(ليس بمثمود ولا منزور ... محمدٍ من فعله مشكور)
(موجَّهٍ في قومه مذكور) فرجع أبي واثقا بالله جلَّ جلالُه، فوضعتني أمي، فنشأت أحسن ما نشأ غلام عِفّةً وكرما، وبلغتُ مبْلغ الرجال، وقمت بأمر أخواتي وزوَّجتهن، وكنَّ عوانس، ثم قضى الله تعالى أن سترتهن ووالدتي، ثم منَّ الله عليَّ أن أعطاني فأوسع وأكثر، وله الحمد، وولدت رجالا كثيرا ونساء وإن بين يدي القوم من ظهري ثمانين رجلا وامرأة.
حفظ الشعر وروايته
فصل: وليعتن بحفظ أشعار العرب فإن فيه حكما ومواعظ وآدابا، وبه يستعان على تفسير القرآن والحديث.
قال البخاري في الأدب المفرد: حدثنا سعيد بن بليد حدثنا ابن وهب، أخبرني جابر بن إسماعيل وغيره عن عقيل عن ابن شهاب عن عُرْوة عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول: الشعر منه حَسَنٌ ومنه قبيح، خذ الحسن ودع القبيح.
ولقد رويت من شعر كعب بن مالك أشعارا منها القصيدة فيها أربعون بيتا ودون ذلك.
وقال أيضا: حدثنا أبو نعيم حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى سمعت عمرو بن الشريد عن الشريد قال ((استنشدني النبي صلى الله عليه وسلم شعر أمية بن أبي الصلت فأنشدته، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: هِيهِ هيه حتى أنشدته مائة قافية)) .
وقال أيضا: حدثنا إبراهيم بن المنذر حدثني معن حدثني عمرو بن سلام أن عبد الملك(2/265)
ابن مروان دفع ولده إلى الشَّعْبي يؤدبهم فقال: عَلّمْهم الشعر يَمجدوا ويَنْجدوا، وأطعمهم اللحم تشتد قلوبهم، وجز شعورهم تشتد رِقابُهم، وجالس بهم عِلْيَة الرجال يُناقِضوهم الكلام.
وقال ثعلب في أماليه: أخبرنا عبد الله بن شبيب قال: حدثني ثابت بن عبد الرحمن قال: كتب معاوية بن أبي سفيان إلى زياد: إذا جاءك كتابي فأوفد إلي ابنك عبيد الله فأوفده عليه فما سأله عن شيء إلا أنفذه له حتى سأله عن الشعر فلم يعرف منه شيئا، قال: فما منعك من روايته قال: كرهت أن أجمع كلام الله وكلام الشيطان في صدري، فقال: اعْزُب والله لقد وضعت رجلي في الرِّكاب يوم صِفِّين مرارا ما يمنعني من الانهزام إلاّ أبيات ابن الإطنابة حيث يقول: [// من الوافر //]
(أبتْ لي عِفَّتي وأبَى بَلائى ... وأخْذِي الحمدَ بالثَّمَن الرَّبيح)
(وإعطائي على الإعدام مالي ... وإقدامي على البطل المُشيح)
(وقولي كلما جَشأت وجَاشت ... مكانك تحمدي أو تستريحي)
(لأدفع عن مآثرَ صالحات ... وأحمى بعدُ عن عِرْض صحيح) وكتب إلى أبيه: أن رَوِّه الشعر، فروَّاه فما كان يسقط عليه منه شيء.(2/266)
وقال القالي في أماليه: أخبرني أبو بكر بن الأنباري، قال: أتى أعرابي إلى ابن عباس فقال: [// من الطويل //]
(تَخَوَّفني مالي أخٌ لِيَ ظالمٌ ... فلا تَخْذُلَنِّي المال يا خير من بقي) فقال: تخوفكَ تَنقّصك قال: نعم، قال: الله أكبر أوْيَأْ خُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ أي على تنقص من خيارهم.
تفهم المعاني
فصل: ولا يقتصر على رواية الأشعار من غير تفهم ما فيها من المعاني واللطائف، فيدخل في قول مَرْوان بن أبي حفصة يذم قوما استكثروا من رواية الأشعار ولا يعلمون ما هي: [// من الطويل //]
(زوامل للأشعار لا علم عندهم ... بجيدها إلا كعلم الأباعر)
(لعمرك ما يدري البعير إذا غدا ... بأوساقه أو راح ما في الغرائر)
التثبت في المعاني والرواية
فصل: وإذا سمع من أحد شيئا فلا بأس أن يتثبت فيه.
قال في الصَّحاح: سألت أعرابيا من بني تميم بنجْد وهو يستقي وبكرته نخيس فوضعت أصبعي على النِّخَاس فقلت: ما هذا - وأردت أن أتعرف منه(2/267)
الحاء والخاء - فقال: نِخاس (بخاء معجمة) فقلت: أليس قال الشاعر: [// من الرجز //]
(وَبَكْرَة نِحَاسُهَا نُحَاسُ) فقال: ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين.
والنِّخاس: خُشَيبة تلقم في ثقب البَكْرة إذا اتسع مما يأكله المحور.
قال ابن دريد في الجمهرة: قال أبو حاتم: قال الأصمعي: سمعت أعرابيا يقول: عطس فلان فخرج من أنفه جُلَعْلِعَة، فسألته عن الكلمة فقال: هي خُنفساء، نصفها حيوان ونصفها طين.
قال: فلا أنسى فرحي بهذه الفائدة.
الرفق بمن يؤخذ عنهم
وليرفُق بمن يأخذ عنه ولا يكثر عليه ولا يطول بحيث يضجر.
وفي أمالي ثعلب: إنه قال حين آذوه بكثرة المسائل قال أبو عمرو: لو أمكنت الناس من نفسي ما تركوا لي طوبة، أي آجرة:
رتبة الحافظ
فصل: فإذا بلغ الرتبة المطلوبة صار يدعى الحافظ، كما أن من بلغ الرتبة العليا من الحديث يسمى الحافظ، وعلم الحديث واللغة أخوان يجريان من واد واحد.
قال ثعلب في أماليه: قال لي سلمة: أصحابك ليس يحفظون قلت: بلى، فلان حافظ وفلان حافظ.
قال: يغيرون الألفاظ ويقولون لي قال الفراء كذا وقال كذا وقد طالت المدة، فأجهد أن أعرف ذلك فلا أعرفه ولا أدري ما يقولون.
وظائف الحافظ
فصل وظائف الحافظ في اللغة أربعة: أحدهما وهي العليا: الإملاء، كما أن الحفاظ من أهل الحديث أعظم وظائفهم(2/268)
الإملاء، وقد أملى حفاظ اللغة من المتقدمين الكثير، فأملى ثعلب مجالس عديدة في مجلد ضخم، وأملى ابنُ دريد مجالس كثيرة رأيت منها مجلدا، وأملى أبو محمد القاسم بن الأنباري وولده أبو بكر ما لا يحصى، وأملى أبو علي القالي خمسة مجلدات، وغيرُهم.
وطريقتهم في الإملاء كطريقة المحدِّثين سواء، يكتب المستملي أول القائمة: ((مجلس أملاه شيخنا فلان بجامع كذا في يوم كذا)) ويذكر التاريخ، ثم يورد المملي بإسناده كلاما عن العرب والفصحاء، فيه غريب يحتاج إلى التفسير ثم يفسره، ويورد من أشعار العرب وغيرها بأسانيده، ومن الفوائد اللغوية بإسناد وغير إسناد ما يختاره.
وقد كان هذا في الصدر الأول فاشيا كثيرا، ثم ماتت الحفاظ، وانقطع إملاء اللغة عن دهر مديد واستمر إملاء الحديث.
ولما شرعت في إملاء الحديث سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة وجددته بعد انقطاعه عشرين سنة من سنة مات الحافظ أبو الفضل بن حجر أردت أن أجدد إملاء اللغة وأحييه بعد دثوره، فأمليت مجلسا واحدا فلم أجد له حَملة ولا من يرغب فيه فتركته.
وآخر من عَلِمتُه أَمْلى عَلَى طريقة اللغويين أبو القاسم الزجاجي، له أمالٍ كثيرة في مجلد ضخم، وكانت وفاته سنة تسع وثلاثين وثلثمائة، ولم أقف على أمال لأحدٍ بعده.
قال ثعلب في أماليه: حضرت مجلس ابن حبيب فلم يُمْل فقلت: ويحك أَمْلِ، مالك فلم يفعل حتى قمت، وكان حافظا صدوقا في الحق، وكان يعقوب أعلم منه، وكان هو أحفظ للأنساب والأخبار منه.
قلت: في هذا توقير العالم من أجلُّ منه فلا يُملي بحضرته.
الوظيفة الثانية الإفتاء في اللغة، وليقصد التحري والإبانة والإفادة والوقوفَ عند ما يعلم، وليقل فيما لا يعلم: لا أعلم، وإذا سئل عن غريب وكان مفسرا في القرآن فليقتصر عليه.
قال ثعلب في أماليه: قال لي محمد بن عبد الله بن طاهر: ما الهَلع فقلت قد فسره الله تعالى، ولا يكون أبين من تفسيره، وهو الذي إذا ناله شر أظهر شدة الجزع، وإذا ناله الخير بخل به ومنعه الناس.(2/269)
ذكر من سئل من علماء العربية عن شيء فقال لا أدري
قال: القاضي أبو علي المُحسن بن التَّنُوخي في كتابه، أخبار المذاكرة ونِشْوار المحاضرة.
حدثني علي بن محمد الفقيه المعروف بالمسرحي أحد خلفاء القضاة ببغداد قال: حدثني أبو عبد الله الزعفراني، قال:
كنت بحضرة أبي العباس ثعلب يوما فسئل عن شيء فقال: لا أدري، فقيل له: أتقول لا أدري وإليك تضرب أكباد الإبل، وإليك الرحلة من كل بلد فقال للسائل: لو كان لأمك بعدد لا أدري بعر لاستعنت.
قال القاضي أبو علي:
ويشبه هذه الحكاية ما بلغنا عن الشَّعبي أنه سئل عن مسألة فقال: لا أدري، فقيل له: فبأي شيء تأخذون رزق السلطان فقال: لأقول فيما لا أدري لا أدري
وقال ابن أبي الدنيا في كتاب الأشراف:
حدثني أبو صالح المرْوَزِيّ قال: سمعت أبا وهب محمد بن مزاحم قال: قيل للشَّعبي: إنا لنستحيي من كثرة ما تُسأل فتقول لا أدري، فقال: لكنْ ملائكةُ الله المقربون لم يستحيوا حين سئلوا عما لا يعلمون أن قالوا: {لاَ عِلْمَ لَنَا إلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} .
وقال محمد بن حبيب: سألت أبا عبد الله محمد بن الأعرابي في مجلس واحد عن بضع عشرة مسألة من شعر الطِّرِماح يقول في كلها: لا أدري ولم أسمع أَفَأُحَدِّثُ لك برأيي أورده ياقوت الحموي في معجم الأدباء.
وفي أمالي ثعلب:
قال الأخفش: لا أدري والله ما قول العرب ((ضع يديه بين مَقْمُورَتين)) يعني بين شَرَّتين.(2/270)
وفي الغريب المصنف:
قال الأصمعي: ما أدري ما الحَور في العين.
قال: ولا أعرف للصَّوت الذي يجيء من بطن الدابة اسما.
قال: والمِصْحاة إناء ولا أدري من أي شيء هو.
قال: ولا أدري لم سمي سامٌّ أبرص.
وسئل الأصمعي عن عُنْجُول، فقال: دابة لم أقف على حقيقته.
نقله في الجمهرة.
وفيها: قال أبو حاتم: قلت للأصمعي: مم اشتقاق هَصَّان وهُصَيْص قال: لا أدري.
وقال أبو حاتم: أظنه مُعَرَّباً وهو الصلب الشديد لأن الهَصّ: الظهر بالنَّبَطية.
وقال الأصمعي فيما زعموا:
قيل لنصيب: ما الشَّلْشَال في بيت قاله، فقال: لا أدري، سمعته يقال فَقُلْتُه.
فقال ابن دريد: ماء شلشل إذا تَشَلْشَل قطرة في إثر قطرة.
وفيها: قال الأصمعي: لا أدري ممَّ اشتقاق جَيْهان وَجُهَيْنة وأَرْأَسَة: أسماء رجال من العرب.
قال ابن دُريد في الجمهرة:
جيئَل اسم من أسماء الضَّبُع: سألت أبا حاتم عن اشتقاقه فقال: لا أعرفه، وسألت أبا عثمان، فقال: إن لم يكن من جألتُ الصوف والشعر إذا جمعتهما فلا أدري.(2/271)
وقال ابن دريد:
أملى علينا أبو حاتم قال: قال أبو زيد: ما بني عليه الكلام ثلاثة أحرف فما زاد رَدّوه إلى ثلاثة وما نقص رَفعوه إلى ثلاثة، مثل أب وأخ ودم وفم ويد.
وقال ابن دريد: لا أدري ما معنى قوله فما زاد ردوه إلى ثلاثة.
وهكذا أملى علينا أبو حاتم عن أبي زيد ولا أغيِّره.
وقال ابن دريد: الصُّبَاحية: الأسنة العِراض لا أدري إلى من نسبت.
وقال ابن دريد: أخبرنا أبو حاتم عن الأخفش قال: قال يونس: سألت أبا الدقيش: ما الدقيس فقال: لا أدري، إنما هي أسماء نسمعها فنتسمى بها. وقال أبو عبيدة: الدَّقْشة: دُوَيبَّة دقطاء أصغر من القطاة.
قال: والدُّقيش: شبيه بالقَشّ.
وقال ابن دريد:
قال أبو حاتم: لا أدري من الواو هو أم من الياء قولهم: ضَحى الرجل للشمس يضْحى، ومنه قوله تعالى: لاتظمأ فِيها وَلاَ تضْحَى.
وقال أبو إسحاق النَّجَيْرمِي: تقول العرب: إن في ماله لمنتفدا: أي سعة.
ولست أحفظ كيف سمعته بالفاء أو بالقاف.
(جاءت به مُرْمَداً ما مُلاّ ... ماني أل خَمّ حين أَلَّى)(2/272)
فلم أدر ما أقول، فصرت إلى ابن الأعرابي فسألته عنه، ففسره لي فقال: هذا يصف قرصا خبزته امرأة فلم تنضجه.
مرمدا، أي ملوَّثاً بالرماد، ما مُلَّ أي لم يُملَّ في المَلَّة وهي الجمر والرماد الحار، و [ما] في [مانِيَّ] زائدة، فكأنه قال: نيَّ أل.
والأل وجهه.
يعني وجه القرص.
وخم أي تغيير حين ألَّى، أي حين أبطأ في النضج.
شكر العلم عزوه إلى قائله
فصل ومن بركة العلم وشكره عزْوُه إلى قائله.
قال الحافظ أبو طاهر السِّلفي: سمعت أبا الحسن الصيرفي يقول: سمعت أبا عبد الله الصوري يقول: قال لي عبد الغني بن سعيد: لما وصل كتابي إلى عبد الله الحاكم أجابني بالشكر عليه وذكر أنه أملاه على الناس، وضمن كتابه إلي الاعترافَ بالفائدة، وأنه لا يذكرها إلا عني، وأن أبا العباس محمد بن يعقوبَ الأصم حدثهم قال: حدثنا العباس بن محمد الدوري قال: سمعت أبا عبيد يقول: مِنْ شكر العلم أن تستفيد الشيء، فإذا ذكر لك قلت: خفي عليَّ كذا وكذا، ولم يكن لي به علم حتى أفادني فلان فيه كذا وكذا فهذا شكر العلم. انتهى.
قلت: ولهذا لا تراني أذكر في شيء من تصانيفي حرفا إلا معزوا إلى قائله من العلماء، مبينا كتابه الذي ذكر فيه.
وفي فوائد النَّجَيْرَمِيِّ بخطه:
قال العباس بن بكار للضبي: ما أحسن اختيارك للأشعار فلو زدتنا من اختيارك فقال: والله ما هذا الاختيار لي، ولكن إبراهيم بن عبد الله استتر عندي، فكنت أطوف وأعود إليه بالأخبار فيأنس ويحدثني، ثم عرض لي خروج إلى ضيعتي أياما فقال لي: اجعل كتبك عندي لأستريح إلى النظر فيها، فتركت عنده قمطرين فيهما أشعار وأخبار، فلما عدت وجدته قد علم على هذه الأشعار، وكان أحفظ الناس للشعر فجمعته، وأخرجته فقال للناس: اختيار المفضل.(2/273)
ذكر من ظن شيئا ولم يقف فيه على الرواية فوقف عن الإقدام عليه
قال في الجمهرة:
أحسب أنهم قالوا: أشَّ على غنمه يَئِس أشا مثل، هشَّ سواء ولا أقف على حقيقته.
وقال ابن دريد:
أحسبني قد سمعت جمل سِنْدَأْب صلْب شديد.
وقال أبو عبيد في الغريب المصنف:
قال أبو عمرو: أحسبني قد سمعت رماح أَزَنِيَّة.
الرجوع عن الخطأ
فصل: وإذا اتفق له أنه أخطأ في شيء، ثم بَانَ له الصواب فليرجع، ولا يصر على غلطه.
قال أبو الحسن الأخفش: سمعت أبا العباس المبرِّد يقول: إن الذي يغلط ثم يرجع لا يعد ذلك خطأ، لأنه قد خرج منه برجوعه عنه، وإنما الخطأ البَيِّن الذي يصر على خَطائِه ولا يرجع عنه فذاك يعد كذابا ملعونا.
ذكر من قال قولا ورجع عنه
قال في الجمهرة:
أجاز أبو زيد: رثَّ الثوب وأرثَّ، وأبى الأصمعي إلا أرثَّ، قال أبو حاتم: ثم رجع بعد ذلك، فأجاز رَثّ وأرثَّ رثاثة ورثوثة.(2/274)
وقال في باب آخر:
أجاز أبو زيد وأبو عبيدة:
صَبَت الريح وأصبت ولم يجزه الأصمعي، ثم زعموا أن أبا زيد رجع عنه.
وقال فيها: قال الأصمعي: يقال كان ذلك في صَبائه، يعني في صِباه إذا فتحوه مَدّوه.
ثم ترك ذلك، وكأنه شك فيه
وفي الغريب المصنف: كان أبو عبيدة مرة يروي: زَبقته في السجن أي حبسته (بالزاي) ثم رجع إلى الراء.
وفي الغريب المصنف أيضا
الدّحْداح: القصير.
قال أبو عمرو بالدال ثم شك فقال بالذال وبالدال، ثم رجع، فقال بالدال وهو الصواب.
مناقشة آراء العلماء
فصل وإذا تبين له الخطأ في جواب غيره من العلماء فلا بأس بالرد عليه ومناظرته ليظهر الصواب.
قال الفضل بن العباس الباهلي:
كان أول من أغرى ابن الأعرابي بالأصمعي أن الأصمعي أتى ولد سعيد بن سَلْم الباهلي فسألهم عما يَرْوُونه من الشعر فأنشده بعضهم القصيدة التي فيها: [// من الطويل //] .
(سمين الضواحي لم تؤرقه ليلة ... وأنعم أبكار الهموم وعونها)(2/275)
فقال الأصمعي: من رَوَّاك هذا الشعر قال: مؤدب لنا يعرف بابن الأعرابي:
قال أحضروه: فأحضروه، فقال له: هكذا روَّيتَهم هذا البيت برفع ليلة قال: نعم، فقال الأصمعي.
هذا خطأ إنما الرواية ليلة بالنصب، يريد: لم تؤرقه أبكار الهموم وعونها ليلة من الليالي.
قال: ولو كانت الرواية ليلةٌ بالرفع كانت ليلة مرفوعة بتؤرقه، فبأي شيء يرفع أبكار الهموم وعونها
السكوت عن الجواب
فصل: وإذا كان المسؤولُ عنه من الدقائق التي مات أكثرُ أهلها فلا بأسَ أن يسكت عن الجواب إعزازا للعلم وإظهارا للفضيلة.
قال أبو جعفر النحاس في شرح المعلقات:
حكي عن الأصمعي أنه قال: سألتُ أبا عمرو بن العلاء عن قوله: [// من الخفيف //]
(زعموا أن كل من ضرب العير ... مُوالٍ لنا وأَنَّا الوَلاء)
فقال: مات الذين يعرفون هذا.
وقال أبو عبيد في أماليه: حكي عن أبي عمرو بن العلاء أنه سئل عن قول امرىء القيس: [// من السريع //]
(نظعنهم سُلْكَى ومَخْلُوجَةً ... كرَّك لأْمَيْنِ على نَابِل)(2/276)
فقال قد ذهب من يُحْسِنه.
فصل ولا بأس بالسكوت إذا رأى من الحاضرين ما لا يليق بالأدب.
قال ثعلب في أماليه:
كنا عند أحمد بن سعيد بن سلم وعنده جماعة من أهلِ البصرة منهم أبو العالية والسدري وأبو معاوية وعافية فجرت بيننا وبينهم أبيات الشماخ فخُضْنَا فيها إلى أن ذكرنا قول ابن الأعرابي: [من // البسيط //]
(إذَا دعت غَوْثَها ضرَّاتُها فَزِعتْ ... أطباقَ نيٍّ على الأثْبَاج منْضودِ)
قال ثعلب: فقلنا: ابن الأعرابي يقول: قرِعَت فضحكوا من ذلك، فنحن كذلك إذ دخل ابن الأعرابي، فسألته عن الأبيات وألححت عليه في السؤال فانقبض من إلحاحي فقلت له: مالك قد انقبضت قال: لأنك قد ألححت، قال: كنت مع هؤلاء القوم في هذه الأبيات فلما جئتَ سألتك، قال: كان ينبغي أن تتركهم حتى يسألوا هم، ثم تكلم إلى العصر ما مِنْ إنسان يرُدُّ عليه حرفا، ثم انصرف، فأتيته يوم الثُّلاثاء، فإذا أبو المكارم في صدر مجلسه، فقال: سله عن الأبيات فسألته فأنشدني قرِعَتْ: فقلت: ما قرعت قال: إنه يشتد عليها الحَفْل إذا أبطأوا بحلبها حتى يجيءَ الِوطاب فَتُقْرَع لها العُلَب فتسكن لذلك والعُلَب من جلود الإبل، وهي أطباق النِّيء.
فقال لي ابن الأعرابي:
قد سمعت كما سمعت.
[و] قال ثعلب في أماليه:(2/277)
من قال فَزِعت أي استغاثت بشحم ولحم كثير، وكذا يروي أبو عمرو والأصمعي.
وفزع: استغاث أي أراد أغاثها الشحم واللحم.
التثبت في تفسير غريب القرآن
فصل وليْتثبّت كل التثبت في تفسير غريب وقع في القرآن أو في الحديث.
قال المبرِّد في الكامل:
كان الأصمعي لا يفسر شعرا يوافق تفسيرُه شيئا من القرآن، وسئل عن قول الشماخ: [// من الطويل //]
(طَوَى ظِمأها في بَيْضَة القيظ بعد ما ... جرى في عنان الشِّعْرَييْن الأَمَاعز)
فأبى أن يفسر في عنان الشِّعْرَيَيْنِ.
وقال ابن دريد في الجمهرة: قال أبو حاتم: سألت الأصمعي عن الصَّرْف والعَدْل فلم يتكلم فيه.
قال ابن دريد: سألت عنه عبد الرحمن فقال الصرف: الاحتيال والتكلف، والعَدْل: الفِدى والمِثْل.
فلم أدر ممن سمعه.
قال ابن دريد.
وقال أبو حاتم: قلتُ للأصمعي: الرَّبة: الجماعة من الناس، فلم يقل فيه شيئا، وأوهمني أنه تركه لأن في القرآن {رِبِّيُّونَ} أي جماعة منسوبة إلى الرَّبّ ولم يذكر الأصمعي في الأساطير شيئا.(2/278)
قال في الجمهرة في باب ما اتفق عليه أبو زيد وأبو عبيد: وكان الأصمعي يشدد فيه ولا يجيز أكثره مما تكلمت به العرب من فعلت وأفعلت، وطعن في الأبيات التي قالتها العرب واستشهد على ذلك.
فمن ذلك: بان لي الأمر وأَبان، ونَارَ لي الأمر وأنار إلى أن قال: وسرى وأسرى.
ولم يتكلم فيه الأصمعي لأنه في القرآن، وقد قرىء فَأسرِ بأهْلِكَ وفَاسْرِ بأهْلِكَ.
قال: وكذلك لم يتكلم في عصفت وأعصفت، لأن في القرآن {رِيحٌ عَاصِفٌ} .
ولم يتكلم في نَشَر الله الميت وأنْشَرَه.
ولا في سَحَته وأسحته.
لأنه قرىء {فَيُسْحِتَكُمْ} .
ولا في رفث وأرفث.
ولا في جَلَوْا عن الدار وأَجْلَوْا.
ولا في سلك الطريق وأسلكه، لأن في القرآن {مَا سَلَكَكُمْ في سقر} .
ولا في ينعت الثمرة وأينعت، لأنه قرىء يَنْعِهِ ويَانِعِهِ.
ولا في نَكِرته وأنكرته، لأن في التنزيل {نكرهم} و {قوم منكرون}(2/279)
ولا في خلد إلى الأرض وأخلد.
ولا في كنَنْت الحديث وأكننته، لأن في التنزيل {بيض مكنون} وما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ.
ولا في وعيت العلم وأوعيته، لأن فيه {جَمَعَ فَأوْعى} .
ولا في وحى وأوحى.
قال في الجمهرة: الذي سمعت أن معنى الخليل الذي أصفى المودة وأصَحَّها.
ولا أزيد فيها شيئا، قال: لأنها في القرآن يعني قوله تعالى: {واتَّخَذَ اللهُ إبْرَاهِيمَ خَلِيلاً}
وقال: الإد من الأمر: الفظيع العظيم، وفي التنزيل {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إدا} .
والله أعلم بكتابه.
وقال: {تَلَّه} ، إذا صرعه، وكذلك فسر في التنزيل والله أعلم بكتابه.
وقال: زعم قوم من أهل اللغة أن اللات التي كانت تُعبد في الجاهلية صخرة كان عندها رجل يَلُثُّ السويق للحاج، فلما مات عُبِدَتْ ولا أدري ما صحة ذلك، ولو كان ذلك كذلك لقالوا: اللات يا هذا، وقد قرىء اللاَّت والعُزَّى (بالتخفيف والتشديد) والله أعلم، ولم يجىء في الشعر إلا بالتخفيف، قال زيد بن عمرو بن نفيل، [// من الوافر //]
(تركت اللات والعزى جميعا ... كذلك يفعل الجَلْدُ الصَّبور)
وقد سَمَّوْا في الجاهلية زيد اللات (بالتخفيف) لا غير، فإن حملت هذه الكلمة على الاشتقاق لم أحب أن أتكلم فيها.
وقال: قد جاء في التنزيل {حُسْبَاناً مِنَ السَّمَاءِ} قال أبو عبيدة: عذابا ولا أدري ما أقول في هذا.(2/280)
وقال: الأَثَام لا أحب أن أتكلم فيه، لأن المفسرين يقولون في قوله تعالى: {يَلْقَ أَثَاماً} هو واد في جهنم.
وقال ابن دريد: روي عن علي رضي الله عنه: [// من الرجز //]
(أفْلَحَ مَنْ كانت له مِزَخَّهْْ ... يَزُخُّهَا ثم ينام الفَخَّه) .
قال: أحسب الفخة النفخ في النوم، وهذا شيءٌ لا أقدم على الكلام فيه.
التثبت في تفسير غريب الحديث
فصل: قال المبرِّد في الكامل: كان الأصمعي لا يفسر ولا ينشد ما كان فيه ذكر الأنواء، لقوله صلى الله عليه وسلم ((إذا ذكرت النجوم فأَمسكوا)) وكان لا يفسر ولا ينشد شعرا يكون فيه هجاء.
ذكر من عجز لسانه عن الإنابة عن تفسير اللفظ فعدل إلى الإشارة والتمثيل
قال الأزدي في كتاب الترقيص: أنشدني أبو رياش: [من الرجز]
(أم عيال ضَنْؤُها غيرُ أَمِرْْ ... صَهْصَلِقُ الصَّوْت بعينيها الصبر)(2/281)
(تغدو على الْحي بعود منكسرْ ... وتقمطر تارة وتَقْذَحِرّ)
(لَوْ نُحِرَتْ في بيتها عَشرُ جُزُرْْ ... لأصْبَحَتْ من لحمهن تعتذِرْ)
(بِحَلِفٍ سَحًّ ودَمْع مُنْهَمِر)
قلت لأبي رياش: ما معنى تَقْذَحِرّ فقال: حدثني ابن دريد قال: حدثنا أبو حاتم قال أنشدناه الأصمعي فسألته عنه فقال: أنشدناه أبو عمرو بن العلاء فسألته عن الاْقذِحْرَارِ فقال: أرأيت سِنّوراً بين رَوَاقِيد لم يزدني على هذا شيئا.
وقال في الصِّحاح: المقذحر: المتهيىء للسباب والشر تراه الدهرَ منتفخا شبه الغضبان.
قال أبو عبيدة: هو بالذال والدال جميعا.
والمقذعر مثله.
قال الأصمعي: سألت خَلفاً الأحمر عنه فلم يتهيأ له أن يُخرج تفسيره بلفظ واحد، فقال: أما رأيت سِنَّوراً متوحشا في أصل راقود
التنبيه على الرأي المخالف
فصل:
وإذا كان له مخالف فلا بأس بالتنبيه على خلافه.
قال في الغريب المصنف:
قال الكسائي: الذي يلتزق في أسفل القدر القُرارة، والقُرورة.
وقال الفراء عن الكسائي: هي القُرَرة فاختلفتُ أنا والفراء فقال هو قُرَرة وقلت أنا قُرُرة.
التَّحَرِّي في الفتوى
فصل:
ويكون في تحريه في الفتوى أبلغ مما يذكر في المذاكرة.(2/282)
قأل أو حاتم السجستاني في كتاب الليل والنهار.
سمعت الأصمعي مرة يتحدث فقال: في ِحِمّرة الشتاء، فسألته بعد ذلك هل يقال: حمرة الشتاء فجبن عن ذلك وقال: حمرة القيظ.
تتمة وظائف الحافظ
الوظيفة الثالثة والرابعة: الرواية والتعليم.
ومن آدابهما الإخلاص، وأن يقصد بذلك نشر العلم وإحياءَه، والصدق في الرواية، والتحري والنصحَ في التعليم والاقتصار على القدر الذي تحمله طاقة المتعلم.
ذكر التثبت إذا شك في اللفظة: هل من قول الشيخ أو رواها عن شيخه
قال القالي في المقصور والمممدود: أنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال: أنشدنا أبو العباس عن ابن الأعرابي: [// من الطويل //]
(وجاد بها الوُرّاد يحجز بينهاْ ... سُدًى بين قَرقار الهدير وأَزْجما)
أي بين هادر وأخرس.
كذا قال ابن الأنباري فلا أدري رواه عن أبي العباس أو قاله هو.
وقال أيضا
حكى الفراء: لا ترجع الأمة على قَرْوَائها أبدا.
كذا حكاه عنه ابن الأنباري في كتابه ولم يفسره فاستفسرناه فقال: على اجتماعهما فلا أدري اشتقه أم رواه.
ذكر التَّحَرِّي في الرواية والفرق بين مثله ونحوه
قال في الغريب المصنف عن الأصمعي:(2/283)
العُروة من الشجرة: الذي لا يزال باقيا في الأرض لا يذهب وجمعه عُرَى وهو قول مهلهل: [// من الكامل //]
(شجرة العُرَى وعُرَاعِرُ الأقوام) قال أبو عبيدة في العروة مثله أو نحوه إلا أنه قال هذا البيت لشرحبيل رجل من بني تغلب أبو عمرو مثل قولهما في العُروة أو نحوه
ذكر كيفية العمل عند اختلاف الرواة
قال القالي في أماليه:
قرأت على أبي بكر محمد بن الحسين بن دُرَيد هذه القصيدة في شعر كَعبٍ الغَنَوي، وأملاها علينا أبو الحسن علي بن سليمان الأخفش وقال لي: قريء على أبي العباس محمد بن الحسن الأحول ومحمد بن يزيد وأحمد بن يحيى قال: وبعضهم يروي هذه القصيدة لكعب بن سعد الغَنَوي، وبعضهم يرويها بأسرها لسَهْم الغنوي، وهو من قومه وليس بأخيه، وبعضهم يروي شيئا منها لسَهْم.
قال: وزادنا أحمد بن يحيى عن أبي العالية في أولها بيتين.
قال: وهؤلاء كلهم مختلفون في تقديم الأبيات وتأخيرها وزيادة الأبيات ونقصانها وفي تغيير الحروف في متن البيت وعجزه وصدره.
قال أبو علي: وأنا ذاكر جميع ذلك.
قال: والمرثي بهذه القصيدة يُكْنَى أبا(2/284)
المغوار واسمه هرم، وبعضهم يقول اسمه شبيب ويحتج ببيت روي في هذه القصيدة: [// من الطويل //]
(أقام وخلى الظاعنين شبيب)
وهذا البيت مصنوع، والأول كأنه أصح لأنه رواه ثقة.
ذكر التلفيق بين روايتين
قال أبو سعيد السُّكَّري في شرح شعر هُذيل: يمتنع التلفيق في رواية الأشعار.
قال: كقول أبي ذؤيب: [// من الطويل //]
(دعاني إليها القلبُ إني لأَمْرِه ... سميعٌ فيما أدْري أَرُشْدٌ طلابُها)
فإن أبا عمرو رواه بهذا اللفظ ((دعاني وسميع)) ورواه الأصمعي بلفظ ((عصاني)) بدل ((دعاني)) وبلفظ ((مطيع)) بدل ((سميع)) .
قال: فيمتنع في الإنشاء ذكر دعاني مع مطيع، أو عصاني مع سميع لأنه من باب التلفيق.
ذكر من روى الشعر فحرفه ورواه على غير ما روت الرواة
قال القالي في المقصور والممدود:
أخبرني أبو بكر الأنباري قال: أنشد بعضُ الناس قول الشاعر: [// من الوافر //]
(سيغنيني الذي أغناك عنيْ ... فلا فقرٌ يدوم ولا غَناءُ)
(بفتح الغين) وقال: الغَناء: الاستغناء، ممدود.
وقوله عندنا خطأ من وجهين وذلك أنه لم يروه أحد من الأئمة (بفتح الغين) ،(2/285)
والشعر سبيلُه أن يحكى عن الأئمة كما تحكى اللغة، ولا تبطل رواية الأئمة بالتظني والحَدْس.
والحجة الأخرى أن الغَناء على معنى الغنى، فهذا يبين لك غلط هذا المقتحم على خلاف الأئمة. انتهى.
قال محمد بن سلام: وجدنا رواة العلم يغلطون في الشعر ولا يَضْبط الشعْرَ إلا أهلُه، وقد روي عن لبيد: [// من البسيط //]
(باتت تَشَكَّى إلي النفس مجهشةْ ... وقد حملتك سبعا فوق سبعين)
(فإن تعيشي ثلاثا تبلغي أملا ... وفي الثَّلاثِ وفاءٌ للثمانين)
ولا اختلاف في هذا أنه مصنوع، تكثر به الأحاديث، ويُستعان به على السمر عند الملوك، والملوك لا تَسْتَقْصِي.
وكان قَتادة بن دِعامة السَّدوسي عالما بالعرب وبأنسابها وأيامها، ولم يأتنا عن أحد من علم العرب أصح من شيء أتانا عن قتادة.
أخبرنا عامر بن عبد الملك قال: كان الرجلان من بني مرْوان يختلفان في الشعر فيرسلان راكبا، فيُنيخ ببابه، فيسأله عنه ثم يشخص.
وكان أبو بكر الهذلي يَروي هذا العلم عن قَتادة.
وأخبرني سعيد بن عبيد عن أبي عوانة.
قال: شهدت عامرَ بن عبد الملك يسأل قَتادة عن أيام العرب وأنسابها وأحاديثها، فاستحسنته فعدت إليه، فجعلت أسأله عن ذلك، فقال: مالك ولهذا، دَعْ هذا العلم لعامر، وعُدْ إلى شأنك.
وقال القالي في أماليه:
حدثنا أبو بكر بن الأنباري قال حدثني أبي عن أحمد بن عبيد عن الزيادي عن المطلب بن المطلب بن أبي وَدَاعة، عن جده قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله عنه على باب بني شيبة، فمر رجل وهو يقول: [// من الكامل //]
(يا أيها الرجل المحول رحله ... ألا نزلت بآل عبد الدار)(2/286)
(هبلتك أمك لو نزلت برحلهم ... منعوك من عُدْمٍ ومن إقْتَارِ)
قال: فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر فقال: ((أهكذا قال الشاعر)) قال: لا والذي بعثك بالحق، لكنه قال: [// من الكامل //]
(يا أيها الرجل المحول رحله ... ألا نزلت بآل عبد منافِ)
(هَبِلتْك أمك لو نزلت برحلهمْ ... منعوك من عُدْم ومن إقرَافِ)
(الخالطين فقيرَهم بغنيهمْ ... حتى يعود فقيرُهم كالكافي)
(وَيُكلِّلُونَ جِفانَهُمْ بسَدِيفهِمْْ ... حتى تَغِيبَ الشَّمْسُ في الرَّجَّافِ)
قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ((هكذا سمعت الرواة ينشدونه)) .
من آداب الرواية
فصل:
ومن آداب اللغوي أن يمسك عن الرواية إذا كَبِر، ونسي، وخاف التخليط.
قال أبو الطيب اللغوي في كتاب مراتب النحويين: كان أبو زيد قارب في(2/287)
سنه المائة، فاختلَّ حِفْظُه، ولم يختل عقله، فأخبرنا عبد القدوس بن أحمد، أنبأنا أبو سعيد الحسن بن الحسين السكري، أنبأنا الرياشي قال: رأيت أبا زيد ومعي كتابُه في الشجر والكلأ، فقلت له: أقرأ عليك هذا فقال: لا تقرأه عليَّ، فإني أنسيته.
ذكر طرح الشيخ المسألة على أصحابه ليفيدهم
قال ابن خالويه في شرح الدريدية: خرج الأصمعي على أصحابه فقال لهم: ما معنى قول الخنساء: [// من الوافر //]
(يذكرني طلوعُ الشمس صخرا ... وأَندُبُه لكل غروب شمس)
لم خَصَّت هذين الوقتين فلم يعرفوا، فقال: أرادت بطلوع الشمس للغارة وبمغيبها للقِرى.
فقام أصحابه فقبَّلوا رجله.
وقال القالي في أماليه.
حدثنا أبو بكر عن أبي حاتم عن الأصمعي قال: قال يوما خَلَفٌ لأصحابه: ما تقولون في بيت النابغة الجعدي: [// من المتقارب //]
(كأن مَقَطَّ شراسِيفِه ... إلى طَرَفِ القُنْبِ فَالمَنْقَبِ)
لو كان موضع ((فالمنْقَبِ)) ((فالقَهْبَلِس)) كيف كان يكون قوله: [// من المتقارب //]
(لطمن بترس شديد الصفاق ... من خَشَب الجَوْزِ لم يُثْقَبِ)
فقالا: لا نعلم، فقال: والآبَنس.(2/288)
وقال لهم مرة أخرى: ما تقولون في قول النمر بن تولب: [// من الوافر //]
(ألم بصحبتي وَهُمُ هجودْ ... خيالٌ طارق من أُمِّ حِصْنِ)
لو كان موضع (من أم حصن) (من أم حفص) ، كيف كان يكون قوله: [// من الوافر //]
(لها ما تشتهي عَسَلٌ مُصَفًّى ... إذا شاءت وحُوَّاري بسمن)
قالوا: لا نعلم، فقال: وحُوَّارى بلمص، وهو الفالوذ.
امتحان علم الوافدين
فصل ولا بأس بامتحان من قدم ليُعْرف محلُّه في العلم ويُنزَل منزلته لا لقصد تعجيزه وتبكيته فإن ذلك حرام.
وفي فوائد النَّجَيْرَمِي بخطه:
قال أبو عبد الله اليزيدي: قدم أبو الذواد محمد بن ناهض عَلَى إبراهيم بن المدير فقال: أريد أن أرى صاحبكم أبا العباس ثعلبا - وكان أبو الذواد فصيحا - فمضيت به إليه وعرفته مكانه فقربه وحاوره ساعة، ثم قال له ثعلب: ما تُعَاني في بلادك قال: الإبل، قال: فما معنى قول العرب للبعير: نعم معلق الشَّرْبة هذا فقال أبو الذواد: أراد سرعة هذا البعير إذا كان مع راكبه شربة أجزأته لسرعته حتى يُوَافِيَ الماء الآخر.
قال: أصبت.
فما معنى قولهم: بعير كريم، إلا أن فيه شارب خَوَر فقال: الشوارب: عروق تكون في الحلق في مجاري الأكل والشرب، فأراد أنه لا يستوفي ما يأكله ويشربه فهو ضعيف لأن الخَوَر: الضعف، فقال ثعلب: قد جمع أبو الذواد علما وفصاحة، فاكتبوا عنه واحفظوا قوله.
ذكر من سمع من شيخه شيئا فراجعه فيه أو راجع غيره ليتثبت أمره
قال ابن دُريد في الجمهرة: سألت أبا حاتم عن باع وأباع، فقال: سألت(2/289)
الأصمعي عن هذا فقال: لا يقال أباع، فقلت قول الشاعر: [// من الكامل //]
(فليس جوادنا بمباع)
فقال: أي غير معرض للبيع.
وقال: يقال: هوى له، وأهوى.
وقال الأصمعي: هوى من علو إلى سفل، وأهوى إليه إذا غَشِيَه.
قال ابن دريد: قلت لأبي حاتم: أليس قد قال الشاعر: [// من الطويل //]
(هوى زَهْدَم تحت العَجاج لحاجب ... كما انقضَّ باز أقتمُ الريش كاسِر)
فقال: أحسب الأصمعي أُنْسي، وهذا بيت فصيح صحيح، وقال: سمع ابن أحمر يقول: [// من البسيط //]
(أهوى لها مِشْقَصاً حشْراً فشَبْرقَها ... وكنت أدعو قَذَاها الإثْمِدَ القَرِدا)
فاستعمل هذا ونسي ذاك.
وقال في الجمهرة:
جمع فَعَل على أَفْعِلة في المعتل.
أجازه النحويون ولم تتكلم به العرب، مثل: رَحَى وأرحية، ونَدَى وأندية، وقفا وأقفية.
قال أبو عثمان: سألت الأخفش: لم جمعت نَدَى على أندية فقال نَدى في وزن فَعل، وجَمل في وزن فَعل فجمعت جملا جِمالاً فصار في وزن نِداء، فجمعت نِداء أندية.
قال: وهذا غير مسموع من العرب.
وفيها: تقول العرب للرجل في الدعاء عليه: أَرِبْتَ من يديك، فقلت لأبي حاتم: ما معنى هذا فقال: شلت يده.
وسألت عبد الرحمن فقال: أن يسأل الناس بهما.(2/290)
وقال في الجمهرة: قالوا ناب أعصل، وأنياب عصال، وأنشد يقول: [// من الرجز //]
(وَفُرَّ عن أنيابها العِصال)
فقلت لأبي حاتم: ما نظير أَعصَل وعِصَال فقال: أبْطَح وبِطَاح، وأَجْرَب وجِراب، وأَعْجَف وعِجاف.
وقال.
سأل النعمانُ بن المنذر رجلا طعن رجلا فقال: كيف صنعت فقال: طعنته في الكَبَّة، طعنة في السَّبَّة، فأنفذتُها من اللَّبة فقلت لأبي حاتم: كيف طعنه في السَّبة وهو فارس فضحك، وقال: انهزم فتَبعه فلما رَهِقه أكب ليأخذ بمَعرفَةِ فرسه، فطعنه في سبته، أي دبره
وقال القالي في أماليه: حدثني أبو بكر بن دريد، قال: حدثني أبو حاتم: قال: قلت للأصمعي: أتقول في التَّهدد: أبْرق وأرْعد فقال: لا لست أقول ذلك إلا أن أرَى البَرْق أو أسمع الرَّعْد، قلت: فقد قال الكميت: [من // مجزوء الكامل //]
(أبرق وأرعد يا يزيد ... فما وعيدك لي بِضَائر)
فقال: الكميت جُرْمُقانيّ من أهل الموصل، ليس بحجة، والحجة الذي يقول: [// من الطويل //]
(إذا جاوزت من ذات عرق ثنية ... فقل لأبي قابوسَ ما شئت فارْعُد)
فأتيت أبا زيد، فقلت له: كيف تقول من الرعد البرق: فَعَلت السماء فقال:(2/291)
رَعَدَتْ وَبَرَقَت، فقلت: من التهدد فقال: رَعَد وبَرَق وأَرْعد وأبرَق فأجاز اللغتين جميعا.
وأقبل أعرابي محرم، فأردت أن أسأله، فقال لي أبو زيد: دَعْني فأنا أعرف بسؤاله منك فقال: يا أعرابي، كيف تقول: رَعَدت السماء وبرقت أَوْ أرعدت وأبرقت فقال: رعدت وبرقت.
فقال أبو زيد: فكيف تقول للرجل مِنْ هذا فقال: أمن الجَخِيف تريد يعني التهديد فقال: نعم فقال: أقول رَعَدَ وبَرَق وأرْعد وأبرق.
وفي الغريب المصنف.
الزنجيل: الضعيف البدن من الرجال، قال الأموي: الزِّنْجيل (بالنون) فسألت الفراء عنها فقال الزِّئجيل (بالياء مهموز) قال أبو عبيد: وهو عندي على ما قال الفراء لقولهم في بعض اللغات الزؤاجل.
وفيه: قال الأموي: جرح تَغَّار (بالتاء) إذا سال منه الدم.
وقال أبو عبيدة: نَغَّار (بالنون) ، قال أبو عُبيد: هو بالنون أشبه.
وقال ثعلب في أماليه:
أنشدنا ابن الأعرابي: [// من الطويل //]
(ولا يدرك الحاجات من حيث تبتغي ... من الناس إلا المصبحون على رحل)
قال ثعلب: قلنا لابن الأعرابي: أمعه آخر قال: لا، هو يتيم.
النوع الثاني والأربعون
معرفة كتابة اللغة
من فوائد [معرفة كتابة اللغة] الأولى:
قال ابن فارس في فقه اللغة:(2/292)
باب القول على الخط العربي وأول من كتب به
يروى أن أول من كتب الكتاب العربي والسرياني والكتب كلها آدمُ عليه السلام قبل موته بثلثمائة سنة.
كتبها في طين وطبخه، فلما أصاب الأرضَ الغرقُ وجد كل قوم كتابا فكتبوه، فأصاب إسماعيل عليه السلام الكتاب العربي.
قلت: هذا الأثر أخرجه ابن أشْتَة في كتاب المصاحف بسنده عن كعب الأحبار.
ثم قال ابن فارس
وكان ابن عباس يقول: أول من وضع الكتاب العربي إسماعيل عليه السلام وضعه على لفظه ومنطقه.
قلت: هذا الأثر أخرجه ابن أَشْتَة والحاكم في المستدرك من طريق عكرمة عن ابن عباس، وزاد أنه كان موصولا حتى فرقه بين ولده، يعني أنه وصل فيه جميع الكلمات ليس بين الحروف فرق هكذا: بسم الله الرحمن الرحيم.
ثم فرقه بين ابنيه هميسع وقيذر.
ثم قال ابن فارس: والروايات في هذا الباب تكثر وتختلف.
قلت: ذكر العسكري عن الأوائل في ذلك اقوالا فقال: أول من وضع الكتاب العربي إسماعيل عليه السلام، وقيل مُرَامِر بن مُرَّة، وأسلم بن جَدَرَة وهما من أهل الأنبار، وفي ذلك يقول الشاعر: [// من الكامل //]
(كتبت أبا جاد وحُطِّي مرامر ... وسودت سربالي ولست بكاتب)(2/293)
وقيل: أول من وضعه، أبجدُ وهوز وحطي وكلمن وسعفص وقرشت، وكانوا ملوكا فسمي الهجاء بأسمائهم.
وأخرج الحافظ أبو طاهر السلفي في الطيوريات بسنده عن الشعبي قال: أول العرب الذي كتب بالعربية حرب بن أمية بن عبد شمس، تعلم من أهل الحيرة، وتعلم أهل الحيرة من أهل الأنبار.
وقال أبو بكر بن أبي داوود في كتاب المصاحف: حدثنا عبد الله بن محمد الزهري حدثنا سفيان عن مجالد عن الشعبي قال: سَألْنَا المهاجرين من أين تعلمتم الكتابة قالوا: تعلمنا من أهل الحيرة.
وسألنا أهل الحيرة: من أين تعلمتم الكتابة قالوا: من أهل الأنبار.
ثم قال ابن فارس: والذي نقوله فيه: إن الخط توقيف وذلك لظاهر قوله تعالى: الذي علم بالقلم علم الإنسان مالم يَعْلَمْ.
وقوله تعالى: {ن وَالْقَلَمِ ومَا يَسْطُرُونَ} .
وإذا كان كذا فليس ببعيد أن يوَقَّف آدم عليه السلام أو غيرُه من الأنبياء عليهم السلام على الكتاب فأما أن يكون مخترع اخترعه من تلقاء نفسه فشيء لا يُعْلَم صحته إلا من خبر صحيح.
قلت يؤيد ما قاله من التوقيف ما أخرجه ابنُ أَشْتَة من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال أول كتاب أنزله الله من السماء أبو جاد وأخرج الإمام أحمد بن حنبل في مسنده عن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أول من خط بالقلم إدريس عليه السلام)) .
قال ابن فارس: وزعم قوم أن العرب العَارِبَة لم تعرف هذه الحروف بأسمائها، وأنهم لم يعرفوا نحوا ولا إعرابا، ولا رفعا ولا نصبا ولا همزا، قالوا: والدليل على ذلك ما حكاه بعضهم(2/294)
عن بعض الأعراب أنه قيل له: أتهمز إسرائيل فقال: إني إذن لرجل سواء قالوا: وإنما قال ذلك لأنه لم يعرف من الهمز إلا الضغط والعصر.
وقيل لآخر: أتجرُّ فلسطين فقال: إني إذن لقوي قالوا:
وسمع بعض فصحاء العرب ينشده: [// من الرجز //]
(نحن بني عَلْقَمَة الأخيارا)
فقيل له: لم نصبت بَني فقال: ما نصبته، وذلك أنه لم يعرف من النصب إلا إسناد الشيء.
قالوا:
وحكى الأخفش عن أعرابي فصيح أنه سُئل أن ينشد قصيدة على الدال فقال: وما الدال وحكي أن أبا حية النميري سئل أن ينشد قصيدة على الكاف فقال: [// من الوافر //]
(كفى بالنأي من أسماءَ كافِ ... وليس لحبها إذ طال شاف)
قال ابن فارس: والأمر في هذا بخلاف ما ذهب إليه هؤلاء، ومذهبنا فيه التوفيق فنقول: إن أسماء هذه الحروف داخلةٌ في الأسماء التي أعلم الله تعالى أنه علمها آدم (عليه السلام) وقد قال تعالى {عَلَّمَهُ الْبَيَان} فهل يكون أولُ البيان إلا علم الحروف التي يقع بها البيان ولم لا يكون الذي علم آدم الأسماء كلَّها هو الذي علمه الألف والباء والجيم والدال فأما من حكى عنه الأعراب الذين لم يعرفوا الهمز والجر(2/295)
والكاف والدال، فإنا لم نزعم أن العرب كلها مَدراً ووبرا قد عرفوا الكتابة كلَّها، والحروف أجمعها، وما العرب في قديم الزمان إلا كنحن اليوم، فما كل أحد يعرف الكتابة والخط والقراءة.
وأبو حية كان أمس وقد كان قبله بالزمن الأطول من كان يعرف الكتابة ويخط ويقرأ، وكان في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتبون، منهم: عثمان وعلي وزيد وغيرهم، وقد عرضت المصاحف على عثمان فأرسل بكَتِفِ شاة إلى أبي ابن كعب فيها حروف فأصلحها، أفيكون جهل أبي حية بالكتابة حجة على هؤلاء الأئمة والذي نقوله في الحروف هو قولنا في الإعراب والعروض، والدليل على صحة هذا وأن القوم قد تَداولوا الإعراب أنا نستقرىء قصيدة الحطيئة التي أولها: [// من مجزوء الكامل //]
(شاقتكَ أظعان لليلى ... دون ناظرةٍ بواكرْ)
(فنجد قوافيها كلها عند الترنم والإعراب تجيء مرفوعة، ولولا علم الحطيئة بذلك لأشبه أن يختلف إعرابها، لأن تساويها في حركة واحدة اتفاقا من غير قصد لا يكاد يكون.
فإن قال قائل: فقد تواترت الروايات بأن أبا الأسود أولُ من وضع العربية وأن الخليل أول من تكلم في العروض.
قيل له: نحن لا ننكر ذلك، بل نقول: إن هذين العِلْمين قد كانا قديما، وأتت عليهما الأيام وقلا في أيدي الناس، ثم جددهما هذان الإمامان.
وقد تقدم دليلنا في معنى الإعراب، وأما العروض فمن الدليل على أنه كان متعارفا معلوما قول الوليد بن المغيرة منكرا لقول من قال إن القرآن شعر: لقد عرضته على أقْرَاء الشعر، هَزَجِه ورَجَزه، وكذا وكذا، فلم أره يشبه شيئا من ذلك أفيقول الوليد هذا وهو لا يعرف بحور الشعر
وقد زعم ناس أن علوما كانت في القرون الأوائل، والزمن المتقادم، وأنها دَرَست وجددت منذ زمان قريب، وترجمت وأصلحت منقولة من لغة إلى لغة وليس ما قالوا ببعيد، وإن كانت تلك العلوم بحمد الله وحسن توفيقه مرفوضة عندنا.
فإن قال: قد سمعناكم تقولون: إن العرب فعلت كذا ولم تفعل كذا: من أنها لا تجمع بين ساكنين، ولا تبتدىء بساكن، ولا تقف على متحرك، وأنها تسمى الشخص الواحد بالأسماء الكثيرة، وتجمع الأشياء الكثيرة تحت الإسم الواحد.(2/296)
قلنا: نحن نقول: إن العربَ تفعل كذا بعد ما وطأناه أن ذلك توقيف حتى ينتهى الأمر إلى الموقف الأول.
ومن الدليل على عِرْفان القدماء من الصحابة وغيرهم بالعربية كتابتُهم المصحف على الذي يعلله النحويون في ذوات الواو، والياء، والهمز، والمد، والقصر، فكتبوا ذوات الياء باليا، وذوات الواو بالألف، ولم يصوروا الهمزة إذا كان ما قبلها ساكنا في مثل: الخبء والدفء والملء فصار ذلك كله حجة، وحتى كره من كره العلماء ترك أتباع المصحف.
انتهى كلام ابن فارس.
وقال ابن دريد في أماليه:
أخبرني السكن بن سعيد عن محمد بن عباد عن ابن الكلبي عن عوانة قال: أول من كتب بخطنا هذا وهو الجزم مُرَامِر بن مُرّة وأسلم بن جَدَرَة الطائيان، ثم علموه أهل الأنبار، فتعلمه بِشْر بن عبد الملك أخو أكيدر بن عبد الملك الكندي صاحب دُومَة الجَنْدَل، وخرج إلى مكة، فتزوج الصهباء بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان، فعلم جماعة من أهل مكة، فلذلك كثر من يكت بمكة في قريش، فقال رجل من أهل دومة الجندل من كندة يَمنُّ على قريش بذلك: [// من الطويل //]
(لا تجْحَدوا نَعْمَاء بِشْرٍ عليكمو ... فقد كان ميمونَ النقيبةِ أَزْهَرَا)
(أتاكم بخط الجَزْمِ حتى حفظتمو ... من المال ما قد كان شتى مبعثرا)
(وأتقنتمو ما كان بالمال مُهمَلاً ... وطامنتمو ما كان منه منفرا)
(فأجريتمُ الأقلام عَوْداً وبَدأةً ... وضاهيتمو كتَّاب كسرى وقيصرا)
(وأُغْنيتمو عن مُسْنِد الحي حِمْير ... وما زَبَرت في الصحف أقيال حميرا)
وقال الجوهري في الصِّحاح: قال شَرْقي بن القَطامي: إن أول من وضع خطنا هذا رجال من طي منهم مرامر ابن مرة قال الشاعر: [// من الكامل //]
(تعلمت باجاد وآل مرامر ... وسودت سربالي ولست بكاتب)(2/297)
وإنما قال: آل مرامر لأنه قد سمى كل واحد من أولاده بكلمة من أبي جاد وهم ثمانية.
وقال أبو سعيد السِّيرافي:
فصَّل سيبويه بين أبي جاد وهوَّز وحطي فجعلهن عربيات، وبين البواقي فجعلهن أعجميات.
وكان أبو العباس يجيز أن يكون كلهن أعجميات، وقال من يحتج لسيبويه: جعلهن عربيات لأنهن مفهومات المعاني من كلام العرب، وقد جرى أبو جاد على لفظ لا يجوز أن يكون إلا عربيا تقول: هذا أبو جاد، ورأيت أبا جاد، وعجبت من أبي جاد.
قال أبو سعيد: ولا تبعد فيها العجمة لأن هذه الحروف عليها يقع تعليم الخط بالسرياني وهي معارف.
وقال المسعودي في تاريخه: قد كان عدة أمم تفرقوا في ممالك متصلة منهم المسمى بأبي جاد، وهوَّز، وحطي، وكلمن، وسعفص، وقرشيات، وهم بنو المحصن بن جندل بن يصعب بن مدين بن إبراهيم الخليل عليه السلام.
وأحرف الجُمَّل هي أسماء هؤلاء الملوك وهي الأربعة والعشرون حرفا التي عليها حساب الجُمَّل، وقد قيل في هذه الحروف غير ذلك فكان أبجد ملك مكة وما يليها من الحجاز، وكان هوز وحطي ملكين بأرض الطائف، وما اتصل بها من أرض نجد، وكلمن وسعفص وقرشيات ملوكا بمدين، وقيل: ببلاد مضر، وكان كلمن على أرض مدين وهو ممن أصابه عذاب يوم الظُّلَّة مع قوم شعيب وكانت جارية ابنته بالحجاز، فقالت ترثي كلمن أباها بقولها: [// من مجزوء الرمل //]
(كلَمُونٌ هدَّ رُكني ... هلكه وسْط المحلَّهْ)
(سيد القوم أتاه الحتف ... ثَاوٍ وَسْطَ ظُلَّهْ)
(كونت نارا فأضحت ... دار قومي مُضْمَحِله)
وقال المنتصر بن المنذر المديني: [// من الطويل //]
(ألا ياشعيب قد نطقت مقالة ... أتيت بها عمرا وحي بني عمرو)(2/298)
(هُمُ ملكوا أرض الحجاز بأوْجُه ... كمثل شعاع الشمس في صورة البدر)
(وهُمْ قَطنوا البيت الحرام وزينوا ... قطورا وفازوا بالمكارم والفخر)
(ملوك بني حطي وسعفص في الندي ... وهوز أرباب الثَّنِية والحِجر)
وقال الخطيب في المتفق والمفترق: أخبرنا علي بن المحسن التنوجي: حدثنا أحمد بن يوسف الأزرق، أخبرنا عمي إسماعيل بن يعقوب بن إسحاق بن البهلول، حدثني أبو الفوارس بن الحسن بن منبه بن أحمد اليربوعي، حدثنا يحيى بن محمد بن حشيش المغربي القرشي، حدثنا عثمان بن أيوب من أهل المغرب، حدثنا بهلول بن عبيد التجيي، عن عبد الله بن فروخ عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن أبيه قال: قلت لابن عباس: معاشرَ قريش من أين أخذتم هذا الكتاب العربي قبل أن يُبعث محمد صلى الله عليه وسلم تجمعون منه ما اجتمع، وتفرقون منه ما افترق مثل الألف واللام قال: أخذناه من حرب بن أمية.
قال: فممن أخذه حرب قال: من عبد الله بن جُدْعان، قال: فممن أخذه ابن جُدعان قال: من أهل الأنبار، قال: فممن أخذه أهل الأنبار قال: من أهل الحيرة قال فممن أخذه أهل الحيرة قال: من طارىء طرأ عليهم من اليمن من كندة.
قال: فممن أخذه ذلك الطارىء قال: من الخفلجان بن الوهم كاتب الوحي لهود عليه السلام.
وفي فوائد النَّجَيْرَميّ بخطه:
قال عيسى بن عمر النحوي: أملى عليَّ ذو الرُّمة شعرا، فبينا أنا أكتبه إذ قال لي: أصلح حرف كذا وكذا فقلت له: إنك لا تخط، قال: أجل، قدم علينا عراقي لكم، فعلم صبياننا فكنت أخرج معه في ليالي القمر، فكان يخط لي في الرمل فتعلمته.
وقال القالي في أماليه: حدثني أبو المياس قال، حدثني أحمد بن عبيد بن ناصح، قال: قال الأصمعي: قيل لذي الرُّمة: من أين عرفتَ الميم لولا صِدْقُ مَنْ يَنْسُبُك إلى تعليم أولاد الأعراب في أكتَاف الإبل فقال: والله ما عرفتُ الميم، إلا أني قدِمت من البادية إلى الريف، فرأيت الصبيان وهم يجوزون بالفِجْرم في الأُوَق، فوقفت حِيالهم أنظر(2/299)
إليهم، فقال غلام من الغِلمة: قد أزَّفتم هذه الأوقة، فجعلتموهما كالميم، فقام غلام من الغِلمة فوضع فمه في الأُوقة فَنَجْنَجه، فأفْهقها، فعلمت أن الميم شيء ضيق فشبهت عين ناقتي به، وقد اسلَهمَّت وأعيت.
قال أبو المياس. الفِجْرم: الجوز.
قال القالي: ولم أجد هذه الكلمة في كتب اللغويين ولا سمعتها من أحد من أشياخنا غيره.
والأُوقة: الحفرة، وقوله: أزَّفتم أي ضيقتم.
ونجنجه: حركه، وأفهقها: ملأها والمسلهم: الضامر المتغير.
فائدة قال الزَّجاجي في شرح أدب الكاتب: روي عن ابن عباس في قوله تعالى: {أو أثا} ة مِنْ عِلْمٍ، قال: الخط الحسن.
وقال تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام: اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأرْض إنِّي حَفِيظٌ عَلِيم قال: كاتب حاسب.
وقال تعالى: يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ.
قال بعض المفسرين: هو الصوت الحسن.
وقال بعضهم: هو الخط الحسن.
وقال صاحب كتاب زاد المسافر: الخط لليد لسان، وللخَلَدِ تَرجمان، فرداءَته زَمَانة الأدب، وجودته تبلغ بصاحبه شرائف الرتب، وفيه المرافق العظام التي مَنّ الله بها على عباده فقال جل ثناؤه: وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بالْقَلَم.
وروي جبير(2/300)
عن الضحاك في قوله تعالى: {عَلَّمَهُ الْبَيَان} .
قال: الخط، وقيل في قوله تعالى: {إنِّي حَفِيظٌ عَلِيم} : أي كاتب حاسب وهو لمحة الضمير، ووحي الفكر، وسفير العقل، ومستودع السر، وقيد العلوم والحِكم، وعنوان المعارف، وترجمان الهمم وأما قول الشيباني: ما استجدنا خط أحد إلا وجدنا في عوده خَوَراً.
فهل يسف إليه الفقهاء، ويتجافى عنه الكتاب والبلغاء ولإيثاره أبينه، حرم أجوده وأحسنه.
ولما أعجب المأمون بخط عمرو بن مسعدة قال له: يا أمير المؤمنين، لو كان الخط فضيلة لأوتيه النبي صلى الله عليه وسلم.
ولئن سر بما قاله عن ابن عباس فقد أنكره عليه كثير من عقلاء الناس، إذ الأنبياء عليهم السلام يلجلون عن أشياء ينال غيرهم بها خصائص المراتب، ويُحْرِز بالانتماءِ إليها عقائل المواهب.
ومن أهل الجاهلية نفر ذو عدد كانوا يكتبون، والعرب إذ ذاك من عز بز منهم بشر بن عبد الملك صاحب دُومة الجنْدَل، وسفيان بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، أبو قيس بن عبد مناف بن زهرة، وعمرو بن عمرو بن عدس.
وممن اشتهر في الإسلام بالكتابة من عِلْية الصحابة عمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، وأبو عبيدة وأبي بن كعب وزيد بن ثابت، ويزيد بن أبي سفيان.
وأقسم بالقلم في الكتاب الكريم.
وأحسن عدي حيث شبه به قرن الرِّيم // من الكامل //:
(تُزْجِي أغَنَّ كأنَّ إبْرَةَ رَوْقِهِ ... قَلَمٌ أصاب من الدّوَاة مِدَادَهَا) وهو أمضى بيد الكاتب من السيف بيد الكميَّ، وقد أصاب ابن الرومي // من البسيط // في قوله شاكلة الرمي:
(كذا قضى الله للأقلام إذْ بُرِيَتْ ... أن السيوف لها مذ أُرْهِفْت خَدَمُ) وكان المأمون يقول: لله دَرُّ القلم كيف يحوك وشي المملكة ووصفه عبد الله بن المعتز فقال:(2/301)
يخدم الإرادة، ولا يمل الاستزادة، فيسكت واقفا وينطق سائرا على أرض بياضها مظلم وسوادها مضيء.
وقال أرسطو طاليس: عقول الرجال تحت أسنان أقلامها.
وقال علماؤنا: إن أول من خط بالقلم إدريس عليه السلام.
فمتى وضع الخط العربي وسُطِّر المسند الحميري.
وقد ذكر أن لغة يونان عارية من حرف الحلق، ومخالفة لسائر لغات الخَلق.
النوع الثالث والأربعون
معرفة التصحيف والتحريف
أفرده بالتصنيف جماعةٌ من الأئمة منهم العسكري والدارقطني فأما العسكري فرأيت كتابه مجلدا ضخما فيما صحَّف فيه أهل الأدب من الشعر والألفاظ وغير ذلك.
قال المعري: أصل التصحيف أن يأخذ الرجلُ اللفظ من قراءته في صحيفة ولم يكن سمعه من الرجال فيغيره عن الصواب، وقد وقع فيه جماعةٌ من الأجلاء من أئمة اللغة وأئمة الحديث، حتى قال الإمام أحمد بن حنبل: ومَنْ يَعْرَى من الخطأ والتصحيف.
قال ابن دريد: صحف الخليل بن أحمد فقال: يوم بُغاث (بالغين المعجمة) وإنما هو (بالمهملة) .
أورده ابن الجوزي.
ونظير ذلك ما أورده العسكري قال: حدثني شيخ من شيوخ بغداد قال: كان حيان بن بِِشْر قد وُلِّي قضاء بغداد،(2/302)
وكان من جملة أصحاب الحديث، فروى يوما حديث أن عَرْفجة قطع أنفُه يوم الكِلاب فقال له مستمليه: أيهما القاضي إنما هو يوم الكُلاب، فأمر بحبسه، فدخل إليه الناس فقالوا: ما دَهَاك قال قُطِعَ أنف عَرْفَجة في الجاهلية، وابتليت به أنا في الإسلام.
وقال عبد الله بن بكر السهمي: دخل أبي علي عيسى بن جعفر وهو أمير بالبصرة، فعزاه عن طفل مات له، ودخل بعده شبيب بن شبَّة فقال: أَبْشِر أيها الأمير فإن الطفل لا يزال محبنظيا على بابِ الجنَّة، يقول: لا أدخل حتى يدخلَ والداي، فقال له أبي: يا أبا معمر، دع الظاء والزم الطاء.
فقال له شبيب: أتقول هذا وما بين لابتيها أفصح مني فقال له أبي: هذا خطأ ثَان، من أين للبصرة لابَة واللاََّبة: الحجارة السود، والبَصرة: الحجارة البيض.
أورد هذه الحكاية ياقوت الحموي في معجم الأدباء، وابنُ الجوزي في كتاب الحمْقى والمغفلين.
وقال أبو القاسم الزجاجي في أماليه: أخبرنا أبو بكر بن شقير قال أخبرني محمد بن القاسم بن خلاد عن عبد الله ابن بكر بن حبيب السهمي عن أبيه قال: دخلت على عيسى فذكرها.
وفي الصِّحاح: قال الأصمعي: كنت في مجلس شُعبة، فروى الحديث فقال: تسمعون جَرْش طير الجنة (بالشين) .
فقلت: جَرْس، فنظر إلي وقال: خذوها منه، فإنه أعلم بهذا منا.
قال الجوهري:(2/303)
ويقال: أجرس الحادي إذا حدا للإبل قال الراجز:
(أجرش لها يابن أبي كباش) // الرجز // قال: رواه ابن السكيت بالشين وألف الوصل، والرواة على خلافه.
وقال أبو حاتم السجستاني: قرأ الأصمعي على أبي عمرو بن العلاء شعر الحطيئة، فقرأ قوله: // من مجزوء الكامل //
(وغررتني وزعمت أننك ... لابِنٌ بالصيف تَامِر) أي كثير اللبن والتمْر، فقرأها: لا تني بالضيف تامُر.
يريد: لا تتوانى عن ضيفك تأمر بتعجيل القِرَى إليه.
فقال له أبو عمرو: أنت والله في تصحيفك هذا أشعر من الحطيئة وفي طبقات النحويين لأبي بكر الزبيدي: قال أبو حاتم: صحف الأصمعي في بيت أوس: // من السريع //
(يا عام لو صادفت أرماحنا ... لكان مَثْوَى خدك الأحزما)(2/304)
يعني بالأحزم، الحزم الغليظ من الأرض، قال أبو حاتم: والرواة على خلافة، وإنما هو الأَخْرم (بالراء) ، وهو طرف أسفل الكتف أي كنت تقتل فيقطع رأسك على أخرم كتفك.
وفيما زعم الجاحظ أن الأصمعي كان يصحِّف هذا البيت: // من الخفيف //
(سَلَعٌ ما ومثلُه عُشَرٌ ما ... عائلٌ ما وعالت البَيْقُورا) فكان ينشده وعالت النيقورا، فقال له علماء بغداد: صحَّفت إنما هو البيقورا، مأخوذة من البقر.
وقال العسكري: أخبرنا أبو بكر بن الأنباري قال: أخبرني أبي قال: قرأ القَطْربِليّ المؤدب على ثعلب بيت الأعشى: // من الطويل //
(فلو كنت في جُبٍّ ثمانين قَامَةً ... ورقيت أسبابَ السماء بسُلَّمِ) فقرأها في حَب (بالحاء المهملة) فقال له ثعلب: خرب بيتك هل رأيت حَبّاً قط ثمانين قامة إنما هو جب.
وقال القالي في أماليه: أنشد أبو عبيد: // من الرجز //
(أشكو إلى الله عِيالاً دَرْدَقا ... مُقَرْقَمِينَ وعجوزا شَمْلَقا) بالشين معجمة وهو أحد ما أُخِذ عليه.
وروى ابن الأعرابي: سملقا (بالسين غير المعجمة) ، وهو الصحيح.(2/305)
وقال القالي: كان الطوسي يزعم أن أبا عبيد روى قَبْس (بالباء) قال: وهو تصحيف، وكذا قال أحمد بن عبيد، وإنما هو قَنْس (بالنون) وهو الأصل.
وفي المحكم: القَنْس: الأصل وهو أحد ما صحفه أبو عبيدة فقال القبس بالباء انتهى.
قال القالي: وقول الأعشى // الطويل //:
(تَرُوح على آل المحلِّق جَفْنة ... كجابية الشيخ العراقي تَفْهَق) كان أبو محرز يرويه كجابية السَّيح، ويقول: الشيخ تصحيف، والسيح: الماء الذي يَسِيح على وجه الأرض.
وأنشد أبو زيد في نوادره: // من البسيط //
(إن التي وضعت بيتا مهاجرة ... بكوفة الخلد قد غالت بها غول) // البسيط // قال الرِّياشيّ: الأصمعي يقول بكوفة الجند، ويزعم أن هذا تصحيف.
وقال الجَرْمي: كوفة الخلد أي أنها دار قَرَارٍ لا يتحولون عنها.
وقال القالي في قول علقمة:
(رَغا فوقهمْ سَقْب السماء فداحِص ... بشِكّته لم يُسْتَلَب وسليب) // الطويل //(2/306)
داحض فيه بالصاد غير معجمة.
يقال: دَحَص برجله وفَحَص.
وكان بعض العلماء يرويه فداحِض ونسب فيه إلى التصحيف.
وقال أبو جعفر النحاس في شرح المعلقات: قال أبو عمرو الشيباني: بلغني أن أبا عبيدة روى قول الأَعشى:
(إنِّي لعمر الذي حطت مناسمُها ... تَهوى وسيق إليه الثافر العتل) // البسيط // فأرسل إليه إنك قد صَحَّفْت إنما هو: الباقر البغيل، جمع غيل وهو الكثير، والباقر: بمعنى البقر.
وقال أبو عبيدة الثافر: بمعنى الثفار.
والعَثَل: الجماعة.
وقال ابن دُرَيد في الجمهرة: الجُف الجمع الكثير من الناس قال النابغة:
(في جف ثعلب واردي الأمرار) // الكامل // يعني ثعلبة بن عوف بن سعد بن ذبيان.
قال ابن دريد: وروى الكوفيون: في جف تغلب، وهذا خطأ لأن تغلب بالجزيرة، وثعلب بالحجاز، وأمرار موضع هناك.
وفيها: الفلفل معروف وسمون ثمر البَرْوق فلفلا تشبيها به، قال الراجز:
(وانحَتَّ من حَرْشاء فَلْج خَرْدَلُهْ ... وانْتَفَضَ البَرْوَقُ سودا فلفله) // الرجز // قال ابن دريد: ومن روى هذا البيت قِلْقِلِه فقد أخطأ لأن القِلْقِل ثمر شجر من العِضَاه، وأهل اليمن يسمون ثمر الغاب قِلْقلاً.
وقال القالي في أماليه:(2/307)
قال نِفْطَويه: صحف العتبي اسم نُقَيلة الأشجعي فقال نُفَيلة وقال الزجاجي في شرح أدب الكاتب: حدثنا أبو القاسم الصائغ عن عبد الله بن مسلم بن قتيبة قال: حدثنا أحمد ابن سعيد اللحياني، وحدثنا أبو الحسن الأخفش، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يزيد المبرِّد قال: حدثني أبو محمد التوزي عن أبي عمرو الشيباني قال كنا بالرَّقة فأنشد الأصمعي:
(عَنتاً باطلا وظُلْماً كما تُعنَزُ ... عن حجرة الربيض الظباء) // الخفيف // فقلت له: إنما هو تُعتَر من العتيرة، والعَتْر الذَّبْح، فقال الأصمعي: تُعْنَز أي تطعن بالعَنَزة وهي الحَرْبةُ، وجعل يصيح ويشغب، فقلت: تكلم كلام النمل وأصب والله لو نفخت في شَبُّور يهودي، وصحت إلى التناد ما نفعك شيء ولا كان إلا تُعتَر، ولا رويته أنت بعد هذا اليوم إلا تعتر فقال الأصمعي: والله لا رويته بعد هذا اليوم إلا تُعْنَزُ.
وفي شرح المعلقات لأبي جعفر النحاس: روى أن أبا عمرو الشيباني سأل الأصمعي كيف تروي هذا البيت فقال: تُعنَز، فقال له أبو عمرو صحفت، إنما هو تُعْتر، فقيل لأبي عمرو: تحرز من الأصمعي، فإنك قد ظفرت به، فقال له الأصمعي: ما معنى هذا البيت
(وضَرْبٍ كآذان الفِراءِ فُضُولُه ... وَطعْنٍ كإيزَاغِ المخَاضِ تَبُورُها)(2/308)
ما يريد بالفراء هاهنا وكانوا جلوسا على فروة، فقال له أبو عمرو: يريد ما نحن عليه فقال له الأصمعي: أخطأت وإنما الفراء هاهنا جمع فَرَأ، وهو الحمار الوحشي.
وقال محمد بن سلام الجمحي: قلت ليونس بن حبيب إنَّ عيسى بن عمر قال: صحَّف أبو عمرو بن العلاء في الحديث: (اتقوا على أولادكم فَحْمة العشاء) فقال بالفاء، وإنما هي بالقاف، فقال يونس: عيسى الذي صحَّف ليس أبا عمرو وهي بالفاء كما قال أبو عمرو لا بالقاف كما قال عيسى.
وفي فوائد النَّجَيْرَمِيّ بخطه: قرأ رجل على حماد الراوية شعر الشماخ فقرأ:
(تَلوذُ ثعالِبُ الشَّرَفيْن منها ... كما لاذ الغريم من التبيع) // الوافر // فقال: هو السِّرْقين، فقبح عليه حماد، فقال الرجل، إن الثعالب أولع شيء بالسِّرْقين، فقال: حماد انظروا يصحف ويفسر وفيها: قال الأخفش: أنشدت أبا عمرو بن العلاء:
(قَالتْ قُتَيْلةُ ماله ... قد جُلِّلَتُ شيبا شَواتُه)
(أم لا أراه كما عهدت ... صَحَا وأقْصر عاذلاتُه)
(ما تعجبين من امرىء ... أن شاب قد شابت لداته) // مجزوء الكامل // فقال أبو عمرو: كبرت عليك رأس الراء فظننتها واوا، قلت: وما سراته قال: سراة البيت: ظهره قال الأخفش: ما هو إلا شَواته ولكنه لم يسمعها.(2/309)
وفيها: قال أبو سعيد الحسن بن الحسين السكري عن الطوسي قال: كنا عند اللحياني فأمْلى علينا: مثقل استعان بذقنه، فقال له يعقوب بن السكيت: بِدَفَّيْه، فوَجَم.
ثم أملى يوما آخر: هو جاري مكاشري، فقال له ابن السكيت: مكاسري أي كِسر بيتي إلى كِسر بيته، فقطع اللحياني المجلس وقطع نوادِرَه.
وفيها: قال الطوسي: صحَّف أبو عمرو الشيباني في عجز بيت فقال:
(فُرْعُلة ما بين أدمان فالكدي) // الطويل //
فقيل له إنما هو
(رمينا بها شبهى بُوانَة عودا ... فُرْعُلة منا بين أَدْمَان فالكُدي) وفيها: قال أبو إسحاق الزجاجي: ما سمعت من ثعلب خطأ قط إلا يوما أنشد:
(يلوذ بالجود من النيل الدول) // الرجز // فقال له بعض الكتاب: أنشدَناه الأحول: بالجوْبِ، وقال: يريد التُّرس، فسكت ثعلب وما قال شيئا.
وفيها: قالوا: صحف الطوسي في شعر حاتم:
(إذا كان بعض الخبز مسحا بخرقة)(2/310)
وإنما هو:
(إذا كان نفض الخبز مسحا بخرقة) // الطويل // وفيها: قال السكري: سمعت يعقوب بن السكيت يقول: صحَّف ابن دَأْب في قول الحارث بن حلزة:
(أيها الكاذب المبلِّغ عنا ... عبد عمرو وهل بذاك انتهاء) // الخفيف // وإنما هو عند عمرو.
وفي كتاب ليس لابن خالويه: الناس كلهم قالوا: قد بلع فيه الشيب إذا وخطه القَتِير، إلا ابن الأعرابي، فإنه قال: بلغ (بالغين معجمة) وصحَّف.
وهذا الكلام يعزى إلى رؤبة، وذلك أنه قال ليونس النحوي: إلى كم تسألني عن هذه الخزعبلات وألوقها لك وأروقها الآن، وقد بلغ منك الشيب وفيه: الهِمْيغ: الموت الوَحِيّ (بالغين معجمة) ، رواه الخليل بالعين غير معجمة.
وفيه: جمع أبا عمرو بن العلاء وأبا الخطاب الأخفش مجلس، فأنشد أبو الخطاب:
(قالت قتيلة ماله ... قد جللت شيبا شواته) // مجزوء الكامل // فقال أبو عمرو: صحفت يا أبا الخطاب، إنما هو سَراتُه، وسراة كل شيء أعلاه، ثم انصرف أبو عمرو، فقال أبو الخطاب: والله إنها لفي حفظه، ولكنه ما حضره، فسأل جماعة من الأعراب، فقال قوم: سَرَاته، وقال آخرون: شَوَاته، فعلم أن كل واحد منهما ما رَوَى إلا ما سَمِع.(2/311)
وفيه: جمع المفضل والأصمعي مجلس فأنشد المفضل:
(وذاتُ هِدْمٍ عارٍ نَواشِرُها ... تُصْمِتُ بالماء تَوْلباً جذعا) // المنسرح // فقال الأصمعي: صحفت، إنما هو جَدِعاً، أي سيء الغذاء، فصاح المفضل: فقال له: والله لو نفخت في ألف شَبُّور لما أنشدته بعد هذا إلا بالدال.
وفيه: جمع أبا عمرو الجَرْمي والأصمعي مجلِس، فقال الجَرميّ: ما في الدنيا بيت للعرب إلا وأعرف قائله، فقال: ما نشك في فضلك - أيدك الله - ولكن كيف تنشد هذا البيت
(قَدْ كُنّ يَخْبَأْنَ الوجوه تَسَتُّراً ... فالآن حِينَ بَدَأْنَ لِلنُّظَّارِ) // الكامل // قال: بدأن، قال: أخطأت، قال: بَدَيْن، قال: أخطأت، إنما هو بَدَوْن، من بدا يبدو إذا ظهر.
فأفحمه.
وفيه: من أسماء الشمس يوح، وصحَّفه ابن الأنباري فقال: بُوح، وإنما البوح النفس، وجرى بينه وبين أبي عمر الزاهد في هذا كل شيء قالت الشعراء فيهما حتى أخرجنا كتاب الشمس والقمر لأبي حاتم فإذا فيه يوح كما قال أبو عمر.
وفيه: اختلف المعمري والنحويان في الظَّرَوْرى، فقال أحدهما: الكيس، وقال الآخر:(2/312)
الكَبْش، فقال كل منهما لصاحبه: صَحَّفْتَ: وكُتِب بذلك إلى أبي عمر الزاهد فقال: من قال إن الظَّرَوْرَى الكبش، فهو تيس، وإنما الظَّرَوْرَى: الكيِّس العاقل.
وفيه: قال ابن دُرَيد: القَيْس: الذكر قال أبو عمر: هذا تصحيف، إنما هو فَيْش، والقَيْس: القِرْد، ومصدر قاس يقيس قَيْساً.
وفي شرح الكامل لأبي إسحاق إبراهيم بن محمد البَطْلَيوسي قول الراجز:
(لم أر بؤسا مثلَ هذا العام ... أرهنت فيه للشقا خَيْتامي)
(وحق فخري وبني أعمامي ... ما في الفروق حفنتا حتامي) // الرجز // صحفه بعضهم فقال في إنشاده حثام (بثاء مثلثة) وهو - بتاء مثناة، بقية الشيء.
ونقلت من خط الشيخ بدر الدين الزركشي في كراسة له سماها عمل من طَبَّ لمن حب صحَّف ابن دريد قول مُهَلْهِل:
(أنكحها فَقْدُها الأَرَاقِم في ... جَنْبٍ وكان الحِباءُ من أدم) // المنسرح // فقال: الخِباء بالخاء المعجمة، وإنما هو بالمهملة.
وصحَّف أيضا قول قَيْس بن الخَطِيم يصف العين:
(تغترق الطرف وهي لاهبة) // المنسرح // فرواه بالعين غير معجمة، وإنما هو بالمعجمة فقال فيه المفجع:
(ألسْتَ ممَّا صحفت تغترق الطرف ... بجهل فقلت تعترق)(2/313)
(وقلت كان الخِباء من أدم ... وهو حِباء يُهْدى ويُصْطَدَقُ) وأورد ذلك التيجاني في كتاب تحفة العروس، وأورد البيت الأول بلفظ
(ألم تصحف فقلت تعترق الطرف ... بجهل مكان تغترق) // المنسرح // وفي طبقات النحويين للزبيدي قال الفراء: صحَّف المفضل الضبي قول الشاعر:
(أفاطم إني هالك فتبيني ... ولا تجزعي كل النساء تئيم) // الطويل // فقال يتيم: وإنما هو تَئِيم.
وفيها قال ابنُ أبي سعيد، قال أبو عمرو الشيباني، يقال: في صدره عليَّ حَسيكة وحَسيفة، وكان أبو عبيدة يصحِّف فيهما فيقول: حشيكة وحشيفة، قال أبو عمرو: فأرسلت إليه يا أبا عبيدة، إنك تصحف في هذين الحرفين فارجع عنهما، قال: قد سمعتهما.
وقال الزبيدي: حدثني قاضي القضاة منذر بن سعيد قال: أتيت أبا جعفر النحاس فألفتيه يُملي في أخبار الشعراء شعر قَيس بن مُعاذ المجنون حيث يقول:
(خليلي هل بالشام عينٌ حزينة ... تُبَكِّي على نَجْدٍ لعلي أعينها)
(قد أسْلَمَها الباكون إلا حمامة ... مطوقة باتت وبات قرينها) // الطويل //(2/314)
فلما بلغ هذا الموضع قلت: باتا يفعلان ماذا أعزك الله فقال لي: وكيف تقول أنت يا أَنْدَلسي فقلت: بانت وبان قرينها.
وقال في الجمهرة: الغضغاض (بالغين المعجمة) في بعض اللغات: العِرْنِين وما وَالاَهُ من الوجه قال أبو عمر الزاهد: هذا تصحيف إنما هو العَضْعاض بالعين (غير معجمة) .
قال ابن دُرَيد: وقال قوم: العُضَّاض (بالتشديد) .
وفي الصِّحاح: اجْفَأظَّت الجِيفة اجْفِئْظاظاً: انتفخت.
قال ثعلب: وهو بالحاء تصحيف: وفي الجمهرة: يقال: أن الرجل الماء إذا صبَّه، وفي بعض كلام الأوائل.
أُنّ ماء وأغْلهِ أي صُبّ ماء وأغْلهِ وقال ابن الكلبي: إنما هو أُزّ ماء: وزعم أُنَّ تصحيف.
وقال الأزهري في التهذيب: قال الليث: الرَّصَع: فِرَاخ النحل، وهو خطأ، قال ابن الأعرابي: الرَّضَع: فراخ النحل (بالضاد معجمة) رواه أبو العباس عنه، وهو الصواب.
والذي قاله الليث في هذا الباب تصحيف.
وقال ابن فارس في المجمل: حدثني العباس بن الفضل، قال: حدثنا ابن أبي دؤاد قال: حدثنا نَصْر بن علي الجُهْضُمِي.
قال: حدثنا الأصمعي قال: أنشدنا أبو عمرو بن العلاء:
(فما جبنوا أنا نشد عليهم ... ولكن رأوا نارا تحس وتسفع) // الطويل //(2/315)
قال فذكرت ذلك لشعبة فقال: ويلك إنما هو:
(فما جَبُنُوا أنا نشدُّ عليهمُ ... ولكن رأوا نارا تُحشّ وتَسْفَعُ) قال الأصمعي: وأصاب أبو عمرو، وأصاب شعبة، ولم أر أحدا أعلم بالشعر من شُعبة تُحش: توقد، وتحس: تمس وتشوى.
وفي بعض المجاميع: صحف حماد بن الزبرقان ثلاثة ألفاظ في القرآن لو قرىء بها لكان صوابا وذلك أنه حفظ القرآن من مصحف ولم يقرأه على أحد: اللفظ الأول {وَمَا كان اسْتِغْفَارُ إبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا} أبَاهُ، يريد إياه.
والثاني {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وشِقَاق} . والثالث: {لِكلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ} يَعْنيهِ.
وروى الدارقطني في التصحيف عن عثمان بن أبي شيبة: أنه قرأ على أصحابة في التفسير: {ألم تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأصْحَابِ الفِيلِ} .
يعني قالها كأول البقرة.
وقال ابن جِنّي في الخصائص: باب في سقطات العلماء حكي عن الأصمعي أنه صحَّف قول الحُطَيئة:
(وغررتني وزعمت أنك ... لابن بالصيف تامر) // مجزوء الكامل // فأنشده لا تَنِي بالضيف تامر أي تأمر بإنزاله وإكرامه.(2/316)
وحُكي أن الفراء صحف فقال: الحراصل: الجبل، يريد الحُرّ أصل الجبل.
وأخبرنا أبو صالح السليل بن أحمد عن أبي عبد الله محمد بن العباس اليزيدي عن الخليل بن أسد النُّوشَجاني عن التوزي.
قال: قلت لأبي زيد الأنصاري: أنتم تنشدون قول الأعشى:
(بِساباطَ حتى مات وهو محزرق) // الطويل // وأبو عمرو الشيباني ينشدها مُحَرْزَق، فقال، إنها نَبَطية، وأم أبي عمرو نَبَطية فهو أعلم بها منا.
وذهب أبو عبيد في قولهم: لي عن هذا الأمر مَندوحة أي متسع - إلى أنه من قولهم: انْداح بطنه، أي اتسع.
وهذا غلط لأن انداح انفعل وتركيبه مُندَوَح، ومَنْدُوحة مفعولة، وهي من تركيب نَدَح، والنّدْح: جانب الجبل وطرفه وهو إلى السعة، وجمعه أَنْداح، أفلا ترى إلى هذين الأصلين تباينا وتباعدا فكيف يجوز أن يشتق أحدهما من صاحبه وذهب ابن الأعرابي في قولهم: يوم أَرْوَنان إلى أنه من الرُّنّة وذلك أنها تكون مع البلاء والشدة.
قال أبو علي: وهذا غلط، لأنه ليس في الكلام أَفْوَعَال، وأصحابنا يقولون: هو أفْعلان من الرُّونة وهي الشدة في الأمر.
وذهب ثعلب في قولهم: أسكُفّه الباب إلى أنها من قولهم: استكف أي(2/317)
اجتمع.
وهذا أمر ظاهر الشناعة لأن أسْكُفَّة أُفْعُلّة، والسين فيها فاء، وتركيبها من سكف، وأما استكف فسينه زائدة لأنه استفعل وتركيبه من كَفف فأين هذان الأصلان حتى يجتمعا وذهب ثعلب أيضا في تَنّور إلى أنه تَفْعُول من النار وهو غلط، إنما هو فَعّول من لفظ ت ن ر، وهو أصل لم يستعمل إلا في هذا الحرف، وبالزيادة كما ترى.
ومثله مما لم يستعمل إلا بالزيادة: حَوْشب وكوكب وشَعَلَّع وهَزَنْبَزَان ومَنْجنون وهو باب واسع جدا.
ويجوز في التَّنُّورِ أن يكون فَعْنُولاً ويقال: إن التنور لفظة اشترك فيها جميع اللغات من العرب وغيرهم، وإن كان كذلك فهو ظريف إلا أنه على كل حال فعُّول أو فَعْنول.
التواطخ من الطيْخ، وهو الفساد وهذا عجب، وكأنه أراد أنه مقلوب منه.
ويحكى عن خلف أنه قال: (وعن ثعلب أيضا أنه قال) : أخذت على المفضَّل الضَّبيِّ في مجلس واحد ثلاث سقطات: أنشد لامرىء القيس:
(نمسُّ بأعْرافِ الجِياد أكُفَّنا ... إذا نحنُ قمنا عن شواء مضهب) // الطويل // فقلت: عافاك الله إنما هو نمش أي نمسح، ومنه سمي منديل الغَمَر مشوشا.(2/318)
وأنشد للمخبل السعدي:
(وإذا ألم خيالُها طرقت ... عيني فماء جفونها سجم) // الكامل // فقلت: عافاك الله إنما هو طرفت.
وأنشد للأعشى:
(ساعة أكبر النهار كما شد ... محيل لبونه اعتاما) // الخفيف // فقلت: عافاك الله إنما هو مخيل (بالخاء معجمة) : رأي خال السحابة فأشفق منها على بُهْمِه فشدها.
وأما ما تعقب به أبو العباس المبرد كتاب سيبويه في المواضع التي سماها مسائل الغلط فقلما يلزم صاحبَ الكتاب منه إلا الشيء النَّزْر، وهو أيضا مع قلته من كلام غير أبي العباس، وحدثنا أبو علي عن أبي بكر عن أبي العباس أنه قال: إن هذا كتاب كنا عملناه في الشبيبة والحداثة.
واعتذر منه.
وأما كتاب العين ففيه من التخليط والخلل والفساد ما لا يجوز أن يحمل على أصغر أتباع الخليل، فضلا عنه نفسه.
وكذلك كتاب الجمهرة.
ومن ذلك اختلاف الكسائي وأبي محمد اليزيدي عند أبي عبيد الله في الشِّراء أممدود هو أم مقصور فمده اليزيدي وقصره الكسائي وتراضيا ببعض فصحاء كانوا بالباب، فمده على قول اليزيدي.
ومن ذلك ما رواه الأعمش في حديث عبد الله بن مسعود أن رسول الله(2/319)
صلى الله عليه وسلم كان يتَخَوّلُنا بالموعظة مخافة السآمة، وكان أبو عمرو بن العلاء حاضرا عنده، فقال الأعمش، يتخولنا، فقال أبو عمرو: يتخوننا فقال الأعمش: وما يُدريك فقال أبو عمرو: إن شئت أن أعلمك أن الله تعالى لم يعلمك من العربية حرفا أعْلَمْتُكَ.
فسأل عنه الأعمش.
فأخبر بمكانة من العلم فكان بعد ذلك يُدْنِيه، ويسأله عن الشيء إذا أَشكل عليه.
وسُئِل الكسائي في مجلس يونس عن أَوْلق ما مثاله من الفعل، فقال: أفعل، فقال له مروان: استحييت لك يا شيخ والظاهر عندنا أنه فوعل من قولهم: أُلِقَ الرجل فهو مألوق.
وسئل الكسائي أيضا في مجلس يونس عن قولهم: لأضربن أيُّهم يقوم لم لا يقال: لأضربن أيَّهم فقال: أي هكذا خلقت.
ومن ذلك إنشاد الأصمعي لشُعبة بن الحجاج قولَ فَرْوَة بن مُسَيْك:
(فما جبنوا أنا نشد عليهم ... ولكن رأوا نارا تحس وتسفع) // الطويل // قال شُعبة: ما هكذا أنشدنا سماك بن حرب، قال:
(ولكن رأوا نارا تُحَش وتَسْفع) // الطويل // قال الأصمعي: فقلت: تحس من قول الله تعالى: {إذْ تَحُسُّونَهُمْ بإذْنِهِ} : أي تقتلونهم وتُحش: توقد، فقال لي شعبة: لو فرغتُ للزمتك.
وأنشد رجل من أهل المدينة أبا عمرو بن العلاء قول ابن قيس:
(إن الحوادثَ بالمدينة قد ... أوجعنني وقرعن مروتيه) // الكامل //(2/320)
فانتهره أبو عمرو وقال: ما لنا ولهذا الشعر الرخو إن هذه الهاء لم تدخل في شيء من الكلام إلا أرْخَته.
فقال له المديني: قالتلك الله ما أجهلك بكلام العرب قال الله تعالى: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} .
وقال: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ} .
(فانكسر أبو عمرو انكسارا شديدا) .
وقال أبو حاتم: قلت للأصمعي: أتجيز إنك لتُبْرق لي وتُرْعِد فقال: لا، إنما هو تبرُق وترعُد.
فقلت له: فقد قال الكميت:
(أبرق وأرعد يا يزيد ... فما وعيدك لي بضائر) // مجزوء الكامل // فقال: ذاك جُرمُقاني من أهل الموصل ولا آخذ بلغته.
فسألت عنها أبا زيد الأنصاري فأجازها، فنحن كذلك إذ وقف علينا أعرابي محرِم، فأخذنا نسأله فقال: لستم تحسنون أن تسألوه، ثم قال له: كيف تقول: إنك لتُبرق لي وتُرعِد.
فقال له الأعرابي: أفي الجَخيف تعني أي في التهدد فقال: نعم.
قال الأعرابي: إنك لتُبرِق لي وتُرْعِد.
فعدت إلى الأصمعي فأخبرته، فأنشدني:
(إذا جاوزت من ذات عرق ثنية ... فقل لأبي قابوس ما شئت فارعد) // الطويل // ثم قال لي: هذا كلام العرب.
وقال أبو حاتم أيضا:(2/321)
قرأت على الأصمعي رجز العجاج حتى وصلت إلى قوله:
(جأبا ترى بليته مسحجا) // الرجز // فقال: تليلَه (فقلت بليتِه، فقال: ثليله) مسَّحجاً فقلت له: أخبَرَني مَن سمعه من فِلْق في رُؤْبة، أعني أبا زيد الأنصاري.
فقال: هذا لا يكون.
قلت: جعل مَسَحَّجاً مصدرا أي تسحيجا.
فقال: هذا لا يكون.
فقلت: فقد قال جرير:
(ألم تَعْلَمْ بمُسَّرَحِي القَوَافِي) // الوافر // أي تسريحي، فكأنه توقف.
قلت: فقد قال تعالى: {وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّق} .
فأمسك.
وقال أبو حاتم: كان الأصمعي ينكر زَوْجة، ويقول: إنما هو زوج ويحتج بقوله تعالى: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجكَ} .
قال: فأنشدته قول ذي الرُّمة:
(أذو زوجة بالمِصْرِ أم ذو خصومة ... أراك لها بالبصرة اليوم ثاويا) // الطويل // فقال: ذو الرُمة طالما أكل المالح والبقل في حوانيت البقالين.(2/322)
قال: وقد قرأنا عليه من قبل لأَفصح الناس فلم ينكره:
(فبكى بناتي شَجْوَهُنَّ وزوجتي ... والطامعون إلي ثم تصدعوا) // الكامل // وقال آخر:
(مِنْ منزلي قد أخرجتني زوجتي ... تهر في وجهي هرير الكلبة) // الرجز // وحكى أبو عبد الله محمد بن العباس اليزيدي عن أحمد بن يحيى عن سلمة قال: حضر الأصمعي وأبو عمرو الشيباني عند أبو السَّمْراء فأنشده الأصمعي:
(بضرب كآذان الفِراء فضوله ... وطعن كتشهاق العفاهم بالنهق) // الطويل // ثم ضرب بيده إلى فَرْو كان بقُرْبِه يوهم أن الشاعر أراد فروا فقال أبو عمرو: أراد الفَرْوَ فقال الأصمعي: هكذا روايتكم.
وحكى الأصمعي قال: دخلت على حماد بن سلمة وأنا حَدَث فقال لي كيف تنشد قول الحطيئة:
(أولئك قوم إن بنوا أَحْسَنُوا..... ... ... ... ... . ماذا // الطويل // فقلت:(2/323)
(أولئك قوم إن بَنَوْا أحسنوا البِنَا ... وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا) فقال: يا بني، أحسنوا البُنَى، يقال: بنى يبني بِنَاءً في العمران، وبنى يبنو بُنىً يعني في الشرف.
وأخبرنا أبو بكر محمد بن علي بن القاسم الذهبي بإسناد عن أبي عثمان أنه كان عند أبي عبيدة فجاء رجل فسأله: كيف تأمر من قولنا: عُنيت بحاجتك.
فقال له أبو عبيدة اعْنَ بحاجتي، فأومَأْتُ إلى الرجل أن ليس كذلك، فلما خَلَوْنا قلت له: إنما يقال لِتُعْنَ بحاجتي، فقال لي أبو عبيدة: لا تدخل إلي، قلت: لِمَ قال: لأنك كنت مع رجل خوزي سرق مني عاما أول قطيفة لي.
فقلت: لا والله، ما الأمر كذا، ولكنك سمعتني أقول ما سمعت.
وحدثنا أبو بكر محمد بن علي المراغي قال: حضر الفراء أبا عمر الجَرمي فأكثر سؤاله إياه، فقيل لأبي عمر: قد أطال سؤالك أفلا تَسْأَلُه أنت فقال له أبو عمر: يا أبا زكرياء ما الأصلُ في قُمْ قال: اقْوُم.
قال: فصنعوا ماذا قال: استثقلوا الضمة على الواو فأسكنوها ونقلوها إلى القاف.
فقال له أبو عمر: هذا خطأ، الواو إذا سكن ما قبلها جرت مجرى الصحيح، ولم تستثقل الحركات فيها.
ومن ذلك حكاية أبي عمر مع الأصمعي وقد سمعه يقول: أنا أعلم الناس بالنحو، فقال له الأصمعي، يا أبا عمر كيف تنشد قول الشاعر:
(قد كنَّ يخبأْنَ لوجُوه تستُّراً ... فالآنَ حين بدأن للنظار) // الكامل // بدأن أو بدين فقال أبو عمر: بدأن.
فقال الأصمعي: يا أبا عمر، أنت أعلم الناس بالنحو، يمازحه.
إنما هو بَدَوْن، أي ظهرن.
فيقال: إن أبا عمر تغفل الأصمعي فجاءه يوما وهو في مجلسه فقال له: كيْف تصغر مختارا فقال الأصمعي: مخيتير، فقال له أبو عمر: أخطأت، إنما هو مخيِّر أو مخيير بحذف التاء لأنها زائدة.(2/324)
وحدثني أبو علي قال: اجتمعت مع أبي بكر الخياط عند أبي العباس العمري بنهر معقل، فتجارينا الكلام في مسائل وافترقنا، فلما كان الغدُ اجتمعت معه عنده، وقد أحضر جماعة من أصحابه يسألونني، فسألوني فلم أر فيهم طائلا، فلما انقضى سؤالهم قلت لأكبرهم: كيف تبني من سفرجل مثل عَنْكَبُوت فقال سفرروت، فلما سمعت ذلك قمت في المجلس قائما وصفقت بين الجماعة: سفرروت فالتفت إليهم أبو بكر فقال: لا أحسن الله جزاءكم، ولا أكثر في الناس مثلكم فافترقنا فكان آخر العهد بهم.
وقال الرياشي: حدثنا الأصمعي قال: ناظرني المفضل عند عيسى بن جعفر فأنشد بيت أوس:
(وذاتُ هِدْمٍ عارٍ نَواشِرُها ... تُصْمِتُ بالماء تَوْلباً جذعا) // المنسرح // فقلت: هذا تصحيف لا يوصف التَّوْلَب بالإجذاع، وإنما هو جَدِعاً وهو السيء الغذاء فجعل المفضل يشغب، فقلت له: تكلم كلام النمل وأصب، لو نفخت في شَبُّور يَهُودِي ما نفعك شيء.
وقال محمد بن يزيد: حدثنا أبو محمد التوزي عن أبي عمرو الشيباني قال: كنا بالرقة فأنشد الأصمعي:
(عنتا باطلا وظُلْماً كما تُعنَزُ ... عن حُجَْرَةِ الرَّبيضِ الظِّباءُ) // الخفيف // فقلت: يا سبحان الله تعتر من العَتيرة فقال الأصمعي: تعنز أي تطعن بعَنَزة، قال: فقلت لو نفخت في شَبُّور اليهودي وصِِحْتَ إلى التنادي ما كان إلا تُعتر، ولا ترويه بعد اليوم تعنز فقال: والله لا أعود بعدها إلى (تعتر) .(2/325)
وأنشد الأصمعي أبا توبة ميمون بن حفص مؤدب عمر بن سعيد بن سلم بحضرة سعيد:
(واحدة أَعضَلَكم شَأْنُها ... فكيفَ لو قُمْت على أربع) // السريع // ونهض الأصمعي فدار على أَربع، يُلبِّس بذلك على أبي توبة فأجابه أبو توبة بما يشاكل فعل الأصمعي، فضحك سعيد: وقال: ألم أنْهَك عن مجاراته في هذه المعاني هذه صِنَاعته.
ومن ذلك إنكار الأصمعي على ابن الأعرابي ما كان رواه ابن الأعرابي لبعض ولد سعيد بن سلم بحضرة سعيد بن سلم لبعض بني كلاب:
(سمينُ الضواحي لم تؤرقه ليلة ... وأنعم أبكار الهموم عونها) // الطويل // ورفع ابن الأعرابي ليلة، ونصبها الأصمعي، وقال: إنما أراد لم تؤرقه أبكار الهموم وعونها ليلة، وأنعم أي زاد على ذلك، فأُحضر ابن الأعرابي، وسئل عن ذلك فرفع ليلة، فقال الأصمعي لسعيد: مَن لم يحسن هذا القدر فليس موضعا لتأديبِ ولدك فنحَّاه سعيد فكان ذلك سبب طعن ابن الأعرابي على الأصمعي.
وقال الأثرم علي بن المغيرة: مثقل استعان بذقنه ويعقوب بن السكيت حاضر، فقال يعقوب: هذا تصحيف، وإنما هو استعان بدَفَّيْه، فقال الأثرم: إنه يريد الرياسة بسرعة ودَخَل بيته.
وقال أبو الحسن لأبي حاتم:(2/326)
ما صنعتَ في كتاب المذكر والمؤنث قال قلات: قد صنعت فيه شيئا، قال: فما تقول في الفِرْدوس قلت: مذكر، قال: فإن الله تعالى يقول: {الَّذِين يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} .
قال: قلت: ذهب إلى الجنة فأَنَّث.
قال أبو حاتم: فقال لي التوزي: يا غافل، ما سمعت الناس يقولون: أسألك الفردوس الأعلى فقلت له: يا نائم، الأعلى ههنا أفعل لا فُعْلى وقال أبو عثمان: قال لي أبو عبيدة: ما أكذب النحويين يقولون: إن هاء التأنيث لا تدخل على ألف التأنيث: سمعت رُؤْبَة ينشد
(فكر في عَلْقي وفي مكور) // الرجز // فقلت له: ما واحد العَلْقى فقال: علقاة قال أبو عثمان: فلم أفسر له، لأنه كان أغلظ من أن يفهم مثل هذا.
انتهى ما أورده ابن جنى.
خاتمة
ذكر المحدِّثون أن من أنواع التصحيف: التصحيف في المعنى.
وقال ابن السكيت: يقال: ما أصابتنا العَامَ قَابة أي قَطْرة من مطر.
قال: وكان الأصمعي يصحف في هذا ويقول: هو الرعد، وكذا ذكر التِّبريزي في تهذيبه وتعقب ذلك بعضهم فقال: لا يُسَمَّى هذا تصحيفا، وهو إلى الغلط أقرب.(2/327)
ذكر بعض ما أخذ على كتاب العين من التصحيف
قال أبو بكر الزبيدي في استدراكه: ذَكر في باب همع: الهِمِيْع: الموت، فصحفه والصواب الهِميْغ (بالغين المعجمة) .
وذكر في باب قفع: القُفَاعيّ من الرجال: الأحمر، وهو غلط، والصواب فُقَاعيّ، يقال: هو أحمر فُقَاعيّ للذي يُخَالِط حمرتَه بياض.
وذكر في باب عنك: عَرَق عانك: أصفر، والصواب عاتك.
وذكر في باب زعل: الزغلول: الخفيف من الرجال، وإنما هو الزُّغلول (بالغين المعجمة) - عن أبي عمرو الشيباني.
وذكر في باب معط: المُمَعّط: الطويل، والصواب المُمغَّط (بالغين المعجمة) .
وذكر في باب ذعر: ائذعر القوم: تفرقوا، والمعروف ابْذَعرّ (بالباء) ، والذي ذكر تصحيف.
وذكر في باب عفر: مَعافر العرفط: شيء يخرج منها مثل الصمغ، وإنما هي المغافير (بالغين معجمة) .
وذكر في باب معر: رجل أَمْعَر الشعر وهو لون يَضْرِب إلى الحمرة، والصواب أمغر، مشتق من المَغْرة.
وذكر في باب وَعق: الَوَعِيق: صوت قُنْب الدابة وإنما هو الوغيق بالغين (معجمة) ، رويناه عن إسماعيل مُسْنَداً إلى اللِّحياني.(2/328)
وذكر في باب عسو: عسا الليل: أظلم، وإنما من غسا (بالغين معجمة) .
وذكر في باب الرباعي: عَلْهَضْتُ رأس القارورة والرجل: عالجته، والصواب بالصاد غير معجمة.
وذكر في باب حنك: يقال للعود الذي يضم العَرَاصِِيف حُنْكة وحِناك، والرواية عن أبي زيد حُبْكة وحِباك فيما أخبرني به إسماعيل، وروى أبو عبيد بالنون فصحَّف كتصحيف صاحب العين.
وذكر في باب جَحل: الجَحل: أولاد الإبل، وهو غلط، إنما هو الحجل (بالحاء قبل الجيم) .
وذكر في باب لحص: التَّلحيص: استقصاء خبر الشيء وبيانه، وإنما هو التَّلْخِيص (بالخاء المعجمة) .
وأنشد في باب حصف للأعشى
(تأوي طوائفها إلى محصوفة) // الكامل // والصواب: مخصوفة بالخاء معجمة، يعني سَوْداَء كثيفة.
وذكر في باب سحب: السَّحْب: شدة الأكل والشرب، وإنما هو السَّحْت.
وذكر في باب حزل: الاحتزال: الاحتزام بالثوب، وهو باللام غلط، إنما هو الاحتزاك - عن أبي عمرو الشيباني.
وذكر في باب حذل: الحُذَال: شيء يخرج من السمن وهو غلط، والصواب شيء يخرج من السَّمُر كالدم والعرب تسميه حيض السَّمُر.(2/329)
وذكر في باب حثل: المحثئل: الذي غضب وتنفَّش للقتال، وإنما هو المجثئل بالجيم عن الأصمعي.
وذكر في باب حبر: الحبير: زبد اللُّغَام، وإنما هو الخبير (بالخاء المعجمة) .
وذكر في باب بحر: بنات بحر ضَرْبٌ من السحاب، والصواب بنات بخر وبنات مخر - عن أبي عمرو.
وذكر في باب مرح: مَرّحْت الجلد: دهنته قال الطِّرِمَّاح:
(سَرَتْ في رَعِيلٍ ذي أَدَاوَي مَنُوطَةٍ ... بِلَبَّاتِها مَدْبُوغَةٍ لم تُمَرّح) // الطويل // وإنما هو مرخت الجلد (بالخاء المعجمة) .
والبيت من قصيدة قافيتها على الخاء المعجمة وبعده:
(إذا سربخ عطت مجالَ سَرَاتهِ ... تمطَّتْ فحطت من أرجاء سَرْبَخ) // الطويل // والسَّرْبخ: الأرض الواسعة.
وذكر في باب حوت: الحَوْتُ والحَوَتَان: حومان الطائر، والصواب بالخاء المعجمة.(2/330)
وذكر في باب الرباعي: الزحزب: الذي قوي واشتد وعلظ والصواب بالخاء المعجمة.
وذكر في باب كهم: الكَهْكامة: المتهيب قال الهُذَلِيّ:
(ولا كَهْكامَة بَرَمٌ ... إذا ما اشتدت الحقب) // مجزوء الوافر // وإنما هو الكَهْكاهة (بالهاء) وكذا هو في البيت عن أبي عبيد وغيره.
وذكر في باب همس: الهَمْسَة: الكلام والحركة، وإنما هي بالشين المعجمة.
وذكر في باب هزأ: هَزَأَه البرد: إذا أصابه في شدة والصواب هَرَأه، (بالراء) .
والزاي تصحيف.
وذكر في باب الرباعي: القُرْهد: الناعم التَّارّ، وإنما هو الفُرْهد (بالفاء) .
وذكر في باب خف: الخَفَّانة: النعامة السريعة، والمعروف الحَفَّان: صِِغَار النَّعَام (بالحاء غير المعجمة) - عن الأصمعي، واحدته حَفَّانَة.
وذكر في باب فخ: الفَخِيخ: صوت الأفعى وإنما هو بالحاء غير المعجمة.
وذكر في باب قلخ: القَلَخ في الأسنان: الصفرة التي تعلوها، وإنما هو بالحاء غير المعجمة.(2/331)
وذكر في باب لخج: اللخَج: أسوأ الغَمَص وإنما هو اللحَج (بالحاء غير المعجمة) .
وذكر في باب خجب: جخْجَبي قبيلة من الأنصار وإنما هو بالحاء غير المعجمة.
وذكر في باب خشب: الأخْشَب من الرجال: الذي لم يُحْلَق عنه شعره وإنما هو الأحسب (بالحاء والسين) غير معجمتين.
وذكر في باب فضخ: انْفَضَخَت القُرْحة إذا انفتحت والصواب بالجيم.
وذكر في باب خصل: المِخْصَل: القطَّاع وإنما هو بالضاد المعجمة عن أبي عبيد.
وذكر في باب خصب: الخِصْب: حية بيضاء وهي الحِضْب (بالحاء غير المعجمة والضاد المعجمة) عن أبي حاتم.
وذكر في باب ختر: الخِيتار: الجوع الشديد وهو الخِنْتار (بالنون) عن الأصمعي.
وذكر في باب مَيخ: مَاخ يمَيخ مَيْخاً: تَبَخْتَر والصواب مَاح (بالحاء غير المعجمة) .
وذكر في باب توخ: تَاخَت الإصبع تَتُوخ توْخاً في الشيء الرخو، والمعروف بالثاء المثلثة.
وذكر في باب الرباعي: المُخْرَنفِش: المغتاظ وهو بالحاء غير المعجمة - عن الأصمعي.(2/332)
وذكر المُخْرَنْمِش: الساكت، وهو بالسين غير المعجمة.
وذكر في غش: لقيته غُشَيْشَان النهار، والصواب بالعين غير المعجمة، تصغير العَشِيّ.
وذكر في باب فدغ: الفَدَغ الْتِواء في القَدَمِ، وهو بالعين غير المعجمة.
وذكر في باب غبث: الغبِيثَة: طعام يُطْبَخ ويجعل فيه جراد وهي العبيثة (بالعين غير المعجمة) .
عن الآمدي.
وذكر في باب رغل: رَغَلها رَغْلاً: رضعها في عَجَلَةٍ، والصواب بالزاي عن أبي زيد، وقد صحف أبو عبيد هذا الحرف أيضا.
وذكر في باب رغم: الرَّغام: ما يسيل من الأنف، وهو بالعين غير المعجمة عن أبي زيد.
وذكر في باب غلم: الغَيْلم: مَنْبَع الماء في الآبار، وهو بالعين غير المعجمة عن الفرَّاء والآمدي.
وذكر في باب غسو: شيخ غَاسٍ: طال عمره، والمعروف بالعين غير المعجمة.
وذكر في باب الرباعي: الغَمَلّس الخبيث الجريء وهو بالعين غير المعجمة عن أبي عمرو بن العلاء.
وذكر في قشذ: القِشْذَة: الزُّبدة وهي بالدال غير المعجمة عن الكسائي.
وذكر في باب قتل: القِتْوَلُّ من الرجال: العَيي وهو بالثاء المثلثة عن أبي زيد.(2/333)
وذكر في باب ذلق: ضَبٌّ مَذْلوق: مستخرج من جُحْره والصواب بالدال غير المعجمة.
وذكر في باب المضاعف: أن الفِعالة من القوة قِوَاية وأنشد:
(ومَالَ بأعناق الكَرى غالباتُهُ ... فإني على أمر القواية حازم) // الطويل // وهذا تصحيف.
أنشدنيه إسماعيل فإني على أمر الغِوَاية.
وذكر في باب قبأ: قبِئت من الشراب وقَبأت: إذا امتلأت، والصواب قئبت (بتقديم الهمزة على الباء) عن الفراء.
وذكر في باب وقظ: الوَقْظ: حوض لا أعضاد له يجتمع فيه ماء كثير والمعروف بالطاء غير المعجمة.
وذكر في قنو قانيت الرجل: دَانَيْتُه، والصواب بالفاء.
وذكر في باب نشظ: النَّشْظ اللسع في سرعة واختلاس وهو بالطاء غير المعجمة.
وذكر في باب ضم: الضِّم والضمضام: الداهية الشديدة، وأحسبه تصحيفا لأنه يقال للداهية الشيديدة صمصام وصمى (بالصاد غير المعجمة) .
وذكر في باب ضيأ: ضيَّأَت المرأة: كثر ولدها، وهو عندي غلط والصواب ضَنَأت.(2/334)
وذكر في باب سدف: السَّدف: سواد الشخص وهو بالشين المعجمة.
وذكر في باب نسف النَّسْفة: حجارة ينسف بها الوسخ عن القدم، وهو بالشين المعجمة عن أبي عمرو.
وذكر في باب ترم: التَّرَم: شدة العض وهو بالباء، ولا أعرف الترم.
وذكر في باب درب: الدَّرَب: فساد المعدة وهو بالذال المعجمة.
وذكر في باب نتم: أَنْتَم الشيخ إذا كبر ووَلّى والصواب بالثاء المثلثة.
وذكر في باب ربذ: شيء ربيذ: بعضُه على بعض والصواب رثيد بالثاء من قولك رثدت المتاع.
وذكر في باب ذنب: الذنب والذبابة: القصير، وهو بالدال غير المعجمة عن الفراء.
وذكر في باب ذرأ: ذَرَأْت الوضين: بسطته على الأرض، والصواب درأته بالدال غير المعجمة.
هذا غالب ما ذكر أنه صحَّف فيه صاحب كتاب العين.
ذكر ما أخذ على صاحب الصِّحاح من التصحيف
أنشد على الدبدبة (بموحدتين) :
(عَاثور شرٍّ أيما عاثُور ... دبدبة الخيلِ على الجسور) // الرجز // قال التِّبريزي: الصواب دَنْدنة (بنونين) وهو أن تسمع من الرجل نغمة ولا(2/335)
تفهم ما يقول، ومنه الحديث (لا أحسن دندناك ولا دندنة مُعاذ) .
وكان أبو محمد الأسود ينشد هذا البيت استشهادا على ذلك.
قال الجوهري الذُّنابي: شبه المخاط يقع من أنوف الإبل.
قال ابن بَرِّي: هكذا في الأصل بخط الجوهري وهو تصحيف والصواب الذُّنانَى (بالنون) .
وهكذا قرأناه على شيخنا أبي أسامة جنادة بن محمد الأزدي، وهو مأخوذ من الذنين وهو الذي يسيل من أنف الإنسان والمعزى.
قال الجوهري: اللَّجِز: مقلوب اللَّزِج، وأنشد لابن مُقْبل:
(يَعْلُون بالمردَقُوش الوَرْد ضاحِيةً ... على سعابِيبِ ماء الضالة اللجز) // البسيط // قال في القاموس: هذا تصحيف فاضح، والصواب في البيت اللَّجِن (بالنون) والقصيدة نونية.
قال الجوهري: احتَقَّ الفرس، أي ضمر.
قال التَّبريزي: هذا تصحيف، والصواب أحْنَق الفرس (بالنون) على أفعل إذا ضَمُر ويبس، ويقال ذلك أيضا لغير الفرس من ذوات الحوافر والخُفّ، وخيل محانِق ومحانيق إذا وصفت بالضمر، وفرس محنِق (بكسر النون) .
وقال بعض أهل اللغة: احتق المال (بالتاء) على افتعل إذا سمن وأثرى سِمَنه، وحَقّت الماشية من الربيع واحتقَّت إذا سمنت منه.
انتهى.
قال الجوهري: والعَانِك: الأحمر يقال: دَمٌ عَانِك.
وقال الأزهري: هذا تصحيف وإنما هو بالتاء في صفة الحمرة.(2/336)
قال الجوهري: نقتُّ المخ أَنْقُته نَقْتاً، لغة في نَقَوْته إذا استخرجته، كأنهم أبدلوا الواو تاء.
قال أبو سهل الهَروي: الذي أحفظه نَقَثْت العظم أَنْقثه نقثا، إذا استخرجت مخه وانتقثه انتقاثا (بالثاء المعجمة بثلاث نقط من فوق) .
ويقال أيضا نقيته أنقيه، وانتقيته انتقاء مثله (بياء بنقطتين من تحت) .
قال الجوهري: تَنَجْنج لحم الرجل: كَثُر واسترخى.
قال أبو سهل: هذا تصحيف والصواب تبجبج (بياءين) .
قال الجوهري: رجل شِرْدَاخ القدم، أي عظيمها عريضها.
قال الهروي: هذا تصحيف وإنما هو شِرْدَاح (بحاء غير معجمة) قال التِّبريزي: الصحيح بالمعجمة كما قال الجوهري، والهروي هو الذي صحف.
قال الجوهري: رجل قُتَرِد وقُتَارِد ومُقترد إذا كان كثير الغنم والسِّخال عن أبي عبيد.
قال الهروي: الذي أحفظه قُثَرِد (بضم القاف وفتح الثاء المثلثة وكسر الراء) وهو مقصور من قثارد ومقثرد (بالثاء معجمة بثلاث نقط فيها كلها) .
وكذلك قرأتها على شيخنا أبي أسامة في الغريب المصنف وكذلك أيضا وجدته بخطِّ أبي موسى الحامض.
قال الجوهري: الجَيْذَر: القصير.
قال الهروي: هذا تصحيف، والصواب الجيدَر (بالدال غير معجمة) .
قال الجوهري: وَطْب جَشِر أي وسخ.
قال الهروي: هذا تصحيف وإنما هو حَشِر، بحاء غير معجمة.(2/337)
قال الجوهري: والحَبير: لُغَامُ البعير.
قال الهروي: هذا تصحيف والصواب الخبير (بالخاء المعجمة) .
قال الجوهري: العرارة: اسم فرس قال الشاعر:
(تسائلني بنو جُشَمِ بن بكرٍ ... أَغرّاء العَرَارة أم بهيم) // الوافر // قال الهروي: هذا تصحيف في اللفظ والبيت معا والصواب العَرادة بالدال.
وفي القاموس: قول الجوهري: فابهَتي عليها، أي فابهيتها - لأنه لا يقال بَهَت عليه - تصحيف، والصواب فانْهَتِي عليها (بالنون لا غير) .
وفيه: شاح الفرس بذنبه، صوابه بالسين المهملة، وصحَّفَه الجوهري.
وفيه: شَمْخ بن فَزارة (بالخاء) بطن، وصحف الجوهري في ذكره بالجيم.
وفيه: قول الجوهري إذا كانت الإبل سِمَاناً قيل: بها زِرّة، تصحيف قبيح، وتحريف شنيع، وإنما هي بَهازرَة على مثال فَعَالِلَة.
قال أبو أحمد العسكري في كتاب التصحيف، وقد ذكر ما يشكل ويصحف من أسماء الشعراء فقال: وهذا باب صَعْبٌ لا يكاد يضبطه إلا كثيرُ الرواية غزير الدِّرَاية، وقال لي أبو الحسن علي بن عبدوس الأرجاني، وكان فاضلا متقدما، وقد نظر في كتابي هذا فلما بلغ إلى هذا الباب قال لي: كم عدة أسماء الشعراء الذين ذكرتهم قلت: مائة ونيف، فقال: إني لأعجب كيف استتب لك هذا فقد كنا ببغداد والعلماء بها متوفرون -(2/338)
وذكر أبا إسحاق الزجاجي، وأبا موسى الحامض، وأبا بكر بن الأنباري واليزيدي وغيرهم - فاختلفنا في اسم شاعر واحد وهو حريث بن محفض، وكتبنا أربع رقاع إلى أربعة من العلماء، وأجاب كل واحد منهم بما يخالف الآخر، فقال بعضهم: مخفض (بالخاء والضاد المعجمتين) وقال بعضهم: محفص (بالحاء والصاد غير معجمتين) وقال آخرون: ابن محيصن، فقلنا: ليس لهذا إلا أبو بكر بن دريد، فقصدناه في منزله، وعرفناه ما جرى، فقال ابن دريد: أين يذهب بكم هذا مشهور وهو جريث بن مُحفّض (بالحاء غير معجمة مفتوحة والفاء مشددة والضاد منقوطة) وهو من بني تيم، تيم بني مازن.
وتمثَّل الحجاج بشعره على المنبر.
قال أبو الحسن بن عبدوس: فلم يفرج عنا غيره.
قال العسكري: واجتمع يوما في منزلي بالبَصْرِة أبو رياش وأبو الحسين بن لَنْكك فتَقاوَلاَ فكان فيما قال أبو رياش لأبي الحسين: أنت كيف تحكم على الشعر والشعراء وليس تفرق بين الرَّقَبَان والزَّفَيَان، فأجاب أبو الحسين، ولم يقنع ذاك أبا رياش، وقاما على شغب.
قال العسكري: فأما الرَّقَبان (بالراء والقاف وتحت الباء نقطة) فشاعر جاهلي قديم، يقال له: أشْعَر الرَّقَبان، أما الزَّفَيان (بالزاي والفاء وتحت الياء نقطتان) فهو من بني تميم يعرف بالزَّفيان، وكان على عهد جعفر بن سليمان، وهو الزفيان بن مالك بن عوانة.
قال: وذكر أبو حاتم آخر يقال له الزَّفيان وأنه كان مع خالد بن الوليد حين أقبل من البَحْرَيْنِ.
انتهى.
النوع الرابع والأربعون
معرفة الطبقات والحفاظ والثقات والضعفاء
قد ألف في ذلك الكثير.
فمن ذلك: طبقات النحاة لأبي بكر الزبيدي، وطبقات النحاة البصريين لأبي سعيد السِّيرافي، ومراتب النحويين لأبي الطيب اللغوي.
قال أبو الطيب اللغوي في كتاب مراتب النحويين: قد غلب الجهل وفَشَا، حتى لا يدري المتصدر للعلم من رَوَى ولا من رُوِي(2/339)
عنه، ولا مِنْ أين أخذ علمه، وحتى إن كثيرا من أهل دهرنا لا يفرقون بين أبي عُبيدة وأبي عُبيد، وبين الشيء المنسوب إلى أبي سعيد الأصمعي أو أبي سعيد السكَّري أو أبي سعيد الضرير.
ويحكون المسألة عن الأحمر، فلا يدرون: أهو الأحمر البصري، أو الأحمر الكُوفِي.
ولا يصلون إلى العلم بمزية ما بين أبي عمرو بن العلاء وأبي عمرو الشيباني.
ولا يفصلون بين أبي عمر عيسى بن عمر الثقفي وبين أبي عمر صالح بن إسحاق الجَرمي.
ويقولون: قال الأخفش، فلا يفرقون بين أبي الخطاب الأخفش وأبي الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش البَصريَّيْن وبين أبي الحسن علي بن المبارك الأخفش الكوفي وأبي الحسن علي بن سليمان الأخفش صاحب محمد بن يزيد وأحمد بن يحيى.
وحتى يظن قوم أن القاسم بن سلاَّم البغدادي ومحمد بن سلاَّم الجُمَحي صاحب الطبقات أخوَان.
ولقد رأيت نسخة من كتاب الغريب المصنف وعلى ترجمته تأليف أبي عبيد القاسم بن سلام الجمحي، وليس أبو عبيد بجُمحي ولا عربي وإنما الجمحي محمد مؤلف كتاب طبقات الشعراء، وأبو عبيد في طبقة من أخذ عنه إلى غير هذا إلى أن قال واعلم أن أكثر آفات الناس الرؤساء الجهال، والصدور الضلال، وهذه فتنةُ الناس على قديم الأيام وغابر الأزمان، فكيف بعَصْرِنا هذا، وقد وصلنا إلى كدر الكدر وانتهينا إلى عكر العكر، وأُخِذ هذا العلم عَمّن لا يعلم ولا يحس ولا يفقه، يفهم الناس ما لا يفهم، ويعلمهم عن نفسه وهو لا يعلم، يتقلَّد كل علم ويدعيه، ويركب كل إفك ويحكيه، ويجهل ويَرَى نفسه عالما، ويعيب مَنْ كان من العيب سالما، ثم لا يرضى بهذا حتى يعتقد أنه أعلم الناس، ولا يُقْنِعه ذلك حتى يظن أن كل من أخذ عنه هذا العلم لو حشروا لاحتاجوا إلى التعليم منه، فهو بلاء على المتعلمين، وَوَبالٌ على المتأدبين ولقد بلغني عن بعض من يختص بهذا العلم ويرويه، ويزعم أنه يُتقنه ويَدْرِيه أنه أسند شيئا فقال عن الفراء عن المازني، فظن أن الفراء الذي هو بإزاء الأخفش كان يروي عن المازني وحدث عن آخر أنه روى مناظرة جرت بين ابن الأعرابي والأصمعي وهما ما اجتمعا قط، وابنُ الأعرابي بإزاء غلمان الأصمعي، وإنما كان بَرَدُّ عليه بعد، وحري بمن عَمِي عن معرفة قوم أن يكونَ عن علومهم أعمى وأضل سبيلا.(2/340)
قال فَرَسمتُ في هذا الكتاب ما يفتح القفلة، ولا يسمع العقلاء الجهل به.
ثم قال واعلم أنَّ أول ما اختل من كلام العرب وأحوج إلى التعلم الإعراب، لأن اللَّحْنَ ظهر في كلام الموالي والمتعربين من عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روينا أن رجلا لحن بحضرته فقال: (أرْشِدُوا أخاكم فقد ضل) .
وقال أبو بكر: لأن أقرأ فأُسْقِط أحبُّ إليَّ من أن أقرأ فألحن.
وقد كان اللَّحنُ معروفا، بل قد روينا من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أنا مِنْ قريش ونشأت في بني سعد فأنَّى لي اللحن) وكتب كاتب لأبي موسى الأشعري إلى عمر فلحن، فكتب إليه عمر: أن اضرِبْ كاتبك سوطا واحدا.
وكان علي بن المديني لا يغيِّر الحديثَ وإن كان لحنا إلا أن يكون من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم فكأنه يُجَوِّز اللحن على مَنْ سواه.
ثم كان أول من رسم للناس النحو أبو الأسود الدؤلي، وكان أبو الأسود أخذ ذلك عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكان أعلم الناس بكلام العرب وزعموا أنه كان يجيب في كل اللغة.
قال أبو الطيب ومما يدل على صحة هذا ما حدثنا به محمد بن عبد الواحد الزاهد: أخبرنا أبو عمرو بن الطُّوسي عن أبيه عن اللَّحيانيِّ في كتاب النوادر قال حدثنا الأصمعي قال: كان غلام يطيف بأبي الأسود الدؤلي يتعلَّم منه النحو، فقال له يوما: ما فعل أبوك قال: أخذته حمى فضخته فضخا، وطبخته طبخا، وفنخته فنخا، فتركته فرخا.
قال: فما فعلت امرأةُ أبيك التي كانت تشارُّه وتجارُّه وتضاره وتزاره وتهاره وتماره قال: طلقها وتزوج غيرها، فحظيت عنده ورضيت وبظيت.
قال: وما بظيت يا بنَ أخي قال: حرف من العربية لم يبلغْك، قال: لا خيرَ لك فيما لم يبلغْني منها.(2/341)
وأبو الأسود أولُ من نقط المصحف، واختلف الناس إلى أبي الأسود يتعلمون منه العربية.
وفرَّع لهم ما كان أصله، فأخذ ذلك عنه جماعة.
قال أبو حاتم: تعلَّم منه ابنه عطاء بن أبي الأسود، ثم يحيى بن يَعْمَرَ العدواني، كان حليف بني ليث، وكان فصيحا عالما بالغريب ثم ميمون الأقرن، ثم عَنْبسة بن معدان المهري، وهو الذي يقال له عَنْبسة الفيل قال وأما فيما روينا عن الخليل، فإنه ذكر أن أبرعَ أصحابِ أبي الأسود عَنْبَسَة الفيل، وأن ميمونا الأقرن أخذ عنه بعد أبي الأسود، فَرَأَس الناس بعد عنْبَسَة وزاد في الشرح.
ثم توفي وليس في أصحابه أحدٌ مثل عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي، وكان يقال: عبد الله أعلم أهل البصرة وأنقلهم، ففرَّع النحو وقاسه، وتكلم في الهمز، حتى عمل فيه كتاب مما أملاه، وكان رئيسَ الناس وواحدهم.
وقال أبو حاتم: قال داود بن الزبرقان عن قتادة قال: أول من وضع النحو بعد أبي الأسود يحيى ابن يعمَر، وقد أخذ عنه عبد الله بن أبي إسحاق.
وكان في عصر عبد الله بن أبي إسحاق أبو عمرو بن العلاء المازني، وله أخ يقال له أبو سفيان، وكان أخذ عمن أخذ عنه عبد الله، قال: قال الخليل: فكان عبد الله يُقَدَّم على أبي عمرو في النحو وأبو عمرو يُقَدَّم عليه في اللغة، وكان أبو عمرو سيّدَ الناس وأعلمَهم بالعربية والشعر ومذاهب العرب.
وأخبرونا عن أبي حاتم عن الأصمعي قال: قال أبو عمرو: كنت رأسا والحسن حي.
قال أبو الطيب: ولم يؤخذ على أبي عمرو خطأ في شيء من اللغة إلا في حرف قصر عن معرفته عِلم من خَطّأه فيه، وروايته: أخبرنا جعفر بن محمد أخبرنا علي بن حاتم وغيره عن الأصمعي عن يونس قال: قيل لأبي عمرو بن العلاء ما الثفر قال: الاست، فقيل له: إنه القُبُل، فقال: ما أقرب ما بينهما فذهب قوم من أهل اللغة إلى أن هذا غلط من أبي عمرو، وليس كما ظنوا فقد نص أبو عمرو الشيباني وغيره على أن الثُّفر الدبر، والثفر من الأنثى: القبل.
قال الخليل: وأخذ العلم عن أبي عمرو جماعة منهم عيسى بن عمر الثقفي، وكان أفْصحَ الناس، وكان صاحب تَقْعِير واستعمال للغريب في كلامه(2/342)
ويونس بن حبيب الضبي، وكان متقدَّماً وكان النحوُ أغلب عليه.
قال أبو عبيدة: اختلفتُ إلى يونس أربعين سنة، أملأ كل يوم ألواحي من حفظه.
وأبو الخطاب الأخفش: فكان هؤلاء الثلاثة أعلم الناس وأفصحهم.
وألَّف عيسى بن عمر كتابين في النحو أحدهما مبسوط سمَّاه الجامع، والآخر مختصر سماه المكمل، قال محمد بن يزيد: قرأت أوراقا من أحد كتابي عيسى بن عمر وكان كالإشارة إلى الأصول وفيهما يقول الخليل بن أحمد:
(بطل النحو الذي ألفتمو ... غير ما ألف عيسى بن عمر) ذاك إكمال وهذا جامع ... فهما للناس شمس وقمر) // الرمل // وأبو الخطاب المذكور أول من فَسَّر الشعر تحت كل بيت، وما كان الناس يعرفون ذلك قبله، وإنما كانو إذا فرغوا من القصيدة فسَّروها.
قال أبو الطيب: وكان في هذا العصر عمر الراوية أبو حفص، إلا أنه لم يؤلف شيئا، ولم يأخذ عنه من شُهِر ذكره، فبلغنا أن سوار بن عبد الله لما ولي القضاء دخل عليه عمر الراوية يهنِّئُه، فقال له سوار: يا أبا حفص إن خصمين ارتفعا إليَّ اليوم في جارية فلم أدْرِ مَا قَالا، قال فما قالا قال: إن الخصم ذكر أنها ضَحْيَاء قال: بلى أيها القاضي، إنها التي لا ينبت الشعر على عانتها.
وممن أخذ عن أبي عمرو أبو جعفر الرؤاسي عالم أهل الكوفة، ولم يناظر هؤلاء الذين ذكرنا ولا قريبا منهم، قال أبو حاتم: كان بالكوفة نَحْويٌّ يقال له أبو جعفر الرؤاسي، وهو مطروح العلم ليس بشيء، وأهل الكوفة يعظمون من شأنه، ويزعمون أن كثيرا من علومهم وقراءتهم مأخوذ عنه.
قلت: الأمرُ كذلك، وأبو جعفر هذا هو أستاذ الكسائي، وهو أول من وضع من الكوفيين كتابا في النحو، وكان رجلا صالحا، وقيل: إن كل ما في كتاب سيبويه وقال الكوفي كذا إنما عَني به الرؤاسي هذا، وكتابه يقال له الفَيْصل.
وكان له عم يقال له مُعاذ بن مسلم الهراء، وهو نحوي مشهور، وهو أول من وضع التصريف.(2/343)
ثم قال أبو الطيب: ولا يذكر أهل البصرة يحيى بن يَعمر في النحويين، وكان أعلم الناس وأفصحهم لأنه استبد بالنحو عبره ممن ذكرنا، وكانوا هم الذين أخذ الناس عنهم، وانفرد يحيى بن يَعمَر بالقراءة، والذين ذكرنا من الكوفيين فهم أئمتهم في وقتهم، وقد بينا منزلتهم عند أهل البصرة فأما الذين ذكرنا من علماء البصرة فرُؤَساء علماء معظمون غير مدافَعين في المِصْرَيْن جميعا، ولم يكن بالكوفة ولا في مصر من الأمصار مثل أصغرهم في العلم بالعربية.
ثم أخذ النحو عن عيسى بن عمر الخليل بن أحمد الفُرْهودي، فلم يكن قبلَه ولا بعده مثله، وكان أعلمَ الناس وأذكاهم، وأفضل الناس وأتقاهم.
قال محمد بن سلاَّم: سمعت مشايخنا يقولون: لم يكن للعرب بعد الصحابة أذكى من الخليل بن أحمد، ولا أجمع، ولا كان في العَجَم أَذْكَى من ابن القفع ولا أجمع.
وقال أبو محمد التوجي: اجتمعنا بمكة أدباء كل أُفق، فتذاكرنا أمر العلماء حتى جرى ذكرُ الخليل فلم يبق أحد إلا قال: الخليلُ أذكى العرب وهو مِفْتَاحُ العلوم ومصرفها.
قال أبو الطيب: وأبدع الخليل بدائع لم يسبق إليها فمن ذلك تأليفه كلام العرب على الحروف في الكتاب المسمى كتاب العين، واختراعه العروض، وأحدث أنواعا من الشعر ليست من أوزان العرب.
وكان في العصر ثلاثة هم أئمة الناس في اللغة والشعر وعلوم العرب لم يُر قبلهم ولا بعدهم مثلهم، عنهم أُخِذ جل ما في أيدي الناس من هذا العلم، بل كله، وهم: أبو زيد، وأبو عبيدة والأصمعي، وكلهم أخذوا عن أبي عمرو اللغة والنحو والشعر، ورووا عنه القراءة، ثم أخذوا بعد أبي عمرو عن عيسى بن عمر وأبي الخطاب الأخفش ويونس بن حبيب، وعن جماعة من ثقات الأعراب وعلمائهم، مثل أبي مهدية وأبي طفيلة وأبي البيداء وأبي خيرة بن لقيط وأبي مالك عمرو بن كَرْكَرَة صاحب النوادر من بني نمير وأبي الدقيش الأعرابي، وكان أفصحَ الناس وليس الذين ذكرنا دونه، وقد أخذ الخليل أيضا من هؤلاء واختلف إليهم.
وكان أبو زيد أحفظَ الناسِ للغة بعد أبي مالك وأوسَعهم رواية، وأكثرَهم أخذا عن البادية، وقال ابن مناذر: كان الأصمعي يُجِيب في ثلث اللغة، وكان أبو عبيدة يجيب في نصفها، وكان أبو زيد يجيب في ثلثيها، وكان أبو مالك يجيب(2/344)
فيها كلها وإنما عنى ابن مناذر توسعهم في الرواية والفُتْيا لأن الأصمعي كان يضيق ولا يجوز إلا أصح اللغات ويلج في ذلك ويمحك، وكان مع ذلك لا يجيب في القرآن ولا في الحديث، فعلى هذا يزيد بعضهم على بعض.
وأبو زيد من الأنصار، وهو من رُوَاة الحديث، ثقة عندهم مأمون، وكذلك حاله في اللغة، وقد أخذ عنه اللغة أكابرُ الناس، منهم سيبويه وحَسْبُك قال أبو حاتم عن أبي زيد: كان سيبويه يأتي مجلسي وله ذُؤابتان قال: فإذا سمعته يقول: وحدثني من أثق بعربيته فإنما يريدني، وكبر سن أبي زيد حتى اختل حفظُه، ولم يختل عقله، ومن جلالة أبي زيد في اللغة ما حدثنا به جعفر بن محمد: حدثنا محمد بن الحسن الأزْدِي عن أبي حاتم عن أبي زيد قال: كتب رجل من أهل رَامَهُرْمُز إلى الخليل يسأله كيف يقال: ما أوقفك هاهنا ومن وأقفك فكتب إليه: هما واحد، قال أبو زيد: ثم لقيني الخليل فقال لي في ذلك فقلت له: إنما يقال مَن وقفك وما أوقفك، قال: فرجع إلى قولي.
وأما أبو عبيدة فإنه كان أعلم الثلاثة بأيام العرب وأخبارهم، وأجمَعهم لعلومهم، وكان أَكملَ القوم، قال عمر بن شبة: كان أبو عبيدة يقول: ما التقى فَرسان في جاهلية ولا إسلام إلا عرفتهما، وعرفت فارسيهما.
وهو أول من ألف غريب الحديث حدثنا علي بن إبراهيم البغدادي سمعت عبد الله بن سليمان يقول سمعت أبا حاتم السِّجِسْتَانِي يقول: جاء رجل إلى أبي عبيدة يسأله كتابا وسيلة إلى بعض الملوك، فقال لي: يا أبا حاتم اكتب عني، والحن في الكتاب فإن النحو محدود (أي محروم) صاحبه.
وأما الأصمعي فكان أتقنَ القوم باللغة، وأعلمَهم بالشعر، وأحضرهم حفظا، وكان قد تعلم نَقْدَ الشعر من خلف الأحمر.
وهو خَلَف بن حَيَّان ويكنى أبا محمد وأبا محرز.
قال أبو حاتم عن الأصمعي: كان خَلَف مولى أبي بردة بن أبي موسى الأشعري أعتقه وأعتق أبَوَيْهِ وكان أعلم الناس بالشِّعر، وكان شاعرا، ووضع على شعراء عبد القيس شعرا كثيرا موضوعا وعلى غيرهم، وأخذ ذلك عنه أهلُ البصرة.(2/345)
وأهلُ الكوفة.
أخبرنا محمد بن يحيى: أخبرنا محمد بن يزيد قال: كان خلف أخذ النحو عن عيسى بن عمر، وأخذ اللغة عن أبي عمرو، ولم يُرَ أحد قط أعلم بالشعر والشعراء منه، وكان يُضرب به المثل في عمل الشعر، وكان يعمل على ألسنة الناس، فيشبه كل شعر يقوله بشعر الذي يضعه عليه، ثم نسك، فكان يختم القرآن في كل يوم وليلة، وبذل له بعض الملوك مالا عظيما خطيرا على أن يتكلم في بيت شعر شكرا فيه فأبى ذلك، وعليه قرأ أهل الكوفة أشعارَهم، وكانوا يقصدونه لما مات حَمَّاد الراوية لأنه كان قد أكثر الأخذ عنه، وبلغ مبلغا لم يقاربه حماد، فلما تَنَسَّك خرج إلى أهل الكوفة فعرفهم الأشعار التي قد أدخلها في أشعار الناس، فقالوا له: أنت كنت عندنا في ذلك الوقت أوثق منك الساعة، فبقي ذلك في دواوينهم إلى اليوم.
أخبرنا جعفر بن محمد، أخبرنا علي بن سهيل، أخبر أبو عثمان الأشْنانْدَاني، أخبرنا التوزي، قال خرجتُ إلى بغداد، فحضرت حَلْقة الفراء، فلما أنس بي قال.
ما فعل أبو زيد قلت: مُلاَزِمٌ لبيته ومسجده وقد أسن، فقال: ذاك أعلم الناس باللغة، وأحفظُهم لها ما فعل أبو عبيدة قلت: ملازم لبيته ومسجده، على سُوء خلُقه فقال: أما إنه أكملُ القوم وأعلمهُم بالشعر، وأتقنهم للغة، وأحضرهم حفظا ما فعل الأخفش يعني سَعيد بن مَسعدة قلت: مُعافى، تركته عازما على الخروج إلى الرَّي، قال: أما إنه إن كان خرج فقد خرج معه النحو كله والعلمُ بأصوله وفروعه.
قال أبو الطيب ولم يَرَ الناس أحضرَ جوابا وأتقن لما يحفَظ من الأصمعي، ولا أصدقَ لهجة، وكان شديد التألُّه، فكان لا يفسر شيئا من القرآن، ولا شيئا من اللغة له نظير واشتقاق في القرآن، وكذلك الحديث تحرُّجاً، وكان لا يفسر شعرا فيه هجاء ولم يرفع من الأحاديث إلا الأحاديث اليسيرة وكان صدوقا في كل شيء، من أهل السُّنة فأما ما يحكي العوام وسُقَّاط الناس من نوادر الأعراب، ويقولون: هذا مما اختلقه الأصمعي، ويحكون أن رجلا رأى عبد الرحمن ابن أخيه فقال: ما فعل عمك فقال: قاعد في الشمس يكذب على الأعراب فهذا باطل، وكيف يقول ذلك عبد الرحمن ولولا عمُّه لم يكن شيئا مذكورا وكيف يكذب عمه وهو لا يَرْوِي إلا عنه وأنى يكون الأصمعي كذلك وهو لا يفتي إلا فيما أجمع عليه العلماء، ويقف عما ينفردون عنه، ولا يجيز إلا أفصحَ اللغات، ويلح في دفع ما سواه(2/346)
وكان أبو زيد وأبو عبيدة يخالفانه ويناوئانه كما يناوئهما، فكلهم كان يطعن على صاحبه بأنه قليل الرواية، ولا يذكره بالتزوير، ولا يتهم أحدُهم صاحبَه بالكذب لأنهم يبعدون عن ذلك.
وكتب إلي أبو روق الهمذاني قال.
سمعت الرِّياشي يقول: سمعت الأصمعي يقول: أحفظ اثني عشر ألف أرجوزة، فقال له رجل منها البيت والبيتان فقال: ومنها المائة والمائتان.
وقال إسحاق بن إبراهيم الموصلي: عجائب الدنيا معروفة معدودة، منها الأصمعي.
قال أبو الطيب.
ولم يحك الأصمعي ولا صاحباه عن الخليل شيئا من اللغة، لأنه لم يكن فيها مثلهم، ولكن الأصمعي قد حكى عنه حكايات، وكان الخليل أسَنَّ منه.
وأخَذَ النحو عن الخليل جماعةٌ لم يكن فيهم ولا في غيرهم من الناس مثلُ سيبويه.
وهو أعلمُ الناس بالنحو بعد الخليل، وألف كتابه الذي سماه قران النحو، وعقد أبوابه بلفظه ولفظ الخليل.
وأخذ أيضا عن الخليل حمادُ بن سلمة وكان أخذ عن عيسى بن عمر قبله.
وأخذ عن الخليل أيضا اللغة والنحو النَّضر بن شُمَيل المازني، وهو ثقةٌ ثَبت صاحب غريب وشعر ونحو وحديث وفقه ومعرفة بأيام الناس، وأبو محمد اليزيدي وقد أخذ قبله عن أبي عمرو العربية والقراءة وهو ثقة.
وممن أخذ عن الخليل المؤرخ بن عمرو السَّدوسي وعلي بن نصر الجهْضَمِيّ إلا أن النحو انتهى إلى سيبويه.
وأخذ عن يونس بن حبيب ممن اختص به دون غيره قُطْرُب، واسمه محمد بن المستنير، وكان حافظا للغة كثيرَ النوادر والغرائب.
وأخذ عنه أيضا وعن خلف الأحمر أبو عبد الله محمد بن سلاَّم الجُمَحيّ صاحب كتاب طبقات الشعراء، وهو ثقة جليل، روى عنه أبو حاتم والرياشي والمازني والزيادي وأكابر الناس.
وأخذ النحو عن سيبويه جماعة برع منهم أبو الحسن سعيد بن مَسعدة الأخفش المجاشعي من أهل بلْخ، وكان غلام أبي شَمِر وعلى مذهبه في الاعتزال، وكان أسنَّ من سيبويه، ولكن لم يأخذ عن الخليل، ولم يكن ناقصا في اللغة أيضا، وله فيها كتب مستحسنة، وكان أخذ عن أبي مالك النميري.(2/347)
وكان للكوفيين بإزاء من ذكرنا من علماء البصرة المفضَّل بن محمد الضبي وكان عالما بالشعر وكان أوثق من روى الشعر من الكوفيين، ولم يكن أعلمهم باللغة والنحو إنما كان يختص بالشعر وقد روى عنه أبو زيد شعرا كثيرا.
قال أبو حاتم: كان أوثق مَنْ بالكوفة من الشعراء المُفضل الضبي وكان يقول: إني لا أحسن شيئا من الغريب ولا من المعاني ولا تفسير الشعر.
وإنما كان يروي شعرا مجردا.
ثم كان خالد بن كُلثوم، صاحب العلم بالشعر وكان أوسع في العربية من المفضَّل.
وكان من أوسعهم رواية حمَّادُ الراوية: وقد أخذ عنه أهل المِصْرَيْن وخلف الأحمر، وروى عنه الأصمعي شيئا من شعره.
أخبرنا جعفر بن محمد أخبرنا محمد بن الحسن الأَزْدِي أخبرنا أبو حاتم قال: قال الأصمعي: كل شيء في أيدينا من شعر امرىء القيس فهو عن حَمَّاد الراوية إلا شيئا سمعناه من أبي عمرو بن العلاء.
قال أبو الطيب: وحماد مع ذلك عند البصريين غيرُ ثِقَة ولا مأمون أخبرنا جعفر بن محمد حدثنا إبراهيم بن حميد قال أبو حاتم: كان بالكوفة جماعة من رُوَاة الشعر مثل حماد الراوية وغيره، وكانو يصنعون الشعر، ويقتنون المصنوع منه وينسُبونه إلى غير أهله.
وقد حدثني سعيد بن هريم البرجمي قال: حدثني من أثق به أنه كان عند حماد حتى جاء أعرابي فأنشده قصيدة لم تعرف، ولم يدر لمن هي، فقال حماد: اكتبوها، فلما كتبوها، وقام الأعرابي، قال: لمن ترون أن نجعلها فقالوا أقوالا، فقال حماد: اجعلوها لطَرَفَة.
وقال الجاحظ: ذكر الأصمعي وأبو عبيدة وأبو زيد عن يونس أنه قال: إني لأعجب كيف أخذ الناس عن حماد وهو يلحن ويكسر الشعر ويصحف ويكذب وهو حماد بن هرمز الديلمي.
قال أبو حاتم: قال الأصمعي: جالستُ حمادا فلم أجد عنده ثلثمائة حرف، ولم أرض روايته، وكان قديما.
وفي طبقته من الكوفيين أبو البلاد وهو مِنْ أرواهم وأعلمهم، وكان أعمى جيِّد اللسان، وهو مولى لعبد الله بن غَطَفان، وكان في زمن جرير والفرزدق.(2/348)
قال أبو حاتم: فأما مثل ابن كناسة ومحمد بن سهل فإنهما كانا يعرفان شعر الكُمَيْتِ والطرِمّاح وكانا مولدين لا يحتج الأصمعي بشعرهما وكان ابنُ كناسة يكنى أبا يحيى، وهو محمد بن عبد الأعلى بن كناسة.
توفي بالكوفة سنة سبع ومائتين.
قال أبو الطيب: والشعر بالكوفة أكثر وأجمع منه بالبصرة ولكنَّ أكثره مصنوع ومنسوب إلى مَنْ لم يَقُلْهُ، وذلك بَيِّن في دواوينهم.
وكان عالمَ أهل الكوفة وإمامَهم غير مدافَع أبو الحسن علي بن حمزة الكِسائي.
أخبرنا محمد بن عبد الواحد أخبرنا ثعلب قال: أَجْمَعُوا على أن أكثر الناس كلِّهم رواية، وأوسعَهم علما الكسائي وكان يقول: قلما سمعت في شيء فعلت إلا وقد سمعت فيه أفعلت.
قال أبو الطيب: وهذا الإجماع الذي ذكره ثعلب لا يدخل فيه أهلُ البَصْرَةِ.
وأخذ الناس علم العربية عن هؤلاء الذين ذكرنا من علماء المِصْريَنْ.
وكان ممن برع منهم محمد أبو عبد الله بن محمد التوجي، ويقال التوزي.
وأبو علي الجِرْمازي.
وأبو عمر صالح بن إسحاق الجَرْمي.
وكانوا يأخذون عن أبي عبيدة وأبي زيد والأصمعي والأخفش وهؤلاء الثلاثة أكثر أصحابهم.
وكان دون هؤلاء في السن أبو إسحاق إبراهيم الزيادي، وأبو عثمان بكر بن محمد المازني، وأبو الفضل العباس بن الفرج الرِّياشي، وأبو حاتم سهل بن محمد السِّجِسْتاني، وكان التوّجيُّ أطلعَ القوم في اللغة وأعلمهم بالنحو بعد الجَرمي والمازني.
قال المبرِّد: كان أبو زيد أعلم من الأصمعي وأبي عبيدة بالنحو، وكانا بعد متقاربين.
قال: وكان المازني أخذ من الجَرْمي وكان الجرمي أعوصهما.
قال أبو الطيب: وكان المازني من فضلاء الناس وعظمائهم ورُوَاتهم وثِقَاتهم.
وكان أبو حاتم في نهاية الثقة والإتقان والعلم الواسع بالإعراب، وكُتُبُه في نهاية الاستقصاء والحسن والبيان، وزعموا أنه كان يُظْهِر السُّنة ويضمر الاعتزال.
ودون هذه الطبقة جماعة منهم أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن قُرَيْب(2/349)
ابن أخي الأصمعي وقد روى عن عمه علما كثيرا، وكان ربما حكى عنه ما يجد في كتبه من غير أن يكون سمعه من لفظه.
وأبو نصر أحمد بن حاتم الباهلي، وزعموا أنه كان ابن أخت الأصمعي وليس هذا بثبت، ورأيت جعفر بن محمد ينكره، وكان أَثبتَ من عبد الرحمن وأسن، وقد أخذ عن الأصمعي وأبي عبيدة وأبي زيد، وأقام ببغداد، فربما حكى الشيء بعد الشيء عن أبي عمرو الشيباني.
وأخذ الناس العلم عن هؤلاء.
وأخذ النحو عن المازني والجَرمي جماعة، برع منهم أبو العباس المبرِّد فلم يكن في وقته ولا بعده مثلُه وعنه أخذ أبو إسحاق الزجاج وأبو بكر بن السَّراج ومَبْرَمان وأكابر من لَقِينا من الشيوخ.
وأخذ اللغة عنهما - أعني المازني والجَرْمي - وعن نُظَرائهما جماعةٌ، فاختَصَّ بالتوجي أبو عثمان سعيد بن هارون الأشنانداني صاحب المعاني.
وبرع من أصحاب أبي حاتم أبو بكر بن دُرَيْد الأزدي، فهو الذي انتهى إليه عِلْمُ لغة البَصْريين، وكان أحفظ الناس وأوسعهم علما، وأقدرهم على شعر، وما ازدحم العلمُ والشعرُ في صدر أحد ازدحامَهما في صدر خلف الأحمر وابن دُرَيد، وتصدَّر ابن دريد في العلم ستين سنة.
وفي طبقته في السن والرواية أبو علي عيسى بن ذكْوان.
وكان أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدِّينَوَرِي أخذ عن أبي حاتم والرِّياشي وعبد الرحمن ابن أخي الأصمعي، وقد أخذ ابن دُرَيْد عن هؤلاء كلهم وعن الأشنانداني، إلا أن ابن قتَيْبَة خلط علمه بحكايات عن الكوفيين لم يكن أخذها عن ثقات.
فهذا جمهور مامضى عليه علماءُ البصرة وفي خلال هؤلاء قومٌ علماء لم نذكرهم لأنهم لم يشتهروا، ولم يُؤْخذ عنهم، وإنما شهرة العالم بمصنَّفاته والرواية عنه.
وكان ممن أخذ عن سيبويه والأخفش رجل كان يعرف بالناشىء، ووضع كتبا في النحو، مات قبل أن يُتمها وتؤخذ عنه.
قال المبرِّد: لو خرج علم الناشىء إلى الناس لما تقدمه أحد.
وكان ممن أخذ عن الخليل وأبي عبيدة كيسان، وكان مُغَفَّلاً، وقال الأصمعي: كيسان ثقة ليس بمتزيد.(2/350)
وأما علماءُ الكوفيين بعد الكسائي فأعلمهم بالنحو الفَرّاء.
وقد أخذ علمه عن الكسائي وهو عُمْدَتُه، ثم أخذ عن أعراب وثق بهم مثل أبي الجراح وأبي مرْوان وغيرهما، وأخذ نبذا عن يونس وعن أبي زياد الكلابي، وكان الفراء وَرِعاً متدينا وكان يخالف الكِسائي في كثير من مذاهبه.
ومِمَّن أخذ عن الكسائي أبو علي الأحمر.
وأبو الحسن علي بن حازم اللِّحياني صاحب النوادر، وقد أخذ اللِّحياني أيضا عن أبي زيد وأبي عبيدة والأصمعي إلا أن عمدته الكسائي.
وكذلك أهل الكوفة كلهم يأخذون عن البَصْرِيين وأهل البَصْرَةِ يمتنعون من الأخذ عنهم لأنهم لا يرون الأَعْرَاب الذين يَحْكُونَ عنهم حجة، ويذكرون أن في الشعر الذي يرونه ما قد شرحناه فيما مضى، ويحملون عليه غيره.
أخبرنا جعفر بن محمد أخبرنا إبراهيم بن حميد، قال: قال أبو حاتم: إذا فسَّرْتُ حروف القرآن المختلف فيها، وحكيت عن العرب شيئا فإنها أحكيه عن الثقات منمهم مثل أبي زيد والأصمعي وأبي عبيدة ويونس وثِقاَتٍ من فصحاء الأعراب وحَمَلَةِ العلم، ولا ألتفت إلى رواية الكِسائي والأحمر والأموي والفراء ونحوهم.
قال أبو الطيب: فلم يزل أهل المِصْرَيْن على هذا حتى انتقل العلم إلى بعداد قريبا، وغلب أهلُ الكوفة في بغداد، وخدموا الملوك فقدَّموهم فَأُرْغِب الناس في الروايات الشاذة، وتفاخروا بالنوادر، وتباهَوْا بالترخيصات، وتركوا الأصول، واعتمدوا في الفروع، فاختلط العلم.
وكان من علمائهم في هذا العصر - أعني عصر الفراء - أبو محمد عبد الله بن سعيد الأموي، أخذ عن الأعراب، وعن أبي زياد الكلابي، وأبو جعفر الرؤاسي، ونبذ عن الكسائي، وله كتاب نوادر، وليس عِلْمُه بالواسع.
وفي طبقته أبو الحسن علي بن المبارك الأخفش الكوفي، وأبو عِكْرمة الضبي صاحب كتاب الخيل، وأبو عدنان الراوية صاحب كتاب القِسِيّ ونِعْمَ الكتاب في معناه بعد كتاب أبي حاتم، وقد روى أبو عدنان عن أبي زيد كتبَه كلها.
ومن أعلمهم باللغة وأحفظهم وأكثرهم أخذا عن ثقات الأعراب أبو عمرو إسحاق بن مرار الشيباني صاحب كتاب الجيم وكتاب النوادر، وهما كتابان جليلان(2/351)
فأما النوادر فقد قرىء عليه وأخذناه رواية عنه أخبرنا به أبو عمر محمد بن عبد الواحد، أخبرنا ثعلب عن عمرو بن أبي عمرو عن أبيه وأما كتاب الجيم فلا رواية له لأن أبا عمرو بَخِل به على الناس فلم يقرأه عليه أحد.
وقد روى عنه أبو الحسن الطوسي وأبو سعيد الضرير وأبو سعيد الحسن بن الحسين السكري.
وأجلُّ من روى عنه أبو نصر الباهلي وأبو الحسن علي اللِّحياني ثم يعقوب بن السِّكِّيت فأما الطوسي والسكري فإنهما راويتان وليسا إمامين.
وأما أبو عبد الله محمد بن زياد الأعرابي فإنه أخذ العلم عن المُفَضَّل الضبي وهو أحفظُ الكوفيين للغة، وقد أخذ علَم البصريين وعلَم أبي زيد خاصة من غير أن يسمعَه منه، وأخذ عن أبي زياد وجماعة من الأعراب مثل الفضيل وعجرمة وأبي المكارم، وقوم لا يَثِقُ بأكثرهم البصريون، وكان ينحرف عن الأصمعي، ولا يقول في أبي زيد إلا خيرا، وكان أبو نصر الباهلي يتعنت ابن الأعرابي ويكذبه، ويدعي عليه التزيُّدَ ويزيفه، وابن الأعرابي أكثر حفظا للنوادر منه، وأبو نصر أشد تثبتا وأمانة وأوثق.
وأما أبو عبيد القاسم بن سلاَّم فإنه مصنِّف حسن التأليف، إلا أنه قليل الرواية، يقتطعه عن اللغة علوم افتنَّ فيها فأما كتاب الغريب المصنف فإنه اعتمد فيه على كتاب عمله رجل من بني هاشم، جمعه لنفسه، وأخذ كتبَ الأصمعي فبوب ما فيها، وأضاف إليها شيئا من علم أبي زيد وروايات عن الكوفيين.
وأما كتابه في غريب الحديث فإنه اعتمد فيه على كتاب أبي عبيدة مَعْمَر بن المُثَنّى في غريب الحديث وكذلك كتابه في غريب القرآن منتزع من كتاب أبي عبيدة، وكان مع هذا ثقة وَرِعاً لا بأس به، وقد روي عن الأصمعي وأبي عبيدة، ولا نعلمه سمع من أبي زيد شيئا.
قلت: قد صرح في عدة مواضع من الغريب المصنف بسماعه منه، قال: وسمع من الفراء، والأموي، والأحمر، وأبي عمرو وذكر أهلُ البصرة أن أكثر ما يَحْكِيه عن علمائهم من غير سماع إنما هو من الكتب، وقد أخذت عليه مواضع من كتابه الغريب المصنف وكان ناقصَ العلم بالإعراب.
وكان في هذا العصر من الرواة ابن بجدة، وأبو الحسن الأَثْرم، فكان ابن بجدة يختص بعلم أبي زيد وروايته، وكان الأثرم يختص بعلم أبي عبيدة وروايته، وكان أبو محمد سلمة بن عاصم راوية الفراء وفيه وَرَعٌ شديد.(2/352)
وانتهى علم الكوفيين إلى أبي يوسف يعقوب بن إسحاق السِّكِّيت، وأبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب، وكانا ثقتين أمينين ويعقوب أسن وأقدم وأحسن الرجلين تأليفا وثعلب أعلمهما بالنحو.
وكان يعقوب أخذ عن أبي عمرو والفراء، وكان يحكى عن الأصمعي وأبي عبيدة وأبي زيد من غير سماع، إلا ممن سمع منهم، وقد أخذ عن ابن الأعرابي شيئا يسيرا.
وكان ثَعْلَب يعتمد على ابن الأعرابي في اللغة، وعلى سلمة في النحو، وكان يروى عن ابن بجدة كتب أبي زيد وعن الأثرم كتب أبي عبيدة، وعن أبي نصر كتب الأصمعي، وعن عمرو بن أبي عمرو كتب أبيه، وكان ثقة متقنا يستغني بشهرته عن نعته. وأما أبو جعفر محمد بن حبيب فإنه صاحبُ أخبار، وليس في اللغة هناك، وقد أخذ عن سلمة ابنه أبو طالب المفضل، وقد أخذ أيضا عن يعقوب وثعلب وقد نظرتُ في كتبه فوجدته مُخَلِّطاً متعصِّباً، ورد أشياء من كتاب العين أكثرُها غير مردود، واختار اختيارات في اللغة والنحو ومعاني القرآن غيرُها المختار.
وأما القاسم بن محمد بن بشار الأنباري، ومن روي عنه مثل أحمد بن عبيد الملقب أبا عصيدة فإن هؤلاء رواةٌ أصحابُ أسفار لا يُذكرون مع من ذكرنا.
وجملة الأمر أن العلم انتهى إلى من ذكرنا من أهل المِصْريْن على الترتيب الذي رتبناه وهؤلاء أصحابُ الكتب، والمرجوعُ إليهم في علم العرب، وما أخللنا بذكر أحد إلا لسبب: إما لأنه ليس بإمامٍ ولا معوَّل عليه، وإما لأنه لم يخرج من تلامذته أحد يُحيِي ذِكْرَه، ولا من تأليفه شيء يلزم الناس نشره، كإمساكنا عن ذكر اليزيديين وهم بيتُ علم وكلُّهم يرجعون إلى جدهم أبي محمد يحيى بن المبارك اليزيدي وهو في طبقة أبي زيد والأصمعي وأبي عبيدة والكسائي، وعلمُه عن أبي عمرو وعيسى بن عمر ويونس وأبي الخطاب الأكبر، وقد روي عن أبي عمرو القراءة المشهورة في أيدي الناس، إلا أن علمه قليل في أيدي الرواة، إلا في أهل بيته وذريته، وهو ثقة أمين مقدَّم مكين، ولا علم للعرب إلا في هاتين المدينتين.
فأما مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم فلا نعلم بها إماما في العربية.
قال الأصمعي: أقمت بالمدينة زمانا ما رأيت بها قصيدة واحدة صحيحة إلا مصحفة أو مصنوعة.(2/353)
وكان بها ابن دَأْب، يَضَعُ الشعر وأحاديثَ السَّمر، وكلاما ينسُبه إلى العرب، فسقط وذهب علمه وخَفِيت روايته، وهو عيسى بن يزيد بن بكر بن دَأْب، يكنى أبا الوليد، وكان شاعرا وعِلْمُه بالأخبار أكثر.
وممن كان يجري مجرى ابن دَأْب الشَّرْقِيّ بن القطَامِي وكان كذابا، قال أبو حاتم: حدثنا الأصمعي قال: حدثنا بعض الرواة، قال: قلت للشرقي: ما كانت العرب تقول في صلاتها على موتاها قال: لا أدري قلت: فاكْذِب له، قال: كانوا يقولون: رُوَيْدَك حتى تبعثَ الخلقَ بَاعِثة، فإذا أنا به يوم الجمعة يحدث به في المقصورة.
وممن كان بالمدينة أيضا علي الملقب بالجمل وَضَع كتابا في النحو لم يكن شيئا.
وأما مكة فكان بها رجل من الموالي يقال له ابن قسطنطين، شَدَا شيئا من النحو، ووضع كتابا لا يُسَاوِي شيئا.
وأما بغداد فمدينة مُلْك وليست بمدينة عِلْم، وما فيها من العلم فمنقول إليها ومجلوب للخُلَفَاءِ وأتباعهم، قال أبو حاتم: أهل بغداد حشو عسكر الخليفة لم يكن بها مَنْ يُوثق به في كلام العرب، ولا من تُرْتضى روايته، فإن ادَّعى أحد منهم شيئا، رأيته مخلِّطاً صاحبَ تطويل وكثرة كلام ومكابرة.
قال أبو الطيب: والأمرُ في زماننا على هذا أضعاف ما عَرَفَ أبو حاتم.
قال: فهذه جملة تعرف بها مراتب علمائنا، وتقدمهم في الأزمان والأسنان، ومنازلهم من العلم والرواية.
انتهى كلام أبي الطيب في كتاب مراتب النحويين ملخصا.
وقال ابن جني في كتاب الخصائص: باب في صدق النَّقَلة وثقة الرُّوَاة والحمَلة.
هذا موضع من هذا الأمر لا يعرف صحته إلا من تصوَّرَ أحوال السلف، وعرف مقامهم من التوقير والجلالة، واعتقد في هذا العلم الكريم ما يجب اعتقادُه له، وعلم أنه لم يوفَّق لاختراعه وابتداء قوانينه وأوضاعه إلا البَرّ عند الله سبحانه، الْحَظِيظ بما(2/354)
نوَّه به وأعلى شأنه، أو لا يعلم أن أمير المؤمنين هو البادىء به المُنَبِّه عليه، والمُنشِئه والمُشِير إليه، ثم تحقق ابن عباس به واقتفاء علي رضي الله عنه أبا الأسود إياه، هذا بعد تنبيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وحضه على الأخذ بالحظِّ منه، ثم تتالى السلف عليه، واقتفاؤهم آخرا على أول طريقة، ويكفي من بعد ما يعرف من حاله ويشاهد به من عفة أبي عمرو بن العلاء ومن كان معه ومجاور أزمانه.
حدثنا بعضُ أصحابنا حديثا يرفعه قال: قال أبو عمرو بن العلاء: ما زدت في شعر العرب إلا بيتا واحدا يعني ما يروى للأعشى من قوله:
(وأنكرتْني وما كان الذي نكرت ... من الحوادث إلا الشيب والصلعا) // البسيط // أفلا ترى إلى هذا البدر الباهر، والبحر الزاخر، الذي هو أبو العلماء وكهفهم، ويَدُ الرواة وسيفهم كيف تخلُّصه من تبعات هذا العلم، وتحرجه وتراجعه فيه إلى الله تعالى وتحوبه حتى إنه لما زاد فيه - على سعته و (انبثاثه) وتراميه وانتشاره - بيتا واحدا وفقه الله تعالى للاعتراف به عنوانا على توفيق ذَوِيه وأهله.
وهذا الأصمعي وهو صَنَّاجة الرواة والنقلة، وإليه محط الأعياء والثقلة، ومنه تجبى الفِقَر والمُلَح، وهو ريحانة كل مُغتَبِق ومُصْطَبح، كانت مشيخة القراء وأماثلهم تحضره وهو حَدَث لأخذ قراءة نافع عنه، ومعلوم قدر ما حذف من اللغة فلم يثبته لأنه لم يقو عنده إذ لم يسمعه، فأما إسفاف من لا عِلْم له، وقول من لا مُسكة به: إن الأصمعي كان يزيد في كلام العرب، ويفعل كذا ويقول كذا فكلام معفو عليه، غير معبوء به ولا منقوم من مثله، حتى كأنه لم يتأد إليه توقفه عن تفسير القرآن وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وتَحَوّبه من الكلام في الأَنْوَاء، ويكفيك من ذا خشية أبي زيد وأبي عبيدة، وهذا أبو حاتم بالأمس، وما كان عليه من الجد والانهماك والعِصْمَةِ والاستمساك.(2/355)
وقال لنا أبو علي: يكاد يُعْرَف صدقُ أبي الحسن ضرورة وذلك أنه كان مع الخليل في بلد واحد ولم يحكِ عنه حرفا واحدا هذا إلى ما يعرف من عقل الكسائي وعِفَّتِهِ، و (صَلَفِه) ونزاهته حتى إن الرشيد كان يُجْلِسه ومحمد بن الحسن على كرسيين بحضرته، ويأمرهما ألا ينزعجا لنهضته.
وحكى أبو الفضل الرياشي قال: جئتُ أبا زيد لأقرأ عليه كتابه في النبات فقال: لا تقرأه علي فإنني قد أُنْسِيته.
وحَسْبُنا من هذا حديث سيبويه (وقد خط بكتابه) وهو ألف ورقة عِلْماً مبتكرا، ووَضْعاً متجاوزا لما يسمع ويرى، قلما تُسْند إليه حكاية، أو تُوصَل به رواية، إلا الشاذ الفذ الذي لا حفل به، ولا قدر فلولا تحفُّظ مَنْ يليه، ولزومه طريق ما يعنيه لكثرت المَحْكِيَّات عنه ونِيطتْ أسبابها به لكن أخلد كلُّ إنسان منهم إلى عصمته، وادرع جِلْبَابَ ثقته، وحمى جانبه من صدقه وأمانته، ما أريد من صون هذا العلم الشريف (لذويه) .
فإن قلت: فإنا نجدُ علماء هذا الشأن من البلدين، والمتحلين به من المِصْرين كثيرا ما يهجِّن بعضُهم بعضا، فلا يترك له في ذلك سماء ولا أرضا قيل: هذا أدلُّ دليلٍ على كرم هذا الأمر ونزاهة هذا العلم، ألا ترى أنه إذا سبق إلى احدهم ظِنَّةٌ، أو توجهت نحوه شبهة سب بها، وبرىء إلى الله منه لمكانها، ولعل أكثَر ما يُرمى بسقطة في رواية، أو غمزة في حكاية، محمي جانب الصدق فيها، برىء عند الله من تبعتها لكن أخذت عنه إما لاعْتِنَانِ شبهة عرضت له، أو لمن أخذ عنه، وإما لأن ثالِبَه ومُتَعَيِّبَه مقصر عن مغزاه، مغضوض الطرف دون مداه وقد عرض الشبهة للفريقين ويعترض على كلا الطريقين فلولا أن هذا العلم في نفوس أهله والمتفيئين بظله كريم الطرفين جدد السمتين لما تسابُّوا بالهجنة فيه، ولا تنابزوا بالألقاب في تحصين فروجه ونواحيه، ليطووا ثوبه على أعدل غُرره ومطاويه، نعم وإذا كانت هذه المناقضات والمنافسات موجودة بين السلف القديم، و (بين باقيه) بالمنصب والشرف العميم ممن هم سُرُج الأنام والمؤتم بهديهم في الحلال والحرام، ثم لم(2/356)
يكن ذلك قادحا فيما تنازعوا فيه،، ولا عائدا بطرف من أطراف التَّبعَة عليه جاز مثل ذلك أيضا في علم العرب، الذي لا يخلص جميعه للدين خلوصَ الكلام والفقه له، ولا يكاد يعدم أهلُه الأنس به والارتياح لمحاسنه.
ولله أبو العباس أحمد بن يحيى وتقدمه في نفوس أصحاب الحديث ثقة وأمانة، وعصمة وحَصانة، وهم عيار هذا الشأن، وأساس هذا البنيان وهذا أبو علي كأنه ما بَعُدَ منا، أو لم تَبِن به الحال عنا كان من (تحريه وتأدبه) وتحرجه كثير التوقف فيما يحكيه، دائم الاستظهار، والإيراد لما يرويه.
فكان تارة يقول: أنشدت لجرير فيما أحسِب، وأخرى قال لي أبو بكر فيما أظن، وأخرى في غالب ظني كذا، وأرى أنني قد سمعت كذا.
هذا جزء من جملة، وغصن من دوحة، وقطرة من بحر مما يقال في هذا الأمر وإنما أنسنا بذكره، ووكلنا الحال فيه إلى تحقيق ما يضاهيه.
انتهى كلام الخصائص والله أعلم.
النوع الخامس والأربعون
معرفة الأسماء والكُنى والألقاب والأنساب
فيه أربعة فصول:
الأول في معرفة اسم من اشتهر بكنيته أو لقبه أو نسبه
وهو نوعان: أحدهما فيما يتعلق بأئمة اللغة والنحو
أبو الأسود الدؤلي: قال أبو الطيب اللغوي: اختلف في اسمه.
فقال عمر بن شبَّة: اسمه عَمْرو ابن سُفيان بن ظالم.
وقال: الجاحظ: اسمه ظالم بن عمرو بن سفيان.
انتهى.
أبو عمرو بن العلاء: اختلف في اسمه على واحد وعشرين قولا: أصحها زَبّان (بزاي(2/357)
معجمة) والبقية: جَبْر، جُنَيْد جَزْء، حُمَيْد، رَبّان (براء مهملة) عُتَيْبَة عُثْمان، عُرْيان، عقبة، عمَّار، عَيَّار، عُيَيْنَة، فائد، قَبِيصة، مَحْبوب، محمد، يحيى.
وقيل: اسمه كنيته.
وسبب الاختلاف فيه أنه كان لجلالته لا يُسأل عن اسمه.
قال أبو الطيب: أبو عمرو بن العلاء وأخوه أبو سُفْيان زعم النيسابوري أن اسميهما كنيتاهما.
أبو الخطاب: الأخفش الكبير: اسمه عبد المجيد بن عبد الحميد أبو جعفر الرؤاسي: محمد بن الحسن.
أبو مالك: عمرو بن كِرْكِرَة.
أبو زيد: سعيد بن أَوْس.
أبو عبيدة: مَعْمَر بن المُثَنَّى.
الأصمعي: عبد الملك بن قُرَيب.
سيبويه: عمرو بن عثمان بن قَنْبَر.
أبو محمد اليزيدي: يحيى بن المبارك، وولده إبراهيم صاحب كتاب ما اتفق لفظه واختلف معناه وولده الآخر محمد، وولدا محمد هذا: أبو جعفر أحمد، وأبو العباس الفضل.
قُطْرب: محمد بن المستنير.
أبو الحسن الأخفش الأوسط: سعيد بن مسعدة.
الكِسائيّ: علي بن حمزة.
أبو عمر الجَرْمي: صالح بن إسحاق.
أبو عمرو الشيباني: إسحاق بن مرار.
الفرَّاء أبو زكريا: يحيى بن زياد.
اللِّحياني: علي بن حازم.
أبو عثمان المازني: بكر بن محمد.
الرياشي: العباس بن الفرج.
أبو حاتم السِّجسْتانيّ: سهل بن محمد.
أبو نصر صاحب الأصمعي، ويقال، إنه ابن أخته: أحمد بن حاتم الباهلي.
ابن الأعرابي: أبو عبد الله محمد بن زياد.
أبو عبيد: القاسم بن سلام.(2/358)
المبرِّد أبو العباس: محمد بن يزيد.
ثعلب أبو العباس: أحمد بن يحيى.
ابن السِّكيت أبو يوسف: يعقوب بن إسحاق.
الزَّجاج أبو إسحاق: إبراهيم.
ابن السري أبو بكر بن السرَّاج: محمد بن السري.
مَبْرَمان: محمد بن علي بن إسماعيل.
أبو عثمان الأُشْنَانْدَاني: سعيد بن هارون.
أبو بكر بن دُرَيْد: محمد بن الحسن.
نِفْطويه: إبراهيم بن محمد بن عرفة.
ابن قُتيبة أبو محمد: عبد الله بن مسلم.
أبو الحسن بن كَيْسان: محمد بن أحمد.
أبو منصور الأزهري: محمد بن أحمد بن الأزهري.
أبو بكر الزُّبَيدي: محمد بن الحسن.
أبو عمر الزاهد المطرز غلام ثعلب: محمد بن عبد الواحد.
العزيزي أبو بكر: محمد بن عزيز.
أبو الطيب: عبد الواحد بن علي.
أبو بكر بن القوطية: محمد بن عمر.
أبو علي القالي: إسماعيل بن القاسم البغدادي.
الأنباري أبو محمد: القاسم محمد بن بشار وولده الإمام أبو بكر: محمد بن القاسم.
ابن فارس أبو الحسين: أحمد بن فارس.
أبو جعفر النحاس: أحمد بن محمد بن إسماعيل.
أبو نصر الجوهري صاحب الصِّحاح: إسماعيل بن حمَّاد.
أبو علي الفارسي: الحسن بن أحمد.
أبو سعيد السِّيرافي: الحسن بن عبد الله.
ابن خالَوْيه: الحسين بن أحمد.
ابن دَرَسْتَويه: عبد الله بن جعفر.(2/359)
أبو القاسم الزجاجي: عبد الرحمن بن إسحاق.
أبو الفَتح ابن جني: عثمان.
كُراع: علي بن الحسن.
الرُّمّاني: علي بن عيسى.
أبو عبيد الهَرَوي صاحب الغريبين: أحمد بن محمد بن عبد الرحمن.
أبو منصور الجواليقي: موهوب بن أحمد.
الخطيب التِّبْريزي أبو زكرياء: يحيى بن علي.
ابن سِيده: علي بن أحمد.
الأعلم: يوسف بن سليمان.
ابن بابشاذ: طاهر بن أحمد.
ابن الخشاب: عبد الله بن أحمد.
ابن بري أبو محمد: عبد الله.
أبو محمد البَطَلْيوسي: عبد الله بن محمد السيد.
ابن القَطَّاع أبو القاسم: علي بن جعفر.
الكمال أبو البركات ابن الأنباري: عبد الرحمن بن محمد.
الزَّمخْشَري: محمود بن عمر.
ابن الشَّجري: هبة الله بن علي.
رضي الدين الصغاني: الحسن بن محمد.
انتهى.
القسم الثاني فيما يتعلق بشعراء العرب الذين يحتج بهم في العربية
امرؤ القيس بن حُجْر الكندي: في اسمه أقوال قيل: عدي، وقيل: مُلَيْكة.
حكاهما العسكري في كتاب التصحيف، وقيل: حُنْدُج.
حكاه ابن يسعون في شرح شواهد الإيضاح.
النابغة الذُّبياني: اسمه زياد بن معاوية.
النابغة الجَعْدي الصحابي: اسمه قيس بن عبد الله.
الأعشى: اسمه ميمون بن قيس.(2/360)
المتلمِّس: اسمه جرير بن عبد المسيح.
تأبط شرا: اسمه ثابت بن جابر.
الفَرَزْدق: اسمه همام بن غالب.
الأخطل: اسمه غياث بن غوث.
الراعي: اسمه عبيد بن حصين.
البَعيث: اسمه خِراش بن بشر.
ذو الرُّمة: اسمه غَيْلان بن عقبة وهو الذي يقول:
(أنا أبو الحارث واسمي غيلان) // الرجز //
القَطَامي: اسمه عمرو بن شُيَيْم.
أبو النجم: اسمه الفضل بن قُدامة.
العَجَّاج: اسمه عبد الله بن رؤبة.
الفصل الثاني في معرفة كنية من اشتهر باسمه أو لقبه أو نسبه
وهو قسمان: [القسم الأول أئمة اللغة والنحو]
ميمون الأقرن: قال الخليل: كان يُكْنى أبا عبد الله نقله أبو الطيب.
يحيى بن يَعْمَر: كنيته أبو سليمان.
ذكره السِّيرافي.
عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي.
عيسى بن عمر الثَّقفي: أبو عمر.
يونس بن حبيب: أبو عبد الرحمن.
مُعاذ الهرَّاء: أبو مسلم.
الخليل بن أحمد: أبو عبد الرحمن.
الأصمعي: أبو سعيد.
سيبويه: قال أبو الطيب: كان يكنى أبا بشر وأبا الحسن وأبا عثمان، وأثبتُها أبو بشر.(2/361)
النضر بن شميل يكنى أبا الحسن.
المؤرخ السُّدوسي يكنى أبا الفيل أو أبا الفَيْد.
قُطْرُب: أبو علي.
المفضل بن محمد الضبي: أبو العباس وقيل أبو عبد الرحمن.
الكِسائي: أبو الحسن.
الرياشي: أبو الفضل.
[القسم الثاني شعراء العرب]
عقد لذلك ابن دُرَيْد بابا في الوشاح قال فيه: امرؤ القَيْس بن حُجْر: أبو الحارث.
زهير بن أبي سُلمى: أبو بُجَير.
نابغة بني ذُبيان: أبو أمامة وأبو عَقْرب.
أوس بن حجر: أبو شُرَيح.
لَبيد بن ربيعة: أبو عُقَيل.
طَرَفة بن العبد: أبو عمرو.
عَبِيد بن الأبرص: أبو دُودَان.
الأعشى بن قَيس: أبو بَصير.
أعشى هَمْدان: أبو المصبح.
الحطيئة: أبو مُلَيْكة.
الشماخ: أبو سعد.
مُزَرِّد: أبو ضرار.
الأخطل: أبو مالك.
عبد الله بن همام السَّلُولي: أبو عبد الرحمن.
الكُمَيْت بن زيد: أبو المُسْتَهِل.
يزيد بن مُفَرِّغ الحميري: أبو المُفَرِّغ.
مهلهل بن ربيعة: أبو ربيعة.
الأسود بن يَعْفُر: أبو نَهْشَل(2/362)
عمرو بن معد يكرب: أبو ثور.
عَدِيّ بن زيد: أبو عمر.
بشر بن أبي خازم: أبو حاضر.
الفرزدق: أبو فِراس وكان يكنى في شبابه أبا مليكة.
جرير: أبو حَزْرَة.
الطرِمَّاح بن حكيم: أبو نصر.
كُثيّر: أبو صَخْر.
جميل: أبو عمرو.
الأحوص: أبو عاصم.
نُصيب: أبو مِحْجَن.
عبد الله بن قيس الرُّقيَّات: أبو هاشم.
عدي بن حاتم: أبو طريف.
حاتم الطائي: أبو سَفّانة.
عدي بن الرقاع: أبو دؤاد.
زيد الخيل: أبو مُكْنِف.
كعب بن زهير: أبو المضرب.
حسان بن ثابت: أبو الوليد.
كعب بن مالك: أبو عبد الله.
عبد الله بن رَواحة: أبو عمرو.
عباس بن مِرْداس: أبو الهَيثم.
عنترة العبسي: أبو المغَلِّس.
عمر بن أبي ربيعة: أبو الخطاب.
العجَّاج: أبو الشعثاء.
رؤبة بن العجاج: أَبو الجحاف.
تأبط شرا: أبو زهير.
أمية بن أبي الصلت: أبو عثمان.
ذو الرُّمة: أبو الحارث.(2/363)
الفصل الثالث في معرفة الألقاب وأسبابها
وهي قسمان: [القسم الأول أئمة اللُّغة والنحو]
عَنْبسة الفيل: قال الزمخشري في ربيع الأبرار: لقب بذلك لأن مَعْدان أباه كان يروض فيلا للحجاج.
قلت: فينبغي أن يكون اللقب لأبيه لا له.
سيبويه: لَقب إمام النحو، وهو لفظ فارسي، معناه رائحة التفاح قيل: كانت أمه ترقصه بذلك في صغره، وقيل: كان من يلقاه لا يزال يَشَمُّ منه رائحة الطِّيب، فسمي بذلك، وقيل: كان يعتاد شم التفاح، وقيل: لُقِّب بذلك لِلَطَافَتِه لأن التفاح من لطيف الفواكة.
البَطَلْيَوْسِي في شرح الفصيح: الإضافة في لغة العجم مقلوبة كما قالوا: سيبويه، والسيب التفاح، وويْه رائحته والتقدير رائحة التفاح.
قُطْرُب: لازم سيبويه، وكان يُدْلج إليه فإذا خرج رآه على بابه، فقال له: ما أنت إلا قُطْرُبُ ليل فلقب به.
المبرِّد: قال السِّيرافي: لما صنف المازني كتابه الألف واللام سأل المبرِّد عن دقيقِه وعويصهِ، فأجابه بأحسن جواب، فقال له: قم فأنت المبرِّد (بكسر الراء) أي المثْبِت للحق فغيَّره الكوفيون، وفتحوا الراء.(2/364)
ثعلب: إمام الكوفيين اسمه أحمد بن يحيى.
الأخفش: جماعة يأتون في نوع المتفق والمفترق.
السِّكِّيت والد أبي يوسف يعقوب بن السِّكِّيت.
قال الحافظ أبو بكر الشِّيرازي في كتاب الألقاب: قال علي بن إبراهيم القطان القَزويني: سئل ثعلب: هل رأيت السِّكيت فقال: نعم، وكان لي أخا أو شبيها بالأخ.
وكان سكِّيتاً كما سمي.
شبة: والد عمر بن شبة، اسمه يزيد وإنما لقب شَبّة لأن أمه كان ترقصه وتقول:
(يا بِأَبي وشبَّا ... وعاش حتى دبا) // الرجز // ذكره الشِّيرازي في الألقاب.
نِفْطَوَيْهِ: اسمه إبراهيم بن محمد بن عرفة، لقب بذلك تشبيها بالنِّفط لدَمَامَتِه وأدمته، وجعل على مثال سيبيويه في النحو إليه.
قال الزَّمْلكانيّ في شرح المفصل: نِفْطَوَيْه يجوز فتح نونه، والأكثر كسرها.
وقال ياقوت الحموي: قد جعله ابن بسام بضم الطاء وسكون الواو وفتح الياء.
النبَّاح: قال ابن دَرَسْتويه في شرح الفصيح: كان أبو عمر الجَرْمي يلقب النباح لكثرة مناظرته في النحو وصياحه.(2/365)
سُبُّخْت:
هو لقب لأبي عبيدة مَعْمر بن المُثَنَّى أنشد ثعلب:
(فخذ من سلح كيسان ... ومن أظفار سبخت) // الهزج // أبو القُنْدَيْن: لقب الأصمعي، قال أبو حاتم: قيل له ذلك لكبر خُصْييه.
ذكره ابن سيده في المحكم.
مُعاذ الهَرّاء: قال في الصِّحاح: قيل له ذلك، لأنه كان يبيع الثياب الهَرَوية. [القسم الثاني ألقاب شعراء العرب]
قال أبو عبد الله محمد بن داوود بن الجراح في كتابه الذي ألفه في إحصاء من يسمى عمرا من شعراء العرب في الجاهلية والإسلام: هاشم جد رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه عُمْرو، وكنيته أبو فضلة وإنما سمي هاشما لما قال مطرود بن كعب الخزاعي فيه:
(عمْرو العُلَى هَشَم الثريدَ لقومه ... ورجالُ مَكةَ مُسْنِتُون عِجافُ) // الكامل // وفي الصِّحاح: إنما قيل مضر الحَمْراء وربيعة الفرس لأنهما لما اقتسما الميراث أعطى مضر الذهب وهو مؤنث، وأعطى ربيعة الخيل.(2/366)
وفي أمالي القالي: أخبرني أبو بكر قال: حدثني أبو عبد الله قال: حدثني محمد بن عبد الله القَحْطَبِي قال: إنما سُمِّي الأخْطل لأن ابني جُعَال تحاكما إليه أيُّهما أَشْعَر، فقال:
(لعمرك إنني وابني جُعَال ... وأمَّهما لإستار لئيم)
// الوافر // فقيل له: إن هذا الخَطَل من قولك، فسمي الأَخْطل.
وكان الأخْطَل في صغره يلقب دَوْبلا لأن أمه كانت ترقِّصه به.
ذكره الأزدي في كتاب الترقيص.
وفي نوادر ابن الأعرابي: الفِنْد اسمه شَهْل بن شيبان وإنما سمي الفِنْد، لأنه قال يوم قَضّة: أما ترضوْن أن أكون لكم فِنْداً.
وفي الغريب المصنف: قال الأصمعي: كان يقال لُطَفيل الغَنَوي في الجاهلية مُحبِّر، لتحسينه الشعر.
وفي طبقات الشعراءِ لمحمد بن سلام إنما سمي الفرزدق تشبيها لوجهه بالخُبْزة.
وإنما سمي الراعي لكثرة وصفه الإبل وحُسْنِ نعته لها.
وفي أمالي ثعلب: ندَّت إبل لإلياس بن مُضر بن نزار بن معد بن عدنان، فندَّت أولادُه في طلبها، وهم ثلاثة: عامر وعمرو وعُمير، فأدركها عامر فسمي مُدْرِكة، وأما عمر فاقتنص(2/367)
أرنبا، واشتغل بطبخها وقال: ما زلت في طَبْخ فسمي طابخة، وأما عمير فانْقَمَع في البيت فسمي قَمَعة فلما أبطؤوا على أمهم ليلى خرجت في إثرهم فقال الشيخ لجارية لهم يقال لها نائلة: تقرفصي في إثر مولاتك أي أسرعي فقالت ليلى: ما زلت أُخَنْدِف في إثركم، أي أُهَروِل فسميت خِنْدِفاً، وقالت نائلة: أنا قَرْفَصْت في إثر مولاتي فقال الشيخ: فأنت قرفاصة.
وفي العمدة لابن رشيق: علقمة الفحل بن عبدة لُقّب بالفحل، لأن امرأ القيس خاصمه في شعره إلى امرأته، فحكمت عليه لعلقمة فطلقها، وتزوجها عَلْقمة فسمي الفحل لذلك، وقيل: بل كان في قومه آخر يسمى علقمة الخصي.
وفي شرح المقامات للمطرزي: كان يقال للأعشى صناجة العرب لكثرة ما تغنت بشعره.
وفي نوادر ابن الأعرابي: الأغْربة في الجاهلية (يعني السودان) عَنترة وخُفَافُ بن نُدْبَة السُّلَمى (وندبة أمه) وأبو عُمَيْر بن الحُبَاب السُّلَمي، وسُلَيْكُ بن السُّلَكة (وهي أمه) واسم أبيه يثربي، وهشام بنُ عُقْبة بن أبي مُعَيط، مخضرم، وتأبَّط شَرّاً، والشَّنْفرى.
وفي الصِّحاح: كان عنترة العبسي يلقب الفَلْحاء لفَلَحة كانت به وهي شَقٌّ في الشَّفَة السفلى، وإنما لم يقولوا: الأفلح ذهبوا به إلى تأنيث الشفة.
وفيه الشُّويعر لقب محمد بن حمران الجُعْفي، لقبه بذلك امرؤ القيس بقوله:
(أبلغا عني الشُّويعرَ أني ... عَمْدَ عين قلدتهن حريما) // الخفيف //(2/368)
وفي المحكم: زعموا أن زيادا الذُّبياني قال الشعر على كبر السن، فسمي نَابغة وقيل: بل سمي بذلك لقوله:
(وقد نبغت لنا منهم شؤون) // الوافر // وفي الصِّحاح: ماء السماء: لقب عامر بن حارثة الأزْدي، وهو أبو عمرو مُزيقياً سمي بذلك لأنه كان إذا أجدب قومُه مَا نَهم حتى يأتيهم الخِصْب، فقالوا: هو ماء السماء، لأنه خَلَفٌ منه.
وماء السماء أيضا لقب أم النذر بن امرىء القيس بن عمرو اللَّخْمِي، وهي ابنة عوف بن جُشَم بن النَّمِر بن قاسط وسُمّيت بذلك لجمالها.
وقال التِّبريزي في تهذييه: عُبَيْد الله بن قيس الرُّقيَّات.
كان ابن الأنباري يختار الرفع ويقول: إنه لقب به لتشبيبه بثلاث نسوة أسماؤهن رُقَيَّة، وقال غيره: الرُّقَيَّات جداته فهو مضاف.
وفي الصِّحاح: إنما أُضِيف إليهن لأنه تزوَّج عدة نسوة وافق أسماؤهن كلهن رُقَيّة، فنسب إليهن.
هذا قول الأصمعي.
وفي الصِّحاح: المنْتحِل لقب شاعر من هُذيل وهو مالك بن عُوَيْمر.
وجُهُنَّام لقب عمرو بن قَطَن من بني سعد بن قيس بن ثعلبة وكان يهاجي الأعشى.
وفي الأغاني: ثابت بن قُطْنة، هو ثابت بن كعب لقِّب قطنة، لأن سهما أصابه في إحدى عينيه فذهب بها فكان يجعل عليها قُطْنة.(2/369)
وقال ابن فارس في المجمل: حدثني أحمد بن شعيب عن ثعلبة قال: سمي الحُطيئة لدمَامتِه والحطيئة: الرجل القصير.
وقال ابن دريد في الجمهرة: نبغ الرجل إذا قال الشعر بعد ما يُسِنّ، أو يكون مُفحَماً ثم ينطق به، وبه سميت النوابغ: الذُّبياني، والجَعْدي، والشيباني.
ذكر من لُقِّب ببيت شعر قاله
قال ابن دُرَيْد في الوشاح: من الشعراء من غَلَبَتْ عليهم ألقابهم بشعرهم حتى صاروا لا يُعْرفون إلا بها.
فمنهم منبه بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر، وهو أعصُر وإنما سمي أعصر بقوله:
(أعمير إن أبَاكَ غيَّر لونَه ... مرُ الليالي واختلافُ الأعصر) // الكامل // ومنهم امرؤ القيس بن ربيعة بن مُرَّة التغلبي، وهو مهلهل، سمي بقوله:
(لما توعَّر في الكُراع هجينُهم ... هلْهَلْتُ أثأر جابرا أو صنبلا) // الكامل // قلت: وفي طبقات الشعراء لمحمد بن سلام أن اسمه عدي، وأنه سُمّي مُهَلهلاً لهْلهَلَة شعره، كهلهلة الثوب، وهو اضطرابُه واختلافه.
وفي الصِّحاح: يقال سُمّي مهلهلا، لأنه أول من أرق الشعر.(2/370)
ومنهم معاوية بن تميم، وهو الشَّقِر، وسمي الشقر بقوله:
(قد أحمل الرمح الأصم كُعوبُه ... به من دماءِ القوم كالشقرات) // الطويل // ومنهم قيل بن عمرو بن الهجيم، سمي بليلا لقوله:
(وذي نَسَبٍ ناءٍ بعيد وَصَلْته ... وذي رحم بللتها ببلالها) // الطويل // ومنهم عمرو بن سعيد بن مالك، سمي المرقِّش بقوله:
(الدارُ قَفْر والرُّسوم كما ... رَقّشَ في ظهر الأديم قلم) // السريع // ومنهم عبد الله بن خالد، سمي المِكْواة لقوله:
(وإني لأَكْوِي ذا النَّسَا من ظُلاَعِه ... وذا الفلق المعمى وأكوي النواظرا) // الطويل // ومنهم خالد بن عمرو بن مرة، سُمِّي الشَّرِيد بقوله:
(وأنا الشريد لمن يُعرّفُني ... حامِي الحقيقة ما له مثل) // الكامل // ومنهم عمر بن ربيعة.
سُمِّي المستوغِر بقوله:
(يَنِشُّ الماء في الرَّبَلات منها ... نَشِيشَ الرَّضْف في اللبن الوغير) // الوافر(2/371)
ومنهم صُرَيم بن مَعْشَر التغلبِي، سُمِّي أُفْنوناً بقوله:
(منَّيْتِنَا الودَّ يا مَضْنون مَضْنُونا ... أزماننا إن للشبان أفنونا) // البسيط // ومنهم شَاس بن نَهَار العَبْدِي، سُمي الممزَّق بقوله:
(فإن كنتُ مَأْكولاً فكُن خيرَ آكل ... وإلا فأدركني ولما أمزق) // الطويل // ومنهم عائذ بن مِحْصَن العبدي، سمي المثقِّب بقوله:
(ظهرن بِكِلَّةٍ وسَدَلْنَ أخرى ... وثَقَّبْن الَوَصَاوِصَ للعيون) // الوافر // ومنهم عامر بن زيد مَنَاة العَبْدي سُمي الحصيص بقوله:
(قد حصت البيضة رأس امرىء ... حلد على الأهوال صبار) // السريع // ومنهم ربيعة بن ليث العبدي، سُمي المطلع بقوله:
(فإن لم أزُرْ سعدى بجُرْد كأنها ... صدور القنا يطلعن من كل مطلع) // الطويل // ومنهم مالك بن جَنْدل سُمي الذَّهَاب لقوله:
(وما سَيْرهن إذ علون قُرَاقِراً ... بذي أمم ولا الذهاب ذهاب) // الطويل // ومنهم جرير بن عبد المسيح الضَّبي، سُمي المتلمِّس بقوله:
(فهذا أوانُ العِرْضِ جُنّ ذُبَابُه ... زنابيره والأزرق المتلمس) // الطويل //(2/372)
ومنهم زياد بن معاوية الذُّبياني، سُمي النابغة بقوله:
(وحلت في بني القَيْن بن جَسْر ... وقد نبغت لنا منهم شؤون) // الوافر // ومنهم مُعَاوية بن مالك، سُمي معوِّد الحُكَّام لقوله:
أُعوِّدُ مثلها الحكامَ بَعْدِي ... إذا ما الأمر في الأشياع نابا) // الوافر // ومنهم مالك بن كعب بن عوف، سُمي الجوَّاب بقوله:
(لا تَسْقِنِي بيديك إن لم تأتني ... رقص المطية إنني جواب) // الكامل // ومنهم جامع بن شَدّاد، سُمي مُرْخِية لقوله:
(وقد مدُّوا الزَّوَايا من لحيظ ... فرخُّوا المَحْضَ بالماء العذاب) // الوافر // ومنهم مُعاذ بن سِنَان، سُمي الأقرع بقوله:
(مُعاوِيَ من يَرْقِيكُمُ إن أصابكُم ... شباحيَّة مما عدا القفر أقرع) // الطويل // ومنهم عامر بن عبد الله الكلْبي، سُمي المتمنِّي، بقوله:
(تمنيت إن أَلْقَى لميسا قَتْلتها ... وأسر ابن أبدى بالسيوف القواضب) // الطويل // ومنهم امرؤُ القَيْسِ الأكبر بن بَكْر بن الحارث بن مُعَاوية الكِنْدي، سُمي الذَّائد بقوله:
(أذود القوافي عني ذيادا ... ذياد غلام عوي جوادا) // المتقارب // ومنهم شُرَحْبيل بن مَعْدي كَرِب، سُمي العفيف بقوله:
(وقالت لي هلمَّ إلى التَّصابي ... فقلت عففت عما تعلمينا) // الوافر // ومنهم عامر بن المجنون الجَرْمي، سُمي مدرج الريح بقوله:
(أعَرَفْتَ رَسْماً من سُمَيّة باللِّوَى ... درجت عليه الريح بعدك فاستوى) // الكامل //(2/373)
ومنهم عامر بن سفيان البارقي، سُمي المُعقِّر بقوله:
(لها ناهضٌ في الجَوِّ قد نَهَدت له ... كما نهدت للبعل حسناء عاقر) // الطويل // ومنهم قَيْس بن جرْوَة الطائي، سمي العَارِق بقوله:
(فإن لم تغيِّر بعضَ ما قد صنعتم ... لأنتحين للعظم ذو أنا عارقه) // الطويل // ومنهم جابر بن قَيْس الحارثي، سمي المحذق بقوله:
(وأحججتموا بالرَّكْبِ عنَّا وقلتم ... سقطنا على أمِّ الرُّبَيْق المحذق) // الطويل // ومنهم مَرْثَد بن حُمْران الجُعْفِي، سمي الأشعر بقوله:
(فلا يَدْعُني قومي لسَعْدِ بن مالكٍ ... لمن أنا، لم أشعر عليهم وأثقب) // الطويل // ومنهم ثعلبة بن امرىء القيس، سمي قاتل الجوع بقوله:
(قتلتُ الجوعَ في السنواتِ حتى ... تركتُ الجوعَ ليس له نكير) // الوافر // ومنهم عبد الله بن عمرو الجُعْفِيّ، سمي الخَلِج بقوله:
(كأنَّ تخالُجَ الأشطانِ فيهم ... شآبيبٌ تجود من الغوادي) // الوافر // ومنهم عامر بن جابر الخُزاعي، سمي المُتَنَكّب بقوله:
(تنكَّبْتُ للحَربِ العَضُوضِ التي أَرَى ... ألا من يحارب قومه يتنكب) // الطويل //(2/374)
ومنهم عبد الله بن قيس السهمي، سمي المبرق بقوله:
(فإن أنا لم أُبْرِق فلا يسَعَنّني ... من الأرض بَرٌّ ذو فَضَاءٍ ولا بحر) // الطويل // ومنهم مالك بن جَنَاب الكلبي، سُمي الأصم بقوله:
(أصم عن الخَنَا إن قيلَ يوما ... وفي غير الخنا ألفى سميعا) // الوافر // ومنهم عُوَيف بن عُقْبة الفَزَاري، سمي عُوَيف القَوَافِي بقوله:
(سأُكْذِبُ مَنْ قد كان يزعم أنني ... إذا قلتُ قولا لا أُجِيدُ القَوافيَا) // الطويل // ومنهم خِدَاش بن بِشْر، سمي البَعِيث بقوله:
(تبعث مني ما تبعث بعد ما ... أمرت قواي واستتم غريمي) // الطويل // ومنهم نافع بن خَلِيفة الغَنَوي سمي المُخلِّل بقوله:
(أزَبّ كلابي بَنَى اللؤمُ فَوقَه ... خباء فلم تهتك أخلته بعد) // الطويل // ومنهم جابر الكلبي: سمي المَرْنِي بقوله:
(إذا ما مَشَى يُتْبِعْنَهُ عند خَطْوه ... عُيوناً مِرَاضاً طرفهن روانيا) // الطويل //
ومنهم غَيلان بن عُقْبَة سمي ذا الرُّمة بقوله:
(أشعث باقي رمة التقليد) // الرجز // ومنهم كريم بن معاوية، سمي الهِجفّ بقوله:
(ترجى ابنَ مُعْطٍ وِرْدَها وانْتَحى لها ... هِجَفّ جفت عنه المعالي فأصعدا) // الطويل //(2/375)
ومنهم يزيد بن ضِرار سُمي المزرِّد بقوله:
(فقلت: تزرَّدها عبيدُ فإنني ... لِزَرْدِ المَوالي في السنين مزرد) // الطويل // ومنهم الأَحْوى بن عوف، سُمي جَذيمة بقوله:
(جَذَمْت كفي في الحياة فقد ... أوهنتني في المقام والسفر) // المنسرح // ومنهم قيس الحنان الجهني، سُمي بقوله:
(حَنَنْتُ على عدي يوم ولوا ... لعمرك ما جننت على نسيب) // الوافر // ومنهم عمرو بنُ غُنْم الطائي، سُمي الصَّمُوت بقوله:
(صَمَتُّ ولم أكُنْ قِدْماً عَيِيّاً ... ألا إن الغريب هو الصموت) // الوافر // ومنهم بَيْهَس بن خلف الفَزَاري سُمي بَيْهَس النعامة بقوله:
(لأطرقن حيَّهُم صباحا ... لأبرُكَنّ بِرْكَةَ النعامة) // الرجز // ومنهم عَمْرو بن عبد الدار اليَشْكُري، سُمي القَعْقَاع بقوله:
(فخرَّ أديمٌ حين غاب صَنَاعه ... وخر خباء تحته يتقعقع) // الكامل // ومنهم طَرَفة، واسمُه عمرو بن العَبْد، سمي طَرَفة بقوله:
(لا تَعْجَلا بالبُكاء اليوم مُطَّرِفاً ... ولا أميريكما بالدار إذ وقفا) // البسيط // ومنهم أخو تأبَّط شرا.
سمي ريش لَغْب بقوله:
(وما كنت فَقْعاً نَابتاً بِقَرَارةٍ ... وما كنت ريشا من ذنابى ولا لغب) // الطويل // ومنهم عدي بن علقمة الجسري، سمي اللجاج بقوله:
(فما أنا باللَّجاج إن لم يُرَفِّعُوا ... ذلاذل أثواب يجرونها رفلا) // الطويل //(2/376)
ومنهم جِِرَان العَوْد العقيلي، سُمي بقوله:
(عَمدتُ لعَوْدٍ فانْتَحَيْتُ جِرَانَه ... وَلَلْكَيْسُ أمْضَى في الأَمورِ وأنجح) // الطويل // ومنهم العجَّاج، سُمِّي بقوله:
(حتى يَعِجَّ ثَخَناً من عجعجا) // الرجز // ومنهم سيَّار بن رَبِيعَة اليَشْكُرِي، سمي المفترق بقوله:
(وعند بناتِ الصَّدْرِ مني قصائد ... أُنَهْنهُ من ريعانهن وأفترق) // الطويل // ومنهم حسان بن ثابت، سمي الحُسَام بقوله:
(فسوفَ يجيبكم عنه حُصَامٌ ... يصوعُ المُحْكمات كما يشاء) // الوافر // ومنهم أبو ذُؤَيْب الهُدَلي، سمي القطيل بقوله:
(عليه الصخر والخشب القطيل) // الوافر // وقال القَالِى في أماليه: إنما سُمي الراعي لقوله:
(لها أمرُها حتى إذا ما تبوَّأتْ ... لأخفافها مرعى تبوأ مضجعا) // الطويل // فقيل: رَعى الرجل.(2/377)
وقال ابن سَلاَّم في طبقاته: إنما سُمِّي البعيث بقوله:
(تبعث مني ما تبعث بعد ما ... أمرت حبال كل مرتها شزرا) // الطويل // وفي الصِّحاح: ذو الخِرَق الطَّهَوي، سمي بذلك لقوله:
(لما رأت إبلي هَزْلَى حَمُولتها ... جاءت عجافا عليها الريش والخرق) // البسيط // وفيه: الممزِّق لقب شاعر من عبد قيس بكسر الزاي، وكان الفراء يفتحها وإنما لقب بذلك لقوله:
(فإن كنت مأكولا فكن خيرَ آكل ... وإلا فأدركني ولما أمزق) // الطويل // وقال الآمدي: الممزَّق قائل هذا البيت بالفتح، واسمه شاس بن نَهَار العَبْدي جاهلي، وأما الممزق الحضرمي فبكسر الزاي مُتأَخِّر، وابنه عباد ولقبه المخرق، وله أشعار كثيرة، وهو القائل:
(إني المخرِّقُ أَعْرَاضَ الكرام كما ... كان الممزِّق أعراض اللئام أبي) // البسيط //
ذكر من تَعَدَّدَتْ أسماؤُه أو كناه أو ألقابه
عبد الله بن الصِّمة: أَخو دُريد بن الصِّمة، قال أبو عبيد في مقاتل الفرسان: كان له ثلاثة أسماء وثلاث كُنًى، وكان اسمه عبدَ الله ومَعْبَداً وخالدا يكنى أبا فُرْعَان، وأبا أَوْفَى، وأبا ذُفافَة.
شَهْل بن شيبان: كان يلقب الفِنْد، ويلقب أيضا عدِيد الألف وذلك أن بني حَنيفة أرسلته إلى أولاد ثَعْلَبة، حين طلبوا نَصْرهم على بني ثعلبة، فقالت بنو حنيفة: قد بعثنا إليكم ألف فارس فلما قدم على بني ثَعْلبة، قالوا له أين الألف قال: أنا فكان يقال له عديد الألف.
ذكره ابن الأعرابي في نوادره.(2/378)
امرؤ القيس بن حُجْر الكِنْدي: كان يلقب امرَأْ القيس ويلقب ذا القُروح، فقيل هو بالقاف وبالحاء المهملة آخره.
قال ابن خَالَويْهِ في شرح الدريدية: لأن قيصر وَجَّه إليه بحُلّة مسمومة، فلما لبسِها أسرع السُّم فيه فتثقَّبَ لحمه فسُمِّي ذا القُروح.
وكذا قاله الجوهري في الصِّحاح.
قال في الجمهرة: شَعْل (بالشين معجمة وبالعين غير معجمة) لقب تأبط شرا.
الفصل الرابع في معرفة الأنساب
وهو أقسام:
القسم الأول المنسوب إلى القبيلة صريحا
كأبي الأسود الدُّؤَلي من ولد الدُّئِل بن بكر بن كِنَانة.
قال السِّيرافي في طبقاته: قيل في النسب إلى دُئِل دُؤَلّي (بالفتح) كما قالوا في نَمِر نَمَرِيّ (بالفتح) استثقالا للكسرة، ويجوز تخفيف الهمزة فيقال: الدُّوَلي، بقلب الهمزة واوا مَحْضَة لأن الهمزة إذا انفتحت وكان قبلها ضمة خففت بقلبها واوا.
انتهى.
والخليل بن أحمد أَزْدِي فَرَاهيدي لأنه من ولد فَرَاهيد بن مالك بن فَهْم بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد.
وأبي زيد سعيد بن أوس الأنصاري صَلِيبةً من الخزرج.
ذكره محمد بن سعيد السِّيرافي في طبقاته.
والمازني من بني مازن بن شَيبَان.
القسم الثاني المنسوب إلى القبيلة ولاء
كسيبويه، يقال له الحارثي لأنه مولى بني الحارث بن كعب بن عمرو بن خالد بن أدد.
ذكره السِّيرافي.
وأبي الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش المُجاشعي مولى بني مُجاشع بن دارم.
ذكره السِّيرافي أيضا.
وأبي عبيدة مَعْمَر بن المُثَنَّى التَّيْمي تيم قريش، لا تَيْم الرِّباب.
قال السِّيرافي: هو مولى لهم وقال: هو مولى لبني عبد الله بن مَعْمَر التيمي.(2/379)
وأبي عمر الجَرْمي.
قال السِّيرافي: هو مولى لجَرْم بن زَبَان، وجَرْم من قبائل اليمن.
القسم الثالث المنسوب إلى البلد والوطن
كالتوزي أبي محمد عبد الله بن محمد هو مولى لقريش.
قال السِّيرافي: قال أبو العباس: كنا ندعوه أبا محمد القرشي، واشتهر بالنسبة إلى بلده تَوَّج أو توز، وهي بلد بفارس.
والسِّجِسْتاني أبي حاتم سهل بن محمد، منسوب إلى سِجِسْتَان.
القسم الرابع المنسوب إلى جد له
كالأصمعي نسب إلى جده أَصْمَع، وهو باهِلي النسب.
والزِّيادي أبي إسحاق إبراهيم بن سفيان، من ولد زياد ابن أبيه، فنُسِب إليه.
القسم الخامس المنسوب إلى لباسه
كالكِسائي.
في فوائد النَّجَيْرميّ بخطه: سُئل أبو عبد الله الطوال: كيف سمي الكِسائي فقال: كان الناس يجالسون مُعاذ بن مسلم الهراء في الخُزُوز والثياب الفاخرة، وكان هو يجالسه في كساء رُوذباري فقيل له الكِسائي.
القسم السادس من نُسِب إلى اسمه واسم أبيه
قال ابن دريد في الجمهرة: النُّمَيْريّ الشاعر، هو ثَقَفِي، وإنما قيل له النُّميري لأنه اسمه نُمير بن أبي نمير.
القسم السابع من نُسِب إلى مَن صَحِبه
كأبي محمد يحيى بن المبارك اليزيدي قال السِّيرافي: نسب إلى يزيد بن منصور، خال اليزيدي لصُحبَتِه إياه.(2/380)
القسم الثامن مَن نُسِب إلى مالك غير مُعْتِق
كالرِّياشي أبي الفضل عباس بن الفرج.
قال السِّيرافي: هو مولى محمد بن سليمان الهاشمي، ورياش رجل من جُذام، كان الفرج أبو العباس عبدا له، فبقي عليه نًسَبُه إلى رِيَاش.
القسم التاسع من نسب إلى بعض أعضائه لكبره
كالرُّؤاسي محمد بن الحسن الكوفي سمي بذلك لأنه كان كبير الرأس.
وأبي الحسن علي بن حازم اللِّحْياني، قال في الصِّحاح: لقب بذلك لعظم لحيته.
القسم العاشر مَن نُسِب إلى أمه
من ذلك محمد بن حبيبة هي أمه ولا يعرف أبوه.
والأشْهَب بن رميلة.
قال ابن سلام: هي أمه، واسم أبيه ثور أحد بني نَهْشَل بن دَارِم.
وشبيب بن البَرْصاء، قال ابن سلام: هي أمه وأبوه يزيد بن حمزة.
ويزيد بن الطَّثَرِية.
قال ابن سلام.
هي أمه وأبوه المنتشر أحد بني عمرو بن سلمة بن قُشير والطَّثَرِية حي من قُضَاعة يقال لهم طَثْر ينسب إليها.
وفي التهذيب للتِّبريزي: سويد بن كُراع العُكْلى: كُرَاع اسم أمه، فلذلك لا ينصرف واسم أبيه عمير.
النوع السادس والأربعون
معرفة المؤتلف والمختلف
فيه ثلاثة فصول:
الفصل الأول: أئمة اللغة والنحو
من ذلك الأُبَّذي والأُنْدي: الأول بالباء الموحدة المشددة والذال المعجمة جماعة.
والثاني بالنون الساكنة والدال المهملة عبد الله بن سليمان بن حفظ الله.(2/381)
الأنْباري والأبْياري: الأول بالنون ثم الموحدة أبو محمد القاسم بن محمد بن بشار، والثاني بالموحدة ثم المثناة التحتانية علي بن سيف المصري.
الجَريري والحَريري: الأول بالجيم المفتوحة المعافي بن زكريا، والثاني بالحاء المهملة القاسم بن علي الحريري البصري صاحب المَقَامات.
الرَّندي والزيدي: الأول بالراء المهملة والنون: جماعة من أهل المغرب منهم أبو علي عمر بن عبد المجيد شارح الجُمل، والثاني بالزاي والياء كثير.
الزَّجَّاجي والزُّجَاجي: الأول بفتح الزاي وتشديد الجيم أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق صاحب الجمل والأمالي وغير ذلك، والثاني يضم الزاي وتخفيف الجيم يوسف بن عبد الله الجُرْجاني.
السِّجْزي والشَّجَري: الأول بالسين المهملة المكسورة وسكون الجيم وبالزاي، أسامة بن سفيان من نُحَاة سِجسْتان، والثاني بالشين المعجمة المفتوحة وفتح الجيم وبالراء أبو السعادات هِبة الله بن الشَّجَري.
ابن الصائغ وابن الضائع: الأول بالصاد المهملة والغين المعجمة كثير، والثاني بالضاد المعجمة والعين المهملة أبو الحسن علي بن محمد الكتامي الإشبيلي شارح الجُمل.
الفالي والقالي: الأول بالفاء محمد بن سعيد السِّيرافي شارح اللُّباب، والثاني بالقاف أبو علي إسماعيل بن القاسم البغدادي صاحب الأمالي والبارع في اللغة وغير ذلك، منسوب إلى قَالي قَلا، بلد من أعمال إرْمِينية.
انتهى.(2/382)
الفصل الثاني: فيما يتعلَّق بشُعَرَاء العرب
قال الآمدي في كتاب المؤتلف والمختلف: زياد في الشعراء: جماعة منهم النَّابغة الذُّبياني، ولهم شاعر يقال له ذياد (بالذال المعجمة) بن عزيز بن الحُوَيْرث بن مالك بن واقد.
الفصل الثالث: فيما يتعلق بالقبائل
قال القالي في أماليه: حدثنا أبو بكر بن الأنباري: حدثني أبي عن أشياخه قال: كل ما في العرب عُدَس (بفتح الدال) إلاَّ عُدُس بن زيد فإنه بضمِّها.
وكل ما في العرب سدوس (بفتح السين) إلا سدس بن أصمع في طيىء.
وكل ما في العرب فُرَافِصة (بضم الفاء) إلا فَرافِصة أبا نائلة امرأة عثمان بن عفان رضي الله عنه.
وكل ما في العرب مِلْكان (بكسر الميم) إلا مَلْكان بن حَزْم بن رَبَّان فإنه بفتحها.
وقال محمد بن المعلى الأزدي في كتاب الترقيص: قال أبو جعفر المعبدي: كل شيء في العرب مُلَيح (بضم الميم مفتوح اللام) إلا الذي في كِنْدة فإنه مَلِيح (بفتح الميم وكسر اللاَّم) من رَبِيعة.
وفي الصِّحاح: النَّاس (بالنون) اسم قيْس عيلان، وهو الناس بن مضر بن نزار، وأخوه إلياس بن مضر (بالياء) .
وقال محمد بن حبيب في كتاب متشابه القبائل: كل شيء في العرب حارثة إلا جارية بن سَلِيط بن يَربوع، وفي سُلَيم جارية بن عبد، وفي الأنصار جارية بن عامر.(2/383)
وكل شيء في العرب أسامة (بألف) غير سامة بن لُؤَيّ.
وكل شيء في العرب عبد شمس غير عبْشمس بن سعد في تميم، وعبشمس ابن آخر في طيىء هكذا قال بسكون الباء فيهما، وذكر غيره: أن الذي في تميم عَبشمس (بفتح الباء) والذي في طيىء عِبشمس (بكسر الباء) .
وكل شيء في العرب فهو حَبِيب سوى حُبَيْب بن عمرو في تغلب، وحُبَيْب بن جذيمة في قريش (بالتصغير والتخفيف) وسوى حُبَيِّب بن الجَهْم في النَّمِر.
وحُبَيِّب بن كعب في بني يَشكر، وحُبَيِّب بن الحارث في ثَقِيف فإن الثلاثة بالتصغير والتشديد.
وكل شيء في العرب جُشَم سوى جُثَم بن جذام في جُذَام، وسوى جيشم بن عبد مناة في كلب.
وكل شيء في العرب جَسَّاس (مشدد) سوى جَسَاس بن نُشْبة في تَيْم الرِّباب فإنه مخفف.
وكل شيء في العرب مُعَاوية سوى مَعْوِيَة بن امرىء القيس بن جَسْر في قُضاعة، وسوى مَعْوِيَة وهو أَجْرَم بن ناهش في خَثْعَم.
وكل شيء في العرب شَيْبَان إلا سَيْبان بن الغَوْث في حِمْيَر.
وكل شيء في العرب فَهْم بالفاء إلا قَهْم بن الجابر من هَمْدان فإنه (بالقاف) .
وكل شيء من قبائل العرب فهو غَنْم (بالغين والنون) إلا عَثْم بن الرَّبْعَة بن رشدان بن قيس من جُهينة فإنه بالعين والثاء.
وكل شيء في العرب أسيد فهو على فَعِيل سوى أُسَيْد بن عمرو في بني تميم، فإنه على مثال التصغير، وسوى سيد بن رزان في قيس فإنه على مثال فعل.
وكل شيء في العرب خَلِيف (بالخاء المعجمة) إلا حلِيف بن مازن في خَثْعم فإنه بالحاء المهملة.
وكل شيء في العرب من القبائل عَدِيّ (مفتوح العين) إلا عُديّ بن ثعلبة في طيىء، فإنه مضموم العين مشدد الياء.
وكل شيء في العرب حرْب (ساكن) إلا اسمين: حُرَب بن مظلَّة في مَذْحِج، وحرب بن قاسط في قضاعة.(2/384)
وفي الأزد حُدان بن شمير بن عمرو (بضم الحاء المهملة) ، وفي تميم حَدان ابن قريع (بفتح الحاء المهملة) .
وفي ربيعة جَدان (بفتح الجيم) بن جَدِيلة وفي أَسَد خَدان (بفتح الخاء المعجمة) بن هر، وفي هَمْدان ذو حدان (بالضم) بن شراحيل.
وفي طيىء هَذَمة بن عتاب (بفتحتين) وفي مُزَينة هُذْمة بن لاطم (بضم الهاء وسكون الذال) .
وفي خُزاعة حَبَشِيَّة بن سكون (بفتح الحاء والباء) وفي مُزَينة حُبْشية بن كعب (بضم الحاء وسكون الباء) .
كل اسم في العرب دِجاجة (بكسرالدال) فأما الدَّجاج من الطير فمفتوح الدال.
وفي عَدْوان لَهَب بن عمرو (بفتح اللام والهاء) وفي الأزْد لِهْب بن أحجن (بكسر اللام وسكون الهاء) .
وفي مُضَر ضَبّة بن أُدّ بن طَابِخة، وفي قريش ضَبَّة بن الحارث بن فهر بن مالك، وفي هذيل ضَبَّة بن عمرو الثلاثة بفتح الضاد وبالباء الموحدة.
وفي قُضَاعة ضِنّة بن سعد، وفي عُذْرة ضِنّة بن عبد، وفي أسد ضِنّة بن الحَلاَّف، وفي الأزد ضِنّة بن العاص، الأربعة بكسر الضاد وبالنون.
كل امرىء القيس في العرب فالمنسوب إليه مَرْئِيّ مقصور مثال مرعي إلا امرأ القيسي من كندة يقال للرجل منهم مَرْقَسِيّ.
كل اسم في العرب يزيد إلا تزيد بن حُلْوان من قُضَاعة، وتزيد بن جُشم من الأنصار.
وفي بني تميم شَقَرة وهو معاوية بن الحارث، وشَقَرة بن نَبْت بن أُدَد أخو عدنان (محرك مفتوح) وفي ضَبّة شَقْرة بن ربيعة، وفي عبد القيس شَقْرة بن بكرة.
كل شيء في العرب فهو حَرام إلا حِزام بن هلال في قيس.
وفي ربيعة يشكر بن بكر، وفي مراد يشكر بن عمير.
وفي الأزد يشكر بن مُبَشِّر.
وفي بني قيس يشكر بن الحارث، وفي الأزد يشكر بن عمرو.
وفي قيس قُرَيع بن الحارث، وفي محارب قُرَيع بن حبيب، وفي تميم قُرَيْع بن(2/385)
عوف، وفي عبد القيس فُرَيع (بالفاء) وهو ثعلبة بن معاوية، وفي بجيلة (فزيع) بن فتيان (بالفاء والزاي) ، وفي الأزد قزيع بن بكر (بالقاف والزاي) .
وفي المشاكهة للأزدي: في العرب عُدثان بن عبد الله بن زهران (بضم العين وبالثاء المثلثة) وفيهم عَدَنان (بفتح العين والدال وبالنون) بن عبد الله من الأزد، وعَدْنان أبو معد بن عَدْنان (مفتوح العين مسكن الدال) .
وقال الأزدي في كتاب الترقيص: قال هشام بن محمد: ليس في العرب سَلِمة (بكسر اللام) إلا في الخَزْرَج وبَجيلة، وغيرهما سَلمة (بفتح اللام) .
قال هشام: وكل شيء في العرب فُرافِصَة (بضم الفاء) إلا فَرافصة بن الأحوص.
وفي تهذيب الإصلاح للتبريزي: الدُّئل من كنانة ينسب إليهم أبو الأسود الدُّؤَلي مفتوحة مهموزة، والدُّول في حنيفة ينسب إليهم الدُّولي، والدِّيل في عبد القيس ينسب إليهم الدِّيلي.
النوع السابع والأربعون
معرفة المُتفق والمفْترق
فيه ثلاثة فصول:
الفصل الأول: أئمة اللغة والنحو
الأخفش أحدَ عَشَر نحويا: أحدهم: الأخفش الأكبر أبو الخطاب عبد الحميد بن عبد المجيد أحد شيوخ سيبويه.
والثاني: الأخفش الأوسط أبو الحسن سعيد بن مسعدة تلميذ سيبويه.
مات سنة عشر ومائتين وقيل بعدها.
والثالث: الأخفش الأصغر أبو الحسن علي بن سليمان، من تلامذة المبرِّد وثعلب.
مات سنة خمس عشرة وثلثمائة.(2/386)
والرابع: أحمد بن عمران بن سلامة الألهاني مصنف غريب الموطَّأ.
مات قبل الخمسين ومائتين.
والخامس: احمد بن محمد الموصلي أحد شيوخ ابن جِنِّي، مصنف كتاب تعليل القراءات.
والسادس: خلف بن عمرو اليشكري البَلَنسي مات بعد الستين وأربعمائة.
والسابع: عبد الله بن محمد البغدادي من أصحاب الأصمعي.
والثامن: عبد العزيز بن أحمد الأندلسي من مشايخ ابن عبد البر.
والتاسع: علي بن محمد الإدْريسي.
مات بعد الخمسين وأربعمائة.
والعاشر: علي بن إسماعيل بن رجاء الفاطمي.
والحادي عشر: هارون بن موسى بن شريك القارىء.
مات سنة إحْدَى وسبعين ومائتين.
سيبويه أربعة: أحدهم: إمام العربية عمرو بن عثمان بن قَنْبَر.
والثاني: محمد بن موسى بن عبد العزيز المصري.
والثالث: محمد بن عبد العزيز الأصبهاني.
والرابع: أبو الحسن علي بن عبد الله الكومي المغربي.
ثعلب: اثنان: أشهرهما: الإمام أبو العباس أحمد بن يحيى.
والثاني: محمد بن عبد الرحمن.
نِفطَوية: اثنان: المشهور إبراهيم بن محمد بن عرفة، والآخر: أبو الحسن علي بن عبد الرحمن المصري.
ابن دُرَيد: اثنان: المشهور: أبو بكر محمد بن الحسن الأزدي.
والآخر: يحيى بن محمد بن دُرَيد الأسدي.(2/387)
الأعلم: اثنان: أشهرهما: يوسف بن سليمان الشَّنْتَمَري.
والآخر: إبراهيم بن قاسم البَطْلَيوسي.
ابن يعيش: ثلاثة: أشهرهم: موفق الدين يعيش بن علي بن يعيش الحلبي.
والثاني: عمر بن يعيش السنوسي.
والثالث: خلف ين يعيش الأصبحي.
ابن هشام: جماعة: الأول: عبد الملك بن هِشام صاحب السيرة والمغازي.
الثاني: محمد بن يحيى بن هشام اللَّخْمي.
والثالث: الشيخ جمال الدين عبد الله بن يوسف بن هشام الحنبلي المتأخر صاحب التصانيف المشهورة.
فائدة
حيث أَطْلَقَ أبو عُبيد في الغريب المصنف أبا عمرو فهو الشَّيْباني فإن أراد أبا عمرو بن العلاء قَيّده.
وحيث أطلق النحاة أبا عمرو فمرادهم ابن العلاء.
وحيث أطلق البصريون أبا العباس فالمراد به المبرِّد.
وحيث أطلقه الكوفيون فالمراد بن ثَعْلَب.
ذكره ابن الزَّمْلَكاني في شرح المُفَصَّل.
وحيث أطلق في كتب النحو الأخفش فهو الأوسط فإن أريد الأكبر أو الأصغر قَيَّدوه.
الفصل الثاني فيما يتعلَّق بشعراء العرب
امرؤ القيس: جماعة: منهم امْرُؤ القيس بن حُجر الكِنْدِيّ، وامْرُؤ القيس مُهَلْهل بن ربيعة.
وامرؤ القيس بن حُمَام بن عبيدة، وامرؤ القيس بن عَمْرو بن مُعَاوية بن السمط بن ثور، وامرؤ القيس بن النعمان بن الشقيقة بن عانس الكندي، وامرؤ القيس بن الأَصبَغ الكلْبِي، وامرؤ القيس بن بكر الذَّائد الكندي، وامرؤ القيس بن الفَاخِر بن الطَّمَّاح الخولاني وامرؤ القيس الكندي الملقب الجَفْشِيش، وامرؤ القيس بن عدي من عُليم، وامرؤ(2/388)
القيس بن جبلة السَّكُونيّ، وامرؤ القيس بن عمرو بن الحارث السَّكوني، وامرؤ القيس ابن بحر الزُّهَيْري، وامرؤ القيس بن كِلاب بن رازم العُقَيْلِي، وامرؤ القيس بن مالك الحميري.
النوابغ: أربعة فما ذكر ابن دُرَيد في الوشاح: نابغة بني ذُبيان زياد بن معاوية، ونابغة بني جعْدة قيس بن عبد الله، ونابغة بني الحارث يزيد بن أبان، ونابغة بني شيبان جمل بن سعدانة.
الأعْشى جماعة فيما ذكر ابن دُرَيد في الوِشَاح، والآمدي في المؤتلف والمختلف: أعشى بني قَيس ميمون بن قيس، وأَعشى بَاهِلة عامر بن الحارث، وأعشى بني تغْلب عمرو بن الأيهم، وأعشى بني ربيعة صالح بن خارجة، وأعشى بني هَمْدان عبد الرحمن بن مالك وأعشى بني مالك بن سعد راجز من رهط العجَّاج، وأعشى بني طِرْوَد من بني سليم بن منصور وهو زَرْعة بن السائب، وأعشى بني أسد قيس بن بجرة، وأعشى بني نهشل الأسود بني يَعْفُر، وأعشى بني مازن من تميم، وأعشى بني معروف اسمه جشمة، وأعشى عُكْل اسمه كَهْمَش، وأعشى بني عُقَيل اسمه مُعاذ، وأعشى بني مالك بن سعد، والأعشى التغلبي اسمه نعمان بن نجران، وأعشى بني عوف بن همام واسمه ضابىء، وأعشى بني ضَوْزَة اسمه عبد الله، وأعشى بني جِلاَّن اسمه، سلمة، والأعشى بن النباش بن زرارة التيمي.
الطرماح.
اثنان: أحدهما الطِّرِمّاح بن حكيم، والآخر الطّرِمّاح الأجاني.
ذكره التبريزي في تهذيبه.
نُصَيب: ثلاثة: أحدهم نُصَيب الأسود المرْواني، والثاني نُصَيب الأبيض الهاشمي، والثالث نُصيب بن الأسود.
ذكرهم التِّبْرِيزي في تهذيبه.
الفصل الثالث فيما يعلق بالقبائل
قال ابن حبيب في كتاب مُتّفق القبائل: في قَيْس عَيْلان شَكَل بن الحارث، وفي بني كلْب شَكَل بن يَرْبوع.(2/389)
وفي بني مُضر: الغَوْث بن مُرّ بن أُدّ، وفي بني بَجِيلة: الغَوْث بن أنمار، والغوث ابن طيىء.
وفي الأزد: علي بن مسعود بن مازن، وفي طيىء علي بن تميم بن ثعلبة، وفي بني بجيلة علي بن أنيع، وفيها أيضا علي بن مالك، وفي سعد العشيرة علي بن أنس الله، وفي الأزد علي بن مسعود، وفي ربيعة علي بن بكر.
وفي قُرَيش: هُصَيْص بن كعب بن لؤي، وفي هَمْدان: هصيص بن الحارث، وفي طيىء: هُصَيْص بن كعب بن مالك، وفي قيس هُصَيْص وهو عويم بن كعب.
وفي تميم: القُلَيْب بن عمرو بن تميم، وفي أسد القُلَيْب بن عمرو بن أسد.
وفي مُضَر: طَابخة بن إلياس بن مضر، وفي قُضاعة: طَابخة بن ثعلب، وفي هُذَيل طَابخة بن لحيان، وفي جذام طابخة بن الهُون.
وفي مَعَد: إياد بن نِزار بن معد، وفي الأزد: إياد بن سود.
وفي خُزاعة: كُليب بن حَبَشية، وفي تميم: كُلَيب بن يَرْبوع، وفي هَوازِن: كليب بن ربيعة بن عامر، وفي تغلب: كليب بن ربيعة بن الحارث.
وفي الأنصار: الأَوْس بن جارية بن ثعلبة، وفي ربيعة: الأوس بن تَغْلب، وفي خُزاعة: الأَوْس بن أفصى.
وفي قَيْس: ذُبيان بن بغيض، وفي الأزد: ذُبيان بن ثعلبة بن الدول، وفي بَجيلة ذُبيان بن ثعلبة بن معاوية، وفي ربيعة ذُبيان بن كنانة، وفي همدان دبيان بن مالك، وفيها أيضا ذُبيان بن عليان.
وفي قضاعة: جرم بن زنبان، وفي بجيلة: جرم بن علقمة، وفي طيىء جَرْم وهو ثعلبة بن عمرو، وفي عابلة جَرْم بن شعل.
وفي قُضاعة: كلب بن وبرة، وفي بَجيلة: كلب بن عمرو، وفي كِنَانَة: كلب ابن عوف.
وفي ربيعة بن نزار: تيم الله بن ثعلبة بن كنانة، وفي الأنصار تيم الله وهو النجار بن ثعلبة بن عمرو بن الخَزْرَج، وفي الأزد: تيم الله بن حفال، وفي خثعم تَيْم الله بن مبشر.(2/390)
وفي ربيعة عِجْل بن لُجَيم، وفي النَّمر عِجْل بن معاوية، وفي بني يَشْكر عجل ابن كعب.
وفي مُضر: أسد بن خزيمة بن مدركة، وفي مَذْحج أسد بن مسيلة، وفي قريش أسد بن عبد العزى بن قصي، وفي مَذْحِج أسد بن عبد مناة، وفيها أيضا أسد بن مر ابن صدي، وفي الأزد أسد بن الحارث، وفي ربيعة أسد بن ربيعة بن نزار.
وفي قيس: غَطَفان بن قيس بن سعد، وفي جُذام: غَطَفان بن سعد بن إياس، وفي جُهينة: غطفان بن قيس بن جهينة، وفي إياد غطفان بن عمرو.
وفي مضر: أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، وأمية الأصغر أيضا بن عبد شمس، وأمية الأصغر، هم العَبَلات منهم العَبْلي الشاعر، وفي الأنصار أمية بن زيد بن مالك، وفي طيء أمية بن عدي، وفي قضاعة أمية بن عصيبة، وفي إياد أمية ابن حذافة.
وفي قُضَاعة عُذْرة بن سعد، وفي كلب عُذْرة بن زيد اللات، وعُذْرة بن عَدِيّ، وفي الأزد: عُذْرة بن عداد.
وفي قيس: غُراب بن ظالم، وفي طيء غراب بن جذيمة.
وفي قريش، سَهْم بن هُصَيص، وفي قيس سَهْم بن مرة، وسَهْم بن عمرو، وفي هُذَيْل سَهْم بن معاوية.
وفي قريش: مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب، وفي هُذيل مخزوم بن باهلة، وفي عَبْس مخزوم بن مالك.
وفي قريش: مُحارب بن فهر بن مالك بن النضر، وفي قيس محارب بن خصفة ابن قيس بن عيلان بن مضر.
وقال الأزدي في كتاب الترقيص: الضُّبَيْعَات ثلاثة: ضُبَيْعَة بن قيس بن ثعلبة، وضُبَيْعة بن عِجْل بن لُجَيْم، والأكبر ضُبَيْعَة بن رَبيعة.
قال الشاعر:
(قتلنا به خيرَ الضُّبَيعات كلها ... ضُبَيْعَة قيس لا ضُبَيْعة أضْجَما) // الطويل //(2/391)
النوع الثامن والأربعون
معرفة المواليد والوفيات
أبو الأسود الدؤلي: قال أبو الطيب: قال أبو حاتم: ولد في الجاهلية، وقال غيره: مات في طاعون الجارف سنة تسع وستين.
أبو عمرو بن العلاء: مات سنة أربع وقيل سنة تسع وخمسين ومائة بطريق الشام.
عيسى بن عُمَر الثَّقَفِي: مات سنة تسع وأربعين وقيل: سنة خمسين ومائة.
يونس بن حبيب الضبَّي: ولد سنة تسعين، ومات سنة اثنين وثمانين ومائة.
الخليل بن أحمد: مات سنة خمس وسبعين ومائة، وقيل: سنة سبعين، وقيل: سنة ستين وله أربع وسبعون سنة.
أبو زيد أوْس بن سعيد الأنصاري: مات سنة خمسَ عشرة، وقيل: أربع عشرة، وقيل: ست عشرة ومائتين وله ثلاث وتسعون سنة.
أبو عُبيدة: ولد سنة اثنتي عشرة ومائة، ومات سنة تسع، وقيل ثمان وقيل عشرة وقيل إحدى عشرة ومائتين.
خَلَف الأحمر: مات في حدود ثمانين ومائة.
الأصمعي: ولد سنة ثلاث وعشرين ومائة، ومات في صفر سنة ست عشرة، وقيل خمس عشرة ومائتين.
سيبويه: مات بِشِيرَاز، وقيل بالبيضا سنة ثمانين ومائة، وعمره اثنتان وثلاثون سنة، قاله(2/392)
الخطيب البغدادي.
وقيل: نَيَّف على الأربعين.
وقيل مات بالبصرة سنة إحدى وستين.
وقيل: سنة ثمان وثمانين.
وقال ابن الجوزي: مات بساوَة سنة أربع وتسعين.
النَّضْر بن شُمَيل: مات سنة ثلاث وقيل سنة أربع ومائتين.
أبو محمد اليزيدي يحيى بن المبارك: مات بخُراسان سنة اثنتين ومائتين وله أربع وسبعون سنة.
ولده إبراهيم: مات سنة خمس وعشرين ومائتين.
ولده الآخر محمد: مات بمصر لما خرج إليهما مع المعتصم وذلك في سنة ... ... ...
أولاد محمد هذا: أبو جعفر أحمد مات قبيل سنة ستين ومائتين.
وأبو العباس الفضل مات سنة ثمان وسبعين ومائتين.
المؤرخ بن عَمْرو السدوسي: مات سنة خمس وتسعين ومائة، وقيل: عاش إلى بعد المائتين.
علي بن نصر الجَهْضَمِيّ: مات سنة سبع وثمانين ومائة.
قُطْرُب: مات سنة ست ومائتين.
أبو الحسن الأخفش: مات سنة عشر، وقيل خمس عشرة، وقيل إحدى وعشرين ومائتين.
الكِسائي: مات بالرِّي سنة تسع وثمانين ومائة، جزم به أبو الطيب وقيل سنة اثنتين وثمانين، وقيل سنة ثلاث وثمانين، وقيل سنة اثنتين وتسعين.
أبو عمرو الشيباني: مات سنة ست أو خمس ومائتين، وقيل سنة ثلاث عشرة.
وقد بلغ مائة سنة وعشر سنين، وقيل وثماني عشرة.(2/393)
الفراء: مات بطريق مكة سنة سبع ومائتين، وله سبع وستون سنة.
أبو عمر الجَرْمي: مات سنة خمس وعشرين ومائتين.
أبو محمد عبد الله بن محمد التوَّزي: مات سنة ثمان وثلاثين ومائتين.
المازني: مات سنة تسع أو ثمان وأربعين ومائتين.
كذا قال الخطيب.
وقال غيره: سنة ثلاثين.
الرياشي: قتله الزِنج بالبصرة، وكان قائما يصلِّي الضحى في مسجده سنة سبع وخمسين ومائتين.
أبو حاتم السِّجِسْتاني: مات سنة خمسين أو خمس وخمسين أو أربع وخمسين أو ثمان وأربعين ومائتين، وقد قارب التسعين.
ابن الأعرابي: ولد ليلة مات أبو حنيفة لإحدى عشرة خلت من جمادى الآخرة سنة خمسين ومائة، ومات سنة إحدى وثلاثين، وقيل ثلاث وثلاثين ومائتين.
أبو عُبَيد: مات بمكة سنة ثلاث أو أربع وعشرين ومائتين، وقيل سنة ثلاثين وله سبع وستون.
المبرِّد: ولد سنة عشر ومائتين ومات سنة اثنتين، وقيل: خمس وثمانين ومائتين.
ثعلب: ولد سنة مائتين، ومات في جمادى الآخرة سنة إحدى وتسعين.
ابن السكِّيت: مات في رجب سنة أربع وأربعين ومائتين.
الزَّجَّاج: مات سنة إحدى عشرة وثلثمائة.(2/394)
أبو بكر بن دُرَيد: ولد سنة ثلاث وعشرين ومائتين، ومات بعُمان في رمضان سنة إحدى عشرة وثلثمائة.
ابن قُتَيْبة: ولد سنة ثلاث عشرة ومائتين، ومات سنة سبع وستين.
ابن كَيْسان: قال الخطيب: مات سنة تسع وتسعين ومائتين، وقال ياقوت: هذا سهو بلا شك ففي تاريخ أبي غالب أنه مات سنة عشرين وثلثمائة.
الأزهري صاحب التهذيب: ولد سنة اثنتين ومائتين، ومات سنة سبعين.
أبو علي القالي: ولد سنة ثمان وثمانين ومائتين، ومات سنة ست وخمسين وثلثمائة.
أبو بكر الزبيدي صاحب مختصر العين: مات سنة تسع وسبعين وثلثمائة.
أبو عمر الزاهد: ولد سنة إحدى وستين ومائتين، ومات سنة خمس وأربعين وثلثمائة.
أبو الطيب اللغوي: مات بعد الخمسين وثلثمائة.
ابن القُوطِيّة: مات سنة سبع وستين وثلثمائة.
القاسم الأنْبَاري: مات سنة أربع وثلثمائة.
وولده الإمام أبو بكر: ولد سنة إحدى وسبعين ومائتين، ومات سنة ثمان عشرة وثلثمائة.
أبو الحسين أحمد بن فارس: مات سنة خمس وتسعين وثلثمائة.
أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحاس: مات غريقا في النيل سنة سبع أو ثمان وثلاثين وثلثمائة.(2/395)
أبو علي الحسين بن أحمد الفارسي: مات سنة سبع وسبعين وثلثمائة.
محمد بن سعيد السِّيرافي الفالي: ولد قبل السبعين ومائتين، ومات ببغداد في رجب سنة ثمان وستين وثلثمائة.
الجوهري: صاحب الصِّحَاح: مات في حدود الأربعمائة.
أبو عبد الله الحسين أحمد بن خَالَوَيْهِ: مات سنة سبعين وثلثمائة.
أبو محمد بن دَرَسْتَويْه: ولد سنة ثمان وخمسين ومائتين، ومات سنة سبع وأربعين وثلثمائة.
أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي: مات بطبَرية سنة تسع وثلاثين، وقيل: أربعين وثلثمائة.
أبو الفتح عثمان بن جني: ولد قبل الثلاثين وثلثمائة، ومات سنة اثنتين وتسعين.
كُرَاع: مات في حدود عشر وثلثمائة.
علي بن عيسى الرماني: ولد سنة ست وسبعين ومائتين، ومات سنة أربع وثمانين وثلثمائة.
الهروي - صاحب الغريبين: مات سنة إحدى وأربعمائة.
أبو منصور موهوب بن أحمد الجَواليقي: مات في المحرم سنة خمس وستين وأربعمائة.
أبو الحسن علي بن سِيدَه الأندلسي الضرير: مات سنة ثمان وخمسين وأربعمائة عن نحو ستين سنة.
أبو زكريا يحيى بن علي الخطيب التِّبريزي: ولد سنة إحدى وعشرين وأربعمائة، ومات فجأة سنة اثنتين وخمسمائة.
الأعلم ولد سنة عشر وأربعمائة ومات سنة ست وسبعين وأربعمائة.(2/396)
ابن بابشاذ النحوي: مات سنة تسع وستين وأربعمائة.
عبد الله بن أحمد الخشاب: مات سنة سبع وستين وخمسمائة.
أبو محمد عبد الله بن بري: مات سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة.
أبو إسحاق بن السيد البَطْلَيوسي: ولد سنة أربع وأربعين وأربعمائة، ومات سنة إحدى وعشرين وخمسمائة.
أبو القاسم علي بن جعفر السعدي اللغوي المعروف بابن القَطَّاع: ولد سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة، ومات سنة خمس عشرة وخمسمائة.
الكمال بن الأنباري: مات سنة سبع وسبعين وخمسمائة.
أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري: ولد سنة سبع وستين وأربعمائة، ومات سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة.
ابن الشَّجَري: ولد سنة خمسين وأربعمائة، ومات سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة.
الإمام رضي الدين الصغاني: ولد سنة سبع وسبعين وخمسائة، ومات سنة خمسين وستمائة.
جمال الدين بن مالك: ولد سنة ستمائة، ومات في شعبان سنة اثنتين وسبعين وستمائة.
الرضي الشاطبي: ولد سنة إحدى وستمائة، ومات بالقاهرة المُعزية سنة أربع وثمانين.
أبو حَيَّان الإمام أثير الدين: ولد سنة أربع وخمسين وستمائة ومات في صفر سنة خمس وأربعين وسبعمائة.
القاضي مجد الدين صاحب القاموس: ولد سنة تسع وعشرين وسبعمائة، ومات في شوال سنة ست عشرة وثمانمائة.(2/397)
النوع التاسع والأربعون
معرفة الشعر والشعراء
قال ابن فارس في فقه اللغة: الشعرُ كلام موزونٌ مقفى، دال على معنى، ويكون أكثرَ من بيت.
وإنما قلنا هذا لأنه جائز اتفاق سطر واحد بوزن يشبه وزنَ الشعر عن غير قصد، فقد قيل: إنَّ بعض الناس كَتَبَ في عُنوان كتاب:
(للإمام المسيِّب بن زُهَيْرٍ ... من عِقَالِ بن شَبَّة بن عِقال) فاستوى هذا في الوزن الذي يسمى الخفيف، ولعل الكاتب لم يقصِد به شعرا.
وقد ذكر نَاسٌ في هذا كلمات من كتاب الله تعالى: كَرِهْنَا ذِكْرَها، وقد نزه الله سبحانه كتابَه عن شَبَهِ الشعر، كما نزَّه نبيه صلى الله عليه وسلم عن قوله.
فإن قال قائل: فما الحكمةُ في تنزيه الله تعالى نَبيّه عن الشعر قيل له: أولُ ما في ذلك حكم الله تعالى بأنَّ {الشُّعَرَاءَ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} ، وأنَّهُمْ {في كلِّ وَادٍ يَهيمُونَ وأنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ} .
(ثم قال: {إلاَّ الذين آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات} ورسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وإن كان أفضلَ المؤمنين إيمانا، وأكثر الصالحين عملا للصالحات) فلم يكن ينبغي له الشِّعر بحال، لأن للشعر شرائط لا يسمَّى الإنسان بغيرها شاعرا، وذلك أن إنسانا لو عمل كلاما مستقيما موزونا، يتحرَّى فيه الصدق من غير أن يُفْرِط، أو يتعدى أو يَمين، أو يأتي فيه بأشياء لا يمكن كونها بَتَّة لما سماه الناس شاعرا، ولكان ما يقوله مَخْسولاً ساقطا.(2/398)
وقد قال بعض العقلاء - وسئل عن الشعر - فقال: إن هَزل أضْحك، وإن جَدَّ كذب.
فالشاعر بين كذب وإضحاك وإذ كان كذا فقد نزه الله نبيه صلى الله عليه وسلم عن هاتين الخَصلتين وعن كل أمر دَنِيّ.
وبعد فإنا لا نكاد نرى شاعرا إلا مادحا ضارعا، أو هاجيا ذا قَذَع، وهذه أوصافٌ لا تصلح لنبي.
ِفإن قال: فقد يكونُ من الشعر الحكمة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن من البيان لسِحْراً، وإن من الشِّعْر لحكمة) أو قال: حُكْماً قيل له: إنما نزه الله نبيه عن قيل الشعر لما ذكرناه، فأما الحكمةُ فقد آتاه الله من ذلك القِسْمَ الأجزل، والنصيبَ الأوفر في الكتاب والسُّنَّة.
ومعنى آخر في تنزيهه عن قيل الشعر أن أهل العَرُوض مُجْمِعُون على أنه لا فرق بين صناعة العَرُوض وصناعة الإيقاع، إلاّ أن صناعة الإيقاع تقسيم الزمان بالنَّغَم وصناعة العروض تقسم الزمان بالحروف المسموعة فلما كان الشعر ذا ميزان يناسب، الإيقاع، والإيقاعُ ضرب من الملاهي لم يصلح ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أنَا من دَدٍ ولا دَدٌ مِني) .
ثم قال ابن فارس: والشعر ديوان العرب، وبه حفظت الأنساب وعُرِفت المآثر، ومنه تُعُلِّمت اللغة، وهو حُجَّة فيما أشكل من غريب كتاب الله، وغريب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وحديث صحابته والتابعين، وقد يكون شاعرٌ أشعر، وشِعْرٌ أحلى وأظرف فأما أن تتفاوت الأشعار القديمة حتى يتباعد ما بينهما في الجودة فلا وبكلٍّ يُحتج، وإلى كل يُحتاج، فأما الاختيارُ الذي يراه الناس للناس فشهوات كلٌّ يستحسن شيئا.
والشعراء أُمَراء الكلام، يَقْصرون الممدود، ويَمُدُّون المقصور، ويُقَدِّمون ويؤخرون، ويومِئون ويشُيرون، ويختلسون ويُعيرون ويَسْتعيرون.
فأما لحنٌ في إعراب، أو إزالة كلمة عن نَهج صواب فليس لهم ذلك.
وقال ابن رشيق في العمدة:(2/399)
العرب أفضل الأمم، وَحِكْمَتُها أشرف الحِكَم كفضل اللسان على اليد.
وكلام العرب نوعان: منظوم ومنثور لكل نوع منهما ثلاث طبقات: جيدة ومتوسطة ورديئة، فإذا اتفقت الطبقتان في القَدْر، وتساوتا في القيمة ولم يكن لإحداهما فضل على الأخرى كان الحكم للشعر ظاهرا في التسمية لأن كل منظوم أحسنُ من كل منثور من جنسه في معترف العادة ألا ترى أن الدُّرَّ وهو أخو اللفظ ونسيبُه، وإليه يقاس وبه يشبه إذا كان منظوما يكون أظهر لحسنه، وأصْونَ له.
وكذلك اللفظ إذا كان منثورا تَبَدَّد في الأسماع، وتَدَحْرَجَ في الطباع، ولم يستقر منه إلا المفرطة في اللطف فإذا أخذه سِلْكُ الوَزْنِ وعِقْد القافية تألفت أشْتاته، وازدوجت فرائده، وأمن السرقة والغَصب.
وقد أجمع الناس على أن المنثور في كلامهم أكثر، وأقل جيدا محفوظا، وأن الشعرَ أقلُّ، وأكثر جيدا محفوظا لأن في أدناه من زينة الوزن والقافية ما يقارب به جَيِّد المنثور.
وكان الكلامُ كله منثورا، فاحتاجت العرب إلى الغِناء بمكارم أخلاقها، وطَيِّب أعراقها، وذكرِ أيامها الصالحة، وأوطانها النازحة، وفُرسَانها الأَنجاد، وسمحائها الأجواد لتهز نفوسها إلى الكرم، وتدل أبناءها على حسن الشيم فتوهموا أعاريض فعملوها موازين للكلام، فلما تم لهم وزنه سموه شعرا، لأنهم قد شَعروا به أي فَطِنوا له.
وقال: ما تكلمت به العرب من جيد المنثور أكثر مما تكلمت به من جيد الموزون، فلم يُحفظ من المنثور عُشْره ولا ضاع من الموزون عشره.
فإن احتج أحد على تفضيل النثر على الشعر بأن القرآن منثور وقد قال تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاه الشِّعرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} ، قيل له: إن الله بعث رسوله آية وحجة على الخلْق، وجعل كتابه منثورا ليكون أظهر برهانا بفضله على الشعر الذي من عادة صاحبه أن يكون قادرا على ما يحب من الكلام، وتحدَّى جميع الناس من شاعر وغيره بعمل مثله، فأعجزهم ذلك فكما أن القرآن أعجَز الشعراء وليس بِشِعْر، كذلك أعجزَ الخطباء وليس بخُطبة، والمترسلين وليس بترسل، وإعجازُه الشعراء أشدُّ برهانا ألا ترى العرب كيف نسبوا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الشعر لَمَّا غُلِبوا وتبين عجزهم فقالوا: هو شاعر لمَا في قلوبهم من هيبة الشعر وفخامته، وأنه يقع منه ما لا يُلحَق والمنثور ليس كذلك، فمن هنا قال تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} أي لتقوم عليكم الحجة ويصح قِبَلكم الدليل.(2/400)
قال ابنُ رشيق: وكانت القبيلة من العرب إذا نبغ فيها شاعر أتت القبائل فهنَّأتها بذلك وصنعت الأطعمة، واجتمع النساء يلعبْن بالمزَاهِر كما يصنعن في الأعراس، وتتباشر الرجال والولْدَان لأنه حِماية لأعراضهم، وذَبٌّ عن أحسابهم، وتخليد لمآثرهم، وإشادَةٌ لِذِكْرِهِمْ وكانوا لا يهنئون إلا بغلام يولد، أو شاعر ينبغ فيهم، أو فرس تُنتج.
وقال محمد بن سلام الجمحي في طبقات الشعراء لا يحاط بشعر قبيلة واحدة من القبائل العرب، وكان الشِّعْر في الجاهلية عند العرب ديوانَ علمهم، ومنتهى حكمتهم، به يأخذون وإليه يصيرون.
قال ابن عوف عن ابن سِيرين: قال: قال عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه: كان الشِّعْرُ علم قوم لم يكن لهم علم أصح منه، فجاء الإسلام فتشاغلت عنه العرب، وتشاغلوا بالجهاد وغزو فارس والروم ولَهَتْ عن الشعر وروايته فلما كثر الإسلام وجاءت الفتوح، واطمأنَّ العرب بالأمصار، راجعوا رواية الشعر، فلم يَئِلُوا إلى ديوان مُدَوَّن، ولا كتاب مكتوب، وألفوا ذلك وقد هلك من العرب مَنْ هلك بالموت والقتل، فحفظوا أقلَّ ذلك وذهب عنهم منه كثير، وقد كان عند آل النعمان بن المنذر منه ديوان فيه أشعار الفحول، وما مُدِح به هو وأهل بيته، فصار ذلك إلى بني مروان أو صار منه.
قال يونس بن حبيب: قال أبو عمرو بن العلاء: ما انتهى إليكم مما قالت العرب إلا أقلُّه ولو جاءكم وافرا لجاءكم عِلْمٌ وشِعر كثير.
قال محمد بن سلام الجُمَحي: ومما يدل على ذهاب الشعر وسقوطه قلةُ ما بأيدي الرواة المصحِّحين لطرفة وعَبيد اللَّذين صحَّ لهما قصائد بقدر عشر وإن لم يكن لهما غيرهن فليس موضعهما حيث وضعا من الشهرة والتَّقْدِمة، وإن كان ما يروي من الغث لهما فليسا(2/401)
يستحقان مكانهما على أفواه الرواة، ويروى أن غيرهما قد سقط من كلامه كلام كثير، غير أن الذي نالهما من ذلك اكثر، وكانا أقدم الفحول، فلعل ذلك لذلك. فلما قل كلامهما حمل عليهما حملا كثيرا.
بدايات الشعر
ولم يكن لأوائل العرب من الشِّعر إلا الأبيات يقولها الرجل في حاجته وإنما قُصِّدت القصائد، وطول الشعر على عهد عبد المطَّلب، أو هاشم بن عبد مناف، وذلك يدل على إسقاط عاد وثمود وحمير وتُبَّع فمن قديم الشعر الصحيح قول العَنْبر ابن عمرو بن تميم، وكان مجاورا في بَهْراء، فَرَابه رَيْبٌ فقال:
(قد رَابَني من دَلْوَى اضطرابها ... والنأي في بهراء واغترابها)
(إلا تجىء ملأى يجىء قرابها) // الرجز // ومما يروى من قديم الشعر قول دُويد بن زيد بن نَهْد حين حضره الموت:
(اليوم يُبنى لدُوَيْد بيتُه ... لو كان للدَّهر بِلًى أَبْلَيْتُه)
(أو كان قِرني واحدا كَفَيْتُه ... يا رُبَّ نَهْب صالح حَويْتُه)
(ورب غَيْلٍ حسن لويته) // الرجز // ومن قدماء الشعراء اعصر بن سعد بن قَيْس عيلان بن مضر، وهو مُنْبه أبو باهلة وغني والطُّفاوة.
ومنهم المستوغر بن ربيعة بن كعب بن نَهْد، وكان قديما، وبقي بقاء طويلا حتى قال:
(ولقد سئمتُ من الحياةِ وطُولها ... وازدَدْتُ من عَدَدِ السنين مِئينا)
(مائة أتت من بعدها مائتان لي ... وازدَدْتُ من عدد الشهور سنينا) // الكامل //(2/402)
ومنهم زهير بن جَنَاب الكلْبي، كان قديما شريفا وهو القائل:
(إذا قالت حَذام فصدِّقوها ... فإن القول ما قالت حذام) // الوافر // ومنهم جَذِيمة الأبْرش، ولجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل وهو القائل:
(من كل ما نالَ الفتى ... قد نلته إلا التحية) // مجزوء الكامل // وقال امرؤ القيس بن حُجْر:
(عُوجَا على طَللِ الديار لَعلَّنا ... نبكي الدِّيارَ كما بكى ابن حذام) // الكامل // وهو رجل من طيىء، لم نسمع شعره الذي بكى فيه، ولا شعرا غير هذا البيت الذي ذكره امرؤ القيس.
وكان أول من قصَّد القصائد، وذكر الوقائع المهلهل بن ربيعة التغْلِبيّ في قتل أخيه كليب قال الفرزدق:
(ومهلهل الشعراء ذاك الأول) // الكامل // وزعمت العرب أنه كان يتكثَّر ويدَّعِي في قوله بأكثر من فعله.(2/403)
رحلة الشعر في القبائل
وكان شعراء الجاهلية في ربيعة أولهن المهلهل وهو خال امرىء القيس بن حُجْر الكِنْدِيّ، والمُرَقِّشان، والأكبر منهما عم الأصغر والأصغر عم طَرَفة بن العبد، واسم الأكبر عَوْف بن سعد، واسم الأصغر عمرو بن حَرْملة، وقيل ربيعة بن سفيان.
ومنهم سعد بن مالك، وطَرَفة بن العبد، وعَمْرو بن قَمِيئة، والمتلمِّس، وهو خال طرفة، والأَعْشى والمُسَيِّب بن عَلَس، والحارث بن حلِّزة.
ثم تحوَّل الشعر في قَيس، فمنهم النابغتان وزهير بن أبي سلمى، وابنه كعب، ولبيد، والحطيئة والشَّمَّاخ، وأخوه مُزَرِّد، وخِدَاش بن زهير.
ثم آل إلى تميم فلم يزل فيهم إلى اليوم ومنهم كان أَوْس بن حَجَر شاعر مُضَر في الجاهلية، لم يتقدمه أحد منهم حتى نشأ النابغة وزهير فأخملاه، وبقي شاعرَ تميم في الجاهلية غير مدافَع وكان الأصمعي يقول: أوْس أشعر من زُهَير ولكن النابغة طَأطأ منه، وكان زهير راوية أَوْس، وكان أوس زوج أم زهير.
اختلاف العلماء في أولية الشعر
وقال عمر بن شبة في طبقات الشعراء: للشعر والشعراء أولٌ لا يُوقَفُ عليه وقد اختلف في ذلك العلماء، وادَّعت القبائلُ كل قبيلة لشاعرها أنه الأول، ولم يدعوا ذلك لقائل البيتين والثلاثة لأنهم لا يُسَمون ذلك شعرا، فادعت اليمانية لامرىء القيس، وبنو أسد لعبيد بن الأبرص، وتَغْلِب لِمُهَلْهل، وبكر لعمرو بن قَمِيئة والمرقِّش الأكبر وإياد لأبي دُؤَاد.
قال: وزعم بعضهم أن الأفوه الأوْدِي أقدمُ من هؤلاء، وأنه أول من قَصَّد القصيد قال: وهؤلاء النفر المدَّعى لهم التقدم في الشعر متقاربون، لعل أقدَمهم لا يسبق الهجرة بمائة سنة أو نحوها.
وقال ثعلب في أماليه: قال الأصمعي: أول مَنْ يُروَى له كلمة تبلغ ثلاثين بيتا من الشعر مهلهل، ثم ذؤيب بن كعب بن عمرو بن تميم، ثم ضَمْرة، رجل من بني كنانة، والأضبط بن قريع.
قال: وكان بين هؤلاء وبين الإسلام أربعمائة سنة، وكان امرؤ القيس بعد هؤلاء بكثير.
وقال ابن خالويه في كتاب ليس: أول من قال الشعر ابن حذام.(2/404)
الشعراء المشهورون
وقال ابن رشيق في العمدة: المشاهير من الشعراء أكثر من أن يُحَاطَ بهم عددا، ومنهم مشاهير قد طارت أسماؤهم، وسار شعرهم، وكثر ذكرهم، حتى غلبوا على سائر من كان في زمانهم، ولكل أحد منهم طائفة تُفَضِّلُه وتتعصَّب له، وقلما تجتمع على واحد إلا ما رُوِي عن النبي صلى الله عليه وسلم في امرىء القيس أنه أشعر الشعراء وقائدهم إلى النار (يعني شعراء الجاهلية والمشركين) .
قال دِعْبِل بن علي الخُزاعي: ولا يقود قوما إلا أميرهم.
وقال عمر بن الخطاب للعباس بن عبد المطلب وقد سأله عن الشعراء امرؤ القيس سابقهم، خَسَف لهم عين الشعر، فافتقر عن معان عور أصح بصرا.
قال عبد الكريم: خسف لهم من الخَسِيف وهي البئر التي حُفِرت في حجارة، فخرج منها ماء كثير، وقوله: افْتقر أي فَتح وهو من الفقير، وهو فم القناة.
وقوله: عن معنان عُور يريد أن امرأ القيس من اليمن، وأن أهل اليمن ليست لهم فصاحة نزار، فجعل لهم معاني عورا فتح امرؤ القيس أصح بصر فإن امرأ القيس يماني النسب نزاري الدار والمنشأ.
وفَضَّله علي رضي الله عنه بأن قال: رأيته أحسنَهم نادرة، وأسبقَهم بادرة، وأنه لم يقل لرغبة ولا لرهبة.
وقد قال العلماء بالشعر: إن امرأ القيس لم يتقدم الشعراء لأنه قال ما لم يقولوا ولكنه سبق إلى أشياء فاستحسنها الشعراء، واتَّبَعوه فيها لأنه أول من لطَّف المعاني، ومن استوقف على الطلول، ووصف النساء بالظباء والمَهَا والبَيْض، وشبه الخيل بالعِقْبانِ والعصي، وفَرَق بين النسيب وما سواه من القصيدة، وقرب مأخذ الكلام فَقَيَّد الأوَابِد وأجاد الاستعارة والتشبيه.
وحكى محمد بن سلام الجمحي أن سائلا سأل الفرزدق مَنْ أَشْعَرُ الناس فقال: ذو القروح.(2/405)
وسئل لبيد: من أشعر الناس فقال: الملك الضِّلِّيل، قيل: ثم مَنْ قال: الشاب القتيل.
قيل: ثم من قال: الشيخ أبو عَقيل (يعني نفسه) .
وكان الحُذَّاق يقولون: الفحول في الجاهلية ثلاثة وفي الإسلام ثلاثة متشابهون: زهير والفرزدق، والنابغة والأخطل، والأعشى وجرير.
وكان خلف الأحمر يقول: أجمعهم الأعشى.
وقال أبو عمرو بن العلاء: مَثَلُه مثل البازي، يضرب كبير الطير وصغيره.
وكان أبو الخطاب الأخفش يُقدِّمه جدا، لا يقدِّم عليه أحدا.
وحكى الأصْمعيّ عن ابن أبي طرفة: كفاك من الشُّعَراء أربعة: زهير إذا رَغِب، والنابغة إذا رهب، والأعشى إذا طَرِب، وعنترة إذا كَلِب، وزاد قوم وجرير إذا غضب.
وقيل لكُثَيِّر أو لنُصَيْب: من أشعر العرب فقال: امرؤُ القيس إذا رَكِبَ، وزهير إذا رَغِب، والنابغة إذا رَهِب، والأعشى إذا شَرِب.
وكان أبو بكر رضي الله عنه يقدم النابغة ويقول: هو أحسنهم شعرا، وأعذبهم بحرا، وأبعدهم قَعْراً.
وقال محمد بن أبي الخطاب في كتابه الموسوم بجمهرة أشعار العرب: إن أبا عُبَيدة قال: أصحابُ السبع التي تسمى السِّمط: امرؤُ القيس، وزُهير، والنابغة والأعشى، ولَبيد، وعمرو، وطَرَفة.
قال: وقال المفضَل: من زعم أن في السبع التي تسمى السِّمْط لأحد غير هؤلاء فقد أبطل.
وأسقطا من أصحاب المعلقة عنترة والحارث بن حلزة، وأثبتا الأعشى والنابغة.
وكانت المعلقات تسمى المُذَهَّباتُ، وذلك أنها اختيرت من سائر الشعر، فكتبت في القُبَاطِيّ بماء الذهب، وعلِّقت على الكعبة فلذلك يقال: مُذَهَّبة فلان إذا كانت أجود شعره.
ذكر ذلك غيرُ واحد من العلماء.
وقيل: بل كان الملك إذا استجيدت قصيدة يقول: عَلِّقوا لنا هذه لتكون في خزانته(2/406)
وقال الجُمحي: سأل عكرمة بن جرير أباه جريرا: مَنْ أشعر الناس قال: أعَن الجاهلية تَسألني أم الإسلام قال: ما أردت إلا الإسلام، فإذْ ذكرتَ الجاهلية فأخْبِرني عن أهلها.
قال: زهير شاعرهم، قال: قلت: فالإسلام قال: الفرزدق نَبْعة الشعر، قلت: والأخطل قال: يجيد مدح الملوك، ويصيب صفة الخمر، قلت: فما تركتَ لنفسك قال: دعني فإني نحرت الشعر نحرا.
وسئل الفرزدق مرة: من أشعر العرب فقال: بشر بن أبي خازم، قيل له: بماذا قال: بقوله:
(ثوى في مَلْحَدٍ لا بد منه ... كفى بالموت نأيا واغترابا) // الوافر // ثم سئل جرير، فقال: بِشر بن أبي خازم، قيل له: بماذا قال: بقوله:
(رهين بِلًى وكلُّ فَتًى سيْبَلَى ... فَشُقِّي الجيبَ وانْتَحبي انتحابا) // الوافر // فتفقا على بِشْر بن أبي خازم كما ترى.
وكتب الحجاجُ بنُ يوسف إلى قُتيبة بن مسلم يسألُه عن أشعر الشعراء في الجاهلية، وأشعر شعراء وقته، فقال: أشعرُ الجاهلية امرؤ القيس، وأَضْربَهُم مثلا طَرَفَة وأما شعراء الوقت فالفرزدق أفخرُهم، وجريرٌ أهجاهم، والأخطلُ أوصفهم.
وأما الحُطَيئة فسُئِل: مَنْ أشعر الناس فقال: أبو دؤاد حيث يقول:
(لا أعُدّ الإقتار عُدْماً ولكن ... فقد من قد رزئته الإعدام) // الخفيف // وهو وإن كان فحلا قديما، وكان امرؤ القيس يتوكأ عليه، ويَرْوِي شعره، فلم يقل فيه أحد من النُّقَاد مقالَة الحطيئة.(2/407)
وسأله ابن عباس مرة أخرى فقال: الذي يقول:
(ومَنْ يجعل المعروف من دون عِرْضِه ... يفره ومن لا يتق الشتم يشتم) // الطويل // وليس الذي يقول:
(ولستَ بِمُسْتبِقٍ أخا لا تلمه ... على شعث، أي الرجال المهذب) // الطويل // ولكن الضَّراعة أفسدته كما أفسدت جَرْولاً، والله لولا الجشع لكنت أشعر الماضين.
وأما الباقون فلا شك أني أشعرهم.
قال ابن عباس: كذلك أنت يا أبا مُلَيكة.
زعم ابن أبي الخطاب أن أبا عمرو يقول: أشعر الناس أربعة: امرؤ القيس، والنابغة، وطَرَفة، ومهلهل.
قال: وقال المفضل: سئل الفرزدق فقال: امرؤ القيس أشعر الناس وقال جرير: النابغة أشعر الناس، وقال الأخطل: الأعشى أشعر الناس.
وقال ابن أحمر: زهير أشعر الناس.
وقال ذو الرُّمة: لَبيد أشعر الناس.
وقال نَضْر بن شُمَيْل: طَرَفة أشعر الناس، وقال الكُمَيْت: عمرو بن كلثوم أشعر الناس، وهذا يدلك على اختلاف الأهواء وقلة الاتِّفَاق.
وكان ابن أبي إسحاق، وهو عالم ناقد، ومقدم مشهور، يقول: أشعر الجاهلية مُرَقِّش الأكبر، وأشعر الإسلاميين كُثَيِّر.
وهذا غُلوّ مُفْرِط، غير أنهم مُجْمِعون على أنه أَوَّلُ من أطال المدح.
وسأل عبدُ الملك بن مَروان الأخطلَ: مَنْ أشعر الناس فقال: العبد العَجْلاني، يعني ابن مُقْبل، قال: بم ذاك قال: وجدتُه في بَطْحَاء الشعر والشعراء على الجَرْفين، قال: أعرف له ذلك كرها.
وقيل لنُصَيْب مرة من: أشعر العرب فقال: أخو تميم يعني عَلْقَمة بن عَبَدة، وقيل: أَوْس بن حَجَر.
وليس لأحد من الشعراء بعد امرىء القيس ما لزهير والنابغة والأعشى في(2/408)
النُّفُوس، والذي أتت به الرواية عن يونس بن حبيب الضبي النحوي أن علماء البَصْرَةِ كانوا يقدمون امرأ القيس، وأن أهل الكوفة كانوا يقدمون الأعشى، وأن أهل الحجاز والبادية كانوا يقدمون زهيرا والنابغة، وكان أهل العالية لا يعدلون بالنابغة أحدا كما أن أهل الحجاز لا يعدلون بزهير أحدا.
ثم قال محمد بن سلاَّم يرفعه عن عبد الله بن عباس أنه قال: قال لي عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنشِدْنِي لأشعر شعرائكم، قلت، ومَنْ هو يا أمير المؤمنين قال: زهير، قلت: وكان كذلك قال: كان لا يُعَاظِل بين الكلام ولا يتبع حُوشِيّة، ولا يمدح الرجل إلا بما فيه.
ثم قال ابن سلاَّم: قال أهل النظر: كان زهير أحصفَهم شعرا، وأبعدَهم من سُخْف، وأجمَعهم لكثير من المعاني في قليل من المنطق.
وأما النابغة فقال مَنْ يحتج له: كان أحسنَهم ديباجةَ شعر، وأكثَرهم رَوْنَقَ كلام وأجْزَلَهم بيتا كان شعرُه كلاما ليس فيه تكلف.
وزعم أصحاب الأعشى أنه أكثرهم عروضا، وأذهبهم في فنون الشعر، وأكثرهم طويلة جيدة مدحا وهجاء وفخرا وصفة.
وقال بعض مُتَقَدِّمي العلماء: الأعشى أشعر الأربعة، قيل له: فأين الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أن امرأَ القيس بيده لواءُ الشعر فقال: بهذا الخبر صحَّ للأعشى ما قلت، وذلك أنه ما من حامل لواء إلا على أمير، فامرؤ القيس حامل اللواء والأعشى الأمير.
وسئِل حسان بن ثابت رضي الله عنه مَنْ أشعر الناس فقال: أرَاحِلاً أم حيا قيل: بل حيا قال: أشعر الناس حيا هذيل.
قال محمد بن سلام الجمحي: وأشعر هُذَيْل أبو ذؤيب غير مُدافَع.
وحكى الجُمَحِيّ قال: أخبرني عمرو بن مُعاذ المعري قال: في التوراة مكتوب أبو ذؤيب مؤلف زورا، وكان اسم الشاعر بالسريانية (مؤلف زورا) ،(2/409)
فأخبرت بذلك بعضَ أصحاب العربية، وهو كثير بن إسحاق فأعجب منه، وقال: بلغني ذلك.
وقال الأصمعي: قال أبو عمرو بن العلاء: أفصح الشعراء ألسنا وأعربهم أهل السَّرَوات وهن ثلاث، وهي الجبال المطَّلة على تِهامة مما يلي اليمن فأولها هُذيل وهي تلي الرمل من تهامة ثم عليه السراة الوسطى وقد شركتهم ثقيف في ناحية منها، ثم سَرَاة الأزد، أزد شَنُوءة وهم بنو الحارث بن كعب بن الحارث بن نَصْر بن الأزْد.
وقال أبو عمرو أيضا: أفصح الناس عُلْيا تميم وسُفْلى قيس.
وقال أبو زيد: أفصح الناس سافلةُ العالية، وعالية السافلة، يعني عَجُز هوازن وأهل العالية أهل المدينة ومن حولها ومن يليها ودنا منها، ولغتهم ليست بتلك عنده.
وقوم يرون تقدمة الشعر لليمن في الجاهلية بامرىء القيس، وفي الإسلام بحسَّان ابن ثابت، وفي المولدين بالحسن بن هانىء وأصحابه.
وأشعرُ أهل المَدِر بإجماع من الناس والاتفاق حسان بن ثابت.
وقال أبو عمرو بن العلاء: ختم الشعر بذي الرُّمة، والرجز برؤْبة العجاج.
وزعم يونس: أن العجَّاج أشْعَرُ أهل الرجز والقصيدة، وقال: إنما هو كلام وأجودهم كلاما أشعرهم.
والعجَّاج ليس في شعْره شيء يستطيع أحد أن يقول: لو كان مكانه غيره لكان أجود.
وذكر أنه صنع أُرجَوزَته:
(قد جَبَر الدين الإله فجبر) // الرجز // في نحو من مائتي بيت، وهي موقوفة مقيدة، ولو أطلقت قوافيها وساعد فيها الوزن لكانت منصوبة كلها.
وقال أبو عبيدة: إنما كان الشاعر يقول من الرجز البيتين والثلاثة ونحو ذلك إذا حارب، أو شاتم، أو فاخر حتى كان العجَّاج أول من أطاله وقَصَّدَه، وشَبَّب فيه، وذكر الديار واستوقف الركاب عليها، واستوصف ما فيها، وبكى على الشَّباب، ووصف(2/410)
الراحلة، كما فعلت الشعراء بالقصيد، فكان في الرجاز كامرىء القيس في الشعراء.
وقال غيره: أولُ من طول شعر الرجز الأغلب العِجْلي، وهو قديم، وزعم الجُمَحِيّ وغيره أنه أول من رجز.
وقال ابن رشيق في العمدة: ولا أظن ذلك صحيحا لأنه إنما كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن نجد الرَّجز أقدم من ذلك.
وكان أبو عبيدة يقول: افتتح الشعر بامرىء القيس وختم بابن هَرْمة.
وقالت طائفة: الشعراء ثلاثة: جاهلي، وإسلامي، ومولد، فالجاهلي امرؤ القيس، والإسلامي ذو الرُّمة، والمولد ابن المعتز.
وهذا قول من يُفَضِّل البديع وخاصة التشبيه على جميع فنون الشعر.
وطائفة أخرى تقول: بل الثلاثة: الأعشى، والأخطل، وأبو نواس.
وهذا مذهب أصحاب الخمر وما ناسبها، ومَنْ يقول بالتصرف وقلة التكلف.
وقال قوم: بل ثلاثة: مهلهل، وابن أبي ربيعة، وعباس بن الأحنف.
وهذا قول من يؤثر الأنفة، وسهولة الكلام والقدرة على الصنعة والتجويد في فن واحد، وليس في المولدين أشهر اسما من الحَسَن، ثم حبيب، والبحتري، ويقال: إنهما أخملا في زمانها خمسمائة شاعر كلهم مجيد، ثم تبعها في الاشتهار ابن الرومي، وابن المعتز، وطار اسم ابن المعتز حتى صار كالحسن في المولدين وامرىء القيس في القدماء، ثم جاء المتنبي فملأ الدنيا.
هذا كله كلام ابن رشيق.
الشعراء المقلون
ثم قال: باب المقلين من الشعراء ولما كان المشاهير من العشراء كما قدمت أكثر من أن يحصوْا ذكرت من المقلين من وسع ذكره في هذا الموضع: فمنهم: طرفة بن العبد، وعَبيد بن الأبرص، وعَلْقمة الفحل، وعدي بن زيد وطرفةُ فضل الناس بواحدة عند العلماء وهي المعلقة:
(لخولة أطلال ببرقة ثهمد) // الطويل //(2/411)
وله سواها يسير، لأنه قتل صغيرا حول العشرين فيما روى، وأصحُّ ما في ذلك قول أخته ترثيه:
(عددنا له ستَّاً وعشرين حِجَّة ... فلما توفَّاها اسْتَوَى سَيِّداً ضَخْماً)
(فُجِعْنَا به لمَّا رَجَوْنا إيابَه ... على خير حال لا وليدا ولا قحما) // الطويل // أنشده المبرِّد.
والقَحْم: المتناهي في السن.
وعَبيد بن الأبرص: قليل الشعر في أيدي الناس، على قِدَم ذكره، وعِظَم شهرته، وطول عمره، يقال: إنه عاش ثلثمائة سنة وكذلك أبو دؤاد.
ولِعَلْقَمة الفَحْل: ثلاث قصائد مشهورات، إحداها قوله:
(ذَهَبْتِ مِن الهِجران في كل مَذْهَب) // الطويل // والثانية قوله:
(طَحَابك قَلْبٌ في الحِسان طَرُوب) // الطويل // والثالثة قوله:
(هل ما علمت وما استودعت مكتوم) // البسيط // وأما عدي بن زيد: فمشهوراته أربع، قوله:
(أرواح مودع أم بكور) // الخفيف //(2/412)
وقوله:
(أتعرفُ رسمَ الدار مِن أُمِّ مَعْبَدِ) // الطويل // وقوله:
(ليس شيء على المنون بباقي) // الخفيف // وقوله:
(لم أرَ مثل الفتيان في غير الأيام ... ينسون ما عواقبها) // المنسرح // وقال أبو عمرو: عَدِيٌّ في الشعراء مثل سُهَيل في النجوم، يعارِضها ولا يجري معها هؤلاء أشعارهم كثيرة في ذاتها، قليلة في أيدي الناس، ذهبت بذهاب الرواة الذي يحملونها.
ومن المقلين سلامة بن جُنْدَب وحُصَيْن بن الحُمام المُرّي، والمتلمِّس، والمسيَّب ابن عَلَس كل أشعارهم قليلة في ذاتها، جيد الجملة.
ويروى عن أبي عبيدة أنه قال: اتفقوا على أن أشعر المقلين في الجاهلية ثلاثة: المتلمس، والمسيب بن علس، وحصين ابن الحُمام المُرّي.
وأما أصحاب الواحدة فطَرَفة أولهم، ومنهم عنترة، والحارث بن حلِّزة، وعمْرو بن كلثوم أصحاب المعلقات المشهورات، وعمرو بن معدي كرب، والأشعر بن حُمران الجُعْفى، وسُوَيْد بن أبي كاهل، والأسود بن يَعْفُر.
وكان امرؤ القيس مقلا كثير المعاني والتصرف، لا يصح له إلا نيف وعشرون شعرا بين طويل وقطعة.
الشعراء المغلبون
وأما المغلَّبون: فمنهم نابغة بني جَعْدة، ومعنى المُغلَّب الذي لا يزال مغلوبا قال امرؤُ القيس:
(فإنك لم يفخر عليك كَفاخِر ... ضعيف ولم يغلبك مثل مغلب) // الطويل //(2/413)
يعني أِنه إذا قدر لم يبْق، وقد غُلّب على الجَعْدي أوس بن مَغْراء السعدي، وليلى الأَخْيَليَّة وغيرهما.
وقيل: إن موت الجَعْدي كان بسبب ليلى الأخيلية فر من بين يديها فمات في الطريق مسافرا.
قال الجُمَحيّ: وكان الجَعْدي مختلف الشعر سُئِل عنه الفَرزدق فقال: مثله مثل صاحب الخُلْقان ترى عنده ثوب عَصب وثوب خَزّ وإلى جنبه سَمَل كساء، وكان الأصمعي يمدحه بهذا وينسبه إلى قلة التكلف فيقول: عنده خِمار بوافٍ، ومُطْرَف بآلاف.
بواف: يعني بدرهم.
ومن المغلبين الزِّبْرِقان، غلبه عَمْرو بن الأهتم، وغلبة المَخبّل السعدي، وغَلَبه الحطيئة.
وقال يونس بن حبيب: كان البغيث مغلبا في الشعر غلابا في الخطب.
فصل: قال ابنُ رَشيق في العمدة: باب في القدماء والمحدثين: كل قديم من الشعراء فهو محدَث في زمانه بالإضافة إلى مَنْ كان قبله.
وكان أبو عمرو بن العلاء يقول: لقد حسُن هذا المولد حتى هممت أن آمُر صِبيَانَنا برِوَايته، يعني بذلك شِعْرَ جرير والفرزدق، فجعله مولَّداً بالإضافة إلى شعر الجاهلية والمُخضْرَمِين، وكان لا يَعُدّ الشعر.
إلا ما كان للمتقدمين.
قال الأصمعي: جلستُ إليه عشر حِجَج، فما سمعتُه يحتجُّ ببيت إسلامي وسُئِل عن المولَّدين فقال: ما كان من حَسَنٍ فقد سُبقوا إليه، وما كان من قبيح فهو من عندهم ليس النمط واحدا هذا مذهب أبي عمرو وأصحابه كالأصمعي وابن الأعرابي، أعني أن كلَّ واحد منهم يذهبُ في أهل عصره هذا المذهب، ويقدم مَنْ قبلهم، وليس ذلك لشيء إلا لحاجتهم في الشعر إلى الشاهد، وقلةِ ثقتهم بما يأتي بن المولَّدون.
فأما ابنُ قتيبة فقال: لم يَقْصِر الله الشعر والعلم والبلاغة على زمن دون زمن، ولا خَصَّ قوما دون قوم، بل جعل ذلك مشتركا مقسوما بين عباده، في كل دَهْر، وجعل كلَّ قديم حديثا في عصره.(2/414)
طبقات الشعراء
ثم قال ابن رشيق في باب آخر: طبقاتُ الشعراء أربع: جاهلي قديم، ومُخَضْرَم - وهو الذي أدرك الجاهلية والإسلام - وإسلامي، ومُحْدَث ثم صار المحدثون طبقات أولى، وثانية على التدريج هكذا في الهبوط إلى وقتنا هذا فليعلم المتأخِّرُ مقدارَ ما بقي له من الشعر فيتصفح أشعارَ مَنْ قبله، لينظرَ كم بين الْمُخَضْرَم والجاهلي وبين الإسلامي والمُخضْرَم، وأن للمحْدَث الأول فضلا عمن بعده دونهم في المنزلة، ففي الجاهليين والإسلاميين مَنْ ذهب بكل حلاوة وَرشَاقَةٍ، وسبق إلى كل طَلاوة ولَبَاقة.
قال أبو الحسن الأخفش: يقال: ماء خَضْرَم، إذا تناهى في الكثرة والسعة، فمنه سُمِّي الرجل الذي شهد الجاهلية والإسلام مُخَضْرَماً، كأنه استوفى الأَمْرَين.
قال: ويقال أُذُنٌ مخضرمة، إذا كانت مقطوعة، فكأنه انقطع عن الجاهلية إلى الإسلام.
وحكى ابن قتيبة عن الأصمعي قال: أَسْلَم قومٌ في الجاهلية على إبل قطعوا آذانها فسمي كل من أدرك الجاهلية والإسلام مُخَضرَماً، وزعم أنه لا يكون مُخَضْرَماً حتى يكون إسلامه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أدركه كبيرا فلم يسلم.
قال ابن رشيق: وهذا عندي خَطَأ لأن النابغة الجَعدي ولَبِيداً قد وقع عليهما هذا الاسم.
فأما علي بن الحسن، كُراع، فقد حكى: شاعر مُحَضْرَم (بحاء غير معجمة) مأخوذ من الحضرمة وهي الخَلْطُ لأنه خلط الجاهلية والإسلام.
وقالوا الشعراء أربعة: شاعر خِنْذِيذ، وهو الذي يجمع إلى جَوْدَةِ شعره روايةَ الجيِّد من شعر غيره وسئل رؤبة عن الفحول فقال: هم الرُّوَاة.
وشاعر مُفْلِق وهو الذي لا رِوَاية له إلا أنه مُجَوِّد كالخِنْذيذ في شعره.
وشاعر فقط وهو فوق الرديء بدرجة وشُعرور وهو لا شيء.
قال بعض الشعراء:
(يا رابعَ الشعراء كيف هجوتَنِي ... وزعمت أني مفْحَم لا أنطق) // الكامل // وقيل بل هم: شاعر مُفْلِق، وشاعر مُطبق، وشُوَيْعِر، وشُعرور، والمُفلق: الذي يأتي في شعره بالفَلْقِ وهو العَجَب، وقيل: الداهية.
قال الأصمعي: الشُّوَيْعِر مثل محمد بن حُمران بن أبي حُمران، سماه بذلك(2/415)
امرؤ القيس ومثل عبد العزيز المعروف بالشُّوَيْعِر.
قال الجاحظ: والشويعر أيضا عبد ياليل من بني سعد بن ليث، وقيل: اسمه ربيعة بن عثمان، وقال بعضهم: شاعر وشُويعر وشُعرور.
قال العبدي في شاعر يُدْعَى المفوَّف من بني ضَبَّة ثم من بني خَمِيس:
(ألا تنهى سراة بني خميس ... شُوَيْعِرَها فُوَيْلِتَةَ الأفاعي) // الوافر // فسماه شويعرا.
وفَالِتة الأفاعي: دُوَيِبّة فوق الخنفساء فصغَّرها أيضا تحقيرا له.
وزعم الحاتمي أن النابغةَ سُئِل: من أشعر الناس فقال: من استُجيد جيده، وأضحك رديه (وهذا كلام يستحيل مثله عن النابغة، لأنه إذا أضحك رَدِيّه) كان من سفلة الشعراء إلا أن يكون ذلك في الهجاء خاصة.
وقال الحطيئة:
(الشِّعْرُ صعب وطويل سلمه ... والشعر لا يستطيعه مَن يظلمه)
(إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه ... زلت به إلى الحَضيضِ قدمُه)
(يريد أن يعربه فيعجمه) // الرجز // وقال بعضهم:
(الشعراء فاعلمن أربعة ... فشاعر لا يُرتجى لمنفعه)
(وشاعر ينشد وسط المَعْمَعة ... وشاعر آخر لا يُجْرى معه)
(وشاعر يقالُ خمر في دعه) // الرجز // قال ابن رشيق: إنما سمي الشاعر شاعرا، لأنه يشعر بما لا يشعر به غيره.
قال ابن خَالَوَيْه في شرح الدريدية: يقال أنشدته مقلَّدات الشعراء أي أبياتهم الطنانة المستحسنة.
ويقول آخرون: إن المقلَّد من الشعر ما كان اسم الممدوح فيه مذكورا في(2/416)
قافيته. ويقال: هذا البيتُ عُقْر هذه القصيدة، أي أجود بيت فيها كما يقال هذا بيت طنان.
وفي المقصور والممدود للقالي قال أبو عبيدة في قول النابغة الذبياني:
(يصد الشاعر الثُّنْيَانُ عني ... صُدُودَ البَكْر عن قَرْمٍ هجان) // الوافر // قال: الثُّنيان الذي هو شاعر، وأبوه شاعر ككعب بن زهير، وعبد الرحمن بن حسان، ورُؤْبة بن العَجَّاج.
وقال أبو عمرو الشيباني: الثُّنْيَان الذي يُسْتَثْنَى، فيقال: ما في القوم أشعر من فلان إلا فلان، ففلان المستثنى هو الأفضل الأشعر.
وقال الأصمعي.
الثُّنيان. الذي تثنى عليه الخناصر في العدد لأنه أول.
وقال ابن هشام: هو الذي يُسْتَثنى من الشعراء لأنه دونهم، وقال غيره: الثُّنيان: الضعيف.
وقال القالي: الثُّنيان عندي: الذي يُسْتَثنى من القوم رفيعا أو ضعيفا، فيقال للدون والضعيف: ثُنْيان، وللرفيع والشاعر: ثُنْيان.
وقال القالي في المقصور والممدود: حدثنا أبو بكر بن دريد، قال: ذكر أبو عبيدة وأحسب الأصمعي قد ذكره أيضا قال: لَقِيَت السِّعلاة حسانَ بن ثابت في بعضُ طُرُقَاتِ المدينة وهو غلام، قبل أن يقول الشعر فبركت على صدره، وقالت: أنت الذي يرجو قومك أن تكون شاعرهم قال: نعم، قالت: فأنشدني ثلاثة أبيات على روي واحد، وإلا قتلتك فقال:
(إذا ما تَرَعْرعَ فينا الغُلاَمُ ... فما إنْ يُقالُ له من هوه) // المتقارب // (فقالت: ثَنِّه، فقال) :
(إذا لم يَسُدْ قبل شَدِّ الإزار ... فَذلكَ فينا الذي لا هُوَهْ) // المتقارب //(2/417)
فقالت: ثَلِّثْه، فقال:
(ولي صاحبٌ مِنْ بني الشيصبان ... فحينا أقول وحينا هوه) // المتقارب // فخلَّت سبيله، وقالت: أَولَى لك قال الأصمعي: يقال السِّعلاة سَاحِرَةُ الجن.
فائدة
قال أبو إسْحاق البَطْلَيَوْسي وقد أنشد قول الفرزدق:
(وما مِثلُه في الناس إلا مُمَلَّكاً ... أبُو أمِّه حي أبوه يقاربه) // الطويل // هذا وأمثاله وإن كان جائزا في الإعراب، فليس بِحسَنٍ في الشعر عند ذوي الألباب، لما فيه من وَهْى النَّسْج والاضطراب والشعر إذا أحوج إلى شرح لم يَعُدْ في فاخر المساق ولا قام في الإحسان على ساق، ولا عَذُب في المذاق، فهو مكروه عند الحُذَّاق.
ويحتاج الشعر إلى أن يَسْبِق معناه لفظَه، فتستلذ النفوس روايَته وحفظَه وأول ما ينبغي للشاعر والمتكلم، بيانُ ما يحاوله للعالم والمتعلم، فإن تكلَّم بمقلوب، مَجَّتْهُ الأسماع والقلوب، ولم يتحصل منه الغرض المطلوب، فإن قال قائل: أما ترى في أشعار العرب أمثال هذا قوله:
(لها مُقْلَتَا أَدْمَاء طل خميلة ... من الوحش ما يَنْفَكّ يَرْعَى عَرارها) // الطويل // قيل له: وهذا أيضا قد أحالَ وهاذى، والعجب ممن تكلف مثل هذا، لِم لَمْ يخفف عن نفسه الكُلْفة والملام، وتعرَّض لأن يُلام، وتَرَكَ بيِّن الكلام وإنما يتفاضل الكلام والشعر بحسن العبارة والدِّيباجة، ورَوْنق الفصاحة حتى تكونَ ألفاظهما كالزجاجة، وإلا فالمعاني مُعَرَّضة لكل جيل من أهل التوحيد والشرك، حتى للزَّنْج والتَّتر والتُّرْك لكنهم قصرت بهم ألسنتهم عن بلوغ ما رامُوه من أَرَب، قد تهيَّأ على(2/418)
ألسنة العرب.
وأقلُّ ما يجب على المتكلم البيانُ لمخاطبه، وإلا كان كخَابِطِ الليل وحَاطِبه، يخاطب العربي بالعجمية، ويخاطب العجمي بالعربية وصناعةُ الشعر أشد حصْراً، وأمد عصْراً، وذلك أن الشاعر إنما هو راغب أو راهب، أو مُعاتب بين يدي ملك فإن حكى عن نفسه وإلا كان جديرا بأن يَهْلِك.
فمن ذلك ما رواه ابن جِنّي قال: حدثنا أحمد بن زكريا، حدثنا أبو عبد الله الغلابي، حدثنا مهدي بن سابق، حدثنا عطاء بن مُصْعَب، حدثنا عاصم بن الحدثان، قال: دخل النَّابغة على النعمان بن المنذر فقال:
(تَخِفُّ الأرض إنْ تَفْقِدْك يوما ... وتَبْقى ما بقيت بها ثقيلا) // الوافر // فنظر إليه النعمان نَظَرَ غَضْبَان، وكان كعب بن زهير حاضرا فقال: أصلح الله الملك إن مع هذا بيتا ضلَّ عنه وهو:
(لأنَّكَ موضعُ القِسْطاس منها ... فتمنع جَانِبَيْهَا أن تميلا) // الوافر // فضحك النعمانُ، وأمر لهما بجائزتين.
فلولا كعب كان قد هلك.
فإن كان الشاعر مخاطبا مَنْ دون الملك الأشم بما لا يُفهم، وكان راغبا في دَرِّهم، كان ذلك سببا لبُطْلان حاجته، وغَيْضِ مُجَاجَتِه، واستهجان شعره، وتحقير أمره، والقدماءُ في هذا أعذر لأنها لُغَتُهم.
انتهى.
النوع الخمسون
معرفة أغلاط العرب
عقد له ابنُ جِنّى بابا في كتاب الخصائص قال فيه: كان أبو علي يروي وَجْهَ ذلك ويقول: إنما دخل هذا النحوُ كلامهم لأنهم ليست لهم أصول يراجعونها، ولا قوانين يستعصمون بها وإنما تهجُم بهم طباعهم على ما ينطقون به، فربما استهواهم الشيء فزاغوا به عن القَصْد.
فمن ذلك ما أنشده ثعلب:
(غدَا مَالِكٌ يَرْمِي نِسائي كأنما ... نسائي لِسَهْمَيْ مَالِكٍ غرضان)(2/419)
(فيا رب فاترك لي جُهَيْمَةَ أَعْصُراً ... فمَالِكُ موت بالقضاء دهاني) // الطويل // هذا رجل مات نساؤه شيئا فشيئا، فتظلم من مَلَك الموت.
وحقيقة لفظه غلط وفاسد وذلك أن هاذ الأعرابي لما سمعم يقولون مَلَك الموت، وكثر ذلك الكلام، سبق إليه أن هذه اللفظة مركبة من ظاهر لفظها، فصارت عنده كأنها فعل، لأن ملكا في اللفظ في صورة فَلَك وحَلَك، فبنى منها فاعلا، فقال: مَالِك موت، وعدى مالكا فصار في ظاهر لفظه كأنه فاعل، وإنما مالك هنا على الحقيقة والتحصيل مافل، كما أن مالكا على التحقيق مَفل، وأصله مَلأك فألزِمت همزته التخفيف فصار ملكا.
فإن قلت: فمن أين لهذا الأعرابي مع جفائه وغِلظ طبعه معرفةُ التصريف حتى يبني من ظاهر لفظ مَلَك فاعلا فقال مالك.
قيل: هَبْهُ لا يعرف التصريف، أتراه لا يحسن بطبعه، وقوة نفسه، ولطف حسه هذا القَدْر هذا ما لا يجب أن يعتقده عارف بهم، آلِفٌ لمذاهبهم لأنه وإن لم يعلم حقيقة تصريفه بالصَّنْعَة، فإنه يجدها بالقوة، ألا ترى أن أعرابيا بايَع على أن يشرب عُلْبة لبن لا يتنحنح، فلما شرب بعضها كدَّه الأمر فقال: كبش أملح، فقيل له: ما هذا تنحنحت فقال: من تنحنح فلا أفلح أفلا تراه كيف استعان لنفسه ببحة الحاء، واسْتَرْوَح إلى مُسْكِة النفس بها، وعللها بالصُّوَيْت اللاحق في الوقت لها ونحن مع هذا نعلم أن هذا الأعرابي لا يعلم أن في الكلام شيئا يقال له حاء فضلا عن أن يعلمَ أنها من الحروف المهموسة، وأن الصوت يلحقها في حال سكونها والوقف عليها، ما لا يلحقها في حال حركتها، أو إدْرَاجها في حال سكونها في نحو بحر ودحن، إلا أنه وإن لم يحسن شيئا من هذه الأوصاف صَنْعَة ولا علما، فإنه يجدها طبيعة ووهما فكذلك الآخر لما سمع ملكا وطال ذلك عليه أحسَّ من ملك في اللفظ ما يُحسه في حَلَك، فكما أنه يقول أسود حالك، قال هنا من لفظ ملك مَالك، وإن لم يَدْرِ أن مثال ملك فَعل أو مَفل، ولا أن مالكا فاعل أو مافل، ولو بنى من ملك على حقيقة الصنعة فاعل لقيل لائك كبائك وحائك.
قال: وإنما مكَّنت القول في هذا الموضوع ليَقْوَى في نفسك قوة حس هؤلاء(2/420)
القوم، وأنهم قد يلاحظون بالمُنَّة والطباع، ما لا نلاحظه نحن على طول المباحثة والسماع.
ومن ذلك همزهم مصائب وهو غَلَطٌ منهم وذلك أنهم شبَّهُوا مصيبة بصحيفة فكما همزوا صحائف همزوا أيضا مصائب، وليست ياء مصيبة بزائدة كياء صحيفة لأنها عين عن واو، وهي العين الأصيلة، وأصلها مُصْوِبة، لأنها اسم فاعل من أصاب، وكأن الذي سهل ذلك أنها وإن لم تكن زائدة، فإنها ليست على التحصيل بأصْل، وإنما هي بدل من الأصل والبدل من الأصل ليس أصلا فهو مشبه للزائد من هذه الحيثية فعومل معاملَته.
ومن أغلاطهم قولهم: حلأت السويق، ورثأت زوجي بأبيات.
واستلأَمْتُ الحجر، ولَبّأتُ بالحج.
وأما مَسيل فذهب بعضهم في قولهم في جمعه: أمْسِلة إلى أنه من باب الغَلَطِ، وذلك أنه أُخذ من سال يسيل، وهذا عندنا غيرُ غلط، لأنهم قد قالوا فيه مَسَل، وهذا يشهد بكون الميم فاء.
وكذلك قال بعضهم في مَعِين لأنه أخذه من العين، وهو عندنا من قولهم: أمعن له بحقه إذا طاع له به، فكذلك الماء إذا جرى من العين فقد أمعن بنفسه وأطاع بها.
ومن أغلاطهم ما يتعايَوْن به في الألفاظ والمعاني نحو قول ذي الرُّمة:
(والجيدُ من أدمانة عنود) // الرجز //(2/421)
وإنما يقال: هي أَدْماء والرجل آدم، ولا يقال: أدمانة كما لا يقال حمْرانة وصفْرَانة، وقال:
(حتى إذا دَوَّمَتْ في الأرض راجَعها ... كبر ولو شاء نجى نفسه الهرب) // البسيط // وإنما يقال: دوى في الأرض ودوَّم في السماء، ولذلك عير بعضهم على بعض في معانيهم، كقول بعضهم لكثير في قوله
(فيا روضة بالحَزْنِ ظاهرةُ الثرى ... يَمُج الندى جَثْجَانُهَا وَعَرارُها)
(بأطيبَ من أردان عَزَّةَ مَوْهناً ... وقد أوقدت بالعنبر اللدن نارها) // الطويل // والله لو فعل هذا بأمَةٍ زَنْجِيّة لطاب ريحها ألا قلت كما قال سيدك:
(ألم تر أني كلمَّا جئت طارقا ... وجدتُ بها طيبا وإن لم تطيب) // الطويل // وكان الأصمعي يَعيب الحطيئة، فقال: وجدت شعره كله جيدا، فدل على أنه كان يصنعه، وليس هكذا الشاعر المطبوع، إنما الشاعر المطبوع الذي يرمي الكلام على عواهنه جيده على رديئه.
هذا ما أورده ابن جني في هذا الباب.
وقال ابن فارس في فقه اللغة: ما جعل اللهُ الشعراء معصومين يُوَقّوْن الغلط والخطأ فما صح من شعرهم فمقبول، وما أبَتْهُ العربيةُ وأصولُها فمردود كقوله:
(ألم يأتيك والأنباء تنمي) // الوافر //(2/422)
وقوله:
(لما جفا إخوانه مصعبا) // السريع // وقوله:
(قفا عند مما تعرفان ربوع) // الطويل // فكله غلط وخطأ.
قال: وقد استوفينا ما ذكرت الرواة أن الشعراء غلِطوا فيه في كتاب خُضارة وهو كتاب نقد الشعر.
وقال القالي في أماليه: في قول الشاعر:
(وألْين من مس الرخامات تلتقي ... بمارية الجَادِيُّ والعنبر الورد) // الطويل // غلِط الأعرابي لأن العنبر الجيد لا يوصف إلا بالشُّهْبَة.
وقال ابن جني:
اجتمع الكُمَيت مع نُصَيْب فأنشد الكُمَيت:
(هل أنت عن طلب الأيفاع منقلب) // البسيط // حتى إذا بلغ إلى قوله:
(أم هل ظعائنُ بالعَلْيَاء نافعة ... وإنْ تكامل فيها الدَّلُّ والشنب) // البسيط //(2/423)
عقد نُصيب بيده واحدا، فقال: الكُميت: ما هذا فقال: أُحْصِي خطأك، تباعدت في قولك الدل والشنب، ألا قلت كما قال ذو الرُّمة:
(لمياء في شَفَتَيْها حُوَّة لَعس ... وفي اللثات وفي أنيابها شنب) // البسيط // ثم أنشده:
(أبت هذه النفس إلا ادكارا) // المتقارب // فلما بلغ إلى قوله:
(كأن الغُطَامِط من حليها ... أراجيز أسلم تهجو غفارا) // المتقارب // قال نُصَيب: ما هجت أسلُم غِفاراً قط فوجِم الكميت وقال ابن دُرَيْد في أواخر الجمهرة: باب ما أجروه على الغلط فجاؤوا به في أشعارهم قال الشاعر:
(وكُلُّ صَمُوتٍ نَثْلةٍ تُبَّعِيّةٍ ... ونَسْجُ سُلَيْمٍ كلَّ قضاء ذائل) // الطويل // أراد سليمان وذائل أي ذات ذيل.
وقال آخر:
(من نسج داوود أبي سلام) // الكامل //(2/424)
يريد سليمان.
وقال آخر:
(جَدْلاَء محكمة من صنع سلام) // البسيط // يريد سليمان.
وقال آخر:
(وسائلة بِثَعْلَبَة بن سير) // الوافر // يريد ثَعْلبة بن سيار.
وقال آخر:
(والشيخ عثمان أبو عفانا) // السريع // يريد عثمان بن عفان وقال آخر:
(فإن تنسنا الأيامُ والعصر تعلمي ... بني قارب أنا غضاب لمعبد) // الطويل // أراد عبد الله لتصريحه به في بيت آخر من القصيدة.
وقال آخر:
(هوى بين أطراف الأسنة هوبر) // الطويل //(2/425)
يريد ابن هوبر.
وقال آخر:
(صبحن من كاظمة الحصن الخرب ... يحملن عباس بن عبد المطلب) // الطويل // يريد عبد الله بن عباس.
وقال آخر:
(كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم) // الطويل // وإنما أراد كأحمر ثمود.
وقال آخر:
(ومِحْورٍ أخلص من ماء اليلب) // الرجز // فظن أن اليَلَب حديد وإنما اليَلَبُ سيور تنسج فتلبس في الحربِ.
وقال آخر:
(كأنه سبط من الأسباط) // الرجز // فظن أن السِّبط رجل، وإنما السِّبْط واحد الأسباط من بني يعقوب.
وقال آخر:
(لم تدر ما نسج اليرندج قبلها) // الكامل //(2/426)
ظن أن اليَرَنْدَجَ ينسج، وإنما هو جلد يصبغ.
وقال آخر:
(لما تحاملت الحمول حَسِبْتُهَا ... دوما بأثلة ناعما مكموما) // الكامل // والدَّوم: شجر المقل، والمكموم لا يكون إلا النخل، فظن أن الدَّوم النخل.
وقال آخر يصف درة:
(فجَاء بها ما شِئْتَ من لطمية ... يدوم الفرات فوقها ويموج) // الطويل // فجعل الدر من الماء العذب، وإنما يكون في الماء الملح.
وقال آخر يصف الضفادع:
(يَخْرُجْنَ من شَرَبات ماؤها طَحِل ... على الجذوع يخفن الغمر والغرقا) // البسيط // والضفادعُ لا َيَخَفَنَ الغَرَق.
وقال آخر:
(تفض أم الهام والترائكا) // الرجز // والترائك: بيض النعام، فظن أن البيض كله ترائك.
وقال آخر:
(برية لم تأكل المُرَقَّقا ... ولم تذق من البقول الفستقا) // الرجز //(2/427)
فظن أن الفُسْتُق بَقْل.
وقال آخر:
(فهل لكمو فيها إلي فإنني ... طبيب بما أعيا النطاسي حذيما) // الطويل // يريد ابن حِذْيم.
وقال آخر:
(شُعْبَتا مَيْس براها إسكاف) // الرجز // فجعل النجار إسْكافاً.
قال أبو عبد الله بن خالويه: ليس هذا غلطا، العرب تسمي كل صانع إسكافا.
وقال ابن دريد في الجمهرة: قال رُؤْبَة:
(هل يُنْجِيَنِّي حَلِفٌ سِختِيتُ ... أو فضة أو ذهب كبريب) // الرجز // قال: وهذا مما غلط فيه رؤبة فجعل الكبريت ذهبا.
وقال أبو جعفر النحاس في شرح المعلقات: قول زهير:
(فَتُنْتَجْ لكمْ غِلْمَان أَشْأَم كُلُّهُمْ ... كأحمرِ عاد ثم تُرْضِعْ فَتَفْطِمِ) // الطويل //(2/428)
قال: يريد كأحمر ثمود فغلط.
قال: ومثله قول امرىء القيس:
(إذا ما الثُّريا في السماء تَعَرَّضَت ... تعرض أثناء الوشاح المفضل) // الطويل // قالوا: أراد بالثُّريا الجوزاء فغلط، وتأوَّله آخرون على أن معنى تعرضت اعترضت قال: ويقال: إنها تعترض في آخر الليل، ويقال: إنها إذا طلعت طلعت على استقامةٍ، فإذا استقلت تعرضت.
وفي شرح الفصيح لابن خَالَوَيْهِ: كان الفراء يجيز كسر النون في شَتَّان تشبيها بسِيان وهو خطأ بالإجماع، فإن قيل: الفراء ثقة ولعله سمعه فالجواب: إن كان الفراء قاله قياسا فقد أخطأ القياس، وإن كان سمعه من عربي فإن الغلط على ذلك العربي، لأنه خالف سائر العرب، وأتى بلغة مرغوب عنها.
فصل
أكاذيب العرب
ويلحق بهذا أكاذيب العرب، وقد عقد لها أبو العباس المبرِّد بابا في الكامل.
فقال: حدثني أبو عمر الجَرْميّ قال: سألت مقاتل الفرسان أبا عبيدة عن قول الراجز:
(أهَدَّمُوا بيتك لا أبا لكا ... وأنا أمشي الدألى حوالكا) // الرجز // فقلت: لمن هذا الشعر قال: تقول العرب: هذا يقوله الضب للحسل أيام(2/429)
قال: وحدثني غير واحد من أصحابنا قال: قيل لرؤبة: ما قولُك
(لَوْ أَنَّنِي عُمِّرْتُ عمرَ الحِسْل ... أو عُمْرَ نوحٍ زَمَنَ الفِطَحْل) // الرجز // ما زمن الفِطَحْل قال: أيام كانت السِّلامُ رطَاباً.
وبعد هذا البيت:
(والصَّخْرُ مُبْتَلٌّ كمثل الوَحَل) قال: وحدثني سُليمان بن عبد الله عن أبي العَمَيْثَل مولى العباس بن محمد قال: تكاذب أعرابيان، فقال أحدهما: خرجت مرة علي فرس لي فإذا أنا بظُلْمَةٍ شديدة فَيَمَّمْتُها حتى وصلتُ إليها، فإذا قطعةٌ من الليل لم تَنْتَبِه، فما زلت أحمل عليها بفرسي حتى أَنْبَهْتُها، فانجابت فقال الآخر: لقد رميت ظبيا مرة بسهم، فعدل الظَّبْيُ يَمنة، فعدل السهم خلفه، فَتياسر الظبي، فتياسر السهم، ثم علا الظبيُ، فعلا السهم خلفه، ثم انحدر فانحدر حتى أخذه قال: وحدثني التوزي قال: سألت أبا عبيدة عن مثل هذه الأخبار من أخبار العرب فقال: إن العجم تكذب أيضا فتقول: كان رجل نصفُه من نحاس، ونصفُه من رصاص فتعارِضُها العرب بهذا وما أشبهه.(2/430)
خاتمة الكتاب
ونختم الكلام بذكر ملح ومقطعات من كلام فصحاء العرب ونسائهم وصغارهم وإمائهم
خطبة لأعرابي
قال القالي في أماليه: حدثنا أبو بكر بن الأنباري قال: أخبرنا أبو حاتم قال: أخبرنا أبو زيد قال بَيْنَا أنا في المسجد الحرام إذْ وَقَف علينا أعرابي فقال: يا مسلمون إنَّ الحمدَ للَّه والصلاةَ على نبيه، إني امرؤ من [أهل] هذا المِلْطاط الشَّرقي، المُواصِي أسيافَ تِهامةَ عكَفَتْ علينا سِنُون مُحُشٌ فاجْتَبَّتِ الذُّرَى، وهَشَمَت العُرَى، وجَمَشَتِ النَّجْم وأَعْجَتِ البَهْمَ، وهَمَّت الشَّحْم، والتَحَبَت اللَّحم، وأحْجَنَتِ العَظْم، وَغادرت التراب مَوْراً، والماء غَوْراً، والناسَ أَوْزَاعاً، والنَّبَط قُعاعاً، والضَّهل جُزَاعاً، والمَقام جَعْجَاعاً، يُصَبِّحُنا الهاوي، ويَطْرُقنا العاوي، فخرجت لا أَتَلَفَّعُ بوَصيده، ولا أتقَوَّت هَبيدَه، فالبَخَصات وقِعة، والرُّكبات زَلعة، والأطراف فَقِعة، والجِسْمُ مُسْلَهِمّ، والنظر مُدْرَهِمّ، أعْشُو فَأغْطَشُ، وأضْحَى فأَخْفَشُ، أُسْهِلُ ظالعا، وأُحزِن راكعا فهل من آمر بِمَيْر، أو داعٍ بخير وقاكم الله سَطْوَة القادر، ومَلكة الكاهر، وسُوءَ المَوارد، وفُضُوح المصادِر.
قال فأعطيته دينارا، وكتبت كلامه واستفسرت منه ما لم أعرفه.
قال أبو بكر: المِلْطاط: أشَدُّ انخفاضا من الغائط، وأوسع منه، وقال الأصمعي المِلْطاط: كل شَفِيرِ نهر أو وَادٍ.
والمُواصي والمواصِل واحد.
وأسياف: جمع سيف، وهو ساحل البحر و [عكفت: أقامت.
والسِّنون: الجدوب] ومُحُش: جمع مَحُوش، وهي التي تَمْحُش الكلأ، أي تحرقه.
واجْتَبَّت: قطَعت.
وهَشَمَتْ: كسرَت.
والعُرى: جَمع عُروة وهي القطعة من الشجر.
وجَمَشَت: احْتَلَقَت.
والنجم: ما ليس له ساق من النبِت.(2/431)
وأعْجَت: أي جعلتْها عَجَايا [والعَجِيّ: السيء الغذاء المهزول] .
وهمَّت: أذابت.
والْتَحَبَتْ: عَرَقت اللحم عن الغظم.
وأحْجَنتِ العظْم أي عوّجَتْه فصيَّرته كالمِحْجَن.
والمَوْر: الذي يجيء ويذهب.
والغَوْر: الغائر.
وأوْزاع: فِرق.
والنَّبَط: الماء الذي يستخرج من البئر أول ما تُحْفَرُ.
والقُعَاع: الماء المِلح المر.
والضَّهْل: القليل من الماء.
والجُزَاع: أشدُّ المياه مرارة.
والجَعْجَاع: المكان الذي لا يطمئن مَنْ قعد عليه.
والهاوي: الجراد.
والعاوي الذئب.
والتَّلَفُّع: الاشتمال.
والوصيدة: كل نسيجة.
والهَبِيد: حَبُّ الحنْظَل يعالج حتى يطيب فَيُخْتَبَزَ.
والبَخَصات: لحم باطن القدم.
وَوَقِعة: من قولهم: وَقِعَ الرجل إذا اشتكى لحم باطن قدمه.
وزَلِعة: مُتَشَقِّقَة.
وقَفِعة: قد تَقَبَّضت ويبست.
المُسلَهِمّ: الضامر المتغير.
والمُدْرَهِمّ: الذي ضَعُف بصره من جوع أو مرض.
قال القَالِي: ولم يذكر هذه الكلمة أحد ممن عمل خلق الإنسان.
وأعشو: أنظر.
وأغْطَش: من الغَطَش، وهو ضَعْف في البصر.
وأُسهِل ظَالِعاً أي إذا مَشَيْت في السهولة ظَلَعْت، أي غَمَزْت.
وأُحْزِن راكعا أي إذا عَلَوتُ الحَزْنَ ركعت، أي كَبَوْت لوجهي.
والمَيْر: العطية.
والكَاهِر والقاهر واحد، وقرأ بعضهم فَأمَّا اليَتِيمَ فَلاَ تَكْهَرْ.
اجتماع عامر بن الظَّرِب وحُمَمة بن رافع عند ملك من ملوك حمير وتساؤلهما عنده
وقال القالي في أماليه: حدثنا أبو بكر بن دُرَيد قال: كان أبو حاتم يََضَنّ بهذا الحديث، ويقول: ما حدثني به أبو عبيدة حتى اختَلَفْتُ إليه مدة، وتحمَّلْتُ عليه بأصدقائه من الثَّقفيين،(2/432)
وكان لهم مواخيا.
قال حدثنا أبو حاتم قال: حدثني أبو عبيدة: قال: حدثني غيرُ واحد من هَوَازِن من أولي العلم، وبعضهم قد أدرك أبوه الجاهلية أو جده قال: اجتمع عامر بن الظرب العدواني وحممة بن رافع الدَّوْسي ويزعم النُّساب أن ليلى بنت الظَّرِب أُمُّ دوْس بن عدنان وزينب بنت الظَّرِب أم ثقيف وهو قَيْسِي - قال: اجتمع عامر بن الظرب العدواني وحممة بن رافع عند ملك من ملوك حِمْير، فقال: تساءلا [حتى] أسمع ما تقولان، فقال عامر لِحُمَمَة: أين تحب أن تكون أياديك قال: عند ذي الرَّثْيَة العَديم، وذي الخَلَّةِ الكريم، والمُعْسِر الغَرِيم، والمُسْتَضْعَف الهَضيم.
قال: من أحقُّ الناس بالمَقْت قال: الفقير المُخْتال، والضعيف الصَّوال، والعِيَيّ القَوَّال.
قال: فمن أحق الناس بالمَنْعِ قال: الحريص الكانِد، والمسْتَمِيد الحاسد، والمُلْحِف الواجِد.
قال: فَمَنْ أجدر الناس بالصَّنيعة قال: من إذا أُعْطِيَ شكر، وإذا مُنِع عذر، وإذا مُوطِل صَبَر، وإذا قَدُم العهد ذَكَر.
قال: مَنْ أكرم الناس عِشْرة قال: مَنْ إن قَرُب منح، وإن بَعُد مَدَح، وإن ظُلِم صَفَح، وإن ضُوِيقَ سَمح.
قال: من أَلأَمُ الناس قال من إذا سأَل خَضَع، وإذا سُئِل مَنَع، وإذا ملَك كنع ظاهرة جَشَع، وباطنه طَبَع.
قال: فَمنْ أَحْلَم الناس قال: مَنْ عَفَا إذا قَدَرَ، وأَجْمَل إذا انتصر، ولم تُطْغِه عزة الظَّفَر.
قال: فمن أحزمُ الناس قال: مَنْ أخذ رقاب الأمور بيديه، وجعل العواقب نُصْب عينيه، ونبذ التَّهيب دَبْر أذنيْه.
قال: فمن أخرق الناس قال: من ركبت الخِطَار، واعْتَسَف العِثار، وأَسْرع في البِدار، قبل الاقتدار.
قال: فمن أجود الناس قال: مَنْ بَذلَ المجهود، ولم يأْسَ على المفقود.(2/433)
قال: مَنْ أَبْلَغُ الناس قال: مَنْ جَلاَ المعنى المزير، باللَّفظ الوجيز، وطَبَّق المِفْصل قبل التَّحْزيز.
قال: مَنْ أَنْعَمُ الناس عيشا قال: من تحلَّى بالعَفاف، ورَضِيَ بالْكَفافِ، وتجاوَز ما يَخاف إلى ما لا يَخَاف.
قال: فمن أَشْقَى الناس قال: مَنْ حسد على النعم، وتسخَّط على القِسَم، واستشعر الندم، على فَوْت ما لم يُحْتم.
قال: من أغنى الناس قال: مَنِ استشعر اليأس، وأبدى التَّجَمُّل للناس، واستكثر قليل النعم، ولم يتسخَّط على القِسَم.
قال: فمن أَحْكَم الناس قال: من صَمَت فادكر، ونظر فاعتبر، وَوُعِظَ فازدجر.
قال: من أجهل الناس قال: من رأى الخرق معنما، والتجاوز مَغْرَماً.
[قال أبو علي] : الرَّثية: وجع المفاصل واليدين والرجلين.
[والخلة: الحاجة، والخلة: الصداقة.
الذكر والأنثى فيه سواء] .
والكَانِد: الذي يكفر النعمة.
والمستميد: المستعطي.
وكَنع: تقبَّضَ وبخل.
والجشع: أسوأ الحرص.
والطَّبَع: الدنس.
ويقال: جعلت الشيء دَبْر أذني أي لم ألتفت إليه.
والاعتساف: ركوب الطريق على غير هِدَاية، وركوب الأمر على غير معرفة.
والمزيز: الصعب.
وحدثني أبو بكر بن دُرَيد قال: سأل أعرابي رجلا درهما فقال: لقد سألت مزيزا الدرهم: عُشْر العشرة، والعشرة عُشْر المائة، والمائة: عشر الألف والألف: عُشْر دِيتك والمطبق من السيوف: الذي يصيب المفاصل فيفصلها لا يجاوزها.
استرفاد أعرابي
وفي أمالي ثعلب: قال الأصمعي: وقف أعرابي على قوم من الحاج، فقال: يا قوم بدء شأني(2/434)
والذي ألجأني إلى مسألتكم أن الغيث كان قد قَوِي عنا، ثم تَكَرفأ السحاب، وشَصَا الرباب، والهم سِيقُه، وارْتَجَسَ رَيِّقه، وقلنا: هذا عام باكر الوَسْمي، محمود السُّمِي، ثم هبت الشَّمال، فاحْزَأَلَّتْ طخاريره، وتقزع كِرْفئه متياسرا، ثم تتيع لمعان البرق حيث تشيمه الأبصار، وتحده النظار، ومَرَت الجَنُوب ماءَه، فقوض الحيُّ مُزْلَئِمِّين نحوه فسرحنا المَال فيه، فكان وَخْماً وَخِيماً.
فأسَافَ المَالَ، وأضاف الحال، فبقينا لا تُيَسِّر لنا حَلُوبة، ولا تَنْسُل لنا قتوبة، وفي ذلك يقول شاعرنا: [// من الطويل //]
(ومَنْ يَرْعَ بقلا من سويقة يغتبط ... قراحا ويسمع قول كل صديق)
امتحان أب أولاده
وقال القالي في أماليه:(2/435)
حدثنا أبو بكر بن دريد، قال حدثنا أبو عثمان سعيد بن هارون الأشنانداني عن التوزي عن أبي عبيدة عن أبي عمرو بن العلاء قال: كان لرجل من مَقَاوِل حمير ابنان يقال لأحدهما عمرو وللآخر ربيعة، وكانا قد بََرَعَا في الأدب والعلم، فلما بلغ الشيخ أقصى عمره وأَشْفَى على الفناء، دعاهما لِيَبْلُو عقولَهما، ويعرف مبلغَ علمهما.
فلما حضرا قال لغمرو - وكان الأكبر أخبرْني عن أحبِّ الرجال إليك وأكرمِهم عليك.
قال: السيِّد الجواد، القليل الأنْداد، الماجد الأجداد، الراسي الأَوْتَاد، الرفيع العماد، العظِيم الرماد، الكثير الحُسّاد، الباسل الذَّوَّاد، الصادر الورَّاد.
قال: ما تقول يا ربيعة قال: ما أَحْسَنَ مَا وَصَف وغيرُه أحبُّ إلي منه.
قال: ومَنْ يكون بعد هذا قال: السيِّد الكريم، المانع للحَرِيم، المِفْضَال الحليم، القَمْقَام الزَّعِيم، الذي إن هَمَّ فعل، وإن سُئِل بَذَل.
قال: أخبرني يا عمرو بأبْغَضِ الرجال إليك.
قال: البرم اللئيم، والمستخذي للخَصِيم، المِبْطَانُ النَّهيم، العَييُّ البَكِيم، الذي إن سُئِل مَنَعَ، وإن هُدِّد خَضَع، وإن طَلَب جَشَع.
قال: ما تقول يا ربيعة قال: غيرُه أبغضُ إلي منه.
قال ومَنْ هو قال: النَّموم الكَذُوب، الفاحِشُ الغَضُوب، الرغيبُ عند الطعام، الجَبَان عند الصدام.
قال أخبرني يا عمرو أيُّ النساء أحبُّ إليك قال: الهِركَوْلةُ اللَّفَّاء، المَمْكُورة الجَيْدَاء، التي يشفي السقيمَ كلامُها، ويبرىء الوَصِب إلمامُها، ِالتي إن أَحْسَنْتَ إليها شَكَرت وإن أسأتَ إليها صَبَرَتْ، وإن اسْتَعْتَبْتَها أعْتَبَتْ، القاصِرة الطَّرف، الطَّفْلة الكَفّ، العَمِيمَةُ الردف.
قال: ما تقول يا ربيعة قال: نَعَتَ فأحسن، غيرُها أحبُّ إلي منها.
قال: ومن هي قال: الفتَّانَةُ العينين، الأسِيلَةُ الخَدَّين، الكاعِبُ الثَّدْيَيْن، الرَّدَاحُ الوَرِكين، الشاكرة للقليل، المساعدةُ للحَليل، الرخيمة الكلام، الجماء العظام الكريمة الأخْوال والأعمام، العَذْبة اللِّثام.
قال فأيُّ النساء أبغضُ إليك يا عَمْرُو قال: القتاتة الكَذُوب، الظاهرة العيوب، الطَّوَّافة الَهَبُوب، العابسة القَطُوب، السَّبَّابة الوَثوب، التي إن ائتمنها زوجها خانته، وإن لاَنَ لها أهانته، وإن أرضاها أغْضَبته، وإن أطاعها عَصَتْه.(2/436)
قال: ما تقول يا ربيعة قال: بئس المرأة ذَكَرَ وغيرُها أبغضُ إلي منها.
قال: وأيتهنَّ [التي هي أبغض إليك من هذه] قال: السليطة اللسان، والمؤذية الجيران، الناطقة بالبُهتان، التي وجهُها عابس، وزوجُها من خيرِها آيس التي إن عاتبها زَوْجُها وَتَرَتْه، وإن ناطقها انتَهَرَتْه.
قال ربيعة: وغيرها 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 قائم، وعيش سالم وظل ناعم.(2/437)
قال: فما أحبُّ السيوف إليك يا عمرو قال: الصَّقيل الحُسام، الباترُ المِخذام، الماضي السِّطام، المُرهَفُ الصَّمْصَام، الذي إذا هززته لم يَكْبُ، وإذا ضربت به لم يَنْبُ.
قال: ما تقول يا ربيعة قال: نِعْمَ السيف نَعَت وغيره أحب إلي منه.
قال: وما هو قال: الحسام القاطع، ذو الرَّوْنق اللامع، الظمآنُ الجائع، الذي إذا هززته هَتَك، وإذا ضربت به بَتَك.
قال: فما أبغض السيوف إليك يا عمرو قال: الفُطار الكَهام، الذي إن ضُرب به لم يقطع، وإن ذُبِح به لم يَنْخع.
قال: ما تقول يا ربيعة قال: بئس السيف والله ذكر وغيرُه أبغضُ إليَّ منه.
قال: وما هو قال: الطَّبِع الدَّدَان، المِعضَدُ المهان.
قال: فأخْبِرْني يا عمرو أيُّ الرماح أحبُّ إليك عند المراس، إذا اعتكر الباس، واشتجر الدِّعاس قال: أحبُّها إليَّ المارنُ المثَقَّف، المُقَوَّم المُخطَّف الذي إذا هَزَزْتَه لم يَنْعَطِف، وإذا طعنت به لم يَنْقَصِف.
قال: ما تقول يا ربيعة قال: نعم الرمح نَعَتَ وغيرُه أحبُّ إليَّ منه.
قال: وما هو قال: الذَّابل العَسَّال، المُقَوَّم النَّسَّال، الماضي إذا هززته، النافذ إذا هَمَزْتَه.
قال: فأخبرني يا عمرو عن أبغضِ الرماح إليك، قال: الأعْصَلُ عند الطعان، المُثَلَّم السِّنان، الذي إذا هززته انْعطف، وإذا طعنت به انقصف.
قال: ما تقول يا ربيعة قال: بئس الرمح ذَكَر وغيرُه أبغض إليَّ منه، قال: وما هو قال: الضعيف المَهَزّ، اليابسُ الكَزّ، الذي إذا أكرهته انحطم، وإذا طعنت به انقصم.
قال: انصرفا الآن طاب لي الموت.
قال القالي: [قوله: وإن طلبَ جشِع: الجَشَع: أسوأ الحرص وقد جَشِع الرَّجُل فهو جَشع] .
واللَّفّاء: الملتفَّة الجسم.
والمَمْكُورة: المطويَّة الخَلْق.
والرَّدَاح: الثقيلة العَجيزة الضخمة الوَرْكَيْن.
والرخيمة: اللَّينة الكلام. [قال ذو الرمة] : [// من الطويل //]
(لها بَشرٌ مثل الحرير ومَنْطِقٌ ... رخيمُ الحواشي لا هُراءٌ ولا نَزْرُ)(2/438)
والجماء العِظام: التي لا يوجد لعظامها حَجْم.
والعَذْبة اللثام: أراد موضع اللثام، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه.
والقَتَّاتة النَّمَّامة.
والهَبُوب: الكثيرة الانتباه.
والحصان: الذكر من الخيل.
والكَفِيت: السريع.
والنكول: الذي يَنْكل عن قِرنه.
والأَنُوح: الكثير الزَّحير.
والمِجْذَام (مِفْعَال) من الجَذْم وهو القطع.
والسِّطَام: حد السيف.
والفُطَار: الذي لا يقطع، وهو مع ذلك حديث الطَّبْع.
وقوله: لم ينخع أي لم يبلغ النُّخَاع.
والطَّبَع: الصدأ.
والدَّدان: الذي لا يقطع وهو نحو الكَهَام.
والمِعْضَد: القصير الذي يُمْتَهن في قطع الشجر وغيرها.
والدِّعَاس: الطِّعان.
والعَسَّال: الشديد الاضطراب إذا هززته.
والأعصل: الملتوي المعوج.
وصف المطر لبعض الأعراب
وقال القالي: حدثنا أبو بكر أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: سئل أعرابي عن مَطر فقال اسْتَقَلّ سُدٌّ مع انتشار الطَّفَل، فَشَصا واحْزَأَلّ، ثم اكْفَهَرَّت أرْجاؤه، واحْموْمَتْ أَرْحاؤه وابْذَعرَّت فَوارِقه.
وَتضَاحَكَتْ بَوَارقه، واسْتَطَارَ وادِقُه، وارْتَتَقَتْ جُوَبُه وارْتَعَن هَيْدَبُه، وحَشَكَتْ أَخْلاَفُه، واسْتَقَلَّتْ أرْدَافه، وانتشرت أكْنَافُه فالرعد مُرتجِس، والبرق مُخْتَلس، والماء مُنْبَجِس، فَأَتْرَعَ الغُدُر، وانتَبَثَ الوُجُر، وخَلَط الأوعالَ بِالآجال، وقَرَن الصِّيرانَ بالرِّئال فللأودِية هدير، وللشِّرَاج خَرِير، وللتِّلاَع زَفير.
وحَطَّ النَّبْعَ والعُتُم، من القُلَلِ الشُّم، إلى القيعَان الصُّحْم، فلم يبق في القُلَل إلا مُعْصِمٌ مُجْرَنْثِم، أو داحِص مُجَرْجَم وذلك من فضل رب العالمين، على عباده المذنبين.
قال القالي.
السُّد: السحاب الذي يسد الأفق.
والطَّفَل: العَشيّ إلى حد المغرب.
وشصا: ارتفع.
واحزأل: ارتفع أيضا، واكفهر: تراكم وأرجاؤه: نواحيه.
واحْمَوْمَت: اسودت.
وأرْحَاؤُه: أوساطه واحدها رَحاً.
وابْذَعَرَّت: تفرقت.
والفوارق: السحاب الذي يتقطع من معظم السحاب.
واستطار: انتشر.
والوادِق: الذي يكون فيه الوَدْق وهو المطر العظيم القطر.
وارْتَتَقَتْ: التأمت.
وجُوبه: فُرَجُه.
وارْتَعن: استَرْخَى.
والهَيْدَب: الذي يتدلى(2/439)
ويدنو مثل هُدْب القطيفة.
وحَشَكت: امتلأت.
والخِلْف: ما يقبض عليه الحالب من ضَرْع الشاة والبقرة والناقة.
واستقلت: ارتفعت.
وأردافه: مآخيره.
وأكْنافه: نواحيه.
ومُرْتجس: مُصَوّت.
ومُخْتَلِس: يختلس البصر لشدة لمعانه.
ومُنْبَجِس: مُنْفَجِر.
وأترع: ملأ.
والغُدُر جمع غدير.
وانتَبَثَ: أخرج نَبيثَتَها، وهو تراب البئر والقبر، يريد أن هذا المطر لشدته هدم الوُجُر وهي جمع وِجَار، وهو سَرَب الثعلب والضَّبُع، حتى أخرج ما دخلها من التراب، والأوْعال: جمع وَعِل وهو التيس الجبلي، والآجال: جمع إجْل، وهو القطيع من البقر، يريد: أنه لشدته يحمل الوعول وهي تسكن الجبال، والبقر وهي تسكن القيعان والرمال، فجمع بينهما.
والصِّيرَان: جمع صُوَار وهو القطيع من البقر.
والرِّئَال: جمع رَألَ وهو فرخ النعام فالرئال تسكن الجَلَد، والصِّيران تسكن الرمال والقيعان، فقرن بينهما.
والشِّرَاج: مجاري الماء من الحِرار إلى السُّهولة.
والتِّلاع: مجاري ما ارتفع من الأرض إلى بطن الوادي.
والنَّبْع: شجر ينبت في الجبال.
والعُتُم: الزيتون الجبلي.
والقُلَل: أعالي الجبال.
والشم: المرتفعة.
والقِيعان: الأرض الطيبة الطين الحُرَّة.
والصحم: التي تعلوها حمرة: والمعتصم: الذي قد تَمَسَّك بالجبال وامتنع فيها والمُجْرَنْثِم: المُتَقَبِّض.
والداحص: الذي يَفْحَص برجليه عند الموت.
والمُجَرْجَم: المصْروع.
حديث قَيْس بن رفاعة مع الحارث بن أبي شِمْر الغَسَّاني
قال القالي: حدثنا أبو بكر حدثنا أبو عثمان سعيد بن هارون الأشنانداني عن التوزي عن أبي عبيدة قال: كان أبو قيس بن رفاعة يفد سنة إلى النعمان اللَّخْمي بالعراق، وسنة إلى الحارث بن أبي شِمْر الغساني بالشام فقال له يوما وهو عنده: يابن رفاعة، بلغني أنك تفضل النعمان علي.
قال: وكيف أفضله عليك، أبيت اللعن فوالله لَقفَاك أحسنُ من وجهه، ولأُمُّكَ أشْرَفُ من أبيه، ولأبوك أشرف من جميع قومه، ولَشِمالك أجودُ من يمينه، ولَحِرْمَانُك أنْفع من نداه، ولَقليلك أكثر من كثيره، ولَثِمَادُك أغزر(2/440)
من غديره، ولَكُرْسِيُّك أرفعُ من سريره، ولَجَدْوَلُك أغْمَرُ من بحوره، وليومُك أفضل من شهوره، ولشهرُك أَمدُّ مِن حَوْله، ولَحولُك خير من حُقْبه، ولَزَندُك أوْرَى من زَنده، ولَجُندك أعز من جنده وإنك لَمِنْ غَسّان أرباب الملوك، وإنه لمن لَخْم الكثير النُّوك.
فكيف أفضله عليك
حديث لأعرابي
وقال ابن دريد في أماليه: أخبرنا أبو حاتم قال: قال الأصمعي: وقف أعرابي علينا في جامع البصرة، ومعه أب له شيخ، فقال: أيها الناس.
أتى الأزْلَم الجَذَع على شيخي فأحنى عليه، فأطرَّ قَناته، وحَصَّ شَوَاته، واخْتَلج كُفَاتَه فغادره في متيهة أبوال البغال وقفاف لامعة فأزعجه الضِّماد عن بلده، وسَلبه فَيْضَ عَدده، وفَتّ في أيْدِ عَضُده، على فَقْرٍ حاضر، وَضَعْفٍ ظاهر، فنستنجِد اللهَ ثم إياكم للضَّريك النزيك، بعد الأبَلاَتِ والرَّبَلات، ورماه بالذآليل المُصْمَئِلاَّت، فصار كالمتقي النسيء، لا تؤمن عليه وطأة مَنْسِم، ولا نَكْزَة أرْقَم، ولا عَدْوَة مِلهَم، فأقرضونا على من فسح لكم المسارب، وأنبط لكم المشارب.
وصف السنة المجدبة
وقال: أخبرنا أبو حاتم عن أبي زيد عن المفضل قال: وقف أعرابي من بني طيىء بالكُناسة، والناس بها متوافرون، فقال:(2/441)
يا أيها البَرنَسَاء كَلِبَ الأزْلَم، وضَنَّ المُرْزَمُ، وعكفت الضَّبُع فجهشت المَرْتع، وصلصلت المَتْرَع، وأثارت العَجاج، وأقْتمت الفِجَاج، وأنبضت الوجاح، فالأُفقُ مغبَّرة، والآرض مقشعرة أَمْرَات، والجمع شَتات، والطَّمُوش أحياء كأموات، فهل من ناظر بعين رَأْفه، أو داعٍ بكشف آفة قد ضَعُف النَّطيس، وبلغ النَّسِيس.
فجمع له قوم ممن سمع كلامَه دراهم.
فلما صارت في يده قلبها، ثم قال: قاتلك الله حجرا ما أوضعك للأخطار، وأدْعاك إلى النار
وصف آخر للسنة المجدبة
وقال القالي: حدثنا أبو بكر، قال: حدثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة عن يونس قال: وقف أعرابي في المسجد الجامع بالبصرة، فقال: قَلَّ النَّيْلُ، ونَقَص الكَيْل، وعَجِفت الخيل، والله ما أصبحنا نَنْفخُ في وضَح، وما لنا في الديوان من وَشْمَة، وإنا لَعيال جَرَبّة، فهل من معين أعانه الله يعين ابنَ سبيل، ونِضْو طريق وفَلَّ سنة فلا قليل من الأجر، ولا غنَى عن الله، ولا عمل بعد الموت الوَضَح: اللبن.
ومراده بالوشمة الحظ.
والجَرَبَّة: الجماعة.
والفَلّ: القوم المنهزمون.(2/442)
أعرابي يصف فرسا
وقال القالي: حدثنا أبو بكر بن دريد حدثني عمي عن أبيه، عن أبي الكلبي قال: ابتاع شاب من العرب فَرساً، فجاء إلى أمه وقد كُفّ بصرها، فقال: يا أمي إني قد اشتريت فرسا، قالت: صفه لي، قال: إذا اسْتَقبلَ فَظَبْيٌ نَاصِب، وإذا استدبر فهِقْلٌ خاضِب، وإذا استعرض فَسِيدٌ قارب، مُؤَلَّلُ المِسْمَعين، طامِحُ الناظرين مُذَعْلَقُ الصَّبِيَّيْن.
قالت: أجْوَدْت إنْ كنت أَعْربْتَ، قال: إنه مُشْرِفُ التَّليل، سَبْطُ الخَصِيل، وَهْوَاهُ الصَّهيل، قالت: أكرمت فَارْتبط.
قال القالي: الناصب: الذي نَصَب عنقه وهو أحسن ما يكون.
والهِقْل: الذكر من النعام.
والخَاضِب: الذي أكل الربيع فاحمرت طنبوباه وأطرافُ ريشه.
والسِّيد: الذئب.
ومُؤَلّل: مُحَدَّدُ.
وطامح: مشرف.
والذُّعلوق: نبت.
والصَّبيان: مجتمع لَحْيَيْه من مُقَدَّمِهما.
والتَّليل: العُنق.
والخَصيل: كل لحمة مستطيلة.
والوهوهة: صوت تقطعه.
حديث لغلام
قال القالي: حدثنا أبو بكر، قال: أخبرني عمي عن أبيه عن ابن الكلبي قال: خرج رجل من العرب في الشهر الحرام طالبا حاجة، فدخل في الحِلّ، فطلب رجلا يستجير به، فَدَفع إلى أُغيْلمة يلْعبون، فقال لهم: من سيد هاذ الحِواء قال غلام منهم: أبي، قال: ومن أبوك قال: باعِث بن عَوَيْص العاملي، قال: صف لي بيت أبيك من الحِواء.
قال: بيت كأنه حَرّة سوداء، أو غمامة حَمّاء، بفنائه ثلاث أفراس أما أحدهما: فَمُفْرِع الأكتاف، مُتمَاحِل الأكناف، مَاثلٌ كالطِّراف.
وأما الآخر: فَذَيَّال جَوَّال صَهَّال، أمين الأوصال، أشم القَذَال.
وأما الثالث: فمُغار مُدْمَج، مَحْبُوك مُحَمْلَج، كالقَهْقَرِ الأدْعج.
فمضى الرجل حتى انتهى إلى الخِباء [فعقد زمام ناقته ببعض أطنابه وقال:] يا باعث، جارٌ عَلِقَتْ عَلاَئِقُه، واستحكمت وثائقه فخرج إليه باعث فأجَاره.(2/443)
قال القالي المُفْرع: المشرف.
والمتماحل: الطويل.
والأكناف: النواحي يريد أنه طويل العنق والقوائم.
والماثل: القائم المنتصب.
والطِّراف: بيت من أَدَم.
والذَّيال: الطويل الذَّنب.
والأوْصال: جمع وُصْل.
وأشم: مرتفع.
والقَذَال: مَعْقِد العِذار.
والمُغَار: الشديد الفَتْل، يريد أنه شديد البدن.
ومحبوك: موثق مشدود.
ومجملج: مفتول.
والقَهْقَر: الحجر الصلب.
والأدعج: الأسود.
حديث الرواد
وقال القالي: حدثنا أبو بكر بن دريد قال: حدثني السكن بن سعيد عن محمد بن العباد عن ابن الكلبي عن أبيه عن أشياخ من بني الحارث بن كلب، قالوا: أجْدَبَتْ بلاد مَذْحِج فأرسلوا رُوَّاداً من كل بَطْن رجلا.
فبعثتْ بنو زَبيد رائدا، وبعثت النَّخَع رائدا، وبعثت جُعفيّ رائدا.
فلما رجع الرُّواد، قيل لرائد بني زَبيد: ما وراءك فقال: رأيت أرضا مُوشِمَة البِقَاع، نَاتِحَة النقاع، مستحلسة الغِيطَان، ضَاحِكَة القُرْيَان، وَاعِدَةً وأَحْرِ بوفائها، راضية أرضُها عن سمائها.
وقيل لرائد جُعْفى: ما وراءك فقال: رأيت أرضا جَمَعت السماءُ أقطارَها فأمْرَعت أصْبَارَهَا، وديَّثَتْ أوْعَارَها فَبُطْنَانُها غَمِقة وظُهْرَانُها غَدِقة ورياضها مُسْتَوْسِقة، وَرَقَاقُها رَائخ، وَوَاطِئُها سَائخ.
وماشيها مسرور، ومصرمها محسور.
وقيل للنخعي: ماوراءك فقال: مَدَاحِي سَيْل، وزُهَاء لَيْل، وغَيْلٌ يُواصِي غيلا، وقد ارتوت أجرازها، ودمث عزارها، والْتَبَدَتْ أقْوَازُها، فَرَائِدُها أَنِق، وراعِيها سَنِق، فلا قَضَضَ، ولا رَمَض، عَازِبُها لا يُفْزَع، ووارِدُها لا يُنْكَع.
فاختاروا مَرَاد النَّخَعي.
قال القالي: قال الأصمعي: او شمت السماء إذا بدا فيها برْق، وأوْشَمت الأرض إذا بدا فيها شيء من النبات.
وناتحة: راشحة.
والمسْتَحْلِسَة: التي قد جَلَّلَتْ الأرض بِنَبَاتها.
والقُرْيان: مجاري الماء إلى الرياض، واحدها قَرِيّ.
وأحر: أخلق.(2/444)
والسماء: هنا المطر يريد أن المطر جَادَ بِها، فطال النَّبت فصار المطر كأنه قد جمع أكنافه.
وأمْرَعَت أعشبت وطال نبتها.
والأَصْبار: نواحي الوادي.
ودُيِّثَتْ: لُيِّنَتْ.
والأوْعار: جمع وَعْر، وهو الغِلَظ والخشونة.
والبُطْنان: جمع بطن وهو ما غَمُض من الأرض.
وغَمِقة: ندِيّة.
والظُّهران: جمع ظهر وهو ما ارتفع يسيرا.
وغَدِقة: كثيرة البَلل والماء.
ومُستَوْسِقَة: منتظمة.
والرَّقاق: الأرض اللينة من غير رمل.
ورائخ: مفرط اللين، وسائخ: تسوخ رجلاه في الأرض من لينها.
والمَاشِي: صاحب الماشية.
والمُصْرم: المقل المقارب المال.
ومَدَاحي: مَفاعل من دَحَوْته، أي بسطته.
وقوله: زُهاء ليل: شبه به النبات لشدة خضرته.
والغَيْل: الماء الجاري على وجه الأرض.
ويُوَاصي: يواصل.
والأجْرَاز: جمع جُرُز، وهي التي لم يصبها المطر.
ودُمّث: لُيّن.
والعَزَاز: الصلب.
والأقْواز: جمع قَوْز وهو نَقًى يستدير كالهلال.
وأنِق: مُعْجَب بالمرعى.
وسَنِق: بَشِم. . والقَضَض: الحصى الصغار يريد أن النبات قد غطى الأرض فلا ترى هناك قَضَضَا.
والرَّمَض: أن يحمي الحصى من شدة الحر يقول: ليس هناك رَمَض لأن النبات قد غطى الأرض.
والعازِب: الذي يعرب بإبله أي يبعد بها في المرعى.
ويُنْكَعُ: يمنع.
أحوال الهلال
وقال الفراء في كتاب الأيام والليالي: يقال للهلال: ما أنتَ ابنَ ليلَة [فقال] : رضاعُ سُخيلَة، حلَّ أهلُها بِرُمَيْلَة.
[قيل] : ما أنت ابن لَيْلتيْن [قال] : حديث أمَتَيْن، بكذب دمين [قيل] : ما أنت ابنَ ثلاث [قيل] : حديث فتيات، غير [جدِّ] مؤتلفات [قيل] : ما أنت ابنَ أربع [قال] : عَتمة [أمِّ] رُبَع، لا جائع ولا مرضع. [قيل] : ما أنت ابنَ خمس [قال] : عشاءُ خَلِفات قُعس. [قيل] : ما أنت ابنَ ست [قال] : سرْ وبتْ [قيل] : ما أنت(2/445)
ابنَ سبع [قال] : دُلْجةُ الضَّبُع.
[قيل] : ما أنت ابنَ تسع [قال] : منقطع الشِّسْع، [قيل] : ما أنت ابنَ عشر [قال] : ثلث الشهر.
أسجاع العرب في الأنواء
وقال ابن قتيبة في كتاب الأنواء: يقول ساجع العرب: إذا طلع السَّرَطان، استوى الزمان، وخضِرت الأغصان، وتهادت الجيران.
إذا طلع البُطَيْن اقتُضِيَ الدَّيْن، وظهر الزين، واقتفي بالغطاء والقَيْن.
إذا طلع النَّجْم - يعني الثريا - فالحرُّ في حدم، العشب في حَطْم، والعانات في كَدْم.
إذا طلع الدَّبَران، توقدت الحِزَّان، وكرهت النيران، واسْتَعَرت الذّبَان، ويبست الغُدْران، ورمت بأنفسها حيث شاءت الصبيان.
إذا طلعت الهَقْعَة، تقوض الناس للقُلْعة، ورجعوا عن النُّجعَة وأرْدَفَتْها الهَنْعَة.
إذا طلعت الجوزاء توقدت المَعْزاء، وكَنَست الظباء وعرِقَتِ العِلْبَاء وطاب الخِبَاء.
إذا طلعت العُذْرة، لم يبق بُعَمان بُسْرة، إلا رَطْبة أو تَمرَة.
إذا طلعت الذِّرَاع، حَسَرت الشَّمْسُ القِنَاع، وأشعلتْ في الأفُق الشُّعَاع، وترقرق السَّرَاب بكل قاع.
إذا طلعت الشِّعْرى، نَشِف الثَّرى، وأجَنَ الصَّرَى، وجعل صاحب النخل يرى.
إذا طلعت النَّثْرة، قَنأت البُسْرة، وجُنِيَ النخل بُكرة، وأوت المواشي حَجْرة، ولم تترك في ذات دَرٍّ قَطْرة.
إذا طلعت الصَّرْفة، بكرتِ الخُرْفه، وكثرت الطُّرْفة، وهانت للضيف الكُلْفَة.(2/446)
إذا طلعت الجهة، تحانت الوَلَهَة، وتنازَتْ السَّفَهة، وقلت في الأرض الرَّفَهه.
إذا طلعت الصَّرْفة، احتال كل ذي حِرْفه، وجَفر كُلُّ ذِي نطفة وامْتَيَز عن المياه زُلْفه.
إذا طلعت العَوَّاء، ضُربَ الخِبَاء، وطاب الهَواء، وكُرِه العَراء، وشَنَّنَ السِّقاء.
إذا طلع السِّماك، ذهب العِكَاك، وقل على الماء اللِّكَاك.
إذا طلع الغَفْر اقشعر السَّفْر، وتَربَّل النَّضْر، وحَسُن في العين الجمر.
إذا طلعت الزُّبَانا، أحدثت لكل ذي عِيال شَانا، ولكل ذي ماشية هَوانا، وقالوا: كان وكانا، فاجمع لأهلك ولا توانى.
إذا طلع الإكْليل، هاجت الفُحُول، وشُمِّرت الذُّيُول، وتخوفت السيول.
إذا طلع القَلب، جاء الشتاء كالكَلْب وصار أهل البوادي في كَرْب، ولم تُمَكِّن الفحلَ إلا ذاتُ ثَرْب.
إذا طلعت الشَّوْله، أعجلت الشيخَ البوْله، واشتدَّت على العيال العَوْله، وقيل شَتْوة زَوله.
إذا طلعت العَقْرب، جَمِس المِذْنَب، وقَرّ الأشْيَب، ومات الجُنْدَب، ولم يصر الأخطب.
إذا طلعت النَّعَائم، تَوَسَّفت التَّهائم، وخَلَص البرد إلى كل نائم، وتلاقت الرِّعاء بالتَّمائم.
إذا طَلَعتِ البلدة، جَمَّمَتِ الجعده وأكِلَت القشدة، وقيل للبرد اهْدَه.
إذا طلع سَعْدُ الذابح، حمى أهلَه النابح، ونَقَع أهله الرَّائح، وتصبَّح السارح، وظهرت في الحي الأنافح.
إذا طلع سَعْدُ بُلَع، اقتحم الرُّبَع، ولَحِقَ الهُبَع، وصيد المُرَع، وصار في الأرض لُمَع.
إذا طلع سعد السُّعود، نضر العُود، ولانت الجُلود، وكُرِه في الشمس القعود.
إذا طلع سعد الأخْبية، زُمّت الأسقية، وتدلت الأحويه، وتجاورت الأبنيه.
إذا طلع الدلو، هِيب الجَذْو، وأَنْسَل العفو، وطلب الخلوُ واللهو.
إذا طلعت السمكة، أمكنت الحرَكة، وتَعَلّقت الحَسَكه، ونُصِبَت الشَّبكه وطاب الزمان للنَّسَكه.(2/447)
وقال أبو حاتم السِّجِسْتاني في كتاب الليل والنهار: قال أبو زيد: يقولون: الهلال لأول لَيْله، رضاعُ سُخَيله، يَحُلُّ أهلها بِرُمَيْله.
ولابن ليلتين، حديث أَمَتين، بكذب ومَيْن، ولابن ثلاث: حديث فَتيات، غير جد مؤتلفات.
ولابن أرْبع: عَتمة رُبَع غير حبلى ولا مرضع.
وقال بعضهم: عَتمة أم رُبَع.
ولابن خَمس: عَشاء خَلِفات قُعْس.
وزعم غير أبي زيد، أنه يقال لابن خمس: حَديث وأنس.
وقال أبو زيد: ابن سِتْ، سِرْوِبتْ.
ولابن سبع: دُلْجة الضبع.
وقال غيره: هُدًى لأنْس ذي الجَمع.
ولابن ثَمان: قَمر أضحيان.
ولابن تسع: انقطع الشِّسْع.
وقال غيره: مُلْتَقط الجِزع.
قال أبو زيد: ولابن عَشْر، ثلث الشهر.
وقال غيره: مُحْنِق للفجر.
وقال غير أبي زيد: قيل للقمر: ما أنت لإحدى عَشْرة قال: أَرَى عَشاء وأَرَى بكره.
قيل: فما أنت لاثنتي عشرة قال: مؤنق للشمس بالبدو والحضر.
قيل: فما أنت لثلاث عشرة قال: قمر باهر، يَعشَى له الناظر.
قيل: فما أنت لأربعَ عشرة قال: مقتبل الشباب، أضيء مَدْحيات السحاب.
قيل: فما أنت لخمسَ عشرة قال: تَمّ التمام، ونفدت الأيام.
قيل: فما أنت لست عشرة قال: نَقَص الخلق، في الغرب والشرق.
قيل: فما أنت لسبعَ عشرة قال: أمكنت المفتقر الفقره.
قيل: فما أنت لثمانيَ عشرة قال: قليل البقاء، سريع الفناء.
قيل: فما أنت لتسع عشر قال بطيء الطلوع، بَيِّن الخشوع.
قيل: فما أنت لعشرين قال: أطلع بالسَّحره، وأرى بالبهره.
قيل: فما أنت لأحدى وعشرين قال: كالقَبس، أطلع في غَلس.
قيل: فما أنت لاثنتين وعشرين قال: أطيل السُّرى، إلا ريثما أرى.
قيل: فما أنت لثلاث وعشرين قال: أطلعُ في قتمه، ولا أجلى الظلمه.
قيل: فما أنت لأربع وعشرين قال: دنا الأجل، وانقطع الأمل.
قيل: فما أنت لخمس وعشرين قال: ... ... ... ... . .
قيل: فما أنت لست وعشرين قال: دنا ما دنا، وليس يرى لي سَنا.
قيل: فما أنت لسبع وعشرين قال: أطلع بكرا، وأرى ظُهْراً.(2/448)
قيل: فما أنت لثمان وعشرين قال: أسبق شُعاع الشمس.
قيل: فما أنت لتسع وعشرين قال: ضئيل صغير، ولا يراني إلا البصير.
قيل: فما أنت لثلاثين قال: هلال مستقبل.
حديث أم زَرْع
وأخرج البخاري ومُسلم والتِّرمِذي في الشمائل وأبو عُبيد القاسم بن سلام والهَيْثم بن عدي والحارث بن أبي أُسامة والإسماعيلي وابن السِّكِّيت وابن الأنباري وأبو يَعْلَى والزُّبَيْر بن بكَّار والطَّبَراني وغيرهم، واللفظ لمجموعهم فعند كل ما انفرد به عن الباقين، والمحدِّثون يعبرون عن هذا بقولهم: دخل حديث بعضهم في بعض.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: جلست إحدى عشرة امرأة من أهل اليمن، فتعاهدْن وتعاقدْن أنْ لا يكتمْنَ من أخبار أزواجهن شيئا.
فقالت الأولى: زوجي لَحْم جمل غَثٌّ، على رأس جبل وَعْث، لا سهل فيُرتقى، ولا سمين فَيُنتَقَى.
قالت الثانية: زوجي لا أبُثّ خَبَره، إني أخاف أن لا أذَره، إن أذكرْه أذكرْ عُجَرَه وبُجَرَه.
قالت الثالثة: زوجي العَشَنَّق، إن أنْطقْ أُطَلَّق، وإن أسْكُت أُعَلَّق، على حَدِّ السِّنَان المُذَلَّق.
قالت الرابعة زوجي كَلَيْل تهامة، لا حَرَّ ولا قُرّ ولا وَخَامة، ولا سآمة، والغيث غيث غمامه.
قالت الخامسة: زوجي إن دخل فَهِد، وإن خرج أسِد، ولا يسأل ما عَهِد ولا يرفع اليوم لغد.
قالت السادسة: زوجي إن أكل اقْتَفّ، وإن شرب اشْتَفّ، وإن اضطجع الْتَفّ وإذا ذبح اغتث، ولا يولج الكَفّ، ليعلم البَثّ(2/449)
قالت السابعة: زوجي غَيَاياء، أو عَيَايَاءُ طَباقاء، كل داء له داء شجك أو بَجّك أو فَلّك أو جمع كُلاّلِك.
قالت الثامنة: زوجي الْمَسُّ مَسُّ أرْنب، والريح ريح زَرْنب وأنا أغلبُه والناسَ يَغْلِب.
قالت التاسعة: زوجي رفيع العماد، طويل النِّجاد، عظيم الرماد، قريب البيت من الناد، لا يشبع ليلة يُضاف، ولا ينام ليلةَ يخاف.
قالت العاشرة: زوجي مالِك، وما مَلَك مالِكٌ خير من ذلك، له إبل قليلات المسَارح، كثيرات المبارِك، إذا سمعن صوت المِزْهر أيقن أنهن هوالك، وهو إمام القوم في المهالك.
قالت الحادية عشرة: زوجي أبو زَرْع، وما أبو زَرْع أَنَاسَ من حُليٍّ أذنيَّ وفرعي وملأ من شَحْمٍ عَضُديَّ، وبَجَّحَني فبجَحَتْ نفسي إلي، وجدني في أهل غُنَيْمة بِشِقّ، فجعلني في أهل صهِيل وأطيط ودائس ومنق فعنده أقول فر أُقَبَّح، وأَرْقُدُ فأتَصَبَّح، وأشرب فأتَقنَّح، وآكل فأتَمَنَّح.
أم أبي زرع: فما أم أبي زَرْع عُكُومها رَدَاح، وبيتُها فَساح.
ابن أبي زرع فما ابنُ أبي زرع كَمَسَلّ شَطْبَة، وتُشْبعه ذِراع الجَفْرة، وترويه فِيقة اليَعْرة، ويميس في حَلَقِ النَّثْرة.
بنت أبي زَرْع: فما بنت أبي زرع طَوْع أبيها، وطوع أمها وزين أهلها ونسائها وملء كسائِها وصِفْر ردائها، وعَقْر جارتها، قَبّاء هَضِيمة الحشا، جائلة الوشاح،، عَكْناء، فَعْماء نَجْلاء، دَعْجاء، رَجَّاء، زَجَّاء، قَنواء، مؤنقة مُنفِقة، بَرُود الظل.
وفي الأل، كريمة الخِلّ.
جارية أبي زرع: فما جارية أبي زرع لا تَبُثّ حديثنا تَبْثِيثاً، ولا تُنَقِّثُ مِيرَتنا تَنقيثاً، ولا تملأ بيتنا تَعْشِيشاً.
ضيف أبي زَرْع: فما ضَيْفُ أبي زَرْع في شِبَع ورِيّ ورَتْع.
طهاة أبي زَرع: فما طهاة أبي زَرْع لا تفْتُر ولا تَعْرَى، تقدَح وتنصب أخرى، فتلحق الآخرة بالأولى.
مال أبي زرع: فما مال أبي زرع على الجُمَم معكوس، وعلى العُفَاة مَحْبوس.
قالت خرج أبو زرع من عندي والأوطاب تُمْخَض، فَلَقِيَ امرأة معها ولدان لها(2/450)
كالفَهْدين يلعبان من تحت خَصْرِها برمانتين، فنكحها فأعجبته فلم تزل به حتى طلقني فاستبدلت وكل بَدَل أعور فنكحت بعده رجلا سَرِيّاً، شريا، ركب وأخذ خَطِّياً.
وأراح عليَّ نَعَماً ثَرِيّاً، وأعطاني من كل رائحة زوجا، وقال: كلي أُم زَرع، ومِيري أهلَكِ.
قالت: فلو جَمَعْتُ كل شيء أعطانيه ما بلغ أصغرَ آنية أبي زَرع.
قالت عائشة: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (كنتُ لكِ كأبي زَرعٍ لأم زرع، إلا أنه طَلقها وإني لا أُطَلِّقُكِ) .
فقالت عائشة: بأبي أنت وأمي لأنت خير لي من أبي زَرْعٍ لأُمِّ زَرعٍ.
الغَثُّ: الهزيل.
والوَعْث: الصعب المرتقى.
ويُنتقى أي ليس له نِقْي يستخرج والنِّقي: المخ.
وأرادت بعُجَره وبُجَره عيوبَه الظاهرة والباطنة.
والعَشَنَّق: السيء الخُلق، والمُذَلّق: المحدد.
والوخامة: الثقل.
وفَهِد وأسِد: فَعل فِعْل الفُهود من اللِّين وقلة الشر، وفِعْل الأسودِ من الشَّهامة والصرامة بين الناس.
واقْتَفّ: جمع واستوعب. واشْتَفّ: استقصى.
وغياباء (بالمعجمة) المنهمك في الشر.
وعَياياء (بالمهملة) الذي تُعْييه مباضعة النساء.
وطَباقاء: قيل: الأحمق، وقيل: الثقيل الصدر عند الجماع.
وشَجَّك: جرح رأسك.
وبجك: طعنك.
وفللك: جرح جسدك.
والأرنب: دُوَيِبّة لينة الملمس ناعمة الوَبَر والزَّرْنَب نَبْت طيب الريح والنِّجاد حمائل السيف والمِزْهر آلة من آلات اللهو
وأَنَاس: أثقل.
وفرعي: يدي.
وبَجَحني: عظمني.
وغُنْيمة: تصغير غنم.
وشِق (بالكسر) جهد من العيش.
وأهل صَهيل أي خيل.
وأطيط أي إبل.
ودائس، أي زرع.
ومُنِقّ (بضم الميم وكسر النون وتشديد القاف) أي أهل نقيق، وهو أصوات المواشي، وقيل.
الدجاج.
وأتَصَبّح: أنام الصُّبْحة.
وأَتَقنّح: لا أجد مَساغاً.
وأَتَمنَّح أطعم غيري.
والعُكُوم: الأعدال.
وَرَداح: مَلأَى.
وفَساح: واسع.
وشَطْبة: الواحدة من سَدى الحصير.
والجَفْرة: الأنثى من ولد المعز إذا كان ابن أربعة أشهر.
وفيقة (بكسر الفاء وسكون التحتية وقاف) ما يجتمع في الضرع بين الحلبتين.
واليَعْرة: الَعنَاق.
ويميس: يتبختر.
والنَّثْرة: الدِّرْع اللطيفة.
وقَبّاء: ضامرة البطن، وجائلة الوشاح بمعناه.
وعكناء: ذات أعكان.
وقمعاء: ممتلئة الجسم.
ونَجْلاء: واسعة العين.
ودَعْجاء: شديدة سواد العين، ورَجّاء: كبيرة الكَفَل.
وزجَّاء: مُقوَّسة الحاجبين، وقَنْواء: مُحْدَوْدِبة الأنف.
ومؤنقة منفقة: مغذاة بالعيش الناعم.
وبَرُود الظل: حسنة العشرة.
والأل: العهد.
والخِلّ: الصاحب.
ولا تُنَقِّثُ ميرَتنا،(2/451)
أي لا تسرع في الطعام بالخيانة ولا تذهبه بالسرقة.
والطهاة: الطباخون.
ولا تعرى: لا تصرف.
وتقدح: تغرف.
وتنصب: ترفع على النار.
والجُمَم: جمع جُمّة، القوم يُسألون في الدية.
ومعكوس: مَرْدود.
والعُفاة: السائلون.
ومحبوس: موقوف.
وسَريّاً شريفا.
وشَرِياً: فرسا خيارا.
وخَطِّياً: الرمح.
وثريا: كثيرة.
حديث في وصف الخيل
قال القالي في أماليه: حدثنا أبو بكر بن دُرَيْد قال: حدثني عمي عن أبيه عن ابن الكَلْبي عن أبيه قال: اجتمع خَمْسُ جوارٍ من العرب، فقلن: هَلْمُمْنَ ننَعتُ خيل آبائنا.
فقالت الأولى: فرسُ أبي ورْدة، وما وَرْدة ذاتُ كَفَل مُزْحْلَقٍ، ومَتْنٍ أَخْلق، وجَوْفٍ أَخْوق، ونَفْس مَرُوح، وعَيْنٍ طَروح، ورِجْلٍ ضَروح، ويدٍ سَبُوح، بُدَاهتها إهْذاب، وَعقْبها غلاب.
وقالت الثانية فرس أبي اللَّعَّاب، وما اللَّعَّاب غَبْية سَحَاب، واضطرام غاب، مُتَرَصُ الأوْصال، أشَمُّ القَذَال، مُلاحَك المَحَال، فارسُه مُجِيد، وصَيْدُه عَتيد، إن أقبل فَظَبْيٌ مَعََّاج، وإن أَدْبر فَظَلِيم هَدَّاج، وإن أَحْضَر فَعِلْج هرَّاج.
وقالت الثالثة: فرس أبي حُذَمة، وما حُذَمة إن أقبلت فقناه مُقوَّمه، وإن ادبرت فأثْفِيّة مُلَمْلَمه، وإن أعرضت فذئبة مُعَجْرَمه، أرساغُها مَتَرَصه، وفصوصها مُمَعَّصه، جَرْيها انْثِرار وتَقْريبها انْكِدار.
وقالت الرابعة: فرس أبي خَيْفق، وما خَيْفَق ذات ناهق مُعْرَق، وشِدْقٍ أشْدَق، وأديم مُمَلَّق، لها خَلْق أشْدف، ودَسِيع مُنَفْنَف وتَلِيلٌ مُسَيَّف، وثَّابه زَلوج، خَيْفانة رَهوج، تَقْريبها إهْماج وحُضْرها ارْتِعَاج.
وقالت الخامسة: فرس أبي هُذْلول، وما هُذْلول طريدُه مَحْبول، وطالبُه مَشْكول رقيق الملاغِم، أمين المعَاقم، عَبْل المَحْزِم، مِخدٌّ مِرْجَم، مُنِيف الحارِك أشَمُّ السنابك، مجدول الخصائل، سَبِط الفلائل غَوْج التَّلِيل، صَلْصَال الصَّهيل، أديمُه صاف، وسَبِيبُه ضاف وعَفْوه كاف.
قال القالي: المُزَحْلَق: المُمَلَّس.
والأخْلَق: الأمْلَس.
وأخْوَق: واسع.
ومروح:(2/452)
كثيرة المرح.
وطَرُوح: بعيدة موقع النظر.
وضروح: دَفُوع تريد أنها تضرح الحجارة برجليها إذا عَدَتْ.
وسَبُوح: كأنها تَسْبح في عدْوها من سرعتها، وبُدَاهَتها: فُجَاءتها والبُداهة والبديهة واحد.
والإهْذاب: السرعة.
والعَقْب: جَرْي بعد جَرْي.
وغِلاَب: مصدر غالبته كأنها تغالب الجري.
والغَبْية: الدَّفْعة من المطر.
والغابُ: جمع غابة، وهي الأجمة.
ومُتْرَص: محكم.
وأشم، مرتفع.
والقَذَال: مَعْقِد العِذار.
ومُلاَحَك: مُدَاخَل كأنه دُوخِل بعضه في بعض.
والمَحَال: جمع مَحالة وهي فَقَار الظهر.
ومُجيد: صاحب جَواد.
وعَتيد: حاضر.
ومَعَّاج: مسرع في السير.
وهداج: فعال من الهدج وهو المشي والرويد ويكون السريع.
والعِلْج: الحمار الغليظ.
وهراج: كثير الجري.
وحُذَمة: فُعَلة من الحَذْم وهو السرعة، وقيل القَطْع.
وقولها قَناة مُقَوّمة، تريد أنها دقيقة المُقَدّم، وهو مدح في الإناث.
والأُثْفِيّة: واحدة الأثافي.
ومُلَمْلَمة: مجتمعة تريد أنها مدورة.
وقولها مُعَجْرَمة قال أبو بكر: العَجْرمة: وثْبة كوثْبة الظبي ولا أعرف عن غيره في هذا الحرف تفسيرا.
ومُمَحّصة: قليلة اللحم قليلة الشعر.
وانْثِرار: انْصِباب.
وخَيْفَق: فَيْعل من الخَفْق وهو السرعة.
والنَّاهقان: العظمان الشاخصان في خَدَّي الفرس.
ومُعْرَق: قليل اللحم.
وأشدق: واسع الشِّدق.
ومُمَلّق: مملس.
والأشْدَف: العظيم الشخص.
والدسيع: مُرَكّب العُنُُق في الحارِك.
ومُنَفْنَف: واسع.
والتَّليل: العنق.
ومُسيَّف كأنه سيف.
وَزَلوج: سريعة.
والخَيْفانة: الجرَادة التي فيها نقط سود تخالف سائر لونها، وإنما قيل للفرس: خَيْفانة لسرعتها، لأن الجرادة إذا ظهر فيها تلك النقط كان أسرع لطيرانها.
ورَهُوج: كثيرة الرهج، وهو الغبار.
والإهْماج: المبالغة في العَدْو.
والارتعاج: كثرة البرق وتتابعه.
ومَحْبول: في حِبالة، ومشكول: في شِكال والمَلاغم: الجَحَافل.
والمَعاقِم: المفاصل.
وعَبْل: غليظ.
والمَحْزِم: موضع الحِزام.
ومِخَدّ: يخدُّ الأرض أي يجعل فيها أخاديد أي شقوقا.
ومِرْجَم: يرجم الحجر بالحجر.
ومُنِيف: مرتفع.
والحارِك: مِنْسَج الفرس.
والسَّنابك: أطراف الحوافر، واحدها سُنْبُك.
ومجدول: مفتول.
والفَلِيل: الشعر المجتمع.
والفَوْج: اللَّيِّن المِعْطَف.
والصَّلْصَلة: صوت الحديد، وكل صوت حاد.
والسَّبيب: شعر الناصية وضاف: سابغ.(2/453)
حديث أم الهيثم
وقال القالي في أماليه: حدثنا أبو الحسن وابن دَرَسْتَوَيْه قالا: حدثنا السكري قال.
حدثنا المعمري، قال أخبرنا عمر بن خالد العثماني، قال: قَدِمَتْ [علينا] عجوز من بني مِنْقَر، تكنى أم الهَيْثم، فغابت عنا، فسأل أبو عبيدة عنها، فقالوا: إنها عليلة، قال: فهل لكم أن نأتيها قالا: فجئناها فاستأذنَّا عليها، فأذِنت لنا وقالت: لِجُوا.
فولجنا فإذا عليها بُجُد وأهدام، وقد طرحَتْها عليها، فقلت: يا أم الهيْثَم، كيف تجِدينَك قالت: أنا في عافية، قلنا: وما كانت عِلَّتك قالت: كنت وَحْمى بِدِكَة، فشهدت مأدُبة، فأكلت جُبْجُبة من صَفِيفِ هِلّعة، فاعترتني زُلّخَة، فقلنا لها: يا أم الهيثم أي شيء تقولين فقالت: أو للناس كلامان ما كلمتكم إلا الكلام العربي الفصيح.
ابنة الخس. . وخير الأشياء
قال القالي: وحدثنا أبو بكر محمد بن أبي الأزهر، حدثنا الزبير بن بكار، حدثنا عمرو بن إبراهيم السعدي ثم الغَوَيْثِي، قال: قال لابنة الخُس أبوها:
أيُّ المال خير قالت: النخل، الرَّاسخات في الوَحْل، المُطْعمات في المَحْل.
قال: وأيُّ شيء قالت: الضأن قرية لا وَبَاء لها، تُنْتِجُها رُخالاً، وتَحْلُبُها عُلاَلاً، وتَجُزّها جُفَالاً، ولا أرى مثلها مالا.(2/454)
قال: فالإبل [مالك تُؤَخرنِيهَا] قالت: هي أركاب الرجال، وأرقاء الدماء، ومهور النساء.
قال: فأي الرجال خير قالت: [من // المنسرح //]
(خير الرجال المُرََهَّقُون كما ... خير تِلاعِ البلاد أوْطؤُها) قال: أيهم قالت: الذي يُسْأل ولا يَسأل، ويُضيف ولا يُضاف، ويُصْلِح ولا يُصْلَح.
قال: فأي الرجال شر قالت: النُّطَيْط، الذي معه سُوَيط، الذي يقول أدركوني من عبد بني فلان فإني قاتله أو هو قاتلي.
قال: فأيُّ النساء خير قالت: التي في بطنها غلام.
تقود غلاما، وتحمل على وَرِكها غلاما، ويمشي وراءها غلام.
قال: فأي الجمال خير قالت: الفحل السِّبَحْل الرِّبحل الراحلة الفَحْل، قال: أرأيتك الجذَع قالت: لا يضرب ولا يَدع.
قال: أرأيتك الثَّنِيّ قالت: يضرب وضِرَابُه وفي.
قال: أرأيتك السَّدَس قالت: ذلك العَرَس.
قال أبو عبيد: الثُّطَيط: الذي لا لحية له، والنُّطَيْط: الهِذْريان، وهو الكثير الكلام يأتي بالخطأ والصواب عن غير معرفة، والسبحل والربحل: البخيل الكثير اللحم.
حديث لابنة الخُسّ
وقال أبو بكر: حدثني أحمد بن يحيى حدثنا عبيد الله بن شبيب حدثنا داوود بن إبراهيم الجَعْفري، عن رجل من أهل البادية، قال:(2/455)
قيل لابنة الخُس: أي الرجال أحب إليك قالت: السهل النجيب، السَّمح الحسيب، النَّدْب الأريب، السيد المهيب.
قيل فهل بقي أحد من الرجال أفضل من هذا قالت: نعم الأهيف الههفاف الأنِف العياف، المفيد المتلاف، الذي يخيف ولا يخاف.
قيل فأي الرجال أبغض إليك قالت: الأَوْرَه النؤوم، الوَكل السَّؤوم، الضعيف الحَيْزُوم، اللئيم الملوم.
قيل: فهل بقي أحد شر من هذا قالت نعم، الأحْمق النزَّاع، الضائع المُضاع، الذي لا يُهاب ولا يطاع.
قالوا: فأي النساء أحب إليك قالت: البيضاء العَطِرة كأنها ليلة قمِرة.
قيل: فأي النساء أَبغَض إليك، قالت: العِنْفِص القصيرة التي إن استنطقتها سَكَتَتْ، وإن أسكتّهَا نطقت.
ضب ابنة الخُسّ
قال ابن دريد في أماليه: أخبرنا عبد الرحمن قال: أخبرني عمي، قال: قيل لابنة الخس: ما ضَبّك قالت: ضَبِّي أعور عنين، ساحٍ حابل، لم ير أنثى ولم تره.
قولها: أعور، أي لا يبرح جُحْره.
والساحي: الذي يأكل السَّحَاة.
والحابل: الذي يأكل الحَبْلة وهو ثمر الآلاء والسرح.
خير النساء وشرهن
وفي أمالي القالي قال بَهْدل الزُّبَيْريّ: أتى رجل ابنة الخُسّ يستشيرها في امرأة يتزوجها فقالت: انظر رَمْكاء جسيمة، أو بيضاءَ وَسيمه، في بيت جِدّ، أو بيت حَدّ، أو بيت عز، فقال: ما تركت من النساء شيئا، قالت: بلى شر النساء تركت السُّوَيْدَاء المِمْراض، والحُمَيْراء المِحْياض، الكثيرة المِظَاظ.(2/456)
قال: وحدثني الكلابي، قال: قيل لابنة الخُس: أي النساء أسْوَأ قالت: التي تقعد بالفِناء وتملأ الإناء، وتمذُق ما في السقاء.
قيل: فأي النساء أفْضَل قالت: التي إذا مشت أغْبَرَت، وإذا نطقت صَرْصرت، مُتَوَرّكة جارية، تتبعها جارية، في بطنها جارية، قيل: فأي الغلمان أفضل قالت: الأسْوَق الأعنق، الذي إنْ شب كأنه أحمق.
قيل: فأي الغلمان أفسل قالت: الأُوَيْقِص القصير العَضُد، العظيم الحاوية، الأُغَيْبِر الغشاء، الذي يطيع أمه ويعصي عمه.
الرَّمْكاء: السمراء.
والمِظَاظ: المشارَّة.
وأغبرت: أثارت الغبار.
وصرصرت: أحدَّت صوتها. والأسوق: الطويل الساق.
والأعنق: الطويل العُنق.
والأُوَيْقِص: تصغير أوْقص، وهو الذي يدنو رأسُه من صدره.
والحاوية: ما تَحَوَّى من البطن أي استدار.
صفات الإبل
وفي نوادر ابن الأعرابي: قال أبو بنت الخُسّ - وأراد أن يشتري فحلا لإبله - أَشيروا علي كيف أشتريه فقالت هند ابنته: اشتره كما أصفه لك قال: صفيه، قالت: اشتره ملجم اللَّحْيين، أسْجَع الخدين، غائر العينين، أرْقب أحْزم، أعلى أكرم، إن عصى غشم، وإن أطيع تَجَرْثَم.
الأرقب: الغليظ العنق، والأحزم: الغليظ موضع الحزام مع شدة.
أحسن شيء عند ابنة الخس
وفيها: قيل لابنه الخُسّ (والخس والخص كل ذلك يقال) : ما أحسن شيء قالت: غادية في أثر سارِية، في نَبخَاء قَاوِية.
نَبْخاء: أرض مرتفعة، وقالوا أيضا، نفخاء أي رابية، ليس فيها رمل ولا حجارة والجمع النباخي.
مخاض الناقة
وفيها: قالت هند بنت الخس بن جابر بن قريط الإيادية لأبيها: يا أبت(2/457)
مَخضَت الفلانية - لناقة لأبيها - قال: وما علمك قالت الصَّلا راج، والطرف راج، ويمشي وتَفاجّ.
قال أمخضت با بنية فاعْقِلي.
راج: يرتج.
ولاَجّ: يَلَجُّ في سرعة الطَّرْف.
وتَفَاجَّ: تباعد ما بين رجليها.
مائة من المعز والإبل والضأن والجمال
وفيها: قيل لابنة الخُسّ: ما مائة من المَعِز قالت: مُوَيل يشفُّ الفقر من ورائه مال الضعيف، وحرفة العاجز.
قيل فما مائة من الضأن قالت: قَرْية لا حِمَى بها.
قيل: فما مائة من الإبل قالت: بَخٍ جَمالٌ ومال، ومُنى الرجال.
قيل: فما مائة من الخيل قالت: طَغَى من كانت عنده، ولا يوجد قيل: فما مائة من الحُمر قالت: عازبة الليل، وخِزْي المجلس لا لبن فيُحتلب، ولا صوف فيجتز إن ربطت عِيرها دلى، وإن أرسلته ولى.
أعمار الإبل وإلقاحها
وفي نوادر أبي زيد: قال الخُسّ لابنته: هل يُلقح الجَذَع قالت: لا، ولا يَدَع.
قال: فهلْ يُلْقح الثَّنِيّ قالت: نعم، وإلقاحه أني أي بطىء.
قالا: فهل يُلْقح الرَّباع قالت: نعم، برحب ذِرَاع.
قال فهل يُلْقِحُ السَّدِيس قالت: نعم، وهو قَبِيس. قال: فهل يُلقح البازل قالت: نعم وهو رازم أي ساقط مكانه لا يتحرك.
قال ابن الأعرابي في نوادره: يقال: ابنة الخُسّ والخُسْف، ويقال: إنها من العماليق من بقايا قوم عاد.
حديث أم الهيثم
قال ابن دريد في الجمهرة: أخبرني أبو حاتم: قال: رأيت مع أم الهيثم أعرابية في وجهها صفرة، فقلت: مالَكِ قالت: كنت وَحْمَى بدِكَة، فحضرت مأدبة(2/458)
فأكلت خَيْزُبة، من فِراص هِلَّعة، فاعترتني زُلَّخة.
قال: فضحكت أم الهيثم، وقالت: إنك لذات خُزَعْبِلات أيْ لهو.
قولها: بدِكَة أي تشتهي الوَدَك.
الخَيْزُبة: اللحم الرخْص.
والفِراص: جمع فريصة وهي لحم الكتفين.
والهلعة: العناق.
سؤال عن عُدّة الشتاء
وفي الجمهرة: قال أبو زيد: قيل للعنز: ما أعددتِ للشتاء قالت: الذََّنَبُ ألوى، والاست جهوى.
وقيل للضأن: ما أعددت للشتاء قالت: أُجَزُّ جُفالاً.
وأُوَلَّد رُخَالاً وأُحْلَبُ كُثَباً ثِقَالاً، ولن ترى مثلي مالا.
الجَهْوَى: المَكْشوفة.
وقيل للحمار: ما أعددت للشتاء قال: جبهة كالصَّلاءة، وذنبا كالوَتَرة.
وفي أمالي ثعلب: تقول العرب: قيل للحمار: ما أعددت للشتاء فقال: حافرا كالظُّرر، وجبهة كالحجر.
الظُّرَر: الحجارة.
وقيل للكلب: ما أعددت للشتاء فقال: أَلِوي ذنبي، وأربِض عند باب أهلي.
وقيل للمعزى: ما أعددت للشتاء فقالت: العظم دِقاق، والجلد رِقاق، واست جَهْوى، وذَنَب ألْوى، فأين المأوى
نادرة
وقال ابن دريد: أخبرنا عبد الرحمن عن عمه، قال: خاطر رجل أعرابيا أن يشرب علبة لبن ولا يتنحنح، فلما شرب بعضها جهده، فقال: كبش أملح، فقال: تنحنحت، فقال: من تنحنح فلا أفلح.(2/459)
غلام يصف عنزا
وقال القالي: حدثنا أبو بكر بن دريد، قال: أخبرنا عبد الرحمن عن عمه عن أبي عمرو بن العلاء، قال: رأيت باليمن غلاما من جَرْم يَنْشد عنزا: فقلت: صفها يا غلام، فقال: حَسْراء مُقْبلة، شَعْرَاء مُدْبرة، ما بين غُثْرة الدُّهسة، وقُنُوء الدُّبسة، سَجحاءُ الخدين، خَطْلاء الأذنين، فَشْقاء الصُّوَرين، كأَنَّ زَنَمَتَيْها تَتْوَا قَُلَنْسِية، يا لها أُمَّ عيال وثِمال مال قوله: حسراء مقبلة يعني أنها قليلة شعر المُقَدّم قد انْحَسرَ شعرها، والغُثْرة: غُبْرة كَدِِرة.
والدُّهسة: لون كلون الدَّهاس من الرمل، وهو كل لَيِّن لا يبلغ أن يكون رملا وليس بتراب ولا طين.
والقُنُوء: شدة الحمرة.
والدُّبسة: حمرة يعلوها سواد.
وسَجْحاء الخدين: حَسنتهُما.
وخَطْلاء: طويلة الأذُنين مضطربتهما.
وفَشْقاء: منتشرة متباعدة.
والصُّوران: القرنان.
والزَّنَمتان: الهُنَيَّتان المتعلقتان ما بين لَحي العنز.
والتَّتْوان: ذؤابتا القَلَنْسُوة، واحدتها تَتْو.
أكرم الإبل
وقال القالي: حدثنا أبو عبد الله نِفطويه حدثنا، أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي، قال: قيل لامرأة من العرب: أيُّ الإبل أكرم فقالت: السرية الدِّرَّة، الصَّبور تحت القِرَّة، التي يكرمها أهلها إكرام الفتاة الحرة.
قالت الأخرى: نعمت الناقة هذه، وغيرها أكرم منها، قيل: وما هي قالت: الهَمُوم الرَّمُوم، القطوع للدَّيْمُوم، التي تَرْعى وتَسُوم.
أي لا يمنعها مَرُّها وسرعتها أن تأخذ الكلأ بفيها.
والرموم: التي لا تبقي شيئا. والهموم: الغزيرة.
فتيات يصفن رواحل آبائهن
وبهذا الإسناد قال: أغار قوم على قوم من العرب فقتل منهم عدَّة نفر، وأفْلِت منهم رجل فتعجل(2/460)
إلى الحي، فلقيه ثلاث نسوة يسألن عن آبائهن، فقال: لتصف كل واحدة منكن أباها على ما كان.
فقالت إحداهن: كان أبي عَلَى شَقَّاء مَقَّاء طويلة الأنْقاء تَمَطَّقَ أُنْثَياها بالْعَرَق، تَمَطُّق الشيخ بالمَرَق، فقال: نجا أبوك قالت الأخرى: كان أبي على طويلٍ ظهرُها، شديدٍ أسْرُها هاديها شطرُها.
قال: نجا أبوك قالت الأخرى: كان أبي على كَزَّةٍ أنوح، يُرويها لبن اللَّقوح.
قال: قتل أبوك فلما انصرف الفَلّ أصابوا الأمرَ كما ذَكر.
شَقَّاء مَقَّاء: طويلة.
والأنقاء: جمع نِقْى وهو كل عظم فيه مخ.
والتَّمطُّق: التَّذَوّق وهو أن تطبق إحدى الشفتين على الأخرى مع صوت بينهما.
والأسر: الخَلْق.
والهادِي: العُنق.
والأنوح: الكثير الزحير في جريه.(2/461)