(كم رامنا من ذي عديدٍ مُبْزِ ... )
(حتى وقَمْنا كَيْدَهُ بالرِّجْزِ ... )
706 - وقولهم: هذه البوائق
(20)
قال أبو بكر: معناه: النوازل والدواهي والمكارِه. قال النبي: (لن يؤمنَ مَنْ لا يأمنُ جارُهُ بوائِقَهُ (21)) . أي: غوائله وشرّه. ويقال (22) : قد باقَتْهم البائِقَةُ، وفَقَرَتْهُم الفاقِرةُ، وصَلَّتْهم الصّالَة (23) ، إذا لحقتهم البلية ووقعت بهم الداهية.
707 - وقولهم: في فلانٍ وَصْمَةٌ
(24)
قال أبو بكر: [معناه] : فيه (25) عَيْبٌ ومَطْعَنٌ. ويقال: رجل مُوَصَّمٌ: إذا كان فيه ثِقَل، وإبطاء، وفتور. وقد وصم توصيماً: إذا وصف بذلك. قال النبي: (إذا قامَ الرجلُ من الليلِ أصبحَ نشيطاً، وإذا نامَ جميع الليل أصبح ثقيلاً مُوَصَّماً) (26) . وقال لبيد (27) :
(وإذا رُمْتَ رحيلاً فارتحلْ ... واعْص ما يأمُرُ تَوْصِيمُ الكَسَلْ) (215)
708 - وقولهم: فلان يُهاتِرُ فلاناً
(28)
/ قال أبو بكر: معناه: يخاطبه بالسفه، والكلام المذموم المكروه. 194 / ب
__________
(20) اللسان (بوق) .
(21) غريب الحديث 1 / 348.
(22) القول للكسائي في غريب الحديث 1 / 349.
(23) ك: وصلتهم الضالة. وهو تصحيف.
(24) اللسان (وصم) .
(25) (فيه) ساقطة من ك، ل.
(26) غريب الحديث 1 / 306، الفائق 4 / 63 وفيهما. (ان الرجل إذا قام يصلي من الليل أصبح طيب النفس وإن نام حتى يصبح أصبح..) .
(27) ديوانه 179.
(28) سلف القول. في 1 / 569.(2/203)
وهو مأخوذ من " الهِتْر "، و " الهِتْر " / الساقط من الكلام، الذي يتكلم به، ويعتاده، الخرِف المتغيِّر العقل. يقال: قد أهتر الرجل: إذا فعل ذلك.
قال النبي: (سَبَقَ المُفَرَّدون، قالوا: يا رسول الله، وما المفردون؟ قال: الذين أُهِتروا في ذكر الله عز وجل، يضعُ الذكرُ عنهم أثقالَهم، فيأتونَ يومَ القيامةِ خِفافاً) (29) .
فالمفردون: الشيوخ الهَرْمى، الذين مات لداتهم (30) ، وذهب القَرْن الذي كانوا فيه، فصاروا مفردين لذلك. أنشدنا أبو علي العنزي (31) وأبو العباس أحمد بن يحيى:
(إذا ما انقضى القَرْنُ الذي أنتَ فيهم ... وخُلِّفْتَ في قَرْنٍ فأنتَ غريبُ) (32)
وقوله: الذين أُهِتروا في ذكر الله، معناه: الذين خِرفوا وهم يذكرون الله. يقال: قد خِرف فلان في طاعة الله، وقد هرِم في ذكر الله، يراد: قد خرف وهرم وهو يطيع الله ويذكره.
ويروى من طريق آخر: المفردون: المستهترون بذكر الله. فالمفردون، يجوز أن يكون عُني بهم: المنفردون المتخلون بذكر الله، والمستهترون المولعون بالذكر والتسبيح.
وقال النبي: (المُسْتَبّانَ شيطانانِ يتكاذبانِ ويتهاترانِ) (33) . (216)
709 - وقولهم: قد فَخَّمْتُ الرجلَ
(34)
قال أبو بكر: معناه: عظَّمته، ورفعت من شأنه. يقال: رجل فَخْمٌ: إذا ت
__________
(29) الفائق: 3 / 99.
(30) أي أقرانهم.
(31) الحسن بن عليل. ت 290 هـ. (الانباه: 1 / 317، طبقات القراء 1 / 266) .
(32) بلا عزو في اللسان (قرن) .
(33) النهاية 5 / 243.
(34) اللسان (فخم) .(2/204)
كان عظيماً، وكذلك: مفخم: إذا كان موصوفاً بالعِظَم. قال الشاعر (35) :
(نحمدُ مولانا الأَجَلَّ الأَفْخَما ... )
710 - وقولهم: قرأ المُفَصَّلَ
(36)
قال أبو بكر: المفصل: السور القِصار. سميت مفصلاً، لكثرة الفصول بينها (37) ببسم الله الرحمن الرحيم.
والمثاني (38) : السور التي تقارب المِئين ولا تبلغها. والمئون (39) : السور التي تبلغ المئتين، وتزيد عليها.
من ذلك حديث أبي عبيد عن جرير (40) عن منصور (41) عن إبراهيم (42) : (أنّ علقمةَ قدم مكة، فطاف بالبيت اسبوعاً، ثم صلى ركعتين، قرأ فيهما بالسبع الطُّوَل. ثم طاف بالبيت اسبوعاً، ثم صلى ركعتين، قرأ فيهما بالمثاني. ثم طاف بالبيت اسبوعاً، ثم صلى ركعتين، قرأ فيهما بالمُفَصّل) (43) .
/ فالسبع الطُّوَل (44) : البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، 195 / أ / 217 والأعراف، والأنفال.
وقال ابن عباس (45) : (قلت لعثمان - رحمه الله -: ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال، وهي من المثاني، وإلى براءة، وهي من المئين، فقربتم بينهما ولم تكتبوا
__________
(35) رؤبة. ديوانه 184.
(26) تفسير غريب القرآن 36. الاتقان 1 / 180.
(37) ك: قبلها.
(38) تفسير غريب القرآن 35. الاتقان 1 / 179. البرهان 1 / 280.
(39) الاتقان 1 / 179.
(40) جرير بن عبد الحميد الضبي. ت 188 هـ. (تهذيب التهذيب 2 / 75. خلاصة تذهيب الكمال 1 / 163) .
(41) هو منصور بن المعتمر. وقد مرت بترجمته.
(42) هو إبراهيم النخعي. وقد مرت ترجمته.
(43) غريب الحديث 3 / 146.
(44) الاتقان 1 / 179.
(45) غريب الحديث 3 / 147. فضائل القرآن 22.(2/205)
بينهما سطر: بسم الله الرحمن الرجيم؟ فقال عثمان: كانت الأنفال مما نزل على رسول الله بالمدينة، وكانت براءة من آخر القرآن نزولاً، ولم يُبَيِّن لنا رسول الله أين نضعها، وكانت قصتهما شبيهاً بعضها ببعض؛ فقرنا بينهما، ولم نكتب سطر: بسم الله الرحمن الرحيم، ووضعناهما في السبع الطُّوَل) .
فهذا معنى من معاني المثاني. وللمثاني معنيان آخران: أحدهما: أن تكون " المثاني " من صفة القرآن كله. سمي: " مثاني "، لأنه يُثَنّى فيه ذكر الجنة والنار، والثواب والعقاب، والقصص والأنباء. قال الله تعالى في صفة القرآن: {اللهُ نَزَّلَ أحسنَ الحديثِ كتاباً متشابهاً مثانيَ} (46) . فالمثاني: هي التي شرح معناها. والمتشابه: الذي يشبه بعضه بعضاً في الفضل.
والمعنى الآخر للمثاني: أن يكون وصفاً لفاتحة الكتاب (47) ، إذ كانت سبع آيات تثنى في كل ركعة. يقال: هي السبع المثاني، على المعنى الذي وصفناه، وهي السبع من المثاني على معنى: هي السبع من القرآن، الذي هو كله مثان.
ويجوز أن يكون " المثاني " نعتاً للسبع، و " من " مزيدة للتوكيد.
ويقال: السبع من المثاني هي السبع الطول. (218)
وأخبرنا إدريس (48) قال: حدثنا خلف (49) قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر (50) عن العلاء بن عبد الرحمن (51) عن أبيه عن أبي هريرة أنَّ أُبَيّاً قرأ على رسول الله أمَّ القرآن، فقال: (والذي نفسي بيده، ما أُنْزِلَ في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزّبور ولا في القرآن مثلها، إنّها السبعُ من المثاني والقرآن العظيم الذي أُعطِيتُ) (52) .
__________
(46) الحجر 87.
(47) كشاف اصطلاحات الفنون 4 / 3.
(48) إدريس بن عبد الكريم. مرت ترجمته.
(49) خلف بن هشام، أحد القراء العشرة. ت 229 هـ. (طبقات القراء 1 / 272. تهذيب التهذيب 3 / 156) .
(50) إسماعيل بن جعفر الأنصاري. من القراء. ت 180 هـ. (طبقات القراء 1 / 163. تهذيب التهذيب 1 / 287) .
(51) العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب المدني. ت 139 هـ. (تهذيب التهذيب 8 / 187، خلاصة تذهيب الكمال 2 / 312) .
(52) الفائق 1 / 177.(2/206)
711 - وقولهم: قد احتَفَلَ الرجلُ
(53)
قال أبو بكر: معناه: قد جمع وزاد وكثّر من الشيء الذي قصد له. وكذلك محفل القوم: مجتمعهم. وجمع " المحفِل " محافِل. قال الشاعر:
(تعلَّمْ فليسَ المرءُ يُخْلَقُ عالماً ... وليس أخو علمٍ كَمَنْ هو جاهلُ)
(وإنّ كبيرَ القومِ لا عِلْمَ عندَه ... صغيرٌ إذا التفَّتْ عليه المحافِلُ) (54)
/ ومن ذلك: الشاة المُحَفَّلَة: هي التي يحبس لبنها أياماً في ضرعها، فلا 195 / ب تحلب.
(جاء في الحديث: (نهى رسول الله عن بيع المحفلة، وقال: إنّها خِلابة) (55) ، والخِلابة: الخديعة. يقال: خلبت الرجل: إذا خدعته.
وقال: (من اشترى مُحَفَّلةً فردها فليرد معها صاعاً) (56) . والمحفلة هي (219) المُصّراة، يقال: شاة مُصَرّاة: إذا حُبس اللبن في ضرعها أياماً.
قال النبي: (لا تَصُرُّوا الإِبل والغنم. ومن اشترى مُصَرّاة فهو بآخر النَّظَرَين، إن شاء ردّها وردَّ معها صاعاً من تمر) (57) .
يقال: صَرَيْتُ الماء: إذا حبسته، وكذلك: صَرَّيته، بالتشديد. قال الشاعر (58) :
(رُبَّ غلامٍ قد صَرَى في فقرتِهْ ... )
(ماء الشباب عنفوان سَنْبَتِه ... )
وقال عبيد (59) :
__________
(53) غريب الحديث 2 / 242.
(54) بلا عزو في الزهرة (النصف الثاني) 118.
(55) غريب الحديث 2 / 242.
(56) النهاية 1 / 408. وفي ك: فليردها ومعها صاعا (كذا) .
(57) غريب الحديث 2 / 240.
(58) للأغلب العجلي في غريب الحديث 2 / 241، وأم الورد العجلانية في أشعار النساء ق 25. وأنشده في الأضداد 39 بلا عزو.
(59) ديوانه 16 وفيه: فرب ماء وردت آجن. والجديب: الذي لا شجر فيه ولا نبت.(2/207)
(يا رُبَّ ماءٍ صَرىً وردتُهُ ... سبيلُهُ خائفٌ جديبُ)
ويقال: ماءٌ صَرىً، وصِرىً: إذا طال حبسه في الموضع.
712 - وقولهم: خَيْلٌ جريدَةٌ
(60)
قال أبو بكر: الجريدة: الخيل التي لا يخالطها راجل ولا ثقل. واشتقاقها من " تجرد ": إذا تكشف، وأظهر الأمر الذي كان يكتمه. وكذلك: تجرّد من ثيابه. قال الشاعر:
(تَجَرَّدَ في السربالِ أبيضُ حازمٌ ... مُبينٌ لعينَ الناظر المتوسِّمِ) (61)
713 - وقولهم: بيتٌ مُزَوَّقٌ
(62) (220)
قال أبو بكر: قال أبو العباس: معناه: معمول بالزاووق، والزاووق في لغة بعض أهل المدينة: الزِّئبق، والزئبق يقع في التزاويق، فمُزَوَّق: " مُفَعَّل " من " الزاووق ".
714 - وقولهم: رِفادةُ السَّرْج
(63)
قال أبو بكر: قال أبو العباس: الرفادة من قول العرب: قد رفدت الرجل أرفدُهُ: إذا أعنته. فسُميت الرفادة: رفادة، لأنها تمسك السرج، وكأنها تعينه. قال طرفة (64) :
__________
(60) اللسان (جرد) .
(61) لم أقف عليه.
(62) اللسان (زوق) .
(63) مقاييس اللغة 2 / 421.
(64) ديوانه 28 وفيه: ولست بمحلال التلاع لبيته.(2/208)
(ولستُ بحلاّلِ التِّلاعِ مخافةً ... ولكن متى يَسْتَرْفِدِ القومُ أَرْفِدِ)
أي: متى يسألوني رفدي أجبهم، ويلقوني غير ضنين به. والرفد: العطاء، والمعونة.
ويكون أيضاً: القدح العظيم. قال الأعشى (65) :
(رُبَّ رِفْدٍ هَرَقْتَهُ ذلك اليوْمَ ... وأسرى من مَعْشرٍ أَقْتالِ)
(/ وشيوخٍ جرحى بشَطَّيْ أَريكٍ ... ونساءٍ كأنَّهُنَّ السعالي) 196 / أ
أراد بالرِفد: القدح. ويقال: الرفد: العطاء والمعونة. أي: رب سيد قتلته، فأزلت خيره ومعونته بقتلك إيّاه. وسمي القدح: رِفْداً، لما يكون فيه من الشراب الذي هو عون ومنفعة. وشبيه بهذا البيت:
(يا جَفْنَةً كنضيحِ البئرِ مُتْأَقةً ... بثَنْي صِفِّين يجري فوقَها القَتُر) (66)
أي: قتلت هذا السيد المطعام بصفين، فذهب إطعامه، وهُرِقَت جِفانه وآنية ضيافته. وشبيهٌ بهما قول الآخر (67) :
(هرقن بساحوقٍ جفاناً كثيرةً ... وأدَّينَ أخرى من حقينٍ وحازِرِ) (221)
715 - وقولهم: بنائق القميص
(68)
قال أبو بكر: قال أبو العباس: البنائق: الدحاريض، واحدتها: بنيقة، وواحدة " الدحاريض ": دِحرضة. وسميت " الدحاريض ": بنائق، لجمعها وتحسينها. من قولهم: قد بنَّق الشيء: إذا حسّنه. وقد بنَّق كتابه: إذا جوَّده (69) وجمعه وحسنَّه. هذا تفسير أبي العباس. وقال طرفة (70) :
__________
(65) ديوانه 13. وينظر شرح القصائد السبع 371، والأضداد 339، والمذكر والمؤنث 500، وشرح المفضليات 39.
(66) أبو زبيد الطائي في شرح المفضليات 39، والمعاني الكبير 886، والجمهرة 2 / 12، وينظر شعره 69.
(67) سلمة العبسي في اللسان (سحق) . وساحوق: موضع. وفي ك: وأردين.
(68) اللسان (بنق) .
(69) ك: إذا أخرجه.
(70) ديوانه 21. والمقدد: المشقق.(2/209)
(تلاقى وأحياناً تبينُ كأنّها ... بنائقُ غُرٌّ في قميص مُقَدَّد)
الغرّ: البيض.
716 - وقولهم: امرأةٌ نُفَسَاء
(71)
قال أبو بكر: قال اللغويون: سميت النفساء: نفساء، لما يسيل منها من الدم. يقال: نَفِسَتِ المرأة: إذا حاضَتْ وعَرَكَتْ ودَرَسَتْ.
من ذلك الحديث الذي يروى عن أم سلمة أنها قالت: (كنت مع النبي في لحافٍ فحِضْتُ فخرجتُ فشددتُ عليَّ ثيابي ثم رجعتُ. فقال أَنَفِسْتِ) (72) .
ومنه الحديث الآخر: (أن أسماء بنت عميس نَفَسَتْ بالشجرة، فأمر رسول الله أبا بكر أن يأمرها بأنْ تغتسل وتهلّ بالحج) (73) .
ومنه الحديث الآخر: (كانت عائشة إذا عركت قال لها رسول الله: ائتزري على وسطِكِ، ثم يباشِرُها) (74) . قال الشاعر (75) : (222)
(اللاّتِ كالبيضِ لمّا تَعْدُ أَنْ دَرَسَتْ ... صُفْرُ الأناملِ من قَرْع القواريرِ)
[قال أبو بكر: هذا الشاعر يصف جواري، فاللات جمع: التي. ومعنى " دَرَسْن ": حضن. وقوله: صفر الأنامل من قرع القوارير، معناه: من مسَّ قواريرهن الطيب الخلوق وغيره لحداثتهن] . (76) .
ويُروى عن إبراهيم النخعي أنه قال: (كلُّ شيء ليست له نَفْسٌ سائلةٌ ثم ماتَ في الماءِ لم يُنَجِّسه) (77) . أراد بالنفس: الدم.
__________
(71) اللسان (نفس) .
(72) سنن ابن ماجة 209.
(73) صحيح مسلم سنن الدارمي 2 / 33، سنن ابن ماجة 971، سنن النسائي 5 / 164. سنن أبي داود (عون المعبود) 78 / 2
(74) سنن ابن ماجة 208.
(75) الأسود بن يعفر: ديوانه 38. وفيه: من نقف. والقوارير: شجر تعمل منه الرحال والموائد.
(76) من ل.
(77) الفائق 4 / 15. وفي ل: ليس له.(2/210)
ويقال: امرأة نُفَساء، ونَفَساء، ونَفْساء. ويقال [في] / الجمع: نُفَساوات، 196 / ب ونِفَاس، ونُفاس، ونُفَّس. قال الشاعر:
(رُبَّ شريبٍ لكَ ذي حُساسِ ... )
(شِرابُهُ كالحَزِّ بالمَواسِي ... )
(ليسَ بمحمودٍ ولا مُواسِ ... )
(حيران يمشي مِشْيَةَ النِّفاسِ ... ) (78)
ورواه بعض الرواة:
(يمشي رويدا مِشْيَةَ النِّفاس ... )
717 - وقولهم: قد بَقَرَ بَطْنَهُ
(79)
قال أبو بكر: معناه: قد شقها وفتحها. قال أبو العباس: البَقْر، معناه في كلامهم: الفتح. ومنه الحديث المروي: (نهى رسول الله عن التَّبَقُّرِ في الأهلِ (223) والمالِ) (80) ، معناه: عن التوسع. ويقال: قد بيقر الرجل: إذا خرج من بلد إلى بلد. قال امرؤ القيس (81) :
(ألا هل أتاها والحوادثُ جَمَّةٌ ... بأنَّ امرأ القيسِ بن مالك بَيْقرا)
718 - وقولهم: فلان يتقحّمُ في الأمورِ
(82)
قال أبو بكر: معناه: يدخل فيها بغير تثبت ولا رويَّة. يقال: قد تقحَّمَتِ الناقة: إذا نَدَّتْ، فلم يضبطها راكبها. وكذلك تقحم البعير. قال عمر بن
__________
(78) نوادر ابن الأعرابي 246. أمالي الزجاجي 187 بلا عزو. وسلف شرح الأبيات في 1 / 99.
(79) اللسان والتاج (بقر) .
(80) غريب الحديث 2 / 51.
(81) ديوانه 392 وفيه: بن تملك. اسم أمه. وقد سلف في 1 / 183.
(82) اللسان والتاج (قحم) .(2/211)
الخطاب: (أتيت رسول الله فإذا عنده غُلَيْمٌ أسودُ يَغْمِزُ ظهرَهُ، فقلت: يا رسولَ اللهِ، ما شأنُ هذا الغُلّيِّم؟ فقال: إنّه تقحَّمت بي الناقةُ الليلةَ) (83) . ومن ذلك: قُحْمَة الأعراب (84) ، سُميت: قُحْمة، لأنهم إذا أجدبوا، تركوا البادية، ودخلوا الريف. قال الشاعر:
(أقولُ والناقةُ بي تَقَحَّمُ ... )
(وأنا منها مُكْلَئِزٌّ مُعْصِمُ ... )
(ويحكِ ما اسمُ أُمِّها يا عَلْكَمُ؟) (85)
المكلئز: المنقبض، يقال: اكلأزّ: إذا انقبض. والمعصم: المستمسك. وقوله: ويحك ما اسم أمها يا علكم، معناه: أن العرب كانت تقول: إذا نَدَّت الناقة، فذُكِرَ اسم أمها، وَقَفَتْ، وإذا ندّ البعير، فذُكِر أب من آبائه وقف. (224)
719 - وقولهم في اسم الحَدَث: رَجِيعٌ
(86)
قال أبو بكر: قال اللغويون: سُمي (87) بذلك، لأنه رجع عن حالته الأولى، بعد أن كان طعاماً أو علفاً، إلى الحالة الأخرى.
جاء في الحديث: (نهى [رسول الله] أنْ يُستنجى بعظمٍ أو رجيعٍ) (88) .
وكذلك: كل ما رجع فيه من قول أو فعل [فهو رجيع] . قال الشاعر:
(ليتَ الشبابَ هو الرجيعُ على الفتى ... والشيبُ كانَ هو البَدِىء الأول) (89) 197 / أ
/ و " الرجيع " يقع على الرَّوْث وحَدَثِ الناس كليهما. وفي الحديث: (أُتيَ رسول الله بعظم في الاستنجاء، أو رَوْث، فردّه، وقال: إنّه رِكْسٌ) (90) ،
__________
(83) الفائق 3 / 162. وفي الأصل: تقحمت به، وما أثبتناه من سائر النسخ.
(84) غريب الحديث 3 / 451.
(85) بلا عزو في اللسان (قحم) . وعلكم: اسم ناقة.
(86) غريب الحديث 1 / 274.
(87) ك: سميت.
(88) الفائق 2 / 42.
(89) بلا عزو في معاني القرآن 1 / 410 و 2 / 352.
(90) غريب الحديث 1 / 274.(2/212)
فمعناه: أنه يرجع (91) إلى حالته الأولى. يقال: ركسته، وأركسته: إذا أعدته إلى أمره الأول. قال الله عز وجل: {والله أَرْكَسَهُم بما كَسَبوا} (92) ، فمعناه: أعادهم إلى الكفر. ويقال: القوم أركسوا، وركسوا، بمعنى (93) . و " أبسلوا " مخالف لأركسوا، إذا كان معناه: أسلموا وارتهنوا. قال الشاعر (94) :
(وإبسالي بَنِيَّ بغيرِ جُرْمٍ ... بَعَوْناه ولا بدَمٍ مُراقِ)
وقال الآخر (95) :
(هُنالكَ لا أرجو حياةً تَسُرُّني ... سَمِيرَ الليالي مُبْسَلاً بالجرائرِ)
أراد: مُسْلَماً مرتَهَنَاً. (225)
720 - وقولهم: قوم نصارى
(96)
قال أبو بكر: قال بعض أهل العلم (97) : سموا نصارى، لنزولهم قرية يقال لها: ناصرة.
وقال آخرون (98) : سموا نصارى، لنصرتهم عيسى (ع) في أول الأمر. يدل على هذا أنهم يُسَمُّون النصارى: أنصاراً. قال الشاعر:
(لمّا رأيتُ نَبَطاً أنصارا ... )
(شمَّرتُ عن رُكْبَتِيَ الإِزارا ... )
(كنتُ لها من النصارى جارا ... ) (99)
__________
(91) ك: رجع.
(92) النساء 88.
(93) ساقطة من ك.
(94) عوف بن الأحوص في مجاز القرآن 1 / 194 ومجمل اللغة 1 / 70، وبعوناه: جنيناه.
(95) الشنفرى، شعره: 36 وفيه: سجيس الليالي.
(96) اللسان (نصر) .
(97) الطبري في تفسيره: 1 / 318 نقلا عن ابن عباس وقتادة.
(98) ينظر: تفسير الطبري 1 / 318.
(99) الأبيات بلا عزو في معاني القرآن 1 / 44 وتفسير الطبري 1 / 318، والأضداد 341، وأمالي ابن الشجري 79، 371.(2/213)
وواحد " النصارى " نَصْرانٌ، كما يقال: سَكْران، وسَكارى. ويقال: واحدهم: نصريٌّ، كما يقال: جَمَل مهرِيٌّ، وجمال مهارى. قال الشاعر:
(تراه إذا دارَ العشِيُّ محنِّفاً ... تراهُ ويُضحي وهو نصرانُ شامِسُ) (100)
وقال الآخر:
(وكِلتاهما خرَّت وأَسْجَدَ رأسُها ... كما سَجَدَتْ نصرْانةٌ لم تَحَنَّفِ) (101)
721 - وقولهم: فلانٌ يهودِيٌ
(102)
قال أبو بكر: " اليهودي " سمي: يهودياً، لتوبته في وقت من الأوقات، (226) لزمه من أجلها هذا الاسم، وإن كان غيَّر التوبة ونقضها بعد ذلك. قال الله تعالى: {إنّا هُدْنا إليكَ} (103) ، فمعناه: تُبنا. وقال بعض الأعراب:
(...... ...... .... إنِّي امرؤٌ من مدحِهِ هائِدُ) (104)
أراد: تائب. وقال زهير (105) :
(سوى رُبْعٍ لم يأتِ فيه مخانَةً ... ولا رَهَقاً من عائِذٍ مُتَهَوِّدِ)
وقرأ أبو وَجْزَة السديّ (106) : " إنا هِدنا إليكَ " بكسر الهاء، ومعنَاهما واحد، 197 / ب يقال: هاد يهود، ويهيد، بمعنىً.
__________
(100) بلا عزو في تفسير الطبري 1 / 318، والأضداد 181 وفي ك: وتراه يضحي.
(101) لأبي الأخزر الحماني في كتاب سيبويه 2 / 29، 104. وقد سلف 1 / 141.
(102) اللسان والتاج (هود) .
(103) الأعراف 156.
(104) بلا عزو في اللسان (هود) .
(105) ديوانه 235. والربع ما يأخذه الرئيس من الغنيمة. والرهق الظلم.
(106) الشواذ 46، وأبو وجزة هو يزيد بن عبيد، محدث وشاعر، ت 130 هـ. (التاريخ الكبير 4 / 2 / 348. الشعر والشعراء 702) .(2/214)
722 - وقولهم: هو من الصابئين
(107)
قال أبو بكر: " الصابئون " قوم من النصارى. قولهم ألين من قول النصارى، سموا: صابئين، لخروجهم من دين إلى دين. وكانت قريش تسمي رسول الله صابئاً، ويسمون أصحابه كذلك، لخروجهم من دين إلى دين. يقال: صَبَأْتُ الثنيَّة: إذا طلعتُها؛ وصَبَأَتِ الثنيّة: إذا طَلَعَتْ، وصبأَ النجم، وأصبأَ. إذا طلع. قال الله تعالى: {إنّ الذينَ آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين} (108) ، فيقال: الذين آمنوا هم المنافقون، أظهروا الإيمان وأضمروا الكفر. والذين هادوا: اليهود المُغَيّرون المُبَدّلون. والنصارى: المقيمون على الكفر بما يصفون [به] عيسى من المحال. والصابئون: الكفار أيضاً، المفارقون للحق. ويقال: الذين آمنوا: المؤمنون حقا. والذين هادوا: الذين تابوا، ولم (227) يغيّروا، ولم يبدّلوا. والنصارى: نُصّار عيسى. والصابئون: الخارجون من الباطل إلى الحق. من آمن بالله: معناه: من دام منهم على الإيمان بالله فله أجره عند ربه (109) .
723 - وقولهم: هو أشأمُ من طُوَيْس
(110)
قال أبو بكر: حدثني أبي - رحمه الله - قال: قال الكلبي: كان طويس مُخَنّثاً (111) من أهل المدينة، ولد يوم مات رسول الله، وقعد يوم مات أبو بكر (رض) ، وأُسْلِمَ الكتّابَ (112) يوم مات عمر (رض) .
__________
(107) غريب الحديث 1 / 344. اللسان (صبأ) .
(108) البقرة 62.
(109) ينظر: تفسير الطبري 1 / 317.
(110) الفاخر 104، مجمع الأمثال 1 / 258.
(111) ينظر المثل: (أخنث من طويس) في الدرة الفاخرة 185.
(112) ك: إلى الكتاب، ل: في الكتاب.(2/215)
724 - وقولهم: هو أًطْمَعُ من أَشْعَبَ
(113)
قال أبو بكر: حدثني أبي - رحمه الله - قال: هو أَشْعَب بن جُبَير مولى عبد الله بن الزُّبير، من أهل المدينة، كان يكنى أبا العلاء.
وحدثني أبي - رحمه الله - عن بعض الشيوخ، قال: سئل أبو عبيدة: ما بلغ من طمع أشعب؟ فقال: اجتمع عليه ذات يوم غلمان من غلمان المدينة يعابثونه، وكان مزَّاحاً ظريفاً مُغَنِّياً، فلا آذوه، قال لهم: إنَّ في دار فلان عرساً، (228) فاذهبوا إليه، فهو أنفع لكم، فانطلق الغلمان. فلما مضوا، قال في نفسه: لعل الذي قلت لهم من الأمر حق. فمضى إلى الموضع الذي حده لهم، يقفوا آثارهم، فلم يجد شيئاً، وظفر به الغلمان هناك. 198 / أ
وأخبرني محمد بن / عبد الله قال: أخبرنا الزبير قال: أشعب مولى عبد الله بن الزبير، قتل عثمان بن عفان وهو غلام، وبقي إلى أيام المهدي. وكان يقول: نشأت أنا وأبو الزِّناد (114) في حجر عائشة بنت عثمان [بن عفان] ، فما زال يذهب صعوداً وأذهب سفلاً.
وحدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال: حدثنا نصر بن علي قال: أخبرنا الأصمعي قال: قال أشعب: كفلتنا عائشة بنت عثمان، أنا وأبو الزناد، فما زال يعلو وأسفل، حتى بَلَغْنا ما تَرَوْن.
وَحدثنا إسماعيل قال: حدثنا نصر قال: خبرنا (115) الأصمعي قال: قال أشعب: أنا أشأم الناس، وُلدت يوم قُتل عثمان، وخُتِنت يوم قُتِل الحسين.
وحدثنا إسماعيل قال: حدثنا نصر قال: خبرنا الأصمعي قال: رأيت أشعب، فجعلت أنظر إلى وجهه، فكَّلح في وجهي لما رآني أتفرس فيه.
__________
(113) توفي 154 هـ. (ينظر عنه وعن نوادره: الفاخر 104، الدرة الفاخرة. 290، جمهرة الأمثال 2 / 25. مجمع الأمثال 1 / 439. أخبار الظراف والمتماجنين 39، فوات الوفيات 1 / 197) .
(114) أبو الزناد هو عبد الله بن ذكوان القرشي، فقيه أهل المدينة، ت 131 هـ. (تاريخ ابن عساكر 7 / 382، تذكرة الحافظ 1 / 126) .
(115) ك: أخبرنا.(2/216)
وأخبرني محمد بن عبد الله قال: حدثنا أبو جعفر اليماني قال: حدثنا المدائني قال: كان سالم بن عبد الله (116) يستخفّ أشعب، ويمازحه، ويضحك منه كثيراً، ويحسن إليه. فقال له (117) ذات يوم: أخبرني عن طعمك يا أشعب، فقال: نعم، قلت لصبيان مجتمعين: إن سالماً قد فتح باب صدقة عمر (118) ، فامضوا إليه حتى يطعمكم تمراً، فمضوا. فلما غابوا عن بصري، وقع في نفسي أن الذي قلت لهم حق، فتبعتهم.
وحدثني محمد قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن شجاع قال: حدثنا (229) المدائني قال: مر أشعب برجل يعمل زِبيلاً، فقال [له] : أحب أن توسعه، قال: لمَ ذاك؟ قال: لعل الذي يشتريه منك يهدي إلي فيه شيئاً.
وقال بعض الرواة: قيل لأشعب: ما بلغ من طمعك؟ قال: ما تناجى اثنان قط إلا ظننت أنهما يأمران لي بشيء.
وقيل لأشعب: هل رأيت أحداً أطمع منك؟ فقال: نعم، كلبة آل فلان، رأت رجلين (119) يمضغان كندراً، فظنت أنهما يأكلان شيئاً، فتبعتهما فرسخين.
وقال المدائني: تعلق أشعب بأستار الكعبة، وسأل الله أن يخرج الحرص من قلبه. فلما انصرف، مر بمجالس قريش (120) ، فسألهم، فما أعطاه أحد منهم شيئاً. فرجع إلى أمه فقالت له: يا بني كيف جئتني خائباً. فقال: إني سألت الله أن يخرج الحرص من قلبي. فقالت: ارجع يا بني، فاستقله ذاك. قال أشعب: فرجعت، فتعلقت بأستار الكعبة وقلت: يا رب، كنت سألتك أن تخرج الطمع من قلبي، فأقلني. ثم مررت بمجالس قريش فسألتهم فأعطوني. ووهب لي
__________
(116) سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، أحد فقهاء المدينة السبعة، ت 106 هـ. (حلية الأولياء 2 / 193، تهذيب التهذيب 3 / 436) .
(117) (له) ساقطة من ك.
(118) ساقطة من ل.
(119) ك: رجلان.
(120) ك: القوم.(2/217)
198 - / ب رجل غلاماً. فجئت إلى أمي / بحمار موقر من كل شيء، وبغلام، فقالت لي: ما هذا الغلام؟ فأشفقت من أن أقول: وهب لي، فتموت فرحاً، فقلت: غينٌ، فقالت: وما غينٌ؟ قلت: لامٌ، قالت: وما لامٌ؟ قلت: ألفٌ، قالت: وما ألفٌ؟ قلت: ميمٌ، قالت: وما ميمٌ؟ قلت: وُهِب لي غُلامٌ. فغشي عليها من الفرح، ولو لم أقطِّع الحروف لماتت.
وأخبرني أحمد بن حسان قال: حدثنا الزبير قال: قال أشعب لدلالة: اطلبي لي امرأة إذا تجشأت عليها شبعت. وإذا أكلت رجل دجاجة اتخمت.
وأخبرني محمد بن عبد الله قال: حدثنا محمد بن عمرو قال: حدثنا (230) محمد بن الوليد بن عمرو بن الزبير قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر قال: قال أشعب: جاءني فتيان من فتيان المدينة فقالوا (121) ؟ نحب أن تغني سالم بن عبد الله ابن عمر صوتاً، وتعرفنا ما يقول، وجعلوا لي على ذلك جعلاً. فصرت إلى سالم فقلت له: يا أبا عمر - جعلني الله فداك - لي حرمة ومجالسة ومودة، وأنا مولع بالترنم، فقال: وما الترنم؟ قلت: الغناء، قال: في أي الأحوال؟ قلت: في الخلوات، والجلوس مع الاخوان، فاسمع، فإن كان فيما تسمع بأس، رفضناه. وغنيته، فقال: ما أرى بأساً. فخرجت إلى أصحابي فأخبرتهم، فقالوا: وايش كان الصوت؟ فقلت:
(قَرّبِا مَرْبَطَ النَّعامةِ مني ... لَقِحَتْ حربُ وائلٍ عن حِيال) (122)
فقالوا لي: هذا بارد، ليست فيه حركة. فلما رأيت دفعهم إياي، وأشفقت على الجعل أن يذهب، رجعت إلى سالم فقلت: يا أبا عمر - جعلني الله فداك - تسمع، فقال: ما لي ولك؟ فلم أملكه حتى غنيته. فقال: ما أرى بأساً. وكان الذي غنيته:
__________
(121) (قال: حدثنا إسماعيل.... المدينة) ساقط من ك.
(122) للحارث بن عباد في حماسة البحتري 33 والحماسة البصرية 1 / 16.(2/218)
(لم يطيقوا أن ينزلوا ونزلنا ... وأخو الحرب مَنْ أطاقَ النزولا) (123)
فخرجت إلى أصحابي، فأخبرتهم، فقالوا، هذا بارد. فرجعت إلى سالم، فقلت له: يا أبا عمر - جعلني الله فداك - آخر، فقال: ما لي ولك؟ فلم أملكه حتى غنيت:
(غيَّضْنَ من عبراتِهنَّ وقُلنَ لي ... ماذا لَقِيتَ من الهوى ولَقِينا) (124)
فقال سالم: مهلاً مهلاً، فقلت له: ما أسكت إلا بذاك السِّنْدِيّ الذي بين يديك (231) وفيه تمر عجوة، من تمر صدقة عمر، فقال: هو لك، فأخذته وخرجت على أصحابي، فقالوا لي: ما خبرك؟ فقلت: غنيت الشيخ حتى طرب وأعطاني هذا. وإنما كان أعطانيه لأسكت.
وقال مصعب الزبيري: خرج سالم بن عبد الله متنزهاً إلى ناحية / من 199 / أنواحي المدينة، هو وحرمه وجواريه. وبَلَغَ أشعب الخبرُ فوافى الموضع الذي هم به، يريد التطفيل، فصادف الباب مغلقاً، فتسوّر الحائط، فقال له سالم: ويلك يا أشعب، معي بناتي وحرمي، فقال: (لقد علمت ما لنا في بناتك من حقٍّ، وإنك لتعلم ما نريد) ، فوّجه إليه من الطعام، فأكل (125) وحمل إلى منزله.
وقدم أشعب على يزيد بن حاتم (126) مصر، فجلس في مجلسه مع الناس، فدعا يزيد بن حاتم مولى له، يقال له: دفيف، فسّاره بشيء، فقام أشعب، فقبل يد يزيد بن حاتم، فقال له يزيد: لم فعلت هذا؟ قال: رأيتك تُسارُّ غلامك وقهرمانك، فعلمت أنك قد أمرت لي بصلة، فأردت أن أشكرك على ذلك، فقال: ما فعلته، ولكني أفعل الآن. وأمر له بصلة.
__________
(123) للمهلهل في العقد الفريد 5 / 217 والأغاني 5 / 57. وينظر السمط 789.
(124) لجرير، ديوانه 386 وللمعلوط الأسدي في شرح ديوان الحماسة (م) 1382.
(125) ك: ما أكل.
(126) أمير، قائد، ولي مصر سنة 144 هـ للمنصور، ت 170. (الولاة والقضاة 111، النجوم الزاهرة 2 / 1، حسن المحاضرة 1 / 589) .(2/219)
وحدثني [أبو] محمد بن ناجية (137) قال: حدثنا محمد بن عباد بن موسى الواسطي العكلي المعروف بسندويه (128) قال: حدثنا غياث بن إبراهيم قال: حدثنا أشعب الطامع، وهو أشعب بن أم حميدة، قال: أتيت سالم بن عبد الله، وهو يقسم صدقة عمر، فقلت له: سألتك الله إلا أعطيتني، فقال: تُعطى وإن لم (232) تسأل، إن أبي حدثني عن رسول الله قال: (لا يزال العبد يسأل حتى يجيء يوم القيامة وليس على وجهه مُزْعَةٌ من لحم، قد أخلقه بالسؤال) (129) ، قال غياث ابن إبراهيم: وإنما كتبنا هذا عن أشعب، لأنه كان عليه، يُحدِّث به ويسأل.
725 - وقولهم: العاشِيَةُ تهيجُ الآبِيةَ
(130)
قال أبو بكر: معناه: إذا رأت التي تأبى العشاء التي تتعشى نَشِطَتْ للأكل.
وإنما يضرب هذا [مثلاً] للرجل ينشط بنشاط صاحبه، وللدابة تسير بسير دابة أخرى، وللرجل يفعل الشيء يقتاس فيه بفعل غيره، قد فعله قبله.
وحدثني بي - رحمه الله - قال: حدثنا أبو بكر العبدي وأحمد بن عبيد قالا: حدثنا ابن الأعرابي عن المفضل (131) قال: خرج السُلَيك (132) يريد أن يغير على أناس من أصحابه، فمر على بني شيبان في ربيع، والناس مُخصِبون في عشيةٍ فيها ضَبابٌ ومطر، فإذا ببيت قد انفرد من البيوت عظيم، وقد أمسى، فقال لأصحابه: كونوا مكان كذا وكذا حتى آتى هذا البيت، فلعلي أصيب لكم خيراً، وآتيكم بطعام، فقالوا له: افعل.
__________
(127) عبد الله بن محمد بن ناجية من حفاظ الحديث، ت 301 هـ. (المنتظم 6 / 125، تذكرة الحفاظ 2 / 239) .
(128) من المحدثين. (تهذيب التهذيب 9 / 245، خلاصة تذهيب الكمال 2 / 419: ولقبه فيهما: سندولا) .
(129) الفائق 3 / 363، النهاية 4 / 325.
(130) الفاخر 160، جمهرة الأمثال 2 / 57.
(131) أمثال العرب 14.
(132) السليك بن السلكة، أحد أغربة العرب وعدائيها. (الشعر والشعراء 365، تحفة الأبية 105) .(2/220)
فانطلق إليه وقد أمسى وجن عليه الليل، فإذا البيت بيت يزيد بن رُوَيم الشيباني، وهو جد حوشب بن يزيد بن الحارث بن يزيد بن رُوَيم الشيباني، وإذا الشيخ وامرأته بفناء / البيت. فاحتال السليك حتى دخل البيت من 199 / ب مؤخره، فلم يلبث أنْ راح ابن الشيخ بإبله في الليل، فلما رآه الشيخ غضب وقال: هلا كنت عشيتها ساعة من الليل. فقال ابنه: إنّها أَبَتِ العشاءَ، فقال الشيخ: إنّ العاشيةَ تهيج الآبيةَ، فأرسلها مثلاً. ثم نفض الشيخ ثوبه في (233) وجوهها، فرجعت إلى مرتعها، وتبعها الشيخ حتى مالت لأدنى روضة، فرتعت فيها. وقعد الشيخ عندها يتعشى، وقد خنس وجهه في ثوبه من البرد. وتبعه السليك حين رآه انطلق، فلما رآه مغتراً، ضربه من ورائه بالسيف، فأطار رأسه، واطرد الإبل. وقد بقي أصحاب السليك قد ساء ظنهم، وخافوا عليه، فإذا به يطرد الإبل، فأطردوها معه. فقال السليك (133) في ذلك:
(وعاشِيةٍ رُجٍّ بِطانٍ ذَعَرْتُها ... بثوبِ قتيلٍ وَسْطها يَتَسَيَّفُ) العاشية: الإبل، والرج: الواسعة الأخفاف، ويتسيف: يُضرب بالسيف وكذلك يتسوّط: يُضرب بالسوط، ويتعصّى: يُضرب بالعصا.
(كأن عليه لون بُرْدٍ مُحَبَّرٍ ... إذا ما أتاه صارخ مُتلَهَّفُ) معناه: كأن عليه من الدم لون برد مُحَبّر، والمتلهف: الذي يتلهف عليه، ويحزن على ما وقع به من القتل.
(فبات لها أهلٌ خلاء فِناؤهم ... ومَرَّت لهم طيرٌ فلم يتعيَّفوا)
معناه: لم يزجروا الطير، فيعلموا من جهتها: أيقتل هذا أم يسلم؟
(وياتوا يظنون الظنونَ وصُحبتي ... اذا ما عَلَوا نَشْزاً أَهَلُّوا وأَوْجَفُوا) أهلوا، معناه: رفعوا أصواتهم، والإِهلال: رفع الصوت. وأوجفوا، معناه: استحثوا إبلهم. يقال: قد أوجف الرجل بعيره: إذا استحثه، وقد وجف البعير: وأوجف: إذا أسرع.
__________
(133) الفاخر 161.(2/221)
(وما نِلْتُها حتى تَصَعْلَكْتُ حِقْبةً ... وكِدْتُ لأسبابِ المنيِّةَ أعْرِفُ)
أعرف، معناه: أصبر.
(وحتى رأيتُ الجوعَ بالصيفِ ضَرَّني ... إذا قُمْتُ يغشاني ظلالٌ فأُسْدِفُ) (234)
معناه: ضرني الجوع في الصيف، وما يكاد أحد يجوع في الصيف لكثرة اللبن فيه، وقوله: فأسدف: معناه: يظلم بصري من شدة الجوع. 200 / أ
726 - / وقولهم: أَفْرخ روْعُكَ
(134)
قال أبو بكر: معناه: زال عنك ما كنت تخافُ وتحذرُ.
وأولُ مَنْ قال هذا معاوية بن بي سفيان (135) .
أخبرنا أبو العباس أحمد بن يحيى قال: قلد معاوية بن أبي سفيان زياداً على البصرة، واستعمل المغيرة بن شعبة على الكوفة. فلم يلبث أن مات المغيرة، فتخوف زياد أن يستعمل معاوية مكانه عبد الله بن عامر، فكتب يشير عليه باستعمال الضحاك (136) ، فكتب إليه معاوية: أَفْرخٍ رَوْعُكَ، قد ضممنا إليك الكوفة والبصرة. فقال زياد: النَبْعُ يقرٌ بعضُهُ بعضاً. فذهبت كلمتاهما مثلين.
فالرّوع، بفتح الراء: الفزع والخوف، والرُّوع، بضم الراء: الخَلَد والنفس.
حدثني أبي - رحمه الله - قال: حدثنا أبو منصور قال: حدثنا أبو عبيد عن هُشَيْم (137) عن إسماعيل بن أبي خالد (138) عن زُبَيْد اليامي (139) عمن أخبره
__________
(134) جمهرة الأمثال 1 / 85. فصل المقال 63.
(135) في جمهرة الأمثال 1 / 85: وقال ابن الأنباري: أول من قاله معاوية. وذلك خطأ. وأول من قاله النبي.
(136) هو الضحاك بن قيس الفهري، سلفت ترجمته.
(137) ك: هشام. وهشيم بن بشير السلمي، ت 183 هـ. (تهذيب التهذيب 11 / 59، طبقات الحفاظ 105) .
(138) من رواة الحديث. ت 146 هـ. (تهذيب التهذيب 1 / 291، خلاصة تذهيب الكمال 1 / 86) .
(139) من رواة الحديث، ت 122 هـ. (المغني في الضعفاء 236. تهذيب التهذيب 3 / 310 خلاصة تذهيب الكمال 1 / 357. وفي ك: اليمامي، وهو تحريف. ويروى الأيامي أيضاً.(2/222)
عن عبد الله بن مسعود عن النبي قال: (إنّ روحَ القُدُسِ نَفَثَ في رُوعي أنَّ نفساً لن تموت حتى تستَكْملَ رزقها، فاتقوا الله، وأجملوا في الطلب) (140) ، فمعناه: نفخ في نفسي، وأوقع في خَلَدِي. يقال: نَفَث (235) ينفِث، وتَفَل يتفل، إلا أن " التفل " لا يكون إلا مع شيء من الريق.
حدثنا إدريس بن عبد الكريم قال: حدثنا أحمد ابن حاتم الطويل قال: حدثنا مالك (141) عن الزُّهري عن عروة (142) عن عائشة: (أنّ النبيّ كان إذا اشتكى قرأ على نفسه المُعوّذات، وتَفَل، أو نَفَثَ) (143) . قال الشاعر (144) .
(فإنْ يبرأُ فلم أَنْفِثْ عليه ... وإنْ يُفْقَدْ فَحُقَّ له الفُقُودُ)
727 - وقولهم: الصيفَ ضَيَّعْت اللَّبَن
(145)
قال أبو بكر: معناه: طلبتِ الشيء في غير وقته. وذلك أن الألبان تكثر في الصيف، فيضرب هذا مثلاً للرجل يترك الشيء وهو ممكن، ويطلبه وهو متعذر.
وحدثني أبي - رحمه الله - قال: حدثنا أبو بكر العبدي وأحمد بن عبيد قالا: حدثنا ابن الأعرابي عن المفضل (146) قال: تزوج عمرو بن عمرو [بن] عُدُس بن زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك بن حنظلة ابنة عمه دَخْتَنُوس بنت لقيط بن زرارة بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم، وقد كان أسن، فأبغضته، فاشتد بغضها له. وكان أكثر قومه مالاً، وأعظمهم شرفاً، فلم تزل تولع به وتهجره، وكانت شاعرة، / حتى طلقها. 200 / ب
__________
(140) غريب الحديث 1 / 298.
(141) مالك بن أنس، سلفت ترجمته.
(142) عروة بن الزبير، سلفت ترجمته.
(143) غريب الحديث 1 / 298.
(144) عنترة، ديوانه 283.
(145) الفاخر 111. جمهرة الأمثال 1 / 575. فصل المقال 357.
(146) أمثال العرب 6 - 7.(2/223)
فتزوجها بعده عمير بن معبد بن زرارة، وهو ابن عمها، وكان شاباً قليل (236) المال، فمرت بها إبل عمرو، وكأنها الليل من كثرتها، فقالت لخادمتها: [ويلك] انطلقي إلى أبي شريح فقولي لي فليسقنا من اللبن. فانطلق الرسول إليه فقال [له] : إن ابنة عمك دخنتوس تقرأ عليك السلام وتقول لك: اسقنا من اللبن. فقال للرسول: قل لها: الصيف ضيعت اللبن، فأرسلها مثلاً. وبعث إليها بلَقوحَين، وراوية من لبن، فأتاها الرسول فقال لها: إن أبا شريح أرسل إليك بهذا، وهو يقول: الصيف ضيعت اللبن. فقالت، وعندها عمير، وحطأت بين كتفيه: هذا ومَذْقَةٌ خَيْرٌ. فأرسلتها مثلاً. يضرب للشيء القليل المعجب الموافق للمحبة، دون الكثير المنقص.
قال أبو بكر: وقال لي أبي - رحمه الله - قال لي العبدي: عُدُس، وقال لي أحمد بن عبيد: عُدَس.
وأخبرنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء [قال] : يقول: الصيف ضيَّعتَ اللبن، بفتح التاء.
728 - وقولهم: لَحِقَتْ فلاناً المَنيَّةُ
(147)
قال أبو بكر: المنية: المقدورة (148) ، المحكوم بها. وهي " مفعولة " من " المَنى "، والمَنى: المقدار. يقال: مَنَاكَ اللهُ بما يسرُّكَ، أي: قَدَّر الله لك ما يسرك. قال الشاعر (149) :
(لَعَمْرُ أبي عمروٍ لقد ساقَهُ المَنَى ... إلى جَدَثٍ يُوزَى له بالأهاضبِ)
أراد: المقدار. وقال الآخر (150) :
__________
(147) اللسان (منى) . وينظر ما سلف في (تمنيت كذا وكذا) 2 / 159.
(148) ك: المقدور.
(149) صخر الغي، ديوان الهذليين 2 / 51.
(150) أبو قلابة الهذلي، ديوان الهذليين 3 / 39.(2/224)
(ولا تقولَنْ لشيءٍ سوفَ أَفْعَلُهُ ... حتى تبيَّنَ ما يَمني لكَ الماني)
أي: يُقَدَّر لك القادر. وقال الآخر (151) :
(مَنَتْ لكَ أنْ تلاقيني المنايا ... أُحادَ أُحادَ في الشهرِ الحلالِ) (237)
والأصل في " المنية ": ممنوية (152) أي: " مفعولة " من " القدر "، فصُرِفت عن " مفعولة " إلى " فعيلة "، كما قالوا: مطبوخ وطبيخ، ومقتول وقتيل، فكان أصلها بعد النقل: منيية، فلما اجتمعت ياءان، الأولى منهما ساكنة، اندغمت في الياء التي بعدها، فصارتا ياء مشددة.
729 - وقولهم: أصابَ فلاناً الحِمامُ
(153)
قال أبو بكر: الحِمام أصله: القدر، ثم استُعْمِل حتى صار معبِّراً عن الموت والمكروه. يقال: حُمَّ الموت: إذا قُدِّرَ. قال الشاعر (154) :
(ألا يا لقومٍ كلُّ ما حُمَّ واقعُ ... وللطير مجرىً والجُنوبُ مصارعُ) / وقال أيضاً: 201 / أ (تَرّاكُ أمكنةٍ إذا لم أَرْضَها ... أو يَعْتَلِقْ بعض النفوسِ حِمامُها) (155)
وقال بعضُ الأعراب:
(أَعْزِزْ عليَّ بأن أُرَوَّعَ شِبْهَهَا ... أو أنْ يَذُقْنَ علي يديَّ حماما) (156)
__________
(151) عمرو ذو الكلب. جار هذيل. ديوان الهذليين 3 / 117.
(152) ك. ل: ممنوة.
(153) اللسان (حمم) .
(154) البعيث في شعره ص 15 وفيه: مضاجع بدل مصارع. والبيت في معاني القرآن 1 / 196، وشرح القصائد السبع 570 بلا عزو.
(155) للبيد، ديوانه 313. وفي ك: أو يرتبط، وهي رواية أخرى.
(156) بلا عزو في شرح القصائد السبع 570 وفي ك: حمامها.(2/225)
730 - وقولهم: أصابته المنونُ
(157) (238)
قال أبو بكر: المنية مؤنثة، وقد تحمل على معنى الزمان والدهر فتُذكَّر، وقد تُحمل على معنى " المنايا " فتعبر عن الجمع. قال الأعشى (158) :
(لَعَمرُك ما طولُ هذا الزَمَنْ ... على المرءِ إلاّ عناءٌ مُعَنْ)
(يَظَلُ رجِيماً لريبِ المنونِ ... والسُّقْمِ في أَهِلهِ والحَزَنْ)
وقال الآخر: (فقُلتُ إنّ المنونَ فانطلقي ... تسعى فلا نستطيعُ ندرؤها) (159)
فأنّث حملاً على معنى المنية. وقال الفرزدق (160) :
(إنّ الرزِيَّة لاَ رزِيَّةَ مِثلُها ... في الناسِ موتُ مُحَمِّدٍ ومُحَمَّدِ)
(مَلِكانِ عُرِّيَتِ المنابرُ منهما ... أَخَذَ المنونُ عليهما بالمَرْصَدِ)
أراد: بالمنون: الدهر، ويُروى بيت أبي ذؤيب على وجهين (161) :
(أَمِنَ المنونِ وريِبها تتوجَّعُ ... والدهرُ ليسَ بمعتبٍ مَنْ يَجْزَعُ)
ويروى: أمِنَ المنون وريِبِه (162) . قالتأنيث والتذكير على ما مضى من التفسير. قال عَدِي بن زيد (163) :
(مَنْ رأيتَ المنونَ عَرَّيْنَ أَمْ مَنْ ... ذا عليه من أنْ يُضامَ خَفِيرُ)
فحمل " المنون " على معنى " المنايا ".
وأخبرنا أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: قال الشرقي بن القطامي (164) : المنايا: الأحداث، والحمام: الأجل، والحتف: الغدر، والمنون: الزمان.
__________
(157) الأضداد 157، المذكر والمؤنث لابن الأنباري 225.
(158) ديوانه 13.
(159) بلا عزو في الأضداد 157 والمذكر والمؤنث 229 والمخصص 17 / 28. [ف: تعدو: مكان: تسعى]
(160) ديوانه 1 / 161. وأراد بالمحمدين أخا الحجاج وابنه.
(161) ديوان الهذليين 1 / 1.
(162) وهي رواية الأصمعي في المذكر والمؤنث للسجستاني ق 171.
(163) ديوانه 87 وفيه: خلدن أم ...
(164) هو الوليد بن حصين، وكوفي ت نحو 155 هـ. (تاريخ بغداد 9 / 278، الأنساب ق 3332 نزهة الالباء 34.)(2/226)
731 - وقولهم: قد قضيتُ كلَّ حاجةٍ وداجَةٍ
(165) (239)
قال أبو بكر: في " الداجة " قولان: أحدهما ما لا يُذكر احتقاراً له، أي: قد قضيت الحوائج [التي] لها موقع من قلبي، وقضيت ما لا يذكر احتقاراً له.
ويقال: " الداجة " معناها كمعنى " الحاجة "، فنُسِقَت عليها لخلافها لفظها.
حدثنا محمد بن يونس (166) قال: حدثنا أبو عاصم (167) قال: / حدثنا مستور 201 / ب ابن عبّاد الهُنائي (168) عن ثابت (169) عن أنس قال: (جاء رجل إلى النبي فقال له: والله يا رسول الله، ما أتيتك حتى ما تركتُ حاجَةً ولا داجَةً إلاّ قضيتها. فقال له رسول الله: ألستَ تشهدُ أنْ لا إلهَ إلاّ الله وأني رسولُ الله؟ قال: بلى، قال: فإن الله قد غفر لك كلَّ حاجةٍ وداجةٍ) (170) .
فمعنى الحديث: ما أتيتك حتى ما تركت حاجة ألتذها وأشتهيها، مما تحظرها وتمنع منها، إلا قضيتها.
وأكثر ما يكون الإتباع بغير " واو "، وربما كان بالواو (171) كقولهم: لا بَارَك الله فيه، ولا تارَكَ، ولا دارَكَ. ويقال: جوعاً له ونُوعاً، ونَكْداً وجَحْداً، ومعناهن واحد. ويقال: قُبْحاً له (172) وشُقْحاً، وقُبحاً وشُقْحاً.
ومما قالوا بغير " واو ": جائعٌ نائعٌ، وشَيْطانٌ لَيْطانٌ، وحَسَنٌ بَسَنٌ
__________
(165) الاتباع 41.
(166) محمد بن يونس الكديمي. ت 286 هـ. (تاريخ بغداد 4 / 435، تهذيب التهذيب 9 / 539.
(167) هو الضحاك بن مخلد الشيباني. سلفت ترجمته.
(168) من رواة الحديث. (تهذيب التهذيب 10 / 106) . وفي ك: بن عبد الله، وهو تحريف.
(169) هو ثابت بن أسلم البناني. ت 127 هـ , (تهذيب التهذيب 2 / 2. خلاصة تذهيب الكمال 1 / 147) .
(170) النهاية 1 / 456 و 2 / 101.
(171) ينظر في هذه الألفاظ جميعاً: الاتباع لأبي الطيب اللغوي وأمالي القالي 2 / 208 - 211 والاتباع والمزاوجة والمخصص 13 / 28.
(172) (له) ساقطة من ك.(2/227)
(240) قَسَنٌ (173) ، وعَطْشان نَطْشان، وحارٌّ يارٌّ، وجارٌّ (174) ، وكَثِيرٌ بَثِيرٌ، وبَذِيرٌ (175) ، وبَجِيرٌ، وعَيِيٌّ شَيِيٌّ، وشَوِيٌّ، وأحمقُ فاكٌّ تاكٌ (176) ، وتائك، ومائِقٌ دائقٌ، ومَلِيحٌ قَزِيحٌ، وقَبِيحٌ شَقِيحٌ، وقليل وَعِرٌ شَقِنٌ (177) ووَتَحٌ، ومُضيعٌ مُسيعٌ، وحَقِيرٌ نَقِيرٌ، وحاذِقٌ باذِقٌ، وحاسِرٌ دابِرٌ، وتافِهٌ نافِهٌ، وضالٌّ تالٌّ، وقد جاء بالضلالة والتلالة، ومكان عَمِيرٌ بَجيرٌ، وإنه لثَقِفٌ لَقِفٌ، ورُطَبٌ صَقِرٌ مَقِرٌ: إذا كان كثير الصقر، وصقره: عسله. ويقال: رجل أَسْون أَتْوان، من الحُزن. ويقال: ذهب مَنْ كانَ يحفُّنا ويرفُّنا، أي: يؤوينا ويطعمنا. قال أبو العباس (178) : يقال: رفَّ يَرُفُّ: إذا أكل، ورفَّ يرِفُّ: إذا بَرَقَ، ووَرَفَ يَرِفُ: إذا اتسع (179) : وأنشدنا عن ابن الأعرابي:
(لم أدرِ إلاّ الظنَّ ظنَّ الغائبِ ... )
(أَبِكِ أم بالغيبِ رفُّ حاجبي ... ) (180)
ويقال: حَظِيتِ المرأة عند زوجها وبَظِيَتْ. ويقال: ما له عافِطَةٌ ولا نافِطَةٌ، العاطفة: العَنْز، والنافطة اتباع. ويقال: ما له حَمٌّ ولا رَمٌّ، يُراد بهما: ما له شيء. ويقال: ما به حَبَضٌ ولا نَبَضٌ، يراد: ما به نهوضٌ ويقال: ماله ثُلَّ وغُلَّ، فيقول بعضهم: ثُلّ: هلك، وغُلّ: تابع له، معناه كمعناه. ويقول آخرون: " غلّ " من: غللت يده، ليس بتابع للفعل الذي قبله. ويقال: سَليخٌ مَلِيخٌ، للذي لا طَعْمَ له، قال الشاعر (181) :
__________
(173) (قسن) ساقطة من ك. وفي ق: وقسن.
(174) (جار) ساقطة من ك.
(175) في الأصل وسائر النسخ ومختصر الزاهر: نذير، وهو تصحيف.
(176) في الاتباع 29: وفاشك تائك.
(177) في الأصل وسائر النسخ: شقر، وهو تحريف. (ينظر الاتباع 58 واللسان: شقن) .
(178) ينظر اللسان (رفف) .
(179) من ك، ل. وفي الأصل: امتنع.
(180) بلا عزو في اللسان (رفف) .
(181) الأشعر الرقبان الأسدي في المؤتلف والمختلف 58.(2/228)
(سليخٌ مليخٌ كطعمِ الحُوارِ ... فلا أنتَ حُلْوٌ ولا أنتَ مُرّ)
732 - / وقولهم: قال الخليفة
(182) 202 / أ / 241
قال أبو بكر: سمي الخليفة خليفة في الأصل، لخلافته رسول الله، والأصل فيه: خَلِيفٌ، بغير هاء، فدخلت " الهاء " للمبالغة في مدحه بهذا الوصف، كما قالوا: رجل علاّمة نسّابة راوية، لما أرادوا أن يبالغوا في المدح، ولو لم يريدوا المبالغة لقالوا: رجل راوٍ، وعلاّمٌ، ونسّابٌ. قال الفرزدق (183) :
(أما كانَ في معدانَ والفيلِ شاغلٌ ... لعنبسةَ الراوي عليَّ القصائِدا)
ويدخلونها في باب الذم للمبالغة في العيب، كقولهم: رجل فقاقة هلباجة جخّابة.
وأدخلوها في باب المدح على التشبيه بالداهية، وفي باب الذم على التشبيه بالبهيمة.
وسمي الخليفة: أمير المؤمنين، لأنه يأمرهم، فيسمعون أمره، فيقفون عند قوله.
وأول من كتب: أمير المؤمنين، عمر بن الخطاب (184) (رض) .
حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال: حدثنا محفوظ بن أبي توبة (185) قال: حدثنا عبد الغفار بن داود (186) قال: حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن (187) عن موسى بن عُقْبة (188) عن ابن شهاب (189) أن عمر بن عبد العزيز سأل أبا بكر بن
__________
(182) اللسان (خلف) .
(183) ديوانه 179 (الصاوي) ، وأخلت به طبعة صادر. وينظر المذكر والمؤنث 133.
(184) الأوائل 1 / 222، الوسائل 76.
(185) من رواة الحديث. (الجرح والتعديل 4 / 1 / 422، ميزان الاعتدال 3 / 444) .
(186) من رواة الحديث. ت 205 هـ وقيل 228 هـ. (تهذيب التهذيب 6 / 365) .
(187) من رواة الحديث. ت 181 هـ. (تقريب التهذيب 2 / 376، خلاصة تذهيب الكمال 3 / 68) .
(188)
(189) هو الزهري: سلفت ترجمته.(2/229)
سليمان بن أبي حثمة (190) : لأي شيء كان يكتب أبو بكر: من أبي بكر خليفة (242) رسول الله، وكان عمر يكتب: من خليفة أبي بكر، مَنْ أَوّلُ مَنْ كتب: من أمير المؤمنين؟
فقال: حدثتني الشفاء (191) ، وكانت من المهاجرات الأول، وكان عمر إذا دخل السوق دخل عليها، قالت: كتب عمر بن الخطاب إلى عامل العراقين: ابعث إلي برجلين جلدين اسألهما عن العراق وأهله. فبعث إليه بلبيد بن ربيعة وعدي بن حاتم (192) ، فأناخا راحلتيهما بفناء المسجد، ودخلا، فوجدا في المسجد عمرو بن العاص، فقالا له: يا ابن العاص، استأذن لنا على أمير المؤمنين، [فقال: أنتما والله أصبتما اسمه، ودخل على عمر فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين] . فقال له عمر يا ابن العاص. (ما بدا لك في هذا الاسم. لتخرجن مما قلت. فقال يا أمير المؤمنين، دخل لبيد بن ربيعة وعدي بن حاتم المسجد فقالا: استأذن لنا على أمير المؤمنين، فقلت لهما: أنتما والله أصبتما اسمه، فأنت الأمير ونحن المؤمنون.
قال: فجرى [به] الكتاب من ذلك اليوم.
ويقال: قال الخليفة، وقالت الخليفة. ويقال: قال الخليفة الآخر والخليفة الأخرى. فمن ذكر قال: " الخليفة " معناه: فلان، ومن أنث قال: هو وصف قد دخلته علامة التأنيث، فحمل الفعل على لفظ المؤنث. 202 / ب / أنشد (193) الفراء:
(أبوكَ خليفةٌ ولدتْهُ أُخرى ... وأنتَ خليفةٌ ذاكَ الكمالُ) (194)
فقال: ولدته أخرى، ولم يقل: آخر، تغليباً للتأنيث.
ومن استعمل لفظ المؤنث، قال في الجمع: خلائف. ومن استعمل المعنى
__________
(190) من علماء قريش، روى عن جدته الشفاء. (تهذيب التهذيب 12 / 25) .
(191) الشفاء بنت عبد الله. روت عن النبي. (الإصابة 7 / 727. تهذيب التهذيب 12 / 428) .
(192) عدي بن حاتم الطائي. صحابي. ت 68 هـ. (امتاع الأسماع 1 / 509، الإصابة 4 / 469) .
(193) من ل. وفي الأصل: أنشدنا.
(194) بلا عزو في معاني القرآن 1 / 208، والمذكر والمؤنث 565، واللسان (خلف) .(2/230)
المذكر، قال في الجمع: خلفاء. قال الله عز وجل: {خلفاءَ من بعدِ قومِ نوحٍ} (195) ، وقال: {خلائفَ الأرض} (196) . وقال الشاعر (197) : (243)
(فأما قولُك الخلفاءُ منا ... فهم منعوا وريدَكَ من وداجي)
وقال الآخر (198) :
(إنّ الخلافةَ بعدَهُمْ لذميمةٌ ... وخلائِفٌ طُرُفٌ لمّما أَحْقِرُ)
ويقال: خلف الرجل يخلف خلافة، وخِلَّيفَي: إذا صار خليفة. قال عمر ابن الخطاب: (لولا الخِلَّيفَى ما سُبِقت إلى الأذانِ) (199) .
ويقال: خَلَفَ الفم والطعام يخلف خُلُوفاً: إذا تغيَّر. جاء في الحديث: (لخُلُوفُ فمِ الصائمِ أطيبُ عند الله من ريحِ المِسكِ) (200) .
ويقال: قد خَلَفَ الرجل يخلف خلافة: إذا كان متخلِّفاً لا خير فيه، مُؤَيّساً من رشده.
ويقال رجل خالف، وخالفة: إذا كان كذلك.
ويقال في المعنى الذي قبل هذا: إنّ نومةَ الضُحى لمخْلفَةٌ للفمِ. يراد لمُغَيِّرةٌ.
ويقال: أكل فلان الطعام فبقيت بين أسنانه وفي فِيهِ خِلْفَةٌ، وهي ما بقي بين الأسنان من اللحم وغيره (201) . ويقال لها. الطُّرامة والخُلالة (202) . ويقال: قد اطَّرَمَ فوه: إذا كانت الطُّرامة بين أسنانه.
__________
(195) الأعراف 69.
(196) الأنعام 165.
(197) عبد الرحمن بن حسان الأنصاري. شعره: 18. والودج: القطع.
(198) معاني القرآن 3 / 45.
(199) ينظر: غريب الحديث 3 / 309. الفائق 1 / 393. النهاية 2 / 69 وحديث عمر فيها: (لو أطقت الأذان مع الخليفي لأذنت) .
(200) الفائق 1 / 387.
(201) المعجم في بقية الأشياء 77.(2/231)
733 - وقولهم: صلاة العَتَمةِ
(203) (244)
قال أبو بكر: قال اللغويون: سميت العتمة: عتمة، لتأخر وقتها. من قول العرب: قد أعْتَمَ الرجل قراه: إذا أخَّرَه، وقد أعتم حاجته: إذا أخّرها.
ويقال: عتم القرى: إذا تأخر، وكذلك: عتمت الحاجة. وقد يقال: أعتم القرى، وأعتمت الحاجة. أنشدنا أبو العباس لشاعر يهجو قوما:
(إذا غابَ عنكم أسودُ العين كنتُمُ ... كراماً وأنتم ما أقامَ أَلا ئمُ)
(تَحَدَّثُ ركبانُ الحجيجِ بلؤمِكُمْ ... ويَقْري به الضيفَ اللّقاحُ العواتِمُ) (204)
أسود العين: جبل. يقول: لا تكونون كراماً حتى يغيب هذا الجبل، وهو لا يغيب أبداً. 203 / أ
وقوله: ويقرى به الضيف اللقاح العواتم: معناه: أن أهل / الأندية يتشاغلون بذكر لؤمكم عن حَلْب لقاحهم [حتى] يمسوا، فإذا طرقهم الضيفُ، صادفَ الألبان بحالها لم تُحْلَبْ، فنالَ حاجته. فكان لؤمُكُم قِرى الأضياف، والاشتغال بوصفه.
734 - وقولهم: افعل كذا وكذا إذا هَلكَ الهُلُكُ وإنْ هَلَكَ الهُلُكُ
(205)
قال أبو بكر: العامة تخطىء في هذا فتقول: إنْ هلك الهلك، والعرب تقول: أفعل كذا وكذا إمّا هَلَكَتْ هُلُكٌ، بالإِجراء، وهُلُكُ [بلا إجراء] ، وهُلُكُه،
(202) اللسان (طرم. خلل) وأخل بذكرهما العسكري في معجمه وهما من شرطه.
__________
(203) اللسان (عتم) .
(204) نسب الأول إلى الفرزدق في المعاني الكبير 561 والنسبة فيه مزيدة من قبل الناشرين، وفي الجمهرة 2 / 267 والنسبة فيه مزيدة على أصل مؤلفه، واللسان (عين) وليس في ديوانه. والبيتان بلا عزو في أمالي القالي 2 / 47 عن أبي بكر [يعني ابن الأنباري] عن أبي العباس، والمخصص 4 / 122، واللسان غنم، والأول بلا عزو أيضاً في أمالي القالي 1 / 171 عن أبي بكر [يعني ابن دريد] عن أبي عثمان [الأشنانداني] والمخصص 3 / 10. وينظر السمط 430 و 683.
(205) اللسان (هلك) .(2/232)
بالإضافة. يريدون: افعله على ما خَيَّلَتْ. أخبرنا بذلك أبو العباس عن الفراء. ومعنى خَيَّلَتْ: أَرَتْ وشَبَّهَتْ.
وحدثنا أحمد بن الهيثم (206) قال حدثنا مسلم بن إبراهيم (207) قال: حدثنا شعبة (208) عن سِماك (209) عن عِكرمة عن ابن عباس قال: ذكر رسول الله (245) الدجّال فقال: (أعوزُ جَعْدٌ هِجانٌ، كانّ رأسَهُ أَصَلَةٌ، أشبه الناس بعبد العِزّى بن قَطَن، ولكنّ الهُلْك كلَّ الهُلْكِ أنَّ ربَّكم ليسَ بأعورَ) (210) .
وفي غير هذه الرواية: فإن هلكت هلك (211) .
وفي رواية أخرى: فإنْ هَلَكَتْ هُلَّكٌ.
فَمَنْ رواه: ولكن الهُلْك كل الهُلْك، أراد: ولكن هلك الدجال وخِزيه، وبيان كذبه في عوره.
ومَنْ رواه: فان هلكت هُلّك، قال: " هُلّك " جمع: هالك، يقال: هالك، وهلَّك؛ كما يقال: صائم وصوّم. والتأويل: فإنْ هَلَكَ به هالكون فلا ينبغي أن تهلكوا أنتم، لما تبينون فيه من العور.
ومَنْ روى: فان هلكت هُلُكٌ، أراد: ما اشتبه عليكم من أمره، فلا يشتبهن عليكم أن ربكم ليس بأعور.
والجَعْد الخفيف من الرجال في قول الرستمي. وقال أحمد بن عبيد: هو المجتمع الشديد. قال طرفة (212) :
__________
(206) أحمد بن الهيثم بن خالد البزاز. من القراء. (طبقات القراء 1 / 147) .
(207) مسلم بن إبراهيم الأزردي. ت 222 هـ. (تهذيب التهذيب 10 / 121. خلاصة تهذيب الكمال 3 / 23) .
(208) شعبة بن الحجاج الأزردي. ت 160 هـ. (تهذيب التهذيب 4 / 338، خلاصة تذهيب الكمال 1 / 449) . وفي ك: شعبة عمن حدثه عن ابن عباس.
(209) سماك بن حرب. ت 123 هـ. (ميزان الاعتدال 2 / 232. خلاصة تذهيب الكمال 1 / 421) .
(210) الفائق 2 / 137.
(211) النهاية 5 / 270. وفي الأصل: وان. وما أثبتناه من سائر النسخ.
نقل الأزهري كلام أبي بكر في هذه الرواية في التهذيب 6 / 17.
(212) ديوانه 42.(2/233)
(أنا الرجلُ الجَعْدُ الذي تعرِفُونَهُ ... خِشاشٌ كرأسِ الحيَّةِ المُتَوقِّدِ)
الخَشاش الذي ينخش في الأمور ذكاء ومضاء. ورواه الأصمعي: خِشاش، بالكسر، وقال: " الخِشاش " مكسور أبداً، إلا في قولهم: خَشاش الطير: لرذالها. ويروى: أنا الرجل الضرَّبْ، وهو الخفيف القليل اللحم. والهِجان: الأبيض، والهجان أيضاً: الكريم. تمثل علي بن أبي طالب (رض) عند تفرقته ما في بيت المال: (246)
(هذا جنايَ وهجانُهُ فيه ... )
(إذْ كلُّ جانٍ يَدُهُ إلى فيه ... ) (213) 203 / ب
والأَصَلَة: حيّة ضخمة عظيمة قصيرة الجسم، تَثِبُ على الفارس / فتقتله، وجمعها: أَصَل. فشبه رسول الله رأس الدجال بها لعظمه واستدارته، وفي الأصلة مع عظمها استدارة. قال الشاعر:
(يا ربِّ إنْ كانَ يزيدُ قد أكلْ ... )
(لَحْمَ الصديقِ عَلَلاً بعدَ نَهَلْ ... )
(ودبَّ بالشرِّ دبيباً ونَشَلْ ... )
(فاقْدِرْ له أَصَلَةً من الأَصَلْ ... )
(كبساءِ كالقُرْصَةِ أو خُفِّ الجَمَلْ ... )
(لها سَحِيفٌ وفَحِيحٌ وزَجَلْ ... ) (214)
السحيف: صوت جلدها، والفحيح: صوت تخرجه من فمها (215) .
__________
(213) لعمرو بن عدي اللخمي في معجم الشعراء 10 وفيه: وخياره، ولا شاهد على هذه الرواية، وينظر شرح القصائد السبع 380، والمذكر والمؤنث 225، والقوافي للأخفش 69، ومختصر القوافي 33.
(214) الأبيات بلا عزو في اللسان (أصل) .
(215) ك: فيها.(2/234)
والزجل: اختلاط الأصوات، والكبساء العظيمة الرأس. ويقال: رجل أكبس، وكُبَاس: إذا كان عظيم الرأس.
وفي خبر آخر: (جَعْدٌ هِجَانٌ أزهرُ) وفي آخر: (أَقْمَرُ فيه جلا) .
فالأزهر: الأبيض، والأقمر: الأبيض. يقال للسحاب إذا اشتد ضوءه لكثرة مائه: أقمر. والجَلا (216) : انحسار الشعر عن مقدم الرأس. والدَّفا (217) : الميلُ، يقال: وَعِلٌ أَدْفى: إذا كان قرنُهُ إلى ناحية ذَنَبِهِ، وأُرْوِيَّةٌ دّفْواء. ويقال: مرّ فلان يتدافى، أي: يتحادّبُ.
735 - وقولهم: لأنْ تسمعْ بالمَعَيْديّ خَيْرٌ من أن تراه
(219) (247)
قال أبو بكر: " المعيدي " تصغير " المعدي ". وهو منسوب إلى " معدّ ". و " الدال " مخففة مكسورة، وقوم يثقلون " الدال "، فيقولون: بالمُعَيدِّيّ.
فمن خفّف " الدال " حذف " الدال " الأولى من " معدّ " تخفيفاً واختصاراً. ومَنْ شدّدها أخرج الحرف على أصله.
وهذا يضرب مثلاً عند الرجل يبلغك عنه أمر جميل، فإذا رأيته اقتحمته عينك.
وحدثني أبي - رحمه الله - قال: حدثنا أبو بكر العبدي وأحمد بن عبيد قالا: حدثنا ابن الأعرابي عن المُفَضَّل (220) قال:
عارض كُبَيس بن جابر بن قطن بن نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة أَمَة لزُرارة بن عُدُس بن زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك بن حنظلة، يقال لها: رُشَيَّةُ، وكانت سَبيّة أصابها زرارة من الرُّفَيْدات، من كلب، فولدت له عمَراً وذؤيباً وبرغوثاً بني كبيس بن جابر بن قطن. فمات كبيس، وترعرت الغِلمةُ. فقال لقيط
__________
(216) المقصور والممدود لابن ولاد 26.
(217 218) المقصور والممدود لابن ولاد 46.
(219) الفاخر 65، فصل المقال 135.
(220) أمثال العرب 9، وفيه الأبيات جميعاً. وكذا هي في الفاخر 67 - 68.(2/235)
ابن زرارة يوما لها: يا رُشَيَّة (221) مَنْ أبو بنيك؟ قالت: كبيس بن جابر، وكان لقيط عدواً لضمرة بن جابر بن قطن، فقال لها: اذهبي بهؤلاء الغِلمة، فعبِّسي بهم وجه ضمرة، وأعلميه من هم. فمضت إليه. والغلمة معها، فقال لها: من هؤلاء 204 / أالغلمة؟ قالت: بنو أخيك كبيس بن جابر، فانتزع الغلمة منها، وقال / لها: الحقي بأهلك. فلحقت بأهلها، فأخبرتهم الخبر.
فركب زرارة بن عدس إلى بني نهشل، وكان حليماً، فقال: ردوا علي غلمتي، فشتموه، وأفحشوا، وأهجروا. فلما رأى ذلك انصرف إلى قومه. فقالوا له: ما قالوا (248) لك؟ قال: خيراً والله، ما زال بنو عمي يجيبونني بما أحب، حتى انصرفت عنهم من حسن ما قالوا. ثم تركهم حولاً وعاد إليهم مطالباً بالغلمة، فردوا عليه رداً قبيحاً، فانصرف، فقال له قومه: ما قالوا لك؟ قال خيراً، أحسن بنو عمي وأجملوا. ثم لم يزل سبع سنين، يأتيهم في كل سنة مطالباً بالغلمة، فيردونه أسوأ الرد.
فبينا بنو نهشل يسيرون ضحى إذ أخبرهم مخبر أن زرارة قد مات، فقال لهم ضمرة: يا قوم، إنه قد مات حلم إخوتكم، فاتقوهم بحقهم. ثم قال لنسائه: قمن أقسم بينكن الثُّكْل. وكانت عنده هند بنت كرب (222) بن صفوان بن شجنة بن عُطارد بن عوف بن كعب بن سعد بن زَيد مناة بن تميم، وامرأة سَبِيّة من بني عجل يقال لها: خُليدة، وامرأة سبية من الأزد من بني الطَّمَثان، وسبية من عبد القيس، وكان لهن كلهن أولاد غير خليدة، فإنها لم يكن لها ولد، فقالت خليدة لهند، وكانت لها مصافية: وَلِّي الثُّكْل بنتَ غيرِك (223) . فأرسلتها مثلاً.
قال ابن الأعرابي: يضرب عند الأمر يحل بالقوم، فيخص منهم رجلاً بالدعاء له ألا يصيبه ما أصاب غيره. وأرادت بقولها: ولي الثكل بنت غيرك، لحق بنت غيرك من ضُرٍّ لم يزل.
ثم إن ضمرة وجه إلى لقيط بن زرارة شِقَّةَ بن ضمرة، وأمه هند، وشهاب بن
__________
(221) من ل، وفي الأصل: يا كبيسة.
(222) من أمثال العرب للمفضل. وفي الأصل: حرب.
(223) أمثال العرب 8، المستقصى 2 / 381.(2/236)
ضمرة، وأمه العبدية، وعنوة بن ضمرة، وأمه الطمثانية، فقال له: هؤلاء رهن عندك بغلمتك، حتى أرضيك منهم. فلما صار أولاد ضمرة في يدي لقيط أساء ولايتهم، وجفاهم، وأهانهم. فقال ضمرة في ذلك:
(صرمتُ إخاءَ شِقَّةَ يومَ غَوْلٍ ... وإخوتِهِ فلا حلَّتْ حِلالي)
قال ابن الأعرابي: حلالي: امرأته، أو ناقته، أو شاته، أو خصلة مما يَحلُّ له. (249)
وقال الفراء: معناه: فلا حلّت يميني: قال: وحلالي، بكسر اللام، بمنزلة حذام وقِطامِ، و " الياء " صلة لكسرة اللام.
(كأني إذْ رَهَنْتُ بَنيَّ قومي ... دفعتهم إلى صُهْبِ السِّبالِ) (224)
قوله: إلى صهب السبال، معناه: إلى الأعداء. ويروي: إلى الصهب السبال، / وهو كقولك: مررت بحَسَن الوجه، وبالحسن الوَجْهِ. 204 / ب
[فلم أرْهَنْهُمُ بدمٍ ولكنْ ... رهنتهم بصُلحٍ أو بمال)
(صرمتُ إخاءَ شِقَّةً يومَ غَوْلٍ ... وحُقَّ إخاء شِقّةَ بالوصالِ] )
فأجابه لقيط بن زرارة:
(أبا قَطَن إنّي أراك حزينا ... وإنّ العجولَ لا تبالي الحنينا) (225)
أي: قد فقدت ولدك، فالحنين لا يثقل عليك، كما [لا] يثقل على الناقة العجول، وهي التي أُعجِل عنها ولدها فمات، أو أكله السَّبُعُ.
(أفي أنْ صبرتُمْ نصفَ حولٍ بحقِّنا ... ونحن صَبَرْنا قَبْلُ سبعَ سنينا)
وقال ضمرة بن جابر:
(لَعَمْرُكَ إنني وطلاب حُبّى ... وتَرْكَ بَنيَّ في الشُّطُرِ الأعادِي)
(لِمَنْ نَوْكى الشيوخِ وكانَ مثلي (226) ... إذا ما ضَلَّ لم يُنْعَشْ بهادِي)
ويقول: أنا أتقدم الناس كلهم في البصر والهداية، فإذا ضَلَلْتُ فَمْن يهديني؟ أي: لا يهتدي أحد للذي أضل فيه.
__________
(224) نسب هذا البيت إلى خلف الأحمر في مناقب الترك (رسائل الجاحظ) 1 / 76 وصدره: كأني حين أرهنهم بنيي.
(225) في أمثال العرب 8: لا تبالي خدينا.
(226) من ك. ل. وفي الأصل: قبلي. وما أثبتناه موافق لرواية أمثال العرب والفاخر.(2/237)
ثم إن بني نهشل كلموا المنذر بن ماء السماء في أن يطلب الغلمة من لقيط بن زرارة، فقال لهم: نحوا عني وجوهكم. ثم أمر بطعام وشراب، وجلس مع لقيط، فأكلا وشربا حتى أخذت فيهما الخمر، ثم قال المنذر للقيط: يا خير الفتيان ما تقول (250) في رجل اختارك الليلة [من بين] (227) ندامى مضر؟ قال: أقول إنه لا يسألني شيئاً إلا أعطيته، غير الغلمة. قال: وما الغلمة؟ أما إذا استثنيت فلست قابلاً منك شيئاً حتى تعطيني كلَّ الذي أسأل. قال: فذاك لك. قال: فإني أسألك الغلمة، فهبهم لي. قال: سلني غيرهم. قال: ما أسأل غيرهم. فأمر بإحضارهم فأُحضروا، ودفعهم إلى المنذر. فلما خرج من عنده لامه قومه وعذلوه (228) فقال للمنذر:
(إنّكَ لو غَطَّيْتَ أرجاء هُوَةٍ ... مغمَّسةٍ لا يُستبانُ تُرابُها)
(بثوبِكَ في الظلماءِ ثم دعوتني ... لجئتُ إليها سادراً لا أهابُها)
(فأصبحت مغضوباً علي مُلوّماً ... كأنْ نُضّيَتْ عن حائض لي ثيابُها)
معناه: تَدَنَّت (229) عندهم بإعطائك الغلمة، فكأنما لبست ثياب حائض، نُزعت ثيابها عنها، لألبسها. والمغمسة: المغطّاة.
ثم إنّ المنذر أحضر الغلمة، وقد مات ضمرة، وكان يتصل به عن شقة ما يعجبه ويستحسنه، فلما وقف بين يديه، اقتحمته عينه فقال: تسمع بالمعيدي لا أن تراه (230) ، فقال له شِقّة: أبيتَ اللعنَ، أَسْعَدَكَ إلهُكَ، إنَّ القومَ ليسوا بجُزُرِ، 205 / أإنما يعيش المرء بأصغريه، بقلبِه ولسانه. فأعجب المنذر كلامه، / واستحسنه، وسماه باسم أبيه ضمرة، فهو ضمرة بن ضمرة. وذهب قوله: إنما يعيش المرء بأصغريه، مَثَلاً.
قال ابن الأعرابي: يضرب عند الرجل ذي المخبر ولا منظر له. وأخذ هذا
__________
(227) من ك. وفي أمثال العرب.: على ندامى.
(228) ساقطة من ك.
(229) من ك، ل. وفي الأصل: قد نسيت، وهو تحريف. [أراها: تدنست ... بإعطائي ... ] .
(230) ك: خير من أن تراه.(2/238)
المعنى بعض (231) الشعراء فقال:
(وما المرءُ إلاّ الأصغرانِ لسانُهُ ... ومعقولُهُ والجسمُ خَلْقٌ مُصَوَّرُ) (251)
(فإنْ طَرَّةٌ راقَتْك فاخبر فرُبَّما ... أَمرَّ مذاقُ العودِ والعودُ أَخْضَرُ)
736 - وقولهم: رجلٌ طَرّارٌ
(232)
قال أبو بكر: معناه: يقطع الأشياء فيأخذها. و " الطرُّ " معناه في كلام العرب: القطع. يقال: طرَّ يطرُّ طرَّاً: إذا فعل ذلك.
حدثنا علي بن محمد بن أبي الشوارب قال: حدثنا إبراهيم بن بشار (233) قال: حدثنا سفيان (234) قال: حدثنا أيوب بن موسى (235) عن نافع عن ابن عمر قال: (أَهْدَى أُكَيْدِرُ دومة الجندل إلى رسول الله حُلَّةً سيراء، فأعطاها عمر بن الخطاب. فقال له عمر: يا رسول الله، تعطيني هذه الحُلّة وقد قلت بالأمس في حُلَّةِ عُطارد ما قلت؟ إنما يلبس هذه مَنْ لا خلاقَ به. فقال له رسول الله: لم أعطكها لتلبسها، وإنما أعطيتُكها لتعطيها بعضَ نسائك يتخدنها طُرّات بينهن) (236) .
أراد: يقطعنها، ويتخذنها ستوراً. والطُرة من الشعر سميت: طرة، لأنها مقطوعة من جملته ومفصولة منه. و " الطَرّة " بفتح الطاء: المرة، وبضم الطاء: اسم الشيء المقطوع. وهما بمنزلة الغَرفة والغُرفة، فالغَرفة: المرّة، والغُرفة، بالضم: الاسم. وكذلك الفَرجة والفُرجة، والخَطوة والخُطوة، والحَسْوة والحُسْوة.
__________
(231) قيل إنه دعبل الخزاعي، ينظر شعره: 300 والبيتان بلا عزو في العقد الفريد 4 / 189 وطرة: هيئة حسنة وجمال.
(232) اللسان (طرر) .
(233) إبراهيم بن بشار الرمادي، ت 2300 هـ. (تهذيب التهذيب 1 / 108، خلاصة تهذيب الكمال 1 / 41) .
(234) هو سفيان بن عيينة، سلفت ترجمته.
(235) توفي 132 هـ. (تهذيب التهذيب 1 / 412، خلاصة تذهيب الكمال 1 / 113) .
(236) الفائق 2 / 214.(2/239)
(252)
قال الأصمعي (237) عن أبي عمرو (238) : كنت هارباً من الحجاج، فبينا أنا أطوف بالبيت إذ سمعت منشداً ينشد:
(رُبّما تجزع النفوسُ من الأمرِ ... له فَرْجَةٌ كحلِّ العِقالِ) (239)
فقلت له: ما الخبرُ؟ فقال: مات الحجاج. قال: فما أدري بأي قوليهِ كنت أفرح، بقوله: فَرجة، أو بقوله: مات الحجاج (240) .
737 - وقولهم: الزم الوفاء
(241)
قال أبو بكر: " الوفاء " معناه في اللغة: الخُلُق الشريف العالي الرفيع. من قولهم: قد وفى الشعر فهو وافٍ: إذا ازداد. ذكر هذا أبو العباس. وقال بعض رُجّاز العرب: 205 / ب
(/ قامَ إلى النضوِ حثيثاً فارتحلْ ... )
(واصطبَّ من ماءِ السِقاءِ فاغتسلْ ... )
(ويمَّمَ الموقفَ في سفحِ الجَبَلْ ... )
(بظُفُرٍ وافٍ وشَغْرٍ قد كَمَلْ ... ) (242)
ويقال: وفيت بالعهد أمي، وأوفيت به أوفي. قال الشاعر (243) :
(أمّا ابنُ طوقٍ فقد أوفى بِذِمَّتِهِ ... كما وفى بقِلاص النجمِ حادِيها)
فجمع بين اللغتين: ويقال: ارضَ من الوفاء باللِّفاء (244) ، أي: بدونِ
__________
(237) كتاب المتوارين 9.
(238) تفسير القرآن العظيم للتستري 123.
(239) نسب إلى أمية بن أبي الصلت، ديوانه 444. ونسب إلى عبيد بن الأبرص في مجموعة المعاني 135 وشعراء النصرانية 650 وعنهما في ديوان عبيد 111. ونسب إلى عمير الحنفي في كتاب التعازي 76.
(240) في تفسير التستري 123: ( ... قال أبو عمر: فلم أدر بأيهما كنت أشد سروراً، أبموت الحجاج أم بهذه الفائدة.
(241) اللسان (وفى) .
(242) لم أقف عليها.
(243) طفيل، ديوانه 113.
(244) مجمع المثال 1 / 301 وفيه: رضي من ...(2/240)
الحقَّ. قال الشاعر (245) :
(فما أنا بالضعيفِ فتزدريني ... ولا حَظِّي اللَّفاءُ ولا الخَسِيسُ) (253)
وأنشد الفراء (246) :
(أَظَنَّتْ بنو جَحْوَانَ أّنَّكَ آكِلٌ ... كِباشي وقاضِيَّ اللَّفاءِ فقابِلُه)
738 - وقولهم: قد كتب بالحِبر والمِداد
(347)
قال أبو بكر: العِلّة في تسميتهم الحِبر حِبراً، أنه مُزَيِّن للكتاب، ومُحَسِّن للقِرطاس.
أُخِذَ من قول العرب: حبَّرتُ الشيء: إذا زيَّنته، كان يقال لطُفَيل في الجاهلية: محبِّرٌ، لتزيينه شعره (348) . وقال النبي: (يخرج رجل من النار قد ذهب حِبْرُهُ وسِبْرُهُ) (249) . أراد: قد ذهب بهاؤه وجماله. وقال ابن أحمر (250) يذكر زماناً مضى:
(لَبِسْنا حِبْرَهُ حتى اقتُضينا ... لأعمالٍ وآجالٍ قُضِينا)
أراد بالحبر: الجمال والنضارة. ويروى: قد ذهب حَبْرُهُ وسَبْرُهُ. فإذا كُسرا كانا اسمين، وإذا فُتحا كانا مصدرين.
ويقال: إنما سُمي الحبر حبراً، لأنه يؤثر في القرطاس، ويكون علامة في الشيء الذي يصيبه ويقع فيه. يقال للأثر حِبْر، وحَبار. قال الشاعر (251) :
(ولم يُقَلِّبْ أرضَها البيطارُ ... )
(ولا لحبلَيْهِ بها حَبارُ ... )
__________
(245) أبو زبيد، شعره 100 وفيه: ولا جافي اللقاء. ولا شاهد فيه على هذه الرواية.
(246) بلا عزو في اللسان (لفأ) .
(247) أدب الكتاب 100 - 103.
(248) أدب الكتاب 105.
(249) غريب الحديث 1 / 85.
(250) شعره: 164.
(251) حميد الأرقط في المذكر والمؤنث لابن الأنباري 108 والأفعال للسرقطي 1 / 395. وقد سلف في 1 / 335.(2/241)
أراد بالحبار: الأثر. وقال الآخر:
(لا تملأ الدَّلْوَ وعرِّق فيها ... )
(ألا ترى حَبارَ مَنْ يَسْقِيها ... ) (252) (254)
قوله: عرِّق فيها، معناه: قلِّل الماء فيها. وقال الشاعر (253) :
(لقد أشْمتَتْ بي أهلَ فَيْدٍ وغادَرَتْ ... بجسميَ حِبراً آخرَ الدهرِ باقِيا)
أراد بالحبر: الأثر.
والحبر أيضاً: العالم، يقال فيه: حِبْر، وحَبْر، بالكسر والفتح؛ كما يقال: جِسر وجَسر، ورِطل ورطَل، وثوب شِفٌّ وشَفٌّ: إذا كان رقيقاً.
وقال الأصمعي (254) : لا أدري كيف يقال للعالم: حِبْر أو حَبْر. 206 / أ
وقال غيره: يقال للعالم: حَبر / بالفتح.
وأخبرنا أبو العباس عن سَلَمة عن الفراء قال: يقال للعالم: حَبْر، وحِبْر.
وقال أبو عبيد (255) : قال الفراء: هو كعب الحِبْر، بكسر الحاء، لأنه أضيف إلى " الحبر " الذي يكتب به، إذ كان صاحِبَ كتبٍ وعلوم.
قال أبو بكر: فكان الفراء اختار الكسر مع كعب خاصة، لأنه عَلَمٌ في رواية الأحاديث (256) المتقدمة، ومشهور بنقل الكتب الأولية، فأضيف إلى الحِبر الذي يكتب به، على معنى: صاحب الكتب، وكعبِ العلوم، كما قيل: طُفَيل الخيل، أي: الحاذق بركوبها ووصفها. ومع غير كعب، يفتح الحَبر، ويكسر إذا أريد به العالم.
وأما المِداد (257) ، فإنما سمي مِداداً لإمداده الكاتب، من قولهم: أمددت
__________
(252) بلا عزو في غريب الحديث 1 / 86، وإصلاح المنطق 252، 410، ومجالس ثعلب 238، وشرح القصائد السبع 169، واللسان (حبر، عرق) .
(253) مصبح بن منظور الأسدي في اللسان (حبر) . والبيت مع آخرين بلا نسبة في إصلاح المنطق 252، 410، وفي شرح القصائد السبع 170، ومع آخر فيه 224.
(254. 255) غريب الحديث 1 / 87.
(256) ك: عالم في رواية الأخبار.
(257) كتاب الكتاب 96.(2/242)
الجيش بمَدَدٍ، ومدَّ النهرَ نهرٌ آخرُ. قال الأخطل (258) :
(رأتْ بارقاتٍ بالأكُفِّ كأَنّها ... مصابيحُ سُرجٍ أُوقِدَتْ بمِدادِ)
أي: بزيت. وقال رؤبة (259) :
(كأنَّهُ بعدَ رياحٍ تَدْهَمُهْ ... ) (255)
(ومرثعنات الدجون تَثِمُهْ ... )
(إنجيل أَحْبارٍ وَحَى مُنَمْنِمُهْ ... )
(ما خط فيه بالمداد قَلَمُه ... )
وأنشدنا أبو العباس في الحِبر:
(للهِ دَرِّي ما يجِنُّ صدري ... )
(من كلماتٍ بائناتِ الحِبْرِ ... ) (260)
وقال آخر (261) يذكر ظبية تسوق ولدها:
(تزجي أَغَنَّ كأنَّ إبْرَةَ رَوْقِهِ ... قَلَمٌ أصابَ من الدَّواةِ مِدادَها)
وقال الآخر:
(كأنَّ ديارَ الحيِّ بالزُّرْقِ خلقةٌ ... من الأرض أو مكتوبةٌ بِمدادِ) (262)
739 - وقولهم: هو شارٍ، وهو يرى رأيَ الشراةِ
(263)
قال أبو بكر: " الشاري " معناه في كلام العرب: الذي يبيع الدنيا بالآخرة. فتسموا بهذا الاسم حتى عُرفوا به، وإنْ كانوا غير مستعملين لحقيقته؛ كما سمي
__________
(258) ديوانه 136 (صالحاني) . 174 (قباوة) والبارقات: السيوف.
(259) ديوانه 149. والمرثعن من المطر المسترسل السائل. وتثمه: تضربه.
(260) لم أقف عليهما.
(261) عدي بن الرقاع في التشبيهات 34 وحلية المحاضرة 76. وغيرهما كثير، فهو من الأبيات السائرة، وهو من قصيدة مشهورة نشرها العلامة الميمني في الطرائف الأدبية 87. ونسب غلطاً إلى يزيد بن مفزع في كتاب الكتاب 95، 96. وليس في ديوانه بطبعتيه.
(262) لم أقف عليه.
(263) اللسان (شرى) والشراة هم الخوارج.(2/243)
اليهود يهوداً، لتوبتهم في بعض الأزمنة، وهم غير تائبين الآن. يقال: شريت الشيء أشريه: إذا بعته، وشريته: إذا اشتريته (364) وقبضته من البائع وبعته: إذا دفعته إلى المشتري بالثمن، وبعته: إذا اشتريته (265) . وقد يحتمل " اشتريت " المعنيين اللذين يحتملهما " شريت ". قال الله عز وجل: {وشَرَوْهُ بثمنٍ بخسٍ دراهمَ (256} معدودةٍ) (266) ، أراد: باعوه. وقال الشماخ (267) :
( [فلمّا شراها فاضتِ العينُ عَبْرَةً ... وفي الصدرِ حَزَّازٌ من اللومِ حامِزُ)
وقال الآخر] (268) : 206 / ب
(/ وشَرَيْتُ بُرداً ليتني ... من بعدِ بُرْدٍ كنتُ هامه)
أراد: بعت برداً. وقال الآخر في معنى البيع:
(اشروا لها خاتِناً وابغوا لخاتِنِها ... مَعاوِلاً ستَّةً فيهن تذرِيبُ) (269)
أراد باشروا: اشتروا. وقال الآخر (270) في حملة البيع على معنى الاشتراء:
(فيا عَزُّ ليتَ النأيَ إذ حالَ بينَنا ... وبينَكِ باع الودَّ لي منكِ تاجرُ)
أراد بباع: اشترى. وقال الفراء (271) : سمعت أعرابيا يقول: بعْ لي تمراً بدرهم، يريد: اشتر لي. وقال أوس بن حجر (272) :
(قد قارَفَتْ وهي لم تُجْرَبْ وباعَ لها ... من الفصافصِ بالنُّمِّيِّ سِفْسِيرُ)
الفصافص: الرطبة، والنمي: الفلوس، والسفسير: القهرمان. وقال حُذيفة (273) عند موته: (بيعوا لي كَفَناً) ، يريد: اشتروه، وقيل لجرير
__________
(274) : مَنْ أشعرُ
(264) الأضداد 72.
(265) الأضداد 73.
(266) يوسف 20.
(267) ديوانه 190 وفيه: من الوجد. وقد سلف شرح البيت. في 1 / 371.
(268) يزيد بن مفرغ، شعره: 145 (سلوم) 213 (أبو صالح) .
(269) بلا عزو في الأضداد 73. وهو في الكامل 100 عن التوّزي، وروايته في عجزه: مواسياً أربعاً فيهن تذكير.
(270) كثير، ديوانه 369.
(271) الأضداد 73.
(272) ديوانه 41.
(273) الأضداد 74.
(274) الأضداد 73.(2/244)
الناس؟ فقال: الذي (275) يقول:
(ويأتيكَ بالأخبار من لم تَبْع له ... بتاتاً ولم تَضْرِبْ له وقتَ موعدِ) (257)
أراد: مَنْ لم تشترِ له بتاتا، والبتات: الزاد.
740 - وقولهم: حَبْلُكَ على غارِبِكِ
(276)
قال أبو بكر: قال أبو العباس: كانت العرب في الجاهلية يُطَلِّقون نساءهم بهذا الكلام. ومعناه: أَمرُكِ في يَدِكِ، فاستعملي من الأمور ما تحبين، فقد انقطع سَبَبُكِ من سَبَبي. قال: والأصل في هذا أن يُلقي حبل الناقة على غاربها، فتفزع، ولا ترعى إذا لم تره في الأرض. و " الغارب " من البعير أسفل من السنام، وهو ما انحدر من السنام إلى العنق. قال النمر بن تولب (277) :
(فلمّا عَصَيْتُ العاذِلينَ فلم أُطِعْ ... مقالتَهُمْ أَلْقَوا على غاربي حبلي)
أي: خلَّوني، فلم يراجعوا عِظتي، ولا نصيحتي. وصار المخلِّي للرجل والمُعْرِض عنه يقول: قد تركت حبل فلان على غاربه. والأصل ما وصفنا.
__________
(275) طرفة، ديوانه 48.
(276) الفاخر 26. جمهرة الأمثال 1 / 382.
(277) شعره: 97 وفيه: ولم أبل.(2/245)
741 - وقولهم: رجلٌ نَجّادٌ
(1) (258)
قال أبو بكر: قال أبو العباس: النجاد معناه في كلام العرب: المُزَيِّن للثياب. من ذلك قولهم: قد نجَّدت البيت: إذا حسَّنته وزيَّنته (2) . قال: ويجوز أن يكون " النجاد " سُمي نجاداً، لرفعه الثياب. قال: ومن ذلك: نَجْدٌ، سُمي 207 / أنجداً لارتفاعه. / يذهب أبو العباس إلى أن النجاد يرفع الثياب بزيادتِهِ عليها، وضمِّه إليها ما يعليها، ويزيد في حدِّها.
وقد قالوا في نجد (3) ثلاثة أقوال:
أحدهن: سميت نجداً لارتفاع مواضعها (4) .
والقول الثاني: سميت نجداً لمقابلتها ما يقابلها من الجبال، قال بعض الأعراب: النجاد: ما قابلك.
والقول الثالث: سميت نجداً لصلابة أرضها، وكثرة حجارتها، وصعوبة سلوكه. من قولهم: رجلٍ نَجْدٌ: إذا كان شجاعاً قوياً. وقد يقال للشجاع: نَجُدٌ، ونَجِدٌ. والنَجِد أيضاً، والمنجود: المفزع، أيّ موضع كان. قال أبو زبيد (5) :
(صاديا يستغيثُ غير مُغاثٍ ... ولقد كانَ عُصْرَةَ المَنْجودِ)
فيجوز أن تكون " نجد " سميت نجداً، لاستيحاش السالك لها، واتصال فزعه، إذا لم تكن آهلة معمورة كالأمصار. فهذا قول رابع في الاعتلال لتسمية نجد نجداً.
والغالب على نجد التذكير، وهو المأثور عن العرب فيها. ولو أُنِّثَت، إذا ذُهِب بها إلى معنى " المدينة "، لم يكن ذلك خطأً ولا مُحالاً. قرأنا على أبي العباس لبعض الشعراء:
__________
(1) اللسان (نجد) .
(2) ل: زينته وحسنته.
(3) ينظر عن نجد: معجم ما استعجم 1298، معجم البلدان 4 / 745 - 750.
(4) من ك، ل وفي الأصل: موضعها.
(5) شعره: 44. ينظر الأضداد 406.(2/246)
(أَلَمْ تَرَ أنَّ الليلَ يقصُرُ طولُهُ ... بنجدٍ وتزداد النِطافُ به بَرْدا) (6)
ويقال (7) : أنجد الرجل: إذا أتى نجداً، وغار، وأغار إذا أتى الغَوْر. (259) وأنشدنا أبو العباس:
(نبيٌّ يرى ما لا يرونَ وذِكرُهُ ... أغارَ لَعَمْري في البلادِ وأنجدا) (8)
ويروى:
(...... ...... . وذكره ... لعمري غار في البلاد وأنجدا)
وقال ذو الرمة (9) :
(حتى كأنَّ رياضَ القُفِّ أَلْبَسَها ... من وَشْيِ عَبْقَرَ تَجْلِيلٌ وتَنْجِيدُ)
أراد بالتنجيد: الارتفاع.
742 - وقولهم: طالَ سَفَرُ الرجلِ
(10)
قال أبو بكر: قال أبو العباس: إنما سمي السفر سفراً، لأنّه يُسْفِرُ عن أخلاق الرجال، أي: يكشفها ويوضحها.
أُخِذَ من قولهم: قد سَفَرَتِ المرأة عن وجهها: إذا كشفته وأظهرته. ويقال للمِكْنَسَة: مِسْفَرَة؛ لأنها تكشف التراب عن الموضع وتزيله. وكذلك يقال: قد سَفَرَ الرجل بيته يسفره سَفْراً: إذا كنسه.
جاء في الحديث: (دَخَلَ عمرُ على رسول الله فقال: يا رسول الله لو أَمَرْتَ بهذا البيتِ فسُفِرَ) (11) . وكان في بيت فيه أُهُبٌ وغيرها. أراد بسُفِر: كُنِس. 207 / ب
__________
(6) بلا عزو في المذكر والمؤنث لابن الأنباري 475 ومعجم البلدان 5 / 264.
(7) نوادر أبي مسحل 345.
(8) للأعشى، ديوانه 103، وقد سلف بروايتيه 2 / 118.
(9) ديوانه 1366، والقف ما غلظ من الأرض ولم يبلغ أن يكون جبلا في ارتفاعه.
(10) اللسان (سفر) .
(11) النهاية 2 / 372.(2/247)
ويقال لما سقط من ورق الأشجار: سَفِيرٌ، لأن الريح تسفِرُه، أي: / تكنسه. قال ذو الرمة (12) :
(وحائل من سَفِير الحولِ جائِلُهُ ... حولَ الجراثيمِ في ألوانِهِ شَهَبُ) (260)
ويُروى:
(وحائلٍ من سَفيرِ الحولِ جائلُهُ...... ...... ...... ....)
فالحائل: المتغيِّر لمرور الأيام به. والجائل: الذي تجيله الريح.
ويقال: قد أسفر وجه الرجل: إذا أضاء وأشرق. والجرثومة: الشيء المجتمع، والجرثومة أيضاً: أصل الشيء، جاء في الحديث: (الأَزْدُ جُرثومةُ العربِ فمن أَضَلَّ نَسَبَه فليأتِهِمْ) (13) .
743 - وقولهم: تَعَسَ فلانٌ وانتكسَ
(14)
قال أبو بكر: التعس معناه في كلام العرب: الشر، قال الله تبارك وتعالى: {تَعْساً لهم} (15) ، أراد: ألزمهم الله الشر، هذا قول أبي العباس.
ويقال: التعس: البعد. قال الأعشى (16) :
(بذاتِ لَوْثٍ عَفَرْناةٍ إذا عَثَرَتْ ... فالتَّعْسُ أَدْنَى لها من أنْ أقولَ لَعَا)
اللوث: القوة، والعفرناة: الناقة (17) الشديدة، ولعا: ارتفاعا.
وانتكس معناه: قُلِبَ أَمْرُهُ وأُفْسِدَ. من ذلك: نُكِس المريض من علَّتِهِ. وقال أبو العباس: الأصل فيه أن يجعل أسفل الشيء أعلاه.
حدثنا أحمد بن الهيثم (18) ويوسف بن يعقوب قالا: حدثنا عمرو بن
__________
(12) ديوانه 84. وجائله: ما جال منه، والجراثيم: التراب يجتمع إلى أصول الشجر، الواحدة جرثومة
(13) النهاية 1 / 254.
(14) اللسان (تعس، نكس) .
(15) محمد 8.
(16) ديوانه 83.
(17) ساقطة من ك.
(18) (أحمد بن الهيثم) ساقط.(2/248)
مرزوق (19) قال: أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار (20) عن أبيه عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: (تَعِسَ عبدُ الدينارِ، وعبدُ الدِّرْهَمِ، وعبدُ الخَمِيصة؛ إنْ أُعطِيَ رَضِي، وان مُنع سَخِط. تَعِسَ وانتكسَ، (261) وإذا شِيكَ فلا انتقَشَ. طُوبى لعبدٍ أشعثَ رأسُهُ، مُغَبَّرَة قدماه في سبيل الله، إنْ كانَتِ الحراسةُ كانَ في الحراسةِ، وإنْ كانِت السياقةُ كان في السياقةِ. طُوبى له ثم طُوبى له) (21) .
وقوله: إذا شيك فلا انتقش، معناه: وإذا وقع في شر فلا تخلص منه. فذكر (22) الشوك مثلاً. ومعنى شيك: أصابه الشوك، يقال: شاك عبد الله الشوك يشوكه شوكا: إذا أصابه، وشكت الشوك أشاكه: إذا وقعت فيه. و " انتقش " معناه: خرج الشوك من رجله. يقال: قد انتقشت حقي عن (23) فلان: إذا استخرجته، ولم أدع منه شيئاً. ومن ذلك المِنقاش، سُمي مِنقاشاً، لأنه يُستخرج به الشوك وغيره.
حدثنا أحمد بن الهيثم قال: حدثنا إبراهيم بن المهدي قال: حدثنا / حمّاد الأَبحُّ (24) عن ابن أبي مُلَيكة (25) عن عائشة قالت: قال رسول الله: (208 / أ) (مَنْ نوقِشَ الحسابَ عُذِّبَ) (26) . فنوقش مما وصفنا من الاستقصاء.
وحدثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي قال: سمعت ابن الأعرابي يقول: الخميصة: كساء أسود، مربع، له علمان.
وقال الرستمي عن يعقوب: التْعس: أنْ يَخِرَّ على وجهه، والنَّكْسُ أنْ يَخِرَّ على رأسه.
__________
(19) عمرو بن مرزوق الباهلي، ت 224 هـ. (ميزان الاعتدال 3 / 287، تهذيب التهذيب 8 / 99) .
(20) من رواة الحديث. (تهذيب التهذيب 6 / 206، خلاصة تذهيب الكمال 2 / 139) .
(21) سنن ابن ماجة 1386، الفائق 1 / 151 مع خلاف في الرواية.
(22) ك: يذكر.
(23) من ك، وفي الأصل: على
(24) حماد بن يحيى الأبح السلمي البصري. (تهذيب التهذيب 3 / 21) .
(25) عبد الله بن عبيد الله، ت 117 هـ. (تهذيب التهذيب 5 / 306) .
(26) النهاية 5 / 106.(2/249)
قال: والتَّعْس أيضاً: الهلاك، وأنشد للمخبل الحارثي (27) : (262)
(وأرماحهم يَنْهَزْنَهُم نَهْزَجُمَّةٍ ... يقلن لمن أَدْرَكْنَ تَعْساً ولا لَعا)
744 - وقولهم: أَبَيْتَ اللَّعْنَ
(28)
قال أبو بكر: في تفسيره قولان:
أحدهما: أبيت أن تأتي من الأشياء ما تستحق اللعن عليه. فاللعن على هذا القول نصب.
ويقال للاثنين: أَبَيْتُما اللعن، وللجميع: أبيتم اللعن، ويبنى التأنيث على التذكير، قال النابغة (29) :
(هذا الثناءُ فإنْ تسمعْ لقائِلِهِ ... فلم أُعَرِّضْ أبيتَ اللعنَ بالصَّفَدِ)
وقال لبيد (30) :
(مهلاً أبيتَ اللعنَ لا تأكلْ مَعَهُ ... )
والقول الآخر هو أردأُ القولين وأشدُّهما: أَبَيْتَ اللعنِ، بخفض " اللعن "، يقوله بعض العرب، على أن " الألف " معناها (يا) ، و " بيت " من " البيوت "، مضاف إلى اللعن. والتقدير: يا بيتَ اللعن، أي: يا بيت السلطان والقدرة والغضب والطرد والإِبعاد. وحكى الفراء هذا الوجه مستقبحاً له، ناهياً عن استعماله.
ويقال في التثنية: أبيتَيْ اللعنِ، وفي الجميع: أأبيات اللعنِ. ولا يُنكر أن يكون " ألف الاستفهام " بمنزلة (يا) في النداء. فقد قال الشاعر:
(أَأَحْمَرُ إمّا أهلِكَنَّ فلا تكنْ ... لمولاكَ مِهواناً ولا للأقارِبِ) (31)
__________
(27) لم أقف على ترجمته فيمن يقال له المخبل، والبيت بلا عزو في اللسان (تعس) .
(28) اصلاح المنطق 323، الأمثال لأبي عكرمة 112، اللسان (أبي) .
(29) ديوانه 24.
(30) ديوانه 343.
[هكذا هي في الأصل أشدْهما، بالدال المهملة. وأراها: أشذهما، بالذال المعجمة. وسيأتي نحو ذلك] .
(31) لم أقف عليه.(2/250)
أراد: يا أحمر. وقال الآخر:
(أشيبانُ ما أدراكَ أنْ رُبَّ ليلةٍ ... غبقتكَ فيها والغَبُوقُ حبيبُ) (32) (263)
أراد: يا شيبانُ. وقال عُوَيّة بن سُلْمِيّ الضَّبيّ (33) يرثي أخاه أُبَيّاً:
(أَأُبَيُّ إنْ تُصبحْ رهينَ مُسَنَّمٍ ... زَلجِ الجوانبِ قعرُهُ ملحودُ)
أراد: يا أُبَيُّ. وقال ذو الرمة (34) :
(/ أَدارا بحُزْوى هِجتِ للعينِ عَبْرَةً ... فماءُ الهوى يَرْفَضُّ أو يترقرَقُ) 208 / ب
أراد: يا داراً. وأنشدنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء:
(أعبداً حلَّ في شُعَبَى غريباً ... ألؤماً لا أبا لكَ واغترابا) (35)
أراد: يا عبداً أتجمعُ لؤماً واغتراباً.
وفي المنادى تسعُ لغات (36) : يقال: يا فلانُ. ويقال: فلانُ (37) ، بإسقاط " يا "، قال الله عز وجل: {يوسفُ أَعْرِضْ عن هذا} (38) . وقال الشاعر:
(أميرَ المؤمنينَ ألستَ حقّاً ... بأكرم مَنْ أظلّتهُ السماءُ) (264)
(بلى وابن الأطايبِ من قريشٍ ... ملوك الناس ليسَ بهم خَفَاءُ) (39) .
أراد: يا أميرَ المؤمنين فاسقط (يا) . ويقال: وافلانُ. ويقال: آفلانُ، بهمزة بعدها ألف. ويقال: أيْ فلانُ. ويقال: آي فلانُ. ويقال: أيا فلانُ. ويقال: هيا فلانُ. ويقال: أفلانُ، على لفظ الاستفهام. قال الشاعر:
__________
(32) بلا عزو في شرح القصائد السبع 32، ساقه شاهداً على تخفيف " ربّ " ولو شددت في البيت ما اختل وزنه بل يسلم به من الزحاف.
(33) عوية شاعر جاهلي (معجم الشعراء 175) والبيتان له فيه، ونسبا إلى الضبي في شرح ديوان الحماسة (م) 1041 ولم يعرفه المحقق. ورواية ك، ل: غوية بالمعجمة، وهي رواية أخرى، وعجز الثاني ورد في الأصل: زنم الجوانب. وما أثبتناه من ك، ل.
(34) ديوانه 456. ويرفض: يسيل متفرقا.
(35) لجرير، ديوانه 2 / 297.
(36) ذكرها في شرح القصائد السبع أيضاً 42. وينظر: الواضح في علم العربية 63 والتوطئة 263.
(37) ينظر: الايضاح العضدي 228.
(38) يوسف 29.
(39) لم أقف عليهما.
(40) بلا عزو في شرح القصائد السبع 42.(2/251)
وقال الآخر:
(هيا أمَّ عمروٍ هل لي اليومَ عندكُم ... بغَيْبَةِ أبصار العُداةِ سبيلُ) (41)
وقال الآخر:
(أيا أَثْلَةَ الطُرّادِ إنِّي لسائلٌ ... عن الأثلِ من جرّاك ما فَعَلَ الأثلُ) (42)
وقال الآخر (43) :
(أيا جَبَلَي نعمانَ باللهِ خَلِّيا ... نسيمَ الصَّبا يخلُصْ إليّ نسيمُها)
745 - وقولهم: قد تغاوَوا عليه
(44)
قال أبو بكر: معناه: قد جهلوا عليه، وزَلُّوا. و " تغاووا ": " تفاعلوا "، من: غَوَى الرجل يغوي غيّاً، وغَواية: إذا جَهِلَ وأساءَ. قال الشاعر (45) :
(فمَنْ يلقَ خيراً يحمدِ الناسُ أَمْرَهُ ... ومَنْ يَغْوَ لا يَعْدَمْ على الغَيِّ لائِما) (265)
ويقال: قد غَوِيَ الفصيل يَغْوَى: إذا بَشِمَ من لبن أُمِّه، عند الإِكثار والازدياد منه. قال الشاعر:
(مُعَطَّفّة الأثناءِ ليسَ فصيلُها ... برازِئِها درّاً ولا مَيِّتٍ غَوَى) (46)
__________
(41) بلا عزو في شرح القصائد 43.
(42) لم أقف عليه.
(43) المجنون، ديوانه 252.
(44) اللسان (غوى) .
(45) المرقش الأصغر، شعره: 573.
(46) البيت بلا عزو في إصلاح المنطق 189، 203، وشرح القصائد السبع 52، والمخصص 7 / 41، 180 و 15 / 162، والمحكم (غوى) 6 / 46، واللسان (غوى) ونص يعقوب في ثاني الموضعين أن " غوى " فيه مصدر " غوي الفصيل يغوي غوىً " وجاء نحوه في اللسان وبعده " يعني قوساً وسهما رمي به عنها، وهذا من اللغز ".(2/252)
746 - / وقولهم: هَلُمَّ يا رجلُ
(47) 209 / أ
قال أبو بكر: معنى هلم: أَقْبِل. وأصله: أُمَّ يا رجل، أي اقصِدْ، فضموا " هل " إلى أُمَّ "، وجعلوهما حرفاً واحداً، وأزالوا " أُمَّ " عن التصرف، وحولوا ضمة همزة " أُمّ " إلى " اللام " وأسقطوا الهمزة، فاتصلت الميم باللام. هذا مذهب الفراء.
ويقال للرجلين، وللرجال، وللمؤنثة، وللمؤنثات: هَلُمَّ يا رجلان، وهلم يا رجال، وهلم يا امرأة، وهلم يا نسوة، فيُوَحَّد " هَلُمَّ " لأنه مزال عن تصرف الفعل، فشُبِه بالأدوات كقولهم: صَهْ، ومَهْ، وإيهٍ، وإيهاً، وكل حرف من هذه لا يُثنى، ولا يُجمع، ولا يُؤنث. قال الله عز وجل: {والقائلينَ لإِخوانِهم هَلُمَّ إلينا} (48) .
وحدثنا إسماعيل بن إسحاق قال: حدثنا عبد الله بن مسلمة (49) عن مالك (50) عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة عن النبي [قال] : (ليُذادَانَّ رجالٌ عن حوضي كما يُذاذُ البعيرُ الضالُّ، فأُناديهم: ألا هَلُمَّ هَلُمَّ، فيقال: إنّهم قد بدَّلوا فأقول: فسحقاً فسحقاً فسحقاً) (51) . قال الشاعر (52) :
(وكان دعا دعوةً قومَهُ ... هَلُمَّ لى أمركم قد صُرِمْ) (266)
__________
(47) ينظر في (هلم) : الكتاب 2 / 158. المقتضب 3 / 25، 202، البيان في غريب اعراب القرآن 1 / 348. واللباب في علل البناء والاعراب ق 125. التبيان في اعراب القرآن 546 - 547. شرح المفصل 4 / 41، همع الهوامع 2 / 106. وقد حكى الأزهري ما قال أبو بكر في التهذيب 6 / 317. وينظر ما سلف في قولهم (هلم جرا) 1 / 476.
(48) الأحزاب 18.
(49) عبد الله بن مسلمة بن قعنب الحارثي، ت 221 هـ. (تهذيب التهذيب 6 / 31. خلاصة تذهيب الكمال 2 / 100) .
(50) مالك بن أنس، سلفت ترجمته.
(51) صحيح مسلم 218 والفائق 4 / 108. و (فسحقا) الثالثة من ك.
(52) الأعشى، ديوانه 34 وفيه: رهطه دعوة. وقد سلف في 1 / 477.(2/253)
ويجوز أن يقال للرجلين: هَلُمّا، وللرجال: هَلُمُّوا، وللمرأة هَلُمِّي، وللمرأتين: هَلُمّا، وللنساء: هَلُمَّنَ، وهَلْمُمْنَ.
وحكى أبو عمرو (53) عن العرب: هَلُمِّينَ يا نسوة، والحجة لأصحاب هذه اللغة: أن أصل " هلم " التصرف، إذا كان من أَمَمْتُ أَؤُمُّ أَمّاً. فعملوا على الأصل، ولم يلتفتوا إلى الزيادة. فإذا قال الرجل للرجل: هَلُمَّ، فأراد أن يقول: لا أفعل، قال: لا أَهْلمُّ، ولا أَهَلُمُّ.
747 - وقولهم: قد انتَحَلَ كذا وكذا
(54)
قال أبو بكر: قال أبو العباس: معناه: قد ألزمه نفسَهُ، وجعله كالملك لها. أُخِذَ من " النحلة "، وهي الهِبة والعطية يُعطاها الإنسان. قال الله عز وجل: {وآتوا النساء صدقاتهن نِحْلَةً} (55) أراد: هِبةً. والصداق فرض، لأن أهل الجاهلية كانوا لا يعطون النساء من مهورهن شيئاً، فقال الله تعالى: أعطوا النساء صدقاتهن هبة من الله عز وجل، إذ كان أهل الجاهلية يدفعونهن عن الصدقات. فالنحلة هبة من الله عز وجل للنساء، وفرض للنساء على الأزواج.
ويقال: النحلة: الديانة. من قولهم: هو ينتحل قول فلان.
[قال أبو بكر] (56) : والقولان متقاربان. 209 / ب / 267 /
748 - / وقولهم هو من الملائكة
(57)
قال أبو بكر: " الملائكة " سميت " ملائكة "، لتبليغها رسائل الله عز وجل إلى أنبيائه صلوات الله عليهم. أُخِذوا من " الألوك "، وهي الرسالة، قال ت
__________
(53) المذكر والمؤنث لابن الأنباري 728.
(54) اللسان (نحل) .
(55) النساء 4.
(56) من ل.
(57) ينظر في اشتقاق الملائكة: الزينة 2 / 161، تفسير الطبرسي 1 / 73، شرح الشافية 2 / 374، اللسان (ألك، لأك، ملك) ، شرح الشافية للجاربردي 209، شرح الشافية لنقرة كار 145.(2/254)
لبيد (58) :
(وغلامٍ أَرسَلَتْه أُمُّهُ ... بألوكٍ فبذَلْنا ما سَأَلْ)
أراد بالألوك: الرسالة. ويقال لها أيضاً: مألَكَة، ومألُكَة. قال الشاعر (59) :
(أَبِلغْ النعمانَ عني مأْلُكاً ... أنّهُ قد طال حبسي وانتظاري)
وقوم يقلبونه فيقولون: مَلأَكاً. ويقولون (60) : هو مَلَك من الملائكة، وهو ملأَك من الملائكة.
فمَنْ قال: هو ملأك، أخرج الحرف على أصله، ومن قال: مَلَك، حوّل فتحة " الهمزة " إلى " اللام " وأسقط " الهمزة ". قال علقمة بن عبدة (61) :
(فلستَ لإِنْسِيٍّ ولكن لملأَكٍ ... تَنَزَّلَ من جوِّ السماءِ يصُوبُ)
وقال الآخر:
(أيُّها القاتلونَ ظلماً حُسيناً ... أبشِروا بالعذابِ والتنكيلِ)
(كلُّ أهل السماءِ يدعو عليكم ... من نبيٍ وملأَكٍ ورسولِ) (62)
(قد لعنتم على لسانِ ابنِ داودَ ... وموسى وحامل الإِنجيلِ)
ويقال: ألِكْني إلى فلان، يُراد به: أرسلني، وللاثنين، والجمع: أَلِكاني، وألِكوني، وأَلِكيني، وأَلِكاني، وأَلِكْنَني. والأصل في أَلِكني: أَلْئِكْني، فحُوِّلت (268) كسرة [الهمزة] إلى " اللام "، وأسقطت " الهمزة ". قال الشاعر (63) :
(أَلِكْني إليها وخيرُ الرسولِ ... أَعْلَمُهُمْ بنواحي الخَبَرْ)
ومن بنى على " الأَلوك " (64) قال: أصل " أَلِكْني ": أَأْلِكْني، فحُذفت الهمزة الثانية تخفيفاً. وقال الآخر:
__________
(58) وكذا نسب البيت في المذكر والمؤنث 260، وأنشده في شرح القصائد السبع 522 لرجل من عبد القيس جاهلي يمدح بعض الملوك (قيل هو النعمان) وهذا هو الأرجح، وقد نسب أيضاً إلى أبي وجزة في عبد الله بن الزبير. ينظر اللسان (صوب، ملك) وشرح شواهد شرح الشافية 289، وديوان علقمة 118.
(59) عدي بن زيد، ديوانه 93.
(60) ك: ويقال.
(61)
(62) الأول والثاني بلا عزو في المذكر والمؤنث لابن الأنباري 260. ولم أقف على الثالث.
(63) أبو ذؤيب، ديوان الهذليين 1 / 146. وسلف 1 / 128.
(64) من ك. ل. وفي الأصل: الأول.(2/255)
(أَلِكْني يا عُيَيْنُ إليكَ قولاً ... ستحمِلُهُ الرواةُ إليكَ عَنِّي) (65) ويقال: هم الملائكة، وهم الملائك، بغير هاء. قال حسان (66) :
(رعوا فلجاتِ الشامِ قد حالَ دونَها ... جلادٌ كأفواهِ المخاضِ الأوارِكِ)
(بأيدي رجالٍ هاجروا نحو ربِّهم ... فأَنصارُهُ حقّاً وأيدي الملائِكِ)
749 - وقولهم: صَوْمَعَةٌ وصوامع
(67)
قال أبو بكر: قال أبو يوسف يعقوب بن السكيت: سميت الصومعة 210 / أصومعة، / لضمورها، وتدقيق رأسها. من قول العرب: جاءنا بثريدة مُصَمَّعة: إذا دقَّقَها وأحدَّ رأسَها. ويقال: خرج السهم متصمعاً بالدم: إذا تلطَّخ بالدم، وضمرت قُذَذُهُ. قال امرؤ القيس (68) :
(وساقانِ كَعْبَاهُما أصمعانِ ... لَحْم حماتَيْهِما مُنْبَتِرْ)
أراد بالأصمع: الضامر، الذي ليس بمنتفخ. وقوله: لحم حمايتهما منبتر، (269) الحماة: عضلة الساق، والعرب تستحب انتبارها. وقال النابغة (69) يذكر الثور والكلاب:
(فبثَهُنَّ عليه واستمرَّ بهِ ... صُمْعُ الكُعوبِ بَرِيَّاتٌ من الحَرَدِ)
بثهن: فرقهن، واستمر: مضى. وقوله: صمع الكعوب: عنى بها القوائم والمفصل. والأصمع: الضامر، الذي ليس بمنتفخ. ويقال: أذن صمعاء: للطيفة اللاصقة بالرأس. ويقال: كبش أصمع، ونعجة صمعاء. ويقال (70) :
__________
(65) هو النابغة الذبياني، ديوانه 197 (بشرح ابن السكيت) 126 (شرح الأعلم) .
(66) ديوانه 164 وفيه: ذروا فلجات ... كأفواه اللقاح. والفلجات: الأودية. والأوارك: المقيمات في الأراك يرعينه.
(67) اللسان (صمع) .
(68) ديوانه 163.
(69) ديوانه 8. وقد سلف 1 / 252. والحرد: استرخاء في يدي البعير.
(70) الغريب المصنف 32.(2/256)
رجل أصمع القلب: إذا كان حاد الفطنة. والأصمعان: (71) القلبُ الذكيُّ، والرأيُ الحازمُ. ويقال لنبات " البُهمى ": صمعاء، لضموره، وإنما يقال له هذا قبل أن يتفقّأ. قال ذو الرمة (72) يذكر الأُتن:
(رَعَتْ بارِضَ البُهمى جَميماً وبُسْرَةً ... وصمعاء حتى آنَفَتْها نِصالُها)
البُهمى: نبات ينبت في السهل (73) والبارض: أول ما يطلع منها. والجميم: نبات كثير كالجُمَّةِ للرأس. والبُسرة: نبات لم يدرك. ويقال: بَسَرَ الرجل حاجته: إذا طلبها في غير وقتها، وبَسَرَ الحِبْن: إذا فتحه قبل أن ينضُجَ، والحِبْنُ: الدُمّلُ.
750 - وقولهم: رجلٌ كَهْلٌ
(74)
قال أبو بكر: الكهل عند العرب: الذي قد جاوز الثلاثين. وإنما سمي: كهلاً، لكماله واجتماع قوته (75) . يقال: قد اكتهل النبات: إذا تمَّ وحسن (270) واستوى. قال الأعشى (76) :
(ما روضةٌ من رياضِ الحَزْنِ مُعْشِبَةٌ ... خضراءُ جادَ عليها مُسْبُلٌ هَطِلُ)
(يُضاحكُ الشمسَ منها كوكبٌ شَرِقٌ ... مُؤَزَّرٌ بعميمِ النَبْتِ مكتهلُ)
(يوماً بأطْيَبَ منها نَشْرَ رائحةٍ ... ولا بأحسنَ منها إذْ دنا الأُصُلُ)
قوله: يضاحك الشمس، معناه: يدور معها، ومضاحكته إيّاها حُسْنٌ له ونضرة. والكوكب: معظم النبات، والشِرق: الريّان، الممتلىء ماءً، والمؤزّر: الذي قد صار النبات كالإِزار له، والعميم: النباتُ الكثيرُ الحَسَنُ، وهو أكثر من
__________
(71) المثنى 30.
(72) ديوانه 519.
(73) ك: في الأرض بأرض السهل.
(74) اللسان (كهل) .
(75) كتاب فيه ذكر شيء من الحلى للقزاز 6.
(76) ديوانه 43. والبيت الثالث ساقط من ك.(2/257)
210 - / ب الجميم. والمكتهل: / التامُّ الحَسَنُ، ويقال خَلْقُ فلانٍ عَمَمٌ، أي: حَسَنٌ. قال الشاعر:
(زَيَّنَها أهلُها وفنَّقَها ... حُسْنُ غِذاءٍ فخَلْقُها عَمَمُ) (77)
وقال الآخر في الكهل:
(هل كهلُ خمسينَ إنْ شاقَتْهُ مَنْزِلَةٌ ... مُسَفَّةٌ رأيُهُ فيها ومَسْبوبُ (78)
وقال النبي لرجل أراد الجهاد معه: (هل في أَهِلكَ من كاهِلٍ) (79) ، ويروى: مَنْ كاهَلَ. ويقال: رجل كَهْل، وامرأة كَهْلة. قال الشاعر:
(ولا أعودُ بعدها كَرِيَّا ... )
(أُمارِسُ الكَهْلَةَ والصّبِيّا ... ) (80)
751 - وقولهم: غُرٌّ مُحَجَّلةٌ
(81) (271)
قال أبو بكر: الأَغَرُّ من الخيل: الأبيض موضع الجبهة. فإن صَغُرَت الغُرَّة فهي قُرحة، وإنْ استطالت فهي شِمراخ، وإن انتشرت فهي غرة شادخة (82) .
قال الشاعر:
(سائلٍ شِمْراخُهُ ذى جببٍ ... سَلِطِ السُّنْبُكِ في رُسْغٍ عَجِرْ) (83)
ويقال: فرس شادخُ الغُرَّة. قال الشاعر (84) :
(شَدَخَتْ غُرَّةُ السوابِقِ فيهم ... في وجوهٍ إلى اللَّمامِ الجعادِ)
__________
(77) لم أقف عليه. وقد سلف 1 / 286 وفتقها: نعمها.
(78) بلا عزو في اللسان (كهل) .
(79) النهاية 4 / 213.
(80) بلا عزو في الغريب المصنف 68 واللسان (كهل) .
(81) الخيل لأبي عبيدة 108 - 109.
(82) وهو نص كلام الأصمعي في كتابه الخيل 377.
(83) المرار العدوي في الخيل لأبي عبيدة 109. وهو من قصيدة في المفضليات 83. وفي الأصل: ذي رسغ. وما أثبتناه من ك.
(84) يزيد بن المفرغ. ديوانه 6 {سلوم) 11 {أبو صالح) . و (الى) هنا بمعنى (مع) . (ينظر: تأويل مشكل القرآن 571) .(2/258)
والمُحَجَّل (85) : الأبيض موضع الخلخال، يقال للخلخال: حَجْل. أنشد الفراء:
(مُبَتَّلَةٌ هيفاءُ إيما وشاحُها ... فيجري وإيما الحِجُل منها فلا يجري) (86)
" إيما " معناها " إمّا " في لغة بعض العرب.
فإذا كان البياض في ثلاث، ولم يكن في واحدة، قيل: هو مُحَجَّل ثلاثٍ، مُطْلَقُ واحدة.
فإذا كان البياض في يده ورجله التي من شِقِّها قيل: به شِكال.
وإذا كان البياض في رجله من شقه الأيمن، ويده من شِقِّه الأيسر، قيل: به شِكالٌ مُخالِفٌ (87) .
حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: (قيل: يا رسول الله، ألا تعرفُ أُمَّتَكَ يومَ القيامةِ؟ فقال: أرأيت لو كان لرجلٍ خيلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ في خيلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ، ألا يعرفُ خيلَهُ؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فإنّهم يأتون يوم القيامة غُرّاً مُحَجَّلِينَ من الوضوء) (88) فالدهم: السود، والبهم: التي لا يخالط (272) سوادها لون آخر، يقال: أسود بهيم، وكُميت بهيم، وأشقر بهيم. قال أمية بن أبي الصلت (89) :
(/ زارني مَوْهِناً وقد نامَ صحبي ... وسجى الليلُ بالظلامِ البهيمِ) 211 / أ
ويقال: أمرٌ أَغَرُّ مُحَجّلٌ: إذا كان واضحاً بيِّناً. قال الجعدي (90) :
(ألا حيَّيا ليلى وقولا لها هَلا ... فقد رَكبَتْ امراً أَغَرَّ مُحَجَّلا)
__________
(85) الخيل للأصمعي 378.
(86) لم أقف عليه.
(87) الخيل للأصمعي 378 وكلامه هو هو.
(88) صحيح مسلم 218.
(89) ديوانه 488 وقد سلف 1 / 438. والموهن: نحو من نصف الليل. وسجى. سكن.
(90) ديوانه 123.(2/259)
752 - وقولهم: أَسْرَعُ من نكاح أمَّ خارجة
(91)
قال أبو بكر: حدثني أبي قال: حدثنا أبو بكر العبدي وأحمد بن عبيد قالا: حدثنا ابن الأعرابي عن المُفَضَّل (92) قال:
كانت أم خارجة بنت سعد بن قُداد بن ثعلبة بن معاوية بن زيد " بن الغوث " بن أنمار البَجَليّة، وهي أم عُدُس، عند رجل من إياد، وكان أبا عُذْرها. وكانت من أجمل أهل زمانها، فخلعها منه دعج (93) بن عبد بن سعد بن قداد. وهو ابن أخيها، فخلف عليها عمرو بن تميم، فولدت له أُسَيْد بن عمرو ابن تميم، والعنبر، والهُجَيْم، والقُلَيْب، بني عمرو.
ثم خلف عليها بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس ابن مضر، فولدت له الليث بن بكر، والحارث بن بكر، والدئل بن بكر. ثم خلف عليها مالك بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة، فولدت له غاضرة بن مالك، وعمرو بن مالك. (273)
وولدت في قبائل من قبائل العرب. وكان الرجل يأتيها فيقول: خِطْبٌ، فتقول: نِكْحٌ. فضُرب بها المثل فقيل: أسرعُ من نِكاحِ أُمِّ خارِجة.
وزعموا أن ابنها كان يسوق بها ذات يوم، فرُفِعَ لهما راكب فقالت: مَنْ تراه؟ قال: أظنه خاطباً، فقالت: يا بني، أتظنُّه يعجلُنا أنْ نَحُلَّ. فذهب قولها مَثَلاً.
__________
(91) الفاخر 60، الدرة الفاخرة 224.
(92) أمثال العرب 11.
(93) في الأصل وسائر النسخ. دعد. وما أثبتناه من أمثال العرب للضبي.(2/260)
753 - وقولهم: قد بَذَلْتُ مُهْجَتي
(94)
قال أبو بكر: معناه: قد بذلت نفسي، وخالصَ ما أقدر عليه.
قال أبو بكر: قال أبي - رحمه الله - قال لي أحمد بن عبيد: المهجة: خالص الشيء. من قول العرب: لبن ماهجٌ، وأُمْهُجان: إذا كان خالصاً لا يشوبه غشٌّ. وأنشد لجندل (95) :
(وَعَرّضُوا المجلسَ مَحْضاً ماهِجا ... )
وأخبرني أبي _ رحمه الله - عن الطوسي عن أبي عبيد قال: يقال: لبنٌ أُمْهُجان: إذا كان رقيقاً، غير متغيِّر الطعم. أنشد الفراء:
(عجبتُ لقومي إذ يبيعون مُهجتي ... بجاريةٍ بَهْراً لهم بعدها بَهْرا) (96)
754 - وقولهم: قد حَرَّضْتُ فلاناً
(97)
قال أبو بكر: معناه: قد أغريتُه، وأفسدتُ قلبه. وهو مأخوذ من " الحرض " / والحرض، والحارض: الفاسد في جسمه وعقله. قال الله تعالى: 211 / ب / 274 {حتى تكونَ حَرَضاً أو تكونَ من الهالكين} (98) ، فقال (99) الفراء: (100) : الحارض: الفاسد الجسم والعقل، وكذلك: الحرض، إلا أن " الحارض " يُثنى ويُجمع، و " الحرض " لا يُثنى ولا يُجمع، لأن مجراه مجرى المصادر.
وقال الفراء: يقال: قد حَرَض الرجل فهو حارِضٌ، وما كان حرَضاً، ولقد حرَّضْتُهُ، وأحْرَضْتُهُ على الشيء.
__________
(94) اللسان (مهج) .
(95) اللسان (مهج) بلا عزو.
(96) لابن ميادة، شعره: وفيه: فبهرا لقومي بغانية.
(97) اللسان (حرض) .
(98) يوسف 85.
(99) ك: قال.
(100) معاني القرآن: 2 / 54.(2/261)
قال أبو عبيدة (101) : الحرض: الذي قد أذابه الحزنُ. وأنشد للعرجي (102) :
(إني امرؤ لَجَّ بي حبُّ فأحرضني ... حتى بَلِيتُ وحتى شفَّني السَّقَمُ)
وسُئل ابن عباس (103) عن تفسير " الحرض " فقال: هو مَرَضٌ دون الموت. وأنشد:
(أمِن ذكر ليلى أنْ نأت غُربةٌ بها ... كأنَّكَ حَمٌّ للأطباءِ مُحْرَضُ) (104) وينشد في الحرض أيضاً:
(سرى همِّي فأمرضني ... وقدماً زادني حرضا)
(كذاكَ الحبُّ قبلَ اليومِ ... مما يُورثُ المَرَضا) (105)
وينشد فيه أيضاً:
(يُميلونَ أطرافَ القنا بنحورِهِم ... إذا مَعْشَرٌ من خَشْيَةِ الموتِ حرَّضوا) (106)
ويروى عن أنس بن مالك (107) أنه قرأ: {حتى تكونَ حُرُضاً} ، وقال: (275) المعنى: [حتى تكون مثل عود الأُشنان.
وقال الفراء (108) : الحرض] عند العرب: الأُشْنان: وقال: نحن بالكوفة نسمي سوق أصحاب الأُشْنان: الحَرّاضة. وقال عَدِي بن زيد (109) :
(مثل نارِ الحَرَّاضِ يجلو ذُرى المُزْنِ ... لمَنْ شامَهُ إذا يستطيرُ)
فالحرّاض: الذي يحرق الأُشنان ليصير قلْياً. قال الفراء: الحرّاض الذي يوقد على الجِصّ، وأنكر هذا التفسير. ويقال للأشنان أيضاً: الحراض. قال الفضل بن العباس بن عُتبة بن أبي لهب:
__________
(101) مجاز القرآن 1 / 316.
(102) ديوانه 5. وينظر المذكر والمؤنث 327.
(103) سؤالات نافع 40.
(104) بلا عزو في اللسان (حرض) .
(105) بلا عزو أيضاً في المذكر والمؤنث 236، وتفسير القرطبي 9 / 250.
(106) لم أقف عليه.
(107) الشواذ 65 ونسب هذه القراءة إلى الحسن.
(108) لم أقف على قوله الفراء. وينظر: المعرب 72.
(109) ديوانه 85. وشامه: نظر إليه.(2/262)
(كوقفِ العاجِ تصفقه خريق ... كما نَخَلتْ مغربلةٌ حراضا) (110)
تصفقه: تحركه. والخريق: الريح (111) . ويقال للتي تسميها العامة " أشناندانة ": مِحْرَضَة، وهو مأخوذ من لفظ " الحُرُض "
ويروى بيت الفضل بن العباس:
(...... ...... .... ...... ...... ...... ...... .. رحاضا)
بتقديم الراء على الحاء. فالرحاض عل هذا من قولهم: رَحَضْتُ الثوب: إذا غسلته (112) . وسمي الأشنان بذلك، لأنه تُغْسَلُ به اليد وغيرها.
755 - / وقولهم: ليلة المُزْدَلِفَة
(113) 212 / أ
قال أبو بكر: قال أبو العباس: سميت المزدلفة مزدلفة، لأنها منزلة وقُربة (114) . قال الله عز وجل: {فلمّا رأوه زُلْفَةً} (115) ، أراد: فلما رأوا العذاب (276) قُربة. قال العجاج (116) :
(طَيَّ الليالي زُلَفاً فزُلَفا ... )
(سَماوةَ الهلالِ حتى احقَوْقَفَا ... )
وقال ابن جُرمُوز (117) :
(أتيتُ عليّاً برأسِ الزُّبَيْرِ ... أبغي لَدَيْه به الزُلْفَهْ)
(فبَشَّر بالنارِ قبلَ العيانِ ... وبئست بشارة ذي التُحْفه)
__________
(110) معجم البلدان 3 / 241 مع خلاف في الرواية.
(111) الخريق: ريح باردة شديدة تخرق الثوب. وذكر ابن سيده في المخصص 9 / 87 أنها اللينة أيضاً فهي من الأضداد. ولم أجدها في كتب الأضداد الثمانيه المطبوعة.
(112) اللسان (حرض) .
(113) اللسان (زلف) .
(114) وهو قول أبي عبيدة في المجاز 1 / 300.
(115) الملك 27.
(116) ديوانه 496. وسماوة الهلال: أعلاه، واحقوقف: اعوج.
(117) التقفيه 595، الأوائل 1 / 307. وعمرو بن جرموز المجاشعي قاتل الزبير بن العوام. (كتاب الفتوح (2 / 312 - 314) .(2/263)
وقال الله تعالى: {أَقِمِ الصلاةَ طَرَفَي النهارِ وزُلَفاً من الليل} (118) ، أراد بطرفي النهار: الظهر والعصر، وزلفاً من الليل: أراد بها: المغرب والعشاء والفجر. فسمى هؤلاء الصلوات: زُلَفاً، لأنّ كُلَّ صلاة منهن في منزلة، وهي قُربة ونجاة. قال الله عز وجل: {وأزْلَفْنا ثَمَّ الآخرينَ} (119) ، أراد: وقرَّبْنا، أي: قربناهم من الهلاك.
أخبرنا (120) محمد بن عيسى الهاشمي قال: حدثنا القُطَعي (121) قال: حدثنا عبد الملك بن دُرست، قال: حدثنا محمد بن عمر الرومي (122) عن محمد بن ثابت البناني عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن أبيه: أنه قرأ على ابن عباس، وقرأ ابن عباس علي أُبَيّ، فقرأ ابن عباس: {وأَزْلَفْنا ثَمَّ الاخرين} ، فقال له أُبَيّ: وأزلفنا، فيها هوادة، وأَزْلَقْنا بالقاف، هي أشدهما (123) . (277)
فكأنه - رحمه الله - ذهب إلى ان " أزلقنا " بمعنى " أهلكنا "، وأن " أزلفنا " لا يكون هذا المعنى واضحاً فيه.
وغيره يقول: " أزلفنا " مأخوذ من التقريب، إمّا إلى نجاءٍ، وإمّا إلى بلاءٍ.
ومن " الزلفة " قولهم: منزلةُ فلانٍ أزلفُ عندَ أخيهِ من منزلة غيره، أي: أقرب، وأشد تقدما. أنشدنا أبو العباس لبعض (124) الشعراء:
(اغتنمْ رَكعتين زُلفى إلى اللهِ ... إذا كنتَ فارِغاً مُستريحا)
(وإذا ما هممتَ بالخوضِ في الباطلِ ... فاجعلْ مكانَه تَسْبيحا)
(والتزامُ السكوتِ أفضل من نُطْقٍ ... وإنْ كنتَ بالمقالِ فصِيحا)
__________
(118) هود 115.
(119) الشعراء 64.
(120) ك: وأخبرني.
(121) محمد بن يحيى بن أبي حزم، ت 253 هـ. (تهذيب التهذيب 9 / 508) .
(122) راو للحديث. (تهذيب التهذيب 9 / 360)
(123) الشواذ 107. ونسب القراءة بالقاف إلى أبي وابن عباس.
(124) البيتان الأول والثاني للإمام علي، ديوانه 45.(2/264)
756 - وقولهم: تعالَ يا رجلُ
(125)
قال أبو بكر: قال الفراء: أصل " تعال ": " تفاعل " من " العلو "، أي: ارتفع. ثم أكثروا استعماله حتى جعلوه بمنزلة " أقبل " فصار الرجل يقول، وهو في الموضع المنخفض / للذي هو على المكان المرتفع: تعال، يريد: أقبل. 212 / ب
ويقال للرجلين: تعاليا، وللرجال: تعالَوْا، بفتح اللام، وللمرأة: تعالَيْ، بفتح اللام، وللمرأتين تعاليا، وللنسوة: تعالَيْن. وإذا قيل للرجل: تعال، فأراد أن يقول: لا أفعل، قال: لا أتعالى، على مثال: لا أتقاضى.
757 - وقولهم: مهما يكنْ من الأمرِ فإِنِّي فاعلٌ كذا وكذا
(126)
قال أبو بكر: اختلف الناس في تفسير " مهما " (127) ، فقال بعضهم: معنى " مَهْ ": كُفّ، ثم ابتدأ مُجَازياً ومشارِطاً فقال: ما يكن من الأمر فإني فاعل. فمَهْ (278) في قول هؤلاء منقطع من " ما ".
وقال آخرون: الأصل في: مهما يكن: ما يكن، فأرادوا أن يزيدوا على " ما " التي هي حرف الشرط " ما " للتوكيد، كما زادوا على " ان " ما، فقالوا: إمّا تزرني أَزْرك. قال الله عز ذكره: {فإمّا نَذْهَبَنّ بك} (128) ، فزاد " ما " للتوكيد. فثقل عليهم أن يقولوا: " ما ما "، مرتين، لاتفاق اللفظتين (129) ، وهم يتنكبون الجمع بين الحروف المتفقة الألفاظ، فأبدلوا من ألف " ما ": هاء (130) لتختلف اللفظتان، ويحسن الجمع بينهما، فقالوا: مهما.
وكذلك (مَهْمَنْ) : أصله: " من من "، فاستثقلوا الجمع بين لفظتين ت
__________
(125) اللسان (علا) .
(126) ينظر في (مهما) : الأوالي الشجرية 2 / 246. الجنى الداني 609 (قباوة) 550 (محسن) . المغني 367.
(127) من ل. وفي الأصل: في تفسيرهما. وفي ك: تفسيرها.
(128) الزخرف 41.
(129) ك: اللفظين.
(130) وهو قول الخليل في الكتاب 1 / 433.(2/265)
متفقتين، فأزالوا النون الأولى، وجعلوا الهاء في موضعها، وبدلاً منها. أنشد الفراء:
(أماوِيَّ مَهْمَنْ يستَمِعْ في صديقِهِ ... أقاويلَ هذا الناسِ ماوِيَّ يَنْدَمِ) (131)
أراد: مَنْ يستمعْ في صديقه. قال الله عز وجل: {مهما تأتِنا به من آيةٍ لتَسْحَرَنا بها} (132) . وقال زهير (133) :
(ومهما تكنْ عند امرىءٍ من خليقةٍ ... وإنْ خالَها تخفى على الناسِ تُعْلَمِ)
758 - وقولهم: هو ذا أَلْقَى فُلاناً
(134) (279)
قال أبو بكر: قال السجستاني (135) : [بعض] أهل الحجاز يقولون: هوذا، بفتح " الهاء " والواو. وهذا خطأ منه، لأن العلماء الموثوق بعلمهم اتفقوا على أن هذا من تحريف العامة وخطئها. والعرب إذا أرادت معنى: هوذا، قالوا: ها أنا ذا ألقى فلاناً. ويقول الاثنان: ها نحنُ ذان نلقاه. ويقول الرجال: ها نحن أولاء نلقاه. ويقال للمخاطب: ها أنتَ ذا تلقى فلانا، وللاثنين: ها أنتما ذان تلقيانه، وللجميع: ها أنتم أولاء تَلقَوْنَهُ، ويقال للغائب: هوذا بلقاه، وللاثنين: ها هما ذان يلقيانه. وللجميع: ها هم أولاء يَلْقَوْنَهُ. ويبنى التأنيث على التذكير. قال الشاعر: (136) :
__________
(131) بلا عزو في شرح القصائد السبع 45.
(132) الأعراف 132.
(133) ديوانه 32.
(134) المذكر والمؤنث لابن الأنباري 738 - 739 والتهذيب 6 / 399.
(135) قال في كتابه المذكر والمؤنث ق 200: (وحدثني أبو زيد أنه سمع من الأعراب من إذا قيل: أين فلانة؟ وهي حاضرة. قال: ها هو ذه. فأنكرته، وتعجبت، فرددته عليه مستفهماً. فقال: سمعته من أكثر من مائة نفس، وكان صدوقاً. وقال أيضا: سمعت من يفتح الهاء فيقول: ها هو ذه، فازددت تعجباً، وقد كنت أسمع أهل مكة كثيراً يقولون: ها هو ذا، فيفتحون الهاء والواو، وهم أفصح من أهل العراق على كل حال) .
(136) ربيع بن ضبيع الفزاري في نوادر أبي زيد 159 والمعمرون 9. وقد سلف الأول في 1 / 495.(2/266)
(ها أنذا آملُ الخلودَ وقد ... أدركَ عمري ومولدي حُجُرا)
(/ أبا امرىء القيس هل سَمِعْتَ به ... هيهاتَ هيهات طالَ ذا عُمُرا) 213 / أ
وقال الله عز وجل وهو أصدق قيلا: {ها أنتم أولاء تحبونهم} (137) ، أراد: هؤلاء أنتم، ففصل لذلك المعنى. وقال أمية بن أبي الصلت (138) :
(لَبَّيْكُما لَبَّيْكُما ... )
(هأنذا لَدَيْكُما ... )
وإنما يجعلونَ المكنّي بين " ها " و " ذا " إذا قربوا الخبر، فتأويل قول القائل: ها أنا ذا ألقى فلانا: قد قَرُبَ لقائي إياه.
759 - وقولهم: قتل فلانٌ فلاناً غِيلةً
(139)
قال أبو بكر: " الغيلة " معناها في كلام العرب: إيصال الشر إليه، والقتل، من حيثُ لا يعلم ولا يشعر.
قال أبو العباس: يقال: قد قتلته غيلة: إذا قتله من حيث لا يعلم، وقد فتك به: إذا قتله من حيث يراه، وهو غارٌّ غافِلٌ غير مستعد. ويقال: قد غال (280) فلانا كذا وكذا: إذا وصل إليه منه شر. قال الشمردل بن شريك اليربوعي (140) يرثي أخا أُبَيّاً:
فأصبح بيتُ الهجرِ قد حالَ دونَهُ ... وغال امرءاً ما كانَ تُخشَى غوائِلُه)
أي: وصل إليه الشر من حيث لا يعلم فيستعد. ويقال: قد اغتاله: إذا فعل به ذلك. قال الشاعر:
(وما زالتِ الكأسُ تَغْتالُنا ... وتذهبُ بالأوَّلِ الأَوَّلِ) (141)
__________
(137) آل عمران 119.
(138) أخل به ديوانه (طبعة دمشق) . وهو في شعره: 265 (طبعة بغداد) .
(139) اللسان (غيل) .
(140) شعره: 310.
(141) بلا عزو في الأضداد 163، والمذكر والمؤنث 412.(2/267)
أي: توصل (142) إلينا شرّاً، وتعد منا عقولَنا. وقال الله عز وجل: {لا فيها غَوْلٌ} (143) ، أراد بالغول: الشر، وذهاب العقل. وإنما سميت الغُول (144) التي تغول في الفلوات: غُولاً، لما توصله إلى الناس من الشر، ويقال إنما سميت: غولاً، لتلونها واختلاف أحوالها، يقال: قد تغوَّلَتْ بالقوم الأرض: إذا أرَتْهُمُ بصُوَر مختلفة. قال الكميت (145) يذكر الإِبل:
(شُعْثٌ مداليجُ قد تغوَّلَتِ الأرضُ
بهم فالقِفافُ فالكُثُبُ)
وقال الآخر (146) :
(هي الغُول والسعلاة حلقيَ منهما ... مُخَدَّشُ ما فوقَ التراقي مُكَدَّحُ)
760 - وقولهم: قد حَلِمَ الأديمُ
(147) (281)
قال أبو بكر: معناه: قد تثقَّب (148) وفَسَدَ، فما يستقيم أن يُدبغ. ويُضرب هذا مَثَلاً عند ذهاب الأمر وفساده وانتشاره.
حدثني أبي قال: حدثنا أبو بكر العبدي وأحمد بن عبيد قالا: حدثنا ابن الأعرابي عن المُفَضَّل (149) قال:
سابَّ خالد بن معاوية بن سنان بن جَحْوان بن عوف بن كعب بن عبشمس 213 / ب ابن سعد = رجلاً من بني / عَثْم (150) ، وهو من بني جشم بن سعد بن زيد مناة، عند النعمان بن المنذر، فقال خالد يرجز بهم:
__________
(142) ك: يوصل.
(143) الصافات: 47.
(144) ينظر: الحيوان 6 / 158، حياة الحيوان 2 / 130.
(145) الهاشميات 66. والقفاف ما ارتفع من الأرض.
(146) جران العود، ديوانه 4 وروايته: ما بين التراقي مجرّح.
(147) جمهرة الأمثال 1 / 420، فصل المقال 180.
(148) ك: تنقب.
(149) أمثال العرب 12 وفيه جميع الأرجاز.
(150) من ل، وهو مطابق لرواية المثل. وفي الأصل: عنم، وفي ك: غنم.(2/268)
(دوموا بني عَثْمِ ولن تدوموا ... )
(لنا ولا سيِّدُكُمْ مدحوم ... )
المدحوم: المدفوع، يقال: دحمه: إذا دفعه، والمعنى: ولا سيدكم مدحوم يدوم لنا.
(إنّا سَراةٌ وَسْطَنا قُرومُ ... )
(قد عَلِمَتْ أحسابَنا تميمُ ... )
(في الحربِ حينَ حَلِمَ الأديمُ ... )
فصار قوله: حَلِمَ الأديمُ، مَثَلاً. وقال خالد يرجز بهم:
(إنّ لنا بآل عَثْمٍ عِلْما ... )
(أستاه آمٍ يَعْترين لحْما ... )
(أفواه أفراسٍ أكلنَ هَشْما ... )
يخبر أنهن يتبذَّلْنَ، ولا يَصُنَّ أنفسَهُنَّ، وأنهنّ فواجرُ قَذرَةٌ فروجهُنَّ. وقوله: أكلن هشما، معناه: هن (151) بُخْرٌ.
(إذا لَقينا أنْفَحِيّا وَخْما ... )
(منهم طويلاً في السماءِ ضَخْما ... )
(لا يحتر النازل إلاّ لَطْما ... )
أنفحياً. عظيماً سميناً. وقال الفراء: أنفحيا. بالحاء، أُمُّهُ نفحة بنت الأضبط ابن قريع. قوله: لا يحتر، معناه: لا يعطي، والحتر: العطاء. فكأنه قال: يجعل قرى النازل لَطْمة.
(تركتُهُمْ خيرَ قُوَيسٍ سَهْما ... )
فصار قوله: تركتهم خير قويس سهما (152) ، مَثَلاً. (282)
قال ابن الأعرابي: معناه: تركتهم خير الأشرار، أي: لمّا هجوت الرؤساء
__________
(151) ك: هم.
(152) جمهرة المثال 1 / 420، والمستقصى 2 / 138.(2/269)
صاروا أَذِلّة، فكيف بغيرهم؟
وقال الفراء: معناه: استقاموا لي، وقد كان خالد عَقَر بِهِمْ. وقال الأصمعي: رجعوا إلى الحال الحسنة. وقال أحمد بن عبيد: معناه: لينتهم وأذللتهم.
وقال خالد يرجز بالمنذر بن فدكي عند النعمان بن المنذر، وكان المنذر بن فدكي سيد بن عثم:
(فأينَ عينا (153) المنذر بن فدكي ... )
(عينا فتاةٍ نُقِّطَتْ أمسِ هَدِي ... )
قوله: نقطت، معناه: زينت، والهدي: عروس تُهدى إلى زوجها. وقال أحمد بن عبيد: شبهه بالنساء لتخنيثه وأنه لارُجْلَةَ فيه.
قال المفضل (154) : ومع خالد أخوه، فاستعدى بنو عثم عليهم النعمان بن المنذر، فقال خالد للنعمان: أبيت اللعن، أنا أركب لهم وأخي ناقة، ونكتفل، ثم نتعرض لهم كما تعرضوا لنا، فإن استطاعوا فليعقروا بنا. فأعجب ذلك النعمان، وقال لهم: قد أعطاكم بحقكم. قالوا: قد رضينا. فقال النعمان: أما واللهِ لَتَجِدُنَّهُ أَلْوَى بَعِيدَ المُسْتَمَرّ، فأرسلها مَثَلاً.
والألوى: المانع ما عنده، والمستمر، قد استمر به عقله وحزمه. يضرب مثلاً 214 / أعند الرجل يكون / كذلك.
فاكتفل خالد وأخوه ناقتهما بكفل، وتأخر خالد إلى العَجُز، وجعل وجهه من قبل الذنب، وتقدم أخوه إلى الكثف، وجعل كل واحد منهما يذب بسيفه مما يليه، فلم يخلصوا إلى أن يعقروا بهما.
فجاء خالد إلى النعمان، فقال له: أبيت اللعن، قد أعطيتهم بحقهم (283) فعجزوا عنه، فأقبل النعمان على جلسائه وقال: أترون قومه كانوا يبيعونه (155) بأبلخَ
__________
(153) ك: عين.
(154) أمثال العرب 12.
(155) في أمثال العرب: يتبعونه.(2/270)
جهول، فأرسلها مَثَلاً.
والأبلخ: المتكبر. ويضرب هذا عند المتكبر في نفسه، ولا يعرف الناس له ذاك، ولا قدر له عندهم.
قال أبو بكر: " وآمٍ " جمع " أَمَة ". أنشدنا أبو العباس:
(يا صاحِبَيَّ ألا لا حَيَّ بالوادي ... إلاّ عبيدٌ وآمٍ بَيْنَ أذوادِ)
(أتنظُرانِ قليلاً ريثَ غفْلَتِهِم ... أو تعدوانِ فإنّ الريحَ للعادِي) (156)
761 - وقولهم: قد تَكَفَّلْتُ بالشيء
(157)
قال أبو بكر: معناه: قد ألزمته نفسي، وأَزَلْتُ عنه الضَيْعَةَ والذهاب. وهو مأخوذ من " الكِفْل "، و " الكِفْل ": ما يحفظ الراكب من خلفِهِ.
أخبرني أبي - رحمه الله - عن الطوسي عن أبي عبيد قال: الكفل يجعل على ظهر البعير، ليمنع الراكب من السقوط والوقوع.
وإنما سمي الحظ كفلاً لمنفعته. قال الله عز وجل: {يؤتكم كِفلينِ من رحمتِهِ} (158) ، أراد: حظَّين. ونصيبين. وقال في غير هذا الموضع {مَنْ يَشْفَعْ شفاعةً حسنةً يكنْ له نصيب منها ومَنْ يَشْفَعْ شفاعة سيئةً يكنْ له كِفْلٌ منها} (159) ، أراد بالكِفل: الحظّ، لأنه يمنع من غضب الله، كما يمنع كفل البعير الراكب من السقوط.
ويقال: رجل كِفْل: إذا كان لا يثبت على الخيل، وليس هو من الأول. ويقال: رجال أكفال: إذا كانوا كذلك. قال جرير (160) :
__________
(156) للسليك بن السلكة في اللسان (أما) . وينظر شرح القصائد السبع 222.
(157) التهذيب 10 / 250، واللسان (كفل) .
(158) الحديد 28.
(159) النساء 85.
(160) ديوانه 59 وفيه: ميلا إذا..(2/271)
(284)
(ما كنتَ تلقى في الحروب فوارسي ... عُزلاً إذا ركبوا ولا أكفالا)
العزل: الذين لا سلاحَ معهم.
762 - وقولهم: رجل حَلَقيٌّ
(161)
قال أبو بكر: أخبرني أبي - رحمه الله - عن أحمد بن عبيد قال: الحلقي الذي في ذكره فساد لا يصل من أجله إلى أنْ ينكحَ، لكنه يُنْكحُ هو. وقال: هو مأخوذ من قول العرب: قد حَلقَ الحمار يَحْلَقُ حَلَقاً: إذا أصابه داء في قضيبه، فربما خصي فبرأ، وربما مات. 214 / ب
/ وأنشدني أبي - رحمه الله - عن الطوسي عن أبي عبيد:
(خَصَيْتُكَ يا ابن حَمْزَةَ بالقوافي ... كما يُخصى من الحَلَق الحمارُ) (162)
763 - وقولهم: أَنْجَزَ حُرٌّ ما وَعَدَ
(163)
قال أبو بكر: ظاهره ظاهر الإِخبار بالمضي، ومعناه معنى الأمر بالاستقبال. أي: لينجز الحر ما وعده.
وأخبرني أبي - رحمه الله - قال: حدثنا أبو بكر العبدي وأحمد بن عبيد قالا: حدثنا ابن الأعرابي عن المُفضّل (164) قال:
كان مرباع بني حنظلة في الجاهلية، في زمن صخر بن نهشل بن دارم، لصخر بن نهشل بن دارم، فقال له الحارث بن عمرو بن آكل المُرار: هل لك أنْ أَدُلّك يا صخر على غنيمة، على أنَّ لي خُمْسها؟ قال: نعم. فدله على ناس من أهل (285) اليمن. فأغار عليهم صخر بقومه، فظفر، وغنم، وملأ يديه وأيدي أصحابه من
__________
(161) اللسان (حلق) .
(162) بلا عزو في اللسان (حلق) .
(163) الفاخر 61، جمهرة المثال 1 / 30.
(164) أمثال العرب 17.(2/272)
الغنائم. فقال له الحارث: أنجز حرٌّ ما وَعَد، أي: لينجز الحر ما وعد. فأرسلها مثلاً.
ويضرب هذا القول مثلاً عند المطالبة بانجاز الموعود والوفاء به.
فأراد صخر قومه على أن يعطوه ما جعل للحارث، فأبَوْا ذلك عليه. وكان طريقهم ثَنِيَّة (165) متضايقة، يقال لها: شَجَعَات، فلما دنا القوم منها، سار إليها صخر، حتى وقف على رأسها، وقال: أَزَمَتْ (166) شَجَعِات بما فيهن، لا يجوزنَّ أحدٌ بذمةِ صخرٍ. فقال الحُمَّرَة بن جعفر بن ثعلبة بن يربوع: والله لا نعطيه من غنيمتنا شيئاً، ومضى في الثنية، فحمل عليه صخر فقتله. فلما رأى ذلك الجيش، أعطوه جميعاً الخمس. ففي ذلك يقول نَهْشَل بن حَرِّيّ (167) بن جابر بن ضمرة بن قطن بن نهشل بن دارم:
(ونحنُ مَنَعْنا الجيشَ أن يتأوَّبوا ... على شَجَعاتٍ والجِيادُ بنا تجري)
(حبسناهُمُ حتى أَقَرُّوا بحُكمِنا ... وأُدِّيَ أنفالُ الخميسِ إلى صخرِ)
764 - وقولهم: لو تُرِكَ القطا لنامَ
(168)
قال أبو بكر: يضرب (169) مثلاً عند الرجل يؤمر بترك ما لا يصل إلى تركه، مما هو مؤذ له.
وأول من قاله عِلْباء بن الحارث، أحد بني كاهل. وذلك أن الحارث بن عمرو الملك، جد امرىء القيس، كان فرق ولده في قبائل من العرب، وملكهم (286) عليهم. فكان حجر أبو امرىء القيس في بني أسد وغطفان. وكان شرحبيل، وهو
__________
(165) التثنية في الجبل كالعقبة فيه.
(166) أزمت: ضاقت.
(167) شعره: 120. ونهشل، مخضرم، صحب الإمام علياً في حروبه وبقي إلى أيام معاوية. (طبقات ابن سلام 583، الإصابة 6 / 501) .
(168) الفاخر 145، فصل المقال 384، ويلاحظ أن ابن الأنباري قد تفرد بهذه الرواية وهي تختلف عما ورد في كتب الأمثال. وقد حكى الخبر بمثل ما هنا في شرح القصائد السبع أيضاً 4 وما بعدها.
(169) ك: يضرب هذا.(2/273)
عم امرىء القيس، وهو قتيل الكلاب الأول، في بني بكر بن وائل، وفي بني 215 / أحنظلة بن مالك بن زيد مناة (170) بن عمرو بن / تميم، وفي بني أسيد بن عمرو بن تميم، وفي طوائف من بني عمرو بن تميم (171) . وكان معدي كرب، وهو غلفاء، وإنما سمي: غلفاء، لأنه كان يغلِفُ رأسه، في بني ثعلبة، والنمر بن قاسط، وسعد بن زيد مناة، وطوائف من بني دارم بن حنظلة والصنائع، وهم بنو رُقْبة، قوم كانوا يكونون من شُذّان العرب، وشُذان: ما تفرق. وعبد الله على عبد القيس، وسلمة بن قيس.
فلما هلك الحارث، أو قُتِل، وقد اختُلِفَ في ذلك، تفرَّق أمرُ ولدِهِ، وتشتت، واختلفت (172) كلمتهم، ومشت الرجال بينهم، وعدت بنو أسد على حجر بن الحارث فقتلوه. وكان ابنه امرؤ القيس غائباً عنه، وإنما كان يكون في مواليه وحشمه.
وذكر ابن الكلبي: أنه قاتلهم بمن معه، فلما كثروا عليه، ورأى أنهم (173) غلبوه بالكثرة، قال: أما إذ كان هذا من أمركم، فإني مرتحل عنكم، ومخليكم وشأنكم. فوادعوه على ذلك. ومال حجر مع قيس بن خدان أحد بني ثعلبة، فأدركه علباء بن الحارث، أحد بني كاهل، فقال: يا خالد، اقتل صاحبك لا يفلت، فيعرك وإيانا بشر، فجعل خالد يمتنع، ومر (174) علباء بقِصْدَة (175) رمح (287) مكسورة، فأخذها فطعن بها خاصرة حجر، وهو غافل. فقتله ففي ذلك يقول الأسدي (176) :
(وقِصْدَةَ علباء بن قيس بن كاهل ... منيَّة حُجر في جوار ابن خدّانا)
__________
(170) ك: زيد بن مناة.
(171) (وفي بني أسد ... تميم) ساقط من ك بسبب انتقال النظر.
(172) ك: واختلف.
(173) ساقطة من ك.
(174) ك، ل: ويمر.
(175) ك: يقصده.
(176) شرح القصائد السبع 5 في حكايته للخبر.(2/274)
فتفرق الناس، وأقبل امرؤ القيس في جموع من اليمن إلى بني أسد، وتقصد لعلباء ولا يعلم الناس به.
فلما كانت الليلة التي يصبحهم فيها، بادر أن يخبروا، فسار مسرعاً، فجعل القطا ينفر من مواضعه، فيمر على علباء، وكان منكراً، فجعلت ابنته تقول: ما رأيت كالليلة ذات قطاً، فيقول لها علباء: لو تُرِكَ القطا لنامَ. فأرسلها مَثَلاً. ثم قال: ارتحلوا، فارتحلوا. وصبَحهم امرؤ القيس، فألفى بني كنانة في ديارهم، فأوقع بهم، وهو يظن أنهم بنو أسد. فلما عرفهم، كفّ عنهم، وقد قتل منهم جماعة. وقال في ذلك (177) :
(ألا يا لهفَ نفسي إثْرَ قومٍ ... هُمُ كانوا الشِّفاءَ فلم يُصابوا)
(وقاهُمْ جَدُّهُم ببني أَبِيِهم ... وبالأَشْقِيْنَ ما كانَ العِقابُ)
(وأَفْلَتَهُنَّ علباءٌ جَريضاً ... ولو أّدْرَكْنَهُ صَفِرَ الوِطابُ) (178)
ثم مضى إلى اليمن مُسْتَمدّاً، وأقبل بجموع من اليمن وربيعة وأنشأ يقول (179) :
(يا لهفَ نفسيِ إذ خَطِئْنَ كاهِلا ... )
(القاتلينَ الملكَ الحُلاحِلا ... )
(تالله لا يذهبُ شيخي باطِلا ... )
(يا خير شيخٍ حسباً ونائِلا ... )
(/ وخيرَهم قد عَلِموا شمائِلا ... ) 215 / ب
(يحملننا والأسلَ النواهِلا ... )
(نحنُ جلبنا القُرَّحَ القوافِلا ... )
(مستفرقاتٍ بالحَصَى جوافِلا ... ) (180) (288)
__________
(177) ديوانه 138. وفيه: يا لهف هند، وقد سلف الأولان في 1 / 112.
(178) الجريض: الذي يغص بريقه عند الموت. وصفر الوطاب: أي هلك فخلا جسمه من روحه.
(179) ديوانه 134 و 418 مع خلاف في ترتيب الأبيات. والرواية: يا لهف هند. والحلاحل: السيد الشريف.
(180) القرح القوافل: يعني الخيل المسنة الضامرة. ومستفرمات بالحصى: يعني أنها تسرع في السير فتقرع الحصى بحوافرها فيصير إلى فروجها. والجوافل: السراع.(2/275)
(تستَنفِرُ الأواخِرُ الأوائلا ... )
(حتى أُبِيرَ مالِكاً وكاهِلا ... ) (181)
فأغار على بني أسد، فقتل في بطون منهم مقتلة عظيمة، وقتل علباءَ وأهلَ بيته، وألبسهم الدروع والبيض محماة، وكحل أعينهم بالناء، وقال في ذلك (182) :
(يا دارَ سلمى دارِساً نُؤْيُها ... بالرملِ فالخَبْتَيْنِ من عاقِلِ)
(صمَّ صَداها وعفا رَسْمُها ... واستعجَمَتْ عن منطِقِ السائِلِ)
(قولوا لبوصان عبيدِ العصا ... ما غرَّكم بالأسد الباسِلِ)
(قد قَرَّتِ العينان من مالِكٍ ... طُرّاً ومن عمروٍ ومن كاهِلِ)
(ومن بني غَنْم بن دودانَ إذْ ... يُقْذَفُ أعلاهم على السافِلِ)
(حتى تركناهم لدى مَعْرَكٍ ... أرجلهم كالخَشَب (183) الشائِلِ)
(جئنا بها شهباءَ ملمومةً ... مثلَ بشام القُلَّةِ الحافِلِ) (184)
(فهُنَّ أرسالٌ كمثلِ الدَّبَى ... أو كقَطَا كاظِمةَ الناهِلِ)
(نطعنهم سُلْكَى ومَخْلُوجَةً ... كَرَّكَ لأمَيْنِ على نابلِ) (186)
(حَلَّتْ لي الخمر وكنتُ امرأ ... عن شربها في شُغُلٍ شاغِلِ)
(فاليومَ فاشربْ غير مستحقبٍ ... إثْماً من اللهِ ولا واغِلِ) (187)
__________
(181) في الديوان: تستثفر. وأبير: أهلك. ومالك وكاهل: من بني أسد.
(182) توزعت هذه الأبيات في قصيدتين من ديوانه، القصيدة (16) في ص 119 - 121، والقصيدة (55) في ص 255 - 258.
(183) ك: كالنشب.
(184) في الديوان: الجافل، وهي رواية أخرى. والبشام: شجر. والحافل: الكثير.
(185) في الديوان: كرجل الدبى: والدبى: القطعة من الجراد. وكاظمة: موضع.
(186) سلكى: أي طعنة مستقيمة. والمخلوجة: يمنة ويسرة. واللأمان: سهمان.
(187) مستحقب: مكتسب. والواغل: الداخل على القوم يشربون ولم يُدع.(2/276)
765 - وقولهم: ماءٌ ولا كَصدّاءَ
(188) (289)
قال أبو بكر: يضرب مثلاً عند الرجل يراد بهذا القول له: أن فيك لمقنعاً، ولست كفلان.
وأخبرني أبي - رحمه الله - قال: حدثنا أبو بكر العبدي وأحمد بن عبيد قالا: حدثنا ابن الأعرابي عن المُفضَّل (189) قال:
رأى زُرارة بن عُدُس بن زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك بن حنظلة ابنه لقيط بن زرارة يوماً مختالاً، فقال: والله إنك لتختال كأنَّك أصبتَ ابنةَ قيس بن خالد ذي الجَدّيْن الشيباني، ومائةً من الإِبل، من هجائن المنذر بن ماء السماء. فقال لقيط: فإن لله علي أن لا يمس رأسي غُسْل، ولا أشرب خمراً، حتى أجيء بابنة قيس بن خالد، وبمائة من هجائن المنذر، أو أبلي في ذلك عذراً.
وسار حتى أتى قيساً، وكان سيد ربيعة وبيتهم، وكانت على قيس يمين، لا يخطب / إليه أحد علانية إلا أصابه بشر، وسمع به. فلما أتاه لقيط، وجده جالساً 216 / أمع أصحابه، فسلم عليه وعليهم، وخطب إليه ابنته، فقال له: من أنت؟ قال: أنا لقيط بنُ زرارة. قال: ما حملك على أن تخطب إلي علانية؟ قال: لأني قد علمت أني إن أعالنك لا أَشِنْك، وإن أناجك لا أخدعك. قال: كفءٌ كريمٌ، لا جَرَمَ والله لا تبيت عندي عزباً، ولا محروماً. ثم أرسل إلى أم الجارية: إني قد زوجت لقيط بن زرارة القذور بنت قيس، فاصنعيها حتى يبيت بها. ففعلت، وساق عنه قيس، وابتنى لقيط بها، وأقام فيهم ما شاء الله أن يقيم.
ثم احتمل بأهله إلى المنذر بن ماء السماء، فذكر له ما قال أبوه، فأعطاه مائة من هجائنه، فانصرف إلى أبيه بابنة قيس، وبمائةٍ من هجائن المنذر.
وزعموا أن لقيطاً لما أراد أن يرتحل بابنة قيس إلى أهله، قالت: آتي أبي، (290) فأسلم عليه، وأودعه، ويوصيني. ففعلت، وأوصاها فقال: أَيْ بُنَيَّة، كوني له أَمَةً
__________
(188) جمهرة الأمثال 2 / 241، فصل المقال 199.
(189) أمثال العرب 20 / 21.(2/277)
يكن لك عبداً، وليكن أطيب طيبك الماء، واعلمي أن زوجك فارس من فرسان مضر، وأنه يوشك أن يقتل أو يموت، فإذا كان ذلك، فلا تخمشي وجهك، ولا تحلقي شعرك. فحملها إلى أهله.
فلما أصيب، احتملت إلى أهلها وقالت: يا بني عبد الله، أوصيكم بالغرائب شراً، فوالله ما رأيت مثل لقيط، لم يُخمش عليه وجه، ولم يُحلق عليه رأس (190) ، ولولا أني غريبة لفعلت. فخمشت، وحلقت.
وتزوجها رجل من قومها، فجعل يسمعها تذكر لقيطاً، وتكثر، فقال لها: أيّ شيء رأيته من لقيط أحسن في عينك؟ قالت: خرج في يوم دَجْنٍ، وقد تطيَّب، وشرب، وصرع البقر، فأتاني وبه نَضْحُ الدماء والطيب، فضممتُهُ ضَمَّةً، وشممتُهُ شَمَّةً، فودِدْتُ أني كنت مِتُّ ثَمَّةَ. فما رأيت منظراً كان أحسن من لقيط يومئذ. فسكت؛ حتى إذا كان يوم دجن، تطيب، وشرب، وركب، وصرع البقر، وجاءها وبه نضح الدماء، والطيب، وريح الخمر، فضمته إليها. فقال لها: أنا أحسن أم لقيط؟ فقالت: ماءٌ ولا كَصَدَّاء. فأرسلتها مَثَلاً.
قال: و " صداء " بئر ليس في الأرض ماء أطيب من مائها. وهي مشهورة، وقد ذكرتها الشعراء في أشعارها، قال ضرار بن عتبة السعدي (191) :
(فإنِّي وتهيامي بزينبَ كالذي ... يخالسُ من أحواض صدّاء مَشْرَبا)
(يرى دونَ بَرْدِ الماءِ هولاً وذادةً ... إذا جاءَ صاحوا قبل أنْ يتحبَّبَا) 216 / ب /
/ قوله: قبل أن يتحببا، معناه: قبل ان يمتلىء، كما قال الآخر: (291)
(حتى إذا ما غَيْرُها تَحَبَّبَا ... ) (192)
قال أبو بكر: " الماء " يرتفع بإضمار هذا، ويجوز: ماءً ولا كصّداء، على معنى: أَرَى ماءً. قال جميل (193) :
__________
(190) ك: شعر.
(191) أمثال العرب 21.
(192) لم أقف عليه.
(193) أخل به شعره.(2/278)
(فبعثت جارتي فقلتُ لها اذهبي ... قولي مُحِبُّكِ هائماً مخبولا)
أراد: هذا محبك. وقال الآخر:
(أأنتَ الهلاليُّ الذي كنتَ مرةً ... سمِعْنا به والأَرْحَبِيُّ المُعَلَّفُ) (194)
أراد: وهذا الأرحبي.
وأما النصب، فأكثر ما يستعمل مع الاستفهام، كقولهم: أقائماً والناسُ قد قعدوا، أساكتاً والناسُ قد تكلّموا، على معنى: أراك ساكتاً، أتكون ساكتاً.
وقد سَمِعوا في غير الاستفهام: راكِبَها عَلِمَ اللهُ. حامِلَها عَلمَ اللهُ. على معنى: أراك راكبها.
و" الهجائن ": البيض، واحدها: هِجان، والهِجان أيضاً: الكريم. والعَزَب: الذي لا امرأة له، والأنثى: عَزَبة. ومن العرب من يقول: رجل أَعْزب، وهو قليل رديٌّ (195) . قال ذو الرمة (196) في اللغة العليا:
(تجلو البوارقُ عن مُجْرَمِّزِ لَهَقِ ... كأنَّهُ مُتَقَبِّي يَلْمَقٍ عَزَبُ)
وقال الآخر في اللغة الشاذة:
(أقبل في ثَوْبيَ معافريِّ ... )
(بينَ اختلاطِ الليل والعشيِّ ... )
(وبَصُرَتْ بأعزب بَهِيِّ ... )
(غِرٍّ جِنابيٍّ جميلِ الزِّيِّ ... )
__________
(184) نسب لى حميد في الصاحبي 233 وليس في ديوانه. وهو من غير نسبة في البحر 1 / 24، وقد سلف 2 / 10
(195) ك: ردى قليل.
(196) ديوانه 87. والبوارق السحابات. وعن مجرمز: عن ثور قد انقبض مما أصابه من المطر والبرد.
ولهق: أبيض. ومتقبي: لابس قباء. واليلمق: القباء المحشو وهو فارس معرب.
(197) لم أقف عليها.(2/279)
(292)
766 - وقولهم: فلانٌ ظنينٌ
(198)
قال أبو بكر: معناه: مُتَّهم. من قول العرب: ظننت الشيء: إذا اتهمته. ومن قولهم: قد سبقت إليه الظِنَّة. أي: التهمة. قال الشاعر:
(إنَّ الحماةَ أولِعَتْ بالكَنَّهْ ... )
(وأّبَت الكَنَّة إلاّ ظِنَّه ... ) (199)
وقال الطرمح (200) :
(فما للنوى لا بارك اللهُ في النوى ... وهَمٍّ لنا منها كهَمِّ المُراهِنِ)
(تُباعدُ مِنَّا مَنْ نُحِبُّ اجتماعَهُ ... وتجمعُ منّا بينَ أهل الظنائِن)
" الظنائن " جمع: الظنّة. ويكون " الظنين " أيضاً: الضعيف. وأصله: ظَنون، من قول العرب: وصلُ فلان ظَنونٌ: إذا كان ضعيفاً. وبئر ظَنون: إذا 217 / أكانت / لا يوثق بمائها. قال الشماخ (201) :
(كِلا يَوْمِيْ طُوالةَ وصلُ أروى ... ظنونٌ آن مطَّرَحُ الظّنونِ)
فصرُف عن " ظنون " إلى " ظنين ". كما قالوا: ماء " شروب " و " شريب "، للذي بين الملح والعذب، وناقة " طعوم " و " طعيم "، للتي بين الغَثَّة والسمينة. قال الشاعر في المعنى الأول:
(وأعصي كلَّ ذي قُربى لحاني ... بحُبِّكِ فهو عندي كالظنينِ) (202)
767 - وقولهم: هذا أحبُّ إليّ من حُمْرِ النَّعَم
(203)
قال أبو بكر: النَّعَم: الإِبل، وحمرها: كرامها، وأعلاها منزلة. و " النَّعم " في (293) قول بعضهم، لا يقع إلا على الإِبل، و " الأنعام " تقع على الإِبل والبقر والغنم. فإذا
__________
(198) الأضداد 14، اللسان (ظنن) .
(199) بلا عزو في أضداد أبي حاتم 78. وفي ك: إلا الظنه.
(200) ديوانه 474 وفيه: تفرق منا.
(201) ديوانه 319 وينظر الأضداد 206، والمذكر والمؤنث 494 - 495 وطوالة: موضع.
(202) بلا عزو في الأضداد 16.
(203) اللسان (نعم) .(2/280)
انفردت الإِبل قيل لها: نعمٌ، وأنعام. وإذا انفردت البقر والغنم لم يقل لها: نعم، ولا أنعام.
وقال آخرون (204) : " النَّعَم " و " الأنعام " بمعنى واحد. أنشدنا أبو العباس:
(أكلَّ عامٍ نَعَمٌ تحوونهُ ... )
(يُلْقحُهُ قومٌ وتنتجونه ... ) (205)
وقال الله عز وجل: {وإنَّ لكم في الأنعام لعبرةً نُسقيكم مما في بطونِهِ} (206) فذكر " الهاء "، لأنه حمل " الأنعام " على معنى " النَّعم "، كما قال الشاعر:
(بال سُهيلٌ في الفضيح فَفَسَدْ ... )
(وطاب ألبانُ اللقاحِ وبردْ ... )
أراد: وطاب لَبَن اللقاح. وقال الآخر (208) :
(فإنْ تعْهدي لامرىءٍ لِمَّةً ... فإنَّ الحوادثَ أزرى بها)
أراد: فإنَّ الحدثان أزرى بها. وقال الآخر:
(ألا إنَّ جيراني العشيّة رائح ... دعتْهُم دواعٍ من هوى ومنادحُ) (209)
وقال الآخر (210) :
(فميّةُ أحسنُ الثقليْن خدّاً ... وسالفة وأحسنُهُ قذالا)
أراد: أحسن شيء خداً، وأحسنه قذالاً.
__________
(204) قال ثابت في كتابه الفرق 100: (والنعم الإبل، وقد يكون النعم الخيل والغنم والبقر أيضاً) .
(205) لقيس بن حصين في المقاصد النحوية 1 / 530 والخزانة 1 / 197. وفي ك: يلحقه. وانظر المذكر والمؤنث 293.
(206) المؤمنون 21.
(207) هما مع آخرين قبلهما بلا عزو في معاني القرآن 1 / 129 و 2 / 108، والأول بلا عزو أيضاً في اللسان (فضخ) . والفضيح: عصير العنب.
(208) الأعشى، ديوانه 120، وفيه: فإن تعهديني ولي. والبيت من شواهد سيبويه 1 / 329. وينظر معاني القرآن 1 / 128، وشرح القصائد السبع 405، والخزانة 4 / 578.
(209) بلا عزو في معاني القرآن 1 / 130، وشرح القصائد السبع 306. ونسبه أبو زيد في النوادر 157 إلى حيان بن حلية المحاربي. والمنادح: المفاوز: والبيت ساقط من ك: و (منادح) ساقطة من ق.
(210) ذو الرمة، ديوانه 1521. والسالفة صفحة العنق. والقذال: أعلى كل شيء.(2/281)
768 - وقولهم: قد أَكَلَ عَصِيدَةً
(211) (294)
قال أبو بكر: قال اللغويون: إنما سميت العصيدة عصيدة، لأنها تُلْوَى وتُجْذَبُ. يقال: عصد (212) الرجل يعصد: إذا لوى عنقه، ومال للموت. قال ذو الرمة (213) : 217 / ب
(/ إذا الأروعُ المشبوبُ أضحى كأنَّهُ ... على الرَّحْلِ مما مَنَّه السيرُ عاصِدُ)
الأروع: الذي يروع جماله الناظرين، والمشبوب: البديع الجمال، ومنَّه: ذهب بمُنَّتِهِ. ويُروى:
(إذا الناشيء الغريد...... ...... ...... ...... .... .)
فالناشىء: أراد به الحَدَث الشاب، والغِرِّيد: الذي يُغَرِّد بغنائه، أي: يُطرب. قال عنترة (214) :
(وخلا الذبابُ بها فليسَ ببارحٍ ... غَرِداً كفِعْلِ الشارِبِ المُتَرَنِّمِ)
769 - وقولهم: هذا كَرْمُ فلانٍ
(215)
قال أبو بكر: إنما سمي الكَرْمُ كَرْماً، لأن الخمر المشروبة من عنبه تحثُّ على السخاء، وتأمر بمكارم الأخلاق. فاشتقوا لها اسماً من الكرم، أعني الكرم الذي يتولَّد منه، ولذلك نهى رسول الله عن أن يسمى كَرْماً.
أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد قال: حدثنا محمود بن غيلان (216)
__________
(211) اللسان (عصد) .
(212) ك: قد عصد.
(213) ديوانه 1112.
(214) ديوانه 197 وفيه افترى الذباب.. هزجا.
(215) اللسان (كرم) .
(216) محمود بن غيلان العدوى، ت 249 هـ وقيل 239 هـ. (تهذيب التهذيب 10 / 64، خلاصة تهذيب الكمال 3 / 14) .(2/282)
وهاشم بن الوليد (217) قالا: حدثنا النضر بن شميل عن عوف (218) عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال: [قال رسول الله] : (لا تسَمُّوا العنبَ الكَرْمَ، إنّما الكَرْمُ (295) الرجلُ المُسلِمُ) (219) .
وحدثنا علي بن محمد بن أبي الشوارب قال: حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب الحَجَبي (220) قال: حدثنا حماد بن زيد (221) عن أيوب (222) عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال: (لا تسموا العنب الكَرْمَ، إنّما الكَرْمُ قلبُ المؤمن) (223) .
قال أبو بكر: فكأنَّ رسول الله كره أن يسمى أصل الخمر باسم مأخوذ من الكرم، وجعل المؤمن أحق بهذا الاسم الحسن. قال الشاعر:
(...... ...... ...... ... والخمرُ مشتقةٌ من الكرمِ)
ولذلك سموا الخمر راحاً، لأن شاربها يرتاح للعطاء والبذل ذا شربها، أي يَخِفُّ وينشط. قال الشاعر (224) :
(ولَقِيتُ ما لَقِيتْ مَعَدٌّ كلُّها ... وفقدتُ راحي في الشباب وخالي)
ويقال (225) : في الرجل أَرْيَحِيّة، ورجل أَريحيٌّ: إذا كان سخياً سريعاً إلى العطاء والبذل. قال الشاعر: (296)
(شديد الأَسر يحملُ أَرْيَحِيّاً ... أخا ثقةٍ إذا الحدثان نابا) (226)
ويقال للكرم: الجَفْنَة (227) ، والجَبَلة (228) ، والزَّرَجون (229) . أنشدنا أبو العباس لأبي دهبل (230) :
__________
(217) من رواة الحديث. (الجرح والتعديل 4 / 2 / 106، تاريخ بغداد 4 / 66 - 67) .
(218) عوف بن أبي جميلة العبدي، ت 146 هـ. (تهذيب التهذيب 8 / 166، خلاصة تذهيب الكمال 2 / 308) .
(219) النهاية 4 / 167.
(220) توفي 228 هـ. (تهذيب التهذيب 5 / 304) .
(221) حماد بن زيد بن درهم الأزدي، ت 179 هـ. (مشاهير علماء الأمصار 157، تهذيب التهذيب 3 / 9) .
(222) أيوب بن أبي تميمة كيسان السختياني، ت 131 هـ. (مشاهير علماء الأمصار 150، تهذيب التهذيب 1 / 397) .
(223) لم أقف عليه.
[انظر المستدرك] .
(224) الجميح بن الطماح في اللسان (روح) . والخال: الاختيال.
(225) اللسان (روح) .
(226) لم أقف عليه. والأسر: الخلق.
(227) النخل والكرم 90.
(228) النخل والكرم 73.
(229) النخل والكرم 89.
(230) ديوانه 71.(2/283)
(وقباب قد أشرجت وبيوتٍ ... نطقت بالريحانِ والزَّرَجونِ) 218 / أ
والجُبْلة، / بضم الحاء: ضرب من الحُليِّ، يُجعل في القلائد. قال الشاعر: (231)
(ويزينُها في النحر حَلْيٌ واضِحٌ ... وقلائدٌ من حُبْلَةٍ وسُلُوسِ)
" السلوس " جمع: سَلْس. والسَّلْس: خيط ينظم فيه الخَرَز. والكَرْم، في غير هذا: ضَرْبٌ من الحُليِّ. قال الشاعر (232) يهجو امرأة:
(إذا هَبَطَتْ جوَّ المراغِ فعرَّسَتْ ... طُروقاً وأطرافُ التوادي كُرومُهَا)
" التوادي " جمع: تودية، وهي ما تُشَدُّ بها أخلاف الناقة. فأخبر (233) أنها [إذا] حلبت الإبل (234) ألقت التوادي على عنقها، فاختلطت بقلائدها وحُلِيها، وقامت مقام الحُلي، إذا لم يكن لها حُلي.
770 - وقولهم: قد خَدَعَ فلانٌ فلاناً
(235)
قال أبو بكر: معناه: قد أظهر له أمراً أضمر خلافه، من الفساد وما يشاكل الفساد من الأفعال المذمومة. وهو مأخوذ من " الخَدْع "، والخدع: الفساد. (297)
أخبرنا أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: الخادع عند العرب: الفاسد من الطعام وغيره. وأنشد:
(أبيضَ اللونِ لذيذاً طَعْمُهُ ... طيِّبَ الرِّيقُ إذا الرِّيقِ خَدَعْ) (236)
أي: فسد. وقول الله عز وجل: {إنَّ المنافقينَ يخادعونَ اللهَ وهو خادِعُهُمْ} (237) مشاكل لما وصفنا، أي: يظهرون الإيمان، ويضمرون الكفر، ت
__________
(231) عبد الله بن سليم في اللسان (سلس، حبل) . وهو من قصيدة له في المفضليات 106. وسمي فيه عبد الله ابن سلمة.
(232) جرير، ديوانه 988.
(233) ك: وأخبر.
(234) ساقطة من ك.
(235) اللسان (خدع) .
(236) لسويد بن أبي كاهل، ديوانه 24.
(237) النساء 142.(2/284)
فيُغَيِّب الله عز وجل عنهم غير الذي يظهر لهم. لأنه تعالى يظهر النعم، ويرزقهم الأموال والأولاد، ويحسن لهم الحال؛ ويُغَيِّب عنهم ما قد أوجبه عليهم، وحكم به من عذاب الآخرة. فجازاهم بمثل فعلهم، وغيب عنهم خلاف الذي أظهر لهم، كما أضمروا هم وغيبوا خلاف الذي أظهروا وأعلنوا.
وقد يقال: إن معنى قوله: " وهو خادعهم ": وهو مجازيهم على المخادعة. فسمي الجزاء على الشيء باسم الشيء الذي له الجزاء، كما قال عز وجل: {بل عَجِبْتُ ويَسْخَرونَ} (238) . فأخبر عن نفسه بالعجب، وهو يريد: بل جازيتهم على عجبهم من الحق. فسمّى فعله باسم فعلهم. وقد أخبر عز وجل عنهم في غير موضع بالعجب من الحق فقال: {أكانَ للناس عَجَباً أنْ أوحينا إلى رجل منهم أنْ أَنْذِر الناسَ} (239) . وقال تعالى: {بل عجبوا أنْ جاءهم منذرٌ منهم} (240) . وحكى عنهم أنهم قالوا: {إنَّ هذا لشيءٌ عجاب} ، فسمي فعله عجباً، وليس بعجب في الحقيقة، إذ كان المتعجب يدهش ويتحير، والله عز وجل قد جل عن ذلك باسم عجبهم.
/ وقد يقال: معنى قوله عز وجل: " وهو خادعهم "، وهو معاقبهم. ومعنى 218 / ب قوله: " بل عجبت ". بل عظَّمت ثوابهم وجزاءهم. فسمى المعاقبة خداعاً، لأن الخادع غالب، والغالب قادر على المعاقبة. وسمى تعظيم الثواب عجباً، لأن (298) المتعجب من الناس إنما يتعجب من الشيء إذا كان في النهاية من المعنى الذي بلغه، ووصل إليه. وكذلك هؤلاء الذين عجب الله عز وجل منهم، لما بلغوا غاية من الفعل عظيمة، عظم بها جزاؤهم، سمّى فعله عجباً، على جهة التشبيه والمجاز.
__________
(238) الصافات 12. و (عجبْتُ) بضمّ التاء قراءة حمزة والكسائي وخلف. السبعة لابن مجاهد 547، والتفسير 186، والنشر 2 / 341.
(239) يونس 2.
(240) ق 2.(2/285)
حدثنا أحمد بن الهيثم قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم (241) قال: حدثنا الربيع (242) وحماد بن سلمة عن محمد بن زياد (243) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: (عجب ربُّكُم من قوم يُقادون إلى الجنةِ في السلاسل) (244) .
وحدثني أبي قال: حدثنا محمد (345) قال: حدثنا الفراء قال: حدثنا مِنْدل بن علي (246) عن الأَعمش عن شَقيق (247) قال: قرأت عند شُريح {بل عجبْتُ ويسخرونَ} (248) فقال: إن الله لا يعجب من شيء، إنما يعجب من لا يعلم. قال: فذكرت ذلك لإبراهيم (249) فقال: إنّ شريحاً شاعر يعجبه علمه، وعبدُ الله (250) أعلمُ منه، وكان يقرأ: {بل عجبْتُ ويسخرون} (251) . والعرب تسمي الفعل باسم (299) الفعل إذا داناه من بعض وجوهه، وإن كان مخالفاً له في أكثر معانيه. من ذلك قول الصلتان (252) يرثي المغيرة بن المهلب (253) :
(سَبَقَتْ يداكَ له بعاجلِ طَعْنَةٍ ... سفهت لمنفذِها أصولُ جوانحِ)
شبه سرعة خروج الدم بالسَّفه، لأن السَّفه الخِفّة وشدة الاسراع. وقال عدي بن زيد (254) :
__________
(241) مسلم بن إبراهيم الأزدي: ت 222 هـ. (طبقات ابن خياط 573، تهذيب التهذيب 10 / 121) .
(242) الربيع بن مسلم الجمحي، ت 167 هـ. (تهذيب التهذيب 3 / 251، خلاصة تهذيب الكمال 1 / 320) .
(243) محمد بن زياد الجمحي القرشي. (تهذيب التهذيب 9 / 169، خلاصة تذهيب الكمال 2 / 404) .
(244) النهاية 2 / 389.
(245) هو محمد بن الجهم، سلفت ترجمته.
(246) مندل بن علي العنزي الكوفي، ت 167 هـ. (تهذيب التهذيب 10 / 298، خلاصة تهذيب الكمال 3 / 85) .
(247) شقيق بن سلمة الأسدي، ت 82 هـ. (طبقات ابن خياط 356، تهذيب التهذيب 4 / 361) .
(248) معاني القرآن 2 / 384.
(249) أي النخعي.
(250) أي ابن مسعود.
(251) ينظر: زاد المسير 7 / 49 وتفسير القرطبي 15 / 69.
(252) رُوي البيت لزياد الأعجم في مرثيته للمغيرة في أمالي اليزيدي 5 وذيل الأمالي 10، وذكر القالي أنها رويت للصلتان أيضاً.
(253) المغيرة بن المهلب بن أبي صفرة، ت 82 هـ. (وفيات الأعيان 5 / 354، الخزانة 4 / 192) .
(254) أخل به ديوانه. وهو له في الأغاني 2 / 135 وزاد المسير 7 / 50.(2/286)
(ثم أَضحوا لَعِبَ الدهرُ بهم ... وكذاكَ الدهرُ يودي بالرجالِ)
فجعل إهلاك الدهر وإفساده لعباً. وقال الآخر (255) يصف السيف:
(وأبيضَ مَوْشِيِّ القميصِ عَصبَتْهُ ... على ظهرِ مِقْلاتٍ سَفِهٍ جديلُها)
فشبه اضطراب الجديل وتحركه بالسَّفَه. وأنشدنا أبو العباس عن ابن الأعرابي لابن مَحْكان (256) يصف قِدراً نَصَبَها للأضياف:
(لها أزيرٌ يزيلُ اللحمَ أَرمَلَهُ ... عن العظامِ إذا ما استحمشَتْ غضبا)
فشبه التهابها بالغضب. قال أبو بكر: هذا كله معروف في المجاز والاختصار.
771 - وقولهم: القوم ظلمة حاشا فلاناً
(257)
قال أبو بكر: معنى " حاشا " في كلام العرب: اعزِلُ فلاناً من وصف القوم (300) بالحشا، / وأعزِلُهُ بناحية، فلا أدخِله في جملتهم. ومعنى " الحشا " في كلامهم (258) : 219 / أالناحية والجانب. قال الشاعر (259) :
(يقول الذي أمسى إلى الحِرِز أهلُه ... بأَيِّ الحشا أمسى الخليطُ المباينُ)
وقال النابغة (260) :
(وما أرى فاعلاً في الناس يشبهه ... ولا أحاشي من الأقوامِ من أَحَدِ)
ويقال: حاشا لفلانٍ، وحاشا فلاناً، وحاشا فلانٍ، وحشا فلانٍ. قال عمر
__________
(255) ذو الرمة، ديوانه 922 وفيه: نصبته على خصر. والجديل: الزمام.
(256) مرة بن محكان، من شعراء الدولة الأموية. (الشعر والشعراء 686، معجم الشعراء 294) . ولعل البيت من بائيته في شرح ديوان الحماسة (م) 1562. وهو مع آخر له في أمالي المرتضى 1 / 95.
(257) ينظر في (حاشا) : المحتسب 1 / 341، أسرار العربية 207، شرح الكافية 1 / 224، المغني 129، همع الهوامع 1 / 232، الكليات 2 / 258. وقد حكى الأزهري مقالة أبي بكر في التهذيب 5 / 140 وينظر ما سلف في قولهم: (حاشا فلاناً) 1 / 625.
(258) ك: كلام العرب.
(259) في نسبته خلاف، فهو للمعطل الهذلي في ديوان الهذليين 3 / 45، ولمالك بن خالد في شرح أشعار الهذليين 1 / 446، وللهذلي ربيعة بن جحدر في جمهرة اللغة 3 / 333. والحرز الموضع الحصين.
(260) ديوانه 13 وقد سلف مع آخر في 1 / 626.(2/287)
ابن أبي ربيعة (261) :
(مَنْ رامها حاشى النبيِّ وآلِهِ ... في الفخرِ غَطْمَطَهُ هناك المُزْبَدُ)
وقال الآخر (262) :
(حاشا أبي ثروان إنّ بِهِ ... ضِنَّاً عن المَلْحاةِ والشتمِ)
وأنشد الفراء:
(حشا رهط النبيِّ فإنَّ منهم ... بحوراً لا تُكَدِّرُها الدِلاءُ) (263)
فمن قال: حاشا لفلان، خفض " فلاناً " باللام الزائدة.
ومن قال: حاشا فلاناً، أضمر في " حاشا " مرفوعاً، ونصب " فلاناً " بحاشا، والتقدير: حاشا فعلَهم فلاناً.
ومن قال: حاشا فلانٍ، خفض " فلاناً " بإضمار اللام، لطول صحبتها " حاشا ". ويجوز أن يخفضه بحاشا، لأن " حاشا " لمّا خَلَت من الصاحب، أشبهت الاسم، فأُضِيفت إلى ما بعدها.
ومن العرب مَنْ يقول: حاشَ لفلانٍ. فيسقط " الألف " التي بعد " الشين ". (301) وقد قُرِيء هذا الحرف في كتاب الله عز وجل بالوجهين جميعاً: {وقُلْنَ حاشَ للهِ} (264) و {حاشا للهِ} . ومعناهما واحد.
772 - وقولهم رجُلٌ مَجْذُومٌ
(265)
قال أبو بكر: المجذوم معناه في كلام العرب: المقطوع بعض اللحم، وبعض الأعضاء. يقال: جذمت لشيء أجذمه جَذْماً: إذا قطعته. ويقال: قد
__________
(261) ديوانه 491 وفيه: من ذاقها.... . غطغطه الخليج المزبد.
(262) الجميح في المفضليات 367 وهو هنا ملفق من بيتين. ونسب إلى سبرة بن عمرو الأسدي في اللسان (حشا) .
(263) بلا عزو في اللسان (حشا) .
(264) يوسف 31، وينظر في قراءات هذه الآية: السبعة 348 والمحتسب 1 / 341.
(265) اللسان (جذم) . وفي ك: فلان مجذوم.(2/288)
جذم فلان وَصْلَ فلانٍ: إذا قطعه. ويقال: جَذِمَتِ اليدُ تَجْذَمُ جَذَمّاً: إذا انقطعت (266) . ورجل أجذمُ: إذا كان مقطوع اليد.
حدثنا إبراهيم بن موسى قال: حدثنا يوسف بن موسى (267) قال: حدثنا جرير (268) وابن فُضيل (269) عن يزيد بن أبي زياد (270) عن عيسى بن فائد (271) قال: حدثنا فلان (272) عن سعد بن عبادة (273) قال: قال / رسول الله: (ما من أحدٍ 219 / ب حَفِظَ القرآنَ، ثم نَسِيَه، إلاّ لَقِي الله - عز وجل - أَجْذَمَ) (274) .
قال أبو عبيد (275) : الأجذم: المقطوع اليد. واحتج بقول لمتلمس (276) : (302)
(فهل كنتَ إلاّ مثلَ قاطعِ كَفِّهِ ... بكفِّ له أخرى فأَصبحَ أَجْذَما)
وقال أبو عبيد (277) : حدثني يزيد (278) عن شريك (279) عن [أبي] إسحاق (280) عن علي بن ربيعة (281) عن علي (رض) قال: (من نَكَثَ ببيعته لَقِيَ اللهَ أَجْذَمَ ليست له يَدٌ) .
__________
(266) القول في غريب الحديث 3 / 48 وتتمته: (وان قطعتها أنت قلت: جذمتها جذماً فأنا أجذمها) .
(267) يوسف بن موسى القطان. ت 253 هـ. (تهذيب التهذيب 11 / 425) .
(268) جرير بن عبد الحيمد بن قرط الضبي. ت 188 هـ. (تهذيب التهذيب 2 / 76) .
(269) محمد بن فضيل بن غزوان. ت 195 هـ. (خلاصة تذهيب الكمال 2 / 450)
(270) يزيد بن أبي زياد القرشي الهاشمي. ت 136 هـ. (طبقات ابن خياط 382) .
(271) أمير الرقة. (تهذيب التهذيب 8 / 227. خلاصة تهذيب الكمال 2 / 320) .
(272) يقال: انه عبادة بن الصامت. (تهذيب التهذيب 8 / 227) .
(273) سعد بن عبادة الخزرجي. ت 14 هـ. (طبقات ابن خياط 216 و 776. خلاصة تذهيب الكمال 369 / 1) .
(274) غريب الحديث 3 / 48 وفيه: وهو أجذم.
(275) ك: أبو عبيدة: وهو خطأ.
(276) ديوانه 32 وفيه: وما كنت.
(277) غريب الحديث 3 / 48.
(278) يزيد بن هارون بن وادي، سلفت ترجمته.
(279) شريك بن عبد الله النخعي، ت 177 هـ. (تهذيب التهذيب 4 / 333، خلاصة تذهيب الكمال 1 / 448) .
(280) أبو إسحاق السبيعي واسمه عمرو بن عبد الله. ت 127 هـ. (تهذيب التهذيب 8 / 63، خلاصة تهذيب الكمال 2 / 290) .
(281) علي بن ربيعة بن نضلة الوالبي. (تهذيب التهذيب 7 / 320، خلاصة تذهيب الكمال 2 / 248) .(2/289)
وقال ابن قتيبة (282) : معنى الحديث: لقي الله مجذوماً. ورد على أبي عبيد (283) قوله، وقال: اليد ليس لها ذنب في نسيان القرآن، وإنما يعاقب ناسي القرآن بالجذام، لأن القرآن كان يدفع عن جميع جسده العاهات، فلما نسيه أصابه الداء الذي يفسد جميع جسده، لتكون العقوبة على حسب الذنب، كما عوقب اللسان بالقطع، وكما عوقب الخطباء المذمومون بتقريض الشفاه في النار، وغير هذا مما يطول تعديده.
وقول أبي عبيد هو الصواب عندي، وقول ابن قتيبة خطأ من ثلاثة أوجه:
أحدهن الحديث الذي فسر فيه الأجذم الذي ليست له يد، وقد تقدم ذكره.
والحجة الثانية: أن لعقاب لو كان لا يقع إلا بالجارحة التي باشرت المعصية، لم يعاقب الزاني بالنار في الآخرة، وبالجلد والرجم في الدنيا. لأنه إذا جُلِدَ ظهره كان غير العضو الذي باشر المعصية، وكذلك إذا أحرقت النار يديه ورجليه، (303) أحرقتهن وهن غير مباشرات للزنا، ومثل هذا كثير.
والحجة الثالثة: قول النبي: (يحشر الناس يوم القيامة بُهْماً) (284) . أي: يحشرون أصحاء الأجسام لخلود الأبد، إمّا في الجنة وإمّا في النار، ليست بهم عاهة من عمىً ولا جُذام ولا بَرَص. هذا تفسير أبي عبيد (285) . وقد اعترف ابن قتيبة بصحته. فمن علم أن الناس يحشرون أصحاء من العاهات، كيف يخبر أن ناسي القرآن يحشر مجذوماً، والجذام من أعظم العاهات؟
فإذا احتج علينا بأن انقطاع اليد عاهة، احتججنا عليه بأنّ " اليد " يُراد بها: الحُجَّة، أي: بلقاء الله تعالى أقطع الحجة، ويده في ذاتها صحيحة. والعرب تسمي " الحجة " في المجاز " يداً "، فتقول: الصحيح اليد، ويقول الرجل لمخاطبه: 220 / أقطعت يدي ورجلي، / أي: ذهبت بحجتي وما أعول عليه. ومنه قولهم: مالي بهذا
__________
(282) في كتابه اصلاح الغلط ص 26 (بهامش غريب الحديث 3 / 49) .
(283) من ك، ل. وفي الأصل: أبو عبيدة. في الموضعين.
(284) النهاية 1 / 167. وفيه: (يحشر ... عراة حفاة بهما) .
(285) ك: أبو عبيدة، وهو خطأ.(2/290)
يد، ويدان، أي: مالي به تمسك وثبات، قال عروة بن حزام (286) :
(تحمَّلتُ زفراتِ الضُحى فأطقتُها ... وما لي بزفراتِ العَشّيِّ يدانِ)
__________
(286) شعره: 20.(2/291)
773 - وقولهم: رجل أَجْنَبِيٌّ
(1) (304)
قال أبو بكر: معناه: غريب، ليست بينه وبين المذكور قرابة. يقال: رجل جُنُبٌ، وجانب، وأجنبي: إذا كانت هذه صفته. ويقال: ما يزورنا فلان إلا عن جنابة، يراد: عن بعد. وكذلك قيل للغريب: أجنبي، لبعده عن وطنه: قال الله عز وجل: {فبَصُرَتْ به عن جُنُبٍ} (2) ، أراد: عن بعد. وقال عز وجل: {والجارِ ذي القُربى والجارِ الجُنُب والصاحبِ بالجَنْبِ وابنِ السبيلِ} (3) ، فأراد بالجنب ما وصفناه. والصاحب بالجَنب: في تَفسيره قولانَ: أحدهما: الرفيق في السفر، والآخر: المرأة. وابن السبيل: الضعيف (4) . وقال الشاعر:
(ما كانَ يشقى بهذا غير مُغْتربٍ ... حادٍ ولا الجارُ ذو القُربى ولا الجُنُبُ) (5)
وقال الآخر:
(ما ضَرّها لو غدا بحاجتِنا ... غادٍ قريبٌ أو زائرٌ جُنُبُ) (6)
وقال الآخر (7) :
(أتيتُ حُرَيْثاً زائراً عن جنابةٍ ... فكانَ حُرَيْثٌ عن عطائي جامِدا)
774 - وقولهم: هم في غمراتِ الموتِ
(8)
قال أبو بكر: قال اللغويون: سميت الغمرات غمرات، لأنّ أهوالَها
__________
(1) اللسان والتاج (جنب) .
(2) القصص 11.
(3) النساء 36.
(4) ك: الضيف.
(5) لم أقف عليه.
(6) لعبيد الله بن قيس الرقيات، ديوانه 3. وقد سلف في 1 / 537.
(7) الأعشى، ديوانه 49 وقد سلف في 1 / 537.
(8) اللسان (غمر) .(2/292)
يغمرن (9) من يقعن به، من ذلك قولهم: دخل في غِمار الناس (10) ، أي: في كثرتهم (305) وسترهم.
وواحد " الغمرات ": غَمْرة، وفتحت " الميم " في الجمع، لأن سبيل " فَعْلَة " إذا كانت اسماً، أنْ تُجمع بالتحريك، كقولهم: نَخْلَة ونَخَلات، وضَرْبة وضرَبَات.
ومن الغمرات قولهم: قد غمر الماء اللبن: إذا غلب عليه، وستر أكثر صورته. ويقال في جمع الغمرة أيضاً: غِمار.
ويجوز أن يقال: غَمْرات الموت، على لغة مَنْ يقول: نخلة ونَخْلات، وضَرْبة وضَرْبات. أنشد الفراء:
(علَّ صروفَ الدهرِ أو دُوْلاتِها ... ) يُدلننا اللمَّةَ مِن لمّاتها ... )
(فتستريحَ النفسُ من زَفْراتِها ... ) (11)
[قال أبو بكر: علّ معناه: لعل. قال الأضبط بن قريع (12) :
(ولا تعادِ الفقيرَ علَّكَ أنْ ... تركعَ يوماً والدهرُ قد رَفَعَهْ)
أراد: لعلّك. وتركع معناه: تخضع، سمي الراكع راكعاً، لخضوعه لله عز وجل] (13) .
775 - / وقولهم: قد نَصَرْتُ فلاناً
(14) 220 / ب
قال أبو بكر: معناه: قد نَفَعْتُه، وأوصلت إليه خيراً، كاني أَحْيَيْتُهُ به.
يقال: قد نَصَرَ المطرُ أرضَ بني فلان: إذا جادَها، وعمَّها، وأحياها.
__________
(9) ك: يغمرون.
(10) سلف القول في 1 / 513 وثمة شرحه.
(11) معاني القرآن 3 / 9، 235، وشرح شواهد شرح الشافية 129. وقد سلف مع آخر قبله 1 / 140.
(12) الشعر والشعراء 383 والتمثيل والمحاضرة 60، وروايته المشهورة: لا تهين الفقير.
(13) من ل.
(14) اللسان (نصر) .(2/293)
(306)
أنشدني أبي - رحمه الله - قال: أنشدنا الطوسي للراعي (15) :
(إذا انسلخ الشهرُ الحرامُ فودِّعي ... بلادَ تميمٍ وانصُري أرضَ عامِرِ)
[أراد] : أحييها بسقيك إياها.
ويقال: قد نصرت الرجل: إذا وصلته بمال وأَغنيته.
[قال أبو عبيدة (16) ] : وقف أعرابي يسأل الناس فقال: مَنْ ينصرني نَصَرَه الله. يريد: مَنْ يُصِرْ إليّ بعضَ مالِهِ.
وفَسَّر قولَ الله عز وجل: {مَنْ كانَ يظُنُّ أن لن ينصرَهُ الله في الدنيا والآخرة} (17) على هذا المعنى، فقال: تقديره مَنْ كان يظن أن لن يرزقه الله، وأن لن يتفضل عليه، فليصنع هذا الذي ذكره الله عز وجل. فجعل " الهاء " عائدة على " مَنْ ".
وقال الفراء: (18) " الهاء " تعود على محمد، ومعناها: مَنْ كانَ يظن أنْ لن ينصر الله محمداً بإظهار الدين والغلبة، فليفعل هذا الذي ذكره، فلينظر أَيَذْهَبُ غيظُه أمْ لا؟
776 - وقولهم: قد وَقَعْتُ في حبالِ فُلانٍ
(19)
قال أبو بكر: معناه: قد وقعت فيما يعلقني به، ويضطرُّني إلى الكينونة في ناحيته. والحبل توقعه العرب على السبب، وما يوصل الرجل بالرجل، تشبيهاً بالحبل المعروف. قال الله عز وجل: {واعتصموا بحبلِ اللهِ جميعاً ولا تَفَرَّقوا} (20) ، أراد: بعهده، وما يصلكم به. وقال عز وجل: {ضُرِبَتْ عليهم الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقفوا
__________
(15) شعره: 88 وقد سلف في ص 9.
(16) مجاز القرآن 2 / 46.
(17) الحج 15.
(18) معاني القرآن 2 / 218.
(19) اللسان (حبل) .
(20) آل عمران 103.(2/294)
إلاّ بحبلٍ من الله} (21) ، أراد: إلا أن يعتصموا بعهد من الله. فأضمر الفعل، (307) وأقام " الحبل " مقام " العهد ". وقال الشاعر:
(فلو حبلاً تناول من سُلَيْم ... لَمَدَّ بحبلِها حبلاً متينا) (22)
أراد بالحبل: العهد. وقال الآخر: (23)
(وإذا تُجَوِّزُها حِبالُ قبيلةٍ ... أَخّذَتْ من الأُخرى إليكَ حِبالَها)
أراد بالحبال: العهود، و " السبب " المذكور في القرآن هو " الحبل "، سماه الله - عز وجل - " سبباً "، لأنه يُوصل مَنْ تَمّسَّك به إلى الأمر الذي يَؤمُّهُ. وكذلك: الأسباب المعروفة / هي وُصلات وأسباب تَصِلُ شيئاً بشيء. 221 / أ
يقال: فلانٌ سببُ فلان، يراد به: مُوصِلُه، وعاقدُ الأمر بينه وبينه. قال الله عز ذكره: {وتَقَطَّعَتْ بهم الأسبابُ} (24) ، فمعناه: الوصلات التي كانوا يتواصلون بها في الدنيا، وتنعقِدُ المودّات بينهم من أجلها.
777 - وقولهم: رجلٌ واشٍ
(25)
قال أبو بكر: في الواشي ثلاثة أقوال:
أحدهن أنَّهُ سُمي: واشياً، لاستخراجه الأخبار، وتوصُّله إلى معرفتها وإشاعتها. من قول العرب: فلان يستوشي الخبر: إذا كان يستخرجه. قال الشاعر: (26)
(يُوشُونهُنَّ إذا ما آنسوا فَزَعاً ... تحت السَّنَوَّر بالأعقاب والجذَم) (308)
__________
(21) آل عمران 112.
(22) لم أقف عليه.
(23) الأعشى، ديوانه 24.
(24) البقرة 166.
(25) اللسان (وشي) .
(26) ساعدة بن جؤية، ديوان الهذليين 1 / 203، وفيه: إذا ما نابهم فزع. والسنور: ما عمل من حلق الحديد من درغ أو مغفر. والجذم: السياط. وينظر شرح القصائد السبع 85، وإصلاح المنطق 433.(2/295)
أراد: يستخرجون ما عندهن من الجري بالأعقاب والجذم. وقال الآخر:
(وصهباء يستوشي بذي اللُبِّ ميلُها ... قرعتُ بها نفسي إذا الديكُ أعتما)
(تَمزّزتُها صِرْفاً وقارعتُ دنَّها ... بعود أراكٍ هزّهُ فترنَّما) (27)
الصهباء، عني (28) بها الخمر التي عُصِرت من عنب أبيض. ويوشي (29) يستخرج. قال جندل بن الراعي: (30)
(جُنادِفٌ لاحِقٌ بالرأس مَنْكِبُهُ ... كأنَّهُ كَوْدَنٌ يُوشَى بكُلاَّبِ)
أي: يستخرج ما عنده من الجري.
والقول الثاني: أن " الواشي " سمي: واشياً، لتحسسه الأخبار، وتجويده ما ينقل من الألفاظ والكلام. من قولهم: ثوب مُوَشَّى: إذا كان مُحَسَّناً بما فيه من النقوش وغيرها. وإنما سُمي الوشي من الثياب وَشْياً، لهذه العلة.
والقول الثالث: أن " الواشي " سُمي: واشياً، لأنه يجعل نفسه علامة للوصف بالقبيح. فأخذه من: وشيت الثوب: إذا جعلته علامة بما أصنعه فيه. قال الله عز وجل: (لا شِيَةَ فيها) (31) ، معناه: لا علامة فيها، ولا لون يخالف لون سائر جلدها. وقال النابغة (32) :
(من وحش وَجْرَةَ مَوْشِيٍّ أكارعُهُ ... طاوي المصير كَسَيْفِ الصيْقَلِ الفَرِدِ)
أراد بالموشي: المُعْلَم بما فيه من الألوان المختلفة. (309)
ويقال: قد وشى يشي وشياً: إذا نمَّ، فهو واشٍ، من قوم وشاة، وواشين. قال كثير (33) :
__________
(27) لابن مقبل، ديوانه 287 - 288.
(28) ك: أراد.
(29) ك: ومعنى يوشى.
(30) إصلاح المنطق 433، وتهذيب الألفاظ 248 مع آخر، وشرح القصائد السبع 85، واللسان (وشي) . والكودن: البرذون. والكلاب: المهماز.
(31) البقرة 71.
(32) ديوانه 7. وينظر شرح القصائد السبع 455. والمصير: المعى.
(33) ديوانه 382 وفي:. . وفيه. له أهلا، بودك عندنا.(2/296)
(فيا عَزَّ إنْ واشٍ وشابي عندكم ... فلا تُكْرميه أنْ تقولي له مَهْلا)
(كما لو وشى واشٍ بعَزَّةَ عندنا ... لقُلنا تَزَحْزَح لا قريباً ولا سَهْلا)
/ وقال النابغة (34) : 221 / ب
(حلفتُ فلم أَتْرُكْ لنفسِكَ ريبةً ... وليسَ وراءَ اللهِ للمرءِ مَذْهَبُ)
(لَئِنْ كنتَ قد بُلَّغْتَ عني خيانةً ... لمُبْلِغُكَ الواشي أَغَشُّ وأَكْذَبُ)
وقال الآخر (35) :
(إنّ الوشاة كثيرٌ إنْ أَطَعْتَهُمُ ... لا يرقبونَ بنا إلاًّ ولا ذِمَمَا)
وقال الآخر:
(لقد فَرَّقَ الواشونَ بيني وبينَها ... فقَرَّتْ بذاكَ الوصلِ عيني وعَيْنُها
(36)
778 - وقولهم: قد استكانَ الرجلُ
(37)
قال أبو بكر: معناه: قد خضع وذل، قال الله عز وجل: {فما استكانوا لربِّهمْ وما يتضرَّعونَ} (38) . وقال الشاعر (39) :
(لا أستكينُ إذا ما أَزْمَةٌ أَزَمَتْ ... ولن تراني بخيرٍ فارِهَ اللَّبَبِ)
قال أبو بكر: وفي اشتقاقه قولان (40) :
أحدهما: أنه " استفعلوا "، من " كان يكونُ "، أصله: استكونوا، فحُوِّلت فتحة " الواو " إلى " الكاف " وجُعلت " الواو " " ألفاً "، لانفتاح ما قبلها، وتحركها في (310) الأصل، كما قالوا: استقام، وأصله: استقوم.
والقول الآخر: أن " استكان " " افتعل " من " السكون "، لأن من صفة
__________
(34) ديوانه 76 - 77.
(35) بلا عزو في الأضداد 396 وقد سلف في 1 / 591.
(36) بلا عزو في الأضداد 76.
(37) التهذيب 10 / 375، واللسان (سكن) .
(38) المؤمنون 76.
(39) ابن وادع العوفي في اللسان (فره) . وروايته: فاره الطلب.
(40) ينظر: رسالة الملائكة 215. شرح الشافية 1 / 96.(2/297)
الخاضع تقليل الكلام. فكان أصل الحرف على هذا الجواب: استكن الرجل، فوصلت فتحة الكاف بالألف، لأن العرب ربما وصلت الضمة بالواو، والفتحة بالألف، والكسرة بالياء. فمن وصلهم الضمة بالواو، ما أنشدنا أبو العباس عن سلمة بن الفراء:
(لو أنَّ عَمْراً همَّ أنْ يرقُودا ... )
(فانهض فشُدَّ المِئزَرَ المعقودا ... ) (41)
أراد: أنْ يَرْقُدَ، فوصل ضمة القاف بالواو. وأنشدنا أبي - رحمه الله - قال: أنشدنا الرستمي:
(الله يعلمُ أنّا في تلفُّتِنا ... يومَ الفراقِ إلى إخوانِنا صُورُ)
(وأَنَّني حيثما يثني الهوى بصري ... من حيثما سلكوا أدنو فأَنْظُورُ) (42)
أراد: فأنظر، فوصل الضمة بالواو. وأنشدني أبي - رحمه الله - قال: أنشدنا الرستمي:
(لا عهد لي بنيْضالْ ... )
(أصبحتُ كالشَنَّ البالْ ... ) (43) 222 / أ
/ أراد: بنضال، فوصل كسر النون بالياء. وقال الآخر:
(قلتُ وقد جرَّت على الكلكالِ ... )
(يا ناقتي ما جُلْتِ من مجالِ ... ) (44)
[أراد: على الكَلْكَل، فوصل فتحة الكاف بالأف] . وأنشدني أبي - رحمه الله - قال: أنشدنا الرستمي: (311)
(كأني بفتخاءَ الجناحينِ لقوةٍ ... على عجلٍ مني أطأطِىء شيمالي) (45)
__________
(41) الأول فقط في رسالة الملائكة 220 بلا عزو.
(42) بلا عزو في شرح القصائد السبع 332، وسر صناعة الأعراب 1 / 29 - 30 والصاحبي 50. وفي ك: يوم المحصب. والصور جمع أصور، وهو المائل من الشوق.
(43) بلا عزو في شرح القصائد السبع 332، ورسالته الملائكة 213 والانصاف 29.
(44) بلا عزو في الانصاف 25.(2/298)
أراد: شمالي، فوصل الكسرة بالياء. وقال عنترة (46) :
(ينباعُ من ذِفْرى غضوبٍ جسْرةٍ ... زيّافةٍ مثل الفنيقِ المُكْدمِ)
أراد: ينبع، فوصل فتحة الباء بالألف. هذا قول أكثر أهل اللغة. ووزن " ينباع " على هذا " يفعل ".
وقال لي أبي - رحمه الله - قال لي أحمد بن عبيد: " ينباع ": " ينفعل " من: باع يبوع: إذا جرى جرياً ليِّناً، وتثّنى وتلوّى. قال: وإنّما يصف الشاعر عِرْقَ الناقة، وأنه يتلوى من هذا الموضع. فأصله: ينبوع. فصارت الوالو ألفاً، لتحركها وانفتاح ما قبلها.
779 - وقولهم: فلانٌ يَتَبَجَّحُ (47) بكذا وكذا
قال أبو بكر: معناه: يتعظم ويترفع. وهو " يتفعَّل " من " بَجَحَ ". وبَجَحَت نفسُه. إذا عظُمت وارتفعت. وفي حديث أمّ زرع (48) : (أن المرأة الحادية عشرة قالت: زوجي أبو زَرْع، فما أبو زرع! أَناسَ من حُليٍّ أُذُنّي، وملأ من شحم عضُدَيّ، وبجَّحني فبَجَحَتْ إليّ نفسي) . أي: عظّمني ورفع من قدري فعظمت عندي نفسي، قال الشاعر: (49)
(45) لامرىء القيس، ديوانه 38 وفيه: صيود من العقبان طأطأت شملال. ولا شاهد فيه على هذه الرواية. والفتخاء: اللينة الجناحين، واللقوة: السريعة من العقبان، والشملال: السريعة. وانظر شرح القصائد السبع 332.
__________
(46) ديوانه 204 وفيه: حرة ... المقرم. والذفرى أصل القفا والأذن. وجسرة: طويلة. وزيافة. مسرعة. والفنيق: الفحل من الإبل. والمكدم الغليظ.
(47) اللسان (بجح) .
(48) هي أم زرع بنت أكهل بن ساعد: ينظر الحديث مشروحاً في الفائق 3 / 48 - 54 وشرح النووي لصحيح مسلم 15 / 212 - 222.
(49) الراعي النميري في منتهى الطلب 3 / 145 من قصيدة تعداد أبياتها سبعة وخمسون بيتاً في مدح بشر بن مروان ومطلعها:
(أفي أثر الأظعانِ عينُك تلمحُ ... نَعَمْ لاتَ هَنّا إنّ قلبَك مِتْيحُ)
وقد أخل به شعره المطبوع.(2/299)
(312)
(وما الفقرُ من أرض العشيرةِ ساقَنا ... إليكَ ولكنّا بقُرباكَ نَبْجَحُ)
أي: نفخرُ ونتعظَّمُ.
780 - وقولهم: رجل أَوْقَصُ
(50)
قال أبو بكر: الأوقص: القصير العنق، المائلها، الذي كأن عنقه كُسِرَت بتقصيرها عن أعناق الناس، أُخِذَ من " الوَقص "، وهو الكسر.
من ذلك قولهم: قد وقص فلان: إذا سقط عن دابته، فاندقت عنقه.
ومنه حديث رسول الله: (أن رجلاً كان واقفاً معه فوقَصَتْ به ناقته في لخاقيق جِرذان فماتَ) (51) .
ومنه حديث علي (رض) : (أنّه قضى في القارِصَةِ والقامِصَةِ والواقِصَةِ بالدية أثلاثاً) (52) .
وفسّر أنّهُنَّ ثلاثُ جوارٍ كُنّ يلعبن، فركبت واحدةٌ منهن واحدةً، فقرصت الثالثةُ المركوبةَ فقمصت، فسقطت الراكبة، فاندقت عنقُها، فماتت. فجعل (53) 222 / ب الدِية أثلاثاُ: ثُلثاً على المركوبة، وثلثاً على القارصة، وأسقط / ثلُثَ الراكبة، لأنّها أعانت على نفسها بركوبها.
وقال ابن مقبل (54) يذكر ناقة:
(فبعثتُها تَقِصُ المقاصِرَ بعدما ... كَرَبَتْ حياةُ النارِ للمُتَنَوِّرِ)
" المقاصر " من: قصر العشي. وقال أبو عبيد (55) : هو من اختلاط الليل وظلمته.
__________
(50) اللسان (وقص) .
(51) غريب الحديث 1 / 95 والفائق 4 / 74.
(52) غريب الحديث 1 / 96.
(53) ك: فجعلت.
(54) ديوانه 126.
(55) غريب الحديث 1 / 97. وفي الأصل: أبو عبيدة: وهو خطأ. صوابه من ك، ل.
(56) اللسان (غير) .(2/300)
781 - وقولهم: لا أراني اللهُ بِكَ غِيَراً
(56) (313)
قال أبو بكر: " الغِيَر " من: تغيُّر الحال، وهو اسم واحد بمنزلة: النِطَع والعِنَب وما أشبههما. ويجوز أن يكون جمعاً، واحدته: غيرة. قال بعض بني كنانة:
(فمَنْ يشكرِ الله يلقَ المزيدَ ... ومَنْ يكفرِ اللهِ يَلْقَ الغِيَرْ) (57)
ويقال للدية: غير، لأنها تغير من القود إلى الرضا بها، فسميت غيراً لذلك.
ومن ذلك الحديث الذي يُروى: (أن رجلاً قُتِلَ له حميمٌ، فطالب بالقَود، فقال له رسول الله: ألا تقبل الغِيَرَ؟) (58) .
ومن ذلك حديث عمر وعبد الله [بن مسعود] : (أن امرأةً قُتِلَتْ، فعفا بعضُ أوليائها، وأقام بعضهم عل المطالبة بالقَوَد. فأراد عمر أن يقيدَ مَنْ لم يعفُ، فقال له عبد الله: لو غَيَّرْتَ بالدية، كان في ذلك وفاء لِمَنْ [لم] يعفُ، وكنتَ قد أَتْمَمْتَ للعافي عَفْوَهُ. فقال عمر: كُنَيْفٌ مُلئَ عِلماً) (59) . فالكنيف تصغير " الكنف "، وهو الوعاء. وهذا التصغير معناه التعظيم، كما قال لبيد (60) :
(وكلُّ أناسٍ سوفَ تدخلُ بينهم ... دُوَيْهِيَهٌ تَصْفَرُّ منها الأنامِلُ)
فصغّر الداهية تعظيماً (61) لها. وقال أبو محمد الفقعسي (62) :
(يا جُملُ أسقاكِ البُرَيْقُ الوامِضُ ... )
(والدِّيَمُ الغاديةُ الفضافِضُ ... )
فصغر البرق على جهة التعظيم له. وقال الآخر (63) حجة لأن (64) الغِير: الدية: (314)
__________
(57) عجزة فقط في اللسان (غير) بلا عزو.
(58) غريب الحديث 1 / 168.
(59) غريب الحديث 1 / 169.
(60) ديوانه 256. وينظر القلب والإبدال (الكنز اللغوي) 11، وشرح المفضليات 766، والأضداد 292. وهما له مع آخر في اللسان (نضض) والأول.
(61) ك، ل: معظما.
(62) الأول فقط بلا عزو في مقاييس اللغة 4 / 188. وهما له مع آخر في اللسان (نضض) والأول مع آخرين له أيضاً فيه (عرض) .
(63) بعض بني عذرة في غريب الحديث 1 / 169، وفي ك، ل: بني أمية. وهي رواية أخرى.(2/301)
(لَنَجْدَعَنَّ بأيدينا أنوفَكُمُ ... بني أُمَيْمَة إنْ لم تقبلوا الغِيَرا)
أراد بالغِيَر: الدِية. قال الكسائي (65) : " الغِيَر " اسم واحد مذكّر، وجمعه: أَغْيار. وقال أبو عمرو (66) : " الغِيَر " جمع: غِيرة.
782 - وقولهم: قد استعمل النُورَةَ
(67)
قال أبو بكر: النورة سميت: نورة، لأنها تنير الجسد وتُبّيِّضُهُ. وهي مأخوذة من " النور ". وكذلك نَوْر النبات، سمي: نوراً، لبياضه وحسنه. وسميت المَنَارة (68) : مَنَارة، لأنها آلةُ ما يضيء وينير من السراج. قال لبيد (69) يصف بقرة بيضاء: 223 / أ
(/ وتُضِيءُ في وجهِ الظلامِ منيرةً ... كجمانةِ البَحْرِيِّ سُلَّ نظامُها)
الجمانة: اللؤلؤة. وقوله: سُل نظامُها، معناه: انسلّت من خيطها، وسقطت من بين اللؤلؤ، فكان ذلك أبين لضوئها. وقال طرفة (70) :
(وتَبْسِمُ عن أَلْمى كأَنَّ مُنَوِّراً ... تخلَّل حُرَّ الرملِ دِعْصٌ له نَدِي)
أراد بالمنور: النبات الذي قد ظهر نَوْره. ونَوْرُهُ، ونوارُهُ. زهره الأبيض منه.
__________
(65، 66) غريب الحديث 1 / 169.
(67) اللسان (نور) .
(68) ل: المنازل.
(69) ديوانه 309.
(70) ديوانه 9. وحر الرمل: أكرمه وأحسنه.(2/302)
783 - وقولهم امرأة أَرْمَلَةٌ
(71) (315)
قال أبو بكر: الأرملة: التي مات زوجها. سميت أرملة، لذهاب زادها، وفقدها كاسبها، ومن كان عيشها صالحاً به. من قول العرب: قد أرمل الرجل: إذا ذهب زاده. وكذلك: أقتر وأنفض، وأقوى. أنشدنا أبو العباس عن ابن الأعرابي لابن محكان (72) :
(ومرملو الزادِ مَعْنيٌّ بحاجَتِهِم ... مَنْ كانَ يرهبُ ذمّاً أو يقي حَسَبا)
وفي حديث أم معبد (73) : (أن رسول الله وأصحابه طلبوا منها لحماً وخبزاً ليشتروه منها، فلم يصيبوا عندها شيئاً من ذلك، وكان القوم مُرَمِلينَ مُشتين) (74) . فالمرملون: قد مضى تفسيرهم، والمشتون: الداخلون في الشتاء، والشتاء عند العرب: وقت الجَدَبِ. قال الشاعر (75) :
(إذا نَزَلَ الشتاءُ بجارِ قومٍ ... تجنَّبَ جار بيتِهِم الشتاءُ)
أي: مجاورهم يأمن الجدب، لكرمهم وإفضالهم عليه. ولا يقال للرجل إذا ماتت امرأته: أرمل، إلاّ في شذوذ وقلة من الكلام؛ لأن الرجل لا يذهب زاده بموت امرأته، إذا لم تكن قَيِّمة عليه، وهو قَيِّمٌ عليها، تلزمه عيلولتها، ومؤونتها، والإنفاق عليها، ولا يلزمها شيء من ذلك.
وقال ابن قتيبة: إذا قال الرجل: قد أوصيت بمالي للأرامل، وأوصي بمالي للأرامل، أُعطي منه الرجال الذين مات أزواجهم، والنساء اللاتي مات أزواجهن؛ لأنه يقال: رجل أرمل، وامرأة أرملة. (316)
__________
(71) التهذيب 15 / 205 واللسان (رمل) .
(72) شرح ديوان الحماسة (م) 1565.
(73) عاتكة بنت خالد الخزاعية. (ينظر: المحبر 410، امتاع الأسماع 1 / 43) .
(74) الفائق 1 / 94. وفي الأصل: مرملين مسنتين، وهي رواية أخرى. ينظر: غريب الحديث لابن قتيبة 1 / 317.
(75) الحطيئة، ديوانه 102. وينظر الأضداد 167، وشرح القصائد السبع 211.
ينظر غريب الحديث له 1 / 233.(2/303)
وقال: حدثنا إسحاق بن راهويه (76) قال: حدثنا وكيع (77) عن سفيان (78) عن طلحة الأعلم (79) عن الشعبي في رجل أوصى بماله للأرامل من بني حنيفة، قال: (يعطى منه مَنْ خَرَجَ من كَمرِة حنيفة) (80) قال إسحاق: وأنشدنا غير وكيع: 223 / ب
(/ هذي الأرامل قد قَضَّيْتَ حاجتَها ... فمَنْ لحاجِة هذا الأَرملِ الذكرِ) (81)
وأنشد ابن قتيبة:
(أُحبُّ أنْ اصطادَ ضَبّاً سَحْبلا)
(رعى الربيعَ والشتاءَ أرملا ... ) (82)
قال: تمناه أرمل، لأنه إذا سفد قلّ شحمه، وإذا لم تكن له أنثى، ولم يسفِد، كثر شحمه.
وقال: قال الرقاشي: قيل لأعرابي: تمن، فقال: ضّبٌّ أعورُ عِنِّين في أرضٍ كَلْدَةٍ. فتمناه أعورَ لِقِلَّةِ تَلَفُّتِهِ، وتمنّاه عنِيناً لكثرة شحمه.
[قال أبو بكر] (83) : وقول ابن قتيبة (84) في هذا غير صحيح؛ لأن الرجل لا يوصف بأرمل إلا في الشذوذ، وحمل هذا الكلام على الأعرف والأشهر أولى. وقد (317) نقض ابن قتيبة هذا على نفسه فقال: لو قال رجل: أوصي بمالي للجواري من بني فلان، لم يُعْطَ الغلمان منه شيئاً، كذلك لو قال: أوصي بمالي للغلمان من بني فلان، لم يُعْطَ الجواري منه شيئاً، وإنْ كانت الجارية يقال لها: غُلامة، لأن قولهم للجارية: غُلامة، شاذٌّ ولا يحمل الكلام على الشذوذ.
__________
(76) إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه، ت 238 هـ. (تهذيب التهذيب 1 / 216، خلاصة تذهيب الكمال 1 / 69) .
(77) وكيع بن الجراح الكوفي الحافظ، ت 196 هـ. (طبقات ابن خياط 400، مشاهير علماء الأمصار 173) .
(78) هو سفيان الثوري. سلفت ترجمته.
(79) طلحة بن عمرو القناد هو الذي روى عن الشعبي فيمن اسمه طلحة كما في تهذيب التهذيب 5 / 24، ولم أجد من لقبه الأعلم.
(80) لم أقف عليه.
(81) لجرير، ديوانه 1081.
(82) بلا عزو في لحن العوام 230 واللسان (رمل) .
(83) من ل.
(84) ك: ابن قتيبة عندنا.(2/304)
قال أبو بكر: فشذوذ " الأرامل " في وصف الرجل كشذوذ " الغلامة " في وصف الجارية بها. وقد سمع في " الغلامة " من الأبيات أكثر مما سمع في " الأرامل ".
وكذلك لو قال: أوصي بمالي للكهول من بني فلان، لم يعط النساء منه شيئاً، وإن كانت المرأة يقال لها: كهلة، لشذوذ هذا القول.
وكذلك لو قال: أوصي بمالي للشيوخ منهم، لم يُعْطَ العجائز منه شيئاً، وإن كانت العجوز يقال لها: شيخة، لأن هذا القول قليل، والأشهر والأعرف سواه (85) . قال الشاعر:
(فَلَمْ أَرَ عاماً كان أكثرَ هالِكاً ... ووجه غلامٍ يُشْتَرى وغُلامَه) (86)
وقال الآخر: (87)
(وتضحكُ مني شَيْخَةٌ عَبْشَمِيّةٌ ... كأنْ لم تَرَى قبلي أسيراً يمانيا)
وأما البيت الذي أنشده ابن قتيبة فلا حجة له فيه، لأنه أراد بالأرمل: الذاهب الزاد، الفقير، أي: فمن لحاجة هذا الفقير الذكر.
ولا حجة له أيضاً في البيت الآخر، لأن الأرمل ليس من صفة الضَبّ، إنما هو من صفة الشتاء، معناه: رعى الربيع والشتاء الأرمل، أي: المذهب أزواد الناس، / فلما أسقط الألف واللام منه، نصبه على القطع من الشتاء، لتنكيره 224 / أوتعريف الشتاء.
__________
(85) ك: ولا يجعل الأشهر والأعرف سواه.
(86) بلا عزو في المذكر والمؤنث 92 وقبله آخر، عن الفراء.
(87) عبد يغوث بن وقاص الحارثي في شرح المفضليات 318. وهو في شرح اختيارات المفضل 771: لم ترى، وفي ذيل الأمالي 134: (قال الأخفش: رواية أهل الكوفة: كأن لم ترى قبلي. وهذا عندنا خطأ. والصواب: تري: بحذف النون علامة للجزم) . وينظر المذكر والمؤنث 91.(2/305)
(318)
784 - وقولهم: إنْ فعلتَ ما أريدُ فبها ونِعْمَتْ، إلاّ فاستعمل رأيَكَ
قال أبو بكر: معنى قولهم: فبها، فبالوثيقة أخذت، فكنى عن الوثيقة، ولم يتقدم لها ذكر، لوضوح معناها. قال الله عز وجل: {حتى توارت بالحجاب} (88) أراد: حتى توارت الشمس، فكنى عنها، ولم يتقدم ذكرها.
وقال النبي لعلي (رض) : (إنّ لكَ بيتاً في الجنة وإنّكَ لذو قَرْنَيْها) (89) . أراد: ذو قرني هذا الأمة، فكنى عن " الأمة " من غير ذكر تقدم لها.
ومعنى الحديث: أن علياً (رض) ضُرب على رأسه في الله عز وجل ضربةً بعد ضربةِ، الأولى منهما ضربة عمرو بن وُدٍّ، والثانية ضربة ابن ملجم، كما ضُربَ ذو القرنين على رأسه ضربة بعد ضربة.
ويقال: معناه: وأنك ذو قَرْنَى الجنة، أي: جانبيها. وقال طرفة (90) :
(على مثلِها أمضي إذا قالَ صاحبي ... ألا ليتني أَفَدِيكَ منها وأَفْتَدِي)
أراد: من هذه الفلاة. فكنى عنها من غير ذكر تقدم لها.
وقولهم: ونعمت، معناه: ونعمت الخصلة هي. والتاء في " نعمت "، كالتاء في " قامت " و " قعدت "، ولا يُوقف عليها، ولا تُكتب بالهاء، ومَنْ فعل ذلك لزمه [أنْ] يعربها في الوصل، ويقول: ونعمةٌ، كما يعرب " النِعمة " من " النِعَم ".
وحدثنا محمد بن يونس قال: حدثنا سعيد بن سفيان الجحدري (91) قال: (319) حدثنا شعبة (92) عن قتادة عن الحسن عن سمرة (93) قال: قال رسول الله (مَن تَوَضَّأ يومَ الجمعةِ فبها ونعمت، ومَنْ اغتسل فالغُسل أفضلُ) (94) .
__________
(88) ص 32.
(89) غريب الحديث 3 / 78.
(90) ديوانه 26. وينظر شرح المفضليات 81، وشرح القصائد السبع 182، و 582.
(91) توفي 205 هـ. (تهذيب التهذيب 4 / 40، خلاصة تذهيب الكمال 1 / 380) .
(92) هو شعبة بن الحجاج، سلفت ترجمته.
(93) هو سمرة بن جندب، سلفت ترجمته.
(94) الفائق 4 / 3.(2/306)
فمعنى الحديث: من توضأ يوم الجمعة فبالرُّخْصِة أخذ، ونعمت الخَصلة هي.
وبعض الناس يقول: و " نعمت " على معنى الدعاء، أي: نَعَّمَكَ اللهُ.
785 - وقولهم: ما مَنَعَ فلانٌ الذِّمارَ
(95)
قال أبو بكر: معناه في كلام: ما يلزم الإنسان أن يحميه. وقال أحمد بن عبيد: إنما سُمي ذِماراً، لأن الإنسان يذمرُ نفسَه، أي: يحضُّها على القيام به. يقال: ذمرت الرجل أذمره: إذا حرَّضته. ويقال للشجاع: ذِمْرٌ، وللجميع: أَذْمار. قال عمرو بن كلثوم (96) :
(ونُوجَدُ نحنُ أمنعهم ذِماراً ... وأوفاهم إذا عقدوا يمينا)
وقال عنترة (97) :
(/ لما رأيتُ القومَ أقبلَ جَمْعُهُم ... يتذامرون كررتُ غيرَ مُذَمَّم) 224 / ب
أي: يخصّ بعضهم بعضا. وقال الفرزدق (98) :
(فجرّ المخزياتِ على كليبٍ ... جريرٌ ثُمَّ ما مَنَع الذِّمارا)
786 - وقولهم: قد أَخَذَ منه أَرْشَ الثوب
(99) .
قال أبو بكر: الأرش الذي يأخذه الرجل من البائع، إذا وقف على عيب في (320) الثوب، لم يكن البائع وقفه عليه، سُمي: أرشاً، لأنه سبب من أسباب الخصومة والقتال والتنازع، فسُمي باسم الشيء الذي هو سببه.
يقال: فلان يُؤرّش بين القوم: إذا كان يوقع بينهم الشر والفساد. ويقال:
__________
(95) اللسان (ذمر) .
(96) شرح القصائد السبع 408، شرح المعلقات السبع 256.
(97) ديوانه 216.
(98) ديوانه 1 / 355 وفيه: جر.
(99) اللسان (أرش) .(2/307)
يا هذا، لا تؤرِّش بين صديقيك (100) ، يراد به: لا تفسدّنَّ بينهما.
والعرب قد تسمي الشيء باسم الشيء، إذا كان من سببه. من ذلك: المُزابنة في البيع: [هو] (101) أن يشتري الرجل ثمرة نخلته بتمر. فسمي: مزابنة، لأن المشتري إذا صرم النخلة، فقصّر ثمرها عما كان قدَّره، شارَّ البائع، وخاصمه، ونازعه. ولذلك نهى رسول الله عنها، لما فيها من البلاء، ولأنها غرر، يشتري الرجل منها ما لا يدي ما هو. وهي مما يكال ويوزن، والمَكيل والموزن إذا اشتريا بمثلهما من جنسهما، لم يكن الثمر إلاّ مِثْلا بمثل ويداً بيد. وإذا اشترى التمر بالتمر، فقد اشترى ما لا يعرف حقيقة كيله، ومبلغ وزنه.
واشتقاق " المزابنة " من قول العرب: الناقة تزبنُ الحالبَ، أي: تضربه برجلها. و " الزبانية " سموا: زبانية، لأنهم يعملون بأيديهم وأرجلهم.
وقد نهى رسول الله عن المزابنة، والمحاقلة، والملامسة، والمنابذة (102) .
فالمحاقلة: اشتراء الزرع بالحنطة، والزرع في سُنْبله. والحَقْل هو القراح عند أهل الشام وغيرهم. ويقال له أيضاً: الحَقْلَة، أو لقطعة (103) منه، ويقال في مثل: لا يُنْبتُ البقْلَةَ إلاّ الحَقْلَة (104) ويقال: احقل لي. أي: ازرع لي.
ويقال: المحاقلة: اكتراء الأرض بالحنطة.
ويقال: المحاقلة: اكتراء الأرض بالنصف والربع وأقلّ وأكثر. (321)
والمنابذة: أن يقول الرجل للرجل: إذا نبذت إليك الثوب، فقد وجب البيع، من قبل أن تنظر إليه، وتدري ما هو.
ويقال: المنابذة: أن يقول الرجل للرجل: إذا نبذت إليك الحصاة، فقد وجب البيع.
والملامسة: أن يقول الرجل للرجل: إذا لمستَ الثوب، من قبل أن تنشره 225 / أوتعرفه، / فقد وجب البيع.
__________
(100) ك: صديقك.
(101) من ك.
(102) ينظر: غريب الحديث 1 / 229.
(103) ك: قطعة.
(104) مجمع الأمثال 2 / 220.(2/308)
ويقال: الملامسة: أن يقول الرجل للرجل: إذا لمست ثوبي، أو لمست ثوبك، فقد وجب البيع.
والمخابرة: المزارعة بالثلث والربع وأقل وأكثر. سميت: مخابرة، لأن النبي دفع خيبر إلى أهلها، بعد أنْ ظَفِرَ بهم، بالنصف. ثم عصوا الله تعالى، ونكثوا، فحظرَ ذلك بنهيه عن المخابرة، ثم جازت قبلُ وبعدُ.
ويقال: " المخابر " مأخوذ من " الخبير " والخبير: الأكّار.
والمواكرة: المزارعة أيضاً، بالنصف والربع وأكثر وأقل، والأكّار: هو الذي يزارع، وهو " فعّال " من " المواكرة ".
والمخاضرة: بيع التمر وهو أخضر، لم يصفَرّ، ولم يحمرّ.
وجاءت هذه الحروف كلها على " مفاعلة " لأنها من اثنين، يشترك فيها فاعلان، فجرت مجرى المُضاربة، والمُشاتمة، والمُقابلة.
787 - وقولهم: قد تلألأ وجهُ فلانٍ
(105)
قال أبو بكر: معناه: قد حَسُنَ وأضاء، فأشبه بشدة اضاءته اللؤلؤ.
و" تلألأ ": تَفَعْلَلَ من " اللؤلؤ ". قال الله عز وجل: {الزجاجةُ كأنّها كوكبٌ دُرِّيّ} (106) . فقال أصحاب هذه القراءة: " الدُّرِّيّ " منسوب إلى " الدُّّر "، شبه الله عز وجل الزجاجة، في صفائها وإضاءتها، بالدُّرّ.
وقال الذين قرأوا: {دريءُ} ، بالهمز: هو من قول العرب: قد درأ الكوكب: إذا جرى في أفق السماء، والعرب تسمي الذي يصنع اللؤلؤ: لآلأ، (322) ويجوز: لأآء، بهمزة في آخر الحرف. قال عبيد الله بن قيس الرقيات (107) :
__________
(105) اللسان (لألأ) .
(106) النور 35.
(107) ديوانه 112 - والسخام: اللين. والحقو: معقد الأزرار من الكشح، والبادن: السمين.(2/309)
(حبذا الحَجُّ والثريا ومَنْ بالخَيْفِ ... من أَجلِها ومُلقى الرِّحالِ)
(يا سُليمان إنْ تلاقِ الثريا ... تَلْقَ عيشَ الخلودِ قبلَ الهلالِ)
(دُرّةٌ من عقائلِ البحرِ بِكْرٌ ... لم تَنَلْها مثاقِبُ اللآل)
(تعقدُ المِئزَرَ السُخامَ من الخزْزِ ... على حقْوِ بادنٍ مكسالِ)
788 - وقولهم: قد شَمِطَ الرجلُ، وفي رأسِهِ شَمَطٌ
(108)
قال أبو بكر: " الشمط " معناه في كلام العرب: اختلاط البياض بالسواد. ويقال لليل إذا خالطه بياض الصبح: شَميطٌ. ويقال للقَتِّ إذا خُلط بن التبن: شَميطٌ أيضاً. قال طُفيل (109) :
(شميطُ الذُّنابي جُوِّفَتْ وهي جَوْنَةٌ ... بنُقْبَةِ دِيباجٍ ورَيْطٍ مُقَطَّعِ) 225 / ب
/ وقال الآخر:
(فإني على ما كنتَ تعهدُ بينَنَا ... وليدَيْنِ حتى أنتَ أَشمطُ عانِسُ) (110)
وأنشدنا أبو العباس عن سلمة بن الفراء:
(إمّا تَرَيْ شَمَطاً في الرأس لاحَ بِه ... من بعدِ أسودَ داجي اللونِ فَيْنانِ)
(فقد أروعُ قلوبَ الغانياتِ به ... حتى يملنَ بأجياد وأَعْيانِ) (111)
وإذا كان السواد والبياض نصفين، أو شبيهاً بهما، قيل: قد أَخلَسَ الشعر (323) فهو مُخْلس. قال الشاعر:
(والرأس قد صار خَلِيسَيْن اثنين ... )
(من البياضِ والسوادِ نِصْفَيْن ... ) (112)
__________
(108) اللسان (شمط) .
(109) ديوانه 104.
(110) بلا عزو في جمهرة اللغة 3 / 34.
(111) جاءا بلا عزو أيضاً في المذكر والمؤنث 193 ونسب إنشادهما إلى يعقوب بن السكيت، وقد أنشدهما أبو زيد في النوادر 22 لرومي بن شريك الضبي، قال: وأدرك الإسلام. وهما بلا عزو في المنصف 3 / 51، والفسر 1 / 117، والأول غير معزو في اللسان (فين) والثاني بلا عزو أيضا في المقتضب 2 / 199، والمخصص 16 / 185، والتبيان في شرح الديوان 1 / 39. [ف: وعينان] .
(112) لم أقف عليهما.(2/310)
وقال الآخر:
(لمّا رأتْ شيبَ قذالي عِيسا ... )
(وحاجتيّ أعقبا خَلِيسا ... )
(قَلَتْ وصالي واصطَفَتْ إبليسا ... )
(وصامَتِ الاثنين والخَميسا ... ) (113)
أي: صامت هذين اليومين كراهية لقربى منها. وقال المّرار (114) :
(أَعَلاقةً أُمَّ الوُلَيِّدِ بعدما ... أفنانُ رأسكَ كالثُّغامِ المُخْلسِ)
" الثغام " جمع: ثغامة، و " الثغامة " في قول أبي عبيد: شجرة لها نَوْرٌ أبيض، يُشَبَّهُ به الشيء.
وقال غيره: الثغامة: شجرة تَبْيَضُّ إذا أصابها المحل، ويسوَدُّ بعضها، فتوصف بالإِخلاس لذلك. وإذا غلب البياض على السواد فهو أغثم. قال الشاعر (115) :
(إمَّا تَرَيْ شيباً علاني أَغْثَمُهْ)
(لَهْزَمَ خَدَّيَّ به مُلَهْزِمُهْ)
789 - وقولهم: فُلانة سُرِّيَّةُ فُلان
(116)
قال أبو بكر: في الاعتلال لتسميتهم السرِّيَّةُ: سرية، قولان: أحدهما: أنّها سُميت بذلك، لاتخاذ صاحبها إيّاها للنكاح. وهي " فُعْلَّيةٌ " من " السِرّ " والسِرُّ عند العرب: الجماع. قال الله عز وجل: {ولكنْ لا تُواعِدوهنَّ سِرّاً} (117) ، فمعناه: جماعاً. وقال امرؤ القيس (118) :
__________
(113) لم أقف عليهما.
(114) شعره: 168.
(115) رجل من بني فزارة في نوادر أبي زيد 52. ولهزم: خالط.
(116) اللسان (سرر) .
(117) البقرة 235.
(118) ديوانه 28 وفيه: ولا شاهد فيه على هذه الرواية وقد سلف في 1 / 206.(2/311)
(324)
(ألا زَعَمَتْ بسباسَةُ اليومَ أنني ... كبِرْتُ وأنْ لا يُحْسِن السِرَّ أمثالي)
وقال الأعشى (119) :
(فلن يطلبوا سِرَّها للغِنى ... ولَنْ يُسْلموها لأَزهادِها) 226 / أ
/ خَبَّر عنهم أنّهم لا يطلبون نكاحها ليستغنوا بمالها، ولا ينصرفون عنه لفقرها.
وإنما سُمي النكاح سِرّاً، لأنه يُخْفَى، ويُغَيَّبُ، ويُسْتَرُ عن الناس، فشُبِّه بالسِرّ من القول.
ورُبَّما سَمَّتِ العرب الزنا سِرّاً، قال الشاعر (120) :
(ويحرُمُ سِرُّ جارتهِم عليِهِم ... ويأكلُ جارُهُم أُنُفَ القِصاعِ)
أراد بالسر: الزنا. وقال العجاج (121) :
(إني امرؤٌ عن جارتي كَفِيُّ ... )
(عن الأذى إنَّ الأذى مَقْلِيُّ ... )
(وعن تَبَغَّي سِرِّها غَنِيُّ ... )
(عفٌّ فلا لاصٍ ولا مَلْصِيُّ ... )
اللاصي: القاذف، والملصي: المقذوف. يقال: لصيتُ الرجل: إذا قذفته، وافتريت عليه. وقال رؤبة (122) :
(فعَفَّ عن أسرارِها بعد العَسَقْ ... )
(ولم يضعها بينَ فِرْكٍ وعَشَقْ ... )
أراد بالأسرار: الزنا.
والقول الآخر: أنها سُميت " سُرِّيَّة " لسرورِ صاحبها بها، وهي " فُعْلِّيَّة " من " السُّر ". أخبرنا أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: السر عند العرب هو السرور بعينه.
__________
(119) ديوانه 56 وقد سلف في 1 / 205.
(120) الحطيئة، ديوانه 62 وقد سلف في 1 / 206.
(121) ديوانه 315، وكفي: غني، ومقلي: مكروه.
(122) ديوانه 104.(2/312)
وقال بعضهم: يجوز أن تكون " السرية ": فُعُّولة من " السرور "، وأصلها: سُرُّورة، فاستثقلوا الجمع بين ثلاث راءات، فأبدلوا من الثالثة ياء، وأبدلوا من الواو ياء، وأدغموها في الياء التي بعدها، فصارتا ياء مشددة، وكسروا ما قبل الياء لتصحّ. (325)
ويقال: سُرِّيَّة، وسِرِّيَّة، بالضم والكسر، وفي الجمع: سراري، وسرارٍ، بتثقيل الياء وتخفيفها. فمن ثقّلها أثبتها في الخط؛ ومن خففها حذفها، لسكونها، وسكون التنوين في الرفع والخفض. فأما باب النصب فإنها ثابتة فيه من الخط على اللغتين كلتيهما، كقولهم: رأيت سراريَ فلان، وسراري. وكذلك مع الألف واللام، تثبت في المذهبين جميعاً، كقولهم: رأيت السراري، وقام السراري، ومررت بالسراري. ومثلهن: القَماري، والدّناسي، والذَّراري، والأماني.
790 - وقولهم: قد عدا فلان مِلءَ فروجِهِ
(123)
قال أبو بكر: أخبرني أبي - رحمه الله - عن أحمد بن عبيد قال: قال أبو زيد الأنصاري: العرب تقول: جرت الدابة ملءٌ فروجُها وفروجها: ما بين قوائمها. فالفروج رفع بِملء. ويقال في المذكر: جرى الفرس مِلءَ فروجه، وهي ما بين قوائمه، أي: من شدة / إسراعه في الجري امتلأ ما بين قوائمه 226 / أبالغبار والتراب.
والعرب تسمي ما بين القوائم: خواء، وكذلك يسمون كل فرجة بين شيئين.
أنشدني أبي - رحمه الله - قال: أنشدنا الطوسي لبشر بن أبي خازم (124) في صفة فرس:
__________
(123) اللسان (فرج) .
(124) ديوانه 74. والطبيان: طرفا الضرع.(2/313)
(نَسوفٍ للحِزام بِمِرْفَقَيْها ... يَسُدُّ خواءَ طُبْيَيْها الغبارُ)
يعني أن الفرس من شدة إسراعها، يرتفع الغبار فيسد ما بين طبييها. ويقال: قد (326) خوى البعير: إذا تجافى عن الأرض في بَرْكِهِ. قال العجاج (125) :
(خوَّى على مستوياتٍ خَمْسِ ... )
(كِرْكِرَةٍ وثَفِناتٍ مُلْسِ ... )
ويروى عن البراء (126) أنّه سُئل عن صلاة رسول الله (127) فرفع عجيزته وخوَّى. فمعناه: أنه تجافى عن الأرض. والعجيزة أصلها للمرأة، ثم تستعمل للرجل بمعنى " العجُز ". ويُروى عن البراء انه قال: (كان رسول الله إذا سجد جخَّى بمرفقيه عن جَنْبَيْهِ) (128) . فمعنى جخَّى. تقوَّس وتفتّح. أنشدنا أبو شُعَيْب قال: أنشدنا يعقوب بن السِّكَّيت:
(لا خَيْرَ في الشيخِ إذا ما اجْلَخّا ... )
(وسالَ غَرْبُ عيْنهِ وجخَّا ... ) (129)
وأنشدنا أبو العباس عن ابن الأعرابي:
(لا خيرَ في الشيخَ إذا ما اجَلَخَّا ... )
(وسالَ غَرْبُ عينهِ ولَخَّا ... )
(وكان أكلاً قاعداً وشَخَّا ... )
(تحتَ رواقِ البيتِ يخشى الدُخّا ... )
(وانثنت الرجلُ فصارتْ فخَّا ... )
(وعادَ وصلُ الغانياتِ أَخّا ... ) (130)
__________
(125) ديوانه 475 - 476. والكركرة والثفنة ملتقى العضد والذراع.
(126) البراء بن عازب. سلفت ترجمته.
(127) ك: ... وسجوده.
(128) النهاية 1 / 242.
(129) اللسان (جخا) .(2/314)
" اجلخ " معناه سقط، فلا ينبعث، ولا يتحرك. و " لخا " معناه كمعنى " سال "، و " الدخ " هو الدخان، وفيه لغتان: دُخّ، ودَخّ. وقوله: وعاد وصل الغانيات أخا، معناه: أفَّ وتُفَّ.
791 - وقولهم: لا سَمِعَتْ أُذنُ فُلان الرَّعْدَ
(131)
قال أبو بكر: قال اللغويون: الرعد: صوت السحاب، والبرق: ضوء ونور يكونان مع السحاب، ورُبَّما كانا أمارةً للمطر. وقال أبو عبيدة (132) : (327) العرب تقول:
(جونٌ هَزِيمٌ رَعْدُهُ أَجَشُّ ... )
يريدون بالجون: السحاب الأسود، والأجش: الذي فيه بَحَّةٌ وجُشَّةٌ. قال الشاعر:
(ولا زالَ من نَوْءِ السماكِ عليكما ... أَجَشَّ هزيمٌ دائمُ الوَكَفانِ) (133)
/ وقال ابن عباس (134) : " الرعد " اسم مَلَك. 227 / أ
واحتج بعض أهل اللغة لأن الرعد: صوت السحاب، بقول الله عز ذكره: {ويُسَبِّحُ الرعدُ بحمدِهِ والملائكةُ من خِيفَتِهِ} (135) ، قال: فذكره الملائكة بعد الرعد يدلّ على أن الرعد ليس بملك.
والذين قالوا: الرعد ملك، يحتجون بأن الله عز وجل ذكر الملائكة بعد الرعد، وهو من الملائكة، كما يذكر الجنس بعد النوع، والكثير بعد القليل. قال الله تبارك وتعالى {ولقد آتيناكَ سبعاً من المثاني والقرآن
__________
(130) الأبيات عدا الثالث في اللسان (دخخ) .
(131) التهذيب 2 / 207 واللسان (رعد) . بصائر التمييز 3 / 87.
(132) مجاز القرآن 1 / 325.
(133) للمجنون في ديوانه 272 وروايته: هزيم الودق بالهطلان وقد سلف في 1 / 337.
(134) تفسير الطبري 1 / 151.
(135) الرعد 13.
(136) الحجر 87.(2/315)
العظيم} (136) ، فذكر " القرآن " بعد " السبع "، وموضع " السبع " من " القرآن " كموضع " الرعد " من " الملائكة ".
وأصحاب الحديث، وكبراء أهل العلم من الصحابة والتابعين، يقولون: الرعد ملك، أو صوت ملك.
وحدثنا محمد بن يونس قال: حدثنا عون بن عمارة (137) قال: حدثنا (328) سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن شهر بن حوشب (138) قال: الرعد صوت ملك يقول: سبحان ربي العظيم.
وأخبرنا محمد بن عثمان قال: حدثنا منجاب (139) قال: أخبرنا بشر بن عمارة (140) عن أبي رَوْق (141) عن الضحاك عن ابن عباس قال: الرعد: ملك من الملائكة، وهو الذي تسمعون صوته، والبرق سوط من نور، يزجر به المَلَكُ السحابَ.
وحدثنا أبو جعفر التمتام (142) قال: حدثنا علي بن الجعد (143) قال: حدثنا شعبة (144) قال: أخبرنا الحكم (145) عن مجاهد قال: الرعد: ملك يزجر السحاب بصوته.
وأخبرنا أحمد بن الحسين قال: حدثنا عثمان أبي شيبة قال: حدثنا بشر بن
__________
(137) عون بن عمارة العبدي البصري. ت 212 هـ. (تهذيب التهذيب 8 / 73. خلاصة تذهيب الكمال 2 / 309) .
(138) تفسير الطبري 1 / 150.
(139) منجاب بن الحارث التميمي. ت 231 هـ. (تهذيب التهذيب 10 / 297، خلاصة تهذيب الكمال 3 / 85) .
(140) بشر بن عمارة الخثعمي. (تهذيب التهذيب 1 / 455) .
(141) عطية بن الحارث الهمذاني. (تهذيب التهذيب 7 / 224) .
(142) لم أقف على ترجمته.
(143) علي بن الجعد الجوهري، ت 23 هـ. (تهذيب التهذيب 7 / 289) .
(144) شعبة بن الحجاج، سلفت ترجمته.
(145) الحكم بن عتيبة، ت 115 هـ. (تهذيب التهذيب 2 / 432) .(2/316)
المفضل (146) عن عمر بن الوليد (147) عن عكرمة (148) قال: الرعد: ملك مُوكّل بهذا السحاب، يسوقه كما يسوق راعي الإِبل إبله.
وأخبرنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا أبو داود (149) قال: حدثنا إبراهيم بن سعد (150) عن أبيه قال: كنت جالساً مع حميد بن عبد الرحمن، إذا عرض شيخ في ناحية المسجد، فقال: يابن أخي وَسِّع لهذا الشيخ بيني وبينك، فإنه قد صحب رسول الله في بعض أسفاره. فوسعت (329) له، فجلس بيننا. فقال حميد له: الحديث الذي تذكره في السحاب، فقال: سمعت رسول الله يقول: (إن الله عز وجل يُنشيء السحاب، فينطق أحسن المنطق، ويضحك أحسن الضحك) (151) . فذكر أن منطقه الرعد، وضحكه البرق. فهذا شاهد لأقوال اللغويين.
وحدثنا محمد بن يونس قال: حدثنا أبو نُعيم (152) قال: حدثنا / بشير بن 227 / ب سلمان النهدي (153) عن أبي كثير (154) عن أبي الجلْد (155) قال: البرق: الماء (156) .
وأخبرنا أحمد بن الحسين قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا ابن
__________
(146) بشر بن المفضل بن لاحق، ت 187 هـ. (تهذيب التهذيب 1 / 458) . وفي ك: بشر بن الفضل، تحريف.
(147) عمر بن الوليد الشني. (ميزان الاعتدال 3 / 230، المشتبه 375، تبصير المنتبه 756) . ولم يذكره ابن حجر في التهذيب، وهو من شرطه. وصحف إلى السني في تفسير الطبري 1 / 151.
(149) سليمان بن داود الطيالسي، ت 203 هـ. (تهذيب التهذيب 3 / 182) .
(150) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم، ت 185 هـ. (تهذيب التهذيب 1 / 121) .
(151) الفائق 2 / 333 والنهاية 3 / 75 مع خلاف في الرواية.
(152) ضرار بن صرد الكوفي، ت 229 هـ. (تهذيب التهذيب 4 / 456) .
(153) مترجم بهذه النسبة. النهدي في طبقات ابن سعد 6 / 360 (ط. بيروت) والجرح والتعديل 1 / 1 / 374، والإكمال 1 / 258. وترجم بنسبة: الكندي في تهذيب الكمال 4 / 168، ثم تهذيب التهذيب 1 / 465، وخلاصة تذهيب الكمال 1 / 130، وميزان الاعتدال 1 / 329. وفي ك: سليمان، وكذا ورد في تقريب التهذيب 1 / 103 والخلاصة.
(154) لم أقف على ترجمته.
(155) هو جيلان بن أبي فروة البصري. (التاريخ الكبير 1 / 2 / 250، الكنى والأسماء 1 / 139. وصحف إلى أبي الخلد في الطبري) .
(156، 157) تفسير الطبري 1 / 151 - 152.(2/317)
إدريس عن الحسن بن الفرات عن أبيه قال: كتب ابن عباس إلى أبي الجَلْد يسأله عن الرعد والبرق، فكتب إليه أبو الجلد: الرعد: الريح، والبرق: الماء (157) .
وحدثنا أبو جعفر التمتام قال: حدثنا قبيصة (158) قال: حدثنا سفيان عن سلمة بن كُهيل (159) عن ابن أشوع (160) عن ربيعة بن أبيض (161) عن علي (162) (رض) (330) قال: البرق: مخاريق الملائكة. و " المخاريق " عند العرب "، جمع: مخراق، وهو ثوب يلفه الصبيان، ويضرب به بعضهم بعضاً. فشبه السوط الذي يضرب به الملائكة السحاب بالمخراق الذي يلعب به الصبيان، ويضرب به بعضهم بعضاً. قال عمرو بن كلثوم (163) :
(كأنَّ سيوفَنا فينا وفيهم ... مخاريقٌ بأيدي لاعِبينا)
وحدثنا أبو جعفر التمتام قال: حدثنا قبيصة قال: حدثنا سفيان عن عثمان بن الأسود (164) عن مجاهد (165) قال: البرق: مَصْعُ مَلَكٍ، فالمصع معناه: التحريك، والضرب. فكأنه شبه زجر السحاب بالسوط بالتحريك والضرب. قال القطامي (166) :
(تراهم يصدقون مَن استركّوا ... ويجتنبونَ مَنْ صَدَقَ المصاعا)
792 - وقولهم: أصابت القومَ صاعِقَةٌ
(167)
قال أبو بكر: قال مقاتل بن سليمان وغيره: الصاعقة: الموت. وقال آخرون: الصاعِقَةُ: كل عذاب مهلك. قال الله عز وجل: {فأخذتكم
__________
(158) قبيصة بن عقبة الكوفي، ت 215 هـ. (الجرح والتعديل 3 / 2 / 126، تهذيب التهذيب 8 / 347) .
(159) سلمة بن كهيل الحضرمي، ت 123 هـ. (تهذيب التهذيب 4 / 155) .
(160) سعيد بن عمرو بن أشوع، ت 120 هـ. (تهذيب التهذيب 4 / 67) .
(161) ذكره ابن حبان في الثقات.
(162) تفسير الطبري 1 / 152.
(163) شرح القصائد السبع 397، شرح المعلقات السبع 249.
(164) عثمان بن الأسود بن موسى المكي، ت 150 هـ. (تهذيب التهذيب 7 / 107) .
(165) تفسير الطبري 1 / 153.
(166) ديوانه 35. وفيه: يغمزون.
(167) تأويل مشكل القرآن 501، اللسان (صعق) .(2/318)
الصاعِقَةُ وأنتم تنظرونَ} (168) . وفيها ثلاث لغات: صاعِقَة، وصَعْقَة وصاقعَة. ويقال: هي الصواعِق، والصواقِع. وقد صُعِقَ القوم، وصُعقوا (169) . قال الشاعر (170) :
(أعدَّ اللهُ للشعراءِ مني ... صواقعَ يَخضعونَ لها الرقابا) (331)
وأنشدنا إدريس بن عبد الكريم قال: أنشدنا سلمة بن عاصم:
(ترى الشيبَ في رأس الفرزدق قد علا ... لهازمَ قردٍ رَنَّحَتْهُ الصواقعُ) (171)
وأنشدنا إدريس أيضاً قال: أنشدنا سلمة:
(يحكون بالمصقولة القواطع ... )
(تشقٌّ قَ البرق عن الصواقع ... ) (172)
وقال بعض اللغويين: الصاعقة: العذاب، والصَعْقَة: الغَشْية، ويقال في / جمعها: صَعَقات. 228 / أ
793 - وقولهم: قد أصابت القومَ زَلْزَلَةٌ
(173)
قال أبو بكر: الزلزلة، معناها في كلام العرب: التخويف والتحذير. من ذلك قول الله عز وجل: {وزُلزلوا حتى يقولَ الرسولُ} (174) ، أراد: خُوّفوا وحُذِّروا. وقال عمران بن حطان (175) :
(فقد أَظَلَتْكَ أيامٌ لها حَمَسٌ ... فيها الزلازلُ والأهوالُ والوَهَلُ)
الحمس: الشدّة، والوهل: الفزع. ت
__________
(168) البقرة 55.
(169) ك: صعق الرجل وصعق.
(170) جرير، ديوانه 819 وفيه: صواعق وقد سلف في ص 128.
(171) لجرير، ديوانه 923. وقد سلف 2 / 128.
(172) بلا عزو في اللسان (صقع) . وقد سلف مع آخر 2 / 128.
(173) سلف القول عنها في ص 129. وينظر التهذيب 13 / 166.
(174) البقرة 214.
(175) شعر الخوارج 150. وقد سلف 2 / 129.(2/319)
ويقول بعضهم: " الزلزلة " مأخوذة من " الزلل في الرأي. فإذا قيل: قد زلزل القوم، فمعناه: أنهم صُرفوا عن الاستقامة، وأوقعَ في قلوبهم الخوف والحذر.
والأصل فيه: زُللّوا، فأبدلوا من اللام الثانية زاياً، كراهية للجمع ين اللامات، كما قالوا: قد صرْصر الباب: إذا صوّت، وأصله: صَرَّر. ونظائر هذا كثيرة، قد مضى بعضها أو أكثرها.
والعرب تقول: قد أُزِلَّ الرجل في رأيه حتى زَلَّ، وأُزيل عن موضعه حتى زالَ. (332)
794 - وقولهم: قد أصابتهم الرّجْفَةُ
(176)
قال أبو بكر: الرجفة، معناها في كلام العرب: تحريك الأرض، يقال: قد رجف الشيء: إذا تحرك. قال الشاعر:
(تحنَّى العظامُ الراجفات من البلى ... وليس لداءِ الرُكبتيْنِ طبيبُ) (177)
795 - وقولهم: ما في الثَقَلَيْنِ مِثْلُهُ
(178)
قال أبو بكر: الثقلان: الجن والإنس. وإنما قيل لهما: ثقلان، لأنهما كالثقل للأرض وعليها.
و" الثَقَل " بمعنى " الثِقْل " وجمعهما: أثقال. ومجراهما مجرى قول العرب: مِثْل ومَثَل، وشِبْه وشَبَه، [ونجْس ونجس] وقِتْبٌ وقَتَب، ونِكْل شرٍّ ونَكل شرٍّ.
حدثنا علي بن محمد بن أبي الشوارب قال: حدثنا سهل بن بكار (179) قال: حدثنا أبو عوانة (180) عن قتادة عن خليد بن عبد الله العصري (181)
__________
(176) اللسان (رجف) .
(177) بلا عزو في اللسان (رجف) وقد سلف في 1 / 289.
(178) التهذيب 9 / 79، وجنى الجنتيين 31.
(179) ت 227 هـ. (خلاصة تهذيب الكمال 1 / 425) .
(180) الوضاح بن عبد الله، ت 176 هـ (خلاصة تذهيب الكمال 3 / 140) .
(181) راو للحديث. (تهذيب التهذيب 3 / 159) .(2/320)
عن أبي الدرداء - أحسبه وقع (182) الشك في الحديث - قال: (ما طلعتِ الشمسُ قَطُّ إلاّ وبجنبتيها ملكان يناديان وإنهما ليُسمِعان مَنْ على الأرض، إلاّ الثقلين: يا أيُّها الناس هلموا إلى ربكم، فإنّ ما قلَّ وكفى خيرٌ حما كَثُرَ وألهى، وما غَرِبتِ الشمس قط إلا وبجنبتيها ملكان يناديان، [و] إنهما ليسمعان من على الأرض، إلا الثقلين: اللهم عَجَّلْ / لُمنفِقٍ خَلفاً، وعجَّل لِمُمْسِكٍ 228 / ب تلفاً) (183) .
قال الله عز وجل: {وأخرجتِ الأرضُ أثقالَها} (184) ، فمعناه: ما (333) فيها من كنوز الذهب والفضة، وخرج الموتى بعد ذلك، ومن أشراط الساعة أن تلقي الأرض أفلاذ كبدها، أي: ما فيها من الكنوز، فشُبّه ذلك بقطع الكبد، إذ كانت الكبد يشتمل عليها البطن.
وواحد الأثقال: ثِقل، وثَقل، وواحد الأفلاذ: فِلْذ، وفلذ. والفلذ: قطعة من الكبد. يقال: أطعمني فِلْذاً، وفِلْذةً، وحُزَّةً من الكبد، وحِذْيةً من اللحم، وهي قطعة صغيرة، وفِلْعة من السنام، وشطبة وسائغة بمنزلة الحِذْية من اللحم.
وكانت العرب تقول للفارس الشجاع: ثِقْلٌ على الأرض، فإذا قُتل أو مات، سقط بذلك عنها ثِقْل. قال الشمردل بن شريك (185) يرثي أخاه أُبَيّاً:
(وحَلَّتْ به أثقالَها الأرضُ وانتهى ... لمثواه منها وهو عفٌّ شمائلُهْ)
وقالت الخنساء (186) ترثي أخاها صخراً:
(أَبَعْدَ ابن عمروِ من آلِ الشريْدِ ... حَلَّت به الأرضُ أثقالَها)
أي: لما كان شجاعاً سقط بموته عنها ثقل. ويقال: معناه: زيَّنت به موتاها، من الحِلية، والحُلي.
__________
(182) من ل، وفي الأصل: دفعه.
(183) غريب الحديث 1 / 217.
(184) الزلزلة 2.
(185) شعره: 305 وعجزه فيه: بمثواه منها وهو عف مأكله.
(186) ديوانها 73.(2/321)
وأمّا الإِنس (178) فسُموا: إنساً، لإِيناسهم. وسُمي الجنّ: جنّاً، لاستتارهم. وكذلك سمّت العرب الملائكة جِنّاً، وجِنَّة، لتواريهم عن أعين الناس. قال الله عز وجل: {وجعلوا بينَهُ وبينَ الجِنَّةِ نَسَباً} (188) . معناه: من قبيلٍ من الملائكة، يقال لهم: الجِنّ. وقال الأعشى (190) في صفة سليمان بن داود عليهما السلام (191:
(وسَخَّرَ من جِنِّ الملائِك تسعةً ... قياماً لديه يعملون بلا أجرِ)
أراد بالجن: الملائكة، وأضافِهم إليه لاختلاف اللفظتين (192) .
واشتقاق " الجن " من قول العرب: قد جنَّ عليه الليل، وأجنَّهُ. وربما قالوا: جَنَّهُ، فأسقطوا الألف، وعدّوا الفعل. قال الشاعر (193) :
(يُوصِّلُ حَبْلَيْهِ إذا الليلُ جنَّهُ ... ليرقى إلى جاراتِهِ بالسلالِمِ)
وربما أوقعت العرب " الجن " على " الإنس "، و " الإنس " على " الجن "، إذا فهم المعنى، ولم يدخله التباس. قال الله عز وجل: {في صدور الناس من 229 / أالجِنَّةِ والناسِ} (194) ، أراد: / في صدور الناس، جنِّهِم وناسِهِم. وقال أيضاً: {وأنّه كانَ رجالٌ من الإِنس يعوذونَ برجالٍ من الجِنِّ} (195) . وقال الفراء: قال بعض العرب في كلامه: فجاء قوم من الجن، فوقفوا، فقيل لهم: من أنتم؟ فقالوا: أُناسٌ من الجِنِّ.
__________
(187) اللسان (أنس) .
(188) الصافات 158.
(189) الكهف 50.
(190) ديوانه 243.
(191) من ك: وفي الأصل: صلى الله على نبينا وعليه.
(192) ك: اللفظين.
(193) جرير، ديوانه 1001 وفيه: جن ليله وينظر شرح القصائد السبع 386، 582 والأضداد 334.
(194) الناس 6.
(195) الجن 6.(2/322)
796 - وقولهم: لا تَقُل له إلاّ كذا وكذا قَطْ
(196)
قال أبو بكر: " قط " معناه في كلام العرب: حَسْبُ وطاؤها ساكنة، لأنها بمنزلة " هَلْ " و " بَلْ " و " أَجَلْ ". وكذلك: " قَدْ " (197) ، يقال: قَدْ عبد الله درهمٌ، وقَطْ عبد الله درهمٌ. يُراد بهما: حَسْبُ عبد الله درهمٌ، أي: يكفي عبد الله (335) درهم. قال الشاعر:
(قَدِ القلبَ من وجدٍ بها برّحَتْ به ... قَدِ القلبِ من وجدٍ بها أبداً قَدِ) (198)
ويروى: قِدِ القلبِ، بالخفض.
فمَنْ خَفَضَ، وأضافَ الحرفين إلى نفسه، قال: قَدِي، وقطي. ومن نصب بهما، وأضاف (199) إلى نفسه، قال: قَدْني وقَطْني. قال أبو النجم (200) :
(امتلأ الحوضُ وقالَ قطني ... )
(سَلاًّ رويداً قد ملأتَ بطني ... )
وقال الآخر (201) :
(قَدْنيَ من نصرِ الخبيبين قَدِي ... ) ( [ليَسَ الإمامُ بالشحيحِ المُلحدِ] ... ) (202)
وقال الآخر:
(قَطْني من قتلِ الحُسَيْنِ قَطني ... ) (203)
__________
(196) الكتاب 1 / 386 - 387، التهذيب (المستدرك) 268 - 269 اللسان (قطط) .
(197) ينظر: الجنى الداني 253 (قباوة) 269 (محسن) ، المغني 185.
(198) سلف / 504.
(199) ك: وأضافها.
(200) البيتان بلا عز في مجالس ثعلب 158، وإصلاح المنطق 57، 342، والانصاف 130.
(201) أو نخيلة في تحصيل عين الذهب 1 / 387، وحميد الأرقط في الخزانة 2 / 449 و 3 / 34. وأبو بحدلة في شرح المفصل 3 / 124، وحميد بن ثور في الصحاح (لحد) وليسا في ديوانه. وهما بلا عزو في الكتاب 1 / 387 وإصلاح المنطق 342، 401 وما يجوز للشاعر في الضرورة 141. والخبيبان عبد الله بن الزبير وكنيته أبو خبيب وأخوه مصعب.
(202) من ك.
(203) لم أقف عليه. والبيت ساقط.(2/323)
ومن العرب من يقول: قَطْن عبدَ اللهِ درهمٌ، فيزيد نوناً على " قط "، وينصب بها، ويخفض، ويضيف إلى نفسه، فيقول: قطني. ولم يُحْك ذلك في " قَدْ "، والقياس فيهما واحد. (336)
797 - وقولهم: فلانٌ متوانٍ
(204)
قال أبو بكر: معناه مُفَرّطٌ، ضعيف السّعي فيما يُراد منه السَّعيُ فيه. من قول العرب: قد ونى الرجل يني وَنْياً: إذا ضعف وفتر. قال الله عز وجل: {ولا تَنِيا في ذكري} (205) . وأنشد الفراء:
(وَزَعْتُ بكالهراوةِ أعوجيٍّ ... إذا وَنَتِ الركابُ جرى وثابا) (206)
798 - وقولهم: قد صارَ فضيحةً في الغابرين
(207)
قال أبو بكر: الغابر في كلام العرب: الباقي، وهو الأشهر عندهم. وقد يقال أيضاً للماضي: غابر، قال الشاعر (208) في أعرف المعنيين:
(فما وَنَى محمدٌ مُذْ أنْ غَفَرْ ... )
(له الإلهُ ما مضى وما غَبَرْ ... )
وقال الله عز وجل: {إلاّ عجوزاً في الغابرين} (209) ، أراد: في الباقين. وقال الشاعر: 229 / ب
(/ مخافةَ ألاّ يجمعَ اللهُ بينَنَا ... ولا بينها أخرى الليالي الغوابِرِ) (210)
__________
(204) اللسان (ونى) .
(205) طه 42.
(206) بلا عزو في معاني القرآن 3 / 85، وأدب الكاتب 505 (تح محمد الدالي) والمخصص 14 / 64. وقال فيه ابن السيد في الاقتضاب 429: ((هذا البيت لابن غادية السلمي فيما ذكر أبو عبيدة وبعده ... " وأنشد بيتين.
(207) اللسان (غبر) .
(208) العجاج، ديوانه 8.
(209) الشعراء 171.
(210) بلا عزو في معاني القرآن 3 / 147 برواية " إرادة ألا ... "، والأضداد 129.(2/324)
أراد: البواقي. وقال الآخر (211) :
(تَعَزَّ بصبرٍ لا وجَدِّكَ لن ترى ... سنامَ الحِمى أُخرى الليالي الغوابِرِ)
(كأن فؤادي من تذكُّرِهِ الحِمى ... وأهلَ الحمى يهفو به ريش طائِر) (337)
وقال الآخر: وهو محكي عن عبد الله بن عباس:
(أحياؤهم خِزْيٌ على أمواتهم ... والمَيتونَ فضيحةٌ للغابرِ) (212)
وقال الآخر: في أقلّ المعنيين، وهو الأعشى (213) :
(عضَّ بما أبقى المواسي له ... من أُمِّهِ في الزمنِ الغابِرِ)
أراد: في الزمن الماضي.
799 - وقولهم: طيرُ اللهِ لا طَيْرُكَ
(214)
قال أبو بكر: معناه: فعلُ اللهِ وحُكْمُهُ، لا فِعلك [وما] نتخوفه منك.
قال أبو عبيدة (215) : الطائر عند العرب: الحظُّ، وهو الذي تسميه العوام: البخت.
وقال الفراء (216) : الطائر معناه عندهم: العمل. قال الله عز وجل: {وكلُّ إنسان ألزمناه طائِرَهُ في عُنُقِهِ} (217) ، أي: عمله.
قال أبو بكر: فيجوز أن يكون أصله: البخت، ثم أوقع بعد ذلك على العمل. قالت رقيقة بنت أبي صيفي (218) تعني النبي:
(مَنَّاً من اللهِ بالميمونِ طائِرُهُ ... وخَيرِ مَنْ بُشِّرَتْ يوماً به مُضَرُ)
__________
(211) بلا عزو في الأضداد 129. ويرويان لابن الدمينة وغيره، ينظر ديوانه 45 وتخريجهما 226 - 227.
(212) لم أقف عليه.
(213) ديوانه 106.
(214) جمهرة الأمثال 2 / 17.
(215) مجاز القرآن 1 / 372.
(216) معاني القرآن 2 / 118.
(217) الإسراء 13.
(218) صحابية. (الإصابة 7 / 646) .(2/325)
وأخبرني أبي - رحمه الله - قال: أخبرنا الطوسي وابن الحكم عن اللحياني قال: يقال: طيرُ اللهِ لا طيرُكَ، وطيرَ اللهِ لا طيرَكَ، وطائرُ اللهِ لا طائرُك، وطائرَ اللهِ (338) لا طائرَكَ، وصباحُ اللهِ لا صباحُك، وصباحَ اللهِ لا صباحَك، ومساءُ اللهِ لا مساؤكَ، ومساءَ اللهِ لا مساءَكَ.
قال اللِّحياني: يقولون هذا كله إذا تطيَّروا من الإنسان.
قال أبو بكر: فالرفع على معنى: هذا طائرُ اللهِ، والنصب على معنى: نُحبُّ طائرَ اللهِ، ونريدُهُ.
800 - وقولهم: هو جالسٌ في البَهْوِ
(219)
قال أبو بكر: قال الأثرم: قال أبو عمرو: البهو عند العرب: الصُفَّة الواسعة. وأنشد لرؤبة (220) :
(أجوفَ بهّى بَهْوَهُ فاستَوْسعا ... منه كِناسٌ تحتَ عينٍ أينعا) 230 / أ
/ فقوله: بهّى بهوه، معناه: جعله ذا بَهْوٍ، أي: عمل فيه ما يشبه الصُفَّةَ الواسعة.
ويُروى: تَحتَ عينٍ، وتحتَ غَيْنٍ، [وتحت غِينٍ] .
فمن رواه: تحت عَين، قال: العين: مطر أيام لا يُقلع. ويقال: العين ماعَن يمين القبلة وشمالها من الغيم. قال العجاج (221) :
(سارٍ سرى من قِبَلِ العينِ فَجَرْ ... )
(عِيطَ السحابِ والمرابيعَ الكُبَرْ ... )
العيط: سحائب طويلات العناق، والمرابيع: سحائب ينشأن [في الربيع] .
ومَنْ رواه: تحتَ غَيْنٍ، قال: الغين: إطباقُ الغيمِ السماء (222) . يقال:
__________
(219) اللسان (بها) .
(220) ديوانه 90.
(221) ديوانه 19.
(222) ك: في السماء. وينظر اللسان (غين) .(2/326)
غينَتِ [السماءُ] غَيْناً: إذا ألبسها الغيم وسترها. ومن ذلك قول الشاعر (223) :
(كأني بين خافِيتَيْ عُقابٍ ... أصابَ حَمامةً في يوم غَيْنِ) (339)
ومنه قول النبي: (إنّه ليُغانُ على قلبي حتى أستغفر الله) (224) .
ومن رواه: تحت غين، قال: الغين: أشجار كثيرة الورق، ملتفة الأغصان، واحدتها: غيناء. أنشد الفراء:
(لَعِرْضٌ من الأعراض يُمسي حمامُهُ ... ويضحى على أفنانِهِ الغينِ يهتفُ)
(أَحبُّ إلى قلبي من الديكِ ريَّةً ... وبابٍ إذا ما مال للغلقِ يصرِفُ (225)
801 - وقولهم: به بَهَقٌ
(226)
قال أبو بكر: قال أبو الحسن الأثرم: البهق: بياضٌ كَدِرٌ، وكلُّ بياض كدر يقال له: بَهَقٌ. وأنشد لرؤبة (227) :
(بل بلدٍ يُكسى الشعاعَ الأَبهَقَا ... )
(من السرابِ والقَتامِ الأَعْبَقَا ... )
الشعاع: المنتشر من السحاب، ويقال: هو قِطَعٌ من السراب. والأعبق: الملتزق. ويقال: للكَدِر: أَرْمَد، وأَرْبَد، وأَطْحَل، وأَغْثَر. قال النبي: (يُؤتى بالموتِ يومَ القيامةِ كَبْشاً أَغْثَرَ) (228) . فإن كانت الغثرة تضرب إلى الصفرة، فهي: غُبْسَةٌ، والموصوف: أَغْبَس، وإنْ كانت تضرب إلى الحمرة، فهي: قُتْمَة، والموصوف: أَقْتَمْ.
__________
(223) رجل من بني تغلب في اللسان (غين) . وهو بلا عزو في غريب الحديث 1 / 137، المذكر والمؤنث 439.
(224) النهاية 3 / 403.
(225) سلف البيتان وتخريجهما ص 70، 205.
(226) اللسان (بهق) .
(227) ديوانه 109.
(228) النهاية 3 / 342.(2/327)
802 - وقولهم: قد تيامَنَ الرجلُ
(229)
قال أبو بكر: العامة تخطئ في معنى " تيامن "، فتظن أنه اخذ على (340) يمينه، وليس كذلك معناه عند العرب، إنما يقولون: تيامن: إذا أخذ ناحية اليمن، وتشاءم: إذا أخذ ناحية الشام، ويامن: إذا أخذ على يمينه، وشاءم: 230 / ب إذا / أخذ على شماله. قال النبي: (إذا نشأتْ بَحْرِيَّة ثم تشاءَمَتْ فتلكَ عَيْنٌ غُدَيْقَةٌ) (230) . أراد: إذا ابتدأت السحابة من ناحية البحر، ثم أخذت ناحية الشام، فتلك أمطار أيام لا تُقْلعُ. والغديقة: الكثيرة، من قول الله عز وجل: {ماءً غَدَقاً} (231) .
ويقال: قد أَشْأم الرجل: إذا أتى الشام. وقد أيمن: إذا أتى اليمن، ويامن أيضاً. وقد انحجز، واحتجز: إذا أتى الحجاز. وقد أمنى، وامتنى: إذا أتى منىً. وقد جَلَسَ: إذا أتى نجداً، ويقال لنجد: جَلْسٌ. وقد نزل: إذا أتى منى (232) . وقد أعمن، وأعرق، وأغار، وأخاف، وأنجد: إذا أتى العراق، وعُمان، والغور، وخيف منى، ونجداً. يقال: (أَنْجَدَ مَنْ رأى حَضَناً) (223) . وحضن: اسم جبل (234) ، أي: من رأى هذا الجبل فقد دخل نجداً. ويقال: قد أتهم: إذا أتى تهامة، وقد أجبل، وأسهل: إذا صار إلى الجبل والسهل. وعالى: إذا صار إلى العالية. وساحل: إذا أخذ على الساحل. وألوى: إذا صار إلى اللّوى من الرمل. وأجد: إذا صار إلى الجدَدَ. قال الشاعر (235) :
(شِمالُ مَنْ غارَبِهِ مُفْرعاً ... وعن يمينِ الجالسِ المُنْجِد)
__________
(229) التهذيب 15 / 527، واللسان (يمن) .
(230) الفائق 3 / 428، النهاية 5 / 51.
(231) الجن 16.
ينظر إصلاح المنطق 308 - 309، وشرح القصائد السبع 535 - 536.
(232) (وقد نزل ... منى) ساقط من ك.
(233) وهو مثل في معنى الدلالة على الشيء. (جمهرة الأمثال 1 / 78، مجمع الأمثال 2 / 377) .
(234) الجبال والأمكنة والمياه: 63.
(235) العرجي، ديوانه 11 وفيه: يمين من مر به متهماً وعن يسار. ورواية ابن الأنباري هي نفس رواية الأصمعي في كتابه الإبل 101. وينظر المذكر والمؤنث 698.(2/328)
أراد بالجالس: الذي أتى نجدا. وقال الآخر (236) :
(قلْ للفرزدق والسفاهةُ كاسمِها ... إنْ كنتَ تاركَ ما أمرتُكَ فاجلسِ) (341)
أي: فأتِ جَلْساً. وقال الآخر (237) :
(أنازلَةٌ أسماءُ أمْ غيرُ نازِلَهْ ... أبيني لنا يا أسمَ ما أنتِ فاعِلَهْ)
وقال الآخر (238)
(وافيتُ لمّا أتاني أنّها نَزَلَتْ ... إنّ المنازلَ مما تَجْمَعُ العَجَبا)
وقال لبيد: (239)
(فصُوائِقٌ إنْ أَيْمَنَتْ فمظِنَّةٌ ... منها وِحافُ القَهْرِ أو طِلْخامُها)
أراد بأيمنت: صارت إلى اليمن. وقال الآخر (240) :
أراد بأيمنت: صارت إلى اليمن. وقال الآخر (240) :
(نبيٌّ يرى ما لا ترون وذِكرُهُ ... أغارَ لعمري في البلادِ وأَنْجَدا)
فيقال: أغار: أتى (241) الغور، ويقال: أغار: أسرع. ويروى:
(...... ...... وذكره ... لعمري غار في البلاد...... ...... ..)
وقال الآخر (242) :
(فإنْ تُتْهموا أُنْجِدْ خِلافاً عليكم ... وإنْ تُعْمِنوا مُسْتَحقبي الحربِ أُعْرِقِ)
/ وإذا أمرت الرجل أن يأخذ على يمينه، قلت له: يامِنْ، وعلى شماله: 231 / أشائِمْ. وإذا أخبرت عنه، قلت: يامَنَ، وشاءَمَ. ويقال: قد كوَّف، وبصَّر: إذا أتى الكوفة، والبصرة. ويقال أيضاً: أكافَ. قال الشاعر (243) : (342)
(أُخَبِّرُ مَنْ لاقيتُ أني مُبَصِّرٌ ... وكائِنْ ترى قبلي من الناس بَصَّرا)
__________
(236) عبد الله بن الزبير، وينسب إلى مروان بن الحكم، ينظر شعر عبد الله بن الزبير 149. وفات جامعه أن البيت نسب أيضا إلى عمر بن عبد العزيز في درة الغواص 143 (توربيكه) 194 (أبو الفضل) .
(237) عامر بن الطفيل، ديوانه 104.
(238) ابن أحمر، شعره: 44.
(239) ديوانه 302. وصوائق اسم جبل بالحجاز، وحاف: موضع، والقهر: جبل، وطلخام: واد أو أرض.
(240) الأعشى، ديوانه 103 وقد سلف 2 / 118، 259.
(241) ك: إذا أتى.
(242) العبدي في اللسان (عمن) . أي الممزق العبدي (الصحاح: عرق) . وهو من قصيدة له في الأصمعيات 190.
(243) ابن أحمر، شعره: 85.(2/329)
803 - وقولهم: رجلٌ فارِهٌ
(244)
قال أبو بكر: الفاره، معناه في كلام العرب: الحاذق. قال الله عز وجل: {وتنحتون من الجبال بيوتاً فارِهِينَ} (245) . قال الفراء (246) : معناه حاذقين، قال: ومَنْ (247) قرأ: {فرِهين} ، أراد: أَشِرِينَ بَطِرِينَ (248) . وقال أبو عبيدة (249) : الفارِه: المرح، والفَرِه: الحاذق. وأنشد:
(لا أستكينُ إذا ما أَزْمَةٌ أَزَمَتْ ... ولن تراني بخيرٍ فارِهَ اللَّبَبِ)
أي: لا تراني مَرِحاً بَطِراً.
804 - وقولهم: قد أَخَذَ القومُ نُزْلَهُمْ
(250)
قال أبو بكر: معناه: ما تجري عادتهم بأخذه، مما ينزلون عليه، [ويصلح عيشهم به. وهو مأخوذ من " النزول ". يدلُّ] على هذا قول النبي في بعض (343) أحاديث الاستقساء: (اللهم أَنْزِلْ علينا في أَرْضِنا سَكَنَها) (251) . أي: أنزل علينا من المطر ما يكون سبباً للنبات الذي تسكن الأرض به، وتخرب بعدمه. فالسكن من " سكن " بمنزلة " النُزْل " من " نَزل "
وفيه لغتان: نُزْل، ونَزَل. والفتح أكثر وأعرب. وهو بمنزلة قول العرب: بُخْل وبَخَل، وشُغْل وشَغَل. ويروى بيت عمران بن حطان (252) :
__________
(244) اللسان (فره) .
(245) الشعراء 149.
(246) معاني القرآن 2 / 282.
(247) نافع وابن كثير وأبو عمرو. (السبعة 472، حجة القراءات 519) .
(248) الحجة في القراءات السبع 243.
(249) مجاز القرآن 88 / 2، والبيت فيه لعدي بن وداع.
(250) اللسان (نزل) .
(251) الفائق 1 / 341، النهاية 2 / 386.
(252) شعر الخوارج 150 وفيه: عن غيره شغل.(2/330)
(فكيف أُواسيك والأيام مُقْبلةٌ ... فيها لكلِ امرئ عن أَهْلِهِ شَغَلُ)
ويروى: شُغَل. وهي لغة ثالثة، ومن العرب من يقول: شَغْل، فيفتح الشين ويسكن الغين. وكذلك يقال: بُخْل، وبُخُل، وبَخَل. أنشدني أبي - رحمه الله - قال: أنشدنا ابن الجهم عن الفراء لجرير (253) :
(تُريدين أنْ نرضى وأنت بخيلةٌ ... ومَنْ ذا الذي يُرضي الأخلاءَ بالبَخْل)
وأنشده أبو العباس عن سلمة عن الفراء: بالبُخْل.
805 - وقولهم: قد كظّني الأمرُ
(254)
قال أبو بكر: معناه: قد ملأني همُّهُ. يقال: قد اكتظ الموضع بالماء: إذا امتلأ به. / وقال رؤبة: (255) 231 / ب
(إنّا أُناسٌ نلزمُ الحفاظا ... )
(إذْ سئمَتْ ربيعةُ الكِظاظا ... )
أي: إذا ملت المكاظَّةَ. وهي همُّ القتال، وما يملأ القلب من غم الحرب.
وقالت رُقيْقة بنت أبي صيفي بن هاشم في خبر استسقاء عبد المطلب فوق الكعبة: (ما رموا حتى تفجَّرَتِ السماءُ بمائها، واكتظَّ الوادي بثَجِيجِهِ) (256) .
فمعنى اكتظ: امتلأ. والثجيج: الماء المثجوج، أي: المصبوب. قال الله (344) تعالى: {وأَنْزَلْنا من المعصراتِ ماءً ثَجَّاجَاً} (257) أي: مُنْصَبّاً.
__________
(253) ديوانه 948 وفيه: الأحباء بالبخل.
(254) التهذيب 9 / 440، واللسان (كظظ) .
(255) أخل به ديوانه، وهو في اللسان (كظظ) .
(256) الفائق 3 / 159، النهاية 3 / 177.
(257) النبأ 14.(2/331)
806 - وقولهم: فلانٌ يَكْظِمُ غَيْظَهُ
(258)
قال أبو بكر: معناه: يحبسه، ولا يُزيله بما يجد له رَوْحاً من قول أو فعل.
وأصل " الكظم " في اللغة: حبس البعير ما في جوفه، وإمساكه عن الاجترار. أنشدني أبي - رحمه الله - قال: أنشدني الطوسي للراعي (259) :
(وأَفَضْنَ بعد كُظُومهنَّ بجرَّةًّ ... من ذي الأباطح إذ رَعَيْنَ حَقيلا)
أراد: دفعن بالجرة، واجتررن، بعد أن كن كظماً لا يجتررن. وأنشد الطوسي أيضاً:
(فهُنَّ كَظُومٌ ما يُفِضْنَ بجرَّةٍ ... لهُنَّ بمُبْيَّضِ اللُّغامِ صَريفُ) (260)
ومعنى " الافاضة ": الدفع بالكثرة. قال الله عز وجل: {من حيثُ أَفاضَ الناسُ} (261) . وأنشدنا أبو العباس لأبي ذؤيب (262) يصف الحمار والأُتن:
(وكأنَّهُنَّ رِبابة وكأنَّهُ ... يَسَرٌ يُفِيضُ على القِداحِ ويَصْدَعُ)
شبه الأتن بالقداح المجتمعة. وأصل " الربابة ": جلدة تجمع القداح. (345) واليَسَر (263) : الداخل في الميسر، وصاحب الميسر. والميسر: القمار. وقوله: يفيض على القداح ويصدع، معناه: يفيض بالقداح، ومعنى ذلك: أن هذا الحمار يجمع الأتن ويفرقها. وأصل " الصدع ": الإظهار، قال الله عز وجل: {فاصْدَعْ بما تُؤمر} (364) ، وقال جرير: (265)
(هو الخليفةُ فارْضَوا ما قضى لكم ... بالحقِّ يَصْدَعُ ما في قوله جَنَفُ)
وقال الآخر يرثي حجر بن عَدِي:
(ومَنْ صادعٌ بالحقِّ بعدَكَ ناطِقٌ ... بتقوى ومَنْ إنْ قيلَ بالجورِ غَيَّرا) (266) ت
__________
(258) اللسان والتاج (كظم) .
(59) شعره: 132 وفيه: ذي الأبارق.
(260) للملقطي في اللسان (كظم) .
(261) البقرة 199.
(262) ديوان الهذليين 1 / 6.
(263) الميسر والقداح 30.
(264) الحجر 94.
(265) ديوانه 175. والجنف: الميل.
(266) لعبد الله بن خليفة الطائي في تاريخ الطبري 5 / 282.(2/332)
807 - / وقولهم: مِلْحٌ ذَرَآنِيُّ
(267) 232 / أ
قال أبو بكر: العامة تخطىءِ فيه، فتتكلم به بالدال، وتزيد عليه ما ليس منه. والعرب تقول: ذَرْآنيّ، وذَرَآنيّ.
قال أبو العباس: وُصف بذلك لبياضه. وهو من قولهم: قد ذرىء الرجل يذرأ ذرأ: إذا أخذ الشيب في مقدم رأسه. ويقال: ذرئت لحيته: إذا شابت. قال الشاعر (268) :
(لما رَأَتْهُ ذَرِئَتْ مجالِيهُ ... )
(يَقْلي الغواني والغواني تَقْليهْ ... ) وأنشدنا أبو العباس:
(وقد عَلَتني ذُرْأَةٌ بادي بَدِي ... )
(وصارَ للقحل لساني ويدي ... ) (269)
معناه: قد علاني الشيب أول كل شيء، وقبل كل شيء. وقوله: وصار للقحل لساني ويدي؛ معناه: خرجت عن الشباب، ودخلت في الكهولة.
808 - وقولهم: قد منحني اللهُ حُسْنَ رأيِ فلانٍ
(270) (364)
قال أبو بكر: معناه: قد وهب الله تعالى ذلك لي. وأصل " المِنْحة " أن يدفع الرجل إلى الرجل شاة أو ناقة، يجعل له لبنهما، وهما ملك للدافع. ثم أكثرت العرب استعمال " المنح "، حتى جعلوه هِبَةً وعطاءً. قال الشاعر (271) :
__________
(267) (اللسان (ذرأ) .
(268) أبو محمد الفقعسي في التكملة والذيل والصلة 1 / 2 (ذرأ) . واللسان (ذرأ) وهما بلا عزو في إصلاح المنطق 172 برواية " رأين شيخاً ذرئت.. " والمجالي ما يرى من الرأس إذا استقبل الوجه.
(269) أبو نخيلة السعدي في الصحاح (ذرأ) وهما بلا عزو في معاني القرآن 2 / 11 ورواية الأول فيه " أضحى لخالي شبهي بادي بدي " وبمثل رواية أبي بكر جاءا مع ثالث بينهما في إصلاح المنطق 172.
(270) اللسان (منح) . وفي الأصل: رزقني، والصواب من ك، ل.
(271) لم أقف عليه.
(272) النهاية 3 / 289.(2/333)
(لنا ناقةٌ من مِنْحَةِ الله دَرُّها ... ومَرْتَعُها بينَ الوسادةِ والحِلْسِ)
(مُعَوَّدَة أَلاّ تزالُ مُناخَةً ... لشِلوٍ سمينٍ أو لأرغِفَةٍ مُلْسِ)
(كأنّ دمّ الغِزلان لونُ ذبيحِها ... إذا ما أثاروها إلينا من الرَّمس)
يعني جَرَّة نَبَذَ فيها نبيذاً، ودَفنها عند وسادِهِ. وشببها بالناقة، وما يشرب بالمِنحة. وجاء في الحديث: (المِنْحَةُ مردودةٌ، والدَّيْنُ مَقْضِيٌّ، والعاريةُ مُؤدّاةٌ، والزعيمُ غارمٌ) (273) . فالمنحة هي التي تقدم ذكر تفسيرها، والزعيم: الكفيل. وأنشدنا (373) أبو العباس:
(غذا بعدما جفَّ الندى عن نِقالِهِ ... بذرآءَ تدري كيفَ مشي المنائحِ) (274)
الذرآء: ناقة في رأسها بياض. والنِقال: النعل، أراد: بعدما انبسطت الشمس. وقوله: تدري كيف مشى المنائح، معناه: قد مُنِحَتْ مرّةً بعد مرّةٍ.
والعرب تقول: منا مَنْ يُجِزُّ، ويُجِمُّ، ويُفْقِرُ، ويُعْمِرُ، ويُرْقبُ، ويمنحُ، ويُتِمُّ، 232 / ب / ويُعري، ويُحيلُ، ويُفْحِلُ.
فيجز، معناه: يعطي الجزة من الصوف بعد الجزَّة. و " يجم " معناه: يعطي الجُمَمَ، وهي الديات، واحدتها: جُمَّة. و " يفقر " معناه: يعطي الرجل البعير يركبه، (347) من فِقار ظهرِه. و " يعمر " معناه: يعطي الرجل البعير ينتفع به، ما دام المعطي حياً. و " يرقب " معناه: يفعل به ذلك، ما دام المُعطي حيّاً. و " يمنح " معناه: يعطي البعير والشاة من ينتفع بألبانهما. و " يتم ": يعطي (275) الناس تمام أكسيتهم وحبالهم. و " يعري ": يجعل للرجل تمر نخلة من نخله، أو أكثر منها، سنة، أو سنتين، أو سنين. و " يحيل ": يعطي (276) الناس المِيرة قبل أن ترد إبلهم بها، ويفحل معناه: يعطي الرجل البعير يضرب في إبله. يقال: قد أفحلتك فَحْلاً: إذا فعلت ذاك به. ت
__________
(273) ك: وأنشد.
(274) لم أقف عليه.
(275، 276) ك: معناه يغطي.(2/334)
809 - وقولهم: قد حيلَ بين العَيْرِ والنَزَوانِ
(277)
قال أبو بكر: " النزوان " مصدر بمنزلة " النَزْوِ ". يقال: نزا الحمار نَزْواً، ونَزَواناً، كما يقال: غَلَت القدر غَلْياً، وغَلَياناً؛ وغَثَت نفسه غَثْياً وغَثَياناً.
وأولُ مَنْ قال هذا صخر بن عمرو أخو الخنساء. ثم جُعِلَ كالمثل، يضرب عند الشيء يحاوله الإنسان ويتمناه، فلا يصل إليه.
وأخبرنا أبو العباس قال: قال أبو عبيدة: حدثني أبو بلال بن سهم بن أُبَيّ (278) بن مرداس السُلمي قال:
غزا معاوية بن عمرو بن الحارث بن عمرو الشريدي، وهو أخو الخنساء، مُرَّةَ وبني غطفان، ومعه خفاف بن ندبة الشريدي. فاعتور معاوية دريد وهاشم ابنا حرملة، فاستطرد له أحدهما، ثم وقف وحمل عليه الآخر، فقتله. فلما تنادوا: قتل معاوية، قال خفاف بن ندبة: قتلني الله إنْ رُمْتُ حتى أثأر منه؛ وشدَّ على مالك بن حمار الشمخي سيد بني فزارة فقتله وقال (279)
(إنْ تكُ خَيْلي قد أُصيبَ صَمِيمُها ... فإني على عَمْدٍ تَيَمَّمْتُ مالكا)
(وقفتَ له عَلوى وقد خامَ صحبتي ... لأبنيَ مجداً أو لأثأر هالكا) (348)
(أقولُ له والرمحُ يأطِرُ مَتْنَهُ ... تأملّ خُفافاً إنني أَنا ذلكا)
فلما بلغ صخراً قتل أخيه معاوية، أتى بني مرة في الشهر الحرام، فوقف على ابني حرملة، فإذا أحدهما في عضُده طعنةٌ، فقال: أيُّكما قتل معاوية؟ فسكتا. فقال الصحيح للجريح. ما لك لا تُجيبه؟ فقال: وقفت له، فطعنني هذه الطعنة، وقتله أخي؛ فأيُّنا قتلته، فقد أخذت بثأرك. أما إنّا لم نسلب أخاك. قال: / فما فعلت السُّمَّى (280) ؟ قال: هي تيك، رُدُّوها عليه. فلما رجع إلى 233 / أ
__________
(277) جمهرة الأمثال 1 / 371، فصل المقال 71.
(278) ك: بن أخي عباس بن مرداس.
(279) شعره: 64 - 66 وعلوى: اسم فرس خفاف. (أسماء خيل العرب 74) . وقد سلف البيت الأول في 1 / 135.
(280) اسم فرس معاوية.(2/335)
قومه قالوا: اهجهم. قال: ما بيننا أجلُّ من القذع. ولو لم أكفف عنهم إلاّ رغبة بنفسي عن الخنا لكَفَفْتُ. وأنشأ يقول: (281)
(تقولُ ألا تهجو فوارسَ هاشمٍ ... ومالي إذْ أهجوهُمُ ثُمَ ماليا)
(أبى الشَّتْمَ أنّي قد أصابوا كريمتي ... وأنْ ليسَ إهداءُ الخَنا مِن شمالِيا)
(وذي إخوة قَطَّعْتُ أقرانَ بَينِهِمْ ... كما تركوني واحداً لا أخا ليا)
قال أبو العباس: حدثني محمد بن سلاّم بنحو من هذا الحديث وقال: أنشدني عبد القاهر بن السَّريّ السُلَميّ هذه الأبيات الثلاثة وقال: دخلت على بلال بن أبي بردة الحبسَ، فأنشدني هذه الأبيات. 233 / ب
قال أبو العباس: وقال أبو عبيدة: ثم إنّ صخراً غزاهم في العام المقبل، فلما (350) دنا هو على السُّمّى، قال: إني أخاف إن أشرفت على القوم أن يعرفوا غُرَّةَ السُّمّى، فيتأهبوا، فحمَّمَ غُرتَّها. فلما طلعت على أداني الحي، قالت امرأة لأبيها: هذه والله السُّمّى، فنظر فقال: السُّمّى غراء، وهذه بهيم. فلم يشعروا إلا والخيل دواسٌ. (349) فقتل صخر دريداً، وأصابوا في بني عامر، وقال صخر:
(ولقد قتلتُكمُ ثُناءَ ومَوْحَدا ... وتركتُ مُرَّةَ مثلَ أمس المُدبِرِ)
(ولقد دفعتُ إلى دُريدٍ طعنةً ... نجلاء تزغلُ مثلَ غطِّ المَنْحَرِ)
قال أبو العباس: قال أبو عبيدة: غزا صخر بن عمرو، وهو أخو الخنساء، بني أسد بن خزيمة فاكتسح إبلهم. فجاءهم الصريخ، فركبوا فالتقوا بذات الأثل، فطعن ابن ثور الأسدي صخرا طعنة في جنبه، وأفلت الخيل، فلم يقعص في مكانه. وجوى منها، فمرض حولاً، حتى ملّه أهله. فسمع امرأة تقول لامرأته سلمى: كيفَ بَعْلُكِ؟ فقالت: لا حَيٌّ فيُرجى، ولا مَيِّتٌ فينعى، قد لقينا منه الأَمَرَّيْن. فقال صخر:
أرى أمَّ صخرٍ لا تَملّ عيادتي.
__________
(281) الكامل 1222.(2/336)
قال أبو العباس: وحدثني محمد بن سلام قال: حدثنا عبد القاهر بن السري قال: طعن صخراً ربيعة الأسدي، فأدخل حلقات من حَلَق (282) الدرع في جوفه، فمرض زماناً حتى ملَّته امرأته، وكان يُكرمها، ويُعينها على أهله. فمرَّ بها رجل وهي قائمة، وكانت ذات خَلق وأوراك، فقال لها: أَيُباعُ الكَفل؟ قالت: نعم، عمّا قليل. وكلُّ ذلك يسمعه صخر فقال: أما والله، لئن قدرت لأقدمنَّك قبلي. فقال لها: ناوليني السيف أنظر، هل تُقِلّه يدي؟ فناولته، فإذا هو لا يُقِلُّه. فقال (283) :
(/ أرى أمَّ صَخْر لا تَمَلُّ عيادتي ... ومَلَّتْ سُليمى مَضْجَعي ومكاني) 233 / ب
(فأي امرىءٍ ساوى بأُمٍّ حليلةً ... فلا عاشَ إلاّ في شقىً وهوانِ)
(أهُمُّ بأمر الحزمِ لو أستطيعُهُ ... وقد حِيلَ بين العَيْر والنزوانِ) (350)
قال أبو العباس: وزادني محمد بن سلام:
(وما كنتُ أخشى أنْ أكونَ جِنازةً ... عليكِ ومَنْ يَغْتَرُّ بالحَدَثانِ)
قال: وزاد جبر بن رباط النعامي بيتاً:
(فللموتُ خيرٌ من حياةٍ كأنَّها ... مَحِلَّةَ يعسوب برأسِ سِنانِ)
قال أبو عبيدة: فلما طال له البلاء، وقد نتأت قطعة من جنبه مثل اليد، في موضع الطعنة. قيل له: لو قَطَعْتَها لرجونا أن تبرأ. قال: شأنكم، وأشفق عليه قوم، فنهوه، فأبى. فأخذوا شفرة، فقطعوا ذلك الموضع، فيئس من نفسه، فقال (284) :
(أجارتنا إنّ الحتوفَ تنوبُ ... على الناس كلَّ المخطئينَ تصيبُ)
(أجارتنا إنْ تسأليني فإنَّني ... مُقيمٌ لَعَمْري ما أقامَ عَسِيبُ)
(كأني وقد أَدْنَوا لحَزٍّ شِفارَهم ... من الصبرِ دامي الصفحتين نكيبُ)
__________
(282) ك: حلقات.
(283) الأبيات في الشعر والشعراء 345، وهي عدا الأخير في الأصمعيات 146 والكامل 1225 والمصون 178.
(284) الكامل 1225 وجمهرة الأمثال 1 / 272 مع خلاف في ترتيب الأبيات.(2/337)
عسيب: جبل. ودامي الصفحتين نكيب: بعير أو حمار. ثم مات، فدفن إلى جانب عسيب. وهو جبل يقرب من المدينة، فقبره هناك مُعْلَماً.
810 - وقولهم: قد بكى فلانٌ فلاناً بأَرْبَعَةٍ
(285)
قال أبو بكر: معناه: بأربعة أَمْواق، في كل عين ماقان. فحذفت " الأمواق " لبيان معناها عندهم. قالت امرأة من العرب ترثي بنين لها:
(لا أفتأ الدهرَ أبكيهم بأربعةٍ ... ما اجترَّتِ النيبُ أو حنَّتْ إلى بَلَد)
والماق (287) : طرف العين الذي يلي الأنف، وفيه لغات (288) : مأْقٌ، ومأَقٍ، وماقٍ، بغير همز، ومُؤْقٌ، وأُمْقٌ، ومُوقىءٌ.
فمَنْ قال: مُؤْقٍ، ومأقٍ، قال في الجمع: آماق. ومن قال: ماقٍ، وموقٍ. قال في التثنية. ماقيان، وموقيان. وفي الجمع: مواق. والذي يضم القاف، يقول في التثنية. ماقان ومُوقان. والذي يقول: أُمْق (289) . يقول في الجمع أمآق. والذي يقول مُوقىء. يقول في الجمع: مواقىء. قال الشاعر: (290)
(أَتَزْعُمُها تُصَوِّبُ مأْقِيَيْها ... غلبتُك والسماءِ وما بناها) 234 / أ
/ وقال الآخر:
(...... ...... ...... والخيلُ تُطْعَنُ أزّاً في مآقيها) (291)
وطرف العين الذي يلي الصُدْغ، يقال له: لحِاظ (292) ، وجمعه: ألحِظَة،
__________
(285) خلق الإنسان لثابت 112.
(286) أمالي المرتضى 1 / 111 و 2 / 91. وأنشده أبو بكر مع آخر قبله في المذكر والمؤنث 201، والذي قبله ثمة أنشده مع آخر قبله أيضاً فيما سلف من الزاهر 2 / 18.
(287) ينظر خلق الإنسان لثابت 111 وخلق الإنسان للاسكافي ق 19. [والمستدرك] .
(288) ك: لغتان: و (مأق) بعدها ساقطة منها.
(289) في خلق الإنسان 113: أمق بفتح الهمزة.
(290) مزاحم العقيلي، ديوانه 23 (لندن) 130 (القاهرة) وفيهما: أتحسها.
(291) بلا عزو في المذكر والمؤنث لابن الأنباري 268.
(292) خلق الإنسان لثابت 113.(2/338)
ولُحُظ. والعظمان المشرفان على غار العين، يقال لهما: حجاجان. والفجوتان حول العينين، يقال لهما: مَحْجران. قال الشاعر:
(وعينٍ لها من ذكر صَعْبَةَ واكفٌ ... إذا غاضها كانَتْ وشيكاً جمومُها)
(تنامُ قريراتُ العيونِ وبينها ... وبيم حِجاجَيْها قذىً لا يُنيمُها) (293)
ويقال لباطن الجفن الذي تُرى فيه عروق حمر: حِمْلاق، وجمعه: حماليق. ومنه قولهم: عرفته في حماليق عينيه. قال عبيد (294) :
(فدَبَّ من حَسيسِها دَبيباً ... والعينُ حِمْلاقُها مقلوبُ)
أراد بالحِملاق ما وصفنا.
811 - وقولهم: فلانٌ من أهل السُّنَّةِ
(295) (352)
قال أبو بكر: معناه: من أهل الطريقة المحمودة. فحذف نعت " السنة " لانكشاف معناه.
والسنة، معناها في اللغة: الطريقة. وهي مأخوذة من " السَّنَن "، وهو الطريق. يقال: خذ على سَنَنِ الطريقِ، وسُنَنِهِ، وسُنُنِهِ، ومُلْكِهِ، ومَلْكِهِ، ومِلْكِهِ، وسُنُحِهِ، وسُجُحه، ودَرَرِهِ، وثَكَمِهِ، ومُرْتكمِهِ، ولَقَمِهِ، ومَلَقِهِ، ووَضَحِهِ، ولقاتِهِ، أي: على وسطه وجادَّتِهِ.
ويقال: قد ركب فلان الجادَّةً، والجَرَحَة، والمَجَبَّةَ: بمعنىً (296) :
ثم تستعمل " السنن " في كل شيء يراد به القصد. قال جرير (297) :
(نبني على سَنَنِ العدو بيوتَنَا ... لا نستجيرُ ولا نَحُلُّ حريدا)
__________
(293) بلا عزو في المذكر والمؤنث لابن الأنباري 181 والبيت الأول ساقط من ل. وقد سلفا في ص 78
(294) ديوانه 19 وفيه: فدب من رأيها.. وقد سلف في ص 77.
(295) التهذيب 12 / 301، واللسان (سنن) .
(296) ينظر اللسان (جبب) ، وتسمى أيضاً المحجة (اللسان: جرج)
(297) ديوانه 341 والحريد: البيت المنفرد.(2/339)
وقال لبيد (298) :
(من معشرٍ سَنَّتْ لهم آباؤهم ... ولكلِّ قومٍ سُنَّةٌ وإمامُها)
و" السنة " في غير هذا: صورة الوجه. قال ذو الرمة (299) :
(تُ - كَ سُنَّةَ وجهٍ غير مُقْرِفَةٍ ... ملساءَ ليسَ بها خالٌ ولا نَدَبُ)
وقال عمران بن حِطّان (300) :
(كأنَّ ضياءَ سُنَّتِهِ هلالٌ ... بدا بعدَ الغمومِ إلى السِّرارِ)
ويقال: سننت الحجر عل الحجر: إذا حككته عليه. ويقال للذي يخرج من 234 / ب بينهما: / سَنِين. قال الله تبارك وتعالى: {من صَلْصَالٍ من حمأٍ مسنونٍ} (301) ، فيقال: المسنون: المحكوك. ويقال: هو المخروط. ويقال: هو المُنْتنُ.
__________
(298) ديوانه 320.
(299) ديوانه 29. وقد سلف 1 / 424 وغير مقرفة: ليست بهجينة. والندب آثار الجروح.
(300) أخل به شعر الخوارج.
(301) الحجر 26.(2/340)
812 - وقولهم: أنا مؤمن بوَحْي الله عز وجل
(1) (353)
قال أبو بكر: الوحي: ما يوحيه الله تعالى إلى أنبيائه. سُمي: وَحْياً، لأن المَلَك ستره عن جميع الخلق، وخص به النبي المبعوث إليه. قال الله تعالى: {يُوحِي بعضُهم إلى بعض زُخرفَ القول غُروراً} (2) ، فمعناه: يُسر بعضهم إلى بعض. فهذا أصل الحرف.
ثم يكون " الوحي " بمعنى " الإلهام " كقوله عز وجل: {وأوحى ربُّك إلى النَحْل} (3) ، أراد: ألهمها. وكقوله: {يومئذٍ تُحدِّثُ أخبارها بأنَّ ربَّكَ أَوْحَى لها} (4) . أراد: ألهمها. وكقول علقمة بن عبدة (5) :
(يوحي إليها بإنقاضٍ ونَقْنَقَةٍ ... كما تَراطَنُ في أفدانها الرومُ)
ويكون " الوحي " بمعنى " الأمر "، كقوله عز وجل: {وإذْ أوحيتُ إلى الحواريينَ} (6) ، أراد: أمرتهم.
ويكون بمعنى " الاشارة "، كقوله عز وجل: {فأوحى إليهم أنْ سَبِّحوا بُكْرَةً وعَشِيّاً} (7) ، أراد: أشار إليهم.
ويكون بمعنى " الكتابة " كقول جرير (8) :
(عَرَفْتُ الدارَ بعدَ بِلَى الخيام ... سُقيتِ نَجِيَّ مرتجزٍ ركامِ)
(كأنّ أخا اليهودِ يَخطُّ وَحْياً ... بكافٍ في منازِلها ولامِ)
أراد: يخط كتاباً. وقال الآخر:
__________
(1) اللسان (وحي) .
(2) الأنعام 112.
(3) النحل 68.
(4) الزلزلة 5.
(5) ديوانه 62. وتراطن الروم: ما لا يفهم من كلامهم، والأفدان جمع فدن وهو القصر.
(6) المائدة 111.
(7) مريم 11.
(8) ديوانه 197. وفيه: نجاء. وكذا في ك. وجاء في شرحه: (عمارة كان يقول: نجي، والنجي والنجاء والنجو واحد وهو الغيث. والمرتجز: الراعد. والركام: المتراكم.(2/341)
(354)
(كوحي صحائفٍ في عهدِ كِسرى ... فأهداها لأَعْجَمَ طِمْطِمِيِّ) (9)
ويقال: أوحى إيحاء، ووَحَى يحي وَحْياً: بمعنىً. قال الراجز (10) :
(الحمدُ للهِ الذي استقلتِ ... )
(بإذنِهِ السماءُ واطمأنَّتِ ... )
(وَحَى لها القرارَ فاستقرَّت ... ِ)
813 - وقولهم: قد بَلَّحَ فلانٌ
(11)
قال أبو بكر: معناه: قد بطل، وانقطع ما عنده، مما يُباهي به ويفاخر. وأصله من: تبليح البعير، يقال: بَلَح البعير، وبَلَّح: [إذا] انقطع سيره، وسقط إعياءً وكَلالاً. قال الأعشى (12) :
(وإذا حُمِّل ثِقْلاً بعضُهم ... فاشتكى الأوصالَ منه وبَلَحْ)
814 - وقولهم: بِضْعَةٌ وعشرونَ درهماً
(13) 235 / أ
/ قال أبو بكر: قال أبو العباس عن الأثرم عن أبي عبيدة (14) : " البضع ": ما بين ثلاث وخمس.
وقال قتادة (15) : " البضع " يكون بين الثلاث والتسع والعشر.
وقال الأخفش (16) : " البضع ": من واحد إلى عشرة. ت
__________
(9) لم أقف عليه. والطمطمي الأعجم الذي لا يفصح.
(10) العجاج، ديوانه 266.
(11) اللسان (بلح) .
(12) ديوانه 160 وفيه رواية أخرى: ... حمل عبثا وأنح.
(13) اللسان والتاج (بضع) .
(14) مجاز القرآن 119 / 24.
(15) ينظر تفسير الطبري 12 / 224.
(16) زاد المسير 4 / 228.(2/342)
وقال محمد بن الفراء (17) في قول الله عز وجل: {فلَبِثَ في السجن بِضْعَ (355} سِنينَ) (18) ، ذكر أنه لبث سبعاً بعد خمس سنين، بعد قوله: {اذكرني عندَ ربِّكَ} (19) ، قال: و " البضع ": ما دون العشرة.
وحدثنا محمد بن خالد بن عثمة قال: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الجمحي عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال: لما نزلت {ألم غُلِبَتِ الرومُ} (20) ناحَبَ (21) أبو بكر قريشاً، فقال له رسول الله: ألاَّ احتَطّتَ، فإنّ البضع ما بين السبع إلى التسع) (22) .
ويقال في عدد المؤنث: بِضعٌ، وفي عدد المذكر: بِضْعَةٌ. فمجراه مجرى: خمس وخمسة، وست وستة.
حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال: حدثنا عتيق بن يعقوب الزبيري قال: سمعت مالكاً (23) يقول: أتيت ابن شهاب (24) فحدثني ببضعة وأربعين حديثاً، ثم قال لي: إيهٍ، أعدها عليّ، فأعدت عليه الأربعين، وسقطت البضعة.
فأدخل " الهاء " على " بضعة " لتذكير الحديث.
وأما " البَضْعَةُ " من اللحم، فمفتوحة الباء، وجمعها: بَضْعٌ، وبِضَع. قال زهير (25) :
(دماً عندَ شِلْوٍ تحجُلُ الطير حَوْلَهُ ... وبَضْعَ لِحامٍ في إهابٍ مُقَدَّدِ)
__________
(17) معاني القرآن 2 / 46.
(18) يوسف 42.
(19) يوسف 42.
(20) الروم 1، 2.
(21) أي: راهن.
(22) المسند 4 / 168 - لترمذي 2 / 150.
(23) مالك بن أنس.
(24) الزهري.
(25) ديوانه 227، والشلو: بقية الجسد، واللحام جمع لحم، والاهاب: الجلد، والمقدد: المخرق.
(26) اللسان (منن) .(2/343)
815 - وقولهم: قد مَنَّ فلانٌ على فلان
(26)
قال أبو بكر: يحتمل تأويلين: أحدهما:
أَحْسَنَ إليه غير مُعْتَدٍّ بالإحسان. يقال: قد لَحِقَت فلاناً من فلانٍ مِنَّةٌ: إذا (356) لحقته منه نعمةٌ، باستنقاذ أو ما أشبهه.
ويقال: منَّ عليه: إذا عظم الإحسان، وفخر به، وأبدأ في ذكره وأعاد، حتى أفسده ونغَّصه على المحسن إليه.
والأول مستحسن، والآخر مُسْتَسْمجٌ.
فمن المعنى الأول، قولهم في أسماء الله عز وجل: الحنّان المنّان (27) ، أي: الذي ينعم غير فاخر بالإنعام، ولا معجب من جهته. ومن المعنى الثاني المذموم قول الشاعر (28) :
(أَلبانُ إبْل تعلَّة بن مُسافر ... ما دَام يملكها عليّ حَرامُ)
(وطعامُ عمران بن أوفى مثلُهُ ... ما دام يسلكُ في البطون طعامُ)
(إنّ الذين يسوغُ في أحلاقِهم ... زادٌ يُمَنُّ عليهم للئامُ) 235 / ب
/ أراد: يفخر عليهم به (29) ، ويجعل عظيماً. وأنشدنا أبو العباس:
(وطعامُ حَجْناءَ بن أوفى مِثلُهُ...... ...... ... )
وأنشدنيه أبي - رحمه الله - قال: أنشدنا أبو عِكرمة: وطعام عمران بن أوفى.
وقال الله تبارك وتعالى: {أجرٌ غيرُ ممنونٍ} (30) ، أراد: لا يمن الله عليهم به، فاخراً ومعظماً، كما يفعل ذلك بخلاء المنعمين. قال الشاعر:
(أَفْسَدْتَ بالمنِّ ما قدَّمْتَ من حَسَنٍ ... ليس الكريم إذا أسدى بمنَّانِ) (31)
__________
(27) اشتقاق أسماء الله 281.
(28) أنشدنا بلا عزو أيضاً في المذكر والمؤنث 262. وهي لبعض الأعراب في البيان والتبيين 3 / 306، وهي مع رابع في الكامل 55 لرجل من بني تميم، وبلا عزو في أمالي ابن الشجري 1 / 329.
(29) من ك، ل، وفي الأصل: به عليه.
(30) التين 6.
(31) لم أقف عليه.(2/344)
وقال الآخر:
(أَنَلْتِ قليلاً ثم أَسْرَعْتِ مَنَّهُ ... فنيلُكِ مَمنونٌ كذاكِ قليلُ) (32)
وقال بعض المفسرين
__________
(32) : أجر غير محسوب. وقال بعضهم: معناه: غير مقطوع، من قولهم: حَبْلٌ منينٌ: إذا كان خَلَقاً كالمنقطع. ويقال: رجل منين: إذا (357) أبلاه السفر، وذهب بقوته.
816 - وقولهم: لا أفعل هذا البَتَّةَ
(33)
قال أبو بكر: البتة، معناها في كلام العرب: القِطعة، أي: قطعت هذا الفعل، قطعته وتركته. وهو من قول العرب: قد بَتَتُّ على فلان القضاء، وأبتَتُّه: إذا قطعته. ويقال: لهم عليه صدقة بتَّة بَتْلَة؛ فالبتة قد مضى تفسيرها. و " البتلة " قريبة المعنى من " البتة "، أصلها (القطع) أيضاً. يقال: قد تبتل الرجل تبتلاً: إذا ترك أمور الدنيا، وانقطع إلى العبادة. قال الله عز وجل: {وتبتّل إليه تَبْتِيلاً} (34) ، أراد: وانقطع إليه انقطاعاً. ويقال: امرأة بتول: إذا كانت تاركة للنكاح، قليلة الرغبة فيه. فقيل لمريم عليها السلام: بتول، وقيل لفاطمة (رض) مثل ذلك تشبيهاً بمريم. وقال أمية بن أبي الصلت (35) في صفة مريم:
(أنابَت لوجهِ اللهِ ثم تَبتَّلَتْ ... فسَّبحَ عنها لومةَ المُتَلَوِّمِ)
أراد: قطعت النكاح، ورفضته. وقال النبي: (تزوجوا الولودَ الودودَ فإني مكاثِرٌ بكم الأُمَمَ) (36) . ونهى عن التبتل نهياً شديداً. وقال امرؤ القيس (37) :
(32) بلا عزو في الأضداد 156.
(32 أ) هو مجاهد في تفسير الطبري 30 / 248. وفي ك: لهم أجر غير ممنون معناه: غير محسوب.
(33) اللسان (بتت) .
(34) المزمل 8.
(35) ديوانه 485 وقد سلف في ص 58.
(36) أخرجه أبو داود - عون المعبود 2 / 175 - 176، والنسائي 6 / 65 - 66 من حديث معقل بن يسار، ورواه أحمد في المسند 3 / 158، 245 في حديث أنس.
(37) ديوانه 17. وقد سلف شرحه في ص 58.(2/345)
(تُضيء الظلامَ بالعشاء كأنّها ... منارةُ مُمْسى راهبٍ مُتَبَتِّلِ) (358)
أراد: منقطع إلى الله - تبارك وتعالى _ تارك للنكاح.
وقال النبي: (لا زمام ولا خزام ولا تبتلَ ولا رهبانية ولا سياحة في الإسلام) (38) .
فذهب إلى ما كان يفعله بعض أهل الكتاب في الزمن الأول، من زمّهم 236 / أأنوفهم، / وخزمهم تراقيهم عند بلوغهم نهاية العبادة عند الله، وحظر هذا على أمته. وأصل " الزمام ": الحبل من الأدم يُجعل في عنق البعير، أو في رأسه. و " الخزام " جمع: خزامة. وهي حلقة من شعر، تُجعل في أنف البعير.
والرهبانية: لزوم الصوامع، وترك أكل اللحم. والسياحة: الخروج إلى أطراف البلاد، والتفرد من الناس، بحيث لا يشهد جمعة، ولا يحضر جماعة.
817 - وقولهم: هذا خليجٌ من ماء
(39)
قال أبو بكر: الخليج ماء منقطع من ماء أعظمَ منه. وأصله من " الخلج "، وهو القطع والجذب. قال مهلهل بن ربيعة (40) :
(ينوءُ بصدره والرمحُ فيه ... ويَخْلِجُهُ جِدَبٌّ كالبعيرِ)
أراد: يجذبه ويقطعه. وقال الآخر (41) :
(ولأنت أجودُ من خليجٍ مُفعَمٍ ... مُتراكم الآذي ذي دُفّاعِ)
المتراكم: المتراكب. والآذيّ: الأمواج، ويقال للسيل أيضاً: آذيّ. وشَبيه بهذا البيت قول النابغة (42) :
(38) الفائق 2 / 122.
(39) اللسان (خلج) .
(40) أمالي القالي 2 / 131، وخدب: ضخم. و (بن ربيعة) ساقط من ك. ومهلهل لقب له. واسمه امرؤ القيس بن ربيعة، وهو خال امرىء القيس بن ربيعة، وهو خال امرىء القيس وأخو كليب. (الشعر والشعراء 297، الخزانة 1 / 303) .
[ف: ويُخْلِجُه] .
(41) المسيب بن علس، ديوانه (الصبح المنير) 355.
(42) ديوانه 22، سلف البيت، مع آخر 1 / 159.(2/346)
(فما الفرات إذا جاشتْ غواربُهُ ... ترمي أَواذِيُّهُ العِبْرَيْنِ بالزَّبَدِ) (359)
وقولهم: قد فاظتْ نفس فلان
(43)
قال أبو بكر: معناه: قد خرجت. ويقال: أفاظه الله نفسه، وفاظَ هو نفسه.
وحدثنا إسماعيل بن إسحاق قال: حدثنا نصر بن علي قال خبرنا الأصمعي (44) قال: قال أبو عمرو بن العلاء: يقال: فاظ الميت، ولا يقال: فاظت نفسه، ولا فاضت.
وأخبرنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء قال: أهل الحجاز وطيّىء يقولون: فاظت نفسه. وقضاعة وتميم وقيس: فاضت نفسه، على مثال: فاضت دمعته. وأنشد:
(يكبُّ العشار لأذقانها ... كما كَبّ عوفٌ أخو قابظة)
(يُريدُ رجالٌ ينالونها ... وأنفسُهم دونها فائظة)
(أشدُّ عقاباً من الليث غاد ... وأجودُ جوداً من اللافظه) (45)
وأخبرني أبي - رحمه الله - قال: أخبرنا الطوسي عن أبي عبيد عن الكسائي قال: يقال: فاظت نفسه، وفاظ هو نفسه، وأفاظ الله نفسه. وقال (46) : بعض تميم / يقولون: نفسه تفيض. 236 / ب.
وحدثنا (47) محمد بن يونس قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله أبو صالح التمار الطويل البصري جليس سليمان بن حرب قال: حدثنا إسماعيل بن قيس عن (360)
__________
(43) تهذيب الألفاظ 450، الاعتضاد 93 وهي في الأصل: فاضت، وما أثبتناه من ا، ك، ل، مختصر الزاهر وينظر تهذيب اللغة 14 / 396.
(44) ينظر: جمهرة اللغة 3 / 123 وزينة الفضلاء 95.
(45) عجز الثالث فقط ورد في الاعتضاد 94 مع أبيات برواية أخرى ونسبه إلى طرفة 175.
(46) (قال) ساقطة من ك.
(47) السند كله ساقط من ك.(2/347)
مخرمة بن بكير عن أبي حازم عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه قال: (لما كان يوم أحد بعثني رسول الله في طلب سعد بن الربيع وقال: إذا رأيته فأقرئه مني السلام، وقل له: كيف تجدك؟ فجعلت أطلبه بين القتلى، فوجدته بين ضربة بسيف، وطعنة برمح، ورمية بسهم، فقلت [له] : إنّ رسول الله يقرأ عليك السلام، ويقول: كيف تجدك؟ فقال: على رسول الله السلام، وقل لقومي الأنصار: لا عذر لكم عند الله إنْ وُصِلَ إلى رسول الله وفيكم شُفْرٌ يطْرف. وفاضت نفسه) (48) . فهذا الحديث رُوي بالضاد. وقال دُكين (49) الراجز:
(اجتمع الناسُ وقالوا عُرسُ ... )
(إذا قصاعٌ كالأكُفِّ مُلْسُ ... )
(ففُقئتْ عينٌ وفاظتْ نَفْسُ ... )
وقال رؤبة (50) :
(والأزدُ أمسى جمعهم لُفاظا ... )
(لا يدفنون منهم منْ فاظا ... )
وقال ربيعة بن مقرومٍ: (51)
(وفاظَ ابن حصْنٍ عانياً في بيوتنا ... يُمارسُ قِدّاً في ذراعيه مُصْحبا)
أراد: بالمصحب: الجلد الذي يترك عليه شعره.
وقال محمد بن الجهم عن الفراء: أفاظ الميِّت نَفْسَهُ. وقال أبو عمرو الشيباني في: " فاظت نفسه " مثل قول أبي عمرو بن العلاء سواء.
__________
(48) النهاية 2 / 484. والشفر: حرف جفن العين الذي ينبت عليه الشعر.
(49) تهذيب الألفاظ 450، وقد سلفت الأبيات.
(50) أخل بهما ديوانه.
(51) شعره: 13 وفيه: وقاظ أي أقام القيظ كله، ولا شاهد فيه على هذه الرواية.(2/348)
819 - وقولهم: أمّا بعدُ فقد كان كذا وكذا
(361)
قال أبو بكر: قال اللغويون: معنى " أما بعد ": أمّا بعد الكلام المتقدّم. وأمّا بعدَ ما بلغنا من الخبر. فحذفوا ما كانت " بعد " مضافةً إليه، فضمت. ولو ترك الذي هي إليه مضافة، لفتحت ولم تضم. كقولهم: أما بعدَ حمد الله، والصلاة على نبيه فإني أقول كذا وكذا. لا يجوز ضمها في هذا الكلام. فإذا أفردت ضُمّت.
قال الفراء (52) : إنما اختاروا لها الضمَّ لتضمنها معنيين: معناها في نفسها، ومعنى المحذوف بعدها، فقَويت، فحملت أثقل الحركات؛ كما قالوا: الخصبُ حيثُ المطرُ، فضموا " حيث " لتضمنها معنى محلين، كأنهم قالوا: الخصب في مكان فيه المطر. وكذلك: نحنُ قمنا / ألزموا " نحن " الضمَّ، لتضمنه معنى التثنية 237 / أوالجمع. قال الله عز وعلا: {لله الأمرُ منْ قبلُ ومنْ بعدُ} (53) . أراد: من قبل كلّ شيء، ومن بعد كلّ شيء. فضمهما لمّا حذف الذي كانتا مضافتين إليه.
قال هشام (54) : إنما ضموا كراهة أن يكسروا، فيُشبه المضاف إلى المتكلم، وكرهوا أن يفتحوا، فيُشبه الاسم الذي لا يجري، الذي ينصب في موضع الخفض، فضموا إذ لم يبق إلا الضم.
وقال البصريون (55) : إنما ضموا، لأن هذا الظرف خالف سائر الظروف، بقيامه مقام المضاف إليه. فبنوه على الحركة التي لا تدخل على الظروف، لمخالفته إياها، وهي الضمة؛ ولم يبنوه على الفتحة والكسرة، إذ كانت الظروف تُفتح وتُكسر، فيقال: جلست عندَك، وخرجت من عندِك. قال الشاعر (56) :
(إذا أنا لم أُومنْ عليك ولم يكنْ ... لقاؤك إلاّ منْ وراءُ وراءُ)
__________
(52) معاني القرآن 2 / 319.
(53) الروم 4. وقد فصل فيها القول السفاقسي في المجيد في اعراب القرآن المجيد 2 / ق 201.
(54) مشكل اعراب القرآن 559.
(55) المقتضب 3 / 175. وما ينصرف وما لا ينصرف 89 - 90.
(56) عتي بن مالك العقيلي في الكامل 57 واللسان (روى) وهو بلا عزو في معاني القرآن 2 / 320، وقطر الندى 31 وشذور الذهب 103.(2/349)
(362)
فضم " وراء " للعلل التي وصفناها. وقال الآخر:
(يُنجى به من فوقُ فوقُ وماؤُهُ ... من تحتُ تحتُ سَريِّهِ يتغلغلُ) (57)
وقال الآخر:
(لو أنَّ قومي لم يكونوا أَعِزَّةً ... لَبَعْدُ لقد لاقيتُ لا بُدَّ مَصْرَعا) (58)
ومن العرب من يقول (59) : " للهِ الأمرُُ من قبلِ ومن بعدِ "، قال الشاعر:
(ومن قبل نادى كلُّ مولى قرابةٍ ... لقد عَطَفَتْ مولىً علينا العواطفُ) (60)
فمن أخذ بهذه اللغة، قال: أما بعدَ، فقد كان كذا وكذا، فيفتح الدال بناء على فتحها في الإضافة.
ومنهم من يقول: لله الأمر قبلاً وبعداً، " ولله الأمر من قبلٍ ومن بعدٍ ". فمن أخذ بهذين الوجهين قال: أمّا بعداً، فقد كان كذا وكذا.
ومنهم من يقول: أمّا بعدٌ فقد كان كذا وكذا، بالضم والتنوين، وهو وجه شاذٌ، والذي قبله أحسن منه. أنشدنا أبو العباس:
(فساغ لي الشرابُ وكنتُ قبلاً ... أكادُ أَغَصُّ بالماءِ الحمِيمِ) (61)
وأنشدنا أبو العباس أيضاً:
(ما مِن أُناسٍ بينَ مِصْرَ وعالجٍ ... فأَبْيَنَ إلاّ قد تركنا لهم وِتْرا)
(ونحنُ قتلنا الأَزْدَ أَزْدَ شَنوءةٍ ... فما شربوا بَعْدٌ على لَذَّةِ خَمْراً) (62)
__________
(57) لم أقف عليه.
(58) معاني القرآن 2 / 30 بلا عزو.
(59) ينظر إعراب القرآن، للنحاس 2 / 579 - 280، وتفسير القرطبي 14 / 7.
(60) بلا عزو في أوضح المسالك 3 / 154 وشرح ابن عقيل 2 / 72 والمقاصد 3 / 334 وشرح الجرجاوي 165 وفيها جميعا: فما عطفت.
(61) يزيد بن الصعق أو عبد الله بن يعرب. (شرح التصريح على التوضيح 2 / 550 الخزانة 1 / 204 و 3 / 135) . وهو بلا عزو في معاني القرآن 2 / 320، 321 وفي رواية: بالماء الفرات.
(62) البيتان في إيضاح الوقف والابتداء 4 و 3 عن الفراء، وفي المذكر والمؤنث 472، والثاني وحده في معاني القرآن 2 / 321 وقال الفراء ثم " أنشدني بعض بني عقيل، وهو في إصلاح المنطق 146 عن أبي الفتح عن أبي زيد، وفي شرح القصائد السبع 456. وجاء في أوضح المسالك 3 / 158، وشذور الذهب 105 برواية: بعداً.
وانفردت ل بعد هذا البيت بزيادة هي: [قال لنا أبو بكر: وكذلك رفعوا المنادى المفرد فقالوا: يا زيد أقبل، فضموه لأنه تضمّن معنيين: معناه في نفسه، ومعنى ما كان مضافاً إليه لأن أصله: يا زيداه، فحمّل أثقل الحركات لذلك] .(2/350)
قال أبو بكر: والوجه الصحيح المختار هو الأول. (363)
واختلفوا في أول مَنْ قال: أَمّا بَعْدُ، / فيقال: داود أول من قالها. 237 / ب ويقال: أول من قالها قُسُّ بن ساعدة الأيادي (63) .
أخبرنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا يوسف بن موسى قال: حدثنا وكيع ويعلى عن زكرياء (64) عن الشعبي (65) عن زياد في قوله تعالى: {وآتيناهُ الحكمة وفَصْلَ الخِطابِ} (66) ، قال: فصل الخطاب: أما بعد.
وأخبرنا أبو علي العنزي قال: حدثنا محمد بن الصباح قال: [قال] أبو المنذر هشام بن محمد (67) ، وأنا قرأته عليه: عاش قس بن ساعدة الإِيادي دهراً طويلاً، وقد قيل: ستمائة سنة، وكان من أعقل مَنْ سمع به من العرب، وكان من حكماء العرب، وهو أول من كتب: من فلان إلى فلان (68) ، وأول من أقر بالبعث (69) من غير علم، وأول من قال: أما بعد، وأول من خطب بعصا (70) . وكان سبطاً من أسباط العرب. وفيه يقول أعشى بني قيس (71) :
(وأحلم من قُسٍ وأمضى من الذي ... بذي الغِيلِ من خَفّانَ أصبحَ خادِرا)
وهو الذي يقول (72) :
(ما الغيثُ يعطي الأمنَ عندَ نزولِهِ ... بحالِ مُسىءٍ في الأمورِ ومُحْسِنِ)
(وما قد تَوَلّى وهو قد فَاتَ ذاهبٌ ... فهل ينفعَنِّي ليتني ولو انني) (364)
وفيه يقول لبيد (73) :
__________
(63) الأوائل 1 / 85، المستطرف 1 / 33.
(64) زكرياء بن أبي زائدة، ت 147 هـ. (تهذيب التهذيب 3 / 329) .
(65) تفسير الطبري 23 / 140.
(66) ص 20.
(67) ينظر: التيجان 115 - 116.
(68) الأوائل 88.
(69) الأوائل 84 والوسائل 146.
(70) الأوائل 84.
(71) ديوانه 241. وفي ك: حاردا، وهي رواية أخرى في ديوانه 49.
(72) المعمرون 88. والثاني فقط في شعره: 214.
(73) ديوانه 56(2/351)
(وأَخلفَ قُسّاً ليتني ولو أنَّني ... وأعيا على لقمانَ حُكْمُ التدبُّرِ)
وكان قس من أحسن الناس في زمانه موعظة، فإنه أقبل على جمل أحمر حتى وقف بسوق عكاظ، فقال: أيها الناس، اجتمعوا واسمعوا وعوا، أما بعد، فإنه من مات فات، وكل ما هو آت آت.
قال هشام: وقد قدم وفود العرب على رسول الله فقال (74) : هل فيكم أحد من إياد؟ قالوا: لا يا رسول الله، فقال: كأني أنظر إليه، يعني قساً، بسوق عكاظ، على جمل له أحمر، يخطب الناس وهو يقول: يا أيها الناس، من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت. أما بعد، فإن في السماء لخبراً، وإن في الأرض لعبراً. نجوم تمور، وبحار لا تغور. سقف مرفوع، ومهاد موضوع. أقسم قس بالله، لتطلُبُنَّ من الأمر شحطاً، ولئن كان بعض الأمر رضى، إنّ في بعضه لسخطاً؛ وما هذا بلعب فإن وراء هذا لعجباً. أقسم قس بالله وما أَثِمَ، إنّ لله لديناً 238 / أهو أرضى من دينٍ نحنُ عليه. ما بالُ الناسِ يذهبون فلا يرجعون، / أرضوا بالمقامة فأقاموا، أم تركوا فناموا؟ ثم أنشأ يقول:
(في الذاهبينَ الأوّلينَ ... من القرونِ لنا بصائرْ)
(لما رأيتُ موارداً ... للموت ليس لها مصادِرْ)
(ورأيت قومي نَحْوَها ... تمشي الأَكابِرُ والأصاغِرْ)
(لا يرجعُ الماضي إليَْ ... ولا من الباقينَ غابِرْ)
(أيْقَنْتُ أنِّي لا محالةَ ... حيثُ صارَ القَوْمُ صائِرْ) (365)
وقال أيضاً:
(يا ناعِيَ الموتِ والأمواتُ في جَدَثٍ ... عليهم من بقايا بَزِّهم خِرَقُ)
(دعْهُم فإنّ لهم يوماً يُصاحُ بِهِم ... كما تَنَبَّه من نوماتِهِ الصَّعِقُ)
(حتى يجيئوا بحالٍ غير حالِهِمُ ... خَلْقٌ مضى ثم هذا بعد ذا خُلِقوا)
(منهم عُراةٌ وموتى في ثيابِهِم ... منها الجديدُ ومنها الأورق (75) الخَلَقُ)
__________
(74) ينظر سيرة ابن هشام 1 / 11 وفيها الخطبة والشعر: وينظر: قس بن ساعدة 266.
(75) الأورق: الذي لونه بين السواد والغبرة.(2/352)
قال أبو المنذر هشام: وقال حزم بن أبي رشد: أَمَلَّ (76) علي رجل من خراسان مواعظ قس:
مطرٌ ونباتٌ، وآباءٌ وأُمهات، وذاهب وآت، وآيات في إثْر آيات، وأموات بعد أموات، وسعيد وشقي، ومحسن ومسيء، أين الأربابُ الفَعَلَةُ؟ إنّ لكل عامل عَمَلَهُ. بل هو والله واحد، ليس بمولود ولا والد، وإليه المآب غدا. أمّا بعدُ، يا معشر إياد، فأين ثمودُ وعادُ؟ وأين الآباء والأجداد؟ أين الحَسَنُ الذي لم يُشْكَرْ، والظلمُ الذي لم يُنْكَرْ؟ كلاَّ وربِّ الكعبة، ليعودَنَّ ما بادَ، ولئن ذهب يوماً ليعودَنَّ يوما ما) (77) .
ويقال: أمّا بعدُ، فأطالَ اللهُ بقاءَك، إنّه كان كذا وكذا، وأمّا بعدُ، أطالَ اللهُ بقاءَك، فإنّه كان كذا وكذا.
فمن أدخل " الفاء " على " أطال "، قال: " أطال " ابتداء الكلام (78) فدخلت " الفاء " عليه، كما تدخل على خبر الاسم الملاصق لأمّا. ومَنْ تَخَطَّى بالفاء " أطال " فأدخلها على " إنّ "، قال: (إنّ) ابتداء الخبر، وأطال الله بقاءك دعاء معترض، بمنزلة المُلغى المؤخر.
820 - وقولهم: فلان من أهل المِرْبَد
(79) (366)
قال أبو بكر: المِرْبَدُ، معناه في كلام العرب: مَحْبس الإِبل والغنم وغيرها. من ذلك: مربد المدينة، سمي: مربداً، لأنه كان محبساً للغنم. والمربد بالبصرة، سمي: مربداً، لأنه كان سوقاً للإبل.
ومنه حديث النبي: (أنه تميم بمربد الغنم وهو يرى بيوت المدينة) (80)
__________
(76) ك: أملى.
(77) المعمرون 89.
(78) ل: كلام.
(79) اللسان (ربد) .
(80) النهاية 2 / 182 وفيه: (أنه تيمم بمربد النعم) .(2/353)
ومنه الحديث الآخر: (أن مسجده كان مربداً ليتيمين كانا في حجر 238 / ب معاذ بن عفراء، فاشتراه معوّذ بن عفراء، فجعله للمسلمين، فبناه / رسول الله مسجداً) (81) .
ومنه الحديث الآخر: (أنه كان له مربد يحبِسُ فيه) (82) .
ورُبَّما جعلت العرب العصا التي تُجعل في باب محبس الإبل معترضة: مربداً. من ذلك قول الشاعر (83) :
(عواصيَ إلاّ ما جعلت وراءها ... عصا مِرْبدٍ تغشى نحوراً وأَذْرُعا)
قال أبو عبيد (84) : عنى هذا الشاعر إبلا تحبسها العصا، فهي المربد.
ورد ابن قتيبة عليه قوله، وقال: العصا ليست مربداً، وإنما هي عصا في المربد.
وقول أبي عبيد هو الحق، لأنه أخبر أنها تعصى حُفّاظها، فلا يرُّدها إلا العصا، فلما انفردت العصا بحبسها، كانت هي المربد لها.
ولأبي عبيد حجتان واضحتان في البيت:
إحداهما أنه أضاف " العصا " إلى " المربد "، وهي المربد، كما قالت العرب: حبة الخضراء، و " الحبة " هي " الخضراء "، وكما قالوا: ليلة القمراء، ودين القَيِّمة. (367)
والحجة الأخرى: أن العصا تُسمى: مِربداً، لأنّها من سبب المربد، كما سموا موضع الدابة: آريّاً، لأنه من سبب الآري، والآري (85) في الحقيقة هو الحبل الذي يحبس به الدابة.
و" المربد " في غير هذا الموضع: الذي يجعل فيه التمر بعد الجذاذ، قبل أن ينقل إلى المدينة والبيوت. وهو بمنزلة " الجرين "، ومثله للطعام: البَيْدر، والأَنْدَر.
ومن هذا المعنى حديث النبي: (أنه قال: اللهم اسقنا، فقام أبو لبابة
__________
(81) غريب الحديث 1 / 246.
(82) لم أقف عليه.
(83) سويد بن كراع في شعره: 155.
(84) غريب الحديث 1 / 247.
(85) سلف الكلام عنه.(2/354)
فقال: يا رسول الله، إن التمر في المرابد، فقال: اللهم اسقنا حتى يقومَ أبو لبابة عرياناً يسدُّ ثعلبَ مربده بإزاره (86) أو بردائه. فمُطِرَ الناس حتى قام أبو لبابة عرياناً يسد ثعلبَ مربدِهِ بإزارِهِ) .
فالمِربد قد فُسِّر، و " ثعلب المربد ": جَحْره الذي يخرج منه ماء المطر.
821 - وقولهم: كان هذا في رَجَب
(87)
قال أبو بكر: قال اللغويون: إنما سمي رجب: رجباً، لتعظيم العرب له في الجاهلية. من قولهم: رَجَبت الرجل أَرْجُبُه رِجباً: إذا أفزعته. قال الشاعر:
(إذا العجوزُ استَنْخَبَتْ فانخَبْها ... )
(ولا تَهَيَّبْها ولا تَرْجَبْها ... ) (88)
ويقال: إنّما سُمي رجب: رجباً، لتعظيمهم إياه. من قول العرب: عِذْقٌ مُرَجَّبٌ: إذا عُمِدَ لعِظَمِهِ. أنشدنا أبو العباس:
(ليست بسنهاء ولا رُجَّبِيَّةٍ ... ولكن عرايا في السنين الجوائِحِ) (89)
والمُحَرَّم: سمي محرماً، لتحريمهم فيه القتال.
وصَفَر: سمي صفراً لخروجهم فيه إلى بلاد يقال لها: الصَّفرِيّة، يمتارون (368) منها.
وربيع: سمي ربيعاً، لارتباع الإِبل فيه، أي: لطلبها النبات / والكلأ. 239 / أوجُمادى: سميت جمادى لجمود الماء فيها.
وكانت العرب تسمي رجباً: الأَصَمَّ، ومُنْصِل الأسنةِ، فسمي: الأصم،
__________
(86) غريب الحديث 3 / 96.
(87) ينظر في أسماء الشهور والأيام: الأيام والليالي والشهور 6 - 16، المخصص 9 / 43، نهاية الأرب 1 / 157، صبح الأعشى 2 / 386، أسماء الأشهر العربية ومعانيها.
(88) بلا عزو في اللسان (رجب) .
(89) بلا عزو في معاني القرآن 1 / 173، وأمالي القالي 1 / 121، والمخصص 16 / 54، واللسان (جوح) ولشاعر الأنصار بلا تسمية في غريب الحديث 1 / 231 ولبعض الأنصار فيه 4 / 154، والشاعر هو سويد بن الصامت الأنصاري كما في تهذيب الألفاظ 520، واللسان (رجب، قدح، سنه، عدا) وينظر السمط 361.(2/355)
لأنه لا يُسمع فيه صوت السلاح، وسمي: منصل الأسنة (90) لأنهم كانوا ينزعون الأسنة فيه، إذ كانوا لا يقاتلون، ولا يسفكون فيه دماً.
وشعبان: سمي: شعبانَ، لتشعب القبائل فيه.
ورمضان: سُمي: رمضانَ، لشدة الحر الذي كان فيه. و " الرمض " عند العرب هو الحر.
وَشَوّال: سمي: شوالاً، لشولان الإِبل فيه بأذنابها عند اللقاح.
وذو القَعْدة: سُمي: ذا القعدة، لأنهم كانوا يقعدون فيه، فلا يبرحون.
وذو الحِجّة: سمي: ذا الحجة، لأنهم كانوا يحجون فيه. قال الأعشى (91) في الأصم، ومنصل الأسنة، يعني رجباً:
(تَدارَكَهُ في مُنْصِلِ الأُلِّ بعدما ... مَضَى غير دأداءٍ وقد كادَ يَعْطَبُ)
وأخبرنا أبو العباس قال: قال الأثرم: لا يقال حَجَّة، بفتح الحاء، إنما هي حِجّة، بالكسر.
قال: وقال سلمة عن الفراء: الحِجة، مكسورة الحاء، فإذا أردت المرَّةَ، جاز في القياس فتح الحاء، فقلت: حَجّة. وأنشدنا أبو العباس:
(علي إلى البيت المحرم حَجَّةٌ ... أوافي بها نَذْراً ولم أنتعِلْ نَعْلا)
(لقد مَنَحَت ليلى المودة غَيرنَا ... وإنّ لها مني المودةَ والبَذْلا) (92)
قال: وأما " الحج " فيقال فيه: حَجٌّ وحِجٌّ. (369)
وأخبرنا أبو العباس قال: كانت العرب في الجاهلية تسمي السبت: شِياراً، والأحد: أولَ، والاثنين: أَهْوَنَ، والثلاثاء: جُباراً، والأربعاء: دُباراً، والخميس: مُؤنساً، والجمعة: عَروبة، وأنشد:
(أؤمِلُ أنْ أعيشَ وانّ يومي ... بأَوّلَ أو بأهونَ أو جُبار)
(أو الثاني دُبارِ فإنْ أفُتْهُ ... فمؤنِسَ أو عَروبةَ أو شِيارَ) (93)
__________
(90) (فسمي الأصم ... الأسنة) ساقط من ك بسبب انتقال النظر.
(91) ديوانه 138 وينظر شرح القصائد السبع 228 والأل جمع ألة وهي الحربة. ويقال لليوم الذي يشك فيه دأداء.
(92) لم أقف عليهما.
(93) بلا عزو في الأيام والليالي والشهور 6، والجمهرة 3 / 489.(2/356)
قال أبو العباس: ولم نحفظ عنهم أسماء الشهور في الجاهلية.
وأخبرني أبي - رحمه الله - عن بعض شيوخه قال: كانت العرب في الجاهلية تسمي المحرّم، المؤتَمِر، وصفراً: ناجراً، وربيع الأول، خُوَّاناً، [وخُوانا] ، وربيع الآخر: وَبْصان، وبُصان، وجُمادى الأولى: الحنين، وجُمادى الآخرة: رُبّى ورُبّة، ورجباً: الأصمَّ، وشعبانَ، عاذِلاً، ورمضانَ: ناتِقاً، وشوالاً: وَعْلا، وذا القعدة: وَرْنَة، وذا الحِجّة: بُرَكَ، على وزن عَمَرَ.
822 - وقولهم: قد غَرَّ فلانٌ فلاناً
(94)
/ قال أبو بكر: قال بعضهم: [معناه] (95) : قد عَرَّضه للهلكة والبوار. من قول العرب: ناقة مُغارٌّ: إذا قلَّ لبنها وذهب، إمّا لجدبٍ، وإمّا لعِلَّةٍ لحقتها 239 / ب وبَلِيَّة. ويقال: غرّ فلانٌ فلاناً، معناه: نقصه وظلمه، بغشه إياه، وسَتْره عنه ما هو حظّ له. من " الغرار " وهو النقصان.
قال النبي (لا غِرارَ في صلاةٍ ولا تسليم) (96) . أي: لا نقصان فيها من تضييع حدودها وركوعها وسجودها.
وأخبرنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم قال: حدثنا (370) محمد بن كثير عن الأوزاعي عن الزهري قال: كانوا لا يرون بغِرار النوم بأساً. أي: بالقليل منه في الصلاة. قال الشاعر (97) :
(إنّ الرزيةَ من ثقيفٍ هالِكٌ ... تَرَكَ العيونَ ونومُهُنَّ غِرارُ)
وقال الآخر:
(ما أذوقُ النومَ إلاّ غِراراً ... مثلَ حَسْو الطير ماءَ الثِماد) (98)
__________
(94) التهذيب (المستدرك) 74 واللسان (غرر) .
(95) من ك.
(96) غريب الحديث 2 / 128.
(97) الفرزدق، ديوانه 1 / 295.
(98) لأعرابي في أمالي القالي 1 / 32. والثماد: القليل.(2/357)
والنوم القليل أيضاً، يقال له، تهويم، والكثير، يقال له: التسبيح، ونوم نصف النهار: التغوير، والقيلولة. وقال يزيد بن المهلب:
(ما هوَّمَ القومُ مُذْ شَدُّوا رحالَهُمُ ... إلاّ غِشاشاً لدى أعضادِها اليُسَرُ) (99)
ويقال: معنى قولهم: غر فلان فلاناً: فعل به ما يشبه القتل والذبح. أخذ من " الغِرار " وهو حدُّ السكين والشفرة.
ويقال أيضاً للذي يطبع عليه النصال: غِرار.
[والغِرار] ، و " الغَرُّ " في غير هذا: زقّ الطائر فرخه. قال الشاعر:
(إنْ تقتلوا ابنَ أبي بكرٍ فقد قَتَلَتْ ... حُجراً بنو أسدٍ غُرَّت بنو أسدِ) (100)
أي: سقيت كما يسقي الطائر فرخه إذا زقه. ويقال: مَقَلْتُ الشراب في [في] الرجل أمقله: إذا قَطَّرته فيه.
وحدثنا محمد بن يونس قال: حدثنا وهب بن عمرو بن عثمان النمري عن أبيه عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن معاوية بن أبي سفيان قال: (كان رسول الله يغُرُّ عليّاً بالعلمِ غَرّاً) (101) . فتفسيره: يزقُّه زقّاً.
823 - وقولهم: لا ألقاه إلى يوم التَّنادِ
(102) (371)
قال أبو بكر: معناه: إلى يوم القيامة. وتفسير " التناد ": يوم يتنادى أهل الجنة وأهل النار، وينادي أصحاب الأعراف رجالاً يعرفونهم بسيماهم. والأصل فيه: التنادي، فاكتفى بالكسر من الياء، فأسقطت؛ كما قال الأعشى (103) :
__________
(99) لم أقف عليه.
(100) البيت في معجم البلدان (دارة ملحوب) وسفر السعادة 1 / 264.
(101) النهاية 3 / 357. برواية: " حجراً بدراة ملحوبٍ بنو أسد ".
(102) تفسير الطبري 24 / 60.
(103) ديوانه 98 وفيه: وأخو النساء. ولا شاهد فيه على هذه الرواية. وينظر إيضاح الوقف والابتداء 244.(2/358)
(/ وأخو الغوانِ متى يَشَأْ يَصْرِمْنَهُ ... ويكُنَّ أعداء بُعَيْد وِدادِ) 240 / أ
وقال الآخر:
(ما بالُ همٍّ عميدٍ باتَ يطْرُقُني ... بالوادِ من هندَ إذ تعدو عواديها) (104)
أراد: بالوادي، فاكتفى بالكسر من الياء. ويقال: إلى يوم التنادِّ، بتشديد الدال، يراد أيضاً: يوم القيامة، لأنهم يندّون فيه كما تندّ الإبل إذا هاجت، وركبت رؤوسها، ومضت على وجوهها.
وأخبرنا إدريس قال: حدثنا خلف قال: حدثنا هشيم عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس (105) : أنه كان يقرأ: {يوم التنادِّ} (106) ، بتشديد الدال، أي: يندون كما تندّ الإِبل.
824 - وقولهم: قد لَعِبَ بالدَّوّامَةِ
(107)
قال أبو بكر: قال اللغويون (108) : إنما سميت الدوامة: دوامة، لدورانها وكثرة (372) تحركها. من ذلك قول العرب للرجل: دُوَّام: إذا كان به دُوارٌ.
و" الدائم " من حروف الأضداد: يقال للساكن: دائم، وللمتحرك: دائم. ويقال: قد دوّم الطائر: إذا تحرك في طيرانه.
__________
(104) لكعب بن مالك في إيضاح الوقف والابتداء 244 والمذكر والمؤنث لابن الأنباري 125. وقد أخل به ديوانه.
[أنشد ابن الأنباري البيت في المذكر والمؤنث، شاهداً لترك الإجراء في " هند " على نحو ما تراه فوق. وفي الأصل (ف) :
(...... ...... ...... ... بالواد من هند إذ تغدو غواديها)
ولو أجريت " هند " وجب وصل همزة " إذ " ليصح شطر البيت:
(...... ...... ...... ... بالواد من هندٍ اذ تعدو عواديها] )
(105) زاد المسير 7 / 219.
(106) غافر 32.
(107) الأضداد 83، اللسان (دوم) .
(108) أضداد أبي حاتم 130.(2/359)
وقال بعضهم: دوم الطائر، معناه: سَكَّن جناحيه، وقال: كذا طيران الحِدَأ والرَّخَم.
وقال الأصمعي (109) : لا يكون التدويم في الأرض. وقال: أخطأ ذو الرمة (110) في قوله:
(حتى إذا دوَّمت في الأرضِ راجَعَهُ ... كِبْرٌ ولو شاءَ نجّى نفسَهُ الهربُ)
وحدثنا محمد بن يحيى قال: أخبرنا أبو عبيد قال: حدثنا سعيد (111) عن ابن عجلان (112) عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: (لا يبولنّ أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من جنابَةٍ) (113) .
فالدائم، معناه ههنا: الساكن. ويقال: أدمت الشيء، إذا سكنته، حتى [دام] هو. قال الجعدي (114) :
(تفورُ علينا قِدرُهُم فنُديُمها ... ونَفْثَؤُها عنّا إذا حَمْيُها غلا)
أراد بنديمها: نُسَكِّنها. وبالقدر: قدر الحرب، شبه شدتها بالقدر التي يوقد تحتها وتغلي، ونفثؤها، معناه: نسكنِّها. يقال: قد فثأت غضب فلان: إذا سكنته. وأنشدنا أبو العباس:
(تمنيتُ من حبي عُلَيَّةَ أَنّنَا ... على رَمَثٍ في البحرِ ليس لنا وَفْرُ)
(على دائمٍ لا تعبر الفلَكُ مَوْجَهُ ... ومن دوننا الأهوالُ واللججُ الخُضْرُ) (373)
(فنقضي همَّ النفسِ في غيرِ رِقبةٍ ... ويُغْرِقُ مَنْ نخشى نَمِيمتَهُ البحرُ) (115) 240 / ب
(/ أراد بالدائم: الساكن. والرمث: خشب يُضَمُّ بعضه إلى بعض، ويركب عيه في البحر.
__________
(109) الأضداد 83.
(110) ديوانه 102 وفيه: أدركه. وفيه قولة الأصمعي أيضاً. وينظر الأضداد 83، وشرح المفضليات 95، 753، 813.
(111) سعيد بن أبي مريم المصري، ت 224 هـ. (تهذيب التهذيب 4 / 17) .
(112) محمد بن عجلان المدني، ت 149 هـ. (تهذيب التهذيب 9 / 342) .
(113) غريب الحديث 1 / 224.
(114) ديوانه 118. وينظر غريب الحديث 1 / 225، وشرح القصائد السبع 575.
(115) لأبي صخر الهذلي في شرح أشعار الهذليين 958. وفيه: ومن دوننا الأعداء، ويعدو من نخشى.(2/360)
من ذلك حديث النبي: (أنَّ العَرَكيَّ سأله فقال: يا رسول الله، إنا نركب أَرْماثاً لنا في البحر) (116) . فالأرماث، جمع: الرمث، والعركي: الصيّاد، صياد السمك، وجمعه: عَرَك، وجمع " العَرَك ": العُرُوك.
من ذلك حديثه أنه كتب على بعض اليهود، أو على بعض نصارى نجران: (وعليهم رُبْعُ المِغْزَلِ، ورُبْعُ ما صادته عُرُوكُهُم) (117) .
أراد: ربع ما يغزله النساء، وربع ما يصيده الصيادون. وقال زهير (118) :
(يَغْشَى الحُداةُ بهم حُرَّ الكثيبِ كما ... يُغْشِي السفائنَ موجَ اللُّجَّةِ العَرَكُ)
ورواه أبو عبيدة:
(...... ...... ... كما ... يَغْشَى السفائنَ موجُ اللجةِ العَرِكُ)
فالعرك: المتلاطم الذي يدفع بعضه بعضاً. وأنشدنا أبو العباس لأبي ذؤيب (119) يصف الدُّرَّة:
(فجاءَ بها ما شئت من لَطمِيَّة ... يدومُ الفراتُ فوقَها ويموجُ)
أراد بيدوم: يسكن، والفرات: العذب.
وقال ابن قتيبة: أخطأ أبو ذؤيب في هذا البيت، لأن الدرة لا تخرج من العذب، إنما تخرج من الملح. وقال: هذا البيت في الغَلَطِ كقول الآخر (120) :
(مِثل النصارى قَتَلُوا المسيحا ... )
وما ادعى أحد قطُّ أن النصارى قتلوا المسيح. (374)
وقول أبي ذؤيب عندنا صواب، واعتراض ابن قتيبة عليه خطأ، لأن الدرة لما
__________
(116) النهاية 3 / 261.
(117) النهاية 3 / 222
(118) ديوان 167.
(119) ديوان الهذليين 1 / 57. وينظر شرح القصائد السبع 72. واللطمية نسبة إلى اللطمية وهي السوق التي تباع فيها العطريات.
انظر الشعر والشعراء 657 - 658، إلا أن ابن قتيبة لم يقل ذلك من عند نفسه وإنما ذكر أن هذا مما أخذ على أبي ذؤيب. وأصل هذه المقالة من كلام الأصمعي، ينظر شرح أشعار الهذليين 135. وقد قال ابن قتيبة عقب ذكره ذلك:: ويروى: " تدوم البحار " في هذه الرواية نفي الغلط عنه ".
(120) المعاني الكبير 879، وتأويل مشكل القرآن 155 (الطبعة الأولى) والوساطة 473، واللسان (مسح) .(2/361)
كانت تنمي بالماء الملح، وتشرق، وتحسن، ولا يضرُّ بها، ولا يفسدها، كان لها بمنزلة العذب لغيرها.
825 - وقولهم: أطْرِقْ كَرا أطْرِقْ كَرا إنَّ النَعام في القُرى
(121)
قال أبو بكر: قال لي أبي - رحمه الله - قال لي الرستمي: هذا يضرب مثلا للرجل يُتَكلَّمُ عنده بكلام، فيظن أنه هو المراد بالكلام، فيقول للمتكلم: أطرق كرا أطرق كرا إن النعام في القرى، أي: اسكت فإني أريد مَنْ هو أنبلُ منك، وأرفعُ منزلة.
قال: وقال لي أحمد بن عبيد: هذا يضرب مثلاً للرجل الحقير، إذا تكلم في الموضع الذي لا يُشبهه وأمثاله الكلام فيه، فيقال له: اسكت يا حقير، فإن الأجلاّء والأعزّاء أولى بهذا الكلام منك.
والكرا: هو الكروان، والكروان: طائر صغير. فخُوطب " الكروان " والمعنى لغيره. وشبه الكروان بالذليل، والنعام بالأعز. ومعنى أطرق: أَغْضِ، أي: ما دام عزيز فإياك أيُّها الذليل أن تنطق. 241 / أ
ويقال في جمع " الكَرَوان ": كِرْوان، كما يقال: وَرشَان (122) / للواحد، وللجمع: وِرْشان. ويقال: رجل شَقَذان: إذا كان سريع المشي، والجمع: شِقْذان. ورجل صَخَبان، وقوم صِخْبان. وحمار فَلَتان، وحمير فِلْتان. أنشد أبي - رحمه الله - قال: أنشدنا الرستمي لطرفة (123) :
__________
(121) جمهرة الأمثال 1 / 194.
(122) طائر شِبْهُ الحمامة.
(123) ديوانه 102.(2/362)
(قَسَمْتَ الدهرَ في زمنٍ رَخِيٍّ ... كذاكَ الحكمُ يَقْصِدُ أو يجورُ)
(لنا يوماً وللكِرْوان يوماً ... تطيرُ البائساتُ وما نطيرُ) (375)
وقال الرستمي وغيره: " الكرا " هو " الكَرَوان "، حرف مقصور (124) . وقال غيرهم: " الكرا " ترخيم " الكروان "، ولا يستعمل الترخيم إلاّ في النداء، كقولهم: يا بثينُ أقبلي، وعزُّ أعرضي، فمتى جاء في غير النداء، فهو شاذٌّ لا يُقاس عليه.
والألف في " الكرا " هي الواو التي في " الكروان "، جعلت ألفاً عند سقوط الألف والنون، لتحركها وانفتاح ما قبلها. والعرب تقول: يا مروُ أَقْبِل، ويا مروَ أَقبِلْ. يريدون: يا مروان. ويافُلُ أَقْبِل، ويافُلَ أَقبل. يريدون: يا فلان. قال الشاعر (125) :
يا مروَ إنّ مطيتي محبوسةٌ ... ترجو الحباء وربُّها لم يَيْأَسِ)
قال النبي: (يُؤتى بالرجل الذي كان يُطاع في معاصي الله، فيُؤمر به إلى النار، فيُقذف، فتندلقُ أقتابه، فيستدير كما يستدير الحمار في الرحى، فيمر بأصحابه الذين كانوا يطيعونه، فيقولون له: أي فُلُ، أين ما كنت تصف؟ فيقول: إني كنت آمركم بالأمر، ثم أخالف إلى غيره) (126) .
أراد: يا فلان. وتندلق: تخرج خروجاً سريعاً. والأقتاب، يقال: هي الأمعاء، ويقال: هي ما استدار من البطن. والأمعاء، يقال لها: الأقصاب، والأنداء.
و" الكرا " بمعنى " الكروان "، مقصور يكتب بالألف، و " الكرى " من " النوم "، مقصور يكتب بالياء (127) . قال حميد بن ثور (128) : ت
__________
(124) حلية العقود 12.
(125) الفرزدق، ديوانه 1 / 384 وفيه: مروان ان. وعلى هذه الرواية يسقط الشاهد.
(126) الفائق 1 / 434.
(127) المقصور والممدود 105، شرح ما يكتب بالياء 166.
(128) أخل به ديوانه.(2/363)
(به عَزْفُ جِنٍّ وأهوالُها ... إذا ما سُمِعْنَ مَنَعْنَ الكرى) (376)
وقال الآخر (129) :
(نأت دارُ ليلى فشطَّ المزارُ ... فعيناكَ ما تطعمانِ الكرى)
والكرا (130) : دقة الساقين، مقصور يكتب بالألف، يقال: رجل أكرا، وامرأة كَرْواء. والكراء، ممدود: ثَنِيَّة بالطائف، يُكتب بالألف (131) .
826 - وقولهم: رجلٌ مُفَرَّكٌ
(132)
قال أبو بكر: أخبرنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء قال: المفرك: المتروك، المُبغض. يقال: قد فارك فلان فلاناً: إذا تاركه. 241 / ب
وقال غيره: هو من قولهم: قد فَركَتِ المرأةُ زوجَها: إذا / أَبْغَضَتْهُ، فهي فارك، من نساءِ فواركٍ. فإذا أبغضها هو قيل: صلفها، وصَلِفَت عنده. قال أبو هريرة: (جاءت امرأة إلى النبي فقالت له: يا رسول الله سواران من ذهب، قال: سواران من نار. قالت: طوق من ذهب، قال: طوق من نار. قالت: قرطان من ذهب، قال: قرطان من نار. قالت: يا رسول الله، إن المرأة إذا لم تَزَيَّنُ لزوجها صَلِفَت عنده، قال: ما يمنع إحداكن من أن تتخذ قُرطاً من فضة بالزعفران) (133) .
وأخبرني أبي - رحمه الله - قال: حدثنا أبو هفان قال: حدثنا أبو عبيدة (134) قال: ت
(129) أبو صفوان الأسدي، مقصورته ق 1 وهي بتمامها في أمالي القالي 2 / 237 - 240.
(130) المقصور والممدود للقالي 51.
(131) في المقصور والممدود لابن ولاد 106: (الكرا ثنية بالطائف مقصور، وأما ثنية بيشة فهي كراء بالمد) . وكذا قال القالي في المقصور والممدود 52 نقلا عن بعض أهل اللغة، وقال: (وقال أبو بكر الأنباري: هما جميعاً ممدودان) .
(132) غريب الحديث 4 / 90 - 91.
(133) ينظر: النهاية 3 / 47.
(134) اللسان (فرك) .(2/364)
خرج أعرابي، وكانت امرأته تَفْرَكُهُ، وكان يَصْلَفُهَا، فأتبعَتْهُ نواةً وقالت: شَطَّتْ نَواك، وناءَ سَفَرُكَ. ثم أتبعته رَوْثَةً وقالت: رثيتُك، وراثَ خبرُكَ. ثم (377) أتبعتهما حصاةً وقالت: حاصَ رزقُكَ، وحُصَّ أَثَرُكَ.
قال أبو هفّان: تفركه: تبغضه. ويصلفها: يبغضها. وأنشد:
(وقد أُخْبِرْتُ أَنَّكِ تَفْرَكيني ... وَأَصْلَفُكِ الغداةَ فلا أُبالي) (135)
وشطت: بعدت، وناء: بعد، وراث: أبطأ، وحاص: حاد. وحُصَّ: مُحِيَ.
827 - وقولهم: فلانٌ ذَكِيٌّ
(136)
قال أبو بكر: معناه: كاملُ الفِطْنَةِ، تامُّها، من قول العرب: قد ذَكَتِ النارُ تذكو: إذا تَمَّ وقودها. ويقال: أَذْكَيْتُها: إذا أتممت وقودَها. ويقال: مِسْكٌ ذكيٌّ: إذا كان تامَّ الطيبِ، كاملَ نفاذِ الريحِ. قال جميل (137) :
(صادَتْ فؤادي بعينيها ومُبْتَسَمٍ ... كأنَّه حينَ أَذْكَتْهُ لنا بَرَدُ)
(عذبٌ كأنَّ ذَكِيَّ المسكِ خالَطَهُ ... والزنجبيلُ وماءُ المزْنِ والشُّهُدُ)
ويقال: قد ذَكَّيْتُ الشاة: إذا أتممت (138) ذبحها، وبلغت الحدَّ الواجبَ فيه. قال الشاعر:
(نَعَم هو ذَكَّاها وأنتَ أَضعْتَها ... وألهاكَ عنها خُرْفَةٌ وفَطِيمُ) (139)
والعرب تقول: جَرْيُ المُذَكّيِاتِ غلابٌ (140) ، أي: جري المَسَانَّ مغالبةٌ، (378) وذلك أنَّ المُذكية من الخيل، وهي التي تمَّت قوتُها وشبابها، تُحمَلُ على الخَشِن من
__________
(135) بلا عزو في اللسان (فرك) .
(136) أخبار الأذكياء 10 - 11 وفيه كلام ابن الأنباري.
(137) ديوانه 58 وفيه: حين أبدته.
(138) من ك، وفي الأصل: تممت.
(139) بلا عزو في أخبار الأذكياء 10.
(140) أمثال العرب 28، جمهرة الأمثال 1 / 299.(2/365)
الأرض، للثقة بقوتها وصلابتها، وأنها ليست كالجذاع والصغار التي يُطلب لها الرخاوةُ من الأرضِ، لضَعْفِها وصِغَرِها، وأنّها لا تثبت ثباتَ المُذَكِّيات.
وبعضهم يقول: جَرْيُ المُذكيات غِلاْءٌ. فالغِلاء، جمع: غَلْوة، وهي مدى الرَّمْية (141) . قال الشاعر في " الذكاء " الذي معناه: تمام الفطنة:
(شهم الفؤادِ ذكاؤه ما مِثْلُهُ ... عند العزيمةِ في الأَنامِ ذَكاءُ) (142) 242 / أ
/ وقال زهير (143) في الذكاء الذي معناه: تمام السِّنِّ:
(ويفضلها إذا اجتهدَتْ عليه ... تمام السِّنِّ منه والذَكاءُ)
والذكاء (144) ، في هذين المعنيين، ممدود. والذكا (145) : تمام اتقاد النار، مقصور، يكتب بالألف. قال الشاعر:
(وتُضْرِمُ في القلبِ اضطراماً كأنَّه ... ذكا النارِ تَزْفيه الرياحُ النوافحُ) (146)
ويقال: مِسك ذَكِيٌّ، ومِسكٌ ذَكِيَّةٌُ. فالذي يُذكِّر يقول: المسك مُذكَّر، والذي يؤنث يقول: ذهبت إلى الرائحة. أنشدنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء (147) :
(لقد عاجلتني بالسِّبابِ وثوبُها ... جديدٌ ومن أثوابِها المسكُ تَنْفَحُ)
وقال: أراد رائحة المسك.
وأخبرني أبي - رحمه الله - قال: حدثنا أبو هفّان المهزمي قال: المِسك والعَنْبَر يُذكّران ويؤنثان. قال: وأنشدنا في التأنيث:
(والمسكُ والعنبرُ خيرُ طِيبِ ... ) (379)
(أُخِذَتا بالثمن الرغيبِ ... ) (148)
__________
(141) في أخبار الأذكياء 11 نقلا عن ابن الأنباري: الرقعة.
(142) بلا عزو في المقصور والممدود للقالي 307 وأخبار الأذكياء 11.
(143) ديوانه 69.
(144، 145) المقصور والممدود لابن ولاد 50.
(146) بلا عزو في المقصور والممدود للقالي 94 وأخبار الأذكياء 11. وتزفيه: ترفعه.
(147) المذكر والمؤنث للفراء 97، والمذكر والمؤنث لابن الأنباري 210، والمخصص 17 / 25. والبيت لجران العود في ديوانه 40.
(148) بلا عزو في المذكر والمؤنث لابن الأنباري 212 والمخصص 17 / 25.(2/366)
وقال الأعشى (149) في التذكير:
(إذا تقومُ يضوعُ المِسْكُ آونةً ... والعنبرُ الوردُ من أَرْدانِها شَمِلُ)
وقال الآخر (150) :
(فإنّا قد خُلِقْنا مُذْ خُلِقْنا ... لنا الحِبَراتُ والمِسكُ الفتيتُ)
وأنشدنا أبو العباس:
(وألينُ من مسِّ الرّحى باتَ يلتقي ... بمارِنِهِ الجادِيُّ والعنبرُ الوردُ) (151)
الجادي: الزعفران. وقال الآخر:
(تنفحُ بالمِسكِ ذفاريُّهُمْ ... وعَنْبَرٌ يقطِبُهُ قاطِبُ) (152)
أي: يجمعه جامع. وقال الآخر، وهو عدي بن زيد (153) :
(أطيبُ الطِّيبِ طيبُ أم حُنَيْنٍ ... فأرُ مِسْكٍ بعَنْبَرٍ مفتوقُ)
(عَلَّلَتْهُ بزنبقِ وببانٍ ... فَهْوَ أَحْوى على اليَدَيْنِ شَرِيقُ)
828 - قولهم: رأيتُ ضَلْعَ فلانٍ عل فلانٍ
(154)
قال أبو بكر: [معناه] : رأيت ميله عليه. يقال: ضَلَعَ الرجل يَضْلعُ ضَلْعاً: إذا مال وأذنب، فهو ضَلِعٌ، وضالعٌ. قال النابغة (155) : (380)
(وخُبِرْتُ خَيْرَ الناسِ أَنَّكَ لُمْتَني ... وتلكَ التي تَسْتَكُّ منها المسامعُ)
(مقالةُ أنْ قد قُلْتَ سوفَ أنالُهُ ... وذلكَ من تلقاءِ مثلكَ رائِعُ)
(أتوعِدُ عبداً لم يَخُنْكَ أمانةً ... وتتركُ عبداً آمِناً وهو ضالِعُ)
__________
(149) ديوانه 55 وفيه: أصورة والزنبق.. وينظر شرح القصائد السبع 30، والمذكر والمؤنث 210، والمخصص 17 / 25.
(150) الزبير بن عبد المطلب في المذكر والمؤنث لابن الأنباري 210 والمخصص 17 / 25. والحبرات جمع حبرة، وهو ثوب يماني من قطن أو كتان مخطط.
(151) ليزيد بن الطثرية، شعره: 66. وفي الأصل: من حَس الرخامات. والصواب ما أثبتنا. والرحى: رحى الظفر: والجادي: نسبة إلى جادية وهي قرية بالشام يكثر بها الزعفران.
(152) بلا عزو في المذكر والمؤنث لابن الأنباري 212.
(153) ديوانه 76 - 77 وفيه: أم علي مسك فأر. وخلطته بآخر. وفي ك: أم حكيم. (وهو عدي بن زيد) ساقط من ك. ونسبه ابن الأنباري إلى أسماء بن خارجة في المذكر والمؤنث 211.
(154) تهذيب الألفاظ 569.
(155) ديوانه 47 - 48.(2/367)
وحكى بعض اللغويين (156) : رجل ظالعٌ، بالظاء: إذا كان مائِلاً مُذنباً. 242 / ب وقال: هو / مُشَبَّهٌ بالظالعِ من الإِبل، وهو الذي يتوقَّى إذا مشى، والظَلع للبعير بمنزلة الغَمْز للدواب.
ويقال: رمحٌ ضَليعٌ: إذا كانَ مائلاً، وقد ضَلعَ يَضْلَعُ: إذا كان الميلُ خِلْقَةً فيه: فإذا [لم] يكن خلقة فهو ضالعٌ، كما يقال: عَرَجَ الرجل يَعْرَجُ: إذا كان خلقته العرج، وعرج يعرُجُ إذا غَمَزَ من شيء أصابه.
(ويُحكى عن عبد الله بن الزبير أنه نازع مروان بن الحكم بين يدي معاوية، فرأى ابن الزبير ضَلْعَ معاوية مع مروان، فقال له: يا معاوية أَطِعِ الله نُطِعْكَ، فإنّه لا طاعةَ لك علينا إلاّ إذا أطعتَ الله، ولا تُطْرِقْ إطراقَ الأفعوان في أصولِ السِّخْبَر) (157) .
السخبر: ضرب من الشجر، سبيل الأفاعي أن تكون في أصوله. والأُفعوان: ذكر الأفاعي، وهو بمنزلة " العُقْرُبان " ذكر العقارب، والضِبعان (158) ، والعشان، والعَيْلان: ذكر الضباع، والثُعلبان: ذكر الثعالب. قال الشاعر (159) :
(أَربٌّ يبولُ الثُعلبان برأسِهِ ... لقد ذلَّ مَنْ بالَتْ عليه الثعالِبُ) (381)
والظليم، والنِقْنِق، والهِقْلُ، والخَفَيْدَد: ذكر النعام (160) . والعلجوم: ذكر الضفادع. والغَيْلم: ذكر السلاحف. والخُزَز: ذكر الأرانب (161) . واليعقوب (162) : ذكر القَبج. والفَيَّاد، والصَّدَى: ذكر البوم، والحرباء: ذكر أم حُبَيْن (163) .
__________
(156) ينظر: التنبيهات على أغاليط الرواة 259 وزينة الفضلاء 87.
(157) الفائق 2 / 346.
(158) الوحوش 28.
(159) راشد بن عبد ربه أو العباس بن مرداس أو أبو ذر الغفاري. (ينظر ديون العباس بن مرداس 151) .
(160) ما خالف فيه الإنسان البهيمة 38.
(161) الوحوش 29.
(162) كتاب يفعول 25.
(163) المرصع 140. وفي الأصل: أم حنين. تصحيف وصوابه من ل.(2/368)
والشهيم: ذكر القنافذ. والغضرفوط: ذكر العَظاء. والعُنْطب، والعُنظباء: ذكر الجراء. والعُنْظَب، والحُنْظَب، والخُنْفَس: ذكر الخنافس. واليعسوب (164) : ذكر النحل، وجمعه: يعاسيب. والخَدَرْنَق: ذكر العناكب. قال الشاعر (165) :
(ومنهلٍ طامٍ عليه الغَلْفَقُ ... )
(يُنير أو يُسدي به الخَدَرْنَقُ ... )
وأخبرنا أبو العباس: قال: أول ما قال عبد الرحمن بن حسان (166) من الشعر هذا البيت، قاله للكميت وقد عزم على ضربه لاحتباسه عليه:
(اللهُ يَعْلَمُ أَنِّي كنتُ مُشْتَغِلاً ... في دارِ حمرانَ أصطاد اليعاسِيبا)
829 - وقولهم: لِمَ فَعَلْتَ كذا وكذا؟
(167)
قال أبو بكر: معناه: لأيِّ شيء فعلته. والأصل فيه: لما فعلت؟ فجعلوا " ما " في الاستفهام، مع الخافض، حرفاً واحداً، واكتفوا بفتحة الميم من الألف فأسقطوها. وكذلك قالوا: علامَ تركت؟ وعَمّ تعرض؟ وإلامَ تنظر؟ وحتّامَ عنادك؟ (382) قال الله عز وجل: {عمَّ يتساءلون عن النبأ العظيم} (168) وقال الشاعر:
(/ فتلكَ ولاةُ السوءِ قد طالَ مُلكُهُم ... فحتّامَ حتّامَ العناءُ المُطَوَّلُ) (169) 243 / أ
وقال الله تعالى: {فلِمَ قتلتموهم} (170) ، أراد: لأيِّ عِلَّةٍ، وبأيِّ حجّةٍ. وفيها أربع لغات، أَفْصَحُهُنَّ: لِمَ فعلتَ؟ بفتح الميم، ولِمْ فعلتَ؟ بتسكين المم، ولِما فعلتَ؟ بإثبات الألف على الأصل، ولِمَهْ فعلتَ؟ بادخال الهاء للسكت. قال الشاعر:
__________
(134) كتاب يفعول 24.
(165) الزفيان السعدي، ديوانه 100. وينظر في أسماء الذكور كتاب المخصص ج 7، ج 8 في مواضع متفرقة.
(166) شعره: 17 وفيه: دار حسان.
(167) ينظر: المغني 330.
(168) النبأ 1. وينظر: العين 1 / 108 والمشكل 794.
(169) للكميت في الهاشميات 69.
(170) آل عمران 183.(2/369)
(يا أبا الأسودِ لِمْ أسلمتني ... لهمومٍ طارقاتٍ وذِكَرْ) (171)
وقال الآخر (172) :
(فلِمْ رميتُم بعبدِ اللهِ في جَدَثٍ ... ولِمْ تروحتم ولم تَروحُونا)
وأنشدنا أبو العباس:
(فلا زِلْنَ دَبْرَى ظُلَّعاً لِمْ حَمَلْنَها ... إلى بلدٍ ناءٍ قليلِ الأصادقِ) (173)
وقال الآخر (174) :
(يا فَقْعَسِيُّ لِمْ أَكَلْتَه لِمَهْ ... )
(لو خافكَ الله عليه حَرَّمَهْ ... ) (383)
830 - وقولهم: أَكَلَ فُلانٌ العُراقَ
(175)
قال أبو بكر: قال أبو عبيد: العُراق: الفِدْرة من اللحم، لم يزد على هذا في تفسيره.
وقال ابن قتيبة: العُراق: العظام: يقال للعظم الذي عليه اللحم: عَرْقْ. وللخالي من اللحم: عرق. قال: و " العُراق " جمع: العرق، بمنزلة قولهم: ظئر وظُؤار، ورُبِّى ورُباب: للشاة التي تكون في منزل القوم، يحلبونها وليست سائمة (176) ، وفرير: لولد الناقة (177) وجمعها: فُرار.
وقال: قال أبو زيد: قول العامّة: ثريدةٌ كثيرةُ العُراقِ، خطأ، إذ كان العراق: العظام. واحتج بقول شاعر كان يطرد الطير عن زرع في عامٍ جَدِبٍ:
__________
(171) بلا عزو في معاني القرآن 1 / 466 والصاحبي 159 وفيه: فأنا الأسود، وهو تحريف وأمالي ابن الشجري 2 / 233.
(172) ك: في اللغة الثانية: ولم أقف على البيت. وفي ك: ولا تروحتم.
(173) بلا عزو في المذكر والمؤنث لابن الأنباري 233 والمخصص 17 / 30 وقد سلف مع آخر 1 / 317.
(174) سالم بن دارة في الحيوان 1 / 267 والبخلاء 234.
(175) اللسان (عرق) . وينظر غريب الحديث، لابن قتيبة 1 / 262 - 264.
(176) الشاء 7.
(177) الفرق للأصمعي 16.(2/370)
(عجبتُ من نفسي ومن إشفاقها ... )
(ومن طِرادِ الطيرِ عن أَرزاقِها ... )
(في سنةٍ قد كَشَفَتْ عن ساقِها ... )
(حمراء تبري اللحم عن عُراقِها ... )
(والموتُ في عنقي وفي أعناقها ... ) (178)
قال: أراد: تبري اللحم عن عظامها.
قال أبو بكر: وقول أبي عبيد هو الصواب عندنا، لأن العرب تقول: أكلت العَرْق، وهم لا يقولون: أكلت العظم.
يدل على هذا قول النبي: (أَنّ أُمَّ إسحاق الغنوية (179) قالت: جئته عليه السلام فوجدته في منزل حفصة، وبين يديه قصْعَةٌ فيها ثريد ولحم، فقال لي: يا أُمَّ إسحاق، هَلُمِّي فكلي، وكنت صائمةٌ، فمن حِرصي على أنْ آكلَ معه نسيتُ صومي، فأخذ / عَرْقاً فناولينه، فلمّا أَدْنَيْتُهُ من فيّ ذكرت أني صائمة، 243 / ب فجعلتُ لا آكلُ العَرْق ولا أضعه، فقال لي: ما لَكِ يا أم إسحاق؟ قلت: يا رسول الله ذكرت أني صائمة. فقال ذو اليدين (180) : الآنَ بعدما شبعت. فقال (384) رسول الله: ضعي العِرق من يديك، وأَتمّي صومك، فإنما هو رزق ساقه الله إليك) (181) .
فقولها: لا آكله، يدل على ان العرق لحم منفرد، أو لحم على عظم.
ويدل على ما نصف أن أبا العباس أخبرنا قال: قال الأصمعي عن أبيه: (قيل لأعرابي: أيُّ الطعام أحبُّ إليك؟ قال: ثريدةٌ دكناء من الفُلفْل، رقطاء من الحمص، بلقاء من الشحم، ذات حفافين من البَضْع، لها جناحان من العُراق. قيل له: وكيفَ أكلُكَ لها يا أعرابي؟ قال: أصدع بهاتين، يعني السَّبابة
__________
(178) الرابع فقط في اللسان (عرق) بلا عزو.
(179) صحابية: (الإصابة 8 / 165) . وفي الأصل: العنزية، تحريف.
(180) ذو اليدين السلمي، صحابي. (الإصابة 2 / 42) .
(181) الإصابة 8 / 160.(2/371)
والوسطى، وأسندُ بهذه، يعني الإبهام، وأجمع مما شذَّ بهذه، يعني البنصر، وأضرب فيها ضرب اليتيم عند والي السوء) .
فقوله: لها جناحان من العراق، يدل على أنّ العُراق فِدَر اللحم، إذ كانت العرب لا تصف الثُّرَدَ والأطعمة بكثرة العظام.
ويدلّ أيضاً على صحة قول أبي عبيد أن يعقوب بن السكيت (182) حكى عن الكلابي (183) أنه قال: (أتيت بني فلان فشممت عندهُم ريح عَرَم) ، وقد قال ابن قتيبة (184) : " العَرَمُ " و " العَرْق " شيء واحد، فلولا أنّ " العَرْق " لحم لم يقل: شممت ريحه، لأن العظم ليس الغالب عليها أن تشم لها روائح إذا خلت من اللحم.
وقول الشاعر: تبري اللحم عن عُراقها، العُراق: الأكل، من قولهم: عرقت العظم عُراقاً: إذا أكلت ما عليه من اللحم، والعظم معروقٌ.
وتلخيص البيت: تبري من شدة أكلها العظم، كما يقال: اشتكى من دواء شربه، وعن دواء. (385)
و" العُراق " في المصادر، بمنزلة قولهم: سَكَتَ سُكاتا، وصَمَتَ صُماتاً، وصَرَخَ صُراخاً. و " العَرْقُ " بمنزلة " العُراق "، مصدر لعرقت، ولا يجوز أن يكون واحد " العراق "، على ما ذكر ابن قتيبة. لأنه لم يؤثر عن العرب " فُعال " في جمع " فَعْل ". قال الشاعر:
(إذا استهديت من لحم فأَهدي ... من المأْناتِ أو فِدَرِ السنامِ)
(ولا تهدي الأَمَرَّ وما يليه ... ولا تُهْدِنَّ مَعْروقَ العِظامِ) (185)
المأنات: الطَفْطَفَة التي بين الضَرع والسُّرّة. والأمرّ: المصارين. ويقال: قد تعرَّقَ العَرْق: إذا أكل اللحم من على العظم.
__________
(182) تهذيب الألفاظ 612.
(183) أبو صاعد، سلفت ترجمته.
(184) سبقه ابن السكيت إذ قال في تهذيب الألفاظ 612: (والعراق والعرام واحد) .
(185) بلا عزو في الجمهرة 1 / 16، والاشتقاق 23، واللسان (مرر) .(2/372)
من ذلك حديث جابر أنه قال: (رأيت أبا بكر أكلَ خبزاً ولحماً، ثم أخذ العَرْقَ فتعرَّقَهُ، وقام إلى الصلاة. فقال له مولى له: ألا تتوضأ؟ فقال: أتوضأ 244 / أمن الطيبات) (186) .
وحديث النبي: (أنه أكل عند فاطمة - رحمها الله - عَرْقاً. ثم جاء بلال فأذنه بالصلاة، فوثبت فتعلقت بثوبه وقالت: ألا تتوضأ يا أبه؟ قال: ومم أتوضأ يا بنية؟ قالت: مما مسّت النار، قال: أو ليس من أَطْهر طعامكم ما مسَّت النارُ؟) (187) . يدل على أنَّ العرْق اللحم.
831 - وقولهم: قد قبلَ هذا الكلام قلبي
(188)
قال أبو بكر: قال اللغويون: إنما سمي القلب قلباً، لتقلُّبِهِ وكثرة تَغَيُّرِهِ.
وأصله من: قلبت الشيء أقلبه قَلْباً. والعرب تكني بالقلب عن العقل، فيقولون: قد دله قلبه على الشيء، يريدون: دله عقله. قال الله تعالى: {إنَّ (386} في ذلكَ لذِكْرَى لمن كانَ له قلبٌ) (189) . أراد: لمن كان له عقل وتمييز. ورُبَّما كَنَوا بالفؤاد عن العقل والقلب، قالت عائشة (190) زوج عبيد الله (191) بن العباس ترثي ابنيها:
(ها مَنْ أحسَّ بُنَيَّيَّ اللذين هما ... كالدُّرَّتَيْنِ تَشَظَّى عنهما الصَدَفُ)
(ها مَنْ أحسَّ بُنييَّ اللذين هما ... سمعي وعقلي فقلبي اليومَ مُخْتَطَفُ) أرادت: فعقلي.
__________
(186) لم أقف على الحديث.
(187) ينظر: النهاية 3 / 220.
(188) اللسان (قلب) .
(189) ق 37.
(190) الكامل 1195.
(191) ك: عبد الله، تحريف.(2/373)
832 - وقولهم: قد قَبِلَتْهُ نفسي
(192)
قال أبو بكر: قال بعضهم: سُميت النفس نفساً، لتولُّدِ النفس منها، واتصاله بها؛ كما سَمُّوا الروح روحاً، لأن الروح موجود بها.
وبعض اللغويين يُسَوِّي بين النفس والروح [فيقول: هما شيء واحد، إلاّ أنّ النفس مؤنثة، والروح] مذكّر. قالت أخت عمرو بن عبد وُدّ (193) ترثي عمرا وتذكر قتل علي (رض) إيّاه:
(لو كانَ قاتلُ عمروٍ غير قاتِلِهِ ... بكيته ما أقامَ الروحُ في الجَسَدِ)
(لكِنّ قاتِلَهُ مَنْ لا يُعابُ بِهِ ... وكانَ يُدْعى قديماً بَيْضَةَ البَلَدِ)
وفرّق بعض العلماء بين " النفس " و " الروح " فقال: " الروح " هو الذي به الحياة، و " النفس " هي التي بها العقل. فإذا نام النائم، قَبَضَ الله نفسه، ولم يقبض روحه. والروح لا يُقبض إلاّ عندَ الموتِ. (387)
أخبرنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم قال: حدثنا حجاج (194) عن ابن جريج قال: في الإِنسان روح ونفس، بينهما حاجز. قال الله تبارك وتعالى: {الله يَتَوَفَّى الأنُفسَ حينَ موتها والتي لم تَمُتْ في مَنَامِها} (195) .
قال: فهو تعالى يقبض النفس عند النوم، ثم يردها إلى الجسد عند الانتباه. فإذا أراد إماتة العبد في نومه، لم يرد النفس، وقبض الروح نع النفس. 244 / ب
قال: / وأخبرت بذلك عن ابن عباس.
قال الفراء: (196) : معنى الآية: الله يتوفى الأنفس حين موتها، ويتوفى التي لم تمت في منامها عند انقضاء أجلها. قال: وقد قيل في: " يتوفى " أنه " " ينيم "، وقيل: هو من " الموت ". واختار أن يكون من " النوم "، لقوله:
__________
(192) التهذيب 2 / 223 و 13 / 7، اللسان (نفس، روح) .
(193) سلف في البيتان غير مرة.
(194) حجاج بن محمد المصيصي، ت 206 هـ. (تهذيب التهذيب 2 / 205) .
(195) الزمر 42.
(196) معاني القرآن 2 / 420.(2/374)
{فيُمْسِكُ التي قَضى عليها الموتَ ويرسلُ الأُخرى إلى أَجَلٍ مُسَمّى} ، ولقوله تعالى: {وهو الذي يتوفّاكم بالليلِ ويعلم ما جرحتم بالنهار} (197) .
وأخبرنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا يوسف بن موسى قال: حدثنا عبد الله ابن موسى قال: حدثنا إسرائيل (198) عن خصيف (199) عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى: {اللهُ يَتَوَفَّى الأنفسَ حينَ موتِها والتي لم تَمُتْ في مَنَامِهَا} قال: كل نفس لها سبب تجري فيه، فإذا قُضي عليها الموت، نامت حتى ينقطع السبب. والتي لم يُقْضَ عليها الموت تترك.
و" الروح " أيضاً خلق يشبهون الناس، وليسوا بناس، قال الله تعالى: {يوم يقوم الروحُ والملائكةُ صفّاً} (200) ، أراد بالروح: هؤلاء الذين وصفناهم. وحدثنا محمد بن يونس قال: حدثنا أبو عاصم (201) عن معروف المكي (202) عن ابن أبي (388) نجيح عن مجاهد قال: الروح خلق مع الملائكة، كما لا تراهم الملائكة، لا ترون أنتم الملائكة.
ويقال: الروح جبريل عليه السلام.
وأخبرنا أحمد بن الحسين قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا أبو معاوية عن إسماعيل عن أبي صالح قال: الروح خلق من خلق الله، لهم أيد وأرجل.
والروح، في غير هذا: الوحيُ، كقوله تعالى: {يُلقي الروح من أَمْرِه على مَنْ يشاء} (203) ، أي يلقي الوحي من أمره. هذا مذهب أبي عبيدة، وعليه
__________
(197) الأنعام 60.
(198) إسرائيل بن يونس، ت 162 هـ. (تهذيب التهذيب 1 / 261) .
(199) خصيف بن عبد الرحمن، ت نحو 107 هـ. (تهذيب التهذيب 3 / 143) .
(200) النبأ 38.
(201) هو الضحاك بن مخلد، سلفت ترجمته.
(202) معروف بن خربوذ المكي. (تهذيب التهذيب 10 / 231) .
(203) غافر 15.(2/375)
أكثر أهل العلم. وشاهده: {وكذلك أوحينا إليكَ رُوحاً من أَمْرِنا} (204) ، ومثلهما: {وكلمتُهُ ألقاها إلى مريم وروحٌ منه} (205) ، معناه: ووَحْيٌ منه.
وقال ابن قتيبة (206) ، معناه: ونَفْخٌ منه، وذلك أن الله تعالى أمر جبريل، فنفخ في جيب درع مريم، فحملت بعيسى عليه السلام. واحتج بقول ذي الرمة (207) يصف وقع الشرر في الحُرّاق:
(فلمّا بَدَتْ كَفَّنْتُها وهي طِفْلَةٌ ... بَطلْساءَ لم تَكْمُلْ ذِراعاً ولا شِبْرا)
(وقلتُ له ارفعها إليكَ وأَحْيها ... بروحِكَ واجعله لها قِيتةً قَدْرا)
(وظاهِرْ عليها الشَّخْتِ ما اسطعت واستعِنْ ... عليها الصَّبا واجعلْ يَدَيْكَ لها سِتْرا) (389)
أراد: فلما بَدَتِ الشررة كفَّنتها، وهي صغيرة، بخرقة سوداء، وهي الطلساء. و " أحيها بروحك "، أي: بنفخك، واجعل النفخ لها كالقوت، لا يكن شديداً 245 / أفيطيرها، ولا شديد / الضعف فتموت وتخمد.
قال أبو بكر: فهذا الذي قاله ابن قتيبة في الآية لا إمام له فيه، إذ كان المفسرون واللغويون قالوا: الروح: الوحي، ويكسره عليه قول الله تعالى: {فَنفَخْنا فيه من روحنا} (208) ، أي: من وحينا. ولا يحسنُ أن يقال: فنفخنا فيه من نَفْخِنا. كما لا يقال: قامَ من قيامِهِ، ولا: قَعَدَ من قعوده. وفي بيت ذي الرمة ثلاث تأويلات تغني عن تعسُّف ابن قتيبة وحمله القرآن على ما لا يأثره عن إمام:
أحدهن: وأحيها بنفسك. أي: تولّ إحياءها أنت، ولا تَكِلْ أمرها إلى غيرك. فأقام " الروح " مقام " النفس " للمقاربة بينهما. ولأن العرب لا توقع بينهما افتراقاً.
__________
(204) الشورى 52.
(205) النساء 171.
(206) تأويل مشكل القرآن 486.
(207) ديوانه 1428 - 31 وفيه: واقْتَتْهُ لها قتيةً، وظاهر لها من يابس الشخت، والشخت مادق من الحطب. ورواية الديوان أصوب لعجز البيت الثاني.
(208) التحريم 12.(2/376)
والحُجّة الثانية: أنه أراد: وأحيها بنفخ روحك، فحذف " النفخ " وأقام " الروح " مقامه، كما قال: {واسألِ القريةَ} (209) .
والحجة الثانية: أنه أقام " الروح " مقام " النفس " لأنه من الروح تولده. فكفى (210) منه، كما تكتفي العرب بسبب الشيء من الشيء. قال الشاعر (211) :
(كأنّ فاها إذا تُوسِّنَ من ... طِيب مَشَمٍّ وحُسْن مُبْتَسَمِ)
(رُكِّبَ في السَّام والزبيب ... أَقاحيُّ كثيبِ تَنْدَى من الرِّهَم)
السام: عرق المعدن، واكتفى بالزبيب من الخمر لأنه من سببه.
والروح أيضاً ملك من الملائكة، وهو أعظم الملائكة خلقاً فيما روى ابن عباس.
قال مقاتل بن حيان (212) : الروح ملك، وهو من أشرف الملائكة وأقربهم إلى (390) الرب تعالى. وهو صاحب الوحي، فإذا أراد الله تعالى أن يوحي بشيء، قرع اللوح جبهته فيلقيه إلى إسرافيل، ويلقيه إسرافيل إلى جبريل وميكائيل. وهو الذي يدعو لأهل الأرض إذا أصابهم القحط، يقول: يا رب عبادك أنت خلقتهم فلا تهلكهم جوعاً. وهو في كتاب الله جل وعلا: {يُسبِّحونَ بحمدِ ربِّهم ويستغفرونَ لمَنْ في الأرضِ} (213) .
وقال علي بن أبي طالب (رض) : الروح ملك من الملائكة، له سبعون ألف وجه، لكل وجه سبعون ألف لسان، لكل لسان سبعون ألف لغة، يسبح الله بتلك اللغات كلها، يخلق من كل تسبيحة ملك يطير مع الملائكة إلى يوم القيامة.
__________
(209) يوسف 82.
(210) ل: واكتفى.
(211) النابغة الجعدي، ديوانه 151 - 52 وفيه: إذا تبسم. وفي ك: في طيب. وينظر شرح القصائد السبع 144، 471.
(212) (ملك من ... حيان) ساقط من ك.
(213) الشورى 5.(2/377)
833 - وقولهم: أَصَمَّ اللهُ صَدَى فلانٍ
(214)
قال أبو بكر: معناه: أماته الله حتى لا يُسمع لصوتِهِ، إذا صاح في بيت أو صحراء، صدىً. والصدى: الصوت الذي يسمعه الصائحُ في البيت الخالي، 245 / ب أو / الصحراء. يقول: يا فلانُ، فيسمع: يا فلانُ. فيدعو عليه بالموت وانقطاع الصدى بانقطاع كلامه.
والصَدَى ينقسم على خمسة أقسام (215) :
صدأ الحديد، مهموز. يقال: صَدِىء الإِناء يصدأ صَدَأ: إذا علاه الوسخ. ويكتب في هذا المعنى بالألف. قال الشاعر: (391)
(تَرَى أرباقَهم مُتَقَلِّدِيها ... كما صَدِىء الحديدُ على الكماةِ) (216)
وقال الآخر:
(صَدَأ الحديدِ على أُنوفهمُ ... يَتوقَّدونَ توقّد النَّجْم) (217)
والصدى: جواب الصوت (218) . مقصور، يكتب بالياء. وكذلك: الصدى: ذكر البوم (219) . قال الشاعر:
(عَطْشَى يجاوبُ بومها صوتَ الصَدَى ... والأصرمانِ بها المُقيمُ العازِبُ) (220) الأصرمان (221) : الذئب والغراب. ويقال: (222) : الصدى: طائر ليس بذكر البوم،
__________
(214) اللسان (صدى) .
(215) ينظر: المنجد في اللغة 86 - 87.
(216) بلا عزو في معاني القرآن 2 / 277 والمقصور والممدود للقالي 238. والأبارق الحبال، والكماة الشجعان.
(217) بلا عزو في المقصور والممدود للقالي 238 والمختار من شعر بشار 57. ويشبه بيتاً ينسب إلى النابغة الجعدي، شعره 236، وإلى عنترة، ديوانه وهو:
(يمشون والماذي فوقهمُ ... يتوقدون توقد النجم)
(218، 219) شرح ما يكتب بالياء 163.
(220) بلا عزو في الأضداد 326 والمقصور والممدود للقالي 86.
(221) المثنى 32.
(222) نقل القالي كلام ابن الأنباري في المقصور والممدود 86.(2/378)
تتشاءم به العرب. ويزعم بعضهم أنه يجتمع من عظام الميت. وجمعه: أصداء. قال لبيد (223) :
(فليس الناسُ بعدك في نقيرٍ ... ولا هُم غير أصداءٍ وهامِ)
وقال توبة بن الحُمَيِّر (224) :
(فلو أنَّ ليلى الأَخيلِيَّةَ سَلَّمّتْ ... عليَّ وفوقي تُرْبَةٌ وصفائِحُ)
(لسلَّمْتُ تسليمَ البشاشةِ أو زقا ... اليها صدىً من جانبِ القبرِ صائحُ)
والصَدَى: العطش، مقصور، يكتب بالياء (225) ، يقال: قد صَدِيَ الرجل (392) [يَصْدَى] (226) صَدىً: إذا عطش. ورجل صَدٍ وصادٍ وصَدْيان: إذا كان عطشانا، وامرأة صَدِيَة وصادِيَة وصَدْياء وصَدْيانة إذا كانت عطشانة. أنشدنا أبو العباس قال: أنشدنا عبد لله بن شبيب لعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود (227) :
(أفي اليومِ تقوبضُ الأحبَّةِ أمْ غدِ ... ولمّا يبنْ وجهاً لهم وكأنْ قَدِ)
(ولم يقض جيراني لُبَانَةَ ذي الهوى ... ولم يَرعوا من طول تحلئة الصَدِي)
وقال جرير (228) :
(ضَنَّت بموردَةٍ فيها لنا شَرَعٌ ... تشفي صَدَى مُستهامِ القلبِ صَدْيانا)
وأخبرنا أبو العباس قال: يقال: فلان صَدَى إبلٍ: إذا كان يُحْسِنُ القيامَ بها.
وأنشدنا:
(ألا إنَّ أشقى الناس إنْ كنتَ سائِلاً ... صَدَى إبلٍ يُمسي ويُصْبحُ غادِيا) (229)
وهو في هذا المعنى مقصور، يكتب بالياء.
__________
(223) ديوانه 209 وقد سلف في 1 / 358.
(224) ديوانه 48. وقد سلفا 1 / 358.
(225) شرح ما يكتب بالياء 163 والمقصور والممدود للقالي 86.
(226) من ك.
(227) سلف البيتان: 1 / 210.
(228) ديوانه 162 وفيه: كانت لنا شرعا.
(229) بلا عزو في المقصور والممدود للقالي 87.(2/379)
834 - وقولهم: هو خَصْمٌ أَلّدُّ
(230) 246 / أ
/ قال أبو بكر: الأَلَدُّ، معناه في كلام العرب: الشديد الخصومة والجدال. يقال: رجل أَلَدُّ، من قوم لُدٍّ، وامرأة لدّاء. ويقال: ما كنتَ أَلَدَّ، ولقد لَدِدْتَ، (393) وأنتَ تَلَدُّ. قال الله عز وجل: {وهو أَلّدُّ الخصامِ} (231) ، أي: شديد الخصومة، وأنشدني أبي - رحمه الله - قال: أنشدني أبو عكرمة:
(إنّ تحت الأحجار حَزْماً وجودا ... وخصيماً أَلَدَّ ذا مِغْلاقِ)
(حيّةً في الوجار أَرْبَد لا ينفع ... منه السليم نَفثُ الراقي) (232)
وقال الآخر (233) :
(فكوني على الواشينَ لَدّاءَ شَغْبَةً ... كما أنا للواشي أَلَدُّ شَغوبُ)
فإذا غلب الرجلُ الرجل بخصومته قال: لَدَدْته أَلُدُّهُ لَدّاً. قال الشاعر:
(أَلُدُّ أقرانَ الخصومِ اللُّدِ ... )
(ثُمَّ أردّي بهمُ مَنْ تردي ... ) (234)
ويقال: لَدَدْت الرجل: إذا سقيته اللدودَ، وهو دواءُ يسقاه في أحد جانبي فيه.
قال ابن عباس: قال رسول الله: (خير ما تدوايتم به اللدود والسّعوط والحِجامة والمَشِيُّ) (235) .
وقالت عائشة: (لَدَدْنا رسولَ الله في مرضه الذي مات فيه، فجعل يشير إلينا: لا تَلُدُّوني، فقلنا: كراهية المريضِ للدواءِ. ثم أفاقَ فقال: لا يبقى في البيت أَحَدٌ إلاّ لُدَّ وأنا أنظر إليه إلاّ عمِّي العباس، فإنّه لم يشهدْكُم) (236) .
فقيل: إنّ رسول الله أمر بلدهم عقاباً لهم، إذ خالفوا أمره، ولَدُّوه
__________
(230) معاني القرآن 1 / 123. وينظر 305 - 306 من هذا الكتاب.
(231) البقرة 204.
(232) البيتان للمهلهل في الأغاني 5 / 55. والوجار جحر الضبع والأسد والذئب.
(233) كثير أو ابن الطثرية أو ابن الدمينة. (ينظر: ديوان كثير 523. شعر ابن الطثرية 62. ديوان ابن الدمينة 112) .
(234) بلا عزو في معاني القرآن 2 / 123 وتفسير الطبري 2 / 315.
(235) غريب الحديث 1 / 234.
(236) غريب الحديث 1 / 235.(2/380)
على كُرهٍ منه للَدّ.
ويقال في جمع " اللدود ": أَلِدَّةٌ. قال ابن أحمر (237) :
(شربتُ الشُّكاعى والتدَدْتُ أَلِدَّةً ... وأقبلتُ أفواهَ العُروقِ المكاويا) (394)
وقال الله تعالى في المعنى الآخر: {وتُنْذِرَ بهِ قوماً لُدّاً} (238) ، فقال بعض المفسرين: معناه: فُجَّاراً. وقال غيره: معناه: صُمَّاً.
وقال بعض اللغويين: يقال: رجل أَلَدُّ، وأَبَلُّ: إذا كان فاجراً. قال الشاعر:
(ألا تتقونَ اللهَ يا آلَ عامِرٍ ... وهل يتقي اللهَ الأَبَلُّ المُصمَّمُ) (239)
وأخبرنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا الحسن بن يحيى قال: حدثنا عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن أبي مُليكة عن عائشة قالت: قال رسول الله: / (أبغضُ الرجالِ إلى اللهِ الأَلَدُّ الخَصِمُ) (240) 246 / ب
835 - وقولهم: فلانٌ كُرَّزٌ
(241)
قال أبو بكر: معناه: هو داه خبيث محتال. قال رؤبة (242) :
(فداكَ بَخَّالٌ أروزُ الأرز ... )
(أو كُرَّزٌ يمشي بطينَ الكُرْزِ ... )
الأرز: الذي يجمع من بُخله وشُحه. والكُرْز: خرج يحمله الراعي على بعض غنمه. وزعموا أنّ الكُرَّزَ من الرجالِ شُبِّه بالباز في خُبثه واحتياله. وذلك أنّ العربَ تسمي الباز: كُرّزاً. قال الشاعر (243) :
__________
(237) شعره 171: وسلف شرحه في 1 / 408.
(238) مريم 97.
(239) للمسيب بن علس، شعره: 359.
(240) النهاية 4 / 244.
(241) اللسان (كرز) .
(242) ديوانه 65 وفيه: فذاك.
(243) رؤبة، ديوانه 38.(2/381)
(لمّا رأتني راضياً بالاهمادْ ... )
(كالكُرَّز المربوطِ بينَ الأَوتادْ ... )
أراد بالكرز: الباز يُربط ليسقط ريشه. وزعموا أنَّ أصله بالفارسية: كُرّه، فعرَّبته العرب، وغيّرت بعضَ حروفِهِ. (395)
ويقال: هو الباز وهما البازان، وهي البيزان. على مثال: الخال والخِيلان. ويقال: هو البازي، على مثال: القاضي، وهما البازيان. وهي البُزاة، على مثال: القُضاة. قال الشاعر:
(طيرٌ رأتْ بازايا نَضْحُ الدماءِ به ... أو أمةٌ خَرَجَتْ زَهْواً إلى عِيدِ) (244)
836 - وقولهم: فلانٌ واسِعُ الكفِّ
(245)
قال أبو بكر: معناه: كثير العطاء، بيِّن السخاء. فسعة الكف (246) معناه: كناية عن البذل. ويقال: فلانٌ ضَيِّقُ الكف، وصغيرُ الكفِّ: إذا كان بخيلاً: قال الشاعر يهجو قوماً:
(مناتينُ أبرامٌ كأنَّ أَكُفَّهم ... أَكُفُّ ضبابٍ أُنْشِقَتْ في الحبائِلِ) (247)
وقال الآخر يعني المختار:
(فناطوا من الكَذَّابِ كَفَّاً صغيرةً ... وليس عليهمْ قتلُهُ بكبير) (248)
وقال الآخر:
(فداكَ من الأقوامِ كلُّ مُزَنَّدٍ ... قصير يدِ السربال مُسْتَرِق الشَّبْرِ)
(من المُزْلَهمِّينَ الذينَ كأنَّهم ... إذا احتَضَرَ القومُ الخِوانَ على وترْ) (249)
أراد بمسترق الشبر: صغير الكف. والمزند: السيء الخلق، والمزلهم: (396) الخفيف. وكناية العرب عن " السخاء " و " البخل " بالكف مشهورة، تجري مجرى
__________
(244) سلف مع آخر قبله 1 / 248.
(245) اللسان (كفف) .
(246) ك: كفه.
(247) بلا عزو في المعاني الكبير 563، 651، والتكملة (نشق) وأساس البلاغة واللسان (ضبب، نشق) .
(248) لم أقف عليه.
(249) الثاني بلا عزو في اللسان (زلهم) .(2/382)
كنايتهم عن " الناس " (250) بالثياب. قال الرستميّ: قال يعقوب: العرب تقول: فِدىً لك ثوباي، يريدون: / أنا فِدى لك. وأنشد: 247 / أ
(فقامَ إليها حَبْتَرٍ بسلاحِهِ ... فللهِ ثَوْبا حَبْتَرٍ أَيَّما فتى) (251)
أراد: فللهِ حبتر، فأقام ثوبيه مقامه. ويروى: فلله عيناً حبترٍ. وأنشد الرستمي عن يعقوب.
(يا رُبَّ شيخٍ من دُكَيْنٍ فَخْمِ ... )
(أَوْذَمّ حَجّاً في ثياب دُسْمِ ... ) (252)
أراد: أوجبَ على نفسِهِ الحجّ، وهو غادر، خبيث، قبيح الأفعال. فكنى. ورواه أبو منصور عن أبي عبيد:
(لا هُمَّ إنّ عامرَ بنَ جَهْمِ ... )
(أو ذم حجّاً [في ثيابٍ دُسْمِ] ... ) (253)
وقال الآخر:
(الطَيِّبينَ من الرجالِ مآزراً ... للطيبات من النساءِ حُجورا) (254)
فكنى بالمآزر والحجور عن الفُروج. وقال النابغة (255) :
(رِقاقُ النِّعالِ طيِّبٌ حُجُزاتُهُمْ ... يُحَيَّوْن بالريحانِ يومَ السَّباسِبِ)
أراد بطِيب الحُجُزات: عفّة الفُروج. والحجزات، جمع: الحُجْزة، وهي التي تسميها العوام: الحُزَّة، فيقولون: حُزَّة السراويل، والعرب تقول: حُجْزَة. وقال الشاعر:
(ولستُ بأطلسِ الثوبينِ بُصبي ... حَليلتَهُ إذا رقد النيامُ) (397)
أراد: لست بفاجر، فَكنى عن ذلك بكونه أطلس الثوبين.
__________
(250) ك: الكأس.
(251) للراعي، شعره: 177 (ط. دمشق) 257 (ط. بغداد) وفيه: فأومأت ايماء خفيّا لحبتر ولله عينا ...
(252) لم أقف على هذه الرواية.
(253) غريب الحديث 2 / 254 واللسان (دسم، وذم) بلا عزو.
(254) لم أقف عليه.
(255) ديوانه 63. والسباسب: عيد كان لهم بالجاهلية.(2/383)
وقال النبي: (المُتشّبِّعُ بما لا يملكُ كلابسٍ ثَوْبَيْ زُورٍ) (257) . أراد: كفاعل فعل قبيح. والمتشبع بما لا يملك هو الذي ينتفج (258) بما ليس عنده، ليغيظ جليسه، ويُصغّر نعم الله عنده.
ويقال: كلابس ثوبي زور، معناه: كمن يلبس لُبْس النُسّاك، ويتزيا بزيِّهم، وينطوي على خلافهم، ويفعل أفعال الفساق. فجعل لابس ثوبي زور، لخلاف سريرته علانيته (259) .
837 - وقولهم: قد هَبَّتِ الريحُ
(260)
قال أبو بكر: قال بعض أهل اللغة: إنّما سُميت الريح ريحاً، لأنَّ الغالب عليها في هبوبها المجيء بالرَّوح والراحة، وانقطاع هبوبها يكسب الكَرْبَ والغَم والأذى. فهي مأخوذة من " الرَّوْحِ ".
وأصلها: رِوْحٌ، فصارت الواو ياء، لسكونها وانكسار ما قبلها (261) ، كما فعلوا مثل ذلك في " الميزان " و " الميعاد " و " العيد ".
والدليل على أن أصل " ريح ": رِوْح، قولهم في الجمع: أرواح، ولو كانت الياء صحيحة في " الريح " لقيل في الجمع: أرياح، و " أرياح " خطأ لا تتكلم العرب به (262) . قال زهير (263) : (398)
(قف بالديارِ التي لم يَعْفُها القِدَمُ ... بلى وَغِيَّرها الأرواحُ والدِيَمُ)
(256) بلا عزو في اللسان (طلس) .
__________
(257) النهاية 2 / 318.
(258) ك: ينتفخ.
(259) ل: لمخالفة علانيته سريرته.
(260) اللسان (روح) .
(261) رسالة الريح 222.
(262) قال ابن خالويه في رسالة الريح 222: (وذكر اللحياني في نوادره: أرياح، وذلك شاذ مثل حوض وأحواض) .
(263) ديوانه 145.(2/384)
وأمّا " الرياح " فإنّ أصلها ": " الرواح "، فأبدلوا من الواو ياء، لانكسار ما قبلها. / ويقال: قد رِحْت الريح أراحُها، وأَرَحْتُها أُرِيحُها: إذا وجدتها. 247 / ب
أخبرنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء قال: يقال: أَرَحْتُ الريحَ أُرِيحها، قال: وبعضهم يقول: أَراحُها، فالماضي من هذه: رِحتُها.
وقال غير الفراء: بعضهم يقول: رِحْتُ أريحُ: إذا وجدت الريح.
وقال النبي: (مَن استرعى رَعِيَّةً فلم يحطهم بنصيحتِهِ لم يَرِحْ ريحَ الجَنّةِ، وإنّ ريحَها ليُوجَدُ من مسيرةِ مائةِ عامٍ) (264) .
قال الكسائي (265) : الصواب: لم يُرِحْ، من: أَرَحْت أُريح. وقال الفراء: يقال: لم يُرِحْ (266) ، ولم يَرَحْ بفتح الراء. وقال غيرهما (267) : الصواب: لم يَرِحْ، من رِحْتُ أريحُ (268) ، على مثال: بِعْتُ أبيعُ. وقال أبو عبيد (269) : الصواب لم يَرَحْ، وأنشدَ:
(وماءٍ وردتُ على زَوْرَةٍ ... كمشْيِ السَّبَنْتَى يَراحُ الشفيفا) (270)
ورِحْتُ أَراحُ، بمنزلة: خِفْتُ أخافُ.
838 - وقولهم: هذه بغداد
(271)
قال أبو بكر: أصل هذا الاسم للأعاجم، والعرب تختلف في لفظه، إذ لم (399) يكن أصله من كلامها، ولا اشتقاقه من لغاتها. وبعض العرب يزعم أن تفسيره
__________
(264) عمدة القارئ 24 / 228 وصحيح البخاري بحاشية السندي 4 / 235 مع خلاف في الرواية.
(265) غريب الحديث 1 / 116.
(266) (لم يرح) ساقط من ل.
(267) هو أبو عمرو الشيباني في غريب الحديث 1 / 116.
(268) من هنا ساقط من الأصل وق وأثبتناه من ك، ل.
(269) غريب الحديث 1 / 116.
(270) لصخر الغي، ديوان الهذليين 2 / 74. والسبنتى: النمر، والشفيف: الريح الباردة.
(271) بغداد مدينة السلام 27 ولطائف المعارف 170، تاريخ بغداد 1 / 58 - 62 ونقل كل ما ورد هنا، معجم البلدان 1 / 677.(2/385)
بالعربية: بستان رجل، فبغ: بستان، وداد: رجل. وبعضهم يقول: " بغ " اسم صنم كان بعض الفرس يعبده، و " داد ": رجل. ولذلك كره بعض الفقهاء أن تسمى هذه المدينة: بغداد، لعلة اسم الصنم.
وسميت مدينة السلام، لمقاربتها دجلة، وكانت دجلة تسمى قصر السلام.
فمن العرب من يقول: بغدان، بالباء والنون. وبعضهم يقول: بغداد، بالباء والدالين، وهاتان اللغتان هما السائرتان المشهورتان. أنشدنا أبو بكر المخزومي في مجلس أبي العباس:
(قُل للشمالِ التي هَبَّتْ مزعزعةً ... تذري مع الليلِ شفَّاناً بصرّادِ)
(أقري سلاماً على نجدٍ وساكنِهِ ... وحاضرٍ باللَّوى إنْ كانَ أو بادِي)
(سلامَ مغتربٍ بَغْدانُ منزلُهُ ... إنْ أَنْجَدَ الناسُ لم يهمُمْ بإنجادِ) (272)
وأنشدنا أبو شعيب قال: أنشدنا يعقوب بن السكيت:
(لَعَمْرُكَ لولا هاشمٌ ما تَعَفَّرَتْ ... ببغدانِ في بَوْغائِهِ القدمانِ) (273)
وقال الآخر:
(ياليلةً خُرْسَ الدجاجِ طويلةً ... ببغدانَ ما كادت عن الصبحِ تنجلي) (274)
وقال الآخر:
(ألا يا غرابَ البينِ مالك واقفاً ... ببغدانَ لا تحلو وأنتَ صحيحُ)
(فقال غرابُ البينِ وانهلّ دَمْعُهُ ... نُقَضِّي لباناتٍ لنا ونروحُ)
(ألا إنّما بغدادُ سجنُ بلِيَّةٍ ... أراحكَ من سجنِ العذابِ مريحُ) (275) ت
نقله الأزهري في التهذيب 12 / 474. وفيه: نهر السلام.
__________
(272) تاريخ بغداد 1 / 60 بلا عزو: والبيتان 2، 3 بلا عزو في المذكر والمؤنث لابن الأنباري 476 ومعجم ما استعجم 262. ورواية ك: اقرى السلام.
(273) بلا عزو في المذكر والمؤنث 476 وتاريخ بغداد 1 / 60. والبوغاء: تراب دقيق.
(274) بلا عزو في المذكر والمؤنث 476 وشرح القصائد السبع 247، وشرح المفضليات 53 وتاريخ بغداد 1 / 60 واللسان (بغدد) وفيه: فيا ليلة.
(275) بلا عزو في تاريخ بغداد 1 / 60.(2/386)
وأنشدني أبي قال: أنشدنا أبو عكرمة: (400)
(ترحّلْ فما بغدادُ دار إقامةٍ ... ولا عندَ مَنْ أَضْحَى ببغدادَ طائِلُ)
(محل ملوك سمنُهم في أَدِيمِهِم ... فكُلُّهُمُ من حِلْيَةِ المجدِ عاطِلُ)
(ولا غَروَ أنْ شَلَّتْ يدُ المجدِ والعُلى ... وقلَّ سماحٌ من رجالٍ ونائِلُ)
(إذا غَضْغَضَ البحرُ الغُطامِطُ ماءهُ ... فليسَ عجيباً أنْ تفيضَ الجداوِلُ) (276)
وأخبرني أبي قال: أخبرنا الطوسي وابن الحكم عن اللحياني قال: يقال: بَغْدان، ومَغْدان (277) ، للمجانسة التي بين الباء والميم، كما يقال: با اسمك؟ وما اسمك؟ وعذاب لازب، ولازم، في حروف كثيرة.
وبعضهم يقول: بغداذ، بالذال، وهي أشذُّ اللغات وأقلُّها. وأنشدني أبي قال: أنشدنا الطوسي وابن الحكم عن اللحياني لأعرابي يمدح الكسائي:
(وما لي صديقٌ ناصحٌ أغتدي به ... ببغداذَ إلاّ أنتَ بَرٌّ مُوافِقُ) (278)
وقال آخر (279) :
(بغدادُ سقياً لكِ من بلادِ ... )
(يا دارَ دار الأنسِ والإِسعادِ ... )
(بُدَّلتُ منكِ وحشة البوادِي ... )
(وقطعَ وادٍ وورودَ وادِي ... )
وبغداد، في جميع اللغات، تُذَكّر وتُؤنث، فيقال: هذه بغدان، وهذا بغدان.
__________
(276) بلا عزو في المذكر والمؤنث 477 وتاريخ بغداد 1 / 61 ومعجم البلدان 1 / 692. وغضغض نقص، والغطامط: العظيم.
(277) المذكر والمؤنث لابن الأنباري 477.
(278) بلا عزو في المذكر والمؤنث 477 وتاريخ بغداد 1 / 61. وبه ينتهي السقط في الأصل.
(279) ك: الآخر. والبيتان بلا عزو في تاريخ بغداد 1 / 62.(2/387)
839 - وقولهم: اتباعُ الهوى يُرْدِي
(280) (401)
قال أبو بكر: قال اللغويون: الهوى: محبة الإنسان الشيء، وغلبته على قلبه. قال الله تعالى: {ونَهَى النفسَ عن الهوى} (281) ، معناه: ونهى النفس عن شهواتها، وما تدعو إليه من معاصي الله عز وجل.
ومتى تُكلم بالهوى مطلقاً، لم يكن إلا مذموماً، حتى يُنعت بما يخرج معناه، كقولهم: هوىً حَسَنٌ، وهوىً موافق للصواب.
قال الأصمعي: قيل لبعض العرب: إذا أشكل على الرجل أمران، لا يدري أيُّهما أرشد، فأيّهما يتبع؟ قال: ليخالف أقربهما من هواه، فإن أكثر ما يكون الخطأ باتباع الهوى.
وقال الشاعر: أنشدناه أبو العباس عن أبي العالية:
(ولن أَرِدَ الماءَ الذي بجنوبِهِ ... هوايَ إذا مَلَّ السُّرى كُلُّ وارِدِ) (282)
وقال بعض أهل العلم (283) : إنما سمي الهوى هوىً، لأنه يهوي بصاحيه في النار، أي: [يرمي به] . يقال: هوى الرجل يهوي: إذا وقع من فوق إلى أسفل، وأهويته أهويه: إذا ألقيته إلى أسفل، وهوى الدَّلْو يهوِي هَوِيّاً (284) ، من النزول، من الارتفاع إلى التَّسفُّل. قال زهير (285) :
(فشَجَّ بها الأماعِزَ وهي تهوِي ... هُوِيَّ الدَّلْوِ أسلمها الرِشاءُ)
وقال ذو الرمة: (286)
(كأنَّ هُوِيَّ الدَّلْو في البئر شَلُّهُ ... بذاتِ الصَّوى آلافَهُ وانشِلالُها)
__________
(280) اللسان (هوا) .
(281) النازعات 40.
(282) لنبهان العبشمي في الكامل 48 مع خلاف في الرواية.
(283) هو الشعبي في ذم الهوى 12.
(284) هويا بفتح الهاء أو ضمها. (ينظر اللسان: هوا) .
(285) ديوانه 67. وشبح: علا. واسلمها: خذلها.
(286) ديوانه 529. وشله آلافه: طرده آلافه. والصوى: الأعلام، الواحدة صوة. وانشلالها: انطراد الحمر.(2/388)
/ ويقال: قد أهوى بالسيف إليه: إذا أومى به، والطعنة تهوي: إذا فتحت 248 / أفاها بالدم. قال أبو النجم (287) :
(فاختاضَ أخرى فَهَوَتْ رجُوُحاً ... ) (402)
(للشَّقِّ يهوِي جُرحُها مفتوحا ... )
وهَويت الشيءَ أهواهُ هوىً: إذا أحببته وغلب على قلبي.
وقال بعض أهل العلم أيضاً: إنما سمي الدِّرْهَمُ درهماً، لأنّه دارُ هَمٍّ، والدينار ديناراً، لأنه دارُ النارِ. أي: تؤدي محبته، والحرص على أخذه من غير جهته، إلى النار.
قال أبو بكر: وما نعلمُ لغوياً صَحَّحَ هذا، ولا ذكر اعتلالاً لهذين الاسمين. ولو كانت العلتان صحيحتين في الدرهم والدينار، لرُفِعَ المضاف في باب الرفع، وخفض المضاف إليه في كل حال، فقيل: دارُهَمٍّ ودارُ نارٍ. ولو كانا جُعلا اسماً واحداً، بمنزلة: بيتَ بيتَ، وخمسةَ عشرَ، لفتحت الميم من الدرهم في كل حال. وكذلك كان يفعل بالراء من الدينار.
وقد كان ابن قتيبة ذكر هذه العلة في الدرهم وصححها، وقد نقضناها عليه في كتاب غريب الحديث.
840 - وقولهم: قد قَطَعَ هذا الكلامُ نِياطَ قلبي
(288)
قال أبو بكر: قال المفسرون واللغويون: النياط: عرق متصل بالقلب.
وقال الرستمي عن ثابت بن عمرو (289) : الوريدان عند العرب من الوتين.
والوتين: عرق مستبطنُ الصُّلْب، مُعَلّق بالقلب، يسقي كل عرق في
__________
(287) اللسان (هوا) .
(288) اللسان (نوط) .
(289) خلق الإنسان 204، 262. وثابت بن أبي ثابت صاحب كتاب خلق الإنسان والفرق، أخذ عن أبي عبيد. واختلف في اسم أبيه. (انباه الرواة 1 / 261، البلغة في تاريخ أئمة اللغة 45) .(2/389)
الجسد. ويقال لمتعلق القلب من الوتين: النياط. وقال الله تعالى: {ثم لقطعنا منه الوَتِيْنَ} (290) . وقال الشماخ (291) يمدح عرابة الأوسي:
(إذا بَلَّغتِني وحملتِ رَحْلي ... عرابةَ فاشرقي بدمِ الوتينِ) (403)
وقال الله تعالى: (ونحنُ أقربُ إليه من حبلِ الوريدِ) (292) . قال الفراء (293) : الوريد: بين اللٍّ يت والعلباء. والعلباء (294) : عصبة صفراء في صفحة العنق. واللَّيت (295) مُتَذَبْذَبُ القرط.
وقال أبو عبيدة (296) : الوريد: عِرق في الحلق. وقال المفسرون (297) : الوريد: نياط القلب، وما حمل. وقال اللغويون: إنما سمي نياطاً، لتعلقه بالقلب. قال العجاج (298) :
(وبلدةٍ نِياطُها نَطِيُّ ... )
(قِيٌّ تُناصيها بلادٌ قِيُّ ... )
القِيّ: القفر الذي لا أنيس به. وتناصيها: تواصلها. ونياطها: متعلقها. ونطي: بعيد. قال جميل (299) :
(اذكري ليلةَ النقا زفراتي ... واعتسافي إليكَ خَرْقاً نَطِيَّا)
__________
(290) الحاقة 46.
(291) بدوانه 323.
(292) ق 16.
(293) معاني القرآن 3 / 76.
(294) خلق الإنسان للأصمعي 200 وللزجاج 32 وللاسكافي ق 15.
(295) خلق الإنسان للأصمعي 199 ولثابت 202 وللزجاج 31.
(296) مجاز القرآن 2 / 223.
(297) ينظر: تفسير القرطبي 17 / 19.
(298) ديوانه 317.
(299) أخل به ديوانه.(2/390)
841 - وقولهم قد نالَتْهُم مُلِمَّةٌ من دَهْرِهِمْ
(300)
/ قال أبو بكر: الملمة: خَصْلة مكروهة لحقتهم بعد تقدم الأمور الجميلة 248 / ب المحبوبة. وأصل " مُلِمّة " من: أَلِمّ فلان يُلِمُّ إلْماماً: إذا زره زيارةً غير كثيرة، ولا متصلة. قال الشاعر:
(أَلمِمْ بليلى ولا تُكثِرْ زيارتها ... يا طالبَ الخير إنَّ الخيرَ مطلوبُ) (301) و " اللِمام " اسم من " ألممت "، معناه كمعنى " الإلمام ". قال جرير (302) : (404)
(بنفسي منْ تَجنّبه عزيزٌ ... عليَّ ومَنْ زيارتُهُ لِمامُ)
وقال القَس (303) :
(على سلامةِ القلبِ السلامُ ... تَحِيَّةَ مَنْ زيارَتُهُ لِمامُ)
(أُحِبُّ لِقاءها وأصدُّ عنها ... كأنَّ لقاءها شيءٌ حرامُ)
ويجوز أن يكون " اللِمام " جمع " اللَّمَم "، و " اللمم " اسم من " أََلمت "، معناه كمعنى " الإِلمام "، فجُمع على " فِعال "، كما قيل: جَمَل وجمال، وجَبَل وجِبال. قال الله عز وجل: {الذينَ يجتنبونَ كبائرَ الإِثمِ والفواحشَ إلاّ اللَّمَمَ} (304) . فاللم النظرة التي تقع فَجأةً عن غير تعمد وقصد، وهي مغفورة. فإن أعاد النظرة، كانت معصية، ولم تكن لَمَاً (305) .
وقال أبو عبيدة (306) : اللمم ليس من الكبائر، ولا الفواحش، [لكنه استثناء منقطع، والتأويل: إلا أن يلم ملم بشيء ليس من الكبائر، ولا الفواحش] . وأنشد:
__________
(300) اللسان (لمم) .
(301) لم أقف عليه.
(302) ديوانه 279.
(303) عبد الرحمن بن أبي عمار صاحب سلامة القس. (الأغاني 8 / 334 - 351، العقد الفريد 6 / 16) .
(304) النجم 32.
(305) وهو قول الكلبي في معاني القرآن 3 / 100.
(306) مجاز القرآن 2 / 237.(2/391)
(وبلدةٍ ليسَ بها أنيسُ ... )
(إلا اليعافُير وإلاّ العيسُ ... ) (307)
معناه: إلا ان بها يعافيرَ وعيساً. فاستثناهما، وليس فيهما ما يؤنس به، للعلة المتقدمة.
وقال بعضهم: ما رخص الله تعالى في " اللمم " بل هو معطوف على الكبائر، و " إلا " معناها " الواو "، والتقدير: يجتنبون كبائر الإِثم، والفواحش، (405) واللمم. فنابت " إلا " عن " الواو ". واحتجوا بقول الشاعر (308) :
(وكلُّ أَخٍ مفارقُهُ أخوه ... لَعَمْرُ أَبِيكَ إلاّ الفَرْقَدانِ)
(وكلُّ قرينةٍ قُرِنَتْ بأُخْرَى ... وإنْ ضَنَّتْ بها ستَفَرَّقانِ)
أراد: والفرقدان.
وقال الفراء (309) : معناه يجتنبون كبائر الإثم والفواحش، إلا المُتقارِب من صغير الذنوب. وحُكِي عن بعض العرب: ضَرَبَهُ ما لَمَمَ القتل، أي: ضربة ضربا متقاربً (310) للقتل. وأنكر أن يكون " إلا " بمعنى " الواو " (311) ، لأنه لم يتقدمها استثناء، ولم تدع ضرورة إلى نقلها عن المعنى المشهور إلى غيره.
وقال غير الفراء في قول الشاعر: إلا الفرقدان: هو استثناء صحيح، لا يراد به: والفرقدان. واحتجو بأن الشاعر قال هذا على مبلغ علمه، وحسب معرفته. وقد كان يظن، لجهله، أن الفرقدين لا يفترقان، فبنى شعره على ذلك. الدليل على ذلك (312) قول زهير (313) :
__________
(307) بلا عزو في الكتاب 1 / 123، ومعاني القرآن 1 / 479، و 2 / 15 و 3 / 273، وهما من رجز نسبه البغدادي في الخزانة 4 / 197، إلى جران العود، وهو في ديوانه 52 وفيه: بسابسا ليس به أنيس.
(308) عمرو بن معد يكرب، الأول في ديوانه 18 (بغداد) 167 (دمشق) . وأخلت الطبعتان بالثاني.
(309) معاني القرآن 3 / 100.
(310) من ل وهي مطابقة لرواية الفراء، وفي الأصل: مقاربا.
(311) لم يشر الفراء إلى ذلك في المعاني.
(312) ك: على هذا.(2/392)
(ألا لا أرى على الحوادثِ باقِيا ... ولا خالداً إلاَّ الجبالَ الرواسِيا)
/ فبين أنه وقع في نفسه أن الجبال تخلد، وأخطأ في هذا المعنى، كما أخطأ ذلك 249 / أالأول.
ويجوز أن يكون " إلا " في البيت بمعنى الاستثناء المنقطع، أي: لكن الفرقدان يفترقان، أو يزولان، فإذا أُزيل بإلاّ عن مذهب الاتصال، كان هذا ممكناً فيها. حُكِيَ عن بعض العرب: ما اشتكي إلاّ خيراً، على معنى: ما أشتكي شيئاً لكن أجد خيراً. وقال جرير (314) في الملمة: (406)
(ألا لا تخافا نَبْوَتي في مُلِمَّةٍ ... وخافا المنايا أنْ تفوتكما بِيا)
وقال الآخر في جمعها:
(فلو فَقَدَتْ تَيْمٌ مقامي ومَشهدي ... وخُطَّ لأوصالي من الأرض أَذْرُعُ)
(ونالتهم إحدى مُلِمّاتِ دَهْرِهِم ... تمنّى حياتي منْ يَعُقُّ ويقطعُ) (315)
842 - وقولهم: فلانٌ ضَيِّقٌ العَطَنِ
(316)
قال أبو بكر: معناه: قليل العطاء، ضيق النفس. فكنى بالعطن عن ذلك. والأصل في " العطن ": الموضع الذي تَبْرُكُ (317) فيه الإِبل إلى الماء إذا شربت وأبركوها عند الحياض، ليعيدوها إلى الشرب. ويقال لمواضعها التي تأويها عند البيوت: الثايات، واحدتها: ثاية. يقال: ضرب القوم بعطن: إذا رَوَوا، وأرْوَوا إبلهم، وضربوا له عطناً.
ويقال: قد عطنت الإِبل تعطُنُ فهي عاطِنةٌ: إذا بركت في عُطنها. وقد أعطنها صاحبها والقائم بشأنها يُعْطِنها إعطاناً: إذا فعل بها ذلك. ت
(313) ديوانه 288.
__________
(314) ديوانه 80.
(315) لم أقف عليهما.
(316) الفاخر 315، اللسان (عطن) .
(317) من ل، وفي الأصل: تنزل.(2/393)
قال النبي: (صَلُّوا في مرابضِ الشاءِ، ولا تُصَلُّوا في أعطانِ الإِبلِ) (318) . فالأعطان، جمع: العَطَن. وقال الصمة بن عبد الله القشيري (319) :
(يا ليت شعري والإِنسانُ ذو أَملٍ ... والعينُ تذرف أحياناً من الحَزَنِ)
(هل أَجْعَلَنَّ يدي للخَدِّ مِرْفَقَةً ... على شَعَبْعَبَ بينَ الحوضِ والعَطَنِ) (407)
شعبعب: اسم بقعة، أو ماء. ولم يُجْرِهِ، لتعريفه وتأنيثه.
وقال النبي: (بينا أنا على قَليبٍ أنزعُ منه إذ جاءني أبو بكر، فأَخَذَ الدَّلْوَ، فَنَزَعَ ذنوباً أو ذنوبين، وفي نَزْعِهِ ضَعْف، والله يغفر له. ثم أخذ الدلو من يد أبي بكر عُمَرُ فنَزَعَ، فاستحالَتْ غَرْباً، فلم أرَ عَبْقرِيّاً يفري فَرْيَهُ، فَنَزَعَ حتى ضَرَبَ الناسُ بعَطَنِ) (320) .
فقوله: أنزع، معناه أستقي. والذنوب. الدلو المليء من الماء، تذكر وتؤنث. وقوله: فاستحالت غرباً، معناه: حالت عن أمرها الأول، وكبرت، 249 / ب وعظمت في يد عمر / - رحمه الله - لكثرة ما فتح الله عليه. والغَرْب: الدلو العظيمة التي تصنع من مسك ثور للسانِية (321) . والغَرَب، بفتح الغين والراء: الذي يسيل بين البئر والحوض. وقوله: فلم أر عبقرياً يفري فريه، العبقري (322) : الحاذق، الفائق، المتبين فضله. وقال أبو عمرو: هو الفائق من كل جنس. والأصل فيه لبُسُطٍ تُعمل بقرية يقال لها: عَبْقَر، تكون في نهاية السَّرْوِ والحسن وإتقان الصنعة. وكان الأصل للبسط، ثم وصف به الناس وغيرهم. قال الشاعر:
(أُكَلَّفُ أنْ يُحَلَّ بنو سُلَيْم ... جُبوبَ الاثم ظُلْمٌ عَبْقَرِيُّ) (323)
__________
(318) النهاية 3 / 258.
(319) اللسان (شعب) . والصمة، أموى، ت نحو 98 هـ. (الأغاني 6 / 1، اللآلىء 461) . وفي الأصل. ذو مال، تحريف، صوابه من ل.
(320) الفائق 3 / 61.
(321) يسنو: يسقي.
(322) ينظر اللسان (عبقر) .
(323) لشريح بن بجير الثعلب في تهذيب الألفاظ 176.(2/394)
أراد بالعبقري: الخالص: وقال الله تعالى: {متكئين على رَفْرَفٍ خُضْرٍ وعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ} (324) ، أراد بالرفرِف: الفُرُش، ويقال: هي البُسُط.
وقال أبو عبيدة (325) : العبقري عند العرب: البسط، وقال: البسط كلها عبقري. (408)
وقال الفراء (326) : العبقري: الطنافس الثخان. والرفرَف: رياض الجنة. قال: ويقال: هي المحابس.
وقال ابن عباس (327) : الرفرف: رياض الجنة، عليها فضول المحابس والبسط.
وقال الحسن (328) : العبقري بسط الجنة، فاطلبوها لا أب لكم.
وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس (329) : عتاق الزَّرابيّ.
وقال أبو عبيد (330) : العبقري، نسب إلى قرية يقال لها عبقر، يصنع فيها ضروب البرود والوشي. وأنشد لذي الرمة (331) :
(حتى كأنَّ رياضَ القُفِّ أَلْبَسَها ... من وَشْيِ عَبْقَرَ تجليلٌ وتَنْجِيدُ)
فأما الزَّرابيُّ (332) فإنّها الطنافس التي لها خَمل رقيق، واحدتها: زَرْبية.
وقال أبو عبيدة (333) : الزرابي: البسط. وقال الفراء (334) : المبثوثة الكثيرة. وقال أبو عبيدة (335) : المبثوثة: المبسوطة. قال أمية بن أبي الصلت (336) :
__________
(324) الرحمن 76.
(325) مجاز القرآن 2 / 246.
(326) معاني القرآن 3 / 120، وصحح الناشر (؟) الحابس إلى المخاذ، وكأنه لم يقف على التفاسير.
(327، 328) ينظر تفسير الطبري 27 / 163 - 164.
(329) تفسير الطبري 27 / 164.
(330) غريب الحديث 1 / 88.
(331) ديوانه 1366. وقد سلف 2 / 259 والقف: ما غلط من الأرض. والتنجيد: التزيين.
(332) من الآية 16 من الغاشية: {وزرابي مبثوثة} .
(333) مجاز القرآن 2 / 296.
(334) معاني القرآن 3 / 258.
(335) مجاز القرآن 2 / 296.
(336) ديوانه 423 وفيه: أم أسكن الجنة.(2/395)
(مساكنُ الجنةِ التي وُعِدَ الأبرارُ ... مصفوفةٌ نمارِقُها)
وقال ذو الرمة (337) :
(ألا أيّهذا المنزلُ الدارِسُ الذي ... كأنَّكَ لم يَعْهَدْ بك الحيِّ عاهِدُ) (409)
(ولم تَمشِ مَشْيَ الأُدمِ في رونقِ الضُّحى ... بجرعائك البيضُ الحسانُ الخرائِدُ)
(تَرَدَّيتَ من ألوانِ (338) نَوْرِ كأنَّه ... زَرابيُّ وانهلَّتْ عليكَ الرواعِدُ)
843 - وقولهم: وقولهم: صارَ فلانٌ كالشَنِّ البالي
(339) 250 / أ
/ قال أبو بكر: الشن، في كلام العرب: القِربة الخَلَق، أو الإداوة الخَلَق. قال النابغة (340) :
(وقفتُ بها القلوصَ على اكتئابٍ ... وذاكَ تفارُطُ الشوقِ المُعَنِّي)
(أسائِلُها وقد سَفَحَتْ دموعي ... كأنَّ مَفِيضَهُنَّ غروبُ شَنِّ)
(بكاء حُمامةٍ تدعو هديلاً ... مُفَجَّعَةٍ على فَنَنٍ تُغَنِّي) (341)
وقال طرفة (342) :
(كأنَّ جناحَيْ مَضْرَحِيٍّ تكنَّفا ... حِفافَيْهِ شُكَّا في العسيبِ بمِسْرَدِ)
(فطوراً به خَلْفَ الزَّمِيلِ وتارةً ... على حَشِفٍ كالشَّنِّ ذاوٍ مُجَدَّدِ)
أراد بالحشف: الضرع اليابس، ولهذه العلة شبهه بالشن.
__________
(337) ديوانه 1088 - 89: ألا أيها الرسم الذي غير البلى. والأول في الكتاب 1 / 308 وبمثل رواية أبي بكر، وبها جاء غير معزو في المقتضب 4 / 219، 259، وأمالي ابن الشجري 2 / 152.
(338) من ل وفي الأصل: أنوار.
(339) ينظر اللسان (شنن) .
(340) ديوانه 196 - 97.
(341) هنا تنتهي نسخة ك.
(342) ديوانه 14. مضرحي: نسر. وحفافاه: جانباه، وشكا: أدخلا، والعسيب: عظم الذنب. والزميل: الرديف. والمجدد: الذاهب اللبن.(2/396)
844 - وقلوهم: لفُلانٍ جاهٌ في الناسِ
(343)
قال أبو بكر: معناه: له وَجْهٌ فيهم، أي: منزلةٌ وقَدرٌ. فأُخِّرت " الواو " من موضع " الفاء "، فجُعلت في موضع " العين "، فصار: جوهاً، ثم جعلوا " الواو " " ألفاً "، لتحركها وانفتاح ما قبلها، فقالوا: جاه. (410)
وحكى الفراء (344) عن بعض العرب: أخافُ أن تجوهني بشَرٍّ، بمعنى: تواجهني.
وشبيه بهذا القلب قولهم: ما أَطْيَبَهُ، وما أَيْطَبَهُ (345) . وقد جَذَبّ، وحَبَذَ. وقد عاثَ في الأرض، وعثا. وقد عاقني الشيء، وعاقني. وقال الشاعر:
(فلو أنِّي رميتُكَ من بعيدٍ ... لعاقَكَ عن دُعاء الخيرِ عاقِ) (346)
أراد: لعاقك عائق. فأخَّر " الياء "، فجعلها بعد " القاف "، ثم أسقطها لدخول التنوين عليها.
845 - وقولهم: اللهُمَّ أَوْزِعْنا شُكْرَكَ
(347)
قال أبو بكر: معناه: [اللهم] (348) أَلْهِمنا. يقال: أوزعت الرجل بالشيء: إذا أغريته بفعله، وأردت منه إتيانه (349) . ويقال: وَزَعْتَ الرجلَ، بلا
__________
(343) اللسان (وجه) .
(344) اللسان (وجه) .
(345) ق: أطيبه، تحريف.
(346) بلا عزو في معاني القرآن 2 / 124، 394، وشرح القصائد السبع 278، اللسان (عوق) وهو من أبيات لذي الخرق الطهوي في نوادر أبي زيد 116، ومجالس ثعلب 184 - 185.
(347) الأضداد 139.
(348) من ل.
(349) ل: ايقانه. وقال السيوطي في معترك الاقران 1 / 539: (أوزعني: ألهمني، يقال: فلان موزع بكذا ومولع ومغرى بمعنى واحد) .(2/397)
ألف: إذا كَفَفْتَهُ، وحَبَسْتَهُ. قال الله تبارك وتعالى: {فهم يوزَعون} (350) ، أراد: يُحبس أَوَّلُهُم على آخِرِهم، حتى يدخلوا النار. وقال تعالى: {ربِّ أَوْزِعْني أنْ أشكُرَ نِعْمَتَكَ} (351) ، أراد: أَلْهِمْني. وقال طرفة (352) : (411)
(نَزَعُ الجاهلِ عن مجلِسنا ... فَتَرىَ المجلسَ فينا كالحَرَمْ)
أراد: نحبسُهُ. وقال الآخر (353) : 250 / ب
(/ ومسروحة مثل الجرادِ وَزَعْتُها ... وكَلَّفْتُها ذئباً أزلَّ مُصَدَّرا)
وقال النابغة (354) :
(على حين عاتبتُ المشيبَ على الصِّبا ... وقلتُ ألمَّا تَصْحُ والشيبُ وازعُ)
وقال عدي بن زيد (355) :
(كفى غيرُ الأيامِ للمرء وازعاً ... إذا لم يقر ريّاً فيصحُو طائعا) وقال الحسن لما قُلِّد القضاء، وازدحم عليه الناس (356) : (لا بُد للناس من وَزَعَة) (357) . أي: من شُرَطٍ يكُفُّونَهُمْ عن القاضي. وقال الشاعر:
(أما النهارَ فلا أُفتِّرُ ذكْرَها ... والليلَ تُوزِعُني بها أحلامُ) (358) تمّ ما أملاه أبو بكر محمد بن القاسم من كتاب الزاهر
__________
(350) النمل 17، 83، فصلت 19.
(351) النمل 19، الأحقاف 15.
(352) ديوانه 111.
(353) النابغة الجعدي، ديوانه 45 وفيه: وكلفتها سيدا. والسيد: الذئب.
[ف: ذنباً. تصحيف] .
(354) ديوانه 44.
(355) ديوانه 139 وفيه: عبر.
(356) ل: الناس عليه.
(357) النهاية 5 / 180.
(358) بلا عزو في الأضداد 140. وفي ل: يوزعني.(2/398)
تمّ الكتاب بعون عناية الملك الوهاب على يد الفقير إليه سبحانه وتعالى أحمد بن أبي بكر بن محمد بن الشيخ هلال الحلبي وذلك يوم الأحد الثالث والعشرين من شهر ربيع الأول لسنة تسع وثمانين وألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأكمل التحية(2/399)