ: الْأَسْنَان مرتصِعة إِذا التصقت وتقاربت، والرصَع: قرب مَا بَين الْمَنْكِبَيْنِ، رجل أرصع، والرصَع: التقارب والتضايق، ورَصِعت عَيناهُ: التزقتا. ورصِع فلَان بفلان فَهُوَ راصع بِهِ أَي لَازم، ورَصَع فلَان بمَكَان رصُوعاً ورصِع بإستْه الأَرْض رَصْعاً: ألْزقها بهَا ورصائع الْقوس: سُيورها الَّتِي تُحسَّن بهَا الْقوس، قَالَ:
صفراء كالقوس لَهَا رصائعُ
معطوفةٌ بالغَ فِيهَا الصَّانِع
والمراصيع: النَّحْل أَي صغَار الْوَلَد وَقَالَ الأصمعيّ: فلَان يأتينا الصِّرْعَين أَي غُدوة وَعَشِيَّة. وَقَالَ ابْن السّكيت: الصَّرْعان: الغَداة والعشيّ، وَأنْشد لذِي الرمّة:
كأنني نَازع يَثْنيه عَن وَطن
صَرْعان رَائِحَة عَقْل وتقييدُ
أَرَادَ عقلٌ عشيَّةً وَتَقْيِيد غُدوة، فَاكْتفى بِذكر أَحدهمَا. وَيُقَال لِلْأَمْرِ: صَرْعان أَي طرَفان. اللَّيْث وَغَيره: الصَّرْع: الطَّرْح بِالْأَرْضِ للْإنْسَان، تَقول: صرعه صَرْعاً، والمصارعة والصِّراع: معالجتهما أيّهما يصرع صَاحبه. وَرجل صِرِّيع إِذا كَانَ ذَلِك صَنعته وحاله الَّتِي يُعرف بهَا. وَرجل صَرَّاع إِذا كَانَ شَدِيد الصراع وَإِن لم يكن مَعْرُوفا. رجل صَرُوع للأقران: أَي كثير الصَّرْع لَهُم. والصَرَعة: هم الْقَوْم الَّذين يَصْرَعون من صارعوا. قلت: يُقَال: رجل صُرْعة وَقوم صُرَعة والمِصراعان من الشِّعْر: مَا كَانَ لَهُ قافيتان فِي بَيت وَاحِد، وَمن الْأَبْوَاب: مَاله بَابَانِ منصوبان ينضمَّان جَمِيعًا، مَدْخلهما بَينهمَا فِي وسط المصراعين. ومصارع القَتْلَى: حَيْثُ قُتِلوا. وأمّا قَول لَبيد:
مِنْهَا مصَارِع غابة وقيامها
فَإِن المصارع جمع مصروع من القَصَب. يَقُول: مِنْهَا مصروع، وَمِنْهَا قَائِم، وَالْقِيَاس مصاريع. وَبَيت من الشِّعر مُصَرّع: لَهُ مصراعان. وَكَذَلِكَ بَاب مصرَّع. وَفِي الحَدِيث: (الصُرَعة بتحريك الرَّاء الرجل الْحَلِيم عِنْد الْغَضَب) . وَقَالَ أَبُو مَالك: يُقَال: إِن فلَانا ليفعل ذَاك على كل صِرْعة أَي يفعل ذَاك على كلّ حَال. عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الصَّرِيع: الْمَجْنُون، والصَّرِيع: الْقَضِيب يَسقط من شجر البَشَام، وَجمعه صِرْعان. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي يُقَال: هَذَا صِرْعه وصَرْعه وضِرعه وضَرعه وطِبْعه وطَلعه(2/17)
وطِباعه وطبيعه وشَنّه وقِرْنه وقَرْنه وشِلوه وشُلَّته أَي مِثله. وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال: طلبت من فلَان حَاجَة فَانْصَرَفت وَمَا أَدْرِي على أَي صِرْعَيْ أمرِهِ أنصرِف أَي لم يبيّن لي أمره. وَأنْشد:
فرُحت وَمَا وَدَّعت ليلى وَمَا دَرَت
على أيّ صِرْعَيْ أمرِها أتروّح
والصريع من القِداح: مَا صُنع من الشّجر ينْبت على وَجه الأَرْض، وَقَالَ ابْن مقبل:
وأزجر فِيهَا قبل نمّ صحائها
صريع القِدَاح والمَنِيح المخيَّرا
وَإِنَّمَا خيَّره لِأَنَّهُ فائز مبارك. وَيُقَال: الصريع: العُود يجِفّ فِي شَجَره، يتَّخذ مِنْهُ قِدْح، وَهُوَ أَجود مَا يكون، قَالَ:
صريع دَرِير مسّه مس بيضه
إِذا سنحت أَيدي المفيضِين يبرح
أَي يُخرج فيدُرّ على صَاحبه بِاللَّحْمِ. والصَرْعانِ: حَلْبتا الغداةِ والعشيّ؛ قَالَ عنترة:
ومنجوبٍ لَهُ مِنْهُنَّ صَرْع
يمِيل إِذا عدلْتَ بِهِ الشِوارا
المنجوب: السِّقاء المدبوغ بالنَّجَب. ومنهن يَعْنِي: من الْإِبِل، أَي لهَذَا السِّقاء من هَذِه الْإِبِل صَرْع كلّ يَوْم، والصرع الآخر لأولادها، وَأخْبر أَن هَذَا الصرع يمْلَأ السِّقَاء حَتَّى يمِيل بِكُل مَا يُعدَل بِهِ إِذا حُمِل، والشِّوار: مَتَاع الرَّاعِي وَغَيره. وَقَوله:
أَلا لَيْت جَيْش العَيْر لَاقَى سَرِيَّة
ثَلَاثِينَ منّا صَرْع ذاتِ الحقائل
صرع ذَات الحقائل أَي حِذَاء ذَات الحقائل وناحيتها، وَهِي وادٍ.
صعر: قَالَ الله جلّ وعزّ: {عَزْمِ الاُْمُورِ وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِى الاَْرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (لُقْمَان: 18) وقرىء: (وَلَا تُصَاعر) . قَالَ الفرّاء: ومعناهما: الْإِعْرَاض من الكِبْر. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: مَعْنَاهُ: لَا تُعْرِض عَن النَّاس تكبّراً، ومجازه: لَا تُلزِم خَدّك الصَّعَر. وَقَالَ اللَّيْث: الصَّعَر: مَيل فِي العُنق وانقلاب فِي الْوَجْه إِلَى أحد الشِّقَّين، والتصعير: إمالة الخَدّ عَن النّظر إِلَى النَّاس تهاوُناً وكِبْراً، كَأَنَّهُ مُعْرض. قَالَ: وَرُبمَا كَانَ الظليم وَالْإِنْسَان أَصْعر خِلقَةً. قَالَ: وَفِي الحَدِيث: (يَأْتِي على النَّاس زمَان لَيْسَ فيهم إِلَّا أصعر وأبتر) ، يَعْنِي: رُزالة النَّاس الَّذين لَا دين لَهُم. قَالَ: والصعارير: دَحَاريج الجُعَل، وَقد صعْرَرْت صُعْرورة، وَأنْشد:
يَبْعَرن مثل الفُلْفُل المصعرَرِ
وَيُقَال: ضَربته فاصعَنْرر إِذا اسْتَدَارَ من الوَجَع مَكَانَهُ وتقبّض. وَرُبمَا قَالُوا: اصعَرَّر فأدغموا النُّون فِي الرَّاء. وكل حَمْل شَجَرَة يكون أَمْثَال الفُلفل نَحْو حَمل الأبْهل وأشباهه ممَّا فِيهِ صلابة فَإِنَّهَا تسمَّى الصعارير وَأنْشد:
إِذا أَوْرق العبسيّ جَاع بَناتُه
وَلم يَجدوا إِلَّا الصعارير مَطْعَما
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الصعارير: صَمْغ جامد يشبه الْأَصَابِع. قَالَ: والصعارير: الأباخس الطوَال، وَهِي الْأَصَابِع. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: الصعارير: اللبَنُ المصمَّغ فِي(2/18)
اللِبأ قبل الإفصاح. وَقَالَ غَيره: الاصعرار: السيْرُ الشَّديد، يُقَال اصعرَّت الْإِبِل اصعراراً، وقَرَب مُصْعَرّ. وَأنْشد أَبُو عَمْرو:
وَقد قَرَبن قَرَباً مُصْعَرّا
إِذا الهِدَان حَار واسبكرَّا
وَقَالَ أَبُو عُبَيد: الصَيْعرية: سِمَة فِي عُنُق الْبَعِير. والصَيْعريَّة أَيْضا: اعْتِرَاض فِي السَّيْر. وَيُقَال للصمغة المستديرة: صُعْرورة.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الصَّعَر والصَّعَل: صِغر الرَّأْس، والصَّعَر: التكبّر، والصعَر: أكْل الصعارير وَهُوَ الصَّمْغ. وَقَالَ: اصعرَّت الْإِبِل واصعنفرت وتمشْمَشَتْ وامذقرَّت إِذا تفرَّقت.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الصعارير: صمغ جامد يشبه الْأَصَابِع. قَالَ: والصَّعارير: الأباخس الطوَال وَهِي الْأَصَابِع وَاحِدهَا أبخس. والأصعر: المعرض بِوَجْهِهِ كبْراً. وَفِي الحَدِيث: (كل صعَّار مَلْعُون) أَي كل ذِي كِبْر وأبَّهة. يُقَال: أصَاب البعيرَ صَعَر وصَيَد أَي أَصَابَهُ دَاء يلوي عُنُقه. وَيُقَال للمتكبّر: فِيهِ صَعَر وصَيَد.
(بَاب الْعين وَالصَّاد مَعَ اللَّام)
ع ص ل
عصل، علص، صلع، صعل، لعص: مستعملات.
لعص: أهمل اللَّيْث لعص وَقَالَ ابْن دُرَيْد: اللَّعَص: العَسَر، يُقَال تَلَعَّص فلَان علينا أَي تعسَّر. قَالَ: واللعِصُ: النهِمُ فِي الْأكل وَالشرب، وَقد لعِص لَعَصاً. وَلَا أحفظ مَا قَالَه أَبُو بكر لغيره.
عصل: أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: الأعصال: الأمعاء، وَاحِدهَا عَصَل، وَقَالَهُ اللَّيْث وَغَيره. والعَصَل فِي الناب: اعوجاجه. وَقَالَ:
على شناحٍ نابُهُ لم يَعْصَلِ
وَقَالَ صَخْر:
أَبَا المثلَّم أقصر قبل باهظة
تَأْتِيك مني ضروسٍ نابها عَصِل
وَقَالَ أَوْس:
رَأَيْت لَهَا ناباً من الشَّرّ أعصلا
وَقَالَ اللَّيْث: الأعصل من الرِّجَال: الَّذِي عُصِبَتْ سَاقه فاعوجَّت. وشجرة عَصِلة وَهِي العوجاء الَّتِي لَا يُقدر على إِقَامَتهَا لصلابتها. وَسَهْم أعصل: معوجّ المَتْن، وَجمعه عُصْل، وَقَالَ لبيد:
فرميت الْقَوْم رِشْقاً صائباً
لسن بالعُصْل وَلَا بالمفتعل
والعَصَلة: شَجَرَة إِذا أكل الْبَعِير مِنْهَا سَلَّحته. والجميع: العصل. وَقَالَ حسَّان:
تَخْرُج الأضْياحُ من أستاههم
كسُلاح النِيبِ يأكلن العَصَلْ
والأضياح: الألبان الممذوقة. أَبُو عَمْرو: عصَّل الرجلُ تعصيلاً، وَهُوَ البُطْء فِي الْأَمر. أَبُو عُبَيْدَة: فرس أعصل: ملتوي العَسِيب حَتَّى يبرز بعضُ بَاطِنه الَّذِي لَا شعرَ عَلَيْهِ. والعَصِل: الرمْل الملتوي المعوجّ. وَرجل أعصل: يَابِس الْبدن، وَجمعه عُصْل. وَقَالَ الراجز:(2/19)
ورُبَّ خيرٍ فِي الرِّجَال العُصْلِ
وَيُقَال للسهم الَّذِي يلتوي إِذا رُمي بِهِ: مُعَصِّل. والعَصَل: الالتواء فِي كل شَيْء. عَمْرو عَن أَبِيه: يُقَال: هُوَ المِحْجَن والصَوْلجان والمِعْصِيل والمِعْصال، والصاع والميجار والصولجان. والمعْقف ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي، قَالَ: المِعْصَل: المتشدّد على غَرِيمه، والعاصل: السهْم الصُّلْب والعَصْلاء: الْمَرْأَة الْيَابِسَة، قَالَ:
لَيست بعصلاء تَذْمِي الكلبَ نكهَتُها
وَلَا بِعَنْدلة يَصْطَكُّ ثَدْياها
والعَصْلَى: الْموضع الَّذِي ينْبت فِيهِ العَصَل أَي القُلاَّم. قَالَ العبَّاس بن مِرْداس:
عَفا مُنْهَل من أَهله فمُتالِع
فَعصلَى أرِيكٍ قد خلت فالمصانع
منهل: مَاء بِبِلَاد بني سُلَيم.
أَبُو عَمْرو: عصَّل الرجل تعصيلاً إِذا أَبْطَأَ. وَأنْشد:
يَألِبُها حُمْرانُ أيَّ ألْب
وعَصَّل العَمْريُّ عَصْلَ الكلْب
والألْب: السُّوق الشَّديد. يُقَال: ألَب الإبلَ يألِبُها إِذا طردها. والعاصل: السهْم الصُّلْب.
علص: أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: العِلَّوْص والعِلَّوْز جَمِيعًا: الوَجَع الَّذِي يُقَال لَهُ: اللَّوَى وَنَحْو ذَلِك قَالَ اللَّيْث قَالَ: والعِلَّوص من التُخمة والبَشَم، وَهُوَ اللَّوَى الَّذِي يَيْبَس فِي الْمعدة. يُقَال: علَّصت التُخمَةُ فِي مَعِدته تعليصاً، وَإِن بِهِ لعِلَّوصاً، وَإنَّهُ لعِلَّوْص مُتَّخِم. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العِلَّوص: الوَجَع، والعِلَّوْز: الْمَوْت الوَحِيّ. والعِلّوض بالضاد: ابْن آوى. قَالَ: وَيكون العِلَّوز اللَّوَى. وَيُقَال: رجل عِلَّوص دأبه اللَّوَى.
صلع: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الصُلَّعة: الصَّخْرَة الملساء، حَكَاهُ عَن أبي المكارم. وَفِي حَدِيث لُقْمَان بن عَاد:
وإلاّ أر مطمعي فوَقّاع بصُلَّعِ
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ بَعضهم: سَأَلت ابْن مَنَاذر صَاحب الْعَرَبيَّة الشَّاعِر عَن الصُلَّع فَقَالَ: الحَجَر، قَالَ: وَسَأَلت الأصمعيّ عَنهُ فَقَالَ: هُوَ الْموضع الَّذِي لَا يُنْبِت من الأَرْض، وَأَصله من مَصلَع الرَّأْس. وَيُقَال للْأَرْض الَّتِي لَا تُنبت: صَلْعاء. وَقَالَ شَمِر فِيمَا ألَّف بِخَطِّهِ: الصَّلعاء: الداهية الشَّدِيدَة، يُقَال: لقِي من الصَلْعاء. وَأنْشد للكميت:
فلمّا أحلّوني بصلْعَاء صَيْلَم
لإحدى زُبَى ذِي اللبدتين أبي الشِبْل
أَرَادَ: الْأسد.
وَفِي الحَدِيث: (يكون كَذَا وَكَذَا ثمَّ تكون جبَرُوَّةٌ صلْعاء) . قَالَ: والصلعاء هَهُنَا: البارزة كالجبَل الأصلع البارز الأملس البرَّاق. قَالَ: وانصلعت الشَّمْس وتصلَّعت إِذا خرجت من الغَيْم. وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب:
فِيهِ سِنَان كالمنارة أصلع
أَي برّاق أملس. وَقَالَ آخر:
يلوح بهَا المذلَّق مِذْرَبَاه
خُرُوج النَّجْم من صَلَع الغِيام
وَقَالَ اللَّيْث: الصُلاَّع: الصُفَّاح وَهُوَ(2/20)
العريض من الصخر، والواحدة صُلاَّعة. ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: صَلَّع الرجل إِذا أعذر وَهُوَ التصليع. وَقَالَ اللَّيْث: التصليع: السُلاَح. قَالَ: واللأُصيلع من الحيّات: العريض العُنُق كَأَن رَأسه بُنْدقة مُدحرَجة. واللأُصيلع: الذّكر يكنى عَنهُ. والصلَع: ذهَاب شعر الرَّأْس من مقدَّمه إِلَى مؤخَّره، وَكَذَلِكَ إِن ذهب وَسطه. تَقول: صَلِع صَلَعاً. والصلَعة: مَوضِع الصلَع من الرَّأْس، وَكَذَلِكَ النزَعة والكَشَفة والجَلَحة، جَاءَت مثقَّلات كلهَا. والعُرْفُطة إِذا سَقَطت رؤوسُ أَغْصَانهَا وأكلتها الْإِبِل قيل: قد صَلعت صَلَعاً. وَقَالَ الشمَّاخ يصف الْإِبِل:
إِن تُمس فِي عُرْفُط صُلْعٍ جماجمُهُ
من الأسالق عاري الشوك مجرود
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: الصَّوْلَع: السِنَان المجلوّ. وَفِي الحَدِيث: أَن مُعَاوِيَة قدِم الْمَدِينَة فَدخل على عَائِشَة، فَذكرت لَهُ شَيْئا فَقَالَ: إِن ذَلِك لَا يصلح، قَالَت: الَّذِي لَا يصلح ادّعاؤك زياداً، قَالَ: فَقَالَ: شهِدت الشهودُ. فَقَالَت: شهِدت الشُّهُود وَلَكِن ركِبَتِ الصُلَيْعاءَ. معنى قَوْلهَا: ركبت الصليعاء أَي شهدُوا بزُور قَالَ الْمُعْتَمِر، قَالَ أبي: الصليعاء: الفخِر. والصلعاء فِي كَلَام الْعَرَب: الداهية وَالْأَمر الشَّديد. وَقَالَ مزرِّد أَخُو الشماخ:
تأوُّهَ شيخ قَاعد وعجوزِه
حريَّين بالصلعاء أَو بالأساود
قَالَ أَبُو زيد: يُقَال: تصلَّعت السماءُ تصلُّعاً إِذا انْقَطع غيمها وانجردت. وَالسَّمَاء جرداء إِذا لم يكن فِيهَا غَيْم. وصِلاَع الشَّمْس: حرّها. وَيَوْم أصلع: شَدِيد الحرّ، قَالَ:
يَا قِردة خشيت على أظفارها
حَرَّ الظَهِيرة تَحت يَوْم أصلع
والصلعاء: الأَرْض الخالية، قَالَ:
ترى الضَّيْف بالصلعاء تَغْسِق عينه
من الْجُوع حَتَّى يُحْسَب الضَّيْف أرمدا
والصَلِيع: الأملس. وَقَالَ عَمْرو بن معد يكرب:
وسَوْقُ كَتِيبَة دَلَفت لأخرى
كأنّ زُهاءها رَأس صَليع
يَعْنِي: رَأْسا أصلع أملس.
وَفِي حَدِيث عمر فِي صفة التَّمْر قَالَ: وتُحترش بِهِ الضِباب من الصلعاء، يُرِيد الصَّحرَاء الَّتِي لَا تنْبت شَيْئا، مثل الرَّأْس الأصلع، وَهِي الحصَّاء مثل الرَّأْس الأحصّ.
صعل: فِي حَدِيث أم مَعْبَد فِي صفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لم تُزْرِ بِهِ صَعْلة) قَالَ أَبُو عبيد: الصَّعْلة: صِغَر الرَّأْس، يُقَال: رجل صَعْل الرَّأْس إِذا كَانَ صَغِير الرَّأْس. وَلذَلِك يُقَال للظَّلِيم: صَعْل لِأَنَّهُ صَغِير الرَّأْس. قَالَ اللَّيْث: رجل صَعْل إِذا صغُر رأسُه. وَقد يُقَال رجل أصعل وَامْرَأَة صعلاء. وَفِي حَدِيث عليّح: (استكثروا من الطّواف بِهَذَا الْبَيْت قبل أَن يحول بَيْنكُم وَبَينه من الْحَبَشَة أصعلُ أصمع) . قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الأصمعيّ: قَوْله: أصعل هَكَذَا يُروى، فَأَما كَلَام الْعَرَب فَهُوَ صَعْل بِغَيْر(2/21)
ألف وَهُوَ الصَّغِير الرَّأْس، وَلذَلِك يُقَال للظليم: صَعْل.
قَالَ اللَّيْث: وَأما قَول العَجّاج:
ودَقَلٌ أجرد شَوْذَبيُّ
صَعْل من الساج ورُبَّانيُّ
فَإِنَّهُ أَرَادَ بالصَّعْل هَهُنَا الطَّوِيل. أَبُو عَمْرو: الصَّعْلة من النّخل: فِيهَا اعوجاج، وَأنْشد:
مَا لم تكن صعلة صعباً مراقيها
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الصاعل: النعام الْخَفِيف.
قَالَ شمر: الصَّعْل من الرِّجَال: الصَّغِير الرَّأْس الطَّوِيل العُنق الدقيقُهما. قَالَ: وَتَكون الصَّعْلة الخِفَّة فِي الْبدن والدقَّة والنحول. قَالَ الشَّاعِر يصف عَيْراً:
نفى عَنْهَا المصيف وَصَارَ صَعْلا
يَقُول: خفَّ جسمُه وضمُر.
وَقَالَ آخر:
جَارِيَة لاقت غُلَاما عَزَبا
أزلَّ صَعْلَ النَسَوين أرقبا
قَالَ أَبُو نصر: الأصعل: الصَّغِير الرَّأْس.
وَقَالَ غَيره: الصعَل: الدقّة فِي العُنق وَالْبدن كُله. وَيُقَال للنخلة إِذا دقَّت: صَعْلة.
(بَاب الْعين وَالصَّاد مَعَ النُّون)
(ع ص ن)
عصن، عنص، صنع، صعن، نصع، نعص: مستعملات.
عصن: أهمله اللَّيْث. وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: أعصن الرجل إِذا شدَّد على غَرِيمه وتمكَّكَه وروى عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: أعْصن الرمل إِذا اعوَجَّ وعسُر.
عنص: لم أجد فِيهِ غير عَنَاصِي الشَّعَر. والعُنْصُوة الخُصْلَة من الشَّعَر، وَقَالَ الشَّاعِر:
إِن يُمْس رَأْسِي أشمط العناصِي
كَأَنَّمَا فرَّقه مُنَاصي
قَالَ اللَّيْث: العُنْصُوة على تَقْدِير فُعْلُوة.
قَالَ: وَمَا لم يكن ثَانِيه نوناً فَإِن الْعَرَب لَا تضم صَدره مثل تُنْدُوة.
فَأَما عَرْقُوة وتَرْقُوة وقَرْنُوة فمفتوحات.
عَمْرو عَن أَبِيه: أعنص إِذا بقيتْ على رَأسه عَنَاصٍ من ضفائره، وَهِي بقايا، وَاحِدهَا عُنْصُوة. وَقَالَ أَبُو زيد: العَنَاصِي: الشَّعَر المنتصِب قَائِما فِي تفرُّق.
صعن: أهمله اللَّيْث. وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: أصْعَن الرجل إِذا صغُر رأسُه. أَبُو عبيد: الصِعْوَنُّ: الظليم الدَّقِيق العُنُق الصَّغِير الرَّأْس، وَالْأُنْثَى: صِعْوَنَّة.
وَقَالَ غَيره: الاصعنان: الدِقَّة واللطافة، وَمِنْه يُقَال: أُذُنٌ مُصَعَنَّة: مؤلَّلة، قَالَ عديّ:
وأُذْنٌ مُصَعَّنَةٌ كالقَلَمْ
عَمْرو عَن أَبِيه: أصْعَن إِذا صغر رَأسه ونقَصَ عقلُه.
نعص: قَالَ ابْن المظفّر: أمَّا نعص فَلَيْسَ بعربيَّة إلاّ مَا جَاءَ أسَد بن ناعصة المشبِّب بخنساء فِي شعره، وَكَانَ صَعْب الشّعْر(2/22)
جدّاً، وقلَّما يُرْوَى شِعره لصعوبته. قلت: وقرأت فِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : فلَان من نُصْرتي وناصرتي ونائصتي وناعِصتي وَهِي ناصرته. والنواعص: اسْم مَوضِع. وَقَالَ ابْن دُرَيْد: النَّعْص: التمايل، وَبِه سمِّي ناعِصة. قلت: وَلم يَصح لي من بَاب (نعص) شَيْء أعتمِده من جِهَة من يُرجَع إِلَى علمه وَرِوَايَته عَن الْعَرَب.
نصع: أَبُو عُبَيد عَن الفرّاء: أنْصَعتِ النَّاقة للفحل إنصاعاً إِذا قَرَّتْ لَهُ عِنْد الضِرَاب. وَقَالَ غَيره: أنصع لِلْحقّ إنصاعاً إِذا أقَرَّ بِه. وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال للرجل إِذا تصدَّى للشرّ: قد أنصع لَهُ إنصاعاً. وَقَالَ شمر: النِّصْعُ الثَّوْب الْأَبْيَض. وَأنْشد لرؤبة يصف ثوراً:
كَأَن تحتي ناشطاً مُوَلَّعا
بالشأم حَتَّى خلته مبرقَعا
بَنِيقة من مَرْحَلِيّ أسْفَعا
كَأَن نِصْعاً فَوْقه مقطَّعا
مخالط التقليص إِذْ تَدَرَّعا
قَالَ شمر: قَالَ ابْن الأعرابيّ: يَقُول: كَأَن عَلَيْهِ نِصْعاً مقلَّصاً عَنهُ، يَقُول: تخال أَنه أُلْبِس ثوبا أَبيض مقلَّصاً عَنهُ لم يبلغ كُروعَه الَّتِي لَيست على لَونه. ابْن السّكيت عَن ابْن الأعرابيّ: أَبيض ناصع. قَالَ: والناصع فِي كل لون خَلَص ووَضَح. قَالَ الأصمعيّ: وَأكْثر مَا يُقَال فِي الْبيَاض أَبُو عبيد: أَبيض ناصع ويَقَق. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: أصفر ناصع اللَّيْث: النَّصِيع: الْبَحْر وَأنْشد:
أدْلَيت دَلْوِي فِي النَّصِيع الزاخر
قلت: قَوْله: النَّصِيع: الْبَحْر غير مَعْرُوف، وَأَرَادَ بالنصيع: مَاء بِئْر ناصع المَاء لَيْسَ بكَدِر؛ لِأَن مَاء الْبَحْر لَا يُدْلَى فِيهِ الدَلْو. يُقَال: مَاء ناصع وماصع ونصِيع إِذا كَانَ صافياً. وَالْمَعْرُوف فِي الْبَحْر البَضِيع، بِالْبَاء وَالضَّاد: وَقد مرّ فِي بَابه وروى أَبُو عُبَيد عَن أبي عَمْرو: الماصع: البَرّاق، بِالْمِيم، وَيُقَال: المتغيّر، قَالَ: وَمِنْه قَول ابْن مقبِل:
فأفرغت من ماصع لونُه
على قُلُص ينتهِبن السِّجَالا
وَقَالَ شمر: ماصع يُرِيد بِهِ: ناصع، فصيَّر النُّون ميماً. قَالَ: وَقد قَالَ ذُو الرمَّة: ماصع فَجعله مَاء قَلِيلا. أَخْبرنِي بذلك كُله الإيَاديّ عَن شمر، وَقَالَ أَبُو سعيد: المَنَاصِع: الْمَوَاضِع الَّتِي يُتَخلى فِيهَا لبول أَو حَاجَة، وَالْوَاحد مَنْصَع. قلت: قَرَأت فِي حَدِيث الإفْك: (وَكَانَ متبرّز النِّسَاء بِالْمَدِينَةِ قبل أَن سُوّيت الكُنُف فِي الدّور المناصع) . وأُرى أَن المناصع مَوضِع بِعَيْنِه خَارج الْمَدِينَة، وَكن النساءُ يتبرّزْن إِلَيْهِ بِاللَّيْلِ على مَذَاهِب الْعَرَب فِي الجاهليَّة. وَقَالَ المؤرّج فِيمَا روى لَهُ أَبُو تُرَاب: النِّصَع والنِّطَع لوَاحِد الأنطاع، وَهُوَ مَا يتَّخذ من الأدَم. وَأنْشد لحاجز ابْن الجعيد الأزديّ:
فننحرها ونخلطها بِأُخْرَى
كَأَن سَرَاتها نِصَع دَهين
قَالَ: وَيُقَال: نِصْع بِسُكُون الصَّاد. وَقَالَ شمر: قَالَ الأصمعيّ: كل ثوب خالط الْبيَاض والصفرة والحمرة فَهُوَ نِصْع. وَقَالَ(2/23)
أَبُو عُبَيدة فِي الشيات: أصفر ناصع، قَالَ: هُوَ الْأَصْفَر السَرَاةِ تعلو متنَه جُدَّة غَبْساء. وَقَالَ أَبُو تُرَاب: قَالَ الأصمعيّ: يُقَال: شرِب حَتَّى نَصَع وَحَتَّى نَقَع، وَذَلِكَ إِذا شَفَى غليله. قَالَ أَبُو نصر: الْمَعْرُوف: بضع.
صنع: قَالَ الله جلّ وعزّ: {وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} (الشُّعَرَاء: 129) المصانع فِي قَول بعض المفسّرين: الْأَبْنِيَة.
وَقَالَ بَعضهم: هِيَ أحباس تُتَّخذ للْمَاء، وَاحِدهَا مَصْنَعة ومَصْنَع. قلت: وَسمعت الْعَرَب تسمّي أحباس المَاء: الأصناع والصُّنُوع، وَاحِدهَا صِنْع. وروى أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو قَالَ: الحِبْس مثل المَصْنَعة، قَالَ: والزَّلَف: المصانع. قلت: وَهِي مَسَّاكاتٌ لِماء السَّمَاء يحتفرها النَّاس فيملؤها ماءُ السَّمَاء يشربونها. وَيُقَال للقصور أَيْضا مصانع. وَقَالَ لبيد:
بَلِينا وَمَا تَبْلى النُّجُوم الطوالعُ
وتَبْلى الديارُ بَعدنَا والمَصَانِع
وَقَول الله جلّ وعزَّ: {مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أَتْقَنَ} (النَّمل: 88) قَالَ أَبُو إِسْحَاق: الْقِرَاءَة بِالنّصب، وَيجوز الرّفْع. فَمن نصب فعلى الْمصدر، لِأَن قَوْله: {أَتَوْهُ دَاخِرِينَ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِىَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - أَتْقَنَ كُلَّ شَىْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا} (النَّمل: 88) دَلِيل على الصَّنْعَة، كَأَنَّهُ قَالَ: صَنَع الله ذَلِك صُنْعاً. وَمن قَرَأَ: (صُنْعُ الله) فعلى معنى: ذَلِك صنع الله. وَقَول الله: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 -} (طاه: 39) مَعْنَاهُ: ولتربَّى بمرأًى منّي. يُقَال: صَنَع فلَان جَارِيَته إِذا رباها، وصَنَع فرسه إِذا قَامَ بعلفه وتسمينه. وَقَالَ اللَّيْث: صنع فرسَه، بِالتَّخْفِيفِ، وصنَّع جَارِيَته بِالتَّشْدِيدِ؛ لِأَن تصنيع الْجَارِيَة لَا يكون إِلَّا بأَشْيَاء كَثِيرَة وعِلاَج. قلت: وَغير اللَّيْث يُجِيز صَنَع جَارِيَته بِالتَّخْفِيفِ، وَمِنْه قَوْله: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 -} . وَفُلَان صَنِيع فلَان إِذا ربَّاه وأدَّبه وخرَّجه، وَيجوز: صنيعته. وَقَالَ الأصمعيّ: الْعَرَب تسمّي القُرَى مصانع، واحدتها مَصْنعة. وَقَالَ ابْن مُقْبل:
أصواتُ نسوان أنباطٍ بمَصْنَعة
بَجَّدْن للنَّوْح واجتَبْن التَبَا بَينا
والمَصْنعة: الدَّعْوة يتّخذها الرجل وَيَدْعُو إخوانه إِلَيْهَا. وَقَالَ الرَّاعِي:
ومصنعةٍ هُنَيدَ أعنْتُ فِيهَا
قَالَ الْأَصْمَعِي: يَعْنِي مَدْعاة. وَفرس مُصَانِع، وَهُوَ الَّذِي لَا يعطيك جَمِيع مَا عِنْده من السّير، لَهُ صون يصونه فَهُوَ يصانعك ببذله سَيْرَه. وَيُقَال: صانعت فلَانا أَي رافقته. وصانعت الْوَالِي إِذا راشيته، وصانعته إِذا داهنته. وَقَالَ اللَّيْث: التصنُّع: تكلّف حُسْن السَّمْت وإظهاره والتزيُّن بِهِ وَالْبَاطِن مَدْخُول. وَقَالَ: الصُنَّاع: الَّذين يعْملُونَ بِأَيْدِيهِم، والحِرْفة الصِّنَاعة، وَالْوَاحد صانع. وَقَالَ ابْن السّكيت: امْرَأَة صَنَاع إِذا كَانَت رقيقَة الْيَدَيْنِ تسوِّي الأساقي وتَخْرُز الدلاء وتَفْريها. وَرجل صَنَع. وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب:
وَعَلَيْهِمَا مَسرودَتان قضاهما
دَاوُد أَو صَنَع السوابغ تُبَّعُ
وَقَالَ ابْن الأنباريّ فِي (الزَّاهِر) : امْرَأَة صَنَاع إِذا كَانَت حاذقة بِالْعَمَلِ، وَرجل(2/24)
صَنَع. إِذا أُفردت فَهِيَ مَفْتُوحَة متحرّكة. قَالَ: وَيُقَال: رجل صِنْع الْيَدَيْنِ، مكسور الصَّاد إِذا أضيفت. وَأنْشد:
صِنْعُ الْيَدَيْنِ بحيثُ يكوى الأصْيَدُ
وَأنْشد غَيره:
أنبل عَدْوانَ كُلِّها صَنَعا
والصَّنِيعة: مَا أَعْطيته وأسديته من مَعْرُوف أَو يَد إِلَى إِنْسَان تَصنعهُ بِهِ، وَجَمعهَا صنائع، قَالَ الشَّاعِر:
إِن الصنيعة لَا تكون صَنِيعَة
حَتَّى يصابَ بهَا طريقُ المَصْنَع
وَقَول الله عزّ وجلّ {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِى} (طاه: 41) أَي ربَّيتك لخاصَّة أَمْرِي الَّذِي أردته فِي فِرْعَوْن وَجُنُوده. وحدّثنا الْحُسَيْن عَن أبي بكر بن أبي شَيْبة عَن يحيى بن سعيد القطَّان عَن مُحَمَّد بن يحيى عَن أَبِيه عَن أبي سعيد الخُدْريّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا توقدوا بلَيْل نَارا) ؛ ثمَّ قَالَ: (أوقدوا واصطنعوا فَإِنَّهُ لن يدْرك قوم بعدكم مُدَّكم وَلَا صاعَكم) . قَوْله: اصطنعوا أَي اتّخذوا طَعَاما تنفقونه فِي سَبِيل الله.
عَمْرو عَن أَبِيه: الصَنِيع: الثَّوْب الجيّد النقيّ. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: أصْنع الرجلُ إِذا أعَان آخر. قَالَ: وكل مَا صُنِع فِيهِ فَهُوَ صِنْع مثل السُّفْرة. وَيكون الصِنْع الشِّوَاء. وَقَالَ اللَّيْث: الصَّنَّاعة: خَشَبَة تُتّخذ فِي المَاء ليحبس بهَا المَاء وتُمسكه حينا. ورُوِي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (إِذا لم تَسْتَح فَاصْنَعْ مَا شِئْت) رَوَاهُ جَرِير بن عبد الحميد عَن مَنْصُور عَن رِبْعيّ بن حِرَاش عَن أبي مَسْعُود الأنصاريّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ جرير: مَعْنَاهُ: أَن يُرِيد الرجل أَن يعْمل الْخَيْر فيدعَه حَيَاء من النَّاس، كَأَنَّهُ يخَاف مَذْهَب الريَاء. يَقُول: فَلَا يمنعْك الحياءُ من المضيّ لِمَا أردْت. قَالَ أَبُو عبيد: وَالَّذِي ذهب إِلَيْهِ جرير معنى صَحِيح فِي مذْهبه، وَلَكِن الحَدِيث لَا يدلّ سِيَاقه وَلَا لَفظه على هَذَا التَّفْسِير. قَالَ أَبُو عبيد: وَوَجهه عِنْدِي أَنه أَرَادَ بقوله: (إِذا لم تستح فَاصْنَعْ مَا شِئْت) إِنَّمَا هُوَ: من لم يستح صَنَع مَا شَاءَ، على جِهَة الذمّ لترك الْحيَاء، وَلم يرد بقوله: فَاصْنَعْ مَا شِئْت أَن يَأْمُرهُ بذلك أمرا، ولكنّه أمْر مَعْنَاهُ الْخَبَر؛ كَقَوْلِه ج: (من كذب عليّ متعمِّداً فليتبوّأ مَقْعَده من النَّار) ، لَيْسَ وَجهه أَنه أمره بذلك، إِنَّمَا مَعْنَاهُ: مَن كذب عليّ تبوَّأ مَقْعَده من النَّار. وَالَّذِي يُرَاد من الحَدِيث أَنه حَثَّ على الْحيَاء وأمرَ بِهِ وَعَابَ تَركه. وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن عَرَفة: سَمِعت أَبَا الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى يَقُول فِي قَوْله: إِذا لم تستح فَاصْنَعْ مَا شِئْت قَالَ: هَذَا على الْوَعيد، فَاصْنَعْ مَا شِئْت فَإِن الله يجازيك. وَأنْشد:
إِذا لم تخش عَاقِبَة اللَّيَالِي
وَلم تستَحْيِ فَاصْنَعْ مَا تشَاء
وَهُوَ كَقَوْل الله تَعَالَى: {فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ} (الْكَهْف: 29) .
الأصناع: الْأَسْوَاق، جمع صِنْع. وَقَالَ ابْن مقبل يصف فرسا:
بتُرْس أعجم لم تُنْجَر مسامره
مِمَّا تَخَيَّرُ فِي أصناعها الرّوم
لم تُنجز مسامره أَي لم تشدّ فِيهِ المسامير.(2/25)
والصِنْع: السَفُّود، قَالَ مَرّار يصف إبِلا:
وَجَاءَت وركبانها كالشُروب
وسائقها مثل صِنْع الشواء
أَي هَذِه الْإِبِل وركبانها يتمايلون من النُّعَاس، وسائقها يَعْنِي نَفسه اسودّ من السَّمُوم. وَيُقَال: فلَان صَنِيع فلَان وصنيعته إِذا ربّاه وأدّبه حَتَّى خرّجه.
(بَاب الْعين وَالصَّاد مَعَ الْفَاء)
(ع ص ف)
عصف، عفص، صفع، صعف، فصع: مستعملات.
عصف: قَالَ الله جلّ وعزّ: {الاَْكْمَامِ وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ} (الرَّحمان: 12) وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: {سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولِ} (الْفِيل: 5) قَالَ الفرّاء: العَصْف فِيمَا ذكرُوا: بَقْل الزَرْع؛ لِأَن الْعَرَب تَقول: خرجنَا نَعْصِف الزَّرْع إِذا قطعُوا مِنْهُ شَيْئا قبل إِدْرَاكه، فَذَلِك العَصْف. قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: ذُو العَصْف يُرِيد الْمَأْكُول من الحَبّ، وَالريحَان: الصَّحِيح الَّذِي يُؤْكَل. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: العَصْف: وَرَق الزَّرْع. وَيُقَال للتبْن: عَصْف وعَصِيفة. وَقَالَ النضْر: العَصْف: القَصِيل. قَالَ: وعصفْنا الزرعَ نعصِفه أَي جززنا ورقه الَّذِي يمِيل فِي أَسْفَله ليَكُون أخفّ للزَّرْع، وَإِن لم يُفعل مَال بالزرع. وَذكر الله جلّ وعزّ فِي أوّل هَذِه السُّورَة مَا دلَّ على وحدانيَّته من خَلْقه الْإِنْسَان وتعليمه الْبَيَان، وَمن خَلْق الشَّمْس وَالْقَمَر وَالسَّمَاء وَالْأَرْض وَمَا أَنبت فِيهَا من رِزقِ مَن خلق فِيهَا من إنسيّ وبهيمة، تبَارك الله أحسن الْخَالِقِينَ. وأمَّا قَوْله تَعَالَى: {سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولِ} (الْفِيل: 5) فَلهُ مَعْنيانِ: أَحدهمَا أَنه أَرَادَ: أَنه جعل أَصْحَاب الْفِيل كورق أُخِذ مَا كَانَ فِيهِ من الحَبّ وَبَقِي هُوَ لَا حبّ فِيهِ. وَالْآخر أَنه أَرَادَ: أَنه جعلهم كعصف قد أكله الْبَهَائِم. وَقَالَ اللَّيْث: العَصْف: مَا على حبّ الحِنْطة وَنَحْوهَا من قُشور التبْن. قَالَ: والعَصْف أَيْضا: مَا على سَاق الزَّرْع من الْوَرق الَّذِي يبِس فتفتَّت، كل ذَلِك من العصف. قَالَ: وَقَوله: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ} ذُكر عَن سعيد بن جُبَير أَنه قَالَ: هُوَ الهَبُّور، وَهُوَ الشّعير النَّابِت بالنَبَطيَّة. وَعَن الْحسن: كزرع قد أُكل حَبّه وَبَقِي تِبْنُه. وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْعَبَّاس أَنه قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ} : إِنَّه يُقَال: إِن فلَانا يعتصف إِذا طلب الرزق، والعصف: الرزق، والعَصْف والعَصِيفة: ورق السُنْبُل. وَقَول الله جلّ وعزّ: {عُرْفاً فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفاً} (المُرسَلات: 2) قَالَ المفسّرون: هِيَ الرِّيَاح. وَقَالَ الفرّاء فِي قَوْله: {أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} (إِبْرَاهِيم: 18) قَالَ: فَجعل العُصُوف تَابعا لليوم فِي إعرابه وَإِنَّمَا العُصُوف للرياح. وَذَلِكَ جَائِز على جِهَتَيْنِ: إِحْدَاهمَا أَن العُصُوف وَإِن كَانَ للريح فَإِن الْيَوْم قد يوصَف بِهِ؛ لِأَن الرّيح تكون فِيهِ، فَجَاز أَن تَقول: يَوْم عاصف؛ كَمَا يُقَال: يَوْم بَارِد وَيَوْم حارّ وَالْبرد والحرّ فيهمَا. وَالْوَجْه الآخر أَن تُرِيدُ: فِي يَوْم عاصِف الريحِ، فتحذف الرّيح لِأَنَّهَا قد ذُكِرت فِي أول الْكَلِمَة، كَمَا قَالَ:(2/26)
إِذا جَاءَ يومٌ مظلم الشَّمْس كاسفُ
يُرِيد: كاسف الشَّمْس فَحَذفهُ لِأَنَّهُ قدَّم ذكره. وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن الحرَّاني عَن ابْن السّكيت قَالَ: يُقَال: عَصَفت الريحُ وأعصفت فَهِيَ ريح عاصف ومُعْصفة إِذا اشتدَّت. وَقَالَ اللَّيْث: وَجمع العاصف عواصف. قَالَ: والمُعْصِفات: الرِّيَاح الَّتِي تُثير التُّرَاب وَالْوَرق وعَصْفَ الزَّرْع. قَالَ: والعُصافة: مَا سقط من السُنْبل، مثل التِّبْن وَنَحْوه. أَبُو عبيد عَن أبي عُبَيْدَة قَالَ: الإعصاف: الإهلاك، وَأنْشد للأعشى:
فِي فيلق شهباء ملمومة
تُعْصِف بالدارع والحاسر
أَي تُهلكهما. وَقَالَ اللَّيْث: تُعصف بهما أَي تَذهب بهما. قَالَ: والنعامة العَصُوف: السريعة: والعَصْف: السرعة، وَأنْشد:
وَمن كل مِسْحاج إِذا ابتلَّ لِيتُها
تحلَّب مِنْهَا ثائب متعصّف
يَعْنِي العَرَق. أَبُو عُبَيد عَن أبي عَمْرو قَالَ: العَصُوف: السريعة من الْإِبِل. وَقَالَ اللحيانيّ: أعصفت الناقةُ إِذا أسرعت، فَهِيَ مُعْصِفة. وَقَالَ النَّضر: إعصاف الْإِبِل: استدارتها حول الْبِئْر حرصاً على المَاء وَهِي تطحن التُّرَاب حوله وتثيره. وَقَالَ المفضّل: إِذا رمى الرجل غَرَضاً فصاب نَبْلُه قيل لَهُ: إِن سهمك لعاصف. قَالَ: وكل مَاء عاصف. وَقَالَ كثيّر:
فمرّت بلَيْل وَهِي شدفاء عاصف
بمنخرَق الدوَداة مَرَّ الخَفَيْدَدِ
وَقَالَ اللحياني: هُوَ يَعْصِف ويعتصف وَيصرف ويصطرف، أَي يكسِب وَيطْلب ويحتال. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي، فِيمَا رَوَى عَنهُ أَبُو الْعَبَّاس: العَصْفانِ: التِبْنانِ، قَالَ: والعُصُوف: الأتبان والعَصْف: السنْبُل، وَجمعه عُصوف. والعُصُوف: الرِّيَاح. والعُصُوف: الكَدّ. والعصوف الخُمُور.
عفص: قَالَ اللَّيْث: العَفْص: حَمْل شَجَرَة البَلُّوط، يحمل سَنَة بَلُّوطاً وَسنة عَفْصاً. وَجَاء حَدِيث اللُّقَطة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (احفظ عِفَاصَها ووِكاءها) قَالَ أَبُو عبيد: العِفَاص: هُوَ الوِعاء الَّذِي تكون فِيهِ النفَقة إِن كَانَ من جلد أَو خرقَة أَو غير ذَلِك، وَلِهَذَا سمّي الْجلد الَّذِي يُلْبَسَهُ رَأس القارورة العِفَاص، لِأَنَّهُ كالوعاء لَهَا. وَلَيْسَ هَذَا بالصِّمَام الَّذِي يُدخَل فِي فَم القارورة فَيكون سِدَاداً لَهَا. قَالَ: وَإِنَّمَا أمره بحفظه ليَكُون عَلامَة لصدق مَن يعترفها. وَقَالَ اللَّيْث: العِفَاص: صمَام القارورة، ثمَّ قَالَ: وعِفَاص الرَّاعِي: وعاؤه الَّذِي تكون فِيهِ النَّفَقَة. قلت: وَالْقَوْل مَا قَالَه أَبُو عبيد فِي العفاص: أَنه الْوِعَاء أَو الْجلْدَة الَّتِي تُلْبَس رأسَ القارورة حَتَّى تكون كالوعاء لَهَا. وَيُقَال: عَفَصْت القارورة عَفْصاً إِذا جعلت العِفَاص على رَأسهَا. فَإِن أردْت أَنَّك جعلت لَهَا عِفَاصاً قلتَ: أعفصتها. وثوب مُعَفَّص: مصبوغ بالعفْص، كَمَا قَالُوا: ثوب ممسّك بالمِسْك. وَيُقَال: هَذَا طَعَام عَفِص إِذا كَانَت فِيهِ بشاعة ومرارة. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: المِعفاص من الْجَوَارِي: الزَّبَعْبَق النهايةُ فِي سُوء الخُلُق. قَالَ:(2/27)
والمعقاص بِالْقَافِ شرّ مِنْهَا. العفْص: العَصْر والهَصْر. وعَفَصَت الدابّة: ثَنَت عُنقها. مَا زلت أطالِبه بحقّي حَتَّى عفص بِهِ واعتفصته مِنْهُ أَي أَخَذته مِنْهُ. وعَفَصها: جَامعهَا.
صعف: أهمله اللَّيْث. وَقَالَ أَبُو عبيد: أَخْبرنِي مُحَمَّد بن كثير أَن لأهل الْيمن شرابًا يُقَال لَهُ: الصعْف، وَهُوَ أَن يُشْدَخ العِنَب، ثمَّ يُلْقى فِي الأوعية حَتَّى يَغْلِي. قَالَ: وجُهَّالهم لَا يرونه خمرًا لمَكَان اسْمهَا. وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: أَنه قَالَ: الصعْفَانُ: المولَع بشراب الصفع وَهُوَ العَصير.
فصع: أَبُو الْعَبَّاس عَن أبي الْأَعرَابِي: فصَّع الرجل يفصّع تفصيعاً إِذا خرج مِنْهُ ريح منتِن وفَسْوة. وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أَنه نهى عَن فَصْع الرُطَبة) ، قَالَ أَبُو عبيد: فَصْعها: أَن يُخرجهَا من قشرها، يُقَال: فصعها فَصْعاً، وَأَنا أفْصَعُها. وَقَالَ اللَّيْث: فصْعها: أَن تأخذها بإصبعك فتَعْصِرها حَتَّى تتقشّر. قَالَ: والفَصْعاء: الْفَأْرَة.
ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الفَصْعَانُ: المكشوف الرَّأْس أبدا حرارة والتهاباً. وَقَالَ غَيره: الفُصْعة: غُلْفة الصبيّ إِذا كشفها عَن ثُومة ذكره قبل أَن يُختن، وَقد فصعها الصبيّ إِذا نحّاها عَن الحَشَفَة. وروى ابْن الْفرج عَن حَتْرَش الْأَعرَابِي قَالَ: فصَّع كَذَا من كَذَا وفصّله مِنْهُ بِمَعْنى وَاحِد إِذا أخرجه مِنْهُ. افتصعت حقّي مِنْهُ أَي أَخَذته بقهر فَلم أترك مِنْهُ شَيْئا.
صفع: الصَفْع: أَن يَبْسُط الرجل كفّه فَيضْرب بهَا قفا الإنسانِ أَو بدنَه، فَإِذا جمع كفّه وَقَبضهَا ثمَّ ضرب بهَا فَلَيْسَ بصَفْع، وَلَكِن يُقَال: ضربه بجُمْع كفّه. وَقَالَ ابْن دُرَيْد: الصَوْفَعة: هِيَ أَعلَى الكُمَّة والعِمامةِ. يُقَال: ضربه على صَوْفَعته إِذا ضربه هُنَالك. قَالَ: والصَفْع أَصله من الصَوْفَعة، والصوفعة مَعْرُوفَة.
قَالَ الْأَزْهَرِي: السَفْع: اللطح بِالْيَدِ، فَإِذا بسط الضَّارِب يَده فَضرب بهَا الْقَفَا، فَهُوَ الصفع بالصَّاد.
(بَاب الْعين وَالصَّاد مَعَ الْبَاء)
(ع ص ب)
عصب، صبع، صَعب، بصع، بَعْص: مستعملة.
عصب: قَالَ الله جلّ وَعز: {هَاذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} (هُود: 77) أَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْعَبَّاس عَن سَلَمة عَن الفرّاء قَالَ: يَوْم عَصِيب، وَيَوْم عَصَبصَب أَي شَدِيد. قَالَ: وعَصَب فوه يَعْصِب عَصْباً إِذا ذَبّ ويبِس رِيقه، وفوه عاصب.
وَأَخْبرنِي الحَرّانيّ عَن ابْن السكيتِ يُقَال: عصَب الريقُ بِفِيهِ يعصِب عَصْبَاً إِذا يبِس. وَقَالَ: عَصَب فَاه الرِّيق.
وَقَالَ ابْن أَحْمَر:
... حَتَّى يعصِب الريقُ بالفم
وَقَالَ الراجز:
يعصب فَاه الرِيقُ أَي عَصْب
عَصْب الجُبَاب بشفاه الوطْب
الجُبَاب: شِبْه الزُبْد فِي ألبان الْإِبِل. وروى بعض المحدِّثين (أَن جِبْرِيل جَاءَ(2/28)
يَوْم بدر على فرس أُنْثَى وَقد عصم بثنّيتيه الغبارُ) ، فَإِن لم يكن غَلطا من المحدِّث فَهِيَ لُغَة فِي عَصَب، وَالْبَاء وَالْمِيم يتعاقبان فِي حُرُوف كَثِيرَة، لقرب مخرجيهما، يُقَال ضَرْبَةُ لازبٍ ولازم، وسبّد رَأسه وسمَّده. وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: رجل معصَّب أَي فَقير قد عصَّبه الْجهد، وَهُوَ من قَوْله جلّ وَعز: {يَوْمٌ عَصِيبٌ} (هُود: 77) .
وَقَالَ بَعضهم: يَوْم عصيب أَي شَدِيد مَأْخُوذ من قَوْلك: عَصَبَ القومَ أمرٌ يعصِبهم عَصْباً إِذا ضمَّهم وَاشْتَدَّ عَلَيْهِم. وَقَالَ ابْن أَحْمَر:
يَا قومِ مَا قومِي على نأيهم
إِذْ عَصَب النَّاس شَمَال وقرّ
وَقَوله: مَا قومِي على نأيهم تعجّب من كرمهم، وَقَالَ: نِعم الْقَوْم هم فِي المجاعة إِذْ عصب النَّاس شَمال أَي أطاف بهم وشملِهم بَرْدَها. وَيُقَال للرجل الجائع يشتدّ عَلَيْهِ سَخْفة الجُوع فيعصِّب بَطْنه بِحجر: مُعَصَّب. وَمِنْه قَوْله:
فَفِي هَذَا فَنحْن لُيُوث حَرْب
وَفِي هَذَا غيوث مُعَصَّبينَا
وَقَالَ الأصمعيّ: العَصْب: غَيْم أَحْمَر يكون فِي الأفُق الغربيّ يظْهر فِي سِنِي الجَدْب. وَقَالَ الفرزدق:
إِذا العَصْب أَمْسَى فِي السَّمَاء كَأَنَّهُ
سَدَى أُرْجوان واستقلَّت عَبُورها
أَبُو عُبيد عَن أبي عُبَيدة: المعصَّب: الَّذِي عصَّبته السِنُون أَي أكلت مَاله. وَقَالَ الله جلّ وَعز: {وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِى ضَلَالٍ مُّبِينٍ} (يُوسُف: 8) . قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو زيد: العُصْبة من العَشَرة إِلَى الْأَرْبَعين. وَقَالَ الْأَخْفَش: العُصْبة والعِصابة: جمَاعَة لَيْسَ لَهَا وَاحِد. وَذكر ابْن المظفّر فِي كِتَابه حَدِيثا: إِنَّه يكون فِي آخر الزَّمَان رجل يُقَال لَهُ: أَمِير العُصَب، فَوجدت تَصْدِيقه فِي حَدِيث حدّثنا بِهِ مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن الرماديّ عَن عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن أَيُّوب عَن ابْن سِيرِين عَن عُقْبة بن أَوْس عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ أَنه قَالَ: وجدت فِي بعض الْكتب يَوْم اليرموك: أَبُو بكر الصّديق أصبْتُم اسْمه. عمر الْفَارُوق قَرْن من حَدِيد أصبْتُم اسْمه. عُثْمَان ذُو النورين كِفيْلَن من الرَّحْمَة لِأَنَّهُ يُقتل مَظْلُوما، أصبْتُم اسْمه. قَالَ: ثمَّ يكون مَلِك الأَرْض المقدَّسة وَابْنه. قَالَ عُقبة: قلت لعبد الله سمّهما. قَالَ: مُعَاوِيَة وَابْنه. ثمَّ يكون سفَّاح، ثمَّ يكون مَنْصُور، ثمَّ يكون جَابر، ثمَّ مهديّ، ثمَّ يكون الْأمين، ثمَّ يكون سين وَسَلام يَعْنِي صلاحاً وعافية، ثمَّ يكون أَمِير العُصَب، سِتَّة مِنْهُم من ولد كَعْب بن لؤيّ وَرجل من قحطان كلهم صَالح لَا يُرَى مثله. قَالَ أَيُّوب: فَكَانَ ابْن سِيرِين إِذا حَدَّث بِهَذَا الحَدِيث قَالَ: يكون على النَّاس مُلُوك بأعمالهم. قلت: وَهَذَا حَدِيث عَجِيب وَإِسْنَاده صَحِيح وَالله أعلم بالغيوب.
والعَصْب من برود الْيمن، مَعْرُوف. وَقَالَ اللَّيْث: سمّي عَصْباً لِأَن غَزْله يُعصَب، ثمَّ يُصبغ ثمَّ يحاك، وَلَيْسَ من برود الرقْم.(2/29)
وَلَا يجمع، يُقَال: بُرْد عَصْب وبرود عَصْب لِأَنَّهُ مُضَاف إِلَى الْفِعْل. وَرُبمَا اكتفَوا بِأَن يُقَال: عَلَيْهِ العَصْب لِأَن البُرْد عُرِف بذلك الِاسْم. أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: العصَّاب: الغزّال. وَقَالَ رؤبة:
طيّ القَسَاميّ بُرودَ العَصَّاب
قَالَ: والقَسَاميّ: الَّذِي يَطْوي الثِّيَاب فِي أول طَيّها حَتَّى تُكسّر على طيّها. قلت: وَقَول أبي عَمْرو يحقّق مَا قَالَه اللَّيْث من عَصْب الغَزْل وصَبْغه. وَرُوِيَ عَن الحجّاج بن يُوسُف أَنه خطب النَّاس بِالْكُوفَةِ فَقَالَ: لأَعْصِبَنَّكم عَصْب السَّلَمة. قلت: والسَّلَمة شَجَرَة من الغَضَى ذَات شوك، وورقها القَرَظ الَّذِي يُدبغ بِهِ الأَدَم، ويعسُر خَرْط وَرقهَا لِكَثْرَة شَوْكهَا. ويَعْصِب الخابط أَغْصَانهَا بحَبْل ثمَّ يَهْصِرها إِلَيْهِ ويخبِطها بعصاه فيتناثر وَرقهَا للماشية وَلمن أَرَادَ جمعه. وعَصْبُها: جمع أَغْصَانهَا بِحَبل تُمدّ بِهِ وتُشَدّ شدّاً شَدِيدا. وأصل العَصْب اللَيّ، وَمِنْه عَصْب التَيْس وَهُوَ أَن يُشدّ خُصْياه شدّاً شَدِيدا حَتَّى تَنْدُرَا من غير أَن تنتزعا نزعاً، أَو تُسَلاّ سلاًّ. يُقَال: عَصبْتُ التيس أعصِبه فَهُوَ معصوب. قَالَ ذَلِك أَبُو زيد فِيمَا رَوى عَنهُ أَبُو عبيد. وَمن أَمْثَال الْعَرَب: فلَان لَا تُعْصَب سَلَماته يضْرب مثلا للرجل الْعَزِيز الشَّديد الَّذِي لَا يُقهر وَلَا يُستذَلّ. وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
وَلَا سَلَماتي فِي بَجِيلة تُعْصَبُ
أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: العَصُوب: الَّتِي لَا تَدِرّ حَتَّى يُعْصَب فخذاها بِحَبل، وَذَلِكَ الْحَبل يُقَال لَهُ: العِصَاب. وَقد عصبها الحالب عَصْباً وعِصَاباً. وَقَالَ الشَّاعِر:
فَإِن صَعُبَتْ عَلَيْكُم فاعصِبوها
عِصَاباً تَستدرّ بِهِ شَدِيدا
وَقَالَ أَبُو زيد: العَصُوب: النَّاقة الَّتِي لَا تَدِرّ حَتَّى يُعْصَب أداني مَنْخِرَيها بخَيط ثمَّ تُثَوَّر وَلَا تُحلّ حَتَّى تُحلب. وَأما عَصَبة الرجل فهم أولياؤه الذُكور من ورثته، سُمُّوا عَصَبة لأَنهم عَصَبوا بنسبه أَي استكَفُّوا بِهِ، فالأب طَرَف وَالِابْن طَرَف والعَمّ جَانب وَالْأَخ جَانب، وَالْعرب تسمّي قَرَابَات الرجل أَطْرَافه، ولمّا أحاطت بِهِ هَذِه الْقرَابَات وعَصَبتْ بنسبه سُمّوا عَصَبة. وكل شَيْء اسْتَدَارَ بِشَيْء فقد عَصَب بِهِ. والعمائم يُقَال لَهَا: العصائب، واحدتها عِصَابة، من هَذَا. وأمَّا العَصَبة فَلم أسمع لَهُم بِوَاحِد. وَالْقِيَاس أَن يكون عاصباً؛ مثل طَالب وطَلَبة وظالم وظلَمة. وَيُقَال أَيْضا: عَصَبت الإبلُ بِعَطَنها إِذا استكفَّت بِهِ؛ قَالَ أَبُو النَّجْم:
إِذْ عَصَبت بالعَطَن المغربَل
يَعْنِي المدقَّق ترابُه. وَيُقَال: عَصَب الرجلُ بيتَه أَي أَقَامَ فِي بَيته لَا يبرحه، لَازِما لَهُ. وَيُقَال: عَصَب القَيْن صَدْع الزجاجة بضبَّة من فضَّة إِذا لأمها بهَا مُحِيطَة بِهِ. والضبَّة عِصَابة للصَّدْع. والعَصَبيَّة: أَن يَدْعُو الرجل إِلَى نُصْرة عَصَبته والتألُّب مَعَهم على من يناوئهم، ظالمين كَانُوا أَو مظلومين. وَقد تعصَّبوا عَلَيْهِم إِذا تجمّعوا. واعصوصب القومُ إِذا اجْتَمعُوا. فَإِذا تجمّعوا على فريق آخَرين قيل: تعصَّبوا.(2/30)
وقرأت بخطّ شمر أَن الزبير بن العوّام لمّا أقبل نَحْو الْبَصْرَة سُئِلَ عَن وَجهه فَقَالَ:
عَلِقتهم إِنِّي خلِقتُ عُصْبَهْ
قَتَادةً تعلَّقت بنُشبَهْ
قَالَ شمر: وَبَلغنِي أَن بعض الْعَرَب قَالَ:
غلبتهم إِنِّي خُلِقتُ نُشْبَهْ
قَتَادَة ملوِيَّة بعُصْبَهْ
قَالَ: والعُصْبة نَبَات يتلوّى على الشّجر، وَهُوَ اللَّبْلاب. والنُشْبة من الرِّجَال: الَّذِي إِذا عبِث بِشَيْء لم يكد يُفَارِقهُ. وَأنْشد لكثيّر:
باديَ الرّبع والمعارف مِنْهَا
غير رَبْع كعُصْبة الأغيال
وروى غَيره عَن ابْن الْأَعرَابِي عَن أبي الجرّاح أَنه قَالَ: العُصْبة: هَنَة تُلَفّ على القَتَادة لَا تُنزع عَنْهَا إلاّ بعد جَهد، وَأنْشد:
تلبَّس حُبُّها بدمي ولحمي
تلبُّسَ عُصْبة بِفُرُوع ضَالِ
وَيُقَال للرجل إِذا كَانَ شَدِيد أسْرِ الخَلْق غير مسترخِي اللَّحْم: إِنَّه لمعصوب مَا حُفْضِج. وَقَالَ ابْن السّكيت: العَصَب عَصَب الْإِنْسَان والدابَّة، قَالَ: وَحكى لي الكلابيّ: ذَاك رجل من عَصَب الْقَوْم أَي من خيارهم، ونحوَ ذَلِك قَالَ ابْن الْأَعرَابِي. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس عَنهُ: العَصُوب الْمَرْأَة الرسحاء، وروى أَبُو نصر عَن الْأَصْمَعِي والأثرمُ عَن أبي عُبَيْدَة أَنَّهُمَا قَالَا: هِيَ العَصُوب والرسحاء والمَسْحاء والرصعاء والمصواء والمزلاق والمزلاج والمِنْداص. وَقَالَ اللَّيْث: العَصَب: أطناب المفاصل الَّتِي تلائم بَينهَا وتشدُّها وَلَيْسَ بالعَقَب. وَلحم عَصِب: صُلْب شَدِيد. وَيُقَال للرجل الَّذِي سوّده قومه: قد عصَّبوه فَهُوَ معصَّب؛ وَقد تعصّب. وَمِنْه قَول المخبَّل فِي الزبْرِقان:
رَأَيْتُك هربَّتِ العِمَامة بَعْدَمَا
أَرَاك زَمَانا حاسراً لما تُعَصَّبِ
وَهَذَا مَأْخُوذ من العِصَابة وَهِي العِمَامة وَكَانَت التيجان للملوك، والعمائم الْحمر للسادة من الْعَرَب. وَرجل معصَّب ومعمَّم: أَي مسوَّد. وَقَالَ عَمْرو بن كُلْثوم:
وَسيد معشر قد عصَّبوه
بتاج المُلْك يَحْمى المُحْجَرينا
فَجعل الملِك معصَّباً أَيْضا لِأَن التَّاج أحَاط بِرَأْسِهِ كالعِصابة الَّتِي عَصَبت بِرَأْس لَابسهَا. والعِصابة تقع على الْجَمَاعَة من النَّاس وَالطير وَالْخَيْل. وَمِنْه قَول النَّابِغَة:
عصائب طير تهتدي بعصائب
وَيُقَال: اعتصب التاجُ على رَأسه إِذا استكَفَّ بِهِ. وَمِنْه قَول قيس ذِي الرُّقيات:
يعتصب التاجُ فَوق مَفْرِقه
على جبين كَأَنَّهُ الذَّهَب
وكلّ مَا عُصِب بِهِ كَسْر أَو قرح من خرقَة أَو خَبِيبة فَهُوَ عِصاب لَهُ. وَيُقَال لأمعاء الشَّاء إِذا طُوِيت وجمعت ثمَّ جُعلت فِي حَوِيَّة من حوايا بَطنهَا: عُصُب واحِدُها عَصِيب.
والعصائب: الرِّيَاح الَّتِي تعصب الشّجر(2/31)
فتدرج فِيهِ؛ قَالَ الأخطل:
مطاعيم تعذُو بالعَبِيط جِفانُهم
إِذا القُرّ ألوت بالعِصَاه عصائبُهُ
وعَصِبت الفِصالُ الإبلَ: تقدَّمتها. والمعصوب: الْكتاب المطويّ. وَقَالَ:
أَتَانِي عَن أبي هَرِم وَعِيد
ومعصوبٌ تخُبّ بِهِ الرِّكابُ
صَعب: يُقَال: عَقَبة صَعْبة إِذا كَانَت شاقَّة. وجَمَل مُصْعَب إِذا لم يكن منوَّقاً وَكَانَ محرَّم الظّهْر، وجمال مصاعب ومصاعيب. وَيُقَال: أصعَبْتُ الْأَمر إِذا ألفيته صَعْباً. وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
لَا يُصْعِب الْأَمر إِلَّا رَيْث يَرْكبه
وَلَا تَعَرّبُ إلاّ حوله العَرَبُ
وَيُقَال: صَعُب الْأَمر يَصْعُب صُعُوبة فَهُوَ صَعْب. وَيُقَال: أَخذ فلَان بَكْراً من الْإِبِل ليقتضبه فاستصعب عَلَيْهِ استصعاباً. وَقد استصعبته أَنا إِذا وجدته صَعْباً. وَقَالَ ابْن السّكيت: المصعَب: الفَحْل الَّذِي يودَّع من الرّكُوب وَالْعَمَل، للفِحْلة. قَالَ: والمصعَب: الَّذِي لم يمسسه حَبْل وَلم يُركب. قَالَ: والقَرْم: الْفَحْل الَّذِي يُقْرم أَي يودَّع ويُعفى من الرّكُوب، وَهُوَ المُقْرَم والقريع والفَنِيق. وصَعْب من أَسمَاء الرِّجَال. وَجمع الصَّعْب صِعَاب.
صبع: أَبُو عبيد عَن أبي عُبَيْدَة: صَبَعت بِالرجلِ وصبعت عَلَيْهِ أصْبَع صَبْعاً إِذا اغتبْتَه. وصبعت فلَانا على فلَان: دللته. وصبعت الْإِنَاء إِذا كَانَ فِيهِ شراب فقابلتَ بَين إصبعيك ثمَّ أرْسلت مَا فِيهِ فِي شَيْء آخر. قلت: وصَبْع الْإِنَاء أَن يُرسل الشَّرَاب الَّذِي فِيهِ من طَرَفي الإبهامين أَو السبَّابتين لِئَلَّا ينتشر فيندفق. قلت: وَهَذَا كُله مَأْخُوذ من الإصبع؛ لِأَن الْإِنْسَان إِذا اغتاب إنْسَانا أَشَارَ إِلَيْهِ بالإصبع. وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: رجل مصبوع إِذا كَانَ متكبّراً. قَالَ: والصَبْع: الكِبْر التامّ. والإصبع: وَاحِدَة الْأَصَابِع. وفيهَا ثَلَاث لُغَات حَكَاهَا أَبُو عبيد عَن الكسائيّ قَالَ: هِيَ الإصْبَع وَالإصْبِع واللأُصْبُع. وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه دمِيتْ إصبعُه فِي حفر الخَنْدَق فَقَالَ:
هَل أَنْت إِلَّا إصبِع دَمِيتِ
وَفِي سَبِيل الله مَا لقِيتِ
وَإِن ذكَّر مذكِّر الإصبع جَازَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا عَلامَة التَّأْنِيث. والإصبع: الْأَثر الحسَن. يُقَال: فلَان من الله عَلَيْهِ إِصْبَع حَسَنة. وَإِنَّمَا قيل للأثَر الْحسن: إِصْبَع لإشارة النَّاس إِلَيْهِ بالإصبع. وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ أَنه قَالَ: إِنَّه لحسن الإصبع فِي مَاله، وحَسَن المَسّ فِي مالِه أَي حسن الْأَثر. وَأنْشد:
أوردهَا رَاع مَرِيء الإصبع
لم تَنْتَشِر عَنهُ وَلم تَصَدّعِ
وَفُلَان مُغِلّ الإصبع إِذا كَانَ خائناً. وَقَالَ الشَّاعِر:
حدّثتَ نَفسك بِالْوَفَاءِ وَلم تكن
للغدر خَائِنَة مُغِلّ الإصبع
وَقيل: إِصْبَع: اسْم جبل بِعَيْنِه.
بَعْص: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ:(2/32)
البَعْص: نحافة الْبدن ودِقَّته. قَالَ: أَصله دُودة يُقَال لَهَا: البُعْصُوصة. قَالَ: وسَبٌّ للجواري: يَا بُعْصُوصة كُفّي، وَيَا وَجه الكُبَع: سمك بحري وَحِشُ المَرآة. وَقَالَ اللَّيْث: البُعصوصة: دوَيْبَّة صَغِيرَة لَهَا بريق من بياضها. وَيُقَال للصبيَّة يَا بُعصوصة لصِغَر جُثَّتها وضعفها. أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ يُقَال للحيَّة إِذا ضُرِبت فلوَتْ ذَنَبها: هِيَ تَبعْصَصُ أَي تتلوَّى. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي أَيْضا: يُقَال للجُويرية الضاويَّة: البُعصوصة والعِنْفِص والبطيّطة الحطِّيطة.
بصع: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: البَصْع: الجَمْع. وَمِنْه قَوْلهم فِي التَّأْكِيد: جَاءَ الْقَوْم أَجْمَعُونَ أكتعون أبصعون إِنَّمَا هُوَ شَيْء يَجمع الْأَجْزَاء. قَالَ: وَقَالَ الفرّاء: يَقُولُونَ: أَجْمَعُونَ أكتعون أبصعون، وَلَا يَقُولُونَ: أبصعون حَتَّى يتقدّمه أكتعون. وَسمعت المنذريّ يَقُول: سَمِعت أَبَا الْهَيْثَم يَقُول: الْكَلِمَة توَكَّد بِثَلَاثَة تواكيد. يَقُولُونَ: جَاءَ الْقَوْم أكتعون أبثعون أبصعون بالصَّاد؛ كَمَا قَالَ ابْن الْأَعرَابِي والفرّاء. وَقَالَ: أبثعون بالثاء وَالصَّوَاب: أبتعون بِالتَّاءِ، وظننت أَن المنذريّ لم يضبِطه عَن أبي الْهَيْثَم ضبطاً حسنا. وَقَالَ ابْن هانىء وَغَيره من النَّحْوِيين: أَخَذته أجمع أبتع وَأجْمع أبصع بِالتَّاءِ وَالصَّاد. وَقَالَ اللَّيْث: البَصْع: الخَرْق الضيِّق الَّذِي لَا يكَاد يَنفُذ فِيهِ المَاء. تَقول: بَصُع يبصُع بَصَاعة. قَالَ: وَيُقَال: تبصّع العَرَق من الجَسَد إِذا نبع من أصُول الشَّعَر قَلِيلا قَلِيلا. قلت: ورَوَى ابْن دُرَيْد بَيت أبي ذُؤَيْب:
إلاّ الحَمِيم فَإِنَّهُ يتبصّع
بالصَّاد أَي يسيل قَلِيلا قَلِيلا. قلت: ورَوَى الثِّقَات هَذَا الْحَرْف: يتبضّع الشَّيْء بالضاد إِذا سَالَ، هَكَذَا أَقْرَأَنِيهِ الإياديّ عَن شمر لأبي عُبيد، وَهَكَذَا رَوَاهُ الروَاة فِي شعر أبي ذُؤَيْب، وَابْن دُريد أَخذ هَذَا من (كتاب ابْن المظفّر) فمرّ على التَّصْحِيف الَّذِي صحَّفه.
(بَاب الْعين وَالصَّاد مَعَ الْمِيم)
(ع ص م)
عصم، عمص، معص، مصع، صمع: مستعملة.
عصم: قَالَ الله جلّ وَعز: {لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ} (هود: 43) قَالَ الفرّاء: (مَنْ) فِي مَوضِع نصب، لِأَن الْمَعْصُوم خلاف العاصم والمرحوم مَعْصُوم، فَكَانَ نَصبه بِمَنْزِلَة قَوْله: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ} (النِّسَاء: 157) . قَالَ الفرَّاء: وَلَو جعلت عَاصِمًا فِي تَأْوِيل مَعْصُوم أَي لَا مَعْصُوم الْيَوْم من أَمر الله جَازَ رفع (مَن) . قَالَ: وَلَا تنكرنّ أَن يخرج الْمَفْعُول على الْفَاعِل، أَلا ترى إِلَى قَوْله جلّ وعزَّ: {خُلِقَ خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ} (الطارق: 6) مَعْنَاهُ وَالله أعلم: مدفوق. وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْعَبَّاس أَنه قَالَ: قَالَ الْأَخْفَش فِي قَوْله: {لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ} (هود: 43) يجوز أَن يكون: لَا ذَا عاصمةٍ أَي لَا مَعْصُوم، وَيكون {إِلَّا من رحم(2/33)
رفعا بَدَلا من لَا عَاصِم. قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: وَهَذَا خَلْف من الْكَلَام، لَا يكون الْفَاعِل فِي تَأْوِيل الْمَفْعُول إِلَّا شاذّاً فِي كَلَامهم، والمرحوم مَعْصُوم وَالْأول عَاصِم. و (مَنْ) نَصْب باستثناء الْمُنْقَطع. وَهَذَا الَّذِي قَالَه الْأَخْفَش يجوز فِي الشذوذ الَّذِي لَا ينقاس. وَقَالَ الزجَّاج فِي قَوْله تَعَالَى: {قَالَ سَآوِى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِى مِنَ الْمَآءِ} (هود: 43) أَي يَمْنعنِي من المَاء. وَالْمعْنَى: من تغريق المَاء. قَالَ: (لَا عَاصِم الْيَوْم من أَمر الله إِلَّا من رحم) هَذَا اسْتثِْنَاء لَيْسَ من الأول وَمَوْضِع (من) نَصْب، الْمَعْنى: لَكِن من رحم اللَّهُ فَإِنَّهُ مَعْصُوم. قَالَ: وَقَالُوا: يجوز أَن يكون عَاصِم فِي معنى مَعْصُوم، وَيكون معنى {لَا عَاصِم: لَا ذَا عصمَة، وَتَكون (مَنْ) فِي مَوضِع رفع، وَيكون الْمَعْنى: لَا مَعْصُوم إِلَّا المرحوم. قلت: والحُذَّاق من النَّحْوِيين اتّفقوا على أَن قَوْله: لَا عَاصِم بِمَعْنى لَا مَانع، وَأَنه فَاعل لَا مفعول، وَأَن (مَنْ) نصب على الِانْقِطَاع. والعِصْمة فِي كَلَام الْعَرَب: المَنْع. وعِصْمة الله عبدَه: أَن يعصمه ممَّا يُوبِقه. واعتصم فلَان بِاللَّه إِذا امْتنع بِهِ. واستعصم إِذا امْتنع وأبى، قَالَ الله تَعَالَى حِكَايَة عَن امْرَأَة الْعَزِيز فِي أَمر يُوسُف حِين راودته عَن نَفسه::ُ: ِفَاسَتَعْصَمَ} (يُوسُف: 32) أَي تأبّى عَلَيْهَا وَلم يجبها إِلَى مَا طَلَبت. قلت: وَالْعرب تَقول: أعصمت بِمَعْنى اعتصمت.
وَمِنْه قَول أوْس بن حَجَر:
فأشرط فِيهَا نَفسه وَهُوَ مُعْصِم
وَألقى بأسبابٍ لَهُ وتوكّلا
أَي وَهُوَ معتصم بالحبل الَّذِي دَلاّه. وَيُقَال للراكب إِذا تقحَّم بِهِ بَعيرٌ صَعْب فامتسَك بواسط رَحْله أَو بقَرَبوس سَرْجه لِئَلَّا يُصرَع: قد أعْصَم فَهُوَ مُعْصِم. وَقَالَ الراجز:
أَقُول والناقةُ بِي تَقَحَّمُ
وَأَنا مِنْهَا مُكْلئزّ مُعْصِم
وروى أَبُو عُبيد عَن أبي عَمْرو: أعصم الرجل بِصَاحِبِهِ إعصاماً إِذا لزِمه، وَكَذَلِكَ أخلد بِهِ إخلاداً.
وَقَالَ ابْن المظفر: أعصم إِذا لَجأ إِلَى الشَّيْء وأعصم بِهِ. وَقَول الله: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ} (آل عمرَان: 103) أَي تمسَّكوا بِعَهْد الله. وَكَذَلِكَ قَوْله: {وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ} (آل عمرَان: 101) أَي من يتمسَّك بحبله وَعَهده. وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه ذكر النِّسَاء المختالات المتبرِّجات فَقَالَ: (لَا يدْخل الجنَّة مِنْهُنَّ إلاّ مِثْلُ الْغُرَاب الأعصم) . قَالَ أَبُو عبيد: الْغُرَاب الأعصم: هُوَ الْأَبْيَض الْيَدَيْنِ. وَمِنْه قيل للوُعُول: عُصْم، وَالْأُنْثَى منهنّ عَصْماء وَالذكر أعصم، لبياض فِي أيديها. قَالَ: وَهَذَا الْوَصْف فِي الْغرْبَان عَزِيز لَا يكَاد يُوجد، وَإِنَّمَا أرجلها حُمْر. قَالَ: وأمَّا هَذَا الْأَبْيَض الظهرِ والبطن فَهُوَ الأبقع، وَذَلِكَ كثير، قَالَ: فَيرى أَن معنى الحَدِيث: أَن من يدْخل الجنَّة من النِّسَاء قَلِيل كقِلَّة الغِربان العُصْم عِنْد الغِربان السُود والبُقْع. قلت: وَقد ذكر ابْن قُتَيْبَة(2/34)
هَذَا الحَدِيث فِيمَا رَدَّ على أبي عُبَيد، وَقَالَ: اضْطربَ قولُ أبي عبيد، لِأَنَّهُ زعم أَن الأعصم هُوَ الْأَبْيَض الْيَدَيْنِ، ثمَّ قَالَ: وَهَذَا الْوَصْف فِي الغِربان عَزِيز لَا يكَاد يُوجد وَإِنَّمَا أرجلها حمر، فَذكر مرّة الْيَدَيْنِ ومرّة الأرجل. قلت: وَقد جَاءَ الْحَرْف مفسَّراً فِي خبر أظنّ إِسْنَاده صَالحا، حدّثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق قَالَ: حَدثنَا الرماديّ حدَّثنا الْأسود ابْن عَامر حدّثنا حمَّاد بن سَلَمة عَن أبي جَعْفَر الخَطْمِيّ عَن عُمَارة بن خُزيمة قَالَ: بَينا نَحن مَعَ عَمْرو بن الْعَاصِ فَعدل وعدلنا مَعَه حَتَّى دَخَلنَا شِعْباً، فَإِذا نَحن بِغربان وفيهَا غراب أعصم أَحْمَر المنقار وَالرّجلَيْنِ، فَقَالَ عَمْرو: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا يدْخل الجنَّة من النِّسَاء إلاَّ قَدْرُ هَذَا الْغُرَاب فِي هَؤُلَاءِ الْغرْبَان قلت فقد بَان فِي هَذَا الحَدِيث أَن معنى قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إلاّ مثل الْغُرَاب الأعصم) أَنه أَرَادَ الْأَحْمَر الرجلَيْن لقلّته فِي الْغرْبَان، لِأَن أَكثر الْغرْبَان السُود والبُقْع. ورُوي عَن ابْن شُمَيْل أَنه قَالَ: الْغُرَاب الأعصم: الْأَبْيَض الجناحين. وَالصَّوَاب مَا جَاءَ فِي الحَدِيث المفسَّر. وَالْعرب تجْعَل الْبيَاض حمرَة فَيَقُولُونَ للْمَرْأَة الْبَيْضَاء اللَّوْن: حَمْرَاء، وَلذَلِك قيل للأعاجم: حُمْر لغَلَبَة الْبيَاض على ألوانهم. وأمَّا الأعصم من الظباء والوُعُول فَهُوَ الَّذِي فِي ذِرَاعَيْهِ بَيَاض، قَالَه الأصمعيّ وَغَيره. وأمَّا العُصْمة فِي الْخَيل فَإِن أَبَا عُبيدة قَالَ: إِذا كَانَ الْبيَاض بيدَيْهِ دون رجلَيْهِ فَهُوَ أعصم، فَإِذا كَانَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ دون الْأُخْرَى قيل: أعصم الْيُمْنَى أَو اليُسرى. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الأعصم: الَّذِي يُصِيب البياضُ إِحْدَى يَدَيْهِ فَوق الرُسْغ. وَقَالَ الأصمعيّ: إِذا ابيضَّت الْيَد فَهُوَ أعصم. وَقَالَ ابْن المظفَّر: العُصْمة: بَيَاض فِي الرُّسْغ. قَالَ: والأعصم: الوَعِل، وعُصْمته: بَيَاض شِبْه زَمَعة الشَّاة فِي رجل الوَعِل فِي مَوضِع الزَّمَعة من الشَّاء. قَالَ: وَيُقَال للغراب: إِذا كَانَ ذَلِك مِنْهُ أَبيض، وقلَّما وجد فِي الْغرْبَان كَذَلِك. قلت: وَهُوَ الَّذِي قَالَه اللَّيْث فِي نعت الوَعِل أَنه شِبْه الزَمَعة تكون فِي الشَّاء مُحال، إِنَّمَا عُصْمة الأوعال بَيَاض فِي أذرعها لَا فِي أوظفتها، والزَمَعة إِنَّمَا تكون فِي الأوظفة. وَالَّذِي يغيّره اللَّيْث من تَفْسِير الْحُرُوف أَكثر مِمَّا يغيّره من صُوَرها، فَكُن على حذَر من تَفْسِيره؛ كَمَا تكون على حَذَر من تصحيفه. وَقَالَ اللَّيْث: أعصام الْكلاب: عَذَباتها الَّتِي فِي أعناقها، الْوَاحِدَة عَصَمة، وَيُقَال: عِصَام، قَالَ لبيد:
خُضْعا دواجنَ قَافِلًا أعصامُها
وَقَالَ أَبُو عبيد: العِصَام: رِبَاط القِرْبة. قَالَ: وَقَالَ الْكسَائي: أعصمْتُ الْقرْبَة إِذا شددتها بالوِكَاء. قلت: وَالْمَحْفُوظ من الْعَرَب فِي عُصُم المَزَاد أَنَّهَا الحِبَال الَّتِي تُنْشَب فِي خُرَب الروايا وتُشدّ بهَا إِذا عُكِمت على ظهر الْبَعِير، ثمَّ يُرَوَّى عَلَيْهَا بالرِّوَاء، وَالْوَاحد عِصَام. فأمَّا الوِكاء فَهُوَ الشَرِيط الدَّقِيق أَو السَيْر الوثيق يُوكَى بِهِ فمُ القِرْبة والمَزَادة. وَهَذَا كلّه صَحِيح لَا ارتياب فِيهِ. وَقَالَ اللَّيْث: عِصام الدَلْو:(2/35)
كلّ حَبْل يعصَم بِهِ شَيْء فَهُوَ عِصامه. قَالَ: والعُصُم: طرائق طَرَف المزادة عِنْد الكُلْية، وَالْوَاحد عِصام. قلت: وَهَذَا من أغاليط اللَّيْث وغُدَده. وَقَالَ اللَّيْث: العِصام: مُسْتدَقّ طرف الذَنَب والجميع الأَعْصِمة. وَوجدت لِابْنِ شُمَيل قَالَ: الذَنَب بهُلْبه وعَسِيبه يُسمى العِصَام بالصَّاد. قلت: وَقد قَالَ اللَّيْث فِيمَا تقدَّم من بَاب الْعين وَالضَّاد: العضام: عَسِيب الْبَعِير وَهُوَ ذَنَبه العَظْم لَا الهُلْب. قَالَ: وَالْعدَد الْقَلِيل أعضمة والجميع العُضُم. قلت: وَقَالَ غَيره: فِيهَا لُغَتَانِ بالضاد وَالصَّاد، وَالله أعلم. وَأما مِعْصما الْمَرْأَة فهما موضعا السوَارين من ساعديها. وَمِنْه قَول الْأَعْشَى:
فأرتْك كفّاً فِي الخِضَا
ب ومِعْصَماً مِلْءَ الجِبارة
وَيُقَال: هَذَا طَعَام يَعْصِم أَي يمْنَع من الْجُوع. وروى أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ قَالَ: العَصِيم: بقيَّة كل شَيْء وأثره، من القِطران والخِضاب وَنَحْوه. وَأنْشد الأصمعيّ:
يصفرّ لليُبْس اصفرار الوَرْسِ
من عَرَق النَضْح عَصِيمُ الدَرْس
قَالَ: وسمعتُ امْرَأَة من الْعَرَب تَقول لأخرى: أعطيني عُصُم حِنّائك. تَعْنِي مَا بَقِي مِنْهُ بعد مَا اختضَبَت بِهِ. وَقَالَ ابْن المظفر: العَصيم: الصَدَأ من العَرَق والهِنَاء والدرَز والوسخ وَالْبَوْل إِذا يبس على فَخذ النَّاقة حَتَّى يبْقى كالطريق خُثُورة. وَأنْشد:
وأضحى عَن مواسمهم قَتِيلا
بلَبَّته سرائحُ كالعَصِيم
وَقَالَ أَبُو عُبيد: قَالَ الْأَصْمَعِي: العُصْم: أثر كل شَيْء من وَرْس أَو زعفران وَنَحْوه. وَقَالَ اللَّيْث: عِصَاما المِحْمَل: شِكاله وقَيْده الَّذِي يُشَدّ فِي طَرَف العارضين فِي أعلاهما. قلت: عِصَاما الْمحمل كعِصَامي المزادتين. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العَيْصُوم من النِّسَاء: الْكَثِيرَة الْأكل الطَّوِيلَة النّوم المُدَمدِمة إِذا انتبهَت. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: رجل عَيْصوم وعَيْصام إِذا كَانَ أكولاً. وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي:
أُرجدَ رأسُ شَيْخَةٍ عيصوم
وروى بَعضهم عَن المؤرّج أَنه قَالَ: العِصَام: الكُحْل فِي بعض اللُّغَات، وَقد اعتصمت الجاريةُ إِذا اكتحلتْ. قلت: وَلَا أعرف رِوَايَته عَن المؤرّج. فَإِن صحَّت الرِّوَايَة عَنهُ فَهُوَ ثِقَة مَأْمُون. والعَصِيم: شعر أسود ينْبت تَحت الوَبَر. والمُعْصَم: الجِلْد الَّذِي يجِفُّ بِشعرِهِ وَلم يُعطن لِأَنَّهُ أُعصم أَي أُلزم شعره. يُقَال: أعصمْنا الإهابَ وإهاب عَصِيم وأُهُب عُصُم، وَذَلِكَ من أَجود الأساقي. ودفَعته إِلَيْهِ بعُصْمته أَي برُمَّته. والعَنْز تسمَّى مِعْصَماً لبياض فِي كُرَاع يَدهَا.
قَالَ أَحْمد بن يحيى: الْعَرَب تسمي الخُبْز عَاصِمًا وجابراً وَأنْشد:
فَلَا تلوميني ولومي جَابِرا
فجابر كلَّفني الهواجرا
ويسمّونه عَامِرًا. وَأنْشد:(2/36)
أَبُو مَالك يعتادني فِي الظهائرِ
يَجِيء فيُلقِي رَحْله عِنْد عَامر
أَبُو مَالك: الْجُوع ... وَفِي الحَدِيث أَن جبريلج جَاءَ على فرس أُنْثَى يَوْم بَدْر وَقد عَصَم بثنِيَّته الغُبارُ. قَالَ القُتَيْبِي: صَوَابه: عَصَب أَي يبِس الْغُبَار عَلَيْهَا. وَقَالَ غَيره: يُقَال: عَصَب الرِّيق بِفِيهِ وعَصَم، وَالْبَاء وَالْمِيم يتعاقبان فِي كثير من الْحُرُوف.
عمص: قَالَ ابْن المظفر: عَمَصْت العامص والآمص وَهُوَ الخاميز. وَبَعْضهمْ يَقُول: عَاميص. قلت: العامص مُعرب. وَقد روى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: العَمِص: المولَع بِأَكْل العامص وَهُوَ الهُلاَم.
معص: أَخْبرنِي المنذريّ عَن أَحْمد بن يحيى عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: إِذا أَكثر الرجل من الْمَشْي مَعِص أَي اشْتَكَى رجلَيْهِ من كَثْرَة المَشْي، وَبِه مَعَص. وَقَالَ النَّضر: المَعَص: أَن يمتلىء العَصَب من بَاطِن فينتفخَ مَعَ وجع شَدِيد. قَالَ: والمَعَص والعَضَد والبَدَل وَاحِد. وَقَالَ اللَّيْث: المَعَص شِبْه الخَلَج، وَهُوَ دَاء فِي الرِجْل. وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: المَعَص والمَأَص: بِيض الْإِبِل وكرائمها. قَالَ: والمعِص: الَّذِي يقتني المَعَص من الْإِبِل وَهِي البِيض. وَأنْشد:
أَنْت وهبت هَجْمة جُرجُورا
سُوداً وبِيضاً مَعَصاً خُبُورا
قلت: وَغير ابْن الْأَعرَابِي يَقُول: هِيَ المَغَص بالغين للبيض من الْإِبِل. وهما لُغَتَانِ. وروى ابْن الْفرج عَن أبي سعيد: فِي بطن الرجل مَعَص ومَغَص وَقد مَعِص ومغِص قَالَ: وتمعَّص بَطْني وتمغَّص أَي أوجعني.
صمع: أَبُو عُبيد عَن الأصمعيّ: الْفُؤَاد الأصمع والرأي الأصمع: العازم الذكيّ. قَالَ: والبُهْمَى أوّلُ مَا يَبْدُو مِنْهَا البارض، فَإِذا تحرّك قَلِيلا فَهُوَ جَمِيم، فَإِذا ارْتَفع وتمّ قبل أَن يتفقّأ فَهُوَ الصَمْعاء. وَأنْشد:
رعت بارض البُهْمَى جَمِيماً وبُسْرة
وصَمْعاء حتّى آنفتها نِصالُها
والصَّمَع فِي الكعوب: لطافتها واستواؤها. وقناة صمعاء الكعوب إِذا لطُفت عُقَدها واكتنز جوفُها. وقوائم الثور الوحشيّ تكون صُمْع الكعوب لَيْسَ فِيهَا نُتُوء وَلَا جَفاء. وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
وساقان كعباهما أصمعا
ن لحمُ حَمَاتَيهما مُنْبَتر
أَرَادَ بالأصمع: الضامر الَّذِي لَيْسَ بمنتفخ والحَمَاة: عَضَلة السَّاق. وَالْعرب تسْتَحب انبتارها وتزَيّمها وضمورها. وَقَوله:
صُمْعُ الكعوب بريئاتٍ من الْحَرَد
عَنى بهَا القوائم والمَفْصِل أَنَّهَا ضامرة لَيست بمنتفخة. وَرجل أصمع الْقلب إِذا كَانَ حادّ الفِطْنة. وَيُقَال لنبات البُهْمَى: صمعاء لضموره، يُقَال ذَلِك قبل أَن تتفقَّا. والريش الأصمع: اللَّطِيف العَسيبِ، ويُجمَع صُمْعاناً. وَيُقَال: تصمَّع رِيش السَهْم إِذا رُمي بِهِ رَمْية فتلطَّخ بِالدَّمِ وانضمّ. وَمِنْه قَول أبي ذُؤَيْب:(2/37)
فرمَى فأنفذ من نَحُوصٍ عائط
سَهْما فخرّ وريشُه متصمّع
أَي مجتمِع من الدَّم. ورَوَى أَبُو حَمْزَة عَن ابْن عبّاس أَنه سُئِلَ عَن الصمعاء يجوز أَن يضحّى بهَا، فَقَالَ: لَا بَأْس. قلت: والصمعاء: الشَّاة اللطيفة الأُذُنِ الَّتِي لَصِق أذناها بِالرَّأْسِ. وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الصَّمع: الصَّغِير الأُذُن المليحها وَهُوَ الْحَديد الفؤادِ أَيْضا. والصَوْمعة من الْبناء سُمّيت صومعة لتلطيف أَعْلَاهَا. وصَمّع الثَرِيدة إِذا رفع رَأسهَا وحَدّده. وَكَذَلِكَ صَعْنبها. وتسمّى الثريدة إِذا سوِّيت كَذَلِك صَوْمعة. وأمَّا قَول أبي النَّجْم فِي صفة الظلِيم:
إِذا لوى الأحدعَ من صَمْعائه
صَاح بِهِ عشرُون من رِعائه
قَالُوا: أَرَادَ بصمعائه: سالِفته وموضعَ الأُذُن مِنْهُ. سمّيت صمعاء لِأَنَّهُ لَا أُذُن للظليم. وَإِذا لزِقت الأُذُن بِالرَّأْسِ فصاحبها أصمع.
وَيُقَال: عنْز صمعاء وتَيْس أصمع إِذا كَانَا صغيري الأذُن. وَفِي حَدِيث عليّج (كَأَنِّي بِرَجُل أصمع أصعل حَمِش السَّاقَيْن) . قَالَ أَبُو عُبيد: الأصمع: الصَّغِير الْأذن. رجل أصمع وَامْرَأَة صمعاء، وَكَذَلِكَ غير النَّاس. وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ لَا يرى بَأْسا أَن يضحّى بالصمعاء يَعْنِي: الصَّغِيرَة الْأُذُنَيْنِ. قَالَ: وقلب أصمع إِذا كَانَ ذكِيًّا فطِناً. وَيُقَال: عَزمَة صمعاء: أَي مَاضِيَة. وصمَّع فلَان على رَأْيه إِذا صمم عَلَيْهِ. وظَبْي مُصمَّع: مؤلَّل القرنين. ورُوي عَن المؤرّج أَنه قَالَ: الأصمع: الَّذِي يترقَّى أشرف مَوضِع يكون. قَالَ: والأصمع: السَّيْف الْقَاطِع. قَالَ: وَيُقَال: صَمِع فلَان فِي كَلَامه إِذا أَخطَأ، وصَمِع إِذا ركب رَأسه فَمضى غير مكترِث لَهُ، والأصمع: السادر. قلت: وكلّ مَا جَاءَ عَن المؤرّج فَهُوَ ممَّا لَا يعرَّج عَلَيْهِ إلاّ أَن تصحّ الرِّوَايَة عَنهُ. ابْن السّكيت: الأصمعان: الْقلب الذكيّ والرأي العازم. صَمَعه بِالسَّيْفِ والعصا صَمْعاً: ضربه. وصَمَعْت الْقَوْم: حبسْتهم بالْكلَام. وَقَول ابْن الرّقاع:
وَلها مُنَاخ قلَّما بَركت بِهِ
ومصمَّعات من بِنات مِعَائها
عَنى بالمصمَّعات بَعَرات دقيقات ملتزِقات. والصوامع: البرانس جمع البُرْنُس. وَقَالَ بِشْر:
تمشَّى بِهِ الثِيران تَتْرَى كَأَنَّهَا
دهاقينُ أنباطٍ عَلَيْهَا الصوامعُ
ويروى: تَرْدِي. والصمعاء: الداهية؛ قَالَ الْبَاهِلِيّ:
وتعرف فِي عنوانها بعض لحنها
وَفِي جوفها صمعاء تُبْلى النواصيا
مصع: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: المَصِع: الْغُلَام الَّذِي يلْعَب بالمِخراق. والمصِع: الشَّيْخ الزحَّار. قلت: وَمن هَذَا قَوْلهم: قَبَحه الله. وأُمًّا مَصَعتْ بِهِ، وَهُوَ أَن تُلْقِي الْمَرْأَة وَلَدهَا بزَحْرة وَاحِدَة. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال: أمصعت بِهِ بِالْألف وأزلخت وأخفدت بِهِ(2/38)
وحَطَأت بِهِ وزَكَبَتْ بِهِ.
أَبُو عبيد عَن الفرّاء: يُقَال: مَصَع فِي الأَرْض وامتصع إِذا ذهب فِيهَا. وَمِنْه يُقَال: مَصَع لَبَنُ النَّاقة إِذا ذهب، وأمصع القومُ إِذا ذهبت ألبانُ إبلهم. وَقَالَ غَيره: مَصَع الحوضُ إِذا نشِف مَاؤُهُ، ومصع ماءُ الْحَوْض إِذا نَشِفه الحوضُ. وَقَالَ الراجز:
أصبح حوضاك لمن يراهما
مُسَمَّلين ماصعاً قِراهما
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: الماصع: البَرّاق، وَيُقَال: المتغيّر. وَأنْشد لِابْنِ مقبل:
فأفرغن من ماصع لونُه
على قُلُص ينتهِبن السِّجَالا
وَقَالَ شمر: ماصع يُرِيد: ناصع، صيَّر النُّون ميماً. قلت: وَقد قَالَ ابْن مقبل فِي شعر لَهُ آخر فَجعل الماصع كدراً، فَقَالَ:
عَبَّتْ بمشفرها وَفضل زمامها
فِي فضلَة من ماصع متكدِّر
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: ومَصَعَت الناقةُ هُزَالاً. قَالَ: وكلّ مُوَلَ ماصع. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال: هُوَ أَحْمَر كالمُصْعَة وَهِي ثَمَرَة العَوْسَج، حَكَاهُ ابْن السّكيت عَنهُ، والجميع المُصع. وَقَالَ اللَّيْث: المُصَع: ثَمَر العوسج يكون أَحْمَر حُلْواً يُؤْكَل. وَمِنْه ضرب أسود لَا يُؤْكَل، وَهُوَ أردأ العوسج وأخبثُه شوكاً. قَالَ: والمَصْع: التحريك، وَالدَّابَّة تَمْصَع بذَنَبها، وَأنْشد لرؤبة:
يمصَعْن بالأذناب من لُوح وبَقّ
قَالَ: والمَصْع: الضَّرْب بِالسَّيْفِ، وَرجل مَصِع. وَأنْشد:
رُبَ هَيْضَل مَصِعٍ لَفَفْتُ بهيضل
قَالَ: والمماصعة: المجالدة بِالسُّيُوفِ. وَأنْشد للقطامي:
تراهم يغمزون من استركوا
ويجتنبون من صدق المِصَاعا
وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) يُقَال: أنصعت لَهُ بالحقّ وأمصعت وعجَّرت وعنّقت إِذا أقرّ بِهِ وَأَعْطَاهُ عَفْواً.
وَفِي الحَدِيث: (البَرْق مَصْع مَلَك) . قَالَ أَبُو بكر: مَعْنَاهُ فِي الدّقَّة والتحريك وَالضَّرْب، فَكَأَن السَّوْط وَقْع بِهِ للسحاب وتحريك لَهُ.
(أَبْوَاب الْعين وَالسِّين)
ع س ز
أهملت وجوهها، وَالزَّاي وَالسِّين لَا يأتلفان.
(بَاب الْعين وَالسِّين مَعَ الطَّاء)
(ع س ط)
عسط، عطس، سَطَعَ، سعط، طسع: مستعملات.
عسط: أمَّا عسط فَلم أجد فِيهِ شَيْئا غير عَسَطُوس، وَهِي شَجَرَة ليّنة الأغصان لَا أُبَن لَهَا وَلَا شوك يُقَال لَهَا الخيزران، وَهُوَ على بِنَاء قَرَبُوس وقَرَقوس وحَلَكوك للشديد السوَاد. وَقَالَ الشَّاعِر:
عَصا عَسَطُوسٍ لينُها واعتدالُها
عطس: وَأما عطس فَيُقَال: عَطَس فلَان(2/39)
يَعْطِس عَطْساً وعَطْسة، وَالِاسْم العُطَاس، وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: يعطُس بضمّ الطَّاء أَيْضا، وَهِي لُغَة. ومَعْطِس الرجل أنْفه لِأَن العُطَاس مِنْهُ يخرج، وَهُوَ بِكَسْر الطَّاء لَا غير، وَهَذَا يدلّ على أَن اللُّغَة الجيّدة يعطِس. وَقَالَ اللَّيْث: الصُّبْح يسمّى عُطَاساً وَقد عَطَس الصبحُ إِذا انْفَلق. وأمَّا قَوْله:
وَقد أغتدي قبل العُطَاس بسابح
فَإِن الأصمعيّ زعم أَنه أَرَادَ: قبل أَن أسمع عُطَاس عاطس فأتطيّر مِنْهُ وَلَا أمضي لحاجتي، وَكَانَت الْعَرَب أهل طِيَرة، وَكَانُوا يتطيّرون من العُطَاس فَأبْطل النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طِيَرتهم. قلت: وَإِن صحّ مَا قَالَه اللَّيْث: أَن الصُّبْح يُقَال لَهُ: العُطَاس فَإِنَّهُ أَرَادَ: قبل انفجار الصُّبْح، وَلم أسمع الَّذِي قَالَه لثقة يُرجَع إِلَى قَوْله. وَقَالَ أَبُو زيد: تَقول الْعَرَب للرجل إِذا مَاتَ: عَطَستْ بِهِ اللُجَمُ. قَالَ: واللُّجَمة: كلّ مَا تطيَّرتَ مِنْهُ. وَأنْشد غَيره:
إِنَّا أُناس لَا تزَال جَزورُنا
لَهَا لُجَم من المنيّة عاطس
وَيُقَال للْمَوْت: لُجَم عَطُوسٌ، وَقَالَ رؤبة:
وَلَا يخَاف اللُجَم العَطُوسا
وَيُقَال: فلَان عَطْسة فلَان إِذا أشبهه فِي خَلْقه وخُلُقه. ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: العاطوس: دابَّة يُتشاءم بهَا. وَأنْشد غَيره لطَرَفة بن العَبْد:
لعمري لقد مرَّت عواطس جَمَّة
ومَرّ قُبيل الصُّبْح ظَبْي مصمَّعُ
سَطَعَ: يُقَال للصبح إِذا سَطَعَ ضوؤه فِي السَّمَاء: قد سَطَع يَسْطَع سُطُوعاً، وَكَذَلِكَ البَرْق يَسْطَع فِي السَّمَاء وَذَلِكَ إِذا كَانَ كذَنَب السرْحان مستطيلاً فِي السَّمَاء قبل أَن ينتشر فِي الأُفُق. وَمِنْه حَدِيث ابْن عبّاس حدّثناه ابْن هاجَك عَن عَليّ بن حُجْر عَن يزِيد بن هَارُون عَن هِشَام الدَّسْتَوائيّ عَن يحيى بن أبي كَثِير قَالَ: قَالَ ابْن عبّاس: (كلوا وَاشْرَبُوا مَا دَامَ الضَّوْء ساطعاً حَتَّى تعترض الْحمرَة فِي الأُفُق) ، ساطعاً أَي مستطيلاً. وسطع السهْم إِذا رُمِي بِهِ فشخص فِي السَّمَاء يلمع. وَقَالَ الشمَّاخ:
أرِقت لَهُ فِي الْقَوْم وَالصُّبْح سَاطِع
كَمَا سَطَع المِرِّيخ شَمَّره الغالي
ويروى: سمّره، ومعناهما: أرْسلهُ. وَيُقَال: سطعتني رائحةُ الْمسك إِذا طارت إِلَى أَنْفك. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: سطعت الرَّائِحَة إِذا فاحت. والسَّطْع: أَن تسطع شَيْئا براحتك أَو بإصبعك ضربا. وَقَالَ ابْن المظفر: يُقَال: سَمِعت لضربته سَطَعاً (مثقّلاً) يَعْنِي صَوت الضَّرْبَة. قَالَ: وَإِنَّمَا ثُقِّلت لِأَنَّهُ حِكَايَة وَلَيْسَ بنعت وَلَا مصدر. قَالَ: والحكايات يخالَف بَينهَا وَبَين النعوت أَحْيَانًا. قَالَ: وَيُقَال للظليم إِذا رفع رَأسه ومَدّ عُنُقه: قد سَطَع. وَقَالَ ذُو الرمَّة يصف الظليم:
يظلّ مختضِعاً يَبْدُو فتنكره
طوراً ويَسْطَع أَحْيَانًا فينتسِبُ
قَالَ: وظليم أسطع إِذا كَانَ عنقُه طَويلاً وَالْأُنْثَى سطعاء، فَيُقَال: سطِع سَطَعاً فِي(2/40)
النَّعْت، وَيُقَال فِي رَفعه عُنُقه: سَطَع يَسْطَع. أَبُو عبيد عَن أبي زيد: السِّطَاع: عَمُود من أعمدة الْبَيْت. وَقَالَ القُطَاميّ:
أَلَيْسُوا بالألى قَسَطوا جَمِيعًا
على النُّعْمَان وابتدروا السِّطَاعا
قلت: وَيُقَال للبعير الطَّوِيل: سِطَاع تَشْبِيها بسِطَاع الْبَيْت. وَقَالَ مُلَيح الهذَليّ:
وَحَتَّى دَعَا دَاعِي الْفِرَاق وأُدْنيتْ
إِلَى الحيّ نُوقْ والسِّطَاعُ المُحَمْلَجُ
وَقَالَ أَبُو زيد: السِّطَاع من سمات الْإِبِل فِي العُنق بالطول، فَإِذا كَانَ بالعَرْض فَهُوَ العِلاَط. وناقة مسطوعة وإبل مسطَّعة. وَقَالَ لَبيد:
مسطَّعَة الْأَعْنَاق بُلْقَ القوادم
والسِّطاع: اسْم جبل بِعَيْنِه. وَقَالَ صَخْر الغيّ:
فَذَاك السِّطاع خلافَ النِجَا
ء تحسبه ذَا طِلاء نتيفا
خلاف النِّجَاء أَي بعد السَّحَاب تحسبه جملا أجرب نُتِف وهُنِىء. اللحياني: خطيب مِسْطع ومِصْقع. وَأما قَوْلك: لَا أسطيع فالسين لَيست بأصلية وَقد خرّجته فِي بَاب أطَاع. وَفِي حَدِيث أم مَعْبد وصفتها الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت: وَكَانَ فِي عُنُقه سَطَع أَي طول، يُقَال: عُنُق سَطْعاء. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: العُنُق السطعاء: الَّتِي طَالَتْ وانتصبت علابِيُّها. ذكره فِي صِفَات الْخَيل.
وَفِي حَدِيث قيس بن طَلْق عَن أَبِيه أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (كلوا وَاشْرَبُوا وَلَا يَهيدَنَّكم الساطع المصعد، وكلوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يتبيّن لكم الْأَحْمَر) ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ فِي هَذَا الْموضع من نَحْو الْمشرق إِلَى الْمغرب عَرْضاً. قَالَ الشَّيْخ: وَهَذَا دَلِيل على أَن الصُّبْح الساطع هُوَ المستطيل. وَمِنْه عنق سطعاء إِذا طَالَتْ وانتصبت علابِيُّها. قَالَ ذَاك أَبُو عُبَيْدَة. قَالَ الشَّيْخ: وَلذَلِك قيل للعمود من أعمدة الْخِباء: سِطَاع، وللبعير الطَّوِيل: سِطَاع. وظليم أسطع: طَوِيل الْعُنُق.
سعط: السَّعُوط والنَّشُوع والنَشُوق فِي الْأنف. وَيُقَال للآنية الَّتِي يُسعط بهَا العليل: مُسْعُط بضمّ الْمِيم وَجَاء نَادرا مثل المُكْحُل والمُدُقّ والمُدْهُن والمُنْصُل: للسيف. ابْن السّكيت عَن أبي عَمْرو: لخَيْتَه ولخوته وألخيته إِذا سَعَطته. وَيُقَال: أسعطته، وَكَذَلِكَ وَجَرْته وأوجرته، فِيهَا لُغَتَانِ. وَيُقَال: نُشِعَ وأُنشِع. وأمّا النَّشُوق فَيُقَال فِيهِ: أنشقته إنشاقاً. وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: أسعطْته الرمحَ إِذا طعنه فِي أَنفه. وَقَالَ غَيره: يُقَال: أسعطته عِلْماً إِذا بالغت فِي إفهامه وتكرير مَا تُعلِّمه عَلَيْهِ. أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: السَّعِيط: الرّيح من الْخمر وَغَيرهَا من كل شَيْء. وَقَالَ ابْن السّكيت: وَيكون من الخَرْدل. وَقَالَ ابْن بُزُرْج يُقَال: سعطته وأسعطته.
الإياديُّ عَن شمر: تَقول: هُوَ طيّب السَّعُوط والسُّعَاط والإسعاط. وَأنْشد يصف إبِلا وَأَلْبَانهَا:
حَمْضيَّة طيّبة السُّعَاط
حدَّثنا السَّعْديّ عَن الزعفرانيّ قَالَ: حدّثنا(2/41)
سُفْيَان عَن الزهريّ عَن عبيد الله بن عبد الله بن عُتْبة بن مَسْعُود عَن أم قيس بنت مِحْصَن قَالَت: دخلت بِابْن لي على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد أعلقتُ من العُذْرة فَقَالَ: (علام تدغَرْنَ أَوْلَادكُنَّ عليكنّ بِهَذَا العُود الهنديّ فَإِن فِيهِ سبعةَ أشفية، يُسْعَط من العُذْرة، ويُلَدّ من ذَات الجَنْب) .
طسع: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: رجل طسِع وطزِع: لَا غَيْرة لَهُ. وَقَالَ ابْن المظفر مثله. وَقد طسِع طَسَعاً وطَزِع طَزَعاً. عَمْرو عَن أَبِيه: الطسِع والطزيع: الَّذِي يَرَى مَعَ أَهله رجلا فَلَا يغار لَهُ.
(بَاب الْعين وَالسِّين مَعَ الدَّال)
(ع س د)
عسد، عدس، سعد، سدع، دسع، دعس: مستعملات.
عسد: قَالَ ابْن المظفّر: العَسْد لُغَة فِي العَزْد، كالأسْد والأزْد. قلت: يُقَال: عَسَد فلَان جَارِيَته وعَزَدها عَصَدها إِذا جَامعهَا. وَقَالَ اللَّيْث: العِسْوَدّة: دويبة بَيْضَاء كَأَنَّهَا شحمة يُقَال لَهَا: بِنْت النَقَا تكون فِي الرمل يشبَّه بهَا بَنَات العَذَارَى، وَتجمع عساود وعِسْوَدَّات وَقَالَ ابْن شُمَيْل: العِسْوَدّ بتَشْديد الدَّال: العَضْرَفُوط. قلت: بِنْت النقا غير العضرفوط، لِأَن بِنْت النَقَا تشبه السَّمَكَة، والعضرفوط من العَظَاء وَلها قَوَائِم. وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العِسْوَدّ والعِرْبَدّ: الحَيَّة. قلت: وَقَالَ بَعضهم: العِسْوَدّ هُوَ البَبْر، وَأَنا لَا أعرفهُ.
عدس: أَبُو عبيد عَن الأمويّ: عَدَس يعدِس، وحَدَس يحدِس إِذا ذهب فِي الأَرْض. وَمن أَسمَاء الْعَرَب عُدَس وحُدَس. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العَدَس من الحُبُوب يُقَال لَهُ: العَلَس والعَدَس والبُلُس. وَقَالَ اللَّيْث: الحَبَّة الْوَاحِدَة عَدَسة. قَالَ: والعَدَسة: بَثْرة تخرج، وَهِي جِنْس من الطَّاعُون، وقلَّما يُسْلَم مِنْهَا. قَالَ: وعَدَسْ: زَجْر البَغْل، وناس يَقُولُونَ: حَدَسْ. قَالَ: وَزعم ابْن الأرقم أَن حدَسْ كَانُوا على عهد سُلَيْمَان بغَّالِين يَعْنَفُون على البِغال، وَكَانَ الْبَغْل إِذا سمع باسم حَدَس طَار فَرَقاً مِمَّا يَلْقى مِنْهُم، فلهج النَّاس بذلك، وَالْمَعْرُوف عِنْد النَّاس عَدَسْ. وَقَالَ ابْن مفرِّغ فَجعل البغلة نَفسهَا عَدَساً:
عَدَسْ مَا لعبَّاد عليكِ إِمَارَة
نجوتِ وَهَذَا تحملين طليق
وَقَالَ غَيره: سمَّت الْعَرَب الْبَغْل عَدَساً بالزجر وَسَببه لَا أَنه اسْم لَهُ. العَدُوس: الجَرِيئة. وَقَالَ جرير:
لقد ولَدَت غسَّانَ ثالبةُ الشَوَى
عَدُوس السُرَى لَا يقبل الكَرْمَ جِيدُها
الثالبة: المَعيبة. والعَدْس: الرَعْي.
عَدَسْت المالَ. والعَدْس: ضرب من السّير خَفِيف. وَمِنْه قَول الرَّاعِي:
مجسَّمة العِرنين منقوبة العَصَا
عَدُوس السُرَى باقٍ على الخَسْف عودُها
والعَدَسانُ والعِداس أَيْضا: السَيْر وَالْمَشْي السَّرِيع، قَالَ:(2/42)
مارِسْ فَهَذَا زمن المِرَاس
واعْدِس فَإِن الجَدّ بالعِدَاس
سعد: رُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يَقُول فِي افْتِتَاح الصَّلَاة: (لبَّيك وسَعْديك، وَالْخَيْر فِي يَديك، والشرّ لَيْسَ إِلَيْك) . قلت: وَهَذَا خبر صَحِيح، وحاجة أهل الْعلم إِلَى معرفَة تَفْسِيره ماسَّة. فَأَما لبَّيك فَهُوَ مَأْخُوذ من لَبَّ بِالْمَكَانِ وألَبَّ أَي أَقَامَ بِهِ، لَبّاً وإلباباً، كَأَنَّهُ يَقُول: أَنا مُقيم فِي طَاعَتك إِقَامَة بعد إِقَامَة، ومجيب لَك إِجَابَة بعد إِجَابَة. وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن الحَرّانيّ عَن ابْن السّكيت فِي قَوْله: (لبَّيك وَسَعْديك) ، تَأْوِيله إلباباً بعد إلباب أَي لُزُوما لطاعتك بعد لُزُوم، وإسعاداً لأمرك بعد إسعاد.
وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أَحْمد بن يحيى أَنه قَالَ: سَعْدَيك أَي مساعدة لَك ثمَّ مساعدة وإسعاداً لأمرك بعد إسعاد.
وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: معنى سعديك أسعدك الله إسعاداً بعد إسعاد. قَالَ: وَقَالَ الفرَّاء: لَا وَاحِد للبَّيك وَسَعْديك على صِحَة. قَالَ: وحنانيك: رَحِمك الله رَحْمَة بعد رَحْمَة. قلت: وأصل الإسعاد والمساعدة مُتَابعَة العَبْد أَمر ربّه. وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: كَلَام الْعَرَب على المساعدة والإسعاد، غير أَن هَذَا الْحَرْف جَاءَ مثنَّى على سَعْديك وَلَا فعل لَهُ على سَعَد. قلت: وَقد قرىء قَول الله جلّ وعزَّ: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ} (هود: 108) وَهَذَا لَا يكون إلاّ من سَعَده الله لَا من أسعده، وَبِه سُمّي الرجل مسعوداً. وَمعنى سَعَده الله وأسعده أَي أَعَانَهُ ووفَّقه. وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي طَالب النحويّ أَنه قَالَ: معنى قَوْلك لبَّيك وَسَعْديك أَي أسعدني الله إسعاداً بعد إسعاد. قلت: وَالْقَوْل مَا قَالَ أَبُو الْعَبَّاس وَابْن السّكيت، لِأَن العَبْد يُخَاطب ربَّه وَيذكر طَاعَته لَهُ ولزومه أمره، فَيَقُول: سعديك كَمَا يَقُول: لبَّيك أَي مساعدة لأمرك بعد مساعدة. وَإِذا قيل: أسعد الله العبدَ وسَعَده فَمَعْنَاه: وفَّقه الله لما يرضيه عَنهُ فيَسْعد بذلك سَعَادَة. وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (لَا إسعاد فِي الْإِسْلَام) . وتأويله أَن نسَاء أهل الْجَاهِلِيَّة كنّ إِذا أُصيبت إِحْدَاهُنَّ بمصيبة فِيمَن يَعِزُّ عَلَيْهَا بكته حولا، ويُسعدها على ذَلِك جاراتُها وَذَوَات قراباتها، فيجتمعن مَعهَا فِي عِداد النِّيَاحَة وأوقاتها ويتابعنها ويساعدنها مَا دَامَت تنوح عَلَيْهِ وتبكيه، فَإِذا أُصِيب صواحباتها بعد ذَلِك بمصيبة أسعدتهنّ بعد ذَلِك، فَنهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن هَذَا الإسعاد. والساعد ساعد الذِّرَاع وَهُوَ مَا بَين الزَنْدين والمِرْفَق، سمّي ساعداً لمساعدته الْكَفّ إِذا بَطَشَت شَيْئا أَو تناولته. وَجمع الساعد سواعد. وساعد الدَّرّ فِيمَا أَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: عِرْق ينزل الدَّر مِنْهُ إِلَى الضرْع من النَّاقة. وَكَذَلِكَ العِرْق الَّذِي يؤدّي الدَرّ إِلَى ثَدْي امْرَأَة يسمَّى ساعداً. وَمِنْه قَوْله:
ألم تعلمي أَن الْأَحَادِيث فِي غَد
وَبعد غَد يَا لُبْنَ ألْبُ الطرائد
وكنتم كأُمَ لَبَّةٍ ظَعَن ابنُها
إِلَيْهَا فَمَا درّت عَلَيْهِ بساعد
قَالَ: رَوَاهُ الْمفضل: طعن ابْنهَا بِالطَّاءِ أَي(2/43)
شخص بِرَأْسِهِ إِلَى ثَدْيها كَمَا يُقَال: طعن هَذَا الْحَائِط فِي دَار فلَان أَي شخص فِيهَا.
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو عَمْرو: السواعد مجاري الْبَحْر الَّتِي تَصُبّ إِلَيْهِ المَاء، وَاحِدهَا ساعد بِغَيْر هَاء، وَأنْشد شمر:
تأبّد لَأْيٌ منهمُ فعُتائدهْ
فذو سَلَم أنشاجُه فسواعدُهْ
والأنشاج أَيْضا: مجاري المَاء، وَاحِدهَا نَشَج. وساعدة من أَسمَاء الْأسد معرفَة لَا ينْصَرف، وَكَذَلِكَ أُسَامَة. وسَعِيد المزرعةِ نهرها الَّذِي يسقيها. وَقَالَ ابْن المظفَّر: السَعْد ضدّ النَحْس، يُقَال: يَوْم سَعْد ويومُ نَحْسٍ. قَالَ: وَأَرْبَعَة منَازِل من منَازِل الْقَمَر تسمَّى سُعُوداً، مِنْهَا سعد الذَّابِح وَسعد بُلَعَ وَسعد السُعُودِ وَسعد الأخبيةِ.
وَهَذِه كلهَا فِي بُرْجَيِ الدلْو والجَدْي. وَقَالَ ابْن كُناسة: سعد الذابِح: كوكبان متقاربان سمّي أَحدهمَا ذابحاً لِأَن مَعَه كوكباً صَغِيرا غامضاً يكَاد يلزَق بِهِ فَكَأَنَّهُ مكِبّ عَلَيْهِ يَذبحه والذابح أنور مِنْهُ قَلِيلا، قَالَ: وَسعد بُلَعَ: نجمان معترضان خفيّان. قَالَ أَبُو يحيى: وَزَعَمت الْعَرَب أَنه طلع حِين قَالَ الله عزّ وَجل: {ياَأَرْضُ ابْلَعِى مَآءَكِ وَياَسَمَآءُ أَقْلِعِى} (هود: 44) وَيُقَال: إِنَّمَا سمّي بُلَع لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ لقرب صَاحبه مِنْهُ يكَاد أَن يبلعه.
قَالَ: وَسعد السُّعُود: كوكبان، وَهُوَ أَحْمد السُّعُود وَلذَلِك أضيف إِلَيْهَا. وَهُوَ يُشْبه سعد الذَّابِح فِي مطلعه. وَسعد الأخبية: ثَلَاثَة كواكب على غير طَرِيق السُّعُود مائلة عَنْهَا، وفيهَا اخْتِلَاف وَلَيْسَت بخفيّة غامضة، وَلَا مضيئة منيرة. سميت سعد الأخْبِية لِأَنَّهَا إِذا طلعت خرجت حَشَرَاتُ الأَرْض وهَوَامُّها. من جِحَرتها، جُعِلت لَهَا كالأخبية. وفيهَا يَقُول الراجز:
قد جَاءَ سعد مُقبلا بحَرّه
راكدة جنودُه لشرّه
فَجعل هوامّ الأَرْض جنود السعد الأخبية وَهَذِه السُّعُود كلهَا يمانِيَة، وَهِي من نُجُوم الصَّيف وَهِي من منَازِل الْقَمَر تطلع فِي آخر الرّبيع وَقد سكنت ريَاح الشتَاء وَلم يَأْتِ سلطانُ ريَاح الصَّيف، فَأحْسن مَا تكون الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم فِي أَيَّامهَا، لِأَنَّك لَا ترى فِيهَا غَبَرة. وَقد ذكرهَا الذبياني فَقَالَ:
قَامَت تَرَاءَى بَين سِجْفَيْ كِلَّة
كَالشَّمْسِ يَوْم طُلُوعهَا بالأسعُد
والسُعُود مصدر كالسعادة؛ قَالَ:
إِن طول الْحَيَاة غير سُعود
وضلالاً تأميل نَيْل الخلود
وَفِي الْمثل:
أوردهَا سعد وَسعد مُشْتَمل
يضْرب مثلا فِي إِدْرَاك الْحَاجة بِلَا مشقَّة، أَي أوردهَا الشرِيعة ويوردها بِئْرا يحْتَاج إِلَى أَن يَستقي مِنْهَا بالدُلِيّ. وَمثله: أَهْون السَقْي التشريع. وَقَالَ ابْن المظفّر: يُقَال سعِد يَسْعد سَعْد أَو سَعَادَة فَهُوَ سعيد، نقيض شقِي. وَجمعه السعَداء. وَيُقَال: أسعده الله وأسعد جَدَّه. قلت: وَجَائِز أَن يكون سعيد بِمَعْنى مَسْعُود من سَعَده الله؛(2/44)
وَيجوز أَن يكون من سَعِد يَسْعَد فَهُوَ سعيد. والسَعْدانُ: نبت لَهُ شَوْك كَأَنَّهُ فَلْكة، يَسْلَنْقِي فتنظر إِلَى شوكه كالحاً إِذا يبِس، ومنبتِه سهولة الأَرْض. وَهُوَ من أطيب مرَاعِي الْإِبِل مَا دَامَ رَطْباً. وَالْعرب تَقول: أطيب الْإِبِل ألباناً مَا أكل السَعْدان والحُرْبُث. وخلَّط اللَّيْث فِي تَفْسِير السعدان، فَجعل الحَلَمة ثَمَر السعدان، وَجعل حَسَكاً كالْقُطب، وَهَذَا كُله غلط. القُطْب: شوك غير السعدان يشبه الحَسَك والسَعْدان مستدير شوكه فِي وَجهه. وأمَّا الحَلَمة فَهِيَ شَجَرَة أُخْرَى وَلَيْسَت من السَعْدان فِي شَيْء وَوَاحِدَة السَعْدان سَعْدانة. وسَعْدانة الثَدْي: مَا أطاف بِهِ كالفَلْكة. وَقَالَ أَبُو عبيد: العُقَد الَّتِي فِي أَسْفَل الموازين يُقَال لَهَا: السعدانات. قَالَ: والسَعْدانة: عُقْدة الشسْع ممَّا يَلِي الأَرْض والقِبالُ مثل الزِّمَام بَين الإصبع الْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِيهَا؛ قَالَ ذَلِك كُله الأصمعيّ. وَقَالَ أَبُو زيد: السَعْدانة أَيْضا كِرْكِرة الْبَعِير، سمّيت سَعْدانة لاستدارتها. والسعدانة: الحَمَامة أَيْضا. وسعدانة الإست: حِتَارها، وأمَّا قَول الهذليّ يصف الظليم:
على حَتّ البُرَاية زَمْخَرِيّ الس
وَاعد ظَلَّ فِي شَرْي طِوال
فقد قيل: سواعد الظليم: أجنحته؛ لِأَن جناحيه لَهُ كاليدين. وَقَالَ الباهليّ: السواعد: مجاري المُخّ فِي الْعِظَام. قَالَ: والزمخريّ من كل شَيْء: الأجوف مثل القَصَب، وَعِظَام النَعَام جُوف لَا مُخَّ فِيهَا. والحتّ السَّرِيع، والبُرَاية، البقيَّة، يَقُول: هُوَ سريع عِنْد ذهَاب بُرَايته أَي عِنْد انحسار لَحْمه وشحمه. وَقَالَ غَيره: الساعدة: خَشَبَة تُنْصَب لتمسِك البَكْرة. وَجَمعهَا السواعد. وَقَالَ الأصمعيُّ: السواعد: قَصَب الضَرْع. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: هِيَ الْعُرُوق الَّتِي يَجِيء مِنْهَا اللَّبن، شُبِّهت بسواعد الْبَحْر وَهِي مجاريها. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: السَعِيد: النَّهر وَجمعه سُعُد وَأنْشد:
وَكَأن ظُعْن الحيّ مُدْبِرة
نخل مَوَاقرُ بَينهَا السُعُد
قَالَ: السُعُد هَهُنَا: الْأَنْهَار وَاحِدهَا سعيد قَالَ: وَيُقَال لِلَبْنة الْقَمِيص سعيدة. والسُعْد: نبت لَهُ أصل تَحت الأَرْض أسود طيّب الرّيح. والسُعادَى: نبت آخر. وَقَالَ اللَّيْث: السُعادى: بنت السُعد. وَمن أَمْثَال الْعَرَب: مَرْعًى وَلَا كالسَعدان يُرِيدُونَ أَن السعدان من أفضل مراعيهم. والسُعُود فِي قبائل الْعَرَب كثير، وأكثرها عددا سعدُ بن زيد مَنَاة بن تَمِيم. وَمِنْهَا بَنو سعد بن بكر فِي قيس عَيْلان، وَمِنْهَا سعد هُذَيم فِي قُضاعة. وَمِنْهَا سعد العَشِيرة. وَبَنُو سَاعِدَة فِي الْأَنْصَار. وَمن أَسمَاء الرِّجَال سعد ومسعود وسَعِيد وأسعد وسُعَيد وسَعْدان. وَمن أَسمَاء النِّسَاء سُعَاد وسُعْدَى وسَعِيدة وسَعْدِيَّة وسُعَيْدة. وَمن أَسمَاء الرِّجَال مُسْعَدة. والسُعْد: ضرب من التَّمْر؛ قَالَ أَوْس:
وَكَأن ظُعْنَ الحيّ مُدْبرة
نخل بزارة حَمْلها السُعُد(2/45)
والسَعَادة: رُقعة تزاد فِي الدَلْو ليتَّسع ساعد المزادة. وتسمَّى زِيَادَة الخفّ وبنائق الْقَمِيص سَعَادَة. وَخرج الْقَوْم يتسعَّدون أَي يطْلبُونَ مراعيَ السعدان. والسَعْدانة: اللّحَمات النابتات من الْحلق. قَالَ:
جَاءَ على سعدانة الشَّيْخ المُكِلّ
يَعْنِي الفالوذ.
دعس: أَبُو عبيد: المَدَاعِس: الصُمُّ من الرماح قَالَ: وَيُقَال: هِيَ الَّتِي يُدْعَس بهَا. قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: المِدْعَس من الرماح: الغليظ الشَّديد الَّذِي لَا ينثني، وَقد دَعَسه بِالرُّمْحِ إِذا طعنه، ورُمْح مِدْعَس. وَقَالَ اللَّيْث: الدَّعْس شدّة الوَطْء. وَيُقَال: دَعَس فلَان جَارِيَته دَعْساً إِذا نَكَحَهَا. والمُدَّعَس: مُخْتَبَز المَلِيل وَمِنْه قَول الهذليّ:
ومُدَّعَسٍ فِيهِ الأنِيض اختفيته
بجرداء مثل الوَكْف يكبو غرابها
وَطَرِيق مِدْعاس ومدعوس، وَهُوَ الَّذِي دَعَسته القوائم ووطأته. وَقَالَ أَبُو عبيد: الدعْس: الأثَر. وَفِي (النَّوَادِر) : رجل دَعُوس وعَطوس وقَدُوس ودَقُوس، كل هَذَا فِي الاستقدام فِي الغَمَرات والحروب.
سدع: أهمله الثِّقَات. وَقَالَ اللَّيْث: رجل مِسْدَع: ماضٍ لوجهه، نحوُ الدَّلِيل المِسْدِع الْهَادِي. وَقَالَ ابْن دُرَيْد: السَدْع: صَدْم الشَّيْء الشيءَ، سَدَعه سَدْعاً. قَالَ: وسُدِع الرجل إِذا نُكب، لُغَة يَمَانِية. قلت: وَلم أجد لما قَالَ اللَّيْث وَابْن دُرَيْد شَاهدا من كَلَام الْعَرَب.
دسع: يُقَال: دَسَعَ فلَان بقَيْئه إِذا رَمَى بِهِ، ودسع البعيرُ بجرّته إِذا دَفعهَا بمرَّة إِلَى فِيهِ. وَقَالَ ابْن المظفر: المَدْسع: مَضِيق مَوْلِج المَرِيء وَهُوَ مَجْرَى الطعامِ فِي الحَلْق، ويسمَّى ذَلِك الْعظم الدَسِيع، وَهُوَ الْعظم الَّذِي فِيهِ التَرْقُوتان. وَقَالَ سَلاَمة بن جندل:
يُرْقَى الدسيعُ إِلَى هادٍ لَهُ تَلِعٍ
فِي جؤجؤ كَمَدَاك الطِيب مخضوب
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الدَّسِيع: حَيْثُ يَدْسع الْبَعِير بجِرَّته، وَهُوَ مَوضِع المرِيء من حَلْقه، والمَرِيء: مدْخل الطَّعَام وَالشرَاب. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الدَّسِيع: مَفْرِز العُنُق فِي الْكَاهِل وَأنْشد الْبَيْت. وَالْعرب تَقول: فلَان ضخم الدَّسيعة يُقَال ذَلِك للرجل الجَوَاد. وَقَالَ اللَّيْث: الدَّسِيعة: مائدة الرجل إِذا كَانَت كَرِيمَة. وَقيل معنى قَوْلهم: فلَان ضخم الدَّسِيعة أَي كثير العطيَّة. سُمِّيت دَسِيعة لدفع الْمُعْطِي إيّاها مرّة وَاحِدَة، كَمَا يَدْفَع البعيرُ جِرّته دَفْعة وَاحِدَة. والدَّسَائع: الرغائب الواسعة. وَفِي الحَدِيث: (إِن الله تبَارك وَتَعَالَى يَقُول يَوْم الْقِيَامَة: يَابْنَ آدم ألم أحْملك على الْخَيل، ألم أجعلك تَرْبَع وتَدْسع) تَرْبع: تَأْخُذ رُبُعَ الغَنيمة وَذَلِكَ من فعل الرئيس، وتَدْسَع: تُعْطى فتُجزل. وروى ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: قَالَ: الدَّسِيعة: الجَفْنة. وَقَالَ اللَّيْث: دَسَعْت الجُحْرَ إِذا أخذت دِسَاماً من خِرقة فسددته بِهِ. قَالَ اللَّيْث: دَسع البحرُ بالعنبر ودسر إِذا جمعه كالزَبَد ثمَّ يقذفه إِلَى نَاحيَة فَيُؤْخَذ(2/46)
وَهُوَ أَجود الطّيب. وناقة دَيْسَع: ضخمة كَثِيرَة الاجترار فِي سَيرهَا. قَالَ ابْن ميّادة:
حملتُ الْهوى والرَّحْل فَوق شِمِلَّة
جُمَاليَّة هوجاءَ كالفحل دَيْسَعِ
أَي لم تظهر لِأَنَّهَا خفيت فِي اللَّحْم اكتنازاً. والدَّسيع والدسيعة: العُنُق والقوّة قَالَ الْأَعْوَر:
رَأَيْت دسيعة فِي الرحل ينبي
على دِعَم مخوِّية الفِجَاج
الدِّعَم: القوائم، والفِجاج: مَا بَين قوائمه.
(بَاب الْعين وَالسِّين مَعَ التَّاء)
(ع س ت)
اسْتعْمل من وجوهها: تعس، تسع.
تسع: قَالَ اللَّيْث: التِّسْع والتِّسْعة من العَدَد يَجري وجوهُه على التَّأْنِيث والتذكير: تِسْعَة رجال وتسع نسْوَة. وَيُقَال: تسعون فِي مَوضِع الرّفْع وَتِسْعين فِي الجرّ وَالنّصب، وَالْيَوْم التَّاسِع وَاللَّيْلَة التَّاسِعَة، وتسع عشرَة مفتوحتان على كل حَال؛ لِأَنَّهُمَا اسمان جعلا اسْما وَاحِدًا فأُعطِيا إعراباً وَاحِدًا، غير أَنَّك تَقول: تسع عَشْرة امْرَأَة وَتِسْعَة عَشَر رجلا، قَالَ الله جلّ وَعز: {لِّلْبَشَرِ عَلَيْهَا تِسْعَةَ} (المدثر: 30) يَعْنِي: تِسْعَة عشر مَلَكاً. وَأكْثر القرّاء على هَذِه الْقِرَاءَة. وَقد قرىء: (تِسْعَة عْشر) بِسُكُون الْعين، وَإِنَّمَا أسكنها من أسكنها لِكَثْرَة الحركات. وَالتَّفْسِير أنّ على سَقَر تِسْعَة عشر مَلكاً. وَالْعرب تَقول فِي ليَالِي الشَّهْر: ثلاثٌ غُرَر، ولثلاث بعْدهَا: ثلاثٌ نفَل، ولثلاث بعْدهَا: ثلاثٌ تُسَع. سُمِّين تُسَعاً لِأَن آخِرتها اللَّيْلَة التَّاسِعَة، كَمَا قيل لثلاث بعْدهَا: ثلاثٌ عُشَر؛ لِأَن بادئتها اللَّيْلَة الْعَاشِرَة. أَبُو عبيد عَن أبي زيد قَالَ العَشِير والتَسِيع بِمَعْنى العُشْر والتُسْع. قَالَ شمر: وَلم أسمع تِسيع إلاّ لأبي زيد. وَيُقَال: كَانَ الْقَوْم ثَمَانِيَة فتَسَعْتُهم أَي صَيَّرْتهم تِسْعَة بنفسي، أَو كنت تاسعهم. وَيُقَال: هُوَ تَاسِع تسعةٍ وتاسعٌ ثَمَانِيَة. وتاسعُ ثمانيةٍ. وَلَا يجوز أَن تَقول: هُوَ تاسعٌ تِسْعَة وَلَا رابعٌ أَرْبَعَة، إِنَّمَا يُقَال: رَابِع أربعةٍ على الْإِضَافَة، وَلَكِنَّك تَقول: رابعٌ ثَلَاثَة. وَهَذَا قَول الفرّاء وغيرِه من الحُذّاق. وَيُقَال: تَسَعْت الْقَوْم إِذا أخذت تُسْع أَمْوَالهم أَو كنت تاسعهم، أتْسَعَهم بِفَتْح السِّين لَا غير فِي الْوَجْهَيْنِ. وَقَالَ اللَّيْث: رجل متَّسع وَهُوَ المنكمش الْمَاضِي فِي أمره، قلت لَا أعرف مَا قَالَ إِلَّا أَن يكون مفتعِلاً من السَعَة، وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَلَيْسَ من هَذَا الْبَاب.
وَفِي نُسْخَة من (كتاب اللَّيْث) : مُسْتَعٌ، وَهُوَ المنكمش الْمَاضِي فِي أمره. قَالَ: وَيُقَال: مِسْدَعٌ، لُغَة. قَالَ: وَرجل مِسْتَع أَي سريع. وَقَوله عزّ وجلّ: {وَلَقَدْءَاتَيْنَا مُوسَى تِسْعَءَايَاتٍ بَيِّنَاتٍ} (الْإِسْرَاء: 101) هُوَ: أخْذ آل فِرْعَوْن بِالسِّنِينَ، وَإِخْرَاج مُوسَى يَده بَيْضَاء، والعصا، وإرسال الله عَلَيْهِم الطوفان وَالْجَرَاد والقُمَّل والضفادع وَالدَّم، وانفلاق الْبَحْر. وَفِي حَدِيث ابْن عبّاس: (لَئِن بقِيت إِلَى قَابل لأصومَنَّ التَّاسِع) يَعْنِي: عَاشُورَاء، كَأَنَّهُ تأوّل فِيهِ عِشر الوِرْد(2/47)
أَنَّهَا تِسْعَة أيَّام. وَالْعرب تَقول: وَردت المَاء عِشْراً يعنون: يَوْم التَّاسِع. وَمن هَهُنَا قَالُوا: عِشرِين وَلم يَقُولُوا: عِشْرَيْنِ لِأَنَّهُمَا عِشْران وَبَعض الثَّالِث.
تعس: أَبُو عُبَيد عَن أبي عُبَيدة: تَعَسه الله وأتعسه فِي بَاب فَعَلت وأفعلت بِمَعْنى وَاحِد. وَقَالَ شمر فِيمَا أَخْبرنِي عَنهُ أَبُو بكر الإياديّ: لَا أعرف تَعَسه الله، وَلَكِن يُقَال: تَعِس بِنَفسِهِ وأتعسَه الله. قَالَ: وَقَالَ الفرّاء: يُقَال: تَعَستَ إِذا خاطبت الرجل، فَإِذا صرت إِلَى أَن تَقول: فَعَل قلت: تعِس بِكَسْر الْعين. قَالَ شمر: وَهَكَذَا سمعته فِي حَدِيث عَائِشَة حِين عَثَرت صاحبتها أمّ مِسْطح فَقَالَت: تعِس مِسْطَح. قَالَ: وَقَالَ ابْن شُمَيْل: تَعَسْت كَأَنَّهُ يَدْعُو على صَاحبه بِالْهَلَاكِ. قَالَ وَقَالَ بعض الكلابيّين: تعَس يتعَس تَعْساً وَهُوَ أَن يخطىء حُجَّته إِن خَاصم، وبُغْيَته إِن طَلَب وَقَالَ: تَعِس فَمَا انْتَعش، وشِيك فَمَا انتقش، أَبُو دواد عَن النَّضر قَالَ: تَعَس: هلك، والتَعْس: الْهَلَاك. ابْن الأنباريّ: قَالَ أَبُو الْعَبَّاس مَعْنَاهُ فِي كَلَامهم: الشرّ. وَقيل: التَعْس: الْبعد. وَقَالَ الرُسْتُمي: التَعْس: أَن يخِرّ على وَجهه، والنُكْس أَن يخِرّ على رَأسه. والتَعْس أَيْضا: الْهَلَاك. وَأنْشد:
وأرماحهم يَنْزَهْنَهُمْ نَهْزَ جُمَّة
يقلن لمن أدركن تَعْساً وَلَا لعا
وَقَالَ اللَّيْث: التَعْس: ألاَّ ينتعش من عَثْرته، وَأَن يُنكس فِي سَفَال. وَيَدْعُو الرجل على بعيره الجوادِ إِذا عثر فَيَقُول: تَعْساً، فَإِذا كَانَ غير جَوَاد وَلَا نجيب فعثَر قَالَ لَهُ: لَعاً. وَمِنْه قَول الْأَعْشَى:
بِذَات لَوث عَفَرْنَاةٍ إِذا عَثَرتْ
فالتَعْس أدنى لَهَا من أَن أَقُول لَعا
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَول الله جلّ وَعز: {كَفَرُواْ فَتَعْساً لَّهُمْ وَأَضَلَّ} (مُحَمَّد: 8) : يجوز أَن يكون نَصْباً على معنى: أتعسهم الله قَالَ: والتَعْس فِي اللُّغَة: الانحطاط والعثور. قَالَ أَبُو مَنْصُور وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن أبي الْهَيْثَم أَنه قَالَ: قَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء: تَقول الْعَرَب:
الوَقْس يُعدى فتعدّ الوَقْسا
من يَدْنُ للوَقْس يلاقِ تَعْسا
قَالَ: والوقْس: الجَرَب، والتَعْس الْهَلَاك. وتعدَّ أَي تجنَّب وتنكب. كُله سَوَاء) . ع س ظ ع س ذ ع س ث:
أهملت وجوهها.
(بَاب الْعين وَالسِّين مَعَ الرَّاء)
(س ع ر)
عسر، عرس، سرع، سعر، رسع، رعس: مستعملات.
عسر: قَالَ الله جلّ وعزّ: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} (الْبَقَرَة: 280) ، وَقَالَ الله جلّ وَعز: {ءَاتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ} (الطَّلَاق: 7) وَقَالَ: {ذِكْرَكَ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ} (الشَّرْح: 5) . والعُسْر: نقيض الْيُسْر. والعُسْرة: قِلّة ذَات الْيَد. وَكَذَلِكَ الْإِعْسَار. والعُسْرى: الْأُمُور الَّتِي تعسُر وَلَا تتيسّر، واليسْرى: مَا اسْتَيْسَرَ مِنْهَا. والعسرى: تَأْنِيث: الأعسر من الْأُمُور. ورُوي عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَرَأَ قَوْله جلّ(2/48)
وَعز: {ُذِكْرَكَ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ} {ِيُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} (الشَّرْح: 5، 6) . فَقَالَ: لَا يَغلب عُسْر يسرين. وَسُئِلَ أَبُو الْعَبَّاس عَن تَفْسِير قَول ابْن مَسْعُود ومرادِه من قَوْله فَقَالَ: قَالَ الفرّاء: الْعَرَب إِذا ذكَرت نكرَة ثمَّ أعادتها بنكرة مثلهَا صارتا ثِنْتَيْنِ، وَإِذا أعادتها بِمَعْرِِفَة فَهِيَ هِيَ. تَقول من ذَلِك: إِذا كسبت درهما فأنفِق درهما، فَالثَّانِي غير الأوّل، فَإِذا أعدته بِالْألف وَاللَّام فَهِيَ هِيَ. تَقول من ذَلِك: إِذا كسبت درهما فأنفِق الدِّرْهَم، فَالثَّانِي هُوَ الأول. قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: وَهَذَا معنى قَول ابْن مَسْعُود، لِأَن الله تَعَالَى لمّا ذكر (العُسر) ثمَّ أَعَادَهُ بِالْألف وَاللَّام عُلِم أَنه هُوَ، ولمّا ذكر (يسرا) بِلَا ألف وَلَام ثمَّ أَعَادَهُ بِغَيْر ألف وَلَام عُلِم أَن الثَّانِي غير الأول، فَصَارَ العُسْر الثَّانِي الْعسر الأول، وَصَارَ يسر ثَان غير يسر بَدَأَ بِذكرِهِ. وَيُقَال إِن الله جلّ وعزّ أَرَادَ بالعسر فِي الدُّنْيَا على الْمُؤمن أَنه يُبْدِله يسرا فِي الدُّنْيَا ويسراً فِي الْآخِرَة وَالله أعلم. وَقيل: لَو دخل الْعسر جُحْراً لدخل الْيُسْر عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أَن أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانُوا فِي ضِيق شَدِيد، فأعلمهم الله أنْ سيفتح عَلَيْهِم، فَفتح الله عَلَيْهِم الفُتُوح، وأبدلهم بالعُسر الَّذِي كَانُوا فِيهِ اليسْر وَقيل فِي قَوْله: {بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} (اللَّيْل: 7) أَي لِلْأَمْرِ السهل الَّذِي لَا يقدر عَلَيْهِ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ. وَقَوله: {بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} (اللَّيْل: 10) قَالُوا: العسرى: الْعَذَاب وَالْأَمر العسير. قلت: وَالْعرب تضع المعسور مَوضِع العُسْر، والميسورَ مَوضِع اليُسْر، وجُعِل الْمَفْعُول فِي الحرفين كالمصدر. وَيُقَال: أعْسر الرجلُ فَهُوَ مُعْسِر إِذا صَار ذَا عُسْرة وقِلَّة ذَات يَد. قَالَ: وعَسَرت الْغَرِيم أعسِره عَسْراً إِذا أَخَذته على عُسْرة وَلم تَرْفُق بِهِ إِلَى مَيسَرته. وَيُقَال: عَسُر الْأَمر يعسُر عُسْراً فَهُوَ عَسِير، وعَسِر يَعْسَر عَسَراً فَهُوَ عسِر. وَيَوْم عسير: ذُو عُسْر. قَالَ الله تَعَالَى فِي صفة يَوْم الْقِيَامَة: {ُالنَّاقُورِ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ} {ِعَسِيرٌ عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} (المدثر: 9، 10) . وَيُقَال: رجل أعْسر بيِّن العَسَر وَامْرَأَة عسراء إِذا كَانَت قوّتّهما فِي أشْمُلهما، وَيعْمل كل وَاحِد مِنْهُمَا بِشمَالِهِ مَا يعْمل غَيره بِيَمِينِهِ. وَيُقَال: رجل أعْسر يَسَر وَامْرَأَة عَسْراء يَسَرة إِذا كَانَا يعملان بأيديهما جَمِيعًا، وَلَا يُقَال: أعْسَر أيسر، وَلَا عسراء يَسراء للْأُنْثَى، وعَلى هَذَا كَلَام الْعَرَب. وَيُقَال من اليَسَر: فِي فلَان يَسَرة. وَيُقَال: بلغتُ معسور فلَان إِذا لم تَرْفُق بِهِ، وعسَّرت على فلَان الْأَمر تعسيراً. وَيُقَال: استعسرت فلَانا إِذا طلبت معسوره، واستعسر الأمرُ وتعسّر إِذا صَار عسيراً. وَقَالَ ابْن المظفّر: يُقَال للغَزْل إِذا الْتبس فَلم تقدر على تخليصه: قد تغسّر بالغين وَلَا يُقَال بِالْعينِ إلاَّ تجشُّماً. قلت: وَهَذَا الَّذِي قَالَه ابْن المظفر صَحِيح، وَكَلَام الْعَرَب عَلَيْهِ، سمعته من غير وَاحِد مِنْهُم، وَيَوْم أعْسر أَي مشئوم قَالَ مَعْقِل الْهُذلِيّ:
ورُحْنا بِقوم من بُدَالة قُرِّنوا
وظلّ لَهُم يَوْم من الشَّرّ أعسرُ
فسّر أَنه أَرَادَ بِهِ أَنه مشئوم. قَالَ: وَيُقَال:(2/49)
أعسرت المرأةُ إِذا عَسُر عَلَيْهَا وِلادها. وَإِذا دُعي عَلَيْهَا قيل: أعسرتْ وآنثتْ، وَإِذا دُعي لَهَا قيل: أَيسَرت وأذكرتْ أَي وضعت ذكرا وتيسّر عَلَيْهَا الوِلاد. وَقَالَ اللَّيْث: العَسِير: النَّاقة الَّتِي اعتاطت فَلم تَحمل سَنَتها، وَقد عَسُرت، وَأنْشد قَول الْأَعْشَى:
وعسير أدماء حادرة العي
ن خَنُوفٍ عَيْرانة شِملالِ
قلت: تَفْسِير اللَّيْث للعسير أَنَّهَا النَّاقة الَّتِي اعتاطت غير صَحِيح. والعَسِير من الْإِبِل عِنْد الْعَرَب: الَّتِي اعتُسِرت فرُكِبت وَلم تكن ذُلِّلت قبل ذَلِك وَلَا رِيضت. وَهَكَذَا فسّره الأصمعيّ فِيمَا رَوَى عَنهُ أَبُو عُبَيد. وَكَذَلِكَ قَالَ ابْن السكِّيت فِي تَفْسِير قَوْله:
وروحة دنيا بَين حَيّين رحتها
أسِيرُ عَسِيراً أَو عَروضاً أروضها
قَالَ: العَسِير: النَّاقة الَّتِي رُكبت قبل تذليلها، وَأما العاسرة من النوق فَهِيَ الَّتِي إِذا عَدَت رفَعَت ذَنَبها، وَتفعل ذَلِك من نشاطها، وَالذِّئْب يفعل ذَلِك. وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
إِلَّا عواسرُ كالقداح معيدةٌ
بِاللَّيْلِ مورد أيِّم متغضِّف
أَرَادَ بالعواسر: الذئاب الَّتِي تعسِل فِي عَدْوها وتكسّر أذنابها. وناقة عَوْسَرانية إِذا كَانَ من دأبها تكسير ذَنَبها ورفعُه إِذا عَدَت. وَمِنْه قَول الطِرِمَّاح:
عَوْسرانيّة إِذا انتفض الخِم
سُ نفاضَ الفَضِيض أيَّ انتفاضِ
الفضيض: المَاء السَّائِل، أَرَادَ أَنَّهَا ترفع ذَنَبها من النشاط وتعدو بعد عَطَشها وَآخر ظمئها فِي الخِمْس. وَزعم اللَّيْث أَن العَوْسَرانيّة والعَيْسَرانيّة من النوق: الَّتِي تُركَب من قبل أَن تُراض قَالَ: وَالذكر عَيْسُران وعَيْسَران، وَكَلَام الْعَرَب على غير مَا قَالَ اللَّيْث. وَقَالَ ابْن السّكيت: العَسْر: أَن تَعْسِر الناقةُ بذنبها أَي تشول بِهِ، يُقَال: عَسَرتْ بِهِ تعسِر عَسْراً. والعَسْر أَيْضا مصدر عَسَرته أَي أَخَذته على عُسْرة. قَالَ: والعُسْر بالضمّ من الْإِعْسَار وَهُوَ الضّيق. وَقَالَ الفرّاء: يَقُول الْقَائِل: كَيفَ قَالَ الله تَعَالَى: {بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} (اللَّيْل: 10) وَهل فِي العُسْرى تيسير. قَالَ الْفراء: وَهَذَا فِي جَوَازه بِمَنْزِلَة قَول الله تَعَالَى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (التَّوْبَة: 3) والبِشارة فِي الأَصْل تقع على المفرِّح السارّ. فَإِذا جمعت كلامين فِي خير وشرّ جَازَ التبشير فيهمَا جَمِيعًا. قلت: وتَقول قابِلْ غَرْب السانية لقائدها إِذا انْتهى الغَرب طالعاً من الْبِئْر إِلَى يَدي الْقَابِل وتمكّن من عَرَاقِيها: ألاَ ويَسّر السانية أَي اعطف رَأسهَا كَيْلا تجَاوز المَنْحاة فيرتفع الغَرْب إِلَى المَحَالة والمِحْور فيتخرَّق. ورأيتهم يسمّون عَطْف السانية تيسيراً، لِمَا فِي خِلَافه من التعسير، وَيُقَال: اعتسرت الكلامَ إِذا اقتضبته قبل أَن تزوّره وتهيئه. وَقَالَ الجعديّ:
فذَرْ ذَا وعَدِّ إِلَى غَيره
فشرّ الْمقَالة مَا يُعْتسَرْ
قلت: وَهَذَا من اعتسار الْبَعِير وركوبه قبل(2/50)
تذليله. وَيُقَال: ذهبت الْإِبِل عُسَاريَات وعُشَاريَات إِذا انتشرت وتفرّقت. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: جَاءُوا عُسَاريَات وعُسَارَى تَقْدِير سكارى أَي بَعضهم فِي إثْر بعض. وَقَالَ النَّضر فِي الحَدِيث الَّذِي جَاءَ: يعتسر الرجلُ من مَال وَلَده رَوَاهُ بِالسِّين وَقَالَ: مَعْنَاهُ: يَأْخُذ من مَاله وَهُوَ كَارِه، وَأنْشد:
إِن أصحُ عَن دَاعِي الْهوى المضِلِّ
صُحُوّ ناسي الشوق مستبِلّ
معتسِر للصُّرْم أَو مُدِلِّ
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: عَسَره وقَسَره وَاحِد. قَالَ: وعَسَرْت النَّاقة عَسْراً إِذا أَخَذتهَا من الْإِبِل. وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العُسُر: أَصْحَاب التبرية فِي التقاضي وَالْعَمَل. والمِعْسَر: الَّذِي يُقعّط على غَرِيمه. قَالَ: والعِسْرة: قَبيلَة من قبائل الجِنّ. قلت: وَقَالَ بَعضهم فِي قَول أبي أَحْمَر:
وفتيان كجِلّة آل عِسْر
إِن عِسْر قَبيلَة من الجنّ. وَقيل: عِسْر: أَرض يسكنهَا الجنّ. وعِسْر فِي قَول زُهَيْر: مَوضِع:
كَأَن عليهمُ بجُنُوب عِسْر
والعُسْر لُعْبة لَهُم: ينصبون خَشَبَة ثمَّ ترمى بخشبة أُخْرَى وتقلَع. قَالَ الأغرّ بن عُبَيد اليَشْكُريّ:
فَوق الحزامى ترتمين بهَا
كتخاذف الوِلْدان بالعُسْر
أَي تفعل مَنَاسمُ هَذِه النَّاقة بالحَصَى كَمَا تفعل الْولدَان بِهَذِهِ الْخَشَبَة. وعُقَاب عسراء: ريشها من الْجَانِب الْأَيْسَر أَكثر من الْأَيْمن. قَالَ سَاعِدَة:
وعمّى عَلَيْهِ الْمَوْت أنّي طَرِيقه
سِنِين كعسراء العُقَاب ومِنْهَبُ
أَي فرس. وَيُقَال: حَمَام أعْسر وعُقَاب عسراء: بجناحه من يسَاره بَيَاض.
عرس: رَوَى أَبُو عُبَيد فِي حَدِيث حسّان بن ثَابت أَنه كَانَ إِذا دُعِي إِلَى طَعَام قَالَ: (أَفِي خُرْس أَو عُرْس أَو إعْذار) . قَالَ أَبُو عبيد: قَوْله: فِي عُرْس أَي طَعَام الْوَلِيمَة. قلت: العُرْس: اسْم من إعراس الرجل بأَهْله إِذا بنى عَلَيْهَا وَدخل بهَا، وكل وَاحِد من الزَّوْجَيْنِ عَرُوس، يُقَال للرجل عَرُوس وللمرأة عروس كَذَلِك بغَيْرهَا، ثمَّ تسمى الْوَلِيمَة عُرْساً. وَالْعرب تؤنّث العُرْس، قَالَ ابْن السّكيت: تَقول: هَذِه عُرْس، والجميع الأعراس. وَأنْشد قَول الراجز:
إِنَّا وجدنَا عُرُس الحَنَّاط
مذمومةً لئيمة الحُوَّاط
تُدْعى مَعَ النَّسَّاج والخَيَّاط
وعِرْس الرجل: امْرَأَته. يُقَال: هِيَ عِرْسه وطَلَّته وقَعِيدته. ولَبُؤة الأسَد عِرْسه. والزوجان لَا يسميان عروسين إِلَّا أَيَّام البِناء واتّخاذ العُرْس. وَالْمَرْأَة تسمَّى عِرْس الرجل كلَّ وَقت. وَمن أَمْثَال الْعَرَب: لَا مَخْبَأ لعِطْر بعد عَرُوس. قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ المفضّل: عروس هَهُنَا اسْم رجل تزوّج امْرَأَة، فلمَّا هُدِيت إِلَيْهِ وجدهَا تَفِلة فَقَالَ: أَيْن عِطركِ فَقَالَت: خبأته، فَقَالَ: لَا مخبأ لِعطر بعد عروس. وَقيل: إِنَّهَا قالته بعد مَوته. وَيُقَال للرجل: هُوَ عِرْس(2/51)
امْرَأَته، وللمرأة: هِيَ عِرْسه. وَمِنْه قَول العجّاج:
أَزْهَر لم يُولد بِنَجْم نَحْس
أَنْجَب عِرْسٍ جُبلا وعِرْس
أَي أكْرم رجل وَامْرَأَة. ابْن الْأَعرَابِي: عَرُوس وعُرُوس، وَبَات عَذُوباً وعُذُوباً وسَدُوس وسُدُوس. وحدَّثنا مُحَمَّد بن إِسْحَاق قَالَ: حَدثنَا شُعَيْب بن أَيُّوب عَن نُمير بن عُبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (إِذا دعِي أحدكُم إِلَى وَلِيمَة عُرْس فليجِب) . قَالَ الْأَزْهَرِي: أَرَادَ طَعَام الرجل بأَهْله. وعِرّيسة الأسَد وعَرّيسه بِالْهَاءِ وَغير الْهَاء: مَأْوَاه فِي خِيسه. وَفِي حَدِيث عمر أَنه نَهَى عَن مُتْعة الحجّ وَقَالَ: قد علمت أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعله، وَلَكِنِّي كرهت أَن يظلّوا مُعْرِسين بهنّ تَحت الْأَرَاك ثمَّ يروحوا بِالْحَجِّ تقطُر رؤوسهم. وَقَوله: مُعْرِسين أَي مُلمّين بنسائهم وَهُوَ بِالتَّخْفِيفِ، وَهَذَا يدلُّ على أَن إِلْمَام الرجل بأَهْله يسمّى إعراساً أَيَّام بنائِهِ عَلَيْهَا وَبعد ذَلِك؛ لِأَن تمتّع الحاجّ بامرأته يكون بعد بنائِهِ عَلَيْهَا. وأمَّا التَّعْرِيس فَنومة الْمُسَافِر بعد إدلاجه من اللَّيْل، فَإِذا كَانَ وَقت السَّحَر أَنَاخَ ونام نومَة خَفِيفَة ثمَّ يثور مَعَ انفجار الصُّبْح سائراً. وَمِنْه قَول لَبِيد:
قَلَّما عرَّس حَتَّى هِجتُه
بالتباشير من الصُّبْح الأُوَلْ
وأنشدتني أعرابيَّة من بني نُمَير:
قد طلعت حَمْرَاء فَنْطَلِيسُ
لَيْسَ لرَكْب بعْدهَا تعريس
أَبُو عُبيد عَن الأصمعيّ: عَرِس الرجل وعَرِش بِالسِّين والشين إِذا بَطِر أَي بهت ودُهِش. قَالَ: وَقَالَ الأصمعيّ: الْبَيْت المعرَّس: الَّذِي عُمِل لَهُ عَرْس وَهُوَ الْحَائِط يَجْعَل بَين حائطي الْبَيْت لَا يُبْلَغ بِهِ أقصاه، ثمَّ يوضع الْجَائِز على طَرَف العَرْس الدَّاخِل إِلَى أقْصَى الْبَيْت وسُقِّف الْبَيْت كُله، فَمَا كَانَ بَين الحائطين فَهُوَ سَهْوة، وَمَا كَانَ تَحت الْجَائِز فَهُوَ المُخْدَع. أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر: عَرَسْت الْبَعِير عَرْساً وَهُوَ أَن تَشدَّ عُنُقه مَعَ يَدَيْهِ جَمِيعًا وَهُوَ بَارك، اسْم ذَلِك الحَبْل العِرَاس، فَإِذا شَدّ عُنقه إِلَى إِحْدَى يَدَيْهِ فَهُوَ العَكْس، وَاسم ذَلِك الحَبْل العِكَاس. وَيُقَال: عَرِس الرجلُ بِصَاحِبِهِ إِذا لزمَه، وعَرِس الصبيُّ بأمّه إِذا لَزِمَهَا، وعَرِس الشرُّ بَينهم إِذا لزِم ودام. قلت: وَرَأَيْت بالدَّهْنَى حِبَالاً من نُقْيان رمالها يُقَال لَهَا العرائس، وَلم أسمع لَهَا بِوَاحِد. وَابْن عِرْس: دُوَيْبة مَعْرُوفَة لَهَا نَاب. وَالْجمع: بَنَات عِرْس. والعِرْسِيّ: ضرب من الصِّبْغ كَأَنَّهُ شُبِّه لونُه بلون ابْن عِرْسٍ الدابّة. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: ابْن عِرْس معرفَة ونكرة. يُقَال: هَذَا ابْن عِرْس مُقبلا، وَهَذَا ابْن عِرْس آخرُ مقبل. قَالَ: وَيجوز فِي الْمعرفَة الرّفْع وَيجوز فِي النكرَة النصب. قَالَ ذَلِك كُله المفضّل وَالْكسَائِيّ. وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: اعترسوا عَنهُ أَي تفرّقوا. قلت: هَذَا حرف مُنكر لَا أَدْرِي مَا هُوَ. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العرّاس والمُعَرّس والمِعْرس: بَائِع الأعراس وَهِي الفُصْلان الصغار، وَاحِدهَا عُرْس وعَرْس. قَالَ:(2/52)
وَقَالَ أَعْرَابِي: بكم البَلْهاء وأعراسها أَي أَوْلَادهَا. قَالَ: والمِعْرس: السَّائِق الحاذق بالسياق، فَإِذا نَشِط الْقَوْم سَار بهم، وَإِذا كَسِلوا عرّس بهم. قَالَ: والمِعْرَس: الْكثير التَّزْوِيج. قَالَ: والعَرْس: الْإِقَامَة فِي الفَرَح. قَالَ: والعَرّاس: بَائِع العُرُس وَهِي الحبال وَاحِدهَا عِرَاس. قَالَ: والعَرس. عَمُود فِي وسط الفُسْطاط. والعَرْس: الحَبْل.
سعر: قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى حِكَايَة عَن قوم صَالح: {فَقَالُو صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 - اْ أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ إِنَّآ إِذاً لَّفِى ضَلَالٍ} (الْقَمَر: 24) قَالَ الْفراء: أَرَادَ بالسُّعُر: العَنَاء للعذاب. وَقَالَ غَيره فِي قَوْله: {نَّتَّبِعُهُ إِنَّآ إِذاً لَّفِى ضَلَالٍ} مَعْنَاهُ: إِنَّا إِذا لفي ضلال وجنون، يُقَال: نَاقَة مسعورة إِذا كَانَت كأنّ بهَا جنوناً. قلت: وَيجوز أَن يكون مَعْنَاهُ: إِنَّا إِن اتبعناه وأطعناه فَنحْن فِي ضلال وَفِي عَذَاب وعناء مِمَّا يُلزمنا، وَإِلَى هَذَا مَال الفرّاء وَالله أعلم. وَقَوله جلّ وَعز: {بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لاَِصْحَابِ} (الْملك: 11) أَي بُعْداً لأَصْحَاب النَّار، يُقَال: سَعَرت النَّار أسْعَرها سَعْراً إِذا أوقدتها، وَهِي مسعورة. وسَعَرت نَار الْحَرْب سَعْراً واستعرت النارُ إِذا استُوقِدت وَرجل مِسْعَر حربٍ إِذا كَانَ يؤرِّثها. والسَّعِير، النَّار نَفسهَا. وسُعَار النَّار: حَرّها. وَيُقَال للرجل إِذا ضربه السَّمُومُ فاستعرَ جوفُه: بِهِ سُعَار. وسُعَار الْعَطش: التهابه، وسُعَار الْجُوع: لهيبه، وَمِنْه قَول الشَّاعِر يهجو رجلا:
تُسمّنها بأخثر حَلْبتيها
ومولاك الأحم لَهُ سُعار
وَصَفه بتغريزه حلائبه وكَسْعه ضروعها بِالْمَاءِ الْبَارِد وليرتدّ لَبنهَا فَيبقى لَهَا طِرْقها، فِي حَال جوع ابْن عَمه الْأَقْرَب مِنْهُ. والأحمّ: الْأَدْنَى الْأَقْرَب، وَالْحَمِيم: الْقَرِيب القرابةِ. ومَساعر الْبَعِير: حَيْثُ يستعِر فِيهِ الجَرَب من الآباط والأرفاغ وأُمّ القُرَاد والمشافِر. وَمِنْه قَول ذِي الرمَّة:
قريع هجان دُسَّ مِنْهُ المساعر
وَالْوَاحد مَسْعَر. وَيُقَال: سُعِر الرجل فَهُوَ مسعور إِذا اشتدّ جوعُه أَو عطشه. وَقَالَ اللَّيْث: السُّعْرة فِي الْإِنْسَان: لون يضْرب إِلَى سَواد فويق الأُدْمة. وَقَالَ العجاج:
أَسعر ضَرْباً أَو طُوَالاً هِجْرَعا
وَيُقَال: سعِر فلَان يَسْعَر سَعَراً فَهُوَ أَسعر قَالَ: والسِّعْرارة: مَا تردّد فِي الضَّوْء السَّاقِط فِي الْبَيْت من الشَّمْس وَهُوَ الهَبَاء المنبثّ. وَيُقَال لما يحرّك بِهِ النَّار من حَدِيد أَو خشب: مِسْعَر ومِسعار. وَيُقَال: سعرْتُ الْيَوْم سَعْرة فِي حوائجي ثمَّ جِئْت أَي طُفت فِيهَا. وَقَالَ الأصمعيّ: المِسْعَر: الشَّديد فِي قَوْله:
وسامَى بهَا عُنُق مِسْعَرُ
وروى أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: المِسْعَر: الطَّوِيل. وَيُقَال: سَعَرتِ الناقةُ إِذا أسرعت فِي سَيرهَا، فَهِيَ سَعُور. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِي كتاب (الْخَيل) : فرس مِسْعَر ومُساعر، وَهُوَ الَّذِي تَطيح قوائمه متفرّقة وَلَا ضَبْر لَهُ. وَقَالَ ابْن السّكيت تَقول الْعَرَب: ضَرْب هَبْر، وَطعن نَتْر، ورَمْي سَعْر، مَأْخُوذ من سَعَرْت النارَ وَالْحَرب إِذا هيَّجتهما. وَإنَّهُ لمِسْعَر حَرْب أَي تُحمى بِهِ(2/53)
الْحَرْب. قَالَ: والسِّعْر من الأسعار وَهُوَ الَّذِي يقوم عَلَيْهِ الثّمن. وَفِي الحَدِيث أَنه قيل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَعِّر لنا فَقَالَ: (إِن الله هُوَ المسعّر) . وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال أَسعر وسعَّر بِمَعْنى وَاحِد. والساعورة كَهَيئَةِ التنّور يحفَر فِي الأَرْض يختبز فِيهِ، قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: وَقَالَ أَبُو زيد: السَّعَران: شدّة العَدْو، والجَمَرانُ: من الْجَمْر. والفَلَتان: النشيط وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: السُّعَيرة: تَصْغِير السَّعْرة وَهِي السُّعَال الحادّ. وَيُقَال: هَذَا سَعْرة الْأَمر وسَرْحته وفَوْعته أَي أوّله وحدَّته. أَبُو يُوسُف: استعر النَّاس فِي كل وَجه واستنْجوْا إِذا أكلُوا الرُطْب وأصابوه. قَالَ ابْن عَرَفَة: {الْمُجْرِمِينَ فِى ضَلَالٍ} (الْقَمَر: 47) أَي فِي أَمر نسعره أَي يُلْهبنا.
سرع: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: سَرِع الرجل إِذا أسْرع فِي كَلَامه وفعاله. وَقَالَ: سَرْعان ذَا خُرُوجًا وسُرْعان ذَا خُرُوجًا وسِرْعان ذَا خُرُوجًا. والضمّ أفصحها. وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال: سَرُع يَسْرُع سَرَعاً وسُرْعة فَهُوَ سريع. وَالْعرب تَقول: لسَرْعان ذَا خُرُوجًا بتسكين الرَّاء. وَيُقَال: لسَرُع ذَا خُرُوجًا بضمّ الرَّاء. وَرُبمَا أسكنوا الرَّاء فَقَالُوا: سَرْع ذَا خُرُوجًا، وَمِنْه قَول مَالك بن زُغْبة الْبَاهِلِيّ:
أنَوْراً سَرْع مَاذَا يَا فَرُوقُ
وحَبْلُ الْوَصْل منتكِث حَذِيقُ
أنوراً مَعْنَاهُ: أنِواراً يَا فَرُوق. وَقَوله: سَرُعْ مَاذَا أَرَادَ: سَرُع فخفَّف و (مَا) صلَة أَرَادَ: سَرُع ذَا نَوْراً. وسَرَعان النَّاس بِفَتْح الرَّاء: أوائلهم. وسَرَعان عَقَب المَتْنَين: شِبْه الخُضَل تخلَّص من اللَّحْم ثمَّ تُفتل أوتاراً للقِسيّ، يُقَال لَهَا السَّرَعان، سَمِعت ذَلِك من الْعَرَب. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: سَرَعان النَّاس محرك لمن يُسرع من الْعَسْكَر. وَقَالَ أَبُو زيد: وَاحِدَة سَرَعان العَقَب: سَرَعانة، وَكَانَ ابْن الْأَعرَابِي يَقُول: سَرْعان النَّاس: أوائلهم. وَقَالَ الْقطَامِي فِي لُغَة من يثقّل فَيَقُول: سَرَعان النَّاس:
وحسبُنا نَزَع الكتيبة غُدْوة
فيغيِّفون ونوجع السرَعانا
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: الأساريع: الطُّرَق الَّتِي فِي الْقوس واحدتها طُرْقة. وأساريع الرمل وَاحِدهَا أُسروع ويَسروع بِفَتْح الْيَاء وضمّ الْهمزَة، وَهِي ديدان تظهر فِي الرّبيع مخطَّطة بسواد وَحُمرَة، ويشبَّه بهَا بَنَان العَذَارَى. وَمِنْه قَول امرىء الْقَيْس:
وتعطو بِرَخْص غير شَثْن كَأَنَّهُ
أساريعُ ظَبْي أَو مساويك إسْحِل
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: أساريع العِنَب شُكُر تخرج فِي أصُول الحَبَلة. وَرُبمَا أُكلت حامضة رَطْبة. الْوَاحِدَة أُسروع.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: أُسروع الظبي: عَصَبة تَسْتبطِن يَده ورِجله. والسَّرْوَعة: النَّبَكة الْعَظِيمَة من الرمل، وَتجمع سَرْوَعات وسَرَاوِع وَيُقَال: أسْرع فلَان المشيَ وَالْكِتَابَة وَغَيرهمَا وَهُوَ فعل مجاوز. وَيَقُولُونَ: أسْرع إِلَى كَذَا وَكَذَا يُرِيدُونَ: أسْرع المضيَّ إِلَيْهِ، وسارع بِمَعْنى أسْرع، يُقَال ذَلِك للْوَاحِد، وللجميع: سارعوا. قَالَ الله جلّ وعزَّ: {ُأَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ} {ِنُسَارِعُ لَهُمْ فِى الْخَيْرَاتِ}(2/54)
(الْمُؤْمِنُونَ: 55، 56) مَعْنَاهُ: أيحسبون أَن إمدادنا لَهُم بِالْمَالِ والبنين مجازاةٌ لَهُم، وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاج من الله لَهُم. و (مَا) فِي معنى الَّذِي. أَرَادَ: أيحسبون أَن الَّذِي نَمدّهم بِهِ من مَال وبنين، وَالْخَبَر مَعَه مَحْذُوف، الْمَعْنى: نسارع لَهُم بِهِ. وَقَالَ الْفراء: خبر {أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ} قَوْله: {نُسَارِعُ لَهُمْ} وَاسم (أَن) : (مَا) بِمَعْنى الَّذِي. وَمن قَرَأَ: (يسارَع لَهُم فِي الْخيرَات) (فَمَعْنَاه: يسارَع بِهِ لَهُم فِي الْخيرَات فَيكون مثل {نسارِع. وَيجوز أَن يكون على معنى: أيحسبون إمدادنا يسارِع لَهُم فِي الْخيرَات، فَلَا يحْتَاج إِلَى ضمير، وَهَذَا قَول الزجّاج. وَقَالَ ابْن المظفّر: السَّرْع: قضيب سَنَةٍ من قضبان الكَرْم، وَالْجمع السُّرُوع. قَالَ: وَهِي تَسْرُع سُرُوعاً وهنّ سوارع والواحدة سارعة. قَالَ: والسَّرْع: اسْم الْقَضِيب من ذَلِك خاصّة. قَالَ: وَيُقَال لكل قضيب مَا دَامَ رَطْباً غضّاً: سَرَعْرَع، وَإِن أنَّثت قلت: سَرَعْرعة.
وَأنْشد:
أزمان إِذْ كنتُ كنعت الناعت
سَرَعْرعاً خُوطاً كغصن نابت
يصف عنفوان شبابه. قلت: والسَّرْغ بالغين: لُغَة فِي السَّرْع بِمَعْنى الْقَضِيب الرَطْب، وَهِي السُّرُوغ والسُّروع. الأصمعيّ: شبَّ فلَان شبَابًا سَرَعْرعاً. والسَرَعْرعة من النِّسَاء: الليّنة الناعمة.
وَفِي الحَدِيث أَن أحد ابْني رَسُول الله بَال فَرَأى بَوْله أساريع، والأساريع: الطرائق.
عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: أَبُو سَرِيع: هُوَ كُنْية النَّار فِي العَرْفَج. وَأنْشد:
لَا تعدِلنَّ بِأبي سريعِ
إِذا غَدَتْ نكباء بالصقيع
قَالَ: والصقيع: الثَّلج. والمِسْرع: السَّرِيع إِلَى خير أَو شرّ. فِي الحَدِيث: (فَأَخَذتهم من سَرْوَعَتين) ، السَّرْوعة: الرابية من الرمل. وَكَذَلِكَ الزَّرْوَحَةُ تكون من الرمل وَغَيره.
رعس: أهمله اللَّيْث، وَهُوَ مُسْتَعْمل. قَالَ أَبُو عَمْرو الشيبانيّ: الرَّعْس والرَّعَسان: رَجَفان الرَّأْس، وَقَالَ بعض الطائيين:
سَيعْلَمُ من يَنْوِي خِلابيَ أنني
أريب بِأَكْنَافِ البُضَيض حَبَلَّسُ
أَرَادوا خِلابي يَوْم فَيْدَ وقَرَّبوا
لِحى ورؤوساً للشَّهَادَة تَرْعَسُ
الحَبَلَّس والحَلَبَّس والحُلاَبس: الشجاع الَّذِي لَا يبرح مَكَانَهُ. وَأنْشد الباهليّ قَول العجاج يذكر سَيْفا يَهُذّ ضريبته هَذَّاً:
يُذْري بإرعاسِ يمينِ المؤتلي
خُضُمَّة الدارع هَذَّ المختلِي
قَالَ: يُذْري أَي يُطير، والإرعاس: الرجف، والمؤتلي: الَّذِي لَا يبلغ جهده. وخُضُمَّة كل شَيْء: معظمه. والدارع: الَّذِي عَلَيْهِ الدرْع. يَقُول: يقطع هَذَا السَّيْف مُعظم هَذَا الدارع، على أَن يَمِين الضَّارِب بِهِ تَرْجُف وعَلى أَنه غير مُجْتَهد فِي ضَرْبته. وَإِنَّمَا نعت السَّيْف بِسُرْعَة الْقطع. والمختلي: الَّذِي يحتشّ بِمِخلاه وَهُوَ مِحَشّه. وناقة راعوس: تحرّك رَأسهَا(2/55)
إِذا عَدَت من نشاطها. ورمح رَعُوس ورَعَّاس إِذا كَانَ لَدْن المهَزّ عَرّاصاً شَدِيد الِاضْطِرَاب. وَقَالَ أَبُو سعيد: يُقَال: ارتعس رَأسه وارتعش إِذا اضْطربَ وارتعد. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: المِرْعَس الرجل الْخَفِيف القَشَّاش. والقشاش: الَّذِي يلتقط الطَّعَام الَّذِي لَا خير فِيهِ من الْمَزَابِل.
رسع: فِي حَدِيث عبد الله بن عَمْرو أَنه بَكَى حَتَّى رسَعت عينه. قَالَ أَبُو عبيد: يَعْنِي: فسَدت وتغيرت. وَفِيه لُغَتَانِ: رَسَع ورَسَّع. وَرجل مرسِّع ومرسِّعة. وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
أيا هِنْد لَا تنكحي بُوهَة
عَلَيْهِ عقيقتُه أحسبا
مرسِّعة وسط أَرْبَاعه
بِهِ عَسَم يَبْتَغِي أرنبا
ليجعل فِي رِجله كعبها
حذار المنيَّة أَن يعطَبا
قَالَ: والمرسِّعة: الَّذِي فَسدتْ عينه، والبُوهة: الأحمق. وَقَوله:
حذار المنِيَّة أَن يعطبا
كَانَ حمقى الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة يعلِّقون كَعْب الأرنب فِي الرِّجْل وَيَقُولُونَ: إِن من فعل ذَلِك لم تصبه عين وَلَا آفَة. وَقَالَ ابْن السّكيت: الترسيع: أَن تخرق سَيْراً ثمَّ تُدخل فِيهِ سَيْراً كَمَا يُسَوّي سُيُور الْمَصَاحِف. وَاسم السّير المفعولِ بِهِ ذَلِك: الرَّسِيع وَأنْشد:
وَعَاد الرسيع نُهْية للحمائل
يَقُول: انكبَّت سيوفهم فَصَارَت أسافلها أعاليها. قلت: وَمن الْعَرَب من يَجْعَل بدل السِّين فِي هَذَا الْحَرْف الصَّاد فَيَقُول: هُوَ الرَّصِيع وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الرصائع: سيور مضفورة فِي أسافل الحمائل، الْوَاحِدَة رِصَاعة. ورَوَى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: المرسَّع: الَّذِي انسلقت عينه من السهر.
(بَاب الْعين وَالسِّين مَعَ اللَّام)
(ع س ل)
عسل، علس، سلع، سعل، لعس، لسع:} مستعملات.
عسل: قَالَ الله جلّ وَعز: {لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ} (مُحَمَّد: 15) فالعسل الَّذِي فِي الدُّنْيَا هُوَ لُعَاب النَّحْل. وَجعل الله بِلُطْفِهِ فِيهِ شِفَاء للنَّاس. وَالْعرب تسمّي صَمْغ العُرْفُط عَسَلاً لحلاوته وتسمِّي صَقْر الرُّطَب وَهُوَ مَا سَالَ من سُلاَفته عَسَلاً.
وَأَخْبرنِي عبد الْملك عَن الرّبيع عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ: عَسَل النَّحْل هُوَ الْمُنْفَرد بِالِاسْمِ دون مَا سواهُ من الحُلْو المسمَّى بِهِ على التَّشْبِيه. قَالَ: وَالْعرب تَقول للْحَدِيث الحُلْو: معسول. وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لامْرَأَة سَأَلته عَن زوج تزوَّجته لترجع بِهِ إِلَى زَوجهَا الأوّل الَّذِي طلَّقها فَلم ينتشر ذكره للإيلاج فَقَالَ لَهَا: (أَتُرِيدِينَ أَن تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعة؟ لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيلته وَيَذُوق عُسَيلتك) ، يَعْنِي جِمَاعهَا، لِأَن الْجِمَاع هُوَ المستحلَى من الْمَرْأَة. وَقَالُوا لكل مَا استحلَوْا: عَسَلٌ ومعسول، على أَنه(2/56)
يُسْتحلى استحلاء العَسَل. وَقَالَ غَيره فِي قَوْله: (حَتَّى تَذُوقِي عُسَيلته وَيَذُوق عُسَيْلتك) : إِن العُسَيلة: مَاء الرجل. قَالَ: والنطْفة تسمَّى العُسَيلة، رَوَى ذَلِك شمر عَن أبي عدنان عَن أبي زيد الأنصاريّ: قلت: وَالصَّوَاب مَا قَالَه الشَّافِعِي؛ لِأَن العُسَيلة فِي هَذَا الحَدِيث كِنَايَة عَن حلاوة الْجِمَاع الَّذِي يكون بتغييب الحَشَفة فِي فرج الْمَرْأَة، وَلَا يكون ذَوَاق العُسَيلتين مَعًا إِلَّا بالتغييب وَإِن لم يُنزِلا، وَلذَلِك اشْترط عُسَيلتهما. وأنَّث العُسَيلة لِأَنَّهُ شبَّهها بِقِطْعَة من العَسَل. وَهَذَا كَمَا تَقول: كنّا فِي لَحْمَة ونَبِيذة وعَسَلة أَي فِي قِطْعَة من كل شَيْء مِنْهَا. وَالْعرب تؤنّث العَسَل وتذكّره. قَالَ الشمَّاخ:
كَأَن عُيُون الناظرين تشوفها
بهَا عسل طابت يَدَاً من يشورُها
أَي تشوف العيونُ والأبصار بهَا هَذِه الْمَرْأَة. قَالَ ذَلِك ابْن السّكيت. والعَسَّالة: الخليَّة الَّتِي تسَوَّى للنحل من راقود وَغَيره فتعسِّل فِيهِ. يُقَال: عسّل النحلُ تعسيلاً. وَالَّذِي يَشتار الْعَسَل فَيَأْخذهُ من الخليَّة يسمَّى عاسلاً.
وَمِنْه قَول لبيد:
وأرْيِ دُبُورٍ شارَهُ النحلَ عاسلُ
وَمن الْعَرَب من يذكّر العَسَل، لُغَة مَعْرُوفَة. والتأنيث أَكثر. وعَسَل اللُبْنَى: صَمْغ يَسيل من شجر اللبنى لَا حلاوة لَهُ: يسمَّى عَسَل اللبنى. وحدّثنا الْحُسَيْن بن إِدْرِيس حَدثنَا عُثْمَان ابْن أبي شَيبة عَن زيد بن الحُبَاب عَن مُعَاوِيَة بن صَالح عَن عبد الرَّحْمَن بن جُبَيْر بن نُفَير عَن أَبِيه قَالَ: سَمِعت عَمْرو بن الحَمِق يَقُول: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِذا أَرَادَ الله بِعَبْد خيرا عَسَله) : قيل: يَا رَسُول الله وَمَا عَسَله؟ قَالَ: (يَفتح لَهُ عملا صَالحا بَين يَدي مَوته حَتَّى يرضى عَنهُ مَن حوله) . ورَوَى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: العَسَل: طِيب الثَّنَاء على الرجل. قَالَ: وَمعنى قَوْله: (إِذا أَرَادَ الله بِعَبْد خيرا عَسَله) أَي طيَّب ثناءه. وَقَالَ غَيره: معنى قَوْله: عَسَله أَي جعل لَهُ من الْعَمَل الصَّالح ثَنَاء طيّباً كالعَسَل؛ كَمَا يُعْسَل الطَّعَام إِذا جُعل فِيهِ العَسَل. يُقَال: عَسَلت الطعامَ والسَّوِيقَ أعْسِله وأعسُله إِذا جعلت فِيهِ عَسَلاً وطيَّبتْه وحلَّيته. وَيُقَال أَيْضا: عَسَلت الرجلَ إِذا جعلت أُدْمه العَسَل. وعسَّلت الْقَوْم بِالتَّشْدِيدِ إِذا زوّدتهم العَسَل. وَجَارِيَة معسولة الْكَلَام إِذا كَانَت حُلْوة الْمنطق مليحة اللَّفْظ طيّبة النَّغْمة. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: العَسَل: حَبَاب المَاء إِذا جرى من هبوب الرّيح. قَالَ: والعُسُل: الرِّجَال الصالحون. قَالَ: وَهُوَ جمع عاسل وعَسُول. قَالَ: وَهُوَ ممَّا جَاءَ على لفظ فَاعل وَهُوَ مفعول بِهِ. قلت: كَأَنَّهُ أَرَادَ: رجل عاسل: ذُو عَسَل أَي ذُو عمل صالحٍ، الثناءُ عَلَيْهِ بِهِ مستحلَى كالعسل. وَقَالَ الفرّاء: العَسِيل: مِكْنسة الطِّيب. والعَسِيل: الريشة الَّتِي تُقلع بهَا الغالية. والعَسِيل أَيْضا: قضيب الْفِيل وَجمعه كلّه عُسُل. وَأنْشد الفرّاء:(2/57)
فرِشْني بِخَير لَا أكونَنْ ومِدْحتي
كناحتِ يَوْمًا صخرةٍ بعَسِيل
قَالَ: أَرَادَ: كناحتٍ صَخْرَة بعسيل يَوْمًا، هَكَذَا أنْشد فِيهِ المنذريّ عَن أبي طَالب عَن أَبِيه عَن الفرّاء. وَمثله قَول أبي الْأسود:
فألفيتُه غير مستعتِب
وَلَا ذاكِر اللَّهَ إِلَّا قَلِيلا
قَالَ ابْن الأنباريّ: أَرَادَ: وَلَا ذاكرٍ الله، وَأنْشد الفرّاء أَيْضا:
ربّ ابْن عَم لسُلَيمى مشمعلّ
طبّاخ سَاعَات الْكرَى زادَ الكَسِل
أَبُو عبيد عَن أبي عُبَيْدَة قَالَ: رُمْح عاسل وعَسَّال: مضطرِب لَدْن، وَهُوَ العاتر، وَقد عَتَر وعَسَل.
وَقَالَ اللَّيْث: العَسِل: الرجل الشَّديد الضَّرْب السَّرِيع رَجْعِ الْيَد بِالضَّرْبِ. وَأنْشد:
تمشي موائلة وَالنَّفس تنذِرها
مَعَ الوبيل بكف الأهوج العسِل
فلَان أَخبث من أبي عِسْلة وَمن أبي رِعْلة وَمن أبي سِلعامة وَمن أبي مُعْطة كلّه الذِّئْب. وَيُقَال: عَسَل الذِّئْب يعسِل عَسْلاً وعَسَلاناً وَهُوَ سرعَة هِزّته فِي عَدْوه. وَقَالَ الجعديّ:
عَسَلانَ الذِّئْب أَمْسَى قارباً
بَرَد الليلُ عَلَيْهِ فنسَلْ
وَيُقَال: رجل عِسْل مَال كَقَوْلِك: إزَاء مَال وخال مَال. ابْن السّكيت يُقَال: مَا لفُلَان مَضْرِب عَسَلة يَعْنِي: أعراقه. وَقَالَ غَيره: أصل ذَلِك فِي سُؤر الْعَسَل ثمَّ صَار مثلا للْأَصْل والنسَب. وَيُقَال: بَسْلاله وعَسْلاً وَهُوَ اللَّحْي فِي الملام. شمر عَن أبي عَمْرو: يُقَال: عَسَلْت من طَعَامه عَسْلاً أَي ذقت. وَيُقَال: هُوَ على أعسال من أَبِيه وأعْسان أَي على أثَر من أَثَره، الْوَاحِد عِسْل وعِسْن. وَهَذَا عِسْل هَذَا وعِسْنه أَي مِثله. والعَسْل: الحَلْب بستّين، والفَطْر: الحَلْب بِثَمَانِينَ. والعواسل: الريَاح.
علس: أَخْبرنِي عبد الْملك عَن الرّبيع عَن الشَّافِعِي قَالَ: العَلَس: ضَرْب من الْقَمْح، يكون فِي الكمام مِنْهُ حبَّتان، يكون بِنَاحِيَة الْيمن. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العَدَس يُقَال لَهُ: العَلَس: أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: يُقَال للقُرَاد: العَلّ وَقَالَ شمر: والعَلُس مثلُه، وَجمعه أعلال وأعلاس. قَالَ أَبُو عبيد: وَقَالَ الْأمَوِي: مَا ذقت عَلُوساً. وَقَالَ الْأَحْمَر: مَا ذقت عَلُوساً وَلَا ألُوساً أَي مَا ذقت طَعَاما. ابْن السّكيت عَن الكِلاَبيّ قَالَ: مَا عَلَسْنا عِنْدهم عَلُوساً. وَقَالَ ابْن هانىء، مَا أكلت الْيَوْم عَلاَساً، وَقد عَلَسَتِ الإبلُ تعلِس إِذا أَصَابَت شَيْئا تَأْكُله. وَقَالَ اللَّيْث: العَلْس: الشُّرْب، يُقَال: عَلَس يَعْلِس عَلْساً. والعَلِيس: شِوَاء مَسْمون. قلت: العَلْس: الْأكل، وقلَّما يُتَكلّمِ بِهِ بِغَيْر حرف النَّفْي. وَأَخْبرنِي الإياديّ عَن شمر قَالَ: العَلَسيُّ الحَمل الشَّديد. وَأنْشد قَول المَرّار:
إِذا رَآهَا العَلَسيّ أبلسا
وعَلَّق الْقَوْم أداوَى يُبَّسا(2/58)
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: العَلَسِيّ: شَجَرَة المَقْرِ.
وَقَالَ أَبُو وَجْزة السعديّ:
كَأَنَّ النُّقْدَ والعَلَسيَّ أجنى
ونعَّم نبته وَاد مطيرُ
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: العَلِيس: الشوَاء المنضَج.
وَقَالَ ابْن السّكيت عَن الكلابيّ: رجل مجرَّس ومُعَلَّس ومنقَّح ومقلَّح أَي مجرَّب.
لعس: فِي حَدِيث الزبير أَنه رأى فِتْية لُعْساً فَسَأَلَ عَنْهُم فَقيل: أمّهم مولاة للحُرَقة وأبوهم مَمْلُوك فَاشْترى أباهم وَأعْتقهُ فجرّ وَلاَءهم. قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْأَصْمَعِي: اللُّعْس: الَّذين فِي شفاههم سَواد، وَهُوَ ممّا يُستحسن. يُقَال مِنْهُ: رجل ألعس وَامْرَأَة لعساء والجميع مِنْهُمَا لُعْس. وَقد لعِس لَعَساً. وَأنْشد لذِي الرمَّة:
لمياء فِي شفتيها حُوَّة لَعَسٌ
وَفِي اللِّثَات وَفِي أنيابها شَنَبُ
قلت: قَوْله: رأى فتية لُعْساً لم يُرَدْ بِهِ سَواد الشّفة خاصَّة، إِنَّمَا أَرَادَ لَعَس ألوانِهم. سَمِعت الْعَرَب تَقول: جَارِيَة لَعْساء إِذا كَانَ فِي لَوْنهَا أدنى سَواد فِيهِ شُرْبة حمرَة لَيست بالناصعة، وَإِذا قيل: لعساء الشَّفَة فَهُوَ على مَا قَالَ الأصمعيّ. وَقد قَالَ العجاج بَيْتا دلَّ على أَن اللعَس يكون فِي بَشَرة الْإِنْسَان كلّها فَقَالَ:
وبَشَرٍ مَعَ الْبيَاض ألعسا
فَجعل البَشَر ألْعس، وَجعله مَعَ الْبيَاض لما فِيهِ من شُرْبة الْحمرَة. وَقَالَ اللَّيْث: رجل متلعّس: شَدِيد الْأكل. قَالَ: واللَّعْوَس: الأكُول الْحَرِيص. قَالَ: وَيُقَال للذئب: لَعْوَس ولَغْوس وَأنْشد لذِي الرمَّة:
وماءٍ هتكتُ اللَّيْل عَنهُ وَلم يَرِد
روايا الْفِرَاخ والذئابُ اللغاوس
قَالَ: ويروى: اللعاوس. قلت: ورَوَى أَبُو عُبيد عَن الفرّاء: اللغْوَس بالغين: الذِّئْب الْحَرِيص الشرِه. قلت: وَلَا أنكر أَن يكون الْعين فِيهِ لُغَة. وَقَالَ النَّضر: مَا ذقت لَعُوساً أَي شَيْئا. قَالَ الْأَصْمَعِي: مَا ذقت لَعُوقاً مثله. وَقَالَ غَيره: اللَّعْس: العضّ، يُقَال: لَعَسني لَعْساً أَي عضَّني، وَبِه سمّي الذِّئْب لَعْوَسَاً.
لسع: قَالَ ابْن المظفر: اللَّسْع للعقرب. قَالَ: وَيُقَال للحيَّة: تَلْسَع. قَالَ: وَزعم أَعْرَابِي أَن من الحيَّات مَا يلسع بِلِسَانِهِ كلَسْع حُمَة الْعَقْرَب، وَلَيْسَت لَهُ أَسْنَان. قَالَ: وَيُقَال: لَسَع فلَان فلَانا بِلِسَانِهِ إِذا قرضه، وَإِن فلَانا للُسَعة أيْ قرَّاضة للنَّاس بِلِسَانِهِ. قلت: والمسموع من الْعَرَب أَن اللسع لذوات الإبَر من العقارب والزنابير. فأمَّا الحيَّات فَإِنَّهَا تنهش وتَعَضّ وتَخْدِب وتَنْشِطُ. وَيُقَال للعقرب: قد لَسَعَتْه وأَبَرَتْه وَوَكَعَتْه وكَوَتْه. لَسَع فِي الأَرْض ومَصَع: ذهب. واللَّسُوع: الْمَرْأَة الفارك. والمُلْسِع: المُغْرِي بَين الْقَوْم. والملسِّعة: الْمُقِيم الَّذِي لَا يبرح، كَأَنَّهُ يلسع أَصْحَابه لثقله.
سلع: أَبُو عبيد عَن الأصمعيّ: السَلَع: شجر مُرّ. وَقَالَ بِشْر:
يسومون الصِّلاح بِذَات كَهْف
وَمَا فِيهَا لَهُم سَلَع وقار(2/59)
وَكَانَت الْعَرَب فِي جَاهِلِيَّتهَا تَأْخُذ حَطَب السَّلَع والعُشَر فِي المجاعات وقُحُوط الْمَطَر فتوقِر ظُهُور الْبَقر مِنْهَا ثمَّ تُلْعِج النارَ فِيهَا، يستمطرون بلهَب النَّار المشبّه بسنا البَرْق. وَأَرَادَ الشَّاعِر هَذَا الْمَعْنى بقوله:
سَلَع مّا وَمثله عُشَر مّا
عائلاً مّا وعالت البَيْقورا
والسُّلُوع: شُقُوق فِي الْجبَال، وَاحِدهَا سَلْع وسِلْع. وَيُقَال: سَلَعْت رَأسه أَي شججته قَالَ ذَلِك أَبُو زيد. وَقَالَ شمر: السَّلْعة: الشَّجَّة فِي الرَّأْس كائنة مَا كَانَت. يُقَال: فِي رَأسه سَلْعتان وَثَلَاث سَلَعات، وَهِي السِّلاَع. وَرَأس مسلوع ومُنْسَلِع. وأمّا السِّلْعة بِكَسْر السِّين فَهِيَ الجَدَرة تخرج بِالرَّأْسِ وَسَائِر الْجَسَد، تمور بَين الجِلْد وَاللَّحم، ترَاهَا تَدِيص دَيَصاناً إِذا حرّكتها. والسِّلْعة وَجَمعهَا السِلَّع كل مَا كَانَ مَتْجوراً بِهِ. والمُسْلِع: صَاحب السِّلْعة. وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال للدليل الْهَادِي: مِسْلع. وَأنْشد بَيْتا للخنساء:
سبَّاق عَادِية وَرَأس سَرِيَّة
ومُقاتل بَطَل وهاد مِسْلع
ابْن شُمَيْل: قَالَ رجل من الْعَرَب: ذهبت إبلي فَقَالَ رجل: لَك عِنْدِي أسْلاعها أَي أَمْثَالهَا فِي أسنانها وهيئاتها. وَهَذَا سِلْع أَي مِثله. وَيُقَال: تزلّعت رِجْله وتَسَلَّعت إِذا تشقَّقت. وسَلْع: مَوضِع يقرب من الْمَدِينَة. وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
لعمرك إِنَّنِي لأحبّ سَلْعاً
أَبُو عَمْرو: هَذَا سِلْع هَذَا أَي مِثلُه وشَرْواه. وَيُقَال: أَعْطِنِي سِلْع هَذَا أَي مثلَ هَذَا. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الأسلع: الأبرص. قَالَ: والسَّوْلع: الصَّبِر المُرّ. والصولع: السِّنان المجلوّ. أسلاع الْفرس: مَا تفلّق من اللَّحْم عَن نَسَبيها إِذا استخفَّت سِمَناً. وَقَوله:
أجاعل أَنْت بيقوراً مسلَّعة
ذَريعة لَك بَين الله والمطر
يَعْنِي الْبَقر الَّتِي كَانَ يُعْقَد فِي أذنابها السَّلَع عِنْد الجَدْب.
سعل: روى ابْن عُيَينة عَن عَمْرو عَن الْحسن بن مُحَمَّد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا صَفَر وَلَا هَامة وَلَا غُول وَلَكِن السعالَى) .
قَالَ شمر فِيمَا قَرَأت بِخَطِّهِ: قد فسّروا السعالى: الغِيلان وَذكرهَا الْعَرَب فِي أشعارها. قَالَ الْأَعْشَى:
ونساءٍ كأنهن السعالى
قَالَ: وَقَالَ أَبُو حَاتِم: يُرِيد: فِي سوء حالهن حِين أُسِرن. وَقَالَ لَبيد يصف الْخَيل:
عَلَيْهِنَّ وِلدان الرِّجَال كَأَنَّهَا
سعالَى وعِقبان عَلَيْهَا الرحائل
وَقَالَ جِرَان العَوْد:
هِيَ الغول والسِّعلاة حلْقِيَ مِنْهُمَا
مُخَدّشُ مَا بَين التراقِي مكَدّح
وَقَالَ بعض الْعَرَب: لم تصف العربُ بالسعلاة إلاّ الْعَجَائِز وَالْخَيْل. قَالَ شمر: وشبَّه ذُو الإصبع الفرسان بالسعالى فَقَالَ:
ثمَّ انبعثنا أُسُود عَادِية
مثل السعالى نقائبا نُزُعا(2/60)
فَهِيَ هَهُنَا الفرسان. وَقَالَ بَعضهم: السعالِيَ من أَخبث الغِيلان. وَيُقَال للْمَرْأَة الصخَّابة: قد استسعلت. وَقَالَ أَبُو عدنان: إِذا كَانَت الْمَرْأَة قبيحة الْوَجْه سيِّئة الْخُلُق شُبِّهت بالسِّعْلاة. وَقيل: السِّعْلاة هِيَ الْأُنْثَى من الغيلان، وَتجمع سعالِيَ وسِعْلَيات، وَقَالَ أَبُو زيد: مثل قَوْلهم: استسعلت الْمَرْأَة قَوْلهم. عَنْزٌ نَزَت فِي جبل فاستَتْيَسَتْ، ثمَّ من بعد استتياسها استعْنَزت، وَمثله: إِن البغاث بأرضنا يستَنْسِر واستنوق الْجمل. وَقد استسعلت الْمَرْأَة إِذا صَارَت كَأَنَّهَا سِعْلاة خَبْثاً وسَلاَطة؛ كَمَا يُقَال: استأسد الرجل واستكلبت الْمَرْأَة. وَيُقَال: سَعَل الْإِنْسَان يَسْعل سُعَالاً وسَعَل سُعْلة. وَيُقَال: بِهِ سُعَال ساعل؛ كَقَوْلِهِم: شغل شاغل وَشعر شَاعِر. والساعل الْفَم فِي بَيت ابْن مقبل:
على إِثْر عجَّاج لطيفٍ مصيرُه
يمجُّ لُعَاعَ العَضْرَس الجَوْنِ ساعلُهْ
أَي فَمه لِأَن الساعل بِهِ يسعل. أَبُو عُبَيْدَة: فرس سَعِل زعِل أَي نشيط، وَقد أسعله الْكلأ وأزعله بِمَعْنى وَاحِد. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: السَعَل: الشيص الْيَابِس.
(بَاب الْعين وَالسِّين مَعَ النُّون)
(ع س ن)
عسن، عنس، سنع، سعن، نسع، نعس: مستعملات.
عسن: أَبُو عبيد عَن الْفراء قَالَ: إِذا بقيتْ من شَحم النَّاقة ولحمها بقيَّة فاسمها الأُسْن والعُسْن وجمعهما آسان وأعسان، وناقة عاسنة: سَمِينَة. ونوق مُعْسِنات: ذَوَات عُسْن. وَقَالَ الفرزدق:
فَخُضْتُ إِلَى الأنقا مِنْهَا وَقد يَرَى
ذَات النقايا المُعْسِناتُ مكانيا
أَبُو عَمْرو: أعسن إِذا سمن سِمَناً حسنا. وَقَالَ: العَسَن: الطول مَعَ حسن الشّعْر وَالْبَيَاض. وَيُقَال: هُوَ على أعسان من أَبِيه وآسان. وَقد تعسَّن أَبَاهُ وتأسَّنه وتأسَّله إِذا نزع إِلَيْهِ فِي الشَّبَه، قَالَ ذَلِك اللحياني وَغَيره.
وَقَالَ اللَّيْث: العَسَن: نجوع العَلَف والرعْي فِي الدوابّ. تَقول: عَسِنَت الْإِبِل عسنَاً إِذا نجع فِيهَا الْكلأ وسمِنت. والعَسِن مثل الشكُور. والعَسْن: مَوضِع مَعْرُوف. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: العُسُن جمع أعسن وعَسُون وَهُوَ السمين. وَيُقَال للشحمة: عُسْنة وَجَمعهَا عُسَن. وَقَالَ أَبُو تُرَاب: سَمِعت غير وَاحِد من الْأَعْرَاب يَقُول: فلَان عِسْل مَال وعسنُ مَال: إِذا كَانَ حسن الْقيام عَلَيْهِ. التعسين: خفّة الشَّحْم من الجَدْب وقلّة الْمَطَر وكلأ معسَّن قَالَ الراجز:
نِعْمَ قريعُ الشَّوْل فِي التعْسين
وَيُقَال: التعسين: الشتَاء. وأعسنت الناقةُ: حملت العُسْن وأعسنها الجَدْب: ذهب بعُسْنها وشحمها. وَهَذَا كَمَا يُقَال: قذّيت الْعين: أخرجت قذاها، وأقذيتها: ألقيت فِيهَا القَذَى.
عنس: العَنْس: النَّاقة الصُّلْبة، وَقَالَ اللَّيْث: تسمَّى عَنْساً إِذا تمَّت سِنّها واشتدَّت قُوَّتها ووَفَر عظامُها وأعضاؤها. قَالَ: واعنونس(2/61)
ذَنَب النَّاقة، واعنيناسه: وفور هُلْبه وطولُه. وَقَالَ الطرمَّاح يصف ثوراً وحشياً:
يمسحُ الأَرْض بمعنونِس
مثل مِثلاة النِّيَاح الْقيام
أَي بذنَب سابغ. أَبُو عبيد عَن أبي زيد: العانس: الْمَرْأَة الَّتِي تُعَجِّز فِي بَيت أَبَوَيْهَا لَا تتَزَوَّج، وَقد عَنَست تَعْنُس عُنُوساً.
وَقَالَ الأصمعيّ: لَا يُقَال: عَنَست وَلَا عَنَّست وَلَكِن يُقَال: عُنِّست فَهِيَ مُعَنَّسة. وَفِي الحَدِيث أَن الشّعبِيّ أَو غَيره من التَّابِعين سُئِلَ عَن الرجل يدْخل بِالْمَرْأَةِ على أَنَّهَا بِكر فَيَقُول: لم أَجدهَا عَذراء، فَقَالَ: إِن العُذْرة يُذهبها التعنيس والحَيضة. وتُجمع العانس عُنّساً وعوانس. وَيُقَال للرجل إِذا طعن فِي السنّ وَلم يتزوّج: عانس أَيْضا، والجميع العانسون وَمِنْه قَول الشَّاعِر:
منا الَّذِي هُوَ مَا إِن طَرّ شارُبه
والعانسون وَمنا المُرْدُ والشيبُ
وَقَالَ اللَّيْث: عَنَست الْمَرْأَة عُنُوساً إِذا صَارَت نَصَفاً وَهِي بِكر لم تتزوّج. وعنّسها أَهلهَا إِذا حبسوها عَن الْأزْوَاج حَتَّى جَاوَزت فَتاء السنّ ولمَّا تُعَجِّز فَهِيَ معنَّسة. وَتجمع مَعَانس ومعنَّسات. وعَنْس: قَبيلَة من الْيمن.
وَقَالَ غَيره: أعنس الشيبُ رأسَه إِذا خالطه. وَقَالَ أَبُو ضَبّ الهذليّ:
فَتى قَبَلا لم يُعْنِس الشيبُ رَأسه
سوى خُيُط كالنَّور أشرقن فِي الدُجَى
روى المبرّد: لم تَعْنُس السنّ وَجهه، وَهُوَ أَجود. وناقة عانسة وجمل عانس: سمين تامّ الخَلْق. وَقَالَ أَبُو وَجْزة السعديّ:
بعانسات هُزِمات الأزْمَل
جُشّ كبحريّ السَّحَاب المُخْيِل
عَمْرو عَن أَبِيه: العُنُس: المَرَايا، وَاحِدهَا عِنَاس للمرآة. قَالَ: وعَنَست الْمَرْأَة وعَنِست وعَنّست وأعْنست وتأطَّرت إِذا لم تُزوَّج. وَقَالَ ابْن السكّيت: يُقَال: رجل عانس وَامْرَأَة عانس وَقد عَنَست تَعْنُس عِنَاساً.
سنع: أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: السَّنِيع: الحَسَن. وَقَالَ شمر: أهْدى أعرابيّ نَاقَة لبَعض الْخُلَفَاء فَلم يقبلهَا فَقَالَ: لم لَا تقبلهَا وَهِي حَلْبانة رَكْيانة مِسناع مرباع. قَالَ المِسناع: الْحَسَنَة الخَلْق. والمرباع: الَّتِي تبكّر فِي الِلقاح. وَرَوَاهُ الأصمعيّ: إِنَّا مِسْياع مِرْياع. قَالَ: والمِسياع: الَّتِي تحمل الضَيْعة وسوءَ الْقيام عَلَيْهَا. والمِرْياع: الَّتِي يسافَر عَلَيْهَا ويعاد. وَهَذَا فِي رِوَايَة الأصمعيّ. وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: السَّنَع: الجَمَال. وَقَالَ: الْإِبِل ثَلَاثَة فَذكر السانعة. عَمْرو عَن أَبِيه: أسنع الرجل إِذا اشْتَكَى سِنْعه أَي سِنْطَه وَهُوَ الرُسْغ. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: السِّنْع: الحَزّ الَّذِي فِي مَفْصِل الكفّ والذراع. وَقَالَ اللَّيْث: السِّنْع: السُلاَمى الَّذِي يصل بَين الْأَصَابِع والرسغ فِي جَوف الكفّ، والجميع: الأسناع والسِّنَعة. والسَّنَائع: الطُرُق فِي الْجبَال، الْوَاحِدَة سَنِيعة. وَقَالَ:
إِذا صدرت عَنهُ تمشَّت مَخَاضُها
إِلَى السَّرْو تدعوها إِلَيْهِ السنائع(2/62)
ومَهْر سَنيع مُسْنَع: كثير. أسنع مَهْر الْمَرْأَة، وأسناه: أَكثر، قَالَ:
مفرّكٌ مجتوىً لم ترض طَلّته
وَلَو أَتَاهَا بمَهر مُسْنَع رُغُب
وسُنُع الْإِبِل: خِيَارهَا.
سعن: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: أسعن الرجلُ إِذا اتخذ السُّعْنة وَهِي المِظَلَّة. وَقَالَ اللَّيْث: السُّعْنُ: ظُلّة يتّخذها أهل عُمَان فَوق سُطُوحهم من أجل نَدَى الوَمَد. والجميع السُّعُون. قَالَ: والسَّعْن: الوَدَك. وَقَالَ أَبُو سعيد: السَّعْن: قِرْبة أَو إداوة يُقطع أَسْفَلهَا ويشدّ عُنُقها وتعلَّق إِلَى خَشَبَة ثمَّ يُنبذ فِيهَا. وَقَالَ اللَّيْث: السُّعْن شَيْء يتَّخذ من الأدَم شبه دَلْو إِلَّا أَنه مستطيل مستدير، وَرُبمَا جعِلت لَهُ قَوَائِم يُنبذ فِيهِ، الْجَمِيع: السِّعَنة، والأسعان. والمُسَعَّن من الغُرُوب يتّخذ من أدِيمين يُقَابل بَينهمَا فيعرقان عراقين وَله خُصْمان من جانبين لَو وُضع قَامَ قائمه فِي اسْتِوَاء أَعْلَاهُ وأسفلِه. أَبُو عبيد عَن أَصْحَابه: يُقَال: مَا لفُلَان سَعْنة وَلَا مَعْنة أَي مَا لَهُ قَلِيل وَلَا كثير.
قَالَ: كَانَ الأصمعيّ لَا يعرف أَصْلهَا. وَقَالَ غَيره: السُّعْنة من المِعْزَى: صغَار الْأَجْسَام فِي خَلْقها، والمَعْن: الشَّيْء الهيّن وَأنْشد:
وَإِن هَلَاك مَالك غير مَعْن
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: السَعْنة: الْكَثْرَة من الطَّعَام وَغَيره، والمَعْنة: القِلَّة من الطَّعَام وَغَيره، حَكَاهُ عَن الْمفضل فِي قَوْلهم: مَاله سَعْنة وَلَا مَعْنة. قَالَ: والسُّعْنة: القِرْبة الصَّغِيرَة يُنبذ فِيهَا. والسُّعْنة: المِظلَّة.
نسع: ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: النِّسْع والسِّنْع: المَفْصِل بَين الكفّ والساعد. وَقَالَ الأصمعيّ: يُقَال لريح الشّمال: نِسْع ومِسْع وَأنْشد:
نِسْع لَهَا بعضاه الأرْض تهزيز
قلت: سُمّيت الشَّمَالِ نِسْعاً لدقَّة مَهَبّها، فشبّهت بالنِّسْع المضفور من الأدَم، وَهُوَ سَيْر يُضفر على هَيْئَة أعِنَّة البِغال يُشدّ بِهِ الرّحال. وَيجمع نسوعاً وأنساعاً. الأصمعيّ: نسَّعَتْ أسنانُه تنسِيعاً، وَهُوَ أَن تطول وَتَسْتَرْخِي اللثَات حَتَّى تبدو أُصُولهَا وَقد انحسر عَنْهَا مَا كَانَ يواريها من اللثَات، وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: انتسعت الْإِبِل وانتسغت بِالْعينِ والغين إِذا تفرَّقت فِي مراعيها. وَقَالَ الأخطل:
رَجَنّ بِحَيْثُ تنتسِع المطايا
فَلَا بقًّا تخَاف وَلَا ذبابا
وَقَالَ اللَّيْث: امْرَأَة ناسعة: طَوِيلَة البَظْر ونُسوعه: طولُه. قلت: ويَنْسُوعة القُفّ: مَنْهلة من مناهل طَرِيق مَكَّة على جادَّة الْبَصْرَة، بهَا ركايا عَذبة المَاء عِنْد منقطَع رمال الدهناء بَين ماوِيّة والنِبَاج، وَقد شربْتُ من مَائِهَا. عَمْرو عَن أَبِيه: أنسع الرجلُ إِذا كثر أَذَاهُ لجيرانه. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس: قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: هَذَا سِنْعه وسَنْعه وشِنْعه وشَنْعُه وسِلْعه وسَلْعه ووَفْقه ووِفَاقه بِمَعْنى وَاحِد.
نعس: قَالَ الله جلّ وَعز: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ} (الْأَنْفَال: 11) . يُقَال: نَعَس يَنْعُس نُعَاساً فَهُوَ ناعس، وَبَعْضهمْ(2/63)
يَقُول: نَعْسان. قَالَ الفرّاء: وَلَا أشتهيها يَعْنِي نعسان. وَقَالَ اللَّيْث: قَالُوا: رجل نعسان وَامْرَأَة نَعْسَى، حملُوا ذَلِك على وَسْنان ووَسْنَى، وَرُبمَا حملُوا الشَّيْء على نَظَائِره، وَأحسن مَا يكون ذَلِك فِي الشّعْر. قلت: وَحَقِيقَة النعاس: السِّنَة من غير نوم، كَمَا قَالَ ابْن الرِّقَاع:
وَسْنان أقصده النعاسُ فرنَّقت
فِي عينه سِنَةٌ وَلَيْسَ بنائم
أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: النَّعْس: لِين الرَّأْي والجسم وَضعفهمَا. قَالَ: ورَوَى عَمْرو عَن أَبِيه: أنعس الرجل إِذا جَاءَ ببنين كُسالى. وناقة نَعُوس: تُغمض عينيها عِنْد الْحَلب. ونَعَست السوقُ إِذا كَسَدت. وَالْكَلب يُوصف بِكَثْرَة النعاس. وَمن أمثالهم:
يَمْطُل مَطْلاً كنُعاس الْكَلْب
(بَاب الْعين وَالسِّين مَعَ الْفَاء)
(ع س ف)
عسف، عفس، سعف، سفع، فعس: مستعملات.
عسف: رُوِي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه بعث سَرِيَّة فَنَهى عَن قتل العُسَفاء والوُصَفاء. وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن رجلا جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِن ابْني كَانَ عَسيفاً على رجل كَانَ مَعَه، وَإنَّهُ زنى بامرأته. قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو عَمْرو وَغَيره: العُسَفاء: الأُجراء، وَالْوَاحد عَسِيف. وَقَوله: إِن ابْني كَانَ عَسِيفاً على هَذَا أَي كَانَ أَجِيرا. وَقَالَ ابْن السّكيت فِي العَسِيف مثلَه. وَقَالَ غَيرهم: العَسْف: ركُوب الْأَمر بِغَيْر رَوِيَّة وركوبُ الفلاة وقطعها على غير توخّي صَوْب وَلَا طَرِيق مسلوك. يُقَال: اعتسف الطَّرِيق اعتسافاً إِذا قطعه دون صَوْب توخّاه فَأَصَابَهُ. وَقَالَ شمر: العَسْف: السَّيْر على غير عَلَم وَلَا أثَر. وَمِنْه قيل: رجل عَسُوف إِذا لم يَقْصِد قَصْد الحقّ. وعَسَف الْمَفَازَة: قطعهَا بِلَا هِدَايَة وَلَا قصد. وتعسَّف فلَان فلَانا إِذا رَكبه بالظلم وَلم يُنْصِفه. وَرجل عَسُوف إِذا كَانَ ظلوماً. أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: إِذا أشرف الْبَعِير على الْمَوْت من الغُدّة قيل: عَسَف يَعسِف، هُوَ بعير عاسف وناقة عاسف بِغَيْر هَاء. والعَسْف: أَن يتنفّس حَتَّى تَقْمُصَ حَنْجرته أَي تنتفخ. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: أعسَف الرجل إِذا أَخذ بعيرَه العَسْفُ وَهُوَ نَفَس الْمَوْت. قَالَ: وأعسف الرجل إِذا لزِم الشّرْب فِي العَسْف وَهُوَ القَدَح الْكَبِير. وأعسف إِذا أَخذ غُلَامه بِعَمَل شَدِيد، وأعسف إِذا سَار بِاللَّيْلِ خبط عشواء. وَأما قَول أبي وَجْزة السعديّ:
واستيقَنَت أَن الصليفَ منعَسفْ
هُوَ من عسف الحنجرة إِذا قمصت للْمَوْت. وعُسفان: مَنْهَلَة من مناهل الطَّرِيق بَين الجُحْفة ومَكّة.
عفس: أَبُو عبيد: عفست الرجل عَفْساً: إِذا سجنته. وَقَالَ الرياشي فِيمَا أفادني الْمُنْذِرِيّ لَهُ: العَفْس: الكَدّ والإتعاب. وَقَالَ شمر: العَفْس الإذالة والاستعمال. وَقَالَ العجّاج:(2/64)
كَأَنَّهُ من طول جَذْع العَفْس
يُنحَت من أقطاره بفأس
وَقَالَ اللَّيْث: العَفْس: شدّة سَوْق الْإِبِل. وَأنْشد:
يَعفِسها السوَّاقُ كل مَعْفَس
قَالَ: الْإِنْسَان يَعفِسُ المرأةَ بِرجلِهِ إِذا ضربهَا على عَجِيزتها يعافسها وتعافسه. وَقَالَ غَيره: المعافسة: الممارسة: فلَان يعافس الْأُمُور أَي يمارسها ويعالجها. والعِفَاس: العِلاج. والعِفَاس: اسْم نَاقَة ذكرهَا الرَّاعِي فِي شعره فَقَالَ:
بمَحْنِية أشلى العِفَاس وبَرْوعا
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: العِفَاس والمعافسة: المعالجة. وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال: عَفَسته وعكسته وعَتْرسته إِذا جذبته إِلَى الأَرْض فضغطته إِلَى الأَرْض ضغطاً شَدِيدا. قَالَ: وَقيل لأعرابيّ: إِنَّك لَا تحسن أكل الرَّأْس، فَقَالَ: أما وَالله إِنِّي لأعفس أُذُنَيْهِ، وأفكّ لَحْييه وأسْحَى خدَّيه وأرمي بالمخّ إِلَى من هُوَ أحْوج مني إِلَيْهِ. قلت: أجَاز ابْن الْأَعرَابِي الصَّاد وَالسِّين فِي هَذَا الْحَرْف. العِيَفْس: الغليظ. قَالَ حُمَيد الأرقط:
وَصَارَ ترجيم الظنون الحَدْس
وتَيَهان التائه العِيَفْس
وثوب معفَّس: صبور على البِذْلة، ومعفوس: خَلَق. وَقَالَ رؤبة:
بَدَّل ثوبَ الجِدَّة الملبوسا
والحُسْن مِنْهُ خَلَقاً معفوسا
والمَعْفِس: المفصِل. وَقَالَ الحميريّ:
فَلم يبْق إِلَّا مَعْفِس وعِجَانها
وشُنْتُرَة مِنْهَا وَإِحْدَى الذوائب
سفع: قَالَ الله جلّ وَعز: {ء (ِيَنتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} (العلق: 15، 16) قَالَ الْفراء: ناصيته: مقدّم رَأسه أَي لَنَهصِرنَّها ولنأخذنَّ بهَا أَي لنُقْمِئنَّه ولَنذِلَّنه. وَيُقَال: لنأخذَنَّ بالناصية إِلَى النَّار كَمَا قَالَ: {بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِى} (الرحمان: 41) قَالَ: وَيُقَال: معنى {لنسفعا: لنسوّدنْ وَجهه، فكفت الناصية لِأَنَّهَا فِي مقدَّم الْوَجْه قلت: أما من قَالَ: لنسفعاً بالناصية أَي لنأخذنه بهَا إِلَى النَّار فحجَّته قَوْله:
قوم إِذا فَزِعُوا الصَّرِيخ رَأَيْتهمْ
من بَين ملجم مُهره أَو سافع
أَرَادَ: وآخذٍ بناصيته. وَمن قَالَ: لنسفعاً أَي لنسوّدَنْ وَجهه فَمَعْنَاه: لنسِمَنّ مَوضِع الناصية بِالسَّوَادِ، اكتفَى بهَا من سَائِر الْوَجْه لِأَنَّهَا فِي مقدم الْوَجْه. والحُجَّة لَهُ قَوْله:
وكنتُ إِذا نَفْسُ الغَوِيّ نزتَ بِهِ
سفعت على العِرنين مِنْهُ بمِيسم
أَرَادَ: وسمته على عِرْنينه، وَهُوَ مثل قَوْله: {الاَْوَّلِينَ سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ} (الْقَلَم: 16) . وَفِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُتي بصبيّ فَرَأى بِهِ سَفْعة من الشَّيْطَان فَقَالَ: (اسْتَرْقُوا لَهُ) . قَوْله: سَفْعة أَي ضَرْبَة مِنْهُ، يُقَال: سفعته أَي لطمته، والمسافعة: الْمُضَاربَة. وَمِنْه قَوْله الْأَعْشَى:
يسافع وَرْقاء جُونّية
ليدركها فِي حمام تُكَنْ(2/65)
أَي يضارب. وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: السُّفْعة والشُّفعة بِالسِّين والشين: الْجُنُون، وَرجل مسفوع ومشفوع أَي مَجْنُون. ورَوَى أَبُو عبيد عَن الأمويّ أَنه قَالَ: المسفوعة من النِّسَاء: الَّتِي أصابتها سَفْعة وَهِي الْعين. فَفِي الحَدِيث على هَذَا التَّفْسِير أَنه رأى بالصبيّ عَيْناً أَصَابَته من الشَّيْطَان فَأمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالاسترقاء لَهُ. وَأَحْسبهُ أَرَادَ أَن يُقرأ عَلَيْهِ المعوِّذتان ويُنفَث فِيهِ. فَهَذِهِ ثَلَاثَة أوجه فِي قَوْله: رأى بِهِ سَفْعة. وأحسنها مَا قَالَه الأمويّ، وَالله أعلم. وَفِي حَدِيث آخر: (أَنا وسفعاء الخدَّين الحانيةُ على وَلَدهَا يَوْم الْقِيَامَة كهاتين) وضمّ إصبعيه، أَرَادَ بسفعاء الخدّين امْرَأَة سَوْدَاء عاطفة على وَلَدهَا. وَأَرَادَ بِالسَّوَادِ أَنَّهَا لَيست بكريمة وَلَا شريفة. وَإِذا قَالَت الْعَرَب: امْرَأَة بَيْضَاء فَهِيَ الشَّرِيفَة الْكَرِيمَة. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: قَالَ الأصمعيّ: الأسفع: الثور الوحشيّ الَّذِي فِي خدّيه سَواد يقرب إِلَى الْحمرَة قَلِيلا. قَالَ: وَيُقَال للأسفع: مُسَفَّع. وَقَالَ غَيره: يُقَال للحمامة المطوَّقة: سفعاء لسواد عِلاَطها فِي عُنُقهَا. وَمِنْه قَوْله:
من الوُرق سفعاء العِلاَطين باكرت
فروعَ أشَاءٍ مطلع الشَّمْس أسحما
وَقَالَ الآخر يصف ثوراً وحشياً شبَّه نَاقَته فِي السرعة بِهِ:
كَأَنَّهَا أسفع ذُو حِدَّة
يمسُده البقلُ وليل سَدِي
كَأَنَّمَا ينظر من برقع
من تَحت رَوْق سَلِب مِذْوَد
شبَّه السُّفْعة فِي وَجه الثور ببرقع أسود وَلَا تكون السفعة إِلَّا سواداً مشرباً وُرْقة. وَمِنْه قَول ذِي الرمَّة:
أَو دِمْنة نسفت عَنْهَا الصَّبَا سُفَعا
كَمَا تُنَشَّر بعد الطِيَّة الكُتُب
أَرَادَ: سَواد الدِمَن أَن الرّيح هبَّت بِهِ فنسفته وألبسته بياضَ الرمل، وَهُوَ قَوْله:
بِجَانِب الرزق أغشته معارفها
وَيُقَال للأثافي الَّتِي أوقد بَينهَا النَّار: سُفْع؛ لِأَن النَّار سوَّدت صفاحها الَّتِي تلِي النَّار. وَقَالَ زُهَيْر:
أثافيَّ سُفْعاً فِي معرَّس مِرْجل
وأمَّا قَول الطرمَّاح:
كَمَا بَلَّ مَتْنَيْ طُفْية نَضْحُ عائط
يُزيِّنها كِنٌّ لَهَا وسُفُوعُ
فَإِنَّهُ أَرَادَ بالعائط: جَارِيَة لم تحمل، وسُفُوعها: ثِيَابهَا؛ يُقَال: استفعت الْمَرْأَة ثِيَابهَا إِذا لبِستها. وَأكْثر مَا يُقَال ذَلِك فِي الثِّيَاب المصبوغة. وَيُقَال: سفعته النَّار تسفَعه سَفْعاً إِذا لَفَحته لَفْحاً يَسِيرا فسوَّدت بَشَرته، وسفعته السَّمُوم إِذا لوَّحت بَشَرة الْوَجْه. والسوافع: لوافح السَّموم.
سعف: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: السُّعُوف: جِهاز العَروس، والعُسُوف: الأقداح الْكِبَار وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن الخرَّاز عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: كل شَيْء جاد وبَلَغ من عِلْق أَو مَمْلُوك أَو دَار ملكْتها فَهُوَ سَعَف. يُقَال للغلام: هَذَا سَعَف سَوْءٍ. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: والسُّعُوف: طبائع النَّاس من الكَرَم وَغَيره(2/66)
يُقَال: هُوَ طيّب السُّعُوف أَي الطبائع، لَا وَاحِد لَهَا. وَفُلَان مسعوف بحاجته أَي مُسْعَف. قَالَ الغنويِّ:
فَلَا أَنا مسعوف بِمَا أَنا طَالب
والسُّعَاف: شُقَاق فِي أَسْفَل الظُّفُر. وتسعف أَطْرَاف أَصَابِعه أَي تشقّقت وَقَالَ أَبُو عَمْرو: يُقَال للضرائب: سُعُوف. قَالَ: وَلم أسمع لَهَا بِوَاحِد من لَفظهَا. قَالَ: والسَّعَف محرّك: جِهاز الْعَرُوس. الحرَّاني عَن ابْن السّكيت: السَّعَف: دَاء فِي أَفْوَاه الْإِبِل كالجَرَب، بعير أسعف، والسَّعَف: وَرَق جَرِيد النّخل الَّذِي يسَفَّ مِنْهُ الزُبْلان والجِلال والمراوح وَمَا أشبههَا. وَيجوز السعف. والواحدة سَعَفة. وَقَالَ اللَّيْث: أَكثر مَا يُقَال لَهُ السَّعَف إِذا يبس، وَإِذا كَانَت رَطْبة فَهِيَ الشَّطْبة. قلت: وَيُقَال للجَرِيد نَفسه سَعَف أَيْضا، وَوَاحِدَة الجريد جَرِيدة. وَتجمع السَّعَفة سَعَفاً وسَعَفات. الحرَّاني عَن ابْن السّكيت: يُقَال: فِي رَأسه سَعْفة سَاكِنة الْعين وَهُوَ دَاء يَأْخُذ الرَّأْس. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: السَعْفة يُقَال لَهَا: دَاء الثَّعْلَب، تورِث القَرَع، والثعالب يُصِيبهَا هَذَا الدَّاء، فَلذَلِك نُسب إِلَيْهَا. أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: سَعُفت يدُه وسَعِفت وَهُوَ التشعّث حول الْأَظْفَار والشُّقَاق. قَالَ: وَقَالَ أَبُو زيد: نَاقَة سَعْفاء وَقد سَعِفت سَعَفاً، وَهُوَ داءٌ يتمعَّط مِنْهُ خُرطومها وَيسْقط مِنْهُ شعر الْعين قَالَ: وَهُوَ فِي النوق خاصَّة دون الذُّكُور. قَالَ: وَمثله فِي الْغنم الغَرَب. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِي كتاب (الْخَيل) : من شيات نواصي الْخَيل نَاصِيَة سعفاء وَفرس أسعف إِذا شابت ناصيته. قَالَ: وَذَلِكَ مَا دَامَ فِيهَا لون مُخَالف الْبيَاض. فَإِذا خلصت بَيَاضًا كلهَا فَهِيَ صبغاء.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: التسعيف فِي المِسْك: أَن يروِّح بأفاويه الطّيب ويُخلط بالأدهان الطيّبة. يُقَال: سعِّف لي دُهْني. وَيُقَال: أسعفتْ دَاره إسعافاً إِذا دَنَت: وكل شَيْء دنا فقد أسعف. وَمِنْه قَول الرَّاعِي:
وكائنْ ترى من مُسْعِف بمنيَّة
وَمَكَان مساعِف ومنزل مساعف أَي قريب. وَقَالَ اللَّيْث: الْإِسْعَاف قَضَاء الْحَاجة. والمساعفة: المواتاة على الْأَمر فِي حسن مصافاة ومعاونة. وَأنْشد:
إِذْ النَّاس نَاس والزمانُ بِغِرَّة
وَإِذ أُمُّ عمَّار صديق مساعِفُ
فعس: أهمل اللَّيْث هَذَا الْحَرْف. وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْعَبَّاس أَن ابْن الْأَعرَابِي أنْشدهُ:
بِالْمَوْتِ مَا عَيَّرتِ يَا لَمِيس
قد يَهْلِك الأرقم والفاعوس
والأسد المذرَّع النَّهوسُ
والبَطَل المستلئم الجَئُوس
واللَّعْلع المهتَبِل العَسوس
والفِيل لَا يبْقى وَلَا الهِرميس
قَالَ: الجئوس: القتَّال. والفاعوس الأفعى. والمذرَّع: على ذراعه دم فرائسه.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال للداهية من الرِّجَال: فاعوس، قَالَ: والهِرْمس: الكَرْكَدَنّ واللعلع: الذِّئْب. والفاعوسة:(2/67)
فرج الْمَرْأَة لِأَنَّهَا تتفاعس أَي تنفرج. قَالَ حُمَيد الأرقط يصف الكمرة:
كَأَنَّمَا ذُرَّ عَلَيْهَا الخَرْدَل
تبيت فاعوستها تَأكَّلُ
والفاعوس: الكمرة، والفُعُس: الحيَّات. والفاعوس: الوَعِل والكَرَّاز والفَدْم والمُلاعِب.
(بَاب الْعين وَالسِّين مَعَ الْبَاء)
(ع س ب)
عسب، عبس، سبع، سعب: مستعملة.
عسب: رُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نَهَى عَن عَسْب الفَحْل. قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْأمَوِي: العَسْب: الكِرَاء الَّذِي يُؤْخَذ فِي ضِراب الْفَحْل، يُقَال مِنْهُ: عسبت الرجلَ أعسِبه عَسْباً إِذا أَعْطيته الكِرَاء على ذَلِك. قَالَ: وَقَالَ غَيره: العَسْب: هُوَ الضِرَاب نَفسه. وَقَالَ زُهَيْر:
وَلَوْلَا عَسْبه لتركتموه
وشرّ مَنِيحة أيْر مُعَارُ
قَالَ أَبُو عبيد: معنى العَسْب فِي الحَدِيث: الكِراء، وَالْأَصْل فِيهِ الضراب؛ وَالْعرب تسمّي الشَّيْء باسم غَيره إِذا كَانَ مَعَه أَو من سبَبه، كَمَا قَالُوا للمزادة: راوية وَإِنَّمَا الراوية: الْبَعِير الَّذِي يُستقَى عَلَيْهِ. والعسيب: عسيب الذَّنَب وَهُوَ مستدَقُّه. والعَسِيب: جريد النّخل إِذا نحِّي عَنهُ خُوصه. وَيجمع عُسُباً وعُسْبَاناً. وعَسِيب: جبل بعالية نَجْد مَعْرُوف، يُقَال: لَا أفعل كَذَا مَا أَقَامَ عسيب. وَفِي حَدِيث عليّ أَنه ذكر فتْنَة فَقَالَ: (فَإِذا كَانَ ذَلِك ضَرَب يَعْسُوبُ الدِين بِذَنبِهِ فيجتمعون إِلَيْهِ كَمَا يجْتَمع قَزَع الخَرِيف) . قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْأَصْمَعِي: أَرَادَ بقوله: يعسوب الدّين أَنه سيّد النَّاس فِي الدّين يَوْمئِذٍ. وَفِي حَدِيث آخر لعليّ أَنه مرّ بِعَبْد الرَّحْمَن بن عتَّاب بن أسِيد مقتولاً يَوْم الجَمَل، فَقَالَ: هَذَا يعسوب قُرَيْش، يُرِيد: سيّدها. قَالَ الْأَصْمَعِي: وأصل اليعسُوب: فَحْل النَّحْل وسيّدها، فشبَّهه فِي قُرَيْش بالفحل فِي النَّحْل. قَالَ أَبُو سعيد: معنى قَوْله: ضرب يعسوب الدّين بذَنَبه أَرَادَ بيعسوب الدّين ضعيفه ومحتقَره، وذليله، فَيَوْمئِذٍ يعظم شَأْنه حتّى يصير غير اليعسوب. قَالَ: وضَرْبه بِذَنبِهِ: أَن يغرِزه فِي الأَرْض إِذا باض كَمَا تَسْرأ الْجَرَاد. فَمَعْنَاه: أَن الْقَائِم يَوْمئِذٍ يثبت حَتَّى يثوب النَّاس إِلَيْهِ وَحَتَّى يظْهر الدّين ويفشو. قَالَ: وَقَول عليّ فِي عبد الرَّحْمَن بن أسِيد على التحقير لَهُ والوضع من قدره، لَا على التفخيم لأَمره. قَالَ الْأَزْهَرِي: وَالْقَوْل مَا قَالَه الأصمعيّ لَا مَا قَالَه أَبُو سعيد فِي اليعسوب. قلت: وروى شمر الحَدِيث الأول: ضرب يعسوب الدّين بذَنبه فَمَا زَاد فِي تَفْسِيره على مَا قَالَ أَبُو عبيد شَيْئا. قلت: وَمعنى قَوْله: ضرب يعسوبُ الدّين بذنبَه أَي فَارق الْفِتْنَة وَأَهْلهَا فِي أهل دينه. وذَنَبه: أَتْبَاعه الَّذين يتّبعونه على رَأْيه ويَجْتَبُون مَا اجتباه من اعتزال الفِتن. وَمعنى قَوْله: ضَرَب أَي ذهب فِي الأَرْض مُسَافِرًا ومجاهداً، يُقَال: ضرب فِي الأَرْض مُسَافِرًا وَضرب فلَان الْغَائِط إِذا أبعد فِيهَا للتغوّط. وَقَوله: بذَنَبه أَي(2/68)
فِي ذَنَبه وَأَتْبَاعه، وَأقَام الْبَاء مُقَام فِي أَو مقَام مَعَ، وكلُّ ذَلِك من كَلَام الْعَرَب. ورَوَى ابْن الْأَعرَابِي عَن المفضّل أَنه أنْشدهُ:
وَمَا خير عَيْش لَا يزَال كَأَنَّهُ
مَحَلَّة يعسوبٍ بِرَأْس سِنان
قَالَ: وَمَعْنَاهُ: أَن الرئيس إِذا قُتل جُعل رأسُه على سِنَان، فَمَعْنَاه أَن الْعَيْش إِذا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ الْمَوْت. وَقَالَ شمر: قَالَ ابْن شُميل: عَسْب الْفَحْل: ضِرَابه. يُقَال: إِنَّه لشديد العَسْب. وَيُقَال للْوَلَد: عَسْب. وَقَالَ كثيّر يصف خيلاً أسقطت أَوْلَادهَا:
يغادرن عَسْب الوالقيّ وناصح
تخُصّ بِهِ أُمُّ الطَّرِيق عيالَها
فالعَسْب: الْوَلَد وَيُقَال: مَاء الْفَحْل. وَالْعرب تَقول: استعسب فلَان استعساب الْكَلْب وَذَلِكَ إِذا مَا هاج واغتلم. وكلب مُسْتَعْسِب. وَقَالَ اللَّيْث: اليعسوب: دَائِرَة عِنْد مَرْكَض الْفَارِس حَيْثُ يركُض بِرجلِهِ من جَنب الْفرس. قلت: وَهَذَا غلط، اليعسوب عِنْد أبي عُبَيْدَة وَغَيره: خطّ من بَيَاض الغُرَّة ينحدر حَتَّى يمسّ خَطْم الدابَّة ثمَّ يَنْقَطِع. وَقد قَالَه ابْن شُمَيْل. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: اليعسوب أَيْضا: طَائِر أَصْغَر من الجرادة طَوِيل الذَنَب. وَقَالَ اللَّيْث: هُوَ طَائِر أعظم من الجرادة. وَالْقَوْل مَا قَالَ الأصمعيّ.
عبس: رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نظر إِلَى نَعَم بني المُصْطَلِق وَقد عَبِست فِي أبوالها وأبعارها فتقنَّع بِثَوْبِهِ وَقَرَأَ: {وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ} (طاه: 131) قَالَ أَبُو عبيد: قَوْله: قد عَبِست فِي أبوالها يَعْنِي: أَن تجفَّ أبوالُها وأبعارها على أفخاذها، وَذَلِكَ إِنَّمَا يكون من كَثْرَة الشَّحْم، وَذَلِكَ العَبَسُ. وَأنْشد لجرير يصف راعية:
ترى العَبَس الحَوْليّ جَوْناً بكُوعها
لَهَا مَسَكاً من غير عاج وَلَا ذَبْل
وَنَحْو ذَلِك قَالَ اللَّيْث فِي العَبَس. قَالَ: وَهُوَ الوَذَح أَيْضا. وَيُقَال للرجل إِذا قطَّب مَا بَين عَيْنَيْهِ: عَبَس يَعْبِس عبُوساً فَهُوَ عَابس، وعبّس تعبيساً إِذا كرَّه وجهَهُ. فَإِن كَشَر عَن أَسْنَانه مَعَ عبوسِه فَهُوَ كالح. وعَبْس: قَبيلَة من قَيس عَيْلان، وَهِي إِحْدَى الجَمَرات. وعُبَيس: اسْم. وعبّاس: اسْم. وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: العبّاس: الأسَد الَّذِي تَهْرُبُ مِنْهُ الأُسْد، وَبِه سمّي الرجل عبّاساً. وَقَالَ أَبُو تُرَاب: يُقَال: هُوَ جِبْس عِبْس لِبْس إتباع، وَيَوْم عَبُوس: شَدِيد.
سبع: السَبْع من الْعدَد مَعْرُوف. تَقول: سبع نسْوَة وَسَبْعَة رجال. وَالسَّبْعُونَ مَعْرُوف، وَهُوَ العِقْد الَّذِي بَين الستّين والثمانين. وَفِي الحَدِيث: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (للبِكر سَبْع وللثيِّب ثَلَاث) . وَمَعْنَاهُ: أَن الرجل يكون لَهُ امْرَأَة فيتزوّج أُخْرَى، فَإِن كَانَت بِكراً أَقَامَ عِنْدهَا سَبْعاً لَا يحسبها فِي القَسْم بَينهمَا؛ وَإِن كَانَت ثيّباً أَقَامَ عِنْدهَا ثَلَاثًا غير محسوبة فِي القَسْم. وَقد سبَّع الرجلُ عِنْد امْرَأَته إِذا أَقَامَ عِنْدهَا سبع لَيَال. وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأمّ سَلَمة حِين تزوّجها وَكَانَت ثيّباً: (إِن شئتِ سبَّعت(2/69)
عنْدك ثمَّ سبَّعت عِنْد سَائِر نسَائِي، وَإِن شِئْت ثلثت ثمَّ دُرْت) ، أَي لَا أحتسِب الثَّلَاث عَلَيْك. وَيُقَال: سبَّع فلَان الْقُرْآن إِذا وظَّف عَلَيْهِ قِرَاءَته فِي سبع لَيَال. وَفِي الحَدِيث: سبَّعت سُلَيم يَوْم الْفَتْح أَي تمَّت سَبْعمِائة رجل. وَقَالَ اللَّيْث: الأُسبوع من الطّواف سَبْعَة أطواف، وَيجمع على أسبوعات. قَالَ: والأيّام الَّتِي يَدُور عَلَيْهَا الزَّمَان فِي كل سَبْعَة مِنْهَا جُمُعَة تسمَّى الأُسبوع وَتجمع أسابيع، وَمن الْعَرَب من يَقُول سُبُوع فِي الْأَيَّام وَالطّواف بِلَا ألف، مَأْخُوذَة من عدد السَّبع. وَالْكَلَام الفصيح: الأُسْبوع، أَبُو عبيد عَن أبي زيد: السَبِيع بِمَعْنى السُبُع كالثَمين بِمَعْنى الثُمن، وَقَالَ شمر: لم أسمع سَبيعاً لغيره. وَفِي الحَدِيث: (أَن ذئباً اخْتَطَف شَاة من غنم فانتزعها الرَّاعِي مِنْهُ فَقَالَ الذِّئْب: مَن لَهَا يَوْم السَبْع) ؟ قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: السَّبع: الْموضع الَّذِي إِلَيْهِ يكون المحشَر يَوْم الْقِيَامَة، أَرَادَ: من لَهَا يَوْم الْقِيَامَة وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه سُئِلَ عَن مَسْأَلَة فَقَالَ: إِحْدَى من سَبْع. قَالَ شمر: يَقُول إِذا اشتدّ فِيهَا الفُتْيا قَالَ: يجوز أَن يكون اللَّيَالِي السَّبع الَّتِي أرسل الله الْعَذَاب فِيهَا على عَاد، ضربهَا مثلا للمسألة إِذا أشكلت. قَالَ: وَخلق الله السَّمَوَات سبعا وَالْأَرضين سبعا وَرُوِيَ فِي حَدِيث آخر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن السِبَاع قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: السِباع: الفِخار كَأَنَّهُ نهَى عَن الْمُفَاخَرَة بِكَثْرَة الْجِمَاع.
وَحكى أَبُو عَمْرو عَن أَعْرَابِي أعطَاهُ رجل درهما فَقَالَ: سبَّع الله لَهُ الْأجر، قَالَ: أَرَادَ: التَّضْعِيف، وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : سبّع الله لفُلَان تسبيعاً وتبَّع لَهُ تَتْبيعاً أَي تَابع لَهُ الشَّيْء بعد الشَّيْء، وَهِي دَعْوَة تكون فِي الْخَيْر وَالشَّر، وَالْعرب تصنع التسبيع مَوضِع التَّضْعِيف وَإِن جَاوز السَّبع، وَالْأَصْل فِيهِ قَول الله جلّ وَعز: {كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّاْئَةُ حَبَّةٍ} (الْبَقَرَة: 261) ثمَّ قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الْحَسَنَة بِعشر أَمْثَالهَا إِلَى سَبْعمِائة) . قلت: وأُرَى قَول الله جَلّ ثَنَاؤُهُ لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} (التَّوْبَة: 80) من بَاب التكثير والتضعيف لَا من بَاب حَصْر العَدَد، وَلم يُرد الله جلّ ثَنَاؤُهُ أنهج إِن زَاد على السّبْعين غَفَر لَهُم، وَلَكِن الْمَعْنى: إِن استكثرتَ من الدُّعَاء وَالِاسْتِغْفَار لِلْمُنَافِقين لم يغْفر الله لَهُم. وأمَّا قَول الفرزدق:
وَكَيف أَخَاف النَّاس وَالله قَابض
على النَّاس والسَبْعَين فِي رَاحَة الْيَد
فَإِنَّهُ أَرَادَ بالسبعَين: سبع سموات وَسبع أَرضين. وَيُقَال: أَقمت عِنْده سَبْعين أَي جمعتين وأسبوعين.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: المُسْبَع: المهمَل. وَهُوَ فِي قَول أبي ذُؤَيْب:
صخِب الشواربَ لَا يزَال كَأَنَّهُ
عبد لآل أبي ربيعَة مُسْبَعُ
ورَوَى شمر عَن النَّضر بن شُمَيْل أَنه قَالَ: المُسْبَع: الَّذِي يُنْسَب إِلَى أَربع أمَّهات كلُّهن أمَة. وَقَالَ بَعضهم: إِلَى سبع أمَّهات. قَالَ: وَيُقَال أَيْضا: المُسْبع:(2/70)
التابعة. يُقَال: الَّذِي يُولد لسبعة أشهر فَلم تُنْضجه الرحِم وَلم تتمَّ شهوره.
وَقَالَ العجّاج:
إِن تميماً لم يراضع مُسْبَعا
قَالَ النَّضر: ربّ غُلَام قد رَأَيْته يراضِع. قَالَ: والمراضعة: أَن يرضع أمّه وَفِي بَطنهَا ولد.
وروى أَبُو سعيد الضَّرِير قَول أبي ذُؤَيْب:
عبد لآل أبي ربيعَة مسبع
بِكَسْر الْبَاء وَزعم أَن مَعْنَاهُ: أَنه قد وَقع السبَاع فِي مَاشِيَته فَهُوَ يَصِيح ويصرخ، وَيُقَال: سبَّعت الشَّيْء إِذا صيَّرته سَبْعَة، فَإِذا أردْت أَنَّك صيَّرته سبعين قلت: كمَّلته سبعين، وَلَا يجوز مَا قَالَ بعض المولَّدين: سبعنته وَلَا قَوْلهم: سبعنَتْ دراهمي أَي كَمُلتْ سبعين. وَقَوْلهمْ: أخذت مِنْهُ مئة دِرْهَم وزنا وزنَ سَبْعَة الْمَعْنى فِيهِ: أَن كل عشرَة مِنْهَا تزن سَبْعَة مَثَاقِيل وَلذَلِك نصب وزنا.
والسُبُع يَقع على مَاله نَاب من السِباع ويَعْدُو على النَّاس والدوابّ فيفترسها؛ مثل الأسَد وَالذِّئْب والنَّمِر والفَهْد وَمَا أشبههَا.
والثعلب وَإِن كَانَ لَهُ نَاب فَإِنَّهُ لَيْسَ بسَبُع لِأَنَّهُ لَا يعدو على صغَار الْمَوَاشِي وَلَا ينيّب فِي شَيْء من الْحَيَوَان.
وَكَذَلِكَ الضَبُع لَا يعدّ من السبَاع العادِية، وَلذَلِك وَردت السنَّة بِإِبَاحَة لَحمهَا وبأنها تُجزَى إِذا أُصِيبَت فِي الحَرَم أَو أَصَابَهَا الْمحرم.
وَأما الوَعْوع وَهُوَ ابْن آوى فَهُوَ سَبُع خَبِيث ولحمه حرَام لِأَنَّهُ من جنس الذئاب إِلَّا أَنه أَصْغَر جِرْماً وأضعف بَدَناً. وَيُقَال: سبَع فلَان فلَانا إِذا قَصَبه واقترضه أَي عابه واغتابه. وَسبع فلَانا إِذا عضَّه بسنّه.
وَمن أَمْثَال الْعَرَب السائرة قَوْلهم: أَخذه أَخذ سَبْعة. قَالَ ابْن السّكيت: إِنَّمَا أَصْلهَا سَبُعَة فخُفّفتْ. قَالَ: واللَبُؤة زَعَمُوا أنزقُ من الأسَد، قَالَ وَقَالَ ابْن الكلبيّ هُوَ سَبْعة بن عَوْف بن ثَعْلَبَة بن سَلامَان من طيّىء، وَكَانَ رجلا شَدِيدا.
وَقَالَ ابْن المظفّر: أَرَادوا بقَوْلهمْ: لأعملنّ بفلان عمل سَبْعة: الْمُبَالغَة وبلوغَ الْغَايَة. قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: أَرَادوا: عمل سَبْعَة رجال. وأرضٌ مَسْبَعَة: كَثِيرَة السِباع: وَيُقَال: سَبَعْتُ الْقَوْم أسْبَعُهم إِذا أخذت سُبُعَ أَمْوَالهم. وَكَذَلِكَ سَبَعْتُهُم أسْبَعُهم إِذا كنت سَابِعَهُم. وَفِي أظمَاء الْإِبِل السِّبْعُ، وَذَلِكَ إِذا أَقَامَت فِي مراعيها خَمْسَة أَيَّام كواملَ، ووردت الْيَوْم السَّادِس، وَلَا يُحسب يومُ الصَدَر. وسَبُعَتْ الوحشيّةُ فَهِيَ مسبوعة إِذا أكل السَبُع وَلَدهَا.
قَالَ أَبُو بكر فِي قَوْلهم: فلَان يَسْبَع فلَانا قَولَانِ. أَحدهمَا: يرميه بالْقَوْل الْقَبِيح من قَوْلهم: سبعت الذِّئْب إِذا رميته. قَالَ: ويدلّك على ذَلِك حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نهى عَن السّبَاع وَهُوَ أَن يتسابّ الرّجلَانِ فَيَرْمِي كلّ وَاحِد مِنْهُمَا صَاحبه بِمَا يسوءه من القَذْع. وَقيل: هُوَ إِظْهَار الرَفَث والمفاخرة بِالْجِمَاعِ، وَالْإِعْرَاب بِمَا يُكنَى عَنهُ من أَمر النِّسَاء.(2/71)
قَالَ والسَبُعَان: موضعٌ معروفٌ فِي ديار قَيس. وَلَا يعرف من كَلَامهم اسْم على فَعُلاَن غَيره.
وَقَالَ النَّضر بن شُمَيْل: السُبَاعِيُّ من الجِمال: الْعَظِيم الطَّوِيل. قَالَ والرُباعيّ من الْجمال، مثل السُبَاعِي على طوله. قَالَ: وناقة سُبَاعِيَّة ورباعيّة. وَقَالَ غَيره: ثوبٌ سُبَاعِي إِذا كَانَ طوله سَبْع أَذْرع أَو سَبْعَة أشبار؛ لِأَن الشِبْر مذكّر، والذراع مُؤَنّثَة. أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: سَبَعْتُه إِذا وَقعت فِيهِ، وأسْبَعْتُه إِذا أطعمته السِباع.
وَقَالَ ابْن السّكيت: أسْبَعَ الرَّاعِي إِذا وَقع فِي مَاشِيَته السِبَاع. وسَبَعَ الذئبُ الشاةَ إِذا فرسها. وسَبَعَ فلَان فلَانا إِذا وَقع فِيهِ، وأسْبَعَ عَبْدُه إِذا أهمله.
سعب: أهمل اللَّيْث هَذَا الْحَرْف، وَهُوَ مُسْتَعْمل. يُقَال: انسعب الماءُ، وانْثَعَبَ إِذا سَالَ، وفُوه يَجْرِي سَعَابِيبَ وثعابيبَ إِذا سَالَ مَرْغُه أَي لُعَابه. أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: السَعَابيب الَّتِي تمتد شِبه الخيوط من العَسَل والخِطْمِيّ وَنَحْوه. وَقَالَ ابْن مقبل:
يَعْلُون بالمردقوش الوَرد ضاحيةً
على سعابيب مَاء الضَّالة اللجِنِ
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: السعابيب مَا اتَّبع يدَك من اللَّبن عِنْد الحَلَب مثل النخاعة يتمطط والواحدة سُعْبوبة. وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : فلَان مُسَعَّبٌ لَهُ كَذَا وَكَذَا، ومُسَغَّبٌ، ومُسَوَّعٌ لَهُ كَذَا، ومُسَوَّغٌ ومُزَغَّبٌ، كل ذَلِك بِمَعْنى واحدٍ.
(بَاب الْعين وَالسِّين مَعَ الْمِيم)
(ع س م)
عسم، عمس، سمع، سعم، معس، مسع: (مستعملات) .
عسم: قَالَ النَضْر: يُقَال: مَا عَسَمْتُ بِمثلِهِ أَي مَا بَلِلْت بِمثلِهِ.
وَيُقَال: مَا عَسَمت هَذَا الثَّوْب أَي لم أجْهده وَلم أنهكه. قَالَ: وَذكر أَعْرَابِي أمَة فَقَالَ: هِيَ لَنَا وكلُّ ضَرْبَة لَهَا من عَسَمة قَالَ: العَسَمة: النَسْل. أَبُو عبيد عَن الفرّاء: عَسَمْتُ أعْسِمُ أَي كَسَبْتُ، وأعْسَمْتُ أَي أَعْطَيْت.
وَقَالَ شمر فِي قَول الراجز:
بِئْر عَضُوض لَيْسَ فِيهَا مَعْسَمُ
أَي لَيْسَ فِيهَا مَطْمَع. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: العَسَمُ: انتشار رُسْغ الْيَد من الْإِنْسَان. وَقَالَ أَيْضا: العَسَمُ: يُبْسُ الرُسْغ.
وَقَالَ اللَّيْث: العَسَمُ: يُبْسٌ فِي المِرْفَق تعوجّ مِنْهُ الْيَد. يُقَال: عَسِمَ الرجل عَسَماً فَهُوَ أعْسَم، وَالْمَرْأَة عَسْمَاء. قَالَ والعُسُومُ: كِسَر الْخبز الْيَابِس.
وَأنْشد قَول أُميَّة بن أبي الصَلْت فِي نعت أهل الْجنَّة:
وَلَا يتنازعون عِنَان شِرْك
وَلَا أقواتُ أهلهم العُسُومُ
وَقَالَ يُونُس أَيْضا فِي العُسُوم: إِنَّهَا كِسر الْخبز الْيَابِس. وَقَوله:
كالبحر لَا يَعْسِمُ فِيهِ عَاسِمُ(2/72)
أَي لَا يطْمع فِيهِ طامع أَن يغالبه. وَالرجل يَعْسِمُ فِي جمَاعَة النَّاس فِي الْحَرْب، أَي يركب رَأسه وَيَرْمِي بِنَفسِهِ وَسطهمْ غير مكترِث. يُقَال عَسَمَ بِنَفسِهِ إِذا اقتحم. وَقَالَ غَيره: عَسَمَت العَيْنُ تَعْسِمُ فَهِيَ عَاسِمة إِذا غمَّضت، وَقَالَ غَيره: عَسَمَتْ إِذا ذَرَفَت، رَوَاهُ الْأَثْرَم عَن أبي عُبَيْدَة.
وَقَالَ ذُو الرُمّة:
ونِقْضٍ كرِئْمِ الرملِ نَاجٍ زَجَرته
إِذا الْعين كَادَت من كَرَى اللَّيْل تعْسِمُ
قيل: تَعْسِمُ تغمّض، وَقيل: تَذْرِف.
وَقَالَ الآخر:
كِلنا عَلَيْهَا بالقَفِيز الْأَعْظَم
تِسْعِين كُرًّا كلُّه لم يُعْسَم
أَي لم يُطَفَّفْ وَلم يُنقصْ.
وَقَالَ المفضّل: يُقَال لِلْإِبِلِ وَالْغنم وَالنَّاس إِذا جُهِدُوا: عَسَمَهُمْ شِدّة الزَّمَان. قَالَ والعَسْمُ الانتقاص. وحمارٌ أعْسَمُ: دَقِيق القوائم. وَمَا فِي قِدْحِه مَعْسَم أَي مَغْمز. ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ: العَسْمِيُّ: الكَسُوبُ على عِيَاله. والعَسْمِيُّ المُخَاتِل. والعَسْمِيُّ المصلح لأموره، وَهُوَ المعوجّ أَيْضا. قَالَ والعُسُمُ: الكادّون على العِيال، واحدهم عَسُومٌ وعَاسِمٌ. قَالَ والعَسُومُ: النَّاقة الْكَثِيرَة الْأَوْلَاد.
عمس: أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو قَالَ: العَمُوسُ: الَّذِي يَتَعَسَّفُ الْأَشْيَاء كالجاهل. وَمِنْه قيل: فلَان يَتَعَامس أَي يتغافل. قلت: وَمن قَالَ: يتغامس بالغين فَهُوَ مخطىء.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: يومٌ عَمَاسٌ مثل قَتَامٍ شَدِيد.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: يومٌ عَمَاسٌ، وَهُوَ الَّذِي لَا يُدْرَى من أَيْن يُؤْتى لَهُ. قَالَ: وَمِنْه قيل: أَتَانَا بِأُمُور مُعَمِّسَاتٍ ومُعَمَّسَاتٍ بِنصب الْمِيم وجرها أَي مُلَوَّيَاتٍ.
وَقَالَ اللَّيْث: جمع عَمَاسٍ عُمْسٌ؛ وَأنْشد للعجّاج:
ونزلوا بالسهل بعد الشأس
ومَرَّ أيامٍ مَضَين عُمْسِ
وَأسد عَمَاس: شَدِيد. وَقَالَ:
قبيِّلتان كالحذف المندّى
أطافٍ بَين ذوليد عَمَاسُ
وَقد عَمُسَ يومُنا عَمَاسَةً وعُمُوسةً. وَيُقَال: عَمَّسْت عليَّ الأمرَ أَي لبَّسته. وعَامَسْتُ فلَانا مُعَامَسَةً إِذا ساترته وَلم تجاهره بالعداوة. وَامْرَأَة مُعَامِسَةٌ: تتستَّر فِي شَبِيبتها وَلَا تتهتّك وَقَالَ الرَّاعِي:
إِن الْحَلَال وخَنْزَراً وَلَدَتْهُمَا
أُمٌّ مُعَامِسَةٌ على الأطهارِ
أَي تَأتي مَا لَا خير فِيهِ غير معالِنة بِهِ. وَقَالَ أَبُو ترابٍ: قَالَ خَليفَة الْحُصَينيّ: يُقَال تَعَامَسْتُ عَن الْأَمر وتَعَامَشْتُ وتَعَامَيْتُ بِمَعْنى واحدٍ. عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: العَمِيسُ الْأَمر المغطَّى. وَقَالَ الفرّاء: المُعَامَسَةُ السِّرَار. وَفِي (النَّوَادِر) حَلفَ فلَان على العُمَيْسِيَّة، وعَلى الغُمَيْسِيَّة، أَي على يَمِين غير حقّ.
سعم: أَبُو عبيد: السَعْمُ من سير الْإِبِل. وَقد سَعَمَ البعيرُ يَسْعَمُ سَعْماً. وناقةٌ سَعُومٌ(2/73)
وجَمَلٌ سَعُوم. وَقَالَ اللَّيْث: السَعْمُ: سرعَة السّير والتمادي فِيهِ. وَأنْشد:
سَعْمُ المَهَارَى والسُرَى دواؤُهُ
سمع: أَبُو زيد: يُقَال لسمع الْأذن: المِسْمَع وَهُوَ الخَرْق الَّذِي يُسمَع بِهِ. وَقد يُقَال لجَمِيع خُرُوق الْإِنْسَان. عَيْنَيْهِ ومَنْخِريه وإسته: مَسَامع، لَا يفرد وَاحِدهَا. الحرّاني عَن ابْن السّكيت: السَمْع سِمْع الْإِنْسَان وَغَيره. وَيُقَال: قد ذهب سِمْعُ فلَان فِي النَّاس وصِيتُه أَي ذِكْره. قَالَ: والسِمْعُ أَيْضا: ولد الذِّئْب من الضَبُع. وَيُقَال: سِمْع أزَلّ. قَالَ: وَقَالَ الفرّاء: يُقَال: اللَّهُمَّ سِمْعٌ لَا بِلْغٌ وسَمْعٌ لَا بَلْغٌ وسَمْعاً لَا بَلْغاً وسِمْعاً لَا بِلْغاً مَعْنَاهُ: يُسْمَعُ وَلَا يَبْلغُ. قَالَ وَقَالَ الْكسَائي: إِذا سمع الرجل الْخَبَر لَا يُعجبهُ قَالَ: سِمْعٌ لَا بِلْغٌ وسَمْعٌ لَا بَلْغٌ أَي أسْمَعُ بالدواهي وَلَا تَبْلغني. اللَّيْث: السَمْع: الأُذُن وَهِي المِسْمَعَةُ. قَالَ: والمِسْمَعُ: خَرْقها. والسِمْعُ: مَا وَقَر فِيهَا من شَيْء تسمعه. وَيُقَال أَسَاءَ سَمْعاً فأساء جَابَة أَي لم يسمع حَسَناً. قَالَ وَتقول الْعَرَب: سَمِعَتْ أُذُنِي زيدا يفعل كَذَا أَي أبصرْتُه بعيني يفعل ذَاك. قلت: لَا أَدْرِي من أَيْن جَاءَ اللَّيْث بِهَذَا الْحَرْف، وَلَيْسَ من مَذَاهِب الْعَرَب أَن يَقُول الرجل: سَمِعَتْ أُذُنِي بِمَعْنى أبصرتْ عَيْني وَهُوَ عِنْدِي كَلَام فَاسد، وَلَا آمن أَن يكون ممّا ولّده أهل البِدَع والأهواء وَكَأَنَّهُ من كَلَام الجَهْميَّة وَقَالَ اللَّيْث: السّمَاعُ: اسْم مَا استلذَّت الأذنُ من صوتٍ حسنٍ. والسَمَاعُ أَيْضا مَا سَمِعْتَ بِهِ فشاع وتُكُلِّمَ بِهِ. والسَامِعَتَان: الأذنان من كل ذِي سَمْعٍ، وَمِنْه قَوْله:
وَسَامِعَتَانِ تعرف العِتْق فيهمَا
كَسَامِعَتَيْ شاةٍ بحَوْمَلِ مُفْرَدِ
والسَمِيعُ من صِفَات الله وأسمائه. وَهُوَ الَّذِي وسِعَ سَمْعُهُ كلّ شَيْء؛ كَمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى: {} (المجادلة: 1) وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: {مُبْرِمُونَ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ} (الزخرف: 80) قلت: والعَجَب من قوم فسَّروا السَمِيع بِمَعْنى المُسْمِع، فِرَارًا من وصف الله بِأَن لَهُ سَمْعاً. وَقد ذكر الله الْفِعْل فِي غير مَوضِع من كِتَابه. فَهُوَ سَمِيعٌ: ذُو سَمْعٍ بِلَا تكييف وَلَا تَشْبِيه بالسميع من خَلْقه، وَلَا سَمْعُه كسمع خَلْقه، وَنحن نَصِفُهُ بِمَا وصف بِهِ نَفسه بِلَا تَحْدِيد وَلَا تكييف. وَلست أنكر فِي كَلَام الْعَرَب أَن يكون السَّمِيعُ سَامِعاً، وَيكون مُسمِعاً. وَقد قَالَ عَمْرو بن مَعْدِي كَرِبَ:
أمِنْ رَيْحَانَة الدَّاعِي السَّمِيعُ
يؤرِّقني وأصحابي هجوعُ
وَهُوَ فِي هَذَا الْبَيْت بِمَعْنى المُسْمِع، وَهُوَ شاذّ؛ وَالظَّاهِر الْأَكْثَر من كَلَام الْعَرَب أَن يكون السَّمِيع بِمَعْنى السَّامع، مثل عليم وعالم وقدير وقادر. ورجلٌ سَمَّاعٌ إِذا كَانَ كثير الِاسْتِمَاع لما يُقَال ويُنْطَق بِهِ. قَالَ الله جلّ وعزّ: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} (الْمَائِدَة: 42) وفُسِّرَ قَوْله: سَمَّاعُونَ للكذب على وَجْهَيْن أَحدهمَا: أَنهم يسمعُونَ لكَي يكذبوا فِيمَا سمعُوا.(2/74)
وَيجوز أَن يكون مَعْنَاهُ: أَنهم يسمعُونَ الْكَذِب ليُشيعوه فِي النَّاس وَالله أعلم بِمَا أَرَادَهُ. عَمْرو عَن أَبِيه أَنه قَالَ: من أَسمَاء الْقَيْد المُسْمِعُ. وَأنْشد:
وَلِي مُسْمِعَانِ وَزَمَّارَةٌ
وظلٌّ ظليلٌ وحصْنٌ أَمَقْ
أَرَادَ بالزمّارة: السّاجور. وَكتب الحجّاج إِلَى عَامل لَهُ: أَن ابعثْ إليّ فلَانا مُسَمَّعاً مُزَمَّراً أَي مَقيَّداً مُسَوْجَراً. وَقَالَ الزجّاج: المِسْمَعَانِ جَانِبا الغَرْب. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: المِسْمَعُ العُرْوة الَّتِي تكون فِي وسط المزادة. ووسط الغَرْب ليعتدل. أَبُو عبيد عَن الْأَحْمَر قَالَ: المِسْمَعَانِ: الخشبتان اللَّتَان تُدْخَلان فِي عُرْوتي الزَبِيل إِذا أخْرج بِهِ التُّرَاب من الْبِئْر، يُقَال مِنْهُ: أسمَعتُ الزَبِيل. وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن أبي نصر عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: المِسْمَعُ عُرْوة فِي دَاخل الدَّلْو بإزائها عُرْوَة أُخْرَى، فَإِذا استَثقل الصبيُّ أَو الشَّيْخ أَن يَسْتَقِي بهَا جمعُوا بَين العُرْوتين وشدّوهما لتخفّ. وَأنْشد:
سألتُ زيدا بعد بَكْرٍ خُفَّا
والدَلْوُ قد تُسْمَعُ كَيْ تَخِفَّا
قَالَ: سَأَلَهُ بَكْراً من الْإِبِل فَلم يُعْطه، فَسَأَلَهُ خُفًّا أَي جَمَلاً مُسِنًّا. وَقَالَ آخر:
ونَعْدِلُ ذَا المَيْلِ إنْ رَامَنَا
كَمَا عُدِلَ الغَرْبُ بالمِسْمَعِ
وَسمعت بعض الْعَرَب يَقُول للرجلين اللَّذين ينزِعان المِشْئاة من الْبِئْر بترابها عِنْد احتفارها، أسْمِعَا المِشْئاة أَي أبيناها عَن جُول الرَكِيَّة وفمها. وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} (الْبَقَرَة: 7) فَمَعْنَى خَتَمَ: طَبَعَ على قُلُوبهم بكفرهم، وهم كَانُوا يسمعُونَ ويبصرون، وَلَكنهُمْ لم يستعملوا هَذِه الحواسّ اسْتِعْمَالا يُجدي عَلَيْهِم؛ فصاروا كمن لم يسمع وَلم يبصر وَلم يعقل؛ كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
أصَمُّ عَمَّا سَاءَهُ سَمِيعُ
وَأما قَوْله: على سمعهم فَالْمُرَاد مِنْهُ على أسماعهم. وَفِيه ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا: أَن السّمع بِمَعْنى الْمصدر، والمصدر يوحّد يُرَاد بِهِ الْجَمِيع. وَالثَّانِي أَن يكون الْمَعْنى على مَوَاضِع سمعهم، فحذفت الْمَوَاضِع كَمَا تَقول: هم عَدْلٌ أَي ذَوُو عَدْلٍ. وَالْوَجْه الثَّالِث: أَن يكون إِضَافَته السّمع إِلَيْهِم دَالا على أسماعهم؛ كَمَا قَالَ:
فِي حَلْقكم عَظْم وَقد شَجِينا
مَعْنَاهُ: فِي حلوقكم. وَمثله كثير فِي كَلَام الْعَرَب. ورُوِي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (من سَمَّعَ النَّاس بِعَمَلِهِ سَمَّعَ الله بِهِ سَامِعُ خَلْقِه وحقّره وصغّره) . وَرَوَاهُ بَعضهم: أسَامِعَ خَلْقِه. قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ أَبُو زيد: يُقَال سَمَّعْتَ بِالرجلِ تسميعاً إِذا ندَّدت بِهِ وشهَّرته وفضحته. قَالَ: ومَن روى سامعُ خَلْقِه فَهُوَ مَرْفُوع أَرَادَ: سَمَّعَ الله سامعُ خلقه بِهِ أَي فضحه. وَمن رَوَاهُ أسَامِع خلقه فَهُوَ مَنْصُوب، وأسَامِع جمع أسْمُع وَهُوَ جمع السَمْع، ثمَّ أسَامِعُ جمع الأَسْمُع. يُرِيد إِن الله ليسمع أسماع خلقه بِهَذَا الرجل يَوْم الْقِيَامَة. والسُمْعَةُ: مَا(2/75)
سَمَّعْتَ بِهِ من طَعَام أَو غَيره رِيَاء. وسَمَّعْت بفلان فِي النَّاس إِذا نوَّهتَ بِذكرِهِ. وحدّثنا أَبُو الْقَاسِم بن مَنيع قَالَ: حدّثنا مُحَمَّد بن مَيْمُون قَالَ: حدّثنا سُفْيَان قَالَ: حَدثنَا الْوَلِيد بن حَرْب عَن سَلمة بن كُهَيل عَن جُنْدُب البَجَليّ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: (من سمَّع يسمّع الله بِهِ، وَمن يُراء يراءِ الله بِهِ) . زَاد هَذَا الْجُنَيْد عَن سُفْيَان بِإِسْنَادِهِ. أَبُو عبيد عَن أبي زيد فِي الْمُؤلف: شتَّرت بِهِ تشتيراً بِالتَّاءِ وندَّدت بِهِ وسمَّعت بِهِ وهجَّلت بِهِ إِذا أسمعته الْقَبِيح وشتمته. قَالَ الْأَزْهَرِي: من التسميع بِمَعْنى الشتم وإسماع الْقَبِيح قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من سمَّع يُسمِّع الله بِهِ) أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي أَو الْأمَوِي: السّمَعْمَعُ: الصغيرُ الرَّأْس. ورَوَى شمر عَن ابْن الْكَلْبِيّ أَن عَوَانَة حَدَّثه أَن الْمُغيرَة سَأَلَ ابْن لِسَان الحُمَّرة عَن النِّسَاء، فَقَالَ: النِّسَاء أَربع: فربيع مُرْبِع. وجَميعٌ تَجمع. وشيطانٌ سَمَعْمَع. ويروى سُمَّعَ، وغُلٌّ لَا يُخْلَع. قَالَ: فَسِّرْ. قَالَ: الرّبيع المُرْبِعُ: الشابَّة الجميلة، الَّتِي إِذا نظرْت إِلَيْهَا سرّتك، وَإِذا أَقْسَمت عَلَيْهَا أبَرّتك. وأمَّا الْجَمِيع الَّتِي تَجمع فالمرأة تَزَوَّجُها وَلَك نَشَبٌ وَلها نَشَبٌ فتجمع ذَلِك. وأمَّا الشَّيْطَان السَمَعْمَع فَهِيَ الكالحة فِي وَجهك إِذا دَخَلْتَ، المولولِة فِي أثرك إِذا خرجتَ. قَالَ شمر: وَقَالَ بَعضهم امْرَأَة سَمَعْمَعَة كَأَنَّهَا غُول. قَالَ: والشيطان الْخَبيث يُقَال لَهُ سَمَعْمَع. قَالَ: وَأما الغُلّ الَّذِي لَا يُخْلع فبنت عمك القصيرة الفوهاء، الدَمِيمة السَّوْدَاء، الَّتِي قد نَثَرتْ لَك ذَا بطنِها. فَإِن طلّقتها ضَاعَ ولدك، وَإِن أمسكْتها أمسكْتها على مثل جَدْع أَنْفك. وَقَالَ اللَّيْث: السَمَعْمَع من الرِّجَال: المنكمش الْمَاضِي. قَالَ: وغُولٌ سَمَعْمَعٌ وَامْرَأَة سَمَعْمَعةٌ كَأَنَّهَا غولٌ أَو ذئبةٌ. والمِسْمَعان الأذنان، يُقَال: إِنَّه لطويل المِسْمَعَين. وَقَالَ اللَّيْث: السميعان من أدوات الحرّاثين: عودان طويلان فِي المِقْرَن الَّذِي يُقْرن بِهِ الثَوْران لحراثة الأَرْض. وَقَالَ أَبُو عبيد عَن أبي زيد: امرأةٌ سُمْعُنَّة نُظْرُنَّة، وَهِي الَّتِي إِذا سَمِعتْ أَو تبصّرتْ فَلم تَرَ شَيْئا تظنَّتْ تَظَنِّياً أَي عمِلتْ بظنّ. قَالَ وَقَالَ الْأَحْمَر أَو غَيره: سِمْعَنَّةٌ نِظْرَنَّةٌ. وَأنْشد:
إنَّ لنا لكَنَّهْ مِعَنَّة
مِفَنَّهْ سِمْعَنَّةً نِظْرَنَّهْ
إلاَّ ترهْ تَظُنَّهْ
كالذئب وَسْطَ العُنَّهْ
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال فعلتُ ذَلِك تَسْمِعَتَكَ وتَسْمِعَةً لَك أَي لِتَسْمَعَهُ. وَفِي حَدِيث قَيْلَة أَن أُخْتهَا قَالَت: الويلُ لأختي، لَا تخبرها بِكَذَا فتخرجَ بَين سمع الأَرْض وبصرها. قَالَ أَبُو زيد: يُقَال خرج فلَان بَين سَمْعِ الأَرْض وبصرها إِذا لم يَدْرِ أَيْن يتوجَّه. وَقَالَ أَبُو عبيد: معنى قَوْلهَا: تخرج أُخْتِي مَعَه بَين سمع الأَرْض وبصرها: أَن الرجل يَخْلُو بهَا لَيْسَ مَعهَا أحد يسمع كَلَامهَا أَو يبصرها إلاّ الأَرْض القَفْر، لَيْسَ أَن الأَرْض لَهَا سَمْع وَلكنهَا وَكّدت الشناعة فِي خلوتها بِالرجلِ الَّذِي صحبها. وَقيل مَعْنَاهُ: أَن تخرج بَين سَمْع أهل الأَرْض(2/76)
وأبصارهم، فحذفت الْأَهْل كَقَوْل الله جلّ وعزّ: {وَاسْئَلِ الْقَرْيَةَ} (يُوسُف: 82) أَي أَهلهَا.
وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال لقِيته يمشي بَين سَمْع الأَرْض وبصرها أَي بأرضٍ خلاءٍ مَا بهَا أحد. قلت: وَهَذَا يقرب من قَول أبي عبيد، وَهُوَ صَحِيح. وَقَالَ بَعضهم: غولٌ سُمَّعٌ: خَفِيف الرَّأْس. وَأنْشد شمر الْبَيْت:
فَلَيْسَتْ بِإِنْسَان فينفعَ عقلُه
وَلكنهَا غولٌ من الجنّ سُمَّعُ
والسَمَعْمَع والسَمْسَام من الرِّجَال: الدَّقِيق الطَّوِيل. وامرأةٌ سَمَعْمَعة سَمْسامة. وَأنْشد غَيره:
وَيْلٌ لأجمال الْعَجُوز مِنِّي
إِذا دنوتُ ودَنَوْنَ مِنِّي
كأنني سَمَعْمَع من جِنّ
وأمّ السَمْعِ وأمّ السَّمِيعِ: الدِّمَاغ. قَالَ:
نَقَبْنَ الحَرّة السَّوْدَاء عَنْهُم
كنقب الرَّأْس عَن أُمّ السَمِيعِ
ويُقال فِي التَّشْبِيه: هُوَ أَسْمَعُ من الْفرس والقُرَاد وفرخ العُقاب والقُنْفُذ.
معس: أهمله اللَّيْث. وَفِي الحَدِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرَّ على أَسمَاء بنت عُمَيس وَهِي تَمعَسُ إهاباً لَهَا. تَمْعَسُ أَي تَدْبُغ. وأصل المَعسْ: الدَّلْك للجِلْد بعد إِدْخَاله فِي الدِبَاغ.
وَقَالَ ابْن السّكيت: قَالَ الْأَصْمَعِي: بعثت امْرَأَة من الْعَرَب بِنْتا لَهَا إِلَى جارتها: أَن ابعثي إِلَيّ بنَفْسٍ أَو نَفْسَيْنِ من الدّباغ أمعَسُ بِهِ مَنِيئتي فَإِنِّي أفِدَةٌ. والمَنِيئَة المَدْبغة. والنَفْسُ: قَدْر مَا يُدْبَغ بِهِ من ورق القَرَظ أَو الأرْطَى. وأنشدني الْمُنْذِرِيّ وَذكر أَن الْعَبَّاس أخبرهُ عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه أنْشدهُ:
يُخْرِجُ بَين الناب والضُرُوس
حمراءَ كالمنيئة المَعُوسِ
أَرَادَ: شِقْشِقة حَمْرَاء، شبّهها بالمنيئة المحرّكة فِي الدّباغ.
وَقَالَ آخر:
وصاحبٍ يَمْتَعِسُ امْتِعَاساً
والمَعْسُ: النِّكَاح، وَأَصله الدَّلْك: قَالَ الراجز:
فشِمْتُ فِيهَا كعمود الحِبْسِ
أمْعَسُهَا يَا صاحِ أيّ مَعْسِ
وَالرجل يَمْتَعِسُ أَي يمكّن استه من الأَرْض ويُحرّكها عَلَيْهِ.
مسع: أهمله اللَّيْث. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: المَسْعِيُّ من الرِّجَال: الْكثير السيرِ القويّ عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيد قَالَ الأصمعيّ: يُقَال للشمَال: نِسْع ومِسْعٌ.
(أَبْوَاب الْعين وَالزَّاي)
ع ز ط
اسْتعْمل من وجوهها: (طزع) .
طزع: يُقَال: رجلٌ طَزِعٌ وطَزِيعٌ وطَسِعٌ وطَسِيعٌ؛ وَهُوَ الَّذِي لَا غَيْرة لَهُ وَقد طَزِع طَزَعَاً.
ع ز د
أهملت وجوهه.(2/77)
دعز عزد: وَذكر ابْن دُرَيْد حرفين: دعز، عزد. قَالَ: الدَعْز: الدّفع يُقَال دَعَزَ الْمَرْأَة إِذا جَامعهَا.
وَقَالَ غَيره مَعَه: العَزْد والعَصْد الْجِمَاع. وَقد عَزَدَهَا عَزْداً إِذا جَامعهَا.
ع ز ت ع ز ظ، ع ز ذ، ع ز ث.
أهملت (وجوهها) .
(بَاب الْعين وَالزَّاي مَعَ الرَّاء)
(ع ز ر)
عزّر، عرز، زرع، زعر: مستعملة.
ر عز، ر ز ع: مهملان.
عزّر: قَالَ الله جلّ وَعز: {وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ} (الْفَتْح: 9) وَقَالَ: {وَعَزَّرْتُمُوهُمْ} (الْمَائِدَة: 12) جَاءَ فِي التَّفْسِير فِي قَوْله تَعَالَى: (لتعزروه) : أَي لتنصروه بِالسَّيْفِ. ومَن نصر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقد نصر الله تَعَالَى.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِي قَوْله: {وَعَزَّرْتُمُوهُمْ} (الْمَائِدَة: 12) قَالَ: عظَّمتموهم. وَقَالَ غَيره: {عزرتموهم: نصرتموهم.
وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن السّرِيّ: وَهَذَا هُوَ الْحق وَالله أعلم. وَذَلِكَ أَن العَزْر فِي اللُّغَة: الردّ وَتَأْويل عزَّرْت فلَانا أَي أدَّبته إِنَّمَا تَأْوِيله: فعَلتُ بِهِ مَا يَرْدَعه عَن الْقَبِيح؛ كَمَا أَن نكَّلت بِهِ تَأْوِيله: فعَلت بِهِ مَا يجب أَن يَنْكُل مَعَه عَن المعاودة. فَتَأْوِيل عزَّرتموهم نصرتموهم، بِأَن تردّوا عَنْهُم أعداءهم. وَلَو كَانَ التَّعْزِير هُوَ التوقير لَكَانَ الأجود فِي اللُّغَة الِاسْتِغْنَاء بِهِ. والنُصْرة إِذا وَجَبت فالتعظيم دَاخل فِيهَا؛ لِأَن نُصْرة الْأَنْبِيَاء هِيَ المدافعة عَنْهُم، والذبّ عَن دينهم وتعظيمهم وتوقيرهم.
قَالَ: وَيجوز: تَعْزُرُوه من عَزَرته عَزْراً بِمَعْنى عَزَّرْته تعزيراً. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العَزْرُ: النصرُ بِالسَّيْفِ. والعَزْرُ: التَّأْدِيب دون الحَدّ. والعَزْرُ: المنعُ والعَزْرُ: التَّوْقِيف على بَاب الدّين. قلت: وَحَدِيث سَعْدٍ يدلُ على أَن التَّعْزِير هُوَ التَّوْقِيف على الدّين؛ لِأَنَّهُ قَالَ: لقد رَأَيْتنِي مَعَ رَسُول الله وَمَا لنا طَعَام إِلَّا الحُبْلَة وورق السَمُر، ثمَّ أصبحتْ بَنو أَسد تعزّرني على الْإِسْلَام، لقد ضللتُ إِذا وخاب عَمَلي. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي أَيْضا: التَّعْزِير فِي كَلَام الْعَرَب: التوقير. وَالتَّعْزِير: النَّصْر بِاللِّسَانِ وَالسيف. وَالتَّعْزِير: التَّوْقِيف على الْفَرَائِض وَالْأَحْكَام. وَقَالَ أَبُو عبيد: أصل التَّعْزِير التَّأْدِيب. وَلِهَذَا يُسمى الضَّرْب دون الحَدّ تعزيراً، إِنَّمَا هُوَ أدبٌ. قَالَ: وَيكون التَّعْزِير فِي مَوضِع آخر: تعظيمَك الرجل وتبجيلَه: وَقَالَ ابْن الأعرابيّ: معنى قَول سعدٍ: أصبحتْ بَنو أسدٍ تعزرني على الْإِسْلَام أَي توقِّفني عَلَيْهِ. قلت وأصل العَزْر الردّ وَالْمَنْع. وَقَالَ اللَّيْث: العَزِيرُ بلغَة أهل السوَاد هُوَ ثمن الكَلأ والجميع العزائر. يَقُولُونَ: هَل أخذت عَزِير هَذَا الحَصِيد؟ أَي هَل أخذت ثمن مراعيها؛ لأَنهم إِذا حصدوا باعوا مراعيها. وعُزَير: اسْم نبيّ. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: هِيَ العَزْوَرَة والحَزْوَرَةُ والسَرْوَعَة والقائدة:(2/78)
الأكمة. أَبُو عَمْرو: مَحَالة عَيْزَارَة: شَدِيدَة الْأسر. وَقد عَيْزَرَهَا صَاحبهَا. وَأنْشد:
فابْتَغِ ذَات عَجَل عَيَازِرَا
صَرَّافَةَ الصَّوْت دَمُوكا عَاقِرَا
والعَزَوَّرُ: السّيء الخُلُق عَن أبي عَمْرو. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: العَيْزَارُ الغُلاَم الْخَفِيف الرّوح النشيط. وَهُوَ اللَقْنُ الثَقْفُ وَهُوَ الريشة، والمماحل والمماني. عَزْوَرُ: مَوضِع قريب من مكَّة. قَالَ ابْن هَرْمَة:
وَلم ننس أظعاناً عَرَضْن عَشِيَّة
طوالع من هَرْشَى قواصد عَزْوَرَا
والعَيَازِرُ: بقايا الشّجر الَّذِي أُخذت أعاليه بِالْقطعِ وَالْأكل.
عرز: أَبُو عبيد عَن أبي زيد: المُعارَزة: المعاندة والمجانبة وَأنْشد للشمّاخ:
وكلُّ خَلِيل غيرِها ضم نفسِه
لوصل خَلِيل صارِمٌ أَو مُعَارِزُ
شمر: المُعَازِرُ: المُعَاتِبُ وَقَالَ اللَّيْث: العَارزُ: العاتبُ. قَالَ: والعَرَز والواحدة عَرَزة وَهِي شَجَرَة من أصاغر الثُمَام وأدقّ شَجَره، لَهُ ورق صغَار متفرِّقة. وَمَا كَانَ من شجر الثُمَام من ضَرْبه فَهُوَ ذُو أمَاصِيخ، يمصوخةٌ فِي جَوف أمصوخة، تنقلع الْعليا من السُّفْلى انقلاع العِفَاص من رَأس المُكْحُلة. وَقَالَ غَيره: العَرْز: الانقباض، وَقد اسْتَعْرزَ الشيءُ أَي انقبض وَاجْتمعَ. وَيُقَال: عَرَزت لفُلَان عرزاً، وَهُوَ أَن تقبِض على شَيْء فِي كفّك وتضم عَلَيْهِ أصابعك وتُرِي مِنْهُ شَيْئا صاحبَك لينْظر إِلَيْهِ وَلَا تريه كُله. وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) أعرزتني من كَذَا أَي أعوزْتني مِنْهُ. وروى أَبُو تُرَاب للخليل قَالَ: التعريز كالتعريض فِي الْخُصُومَة.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العُرَّازُ المغتابون للنَّاس. قَالَ: والعَرَز: شجر الثُمام.
زرع: اللَّيْث: الزَرْع: نَبَات كل شَيْء يُحْرَث. وَالله يَزْرعه أَي يُنَمِّيه حَتَّى يبلغ غَايَته. وَيُقَال للصبيّ: زرعه الله أَي أَنْبَتَهُ. والمُزْدَرِع: الَّذِي يزدرِع زَرْعاً يتخصَّص بِهِ لنَفسِهِ والمُزْدَرَعُ مَوضِع الزِّرَاعَة. وَقَالَ الشَّاعِر:
واطلبْ لنا مِنْهُمُ نخلا ومُزْدَرَعاً
كَمَا لجيراننا نَخْلٌ ومُزْدَرَعٌ
مُفْتَعَلٌ من الزَّرْع. ومَنِيُّ الرجل: زَرْعُهُ.
وَقَالَ النَّضر: الزِرِّيعُ: مَا ينْبت فِي الأَرْض المستحيلة، مِمَّا يَتَنَاثَر فِيهَا أَيَّام الْحَصاد من الحَبِّ.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الزَرَّاعُ: النمّام الَّذِي يَزْرع الأحقادَ فِي قُلُوب الأحِبَّاء. أزْرعَ الزرعُ: أحصد. وَلَا ينزرع أَي لَا ينْبت. وكل بَذْر أردْت زرعه فَهُوَ زُرْعَة. والزَرّاعات: مَوَاضِع الزَّرْع كالمَلاّحات مَوَاضِع المِلْح. قَالَ جرير:
فقَلَّ غَنَاءٌ عَنْك فِي حَرْب جعفرٍ
تُغَنِّيك زَرَّاعَاتُهَا وقصُورهَا
والمَزْرَعَةُ المَزْرَعَة. وزُرِعَ لفُلَان بعد(2/79)
شقاوة أَي أصَاب مَالا بعد حَاجَة. وتَزَرَّعَ إِلَى الشَّيْء: تسرع. وَيُقَال للكلاب: أَوْلَاد زارِع. قَالَ:
وَأخرج مِنْهُ الله أَوْلَاد زارع
مُوَلَّعة أكنافها وجُنُوبها
والمَزْروعان من بني كَعْب بن سعد لَقَبان لَا إسمان.
زعر: اللَّيْث: الزَعَر فِي شَعر الرَّأْس وَفِي ريش الطَّائِر: قلّةٌ ورِقَّة وتفرّق. وَذَلِكَ إِذا ذهبت أصولُ الشَعر وَبَقِي شكيره. وَقَالَ: ذُو الرمة يصف الظليم:
كَأَنَّهُ خَاضِبٌ زُعْرٌ قوادمه
أجْنَى لَهُ باللِوَى آءٌ وتَنَوُّمُ
وَقد زَعِرَ رَأسه يَزْعَرُ زَعَراً. أَبُو عبيد: فِي خُلُقه زَعَارَّةٌ بتَشْديد الرَّاء مثل حَمارة الصَّيف أَي شَرَاسة وَسُوء خُلُق وَرُبمَا قَالُوا: هُوَ زَعِرَ الْخُلُق. وَمِنْهُم من يخفِّف فَيَقُول فِي خُلُقه زَعَارَة، وَهِي لُغَة.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: الزَعَر: قِلَّة الشَعَر. وَمِنْه قيل للأحداث: زُعْرَان. وَقَالَ ابْن شُمَيل: الزُعْرُورُ: شَجَرَة الدُبّ. وَقَالَ غَيره الزعرور ثَمَر شجر، مِنْهُ أحمرُ وأصفر، لَهُ نوى صُلْبٌ مستدير. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الفُلْك: الزُعْرور. رَوَاهُ أَبُو الْعَبَّاس عَن عَمْرو عَن أَبِيه.
(بَاب الْعين وَالزَّاي مَعَ اللَّام)
(ع ز ل)
عزل، علز، زلع، زعل، لعز:} مستعملة.
عزل: العَزْل: عَزْل الرجل الماءَ عَن جَارِيَته إِذا جَامعهَا لئلاَّ تحمل. وَفِي حَدِيث أبي سعيد الخُدْرِيّ أَنه قَالَ: بَينا أَنا جَالس عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَاءَ رجل من الْأَنْصَار فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنَّا نصيب سَبْياً فَنحب الْأَثْمَان، فَكيف ترى فِي العَزْل؟ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا عَلَيْكُم ألاّ تَفعلُوا ذَلِك فَإِنَّهَا مَا من نَسَمة كتب الله أَن تخرج إِلَّا وَهِي خَارِجَة) وَفِي حَدِيث آخر: (مَا عَلَيْكُم ألاَّ تَفعلُوا) . قلت من رَوَاهُ (لَا عَلَيْكُم أَلا تَفعلُوا) فَمَعْنَاه عِنْد النَّحْوِيين: لَا بَأْس عَلَيْكُم أَلا تَفعلُوا، حذف مِنْهُ (بَأْس) لمعْرِفَة الْمُخَاطب بِهِ. وَمن رَوَاهُ (مَا عَلَيْكُم أَلا تَفعلُوا) فَمَعْنَاه أَي شَيْء عَلَيْكُم أَلا تَفعلُوا، كَأَنَّهُ كرِه لَهُم العَزْل وَلم يحرِّمه. قلت وَفِي قَوْله: (نُصِيبُ سَبْياً فنحبّ الْأَثْمَان فَكيف ترى فِي الْعَزْل) كالدلالة على أَن أمّ الوَلَد لَا تبَاع. وَيُقَال: اعزِلْ عَنْك مَا يَشِينك أَي نَحِّه عَنْك. وكنتُ بمَعْزِلٍ من كَذَا وَكَذَا أَي كنت بِموضع عُزْلةٍ مِنْهُ وكنتُ فِي نَاحيَة مِنْهُ. واعتزلت الْقَوْم أَي فَارَقْتهمْ وتنحَّيت عَنْهُم. وقومٌ من القَدَريَّة يلقَّبون المعتزِلة، زَعَمُوا أَنهم اعتزلوا فئتي الضَّلَالَة عِنْدهم، يعنون أهلَ السّنة والجماعةِ والخوارجَ الَّذين يستعرِضون النَّاس قتلا. والعَزَلُ فِي ذنَب الدابّة: أَن يَعزِل ذَنَبَه فِي أحد الْجَانِبَيْنِ، وَذَلِكَ عادةٌ لَا خِلْقة. وفرسٌ أعزلُ الذَنَب إِذا كَانَ كَذَلِك. وَمِنْه قَول امرىء الْقَيْس:
بِضَافٍ فُوَيْقَ الأَرْض لَيْسَ بأَعْزَلِ
وَقَالَ النَّضر: الكشَفُ أَن ترى ذَنَبَه زائلاً عَن دُبُره. وَهُوَ العَزَل.(2/80)
وَقَالَ اللَّيْث: الأعزل من الدَّوَابّ: الَّذِي يمِيل بذَنَبه عَن دُبُره. والأعزل من الرِّجَال: الَّذِي لَا سلَاح مَعَه. وَأنْشد أَبُو عبيد:
وَأرى الْمَدِينَة حِين كنت أميرها
أمِنَ البريء بهَا ونام الأعْزَلُ
وَفِي نُجُوم السَّمَاء سِمَاكَانِ: أَحدهمَا السِمَاك الأعزل، وَالْآخر السماك الرامح. فأمَّا الأعزل فَهُوَ من منَازِل القَمَر، ينزل الْقَمَر وَهُوَ شآمٍ وسُمّي أعزل لِأَنَّهُ لَا شَيْء بَين يَدَيْهِ من الْكَوَاكِب؛ كالأعزل الَّذِي لَا سلَاح مَعَه. وَيُقَال: سُمِّي أعزل لِأَنَّهُ إِذا طلع لَا يكون فِي أَيَّامه ريحٌ وَلَا بَرْدٌ. وَقَالَ أوْس بن حَجَر:
كأنّ قُرُون الشَّمْس عِنْد ارتفاعها
وَقد صادفتْ قَرْناً من النَّجْم أعْزَلاَ
تردَّد فِيهِ ضوؤها وشعاعها
فاحْصِنْ وأزْيِنْ لامرىءٍ إِن تَسَرْبَلاَ
أَرَادَ إِن تسربل بهَا، يصف الدرْع أَنَّك إِذا نظرت إِلَيْهَا وَجدتهَا صَافِيَة برّاقةً، كأنّ شُعَاع الشَّمْس وَقع عَلَيْهَا فِي أَيَّام طُلُوع الأعزل والهواءُ صافٍ. وَقَوله: تردَّد فِيهِ يَعْنِي فِي الدرْع فذكّره للَّفظ، وَالْغَالِب عَلَيْهَا التَّأْنِيث. وَقَالَ الطرِمَّاح:
محاهُنّ صَيّبُ نَوْء الرّبيع
من الأنجم العُزْلِ والرامحهْ
وعَزْلاء المزادة: مَصَبّ الماءِ مِنْهَا فِي أَسْفَلهَا حَيْثُ يُستفرغ مَا فِيهَا من المَاء، وَجَمعهَا العَزَالِي؛ سمّيت عزلاء لِأَنَّهَا فِي أحد خُصْمَيِ المزادة لَا فِي وَسطهَا، وَلَا هِيَ كفمها الَّذِي مِنْهُ يُسْقَى فِيهَا، وَيُقَال للسحابة إِذا انهمرت بالمطر الْجَوْد: قد حَلَّتْ عَزَالِيهَا، وَأرْسلت عَزَالِيهَا. والمِعْزَالُ من النَّاس: الَّذِي لَا ينزل مَعَ الْقَوْم فِي السَفَر، وَلَكِن ينزل وَحده. وَهُوَ ذمّ عِنْد الْعَرَب بِهَذَا الْمَعْنى. وَيكون المِعْزَال: الَّذِي يستبِدّ بِرَأْيهِ فِي رَعْي أُنُف الكَلأ، ويتّبع مساقط الْغَيْث، ويَعْزُبُ فِيهَا، فَيُقَال لَهُ: مِعْزَابه ومِعْزال. وَمِنْه قَوْله:
وتلوى بلَبُون المِعْزَابَة المِعْزَالِ
وَهَذَا الْمَعْنى لَيْسَ بذمّ عِنْدهم لِأَن هَذَا من فعل الشجعان وَذَوي الْبَأْس والنَجْدة من الرِّجَال. وَيجمع الأعزل من الرِّجَال الَّذِي لَا سلَاح مَعَه: عزلاً وأعْزَالاً. وَمِنْه قَول الفِنْد الزِمّاني واسْمه شَهْل:
رَأَيْت الْفتية الأعْزَا
ل مثل الأيْنُق الرُعْلِ
فَجمع الأعزل على أعزال، وَكَأَنَّهُ جَمْع العُزُلِ. وَقد جَاءَ فِي الشِعر: عُزَّلاً. وَمِنْه قَول الْأَعْشَى:
غير مِيل وَلَا عواوير فِي الهي
جا وَلَا عُزَّلٍ وَلَا أكْفَالِ
وَقَالَ أَبُو مَنْصُور: الأعزال جمع العُزُل على فُعُل كَمَا يُقَال: جُنُب وأجناب ومياه أسدام جمع سُدُم.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الأعزل من اللَّحْم يكون نصيبَ الرجل الْغَائِب. وَالْجمع عُزْلٌ. قَالَ: والأعزل من الرمال: مَا انْعَزل عَنْهَا أَي انْقَطع.(2/81)
وَيُقَال لسائق الْحمار: اقْرع عَزَلَ حِمَارك أَي مؤخِّره. والعَزَلَة: الحَرْقَفة. والأعزل: النَّاقِص إِحْدَى الحَرْقَفتين. وَأنْشد:
قد أعجلت ساقتها قرع العَزَلْ
أَبُو دَاوُد عَن ابْن شُمَيْل: مرّ قَتَادَة بِعَمْرو ابْن عبيد فَقَالَ: مَا هَذِه المُعْتَزِلَةُ: فسُمُّوا الْمُعْتَزلَة. وَهُوَ عَمْرو بن عبيد بن بَاب. وَفِيه يَقُول الْقَائِل:
بَرِئتُ من الْخَوَارِج لستُ منْهم
من العُزَّالِ مِنْهُم وَابْن بَاب
وعازلة: اسْم ضَيْعة كَانَت لأبي نُخَيلة الْحِمَّاني. وَهُوَ الْقَائِل فِيهَا:
عازلة عَن كل خير تُعْزَل
يابسة بطحاؤها تُفَلْفِلُ
للجنّ بَين قارَتَيْها أفكل
أقبل بِالْخَيرِ عَلَيْهَا مقبلُ
ومقبل: اسْم جبل بِأَعْلَى عازلة.
علز: قَالَ اللَّيْث: العَلَزُ: شِبه رِعْدة تَأْخُذ الْمَرِيض والحريص على الشَّيْء. تَقول: مَالِي أَرَاك عَلِزاً. وَأنْشد:
عَلَزَان الأسِير شُدَّ صِفَادا
قلت: وَالَّذِي ينزل بِهِ الْمَوْت يُوصف بالعَلَز، وَهُوَ سِيَاقه نفسَه. يُقَال: هُوَ فِي عَلَز الْمَوْت.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: عَلِزَ الرجل يَعْلَزُ عَلَزاً إِذا غَرِضَ. قلت: معنى قَوْله: غَرِضَ هَهُنَا أَي قَلِق.
أَبُو عبيد عَن أبي عَمْرو: العِلَّوص والعِلَّوز جَمِيعًا: الوجع الَّذِي يُقَال لَهُ اللَوَى. وعَالِز: اسْم مَوضِع وَيُقَال للبظْر إِذا غَلُظَ: عِلْوَذّ وعِلْوَدّ. والعِلْوَز: الْجُنُون. وأعلزني أَي أعوزني.
زلع: فِي الحَدِيث أَن المُحْرِم إِذا تزلّعَتْ رجلُه فَلهُ أَن يَدْهُنها. تزلّعَتْ أَي تشقّقت. قَالَ ذَلِك أَبُو عبيد وَغَيره.
وَقَالَ اللَّيْث: الزُّلُوع: شُقُوق تكون فِي ظهر الْقدَم وباطنِه، يُقَال زَلَعَتْ رِجْلُهُ وقدمُهُ. قَالَ: والزَلْعُ استلابٌ فِي خَتْل؛ تَقول زَلَعْتُهُ وازدلعته. وَقَالَ الْمفضل: ازدلع فلَان حَقِّي إِذا اقتطعته. وَقَالَ: ازْدَلَعْتُ الشَّجَرَة إِذا قطعتها. وَهُوَ افتعال من الزَلْع. وَالدَّال فِي ازدلعت كَانَت فِي الأَصْل تَاء.
وَقَالَ اللَّيْث: أزْلَعْتُ فلَانا فِي كَذَا أَي أطْعَمْتُهُ.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: الزَيْلَعُ خَرَز مَعْرُوف. قَالَ: وزَيْلَعُ: مَوضِع. وَقَالَ زَلِعَتْ جراحته إِذا فسدتْ.
وَقَالَ النَّضر: الزُلُوع والسُلوع: صُدوع فِي الْجَبَل فِي عُرْضه.
وَقَالَ أَبُو عبيد: زَلَعْتُ رِجْله بالنَّار أزْلَعُهَا.
المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي يُقَال: زلعته وسلقته ودثثته وعصوته وهروته وفأوته بِمَعْنى وَاحِد رجل أزلع: قصير الشفتين فِي اسْتِحَالَة عَن وضَح الْفَم. وَامْرَأَة زَلْعاء وَلْعاء: وَاسِعَة الْفرج) .
زعل: أَبُو عبيد: الزَعَل: النشاط. وَقَالَ اللَّيْث الزَعِلُ النشيط الأشِر. وحِمَار زَعِل. وَقد أزْعَلَهُ الرِعْيُ. وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْب:(2/82)
أكل الْجمِيم وطاوعَتْهُ سَمْحَجٌ
مثلُ الْقَنَاة وأزْعَلَتْهَا الأَمْرُعُ
وَقَالَ أَبُو زيد: الزَعَلُ والعَلَزُ: التضوُّر. وَقَالَ اللَّيْث: الزَعْلة من الْحَوَامِل: الَّتِي تَلد سنة وَلَا تَلد سنة، كَذَلِك تكون مَا عاشت.
لعز: اللَّيْث: لَعَز فلَان جَارِيَته يَلْعَزُهَا إِذا جَامعهَا. قَالَ: وَهُوَ من كَلَام أهل الْعرَاق. وَقَالَ ابْن دُرَيْد: اللعْز: كِنَايَة عَن النِّكَاح، بَات يَلْعَزها. قَالَ: وَفِي لُغَة قوم من الْعَرَب لَعَزَت الناقةُ فصيلها إِذا لَطِعته بلسانها.
(بَاب الْعين وَالزَّاي مَعَ النُّون)
(ع ز ن)
عنز، نزع، عزن. (مستعملة) .
عزن: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: أعزن الرجل إِذا قَاسم نصِيبه فَأخذ هَذَا نصِيبه وَهَذَا نصِيبه. قلت: وَكَأن النُّون مبدلة من اللَّام فِي هَذَا الْحَرْف.
عنز: أَبُو عبيد: العَنَزَة: قَدْرُ نصف الرُمْح أَو أكبر شَيْئا وفيهَا زُجٌ كزُجّ الرمْح. وَقَالَ اللَّيْث: العَنَزَة والجميع العَنَزُ يكون بالبادية، دقيقُ الخَطْم. وَهُوَ من السِبَاع يَأْخُذ الْبَعِير من قِبَل دُبُره، وقلّما يُرَى. ويزعمون أَنه شَيْطَان. قلت: العَنَزة عِنْد الْعَرَب من جنس الذئاب، وَهِي مَعْرُوفَة، وَرَأَيْت بالصَمَّان نَاقَة مُخِرَتْ من قِبَل ذَنبها لَيْلًا: فَأَصْبَحت وَهِي ممخورة قد أكلت العَنَزَة من عجزها طَائِفَة والناقة حَيّة، فَقَالَ راعي الْإِبِل وَكَانَ نُمَيريًّا فصيحاً طرقها العَنَزَةُ فمخرهَا والمَخْرُ: الشق وقلَّما تظهر العَنَزَة لخُبْثها. وَمن أَمْثَال الْعَرَب الْمَعْرُوفَة: ركبتْ عَنْز بِحِدْج جملا. وفيهَا يَقُول الشَّاعِر:
شَرَّ يوميها وأغواه لَهَا
ركِبتْ عنزٌ بحِدْج جَمَلاَ
وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الْأَصْمَعِي: أَصله أَن امْرَأَة من طَسْم يُقَال لَهَا عَنْزٌ، أُخِذَتْ سَبِيّة فحملوها فِي هودج وألطفوها بالْقَوْل وَالْفِعْل. فَعِنْدَ ذَلِك قَالَت: شرَّ يَوْمَيْهَا وأغواه لَهَا. تَقول شرُّ أيامي حِين صرت أُكرَم للسِبَاء، يضْرب مثلا فِي إِظْهَار البِرّ بِاللِّسَانِ والفعلِ لمن يُرَاد بِهِ الغوائل. وعُنَيْزَة من أَسمَاء النِّسَاء تَصْغِير عَنَزَة أَو عَنْزَةٍ. وقبيلةٌ من الْعَرَب ينْسب إِلَيْهَا فَيُقَال: فلَان العَنَزِي. والقبيلة اسْمهَا عَنَزَة، والعَنْزُ الْأُنْثَى من المِعْزَى. وَأنْشد ابْن الْأَعرَابِي:
أَبُهَيُّ إنّ العَنْز تمنع رَبهَا
مِن أَن يُبَيِّتَ جَاره بالحَائِلِ
أَرَادَ يَا بُهَيَّة فرخّم. وَالْمعْنَى: أَن العَنْز يتبّلغ أَهلهَا بلبنها فتكفيهم الغارةَ على مَال الْجَار المستجير بأصحابها. وحَائل: أَرض بِعَينهَا أَدخل عَلَيْهَا الْألف وَاللَّام للضَّرُورَة. وَقَالَ اللَّيْث: وَكَذَلِكَ العَنْز من الأوعال والظباء. قَالَ: والعنْزُ: ضربٌ من السّمك يُقَال لَهُ: عَنْز المَاء. قلت: وسألني أعرابيّ عَن قَول رؤبة:
وأرَمٍ أعيسُ فَوق عَنْزِ
فَلم أعرفهُ. فَقَالَ: العَنْز القارة السَّوْدَاء. والأرَم: عَلَم يبْنى فَوْقهَا. وَجعله أعيس لِأَنَّهُ بُني من حِجَارَة بيض ليَكُون أظهر لمن(2/83)
يُرِيد الاهتداء بِهِ على الطَّرِيق فِي الفلاة. وعُنَيْزَة: مَوضِع فِي الْبَادِيَة معروفٌ، وَقَالَ اللَّيْث: العَنْز فِي قَول رؤبة، صَخْرَة تكون فِي المَاء، وَالَّذِي قَالَه الأعرابيّ أصحّ. وَقَالَ اللَّيْث: العَنْز من الأَرْض: مَا فِيهِ حُزُونة من أكمة أَو تَلّ أَو حِجَارَة. وَقَالَ غَيره: يُقَال نَزَل فلَان معتنِزاً إِذا نزل حَرِيداً فِي نَاحيَة من النَّاس. ورأيته مُعْتَنِزاً ومنتبِذاً إِذا رَأَيْته متنحِّياً عَن النَّاس. وَقَالَ النَّضر: رجلٌ مَعَنَّزُ الْوَجْه إِذا كَانَ قَلِيل لحم الْوَجْه. وَأنْشد:
مُعَنَّز الْوَجْه فِي عِرْنينه شَمَمُ
وَقَالَ أَبُو دواد: سَمِعت أَعْرَابِيًا يَقُول لرجل: هُوَ معنَّز اللِّحْيَة، وفسّره أَبُو دواد: بَزْرِيش كَأَنَّهُ شبّه لحيته بلحية التيْس. وَمن أَمْثَال الْعَرَب: حَتْفَها تحمل ضأنٌ بأظلافها. وَقَالَ أَبُو عبيد: من أمثالهم فِي هَذَا لَا تَكُ كالعَنْز تبحث عَن المُدْية، يضْرب مثلا للجاني على نَفسه جِنَايَة يكون فِيهَا هَلَاكه، وَأَصله أَن رجلا كَانَ جائعاً بالفلاة فَوجدَ عَنْزاً وَلم يجد مَا يذبحها بِهِ، فبحثت بِيَدَيْهَا وأثارت عَن مُدْيةٍ، فذبحها بهَا. وَمن أمثالهم فِي الرجُلين يتساويان فِي الشّرف: قَوْلهم: هما كَرُكْبَتَي العَنْز، وَذَلِكَ أَن ركبتيها إِذا أَرَادَت أَن تَرْبض وقعتا مَعًا. ونحوُ ذَلِك قَوْلهم: هما كعِكْمَي العَيْر. ويروى هَذَا الْمثل عَن هَرِم بن سِنَان أَنه قَالَه لعلقمة وعامر حِين سافرا إِلَيْهِ فَلم ينفِّر وَاحِدًا مِنْهُمَا على صَاحبه، وَمن أمثالهم لقِي فلَان يَوْم العَنْز، يضْرب مثلا للرجل يَلْقى مَا يُهلكه.
نزع: أَبُو عبيد: الأنزع: الَّذِي انحسر الشَعَرُ عَن جانبَيْ جَبهته. والنَزَعتان: ناحيتا منحسِر الشَعَرِ عَن الجبينين. وَقد نَزِعَ الرجل يَنْزَع نَزَعاً. وَالْعرب تحبّ النزَع وتتيّمن بالأنزع، وتذمّ الغَمَم وتتشاءم بالأغَمّ، وتزعم أَن الأغمّ الْقَفَا والجبينِ لَا يكون إلاَّ لئيماً. وَمِنْه قَول هُدْبَة بن خَشْرمَ:
لَا تنكحي إنْ فرّق الدَّهْر بَيْننَا
أغمَّ الْقَفَا والوجهِ لَيْسَ بأنزَعا
قَالَ أَبُو عبيد. والنزائع من الْخَيل: الَّتِي نَزَعت إِلَى أعراق. وَيُقَال: الَّتِي انتُزِعت من أَيدي قوم آخَرين. قَالَ: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: بئرٌ نزوع إِذا نُزِعَ مِنْهَا المَاء بِالْيَدِ نَزْعاً. قَالَ: وَقَالَ أَبُو عمر: هِيَ النَزَيع والنَزُوع.
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ رأيتُني أنْزِع على قَلِيب. مَعْنَاهُ: رَأَيْتنِي فِي الْمَنَام أسقِي بيَدي من قَلِيب يُقَال: نزع بِيَدِهِ إِذا استقى بدَلْوٍ عُلّق فِيهَا الرشَاءُ. وَفِي حَدِيث آخر أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلَّى يَوْمًا بِقوم فلمّا سلَّم من صلَاته قَالَ: (مَالِي أنازَع القرآنَ) . وَذَلِكَ أَن بعض الْمُؤمنِينَ جهر خَلفه فنازعه قِرَاءَته، فَنَهَاهُ عَن الْجَهْر بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاة خَلْفه. والمُنَازعة فِي الْخُصُومَة: مجاذبة الحُجَج فِيمَا يَتنازع فِيهِ الخَصْمان. ومنازعة الكأس: معاطاتها. قَالَ الله تَعَالَى: {يَشْتَهُونَ يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً لاَّ لَغْوٌ} (الطّور: 23) وَيُقَال نَازَعَنِي فلَان بنانه أَي صَافَحَنِي، والمنازعة المصافحة. وَقَالَ الرَّاعِي:(2/84)
ينازعننا رخص البنان كَأَنَّمَا
ينازعننا هُدَّاب رَيْط معضَّد
سَلَمة عَن الفرّاء قَالَ: المَنْزَعة: الصَّخْرَة الَّتِي يقوم عَلَيْهَا الساقي قَالَ والمَنْزَعة: الْقوس الفَجْواء. والمَنْزَعة. قوّة عزم الرَّأْي والهمّة. وَيُقَال للرجل الجيّد الرَّأْي: إِنَّه لجيّد المَنْزَعة. وَأما المِنْزَعة بِكَسْر الْمِيم فخشبة عريضة نَحْو المِلْعَقة، تكون مَعَ مُشتار الْعَسَل ينزِع بهَا النحلَ اللاصق بالشَهْد وتسمّى المِحْبَضَة. وَيُقَال للْإنْسَان إِذا هوى شَيْئا ونازعته نَفسه إِلَيْهِ: هُوَ يَنْزِع إِلَيْهِ نِزَاعاً. ونَزَع فِي الْقوس يَنْزِع نَزْعاً إِذا مَدّ وتَرها. قَالَ الله جلّ وعزّ: {} (النازعات: 1) قَالَ الفرّاء: تَنْزع الأنفسَ من صُدُور الكفّار، كَمَا يُغْرِق النازع فِي الْقوس إِذا جَذَب الوَتر. وَقَالَ ابْن السّكيت: قَالَ الْكسَائي: يَقُولُونَ لتعلمنّ أَيّنَا أَضْعَف مِنْزعة. والمِنزعة: مَا يرجع إِلَيْهِ الرجل من رَأْيه وتدبيره، جَاءَ بِهِ ابْن السّكيت فِي بَاب مِفْعَلة ومَفعلة قَالَ: وَقَوله {يَشْتَهُونَ يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً لاَّ لَغْوٌ} أَي يتعاطون، وَالْأَصْل فِيهِ يتجاذبون. وَقَالَ ابْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود فِي قَوْله: {} . هِيَ الْمَلَائِكَة. وَيُقَال: فلَان يَنْزِع نَزْعاً إِذا كَانَ فِي السِّيَاق عِنْد الْمَوْت. وَكَذَلِكَ هُوَ يَسُوق سَوقاً. وَيُقَال نَزَعَ الرجل عَن الصِبَا، ينزِع نزوعاً إِذا كفّ عَنهُ. وَرُبمَا قَالُوا: نَزْعاً. وَيُقَال نَزَع فلَان إِلَى أَبِيه يَنْزِع إِذا أشبهه، ونَزَعَ إِلَى عِرْق، يَنْزِع، وَقد نَزَعَ شَبَهَهُ عِرْق. وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا هُوَ عِرْق نَزَعَه. ونُزَّاعُ الْقَبَائِل: غرباؤهم الَّذين يجاورون قبائل لَيْسُوا مِنْهُم الْوَاحِد نَرِيع. وَيُقَال للرجل إِذا استنبط معنى آيَة من كتاب الله: قد انتزع معنى جيّداً، ونَزَعَهُ مثله إِذا استخرجه. والمِنْزَعُ: السهْم الَّذِي يُرْمَى بِهِ. وَمِنْه قَول أبي ذُؤَيْب:
فأنفذ طُرَّتَيه المِنْزَعُ
وَقَالَ ابْن السّكيت: انتزاع النيَّة: بُعْدها، أَخْبرنِي بذلك الْمُنْذِرِيّ عَن الْحَرَّانِي عَنهُ. قَالَ أَبُو مَنْصُور: وَمِنْه نزع فلَان إِلَى وَطنه. النزائع الغرباء وَكَذَلِكَ النُزّاع الْوَاحِد نزيع وَنَازع. وشرابٌ طيّب المِنْزَعة إِذا كَانَ طيّب الخِتام، وَهُوَ سَاعَة يَنْزعهُ عَن فِيهِ. وَقيل فِي قَوْله: {مَّخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِى ذَلِكَ} (المطففين: 26) إِنَّهُم إِذا شرِبوا الرحِيق ففنِي مَا فِي الكأس وَانْقطع الشُّرب انختم ذَلِك برِيح الْمسك وطيبِه وَالله أعلم. وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال للخيل إِذا جَرَت: لقد نَزَعت سنَناً. وَأنْشد:
وَالْخَيْل تنزِع قُبًّا فِي أعنّتها
كالطير تنجو من الشُؤْبُوبِ ذِي البَرَدِ
والنَزَعَة: الرُمَاة، واحدهم نَازع. وَمِنْه الْمثل عَاد الرميُ على النَزَعة يضْرب مثلا للَّذي يَحيق بِهِ مَكْرُه. أَبُو عبيد عَن الْأمَوِي: أنْزَعَ الْقَوْم فهم مُنْزِعون إِذا نزعَتْ إبلُهم إِلَى أوطانها. وَأنْشد:
فقد أهافوا زَعَمُوا وأنْزَعُوا
وَيُقَال هَذِه أَرض تنازِع أَرْضنَا إِذا كَانَت تتاخمها. وَقَالَ ذُو الرمّة:
لَقًى بَين أجمادٍ وجَرْعاء نَازَعَتْ
حِبالا بهنّ الجازئات الأوابد(2/85)
والنزائع من الرِّيَاح: هِيَ النُكْب، سمّيتْ نزائع لاخْتِلَاف مَهَابِّها. وَقَالَ اللَّيْث: غَنَمٌ نُزُعٌ إِذا حَنّت فاشتهت الفَحْل. وَبهَا نزاع وشاةٌ نَازِع. ابْن السّكيت: النَزَعة نبتٌ مَعْرُوف. ابْن الْأَعرَابِي: أنزع الرجل إِذا ظَهرت نزعاته.
(بَاب الْعين وَالزَّاي مَعَ الْفَاء)
(ع ز ف)
عزف، عفز، زعف، فزع: مستعملة.
عزف: يُقَال عَزَفَتْ نَفْسُه عَن الشَّيْء إِذا انصرفت عَنهُ عُزُوفاً. ورجلٌ عَزُوف عَن اللَّهْو إِذا لم يشتههِ، وعَزُوفٌ عَن النِّسَاء إِذا لم يَصْبُ إليهنّ. وَقَالَ الفرزدق:
عَزَفْتَ بأعشاشٍ وَمَا كِدت تَعْزِفُ
والعَزِيفُ: صَوت الرِمَال إِذا هبّت بهَا الرِّيَاح. وَالْعرب تجْعَل العَزِيف أصوات الجِنّ. وَفِي ذَلِك يَقُول قَائِلهمْ:
وإنّي لأجتاب الفلاة وَبَينهَا
عوازفُ جِنّانٍ وهام صَوَاخِدُ
وَهُوَ العَزْف أَيْضا والعُزْف: الحَمَام الطُورانية فِي قَول الشمَّاخ:
حَتَّى اسْتَغَاثَ بأحوى فَوْقه حُبُك
يَدْعُو هديلاً بِهِ العُزْف العزاهيل
وَهِي الْمُهْملَة. والعُزْف: الَّتِي لَهَا صَوت وهَدِير. وعَزَف الدُفّ: صَوته. وَقَالَ الراجز:
للخَوْتع الأزرقِ فِيهَا صاهلْ
عَزْف كعزف الدُفّ ذِي الجَلاَجلْ
والمَعَازِف: قَالَ اللَّيْث: هِيَ الملاعب الَّتِي يُضرب بهَا، يَقُولُونَ للْوَاحِد: عَزْفٌ وللجميع مَعَازف رِوَايَة عَن الْعَرَب، فَإِذا أُفرد المِعْزَف فَهُوَ ضَرْبٌ من الطنابير يتَّخذه أهل الْيمن وَغَيره يَجْعَل العُود مِعْزَفاً.
وَفِي حَدِيث أمّ زَرْع: (إِذا سمعن صَوت المَعَازف أيقَنّ أَنَّهُنَّ هوالك) . قلت: والعَزّاف: جبل من جبال الدهناء قد نزلتُ بِهِ. وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: عَزَفَتْ نفسُه أَي سَلَتْ. وعَزَفَ الرجل يَعْزِف إِذا أَقَامَ فِي الْأكل وَالشرب. وأعْزَفَ سمع عَزِيف الرمال.
عفز: أهمله اللَّيْث. وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العَفْز: الجَوْز الَّذِي يُؤْكَل. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: مثله فِي العَفْز. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال للجوز عَفْزٌ وعَفَازٌ. والواحدة عَفْزة وعَفَازَة. قَالَ والعَفَازَة: الأكمَة، يُقَال: لَقيته فَوق عَفَازَة أَي فَوق أكمَة. وَقَالَ ابْن دُرَيْد: العَفْز: الملاعبة، يُقَال: باتَ يُعافز امْرَأَته أَي يغازلها. قلت هُوَ من قَوْلهم: بَات يعافسها. فأبدل السِّين زاياً.
زعف: أهمله اللَّيْث. وَهُوَ مُسْتَعْمل صَحِيح. رَوَى أَبُو عبيد عَن الْكسَائي موت زُعَاف وذُعَاف وذُؤَاف بِمَعْنى وَاحِد. قَالَ: وَقَالَ الْأَصْمَعِي: الْمَوْت الزعَاف: الوَحِيُّ. وَقد أزعفته إِذا أقْعَصْته. وَكَذَلِكَ ازدعفته. أَبُو عبيد عَن أبي عمر: المُزْعِفُ: السمّ الْقَاتِل. وَقَالَ غَيره: سيفٌ مُزْعِفٌ: لَا يُطْنِي. وَكَانَ عبد الله بن سَبْرة أحد الفتّاك فِي الْإِسْلَام، وَكَانَ لَهُ سيف سمّاه المزعِفَ. وَفِيه يَقُول:(2/86)
عَلَوْت بالمُزْعِف المأثورِ هامتَه
فَمَا اسْتَجَابَ لداعيه وَقد سَمِعَا
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الزُعُوف: المَهَالك. عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: من أَسمَاء الحيّة المِزعافة والمِزعامة.
فزع: قَالَ الله تَعَالَى: {: ُ: ِأَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ} (سبإ: 23) اتّفق أهل التَّفْسِير وأهلُ اللُّغَة أَن معنى قَوْله {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ} : كُشِف الْفَزع عَن قُلُوبهم، وَتَأْويل الْآيَة أنّ مَلَائِكَة سَمَاء الدُّنْيَا كَانَ عهدُهم قد طَال بنزول الوَحْي من السَّمَوَات العُلا، فلمَّا نزل جِبْرِيل بِالْوَحْي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أوّلَ مَا بُعث نبيًّا ظنّت الْمَلَائِكَة الَّذين فِي السَّمَاء الدُّنْيَا أَن جِبْرِيل نزل لقِيَام السَّاعَة، ففزِعوا لَهُ، فلمَّا تقرَّر عِنْدهم أَنه نزل لغير ذَلِك كُشِف الفَزَع عَن قُلُوبهم فَأَقْبَلُوا على جِبْرِيل وَمن مَعَه من الْمَلَائِكَة، وَقَالُوا لَهُم مَاذَا قَالَ ربكُم؟ . قَالُوا قَالَ الله الْحق وَهُوَ العليّ الْكَبِير. وَالَّذين فُزِّع عَن قُلُوبهم هَهُنَا مَلَائِكَة السَّمَاء الدُّنْيَا. وَقيل: إِن مَلَائِكَة كلّ سَمَاء فَزِعوا لنزول جبريلج وَمن مَعَه من الْمَلَائِكَة، فَقَالَ كل فريق مِنْهُم لَهُم: مَاذَا قَالَ ربكُم؟ وَقَالَ الفرّاء: المُفَزَّعُ يكون جَبَاناً، وَيكون شُجَاعاً، فَمن جعله مَفْعُولا بِهِ قَالَ: بِمثلِهِ تَنْزِل الأفزاع. وَمن جعله جَبَاناً جعله يَفْزَع من كل شَيْء. قَالَ: وَهَذَا مثل قَوْلهم للرجل: إِنَّه لمُغَلَّبٌ، وَهُوَ غالبٌ، ومُغَلَّبٌ وَهُوَ مغلوب. قلت: وَيُقَال: فَزَّعْتُ الرجل وأفزعته إِذا رَوَّعته. وَقَالَ اللَّيْث: الفَزَع: الغَرَق. وَقد فَزعَ يَفْزَع فَزَعاً فَهُوَ فَزِعٌ. وَفُلَان لنا مَفْزَعٌ. وامرأةٌ لنا مَفْزَع. مَعْنَاهُ: إِذا دَهِمنا أَمر فَزِعنا إِلَيْهِ أَي لجأنا إِلَيْهِ واستغثنا بِهِ. وَقد يُقَال: فلَان مَفْزَعة بِالْهَاءِ يَسْتَوِي فِيهِ التَّذْكِير والتأنيث إِذا كَانَ يُفْزَع مِنْهُ. ورجلٌ فَزَّاعة: يُفَزِّع الناسَ كثيرا. قلت: وَالْعرب تجْعَل الفَزع فَرَقاً، وتجعله إغاثةً للفَزِع المروَّع، وتجعله استغاثة. فأمّا الفَزع بِمَعْنى الاستغاثة فَإِنَّهُ جَاءَ فِي حَدِيث يرويهِ ثَابت عَن أنسٍ: أَنه فَزِع أهل الْمَدِينَة لَيْلًا، فَركب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرَساً لأبي طَلْحَة عُرْياً، فلمَّا رَجَعَ قَالَ: (لن تُراعوا، لن تُراعوا، إِنِّي وجدته بَحْراً) . معنى قَوْله فزِع أهل الْمَدِينَة أَي استَصْرخوا، وظنّوا أَن عدوًّا أحَاط بهم، فلمَّا قَالَ لَهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لن تُرَاعوا) سَكَن مَا بهم من الفَزَع. وَأما الحُجّة فِي الْفَزع أَنه بِمَعْنى الإصراخ والإغاثة فَقَوْل كَلْحَبة الْيَرْبُوعي حَيْثُ يَقُول:
فَقلت لكأسٍ ألجميها فَإِنَّمَا
حَلَلْنا الكَثِيب من زَرُودَ لنفزَعَا
مَعْنَاهُ: لنغيث ونُصْرِخ مَن اسْتَغَاثَ بِنَا. وَقَالَ بَعضهم: أفزعت الرجل إِذا رَوّعته، وأفزعته أَي أغَثْته. وَهَذِه الْأَلْفَاظ كلّها صَحِيحَة، ومعانيها عَن الْعَرَب مَحْفُوظَة. وَيُقَال: فَزِعْتُ إِلَى فلَان إِذا لجأت إِلَيْهِ، وَهُوَ مَفْزَع لمن فزِع إِلَيْهِ أَي مَلْجأ لمن التجأ إِلَيْهِ.
(بَاب الْعين وَالزَّاي مَعَ الْبَاء)
(ع ز ب)
عزب، زعب، زبع، بزع: مستعملة.
عزب: قَالَ الله جلّ وعزّ: {وَرَبِّى لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لاَ(2/87)
يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِى السَّمَاوَاتِ وَلاَ} (سبإ: 3) مَعْنَاهُ لَا يغيب عَن علمه شَيْء. وَفِيه لُغَتَانِ: عَزَبَ يَعْزُبُ ويَعْزِبُ إِذا غَابَ. ورجلٌ عَزَبٌ لَا أهل لَهُ. أَبُو عبيد عَن الفرّاء: امْرَأَة عَزَبَة: لَا زوج لَهَا. وَقَالَ الْكسَائي مثله. وَقَالَ ابْن بُزُرْج فِيمَا قَرَأت لَهُ بخطّ أبي الْهَيْثَم: رجلٌ عَزَبٌ، ورجلان عَزَبان، وقومٌ أعزابٌ، وامرأةٌ عَزَبة ونسوةٌ عَزَبَاتٌ ونساءٌ عُزَّابٌ: لَا أَزوَاج لهنّ، وَإِن كَانَ معهنّ أولادهنّ. وَقَالَ النَّضر: قَالَ المنتجِع: يُقَال امْرَأَة عَزَبٌ بِغَيْر هَاء. قَالَ وَلَا تقل: امْرَأَة عَزَبَة. وَأنْشد فِي صفة امْرَأَة جعلهَا عَزَباً بِغَيْر هَاء:
إِذا العَزَبُ الهوجاء بالعطر نَافَحَتْ
بَدَتْ شمس دَجْنٍ طلَّةً لم تَعَطّر
أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي: رجلٌ عَزَبٌ، وَلم يَدْرِ كَيفَ يُقَال للْمَرْأَة. قَالَ أَبُو حَاتِم: وَيُقَال للْمَرْأَة أَيْضا عَزَبُ. وَأنْشد:
يَا من يَدُلُّ عَزَباً على عَزَبْ
على ابْنة الحُمَارِس الشَّيْخ الأزَبْ
قَالَ: وَلَا يُقَال رجل أعزب. وَأَجَازَ غَيره: رجل أعزب. وَيُقَال: إِنَّه لعَزَب لَزَب وَإِنَّهَا لعَزَبة لَزَبة. وَيُقَال عَزَبَ يَعْزُبُ وتعزَّب بعد التأهّل. وَقَالُوا: رجلٌ عَزَبٌ للَّذي يَعْزُب فِي الأَرْض. وَقَالَ اللَّيْث: المِعْزَابة: الَّذِي طَالَتْ عُزُوبته، حَتَّى مَا لَهُ فِي الْأَهْل من حَاجَة. قَالَ وَلَيْسَ فِي الصِّفَات مِفعالة غير هَذِه الْكَلِمَة. قلت: قَالَ الفرّاء: مَا كَانَ من مفعال كَانَ مؤنَّثه بِغَيْر هَاء، لِأَنَّهُ انعدل عَن النعوت انعدالاً أشدّ من انعدال صَبُور وشَكُور وَمَا أشبههما ممّا لَا يؤنَّث، وَلِأَنَّهُ شُبِّه بالمصادر، لدُخُول الْهَاء فِيهِ. يُقَال امْرَأَة مِحْماق ومِذْكار ومِعْطار. قَالَ: وَقد قيل رجل مجذامة إِذا كَانَ قَاطعا للأمور جَاءَ على غير قِيَاس. وَإِنَّمَا زادوا فِيهِ الْهَاء لِأَن الْعَرَب تُدخل الْهَاء فِي المذكَّر على جِهَتَيْنِ: إِحْدَاهمَا الْمَدْح وَالْأُخْرَى الذمّ إِذا بولغ فِي الْوَصْف. قلت والمِعزبة دَخَلتهَا الْهَاء للْمُبَالَغَة أَيْضا. وَهُوَ عِنْدِي: الرجل الَّذِي يُكْثِر النهوض فِي مَاله العزِيبِ يتتبَّعُ مساقط الْغَيْث وأُنُف الْكلأ. وَهُوَ مدح بالغٌ على هَذَا الْمَعْنى. قَالَ اللَّيْث: وَيُقَال أعْزَبَ عَن فلَان حِلْمُه يَعْزُب عُزُوباً، وأعزب الله حِلْمه أَي أذهبه الله وَأنْشد:
وأعزبتَ حلمي بعد مَا كَانَ أعْزَبَا
قلت: جعل أعزب لَازِما وواقعاً. وَمثله أملق الرجل إِذا أعدم، وأملق مالَه الحوادثُ. وَقَالَ اللَّيْث: العَازِبُ من الْكلأ: البعيدُ المُطْلِب. وَأنْشد:
وعَازِبٍ نَوّر فِي خلائه
قَالَ: وأعزب الْقَوْم: أَصَابُوا عازِباً من الْكلأ. قلت: وعَزَبَ الرجل بإبله إِذا رعاها بَعيدا من الدَّار الَّتِي حلّ بهَا الحيُّ لَا يأوي إِلَيْهِم. وَهُوَ مِعْزَابٌ ومِعْزابَةٌ وكلّ مُنْفَرد عَزَبٌ. ومُعَزِّبَةُ الرجل: امْرَأَة يأوي إِلَيْهَا فتقوم بإصلاح طَعَامه وحِفظ أداته. وَيُقَال مَا لفلانٍ مُعَزِّبَة تُقَعّدُه. وَقَالَ أَبُو سعيد الضَّرِير: لَيْسَ لفُلَان امْرَأَة تُعَزِّبه أَي تُذْهِبُ عُزْبته بِالنِّكَاحِ، مثل قَوْلك: هِيَ تمرِّضه أَي تقوم عَلَيْهِ فِي مَرَضه. وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : فلَان يعزّب فلَانا ويُرَبِّض فلَانا ويَرْبِضه: يكون لَهُ مثل الخازن. والعَزِيبُ:(2/88)
المَال العَازِبُ عَن الحيّ، سمعته من الْعَرَب. وَمن أمثالهم: إِنَّمَا اشتريتُ الْغنم حِذارَ العازبة، والعازبة: الْإِبِل. قَالَه رجل كَانَت لَهُ إبل فَبَاعَهَا وَاشْترى غنما لِئَلَّا تَعْزُبَ، فعَزَبتْ غَنَمُه فعاتب على عزوبها. يُقَال ذَلِك لمن ترفّق أَهْون الْأُمُور مئونةً، فَلَزِمَهُ فِيهِ مشقَّةٌ لم يحتسبها. وهِراوة الأعْزاب: فرسٌ كَانَت مَشْهُورَة فِي الجاهليّة، ذكرهَا لَبِيد وَغَيره من قدماء الشُّعَرَاء. عَمْرو عَن أَبِيه: يُقَال لامْرَأَة الرجل: هِيَ محصّنته ومُعَزّبته وحاصِنته وحاضِنته وقابِلته ولحافه وَقَالَ ابْن شُمَيْل فِي قَوْله: ستجدونه معزّباً قَالَ: هُوَ الَّذِي عَزَب عَن أَهله فِي إبِله أَي غَابَ. والعَزِيب: المَال العازب عَن الحيّ.
زعب: قَالَ شمر: جَاءَ فلَان بقِرْبة يَزْعَبُهَا أَي يحملهَا مَمْلُوءَة، ويَزْأبها: كَذَلِك. وَقَالَ الفرّاء: قِربة مزعوبة ومَمْزورة: مَمْلُوءَة. وَأنْشد:
من الفُرْنِيّ يَزْعَبُهَا الجميلُ
أَي يملؤها. ومطرٌ زاعِبٌ: يزعَبُ كل شَيْء أَي يملؤه وَأنْشد يصف سيلاً:
مَا حازت العُفْر من ثُعَالة
فالرَوْحَاءُ مِنْهُ مزعوبة المُسُلِ
أَي مَمْلُوءَة. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: مرّ السَّيْل يَزْعَبُ إِذا جَرَى. ومرَّ يَزْعَبُ بِحِمْله إِذا مَرّ سَرِيعا. ورُوِي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لعَمْرو بن الْعَاصِ: (إِنِّي أرْسلت إِلَيْك لأبعثك فِي وجهٍ يسلّمك الله ويغنّمك، وأزْعَبُ لَك زَعْبَة من المَال) . قَالَ أَبُو عبيد قَالَ الْأَصْمَعِي: قَوْله: أزعبُ لَك زَعبة من المَال أَي أُعْطِيك دُفْعة من المَال. قَالَ والزَعْبُ: هُوَ الدّفع. وجاءنا سيل يَزْعَبُ زعْباً أَي يتدافع. وَقَالَ اللَّيْث: زَعَبْتُ الْإِنَاء إِذا ملأته. وَالرجل يَزْعَبُ الْمَرْأَة إِذا جَامعهَا فَمَلَأ فرجهَا بفرجه. وَقَالَ غَيره: الزَعِيبُ والنعيبُ: صَوت الْغُرَاب، وَقد زَعَبَ ونَعَبَ بِمَعْنى وَاحِد. وزَعَبَ الرجل فِي قَيْئه إِذا أَكثر حَتَّى يدْفع بعضُه بَعْضًا. وزَعَبَتِ القِرْبةُ إِذا دفعتْ ماءها. وَقَالَ المبرّد: الزَاعِبِيُّ من الرماح: مَنْسُوب إِلَى رجل من الخَزْرَج يُقَال لَهُ: زاعِب كَانَ يَعْمل الأسنّة. قَالَ: وَقَالَ الأصمعيّ: الزَاعِبيُّ الَّذِي إِذا هُزَّ كأنّ كعوبه يجْرِي بعضُها فِي بعض لِلِينه. وَهُوَ من قَوْلك مرّ يَزْعَبُ بِحملِه إِذا مرّ مرًّا سهلاً وَأنْشد:
ونَصْلٌ كنَصْلِ الزَاعِبيِّ فَتِيق
قَالَ أَرَادَ: كنصل الرمْح الزاعبيّ. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الزاعبية: الرِمَاح كلّها. وَقَالَ شمر فِي قَوْله:
زَعَبَ الغرابُ وليته لم يَزْعَب
يكون زَعَبَ بِمَعْنى زعم أبدل الْمِيم بَاء، مثل عَجْب الذنَب وعَجْمه. وَقَالَ ابْن السّكيت: الزُعْب: اللئام الْقصار. واحدهم زُعْبُوبٌ على غير قِيَاس. وَأنْشد الفرَّاء فِي الزُعب:
من الزُعبِ لم يضْرب عدوًّا بِسَيْفِهِ
وبالفأس ضَرَّابٌ رؤوسَ الكرانِفِ
وروى أَبُو تُرَاب عَن أَعْرَابِي من قيس أَنه قَالَ هَذَا الْبَيْت:
مجتزىء بزِعْبه وزِهْبِهِ(2/89)
أَي بِنَفسِهِ. وزعَبَ لي زُعْبَةً من مَاله وزَهَبَ لي زُهْبَةً إِذا أعطَاهُ قِطْعَة وافرة. وَأَعْطَاهُ زِهْباً من مَاله فازدهبه وزِعباً فازدعبه أَي قِطْعَة. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: ازْدَعَبَ الشَّيْء إِذا حمله، ومرّ بِهِ فازدعبه أَي حَمَله.
زبع: الزَبْع أصل بِنَاء التزبُّع. أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: المُتَزَبِّعُ: الَّذِي يُؤْذِي النَّاس ويشارّهم وَقَالَ متمِّم:
وإنْ تلقه فِي الشَرْب لَا تلق فَاحِشا
لَدَى الكأس ذَا قاذورة مُتَزَبِّعا
وَفِي الحَدِيث أَن مُعَاوِيَة عزل عَمْرو بن الْعَاصِ عَن مصر، فَضرب فُسْطَاطه قَرِيبا من فسطاط مُعَاوِيَة، وَجعل يتزبّع لمعاوية.
قَالَ أَبُو عبيد: التزبّع هُوَ التَّغَيُّظ وكل فَاحش سيّىء الْخلق مُتَزَبِّعٌ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: الزَبِيع: الرجل المدَمْدِم فِي غضب. وَهُوَ المتزبّع.
وَقَالَ اللَّيْث: الزَوْبَعة: اسْم شَيْطَان. وَيكون الإعصار أَبَا زَوْبَعَةَ، يَقُولُونَ فِيهِ شَيْطَان مارد.
وَقَالَ ابْن دُرَيْد: زَوْبَعَةُ: ريح تَدور وَلَا تقصد وَجها وَاحِدًا، وَتحمل الْغُبَار، أُخِذَت من التزبع.
وَرُوِيَ عَن الْمفضل: الزوبعة مشْيَة الأحرد. قلت: وَلَا أَدْرِي من رَوَاهُ عَن المفضّل، وَلَا أعْتَمد هَذَا الْحَرْف وَلَا أحُقّه.
بزع: عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: البَزِيع: الظريف.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: غلامٌ بَزِيعٌ، وجاريةٌ بَزِيعَةٌ إِذا وُصِفا بالظَرْف والمَلاَحة وذَكَاء الْقلب. وَلَا يُقَال إِلَّا للأحداث. قَالَ: وبَوْزَع: اسْم رَمْلة من رمال بني سعدٍ. قلت: وبَوْزَع: اسْم امْرَأَة، وَكَأَنَّهُ فَوعل من البَزِيع.
(بَاب الْعين وَالزَّاي مَعَ الْمِيم)
(ع ز م)
عزم، زمع، زعم، مزع، معز: مستعملة.
عزم: قَالَ الله جلّ وعزّ: {مَّعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ} (مُحَمَّد: 21) سَمِعت الْمُنْذِرِيّ يَقُول: سَمِعت أَبَا الْهَيْثَم يَقُول فِي قَوْله تَعَالَى: {مَّعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ} هُوَ فَاعل مَعْنَاهُ الْمَفْعُول، وَإِنَّمَا يُعْزَم الْأَمر وَلَا يَعزِم، والعزم للْإنْسَان لَا لِلْأَمْرِ. قَالَ: وَهَكَذَا كَقَوْلِهِم: هَلَك الرجلُ وَإِنَّمَا أُهْلِكَ.
وَقَالَ الزجّاج فِي قَوْله: {مَّعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ} : فَإِذا جدّ الأمرُ وَلزِمَ فرضُ الْقِتَال. قَالَ: هَذَا مَعْنَاهُ. وَالْعرب تَقول: عَزَمتُ الْأَمر وعزمتُ عَلَيْهِ. قَالَ الله تَعَالَى: {وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (الْبَقَرَة: 227) .
وَقَالَ اللَّيْث: العَزْمُ مَا عَقَد عَلَيْهِ قلبُك من أمرٍ أَنَّك فَاعله. وَتقول: مَا لفُلَان عَزِيمَة، أَي لَا يثبت على أمرٍ يعزِم عَلَيْهِ.
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (خير الْأُمُور عوازمها) . وَله مَعْنيانِ: أَحدهمَا: خير الْأُمُور مَا وكّدت عَزْمَك ورأيك ونِيّتك عَلَيْهِ، ووَفَيت بِعَهْد الله فِيهِ.
وَرُوِيَ عَن عبد الله بن مَسْعُود أَنه قَالَ: إِن الله عز وَجل يحبّ أَن تُؤْتى رُخَصه، كَمَا يحبّ أَن تُؤْتى عَزَائِمه. قَالَ أَبُو مَنْصُور:(2/90)
عَزَائِمه: فَرَائِضه الَّتِي أوجبهَا وأمرنا بهَا.
ورَوَى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: العَزْمِيُّ من الرِّجَال: المُوفِي بالعهد. وَالْمعْنَى الثَّانِي فِي قَوْله (خير الْأُمُور عوازمها) أَي فرائضها الَّتِي عَزَم الله عَلَيْك بِفِعْلِهَا. وَأما قَول الله جلّ وعزَّ فِي قصَّة آدم: {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} (طاه: 115) فَإِن الفرّاء قَالَ: لم نجد لَهُ صَرِيمة وَلَا حَزْماً فِيمَا فَعَل.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَم: الصَرِيمة والعَزِيمة وَاحِدَة، وَهِي الْحَاجة الَّتِي قد عزمْتَ على فعلهَا. يُقَال: طَوَى فلَان فُؤَاده على عَزِيمة أمرٍ إِذا أسَرّها فِي فُؤَاده.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الْعَرَب تَقول: مَاله مَعْزِمٌ وَلَا مَعْزَم وَلَا عَزِيمة وَلَا عَزْمٌ وَلَا عُزْمَانٌ.
وَقَالَ بَعضهم فِي قَوْله: {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} أَي رَأيا معزوماً عَلَيْهِ. والعَزِيمُ والعَزِيمة وَاحِد، يُقَال: إِن رَأْيه لذُو عَزِيم.
وَقَالَ اللَّيْث: العَزِيمة من الرُقَى: الَّتِي يُعْزَمُ بهَا على الجنّ والأرواح.
وَقَالَ غَيره: عَزَمْتُ عَلَيْك لتفعلنَّ أَي أقسمتُ. وعَزْمُ الراقِي والحَوّاء كَأَنَّهُ إقسام على الدَّاء والحَيّة.
وَقَالَ اللَّيْث: الاعتزام: لُزُوم القَصْد فِي الحُضْر. وَأنْشد لرؤبة:
إِذا اعتزمن الرَهْو فِي انتهاضِ
والرحل يَعْتزِم الطريقَ: يمْضِي فِيهِ وَلَا ينثني، وَقَالَ الأُرَيْقِط:
معتزماً للطُرُق النواشط
وعزائم السُّجُود: مَا عُزِمَ على قارىء آيَات السُّجُود أَن يسْجد لله فِيهَا. والفَرَس إِذا وُصِف بالاعتزام فَمَعْنَاه تجليحُه فِي حُضْره غير مُجيب لراكبه إِذا كَبَحه. وَمِنْه قَول رؤبة:
مُعْتَزِم التجليح ملاّخ المَلَقْ
حَدثنَا مُحَمَّد بن مُعَاذ عَن عبد الْجَبَّار عَن سُفْيَان عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد قَالَ: سَمِعت قيسا يَقُول: سَمِعت الْأَشْعَث يَقُول لعَمْرو بن معد يكرب: أما وَالله لَئِن دنوتُ لأضرطنّك، قَالَ: كلاّ وَالله إِنَّهَا لعَزُوم مُفزعة. أَرَادَ بالعزوم اسْته.
أَرَادَ أَن لَهَا عَزْماً وَلَيْسَت بواهية فتضرِط وَإِنَّمَا أَرَادَ نَفسه. وَقَوله: مفزَّعة: بهَا تنزل الأفزاع فتجليها. عزوم: ذَات صرامة وحَزْم.
قَالَ شمر: العزوم الصَبور المجدّة الصَّحِيحَة العَقْد. قَالَ: والدُبُر يُقَال لَهَا: أمّ عَزْم، يُقَال: كَذبته أمُّ عزمِهِ. شمر: عزمت عَلَيْك أَي أَمرتك أمرا جِداً، وَهِي العَزْمة. وعزائم السُّجُود: مَا أمِر السُّجُود فِيهَا. قَالَ الْأَصْمَعِي: العَزُوم من الْإِبِل الَّتِي قد أسنَّت وفيهَا بَقِيَّة من الشَّبَاب.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: العَزْمِيُّ: بيَّاع الشجِير. قَالَ والعُزُمُ: عَجَم الزَّبِيب وَاحِدهَا عَزْمٌ. قَالَ والعَزُومُ والعَرْزَمُ: النَّاقة الهَرِمَة الدِلْقِم. قَالَ والعَزْم: الصَبْرُ فِي لُغَة هُذَيل. يَقُولُونَ: مَالِي عَنْك عَزْمٌ أَي صبرٌ.
وَقَالَ جلّ وعزّ: {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} (طاه: 115) .(2/91)
وَأَخْبرنِي ابْن مَنيع عَن عليّ بن الجَعْد عَن شُعْبة عَن قَتَادة فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} قَالَ: صبرا.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: العُزُمُ: الْعَجَائِز واحدتهنّ عَزُوم. قَالَ والعَزْمُ: شَجِير الزَبِيب.
وَقَالَ أَبُو زيد: عُزْمَةُ الرجل: أُسْرته وقبيلته، وجماعها العُزَمُ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرو: العَزَمَةُ: المصحّحون للمودّة.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل فِي قَوْله: عَزْمَة من عَزَمَات الله قَالَ: حقٌّ من حُقُوق الله أَي وَاجِب مِمَّا أوجبه الله. وَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: {كُونُواْ قِرَدَةً} (الْبَقَرَة: 65) هَذَا أَمر عَزْم. وَقَوله: {كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ} (آل عمرَان: 79) هَذَا فَرْضٌ وحُكْمٌ.
زمع: الْأَصْمَعِي: الزَمَعُ: رِعْدة تعتري الْإِنْسَان إِذا همّ بِأَمْر ورجلٌ زَمِيعٌ، وَهُوَ الشجاع الَّذِي إِذا أزْمَعَ الأمرَ لم يَنْثَنِ عَنهُ. والمصدر: الزَمَاعُ.
أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: أزْمَعتُ الْأَمر، وَأنكر أزْمَعْتُ عَلَيْهِ. قَالَ شمر: وَغَيره يُجِيز أزمعت عَلَيْهِ. أَبُو عبيد: الزَمَعُ: الزِّيَادَة الناتئة فَوق ظِلْف الشَّاة.
الْأَصْمَعِي: الزَمُوع من الأرانب: الَّتِي تقارِب عَدْوَهَا وَكَأَنَّهَا الَّتِي تَعْدُو على زَمعتها. وَهِي الشَعَرات المُدَلاّة فِي مؤخِّر رِجْلها. أَبُو عمر: يُقَال مِنْهُ: قد أزْمَعَتْ أَي عَدَتْ.
وَقَالَ أَبُو زيد: الزَمَعَةُ: الزَّائِدَة من وَرَاء الظِلْف، وَجَمعهَا زَمَع.
وَقَالَ اللَّيْث: الزَمَعُ: هَنَات شِبْهُ أظفار الْغنم فِي الرُسْغ، فِي كل قَائِمَة زَمَعَتَانَ كَأَنَّمَا خُلِقتا من قِطَع القُرُون. قَالَ: وَذكروا أَن للأرنب زَمَعات خَلْف قَوَائِمهَا. وَلذَلِك تنْعَت فَيُقَال لَهَا: زَمُوع. قَالَ: وَيُقَال: بل الزَمُوع من الأرانب النشيطةُ السريعة، تَزْمَعُ زَمَعَاناً أَي تخف وتسرع. قَالَ: وَيُقَال لرُذالة النَّاس: إِنَّمَا هم زَمَعٌ، شُبِّهُوا بزَمَع الأظلاف.
وَقَالَ اللَّيْث: الزَمَّاعة بالزاي: الَّتِي تتحرك من رَأس الصبيِّ فِي يَافُوخه. قَالَ: وَهِي الرمّاعة واللَمَّاعة. قلت: الْمَعْرُوف فِيهَا الرَمَّاعَة بالراء، وَمَا علمت أحدا روى الزَمَّاعة غير اللَّيْث وَالله أعلم.
وَقَالَ ابْن شُمَيْل: الزَمَعُ: الأُبَنُ تخرج فِي مخارج العناقيد. وَقد أزْمَعَت الحَبَلَةُ إِذا أعظمت زَمَعَتها ودنا خُرُوج الحِجنة مِنْهَا والحِجنة والنامية شُعَب. إِذا عظمت الزَمَعة فَهِيَ البَنِيقة. وأكمحت الزَمَعة إِذا ابيَضَّت وَخرج عَلَيْهَا مثل القُطْن، وَذَلِكَ الإكماح، والزَمَعة أول شَيْء يخرج مِنْهُ فَإِذا عظم فَهُوَ بَنِيقة.
وَقَالَ اللَّيْث: أزمَع النَبْتُ إزماعاً إِذا لم يَسْتَوِ العُشْب كُله وَكَانَ قِطَعاً متفرّقة وَبَعضه أفضل من بعض.
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الزَمْعِيُّ: الخسيس. والزَمْعِيُّ: السَّرِيع الْغَضَب. وَهُوَ الداهية من الرِّجَال.
سَلَمة عَن الفرّاء قَالَ: قَزَعَ قَزَعَاناً وزَمَعَ(2/92)
زَمَعَاناً وَهُوَ مَشيٌ متقارِبٌ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: جَاءَ فلَان بالأزامع أَي بالأمور المُنكَرات. قَالَ: والزَمَعُ من النَّبَات: شَيْء هَهُنَا وَشَيْء هَهُنَا مثل القَزَع فِي السَّمَاء. قَالَ: والرَشَم من النَّبَات مثل الزمَع: رَشَمَةٌ هَهُنَا وَرَشَمَةٌ هَهُنَا.
وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : زُمْعَةٌ من نَبْت ورُمْعَةَ من نبت وزُوعَة من نبت ولُمْعَة من نبت ورُقْعة من نبت بِمَعْنى وَاحِد.
زعم: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الزَعْمُ يكون حقًّا وَيكون بَاطِلا. وَأنْشد فِي الزَعْم الَّذِي هُوَ حَقّ:
وإنّي أذينُ لكم أَنه
سيُنجزكم ربّكم مَا زَعَمْ
قَالَ: وَالْبَيْت لأُمَيَّة. وَقَالَ اللَّيْث: سَمِعت أهل الْعَرَبيَّة يَقُولُونَ: إِذا قيل: ذَكَر فلَان كَذَا وَكَذَا فَإِنَّمَا يُقَال ذَلِك لأمر يُسْتَيقَنُ أَنه حَقّ، فَإِذا شُكّ فِيهِ فَلم يُدْرَ لعلّه كذِب أَو بَاطِل قيل: زعم فلَان. قَالَ: وَكَذَلِكَ تفسّرُ هَذِه الْآيَة: {فَقَالُواْ هَاذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ} (الْأَنْعَام: 136) أَي بقَوْلهمْ الكذبَ.
وَسمعت المنذريّ يَقُول: سَمِعت أَبَا الْهَيْثَم يَقُول: تَقول الْعَرَب قَالَ إِنَّه، وزَعَم أَنه، فكسروا الْألف مَعَ قَالَ، وفتحوها مَعَ زَعم؛ لِأَن زعم فِعْل وَاقع بهَا أَي بِالْألف متعدّ إِلَيْهَا؛ أَلا ترى أَنَّك تَقول: زعمتُ عبد الله قَائِما، وَلَا تَقول: قلتُ زيدا خَارِجا، إِلَّا أَن تُدخِل حرفا من حُرُوف الِاسْتِفْهَام فَتَقول: هَل تقولُه فعل كَذَا، وَمَتى تقولني خَارِجا؟ وَأنْشد:
قَالَ الخليط غَدا تَصَدُّعُنَا
فَمَتَى تَقول الدارَ تَجْمعُنَا
فَمَعْنَاه فَمَتَى تظنّ وَمَتى تزْعم.
وَقَالَ ابْن السّكيت فِي قَوْله:
عُلِّقْتُهَا عَرَضاً وأقتُلُ قَومهَا
زَعْماً لَعَمْرُ أَبِيك لَيْسَ بمزعَمِ
قَالَ يَقُول: كَانَ حُبّها عَرَضاً من الْأَعْرَاض اعترضني من غير أَن أطلبه. فَيَقُول: عُلِّقْتُهَا وَأَنا أقتل قَومهَا، فَكيف أحبّها وَأَنا أقتلهم أم كَيفَ أقتلهم وَأَنا أحبّها ثمَّ رَجَعَ على نَفسه مخاطِباً لَهَا فَقَالَ: هَذَا فِعل لَيْسَ بِفعل مثلي. قَالَ: والزَعْمُ إِنَّمَا هُوَ فِي الْكَلَام. يُقَال: أمرٌ فِيهِ مُزَاعَم أَي أمرٌ غير مُسْتَقِيم، فِيهِ مُنَازعَة بعدُ. قلت: وَالرجل من الْعَرَب إِذا حدّث عمّن لَا يُحَقّق قولَه يَقُول: وَلَا زَعَمَاتِه وَمِنْه قَوْله:
لقد خَطَّ رُومِيٌّ وَلَا زعماتِهِ
أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: الزَعُوم من الْغنم الَّتِي لَا يُدْرَى أَبِهَا شَحم أم لَا. وَمِنْه قيل: فلانٌ مُزَاعِم وَهُوَ الَّذِي لَا يوثَق بِهِ. عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: الزَعُوم: القليلة الشَّحْم، وَهِي الْكَثِيرَة الشَّحْم. وَهِي المُزْعِمة. قَالَ فَمن جعلهَا القليلة الشَّحْم فَهِيَ المزعومة، وَهِي الَّتِي إِذا أكلهَا النَّاس قَالُوا لصَاحِبهَا توبيخاً لَهُ: أزَعَمْت أَنَّهَا سَمِينَة. وَقَالَ أَبُو سعيد: أمرٌ مُزْعِم أَي مُطمِع وتزاعم الْقَوْم على كَذَا تزاعُماً إِذا تظافروا عَلَيْهِ. قَالَ: وَأَصله أَنه صَار بَعضهم لبَعض زعيماً. وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (الدَّيْنُ مَقْضِيٌّ والزعيمُ غارِم) . وَقَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى: {وَأَنَاْ بِهِ(2/93)
زَعِيمٌ} (يُوسُف: 72) قلت: وَمَا علمت المفسّرين اخْتلفُوا فِي قَوْله {وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ} . قَالُوا جَمِيعًا: مَعْنَاهُ: وَأَنا بِهِ كَفِيل، مِنْهُم سَعِيد بن جُبَير وَغَيره. أَبُو عبيد عَن الكِسائيّ قَالَ: زَعَمتُ بِهِ أزعمُ بِهِ زَعْماً وزَعَامَةً أَي كفَلتُ بِهِ. وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: زَعَمَ يَزْعُمُ زَعَامَةً إِذا كفَلَ. وزَعِمَ يَزْعَم زَعَماً إِذا طمِع وَقَالَ لَبِيد:
تَطير عدائدُ الأشراك شَفْعاً
ووِتْراً والزَعَامة للغلامِ
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: الزَعَامة يُقَال: الشّرف والزعامة يُقَال الشّرف والرياسة. قَالَ وَقَالَ غير ابْن الْأَعرَابِي: الزَعَامة: الدِرْع. وزعيم الْقَوْم سيّدهم والمتكلِّم عَنْهُم.
وَقَالَ الفرّاء: زعيم الْقَوْم سيّدهم ومِدْرَهُهم وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال زُعْم وزَعْمٌ. قَالَ: والزُعْمُ تميميّة. والزَعْمُ حجازية. قَالَ: وَتقول: زعمتْ أَنِّي لَا أحبّها، وزعمتْني لَا أحبّها، يَجِيء فِي الشِعر. فأمَّا فِي الْكَلَام فَأحْسن ذَلِك أَن تُوقِع الزَعْم على (أَن) دُون الِاسْم. وَأنْشد:
فَإِن تزعُميني كنت أَجْهَل فيكمُ
فَإِنِّي شَرَيت الحِلْم بعدكِ بِالْجَهْلِ
قَالَ: وَيُقَال: زعِم فلَان فِي غير مَزْعَم أَي طَمِعَ فِي غير مطمَع. قَالَ والتزعّم: التكذب وَأنْشد:
فأيّها الزاعِم مَا تَزَعّمَا
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الزَعْمِيُّ الكذَّاب والزَعْمِي الصَّادِق.
وَقَالَ شمر: رُوِيَ عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ: الزَعْم الْكَذِب. قَالَ الْكُمَيْت:
إِذا الإكام اكتست مآليها
وَكَانَ زَعْمَ اللوامع الكَذِبُ
يُرِيد السراب. قَالَ شمر: وَالْعرب تَقول أكذب من يَلْمَع. وَقَالَ شُرَيح: زَعَمُوا كنيةُ الْكَذِب. وَقَالَ شمر: الزَّعْم والتزاعم أَكثر مَا يُقَال فِيمَا يُشَكُّ فِيهِ وَلَا يُحَقَّق. وَقد يكون الزَّعْم بِمَعْنى القَوْل. ويروى للجعديّ يصف نوحًا:
نُودِيَ قُمْ واركبنْ بأهلك إنَّ
الله موْفٍ للنَّاس مَا زَعَمَا
فَهَذَا مَعْنَاهُ التَّحْقِيق. والمِزْعَامَة الحيّة.
وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن سَلَمة عَن الفرّاء قَالَ الكسائيّ: إِذا قَالُوا: عُزمَةٌ صَادِقَة لأتينَّك رفعوا، وحَلْفَةٌ صَادِقَة لأقومنَّ قَالَ: وينصبون يَمِينا صَادِقَة لأفعلنَّ. قَالَ: والزَعْم والزُعم والزِعم ثَلَاث لُغَات.
معز: المَعْزُ والمعَزُ: ذَوَات الشعرِ من الغَنَم. وَيُقَال للْوَاحِد مَاعِز. وَيجمع مِعْزىً ومَعيزاً وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: مِعْزى تُصْرَفُ إِذا شُبِّهَتْ بمِفْعَل. قَالَ وَأَصله فِعْلَى فَلَا تصرف. قَالَ: وَهُوَ الْمُعْتَمد عَلَيْهِ. قَالَ: وَكَذَلِكَ دُنْيَا لَا تصرف: لِأَنَّهَا فُعْلَى. قلت الْمِيم فِي المِعْزَى أصليّة. قَالَ: وَمن صرف دُنْيا شبَّهها بفُعْلَل، وَالْأَصْل ألاَّ تصرف. وَيُقَال: رجل ماعِز إِذا كَانَ حازماً مَانِعا مَا وَرَاءه شَهْماً، ورجلٌ ضائن إِذا كَانَ ضَعِيفا أَحمَق. قَالَ ذَلِك ابْن حبيب. ثَعْلَب عَن(2/94)
ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: المعْزِيّ: الْبَخِيل الَّذِي يجمع ويَمْنَع. وَقَالَ اللَّيْث: الرجل الماعِز: الشَّديد عَصْبِ الخَلْق: يُقَال مَا أمعزه من رجل، أَي مَا أشدَّه وأصلبه. والأمْعُوز: جمَاعَة الثياثل من الأوعال. وَقَالَ غَيره: رجل مَعَّاز: صَاحب مِعْزى. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: عِظَام الرمل ضوائنه، ولِطَافه: مواعزه. وَقَالَ: رجل ضائن: كثير اللَّحْم. وَرجل ماعِز إِذا كَانَ معصوباً. وَمَا أمعز رَأْيه إِذا كَانَ صُلْب الرَّأْي. الرياشي عَن الأصمعيّ قَالَ الأمْعَز: الْمَكَان الْكثير الحَصى والمَعْزاء مثله. وَتجمع أمَاعِز ومَعْزاوات. وَرُبمَا جُمعت على مُعْزٍ وَأنْشد اللَّيْث:
جَمادٌ بهَا البَسْبَاسُ يُرْهِصُ مُعْزهَا
بناتِ اللَّبُون والصلاقمةَ الحمُرَا
وَقَالَ مثمر قَالَ ابْن شُمَيْل: المَعْزَاء: الصَّحرَاء فِيهَا إشرافٌ وغلِظٌ، وَهِي طينٌ وحَصًى مختلطانِ غير أَنَّهَا أَرض صُلْبة غَلِيظَة الموطىء، وإشرافها قَلِيل لئيم تقود أدنى من الدعْوَة وَهِي مَعِرَة من النَّبَات. أَبُو عبيد عَن أبي زيد: الأُمْعُوز: الثَّلَاثُونَ من الظِباء إِلَى مَا زَادَت. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: المِعْزِى للذكور وَالْإِنَاث، والمَعْزُ مثلهَا والمعيز مثلهَا وَكَذَلِكَ الضِئين.
مزع: فِي الحَدِيث: (مَا عَلَيْهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ) مَعْنَاهُ: مَا عَلَيْهِ حُزّة لحم وَكَذَلِكَ مَا فِي وَجهه لحادة لحْم روى ابْن الْمُبَارك عَن معمر عَن عبد الله بن مُسلم عَن حَمْزَة بن عبيد الله عَن ابْن عمر قَالَ: لَا تزَال الْمَسْأَلَة تأخذكم حَتَّى يلقى الله مَا فِي وَجهه مُزْعةُ لحم وَيُقَال: مَزَّعَ فلَان أمره تمزيعاً إِذا فرّقه. وَقَالَ الْكسَائي فِيمَا رَوَى عَنهُ أَبُو عبيد مَا عَلَيْهِ مُزعَة لحمٍ فِي بَاب النَّفْي. وَقَالَ اللَّيْث المِزْعَة من الريش والقطن كالمِزقة والبِتْكة وَجَمعهَا مِزَعٌ ومزَاعَة الشَّيْء: سُقَاطتهُ. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: المَزْعِيُّ النمّام وَيكون السيّار بِاللَّيْلِ والقنافذ تَمْزَع بِاللَّيْلِ مَزْعاً إِذا سعت فأسرعتْ. وَأنْشد الرياشي لعَبْدة بن الطَبِيب:
قومٌ إِذا دَمَسَ الظلام عَلَيْهِم
حَدَجوا قنافذ بالنميمة تمزعُ
تضرب مثلا للنمّام. ومزّع اللَّحْم تمزيعاً إِذا قطَّعه وَقَالَ خُبَيب:
وَذَلِكَ فِي ذَات الْإِلَه وَإِن يَشَأْ
يُبَارك على أوصال شِلْو ممزَّع
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال مَزَعَ الظبْيُ يمزَعُ إِذا أسْرع فِي عَدْوه. وَالْمَرْأَة تمزّع الْقطن بِيَدِهَا إِذا زَبَّدَتهُ تقَطّعه ثمَّ تؤلفه فتجوّده بذلك. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: القُنْفُذ يُقَال لَهُ: المزَّاع. وَيُقَال للظبي إِذا عَدَا: مَزَعَ وقَزعَ. عَمْرو عَن أَبِيه: مَا ذقتُ مُزعَةَ لحم وَلَا حِذْفَةً وَلَا حِذبة وَلَا لحبَةً وَلَا حِرْباءة وَلَا يَرْبوعةً وَلَا مَلاكاً وَلَا مَلوكاً بِمَعْنى وَاحِد.
(أَبْوَاب الْعين والطاء)
ع ط د
اسْتعْمل من وجوهه: (عطد) .
عطد: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: سَفَر عَطَوَّدٌ: شاقٌ شَدِيد. وَفِي (نَوَادِر(2/95)
الْأَعْرَاب) : جَبَلٌ عَطَوَّدٌ وعَطَرَّدٌ وعَصَوَّدٌ أَي طَوِيل. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: هَذَا طَرِيق عَطَوَّدٌ أَي بيِّن يذهب فِيهِ حَيْثُمَا شَاءَ. وَقَالَ اللَّيْث: العَطَوَّد السّفر الشاقّ الشَّديد. وَأنْشد:
فقد لَقينَا سَفَراً عَطَوَّدَا
يتْرك ذَا اللَّوْن البصيصِ أسْوَدَا
قَالَ: وبعضٌ يَقُول: عَطَوَّط. وَقَالَ الفرّاء: العَطَوَّدُ: الطَّوِيل.
وَقَالَ أَبُو عبيد: العَطَوَّدُ الانطلاق السَّرِيع. وَيُقَال ذهب يَوْمًا عَطَوَّداً أَي يَوْمًا أجمع وَأنْشد:
أقِم أَدِيم يَوْمهَا عَطَوَّدَا
مثل سُرَى لَيْلَتهَا أَو أبْعَدَا)
ع ط ت، ع ط ظ: مهملات.
(بَاب الْعين والطاء مَعَ الذَّال)
ع ط ذ
عذ ط، ذعط. (مستعملات) .
عذط: أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: العِذْيوْطُ هُوَ: الزُمَّلق والزَلق وَهُوَ الثَمُوت والثَّتّ. وَقَالَ: العِذيَوطَة من النِّسَاء: الَّتِي تحدث إِذا أُتِيَتْ وَهِي التيتاءة وَيُقَال: رجل تيتاء إِذا كَانَ كَذَلِك وَقَالَ شمر: العِذيَوط الَّذِي إِذا غشي الْمَرْأَة أكسل أَو أحدث. وَقَالَ اللَّيْث: العِذْيَوْط: الَّذِي إِذا أَتَى أَهله أبدَى. والجميع العذاويط والعذاييط.
وَقد عَذْيطَ الرجلُ يُعَذيطُ عَذْيطَةً. وَيجمع أَيْضا على عِذْيَوْطِين. وَمِنْهُم من يَقُول عِظْيَوْط بالظاء.
ذعط: الأصمعيّ: الذاعط: الذَّابِح، ذَعَطَه إِذا ذبحه. وَقَالَ الهُذَليّ:
إِذا وردوا مصرهم عوجلوا
من الْمَوْت بالهِمْيَغ الذاعِطِ
وَقَالَ اللَّيْث: الذَعْط: الذّبْح نَفسه. وَقد ذعطْته بالسكين، وذَعَطَته المنيةُ وسَحَطته.
(بَاب الْعين والطاء مَعَ الثَّاء)
ع ط ث
اسْتعْمل من وجوهه: ثطع ثعط.
ثطع: أَبُو الْعَبَّاس عَن سَلَمة عَن الفرّاء قَالَ: الثُطَاعِي مَأْخُوذ من الثُطاع وَهُوَ الزُكام. وَقَالَ اللَّيْث: ثُطِعَ فَهُوَ مثطوع. وَهُوَ مثل الزُّكَام والسعال.
ثعط: عَمْرو عَن أَبِيه: ثَعِط اللحمُ ثَعَطاً إِذا أنتن. وأنشدني أَبُو بكر الْإِيَادِي:
يَأْكُل لَحْمًا بائتاً قد ثَعِطَا
أَكثر مِنْهُ الْأكل حَتَّى خَرِطَا
قَالَ وخَرِط بِهِ أَي غَصّ بِهِ. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: إِذا مَذِرت البَيْضة فَهِيَ الثَعِطَة. وَقَالَ بعض شعراء هُذيل يهجو نسَاء:
يُثَعّطْنَ العَراب وَهن سُودٌ
إِذا خَالسْنَهُ فُلُحٌ فِدَامُ
العَرَاب: فثم الخَزَم، واحدته عَرَابة. يُثَعّطْنَه: يرضَحْنَه ويَدْقُقْنه. فُلح: جمع الفَلْحَاء: الشفةِ. فدَام: هَرِمَات.
(بَاب الْعين والطاء مَعَ الرَّاء)
(ع ط ر)
عطر، عرط، طعر: مستعملة.
رعط، رطع، طرع: مُهْملَة.(2/96)
عطر: قَالَ اللَّيْث: العِطْر: اسْم جَامع لهَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي تعالج للطيب. وبَيَاعه: العَطّار، وحِرْفته: العِطارة. ورجلٌ عَطِر وامرأةٌ عَطرَة إِذا تعاهدا أَنفسهمَا بالطيب. وَقَالَ غَيره: رجلٌ عَطِر وامرأةٌ عَطِرَة إِذا كَانَا طيّبَيْ ريح الجِرْمِ وَإِن لم يتعطّرا. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: رجلٌ عاطِرٌ، وَجمعه عُطُر، وَهُوَ المحِبّ للطِيبِ. وَقَالَ: رجلٌ عاطِر وعَطِر ومِعطار ومِعطِير. وَالْمَرْأَة مثله. وَزَاد غَيره: يُقَال امْرَأَة عَطِرة مَطِرة بَضّة مَضَّة. قَالَ: والمَطِرة: الْكَثِيرَة السِوَاك، وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: نَاقَة مِعْطَرة ومِعطار وعِرْمِسٌ أَي كَرِيمَة. وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن عَمْرو عَن أَبِيه: تأطَّرت المرأةُ وتعطّرت إِذا أَقَامَت فِي بَيت أَبَوَيْهَا وَلم تتزوَّج. وقرأت فِي كتاب (الْمعَانِي) للباهليّ فِي قَول الراجز:
لهْفي على عَنْزين لَا أنساهُما
كأنَّ ظِل حَجَرٍ صُغْرَاهُمَا
وصَالِغٌ مُعْطَرة كبراهما
قَالَ مُعطَرة: حَمْرَاء. وَجعل الْأُخْرَى ظلّ حجر لِأَنَّهَا سَوْدَاء. قَالَ شمر: نَاقَة عَطَّارة وعطِرة وتاجرة إِذا كَانَت نافقة فِي السُّوق. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: يُقَال: بَطْني أعْطِري وسائري فذري يُقَال ذَلِك لمن أَتَاك بِمَا لَا يحْتَاج إِلَيْهِ ويمنعك مَا تحْتَاج إِلَيْهِ، كَأَنَّهُ فِي التَّمْثِيل رجل جَائِع أَتَى قوما فطيَّبوه.
عرط: أهمله اللَّيْث. وَقَالَ أَبُو الْحسن اللِحْياني: العَقْرب يُقَال لَهَا أُمّ العِرْيَط. وَيُقَال عَرَط فلَان عِرض فلَان واعترطه إِذا اقترضه بالغِيبة وأصل العَرْطُ: الشقّ حَتَّى يَدْمَى.
طعر: روى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الطَعْرُ إِجْبَار القَاضِي الرجلَ على الحكم. قلت: وَهَذَا مِمَّا أهمله اللَّيْث. وَهُوَ حرف غَرِيب لم يروِه غير أبي عُمَر صَاحب كتاب (الْيَاقُوت) .
وَقَالَ ابْن دُرَيْد فِي (كِتَابه) : طَعَرَ فلَان جَارِيَته طَعْراً ورَطَعَها رَطْعاً، يكنَى بِهِ عَن الْجِمَاع. وَلم أسمعها لغيره وَلَا أَدْرِي مَا صِحَّتهَا. قَالَ: وَقَالَ: اعترط الرجلُ إِذا أبعَدَ فِي الأَرْض.
(بَاب الْعين والطاء مَعَ اللَّام)
(ع ط ل)
عطل، علط، لعط، لطع، طعل، طلع: مستعملات.
طعل: أهمل اللَّيْث طعل. وروى أَبُو عُمَر عَن ثَعْلَب عَن ابْن الأعرابيّ قَالَ: الطاعِل: السهْم المقوَّم. والطَعْل: القَدْح فِي الْأَنْسَاب. قلت: وهما حرفان غَرِيبَانِ لم أسمعهما لغيره.
لعط: أهمله اللَّيْث أَيْضا، وَهُوَ مَعْرُوف. قَالَ النَّضر بن شُمَيْل فِيمَا قَرَأت بخطّ شَمِر لَهُ: اللُعْطُ: مَا لَزِق بنجَفة الجَبَل. يُقَال: خُذ اللُعْطَ يَا فلَان. ومرّ بفلان لاَعِطاً أَي مَرّ مُعَارِضاً إِلَى جَنْب حَائِط أَو جَبَل. وَذَلِكَ الْموضع من الْحَائِط والجبل يُقَال لَهُ: اللُّعْطُ. والمَلاَعِطُ: المراعِي حول الْبيُوت. يُقَال: إبل فلَان تَلْعَط المَلاَعِط أَي ترعى قَرِيبا من الْبيُوت وَأنْشد شمر:(2/97)
مَا راعني إِلَّا جَنَاحٌ هابطا
على الْبيُوت قَوطَه العُلابطَا
ذَات فُضُول تَلْعَطُ المَلاَعِطَا
قَالَ: وجَنَاح: اسْم راعي غَنَم. وَجعل هابطاً هَهُنَا وَاقعا وَقَالَ غَيره: لَعَطني فلَان بحقّي لَعْطاً أَي لوانِي بِهِ ومَطَلَنِي. وروى أَبُو عُمَر عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: ألْعَطَ الرجلُ إِذا مَشى فِي لُعْط الْجَبَل وَهُوَ أَصله.
وَيُقَال لَعْط الْجَبَل أَيْضا. ورأيته لاعِطاً أَي مَاشِيا فِي جَنْب الجَبَل. أَبُو عبيد عَن أبي زيد: نَعْجة لَعْطَاء وَهِي الَّتِي بِعُرْض عُنُقها لُعْطَة سَوْدَاء وسائرها أَبيض. قلت: وَهَذِه الْحُرُوف كلهَا صَحِيحَة وَقد أهملها اللَّيْث.
عطل: أَبُو عبيد عَن الفرّاء: امْرَأَة عاطِل بِغَيْر هَاء: لَا حُلِيّ عَلَيْهَا. قَالَ: وَامْرَأَة عُطُلٌ مثلهَا. وأنشدنا القَنانيّ:
وَلَو أشرَفَت من كُفَّة السِتْر عاطلاً
لقلتَ غزالٌ مَا عيه خَضَاضُ
وَقَالَ الشمّاخ:
يَا ظَبْيَة عُطُلاً حُسَانَةَ الجِيد
وقوسٌ عُطُل: لَا وَتَر عَلَيْهَا. والأعطال من الْخَيل: الَّتِي لَا أرسان عَلَيْهَا. وَقَالَ اللَّيْث: عَطِلَتِ الْمَرْأَة تَعْطَلُ عَطَلاً وعُطُولاً وتَعَطَّلَت إِذا لم تَلْبَس الزِينة وَإِذا تُرِك الثَغْرُ بِلَا حامٍ يحميه فقد عُطِّلَ. والمواشي إِذا أهمِلَتْ بِلَا رَاع فقد عُطِّلَت وَكَذَلِكَ الرعيّة إِذا لم يكن لَهَا والٍ يسوسها فهم مُعَطَّلون، وَقد عُطِّلُوا أَي أهمِلوا. وبئر معطّلة لَا يُسْتقى مِنْهَا وَلَا ينْتَفع بِمَائِهَا. وتعطيل الْحُدُود: ألاَّ تُقَام على مَن وَجَبت عَلَيْهِ. وعُطِّلَت الغَلاّت والمزارع إِذا لم تُعْمَرْ وَلم تُحْرَث. وسمعتُ الْعَرَب تَقول: فلَان ذُو عُطْلة إِذا لم تكن لَهُ صَنْعَة يمارسها. ودَلْوٌ عَطِلَة: إِذا تَقَطع وذَمُها فتعطَّلت من الاستقاء بهَا وَفِي حَدِيث عَائِشَة فِي صفة أَبِيهَا: فرأب الثَأْي وأوذم العطِلة، أَرَادَت أنَّه ردّ الْأُمُور إِلَى نظامها وقوَّى أَمر الْإِسْلَام بعد ارتداد النَّاس، وأوهى أَمر الردَّة حَتَّى استقامت لَهُ النَّاس. والعَطِيل: شِمْراخ من شماريخ فُحّال النّخل يؤبَر بِهِ. سمعته من أهل الأحساء. والعَطَل: تَمام الْجِسْم وطولُه. وَامْرَأَة حَسَنة العَطَل إِذا كَانَت حَسَنَة الجُرْدَة. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: نَاقَة حَسَنَة العَطَل وَهِي نَاقَة عَطِلة إِذا كَانَت تامَّة الْجِسْم والطول. ونوق عَطِلاَت. وَقَالَ لبيد:
فَلَا نتجاوز العَطِلات مِنْهَا
إِلَى البَكْر المقارب والكَزُومِ
وَقَالَ اللَّيْث: شَاة عَطِلَة: يعرف فِي عُنُقها أَنَّهَا غزيرة. والعَيْطَل: النَّاقة الطَّوِيلَة فِي حُسْن مَنْظَر وسِمَن. وَقَالَ ابْن كُلْثوم:
ذِراعَيْ عَيْطَلٍ أدماء بِكْر
هِجان اللَّوْن لم تقْرَأ جَنِيناً
وَقَالَ اللَّيْث: امْرَأَة عَيْطَلٌ: طَوِيلَة من النِّسَاء فِي حُسْن جسم. وَامْرَأَة عَطِلة ذَات عَطَلٍ أَي حُسن جسمٍ. وَأنْشد أَبُو عَمْرو:
وَرْهَاءُ ذاتُ عَطَلٍ وَسِيمُ
وَرَأَيْت بالسَّوْدَة من ديارات بني سعد جبلا منيفاً يُقَال لَهُ: عَطَالَة وَهُوَ الَّذِي يَقُول فِيهِ الْقَائِل:(2/98)
خليليّ قُومَا فِي عَطَالَة فانْظُرَا
أناراً تَرَى من ذِي أبانين أم برْقَا
وَقَالَ شمر: التعطّل: ترك الحُليّ: والمِعْطال من النِّسَاء: الَّتِي تُكثر التعطّل. وَقَالَ ابْن شُمَيْل: المعطال من النِّسَاء: الْحَسْنَاء الَّتِي لَا تبالي ألاّ تتقلّد قِلاَدة لجمالها وتمامها. قَالَ ومَعَاطِل الْمَرْأَة: مواقع حُليّها. وَقَالَ الأخطل:
زَانَتْ مَعَاطِلها بالدُرّ والذهبِ
قَالَ وَيُقَال: امْرَأَة عَطْلاَء: لَا حليّ عَلَيْهَا.
علط: أَبُو عبيد: سَمِعت الأصمعيّ يَقُول نَاقَة عُلُط: بِلَا خِطام. قَالَ أَبُو عبيد: وَقيل نَاقَة عُلُطٌ لَا سِمَةَ عَلَيْهَا. وَقَالَ الْأَحْمَر: العِلاَط سِمَة فِي العُنُق بالعَرْض وَقد عَلَطْتها أعْلُطُها عَلْطاً. وَقَالَ غَيره: عِلاَطا الْحَمَامَة طوقها فِي صَفْحَتَيْ عُنُقهَا بسوادٍ. وَأنْشد:
من العُلْط سفعاء العِلاطين بادرتْ
فُرُوعَ أشَاءٍ مَطلِع الشَّمْس أسحَما
وَقَالَ ابْن السّكيت: العُلْطَة: القِلادة. وَأنْشد:
جاريةٌ من شِعْب ذِي رُعَينِ
حَيَّاكة تمشي بعُلطَتَين
وَقَالَ أَبُو زيد: عَلطتُ الْبَعِير عَلْطاً إِذا وَسَمْتَه فِي عُنُقه. قَالَ: وعلَّطته تعليطاً إِذا نزعتَ حَبْله من عُنُقه. وَهُوَ بعير عُلُطٌ من خِطَامه. وَقَالَ ابْن دُرَيْد: العُلْطَةُ سَواد تخطّه الْمَرْأَة فِي وَجههَا تتزيَّن بِهِ. وَكَذَلِكَ اللُعْطة. قَالَ: ولُعْطة الصَّقْر: سُفْعَةٌ فِي وَجهه. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: العُلُطُ: الطوَال من النوق. والعُلُط أَيْضا: القِصَار من الحَمِير. قلت: وَهَذَا من (نَوَادِر ابْن الْأَعرَابِي) . وَقَالَ: الإعلِيط: وعَاء ثَمَر المَرْخ. وَأنْشد:
كإعليط مَرْخٍ إِذا مَا صَفِرْ
شبّه بِهِ أُذُن الْفرس. وَقَالَ اللَّيْث: عِلاَط الإبْرة: خيطها. وعِلاط الشَّمْس: الَّذِي كأنّه خيط إِذا نظرْت إِلَيْهَا. وَكَذَلِكَ النُّجُوم. وَأنْشد:
وأعلاط النُّجُوم مُعَلَّقَاتٌ
كحبل الفَرْق لَيْسَ لَهُ انتصابُ
قَالَ: الفَرْق: الكتَّان. قلت: وَلَا أعرف الْفرق بِمَعْنى الكتّان. وَقَالَ غَيره: أعلاط الْكَوَاكِب هِيَ النُّجُوم المسمّاة الْمَعْرُوفَة كَأَنَّهَا معلوطة بالسِمَاتِ. وَقَالَ بَعضهم: أعلاط الْكَوَاكِب هِيَ الدَرَاريّ الَّتِي لَا أَسمَاء لَهَا من قَوْلهم: نَاقَة عُلُط: لَا سِمَة عَلَيْهَا وَلَا خِطام. ونوق أعلاط. والأعلوَّاط: ركُوب الرَّأْس والتقحم على الْأُمُور بِغَيْر رَوِيَّة. يُقَال: اعلوَّطَ فلَان رأسَه، واعلوَّط الجملُ العنَّاقةَ يَعلوِّطها إِذا تسدَّاها ليضربها. وَهُوَ من بَاب الأفعوّال مثل الأخروّاط والاجلوَّاذ.
طلع: يُقَال: طلعَت الشمسُ تطلُع طُلُوعاً ومَطْلعاً فَهِيَ طالِعَة. وَكَذَلِكَ طلع الْفجْر والنجم وَالْقَمَر. والمطلِع: الْموضع الَّذِي تطلع عَلَيْهِ الشَّمْس وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ} (الْكَهْف: 90) . وأمَّا قَول الله جلّ وعزّ: {أَمْرٍ سَلَامٌ هِىَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} (الْقدر: 5) فَإِن الْكسَائي قَرَأَهَا (هِيَ حَتَّى مَطْلِعِ الْفجْر)(2/99)
بِكَسْر اللَّام. وَكَذَلِكَ روى عبيد عَن أبي عَمْرو بِكَسْر اللَّام. وَقَرَأَ ابْن كثير وَنَافِع وَابْن عَامر واليزيديّ عَن أبي عَمْرو وَعَاصِم وَحَمْزَة {سَلَامٌ هِىَ حَتَّى مَطْلَعِ} بِفَتْح اللَّام. وَقَالَ الفرّاء: أَكثر القرّاء على (مَطْلَع) . قَالَ: وَهُوَ أقوى فِي قِيَاس الْعَرَبيَّة؛ لِأَن المطلَع بِالْفَتْح هُوَ الطُّلُوع، والمطلِع بِالْكَسْرِ هُوَ الْموضع الَّذِي يُطْلَع مِنْهُ، إِلَّا أَن الْعَرَب تَقول: طلعت الشَّمْس مطلِعاً فيكسرون وهم يُرِيدُونَ الْمصدر. وَقَالَ: إِذا كَانَ الْحَرْف من بَاب فَعَلَ يَفْعُل مثل دَخَلَ يدخُل وخَرَجَ وَمَا أشبههما آثرت الْعَرَب فِي الِاسْم مِنْهُ والمصدر فتح الْعين إِلَّا أحرفاً من الْأَسْمَاء ألزموها كسر الْعين فِي مفعِل. من ذَلِك المسجِد والمطلِع والمغرِب والمشرِق والمَسْقِط والمفرِق والمَجْزِرُ والمسكِنُ والمرفِقُ والمنسِك والمنبِتُ فَجعلُوا الْكسر عَلامَة للاسم، وَالْفَتْح عَلامَة للمصدر. قلت أَنا: وَالْعرب تضع الْأَسْمَاء مَوَاضِع المصادر، وَلذَلِك قَرَأَ من قَرَأَ (هِيَ حَتَّى مَطْلِعِ الْفجْر) لِأَنَّهُ ذهب بالمطلِع وَإِن كَانَ اسْما إِلَى الطُّلُوع مثل المطلَع. وَهَذَا قَول الْكسَائي والفرّاء. وَقَالَ بعض الْبَصرِيين: من قَرَأَ (مَطْلِعِ الْفجْر) بِكَسْر اللَّام فَهُوَ اسْم لوقت الطُّلُوع. قَالَ ذَلِك الزجّاج. وَأَحْسبهُ قَول الْخَلِيل أَو قَول سِيبَوَيْهٍ. وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال طلع فلَان علينا من بعيد. قَالَ: وطَلْعته: رُؤْيَته. يُقَال حيّا الله طَلْعَتَك. قَالَ: واطَّلَعَ فلَان إِذا أشرف على شَيْء، وأطلع غَيره. وَقَول الله جلّ وعزّ: {ُ أَءِنَّا لَمَدِينُونَ قَالَ هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ} ِ (الصافات: 54، 55) القرّاء كلهم على هَذِه الْقِرَاءَة، إِلَّا مَا رَوَاهُ حُسَيْن الجُعْفِيّ عَن أبي عَمْرو أَنه قَرَأَ (هَل أَنْتُم مُطْلِعونِ) سَاكِنة الطَّاء مَكْسُورَة النُّون فأُطلِعَ بِضَم الْألف وَكسر اللَّام على فأُفْعِلْ قلت: وَكسر النُّون فِي (مُطْلِعُونِ) شَاذ عِنْد النحويّين أَجْمَعِينَ، وَوَجهه ضَعِيف. وَوجه الْكَلَام على هَذَا الْمَعْنى: هَل أَنْتُم مُطْلِعيَّ وَهل أَنْتُم مُطْلِعُوه بِلَا نون؛ كَقَوْلِك: هَل أَنْتُم آمِروه وآمِريّ. وَأما قَول الشَّاعِر:
هم الْقَائِلُونَ الْخَيْر والآمِرُونَهُ
إِذا مَا خَشُوا من محدَث الْأَمر مُعظَمَا
فَوجه الْكَلَام: والآمرون بِهِ. وَهَذَا من شواذّ اللُّغَات. وَالْقِرَاءَة الجيّدة الفصيحة {ُأَنتُمْ} {ِأَنتُمْ} (الصافات: 54، 55) . وَمَعْنَاهَا: هَل تحبون أَن تتطلَّعوا فتَعْلموا أَيْن منزلتكم من منزلَة أهل النَّار فاطَّلع الْمُسلم فَرَأى قَرِينَه فِي سَوَاء الْجَحِيم أَي فِي وسط الْجَحِيم. وَإِن قَرَأَ قارىء: (هَل أَنْتُم مُطْلِعونَ) بِفَتْح النُّون فأطْلَع فَهِيَ جَائِزَة فِي العربيّة، وَهِي بِمَعْنى هَل أَنْتُم طَالِعُون ومطّلعُون. يُقَال: طَلَعْتُ عَلَيْهِم واطّلعت عَلَيْهِم بِمَعْنى واحدٍ. وَقَالَ ابْن السّكيت: يُقَال: نَخْلَة مُطْلِعَة إِذا طَالَتْ النخلةَ الَّتِي بحذائها فَكَانَت أطول مِنْهَا. وَقد أطْلَعْتُ من فَوق الْجَبَل واطّلَعْتُ بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال أطْلَعَ النخلُ الطَلْع إطْلاَعاً، وطَلَعَ الطَلْع يَطْلُع طلوعاً، وطَلَعْتُ على أَمرهم أطلُع طُلُوعاً، واطّلعتُ عَلَيْهِم اطّلاعاً وطَلَعْتُ فِي الْجَبَل أطلُعُ طلوعاً إِذا أَدْبَرت فِيهِ حَتَّى لَا يراك(2/100)
صَاحبك وطلَعتُ على صَاحِبي طلوعاً إِذا أَقبلت عَلَيْهِ. أَبُو عبيد فِي بَاب الْحُرُوف الَّتِي فِيهَا اخْتِلَاف اللُّغَات والمعاني: طلِعْت الْجَبَل أطلَعُه، وطَلَعت على الْقَوْم أطْلُع. قَالَ: وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة فيهمَا جَمِيعًا: طَلَعت أطْلُع وأقرأني الإيَاديّ عَن شمر لأبي عبيد عَن أبي زيد فِي بَاب الأضداد: طَلَعت على الْقَوْم أطْلُع طُلُوعاً إِذا غِبت عَنْهُم حَتَّى لَا يَرَوك، وطَلَعت عَلَيْهِم إِذا أَقبلت إِلَيْهِم حَتَّى يروك. قلت: وَهَكَذَا رَوَى الحرّاني عَن ابْن السّكيت: طَلَعت عَلَيْهِم إِذا غِبْت عَنْهُم، وَهُوَ صَحِيح جُعِل عَلَى فِيهِ بِمَعْنى عَن كَمَا قَالَ الله جلَّ وعزّ: {ُ} ِ (المطففين: 1، 2) مَعْنَاهُ إِذا اكتالوا عَن النَّاس وَمن النَّاس، كَذَلِك قَالَ أهل اللُّغَة أَجْمَعُونَ. وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْحسن الصَيْدَاوِيّ عَن الرياشيّ عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: الطِلْعُ: كل مطمئن من الأَرْض ذاتِ الربْوة إِذا أطْلَعْتَه رَأَيْت مَا فِيهِ. وَمن ثمّ يُقَال أطْلِعْنِي طِلْعَ أَمرك. وَيُقَال: أطلَع الرجل إطلاعاً إِذا قاء.
وَقَالَ اللَّيْث: طَلِيعَة الْقَوْم: الَّذين يبعثون ليطّلعوا طِلْع العدوّ. ويسمّى الرجل الْوَاحِد طَلِيعَة والجميع طَلِيعَة والطلائع الْجَمَاعَات. قلت: وَكَذَلِكَ الرَبِيئة والشِّيفة والبَغِيَّة بِمَعْنى الطليعة، كل لَفْظَة مِنْهَا تصلح للْوَاحِد وَالْجَمَاعَة.
ورُوي عَن عمر بن الْخطاب أَنه قَالَ عِنْد مَوته: لَو أنَّ لي مَا فِي الأَرْض جَمِيعًا لافتديت بِهِ من هَوْل المُطّلَع.
قَالَ أَبُو عبيد قَالَ الْأَصْمَعِي: المُطَّلَع هُوَ مَوضِع الاطّلاع من إشرافٍ إِلَى الانحدار، فشبّه مَا أشرف عَلَيْهِ من أَمر الْآخِرَة بذلك. قَالَ: وَقد يكون المُطَّلَع المَصْعَد من أَسْفَل إِلَى الْمَكَان المُشْرِف. قَالَ: وَهَذَا من الأضداد.
وَمِنْه حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود فِي ذكر الْقُرْآن: (لكل حرف حَدّ وَلكُل حَدّ مُطَّلَع) مَعْنَاهُ: لكل حَد مَصْعَدٌ يُصْعد إِلَيْهِ، يَعْنِي: من معرفَة علمه. وَمِنْه قَول جرير:
إِنِّي إِذا مُضَرٌ عَلَي تحدَّبتْ
لاقيتُ مُطَّلَعَ الْجبَال وُعُورا
وَيُقَال: مُطَّلَعُ هَذَا الْجَبَل من كَذَا وَكَذَا أَي مَصْعَده ومأتاه.
وَقد رُوي فِي حَدِيث عمر هَذَا أَنه قَالَ: لَو أَن لي طِلاَعَ الأَرْض ذَهَبا لافتديت بِهِ من هول المُطَّلَع.
قَالَ أَبُو عبيد: وطِلاَع الأَرْض: مِلْؤها حَتَّى يطالع أَعلَى الأَرْض فيساويه، وَمِنْه قَول أَوْس بن حَجَر يصف قوساً وَأَن مَعْجِسها يمْلَأ الكفّ فَقَالَ:
كَتُومٌ طِلاَع الكفّ لَا دون مِلئها
وَلَا عَجْسُهَا عَن مَوضِع الكفّ أفْضَلاَ
وَقَالَ اللَّيْث: طِلاَع الأَرْض فِي قَول عمر: مَا طلعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْس من الأَرْض. وَالْقَوْل مَا قَالَه أَبُو عبيد. وَقَالَ اللَّيْث: والطلاع هُوَ الاطّلاع نَفسه فِي قَول حُمَيد بن ثَوْر:
وَكَانَ طِلاَعاً من خَصاصٍ ورِقْبَةً
بأعين أَعدَاء وطَرْفاً مُقَسَّمَا(2/101)
قلت: قَوْله: وَكَانَ طِلاَعاً أَي مُطالعة يُقَال طالعته مطالعة وطِلاَعاً. وَهُوَ أحسن من أَن تَجْعَلهُ اطِّلاَعاً؛ لِأَنَّهُ الْقيَاس فِي الْعَرَبيَّة.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: إِن نَفسك لطُلَعَةٌ إِلَى هَذَا الْأَمر، وَإِنَّهَا لَتَطَّلِعُ إِلَيْهِ أَي لِتُنَازِع إِلَيْهِ. وَامْرَأَة طُلَعَةٌ قُبَعَةٌ: تنظر سَاعَة ثمَّ تختبىء سَاعَة. وَقَول الله جلّ وعزّ: {ُلِّلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ أَلا يَظُنُّ أُوْلَائِكَ أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ} ِ (الْهمزَة: 6، 7) قَالَ الفرّاء: يَقُول يبلغ ألَمُها الأفئدة. قَالَ والاطِّلاَع وَالْبُلُوغ قد يكونَانِ بِمَعْنى وَاحِد. وَالْعرب تَقول مَتى طَلَعْتَ أَرْضنَا أَي مَتى بلغْتَ أَرْضنَا. وَقَالَ غَيره: {تَطَّلِعُ على الأفئدة توفِي عَلَيْهَا فتحرقها، من اطّلعت إِذا أشرفت. قلت: وَقَول الفرّاء أحَبّ إليّ وَإِلَيْهِ ذهب الزجّاج. وَيُقَال: طَلَعْتُ الْجَبَل إِذا عَلَوته أطْلُعُهُ طُلُوعاً وَفُلَان طَلاَّع الثَنَايا وطَلاَّع أنْجُد إِذا كَانَ يَعْلُو الْأُمُور فيقهرها بمعرفته وتجاربه وجَوْدة رَأْيه والأنجد جمع النَجْد وَهُوَ الطَّرِيق فِي الْجَبَل، وَكَذَلِكَ الثَنِيَّة. وَمن أَمْثَال الْعَرَب: هَذِه يَمِين قد طَلَعَتْ فِي المخارم وَهِي الْيَمين الَّتِي تجْعَل لصَاحِبهَا مَخْرَجاً. وَمن هَذَا قَول جرير:
وَلَا خير فِي مَال عَلَيْهِ ألِيَّة
وَلَا فِي يَمِين غيرِ ذَات مخارِمِ
والمخارِم: الطّرق فِي الْجبَال أَيْضا، وَاحِدهَا مَخْرِمٌ. والطالِعُ من السِّهَام: الَّذِي يَقع وَرَاء الهَدَف، ويُعْدَلُ بالمُقَرْطِس.
وَقَالَ المرّار:
لَهَا أسهمٌ لَا قاصراتٌ عَن الحَشَى
وَلَا شاخصاتٌ عَن فُؤَادِي طوالِعُ
أخبَر أَن سهامها تصيب فُؤَاده وَلَيْسَت بِالَّتِي تَقْصُر دونه أَو تجاوزه فتخطئه.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: رُوي عَن بعض الْمُلُوك أَنه كَانَ يسْجد للطالع مَعْنَاهُ: أَنه كَانَ يخْفض رَأسه إِذا شخص سَهْمُه فارتفع عَن الرَمِيَّة، فَكَانَ يطأطىء رَأسه ليتقوّم السهمُ فَيُصِيب الدارة. وَيُقَال اطَّلَعْتُ الفجرَ اطّلاعاً أَي نظرت إِلَيْهِ حِين طلع. وَقَالَ:
نسيمُ الصَبَا من حَيْثُ يُطّلَعُ الفجرُ
وَحكى أَبُو زيد: عافى الله رَجُلاً لم يتطّلع فِي فِيك، أَي لم يتعقب كلامك. وَيُقَال: فلَان بِطِلْعِ الْوَادي، وَفُلَان طِلْعَ الْوَادي، بِغَيْر الْبَاء. قَالَ: واستطلَعْتُ رَأْي فلَان إِذا نظرت مَا رَأْيه. وطَلَعَ الزَّرْع إِذا بدا يَطلع إِذا ظهر نَبَاته. وأطْلَعَتِ النخلةُ إِذا أخرجت طَلْعَهَا. وطَلْعُهَا: كُفُرَّاها قبل أَن تنشقّ عَن الغَرِيض. والغَريض يسمّى طَلْعاً أَيْضا. وَحكى ابْن الْأَعرَابِي عَن المفضّل الضّبيّ أَنه قَالَ: ثَلَاثَة تُؤْكَل وَلَا تُسَمِّن، فَذكر الجُمَّار والطَلْع والكَمْأة، أَرَادَ بالطَلْع: الغَرِيض الَّذِي ينشَقّ عَنهُ كافوره، وَهُوَ أول مَا يُرَى من عِذْق النَّخْلَة. الْوَاحِدَة: طَلْعَة. وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الطَوْلَعُ الطُلَعَاء وَهُوَ الْقَيْء. عَمْرو عَن أَبِيه: من أَسمَاء الحيّة الطِلْع والطِلّ. وَأَخْبرنِي بعض مَشَايِخ أهل الْأَدَب عَن بَعضهم أَنه قَالَ: يُقَال أطْلَعْت إِلَيْهِ مَعْرُوفا مثل أزْلَلْتُ.
وَقَالَ شمر: يُقَال مَا لهَذَا الْأَمر مُطَّلَعٌ وَلَا(2/102)
مَطْلَع أَي مَاله وَجه وَلَا مَأْتًى يُؤْتَى مِنْهُ. وَيُقَال مَطْلَع هَذَا الْجَبَل من مَكَان كَذَا أَي مَصْعَدة ومأتاه. وَأنْشد أَبُو زيد:
مَا سُدَّ من مَطْلَع ضَاقَتْ ثنِيّته
إلاّ وَجَدتُ سَوَاء الضِّيق مُطَّلَعا
وَيُقَال أطلعَني فلَان وأرهقني وأذْلقني وأقحمني أَي أعجلني. وطُوَيْلع: رَكِيّة عادِيّة بِنَاحِيَة الشواجن عَذْبة المَاء قريبَة الرِشاء وطَلَّعْتُ كَيْله أَي ملأته جِدّاً حَتَّى تَطَلَّع أَي فاض قَالَ:
كنت أَرَاهَا وَهِي توقى محلباً
حَتَّى إِذا مَا كيلها تَطَلَّعَا
وقَدَح طِلاع: ممتلىء. وَعين طِلاَعة: ممتلئة. قَالَ:
أمَرُّوا أَمرهم لِنَوًى شَطُونٍ
فنفسي من ورائهم شَعَاعُ
وعيني يَوْم بانوا واستمرُّوا
لنِيَّتهم وَمَا رَبَعُوا طِلاَعُ
وطَلَعْتُ الجَبَل: علوته. وأطْلَعْتُ مِنْهُ: انحدرت نَحْو فَرَعتُ الْجَبَل عَلوته وأفرعتُ انحدرتُ ومَرَّ مُطَّلِعاً لذَلِك الْأَمر أَي غَالِبا لَهُ ومالكاً. وَهُوَ على مَطْلع الأكمة أَي ظَاهر بَيِّنٌ. وَهَذَا مَثَل يضْرب للشَّيْء فِي التَّقْرِيب. يُقَال: الشرّ يُلقَى مَطَالِع الأكم، أَي ظَاهر بارز. قَالَ ابْن هَرْمة:
صادتك يَوْم المَلاَ من مَصْغَرٍ عَرَضاً
وَقد تُلاَقِي المنايا مَطلِعَ الأكمِ
وطَلْعُ الشَّمْس: طُلُوعُهَا. قَالَ:
باكر عَوفاً قبل طَلْعِ الشَّمْس
لطع: اللَّيْث: لَطِعَ الْإِنْسَان الشَّيْء يَلْطَعُهُ لَطْعاً إِذا لحسَه بِلِسَانِهِ. قَالَ: والألطع: الرجل الَّذِي قد ذهبت أَسْنَانه، وَبقيت أسناخها فِي الدُرْدُر. قَالَ وَيُقَال بل اللَّطَعُ: رِقّة فِي شَفَة الرجل الألطع وَامْرَأَة لَطْعَاء. وَأَخْبرنِي الْمُنْذِرِيّ عَن ثَعْلَب عَن سَلمَة عَن الفرّاء: امْرَأَة لَطْعَاء بيّنة اللَطَع إِذا انسحقت أسنانها فلصِقت باللِثَة، وَقد لَطَعت الشَّيْء ألْطَعُهُ لَطْعاً إِذا لعِقته. قَالَ: وَقَالَ غَيره لَطِعْتُهُ بِكَسْر الطَّاء. وَقيل: امْرَأَة لطعاء: قَليلَة لحم الرَكَب.
وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) . لَطَعتُه بالعصا. قَالَ والطِعْ اسْمه أَي أثبِتْهُ، الطَعْهُ أَي امحُه. وَكَذَلِكَ اطلِسْهُ. وَقَالَ ابْن دُرَيْد: اللطْع بَيَاض الشّفة واللطَع قلَّة لحم الْفرج واللطَعُ أَن تتحاتّ الْأَسْنَان. واللطْعُ لَطْعُكَ الشَّيْء بلسانك ولَطَعْتُه بالعصا: ضَربته ولَطَعت عينَه: ضربتها ولطمتها. ولطَعتُ الغَرَض: رَمَيته فَأَصَبْته ولَطَعت البئرُ: ذهب مَاؤُهَا. والناقة اللطعَاء: الَّتِي ذهب فمها من الهَرَم. ولَطِعَ إصبعه ولعِق إِذا مَاتَ. ولَطَعَ الشرابَ والتطعه: شرِبه. قَالَ: ولَطْعَةُ الذِّئْب على صَوته وصنعَة السُرفة والدَّبرَ. واللطَع: الحَنَك والجميع: ألطاع.
(بَاب الْعين والطاء مَعَ النُّون)
(ع ط ن)
عطن، عنط، نعط، نطع، طعن: الْمُوقَدَةُ الَّتِى تَطَّلِعُ عَلَى} مستعملات.
عطن: رُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نهى عَن الصَّلَاة فِي أعطان الْإِبِل. أَخْبرنِي المنذريّ عَن الحرّاني عَن ابْن السّكيت قَالَ: العَطَن:(2/103)
مَبْرَك الْإِبِل حول المَاء. وَقد عَطَنَت الإبلُ على المَاء وعَطَّنَت، وأعْطَنْتُها أَنا إِذا سقيتها ثمَّ أنحتها فِي عَطَنِهَا لتعود فَتَشرب. وَأَخْبرنِي عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: قومٌ عُطَّانٌ وعَطَنَةٌ وعُطُونٌ وعَاطِنُون إِذا نزلُوا فِي أعطان الْإِبِل. وَلَا يُقَال: إبل عُطَّان. وَفِي حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (رأيتُني أنزِعُ على قَلِيب، فجَاء أَبُو بكر فاستقى وَفِي نَزْعه ضَعْفٌ وَالله يغْفر لَهُ، فجَاء عمر فنَزَعَ فاستحالت الدَلْو فِي يَده غَرْباً فأروى الظَمِئة حَتَّى ضَرَبت بعَطَن) قَالَ ابْن السّكيت: قَوْله: (ضَرَبت بعَطَنٍ) يُقَال ضَرَبَت الإبلُ بعَطَنٍ إِذا رَوِيَتْ ثمَّ بَرَكَتْ على المَاء. وَأَخْبرنِي عبد الْملك عَن الرّبيع عَن الشافعيّ فِي تَفْسِير قَوْله: (ثمَّ ضَرَبَتْ بعَطَنٍ) بنحوٍ ممّا قَالَه ابْن السّكيت. وَقَالَ اللَّيْث: كل مَبْرَك يكون مَألفاً لِلْإِبِلِ فَهُوَ عَطَنٌ لَهَا بِمَنْزِلَة الوطن للغنم وَالْبَقر قَالَ: وَمعنى مَعَاطِن الْإِبِل فِي الحَدِيث: موَاضعهَا. وَأنْشد:
وَلَا تكَلِّفُنِي نَفسِي وَلَا هَلَعِي
حِرْصاً أُقيم بِهِ فِي مَعْطِن الهُونِ
قلت لَيْسَ كل مُنَاخ لِلْإِبِلِ يسمّى عَطَناً وَلَا مَعْطِناً. وأعطان الْإِبِل ومَعَاطنها لَا تكون إلاّ مَبَارِكَها على المَاء. وَإِنَّمَا تُعْطِن العربُ الإبلَ على المَاء حِين تَطْلُع الثريّا، وَيرجع النَّاس من النُجَع إِلَى المحاضِر، وتُعْطَنُ يَوْم وِرْدها فَلَا يزالون كَذَلِك إِلَى وَقت طُلُوع سُهَيْل فِي الخريف، ثمَّ لَا يُعْطِنُونهَا بعد ذَلِك، وَلكنهَا تَرِد المَاء فَتَشرب شَرْبتها وتَصْدُر من فَوْرها.
وَفِي حَدِيث عمر أَنه دخل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي بَيته أُهُبٌ عَطِنَةٌ. قَالَ أَبُو عبيد: العَطِنَة: المُنْتِنة الرّيح. قلت: وَيُقَال عَطَنْتُ الجِلْد أعْطِنُهُ عَطْناً إِذا جعلتَه فِي الدبَاغ وَتركته فِيهِ حَتَّى يتمرّط شَعَرُه ويُنْتِن، فَهُوَ معطونٌ وعَطِينٌ. وَقد عَطِن الجِلد عَطَناً إِذا أنْتَنَ وأمْرَق عَنهُ وَبَرُه أَو صُوفه. وَيُقَال للَّذي يُسْتَقْذَر: مَا هُوَ إلاّ عطِينة، من نَتْنه. وَقَالَ أَبُو زيد: عَطِن الْأَدِيم إِذا أنْتَنَ وَسقط صوفه فِي العَطْن. والعَطْنُ أَن يُجْعَل فِي الدِبَاغ.
قَالَ أَبُو عبيد: وَقَالَ أَبُو زيد: مَوضِع العَطِن العَطَنة قَالَ: والعَطْنُ فِي الجِلد: أَن يُؤْخَذ الغَلْقة وَهو ضربٌ من النَّبَات يدبغ بِهِ أَو فَرْثٌ يُلْقى فِيهِ الجِلْد حَتَّى يُنْتِن ثمَّ يلقى بعد ذَلِك فِي الدِبَاغ. وَفُلَان وَاسع العَطَن والبَلَد، وَهُوَ الرَحْب الذراعِ.
عنط: أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: العَنَطْنَطُ: الطَّوِيل من الرِّجَال. وَقَالَ اللَّيْث: واشتقاقه من عنَط وَلكنه أُرْدِف بحرفين فِي عَجُزه. وَأنْشد:
يَمْطو السُرَى بعُنُقٍ عَنَطْنَطِ
قَالَ: وَامْرَأَة عَنَطْنَطَةٌ: طَوِيلَة العُنُق مَعَ حُسْن قَوَام.
قَالَ: وعَنَطُها: طول قَوَامها وعنقها لَا يَجْعَل مصدر ذَلِك إِلَّا العَنَط. قَالَ: وَلَو جَاءَ فِي الشّعْر عَنَطْنَطَتُهَا فِي طول عُنُقهَا جَازَ ذَلِك فِي الشِعر. قَالَ وَكَذَلِكَ أسدٌ غَشَمْشمٌ بَين الغَشْم، ويومٌ عَصَبْصَبٌ بَين العَصَابة. ثعلبٌ عَن ابْن الْأَعرَابِي: أعْنَط: جَاءَ بولدٍ عَنَطْنَطٍ.(2/104)
طعن: اللَّيْث: طعنه بِالرُّمْحِ يَطْعُنُهُ طَعْناً. وطَعَنَ بالْقَوْل السَيّء يَطْعَن طَعَنَاناً. واحتجّ بقوله:
وأبى الكاشحون يَا هندُ إِلَّا
طَعَنَاناً وَقَول مَالا يُقَال
ففرّق بَين المصدرين، وَغَيره لم يفرّق بَينهمَا. وَأَجَازَ لِلشاعر طعناناً فِي الْبَيْت؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ: أَنهم طعَنُوا فِيهِ بِالْعَيْبِ فَأَكْثرُوا، وتطاول ذَلِك مِنْهُم، وفَعَلاَن يَجِيء فِي مصَادر مَا يَتَطَاول ويتمادَى وَيكون مناسباً للميل والجَور. قَالَ اللَّيْث: والعَين مِن يَطْعُنُ مَضْمُومَة. قَالَ: وَبَعْضهمْ يَقُول: يَطْعُنُ بِالرُّمْحِ ويَطْعَنُ بالْقَوْل فيفرّق بَينهمَا. ثمَّ قَالَ اللَّيْث: وَكِلَاهُمَا يَطْعُنُ. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس قَالَ الْكسَائي: لم أسمع أحدا من الْعَرَب يَقُول يَطْعَنُ بِالرُّمْحِ وَلَا فِي الْحسب، إِنَّمَا سَمِعت يَطْعُنُ. قَالَ: وَقَالَ الفرّاء: سمعتُ أَنا يطعَنُ بِالرُّمْحِ. وَقَالَ اللَّيْث: الْإِنْسَان يَطْعُنُ فِي المغازة وَنَحْوهَا إِذا مضى فِيهَا قلت: وَيُقَال: طَعَنَ فلَان فِي السِنّ إِذا شخص فِيهَا وطَعَنَ غُصْنٌ من أَغْصَان الشَّجَرَة فِي دَار فلَان إِذا مَال فِيهَا شاخصاً. وأنشدني الْمُنْذِرِيّ عَن أبي الْعَبَّاس لمُدْرِك بن حُصَين يُعَاتب قومه:
وكنتم كأُمَ لَبَّة طَعَنَ ابْنهَا
إِلَيْهَا فَمَا دَرَّتْ عَلَيْهِ بسَاعِدِ
قَالَ: طَعَنَ ابْنهَا إِلَيْهَا أَي نَهَضَ إِلَيْهَا وشخص بِرَأْسِهِ إِلَى ثَدْيها، كَمَا يَطْعُن الْحَائِط فِي دَار فلَان إِذا شخص فِيهَا.
وَيُقَال: طَعَنَت المرأةُ فِي الحَيْضة الثَّالِثَة أَي دخلتْ.
وَقَالَ بَعضهم: الطَعْنُ: الدُّخُول فِي الشَّيْء.
وَيُقَال طُعِنَ فلَان فَهُوَ مطعون وطَعِين إِذا أَصَابَهُ الدَّاء الَّذِي يُقَال لَهُ: الطَّاعُون.
وَيُقَال: تَطَاعَن الْقَوْم فِي الْحَرْب واطَّعَنُوا إِذا طَعَنَ بَعضهم بَعْضًا: والتفاعل والافتعال لَا يكَاد يكون إِلَّا باشتراك الفاعلين فِيهِ؛ مثل التخاصم والاختصام، والتعاور والاعتِوار. ورجلٌ طِعِّين: حاذق بالطِعَان فِي الْحَرْب.
نطع: أَبُو عبيد عَن الْكسَائي: هُوَ النَطْع والنَطَعُ والنِطْعُ والنِطَعُ. وَجمعه أنطاع.
وَقَالَ اللَّيْث: النِطَعُ: مَا ظهر من الْغَار الْأَعْلَى، وَهِي الجِلدة المُلْزَقة بِعظم الخُلَيْقَاء فِيهَا آثَار كالتحْزيز، والجميع النُطوع. والتَنَطُّع فِي الْكَلَام: التعمُّق فِيهِ، مَأْخُوذ مِنْهُ قلت: وَفِي الحَدِيث: (هلك المتنطِّعون) وهم المتعمّقون الغالُون. وَيكون: الَّذين يَتَكَلَّمُونَ بأقصى حُلُوقهمْ تكبّراً؛ كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إنّ أبغضكم إليّ الثرثارون المتفيهِقون) . وسأفسّره فِي مَوْضِعه.
وَقَالَ أَبُو سعيد: يُقَال وَطئنا نِطَاعَ بني فلَان أَي دَخَلنَا أَرضهم.
قَالَ وجَنَاب الْقَوْم نِطاعهم. قلت: ونَطَاعِ بِوَزْن قَطَامِ: ماءة فِي بِلَاد بني تَمِيم قد وَرَدتُهَا يُقَال شَرِبَتْ إبلُنا من مَاء نَطَاعِ، وَهِي رَكيّة عَذْبة المَاء غزيرته. ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: النُطُعُ: المتشدّقون فِي(2/105)
كَلَامهم وَقَالَ ابْن الْفرج: سَمِعت أَبَا السَمَيْدَع يَقُول: تَنَطَّعَ فِي الْكَلَام وتَنَطَّسَ إِذا تأنّق فِيهِ.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: النُطَاعَةُ والقُطَاعَةُ والعُضَاضَة: اللُقْمة يُؤْكَل نصفهَا ثمَّ تردّ إِلَى الخِوَان وَهُوَ عيبٌ. يُقَال: فلَان لاطِع ناطِع قاطِع.
نعط: ناعِطٌ: حِصْن فِي رَأس جبلٍ بِنَاحِيَة الْيمن قديمٌ كَانَ لبَعض الأَذْواء.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه قَالَ: النُعْطُ: المسافرون سفرا بَعيدا، بالعَين.
قَالَ والنُعْطُ: القاطعو اللُقَم بنصفين فَيَأْكُلُونَ نِصفاً ويُلقون النّصْف الآخر فِي الغَضَار. وهم النُعُط والنُطُعُ واحدهم ناعِط وناطِع وَهُوَ السيّىء الأدبِ فِي أكله ومروءته وعَطائه. قَالَ: وَيُقَال: نعَط وأنطع إِذا قطع لُقْمة قَالَ: والنُغُط بالغين: الطِوال من النَّاس.
(بَاب الْعين والطاء مَعَ الْفَاء)
(ع ط ف)
اسْتعْمل من وجوهه: عطف، وعفط، وأهمل بَاقِي الْوُجُوه.
عطف: قَالَ الله جلّ وعزّ: {ثَانِىَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} (الْحَج: 9) جَاءَ فِي التَّفْسِير أَن مَعْنَاهُ: لاوياً عُنُقه. وَهَذَا يُوصف بِهِ المتكبِّر. فَالْمَعْنى: وَمن النَّاس من يُجَادِل فِي الله بِغَيْر علم ثَانِيًا عطفه. وَنصب {ثَانِىَ عِطْفِهِ} (الْحَج: 9) على الْحَال وَمَعْنَاهُ التَّنْوِين؛ كَقَوْلِه جلّ وعزّ: {هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ} (الْمَائِدَة: 95) مَعْنَاهُ: بَالغا الكعبةَ. وعِطْفا الرجل: ناحيتاه عَن يَمِين وشِمَال. ومَنْكِب الرجل: عِطْفه وإبطه عطفه ورُوي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (سُبْحَانَ من تعطَّف العِزَّ وَقَالَ بِهِ) ، مَعْنَاهُ وَالله أعلم: سُبْحَانَ منْ تَرَدَّى بالعِزّ، والعطاف: الرِدَاء. وَالْمرَاد مِنْهُ بهاء الله وجلاله وجماله. وَالْعرب تضع الرِّدَاء مَوضِع الْبَهْجَة وَالْحسن، وتضعه مَوضِع النعْمة والبهاء. وسمّي الرِّدَاء عِطافاً لوُقُوعه على عِطْفَيِ الرجُل وهما ناحيتا عُنُقه. فَهَذَا معنى تعطّفِه العِزَّ. وَيجمع العِطَاف عُطُفاً وأعْطِفَةً. والمِعْطَف: الرِّدَاء وَجمعه المعاطف. وَهُوَ مثل مئزر وَإِزَار وَمِلْحَف ولِحَاف ومِسْرَد وسِراد. وَقَالَ أَبُو زيد: امْرَأَة عَطِيف وَهِي الَّتِي لَا كِبْر لَهَا اللينة الذليلة المِطواع فَإِذا قلت: امْرَأَة عَطوف فَهِيَ الحانية على وَلَدهَا. وَكَذَلِكَ رجلٌ عَطُوفٌ. وَيُقَال: عَطَفَ فلَان إِلَى نَاحيَة كَذَا يَعْطِفُ عَطْفاً إِذا مَال إِلَيْهِ، وانعطف نَحوه. وعَطَفَ رأسَ بعيره إِلَيْهِ إِذا عَاجَهُ عَطْفاً. وعَطَفَ الله بقلب السُّلْطَان على رعيّته إِذا جعله عَاطِفاً رحِيما. وَيُقَال عَطَف الرجل وِساده إِذا ثَنَاه ليرتفق عَلَيْهِ ويتّكىء. وَقال لَبيد:
وَمَجُودٍ من صُبَابات الكَرَى
عَاطِف النمرق صَدْق المُبْتَذَلْ
ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي: العُطُوف: الأردية. والعُطوف الآباط. وعِطْفا كل إنسانٍ ودابّةٍ: شِقَّاه من لدن رَأسه إِلَى وركيه شمر عَن ابْن شُمَيْل: العِطَاف(2/106)
تَردّيك بِالثَّوْبِ على منكبيك كَالَّذي يفعل النَّاس فِي الحرّ وَقد تعطف بردائه. قَالَ: والعطاف الرِّدَاء والطيلسان وكل ثوب تَعَطَفُهُ أَي تَردَّى بِهِ فَهُوَ عطاف.
وَقَالَ اللَّيْث: العَطاف: الرجل الحَسن الْخُلُق العَطُوف على النَّاس بفضله. وظبية عَاطِف إِذا رَبضتْ فعَطفتْ عُنقها. وَكَذَلِكَ الحاقِف من الظباء. وناقةٌ عطوفٌ إِذا عَطِفَتْ على بَوّ فرئمته. والجميع العُطُف. وَيُقَال فلَان يتعاطف فِي مِشيته بِمَنْزِلَة يتهادى ويتمايل من الخُيَلاء والتبختُر. وَيقال: عَطَفْتُ رَأس الخَشَبة فانعطف إِذا حَنَيته فَانْحنى. والعَطُوف وبعضٌ يَقُول: العاطوف مِصْيدة، سمّيتْ بِهِ لانعطاف خشبتها.
وَقَالَ غَيره: العطائف: القِسيّ، الْوَاحِدَة عطِيفَة، كَمَا سمّوها حنِيَّةً وَجَمعهَا حَنيُّ. قَالَ والعطف: عطف أَطْرَاف الذَيل من الظهارة على البِطانة. وَقَالَ ذُو الرمة فِي العطائف القسِيّ:
وأصفر بلَّى وشيَه خفقانُه
عَلَى البِيض فِي أغمادها والعطائف
أصفر يَعْنِي بردا يظلّل بِهِ. وَالْبيض السيوف والعطَّاف فِي صفة قِداح الميسر. وَيُقَال: العَطُوف: وَهُوَ الَّذِي يَعطف على القداح فَيخرج فائزاً.
وَقَالَ الْهُذلِيّ يصف مَاء وَرده:
فخضخضتُ صُفْنِيَ فِي جَمَّهِ
خِيَاض الْمدَابر قِدحاً عطُوفاً
وَقَالَ القتيبي فِي كتاب (الميسر) : العَطوف: القِدْح الَّذِي لَا غُرْم فِيهِ وَلَا غُنْم لَهُ، وَهُوَ أحد الأغفال الثَّلَاثَة فِي قِداح الميسر، سُمّي عطُوفاً لِأَنَّهُ يُكَرُّ فِي كل رَبَابه يضْرب بهَا. قَالَ وَقَوله: قِدحاً عطوفاً وَاحِد فِي معنى جَمِيع، وَمِنْه قَوْله:
حَتَّى يخضخض بالصُفْن السبيخ كَمَا
خَاضَ القِدَاح قَمِيرٌ طامِعٌ خَصِلُ
السبيخ: مَا نَسَل من ريش الطير الَّتِي ترد المَاء. والقمير: المقمور. والطامِع: الَّذِي يطْمع أَن يعود إِلَيْهِ مَا قُمِرَ. وَيُقَال: إِنَّه لَيْسَ يكون أحد أطمع من مقمور، خَصِل: كثير خِصَال قَمْرِهِ.
وَأما قَول ابْن مقبل:
وأصفرَ عطَّاف إِذا رَاح رَبُّهُ
غَدا ابْنا عِيانٍ بالشِوَاء المُضَهَّبِ
فَإِنَّهُ أَرَادَ بالعَطَّاف قِدْحاً يعطِف عَن مآخذ القِداح وَينفرد.
وَقال ابْن شُمَيْل: العَطَفة هِيَ الَّتِي تَعَلَّقُ الْحَبَلَةُ بهَا من الشّجر. وَأنْشد:
تَلَبَّسَ حُبُّها بدمِي ولحمِي
تَلَبُّسَ عطْفةٍ بِفُرُوع ضَالِ
قَالَ النَّضر: إِنَّمَا هِيَ عطَفَة فخفّفها ليستقيم لَهُ الشِعْر. عَمْرو عَن أَبِيه قَالَ: مِن غَرِيب شجر البَرّ العَطْفُ واحده عطَفَة.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال تَنَحَّ عَن عطْف الطَّرِيق وعطْفِه وعلَبِهِ ودَعسِهِ وقَرِيّه وَقَرِقِه وقَارِعته.
وروى بَعضهم عَن المؤرِّج أَنه قَالَ فِي حَلْبة الْخَيل إِذا سوبق بَينهَا وَفِي أساميها: هُوَ السَّابق، والمصَلّى، والمسَلّى، والمجلِّي، وَالتالي والعاطف، والحظيّ، وَالمؤمَّل، وَاللَطِيم، وَالسُكَيْت.(2/107)
وَقَالَ أَبُو عبيد: لَا يعرف مِنْهَا إِلَّا السَّابِق وَالمصَلّى ثمَّ الثَّالِث وَالرابع إِلَى الْعَاشِر وَآخرها السُكَيت وَالفِسْكِل. قلت: وَقد رَأَيْت لبَعض الْعِرَاقِيّين هَذَا الَّذِي رُوي عَن المؤرج، وَلم أجد الروَاية ثَابِتَة عَن المؤرج من جِهَة مَن يوثق بِهِ فَإِن صحَّت الروَاية عَنهُ فَهُوَ ثِقَة، وَقد جَاءَ بِهِ ابْن الْأَنْبَارِي. وَالعطَفة من خرَز النِّسَاء تتعلّقها طلب محبَّة أزوَاجها. وَسميت بذلك تفاؤلاً بهَا. وقوسٌ عَطُفٌ: ليّنة الانعطاف. قَالَ:
فظل يمطو عُطُفاً رُجُوماً
وَقيل للقوس: عُطفٌ لِأَنَّهَا معطوفة، فُعُل بِمَعْنى مفعولة، كَمَا قيل: قَوس عُطُلٌ أَي مُعَطَّلَة لَا وَتَر عَلَيْهَا، وقلبٌ فُرُغٌ أَي مفرَّغ من الْحزن، وَنَحْو ذَلِك كثير. والعَطَفُ: وجع فِي الْعُنُق من تعادى الوسادة عِطف الرجل. وَقَوله فِي وصف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي أَشْفَاره عَطَفٌ أَي انعطافٌ. وعطَّفتُه ثوبي أَي جعلته عِطافاً لَهُ. وَقَالَ ابْن كُرَاع:
وَإِذا الرِكَابُ تكلفتها عُطِّفَتْ
ثمرَ السِّيَاط قطوفها وسِيَاعَهَا
أَي جُعِلَتِ السياطُ عُطفاً لَهَا جُنُوبها، وَإِنَّمَا تُضْرَبُ بالثمر لِأَنَّهَا لَا تدرَك فتضربَ بِالسياط. وثمر السِّيَاط: أطرافها. وعِطاف من أَسمَاء الْكَلْب. قَالَ:
فصَبَّحَهُ عِنْد السروق عُدَيَّة
أَخُو قَنَصٍ يُشْلى عِطَافاً وأجذلاَ
عفط: قَالَ اللَّيْث: العَفْطُ والعَفِيط نَثْر الشَّاة بأنوفها كَمَا يَنْثِر الْحمار، وَالْعرب تَقول: مَا لفُلَان عَافِطَة وَلَا نافِطة فَقَالَ الْأَصْمَعِي: العَافِطَة: الضائنة، والنافِطة: الماعزة. وَقَالَ ابْن السّكيت: قَالَ غير الْأَصْمَعِي من الْأَعْرَاب: العافطَة: الماعزة إِذا عَطَست. وَقَالَ اللَّيْث: قَالَ أَبُو الدُقَيش العافِطة: النعجة، والنافِطة: العَنْز، وَقَالَ غَيره: العافِطة: الأَمَة، والنافِطة: الشَّاة، لِأَن الأمَة تَعْفِط فِي كَلَامهَا، كَمَا يَعْفِط الرجلُ العِفْطِيّ وَهُوَ الألكن الَّذِي لَا يُفْصح وَهُوَ العَفَّاط، وَقد عَفَطَ فِي كَلَامه عَفْطاً وعَفَتَ عَفْتاً، وَهُوَ عَفَّاتٌ عَفَّاط. وَلَا يُقَال على جِهَة النِّسْبَة إلاّ عِفْطِي. قلت: الأعْفَتُ والألْفَتُ: الأعسر الأخرق. وعَفَتَ الكلامَ إِذا لواه عَن وَجهه. وَكَذَلِكَ لَفَته. وَالتَّاء تبدل طاءً لقرب مخرجيهما. وَقَالَ أَبُو عَمْرو: العَافِط الَّذِي يَصِيح بالضأن لتأتِيَه. وَقَالَ بعض الرجّاز يصف غنما:
يحار فِيهَا سَالِىءٌ وآقِطُ
وحالبان ومَحَاحٌ عَافِطُ
وَيُقَال حاحيت بالمِعْزَى حِيحاء ودعدعت بهَا دعدعة إِذا دعوتها.
وَقَالَ أَبُو تُرَاب: سَمِعت عَرّاماً يَقُول: عَفَق بهَا وعَفَط بهَا إِذا ضَرَط.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العَفْطُ الحُصَاص للشاة، والنَفْطُ: عُطَاسُها.
(بَاب الْعين والطاء مَعَ الْبَاء)
(ع ط ب)
عطب، عبط، طبع، طعب، بعط: مستعملة.
عطب: قَالَ اللَّيْث: العَطَبُ: هَلَاك الشَّيْء(2/108)
وَالْمَال وعَطِبَ البعيرُ إِذا انْكَسَرَ أَو قَامَ على صَاحبه، وأعْطَبتُهُ أَنا: أهلكته. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العَوْطَبُ أعمقُ مَوضِع فِي الْبَحْر. وَقَالَ فِي موضعٍ: العَوْطَبُ: المطمئنّ بَين الموجتين. قَالَ: والعَطْبُ: لِين الْقطن وَالصُّوف يُقَال: عَطَبَ يَعطُبُ عَطْباً وعُطُوباً. وَهَذَا الْكَبْش أعطَبُ من هَذَا أَي أَلين. أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: هُوَ العُطْبُ والعُطُبُ للقُطُن.
وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال إِنِّي لأجد ريح عُطْبَة أَي أجد ريح قطنة محترِقة.
وَقَالَ أَبُو سعيد: التعطيبُ، علاج الشَّرَاب ليطيب ريحُه. يُقَال: عَطْبَ الشرابَ تعطيباً. وَأنْشد بَيت لَبيد:
يَمُجُّ سُلاَفاً من رحيق مُعَطَّبِ
وَرَوَاهُ غَيره: من رحيق مُقَطَّبِ، وَهُوَ الممزوج، وَلَا أَدْرِي مَا مُعَطَّب. والمعَاطِبُ: المهالك وَاحِدهَا معطب.
عبط: قَالَ اللَّيْث: العَبْطُ: أَن تَعْبِط نَاقَة فتنحرها من غير دَاء وَلَا كَسْر. يُقَال: عَبَطَها يَعبِطُها عَبْطاً، واعْتَبَطَها اعتِباطاً.
وَقَالَ ابْن بُزُرْجَ فِيمَا وجدت لَهُ بِخَط أبي الْهَيْثَم: العِبِيط من كلّ اللَّحْم وَذَلِكَ مَا كَانَ سليما من الْآفَات إِلَّا الْكسر. قَالَ: وَلَا يُقال للّحم الدَوِي الْمَدْخُول من آفةٍ: عَبِيط، وَيُقَال للدابة عبيطة ومعتبَطة، وَاللَّحم نَفسه عبيط أَي سليم إِلَّا من كسر. وَيُقَال مَاتَ فلَان عَبْطَة، أَي شابًّا صَحِيحا. واعتبطه الموتُ. وَقَالَ أمَيَّة بن أبي الصَلْت:
من لم يمت عَبْطَة يَمُتْ هَرَماً
للْمَوْت كأسٌ فالمرء ذائقها
وَيُقَال لحمٌ عَبيط ومعبوط إِذا كَانَ طريًّا لم يُنَيِّبْ فِيهِ سَبُعٌ وَلم تُصبه عِلة. وَقَالَ لَبيد:
وَلَا أَضَنُّ بمعبوطِ السَنَام إِذا
كَانَ القُتارُ كَمَا يُسْتَرْوَحُ القُطُرُ
وَقَالَ اللَّيْث: زعفران عبيط: يشبّه بِالدَّمِ العبيط. قَالَ: وَيُقَال: عَبَطَتْه الدَّوَاهِي أَي نالته من غير اسْتِحْقَاق. وَقَالَ الأُريقط:
بمنزلِ عَفَ وَلم يخالِط
مُدَنّسَاتِ الرِيَبَ العَوَابِطِ
وَيُقَال: عَبَط فلَان الأَرْض عَبْطاً واعتبطها إِذا حفر موضعا لم يكن حُفِر قبل ذَلِك. وَقَالَ المرَّار العَدَوي:
ظَلَّ فِي أَعلَى يَفَاعٍ جازلا
يعبط الأَرْض اعتباط المحتَفِر
أَبُو عبيد: العَبْط: الشقُ. وَمِنْه قَول الْقطَامِي:
وظلّت تعبُط الْأَيْدِي كلُوماً
وثوبٌ عبيط أَي مشقوق وَجمعه عُبُط.
وَمِنْه قَول أبي ذُؤَيْب:
فتخالسا نفسيهما بنوافذٍ
كنوافذ العُبُطِ الَّتِي لَا تُرْقَعُ
وَأَخْبرنِي المنذريّ أَن أَبَا طَالب النَّحْوِيّ أنْشدهُ فِي كتاب (الْمعَانِي) للفرّاء: كنوافذ العُطُب.
ثمَّ قَالَ ويروى كنوافذ العُبُط. قَالَ والعُطُب: الْقطن، والنوافذ: الْجُيُوب يَعْنِي جُيُوب الأقمصة. وَأخْبر أَنَّهَا لَا تُرقَع،(2/109)
شبّه سَعَة الْجِرَاحَات بهَا. قَالَ: وَمن رَوَاهَا: العُبُط أَرَادَ بهَا: جمع عبيط، وَهُوَ الَّذِي يُنحر لغير علّة، وَإِذا كَانَ كَذَلِك كَانَ خُرُوج الدَّم أشدّ. أَبُو عبيد عَن أبي زيد: اعتبط فلَان عليّ الكذبَ، وعَبَطَ يَعْبِط إِذا كذب. ورَوَى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العابط الكذّاب. والعَبْطُ: الْكَذِب. والعَبْطُ: الغِيبة. والعَبْط الشَقُّ وَيُقَال عَبَط الحمارُ الترابَ بحوافره إِذا أثاره، والترابُ عبيطٌ. وعَبَطَتِ الرّيح وجهَ الأَرْض إِذا قَشَرتْهُ. وعَبَطْنَا عَرَق الْفرس أَي أجريناه حَتَّى عَرِقَ. وَقَالَ الْجَعْدِي:
وَقد عَبَطَ الماءَ الحميمَ فأسْهَلاَ
طبع: الحرّاني عَن ابْن السّكيت قَالَ: الطَبْع مصدر طَبَعْتُ الدِّرْهَم طَبْعاً. والطِبْعُ النَّهر وَجمعه أطباع، عَن الْأَصْمَعِي. وَأنْشد للبيد:
فَتَولَّوْا فاتراً مَشْيُهمُ
كروايا الطِبْع همَّت بالوحَلْ
وَيجمع الطِبعُ بِمَعْنى النَّهر على الطُبوع، سمعته من الْعَرَب. والطَبْع: ابتداءُ صَنْعَة الشَّيْء. تَقول: طَبَعْتُ اللَبِن طَبْعاً وطَبَعْتُ السَّيْف طَبْعاً والطَبَّاع: الَّذِي يَأْخُذ الحديدة فيطَبَعُها ويُسَوِّيها إمّا سِكّيناً وإمّا سَيْفا وَإِمَّا سِناناً. وحِرْفَتُه الطِبَاعَة. وطَبَعَ الله الخَلْق على الطبائع الَّتِي خلقهَا فأنشأهم عَلَيْهَا، وَهِي خلائقهم. وَيجمع طَبْع الْإِنْسَان طِبَاعاً، وَهُوَ مَا طُبِعَ عَلَيْهِ من طِبَاع الْإِنْسَان فِي مأكله ومشربه وسهولة أخلاقه وحُزُونتها وعُسرها ويُسرها وشدّته ورخاوته وبُخْله وسخائه. وَيُقَال طَبَعَ الله على قلب الْكَافِر نعود بِاللَّه مِنْهُ أَي ختم عَلَيْهِ فَلَا يعي وَعْظاً وَلَا يوفَّق لخير. والطَابَع: الخاتَم. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق النَّحْوِيّ: معنى طَبَعَ فِي اللُّغَة وخَتَم واحدٌ وَهُوَ التغطية على الشَّيْء والاستيثاق من أَن يدْخلهُ شَيْء؛ كَمَا قَالَ {الْقُرْءَانَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ} (مُحَمَّد: 24) {ُِالاَْوَّلِينَ كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ} (المطفيين: 14) مَعْنَاهُ: غَطّى على قُلُوبهم، وَكَذَلِكَ {طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} (النَّحْل: 108) . قلت: فَهَذَا تَفْسِير الطَّبْع بتسكين الْبَاء على الْقلب. وَأما طَبَع الْقلب بِحركة الْبَاء فَهُوَ تلطُّخه بالأدناس. وأصل الطَبَع: الصدأ يكثر على السَّيْف وَغَيره. قَالَ ابْن السّكيت: وَذكر أَن الْأَصْمَعِي وَغَيره أنْشدهُ هَذِه الأرجوزة:
إِنَّا إِذا قلّتْ طخارير القَزَعْ
وَصدر الشَّارِب مِنْهَا عَن جُرَعْ
نَفْحَلها البِيضَ القليلاتِ الطَبَعْ
من كل عَرَّاصٍ إِذا هُزَّ اهْتَزَعْ
وَفِي الحَدِيث: (نَعُوذ بِاللَّه من طَمَع يَهْدي إِلَى طبَع) .
قَالَ أَبُو عبيد: الطبَع الدنس وَالْعَيْب، وَكلُّ شَيْن فِي دِين أَو دُنيا فَهُوَ طَبَع. وَيُقَال مِنْهُ: رجلٌ طَبِعٌ. وَمِنْه قَول عمر بن عبد الْعَزِيز: لَا يتزوجُ من الموَالِي فِي الْعَرَب إلاّ الأشِر البَطِر. وَلَا يتَزَوَّج من الْعَرَب فِي الموَالِي إلاّ الطمِعُ الطَبَعُ.
وَقَالَ أَبُو عبيد قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: المُطَبَّعُ: المَلآن وَأنْشد غَيره:
وَأَيْنَ وَسْق النَّاقة المُطَبَّعَهْ(2/110)
قَالَ: المُطَبَّعَةُ: المثقّلة. قلت: وَتَكون المطبَّعَة النَّاقة الَّتِي مُلئتْ شَحْماً وَلَحْمًا فتَوثَّق خَلْقُها.
وَقَالَ اللَّيْث: طَبَّعْتُ الْإِنَاء تطبيعاً، وَقد تطبَّع النهرُ حَتَّى إنّه ليتدفّق. قَالَ: والطَبْع مَلؤك السِقَاء حَتَّى لَا مَزِيد فِيهِ من شدّة مَلْئه. وَقَالَ فِي قَول لبيد:
كرَوَايَا الطِبْع هَمَّت بالوَحَلْ
إِن الطِّبْع كالمِلْء. قَالَ: وَلَا يُقَال للمصدر: طَبْع؛ لِأَن فِعله لَا يخفّف كَمَا يُخَفف فعل مَلَأت. قَالَ وَيُقَال: الطِبْع فِي بَيت لبيد: المَاء الَّذِي يُمْلأ بِهِ الراوية. قلت: وَلم يعرف اللَّيْث الطِبْع فِي بَيت لبيد، فتحيّر فِيهِ، فمرّةً جعله المِلء وَهُوَ مَا أَخذ الإناءُ من المَاء، ومرّةً جعله المَاء، وَهُوَ فِي الْمَعْنيين غير مُصِيب. والطِبْع فِي بَيت لبيد مَا قَالَه الْأَصْمَعِي أَنه النَّهر. وسُمِيّ النَّهر طِبْعاً لِأَن النَّاس ابتدءوا حفره، وَهُوَ بِمَعْنى الْمَفْعُول كالقِطْف بِمَعْنى المقطوف والنِكث بِمَعْنى المنكوث من الصُّوف، وأمَّا الْأَنْهَار الْكِبَار الَّتِي شَقّها الله تَعَالَى فِي الأَرْض شَقًّا مثل دِجْلة والفُرَات والنّيل وَمَا أشبههَا فَإِنَّهَا لَا تسمَّى طُبُوعاً، إِنَّمَا الطُبُوع: الْأَنْهَار الَّتِي أحدثها بَنو آدم واحتفروها لمرافقهم. وَقَول لَبيد: هَمَّتْ بالوحَل يدلّ على مَا قَالَ الْأَصْمَعِي؛ لِأَن الروايا إِذا أوقرت بالمزايد مَمْلُوءَة مَاء ثمَّ خاضت أَنهَارًا فِيهَا وَحَل عَسُر عَلَيْهَا الْمَشْي فِيهَا وَالْخُرُوج مِنْهَا. وَرُبمَا ارتطمت فِيهَا ارتطاماً إِذا كثر الوحَل. فشَبّه لبيد الْقَوْم الَّذين حاجّوه عِنْد النُّعْمَان بن الْمُنْذر فأدحض حججهم حَتَّى ذلّوا فَلم يتكلّموا بروايا مثقلة خاضت أَنهَارًا ذَات وَحَل فتساقطتْ فِيهَا وَالله أعلم. وَقَالَ شمر: يُقَال طَبِع إِذا دَنِس وعِيبَ وطُبِع وطُبِّعَ إِذا دُنِّس وعِيبَ. قَالَ وأنشدتنا أم سَالم الكلابيّة:
ويحمدها الجيرانُ والأهلُ كلُّهم
وتبغِض أَيْضا عَن تُسَبَّ فتُطْبَعَا
قَالَ: ضمّت التَّاء وَفتحت الْبَاء. وَقَالَت: الطَبْع: الشَين فَهِيَ تبغِض أَن تُطْبَع أَي تُشان. وَقَالَ ابْن الطَثْريّة:
وعَنْ تخلطي فِي طيّب الشِرب بَيْننَا
من الكَدِر المأبيّ شِرباً مُطَبَّعا
أَرَادَ: وَأَن تخلطي وَهِي لُغَة تَمِيم. قَالَ: والمطَبَّع: الَّذِي قد نُجِّسَ. والمأبيّ المَاء الَّذِي يَأْبَى شُرْبه الْإِبِل. أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: الطَبْعُ الْمِثَال، يُقَال اضربه على طَبْع هَذَا وعَلى غِراره وصِيغته وهِدْيته أَي على قدره. وَفِي (نَوَادِر الْأَعْرَاب) : يُقَال قد قَذَذت قفا الْغُلَام إِذا ضَربته بأطراف الْأَصَابِع، فَإِذا مكَّنت الْيَد من الْقَفَا قلت طَبَعْتُ قَفاهُ. والطَّبُّوع: دابّة من الحشرات شَدِيدَة الْأَذَى بالشأم. وَلفُلَان طابِعٌ حَسَنٌ أَي طبيعةٌ حسنةٌ. قَالَ الرُؤَاسِيّ:
لَهُ طابِعٌ يجْرِي عَلَيْهِ وَإِنَّمَا
تَفَاضَلُ مَا بَين الرِّجَال الطَبَائِعُ
أَي تتفاضل.
وطُبْعَان الْأَمِير: طينُه الَّذِي يُختم بِهِ الْكتب.(2/111)
بعط: قَالَ اللَّيْث: يُقَال أبعَط الرجلُ فِي كَلَامه إِذا لم يُرْسِلهُ على وَجهه. وَقَالَ رؤبة:
وقلتُ أقوالَ امرىءٍ لم يُبْعِطِ
أعْرِضْ عَن النَّاس وَلَا تَسَخَّطِ
وَقَالَ الْأَصْمَعِي وَأَبُو زيد: يُقَال أبعط فلَان فِي السَّوم إِذا جَاوز فِيهِ القَدْر. وَكَذَلِكَ طمح فِي السّوم وأشطّ فِيهِ.
وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: هُوَ المُعْتَنِز والمُبْعِطُ والصُنْتُوت والفَرِدُ والفَرَدُ والفَرْدُ والفَرُود. وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن سَلمَة عَن الفرّاء أَنه قَالَ: يبدلون الدَّال طاء، فَيَقُولُونَ: مَا أبعط طَارَك يُرِيدُونَ مَا أبْعَدَ دَارَك. وَيُقَال بَعَطَ الشَّاة وسَحَطَهَا وذَمَطَها وبَرخَها وذَعَطَها إِذا ذَبحهَا.
طعب: أهمله اللَّيْث. وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي: يُقَال: مَا بِهِ من الطَعْبِ أَي مَا بِهِ من اللَّذَّة والطِّيب.
(بَاب الْعين والطاء مَعَ الْمِيم)
(ع ط م)
عطم، عمط، طعم، طمع، مطع، معط: مستعملات.
عطم: أهمله اللَّيْث. وروى أَبُو الْعَبَّاس عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: العُطْمُ: الصُّوف المنفوش. قَالَ والعُطُم: الهَلْكَى واحدهم عَطِيم وعاطِم.
عمط: أهمله اللَّيْث وَقَالَ غَيره: اعتبط فلَان عِرْض فلَان واعتمطه إِذا وَقع فِيهِ وقَصَبه بِمَا لَيْسَ فِيهِ.
طعم: قَالَ الله جلّ وعزّ: {إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 -} (الْبَقَرَة: 249) قَالَ أَبُو إِسْحَاق: مَعْنَاهُ: من لم يتطعَّم بِهِ. وَقَالَ اللَّيْث: طَعْمُ كل شَيْء ذَوقه قَالَ: والطَعْمُ الْأكل بالثنايا. وَتقول إِن فلَانا لحسن الطَّعْم وَإنَّهُ ليَطعَمُ طَعْماً حَسَناً. قَالَ: والطُعْمُ: الحَبُّ الَّذِي يُلْقَى للطير.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي فِيمَا روى عَنهُ الْبَاهِلِيّ: الطعْمُ: الطَّعَام، والطَعم: الشَّهْوَة. وَهو الذَّوْق. وَأنشد لأبي خِرَاش الهذليّ:
أردُّ شُجاع الْبَطن لَو تعلمينه
وَأوثر غَيْرِي من عِيَالك بالطُعْم
أَي بِالطَّعَامِ. ثمَّ أنْشد قَول أبي خرَاش فِي الطَعْمِ:
وأغتبِقُ المَاء القَرَاح فأنتهي
إِذا الزَّاد أَمْسَى للمزَلَّج ذَا طَعْم
قَالَ: ذَا طَعم أَي ذَا شَهْوَة. قَالَ وَرجل ذُو طَعمٍ أَي ذُو عقلٍ وَحزمٍ. وَأنشد:
فَلَا تأمري يَا أم أَسمَاء بِالَّتِي
تُجِرُّ الْفَتى ذَا الطَعْم أَن يتكلَّما
وَيقال: مَا بفلان طَعْمٌ وَلا نَوِيصٌ أَي لَيْسَ لَهُ عقلٌ وَلا بِهِ حَراك. وَقيل فِي قَول الله تَعَالَى: {وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 -} أَي من لم يَذُقه. يُقَال طعم فلَان الطَعَام يطعَمُه طَعْماً إِذا أكله بِمقدم فِيهِ وَلم يُسرِف فِيهِ. وطَعِمَ مِنْهُ إِذا ذاق مِنْهُ. وَإِذا جعلته بِمَعْنى الذَّوْق جَازَ فِيمَا يُؤْكَل وَيشْرب. والطَعَام: اسمٌ لما يُؤْكَل، وَالشرَاب: اسمٌ لما يُشرب. وَيجمع الطَّعَام أطْعِمة ثمَّ أطعماتٍ(2/112)
جمع الْجمع. وأهلَ الحِجَاز إِذا أطْلقُوا اللَّفْظ بِالطَّعَامِ عَنَوا بِهِ البُرَّ خَاصَّة. قَالَ أَبُو حَاتِم: يُقَال لَبَنٌ مُطَعِّمٌ وَهُوَ الَّذِي أخَذ فِي السِقَاء طعماً وطِيباً. وَهُوَ مَا دَامَ فِي العُلْبة مَحْضٌ وَإِن تغيّر. وَلَا يَأْخُذ اللبنُ طعماً وَلَا يُطَعِّمُ فِي العُلْبة والإناء أبدا. وَلَكِن يتغيّر طعمه من الإنقاع. وَيُقَال فلَان طَيّبُ الطِعمة وَفُلَان خَبِيث الطِعمة إِذا كَانَ من عَادَته ألاّ يَأْكُل إلاّ حَلَالا أَو حَرَامًا. وَيُقَال: جعل السلطانُ نَاحيَة كَذَا طُعْمة لفُلَان أَي مَأكَلةً لَهُ. وَيُقَال: فِي بُسْتَان فلَان من الشّجر المُطْعِم كَذَا أَي من الشّجر المثمِر الَّذِي يُؤْكَل ثمره. وَيُقَال: اطَّعَمَت الثمرةُ على افتعَلَت أَي أخَذَت الطَعْم. وَيُقَال: فلَان مُطْعَمُ للصَّيْد ومُطْعَمُ الصَّيْد إِذا كَانَ مرزوقاً مِنْهُ. وَمِنْه قَول امرىء الْقَيْس:
مُطعَم للصَّيْد لَيْسَ لَهُ
غيرَها كسْبٌ على كِبَره
وَقَالَ ذُو الرمة:
(وَمُطْعَمُ الصَّيْد هَبَّال لبغيته)
وَقَالَ اللَّيْث: رجل مِطعام: يكثر إطْعَام النَّاس، وَامْرَأَة مطعام بِغَيْر هَاء وَرجل مطعم: شَدِيد الْأكل وَامْرَأَة مِطْعَمَة. قَالَ والمُطْعِمَتَان من رِجْل كل طَائِر: هما المتقدّمان المتقابلتان. والمُطْعِمة من الْجَوَارِح هِيَ الإصبعُ الغليظة الْمُتَقَدّمَة فاطَّرد هَذَا الِاسْم فِي الطير كلهَا. قَالَ وقوسٌ مُطْعَمة: يصاد بهَا الصَّيْد، وَيكثر الصَّوَاب عَنْهَا. وَأنْشد:
وَفِي الشِمَال من الشِرْيان مُطْعَمة
كبدَاء فِي عَجْسها عَطْفٌ وتقويمُ
سمِّيتْ كَذَلِك لِأَنَّهَا تُطْعَم الصَّيْد. قَالَ: والمطعِمُ من الْإِبِل: الَّذِي تَجِد فِي مخِّه طعم الشَّحْم من سمنه. وكل شَيْء وُجِد طعمهُ فقد أطعِم. قَالَ وَقَول الله تَعَالَى: {وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
1764 -} (لبقرة: 249) جَعَل ذواق المَاء طَعْماً: نَهَاهُم أَن يَأْخُذُوا مِنْهُ إلاّ غَرْفَةً وَكَانَ فِيهَا رِيّهم ورِيّ دوابّهم. وَقَالَ غَيره: يُقَال إِنَّك مُطْعَمٌ مَوَدّتي أَي مَرْزُوق مَوَدّتي. وَقَالَ الْكُمَيْت:
بلَى إنَّ الغواني مُطْعَمات
مَوَدّتَنا وَإِن وَخَطَ القَتيرُ
أَي يُحِبّهنّ وَإِن شِبْنَا. أَبُو زيد: إِنَّه لمتطاعِم الخَلْق أَي متتابِع الخَلْق. وَيُقَال هَذَا رجل لَا يَطَّعِمُ بتثقيل الطَّاء أَي لَا يتأدّب وَلَا يَنْجَع فِيهِ مَا يُصلحه، وَلَا يَعْقِل.
وَيُقَال: فلَان تُجْبَى لَهُ الطُعَمُ أَي الْخراج والإتاوات. وَقَالَ زُهَيْر:
مِمَّا تُيَسَّرُ أَحْيَانًا لَهُ الطُعَمُ
وَقَالَ الحسَن: القِتال ثَلَاثَة: قتال على كَذَا، وقتال لكذا، وقتال على هَذِه الطُعْمَة يَعْنِي الفَيْء والخَرَاج. وَقَالَ أَبُو سعيد: يُقَال لَك غَثُّ هَذَا وطَعُومُه أَي غَثُه وسَمِينه. وناقةٌ طَعُوم: بهَا طِرْق، وجَزُورٌ طَعُومٌ: سَمِينَة. وَقَالَ ابْن السّكيت عَن الْفراء: جزور طَعُوم وطَعِيم إِذا كَانَت بَين الغَثّة والسمينة. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: مُسْتَطْعم الْفرس: مَا تَحت مَرْسِنِه إِلَى أَطْرَاف جحافله. قَالَ ويستحبُّ للْفرس لُطْفُ مُسْتَطعَمه. وَيُقَال استطعمْت الفرسَ إِذا طلبت جَرْيه. وَأنْشد أَبُو عُبَيْدَة:(2/113)
تدارَكه سعيٌ وركضُ طِمِرَّة
سَبُوحٍ إِذا استطعمتها الجري تَسْبَحُ
وَقَالَ النَّضر: أطعمتُ الغُصْن إطعاماً إِذا وصلت بِهِ غصناً من غير شَجَره. وَقد أطعمته فطَعِمَ أَي وصلته بِهِ فَقبل الْوَصْل. وأطعَمتُ عينه قذًى فَطَعَمْتُه. وَيُقَال: طَعِمَ يَطْعَمُ مَطْعَماً وَإنَّهُ لطيبُ المَطْعَم كَقَوْلِك طيّبُ المأكل. ورُوي عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ فِي زَمْزَم: إِنَّه طعَامُ طُعْمٍ وشفاء سُقْمٍ، قَالَ ابْن شُمَيْل: طعامُ طُعْمٍ أَي يَشبع مِنْهُ الْإِنْسَان. وَيُقَال: إِنِّي طاعِم عَن طَعَامكُمْ أَي مستغنٍ عَن طَعَامكُمْ. وَيُقَال: هَذَا الطَّعَام طَعَام طُعْمٍ أَي يَطْعَم مَن أكله أَي يشْبع، وَله جُزْء من الطَّعَام مَا لَا جُزء لَهُ. وَمَا يَطْعَمُ آكل هَذَا الطَّعَام أَي مَا يشْبع. قَالَ: والطُعْمُ أَيْضا: القُدْرَة. يُقَال: طَعِمْتُ عَلَيْهِ أَي قَدَرت عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو زيد: يُقَال أخَذ فلَان بمَطْعَمة فلَان إِذا أَخذ بحَلْقِه يَعْصُره. وَلَا يَقُولُونَهَا إلاّ عِنْد الخَنْق والقتال. والمُطْعَمة: المأدُبة والتطاعم: إِدْخَال الْفَم فِي الْفَم، كَمَا يَفعل الحمامُ عِنْد التَّقْبِيل. وَقَالَ:
كَمَا تَطَاعم فِي خضراء ناعمةٍ
مُطَوّقان صباحاً بعد تغريدِ
ونُهِيَ عَن بيع الثَّمَرَة حَتَّى تُطْعِم أَي تُدْرِك وَتَأْخُذ الطَعْم.
طمع: الحَرّاني عَن ابْن السّكيت: رجلٌ طمِعٌ وطَمُعٌ بِمَعْنى واحدٍ. والطَمَع: ضدّ الْيَأْس. وَقَالَ عمر بن الْخطاب: تعلَّمُنَّ أَن الطمع فقر، وَأَن الْيَأْس غنى. وَيُقَال: مَا أطمع فلَانا، على التَّعَجُّب من طَمَعه. وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال: إِنَّه لَطمُع الرجلُ بضمّ الْمِيم فِي التعجّب؛ كَقَوْلِك: إِنَّه لحسن الرجُلُ. وَرُبمَا قَالُوا: إِنَّه لطَمْعَ الرجُلُ، وَكَذَلِكَ التعجّب فِي كل شَيْء مضمومٌ؛ كَقَوْلِك: لخرُجَت الْمَرْأَة فُلَانَة إِذا كثر خُرُوجهَا، ولقَضُوَا القَاضِي فلَان، وَنَحْو ذَلِك أجمع، إلاّ مَا قَالُوا فِي نِعم وَبئسَ فَإِن الرِّوَايَة جَاءَت فيهمَا بِالْكَسْرِ. وَامْرَأَة مِطماع وَهِي الَّتِي تُطمِعُ وَلَا تمكِّن. والمَطْمَعُ: مَا طَمِعْتَ فِيهِ. وَيُقَال: إِن قَول المخاضعة من الْمَرْأَة المَطْمَعة فِي الْفساد أَي ممَّا يُطمِع ذَا الرِيبة فِيهَا. وَقَالَ اللحياني: أَخذ القومُ أطماعَهُم أَي أَرْزَاقهم، الْوَاحِد طمَعٌ. وفعلتُ ذَاك طَمَاعِيَةً فِي كَذَا مِثال عَلَانيَة أَي طَمَعا فِيهِ. قَالَ الْهُذلِيّ:
أما وَالَّذِي مسّحتُ أَرْكَان بَيته
طماعِيَةً أَن يغْفر الذنبَ غَافِرُهْ
والمُطْمِعُ: الطَّائِر الَّذِي يوضع فِي وسط الشَبَك ليصاد بدلالته الطيورُ.
معط: المَعْطُ: الجَذْب. يُقَال ضرب فلَان يَده إِلَى سَيْفه فامتعطه من غِمده، وامتعده إِذا استلّه. ومَعَطَ شعره إِذا نتفه. وَرجل أمْعَط أمْرَط: لَا شَعر على جسده. وذئبٌ أمعط قد امَّرَطَ شَعرُه عَنهُ. وَالْأُنْثَى مَعْطَاء. ولصٌّ أمعَط: يشبّه بالذئب الأمعط لخُبْثه. ولُصُوص مُعْط. وَقَالَ اللَّيْث: يُقَال مَعِطَ الذِّئْب وَلَا يُقَال مَعِطَ شَعره وَقد امَّعَطَ شعره إِذا مَعَطَه الدَّاء. قَالَ: وَيُقَال: إِنَّه لطويل مُمَّعِطُ كَأَنَّهُ قد مُدَّ. قلت: الْمَعْرُوف فِي الطول المُمَّغِط بالغين(2/114)
مُعْجمَة، كَذَلِك رَوَاهُ أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي وَلم أسمع مُمَّعطِ بِهَذَا الْمَعْنى لغير اللَّيْث، إِلَّا مَا قرأته فِي كتاب (الاعتقاب) لأبي ترابٍ، قَالَ: سَمِعت أَبَا زيد وَفُلَان بن عبد الله التَّمِيمِي يَقُولَانِ: رجلٌ مُمَّغِط ومُمَّعِط أَي طَوِيل. قلت: وَلَا أبعد أَن يَكُونَا لغتين، كَمَا قَالُوا: لَعَنَّكَ ولَغَنَّك بِمَعْنى لعلّك، والمعَصُ والمَغَصُ: البِيض من الْإِبِل، وسُرُوعٌ وسُرُوغٌ للقُضْبان الرَخْصة. وَقَالَ اللَّيْث: المَعْطُ ضربٌ من النِّكَاح يُقَال: مَعَطها إِذا نَكَحَهَا. وَآل أبي مُعيط فِي قُرَيْش معروفون. وأمعَط: اسْم موضعٍ ذكره الرَّاعِي فِي شعره فَقَالَ:
بقاعِ أمْعَطَ بَين السهل والصبرِ
ثعلبٌ عَن ابْن الْأَعرَابِي: من أَسمَاء السَوْءة المَعْطَاء والشَعْراء والدَفْراء. ومَعَطت النَّاقة بِوَلَدِهَا: رَمَتْ بِهِ عِنْد الْولادَة. وَالذِّئْب يكنى أَبَا مُعْطَةَ. ومَعَطَ بهَا ومَرَطَ إِذا خرجت مِنْهُ ريح. وأرضٌ مَعْطَاء: لَا نبت فِيهَا.
مطع: قَالَ اللَّيْث: المَطْعُ: ضربٌ من الْأكل بِأَدْنَى الْفَم. يُقَال: هُوَ مَاطِع إِذا كَانَ يَأْكُل بالثنايا وَمَا يَليهَا من مقاديم الْأَسْنَان: وَهُوَ القَضْم أَيْضا. وَقَالَ غَيره: فلَان مَاطِع ناطِع بِمَعْنى واحدٍ. والممطِعَة: الضَرْع الَّتِي تشخُب أطباؤها لَبَناً.
(أَبْوَاب الْعين وَالدَّال)
ع د ت
اسْتعْمل من وجوهها: (عتد) .
عتد: قَالَ الله جلّ وعزّ: {وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئًا} (يُوسُف: 31) أَي هيّأت وأعدّت. وَقَالَ اللَّيْث: العَتَاد: الشَّيْء الَّذِي تُعِدّه لأمرٍ مَا وتهيئُه لَهُ. قَالَ: وَيُقَال: إنّ العُدَّة إِنَّمَا هِيَ العُتْدَةُ، وأعَدّ يُعِدّ إِنَّمَا هُوَ أعتَد يُعْتِد، وَلَكِن أدغمت التَّاء فِي الدَّال.
قَالَ: وَأنكر آخَرُونَ فَقَالُوا: اشتقاق أعَدّ من عين ودالين؛ لأَنهم يَقُولُونَ: أعدَدْناه فيُظهرون الدالين. وَأنْشد:
أَعدَدْت للحرب صارِماً ذكرا
مجرَّب الوقع غير ذِي عَتَبِ
وَلم يقل: أعتدت. قلت: وَجَائِز أَن يكون الأَصْل أَعدَدْت ثمَّ قلبت إِحْدَى الدالين تَاء، وَجَائِز أَن يكون عتد بِنَاء على حِدةٍ، وعَدَّ بِنَاء مضاعفاً. وَهَذَا هُوَ الأصوب عِنْدِي.
وَقَالَ الله جلّ وعزّ: {قَرِينُهُ هَاذَا مَا لَدَىَّ} (ق: 23) قَالَ بعض المفسّرين: عتِيد أَي حَاضر. وَقَالَ بَعضهم: قريبٌ. وَيُقَال: أعتَدت الشَّيْء فَهُوَ مُعْتَدُ، وعتِيد. وَقد عَتُدَ الشيءُ عَتَادَةً فَهُوَ عتِيد: حَاضر. قَالَه اللَّيْث. قَالَ: وَمن هُنَالك سُمِّيت العَتِيدة الَّتِي فِيهَا طِيب الرجُل وأدهانه. وَقَوله: {قَرِينُهُ هَاذَا مَا لَدَىَّ} فِي رَفعه ثَلَاثَة أوجه عِنْد النَّحْوِيين. أَحدهَا أَنه على إِضْمَار التكرير، كَأَنَّهُ قَالَ: هَذَا مَا لديّ هَذَا عتِيد وَيجوز أَن ترفعه على أَنه خبر بعد خبر، كَمَا تَقول: هَذَا حُلْو حامض. فَيكون الْمَعْنى: هَذَا شَيْء لديّ عتيد.
وَيجوز أَن يكون بإضمار هُوَ، كَأَنَّهُ قَالَ: هَذَا مَا لدي هُوَ عتيد والعَتِيدة طَبْل العرائس أُعتِدت تحْتَاج إِلَيْهِ العَرُوس من(2/115)