على مَعْفِل أوَلا تَرَى أَن سِيبَوَيْهٍ لَمَّا ذكر إلَى اللهِ مَرْجِعُكم أَي رُجُوعكم وَأنْشد بيتَ الراعِي قَالَ بعْدَ ذَلِك إِلَّا أنَّ تفسيرَ البابِ وجُمْلَتَه على الْقيَاس كَمَا أَرَيْتك يُورِي أَن جملةَ الْبَاب الإتْيانُ بالمصَدر على مَفْعَل وبالاسم على مَفْعِل وامْرَأة طامِثٌ - فِي معنَى حائِضٍ وَقد طَمَثَتْ تَطْمِث بِالْكَسْرِ لَا غَيْرَ فَأَما فِي الجِمَاع فطَمَثها يَطْمِثُها ويَطْمُثها وامرأةٌ عارِكٌ - حائضٌ - قَالَ أَبُو عَليّ: قَالَ أَبُو العبَّاس امرأةٌ دارِسٌ كعارِكٍ وامرأةٌ عانِسٌ - تُعَجِّز فِي بُيُوت أبَوَيْها لَا تَتَزوَّج وَقد عَنَست تَعْنُس عُنُوساً وَقيل لَا يُقَال عَنَست وَلَا عَنَّست وَلَكِن عُنِّست وَرجل عانِسٌ كَذَلِك وَأنْشد الفارِسيُّ فِي التذكِرَة لأبي ذُؤَيْب حِين ذَكَر العانِسَ من النِّساء والرجالِ:
(فإِنِّي على مَا كُنْتَ تَعْهَد بَيْنَنا ... وَلِيدَيْنَ حتَّى أنْتَ أشمَطُ عانِسُ)
وَأنْشد ابْن السِّكِّيت:
(مَنَّا الَّذي هُوَ مَا إنْ طَرَّ شارِبُه ... والعانِسُونَ ومِنَّا المُرْدُ والشِّيبُ)
وامْرَأةٌ طاهِرٌ - إِذا أردْتَ الطّهْر من الحَيْض وَقد طَهَرْت وطَهرتْ طُهْراً وطَهَارةٌ فَإِن أردْتَ أَنَّهَا نَقِيَّة من الذُّنُوب والدَّنَس قلتَ طاهِرةٌ وامرأةٌ قاعِدٌ - قَعَدت عَن الحَيْض وَكَذَلِكَ عَن الولَد ويَئِستْ مِنْهُ قَالَ الله عزَّ وجلَّ: {والقَوَاعِدُ من النِّساء اللاَّتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحاً} [النُّور: 60] وَقَالَ حميدُ بنُ ثَوْر:
(إزَاءُ مَعَاشٍ مَا يَزَالُ نِطَاقُها ... شَدِيداً وفيهَا سُؤْرةٌ وهْيَ قاعِدٌ)
السُؤْرة - البَقِيَّة فُعْلة من أسأَرْت - أَي أبقَيْت يعنِي هَاهُنَا البَقِيَّة من الشَّباب ويروى وفيهَا سَوْرة على مِثَال مَوْتةٍ - وَهِي النَّشَاط والحِدَّة فأمَّا القاعِدَة من القُعُود الَّذِي هُوَ الجُلُوس فالبهاء قالُوا امْرأةٌ قاعِدةٌ كَمَا قَالُوا جالِسَةٌ وَكَذَلِكَ سائِرُ النَّصْب وَقَالُوا امرأةٌ عاقِرٌ لَا تَلِدُ وَقد عَقَرتْ تَعْقِر وعُقِرتْ عُقَاراً وَفِي التَّنْزِيل: {وكانَتِ امْرأَتِي عاقَراً} [مَرْيَم: 8] ويوصَف بِهِ الرجُلُ ويُقال حرْب عاقِرٌ قَالَ ذُو الرُّمَّة:
(ورَدَّ حُروباً قد لَقِحْنَ إِلَى عُقْرِ ... )
وجَارِزٌ - كقاقِرٍ وامرأةٌ بادِنٌ - سَمِينة وَكَذَلِكَ الرجُلُ قَالَ الْفَارِسِي: بَدَنَ الرجُلُ يَبْدُن بَدْناً وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة وَخص أَبُو عبيد بِهِ الْمَرْأَة فَقَالَ بَدَنَتْ المرأةُ وبَدُنَتْ بُدْناً وأُرَى أَنه حكى امرأةٌ بادِنَةٌ فَإِذا كَانَ كَذَلِك فَهُوَ مَبْنِيٌّ على الفِعْل فَهَذَا الأكثَرُ فَأَما البادنة المُسِنَّة فالبهاء والأكثَرُ مُبَدِّنة وَقد بَدَّنَت - أسنَّتْ وَكَذَلِكَ الرجُلُ وَالْمَرْأَة حامِلٌ - حُبْلَى وَكَذَلِكَ الناقَةُ وَقَالَ الفارِسيُّ: هِيَ أَيْضا فِي الحافِرِ واللازِمُ للحافِر التَّنُوخ وامرأةٌ جامِعٌ - كحامِلٍ وَكَذَلِكَ الأَتَانُ وواضِعٌ - قد وَضَعْت وامرأةٌ ناتِقٌ - كثِيرةُ الولَد وَذَلِكَ الناقَةُ والنَّاتِقُ من الماشِيَة - البَطِينُ الذَّكَر والأُنْثَى فِيهِ سَواءٌ وحانٍ - مقيمةٌ على وَلَدها بعْدَ زَوْجها وسالِبٌ - فَقَدتْ ولَدَها وَكَذَلِكَ الناقَةٌ والظَّبْية قَالَ أَبُو ذُؤَيب يَصِفُ العُقَّاب:
(فصادَتْ غَزَالاً جاثِماً بَصُرَتْ بِهِ ... لَدَى سَلَماتٍ عِنْد أدْماءَ سالِبِ)
وَامْرَأَة هابِلٌ وثاكلٌ وفاقِدٌ - إِذا فَقَدتْ وَلَدها وزوْجَهَا وَقد يُستَعْمل الفاقدُ فِي غير المَرْأة وَأنْشد الفارسِيُّ فِي الإغفال حِين أغْرَب على سِيبَوَيْهٍ بِأَنَّهُ وجَد اسمَ الفاعِل يَعْمل عَمَلَ الفِعْل وَهُوَ موْصُوف فَقَالَ وَقد وجَدْته أَنا بعد أنْ ذكر أَن سِيبَوَيْهٍ لم يُجِزْه:
(إِذا فاقِدٌ خَطْباءُ فَرْخيْنِ رَجَّعتْ ... ذكَرْتُ سُلَيْمَى فِي الخَلِيطِ المُبايِنِ)(5/84)
والمرأةُ عاشِقٌ - مُحِبَّة لزَوْجها وفارِك - مُبْغِضةٌ لَهُ وَالْجمع فَوَارِكُ وَقد فَرِكَته فَرْكاً وفُرُوكاً وَقد يُستَعْمَل فِي الرجُل والمرأةُ ناشِزٌ - شانِئَة لزَوْجها كارهَةٌ لَهُ وَقد نَشَزتْ نُشُوزاً ويكونُ النُشُوز للرجُل وَفِي التَّنْزِيل: {وإنِ امْرأةٌ خافَتْ من بَعْلِها نُشُوزاً أَو إعْراضاً} [النِّسَاء: 128] وَأَصله النُبُوُّ والارتِفَاع يُقَال للمكان المرتفِع الَّذِي لَا يَطْمئِنُ مَنْ قَعَد عَلَيْهِ نَشْز ونَشَزٌ وَكَذَلِكَ ناشِسٌ وناشِصٌ وَقد نَشَصت نُشُوصاً ويُقال للسَّحاب المرتَفِع الَّذِي بَعْضُه فوْقَ بعضٍ نِشَاص وَقَالَ الأعشَى فِي الناشِص يَصِف امْرَأَة نَكَحها رجُل متغَرِّبٌ وذهَب بهَا إِلَى بَلَده:
(تَقَمَّرها شَيْخٌ عِشاءً فأصْبَحَتْ ... قُضَاعِيَّةً تأتِي الكَواهِنَ ناشِصَا)
قَالَ أَحْمد بنُ يحيَى: تَقَمَّرها - بَصُر بهَا فِي القَمَر قَالَ: وَقَوله تأتِي الكَوَاهنَ - أَي أَنَّهَا فَرْكَتْه وكَرِهَت بلَدَه وحَنَّت إِلَى بَلَدِها وأهْلها وامرأةٌ ذائِرٌ - ناشِزٌ وَلَا أذكرُ لَهُ فِعْلاً وَكَذَلِكَ جامِحٌ وطامِحٌ وَامْرَأَة طالِقٌ - بائِنةٌ عَن زَوْجِها وراجِعٌ - ماتَ عَنْهَا زوْجُها فرجَعَت إِلَى أَهلهَا متَهَيِّئة للبُكاء وحادٌّ - تَتْرك الكُحْل على زَوجهَا وعمَّ بِهِ أَبُو عبيد فَقَالَ الحادُّ - الَّتِي تَتْرُك الزِّينة للعِدَّة وامرأةٌ خالٍ - عَزَبة وحاصِنٌ - خَصَانٌ وزائِن - متَزَيِّنة وحالٍ - ذاتُ حَلْي وعاطِلٌ - لَا حَلْي عَلَيْهَا وحاسِرٌ - حَسَرتْ دَرْعها عَنْهَا وسافِرٌ - سَفرتْ قِناعَها قَالَ ذُو الرُّمَّة:
(وَلَو أنَّ لُقْمانَ الحكِيمَ تعَرَّضَتْ ... لعَيْنيهِ مَيٌّ سافِراً كَاد يَبْرَق)
وواضِعٌ وضعَت خِمارَها وجالِعٌ - قد جَلَعت خِمارَها - أَي خَلَعته وَقيل هِيَ المُتَبرِّجةُ وعاهِرٌ - فاجِرَة وَقد يكون للذكَر وَفِي المَثل: " تَحْسَبُها حَمْقاء وَهِي باخِسٌ) أَي تَبْخَس من بايَعَها حَقَّه وفرَس جامِحٌ للْأُنْثَى - أَي جَمُوح ودابَّة ظالِعٌ - عَرْجاءُ وناقةٌ لاقِح - إِذا قَبِلت الماءَ وَأما قَوْله تَعَالَى: {وأرسَلْنا الرِّياحَ لَوَاقِحَ} [الْحجر: 22] فزعمَ أَبُو العَبَّاس أَنه على حَذْف الزَّائِد وَإِنَّمَا هُوَ مَلاَمِحُ يُقَال ألقَحت الرِّيحُ الشجَرة وَقَالَ غَيره: يُقَال رِيحٌ لاقِحٌ كَمَا يُقَال رِيحٌ عَقِيم فلوَاقِحُ على هَذَا جمعُ لاقِح وحَرْبٌ لاقحٌ على المَثل بذلك وناقةٌ واسقٌ - إِذا أغْلَقَتْ رَحْمها على ماءِ الفَحْل وَالْجمع مَوَاسِقُ على غَيْر قِياس وَقد وَسَقت وَسْقاً فأمَّا قَول ذُو الرُّمَّة:
(مَواسِق نَخْلٍ القادِسِيَّةِ أَو حجْر ... )
فَهِيَ جَمْع مُوسِقَ " - وَهِي النَّخْلة الكثيرةُ الحَمْل قَالَ لبيد يَصِف النخلَ:
(مُوسِقَاتٌ وحُفَّلٌ أبْكارُ ... )
- أَي تبَكِّرُ بالحَمْل وناقةٌ قارحٌ - إِذا اسْتَبانَ حَملُها وَقد قَرحَت قُرُوحاً وفاسِجٌ - حامِلٌ وَهِي أَيْضا الفَتِيَّة السَّمِينةُ وَكَذَلِكَ الفاثِجُ والبائِكُ فيهمَا وَقد باكَتْ بُؤُوكاً وشامِذٌ - إِذا لَقِحَت فشالَتْ بذَنَبها وَقد شَمَذت شِمَاذاً وَيُقَال لَهَا أَيْضا شائِلٌ وَالْجمع شُوَّلٌ قَالَ أَبُو النَّجْم:
(كأنَّ فِي أذنابِهِنَّ الشُّوَّلِ ... من عَبْسِ الصَّيْفِ قُرُونَ الإيَّلِ)
فَإِذا أتَى على الناقةِ سَبْعةُ أشهُرٍ من نِتَاجِها أَو ثَمانيةٌ فَخَفَّ ضَرْعُها أَو لَبَنُها فَهِيَ شائِلةٌ وَالْجمع شَوْل وَهَذَا مِمَّا شَذَّ عَن الْبَاب وناقةٌ عاسِرٌ - تَرْفَع ذنَبها إِذا أنِفَت الفَحلَ وراجِعٌ - إِذا كَانَت تَلْقَح فتَزُمَّ بأنْفِها وتَشُول بذَنَبها وتَجْمَع قُطْرَيْها وتُوزع ببَوْلِها - أَي تُقطِّعه دُفَعاً ثمَّ تُخْلِف وَقد رجَعَت تَرْجِعُ رِجَاعاً - وعاقِدٌ تَعْقِد بذَنَبها عِنْد اللِّقَاح وأمَّا العاقِد من الظِّباء - فَهِيَ الَّتِي يَلْتَوي طَرَفُ ذَنَبها وَقيل - هِيَ الَّتِي تَرْفَع رَأسهَا حَذَراً وناقةٌ ضارِبٌ - إِذا ضَرَبت برِجْلِها وامتَنَعت عَن الحالبِ إِذا لَقَحتِ وَقيل - إِذا شالَتْ بذَنَبها ثمَّ ضَرَبتْ بِهِ فَرْجَها وناقة ماخِضٌ(5/85)
- إِذا ضَرَبها المَخَاضُ وفارِقٌ - إِذا وَجَدت مَسَّ المَخَاض فذهبَتْ فِي الأرضِ وَكَذَلِكَ الأتَانُ قَالَ الراجز:
(ومَنْجَنُونٍ كالأتَانِ الفارِقِ ... )
وَقد فَرَقَت تَفْرُقُ فُرُوفاً فأمَّا الفارِق من السَّحَاب - فَهِيَ الَّتِي تَنْقَطِع من مُعْظَم السَّحاب مُشَبَّهة بالْفَارِق من الْإِبِل وناقة خادِجٌ - إِذا ألْقَت ولَدها قبل تَمام الحمِل وَإِن كَانَ تامَّ الخَلق وأخْدَجتْ - إِذا ألْقَتْه ناقِصَ الخَلْق وَإِن كَانَ لِتَمام الحَمْل وَيُقَال لوَلَد الناقةِ الخادِجِ خَدِيج وناقةٌ عائذٌ - حَدِيثَة النِّتَاج وَالْجمع عَوَائِذُ وعُوْذٌ قَالَ الْأَعْشَى:
(الواهِبُ المِائَةِ الهِجَانِ وعَبْدِها ... عُوْذاً تُزَجَّى خَلْفَها أطْفالُها)
وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: فِي بَاب جَمْع الجَمْع عُوْذ وعُوْذَات فَجَمعه بالألفِ وَالتَّاء وَنَظِيره الطُّرُقَات والجُزُرات لأنَّ عُوذاً عِنْده فُعُل وَأنْشد:
(لَهَا بحَقِيلٍ فالنُّمَيْرةِ مَنْزِلٌ ... تَرَى الوَحْش عُوذاَتٍ بِهِ ومَتَالِيَا)
وأُرَى هَذَا الشاعِرَ استَعارَ العُوذَ فِي الوَحْش وناقَةٌ رائِمٌ - عاطِفةٌ على وَلَدها وناقة عائِطٌ وحائِلٌ - إِذا حُمِل عَلَيْهَا أعْواماً فَلم تَلْقَحْ وَالْجمع عُوْط وعُوْطَط على غير قِيَاس وحُوْلٌ وحُوْلَل وَقد حالَتْ واعْتاطَتْ وَقد يكونُ الاعْتِياط فِي الشاةِ وناقةٌ دافِعٌ - إِذا دَفَعتْ اللِّبَأ فِي ضَرْعها وَكَذَلِكَ الشاةُ وناقة غارِزٌ - إِذا قَلَّ لبَنُها وَكَذَلِكَ الأَتاَنُ وَقد غَرَزَت غِرَازاً وغَرَّزَتْ وغَرَّزتها - إِذا نَضَحْت ضَرْعها بِالْمَاءِ وترَكْتَها من الحَلْب حَتَّى تُغَرِّز وجاذِبْ كغارِزٍ وَكَذَلِكَ الأتَان وناقةٌ ماصِرٌ - بَطِيئةُ خُرُوجِ اللبنِ وَكَذَلِكَ البَقرةُ والشاةُ وخَصَّ بعضُهم بِهِ المِغْزَى وناقةٌ ثاقِبٌ - غَزِيرة اللبَنِ وَقد ثَقَبت تَقْقُب ثُقُوباً وحافِلٌ - متَجَمِّعةُ اللبنِ وراذِمٌ - تَدْفع بِاللَّبنِ وباهِلٌ - لَا صِرَارَ عَلَيْهَا وَالْجمع بُهَّل ويُستَعار فِي المرأةِ الَّتِي لَا تَمْنع زوْجَها مالَها وَمِنْه قولُ امرأةِ دُرَيْد بن الصِّمَّة لَهُ وَأَرَادَ أَن يطَلِّقها فَقَالَت لَهُ كلَاما فِيهِ وجِئْتًك باهِلاً - أَي غيْرَ مانِعَتِك مالِي وناقةٌ بازِلٌ - إِذا بزَل نابُها - أَي شَقَّ وَذَلِكَ فِي التاسِعةِ وَقد بَزَل يَبْزًل بُزُولاً وَكَذَلِكَ البَعِيرُ وشارِفٌ - كبيرةٌ ويُسْتعار للْمَرْأَة كَقَوْلِه:
(وشَمَّة مِنْ شارِفٍ مَزْكُومِ ... )
وناقة راهِن وشازِبٌ وشاسِبٌ وشاسِفٌ - منْضَمَّة البطنِ وناقة عاضِهٌ - تَرْعَى العِضاةَ وواضِعْ - مُقِيمةٌ فِي الحَمْص وَقد وَضعتْ وضِيعةً ووَضَعْتها أَنا وَكَذَلِكَ عادِنٌ ورَاجِنٌ ودَاجِنٌ وَكَذَلِكَ الشاةُ فِي الرُّجُون والدُّجُون وَقد رجَنَت تَرجُن رُجُوناً ورَجَّنتها فَأَما قَول الْأَعْشَى
(فقَدْ أشْرَبُ الراحَ قدْ تَعْلَمِين ... يَوْمَ المُقَامِ ويَوْمَ الظَّعَنْ)
(وأرْجُن فِي الرِّيفِ حتَّى يُقَالَ ... قَدْ طالَ فِي الرِّيف مَا قَدْ رَجَنْ)
فزعمَ الفارسيُّ أَنه استِعارةٌ وَقَالَ غيْرُه: يُستَعْمل فِي الناسِ كَمَا يُسْتَعمل فِي الغَنَم والإبِل وناقةٌ نازعْ - حانَّةٌ إِلَى وَطَنها وناقةٌ طالِقٌ - مُتَوَجِّهة إِلَى الماءِ وَقيل: هِيَ الَّتِي تُرْسَلُ فِي الحَيِّ فَتَرْعَى من جَنَابِهم حَيْثُ شاءَتْ لَا تُعْقَل وَقيل - هِيَ الَّتِي يَحْتَبِس الراعِي لَبَنها وَقيل - هِيَ الَّتِي يُتْرَك لَبَنُها يَوْمًا وليلةٌ ثمَّ تُحْلَبُ وناقةٌ قارِبٌ - فِي الوِرْد وَكَذَلِكَ القُطَاةُ وناقةٌ قاصِبٌ - إِذا امتَنَعتَ من شُرْبِ الماءِ وناقةٌ ضابٍعْ - تَرْفَعُ ضَبْعيْها فِي سَيْرها والضَّبْع - العَضُد وناقة رازِمٌ - إِذا لم تَقْدِر على القِيَام من الهُزَال وسالِحٌ - تَسْلَح عَن البَقْل وناخرْ - إِذا اشْتَدَّ سُعَالُها وَكَذَلِكَ البعيرُ والشاةُ وناقة دارِيٌّ - إِذا ورِمَ ظهرهَا أَو مَرَاقُّها من الغُدَّة وَقد يُقَال للذَّكَر وَقد دَرَأ دُرُوءاً - وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى العَمَد وناقةٌ عاسِفٌ - إِذا أشْرفَتْ على الموتِ من الغَدَّة وجَعَلت تَنَفَّس وبقَرةٌ ضاعِفْ(5/86)
- فِي بَطْنها حَمْلٌ وفارِضٌ - مُسِنَّة وشاةٌ حانٍ - إِذا أرادَتِ الفَحْلَ وساحُّ - غايَةٌ فِي السَمَن وَقيل غيرُ مُنْتَهِيَة فِيهِ وسالِغٌ وقِيلتْ بالصَّاد _ إِذا بَلَغتِ الصُّلُوغَ - وَهُوَ أقصَى أسنانِها وَكَذَلِكَ الذَّكَر والبَقَر كالغَنَم وَقَالَ الْأَصْمَعِي: تَصْلَغُ الشاةُ بالخامِس وشاةٌ نافِرٌ وناثِرٌ - تَسْعُل فيَنْتَثِر من أنْفِها شيءٌ وظَبْيةٌ عاطِفٌ - تَعْطِف على وَلَدها وخاذِلٌ - إِذا تخلَّفْت عَن صَواحِبها وأقامت على وَلَدِها وَكَذَلِكَ البَقَرةُ وغيْرُها من الدَّوابِّ وظَبْيةٌ فارِدٌ - منْفَردة عَن القَطِيع وشجْرة فارِدٌ - منْفَردة وكَلْبة رائِسٌ - تأخُذُ الصَّيدَ برأسِهِ وسَبُعة صارِفٌ - إِذا أرادَتِ الفَحْلَ وَكَذَلِكَ كلُّ ذَات مخْلَب وظِلْف ونَعامةٌ راخِمٌ - إِذا كانتْ تخْضُن بَيْضَها وَمِنْه قَول الْأَصْمَعِي يَصِف بعضَ عَجائِز الْأَعْرَاب كأنَّها نَعامةٌ راخِمٌ وَكَذَلِكَ الدَّجَاجة فَأَما قَوْله:
(بحَيْثُ يَعْتَشُّ الغُرابُ البائِضُ ... )
فَإِنَّمَا ذَلِك على الوَلَد كَأَنَّهُ لما وَلَد مَا يكُون من البَيْض صَار البَيْضُ لَهُ وعُقَابٌ كاسرٌ - تَغُضُّ من جَنَاحَيْها عنْد انقضاضها وداربٌ - دَرِبةٌ بالصيد وجَرَادةٌ غارِزٌ - إِذا انتَشَب ذَنَبُها فِي الأَرْض وضَبَّة ناظِمٌ - ذاتُ إنظامةٍ - وَهُوَ مَا تَجَمَّعَ من البَيْضِ فِي بَطْنِها وَكَذَلِكَ الدَّجَاجة والسَّمكَة وحَيَّة عاضِهٌ - تقْتُل من ساعَتِها ولِحْيةٌ ناصِلٌ من خَضَابها وفارِضٌ - ضَخْمة وشجَرةٌ حائِلٌ - لَا تَحْمِل ونَخْلةٌ حائِلٌ - تَحْمِل سَنةً وَلَا تَحْمِل أُخْرَى وبُسْرةٌ خالِعٌ - نَضِيجةٌ ونخْلة كابِسٌ - قَصِيرةٌ وقَوْسٌكاتِمٌ - لَا تَرِنُّ وَقيل - الَّتِي لَا صَدْعَ فِي نَبْعِها وَقد يُقَال كاتِمَةٌ وقَوْسٌ فارِجٌ - إِذا بانَ وَتَرُها عَن كَبدها وعاتِكٌ - مُحْمَرَّة من القِدَم وَأَرْض رابِخٌ - تأخُذ اللُّوءْمَةَ وَلَا حجَارة فِيهَا ورَمْلةٌ عاتِكٌ - متَعَقِّدةٌ وشُعْبة حافِلٌ - إِذا كَثُرَ سَيْلُها وَكَذَلِكَ الوادِي وبِئْر ناكِزٌ وناكِشٌ ونازِحٌ - إِذا قَ لَّ ماؤُها وَقد نَزَحتْ ونَكَزَتْ ونَكشت ونَزَحْتُها ونَكَشْتها وراهِقٌ - بَعِيدةٌ ورِيحٌ قاصِفٌ - تَكْسِر مَا مَرَّتْ بِهِ وعاصِفٌ - شديدةٌ وَقد عَصَفتْ تَعْصِفُ عُصُوفاً وَقد قَالُوا عاصِفَةٌ وَفِي التَّنْزِيل: {ولِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عاصِفَةً} [الْأَنْبِيَاء: 81] وَقد قَالُوا رِيحٌ مُعْصِفة وَلم يَقُولُوا مُعْصِف قَالَ ابْن أحمَرَ:
(وَلِهَتْ عَلَيْه كُلُّ مُعْصِفِةٍ ... هَوْجَاءُ لَيْسَ للُبِّها زَبْرُ)
ورِيحٌ خارِمٌ - بارِدةٌ وسَحابةٌ رائِسٌ - متقَدِّمة ودِرْع ذائِلٌ - طويلةُ الذَيْل قَالَ الشَّاعِر:
(ونَسْج سُلَيْمٍ كلَّ قَضَاءَ ذَائِلِ ... )
وَقَالُوا أخَذَتْه حُمَّى صالِبٌ وحُمَّى نافِضٌ ويضافانِ بحَرف وَبِغير حَرف فَيُقَال حُمَّى صالِبٍ وحُمَّى بصالِبٍ وحُمَّى نافِضٍ وحُمَّى بنافِضٍ فَأَما ابْن السَّكَّيت فَقَالَ: النافِضُ من الحُمَّى مذكَّر وَكَذَلِكَ الراجب والطَّامحُ
فاعِلٌ بِمَعْنى مَفْعول
امْرأةٌ حائِصٌ - ضَيِّقة وَقيل - رَتْقاءُ وَقَالَ الْفراء: الحائِصُ من الإبِل - الَّتِي لَا يَجُوز فِيهَا قَضِيبُ الْفَحْل كأنَّ بهَا رَتَقاً قَالَ ثَعْلَب: كل هَذَا فاعِلٌ بِمَعْنى مَفْعول كَأَنَّهَا حِيصَتُ وَقد قَالُوا ناقةٌ مَحِيصةٌ فِي هَذَا الْمَعْنى فتبَيَّن بِهَذَا أنَّ حائِصاً فاعلٌ بِمَعْنى مفعُول وناقَةٌ عائِذ - إِذا عاذَ بِها ولَدُها والعائِذُ - كلُّ أنثَى إِذا وضَعَتْ سبْعةَ أيَّام وناقَةٌ فاطِمٌ - فُطِم عَنْهَا ولَدُها وباهِلٌ - مُهْمَلة وَهِي أَيْضا - الَّتِي لَا صِرارَ عَلَيْهَا وَقيل - الَّتِي لَا خِطامَ عَلَيْهَا وَقيل - الَّتِي لَا سِمَة عَلَيْهَا وكل ذَلِك يُقال فِيهِ مُبْهَلة ودابّة حاسِرٌ - حَسَرها السَّيْر وشاةٌ شافِعٌ - للَّتِي شَفعَها ولَدُها وَفِي الحَدِيث:
(أَن رَسُول اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُتِيَ بشاةٍ شافِعٍ فَلم يَقْبَلْها) وعاقِفٌ - مَعْقُوفة الزِّجْل وغِلاَلةٌ رادِعٌ - مُزَدَّعة بالطِّيب والزَّعْفَران فِي مواضِعَ(5/87)
(مُفْعِل) اعْلَم أَن مُفْعِلاً فِي النُّعوت بِمنْزلة فاعِلٍ إِذا اشْتَرك المؤنَّث والمذَكَّرُ فِي النَّعْتِ دخَلَتْه الهاءُ إِذا كَانَ نَعْتاً للمؤنَّث كَقَوْلِك رجُل مُحْسِنٌ وامرأةٌ مُحْسِنة ومُجْمِلٌ ومُجْمِلة فَإِذا كَانَ النَّعتُ لَا حَظَّ للذَّكَر فِيهِ لم تَدْخُله الهاءُ وَكَانَ بِمنْزلة حائِضٍ وطالِقٍ وَلَيْسَ تَفَرُّدُ المؤنَّثِ بِهِ عِلَّةً فِي سُقُوط الهاءِ ولكنَّه على حَدِّ مَا تقدَّم فِي فاعِلٍ ونحوِه من صِفَات المؤَنَّث الَّتِي لَا تَلْحَقُها الهاءُ فَمن ذَلِك قولُهُم امرأةٌ مُذْكِرٌ - إِذا كانَتْ تَلِدُ الذُّكُورَ ومُؤْنِث - إِذا كانَتْ تلِدُ الإِنَاثَ وَكَذَلِكَ امْرأةٌ مُرْجِلٌ - تَلِد الرِّجالَ ومُحْمِقٌ - إِذا كانتْ تَلِدُ الحَمْقَى وَكَذَلِكَ قَوْلُهم ذِئْبةٌ مُجْرٍ وظَبيةٌ مُخْشِف ومُعْزِل ومُطْفِل ومُشْدِنٌ ويَكُونانِ فِي النَّاقةِ فيَحْذِفُونَ الهاءَ من هَذِه النُّعُوت لِأَن الغِزْلانَ والأطْفالَ إِنَّمَا يَكُنَّ مَعَ الأُمَّهات وَلَا يَكُنَّ مَعَ الْآبَاء فجَرَى على الأُمَّهات وَلم يَكُنْ للذَّكَر فِيهِ حظٌّ وحكَى الفرَّاء كَلْبة مُجْرٍ ومُجْرِيَةٌ وامرأةٌ مُصْبٍ ومُصْبِيَة - للَّتِي مَعَها الصِّبْيان وسأُبيِّن وجْهَ دخُول الْهَاء هَاهُنَا ورُبَّما أدخَلوا الْهَاء فِيمَا لَيْسَ للمذَكَّر فِيهِ حظٌّ تَشْبِيها بإدخالهم إيَّاها فِي حائِضٍ قَالَ بعضُ نِساءِ العرَب:
(لَسْتُ أُبَالِي أنْ أَكُون مُحْمِقَةْ ... إِذا رأيْتُ خُصْيةً مُعَلَّقة)
وَقَالُوا امرأةٌ مُكْيِسةٌ - إِذا وَلَدت الأكْياسَ وَأنْشد ابْن السّكيت:
(فلَوْ كُنْتُمْ لمُكْيِسةٍ أكاسَتْ ... وَكَيْسُ ألأُمِّ أكْيَسُ للبَنِينَا)
فَإِذا صَغَّرت مُفْعِلاً أجريْتَه فِي التَّصْغِير مُجْراه فِي التَّكْبِير فتقُول مُحَيْمِق فِي تَصْغِير مُحْمِق ومُحَيْمِقة فِي تَصْغِير مُحْمِقَة وتصْغِيرُ مَا كَانَ من ذَوَات الواوِ والياءِ بِالْهَاءِ فتقُول فِي تصغِيرِ مُصْبٍ ومُجْرٍ مُصَيْبِيَةٌ ومُجَيْرِيَة وَذَلِكَ أَنه لَمَّا صُغِّر وَهُوَ مؤَنَّث على ثَلَاثَة أحْرُف زادُوا فِي تَصْغِيره الهاءَ كَمَا زادُوا فِي العَيْنِ والأُذُن حِينَ صُغِّرتا فَقَالُوا عُيَيْنة وأُذَيْنَة وأمَّا جمعُه فإنَّ سِيبَوَيْهٍ قَالَ وَأما مُفْعِل الَّذِي لَا تدْخُله الهاءُ فِي المؤنَّث وأكثَرُ ذَلِك مَا يَخْتَصُّ بِهِ المؤَنَّث فَإِنَّهُ يكَسَّر كَقَوْلِك مُطْفِلٌ ومَطَافِلُ وَقد يَزِيدون فِيهِ الياءَ فيقُولون مَطَافِيلُ ومُشْدِن ومَشَادِنُ ومَشَادِينُ شبَّهوها بالمَصْعُود والمَسلُوب لَمَّا لم تدخُل فِيهِ الهاءُ وَقد يجيءُ من هَذَا الْبَاب بِالْهَاءِ قَالُوا مُتْلٍ ومُتْلِيَة - للَّتِي يَتْلوها ولَدُها ومُجْرٍ ومُجْرِيَة وَإِنَّمَا أثْبتُوا الهاءَ لِأَنَّهُ معتَلٌّ وَلَو أسقَطوا الهاءَ لسقَطت الياءُ فِي قَوْلهم مُتْلٍ ومُجرٍ فكَرِهوا الإخْلالَ بحَذْف عَلَم التأنيثِ وحَرْفٍ من نَفْس الكلِمة وَقَالُوا امرأةٌ مُضِرٌّ - إِذا تزوَّجَتْ على ضِرٍّ - أَي على امْرَأَة كانَتْ قَبْلَها أَو امرأتَيْنِ قَالَ ابْن أَحْمَر:
(كمِرْآة المُضِرِّ سَرَتْ عَلَيْها ... إِذا أرْمَقْتَ فِيهَا الطَّرْفَ جالاَ)
وامْرَأةٌ مُعْصِر - للَّتِي هَمَّت أَن تَحِيضَ قَالَ الشَّاعِر:
(جارِيَة فِي سَفَوانَ دارُهَا ... تَمْشِي الهُوَيْنا مائِلاً خِمَارُها)
(يَنْحَلُّ من غُلْمتِها إزارُها ... قد أعْصَرَتْ أَو قد دَنَا إعْصارُها)
وامْرَأةٌ مُعْرِكٌ - كعارِكٍ ومُقْرِئٌ - إِذا حاضَتْ وطَهُرت ومُرْءٍ - إِذا اسْتبانَ حَمْلها وَكَذَلِكَ الشاةُ وجميعُ الحَوَامِل إِلَّا فِي الحافِر والسَّبُع وامرأةٌ مُتِمٌّ - إِذا أتَمَّت الحَمْل وَكَذَلِكَ الناقةُ وامْرأَةٌ مُعْشِر - مُتِمٌّ على الِاسْتِعَارَة ومُتْئِم - للَّتِي فِي بَطْنها اثْنانِ ومُعْضِلٌ - إِذا عَسُر عَلَيْهَا الوِلاَدُ وَكَذَلِكَ الدَّجَاجةُ بَيْضها ومُدْنٍ ومُمْنح - إِذا دنَتْ وِلادَتُها وَكَذَلِكَ الناقةُ فيهمَا ومِثْلُه مُقْرِب وَكَذَلِكَ الشاةُ والجمعُ مَقارِيبُ وامرأةٌ مُمْصِل - تُلْقِي ولدَها مُضْغةً ومُسْقِط ومُمْلِص - إِذا ألْقَتْه لغيْر تَمَام وَكَذَلِكَ الناقةُ وامْرَأةٌ مُسْبع - إِذا ولَدتْ لسَبْعة أَشْهرٍ ومُحِشُّ - إِذا يَبِسَ وَلَدُها فِي بَطْنها وَكَذَلِكَ الناقةُ والشاةُ ويَدٌ مَحَشٌّ - يابِسَةٌ وامْرَأةٌ مُرْضِعٌ ومُرْضِعةٌ وَكَذَلِكَ الناقةُ قَالَ الْفراء: إِذا أردْتَ أَنَّهَا تُرْضِع عَن قَلِيل وَلم يَكُنِ المُفْعِلُ نَعْتاً فَإِنَّمَا أدخلْتَ الهاءَ فِي تكْبيره وتصغيره كَمَا قَالَ عز وجلَّ:(5/88)
{يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَل كلُّ مُرْضِعةٍ عَمَّا أرضَعَتْ} [الْحَج: 2] فَهَذَا للفعْل قَالَ: فَإِذا أردْتَ النَّعْت ألقَيْتَ الْهَاء كَقَوْل امْرِئ الْقَيْس:
(ومِثْلكِ حُبْلَى قدْ طَرَقْتُ ومُرْضِعاً ... فألْهَيْتُها عَن ذِي تَمَائِمِ مُغْيَلِ)
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: المُرْضِع - الَّتِي بهَا لَبَنُ رَضاعٍ فَهِيَ بِمَا أرْضعَتْ مُرْضِع واحْتَجَّ بقول امْرِئِ الْقَيْس المتقدِّمِ الذَّكر وَيُقَال فِي جَمْع المُرْضع مَرَاضِعُ ومَرَاضِيعُ قَالَ الله عزَّ وجلَّ: {وحَرَّمْنا عَلَيْهِ المَراضِعَ من قَبْلُ} [الْقَصَص: 12] وَقَالَ أُميَّة بنُ أبي عائِذٍ الهُذَلي:
(ويَأْوِي إِلَى نِسْوةٍ بائسَات ... وشُعْثٍ مَرَاضِيعَ مِثْلِ السَّعَالِي)
وَرَوَاهُ سِيبَوَيْهٍ وشُعْثاً بالنصْب على الذَّمِّ وَإِن كَانَ نكِرةً لِأَنَّهُ مفْعُول قَالَ: لِأَنَّهُ لما قَالَ ويَأْوِي إِلَى نِسوةٍ عُطَّل عُلِمَ أَنهم شُعْث وَلكنه قَالَ وشُعْثاً تَشْنِيعاً لهنَّ وتَشْوِيهاً لخَلْقِهنَّ وَإِن شئتَ جَررْت على الصِّفَة وَزعم يُونُسُ أنَّ ذَلِك أكثَرُ كَمَا قَالَ:
(بأعْيُنٍ مِنْهَا مَلِيحاتِ النُّقَبْ ... شَكْلِ التِّجَار وحَلالِ المُكْتَسَبْ)
وَهَاهُنَا احتِجاجٌ للفريقَيْنِ وَلَيْسَ من غَرَض هَذَا الْكتاب فَلذَلِك تَركْناه وَامْرَأَة مُغْيِل - تُرْضِع ولَدَها وَهِي حامِلٌ والغَيْل ذَلِك اللبنُ ومُرْغِثٌ - مُرْضِع ومُحْمِل - يَغْزُر لبَنُها من غير حَمْل وَكَذَلِكَ الناقةُ وامْرأةٌ مُوسِقٌ - مَعها ولَدُها وَكَذَلِكَ الظَّبْية وامْرأةٌ مُمِيت - إِذا ماتَ ولَدُها وَكَذَلِكَ الناقةُ ومُثْكِل - ثاكِلٌ ومُغِيب ومُغِيب ومُغْيِبة - إِذا كَانَ زوجُها غائِباً ومُشْهِد - إِذا كَانَ شاهِداً ومُشْبِل - إِذا أقامَتْ على أوْلادَها بَعْدَ زَوجِها فَلم تَتَزَوَّج ومُحِدٌّ - إِذا تَركَت الزِّينةَ للعِدَّة ومُوتِمٌ - إِذا صارَ وَلَدُها يَتِيماً ومُوْمِس - للفاجِرَة مُجَاهرةً وَلَا فِعْلَ لَهَا ومُصِنُّ - إِذا عَجَّزتْ وفيهَا بَقِيَّة وامْرَأة مُسْلِف - نَصَفٌ وَقيل - هِيَ الَّتِي بَلَغتْ خمْسا وأربَعين ونحوَها وامرأةٌ مُسْبِل - إِذا أسْبلَتْ ذَيْلها وامرأةٌ مُدِرٌّ - إِذا فَتَلت المُغْزَل فَتْلاً شَدِيدا كأنَّه واقفٌ من دَوَرانه وفَرَس مُقِصٌّ - إِذا كَرِهَت الفَحْل من حَمْل أَو غيْرِه وَقيل المُقِصُّ - الحامِلُ وَكَذَلِكَ المُعِقُّ وفَرَس مُمْهِر - ذاتُ مُهْر ومُفْلٍ - ذَات فَلُوِّ وَكَذَلِكَ الأتَانُ ودابَّة مُضْلِع - لَا تَقْوَى أَضْلاعُها على الحَمْل وناقةٌ مُبْلِم - إِذا وَرِم حَياؤُها من الضَّبعَة وَقيل - هِيَ الَّتِي لَا تَرْغُو من شِدَّة الضَّبَعة وَقيل - هِيَ الَّتِي لم تُنْتَج وَلَا ضَرَبَها الفحلُ وناقةٌ مُهْدِم - إِذا اشْتَدَّت ضَبَعتُها فياسَرتِ الفَحْلَ وَلم تُعاسِرْه وناقة مُوْسِق - للَّتِي جَمَعتْ ماءَ الفَحْل فِي رَحمِها وَقيل - هِيَ الغَزِيرة اللَّبَنِ وناقةٌ مُرْتِج - إِذا أغْلقتِ الرَّحِمَ على المَاء وناقةٌ مُلْمِع - إِذا رفَعت ذَنَبها فعُلِم أنَّها لَقِحت وَكَذَلِكَ إِذا تحرَّك ولَدُها فِي بَطْنها وأتَانٌ مُلْمِع مثلُه وناقةٌ مُبْرِق - تشُول بذَنَبها عِنْد اللَّقاح ومُبْشِر كَذَلِك وناقةٌ مُشْرٌِ - إِذا أشْرَق ضَرعُها فوقَع فِيهِ اللَّبَنُ ومُبْسِق - إِذا وَقَع اللِّبَأُ فِي ضَرْعها وَكَذَلِكَ الجاريَةُ البِكْر - إِذا جَرَى اللبنُ فِي ثَدْيها وناقة مُدْرِئٌ - إِذا أنْزَلت اللبَنَ وَكَذَلِكَ مُدَرِّئٌ وَقيل - وَهُوَ إِذا استَرْخَى ضَرْعَها ومُفْكِه - يُهرَاق لَبنُها عِنْد النِّتَاج ومُمْرِج - إِذا ألْقتْ وَلَدها وَهُوَ غِرْس ودَمٌ ومُمْلِطٌ ومُمْلِص - إِذا ألقتَتْ جنِينَها وَلَا شعَرَ عليهومُجْهِض ومُزْلِق - إِذا ألقَتْه وَقد شَعَّر وَقد يُوصَف بِهِ الفرسُ وناقة مُسْلِب ومُمْرِط - إِذا ألقَتْ ولَدَها من قَبْل أَن يَتِمَّ ومُرْكِض - إِذا تحرَّك ولَدُها فِي بطنِها وناقةٌ مُعْجِل - تُنْتَج قبل أَن يستكْمِل الحوْلُ فيَعِيش ولَدُها وناقة مُخْدِج - إِذا ولَدَتْه لتَمام الوقْتِ وَهُوَ ناقِصُ الخَلْق وناقة مُغْرِقٌ - تُلْقِي ولَدَها لتَمامٍ أَو غيْرهِ فَلَا تُظْأر وَلَا تُحْلَب وَلَيْسَت مَرِيَّةً وَلَا خَلِفَةً وناقةٌ(5/89)
مُدْرج - إِذا جاوَزَت الوَقْتَ الَّذِي ضُرِبَتْ فِيهِ وناقةٌ مُوتِنٌ - إِذا وضَعتِ الولَدَ منكُوساً وناقة مُصِيف - نُتِجت فِي الصَّيْف ومُخزِف - نُتِجت فِي الخَرِيف ومُرْبعٌ - نُتِجت فِي الرَّبِيع وَقيل المُربع - الَّتِي استَغْلقتْ رَحِمُها فَلم تَقْبَل الماءَ وَقيل - الَّتِي مَعهَا رُبَعها وناقةٌ مثْلِث - ذَا تُ ولد ثَالِث ومُرِبُّ - لازمةٌ للوَلد والفحْل وناقة مُفْرِق - إِذا فارَقَتْ ولَدَها بموتٍ أَو ذَبْح أَو بيْع قَالَ عوفُ بنُ الْأَحْوَص:
(وإجْشامِي على المَكْرُوه نَفْسِي ... وإعْطائِي المَفَارِقَ والحِقَاقَا)
وناقةٌ مُقْلِت ومِقْلات - إِذا مَاتَ ولَدُها ومُمِيت - كثيرُ موتِ الولَد ومُحْيٍ - كثيرةُ حياةِ الولَد وناقةٌ مُشْدن - إِذا تحرَّك ولَدُها والولدُ شادِنٌ وناقة مُرْشِح - إِذا قَوِيَ ولَدُها فتبِعَها وَقد رَشَح فَهُوَ راشِحٌ [ ... ] إِذا سَقَطَ رواضِعُها وناقة مُغِدٌّ - أَصَابَهَا الطاعُونُ وناقة مُرِدٌّ - إِذا شَرِبت فوَرِمَ حَياؤُها وضَرْعُها وناقةٌ مُخْرِط - إِذا بَرَكتْ على بَوْلٍ أَو نَدّى أَو أصابَتْها العينُ فتعَقَّد لبنُها فِي ضَرْعها وَخرج كأنَّه قِطَعُ الأوْتار وسائِرُ اللبَنِ ماءٌ أصفَرُ واسمُ ذَلِك الداءِ نَفْسِه الخَرَطُ فَإِن كَانَ ذَلِك من عادَتِها فَهِيَ مِخْراطٌ قَالَ الشَّاعِر:
(بِئْس قَوْمُ اللهِ قَوْمٌ طُرِقُوا ... فقَرَوْا أضْيافَهُم لَحْماً وَحِرْ)
(وسَقَوْهُم فِي إناءٍ كَلِعٍ ... لَبَناً من دَرِّ مِخْراطٍ فَئِرْ)
الوَحرِ - الَّذِي دَبَّتْ عَلَيْهِ الوَحَرَة - وَهِي دُوَيْبَّة تلْصَق بِالْأَرْضِ كَأَنَّهَا العَظَاءةُ والفَئِر - الَّذِي سَقَطتْ فِيهِ فَأْرة وناقةٌ مُجْهِر - كريمةٌ وَقيل - هِيَ الفائِقةُ فِي الشَّحْم والسَّيْر وجمَلٌ مُجْهِر مثله وناقةٌ مُرِمُّ - وَهُوَ أوَّل السِّمَن فِي الإقْبال وآخِرُ الشَّحْم فِي الهُزَال وشاةٌ مُمْغِل - إِذا حْمل عَلَيْهَا فِي السَّنةِ مَرَّتَيْن وشاةٌ مُقِصٌّ - إِذا استَبانَ ولَدُها وشاةٌ مُمْجِرٌ - إِذا عَظُم ولدُها فِي بَطْنها فهُزِلَتْ وثَقُلت وَلم تُطِقْ على الْقيام حَتَّى تُقام فَإِذا كَانَ ذَلِك عادَةً لَهَا فَهِيَ مِمْجَار وشاةٌ مُحْدِثٌ - إِذا قَرُب وِلاَدُها ومُوْحِد ومُفْرِد ومُفِذٌّ - إِذا وَلَدتْ وَاحِدًا وشَاة مُضْوٍ ومُدْقِل - تَلِد الضاوِيَّ من السَّخْل وشَاة مُحِلٌّ - يَبِس لبَنُها ثمَّ أكلَت الرَّبيعَ فدَرَّت وَقيل - هِيَ نُزُول اللبَنِ من غير نِتَاج والمعْنَيان متقارِبان وشاةٌ مُمْغِر ومُنْغِر - إِذا حلبَتْ لَبَناً يخْلِطه دمٌ فَإِذا كَانَ ذَلِك عَادَة لَهَا قيل مِمْغارٌ ومِنْغَار وشاةٌ مُمْصِل - يَتَزايلُ لبنُها فِي العُلْبة قبل أَن يُحْقن ومُسِيسٌ - إِذا كَثُر قَمْلها وبَقَرة مُغِزٌّ - إِذا عَسُر حملُها ومُتْبع - ذاتُ تَبِيع وَهُوَ ولَدُها أوَّلَ سنةٍ ومُجْذِر - ذَات جُؤْذَر ومُذْرع - ذاتُ ذِرْعانٍ - أَي أَوْلَاد ومُعْجِل - ذاتُ عِجْل وظَبْية مُخْذِل - إِذا أقامَتْ على ولَدِها وسَبُعةٌ مُجِحُّ - إِذا حَمَلتْ وأقْرَبَتْ وعَظُم بَطْنُها وَقيل كل ذاتِ ظُفُر من السِّبَاع مُجِحُّ وَقد يُقْتَاس ذَلِك للْمَرْأَة الحُبْلَى كَمَا يُقْتَاس الحُبْلَى من النِّساء للسَّبُعة وكَلْبة مُجْعِل - إِذا أحَبَّت السِّفَاد وَكَذَلِكَ الذِّئبة والأسَدَةُ وكلُّ ذاتِ ظُفُر من السِّبَاع مُجْعلٌ وطائِرةٌ مُفْرِخٌ - ذاتُ فَرْخٍ ودَجَاجةٌ مُرْخِم - إِذا حَضَنت بَيْضَها وَكَذَلِكَ النَّعامةُ ودَجاجَةٌ مُقِفٌّ - إِذا انقَطَع بَيْضُها وَقيل - إِذا اجتَمَع البَيْضُ فِي بَطْنها وضَبَّة مُنْظِم كناظِمٍ وَكَذَلِكَ الدَّجَاجة والسَّمَكَة ومُمْكِنٌ - إِذا باضَتْ وشَجَرةٌ مُوْرِق - ذاتُ وَرَق ونَخْلة مُوْقِر - إِذا كَثُر حملُها ومُغْضِفٌ - إِذا كَثُر سَعَفُها وساءَ تمرُها ومُصِيصٌ - مَحْشِفة ومُمْرِط - إِذا سَقَط بُسْرُها غَضًّا ومُسْلِس - إِذا تَناثَرَ بُسْرُها ومُبْتِلٌ - إِذا بانَتْ فَسِيلتُها عَنْهَا حَتَّى تنْفصِل وتَسْتغْنِيَ وَهِي فَسِيلة بَتِيلةٌ وبَتُول ونخلةٌ مُهْجِر - مُفْرِطَة فِي الطُّول وقَوْس مُرِنٌّ - مُصَوِّتةٌ ورِيحٌ مُجْفِلٌ - سَرِيعة وسَحَابة مُخِيل - إِذا رأيتَها حَسِبْتها ماطِرةً وأرضٌ مُمْجِل - جَدْبة وداهِيَة مُذْكِر - لَا يَقُوم لَهَا إلاَّ ذُكْرانُ الرِّجال وحُمَّى مُرْدِمٌ - دائمةٌ(5/90)
(مُفَعِّل) امْرَأةٌ مُكَعِّب - كَعَابٌ ومُعَجَّز - هَرِمةٌ ومُثَيِّب - ثَيِّب ومُسَلِّب - تَلْبَس ثِيَابَ الحِدَاد ومُسَلِّبة أكثَرُ وناقةٌ مُسَبِّط ومُسَبِّغ - إِذا ألْقَتْ ولَدَها لغير تَمامٍ ومُعَجِّل كمُعْجِل ومُنَضِّج - إِذا جاوَزَت الحِقَّ بشَهْر ونحوِه - يعْنِي الوقتَ الَّذِي ضُرِبتْ فِيهِ ومُعَضِّل - إِذا نَشِب ولَدُها فِي بَطْنها ومُعَوِّد - أتَى عَلَيْهَا بَعْد بُزُولها أربَعُ سِنينَ ومُنَيِّب - مُسِنَّة وناقةٌ مُمَلِّح - إِذا كَانَ فِيهَا شيءٌ من شحْم قَالَ عُرْوةُ بن الْورْد:
(عَشِيَّةَ رُحْنا رائِحينَ وزادُنَا ... بَقِيَّةُ لحمٍ من جَزُورٍ مُمَلِّح)
وشاةٌ مُرمِّد - إِذا اسْتَبانَ حَمْلُها وعَظُم بطنُها وطائِرةٌ مُفَرِّخ كمُفْرِخ وقَطاةٌ مُطَرِّق - إِذا حانَ خُرُوجُ بيضِها قَالَ العَبْدي:
(وَقد تَخِذَتْ رِجْلِي إِلَى جَنْبِ غَرْزِها ... نَسِيفاً كأُفْحُوص القَطاةِ المُطَرِّق)
وَجعل بعضُهم المُطَرِّق هُنَا صِفَة للأُفْحوص وَذَلِكَ لقُرْبه مِنْهَا وبَيْضِها فِيهِ والمُطَرِّق أَيْضا - الَّتِي تَضِيق استُها ببْيضها ودَجاجةٌ مَنَظِّم كمُنْظِم وَكَذَلِكَ الضَّبَّة والسَّمكة وشَجرة مُسَوِّق - إِذا صَار لَهَا ساقٌ وتَمْرةٌ مُصَلِّب - إِذا بَلَغَت اليُبْس
(مُفاعِلٌ) امْرَأة مُجَالِعٌ - ألقَتْ عَنْهَا الحَياءَ ومُراسِل - تُراسِلُ الخُطَّاب وَقيل - هِيَ الَّتِي ماتَ زَوجُها أَو طلًّقها وناقة مُمَارق - إِذا ظهَر لَهُم أَنَّهَا لَقِحتْ ثمَّ لم يستَبِنْ بهَا حَمْل وَقيل - هِيَ الَّتِي يُكْثِر الفَحْل ضِرَابَها ثمَّ لَا تَلْقَح وناقةٌ مُعَالِق ومُذَائِر - تَرْأمُ بأنْفِها وَلَا يَصْدُق حُبُّها ومُؤَالِفٌ رَؤُوم وَقيل - هِيَ اللازمةُ القَطِيع حَكَاهُ الفارِسيُّ وَأنْشد:
(وَقد ذُكِرَتْ لي بالكَثِيب مُؤَالِفاً ... قِلاَص عَدِيٍّ أَو قِلاَص بَنِي وَبْرِ)
وناقة مُجَالعٌ - تَدِرُّ فِي الشِّتاء ومُمَانِح - يَبْقَى لبنُها بعْدَ ذَهاب ألْبانِ الإبِل وناقةٌ مُحَارِد - لَا تَدرُّ فِي القُرِّ وَقيل - هِيَ الَّتِي قَلَّ لَبَنُها أيّ وقْت كَانَ ومُغَارُّ - بطَيئة اللبَنِ وَذَلِكَ عِنْد كَراهِيَتها الولَدَ وإنكارِهَا الحالِبَ وناقةٌ مُقَّامِح - تَأْبَى شُرْبَ الماءَ والجمعُ قِمَاح قَالَ بِشرُ بنُ أبي خازِم:
(ونحنُ على جَوَانِبها قُعُود ... تَغَضُّ الطَّرْفَ كالإبِل القِمَاح)
وَيُقَال لشهْريْنِ فِي الشِّتاء شَهْراً قِمَاح لِأَن الإبِلَ تُقامِح فيهمَا عَن الماءِ قَالَ الشَّاعِر الهُذَلي:
(فَتىً مَا ابنُ الأَغَرِّ إِذا شَتَوْنا ... وحُبَّ الزادُ فِي شَهْرَيْ قِمَاحِ)
قَالَ الْفَارِسِي: يُقال شَهْراً قِماح وقُمَاح فَمن كَسَر جعلهُ مصدَر قامَحَ وَمن ضمَّه جعله كالأُبَاء وسَحابةٌ مُرَائِس - متقدِّمةٌ للسَّحاب
(مُفْعالٌ) نَاقَة مُقْطارٌ - تَشُول بذَنَبها وتجمَع قُطْرَيْها وَذَلِكَ عِنْد إشعارِها باللَّقَح
(مُفُتَعِل) شاةٌ مُعْتَاطٌ - أُنْزِيَ عَلَيْهَا فَلم تَحْمِل
(مُفْعَلٌ) خادِمٌ مُتَبَع - مَعَها ولَدُها [يَتْبَعُها] ونَخْلة مُوقَرٌ كمُوقِر(5/91)
(مَفْعَل) أرْض مَرَبٌّ - لَا يَزَال بهَا ثَرَى ومَجْهَلٌ - لَا يُهْتَدى فِيهَا
(مِفْعَلٌ) امرأةٌ مِلَزٌّ - مُلازِمة للخُصُومة وناقةٌ مِنْعَب - سريعةٌ ومِلْوحٌ - ضامِرةٌ وقَوْس مِطْحَر - تَرْمي بسَهْمها صُعُداً فَلَا تقْصِد الرَّمِيَّة
(مَفْعال) اعْلَم أنَّ مِفْعالاً يكونُ نعتاً للمؤنَّث بِغَيْر هَاء لِأَنَّهُ انْعَدل عَن النُّعُوت انْعِدالاً أشدَّ من انْعِدال صَبُور وشَكُور وَمَا أشبههَا من المَصْروف عَن جِهَته لِأَنَّهُ شُبِّه بالمَصادر لزِيَادَة هَذِه الْمِيم فِيهِ وَلِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ على غير فِعْل ويُجمَع على مَفاعِيلَ وَلَا يجَمع المذكَّر بِالْوَاو والنُّون وَلَا الْمُؤَنَّث باللف وَالتَّاء إِلَّا قَلِيلا فَمن ذَلِك قَوْلهم امرأةٌ مِبْساق - إِذا وقَع اللبَنْ فِي ثَدْيها وَكَذَلِكَ الناقةُ والشاةُ ومِذْكار ومِئْناث - إِذا كَانَ من عَادَتهَا أَن تَلِدَ الإناثَ والذُّكُورَ ومِحْماقٌ - إِذا ولَدتْ الحَمْقَى ومِكْيَاء - تَلِد الأكْياسَ ومِنْجاب - تَلِد النُّجباءَ ومِنْتاق - كثيرةُ الوَلد وَكَذَلِكَ الناقةُ ومِئْتَام - إِذا كَانَ مِنْ عادتِها أَن تَلِد اثنَيْن اثنَيْن وَكَذَلِكَ الشاةُ ومَقْلاتٌ - لَا يَعِيش لَهَا وَلَد وَكَذَلِكَ الناقةُ وجارِيَة مِفْناقٌ - حسنَةٌ فَتِيَّة مُنَعَّمة وامرأةٌ مِبْهاج - غَلَبتْ عَلَيْهَا البَهْجة ومِغْناجٌ - من العُنْج ومُخْناثٌ - من التَكسُّر ومِعْطَار - مُتعَطِّرة وامرأةٌ مِقْلاق الوِشاح - إِذا كَانَت لَا يَ ثْبُت على خَصْرها من دِقَّته ومِرْفَالٌ - كثيرةُ الرَّفَلان - وَهُوَ أَن تَجُرَّ ثوبَها جَرًّا حسنَاً ومِعْطاء - من العَطِيَّة ومِهْداء - من الهَدِيَّة ومِكْسال - من الكَسَل وَكَذَلِكَ الذكَر وَأنْشد:
(وغَضِيض الطَّرف مِكْسال الضٌّحَى ... أَحْوَر المُقْلةِ كالرِّيمِ الأَغَنِّ)
وَامْرَأَة مِيْسانٌ مِنْعاس - من الوَسَن وامْرأةٌ مِنْداصٌ - طَيِّاشةٌ ومِهْزاق ومِنْفاصٌ - كثيرةُ الضَّحِك ومِكْثار - كَثِيرة الكلامِ ومِيقابٌ - واسِعةُ الفَرْج ومِجْبال - ثقيلةٌ ومِتْفال - غير مُتَعطِّرة وناقة مِهْشار - تَضْبَع قبْل الإبلِ وتَلْقَح فِي أوَّل ضَرْبة وَلَا تُمارِنُ وناقة مِبْلام - لَا تَرْغُو من شِدَّة الضَّبَعة ومَقْراع - إِذا كَانَ يَضْرِبها الفَحْل فِي أوَّل ضَراب الإبِلِ ومِمْلاصٌ ومِمْصال - تُلْقِي ولَدَها وَهُوَ مُضْغَة وَكَذَلِكَ الشاةُ وناقةٌ مَمْراط كمُمْرط ومِعْجال - ألقَتْ ولَدَها لغيرْ تَمَام وَهِي أَيْضا - التيإذا وَضَع الرجُلُ رجْله فِي غَرْزها قامَتْ ووَثَبتْ وناقةٌ مِزْلاق ومِجْهَاض ومِسْباغٌ - تَلْقِي ولَدَها لغير تَمَام وناقةٌ مِرْباعٌ - تَلِد فِي أوَّل الرَّبِيع ومِصْياف - تَلِد فِي الصَّيْف ومِدْراج - الَّتِي تَجُوز وَقْتَها الَّذِي ضَرِبتْ فِيهِ تَحْمِلُ أكثرَ من سَنَة وَهِي أَيْضا - الَّتِي تُدْرج الحَقَب فيَلْحَقُ بالتصدِير وناقةٌ مَدْفَاعٌ - تَدْفَع اللَبَن على رَأس وَلَدِها لكَثْرته وَكَذَلِكَ الشاةُ ومِجْلاح - مُجَلِّحة على الشِّتاء فِي بَقاء لبَنِها ومِخْراط ومِنْغار - إِذا احمرَّ لبنُها وَلم تُخْرِط ومِنْزاح - يُسْرِع انقِطاعُ لبنِها ومِبْعار - تَبْعَر على حالِبها وَكَذَلِكَ الشاةُ وناقةٌ مَخزاب - وَهُوَ وَرَم فِي الضَّرْع من البَرْد والعيْنِ يُصِيب الناقةَ والنُّفساءَ وَقد خَزِبتْ حَزَباً وخَزِب ضَرْعُها فيُسَخَّن لَهَا الجُبَاب فيُدْهَن بِهِ ضَرْعُها والجُبَاب - كالزُّبْد يعلُو ألبانَ الْإِبِل وناقةٌ مِقْحاد - عظيمةُ القَحَدة - وَهِي بَيْضةُ السَّنَام ومِرْسالٌ - كثيرةُ الشَّعَر فِي ساقَيْها وناقةٌ مِقْلاص - إِذا كَانَ سِمَنُها فِي الصَّيف وَقيل - هِيَ الَّتِي سَمِنت ومِشْياطٌ - سَرِيعةُ السِّمَن وناقة مِصْباح - لَا تَبْرَح من مَبْرَكها وَلَا تَرْعَى حَتَّى يرتَفعُ النهارُ وَهُوَ مِمَّا يُسْتَحبُّ وناقة مِطْرافٌ - لَا تَكادُ تَرْعَى مَرْعىً حَتَّى تَستطْرِف غيرَه وناقةٌ مِسْياع - ذاهِبةٌ فِي الرَّعْي وَقيل - هِيَ الَّتِي تَصْبر على الإضاعةِ وَقد ساعَتْ تَسُوع وَهَذَا من النادِر وَقَالَ الْفَارِسِي: وَهَذَا بمنْزِلة الإَمَالة فِي مِقْلات يعْنِي أَن الكَسْرة الَّتِي فِي مِيم مِسْياع مُتَوهَّمة فِي السِّين فَلهَذَا قُلِبت الواوُ يَاء كَمَا تَوهَّم مَنْ أمالَ مَقْلاتاً الكسرةَ الَّتِي فِي الْمِيم واقِعةٌ على الْقَاف فكأنَّه قَالَ قِلاَت فأمَالَها كَمَا أمالَ قِفَاقاً وَالَّذين لم يُمِيلوا مِقْلاتاً تَوَهَّموا الفتحةَ على الْقَاف فَلم(5/92)
يُميلوه كَمَا لم يُميلوا غَزالاً وَمن قَالَ ساعَ الشيءُ يَسِيع - إِذا ضاعَ فمِسْياع على الْقيَاس وناقة مَهْراس - كثيرةُ الأكْل ومِدْقاعٌ - تأكُلُ النَّباتَ حَتَّى تُلْزقه بالدَّقْعاء - وَهِي التُّراب وناقةٌ مِهْياف - سرِيعةُ العَطَش وَكَذَلِكَ مِلْواح وَقيل المِلْواح - الَّتِي لَوَّحها السَّفرُ - أَي ذَهَب بَلَحْمها وَقيل - وَهِي العظِيمةُ الألْواح وناقةٌ مِيرادٌ - تُعَجَّل الوِرْد ومِطْلاق - متوجِّهة إِلَى الماءِ ومِلْحاح - لَا تكادُ تَبْرح الحوضَ وناقةٌ مِسْناف ومِسْناع - متقَدِّمة فِي السَّيْرِ ومِرْقال ومِطْعان - سَرِيعةٌ وملْحاق - لَا تَكادُ الإبِلُ تَفُوتُها فِي السَّيْر ومِيُجافٌ - كثيرةٌ الوَجِيف ومِمْراح - نَشِيطة ومِرْحاءُ - شديدةُ العَدْوِ وَقيل - هُوَ فَوْق التَّقْريب وناقةٌ مِخْناف - إِذا مالَتْ بيَدِها فِي أحدِ شِقَّيها من النَّشَاط بخُفِّها فَلَا تَلْبَث أَن تَحْفضى وناقة مِسْحاح - تَقْتَحِم بالشَّوْلَ من غيْرِ أَن تُرْسَل فِيهَا ومِذْعانٌ - سَلِسةٌ الرأسِ مُنْقادة بخُفِّه فَلَا تَلْبَث أَن تَحْفَى وناقة مِسْحاح - تَقْتَحِم بالشَّوْلَ من غيْرِ أَن تُرْسَل فِيهَا ومِذْعانٌ - سَلِسةُ الرأسِ مُنْقادة لقائِدِها وناقةٌ مِرياعٌ - للَّتِي يُسَافِرُ عَلَيْهَا ويُعَاد وأصلُه من رَاعَ الفَيءُ - إِذا عادَ وَقد تَرَيَّعَ السَّمْن والسَّرابُ - إِذا جاءَ وذهَبَ وَالْهَاء لغةٌ فِي تَرَيَّع وَهِي عِنْد أبِي عُبَيد مُبْدَلة وَلم يُبْدِلُوا الهاءَ من الْعين فِي شيءٍ من تصاريف هَذَا المِثَال إِلَّا فِي قَوْلهم تَرَيَّع وتَرَيَّة ودابَّة مِثْفار - تَرْمِي بسَرْجها إِلَى مُؤَخَّرها وشاةٌ مِتْماه - يتَغَيَّر لبنُها سَرِيعا ونَخْلَة مِبْكار - تُدْرِك فِي أوَّل النَّخْل ومِعْجال - تُبَكِّر بالحَمْل ومِئْخار - تَبْقَى إِلَى آخِر الصِّرام قَالَ الراجز:
(تَرَى العَضِيدَ المُوقَر المِئْخارَا ... من وَقْعِهِ يَنْتَثِر انْتِثارَا)
ومِيقارٌ - تُكْثِر الحملَ ومِجْلاح - لَا تُبالِي القُحُوط ومِبْسار - لَا يُرْطِبُ بُسْرُها وَلكنه سَقَط فأرْطَب فِي الأَرْض ومِسْلاس - يَتَنَاثَر بُسْرُها ومِبْسار - بَيْضاءُ البُسْر وأرضٌ مِبْكار ومِمْراح ومُحْبَار - سَريعةُ الإنباتِ ومِنْبات - كثيرةُ الإنبات ومِرْياع - كثيرةُ الرَّيْع ومِرْبال - كثيرةُ الرَّبْل - وَهُوَ مَا نَبَتَ بعد القَيْظ من الصَّفَرِيَّة ومِعْشاب - كثيرةُ العُشْب ومِذْكار - تُنْبِت ذُكُور العُشْب ومِرْباب - لَا يَزَال بهَا ثَرًى ومِحْلال - تُحَلُّ كثيرا وسَحابة مِبْكار - مِدْلاج من آخِر اللَّيْل ومِقْطار - كثيرةُ القَطْر ومِغْزار - غَزِيرة ومِدْرار - دائمةٌ غَزِيرة وليلةٌ مِدْجانٌ - مُظْلِمة ومَزْلَقة مِدْحاضُ - يُدْحَض فِيهَا كثيرا وَإِذا صَغَّرت مِفْعالاً صَغَّرته على مُفَيْعِيل فَتَقول امْرَأَة مُعَيْطِيَة وتُصَغَّر أَسمَاء مَا كَانَ من ذَوات الْوَاو وَالْيَاء على مُفيْعيل كَقَوْلِك امْرَأَة مُعَيْطِيٌّ فِي تصْغِير مِعْطاءٍ فَإِن حَذَفتَ إحْدَى الياءَيْنِ فِي التصغير ردَدْت الْهَاء فَقلت مُعَيْطِيَةٌ وحَذْفُ إحدَى الياءينِ معَ إثباتِ الهاءِ أكثَرُ من إثْبات الياءَيْنِ مَعَ غَيرهَا
(مِفْعِيل) امرأةٌ مِغْليمٌ - مُغْتَلِمةٌ ومِعْطِير من العِطْر وَأنْشد ابْن السّكيت:
(يَضْرِبْنَ جأياً كمُدُقِّ المِعْطِيْر ... )
وامرأةٌ مِئْشِير - من الأَشَر ومِكْثِير - كثيرةُ الكلاَمِ وفَرسٌ مِحْضِير - شديدةُ العَدْو وتصغيرُ هَذَا كلِّه بِغَيْر هَاء كَمَا تقدّم فِي مِفْعال فَأَما تكسيرُهما فإنّ سِيبَوَيْهٍ قالَ: فأمَّا مَا كَانَ مِفْعالاً فَإِنَّهُ يكسَّر على مِثَال مَفَاعيلَ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ شُبِّه بفَعُول حَيْثُ كَانَ المذكَّر والمؤنَّث فِيهِ سَوَاء ففُعل ذَلِك بِهِ كَمَا كُسِّر فَعُول على فُعُل فَوَافَقَ الأسماءَ وَلَا تجمَعُ بِالْوَاو وَالنُّون كَمَا لَا يجمعُ فَعُول وَكَذَلِكَ مِفْعيل لِأَنَّهُ للمذكر والمؤنث سواءٌ قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَقَالُوا مِسْكينةٌ شُبِّهت بِفَقِيرة فَصَارَ بِمَنْزِلَة فَقِير وفَقِيرة وَإِن شِئْت قلت مِسْكينُون كَمَا تَقول كَمَا تَقول فَقِيرون وَقَالُوا مَساكينُ كَمَا قَالُوا مَآشِيرُ وَقَالُوا أَيْضا امرأةٌ مِسْكين على قَوْلهم امرأةٌ خِيارٌ ورسولٌ وَإِنَّمَا قَالُوا مِسكينُون كَمَا قَالُوا مِسكينٌ ومِسكينةٌ
(فِعِّيل) امرأةٌ غِلِّيم - كَمِغْلِيم وَأنْشد أَبُو عَليّ:
(لَو كَانَ رُمْحُ استِك مُسْتَقيماً ... نِكتَ بِهِ جاريَةٌ غِلِّيما)(5/93)
(فعُول) اعْلَم أَن فَعُولاً إِذا كَانَ بتأويلِ فاعلٍ لم تدخُلْه هاءُ التَّأْنِيث إِذا كَانَ نعتَ المؤنَّث تَقول امْرَأَة ظَلُوم وغَضُوب وقَبُّول مَعْنَاهُ ظالِمةٌ فصُرِف عَن فاعلةٍ إِلَى فَعُول فَلم تَدخلْه هَاء التَّأْنِيث لِأَنَّهَا لم تُبْنَ على الْفِعْل وَذَلِكَ أَن فاعِلاً مبنِيٌّ على فَعَل ومُفْعِلاً مبنيٌّ على أفْعَل وفَعِيلاً مبنيٌّ على فَعُل وفِعِلاً مبنيٌّ على فَعِلَ فَلَمَّا لم يكن لِفَعُول فِعْل تدخُله تَاء التَّأْنِيث تُبْنَى عَلَيْهِ لزمَه التَّذْكِير لهَذَا الْمَعْنى فَإِذا كَانَ فَعُول بِتَأْوِيل مَفْعولٍ دَخلته الهاءُ ليَفْرُقوا بَين مَاله الفعلُ وَبَين مَا الْفِعْل وَاقع عَلَيْهِ فَمن ذَلِك قَوْلهم حَلُوبة لما يُحْلَب قَالَ عنترةُ:
(فِيهَا انثتان وأربَعُون حَلُوبةً ... سُوداً كخافِيَةِ الغُرابِ الأسْحَمِ)
قَالَ أَبُو عَلَيْك الحَلُوبة هُنَا لَيْسَ بِجمع لِأَنَّهُ تمييزٌ وَإِنَّمَا جمع الوصْف فَقَالَ سُوداً حَمْلاً على الْمَعْنى وَيُقَال اكُولةُ الرَّاعِي للشاة يُسَمِّنها الرَّاعِي لنَفْسه فأخرجوها على حَدٍّ فِي تأوِيل مَفْعول وَقَالُوا شاةٌ رَغُوثٌ بِغَيْر هَاء للَّتِي يَرغَثُها ولَدُها - أَي يَرْضَعُها فَلم يدخِلُوا الهاءَ وَلَو أدخَلُوها لَكَانَ ذَلِك صَواباً وَفِي التَّنْزِيل: {فَمِنْهَا رَكُوبُهم وَمنا يَأْكُلون} [يس: 72] فَذكَّر لِأَن الْمَعْنى فَمِنْهَا مَا يَرْكبُون وذكَّر مَا لم يُقْصَد بِهِ قَصْد التأنيثِ وَفِي مُصْحف عبد الله فَمِنْهَا رَكُوبَتُهم فأنَّث عَلَيْهِ الأَصْل لِأَن فَعُولاً بتأويلِ مفْعُول والرَّكُوبة - مَا يَرْكبُون والعَلُوفة - مَا يعْلِفُون والحمُولة - الأحْمال وَقيل الَّتِي علَيْها الأثْقال خاصَّةٌ وَقَالَ الْفَارِسِي: هِيَ الأحمالُ بأعْيانها فَأَما الحَمُولة بالفتْح فَمَا احتَمَل عَلَيْهِ خاصَّةً عِنْده قَالَ: وَفِي التَّنْزِيل: {وَمن الأنْعامِ حَمُولةً وفَرْشاً} [الْأَنْعَام: 142] والقَتُوبة - مَا يُقْتِبون بالقَتَبِ الواحدُ والجميعُ فِي ذَلِك كلِّه سواءٌ وَإِذا قَالُوا حَلُوب ورَكُوب فأسقَطُوا الهاءَ لم يكُنْ إِلَّا [ ... ] وَقَالُوا شاةٌ جَزُوز - وَهِي الَّتِي يُجَزُّ صُوفُها وجاريةٌ قَصُورةٌ وقَصِيرة - محبُوسةٌ ليسَتْ بخارجَة وَأنْشد:
(وأنْتِ الَّتِي حَبَّيتِ كُلَّ قَصِيرةٍ ... إلَيَّ وَمَا تَدْرِي بِذَاكَ القَصائِرُ)
وَقد قدّمت اشتِقاقَ هَذِه الكلمةِ فِي بَاب البِنَاء عِنْد ذِكْر القَصْر الَّذِي هُوَ البيتُ وَيُقَال هَذِه رضُوعة للفَصيل - إِذا كَانَت ظئْراً لَهُ وَقيل الرَّضُوعة من الغنَم الَّتِي تَرْضِعُ قَالَ الراجز:
(أوْدَى بَنُو غنْم بألْبانِ العُصُمْ ... بالمُصْفقاتِ ورَضُوعاتِ البَهَمْ)
الإصفاقُ - أَن لَا يَحْلُبها فِي الْيَوْم إِلَّا مَرَّةً والنَّسُولة - الَّتِي يُتَّخذُ نَسْلُها وناقةٌ طَرُوقةُ الفَحْل - وَهِي الَّتِي بلغت أَن يضْرِبَها فَأَما قولُهم رجُل شَنْوأة فالهاء للْمُبَالَغَة وَهِي فَعُول فِي معنى فَاعل وعَلى مِثَاله رَجْلٌ لَجُوجة وعَرُوفةٌ - أَي صابرٌ وفَرُوقة من الفَرَق ومَلُولة من المَلاَلةِ وَكَذَلِكَ المرأةُ فيهمَا ورجُل صُرُورةٌ - للَّذي لم يَحُجَّ وَقيل الَّذِي لم يتزوَّجْ وَرجل نَظُوره - سيِّدٌ يُنْظَر إِلَيْهِ وَرجل فَرُورة - فَرَّار قَالَ أَبُو الْحسن الْأَخْفَش: قَالُوا فَرُوقة ومَلُولةٌ فألحقُوا الهاءَ حينَ أرادُوا التكثيرَ قَالَ أَبُو عمر الجَرْمي: وَيُقَال أَيْضا فَرُوق وغُدُر وَقَالَ الْأَخْفَش: بعضُ الناسِ يقُول رجُلٌ صَرُورةٌ ورجُلانِ صَرُورةٌ فمَن قَالَ هَذَا أجْراه مُجْرَى المَصْدر فَإِذا صَغَّرت فَعُولاً صَغَّرته بِغَيْر هاءٍ كَقَوْلِك الْمَرْأَة صُبَيِّر فَإِن تَذْكر الموصوفةَ أثبَتَّ الهاءَ وَقَالُوا هِيَ عَدُوُّ الله وعَدُوة اللهِ والتصغيرُ فيهمَا على مَا قدّمتُ ذِكْرَه قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وأمَّا مَا كَانَ فَعُولاً فَإِنَّهُ يُكسِّر على فُعُل عنَيْتَ جمعَ الْمُؤَنَّث(5/94)
أَو الْمُذكر وَذَلِكَ صَبُور وصُبُر وغَدُور وغُدُر وَإِنَّمَا استوَيَا لِأَنَّهُ لَا عَلامةَ للمؤنَّث فِيهِ وَقد يجمعُون الْمُؤَنَّث فِيهِ على فَعائِلَ كَقَوْلِهِم عَجُوز وعَجائِزُ قَالَ الشَّاعِر:
(جاءتْ بِهِ عُجُزٌّ مُقَابَلةٌ ... مَا هُنَّ من جَرْم وَلَا عُكْل)
وجَدُود وجَدائِدُ وصَعُودوصَعَائِدُ وسنأتي على شرح هَذَا وَإِنَّمَا جَاءَ على فَعائِلَ لِأَنَّهُ مؤنث وكأنَّ علامَة التَّأْنِيث فِيهِ مقدَّرة فَصَارَت بمنزِلةِ صَحِيحةٍ وصَحَائِحٍ وَقَالُوا للْوالهِ عَجُول وعُجُل وَلم يقُولوا عَجائِل وسَلُوب وسُلُب وسَلائِبُ والسَّلُوب - الَّتِي سُلِبت ولَدَهَا بموتٍ أَو ذَبْح وسنأتِي على شرح ذَلِك بعد فَراغَ الْفَصْل فِي شرح جُمْلة هَذَا الْبَاب وشَبَّهوا فَعُولاً وفَعائِلَ فِي النَّعْت بِالِاسْمِ كَقَوْلِهِم قَدُوم وقَدائِمُ وقُدُم وقَلُوص وقَلائِصُ وقُلُص وَقد يُستغنَى بِبَعْض هَذَا عَن بَعْض قَالُوا صَعائدُ وَلَا يُقَال صُعُد وَيُقَال عُجُل وَلَا يُقَال عَجائِلُ قَالَ: وَلَيْسَ شيءٌ من هَذَا وَإِن عنيتَ بِهِ الآدَمِيِّينَ يجمَعُ بِالْوَاو والنُّون كَمَا أَن مؤنَّثه لَا يجمَع بالتاءِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ علامةُ التأنيثِ لِأَنَّهُ مذكرُ الأَصْل وَأَنا أُلخِّصَ هَذَا الفصلَ بِمَا يَحْضُرني من شرح أبي عليّ الْفَارِسِي وَأبي سعيد السيرافي قَالَا لم يُجمَع صَبُور وَكَأَنَّهُ جمع فِي الْمُؤَنَّث والمذكر جمعَ السَّلامَة لِأَن صَبُوراً قد استعمِلتْ للمؤنث بِغَيْر هاءٍ من أجلِ أَنَّهَا لم تَجْرِ على الفِعل فَلَمَّا طُرحت الهاءُ فِي الْوَاحِدَة وَإِن كَانَ التأنيثُ يُوجِب الهاءَ كَرهُوا أَن يأتُوا بجمْع يُوجِبُ مَا كَرِهُوه فِي الْوَاحِد فعُدِل بِهِ عَن السَّلامة إِلَى التكسيرِ فِي الْمُؤَنَّث فلمَّا عُدِل بِهِ عَن التكسير فِي الْمُؤَنَّث أُجْرِيَ المذكَّر مُجْراه قَالَ سِيبَوَيْهٍ: ومثلُ هَذَا مَرِئٌّ وصَفِيٌّ قَالُوا مرَايَا وصَفَايَا ومَرَايَا وصَفَايَا فعائِلُ غير أَن الإعلالَ أوجبَ لَهَا هَذَا اللفظَ كَمَا يُقَال فِي خَطِيئة خَطَايا وَفِي مَطِيَّة مَطَايَا وَهَذَا إِنَّمَا يُحْكَم فِي التصريفِ وَلَيْسَ من غَرَض هَذَا الكتابِ وَقد يجوز أَن يكون وزنُ مَرِيٍّ وصَفِيٍّ فَعِيلاً وفَعُولاً وَقَالُوا للذّكر جَزُور وجَزائِرُ لمَّا لم يكن من الآدِمِيِّين صَار فِي الْجمع كالمؤنَّث وَقد تقدم أَن مَا لَا يَعْقِل يُجْرَى مُجرى الْمُؤَنَّث فِي الْجمع قَالَ: وشبَّهوه بالذَّنُوب والذَّنائب وَقَالَ غَيره: الذَّنُوب يُذَكَّر ويؤنَّث فَمن ذَكَّره قَالَ فِي أدْنَى الْعدَد أذْنِبةٌ وَقد رُوِي أَن الملِك الغَسَّانِّي الَّذِي كَانَ أسرَ شَاسا أخَا علقمةَ بنِ عَبَدة لمَّا مدحه عَلْقمةُ وَسَأَلَهُ إطلاقَ أَخِيه أنْشد القصيدةَ فَلَمَّا أَن بلَغ إِلَى قَوْله:
(وَفِي كلِّ حَيٍّ قد خَبَطَّ بنِعْمَةٍ ... فَحُقَّ لشَأْسِ من نَداك ذَنُوبُ)
قَالَ نَعَمْ وأذْنِبةٌ فأطلقَهُ وأعطاهُ وأحسَنَ إِلَيْهِ وَأَرَادَ سِيبَوَيْهٍ بالذّنائِب على اللُّغتين جَمِيعًا قَالَ: وَقَالُوا رجُل وَدُود ورِجالٌ وُدَداء شبَّهوه بِفَعِيل لِأَنَّهُ مِثلُه فِي الزِّنَة والزِّيادة وَلم يَتَّقُوا التضعيفَ لِأَن هَذَا اللفظَ فِي كلامِهم نحوُ خُشَشاءَ قَالَ أَبُو سعيد: أمَّا قولُهم وَدُود ووُدَداءُ فَفِيهِ مخالفةُ الْقيَاس من جِهَتين إِحْدَاهمَا أَن فَعولاً لَا يُجمَع على فُعَلاءَ وَإِنَّمَا يجمع عَلَيْهِ فَعِيل ككَرِيم وكُرَماءَ وَالثَّانيَِة أنَّ فَعِيلاً إِذا كَانَ عينُ الفِعْل ولامُه من جِنْسٍ واحدٍ فَإِنَّهُ لَا يُجْمَع على فُعَلاء لَا يَقُولُونَ شَديد وشُدَداءُ وَلَا جَلِيل وجُلَلاءُ وَإِنَّمَا قَالُوا وُدَداءُ لِأَنَّهُ لمَّا خَرج عَن بَابه فشَذَّ فِي وَزْن الْجمع احتملُوا شُذوذَه أَيْضا فِي التضعيفِ فشبَّهوه بخُشَشَاء فِي احتمالِ التضعيفِ وَقَوله لِأَنَّهُ مثلُه فِي الزِّنة يُرِيد زِنةَ حرف اللِّين فِي سُكُونه من فَعِيل وفَعُول والزيادةُ فيهمَا أَن الواوَ والياءَ زائِدتانِ وَقَالُوا عَدُوّ وعَدَوَّةُ فشبَّهُوه بصَدِيق وصَدِيقة كَمَا قَالُوا للْجمع عَدُوُّ وصَدِيق قَالَ السيرافي والفارسي: يُقَال عَدُوٌّ للواحدِ والاثنَيْنِ وَالْجَمَاعَة والمذكَّر والمُؤنَّث قَالَ الله تَعَالَى: {إنَّ الكافِرِينَ كانُوا لكم عَدُوًّا مُبِيناً} [النِّسَاء: 101] وَقَالَ: {فَإِنَّهُم عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ العالَمِينَ} [الشُّعَرَاء: 77] وَكَذَلِكَ يُقَال الصَّدِيق للْوَاحِد والاثنينِ والجماعةِ والمؤنث والمذكر وَقد يُدْخلون الهاءَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا لِأَنَّهُمَا لما تَضادَّا جَرَيا مَجْرَىً وَاحِدًا قَالَ: وَقد أُجْرِيَ شيءٌ من فَعِيل مستَوياً فِي الْمُؤَنَّث والمذكر وَذَلِكَ قَوْلك مِلْحَفَةٌ جَدِيد وسَدِيس وكَتِيبة خَصِيفٌ ورِيحٌ(5/95)
خَرِيقٌ وَقَالُوا مُدْيةٌ جَرَاز وهُذَام وَالْبَاب أَن الْمُذكر والمؤنث يَختلِف فِي فَعِيل إِذا لم يكن فَعِيل فِي معنى مَفْعُول تَقول رجُلٌّ كرِيمٌ وشَرِيفٌ وامْرأةٌ كريمةٌ وشَرِيفةٌ وفَعُول يَسْتوِي فيهمَا تَقول رجل صَبُور وغَدُور وامرأةٌ صَبُور وغَدُور فذكَر سِيبَوَيْهٍ فَعِيلاً فِي هَذِه الأَحُرُفِ أَنه قد استوَى فِيهَا الْمُذكر والمؤنث وجَرَتْ على حكم فَعُول فأمَّا جَدِيد فقد قدّمت ذِكْر الاختِلاف فِيهِ فِي الْبَاب الَّذِي قَبْله يُقَال نَفْسٌ عَرُوف - إِذا حُمِلت على شيءٍ اطْمأنَّتْ إِلَيْهِ وهِمَّة طَمُوح - مستَشْرِفَةٌ إِلَى مَعالِي الأُمُور وَامْرَأَة رَدُوح - عَجْزاءُ كرَدَاح وقَطُوع - تَنْقَطِع عِنْد البُهْر وعَصُوبٌ - زَلاّءُ وجارِيةٌ بَسُوق - إِذا جَرَى اللبَنُ فِي ثَدْيها وَهِي بِكْر وكَذلك الناقةُ والشاةُ وَامْرَأَة جَفُول - كبِيرةٌ وجُمَّةٌ جَفُول - عظيمةٌ وَامْرَأَة عَجْوز - مُسِنَّة وَقد قِيلَتْ بِالْهَاءِ وَامْرَأَة رَصُوفٌ - صغِيرةُ الفَرْج ورَصُوص - رَتْقاءُ ورَطُوم - واسِعَةُ الجِهازِ كثيرةُ الماءِ وخَقُوق - يُسْمَع لِفرجها صَوْت إِذا جُومِعَت وأتاَن خَقُوق - يُصَوِّت حَياؤُها من الهُزال وَقد خَقَّت تَخِقُّ وَامْرَأَة خَبُوق كخَقُوق ومَصُوص - يمتَصُّ رحِمُها الماءَ وخَضُوفٌ - تَلِد فِي التَّاسِع وَلَا تَدْخُل فِي الْعَاشِر وَهِي من الإبِل - الَّتِي إِذا أتَتْ على مَضْرٍبها أُنْتِجَت وَقيل هِيَ من مَرابيع الإبِل الَّتِي تُنْتَج لخمس وَعشْرين بعد المَضْرب والحولِ وَمن المَصايِيف الَّتِي تُنْتَج بعد المَضْرِب والحولِ بخَمس وَقد خَصَفت تَخصِف خِصافا ووَلُود ونَثُور - كثيرةُ الوَلد وَكَذَلِكَ الكافة والظائِرة والنَّزُور أَيْضا من النِّسَاء - القليلةُ اللِّبَن ورَقُوب - لَا يَعِيش لَهَا ولَد ويُوصَف بِهِ الرجل وَهِي من الْإِبِل - الَّتِي لَا تَدْنُو إِلَى الحَوْض مَعَ الزِّحام وَذَلِكَ لَكَرمها وَامْرَأَة ثَكُول وهَبُول - فاقِدٌ وعَجُول كثَكُول وَكَذَلِكَ الناقةُ وَامْرَأَة نَكُوع - قصِيرةٌ ودَرُوم - قصيرةٌ مَعَ صِغَرِ سَيِّئةُ المَشْي وخَفُوت - لَا تَكاد تَبِينُ من الهُزال وَقيل - هِيَ الَّتِي تَسْتحسِنها مَا دامتْ وحدَها فَإِذا رأيتَها فِي جَماعة النِّسَاء عِبْتَها وامرأةٌ طَرْوح - تَطْرَح عَنْهَا ثَوْبَها ثِقةً بحُسْن خَلْقها وَهِي من النهل - الطَّوِيلةُ العَراجِينِ ودَسُوس - بهَا عَيْبْ فِي جَسَدها فَهِيَ تَنْدَسُّ فِي اللِّحاف لئَلاَّ يَراها بَعْلُها وعَرُوب - ضَحَّاكة وَقيل - عاشِقَة لزَوْجها مُتَحَبِّبة إِلَيْهِ ولَعُوب وشَمُوع وعَطُوف كَذَلِك وَهِي من الْإِبِل - الَّتِي عُطِفتْ على بَوٍّ فَرئِمتْه وَهِي من القِسِيِّ - الَّتِي عُطِفت أحدَى سِيَتَيْها على الأُخْرَى وَهِي أَيْضا الَّتِي تُتَّخذ للأهْدافِ يعنِي القوسَ العرَبِيَّة وخَلُوب - خَدَّاعة وقَدُوح - كثيرةُ الحَياءِ قليلةُ الْكَلَام وخَرُود - حَيِّيَة وَقيل - بَكْر لم تُمْسَسْ ونَفُور - نافِرة وقَذُورٌ - متباعِدَة وَكَذَلِكَ عَيُوف ويُستعْمَلان فِي الْإِبِل وكَفُور وكَنُود - كافِرةٌ للمُوَاصلة وحَسُود - حاسِدةٌ وعَلُوق - لَا تُحِبُّ زَوْجَها وَهِي من الْإِبِل - الَّتِي لَا تَأْلَف الفحلَ وَلَا تَرْأم الوَلَد - هِيَ الَّتِي تَرْأم بأنْفها وتَمْنع دِرَّتها وصَيُود - سَيِّئة الخُلُق وَقد قيل صَيْدانة وظَنُون - لَهَا شَرَف تُتَزَوَّج طمَعاً فِي وَلَدِها وَقد أسَنَّت ومَنُون - تُتَزوَّج لمالِها فَهِيَ تَمُنُّ على زَوْجها وبَرُوك - إِذا تَزوَّجَت وابنُها رجُل وَيُقَال لابنِها الجَرَنْبَذ وَامْرَأَة رَؤُود بهمز وَبِغير همز - إِذا كَانَت تَدْخُل بيُوتَ الجيرانِ وَهِي رَوَاد وَامْرَأَة هَجُول وهَلُوك - بَغِيٌّ وفَشُوش - قاعِدةٌ على الجُرْدانِ وَقيل - الرِّخْوةُ المتاعِ وجَرُوز - شديدةُ الأكْل وَكَذَلِكَ النَّاقة وَامْرَأَة نَغُوس - كَثِيرَة النُّعاسِ وَهِي من الْإِبِل - الغَرِيزة الَّتِي تَنْعَس عِنْد الحَلْب وعينٌ دمُوع - كثيرةُ الدمعِ أَو سَرِيعتُه ولِثَةٌ بَثُوغ - كثيرةُ اللَّحْم والدَّم وَهِي أقبَحَ اللَّثاث وَحكى الْفَارِسِي: أَن بعضَ الْأَعْرَاب دَعَا لصاحبِه أَو أخيهِ فَقَالَ رَزَقَك اللهُ ضِرْساُ طَحُوناً ومَعِدةً هَضُوماً وفَقحة نَثُوراً وَفِي بعض النّسخ وسُرْماً نَثُوراً وَقَالَ أجِدُ نَفْسي عَزُوقاً عَن اللَّهْوِ - أَي عازِفةٌ ونفسٌ لَجُوح - أبِيَّة وفَرَس نَتُوج - حاملٌ وَكَذَلِكَ عَقُوق وَقيل النَّتُوج والعَقُوق لكل ذَات حافِر وبِرْذونةٌ رَغُوث - لَا تَكاد تَرْفَع رأسَها من المعْلَف وَفِي الْمثل: " كلُّ بِرذَوْنة رغُوث " وفرسٌ جَمُوحٌ للْأُنْثَى - تَذْهَب على وَجْهها وناقةٌ لَقُوح - لاقِحةٌ وَفِي الْمثل: " اللَّثُوح الرِّبْعيَّة مالٌ وطعامٌ " وكَشُوف - يُحْمَلُ عَلَيْهَا فِي كل سنة والمَصدَر وَقد أكْشَف القومُ(5/96)
العامَ وناقة بَرُوق - تَشُول بذَنَبها تُري أَنَّهَا لاقِح وليستْ كَذَلِك وَمِنْه قولُ بعضِ الْأَعْرَاب لصاحِبه أوْ أَخِيه دَعْنِي من تَكْذابِك وتأْثامِك شَوَلانَ البَرُوق وكَمُون - كَتُوم للِّقاح لَا تُبَشِّر بذَنَبها وكَتُوم - لَا تَشُول بذَنَبها عِنْد اللِّقاح وَلَا يُعْلَم حملُها وَقيل - هِيَ الَّتِي لَا تَرْغُوا إِذا رَكِبها صاحِبُها والكَتوم من القِسِيِّ - الَّتِي لَا تَرِنُّ وَقيل - الَّتِي لَا صَدْع فِي نَبْعها وناقةٌ غَمُوس - فِي بَطْنها وَلَد ومَخُوض - إِذا أَخذهَا المَخَاض عِنْد النِّتاج ودَحُوق - تَخرُج رحِمُها عِنْد النِّتَاج دَحَقتْ تدْحَقُ دُحُوقاً ورَحُوم - تشْتكِي رَحِمَها بعد الوِلاَدة وَلَا تَدْحَق وَقيل - هِيَ الَّتِي بهَا داءٌ فِي رَحِمها وخَفُود - مُجْهِضة وجَرُور - تَزِيد على حَمْلها وصَعُود - إِذا خَدَجْت لسَبْعة أشهُرٍ أَو ثمانيةِ أَو تِسْعة فعُطفت على ولَدَها الَّذِي من عَام أوَّل فتَدِرُّ عَلَيْهِ فيُلَمَّظ مِنْهَا ويُؤْخَذ لبَنُها وَهُوَ أحْلى اللبنِ وَجَمعهَا صَعائِدُ وصُعُدٌ وَقَالَ بَعضهم: لَا يُقال: صُعُد وَقد تقدَّم ورَؤُوم - إِذا خَدجتْ أَو ماتَ ولَدُها فعُطِفت على غَيره فرَئِمتْه وظَؤُور - لازمةٌ للفَصيل أَو البَوِّ ولَبُونٌ - غزِيرةُ اللبنِ وَالْجمع لُبُنٌ وَكَذَلِكَ الشَّاة ووُكُوف - غزِيرة اللَّبن وَكَذَلِكَ الشَّاة أَيْضا ومِنْحةٌ وَكُوف - غَزِيرة قَالَ الْفَارِسِي: الوَكِيف - الهَطْل وناقةٌ ضَفُوف - كثيرةُ اللبنِ وَكَذَلِكَ الشاةُ وحَقُول - سريعةُ جَمْع اللبنِ فِي الضَّرْع وحَشُوك كحَشُود وَقيل - هِيَ الغزيرةُ اللَّبنِ حُفّلت أَو لم تُحَفَّل ورَفُود - تمْلأُ القَدَح فِي حَلْبةٍ واحدةٍ وصَفُوف - تَجْمَع بيْن مِحْلَبينِ فِي حَلْبة وَقيل - هِيَ الَّتِي تَصُفُّ يديْها عِنْد الحَلْب وشَفُوع وقَرُون - تَجْمع بَين مِحْلَبين فِي حلبة وَقيل القَرُون - المُقْترنةُ القادِمَينِ والآخِرَينِ وَقيل - هِيَ الَّتِي إِذا بَعَرتْ قارنتْ بَين بَعْرها وَقيل - هِيَ الَّتِي تَضَع رِجْلَها موضِعَ يَدِها وَكَذَلِكَ هِيَ من الخَيْل وناقةٌ نَقُوح - لَا تَحبِس ليَنَها وفَخُورٌ - تَعْطِيك مَا عِنْدها من اللبَن وَلَا بَقَاءَ للبَنِها وَقيل - هِيَ العظِيمة الضَّرْع والفَخُور من النّخل - العظيمةُ الجِذْع الغَلِيظة السَّعَف وناقةٌ نَجُود - مِغْزاز وَقيل - هِيَ الشَّدِيدة النَّفْس وَقيل - هِيَ الَّتِي لَا تَبْرُك إِلَّا على مُرْتَفِع من الأَرْض وَقيل - هِيَ الَّتِي لَا تَحْمِل من الأُتَن خاصَّة وَقيل - هِيَ الطَّوِيلةُ العُنُق مِنْهُمَا ومَكُود - غَزيرةُ اللبنِ وَقيل القَليلتُه وَكَذَلِكَ الشاةُ والجمعُ مَكائِدُ وَهِي من الآبارِ الَّتِي لَا تَنْقَطِع مَادَتُها على التشبِيه وناقةٌ جَدُود وشَصُوص - قليلةُ اللبَنِ وَقد قدّمت تصريفَ فِعْلها وناقة مَصُور - يُتَمَصَّر لبَنُها قَلِيلاً قَلِيلاً وَكَذَلِكَ الشاةُ والبقَرةُ وخَصَّ بعضُهم المِعْزَى وناقة جَذُوب - مُرْتفِعة اللبَنِ كجاذِبٍ ونَهُوز - قليلةُ اللبَنِ لَا تَدِرُّ حَتَّى تُنْهَزَ باليَدِ وتَخُور - لَا تَدِرُّ حَتَّى يُضْرَب أنفُها وعَصُوب - لَا تَدِرُّ حَتَّى تُعْصَب فَخِذَاها وَقد عَصَبت وعَصَبْتها وزَبُونٌ - تَرْمِحَ عِنْدَ الحَلْب وبَسُوس - لَا تَدَرُّ إِلَّا على الاِبْساس - وَهُوَ أَن يُقَال لَهَا بَسْ بَسْ وعَسُوس وَقَسُوسُ - لَا تَدِرُّ حَتَّى تَتَباعد من الحالِب وَهِي أَيْضا الَّتِي تُباعِد القطيعَ فِي المَرْعَى وضَرُوس - سَيِّئة الخُلُقِ عِنْد الحَلْبِ وحَرْب ضَرُوس مِنْهُ - وَهِي الشديدةُ وناقة ضَرُوس وعَضُوض - تعَضُّ لتَذُبَّ عَن وَلَدهَا وزجور - تدِرُّ على الفَصيل كَرْهاً إِذا ضرِبت فَإِذا تُركتْ منَعتْه وضَجُور كزَجُور وَفِي الْمثل: " قد تُحْلَبَ الضَّجُورُ العُلْبةَ " وناقة فَتُوح وثَرُور - واسعةُ الاِحْليل وَقد قدّمت تصرِيفَ فِعْليهما والحَصُور من الْإِبِل - كالعَزُوز وناقةٌ حَضُون - ذهبَ أحدُ طُبيَيْها وَهُوَ الحِضان والحضون أَيْضا من الْإِبِل والغَنَم - الَّتِي أحد خِلْفيها أكْبَرُ من الآخرَ وشَطُور - ذهبَ خِلْفانِ من أخْلافها وَهِي من الشَّاء - الَّتِي يَبِس أحدُ خِلْفيها وناقة تَلُوث - يَبِسَ ثلاثةٌ من أخلافها وجَذُوب - لَا يَثبُتُ صِرَارها وَهِي من الأُتن السمينةُ وَمن جَمِيع الدوَابِّ السريعةُ وناقةٌ شَطُوط - عظِيمةُ جَنْبَي السَّنامِ وجَزُور طَعُوم - أخذَتْ شَيْئا من سِمَن ودَلُوح - مُوقَّرة شَحْماً أَو مُثْقَلة حِمْلاً وسحابة دلُوح - مُثْقَلة بِالْمَاءِ مِنْهُ قَالَ مُطِيع بن إِيَاس يرثي يحيَى بنَ زِيَاد:
(قلتُ لثَجَّاجةٍ دَلُوج ... تَسُجُّ من وابِل سَحُوحِ)
(أُمِّي الضَّرِيحَ الَّذِي أسَمِّي ... ثمَّ استَهِلِّي على الضَّرِيح)
(لَيْسَ مِنَ العَدْل أَن تَشِحِّي ... على فَتًى لَيْسَ بالشَّحِيح)(5/97)
وَإِنَّمَا أوردتُ هَذِه الأبياتَ بِكمالها لذَهابها فِي الرِقَّة والحُسْن وجُودةِ التأبِين وناقةٌ أَمُونٌ - أِمَنَتْ أَن تكون ضَعِيفةً وَالْجمع أُمُنٌ ورَحُولٌ - قَوِيَّة على الارتحال وناقة حَنُوفٌ - تَقْلب خُفَّ يَدَيْها إِلَى وَحْشِيِّها إِذا سارَتْ والوَحْشِيُّ - الجانِب الأيسَرُ وَقيل - هِيَ اللَّيِّنة اليدَيْنِ فِي السّير وَقد يُستَعْمل فِي الخَيْل فَرس خُنُوفٌ - إِذا هَوَى بحافِرِه إِلَى وَحْشِيَّه وعَمَّ بِهِ بعضُهم جميعَ الدَّوابِّ وبَحُوث - تَبْتَحَث التُّراب بأخْفافِها أُخُراً فِي سَيرهَا وخَسُوق - سيِّئة الخُلُق تَخْسق الأرضَ بمَناسِمها - أَي تَخُدُّها ونَسُوف - تَنْسِف الترابَ فِي عَدْوها وَقيل - هِيَ الَّتِي تكون فِي أَوَائِل الْإِبِل إِذا وَردتِ الماءَ وَقيل - هِيَ الَّتِي تأخُذُ الكَلأ بمُقدَّم فِيهَا وزَحُوفٌ - تَجُرُّ رجْلَيْها تمسَحُ بهما الأرضَ وقَطُوف - بطِيئةُ السَّيْر قد تَقطَع القَطُوفُ الوَساَعَ وَلجُون - بطِيئةُ السَّيْر ثقِيلةٌ وضَغُون - فِيهَا مُعَاسَرةٌ وَهوى فِي غَيْرِ وجْهها وذَقُون - تُمِيل ذَقَنها إِلَى الأرضِ وتَهُزُّ رأسَها تستَعِين بذلك على السَّيْر وعَرُوضٌ - لَا تَقْبَل الرِّياضة وَلَا ذُللِّت وذَمُول من الذَّميل - وَهُوَ السَّيْر الليِّن وَكَذَلِكَ النَّعامةُ ووَسُوح من الوَسيج - وَهُوَ ضَرْب من السَّيْر ومَلُوس من المَلْس - وَهُوَ سَيْر فوْق العَنَق وسُبُوتٌ من السبْت - وَهُوَ السَّير السريعُ وزَفُوف من الزَّفيف قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: هُوَ مُقارَبة الخَطو فِي سُرْعة وَقَالَ أَبُو إسحاقَ: هُوَ أوّلُ عَدْو النَّعام وناقة زَرُوف - طوِيلةُ الرَّجْلَيْنِ واسِعةُ الخَطْو وعَصُوف - سريعةٌ ونَسوجٌ - سريعةُ نَقْل القَوائِم وَقيل - هِيَ الَّتِي لَا يَثْبُت حِمْلُها وَلَا قَتَبها عَلَيْهَا وسَعُوم - ياقيَةٌ على السَّيْر وَالْجمع السُعُم وزَلُوق - سريعةٌ وزَلُوج وزَلُوخ ومَرْوح - نِشيطةٌ وعَنُود - تتَنكَّب الطرِيقَ من نشاطِها وقُوّتِها وَقيل - هِيَ الَّتِي تَرْعَى أَو تبْرُك ناحِيةٌ وخَلُوء - تبْرُك فتُضْرَب فَلَا تَقُوم خَلأَتْ تَخْلأُ خِلاءاً وحَرُونٌ - خَلُوء ودَفُون - تَبْرُك وَسَط الْإِبِل وَقيل - هِيَ الَّتِي تكونُ وسطَ الْإِبِل إِذا وَردت الماءَ وقذُور - لَا تَبْرك مَعَ الْإِبِل وضَجُوع - تبْرُك أَو تَرْعَى ناحِيةً ودَحُول - تُعارِض الْإِبِل مُتَنَحّيةً عَنْهَا وزَحُول - إِذا وَرَدت الحوضَ فضَرب الذَّائدُ وجْهَها فَولَّت عَجُزها وَلم تَزَل تَزْحَل حَتَّى تَرد الحوضَ وفَرُودٌ - متنَحَّية فِي المَرْعَى والمَشرَب وطَبُوخ - تَذْهَب يَمِيناً وشِمالاً وتأكل من أطْرَاف الشَّجَر وسَلُوف - تكون فِي أَوَائِل الْإِبِل إِذا ورَدت الماءَ وناقة قَلُوص - فَتِيَّة شابَّة وَقد غَلَبت غَلبَة الْأَسْمَاء وَكَذَلِكَ القَلُوصُ من النَّعام على التَّشْبِيه بالقَلُوص من الإبِل وبَزُول كبازِل وشَرُوف - شارِفٌ ونَيُوب - مُسِنَّة ودَلُوق - تكَسَّرت أسنانُها فتَمُجُّ الماءَ إِذا شَرِبتْ وكَزوم - هَرمة ومَضُوز وضَمُوزٌ - مُسِنَّة وَقيل الضَّمُوز - الَّتِي تَضُمُّ فاها لَا تسمَعُ لَهَا رُغَاء والضَّمُوز من الحيَّات - الشدِيدةُ العَضَّ وناقةٌ رَغُوُّ - كَثِيرَة الرُّغاء وسَكُوتٌ - صَمُوت لَا تَرْغُو عِنْد الرَّحْلة [ ... ] إِذا اجْتَرَّت وصَفُون - تجمَع بَين يَدَيْها ثمَّ تَفَاجُّ وتَبُول وشَاة دَرُور - دارَّة وشاةٌ ثعُول - تُحْلَبُ من ثلاثةِ أمْكِنةٍ وأربعةٍ للزِّيادةِ الَّتِي فِي الظُّبى وَقيل - هِيَ الَّتِي لَهَا فَوق خِلْفها خِلْف صَغِير واسمُ ذَلِك الخِلْف الثُّعْل وكَتِيبة ثَعُول - كثيرةُ الحَشْو والتُّبَّاع منتَشِرة وشاةٌ دَجُون - لَا تمنَع ضَرْعها سِخَالَ غَيرهَا وقَعُوص - تَضْرِب حالِبَها وتمنَع الدِّرة وبَعُور - تَبْعَر على حالِبها فتفْسِد اللبَنَ وسَحُوف - على ظَهْرها سَحْفة - وَهِي الشَّحْمة الَّتِي على الظّهْر وَقيل بَين الكَتِفين وَكَذَلِكَ الناقةُ والسَّحُوف أَيْضا من الغَنَم - الرقيقةُ صُوفِ البطنِ وشاةٌ زَغُوم - لَا يُدْرَى أَبِهَا شَحْم أمْ لَا(5/98)
وَمِنْه قيل فِي قولِ فلانٍ مَزَاعِمُ - وَهُوَ الَّذِي لَا يُوثَق بقوله ورَعُوم - يَسِيلُ مُخاطُها من الهُزَال ونَثُور - تَطْرَحُ من أَنفِها كالدُّود وحَرُون - سَيِّئة الخُلُق وثمُوم - تقْلَع الشيءَ بفيها ورَؤُوم - تلْحَس ثِيابَ مَن مَرَّ بهَا ورَمُوم - تَرُمُّ مَا مرَّت بِهِ وظَبْية بَغُوم - تَصِيحُ إِلَى وَلَدهَا بأرْخَمِ مَا يكونُ من صَوْتها ونَفُوز - وَثَّابةٌ فَأَما قَوْله:
(إراحةَ الجِدَايَةِ النَّفُوزِ ... )
فإنَّ النَّفوز لَيْسَ بصِفةٍ للمؤنث ضَرورةً لِأَن الجِدايَة يَقع على الذَّكَر وَالْأُنْثَى مِنْهَا وأَبُوز - كنَفُوز وخَذُول كخاذِل - وَهِي المتخلِّفة عَن القَطِيع وَكَذَلِكَ البقَرةُ وَغَيرهَا من الدَّوابِّ وأتَانٌ وَدُوق - تَشْتَهِي الفحلَ ونَحُوص - قليلةُ اللَّبَن وَلَا تكون هَذِه الصِّفةُ إِلَّا فِي الأُتُنِ وأرنبٌ زَمُوع - تمشِي على زَمَعِها إِذا دَنتْ مِن موضِعها لئلاَّ يُقَصَّ أثَرُها وَقيل - هِيَ السَّرِيعة وَقد زَمَعتْ وأزْمَعتْ ودَجاجةٌ بَيُوض - كثيرةُ البَيْض ووَدُوك - ذاتُ وَدَك وحَمَامة هَتُوف - كثيرةُ الهُتاف وضَبَّة مَكُون - إِذا باضَتْ ونَخْلة قَبُور وكَبُوس - حَمْلُها فِي سَعَفها وَقيل - سَرِيعة الحمْل ودَوْحة رَبُوض - عظيمةٌ وَهِي من القُرَى الْعَظِيمَة الواسعةُ على التَّمْثِيل وقَوْس قَلُوع - إِذا نُزِع فِيهَا انقَلَبَتْ وطَحُوم - سريعةُ السَّهْم وطَرُوح ومَرُوح وضَرُوح ونفوح وطَحُورٌ - بعيدةٌ موقِع السَّهْم وَمِنْه عينٌ طَحور - إِذا قَذَفت بِقَذاها وقَوْس زَفُوف - تسمَعُ لَهَا رَنِيناً وزَجُوم - ضعيفةُ الإرْنان وهَتُوف وحَنون - مُصَوّتة وهَزُوم - مُرِنَّة وعَصَا بَرُوخ - شديدةٌ وَكَذَلِكَ عِزَّة بَزُوخ ودِرْع فَيُوض - واسعةٌ وأرضٌ قَبُور - غامِضةٌ ومَحْول - مَحْلة ومَفَازةٌ زَهُوق - نائِيةُ المَهْواة وَكَذَلِكَ البِئْر وأكمَةٌ هَدُود - صَعْبة المُنْحَدَر وعَقَبة كَؤُد - صَعْبة المَرْقَى وَكَذَلِكَ عَنُود وعَنُوت وبِئْر عَضُوض - بعيِدةُ القَعْر وَقيل ضَيِّقة وسَهُوك - ضَيِّقة الخَرْق وَقَالَ الْفَارِسِي: بَيُونٌ - متباعِدَة الجُوْل هَذِه عِبَارَته فِي الإغفال فأمّا فِي الحُجَّة فَقَالَ بِئْر بَيُونٌ - بعِيدةُ القَعْر وأصلُ ذَلِك من التَّبايُن - وَهُوَ التَّباعُد قَالَ الشَّاعِر:
(إنَّكَ لَو ناديْتَنِي ودُونِي ... زَوْراءُ ذاتُ مَنْزَع بَيُونِ)
(لقُلْتُ لبَّيكَ إِذا تَدْعُوني ... )
وَقد أنعمتُ تحِسينَ هَذِه الكلمةِ وأريتُ وجْه اشتقاقها فِيمَا تقدَّم من هَذَا الْكتاب وبِئْر جَرُورٌ - يُسْتَقَى مِنْهَا على بَعِير ولَحُود ودَحُول - ذاتُ تَلَجُّف - أَي نواحِي وَقيل فِي جِرابها عَوَج فتذْهَب فِي أحَد شِقَّيها وبِئْر شَطُون - لَا تُخْرَج دَلْوُها إِلَّا بحبْلَيْنِ لِعَوَج فِي جَرَابها وبِئْرٌ جَمُوم - سرِيعةٌ إثابَةِ المَاء وَكَذَلِكَ الفَرَس قَالَ النِّمر بنُ تَوْلَب:
(جَمُومُ الشَّدِّ شائِلَةُ الذُّنَابَى ... تَخَالُ بيَاضَ غُرَّتِها سِرَاجَا)
وقَذُوم - كجَمُوم كَأَنَّهَا تَقْذِم بالماءِ قَالَ الراجز:
(لتَنْزَحْن إِن لم تَكُنْ جَمْوها ... أَو لم تَكُنْ قَلَيْذَماً قَذُوما)
وَهَذَا [ ... ] إِن كَانَ [ ... ] حَمْلاً على مَعنَى القلِيب لِأَن القَليبَ يُذكَّر ويُؤَنَّث وَهَذَا مثلُ مَا أنْشدهُ الفارسيُّ فِي كتاب الْإِيضَاح:
(يَا بِئْرُ يَا بِئرَ بَنِي عَديٍّ ... لأَنْزَحَنْ قَعْرَك بِالدُّلِيِّ)(5/99)
(حَتَّى تَعُودي أقْطَعَ الوَلَيِّ ... )
قَالَ: أَرَادَ حَتَّى تَعُودي قَليباً أقْطَع الوَلِيِّ وبئر قَلُوص - لَهَا قَلَصة - أَي جَمَّة وخَسُوف - إِذا حُفِرت فِي حِجَارة فَلم تَنْقطِع لَهَا مادّة وبئر قَطُوع وضَهُول وضَنُون ونَكُوز وبَرُوض ورَشُوح ومَكُول - كلُّه قليلةُ المَاء ونَضُوض - يَجْتَمِعُ ماؤُها رِشْحاً وصَلُود غلب جبَلُها فامتنعت على حافرها وَهِي من القُدُور - البَطِيئة الغَلْي وبِئْر زَلُوخ - متَزلِّقة الرأسِ يُقَال مَكانٌ زَلْخٌ وبَكرة دَمُوك - سريعةٌ أَعنِي البكْرَة الَّتِي هِيَ بعضُ آلَات الاستِسْقاء وضَرُوس - لَا تَزَال تَمِيل فِي شِقٍّ فيخرُج الرِّشاءُ من مَدْرَجته عَلَيْهَا فيقَع بينَ حائِط الفُرْضة وَبَين البَكْرة وَقد مَرسَت البَكْرة وَقد يُقَال مِمْراس وَأنْشد ابْن السّكيت:
(دُرْنا ودَارتْ بَكْرةٌ نَخِيسُ ... لَا ضَيْقةُ المَجْرَى وَلَا مَرُوس)
ودَلْو غَرُوفٌ وجَرُوف - كثيرةُ الأخْذ من المَاء وشَرْبةٌ مَسُوس عَن الْفَارِسِي وَالْمَعْرُوف ماءُ مَسُوس وَأنْشد ابْن السّكيت:
(لَو كُنْتَ مَاء كُنْتَ لَا ... عَذْبَ المَذاق وَلَا مَسُوسَا)
وسَنَة حَسُوس ومَحُوشٌ - مُجْدِبة وأَزُوم - شَدِيدةٌ وحَقِيقة الأَزْم العَضُّ وَقد يُسْتَعْمَل فِي المذَكَّر وَيُقَال عامٌ أَزُوم وَسنة جَمُوش - تُحْرق النَّباتَ ونُورَةٌ جَمُوشٌ - حارَّةٌ حالِقةٌ ورِيحٌ سَهْوك وسَهُوج وخَجُوج ونَئُوج - شديدةُ المَرّ ودَرُوج - لَهَا مِثلُ ذَيْل الرسَنِ فِي الرَّمْل و [ ... ] الثِّمار والبُيُوت وَهِي من الهَوَاجر الَّتِي تَحْلِبُ العَرقَ وطَحُور - مُفرِّقةٌ للسَّحاب وجَفُول - تَجْفِل السَّحابَ وسَفُور - تَسْفِره وهَتُوف - حَنَّانة وسَحَابة بَكُور - مِدْلاج من آخِر اللَّيْل وهَمُوم - صَبُوب للمطر وقَطُور - كثيرةُ القَطْر ونَطُوف - ماطرةٌ إِلَى الصَّباح وَكَذَلِكَ الليلةُ وسَحابَةٌ خَلُوج - غَزِيرةٌ وَمِنْه ناقةٌ خَلُوج - غَزِيرةُ اللَّبن وجَفْنَة خَلُوج - قَعِيرةٌ كثيرةُ الأَخذ من المَاء ورَكُود - ثقِيلةٌ مملُوءةٌ ورَذُوم - مَلأَى تَسِيلُ وجَرَّة هَدُور - إِذا غَلَى مَا فِيهَا وشَفْرة هَذُوذ وأَذُوذ - صارمةق ونِيَّة عَنُود وقَذُوف ونَعُور وشَطُون - بعِيدةُ وعَقبة زَلُوج وزَمُوج - طويلةٌ بَعِيدة وقافِيَة شَرُود ونَدُود - سائرةٌ فِي البِلاد وداهِيَة نَؤُدد - شَنْعاءُ وبَؤُوق - شديدةٌ ويَمِين غمُوس - فاجِرة غير بَرَّة لِأَنَّهَا تَغْمِس صاحبَها فِي النَّار وطَعْنة غَمُوس - مُنْعَمِسة فِي اللَّحْم وَقد عبر عَنْهَا بالواسِعة النافِذَة
فَعُول بِمَعْنى مَفْعُول
امرأةٌ أَتُوم - مُفْضاة وَأنْشد ابْن السّكيت:
(أيَا ابْنَ نَخَّاسِيَّةٍ أَتَوُمِ ... )
وخَرُوس - إِذا عُمِل لَهَا شَيءٌ عِنْد الوِلاَدة وَقد خَرِّسْتها واسمُ الطَّعام الخُرْسة وَيُقَال للبِكْر فِي أوَّل بَطْن تحمِلُه خَرُوس وَامْرَأَة ذَعُور - تُذْعَر من كلِّ شيءٍ وَأنْشد أَبُو عبيد:
(تَنُول بمَعْرُوف الحدِيثِ وَإِن تُرِدْ ... سِوَى ذاكَ تُذْعَرْ منكَ وَهِي ذَعُور)(5/100)
وناقةٌ سَلُوب - إِذا سُلِبت ولَدها بذَبْح أَو مَوْت وَقيل إِذا ألقَتْه لغيْرِ تمامٍ وَكَذَلِكَ المرأةُ وخَلُوج كَسَلُوب - خُلِج عَنْهَا ولَدُها - أَي جُذِب وَكَذَلِكَ الظَّبْية قَالَ أَبُو ذُؤيب:
(كأنَّ ابْنةَ السَّهْمِيّ يومَ لقِيتُها ... مُوشَّحةٌ بالطُّرَّتَيْنِ هَمِيجُ)
(بِأَسْفَلِ ذَاتِ الدَّبْرِ أُفْرِد خِشْفُهَا ... فَقَدْ وَلِهتْ يَوْمَيْنِ فَهِيَ خَلُوجُ)
هَكَذَا رُوِي لي عَن أبي عَليّ الْفَارِسِي الدَّبْر بِالْبَاء وَقَالَ هُوَ مَوضِع كثيرُ النَّحْل وَرَوَاهُ بَعضهم الدَّبْر وَهُوَ تَصْحِيف وسَحَابَةٌ خلُوجٌ - مجتَذَبة من مُعْظَم السَّحاب وَقد تقدّم فِي بَاب فَعُول بِمَعْنى فاعِلٍ أَنَّهَا الغَزِيرة من السَّحاب والإبِلِ وناقةٌ زَعُوم وضَغُوثٌ ولَمُوس وشَكُوك وعَرُوك وضَبُوث وغَبُوط - وَهِي الَّتِي يُشَكُّ فِي سَنَامها لَا يُدْرَى أبه شَحْم أم لَا وَقد ضَغَثْتها أضْغَثُها ولمَسْتها ألمِسُها وعَركْتها أعْرُكها وضَبثتها أضْبِثُها وغَبَطتها أغْبِطُها وَكَذَلِكَ غَمُوز وَقد غَمَزْتها اغْمِزُها وكَشُوذُ مَحْلُوبة بثلاثِ أصابعَ ورَحُول - تصْلُحُ أَن تُرحَل وشاةٌ شَفُوع - يَشْفَعها ولَدُها ورَغُوث - يرغَثها ولَدُها وبئر غَرُوف - إِذا كَانَت تُغْتَرف بِالْيَدِ وَكَذَلِكَ قَدُوح وَقد قَدَحْتها أقْدَحُها قَدْحاً ومَتُوح - يُمَدُّ مِنْهَا باليدَيْنِ على البَكْرة ونَزُوع - يُنْزَع مِنْهَا باليَدِ ونَشُوط - لَا تُخْرَج مِنْهَا الدلْوُ حَتَّى تُنْشَط كثيرا - أَي تُجْذَب ونَزُوف - قليلَةُ الماءِ مَنْزوفةٌ وَقد يجوزُ أَن تكونَ هَذِه فاعِلَة يُقال نَزَفتِ البِئرُ ونَزفتها ونَزُوح كَنُزوف وتكُون أَيْضا فاعِلَةً نَزَحتْ ونَزحْتها ونَثُول - إِذا دُفِنَت ثمَّ أُخْرِج تُرابُها وَلَيْسَت بجَدِيد وَالْجمع نُثُل وَقد نَثَلْتها أنْثِلُها نَثْلاً واسمُ التَّرابِ النَّثِيل وتَوْبة نَصُوحٌ - منصُوحٌ لله فِيهَا وَقيل وَهُوَ أَن لاَ يرجعَ العبدُ إِلَى مَا تابَ عَنهُ.
وَمِمَّا جَاءَ من الْأَسْمَاء المؤنَّثة على مِثال فَعُول
قَوْلهم الهَدُود - للسَّهلةِ من الرَّمل والصَّعُود [ ... ] كُله الأرضُ الغَلِيظة والفَتُوح بمنزِلة الحَرُور من سَفْح الْجَبَل والكَثُود أصلُه الوَصْف وغَلَبَ غَلَبَة الأسماءِ والذَّنُوب - الدَّلْو والعَرُوض - من الشِّعر والعَلُوق - المَنِيَّة وَأنْشد ابْن السّكيت:
(وسائِلةٍ بثَعْلَبةَ بنِ قَيْسٍ ... وَقد عِلقتْ بثَعلَبةَ العَلُوق)
والسَّمُوم والحَرُور - من الرِّيَاح يكونَانِ بِاللَّيْلِ والنَّهار وَقَالَ العجاج:
(ونسَجَتْ لوافِحُ الحَرُورِ ... )
مَا جَاءَ على فَعُول مِمَّا هُوَ صِفَة فِي أكثَر الْكَلَام واسمٌ فِي أقَلِّه
وَذَلِكَ جَنُوب وحَرُور وسَمُوم وقَبُول ودَبُور قَالَ سِيبَوَيْهٍ: لَو سَمَّيْت بشيءٍ مِنْهَا رجلا صَرَفْتَه لِأَنَّهَا صِفَات فِي أكثَر كلامٍ العرَب سمعناهم يَقُولون هَذِه رِيحٌ حَرُور وريحٌ سَمُوم وريحٌ جَنُوب سمعنَا ذَلِك من فُصَحاء الْعَرَب لَا يَعْرِفُون غيْرَه قَالَ الْأَعْشَى:
(لَهَا زَجَلٌ كحَفِيف الحَصَادِ ... صادَفَ باللَّيْلِ رِيحاً دِبُورا)
وتُجْعَل اسْما وَذَلِكَ قَلِيل قَالَ الشَّاعِر وَهُوَ رجل من باهِلَة:(5/101)
(حالَتْ وحالَ بِها وغَيَّر آيَهَا ... صَرْفُ البِلَى تَجْرِي بِهِ الرِّيحانِ)
(ريحُ الجَنُوب مَعَ الشَّمالِ وتارَةٌ ... رِهَمُ الربِيعِ وصائِبُ التَّهْتانِ)
ومنْ جعلهَا اسْما لم يَصْرِف شَيْئا مِنْهَا اسمَ رجُل وَصَارَت بِمَنْزِلَة الصُّعُود والهَبُوط والحَدُور والعَرَوض
(فُعُول) هِيَ قليلةٌ فِي غير المَصادر وَفِي المذَكَّر والمؤنَّث لم يَحْكِ سيبوه مِنْهَا إلاَّ سَدُوساً وَهُوَ ضَرْب من الأكسِية وأُتِيًّا - هُوَ مَسِيل الماءِ وروايةُ غَيره فيهمَا بِالْفَتْح وأمَّا مَا جَاءَ مِنْهُ للمؤنَّث فَقَوْلهم أرضٌ مُحُول وَيجوز أَن يكون هَذَا على إِرَادَة الْأَجْزَاء مِنْهَا كبَرْمةٍ أعْشار وَنَحْوه
(فَعَال) امرأةٌ عَضَاد - قصيرةٌ قَالَ:
(ثَنَتْ عُنُقاً لم تَثْنِها جَيْدرِيَّةٌ ... عَضَادٌ وَلَا مَكْنوزةُ اللحمِ ضَمْزَرُ)
الضَّمْزَر - الغَليظَةُ اللَّئيمةُ وامرأةٌ بَضَاض - كثيرةُ اللَّحْم تارَّةٌ فِي نَصاعة وَقيل - رَقِيقة الجِلْد ناعمةٌ بَيْضَاء كانتْ أَو أدْماءَ وامرأةٌ رَدَاحٌ - عظيمةُ العَجِيزة وكَتِيبة رَدَاح - مُلَمْلَمة كثِيرةُ الفُرْسان ودَوْحةٌ رَدَاح - عظيمةُ العَجُزِ - أَي الأَصْل وجَفْنة رَدَاح - عظيمةٌ وَامْرَأَة رَدَاح - ثقيلةُ العَجِيزة وَكَذَلِكَ ثَقال والثَّقال أَيْضا - اللازمةُ لمجْلِسها المتَرزِّنة فِيهِ وَكَذَلِكَ رَزَانٌ وَامْرَأَة حَصَانٌ - عَفِيفةٌ ونَوَارٌ - نَفُور من الرِّيبة وعَوَانٌ - قد كَانَ لَهَا زَوْج وَمِنْه حَرْبٌ عَوَانٌ - أَي قد قُوتِل فِيهَا مَرِّة وذَرَاع - خفيفةُ اليديْنِ بالغَزْل وصَنَاعٌ - صانِعةٌ وجَوَاد - مِعْطَاء وَجَمادٌ - مُمْسِكة وكَهَامٌ - كَلِيلةٌ وجَبَانٌ بمنْزلة الجَبان من الرِّجال وَقد قيل جَبَانة ورَوَاد - طَوَّافةٌ فِي بُيُوت جاراتِها ووَقَاح - صُلْبةُ الوجْه ولَكاعٌ - حمقاءُ وفَرَس وَسَاع - واسعةُ الخَطْو وناقةٌ بَهَاء - تَستَأْنِس إِلَى الحالِب ونَخْلة عَوَانٌ - طويلةٌ أزْديَّة وفَرَسٌ لَبَاثٌ - بطِيئةٌ وأرضٌ جَهَاد - غليظةٌ وجَمَاد - لم تُمْطَر وسنَةٌ جَمَاد - لَا تُمْطِر وأرضٌ حَشَاد - تَسِيل من أدْنَى مَطَرٍ وزَهَاد - يُرْوِيها القليلُ من المَطَرِ وتَمْرَعُ عَلَيْهِ وعَزَاز ورغَابٌ وشَحَاح - لَا تَسِيل إِلَّا من مَطَرٍ كثير وبَسَاط - مُستَوِيَة وبَرَاحٌ - ليَّنة واسِعةٌ ووَخَام - لَا يَنْجع كَلأُها ومَوَات - لم تُعْتَمر وليلةٌ عَمَاس - شديدةُ الظٌّلْمة وحَرْب عَقَامٌ - شديدةٌ وعَقَبة جَوَاد - سريعة وكلُّ هَذَا تحقيرُه بِغَيْر هَاء وَأما تكسيره فَإِن سِيبَوَيْهٍ قَالَ: وأمّا فَعَال فبمنزلة فَعُول وَذَلِكَ قَوْلك صَنَاعَ وصُنُع وجَمَاد وجُمُد كَمَا قَالُوا صَبُور وصُبُر قَالَ: ومثلُه من بَناتِ الْيَاء وَالْوَاو نَوَار ونُوْر وَلم يأتِ لبنَات الياءِ بمِثالٍ لِأَن إحْداهما تَغْنِي عَن الأُخْرَى وهما كالحيِّز الْوَاحِد قَالَ: وَتقول رجل جَبَان وَقوم جُبَنَاءُ شبَّهوه بفَعِيل لِأَنَّهُ مثله فِي الصِّفة والزِّنة والزِّيادَة يُرِيد أَن جَباناً صفةٌ كَمَا أَن ظَريفاً صفةٌ وحرْف اللين ساكِنٌ فيهمَا وَهُوَ الْألف فِي جَبَانٍ وَالْيَاء فِي ظَرِيف وهما زائدتان فيهمَا فَجعل جُبَناءَ مثل ظُرَفاء وَقَالَ غَيره: يُقَال امْرَأَة جَبَان وجَبَانة وَالْجمع جُبَناءُ وَقد جَاءَ فِي شعر هُذَيل أجْبانٌ وللنحويِّين من غير القُدَماء بَاب فِيمَا شذَّ من الْجمع فِي الشّعْر قد عمله أَبُو عَليّ الْفَارِسِي وَأَبُو سَعيد السيرافي وَلَيْسَ من غَرَض هَذَا الْكتاب
(فِعَال) امْرَأَة شِنَاط - مكتَنِزة اللحمِ وضِنَاكٌ - مثله وَقد يكون فِي الإبِل والشَّجَر والنَّخْل ولِكَاك - كَذَلِك وَقد تكون فِي الإبِل والرَّجال وحِجَامٌ - واسعةُ الهَنِ ومِشَانٌ - سليطة مُشاتِمةٌ وإزاءُ مالٍ - تُحْسِن رِعْيته وناقةٌ كَنَاز - عَظِيمَة مكتَنِزةُ اللَّحْم وَكَذَلِكَ البعيرُ وناقةٌ سَنَاد - شديدةٌ ضامِرَة وَقيل - هِيَ الطويلةُ السَّنام وَقيل - هِيَ القلِيلةُ لَحْم الظّهْر وناقةٌ نِيَاف - طويلةُ السَّنَام وحِضَار - بيضاءُ وخِيَار وهِجَان - كريمةٌ وقِذَاف ومِزَاق وشِمَال ودلاتٌ - كلُّه سرِيعةٌ ماضِيَةٌ وَقد يُقَال جَمل دِلاَث وناقة جِرَاض - لطيفةٌ بِوَلَدِهَا وفِرَاغ - واسعةُ جِرابِ الضَّرْع صَفِيٌّ وَقيل - هِيَ الَّتِي بِغَيْر سِمَةٍ وقَوْس فِرَاغ - بِغَيْر وَتَر وَقيل - بِغَيْر سَهْم وبَقرة لِهَاق - بَيْضاءُ شديدةُ البَيَاض(5/102)
ودابَّة جِماع - تصْلُح للسَّرْج والإكَاف وقِدْر جِمَاع - عظيمةٌ تجمَع الجَزُور ودِرْعٌ دِخَاس - مُتقاربة الحَلَق ودِلاَص - ليِّنة واسعةٌ وتصغيرُ هَذَا كلِّه بِغَيْر هَاء لِلمُجاوَزة وأمّا تَكْسيرُه فإنّ سِيبَوَيْهٍ قَالَ فِعَال فبمنْزلة فُعَال أَلا تَرى أَنَّك تَقول نَاقَة كِنَاز وجَمَل كَنَاز وَيَقُولُونَ كُنُز يَعْنِي للْجَمِيع وَقَالُوا رجُل لِكَاك وامرأةٌ لِكَاك وَجمعه لُكُك وجمل دِلاَث وَالْجمع دُلُث قَالَ: وَزعم الخليلُ أَن قَوْلهم هِجَان للْجَمَاعَة بِمَنْزِلَة ظِرَاف وكسَّروا عَلَيْهِ فِعَالاً فوافَق فَعِيلاً هَاهُنَا كَمَا وَافقه فِي الأسماءِ وَأَنا أُحَبِّر هَذَا الفصلَ وأكْشِفُ عَن سَرِّه بِمَا يحضُرني من شرح الشَّيْخَيْنِ الفارسيِّ والسيرافيِّ قَالَا: أعلم أَن هِجَاناً يُستَعْمل للجمْع والواحِد وَفِيه مَذْهبان ذكر سِيبَوَيْهٍ أحدَهما دونَ الآخَر فَأَما الأوَّلُ مِنْهُمَا فَهُوَ الَّذِي ذكره سِيبَوَيْهٍ أَنه يُقَال هَذَا هِجَانٌ وهذانِ هِجانَانِ وهؤُلاء هِجَانٌ وَذَلِكَ أنَّ هِجاناً الواحدَ هُوَ فِعَال وفِعَال يَجْرِي مَجْرَى فعِيل فَمن حيثُ جَازَ أَن يُجمَعَ فَعِيل على فِعَال جَازَ أَن يُجْمَع فِعَال على فِعَال لِاسْتِوَاء فَعِيل وفِعَال وأماَّ الْمَذْهَب الآخَرُ فَيُقَال هَذَا هِجَانٌ وهذانِ هِجانٌ وهؤُلاءِ هِجانٌ فيستوي الواحدُ والتثنيةُ والجمعُ فيَجْرِي مَجْرَى المصدَر وَلم يذكرهُ سيبوه وَقد ذكره الجَرْمِيُّ قَالَ: وَزعم أَبُو الخَطَّاب أَنهم يجعَلُون الشِّمال جَمْعاً وَقَالُوا شَمائِلُ كَمَا قَالُوا هَجائِنُ والشِّمَال - الخُلُق وَقد قَالُوا فِي قَول الأسْوَد بنِ عبد يَغُوثَ:
(ألم تَعْلَما أنَّ المَلامة نَفْعُها ... قلِيلٌ وَمَا لَوْمِي أخِي من شِمَالِيَا)
قَالُوا شِمَال هاهُنا جمْع وَهُوَ بِمَنْزِلَة هِجَانٍ جَمْعاً وَقَالُوا دِرْعٌ دِلاَصٌ وأدْرُع دِلاَصٌ وفيهَا مَا فِي هِجَان من المذهَبيْنِ وَقَالُوا جَوَاد وجِيَاد للْجمع أَن جَوَاداً مشَبَّه بفعِيل فَصَارَ بِمَنْزِلَة قَوْلك طَوِيل وطِوَال واستعملُوه بالياءِ دُونَ الواوِ كَمَا قَالَ بَعضهم طِيَال فِي طِوَال ويدُلُّك على أَن دِلاَصاً وهِجاناً جمعٌ لدِلاَص وهِجَان وَأَنه كجَوادٍ وجِيَاد وَلَيْسَ كجُنُب قولُهم هِجَانانِ ودِلاَصانِ والتثنِيةُ فِي هَذَا النحوِ دليلٌ قَالَ أَبُو سعيد: قد ظهر من مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ أَن دِلاَصاً وهِجَاناً إِذا كَانَ للْجمع فَهُوَ مكَسَّر جمع لدِلاَص وهِجَان إِذا كَانَ للْوَاحِد وَأَنه لَيْسَ فِيهِ مَذْهَب(5/103)
غيرُ ذَلِك وشَبَّهه بجَوَاد وجِيَاد ليَكْشِفَ الواحدَ لِأَن جَوَاداً الَّذِي هُوَ الواحِدُ لفظُه خِلافُ لفظِ جِيَاد الَّذِي هُوَ جمعٌ فَقَالَ هِجَانٌ الَّذِي هُوَ جمْع بمنْزِلة جِياَد وهِجانٌ الَّذِي هُوَ واحدٌ بِمَنْزِلَة جَوَاد وَإِن اتّفق لفظُهما وَاسْتدلَّ على صِحَّة قولهِ بالتثنِية حِين قَالُوا دِلاَصانِ وهِجانانِ وَلَو كَانَ على مذْهَب المصدَر الَّذِي تَستَوي فِيهِ التثنيةُ وَالْجمع لَكَانَ لَا يُثَنَّى وجُنُب على مذْهَبه لَا يثَنِّى لِأَنَّهُ عِنْده مصدَرٌ ففُصِل بَينهمَا وَقد تقدَّم القولُ فِي جُنُب وَمَا ذكرتُ فِيهِ من التثنيَة وَالْجمع وَقَالُوا كأسٌ دِقَاق وأكْؤُس دِهَاق وُصِفَ بالمصدَر الموضُوع مَوْضعَ إدْهاق وَقد كَانَ يجوز أَن يكُونَ من بَاب هِجَانٍ ودَلاَص إِلَّا أَنا لم نسْمَع كأسانِ دِهَاقانِ وَإِنَّمَا حمَلَ سِيبَوَيْهٍ أَن يجعَل دِلاَصاً وهِجَاناُ فِي حَدِّ الجمْع تكسيراً لهِجَانٍ ودِلاَص فِي حَدِّ الإفْراد قولهُم هِجَانانِ ودِلاَصانِ وَلَوْلَا ذَلِك لحمله على بابِ رِضّى لِأَنَّهُ أَكثر فافهمه
(فُعَال) ناقةٌ كُبَاس - عظيمةُ الرَّأْس ورُوَاع - حديدةُ الفُؤَاد وقوْسٌ جُدَالٌ - إِذا حُدِرت إحْدَ سِيَتَيْها ورُفِعَت الأُخْرَى وخمرٌ سُخَام وسُخَامِيَّة - لَيِّنة سَلِسةٌ قَالَ الْأَصْمَعِي: لَا أَدْرِي إِلَى أيِّ شيءٍ نُسِبتْ وَقَالَ أحمدُ بنُ يحيَى: هُوَ من الْمَنْسُوب إِلَى نَفْسه ومُدْية حُدَاد وحُسَام وهُذَاذ وجُرَاز وهُذَام - قاطعةٌ وَقد يُقَال هُذَامة قَالَ الشَّاعِر:
(وَيْلٌ لأَذُوادِ بَنِي نَعامه ... مِنْك وَمن مُدْيتِكَ الهُذَامه)
وحَرْب عُقَام - شديدةٌ
(فَعِيل) اعْلَم أَن فَعِيلاً إِذا كَانَ للفاعِل دخَلتِ الهاءُ فِي مؤَنَّثه وَإِذا كَانَ للْفَاعِل فَهُوَ مَبْنِيّ على الْمَاضِي والمستقبَل تَقول من ذَلِك رجلٌ كريمٌ وَامْرَأَة كريمةٌ وظَرِيف وظَرِيفةٌ وتدخُل الهاءُ فِي كريمةٍ وظَرِيفةٍ لِأَنَّهُمَا مبنيَّان على كَرُمت فَهِيَ كَرِيمة وظَرُفتْ فَهِيَ ظَرِيفة فتدخلُ الْهَاء فِيهِ إِذا كَانَ مبنيًّا على الْمَاضِي والآتِي كَمَا تدخُل فِي قَوْلك امرأةٌ قائمةٌ وجالِسَةٌ إِذا كَانَا مبنيَّيْنِ على قَوْلك قامتْ تقوم فَهِيَ قائمةٌ وجَلَست تَجْلِس فَهِيَ جالسة وَإِذا كَانَ فَعِيل بِمَعْنى مَفْعول لم تدخُل الهاءُ فِي مؤنَّثه كَقَوْلِنَا عيْن كَحِيل وكَفٌّ خَضِيب ولِحْيَةٌ دَهِين قُصِرتْ من مَفْعول إِلَى فَعيل فأُلْزم التذكيرَ فَرْقاً بَين مَاله الفِعْل وبيْنَ مَا الفِعْل واقعٌ عَلَيْهِ وَكَانَ الَّذِي هُوَ فاعلٌ أوْلَى بثُبوت الهاءِ فِيهِ لِأَنَّهُ مبنِيٌّ على الفِعْل وَالَّذِي هُوَ مفْعولٌ أوْلَى بالتذكير لِأَنَّهُ مَعْدُول عَن بِناء الفِعْل فَإِن وجدت نفْتاً من بَاب فَعيل ظاهرِاً قد دخلتْه الهاءُ فَهُوَ من إِخْرَاج بيانِ التأنيثِ والاستِيثاقِ مِنْهُ كَمَا قَالُوا فَرَسة وعَجُوزة فَإِذا ألقَيْت الاسمَ المؤنَّث أدخلتَ الهاءَ فِي النَّعْت فقلتَ مررْت بقَتِيلة وَذَلِكَ إِذا أضَفْتها قلت قَتِيلةُ بَنِي فُلانٍ فَيُدْخِلُون الْهَاء ليُعْلِمُوا أَنه نعتٌ مؤنَّثٍ إِذا لم يكنْ قبلَه مَا يَدُلُّ على أَنه مؤَنَّث وَإِن أضفْته إِلَى الجنْس فبمنزلته مَعَ الموصُوف لِأَنَّك قد بَينْت التَّأْنِيث كَقَوْلِك رَأَيْت كَسِيراً من النِّساء وقَتِيلاُ مِنْهُنَّ فَهَذَا فَصْل قَصدتُ فِيهِ الإيجازَ والاختِصارَ والتقريبَ على المتَعَلِّم ليعْنَى بهَا ويَرْتاضَ وَأما أُمِلٌّ فِيهِ ذَلِك من كَلَامهم أَعنِي سِيبَوَيْهٍ وأباَ عَليّ الْفَارِسِي وأبَا سعيد السيرافي مَا يوضِحُه لَك أشدّ الإيضاحِ ويَقِفُك مِنْهُ على الجَلِيَّة إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَإِنَّهُ من أغمض فُصُول هَذَا الْكتاب وأحْوَجِها إِلَى إنْعام النظرَ وإجَادة التصَفُّح إِذْ هُوَ أصل عظيمُ الغَناء فِي التَّذْكِير والتأنيث قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَأما فَعِيل إِذا كَانَ فِي معنى مفعول فَهُوَ فِي المذَكَّر والمؤنَّث سواءٌ وَهُوَ بمنْزلة فعُول وَلَا تجمَعُه بِالْوَاو والنُّون كَمَا لَا تجمَع فَعُولاً لِأَن قِصَّته كقِصَّته وَإِذا كسَّرته كَسَّرتَه على فَعْلَى وَذَلِكَ قَوْلك قَتِيل وقَتْلى وجَرِيح وجَرْحَى [ ... ] أَو غَيره اعْلَم أَن فَعِيلاً إِذا كَانَ فِي مَعْنَى مفعُول لم تدخُلْه الهاءُ(5/104)
فِي الْمُؤَنَّث كَمَا لَا تَدْخُلُ فِي فَعُولٍ وَلَا يُجْمَعُ بالواوِ والنونِ لأَنهم لَو جَمعُوه بِالْوَاو والنونِ لوجبَ أَن يُجمعَ المؤنثُ بِالْألف وَالتَّاء فَيقالُ قَتِيلونَ وقَتِيلاتٌ فينفَصِلُ الجمعُ المذكرُ من المؤنثِ فكرهُوا فَصْلَ مَا بَينهمَا فِي الْجمع وَقد اتفقَا فِي الواحدِ وَهَذِه العِلَّةُ تَجري فِي كُلِّ مَا كانَ البابُ فِيهِ أَنْ يتَّفِقَ لَفظُ الْمُؤَنَّث والمذكَّر واسْتِواءُ لفظِ فَعِيلٍ وفَعُولٍ الَّذِي ذَكرهُ سِيبَوَيْهٍ إِنَّمَا هُوَ فِي حذفِ الْهَاء واستواءِ لفظِ المذكرِ والمؤنثِ فَأَما جَمعهُ على فَعْلَى فَلَيْسَ يُجمَعُ من ذَلِك على فَعْلَى إِلَّا مَا كَانَ من الآفاتِ والمَكَارِه الَّتِي يُصَابُ بهَا الحيُّ وَهُوَ غَيرُ مُرِيد حَتَّى صَار هذَا الجمعُ بغيرِ الَّذِي فِي معنَى مفْعولٍ إِذا شاركهُ فِي معنى الْمَكْرُوه كَهلْكَى وزَمْنَى وهَرْمَى قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وسَمِعْنَا من الْعَرَب مَنْ يقُولُ قُتَلاءُ يُشَبهُهُ بظَرِيفٍ وظُرَفاء وذكرَ سِيبَوَيْهٍ فِي غير هذَا الْموضع قَالَ أسِيرٌ وأُسَراءُ وَهُوَ بِمَعْنى مأسُورٍ وَتقول شاةٌ ذَبِيحٌ كَمَا تَقول ناقةٌ كَسِيرٌ وتقولُ هَذِه ذبيحةُ فُلانٍ وذَبِيحتُك وَذَلِكَ أَنَّك لم تُردْ أَن تَخْبِرَ أَنَّهَا قد رُمِيَتْ وَقَالُوا بِئْسَ الرِّميَّةُ الأرنبُ إِنَّمَا تُرِيد بِئس الشيءُ مِمَّا يُرمَى فَهَذِهِ بِمَنْزِلَة الذَّبيحة قَالَ: والمفَسّرُ أَبُو عَليّ أَو غَيْرُه اعْلَم أَنهم يُدْخِلون فِي فَعِيل الَّذِي بِمَعْنى مَفْعولِ الهاءَ على غير القَصْدِ إِلَى وُقوع الفِعل بِهِ وَوَقُوعهِ فِيهِ ومَذهبُهم فِي ذلكَ الإخبارُ عَن الشَّيءِ المتَّخَذِ لذَلِك الفِعلِ وَالَّذِي يَصْلُحُ لَهُ كَقَوْلِهِم ضَحِيَّة للذّكر وَالْأُنْثَى ويجوزُ أَن يُقالَ ذَلِك من قِبَل أَن يُضَحّى بِهِ وذَبيحةُ فُلان لما قد اتَّخذه للذَّبح وَقَوْلهمْ بِئْس الرَّمِيَّةُ الأرنبُ - أَي الشَّيء الَّذِي يُرمَى سَواءٌ رُمي أَو لم يُرْمَ قَالَ أَبُو سعيد السيرافي فِي كتاب الشَّرْح: لم أر أحدا علَّله فِي كتاب قَالَ: والعِلَّةُ فِيهِ عِنْدي أَن مَا قدْ حَصلَ فِيهِ الفِعلُ يُذْهَبُ بِهِ مَذهَبَ الأسماءِ وَمَا لم يَحصُلْ فِيهِ ذُهِب بِهِ مَذهبَ الفِعلِ لِأَنَّهُ كالفِعل المَستقبَلِ ألاَ تَرَى أَنَّك تَقولُ امرأةٌ حائضٌ فَإِذا قلتَ حائضةٌ غَداً لم يَصلُحْ فِيهِ غَيرُ الْهَاء وتَقُولُ زيدٌ مَيّتٌ - إِذا حَصَل فِيهِ الموتُ وَلَا تَقُلْ مائِتٌ فَإِذا أردتَ المسْتقبلَ قُلتَ زيدٌ مائتٌ غَدا فتَجعَلُ فاعِلاً جَارِيا على فعله وَذكر غَيْرُ سِيبَوَيْهٍ شاةٌ ذَبِيحٌ وغَنَمٌ ذَبْحَى فِيمَا قد ذُبِحَ وَفِي ضَحِيَّةِ أربعُ لُغَاتٍ يُقَال أُضْحِيَةٌ وإضْحِيَة وَالْجمع أضَاحِيُّ وَإِن شِئْت خَفَّفت فقلتَ أضاحٍ وضَحِيَّةٌ وضَحَايَا كَمَا تقولُ مَطِيَّةٌ ومَطَايَا وأضْحاةٌ وأضْحًى من بَاب الْجمع الَّذِي بَينه وَبَين واحِدهِ الهاءُ وَبِذَلِك سمي يومُ الأضُحَى - أَي يومُ هَذِه الذَّبائحِ قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَقَالُوا نَعجةٌ نَطِيحٌ وَيُقَال نَطيحةٌ شَبَّهوها بسَمينٍ وسَمينةٍ يَعْنِي شَبَّهوا نَطِيحةً وَهِي فِي معنى مفعولٍ بسَمِينةٍ وَهِي فِي معنى فاعلٍ والبابُ فِي المفعُولِ أنْ لَا تَلْحقَهُ الهاءُ قَالَ: وَأما الذَّبيحة فبمنزلة القَتُوبة والحَلُوبة وَإِنَّمَا تُريد هَذِه مِمَّا يُقْتِبون ويَحلُبُون فَيجوز أَن تقولَ قَتَوبةٌ وَلم تُقتَبْ وحَلُوبَةٌ وَلم تُحلَبْ ورَكُوبَةٌ وَلم تُرْكَبْ وَكَذَلِكَ فرَيسةُ الْأسد بِمَنْزِلَة الذَّبِيحة وَكَذَلِكَ أكيلةُ السَّبُع - يَعْنِي أَن هَذِه أشياءُ دخْلْتها الْهَاء لِأَنَّهَا مُتَّخَذةٌ لهَذِهِ الْمعَانِي وَإِن لم تقَعْ بهَا الفِعْلُ وَكَذَلِكَ أكيلةُ السَّبُع كأنَّها متَّخَذَةٌ للْأَكْل وَقَالُوا رجلٌ حَميدٌ وامرأةٌ حَميدةٍ شُبِّه بسَعِيدٍ وسَعِيدةٍ ورشيدٍ ورَشيدةٍ حَيْثُ كَانَا نحوَهما فِي الْمَعْنى واتَّفقَا فِي الْبناء كَمَا قَالُوا قُتَلاءُ وأُسَرَاءُ شَبُّهوهما بظُرَفاءَ بِعني أدخَلُوا الهاءَ فِي حَمِيدةٍ وَهِي فِي معنى مَحمودَةٍ لِأَن الحمدَ يشتَهيهِ المحمُودُ ويَجتَلِبُه فصارَ بِمَنْزِلَة مَا هُوَ فِعْلُهُ وشُبِّه بسَعيدةٍ ورَشيدةٍ لِأَنَّهُ يُقَال سَعِدَتْ ورَشِدَتْ وَأما من يقولُ سُعِدَتْ فَهِيَ سَعيدةٌ فَهُوَ بِمَنْزِلَة حَميدةٍ وَقَالُوا عَقيمٌ [وعُقُمٌ] شَبَّهوهُما بجَدِيدٍ وجُدُدٍ وعِقِيمٌ فَعِيلٌ بِمَعْنى مفعولةٍ لِأَنَّهُ [ ... ] وعَقِيمةٌ وعَقِيمٌ وَلَكِن شَبَّهوه بجديد وجُدُد وَهِي فِي معنى فَاعلٍ على مَا دلَّ عَلَيْهِ كَلَام سِيبَوَيْهٍ فِي هَذَا الموضِع وَفِيمَا قبله وَمثله نَذِيرٌ ونُذُرٌ وبعضُ النَّاس يَجعَلُ جَدِيداً فِي معنَى مفعولٍ ويتأوّل فِيهِ أَن مَعْنَاهُ قَريبُ عَهدٍ بالفراغ وقَطْعِه يُقال جُدَّ الشَّيءُ - إِذا قُطعَ وجَدَّ الحائكُ الثَّوبَ - إِذا قَطَعهُ واستدَلَّ أَيْضا على ذَلِك بِأَنَّهُ يُقَال مِلْحفةٌ جَديدٌ كَمَا يُقالُ امرأةٌ قَتِيلٌ المحَتَّج عَن سِيبَوَيْهٍ قد يَتَّفِقُ لَفظُ المذَكر والمؤَنثِ فِي(5/105)
الشَّيء الَّذِي يكونُ البابُ فِيهِ إدْخَالُ الهاءِ على المؤنثِ كَقَوْلِهِم للرجُلِ صَدِيقٌ وللمرأة صَديقٌ وَقَوْلهمْ مَيْت للرجُلِ والمرأةِ وَإِن كانَ البابُ فِيهِ مَيْتَةَ وَقَالُوا حزِينٌ أرَادُوا بِهِ المكانَ أَو أرَادُوا بِهِ البُقْعَة قَالَ: لَو قيل إِنَّهَا لم تَجيءْ على فُعِلَ كَمَا أنّ حَزِينٌ لم تَجِيءُ على حُزِنَ إِذْ كَانُوا يقولونَ رجُلٌ حزينٌ وامرأةٌ حزينةٌ وَقد حكى غيرُهُ عَقِمتْ وريح عقِيمٌ - لَا تُلْقح محمولةٌ على الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا وَكَذَلِكَ الحرْبُ وَقَالُوا الدُّنيا عَقيم - لَا تَرُدّ على صَاحبهَا خيرا قَالَ: ومثلُه فِي أَنه جاءَ على فِعْل لم يُستعمَلْ مَرِيٌّ ومَرِيَّةٌ والفعلُ مِنْهُ مَرَتْ تَمْرِي وَكَانَ حَقُّها مَرِيًّا مثل قَتِيل وَلكنهَا جَاءَت كأنّ الفعلَ لَهَا والمريُّ - النَّاقة الَّتِي تُمسَحُ لتَدِرَّ وَأما أَبُو عبيد فَجَعلَها بمعنَى فاعلٍ وَجَاء بِفِعْلهِ على غير بنائِهِ فَقَالَ وَقد أمْرَتْ فَهَذَا فَصْلٌ من التَّذْكِير والتأنيث جسيمُ الغَنَاءِ وَقد وقَفْتَ مِنْهُ على يَقين وثَلَجٍ فَإِذا صَغَّرتَ فَعِيلاً والموصوفُ ظاهرٌ حَذَفتَ الهاءَ فِي تصغيرها كَمَا حذفتها فِي التَّكْبِير فَقُلتَ خُضَيِّبٌ وكُحَيِّلٌ قَالَ الْفَارِسِي: والعِلَّةُ الَّتِي من أجْلِها حَذَفْتها فِي التَّحقير هِيَ العلَّةُ الَّتِي من أجْلها حَذَفْتها فِي التَّكْبِير فَإِذا أفرَدْتَ الْمُؤَنَّث أَو أضَفْتَه غير موصُوفٍ أثبتَّ الهاءَ فَقُلْت مررْتُ بِقُتَيِّلَةٍ وقُتَيِّلَةِ بني فلانٍ والعِلَّةُ الَّتِي من أجْلِها أثْبتَّ الهَاءَ فِي التَّحقيرِ هِيَ العلَّةُ الَّتِي من أجلهَا أثْبتَّها فِي التَّكْبِير وَإِذا كَانَ فعيلٌ بِمَعْنى فاعِلٍ كَانَ بِمَنْزِلَة طَالقٍ وحَائِضٍ فَمِن ذَلِك قَولُهم امرأةٌ خَرِيعٌ - ناعِمةٌ وقَطِيعٌ - تَنْقَطِعُ منْ البُهْرِ وخَلِيقٌ - حَسَنةُ الخُلُقِ وَقد خَلُقت ورَخِيمٌ - سَهْلَةُ المَنْطِقِ وَقد رَخْمتْ وخَرِيدٌ - حَيِيَّة وَقد قيل بالهاءِ والتخَرُّدُ - الحَياء وعَطِيفٌ - ذَلُولٌ مِطْوَاعٌ وزَهِيدٌ وقَتِينٌ - قَلِيلةُ الطَّعءم وَقد قَتُنَتْ قَتَانَةً وقَتَناً وَذكرهَا ابْن الْأَنْبَارِي فِي فَعِيل بِمَعْنى مفعولٍ والصَحيحُ مَا تقدّم بِدَلِيل قَتنَتْ وامراةٌ عَفِيرٌ - لَا تُهْدي لأحدٍ شَيْئا وأمضةٌ عَتِيقٌ - عَتَقَتْ من الرقِّ وَقد تكون بِمَعْنى مفعولة لِأَنَّهَا أُعتقَتْ وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّهَا بِمَعْنى فَاعلةٍ لِأَن مَا لَم يَجيءْ على الفعلِ مِمَّا صِيغَ للفاعلِ من هَذَا الضَّربِ أكثرُ مِمَّا صِيغَ للمفعولِ وامرَأةٌ بَغِيٌّ - فاجرةٌ وَقد بَغَتْ تَبْغِي ولحية خَلِيسٌ - إِذا اختلَطَ لونُ شَعَرِها ببياضٍ وسَوادٍ ونَاقَةٌ سَدِيسٌ - إِذا ألقَتْ ثَنِيَّتَها فِي السَّادِس وَكَذَلِكَ الشَّاةُ والبقَرةُ وَالْجمع سُدُسٌ ونَاقَةٌ عِسِير - لم تَحْمِل سَنَتَها وَقد أعْسَرَتْ وَهِي أَيْضا - الَّتِي ترفع ذَنَبها إِذا عَدَتْ ونَاقَةٌ فَتِيقٌ - تَفْتَقُ فِي الخِصْب - أَي تَسْمَنُ وَقد فَتِقَتْ فَتَقاً ونَجِيبٌ - كريمةٌ وصَفِيٌّ - غَزيرَةٌ وَقد صَفُوتْ وَهِي من النَّخلِ المُوقِرُ وناقَةٌ بَكِيء - قَليلةُ اللَّبن وَكَذَلِكَ الشاةُ وَالْجمع بِكَاءٌ وَقد بَكُؤَتْ وَقد قَالُوا شَاة بَكِيئَةٌ ونَاقَةٌ دَهِين - كبكيء وَالْجمع دُهُنٌ وَقد دَهِنَتْ وَحكى الْفَارِسِي: شَاةٌ ضَرِيعٌ - عَظِيمةُ الضَّرع وَلَا أَدْرِي أَيْن ذكرهَا فَأَما أَبُو عبيد فَقَالَ شاةٌ ضَرِيعة - عظيمَةُ الضَّرع بالهاءِ وأتَانٌ وَدِيقٌ - مُرِيدَةٌ للفحل وَكَذَلِكَ كلُّ ذَات حافِرٍ ودَجَاجَةٌ وَدِيكٌ - ذَاتُ وَدَكٍ وقَوْسٌ رَهِيشٌ - يُصِيبُ وَتُرها طَائِفَها وَقد ارتَهَشَتْ وفَرِيجٌ - منفَرِجَة عَن الوتَر ودَلْو سَجيلٌ - ضَخْمة كَسجيلةٍ وغَرِيفٌ - كَثِيرَة الغَرْفِ من الماءِ وريح خَرِيق - شَدِيدَة وَقيل - هِيَ النُّكْبَاءُ تَختَرِق مَا مرّت بِهِ [ ... ] وصَبَّ عَلَيْهِ الله حُمَّى رَمِيْضاً - أَي نافضاً وَمِمَّا جَاءَ فِيهِ فَعِيلٌ بِمَعْنى مفعول قَولُهم طِفلةٌ فَطِيمٌ - مفطومةٌ وَامْرَأَة هَرِيتٌ وشَرِيمٌ وشَرِيقٌ - مُفْضاة وَأنكر بُنْدَارٌ الشَّريقَ وَهُوَ صَحِيح من الشَّرْق - وَهُوَ الشَّقُّ وَخَتِين - مَخْتونةٌ والأعْرَف فِي النِّسَاء الخَفْضُ ونَحِيضٌ - قَليلةُ اللَّحم وَقد نُحِضَت وبَهِيرٌ - تنقطعُ من البُهرِ وَقد بُهِرَتْ وسَتِيرٌ - حَيِيَّةٌ وَقد قيلَ بِالْهَاءِ وهَدْيٌّ - مَهْدِيَّةٌ إِلَى بَعْلها وَقد قيل بِالْهَاءِ وذَمِيمٌ - مذمومةٌ ولَعِينٌ - شَتِيمٌ وأمةٌ رَقِيق - مملوكةٌ قَالَ الْفَارِسِي: أمةٌ رقيقٌ وعبدٌ رقيقٌ ومرقوقٌ وَلَا فعل لَهُ وأمةٌ عَتِيقٌ - مُعْتَقَةٌ وَقد قيل بالهاءِ وَامْرَأَة جَلِيبٌ - مجلوبةٌ وأمةٌ سَبِيٌّ - مسبيَّةٌ وامرأةٌ نَزيفٌ - سَكْرَى وَأنْشد الْفَارِسِي:
(نَزِيفٌ إِذا قامَت لوجهٍ تمايَلتْ ... تُراشِي الفُؤادَ الرَّخْصَ إِلَّا تَخَترا)(5/106)
وامرأةٌ جَلِيدٌ - مجلودةٌ وَالْجمع جَلْدَى وجَلائَدُ وَقد قيل بِالْهَاءِ وسَجِينٌ - مسجونةٌ ووقيطٌ - مَصْرُوعةٌ ووئيدٌ - مَوْءُودةٌ وكَتيبةٌ خَصيفٌ - سَوْدَاءُ وفَرسٌ لَطيمٌ - بيضاءُ مَوضِع اللَّطْمة من الخدِّ وَلَا فِعْلَ لَه وصَنيعٌ - مصنُوعةٌ ودابَّةٌ ربيط - مربُوطةٌ وناقةٌ أريس أرسَتْ بِاللَّحْمِ - أَي رُميتْ بِهِ سِمَناً وأريسٌ كأريس وطَعِيمٌ - فِيهَا بعضُ الشَّحم يُقدَرُ على أكله وَكَذَلِكَ الشَّاةُ وناقةٌ لَحِيبٌ - إِذا ذَهَب لحمُ ظَهْرها من غَزَارتها وكُلُّ غَزيرةٍ لَا يِبْقى على ظَهرها لحمٌ ورَهِيش - قليلَةُ لَحمِ الظَّهر أُرَاهُ من قَوْلهم سَهمَّ رهيشٌ - أَي أثقَلَها فَوثَأ لحمَها وكَسِيرٌ - مكسُورةٌ وعَقيرٌ - معقُورةٌ وبَقِيرٌ - مبقُورَةُ البَطنِ وبَعِيجٌ - كبَقِيرٍ ونَحِيزٌ - منْخُوزةٌ وَقد قيل بالهاءِ وعَبيطٌ - منحُورةٌ من غير علَّةٍ وَكَذَلِكَ الشَّاةُ وَالْبَقَرَة ونهِيشٌ ونَهِيسٌ ولَسِعٌ - إِذا لَسَعَتْها الحيَّةُ وعَسِيرٌ - إِذا اغْتُصِبتْ فرُكِبَتْ وَلم تُرَضْ قبل ذَلِك قَالَ الْفَارِسِي: اعتَسرْتُ الناقةَ وعَبَّر عَنْهَا بذلك وَقد عبر أَبُو عبيد عَن العَسِير بلَفظِهِ فَقَالَ والعَسِيرُ - الَّتِي اعُتُسِرَتْ من الْإِبِل فَرُكِبتْ وَلم تُلَيَّنْ قبل ذَلِك وَقد تقدّم أَنَّهَا الَّتِي لم تَحْمِلْ عامَهضا ونَاقةٌ قَضِيبٌ - مُقْتَضَبَةٌ من الْإِبِل والاقتِضَابُ كالاعتسَارِ وشَرِيمٌ - قُطِع من أعلَى حَيائها شَيءٌ وَقد شَرَمْتُها ونَعجةٌ بَهِيمٌ - سَوداءُ لَا بَياضَ فِيهَا وكُلّ لونٍ لَا يخالِطُهُ غَيره بَهِيمٌ وذَبيحٌ - مَذبوحةٌ ونَطيحٌ - منطوحةٌ ووَقِيذٌ - مقتولةٌ بالخَشَبِ وسَلِيخٌ - مسلوخَةٌ ورَئيسٌ - مصابةُ الرَّأْس وعنز رَمِيٌّ - مَرْميَّةٌ وظبيةٌ هَمِيجٌ - لَهَا جُدَّتانِ على ظَهْرِها سِوَى لَونِها وَلَا يكونُ ذَلِك إِلَّا فِي الأدْم وَقيل - هِيَ الَّتِي هَزَلها الرِّضاعُ وَقيل - هِيَ الفَتِيَّةُ الحسَنَة الجِسم وهَمِيرٌ - حَسَنةُ الجسْم بَسْطَتُه وشَجرةٌ سَلِيبٌ - مسلُوبةُ الورقِ والأغصانِ وقَطِيلٌ - مقطوعةٌ وشَجرٌ قَطيلٌ قَالَ أَبُو ذُؤَيْب يصف قبراً:
(عَليهِ الصَّخْر والخَشَبُ القَطِيلُ ... )
وتَمْرةٌ حَمِيتٌ - حُلوةٌ وَقد قيلَ بالهاءِ ودِرعٌ دَرِيسٌ - خَلَقٌ وشَفْرةٌ حَديدٌ ورَمِيضٌ ووَقيعٌ - بِمَعْنى وَأَرْض مَطِيرٌ - ممطورةٌ ورَكيٌّ بَدِيٌّ وبديعٌ - حديثهُ الحفْر وضَرِيسٌ - مَطْويَّة بالحجَارَةِ وَقيل - هُوَ أَن يُسَدَّ مَا بَين خَصَاص طَيِّها بِحَجَر وبئر خَسِيفٌ - غَزيرةٌ وَهِي الَّتِي تُحَفَر فِي حِجَارَة فَلَا ينقطِعُ ماؤُها كَثْرَةً وَقد خَسَفْتُها وَمِنْه ناقةٌ خَسِيفٌ - أَي غَزِيرَةٌ وبئر نَزيعٌ - إِذا نُزِعَتْ دِلاؤُها بِالْأَيْدِي لقُربها وَالْجمع نُزُعٌ وبئر ذَمِيمٌ - قليلَةُ المَاء لِأَنَّهَا تُذَمُّ وَقيل - هِيَ الغزيرةُ فَهِيَ من الأضداد ونَزِيفٌ - قليلَةُ المَاء وبئر ضَغِيطٌ - إِلَى جَنبها بئرٌ حَمِئَةٌ فيَجرِ] من الحَمِئَةِ فِيهَا فَتحمَأ ويَنْتُنُ ماؤُها فَلَا يشرَبُه أحدٌ وقِدْر دَمِيمٌ - مَطْليةٌ بالطِّحالِ ونارٌ سَعيرٌ - مُوقَدَةٌ وَقد سَعَرتُها ومِلحفةٌ جدِيدٌ وَقيل جَديدةٌ وَقد قدّمتُها وأبنت أَنَّهَا فعيلٌ فِي معنى فاعلٍ من كَلَام سِيبَوَيْهٍ فِي الْفَصْل الَّذِي ذكر فِيهِ فعيلاً من بَاب تكسير الصّفة للْجمع فَأَما فِي بَاب مَا النَّاقة فلفظُه دالٌّ على أَن جَدِيدا فعيلٌ بِمَعْنى مفعولٍ أَولا تراهُ لما ذكر أَنه إِذا تقدّم خبرُ مَا على اسْمهَا لم يكن إِلَّا الرَّفعُ ثمَّ أنشدَ بيتَ الفرزدق:
(فأصبحُوا قدْ أعادَ اللهُ نِعمتَهم ... إِذْ هُمْ قُريشٌ وَإِذ مَا مِثْلُهُم بِشَرُ)
استقلَّهُ وَقَالَ هُوَ كَقَوْل بَعضِهم مِلْحفَة جَدِيدَة من القِلَّةِ فَلَو كانتْ جَديدٌ فِي معنَى فَاعل لم تُجعَلْ جَديدةٌ بِإِزَاءِ وَإِذا مَا مِثلُهُم بَشَر لِأَن البابَ فِي فعيل المؤنَّثِ إِذا كَانَ فِي معنَى فاعلٍ دُخُول الْهَاء كَمَا قدمتُ لكَ لي أوّلِ هَذَا البابِ قَالَ أَبُو حَاتِم: وَأنكر الْأَصْمَعِي جَدِيدَة فأُنْشِد قولَ مُزاحم العُقَيلي:
(تَراهَا على طُول القَواء جَديدةً ... وعَهدُ المَغَانِي بالحُلُولِ قَدِيمُ)(5/107)
فَقَالَ إِنَّمَا قَالَ جَديداً وَهُوَ بيتٌ مزاحَفٌ ووجهُ زحافه أَن يكونَ عَروضه فَعُولُن وَهُوَ شَاذ إِنَّمَا يكون فِي الضَّرْب وأنشدَ الخليلُ فِي نَظِيره:
(ألم تَرَ كَمْ بالجِزْع من مَلِكَاتٍ ... وَكم بالصعيدِ من هِجَانٍ مُؤَبَّلَهْ)
ومُلأَةٌ قِشَيب - جَدِيد وخَلَقٌ وَلَا أعْرِف الخَلَق والأوّلُ عَن ابْن الْأَعرَابِي ومِلْحَفَة لَبِيس - مَلْبُوسة ونَعْل سَمِيط - غيْرُ مَخْصوفةٍ - وَقيل الَّتِي لَا رُقْعةَ فِيهَا ويُقال هِنْدٌ قَرِيبٌ منِّي وَكَذَلِكَ الاثْنانِ والجميعُ فيُوَحَّد ويذكَّر لِأَن قَوْلك هِيَ قَرِيب منِّي مكانُها قَرِيب منِّي وبَعِيد كقَرِيب فِي الإفرادِ والتذْكيرِ وَقد يجوزُ قَرِيبة وبَعِيدة إِذا بنيتَها على الفِعْل وَإِذا أردْت قَرابَة النَّسَب وَلم تُرِد قُرْب المَكانِ ذَكَّرت مَعَ الْمُذكر وأنَّثت مَعَ الْمُؤَنَّث لَا غيْرُ فَأَما قَوْله تَعَالَى: {إنّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ من المُحْسِنينَ} [الْأَعْرَاف: 56] فَقيل ذُكِّر على معنَى الرُّحْم وَقيل على معنِي الفَضْلِ وَقَالَ الْأَخْفَش: هُوَ محمُول على معنى المَطَر فأمّا قولُنا قَرِيبةُ العَهْدِ بك وبَعِيدةُ العَهْدِ فبالهاء
(وَمِمَّا لَزِمتْه الهاءُ من الْأَسْمَاء الصَّرِيحةِ أَو الصِّفات الغالبةِ غَلَبةَ الأسماءِ)
يُقَال هُوَ رهِينةٌ فِي أيْدِيهم وبَعَثْنا رَبِيئَةً لنا وطَلِيعةً ولِي هَذَا الشيءُ عِنْده ودِيعةً والمَطِيَّة - مَا رَكِبْت أَو حَملْت عَلَيْهِ فامْتَطَيْت لَجَهازك من جَمَل أَو ناقةٍ وَفِي تسمِيَتهم الناقةَ مَطِيَّة قولانِ أَحدهمَا أَن تكونَ سُمِّيَت بذلك لما يُرْكَب مَطَاها - أَي ظَهْرُها والوقل الآخر أنْ تكون سمِّيت بذلك لِأَنَّهَا يُمْطَى بهَا فِي السيْرِ - أَي يُجَدُّ
(فَعْل) امرأةٌ مَعْص - خالصةُ البَياضِ وكَلُّ وقَرْن - شدِيدةٌ ورَهْوٌ - واسعةٌ وناقة خَبْر - غَزِيرة شُبِّهت بالخَبْر - وَهِي المَزَادة وَالْجمع خُبُوز وناقةٌ عَنْس - صُلْبة شديدةٌ وَلَا يُوصَف بِهِ الذكَر قَالَ الراجز:
(كَمْ قد حَسَرْنا من عَلاةَ عَنْسِ ... )
وناقة جَلْس - شدِيدةٌ قَالَ ابْن السّكيت: نُرضى أَنه من جَلْس نجْد وَقَالَ أَبُو عبيد: هِيَ الشديدةُ شُبِّهت(5/108)
بالشَجرة وناقةٌ رَهْب - مَهْزُولة أُراها من الرَّهْبِ - وَهُوَ السَّهْم الرِقيقُ وحَرْف - سَرِيعة وناقةٌ هَوْلُ الجَنَانِ - حديدَةٌ وشاةٌ لَغُو - إِذا لم يُعْتَدَّ بهَا فِي المعامَلةِ وخَشَبة قَعْص - معطُوفةٌ وقَوْس فَرْع - وَهِي الَّتِي تُعْمَل من رَأس القَضِيب وجَشْءٌ - مُرِنَّة خفيفةٌ وأرضٌ قَفْر وأَرضُونَ قَفْر وَقد يُقَال قَفْرةٌ وَالْجمع قِفَار - خالِيةٌ ومَفَازة فَسْح - واسِعةٌ وأرْضٌ يَبْس - قد يَبِس ماؤُها وكَلأُها وفَلُّ - جَدْبة وَقيل - هِيَ الَّتِي أخْطَأها المطرُ أعواماً وَقيل - هِيَ الَّتِي لم تُمْطَرْ بينَ أرْضَيْنِ ممطُورتيْنِ وَقيل - هِيَ الخَطِيطة وأرضٌ جَرْز كجُزُر ورَكيَّة ذَمٌّ - قليلةُ الماءِ وَقيل - كثِيرتُه وَقد يُقَال ذَمَّةٌ وذِمَام جمعُ ذَمَّة وَقَالَ ذُو الرمّة فِي الذَّمّة الَّتِي هِيَ القليلةُ الماءِ:
(على حمِيْرِيَّاتٍ كأنَّ عُيونَها ... ذِمَامُ رَكَايَا أنْكَزَتْها المَواتِحُ)
أنْكَزتْاه - أنْفَذتْ ماءَها وبِئْر سَكُّ - ضَيِّقة الخَرْق ودَبُور نَكْب - نَكْباءُ وسماءٌ جَوْد - غَزيرةٌ
(فِعْل) امرأةٌ بِكْر - للَّتِي وَلَدت وَاحِدًا وَقد يُقَال فِي الْإِبِل قَالَ أَبُو ذُؤَيب:
(مَطافِل أبْكارٍ حَدِيثٍ نِتَاجُها ... يُشَابُ بماءٍ مثل ماءِ المَفَاصِلِ)
وامرأةٌ زِيرٌ - تُلازِم الرَّجُلَ وَقَالَ بَعضهم: لَا يُوصَف بِهِ المؤنَّث وامرأةٌ هِلٌّ - مُتَفَضِّلةٌ فِي ثوبٍ واحدٍ وقِرْنٌ - شدِيدةٌ وناقةٌ بِكْر - إِذا حَمَلت بَطنا واحِداً وثِنْي - إِذا وَلَدت اثنيْنِ وَقيل - إِذا وَلَدَت وَاحِدًا فَأَما قولُ لَبِيد:
(لَيالِيَ تحْتَ الخِدْرِ ثِنْي مُصِيفةٌ ... من الأُدْم تَرْتادُ الشُّرُوجَ القَوَّابِلاَ)
فغنما وصَف امْرَأَة وناقةٌ ثِلْث - إِذا ولَدت ثَلاثةٌ وَلَا يُقَال رِبْع إِنَّمَا يُقَال أُمُّ رابعٍ وَكَذَلِكَ مَا زَاد وناقةٌ بِسْط - إِذا تُرِكتْ هِيَ وولَدها لَا تُمْنَع وَلَا تُعْطَف على غَيره قَالَ أَبُو النَّجْم:
(يَدْفَعُ عَنْهَا الجُوعَ كلَّ مَدْفَعِ ... خَمْسُونَ بِسْطاً فِي خَلاَيَا أرْبَعِ)
والجمعُ أبْساطٌ وبُسَاط وَهُوَ من الجمعِ العزِيزِ وناقةٌ طِلْحٌ - مُعْيِيَة ونِضْو ونِضْوةٌ ونِقْض ونِقْضةٌ - مَهْزُولةٌ وهِرْط - مُسِنَّة وبَقَرة بِكْر - إِذا لم تَحْمِلْ وَقيل - هِيَ الفِتِيَّة وسَحابةٌ بِكْر - غَزِيرةٌ وأرضٌ فِلٌّ - تُمْطَر وَلَا تُنْبِت وَقيل - هِيَ القَفْزة والجمعُ كالواحدِ ورِيحٌ صِرٌّ - باردةٌ وشَهْدة هِفٌّ - لَا عَسَل فِيهَا
(فُعْل) امرأةٌ رُؤْدٌ - ناعِمةٌ سَرِيعةٌ الشَّبابِ ونُكْرٌ - داهِيةٌ قَالَ سِيبَوَيْهٍ: مرَرْت على ناقةٍ عُبْر الهَوَاجِر - يَعْنِي أَنَّهَا تَعْبُر الهُواجِرَ - أَي تقْطَعُها وأرضٌ سيٌّ - مستَوِيَة أَصْلهَا سُوْيٌّ فَلَمَّا اجتَمعَتِ الواوُ والياءُ وسبقَتْ إِحْدَاهمَا بسُكُون قُلبت الْوَاو يَاء وأُدْغِمت فِي الْيَاء وكُسِر مَا قبْلَها لتَصِحَّ الياءُ وأرضٌ قيٌّ كَسِيّ فِي الوَزْنِ والإعْلال - وَهِي الَّتِي لَا أنِيسَ بهَا وغُفْل - لم تُمْطَر وجُرْزٌ كجُرُز وبئرٌ سُكٌّ - ضَيِّقة فَأَما السُّكُّ الَّذِي هُوَ جُحْر العَقْرب فمذكَّر
(فُعْل) امرأةٌ رُؤْدٌ - ناعِمةٌ سَرِيعةُ الشَّبابِ ونُكْرٌ - داهِيةٌ قَالَ سِيبَوَيْهٍ: مرَرْت على ناقةٍ عُبْر الهَوَاجِر - يَعْنِي أَنَّهَا تَعْبُر الهَواجِرَ - أَي تقْطَعُها وأرضٌ سيٌّ - مستَوِيَة أَصْلهَا سُوْيٌّ فلام اجتَمعَتِ الواوُ والياءُ وسبقَتْ إِحْدَاهمَا بسُكُون قُلبت الْوَاو يَاء وأُدْغِمت فِي الْيَاء وكُسِر مَا قبْلَها لتَصِحَّ الياءُ وأرضٌ قيُّ كَسِيّ فِي الوَزْنِ والإعْلال - وَهِي الَّتِي لَا أنِيسَ بهَا وغُفْل - لم تُمْطَر وجُرْزٌ كجُرُز وبئرٌ سُكٌّ - ضَيِّقة فَأَما السُّكُّ الَّذِي هُوَ جُحْر العَقْرب فمذكَّر
(فَعَلٌ) امْرَأَة نَصَفٌ - مُسِنَّة وناقة سَدَس كسَدِيس وَكَذَلِكَ الشَّاةُ وشاةٌ عَجَفٌ - مهزُولة وَأَرْض صَبَب كالهَبَط ويَبَسٌ - يابِسةٌ وَقيل - صُلْبة شدِيدةٌ وأرضٌ جَرَزَ كَجُرُز وزَلَق - مَزْلَقةٌ ومفازةٌ قَذَف - يَعْنِي بَعِيدَةً وبِئْر نَكَزٌ - قليلةُ المَاء ومِلْحفة شَفَق - رَدِيئَة
(فُعُل) امْرَأَة فُرُث - خَبيثة النَّفْس من الحَمْل وامرأةٌ نُزُر - قليلةُ الوَلَد ونُفُخٌ - ملأَتْها نَفخةُ الشَّبابِ ونُفُج الحَقِيبة - أَي عظِيمةُ العَجِيزةِ وخُبُث - خبثى وفُنُق - عظيمةٌ حَسْناءُ وفُتُقٌ - مُتفتِّقة بالْكلَام وَأنْشد لِابْنِ أحمرَ:(5/109)
(لَيْستْ بشَوْشاةِ الحَدِيثِ وَلَا ... فُتُقٍ مُغَالِبَةٍ على الأَمْرِ)
وامرأةٌ فَضُلٌ - مَتَفَضِّلأة فِي ثَوْبٍ واحدٍ وَكَذَلِكَ ثوْبٌ فُضُلٌ فأمّا مَا أنْشدهُ ابْن السّكيت:
(السَّالِك الثُّغْرةِ اليَقْظانِ كالِئُها ... مَشْيَ الهَلُوكِ عَلَيْهَا الخَيْعَلُ الفُضُلُ)
فَذهب قومٌ إِلَى أَنه وصْف للخَيْعَل وَذهب الفارسيُّ إِلَى أَنه على قَوْله:
(طَلَبَ المُعَقِّبِ حَقَّه المَظْلُومُ ... )
وامرأةٌ فُرُج ورجُل فُرُج ورِجالٌ أفْراج - إِذا كانُوا لَا يكْتُمُون سِرًّا قَالَ الشَّاعِر:
(حافِظ السِّرِّ لَا أبُوحُ بِهِ الدَّهْر ... إِذا مَا الأفْراجُ بالسِّرِّ باحُوا)
وامرأةٌ كُنُد - كَفُور للمُواصَلَةِ قَالَ الشَّاعِر:
(أحْدِثْ لَهَا تُحْدِثْ لوَصْلِك إنَّها ... كُنُدٌ لوَصْل الرَّائِدِ المُعْتادِ)
وامرأةٌ عُطُل - بِلَا حَلْيٍ وقَوْس عُطُل - بِلَا وَتَرٍ وفَرَس أُفُق - رائِعةٌ قَالَ:
(أُرَجِّلُ لِمَّتِي وأجُرُّ ثوْبِي ... وتَحْمِل بِزَّتِي أُفُقٌ كُمَيْتُ)
وفرسٌ فُرُط - سريعةٌ وغارةٌ دُلُقٌ - شَدِيدَة الدَّفْعة وناقةٌ أُجُد - مُوَثًّقة الخَلْق وفُنُقٌّ - فَتِيَّة لَحِيمة وَقد تقدم فِي النِّسَاء وسُرُح - سَهْلة السَّيْر وعُلُط - بِلَا خِطَام وطُلُق - بِلَا قَيْد وشَجَرة قُطُل - مَقْطوعةٌ وقَوْس فُرُج - مُنْفَجّضة عَن الوَتَر وفُرُغ - بِلَا وَتَر وَقيل - بِلَا سَهْم وأرضٌ جُرُز - جَدْبة تأكُلُ النَّباتَ أكْلاً مُشَبَّهة بقَوْلهمْ سَيْف جُرُز - إِذا كَانَ قَطَّاعاً ورجُل جُرُز - كثيرُ الأكْل وأرضٌ جُمُد ورُغُب وسُحُت - غليظةٌ ومَفَازة قُذُف - بعيدةٌ وَكَذَلِكَ نِيَّةٌ قُذُف وعَيْن حُشُد - لَا يَنْقَطِع ماؤُها وبِئر سُجُر - ممتَلِئة وسُدُم - مُنْدفِنَة وَالْجمع أسْدام ورَوْضة أُنُف - لم تُرْعَ وَلم تُوطأْ وقَصْعة أُنُف - لم يُؤْكَل مِنْهَا شيءٌ وكأسٌ أُنُف - مَلأَى وَقيل - لم يُشْرَب بهَا قَبْل ذَلِك وقارُورةٌ فُتُح - لَيْسَ فِيهَا صِمَام وَلَا غِلاَف ولَيْلة خُرُس - لَا يُسمَعَ فِيهَا صوتٌ قَالَ الشَّاعِر:
(فيا لَيْلةً خُرْس الدَّجاجِ طَوِيلةً ... ببَغْدانَ مَا كادَتْ عَن الصُّبْح تَنجَلِي)
خَفَّف على حَدِّ أُذُن فِي أُذُن وسَحابةٌ نُشُر - مُنْتَشرة وريَاح نُشُر - طَيِّبة وَهِي جمع نَشُور وَفِي التَّنْزِيل: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِل الرِّياحَ نُشُراً بيْنَ يَدَي رَحمته} [الْأَعْرَاف: 57] وَقد بالَغت فِي تَعْلِيل هَذَا فِي بَاب الرِّياح ومِشْية سُجُجٌ ونَعْل سُمُط - لَا رُقْعةَ فِيهَا وجَرَت الطيْرُ سُنُحاً - أَي مَيَامِينَ قَالَ أَبُو عَليّ: والغالبُ على ظَنِّي أَن سُنُحاً جمع فَأَما قَوْلهم افْعَل ذَلِك إمَّا هَلَكْت هُلُكُ - أَي على مَا خَيَّلْتَ فَلَيْسَ من هَذَا الْبَاب لِأَنَّهُ اسمٌ والعامَّة تقولُ إِن هَلَك الهُلُك
(فِعِلٌ) امرأةق بِلِزٌ كبِلِزِّ
(فِعَلٌّ) نَاقَة دِرَفْس - سهلَة السَّيْر
(فَيْعَلٌ) امرأةٌ غَيْلَمٌ - حَسْناءُ قَالَ الهُذْلي:
(تُنِيفُ إِلَى صَوْتِهِ الغَيْلَمُ ... )
والغَيْلَمُ أَيْضا - الواسعةُ الجَهاز وَهِي الفَيْلَمُ وَكَذَلِكَ الْبِئْر وَامْرَأَة عَيْطَلٌ - طويلةُ العُنُق فِي حُسْن جِسْم(5/110)
وكلُّ مَا طالَ عُنُقة من الْبَهَائِم عَيْطَلٌ وَامْرَأَة جَيْحَل - غليظةُ الخَلْق وهَيْنَغ - مُغَازِلَة ضَحُوك وفَيْلَقٌ - داهيَة صَخَّابة وكَتِيبة فَيْلَقٌ - شديدةٌ قَالَ أَبُو عبيد: هِيَ اسْم للكَتِيبة وَقيل - هِيَ الكثيرةُ السِّلاح وناقة مَيْلَع - سَرِيعة وناقة خَيْفَق - طَويلةُ القَوائِمِ مَعَ إخطافٍ وَقد يكون للمذكر والتأنيثُ أغلبُ وَقيل - هِيَ السريعةُ ورِيح خَيْفَق - سريعةٌ وَأَرْض خَيْفٌَ - وَاسِعَة يَخْفِق فِيهَا السَّرابُ ومَفَازة فَيْهَقٌ - واسعةٌ وصَفَاة جَيْهلٌ - عظِيمة وصَخْرة صَيْهَب - صُلْبة وجَيْحَلٌ - عظيمةٌ مَلْساءُ وهَضْبة عَيْطل - طويلةٌ وَقد قيل عَيْطَلة وبِئْر عَيْلَم - كثيرةُ الماءِ وَقيل - مِلْحة وَقيل - هِيَ الواسِعةُ ورِيحٌ سَيْهَجٌ - شديدةٌ وَقد قيل سَيْهَجة ورِيحٌ سَيْهَك - تَسْحق التُّراب عَن وجْهِ الأَرْض وطَعْنةٌ فَيْصَلٌ - كَأَنَّهُمْ يُرِيدُون طَعنة رُمْح فَيْصَل يَفْصِل بَين القِرْنَين بطُوله وحُكُومةٌ فَيْصلٌ - تَفْصِل بينَ الحقِّ والباطِلِ وقِرْبةٌ عَيَّنٌ - تَهَيَّأتْمنها مَوَاضِع للتَّثقُّب والأكْثَر عَيِّن بالكَسْر لِأَن فَيْعَلاً من خَواصِّ الصحِيح وفَيْعِل من خَواصِّ المعتَلِّ وَلَا نظيرَ لِقرْبةٍ عَيِّنٍ فِي النُّعوت ونظيرُه من الْأَسْمَاء ضَيْوَن إِلَّا أَنه خَرَج على الأَصْل نَادرا وزَعم الفارسيُّ أَن بيْت رُؤْبة ينشَدُ على وَجْهَيْن:
(مَا بالُ عَيْنِي كالشَّعِيب العَيَّنِ ... )
(فَيْعِلٌ) امرأةٌ أيِّم - لَا زَوْجَ وناقة رَيِّض - وَهِي الصَّعْبة قَالَ الرَّاعِي:
(فكأنَّ رَيِّضَها إِذا عارَضْتَها ... كانتْ مُعاوِدةَ الرِّكاب ذَلُولا)
وبَلْدةٌ مَيِّت - مَواتٌ وَفِي التَّنْزِيل: {فأحيَيْنا بِهِ بَلْدةً مَيِّتاً} [فاطر: 9] وَلم يقُولوا بَلْدة مَيِّت إِنَّمَا تسْقُط مِنْهَا الهاءُ فِي التخفيفِ وبِئْر نَيِّط - يَجْرِي ماؤُها مُعَلَّقاً ينْحَدِر من أجْوَالها إِلَى مَجَمِّها ورَكِيَّة مَيِّهٌ - كثِيرةُ الماءِ حَكَاهُ الفارسيُّ وَأما أَبُو عبيد فَقَالَ مَيِّهةٌ بِالْهَاءِ
(فَيْعالٌ) نادِرةٌ ناقةٌ عَيْهال - سريعةٌ
(فِيعَال) نادرةٌ ناقةٌ مِيْلاَع من المَلْع - وَهِي السَّرِيعةُ
(فَيْعُول) عَجُوز عَيْصُوم - أكُول حَكَاهُ يَعْقُوب وَأنْشد فِي أَبْوَاب النِّسَاء عَيْضُوم بالضاد قَالَ ابْن كَنيسَانَ: كَذَا وجَدْناه فِي هَذَا الْموضع من الْكتاب بالضاد قَالَ: والأُولى أصَحُّ وفَرس قَيْدود - طوِيلةُ العُنُق فِي انْحِناءٍ وَلَا يُوصَف بِهِ المذكَّر وَكَذَلِكَ الناقةُ والأتانُ وناقةٌ عَيْثُوم - كثيرةُ اللحْم والوبَرِ فأمّا العَيْثُوم الَّذِي هُوَ الفِيلُ أَو الضَّبُع فأسماءٌ وناقةٌ عَيْهُول كعَيْهال وعَيْهُومٌ - ماضِيَةٌ ولُمْعةٌ كَيْسوم - كثيرةٌ مُلْتَفَّة ورِيحٌ سَيْهُوك كَسَيْهَك وسَيْهُوج - دائمةٌ شدِيدةٌ وَلَيْلَة دَيْجُور - مُظْلِمة
(يَفْعُولٌ) عُنُق يَمُخُورٌ - طوِيلةٌ
(فَعْوَلٌ) امرأةٌ قَشْور - لَا تَحِيض ورِيحٌ سَهْوَق - تَنْسجُ العَجاجَ
(فِعْوالٌ) امرأةٌ شِرْواطٌ - طويلةٌ متَشَذّبة قليلةُ اللَّحم دقِيقةٌ وَكَذَلِكَ الناقةُ وناقة قِرْواح - طويلةُ القَوائِم ونخلةٌ قِرْواحٌ - مَلْساءُ طويلةٌ
(فَوْعَل) امرأةٌ عَوْكلٌ - حَمْقاءُ وكَتِيبة دَوْسَر - مجتَمِعة وناقةٌ دَوْسَر - ضَخْمة وعَوْزَم - مُسِنَّة وشَوْدَح - طويلةٌ وهَوْجَل - كأنّ بهَا هَوَجاً من سُرْعتها ومَفَازةٌ هَوْجَل - بَعيدةٌ تَأْخُذ مَرَّةً كَذَا ومَرَّة كَذَا ليستْ بهَا أعْلام وَهُوَ مِنْهُ وناقةٌ عَوْهج - فَتِيَّة وظَبْبية عَوْهَج - حسنَةُ اللَّوْنِ طوِيلةُ العُنُق وَقيل - هِيَ الَّتِي فِي حَقْوَيها خُطَّتان سَوْداوانِ وَقد يُوصَف الغَزال بالعَوْهَج(5/111)
(فَنْعَل) امرأةٌ حَنْبشٌ - كثيرةُ الحَرَكة وامرأةٌ عَنْفَك - وَهُوَ عَيْب وناقةٌ عَنْدَل - عظيمةُ الرأسِ وعَنْسَل - سَرِيعةٌ
(فِنْعِل) امرأةِ خِنْجِل - جَسِيمةٌ صَخَّابة وخِنْبِقٌ - رَعْناءُ وَرْهاءُ
(فُنْعُلٌ) امْرَأَة خُنْبُج - مكتَنِزة ضَخْمة وهَضْبة خُنْبُج - عظيمةٌ وَامْرَأَة هُنْبُغٌ - فاجرةٌ وأتانٌ قُنْفُجٌ - قَصِيرة عَرِيضةٌ
(فِنْعالٌ) نَاقَة قِنْعاس - عظيمةٌ طويلةٌ سَنِمةٌ
(فِنْعِيل) عَجُوز خُنْظِير - مُسْتَرْخِيةُ الجُفُون ولَحْم الوَجْه وسَحابة خِنْطِيل - متَقَدّمة (فِنْعُول) امْرَأَة حُنْطُوب - رَدِيئة الخُبْر
(أفْعالٌ) وَهُوَ صِفةٌ للْوَاحِد والجمِيع من المؤنَّث وَهُوَ عَزِيز كَمَا أَن فُعُولاً فِي غيرِ الواحِد من المَصادِر عزِيز أرضٌ أجْرازٌ - لَا تُنْبِتُ شَيْئاً وبِئْر أنْشاطٌ - لَا تَخْرُج مِنْهَا الدَّلْو حَتَّى تُنْشَط كثِيراً وقِدْر أكْسارٌ وأعْشارٌ وآرابٌ - متكَسِّرة وجُبَّة أخْلاقٌ وأسْمالٌ وَكَذَلِكَ الثَّوْب وسَراوِيلُ أسْماطٌ - غيْرُ محشُوة ونَعْلٌ أسماطٌ - لَا رُقْعة فِيهَا
(إفْعالٌ) وَهِي عِندْ سِيبَوَيْهٍ صِفةٌ تغلِبُ على المصدَر وَلم يَذْكُر مِنْهُ اسْما إِلَّا الإسْنام - وَهُوَ ضَرْب من الشَّجَر وَأما الإسْكافِ الصانِعُ لَهو عجمِيٌّ وإمّا إسوارٌ من أسَاورة الفُرْس فَهُوَ عِنْد أبي عليٍّ فِعْوال وَأما إسْوارُ اليَدِ فَهُوَ عِنْده عَن قطرب لَا غيْرُ وَقَالَ إِنَّه فِعْوال واحتَجَّ مَا قد تقَدَّم ذكْرُه فِي بَاب الحُلِيِّ فَأَما غيْرُ هَؤُلَاءِ فَحكى بِئر إنْشاط بِالْكَسْرِ وَهِي كأنْشاط والأعْرَف بِالْفَتْح وَكَذَلِكَ مَا حَكَاهُ أَبُو عبيد
(إفْعِيل) أرْض إمْلِيسٌ - مَلْساءُ وسَنَة إمْلِيس - جَدْبة
(تِفْعال) نَاقَة تَضْراب - مضْروبة
(أُفْعُلُّ) نَعْسةٌ أُرْدُنٌّ - شديدةٌ
(أفْعُول) امرأةٌ أُمْلُود - ناعمةٌ وشاةٌ أُسْحُوف - على ظَهْرها سَحْفة - وَهِي الشَّحْمة الَّتِي على الظَّهْر ولُمْعة أُكْسُوم - كثيرةٌ مُلْتَفَّة
(فاعُول) سَنة جارُودٌ - مُقْحِطة (فَعْلَنٌ) امرأةٌ بخْدَنٌ - رُخصَة سَمِينةٌ وخَلْبَنٌ - خَرْقاءُ وَلَيْسَ من الخِلاَبة وعَلْجَنٌ - ماجِنَة قَالَ الشَّاعِر:
(يَا رُبَّ أُمٍّ لصَغِير عَلْجَنِ ... تَسْرِق باللَّيلِ إِذا لم تَبْطَنِ)
وناقةٌ عَلْجَنٌ - غليظةٌ مستَعْليةُ الخَلْق وَأنْشد الخليلُ وَأَبُو عبيد:
(وخَلَّطتُ كُلُّ دِلاَثٍ عَلْجَنِ ... تَخلِيطَ خَرْقاءِ اليَدَيْنِ خَلْبَنِ)
(فَعَلُول) بَكْرة دَمَكُوك - كدَمُوك
(فَعْلَلٌ) امْرَأَة ضَمزَرٌ 0 غَلِيظة وضَمْعَجٌ - قصِيرةٌ ضَخْمة وَلَا يُقَال ذَلِك للذّكر وَقيل - هِيَ من النِّساء الَّتِي قد تَمَّ خَلْقُها نَحْواً من التَّمَام وَقيل - هِيَ الجاريةُ السَّرِيعةُ فِي الحَوَائج وَكَذَلِكَ الناقةُ وَقيل - هِيَ(5/112)
الفَحْجاءُ الساقَيْنِ وَامْرَأَة هَنْضَب - سَمِينة وحَفْضَج - ضخْمةُ البَطْن مستَرْخِيةَ اللَّحْم وكَعْثَب وكَعْثَم - ضَخْمة الرُّكَب وغَلْفَقٌ - رَطْبةُ الهَنِ وَقيل - خَرْقاءُ سيِّئة العَمَل والمَنْطِق وضَلْفَعٌ - واسِعةٌ وفَلْحَسٌ - رَسْحاء وسَمْلَق مثلهَا وَقيل - هِيَ المُلْتَزِقة الفَرْج وسَلْفَع - رَسْحاءُ قليلةُ اللَّحْم سَرِيعةُ المشْيِ وَقيل - هِيَ جَرِيئةٌ ومَعْمَع - ذَكِيَّة متوَقِّدة ورَعْبَلٌ - خَرْقاءُ مُتساقِطةٌ وَكَذَلِكَ قَرْثَعٌ وَقيل القَرْثَع - الَّتِي تَكْحَل إحْدَى عينَيْها وتَدَعُ الأُخْرَى وتَخْضِب إحدَى يدَيْها وتَدَع الأُخْرَى وتَلْبَس دِرْعها مَقْلُوباً ورَأْرَأٌ - محَدِّقةٌ عَيْنَيها وجَحْمَش - كبيرةٌ ودَلْظَم - هَرِمة فانِيَة وناقة كَهْمَسٌ - عظيمةُ السِّنامِ وضَمْعَج - غليظةٌ شديدةٌ وَقد تقدّم أنَّها القَصِيرة الضَّخْمة من النِّساء وَكَذَلِكَ جَلْعَد والذِّكَر جُلاَعِدٌ ودَلْعَس وبَلْعَس ودَلْعَك ودَعْلَك - ضَخمة مَعَ اسْترخاءٍ فِيهَا وبَلْعَك - مُسْتَرخِيَة ودَمْشَق وشَمْعَل - خَفِيفةٌ سريعةٌ وأرضٌ صَفْصَفٌ - مَلْساءُ مستَوِيَة وهَجْهَجِ - لَا نَباتَ بهَا وسَجْسَجٌ - ليستْ بسَهْلة وَلَا صُلْبةً وسَمْحَج - سَهْلة وسَمْهِج - واسعةٌ سَهْلة وشَحْشح - واسِعةٌ قَالَ ابْن دُرَيْد: وَلَا أَدْرِي مَا صِحَّتها وسَرْبَخٌ - واسعةٌ وَقيل - مَضِلة لَا يَهتَدَى فِيهَا لطَرِيق وبِئَر زَغْرَي - كثيرةُ الماءِ وَقد قيل زَغْرَبة وَكَذَلِكَ العَيْن وَقد يُوصَف بالزَّغْرَب الْمُذكر يُقَال ماءٌ زَغْرَب - أَي كثيرٌ قَالَ الكمَيت:
(وبَحْرٌ من فَعَالك زغْرَبُ ... )
ورِيحٌ زَعْزَع - شدِيدةٌ وصَرْصَر وحرْجَف - بارِدةٌ وخَمْرٌ سَلْسَل - ليِّنة
(فِعْلِل) امرأةٌ حَفْضِج كَحفْضِج وعِلْكِدٌ - قصيرةٌ لَحمِة قليلةُ الخَيْر صَخَّابة وعِنْفِص - قليلةُ الجِسْمِ وَقيل - هِيَ الداعرةُ الخَبِيثةُ وَلَا يُقَال إِلَّا للحَدَثة وبِهْلقِ - شَدِيدة الحُمْرة وجَلْبج - دَمِيمةٌ قِمئةٌ خِرْمِل - متهَدِّمة وَكَذَلِكَ الناقةُ وَامْرَأَة خِرْمِل وجَذْعَل ودفشن ودِنْفِس ودِفْنِسٌ - كلُّه حَمْقاءُ وَامْرَأَة هِرْمِل - فِيهَا هَوَج واستِرْخاءٌ وناقة هِرْمِل - مُسِنَّة وضِمْرِز ودِزْدِجٌ - مُسنِّة فَوق العَجُوزة وخِدْلِبٌ - مُسِنَّة مستَرْخِيَة وضِرْزِمْ - هَرْمة يَسِيلُ لُعَابُها من الكِبَر وقِرْضِم - ضَخْمة ثقيلةٌ وعِرْمس - صُلْبة وشِمْرِذٌ - سريعةٌ وشِمْرِذ - قليلةُ اللَّبَن وَقيل - هِيَ الَّتِي لَا تَبُلُّ صُوفة وخِرْنفٌ وبِرعِس - غزيرة وَقيل - جمِيلةٌ تامّةٌ وأرضٌ بِرْعِس - مسْتَويةٌ وأفْعَى حِرْبِشٌ - خَشِنة المَسِّ شدِيدة صوْتِ الجَسَد إِذا حَكَّت بَعْضَها بِبَعْض وضِرْزمٌ - شديدةٌ وَقد تقدّم فِي النُّوق وبِئر خِضْرِم - كثيرةُ الماءِ (فُعْلُل) ناقةٌ كُحْكُح - مُسِنَّة وعُبْسُر - شِديدةٌ (فِعْلالٌ) امرأةٌ عِفْصاجٌ وحِفْصاج - صَخْمة البَطْن مستَرْحِيَةُ اللَّحْم وصِفْتَاتٌ - مجتَمِعةُ الخَلق شديدتُه كصِفْتاتةٍ وَقيل لَا تُنْعَت بِهِ المرأةُ وفِرْشاحٌ - كبيرةٌ سَمِجةٌ وَكَذَلِكَ هِيَ من الإبِل والفِرشاح - الأرضُ العَرِيضة الواسِعةُ وشَفَةٌ بِرْطام - ضَخْمة وقَدَم شرْحابٌ - غليظةٌ وَامْرَأَة خِرْباقٌ وعِلْفاقٌ - سريعةُ المشْي ودابةٌ هِمْلاَجٌ - حسَنةُ السَّيْر فِي سُرْعة وَكَذَلِكَ الذكَر وناقةٌ شِمْلالٌ - سريعَةٌ ونَخْلة فِرْضاخٌ - فَتِيَّة وفرْضاخٌ - ضَرْب من الشَّجر ونخلة سِرْداحٌ - صَفِيٌّ كَرِيمة وكَمْأة شِرْباخٌ - فاسدةٌ مستَرْخِيَة وَأَرْض سِرتاحٌ - كَرِيمةً وحِرْماسٌ - صُلْبةٌ شَدِيدَة
(فِعْليل) امْرَأَة بِظْرِير - طَوِيلةُ اللِّسان صَخَّابة وَرَوَاهُ بعضُهم بِالطَّاءِ - أَي إِنَّهَا أشِرْت وبَطِرتْ وناقةٌ بِرْعِيس كبِرِعْس وشِمْليل كشِمْلال وأفْعَى حِرْبِيش كحِرْبِش
(فُعْلُول) امْرَأَة عُطْبُول - طويلةُ العُنُق وَقد قيل امْرَأَة عُطْبُولةٌ وعُطْمُوس - طَوِيلةٌ تارَّةٌ ذاتُ قَوَام وألْواح وشُغْمُوم - تامَّةٌ حَسَنة وَهِي من النُّوق والغَزِيرة وَقد يُوصَف الرجُلُ بالشُّغْمُوم وجاريَة رُعْبُوب - شَطْبة تارَّةٌ وَقيل - بَيْضاءُ حَسَنة رَطْبة حُلُوة وَقد قيل رُعْبُوبة - وَهِي من الإبِل الخَفِيفة الطَّيَّاشةُ وَامْرَأَة سُلْحُوبٌ - ماجِنَة وامرأةٌ(5/113)
عُلْفُوف - جافيَة وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ ورْجْل جُحْمُوش - كبيرةٌ وفَرَس عَرْهُوم - حَسَنة عظِيمةٌ وَهِي من النُّوق - الحسَنَة فِي لَونها وجِسْمها ودابة حُرْقُوف - شَدِيدَة الهُزَال وناقةٌ حَرْجُوج - طويلةٌ على الأَرْض وَقيل - ضامرٌ وَقيل - وَقَّادة القَلْب والحُرْحور والصُّرْصُور - العِظَام من الإبِل وناقة عُبْسُور وعُلْكُوم - صُلْبة شديدةٌ ورُهْشُوش وخُنجُور ولُهْمُوم - غَزِيرةٌ فِي الجَدْب ورِيحٌ حَرْجُوج - باردةٌ شديدةٌ وَقد تقدَّم فِي الإبِلِ
(فُعالِلٌ) امْرَأَة خُفَاضِجٌ - ضَخْمة البطْنِ مستَرْخِيَة اللَّحْم وناقةٌ عُلاكِدٌ - ضَخْمة قَوِيَّةٌ وعُفَاهِمٌ - جَلْدة قوِيَّة وعُفَاهِنٌ لُغَة وإبل جُراجِرٌ - كثيرةٌ وأرْض دُهَامِقٌ - ليِّنة رقيقَة
(مُفَعْلِلٌ) نَخْلةٌ مُخَرْدل - إذَا كَثُر نَفَضُها وعظُمَ مَا بَقِي من بُسْرِها
(فَعَلَّل) عيْن غَطَمَّشٌ - كَلِيلةُ النظَر وناقةٌ هَمَرْجَل - جَوَاد سريعةٌ وبِئر جَهَنَّمٌ - قَعِيره وَبِه سُمِّيت جهَنَّم عِياذاً الله مِنْهَا
(فَعَيْلَلٌ) بِئْر قَلَيْذَمٌ - كَثِيرَة الماءِ
(فِعِلاَّل) بِئر جِهِنَّام - قَعِيرة وَهُوَ بناءٌ أعجمِيٌّ قَالَ سِيبَوَيْهٍ: لَيْسَ فِي الْكَلَام مثلُ سِفِرْجال فَأَما سِرْطْراط ففِعِلْفال وسِجِلاَّط وسِنِمَّار أعجمِيَّان
(فَعْلَلِلٌ) امْرَأَة قَهْبَلِس - ضَخْمة والقَهْبَلِس أَيْضا - الكَمَرة قَالَ:
(فَيْشَلَة قَهْبَلِس كُبَاس ... )
وَامْرَأَة صَهْصَلِق - شديدةُ الصَّوت صَخَّابة وَامْرَأَة جَحْمَرِش - ثقِيلة سَمِجة وَهِي أَيْضا - العَجُوز من الإبِل الكبيرةُ السِّنِّ وأفْعَى جَحْمَرِشٌ - غليظةٌ وَهِي أَيْضا - الأرْنَب الضخمة وَهِي أَيْضا - الأرْنَب المُرضِع
(فَعْلَلِيل) امْرَأَة جَعْفَلِيق - كَثِيرَة اللَّحْم مسترخِيةٌ وامرأةٌ شَفْشَلِيق وشَمْشَلِيق - مُسِنَّة وجَلْفَزِيز - مُسِنَّة وفيهَا بَقِيَّة وَهِي من الْإِبِل الهَرْمةُ الحُمولُ وَامْرَأَة كَرْطَبِيس - عجُوز مستَرْخِيَة وَهِي من الْإِبِل - الخَوِّارة وَامْرَأَة صَهْصَليق كصَهْصَلِق وناقةٌ علْطَمِيس - شديدةٌ مُشْرِفةُ السَّنامِ تامَّةٌ وأرضٌ حَرْبَسِيس وعَرْبَسِيس - صُلْبة
(فَعْفَعِيل) داهِيةٌ مَرْمَرِيسٌ - شديدةٌ
(فَعْلَلُول) ناقةٌ عَلْطَمُ , س كعَلْطَميس
(فَيْعَلُول) امْرَأَة عَيْطَمُوء - طوِيلةٌ تارَّةٌ ذَات قَوَام وألْواح وَهِي من النُّوق الفَتِيَّةُ العظيمةُ الحَسْناءُ وَامْرَأَة هَيْدَكُور - ضَخْمة فأمَّا هَيْدَكُرٌ فَحكى ابنُ جَنِّي أَنه مَقْصُور من هَيْدَكُور لِأَن هَذَا الْمِثَال لَيْسَ من أمثلَتهم وزعَم أَبُو عَليّ أَن طَرَفة إِنَّمَا قَصره للضَّرُورة فِي قَوْله:
(ضَخْمة الجِسْمِ رَدَاحٌ هَيْدَكُرْ ... )
وَامْرَأَة شَيْهَبُور عَجُوز - وعَيْضَمُوز - كبيرةٌ وَهِي أَيْضا الناقةُ الضَّخْمة الَّتِي لَا تَحْمل لسمَها وعَيْسَجُور - سريعةٌ قوِيَّة وصَيْلَخُود - مُسِنَّة شديدةٌ وَقيل ماضِيَةٌ
(فَنْعَلِيل) امْرَأَة جَنْفَلِيقٌ وشَنْفَلِيقٌ وعَنْقَفِير - غالِبَةٌ بالشرّ سَلِيطةٌ وخَنْشَلِيل - مُسِنَّة وفيهَا بَقيَّة وكَمَرة فَنْطَلِيس عَظِيمَة وناقةٌ قَنْطَرِيس - ضَخْمة شديدةٌ وحِنْطة خَنْدرِيسٌ - قديمةٌ(5/114)
(فِعْلَول) امْرَأَة بِلْعَوْس - حَمْقاء ودِلْعَوْس - جَرِيئة بِاللَّيْلِ دائِبةٌ الدُّلْجةِ وَكَذَلِكَ الناقةُ
(فَعَنْلَل) امْرَأَة بِلْعَوْس - ضَخْمةُ الخاصِرةِ مستَرْخِيةُ اللحمِ وَامْرَأَة حَزَنْبَلٌ - حَمْقاءُ وَقيل عجوزٌ متهِدَّمة وأتَان جَلَنْفَقٌ - سَمِينة
(فَنْعَلِل) امْرَأَة خَنْضَرِف كبيرةُ الثَّدْيَينِ وَقيل نَصَفٌ من النِّساء وَهِي مَعَ ذَلِك تَشَبَّبُ وَحَكَاهُ بعضُهم بِالطَّاءِ وَامْرَأَة [ ... ] عَجُوز كبيرةٌ وناقةٌ حَنْدلِسِ - كَثِيرَة اللَّحمِ وحِنْدَلِس - ثَقِيلة المَشْيِ وَهِي أَيْضا النَّجِيبةُ
أبْنِية المذَكَّر
(فَعْلةٌ) رجل قَفَّه - صغِير الجُثَّة قليلٌ والضَّمُّ أعْلَى ورَبْعةٌ - بيْنَ الطَّوِيل والقَصِير وَكَذَلِكَ المرأةُ ورجُلٌ وعَقْة لَعْقةٌ - عَسِير الخُلُق وَامْرَأَة وَعْقة كَذَلِك وَرجل كَيْئةٌ وكَيْءٌ - جَبَانٌ ورجُل طَيْخةٌ ولَطْخة - أحمَقُ لَا خَيْرَ فِيهِ وَهُوَ حَرْزَةُ مالِه - أَي جُمَاؤُه
(فِعْلة) صِغْرةُ ولَدِ أبِيه - أصغَرُهم وكِبْرتُهم - أكبرُهم صِغْرةُ قوْمِه وكِبْرتُهم وعِجْزَة وَلَدِ أبَوْيه - آخِرُهم ورجُل عِرْنَةٌ - لَا يُطاقُ وصِمَّةٌ - شُجاع وقِرْفة - مُحْتال ورِبْية - لَا خَيْر فِيهِ وَهُوَ قِدْوتُنا وإسْوَتُنا وَكَذَلِكَ المؤنَّث والاثنانِ والجميعُ وَهُوَ عِيْمة قومِه - أَي خَيارُهم وَهَذَا عِيْمة مَاله وعِينَتُه ونِصْيته وحِزْنَتُه وصِفْوته وقِفْوته وَكَذَلِكَ المؤنَّث والاثنانِ والجميعُ
فُعْلة ممَّا لَيْسَ بصِفَة يُراد بهَا المفعُول مقابِلاً لفُعْلة يُراد بهَا فاعِلٌ
رجلٌ قُفَّة - قَصِيرٌ قليلُ اللحْمِ وَقيل - هُوَ المُسِنُّ وعُضْلة - داهِيَةٌ وبُهْمة - شُجَاع لَا يُدْرَى كَيفَ يُؤْتَى لَهُ وكُؤْصةٌ - صَبُور على الشَّراب وَغَيره ولحية - مَقْنَع يُرْضَى بِهِ وضُوْرة - ضَعيف فَقِير ونُوْمة - خامِلٌ وبُوْهةٌ أحمَقُ وهُكْعةٌ - أحمَقُ إِذا جَلَس لم يَكَدْ يَبْرَح وسُوْقةٌ - دون المَلِك وغُلامٌ رُوْقة - ظَرِيف مُعْجِب وَكَذَلِكَ المرأةُ وَهُوَ رُوقةُ مالِه - أَي خَيارُه وَكَذَلِكَ هُوَ خُزْنته وَقد تقدّم فِي الكَسْر وقُمْعتُه وابِلٌ قُمْعة - خِيارٌ وَقد اقتمعْتُها - أخَذْت خَيْرها وَهُوَ شُرْفةُ مَاله كرُوقتِه وَهُوَ خُلَّتي - أَي خَلِيلي وَكَذَلِكَ المرأةُ وَهُوَ أُسْوَتُنا وقُدْوتنا وَقد تقدّم فِي الكَسْر وَكَذَلِكَ الاثنانِ والجميعُ والمؤنَّث وَهُوَ عُمْدتنا ونُجْعتُنا - أَي نَعْتَمِد عَلَيْهِ ونَنْتَجِعه ورُحْلتُنا - أَي وِجْهتنا الَّتِي نَرْحَل إِلَيْهَا وَكَذَلِكَ الاثنانِ والجميعُ والمؤنَّث وأمرٌ حُوْلة - عَجَب مُنْكَر
(فَعَلة) رجُل شَجَعةٌ - طويلٌ مُلأْتفٌّ وجَدَمة - قصيرٌ وَقيل كلُّ شَخْت جَدَمة وَالْجمع جَدَم وقَزَمة كجَدَمة وَقَالَ الْفَارِسِي: كلُّ شَخْت صَغِير الجِرْم أَو كُلُّ شَخْتة صغِيرةِ الجِرْم من جَمِيع الحَيَوان فَهِيَ جَدَمة وقَزَمة وهما من الرَّداءة وغُلاَم يَفَعةٌ - يافِعٌ وَكَذَلِكَ الأنثَى والجميعُ كالواحِد وشَيْخ عَشَبة وعَشَمة - كبيرٌ قد يَبِس من الهُزَال وَقد عَشِم وَهُوَ أدَمَةُ أهل بيتِه - إِذا كَانُوا يُعْرَفُون بِهِ ورجُل أمنَةٌ - يَثِقُ بكلِّ واحدٍ جَهْلاً كاُمَنَة ورجُل رَهَكَةٌ - لَا خيْرَ فِيهِ وهَمَجةٌ - لَا عَقْلَ لَهُ وهَفَاةٌ لَفاةٌ - أحمَقُ وَهُوَ شَواة صِدْقٍ وسَوْءٍ وَكَذَلِكَ الأُنثَى وَكَذَلِكَ كَدَاة صِدْقِ وسُوْء فيهمَا وسَرَاة المالِ - خِيارُه وَأما سِيبَوَيْهٍ: فَجعل سَراةً اسْما لجمع سَرِيٍّ قَالَ: وَالدَّلِيل على ذَلِك قَوْلهم فِي جمعه سَرَوات وَلم يذهب إِلَى جمْع الْجمع إِذْ لَيْسَ كلُّ جَمْع يجمَع وَإِنَّمَا يُقْضَى بجمْع الْجمع إِذا(5/115)
لم يكُنْ مِنْهُ بُدٌّ وَكَذَلِكَ وجَّه أَبُو عَليّ قَوْله: {فرُهُن مَقْبُوضةٌ} [الْبَقَرَة: 283] على أَنه جمْع رُهْن كسَحْل وسُحُل وَلم يَجعله جمع رِهَانِ الَّذِي هُوَ جمعُ رهْن اتِّباعاً لأصل سِيبَوَيْهٍ فِي هَذَا وأخذتُ من الإبِل بَعِيرًا نَقاةً - أَي خِيَاراً وَكَذَلِكَ الناقةُ وَهِي الجَدَع أصغَرُها إِلَى السَّدَس وَلَيْسَ بعد السَّدَس نَقاةٌ وثوبٌ سَمَلةٌ - خَلَقٌ كسَمَل
(فِعَلة) رجُل تِوَلة - وَهُوَ الَّذِي يُحَبِّب بيْنَ الرَّجُل والمرأةِ وسَبْي طِيَبة - طَيِّب وَكَذَلِكَ سَيْر طِيبةٌ فِي سُهُولة
(فُعَلة مِمَّا يَجْرِي على الفِعْل أَو يُفارِقُه) وفُعْلة من هَذَا الضَّرْب إِلَّا أَن فُعَلة للفاعِل وفُعْلة للمفعُول وكِلاَ البابيْنِ مُطَّرِد فِي جَمِيع الأفْعال الثُّلاثيةِ المتَعدِّية وَغير المتَعْدِّية فِيمَا حكى ابْن دُرَيْد وَلَكِنِّي أذكر من الْبَابَيْنِ أَمْثِلَة لأنبه على غَيرهَا بهَا وأشياءَ غيْر جاريةٍ على الْفِعْل رجُل نُكَحَة وخُجَأة - كثيرُ النِّكَاح وفحلٌ غُسَلَةٌ - كثيرُ الضِّراب ورجُل عُرَقة - كثيرُ العَرَق وكُؤَصةٌ - صَبُور على الشَّراب وغيرِه ومُسَكةٌ - بَخْيل وقُبَضَة رُفَضة - يتَمَسَّك بالشَّيْء ثمَّ لَا يَلْبَث أَن يَدَعَه وراعٍ قُبَضةٌ فالقُبَضة - الَّذِي يجمَع غَنَمه ويَطْرُدُها إِلَى حيثُ يَهْوَى فَإِذا بلَغتْ لَهِيَ عَنْهَا ورَفَضها ورجُل نُتَفةٌ - للَّذي يَنْتِف من العِلْم شَيْئا وَلَا يستَقْصِيه وحَوَلة - محتالٌ وخُرَجة وُلَجَة - خَرُوج وَلُوجٌ متصَرِّف وهُزَأة - يَهْزَأ بالناسِ وسُخَرة - يَسْخَرُ بهم وضُحَكةٌ - يَضْحَك بهم وخُذَلة - يَخْذُلهم وعُذَلة - يَعْذِلهم وكُذَبة - يَكْذِبُهم وزُكَأة - كثيرُ النَّقْد مُوسِر وقُوَبةٌ - ثابتُ الدَّار مُقِيمٌ وطُلَقة - كثيرُ التَّطَلق وصُرَعة - شديدُ الصِّرَاع وضَجَعةٌ - كثير الاضطِجاعِ وهُكَعة نُكَعة - إِذا جَلَس لم يَكَدْ يَبْرَح وتُكَأةٌ - كثير الاتِّكاءِ وَكَذَلِكَ مُجعةٌ وَقد مَجُع ونُوَمةٌ - كثيرُ النَّوم ودُعَرة - فِيهِ قادحٌ وعُيُوب
(فُعُلَة) رجُلٌ عُلُنةٌ - لَا يَكْتُم سرَّة
(فِعَّلة) رجُل إمَّعةٌ - لَا رَأْيَ لَهُ وإمَّرة - أحمَقُ وَقيل إمَّعٌ وإمَّر ودِنَّمة ودِنَّبة - قصيرٌ
(فَعُلَّة) رُل حَزُقَّة - ضَيِّق الرأْي وَقيل - هُوَ الَّذِي يُقارِب المشْيَ وَقد قيل حَزُقٌّ - وغَلْبَّةُ وغَضُبّضة - يَغْلِب كثيرا ويَغْضَب سَرِيعا
(فِعَلَّة) بَعِير دِحَنَّة - عريضٌ
(فُعُلَّة) رجُل حُزُقَّة كحَزُقَّة وَكَذَلِكَ خُطُبَّة وكُبُنَّة - فِيهِ انقباضٌ وَكَذَلِكَ المرأةُ وَرجل كُدُمَّة - غليظٌ ككُدُمِّ وغُضُبَّة كغَضُبَّة وطُبُنَّةٌ - عالمٌ بكلِّ شيءٍ وَقد يكون الجُظُبَّة والغُلُبَّة اسْمَيْنِ والحُظُبَّة - ضِيقُ الخُلْق والغُلْبَّة - الغَلَبة فَأَما أُفُرّضة الصيفِ أوَّلُه وروقعوا فِي أفُرَّةٍ - أَي اختِلاطٍ قاسمٌ لَا غيْرُ
(فِيْعَلَّة) رجُل زِيحَتَّةٌ - مُتَباطِئٌ عِند الحاجةِ
(فاعِلَة) رجُل داهِيَة وباقِعَة - أَرِيب وَكَذَلِكَ والمرأةُ وواقعةٌ - شُجَاع ونابِخَة - عظيمُ الشأْنِ ضَخْمُ الأَمْر قَالَ الهُذَلِي:
(يَخْشَى عَلَيْهِ من الأَمْلاك نابِخةً ... من النَّوابِخِ مثلَ الخادِر الرُّزَِم)
وَرَوَاهُ أحمدُ بنُ يحيى بائجة وَرجل راوِيَةٌ - راوٍ وساقِيَة - يَسْقِي القومَ وإبلَهُم ووَابِصَةُ السّمع - يَعْتَمشد على مَا يُقال لَهُ وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى الأُذن وخالِفةٌ - فِيهِ حُمْق كخالِفٍ وحارِضةٌ - لَا خَيْر فِيهِ وحامَّةُ مالِه - خِيارُه الذَكرُ(5/116)
والأنثَى فِيهِ سَواءٌ وإبِلٌ حامَّةٌ - خِيَارٌ وَحكى الْفَارِسِي: مالٌ حامَّةٌ فوَصَف بِهِ وَلم يَحْكِها غيْرُه وفلانٌ خاصَّتِي - أَي الَّذِي أُخَصُّ بِهِ وسامَّتِي كَذَلِك
(فَعِيلةٌ) عَقِيرةُ القومِ - الَّذِي يقْتُلونه من الرُّؤَساء فِي المَعْرَك وكَرِيمةُ الْقَوْم - كَرِيمُهم
(فَعَالةٌ) رجُل خَجَاجة وهَجاجةٌ وفَقَاقةٌ - أحمَقُ وطَغَامةٌ - لَا يَعْقِل ولَعَاعةٌ - يتَكَلَّف الألْحان بِلَا صَوابٍ ويَرَاعةٌ - جَبَان مشتقٌّ من اليَرَاعةِ - الَّتِي هِيَ القَصَبة وسَكَاكةٌ وصَرَامة - متَفرِّدٌ برأْيه
(فَعَّالة) رجل علاَّمة ونَسَّابة سَجَّاعة وشَتَّامةة وعَيَّابة وقَصَّابة من القَصْب - وَهُوَ العَيْب وفَحَّاشةوصَصَّخابة - شديدُ الصَّخَب وصَرَّامة - كثيرُ الصَّرْم قَالَ عنترة:
(وإِنِّي لَصَبٌّ بالخَلِيل إِذا بَدَتْ ... مَوَدَّتُه صَرَّامةٌ إنْ تَصَرَّما)
وَرجل قَضَّابة - قَطَّاع للأُمُور وسَيْف قَضَّابة - قاطِعٌ كقَضَّاب ورجُل فَزَّاعة - كثيرُ الفَزَع وَهُوَ أَيْضا الَّذِي يُفْزِع الناسَ كثيرا وجَثَّامة - بَلِيد وَهُوَ أَيْضا - السَّيد الحليمُ وطَيَّاخةٌ ومَجَّاعةٌ - أحمِقُ وأكَّالة - كثيرُ الأكْل وجَوَّاظة مثلُه وَقيل - هُوَ الفاجِرُ وحادٍ قَبَّاضة - شَلاَّل وأسدٌ رَزَّامة - يَبْرُك على فَرِيسته
(فِعَّالة) رجُل دِنَّامة ودِنَّابة - قصيرٌ
(فُعَّالة) رجل كُرَّامة - كريمٌ ولُقَّاعةٌ - كثيرُ الْكَلَام مُتَداهٍ وشُدَّاخة - كثيرُ الشَّدْخ - أَي الضَّرْب بالحِجارة ومُجَّاعة - كثيرُ التمَجُّع وَهُوَ صُيَّابة قَومِه وصُيَّابهم - أَي خِيارُهم وَكَذَلِكَ صُيَّابة مالِه ونخلة فُحَّالة وَإِنَّمَا أدخَلْناه فِي نُعوت المذَكَّر لِأَن الفُحَّال من النخلِ يُقَال لَهُ نَخْلَة فَإِنَّمَا قيل فُحَّالة على حدِّ قَوْلهم عَلاَّمة
(فُعَّيْلة) رجُل زُمَّيلة - أحمَقُ ضعِيفٌ
(فاعُولة) رجُلأ قاذُورةٌ - يَبْرَم بالناسِ وحاذُورةٌ - حَذر وصارُوةٌ - لم يَحُجّض وَقيل لم يتزَوَّج الواحدُ والجميعُ والمؤنَّث فِي ذَلِك سواءٌ
(تِفْعِلَة) رجُل تِلْعِبَةٌ من اللَّعِبِ وتِقْوِلة من القَوْل
(تِفْعَلة) رجل تِقْوَلة - جَيِّد القَوْل
(تِفْعالة) رجُل تِقْوالَةٌ وتِكْلامة من المَنْطِق وتِلءعابةٌ من اللّعب وتِرْعاية - حينُ الرِّعْية للإبِل وتِبْذارةٌ - يُبَذِّر مالهُ ويُفْسِده (تِفِعَّالة) رجُل تِكِلاَّمة - جيِّد الكلامِ فَصِيح وَكَذَلِكَ تِلِقَّاعة
(فِعْلِيَة) رجُل عِفْرِيَة نِفْرِية - خَبِيث مُنْكر قبل قويّ نافِذ
(فِعْلِئَة) رجُل ثِرْطِئةٌ - ثَقِيل ضَعيف (مُفَعِّلة) رجُل مُلَسِّعة - مقِيمٌ لَا يَبْرَح
(مِفْعالةٌ) رجُل مِعْزابةٌ - مَتَنحٍّ عَن الحَيِّ ومِعْزالةٌ - معتَزِل ومِطْرابة - كَثيرُ الطَّرَب ومِجْذامةٌ - قاطِعٌ للأُمور فَيْصَل
(مَفْعَلة) قَالَ الْفراء مِمَّا تجعلُه العرَبُ مؤنَّثاً للذَكر والأنثَى على غير بِنَاء الفعْل وَلَا يُثَنُّونة فِي تثنيَة وَلَا يجمَعُونه فِي جَمْعه أَبُو عبيد: فِي الحَدِيث:
" الولَد مَجْبَنة مَجْهَلةٌ مَبْخَلة " والحَرْب مَأْيَمةٌ ومَيْتمة - أَي يُقْتَل فِيهَا الرِّجالُ فتَئِيمُ النساءُ ويَيْتَم الْأَوْلَاد وطَعَام مَحْسَنة للجسْم ومَغْذاة - يَحْسُن عَلَيْهِ ويَغْذُوه ومَشْرَبة - يُشْرَب(5/117)
عَلَيْهِ الماءُ كثيرا ومتَخْمَة - يُتَّخَم عَلَيْهِ وأكْل الرُّطَب مَحمَّة - يُحَمُّ آكِلُه عَلَيْهِ ومَوْردَة - كَمَحَمَّة وأكلُ البطِّيخ مَجْفَرَة - أَي يَقْطَعُ مَاء الصُّلْب وشرابٌ مَطيبَةٌ - تَطِيبُ بِهِ النفْس ومبْوَلةٌ - يُبالُ عَنهُ كثيرا ومَخْبَثَةٌ - تَخْبُث عَلَيْهِ النفْسُ وكُفْر النِّعمة مَخْبثة لنَفْس المُنْعِم وعُشْب مَسْمَنة ومَلْبَنَة وَقَالَ الصَّمُوتيُّ الكِلابيُّ: وذكَر حِبَّة أَرض تِنْجَلُّ فيأخُذُ بعضُها بِرقابِ بَعْض وتَنْطلِق هِدْماً كالبُسُط فَهِيَ مَطْوَلةٌ للسَّنام مَغْلَظَة للخاصِرةِ ومَغْزَرة للدَّرِّ مَخْظاة للبَضِيع فَتَرى راعِيَتها كَأَن مَناخِرَها كِيرُ قَيْنٍ من حاقِّ البَطْنِ إِلَى أعْلاه وَقد شرحتُ هَذَا فِي كتاب النَّبَات وهم أهلُ مَعْدَلة من العَدْل وَقَالُوا مَجْدَرة ومَقْمنة ومَخْلَقة ومَحْراة والمَنْسَكة من النُّسُك وَلَك فِي هَذَا الْأَمر مَعْلاة قَالَ أعشَى باهلة:
(فَإِن يُصِبْك عَدُوٌّ فِي مُناوَأةٍ ... فقد تكُونُ لَك المَعْلاةُ والظَّفَر)
ويُقال لَك فِي ذَلِك مَسْلاةٌ قَالَ الشَّاعِر:
(ذَوُو الإقْدام مَدْرأة العَوَالِي ... وأهلُ الكَلْمِ بالأَسَلِ النِّهالِ)
ومَكانق مَوْعَلة - كثيرةُ الوُعُول ومَفْدَرة - كثيرُ الفُدُر - وَهِي الوُعُول المُسِنَّة مطَّرِد عِنْد أبي الْحسن
(مِفْعَلَة) قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: رجُل مِسَبَّة - كثيرُ السَّبِّ قَالَ: وَقَالَ الحسنُ: كَانَ ابنُ عَبَّاس رجلا غَرْباً مِثَجَّةَ - أَي يَصُبُّ وَقد انثَّجَّ صَبَّ وَقيل مَا الحَجُّ فَقَالَ العَجُّ والثَّجُّ والعَجُّ - التَّلْبِيَةُ والثَّجُّ - النَّحْر والغَرْب - المتَّسِع فِي القَوْل والجَرْي والمالِ وَحكى الْفَارِسِي: رجل مِعَنَّة فِي مِعَنِّ فَأَما أَبُو عبيد فَإِنَّمَا قَالَ مضعَنٌّ مِتْيَح وَهُوَ الَّذِي يَعْرِف فِي كل شَيْء ويدخُل فِيمَا لَا يَعْنِيه
(فَيْعَلة) رجل جَيْدَة - قصير
(فَوْعَلَة) رجل ضَوْكَعَةٌ - أحمقٌ كثيرُ اللَّحمِ مَعَ ثِقَل
(فَيْعالَة) رجل طَيْثارَة لَا يُبَالِي على من أقْدَمَ وَكَذَلِكَ الأسَدُ وَرجل هَيْذارةٌ بَيْذارة - كثيرُ الكلامِ
(فِعْوَلَّة) رجُل دِحْوَنَّة - سمِين مُنْدَلقُ الْبَطن قصيرٌ وبَعيرٌ دحْوَنَّة - عريضٌ
(فِعْلاة) رجل عِزْهاة - عازِفٌ عَن اللَّهْو وَهنا بِنَاءٌ تلزمُه الهاءُ عِنْد سِيبَوَيْهٍ وَحكى عِزْهّي بِغَيْر هاءٍ وَكَذَلِكَ المرأةُ قَالَ الشَّاعِر:
(إِذا كُنْتَ عِزْهاةً عَن اللَّهْو والصِّبَا ... فكُنْ حَجَراً من يابِسِ الصَّخْرِ جَلْمَدَا)
(فِعْلايةٌ) رجُل دِرْحايةٌ - كثيرُ اللحْمِ قَصيرٌ لَئِيمُ الخِلْقةِ وجِعْظَايةٌ - قصيرُ لَحِيم ودِعْكايةٌ - كثيرُ اللحْمِ طَال أَو قَصُر
(فَعَالِيَّة) رجُل شَنَاحِيَةٌ - طويلٌ وَقد قيل شَنَاح وزَوَازِيَة - قَصِير وَقيل زَوَازٍ وحَزَابِيَةٌ - غليظٌ إِلَى القِصَر وَقيل حَزَابٍ وعَلاَقِيَةٌ - شديدُ الطَّلَب لَزُومٌ لَا يتفَلَّت من حقُّه وهَوَاهِيَة - مَنْخُوب الفُؤاد وشَيْنٌ عَبَاقِبَةَ - لَهُ أَثَرٌ باقٍ فأمَّا الرَّفَاهِيَة والرَّفَاغِيَة فاسمانِ - وهما سَعَةُ العَيْشِ وَكَذَلِكَ الرَّبَاذِيَة - وَهُوَ الشرُّ يقَع بَين القَوْم وَكَذَلِكَ الجَرَا هِيَة - وَهِي الجماعةُ وَقيل سَمِعت جَرضاهِيَة الْقَوْم - أَي كَلامَهم وأمَّا العَلانِيَة - وَهِي ضِدُّ السِّرّ والطَّبَانِيةُ(5/118)
والتَّبَانِيَة والفَطانِيَة - وَكله الفِطْنة فَمَصَادِرُ وَكَذَلِكَ الكَرَاهِية
(فُعَالِيَة) رجُل طُفَانِيَة من الفُجُور ومُلِكٌ قُرَاسِيَة - جَلِيل والقُرَاسِيَة - الضخْمُ الشديدُ من الإبلِ وغيرِها وشَيْطانٌ عُفَارِيَة - كَيْسٌ ظرِيفٌ وبعير حُجَارِيَة - مجتمعُ الخَلْق وأسَدٌ عُفَارِيَة - شديدٌ
(فُعْلِيَّة) رجُل قُعْدِيَّة - كثيرُ القُعُود وضُجْعِيَّة - كثيرُ الاضْطِجاعِ وَيُقَال قُعْدِيٌّ وضُجْعِيٌّ
(فُعَلْنِية) رجل سُحَفْنِيَة - محلوق الرأسِ
(نِفْعِلَة) رجُل نِفْرِجةٌ - يَنْكَشِف عِنْد الحَرْب وعِفْرِيَةٌ نِفْرِيَة - خَبِيث مُنْكَر وَقد تقدّم فِي فِعْلِيَة
(نِفْعِلاءُ) رجُل نِفْرِجاءُ كنِفْرِجةَ
(أُفْعُولة) غُلامٌ أُزْمُولة من الزَّمَلان فِي المَشْي والأُزْمُولة - المُصوّت من الوُعُول وَغَيرهَا حَكَاهُ أَبُو عبيد
(إفْعَوْلة) حكَى سِيبَوَيْهٍ فِي الصِّفات إزْمَوْلة وَلم يفسِّره وَأنْشد بيتض ابْن مقبِل:
(عَوْداً أحَمَّ الذُّرَى إزْمَوْلةً وقَلاً ... يأْتي تُرَاثَ أبِيه يَتْبَعُ القُذَما)
وَهُوَ من الصَّوْت
(فِنْعالَةٌ) رجُل جِنْعاظةٌ - يتَسَخّضط عِنْد الطَّعام من سُوءِ خُلُقه
(فِنْعَوْلة) رجل سِنْدأْوةٌ وقِنْدأْوةٌ - خفيفٌ
(فُعْلُلة) رجُلٌ قُصْقُصَة - فِيهِ قِصَر وغِلَظ مَعَ شِدّة وَقيل قُصَاقِصٌ قل الراجز:
(قُصْقُصَةٌ قُصَاقِصٌ مُصَدَّر ... لَهُ صَلا وعَضَلٌ مُنَقَّر)
وأَسد قُصْقُصة - عَظِيم الخَلْق شديدٌ
(فَعَالِلة) رجُل فَرَافِضَة - شدِيدٌ ضَخْم شُجَاع
(فَعْلالةٌ) رجُل خَجْخَاجَة وقَفْقافَة - أحمِقُ ولَثْلاثةٌ - بَطِيءٌ وبَجْباجَة - مُمْتلِئٌ منْتَفخٌ وصَمْصامةٌ - مصَمّم وسَيْف صَمْصامةٌ - صارِمٌ لَا يَنْثنِي
(فِعْلالَة) رجُل جِعْظارَة - كثِير العَضَل غَلِيظُه وجِلْحابَةٌ - ضَخْم أجْلَح وَقيل جِلْحاتٌ وشِهْدارةٌ - قصيرٌ وَقيل شِهْدَارة - كثيرث الكلامِ وَقيل - عَنيف السَّيْر وَكَذَلِكَ شِمْذارة وَرجل خِزْرافةٌ - كثِيرُ الكَلام خَفِيفُه وَقيل - هُوَ الخَوَّار لاضعِيفُ النَّحِيف وبِلْدامةٌ - وَخْم وضَرْسامةٌ - رِخْو لَئِيم ودِقْرارة - نَمَّام وهِلْباجة - أحمَقٌ مائِقٌ
(فَعْلَلَة) رَجُل حِنْزَقْرة - قَصِير
(فَعْلِلَّة) رجُل وَيْلِمَّة ووهْلِمَّة - داهٍ
(فِعِنْلالةٌ) رجُل جِحِنْبارَة - قَصِير
مَا يُقال بِالْهَاءِ وغيْر الْهَاء من الْأَسْمَاء
القَرِين والقَرِينة والقَرُون والقَرْونةُ - النفْسُ والنَّسِيس والنَّسِيسةُ - بقِيَّة النَّفْس والنَّسَم والنَّسَمة - نَفْس الرُّوح(5/119)
والوتَدِ والوَتِدَة من الأُذُن - الهُنَيَّة الناشِزَة فِي مُقَدّمها مثل الثُّؤْلُول تَلِي أعْلَى العارِضِ من اللِّحْية والحِنْدِير والحِنْدِيرة - الحَدَقة وذُنَاب العَيْنِ وذُنَابتُها - مؤَخَّرها وَفِي عَيْنة بَياضٌ وبيَاضةٌ وكَوْكَبٌ بِمَعْنى فأمَّا الكَوْكَب من النُّجُوم فقد حكِيت بِالْهَاءِ إِلَّا أَنَّهَا قليلةٌ وَحمله سِيبَوَيْهٍ على توهُّم الماءةِ على التَّوَهُّم لَكِن سِيبَوَيْهٍ حَكَاهُمَا على أَنَّهُمَا مَقُولتانش والهِلَّوْف والهِلَّوْفة - اللِّحيةُ الكثِيرة الشَّعَر المنْتَشِرة والقَمعَ والقَمَعة - طرَفُ الحُلْقوم والرَّاهِشُ والرَّاهِشَة - العَصَبة الَّتِي فِي ظاهِر الذِّراعِ والسِّنْسِنُ والسِّنْسِنَة - حَرْفُ فِقْرة الظَّهْر والمَتْنُ والمَتْنة - لحْمتان معْصُوبتانِ بينَهُما صُلْبِ الظَّهْر معْلُوبتان بعَقَبِ والنَّاحِرُ والناحِرَة - ضِلَع من أضْلاع الزَّوْر والنَّافِج والنافِجَة - مُؤَخَّرة الضُّلُوع والفُوف والفُوقة - القِشرة الَّتِي على حَبَّة القَلْب والنَّواةِ والحُنْجُف والحُنْجُفَة - رأْسُ الوَرِك إِلَى الحَجَبة وخُرْب الوَرِك وخُرْبتُه - ثَقْبة والصَّفَنُ والصَّفَنَة - وِعاءُ الخُصْيةِ والكُظْر والكُظْرُة - شَحمةُ الكُلْيتَيْنِ المُحِيطةُ بهما والمِبْعَط والمِبْعَطة - الاستُ وَقَالُوا حِرٌ وحِرَةٌ قَالَ الشَّاعِر:
(تَرَاها الضَّبٍع أعْظَمهنَّ رَأْساً ... جُرَاهِمة لَهَا حِرَةٌ وثِيلُ)
والرَّعْث والرَّعْثة - القُرْط والجمْع رِعَثة ورِعَاث ودَخِيلُ الإنْسان ودَخِيلتُه - نِيَّته وعَرَفْت ذَلِك فِي معنَى كلامِه ومَعْناتِه وفحْواه وفَحْواته والضَّلاَل والضَّلاَلة - ضدُّ الهُدَى والغَمِيز والغَمِيزة - ضَعْف فِي العملَ وفهَّة فِي العَقْل وَمَا فِيهِ غَمِيز وَلَا غَميزة - أَي مَا يُعابُ بِهِ والأثِيمُ والأثِيمة - كثْرةُ رُكُوبِ الإِثْم وَفِي خُلُقه خالِفٌ وخَالِفةٌ - أَي خِلافَ والمَكْرُم والمَكْرُمَة - مَا أكرمْتَ بِهِ الإنسانَ والمَعُون والمَعُونة - مَا أعنْتَه بِهِ لَيْسَ فِي الْكَلَام مَفْعُل غيْرَهما وَمَا جَاءَ من هَذَا المِثَال فبالهاءِ وحُكِي عَن الفرَّاء أَنه قَالَ مَكْرُم جمع مَكْرُمة ومَعُون جمعُ مَعُونة وعَلى هَذَا وجَّه أَبُو عَليّ بيتَ عديٍّ:
(أبْلغِ النُّعْمانَ عَنِّي مَأْلُكاً ... )
أَنه جِمْعُ مَأْلُكة - وَهِي الرِّسالة والخَوَات والخَوَاتة والوَحَا والوَحاةَ والوعَا والوَعَاة والحَرَا والحَرَاة والوَقْش والوَقْشة - كُله الصوتُ عامَّة والحَرَكةُ والوَجْس والوَجْسة - صوتُ الشيءِ المختلِط الْعَظِيم كالجَيْش والغَرْب والغَرْبة - الحِدَّة وهم أهلُه وأهْلتُه قَالَ الشَّاعِر:
(وأهْلة وُدِّ قد تبَرَّيْتُ وُدَّهُم ... وأبلَيْتُهم فِي الحَمْد جُهْدِي ونائِلِي)
وَجمع الأَهْلة أَهَلات وأنتَ أهْلُ ذَاك وأهْلتُه - أَي حَقِيقٌ بِهِ وخَرج بأزْمَله وأزْملتِه - أَي بأهْله وأثاثِه وَهِي أختُه سَوْغُه وسَوْغتُه صَوْغُه وصَوْغَتُه وبِنْته نَثْرة ونَثْرته وَمَا تَرَك من أَبِيه مَغْدًى وَلَا مَغْداةً وَلَا مَرَاحاً وَلَا مَرَاحةً - يَعْنِي الشَّبَه بِهِ وَبَعْضهمْ يقولُ وَلَا رَوَاحاً وَلَا رَوَاحةً وَهِي خِطْبُه وخُطْبتُه وَهِي زَوْجه وزَوْجتُه وبَعْلُه وبَعْلتُه وَهُوَ جارحُ أهلِه وجارِحتُهم - أَي كاسِيهُم والْوَشِيظ والوَشِيظَة - الدُّخَلاء فِي الْقَوْم ليسُوا من صَمِيمهم والجِبلأّث والجِبِلَّة - الأُمَّة من الخَلْق والجماعةُ من الناسِ والإِرْب وَال إِرْبة - الدَّهْيُ والبصَرُ بالأمُور وهما أَيْضا - الحاجةُ والمِئْبَر والمِئْبَرة - النَّمِيمةُ وَلَك البَدْ والبَدأة - أَي لَك أَن تَبْدَأ وَمَاله بِيتُ ليلةٍ وبِيتَتُها - أَي قِيتَتُها والإزَار والإزارةُ - مَا ائْتزَرْت بِهِ وَهُوَ الرِّدَاء والكِرْباسة - ثَوْبٌ وَهِي فارسِيَّة والفَرْو والفَرْوة - الَّتِي تلبَسُها وَهِي حالُ الإنسانِ وحالَتُه والدُّبُّ والدُّبَّة - أَن تلْزَم حَال الإنسانش وتعمَلَ عمله وَهُوَ ذُو جاهْ عِنْدَ الأميرِ وجاهَةٍ - يُرِيد خاصَّة ومنْزِلةً وَأَنا من هَذَا الأمْرِ بمَرْأَى ومَسْمعٍ وبمَرْءاة ومَسْمَعة وَمَا فِي فُلان مَهَاةٌ ومَهَاهة - أَي لَا خَيْر فِيهِ وَلَا طائِلَ عِنْده قَالَ الْأسود بن يعْفُر:(5/120)
(فَإِذا وذلكَ لَا مَهَاهَ لذِكْرِه ... والدَّهْر يُعْقِب صالِحاً بفَسادِ)
وَقَالُوا أغنَيْتُ عَنْك مَغْنَى فلانس ومَغْناتضه وأجزأْت عَنْك مُجْزَأَ فلانٍ ومُجْزأتَه ومَجْزَأتَه وَهَذَا حَقِيقُ خَبَرِهم وحقِيقتُه وَقَالُوا دارٌ ودارةٌ ومنزِل ومنْزِلة ومَكانٌ ومَكانةٌ وزُونق وزُونةٌ - لبيْت الأصْنامِ وكُرٌّ وكُرَّة وأثَاث وأثاثَةٌ - أَي متاعٌ كثير وَقيل - هُوَ الكَثْرة والعِظَم من كلِّ شيءٍ وعقَار وعَقَارةٌ فِي المَعْنَى والوِسَاد والوِسَادةُ والإسَاد والإسَادة - المُتَّكَأ والنُّمْرُق والنُّمْرُقة - الوِسَادة وَقيل الطِّنْفِسَة وَقيل هِيَ الَّتِي تُلْبَسُ الرحْلَ والوَقَاء والوَقَاية - مَا وقَيْتَ بِهِ والمِشْمَل والمِشْمَلَة - كِساءٌ دُونَ القطيفة يُشْتَمل بِهِ والرَّعْث والرَّعْثة - القُرْط والسَّمُّ والسَّمَّة - الودَع المنظُوم وَقَالُوا جَرٌّ وجَرَّة وحُقٌّ وحُقَّة وقِمْطَر وقِمْطَرة وشَنٌّ وشَنَّة - للخَلَق من كل آنِيَةٍ صُنِعتُ من جِلْد وَجَمعهَا شِنَان وسَلٌّ وسَلَّة - للجُلَّةِ والسَّفِيف والسَّفِيفةُ - الجُلَّة من التمْر والبُورِيُّ والبُورِيَّة والبارِيُّ والبارِيَّة - الحَصِيرُ المنسوجُ وَقيل - الطَّرِيف فَارسي معرَّب والأيْلُم والأُبْلُمة - الخُوصةُ وعَرَقٌ وعَرَقة - وَهُوَ الزِّنْبِيل والجِلاز والجِلاَزةُ - العَقبة المَلْوِيَّة على القَوسِ من غير عَيْب وطِبَاب وطِبابةٌ - للجلد الَّذِي يُجْعَل على طرَفَي الدَّلْو والسِّقاء والإداوة إِذا سُوِّيَ ثمَّ خُرِزَ غير مَثْنِيٍّ وطِبَابُ السَّمَاء وطِبَابتُها - طُرَّتها المستطِيلةُ مِنْهُ وسِكِّيَنٌ وسِكِّينة ومَقْبِض السِّكِّين ومَقْبِضتها - مَا قَبَضْت عَلَيْهَا مِنْهَا ومَضْرِب السيفِ ومَضْرِبته - الحَدُّ الَّذِي ضَرَب بِهِ وَهُوَ دُون الظُّبَة والجِعَال والجَعَالة - مَا تُنْزَل بِهِ القِدْر من خِرْفة أَو غيرِها أَو جْعلْت القِدْر - أنزلْتُها بِهِ والجِعَال والجِعَالة - مَا جعَلت للإنسانِ على عملِه والجِوَاءُ والجِوَاءة والجِيَاء والجِياءةُ - مَا يُوضَع عَلَيْهِ القِدْر والقَدَّاح والقَدّاحة - الحَجَر الَّذِي يُوضَع ويُقْدح بِهِ والمِقْدَح والمِقْدحة - المِغْرَفة والضِّرَام والضِّرَامة - مَا اشتعَلَ من الحَطَب والمِجْمَرُ والمِجْمَرة - الَّتِي يُوضَع فِيهَا الجمْرُ مَعَ الدُّخْنة والجَيْهَلُ والجَيْهلَة المِجْهَل والمِجْهلة - الخَشَبة الَّتِي يُحَرَّك بهَا الجَمْر فِي بعض اللُّغَات والقُفُّ والقُفَّة - شَبِيهة بالفأْس والمِنْقَع والمِنْقَعة - إناءٌ يُنْقَع فِيهِ الشيءُ وَقيل - هِيَ قُدَيْرة صغيرةٌ من حِجارة تكون للصَبِيِّ الفَطِيم يطْرحُون فِيهَا التَمر واللبنَ يُطْعَمُه وَيُسْقاه يُقَال لَهَا مِنْقَع البُرَم والمِحْزَم والمِحْزَمة والحِزَام والحِزَامة - اسمُ مَا حزَمْت بِهِ والمِنْطَق والمِنْطَقة - مَا شدَدْت بِهِ وَسَطك والزُّنَّار والزُّنَّارة - مَا على وَسَط المَجُوسِيِّ والمِرْبَط وَا لمِرْبَطة - مَا تُربَط بِهِ الدابَّةُ والخالِفُ والخالِفَة - واحدةُ الخَوَالِفِ - وَهِي العَمَد الَّتِي فِي مؤَخَّر البيتِ والقِنَّار والقِنَّارة - الخشَبة يُعلّق عَلَيْهَا القَصَّاب اللحمَ حَكَاهَا ابْن دُرَيْد وَقَالَ لَيْسَ من كَلَام الْعَرَب والكَتِيف والكَتِيفة - حديدةٌ عريضةٌ طوِيلةٌ وربَّما كَانَت صَفيحةً - وَهِي الضَّبَّة والصَّوْلَجانُ والصَّوْلَجَانة - العُود المُعْوَجُّ فارسيٌّ معرَّب وَرُبمَا قَالُوا الصَّوْجانةُ والمِذْرَى والمِذْراة - الخَشَبةُ الَّتِي يُذَرَّى بهَا والمِنْدَف - مَا نَدَفْت بِهِ القُطْنَ وواسِط الرَّحْل وواسِطتُه - مَا بَين القادِمةِ والآخِرة والجازعُ - خشَبةٌ معْرُوضةٌ بَين شَيْئَين يحْمَل عَلَيْهَا شيءٌ وَقيل هِيَ الَّتِي تُوضع بَين خشْبتَيْن منصُوبتَيْنِ عَرْضاً لتُوضَع عَلَيْهَا سُرُوع الكَرْم لترفَعَها على الأَرْض فَإِن نُعِتت تِلْكَ الخشبةُ قيل خشبَةٌ جازِعةٌ والصُّلَّب والصُّلَّبِيَّةُ - حِجارةُ المِسَنِّ والقَتْر والقِتْرة - نِصالُ الأهْدافِ وَقيل هُوَ نَصلْ كالزُّجِّ حديدُ الطَّرَف قصيرٌ نَحْو من قَدْر الإصْبَع وَهُوَ أَيْضا - القَصَب الَّذِي تُرْمَى بِهِ الأهدافُ والفَضْل والفَضْلة - البَقِيَّة من الشيءِ والعُقْبُول والعُقْبُولة واحدةُ العَقَابِيل - وَهِي بَقِيَّة العِلَّة والعَدَاوة والعِشْقِ وَقيل - هُوَ الَّذِي يخْرُج على الشَفَتين فِي غِبِّ الحُمَّى والبسِيل والبَسِيلة - مَا يَبْقَى من الشَّراب فيَبِيت فِي الإناءِ والمَسِيط والمَسِيطة - الماءُ الكَدِر يبْقَى فِي الحَوْض والصُّلْصُل والصُّلْصُلَةُ - بقِيَّة الماءِ فِي الغَدِير والخَمْر والخَمرةُ - مُدْرِكُ عصِير العِنَب وسُلاَف الخمْر وسُلافَتُها - أوَّلُ مَا يُعْصَر مِنْهَا وَقيل - هُوَ مَا سالَ من غير عَصْر وَقيل - هُوَ أوَّلُ مَا يُرْفَع من الزَّبِيب وَقيل - هُوَ خالِصُ الخَمْر والجِرْيل والجِرْيالةُ - الخَمْر الشديدةُ الحُمْرة وَقيل - هِيَ الحُمْرة رُومِيَّة مُعرَّبة والمُدَام والمَدامة - الخمرُ والدِّرْياق والدِّرْياقة - الخمْرُ وخصّ بعضُهم بِهِ الحَمْراء وَكَذَلِكَ الدِّرْياق من الأشْفِيَة بالهاءِ وغيرِ الهاءِ معرَّب(5/121)
والمِبْزَل والمِبْزَلة - المِصْفاة والمُصَاص والمُصَاصة - مَا تَمصَّصْت بِهِ ومُصَاص الشَّيْء ومُصَاصتُه - أخلَصُه والصُّيَّاب الصُّيَّابة - أصلُ القومِ وسَرَار الوادِي وسَرَارته - أكبَرُ موضِع فِيهِ وسَرَار الحَسَب وسَرَارتُه - أوْسَطُه والخِلاَص والخِلاصَة - التمْر والسَّوِيقُ يُقْلَى فِي السَّمْن إِذا أحَبُّوا أَن يُخْلِصُوه والمَطَاب والمَطَابة - خِيَار اللَّحْم وغيرِه والوَسْم والوَسْمة - شَجَر لَهُ وَرَق يُخْتَضَبُ بِهِ والغِسْل والغِسْلة - مَا يُغْسَل بِهِ الرأسُ من خِطْمِيِّ وَنَحْوه والغَيْطَلُ والعيْطلة - الشجَرُ المُلْتَفُّ الكثيرُ وَكَذَلِكَ العُشْب والصُّنْبُور والصُّنبُورة - النخْلةُ الَّتِي دَقَّتْ من أسفَلِها وانجرَد كَرَبُها وقَلَّ حَمْلُها والرَّاكُوب والرَّاكُوبة - فَسِيلةٌ تكون فِي أعلَى النخْلِ متدَلِّيَة لَا تبلُغ الأرضَ والبَتِيل والبَتيلة من النَّخْل - الفسِيلةُ المنفَرِدةُ عَن أمِّها المستَغْنِيةُ بنَفْسِها والغُثْكُول والعُثُكولة - العِذْق والكَرِشُ والكَرِشَة - من عُشْب الرَّبِيع وَهُوَ نَبْتةٌ لاصِقةٌ بِالْأَرْضِ فُطَيْحاءُ مُفَرَّصة غُبَيْراءُ تنْبُت فِي السَّهْل والدِّيَارِ وَلَا تَنْقَع فِي شيءٍ وَلَا تُعَدُّ إِلَّا أَنه يُعرَف وَسْمُها وعَرِين الأسَد وعَرِينتُه - أجمَته والأبِيلُ والأبِيلة - الحُزْمة من الحَشِيش والوَزِيم والوَزِيمة - الحُزْمة من البَقْل والوَبِيل والوَبِيلة - الحُزْمة من الحَطَب والغُمَر والغُمَرة - الزَّعْفران وَقيل الوَرْس والتِّقْد والتِّقْدة - الكُزْبَرَة وفُوقُ السهْمِ وفُوقَتُه - موضِعُ الوَترِ مِنْهُ والصَّوْلَجَان والصَّوْلجانةُ - الفِضَّة الخالِصةُ والظُّرَر والظُّرَرة - قِطْعة حجرٍ لَهُ حدٌّ والسَّمَاء والسَّماءةُ - مَدَار النُّجوم والعَهْد والعَهْدة - مطَر يكُونُ بعد مَطَرٍ يُدْرِك آخِرُه بلَلَ أوَّله وَقيل: هِيَ كلُّ مطَر يكونُ بعد مَطَرٍ وَقيل: هِيَ المَطْرةُ تكونُ لما يأتِي بعدَها وّلاً وَجَمعهَا عِهَاد وعُهُود والدَّيْمُوم والدَّيْمُومة - الفَلاَةُ الواسعةُ والصِّمْحاء والصِّمْحاءة - الأرضُ الغَلِيظةُ والضُّلَضِل والضّلَضِلة - الأرضُ الغَلِيظة وَهِي أَيْضا الحِجارةُ يُقِلُّها هُوَ الفَصْل بَين الأرَضِينَ والرَّقْو والرَّقْوة - فُويْقَ الدِّعْص من الرمل وأكثرُ مَا يكونُ إِلَى جانِبش الأوْدِية والدَّكُّ والدَّكَّة - مَا استَوَى من الرمل وسَهُلَ وجمعُهما دِكَاك والجُمْهُور والجُمْهُورة من الرمْل - مَا تَعَقَّدَ وانْقادَ وَقيل - هُوَ مَا أشرَفَ مِنْهُ والهَجْل والهَجْلة - مَا اطْمَأنَّ من الأرضِ والجَبَّان والجَبَّانة - المَقْبُرة والضَّرِيح والضَّرِيحة - القَبْر وسِفْل الشيءِ وسِفْلتُه - نقِيضُ عُلْوه والمَشْبَر والمَشْبَرة - نَهْر ينْخَفِضُ فيتأَدَّى إِلَيْهِ مَا يَفِيضُ من الأرَضِينَ وجَمُّ الماءِ وجَمَّته - معظَمُه إِذا ثابَ وجمعُه جِمَام والوَقْب والوَقْبة - نُفْرَة فِي الصَّخرة يجتمِع فِيهَا الماءُ والمَغَار والمَغَارة - المَذْهَب فِي الأَرْض يكون للماءِ وغيْرِ الماءِ وَقَالُوا نَزَلنا ماءَ بنِي فلَان وماءَتَهم والمَزْلَف والمَزْلَفةُ - البلدَ الَّذِي بَين البَرِّ والبحرِ والمَدْلج والمَدْلَجَة - مَا بيْنَ الحوْضِ والبِئر والفَرْج والفَرْجة - الخَلَل بَين الشيْئيْنِ وَالْجمع فُرُوج والسُّكَاك والسُّكَاكة - الهَواءُ بَين السَّماءِ والأرضِ والحينُ والحِينَةُ - أَن تُحْلَبَ الناقةُ مرَّة فِي اليومِ والليلةِ والنَّهِيد والنَّهِيدة - الزُّبْدة الضَّخْمة والإذْوابُ والإذْوابة - الزُّبْد يُذَاب فِي البُرْمة للسَّمْن وَلَا يَزَال ذَلِك اسمَه حَتَّى يُحْقَن فِي السِّقاء والخَمِير والخَمِيرة - الخُمْرة والجَشيش والجَشِيشة - مَا جَشَشْت وَقيل الجَشِيش - الحَبُّ حِين يُدَقُّ وقبْلَ أَن يُطْبَخ فَإِذا طُبِخ فَهُوَ جَشِيشة وَمَا لِطعامِكم أُدْم وأُدْمَة وإدام والشَّرْق والشَّرْقة الشمسُ حِينَ تُشْرِق أَو أيَاتُها وأيَاؤُها - ضَوْؤُها والعِشِيُّ والعَشِيَّة - آخرُ النَّهار والأصِيلُ والأَصِيلة - العَشِيُّ وأقمت سَبْتاً وسَبْتة - أَي بُرْهةً وأتَيْتُه قَيْظَ عَام أوَّلَ وقَيْظتَه وأتيتُه ذَاتَ يَوْم وذاتَ ليلةٍ وَحكى ذَا يَوْم وأتيتُه ذاتَ صَبُوح وذاتَ غَبُوق قبيحةٌ وَذَا صَبُوح وَذَا غَبُوق أجودُ والضَّمَان والضَّمَانة - السُّقْم والألِيل والألِيلة - الأنِين وَقيل عَلَزُ الحُمَّى وهما أَيْضا الثُّكْل والمُلاءُ والمُلاءَة - الزُّكام يُصِيب من امتِلاءِ المَعِدة والبَلَم والبَلَمة - دَاء يأخُذُ الناقةَ فِي رحمِها فيَضِيقُ لذَلِك والفَرِيس والفَرِيسة - مَا يَفْرِسه السبُعُ والسَّلاَم والسَّلامةُ - البَراءُ وَفِيه لَبْس ولَبْسة - أَي الْتِباسٌ والرُّذَال والرُّذَالة - مَا انتُقِيَ جَيِّده وبَقِيَ ردِيُّه والفِرْق والفِرْقة - الطائِفةُ من الشَّيْء المتفَرِّقِ والرِّسْل والرِّسْلة - الرُّفْق والتُّؤَدة والمَنْظَر والمَنْظَرة - مَا نَظَرت إِلَيْهِ فأعجبَكَ أَو ساءَك والمجَسُّ والمجَسَّة - مَمَسٌ مَا حَسَسْته بِيَدِك والأَمَار والأَمَارة - المَوْعِد والوقتُ المحدُود(5/122)
وسُوق القِتال وسُوقَته - حَوْمتُه والثِّقَاف والثِّقافة - العَمَل بالسِّيف والقَنْبَل والقَنْبَلة - طائِفةٌ من النَّاس وَمن الخَيْل والمَكْبَر والمَكْبَرة والمَوْكِن والمَوْكِنَة - عُشُّ الطائِرِ وموقِعُه والكَنَف والكَنَفة - ناحيةُ الشيءِ واذهَبْ فَلَا أريَنَّك بِحَرايَ وحَرَاتِي - أَي ناحيَتِي وذَرَاي وذَرَاتِي وَأنكر أَبُو عبيد ذَرَاتِي والكِسْف والكِسْفة - القِطْعة مِمَّا قَطَعت والكُسَار والكُسَارة - مَا تَكسَّر من الشيءِ والشِّرك والشِّرْكة - الشَّرِكة والغَاق والغَاقةُ - من طَيْرِ الماءِ والشَّبُّوط والشَّبُوطة - ضَرْب من السَّمَك دقيقُ الذَّنَب عرِيضُ الوسَطِ صغيرُ الرَّأْس لَيِّنُ المَسِّ كانه البَرْبَط والمِدْرَى والمِدْراة والمَدْرِية - القَرْن والفِليل والفَلِيلة - الشعرُ المجتمِع والصِّمُّ والصِّمَّة - الأسدُ والَّلامُ والَّلامة - الهَوْل
وَمن الصِّفَات
رجلٌ تِنْيال وتِنْبالةٌ ودَحْداح ودَحْداحةٌ والذال لغةٌ ودِنِّب ودِنَّبة وحِنْزَقْر وحِنْزَقْرةٌ وحُزُقٌّ وحُزُقَّة وجَدَم وجَدَمة وجِعْطار وجِعْظارَة - كل ذَلِك قَصِير كثيرُ اللحْم وبَحْوَنٌ وبَحْوَنَةٌ - عظِيمُ البطْنِ وأصلُه فِي الجُلَّة وحُذُنٌّ وحُذُنَّة - صَغِير الأُذُنينِ خفِيفُ الرأسِ وزُمَّيْل وزُمَّيْلَةٌ وزُمَّالٌ وزُمَّالةٌ - ضَعيف رِخْو جَبَانٌ رَذْل وهِرْدَبٌّ وهِرْدَبَّة - ضَخْم جَبَانٌ ورِعْدِيد - جبانٌ وفَرُوق وفَرُقة وفارُوق وفارُوقةٌ - يَفْرَق من كلِّ شيءٍ وَهُوَ خالِفُ أهلِ بيتِه وخالِفَتُهم - أَي أحمَقُهم وَرجل خالِفٌ وخالِفَةٌ - لَا يُعْتَدُّ بِهِ وهَجَهَاجٌ وهَجْهاجةٌ - كَثيرُ الشرِّ خفيفُ العَقْل وهِلْباج وهِلْباجةٌ - للَّذي لَا أحْمَق مِنْهُ وساقِطٌ - ناقِصُ العَقْل وهَيْذار وهَيْذارة - كثيرُ الخطَا فِي الكلامِ ولُقَّاع ولُقَّاعة وتِلِقَّاع وتِلِقَّاعة - كثيرُ الكلامِ فِي خطَأ أَو صَوَاب وكَعْدَب وكَعْدَبة - فَسْل وزَوْبَع وزَوْبَعَة - ضَعيفَ وجِلْحابُ وجِلْحابةٌ - كبيرٌ مُوَلِّ وزِمَخْن وزِمَخْنةٌ - سيِّءِ الخُلْق وعُوَق وعُوَقة - ذُو تَعْوِيقٍ وهِلْواع وهِلْواعةٌ - شديدُ الحِرْص فامّا الهِلْواع والهِلْواعةُ من النُّوق - فالسَّرِيعة الشهمةُ الفُؤادِ الَّتِي تَخَاف السَّوْط ورجُل تِلِقَّام وتِلقَّامة - عظيمُ اللُّقَم وخائنُ وخائنَة - خَوَّان ودَاهٍ وداهِيَة وباقِعٌ وباقِعةٌ كداهِية أَبُو زيد: باقعةٌ لَا غيْرُ وَرجل ضُبَارِمٌ وضُبارمةٌ - ماضٍ شُجاعٌ وَهُوَ من الأُسْد الوثيقُ وَهُوَ نِدِيدُك ونَدِيدتُك - أَي مَثْلك وامرأةٌ غِرٌّ وغِرَّة - لَا تَجْرِبةَ لَهَا وخَرِيد وخَرِيدة - بِكْر لم تُمسَسْ وَقيل حَييَّة وهَدِيٌّ وهَدِيَّة - عَرُوس ونَصَف ونَصَفة - كَهْلة وعَجُوز وعَجُوزة ومُسِنَّة - وهِرْشَفُّ وهِرْشَفَّة - عَجُوزة كبِيرةٌ وعَزَبٌ وعَزَبَةٌ - لَا زَوْج لَهَا وَامْرَأَة حُذْحُذ وحُذُحُذة وبُهْتُر وبُهْتُرة - قصيرةٌ وخَلِيق وخَلِيقة - تامَّة حَسَنة معتَدِلة وشُغْمُوم وشُغْمُومةٌ - طَوِيلَة تامَّة حسَنَة وقَطَطُ الشَّعَرِ وقَطَطَتُه - جَعْدته وضَلْفَع وضَلْفَعَة - واسِعةُ الهَنِ وَعَيْهَلٌ وعَيْهَلةٌ - لَا تستَقِرُّ نَزَقاً فَأَما العَيْهَلُ والعَيْهَلَة من الْإِبِل فالسَّرِيعة وامرأةٌ خَرِيع وضَلْفَع وضَلْفَعة - واسِعةُ الهَنِ وَعَيْهَلٌ وعَيْهَلةٌ - لَا تستَقِرُّ نَزَقاً فَأَما العَيْهَلُ والعَيْهَلَة من الْإِبِل فالسَّرِيعة وامرأةٌ خَرِيع وخَرِيعة - فاجرَة لَا تَرُدُّ بُد لامِس كَأَنَّهَا تَتَخَزَّع - أَي تَتَثَنَّى وتتَكَسَّر وقُلْب وقُلْبة ومَحْض ومَحْضة وبَحت وبَحتة - خالِصةُ النَّسَب وأُذُنٌ حَشْر وحَشْرة - صَغيرة لَطِيفة مُستدِيرة وفرسٌ نَعْت ونَعْتة ونَعِيت ونَعِيتة بَيَّنة النَّعاتةِ - أَي عتِيقة وسَلْهَب وسَلْهَبة - طويلةٌ عظيمةق وناقةٌ خَنْجَر وخَنْجَرة - غَزِيرة وعَرَنْدَس وعَرَنْدَسة - شديدةٌ ورَهْب ورَهْبة - مهْزُولة جِدًّا وَعَيْهَمٌ وعَيْهمة - طويلةُ العُنُق ضَخْمة الرأسِ وَقيل ماضِيَة وطَوْعُ القِيَاد وطَوْعَة القِياد - ذلُول مُنقادة وعاجٌ وعاجةٌ - لَيِّنة الانْعطاف مِذْعانة للسَّيْر وضائِنَةٌ رغُوث ورَغُوثة - مُرْضِع وشَاة رَبِيقٌ ورَبِيقة - مَرْبُوقة وأسدٌ ضِرْغامق وضِرْغامةٌ - شدِيدٌ ودِرْع حَصِينٌ وحَصِينَة - مُحْكَمة وفَضْفاضٌ وفَضْفاضة - واسِعةٌ وَكَذَلِكَ الثوبُ وسَيْف صَمْصام وصَمْصامة - مُصَمِّم فِي المَفَاصل وسِكِّين حدِيد وحَدِيدةٌ وَالْجمع حِدَاد وأرضٌ مَحْل ومَحْلة وجَدْب وجَدْبة - قَحْطة ودَهْثمٌ ودَهْثَمة - سَهْلة واسِعةٌ وجَرْوَلٌ وجَرْوَلَة بَيِّنةُ الجَرَل - أَي ذاتُ جَرَاوِلَ - وهِي الصُّخُور وسَنَة قاشُور وقاشورةٌ - تقْشِر كلَّ شيءٍ وريحٌ عَرِيٌّ وعَرِيَّة - بارِدَة وسَيْهَج وسَيْهَجَةٌ - دائِمة شديدةٌ وليلةٌ إضْحِيانٌ وإضْحِيَانَة وضَحْيانٌ - مُضِيئةٌ ساكِنةٌ وطَلْق وطَلْقة كَذَلِك ودَلْو حَوْأبٌ وحَوْأبةٌ - واسِعةٌ عظيمةٌ وضَرْبةٌ فَرِيغ وفَرِيغة - واسعةٌ والنَّقِيذ والنَّقِيذة - مَا(5/123)
استَنْفذْت وَقد غَلَب غَلبةَ الْأَسْمَاء
وَمِمَّا يُقال بألفٍ وَغير ألفٍ
الجَوْث والجضوْثاء - القِبَة واللَّوْم واللَّوْما - المَلامةُ والجُمَّيْز والجَمَّيْزَى - ضرْبٌ من الشَّجَر يُشبه حملُه التِّينَ والحَنْدقُون والحَنْدقُوقَى - ضَرْب من الشجَر والحَرُوق والحَرُوقاء ممدودٌ - تُقْدَح بِهِ النارُ
(وَمِمَّا يُقال بِمثل ذَلِك إِلَّا أَنه باختِلاف صِغَتيْن)
لَا آتِيكَ آخَِ المَنُون وأُخْرَى المَنُون وَقَالُوا لَا أُكَلِّمه آخِرَ مَا خَلْفِي وَلم يقُولوا أُخْرى مَا خَلْفِي وَقَالُوا: السُّرُّ والسَّرَّاء والضُّرُّ والضَّرَّاء والنَّكْرُ والنَّكْراء والبُؤْس والبأسْاءُ
(وَمِمَّا يُقال بِالْهَاءِ مَرَّةٌ وبالألف أُخْرَى)
طَرَفةٌ وطَرْفاءُ وحَلِفةٌ وحَلْفاءُ وقَصَبة وقَصْباءُ وَمن جعَل ذَلِك اسْما للْجمع فَلَيْسَ من غَرَضِنا
1 - بَاب مَا يَستَوى فِيهِ المذَكَّر والمؤنَّث من الزِّيَادَة فِي بَاب فَعْلاَن
قد قدّمت أَن قانُون مَا كَانَ على فَعْلانَ أَن يكُونَ مؤنَّثه بِغَيْر زِيَادَة إِلَّا الألفَ كَرَيَّانَ ورَيَّا وسَكْرانَ وسَكْرَى وَقد شَذَّت من ذَلِك أحرُفٌ جَاءَ فِيهَا المؤنَّث على فَعْلانَةٍ كَقَوْلِهِم رجل سَيْفانٌ - وَهُوَ الطَّويل الممْشُوق وَامْرَأَة سَيْفانةٌ وَهَذَا مذهَب من قَالَ إِنَّه مشتَقٌّ من السَّيْف فأمَّا مَن قَالَ إِنَّه مشْتَقٌ من السَّفْن - وَهُوَ القَشْر فَهُوَ فَيْعال وفَيْعالة فَلَيْسَ من غَرضِنا هَذَا وَقَالُوا رجُل مَوْتانُ الفُؤادِ وَامْرَأَة مَوْتانةٌ ونَدْمانٌ ونَدْمانةٌ وَقَالُوا رجل مَلآنٌ وامرة مَلاَنة فِي لُغَة بَنِي أَسْدٍ:
(وَمِمَّا يُؤنَّث من الْإِنْسَان وَلَا يذكر)
من ذَلِك العَيْنُ قَالَ امرُؤ القَيْسِ يصف فرسا:
(وعَيْن لَهَا حَدرة بَدْرة ... شُقَّتِ مَآقِيهما من أُخُرْ)
وَالْجمع عُيُون وأَعْيُن وأعْيانٌ قَالَ الشَّاعِر:
(فَقَدْ أَرُوعُ قُلُوبَ الغانِيات بِهِ ... حَتَّى يَمِلْنَ بأجْيادٍ وأعْيانِ)
وَأنْشد سِيبَوَيْهٍ:
(ولكِنَّما أغْدُو عَليَّ مُفاضةٌ ... دِلاَصٌ كأعْيانِ الجَراد المُنَظَّم)
وَهِي من الأسْماء المشتَرَكةِ لِأَنَّهَا تَقَع على عِدَّة أشْخاص مختلِفةٍ وكلّها مؤنَّث إِلَّا واحِجٌ وَأَنا أذْكُر جميعَ مَا يَقع عَلَيْهِ اسمُ العَيْن: العَيْن - يَنْبُوع الماءِ والعَيْن - مطَرُ أيَّامٍ لَا يُقْلِع قَالَ الرَّاعِي:
(وأنْئاء حَيٍّ تحتَ عَيْنٍ مَطِيرةٍ ... عِظَامِ القِبَابِ ينْزِلُون الرَّوابِيَا)
الآنئَآء جمعُ نُؤْي - وَهُوَ الحَفِير يُحْفَر حوْلَ الخَيْمة لِئَلاَّ يُدْخُلَها الماءُ ومعنَى الْبَيْت أَن نارَهم لَا تخُفَى يُرِيد أنَّ الأضْيافَ يأْتُونهم والعَيْنِ - نِاحِيَة القِبْلة والعرَب تَقُول مُطِرْنا بالعَيْن وَمن العَيْن - إِذا كَانَ السَّحابُ ناشِئاً(5/124)
من ناحِيَة القِبْلة وَيُقَال بَلِ العَيْن مَا عنْ يمينِ قِبْلة العَرَاق قَالَ العجاج:
(سارٍ سَرَى من قِبَل العَيْنِ فَجْرّ ... عِيطَ السَّحابِ والمَرَابِيعَ الكُبَرْ)
العِيطُ - السَّحاب الطِّوَالُ الأعناقِ والمَرَابِيعُ - الَّتِي يَجيءُ مَطرُها فِي أوَّل الرَّبِيع والعَيْن - عَيْن المِيزَانِ والعَيْن - النَّقْد من دَنانِيرَ ودَارهِمَ لَيْسَ بعَرْض والعَيْن - القَناةُ الَّتِي تُعمَلُ حَتَّى يَظْهرَ ماؤُها والعَيْن - نَفْس الشيءِ من قَوْلهم لَا أخُذُ إِلَّا دِرْهمِي بعَيْنهِ - أَي لَا أقْبَل مِنْهُ بَدَلاً وَهُوَ قولُ العرَب لَا تَتْبَعْ أَثَراً بعدَ عَيْن والعَين من قَوْلهم يأتِيك بالأمْر من عَيْنٍ صافِيَة - أَي يأتِيكَ بِهِ من فَصِّه والعَيْن - عَيْن الرُّكْبة - وَهِي النُّقْرة الَّتِي تكُون من عَن يَمينِ الرَّضْفعة وشِمَالها والرَّضْفة - العَظْم الَّذِي اطْبَقَ على رأسِ الرُّكْبة يُغَطِّي مُلْتَقَى الفَخِذ والساقِ وأمَّا عَيْن الجَيْش الَّذِي يَنْظُر لَهُم فمذكَّر وَيُقَال رجُل عَيُون - إِذا كانَ شَدِيد الْإِصَابَة بالعَيْن وَالْجمع عُيُن كَمَا يُقَال طائِر صَيُود وطَيْر صُيُدٌ ودَجاجةٌ بَيُوض ودَجاجٌ بُيُضٌ الأُذنُ أنثَى وفيهَا لُغتاَن يُقَال أُذُن وأُذْن والضمُّ أصل والسكُون فَرْع وَقد أبنت تعليلَ ذَلِك فِي كتاب خَلْق الإنسانِ والجمعي آذانٌ قَالَ أَبُو ثَرْوانَ فِي أحْجِيَّة لَهُ:
(مَا ذُو ثَلاثَ آذَان ... يَسْبِقُ الخَيْلَ بالرَّدَيان)
يَعْنِي السَّهْم وآذانُه - قُذَذه والرَّدَيانُ - جَرْي الفرَس قَالَ الْفَارِسِي: وَكَذَلِكَ أُذُن الكُوز والدَّلْو قَالَ وَأنْشد أَبُو زيد فِي وَصْف دلو:
(لَهَا عِنَاجانِ وستُّ آذان ... )
وَأما الأُذُن - الرجلُ الَّذِي يصَدّق بهَا يسمَعُ فمذَكَّر وَيُقَال فِيهِ أَيْضا أُذْن والأذُن فِي الْحَقِيقَة مؤنَّثة وَإِنَّمَا يُذْهَب بالتذكير إِلَى معنَى الرجُل وَكَذَلِكَ عَيْن الْقَوْم وأُذُن القومِ بِمَنْزِلَة عيْنِ القومِ يذكَّر على معنى الرجُل وأنش:
(خَيْرُ إِخْوانكِ المُشارِكُ فِي المُرِّ ... وأيْنَ الشَّرِيكُ فِي المُرِّأيْنَا)
(الَّذِي إنْ شَهِدْتَ زانَك فِي الحَيِّ ... وإِنْ غِبْتَ كَانَ أُذْناً وعَيْنا)
قَالَ الْفَارِسِي: إِذا قيل للرجل أُذُن جَازَ أَن يكونَ مذَكَّراً وَذَلِكَ إِذا عُودل بِهِ يَقُنُّ يَعْنِي باليَقُنِ الَّذِي يَصْغَى إِلَى مَا يُقال لَهُ فيقبَلُه كأُذُن لِأَنَّهُ نُوقِلَ وَهُوَ على نَحْو قَوْلهم مَا أنتَ الأُبَطَيْن وَسَيَأْتِي تعليلُ هَذَا فِي بَاب تحقير المؤنَّث والكَبَدُ مؤنَّثة فِيهَا ثلاثُ لُغات كَبِد وكَبْد وكِبْد وَجمعه أكْبادٌ وأكْبَد وكُبُود قَالَ الشَّاعِر:
(أيَا جَبْلَيْ نَعْمانَ باللهِ خَلِّيَا ... نَسِيمَ الصَّبَا يَخْلُصْ إليَّ نَسِيمُها)
(أجِدْ بَرْدَها أَو تَشْفِ مِنيِّ حَرَارةٌ ... على كَبِدٍ لم يَبْقَ إلاَّ صَمِيمُها)
(فإنَّ الصَّبَا رِيحٌ إِذا مَا تَنَسَّمتْ ... على كِبْدِ مهْمُومٍ تَجلَّتْ هُمُومُها)
فجمَع التثقيلَ والتخفيفَ مَعَ كسْر الكافِ وَيُقَال كَبِدْ حَرَّى وكبِد القوسِ مؤَنَّثة والإصْبَع مؤنَّثة وَهِي إصْبَع الكَفِّ وَكَذَلِكَ الإصْبَع الأثَرُ الحَسنُ من الرجُل على عَمَل عَمِله فأحسَن عَمَله أَو معروفٍ أسْداه إِلَى قومٍ فهُم يُرَى أثَرُه عَلَيْهِم وَيُقَال مَا أحسَنَ إصْبَع فلانٍ على مالِهِ قَالَ الرَّاعِي:
(ضَعِيف العَصَا بادِي العُرُوقِ تَرَى لَهُ ... عَلَيْهَا إِذا مَا أجْدَب الناسُ إصْبَعَا)
وَفِي الإصْبَع ثمانِي لغاتٍ أفْصحهُنَّ إصْبَع بِكَسْر الْألف وَفتح الْبَاء وإصبع بِكَسْر الألِف والباءِ وأُصْبُع بضمِّ الْألف وَالْبَاء وأَصْبَع بِفَتْح الألِف والباءِ وأَصْبِع بِفَتْح الْألف وكسْر الْبَاء وإصْبُع بِكَسْر الْألف وضمِّ الْبَاء(5/125)
حَكَاهَا البصريُّون وَلم يعرفهَا الفرَّاء قَالَ: وَلَيْسَ من أبنِيَة الْعَرَب إفْعُل وَلَا فِعِلُل واحتَجُّوا بِأَن الْعَرَب تَقول زِئْبُر الثَّوْب بكَسْر الزَّاي وضمِّ الباءِ وَحكى أصْبُع بِفَتْح الألِف وَضم الْبَاء قَالَ الْفَارِسِي: أَصْبُع أفْعُلٌ من بَاب إنْقَحْل لم يحكها إِلَّا الكُوفيُّون وَقد أبَنْت هَذِه اللُّغاتِ فِي أوّل الكتابِ وأَعْدْتها هُنا لأُرِيكَ التأنيثَ هُنا والأصَابعُ كلُّها مؤنَّثة يُقَال الإصْبَع الوُسْطَى والصُّغْرَى فَتُؤنِّث النعتَ وَتقول فِي جَمْع الوُسْطى الوُسَط وَيُقَال هِيَ الخِنْصِر والبِنْصِر والدَّعَّاءة وسيأتِي ذكر الإبهامِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى والكَفُّ مؤنَّثة قَالَ الْفَارِسِي: وَأما قَول الأعشَى:
(رأتْ رُجلاً مِنْهُم أسِيفا كَأَنَّمَا ... يَضُمُّ إِلَى كَشْحَيْه كَفًّا مُخَضَّبا)
فَإِنَّهُ يجوزُ أَن يكون مُخَضَّباً كَقَوْلِه: " وَلَا أرْضَ أبْقل إبقالَها " وَيجوز أَن يكونَ حمل الكلامَ على العُضْو كَمَا حملَ الآخَرُ البئرَ على القَليب فِي قَوْله:
(حَتَّى تَعُودِي أقْطَع الوَلِيِّ ... )
أَي حَتَّى تَتُودي قليباً أقطَعَ الوَلِيّ لِأَن التذكيرَ فِي القَلِيب أَكثر أَلا تراهم قَالُوا فِي جمعه أقْلِبةٌ وَمثله فِي الحمْل على المعنَى قولُ الْأَعْشَى:
(فباتَتْ رِكَابٌ بأكْوارِهَا ... لَدَيْنا وخَيْلٌ بألْبادِهَا)
(لقَوْمٍ فكانُ , اهمُ المنْفِدين ... شَرَابَهُمُ قبل إنْفادِهَا)
أنَّثَ الشَّرابَ حيثُ كَانَ الخمرَ فِي الْمَعْنى كَمَا ذكَّر الكَفَّ حيثُ كَانَ عُضْواً فِي الْمَعْنى وَهَذَا النحوُ كثيرٌ وَيجوز أَن يكونَ المخضَّب للرجُل لِأَنَّك تقُول رجُل مَخْضُوب - إِذا خُضِبتْ يدُه كَمَا تَقول مَقْطُوع - إِذا قُطِعَت يَدُه فَتَقول على هَذَا رجُل مُخَضَّب - إِذا خُضِّبتْ يَدُه ويقوِّي ذَلِك قَول الشَّاعِر:
(سَقى العَلَم الفَرْدَ الذِي بَجُنُوبِهِ ... غَزَالانِ مُكْحُولانِ مُخْتَضِبانِ)
فَإِذا استَقامَ ذَلِك أمْكَنَ أَن يُجْعَل قَوْله مُخَضَّباً صفة لرجُل مُنْكُور وَإِن شِئْت جعلْته حَالا من الضَّمِير المَرْفُوع فِي يضُمُّ أَو المجرُورِ فِي قَوْله كشْحيْه لِأَنَّهُمَا فِي المعنَى لرجُل وَقَالَ ابنُ الْأَنْبَارِي: وَيجوز أَن يكونَ أَرَادَ كَقًّا مُخَضَّبة فحّذف الهاءَ لضَرُورة الشِّعْر على جِهَة الترخيمِ كَمَا تُرَخِّم العرَبُ الاسمَ فِي غيْر نِداءٍ قَالَ أَبُو حَاتِم: ووَجَّهَه بعضُهم على أنَّ الكَفَّ تُذَكَّر قَالَ: وَلَيْسَ بمعْرُوف والعَقِب مؤنَّثة وتُسكَّن القافُ ويُقال انقَطَعَتْ عَقِبُ النَّعْل ويُقال لفُلانٍ عَقِبٌ - أَي ولَدٌ ووَلَدُ ولَدٍ قَالَ الله عز وَجل: {وجعَلَها كَلِمةٌ باقِيَةٌ فِي عَقِبِهِ} [الزخرف: 28] ويُقال آتِيكَ فِي عَقِب الشَّهْرِ - أَي لليلةٍ تَبْقَى مِنْهُ إِلَى عَشْر ليالٍ يَبْقَيْنَ مِنْهُ وَكَذَلِكَ فِي عُقْبه وعُقْبانِه وكُسْئِه وَالْجمع أكْساءٌ - أَي بعْدَ مُضِيِّه قَالَ الْفَارِسِي: عَقِب كلِّ شيءٍ وعاقِبتُه - آخِرُه وَالْهَاء فِي عاقِبةٍ دخَلتْ كَمَا تدخُل فِي سائِر المَصادِر نَحْو الخاتِمَة والعافِيَة وَقَالَ:
(مَن يَفْعَل الخَيْرَ لَا يَعْدَمْ جوازِيَه ... لَا يَذْهَبُ العُرْف بينَ اللهِ والناسِ)
فَجَوازِ جمعُ جازِيَة ويُقال عاقِبَةُ هَذِه الكَأس مِسْك وَكَذَلِكَ خاتِمتُها والسَّاقُ مؤنَّثة وَفِي التَّنْزِيل: {والْتَفَّتِ السَّاقُ بالسَّاقِ} [الْقِيَامَة: 29] وَكَذَلِكَ السَّاقُ من الشَّجَر وَالْجمع أسْؤُقٌ وسُوْق وألِفُها منقلِبةٌ عَن الْوَاو بِدَلِيل قَوْلهم أسْوَقٌ بيِّن السَّوَق وَقد سَوَّق الشجَرُ والزَّرْعُ والفَخِذ مؤنَّثة يُقَال فَخِذَ وفَخْذ وَكَذَلِكَ الفَخِد من القَبائِل وَالْجمع أفْخادٌ وَهِي أفْخادُ العرَبِ وبُطُون العرَبِ والكُرَاعُ من الإنسَانِ - مَا دُونَ الرُّكْبة إِلَى الكَعْبِ وَمن الدَّوابِّ - مَا دُونَ الكَعْب وَالْجمع أَكْرُعٌ وأكارع جمعُ الْجمع وَقد يكَسَّر على كرْعانٍ والكُرَاع من البَقَر والغَنَم بِمَنْزِلَة الوَظِيف من الخيلِ والإبِلِ والبِغَال والحَمِير واليَدُ مؤنَّثة وَكَذَلِكَ يَدُ القَمِيص ويَد الرَّحا وَكَذَلِكَ(5/126)
اليَدُ الَّتِي يَتَّخِذُها الرَّجُل عِنْد آخَرَ وَالْجمع أيْد وأَيَادٍ ويُدِيُّ قَالَ:
(فلَنْ أذْكُرَ النُّعمانَ إِلَّا بِصالِحٍ ... فإنَّ لَهُ عِنْدِي يُدِيًّا وأنْعُمَا)
والرِّجْلُ مؤنَّثة قَالَ الشَّاعِر:
(وَكنت كذِي رجْلَيْنِ رجْل صَحيحة ... وَرجل رَمَى الزَّمانُ فَشَلَّتِ)
وَيُقَال أتَتْه بأوْلادٍ على رِجْلٍ واحدةٍ وساقٍ واحدةٍ - إِذا كانُوا يُشْبِه بعضُهم بَعْضًا فالرِّجُل من هَذَا الْوَجْه مؤنَّثة والرِّجْل من قَوْلهم كَانَ ذَلِك على رِجْلِ فُلانٍ - أَي على يَده مؤنَّثة يُروَى عَن سَعِيد بنِ المُسَيب أَنه قَالَ: " لَا أعْلَمُ نَبِيًّا هَلك على رِجْلِه من الجَبَابِرة مَا هَلَك على رِجْل مُوسَى عَلَيْهِ السلامُ وَأما الرِّجْل من الجَرَاد القَطيعُ مِنْهُ فمذَكَّرٌ عِنْد ابْن الأنْبارِي وَقَالَ هُوَ بِمَنْزِلَة قَوْلك سِرْب من قَطاً وطِباءٍ ووَحْشٍ وَقَالَ أَبُو حَاتِم: الرِّجْل من كلِّ شيءٍ مؤنَّثة وَقَالَ الرِّجْل من الجَرَاد مؤنَّثة بِمَنْزِلَة الخِرْقةِ من الجَرَاد والضِّلَع مؤنَّثة وَيجوز أَن تُسكَّن اللامُ فتقُول ضِلْع وَكَذَلِكَ الضِّلَع من الجَبَل المُسْتَدِقُّ مِنْهُ يُقال انْزِلْ بِتلك الضِّلَع ويُقال ثلاثُ أضْلُع وأضلاع وَالْكثير الضُّلوع جَاءَ فِي الحَدِيث:
(خَلْقت الْمَرْأَة من ضِلَعٍ عَوْجاءَ نُزِعتْ من جَنْبِ آدَمَ عَلَيْهِ السلامُ) قَالَ الْفراء إِذا كَانَ الْقَوْم يَمِيلونُ على الرَّجُل قيل أنتُمْ ضِلَعٌ جائِرةٌ وَرُبمَا جمَعُوا الأضْلُع فَقَالُوا الأَضَالِع وَأنْشد لذِي الرُّمَّة:
(ولَمَّا تَلاحَقْنا وَلَا مِثْلَ مَا بِنَا ... من الوَجْد لَا تنْقَضُّ مِنْهُ الأضالِعُ)
وَقَالَ سَابق:
(والنَّجْمُ أقْرَب من سِرِّي إِذا اشْتَملتْ ... مِنِّ على السِّرِّ أضْلاعٌ وأحْشاءُ)
والقَدَم مؤنَّثة قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى: {فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا} [النَّحْل: 94] وَكَذَلِكَ القَدَم السَّابِقَةُ والعَمَلُ الصَّالِحُ مُؤَنَّثة قَالَ الله تَعَالَى: {أنَّ لَهُم قَدَمَ صِدْقٍ عِنْد رَبِّهم} [يُونُس: 2] وَقَالَ حسَّان بن ثَابت:
(لنا القَدَم الأُولَى إلَيْك وخَلفُنا ... لأوّلِنَا فِي مِلَّةِ الله تابِعُ)
وأماّ القَدَم - الرجُلُ الشُّجَأعُ فمذَكَّر يُقَال رجلٌ قَدَمٌ - إِذا كَانَ شُجاعاً وَكَذَلِكَ القَدَم التقَدّم مذكَّر أَيْضا والسِّنُّ مؤنَّثة والأسْنان كلُّها مؤنَّثة وَكَذَلِكَ السِّنُّ من الكِبَر يُقَال كَبِرْت سِنِّي وَيُقَال فِي جمعهَا أسْنانٌ قَالَ أَبُو عَليّ: وَقد اتّسِع فِي هَذِه الكلمةِ لَمَّا صارَتْ أمارةٌ لهَذَا المعنَى فاستُعْمِلت حيثُ لَا سِنَّ الَّتِي هِيَ العُضْو قَالَ عنترةٌ:
(عَلَيها من قَوَادِمِ مَضْرَحِيٍّ ... فَتِيِّ السِّنِّ مُحْتَلِك ضَلِيع)
أَلا تَرى أنَّ الطائِر لَا سِنَّ لَهُ والوَرِك مءنَّثه وَيجوز وَرِك ووِرِك الرَّحل - آخِرتُه أنثَى وَهُوَ مثَل بذلك فأمَّا قولُهم ثَنَى ورِكَه فَنَزل فأمَّا أَن تعنِيَ بِهِ الوَرِكَ وإمَّا أَن تَعْنِيَ بِهِ المَوْرَكَة والوِرَاكَ وَهُوَ للرَّحْل كالرِّكابِ للسَّرْج وَقد وَرَكْت - نَزَلتُ وكلُّه مؤنُّث والأنامِلُ مُؤَنّثَة واحدتُها أنْمَلَة بِفَتْح الألِف والميمِ وأنْمُلةٍ بِفَتْح الألفِ وضَمِّ الميمِ وَحكى أنْمَل والبَراجِم مؤنَّثة واحدتها بُرْجُمة والرّواجب مؤنَّثة واحدتها راجِبَة والبَراجِمُ - عُقَد الْأَصَابِع والرَّواجِب - ظُهُور الأَصابع والأنامِل - أطْرافُ الْأَصَابِع والسُّلاَمَيَات إناثٌ - وَهِي قَصَب الْأَصَابِع الْوَاحِدَة سُلاَمَى قَالَ الشَّاعِر:(5/127)
(أرَانا اللهُ نَقْيَكِ فِي السُّلاَمَى ... على مَنْ إِن حَنَنْتِ تُعَوِّلِينَا)
والقِنْب من أقْتاب البَطْن مؤنَّثةٌ وَهِي من الأمْعاءِ وبتصغيرها سُمِّي الرجُل قُتَيْبَة والقِنْب من أداةِ السَّانِيَة مذَكَّر والسانِيَة - البعيرُ الَّذِي يَسْنُو من البِئْر - أَي يَسْتقِي واليَمِينُ لليَدِ والرِّجْل من الإنْسان مؤنَّثة وَيُقَال فِي جَمْعها أيْمانٌ والشِّمال مؤنَّثة وَيُقَال فِي جمعهَا شَمَائِلُ قَالَ الله تَعَالَى: {عنِ اليَمِينِ والشَّمائِلِ سُجَّداً لله} [النَّحْل: 48] وَقَالَ تَعَالَى: {ومِنْ خَلْفِهم وعَنْ أيمانِهِمْ} [الْأَعْرَاف: 17] وَيُقَال أَيْضا فِي الْجمع أيْمُنٌ وأشْمُلٌ وَيُقَال أَيْضا شِمَال وشُمُل قَالَ أَبُو النَّجْم:
(يَبْرِي لَهَا من أيْمُنٍ وأشْمُلِ ... )
وَقد قيل شُمُلٌ قَالَ الأزرقُ العنَبرِي:
(طِرْنَ انْقِطاعةَ أوْتارٍ مُخَطْرَبَةٍ ... فِي أقْوُسٍ نازَعَتْها أيمُنٌّ شُمُلاَ)
وَيُقَال ثَلاثُ أيْمُنٍ وأيمانٍ واليَمِين من الحَلِف مؤَنَّثة يُقَال حَلَفْتُ على يَميِنٍ فاجَرَة وَيُقَال فِي جمعهَا أيْمانٌ قَالَ أَبُو عَليّ: وحُكِي استَيْمنْت فلَانا - أَي اسْتَحْلَفْته واليَسَار الشِّمَال مؤنَّثة وفيهَا لُغَتَانِ اليَسَار واليِسَار وفتْح الياءِ أجودُ وأمّا اليَسَار من الغِنَى فمذَكَّر والكَرِش بفتْح الكافِ وكسْر الراءِ مؤنَّثة وَيجوز فِيهَا كِرْش وكَرْش وَيُقَال فِي جمَع الْقلَّة ثَلاثُ أكْراشٍ وَفِي جمع الكَثْرة الكُرُوش يوقال عَلَيْهِ كِرِشٌ مَنْثورةٌ يُراد بذلك كَثْرةُ العِيالِ وَكَذَلِكَ الكَرِش من المِسْك والثِّيابِ والفَحِث والحَفِثُ مؤنَّثة - وَهُوَ مَا يَنْقَبِض من الكَرِش كهيْئة الرُّمَّانة ويَجُوز فِيهَا من التَّخْفِيف مَا جازَ فِي الكَرْش والعَجُز - عَجُزُ الإنسانِ مؤنَّثَة وفيهَا أربَعُ لُغَات عَجُز وعَجْز وعُجُزٌ وعُجْزٌ وَيُقَال لِقبَائِلَ من هَوَازِنَ عَجُزُ هَوَازِنَ ويجُوز فِيهِ من الوُجُوه مَا جَازَ فِي عَجُز الإنسانِ وَهِي مُؤَنَّثة (تمّ الْجُزْء السَّادِس عشر ويليه الْجُزْء السَّابِع عشر أوّله وَمِمَّا يؤنث من سَائِر الْأَشْيَاء وَلَا يذكر)(5/128)
1 - السّفر السَّابِع عشر من كتاب الْمُخَصّص(5/129)
(فارغة)(5/130)
{وَمَنْ يَتَوَكَّلُ علَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(وَمِمَّا يؤنث من سَائِر الْأَشْيَاء وَلَا يذكر)
(الرِّيح) أُنْثَى هِيَ عِنْد سِيبَوَيْهٍ فِعْلٌ وَعند أبي الْحسن فُعْلٌ وَكَذَلِكَ جِيدٌ عِنْده فُعْلٌ وَلَيْسَ تعليلُ هَذَا هُنَا من غَرَضِنا وياؤه منقلبة عَن وَاو بِدَلِيل قَوْلهم فِي الْجَمِيع أَرْواحٌ وَأما رِيَاحٌ فياؤه منقلبة عَن وَاو للكسرة الَّتِي قبلهَا وَقد قَالُوا فِي جمعهَا أَرايِيح وَهُوَ عِنْدِي مِمَّا عاقَبُوا بَينه وَأَسْمَاء الرّيح مُؤَنّثَة، وَأَنا أذكر مَا يحضرني من أسمائها وأبدأ بمعظمها وَهِي الجَنُوب والشَّمَال والدَّبُور الَّتِي من دُبُر الْكَعْبَة والقَبُول من تِلْقائها والشَّمَالُ تَأتي من قُبُلِ الحِجْر والجَنُوب من تلقائها وَقد دَبَرَتْ تَدْبُرُ دُبُوراً وقَبَلَتْ تَقْبُلُ قُبُولاً وجَنَبَتْ تَجْنُبُ جُنُوباً وشَمَلَتْ تَشْمُلُ شُمُولاً وَفِي الشَّمَالِ لُغاتٌ قد قدَّمت ذكرهَا وأذكر هُنَا مِنْهَا شَيْئا للِاحْتِيَاط يُقَال شَمْأَلٌ وشَمَلٌ وشَأْمَلٌ وشَمَأَلٌ وشَمُولٌ وشَمْلٌ وَإِن شِئْت قلتهَا كلهَا بِالْألف وَاللَّام وَقد قدَّمتُ أَن هَذِه الْأَسْمَاء الْأَرْبَعَة تكون صفة واسماً وَالْعرب تَقول هَبَّت الشَّمالُ وهَبَّتْ شَمَالاً وَكَذَلِكَ فِي سَائِر لغاتها وَجَمِيع أَسمَاء الرِّيَاح يكون ذَلِك فِيهِ فِيمَا ذكر الْفَارِسِي وَهُوَ الْقيَاس فِي قَول من جعلهَا وَصفا وَقد تُضَاف هَذِه الرِّيَاح كلهَا وَمن أَسمَاء الجَنُوب الأَزْيَبُ وَلَا فِعْلَ لَهَا والنُّعَامَى وَقد اَنْعَمَتْ وَذكر الْفَارِسِي أَن جَمِيع الْأَفْعَال المشتقة من هَذِه المثالات الَّتِي هِيَ أَسمَاء الرِّيَاح مَبْنِيَّة على فَعَلَتْ إِلَّا النُعَامَى فَإِنَّهُ يُقَال أَنْعَمَتْ وَمن أسمائها الهَيْفُ والهَوْفُ قَالَ ابْن السّكيت: هَيْفٌ وهُوفٌ وَلَا فِعْلَ لَهَا وَمن أَسمَاء الشَّمالِ الجِرْبِيَاء ونِسْعٌ ومِسْعٌ وَقد قَدَّمت اشتقاقَ هَذَا كُله فَأَما قَول الْهُذلِيّ:
(قد حَالَ بَيْنَ دَرِيسَيهِ مُؤَوِّبَةٌ ... نِسْعٌ لَهَا بِعضاه الأرْضِ تَهْزِيزُ)
فَزعم الْفَارِسِي أَن نِسْعاً بدل من مُؤَوِّبَةٌ وَهُوَ بدل الْمعرفَة من النكرَة
(وَمن أَسمَاء الصِّبَا) إِيرٌ وأَيْرٌ وهِيرٌ وهَيِّر فَهَذِهِ أَسمَاء مُعظم الرِّيَاح
(وَمن أَسمَاء الرِّيَاح) الصَّرْصَرُ - وَهِي الْبَارِدَة والبَلِيلُ - وَهِي الَّتِي فِيهَا بَرْد ونَدًى والحَرْجَفُ - وَهِي القَرَّةُ فَهَذَا مَا جَاءَ من أسمائها بِغَيْر عَلامَة وصافُتها الَّتِي لَا عَلامَة فِيهَا تَجْرِي هَذَا المَجْرَى والبَلِيلُ والحَرْجَفُ عِنْد الْفَارِسِي صِفَتانِ غَلَبَتا غَلَبَةَ الْأَسْمَاء فَأَما الإِعْصَار فمذكر وَهُوَ عِنْده وَعند سِيبَوَيْهٍ اسْم وَلَا يكون صفة لِأَنَّهُ لَا يكون فِي الصِّفَات على مِثَال إفْعال وَإِنَّمَا هُوَ بِنَاء خُصَّ بِهِ الِاسْم وَغلب عَليّ المصادر فَأَما الإسْكَافُ الَّذِي هُوَ الصَّانِع والإسْوَارُ الَّذِي هُوَ جَيِّدُ الثيباِ على ظَهْرِ الفَرَس أَو الجَيِّد الرَّمِيْ بِالسِّهَام ففارسيان والهَيْجُ - الرّيح الشَّدِيدَة والخَزْرَجُ - ريح الجَنُوب وَقيل الشَّدِيدَة وَقيل هِيَ الرّيح الْبَارِدَة قَالَ أَبُو ذُؤَيْب:
(غَدَوْنَ عُجَالَى وانْتَحَتْهُنَّ خَزْرَجٌ ... مُقَفِيَةٌ آثارَهُنَّ هَدُوجُ)(5/131)
(النَّار) أُنْثَى وتكسيرها نِيرانٌ ونُورٌ ونِيَرةٌ وأَنْؤُرٌ منقلبة وَأنْشد الْفَارِسِي:
(فَلَمَّا فَقَدْتُ الصَّوْتَ مِنْهُم وأُطْفِئَتْ ... مَصابيحُ مِنْهُم بالعِشَاءِ وأَنْؤُرُ)
وَالدَّلِيل على صِحَة الْقلب قَوْلهم: تَنَوَّرْتُ النارَ أَي نظرتُ إِلَيْهَا وَزعم الْفَارِسِي أَن النَّار والنُّورَ من بَاب العِدْلَ والعَدِيلِ وحكة أَنْؤُرٌ والإِبدالُ عِنْده أَكثر لخفة الْهمزَة وَقَالُوا: أَنَرْتُ لَهُ وَلَيْسَ النُّورُ الَّذِي هُوَ نقيض الظُّلْمَة بِجمع إِنَّمَا هُوَ اسْم كالضَّوْءِ والضُّوْءِ قَالَ أَبُو حَاتِم: وَكَذَلِكَ نَار الحَرْب والسَّمَةِ والمَعِدَةِ قَالَ أَبُو حنيفَة: وَقد حُكيَ فِي النَّار التَّذْكِير وَهِي قَليلَة وَجَمِيع أَسمَاء النَّار (وَالدَّار) أُنْثَى وألفها منقلبة عَن وَاو بِدَلِيل قَوْلهم تَدَوَّرَا دَارا - أَي اتَّخَذَها فَأَما قَوْلهم: دَيَّارٌ فَزعم أَحْمد بن يحيى أَنَّهَا معاقبة وَزعم غَيره من النَّحْوِيين أَنه فَيْعَالٌ فَأَما دَيُّورٌ فَفَيْعُولٌ عِنْدهم وَجمع الدَّار أَدْؤُرٌ وَحكى أَبُو الْحسن أَدْوُر ذكرهَا عِنْد الْفَارِسِي وَقَالَ هُوَ على القَلْبِ وَقد أَبَنْتُ وَجْهَ ذَلِك وأوردتُ تعليلَه فِيهِ فَأَما جمعه الْكثير فَدُورٌ وَحكى سِيبَوَيْهٍ دُورٌ ودُوراتٌ وَقد كُسِّرَت الدارُ على الدِّيارِ والدِّيرانِ والدَّارُ البَلَدُ يَجْرِي هَذَا المجرى فِي التَّأْنِيث والتكسير وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: تَقول الْعَرَب هَذِه الدَّار نعمت البلدُ فَأَما قَوْله:
(هَل تَعْرِفُ الدارَ يُعَفِّيها المُورْ ... والدَّجْنُ يَوْمًا والسَّحابُ المَهْمُور)
(لِكُلِّ رِيحٍ فِيهِ ذَيْلٌ مَسْعُور ... )
فَإِنَّهُ ذَكَّر على معنى الْمَكَان وَقَالُوا: الدارُ الدُّنْيا والدارُ الْآخِرَة فَأَما قَوْله: {وَلَدَارُ الآخِرةُ} [يُوسُف: 109] فعلى إِرَادَة الْحَيَاة الْآخِرَة
(الأَرْض) مُؤَنّثَة وَالْجمع أَرَضُون وفتحوا الرَّاء لِيُشْعِرُوا بالتغيير والإخراج لَهُ عَن بَابه والفتحة هُنَا بِإِزَاءِ الكسرة فِي قَوْلهم ثِبُونَ وبابه فِي أَنَّهَا مَوْضُوعَة للإشعار بالتغيير وجمعوها بِالْوَاو وَالنُّون وَإِن كَانَ ذَلِك من خَواص جمع من يَعْقِل ذَهَابًا إِلَى تفخيمها وتكسيرها عَزِيز وَلكنه قد كُسِّرَ وَلَيْسَ بذلك الفاشي قَالُوا: أُرُوضٌ وآراضٌ وأرَاضٍ وأَرْضُ الدابةِ قوائمُها يَجْري هَذَا المَجْرَى وَهِي اسْتِعَارَة كَمَا قَالُوا لأعلاها سَمَاء وَأنْشد:
(إِذا مَا اسْتَحَمَّتْ أَرْضُهُ من سَمَائِهِ ... جَرَى وَهُوَ مَوْدُوعٌ وواعِدُ مَصْدَقِ)
والأرضُ - الزَّكْمَةُ تَجْرِي هَذَا المَجْرى فِي التَّأْنِيث فَأَما قَوْله تَعَالَى: {إِلاَّ دَابَّةُ الأرضِ} [سبأ: 14] فَذهب بَعضهم إِلَى أَنَّهَا الأَرَضَة يُقَال أُرِضَ الجِذْعِ أَرْضاً وأَرِضَ أَرَضاً - إِذا أكلتْهُ الأَرَضَةُ يُقَال دَابَّة الأرضِ كَمَا قَالُوا دابَّةُ القَرْضِ نَسَبَها إِلَى فِعْلِها وَإِلَيْهِ ذهب أَبُو حَاتِم فِي الْآيَة
(والفِهْر) مُؤَنّثَة وَهِي حَجَرَ يمْلَأ الكَفَّ والجمعُ أفْهار
(والعَرُوضُ) من الشِّعْرِ وَغَيره مُؤَنّثَة وَأنْشد:
(مَا زَالَ سَوْطِي فِي قِرَابِي ومِحْجَنِي ... وَمَا زِلْتُ مِنْهُ فِي عَرُوضٍ أَذُودُهَا)
والعَرُوضُ - نَاحيَة مَعْرُوفَة من الأَرْض مُؤَنّثَة يُقَال وَليَ فلانٌ مَكَّة والعَرُوضَ لتِلْك النَّاحِيَة وَقيل اسْتُعْمِلَ فلانٌ على العَرُوضِ - يَعْنِي مَكَّة وَالْمَدينَة واليمن وَلَيْسَت هَذِه الْمَسْأَلَة عَرُوض هَذِه - أَي مثلهَا وَيُقَال نَاقَة عَرُوض - إِذا لم تُرَضْ وَكَذَلِكَ نَاقَة قَضِيبٌ وعَسِيرٌ
(والنَّعْلُ) من نِعَالِ الأَرْجُل مُؤَنّثَة وَكَذَلِكَ النَّعْلُ من نِعال السُّيُوفِ والنَّعْلُ - الحَرَّة وَمِنْه قَول الشَّاعِر:(5/132)
(بِالآلِ إِذْ تَبْرُقُ النِّعَالُ ... )
يَعْنِي بالسَّرابِ وَكَذَلِكَ الحَرْجَلُ مؤنث وَهُوَ من أَسمَاء الحَرَّة فَأَما أَبُو حنيفَة فَقَالَ: هِيَ الحَرْجَلَةُ بِالْهَاءِ وَيُقَال للحافِرِ الوَقَاحِ إِنَّه لَشَدِيدُ النَّعْلِ. .
(والشَّعِيبُ) مَزَادَةٌ مَشْعُوبَةٌ من أَدِيمَيْنِ وَقيل هِيَ الَّتِي تُفْأَمُ بجلدٍ ثالثٍ بَين الجِلْدَيْنِ لِيَتَّسعَ مؤنث لَا غير فَأَما قَول الراجز:
(مَا بالُ عَيْنِي كالشَّعِيبِ العَيَّنِ ... )
فيروى بِالْفَتْح وَالْكَسْر فَمن فَتحه حمله على معنى السِّقاء لِأَن فَيْعَلاً لَا يكون للمؤنث إِلَّا بِالْهَاءِ وَأما الْكسر فعلى الصّفة للشَّعيب لِأَن فَيْعَلاً قد يكون للمؤنث كَمَا قَالَ بَلْدَة مَيْتاً وَقَالَ الرَّاعِي:
(فَكَأّنَّ رَيِّضَهَا إِذا اسْتَقَبَلَتْهَا ... كانَتْ مُعَاوِدَةَ الرَّكَابِ ذَلُولاً)
(الغُول) أُنْثَى - وَهِي سَاحِرَة الجِنِّ والجمعُ أغْوال وغِيلانٌ وَقيل هِيَ الَّتِي تَغُول وتَغَوَّلُ وتَلَوَّنُ وَمِنْه قَول كَعْب بن زُهَير:
(فَمَا تَدُومُ على شَيْء تكونُ بِهِ ... كَمَا تَلَوَّنَ فِي أثْوابِها الغُولُ)
وَقَالَ جرير أَيْضا:
(وَيَوْماً يُوَافِينِي الهَوَى غَيْرَ مَاضي ... وَيَوْما تَرَى مِنْهُنَّ غُولاً تَغَوَّلُ)
وَقد غَالَتْهُ الغُولُ غَوْلاً واغْتَالَتْهُ وكلُّ شَيْء أَهْلَكَ شَيْئا فقد غَالَهُ حَتَّى أَنهم ليقولون الغَضَبَ غُولُ الحِلْمِ
(والكَأْسُ) مُؤَنّثَة وَهِي الْإِنَاء بِمَا فِيهِ وَإِذا كَانَت فارغة زَالَ عَنْهَا اسْم الكأس كَمَا أَن المِهْدَى الطَّبَقُ الَّذِي يُهْدَى عَلَيْهِ فَإِذا أُخِذَ مَا فِيهِ رَجَعَ إِلَى اسْمه إِن كَانَ طبقًا أَو خِوَاناً أَو غَيرَهما وَكَذَلِكَ الجَنَازَة لَا يُقَال لَهَا جَنازَة إِلَّا وفيهَا ميت وَإِلَّا فَهِيَ سَرِير أَو نَعْشٌ وَقد قيل الكأسُ - الخَمْرُ بِعَينهَا وَفِي التَّنْزِيل: {إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كافُورا} [الْإِنْسَان: 5] وَقَالَ الشَّاعِر:
(ومَا زَالتِ الكأسُ تَغْتَالُنَا ... وَتَذْهَبُ بِالأَوَّلِ الأَوَّلِ)
وتخفيفُها عِنْد أبي الْحسن الْأَخْفَش بَدَلِيٌّ لقَولهم فِي جمعهَا أكواسٌ وكِيَاسٌ فَأَما قولُهم أكْؤُسٌ وكُؤُسٌ فَلَيْسَ بِدَلِيل على أَن التَّخْفِيف قياسيّ وَلَكِن الْهمزَة فِيهَا على حَدهَا فِي أَسْؤُقٍ وأَدْؤُر وَأما كُؤس فالهمز فِيهِ ضَرُورِيّ فَلَيْسَ بِدَلِيل وَقد يجوز أَن تكون أَكْرُس وكُوس جمعَ كَأْسٍ قبل البَدَل فَلَا إقناع فِي الِاحْتِجَاج بِهِ وَهَذَا كُله تَعْلِيل الْفَارِسِي فَأَما قَوْلهم: كأسُ الفِراق وكأسُ الموتِ وكأس الهموم فَكلهَا مستعارات وَزعم الْفَارِسِي أَنه أَكثر مَا وجد هَذَا مستعاراً فِيمَا يُؤْلِم النَّفْسَ كالموت والحُزْن وَقد قيل الكأسُ الزُّجاجة كَانَ فِيهَا خمرًا أَو لم تكن
(والقَلْتُ) مُؤَنّثَة وَهِي نُقْرة فِي الْجَبَل تُمْسِك المَاء أَن يَفِيضَ تسمى المُدْهُن والوَقِيعَةَ قَالَ أَبُو النَّجْم:
(قُلْتُ سَقَتْها العَيْنُ من غَزِيرِها ... )
وَقَالَ أَيْضا:(5/133)
(لَحَى اللهُ أَعْلَى تَلْعَةٍ حَفَشَتْ بِهِ ... وقَلْتاً أَقَرَّتْ ماءَ قَيْسِ بْنِ عَاصِم)
وَيُقَال فِي جمع القِلْتِ قِلاَتٌ وَأنْشد قَول الشَّاعِر:
(لَو كنتُ أَمْلِكُ مَنْعَ مائِكَ لم يَذُقْ ... مَا فِي قِلاَتِكَ مَا حَييتُ لَئِيمُ)
وَكَذَلِكَ القَلْتُ أَيْضا نُقْرَةٌ فِي أصل الْإِبْهَام
(والقَدُومُ) الَّتِي يُنْحَتُ بهَا مُؤَنّثَة قَالَ الشَّاعِر:
(نِعْمَ الفَتَى لَو كانَ يَعْرِفُ رَبَّهُ ... وَيُقِيمُ وَقْتَ صَلاَتِهِ حَمَّادُ)
(نَفَخَتْ مَشَافِرَهُ الشَّمُولُ فأَنْفَهُ ... مِثْلُ القَدُومش يَسُنُّهَا الحَدَّادُ)
وَقَالَ الْأَعْشَى أَيْضا:
(أطافَ بهَا شَاهَبُورُ الجُنُوذَ ... حَوْلَيْنِ تَضْرِبُ فِيهَا القُدُمْ)
وقُدومٌ وقُدُم بِمَنْزِلَة قَوْلهم جَزُورٌ وجُزُرٌ وصَبُور وصُبُرٌ
(الشَّمْس) مُؤَنّثَة قَالَ الله تَعَالَى: {والشَّمْسُ تَجْرِي لَمُسْتَقَرٍّ لَهَا} [يس: 38] وَقَالَ الشَّاعِر:
(الشمْسُ طَالِعَةً لَيْسَتْ بِكَاسِفَةٍ ... تَبْكِي عَلَيْكَ نُجُومُ اللَّيْلِ والقَمَرَا)
وكلُّ اسْم للشمسِ مؤنثٌ يُقَال قد طلعتْ ذُكَاءَ على وزن فُعَالٍ مَمْدُود معرفَة بِغَيْر ألف وَلَام غير مُجْراة قَالَ الشَّاعِر يَذْكُرُ نَعَامَتَيْنِ:
(فَتَذَكَّرَا ثَقَلاً رثِيداً بَعْدَمَا ... أَلْقَتْ ذُكَاءُ يَمِينِهَا فِي كافِرِ)
يَعْنِي اللَّيْل وَأما الشَّمْس ضَرْبٌ من الحُلِيّ فمذكر وَكَذَلِكَ الشَّمْس القِلادَةُ الَّتِي تُوضَع فِي عُنق الْكَلْب ويُوحُ - الشَّمْس اسْم لَهَا معرفَة مؤنث
(والمَنْجَنُون والمَنْجَنِين) اسْم مؤنث وَهُوَ الدُّولابُ وَأنْشد الْأَصْمَعِي:
(ثَمِلٌ رَمَتْه المَنْجَنُونُ بِسَهْمِهَا ... ورَمَى بِسَهْمِ جَريمةٍ لم تَصْطَدِ)
(والمَنْجَنِيقُ) مُؤَنّثَة قَالَ العجاج يصفها:
(وكُلُّ أَنْثَى حَمَلَتْ أحْجارا ... تُنْتَجُ حينَ تَلْقَحُ ابْتِقارا)
وَبَعض الْعَرَب يُسَمِّي المنجنيقَ كَمَا قيل فِي المنجنيق المنجنونث وَأنْشد:
(يَا حَاجِبُ اجْتَنِبَنَّ الشَّأَم إنَّ بَهَا ... حُمَّى زُعافاً وحَصْبات وطاعونا)
(والمَنْجَنُوق الَّتِي تَرْمي بِمِقْذَفِها ... وَفِتْيَةً يَدَعُون البيتَ مَوْهُونا)
حَاجِب اسْم رجل قَالَ الْفَارِسِي: هِيَ المَنْجَنِيقُ والمِنْجَنِيق وميمها أصل عِنْد سِيبَوَيْهٍ فَأَما أَبُو زيد فَقَالَ جَنَقُونا بالمِنْجَنِيقِ وَلم يزدْ فِي تَعْلِيل هَذِه الْكَلِمَة أَكثر من هَذَا
(وَشَعُوبُ) هِيَ الْمنية اسْم مؤنث معرفَة غير مُجْرًى قَالَ أَبُو عَليّ وَمن ألحقها الْألف وَاللَّام فَالْقِيَاس أَن يَصْرِفَها فيقولَ خَرَمَتْهُ شَعُوبٌ والشَّعُوبُ(5/134)
(وَكَحْلُ) مُؤَنّثَة غير مجراة اسْم للسّنة الشَّدِيدَة وَقَالَ سَلامَة بن جندل:
(قومٌ إِذا صَرَّحَتْ كَحْلٌ بُيُوتُهُمْ ... مَأَوْى الضَّرِيكِ ومَأْوَى كُلِّ قُرْضُوبِ)
ورمبا اضطُرَّ الشَّاعِر إِلَى إِجْرَاء كَحْل والضَّرِيكُ الْفَقِير والقُرْضُوب الضَّعِيف ذاتِ الْيَد
(والضَّبَع) السَّنة الشَّدِيدَة أُنْثَى
(وَحَضَار) اسْم كَوْكَب مُؤَنّثَة يُقَال طلعتْ حَضَارِ والوَزْنُ وهما كوكبان قَالَ الْفَارِسِي حَضَارِ والوَزْنُ كوكبان مُحْلِفانِ أَي يَحْلِف الناسُ إِذا رَأَوْا أحدَهما أَنه سُهَيْلٌ وَلَيْسَ بِهِ (والثُّرَيَّا) مُؤَنّثَة بِحرف التَّأْنِيث مصغرة لم أسمع لَهَا بتكبير وَكَذَلِكَ الثُّرَيَّا من السُّرُج (والشِّعْرَى) مُؤَنّثَة بِحرف التَّأْنِيث وهما الشِّعْرَيان والعَبُورُ والغُمَيْصاء وَقيل لَهَا عَبُور لِأَنَّهَا تَعْبُر المَجَرَّة قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى: {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى} [النَّجْم: 49] وَأنْشد:
(أَتَانِي بهَا يَحْيى وَقد نِمْتُ نَوْمَةً ... وَقَدْ غَابَتْ الشِّعْرى وَقد جَنَحَ النَّسْرُ)
(والمِلْحُ) مُؤَنّثَة قَالَ مِسْكِينُ الدَّارمِيّ:
(لَا تَلُمْهَا إِنها من نِسْوَة ... مِلْحُها موضوعةٌ فَوْقَ الرُّكَب)
(والعَوَّا) مُؤَنّثَة تمد وتقصر اسْم كَوْكَب قَالَ الرَّاعِي:
(وَلم يُسْكِنُوهاَ الحَرَّ حَتَّى أظَلَّهَا ... سحابٌ من العوَّا تَؤُبُ غُيُومُها)
وَقَالَ الفرزدق:
(هَنَأْناهُمُ حَتَّى أعَان عليهُم ... من الدَّلْوِ أَو عَوَّا السِّمَاكِ سِجَالُهَا)
(والبئر) أُنْثَى قَالَ الله تَعَالَى: {وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ} [الْحَج: 45] وَالْجمع أبآر وآبار على نقل الْهمزَة وَيُقَال فِي جمعهَا أَيْضا فِي الْقلَّة أَبْؤُرٌ وَأنْشد قَول الشَّاعِر:
(وأَيُّ يومٍ لم تُبَلِّلْ مِئْزَرِي ... وَلم تُلَطِّخْنِي بِطِينِ الأَبْؤُرِ)
وَيُقَال فِي جمع الْكَثْرَة بِئَارٌ على مِثَال قَوْلك جمال وجبال قَالَ الْفَارِسِي فَأَما قَول الراجز:
(يَا بِئْرُ يابِيرَ بَنِي عَدِيٍّ ... لأَنْزَحَنْ قَعْرَكَ بالدُّلِيِّ)
(حَتَّى تَعُودي أَقْطَعَ الوَلِيِّ ... )
فَإِنَّهُ أَرَادَ حَتَّى تعودي قَلِيباً أَقْطع الوَلِيِّ لِأَن القليب يذكر وَيُؤَنث فَذكره على إِرَادَة القليب إِذا ذكر قَالَ أَبُو عَليّ: (والعِيرُ) مُؤَنّثَة قَالَ الله تَعَالَى: {وَلَمَّا فَصَلَتِ العِيرُ} [يُوسُف: 94] (والرَّحَى) أُنْثَى يُقَال فِي جمعهَا أرْحَاء وَرُبمَا قَالُوا أَرْحِيَةٌ وَيُقَال أَيْضا فِي جمعهَا أَرْحٍ (والعَصَا) أُنْثَى يُقَال فِي جمعهَا أَعْصٍ وعِصِيٌّ (والضُّحَى) أُنْثَى يُقَال قد ارْتَفَعت الضُّحَى وتصغيرها ضُحَيٌّ بِغَيْر هَاء لِئَلَّا يشبه تصغيرَ ضَحْوَة وَأنْشد قَول الشَّاعِر:
(سُرُحُ اليَدَيْنِ إِذا تَرَفَّعَتْ الضُّحَى ... هَدْجَ الثَّفال بِحَمْلِهِ المُتَثَاقِلِ)
(والعَصْر) صَلَاة الْعَصْر مُؤَنّثَة يُقَال الْعَصْر فاتتني وَكَذَلِكَ الظّهْر وَالْمغْرب فَأَما سِيبَوَيْهٍ فَقَالَ: هَذِه الظّهْر وَهَذِه الْمغرب أَي هَذِه صَلَاة هَذَا الْوَقْت قَالَ أَبُو عَليّ: كُلُّ هَذِه الْأَوْقَات مُذَكّر فَمن أنث فعلى إِرَادَة الصَّلَاة
(والقَوْسُ) أُنْثَى وَكَذَلِكَ الْقوس الَّتِي فِي السَّمَاء الَّتِي يُقَال إِنَّهَا أمانٌ من الْغَرق وَكَذَلِكَ الْقوس - قليلُ تمرٍ يبقَى(5/135)
فِي أسفلِ الجُلَّة والقَوْصَرَّةِ وَيُقَال فِي تصغيرها قُوَيْسٌ وَرُبمَا قَالُوا قَوَيْسةٌ وَأنْشد قَول الشَّاعِر:
(تَرَكْتُهُمْ خَيْرَ قُوَيْسٍ سَهْما ... )
وَيُقَال فِي الْجمع أَقْوُسٌ وقِسِيُّ وقِيَاسٌ قَالَ الشَّاعِر:
(وَوَتَّرَ القَسَاوِرَ القِيَاسَا ... )
وَقَالَ آخر: ووصَفَ سُرْعَة طيرانِ القَطَا:
(طِرْنَ انقْطاعَةَ أَوْتارٍ مُخَطْرَبَةٍ ... فِي أَقْوُسٍ نازَعَتْهَأ أيْمُنٌ شُمُلا)
وقِسْيّ وَفِيه صَنْعَة (الحَرْبُ) أُنْثَى يُقَال فِي تصغيرها حُرَيْبٌ بِغَيْر هَاء وَأنْشد قَول الشَّاعِر:
(وَحَرْبِ عَوانٍ بهَا ناخِسٌ ... مَرَيْثُ بِرُمْحِي فَذَّرْتُ عِسَاسَا)
فَأَما قَوْلهم فلانٌ حَرْبٌ لي أَي مُعَادٍ فمذَكَّر (والفأسُ) أُنْثَى (والأَزْيَبُ) النَّشَاطُ أُنْثَى يُقَال مَرَّ فلانٌ وَله أَزْيَبٌ مَنْكَرَة (وَسَبَاطِ) فِي كل حَال مُؤَنّثَة وَهِي من أَسمَاء الحُمَّى قَالَ الهذَلي:
(أجَزْتُ بفتيةٍ بيضٍ خَفافٍ ... كَأَنَّهُمْ تَمَلُّهُمُ سَبَاطِ)
والأَزْيَتُ - الجَنُوبُ هُذَلِيَّة (العَنَاقُ) من أولادِ الْمعز أُنْثَى وعَناقُ الأرضِ مُؤَنّثَة وَهِي التُفَّةُ والتُّفَةُ - دُويبة كالثعلب خبيثة تَصِيد كلَّ شَيْء ومَثَلٌ للْعَرَب: " اسْتَغَنَتِ التُّفَةُ عَن الرُّفَةِ " والرُّفَةُ - التِّبْنُ وَذَلِكَ أَنَّهَا لَا تَأْكُل إِلَّا اللَّحْم (والفِرْسِنُ) فِرْسِنُ النَّاقة وَهِي عِنْد سِيبَوَيْهٍ فِعْلِنٌ والفِرْسِنُ مثل لحم الأَكارع من الغَنَمِ (والصَّعُودُ) مُؤَنّثَة يُقَال وَقَعُوا فِي صَعُودٍ مَنْكَرَة (والكَؤُدُ) العَقَبة الشاقة (والذَّوْدُ) أُنْثَى وَهِي مَا بَين الثَّلَاث إِلَى الْعشْر من الْإِبِل وتصغيرها ذُوَيْد بِغَيْر هَاء وَيُقَال فِي الْجمع أَذْوَادٌ وَأنْشد:
(فَإِنْ تَكُ أَذْوَادٌ أُصِبْنَ وَنِسْوَةٌ ... فَلَنْ يَذْهَبُوا فِرْغاً بِقَتْلِ حِبَالِ)
وَمثل للْعَرَب: " الذَّوْدُ إِلَى الذَّوْد إبلٌ " الْقَلِيل يصير إِلَى الْقَلِيل فيجتمع فَيصير كثيرا قَالَ أَبُو عَليّ: والعَرَبُ مُؤَنّثَة وَلم يَلْحَقْ تحقيرها الهاءُ وَقَالُوا العربُ العاربَةُ وَقَالَ الشَّاعِر:
(وَمَكْنُ الضَّباب طعامُ العَرْيب ... وَلَا تَشْتَهِيهِ نُفُوسُ العَجَمِ)
(والرَّكِيَّةُ) مُؤَنّثَة بِحرف التَّأْنِيث قَالَ الْفراء: فَإِذا قَالُوا الرَّكِيُّ ذَهَبُوا بِهِ إِلَى الجِنْسِ وَرَأَيْت بعضَ تَمِيم وَسَقَطَ لَهُ ابْنُ فِي بِئر فَقَالَ: " وَالله مَا أَخْطَأَ الرَّكِيَّ " فَوَحَّدهُ بطرح الْهَاء قَالَ: فَإِذا فَعَلُوا ذَلِك ذَهَبُوا بِهِ إِلَى التَّذْكِير كَأَنَّهُ اسْم للْجمع وَهُوَ مُوَحَّد وَمَا رأيتَه من نُعوت الخَمْر فَإِنَّهَا مؤنَّثاتٌ مثل الرَّاح والخَنْدَرِيس والمُدامة وَذَلِكَ أَنَّهُنَّ قد أُخْلِصنَ للخمر فَصِرْنَ إِذا ذُكِرْنَ عُرِفَ أَنَّهُنَّ للخمر كَمَا عَرِفَ نَعْتُ السَّيْف بالمَشْرَفِيِّ وأشباهه فَصَارَ مذكراً وَقَالَ الْفراء: إِذا رأيتَ الِاسْم لَهُ نعتٌ فَهُوَ مُذَكّر إِن كَانَ اسْمه مذكراً ومؤنث إِن كَانَ اسْمه مؤنثاً بعد ان يُعْرَفَ كُلُّ وَاحِد مِنْهُمَا بذلك النَّعْت من ذَلِك جارِيَةٌ خَوْدٌ - أَي حَسَنَةٌ وناقة سَرُحٌ - أَي سريعة وَامْرَأَة ضَنَاكٌ - أَي ضخمة فَهَذِهِ مذكرة فِي اللَّفْظ وَهِي من نُعُوت الإناثِ خاصَّة فَإِذا أفردتها فَهِيَ إناث فَتَقول هَذِه خَوْدٌ وَيُقَال جَارِيَة مَحْضٌ بِغَيْر هَاء وَرُبمَا قَالُوا مَحْضَة بِالْهَاءِ وَيُقَال فُلَانَة بَعْلُ فلانٍ وبَعْلَةُ فُلانٍ وَأنْشد قَول الشَّاعِر:(5/136)
(شَرُّ قَرِينٍ للكَبِيرِ بَعْلَتُهُ ... تُولِغُ كلْباسُؤْرَةُ أَو تَكْفِتُهُ)
(والعُقَّابُ) أُنْثَى يُقَال فِي جمعهَا ثلاثُ أَعْقُبٍ وَالْكَثْرَة العِقْبانُ وَأنْشد الْفراء لامرئ الْقَيْس:
(كأَنَّها ... عُقَابٌ تَدَلَّتْ من شَمَاريخِ ثَهْلاَنِ)
ثَهْلاَنُ جَبَل قَالَ الْفَارِسِي: وَكَذَلِكَ أُرِيد بالعُقاب الرايةُ وَأنْشد:
(وَلَا الراحُ راحُ الشأمِ جاءَتْ سَبِيئَةً ... لَهَا غايةٌ تُهدِي الكرامَ عُقَابُها)
يَعْنِي رايةَ الحَمَّار وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي صَدْرِ كِتَابه: العُقَابُ يَقع على الْمُذكر والمؤنث يُقَال عُقَابٌ ذَكّر وعُقَاب أُنْثَى وَيُقَال للْأُنْثَى لَقْوَةٌ أَبُو حَاتِم: العُقاب مُؤَنّثَة لَا غير قَالَ: وَزعم أَبُو ذفافة الشَّامي أَن الذّكر من العِقْبان لَا يَصِيد وَلَا يُسَاوِي درهما إِنَّمَا يَلْعَب بِهِ الصّبيان بِدِمْشَق وَذكروا أَن إناثها من ذُكُور طير أُخْرَى فَأَما البازُ فمذكر لَا غير قَالَ وزعَمَ من لَا أَثِق بِهِ أَن البُزَاة كُلَّها إناث وَالْعرب لَا تعرف ذَلِك والعُقاب صَخْرَة ناتئة فِي الْبر وَرُبمَا كَانَت من الطَّيّ مُؤَنّثَة والعُقاب عَلَم ضَخْم يشبَّه بالعُقَاب من الطير مؤنث (والظِّئْر) مُؤَنّثَة من النَّاس وَمن الْإِبِل ايضاً وَالْجمع أَظْآر وظُؤَارٌ وَهُوَ من الْجمع الْعَزِيز ظَأَرْتُ الناقةَ - إِذا عطفتها على ولد غَيرهَا قَالَ متمم:
(مَا وَجْدُ أظآرٍ ثلاثٍ روائمٍ ... وَجَدْنَ مَجَرًّا من حُوَارِ ومَصْرَعا)
(والعَقْرَب) مُؤَنّثَة وَكَذَلِكَ العَقْرَب من النُّجُوم وعَقَارِبُ الشتَاء وعَقْرَبُ القِفَارِ وَلَا يُعْرفُ ذكورُ العقارِب من إناثِهِنَّ فَهِيَ إناث كلهَا (والجَزُور) أُنْثَى وَجَمعهَا جُزُرٌ وجَزَائِر وجَزُورات (والنَّاب) المُسِنَّة من النوق مُؤَنّثَة وجمعُها نِيبٌ وتصغيرها نُيَيْتٌ بِغَيْر هَاء وَأنْشد أَبُو عَليّ:
(أَبْقَى الزَّمانُ مِنْكِ ناباً نَهْبَلَة ... ورَحِماً عِنْدَ اللِّقَاحِ مُقْفَلَه)
(والنُّوبُ والثُّوْلُ) من النَّحْل أنْثَيَانِ فالنُّوب الَّتِي تَنْتَابُ المَرْعَى فتأكُلُ واحدُها نائبٌ قَالَ أَبُو ذُؤَيْب:
(إِذا لَسَعَتْهُ النَّحْلُ لم يَرْجُ لَسْعَهَا ... وحالفَها فِي بيتِ نُوبٍ عَوَامِل)
وَقيل: إِنَّمَا سُمِّيَت نُوباً لسواد فِيهَا والثَّوْلُ - جمَاعَة النَّحْل قَالَ سَاعِدَة بن جؤية:
(فَما بَرِحَ الأَسْبَابُ حَتَّى وَضَعْتَهُ ... لَدَى الثَّوْلِ يَنْفِي جَثَّها ويَؤُومُهَا)
جثُّها - غُثاؤُها وَمَا كَانَ على عَسَلِها من جَناح أَو فَرْخ من فراخها ويَؤُومها - يُدَخِّن عَلَيْهَا والأِيامُ - الدُّخَانُ
(وَأما النابُ) من الْأَسْنَان فمذكر وَكَذَلِكَ نابُ الْقَوْم سيدُهم يُقَال فلَان نابُ بني فلَان - أَي سيدُهم
(والنَّوَى) البُعْد مُؤَنّثَة قَالَ الشَّاعِر:
(فَمَا لِلنَّوَى لَا بَارَكَ اللهُ فِي النَّوَى ... وَهْمٌ لنا مِنْهَا كَهَمِّ المُراهِنِ)
والنَّوَى - الموضُع الَّذِي نَوْوا الذَّهابَ إِلَيْهِ مُؤَنّثَة قَالَ الشَّاعِر:
(فألْقَت عَصاها واستَقَرَّت بهَا النَّوَى ... كَمَا قَرَّعَيْناً بالإِيابِ المُسافِرُ)
(الفَيْلَقُ) اسْم للكتيبة أُنْثَى(5/137)
1 - بَاب مَا يذكر وَيُؤَنث
من ذَلِك فِي الْإِنْسَان (العُنُق) والتذكير الْغَالِب عَلَيْهِ قَالَ ابْن دُرَيْد: إِذا قلت عُنْقٌ فسكنت الثَّانِي ذَكَّرْتَ وَإِذا ثَقَّلْتَ الثَّانِي أنثته وَلَا أَدْرِي مَا عِلَّتُه فِي ذَلِك إِلَّا أَن يكون سَماعاً فَأَما سَائِر أسمائها كالهادِي والتَّلِيل والشِّرَاع فمذكر قَالَ أَبُو النَّجْم:
(على يَدَيْهَا والشِّراع الأَطْوَلِ ... )
وَكَذَلِكَ العُنُق واحدُ الأَعْنَاقِ من النَّاس وهم الْجَمَاعَات قَالَ الله تَعَالَى: {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِين} [الشُّعَرَاء: 4] فِيمَن قَالَ إِن الأَعْنَاقَ هَا هُنَا الْجَمَاعَة وَقد قيل إِنَّهَا جمع عُنُقٍ وَلكنه قَالَ خاضعين حِين أضَاف الأعناقَ إِلَى المذكرين فَهُوَ يشبه قَول الشَّاعِر:
(وتَشْرَقُ بالقولِ الَّذِي قد أَذَعْتَه ... كَمَا شَرِقَتْ صَدْرُ القَنَاةِ من الدَّمِ)
(الفُؤَادُ) يذكر وَيُؤَنث وَجمعه فِي الجِنْسَيْنِ أفْئِدَة قَالَ سِيبَوَيْهٍ لَا نعلمهُ كُسِّرَ على غير ذَلِك فَأَما مَا اسْتشْهد بِهِ ابْن الْأَنْبَارِي على تأنيثه من قَول الشَّاعِر:
(شَفَيْتُ النفسَ من حَيَّيْ إيادٍ ... بقَتْلَي مِنْهُم بَرَدَتْ فُؤَادي)
فكهذا يكون غلطُ الضَّعْفَة إِنَّمَا فُؤَادِي مفعول ببردتْ أَي بردتْ تِلْكَ القتلَى فُؤَادِي بقتِلي لَهُم قَالَ أَبُو عبيد عَن الْأَصْمَعِي: سَقَيْته شَرْبَةً بَرَدَتْ فُؤَادَه وَقد حكى الْفَارِسِي عَن ثَعْلَب تأنيثَ الْفُؤَاد وَلم يستشهد عَلَيْهِ بِشَيْء (اللِّسَان) يذكر وَيُؤَنث وَفِي الْكَلَام كَذَلِك وَإِذا قُصِدَ بِهِ قَصْدَ الرسَالَة وَالْقَصِيدَة أَيْضا أنْشد قَول الشَّاعِر فِي التَّأْنِيث:
(أَتَتْنِي لِسَانُ بَنِي عامِرٍ ... أحادِيثُها بَعْدَ قَوْلٍ نُكُرُ)
قَالَ الْفَارِسِي واللسانُ اللُّغة وَأنْشد قَول الشَّاعِر
(نَدِمْتُ على لِسانٍ فاتَ مِنِّي ... فَلَيْتَ بِأَنَّهُ فِي جَوْفِ عِكْمِ)
فَهَذَا لَا يكون إِلَّا فِي اللُّغَة وَالْكَلَام لِأَن الندمَ لَا يَقع على الْأَعْيَان والعِكْمُ - العِدْلُ وَقَالَ الْأَصْمَعِي: مَعْنَاهُ على ثَنَاء فَمن أنث اللِّسَان قَالَ أَلْسُنٌ لِأَن مَا كَانَ على وزن فِعَالٍ من الْمُؤَنَّث جمعه فِي الإلب أَفْعُلِّ كَقَوْل أبي النَّجْم:
(يأتِي لَهَا مِنْ أَيْمُنٍ وأَشْمُلِ)
وَمن ذكَّر فَجَمعه ألْسِنَةً لِأَن مَا كَانَ على فِعَال من الْمُذكر فجمعُه أَفْعِلَه كمِثَالِ وأَمْثِلَة وَإِزَار وآزِرَة وإناء وآنية وسِوار وأَسْوِرة وَيُقَال إِن لِسان النَّاس علينا حَسَنٌ وحَسَنة أَي ثنائهم (العاتِقُ) يذكر وَيُؤَنث وَأنْشد فِي التَّأْنِيث:
(لَا صُلْحَ بَيني فاعْلَمُوه وَلَا ... بَيْنَكُمُ مَا حَمَلَتْ عاتِقِي)
(سَيْفِي وَمَا كُنَّا بِنَجْدٍ وَمَا ... قَرْقَرَ قُمْرُ الْوَادي بالشَّاهِقِ)
وَقد دفع بَعضهم هَذَا الْبَيْت وَقَالَ هُوَ مَصْنُوع ذهب إِلَى تذكير العاتق وَهُوَ أَعلَى فَأَما العاتِق من الحَمام(5/138)
وَهُوَ مَا لم يُسَنَّ ويَسْتَحْكِم فمذكر يقل فَرْخُ قَطاة عاتقٌ - إِذا كَانَ قد استقلَّ وطار وَأرى أَنه من السَّبْقِ لقَولهم عَتَقَتِ الفَرْسُ - إِذا سَبَقَتِ الخيلَ وفلانٌ مِعْتَاق الوَسِيقَةِ إِذا أنجاها وسَبَق بهَا (القَفَا) يذكر وَيُؤَنث والتذكير عَلَيْهِ أغْلَبُ وَأنْشد قَول الشَّاعِر:
(وَمَا المَوْلَى وَإِن غَلُظَت قَفاه ... بأَحْمَلَ للمَلاَوِمِ مِنْ حِمارِ)
وَقَالَ أَيْضا غَيره:
(وَهل جَهِلْتَ يَا قُفَيَّ التَّتْفُلَهْ ... )
وسَقَطَ إليَّ عَن الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ هَذَا الرجزُ لَيْسَ بِعَتِيق كَأَنَّهُ قَالَ من قَول خَلَفٍ الأَحْمَر وَأرَاهُ ذهب فِي ذَلِك غ لى إِنْكَار تأنيثِ القَفَا والجمعُ أَقْفَاء وقُفِيُّ وأقْفِيَةٌ (المَعِيَ) أَكثر الْكَلَام تذكيرة وَرُبمَا ذَهَبُوا بِهِ إِلَى التَّأْنِيث فَإِنَّهُ وَاحِد دلّ على الْجمع وَفِي الحَدِيث:
(المُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدَة وَوَاحِد) فَأَما قَول القَطَامي:
(حَوالبَ غُرَّزاً ومِعىً جِياعا ... )
قيل هُوَ اسْم مَكَان أَو رَمْل فَأَما قَوْلهم فِي الِاسْم رَجُلٌ مُعَيَّةٌ فإمَّا أَن يكون على تَأْنِيث المَعِي فِي الأَقَلِّ وَإِمَّا أَن يكون تصغيرُ مُعاوِيَة فِي لُغَة من قَالَ أُسَيِّدٌ (الكُراعُ والذِّراعُ) يذكران ويؤنثان وَقد قدّمت تَأْنِيث الكُراع من الحَرَّة وَمن ذكَّر الكراع والذراع حَقَّرّهما بِغَيْر الْهَاء وَمن أنثهما حقرهما بِالْهَاءِ وَإِن كَانَا رباعيين لِئَلَّا يلتبس التَّذْكِير بالتأنيث قَالَ الْفَارِسِي: فَإِذا سُمِّي بِذراع فالخليل وسيبويه يذهبان فِي صرفه قَالَ الْخَلِيل: لِأَنَّهُ كثر تَسْمِيَة الْمُذكر بِهِ فَصَارَ من أَسْمَائِهِ وَقد وصف بِهِ أَيْضا فِي قَوْلهم ثوبٌ ذراعٌ فَتمكن فِي الْمُذكر فَإِن سميت بكراع فَالْوَجْه ترك الصّرْف قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَمن الْعَرَب من يصرفهُ يُشبههُ بِذِرَاع قَالَ وَذَاكَ أحب الْوَجْهَيْنِ (والإِبْهامِ) يذكر وَيُؤَنث والتذكير أَعلَى (والإِبْطُ) مُؤَنّثَة وَمِنْه قَول بَعضهم رَفَعَ السَّوْطُ حَتَّى بَرَقَتْ إبطُه والجمعُ فِيهَا آباطَ وَكَذَلِكَ إبط الرمل أَعنِي مَا اسْتَرَقَّ مِنْهُ (المَتْنُ) من الظَّهْر يذكر وَيُؤَنث قَالَ الشَّاعِر فِي التَّذْكِير:
(اليَدُ سَابِحَةٌ والرِّجْلُ ضَارِحَةٌ ... والعَيْنُ قادِحَةٌ والمَتْنُ مَلْحُوبُ)
وَقَالَ الشَّاعِر أَيْضا فِي التانيث:
(ومَتْنَانِ خظَاتانِ ... كزُحْلُوفٍ مِنَ الهَضْبِ)
وَأما المتنُ من الأَرْض وَهُوَ مَا غَلُطَ مِنْهَا فمذكر (اللّيْتُ) مُذَكّر وَرُبمَا أنث وختلف فِي اللَّيت فَقيل هُوَ مُتَذَبْذَبُ الفُرْط وَقيل اللِّيتانِ مَوضِع المحْجَمَتَيْنِ من القَفَا قَالَ الْأَصْمَعِي: لَيْسَ اللِّيتُ بِعُضُوٍ (العِلْبَاءُ) يذكر وَيُؤَنث وَهِي عَصَبة صَفْراء فِي صَفْحة الْعُنُق وَمن أنث ذَهَب إِلَيْهَا وَقَالَ أَبُو حَاتِم: هُوَ مُذَكّر لَا غير (النَّفْسُ) إِذا عَنَيْتَ الشخصَ ذكَّرت وَإِذا عنيت الرُّوح أنثتَ والجمعُ فِيهَا أنْفُسٌ وَكَذَلِكَ الرّوح (طِباعُ الإنسانِ) يذكر وَيُؤَنث والتأنيث فِيهِ أَكثر وَهُوَ وَاحِد مثلُ النَّجَار إِلَّا أَن النَّجَار مذكرَ قَالَ أَبُو حَاتِم: والطِّباعُ مُذَكّر لَا غير غلا أَن تُتَوَهَّم الطبيعةُ (الحالُ) حالُ الإنسانِ أُنْثَى وأهلُ الْحجاز يذكرونها وَرُبمَا قَالُوا حَالَة بِالْهَاءِ وَأنْشد قَول الشَّاعِر:(5/139)
(على حالةٍ لَو أنَّ فِي الْقَوْم حاتِماً ... عَلَى جُودِهِ لَضَنَّ بالماءِ حاتِمُ)
(والعَضُدُ) مُؤَنّثَة وَرُبمَا ذكر وفيهَا خمس لُغَات وعَضْدٌ وعُضُدٌ وعُضْدُ وعَضِدٌ وَفِي التَّنْزِيل: {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ} [الْقَصَص: 35] وَالْجمع أعْضاد وَقد عَاضَدْتُكَ - أَي قَوَّيْتُكَ وأَعَنْتُكَ وَإِذا نسبتَ الرجُل إِلَى ضِخَمِ العَضُدَيْنِ قلتَ رجل عُضَادِيٌّ وَيَقُولُونَ للْمَرْأَة يَا عَضَادِ مثل يَا قَطامِ (الضِّرْسُ) مُذَكّر وَرُبمَا أنث على معنى السِّنِّ قَالَ دُكَيْنٌ الراجز:
(فَفُقِئَتْ عَيْنٌ وَطَنَّتْ ضِرْسُ ... )
ورَدَّه الْأَصْمَعِي وَقَالَ إِنَّمَا هُوَ وَطَنَّ الضِّرْسُ وَيُقَال أضراس وَيلْزم من أنث أَن يَقُول ثَلَاث أضراس فَأَما الضاحك والناجِذُ فمذكران والأَْحَاءِ كُلُّها مُؤَنّثَة قَالَ أَبُو حَاتِم وَأنْشد أَبُو زيد فِي أُحْجِيَّةٍ:
(وسِرْبٍ مِلاَحٍ قد رَأينَا وُجُوهَهُ ... إناثِ أدانِيهِ ذُكُورٍ أواخِرُهْ)
السِّربُ الْجَمَاعَة وَأَرَادَ الأسنانَ لِأَن أَدانيها الثَّنيَّة والرَّباعِيَةُ مؤنثتان وَبَاقِي الأسنانِ مُذَكّر مثل الناجِذِ والضِّرْسِ والنَّابِ
مَا يذكر وَيُؤَنث من سَائِر الْأَشْيَاء
من ذَلِك (السُّلْطانُ) يذكر وَيُؤَنث والتانيث أَكثر فَأَما كل مَا جَاءَ مِنْهُ فِي الْقُرْآن يُراد بِهِ الحُجَّة فمذكر كَقَوْلِه تَعَالَى: {أَوْ لَيَأْتِيَّنِي بِسُلْطانٍ مُبِين} [النَّمْل: 21] وَقَوله: {واجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيرا} [الْإِسْرَاء: 80] وَقَالُوا: السّلْطانُ وهم اسْم حَكَاهُ سيبوه والقولُ فِيهِ من التَّذْكِير والتأنيث كالقول فِي المُسَكَّنِ الثَّانِي فَأَما قَول الشَّاعِر:
(إنَّ الثِّنى سَيِّدُ السُّلْطانِ ... )
فَإِنَّهُ وَضَعَ السلطانَ وَجعله اسْما للْجِنْس وَمن ذَلِك (السَّراوِيلُ) يذكر وَيُؤَنث قَالَ الشَّاعِر فأنث فِي التانيث:
(إَرَدْتُ لَكَيْمَا يَعْلَم الناسُ أنَّها ... سَراويل قَيْسٍ والوُفُودُ شُهُود)
(وأنْ لَا يقولُوا غابَ قَيْسق وهذِه ... سَراويلُ عادِيِّ نَمَتْهُ ثَمُودُ)
وَقَالَ الفرزدق فَذَكَّر فِي التَّذْكِير:
(سَرَاويلُه ثُلْثا عَشِيرٍ مُقَدَّرٌ ... وسِرْبَالُه أضْعَافُه وَهُوَ خَالِصُ)
أَبُو حَاتِم: هُوَ مؤنث لَا غير قَالَ سِيبَوَيْهٍ: السَّراويلُ فارسيٌّ مُعرب جَاءَ بِلَفْظ الْجمع وَلذَلِك لم يصرف وَلَيْسَ بِجمع وَحكى أَبُو حَاتِم أَن من الْعَرَب من يَقُول سِرْوَالٌ كَأَنَّهُ فَارسي وَحكي عَن أبي الْحسن أَنه سمع من(5/140)
الْعَرَب سِرْوالة وَإِذا كَانَ على ذَلِك فَهُوَ جمع وغذا كَانَ جمعا فَهُوَ مؤنث لَا غير وَيحمل قَوْله حِينَئِذٍ نَمَتْهُ ثمودُ على معنى الثَّوْب، وَمن ذَلِك (السُّلَّم) يذكر وَيُؤَنث والتذكير أَكثر قَالَ الله تَعَالَى: {أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ} [الطّور: 38] وَقَالَ فِي التَّأْنِيث:
(لَنَا سُلَّمٌ فِي المَجْدِ لاَ يَرْتَقُونَها ... وليسَ لهُمْ فِي سُورَةِ المَجْدِ سُلَّمُ)
وَمن ذَلِك (السَّكِّين) الْغَالِب عَلَيْهِ التَّذْكِير وَأنْشد للهذلي:
(يُرَى ناصَحاً فِيمَا بَدَا فَإِذا خَلاَ ... فذلِك سِكِّينٌ على الحَلْقِ حاذِقُ)
وَقَالَ آخر فِي التَّأْنِيث:
(فَعَيَّثَ فِي السَّنَامِ غَدَاةَ قُرِّ ... بِسِكِّينٍ مُوَثَّقَةِ النِّصَابِ)
وَقد قيل سكينَة قَالَ الراجز:
(الذِّيبُ سَكِّينة فِي شَدْقِهِ ... ثُمَّ حِراباً نَصْلُها فِي حَلْقِهِ)
وَمن ذَلِك (الخَصِينُ) وَهِي فَأْسٌ ذَات خَلْفٍ وَاحِد يذكر وَيُؤَنث وَالْجمع أَخْصُنٌ وَمن ذَلِك (الطَّسْتْ) يذكر وَيُؤَنث وَكَلَام الْعَرَب الطَّسَّة والطِّسَّة بِالْفَتْح وَالْكَسْر وَقد يُقَال الطَّسُّ بِغَيْر هَاء أنْشد الْفَارِسِي:
(حَنَّ إِلَيْهَا كَحَنِينِ الطَّسِّ ... )
وَبَعض أهل الْيمن يَقُول الطَّسْتُ كَمَا قَالُوا فِي اللِّصِّ لِصْتٌ وكل ذَلِك يذكر وَيُؤَنث قَالَ الشَّاعِر فِي التَّذْكِير:
(وهامَةٍ مِثْلِ طَسْتِ العُرْسِ مُلْتَمِع ... يَكَادُ يُخْطَفُ مِنْ إشْراقِهِ البَصَرُ)
وَقَالَ آخر فِي التَّأْنِيث أَيْضا:
(رَجَعْتُ إِلَى صَدْرٍ كَطَسَّةِ حَنْتَمٍ ... إِذا قُرِعَتْ صِفْراً من الماءِ صَلَّتِ)
وَمن ذَلِك (القِدْر) أُنْثَى وبعضُ قَيْسٍ يُذَكِّرها وَأنْشد:
(بِقِدْرٍ يَأْخُذُ الأَعْضَاءَ تَمًّا ... بِحَلْقَتِهِ ويَلْتَهِمَ الفَقَارَا)
قَالَ أَبُو عَليّ وَأنْشد سِيبَوَيْهٍ فِي التَّأْنِيث:
(وَقِدْرٍ كَكَفِّ القِرْدِ لَا مُسْتَعِيرُها ... يُعَازُ وَلَا مَنْ يَأْتِها يَتَدَّسَّمُ)
قَالَ أَبُو حَاتِم: القِدْرُ مُؤنَّثَة لَا غير فَأَما المِرْجَلُ والمِطْبَخُ فمذكران، وَمن ذَلِك (المُلْكُ) يذكر وَيُؤَنث فَإِذا أَنَّثوا ذَهَبُوا بِهِ إِلَى معنى الدَّوْلَة والوِلاية قَالَ ابْن أَحْمد فِي التَّأْنِيث:
(مَدَّتْ عليهِ المُلْكُ أطْنَابَها ... كَأسٌ رَنْوْناةٌ وطِرْفٌ طِمِرُّ)
قَالَ السيرافي الرِّوَايَة: " مَدَّتْ عَلَيْهِ المُلْكُ أطْنَابها كأْسٌ " الهاءُ رَاجِعَة إِلَى الكأس والمُلْكُ مصدر فِي مَوضِع الْحَال وَهُوَ من بَاب أرْسَلَها العرَاك كَأَنَّهُ قَالَ مُمَلَّكاً وَقَالَ آخر فِي التَّذْكِير:
(فَمُلْكُ أبي قابُوس أَضْحَى وَقد نَجِزْ ... )(5/141)
(السَّبِيل) يذكر وَيُؤَنث وَفِي التَّنْزِيل: {قُلْ هَذِه سَبِيلي} [يُوسُف: 108] وَفِيه: {وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا} [الْأَعْرَاف: 146] وَكَذَلِكَ (الطَّرِيق) يذكر وَيُؤَنث، وَمن ذَلِك (الصِّراطُ) مُذَكّر وَقد أنثه يحيى بْنُ يَعْمَر وَقَرَأَ: {مَنْ أَصْحَابِ الصِّراطِ السُّوَّى وَمَنْ اهْتَدَى} وَلَا نعلم أحدا من الْعلمَاء باللغة أنَّثَ الصراطَ وَإِن صحت هَذِه الْقِرَاءَة عَن ابْن يَعْمَرَ فَفِيهِ أعظم الحُجَج وَهُوَ من جِلَّةِ أهل اللُّغَة والنحو وكتابُ الله تَعَالَى نزل بتذكير الصِّرَاط وجمعُه فِي القَبِيلَيْنِ أَصْرِطَةٌ وصُرُط وَمن ذَلِك (العَنْكَبُوتُ) وَفِي التَّنْزِيل: {كَمَثَلِ العَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً} [العنكبوت: 41] وَقَالَ الشَّاعِر فِي التَّذْكِير:
(على هَطَّالِهِمْ مِنْهُمُ بُيوتٌ ... كأَنَّ العَنْكَبُوتَ هُوَ ابْتَنَاهَا)
الهطال اسْم رجل فَأَما قَوْله:
(كأَنَّ نَسْجَ العَنْكَبُوتِ المُرْمَلِ ... )
فعلَى الجِوَارِ وَإِنَّمَا يكون نعتاً للعنكبوت لَو قَالَ المُرْمِل بِالْكَسْرِ يُقَال رَمَلْتُ الحصيرَ وأَرْمَلْتُه إِذا نَسَجتَه فَأَما تكسيره وتحقيره فقد قدَّمته والتأنيث فِي العنكبوت أَكثر وَهِي لُغَة التَّنْزِيل من ذَلِك (الهُدَى) يؤنث وَيذكر قَالَ أَبُو حَاتِم الهُدَى مُذَكّر فِي جَمِيع اللُّغَات إِلَّا أَن بعض بني أَسد يؤنث وَلَا أَحُقُّ ذَلِك فَأَما الْهدى الَّذِي هُوَ النَّهَار فمذكر كَقَوْل ابْن مقبل: حَتَّى اسْتَبَنْتُ الهُدَى وَكَذَلِكَ (السُّرَى) سَيْرُ اللَّيْل يذكر وَيُؤَنث سَرَيْنَا وأَسْرَيْنَا وَمن ذَلِك (المُوسَى) يذكر وَيُؤَنث وَهِي تُجْرَى وَلَا تُجْرَى فَمن أجراها قَالَ هِيَ مُفَعَلٌ من قَوْلك أَوْسَيْتُ رَأسه - حَلَقْتُه بالمُوسَى وَمن لم يُجْرها قَالَ الْألف الَّتِي فِيهَا ألف تَأْنِيث بِمَنْزِلَة الْألف الَّتِي فِي حُبْلَى قَالَ الشَّاعِر فِي التَّأْنِيث:
(وإِنْ كَانَتِ المُوسَى جَرَتْ فَوَقَ بَظْرِها ... فَمَا خُتِنَتْ إِلاَّ وَمَصَّانُ قاعِدُ)
وَقَالَ آخر فِي التَّذْكِير:
(مُوسَى الصَّنَاعِ مُرْهَفٌ شَبَاتُه ... )
قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ الأُمَوِيُّ المُوسَى مُذَكّر لَا غير وَقد أَوْسَيْتُ الشيءَ - قَطَعْتُه بالمُوسَى قَالَ وَلم أسمع التَّذْكِير فِي الموسى إِلَّا من الْأمَوِي وَمن ذَلِك (الحانُوتُ) يذكر وَيُؤَنث فبعضهم يَجْعَلهَا الْخمر وَبَعْضهمْ يَجْعَلهَا الخمَّار قَالَ الشَّاعِر فَجَعلهَا الْخمار:
(يُمَشِّي بَيْنَنَا حانُوتُ خَمْرٍ ... من الخَرْسِ الصَّراصِرةِ القِطَاطِ)
ونَسَبُوا إِلَيْهِ حانِيُّ وحانَوِيُّ وَبَعْضهمْ يَجْعَل الحانوتَ الكُرْبَجَ والكُرْبَجُ بِالْفَارِسِيَّةِ البَقَّال يُقَال كُرْبَجٌ وقُرْبَقٌ(5/142)
وَقد أَنْعَمْتُ شرحَ هَذَا فِي بَاب اطِّرَادِ الْإِبْدَال فِي الفارسية وَمن ذَلِك (الدَّلْوُ) يذكر وَيُؤَنث قَالَ الشَّاعِر فِي التَّذْكِير:
(يَمْشِي بِدَلْوٍ مُكْرِب العَراقِي ... )
وَقَالَ أَيْضا فِي التَّأْنِيث:
(لاَ تَمْلإِ الدَّلْوَ وَعَرِّقْ فِيهَا ... )
والدَّوْلُ لُغَة فِي الدَّلْوِ والقولُ فِيهَا كالقَوْلِ فِي الدَّلْوِ وَمن ذَلِك (القِمَطْرُ) يذكر وَيُؤَنث قَالَ الشَّاعِر فِي التَّذْكِير:
(لَا عِلْمَ إِلاَّ مَا وَعاهُ الصَّدْرُ ... لَا خَيْرَ فِي عِلْمٍ حَوَى القِمَطْرُ)
وَقد يُقَال بِالْهَاءِ قِمْطَرَةٌ وَمن ذَلِك (القَلِيبُ) يذكر وَيُؤَنث قَالَ الشَّاعِر:
(إِنِّي إِذا شَارَبَنِي شَرِيبُ ... فَلِي ذَنُّوبٌ وَله ذَنُوبُ)
(وإنْ أبَى كَانَت لَهُ القَلِيبُ ... )
وَالْجمع أَقْلِبَةٌ وقُلُبٌ وَإِنَّمَا أَذْكُرُ الْجمع فِي هَذَا الْجِنْس الَّذِي يذكر وَيُؤَنث لأرِيكَ استواءَهما فِي الْجمع واختلاَفهما وَأما الطَّوِيُّ - وَهُوَ الْبِئْر المطوية بِالْحِجَارَةِ فمذكر فغن رَأَيْته مؤنثاً فَاذْهَبْ بتأنيثه إِلَى الْبِئْر وجمعُه أطْواءٌ وَكَذَلِكَ النَّقِيعُ - الْبِئْر الْكَثِيرَة المَاء مُذَكّر وَكَذَلِكَ الجُبُّ - وَهُوَ الْبِئْر الَّتِي لم تُطْوَ مُذَكّر وَحكي عَن بَعضهم أَنه يذكر وَيُؤَنث وَجمعه جِبَبَةٌ وأَجْبَابٌ وجِبابٌ وَمن ذَلِك (الذَّنُوبُ) وَهِي الدَّلْو الْعَظِيمَة تذكر وتؤنث قَالَ الراجز فِي التَّذْكِير:
(فَرِّغْ لَهَا مِنْ قَرْقَرَى ذَنُوباَ ... إنَّ الذَّنُوبَ يَنْفَعُ المَغْلُوبا)
وَقَالَ آخر فِي التَّأْنِيث:
(على حِينِ مَنْ تَلْبَثْ عَلَيْهِ ذَنُوبُه ... يَجِدْ فَقْدَها وَفِي المَقَامِ تَدَابُر)
وَالْجمع ذِنَابٌ وذَنَائِبُ والذَّنوب الَّذِي هُوَ النَّصِيب مُشْتَقّ مِنْهُ وَهُوَ مُذَكّر وَفِي التَّنْزِيل: {وإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُ , اذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أصْحَابِهِم} [الذاريات: 59] قَالَ عَلْقَمَة:
(وَفِي كُلِّ حَيِّ قد خَبَطْتَ بِنِعْمَةٍ ... فَحُقَّ لِشَاشٍ مِنْ نَدَاكَ ذَنُوبُ)
وَمن ذَلِك (الخَمْرُ) تؤنث وتذكر والتأنيث عَلَيْهَا أغلب وَمَا أنثت فِيهِ من الْأَشْعَار كثير وأسماؤها كلهَا مَوْضُوعَة على التَّأْنِيث كَمَا أعلمتك فَأَما قَول الْأَعْشَى:
(وكَأَنَّ الخَمْرَ العَتِيقَ من الإِسْفَنْطِ ... ممزوجةٌ بماءِ زُلاَلِ)
فقد يكون على تذكير الْخمر وَقد يكون من بَاب عَيْنٌ كَحِيلٌ قَالَ أَبُو حَاتِم وأَبِي الأصمعيُّ إِلا التَّأْنِيث فأنشدتُه هَذَا الْبَيْت فَقَالَ إِنَّمَا هُوَ وكأَنَّ الخَمْرَ المدامةَ مِلاْسْفِنْطِ فَحذف نون فِي الإدراج قَالَ وَتلك لُغَة مَعْرُوفَة مَشْهُورَة يحذفون النُّون من من إِذا تَلَقَّتْهَا لامُ الْمعرفَة وَأما قَول الْعَرَب لَيست بِخَلَّةٍ وَلَا خمرةٍ فَإِنَّهُم يذهبون إِلَى الطَّائِفَة مِنْهَا كَقَوْلِهِم سَوِيقةق وعَسَلَةٌ وضَرَبَةٌ وَقد قَالُوا مَا هُوَ بخِلٍّ وَلَا خَمْرٍ - أَي لَا خير فِيهِ وَلَا شَرّ عِنْده(5/143)
وَمن ذَلِك (الذَّهَبُ) أُنْثَى وَقد يذكر وَجَمعهَا فِي القَبِيلَيْنِ أَذْهابٌ وذُهْبانٌ
وَمن ذَلِك (المالُ) يذكر وَيُؤَنث وَقد أَنَّثَها رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وذكَّرها فِي كَلَام وَاحِد فَقَالَ: " المالُ حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ ونِعْمَ العَوْنُ هُوَ لصَاحبه " وَأنْشد قَول الشَّاعِر:
(والمالُ لَا تُصْلِحُها فاعْلَمَن ... إِلا بافسادِكَ دُنْيَا ودِينْ)
وَمن ذَلِك (العُرْسُ) يذكر وَيُؤَنث ويُصَغِّرُونها وعُرَيْسٌ وعُرَيْسَةٌ وَجَمعهَا فِي القبيلين عُرُساتٌ وَحَقِيقَة العُرْسِ طَعامُ الزَّفافِ
وَمن ذَلِك (العَسَلُ) يذكر وَيُؤَنث قَالَ الشماخ:
(كأَنَّ عُيُونُ النَّاظِرِينَ يَشُوقُها ... بهَا عَسَلٌ طابتْ يَدَا من يَشُورُها)
وَمن ذَلِك (النَّعَمُ) يذكر وَيُؤَنث قَالَ الراجز:
(أَكُلَّ عامٍ نَعَمٌ تَحْوُونَهُ ... يُلْقِحُهُ قَوْمٌ وَتُنْتِجُونَهُ)
وَكَذَلِكَ الْأَنْعَام تذكر وتؤنث فَيُقَال هِيَ الْأَنْعَام وَهُوَ الْأَنْعَام قَالَ الله تَعَالَى: {وإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَة نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ} [النَّحْل: 66] فَذكر وَقَالَ فِي سُورَة الْمُؤْمِنُونَ مِمَّا فِي بطونها والتأنيث هُوَ الْمَعْرُوف فِي الْأَنْعَام وَقيل إِنَّمَا ذكره لِأَنَّهُ ذكره لِأَنَّهُ ذهب إِلَى معنى النَّعَمِ والنَّعَمُ والأنعامُ بِمَعْنى واحدٍ فَأَما سِيبَوَيْهٍ فَذهب إِلَى أَن الْأَنْعَام يَقع على الْوَاحِد وعَدَلَهُ بقَوْلهمْ ثَوْبٌ أَكْمَاشٌ وَمن ذَلِك (السِّلاَحُ) يذكر وَيُؤَنث قَالَ الْفراء سَمِعت بعضَ بني دُبَيْرٍ يَقُول: إِنَّمَا سُمَّيَ جَدُّنا دُبَيْراً لِأَن السِّلاَحَ أَدْبَرَتْهُ أَي تركتْ فِي ظَهْرِه دَبَراً ودُبَير تحقير أَدْبَرَ على تَصْغِير التَّرْخِيم وَيجوز أَن يكون تَصْغِير دَبِرٍ يُقَال بعير دَبِرٌ وأدْبَرُ قَالَ الطرماح وَذكر الثورَك
(يَهُزُّ سِلاَحاً لم يَرِثْها كَلاَلَةً ... يَشُكُّ بهَا مِنْهَا أُصولَ المَغَابِن)
وَقَوله تَعَالَى: {وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهم} [النِّسَاء:] يَدُلُّ على تذكير الصّلاح لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة مِثَالٍ وأَمْثِلَةٍ وَمن الْعَرَب من يَقُول: لبس الْقَوْم سُلُحَهُمْ والقومُ سَلِحُون أَي مَعَهم السِّلاَح وَمن ذَلِك (دِرْعُ الحديدِ) تذكر وتؤنث والتأنيث الْغَالِب الْمَعْرُوف والتذكير أقلهما أَولا ترى أَن أسماءها وصفاتها الْجَارِيَة مَجْرَى السَّمَاء مؤنثةٌ على النَّسَبِ وَأما دِلاَصٌ فبمزلة كِنَازٍ وضِنَاكٍ وَإِن كَانَ قد يجوز أَن يكون نعتاً غير مؤنث على تذكير الدِّرع وَالْمَشْهُور فِي دِلاَص التأنيثُ فَأَما قَول أَوْس بن حَجَرٍ:
(وأبيضَ صُولِيًّا كنِهْيِ قَرارةٍ ... أَحَسَّ بِقاعٍ نَفْحَ رِيحٍ فأَجْفَلاَ)
فعلى تذكير الدرْع وَمن ذَلِك (اللَّبُوس) اسْم عامٌّ لِلِّباسِ والسِّلاحِ أَيْضا من دِرْع إِلَى رُمْح وَمَا أشبههما مُذَكّر فَإِذا نويتَ بهَا درْعَ الْحَدِيد خَاصَّة أنثتَ وَأنْشد للْعَبَّاس بن مرداس:
(فَجِئْنَا بألفٍ من سُلَيْمٍ عليهمُ ... لَبُوسٌ لَهُم من نِسْجِ داودَ رائِعُ)
وَفِي التَّنْزِيل: {وعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لتُحْصِنَكُمْ} [الْأَنْبِيَاء: 80] وَلَيْسَ هَذَا بِشَاهِد قَاطع وَلَا مُقْنِع فِي تَأْنِيث اللَّبُوس لِأَنَّهُ قد يُمكن أَن يكون الإخبارُ عَن الصَّنْعَة وَعَن اللبوس(5/144)
وَمن ذَلِك (القَمِيصُ) الدِّرْع مُؤَنّثَة وَمن ذَلِك (السُّوق) تذكر وتؤنث والتأنيث أغلب قَالَ الشَّاعِر فِي التَّذْكِير:
(بِسُوقٍ كَثِيرٍ رِيحُه وأَعَاصِرُهُ ... )
وَقَالَ فِي التَّأْنِيث:
(وَرَكَدَ السَّبُّ فقامَتْ سُوقُه ... )
وَالْجمع فِيهَا أَسْوَاق وَأما السُّوقُ فَجمع سُوقه وَهُوَ مَنْ دُونَ المِلِك
وَمن ذَلِك (الصَّاعُ) يذكر وَيُؤَنث وَفِي التَّنْزِيل: {نَفْقِدُ صُوَاعَ المَلِك ولَمِنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} [يُوسُف: 72] وَفِيه: {ثمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ} [يُوسُف: 76] وَقَالَ أَبُو عبيد أَنا لَا أرى التَّذْكِير والتأنيث اجْتمعَا فِي اسْم الصُّواع وَلكنهَا عِنْدِي إِنَّمَا اجْتمعَا لِأَنَّهُ سُمِّيَ باسمين أَحدهمَا مُذَكّر وَالْآخر مؤنث فالمذكر الصُّواع والمؤنث السِّقاية قَالَ: وَمثل ذَلِك الخَواَنُ والمائدةُ وسِنَانُ الرُّمْحِ وعَالِيَتُه والصُّوَاع إِنَاء من فضَّة كَانُوا يشربون بِهِ فِي الْجَاهِلِيَّة وَقد قدَّمت مَا فِيهِ من اللُّغَات صُواعٌ وصَوْعٌ وصَاعٌ وصُوعٌ وَإِنَّمَا كررتها هُنَا لأَقِفَكَ على أَنَّهَا كلهَا تذكر وتؤنث قَالَ أَبُو حَاتِم: هُوَ مُذَكّر لَا غير وَمن ذَلِك (السِّلْم) الصُّلح يذكر وَيُؤَنث وَيُقَال لَهَا السَّلْم أَيْضا قَالَ زُهَيْر فِي التَّذْكِير:
(وَقد قُلْتُما إِن نُدْرِكِ السِّلْمَ واسَعاً ... بمالٍ ومَعْرُوفٍ من القَوْل نَسْلَمِ)
وَأنْشد الْفَارِسِي:
(فَإِن السِّلْمَ زائدةٌ نَوالاً ... وإنَّ نَوَى المُحَارِبِ لَا يَؤُبُ)
وَقَالَ الله تَعَالَى: {وَإِنْ جَنَحُوا للسَّلْمِ فاجْنَحْ لَهَا} [الْأَنْفَال: 61] فَأَما السِّلْم الإسْلاَمُ فمذكر قَالَ السجساني سَأَلت الْأَصْمَعِي فَقلت فِي الحديثَ:
(مُنْذُ دَجَتِ الإسلامُ) لأَيِّ شَيْء أنثوه قَالَ أَرَادوا الْملَّة الحنيفية وَالله أعلم وَقَالُوا فلَان سِلْم وسَلْم لي - أَي مُسالم وَهُوَ مُذَكّر والسِّلْم - الاستسلام مُذَكّر لَا غير وَمن ذَلِك (سِقْطُ النَّار) يذكر ويؤنُ وَأنْشد الْفَارِسِي:
(وسِقْطٍ كَعَيْنِ الدَّيكِ عَاوَرْتُ صُحْبَتِي ... أَبَاهَا وهَيَّأْنَا لِمَوْضِعِهَا وَكْرَا)
وَقَالَ بعض الْأَعْرَاب إنَّ السِّقْطَ يُحْرِقُ الحَرَجَة هَكَذَا سمعته بالتذكير وَفِيه ثَلَاث لُغَات سِقْطٌ وسَقْطٌ وسُقْطٌ وَكلهَا جَارِيَة مجْرى سِقْطٍ فِي الجنسين أَعنِي التَّذْكِير والتأنيث فَأَما سِقْطُ الوَلِد والرَّمْل أَعنِي مُنْقَطَعَه فمذكر لَا غير وَفِيه اللُّغَات الَّتِي فِي سقط النَّار وَقد شرحتُ ذَلِك وَمن ذَلِك (الإِزَارُ) يذكر وَيُؤَنث قَالَ أَبُو ذُؤَيْب فِي التَّأْنِيث:
(تَبَرَّأُ من دَمِ القَتِيلِ وبَزِّه ... وَقد عَلِقَتْ دَمَ القَتِيل إِزارُها)
وَقد أنكر قوم تَأْنِيث الْإِزَار وَلم يذكر هَذَا الْبَيْت عَلَيْهِم حجَّة لأَنهم قَالُوا هُوَ بدل من الضَّمِير الَّذِي فِي عَلِقَتْ على حدّ قَوْله تَعَالَى: {مُفَتَّحَةً لهمُ الأَبْوابُ} [ص: 50] وَقد قَالُوا إزارة وأباها الْأَصْمَعِي وَاحْتج عَلَيْهِ بِبَيْت الْأَعْشَى:
(كَتَمَايُلِ النِّشْوَانِ يَرْفُلُ ... فِي البَقِيرِ وَفِي الإزاره)(5/145)
فَقَالَ هُوَ مَصْنُوع وَقَالَ ابْن جني فِي قَوْله:
(وَقد عَلِقَتْ دَمَ القَتِيل إزارُها ... )
أَرَادَ إزارتَها فَحذف كَمَا قَالُوا ذهب بِعُذْرَتِها وَهُوَ أَبُو عُذْرِها وَقَالُوا لَيْتَ شِعْرِي وَهُوَ من شَعَرْتُ بِهِ شِعْرةٌ ويدلك على أَن الْإِزَار مُذَكّر تكسيرهم إِيَّاه على آزرةٍ وأُزُرٍ وَلَو كَانَ مؤنثا لكُسِّرَ على آزُرٍ كشِمَالٍ وأَشْمُلٍ وَمن ذَلِك (السماءُ) الَّتِي تُظِلُّ الأرضَ تذكر وتؤنث والتذكير قَلِيل كَأَنَّهُ جمع سماوَةَ قَالَ الشَّاعِر:
(فَلَو رَفَعَ السماءُ إِلَيْهِ قَوْماً ... لَحِقْنا بالسَّماءِ معَ السَّحابِ)
فَأَما تذكيرها على أَنَّهَا مُفْردَة فقليل وَأما قَوْله: {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} [المزمل: 18] على النَّسَبِ كَمَا قَالُوا دَجَاجَةٌ مُعَضِّلٌ وكما قَالَ المُمَزَّقُ العَبْدِيُّ:
(وَقد تَخِذَتْ رِجْلِي إِلَى جَنْبِ غَرْزِهَا ... نَسِيفاً كأُفْحُوص القَطَاةِ المُطَرِّقِ)
وَأما الْبَيْت الَّذِي أنشدناه فِي بَاب السَّمَاء والفَلَكِ:
(وَقَالَت سَمَاءُ البيتِ فَوْقَكَ مُنْهِجٌ ... وَلَمَّا تُيَسِّر أَحْبُلاً للرَّكَائِبِ)
فَإِنَّمَا عَنَى بِهِ السَّمَاء الَّذِي هُوَ السّقف وَهُوَ مُذَكّر وَقد أَنْعَمت شرح هَذَا هُنَالك وأذكر مِنْهُ شَيْئا لم أذكرهُ فِي ذَلِك الْموضع لِأَن هَذَا الْموضع أَخَصُّ بِهِ قَالَ قوم إِن السَّمَاء هَا هُنَا مَنْقُول من السَّمَاء الَّتِي تظلُّ الأرضَ وَهَذَا غلط قد صرح الْفَارِسِي بتقبيحه قَالَ لَو كَانَ مَنْقُولًا مِنْهَا لبقي على التَّأْنِيث كَمَا أَن السَّمَاء الَّتِي هِيَ الْمَطَر لما كَانَت منقولة مِنْهَا ثَبت تأنيثُها ومُنْهِجٌ مُذَكّر لِأَنَّهُ خبر عَن مُذَكّر فَإِنَّمَا يحمل مثل هَذَا على النَّسَبِ إِذا كَانَ الموصوفُ لَا شكّ فِي تأنيثه كَقَوْلِهِم دجَاجَة مُعَضِّلٌ والسماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ فَأَما قَوْلهم فِي جمع السَّمَاء أسْمِيَةٌ فقد كَانَ حَقُّه أَن يكون سُمَيًّا كعَنَاقٍ وعُنُوق وَهَذَا الْمِثَال غَالب على هَذَا الْبَاب وَلكنه شَذَّ وَذكر أَبُو عَليّ عَن بعض البغداديين التَّذْكِير فِي السَّمَاء الْمَطَر قَالَ وَلذَلِك جمع على أفْعِلةٍ قَالَ وَقَالَ أَبُو الْحسن أصابَتْنَا سماءٌ ثمَّ قَالُوا ثلاثُ أسْمِيَة وَإِنَّمَا كَانَ بابُه أَفْعل مثل عَناقٍ وأَعْنُقٍ قَالَ وَزَعَمُوا أَن بَعضهم قَالَ طِحَالٌ وأَطْحُلٌ وَأنْشد لرؤبة:
(إَذا رَمَى مَجْهُولَه بالأَجْنُنِ ... )
فَكَمَا جمع جَنِيناً على أَجْنُنِ وَكَانَ حَقه أَجِنَّةٌ كَذَلِك جمع سماءٌ على أَسْمِيَةٍ وَكَانَ حَقه أسْمِياً فعلى قَول أبي الْحسن تكون السَّمَاء للمطر تَسْمِيَة باسم السَّمَاء لنزوله مِنْهَا كنحو تسميتهم المزادةَ روايةٌ والفِناء عَذِرَةٌ وعَلى قَول البغدايين كَأَنَّهُ سُمِّيَ سَمَاء لارتفاعِه كَمَا سَمُّوا السَّقْفَ سماءٌ لذَلِك وَالْوَجْه قَول أبي الْحسن لروايته التأنيثَ فِيهَا وَسَنذكر تحقير السَّمَاء فِي بَاب تحقير الْمُؤَنَّث وَمن ذَلِك (الفِرْدَوْسُ) يذكر وَيُؤَنث وَهُوَ البُسْتَانُ الَّذِي فِيهِ الكُرُومُ وَفِي التَّنْزِيل: {أُوْلَئِكَ هُمُ الوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 10 - 11] وَإِنَّمَا يذهب فِي تَأْنِيث الفِرْدَوْسِ إِلَى معنى الْجنَّة وَمن ذَلِك (الجَحِيم) يذكر وَيُؤَنث وَفِي التَّنْزِيل: {وَإذا الجَحِيمُ سُعِّرَتْ} [التكوير: 12] وَهِي النارُ المُسْتَحْكَمَة المُتَلَظِّيَة وجهنم مُؤَنّثَة وأسماؤها مُؤَنّثَة وَكَذَلِكَ لَظَى وسَقَر وَفِي التَّنْزِيل: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ} [المدثر: 27] وَفِيه: {كَلاَّ إِنَّها لَظَى نَزَّاعَةٌ للشَّوَى} [المعارج: 15 - 16] وَمن ذَلِك (السَّمُومُ) مُؤَنّثَة وَقد تذكر قَالَ الراجز:
(اليَوْمُ يَوْمٌ بَارِدٌ سَمُومُه ... مَنْ جَزِعَ اليومَ فَلَا تَلُومُه)(5/146)
باردٌ - ثَابت من قَوْلهم بَرَدَ عَلَيْهِ كَذَا أَي ثَبَتَ وَإِن أَصْحَابك لَا يُبَالُونَ مَا بَرَّدُوا عَلَيْكَ - أَي أَثْبَتُوا وَلَيْسَ من البَرْدِ الَّذِي هُوَ ضِدّ الْحر والسَّمُومُ بِالنَّهَارِ وَقد يكون بِاللَّيْلِ والحَرُور بِاللَّيْلِ وَقد يكون بِالنَّهَارِ قَالَ الراجز:
(وَنَسَجَتْ لَوَامِعُ الحَرُورِ ... )
وهما يكونَانِ اسْمَيْنِ وصفين كَمَا أَرَيْتُكَ فِي بَاب فَعُولَ الَّتِي تكون مرّة اسْما وَمرَّة صفة وَرُوِيَ عَن أبي عَمْرو أَنه قَالَ السَّمُومُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار والحَرورُ بِاللَّيْلِ وَمن ذَلِك (الصَّالبُ) من الحُمَّى يذكر وَيُؤَنث وَمن ذَلِك (الزَّوْجُ) يذكر وَيُؤَنث يُقَال فلَان زَوْجُ فُلَانَة وفلانةُ زوج فلانٍ هَذَا قَول أهل الْحجاز قَالَ الله تَعَالَى: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} [الْأَحْزَاب: 37] وَأهل نَجْد يَقُولُونَ فلانةُ زوجةُ فلَان قَالَ وَهُوَ أَكثر من زَوْج والأولُ أفْصح وَأنْشد لعَبدة بن الطَّبِيب:
(فَبَكَى بَنَاتِي شَجُوهُنَّ وَزَوْجَتِي ... والأَقْرَبُونَ إِليَّ ثُمَّ تَصَدَّعُوا)
فَمن قَالَ زَوْجَة قَالَ فِي الْجَمِيع وزوجات وَمن قَالَ زوج قَالَ فِي الْجَمِيع أَزوَاج قَالَ الله تَعَالَى: {يَا أَيُّها النَّبِيُّ قُلْ لأًزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ المُؤْمِنِينَ} [الْأَحْزَاب: 59] وَقَالَ الراجز:
(منْ مَنْزِلي قَدْ أَخْرَجَتْنِي زَوْجَتِي ... تَهِرُّ فِي وَجْهِي هَرِيرَ الكَلْبَةِ)
قَالَ وَلَا يُقَال للاثنين زوج لَا من طَيْر وَلَا من شَيْء من الْأَشْيَاء وَلَكِن كل ذكر وَأُنْثَى زوجانِ يُقَال زَوْجا حمام للاثنين وَلَا يُقَال زَوْجُ حمام للاثنين هَذَا من كَلَام الْجُهَّال بِكَلَام الْعَرَب قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى: {فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ والأُنْثَى} [الْقِيَامَة: 39] وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْء من الْإِنَاث والذكور وَيُقَال زَوْجَا خِفَافٍ وَزَوْجَا نِعالٍ وَزَوْجَا وسَائِدَ وَقَالُوا للذّكر فَرْدٌ كَمَا قَالُوا للْأُنْثَى فَرْدَة قَالَ الشَّاعِر وَهُوَ الطِّرِمَّاحِ:
(وَقَعْنَ اثْنَتَيْنِ واثَنَتَيْنِ وفَرْدَةً ... تُبَادِر تَغْلِيساً سِمَال المَدَاهِنِ)
وَأنْشد أَبُو الْجراح:
(يَا صَاحِ بَلِّغْ ذَوِ الزَّوْجَاتِ كُلِّهِمْ ... أَنْ لَيْسَ وَصْلٌ إِذا انْحَلَّتْ عُرَى الذَّنَبِ)
وَقَالَ الْفراء خفض كُلُّهم على الْجوَار لِلزَّوْجَاتِ وَالصَّوَاب كُلُّهم على النَّعْت لِذَوي وَكَانَ إنشاد أبي الجَرَّاحِ بالخفض وَمن ذَلِك (الآلُ) الَّذِي يَلْمَعُ بالضُّحَى يذكر وَيُؤَنث والتذكير أَجود قَالَ الشَّاعِر:
(أَتْبَعْتُهُمْ بَصَرِي والآلُ يَرْفَعُهُمْ ... حَتَّى اسْمَدَرَّ بَطَرْفِ العَيْنِ إتْآرِي)
وَحكى عَن بعض اللغويين أَنه قَالَ فِي الْآل الَّذِي هُوَ الأَهْلُ أَنه يذكر وَيُؤَنث وَقد قدَّمت قَول من قَالَ إِن ألف آل منقلبة عَن الْهَاء الَّتِي فِي أهل وَأَن بَعضهم يحقره فَيَقُول أُهَيْلٌ وَبَعْضهمْ يَقُول أُوَيْلٌ يَجْعَل اللف مَجْهُولَة الأنقلاب فيحملها على الْوَاو لِأَن انقلابها عَنْهَا أَكثر وَهُوَ مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ فِي الْألف الَّتِي لَا يعرف مَا(5/147)
انقلبت عَنهُ فَأَما الآلُ الشَّخْص فمذكر وَأما الآلُ العِيدانُ الَّتِي تُبْنَى عَلَيْهَا الخيامُ فمذكر وَقد قيل إِنَّه جمع آلَة فَإِذا كَانَ كَذَلِك فَهُوَ يذكر على اللَّفْظ وَيُؤَنث على الْمَعْنى وَمن ذَلِك (الضَّرْبُ) العَسَلُ الأبيضُ إِذا غَلُظَ يذكر وَيُؤَنث قَالَ سَاعِدَة:
(وَمَا ضَرَبٌ بَيْضَاءَ يَسْقِي دَبُوبَها ... دُفَاقٌ فَعَرْوانُ الكَراثِ قَضِيمُها)
دَبُوبَها مكانٌ يَسْقِيهِ مكانٌ آخر والكَرَاثُ شجر ودُفاقٌ وعَرْوان وضِيمٌ أَوْدِيَةٌ وَقيل الضَّرْبُ أُنْثَى وَإِنَّمَا يذكر إِذا ذُهِبَ بِهِ مذهبَ الْعَسَل أَو الجَلْس لِأَنَّهُ الجَلْسَ والضَّرَبَ من الْعَسَل سواءٌ وَقيل هُوَ جمع ضَرَبة وَمن ذَلِك (المِسْكُ والعَنْبَرُ) يذكران ويؤنثان وَأما المِسْكُ رائحةُ المِسْكِ فمؤنثه وَأنْشد قَول الشَّاعِر:
(لَقَدْ عَاجَلَتْني بالسَّبابِ وثَوْبُهَا ... جَدِيدٌ وَمن أثْوَابِها المِسْكُ تَنْفَحُ)
على معنى رَائِحَة الْمسك يُقَال هِيَ المِسْكُ وَهُوَ المِسْكُ وَهِي العنبر وَهُوَ العنبر وَأنْشد فِي التَّذْكِير للزبير بن عبد الْمطلب:
(فَإنَّا قد خُلِقْنَا مُذْ خُلِقْنَا ... لَنَا الحَبِراتُ والمُسْكُ الفَتِيتُ)
وَأنْشد فِي تذكير العَنْبَر للأعشى:
(إِذا تَقُومُ يَضُوعُ المِسْكُ آوِنَةً ... والعَنْبَرُ الوَرْدُ من أرْدافِها شَمِلُ)
وَقَالَ أَعْرَابِي فِي تَأْنِيث الْمسك والعنبر:
(والمِسكُ والعنبر خَيْرُ طِيبِ ... أُخِذَتَا بالثَّمَنِ الرَّغِيبِ)
والمِسْكُ واحدتُه مِسْكَة كَمَا أَن وَاحِدَة الذَّهَب ذَهَبَةٌ وَقَول رؤبة:
(أَجِدْ بهَا أطْيَبَ مِنْ رِيحِ المِسِكِ ... )
كَسَر الطين اضطراراً كَمَا قَالَ:
(بِرِجِلٍ طَالَتْ أَتَتْ مَا تَأْتِي ... )
وَكَانَ الْأَصْمَعِي ينشد المِسْكَ وَيَقُول هُوَ جمع مِسْكَة كَقَوْلِك خِرْقَة وخِرَق وقِرْبَة وقِرَب وَقد قيل فِي وَاحِد العنبر عنبرة وَلَيْسَ بالمشهور إِنَّمَا العنبرةُ عنبرةُ الشتَاء وَهِي شِدَّته و (المسواك) يذكر وَيُؤَنث وَمن ذَلِك (فوقُ السَّهْم) يذكر وَيُؤَنث يُقَال هُوَ الفُوقُ وَهِي الفُوقُ وَهِي الفُوقَةُ وَيُقَال فِي جمع الُوقَةِ الفُوَقُ وَأنْشد عَن الأَسَدِيِّ:
(وَلَكِن وَجَدْتُ السَّهْمَ أَهْوَنَ فُوقَةً ... عَلَيْك فَقَدْ أَوْدى دَمٌ أَنْتَ طَالِبُهْ)
وَمن ذَلِك (السَّلْم) الدَّلْو الَّذِي لَهُ عُرْوة مثلُ دِلاَء أَصْحَاب الرَّوايا يذكر وَيُؤَنث قَالَ الراجز فِي التَّذْكِير:
(سَلْمٌ تَرَى الدَّالِيَّ مِنْهُ أَزْوَرَا ... إِذا يَعُبُّ فِي السَّرِيِّ هَرْهَرَا)
السَّرِيُّ النَّهر وَمن ذَلِك (الأَشَدُّ) يذكر وَيُؤَنث من قَوْلك بَلَغَ الرجلُ أشَدُّهُ يُقَال هِيَ الأَشَدُّ وَهُوَ الأَشُدُّ وَقد اخْتلف مَا هِيَ من الْإِنْسَان فَقيل هِيَ أَرْبَعُونَ وَقد بَلَغَ أَشُدَّهُ أَي مُنْتَهَى شَبابه وقوَّته من قَبْلِ أَن يَأْخُذَ فِي النُّقْصان قَالَ وَلَيْسَ لَهُ وَاحِد من لَفظه قَالَ يُونُس الأَشُدُّ جمع شِدِّ بِمَنْزِلَة قَوْلهم الرجلُ وَدُّ وَالرِّجَال أَوُدُّ وَقد(5/148)
قيل الأَشُدُّ اسْم وَاحِد كالآنُكِ قَالَ سِيبَوَيْهٍ: واحدتُها شِدَّة مثل قَوْلهم نِعْمَة وأَنْعُم وَهَذَا من الْجمع الْعَزِيز وَقد أطلتُ شرح هَذَا وَأَبْنَتُهُ فِي أول الْكتاب
وَمن ذَلِك (الغَوْغَاءُ) يذكر وَيُؤَنث فَمن أنث لم يصرف بِمَنْزِلَة حَمْرَاء وصَفْرَاء وَمن ذكر قَالَ هم غَوْغَاءُ بِمَنْزِلَة رَضْرَاضٍ وقَضْقَاضٍ
وَمن ذَلِك (رَسَلُ الحَوْضِ الأَدْنَى) مَا بَين عشر إِلَى خمس وَعشْرين يذكر وَيُؤَنث
وَمن ذَلِك (الأَضْحَى) يذكر وَيُؤَنث فَمن ذكر يذهب إِلَى الْعِيد وَالْيَوْم قَالَ الشَّاعِر فِي التَّذْكِير:
(رَأَيْتُكُمْ بَنِي الخَذْوَاءِ لَمَّا ... دَنَا الأَضْحَى وَصَلَّلَتِ اللِّحَامُ)
وَقَالَ أَيْضا فِي التَّأْنِيث:
(أَلاَ لَيْتَ شِعْرِي هَل تَعُودَنَّ بعدَها ... عَلَى النَّاسِ أَضْحَى تَجْمَعُ الناسَ أَو فِطْرُ)
وَقد قيل إِن الْأَضْحَى جمع أْضْحَاةٍ وَبِه سُمِّيَ الْيَوْم يُقَال ضَحِيَّة وأُضْحِيَّةٌ وأَضْحَاةٌ وَهُوَ مَا ضُحِّيَ بِهِ
وَمن ذَلِك (الأَيَّامُ) تذكر وتؤنث فَمن أنث فعلى اللَّفْظ وَمن ذكر فعلى معنى الحِينِ أَو الدَّهْرِ قَالَ الشَّاعِر:
(أَلاَ لَيْتَ أَيَّامَ الصَّفَاءِ جَدِيدُ ... )
وَالْغَالِب عَلَيْهَا التَّأْنِيث وَأما اليومُ فمذكر بِإِجْمَاع يَقُول يَوْمٌ أَيْوَمُ ويَوِمٌ وَيْمٍ وَأنْشد قَول الشَّاعِر:
(مَرْوَانُ مَرْوَان أَخا اليومِ اليَمِي ... )
على الْقلب وَلم يَقُولُوا يَوْمٌ يَوْمَاءٌ وَلَا يَوِمَة وَاعْلَم أَن السَّبْتَ والأحدَ والخميسَ مذكرة وَلَك فِيهِ وَجها إِذا قَصَدْتَ قَصْدَ الْأَيَّام ذَكَّرْتَ فَتَقول مَضَى السبتُ بِمَا فِيهِ فتذكّر لِأَنَّك تَقْصُدُ قَصْدَ الْيَوْم وَالْمعْنَى اليومُ بِمَا فِيهِ وَإِذا قصدتَ قَصْدَ أَيَّام الْجُمُعَة قلتَ مَضى السبتُ بِمَا فيهنَّ على معنى مَضَت الأيامُ بِمَا فِيهِنَّ وَكَذَلِكَ مَضَى الأحدُ بِمَا فيهنَّ ومَضَى الخميسُ بِمَا فيهنَّ وَلَا يجوز أَن تَقول مضى السبت بِمَا فِيهَا وَكَذَلِكَ الْأَحَد وَالْخَمِيس وَأما الِاثْنَان فلك فِيهِ ثَلَاثَة أوجه: التَّذْكِير لمعناه لَا لَفظه أَعنِي معنى الْيَوْم والتثنيةُ للفظه والجمعُ على معنى أَيَّام الْجُمُعَة تَقول: مَضَى الاثنانِ بِمَا فِيهِ وَفِيهِمَا وفيهن وَأما الثَّلاثاء وَالْأَرْبِعَاء والمعة فَإِن للْعَرَب فِيهِنَّ ثَلَاثَة مَذَاهِب: أَحدهَا أَن يذهبوا إِلَى اللَّفْظ فيؤنثوا وَالثَّانِي أَن يذهبوا إِلَى معنى الْيَوْم فيذكروا وَالثَّالِث أَن يذهبوا إِلَى معنى الْأَيَّام فيجمعوا وَفِي الْأَرْبَعَاء لُغَتَانِ: أرْبِعَاءُ وأرْبَعَاء وَفِي الْجُمُعَة ثَلَاث لُغَات: جُمْعَةٌ وجُمْعَةٌ وجُمَعَةٌ
وَأما أَسمَاء الشُّهُور فَإِنَّهَا مذكرة إلاجُمَادَيَيْنِ فَإِن سمعتَ فِي شِعْرِ تذكير جُماَدَى فَإِنَّمَا يذهب بِهِ إِلَى معنى الشَّهْر كَمَا قَالُوا هَذِه ألفُ دِرْهَم فَقَالُوا: هَذِه على معنى الدَّرَاهِم ثمَّ قَالُوا ألف دِرْهَم
وَأما (العَشِيَّةُ) فَإِنَّهَا مُؤَنّثَة وَرُبمَا ذكرتها الْعَرَب فَذَهَبت إِلَى معنى العَشِيّ وَأنْشد قَول الشَّاعِر:
(هَنِيئاً لِسَعْدٍ مَا اقْتَضَى بَعْدَ وَقْعَتِي ... بِنَاقَةِ سَعْدٍ والعَشِيَّةُ بارِدُ)
فَذَكَّر بَارِدًا حملا على معنى والعَشِيُّ بارِدٌ (وَأما الغَدَاةُ) فمؤنثة لم نَسْمَع تذكيرها وَلَو حملهَا حَامِل على معنى الْوَقْت لجَاز أَن يذكرهَا وَلم نسْمع فِيهَا إِلَّا التَّأْنِيث(5/149)
1 - بَاب مَا يكون للمذكر والمؤنث وَالْجمع بِلَفْظ وَاحِد وَمَعْنَاهُ فِي ذَلِك مُخْتَلف
من ذَلِك (المَنُونُ) تذكر وتؤنث وَتَكون بِمَعْنى الْجمع فَمن ذكره ذهب بِهِ إِلَى معنى الدَّهْرِ وَمن أنثه ذهب بِهِ إِلَى معنى المَنِيَّةِ قَالَ الْأَصْمَعِي: المَنُونُ - المَنِيَّة والمَنُونُ - الدَّهْر وَأنْشد قَول الشَّاعِر:
(فَقُلْتُ أنَّ المَنُونَ فَانْطَلِقْنَ ... تَعْدُو فَلَا تَسْتَطِيع تَدْرُؤُهَا)
تَعْدُو - تَشْتَدُّ قَالَ الْهُذلِيّ:
(أَمِنَ المَنُونِ وَرَيْبِهَا تَتَوَجَّعُ ... والدَّهْرُ لَيْسَ بِمُعْتِبٍ مَنْ يَجْزَعُ)
فأنث المَنُون على معنى المَنِيَّةِ وَيُنْشَدُ وَرَيْبِهِ فَذكر المَنُونُ على معنى الدَّهْرِ قَالَ الْفَارِسِي: وَمن روى وَرَيْبِه ذهب بِهِ إِلَى معنى الْجِنْس وَمن جعل المنونَ جمعا بِهِ إِلَى معنى المَنَايَا قَالَ عدي بن زيد:
(مَنْ رَأَيْتَ المَنُونَ عَدَّيْنَ أَمْ مَنْ ... ذَا عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يُضَامَ خَفِيرُ)
حَمَلَه على رَأَيْت المنايا عَدَّيْنَ قَالَ أَبُو عَليّ: إِنَّمَا سمى الدَّهْر والمنية مَنُوناً لأخذِها مُنَنَ الْأَشْيَاء - أَي قُواها والمَنِينُ الحَبْلُ الخَلَقُ
وَمن ذَلِك (الفُلْكُ) يكون وَاحِدًا وجمعاً وَقد قدَّمت أَنه يذكر وَيُؤَنث وَلَيْسَ الفُلْكُ وَإِن كَانَ يَقع على الْوَاحِد والجميع بِمَنْزِلَة المَنُونِ إِذا كَانَ جمعا فَلَيْسَ بتكسير مَنُونٍ وَإِنَّمَا هُوَ اسْم دَال على الْجِنْس كَمَا أَرَيْتُكَ وَأما الفُلك الَّذِي يُعْنَى بِهِ الْجمع فتكسير الفُلْكِ الَّذِي يُعنى بِهِ الْوَاحِد أَلا ترى أَنه سِيبَوَيْهٍ قد مَثَّلَهُ بأسَدَ وأُسْدٍ ونَظَّرَ فُعْلاً بفَعَلَ إِذْ كَانَا قد يَعْتِقِبانِ على الكملة الْوَاحِدَة كَقَوْلِهِم عُدْمٌ وعَدَمٌ وسُقْمٌ وسَقَم فالضمة الَّتِي فِي فُلْكٍ وَأَنت تُرِيدُ الجمعَ غيرُ الضمَّة الَّتِي فِي فُلْك وأنتَ تُرِيدُ الْوَاحِدَة وَقد كشفتُ جَلِيَّةَ هَذَا الْأَمر فِيمَا تقدَّم وأتيتُ بِنَصِّ قَول سِيبَوَيْهٍ وذكرتُ اعتراضَ أبي عليّ على أبي إِسْحَاق فِي هَذَا الْفَصْل وتَسْفِيهَهُ رَأَيَهُ عِنْد ذكر الفُلْك فِي بَاب السَّفِينَة إِذْ كَانَ فصلا لم يُوضحهُ أحد من قَدَمَاء النَّحْوِيين فحقيقته وَقَالَ جلّ ثناؤُه فِي تأنيثها: {قُلْنَا احْمِلْ فِيها من كُلِّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} [هود: 40] وَقَالَ تَعَالَى فِي الْجمع: {حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} [يُونُس: 22]
وَمن ذَلِك (الطَّاغُوتُ) يَقَع على الوحد والجميع وَقد قدَّمت أَنه يذكر وَيُؤَنث قَالَ الْفَارِسِي: قَالَ مُحَمَّد بن يزِيد الطاغُوتُ جمع وَلَيْسَ الْأَمر عندنَا على مَا قَالَ وَذَلِكَ أَن الطاغوت مصدر كالرَّغَبُوت فَكَمَا أَن هَذِه الْأَشْيَاء الَّتِي هَذَا الِاسْم على وَزنهَا آحادٌ وَلَيْسَت بجموع فَكَذَلِك هَذَا الِاسْم مُفرد لَيْسَ بِجمع وَالْأَصْل فِيهِ التَّذْكِير وَعَلِيهِ جَاءَ: {وقَدْ أُمِرُوا أَنْ يُكْفُرُوا بِهِ} [النِّسَاء: 60] وَأما قَوْله: {أَنْ يَعْبُدُوهَا} [الزمر: 17] فإنَّما أنَّث على إِرَادَة الْآلهَة الَّتِي كَانُوا يعبدونها وَيدل على أَنه مصدر مُفْرد قَوْله تَعَالَى: {أولِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ} [الْبَقَرَة: 257] فأفرد فِي مَوضِع الْجمع كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
(هُمُ بَيْنَنَا فَهُمْ رِضاً وهُمُ عَدْلُ ... )
فَأَما قِرَاءَة الْحسن أولياؤُهم الطَّواغِيتُ فَإِنَّهُ جمع كَمَا جمع المصادر فِي قَوْله:
(هَل من حُلومِ لأَقْوامٍ فتُنْذِرَهُمْ ... مَا جَرَّتَ الناسُ من عَضِّي وتَضْرِيسِي)(5/150)
وَهُوَ من الطُّغْيَانِ إِلَّا أَن اللَّام قَدِّمَتْ إِلَى مَوضِع الْعين لما كَانَ يلْزمهَا لاعتلالها من الْحَذف قَالَ أَبُو سعيد السيرافي: يُقَال طَغَى يَطْغَى وطَفِيَ يَطْغَى وَهُوَ من الْوَاو بِدلَالَة أَنه إِذا كسر الطاغوتُ قيلَ طواغيتُ فَأَما الطُّغْيَانُ فمعاقبة وَقَالَ فِي مَوضِع آخر طَغَوْتُ وطَغَيْتُ فالطُّغيانُ من طَغَيْتُ والطَّاغُوتُ من طَغَوْتَ وَأما طَغْوَى فقد يكون من طَغَوْتَ وَيكون من طَغَيْتُ فَيكون من بَاب تَقْوَى وَقد قيل إِنَّه إِذا ذُكِّر الطاغوتُ ذُهِبَ بِهِ إِلَى معنى الإِلَهِ وَإِذا أُنِّثَ ذهب بِهِ إِلَى معنى الْأَصْنَام (والسِّهَامُ) الرِّيح الحارَّة وَاحِدهَا وَجَمعهَا سَوَاء
1 - بَاب مَا يكون وَاحِد يَقع على الْوَاحِد والجميع والمذكر والمؤنث بِلَفْظ وَاحِد
وَهَذَا مِمَّا كادَ يَخُصُّ الْمصدر وَإِن لم يكن خَصَّ فقد غَلَبَ وطَائِفة تذْهب إِلَى أَن الْمُضَاف مَحْذُوف وَطَائِفَة تَقول إِن الْمصدر لما كَانَ وَاحِدًا يدل على الْقَلِيل وَالْكثير من جنسه جَعَلُوهُ مُفردا
وَمن ذَلِك (الصِّدِيقُ) يكون مذكراً ومؤنثاً وجمعاً بِاتِّفَاق من لَفظه وَمَعْنَاهُ وَذَلِكَ أَنه لَا يخرج عَن معنى الصَّدَاقَةِ كَمَا نقلت المَنُونُ فِي حَال تذكيرها إِلَى معنى الدَّهْرِ وَيجوز أَن تؤنث الصَّدِيقَ وتثنيه وتجمعه فَتَقول صَدِيقَة وصَدِيقَانِ وأصْدِقَاءُ وصَدِيقُونَ وأًصَادِق وَأنْشد أَبُو الْعَبَّاس
(فَلَا زِلْنَ دَبْرَى ظُلَّعاً لِمْ حَمَلْنَهَا ... إِلَى بَلَدٍ قَلِيلِ الأصادِقِ)
وَكَذَلِكَ (الرَّسُولُ) وَقد جمعُوا الرَّسُولَ وثَنَّوْهُ كَمَا جمعُوا الصَّدِيقَ وثَنَّوْهُ وَقد أَنَّثُوه فمما جَاءَ مِنْهُ مُثَنَّى قَوْله تَعَالَى: {إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ} [طه: 47] وَقَالَ: {تِلْكَ الرُّسُلُ} [الْبَقَرَة: 253] وَقَالَ بَعضهم من أنثَّ فَإِنَّمَا يذهب إِلَى معنى الرِّسالة وَاحْتج بقول الشَّاعِر:
(فَأَبْلِغْ أَبا بَكْرٍ رَسُولاً سَرِيعةً ... فَمَا لَكَ يَا ابْنَ الحَضْرَمِيِّ وَمَالِيَا)
وَقَالَ أَرَادَ رِسَالَة سريعةً وَأنْشد الْفراء:
(لَو كانَ فِي قَلْبِي كَقَدْرِ قَلاَمَةٍ ... فَضْلٌ لِغَيْرِكَ قد أَتَاها أَرْسُلِي)
جَمَعَ الرسولَ على أَفْعُل وَهُوَ من عَلَامَات التَّأْنِيث
من ذَلِك (الضَّيْفُ) وَفِي التَّنْزِيل: {هَؤُلاَءِ ضَيْفِي} [الْحجر: 68] وَقَالَ: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إبْرَاهِيمَ المُكْرَمِينَ} [الذاريات: 24] وَقد ثُنِيَ وَجُمِعَ وأَنَّثَ قَالَ الشَّاعِر:
(فَاَوْدَى بِمَا تُقْرَى الضُّيُوفُ الضَّيافِنُ)
وَقَالَ آخر:
(لَقَى حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْيَ ضَيْفَةٌ ... فَجَاءَتْ بَيَتْنٍ للضِّيافَةِ أَرْشَمَا)
وَمن ذَلِك (الطِّفْلُ) وَفِي التَّنْزِيل: {أَو الطِّفْلِ الَّذِينَ لم يَظْهَرُوا على عَوَرَاتِ النِّسَاءِ} [النُّور: 31] وَفِي مَوضِع آخر: {ثمَّ يُخْرِجُكُمْ طَفْلا} [غَافِر: 67] وَقد يجوز أَن يثنى وَيجمع وَيُؤَنث فَتَقول طِفْلاَنِ وأطفالٌ وطِفْلَةٌ فَيكون قَوْله عز وَجل: {ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً} [غَافِر: 67] فِي هَذَا الْمَذْهَب على قَوْله:(5/151)
(قد عَضَّ أعْنَاقَهُمْ جِلْدُ الجَوَامِيس ... )
وكُلُوا فِي بَعْضِ بَطْنِكُمْ وَفِي حَلْقِكُمْ عَظْمُ وَقد أجدتُ استقصاء هَذَا فِي أول الْكتاب واختصرته هُنَا وَلم أُخِلَّ فَأَما الطِّفْلُ من غير الطِّفْلِ الَّذِي يُعْنَى بِهِ الصَّغِير من الْحَيَوَان كطِفْلِ الحُبِّ والهَمِّ فمجموع قَالَ الشَّاعِر:
(يَضُمُّ إِلَيَّ اللَّيْلُ أَطْفَالَ حُبِّهَا)
وَمن ذَلِك (البُورُ) وَصْفٌ وَهُوَ الْهَالِك قَالَ الشَّاعِر فِيمَا جَاءَ للْوَاحِد:
(يَا رَسُولَ المَلِيكِ إِنَّ لِسَانِي ... راتِقٌ مَا فَتَقْتُ إذْ أَنَا بُورُ)
وَقد قيل عَن البُورَ جمعٌ واحدُه بائِرٌ وَالْعرب تَقول حائِرٌ بائِرٌ وَمِنْه قَول عمر رَضِي الله عَنهُ حينَ قَسَمَ الرجالَ فَقَالَ الرِّجَال ثَلَاثَة رجل ذُو عقل ورأي وَرجل إِذا حَزَبَه أَمْرٌ أَتَى ذَا رَأْي فَاسْتَشَارَهُ وَرجل حائر بائر لَا يَأْتَمِرُ رَشَداً وَلَا يُطِيع مُرْشِداً
وَمن ذَلِك (الزَّوْرُ) قَالَ الشَّاعِر فِي الزَّوْرِ يَصِفُ صَرَائِمَ رَمْلٍ:
(كأَنَّهُنَّ فَتِيَاتٌ زَوْرٌ ... أَو بَقَراتٌ بَيْنَهُنَّ ثَوْرُ)
وَقَالَ أَبُو الجرَّاح يمدح الْكسَائي:
(كَرِيمٌ على جَنْبِ الخِوانِ وزَوْرُه ... يُحَيَّا بأَهْلاً مَرْحباً ثمَّ يجلِسُ)
وَكَذَلِكَ (العُوذُ) جمَع عائذٍ وَمن ذَلِك (الكَرَمُ) قَالَ الشَّاعِر:
(عَنِّيْتُمُ قَوْمَكُمْ فَخْراً بِأُمِّكُمُ ... أُمّ لَعَمْرِي حَصَانٌ بَرَّةٌ كَرَم)
وَقَالَ آخر أَيْضا:
(وَأَن يَعْرَيْنَ إِن كَسِيَ الجَوَارِي ... فَتَنْبُو العَيْنُ عَن كَرَمٍ عِجَافِ)
وَقَالُوا أرضٌ كَرَمٌ وأَرَضُون كَرَمٌ - طَيِّبَةٌ وَمن ذَلِك (الحَرَضُ) وَهُوَ الَّذِي قد أذابه الحُبُّ أَو الحُزْنُ يُقَال رجل حَرَضٌ وحارِضٌ فَمن قَالَ حَرَضٌ فَكَمَا أَرَيْتُكَ من أَنه للْوَاحِد فَمَا بعده بِلَفْظ وَاحِد وَمن قَالَ حارِضٌ ثَنَّى وَجمع وَكَذَلِكَ (الدَّنَفُ والضَّنَى) وَقد ثنى بَعضهم الضَّنَى أنْشد الْفَارِسِي:
(إِلاَّ غُلاَماً بِيئَةٍ ضَنَيانِ ... )
والمعروفُ أَن الدَّنَفَ والضَّنَى لَا يثنى وَلَا يجمع وَلَا يؤنث إِلَّا أَن يُقَال ضَنٍ ودَنِفٌ فَيُؤتى بهما على فَعِلٍ قَالَ الراجز:
(والشمسُ قد كادَتْ تَكُونُ دَنَفاً ... )
وَمِمَّا يجْرِي هَذَا المجرى فِي أَنه يَقع للمذكر والمؤنث والاثنين والجميع بِلَفْظ وَاحِد إِذا بُنِيَ على فَعَلٍ ويثنَّى وَيجمع وَيُؤَنث إِذا بُنِيّ على فَعلٍ قَوْلهم (قَمَنٌ وحَرًى) فَإِذا قيل قَمِنٌ وحَرٍ أنث وثنيّ وَجمع وَمِمَّا يَقع(5/152)
على الْوَاحِد فَمَا بعده بِلَفْظ وَاحِد (القُنْعَانُ) يُقَال رجل قُنْعَانٌ وَقوم قُنْعَانٌ وَامْرَأَة قُنْعَانٌ وَامْرَأَتَانِ قُنْعَانٌ ونِسْوَةٌ قُنعَانٌ وَكَذَلِكَ المَقْنَعُ والعَدْلُ والرِّضا يجْرِي ذَلِك المجرى قَالَ زُهَيْر:
(مَتَى يَشْتَجِرْ قَوْمٌ يَقُلْ سَرَوَاتُهُمْ ... هُمُ بَيْنَنَا فَهُمْ رِضاً وهُمُ عَدْلُ)
وَقد ثنّى وَجمع قَالَ الشَّاعِر:
(وبايَعْتُ لَيْلَى بالخَلاَاءِ وَلم يَكُنْ ... شُهُودٌ على لَيْلَى عُدُولٌ مَقَانِعُ)
جمع العَدْل والمَقْنَع وَمن ذَلِك (الحَمْدُ) وَهُوَ وَصْفٌ يُقَال رجل حَمْدٌ وَامْرَأَة حَمْدٌ وَرِجَال حَمْدٌ ومنزلة حَمْدٌ قَالَ الشَّاعِر:
(بَلَى إِنه قد كانَ للعَيْشِ مَرَّةٌ ... وللبِيضِ والفِتْيَانِ منزلةٌ حَمْداً)
وَمن ذَلِك (الخِيَارُ والشَّرْطُ) قَالَ الشَّاعِر:
(وَجَدْتُ النَّاسَ غَيْرَ ابْنَيْ نِزارٍ ... وَلم أَذًمُمْهُمْ شَرْطاً ودُونَا)
وَكَذَلِكَ (قَزَم) يجْرِي هَذَا المجرى والقَزَمُ والشَّرَطُ - الرُّذالُ وَيُقَال ماءٌ غَمْرٌ ومياه غَمْرٌ وجَمَّةٌ غَمْر أَعنِي بالجَمَّةِ مُعْظم المَاء وَمَاء غَوْر ومياه غُوْر ونُطْفَة غَوْر وماءٌ سَكْبٌ ومِيَاةٌ سَكْبٌ وقَطْرَةٌ سَكْبٌ وَرجل نَجَسٌ ونِسَاءٌ نَجَسٌ وَفِي التَّنْزِيل: {إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التَّوْبَة: 28] فَإِن أَتَوْا بِرِجْسٍ كَسَرُوا النونَ وأسكنوا الْجِيم فَقَالَ نِجْسٌ ورِجْسٌ وَقد قرئَ: {إِنَّمَا الْمُشْركُونَ نِجْسٌ} وَمن كسر النُّون وَمِنْه ثنّى وَجمع حكى عَن ابْن السّكيت: وَمن هَذَا الْبَاب قَوْلهم رجُل (جَلْدٌ) وَامْرَأَة جَلْد وَنسَاء جَلْدٌ وإبِلٌ جَلْد غزيرة وَمن هَذَا الْبَاب قَوْلهم (الفَرَطُ) وَهُوَ الَّذِي يتقدَّم الوارِدَة فيُصْلِحُ الأَرْشِيَة ويَمْدُرُ الحِيَاضَ رجل فَرَطٌ وَامْرَأَة فَرَطٌ وَرِجَال فَرَطٌ ونسوة فَرَطٌ فَأَما الفارِطُ فيثنى وَيجمع وَهُوَ بِمَعْنَاهُ وَمِمَّا لَا يثنى وَلَا يجمع وَلَا يؤنث من الْأَوْصَاف رجل فَرُّ - فَرارٌ ومَحضٌ وقَلْبٌ ومعناهما سَوَاء أَي خَالص وَكَذَلِكَ (فِجُّ) وَقد قَالُوا فِجَّة وَمثله عبد قِنُّ وأَمَة قِنُّ والقِنُّ العَبْد الَّذِي مُلِك هُوَ وأبَواه وَقَالُوا مَاء صَبُّ كَمَا قَالَ فِي السَّكْبِ وَقَالُوا تَمْرٌ بَثُّ وتُمُورٌ بَثُّ - وَهُوَ مَا لم يَكْثُرْ مِنْهُ وَكَانَ مفترقاً وَيُقَال جَفْنَةٌ رَذَمٌ وجِفانٌ رَذَم - أَي تَسِيلُ قَالَ ابنُ قَيْسِ الرُّقَيَّاتِ:
(أَعْنِي ابْنَ لَيْلَى عَبْدَ العَزيزِ بِبَابِ ... اليُونِ تَغْدُ وجِفانُهُ رَذَما)
وَمن هَذَا الْبَاب (صَوْمٌ وفِطْرٌ ونَوْحٌ) وَقد جمع نَوْحٌ قَالَ لبيد:
(قُومَا تَنُوخَانِ مَعَ الأَنْوَاحِ ... )
وَيُقَال رجل ذوًى وَرِجَال دَوًى وَامْرَأَة دوًى ونسوة دَوًى - أَي مَرْضَى فَإِن كَسَرُوا أنثوا وجمعوا وَيُقَال رجل دَاءٍ وَرِجَال دَاءٍ وَامْرَأَة داءٍ ونسوة داءٍ وَيُقَال أَنا البرَاء وَنحن البَرَاءُ وَفِي التَّنْزِيل: {إنَّا بُرَءَاؤا مِنْكُمْ} [الممتحنة: 60] وَيُقَال رجل عَدُوُّ ونِسْوَة عَدُوٌّ وَفِي التَّنْزِيل: {فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ} [النِّسَاء: 92] وَفِيه: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌ لِي إلاَّ رَبَّ العَالَمِينَ} [الشُّعَرَاء: 77] فَأَما مَا جَاءَ فِيهِ من الْوَاحِد فَغير شَيْء كَقَوْلِه تَعَالَى: {إِنَّ هَذَا عَدُوٌ لَكَ وَلِزَوْجِكَ} [طه: 117] والحَمِيمُ الَّذِي هُوَ الصّديق يجْرِي هَذَا المَجْرى وَفِي التنزيلك {وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً يُبَصَّرُونَهُمْ} [المعارج: 10 - 11] وَفِيه: {فَمَا لَنَا من شَافِعِينَ وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} [الشُّعَرَاء: 100 - 101](5/153)
وَمن هَذَا الْبَاب (المُصَاصَ واللُّبَابُ) وَهُوَ الخالِصُ وَيَقَع على الْوَاحِد فَمَا بعده بِلَفْظ وَاحِد قَالَ جرير:
(تُدَرِّي فَوْقَ مَتْنَيْهَا قُروناً ... على بَشَرٍ وآنِسَةٍ لُبَابِ)
وَقَالَ أَيْضا ذُو الرمة:
(سِبَحْلاً أباشَرْ خَيْنِ أَحْيَا بَناتِهِ ... مَقَالِيتُها فَهْيَ اللُّباَبُ الحَبَائِسُ)
وَيُقَال فلَان مُصَاصُ قومِهِ ومُصَاصَةُ قومِهِ - أَي أخْلَصَهُمْ نَسَباً وَكَذَلِكَ الإثنان والجميعُ والمؤنثُ رجل نَظُورةٌ - سَيِّدُ قَوْمِهِ الواحدُ والجميع والمؤنث فِيهِ سَوَاء وَرجل صَميمٌ مَحَضٌ وَكَذَلِكَ الإثنان والجميع والمؤنث وَمن هَذَا الْبَاب يُقَال (رجل جُنُبٌ وَرِجَال جُنُبٌ) وَفِي التَّنْزِيل: {وإنْ كُنْتُمْ جُنُباً فاطَّهَرُوا} [الْمَائِدَة: 6] وَيُقَال بَعِير هِجَا، ٌ وناقة هِجَانٌ وإبل هِجَانٌ - وَهِي الَّتِي قد قاربَتِ الكَرَمَ وَقد جمعُوا فَقَالُوا هَجَائِنُ فَأَما على قَول عليٍّ كرَّم الله وَجهه:
(هَذَا جَنَايَ وَهِجَانُه فِيهِ ... )
فَإِنَّمَا عَنَى كبارَه وَمن هَذَا الْبَاب (دِلاَصٌ) يَقع للْوَاحِد والجميع وَقد قدمت أَن هِجاناً ودِلاصاً جمع هِجَانٍ ودِلاَص وبينتُ وَجه ذَلِك وأنعمت تمثيله فِي بَاب فِعَال وأريتك الْوَجْهَيْنِ وَفرقت بَينه وَبَين جُنُبٍ وَيُقَال أُذُنٌ حَشْرٌ وأُذُنَانِ حَشْرٌ - إِذا كَانَت ملتزقة بِالرَّأْسِ قَالَ ذُو الرمة:
(لَهَا أُذُنٌ حَشْرٌ وذِفْرَى أَسيلَةٌ ... وَخَدُّ كَمِرْآةِ الغريبةِ أسحَجُ)
وَقَالَ الرَّاعِي:
وأُذْنَانِ حَشْرٌ إِذا أَفْرَعَتْ ... شُرَافِيَّتَانِ إِذا تَنْظُرُ)
أَفْرَعَتْ رُفِعَتْ وروى ابْن الْأَنْبَارِي أُفْزِعَتْ أَي حُمِلَتْ على الفَزَعِ وَقَوله شُرَافِيتانِ مَعْنَاهُ مرتفعتان وَرُبمَا قَالُوا أُذُنٌ حشرة فزادوا الْهَاء وَالِاخْتِيَار أُذُنُ حَشْر بِغَيْر هَاء قَالَ النمري فِي إِدْخَال الْهَاء:
(لَهَا أُذُنُ حَشْرَةٌ مَشْرَةٌ ... كَإِعْلِيطِ مَرْخٍ إِذا مَا صَفِرْ)
والحَشْرُ مصدر حَشَرَ قُذَذَ السَّهْمِ حَشْراً إِذا أَلْصَقَ قُذَذَها فَهُوَ بِمَنْزِلَة صَوْمٍ وفِطْرٍ وحَمْدٍ فِي ترك التَّثْنِيَة وَالْجمع والتأنيث وَيُقَال سَهْمٌ حَشْرٌ إِذا كَانَ رَقِيقاً وَيُقَال شَيْء (لَقًى) إِذا كَانَ مُلْقًى وأشياءُ لَقًى وَرُبمَا ثنُّوا وجمعوا قَالَ الحَرِثُ بن حِلِّزَةَ:
(فَتَأَوَّتْ لهُمْ قَرَاضِبَةٌ مِنْ ... كُلِّ حَيٍّ كَأَنَّهُمْ ألْقَاءُ)
وَمن ذَلِك (المَلَكُ) يكون للْوَاحِد والجميع بِلَفْظ وَاحِد قَالَ الله تَعَالَى: {والمَلَكُ على أرجائِها} [الحاقة: 17] وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: {وجاءَ رَبُّكَ والمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الْفجْر: 22] وَقد قدمت مَا فِي المَلَكِ من اللُّغَات وَكَذَلِكَ (البَشَرُ) الإنسانُ يَقع على الْوَاحِد وعَلى الْجَمِيع وَقَالَ الْفراء: رَأَيْت الْعَرَب لَا تجمع وَإِن كَانُوا(5/154)
يثنون قَالَ الله تَعَالَى: {أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا} [الْمُؤْمِنُونَ: 47] وَقَالَ تَعَالَى فِي الْجمع: {مَا أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا} [يس: 15] وَقَالَ قوم: زعم الْفراء أَنه سمع مَرَرْت بجُنُبِينَ يَعْنِي بِقوم جُنُبٍ فَجمع الْجنب هُنَا لِأَن الْقَوْم قد حُذِفُوا فَلم يُؤَدِّ الجُنُبُ إِذا أفرد عَن الْمَعْنى قَالَ وَإِنَّمَا ثَنَّتِ العربُ فِي الِاثْنَيْنِ وَتركُوا الجمعَ غير مَجْمُوع لِأَن الِاثْنَيْنِ يؤديان عَن أَنفسهمَا عددَهما وَلَيْسَ شَيْء من الْمَجْمُوع يُؤدى اسْمُه عَن نَفسه أَلا تَرَى أَنَّك إِذا قلت عنْدك دِرْهَمَانِ لم تحتج إِلَى أَن تَقول اثْنَان فَإِذا قلت عِنْدِي دَرَاهِم لم يعلم عَددهَا حَتَّى تَقول ثَلَاثَة أَو أَرْبَعَة وَقَالُوا دِرْهَمٌ ضَرْبٌ ودارهم ضَرْبٌ وَكَذَلِكَ أضافوا فَقَالُوا درهمٌ ضَرْبُ الأميرِ وَقَالُوا ثَوْبٌ نَسْجُ الَيَمَنِ وثيابٌ نَسْجُ اليَمنِ وليلةٌ دُجاً وليال دُجاً لِأَنَّهُ لَا يجمع لِأَنَّهُ مصدر وُصِفَ بِهِ وَيَوْم غَمٌّ وَنَحْسٌ وَأَيَّام غَمٌ وَنَحْسٌ فَأَما نَحْسَاتٌ من قَوْله تَعَالَى فِي أَيَّام نَحْسَاتٍ فَزعم الْفَارِسِي أَنه يكون من بَاب عُدُولٍ وَأَن يكون مخففاً من فَعِلات وَصرح أَنهم لم يجمعوا درهما ضَرْبَ الْأَمِير وَلَا ثوبا نَسْجَ اليمنِ وَلَا يَوْمًا غَمًّا إِلَّا بإفراد اللَّفْظ بِالْوَصْفِ فَأَما مَا جَاءَ من ذَلِك وَلَيْسَ لفظُه لفظَ الْمصدر فَقَوْلهم مَاء فراتٌ ومياه فُرات وَقد جمعُوا فَقَالُوا مياهٌ فِرْتَانٌ ذكره ابْن السّكيت عَن اللحياني فِي الْأَلْفَاظ وَقَالُوا مَاء شَرُوب ومياه شَرُوب وَمَاء ملْح وَمِيَاه مِلْح وَقد جمعُوا فَقَالُوا مِلاَح قَالَ عنترة:
(كَأَنَّ مُؤَشَّرَ العَضُدَيْنِ جَحْلاً ... هَدُوجاً بَيْنَ أَقْلِبَةٍ مِلاَحِ)
وماءُ قُعُّ وقُعَاعٌ ومِيَاه قُعَاعٌ وماءُ عُقٌ وعُقَاقٌ إِذا اشتدَّت مَرارتهُ وَمَاء أُجاجٌ ومِيَاهٌ أُجاجٌ وَمَاء مَسُوسٌ ومياه مَسُوسٌ - وَهُوَ مَا نالَتْهُ الْأَيْدِي وماءٌ أسْدامٌ ومِيَاهٌ أَسْدامٌ - إِذا تَغَيَّرت من طُولِ القِدَم ابْن السّكيت: (الخَوْلُ) يكون وَاحِدًا وجمعاً وَيَقَع على العَبْد وَالْأمة (والجَرِيُّ) الْوَكِيل الواحدُ والجميع والمؤنث فِي ذَلِك سَوَاء قَالَ أَبُو حَاتِم: وَقد قَالُوا فِي الْمُؤَنَّث جَرِيَّة وَهُوَ قَلِيل وَقَالُوا: نَخْلَة عُمٌّ ونخيل عُمٌّ أَبُو عبيد: هُوَ كُبْرُ قومِهِ وإِكْبِرَّةُ قومه مثالُ إِفْعِلَّة - إِذا كَانَ أقعَدهم فِي النَّسَب وَالْمَرْأَة فِي ذَلِك كَالرّجلِ وَفُلَان لنا مَفْزَعٌ ومَفْزَعَةٌ الْوَاحِد والاثنان والجميع والمؤنث فيهام سَوَاء وَقد قيل هُوَ مَفْزَعٌ لنا - أَي مَغَاثٌ ومَفْزَعَةٌ - يُفْزَع من أَجله ففرقوا بَينهمَا (الأَثاث) مُذَكّر لَا يجمع و (الخَلِيطُ) وَاحِد وَجمع و (الْبُصَاقُ) خِيارُ الْإِبِل الْوَاحِد وَالْجمع فِيهِ سَوَاء فَأَما العُنْجُوجُ - الرائعُ من الْخَيل فَإِنَّهُ يكون للمذكر والمؤنث بِلَفْظ وَاحِد إِلَّا أَنه يثنى وَيجمع وَأَرْض خِصْبٌ وأرضون خِصْبٌ الْجمع كالواحد و (الضَّنْكُ) الضَّيِّقُ من كل شَيْء وَالذكر وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاء وَقَالُوا رجل صَرُورٌ وصَرُورةٌ وصَارُورٌ وصَارُورةٌ - وَهُوَ الَّذِي لم يَحُجَّ وَقيل الَّذِي لم يتَزَوَّج الْوَاحِد والاثنان والجميع والمذكر والمؤنث فِي ذَلِك سَوَاء والبَسْلُ - الْحَرَام والحلال الْوَاحِد والجميع وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاء وَرجل سُوقةٌ - دون المَلِكِ وَكَذَلِكَ الإنسانُ - للْوَاحِد والجميع والمؤنث
وَمِمَّا وصفوا بِهِ الْأُنْثَى وَلم يدخلُوا فِيهَا عَلامَة التَّأْنِيث
وَذَلِكَ لغلبته على الْمُذكر قولُهم أَمِيرُ بَنِي فُلانٍ امرأةٌ وفلانةٌ وَصِيُّ بَنِي فُلان ووكيلُ فلَان وجَرِيُّ فلَان - أَي وَكيله وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ مُؤَذِّنُ بَنِي فلانٍ امرأةٌ وفلانةث شاهدُ بَنِي فلانٍ وَلَو أفردت لجَاز أَن تَقول أميرة ووكيلة وَوَصِيَّة وَأنْشد قَول الشَّاعِر:
(نَزُورُ أَمِيرَنا خُبْزاً بسَمْنٍ ... وَنَنْظُرُ كيفَ حَادَثَتِ الرَّبابُ)
(فَلَيْتَ أَميرَنا وعُزِلْتَ عَنَّا ... مُخَضَّبَةٌ أَنَامِلُها كَعَابُ)
وَرُبمَا أدخلُوا الْهَاء فأضافوا فَقَالُوا فلانةُ أميرةُ بني فلَان وَكَذَلِكَ وكيلة وجَرِيَّةٌ ووصِيَّة وَسمع من الْعَرَب(5/155)
وَكِيلاَتٌ فَهَذَا يدل على وَكِيلَة قَالَ عبد الله بن همَّام السَّلُولِيُّ:
(فَلَو جاءُوا ببَرَّتَ أَو بِهِنْدٍ ... لَبَايَعْنَا أميرةَ مُؤْمِنِينَا)
وَقَالَ هِيَ عَدِيلِي وعَدِيلِتي بِدَلِيل مَا حَكَاهُ أَبُو زيد من قَوْلهم عَدِيلاَتٌ
1 - بَاب أَسمَاء السُّوَر وآياته مَا ينْصَرف مِنْهَا مِمَّا لَا ينْصَرف
تَقول هَذِه هُودٌ كَمَا ترى إِذا أردْت أَن تحذف سُورَة من قَوْلك هَذِه سورةُ هودٍ فَيصير هَذَا كَقَوْلِك هَذِه تَمِيم اعْلَم أَن أَسمَاء السُّور تَأتي على ضَرْبَيْنِ: أَحدهمَا أَن تحذف السُّورَة وتقدِّر إضافتها إِلَى الِاسْم المُبْقَى فتحذف المضافَ وتقيم المضافَ إِلَيْهِ مُقامَه وَالْآخر أَن يكون اللَّفْظ المُبْقَى هُوَ اسْم السُّورَة وَلَا تقدَّر إِضَافَة فَإِذا كَانَت الْإِضَافَة مقدَّرة فالاسم المُبْقَى يجْرِي فِي الصّرْف وَمنعه على مَا يسْتَحقّهُ فِي نَفسه إِذا جُعل اسْما للسورة فَهُوَ بِمَنْزِلَة امْرَأَة سميت بذلك فَأَما يونُسُ ويوسفُ وَإِبْرَاهِيم فسواءٌ جَعلتهَا اسْما للسورة أَو قدَّرت الْإِضَافَة فَإِنَّهُ لَا ينْصَرف لِأَن هَذِه الأسماءَ فِي أَنْفسهَا لَا تَنْصَرِف فَأَما هودٌ ونوحٌ فَإِن قدَّرت فيهمَا الْإِضَافَة فهما منصرفان كَقَوْلِك هَذِه هودٌ وقرأت هُوداً وَنظرت فِي هودٍ لِأَنَّك تُرِيدُ هَذِه سُورَة هود وقرأت سُورَة هود وَالدَّلِيل على صِحَة هَذَا التَّقْدِير من الْإِضَافَة أَنَّك تَقول هَذِه الرَّحْمَن وقرأت الرَّحْمَن وَلَا يجوز أَن يكون هَذَا الِاسْم اسْما للسورة لِأَنَّهُ لَا يُسمى بِهِ غير الله وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ هَذِه سُورَة الرَّحْمَن وَإِذا جعلتهما اسْمَيْنِ للسورة فهما لَا ينصرفان على مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وَمن وَافقه مِمَّن يَقُول إِن الْمَرْأَة إِذا سميت بزيد تصرف وَلَا تصرف فَهُوَ يُجِيزُ فِي نوح وَهود إِذا كَانَا اسْمَيْنِ للسورتين أَن يصرف وَلَا يصرف وَكَانَ بعض النَّحْوِيين يَقُول: إِنَّهَا لَا تصرف وَكَانَ من مذْهبه أَن هنداص لَا يجوز صرفهَا وَلَا صرف شَيْء من الْمُؤَنَّث يُسمى باسم على ثَلَاثَة أحرف أوسطها سَاكن كَانَ ذَلِك الِاسْم مذكراً أَو مؤنثاً وَلَا يصرف دعْداً وَلَا جُمْلاً وَلَا نُعْماً وَأما حم فَغير مَصْرُوف جَعلتهَا اسْما للسورة أَو قدَّرت الْإِضَافَة لِأَنَّهَا معرفَة أجريت مُجْرَى الْأَسْمَاء الأعجمية نَحْو هابيل وقابيل وَلَيْسَ لَهُ نَظِير فِي أَسمَاء الْعَرَب لِأَنَّهُ فاعيل وَلَيْسَ فِي أبنيتهم قَالَ الشَّاعِر وَهُوَ الْكُمَيْت:
(وَجَدْنَا لَكُمْ فِي آلِ حامِيمَ آيَة ... تَأَوَّلَهَا مِنَّا تَقِيٌّ ومُعْرِبُ)
وَقَالَ الشَّاعِر أَيْضا:
(أَو كُتُباً بُيِّنَّ من حامِيمَا ... قد علمتْ أَبْنَاءُ إبْراهِيما)
وَكَذَلِكَ طس وَيس إِذا جعلتهما اسْمَيْنِ جَريا مجْرى حَامِيم وَإِن أردْت الْحِكَايَة تركته وَقفا على حَاله لِأَنَّهَا حُرُوف مقطعَة مَبْنِيَّة وَحكى أَن بَعضهم قَرَأَ ياسينَ والقرآنِ وقافَ والقرآنِ فَجعل ياسين اسْما غير منصرف وقدَّر اذكر ياسين وَجعل قَاف اسْما للسورة وَلم يَصْرف وَكَذَلِكَ إِذا فتح صَاد وَيجوز أَن يكون ياسين وقاف وصاد أَسمَاء غير متمكنة بنيت على الْفَتْح كَمَا قَالُوا كَيفَ وَأَيْنَ وَأما طسم فَإِن جعلته اسْما لم يكن لَك بُدٌ من أَن تحرِّك النُّون وَتصير مِيم كَأَنَّك وصلتها إِلَى طاسين فجعلتها اسْما بِمَنْزِلَة درابَ جِرْدَ وبَعْلَ بَكَّ وَإِن حَكَيْتَ(5/156)
تركتَ السواكنَ على حَالهَا يُرِيد أَنَّك تجْعَل طاسين اسْما وَتجْعَل مِيم اسْما آخر فَيصير بِمَنْزِلَة اسْمَيْنِ جعلا اسْما وَاحِدًا كحَضْرَمَوْتَ فَتَقول هَذَا طاسين مِيم وقرأت طاسين مِيم وَنظرت فِي طاسين مِيم وَإِن شِئْت تركتهَا سواكن وَأما طهيعص والمر فَلَا يَكُنَّ إِلَّا حِكَايَة وَإِن جَعلتهَا بِمَنْزِلَة طاسين لم يجز لأَنهم لم يجْعَلُوا طاسين كحضرموت وَلَكنهُمْ جعلوها بِمَنْزِلَة هابيلَ وهاروتٌ وَإِن قلت أجعلها بِمَنْزِلَة طاسين وَمِيم لم يجز لِأَنَّك وصلت مِيم إِلَى طاسين وَلَا يجوز أَن تصل خَمْسَة أحرف إِلَى خَمْسَة أحرف فتجعلَهن اسْما وَاحِدًا وَإِن قلتَ أجعلُ الْكَاف وَالْهَاء اسْما ثمَّ أجعَل الْيَاء وَالْعين اسْما فَإِذا صَار اسْمَيْنِ ضممتُ أَحدهمَا إِلَى الآخر فجعلتُهما كاسم وَاحِد لم يجز ذَلِك لِأَنَّهُ لم يَجِيء مثل حَضْرَمَوْتَ فِي كَلَام الْعَرَب مَوْصُولا بِمثلِهِ وَهَذَا أبعد لِأَنَّك تُرِيدُ أَن تصله بالصَّاد فَإِن قلت أدَعُه على حَاله وأجعله بِمَنْزِلَة إِسْمَاعِيل لم يجز لِأَن إِسْمَاعِيل قد جَاءَ عدَّة حُرُوفه على عدَّة حُرُوف أَكثر الْعَرَبيَّة نَحْو اشهيباي وكهيعص لَيْسَ على عدَّة حُرُوفه شَيْء وَلَا يجوز فِيهِ إِلَّا الْحِكَايَة قَالَ أَبُو سعيد: طوَّل سِيبَوَيْهٍ هَذَا الْفَصْل لِأَنَّهُ أورد وُجُوهًا من الشُّبَهِ على مَا ذهب إِلَيْهِ فِي حِكَايَة كهيعص والمر وَذَلِكَ أَن أصل مَا بنى عَلَيْهِ الْكَلَام أَن الاسمين إِذا جعلا اسْما وَاحِدًا فَكل وَاحِد مِنْهُمَا مَوْجُود مثله فِي الْأَسْمَاء المفردة ثمَّ تضم أَحدهمَا إِلَى الآخر فَمن أجل ذَلِك أجَاز فِي طسم أَن يَكُونَا اسْمَيْنِ جعلا اسْما وَاحِدًا فَجعل طاسين اسْما بِمَنْزِلَة هابيل وأضافه إِلَى مِيم وَهُوَ اسْم مَوْجُود مثله فِي الْمُفْردَات وَلَا يُمكن مثل ذَلِك فِي كهيعص والمر إِذا جعل الاسمان اسْما وَاحِدًا لم يجز أَن يضم إليهام شَيْء آخر فَيصير الْجَمِيع اسْما واحداص لم يجز لِأَنَّهُ لم يُوجد مثل حَضرمَوْت فِي كَلَام الْعَرَب مَوْصُولا بِغَيْرِهِ فَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: لم يجْعَلُوا طاسين كحَضْرَمَوْتَ فيضموا إِلَيْهَا مِيم لِئَلَّا يَقُول قَائِل إِن اسْمَيْنِ جعلا اسْما وَاحِدًا ثمَّ ضم إِلَيْهِمَا شَيْء آخر وكأنَّ قَائِلا قَالَ اجعلوا الْكَاف وَالْهَاء اسْما ثمَّ اجعلوا الْيَاء وَالْعين اسْما ثمَّ ضمُّوها إِلَى الأول فَيصير الْجَمِيع كاسم وَاحِد ثمَّ صِلُوه بالصَّاد فَقَالَ لم أَرَ مثلَ حَضْرَمَوْتَ يضم إِلَيْهِ مثل مثله فِي كَلَامهم وَهَذَا أبعد لِأَنَّهُ يضم إِلَيْهِمَا الصَّاد بعد ذَلِك ثمَّ احْتج على من جعله بِمَنْزِلَة إِسْمَاعِيل بِأَن لإسماعيل نظيراً فِي أَسمَاء الْعَرَب المفردة فِي عدَّة الْحُرُوف وَهُوَ اشهيباب وكهيعص لَيْسَ كَذَلِك وَذكر أَبُو عَليّ: أَن يُونُس كَانَ يُجِيز كهيعص وتفريقَه إِلَى كَاف هَا يَا عين جعلت ن اسْما للسورة فَهِيَ عِنْد سِيبَوَيْهٍ تجْرِي مجْرى هِنْد لِأَن النُّون مؤنث فَهِيَ مؤنث سُمِّيَت بمؤنث وَاسْتدلَّ سِيبَوَيْهٍ على أَن حم لَيْسَ من كَلَام الْعَرَب أَن الْعَرَب لَا تَدْرِي معنى حم قَالَ: فَإِن قلت إِن لفظ حُرُوفه لَا يشبه لفظ حُرُوف الأعجمي فَإِنَّهُ قد يَجِيء الِاسْم هَكَذَا وَهُوَ أعجمي قَالُوا قَابُوس وَنَحْوه من الْأَسْمَاء لِأَن حا من كَلَامهم وَمِيم من كَلَامهم يَعْنِي من كَلَام الْعَجم كَمَا أَنَّهُمَا من كَلَام الْعَرَب وَكَذَلِكَ الْقَاف وَالْألف وَالْيَاء وَالْوَاو وَالسِّين ولغات الْأُمَم تشترك فِي أَكثر الْحُرُوف وَإِن أردْت أَن تجْعَل اقْتَرَبت اسْما قطعت الأللف ووقفت عَلَيْهَا بِالْهَاءِ فَقلت هَذِه إقتربه فَإِذا وصلت جَعلتهَا تَاء وَلم تصرف فَقلت هَذِه اقْتَرَبَتُ يَا هَذَا وَهَذِه تَبَّتٌ وَتقول هَذِه تَبَّهْ فِي الْوَقْف فَإِذا وصلت قلتَ: هَذِه تَبَّت يَا هَذَا وَيجوز أَن تحكيها فَتَقول هَذِه اقتربتْ وَهَذِه تَبَّتْ بِالتَّاءِ فِي الْوَقْف كَمَا تَقول هَذِه إِنَّ إِذا أردْت الْحِكَايَة
1 - هَذَا بَاب أَسمَاء الْقَبَائِل والأحياء وَمَا يُضَاف إِلَى الْأُم وَالْأَب
أما مَا يُضَاف إِلَى الْآبَاء والأمهات فنحو قَوْلك هَذِه بَنو تَمِيم وَهَذِه بنوسَلُول ونحوُ ذَلِك فَإِذا قلت هَذِه تميمُ وَهَذِه أَسَدٌ وَهَذِه سَلُول فَإِنَّمَا تُرِيدُ ذَلِك الْمَعْنى غير أَنَّك حذفتَ المضافَ تَخْفِيفًا كَمَا قَالَ عز وَجل: {واسْئَلِ القَرْيَةَ} [يُوسُف: 82] ويَطؤُهم الطَّريقُ وَإِنَّمَا يُرِيد أهلَ الْقرْيَة وَأهل الطَّرِيق قَالَ الْفَارِسِي: اعْلَم أَن آبَاء الْقَبَائِل(5/157)
وأمهاتها إِذا لم يضف إِلَيْهَا البنون قد تَأتي على ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا: أَن يحذف المضافُ ويقامَ المضافُ إِلَيْهِ مُقامَهُ فَيجْرِي لفظ على مَا كَانَ هُوَ مُضَاف إِلَيْهِ فَقَالَ هَذِه تَمِيم وَهَؤُلَاء تَمِيم وَرَأَيْت تميماً ومررت بتميم وَأَنت تُرِيدُ هَؤُلَاءِ بَنو تَمِيم فتحذف الْمُضَاف وتُقيم المضافَ إِلَيْهِ مقَامه فِي الْإِعْرَاب فَإِن كَانَ الْمُضَاف إِلَيْهِ منصرفاً بَقَّيْتَه على صرفه وَإِن كَانَ غير منصرف منعته الصّرْف كَقَوْلِك هَذِه باهلةُ وَرَأَيْت باهلةَ ومررت بباهلةَ وَأَنت تُرِيدُ رَأَيْت جماعةَ باهلةَ لِأَن باهلة غير مصروفة فَهَذَا الْوَجْه يشبه قَوْله عز وَجل: {واسْئَلِ القَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا} [يُوسُف: 82] على معنى أهل الْقرْيَة وَالْوَجْه الثَّانِي: أَن تجْعَل أَبَا الْقَبِيلَة عبارَة عَن الْقَبِيلَة فَيصير اسمُ أبي الْقَبِيلَة كاسم مؤنث سميت بذلك الِاسْم وَذَلِكَ قَوْلك هَذِه تميمُ وَرَأَيْت تميمَ ومررت بتميمَ وَهَذِه أسدُ ورأيتُ أسدَ ومررتُ بأسدَ كأنَّ امْرَأَة سميت بأسد فَلَا تصرف وعَلى هَذَا تَقول هَذِه كَلْبُ ورأيتُ كَلْبَ ومررت بكلبَ فِيمَن لَا يصرف امْرَأَة سميت بزيد وَمن صرف قَالَ هَذِه كلبٌ وَالْوَجْه الثَّالِث: أَن تجْعَل أَبَا الْقَبِيلَة اسْما للحي فَيصير بِمَنْزِلَة رجل سمي بذلك الِاسْم فَإِن كَانَ مصروفاً صرفته وَإِن كَانَ غير مَصْرُوف لم تصرفه فمما يصرف تميمٌ وأسدٌ وقريشٌ وهاشمٌ وثَقِيفٌ وعَقِيلٌ وعُقَيْلٌ وَكَذَلِكَ يُقَال بَنو عقيل وَمَا أشبه ذَلِك وَمِمَّا لَا يصرف باهلةُ وأَعْصُرُ وضَبَّةُ وتَدُولُ وتَغْلِبُ ومُضَرُ وَمَا أشبه ذَلِك لِأَن هَذِه أسماءٌ لَو جعلت لرجل لم تنصرِفَ وَإِنَّمَا يُقَال هَؤُلَاءِ تميمٌ أَو هَذِه تميمٌ إِذا أفدرتَ الإضافةَ وَلَا يُقَال هَذَا تَمِيم لِئَلَّا يلتبس اللَّفْظ بِلَفْظِهِ إِذا أخبرتَ عَنهُ أَرَادوا أَن يفصلوا بَين الْإِضَافَة وَبَين إفرادهم فكرهوا الالتباس وَقد كَانَ يجوز فِي الْقيَاس أَن يُقَال هَذَا تميمَ فِي معنى هَذَا حَيُّ تميمَ ويُحْذَفُ الحيُّ ويقامُ تميمُ مُقَامَهُ وَلَكِن ذَلِك لَا يُقَال للبس على مَا ذكره سِيبَوَيْهٍ وَقد يُقَال جَاءَت الْقرْيَة وهم يُرِيدُونَ أهل الْقرْيَة فَأَنَّثُوا للفظِ الْقرْيَة وَقد كَانَ يجب على هَذَا الْقيَاس أَن يُقَال هَذَا تميمٌ وَإِن أردْت بِهِ بني تَمِيم فتوحد وتذكر على لفظ تَمِيم فَفَصَلأ سِيبَوَيْهٍ بَينهمَا لوُقُوع اللّبْس وَكَأن الْقرْيَة كثر اسْتِعْمَالهَا عبارَة عَن الْأَهْل وَلَا يَقع اللّبْس فِيهَا إِذا أضيف فعل إِلَيْهَا ثمَّ مثل سِيبَوَيْهٍ أَن اللَّفْظ قد يَقع على الشَّيْء ثمَّ يحمل خَبره على الْمَعْنى كَقَوْلِهِم الْقَوْم ذاهبون وَالْقَوْم واحدٌ فِي اللَّفْظ وذاهبون جمَاعَة وَلَا يَقُولُونَ الْقَوْم ذاهبٌ ومثلُه ذهبتْ بعض أَصَابِعه وَمَا جاءتْ حَاجَتك فَحمل تَأْنِيث ذهبتْ وجاءتْ على الْمَعْنى كَأَنَّهُ قَالَ ذهبت أَصَابِعه أَو ذهبت إصبعه وأَيَّةَ حاجةٍ جاءتْ حاجتُك وَكَذَلِكَ قولُهم هَذِه تيَمّم وَهَؤُلَاء تَمِيم إِنَّمَا حمل على جمَاعَة تَمِيم أَو بني تَمِيم وَأنْشد سِيبَوَيْهٍ من الشواهد على أَن أَبَا القبيلةُ يُجعل لفظُه عبارَة عَن الْقَبِيلَة قولَ بنت النُّعْمَان بن بشير:
(بَكَى الخَزُّ مِنْ رَوْحٍ وَأَنْكَرَ جِلْذَهُ ... وَعَجَّتْ عَجِيجاً من جُذَامَ المَطَارِفُ)
فَجعل جُذَام وَهُوَ أَبُو الْقَبِيلَة اسْما لَهَا فَلم يصرف وَأنْشد أَيْضا:
(فَإِنْ تَبْخَلْ سَدُوسُ بِدِرْهَمَيْهَا ... فَإِنَّ الرِّيحَ طَيِّبَةٌ قَبُولُ)
فَإِذا قلتَ وَلَدَ سَدُوسٌ كَذَا وَكَذَا ووَلَدَ جُذَامٌ كَذَا وَكَذَا صَرَفْتَهُ لِأَنَّك أخبرتَ عَن الْأَب نفسِه وَكَانَ أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يزِيد يَقُول إِن سدوسَ اسمُ امرأةٍ وغَلْطَ سِيبَوَيْهٍ وذَكَرَ عَن الزّجاج أَن سلولَ اسمُ امْرَأَة وَهِي بنتُ ذُهْلِ بْنِ شَيْبَان قَالَ أَبُو عَليّ: وَمَا غلط سِيبَوَيْهٍ فِي شَيْء من هَذِه الْأَسْمَاء أما سَدُوس فَذكر مُحَمَّد بن حبيب فِي كتاب مُخْتَلف الْقَبَائِل ومؤتلفها خَبَّرَنا بذلك عَنهُ أَبُو بكر الْحلْوانِي عَن أبي سعيد السُّكَّرِيّ قَالَ: سَدُوسُ بْنُ دارِمِ بن مَالك وسَدُوس بْنُ ذُهْلِ بن ثَعْلَبَة بن عُكَابَةُ بن صَعْب بن عَلِيٍّ بن بكر بن وَائِل وَفِي طَيء سَدُوسُ بن أًصْمَعَ بن أُبَيِّ بن عُبَيْد بن ربيعَة بن نَصْر بن سَعْد بن نَبْهَان قَالَ وَأخْبرنَا أَبُو مُحَمَّد السكرِي عَن عَليّ بن عبد الْعَزِيز عَن أبي عبيد عَن هِشَام بن مُحَمَّد الكَلْبِيِّ فِي نسب بني تَمِيم سَدُوسُ بْنُ دارِمِ فِيمَن عُدَّ من بني دارم وَأما سَلُول فَقَالَ ابْن حبيب وَفِي قيس سَلُولُ بن مُرَّة بن صَعْصَعَة بن مُعاوية بن بَكْر بن هَوْازِنَ فَهُوَ(5/158)
رجل وَفِيهِمْ يَقُول الشَّاعِر:
(وإنَّا أُناسٌ لَا نَرَى القَتْلَ سُبَّةً ... إِذا مَا رَأَتْهُ عامِرٌ وسَلُولُ)
يُرِيد عامِرَ بن صَعْصَعَة وسَلُولَ بن مُرَّة بن صَعْصَعَة قَالَ: وَفِي قُضاعة سَلُولُ بِنْتُ زَبَّانَ بن امْرِئ الْقَيْس بن ثَعْلَبَة بن مَالك بن كنَانَة بن القَيْنِ بنِ جِسْرٍ وَفِي خُزاعة سَلُولُ بن كَعْب بن عَمْرو بن ربيعَة بن حَارِثَة على أَن سِيبَوَيْهٍ ذكر سَلُولَ فِي مَوضِع الأَوْلَى بِهِ أَن يكون مَرَّةً أَبَا ومَرَّةٌ أُمًّا لِأَنَّهُ قَالَ أما مَا يُضَاف إِلَى الْآبَاء والأمهات فنحو قَوْلك هَذِه بَنُو تَمِيم وَهَذِه بَنُو سَلُول فَجمع الآباءَ والأمهات وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْكَلَام وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: مِمَّا يُقَوِّي أَن اسْم الْأَب يكون للقبيلة أَن يُونُس زعم أَن بعض الْعَرَب يَقُول هَذِه تميمُ بِنْتُ مُرٍّ وقَيْسُ بِنْتُ عَيْلاَنَ وتَمِيمُ صاحبةُ ذَاك لما جَعَلَهَا مؤنثاً نَعَتَها بِبِنْتِ ومثلُ ذَلِك تَغْلِبُ بِنْتُ وَائِل وَمِمَّا يُقَوِّي أَنهم يجْعَلُونَ اسْم الْأَب أَو الْأُم اسْما للحيّ أَنهم يَقُولُونَ باهلةُ بْنُ أَعْصُرَ وباهلةُ امْرَأَة وَهِي أم الْقَبِيلَة فَلَمَّا جعلهَا اسْما للحيّ والحيّ مُذَكّر مُوَحَّد وصَفَهَا بِابْن لِأَنَّهُ قد صَار كَلَفْظِ الرجل وَرُبمَا كَانَ الْأَكْثَر فِي كَلَامهم فِي بعض الْآبَاء أَن يكون اسْما للقبيلة وَفِي بَعضهم يكون اسْما للْأَب أَو للحيّ فَإِذا قلت هَذِه سَدُوسُ فأكثرهم يَجعله اسْما للقبيلة وَإِذا قلت هَذِه تميمٌ فأكثرهم يَجعله اسْما للْأَب وَإِذا قلت هَذِه جُذامُ فَهِيَ كَسَدُوسَ فَإِذا قلت من بني سدوسٍ أَو بني تميمٍ فالصرفُ لِأَنَّك قَصَدْتَ قَصْدَ الأبِ قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَأما أسماءُ الأَحْيَاءِ فنحوُ مَعَدِّ وقُرَيْشٍ وثَقِيفٍ وكلِّ شيءٍ لَا يجوز لَك أَن تَقول فِيهِ من بني فلَان وَلَا هَؤُلَاءِ بَنو فلَان فَإِنَّمَا جعله اسْمَ حَيّ الْعم أَن الَّذِي لَا يُقَال فِيهِ بَنو فلَان على ضَرْبَيْنِ أَحدهمَا: أَن يكون لقباً للقبيلة أَو للحي وَلم يَقع اسْما وَلَا لقباً لأَب وَالْآخر أَن يكون اسْما لأَب ثمَّ غلب عَلَيْهِم فَصَارَ كاللقب لَهُم واطُّرِحَ ذكرُ الْأَب فَأَما مَا يكون لقباً لجماعتهم فَيجْرِي مرّة على الْحَيّ وَمرَّة على الْقَبِيلَة فَهُوَ قريشٌ وثقيفٌ على أَنه قد يُقَال إِنَّه اسْم وَاحِد مِنْهُم وَأما مَا كَانَ اسْما لرجل مِنْهُم فنحوُ مَعَدٍّ وَهُوَ مَعَدُّ بنُ عَدْنَانَ وَهُوَ أَبُو قبائل ربيعَة ومُضَر وكَلْبٍ وَهُوَ كلب بن وَبْرَة وَلَا يسْتَعْمل فِيهِ بَنو وَقد اسْتعْمل بعض الشُّعَرَاء فَقَالَ:
(غَنِيَتْ دَارُنَا تِهَامَةَ فِي الدَّهْرِ ... وفيهَا بَنُو مَعَدٍّ حُلولاً)
فَمن جعل هَذِه الْأَسْمَاء لجملة الْقَوْم فَهُوَ يُجْرِيه مرّة اسْما للحيّ وَمرَّة اسْما للقبيلة وَإِذا جعله اسْما للحي وذكرّ وَصرف وَإِذا كَانَ اسْما للقبيلة أنث وَلم يصرف على مَا شَرّ حتُ قبلُ قَالَ الشَّاعِر:
(غَلَبَ المَسَامِيحَ الوَلِيدُ سَمَاحَةً ... وَكَفَى قُرَيْشَ المُعْضِلاَتِ وَسَادَهَا)
وَقَالَ الشَّاعِر أَيْضا:
(وَلَسْنَا إِذَا عُدَّ الحَصَى بِأَقِلةٍ ... وَإِنَّ مَعَدَّ اليَوْمَ مُودٍ ذَلِيلُها)
وَقَالَ زُهَيْر أَيْضا:
(تَمُدُّ عليهمْ من يَمِينٍ وأَشْمُلِ ... بُحُورٌ لَهُ من عَهْدِ عادٍ وتُبَّعَا)
فَلم يصرف عادَ وتُبَّع لِأَنَّهُ جَعلهمَا قبيلتين وَمثله قَول الشَّاعِر:
(لَوْ شَهْدَ عَادَ فِي زَمَانِ عادِ ... لابْتَزَّهَا مَبَارِكَ الجِلاَدِ)
قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَتقول هَؤُلَاءِ ثَقِيفُ بنُ قَسِيٍّ فتجعلُه اسْمَ الحَيِّ وَتجْعَل ابْن وَصْفاً كَمَا تَقول كُلٌّ ذاهبٌ(5/159)
وبعضٌ ذاهبٌ وَقَالَ الشَّاعِر فِي وَصْفِ الحَيّ بِوَاحِد:
(بِحَيِّ نُمَيْرِيِّ عَلَيْهِ مَهابَةٌ ... جَمِيعٍ إِذا كانَ اللِّئَامُ جَنَادِعا)
وَقَالَ الشَّاعِر أَيْضا:
(سَادُوا البلادَ فَأَصْبَحُوا فِي آدَمٍ ... بَلَغُوا بهَا بِيضَ الوُجُوهِ فَحُولا)
فَهَذَا جَعَلَ آدم قَبيلَة لِأَنَّهُ قَالَ بلغُوا بهَا بيضَ الْوُجُوه فَأَنَّثَ وَجَمَعَ وصَرَفَ آدمَ للضَّرُورَة قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَقَالَ بَعضهم بَنُو عَبْد القَيْسِ لِأَنَّهُ أبٌ كَانَ الكثيرُ فِي كَلَامهم عبدَ الْقَيْس من غير أَن يسْتَعْمل فِيهِ بَنُو وَيجوز بَنو كَمَا ذكرنَا فِي بَنِي معَدٍّ قَالَ: فإمَّا ثَمُود وَسَبَأَ فهما مرّة للقبيلتين وَمرَّة للحَيَّيْنِ وكثرتُهما سواءٌ وَقَالَ تَعَالَى: {وَعَاداً وَثَمُودَ} [الْفرْقَان: 38] وَقَالَ تَعَالَى: {أَلاَ إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُم} [هود: 60] وَقَالَ: {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً} [الْإِسْرَاء: 59] وَقَالَ: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُم} [فصلت: 17] وَقَالَ: {لَقَدْ كَانَ لِسَبإٍ فِي مساكنهم} [سبأ: 15] وَقَالَ: {من سَبَأٍ بِنَبأٍ يَقِينِ} [النَّمْل: 22] وَكَانَ أَبُو عَمْرو لَا يصرف سَبَأ يَجعله اسْما للقبيلة وَقَالَ الشَّاعِر:
(مِنْ سَبَأَ الحَاضِرِينَ مَأْرِبَ إِذْ ... يَبْنُونَ مِنْ دُونِ سَيْلِهِ العَرِمَا)
وَقَالَ أَيْضا فِي الصّرْف:
(أَضْحَتْ يُنَفِّرُهَا الوِلْدَانُ مِنْ سَبأٍ ... كأَنَّهُمْ تَحْتَ دَفَّيْهَا دَحَارِيجُ)
وَلَوْلَا أَن الْوَجْهَيْنِ فِي الصّرْف وَمَنْعِ الصّرْف مشهورانِ فِي الْكَلَام وَقد أَتَتْ بهما الْقِرَاءَة مَا كَانَ فِي صرف سَبأ فِي الشّعْر حجَّة
وَمِمَّا غلب على الْحَيّ وَقد يكون اسْما للقبيلة عَكُّ
وَأنْشد ابْن السّكيت:
(تَوَلَّيْتُمْ بِوُدِّكُمْ وقُلْتُمْ ... لَعَكٌّ مِنْكَ أَقْربُ أَو جُذامُ)
وَلَيْسَ هَذَا قَاطعا لِأَنَّك إِذا سميت مؤنثاً باسم ثلاثي سَاكن الْوسط كنت مُخَيّرا فِي الصّرْف وَتَركه وَلَا يَحْمِلُ على الصّرْف هُنَا ضرورةُ شِعْرٍ لِأَنَّهُ لَو قَالَ لَعَّكُ فَلم يَصْرِف لَكَانَ من مَعْقُولِ الوافِر
1 - هَذَا بَاب مَا لم يَقع إِلَّا اسْما للقبيلة كَمَا أَن عُمَان لم يَقع إِلَّا اسْما لمؤنث وَكَانَ التَّأْنِيث هُوَ الْغَالِب عَلَيْهَا
وَذَلِكَ مَجُوس ويَهُودُ وهما اسمان لجماعةِ أهل هَاتين المِلَّتين كَمَا أَن قُريْشًا اسْم لجَماعَة الْقَبِيلَة الَّذين هم وَلَدُ النَّضر بن كنَانَة وَلم يجعلا اسْمَيْنِ لمذكرين كَمَا أَن عُمَان اسْم مؤنث وضعت على النَّاحِيَة الْمَعْرُوفَة بعُمان فَلَا يُصْرف مَجُوسُ ويَهُودُ لِاجْتِمَاع التَّأْنِيث والتعريف قَالَ الشَّاعِر:
(أَجَارِ تَرَى بُرَيْقاً هَبَّ وَهْناً ... كنارِ مَجُوسَ تَسْتَعِرُ اسْتِعارا)
وَقَالَ الأَنصارِيُّ يَرُدُّ على عَبَّاس بن مرداس وَكَانَ مَدَحَ بني قُرَيْظَة وهم يَهُودٌ فمَدَحَ الأنصاريُّ الْمُسلمين فَقَالَ:(5/160)
(أُولَئِكَ أَوْلَى من يَهُودَ بِمَدْحَةٍ ... إِذا أنتَ يَوْمًا قُلْتَها لم تُؤَنَّبِ)
وَلَو سميت بمجوس أَو يهود أَو عُمانَ لم تصرفه لِاجْتِمَاع التَّأْنِيث والتعريف فِيهَا كَمَا أَنَّك لَو سميته بعقرب أَو عَناق لم تصرفه وَاعْلَم أَن يهودَ ومَجُوسَ قد يأتيان على وَجه آخر وَهُوَ أَن تجعلها جمعا لِيَهُودِيّ ومجوسيّ فتجعلهما من الجموع الَّتِي بَينهَا وَبَين وَاحِدهَا يَاء النِّسْبَة كَقَوْلِهِم زِنْجِيٌ وزِنْجٌ ورُومِيّ ورُومٌ وأعْرابيّ وأعرابٌ فَزِنْجِيٌ واحدٌ وزَنْج جمع وأعرابي وَاحِد وأعراب جمع فَكَذَلِك يهوديّ وَاحِد ويهودٌ جمع فَهَذَا مَصْرُوف وَهُوَ نكرَة وتدخله الْألف وَاللَّام للتعريف فَيُقَال الْيَهُود وَالْمَجُوس كَمَا يُقَال الْأَعْرَاب والزنج وَالروم وَهَذَا الْجمع الَّذِي بَينه وَبَين واحده الْيَاء كالجمع الَّذِي بَينه وَبَين واحده الْهَاء كَقَوْلِنَا تَمْرَة وتمر وشَعيرة وشَعِير وَقد مضى الْكَلَام فِي نَحوه وَأما نَصَارَى فَهُوَ عِنْد سِيبَوَيْهٍ جمع نصران للمذكر ونصرانة للمؤنث والغالبُ فِي الِاسْتِعْمَال النسبةُ نصرانيّ ونصرانية وَالْأَصْل نَصْرَانٌ مثل نَدْمَانٍ ونَدْمَانَةٍ فَإِذا جمع رَدّ إِلَى الأَصْل فَيُقَال نَصَارى كَمَا يُقَال نَدَامَى قَالَ الشَّاعِر:
(فَكِلْتَاهُمَا خَرَّتْ وأَسْجَدَ رَأْسُها ... كَمَا سَجَدَتْ نَصْرَانَةٌ لم تَحَنَّفِ)
فجَاء نَصارَى على هَذَا وَإِن كَانَ غير مُسْتَعْمل فِي الْكَلَام كَمَا جَاءَ مَذاكيرُ ومَلاَمِحُ فِي جمع ذَكَرٍ ولَمْحَةٍ وَلَيْسَ بِجمع لَهما فِي الْحَقِيقَة وتقديرهما أَنَّهُمَا جمعُ مِذْكِيرِ ومَلْمَحَةٍ وَإِن كَانَا غير مستعملين وَقَالَ غير سِيبَوَيْهٍ نَصَارَى جمع نَصْرِيِّ ونَصْرِيَّة كَمَا أَن مَهَارَى من الْإِبِل جمع مَهْرِيِّ ومَهْرِيِّة وَأنْشد سِيبَوَيْهٍ فِي أَن نَصَارَى جمعٌ نكرةٌ لَيْسَ مثلَ يهودَ ومجوسَ فِي التَّعْرِيف قولَ الشَّاعِر:
(صَدَّتْ كَمَا صَدَّ عَمَّا لاَ يَحِلُّ لَهُ ... ساقِي نَصَارَى قُبَيْلَ الفَصْحِ صُوَّامِ)
فوصف نَصارى بِصُوَّام وَهُوَ نكرَة وَقد يَقُول هم اليهودُ والمجوسُ والنَّصارَى وهم يَهُودٌ ومَجُوسٌ كُلُّ ذَلِك على الْمَعْنى وَمن هَذَا الْبَاب الرُّومُ والعُرْبُ والعَربُ والعُجْمُ والعَجَمُ لِأَنَّهَا أَسمَاء فأنثتْ على ذَلِك وَكَذَلِكَ يَأْجُوجُ ومَأْجُوجُ وَقَالُوا هم الأبْنَاء لأبناءِ فارسَ والنَّسَبُ إِلَيْهِ أبْنَاوِيٌ وَلم يَرُّدُوه إِلَى واحده لِأَنَّهُ غَلَبَ فَصَارَ كاسم الْوَاحِد كَمَا قَالُوا فِي الْأَنْصَار أنصاريّ وَقَالُوا أبناوِيٌّ لأَنهم توهموه قَبيلَة فِي حَدِّ النَّسَبِ
(وَمن الْأَنْوَاع) الإنسُ والجِنُّ مؤنثان وَفِي التَّنْزِيل: {قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتِ الإنسُ والجِنُّ} [الْإِسْرَاء: 88] وَفِيه: {تَبَيَّنَتِ الجِنُّ} [سبأ: 14] فَأَما قَوْلهم جِنَّة فقد يكون الجُنُونَ وَقد يكون جمع جِنِّ كحِجَارٍ وحِجَارة وَقَالُوا جِنِّيٌ وجِنٌ وإنْسِيٌ وإنْسٌ على حَدِّ زِنْجِيٍّ وزَنْج وَالْأُنْثَى بِالْهَاءِ
1 - هَذَا بَاب تَسْمِيَة الْأَرْضين
إِذا كَانَ اسمُ الأرضِ على ثَلَاثَة أحرف خَفِيفَة وَكَانَ مؤنثاً أَو كَانَ الغالبَ عَلَيْهِ المؤنثُ كعُمَانَ فَهُوَ بِمَنْزِلَة قِدْرٍ وشَمْسٍ ودَعْدٍ قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وبَلَغَنَا عَن بعض الْمُفَسّرين أَن قَوْله تبَارك وَتَعَالَى: {اهْبِطُوا مِصْرَاً} [الْبَقَرَة: 61] إنام أَرَادَ مِصْرَ بِعَينهَا قَالَ أَبُو عَليّ وَأَبُو سعيد: اعْلَم أَن تَسْمِيَة الْأَرْضين بِمَنْزِلَة تَسْمِيَة الأناسِيّ فَمَا كَانَ مِنْهَا مؤنثاً فسميت باسم فَهِيَ بِمَنْزِلَة امْرَأَة سميت بذلك الِاسْم وَمَا كَانَ مِنْهَا مذكراً فَهُوَ بِمَنْزِلَة رجل سمي بذلك الِاسْم وَإِنَّمَا يَجْعَل مؤنثاً ومذكراً على تَأْوِيل مَا تَأَوَّلُ فِيهِ فَإِن تأَوَّلُ فِيهِ أَنه بلد أَو مَكَان فَهُوَ مُذَكّر وَقد يغلب فِي كَلَام الْعَرَب فِي بعض ذَلِك التأنيثُ حَتَّى لَا يسْتَعْمل التَّذْكِير وَفِي بعضه يغلب التَّذْكِير ويقلُّ فِيهِ استعمالُ التَّأْنِيث وَفِي بعضه يُسْتَعمل التأنيثُ والتذكيرُ وَرُبمَا كَانَ التأنيثُ الأغلبَ فمما غلب فِيهِ التأنيثُ وَلم(5/161)
يسْتَعْمل فِيهِ التذكي عُمَانَ كَأَنَّهُ اسْم مؤنث كسُعَاد وَزَيْنَب وَمِنْهَا حِمْصُ وجُورُ وماهُ وَهِي غير منصرفة وَإِن كَانَت على ثَلَاثَة أحرف لِأَنَّهُ اجْتمع فِيهَا التَّأْنِيث والتعريف والعُجْمَة فعادلت العجمةُ سُكُون الْأَوْسَط فَلم يُصْرَف فَكَذَلِك كل مؤنث من الْآدَمِيّين إِذا سميتها باسم أعجمي على ثَلَاثَة أحرف وأوسُطها سَاكن لم تصرفها فِي الْمعرفَة وصرفتها فِي النكرَة نَحْو خَان ودلّ وخُسّ وَمَا أشبه ذَلِك إِذا سميت بهَا امْرَأَة أَو غَيرهَا من الْمُؤَنَّث وَلم يجز فِيهَا من الصّرْف مَا جا فِي هِنْد وَكَذَلِكَ إِن سميت امْرَأَة بحِمْصَ أَو جُور أَو ماه لم تصرفها كَمَا لَا تصرفها إِذا سميتها بدَلّ أَو خَان لِأَن ذَلِك كُله أعجمي وَمن أجل ذَلِك لَا تُصرف فارسُ ودِمَشْقُ لِأَنَّهُمَا أعجميان على أَكثر من ثَلَاثَة أحرف قَالَ الشَّاعِر:
(لِحَلْحَلَةِ القَتِيلِ وابْنِ بَدْرٍ ... وأهلُ دِمَشْقَ أنْدِيَةٌ تَبِينُ)
أردا أعجبوا لحلحلة وَمن ذَلِك واسِط التَّذْكِير غلب عَلَيْهِ وَالصرْف لِأَن اشتقاقه يدل على ذَلِك لِأَنَّهُ مكانٌ وَسَطَ البَصْرَة والكوفةَ فَهُوَ وَاسِط لَهما وَلَو كَانَ مؤنثاً لقيل وَاسِطَة وَمن الْعَرَب من يَجْعَلهَا اسْمَ أَرض فَلَا يصرف كَأَنَّهُ سمى الأَرْض بِلَفْظ مُذَكّر كامرأة يسميها بواسِطٍ وَقد كَانَ يَنْبَغِي على قِيَاس الْأَسْمَاء الَّتِي تكون صِفَات فِي الأَصْل أَن تكون فِيهِ الْألف وَاللَّام كَمَا يُقَال الحَسَنُ والحارِثُ وَمَا أشبه ذَلِك دخلت الألفُ واللامُ لِأَنَّهَا صفاتٌ غالبة وَلَكِن سمى الْمَكَان بِصفتِهِ وَالْعرب قد تفعل هَذَا لأَنهم رُبمَا قَالُوا الْعَبَّاس وعَبَّاسَ والحسنُ وحَسَنٌ وَقد قَالَ الشَّاعِر:
(ونَابِغَةُ الجَعْدِيُّ بالرَّمْلِ بَيْتُه ... عَلَيْهِ تُرابٌ من صَفِيح مُوَضَّعُ)
وَهُوَ النَّابِغَة بِالْألف وَاللَّام على أَنه صفة غالبة وَلكنه سَمَّاهُ بنابغةَ الَّذِي هُوَ صفة فَخرج عَن بَاب الصّفة الْغَالِبَة وَلم يذكر سِيبَوَيْهٍ واسطاً آخرَ غير الَّذِي بَين الْبَصْرَة والكوفة وَقد حَكَى غيرُه واسطاً بِنَجْدٍ وَقيل مَوضِع بِالشَّام قَالَ الشَّاعِر فِيهِ وَهُوَ الأخطل:
(عَفَا وَاسِطٌ من آلِ رَضْوَى فَنَبْتَلُ ... فَمُجْتَمَعُ الحُرِّيْنِ فالصَّبْرُ أَجْمَلُ)
وَيجوز أَن يكون واسطٌ بَين مكانين آخَرين وَقد حكى بَعضهم فِيهِ التأنيثَ وَمِمَّا يغلب فِيهِ التَّذْكِير وَالصرْف دابِقٌ قَالَ الراجز:
(ودابِقٌ وأَيْنَ مِني دابِقُ ... )
وَكَذَلِكَ مِنًى الصّرْف والتذكير فِيهِ أَجود وَإِن شِئْت أنثت وهَجَرُ يؤنث وَيذكر قَالَ الفرزدق:
(مِنْهُنَّ أيامُ صِدْقٍ قد بُلِيَتْ بهَا ... أيامُ فارسَ والأيامُ من هَجَرَا)
فَهَذَا أنث قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَسَمعنَا من الْعَرَب من يَقُول كجالِبِ التَّمْر إِلَى هَجَر يَا فَتى قَالَ أَبُو حَاتِم: هُوَ فَارسي معرّب إِنَّمَا هُوَ أَكَّرُ وَمثل للْعَرَب: " سِطِي مَجَرّ تُرْطِبْ هَجَرْ " يُرِيد تَوَسَّطِي السماءَ يَا مَجَرَّةُ وَلم يقل يُرْطِبْ بِالْيَاءِ وَذَلِكَ أَن المَجَرَّة إِذا تَوَسَّطَتْ السماءَ فَذَلِك وقتُ إرْطابِ النّخل وَأما حَجَرُ الْيَمَامَة وَهُوَ قَصَبَةُ الْيَمَامَة فيذكر ويُصْرف مِنْهُم من يؤنث فيُجْريه مُجْرى امرأةس سميت بِعَمْروٍ لِأَن حجرا شَيْء مُذَكّر سمي بِهِ الْمُذكر قَالَ سِيبَوَيْهٍ: فَمن الأَرَضِينَ مَا لَا يكون إِلَّا على التَّأْنِيث نَحْو عُمَانَ والزَّابِ ومنهما مَا لَا يكون إِلَّا على التَّذْكِير نَحْو فَلْجٍ وَمَا وَقع صفة كواسط ثمَّ صَار بِمَنْزِلَة زيد وَعَمْرو وأخُرج الألفُ وَاللَّام مِنْهُ وَجعل كنابغةَ الجَعْدِيِّ وَأما قُبَاءٌ وحِرَاءٌ فقد اخْتلف فيهمَا الْعَرَب فَمنهمْ من يذكر وَيصرف وَذَلِكَ أَنهم جعلوها اسْمَيْنِ(5/162)
لمكانين كَمَا جعلُوا واسطاً بَلَدا ومكاناً وَمِنْهُم من أنث وَلم يصرف وجعلهما اسْمَيْنِ لبُقْعَتَيْنِ من الأرق قَالَ الشَّاعِر:
(سَتَعْلَمُ أَيُّنَا خَيْرٌ قَدِيماً ... وأعْظَمُنَا بِبَطْنِ حِرَاءَ نَارا)
وَكَذَلِكَ أُضَاخُ فَهَذَا أنَّثَ وَقَالَ غَيره فَذكر:
(ورُبَّ وَجْهٍ مِنْ حِرَاءٍ مُنْحَنِي ... )
قَالَ أَبُو حَاتِم: التَّذْكِير أعرف قَالَ وقُبَاءٌ بِالْمَدِينَةِ وقُبَاءٌ آخر فِي طَرِيق مَكَّة فَأَما قَول الشَّاعِر:
(فَلأَ بغِيَنَّكُمُ قُباً وعُوَارِضَا ... )
فَهُوَ مَوضِع آخر وَهُوَ مَقْصُور وَرِوَايَة سِيبَوَيْهٍ قِنَا وَهُوَ مَوضِع أَيْضا قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وسألتُ الْخَلِيل فَقلت أرأيتَ من قَالَ هَذِه قُبَاءُ يَا هَذَا كَيفَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يَقُول سمي بِهِ رجل قَالَ يَصْرِفُه وَغَيْرُ الصرفِ خطأ لِأَنَّهُ لَيْسَ بمؤنث مَعْرُوف فِي الْكَلَام لكنه مُشْتَقّ كجُلاَّسٍ وَلَيْسَ قد غَلَبَ عِنْدهم عَلَيْهِ التأنيثُ كسُعَادَ وزينبَ وَلكنه مُشْتَقّ يحْتَملهُ الْمُذكر وَلَا ينْصَرف فِي الْمُؤَنَّث كهَجَرَ وواسط أَلا ترى أَن الْعَرَب قد كفتك ذَلِك لما جعلُوا واسطاً للمذكر صرفوه فَلَو علمُوا أَنه شَيْء للمؤنث كعَناقٍ لم يصرفوه أَو كَانَ اسْما غلب عَلَيْهِ التأنيثُ لم يصرفوه وَلكنه اسْم كغُرَابٍ يَنْصَرِفُ فِي الْمُذكر وَلَا ينْصَرف فِي الْمُؤَنَّث فَإِذا سميتَ بِهِ الرجلَ فَهُوَ بِمَنْزِلَة المكانِ وكَبْكَبُ اسْم جبل مؤنث معرفَة قَالَ الْأَعْشَى:
(يَكُنْ مَا أساءَ النارَ فِي رأسِ كَبْكَبَا ... )
وَقيل هُوَ مُذَكّر وَإِنَّمَا أنث على إِرَادَة الثَّنيَّة أَو الصَّخْرَة فَترك صرفه لذَلِك وشَمَامٍ مَبْنِيَّة على الْكسر اسْم جبل مؤنث معرفَة وَكَذَلِكَ وَبَارِ وَسَيَأْتِي ذكرهمَا وسَلْمَى وأَجَأُ جبلانِ لطَيِّيء معروفان مؤنثان قَالَ:
(أَبتْ أَجَأُ أَن تُسْلِمَ العامَ جارَها ... فَمن شاءَ فَلْيَنْهَضْ لَهَا مِنْ مُقَاتِلِ)
قَالَ أَبُو حَاتِم: أَجَأُ تهمز وَلَا تهمز وَقد يجوز أَن يكون حَمله على ذَلِك قولُ أبي النَّجْم:
(قد حَيَّرتْهُ جِنُّ سَلْمَى وأَجا ... )
فَإِن كَانَ ذَلِك فَلَيْسَ بِدَلِيل قَاطع لِأَنَّهُ خفف همزَة أَجَأُ لإِقَامَة الرَّوِيٍّ فَأَما ثَبِيرٌ فمذكر قَالَ أَبُو حَاتِم: لُبْن - اسْم جبل مؤنث فَلذَلِك لم يصرف فِي أشعار الفصحاء قَالَ الرَّاعِي:
(كَعَنْدَلِ لُبْنَ تَطَّرِدُ الصَّلاَلاَ ... )
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: لُبْنان - جبل فِي الشَّام ولُبْنَى آخَرُ بِنَجْدٍ ولُبْنُ محذوفة مِنْهُمَا وَإِنَّمَا ذهب طُفَيْلٌ والراعي إِلَى التَّرْخِيم فِي غير النداء اضطراراً وَقد يجوز صرفه على قَول أبي حَاتِم من أَنه اسْم مؤنث لِأَنَّهُ اسْم على ثَلَاثَة أحرف سَاكن الْأَوْسَط كهند وحَوْرَانُ مُذَكّر قَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
(فَلَمَّا بَدَا حَوْرَانُ والآلُ دُونَهُ ... نَظَرْتَ فَلم تَنْظُرْ بِعَيْنَيْكَ مَنْظَرَا)
فَقَالَ دونه وَلم يقل دونهَا وَترك الصّرْف لِأَن فِي آخِره ألفا ونوناً زائدتين وَلَيْسَ قَول من زعم أَن كل اسْم بَلْدَة فِي آخِره ألف وَنون يذكر وَيُؤَنث بصواب والعِرَاقُ مُذَكّر عِنْد أَكثر الْعَرَب قَالَ الشَّاعِر:(5/163)
(إنَّ العِرَاقَ وأَهْلَه ... عُنُقٌ إِلَيْكَ فَهَيْتَ هَيْتَ)
والشأم مُذَكّر فِي أَكثر كَلَام الْعَرَب قَالَ الشَّاعِر:
(كَأَنَّمَا الشامُ فِي أَجْنَادِهِ البَغَرُ ... )
وَكَذَلِكَ الحجازُ واليَمَنُ ونَجْدٌ والغَوْرُ والحِمَى فَأَما نَجْرَانُ وَبَيْسَانُ وحَرَّانُ وخُراسانُ وسِجِسْتَانُ وجُرْجَانُ وحُلْوَانُ وهَمَذَانُ وبابِيلُ وبابلُ والصِّينُ فَكلهَا مُؤَنّثَة والفَرْجَانِ مذكران وهما السِّنْد وخُراسانُ قَالَ:
(عَلَى أَحَدِ الفَرْجَيْنِ كانَ مُؤَمِّرِي ... )
وَلم يقل إِحْدَى
1 - هَذَا بَاب تَسْمِيَة الْحُرُوف والكلم الَّتِي تسْتَعْمل وَلَيْسَت ظروفاً وَلَا أَسمَاء غير ظروف وَلَا أفعالاً
فالعربُ تخْتَلف فِيهَا يؤنثها بعض ويذكرها بعض كَمَا أَن اللِّسَان تذكر وتؤنث زعم ذَلِك يُونُس وَأنْشد:
(كافاً ومِيمَيْنِ وَسِيناً طاسِمَا ... )
فَذكرهَا وَلم يقل طاسمة وَقَالَ الرَّاعِي:
(كَمَا بُيِّنَتْ كافٌ تلُوحُ ومِيمُهَا ... )
فَقَالَ بُيِّنَتْ فَأَنت وَزعم الْأَصْمَعِي وَأَبُو زيد أَن التَّأْنِيث فِيهَا أَكثر والمعتمدُ بِهَذَا الْبَاب الكلامُ على الْحُرُوف إِذا جعلت أَسمَاء أَو جعلُها أَسمَاء على ضَرْبَيْنِ أَحدهمَا: أَن يخبر عَنْهَا فِي نَفسهَا وَالْآخر أَن يُسمى بهَا رجل أَو امْرَأَة أَو غير ذَلِك فَأَما إِن خُبِّرَ عَنْهَا وجُعِلَت أَسمَاء فَفِي ذَلِك مذهبان أَحدهمَا التَّأْنِيث على تَأْوِيل الْكَلِمَة والتذكير على تَأْوِيل حرف وعَلى ذَلِك جملةُ حروفِ التَّهَجِّي وَتدْخل فِي ذَلِك الْحُرُوف الَّتِي هِيَ أدواتٌ نَحْو إنَّ وليتَ وَلَو وَنَعَمْ وَمَا أشبه ذَلِك فَإِذا سميت بِشَيْء من ذَلِك مذكراً صرفته وَإِن سميت بِهِ مؤنثاً وَقد جعلته فِي تَأْوِيل كلمة أوسطها سَاكن صرفهَا من يصرف هنداً وَمَنَعَ صرفَها من يمْنَع صرفَ هِنْد كامرأة سميتها بليت أَو أنَّ وَمَا أشبه ذَلِك وَإِن تأوَّلتها تَأْوِيل الْحَرْف وَسميت بهَا مؤنثاً كَانَ الْكَلَام فِيهَا كَالْكَلَامِ فِي امْرَأَة سُمِّيَتْ بزيد وَإِن خَبَّرْتَ عَنْهَا فِي نَفْسِها فَفِيهَا مذهبان إِن شِئْت حكيتها على حَالهَا قبل التَّسْمِيَة فَقلت هَذِه ليتَ وليتَ تنصب الأسماءَ وترفع الأخبارَ وإنَّ تنصبَ الْأَسْمَاء وَإِن شِئْت أعربتها فَقلت ليتٌ تنصب الأسماءَ وترفع الْأَخْبَار فَمن تَركهَا على حَالهَا حَكَاهَا كَمَا يَحْكِي فِي قَوْلك دَعْنِي من تَمْرَتَانِ - أَي دَعْنِي من هَذِه اللَّفْظَة وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ لَيْت تنصب فَكَأَنَّهُ قَالَ هَذِه الصِّيغَة تَنْصِب وَمَا كَانَ من ذَلِك على حرفين الثَّانِي مِنْهُمَا يَاء أَو وَاو أَو ألف إِذا حيكتَ لم تُغَيِّرْ فقلتَ لَو فِيهَا معنى الشَّرْط وأو للشَّكّ وَفِي للوعاء فَلم تغير شَيْئا مِنْهَا وَإِن جَعلتهَا أَسمَاء فِي إخبارك عَنْهَا زِدْت عَلَيْهَا فصيرتَها ثلاثية لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأَسْمَاء اسْم على حرفين وَالثَّانِي مِنْهُمَا يَاء وَلَا وَاو وَلَا ألف لِأَن ذَلِك يُجْحِفُ بِالِاسْمِ لِأَن التنوينَ يدْخلهُ بحَقِّ الاسمية والتنوينُ يُوجِبُ حذفَ الْحَرْف الثَّانِي مِنْهُ فيبقَى الاسمُ على حرف وَاحِد مثالُ ذَلِك أَنا إِذا جعلنَا لَو اسْما وَلم نَزِدْ فِيهِ شَيْئا وَلم نَحْكِ اللفظَ الَّذِي لَهَا فِي الأَصْل أعربناها فَإِذا أعربناها تحركت الْوَاو وَقبلهَا فَتْحة فانْقَلَبَتْ ألفا فَتَصِير لَا ثمَّ يدْخلهُ التَّنْوِين بحقِّ الصّرْف فَتَصِير لَا يَا هَذَا فَيبقى حرف وَاحِد وَهُوَ اللَّام والتنوينُ غير معتدّ بِهِ وَإِذا سمينا بِأَو أَو بِلَا لَزِمَهَا ذَلِك أَيْضا فقلتَ أَولاً وَإِذا سميتَ بفِي وَلم تَحْكِ وَلم تزد فِيهَا شَيْئا وَجب أَن تَقول فٍ يَا هَذَا كَمَا تَقول قاضٍ يَا هَذَا فَلَمَّا(5/164)
كَانَ فِيهَا هَذَا الاجحاف لَو لم يُزَدْ فِيهَا شيءٌ زادوا مَا يُخْرِجه عَن حد الاحجاف فَجعلُوا مَا كَانَ ثَانِيَة واواً يُزاد فِيهِ مثلُها فيشدّد وَكَذَلِكَ الْيَاء كَقَوْلِك فِي لَوْلَوُّ وَفِي كَيْ كَيُّ وَفِي فِي فِي وَمَا كَانَ الْحَرْف الثَّانِي مِنْهُ ألفا زادوا بعْدهَا همزَة وَالتَّقْدِير أَنهم يزِيدُونَ ألفا من جِنْسهَا ثمَّ تقلب همزَة فَيُقَال فِي لَا لاءٌ وَفِي مَا ماءٌ قَالَ الشَّاعِر:
(عَلِقَتْ لَوًّا تُرَدِّدُهُ ... إِنَّ لَوَّا ذاكَ أعْيانا)
وَقَالَ غَيره أَيْضا:
(لَيْتَ شِعْرِي وأَيْنَ مِنِّي لَيْتٌ ... إِنَّ لَيْتاً وإِنَّ لَوًّا عَنَاءُ)
فَإِن قَالَ قائِلٌ فَمَا قَوْلكُم فِي امْرَأَة سميت بِشَيْء من هَذِه الْحُرُوف على مَذْهَب من لَا يصرف هَل يلْزم التشديدُ والزيادةُ أم لَا فَالْجَوَاب أَن التَّشْدِيد وَالزِّيَادَة لازمان فَإِن قَالَ فَلم زدتم وَلَيْسَ فِيهِ تَنْوِين وَمن قَوْلكُم إِن الزِّيَادَة وجبتْ لِأَن التَّنْوِين يُذْهب الْحَرْف فَيكون إحدافاً فَالْجَوَاب أَن الْمَرْأَة إِذا سميت بذلك يجوز أَن تنكر فيدخلها التَّنْوِين وَلَا يجوز أَن يكون الِاسْم يتَغَيَّر فِي التنكير عَن لَفظه وبنيته فِي التَّعْرِيف وَاسْتشْهدَ سِيبَوَيْهٍ فِي أَن هَذِه الْحُرُوف تؤنث بقول الشَّاعِر:
(لَيْتَ شِعْرِي مُسَافِرَ بْنَ أبِي عَمْرٍو ... ولَيْتٌ يَقُولُها المَحْزُونُ)
فأنث يَقُولهَا وَقد أنْشدْنَا قولَ النَّمِرِ بنْ تَوْلَبٍ:
(عِلِقَتْ لَوًّا تُرَدِّدُهُ ... )
فَذكره وَقَالَ أعيانا فَذكر أَيْضا ويُنْشَدُ مُسافِرُ بْنُ أبي عَمْروٍ بِالرَّفْع وَالنّصب فَمن رفع فتقدير لَيتَ شِعْرِي خَبَرُ مسافِرِ بن أبي عَمْرو فَحذف الْخَبَر وَأقَام مُسَافر مُقامه فِي الْإِعْرَاب وَمن نصب نَصبه بشِعْرِي وَحذف الْخَبَر قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَسَأَلت الْخَيل عَن رجل سمي بأنَّ مَفْتُوحَة فَقَالَ لَا أَكْسِرُه لِأَن أنَّ غير إِن وَإِنَّمَا ذكر هَذَا لِأَن أنِّ فِي الْكَلَام لَا تقع مُبتَدأَة قبل التَّسْمِيَة وَإِنَّمَا تقع الْمَكْسُورَة مُبتَدأَة فَذكر ذَلِك لِئَلَّا يَظُنَّ الظانُّ أَنَّهَا إِذا سمي بهَا رجل كُسِرَتْ مُبتَدأَة وَإِنَّمَا سَبِيل اسْم وسبيل إِن سَبِيل فِعْلِ فَإِذا سمينا بِوَاحِد مِنْهُمَا لم يَقع الآخرُ موقعه بعد التَّسْمِيَة كَمَا أَن نقُول هَذَا ضَارب زيدا وَهَذَا يضْرب زيدا ومعناهما وَاحِد وَأحد اللَّفْظَيْنِ يَنُوب عَن الآخر فِي الْكَلَام فَلَو سمينا رجلا بيضرب لم يَقع موقعه ضَارب وَبَعض الْعَرَب يهمز فِي مثل لَوْ فَيجْعَل الزِّيَادَة المحتاجَ إِلَى اجتلابها همزَة فَيَقُول لَوْءٌ وماجرى مجْرى هَذِه الْحُرُوف من الْأَسْمَاء غير المتمكنة فَحكمه حكم الْحُرُوف نَحْو هِيَ وهُوَ إِذا سمينا بِوَاحِد مِنْهُمَا أَو أخبرنَا عَن اللَّفْظ فجعلناه اسْما فِي الْأَخْبَار فَنَقُول هُوٌّ ونقول هِيٌّ فَإِن سمينا مؤنثاً بهي فمنزلتها منزلَة هِنْد إِن شِئْنَا صرفنَا وَإِن شِئْنَا لم نصرف لِأَنَّهَا مُؤَنّثَة سمي بهَا مؤنث وَكَانَ سِيبَوَيْهٍ يذهب فِي الْحُرُوف الَّتِي ذَكرنَاهَا كَلَوْ وَفِي وليت وَمَا أشبه ذَلِك وَفِي حُرُوف المعجم أَنَّهَا تؤنث وتذكر كَمَا أَن اللِّسَان يؤنث وَيذكر وَلم يَجْعَل أحدَ الْأَمريْنِ أولى من الآخر وَكَانَ أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يزِيد فِيمَا ذُكِرَ عَنهُ يَذْهَبُ إِلَى أَن لَيْت وَمَا جرى مجْراهَا من الْحُرُوف مذكرات وَأَن قَوْله:
(وليتٌ يقولُها المحزونُ ... )
إِنَّمَا أنث على تَأْوِيل الْكَلِمَة والقولُ هُوَ الأولُ سميتَ رجلا ذُو وذُون تذكر وتؤنث فَإِن سِيبَوَيْهٍ يذهب إِلَى أَن يُقَال هَذَا ذَواً وَرَأَيْت ذَواً ومررت بذواً بِمَنْزِلَة عَصًى ورحاً وَيذكر أَن أَصله فَعَلٌ فِي البنية ويستدل على ذَلِك بقَوْلهمْ هاتانِ ذَوَاتا مالٍ كَمَا يُقَال أَبَوانِ وأَبٌ فَعَلٌ وَكَانَ الْخَلِيل يَقُول هَذَا ذَوٌ فَيَجْعَلهُ فَعْلاً سكين(5/165)
الْعين وَكَانَ الزّجاج يذهب مذهبَ الْخَلِيل وَمن حجَّة الْخَلِيل أَن الْحَرَكَة غير مَحْكُوم بهَا إِلَّا بثَبَتٍ وَلم يقم الدَّلِيل على أَن الْعين متحركة وذَكَرَ من يَحْتَجُّ لَهُ أنَّ الِاسْم إِذا حُذِفَ لامه ثمَّ ثُنِّيَ فَرُدَّ إِلَيْهِ اللامُ حركت الْعين وَإِن كَانَ أصل بنيتها السّكُون كَقَوْلِه:
(يَدَيَانِ بالمَعْرُوفِ عِنْد مُحَرِّقِ ... قَدْ تَمْنَعَانِكَ أَنْ تُضَامَ وَتُضْهَدَا)
ويدٌ عِنْدهم فَعْلٌ فِي الأَصْل وَلكنهَا لما حذفت لامُ فَعلٍ فَوَقع الْإِعْرَاب على الدَّال ثمَّ رَدُّوا الْمَحْذُوف لم يَسْلُبوا الدالَ الحركةض قَالَ وَسَأَلته عَن رجل اسْمه فُو فَقَالَ الْعَرَب قد كفتنا أَمْرَ هَذَا لَمّضا أفردوه قَالُوا فَمٌ فأبدلوا الْمِيم مَكَان الْوَاو وَلَوْلَا ذَلِك لقالوا فَوْه لِأَن الأَصْل فِي فَم فَوْه لأَنهم يَقُولُونَ أَفْوَاهٌ كَمَا يَقُولُونَ سَوْطٌ وأَسْوَاطٌ فمذهبه إِذا سمى بفُو أَن يُقَال فَمٌ لَا غير وَكَانَ الزّجاج يُجيز فَمق وفَوْةٌ على مَذْهَب سَوْط وأسواط وحَوْض وأَحْوَاض وَإِنَّمَا ذكرنَا فُو فِي هَذَا الْبَاب وَإِن لم يكن من الْحُرُوف لمشاكلته لَهَا فِي الْحَذف والقلة قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَأما البا والتا والثا واليا والحا والخا والرا والطا والظا والفا فَإِذا صرن أَسمَاء أُمدِدْنَ كَمَا مُدَّت لاَ إِلاَّ أَنَّهُنَّ إِذا كُنَّ أَسمَاء فهن يجرين مجْرى رجل وَنَحْوه ويكنَّ نكرَة بِغَيْر الْألف وَاللَّام ودخولُ الْألف وَاللَّام فِيهِنَّ يدلك على أنهنّ نكرَة إِذا لم يكن فيهنَّ ألفٌ وَلَام فأُجْرِيَتْ هَذِه الحروفُ مُجْرَى ابْن مَخَاض وَابْن لَبُون وأجريت الْحُرُوف الأول مُجْرَى سامٍّ أَبْرَصَ وأُمِّ حُبَيْنٍ وَنَحْوهمَا أَلا ترى أَن الْألف وَاللَّام لَا يدخلَانِ فِيهِنَّ قَالَ أَبُو عَليّ: اعْلَم أَن حُرُوف التهجي إِذا أردْت التهجي مبنياتٌ لِأَنَّهُنَّ حِكَايَة الْحُرُوف الَّتِي فِي الْكَلِمَة والحروفُ فِي الْكَلِمَة إِذا قُطِّعَت كلُّ حرف مِنْهَا مبنيٌّ لِأَن الْإِعْرَاب إِنَّمَا يَقع على الِاسْم بِكَمَالِهِ فَإِذا قصدنا إِلَى كل حرف مِنْهَا بنيناه وَهَذِه الْحُرُوف الَّتِي ذكرهَا من الْبَاء إِلَى الْفَاء إِذا بنيناها فَكل وَاحِد مِنْهَا على حرفين الثَّانِي مِنْهُمَا ألف فَهِيَ بِمَنْزِلَة لَا وَمَا فَإِذا جعلناهما أسماءاً مددنا فَقُلْنَا بَاء وتاء كَمَا نقُول لاءٌ وماءٌ إِذا جَنَحْنَا إِلَى جعلهَا أسماءاً وَتدْخلهَا الْألف وَاللَّام فتتعرف وَتخرج عَنْهَا فتتنكر وَمَا مضى من الْحُرُوف نَحْو لَيْت وَلَوْلَا يدخلهَا الْألف وَاللَّام فَجعل سِيبَوَيْهٍ حُرُوف التهجي نكرات إِلَّا أَن يدْخل عَلَيْهَا الْألف وَاللَّام فَجرى مجْرى ابْن مَخَاض وَابْن لبون فِي التنكير وَجعل لَو وليت معارف فَجرى مجْرى سَام أَبْرَصَ وأُمٍّ حُبَيْنٍ لِأَنَّهُنَّ مشتركات فِي الِامْتِنَاع من دُخُول الْألف وَاللَّام وَالْفرق بَينهمَا أَن الْبَاء قد تُوجد فِي أَسمَاء كَثِيرَة فَيكون حكمهَا وموضعها فِي كل وَاحِد من الْأَسْمَاء على خلاف حكمهَا فِي الآخر كَقَوْلِنَا بَكْرٌ وضَرْبٌ وحِبْرٌ وَغير ذَلِك من الْأَسْمَاء وَالْأَفْعَال والحروف فَلَمَّا كثرت موَاضعهَا وَاخْتلفت صَار كل وَاحِد مِنْهَا نكرَة وَأما لَيْت وَلَو وَمَا أشبه ذَلِك فهن لَوَازِم فِي مَوضِع وَاحِد وَمعنى وَاحِد وَمَا اسْتعْمل مِنْهَا فِي أَكثر من مَوضِع فَذَلِك لَيْسَ بالشائع الْكثير ومواضعه تتقارب فَيصير كالمعنى الْوَاحِد وَمثل ذَلِك أَسمَاء الْعدَد فَإِذا عددتَ فَقتل وَاحِد اثْنَان ثَلَاثَة أَرْبَعَة تبنيها لِأَنَّك لست تخبر عَنْهَا بِخَبَر تَأتي بِهِ وَإِنَّمَا تَجْعَلهُ فِي الْعبارَة عَن كل وَاحِد من الْجمع الَّذِي تعدّه كالعبارة عَن كل وَاحِد من حُرُوف الْكَلِمَة إِذا قطَّعتها وَذكر سِيبَوَيْهٍ أَن يُقَال وَاحِد اثْنَان فُيُشَمُّ الواحدُ الضَّمَّ وَإِن كَانَ مَبْنِيا لِأَنَّهُ مُتَمَكن فِي الأَصْل وَمَا كَانَ مُتَمَكنًا إِذا صَار فِي مَوضِع غير مُتَمَكن جعل لَهُ فَضِيلَة على مَا لم يكن مُتَمَكنًا قطّ قَالَ: وَزعم من يوثق بِهِ أَنه سمع من الْعَرَب ثَلَاثَة أَرْبَعَة فَطرح همزَة أَرْبَعَة على الْهَاء من ثَلَاثَة وَلم يحوّلها مَعَ التحريك وَمثل ذَلِك قَول الشَّاعِر:
(خَرَجْتُ من عِنْدِ زِيادٍ كالخَرِفْ ... تَخُطُّ رِجْلاَيِ بِخَطٍّ مُخْتَلِفْ)
(تُكْتِّبَانِ فِي الطِّرِيقِ لاَمَ ألِفْ ... )
فَألْقى حَرَكَة ألف على مِيم لَام وَكَانَت سَاكِنة فَفَتحهَا وَلَيْسَت هَذِه الْحَرَكَة حَرَكَة يُعْتَدُّ بهَا وَإِنَّمَا هِيَ(5/166)
تَخْفيف الْهَمْز بإلقاء الْحَرَكَة على مَا قبلُ من أجل ذَلِك قَالُوا ثلاثةَ آربعة لِأَن النِّيَّة أَنَّهَا سَاكِنة وَإِنَّمَا استعيرت الْهَاء لحركة الْهمزَة وَذكر عَن الْأَخْفَش إِنَّه كَانَ لَا يُشِمُّ فِي وَاحِد اثْنَان وَذكر أَبُو الْعَبَّاس وَنسبه إِلَى الْمَازِني أَنه لَا يُحَرِّك الْهَاء من ثَلَاثَة بإلقاء حَرَكَة الْهمزَة عَلَيْهَا من أَرْبَعَة قَالَ الْفَارِسِي: وَهَذَا إِن كَانَ صَحِيحا عَنهُ فَهُوَ بَيِّنُ الفسَاد لِأَن سِيبَوَيْهٍ حكى عَن الْعَرَب ثلاثةَ أَرْبَعَة وَأنْشد:
(فِي الطَّرِيق لاَمَ ألِفْ ... )
وَقد ألْقى حَرَكَة الْهمزَة على مَا قبلهَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَأما زَاي فَفِيهَا لُغَتَانِ مِنْهُم من يَجْعَلهَا فِي التهجي ككَيْ فَيَقُول زَيْ وَمِنْهُم من يَقُول زايٌ فيجعلها بِمَنْزِلَة وَاو قَالَ أَبُو عَليّ: أما من قَالَ زَيْ فَهُوَ إِذا جعلهَا اسْما شَدَّدَ فَقَالَ زَيُّ وَإِذا جعلهَا حرفا قَالَ زَيْ على حرفين مثل كَيْ وَأما زايٌ فَلَا تَتَغَيَّر صيغته وَأما مَنْ ومِنْ وأنْ وإنْ ومُذْ وَعَن وَلم ونحوُهن إِذا كنَّ أَسمَاء لم تغير لِأَنَّهَا تشبه الْأَسْمَاء كيَدٍ ودَم تَقول فِي رجل سميناه مِنْ هَذَا مِنْ وَلم ومُذْ وَلَا تزيد فِيهَا شَيْئا لِأَن فِي الْأَسْمَاء المتمكنة مَا يكون على حرفين كيدٍ ودَم وَمَا كَانَ على ثَلَاثَة فَهُوَ أولى أَن لَا يُزَاد فِيهَا نَحْو نَعَمْ وأَجَلْ وَكَذَلِكَ الْفِعْل الَّذِي لَا يتَمَكَّن نَحْو نِعْمَ وَبئسَ
1 - هَذَا بَاب تسميتك الْحُرُوف بالظروف وَغَيرهَا من الْأَسْمَاء
اعْلَم أَنَّك إِذا سميت كلمة بِخَلْفَ أَو فَوْقَ أَو تَحْتَ لم تصرفها لِأَنَّهَا مذكرات وجملةُ هَذَا أَن الظروف وَغَيرهَا فِيهَا مذكرات ومؤنثات وَقد يجوز أَن يُذْهَب بِكُل كلمة مِنْهَا إِلَى معنى التَّأْنِيث بِأَن تَتَأَوَّلَ أَنَّهَا كلمة وَإِلَى معنى التَّذْكِير بِأَن تُتَأَوَّلَ أَنَّهَا حرف فَإِن ذهبتَ إِلَى أَنَّهَا كلمةٌ فسميتها باسم مُذَكّر على أَكثر من ثَلَاثَة أحرف أَو ثَلَاثَة أحرف أوسطها متحرّك لم تَصْرف كَمَا لَا تصرف امْرَأَة سميتها بذلك وَإِن سميتها بِشَيْء مُذَكّر على ثَلَاثَة أحرف أوسطُها ساكنٌ وَقد جَعلتهَا كلمة فحكمُها حكمُ امْرَأَة سميتها بزيد فَلَا تصرفها على مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وَمَا كَانَ على حرفين فَهُوَ بِمَنْزِلَة مَا كَانَ على ثَلَاثَة أحرف أوسطُها ساكنٌ فَمن الْمُذكر تَحْتُ وَخَلْفُ وقَبْلُ وَبَعْدُ وأينَ وكيلَ وثَمَّ وَهُنَا وَحَيْثُ وكُلُّ وأَيُّ ومُنْذُ وَمُذْ وَقَطُّ وقَطْ وعِنْدَ ولَدَي ولَدُنْ وجميعُ مَا لَيْسَ عَلَيْهِ دلالةٌ للتأنيث بعلامة أَو فِعْل لَهُ مؤنث وَمن الظروف المؤنثة قُدَّام ووراء لِأَنَّهُ يُقَال فِي تصغيرها قُدَيْدِيمَة وَوُرَيِّئَة مثلُ وُرِيَّعَةٍ وَمِنْهُم من يَقُول وُرَيِّة مِثْل جُرَيَّة فَلَمَّا أدخلُوا الْهَاء فِي هذَيْن الحرفين وَلم يُدْخلوا فِي تُحَيْتَ وخُلَيْف ودُوَيْن وقُبَيْل وبُعَيْد علمنَا أَن مَا دخل عَلَيْهِ الهاءُ مؤنث وَالْبَاقِي مُذَكّر إِن قَالَ قَائِل فيكف جَازَ دُخُول الْهَاء فِي التصغير على مَا هُوَ أَكثر من ثَلَاثَة أحرف قيل لَهُ الْمُؤَنَّث قد يدل فعله على التَّأْنِيث وَإِن لم يصغر وَلم يتكن فِيهِ عَلامَة التَّأْنِيث كَقَوْلِنَا لَسَبَتِ العقربُ وطارتِ العُقَابُ والظروف لَا يخبر عَنْهَا بِإِخْبَار يدل على التَّأْنِيث فَلَو لم يدخلُوا عَلَيْهَا الْهَاء فِي التصغي لم يكن على تأنيثها دلَالَة وَإِن أخبرنَا عَن خَلْف وفَوْقَ وَسَائِر مَا ذكرنَا من الْمُذكر وَقد جعلناها كلمة لم نصرفها على قَول سِيبَوَيْهٍ وعَلى قَول عِيسَى بن عمر مَا كَانَ أوسطُه سَاكِنا وَهُوَ على ثَلَاثَة أحرف جَازَ فِيهِ الصرفُ وتَرْكُ الصرفِ كهندٍ فعلى مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ نقُول: هَذِه خُلْفُ وفوقُ وثَمُّ وقَطُّ وأَيْنُ وجِئْتُهُ من خَلْفَ وَمن تَحْتَ وَمن فَوْقَ وَذَلِكَ أَنَّهَا معارفُ ومؤنثاتٌ وَإِن جعلنَا هَذِه الْأَشْيَاء حروفاً وَقد سميناها بِهَذِهِ الْأَسْمَاء المذكرة الَّتِي ذَكرنَاهَا فَإِنَّهَا مصروفة لِأَن كل وَاحِد مِنْهَا مُذَكّر سمي بمذكر وَأما قُدَّام ووَرَاء فسواءٌ جعلتهما اسْمَيْنِ لكلمتين أَو لحرفين فَإِنَّهُمَا لَا ينصرفان لِأَنَّهُمَا مؤنثان فِي أَنفسهمَا وهما على أَكثر من ثَلَاثَة أحرف فَإِن جعلناهما اسْمَيْنِ لمذكرين أَو لمؤنثين لم ينصرفا وصارا بِمَنْزِلَة عَناق وعَقْرَب إِن سمينا بهما رجلَيْنِ أَو امْرَأتَيْنِ لم ينصرفا هَذَا قَول جَمِيع النَّحْوِيين فِي الظروف فَأَما أَبُو حَاتِم فَقَالَ: الظروف كلهَا(5/167)
مذكرة إِلا قُدَّام ووراءَ بِالدَّلِيلِ الَّذِي قدمنَا من التصغير قَالَ: وَزعم بعض من لَا أَثِق بِهِ أَن أمامَ مُؤَنّثَة وَمَا كَانَ من ذَلِك مَبْنِيا فلك أَن تَدَعَه على لَفظه وَلَا تَنْقُلَه إِلَى الْإِعْرَاب كَقَوْلِك ليتَ غير نافعة ولوْ غير مُجْدِيَةٍ وَلَك أَن تَقول ليتُ غيرُ نافعةٍ وَلوُّ غير مُجْدِيَةٍ إِذا جعلتهما اسْما للكلمتين تضم لَيْت وَلَو بِغَيْر تَنْوِين وَلَا تصرفه على مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وعَلى مَذْهَب عِيسَى لَيْتٌ ولَوٌّ ولَيْتُ ولَوُّ منونةٌ وغيْرَ منونة وَإِن قلت ليتٌ وَلوٌّ غير نافعين وَقد جعلتهما للحرفين صرفتهما بِإِجْمَاع ونَكَّرْتَ فَقلت لَيْتٌ وَلوٌّ غير نافعين وَتقول إِن اللهَ يَنْهَاكُمْ عَن قِيلٍ وقالٍ وَمِنْهُم من يَقُول عَن قِيلَ وقالَ لَمَّا جَعَلَه اسْما وَأنْشد سِيبَوَيْهٍ:
(أَصْبَحَ الدَّهْرُ وَقد أَلْوَى بِهِمْ ... غَيَر تَقْوَالِكَ مِنْ قِيلٍ وَقَالِ)
قَالَ سِيبَوَيْهٍ: والقوافي مجرورة وَقد أنكر المبردُ احتجاجَ سِيبَوَيْهٍ بجر القوافي على خفض قيل فَذكر أَنه يجوز أَن تكون القافية مَوْقُوفَة وَتَكون اللَّام من قِيلَ مَفْتُوحَة فَتَقول من قِيلَ وقالٌ وَقد رَدَّ الزجاجُ عَلَيْهِ ذَلِك فَقَالَ لَا يجوز الخبنُ فِي فاعلان من الرمل فغذا قُلْنَا قيلَ وقالْ وَجَعَلنَا اللَّام مَوْقُوفَة فقد صَار فِعْلاَنُ مَكَان فاعِلاَنْ وَإِذا أطلقناها صَار فاعلاتن وَمن قَالَ يَنْهَاكُم عَن قيلَ وقالَ قَالَ، لم أسمع بِهِ قِيلاً وَقَالا وَفِي الْحِكَايَة قَالُوا مُذْ شُبَّ إِلَى دُبَّ وَإِن جعلتهما اسْمَيْنِ قلتَ: مُذْ شُبِّ إِلَى دُبِّ وَهَذَا مَثَلٌ كَأَنَّهُ قَالَ مُذْ وَقْتِ الشبابِ إِلَى أَن دَبَّ على الْعَصَا من الكِبَرِ قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَتقول إِذا نظرتَ إِلَى الكتابِ هَذَا عمروٌ إِنَّمَا الْمَعْنى اسمُ عَمْرو وَهَذَا ذِكْرُ عمْرٍو وَنَحْو هَذَا إِلَّا أَنه يجوز على سَعَةِ الْكَلَام كَمَا تَقول جَاءَت القريةُ وَأَنت تُرِيدُ أَهلهَا وَإِن شِئْت قلت هَذِه عَمْرو أَي هَذِه الْكَلِمَة اسْم عَمْرو كَمَا تَقول هَذِه ألْفٌ وَأَنت تُرِيدُ هَذِه الدراهمُ ألْفٌ وَإِن جعلته اسْما للكلمة لم تصرف وَإِن جعلته للحرف صرفته قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَأَبُو جادٍ وهَوَّازٌ وحُطِيٌ بياء مُشَدّدَة كعمرو فِي جَمِيع مَا ذكرنَا وحالُ هَذِه الْأَسْمَاء حالُ عَمْرو وَهِي أَسمَاء عَرَبِيَّة وَأما كَلَمُون وصَعْفَصُ وقُرَيسياتُ فَإِنَّهُنَّ أعجميات لَا ينصرفن ولكنهن يقعن مواقع عَمْرو فِيمَا ذكرنَا إِلَّا ان قُرَيْسيات بِمَنْزِلَة عَرَفَاتٍ وأذْرِعَاتٍ قَالَ أَبُو سعيد: فصل سِيبَوَيْهٍ بَين أبي جادٍ وهَوَّاز وحُطِّيِّ فجعلهنَّ عربياتٍ وَبَين الْبَوَاقِي فجعلهن أعجميات وَكَانَ أَبُو الْعَبَّاس يُجيز أَن يكنَّ كُلُهُنِّ أعجياتٍ وَقَالَ بعض المحتجين لسيبويه أَنه جَعلهنَّ عربيات لِأَنَّهُنَّ مفهوماتُ الْمعَانِي فِي كَلَام الْعَرَب وَقد جَرَى أَبُو جادٍ على لفظ لَا يجوز أَن يكون إِلَّا عَرَبيا تَقول هَذَا أَبُو جاد وَرَأَيْت أَبَا جاد وعجيبت من أبي جاد قَالَ الشَّاعِر:
(أتَيْتُ مُهَاجِرِينَ فَعَلَّمُونِي ... ثلاثةَ أَحْرفٍ مُتتابعاتِ)
(وخَطُّوا لي أَبَا جادٍ وَقَالُوا ... تَعَلَّمْ صَعْفَضاً وقُرَيْسِياتِ)
قَالَ أَبُو سعيد: وَالَّذِي يَقُول إنَّهُنَّ أعجمياتٌ غير مُبْعِدٍ عِنْدِي إِن كَانَ يُرِيد بذلك أَن الأَصْل فِيهَا العُجْمَة لِأَن هَذِه الْحُرُوف عَلَيْهَا يَقع تعليمَ الخَطِّ بالسُّرياني وَهِي معارف وَكَذَلِكَ جيمع مَا ذَكرْنَاهُ من الْحُرُوف مِمَّا لَا يدْخلهُ الألفُ وَاللَّام وَمَا كَانَ يدْخلهُ اللف وَاللَّام فَإِنَّهُ يكون معرفةٌ بهما ونكرةٌ عِنْد عدمهَا كالألف وَالْبَاء وَالتَّاء إِن شَاءَ الله تَعَالَى
1 - وَمن الْمُؤَنَّث الْمُضمر من غير تقدم ظَاهر يعود إِلَيْهِ وَلَيْسَ من الْمُضمر قبل الذّكر على الشريطة التفسيرية وَلَكِن للْعلم بِهِ
وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى تَوَارَتْ بِالحِجَابِ} [ص: 132] يَعْنِي الشَّمْس و {كُلُّ مَنْ عَلَيهَا فَان}(5/168)
[الرَّحْمَن: 26] يَعْنِي الأَرْض وَزعم الْفَارِسِي أَن قَوْله تَعَالَى: {فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً} [العاديات: 5] من هَذَا الْبَاب أَبُو حَاتِم: وَقَول النَّاس لَا يُفلح فلَان بعْدهَا يُرِيدُونَ بعد فَعْلته الَّتِي فَعَلَ أَو بعد هَذِه المرَّة وَكَذَلِكَ قَوْلهم لَا تَذْهَب بهَا أَي بفَعْلَتِكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَمثل ذَلِك قَوْلهم وَالله لَتُتْخَمِنَّها يَعْنِي هَذِه الأُكْلَة والفَعْلة وَأما قولُهم أصبحتْ حارَّةٌ وأصبحت باردةٌ وأمْسَتْ مُقْشَعِرَّة فَإِنَّهُم يُرِيدُونَ الرّيح أَو الدُّنْيَا أَو الأَرْض أَو الْبَلدة أَو الْبقْعَة وَنَحْو ذَلِك وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {مَا تَرَكَ علَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} [النَّحْل: 61] يُرِيد ظهر الأَرْض وَكَذَلِكَ مَا بهَا مثلُك أَي بالبلدة ومَلأْتها عَدْلاً أَي هَذِه الْبَلدة أَو هَذِه الأَرْض أَو هَذِه الْبقْعَة وَمثل ذَلِك مَا يَمْشِي فوقَها مِثْلُكَ
1 - هَذَا بَاب تَسْمِيَة الْمُذكر بالمؤنث
اعْلَم أَن كل مُذَكّر سميته بمؤنث على أَرْبَعَة أحرف فَصَاعِدا لم ينْصَرف وَذَلِكَ أَن أصلَ الْمُذكر عِنْدهم أَن يُسمى بالمذكر لِأَنَّهُ شَكْلُه وَالَّذِي يلائمه فَلَمَّا عدلوا عَنهُ مَا هُوَ لَهُ فِي الأَصْل وجاؤوا بِمَا لَا يلائمه وَلم يَك مُتَمَكنًا فِي تَسْمِيَة الْمُذكر فعلوا ذَلِك بِهِ كَمَا فعلوا ذَلِك بتسميتهم إِيَّاه بالمذكر فتركوا صرفه كَمَا تكروا صَرْفَ الأعجمي فَمن ذَلِك عَنَاق وعَقْرَب وعُقَاب وعَنْكَبوت وأشباهُ ذَلِك وَهَذَا الْبَاب مُشْتَمل على أَن مَا سمي بمؤنث على أَرْبَعَة أحرف فَصَاعِدا لم ينْصَرف فِي الْمعرفَة وَانْصَرف فِي النكرَة وشرطُ ذَلِك الْمُؤَنَّث أَن يكون اسْما مَوْضُوعا للْجِنْس أَو مصروفاً لتعريف الْمُؤَنَّث وَلم يكن مَنْقُولًا إِلَى الْمُؤَنَّث عَن غَيرهَا فَإِذا كَانَ من الْمُؤَنَّث اسْما لجنس نَحْو عنَاق وعقرب وعُقاب وعنكبوت إِذا سميت بِشَيْء مِنْهُنَّ أَو مَا يشبههن رجلا أَو سواهُ من الْمُذكر لم ينْصَرف فِي الْمعرفَة وَانْصَرف فِي النكرَة وَأما مَا صِيغ لتعريف الْمُؤَنَّث وَلم يكن قبل ذَلِك اسْما فنحو سُعَاد وَزَيْنَب وجَيْأل وتقديرها جيعل إِذا سميت بِشَيْء من هَذَا رجلا لم ينْصَرف فِي الْمعرفَة لِأَن سعاد وَزَيْنَب اسمان للنِّسَاء وَلم يوضعا على شَيْء يعرف مَعْنَاهُ فصارا لاخْتِصَاص النِّسَاء بهما بِمَنْزِلَة اسْم الْجِنْس الْمَوْضُوع على الْمُؤَنَّث وجَيْأَل اسْم معرفَة مَوْضُوع على الضَّبُع وَهِي مؤنث وَلم يوضع على غَيرهَا فَهِيَ كزينبَ وسعادَ فَإِذا كَانَت صفة للمؤنث على أَرْبَعَة أحرف فَصَاعِدا وَلم يكن فِيهِ علامةُ التَّأْنِيث فسميت بِهِ مذكراً لم يُعْتَدَّ بالتأنيث فَانْصَرف وَجعله سِيبَوَيْهٍ مذكراً وصف بِهِ مؤنث وَإِن كَانَت تِلْكَ الصّفة لَا تكون إِلَّا لمؤنث وَذَلِكَ أَن تَسْمِيَة بحائض أَو طامث أَو مُتْئِم وَذكر أَن تَقْدِيره إِذا قلت مَرَرْت بِامْرَأَة حَائِض وطامث ومُتئم بِشَيْء حَائِض وَكَذَلِكَ مَا وُصف من الْمُذكر بمؤنث كَقَوْلِهِم رجل نُكَحة وَرجل رَبْعَةٌ وجَمَلٌ خُجَأَة أَي كثير الضِّراب وَكَأن هَذِه الصّفة وصفٌ لمؤنث كَأَنَّك قلت هَذِه نفس خُجْأة وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ:
(لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ إِلاَّ نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ) وَذَلِكَ وَاقع على الذّكر وَالْأُنْثَى وَقد قدَّمْتُ مذهبَ الْكُوفِيّين فِي هَذَا الْفَصْل عِنْد ذكري لنعوت الْمُؤَنَّث الَّتِي تكون على مِثَال فَاعل وَمن الدَّلِيل على مَا قَالَه سِيبَوَيْهٍ أَنا لَا ندخل على حَائِض الْهَاء إِذا أردنَا بهَا الِاسْتِقْبَال فَتَقول هَذِه حائضة غَدا فَلَمَّا احْتمل حَائِض دُخُول الْهَاء عَلَيْهَا علمنَا أَنَّهَا مُذَكّر وعَلى أَنَّهَا قد تؤنث لغير الِاسْتِقْبَال قَالَ الشَّاعِر:
(رأيتُ خُتُونَ العامِ والعامِ قَبْلَهُ ... كحائِضَةٍ يُزْنَى بِها غَيْر طاهِرِ)
وَكَذَلِكَ يُقَال امْرَأَة طالِقٌ وطالقةٌ فَلَمَّا كَانَت الْهَاء تَدْخُلُ على هَذَا النَّحْو علمنَا أَنَّهَا إِذا أُسْقِطَ الهاءُ مِنْهَا صَار مذكراُ وَذكر سِيبَوَيْهٍ أَنه سَأَلَ الخليلَ عَن ذِراع فَقَالَ كَثُر تسميتهم بِهِ الْمُذكر وتَمَكَّن فِي الْمُذكر وَصَارَ من أَسْمَائِهِ خاصَّة عِنْدهم وَمَعَ هَذَا إِنَّهُم يصفونَ بِهِ الْمُذكر فَيَقُولُونَ هَذَا ثَوْبٌ ذِراعٌ فقد تمكن هَذَا الِاسْم فِي الْمُذكر هَذَا قَول الْخَلِيل وَكَانَ القياسُ أَن لَا يصرف لِأَن ذِرَاعا اسْم مؤنث على أَرْبَعَة أحرف فقياسُه أَن لَا(5/169)
ينْصَرف فِي الْمعرفَة وَقد كَانَ أَبُو الْعَبَّاس الْمبرد يَقُول إِن الأجود فِيهِ أَن لَا يصرف وكأنَّ الْخَلِيل ذَهَبَ بِهِ مذهبَ الصّفة وَلَا عَلامَة فِيهِ وَقَالَ فِي كُراعٍ اسْم رجل قَالَ من الْعَرَب من يصرفهُ يُشبههُ بِذِرَاع والأجودُ ترك الصّرْف وصرفُه أَخْبَثُ الْوَجْهَيْنِ وكأنَّ الَّذِي يصرفهُ إِنَّمَا يصرفهُ لِأَنَّهُ كثر بِهِ تسميةُ الرِّجَال فَأشبه الْمُذكر فِي الأَصْل لِأَن الأَصْل أَن يُسمى الْمَذْكُور بالمذكر وَإِن سميت رجلا بثَمانٍ لم تصرفه لِأَن ثمانٍ اسْم مؤنث فَهُوَ كَثَلاَثٍ وعَنَاقٍ إِذا سميت بهما قَالَ الْفراء هُوَ مَصْرُوف لِأَنَّهُ جَمْعٌ وتصغيره عِنْده ثُلَيْثٌ قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَلَو سميت رجلا حُبَارَى لم تصرفه لِأَنَّهُ مؤنث وَفِيه عَلَم التَّأْنِيث الألفُ المقصورةُ فَإِن حَقَّرته حَذَفْتَ الألفَ فَقلت حُبَيِّر لم تصرفه أَيْضا لِأَن حُبَارَى فِي نَفسهَا مؤنث فَصَارَ بِمَنْزِلَة عُنَيِّق وَلَا علامةَ فِيهَا للتأنيث قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَزعم الخليلُ أَن فَعُولاً ومِفْعالاً إِنَّمَا امتنعا من الْهَاء لِأَنَّهُمَا وقعتا فِي الْكَلَام على التَّذْكِير وَلكنه يُوصف بِهِ الْمُؤَنَّث كَمَا يُوصف بَعْدلٍ ورِضاً وَإِنَّمَا أَرَادَ بفَعُول ومِفْعَال قولَنا امرأةٌ صَبُور وَشَكُور ومِذْكَار ومِئْنَاث إِذا سميت رجلا بِشَيْء من ذَلِك صرفته لِأَنَّهَا صِفَات مذكرة لمؤنث كطامِثٍ وحائض وَقد مضى الْكَلَام فِي ذَلِك وَكَذَلِكَ إِن سميت رجلا بقاعد تُرِيدُ الْقَاعِد الَّتِي هِيَ صفة الْمَرْأَة الْكَبِيرَة القاعِد عَن الزَّوْج وَكَذَلِكَ إِن سميت بعاقِرٍ صفة الْمَرْأَة كل ذَلِك منصرف على مَا شرحته لَك لِأَنَّهُ مُذَكّر وَإِن وَقع لمؤنث كَمَا يَقع الْمُؤَنَّث للمذكر كَقَوْلِنَا عَيْنُ الْقَوْم وَهُوَ رَبِيئَتُهمْ أَي الَّذِي يَحْفَظُهُم فوَقَعَتْ عَلَيْهِ عينٌ وَهُوَ رجل ثمَّ شبه سِيبَوَيْهٍ حَائِضًا صفةٌ لشَيْء وَإِن لم يستعملوه بقَوْلهمْ أَبْرَقُ وأَبْطَحُ وأَجْزَعُ وأَجْدَلُ فِيمَن تَرَكَ الصرفَ لِأَنَّهَا صِفَات وَإِن لم يستعملوا الموصوفاتِ قَالَ وَكَذَلِكَ جَنُوبٌ وشَمَالٌ وقَبُولٌ ودَبُورٌ وحَرُورٌ وسَمُومٌ إِذا سمتَ رجلا بِشَيْء مِنْهَا صَرَفْتَهُ لِأَنَّهَا صِفَات فِي أَكثر كَلَام الْعَرَب سمعناهم يَقُولُونَ هَذِه ريحٌ حَرُورٌ وَهَذِه ريح شَمَالٌ وَهَذِه الريحُ الجنوبُ وَهَذِه ريحٌ جَنُوبٌ سمعنَا ذَلِك من فُصحاء الْعَرَب لَا يعْرفُونَ غَيره قَالَ الْأَعْشَى:
(لَهَا زَجَلٌ كَحَفِيفِ الحَصَادِ ... صَادفَ بالليلِ ريحًا دَبُوراً)
وَمعنى قَول سِيبَوَيْهٍ سمعنَا ذَلِك من فصحاء الْعَرَب أَي من جمَاعَة مِنْهُم فُصحاء لَا يعْرفُونَ غَيره قَالَ ويُجْعَلُ اسْما وَذَلِكَ قَلِيل قَالَ الشَّاعِر:
(حَالَتْ وحِيلَ بِهَا وغَيَّرَ آيهَا ... صَرْفُ البِلَى تَجْرِي بِهِ الرِّيحانِ)
(رِيحُ الجَنُوبِ مَع الشَّمالِ وتارةٌ ... رِهَمُ الرَّبِيعِ وصَائِبُ التَّهْتَانِ)
فَمن أضَاف إِلَيْهَا جعلهَا أسماءٌ وَلم يصرف شَيْئا اسْمَ رَجُلٍ وَصَارَت بِمَنْزِلَة الصَّعُود والهَبُوطِ والحَدُورِ والعَرُوضِ وَهَذِه أسماءُ أماكنَ وَقعت مُؤَنّثَة وَلَيْسَت بصفاتٍ فَإِذا سميتَ بِشَيْء مِنْهَا مذكراً لم تصرفه وَلَو سميت رجلاٍ برَبابٍ أَو ثَوابٍ أَو دَلاَلٍ انْصَرف وَإِن كَثُرَ رَبَابٌ فِي أَكثر الناء وَلَيْسَت كَسُعَادَ وَأَخَوَاتهَا لِأَن رباباً اسمٌ مَعْرُوف مُذَكّر للسحاب سميت المرأةُ بِهِ وسُعادُ مؤنث فِي الأَصْل وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ فِي سُعَادَ وَأَخَوَاتهَا: إِنَّهَا اشْتُقَّت فجعلتْ مُخْتَصًّا بهَا الْمُؤَنَّث فِي التَّسْمِيَة فَصَارَت عِنْدهم كعَناقٍ وَكَذَلِكَ تسميتُك رجلا بِمثل عُمَانَ لِأَنَّهَا لَيست بِشَيْء مُذَكّر مَعْرُوف وَلكنهَا مُشْتَقَّة لم تقع إِلَّا علما للمؤنث قَالَ الْفَارِسِي: قَالَ أَبُو عُمَر الجَرْمِيُّ معنى قَوْله مُشْتَقَّة أَي مُسْتأنفة لهَذِهِ الْأَسْمَاء لم تكن من قبلُ أَسمَاء لِأَشْيَاء أخر فنقلت إِلَيْهَا وَكَأَنَّهَا اشْتقت من السَّعادة أَو من الرَّبَبِ أَو الجَأْلِ وزِيدَ عَلَيْهَا مَا زِيدَ من ألف أَبُو يَاء لتُوضَع أَسمَاء لهَذِهِ الْأَشْيَاء كَمَا أَن عَناقاً أَصله من العَنَقِ وزيدت فِيهِ الألفُ فُوضِعَ لهَذَا الْجِنْس وَمَا كَانَ من الجموع المكسرة الَّتِي تأنيثها بالتكسير إِذا سمينا بِهِ مذكراً انْصَرف نَحْو خُروقٍ وكِلابٍ وجَمَالٍ وَالْعرب قد صرفتْ أنْماراً وكلاباً اسْمَيْنِ لِرجلَيْنِ لِأَن هَذِه(5/170)
الْمَجْمُوع تقع على المذكرين وَلَيْسَت باسم يخْتَص بِهِ وَاحِد من الْمُؤَنَّث فَيكون مثلثه أَلا ترى أَنَّك تَقول هم رجالٌ فتُكر كَمَا ذَكَّرْتَ فِي الْوَاحِد فَلَمَّا لم يكن فِيهِ عَلامَة التَّأْنِيث وَكَانَ يُخْرج إِلَيْهِ المكرُ ضارَعَ المُذَّكرَ الَّذِي يُوصف بِهِ الْمُؤَنَّث وَكَانَ هَذَا مُستوجباُ للصرف وَكَذَلِكَ لَو سمي رجل بعُنُوق جمع عَنَاقِ فَهُوَ بِمَنْزِلَة خُرُوقٍ وَيَسْتَوِي فِيهِ مَا كَانَ واحده مذكراً ومؤنثا وَلَو سميت رجلا بنساء لصرفته لِأَن نِسَاءَ جمعُ نِسْوَة فَهِيَ جمع مُكَسَّر مثلُ كِلاَبٍ جَمْع كَلْب فَإِن سميته بطَاوغُوت لم ينْصَرف أَن الطاغوت اسْم وَاحِد مؤنث يقعل على الْجمع وَالْوَاحد وَلَيْسَ لَهُ وَاحِد من لَفظه فيكسر عَلَيْهِ فَصَارَ بِمَنْزِلَة عَنَاق وَإِذا كَانَ جمعا فَهُوَ بِمَنْزِلَة إبِلٍ وغَنَم لَا واحدَ لَهُ من لَفظه
1 - هَذَا بَاب تَسْمِيَة الْمُؤَنَّث
اعْلَم أَن كل مؤنث سميته بِثَلَاثَة أحرف متوال مِنْهُ حرفان بالتحرك لَا ينْصَرف فَإِنَّهُ سميته بِثَلَاثَة أحرف فَكَانَ الْأَوْسَط مِنْهَا سَاكِنا وَكَانَت شَيْئا مؤنثاً أَو اسْما الغالبُ عَلَيْهِ الْمُؤَنَّث كسُعَاد فأنتَ بِالْخِيَارِ إِن شِئْت صرفته وَإِن شِئْت لم تصرفه وتركُ الصرفُ أجودُ وَتلك الأسماءُ نَحْو قِدْرٍ وعَنْزٍ ودَعْدٍ وجُمْلٍ ونُغْمٍ وهِنْدٍ وَهَذَا الْبَاب مُشْتَمل على ثَلَاثَة أَشْيَاء مِنْهَا أَن تسمي الْمُؤَنَّث باسم على ثَلَاثَة أحرف وأوسطُها متحركق وَلَيْسَ الحرفُ الثالثُ مِنْهَا بعَلَم تَأْنِيث وَذَلِكَ لَا خلاف بَين النَّحْوِيين أَنه لَا ينْصَرف فِي الْمعرفَة وينصرف فِي النكرَة كامرأة سميتها بقَدَم أَو حَجَر أَو عِنَبٍ وَمَا أشبه ذَلِك مِمَّا أوسطه متحرك وَالثَّانِي أَن تُسَمِّي المؤنثَ باسم كَانَ مؤنثاً قبل التَّسْمِيَة أَو الغالبُ عَلَيْهِ أَن تُسَمِّي بِهِ الْمُؤَنَّث وأوسطُه سَاكن فالاسم الْمُؤَنَّث قبل التَّسْمِيَة نَحْو قِدْرٍ وعَنْزٍ والاسمُ الغالبُ عَلَيْهِ أَن يُسمى بِهِ المؤنثُ وَإِن لم يعرف قبل التَّسْمِيَة دَعْدٌ وجُمْلٌ وهِنْدٌ فَهَذِهِ الْأَسْمَاء لَا خلاف بَين الْمُتَقَدِّمين أَنَّهَا يجوز فِيهَا الصّرْف وَمنع الصّرْف والأقيسُ عِنْد سِيبَوَيْهٍ منعُ الصّرْف لِأَنَّهُ قد اجْتمع فِيهَا التَّأْنِيث والتعريفُ ونقصانُ الْحَرَكَة لَيْسَ مِمَّا يُغَيِّرُ الحكم وَإِنَّمَا صَرَفَهث من صَرَفَهُ لِأَن هَذَا الِاسْم قد بلغ نِهَايَة الخِفَّة فِي قلَّة الْحُرُوف والحركات فقاومت خِفَّتُها أحدَ الثَّقْليْنِ وَكَانَ الزجاجُ يُخَالف من مضى وَلَا يُجِيز الصرفَ فِيهَا وَيَقُول قد أَجمعُوا على أَنه يجوز فِيهَا تركُ الصّرْف وسيبويه يرى أَن ترك أَجْوَدُ فقد جَوَّزُوا منعَ الصّرْف واستَجَادُوهُ ثمَّ ادَّعَوا الصَّرفَ بِحجَّة لَا تثبت لِأَن السّكُون لَا يُغير حكما أوجبه اجتماعُ علتين تمنعانِ الصَّرْفِ قَالَ أَبُو عَليّ: وَالْقَوْل عِنْدِي مَا قَالَه من مضى وَلَا أعلم خلافًا بَين مَا مضى من الْكُوفِيّين والبصريين وَمَا أجمعواعلى ذَلِك عِنْدِي إِلَّا لشهرة ذَلِك فِي كَلَام الْعَرَب والعلةُ فِيهِ مَا ذكرتُ وَقد رأيناهم أَسْقَطُوا بِقِلَّةِ الحُرُوفِ أحد الثَّقْلَيْنِ وَذَلِكَ إجماعُهُم فِي نُوح ولُوط أَنَّهُمَا مصروفان وَإِن كَانَت أعجميين معرفتين لنُقْصان الْحُرُوف فَمن حيثُ كَانَ نقصانُ الْحُرُوف مسوِّغاً للصرف فِيمَا فِيهِ عِلَّتَانِ سُوِّغَ بنُقْصانِ الْحُرُوف والحركةِ فِي الْمُؤَنَّث والثالثُ مِمَّا ذكرنَا اشتمالَ الْبَاب عَلَيْهِ أَن تُسَمِّيَ المؤنثَ باسم مُذَكّر على ثَلَاثَة أحرف وأوسطُها ساكنٌ نَحْو امْرَأَة سميت بزيد أَو عَمْرو أَو بكر قَالَ الْفَارِسِي: قد اخْتلف فِي هَذَا من مضى فَكَانَ قَول أبي إِسْحَاق وَأبي عَمْرو وَيُونُس والخليل وسيبويه أَنه لَا ينْصَرف ورَأَوْهُ أثقلَ من هِنْد ودَعْد قَالَ سِيبَوَيْهٍ: لِأَن الْمُؤَنَّث أَشد ملاءمة للمؤنث وَالْأَصْل عِنْدهم أَن يُسَمَّى الْمُؤَنَّث بالمؤنث كَمَا أَن أصلَ تَسْمِيَة الْمُذكر بالمذكر قَالَ أَبُو سعيد: كأَنَّ سِيبَوَيْهٍ جعل نَقْل الْمُذكر إِلَى الْمُؤَنَّث مَا كَانَ خِلاَف الْمَوْضُوع فِي كَلَام الْعَرَب والمعتادِ ثِقَلاً يُعادل نهايةَ الخِفَّة الَّتِي بهَا صَرَفَ من صَرَفَ هِنْداً وَكَانَ عِيسَى بن عمر يَرَى صرفَ ذَلِك أولى وَإِلَيْهِ يذهب أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يزِيد المَبَرّدُ لِأَن زيدا وأشباهه إِذا سمينا بِهِ الْمُؤَنَّث فأثقلُ أحوالِه أَن يصير مؤنثاً فَيَثْقُلَ بالتأنيث وكونُه فِي الأَصْل لَا يُوجب لَهُ ثِقَلاً أَكثر من الثِّقَل الَّذِي كَانَ فِي الْمُؤَنَّث فاعلمه(5/171)
1 - هَذَا بَاب مَا جَاءَ معدولاً عَن حَده من الْمُؤَنَّث كَمَا جَاءَ الْمُذكر معدولاً عَن حَده
نَحْو فُسَقَ ولُكُعَ وزُفَر وَهَذَا الْمُؤَنَّث نَظِير ذَلِك الْمُذكر اعْلَم أَن هَذَا الْبَاب يشْتَمل على مَا كَانَ من فَعَالٍ مَبْنِيا وَذَلِكَ على أَرْبَعَة أضْرب أَولهَا وَهُوَ الأَصْل لباقيها مَا كَانَ من فَعَالٍ وَاقعا موقعَ الْأَمر كَقَوْلِهِم حَذَار زيدا - أَي احْذَرْهُ وَمَنَاعٍ زيدا - أَي امنعه
قَالَ الشَّاعِر:
(مَنَاعِها مِنْ إبِلٍ مَنَاعِهَا ... أَلاَ تَرَى الموتَ لَدَى رِباعِها)
وَقَالَ أَيْضا فِي نَحوٍ مِنهُ:
(تَراكِها من إبِلٍ تَراكِها ... أَلا تَرَى المَوْتَ لَدَى أَوْرَاكِهَا)
وَقَالَ رؤبة أَيْضا:
(نَظَارِ كَيْ أَرْكَبَهَا نَظَارِ ... )
وَيُقَال نَزَالِ - أَي انْزِلْ وَيُقَال للضَّبُع دَبابِ - أَي دِبِّي قَالَ الشَّاعِر:
(نِعَاء ابْن لَيْلَى للسَّمَاحَةِ والنَّدَى ... وأيْدِي شَمَالٍ بارداتِ الأَنَامِلِ)
وَقَالَ أَيْضا جرير:
(نَعَاءِ أَبَا لَيْلَى لِكُلِّ طِمِرِّةٍ ... وَجَرْدَاءَ مِثْلِ القَوْسِ سَمْحٍ حُجولَها)
والحَدُّ فِي جَمِيع ذَا افْعَلْ وَهُوَ معدول عَنهُ وَكَانَ حَقُّه أَن يُبْنَى على السّكُون فَاجْتمع فِي آخِره ساكنانِ الحرفُ الْأَخير المبنيُّ على السّكُون والألفُ الَّتِي قبله وحُرِّكَ بِالْكَسْرِ لِأَن الْكسر مِمَّا يؤنث بِهِ لِأَن الْمُؤَنَّث فِي المخاطبة يكسر آخِره فِي قَوْلك إنكِ ذاهبةٌ وأنتِ قَائِمَة وَيُؤَنث بِالْيَاءِ فِي قَوْلك أنتِ تقومين وهَذِي أَمَةُ اللهِ وَلم يقل سِيبَوَيْهٍ أَنه كُسِر لِاجْتِمَاع الساكنين على مَا يُوجِبهُ اجتماعُهما من الكسرة لِأَنَّهُ يذهب إِلَى أَن السَّاكِن الأوَّلَ إِذا كَانَ ألفا فالوجهُ فَتْحُ السَّاكِن الثَّانِي لِأَن الألفَ قبلهَا فَتحةٌ وَهِي أَيْضا أَصْلُ الْفَتْح فحملوا السَّاكِن الباقيَ على مَا قبله من أجل هَذَا قَالَ فِي اسْحارَّ إِذا كَانَ اسْم رجل ورَخَّمْنَاهُ يَا اسْحَارَّ أَقْبِلْ بِفَتْح الرَّاء لِأَن قبلهَا فَتْحة الْحَاء وَالْألف بَينهمَا سَاكِنة وَهِي تؤكد الْفَتْح أَيْضا وحَمَلَه على قَوْلهم عَضَّ يَا فَتَى بِفَتْح الْعين وَلم يَحْفِل بالضاد الساكنة المدغمة فَإِن قَالَ قائِل فهم يَقُولُونَ رُدَّ وفِرَّ قيل لَهُ الحُجَّة فِي عَضَّ من قَول من يَقُول رُدَّ ورُدُّ وفِرِّ وَيَقُول فِي عَضِّ عَضَّ فيفصل بَينهمَا وَيفتح من أجل فَتْحة الْعين وَمِمَّا يدلك على ذَلِك قولُهم انْطَلْقَ يَا زَيْدُ فَيفتح الْقَاف لانفتاح الطَّاء وَإِنَّا حَرَّك الْقَاف لالتقاء الساكنين وَقَول الشَّاعِر:
(عَجِبْتُ لِمَوْلُودٍ وَلَيْسَ لَهُ أبٌ ... وذِي وَلَدٍ لم يَلْدَهُ أَبَوانِ)
فَفتح الدَّال لانفتاح الْيَاء وَالْوَجْه الثَّانِي مَا كَانَ من وصف الْمُؤَنَّث مُنادًى أَو غير منادًى فالمنادَى قولُك يَا خَبَاثِ وَيَا لَكَاعِ وَيَا فَسَاقِ وَإِنَّمَا تُرِيدُ الخبيثَة والفاسقَة واللَّكْعَاءَ وَمثله للمذكر إِذا ناديته معدولاً يَا فُسَقُ وَيَا لُكَع وَيَا خُبَثُ وَيُقَال يَا جَعارِ للضبع وَإِنَّمَا هُوَ اسْم للجاعرةِ يُقَال ذَلِك فِي النداء وَغير النداء للضبع وَيُقَال لَهَا أَيْضا قَثَامِ وَمَعْنَاهَا تَقْثِمُ كُلَّ شَيْء تَجُرُّهُ للْأَكْل وتَجْرُفُه قَالَ الشَّاعِر:(5/172)
(فلِلْكُبَرَاءِ أَكْلٌ كيفَ شاؤوا ... وللصُغْرَاءِ أَخْذٌ واقتثامُ)
وَقَالَ الشَّاعِر وَهُوَ الجَعْدِيُّ:
(فَقُلْتُ لَهَا عِيثي جَعَارِ وَجَرِرِي ... بِلَحْمِ امْرِئِ لم يَشْهَدِ اليَوْمَ نَاصِرُهُ)
وَيُقَال للمَنِيَّة حَلاَقِ وَهِي معدولة عَن الحالقة لِأَنَّهَا تَحْلِقُ كُلَّ شَيْء وتَذْهَبُ بِهِ قَالَ الشَّاعِر:
(لَحِقَتْ حَلاَق بهمْ على أكْسَائِهِمْ ... ضَرْبَ الرِّقَابِ وَلَا يُهِمُّ المَغْنَمُ)
والأكساءُ المآخِيرُ واحدُها كُسْءٌ وَقَالَ آخر:
(مَا أُرَجِّي بالعَيْشِ بَعْدَ نَدَامَى ... قَدْ أَرَاهُمْ سُقُوا بِكَأْسِ حَلاَقِ)
وَالْوَجْه الثَّالِث مَا كَانَ من المصادر معدولاً من مصدر مؤنث معرفَة مَبْنِيا على هَذَا الماثل كَقَوْل الذبياني:
(إِنَّا اقْتَسَمْنَا خُطَّتَيْنَا بَيْنَنَا ... فحملتُ بَرَّةَ واحْتَمَلْتَ فَجَارِ)
ففَجَارِ معدولةٌ عَن الفَجْرَةِ وَقَالَ الشَّاعِر:
(فَقَالَ امْكُثِي حَتَّى يَسَارِ لَعَلَّنَا ... نَحُجُّ مَعاً قالتْ أعاماً وقابِلَهْ)
فَهِيَ معدولة عَن المَيْسَرَةِ وَقَالَ الجَعْدِيُّ:
(وذَكَرْتَ مِنْ لَبَن المُحَلَّقِ شَرْبَةً ... والخيلُ تَعْدُو بالصَّعِيدِ بِدَادِ)(5/173)
فبدَادِ فِي مَوضِع الْحَال وَهُوَ فِي معنى مصدر مؤنث معرفَة وَقد فسره سِيبَوَيْهٍ فَقَالَ مَعْنَاهُ تَعْدُو بَدَداً غير أَن بَدَادِ لَيست بمعدولة عَن بَدَدٍ لِأَن بَدَداً نكرَة وَإِنَّمَا هِيَ معدولة عَن البَدَّةِ أَو المُبَادَّةِ أَو غير ذَلِك من أَلْفَاظ المصادر الْمعرفَة المؤنثات قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَالْعرب تَقول لَا مَسَاسِ مَعْنَاهُ لَا تَمَسُّنِي وَلَا أَمَسُّكَ ودَعْنِي كَفَافِ وتقديرها لَا المُمَاسَّةَ ودَعْنِي المُكَافَّة وَإِن كَانَ ذَلِك غيرَ مُسْتَعْمل أَلا تَراهم قَالُوا مَلاَمِحُ ومَشَابِهُ ولَيَالٍ وهُنَّ جَمْع لَيْسَ لَهَا واحدٌ من لَفظهَا لأَنهم لَا يَقُولُونَ مُلْمَحَةٌ وَلَا لَيْلاٍةٌ وَلَا مَشْبَهَةٌ وَقَالَ الشَّاعِر:
(جَمَادِ لَهَا جَمَادِ وَلَا تَقُولِي ... طُوالَ الدَّهْر مَا ذُكِرَتْ حَمَادِ)
وَإِنَّمَا يُرِيد جُمُوداً وَحَمْداً غير أَن اللَّفْظ الَّذِي عُدِلَ عَنهُ هَذَا اللَّفْظ كَأَنَّهُ الجَمْدَةُ والحَمْدَةُ أَو مَا جَرَى مَجْرَى هَذَا من الْمُؤَنَّث الْمعرفَة وَقد جعل سِيبَوَيْهٍ فَجَارِ فِي قَول النَّابِغَة من المصادر المعدولة وجَرَى على ذَلِك النحويون بعده والأَشْبَهُ عِنْدِي أَن تكونَ صفة غالبةٌ وَالدَّلِيل على ذَلِك أَنه قَالَ فِي شعره:
(فَحَمَلْتُ بَرَّةَ واحْتَمَلْتَ فَجَارِ ... )
فَجَعلهَا نقيضَ بَرَّةَ وبَرَّةُ صفةٌ تَقول رجل بَرٌ وَامْرَأَة بَرَّةٌ وجعلُهما صفة للمصدر كَأَنَّهُ قَالَ فحملتُ الخَصْلَة البَرَّةَ وحملتَ الخصلةَ الفاجرةَ كَمَا تَقول الخَصْلة القبيحة والحَسَنَة وهما صفتانِ وَجعل بَرَّةٌ معرفةٌ عُرِّفَ بهَا مَا كَانَ جميلاً مستحسناً وَأما مَا جَاءَ معدولاً عَن حدّه من بَنَات الْأَرْبَعَة فَقَوله:
(قالتْ لَهُ رِيحُ الصَّبا قَرْقَارِ ... )
وَبعده من غير إنشاد سِيبَوَيْهٍ:
(واخْتَلَطَ المَعْرُوفُ بالإِنْكَارِ ... )
فَإِنَّمَا يُرِيد بذلك قَالَت لَهُ قَرْقِرْ بالرعد للسحابِ وَكَذَلِكَ عَرْعَارِ يه بِمَنْزِلَة قَرْقارِ وَهِي لُعْبة وَإِنَّمَا هِيَ من عَرْعَرْتُ ونظيرها من الثَّلَاثَة خَرَاج أَي اخْرُجُوا وَهِي لعبة ايضاً وَقَالَ الْمبرد غَلِطَ سِيبَوَيْهٍ فِي هَذَا وَلَيْسَ فِي بَنَات الْأَرْبَعَة من الفِعْل عَدْلُ وَإِنَّمَا قَرْقَارِ وعَرْعَارِ حِكَايَة للصوت كَمَا يُقَال غَاقِ غَاقِ وَمَا أشبه ذَلِك من الْأَصْوَات وَقَالَ لَا يجوز أَن يَقع عَدْلٌ فِي ذَوَات الْأَرْبَعَة لِأَن الْعدْل إِنَّمَا وَقع فِي الثلاثي لِأَنَّهُ يُقَال فِيهِ فاعَلْتُ إِذا كَانَ من كل وَاحِد من الفاعلين فِعْلٌ مثلُ فِعلِ الآخر كَقَوْلِك ضاربتُه وشاتمته وَيَقَع فِيهِ تَكْثِير الْفِعْل كَقَوْلِك ضَرَبْتُ وقَتَّلْتُ وَمَا أشبه ذَلِك وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الزّجاج: بابُ فَعالِ فِي الْأَمر يُراد بِهِ التوكيدُ والدليلُ على ذَلِك أَن أَكثر مَا يَجِيء مِنْهُ مَبْنِيٌ مكرّر كَقَوْلِه:
(حَذَارِ من أَرْمَاحِنَا حَذارِ ... )
وَقَوله:
(تَركِها مِنْ إبِلٍ تَراكِهَا ... )
وَذَلِكَ عِنْد شدَّة الْحَاجة إِلَى هَذَا الْفِعْل وحَكَى محمدُ بن يزِيد عَن الْمَازِني مثلَ قَوْله وَحكى عَن الْمَازِني عَن الْأَصْمَعِي عَن أبي عَمْرو مثل ذَلِك والأقوى عِنْدِي أَن قَول سِيبَوَيْهٍ أصح وَذَلِكَ أَن حِكَايَة الصَّوْت إِذا حَكَوْا وكَرَّرُوا لَا يُخالِفُ الأوَّلُ الثانيَ كَمَا قَالُوا غَاقِ غاقِ وحاءِ حاءِ وحَوْبِ حَوْبِ وَقد يُصَرِّفُونَ الفعلَ من الصَّوْت المكرر فَيَقُولُونَ عَرْعَرْتُ وقَرْقَرْتُ وَإِنَّمَا الأَصْل فِي الصَّوْت عارِ عارِ وقَار قَارِ فَإِذا صَرَّفُوا الْفِعْل مِنْهُ غَيَّرُوه إِلَى(5/174)
وزن الْفِعْل فَلَمَّا قَالَ قَرْقَارِ وعَرْعَارِ فَخَالف اللفظُ الأوّل الثَّانِي علمنَا أَنه مَحْمُول على قَرْقِر وعَرْعِر لَا على حِكَايَة عَارِ عَارِ وقَارِ قَارِ وعَرْعَار - لعبة للصبيان كَمَا قَالَ النَّابِغَة:
(يَدْعُو وَلِيدُهُم بهَا عَرْعَارِ ... )
وَمعنى قَوْله أَيْضا:
(واخْتَلَطَ المعروفُ بالإِنْكَارِ ... )
يُريدُ المطرَ أصابَ كُلَّ مكانٍ مِمَّا كَانَ يَبْلُغه المطرُ وَيعرف وَمِمَّا كَانَ لَا يبلغهُ المطرُ وَيَتْلُو بُلُوغهُ إِيَّاه وَالْوَجْه الرابعُ إِذا سميت بِشَيْء من الْوُجُوه الثَّلَاثَة امرأةٌ فَإِن بني تَمِيم ترفعه وتنصبه وتُجْرِيه مجْرى اسْم لَا ينْصَرف وَهُوَ القياسُ عِنْد سِيبَوَيْهٍ وَاحْتج بِأَن نَزَالِ فِي معنى انْزِل وَلَو سمينا بانْزِلْ امرأةٌ لَكنا نَجْعَلهَا معرفَة وَلَا نصرفها فَإِذا عدلنا عَنهُ نَزال وَهِي اسْم فَهِيَ أَخَفُّ أَمْراً من الْفِعْل الَّذِي هُوَ أفْعَل وَقد ردَّه أَبُو الْعَبَّاس الْمبرد فَقَالَ القياسُ قولُ أهل الحجازِ لِأَن أهل الحجازِ يُجْرُونَ ذَلِك مُجْراه الأوَّل فيكسرون وَيَقُولُونَ فِي امْرَأَة اسْمه حَذَامِ هَذِه حَذامِ وَرَأَيْت حَذَامِ ومررت بِحَذَامِ وَبَنُو تيميم يَقُولُونَ هَذِه حَذَامُ وَرَأَيْت حذامَ ومررتُ بحذامَ وَذكر الْمبرد أَن التَّسْمِيَة بنَزَال أقوى فِي الْبناء من التَّسْمِيَة بانْزِلْ لِأَن انْزِل هُوَ فِعْل فَإِذا سمينا بِهِ وَقد نَقَلْنَاهُ عَن بَابه فَلَزِمَهُ التَّغْيِير كَمَا أَنا نقطع ألف الْوَصْل مِنْهُ فنغيره عَن حَال الْفِعْل وفَعَالِ هِيَ اسمٌ فَإِذا سمينا بهَا لم نغيرها لأَنا لم نخرجها عَن التَّسْمِيَة كَمَا أَنا لَو سمينا بانطلاقٍ لم نقطع الْألف لِأَن انْطلاقاً اسمٌ فَلَمَّا لم نخرجهُ عَن الاسمية أجرينا عَلَيْهِ لَفظه الأوَّل فَأَما الكسرُ فِي لُغَة أهل الْحجاز فالعلةُ فِيهِ عِنْد سِيبَوَيْهٍ أَنه محمولٌ على نَزَالِ وتَرَاكِ للعدل والنباء والتعريف والتأنيث فَلَمَّا اجْتمعَا فِي هَذِه الْأَشْيَاء حمل عَلَيْهِ وَقد أجْرى زُهَيْر نَزَالِ هَذَا المَجْرَى حِين أخبر عَنْهَا وَجعلهَا اسْما فَقَالَ:
(ولأَنْتَ أَشْجَعُ من أُسامَةَ إِذْ ... دُعِيَتْ نَزَالِ ولُجَّ فِي الذُّعْرِ)
قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَأما مَا كَانَ آخِره رَاء فَإِن أهل الْحجاز وَبني تَمِيم متفقون ويختار بَنو تَمِيم فِيهِ لُغَة أهل الْحجاز كَمَا اتَّفقُوا فِي يَرَى والحجازيةُ هِيَ اللُّغَة القُدْمَى قَالَ أَبُو سعيد: اعْلَم أَن بني تَمِيم تركُوا لغتهم فِي قَوْلهم هَذِه حَضَارِ وسَفَارِ وتبعوا لُغَة أهل الْحجاز بِسَبَب الرَّاء وَذَلِكَ أَن بني تَمِيم يختارون الإمالةَ وَإِذا ضمُّوا الرَّاء ثَقُلَتْ عَلَيْهِم الإمالةُ وَإِذا كسروها خَفَّتِ الإمالةُ أَكثر من خفتها فِي غير الرَّاء لِأَن الرَّاء حرف مُكَرر والكسرة فِيهَا مكررة كَأَنَّهَا كسرتان فَصَارَ كسرُ الرَّاء أقوى فِي الإمالة من كسر غَيرهَا وَصَارَ ضم الرَّاء فِي منع الإمالة أشدَّ من منع غَيرهَا من الْحُرُوف فَلذَلِك اخْتَارُوا موافقةَ أهل الْحجاز كَمَا وافقوهم فِي يَرَى وَبَنُو تَمِيم من لغتهم تحقيقُ الْهَمْز وأهلُ الْحجاز يخففون فوافقوهم فِي تَخْفيف الْهمزَة من يرى قَالَ سيبوين: وَقد يجوز أَن يُرْفَعَ ويُنْصَبَ مَا كَانَ فِي آخِره الرَّاء قَالَ الْأَعْشَى:
(مَرَّ دَهْرٌ على وبَارِ ... فَهَلَكَتْ جَهْرَةٌ وَبَارُ)
والقوافي مرفوعةٌ وأولَّل القصيدة:
(ألم تَرَوْا إرَماً وعاداً ... أَوْدَى بهَا الليلُ والنهارُ)
قَالَ سِيبَوَيْهٍ: فمما جَاءَ وَآخره الرَّاء سَفَارِ - وَهُوَ اسْم ماءٍ وحَضَارِ - وَهُوَ اسْم كَوْكَب ولكنهما مؤنثان كمَاوِيَّة والشِّعْرَى كَأَنَّ تِلْكَ اسمُ الماءَةِ وَهَذِه اسمُ الكَوْكَبَةِ قَالَ أَبُو سعيد: أَرَادَ سِيبَوَيْهٍ أَن سَفَارِ وَإِن كَانَ اسْم(5/175)
ماءٍ والماءُ مُذَكّر فَإِن الْعَرَب قد تؤنث بعضَ مياهها فَيَقُولُونَ ماءةُ بني فلَان وَهُوَ كثير فِي كَلَامهم فكأنَّ سَفَارِ اسمُ الماءَة وحَضَارِ وَإِن كَانَ اسْم كَوْكَب والكوكبُ ذَكَرٌ فَكَأَنَّهُ اسْم الكَوْكَبَةِ فِي القتدير لِأَن الْعَرَب قد أنثت بعضَ الْكَوَاكِب فَقَالُوا الشِّعْرَى والزُّهْرَة إِذْ كَانَ مَبْنَى هَذَا الْبَاب أَن يكون معرفَة مؤنثاً معدولاً وَأما قَوْله كماوِيَّة فَإِنَّمَا أَرَادَ أَن سَفَارِ وحَضَارِ مؤنثان كماوِيَّة والشَّعْرَى فِي التَّأْنِيث والأغلبُ أَن التَّمْثِيل بماوِيَّة غَلَطٌ وَقع فِي الْكتاب وَإِن كَانَت النّسخ متفقةٌ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا هُوَ كماءةٍ وَهُوَ أشبهُ لِأَن سَفَارِ ماءٌ وَالْعرب قد تَقول للْمَاء المورود ماءةٌ قَالَ الشَّاعِر وَهُوَ الفرزدق:
(مَتَى ماتَرِدْ يَوْمًا سَفَارِ تَجِدْ بهَا ... أُدَيْهِمَ يَرْمِي المُسْتَجِيزَ المُعَوَّرا)
وَاسْتدلَّ سِيبَوَيْهٍ على أَن نَزَالِ وَمَا جرى مجْراهَا مُؤَنّثَة بقوله دُعِيَتْ نَزَالِ وَلم يقل دُعِيَ وَكَانَ الْمبرد يحتد بِكَسْر قَطَامِ وحَذَامِ وَمَا أشبه ذَلِك إِذا كَانَ اسْما علما لمؤنث أَنَّهَا معدولة عَن قاطمة وحاذِمَة عَلَمَيْنِ وأنهما لم تكن تَنْصَرِف قبل الْعدْل لاجماع التَّأْنِيث والتعريف فِيهَا فَلَمَّا عُدِلَت ازدادتْ بِالْعَدْلِ ثِقَلاً فَحُطَّت عَن منزلَة مَا لَا ينْصَرف وَلم يكن بعدَ منع الصّرْف إِلَّا البناءُ فبنيت وَهَذَا قَول يفْسد لِأَن الْعِلَل المانعةَ للصرف يَسْتَوِي فِيهَا أَن تكون عِلَّتَانِ أَو ثلاثٌ لَا يُزَاد مَا لَا ينْصَرف بورود عِلّة أُخْرَى على منع الصّرْف وَلَا يُوجب لَهُ الْبناء لأَنا لَو سمينا رجلا بأحمر لَكنا لَا نصرفه لوزن الْفِعْل والتعريف وَلَو سمينا بِهِ أمْرَأَة لَكنا لَا نصرفه أَيْضا وَإِن كُنَّا قد زدناه ثقلاً وَاجْتمعَ فِيهِ وزنُ الْفِعْل والتعريفُ والتأنيثُ وَكَذَلِكَ لَو سمينا امْرَأَة بِإِسْمَاعِيل أَو يقعوب لَكنا لَا نزيدها على منع الصّرْف وَقد اجْتمع فِيهَا التَّأْنِيث والتعريف والعُجْمَة قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَاعْلَم ان جَمِيع مَا ذكرنَا فِي هَذَا الْبَاب من فَعَالِ مَا كَانَ مِنْهُ بالراء وَغير ذَلِك إِذا كَانَ شَيْء مِنْهُ اسْما لمذكر لم يَنْجَرَّ أبدا وَكَانَ الْمُذكر فِي ذَلِك بِمَنْزِلَتِهِ إِذا سمي بعَنَاق لِأَن هَذَا الْبناء لَا يَجِيء معدولاً عَن مُذَكّر قَالَ أَبُو سعيد: يُرِيد ان فَعَالِ فِي الْوُجُوه الْأَرْبَعَة الَّتِي ذكرنَا مُؤَنّثَة وَأَنا إِن سمينا بهَا رجلا أَو شَيْئا مذكراً كَانَ غير منصرف ودخله الإعرابُ وَكَانَ بِمَنْزِلَة رجل سمي بعَنَاقِ وَهُوَ لَا ينْصَرف لِاجْتِمَاع التَّأْنِيث والتعريف فِيهِ قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَلَو جَاءَ شَيْء على فَعَالِ وَلَا تَدْرِي مَا أَصله أمعدولٌ أم غير معدول أم مُذَكّر أم مؤنث فالقياسُ فِيهِ أَن تصرفه لِأَن الْأَكْثَر من هَذَا الْبَاب مصروفٌ غير معدول مثلُ الذّهاب والفَسَادِ والصَّلاحِ والرَّبابِ وَذَلِكَ كلُّه منصرفٌ لِأَنَّهُ مُذَكّر فَإِذا سميتَ بِهِ رجلا فَلَيْسَ فِيهِ من الْعِلَل إِلَّا التَّعْرِيف وَحده وَهُوَ أَكثر فِي الْكَلَام من المعدول وجملةُ ذَلِك لَا يَجْعَلُ شَيْئا من ذَلِك معدولاً إِلَّا مَا قَامَ دليلُه من كَلَام الْعَرَب قَالَ أَبُو سعدي: سِيبَوَيْهٍ يرى ان فَعَالِ فِي الْأَمر مطردٌ قياسُها فِي كل مَا كَانَ فِعْلُه ثلاثياً من فَعَلَ أَو فَعُلَ أَو فَعِلَ فَقَط وَلَا يجوز الْقيَاس فِيمَا جَاوز ذَلِك إِلَّا فِيمَا سمع من الْعَرَب وَهُوَ قَرْقَارِ وعَرْعَارِ وَمَا كَانَ من الصِّفَات المصادر فَهُوَ أَيْضا عِنْده غير مطرد إِلَّا فِيمَا سمع مِنْهُم نَحْو حَلاَقِ وفَجَارِ ويَسَار وتطرد هَذِه الصفاتُ فِي النداء كَقَوْلِك يَا فَساقِ وَيَا خَبَاثِ وجميعُ مَا يطرد فِيهِ الْأَمر من الثلاثي والنداءُ فِيمَا كَانَ أصلُه ثلاثةَ أحرف فَصَاعِدا وبعضُ النَّحْوِيين لَا يَجْعَل الْأَمر مطرداً من الثلاثي وأذكر مَا حَكَاهُ أهل اللُّغَة مِمَّا لَا يطرد قَالَ أَبُو عبيد: سَبَبْتُهُ سُبَّةً تكون لَزامِ - أَي لازِمَةً وَقَالَ: كَوَيْتُه وَقَاعِ - وَهِي الدَّارةُ على الجاعِرَتَيْنِ وحيثما كَانَت وَلَا تكون إِلَّا دارةً وَأنْشد:
(وَكُنْتُ إِذا مُنِيتُ بِخَصْمِ سَوْءٍ ... دَلَفْتُ لَهُ فَأَكْوِيهِ وَقَاعِ)(5/176)
وَحكى انْصَبَّتْ عَلَيْهِ من طَمَارِ - يَعْنِي الْمَكَان الْمُرْتَفع مَجْرَى وغيرَ مُجْرَى هَذِه حكايته وَقد أَسَاء إِنَّمَا وَجهه مَبْنِيٌ وغيرُ مُجْرَىً وَأنْشد:
(وَإِن كنتِ لَا تَدْرِينَ مَا الموتُ فانظُرِي ... إِلَى هاِنئِ فِي السُّوقِ وابنِ عَقِيلِ)
(إِلَى بَطَلٍ قَدْ عَقَّرَ السَّيْفُ وَجْهَهُ ... وآخَرَ يَهْوِي من طَمَارِ قَتِيلِ)
وَحكي عَن الْأَحْمَر نَزَلَتْ بَلاَءِ على الكُفَّارِ يَعْنِي الْبلَاء وَأنْشد:
(قُتِلَتْ فَكَانَ تَباغِياً وتَظَالُماً ... إِنَّ التَّظَالُمَ فِي الصِّدِيقِ بَوَارِ)
وَقَالَ: لَا هَمَامِ لَا أَهُمُّ وَأنْشد قَول الْكُمَيْت:
(لَا هَمَامِ لي لَا هَمامِ ... )
قَالَ: ورَكِبَ فلانٌ هَجَاجِ رأسِهِ وهَجَاجَ غَيْرَ مُجرَى إِذا ركب رأسَه وَأنْشد:
(وَقد رَكِبُوا علَى لَوْمِي هَجَاجِ ... )
قَالَ عليّ: قد قَلَبَ أَو عبيد إِنَّمَا حكمُه رَكِبَ فُلانٌ هَجَاج رأسِه معرباً مُضَافا إِلَى مَا بعده لِأَنَّهُ قد أضيف وَإِذا أضيف الْمَبْنِيّ رُدَّ إِلَى أَصله لِأَن الْبناء يُحْدِثُ فِي المَبْنِيِّ شَبَه الحروفِ فَمن حَيْثُ لَا تُضَاف الحروفُ لَا تُضَاف المبنياتُ إِلَّا بِزَوَال شَبَهَ الْحُرُوف وَقَالَ: حَضَارِ والوَزْنُ مُحْلِفانِ وهما نَجْمَانِ يُطْلُعَانِ قبل سُهَيْلٍ فيظنّ الناسُ بِكُل وَاحِد مِنْهُمَا أَنه سُهَيْلٌ وكُلُّ شَيْئَيْنِ مُخْتَلفين فهما مُحْلِفانِ وَأما حِيدِي حَيَادِ وفِيحِي فَيَاحِ - أَي اتَّسِعِي عَلَيْهِم وحِيدِي عَنْهُم فَمن القِسْمِ المُطِّرَدِ وَأنْشد:
(وقُلْنَا بالضُّحَى فِيحِي فَيَاحِ ... )
وَقَالَ صَاحب الْعين: حَدَادِ أَي احْدُد يَعْنِي امْنَع وَمن غير الْأَمر جَداعِ - السَّنةُ الشَّدِيدَة وَيُقَال لَهَا الجَدَاعُ وشَمَامِ - اسْم جبل مَعْرُوف وَكَذَلِكَ شَرَاءِ وَسَبَاطِ من أسماءِ الحُمَّى مؤنث وَمن الرباعي حكى ابْن دُرَيْد: أَنه يُقَال هَل بَقِيَ من الطَّعَام فَيُقَال حَمْحَامِ وَمَحْمَاحِ - أَي لم يبْق شَيْء
1 - بَاب مَا ينْصَرف فِي الْمُذكر البته مِمَّا لَيْسَ فِي آخِره حرف التَّأْنِيث
كُلُّ مُذَكّر سُمِّيَ بِثَلَاثَة أحرف لَيْسَ فِيهِ حرف التَّأْنِيث فَهُوَ مَصْرُوف كَائِنا مَا كَانَ أعْجَمِيًّا أَو عَرَبِيًّا أَو مؤنثاً إِلَّا فُعَلَ مشتقاً من الْفِعْل أَو يكون فِي أوَّلِهِ زيادةٌ فَيكون كَيَجِدُ ويَضَعُ ونَضَعُ وأضَع أَو يكونُ كضُرِبَ - وَذَلِكَ كَرجل سميته بقَدَمٍ أَو فِهْرٍ أَو أُذنٍ وهُنَّ مؤنثات أَو سميته بخُشٍّ أَو دلًّ أَو خانٍ وَمَا أشبه ذَلِك وَإِنَّمَا انْصَرف الْمُسَمّى بالمؤنث على ثَلَاثَة أحرف لِأَنَّهُ قد أَشْبَه المذكرَ وَذَلِكَ أَن مَا كَا ن على ثَلَاثَة أحرف من الْمُؤَنَّث إِذا صغرناه قبل التَّسْمِيَة ألحقنا هَاء التَّأْنِيث وَإِن لم يكن فِي الِاسْم هَاء كَقَوْلِنَا عَيْنٌ وعُيَيْنَة وأُذُن وأُذَيْنَة وقَدَم وقُدَيْمَة وَإِذا سمينا بهنَّ رجلا قُلْنَا قُدَيْمٌ وعُيَيْنٌ وأُذَيْنٌ فَلَمَّا كُنَّا نَرُدُّ الهاءَ فِي الثَّلَاثَة كَانَ تَقْدِير الِاسْم أَن فِيهِ هَاء محذوفة فَإِذا سمينا بِهِ لم نَرُدَّ الهاءَ لِأَن الِاسْم صَار مذكراً وأزيلت الْهَاء الَّتِي فِي التَّقْدِير فَإِن قَالَ قَائِل قد وجدنَا فِي(5/177)
أَسمَاء الرِّجَال عُيَيْنَة وأُذَيْنة قيل لَهُ إِنَّمَا سميا بِالتَّصْغِيرِ بعد دُخُول الْهَاء وَلَو سميا بعَيْنٍ وأُذُنٍ ثمَّ صُغِّرَا لم يجز دُخُول الْهَاء أَلا ترى أَن لَو سمينا الْمَرْأَة ثمَّ صغرناها لقلنا عُمَيْر وَأما مَا كَانَ من العجمي على ثَلَاثَة أحرف فَإِنَّهُ مَصْرُوف إِذا سمي بِهِ الْمُذكر سَوَاء سكن أوسطه أَو تحرَّك وَإِنَّمَا دخل فِي ذَلِك مَا تحرَّك أوسطُه وَلم يكن بِمَنْزِلَة الْمُؤَنَّث الَّذِي يفرق فِيهِ مَا بَين مَا سكن أوسطه كهند ودعد فأجيز صرفه وَبَين قَدَمٍ وجَمَلٍ اسْم امْرَأَة فَلم يجز صرفُه لِأَن المؤنثَ أثقل من العَجمي وَذَلِكَ أَن التَّأْنِيث قد يكون بعلامة يُلْزِمُونَها الاسمَ للْفرق بَين الْمُذكر والمؤنث فِي الْخلقَة حِرْصاً على الْفَصْل بَينهمَا لاخْتِلَاف الْمُذكر والمؤنث فِي أصل الْخلقَة وَلِأَنَّهُم لَا يعتّدون بالعُجْمَة فِيمَا اسْتعْمل منكوراً نَحْو سَوْسَنٍ وابْريْسَم وآجِرٍّ إِذا سمي بِشَيْء من ذَلِك كَانَ مَنْزِلَته منزلةَ الْعَرَبِيّ وانصرفَ وَظهر بذلك أَن العجمة عِنْدهم أَيْسَرُ من التَّأْنِيث قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَإِن سميت رجلا ببنت أَو أُخْت صَرَفْتَهُ لِأَنَّك بنيت الاسمَ على هَذِه التَّاء وألحَقْتَهَا ببنات الثَّلَاثَة كَمَا ألْحقوا سَنْبَتَةً ببنات الْأَرْبَعَة وَلَو كَانَت كالهاء لما أسكنوا الحرفَ الَّذِي قبلهَا فَإِنَّمَا هَذِه التَّاء فِيهَا كتاء عِفْريتٍ وَلَو كَانَت كألف التَّأْنِيث لم تَنْصَرِف فِي النكرَة وَلَيْسَت كالهاء لما ذكرتُ لَك وَلَو أَن الْهَاء الَّتِي فِي دَجَاجَةٍ كهذه التَّاء انصرفَت فِي الْمعرفَة قَالَ أَبُو سعيد: التاءُ فِي بنت وَأُخْت منزلتُها عِنْد سِيبَوَيْهٍ منزلَة التَّاء فِي سَنْبَتَةٍ وعِفْرِيتٍ لِأَن التَّاء فِي سَنْبَتَةٍ زَائِدَة لإلحاقها بسَلْهَبَة وحَرْقَفَة وَمَا أشبه ذَلِك والسَّنْبَتَةُ - المُدَّة من الدَّهْر وَالدَّلِيل على زِيَادَة التَّاء أَنهم يَقُولُونَ سَنْبَتٌ والتاءُ فِي عِفْرِيت زَائِدَة لأَنهم يَقُولُونَ عَفْرٌ وعِفْرِيَةٌ وعِفْرِيتٌ مُلْحَقٌ بقِنْدِيل وحِلْتِيتٍ وَمَا أشبه ذَلِك وَكَذَلِكَ بِنْتٌ وأُخْتٌ مُلْحَقَتَانِ بِجِذْعٍ وقفْلٍ والتاءُ فيهمَا زَائِدَة للإلحاق فَإِذا سمينا بِوَاحِدَة مِنْهُمَا رجلا صرفناه أَنه بِمَنْزِلَة مؤنث على ثَلَاثَة أحرف لَيْسَ فِيهَا عَلامَة التَّأْنِيث كَرجل سميناه بفِهْرٍ وعَيْنٍ والتاءُ الزَّائِدَة الَّتِي للتأنيث هِيَ الَّتِي يلْزم مَا قبلهَا الفتحةُ وَيُوقف عَلَيْهَا بِالْهَاءِ كَقَوْلِنَا دَجَاجَة وَمَا أشبه ذَلِك قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَإِن سميت رجلا بهَنْتٍ قلت هَنَةُ يَا فَتى تُحرِّك النُّون وتُثْبِت الْهَاء لِأَنَّك لم تَرَ مُخْتَصًّا مُتَمَكنًا على هَذِه الْحَال الَّتِي تكون عَلَيْهَا هَنْتٌ وَهِي قبل أَن تكون اسْما تسكن النُّون مِنْهَا فِي الْوَصْل وَذَا قَلِيل فَإِذا حوَّلته إِلَى الِاسْم لزمَه الْقيَاس قَالَ: وَاعْلَم ان هُنَا وهَنَةً يكنى بهما عَمَّن لَا يذكر اسْمه وَرُبمَا أدخلُوا فيهمَا الْألف وَاللَّام وأكثرُ مَا يسْتَعْمل للنَّاس وأصل هِنٍ هَنَوٌ وَكَانَ حَقه أَن يُقَال هَناً كَمَا يُقَال قفاً وعصاً وَأنْشد:
(أَرَى ابْنِ نِزَارٍ قَدْ جَفَانِي ومَلَّنِي ... عَلَى هَنَوَاتٍ كُلُّهَا مُتَتابِعُ)
وحذفوا آخرهَا فَقَالُوا هَنٌ وهَنَةٌ كَمَا قَالُوا أبٌ وأَخٌ وهما اسمان ظاهران كني بهما عَن اسْمَيْنِ ظَاهِرين فَلذَلِك أُعْرِبا وَفِيهِمَا معنى الْكِنَايَة والعربُ تَقول فِي الْوَقْف هَنَهْ وَفِي الْوَصْل هَنْتٌ فَتَصِير التَّاء فِيهَا إِذا وصلت كالتاء فِي اُخْتٍ وبِنْتٍ فَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: إِذا سميت بهَنْتٍ وَجب أَن تَقول فِي الْوَصْل وَالْوَقْف هَذَا هَنَهُ وهَنَةُ قد جَاءَنِي فَتحَرك النُّون وَلَا تسكنها فِي الْوَصْل كَمَا كَانَت مُسَكَّنَةٌ قبل التَّسْمِيَة لِأَن إسكانها لَيْسَ بِالْقِيَاسِ وَلِأَنَّهُم لم يلزموها الإسكان فيكونُ بِمَنْزِلَة بنتٍ وأختٍ وَتَكون التَّاء للإلحاق وَإِنَّمَا يسكنونها وهم يُرِيدُونَ الكنايةَ فَإِذا سمينا بهَا رددناها إِلَى الْقيَاس فَلَا نصرفها وَتَكون منزلتُها منزلةَ رجلٍ سميناه بسَنَةٍ أَو ضَعَةٍ فِي الْوَقْف والوصل قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَإِن سميتَ رجلا بضَرَبَتْ وَلَا ضمير فِيهَا قلتَ هَذَا ضَرَبَهْ فِي الْوَقْف لِأَنَّهُ قد صَار اسْما فَجرى مجْرى شَجَرَةٍ
1 - بَاب مَا يذكر من الْجمع فَقَط وَمَا يؤنث مِنْهُ فَقَط وَمَا يذكر وَيُؤَنث مَعًا
أما الجموعُ الَّتِي على لفظ الْوَاحِد الْمُذكر كتَمْرَةٍ وتَمْرٍ وشَعِيرَةٍ وشَعِير فقد قدَّمتُ أَنه يذكر وَيُؤَنث وأذكر هَاهُنَا من أَسمَاء الْأَجْنَاس مَا يذكر وَيُؤَنث وَمَا لَا يكون إِلَّا مذكراً وَمَا لَا يكون غلا مؤنثاً: الرُّمَّانُ والعِنَبُ(5/178)
والمَوْزُ لم يسمع فِي شَيْء مِنْهَا التَّأْنِيث وَكَذَلِكَ السِّدْرُ هَذَا إِذا كَانَ اسْما للْجِنْس قَالَ الشَّاعِر:
(تَبَدَّلَ هَذَا السِّدْرُ أَهْلاً وَلَيْتَنيِ ... أَرَى السِّدْرَ بَعْدِي كَيفَ كانَتْ بَدَائِلُه)
فَأَما من جعله جمع سِدْرة فقد قدّمت ذكر الْقيَاس فِيهِ وَكَذَلِكَ التمرة وَالتَّمْر فِيمَن ذهب بهما مَذْهَب الْجِنْس والخيلث مؤنثةٌ جماعةٌ لَا واحدَ لَهَا من لَفظهَا وَقَالَ أَبُو عبيد: واحدُها خائِلٌ وَذَلِكَ لاخْتِيَالِهِ فِي مَشيِهِ الطَّيْرُ مؤنث وَيذكر والتأنيث أَكثر وَالْوَاحد طَائِر الْأُنْثَى طائرة وَقد شرحتُ هَذَا الْفَصْل وَفِي التَّنْزِيل: {والطَّيْرُ صاَفَّاتٍ} [النُّور: 41] وَقَالَ الشَّاعِر فِي التَّذْكِير:
(فَلاَ يَحْزُنْكَ أَيَّامٌ تَوَلَّى ... تَذَكُّرُهَا وَلَا طَيْرٌ أَرَنَّا)
والوَحْشُ جَمَاعةٌ مُؤَنّثَة وَالْجمع وُحُوشٌ وَأنْشد قَول الشَّاعِر:
(إِذا الوَحْشُ ضَمَّ الوَحْشَ فِي ظَلَلاَتِهَا ... سَوَاقِطَ من حَرِّ وَقد كانَ أَظْهَرَا)
وَكَذَلِكَ الشَّاءُ عِنْد الْأَكْثَر والهمزة بدل من الْهَاء وَقد بَين ذَلِك بِحَقِيقَة تصريفه وَمن أنثه فعلى معنى الغَنَم الإِبِلُ جمعٌ مؤنث لَا وَاحِد لَهُ من لَفْظَة والجمعُ الآبالُ والتصغير أُبَيْلَة والغَنَم والمعَزُ مؤنثان وَهِي المِعْزَى والمَعِيزُ والأُمْعُوزُ الثلاثُونَ من الظِّباءِ إِلَى مَا زادتْ والمعز تكون من الْغنم والظباء وكل ذَلِك مؤنث العَنْزُ مؤنث والجميعُ أعْنُزُ وَهُوَ يكون من الْغنم والظباء أَيْضا وجمعُ العَنْز من الظباء أعْنُزٌ وعِنَازٌ وَلَا يجمع عَنْزُ الغَنَم على عِنَازٍ وَكَذَلِكَ الضَّأْنُ والضَّأَنُ وَزعم الْفراء أَنه مطرد فِي كل مَا كَانَ ثَانِيه حرفا من حُرُوف الْحلق وَيُقَال فِي تَصْغِير الضَّأْن والمعز ضَؤَيْنٌ ومَعَيْزٌ والغَنَمُ لَا وَاحِد لَهَا من لَفظهَا وَقَالَ الْكسَائي: الغَنَم بِالْهَاءِ وَبِغير الْهَاء وَكَذَلِكَ الشَّوْلُ فِيمَن لم يَجْعَلْ لَهُ وَاحِدًا اسْم للْجمع مؤنث وَذهب بَعضهم إِلَى أَن وَاحِدهَا شائِلٌ كطامِثٍ وحائِضٍ الْفَارِسِي: النَّبْلُ مُؤَنّثَة قَالَ وَقَالَ أَبُو عمر والنَّبْلُ واحدٌ لَا جمَاعَة لَهُ وَلَا يُقَال نَبْلَةٌ إِنَّمَا يُقَال نَبْلٌ للْجَمَاعَة فَإِذا أفردوا الْوَاحِد قَالُوا سَهْمٌ كَمَا قَالُوا إبِلٌ فَإِذا أفردوا قَالُوا نَاقَة أَو جمل وغنم فَإِذا أفردوا قَالُوا شَاة وَكَذَلِكَ كل جمع لَا وَاحِد لَهُ والمذكر النَّعَامُ والثُّمامُ والسَّمَامُ والكَلِمُ يذكر وَيُؤَنث تَقول هُوَ الْكَلم وَهِي الْكَلم وَفِي التَّنْزِيل: {يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَن مَواضِعِهِ} [النِّسَاء: 46] والمَعِدُ مؤنث وَكَذَلِكَ الحَلَقُ حَكَاهُ أَبُو حَاتِم وَقَالَ قد سمعته مذكراً فِي رجز دُكَيْن قَالَ أَبُو عَليّ: لَا يؤنث الحَلَقُ على أَنه جمع حَلْقة لِأَن فَعَلاً لَيْسَ مِمَّا يكسر عَلَيْهِ فَعْلَةٌ إِنَّمَا هُوَ اسْم للْجمع كَقَوْلِنَا فَلَكٌ جمعُ فَلْكَةٍ وَقد يجوز تذكير الحَلَقِ وتأنيثه وَذَلِكَ أَن اللحياني حكى حَلَقَةٌ وجمعُه حَلَقٌ ثمَّ قَالَ لَا يُعجبنِي وَكَانَ قَلِيلا مَا يُعْجبه نقلُ اللحياني وَقد صرح ابْن الكسيت بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكَلَام حَلَقَة بتحريك اللَّام إِلَّا جَمْعَ حالق كقاتل وقَتَلَة وفاجِرٍ وفَجَرَة وَمَا جَاءَ من الحَلَقِ فِي الشّعْر مُذَكّر قَالَ الراجز:
(يَمْشُونَ تَحْتَ الحَلَقِ المُلَبَّسِ ... )
وَقَالَ غَيره أَيْضا:
(يَنْفُضْنَ صَفُرَ الحَلَقِ المَفْتُولِ ... )
وَأنْشد الْفَارِسِي بَيْتَ دُكَيْن:
(فَصَبَّحْتُهُ سِلَقٌ تَبَرْنَسَ ... تَهْتِكُ خَلَّ الحَلَقِ المُلَسْلَس)(5/179)
قَالَ فَأَما مَا أنْشدهُ بعض البغداديين وَنسبه إِلَى الفرزدق:
(يَا أَيُّها الجَالِسُ وَسْطَ الحَلَقَة ... أَفِي زِنًى أُخِذْتَ أَم فِي سَرِقه)
فَإِنَّهُ مَصْنُوع وَلَو صَحَّ لقلنا إِن الحَلَقَة هُنَا جمعُ حالِقٍ الكَمْءُ واحدٌ وَهُوَ مُذَكّر وَالْجمع كَمْأَةٌ وَهُوَ اسْم للْجمع وَقد أَنْعَمْتُ شرح هَذَا وَوَقَفْتُكَ على حَقِيقَته وأَرَيْتُكَ وَجْهَ الاختلافِ فِيهِ فِي أوَّلِ هَذَا الضَّرْبِ فَأَما الجَبْأَةُ فتأنيثُه طاهرٌ والفَقْعُ مُذَكّر والهَامُ مُؤَنّثَة لم يُؤَثَر على الْعَرَب فِيهَا تذكير قَالَ أَبُو عَلَيْك الْجمع كُلُّهُ مؤنث إِلَّا مَا كَانَ اسمَ جَمع كالحَلَقِ والفَلَكِ أَو جِنْسا كالخَزِّ والحَرِيرِ والوَشْيِ فَأَما القُطْنُ والقُطُنُّ والصُّوفُ فيذكر وَيُؤَنث لِأَن واحدته قُطْنةٌ وقُطُنَّةٌ وصُوفة قَالَ: وَكَذَلِكَ الشَّامُ جمعُ شامَةٍ والسَّاعُ جمعُ ساعةٍ والرَّاح جمعُ راحةٍ والرَّايُ جمعُ رَايَةٍ قَالَ وَأنْشد سِيبَوَيْهٍ:
(وَخَطَرَتْ أَيْدِي الكُماةِ وَخطَرْ ... رَايٌ إِذا أَوْرَدَهُ الطَّعْنُ صَدَرْ)
وَكَذَلِكَ اللاَّبُ جَمْعُ لابَةٍ وَهِي الحَرَّةُ وَكَذَلِكَ اللُّوبُ والسُّوسُ والدُّودُ والطِّينُ والتِّين واللِّيفُ لِأَن وَاحِد ذَلِك كُله بِالْهَاءِ فَهُوَ يذكر وَيُؤَنث قَالَ: وَهَكَذَا وَجَدْناَهُ فِي أشعارهم تَارَة مذكراً وَتارَة مؤنثاً وَأما مَا بهَا أَحَدٌ وَلَا عَرِيبٌ وَلَا كَتِيعٌ وأخواتُه فكله للْوَاحِد والجميع والمؤنث بِلَفْظ وَاحِد وَقد أَبَنْتُ كَقَوْلِك أفضل مِنْك أَو ناقصٌ مَحْذُوف كَقَوْلِك خَيْرٌ مِنْك وشَرٌ مِنْك وبابُ حَسْبُكَ وَأَخَوَاتهَا فكله للْجَمِيع وَالْوَاحد والمؤنث بِلَفْظ وَاحِد وبابُ مِثْلِك وَأَخَوَاتهَا وأفْعلُ تُحْمَلُ مَرَّةٌ على اللَّفْظ وَمرَّة على الْمَعْنى وَكَذَلِكَ غَيْرك
1 - بَاب مَا يحمل مرّة على اللَّفْظ وَمرَّة على الْمَعْنى مُفردا أَو مُضَافا فَيجْرِي فِيهِ التَّذْكِير والتأنيث بِحَسب ذَلِك
فَمن الْمُفْرد مَنْ وَمَا وأَيٌ وكُلُّ وكِلْتَا وبعْضٌ وَغير ومِثْلٌ وَأَنا آخِذ فِي شرح ذَلِك كُله وبادئ بالمفرد ومُتْبِعُه بالمضاف، اعْلَم ان مَنْ وَمَا لَهما لَفْظٌ ومَعْنًى فالألفاظُ الْجَارِيَة عَلَيْهِمَا تكون مَحْمُولَة على لَفْظهمَا ومعناهما فَإِذا جرت على لَفْظهمَا كَانَ مذكراً موحَّداً كَقَوْلِك مَنْ قَامَ سَوَاء أردتَ وَاحِدًا أَو اثْنَيْنِ أَو جمَاعَة من مُذَكّر ومؤنث وَكَذَلِكَ مَا أصابَكَ سَوَاء أردتَ بِهِ شَيْئا أَو شَيْئَيْنِ من مُذَكّر ومؤنث وَيجوز أَن تَحْمِلَ الْكَلَام على مَعْنَاهُمَا فتقولَ من قامتْ إِذا أردْت مونثاً وفيكُمْ مَنْ يَخْتَصِمَانِ ومَنْ يَخْتَصِمُونَ قَالَ الله تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وتَعْمَلَ صَالِحاً} [الْأَحْزَاب: 31] فذكَّر وأنَّث وَلَو ذَكَّرَهما على اللَّفْظ أَو أَنَّثَهَما على الْمَعْنى جَازَ وبعضُ الْكُوفِيّين يَزْعَمُ أَنه لَا يجوز تذكير الانث لِأَنَّهُ قد ظَهَرَ تأنيثُ الْمَعْنى بقوله مِنْكُنَّ وَهَذَا غَلَطٌ لأَنا إِنَّمَا نَرُدُّهُ إِلَى لفظ مَنْ وَقَالَ الله تَعَالَى فِي جمع من على الْمَعْنى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} [يُونُس: 42] وعَلى اللَّفْظ: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} [الْأَنْعَام: 25] قَالَ الفرزدق فِي التَّثْنِيَة على الْمَعْنى:
(تَعَشَّ فإنْ عَاهَدْتَنِي لَا تَخُونُنِي ... تَكُنْ مِثْلَ مَنْ ذِئْبُ يَصْطَحِبَانِ)
وَكَذَلِكَ هَذَا الحكم فِي مَا تَقول مَا نُتِجَ من نُوقِكَ على اللَّفْظ وَمَا نُتِجَتَا على معنى التَّثْنِيَة وَمَا نُتِجَتْ على معنى الْجمع وَأما قَول الْعَرَب مَا جاءتْ حاجَتَكَ فَإِن جاءتْ فِيهِ بِمَعْنى صَارَت وَلَا يكون جَاءَ بِمَنْزِلَة صَار إِلَّا فِي هَذَا الْموضع وَهُوَ من الشاذ كَمَا أَن عَسَى لَا تكون بِمَعْنى كانَ إِلَّا فِي قَوْله:(5/180)
(عَسَى الغُوَيْرُ أَبْوسَا ... )
ورُبَّ شيءٍ هَكَذَا وَإِنَّمَا ذكرنَا شرح جاءتْ وَإِن لم يكن دَاخِلا تَحت تَرْجَمَة الْبَاب لأُرِيكَ كَيفَ يجْرِي هَاهُنَا على الْمَعْنى قَالَ أَبُو عَليّ وَأَبُو سعيد: أما قولُهُم مَا جاءَتْ حاجَتَكَ فقد أَجْرَوْهَا مُجْرَى صارتْ وَجعلُوا لَهَا اسْما وخبراً كَمَا كَانَ ذَلِك فِي بَاب كَانَ وَأَخَوَاتهَا فَجعلُوا مَا مُبْتَدأ وَجعلُوا فِي جاءتْ ضَميرَ مَا وَجعلُوا ذَلِك الضميرَ اسمَ جاءتْ وجَعلَوا حاجَتَك خَبَرَ جاءَتْ فَصَارَ بِمَنْزِلَة هِنْدٌ كَانَت أُخْتَكَ وأنثوا جاءتْ غير مَعْرُوف إِلَّا فِي هَذَا وَهُوَ مَثَلٌ وَلم يُسْمَع إِلا بتأنيث جاءتْ وأَجْرَوْهُ مُجْرَى صارتْ وَيُقَال إِن أوّل مَا شُهِرَتْ هَذِه الكملة من قَول الخوراج لِابْنِ عَبَّاس حِين أَتَاهُم يَسْتَدْعي مِنْهُم الرجوعَ إِلَى الْحق من قِبَل عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وأدخلوا التَّأْنِيث على مَا حَيْثُ كَانَت الحاجةَ يَعْنِي أنث جاءتْ بِمَعْنى التَّأْنِيث فِي مَا لِأَن مَعْنَاهَا أيَّةُ حَاجَة وَلَو حَمَلَ جَاءَ على لفظ مَا لقَالَ ماجاء حاجَتَكَ إِلَّا أَن الْعَرَب لَا تسْتَعْمل هَذَا المثلَ إِلَّا مؤنثاً والأمثالُ إِنَّمَا تُحْكَى وقولُ العربِ: مَنْ كانتْ أُمَّكَ جعلُوا مَنْ مُبتَدأَة وَجعلُوا فِي كَانَ ضميراً لَهَا وَجعلُوا ذَلِك الضَّمِير اسْم كَانَ وَجعلُوا أُمَّكَ خَبَرهَا وأنثوا كَانَت على معنى مَنْ فَكَأَنَّهُ قَالَ: أيَّةُ امْرَأَة كَانَت أُمَّكَ قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَمن يَقُول من الْعَرَب مَا جاءتْ حاجَتُكَ كثيرٌ كَمَا تَقول من كَانَت أُمُّكَ يَعْنِي من الْعَرَب من يَجْعَل حاجتُك اسمَ جَاءَت وَيجْعَل خَبَرهَا مَا كَانَ يَجْعَل مَنْ خَبَرَ كَانَت وَيجْعَل أُمُّكَ اسْمَها وهما فِي مَوضِع نصب كَأَنَّك قلت أيَّةُ حَاجَة جاءَتْ حاجَتُكَ قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَلم يَقُولُوا مَا جَاءَ حاجَتُكَ يَعْنِي أَنه لم يسمع هَذَا المَثَلُ إِلَّا بالتأنيث وَلَيْسَ بِمَنْزِلَة من كَانَ أمَّكَ لِأَن قَوْلهم من كَانَ أَمَّك لَيْسَ بمَثَل فألزموا التَّاء فِي مَا جاءتْ حاجَتَكَ كَمَا اتفوقا على لَعَمْرُ اللهِ فِي الْيَمين وَمثل قَوْلهم: مَا جاءتْ حاجَتُكَ إِذا صارتْ تقع على مؤنث قراءةُ بعض القُرِّاء: {ثُمَّ لَمْ تكُنْ فِتْنَتَهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا} و {يَلْتَقِطْه بَعْضُ السَّيَّارَةِ} يَعْنِي أنَّ تكن مُؤَنّثَة وَاسْمهَا أنْ قَالُوا فَلَيْسَ فِي أَن قَالُوا تأنيثُ لفظ وَإِنَّمَا جعل تأنيثه على معنى أَن قَالُوا إِذا تأوَّلته تأويلَ مقالةٍ كَأَنَّهُ قَالَ ثمَّ لم تكن فِتْنَتَهم إِلَّا مَقَالَتَهُمْ وحُمِلَ تَلْتَقِطُه على الْمَعْنى فِي التَّأْنِيث لِأَن لفظ الْبَعْض الَّذِي هُوَ فاعلُ الالتقاطِ مُذَكّر وَلَكِن بعضُ السيارة فِي الْمَعْنى سَيَّارةٌ أَلا ترى أَنه يجوز أَن تَقول تَلْتَقِطْه السَّيَّارةُ وَأَنت تَعْنِي البعضَ فَهَذَا مثلُ مَا جاءتْ حاجَتَكَ حِين أنث فعلهَا على الْمَعْنى وَرُبمَا قَالُوا فِي بعض الْكَلَام: ذهبتْ بعضُ أصابِعه وَإِنَّمَا أنَّثَ البعضَ لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إِلَى مؤنث هُوَ مِنْهُ وَلم لم يكن مِنْهُ لم يؤنثه لِأَنَّهُ لَو قَالَ: ذَهَبَتْ عَبْدُ أُمِّكَ لم يَحْسُن يَعْنِي لم يجز قَالَ أَبُو عَليّ: اعْلَم أَن الْمُذكر الَّذِي يُضَاف إِلَى الْمُؤَنَّث على ضَرْبَيْنِ أَحدهمَا: مَا تصح الْعبارَة عَن مَعْنَاهُ بِلَفْظ الْمُؤَنَّث الَّذِي أضيف إِلَيْهِ وَالثَّانِي: مَا لَا تصح الْعبارَة عَن مَعْنَاهُ بِلَفْظ الْمُؤَنَّث فَأَما مَا يَصح بِلَفْظِهِ فقولك: أَضَرَّتْ بِي مَرُّ السنين وآذَتْنِي هُبُوب الرِّيَاح وذَهَبَتْ بعضُ أصابعي واجتمعتْ أهلُ اليَمَامَةِ وَذَلِكَ أَنَّك لَو أسقطتَ الْمُذكر فَقلت أضَرَّتْ بِي السنون وآذَتْنِي الرياحُ وذهبتْ أصابعي وَاجْتمعت اليمامَةُ وَأَنت تُرِيدُ ذَلِك الْمَعْنى لجَاز وَأما مَا لَا تصح العبارةُ عَن مَعْنَاهُ بِلَفْظ الْمُؤَنَّث فقولك ذهَبَ عَبْدُ أُمِّكَ لَو قتلتَ ذهبتْ عَبْدُ أمك لم يجز لِأَنَّك لَو قلت ذهبتْ أُمُّك لم يكن مَعْنَاهُ معنى قَوْلك ذهب عبدُ أمك كَمَا كَانَ معنى اجْتمعت الْيَمَامَة كمعنى اجْتمعت أهلُ اليامة وَهَذَا البابُ الأول الَّذِي أجزنا فِيهِ تَأْنِيث فعل الْمُذكر الْمُضَاف إِلَى الْمُؤَنَّث الَّذِي تصح العبارةُ عَن مَعْنَاهُ بلفظها الاختيارُ فِيهِ تذكيرُ الْفِعْل إِذْ كَانَ الْمُذكر فِي اللَّفْظ فقولك اجْتمع أهل الْيَمَامَة وَذهب بعض أَصَابِعه أَجود من اجتمعتْ وذهبتْ والتأنيثُ على الْجوَار ومثلُ تأنيثِ مَا ذكرنَا قولُ الشَّاعِر وَهُوَ الْأَعْشَى:(5/181)
(وتشرَقُ بالقَوْلِ الَّذِي قد أَذَعْتَهُ ... كَمَا شَرِقَتْ صَدْرُ القناةِ من الدمِ)
كَأَنَّهُ قَالَ شَرَقَتِ القَنَاةُ لِأَنَّهُ يجوز أَن تَقول شَرِقَتِ القناةُ وَإِن كَانَ شَرِقَ صَدْرُها وَمثل ذَلِك قَول جرير:
(إِذا بعضُ السنينَ تَعَرَّقَتْنَا ... كفَى الأَيْتامَ فَقْدُ أبي اليَتِيم)
فَأَنت تعَرَّقَتْنَا والفعلُ للْبَعْض إِذْ كَانَ يَصح أَن يقولَ إِذا السِّنُونَ تَعَرَّقَتْنَا وَهُوَ يُرِيد بعض السنين وَقَالَ جرير أَيْضا:
(لَمَّا أَتَى خَبَرُ الزُّبَيْرِ تَواضعتْ ... سُورُ المدينةِ والجبالُ الخُشَّع)
فأنَّث تواضعتْ والفعلُ للسُّور لِأَنَّهُ لَو قَالَ تواضعت المدينةُ لصَحَّ الْمَعْنى الَّذِي أَرَادَهُ بِذكر السُّور وَأَبُو عُبَيْدَة مَعْمَرُ بن المُثَنَّى يقولُ: إِن السُّورَ جمع سُورةٍ وَهِي كلُّ مَا علا وَبهَا سُمِّيَ سُورُ القرآنِ سُوراً فَزعم أَن تَأْنِيث تواضعت لِأَن السُّورَ مؤنث إِذْ كَانَ جمعا لَيْسَ بَينه وَبَين واحده إِلَّا الْهَاء وَإِذا كَانَ الْجمع كَذَلِك جَازَ تأنيثه وتذكيره قَالَ الله تَعَالَى: {كأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [الْقَمَر: 20] فَذَكَّرَ وقالك {والنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} [ق: 10] قأنث وَأما قَوْله والجبالُ الخُشَّعُ فَمن النَّاس من يرفع الجبالَ بِالِابْتِدَاءِ وَيجْعَل الخُشَّع خَبرا كانه قَالَ: والجبالُ خُشَّعٌ وَلم يرفعها بتواضعت لِأَنَّهُ إِذا رَفعهَا بتواضعت ذهب معنى الْمَدْح لِأَن الخُشَّع هِيَ المتضائلة وَإِذا قَالَ تواضعتْ الجبالُ المُتَضَائِلةُ لمَوْته لم يكن ذَلِك طريقَ الْمَدْح إِنَّمَا حكمُه أَن يَقُول تواضعت الْجبَال الشوامخ وَقَالَ بَعضهم: الْجبَال مرتفة بتواضعت والخُشَّع نعتٌ لَهَا وَلم يُرِدْ أَنَّهَا كَانَت خُشَّعاً من قبلُ وَإِنَّمَا هِيَ خُشَّعٌ لمَوْته فَكَأَنَّهُ قَالَ تواضعت الجبالُ الخُشَّعُ لمَوْته كَمَا قَالَ رؤبة:
(والسَّبُّ تَخْرِيقُ الأَدِيمِ الأَخْلَقِ ... )
وَقَالَ ذُو الرمة أَيْضا:
(مَشَيْنَ كَمَا اهْتَزَّتْ رِماحٌ تَسَفَّهَتْ ... أَعَالِيها مَرُّ الرِّياحِ النَّواسِمِ)
فأنث والفعلُ للمَرّ لِأَنَّهُ لَو قَالَ تَسَفَّهَتْ أعاليها الرياحُ لجَاز وَقَالَ العجاج:
(طُولُ اللَّيَالِي أَسْرَعَتْ فِي نَقْضِي ... )
وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ وَسَمعنَا من الْعَرَب من يَقُول مِمَّن يوثق بِهِ: اجْتمعت أهلُ الْيَمَامَة لِأَنَّهُ يَقُول فِي كَلَامه اجْتمعت الْيَمَامَة وَجعله للفظ الْيَمَامَة فترَك اللفظَ على مَا يكون عَلَيْهِ فِي سَعَةِ الْكَلَام يَعْنِي ترك لفظ التَّأْنِيث فِي قَوْلك اجْتمعت أهل الْيَمَامَة على قَوْلك اجتمعتِ اليمامةُ لما قدَّمنا وَقَالَ الْفراء: لَو كَنَيْتَ عَن الْمُؤَنَّث فِي هَذَا الْبَاب لم يجز تأنيثُ فِعْلِ الْمُذكر الَّذِي أُضِيفَ إِلَيْهِ فَلَو قلتَ: إِن الرياحَ آذَتْنِي هُبُوبُها لم يجز أَن تؤنث آذَتْنِي إِذا جعلتَ الْفِعْل للهُبُوبِ وَاحْتج بِأَنا إِذا قُلْنَا آذتني هُبوبُ الرِّيَاح فَكَأَنَّمَا قُلْنَا آذتني الرِّيَاح وَجَعَلنَا الهُبوبَ لَغْواً وَإِذا قلتَ آذَتْنِي هُبوُبُها لم يَصْلُح أَن تَجْعَلَ الهُبُوبَ لَغْواً لِأَن الْكِنَايَة لَا تقومُ بِنَفسِهَا فتجعل الهبوب لَغوا وَالصَّحِيح عندنَا جوازُه وَذَلِكَ أَن التَّأْنِيث الَّذِي ذَكرْنَاهُ فَإِنَّمَا ذَكرْنَاهُ لأنْ تَجُوزَ العبارةُ عَنهُ بِلَفْظ الْمُؤَنَّث الْمُضَاف إِلَيْهِ لَا لِأَنَّهُ لَغْوٌ وَقد تَجُوزُ العبارةُ بِلَفْظ الْمُؤَنَّث عَن ذَلِك الْمُذكر وَإِن كَانَ لفظُها مَكْنِيًّا أَلا ترى أَنا نقُول إنّ الرِّيَاح آذَتْنِي وَإِن أصابعي ذهبتْ وَأَنا أُرِيد البعضَ والهُبُوبَ
1 - هَذَا بَاب جمع الِاسْم الَّذِي آخِره هَاء التَّأْنِيث
اعْلَم أَن لَا خلاف بَين النَّحْوِيين أَن الرجل إِذا سمي باسم فِي آخِره هَاء التَّأْنِيث ثمَّ أردْت جَمْعَهُ جمعتَه(5/182)
بِالتَّاءِ وَاسْتَدَلُّوا على ذَلِك بقول الْعَرَب رجل رَبْعَةٌ وَرِجَال رَبَعَاتُ وبقولهم طَلْحَةُ الطَّلَحاتِ وَقَالَ الشَّاعِر:
(رَحِمَ اللهُ أَعْظُماً دَفَنُوها ... بِسجِسْتَانِ طَلحَةَ الطَّلَحَاتِ)
وَتقول الْعَرَب مَا أَكْثَرَ الهُبَيْرَاتِ يُرِيدُونَ جمع الهَبَيْرَةِ وَلم نسْمع رجال رَبْعُونَ وَلَا طَلْحَة الطَّلْحِين وَلم نسْمع مَا أَكْثَرَ الهِبَيْرِين وَلَا جمعَ شَيْء من ذَلِك بِالْوَاو وَالنُّون وَأَجَازَ الْكسَائي والفَرَّاءُ جمعَ ذَلِك بِالْوَاو وَالنُّون فَإِذا جمع بِالْوَاو وَالنُّون سكنوا اللَّام من طَلْحَةَ لأَنهم يُقَدِّرُونَ جمعَ طَلْح فَلَا يُحَرِّكُونَ اللامَ وَكَانَ أَبُو الْحسن ابْن كَيْسَانَ يذهب إِلَى جَوَاز ذَلِك ويُحَرِّك اللامَ فَيَقُول الطَّلَحُونَ فيفتحها كَمَا فتحُوا أَرْضُونَ حَمْلاً على أرَضياتٍ لَو جمع بِالْألف وَالتَّاء لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة تَمَراتٍ والقولُ الصَّحِيح مَا قَالَه غَيره لِأَنَّهُ قَول الْعَرَب الَّذِي لم يُسْمَع مِنْهُم غيرُه وَلِأَنَّهُ الْقيَاس وَلِأَن طَلْحَة فِيهِ هَاء التَّأْنِيث وَالْوَاو وَالنُّون من عَلَامَات التَّذْكِير وَلَا يجْتَمع فِي اسْم وَاحِد علامتان مُتَضَادَتانِ وَمِمَّا احْتج بِهِ ابْن كَيْسَان أَن التَّاء تسْقط فِي الطلحات فَمن أجل سُقُوطهَا وبقاءِ الِاسْم بِغَيْر التَّاء جَازَ جمعهَا بِالْوَاو وَالنُّون وَهَذَا لَا يلْزم لِأَن التَّاء مقدرَة وَإِنَّمَا دخل فِي عَلامَة الْجمع التَّاء وَسَقَطت التَّاء الَّتِي كَانَت فِي الْوَاحِد لِأَن تَاء الْجمع عوض وَلِئَلَّا يجْتَمع تاآن فَصَارَ بِمَنْزِلَة مَا يقسط لِاجْتِمَاع الساكنين وَهُوَ مقدّر وَإِذا جمع بِالْألف وَالتَّاء مَا كَانَ فِي آخِره ألف تَأْنِيث مَقْصُورَة فَإنَّك تقلب ألف التَّأْنِيث يَاء فَتَقول فِي حُبْلَى حُبْلَيات وَفِي حُبَارى حُبَارَيات وَفِي جَمْزَى جَمَزَيات فَإِن قَالَ قَائِل أَنْتُم تَقولُونَ إِنَّا حذفنا التَّاء فِي طَلَحات وتَمَرَات لِئَلَّا يُجْمَع بَين علامَتَيْ تَأْنِيث لَو جمعناه تَمَرات فقد جمعتم بَين الْألف الَّتِي فِي حُبْلَى وَالتَّاء الَّتِي فِي الْجمع قيل لَهُ لَيْسَ سبيلُ الْألف سبيلَ التَّاء لِأَن الْألف لَا تثبت على لفظ التَّأْنِيث وَإِنَّمَا تنْقَلب يَاء وَلَيْسَت الْيَاء للتأنيث فَإِذا قُلْنَا حُبْليات لم نجمع بَين لَفْظَي تأنيثٍ والتاءُ فِي تَمرة لَو قُلْنَا إِنَّهَا هِيَ علامةُ التَّأْنِيث وَإِن الْهَاء بدلٌ مِنْهَا فِي الْوَقْف للْفرق بَين الِاسْم وَالْفِعْل وَالْوَاحد وَالْجمع إِذْ عَلامَة التَّأْنِيث فِي الْفِعْل تَاء لَا غير فِي الْوَقْف والوصل وَكَذَلِكَ فِي جمع مسلمات وَمَا أشبه ذَلِك وَأَيْضًا فَإِن التَّاء دُخُولهَا على بِنَاء صَحِيح للمذكر وَدخُول ألف التَّأْنِيث على بِنَاء لَو نزعت مِنْهُ لم يكن لَهُ معنى أَلا ترى أَنا لَو قُلْنَا فِي حُبْلَى حُبَلٌ لم يكن لَهُ معنى وَإِذا قُلْنَا فِي مُسْلِمة مُسْلِم كَانَ للمذكر فَصَارَ ألفُ التَّأْنِيث بِمَنْزِلَة حرف من نفس الِاسْم مُخَالف للعلامة الدَّاخِلَة على الِاسْم بِكَمَالِهِ وَإِذا جمعتَ الْمَقْصُور بِالْوَاو وَالنُّون حذفت الْألف لِاجْتِمَاع الساكنين وبَقَّيْتَ مَا قبله على الْفَتْح فَقلت فِي مُوسَى وَعِيسَى وحبلى مُوسَوْنَ وعِيسَوْنَ وحُبْلَوْنَ لَا يجوز غير ذَلِك عِنْد جَمِيع النَّحْوِيين وَهُوَ القياسُ وكلامُ الْعَرَب فَأَما كَلَام الْعَرَب فَقَوْلهم المُصْطَفَوْن والأَعْلَوْنَ وَرَأَيْت المُصْطَفيْن والأَعْلَيْنَ وَأما القياسُ فَلِأَن الحرفَ الثابتَ فِي الْوَاحِد لَيْسَ لنا حذفُه من الْكَلِمَة إِلَّا لضَرُورَة عِنْد اجْتِمَاع ساكنين وَهُوَ مقدَّر كَقَوْلِنَا راضُونَ ورامُونَ فَلَو قُلْنَا عِيسُونَ ومُوسَونَ لَكنا نقدّر حذفَ الْألف فيهمَا من قَبْل دُخُول عَلامَة الْجمع وَلَو جَازَ هَذَا لجَاز أَن نقُول فِي حُبْلَى حُبْلات وَفِي سَكْرَى سَكْراتٌ وَلَيْسَ أحدٌ يَقُول هَذَا فموجب أَن علامةَ الْجمع إِنَّمَا تدخل على عِيسَى ومُوسَى والألفُ فيهمَا ثمَّ تسْقط الْألف لِاجْتِمَاع الساكنين وَيبقى مَا قبلهَا مَفْتُوحًا فَإِن قَالَ قَائِل إِنَّمَا تحذف هَذِه الْألف تَشْبِيها بِحَذْف هَاء التَّأْنِيث قيل لَو جَازَ ذَلِك لجَاز أَن تَقول حُبْلاتٌ وَقد ذكرنَا السَّبَب فِي حذف هَاء التَّأْنِيث وَأما الْمَمْدُود فَإنَّك تقلب الْهمزَة واواً فِيهِ إِذا كَانَت الْمدَّة للتأنيث كَمَا قلبت فِي التَّثْنِيَة فَتَقول فِي حَمْرَاء حَمْرَاوَات وَفِي وَرْقَاء ورْقَاوات كَمَا قَالُوا خَضْرَاوات وَإِن كَانَ اسمَ رجل جمعتَه بِالْوَاو وَالنُّون وقلبت الْهمزَة واواً وَأَيْضًا فَقلت وَرْقَاوُون وحَمْراوُون ورأيتُ ورْقَاوِينَ وحَمْرَاوِينَ وَذكر أَن الْمَازِني كَانَ يَجِيزِ فِي وَرْقاوُون الهمزَ لانضمام الْوَاو بعْدهَا وَهَذَا سَهْو لِأَن انضمامهما لواو الْجمع بعْدهَا فَهِيَ بِمَنْزِلَة ضمة الْوَاو للإعراب أَو لالتقاء الساكنين كَقَوْلِك هؤلاءِ ذَوُوكَ وَهَؤُلَاء مُصْطَفُو البلدِ(5/183)
وَلَا يجوز فِيهِ الْهَمْز وَتقول فِي زَكَرِيَّاءَ فِيمَن مَدَّ زَكَرِيَّاوُونَ كوَرْقَاوُون وفيمن قَصر زَكَرِيَّوْنَ بِمَنْزِلَة عِيْسَوْنَ ومُوسَوْنَ وَفِيه لُغَات لَيْسَ هَذَا موضعَ ذِكْرَهَا وَقد قدَّمتها
1 - بَاب جمع الرِّجَال وَالنِّسَاء
اعْلَم أَن هَذَا الْبَاب يشْتَمل على جمع الْأَسْمَاء الْأَعْلَام والبابُ فِيهَا أَن كُلَّ اسمٍ سميتَ بِهِ مذكراً يَعْقِل وَلم يكن فِي آخِره هَاء جَازَ جمعه بِالْوَاو وَالنُّون على السَّلامَة وَجَاز تكسيره سَوَاء كَانَ الِاسْم قبل ذَلِك مِمَّا يجمع بِالْوَاو وَالنُّون أَو لَا يجمع وَكَذَلِكَ إِن سميتَ بِهِ مؤنثاً جَازَ جمعه بِالْألف وَالتَّاء على السَّلامَة وَجَاز تكسيره وَإِذا كسر شَيْء من ذَلِك وَكَانَت الْعَرَب قد كَسَّرَتْه اسْما قبل التَّسْمِيَة على وَجه من الْوُجُوه وَإِن لم يكن ذَلِك بِالْقِيَاسِ المطرد فَإِنَّهُ يكسر على ذَلِك الْوَجْه وَلَا يعدل عَنهُ وَإِن كَانَ لَا يعرف تكسيره فِي الْأَسْمَاء قبل التَّسْمِيَة بِهِ حمل على نَظَائِره وَقد ذكرنَا جمع مَا كَانَ من ذَلِك فِي آخِره الْهَاء بِمَا أغْنى عَن إِعَادَته فَمن ذَلِك إِذا سميت رجلا بزيد أَو عَمْرو أَو بكر على السَّلامَة قلت الزيدون والعمرون وَإِن كَسَّرْتَ قلت أزْيادٌ فِي أدْنَى الْعدَد وزُيُود فِي الْكثير وقلتَ فِي بكر وَعَمْرو فِي أَدْنَى العددِ الأَعْمُرُ والأَبْكُرُ وَفِي الْكثير العُمُور وأَدْنَى الْعدَد أَن تَقول ثَلَاثَة أَعْمُرٍ وَعشرَة أَبْكُرٍ وَإِن سميته ببِشْرٍ أَو بُرْدٍ أَو حَجْرٍ قلتَ فِي أدنى الْعدَد ثلاثةُ أَبْراد وَعشرَة أَبْشَار وتسعةُ أَحْجَار وَيَنْبَغِي أَن يُقَال فِي الْكثير بُرُودٌ وحجارة قَالَ الشَّاعِر وَهُوَ زيد الْخَيل:
(أَلاَ أَبْلِغِ الأَقْيَاسَ قيسَ بْنَ نَوْفَلٍ ... وقَيْسَ بْنَ أُهْبَانٍ وقَيْسَ بْنَ جَابِرٍ)
وَقَالَ أَيْضا غَيره:
(رأيْتُ سُعوداً من شُعُوبٍ كثيرةٍ ... فَلَمْ أَرَ سَعْداً مِثْلَ سَعْدِ بْنِ مَالِكِ)
وَقَالَ الفرزدق:
(وَشَيَّدَ لِي زُرَارَةُ باذِخَاتٍ ... وعَمْرُو الْخَيْر إِذْ ذُكِر العُمُورُ)
وَقَالَ أَيْضا غَيره:
(رَأَيْتُ الصَّدْعَ من كَعْبٍ وكانُوا ... مِنَ الشَّنْآنِ قد صارُوا كَعَابا)
قَالَ أَبُو سعيد: مَعْنَاهُ أَنهم قَبيلَة أبوهم كَعْبٌ فهم كَعْبٌ واحدٌ إِذا كَانُوا مُتَأَلِّفِينَ فَإِذا تَفَرَّقُوا وعادَى بَعضهم بَعْضًا صَار كُلُّ فرقة مِنْهُم تُنْسَبُ إِلَى كَعْبٍ وَهِي تُخالف فكأنهم كِعَابٌ جَمَاعَةٌ وَقَالَ فِي قوم من العَرَب اسمُ كُلُّ واحدٍ مِنْهُم جُنْدُبٌ الجَنَادِبُ وَإِذا سميتَ امْرَأَة بِدِعْدٍ فجمعتَ قلتَ دَعَدَاتُ لِأَنَّك لما أدخلتَ الألفَ وَالتَّاء صَار بِمَنْزِلَة تَمَرَاتٍ وَإِن لم يكن فِي الْوَاحِد الهاءُ لِأَن الْهَاء تسْقط يَدُلك على ذَلِك قولُهم أَرَضَاتٌ وَإِن لم يكن فِي أَرض هاءٌ لِأَن الْجمع لما كَانَ الْألف وَالتَّاء صَار كجمع فَعْلَةٍ وَإِن جمعت جُمْلاً بِالْألف وَالتَّاء جَازَ أَن تقولَ جُمُلاَتٌ وجُمَلاَتٌ وجُمْلاَت بمنزلةِ جمع ظُلْمَة وَتقول فِي هِنْدٍ هِنْداتٍ وهِنِدَاتٍ وهِنَدات بِمَنْزِلَة كِسْرة إِذا جُمِعَتْ على هَذِه الْوُجُوه وَإِن كَسَّرْتَ كَمَا كَسِّرتَ بُرْداً وبِشْراً قلت هَذِه أهْناد وأَجْمَالٌ فِي الْجمع الْقَلِيل وتقولُ فِي الْكثير هُنُودٌ كَمَا قَالُوا الجُذُوع قَالَ جرير:
(أَخَالِدَ قَدْ عَلِقْتُكِ بَعْدَ هِنْدٍ ... فَشَيَّبَنِي الخَوَالِدُ والهُنُودُ)
وَإِن سميت امْرَأَة بِقَدَمٍ فجمعتَ بِالْألف وَالتَّاء قلتَ قَدَمَات وَلَا يجوز تسكين الدَّال بهَا وَإِن كَسَّرْتَ(5/184)
فَالَّذِي يُوجِبهُ مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ أَن تَقول أَقْدَامٌ فِي الْقَلِيل وَالْكثير لِأَن الْعَرَب قد جمعتْ قَدَماً قبل التَّسْمِيَة على أَقْدام فِي الْقَلِيل وَالْكثير وَإِن سميت رَجُلاً بأحْمَرَ ثمَّ جمعته فَإِن شِئْت قلت أَحْمَرُون على السَّلامة وَإِن شئتَ قلتَ أَحَامِرُ على التكسير وكلا هذَيْن الجمعين لم يكن جَائِزا فِي أحْمَرَ قبل التَّسْمِيَة لِأَن أَحْمَرَ وبابَهُ لَا يجوز فِيهِ أَحْمَرُونَ وَلَا أَحَامِرُ إِذا كَانَ صفة وَإِنَّمَا يجمع على حُمْرٍ وَنَظِيره بِيضٌ وشُهْبٌ وَمَا أشبه ذَلِك فَإِذا سميت بِهِ فَحكم الِاسْم الَّذِي على أَفْعَل يخالفُ حكمَ الصّفة الَّتِي على أفْعَل والاسمُ جَمْعُه أفاعلُ مثل الأرانبِ والأباطِح والأَرامِلِ والأَدَاهِم وَإِن سميت امْرَأَة بأَحْمَرَ قلتَ فِي السَّلامَة أَحْمَرَات وَفِي التكسير أَحَامِرُ وَقد قَالَت الْعَرَب الأَجَارِب والأَشَاعِر لِبَنِي أَجْرَبَ كَأَنَّهُمْ جعلُوا كُلَّ واحدٍ مِنْهُم أَجْرَبَ على اسْم أَبِيه ثمَّ جَمَعُوهُ كَمَا قَالُوا فِي أَرْنَبٍ أَرانِبُ وَإِن سميت رجلا بَوَرْقاء أَو مَا جَرَى مجْرَاه فجمعتَه بِالْوَاو وَالنُّون قلتَ وَرْقَاوُون وَإِن سميت بهَا امْرَأَة وجمعتها جمع السَّلامَة قلتَ وَرْقاوات وَإِن جمعتها جمع التكسير فِي الرجل وَالْمَرْأَة قلت وَرَاقٍ كَمَا قيل فِي صَلْفَاءَ صَلاَفٍ وَفِي خَبْراء خَبَارٍ وَإِن سميت رجلا أَو امْرَأَة بِمُسْلِمٍ أَو بِخَالِد وَلم تجمعها جمعَ السَّلامَة قلتَ فيهمَا خَوَالَدُ كَمَا تَقول فِي قَادِمِ الرَّحْل وآخِره القَوَادِمُ والأَواخِرُ وجمعُ التكسير يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذكر والمؤنث وَمَا يَعْقِلُ وَمَا لَا يَعْقِلُ أَلا تَراهم قَالُوا غُلاَم وغِلْمَان كَمَا قَالُوا غُراب وغِرْبان وَقَالُوا صَبِيُّ وصُبْيانٌ كَمَا قَالُوا قَضِيبٌ وقُضْبَان وَمِمَّا يُقَوِّي خَوَالِدَ جمعَ رجل اسْمه خَالِد أَنهم قَالُوا فِي الصّفة فارِسٌ وفَوَارِسٌ وَإِذا كَانَ هَذَا فِي الصّفة فَهُوَ فِي الأَسماء أَجْدَرُ والقياسُ أَن يُقالَ فِي فاعِل فَواعل لِأَنَّهُ على أَرْبَعَة أحرف وعلامةُ الْجمع تنظيم فِيهِ على طَرِيق انتظام علامةِ التصغير فِيهِ لِأَنَّك تَقول خُوَيْلِدٌ وحُوَيْتِمْ فتُدْخِل يَاء التصغير ثَالِثَة وتَكْسرُ مَا بعْدهَا وَكَذَلِكَ تُدْخِل ألفَ الْجمع ثَالِثَة وتكسير مَا بعْدهَا وَلَو سميت رجلا بشَفَةٍ أَو أَمَةٍ ثمَّ كَسَّرْتَ لقلتَ آمٍ فِي الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة وَفِي الْكثير إِمَاءٌ وَيجوز إمْوَانٌ قَالَ الشَّاعِر:
(أَمَّا الإِمَاءُ فَلَا يَدْعُونَنِي وَلَداً ... إِذا تَرَامَى بَنُو الإِمْوانِ بالعارِ)
وَتقول فِي شَفَةٍ شِفَاهٌ لَا يجوز غير ذَلِك وَإِنَّمَا جَازَ فِي أمة إِذا سميت بهَا رجلا أَو امْرَأَة الوجوهُ الَّتِي ذكرتُ لِأَن العربَ تجمعها على هَذِه الْوُجُوه وَهِي اسْم قبل التَّسْمِيَة بهَا شَيْئا بِعَيْنِه فاستعملنا بعد التَّسْمِيَة مَا استعملته الْعَرَب قبلهَا إِذا لم تَتَغَيَّر الاسْمِيَّةُ وَلَا يُقَال فِيهَا شَفَاتٌ وَلَا أَمَاتٌ لِأَن الْعَرَب تجتنب ذَلِك فِيهَا قبل التَّسْمِيَة وَإِن سميت رجلا بَتَمْرَةٍ أَو قَصْعَةٍ قلتَ قَصَعَاتٌ وتَمَرَاتٌ وَإِن كَسرته قلتَ قِصاعٌ وتَمَارٌ وَإِن سميت رجلا أَو امْرَأَة بعَبْلَة لقلتَ فِي الْجمع العَبَلاَتُ وفتحتَ الْبَاء وَقد كَانَ قبل التَّسْمِيَة يُقَال امرأةٌ عَبْلَةٌ وَنسَاء عَبْلاَتٌ لِأَنَّهَا كَانَت صفة فَلَمَّا سميتَ بهَا صارتْ بِمَنْزِلَة تَمْرَةِ وتَمَرَاتٍ وَلَا يجوز أَن تَقول فِي جمع رجل اسْمه تَمْرَة تَمْرٌ لِأَن تَمرا اسْم للْجِنْس وَلَيْسَ بِجمع مكسر وَلَو سميت رجلا أَو امْرَأَة بسَنَةٍ لكنتَ بِالْخِيَارِ إِن شئتَ قلت سَنَوَات وَإِن شئتَ قلتَ سِنُون لَا تعدو جمعَهم إِيَّاهَا قبل ذَلِك وهم يجمعُونَ السَّنَةَ قبل التَّسْمِيَة على هذَيْن الْوَجْهَيْنِ وَلَو سميته ثُبَةً لقلتَ ثُبَاتٌ وثُبُونَ وَإِن شئتَ كَسَرْتَ الثاءَ كَذَلِك نَظَائِر ثُبَةٍ وَإِن سميته بِشِيَةٍ أَو ظُبَةٍ لم تُجَاوِزْ شِيَاتٍ وظُبَاتٍ لِأَن الْعَرَب لم تجمعه قبل التَّسْمِيَة إِلَّا هَكَذَا فَإِن سميتَه بابْنِ جمعتَ بِالْوَاو وَالنُّون قلتَ بَنُونَ وَإِن كَسَّرْتَ قلتَ أبناءٌ وَإِن سميتَ المرأةَ بأُمِّ ثمَّ جَمَعْتَ جَازَ أُمَّهَاتٌ وأُمَّاتٌ لِأَن الْعَرَب قد جمعتها على هذَيْن الْوَجْهَيْنِ قَالَ الشَّاعِر:
(كَانَتْ نَجَائِبُ مُنْذِرٍ ومُحَرِّقٍّ ... أُمَّاتُهُنَّ وطَرْقُهُنَّ فَحِيلاَ)
وَلَو سميتَ بِهِ رجلا لَقُلْتَ أُمُّونَ وَإِن كسَّرْتَه فَالْقِيَاس أَن تَقول إمامٌ وَإِن سميتَه بأبٍ قلت أَبوانِ فِي التَّثْنِيَة(5/185)
لَا تجَاوز ذَلِك يَعْنِي لَا تقل أَبانِ وَإِذا سميت رجلا باسم فجمعتَ جمعَ السَّلامَة لم تحذف ألفَ الْوَصْل وقلتَ أَسْمُونَ وَإِن كَسَّرْتَ قلتَ أَسْمَاءٌ وَكَانَ القياسُ أَن تَقول أبْنُونَ غير أَنهم جَمَعُوهُ قبل التَّسْمِيَة على بَنِينَ وحذفوا الْألف لِكَثْرَة استعمالهم إِيَّاه وحركوا الْبَاء كمَنِين وهَنِينَ وَلَو سميت رجلا بامْرِئٍ قلتَ امْرُؤُنَ فِي السَّلامة وَإِن سميت بِهِ امْرَأَة قلت امْرَآتٌ وَإِن كسَّرْتَ قلتَ أمْرَاءٌ كَمَا قَالُوا أَبْنَاءٌ وأسْمَاءٌ وأسْتَاه وَلَو سميت بشاةٍ لم تَجْمَعْ بِالتَّاءِ وَلم تقل الإِشِيَاهٌ لِأَن هَذَا الِاسْم قد جمعته العَرَبُ مكسَّراً على شِياهٍ وَلم يَجْمَعُوهُ جمع السَّلاَمَة بل لَا يحْتَمل ذَلِك لأَنا إِذا حذفنا الْهَاء بَقِي الِاسْم على حرفين الثَّانِي مِنْهُمَا من حُرُوف الْمَدّ واللين وَلَا يجوز مثل ذَلِك إِلَّا أَن يكون بعْدهَا هَاء فَإِن قَالَ قَائِل فقد قَالُوا شَاءٌ وشَوِيٌ لِأَن الشَاءَ والشَّوِيَّ جمعانِ للشاةِ قيل لَهُ هما اسمان للْجمع يجريان مجْرى الْوَاحِد فَإِذا سمينا بِهِ احتجنا أَن نُكَسِّرَ على شِيَاهٍ وَإِن سميت رجلا بَضَرْبٍ قلتَ ضَرْبُونَ وضُرُوبٌ بِمَنْزِلَة عَمْرٍو وعُمُور وَقد جمعت الْعَرَب المصادرَ من قَبْلِ التَّسْمِيَة بهَا فَقَالُوا أَمْرَاضٌ وأَشْغَالٌ وعَقُولٌ وأَلْبَابٌ فَإِذا صَار اسْما فَهُوَ أَجْدَرُ أَن يجمع بتكسير وَلَو سميت رجلا برُبَتَ فِي لُغَة من خَفَّفَ فَقَالَ رُبَتَ رَجُلٍ قُلْتَ رُبَاتٌ ورُبُونَ ورِبونَ أَيْضا وَإِنَّمَا جَازَ فِي رُبَتَ هَذِه الوُجُوه لِأَنَّهَا لم تجمع قبل التَّسْمِيَة فَلَمَّا سُمِّيَ وَجُمِعَ حُمِلَ على نَظَائِره الْكَثِيرَة وَمِمَّا كَثُرَ فِي هَذَا الْبَاب من النواقص أَن تَجِيء بِالْألف وَالتَّاء وَالْوَاو وَالنُّون نَحْو ثُبات وثُبُونَ وكُرات وكُرُون وعِزات وعِزُونَ وَإِن سميته بِعَدَةٍ قلتَ عَدَاتٌ وَإِن شِئْت قلتَ عَدُونَ إِذا صَارَت اسْما كَمَا قلت لِدُون وَإِن سميته بِبُرَةٍ وكَسَّرْتَ قلتَ بُرًى لِأَن الْعَرَب قد كَسَّرَتْهُ على ذَلِك وَإِن جَاءَ مثل بُرَةٍ مِمَّا لم تكسره العربُ لم تجمعه إِلَّا بِالْألف وَالتَّاء وَالْوَاو وَالنُّون لِأَن هَذَا هُوَ الْكثير وَإِذا سميت بِصِفَة مِمَّا يخْتَلف جمعُ الِاسْم وَالصّفة فِيهِ جمعتَه جمع نَظَائِره من الْأَسْمَاء وَلم تُجْرِه على مَا جَمَعُوهُ حِين كَانَ صفةٌ إِلَّا أَن يَكُونُوا جَمَعُوهُ جمعَ الْأَسْمَاء فتُجْرِيه على ذَلِك كَرجل سميته بَسَعِيدٍ أَو شَرِيفٍ تَقول فِي أدنى الْعدَد ثلاثةُ أشْرِفَةٍ وأَسْعِدَةٍ وَتقول فِي الْكثير سُعْدَانٌ وشُرْفَانٌ وسُعُدٌ وشُرُفٌ لِأَن هَذَا هُوَ الْكثير فِي الْأَسْمَاء فِي جمع هَذَا الْبناء تَقول رَغِيفٌ وأَرْغِفَةٌ وجَرِيبٌ وأَجْرِبَةٌ وَقَالُوا رُغْفَانٌ وجُرْبَانٌ وَقَالُوا قُضُبُ الرَّيْحَانِ فِي جمعِ قَضِيبٍ وَقَالُوا الرُّغُفُ فِي جمع رَغِيف قَالَ الشَّاعِر:
(إِنَّ الشِّواءَ والنَّشِيلٍ والرُّغُف ... )
(والقَيْنَةُ الحَسْنَاءَ والكَأْسَ الأُنُفْ ... للضَّارِبينَ الهامَ والخَيْلُ قُطُفْ)
وَقَالُوا سَبِيلٌ وسُبُلٌ وأَمِيلٌ وأُمُلٌ فَهَذَا هُوَ الْكثير فِيهِ وَرُبمَا قَالُوا الأَفْعِلاَءَ فِي الْأَسْمَاء نَحْو الأَنْصِبَاءِ والأَخْمِسَاءِ وَلَيْسَ بالكثير فَلَو سميتَ رجلا بنصِيبٍ أَو خَمِيسٍ لَقلت أَنْصِبَاء وأَخْمِسَاء وغن سميته بنَسِيب وَهُوَ صفة ثمَّ كَسَّرْتَهُ لَقلت أنْسِبَاءُ لِأَن الْعَرَب قد جمعته وَهُوَ صفة على ذَلِك وَهُوَ من جمع بعض الْأَسْمَاء كَنَصيبٍ وأنْصِبَاءَ فَلم يُغيرُوا قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَأما والِدٌ وصَاحِبٌ فَإِنَّهُمَا لَا يجمعان ونحوُهما كَمَا لَا يجمع قادِمُ النَّاقَةِ يَعْنِي الخِلْفَ المُقَدَّمَ من ضَرْعِهَا لن هَذَا وَإِن تُكُلِّم بِهِ كَمَا يُتَكَلَّمُ بالأسماء فَإِن أصلَه الصفةُ وَله مؤنث قَالَ أَبُو سعيد: ذكر سِيبَوَيْهٍ والِداً وصاحِباً قبل التسميةَ بهما فَأرى أَن صاحباً إِذا جمعناه لم نقل فِيهِ صَوْاحِبُ وَكَذَلِكَ وَالِد لَا نقُول فِيهِ أَوَالِدُ لِأَن هَاتين صفتان من حَيْثُ يُقَال وَالِد ووالدة وَإِذا كَانَت الصّفة على فَاعل للمذكر لم يجمع على فواعل وَإِنَّمَا يُقَال فِيهِ فاعِلُون وَهَذَا الاسمان قد كثرا فَجَرَيَا مَجْرَى الْأَسْمَاء فَلم يجب لَهما بذلك أَن يُقَال صَوَاحِبُ وَأَوْلَاد إِذْ كَانَ يُقَال فِي مؤنتهما صَاحِبَة ووالدة وَلَو سمينا رجلا بِصَاحِب لقلنا فِي التكسير صَوَاحِبُ وَأما وَالِد فَقَالَ الجَرْمِيُّ إِذا سمينا بِهِ لم نقل إِلَّا والِدُونَ وَإِن سمينا بِهِ مؤنثاً لم نقل إِلَّا والدات وَإِن سمينا بوالدة قُلْنَا والدات لِأَن الْعَرَب تنكبت فِي جمع ذَلِك التكسير قبل(5/186)
التَّسْمِيَة فَقَالُوا والِدٌ ووالِدُون ووالِدَةٌ ووالِدَاتٌ وَلم يَقُولُوا أَوَالِدٌ فِي الوالدة وَإِن كَانُوا يَقُولُونَ قاتلة وقَوَاتِل وجالسة وَجَوالس لِأَن الأَصْل ووالِدُ قلب إِحْدَى الواوين فاقتصروا فِيهِ على السَّلامَة وَلَو سميتَ رجلا بفَعَالٍ نَحْو جَلاَلٍ لَقلت أَجِلَّةٌ على حدِّ قَوْلك أَجْوِبة فَإِذا جاوزتَ قلتَ جِلاَّنٌ كَقَوْلِك غِرْبَانٌ وغِلْمَانٌ وَاعْلَم أَن الْعَرَب تجمع شجاعاً على خَمْسَة أوجه مِنْهَا ثَلَاثَة من جَمِيع الْأَسْمَاء وَهِي شُجْعَانٌ مثل قَوْلنَا زُقاقٌ وزُقَّانٌ وشِجعان مثل غُراب وغِربان وشِجْعَة مثل غُلاَم وغِلْمَةفإذا سميت رجلا بشُجَاع جَازَ أَن تجمعه على هَذِه الْوُجُوه الثَّلَاثَة وَقد يجمع شُجَاع على شِجَاع وشُجْعَاء نَحْو كريم وكِرَام وكُرَماء وظَرِيف وظِرَافٍ وظُرَفَاء فَإِذا سميت بِشُجَاع لم يجز جمعه على هذَيْن الْوَجْهَيْنِ وَرُبمَا جمعت العربُ الاسمَ الَّذِي أصلُه صفة على لفظ الصِّفَةِ كَأَنَّهُمْ يَذْهَبُونَ بِهِ إِلَى أَنه صفة غَلَبَتْ كَمَا سَمَّوْا بِمَا فِيهِ الألفُ واللامُ وَتركُوا لألفَ وَاللَّام بعد التَّسْمِيَة كالحَسَنِ وَالْعَبَّاس والْحَارث كَأَنَّهُمْ قَدَّرُوا فِيهِ الصِّفَةَ وَقَالُوا فِي بني الأَشْعَرِ الأَشاعِرُ على مَا تَوْجِيه الاسمية وَقَالُوا الشَّقْر والشُّقْران على الوَصْف وَلَو جمع إنسانٌ الحارثَ على مَا تُوجبه الصفةُ فَقَالَ الحُرَّاثُ لجازَ لِأَنَّهُ صفة غلبت وَمن قَالَ الحَوَارِث فعلى مَا ذكرنَا من جَمْع الْأَسْمَاء وَلَو سميتَ رجلا بفَعِيلَةٍ ثمَّ كَسَّرْتَهُ قلتَ فَعَائِل كَرجل سميته بِكَتِيبَةٍ أَو قَبِيحَةٍ أَو ظَرِيفَةٍ لَقلت فَعائِل لَا غير وَقد جمعت الرعبُ فَعِيلَة على فُعُل فِي الْأَسْمَاء وَلَيْسَ بِقِيَاس مُطَّرِد فَقَالُوا سَفِينة وسُفُنٌ وصَحِيفَةٌ وصُحُفٌ وَلَيْسَ بالكثير فَإِن سميتَ رجلا بسفينة أَو صحيفَة جَازَ جمعه على سُفُن وصُحُف وَإِن سميت رجلا بِعَجُوز فَكَسَّرْتَهُ قلتَ فِيهِ العُجُز وَلم تقل العَجَائِز وَكَذَلِكَ لَو سميته بقَلُوص قلت فِيهِ القُلُص وَلم تقل القَلاَئِص وَإِنَّمَا جمعت العربُ عَجُزاً وقَلُوصاً على عَجَائِز وَكَذَلِكَ لَو سميته بقَلُوص قلت فِيهِ القُلُص وَلم تقل القَلاَئِص لِأَنَّهُمَا مؤنثان فَإِذا سميتَ بهما رجلا زَالَ التأنيثُ وَصَارَ بِمَنْزِلَة عَمُود وعُمُد وجَزُور وجُزُر قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَسَأَلته عَن أَبٍ فَقَالَ إِن أَلْحَقْتَ فِيهِ النُّونَ والزيادةَ الَّتِي قبلهَا قلتَ أَبُونَ وَكَذَلِكَ أَخٌ تَقول أَخُونَ وَلَا تُغَيِّر البناءَ إِلأَّ أَن تُحْدِثَ العربُ شَيْئا كَمَا تَقول بَنُونَ وَلَا تُغَيِّر بناءَ الْأَب على حَال الحرفين إِلَّا أَن تُحَدِثَ شَيْئا كَمَا بَنَوْهُ على بناءِ الحرفين قَالَ الشَّاعِر:
(فَلَمَّا تَبَيَّنَ أَصْوَاتَنَا ... بَكَيْنَ وَفَدَّيْنَنَا بِالأَبِينَا)
أنشدناه مَنْ نَثِقُ بِهِ وَزعم أَنه جاهليّ وَإِن شئتَ كَسَّرْتَ فقلتَ آبَاء وآخاء فَأَما عُثْمَانُ ونحوُه فَإنَّك تعتبره بِالتَّصْغِيرِ فَمَا كَانَ فِي آخِره ألفٌ وَنون زائدتان وَكَانَت الْعَرَب تصغره بقلب الْألف يَاء كَسَّرْتَهُ وقلبتَ الألفَ يَاء وَإِن شئتَ جمعتَ جمع السَّلاَمَةِ وَمَا كَانَ من ذَلِك تُصَغِّرُ العربُ الصَّدْرَ مِنْهُ وتُبْقِي الألفَ والنونَ لم يَجُزْ فِي جمعه التكسيرُ وجمعتَه جمعَ السَّلامَة بِالْوَاو وَالنُّون فَأَما مَا صَغَّرَتْهُ العربُ وقلبت الْألف فِيهِ يَاء نَحْو سِرْحَانٍ وضِبْعانٍ وسُلْطانٍ إِذا سميتَ بِشَيْء من ذَلِك رجلا جَازَ أَن تجمعه جمع السَّلامَة فَتَقول سُلْطانُون وسِرْحَانُونَ وضِبْعَانُون وَجَاز أَن تكسر فَتَقول: ضَبَاعِينَ وسَلاَطِينَ وسَرَاحِينَ وَإِن سميته بعُثْمَانَ أَو غَضْبَانَ أَو نَحوه قلت فِي جمعه عُثْمَانُونَ وغَضْبَانُونَ لِأَنَّهُ يُقَال فِي صغيره عُثَيْمَانُ وغُضَيْبَان وَكَذَلِكَ تَقول فِي جمع عُرْيَان وسَعْدَان ومَرْوَانَ عُرْبَانُونَ وسَعْدَانُونَ ومَرْوَانُون وَإِذا ورد شيءٌ من ذَلِك وَلَا يُعْرَف هَل تقلب العربُ الألفَ يَاء فِي التصغير أم لَا حَمَلْتَه على بَاب عُثْمَان وغضبان لِأَنَّهُ الْأَكْثَر فَإِن كَانَ فُعْلاَن جمعا لم يكن سبيلُه سبيلَ الْوَاحِد لِأَن فُعْلاناً فِي الْجمع رُبمَا كُسِّرَ فَقيل فَعَالِينُ كَقَوْلِهِم مُصْرَانٌ ومَصَارين وَيُقَال فِي التصغير مُصَيْران لِأَن الْألف للْجمع وَإِذا كانتْ ألفا حَادِثَة للْجمع لم تغير فِي التصغير كَقَوْلِهِم أَجْمَالٌ وأُجِيمال وعَلى هَذَا لَو سيمت رجلا بمُصْران أَو بأنعام أَو بأقوال ثمَّ صغرته لقلتَ مُصَيْران لقلتَ مُصَيْران وأُنَيْعَام وأُقَيَّال وَلم تلْتَفت إِلَى قَوْلهم فِي الْجمع مَصَارين(5/187)
القَوْل فِي بنت وَأُخْت وهَنْتِ وتكسيرها وَذكر كِلْتَا وثنتين وإبانة وَجه الِاخْتِلَاف فِيهِ إِذا كَانَ فصلا دَقِيقًا من فُصُول التَّذْكِير والتأنيث
قَالَ أَبُو عَليّ: بنْتق من ابْن لَيْسَ كصَعْبَةٍ من صَعْب لِأَن الْبناء صِيغ للتأنيث على غير بِنَاء التكذير فَهُوَ كحَمْرَاء من أَحْمَر وَلَيْسَ كصعبة من صَعب وَغير الْبناء عَمَّا كَانَ يجب أَن يكون عَلَيْهِ فِي أصل التَّذْكِير وأبدل التَّاء من الْوَاو وأُلْحِقَ الاسمُ بِهِ بشِكْس ونِكْسِ وَمَا أشبه ذَلِك وَبِهَذَا ردّ على من قَالَ إِن الدَّلِيل على أَن الْبَاء من ابْن مَكْسُورَة كَسْرُهُم الباءَ فِي بِنْت وشيءٌ آخر يدل على أَن بِنْتا لَا يدل على أَن أصل ابْن فِعْلٌ وَهُوَ أَنا وجدناهم يَقُولُونَ أُخْتٌ فَلَو كَانَ ابنٌ فِعْلاً لقَولهم بِنْتٌ لَكَانَ أَخٌ فُعْلاً لقَولهم أُخْتٌ فَكَمَا لَا يجوز أَن يكون أَخٌ فُعْلاً لقَولهم أُخْتٌ فَكَمَا لَا يجوز أَن يكون أَخٌ فُعْلاً وَإِن جَاءَ أُخْتٌ كَذَلِك لَا يجوز أَن يكون ابنٌ فِعْلاً وَإِن جَاءَ بِنْتٌ فَأَما قولُهم بَناتٌ فِي الْجمع فمما يدل على أَن أصل الْبَاء فِي ابْن الْفَتْح ورُدِّ فِي الْجمع إِلَى أصلِ بناءِ المذكرِ كَمَا رُدَّ أُخْتٌ إِلَى أصل بِنَاء الْمُذكر فَقيل بناتٌ كَمَا قيل أخواتٌ وَهَذَا الضَّرْبُ من الْجمع أ، ي الْجَمِيع بِالْألف وَالتَّاء قد يُرَدُّ فِيهِ الشَّيْء إِلَى أَصله كثيرا كَرَدِّهِمْ اللامات الساقطةَ فِي الْوَاحِد لَهُ نَحْو قَوْلهم فِي عِضَةٍ عِضَواتٍ فَكَمَا رُدُّوا الحرفَ الأصليَّ فِيهِ كَذَلِك رُدَّت الحركةُ الَّتِي كَانَت الأصلَ فِي بِنَاء الْمُذكر والمحذوف من أُخْت وَبنت الْوَاو أما فِي أُخْت فدليلُه قولُهم إخْوَة وأُخُوَّة وَإِمَّا بِنْتٌ فحمولة عَلَيْهِ وَأَيْضًا فَإِن بدل التَّاء من الْوَاو أَكثر من بدلهَا من الْيَاء وَهَذِه التَّاء لَا تَخْلُو من أَن تكون بَدَلا من لَام الْفِعْل أَو عَلامَة للتأنيث فَلَو كَانَت عَلامَة للتأنيث لَا نفتح مَا قبلهَا كَمَا ينفتح مَا قبلهَا فِي غير هَذَا الْموضع فَلَمَّا لم ينفتح علمنَا أَنه بدل وَأَنه لَيْسَ على حد طَلْحَة وثُبَة وَإِذا كَانَ بَدَلا فَلَا بُد أَن بِكَوْن من يَاء أَو وَاو وَلَا يجوز أَن يكون من الْيَاء لأَنا لم نجدهم أبدلوا التَّاء من الْيَاء إِلَّا فِي افتعل من اليَسَار وَنَحْوه وَفِي حرف وَاحِد كَقَوْلِهِم أَسْنَتُوا فَأَما أصلُ إِبْدَال التَّاء من الْوَاو دون الْيَاء فَذَلِك كثير جدًّا فَعلمنَا بذلك أَن التَّاء فِي بنتْ بدل من وَاو كَمَا كَانَت فِي أُخْت كَذَلِك وكما كَانَت فِي هَنْتٍ كَذَلِك والدليلُ على أَن التَّاء فِي هَنْتٍ بَدَلٌ من الْوَاو قولُه:
(عَلَى هَنَوَاتٍ شأْنُهَا مُتَتابِعُ ... )
فالتاء بدل من الْوَاو وَذَلِكَ فِيهِ وَفِي أُخْت بَيِّنٌ لأخوات وهَنَوَاتٍ وَكَذَلِكَ فِي بنت تَقول فِي التَّاء أَنَّهَا بدل من الْوَاو وَأَن الْألف فِي كلا منقلبة عَن وَاو لإبدالك التاءَ مِنْهَا فِي كلتا وَلذَلِك مثله سِيبَوَيْهٍ بَشرْوَى فَإِن قَالَ قَائِل إِذا كَانَت التَّاء فِي أُخْت وَمَا أشبهه للإلحاق كَمَا ذكرتَ دون التَّأْنِيث فَلَا أَثْبَتَّهَا فِي الْجمع بِالتَّاءِ نَحْو أَخَوَات وَبَنَات وَلم تحذف كَمَا لَا تحذف سَائِر الْحُرُوف الملحقة فِي هَذَا الْجمع وَلَا فِي الْإِضَافَة فَالْجَوَاب أَن هَذِه التَّاء للإلحاق كَمَا قُلْنَا وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا قدمنَا وَإِنَّمَا حذف للإضافة وَهَذَا الضَّرْب من الْجمع لِأَن الْبناء الَّذِي وَقع الْإِلْحَاق فِيهِ إِنَّمَا وَقع فِي بِنَاء الْمُؤَنَّث دون الْمُذكر وَصَارَ الْبناء بِمَا اختصَّ بِهِ الْمُؤَنَّث بِمَنْزِلَة مَا فِيهِ عَلامَة التَّأْنِيث فحذفت التَّاء فِي الْمَوْضِعَيْنِ لذَلِك لَا لِأَنَّهُ للتأنيث وغُيِّرَ البناءُ فِي هذَيْن الْمَوْضِعَيْنِ ورُدَّ إِلَى التَّذْكِير من حَيْثُ حُذِفَتْ علامةُ التَّأْنِيث فِي هذَيْن الْمَوْضِعَيْنِ لِأَن الصِّيغَة قَامَت مقَام الْعَلامَة فَكَمَا غُيِّرَ مَا فِيهِ عَلامَة بحذفها كَذَلِك غُيِّرَتْ هَذِه الصِّيغَة بردّها إِلَى الْمُذكر إِذا كَانَت الصِّيغَة قد قَامَت مقَام الْمُذكر فَمن حَيْثُ وَجب أَن يُقَال طَلَحَات وطَلَحِيُّ وَجب أَن يُقَال أَخَوات وأَخَوِيُّ فَأَما قَول يُونُس فِي الْإِضَافَة إِلَى أُخْتٍ أُخْتِيٌ فَلَا يجوز كَمَا لَا فِي الْإِضَافَة إِلَى طَلْحَة إِلَّا الحذفُ لمعاقبة الياءين تاءَ التَّأْنِيث فِي مثل قَوْلهم زِنْجِيٌ وزَنْجٌ ورُومِيٌ ورُوم صَار بِمَنْزِلَة تَمْر لِأَن حذفهَا يدل التكثير وإثباتها يدل على التَّوْحِيد فَلهَذَا لم تثبت التَّاء مَعَ ياءَيِ(5/188)
الْإِضَافَة وألحقت علامتا التَّأْنِيث الأخريان بِالتَّاءِ فأزيلتا فِي الْإِضَافَة كَمَا حذفت هِيَ فَأَما حذف هَذِه العلامات فِي الْجمع بِالْألف وَالتَّاء فلئلا يجْتَمع علامتان للتأنيث فَإِن قيل فقد قَالُوا ثِنْتَيْنِ وَقد أنْشد سِيبَوَيْهٍ:
(ظَرْفُ عَجُوزٍ فيهِ ثِنْتَا حَنْظَلِ ... )
فأبدلوا التَّاء من الْيَاء الَّتِي هِيَ لَام لِأَنَّهَا من ثنيت فَهَلا جَازَ عنْدك على هَذَا أَن يكون التَّاء فِي بنت بَدَلا من الْيَاء وكما أَنَّهَا فِي أسنتوا بدل مِنْهَا فَالْجَوَاب أَنه لَا يلْزم أَن تكون التَّاء فِي بنت بَدَلا من الْيَاء كَمَا كَانَ فِي ثِنْتَيْنِ بَدَلا مِنْهَا فَإِذا أجَازه مجير لهَذَا كَانَ غير مُصِيب لتَركه الأكثرَ إِلَى الْأَقَل والشائعَ إِلَى النَّادِر أَلا ترى أَن إِبْدَال التَّاء من الْوَاو قد كثر فحملُ بنت على الْأَكْثَر أولَى من حمله على الأقَلِ أَلا ترى أَن الْقيَاس يجب أَن يكون على الْأَكْثَر حَتَّى يمْنَع مِنْهُ شَيْء وَلم يمْنَع شَيْء فِي بنت من حمل لامه على أَنه وَاو بل قَوَّاه قولُهم أُخْت وهَنْتٌ وكِلْتَا وكثرةُ إِبْدَال التَّاء من الْوَاو فِي غير هَذَا الْموضع فَأَما أسنتوا فالتاء مبدلة من يَاء منقلبة عَن وَاو فَلَيْسَ إِبْدَال التَّاء من الْيَاء بِكَثِير فيسوغ أَن يحمل عَلَيْهِ هَذَا الحرفُ فَإِن قيل: فقد قَالُوا كَانَ من الْأَمر كَيَّةُ وكَيَّةٌ وذَيَّةُ وذَيَّةُ ثمَّ خففوا فَقَالُوا كَيْتَ وكَيْتَ فأبدلوا التَّاء من الْيَاء فَهَلا أَخَذْتَهُ فِي بِنْتٍ على هَذَا فَالْجَوَاب أَن ذَلِك لَا يجوز من أَجله فِي بنت إبدالُ التاءِ من الْيَاء لِأَن هَذِه أَسمَاء لَيست متمكنةً والأسماءُ الَّتِي ذَكرنَاهَا من أُخْت وهَنْتٍ مُتَمَكَّنَةٌ فحملُ المتمكن على المتمكن أولى من حمله على غير المتمكن لِأَنَّهُ أقرب إِلَيْهِ وأشبه بِهِ فاعلمه
بَاب تحقير الْمُؤَنَّث
اعْلَم أَن مَا كَانَ على ثَلَاثَة أحرف من الْمُؤَنَّث إِذا صغرته زِدْت فِيهِ هَاء إِلَّا أحرفاً شَذَّتْ وَذَلِكَ قولُك فِي قَدَم قُدَيْمَة وَفِي يَدٍ يُدَيَّةٍ وَفِي فِهرٍ فُهَيْرَة وَفِي رِجل رُجَيْلَة وَهُوَ أَكثر من أَن يُحْصَى وَإِذا صغروا من الْمُؤَنَّث مَا كَانَ على أَكثر من ثَلَاثَة أحرف مِمَّا لَيْسَ فِيهِ هَاء التَّأْنِيث لم يُدْخِلُوا الهاءَ كَقَوْلِك فِي عَنَاق عُنَيِّقٌ وَفِي عُقَابٍ عُقَيِّبٌ وَفِي عَقْرَب عُقَيْرِب وَغنما أدخلُوا الْهَاء فِي الْمُؤَنَّث إِذا كَانَ على ثَلَاثَة أحرف لِأَن أصل التَّأْنِيث أَن يكون بعلامة وَقد يُرَدُّ فِي التصغير الشيءُ إِلَى أَصله فَرَدُّوا فِيهِ الهاءَ لما صغروه وَأَصله الْهَاء ورَدُّوها بِالتَّصْغِيرِ وَلم يدخلُوا ذَلِك فِي بَنَات الْأَرْبَعَة لِأَنَّهَا أثقل فَصَارَ الْحَرْف الرَّابِع مِنْهَا كهاء التَّأْنِيث فَيصير عِدَّةُ عُنَيِّقٍ وعُقَيْرِبٍ بِغَيْر هَاء كعِدَّةِ قُدَيْمَةٍ ورُجَيْلَة بالهاءفاجتمع فِي الثلاثي الخِفَّةُ وَأَن أصل التأنيثُ بالعلامة وَإِن كَانَ فِي الرباعي الْمُؤَنَّث مَا يُوجب التصغيرُ حذفَ حرف مِنْهُ حَتَّى يصير على لفظ الثلاثي وَجَبَ رَدُّ الْهَاء كَقَوْلِك فِي تَصْغِير سَمَاءٍ سُمَيَّة لِأَنَّهُ كَانَ الأَصْل سُمَيِيٌ بِثَلَاث ياآت فَحذف وَاحِد مِنْهَا كَمَا قَالُوا فِي تَصْغِير عَطَاءٍ عُطَيٌّ بِحَذْف يَاء فَلَمَّا صَار ثلاثيَّ الْحُرُوف زادوا الْهَاء وَكَذَلِكَ لَو صغرنا عُقاباً وعَنَاقاً وسُعَاد اسْم امْرَأَة وزَيْنَبَ على ترخيم التصغير فحذفنا الزَّائِد من سُعاد وَهُوَ الْألف وَمن زَيْنَبَ وَهُوَ الْيَاء لقلنا سُعَيْدَة وزُنَيْبَة وَإِنَّمَا حقرت امْرَأَة اسْمهَا سَقَّاءُ سُقَيْقِيٌ وَلم تدخل الْهَاء لِأَنَّهُ لم يرجع فِي التصغير إِلَى مثل عِدَّةِ مَا كَانَ على ثَلَاثَة أحرف وَقَالُوا فِي تَصْغِير حُبَارَى ثلاثةَ أَقْوَال مِنْهُم: من حذف ألف التَّأْنِيث فَقَالَ حُبَيِّر لِأَنَّهُ يبْقى حُبَار مثل عُقَاب وتصغيره حُبَيِّر مثل عُقيِّب وَمِنْهُم من حذف الْألف الثَّالِثَة فيبقي حُبَرَى مثل جَمَزَى فَتَقول حُبَيْرَى مثل حُبَيْلَى وَمِنْهُم من إِذا حذف عَلامَة التَّأْنِيث وَصغر عَوَّضَ هاءَ التَّأْنِيث من ألف التَّأْنِيث فَيَقُول حُبَيِّرة وَلَا يَقُول عُنَيِّقَة وعُقَيِّبَة لِأَنَّهُ لم يكن فِي عَنَاق وعُقاب علامةُ التَّأْنِيث فَإِن قَالَ قَائِل: لمَ كَانَت الْهَاء تثبت فِي التصغير وَلَا يُعْتَدُّ بهَا والألفُ الْمَقْصُورَة يُعْتَدُّ بهَا فيحذفونها من ذَوَات الخَمْس فقد تقدم الجوابُ عَن هَذَا فِي بَاب ألف التَّأْنِيث الْمَقْصُورَة(5/189)
وألفُ التَّأْنِيث المقصورةُ كحرف من حُرُوف الِاسْم أَلا ترى أَنَّهَا قد تعود فِي الْجمع المُكَسَّر كَقَوْلِك حُبْلَى وحَبَالى وسَكْرَى وسَكَارَى فَمن أجل ذَلِك لم نقل حُبَيِّرَى وكادوا لَا يصغرون مَا كَانَ على خَمْسَة أحرف من هَذَا الْبناء إِلَّا بِحَذْف وَمن قَالَ حُبَارَى حُبَيِّرَة فعَوَّضَ هَاء من الْألف قل فِي لُغَّيْزَى لُغَيْغيزةٌ لِأَن الْهَاء قد تلْحق مثلَ هَذَا الْبناء فِي التصغير أَلا ترى أَنا لَو صغرنا كِرْبَاسَةٌ وهِلْبَاجَةً لَقُلْنَا كُرَيبْبِيسَةٌ وهُلَيْبِيجِية وَاعْلَم أَن الْمُؤَنَّث قد يُوصف بِصفة الْمُذكر فَإِذا صغرت الصّفة جرت مجْرى الْمُذكر فِي التصغير وَإِن كَانَت صفة للمؤنث كَقَوْلِك هَذِه امْرَأَة رِضاً عَدْلٌ وناقة ضامِرٌ فَتَقول فِي تَصْغِير رضَا هَذِه امْرَأَة رَضِيٌ وعُدَيْلٌ وَهَذِه نَاقَة ضُوَيْمِرٌ وَإِن صغرتها تَصْغِير التَّرْخِيم فَقلت هَذِه نَاقَة ضُمَيْرٌ وَلم تقل ضُمَيْرَة وَقد حكى الْخَلِيل مَا يُصَدِّق ذَلِك من قَول الْعَرَب قَالُوا فِي الخَلَقِ خُلَيْقٌ وَإِن عَنَوا المؤنثَ يَقُولُونَ مِلْحَقةٌ خَلَقٌ كَمَا يَقُولُونَ رِدَاءٌ خَلَق فخَلق مُذَكّر يُوصف بِهِ الْمُذكر والمؤنث وَقد شذت أسماءٌ ثلاثيةٌ فصغروها بغر هَاء مِنْهَا ثلاثةُ أسماءٍ ذكرهَا سبيويه وَهِي: النَّابُ المُسِنَّةُ من الْإِبِل يُقَال فِي تصغيرها نُيَيْبٌ وَحكى أَبُو حَاتِم نُوَيْبٌ، وَفِي الحَرْبِ حُرَيْبٌ، وَفِي فَرَسٍ وَهُوَ يَقع على الْمُذكر والمؤنث فُرَيْسٌ فَأَما النابُ من الْإِبِل فَإِنَّمَا قَالُوا نُيَيْبٌ لِأَن النابَ من الْإِنْسَان مُذَكّر والمُسِنَّةٌ من الْإِبِل إِنَّمَا يُقَال لَهَا نابٌ لطول نابها فكأنهم جعلوها النابَ من الْإِنْسَان أَي هُوَ أَعْظَمُ مَا فِيهَا كَمَا يُقَال للْمَرْأَة إِنَّمَا أنتِ بَطِينٌ إِذا كَبِرَ بَطْنُهَا وَتقول أَنْتَ عَنْزُ القَوْمِ والعَنْزُ مؤنثٌ فقد يُخْبَر عَن الْمُؤَنَّث بالمذكر وَعَن الْمُذكر بالمؤنث وَأما الحَرْبُ فَهُوَ مصدر جعل نعتاً مثل العَدْلِ والرِّضا وكأَنَّ الأَصْل هَذِه مقاتلةُ حَرْبٍ أَي حاربةٌ تَحْرُبُ المالَ والنَّفْسَ كَمَا تَقول عَدْلٌ على معنى عادلة ثمَّ أُجْرِيَتْ مُجْرَى الِاسْم وأسقطوا المنعوتَ كَمَا قَالُوا الأَبْطَحُ والأَبْرَقُ والأَجْدَلُ وَأما الفَرَسُ فَهُوَ فِي الأَصْل اسْم مُذَكّر يَقع للمذكر فِي الْخَيل كَمَا وَقع إِنْسَان وبَشَرٌ للرجل وَالْمَرْأَة فصغر على التَّذْكِير الَّذِي هُوَ لَهُ فِي الأَصْل وَأما قَوْلهم امْرَأَة فُوَيْتٌ للمنفردة برأيها فعلى الْمصدر كعُدَيلٍ ورُضَيٍّ وَقد قَالُوا فِي الْمُذكر فَأَما خَمْسٌ وسِتٌ وسَبْعٌ وتِسْعٌ وعَشْرٌ فِي عدد الْمُؤَنَّث فتصغيره بِغَيْر هَاء لِئَلَّا يلتبس بِعَدَد الْمُذكر إِذا صغرته وَمَا كَانَ من صِفَات الْمُؤَنَّث بِغَيْر هَاء فَهُوَ يجْرِي هَذَا المجرى كَقَوْلِنَا امْرَأَة حَائِض وطامِثٌ وعازِبٌ وحَرَضٌ ووَجِلٌ لَو صغرت شَيْئا من ذَلِك تَصْغِير التَّرْخِيم لَقلت حُرَيْضٌ وطُمَيْثٌ وَنَحْو ذَلِك وَقد ذكر أَبُو عمر الجَرْمِيُّ من الْأَسْمَاء الثلاثية دِرْعُ الحديدِ والعُرْس والقَوْسِ أَنَّهَا تصغر بِغَيْر هَاء وَهِي أَسمَاء مؤنثات قَالَ الشَّاعِر:
(إِنَّا وَجَدْنَا عُرُسَ الحَنَّاطِ ... لَئِيمَةً مَذْمُومَةَ الحُوَّاطِ)
والمذهبُ فِيهِنَّ كمذهب مَا ذَكرْنَاهُ من المصادر وَذكر غَيره الذَّوْدَ والعَرَبَ وهما مِمَّا يصغر بِغَيْر الْهَاء وَكَذَلِكَ الضُّحَى لِئَلَّا يُشْبِهَ ضَحْوَةً فَإِن قَالَ قَائِل: إِذا سميت امْرَأَة بحَجَر أَو جَبَل أَو جَمَل أَو مَا أشبه ذَلِك من الْمُذكر ثمَّ صغرته أدخلتَ الْهَاء فقلتَ حُجَيْرَة وجُبَيْلَة فَهَلاَّ فعلتَ ذَلِك بالنُّعُوتِ قيل لَهُ: الأسماءُ لَا يُرَاد بهَا حقائقُ الْأَشْيَاء أَو التشبيهُ بحقائق الْأَشْيَاء أَلا تَرى أَنا إِذا سمينا شَيْئا بحَجَر أَو رجلا سميناه بحَجَرَ فَلَيْسَ الْغَرَض أَن نجعله حجرا وَإِنَّمَا أردنَا إبانته كَمَا سمينا بإبراهيم وَإِسْمَاعِيل ونوح وَمَا أشبه ذَلِك وَإِذا وَصفنَا بِهِ وأخْبَرْنَا بِهِ غيرَه فَإِنَّمَا نُرِيد الشيءَ بِعَيْنِه والتشبيهَ فَصَارَ كأنَّهُ المذكرَ لم يَزُلْ أَلا ترى أَنا إِذا قُلْنَا امرأةٌ عَدْلٌ فَفِيهَا عدالةٌ وَإِذا قُلْنَا للْمَرْأَة مَا أَنْت إِلَّا رجل فَإِنَّمَا نُرِيد مثل رجل وَكَذَلِكَ تَقول أنتِ حَجر إِذا لم يكن اسْما لَهَا تريدُ مثلَ حَجَر فِي الصلابة والشدة فَإِن سميت رجلا باسم مؤنث على ثَلَاثَة أحرف وَلَيْسَ فِي آخِره هَا التَّأْنِيث ثمَّ صغرته لم تُلْحِق الهاءَ كَرجل سميته باُذُنٍ أَو عَيْنٍ أَو رِجْلٍ ثمَّ صغرته تَقول أُذَيْنٌ وعُيَيْن ورُجَيْل هَذَا قَول سِيبَوَيْهٍ وَعَامة الْبَصرِيين، وَيُونُس يُدْخِلُ الهاءَ ويحتج بأُذَيْنَة اسْم رجل وَهَذَا عِنْد النَّحْوِيين إِنَّمَا سمي بالصمغر وَكَذَلِكَ عُيَيْنَةُ(5/190)
كَأَنَّهُمْ سَمَّوْهُ باسمٍ مُصَغَّرٍ وَلم يُسَمُّوه باسم مكبر ثمَّ يصغر وَلم سميت امْرَأَة باسم ثلاثي مِمَّا ذكرنَا أَنه لَا تدخل فِي تصغيره الهاءُ كحَرْب وناب ثمَّ صغرته لأَدْخَلْتَ فِيهِ الْهَاء فقلتَ حُرَيْبَة ونُيَيْبَة لِأَنَّهُ قد صَار اسْما لَهَا كَحَجر إِذا صغرته قلت حُجَيْرة وَقد جَاءَ من الْمُؤَنَّث مَا هُوَ على أَكثر من ثَلَاثَة أحرف وَقد ألحقت الْهَاء بِهِ فِي التصغير كَقَوْلِك زيد قُدَيْدِيمَةُ عَمْرو ووُرِيِّئَةُ عَمْرو وَهُوَ تَصْغِير قُدَّامَ ووَرَاءَ لَا يُخْبَر عَنْهُمَا بِفعل يَتَبَيَّنُ تأنيثُهما فِيهِ لِأَنَّهُمَا ظَرْفان كخلف وَإِنَّمَا يتَبَيَّن تأنيثُ المؤنثِ الَّذِي لَا علامةَ فِيهِ بِمَا يُخْبر عَنهُ من الْفِعْل كَقَوْلِك لَسَبَتْهُ العقربُ وَهَذِه العقربُ والعقربُ رَأَيْتهَا وَمَا أشبه ذَلِك من الضمائر الَّتِي تدل على الْمُؤَنَّث فَلَمَّا لم يُخْبَر عَن قُدَّام ووراء بِمَا يَدُل ضميرها عَلَيْهِ من التَّأْنِيث جعلُوا عَلامَة التَّأْنِيث فِي التصغير قَالَ الْكسَائي: اعْلَم أَن الْعَرَب تُصغر مَا كَانَ من أَسمَاء النِّسَاء على ثَلَاثَة أحرف بِالْهَاءِ وَبِغير الْهَاء فَمن صغر بِالْهَاءِ لم يُجْرِ وَمن صغر بِغَيْر الْهَاء لم يُجْرِ وأجْرَى وَقَالَ أرى أَن من صغر بِغَيْر الْهَاء أَرَادَ الفعلَ فَيجوز أَن يُجْري وَلَا يُجْري وَهَذَا الْقيَاس فِي كل مؤنث أَن تدخله الْهَاء لِأَنَّهُ اسْم مؤنث وَأَصله الْفِعْل سمي بِهِ وَمن لم يدْخل الْهَاء بناه على الْفِعْل فَكَأَنَّهُ يُريدهُ فيجريه وَقد يُرِيد الْفِعْل وَلَا يجْرِي للتعلق على الْمُؤَنَّث قَالَ: وَأما الْأَسْمَاء الَّتِي لَيست للأناسي فَأكْثر مَا جَاءَت بِالْهَاءِ لِأَنَّهَا لمؤنثات وَقعت قَالَ الْفراء: إِنَّمَا أدخلُوا التَّاء فِي يَدَيْهِ وقديديمة لِأَنَّهُ مَبْنِيّ عِنْدهم على التَّأْنِيث لم تكن الْيَد وَالرجل والفخذ اسْما لشَيْء غير الْفَخْذ فَكَأَنَّهَا فِي التَّسْمِيَة وَقعت هِيَ والأسماءُ مَعًا فَلَمَّا صغروا قَالُوا: قد كَانَ يَنْبَغِي أَن يكون رِجْلة وفَخِذَة وَلَكنهُمْ أسقطوا مِنْهُ الْهَاء فَلَمَّا صغروا أظهرُوا الْهَاء كَمَا قَالُوا فِي دَمٍ دُمَيّ وَقَالَ الْفراء: فَإِن قَالَ قَائِل إِن دَماً رُد إِلَيْهِ لامُ الْفِعْل وَالْهَاء لَا تكون من الْفِعْل قلت لَو كَانَ هَذَا على مَا تَقول مَا صغروا خيرا مِنْك وشراً مِنْك بِإِخْرَاج الْألف قَالَ وَمثله تَصْغِير الْعَرَب الجَذْل أُجَيْذِل رَدُّوا إِلَيْهِ ألفا زَائِدَة وَقَالُوا فِي العَطِشِ العُطَيْشان فَرَدُّوا إِلَيْهِ ألفا ونوناً وهما زائدتان وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي يُقَال فِي تَصْغِير العَقْرَب عُقَيْرِب فَأَما مَيزتَ الذّكر من الْأُنْثَى فَقلت رأيتُ عقرباً على قلتَ فِي التصغير رَأَيْت عُقَيْرباً على عُقَيْربَة وَقَالَ إِذا سميت امْرَأَة باسم مُذَكّر كَقَوْلِك هَذِه لَهْوٌ وبَرْقٌ وَكَذَلِكَ طَلَل وطَرَبٌ وَمَا أشبههن فلك فِي تصغيره وَجْهَان إِن نويتَ أَنَّك سميتها بجُزء من اللَّهْوِ صغرتها بِالْهَاءِ فَقلت هَذِه لُهَيَّةٌ قد جاءْت وَهَذِه بُرَيْقَةٌ وَإِنَّمَا أدخلت الْهَاء فِي اللَّهْو وَقد عَرفته مذكراً ثمَّ سميت بِهِ مؤنثاً لِأَنَّهُ إِذا كَانَ بَعْضًا من اللَّهْو فِي النِّيَّة فَكَأَنَّهُ قد كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يكون بِالْهَاءِ أَلا ترى أَنا قُلْنَا الضَّرْب والنَّظَر إِنَّمَا يُقَال فِي الْوَاحِدَة نَظْرَة وضَرْبة وَإِن شِئْت قلت هَذِه لُهَيٌ قد جَاءَت بِغَيْر الْهَاء لِأَنَّهُ مُذَكّر فِي الأَصْل فصغرته على أَصله وَلَو نَوَيْت أَن تسميها باللهو الَّذِي يَقع على الْكثير لم يكن تصغيره إِلَّا بطرح الْهَاء أَلا ترى أَنه مُذَكّر وانك لم تنو فِيهِ تقليلاً تنوي فِيهِ فَعْلة فَكَانَ بِمَنْزِلَة امْرَأَة سميتها بزيد فَقلت هَذِه زُبَيْدُ قد جَاءَت لَا غير فَإِن قَالَ لَك إِذا سميت امْرَأَة باسم مُذَكّر من أَسمَاء الرِّجَال على ثَلَاثَة أحرف فَقلت: هَذِه حَسَنٌ وَهَذِه زيد وَهَذِه فَتْحٌ وَهَذِه عَمْرو، كَيفَ تصغره فَقل: اخْتلف فِي هَذَا أهل الْعَرَبيَّة فَقَالَ الْفراء تصغره بِغَيْر الْهَاء فَتَقول هَذِه زُبَيْدُ وَهَذِه عُمَيْر وَهَذِه حُسَيْنُ وَاحْتج بنك نويتَ بزيد أَن يكون فِي معنى فُلان نقلته إِلَى امْرَأَة وَأَنت تنوي اسْما من أَسمَاء الرِّجَال وَلم تَتَوَهَّمِ الْمصدر فَذَلِك الَّذِي منع من إِدْخَال الْهَاء قَالَ الْفراء: فَإِن قلت أَتُجيز أَن تَقول زُيَيْدَة على وَجه قلت نعم إِذا سميتها بِالْمَصْدَرِ كَقَوْلِك زِدْتُه زَيْداً فهاهنا يَسْتَقِيم دُخُول الْهَاء وخروجها فِي تصغيره لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة لَهْو فِي الْقلَّة وَالنِّيَّة وَجَاء فِي الحَدِيث فِي وصف رجل:
(ذِي الثُّدَيَّة) وَإِنَّمَا حُقِّر الثَّدْيُ بِالْهَاءِ وَهُوَ مُذَكّر لِأَنَّهُ أَرَادَ لَحْمَة من الثَّدْي أَو قِطْعَة وَبَعْضهمْ يروي الحَدِيث ذِي اليُدَيَّةِ على تَصْغِير الْيَد قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: وَإِذا صغرت بَعْلَبَكَّ وَأَنت تجعلها اسْما وَاحِدًا قلت بُعَيْلِبُ وَقَالَ الْفراء رُبمَا حذفوا فَقَالُوا هَذِه بُعَيْلَة وَقَالَ بَعضهم يَقُول فِي التصغير بُكَيْكَة فيحذف بَعْلاً وَمن قَالَ هَذِه بَعْلُ بَكَّ فَلم يُجْر بَكَّ قَالَ فِي التصغير بَعْلُ بُكَيْكَة وَمن قَالَ هَذِه بَعْلُ بَكِّ فَأجرى(5/191)
بكا قَالَ فِي التصغير هَذِه بُعَيْلَةُ بَكٍّ وَإِن شَاءَ قَالَ بَعْلُ بُكَيْكٍ فَيجْعَل بكاً مذكراً وَمن قَالَ هَذِه حَضْرَمَوْتَ قَالَ فِي التصغير هَذِه خُضَيْرِمُ وحَضيرة ومُوَيْتَة وَمن قَالَ هَذِه حَضْرُمَوْتَ قَالَ فِي التصغير هَذِه حُضَيْرُمَوْتَ قَالَ الْفراء: أحب إليَّ من ذَلِك أَن تَقول حَضْرُمُوَيْتَةَ لِأَن الْعَرَب إِذا أضافت مؤنثاً إِلَى مُذَكّر لَيْسَ بالمعلوم جعلُوا الآخِرَ كَأَنَّهُ هُوَ الِاسْم أَلا ترى أَن الشَّاعِر قَالَ:
(وَإِلَى ابْنِ أُمٍّ أُنَاسَ تَعْمِدُ نَاقَتِي ... عَمْروٍ لَتَنْجَحَ حَاجَتِي أَو تَتْلَفُ)
فَلم يُجْرِ أناسَ والاسمُ هُوَ الأول وَمن قَالَ هَذِه حَضْرُمَوَّتٍ قَالَ فِي التصغير هَذِه حُضَيْرَةُ مَوْتٍ وَهَذِه حَضْرَمُوَيْتَة وَإِذا صغرت حَوْلاَيَا وَجَرْجَرَايَا كَانَت لَك ثلاثةُ أوجه أَحدهَا: أَن تجْعَل حَوْلاَيَا بِمَنْزِلَة حَضْرَمَوْت وبَعْلَ بَكَّ فتصغر الأوَّل وَلَا تصغر الثَّانِي فَتَقول حُوَيْلايا وجُرَيْجَرايا قَالَ الْفراء: فَلَا يصغر آخِره لِأَنَّهُ مَجْهُول كنَهْرَبَيْنَ ونَهْرَبِيْنَ إِذا صغرته قلت نُهَيْرِبَيْنِ فصغرت النَّهر لِأَنَّهُ مَعْرُوف وَلم تصغر آخِره لِأَنَّهُ مَجْهُول فَكَذَلِك فعلت بحَوْلاَيا وجَرْجَرَايَا الوجهُ الثَّانِي: أَن تجْعَل الزِّيَادَات الَّتِي فِي حَوْلاَيَا وجَرْجَرَايَا كالهاء وَالْألف وَالنُّون فِي غضبانة فَتَقول فِي تصغيرهما: حُوَيْلاَيَا وجُرَيْجِرَايَا كَمَا تَقول فِي تَصْغِير غَضْبَانَة غُضَيبَانَة وَالْوَجْه الثالثُ: أَن تَقول فِي تصغيرهما: حُوَيْلِيَّا وجُرَيْجِيَّا فتحط الألْفَ إِلَى الْيَاء وتترك الْآخِرَة يَاء لِأَنَّهَا كياء حُبْلى وسَكْرَى وغَضْبَى وَإِذا صغرت السَّفَرْجلَة كَانَت لَك أوجه أَحدهَا: أَن تَقول سيفرجة فتحذف اللَّام فِي التصغير وَإِن شِئْت قلتَ سُفَيْرِلَة فتحذف الجيمَ وَإِن شِئْت قلت سُفَيْرجِلَة فَكسرت الرَّاء وَالْجِيم لمجيئهما بعد يَاء التصغير فَلم تحذف شَيْئا وَإِن شِئْت قلت سفيرجْلة فسكنَت الْجِيم استثقالاً لهَؤُلَاء الحركات وَقَالَ الْفراء تسكين الْجِيم أشبه بمذاهب الْعَرَب من تحريكها لأَنهم يَقُولُونَ: أنُلْزِمْكُمُوهَا: فيسكنون الْمِيم طلبا للتَّخْفِيف لما توالت الحركات وَإِذا صغرت الكُمَّثْراة كَانَ لَهُ أوجه أَحدهَا: أَن تَقول كُمَيْثِرة فتحذف فِي تصغيرها إِحْدَى الميمين وَالْألف وَالْوَجْه الثَّانِي: أَن تَقول فِي تصغيرها كُمَّيْثِرْيَة فتبنيه على قَوْلهم فِي الْجمع كُمَّثْرِيَات فَلَا تحذف شَيْئا وَالْوَجْه الثَّالِث: أَن تَقول فِي تصغيرها كُمَّيَّثِراة كَمَا قَالَت الْعَرَب نَاقَة حَلْبَاة رَكْبَاةٌ ثمَّ صغروها فَقَالُوا حُلَيْبَاةٌ ورُكَيْبَاةٌ وحُلَيبْبَةٌ ورُكَيْبَةٌ وَإِذا صغرت المِرْعِزَّى والباقِلَّى قلت مُرَيْعِزَّة وبُوَيْقِلَّة على قَول من قَالَ فِي تَصْغِير الكُمَّثراة كُمَّيْثِرة وَمن قَالَ فِي التصغير الكمثرات كُمَيثرةَ قَالَ فِي تَصْغِير الباقلي والمِرْعِزَّى بُوَيْقلَة ومُرَيْعِزَة وَقَالَ الْفراء الْعَرَب تكره التَّشْدِيد فِي الْحَرْف يطول فيتركون تشديده وَهُوَ لَازم فَمن صغَر الباقِلَّي بُوَيْقِلة قَالَ فِي الْجمع بواقِلَ وَمن قَالَ فِي الْجمع بَوَاقِيل قَالَ فِي التصغير بُوَيْقِيلَة وَإِن شِئْت قلت فِي تَصْغِير الباقِلَّى والمِرْعِزَّى بُوَيْقِلْيَة فتخفف اللَّام وَأَصلهَا التَّشْدِيد استثقالاً للتشديد مَعَ طول الْحَرْف وَمن زَاد الْألف وَالْهَاء فَقَالَ باقِلاَّة قَالَ فِي التصغير بُوَيْقِلاَّةٌ ويشدد اللَّام لِأَن التصغير لم يحط الْألف إِلَى الْيَاء وَمن مَدَّ الباقِلاَءِ قَالَ فِي التصغير البُوَيْقلاَء وَإِذا صغرت آجُرَّة وقَوْصَرَّة ودَوْخَلَّة صغرتها بترك التَّشْدِيد لِأَن الْعَرَب تجمعاه دَوَاخِلَ وأواجِرَ وقَوَاصِرَ فَتَقول أُوَيْجِرضة وأُوَيْجِيرَة وقُوَيْصِرة وقُوَيْصِيرة ودُوَيْخِلة ودُوَيخِيلة
1 - بَاب الْعدَد
قَالَ صَاحب الْعين: العدُّ - إحْصاء الشَّيْء عَدَدْتُه أَعُدُّه عَدًّا وتَعْدَاداً وعَدَّدْتُه والعَدَدُ - مِقْدَار مَا يُعَدُّ وَالْجمع أَعْدَاد وَكَذَلِكَ العِدَّة وَقيل العدَّة مصدر كالعَدِّ والعِدَّة - الْجَمَاعَة قَلَّت أَو كَثُرت والعَدِيدُ - الكَثْرَةُ وَهَذِه الدَّرَاهِم عَدِيدُ هَذِه - إِذا كَانَت فِي العِدَّة مثلَها وهم عديد الحَصَى والثَّرَى أَي بعَدَدِ هَذَيْنِ الكثيرين وهم يَتَعَادُّون ويَتَعَدُّونَ على كَذَا أَي يَزِيدُونَ عَلَيْهِ أَبُو عبيد: عَدَدْتُكَ وعَدَّدْتُ لَكَ غَيره: عادَّهُم الشيءُ - إِذا تَسَاهَمُوه بَينهم وهم يَتَعَادُّونَ - إِذا(5/192)
اشْتَركُوا فِيمَا يُعَادُّ بعضُهم بَعْضًا من مَكَارِم أَو غير ذَلِك من الْأَشْيَاء كلهَا وَقَالَ أَبُو عبيد فِي قَول لبيد:
(تَطِيرُ عَدَائِدُ الأَشْرَاكِ شَفْعاً ... )
العدائدُ من يُعادُّه فِي الْمِيرَاث غَيره: عِدادُك فِي بني فُلانٍ أَي تُعَدُّ مَعَهم فِي ديوانهم وَمَا ألْقاهُ إِلا عِدَّة الثُّريا القمرَ والإِعدادَ الثُّريا القمرَ وعِدادَ الثُّرَيَّا من القَمَرِ - أَي إِلَّا مَرَّةٌ فِي السّنة وَقيل هِيَ لَيْلَة من الشَّهْر تلتقي فِيهَا الثريا والقَمَر وَبِه مَرَضٌ عِدَادٌ مِنْهُ وَقد قدَّمْتُه وَقَالَ صَاحب الْعين: الحِسابُ عَدُّكَ الأشياءَ حَسَبْتُ الشيءَ أَحْسَبُهُ حِساباً وحِسَابَةً وحِسْبَةٌ وحُسْباناً وحُسْبَانُكَ على الله - أَي حِسَابُك وَقَوله عز وَجل: {يَرْزُقُ من يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمرَان: 37] اخْتلف فِي تَفْسِيره فَقَالَ بَعضهم بِغَيْر تَقْدِير على أحد بِالنُّقْصَانِ وَقَالَ بَعضهم بِغَيْر محاسبة مَا يخَاف أحدا أَن يحاسبه عَلَيْهِ وَرجل حاسِبٌ من قوم حُسَّب وحُسَّاب غَيره: الْوَاحِد - أوَّلُ الْعدَد وَكَذَلِكَ الوَحَدُ والأَحَدُ قَالَ أَبُو عَليّ: اعْلَم أَن قَوْلهم واحِدٌ اسْم جرى فِي كَلَامهم على ضَرْبَيْنِ أَحدهمَا: أَن يكون اسْما وَالْآخر أَن يكون وَصفا فالاسم الَّذِي لَيْسَ بِصفة قَوْلهم واحدٌ المستعملُ فِي الْعدَد نَحْو وَاحِد اثْنَان ثَلَاثَة فَهَذَا اسْم لَيْسَ بِوَصْف كَمَا أَن سَائِر الْعدَد كَذَلِك فَلَا يجْرِي شَيْء مِنْهَا على مَوْصُوف على حَدٍّ جَرْيَ الصّفة عَلَيْهِ وَأما كَونه صفة نَحْو قَوْله تَعَالَى: {إِنَّما يُوحَى إِلَيَّ أنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ وَاحِدٌ} [الْكَهْف: 110] وَلما جَرَى على الْمُؤَنَّث لحقته علامةُ التَّأْنِيث فَقَالَ تَعَالَى: {إِلاَّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ} [لُقْمَان: 28] كقائم وقائمة وَمن ذَلِك قَوْله:
(فقد رَجَعُوا كَحَيٍّ واحِدِينَا ... )
فَأَما تكسيرهم لَهُ على فُعْلان فِي قَوْله:
(أما النهارُ فأُحْدانُ الرِّجَالِ لَهُ ... صَيْدٌ ومُجْتَرِيءٌ باللَّيْلِ هَمَّاسُ)
فَلِأَنَّهُ وَإِن كَانَ صفة قد يسْتَعْمل استعمالَ الْأَسْمَاء فكسَّروه على فُعْلاَن كَمَا قَالُوا الأَباطِحُ بِمَنْزِلَة الأرامل وَقد استعملوا أحدا بِمَعْنى وَاحِد الَّذِي هُوَ اسْم وَذَلِكَ قولُهم أَحَدٌ وَعِشْرُونَ فِي التَّنْزِيل: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَد} [الْإِخْلَاص: 1] وَقد أنثوه على غير بنائِهِ فَقَالُوا إحْدَى وَعِشْرُونَ وإحْدَى عشرَة فاستعملوه مضموماً إِلَى غَيره قَالَ أَبُو عَمْرو: وَلَا يَقُولُونَ رَأَيْته إحْدى وَلَا جاءَ فِي إحْدَى حَتَّى يضم إِلَى غَيره وَقَالَ أَحْمد بن يحيى: واحِدٌ وأَحَدٌ ووَحَدٌ بِمَعْنى وَالْحَادِي فِي الْحَادِي عَشَر كَأَنَّهُ مقلوب الْفَاء إِلَى مَوضِع اللَّام وَإِذا أُجْرِيَ هَذَا الاسمُ على الْقَدِيم سُبْحَانَهُ جَازَ أَن يكون الَّذِي هُوَ اسْم كَقَوْلِنَا شَيْء وَيُقَوِّي الأول قَوْله تَعَالَى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ واحِدٌ} [الْبَقَرَة: 163] وَقَوله:
(يَحْمِي الصَّرِيمَةُ أُحْدانُ الرِّجالِ لَهُ ... صَيْدٌ ومُسْتَمِعٌ باللَّيْلِ هَمَّاسُ)
قَالَ ابْن جني: همزَة أُحْدانٍ بَدَلٌ من وَاو لِأَنَّهُ جمع وَاحِد الَّذِي بِمَنْزِلَة من لَا نَظِير لَهُ وَلَيْسَ أُحْدانٌ جمع وَاحِد الَّذِي يُراد بِهِ العددُ لِأَن ذَلِك لَا يثنى وَلَا يُجْمَع أَلا ترى أَنهم قد اسْتَغْنَوْا عَن تثنيته بِاثْنَيْنِ وَعَن جماعته بِثَلَاثَة وَقد قَالَ الشَّاعِر:
(وَقد رَجَعُوا كَحَيٍّ واحِدِينَا ... )
أَي مُنْفَرِدِين وفاءُ أُحدانٍ واوٌ فاما قَوْلنَا مَا فِي الدَّار أحد فهمزتُه عندنَا أصلٌ وَلَيْسَت بِبَدَل أَلا ترى أَن(5/193)
مَعْنَاهُ العمومُ والكثرةُ وَلَيْسَ فِي معنى الِانْفِرَاد بِشَيْء بل هُوَ بضده صَاحب الْعين: الوَحْدَة - الانفرادُ وَرجل وَحِيد ابْن السّكيت: وَحِدَ فَرِدَ وَوَحُدَ فَرُدَ أَبُو زيد: وَقد أَوْحَدْتُهُ سِيبَوَيْهٍ: جاؤوا أُحادُ أُحَادَ ومَوْحَدَ مَوْحَدَ معدولٌ عَن قَوْلهم وَاحِدًا وَاحِدًا وَسَيَأْتِي ذكر هَذَا الضَّرْب من المعدول فِي هَذَا الْفَصْل الَّذِي نَحن بسبيله وَقَالَ: مررتُ بِهِ وَحْدَهُ مصدر لَا يثنى وَلَا يجمع وَلَا يُغير عَن الْمصدر إِلَّا أَنهم قد قَالُوا نَسِيجُ وَحْدِه وجُحَيْشُ وَحْدِهِ وَزَاد صَاحب الْعين قَرِيعُ وَحْدِهِ للمصيب الرَّأْي أَبُو زيد: حِدَةُ الشَّيْء - تَوَحُّدُه يُقَال هَذَا الأَمْرُ على حِدَتِهِ وعَلى وَحْدِهِ وَقُلْنَا هَذَا الأَمْرُ وَحْدِينا وقَالَتَاهُ وَحْدَيْهِما صَاحب الْعين: الوحدانيةُ لله عز وَجل والتوحيدُ الإقرارُ بهَا والمِيحادُ جُزْءُ كالمِعْشَارِ ابْن السّكيت: لَا واحدَ لَهُ - أَي لَا نَظِير وَقد تقدَّم عَامَّة كل ذَلِك غَيره: وَحُدَ الشَّيْء صَار على حِدَتِهِ والرجلُ الوحيدُ - لَا أحَدَ لَهُ يُؤْنِسُه وَحُدَ وَحَادَةً وَوَحْدَةً وَوَحِدَ وَتَوَحَّدَ قَالَ أَبُو عَليّ: وَقَوْلهمْ اثنانِ محذوفُ مَوْضِعَ اللامِ كَمَا أَن قَوْلهم ابْنانِ كَذَلِك وللمؤنث اثْنَتَانِ كَمَا تَقول ابْنَتَانِ وَإِن شئتَ بِنْتَانِ وَقَالُوا فِي جمع الاثْنَيْنِ أثْنَاء غير وَاحِد: ثَلَاثَة وَأَرْبَعَة وَخَمْسَة وَسِتَّة وَسَبْعَة فَأَما الأُسْبُوعُ والسُّبُوعُ فسبعة أَيَّام لَا تقع على غير هَذَا النَّوْع وَثَمَانِية وَتِسْعَة عشرَة وَسِتِّينَ تصاريف هَذِه الْأَسْمَاء بِالْفِعْلِ وَأَسْمَاء الفاعلين وَمَا بعد الِاثْنَيْنِ من أَسمَاء الْعدَد من ثَلَاثَة إِلَى عشرَة تلْحقهُ هاءُ التَّأْنِيث إِذا كَانَ للمذكر لِأَن أصل الْعدَد وأوّله بِالْهَاءِ والمذكرُ أوَّلُ فَحَمَلُوهُ على مَا يُحَافِظُونَ عَلَيْهِ فِي كَلَامهم من المشاكلة وتنزع مِنْهَا الْهَاء إِذا كَانَ للمؤنث فيُجْرَى الاسمُ مُجْرَى عَنَاقٍ وعُقَابٍ وَنَحْوهمَا من الْمُؤَنَّث الَّذِي لَا عَلامَة فِيهِ للتأنيث فَتَقول ثلاثةُ رجالٍ وخَمْسَةُ حَمِيرٍ وَخَمْسُ نساءٍ وسبْعُ أُتُنٍ وثَمَانِي أَعْقُبٍ تثبت الْيَاء فِي ثَمَانِي فِي اللَّفْظ وَالْكتاب لِأَن التَّنْوِين لَا يلْحق مَعَ الْإِضَافَة وَتسقط الْيَاء لاجتماعها مَعَه كَمَا تسْقط من هَذَا قَاض فَاعْلَم فَهَذَا عقد أبي عَليّ فِي كِتَابه الموسوم بالإيضاح قَالَ أَبُو سعيد: اعْلَم أَن أدنى الْعدَد الَّذِي يُضَاف إِلَى أدنى الجموع مَا كَانَ من ثَلَاثَة إِلَى عشرَة نَحْو ثَلَاثَة وَأَرْبَعَة وَخَمْسَة وَعشرَة وَأدنى الْجمع على أَرْبَعَة أَمْثِلَة وَهِي: أَفْعُلٌ وأَفْعَالٌ وأَفْعِلةٌ وفِعْلَةٌ فافَعُلٌ نَحْو ثلاثةُ أَكْلُبٍ وأربعةُ أَفْلُس وأفعالٌ نَحْو: خمسةُ أجمالس وسبعةُ أَجْذَاع وأَفْعِلَة نَحْو ثلاثةُ أَحْمِرَة وتسعةُ أَغْرِبضة وفِعْلَة نَحْو: عَشْرَةُ غِلْمَةٍ وَخَمْسُ نِسْوَةٍ فأَدْنَى العَدد يُضَاف إِلَى أدنى الجموع وَإِنَّمَا أضيف إِلَيْهِ من قِبَلِ أَن أدنى الْعدَد بعضُ الْجمع لِأَن الْجمع أَكثر مِنْهُ وأضيفَ غليه كَمَا يُضَاف الْبَعْض إِلَى الْكل كَقَوْلِك خاتَمُ حَديدٍ وثوبُ خَزِّلأنِ الحَدِيدَ والخَزَّ جِنسانِ والثوبُ والخاتمُ بعضُهما فَإِن قَالَ قَائِل فَكيف صارتْ إضافةُ أدنَى العددِ إِلَى أَدْنَى الْجمع أولى من إِضَافَته إِلَى الْجمع الْكثير قيل لَهُ من قِبَلِ أَن العَدَدَ عددَانِ عدد قَلِيل وَعدد كثير فالقليل مَا ذَكرْنَاهُ من الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة إِلَى الْجمع وَالْكثير مَا جَاوز ذَلِك وَالْجمع جَمْعَان جمع قَلِيل وَهُوَ مَا ذَكرْنَاهُ من الأبْنِيَة الَّتِي قدمنَا وَجمع كثير وَهُوَ سَائِر أبنية الْجمع فَاخْتَارُوا إضافةَ أدنَى الْعدَد إِلَى أدنى الْجمع للمشاكلة والمطابقة وَقد يُضَاف إِلَى الْجمع الْكثير كَقَوْلِهِم ثلاثةُ كِلاَبٍ وثلاثةُ قُرُوءٍ لِأَن القليلَ وَالْكثير قد يُضَاف إِلَى جنسه فعلى هَذَا إضافتُهم العددَ القليلَ إِلَى الْجمع الْكثير وَلذَلِك قَالَ الْخَلِيل: إِنَّهُم قَالُوا ثلاثةُ كِلاَبٍ فكأنهم قَالُوا ثَلَاثَة من الْكلاب فحذفوا وأضافوا اسْتِخْفَافًا ويَنْزَعُونَ الهاءَ من الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة فِي الْمُؤَنَّث ويُثْبِتُونَها فِي الْمُذكر كَقَوْلِهِم ثَلَاث نسْوَة وَعشر نسْوَة وَثَلَاثَة رجال وَعشرَة رجال فَإِن قَالَ قَائِل: فلمَ أثبتوا الْهَاء فِي الْمُذكر ونزعوها من الْمُؤَنَّث فَفِي ذَلِك جوابان أَحدهمَا: أَن الثَّلَاث من الْمُؤَنَّث إِلَى الْعشْر مؤنثان الصِّيغَة فالثلاث مثل عَنَاق والأَرْبَعُ مثل عَقْرَب وَكَذَلِكَ إِلَى الْعشْر قد صيغت ألفاظُها للتأنيث مثل عَنَاقِ وأَتَانٍ وعَقْرَبٍ وقِدْر وفِهْر وَيَدٍ ورِجْلٍ وأشباهٍ لذَلِك كَثِيرَة فصيغت هَذِه الألفاظُ للتأنيث فَصَارَت بِمَنْزِلَة مَا فِيهِ عَلامَة التَّأْنِيث وَغير جَائِز أَن تدخل هاءُ التَّأْنِيث على مؤنث تأنيثُها بعلامة أَو غَيرهَا وَهَذَا القَوْل يُوجب أَنه مَتى سمي رجل بِثَلَاث لم يضف إِلَى الْمعرفَة لِأَنَّهُ قد صَار محلُّها مَحل عَنَاقٍ إِذا سمي بهَا رجلٌ فَأَما الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة فِي الْمُذكر فَإِنَّمَا أدخلت الْهَاء فِيهَا لِأَنَّهَا(5/194)
وَاقعَة على جمَاعَة وَالْجَمَاعَة مُؤَنّثَة وَالثَّلَاث من قَوْلنَا ثَلَاثَة مُذَكّر فأدخلت الْهَاء عَلَيْهِ لتأنيث الْجَمَاعَة وَلَو سمي رجل بِثَلَاث من قَوْلك ثَلَاثَة لانصرف فِي الْمعرفَة والنكرة لِأَنَّهُ يصير محلُّها محلَّ سَحابةٍ وسَحَابٍ وَإِذا سمي بسحابٍ رجلٌ انْصَرف فِي الْمعرفَة والنكرة وَالْقَوْل الثَّانِي أَنه فصل بَين الْمُؤَنَّث والمذكر بِالْهَاءِ ونزعها لتدل على تَأْنِيث الْوَاحِد وتذكيره فَإِن قَالَ قَائِل فَهَلا أَدْخَلُوا الْهَاء فِي الْمُؤَنَّث ونزعوها من الْمُذكر فَالْجَوَاب فِي ذَلِك: أَن الْمُذكر أخف فِي واحده من الْمُؤَنَّث فثُقِّلَ جمعُه بِالْهَاءِ وخُفِّفَ جمعُ الْمُؤَنَّث ليعتدلا فِي الثِّقَلِ واعم أَن الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة من حكمهَا أَن تُضَاف إِلَّا أَن يضْطَر شَاعِر فينوّن وينصبَ مَا بعده فَيَقُول ثَلَاثَة أثواباً وَنَحْو ذَلِك وَالْوَجْه مَا ذَكرْنَاهُ وتعرف الثَّلَاثَة بِإِدْخَال الْألف وَاللَّام على مَا بعْدهَا فَتَقول ثلاثةُ الأثواب وخمسةُ الأَشْبَارِ قَالَ الشَّاعِر وَهُوَ ذُو الرمة:
(وَهل يَرْجِعُ التسليمَ أَو يَكْشِفُ العَمَى ... ثَلاَثُ الأثافِي والديارُ البَلاَقِعُ)
فَإِن قَالَ قَائِل: فلمَ قَالُوا ثلاثةُ أثوابٍ وعَشْرُ نِسْوَةٍ وَلم يَقُولُوا واحدُ أثوابٍ واثْنَتَا نسوةٍ فَالْجَوَاب فِي ذَلِك أَن الْوَاحِد والاثنين يكون لَهما لفظ يدل على الْمِقْدَار وَالنَّوْع فيستغنى بذلك اللَّفْظ عَن ذكر الْمِقْدَار الَّذِي يُضَاف إِلَى النَّوْع كَقَوْلِك ثوب وَامْرَأَتَانِ فَدلَّ ثوب على الْوَاحِد من هَذَا الْجِنْس ودلت امْرَأَتَانِ على ثِنْتَيْنِ من هَذَا الْجِنْس فاستغنى بذلك عَن قَوْلك واحدُ أَثوَاب وثنتا نسْوَة وَقد جَاءَ فِي الشّعْر قَالَ الراجز:
(كَأَنَّ خُصْيَيْهِ من التَّدَلْدُلِ ... ظَرْفُ عَجُوزٍ فيهِ ثِنْتَا حَنْطَلِ)
أَرَادَ ثِنْتَانِ فأضاف ثنتا إِلَى نوع الحنظل وَأما ثَلَاثَة إِلَى الْعشْرَة فَلَيْسَ فِيهِ لفظ يدل على النَّوْع والمقدار جَمِيعًا فأضيف الْمِقْدَار الَّذِي هُوَ الثَّلَاثَة إِلَى النَّوْع وَهُوَ مَا بعْدهَا وَاعْلَم أَنَّك إِذا جَاوَزت العشرةَ بنيت النَّيِّفَ والعشرةَ إِلَى تِسْعَة عشر فَجَعَلتهمَا اسْما وَاحِدًا كَقَوْلِك أحد عشر وَتِسْعَة عشر وَفتحت الِاسْم الأوّل وَالَّذِي أوجب بناءهما أَن مَعْنَاهُ أحد وَعشرَة وَتِسْعَة وَعشرَة فنزعت الْوَاو وَهِي مقدّرة وَالْعدَد مُتَضَمّن لمعناها فَبُنيا لتضمنهما معنى الْوَاو وَجعلا كاسم وَاحِد فاختير الْفَتْح لَهما لِأَن الثَّانِي حِين ضم إِلَى الأول صَار بِمَنْزِلَة تَاء التَّأْنِيث يفتح مَا قبلهَا وَفتح الثَّانِي لِأَن الْفَتْح أخف الحركات وَلِأَن يكون مثل الأول لِأَنَّهُمَا اسمان جعلا اسْما وَاحِدًا فَلم يكن لأَحَدهمَا على الآخر مزيةٌ فَجَرَيا مجْرى وَاحِدًا فِي الْفَتْح وَقد قُلْنَا إِن الَّذِي أوجب فتح الأول هُوَ ضم الثَّانِي إِلَيْهِ وإجْراء الثَّانِي مُجْراه لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحدهمَا أولى بِشَيْء من الحركات من الآخر وانتصب مَا بعدهمَا من قبل أَن فيهمَا تَقْدِير التَّنْوِين وَلَا يَصح إِلَّا كَذَلِك إِذْ تَقْدِيره خَمْسَة وَعشرَة فالخمسة لَيْسَ بعْدهَا شَيْء أضيفت إِلَيْهِ فَوَجَبَ أَن تكون منونة وَالْعشرَة مَحَلُّها محلُّ الخمسةِ فَكَانَت منونةً مثلهَا وَأَيْضًا فَإِذا لم نر شَيْئَيْنِ جعلا اسْما وهما مضافان أَو أَحدهمَا مُضَاف فَوَجَبَ نصب مَا بعدهمَا للتنوين الْمُقدر فيهمَا وَجعل مَا بعدهمَا وَاحِدًا منكوراً أما جعلنَا لَهُ وَاحِدًا فلأنهما قد دلا على مِقْدَار الْعدَد وَبَقِي الدّلَالَة على النَّوْع فَكَانَ الواحدُ مِنْهُ كَافِيا إِذْ كَانَ مَا قبله دلّ على الْمِقْدَار وَالْعدَد وَأما جعلنَا إِيَّاه منكوراً فَلِأَن النكرَة شائعة فِي جِنْسهَا وَلَيْسَت بِبَعْض الْجِنْس أولى مِنْهُ بِبَعْض فَكَانَت أشكلَ بِالْمَعْنَى الَّذِي أريدت لَهُ من الدّلَالَة على الْجِنْس وأدخَل فِيهِ من غَيرهَا فَبُيِّنَ بهَا النوعُ الَّذِي احْتِيجَ إِلَى تبيينه وَذَلِكَ قولُك أَحَدَ عَشَرَ رجلا وخمسَ عشرةَ امْرَأَة فَأَما الْمُذكر فَإنَّك تَقول أَحَدَ عَشَر رجلا وَاثنا عشر رجلا وثلاثَةَ عَشَر رَجلاً إِلَى تسعةَ عَشَر رَجلاً فَأَما أحد فالهمزة فِيهِ منقلبة من وَاو وَقد أبنتُ ذَلِك وأوضحته بشرح الْفَارِسِي وَكَذَلِكَ إِحْدَى عشرَة وَقد أبنتها هُنَاكَ وَأما اثْنَا عشر فَمَا بعْدهَا فقد أبنتها فِي المبنيات بغاية الشَّرْح فَلَا حَاجَة بِنَا إِلَى إِعَادَتهَا هُنَا وَأما ثنتا عشرَة فَفِيهَا لُغَتَانِ ثِنْتَا عَشْرَةَ واثنتا عشرَة فَالَّذِي قَالَ اثْنَتَا عشرَة بناه على الْمُذكر فَقَالَ للمذكر اثْنَان وللمؤنث اثْنَتَانِ كَمَا تَقول ابْنَانِ وابنان وَالَّذِي(5/195)
يَقُول ثِنْتَا عشرَة بَنَى ثِنْتَا على مِثَال جِذْع كَمَا قَالَ بِنْتَ فألحقها بجِذْعٍ وَتقول ثِنْتَانِ كَمَا تَقول بِنْتَانِ وَلم تدخل هَذِه التَّاء على تَقْدِير أَن يكون مَا قبلهَا مذكراً لِأَنَّهَا لَو دخلت على سَبِيل ذَلِك لأوجَبَت فتح مَا قبلهَا وَالْكَلَام فِي تغير الْألف فِي ثِنْتَانِ وَاثْنَتَانِ إِذا قلت ثنتا عشرَة وثنتي عشرَة وَأما ثَمَانِي عشرَة فَإِن أَكثر الْعَرَب يَقُولُونَ ثَمَانِي عَشْرَةَ كَمَا يَقُولُونَ عَشْرَةَ وأرْبَعَ عَشْرَةَ وَمِنْهُم من يسكن الْيَاء فَيَقُول ثمانيْ عشرَة قَالَ الشَّاعِر:
(صَادَفَ من بَلاَئِهِ وَشِقْوتِهْ ... بِنْتَ ثَمَانِيْ عَشْرَةٍ من حَجَّتِهِ)
وَإِنَّمَا أسكن الْيَاء كَمَا أسكن فِي معديكرب وقَالِي وأيادي سَبَا لِأَن الْيَاء أثقل من غَيرهَا وَغَيرهَا من الصَّحِيح إِنَّمَا يفتح إِذا جعل مَعَ غَيره اسْما وَاحِدًا فسكنت الْيَاء إِذْ لم يبْق بعد الْفَتْح إِلَّا التسكين وَفِي عشرَة لُغَتَانِ إِذا قلت ثلاثَ عشرةَ فَأَما بَنو تَمِيم فيفتحون الْعين ويكسرون الشين ويجعلونها بِمَنْزِلَة كَلِمَة وَأهل الْحجاز يفتحون الْعين ويسكنون الشين ويجعلونها مثل ضَرْبَةَ وَهَذَا عكس مَا عَلَيْهِ لُغَة أهل الْحجاز وَبني تَمِيم لِأَن أهل الْحجاز فِي غير هَذَا يُشْبِعُون عامةَ الْكَلَام وَبَنُو تَمِيم يُخففون فَإِن قَالَ قَائِل فَلم قَالُوا عَشِرَة فكسروا الشين قيل لَهُ من قَبَلِ أَن عشر فِي قَوْلك عشر نسْوَة مُؤَنّثَة الصِّيغَة فَلم يَصح دُخُول الْهَاء عَلَيْهَا فَاخْتَارُوا لَفْظَة أُخْرَى يَصح دُخُول الْهَاء عَلَيْهَا وخفف أهل الْحجاز ذَلِك كَمَا قَالَ فَخِذٌ وفَخْذ وعَلِمَ وعَلْمَ وَنَحْو ذَلِك وعَلى هَذَا الحكم يجْرِي من الْوَاحِد إِلَى التِّسْعَة فَإِذا ضاعفت أدنى الْعدَد كَانَ لَهُ اسْم من لَفظه وَلَا يثنى العقد وَيجْرِي ذَلِك الِاسْم مجْرى الْوَاحِد الَّذِي لحقته الزِّيَادَة للْجمع وَيكون حرفُ الْإِعْرَاب الواوَ والياءَ وبعدهما النُّون وَيكون لفظُ الْمُذكر والمؤنث فِي ذَلِك سَوَاء ويُفَسَّرُ بِوَاحِد منكور وَذَلِكَ قَوْلهم عشرُون درهما فَإِن قَالَ قَائِل مَا هَذِه الكسرة الَّتِي لحقت أول الْعشْرين وهلا جرت على عَشِرة فَقَالَ عَشِرين أَو على عَشْرِ فَيُقَال عَشْرِين وَالْجَوَاب فِي ذَلِك أَن عِشْرِين لما كَانَت وَاقعَة على الذّكر وَالْأُنْثَى كسر أَولهَا للدلالة على التَّأْنِيث وَجمع بِالْوَاو وَالنُّون للدلالة على التَّذْكِير فَيكون آخِذا من كل وَاحِد مِنْهُمَا بشبهين فَإِن قَالَ قَائِل فقد كَانَ يَنْبَغِي على هَذَا الْقيَاس أَن يجْعَلُوا هَاتين العلامتين فِي الثَّلَاثِينَ إِلَى التسعين قيل: قد يجوز أَن تكون الثَّلَاث من الثَّلَاثِينَ هِيَ الثَّلَاث الَّتِي للمؤنث وَيكون الْوَاو وَالنُّون لوُقُوعه على التَّذْكِير فَيكون قد جمع للثلاثين لفظ التَّذْكِير والتأنيث فَيكون على قِيَاس الْعلَّة الأولى مطرداً وَيجوز أَن يكون اكتفوا بِالدّلَالَةِ فِي الْعشْرين عَن الدّلَالَة فِي غَيره من الثَّلَاثِينَ إِلَى التسعين فَجرى على مثل مَا جرى عَلَيْهِ الْعشْرُونَ فَإِذا وَقع الْعشْرُونَ على الْمُذكر والمؤنث كَانَ الثَّلَاثُونَ مثله وَاكْتفى بعلامة التَّأْنِيث فِي الْعشْرين عَن عَلامَة فِي الثَّلَاثِينَ وَدَلِيل آخر فِي كسر الْعين من عشْرين وَهُوَ أَنا رأيناهم قَالُوا فِي ثَلَاث عشرات ثَلَاثُونَ وَفِي أَربع عشرات أَرْبَعُونَ فكأنهم جعلُوا ثَلَاثِينَ عَشْرَ مرارٍ ثَلَاثَة وَأَرْبَعين عَشْرَ مرار أربعةٌ إِلَى تسعين فاشتقوا من لفظ الْآحَاد مَا يكون لعشر مراتٍ ذَلِك الْعدَد فَكَانَ قِيَاس الْعشْرين من الثَّلَاثِينَ أَن يُقَال اثْنَيْنِ واثْنُونَ لِعَشْر مرارِ اثنَيْنِ إِلَّا أَنهم تجنبوا ذَلِك لِأَن اثْنَيْنِ لَا يكون إِلَّا مثنى فَلَو قُلْنَا اثْنَيْنِ كُنَّا قد نَزعنا اثْناً من الِاثْنَيْنِ وأدخلنا عَلَيْهِ الْوَاو وَالنُّون واثْنٌ لَا يسْتَعْمل إِلَّا مَعَ حُرُوف التَّثْنِيَة فَبَطَل استعمالُه فِي مَوضِع الْعشْرين فَلَمَّا اضطروا لهَذِهِ الْعلَّة إِلَى اسْتِعْمَال الْعشْرين كسروا أوّله لِأَن اثْنَيْنِ مكسور الأول فكسروا أول الْعشْرين كَذَلِك وأدخلوا الْوَاو وَالنُّون لِأَنَّهُ يَقع على الْمُذكر وَإِذا اخْتَلَط الْمُذكر والمؤنث فِي لفظ غلب التَّذْكِير انْفَرد اللَّفْظ بِهِ وَدَلِيل آخر وَهُوَ أَنهم يَقُولُونَ فِي الْمُؤَنَّث إِحْدَى عَشِرَةَ وتسعَ عَشْرَةَ فَلَمَّا جاوزها إِلَى الْعشْرين نقلوا كسرة الشين الَّتِي كَانَت للمؤنث إِلَى الْعين كَمَا يَقُولُونَ فِي كَذِبٍ كِذٍبٌ وَفِي كَبِدٍ كِبْدٌ وجمعوه بِالْوَاو وَالنُّون كَمَا يَفْعَلُونَ فِي الْأَشْيَاء المؤنثة الْمَحْذُوف مِنْهَا الهاآت عوضا من الْمَحْذُوف كَقَوْلِهِم فِي سنة سِنِين وسنون وَفِي أَرْضٍ أَرَضُون وَفِي ثُبَة ثُبون وثِبُون وَهَذَا كثير جدا وَالْجمع بِالْوَاو وَالنُّون لَهُ مزية على غَيره من الجموع فَجعل(5/196)
عوضا من الْمَحْذُوف وَاعْلَم أَن عشْرين وَنَحْوهَا رُبمَا جُعِلَ إعرابُها فِي النُّون وَأكْثر مَا يَجِيء ذَلِك فِي الشّعْر فَإِذا جعل كَذَلِك ألزمت الْيَاء لِأَنَّهَا أخف من الْوَاو كَمَا فعلوا ذَلِك فِي سِنين إِذا جعلُوا إعرابها فِي النُّون قَالُوا: أتَتْ عَلَيْهِ سِنينٌ قَالَ الشَّاعِر:
(وإِنَّ لَنَا أَبا حَسَنٍ عَلِيًّا ... أَبٌ بَرٌ ونحنُ لَهُ بَنِينُ)
وَأنْشد لغيره:
(أَرَى مَرُّ السَّنِينَ أَخَذَنْ مِنِّي ... كَمَا أَخَذَ السِّرارُ من الهِلاَلِ ... )
وَقَالَ سُحَيْمٌ:
(وماذا تَدَّرِي الشَّعراءُ مِنِّي ... وَقد جاوزتُ رأسَ الأَرْبَعِينِ)
(أَخُو خَمْسِينَ مُجْتَمَعٌ أَشُدَّي ... وَنَجَّذَنِي مُدَاوَرَةُ الشُّؤُونِ)
هَذَا عَامَّة قَول الْبَصرِيين أَنه مَتى لزم النُّون الإعرابُ لزم الياءُ وَصَارَ بِمَنْزِلَة قِنِّسْرين وغِسْلِينٍ وَأكْثر مَا يَجِيء هَذَا فِي الشّعْر وَقد زعم بَعضهم أَنه قد يجوز أَن يلْزم الواوُ وَإِن كَانَ الإعرابُ فِي النُّون وَزعم أَن زَيْتُوناً يجوز أَن يكون فَيْعُولاً وَيجوز أَن يكون فَعْلُوناً وَهُوَ إِلَى فَعْلُونٍ أقربُ لِأَنَّهُ من الزَّيْتِ وَقد لزم الْوَاو وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: لَو سمي رجل بمُسْلِمين كَانَ فِي وَجْهَان: إِن جعلت الإعرابَ فِي الْوَاو فتحتَ النونَ على كل حَال وجعلتَ فِي حَال الرّفْع واواً فِي حَال النصب والجر يَاء كَقَوْلِك جَاءَنِي مُسلمُونَ وَرَأَيْت مُسلمين ومررت بمسلمين فَهَذَا مَا ذكره وَلم يزدْ عَلَيْهِ شَيْئا وَقد رَأينَا فِي كَلَام الْعَرَب وَأَشْعَارهَا بالرواية الصَّحِيحَة وَجها آخر وَهُوَ أَنهم إِذا سموا بِجمع فِيهِ وَاو وَنون فقد يلزمون الواوَ على كل حَال ويفتحون النونَ وَلَا يحذفونها فِي الْإِضَافَة فكأنهم حكوا لفظ الْجمع الْمَرْفُوع فِي حَال التَّسْمِيَة وألزموه طَريقَة وَاحِدَة قَالَ الشَّاعِر:
(ولَهَا بالماطِرُونَ إذَا ... أَكَلَ النَّمْلُ الَّذِي جَمَعَا)
فَفتح نُونَ الماطرونَ وَأثبت الْوَاو وَهُوَ فِي مَوضِع جر وَالْعرب تَقول اليَاسَمُونَ فِي حَال الرّفْع وَالنّصب والجر وَيَقُولُونَ ياسَمُونَ البَرِّ فيثبتون النُّون مَعَ الْإِضَافَة ويفتحونها وَمِنْهُم من يرويهِ بالمَاطِرون ويُعَرِبُ الياسَمُونَ وَكَذَلِكَ الزَّيْتُونَ وَهُوَ الأجود فَإِذا زِدْت على الْعشْرين نَيِّفاً أعربته وعطفتَ العِشْرِين عَلَيْهِ كَقَوْلِك أخذتُ خَمْسَة وَعشْرين وَهَذِه ثَلَاثَة وَعِشْرُونَ لِأَنَّهُ لَا يَصح أَن يبْنى اسْم مَعَ اسْم وَأَحَدهمَا مُعرب وَلم يَقع الآخر فِي شَيْء مِنْهُ كوقوع عَشر فِي مَوضِع النُّون من اثْنَي عشر وتنصب مَا بعد الْعشْرين إِلَى تسعين وتوحد وتنكر وَالَّذِي أوجب نَصبه أَن عشْرين جمعٌ فِيهِ نون بِمَنْزِلَة ضاربين وَيجوز إِسْقَاط نونه إِذا أضيف إِلَى مَالك كَقَوْلِك هَذِه عشر زيد وَعِشْرُونَ تطلب مَا بعْدهَا وتقتضيه كَمَا أَن ضاربين يطْلب مَا بعده ويقتضيه فتنصب مَا بعد الْعشْرين كَمَا نصبت مَا بعد الضاربين من الْمَفْعُول الَّذِي ذَكرْنَاهُ إِلَّا أَن عشْرين لَا يعْمل إِلَّا فِي منكور وَلَا يعْمل فِيمَا قبله لِأَنَّهُ لم يقو قوَّة ضاربين فِي كل شَيْء لِأَنَّهُ اسْم غير مُشْتَقّ من فعل فَلم يتَقَدَّم عَلَيْهِ مَا عمل فِيهِ لِأَنَّهُ غير متصرف فِي نَفسه وَلم يعْمل إِلَّا فِي نكرَة من قِبَلِ أَن الْمَعْنى فِي عشْرين درهما عشرُون من الدَّرَاهِم فاسْتَخَفُّوا وَأَرَادُوا الِاخْتِصَار فحذفوا مِنْ وجاؤوا بِوَاحِد منكور شَائِع فِي الْجِنْس فَدَلُّوا بِهِ على النَّوْع وَلَا يجوز أَن يكون التَّفْسِير إِلَّا بِوَاحِد إِذْ كَانَ الْوَاحِد دَالا على نوع مُسْتَغْنًى بِهِ فَإِذا أردْت أَن تجمع جماعاتٍ مختلفةٌ جَازَ أَن تفسر الْعشْرين وَنَحْوهَا بِجَمَاعَة فَتكون عشرُون كلُّ وَاحِد مِنْهَا جماعةٌ ومثلُ ذَلِك قولُك قد التقى الخَيْلاَنِ فَكل وَاحِد مِنْهُمَا جمَاعَة خيل فعلى قَوْلك هَذَا تَقول التقى عشرُون خيلاً على أَن كل وَاحِد من الْعشْرين خيلٌ قَالَ الشَّاعِر:(5/197)
(تَبَقَّلَتْ مِنْ أَوَّلِ التَّبَقُّلِ ... بَيْنَ رِمَاحَيْ مالِكٍ ونَهْشَلِ)
لِأَن مالكاُ ونَهْشَلاً قبيلتان وكل وَاحِدَة مِنْهُمَا لَهَا رماح فَلَو جمعتَ على هَذَا لقلتَ عشرُون رِماحاً قد الْتَقَتْ تُرِيدُ عشْرين قَبيلَة لكل مِنْهَا رماح وَلَو قلت عشرُون رُمْحاً كَانَ لكل وَاحِد مِنْهَا رُمْح قَالَ الشَّاعِر:
(سَعَى عِقَالاً فَلم يَتْرُكُ لَنَا سَبَداً ... فكيفَ لَو قَدْ سَعَى عَمْرٌو عِقَالَيْنِ)
(لأَصْبَحَ القومُ قد بادُوا وَلم يَجِدُوا ... عِنْدَ التَّفَرُّقِ فِي الهَيْجَا جَمَالَيْنِ)
أَرَادَ جِمالاً لهَذِهِ الفِرقَة وجمالاً لهَذِهِ الْفرْقَة فَإِذا بلغتَ المائةَ جئتَ بِلَفْظ يكون للذّكر وَالْأُنْثَى وَهُوَ مائَة كَمَا كَانَ عشرُون وَمَا بعْدهَا من العُقود وبينتَ الْمِائَة بإضافتها إِلَى وَاحِد منكور فَإِن قَالَ قَائِل مَا الْعلَّة الَّتِي لَهَا أُضِيفَتْ إِلَى وَاحِد منكور فَالْجَوَاب فِي ذَلِك أَنَّهَا شابهت الْعشْرَة الَّتِي حكمُها أَن تُضَاف إِلَى جمَاعَة وَالْعِشْرين الَّتِي حكمهَا أَن تميز بِوَاحِد منكور فأُخِذَ من كل وَاحِد مِنْهُمَا شَبَهٌ فأضيف بِشَبَهِ الْعشْرَة وجُعِلَ مَا يضافُ إِلَيْهِ وَاحِدًا بِشَبَهِ الْعشْرين لِأَنَّهَا يُضَاف إِلَيْهَا نوع يبينها كَمَا يُبَيِّنُ النوعُ المُمَيِّزُ الْعشْرين فَإِن قَالَ قَائِل وَمَا شَبَهُهَا من الْعشْرَة وَالْعِشْرين قيل لَهُ أما شَبَهُها من الْعشْرَة فَلِأَنَّهَا عَقْدٌ كَمَا أَن الْعشْرَة عقد وَأما شبهها من الْعشْرين فَلِأَنَّهَا تلِي التسعين وحكمُ عَشْرَةِ الشيءِ كَحكم تِسْعَتِهِ أَلا ترى أَنَّك تَقول تِسْعَة أَثوَاب وَعشرَة أَثوَاب فَتكون العشرةُ كالتسعة والمائةُ من التسعين كالعشرة من التِّسْعَة وَذَلِكَ قَوْلك مِائَتَا دِرْهَم وَمِائَتَا ثوب وَنَحْو ذَلِك وَيجوز فِي الشّعْر إدخالُ النُّون على الْمِائَتَيْنِ ونصبُ مَا بعْدهَا قَالَ الشَّاعِر:
(إِذا عَاشَ الفتَى مائتينِ عَاما ... فقد ذَهَبَ اللَّذاذةُ والفَتَاءُ)
وَقَالَ آخر أَيْضا
(أَنْعَتُ عَيْراً مِنْ حَمِير خَنْزَرهْ ... فِي كُلِّ عَيْرٍ مائتانِ كَمْرَهْ)
فَإِذا أردْت تَعْرِيف الْمِائَة والمائتين أدخلتَ الألفَ واللامَ فِي النَّوْع وأضفتَها إِلَيْهِ كَقَوْلِك مائةُ الدِّرْهَم وَمِائَتَا الثَّوْب فَإِذا جمعتَ الْمِائَة أضفت الثلاثَ فَقلت ثَلَاثمِائَة إِلَى تِسْعمائَة فَإِن قَالَ قَائِل هَلاَّ قُلْتُمْ ثلاثُ مِئينَ أَو مِئَاتٍ كَمَا قُلْتُمْ ثلاثُ مسلماتٍ وتِسْعُ تَمَرَاتٍ فَالْجَوَاب فِي ذَلِك أَنا رَأينَا الثلاثَ المضافة إِلَى الْمِائَة قد أشبهت الْعشْرين فِي وَجه وأشبهت الثَّلَاث الَّتِي فِي الْآحَاد من وَجه فَأَما شبهها بالعشرين فِلأَنَّ عَقْدَها على قِيَاس الثلاثِ إِلَى التِّسْعِ لِأَنَّك تَقول ثلاثُمائَةٍ وتسعمائةٍ ثمَّ تَقول ألفٌ وَلَا تَقول عَشْرُ مائةٍ فَصَارَ بِمَنْزِلَة قَوْلك عشرُون وَتسْعُونَ ثمَّ تَقول مائةٌ على غير قِيَاس التسعين وَتقول فِي الآحَادِ ثلاثُ نِسْوَةٍ وعَشْرُ نِسْوَةٍ فَتكون العَشْرُ بِمَنْزِلَة التَّأْنِيث فَأَشْبَهت ثلاثُمائةٍ الْعشْرين فَبُيِّنَتْ بواحدٍ وأشبهت الثلاثَ فِي الْآحَاد فَجعل بيانُها بِالْإِضَافَة وَالدَّلِيل على صِحَة هَذَا أَنهم قَالُوا ثلاثةُ آلَاف فَإِنَّمَا أضافوا الثلاثةَ إِلَى جمَاعَة لأَنهم يَقُولُونَ عشرةُ آلافٍ فَلَمَّا كَانَ عَشَرَتُه على غير قِيَاس ثلاثته أَجْرَوْهُ مُجْرَى ثلاثةِ أثوابٍ لأَنهم قَالُوا عشرةُ أثوابٍ فَإِذا قلت ثلاثمائةٍ فَحكم الْمِائَة بعد إِضَافَة الثَّلَاث إِلَيْهَا أَن تُضَاف إِلَى واحدٍ منكور كحكمها حِين كَانَت مُنْفَرِدَة وَيجوز أَن تُنَوَّنَ وتُمَيَّزَ بواحدٍ كَمَا قيل مائتانِ عَاما فَأَما قولُ الله عز وَجل: {ثَلاثَمائةٍ سِنِينَ وازْدَادُوا تِسْعاً} [الْكَهْف: 25] فَإِن أَبَا إِسْحَاق الزّجاج زعم أَن سِنِين منتصبةٌ على الْبَدَل من ثلاثِمائةٍ وَلَا يَصح أَن تُنْصَب على التَّمْيِيز لِأَنَّهَا لَو انتصبت بذلك فِيمَا قَالَ لوَجَبَ أَن يَكُونُوا قد لَبِثُوا تِسْعَمائَة وَلَيْسَ ذَلِك بِمَعْنى الْآيَة وقبيحٌ أَن يُجْعَل سِنين نعتاً لَهَا لِأَنَّهَا جامدة لَيْسَ فِيهَا معنى فِعْلٍ وَقَالَ الْفراء يجوز أَن تكون سِنِين على التَّمْيِيز كَمَا قَالَ عنترة فِي بَيت لَهُ:
(فِيهَا اثْنَتَانِ وأربعونَ حَلَوبَةٌ ... سُوداً كَخَافِيَةِ الغُرَابِ الأَسْحِمِ)(5/198)
ويروى سُودٌ فقد جَاءَ فِي التَّمْيِيز سُوداً وَهِي جمَاعَة قَالَ أَبُو سعيد: وَلأبي إِسْحَاق أَن يفصل بَين هَذَا وَبَين سِنِين بأنَّ سُوداً إِنَّمَا جَاءَت بعد الْمُمَيز فَيجوز أَن يُحْمَل على اللَّفْظ مرةٌ وعَلى الْمَعْنى مرةٌ كَمَا تَقول كُلُّ رجل ظَرِيف عِنْدِي وَإِن شئتَ قلتَ ظريفٌ فتحمله مرّة على اللَّفْظ وَمرَّة على الْمَعْنى وَلَيْسَ قبل سِنِين شَيْء وَقَعَ بِهِ التَّمْيِيز فَيكون سِنِين مثل سُودًا وَاعْلَم أَن مائَة ناقصةٌ بِمَنْزِلَة رِئَةٍ وإِرَةٍ فلك أَن تجمعها مِئُونَ فِي حَال الرّفْع ومِئينَ فِي حَال النصب والجر وَإِن شئتَ قلتَ مِئينٌ فجعلتَ الإعرابَ فِي النُّون وألزمته الْيَاء وَإِن شِئْت قلت مِئَاتٌ كَمَا تَقول رِئَاتٌ وَأما قَول الشَّاعِر:
(وَحَاتِمُ الطَّائِيُّ وَهَّابُ المِئِي ... )
فقد اخْتلف النحويون فِي ذَلِك فَقَالَ بَعضهم أَرَادَ جمع الْمِائَة على الْجمع الَّذِي بَينه وَبَين واحده الْهَاء كَقَوْلِك تَمْرَة وتمر فَكَأَنَّهُ قَالَ مائةٌ ومِئٌ ثمَّ أطلق القافية للجر وَقَالَ بَعضهم أَرَادَ المِيءَّ وَكَانَ أَصله المَئيَّ على مِثَال فَعِيل لِأَن الذَّاهِب من الْمِائَة إِمَّا وَاو وَإِمَّا يَاء فَإِن كَانَت يَاء فَهِيَ مِئيٌ وَإِن كَانَت واواً انقلبت أَيْضا يَاء وَصَارَ لَفظهَا وَاحِدًا ثمَّ تُكْسَر الْمِيم وَذَلِكَ أَن بني تَمِيم يكسرون الْفَاء من فَعِيل إِذا كَانَت الْعين أحد الْحُرُوف السِّتَّة وَهِي حُرُوف الْحلق كَقَوْلِهِم شِعِير ورَحِيم فَيَقُولُونَ فِي ذَلِك مِيٌ وَأَصله مِئِيٌ وَمِمَّا جَاءَ على هَذَا الْمِثَال من الْجمع مَعِيزٌ جمع مَعَزٍ وكَلِيبٌ وعَبِيد وَغير ذَلِك مِمَّا جَاءَ على فعيل فعلى هَذَا القَوْل مِيٌ مشدد وَيجوز تخفيفها فِي القافية الْمقيدَة كَمَا ينشد بَعضهم قَول طرفَة فِي بَيت لَهُ:
(أَصَحَوْتَ اليومَ أَمْ شَاقَتْكَ هِرْ ... ومِنَ الحُبِّ جُنُونٌ مُسْتَعِرُّ)
وَقَالَ بعض النَّحْوِيين إِنَّمَا هُوَ مِئِينٌ فاضْطُرَّ إِلَى حَذْفِ النُّون كَمَا قَالَ:
(قَوَاطِناً مَكَّةَ مِنْ وُرْقِ الحَمِي ... )
فَإِذا بلغتَ الألفَ أضفته إِلَى واحدٍ فَقلت ألف دِرْهَم كَمَا أضفت الْمِائَة إِلَى وَاحِد حِين قلت مائَة دِرْهَم وَالْعلَّة فِيهِ كالعلة فِيهَا من قِبَلِ أَن الألفَ إِلَى غير قِيَاس مَا قبله لِأَنَّك لم تقل عشر مائَة كَمَا قلت تِسْعمائَة وضعت لفظا يدل على العقد الَّذِي بعد تِسْعمائَة غَيْرَ جارٍ على شَيْء قبله كَمَا فعلتَ ذَلِك بِالْمِائَةِ حِين لم تُجْرِها على غير قِيَاس التسعين فَإِذا جمعت الْألف جمعته على حد مَا تجمع الواحدَ وتَضِيف ثلاثتَه إِلَى جمَاعَة نوعِهِ فَتَقول ثلاثةُ آلافِ وعشرةُ آلَاف كَمَا قلت ثَلَاثَة أثوابٍ وعَشْرَةُ أثوابٍ وَإِنَّمَا خَالف جمعُ الْألف فِي الْإِضَافَة جمعَ الْمِائَة لِأَن الألفَ عشرتُه كثلاثته فَصَارَ بِمَنْزِلَة الْآحَاد الَّتِي عشرتُها كثلاثتها وَلَيْسَ عشرَة الْمِائَة كثلاثتها وَقد بَينا هَذَا فِيمَا تقدم وَلَيْسَ بعد الأَلَفِ شَيْء من الْعدَد على لفظ الْآحَاد فَإِذا تضاعفت أُعِيد فِيهِ اللفظُ بالتكرير كَقَوْلِك عشرةُ آلافٍ ألف وَمِائَة ألفٍ وألفٍ وَنَحْو ذَلِك وَإِنَّمَا قلت عشرةُ آلافٍ لِأَن الألفَ قد لزم إضافتُه إِلَى وَاحِد فِي تبيينه وَكَذَلِكَ جماعتُه كواحده فِي تبيينه بِالْوَاحِدِ من النَّوْع وَاعْلَم أَن الْألف مُذَكّر تَقول أخذتُ مِنْهُ ألفا وَاحِدًا قَالَ الله تَعَالَى: {بَثَلاَثَةِ آلاَفٍ} [آل عمرَان: 124] فَأدْخل الْهَاء على الثَّلَاثَة فَدلَّ على تذكير الْألف وَرُبمَا قيل هَذِه ألفُ درهمٍ يُرِيدُونَ الدراهمَ
1 - بَاب ذكرك الِاسْم الَّذِي تُبَيِّنُ بِهِ العِدَّةَ كم هِيَ مَعَ تَمامهَا الَّذِي هُوَ من ذَلِك اللَّفْظ
فبناءُ الِاثْنَيْنِ وَمَا بعده إِلَى الْعشْرَة فاعلٌ وَهُوَ مُضَاف إِلَى الِاسْم الَّذِي يُبَيِّنُ بِهِ العَدَدُ ذكر سِيبَوَيْهٍ فِي هَذَا الْبَاب من كِتَابه ثانِي اثْنَيْنِ وثالثَ ثلاثةٍ إِلَى عَاشر عشرَة فَإِذا قلت هَذَا ثَانِي اثْنَيْنِ أَو ثالثُ ثلاثةٍ أَو رابعُ أَرْبَعَة(5/199)
فَمَعْنَاه أحدُ ثلاثةٍ أَو بعضَ ثلاثةٍ أَو تمامُ ثلاثةٍ وقولُنا فِي تَرْجَمَة الْبَاب الِاسْم الَّذِي تُبَيِّنُ لَهُ العِدَّةُ كمْ هِيَ نعني ثَلَاثَة وقولُنا مَعَ تَمامهَا الَّذِي هُوَ من ذَلِك اللَّفْظ نعني ثَالِثا لِأَنَّهُ تمامُ ثلاثةٍ وَهَذَا التمامُ يُبْنَى على فَاعل كَمَا قُلْنَا فَيُقَال ثَانِي اثْنَيْنِ وثالثُ ثلاثةٍ وتُجْرَى الأوَّلَ مِنْهَا بِوُجُوه الْإِعْرَاب إِلَى عَاشر عشرةِ قَالَ الله تَعَالَى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاَثةٍ} [الْمَائِدَة: 73] وَقَالَ {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الغَارِ} [التَّوْبَة: 40] وَقد كنتُ ذكرتُ فِي المبنيات من أحدَ عَشَرَ إِلَى تسعةَ عَشَرَ مَا فِيهِ كِفَايَة وَلَكِنِّي أذكر هَاهُنَا مِنْهُ جملَة فِيهَا مَا لم أذكرهُ هُنَاكَ إِذْ كَانَ هَذَا بَابه إِن شَاءَ الله تَعَالَى هَذَا الْبَاب يشْتَمل على ضَرْبَيْنِ أَحدهمَا: وَهُوَ الْأَكْثَر فِي كَلَام الْعَرَب على مَا قَالَه سِيبَوَيْهٍ أَن يكون الأولُ من لفظ الثَّانِي على معنى أَنه تمامُه وبعضُه وَهُوَ قَوْلك هَذَا ثني اثْنَيْنِ وثالث ثَلَاثَة وعاشر عشرَة وَلَا ينوّن هَذَا فينصب مَا بعده فَيُقَال ثالثٌ ثَلَاثَة لِأَن ثَالِثا فِي هَذَا لَيْسَ يَجْرِي مَجْرَى الْفِعْل فَيصير بِمَنْزِلَة ضاربٍ زيدا وَإِنَّمَا هُوَ بعضُ ثلاثةٍ وأنتَ لَا تَقول بعضٌ ثَلَاثَة وَقد اجْتمع النحويون على ذَلِك إِلَّا مَا ذكره أَبُو الْحسن بن كَيْسَانَ عَن أبي الْعَبَّاس ثَعْلَب أَنه أجَاز ذَلِك قَالَ أَبُو الْحسن: قلتُ لَهُ إِذا أجزتَ ذَلِك فقد أجريته مُجْرى الْفِعْل فَهَل يجوز أَن تَقول ثَلَثْتُ ثَلَاثَة قَالَ نعم على معنى أتممت ثَلَاثَة والمعروفُ قَول الْجُمْهُور وَقَالَ بَعضهم سَبَعْتُ القومَ وأسبعتُهم - صَيَّرْتُهُم سَبْعَة وسَبَعْتث الحبلَ أَسْبَعَهُ - فتلتُه على سبع قُوًى وَكَانُوا ستَّةً فَأَسْبَعُوا - صَارُوا سَبْعَة وأسبعتُ الشيءَ وسَبَعْتُه - صيَّرتُه سبعةَ ودراهمُ وَزْنُ سبعةٍ لأَنهم جعلُوا عشرةَ دَرَاهِم وَزْنَ سَبْعَة مثاقيلَ وسُبعِ المولودُ - حُلِقَ رَأسه وذُبِحَ عَنهُ لسبعةٍ وسَبَّعَ اللهُ لَك - رَزَقَكَ سبعةَ أولادٍ وسَبَّعَ اللهُ لَك - ضَعَّفَ مثاقيلَ وسُبعِ المولودُ - حُلِقَ رَأسه وذُبِحَ عَنهُ لسبعةٍ وسَبَّعَ اللهُ لَك - رَزَقَكَ سبعةَ أَبَنْتُها فِي موَاضعهَا فَإِذا زدتَ على الْعشْرَة فَالَّذِي ذكره سِيبَوَيْهٍ بناءُ الأول وَالثَّانِي وَذَلِكَ حادي عشر وَثَانِي عشر وثالث عشر فَفتح الأول وَال ثَانِي وجعلهما اسْما وَاحِدًا وَجعل فتحهما كفتح ثَلَاثَة عشر وَذكر أَن الأصلَ أَن يُقَال حادِي عَشَرَ أَحَدَ عَشَرَ وثالِثَ عَشَرَ ثَلَاثَة عَشَر فَيكون حادي بِمَنْزِلَة ثالثٍ لِأَن الثَّالِث قد استغرق حروفَ ثَلَاثَة وَبني مِنْهَا فَكَذَلِك يَنْبَغِي أَن يسْتَغْرق حادي عشر حروفَ أَحَدَ عشر وَقد حَكَاهُ أَيْضا فَقَالَ: وَبَعْضهمْ يَقُول ثالثَ عَشَرَ ثلاَثَةَ عَشَر وَهُوَ القياسُ وَقد أنكر أَبُو الْعَبَّاس هَذَا وَذكر نه غير مُحْتَاج إِلَى أَن يَقُول ثالثَ عَشَرَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ وَأَن الَّذِي قَالَه سِيبَوَيْهٍ خلافُ مَذْهَب الْكُوفِيّين وكأَنَّ حجَّة الْكُوفِيّين فِيمَا يتَّجهُ فِيهِ أَن ثَلَاثَة عشر لَا يُمكن أَن يبْنى من لَفْظهمَا فَاعل وَإِنَّمَا يَبْنِي من لفظ أَحدهمَا وَهُوَ الثَّلَاثَة فَذكر عشر مَعَ ثَالِث لَا وَجه لَهُ وَقد قدَّمنا احتجاجَ سِيبَوَيْهٍ لذَلِك مَعَ حكايته إِيَّاه عَن بَعضهم وَيجوز أَن يُقَال: إِنَّه لما لم يُمكن أَن يبْنى مِنْهُمَا فَاعل وَبني من أَحدهمَا احْتِيجَ إِلَى ذكر الآخر لينفصلَ عَن مَا هُوَ أحدُ ثلاثةٍ مِمَّا هُوَ أحدُ ثلاثةَ عَشَرَ فَأتى بِالْفَظِّ كُله وَالضَّرْب الثَّانِي: من الضربين أَن يكون التَّمام يجْرِي مجْرى اسْم الْفَاعِل الَّذِي يعْمل فِيمَا بعده وَيكون لفظ التَّمام من عدد هُوَ أَكثر من المتمم بِوَاحِد كَقَوْلِك ثالثُ اثْنَيْنِ ورابعُ ثلاثةٍ وعاشرُ تسعةٍ وَيجوز أَن ينون الأولُ فَيُقَال رابعٌ ثَلَاثَة وعاشرٌ تِسْعَة لِأَنَّهُ مأخوذٌ من الْفِعْل تَقول كَانُوا ثَلَاثَة فَرَبَعْتُهُمْ وَتِسْعَة فعشرتهم فَنًّا عاشرُهم كَقَوْلِك ضربتُ زيدا فَنًّا ضارِبٌ زيدا وضاربُ زيد قَالَ الله تَعَالَى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ} [المجادلة: 7] وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ فِيمَا زادَ على الْعشْرَة فِي هَذَا الْبَاب: هَذَا رابعٌ ثَلَاثَة عَشرَ كَمَا قلت خامِسُ أَرْبَعَةٍ وَلم يحكه عَن الْعَرَب والقياسُ عِنْد النَّحْوِيين أَن لَا يجوز ذَلِك وَقد ذكره الْمبرد عَن نَفسه وَعَن الْأَخْفَش نهم لم يجيزوه لِأَن هَذَا الْبَاب يَجْرِي مَجْرَى الْفَاعِل الْمَأْخُوذ من الْفِعْل وَنحن لَا نقُول رَبَعْتُ ثلاثةَ عَشَرَ وَلَا أعلم أحدا حَكَاهُ فَإِن صَحَّ أَن الْعَرَب قالته فقياسه مَا قَالَه سِيبَوَيْهٍ وَأما قَوْلهم حادي عَشَرَ وَلَيْسَ حادي من لفظِ واحدٍ وَالْبَاب أَن يكون اسمُ الْفَاعِل الَّذِي هُوَ تمامٌ من لفظِ مَا هُوَ تمامُه فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا: أَن حادِي مقلوبٌ من وَاحِد استثقالاً للواو فِي أول اللَّفْظ فَلَمَّا قُلِبَ صَار حادِوٌ(5/200)
فَوَقَعت الْوَاو طَرَفاً وَقبلهَا كسرة فقلبوها يَاء كَمَا قَالُوا غازِي وَهُوَ من غزوت وَأَصله غازِوٌ وَذكر السكائي: أَنه سمع من الأَسْدِ أَبُو بعضِ عبد الْقَيْس واحِدَ عَشَرَ يَا هَذَا وَقَالَ بعض النَّحْوِيين وَهُوَ الْفراء حادِي عَشَرَ من قَوْلك يَحْدُو أَي يَسُوقُ كأَنَّ الواحدَ الزائدَ يَسُوق العَشَرَة وَهُوَ مَعهَا وَأنْشد:
(أَنْعَتُ عَشْراً والظَّلِيمُ حَادِي ... كأَنَّهُنَّ بِأَعَالِي الوَادي)
(يَرْفُلْنَ فِي مَلاَحِفَ جِيَادِ ... )
وَفِي ثالثَ عَشَر وبابِها ثلاثةُ أوجه فَإِن جئتَ بهَا على التَّمام على مَا ذكره سِيبَوَيْهٍ فَقلت ثالثَ عَشَر ثلاثةَ عَشَرَ فتحتَ الأوَّلين والآخرين لَا يجوز غير ذَلِك وَإِن حذفتَ فقلتَ ثالثَ ثلاثةَ عَشَر أَعْربتَ ثَالِثا بِوُجُوه الْإِعْرَاب وَفتحت الآخرين فقلتَ هَذَا ثالِثُ ثلاثةَ عَشَرَ ورأيتُ ثالثَ ثلاثةَ عَشَرَ ومررتُ بثالثِ ثلاثةَ عَشَر لَا يجوز غير ذَلِك عِنْد النَّحْوِيين كُلِّهم وَإِن حذفتِ مَا بَين ثالثَ وعَشَرَ الْأَخير فَالَّذِي ذكره سِيبَوَيْهٍ فتحهما جَمِيعًا وَذكر الْكُوفِيُّونَ أَنه يجوز أَن يُجْرى ثالثٌ بِوُجُوه الْإِعْرَاب وَيجوز أَن يُفْتَح فَمن أجراهُ بوجُوه الإعرابِ أَرَادَ هَذَا ثالِثُ ثلاثَة عَشَرَ ومررت بثالثِ ثلاثةَ عَشَرَ ثمَّ حَذَفَ ثَلاَثَةً تَخْفِيفًا وبَقَّى ثَالِثا على حكمه وَمن بنى ثَالِثا مَعَ عشر أَقَامَهُ مُقَامَ ثلاثةٍ حِين حَذَفَهَا وَهَذَا قَول قريب لم يُنكره أَصْحَابنَا وَقَالَ الْكسَائي: سَمِعت الْعَرَب تَقول هَذَا ثَالِثُ عَشَرَ وثالثَ عَشَرَ فَرفعُوا ونصبوا قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَتقول هَذَا حادي أَحَدَ عَشَر إِذا كُنّ عشر نِسْوَةٍ مَعَهُنَّ رجل لِأَن الْمُذكر يغلب الْمُؤَنَّث ومثلُ ذَلِك قَوْلك خامِسُ خَمْسَةٍ إِذا كنَّ أَربع نسْوَة فِيهِنَّ رجل كَأَنَّك قلتَ هُوَ تَمامُ خمسةٍ وَتقول هُوَ خامسُ أَربع إِذا أردتَ أَنه صَيَّرَ أربَعَ نِسْوَةٍ خمْسا قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَأما بَضْعَةَ عَشَر فبمنزلة تسعةَ عَشَر فِي كل شَيْء وبِضْعَ عَشِرَة َ كتِسْعَ عَشِرَة فِي كل شَيْء قَالَ الْفَارِسِي: بضعَة بِالْهَاءِ عددٌ مُبْهَم من ثَلَاثَة إِلَى تِسْعَة من الْمُذكر وبَضْعٌ بِغَيْر الْهَاء عدد مُبْهَم من ثَلَاث إِلَى تسع من الْمُؤَنَّث وَهِي تُجْرَى مفردةٌ وَمَعَ الْعشْرَة مَجْرَى الثَّلَاثَة إِلَى التِّسْعَة فِي الْإِعْرَاب وَالْبناء تَقول هَؤُلَاءِ بِضْعَةُ رجال وبَضْعُ نِسْوَةٍ قَالَ الله تَعَالَى: {وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بَضْعِ سِنِينَ} [الرّوم: 3] وَفِيمَا زَاد على الْعشْرَة: هَؤُلَاءِ بضعَة عَشَر رجلا ويضعَ عَشْرَةَ امرأةٌ وَهِي مُشْتَقَّة وَالله أعلم من بَضَعْتُ الشَّيْء إِذا قَطَعْته كَأَنَّهُ قِطْعَةٌ من العَدَدِ وَقد كَانَ حَقه أَن يذكر فِي الْبَاب الأول لِأَن هَذَا البابَ إِنَّمَا ذُكَر فِيهِ العَددُ المتممُ نَحْو ثالثُ ثلاثةٍ ورابعُ أربعةٍ وَلكنه ذَكَرها هُنَا لِتَرَى أَنه لَيْسَ بِمَنْزِلَة ثالثَ عَشَرَ أَو ثالثةَ عَشْرَةُ فاعلمه وَمن قَول الْكسَائي: هَذَا الْجُزْء العاشِرُ عشْرِين وَمن قَول سِيبَوَيْهٍ وَالْفراء: هَذَا الجزءُ العِشْرُون وَهَذِه الورَقَةُ العشرونَ على معنى تمامِ الْعشْرين فَتَحْذِفُ التمامَ وتُقيم الْعشْرين مُقامَه وَكَذَلِكَ تَقول: هَذَا الجزءُ والواحدُ وَالْعشْرُونَ والأحَدُ وَالْعشْرُونَ وَهَذِه الورقةُ الإِحْدَى وَالْعشْرُونَ والواحدةُ وَالْعشْرُونَ وَكَذَلِكَ الثَّانِي وَالْعشْرُونَ والثانيةُ وَالْعشْرُونَ وَمَا بعده إِلَى قَوْلك التاسِعُ وَالتِّسْعُونَ وَتقول: هُوَ الأوّل وَالثَّانِي وَالثَّالِث وَالرَّابِع وَالْخَامِس وَقد قَالُوا الخامي قَالَ أَبُو عَليّ: وَهُوَ من شَاذ المحوّل كَقَوْلِهِم أَمْلَيْتُ فِي أَمْلَلْتُ وَلَا أَمْلاَهُ يُرِيدُونَ لَا أمَلُّه إِلَّا أَن هَذَا حُوِّلَ للتضعيف وخامسٌ لَيْسَ فه تَضْعِيف فَإِذا هُوَ من بَاب حَسَيْتُ وأَحَسْتُ فِي حَسَسْتُ وأَحْسَسْتُ وَقَالُوا سادِسٌ وسادٍ على حدِّ خامٍ وَأنْشد ابْن السّكيت:
(إِذا مَا عُدَّ أَربع " ٌ فِسَالٌ ... فزوجُكِ خامِسٌ وحَمُوكِ سادِي)
وَفِي هَذِه ثَلَاث لُغَات جَاءَ سَادِساً وساتًّا فَمن قَالَ سادساً أخرجه على الأَصْل وَمن قَالَ ساتًّا فعلى اللَّفْظ وَمن قَالَ سادِياً فعلى الْإِبْدَال والتحويل الَّذِي قدّمنا وَأنْشد ابْن السّكيت:
(بُوَيْزِلُ أَعْوَامٍ أذاعتْ بخمسةٍ ... وَتَجْعَلُنِي إِن لم يَقِ اللهُ سادِيا)(5/201)
وَأنْشد أَيْضا:
(مَضَى ثَلاَثُ سِنِين] مُنْذُ حُلَّ بهَا ... وَعامُ حُلَّتْ وَهَذَا التَّابِعُ الخامي)
يُرِيد الْخَامِس قَالَ أَبُو عَليّ: فِي الْعُقُود كلهَا هُوَ المُوَفِّي كَذَا وَهِي المُوَفِّيةُ كَذَا كَقَوْلِك المُوَفِّي عشْرين والمُوَفِّيَة عشْرين
1 - هَذَا بَاب الْمُؤَنَّث الَّذِي يَقع عل الْمُؤَنَّث والمذكر وَأَصله التَّأْنِيث
اعْلَم أَن الْمُذكر قد يعبر عَنهُ بِاللَّفْظِ الْمُؤَنَّث فَيجْرِي حكمُ اللَّفْظ على التَّأْنِيث وَإِن كَانَ الْمعبر عَنهُ مذكراً فِي الْحَقِيقَة وَيكون ذَلِك بعلامةِ التأنيثِ وَبِغير علامةٍ فَأَما مَا كَانَ بعلامة التَّأْنِيث فقولُك هَذَا شَاة وَإِن أردْت تَيْساً وَهَذِه بقرة وَإِن أردْت ثوراً وَهَذِه حمامة وَهَذِه بَطَّةٌ وَإِن أردْت الذَّكَر وَأما مَا كَانَ بِغَيْر عَلامَة فقولك عِنْدِي ثلاثٌ من الْغنم وثلاثٌ من الْإِبِل وَقد جعلت الْعَرَب الْإِبِل وَالْغنم مؤنثين وَجعلت الْوَاحِد مِنْهُمَا مؤنث اللَّفْظ كأّنَّ فِيهَا هَاء وَإِن كَانَ مذكراً فِي الْمَعْنى كَمَا جعلت الْعين وَالْأُذن وَالرجل مؤنثات بِغَيْر عَلامَة فَإِن قَالَ قَائِل فَلم لَا يُقَال هَذِه طلحةُ لرجل يُسمى طَلْحَة لتأنيث اللَّفْظ كَمَا قَالُوا هَذِه بقرة للثور فَالْجَوَاب أَن طَلْحَة لقب وَلَيْسَ باسم مَوْضُوع لَهُ فِي الأَصْل وأسماءُ الْأَجْنَاس مَوْضُوعَة لَهَا لَازِمَة [ ... ] فَرَقَتِ الْعَرَب بَينهمَا وَقد ذكر سِيبَوَيْهٍ فِي الْبَاب أَشْيَاء مَحْمُولَة على الأَصْل الَّذِي ذكرته وَأَشْيَاء قريبَة مِنْهَا وَأَنا أسوق ذَلِك وأفسر مَا أحتاج مِنْهُ إِلَى تَفْسِيره قَالَ سيبوه: فَإِذا جئتَ بالأسماء الَّتِي تُبَيِّنُ بهَا العِدَّةُ أجريتَ الْبَاب على التَّأْنِيث فِي التَّثْلِيث إِلَى تسعَ عشرةَ وَذَلِكَ قَوْلك لَهُ ثلاثُ شياةٍ ذكورٌ وَله ثلاثةٌ من الشاءِ فأجريتَ ذَلِك على الأَصْل لِأَن الشَّاء أَصْلهَا التَّأْنِيث وَإِن وَقعت على الْمُذكر كَمَا أَنَّك تَقول هَذِه غَنم ذُكُور فالغنم مُؤَنّثَة وَقد تقع على الْمُذكر قَالَ أَبُو سعيد: يَعْنِي أَنَّهَا تقع على مَا فِيهَا من الْمُذكر من التيوس والكباش وَيُقَال هَذِه غَنَم وَإِن كَانَت كلُّها كِباشاً أَو تُيوساً وَكَذَلِكَ عِنْدِي ثَلَاث من الْغنم وَإِن كَانَت كباشاً أَو تيوساً لِأَنَّهُ جعل الْوَاحِد مِنْهَا كَأَن فِيهِ عَلامَة التَّأْنِيث كَمَا جعلت الْعين والرِجل كَأَن فيهمَا عَلامَة التَّأْنِيث وَقَالَ الْخَلِيل: قولُك هَذَا شاةُ بِمَنْزِلَة قَوْلك هَذَا رَحْمَة من رَبِّي قَالَ أَبُو سعيد: يُرِيد أَن تذكير هَذَا مَعَ تَأْنِيث شَاة كتذكير هَذَا مَعَ تَأْنِيث رَحْمَة والتأويل فِي ذَلِك كَأَنَّك قلت هَذَا الشَّيْء شاةٌ وَهَذَا الشَّيْء رحمةٌ من رَبِّي قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَتقول لَهُ خمسٌ من الْإِبِل ذكورٌ وخمسٌ من الْغنم ذُكُور من قِبَلِ أَن الْإِبِل وَالْغنم اسمان مؤنثان كَمَا أَن مَا فِيهِ الْهَاء مؤنث الأَصْل وَإِن وَقع على الْمُذكر قَلما كَانَ الْإِبِل وَالْغنم كَذَلِك جَاءَ تثليثها على التَّأْنِيث لِأَنَّك إِنَّمَا أردْت التَّثْلِيث من اسْم مؤنث بِمَنْزِلَة قَدَم وَلم يكسر عَلَيْهِ مُذَكّر للْجمع فالتثليث مِنْهُ كتثليث مَا فِيهِ الْهَاء كَأَنَّك قلت هَذِه ثَلَاث غنم فَهَذَا يُوضح وَإِن كَانَ لَا يتَكَلَّم بِهِ كَمَا تَقول ثلاثُمائةٍ فتدع الْهَاء لِأَن الْمِائَة أُنْثَى قَالَ أَبُو سعيد: قَول سِيبَوَيْهٍ الْغنم وَالْإِبِل وَالشَّاء مؤنثات يُرِيد أَن كل وَاحِد مِنْهَا إِذا قرن بِمَنْزِلَة مؤنث فِيهِ عَلامَة التَّأْنِيث أَو مؤنث لَا عَلامَة فِيهِ كَقَوْلِك هَذِه ثلاثٌ من الْغنم وَلم تقل ثَلَاثَة وَإِن أردْت بهَا كباشاً أَو تيوساً وَكَذَلِكَ ثَلَاث من الْإِبِل وَإِن أردْت بهَا مذكراً أَو مؤنثاً وَقَوله بِمَنْزِلَة قَدَم لِأَن القَدَمَ أُنْثَى بِغَيْر عَلامَة وَكَذَلِكَ الثَّلَاث فقولك ثَلَاث من الْإِبِل وَالْغنم لَا يفرد لَهَا وَاحِد فِيهِ عَلامَة التَّأْنِيث وَقَوله: وَلم يكسر عَلَيْهِ مُذَكّر للْجمع يَعْنِي لم يقل ثَلَاثَة ذُكُور فَيكون ذُكُور جمعا مكسراً لذكر فَتذكر ثَلَاثَة من أجل ذَلِك وَقَوله كَأَنَّك قلت هَذِه ثَلَاث غنم يُرِيد كأنَّ غنما تكسير للْوَاحِد الْمُؤَنَّث(5/202)
كَمَا تَقول ثَلَاثمِائَة فَتتْرك الْهَاء من ثَلَاث لِأَن الْمِائَة مُؤَنّثَة وَمِائَة وَاحِد فِي معنى جمع لمؤنث قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَتقول ثلاثٌ من البَطِّ لِأَنَّك تُصَيِّره إِلَى بَطَّةٍ قَالَ أَبُو سعيد: يُرِيد كَأَنَّك قلت لَهُ ثلاثُ بَطَّاتٍ من البَطِّ قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وتوقل لَهُ ثَلَاثَة ذكورٍ من الْإِبِل لِأَنَّك لم تجئ بِشَيْء من التَّأْنِيث وَإِنَّمَا ثَلَّثْتَ الذَّكَر ثمَّ جئتَ بالتفسير من الْإِبِل لَا تذْهب الهاءُ كَمَا أَن قَوْلك ذكورٌ بعد قَوْلك من الْإِبِل لَا تثبت الْهَاء قَالَ أَبُو سعيد: يُرِيد أَن الحكم فِي اللَّفْظ للسابق من لفظ الْمُؤَنَّث أَو الْمُذكر فَإِذا قلت ثَلَاث من الْإِبِل أَو الْغنم ذُكُور نزعتَ الْهَاء لِأَن قَوْلك من الْإِبِل أَو من الْغنم يُوجب التَّأْنِيث وَإِنَّمَا قلت ذُكُور بعد مَا يُوجب تَأْنِيث اللَّفْظ فَلم تغير وَكَذَلِكَ إِذا قلت ثَلَاثَة ذُكُور من الْإِبِل فقد لزم حكمُ التَّذْكِير بِقَوْلِك ثَلَاثَة ذُكُور فَإِذا قلت بعد ذَلِك من الْإِبِل لم يتَغَيَّر اللَّفْظ الأول قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَتقول ثَلَاثَة أَشْخُصٍ وَإِن عَنَيْتَ نسَاء لِأَن الشَّخْص اسْم مُذَكّر قَالَ أَبُو سعيد: هَذَا ضد الأوّل لأنّ الأول تؤنثه للفظ وَهُوَ مُذَكّر فِي الْمَعْنى وَهَذَا تذكره للفظ وَهُوَ مؤنث فِي الْمَعْنى قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَمثله قَوْلهم ثلاثُ أَعْيُنٍ وَإِن كَانُوا رجَالًا لِأَن الْعين مُؤَنّثَة قَالَ أَبُو سعيد: وَهَذَا يُشْبِه الأولَ وَإِنَّمَا أنثوا لأَنهم جعلُوا الرِّجَال كَأَنَّهُمْ أعينُ من ينظرُونَ لَهُم قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَقَالُوا ثلاثةُ أَنْفُسٍ لِأَن النَّفس عِنْدهم إنسانٌ أَلا ترى أَنهم يَقُولُونَ نَفْسٌ واحدٌ وَلَا يدْخلُونَ الْهَاء قَالَ أَبُو سعيد: النَّفس مؤنث وَقد حمل على الْمَعْنى فِي قَوْلهم ثَلَاثَة أنفس إِذا أُرِيد بِهِ الرِّجَال قَالَ الشَّاعِر وَهُوَ الْخَطِيئَة:
(ثلاثةُ أَنْفُسٍ وثَلاَثُ ذَوْدٍ ... لقد جَار الزَّمانُ عَلَى عِيَالِي)
يُرِيد ثَلَاثَة أَنَاسِيَّ قَالَ: وَتقول ثلاثةُ نَسَّاباتٍ وَهُوَ قَبِيح وَذَلِكَ أَن النسابة صفة فَكَأَنَّهُ لفظ بمذكره ثمَّ وَصَفَّهُ وَلم يَجْعَل الصفةَ تَقْوَى قُوَّةَ الِاسْم فَإِنَّمَا يَجِيء كَأَنَّك لَفَظْتَ بالمذكر ثمَّ وَصفته كَأَنَّك قلت ثلاثةُ رجالٍ نَسَّاباتٍ وَتقول ثلاثةُ دوابَّ إِذا أردتَ الْمُذكر لِأَن أصلَ الدَّابَّة عِنْدهم صفةٌ وَإِنَّمَا هِيَ من دَبَبْتَ فأجْرُوهَا على الأَصْل وَإِن كَانَ لَا يُتَكَلَّمُ بهَا إِلَّا كَمَا يتَكَلَّم بالأسماء كَمَا أَن أبطحَ صفة واسْتُعْمِلَ استعمالَ الْأَسْمَاء قَالَ أَبُو سعيد: الأَصْل أَن أَسمَاء الْعدَد تفسر بالأنواع فَيُقَال ثلاثةُ رجال وَأَرْبَعَة أثوابٍ فَلذَلِك لم يعْمل على تَأْنِيث مَا أضيف إِلَيْهِ إِذْ كَانَ صفة وقُدِّرَ قبله الْمَوْصُوف وَجعل حكم تذكير الْعدَد على ذَلِك الْمَوْصُوف فَيكون التَّقْدِير: ثَلَاثَة رجال نسَّابات وَثَلَاثَة ذُكُور دوابَّ وَإِن كَانُوا قد حذفوا الْمَوْصُوف فِي دَابَّة لكثرته فِي كَلَامهم كَمَا أَن أبطح صفة فِي الأَصْل لأَنهم يَقُولُونَ أبطحُ وبَطْحَاء كَمَا يُقَال أَحْمَر وحمراء وهم يَقُولُونَ كُنَّا فِي الأبطح ونزلنا فِي الْبَطْحَاء فَلَا يذكرُونَ الموصوفَ كَأَنَّهُمَا اسمان قَالَ سيبيوه: وَتقول ثلاثُ أَفْرَاس إِذا أردْت الْمُذكر لِأَن الْفرس قد ألزموه التَّأْنِيث وَصَارَ فِي كَلَامهم للمؤنث أَكثر مِنْهُ للمذكر حَتَّى صَار بِمَنْزِلَة القَدَم كَمَا أَن النَّفس فِي الْمُذكر أَكثر قَالَ أَبُو سعيد: أنث ثَلَاث أَفْرَاس فِي هَذَا الْموضع لِأَن لفظ الْفرس مؤنث وَإِن وَقع على مُذَكّر وَقد ذكره فِي الْبَاب الأول حَيْثُ قَالَ خمسةُ أَفْرَاس إِذا كَانَ الْوَاحِد مذكراً وَهَذَا الْمَعْنى قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَتقول سَار خمسَ عَشْرةَ من بينِ يَوْمٍ وَلَيْلَة لِأَنَّك أَلْقَيْتَ الاسمَ على اللَّيَالِي ثمَّ بيّنت فَقلت من بَين يَوْم وَلَيْلَة أَلا تَرَى أَنَّك تَقول لخمسِ بَقِينَ أَو خَلَوْنَ وَيعلم المخاطبُ أَن الأيامَ قد دخلتْ فِي اللَّيَالِي فَإِذا ألْقى الِاسْم على اللَّيَالِي اكْتفى بذلك عَن ذكر الْأَيَّام كَمَا أَنه يَقُول أَتَيْته ضحوة وبكرة فَيعلم الْمُخَاطب أَنَّهَا ضحوة يَوْمه وبكرة يَوْمه وأشباهُ هَذَا فِي الْكَلَام كثيرٌ فَإِنَّمَا قولُه من بَين يَوْم وَلَيْلَة توكيدٌ بَعْدَمَا وَقع على اللَّيَالِي لِأَنَّهُ قد علم أَن الْأَيَّام دَاخِلَة مَعَ اللَّيَالِي وَقَالَ الشَّاعِر وَهُوَ الْجَعْدِي:
(فَطافَتْ ثَلَاثًا بَين يَوْمٍ ولَيْلَةٍ ... وَكَانَ النكيرُ أَن تُضِيفَ وتَجْأَرا)
قَالَ أَبُو عَليّ: اعْلَم أَن الْأَيَّام والليالي إِذا اجْتمعت غُلِبَ التأنيثُ على التَّذْكِير وَهُوَ على خلاف الْمَعْرُوف(5/203)
من غَلَبَة التَّذْكِير على التَّأْنِيث فِي عَامَّة الْأَشْيَاء وَالسَّبَب فِي ذَلِك أَن ابْتِدَاء الْأَيَّام والليالي لِأَن دُخُول الشَّهْر الْجَدِيد من شهور الْعَرَب بِرُؤْيَة الْهلَال والهلالُ يُرَى فِي أول اللَّيْل فَتَصِير اللَّيْلَة مَعَ الْيَوْم الَّذِي بعْدهَا يَوْمًا فِي حِسَاب أَيَّام الشَّهْر وَاللَّيْلَة هِيَ السابقةُ فَجرى الحكم لَهَا فِي اللَّفْظ فَإِذا أبهمتَ وَلم تذكر الْأَيَّام وَلَا اللَّيَالِي جرى اللَّفْظ على التَّأْنِيث فَقلت أقامَ زيدٌ عندنَا ثَلَاثًا تُرِيدُ ثَلَاثَة أَيَّام وثلاثَ لَيَال قَالَ الله عز وَجل: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وعَشْراً} [الْبَقَرَة: 234] يُرِيد عشرةَ أَيَّام مَعَ اللَّيَالِي فأًجْرِيَ اللفظُ على اللَّيَالِي وأنث وَلذَلِك جرت الْعَادة فِي التواريخ بالليالي فَيُقَال: لخمسٍ خَلَوْنَ ولخمسٍ تَقَيْنَ يُرِيد لخمسِ ليالٍ وَكَذَلِكَ لاثْنَتَيْ عشرةَ لَيْلَة خَلَتْ فَلذَلِك قَالَ سارَ خمسَ عَشْرَةً فجَاء بهَا على تَأْنِيث اللَّيَالِي ثمَّ وَكَّد بقوله من بَيْنِ يَوم وَلَيْلَة ومثلُه قولَ النَّابِغَة:
(فَطَافَتْ ثَلَاثًا بَيْنَ يومٍ وليلةٍ ... )
وَمعنى الْبَيْت أَنه يَصِفُ بقرة وحَشِيَّةً فَقَدَتْ ولدَها فطافت ثَلَاث لَيَال وأيامَها تَطْلُبُهُ وَلم تَقْدِرْ أَن تُنْكِر من الْحَال الَّتِي دُفِعَتْ إِلَيْهَا أَكثر من أَن تَضِيفَ وَمَعْنَاهُ تَشْفِقُ وتَحْذَرُ وتَجْأَرُ - مَعْنَاهُ تَصْيحُ فِي طلبَهَا لَهُ قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَتقول أعطَاهُ خمسةَ عشَرَ من بَين عبد وَجَارِيَة لَا يكون فِي هَذَا إِلَّا هَذَا لِأَن المتكلمَ لَا يجوز أَن يَقُول لَهُ خَمسَةَ عَشَرَ عَبْداً فَيعلم أَن من الْجَوَارِي بعدَّتهم وَلَا خمس عشرَة جَارِيَة فَيعلم أَن ثُمَّ من العبيد بعدتهنَّ فَلَا يكون هَذَا إِلَّا مختلطاً يَقع عَلَيْهِم الِاسْم الَّذِي بُيِّنَ بِهِ العددُ قَالَ أَبُو سعيد: بَيَّنَ الفرقَ بَين هَذَا وَبَين خمس عشرَة لَيْلَة لِأَن خمس عشرَة لَيْلَة يعلم أَن مَعهَا أَيَّامًا بعدَّتها وَإِذا فَإِذا قلت خمس عشرَة بَين يَوْم عشرَ عَبيدٌ وبعضُها جوَار فاختلط الْمُذكر والمؤنث وَلَيْسَ ذَلِك فِي الْأَيَّام فَوَجَبَ التَّذْكِير قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَقد يجوز فِي الْقيَاس خَمْسَة عشر من بَين يَوْم وَلَيْلَة وَلَيْسَ بِحَدّ كَلَام الْعَرَب قَالَ أَبُو سعيد: إِنَّمَا جَازَ ذَلِك لأَنا قد نقُول ثَلَاثَة أَيَّام وَنحن نريدها مَعَ لياليها كَمَا تَقول ثَلَاث لَيَال وَنحن نريدها مَعَ أَيَّامهَا قَالَ الله تَعَالَى لزكريا عَلَيْهِ السَّلَام: {آيَتُكَ أَنْ لَا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثلاثةَ أيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً} [آل عمرَان: 41] وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: {آيَتُكَ أَنْ لَا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} [مَرْيَم: 10] وَهِي قصَّة وَاحِدَة قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَتقول ثلاثُ ذَوْدٍ لِأَن الذَّوْد أُنْثَى وَلَيْسَ باسم كُسِّرَ عَلَيْهِ مُذَكَّرٌ قَالَ أَبُو سعيد: ثَلَاث ذَوْدٍ يجوز أَن تُرِيدُ بِهن ذُكُورا وتؤنث اللَّفْظ كَقَوْلِك ثَلَاث من الْإِبِل فالذَّوْدُ بِمَنْزِلَة الْإِبِل وَالْغنم قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَأما ثَلَاثَة أَشْيَاء فقالوها لأَنهم جعلُوا أَشْيَاء بِمَنْزِلَة أَفعَال لَو كَسَّرُوا عَلَيْهَا فَعْلاً وَصَارَ بَدَلا من أَفعَال قَالَ أَبُو سعيد: يُرِيد أَن أَشْيَاء وَإِن كَانَ مؤنثاً لَا يُشْبِه الذَّوْدَ وَكَانَ حق هَذَا على مَوْضُوع سِيبَوَيْهٍ الظَّاهِر أَن يُقَال ثَلَاث أَشْيَاء لِأَن أَشْيَاء اسْم مؤنث وَاحِد مَوْضُوع للْجمع على قَوْله وَقَول الْخَلِيل لِأَن وَزنه عِنْده فَعْلاَء وَلَيْسَ بمكسر كَمَا أَن غنما وإبلاً وذَوْداً أَسمَاء مُؤَنّثَة وَلَيْسَت بجموع مكسرة فَجَعَلَ واحدَ كُلِّ اسمٍ من هَذِه الأسماءِ كَأَنَّهُ مؤنث فَقَالُوا جَعَلُوا أَشْيَاء هِيَ الَّتِي لَا تَنْصَرِف ووزنُهَا فَعْلاَء نائبةٌ عَن جمع شَيْء لَو كسر على الْقيَاس وَشَيْء إِذا كسر على الْقيَاس فحقه أَن يُقَال أَشْيَاء كَمَا يُقَال بَيْتٌ وأَبْيَاتٌ وشَيْخٌ وأَشْيَاخٌ فَقَالُوا ثَلَاثَة أَشْيَاء كَمَا يُقَال ثَلَاثَة أَشْيَاء لَو كسروا شَيْئا على الْقيَاس قَالَ سِيبَوَيْهٍ: ومثلُ ذَلِك ثلاثةُ رَجْلَة فِي جمع رَجُل لِأَن رَجْلَة صَار بَدَلا من أَرْجَال قد أَبُو سعيد: أَرَادَ أ، هم قَالُوا ثَلَاثَة رَجْلَة ورَجْلَة مؤنث وَلَيْسَ بِجمع مكسر لِأَن فَعْلَةٌ لَيْسَ فِي الجموع المكسرة لأَنهم جعلُوا رَجْلَة نَائِبا أعْجَازٍ وأَعْضَادٍ وَلَيْسَت الإبلُ وَالْغنم والذَّوْدُ من ذَلِك لِأَنَّهُ لَا وَاحِد لَهَا من لَفظهَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَزعم يُونُس عَن رؤبة أَنه قَالَ: ثَلَاث أنْفُسٍ على تَأْنِيث النَّفْسِ كَمَا يُقَال ثَلَاث أَعْيُنٍ للعَيْنِ من النَّاس وكما يُقَال ثلاثةُ(5/204)
أَشْخُص فِي النِّسَاء قَالَ الشَّاعِر:
(وإِنَّ كِلاَباً هَذِهِ عَشْرُ أَبْطُنٍ ... وأَنْتَ بَرِيءٌ من قَبَائِلِهَا العَشْرِ)
يُرِيد عشرَ قبائلَ لِأَنَّهُ يُقَال للقبيلة بَطْنٌ من بُطُون الْعَرَب وَقَالَ الْكلابِي:
(قَبَائِلُنَا سَبْعٌ وَأَنْتُم ثلاثةٌ ... وللَسَّبْع خَيْرٌ من ثلاثٍ وأكْثَرُ)
فَقَالَ وَأَنْتُم ثَلَاثَة فذكَّر على تأَويل أَبْطُن أَو ثَلَاثَة أحْياء ثمَّ رَدَّهَا إِلَى معنى الْقَبَائِل فَقَالَ وللسبع خير من ثَلَاث على معنى ثلاثِ قبائلَ وَقَالَ عمر بن أبي ربيعَة:
(فكانَ نَصِيري دُونَ من كُنْتُ أَتَّقِي ... ثلاثُ شُخُوصٍ كاعِبَانِ ومُعْصِر)
فأنث الشخوص لِأَن الْمَعْنى ثلاثُ نِسْوَة وَمِمَّا يُقَوي الْحمل على الْمَعْنى وَإِن لم يكن من العدَدِ مَا حَكَاهُ أَبُو حَاتِم عَن أبي زيد أَنه سَمِعَ من الْأَعْرَاب من يَقُول إِذا قيل أَيْن فلانةُ وَهِي قريبَة هاهُوَذِه قَالَ فأنكرتُ ذَلِك عَلَيْهِ فَقَالَ قد سمعتُه من أَكثر من مائَة من الْأَعْرَاب وَقَالَ قد سمعتُ من يفتح الذَّال فَيَقُول هاهوذا فَهَذَا يكون مَحْمُولا مرّة على الشَّخْص وَمرَّة على الْمَرْأَة وَإِنَّمَا الْمَعْرُوف هاهي ذِه والمذكر هاهوذا وَزعم أَبُو حَاتِم أَن أهل مَكَّة يَقُولُونَ هوذا وأهلُ مَكَّة أفصحُ من أهل العراقٍ وأهلُ الْمَدِينَة أفْصح من أهل مَكَّة فَهَذَا شَيْء عَرَضَ ثمَّ نعود إِلَى بَاب الْعدَد وَكَانَ الْفراء لَا يُجِيز أَن يُنْسَقَ على الْمُؤَنَّث بالمذكر وَلَا على الْمُذكر بالمؤنث وَذَلِكَ أَنَّك إِذا قلت: عِنْدِي سِتَّة رجال وَنسَاء فقد عَقَدْتُ أَن عِنْدِي سِتَّة رجال فَلَيْسَ لي أَن أجعَل بَعضهم مذكراً وبعضَهم مؤنثاً وَقد عقدتُ أَنهم مذكرون وَإِذا قلتَ عِنْدِي ثلاثُ بناتِ عُرْسٍ وأربعُ بناتِ آوى كَانَ الاختيارُ أَن تُدْخل الهاءَ فِي الْعدَد فَتَقول عِنْدِي ثَلَاثَة بَنَات عُرْسٍ وَأَرْبَعَة بَنَات آوى الِاخْتِيَار أَن تدخل الْهَاء فِي الْعدَد لِأَن الواحدَ ابنُ عُرْسٍ وابنُ آوى وَقَالَ الْفراء: كَانَ بعضُ مَنْ مَضَى من أهل النَّحْو يَقُول ثلاثُ بناتِ عُرْسٍ وَثَلَاث بناتِ أَوَى وَمَا أشبه ذَلِك مِمَّا يجمع بِالتَّاءِ من الذُّكْرانِ وَيَقُولُونَ لَا يجْتَمع ثَلَاثَة وَبَنَات وَلَكنَّا نقُول ثلاثُ بناتِ عُرْس ذُكُورٌ وثلاثُ بناتِ آوى وَمَا أشبه ذَلِك وَلم يصنعوا شَيْئا لِأَن الْعَرَب تَقول لي حماماتٌ ثلاثةٌ والطلحاتُ الثلاثةُ عندنَا يُرِيد رجَالًا أَسمَاؤُهُم الطَّلحات
1 - بَاب النّسَب إِلَى الْعدَد
قَالَ الْفراء: إِذا نسبت إِلَى ثَلَاثَة أَو أَرْبَعَة فَإِن كَانَ يُرَاد من بَنِي ثَلَاثَة أَو أُعْطِيَ ثَلَاثَة قلت ثَلاَيِيٌ وَإِن كَانَ ثوبا أَو شَيْئا طولُه ثلاثُ أذْرُع قلت ثُلاَثِيٌ إِلَى العَشْرِ المذكرُ فِيهِ كالمؤنث والمؤنثُ كالمذكر أَرَادوا بذلك أَن يفرقُوا بَين الشَّيْئَيْنِ أَعنِي النسبتين لاختلافهما كَمَا نسبوا إِلَى الرجل الْقَدِيم دَهْرِيٌ وَإِن كَانَ من بني دَهْرٍ من بني عَامر قلت دُهْرِيٌ لَا غير فَإِذا نسبتَ إِلَى عِشْرِين فأنتَ تقولُ هَذَا عِشْرِيٌّ وثَلاَثِيٌّ إِلَى آخر الْعدَد وَذَلِكَ أَنهم أَرَادوا أَن يفرقُوا بَين الْمَنْسُوب إِلَى ثَلَاثِينَ وثلاثةٍ فَجعلُوا الْوَاو يَاء كَمَا جعلت فِي السَّيْلَحِين وَأَخَوَاتهَا إِذا احتاجوا إِلَى ذَلِك قَالَ أَبُو عَليّ: فعلوا ذَلِك لِئَلَّا يجمعوا بَين إعرابين: وَقَالَ الْفراء: إِذا نسبت إِلَى خمسةَ عَشَرَ وَإِلَى خمسةٍ وَعشْرين فالقياسُ أَن تَنْسُبَ إِلَيْهِ خَمْسِيٌ أَو سِتِّيٌ وَإِنَّمَا نسبت إِلَى الأول وَلم تنْسب إِلَى الآخر لِأَن الآخر ثَابت وَالْأول يخْتَلف فَكَانَ أدلَّ على الْمَعْنى وَكَانَ مُخَالفا للَّذي نُسِبَ إِلَى خمس فِي خَمْسَة لِأَن ذَلِك يُنْسَب إِلَيْهِ خُمَاسِيٌّ وَذَلِكَ بِمَنْزِلَة نسبتك إِلَى ذِي العِمَامَة عِمَامِيٌّ وَلَا تَقول ذَوَوِيٌّ لِأَن ذُو ثَابت يُضَاف إِلَى كلّ شَيْء مختلفٍ وغيرِ مختلفٍ وَإِذا نسبتَ ثوباُ إِلَى أَن طوله وَعرضه اثْنَا عشر ذِرَاعا قلتَ هَذَا ثوب ثَنَوِيٌ وَهَذَا ثوبٌ اثْنِيٌ وَقَالَ أَبُو عبيد: قَالَ(5/205)
الْأَحْمَر إِن كَانَ الثَّوْب طُولُهُ أَحَدَ عَشَرَ ذِرَاعا لم أَنْسُبَ إِلَيْهِ كَقَوْل من يَقُول أَحَدَ عَشَرِيٌ بِالْيَاءِ وَلَكِن يُقَال طوله أحَدَ عَشَرَ ذارعاً وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ طوله عشْرين فَصَاعِدا مثله وَقد غلط أَبُو عبيد هَاهُنَا حِين ذَكَّرَ الذِّرَاع فَقَالَ أحد عشر ذِرَاعا وَلَا يُذَكِّرُهَا أحد وَقَالَ السِّجِسْتاني: لَا يُقَال حَبْلٌ أَحَدَ عَشَرِيٌ وَلَا مَا جَاوز ذَلِك وَلَا مَا ينْسب إِلَى اسْمَيْنِ جعلا بِمَنْزِلَة اسْم وَاحِد وَإِذا نسبت إِلَى أَحدهمَا لم يُعْلَم أَنَّك تُرد الآخرَ وَإِن اضْطُررت إِلَى ذَلِك نسبته إِلَى أَحدهمَا ثمَّ نسبته إِلَى الآخر كَمَا قَالَ الشَّاعِر لما أَرَادَ النَّسَبَ إِلَى رَامَ هُرْمُزَ:
(تَزَوَّجْتُهَا رامِيَّةٌ هُرْمُزِثَّةٌ ... بِفَضْلِ الَّذِي أَعْطَى الأميرُ من الرِّزْقِ)
وَإِذا نسبتَ ثوبا إِلَى أَن طوله أحد عَشَرَ قلتَ أَحْدِيٌ عَشَرِيٌ وَإِن كَانَ طوله إحْدَى عَشْرَة قلت إحَدَوِيٌ عَشْرِيٌ وَإِن كنت مِمَّن يَقُول عَشِرَة قلت إحْدَوِيٌ عَشْرِيٌ فتفح الْعين والشين كَمَا تَقول فِي النِّسْبَة إِلَى النَّمِر نَمَرِيُّ وَقَالَ: لَا يَقْبَحُ هَذَا التكرير مخافةَ أَن لَا يُفْهَمَ إِذْ أُفْرِدَ أَلا تراهم يَقُولُونَ اللهُ رَبِّي ورَبُّ زيد فيكررون لخفاء المكنى المخفوض إِذا وَقع موقع التَّنْوِين
1 - بَاب ذكر المعدول عَن جِهَته من عدد الْمُذكر والمؤنث
اعْلَم أَن المعدول عَن جِهَته من الْعدَد يَمْنَعُ الإجراءَ وَيكون للمذكر والمؤنث بِلَفْظ وَاحِد تَقول ادخُلُوا أُحَادَ وَأَنت تَعْنِي وَاحِدًا وَاحِدًا أَو وَاحِدَة وَاحِدَة وأدخلوا ثُنَاءَ ثُنَاء وَأَنت تَعْنِي اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ أَو اثْنَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ وَكَذَلِكَ أدخلُوا ثُلاثَ ثُلاثَ ورُباع رُباع قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَسَأَلت الْخَلِيل عَن أُحاد وثُنَاء ومَثْنَى وثَلاثَ ورُبَاع فَقَالَ: هُوَ بِمَنْزِلَة أُخر إِنَّمَا حدُّه وَاحِدًا وَاحِدًا فجَاء محدوداً عَن وَجهه فتُرك صَرْفُه قلت أفتَصْرِفه فِي النكرَة قَالَ: لَا لِأَنَّهُ نكرَة تُوصَف بِهِ نكرَة قَالَ أَبُو سعيد: اعْلَم أَن أُحادَ وثُناء قد عُدِل لَفظه وَمَعْنَاهُ وَذَلِكَ أَنَّك إِذا قلت مَرَرْت بِوَاحِد أَو اثْنَيْنِ أَو ثلاثةٍ فَإِنَّمَا تُرِيدُ تِلْكَ العِدَّة بِعَينهَا لَا أقَلَّ مِنْهَا وَلَا أَكثر فَإِذا قلت جَاءَنِي قوم أُحَادَ أَو ثُنَاءَ أَو ثُلاثَ أَو رُباعَ فَإِنَّمَا تُرِيدُ أَنهم جاؤني وَاحِدًا واحِداً أَو اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ أَو ثلاثةٌ ثلاثةٌ أَو أربعةٌ أربعةٌ وَإِن كَانُوا ألوفاً وَالْمَانِع من الصّرْف فِيهِ أربعةُ أَقَاوِيلَ: مِنْهُم من قَالَ إِنَّه صفةٌ ومَعْدُولٌ فاجتمعت علتنان مَنَعَتَاهُ الصَّرْفَ وَمِنْهُم من قَالَ إِنَّه عُدلَ فِي اللَّفْظ وَفِي الْمَعْنى فَصَارَ كأّنَّ فِيهِ عَدْلَيْنِ وهم علتانِ فإمَّا عَدْل اللَّفْظ فَمن واحدٍ إِلَى أُحَادَ وَمن اثْنَيْنِ إِلَى ثُنَاءَ وَأما عدل الْمَعْنى فَتغير العِدَّةِ المحصورة بِلَفْظ الِاثْنَيْنِ والثلاثةِ إِلَى اكثر من ذَلِك مِمَّا لَا يُحْصى وَقَول ثَالِث إِنَّه عُدِل وأنَّ عَدْلَه وَقع من غير جِهَة الْفِعْل لِأَن بَاب العَدْل حَقُّه أَن يكونَ للمعارف وَهَذَا للنكرات وَقَول رَابِع أَنه مَعْدُول وَإنَّهُ جمع لِأَنَّهُ بِالْعَدْلِ قد صَار أَكثر من العِدَّةِ الأُولَى وَفِي ذَلِك كُلِّهِ لُغَتَانِ فُعَالُ ومَفْعَلُ كَقَوْلِك أُحَادُ ومَوْحَدُ وثُنَاء ومَثْنَى وثُلاَثُ ومَثْلَثُ ورُبَاع ومَرْبَعُ وَقد ذكر الزّجاج أَن الْقيَاس لَا يمْنَع أَن يبْنى مِنْهُ إِلَى الْعشْرَة على هذَيْن البناءين فَيُقَال خُمَاسُ ومَخْمَس وسُداسُ ومَسْدَس وسُباعُ ومَسْبَع وثُمان ومَثْمَنُ وتُساع ومَتْسَع وعُشَار ومَعْشَرُ وَقد صرح بِهِ كثير من اللغويين مِنْهُم ابْن السّكيت وَالْفراء وَبَعض النَّحْوِيين يَقُولُونَ إِنَّه معرفَة فاستدل أَصْحَابنَا على تنكيره بقوله تَعَالَى: {أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وثُلاَثَ ورُبَاع} [فاطر: 1] فوصف أجْنِحَةً وَهِي نكرَة بِمَثْنَى وثُلاث ورُباع قَالَ أَبُو عَليّ الْفَارِسِي: قَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي قَوْله تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وثُلاَثَ ورُبَاعَ} [النِّسَاء: 3] مثنى وثُلاث ورُباع بَدَلٌ من مَا طَابَ لكم وَمَعْنَاهُ اثْنَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثًا ثَلَاثًا وأربعاً أَرْبعا إِلَّا أَنه لم ينْصَرف لجهتين لَا أعلم أَحَداً من النَّحْوِيين ذكرهمَا وَهِي أَنه اجْتمع فِيهِ عِلَّتَانِ أَنه معدول عَن اثْنَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ وثلاثٍ ثلاثٍ وَأَنه عُدِلَ عَن تَأْنِيث قَالَ وَقَالَ أَصْحَابنَا إِنَّه اجْتمع فِيهِ عِلَّتَانِ أَنه عُدِلَ عَن تَأْنِيث وَأَنه نَكِرَةٌ والنكرة أصلُ الْأَشْيَاء فَهَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَن(5/206)
يخففه لِأَن النكرَة تخفف وَلَا تُعَدّ فرعا وَقَالَ غَيرهم هُوَ معرفَة وَهَذَا محَال لِأَنَّهُ صفة للنكرة قَالَ الله تَعَالَى: {أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وثُلاَثَ ورُبَاع} [فاطر: 1) فَمَعْنَاه اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ قَالَ الشَّاعِر:
(وَلَكِنَّمَا أَهْلِي بوادٍ أنِيسُهُ ... سِبَاعٌ تَبَغَّى النَّاسَ مَثْنَى ومَوْحَدُ)
وَقَالَ فِي سُورَة الْمَلَائِكَة فِي قَوْله تَعَالَى: {أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وثُلاَثَ ورُبَاع} [فاطر: 1] فتح ثُلاث ورُباع لِأَنَّهُ لَا ينْصَرف لعلتين إِحْدَاهمَا أَن معدول عَن ثلاثةٍ ثلاثةٍ وأربعةٍ أَرْبَعَة واثنين اثْنَيْنِ وَالثَّانيَِة أنَّ عَدْلَة وَقع فِي حَال النكرَة فَأنْكر هَذَا القولَ فِي النِّسَاء على من قَالَه فَقَالَ العَدْل عَن النكرَة لَا يُوجد أَن يُمْنَع من الصّرْف لَهُ قَالَ أَبُو عَليّ رادًّا عَلَيْهِ: اعْلَم أَن العَدْلَ ضَرْبٌ من الِاشْتِقَاق ونوعٌ مِنْهُ فَكل مَعْدُولٍ مشتقٌ وَلَيْسَ كلُّ مشتقٍ معدوً وَإِنَّمَا صَار ثِقَلاً وَثَانِيا أَنَّك تلفظ بِالْكَلِمَةِ وتريد بهَا كلمة على لفظ آخر فَمن هَاهُنَا صَار ثقلاً وَثَانِيا أَلا ترى أَنَّك تُرِيدُ بِعُمَر وزُفَر فِي الْمعرفَة عَامِرًا وزافراً معرفتين فَأَنت تلفظ بِكَلِمَة وتريد أُخْرَى وَلَيْسَ كَذَلِك سائرُ المشتقات لِأَنَّك تريدُ بِسَائِر مَا تشتقه نفسَ الْفظ المشتقِّ المسموع ولستَ تُحِيلُ بِهِ على لفظ آخر يدل على ذَلِك أَن ضَارِبًا ومَضْرُوباً ومُسْتَضرباً ومُضْطَرِباً وَنَحْو ذَلِك لَا تُرِيدُ بِلَفْظ شَيْء مِنْهُ لفظَ غَيره كَمَا تُرِيدُ بِعُمَر عامِراً وبَزُفَر زَافِراً وبَمَثْنى اثْنَيْنِ فَصَارَ المعدول لِما ذكرنَا من مُخَالفَته لسَائِر المشتقات ثِقَلاً إِذْ لَيْسَ فِي هَذَا الْجِنْس شَيْء على حَده فَلَمَّا كَانَ الْعدْل فِي كَلَامهم مَا وصفناه لم يجز أَن يكون العدلُ فِي الْمَعْنى على حدّ كَونه فِي اللفظِ لِأَنَّهُ لَو كَانَ فِي الْمَعْنى على حدّ كَونه فِي اللَّفْظ لوَجَبَ أَن يكون الْمَعْنى فِي حَال العَدْلِ غيرَ الْمَعْنى الَّذِي كَانَ قبل الْعدْل كَمَا أَن لفظَ الْعدْل غيرُ اللَّفْظ الَّذِي كَانَ قبل الْعدْل وَلَيْسَ الأمرُ كَذَلِك أَلا ترى أنَّ الْمَعْنى فِي عُمر هُوَ الْمَعْنى الَّذِي كَانَ فِي عَامر وَالْمعْنَى الَّذِي فِي مَثْنَى هُوَ الْمَعْنى الَّذِي كَانَ فِي اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ على أَن العَدْلَ فِي الْمَعْنى لَو كَانَ ثِقَلاً عِنْدهم وَثَانِيا فِي هَذَا الضَّرْبِ من الِاشْتِقَاق لوَجَبَ أَن يكون ثَانِيًا فِي سَائِر الِاشْتِقَاق الَّذِي لَيْسَ بِعدْل كَمَا أنَّ التَّعْرِيف لما كَانَ ثَانِيًا كَانَ مَعَ جَمِيع الْأَسْبَاب الْمَانِعَة من الصَّرف ثَانِيًا فَلَو كَانَ العدلُ فِي الْمَعْنى ثِقَلاً لَكَانَ فِي سَائِر الِاشْتِقَاق كَذَلِك كَمَا أَن التعريفَ لما كَانَ ثِقَلاً كَانَ مَعَ سَائِر الْأَسْبَاب الْمَانِعَة للصرف كَذَلِك وَلَو كَانَ كَذَلِك لَكَانَ يجب من هَذَا مَتى انْضَمَّ إِلَى بعض المشتقات من أَسمَاء الفاعِلين أَو المَفْعُولِين أَو المكانِ أَو الزَّمانِ أَو غيرِ ذَلِك التعريفُ أَن لَا يَنْصَرَفَ لحُصُول الْمَعْنيين فِيهِ وهما عَدْل الْمَعْنى والتعريفُ كَمَا لَا ينْصَرف إِذا انْضَمَّ إِلَى عدل اللَّفْظ التعريفُ وَلَيْسَ الأمرُ كَذَلِك فَإِذا كَانَ الحكم بِالْعَدْلِ فِي الْمَعْنى يُؤَدِّي إِلَى هَذَا الَّذِي هُوَ خطأ بِلَا إِشْكَال عَلِمْتَ أَنه فَاسد وَأَيْضًا فإنَّ العَدْلَ فِي الْمَعْنى فِي هَذِه الْأَشْيَاء لَا يَصِحُّ كَمَا صحَّ الْعدْل فِي اللَّفْظ لأنَّ المعانِيَ الَّتِي كَانَت أسماءُ المعدولِ عَنْهَا تَدُلُّ عَلَيْهَا مرادةٌ مَعَ الْأَلْفَاظ المعدولة كَمَا كَانَت المرادةَ فِي الْأَلْفَاظ المعدول عَنْهَا هِيَ فَكيف يجوز أَن يُقَال إِنَّه معدولٌ عَنْهَا كَمَا يُقَال فِي الْأَلْفَاظ وَهِي مُرَادَةٌ مَقْصُودَة أَلا ترى أَنَّك تُرِيدُ من قَوْلك عُمَر الْمَعْنى الَّذِي كَانَ يدل عَلَيْهِ عَامر(5/207)
فَإِذا كَانَ كَذَلِك لم يكن قولُ من قَالَ إِن مَثْنَى ونَحْوَهُ أَنه لم ينْصَرف لِأَنَّهُ عَدِلَ فِي اللَّفْظ وَالْمعْنَى بِمُسْتَقِيم وَإِذا كَانَ الْعدْل مَا ذَكرْنَاهُ من أَنه لَفْظٌ يُرَاد بِهِ لَفْظٌ آخَرُ لم يمتنِع أَن يكونَ العدلُ وَاقعا على النكرَة كَمَا يَقع على الْمعرفَة وَلم يجز أَن يتَكَرَّر الْعدْل فِي اسْم وَاحِد وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَقَوْل أبي إِسْحَاق فِي مَثْنَى وثُلاثَ ورُبَاعَ لم ينْصَرف بجهتين لَا أعلم أحدا من النَّحْوِيين ذكرهمَا وهما أَنه اجْتمع فِيهِ عِلَّتَانِ معدول عَن اثْنَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ وَأَنه عدل عَن تَأْنِيث خطأ وَذَلِكَ أَنه لَا يَخْلُو أَن يكون لَهَا عدل عَن اثْنَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثًا ثَلَاثًا وَعدل عَن التَّأْنِيث تكَرر فِيهِ الْعدْل كَمَا تكَرر الْجمع فِي أكالب ومساجد أَو يكون لما عدل عَن التَّأْنِيث كَانَ ذَلِك ثقلاً آخر من حَيْثُ كَانَ المعدول عَنهُ مؤنثاً وَلم يكن الأول الْمُذكر فَلَا يجوز أَن يكون الْعدْل متكرراً فِي هَذَا كَمَا تكَرر الْجمع فِي أكالب ومساجدَ والتأنيثُ فِي بُشْرَى وَنَحْوه لما قدمْنَاهُ من أَن الْعدْل إِنَّمَا هُوَ أَن يُرِيد بِاللَّفْظِ لفظا آخر وَإِذا كَانَ كَذَلِك لم يجز ن يتَكَرَّر هَذَا الْمَعْنى لَا فِي المعدول عَنهُ وَلَا فِي المعدول أَلا ترى أَنه لَا يَسْتَقِيم أَن يكون معدولاً عَن اسْمَيْنِ كَمَا لَا يجوز أَن يكون المعدول اسْمَيْنِ وَلَا يُوهِمَنَّكَ قَول النَّحْوِيين أَنه عدل عَن اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ أَنهم يُرِيدُونَ بمثنى العَدْلَ عَنْهُمَا إِنَّمَا ذَلِك تَمْثِيل مِنْهُم للفظه المعدول عَنْهَا كَمَا يفسرون قَوْلهم هُوَ خير رجل فِي النَّاس وَهُوَ خير اثْنَيْنِ فِي النَّاس أَن الْمَعْنى هما خير اثْنَيْنِ إِذا كَانَ النَّاس اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ وَخير النَّاس إِذا كَانُوا رجلا رجلا وَكَذَلِكَ يُرِيدُونَ بقَوْلهمْ مثنى معدول عَن اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ يُرِيدُونَ بِهِ اثْنَيْنِ الَّذِي يُرَاد بِهِ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ لَا عَن اللفظتين جَمِيعًا فَأَما المعدول فَإِنَّهُ لَا يكون إِلَّا اسْما وَاحِدًا مُفردا كَمَا كَانَ المعدول عَنهُ كَذَلِك أَلا ترى أَن جميعَ المعجدولات أسماءٌ مفردةٌ كَمَا أَن المعدول عَنْهَا كَذَلِك وَالْمعْنَى فِي المعدول الَّذِي هُوَ مَثْنَى وثُلاَثَ هُوَ الْمَعْنى الَّذِي فِي اثْنَيْنِ وثَلاَثٍ فِي أَنَّك تُرِيدُ بعد الْعدْل اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ كَمَا أردْت قبله فَلَا يَسْتَقِيم إِذا أَن يكون تكَرر اثْنَيْنِ هُنَا كتكرر الْجمع فِي أكالب وَنَحْوه لظُهُور هَذَا الْمَعْنى فِي هَذَا الضَّرْب من الْجمع وَخُرُوجه بِهِ عَن أبنية الْآحَاد الأوّلِ إِلَى مَا لَا يُكَسَّرُ للْجمع وَلَا يجوز أَيْضا أَن يكون مَثْنَى لَمَّا عُدِلَ عَن التَّأْنِيث كَانَ ثِقَلاً آخر لما لم يكن المعدولُ عَنهُ هُوَ الأوّل الْمُذكر فَصَارَ ذَلِك ثقلاً انْضَمَّ إِلَى الْمَعْنى الأوّل فَلم ينْصَرف وعَلى هَذَا الْوَجْه قصد أَبُو إِسْحَاق فِيمَا علمناه من فَحْوَى كَلَامه لِأَن الْعدْل إِن سلمنَا فِي هَذَا الْموضع أَنه عَن تَأْنِيث لم يكن ثقلاً مَانِعا من الصّرْف أَنَّهَا معدولة وعدلها عَن تَأْنِيث وَلم يمْنَعهَا من الصّرْف أَنَّهَا معدولة وَأَنَّهَا عدلت عَن التَّأْنِيث إِنَّمَا امْتنعت من للعدل والتعريف أَلا ترى أَن سِيبَوَيْهٍ يصرف جُمَعَ إِذا سميَ بِهِ رجلٌ فِي النكرَة فَإِن كَانَ لَا يصرف أَحْمد إِذا سميَ بِهِ فَذَلِك جُمَعُ لم ينْصَرف فِي التَّأْكِيد للعدل والتعريف والمعدول غير مؤنث ويدلك على أَن الْعدْل عَن التَّأْنِيث لَا يعْتد بِهِ ثقلاً وَإِنَّمَا المُعْتَدُّ بِهِ نفسُ الْعدْل وَهُوَ أَن يُرِيد ببناءٍ أَو لفظٍ بِنَاء ولفظاً آخر أَن التَّعْرِيف ثَان كَمَا أَن التَّأْنِيث كَذَلِك وَلم يكن الْعدْل عَن التَّعْرِيف ثقلاً معتدًّا بِهِ فِي منع الصّرْف أَلا ترى أَن لَو كَانَ معتدًّا بِهِ لوَجَبَ أَن لَا ينْصَرف عمر فِي النكرَة لِأَنَّهُ لَو كَانَ يكون فِي حَال النكرَة معدولاً ومعدولاً عَن التَّعْرِيف وَفِي صرف عمر فِي النكرَة فِي قَول جَمِيع النَّاس دلَالَة على أَن الْعدْل عَن التَّعْرِيف غير مُعْتَد بِهِ ثقلاً وَإِذا لم يعْتد بِهِ ثقلاً لم يجز أَيْضا أَن يعتدّ بِالْعَدْلِ عَن التَّأْنِيث ثقلاً وَإِنَّمَا لم ينْصَرف عمر فِي التَّعْرِيف للعدل والتعريف كَمَا لم ينْصَرف جُمَعُ لَهما فَإِذا زَالَ التعريفُ انْصَرف عُمَر وَلم يعتدَّ بِالْعَدْلِ فِيهِ عَن التَّعْرِيف ثقلاً فَذَلِك يَنْبَغِي أَن يكون المعدول عَن التَّأْنِيث لِأَن هَذَا إِنَّمَا هُوَ تَأْنِيث جَمْع وَلَا يدل جَرْيهُ على الْمُؤَنَّث إِذا كَانَ جمعا على أَن واحدَه مؤنث أَلا ترى أَنه جَاءَ فِي التَّنْزِيل: {أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وثُلاَثَ ورُبَاعَ} [فاطر: 1] فَجرى فِي هَذَا الْموضع على جَمْع واحدُه مُذَكّر فَلَو جَازَ لقَائِل أَن يَقُول إنّ مثنى وبابه معدول عَن مؤنث لما جرى على النِّسَاء وإحداهن مُؤَنّثَة لآخر أَن يَقُول إِنَّه مُذَكّر لِأَنَّهُ جَرَى صفةٌ على الأجنحة وواحدُها مُذَكّر وَهَذَا هُوَ القَوْل وَالْوَجْه وَإِنَّمَا جرى على النِّسَاء من حَيْثُ كَانَ تأنيثُها تأنيثَ(5/208)
الْجمع وَهَذَا الضَّرْب من التَّأْنِيث لَيْسَ بحقيقي أَلا ترى أَنَّك تَقول هِيَ الرجالُ كَمَا تَقول هِيَ النِّسَاء فَلَمَّا كَانَ تأنيثُ النِّسَاء تَأْنِيث جمع جرت عَلَيْهِ هَذِه الْأَسْمَاء كَمَا جرت إِلَى غير النِّسَاء مِمَّا تأنيثه تَأْنِيث جمع لِأَن تَأْنِيث الْجمع لَيْسَ بحقيقي وَإِنَّمَا هُوَ من أجل اللَّفْظ فَهُوَ مثل الدَّار وَالنَّار وَمَا أشبهَ ذَلِك وَقد جرت هَذِه الْأَسْمَاء على الْمُذكر الْحَقِيقِيّ قَالَ الشَّاعِر:
(أَحَمَّ اللهُ ذلكَ مِنْ لِقَاءٍ ... أُحَادَ أًحَادَ فِي شَهْرٍ حَلاَلِ)
فَأُخَادَ أًحَادَ جَار على الفاعلين فِي الْمصر حَالا وَقَالَ الشَّاعِر أَيْضا:
(وَلَقَدْ قَتَلْتُكُمْ ثُنَاءَ وَمَوْحَداً ... )
وبيتُ الْكتاب جَرَى فِيهِ مَثْنَى ومَوْحَد على ذئاب وَهُوَ جمعٌ فَإِنَّمَا نَرى أَن النَّحْوِيين رَغِبُوا عَن هَذَا القَوْل الَّذِي ذهب إِلَيْهِ أَبُو إِسْحَاق لهَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ مِمَّا يدْخل عَلَيْهِ فَأَما مَا ذكره من قَوْله قَالَ أَصْحَابنَا إِنَّه اجْتمع فِيهِ عِلَّتَانِ أَنه عدل عَن تَأْنِيث وَأَنه نكرَة والنكرة أصل الْأَشْيَاء فَهَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَن يخففه لِأَن النكرَة تخفف وَلَا تعدّ فرعا فَاعْلَم أَنه غلط بَيِّنٌ فِي الْحِكَايَة عَنْهُم وَلم يَقُلْ فِيمَا علمت أحدٌ مِنْهُم فِي ذَلِك مَا حَكَاهُ عَنْهُم وَإِنَّمَا يذهبون فِي امتناعهم من الِانْصِرَاف إِلَى أَنه معدول وَأَنه صفة قَالَ وَقَالَ أَبُو الْحسن وَغَيره من أَصْحَابنَا: النكرةُ وَإِن كَانَت الأصلَ فَإِذا عدل عَنْهَا الِاسْم كَانَ فِي حكم الْعدْل عَن الْمعرفَة فِي الْمَنْع من الصّرْف إِذا انْضَمَّ إِلَيْهِ غَيره لمساواته فِي الْمَعْنى الَّذِي ذَكرْنَاهُ المعرفةَ يدلك على ذَلِك امتناعُه من الصّرْف فِي النكرَة عِنْدهم وَلَيْسَ يَصح أَن يمْنَع من صرفه إِلَّا مَا ذَكرْنَاهُ عَنْهُم من الْعدْل وَالصّفة وَقَالَ الْفراء الْعَرَب لَا تجَاوز رُباعَ غير أَن الْكُمَيْت قد قَالَ:
(فَلَمْ يَسْتَرِيثُوكَ حَتَّى رَمَيْتَ ... فَوْقَ الرِّجَالِ خِصالاً عُشاراً)
فَجعل عُشَار على مَخْرَج ثُلاثَ وَهَذَا مِمَّا لَا يُقَاس عَلَيْهِ وَقَالَ فِي مَثْلَثْ ومَثْنَى ومَرْبَعُ إِن أردْت بِهِ مذهبَ الْمصدر لَا مَذْهَب الصَّرْفِ جَرَى كَقَوْلِك ثَنْيْتُهُم مَثْنًى وثَلَثْتُهُمْ مَثْلَثاً ورَبَعْتُهُمْ مَرْبَعاً
1 - بَاب تَعْرِيف الْعدَد
قد اخْتلف النحويون فِي تَعْرِيف الْعدَد فَقَالَ البصريون: مَا كَانَ من ذَلِك مُضَافا أدخلنا الْألف وَاللَّام فِي(5/209)
آخِره فَقَط صَار آخِره معرفةٌ بِالْألف وَاللَّام ويتعرَف مَا قبل الْألف وَاللَّام بِالْإِضَافَة إِلَى الْألف وَاللَّام فَإِذا زَاد على وَاحِد وَأكْثر أضفتَ بَعْضًا إِلَى بعض وجعلتَ آخِره بِالْألف وَاللَّام تَقول فِي تَعْرِيف ثَلَاثَة أثوب ثلاثةُ الأثواب وَفِي مائَة دِرْهَم مائةُ الدرهمِ وَفِي مائَة ألف دِرْهَم مائةُ ألف الدّرهم وَلَيْسَ خلافٌ فِي أَن هَذَا صَحِيح وَأَنه من كَلَام الْعَرَب قَالَ الشَّاعِر وَهُوَ ذُو الرمة:
(وَهَلْ يَرْجَعُ التسليمَ أَو يَكْشِفُ العَمَى ... ثَلاَثُ الأَثَافِي والدِّيَارُ البَلاَقِعُ)
وَأَجَازَ الْكُوفِيُّونَ إدخالَ الْألف وَاللَّام على الأوّل وَالثَّانِي وشبهوا ذَلِك بالحَسَنِ الْوَجْه فَقَالُوا الثلاثةُ الأثوابِ والخمسة الدَّرَاهِم كَمَا تَقول هَذَا الحسنُ الْوَجْه وقاسُوا هَذَا بِمَا طَال أَيْضا فَقَالُوا الثلاثُ المائةِ الألفِ الدِّرهمِ وَإِذا كَانَ الْعدَد مَنْصُوبًا فالبصريون يدْخلُونَ الْألف وَاللَّام على الأوّل فَتَقول فِي أحَدَ عَشَرَ درهما الأَحَدَ عَشَر درهما والعِشْرُونَ درهما وَالتِّسْعُونَ رجلا وَمَا جَرَى مَجْرَاه وَإِن طَال وَيَقُولُونَ فِي عِشْرِين ألفَ درهمٍ العشرونَ ألفَ دِرْهَمٍ لَا يزِيدُونَ غير الْألف وَاللَّام فِي أوَّله والكوفيون يُدْخِلون الْألف واللامَ فيهمَا جمعياً فَيَقُولُونَ العِشْرُونَ الدرهمَ والأَحَدَ عَشَر الدرهمَ وَمِنْهُم من يُدْخِل الألفَ وَاللَّام فِي ذَلِك كُله فَيَقُولُونَ الأَحَدَ العَشَرَ الدرهمَ وَاخْتلفُوا أَيْضا فِيمَا كَانَ من أَجزَاء الدِّرْهَم كنِصْفٍ وثُلْثٍ ورُبُع إِذا عَرَّفُوهُ فأهلُ البَصْرَةِ يَقُولُونَ: نصفُ الدرهمِ وَثلث الدِّرْهَم وَربع الدِّرْهَم يُدْخِلُون الألفَ واللامَ فِي الْأَخِيرَة والكوفيون أجْرَوْهُ مُجْرَى الْعدَد فَقَالُوا: النصفُ الدِّرْهَم شبهوه بالحَسَنَ الوجهِ وَقَالَ أهل الْبَصْرَة إِذا جعلتَ الجميعَ نَفْساً للمقدار جَازَ وأتبعتَ الجميعَ إعرابَ الْمِقْدَار كَقَوْلِك الخمسةُ الدراهمُ ورأيتُ الخمسةَ الدراهمَ ومررت بالخمسةِ الدراهمِ وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِي هَذَا فَأَما الْفَارِسِي فَقَالَ رَوَى أَبُو زيد فِيمَا حَكَاهُ أَبُو عمر عَنهُ أَن قوما من الْعَرَب غَيْرَ فُصحاء يَقُولُونَهُ وَلم يَقُولُوا النصفُ الدرهمُ وَلَا الثلثُ الدرهمُ فامتناعُه من الاطِّرَادِ يدل على ضعفه فَإِذا بلغ المائةَ أُضِيفَ إِلَى الْمُفْرد فَقيل مائةُ دِرْهَم فَاجْتمع فِي الْمِائَة مَا افترق فِي عشر وَتِسْعين من حَيْثُ كَانَ عَشْرَ عَشَراتٍ وَكَانَ العَقْدُ الَّذِي بعد التسعين وَكَذَلِكَ مِائَتَا دِرْهَم وَمَا بعده إِلَى الْألف فَإِذا عُرِّفَ فَقيل مائةُ الدرهمِ وَمِائَتَا الدرهمِ وثلاثُ مائةِ الدِّرْهَم تَعَرَّفَ المضافُ إِلَيْهِ كَمَا تقدم
1 - بَاب ذكر الْعدَد الَّذِي يُنْعَبُ بِهِ الْمُذكر والمؤنث
وَذَلِكَ قَوْلك رأيتُ الرِّجَال ثلاثَتَهُمْ وَكَذَلِكَ إِلَى العَشْرِ وَرَأَيْت النساءَ ثلاثَتَهَّنَّ وَكَذَلِكَ إِلَى الْعشْرَة تنصبه على الْوَصْف وَإِن شئتَ على الْمصدر لذَلِك جعله سِيبَوَيْهٍ من بَاب رأيتُه وحدَه ومررتُ بِهِ وحدَه ومَثَّلَ الجميعَ بقوله ليُرِيكَ كَيفَ وُضِعَ موضعَ الْمصدر وَإِن لم يكن لَهُ فعل بِمَا يجْرِي على الْهَاء وَأَبُو حَاتِم يرى الْإِضَافَة فِيمَا جَاوز العشرةَ والعَشْرَ فَيَقُول رَأَيْتهمْ أحدَ عَشَرَهم وَكَذَلِكَ إِلَى تِسْعَة عشر ورأيتهنَّ إِحْدَى عَشَرَتهنَّ وَكَذَلِكَ إِلَى التسعَ عشرَة وَقَالَ رأيتُهم عِشْرِيهم ورأيتهنَّ عِشْريهنَّ ورأيتُهم أحَدَهم وعِشرِيهم وإحْداهنَّ وعِشْرِيهِنَّ وَكَذَلِكَ الثَّلَاثِينَ وَمَا بعْدهَا وَالْأَرْبَعِينَ وَمَا بعْدهَا إِلَى الْمِائَة وَتَقَع الْإِضَافَة فِي الْمِائَة وَالْألف على ذَلِك الحَسْب
1 - هَذَا بَاب مَا لَا يَحْسُن أَن تُضيفَ إِلَيْهِ الأسماءَ الَّتِي تُبَيِّنُ بهَا العددَ إِذا جاوزتَ الِاثْنَيْنِ إِلَى الْعشْرَة
وَذَلِكَ الوصفُ تَقول: هؤلاءِ ثلاثةٌ قُرَشِيُّونَ وثلاثةٌ صَالِحُونَ فَهَذَا وَجْهُ الْكَلَام كراهيةَ أَن تَجْعَلَ الصفةُ كالاسم إِلَّا أَن يُضْطَّر شاعرٌ وَهَذَا يدلك إِلَى أَن النساباتِ إِذا قلتَ ثلاثةٌ نَسَّابات إِنَّمَا يَجِيء كَأَنَّهُ(5/210)
وصف لمذكر لِأَنَّهُ لَيْسَ موضعا يَحْسُن فِيهِ الصفةُ كَمَا لَا يَحْسُنُ الاسمُ فَلَمَّا لم يَقع إِلَّا وَصفا الْمُتَكَلّم كَأَنَّهُ قد لفظ بمذكرين ثمَّ وَصَفَهم بهَا قَالَ الله عز وَجل: {مَنْ جَاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الْأَنْعَام: 160] قَالَ أَبُو عَليّ: قد تقدم من الْكَلَام أَن العدَدَ حَقُّه أَن يُبَيِّنَ بالأنواع لَا بِالصِّفَاتِ فَلذَلِك لم يَحْسُنَ أَن تَقول ثلاثةُ قُرَشِيِّينَ لأَنهم لَيْسُوا بِنَوْع وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَن تَقول ثلاثةُ رجال قُرَشِيِّينَ وَلَيْسَ إقامةُ الصّفة مُقَامَ الْمَوْصُوف بالمُسْتَحْسَنة فِي كل مَوضِع وَرُبمَا جرت الصفةُ لكثرتها فِي كَلَامهم مَجْرَى الْمَوْصُوف فيُستغنى بهَا لكثرتها عَن الْمَوْصُوف كَقَوْلِك: مررتُ بمثلِك وَلذَلِك قَالَ عز وَجل {فَلهُ عشر أَمْثَالهَا} [الْأَنْعَام: 160] أَي عَشْرُ حَسَنَاتٍ أمثالِها
بَاب التَّارِيخ
التَّارِيخ فَإِنَّهُم يَكْتُبُونَ أوّل لَيْلَة من الشَّهْر كتبتُ مُهَلَّ شهر كَذَا ومُسْتَهَلَّ شهرِ كَذَا وَكَذَا وغُرَّةِ شهر كَذَا وَكَذَا ويكتبون فِي أول يَوْم كَذَا ويكتبون فِي أول يَوْم من الشَّهْر وَكُتِبَ أوَّلَ يَوْم من شهر كَذَا أَو لليلة خَلَتْ وَمَضَتْ من شهر كَذَا وَلَا يَكْتُبُونَ مُهَلاًّ وَلَا مُسْتَهَلاًّ إِلَّا فِي أول لَيْلَة وَلَا يكتبونه بنهار لِأَنَّهُ مُشْتَقّ من الهلاَلِ والهلالُ مُشْتَقّ من قَوْلهم أهَلَّ بِالْعُمْرَةِ وَالْحج إِذا رفع صَوته فيهمَا بِالتَّلْبِيَةِ فَقيل لَهُ هِلاَلٌ لِأَن النَّاس يُهِلُّون إِذا رَأَوْهُ يُقَال أُهِلَّ الهلالُ واسْتُهِلَّ وَلَا يُقَال أَهَلَّ وَيُقَال أَهْلَلْنَا - إِذا دَخَلْنَا فِي الْهلَال وَقَالَ بعض أهل اللُّغَة يُقَال لَهُ هِلاَلٌ لليلتين ثمَّ يُقَال بعدُ قَمَرٌ وَقَالَ بَعضهم يُقَال لَهُ هِلاَلٌ إِلَى أَن يَكْمُلَ نورُه وَذَلِكَ لسبع لَيَال والأوّلُ أشبه وَأكْثر وَقد أبنتُ ذَلِك فِي بَاب أَسمَاء الْقَمَر وَصِفَاته، ويكتبون لثلاث خلون ولأربع خلون وَيَقُولُونَ قد صُمْنَا مُذْ ثلاثٍ فَيُغَلِّبَونَ اللياليَ على الْأَيَّام لِأَن الْأَهِلّة فِيهَا إِذا جَاوَزت العَشْرَ خَلَوْنَ ومَضَيْنَ لِأَن مَا بعد الْعشْرَة يُبَيِّنُ بِوَاحِد أَو وَاحِدَة وَمَا قبل الْعشْرَة يُضَاف إِلَى جَمِيع وَاخْتَارَ أهل اللُّغَة أَن يُقَال لِلنِّصْفِ شهر كَذَا فَإِذا كَانَ يَوْم سِتَّة عشر قَالُوا أربعَ عشرةَ لَيْلَة بقيت وخالفَهم أهلُ النّظر فِي هَذَا وَقَالُوا تَقول لخمس عشرَة لَيْلَة خلت ولِسِتَّ عشرةَ لَيْلَة مَضَتْ لِأَن الشَّهْر قد يكون تِسْعَة وَعشْرين وَهَذَا هُوَ الْحق لِأَن أهل اللُّغَة قد قَالُوا لَو قَالَ لِسِتَّ عشرَة لَيْلَة مضتْ لَكَانَ صَوَابا فقد صَار هَذَا إِجْمَاعًا ثمَّ اخْتَارُوا مَا لم يوافقهم عَلَيْهِ أهل النّظر ويكتبون آخر لَيْلَة من الشَّهْر وكُتِبَ آخرَ لَيْلَة من شهر كَذَا وَكَذَا وَكَذَلِكَ عَن كَانَ آخر يَوْم من الشَّهْر كَتَبُوا وكُتِبَ آخرَ يَوْم من شهر كَذَا وسَلْخَ شهر كَذَا فَإِذا بِقِيَتْ من الشَّهْر لَيْلَة قَالُوا كتبنَا سَلْخَ شهر كَذَا وَلم يكتبوا لليلة بقيت كَمَا لم يكتبوا لليلةٍ خلت وَلَا مَضَت وهم فِي اللَّيْلَة جعلُوا الخاتمة فِي حكم الْفَاتِحَة حَيْثُ قَالُوا غُرَّة شهر كَذَا وَلم يَقُولُوا لليلةٍ خلتْ وَلَا مضتْ لأَنهم فِيهَا بعدُ وَلم تَمْصِ فَقَالُوا سَلْخَ شهرِ كَذَا قَالَ أَبُو زيد: سَلَخْنا شهر كَذَا سَلَخْنا فَسَلْخَ فِيمَا يؤرَّخ مصدر أقيم مقَام اسْم الزَّمَان
بَاب الْأَفْعَال المشتقة من أَسمَاء الْعدَد
أَبُو عبيد: كَانَ القومُ وَتْراً فَشَفَعْتُهُمْ شَفْعاً وَكَانُوا شَفْعاً فَوَتَرْتُهُمْ وَتْراً ابْن السّكيت: الوَتْرُ والوِتْرُ وَقد أَوْتَرْتُ وَوَتَّرْتُ من الوِتْر والخَسَا - الفَرْدُ والزَّكَا - الزَّوْجُ قَالَ الْكُمَيْت:(5/211)
(بِأَدْنَى خَسَا أَو زَكَا مِنْ سِنِيكْ ... إِلَى أَربع فبَقَوْكَ انتظارا)
بقوك - انتظروك يُقَال بَقَيْتُه اَبْقِيهِ - إِذا راعَيْتَهُ وَنَظَرْتَهُ وَيُقَال ابْقِ لِي الآذَانَ - أَي ارْقُبْهُ لي وَقَالَ الشَّاعِر:
(فَمَا زِلْتُ أَبْقِي الظُّعْنَ حَتَّى كأَنَّها ... أَوَاقِي سَدىً تَغْتَالُهُنَّ الحَوَائِكُ)
وَقَالَ آخر خَساً وذَكَرَ قِدْراً:
(ثَبَتَتْ قَوَائِمُهَا خَساً وتَرَنَّمَتْ ... غَضَباً كَمَا يَتَرَنَّمُ السَّكْرَانُ)
عَنَى بالقوائم هَاهُنَا الأَثَافِي ابْن دُرَيْد: تَخَاسَى الرجلانِ تَلاَعَبَا بالزَّوْجِ والفَرْد وَيُقَال ثَلَثْتُ القومَ أَثْلِثُهُمْ ثَلْثاً بِكَسْر اللَّام إِذا كنتَ لَهُم ثالثاُ أَبُو عبيد: كَانُوا ثَلَاثَة فرَبَعْتُهُم - أَي صِرْتُ رابعَهُم وَكَانُوا أَرْبَعَة فَخَمَسْتُهُم إِلَى الْعشْرَة وَكَذَلِكَ إِذا أخذتَ الثُّلُثَ من أَمْوَالهم قلتَ ثَلَثْتُهُم ثَلْثاً وَفِي الرُّبُع رَبَعْتُهُم إِلَى العُشْرِ مِثْلُهُ فَإِذا جئتَ إِلَى يَفْعَلُ قلتَ فِي العَدَدِ يَثْلِثُ وَيَخْمِسُ إِلَى العَشرة وَفِي الأموالِ يَثْلُثُ وبَخْمُسُ إِلَى العُشْرِ إِلَّا ثَلَاثَة أحرف فَإِنَّهَا بالفتحِ فِي الحَدَّيْنِ جَمِيعًا يَرْبَعُ ويَسْبَعُ ويَتْسَعُ وَقَالَ: تَقولُوا كَانُوا ثلاثةٌ فأَرْبَعُوا - أَي صَارُوا أربعةٌ وَكَذَلِكَ أخْمَسُوا وأَسْدَسوا إِلَى العَشرة على أَفْعَلَ وَمَعْنَاهُ أَن يصيروا هم كَذَلِك وَلم يَقُولُوا أَرْبَعَتُهُمْ أَو رَبَعَهُمْ فُلانٌ ابْن السّكيت: عِنْد عَشَرَةٌ فَأَحِّدْهُنَّ وآحِدْهُنَّ - أَي صَيَّرْهن أحدَ عَشَر وَحكى بعضُهم فأحْدُهُنَّ فإمَّا أَن يكون على القَلْب كَمَا قَدَمْنَا فِي حادي عشر وَإِمَّا أَن يكون على مَا قَدَّمنا من الْحِكَايَة عَن الْكسَائي من أَنه سَمِعَ الأَسْدَ تَقول حادي عشْرين أَبُو عبيد: كَانُوا تِسْعَة وَعشْرين فَثَلَثْتُهُمْ - أَي صِرْتُ لَهُم تمامَ ثَلاثين وَكَانُوا تِسْعَة وَثَلَاثِينَ فَرَبَعْتُهم مثلُ لفظ الثَّلَاثَة وَالْأَرْبَعَة وَكَذَلِكَ جَمِيع العُقُود إِلَى الْمِائَة فَإِذا بلغتَ المائةَ قلتَ كَانُوا تسعةٌ وتِسْعِينَ فأَمْأَيْتُهُمْ مثالُ أَفْعَلْتُهُمْ وَكَانُوا تِسْعَمائة وتسعةٌ وَتِسْعين فأَلَفْتُهُمْ ممدودة وَكَذَلِكَ إِذا صَارُوا هم كَذَلِك قلتَ قد أَمْأَوْا وآلَفُوا مِثَال أَفْعَلُوا أَي صَارُوا مائَة وألفاً
1 - بَاب الأبعاض والكسور
ابْن السّكيت: عُشْرٌ وتُسْعٌ وثُمُنٌ وسُبُعٌ وسُدُسٌ وخُمُسٌ ورُبُعٌ وثُلُثٌ وجَمْعُ كُلِّ ذَلِك أفعالٌ وَقد تقدَّم تصريفُ فِعْلِ جَمِيع هَذِه الْأَفْعَال صَاحب الْعين: النِّصْفُ أحَدُ جُزْءَي الكمالِ الْأَصْمَعِي: نِصْفٌ فَأَما نَصْفٌ فلغةُ العامَّة صَاحب الْعين: نَصْفٌ لُغَة رَدِيئَة فِي نِصْفٍ ابْن السّكيت: نِصْفٌ ونَصْفٌ لغتانِ وَالْكَسْر أَعلَى صَاحب الْعين: وَالْجمع أَنْصَاف وَقد نَصَّفْتُ الشيءَ - جعلتُه نِصْفَيْنِ وَقد تقدم تَنْصِيفُ الإناءِ والشَّرابِ وَالشَّجر فِي مَوْضِعه والشَّطْرُ - النِّصْفُ والجميع شُطُورٌ وَقد تقدَّم التَّشْطِيرُ فِي الْإِنَاء والشِّطارُ فِي الطَلِيِّ وَنَحْوه
1 - ذكر العَشِير وَمَا جَاءَ على وَزنه من أَسمَاء الكسور
أَبُو عبيد: يُقَال ثَلِيثٌ وخَمِيسٌ وسَدِيسٌ وسَبِيعٌ وَالْجمع أَسْبَاع وثَمِينٌ وتِسِيعٌ وعَشِيرٌ يرد الثُّلُثَ والخُمْسَ والسُّدُسَ والسُّبُع والثُمُنَ والتُّسْعَ والعُشْر قَالَ: وَقَالَ أَبُو زيد لم يعرفوا الخَمِيس وَلَا الرَّبِيعَ وَلَا الثَّلِيثَ غَيره: السَّبِيعُ - السابعُ وَأنْشد أَبُو عبيد:
(وأَلْقَيْتُ سَهْمِي وَسْطَهُمْ حِينَ أَوخَشُوا ... فَمَا صَارَ لي فِي الْقَسْمِ إِلَّا ثَمِينُهَا)
وأَوْخَشُوا خَلَطُوا وَقَالَ فِي النَّصِيفِ:
(لَم يَغْذُهَا مُدُّولاً نَصِيفُ ... )(5/212)
فَأَما ابْن دُرَيْد فَقَالَ النَّصِيفُ هَاهُنَا مِكْيَالُ
1 - وَمن الْأَسْمَاء الْوَاقِعَة على الْأَعْدَاد
الإِسْتَار - أَرْبَعَة من كُلِّ عددٍ قَالَ جرير:
(إِنَّ الفَرَزْدَقَ والبَعِيثَ وَأُمَّهُ ... وَأَبا البَعِيثِ لَشَرُّ مَا إسْتَارِ)
والنَّواةُ - خَمْسَةٌ والأُوقِيَّةُ - أَرْبَعُونَ والنَشُّ - عِشْرُونَ والفَرَقُ - سِتَّة عشر
الْمَقَادِير والألفاظ الدَّالَّة على الْأَعْدَاد من غير مَا تقدم
الشِّيْعُ - مقدارٌ من الْعدَد تَقول أقمتُ شَهْراً أَو شَيْعَ شهرٍ وَمَعَهُ مائةُ رجلٍ أَو شَيْعُ ذَلِك وآتيك غَداً أَو شَيْعَهُ - أَي بَعْدَهُ لَا يُسْتَعْمَل إِلَّا فِي الْوَاحِد
1 - بَاب الْأَلْفَاظ الدَّالَّة على الْعُمُوم وَالْخُصُوص
وَهِي كُلُّ وأجمعون أكْتَعُون أبْصَعُونَ وبَعضٌ وأَيٌ وَمَا أُبَيِّنُ هَذِه بِقِسْطِهَا من الْأَعْرَاب واللغة حَتَّى آتِي على جَمِيع ذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى فأَوَّلُ ذَلِك كُلُّ لَفْظَة صيغت للدلالة على الإحاطةِ وَالْجمع كَمَا أَن كِلاَ لَفْظَة صِيغَتْ للدلالة على التَّثْنِيَة وَلَيْسَ كِلاَ من لفظ كُلّ وسأُريك ذَلِك كلَّه إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَبَعض - لَفْظَة صيغت للدلالة على الطَّائِفَة لَا على الْكل فهاتانِ اللفظتانِ دالتان على معنى الْعُمُوم وَالْخُصُوص وكُلُّ نهايةٌ فِي الدّلَالَة على الْعُمُوم وبَعْضٌ لَيست بنهاية فِي الدّلَالَة على الْخُصُوص أَلا ترى أَنَّهَا قد تقع على نصف الْكل وعَلى ثَلَاثَة أَرْبَاعه وعَلى معظمه وَأَكْثَره وبالعموم فَإِنَّهَا تقع على الشَّيْء كُله مَا عدا أَقَل جُزْءٍ مِنْهُ وَقد بَعَّضْتُ الشيءَ - فَرَّقْتُ أَجزاءَهُ وتَبَعَّضَ وَهُوَ يكون بعضٌ بِمَعْنى كُلٍّ كَقَوْلِه:
(أَو يَعْتَلِق بعضَ النُّفُوسِ حمامُها)
فالموتُ لَا يَأْخُذ بَعْضًا ويَدَعُ بَعْضًا وَمن الْعَرَب من يَزِيدُ بَعْضًا كَمَا يزِيد مَا كَقَوْلِه تَعَالَى: {يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ} [غَافِر: 28] حَكَاهُ صَاحب الْعين وَهَذَا خطأ لِأَن بَعْضًا اسْم والأسماء لَا تزاد فَأَما هُوَ وَأَخَوَاتهَا الَّتِي للفصل فَإِنَّمَا زيدت لمضارعة الضَّمِير الحرفَ وَقد أنعمتُ شَرْحَ هَذَا عِنْد الردِّ على أبي إِسْحَاق فِي قَوْله عز وَجل {مَثَلُ الجَنِّةِ} [الرَّعْد: 35] ونحنُ آخذون فِي تَبْيِين كُلِّ ومُقَدِّمون لَهَا على بَعْضٍ لفَضْلِ الأَعَمِّ على الأَخَصِّ فَأَقُول: إِن كُلاًّ لفظٌ وَاحِد وَمَعْنَاهُ جميعٌ وَلِهَذَا يحمل مرّة على اللَّفْظ وَمرَّة على الْمَعْنى فَيُقَال كُلُّهم ذاهبٌ وَكلهمْ ذاهبون وكل ذَلِك قد جَاءَ بِهِ الْقُرْآن والشعرُ ويُحْذَفُ المضافُ إِلَيْهِ فَيُقَال كُلُّ ذاهبٌ وَهُوَ بَاقٍ على مَعْرفَته وبَعْضٌ يجْرِي هَذَا المجرى وإليهما أَوْمَأ سِيبَوَيْهٍ حِين قَالَ هَذَا بَاب مَا ينْتَصب خَبره لِأَنَّهُ قَبِيح أَن يكون صفة وَهِي معرفةٌ لَا تُوصَف وَلَا تكون وَصفا وَذَلِكَ قَوْلك مررتُ بكلِّ قَائِما وببعضٍ جَالِسا وَإِنَّمَا خُروجهما من أَن يَكُونَا وَصفا أَو موصوفين لِأَنَّهُ لَا يَحْسُنُ لَك أَن تَقول مَرَرْت بكلِّ الصَّالِحين وَلَا بِبَعْضِ الصَّالِحين قَبُحَ الوصفُ حِين حذفوا مَا أضافوا إِلَيْهِ لِأَنَّهُ مُخَالفٌ لما يُضَاف إِلَيْهِ شاذٌّ مِنْهُ فَلم يجر فِي الْوَصْف مجْرَاه كَمَا أَنهم حِين قَالُوا يَا الله فخالفوا مَا فِيهِ الْألف وَاللَّام لم يصلوا أَلفه وأثبتوها وَصَارَ معرفَة لِأَنَّهُ مُضَاف إِلَى معرفَة كَأَنَّك قلتَ مررتُ بكُلِّهم وببعضهم وَلَكِنَّك حذفتَ ذَلِك المضافَ إِلَيْهِ فَجَاز ذَلِك كَمَا جَازَ لاَهِ أَبُوكَ فحذفوا الألفَ واللامين وَلَيْسَ هَذَا طريقةَ الْكَلَام وَلَا سبيلَه لِأَنَّهُ لَيْسَ من كَلَامهم أَن يُضْمِرُوا الْجَار وجملةُ(5/213)
هَذَا وتحليلُه أَنَّك لَا تَقول مررتُ بكلِّ قَائِما وَلَا ببعضٍ جالِساً مُبْتَدِئاً وَإِنَّمَا يتَكَلَّم بِهِ إِذا جَرَى ذكرُ قوم فَتَقول مَرَرْت بكلِّ أَي مررتُ بكلِّهم ومررتُ ببعضٍ أَي مَرَرْت ببعضهم فيستغنى بِمَا جَرَى من الْكَلَام ومعرفةِ الْمُخَاطب بِمَا يُعْنَى عَن إِظْهَار الضَّمِير وَصَارَ مَا يَعْرِفُ المخاطبُ مِمَّا يُعْنَى بِهِ مُغْنِياً عَن وَصفه وَلم يُوصَفُ بِهِ أَيْضا لأَنهم لما أقاموه مُقامَ الضَّمِير وَالضَّمِير لَا يُوصف بِهِ إِذا لم يكن تَحْلِيَةً وَلَا فِيهِ معنى تحليةٍ لم يَصِفُوا بِهِ لَا يُقَال مررتُ بالزَّيدين كُلِّ كَمَا لَا يُقَال مررتُ بكلِّ الصَّالِحين فَإِن قَالَ قَائِل لَمَ لَمْ يُبْنَ كُلٌ حِين حذفوا المضافَ إِلَيْهِ قيل لَيْسَ فِي كُلٍّ من الْمعَانِي الَّتِي توجِبُ البناءَ شيءٌ وأصلُ الأسماءِ الإعرابُ وَإِنَّمَا يَحْدُثُ البناءُ لعارِض مَعْنىً فَكَانَ اتّباعُ الأصلِ أَوْلَى وَمن هَاهُنَا قَالُوا إنَّها لَا يجوز بناؤها لِأَنَّهَا جُزْء فأتبعنا الجُزْء الكلَّ إِذا كَانَ كُلٌ معرباً لأنهُ أسبقُ لعمومه من اتِّباعِ الكُلِّ البَعْضَ فَلَمَّا أُجْرِيَ مُجْرَى خلافِهِ لم يُضَمَّنْ معنى الحرفِ وَلما لم يُضَمَّنْ مَعْنَاهُ لم يجب فِيهِ البناءُ وجَرَى على أصلِ الإعرابِ ككُلِّ وَهَذَا من أقرب مَا سمعناه فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَقد ذُكِرَ فِيهَا غيرُ الَّذِي قُلْنَا فتركناه لِأَنَّهُ لم يَصح عندنَا وَهَذَا كُله تَعْلِيل الْفَارِسِي وَحكى سِيبَوَيْهٍ فِي كُلٍّ التأنيثَ فَقَالَ كُلَّتُهُنَّ منطلقةٌ وَلم يَحْكِ ذَلِك فِي بعض فَأَما كِلاَ فَلَيْسَ من لفظ كُلٍّ، كُلٌ مضاعفٌ وكِلاَ معتلٌ كمِعاً أَلفه منقلبة عَن وَاو بِدلَالَة قَوْلهم كِلْتَا إِذا بدلُ التَّاء من الْوَاو أَكثر من بدلهَا من الْيَاء وَقد أَبَنْتُ ذَلِك فِي بَاب بِنْتٍ وَأُخْت بنهاية الْبَيَان وأجْمَعُ معرفةٌ تَقول رأيتُ المالَ أجمعَ ورأيتَ المالَيْنِ أَجْمَعَينَ وَقَالُوا رَأَيْت القومَ أَجْمَعِينَ وَلَيْسَ أجْمَعُونَ وَمَا جَرَى مَجْراه بِصفة عِنْد سِيبَوَيْهٍ وَكَذَلِكَ واحدُه ومذكرُه ومؤنثه وَإِنَّمَا هُوَ اسْم يجْرِي على مَا قبله على إعرابه فيُعَمُّ بِهِ ويُؤَكَّدُ فَلذَلِك قَالَ النحويون: إِنَّه صفة وَلَو كَانَ صفة لما جرى على الْمُضمر لَان الْمُضمر لَا يُوصف وَمِمَّا يدلك على أَنه لَيْسَ بِصفة أَنه لَيْسَ فِيهِ معنَى إشارةٍ وَلَا نَسَبٍ وَلَا حِلْيَةٍ وَقد غَلِط قومٌ فَتَوَهَّمُوهُ صِفَةً وَقد صرح سِيبَوَيْهٍ أَن لَيْسَ بِصفة أَنه لَيْسَ فِيهِ معنَى إشارةٍ وَلَا نَسَبٍ وَلَا حِلْيَةٍ وَقد غَلِط قومٌ فَتَوَهَّمُوهُ صِفَةً وَقد صرح سِيبَوَيْهٍ أَنه لَيْسَ بِصفة وَقَالَ فِي بَاب مَا لَا ينْصَرف إِذا سميته بأَجْمَعَ صرفته فِي النكرَة وَقد غلط الزجاجُ فِي كِتَابه فِي بَاب مَا لَا ينْصَرف وردَّ عَلَيْهِ الْفَارِسِي بعد أَن حكى قولَه فَقَالَ: وَقد أغْفَلَ أَبُو إِسْحَاق فِيمَا ذهب إِلَيْهِ من جُمَعَ فِي كِتَابه فِيمَا لَا ينْصَرف وَهَذَا لَفظه قَالَ: الأَصْل فِي جَمْع جَمْعَاء جُمْعٌ مثل حَمْرَاء وحُمْرٌ وَلَكِن حُمْر نكرَة فأرادوا أَن يُعْدَلَ إِلَى لفظ الْمعرفَة فعُدِلَ فُعْلٌ إِلَى فُعَل قَالَ أَبُو عَليّ: وَلَيْسَ جَمْعَاء مثلَ حَمْرَاء فَيلْزم أَن يُجْمَعَ على حُمْرٍ كَمَا أَن أَجْمَعَ لَيْسَ مثلَ أَحْمَرَ وَإِنَّمَا جَمْعَاءُ كَطَرْفَاءَ وصَحْرَاءَ كَمَا أَن أَجْمَعَ كأَحْمَد بِدلَالَة جَمْعِهِمْ لَهُ على حَدِّ التَّثْنِيَة فقد ذهب فِي هَذَا القَوْل عَن هَذَا الِاسْتِدْلَال وَعَن نَص سِيبَوَيْهٍ فِي هَذَا الْجِنْس أَنه لَا يجمعُ هَذَا الضربَ من الجَمْعِ وَعَما نَصَّ على هَذَا الْحَرْف بِعَيْنِه حَيْثُ قَالَ وَلَيْسَ واحدٌ مِنْهُمَا يَعْنِي من قَوْلك أجمع وأكتع فِي قَوْلك مَرَرْت بِهِ أجمع وأكتع بِمَنْزِلَة الأَحْمَرَ لِأَن أَحْمَرَ صفة للنكرة وأجمعُ وأكتعُ إِنَّمَا وُصِفَ بهما معرفةٌ فَلم ينصرفا لِأَنَّهُمَا معرفةٌ وأجمعُ هُنَا معرفةٌ بِمَنْزِلَة كُلُّهُمْ، انْقَضى كَلَام سِيبَوَيْهٍ وَمَا يَجْرِي هَذَا المَجْرَى مِمَّا يَتْبَعُ أَجْمَعُونَ كَقَوْلِك أكتعون وأبْصَعون وأبتعون وَكَذَلِكَ المؤنثُ والاثنانِ والجميعُ فِي ذَلِك حُكْمُه سواءٌ والقولُ فِيهِ كالقول فِي أَجْمَعِينَ وكلُّه تابعٌ لأجمعين لَا يتَكَلَّم بواحدٍ مِنْهُنَّ مُفْرداً وكُلُّها تَقْتَضِي معنى الْإِحَاطَة، وَمِمَّا يدل على معنى الإحاطةِ قاطبةً وطُرًّا والجَمَّاءَ الغَفِيرَ وَنحن آخذون فِي تَبْيِين ذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى: اعْلَم أَن الجَمَّاء هِيَ اسْم والغَفِير نعتٌ لَهَا وَهُوَ بِمَنْزِلَة قَوْلك فِي الْمَعْنى الجَمُّ الْكثير لِأَنَّهُ يُرَاد بِهِ الكثرةُ والغَفِيرَ يرادُ بِهِ أَنهم قَد غَطّوا الأَرْض من كثرتهم غَفَرْتُ الشيءَ إِذا غَطَّيْتُهُ وَمِنْه المِغْفَرُ الَّذِي يوضع على الرَّأْس لِأَنَّهُ يُغَطِّيهِ ونصبه فِي قَوْلك مررتُ بهم الجَمَّاءَ الغفيرَ على الْحَال وَقد علمنَا أَن الْحَال إِذا كَانَ اسْما غير مصدر لم يكن بِالْألف وَاللَّام فأَخرَجَ ذَلِك سِيبَوَيْهٍ والخليلُ أَن جَعَلاَ الغفيرَ فِي مَوضِع العِراكِ كَأَنَّك قلتَ مررتُ بهم الجُمُومَ الغُفْرَ على معنى مَرَرْت بهم جامِّين غافِرِين للْأَرْض أَي مُغَطِّينَ لَهَا وَلم يذكر البصريون أَنَّهُمَا يستعملان فِي غير الْحَال وَذكر غَيرهم شِعْراً فِيهِ الجَمَّاءُ الغفِيرُ مَرْفُوع وَهُوَ قَول الشَّاعِر:(5/214)
(صَغِيرُهُمْ وشَيْخُهُمْ سَوَاءٌ ... هُمُ الجَمَّاءُ فِي اللُّؤْمِ الغَفِيرِ)
وَأما قولُهم مررتُ بهم قاطبةً ومررت بهم طُرًّا فعلى مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ والخليل هما فِي مَوضِع مصدرين وَإِن كَانَا اسْمَيْنِ وَذَلِكَ أَن قاطبةَ وَإِن كَانَ لفظُها لفظَ الصِّفَات كَقَوْلِنَا ذَاهِبَة وقائمة وَمَا أشبه ذَلِك وطُرًّا وَإِن كَانَ لفظُها لفظَ صُفْراً وشُهْباً وَمَا أشبه ذَلِك فَإِن لَا يجوز حملُها إِلَّا على الْمصدر وَقَالَ إِنَّا رَأينَا المصادر قد يَخْرُجْنَ عَن التَّمَكُّن حَتَّى يستعملن فِي مَوضِع لَا تتجاوزه كَقَوْلِنَا سُبْحَانَ الله وَلَا يكون إِلَّا مَنْصُوبًا مصدرا فِي التَّقْدِير ولَبَّيْكَ وحَنَانَيْكَ وَمَا جَرَى مجراهما مصادرُ لَا يستعملنَ إِلَّا منصوباتِ وَلم نَرَ الصِّفَات يخْرجن عَن التَّمَكُّن فَلذَلِك حمل سِيبَوَيْهٍ قاطبةٌ وطُرًّا على الْمصدر وصارا بِمَنْزِلَة مصدر اسْتُعْمِلَ فِي مَوضِع الْحَال وَلم يَتَجَاوَزَا ذَلِك الموضِعَ كَمَا لم يتَجَاوَز مَا ذَكرْنَاهُ من المصادر إِن شَاءَ الله تَعَالَى
اشتقاق أَسمَاء الله عز وَجل
أَبْدَأُ بشرح مَا اسْتَفْتَحْتُ بِهِ ثمَّ أُتْبعُ ذَلِك سائرَ أَسْمَائِهِ الحُسْنَى وصفاتِه العُلَى قيل فِي اشتقاق اسْم قَولَانِ: إِنَّه مُشْتَقّ من السُّمُوّ، وَالثَّانِي من السِّمة وَالْأول الصَّحِيح من قبل أَن جمعه أسماءٌ على ردِّ لَام الْفِعْل وَكَذَلِكَ تصغيره سُمَّيُّ وَلِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ شَيْءٌ إِذا حذفت فاؤه دخله ألف الْوَصْل إِنَّمَا تدخله تَاء التَّأْنِيث كالزِّنَة والعِدَةِ والصِّفَةِ وَمَا أشبه ذَلِك وَيُقَال سَمَا يَسْمُو سُمُوًّا إِذا علا وَمِنْه السماءُ والسَّمَاوَةُ وَكَأَنَّهُ قيل اسْم أَي مَا علا وظهَرَ فَصَارَ عَلَماً للدلالة على مَا تَحْتَهُ من الْمَعْنى وَنَظِير الاسْمِ السِّمَةُ والعلامةُ وكل مَا يَصح أَن يُذْكَرُ فَلهُ اسْم فِي الْجُمْلَة لِأَن لَفظه شيءٌ يلْحقهُ وَأما فِي التَّفْصِيل كزيد وَعَمْرو وَمِنْهَا مَا لَا اسْم لَهُ فِي التَّفْصِيل وَهُوَ بِالْجُمْلَةِ كل مَا لم يكن لَهُ اسْم عَلَمٌ يخْتَص بِهِ كالهَواء وَالْمَاء وَمَا أشبه ذَلِك والاسْمُ - كلمة تدل على الْمُسَمّى دلَالَة الإشارةِ دون الإفادةِ وَذَلِكَ أَنَّك إِذا قلتَ زيد فكأنك قلت هَذَا وَإِذا قلت الرجل فكأنك قلت ذَاك فَأَما دلالةَ الإفادة فَهُوَ مَا كَانَ الْغَرَض أَن تفِيد السَّامع بِهِ معنى أَو أخرجته ذَلِك الْمخْرج كَقَوْلِك قَامَ وَذهب فَأَما الأول فَإِنَّمَا الْغَرَض فِيهِ أَن تُشِير إِلَيْهِ ليتنبه عَلَيْهِ أَو تُخْرجَه ذَلِك الْمخْرج وَأَنا أكره أَن أُطِيلَ الكتابَ بِذكر مَا قد أُولِعَتْ بِهِ عامَّةٌ الْمُتَكَلِّمين من رسم الِاسْم أَو حِدِّةِ والتكلم على المُسَمَّى هُوَ الاسمُ أم غير الِاسْم والفعلُ المُصَرَّفُ من الِاسْم قولُكَ أَسْمَيْتُ وسَمَّيْتُ مُتَعَدٍّ بِحرف الْجَرّ وَبِغير حرف جر تَقول سَمَّيْتُهُ زيدا وسميته بزيد قَالَ سِيبَوَيْهٍ: هُوَ كَمَا تَقول عَرَّفْتُه بِهَذِهِ الْعَلامَة وأوضحتُه بهَا وَحكى أَبُو زيد اِسْمٌ واُسْمٌ وسِمٌ وسُمٌ وَأنْشد:
(بِسْمِ الَّذِي فِي كُلِّ سُورَةٍ سُمُهْ ... )
والاسمُ منقوصٌ قد حذفت مِنْهُ لَام الْفِعْل وغُيِّرَ ليكونَ فِيهِ بعضُ مَا فِي الْفِعْل من التَّصَرُّف إِذْ كَانَ أَشْبَهَ بِهِ من الْحَرْف وَقيل إِن ألف الْوَصْل إِنَّمَا لحقتْهُ عِوَضاً من النَّقْصِ فَأَما الْبَاء فِي بِسم الله فَإِنَّمَا كسرت للْفرق ين مَا يَجُرُّ وَهُوَ حرف وبيْن مَا يجر مِمَّا يجوز أَن يكون اسْما ككاف التَّشْبِيه وموضعُ بِسْمِ نصبٌ كَأَنَّك قلت أبدأ بِسم الله وَلم يحْتَج إِلَى ذكر أبدا لِأَن المُسْتَفْتِحَ مُبْتَدِئٌ فالحال المشاهِدَةُ دَالَّة على الْمَحْذُوف وَيصْلح أَن يكون موضُعه رفعا على ابتدائي بِسم الله الفِعْلَ المَتروك لِأَن جَمِيع حُرُوف الْجَرّ لابد أَن تتصل بِفعل إِمَّا مَذْكُور وَإِمَّا مَحْذُوف وبسم الله يجوز أَن يكون الفعلُ المحذوفُ العاملُ فِي مَوْضِعه لفظا صيغتُه صيغةُ الْأَمر ولفظاً صيغتُه صيغةُ الْخَبَر وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَمَعْنَاه معنى الْأَمر وهم مِمَّا يَضَعُون الخبرَ موضعَ الْأَمر كَقَوْلِه: اتَّقَى اللهِ امْرُؤٌ فَعَلَ خيرا يُثَبْ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ يضعون الْأَمر مَوضِع الْخَبَر كَقَوْلِهِم أَكْرِمْ بزيد والغَرَضُ فِي بِسم الله التعليمُ لما يُسْتَفْتَحُ بِهِ الأمورُ للتبرك وَبِذَلِك والتعظيم لله عز وَجل وَهُوَ تَعْلِيم وتأديبٌ وشِعَارٌ وعَلَمٌ من أَعْلَام الدّين وعَلى(5/215)
ذَلِك جرى فِي شَرِيعَة الْمُسلمين يُقَال عِنْد المأكل والمَذْبَحِ وَابْتِدَاء كُلِّ فعل خلافًا لمن كَانَ يذكر اسْم اللاتِ والعُزَّى من الْمُشْركين (الله) الأَصْل فِي قَوْلك الله الاْلَهُ حذفت الْهمزَة وَجعلت الْألف وَاللَّام عوضا لَازِما وَصَارَ الِاسْم بذلك كالعَلَم هَذَا مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وحُذَّاقُ النَّحْوِيين وَقيل الاله هُوَ الْمُسْتَحق لِلْعِبَادَةِ وَقيل هُوَ الْقَادِر على مَا تَحِقُّ بِهِ العيادةُ وَمن زعم أَن معنى إِلَه معنى معبود فقد أَخطَأ وَشهد بخطئه الْقُرْآن وشريعةُ الْإِسْلَام لِأَن جَمِيع ذَلِك مُقِرٌ بِأَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَلَا شكّ أَن الْأَصْنَام كَانَت معبودةً فِي الْجَاهِلِيَّة على الْحَقِيقَة إِذا عبدوه وَلَيْسَ بإلهٍ لَهُم فقد تبين أَن الاِلَهَ هُوَ الَّذِي تِحِقُّ لَهُ العبادةُ وَتجب وَقيل فِي اسْم الله أَنه علم لَيْسَ أصلُه الاله على مَا بَينا أوّلاً وَهُوَ خطأ من وَجْهَيْن أَحدهمَا: أَن كُلَّ اسمٍ عَلَمٍ فَلَا بُدَّ من أَن يكون لَهُ أَصلٌ نُقِلَ مِنْهُ أَو غُيِّرَ عَنهُ والآخَرُ أَن أسماءَ اللهِ كُلَّها صِفَاتٌ إِلَّا شيءٌ فَإِنَّهُ صَحَّ لَهُ عز وَجل من حيثُ كَانَ أعَمَّ العمومِ لَا يجوز أَن يكون لَهُ اسْم على جِهَة التلقيب والأسماءُ الأعلامُ إِنَّمَا أجراها أهلُ اللُّغَة على ذَلِك فَسَمُّوا بكَلْبٍ وقِردٍ ومازِنٍ وظالِم لأَنهم ذَهَبُوا بِهِ مذهبَ التلقيب لَا مذهبَ الوصفِ قَالَ أَبُو أسْحَاق إِبْرَاهِيم ابْن السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ: وَإِذا ذكرنَا أَبَا إِسْحَاق فِي هَذَا الْكتاب فإياه نُرِيد أكره أَن أذكر مَا قَالَ النحويون فِي هَذَا الِاسْم تَنْزِيها الِاسْم الله هَذَا قَوْله فِي أول كِتَابه فِي مَعَاني الْقُرْآن وَإِعْرَابه ثمَّ قَالَ فِي سُورَة الْحَشْر فِي قَوْله تَعَالَى: {هُوَ اللهُ الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى} [الْحَشْر: 24] جَاءَ فِي التَّنْزِيل أَنَّهَا تِسْعَة وَتسْعُونَ اسْما وَنحن نبين هَذِه الْأَسْمَاء واشتقاقَ مَا يَنْبَغِي أَن يُبَيِّن بهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَبَدَأَ بتفسير هَذَا الاسمِ فَقَالَ قَالَ سِيبَوَيْهٍ سألتُ الْخَلِيل عَن هَذَا الِاسْم فَقَالَ إلَهٌ فأُدْخِلَتْ عَلَيْهِ الألفُ وَاللَّام [ ... .] فَهَذَا مُنْتَهى نَقله وحكايته عَن سِيبَوَيْهٍ قَالَ أَبُو عَليّ الْحسن بن أَحْمد بن عبد الْغفار الْفَارِسِي النَّحْوِيّ: رادًّا على الزّجاج فِي سَهْوه مَا حَكَاهُ أَبُو إِسْحَاق عَن الْخَلِيل سَهْو وَلم يحك سِيبَوَيْهٍ عَن الْخَلِيل فِي هَذَا الِاسْم إِن إلهٌ وَلَا قَالَ إِنَّه سَأَلَهُ عَنهُ لَكِن قَالَ إِن الْألف وَاللَّام بدل من الْهمزَة فِي حد النداء فِي الْبَاب المترجم هَذَا بابُ مَا ينْتَصب على الْمَدْح والتعظيم أَو الذَّم والشتم لِأَنَّهُ لَا يكون وَصفا للأوَّل وَلَا عطفا عَلَيْهِ قَالَ وأوَّلُ الْفَصْل اعْلَم أَنه لَا يجوز لَك أَن تُنَادِي اسْما فِيهِ الْألف وَاللَّام ألبتةَ إِلَّا أَنهم قَالُوا يَا اللهُ اغْفِر لي وَهُوَ فصل طَوِيل فِي هَذَا الْبَاب إِذا قرأتَه وقفتَ عَلَيْهِ مِنْهُ على مَا قُلْنَا قَالَ: والقولُ الآخر الَّذِي حَكَاهُ أَبُو إِسْحَاق فَقَالَ وَقَالَ مرّة أُخْرَى وَلم ينْسبهُ سِيبَوَيْهٍ أَيْضا إِلَى الْخَلِيل وَلَكِن ذكره فِي حد الْقسم فِي أوَّل بَاب مِنْهُ قَالَ وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله جلّ وَعز: {وَيَذَرَكُ وألِهَتَكَ} [الْأَعْرَاف: 127] قَالَ عِبَادَتَك فقلونا إلَهٌ من هَذَا كَأَنَّهُ ذُو الْعِبَادَة أَي إِلَيْهِ يُتَوَجَّهُ بهَا ويُقْصَدُ قَالَ أَبُو زيد تأَلَّهَ الرجلُ إِذا تَنَسَّكَ وَأنْشد:
(سَبَّحْنَ وَاسْتَرْجَعْنَ مِنْ تَأَلُّهِي ... )
ونظيرُ هَذَا فِي أَنه اسْم حَدَثٍ ثمَّ جرى صفة للقديم سُبْحَانَهُ قولُنا السَّلاَمُ وَفِي التَّنْزِيل: {السَّلاَمُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ} [الْحَشْر: 24] والسَّلاَمُ من سَلَّمَ كَالْكَلَامِ من كَلَّمَ وَالْمعْنَى ذُو السَّلاَمِ أَي يُسَلِّمُ من عَذَابه من لم يَسْتَحِقَّه كَمَا أَن الْمَعْنى فِي الأول أَن الْعِبَادَة تَجِبُ لَهُ فَإِن قلتَ فأَجِزِ الحالَ عَنهُ وتَعَلُّقَ الظرفِ بِهِ كَمَا يجوز ذَلِك فِي المصادر فَإِن ذَلِك لَا يلْزم أَلا ترى أَنهم قد أَجْرَوْا شَيْئا من الْمصدر واسمِ الْفَاعِل مُجْرَى الْأَسْمَاء الَّتِي(5/216)
لَا تُنَاسِبُ الفعلَ وَذَلِكَ قولُكَ لِلهِ دَرُّكَ وزيدٌ صاحبُ عَمْرو وَأما مَا حَكَاهُ أَبُو زيد من قَوْلهم: تَأَلَّهَ الرجل فَإِنَّهُ يحْتَمل أَن يكون على ضَرْبَيْنِ من التَّأْوِيل يجوز أَن يكون كَمُتَعَبِدٍ والتَّعَبُدِ وَيجوز أَن يكون مأخوذاً من الِاسْم دون الْمصدر على حدّ قَوْلك اسْتَحْجَرَ الطينُ واسْتَنْوَقَ الجَمَلُ فَيكون الْمَعْنى أَنه يفعل الأفعالَ المُقَرِّبَةِ إِلَى الإِلَهِ والمُسْتَحق بهَا الثَّوَاب وَتسَمى الشمسُ الإِلاَهَةَ وإلاَهَةَ وروى لنا ذَلِك عَن قُطْرُب وَأنْشد قَول الشَّاعِر:
(تَرَوَّحْنَا من اللَّعْبَاءِ قَصْراً ... وأَعْجَلْنَا إِلاَهَةَ أَنْ تَؤُوبا)
فكأنهم سَموهَا إلاَهَةَ على نَحْو تعظيمهم لَهَا وعبادتهم إِيَّاهَا وَعَن ذَلِك نَهَاهُم الله عز وَجل وَأمرهمْ بالتوجه فِي الْعِبَادَة إِلَيْهِ دون مَا خَلَقَهُ وأَوْجَدَهُ بعد أَن لم يكن فَقَالَ: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ والنَّهَارُ والشَّمْسُ والقَمَرُ لاَ تَسْجُدُوا للشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ} [فصلت: 37] ويدلك على مَا ذكرنَا من مَذْهَب الْعَرَب فِي تسميتهم الشَّمْس إلاهَةَ أَنه غير مَصْرُوف فقوى ذَلِك لِأَنَّهُ مَنْقُول إِذْ كَانَ مَخْصُوصًا وَأكْثر الْأَسْمَاء المختصة الْأَعْلَام منقولةٌ نَحْو زيد وأسدُ مَا يَكْثُر تعدادُه من ذَلِك فَكَذَلِك إلهَةٌ تكون منقولة من إلاهَةَ الَّتِي هِيَ الْعِبَادَة لما ذكرنَا وَأنْشد الْبَيْت الْمُتَقَدّم الذّكر:
(وأَعْجَلْنَا إلاَهَةَ أَنْ تَؤُوبَا ... )
غير مَصْرُوف بِلَا ألف وَلَام فَهَذَا معنى الإِلَه فِي اللُّغَة وَتَفْسِير ابْن عَبَّاس لقراءةَ من قَرَأَ {ويَذَرَكَ وألَهَتَكَ} قد جَاءَ على هَذَا الحدّ غير شَيْء قَالَ أَبُو زيد: لَقِيْتُهُ نَدَرَى وَفِي النَّدَرَى وفَيْنَةً والفَيْنَة بعدَ الفَيْنَة وَفِي التَّنْزِيل: {وَلاَ يَغُوثَ ويَعُوقَ ونَسْراً} [نوح: 23] وَقَالَ الشَّاعِر:
(أما ودِمَاءٍ لَا تَزالُ كَأَنَّهَا ... على قُنَّةِ العُزَّى وبالنَّسْرِ عَنْدَما)
قَالَ فَهَذَا مِثْلُ مَا ذكرنَا من إلَهَةَ والإِلَهَةَ والإِلَهَةَ فِي دُخُول اللَّام الْمعرفَة الِاسْم مرّة وسقوطها أُخْرَى فَأَما من قَرَأَ ويَذَرَكَ وآلِهَتَكَ فَهُوَ جمع إلَهٍ كَقَوْلِك إزارٌ وآزِرَةٌ وإناءٌ وآنيةٌ وَالْمعْنَى على هَذَا أَنه كَانَ لفرعون أصنام يَعْبُدهَا شِيعَتُهُ وأتْبَاعُهُ فَلَمَّا دعاهم مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى التَّوْحِيد حَضُّوا فرعونَ عَلَيْهِ وعَلى قومه وأَغْرَوْهُ بهم فَمَا قَوْلنَا اللهُ جلّ وَعز فقد حمله سِيبَوَيْهٍ على ضَرْبَيْنِ أَحدهمَا: أَن يكون أصلُ الِاسْم إلَهاً ففاء الْكَلِمَة على هَذَا همزَة وعينها لَام وَالْألف ألف فِعَال الزَّائِدَة وَاللَّام هَاء والقولُ الآخر أَن يكون أصلُ الِاسْم إلَهاً ففاء الْكَلِمَة على هَذَا همزَة وعينها لَام وَالْألف ألف فِعَال الزَّائِدَة وَاللَّام هَاء والقولُ الآخر أَن يكون أصلُ الِاسْم لاَهاً ووزنه فَعَلٌ فَأَما إِذا قَدَّرْتَ أَن الأَصْل إِلَه فَيذْهب سِيبَوَيْهٍ إِلَى أَنه حُذفت الفاءُ حَذْفاً لَا على التَّخْفِيف القياسي إِذْ تَقْدِير ذَلِك سَائِغ فِيهِ غير مُمْتَنع مِنْهُ والحملُ على الْقيَاس أولى من الْحمل على الْحَذف الَّذِي لَيْسَ بِقِيَاس قيل لَهُ أَن ذَلِك لَا يَخْلُو من أَن يكون على الْحَذف كَمَا ذهب إِلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ أَو على تَخْفيف الْقيَاس فِي أَنه إِذا تحرَّكت الْهمزَة وَسكن مَا قبلهَا حذفت وألقيت حركتُها على السَّاكِن فَلَو كَانَ طرحُ الْهمزَة على هَذَا الْحَد دون الْحَذف لما لزم أَن يكونَ مِنْهَا عِوَضٌ لِأَنَّهَا إِذا حُذِفَتْ على هَذَا الحدِّ فَهِيَ وَإِن كَانَت مُلْقَاةً من اللَّفْظ مُبَقَّاةٌ فِي النِّيَّة ومُعامَلَةٌ المُثْبتَةِ غير المحذوفة يدلك على ذَلِك تركُهم الياءَ مصححة فِي قَوْلهم جَيْأَل إِذا خَفَّفُوا فَقَالُوا جَيَل وَلَو كَانَت محذوفة فِي التَّقْدِير كَمَا أَنَّهَا محذوفة من اللَّفْظ للَزِمَ قلبُ الْيَاء ألفا فَلَمَّا كَانَت الياءُ فِي نِيَّة سكونٍ لم تُقَلَبْ كَمَا قُلِبَتْ فِي بابٍ وَنَحْوه وَيدل على ذَلِك تحريكُهُم الواوَ فِي ضَوٍ وَهِي طَرَفٌ إِذا خففت وَلَو لم تكن فِي نِيَّة سُكُون لقلبت وَلم تثبت آخرا وَيدل عَلَيْهِ أَيْضا تبيينهم فِي نُويٍ إِذا خفف نُؤْيٌ وَلَوْلَا نِيَّة الْهمزَة لقلبت يَاء وأدغمت كَمَا فعل فِي مَرْمِيِّ وَنَحْوه فَكَمَا أَن الْهمزَة فِي هَذِه الْمَوَاضِع لما كَانَ حذفهَا على(5/217)
التَّخْفِيف القياسي كَانَت منويةَ الْمَعْنى كَذَلِك لَو كَانَ حَذفُها فِي اسْم الله تَعَالَى على هَذَا الحَدِّ لما لَزِمَ أَن يكون من حَذْفِها عوضٌ لِأَنَّهَا فِي تَقْدِير الْإِثْبَات للدلالة الَّتِي ذَكرنَاهَا وَفِي تَعوِيضِهِم من هَذِه الْهمزَة مَا عَوَّضُوا مَا يدل على أَن حذفهَا عِنْدهم لَيْسَ على حدِّ القِيَاسِ كَجَيَلٍ فِي جَيْأَلٍ وَنَحْو ذَلِك بل يدل العِوَضُ فِيهَا على أَنهم حَذَفُوهَا حَذْفاً على غير هَذَا الحَدِّ فَإِن قَالَ فَمَا العِوَضُ الَّذِي عُوِّضَ من هَذِه الْهمزَة لما حُذِفَتْ على الحدّ الَّذِي ذكرتَ وَمَا الدلالةُ على كَونه عوضا قيل أما العِوَضُ مِنْهَا فَهُوَ الْألف وَاللَّام فِي قَوْلهم الله وَأما الدلالةُ على أَنَّهَا عوض فاستجازتُهم لقطع الْهمزَة الموصولة الدَّاخِلَة على لَام التَّعْرِيف فِي القَسَم والنداء وَذَلِكَ قولُهم تَأَللَّهِ لَيَفْعَلَنَّ وَيَا أللهُ اغْفِرْ لي أَلا تَرضى أَنَّهَا لَو كانتْ غَيْرَ عِوَضٍ لم تَثْبُتْ كَمَا لم تَثْبُتْ فِي غيرِ هَذَا الِاسْم فَلَمَّا قُطِعَتْ هُنَا اسْتُجِيزَ ذَلِك فِيهَا وَلم يُسْتَجَزْ فِي غَيرهَا من الهَمَزَاتِ المَوْصُولَةِ عَلِمْنَا أَن ذَلِك لِمَعْنىً اخْتَصَّتْ بِهِ لَيْسَ فِي غَيرهَا وَلَا شيءَ أَوْلَى بذلك المَعْنَى من أَن يكون العِوَضَ من الحَرْفِ المحذوفِ الَّذِي هُوَ الْفَاء فَإِن قَالَ قَائِل مَا أنْكَرْتَ أَن لَا يكون ذَلِك الْمَعْنى العِوَضَ وَإِنَّمَا يكون الِاسْتِعْمَال فغُيِّرَ بِهَذَا كَمَا يُغَيِّرُ غيرُه مِمَّا يكثر فِي كَلَامهم عَن حَال نَظَائِره وَحَدِّهِ قيل لَا يَخْلُو من أَن يكونَ العوضَ كَمَا ذَكرْنَاهُ أَو يكونَ كثرةَ الاستعمالِ أَو يكون لِأَن الحرفَ ملازِمٌ للاسم لَا يُفَارِقهُ فَلَو كَانَ كثرةُ الاستعمالِ هُوَ الَّذِي أوجَبَ ذَلِك دونَ العِوَض لوَجَبَ أَن تُقْطَعَ الهمزةُ أَيْضا فِي غير هَذَا مِمَّا يكثر استعمالُه وَلَو كَانَ للُزُوم الْحَرْف لوجَبَ أَن تُقْطَعَ همزةُ الَّذِي للزومها ولكثرةِ اسْتِعْمَالهَا أَيْضا ولَزِمَ قطعُ هَذِه الْهمزَة فِيمَا كثر اسْتِعْمَاله هَذَا فَاسد لِأَنَّهُ قد يكثُر استعمالُ مَا فِيهِ الهمزةُ وَلَا تُقْطَعُ فَإِذا كَانَ كَذَلِك ثَبَتَ أَنه للعِوَضِ وَإِذا كَانَ للعِوَضِ لم يَجُزْ أَن يكون حذفُ الْهمزَة من الِاسْم على الحَدِّ القياسي لما قدمْنَاهُ فَلهَذَا حمله سِيبَوَيْهٍ على هَذَا الْوَجْه دون الْوَجْه الآخر قَالَ: كَانَ الِاسْم وَالله أعلم إلَهٌ فَلَمَّا أَدخل فِيهِ الألفُ واللامُ حذفوا الْهمزَة وَصَارَت الْألف وَاللَّام خَلَفاً مِنْهَا فَهَذَا أَيْضا مِمَّا يقوّي أَن يكون بِمَنْزِلَة مَا هُوَ من نفس الحرفِ فَإِن قَالَ قَائِل أَفَلَيْسَ قد حُذِفَتِ الهمزَةِ من النَّاس كَمَا حُذِفَتْ من هَذَا الِاسْم فَهَل تَقول إِنَّهَا عوض مِنْهَا كَمَا أَن الْألف وَاللَّام عِوَضٌ من الْهمزَة المحذوفة فِي اسْم الله عز وَجل قيل لَهُ: لَيْسَ الْألف واللامُ عِوَضاً فِي النَّاس كَمَا كَانَا عِوَضاً مِنْهَا فِي هَذَا الِاسْم وَهُوَ كَانَ عوضا لَفُعِلَ بِهِ مَا فُعِلَ فِي الْهمزَة فِي اسْم الله عز وَجل لَمَا جُعِلَتْ فِي الكلمةِ الَّتِي دخلت عَلَيْهَا عِوِضاً من الْهمزَة المحذوفة فَإِن قلت أفليس قد قَالَ سِيبَوَيْهٍ بعد الْكَلَام الَّذِي ذكرته لَهُ ومِثْلُ ذَلِك أُنَاسٌ فَإِذا أدخلت الألأف وَاللَّام قلتَ الناسُ قيل قد قَالَ هَذَا وَمعنى قَوْله ومثلُ ذَلِك أُنَاسٌ أَي مثلُه فِي حذف الْهمزَة مِنْهُ فِي حَال دُخُول الْألف وَاللَّام عَلَيْهِ لَا أَنه بدلُ المحذوفِ كَمَا كَانَ فِي اسْم الله تَعَالَى بَدَلاً ويُقَوِّي ذَلِك مَا أنْشدهُ أَبُو الْعَبَّاس عَن أبي عُثْمَان:
(إِنَّ المَنَايَا يَطَّلِعْنَ ... عَلَى الأُنَاسِ الآمِنِينَا)
فَلَو كَانَ عِوَضاً لم يكن ليجتمعَ مَعَ المُعَوَّضِ مِنْهُ فَإِذا حُذِفَتِ الهمزةُ مِمَّا لَا تكونُ الألفُ واللامُ عِوَضاً مِنْهُ كانَ حَذْفُها فِيمَا ثَبَتَ أَن الألفَ واللامَ عِوَضٌ مِنْهُ أَوْلَى وأَجْدَرُ فَبُيِّنَ من هَذَا أَن الْهمزَة الَّتِي هِيَ فاءٌ محذوفةٌ من هَذَا الِاسْم فَإِن قَالَ قَائِل مَا أنكرتَ أَن يكون قطعَ الْهمزَة فِي الِاسْم فِي هَذَا الْوَصْل لَا لشَيْء مِمَّا ذكرتَ من العِوَضِ وكثرةِ الاستعمالِ وَلَا للُزُوم الِاسْم وَلَكِن لشَيْء آخر غير ذَلِك كُلِّهِ وَهُوَ أَنَّهَا همزَة مَفْتُوحَة وَإِن كَانَت مَوْصُولَة والهمزات الموصولة فِي أَكثر الأَمر على ضَرْبَيْنِ مكسور ومضموم فَلَمَّا خَالف هَذَا مَا عَلَيْهِ الجمهورُ والكثرةَ اسْتُجِيرَ فِي الْوَصْل قطعُهَا لمشابهتها إِيَّاهَا فِي انفتاحها لَا لغير ذَلِك قيل لَهُ إِن كَونهَا مَفْتُوحَة لَا يُوجب فِي الْوَصْل قَطْعُهَا وَإِن شابهتها فِي الزِّيَادَة أَلا ترى أَن الْهمزَة فِي قَوْلهم إيم وإيمن همزَة وصل وَأَنَّهَا مَفْتُوحَة مثل المصاحبة للام التَّعْرِيف وَلم تقطع فِي مَوضِع من مَوَاضِع وَصلهَا كَمَا قُطِعَتْ هَذِه فَهَذَا يدل على(5/218)
أَن قطعهَا لَيْسَ لانفتاحها وَلَو كَانَ لوَجَبَ أَن تقطع فِي غير هَذَا الْموضع لدُخُول الانفتاح فَلَمَّا لم تُقْطَع فِي الْحَرْف الَّذِي ذَكرْنَاهُ وَهُوَ ايم الله وايمن الله وَلم تقطع فِي غير هَذَا الِاسْم علمنَا أَن الانفتاح لَيْسَ بعلة مُوجبَة للْقطع وَإِذا لم يكن ذَلِك ثَبت أَنه مَا ذَكرْنَاهُ من الْعِوَض فَإِن قدرته على التَّخْفِيف القياسي فَكَانَ الأَصْل الاله ثمَّ خففت الْهمزَة وَمَا قبلهَا سَاكن فحذفتها وألقيت حركتها على السَّاكِن فَاجْتمع مثلان فسكنت الأولى فأدغمت وعَلى هَذَا التَّقْدِير قَوْله جلّ وَعز: {لَكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي} [الْكَهْف: 38] إِلَّا أَن توجبه الِاسْم على مَا ذهب إِلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ القولُ لما ذكرتُ وَذكر أَبُو بكر عَن أبي الْعَبَّاس أَن الْكسَائي أجَاز بِمَا أُنْزِلَّيْكَ فِي قَوْله: {بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْك} [الْبَقَرَة: 4] وأدغمَ اللامَ الأولى فِي الثَّانِيَة وَشبهه بقوله: {لكنَّا هُوَ الله رَبِّي} [الْكَهْف: 38] وَهَذَا خطأ لِأَن مَا قبل الْهمزَة من لكنْ أَنا ساكنٌ فَإِذا خففتَ حذفتَ فألقيتَ الحركةَ على السَّاكِن وَمَا قبل الْهمزَة فِي أُنْزِلَ إِلَيْك مُتَحَرِّكٌ فَإِذا خففت لم يجز الحذفُ كَمَا جَازَ فِي الأوّل لَكِن تجْعَل الْهمزَة بَيْنَ بَيْنَ فَإِذا لم يجزِ الحذفُ لم يجز الإدغامُ لِحَجْزِ الحَرْفِ بَين المِثْلَيْنِ وَهَذَا الَّذِي قَالَه أَبُو الْعَبَّاس ظاهِرٌ بَيِّنٌ فَإِن قَالَ قَائِل: تحذف الْهمزَة حذفا كَمَا حذفتْ من النَّاس قيل أما الْخَطَأ فِي التَّشْبِيه فحاصل إِذْ شُبِّهَ بَين مُخْتَلفين من حيثُ شُبِّهَ فَأَما هَذَا الضربُ من الْحَذف فَلَا يَسُوغُ تَجْوِيزُه حَتَّى يتقدمه سَمَاعٌ أَلا ترى أَنه لَا يجوز حذفُ الْهمزَة من الاِبَاءِ والاِيَابِ كَمَا جَازَ فِي النَّاس وَلَيْسَ كَذَلِك الْحَذف فِيمَا كَانَ من الهمزات مَا قبله ساكِنٌ لِأَن حذفَ ذَلِك قياسٌ مطرد وأصل مستمرّ فَإِن قَالَ: أفليس الهمزةُ قد حُذِفَتْ من قَوْلهم ويْلُمِّهِ وَفِي قَوْلهم ناسٌ وَفِي اسْم الله عز وَجل وكلُّ ذَلِك قد حَكَاهُ سِيبَوَيْهٍ وَذهب إِلَى حذف الْهمزَة فِيهِ فَمَا أنْكرت أَن يكون حذفُ الْهمزَة والمبتدأة كثيرا يجوز حملُ القياسِ عَلَيْهِ ورَدُّ غَيره إِلَيْهِ وَقد ذهب الْخَلِيل إِلَى حذف الْهمزَة من لَنْ فِي قَوْلهم لَنْ أَفْعَلَ وَقَالَ هُوَ لَا أنْ قيل لَهُ ليستْ هَذِه الحروفُ من الْكَثْرَة والسَّعَةِ بِحَيْثُ يُقَاس غيرُها عَلَيْهَا إِنَّمَا هِيَ حُرُوف كثر اسْتِعْمَالهَا فَحذف بَعْضُهَا وعُوِّضَ من حَذْفِها وَلَيْسَت الهمزةُ فِي الْآيَة إِذا حُذِفَتْ عِنْد الْكسَائي بِمُعَوَّض مِنْهَا شيءٌ يُحْذَفَ مِنْهَا غيرُهَا من الْكَلَام للإدغام والقياسُ على هَذِه الحروفُ لَا يُوجب حذفَهَا إِذْ لَا عِوَضَ مِنْهَا كَمَا حُذِفَ من هَذِه الْحُرُوف لَمَّا عُوِّض مِنْهَا فَإِن قلت: فإنَّ قولَهم ويْلُمِّهِ حُذِفَ وَلم يُعَوَّض مِنْهُ شيءٌ فَإِن القياسَ على هَذَا الفذِّ الشاذِّ غيرُ سَائِغ وَلَا سِيمَا إِذا كَانَ فِي الْمَقِيس عَلَيْهِ معنى أوجبه شَيْء لَيْسَ فِي الْمَقِيس مثلُه وَهُوَ كثرةُ الِاسْتِعْمَال أَلا ترى أَنَّك تَقول لَا أَدْرِ وَلم أُبَلْ فَتَحذفُ لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال وَلَا تَقِيسُ عَلَيْهِ غَيره إِذا كَانَ مُتَعَرِّياً من الْمَعْنى المُوجِبِ فِي هَذَا الحذفِ فَلذَلِك لَا تقيس على ويْلُمِّه مَا فِي الْآيَة من حذفِ الْهمزَة إِذْ لَا يَخْلُو الحذفُ فِيهَا من أَن يكون لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال كَمَا ذكرنَا أَو لِأَنَّهَا همزةٌ مبتدأةٌ فَلَو كَانَ الحذفُ لِأَنَّهَا همزَة مُبتَدأَة لوَجَبَ حذفُ كُلِّ همزةٍ مبتدأةٍ وَذَلِكَ ظاهرُ الْفساد فَثَبت مَا ذَكرْنَاهُ وَيفْسد حذف هَذَا من جِهَة أُخْرَى وَهُوَ أ، هـ إِذا سَاغَ الْحَذف فِي بعض الْأَسْمَاء أَو الْأَفْعَال لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال أَو الاستثقال أَو ضَرْبٍ من الضروب لم يجز حذفُ الحروفِ قياساُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ قَبِيلٌ غَيرهمَا ونوعٌ سواهُمَا فحكمُه غيرُ حكمِهما إِلَّا أَن الحذفَ لم يَجِيء فِي شَيْء من الْحُرُوف إِلَّا فِي بعض مَا كَانَ مضاعفاً نَحْو رُبَّ وأنَّ وكأنَّ وَلم يَجِيء فِي كل ذَلِك لم نعلمهُمْ حذفوا من ثُمَّ وَلَيْسَ إِلَى مُضاعفاً فَيجوز ذَلِك وَلها ذهب أهلُ النّظر فِي الْعَرَبيَّة إِلَى تَغْلِيب معنى الِاسْم على مُذْ لمَكَان الْحَذف وتغليب معنى الْحَرْف على مُنْذُ لتمامها فَلَو جَازَ الحذفُ فِي الْأَسْمَاء وَفِي نَحْو ذَا لم يجز الْحَذف من الْحُرُوف قِيَاسا عَلَيْهَا لقلَّة الْحَذف من الْحُرُوف وَلم نعلم الحروفَ حَذِفَ مِنْهَا شَيْء إِلَّا مَا ذَكرْنَاهُ والألفَ من هَا الَّتِي للتّنْبِيه من قَوْلهم هَلُمَّ وَذَلِكَ لِكَثْرَة استعمالهم وبنائه مَعَ غَيره وَلَيْسَ فِي الْحَرْف الَّذِي فِي الْآيَة شَيْء من ذَلِك فتجويز هَذَا فَاسد فِي الْعَرَبيَّة وقياسِها لما ذكرتُ فَأَما مَا ذهب إِلَيْهِ الخليلُ فِي لَنْ يتبعهُ فِي ذَلِك سِيبَوَيْهٍ وَلَا كثير من أَصْحَابه وَيفْسد قياسُ حذف الْهمزَة من إِلَى على الَّتِي فِي(5/219)
وَيْلُمِّه وعَلى الْألف فِي هَلُمَّ من جِهَة أُخْرَى وَهِي أَن هذَيْن الحرفين لما ضُمَّا إِلَى غَيرهمَا وَكثر استعمالُها صَارا بِمَنْزِلَة الْكَلِمَة الْوَاحِدَة الْمُتَّصِلَة من أجل اللُّزُوم والحذفُ وسائرُ ضروب التَّغْيِير والاعتلالِ إِلَى المتصلِ أَسْوَغُ وأَوْجَهُ مِنْهُ إِلَى الْمُنْفَصِل فالحذفُ فِي هذَيْن الحرفين لَا يُسَوِّغُ مَا لَا يَسُوغُ فِي غَيرهمَا لما ذَكرْنَاهُ من شدَّة الِاتِّصَال ويَدُلُّكَ على شِدَّةِ اتصالِهما أَنهم اشْتَقُّوا مِنْهُمَا وهما مركبان كَمَا يُشْتَقُّ من المفردين قَالَ أَبُو زيد: يُقَال رجل وَيْلُمَّةٌ والوَيْلُمَّة من الرِّجَال الداهية وَقَالَ الْأَصْمَعِي: إِذا قَالَ لَك هَلُمَّ فقلْ لَا أَهْلُمَّ فَهَذَا يدل على إجرائهم الْكَلِمَتَيْنِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ مُجْرَى الْمُفْرد فاشْتُقَّ مِنْهُمَا كَمَا اشْتُقَّ من الْمُفْرد فعلى حَسَبِ هَذَا حَسُنَ الْحَذف مِنْهُمَا كَمَا يحسن من الْكَلم المُفْرَدِ والمفرد والمتصل وَمَا جرى مجراهما يكون فيهمَا من الْحَذف مَا لَا يكون فِي غَيرهمَا من الْمُنْفَصِل فِي جَمِيع أَبْوَاب الْعَرَبيَّة أَلا ترى أَنَّك تُدْغِمُ مثلَ مَدَّ وفَرَّ وَمَا أشبه ذَلِك لَا يكون فِيهِ غير الْإِدْغَام وأنتَ فِي جَعَلَ لَكَ وفَعَلَ لبيد مُخَيّر بَين الْإِدْغَام وَالْبَيَان وَكَذَلِكَ مَا فِي الْآيَة يمْتَنع الحذفُ من الْحَرْف فِيهِ لِأَنَّهُ مُنْفَصِل فَهَذِهِ جِهَة أُخْرَى يمْتَنع لَهَا الْحَذف من الْحَرْف ويَضْعُفُ فَأَما مثل: {ولكَن انْظُر إِلَى الجبَلِ} [الْأَعْرَاف: 133] و {فانْظُر إِلَى آثارِ رَحْمَةِ اللهِ} [الرّوم: 50] و {فاذْهَبْ أَنْتَ ورَبُّكَ} [الْمَائِدَة: 24] فحذفُه مطردٌ قياسيٌ وَلَيْسَ من هَذَا الْبَاب فَهَذَا شيءٌ عَرض فِي هَذَا الْمَسْأَلَة مِمَّا يتَعَلَّق بِهِ ثمَّ نعود إِلَيْهَا فَأَما القولُ الَّذِي قَالَه سِيبَوَيْهٍ فِي اسْم الله عز وَجل فَهُوَ: أَن الِاسْم أَصله لاَهٌ ووزنه على هَذَا فَعَلٌ اللَّام فَاء الْفِعْل وَالْألف منقلبة عَن الْحَرْب الَّذِي هُوَ الْعين وَالْهَاء لَام وَالَّذِي دلهم على ذَلِك أَن بَعضهم يَقُول لَهْيَ أَبُوكَ قَالَ سِيبَوَيْهٍ: فَقلت الْعين وَجعل اللَّام سَاكِنة إِذْ صَارَت مَكَان الْعين كَمَا كَانَت الْعين سَاكِنة وَتركُوا آخر الِاسْم مَفْتُوحًا كَمَا تركُوا آخر أَيْنَ مَفْتُوحًا وَإِنَّمَا فعلوا ذَلِك حَيْثُ غيروه لكثرته فِي كَلَامهم فغيروا إعرابه كَمَا غيروه فالألفُ على هَذَا القَوْل فِي الِاسْم منقلبةٌ عَن الْيَاء لظهورها فِي مَوضِع اللَّام المقلوبة إِلَى مَوضِع الْعين وَهِي فِي الْوَجْه الأول زائدةٌ لفِعالٍ غيرُ منقلبة عَن شَيْء واللفظتان على هَذَا مُخْتَلِفَتَانِ وَإِن كَانَ فِي كل وَاحِدَة مِنْهُمَا بعضُ حروفِ الْأُخْرَى وَذكر أَبُو الْعَبَّاس فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فِي كِتَابه المترجم بالغلط فَقَالَ: قَالَ سِيبَوَيْهٍ فِيهِ: إِن تَقْدِيره فِعَالٌ لِأَنَّهُ اِلَهٌ والألفُ واللامُ فِي الله بدلٌ من الْهمزَة فَلذَلِك لزمتا الاسمَ مثل أُناسٍ والناسِ ثمَّ قَالَ: إِنَّهُم: يَقُولُونَ لَهْيَ أَبوك فِي معنى لِلِّهِ أبوكَ فَقَالَ: يُقَدِّمُونَ اللامَ ويؤخرون الْعين قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: وَهَذَا نَقْضٌ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَالَ أوَّلاً إِن الْألف زائدةٌ لِأَنَّهَا ألفُ فِعالٍ ثمَّ ذكر ثَانِيَة أَنَّهَا عين الْفِعْل وَهَذَا الَّذِي ذكره أَبُو الْعَبَّاس من أَن هَذَا القَوْل نَقْضٌ مُغالَطَةٌ وإ، مَا كَانَ يكون نَقْضاً لَو قَالَ فِي حرف وَاحِد من كلمة وَاحِدَة وَتَقْدِير وَاحِد إِنَّه زِيَادَة ثمَّ قَالَ فِيهَا نَفسهَا إِنَّه أصلٌ فَهَذَا لَو قَالَه فِي كلمة بِهَذِهِ الصّفة لَكَانَ لَا محَالة فَاسِدا كَمَا أَن قَائِلا لَو قَالَ فِي تُرْتُبٍ إِن التَّاء مِنْهُ زَائِدَة ثمَّ قَالَ فِي تُرْتَب إِنَّهَا أصل والكلمة بِمَعْنى وَاحِد من حُرُوف بِأَعْيَانِهَا فِي الْكَلِمَة الأولى لَكَانَ فَاسِدا منتقضاً لِأَنَّهُ جعل حرفا وَاحِدًا من كلمة وَاحِدَة فِي تَقْدِير وَاحِد فَلَا يَسْتَقِيم لذَلِك أَن يحكم بهما عَلَيْهِ فَأَما إِذا قدَّر الْكَلِمَة مُشْتَقَّة من أصلين مُخْتَلفين لم يمْتَنع أَن يحكم بِحرف فِيهَا أَنه أصل وَيحكم على ذَلِك الْحَرْف أَنه زَائِد لِأَن التَّقْدِير فيهمَا مُخْتَلف وَإِن كَانَ اللَّفْظ فيهمَا مُتَّفقا أَلا ترى أَنَّك تَقول مَصِيرٌ ومُصْرانٌ ومَصَارِين ومَصِيرٌ من صَارَ يَصِيرُ فَتكون الْيَاء من الأولى زَائِدَة وَمن الثَّانِيَة أصلا فَلَا يمْتَنع لاتِّفَاقهمَا فِي اللَّفْظ أَن يحكم على هَذَا بِالزِّيَادَةِ وَكَذَلِكَ مَسِيلٌ إِن أَخَذته من سَالَ يَسِيلُ أَو أَخَذته من مَسَلَ كَانَ فَعِيلاً وَكَذَلِكَ مَوْأَلَةٌ أَن جعلته مَفْعَلَةٌ من وَأَلَّ وَإِن جعلته من قَوْلهم رجل مَأْلٌ أَي خَفِيف وَامْرَأَة مَأْلَةٌ كَانَ فَوْعَلَة وَكَذَلِكَ أُثْفِيَّة إِن أَخَذته من تَأَثُّفنا بالمكانِ وَكَذَلِكَ أَرْوَى إِن توّنثَه جَازَ أَن يكون أَفْعَلَ مثل أَفْكَلَ وَأَن يكون فَعْلَى مثل أَرْطَى وَإِن لم تنونه كَانَ فَعْلَى وَالْألف فِيهِ مثل حُبْلَى وَكَذَلِكَ أُرْبِيَّة لأصل الفَخِذِ إِن أَخَذته من التأريب الَّذِي هُوَ التوفير من قَوْلك أَرَّبْتُ الشيءَ إِذا وَفَّرْته وَقَوْلهمْ أَرِيبٌ إِذا أَرَادوا بِهِ ذُو تَوَفُّرٍ وكَمَالٍ فَإِن(5/220)
أَخَذته من رَبَا يَرْبُو إِذا ارْتَفع لِأَنَّهُ عُضْو مُرْتَفع فِي النِّصْبَةِ والخِلْقةِ فاللفظانِ متفقانِ والمعنيانِ مختلفانِ وَهَذَا كثير جدا تتفق الألفاظُ فِيهِ وَيخْتَلف الْمَعْنى وَالتَّقْدِير فَكَذَلِك هَذَا الِاسْم الَّذِي تَقول لَهْيَ عِنْد سيبوه تَقْدِيره مقلوباً من لاَهِ ولاَهِ على هَذَا الألفُ فِيهِ عينُ الْفِعْل وَهِي غير الَّتِي فِي الله إِذا قَدَّرْتَهُ محذوفاً مِنْهُ الْهمزَة الَّتِي هِيَ فاءُ الْفِعْل فَحكم بِزِيَادَة الْألف من غير الْموضع الَّذِي حكم فِيهِ بِأَنَّهَا أصل فَإِذا كَانَ كَذَلِك سَلِمَ قولُه من النَّقْضِ وَلم يجز فِيهِ دَخَلٌ فَإِن قَالَ قَائِل: مَا تُنْكِرُ أَن يكون لاَهِ فِي قَول من قَالَ لَهْيَ أَبوك هُوَ أَيْضا من قَوْلك إِلَه وَلَا يكون كَمَا قدّره سيبوه من أَن الْعين يَاء لكَي تكون الْألف فِي لهي منقلبة عَن الْألف الزَّائِدَة فِي إِلَه قيل الَّذِي يمْتَنع لَهُ ذَلِك ويَبْعُدُ أَن الْيَاء لَا تنْقَلب عَن الْألف الزَّائِدَة على هَذَا الْحَد إِنَّمَا تنْقَلب واواً فِي ضَوَاربَ وهمزة فِي كنائن وياء فِي دَنَانِير فَأَما أَن تنْقَلب ياءٌ على هَذَا الحدّ فبعيد لم يَجِيء فِي شَيْء علماه فَإِن قَالَ قَائِل: فقد قَالُوا زَبَانِيّ وطائي فأبدلوا الْألف من ياءين زائدتين فَكَذَلِك تبدل الْيَاء من الْألف الزَّائِدَة فِي لَهْيَ فَالْجَوَاب أَن إبدالهم الْألف من الْيَاء فِي زَبَانِي لَيْسَ بإبدال يَاء من الْألف فِي نَحْو قَوْله:
(لَنَضْرِباً بِسَيْفِنَا قَفِيْكا ... )
لم يَنْبع لَك أَن تجيز هَذَا قِيَاسا عَلَيْهِ لِأَن ذَلِك لُغَة لَيست بالكثيرة وَلِأَن مَا قبل الْمُبدل قد اخْتلف أَلا ترى أَن الْعين فِي قفيكا متحركة وَمَا قبل الْيَاء فِي لهي سَاكن وَمِمَّا يبعد ذَلِك أَن القَلْبَ ضَرْبٌ من التصريف تُرَدُّ فِيهِ الْأَشْيَاء إِلَى أُصُولهَا أَلا ترى أَنَّك لَا تكَاد تَجِد مقلوباً محذوفاً مِنْهُ بل قد يُرَدُّ فِي بعض المقلوب مَا كَانَ محذوفاً قبل الْقلب كَقَوْلِهِم هارٍ وَذَلِكَ أَنه لما أزيلت حُرُوف الْكَلِمَة فِيهِ عَن نظمها وقصدها كَمَا فعل ذَلِك بالتكسير والتصغير أشبههما فَإِذا أشبههما فِيمَا ذكرنَا وَجب من أجل هَذَا الشّبَه ردّ الْمَحْذُوف إِلَيْهِ كَمَا ردّ إِلَيْهِمَا فلهذه المضارعة الَّتِي فِي الْقلب بالتحقير والتكسير يرجح عندنَا قولُ من قَالَ فِي أَيْنُق إِنَّهَا أَعْفُل قلبت الْعين فِيهَا يَاء على غير قِيَاس على قَول من قَالَ إِنَّهَا أيفل فَذهب إِلَى الْحَذف وتعويض الْيَاء مِنْهَا ويُقَوَّي الوجهَ الأول ثباته فِي التكسير فِي قَوْلهم أيانق أنْشد أَبُو زيد:
(لَقَدْ تَعَلَّلْتُ عَلَى أَيَانِقِ ... صُهْبٍ قَلِيلاَتِ القُرَادِ اللازِقِ)
فَإِن قلت فَإِذا كَانَ الِاسْم على هَذَا التَّفْسِير فَعَلاً بِدلَالَة انقلاب الْعين ألفا فَهَلا كَانَ فِي الْقلب أَيْضا على زنته قبل الْقلب قيل: إِن المقلوب قد جَاءَ فِي غير هَذَا الْموضع غير زنة المقلوب عَنهُ أَلا ترى أَنهم قَالُوا لَهُ جاهٌ عِنْد السُّلْطَان فجاءَ على فَعَلٍ وَهُوَ مقلوب من الوَجْهِ فَهَذَا وَإِن كَانَ عكسَ مَا ذَكرْنَاهُ من الْقلب الَّذِي ذهب إِلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ فِي الِاسْم والزنة فَإِنَّهُ مثله فِي اخْتِصَاص المقلوب ببناءٍ غير بناءِ المقلوب عَنهُ وَهَذَا يُؤَكد مَا ذَكرْنَاهُ من مشابهةِ الْقلب والتحقير والتكسير أَلا ترى أَن البناءين اخْتلفَا كَمَا اخْتلف التكسير والتصغير فَأَما بناءُ الِاسْم فَإِنَّهُ تَضَمَّنَ معنَى لامِ المعرفةِ كَمَا تضمنها أَمْسِ فَبُنِيَ كَمَا بُنِيَ وَلم يَجْعَل فِي الْقلب على حدّ مَا كَانَ قبل الْقلب فَكَمَا اخْتلف البنااآن كَذَلِك اخْتلف الحذفان فَكَانَ فِي الْقلب على حَده فِي أَمْسِ دون سَحَرَ وقبْلَ الْقلب على حد الْحَذف من اللَّفْظ للتَّخْفِيف لِاجْتِمَاع الْأَمْثَال وَتَقْدِير الثَّبَات فِي اللَّفْظ نَحْو تذكرُونَ فِيمَن خفف ويَسْطِيعَ وَمَا أشبهه وَحكى أَبُو بكر أَن أَبَا الْعَبَّاس اخْتَار فِي هَذَا الِاسْم أَن يكون أصلُه لاَهاً وَأَن يكون لَهْيَ مقلوباً وَأَن القَوْل الآخر الَّذِي لسيبويه فِيهِ من أَنه من قَوْلهم إِلَهٌ وتشبيه سِيبَوَيْهٍ إِيَّاه بأناس لَيْسَ كَذَلِك وَذَلِكَ أَنه يُقَال أنَاس فَإِذا دخل الْألف وَاللَّام بقيت الْهمزَة أَيْضا قَالَ وَأنْشد أَبُو عُثْمَان:
(إِنَّ المَنَايَا يَطَّلِعْنَ ... على الأُنَاسِ الآمِنِينَا)(5/221)
فَكَذَلِك تثبت الْهمزَة فِي الإلِهِ وَقد قدَّمْتُ فِي هَذَا الْفَصْل مَا يُسْتَغْنَى بِهِ عَن الْإِعَادَة فِي هَذَا الْموضع وصحةَ مَا ذهب إِلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ من حذف الْهمزَة الَّتِي هِيَ فاءٌ وكونِ الْألف وَاللَّام عِوَضاً مِنْهَا أَلا ترى أَنَّك إِذا أثبت الْهمزَة فِي الْإِلَه وَلم تحذف لم تكن الألفُ واللامُ فِيهِ على حَدِّها فِي قَوْلنَا الله لِأَن قطع همزَة الْوَصْل لَا يجوز فِي الْإِلَه كَمَا جَازَ فِي قَوْلنَا ألله لِأَنَّهُمَا ليسَا بعوض من شَيْء كَمَا أَنَّهُمَا فِي اسْم الله عِوَضٌ بِالدّلَالَةِ الَّتِي أَرَيْنَا فَأَما قولُهم لاَهِ أبُوك فحذفوا لامَ الْإِضَافَة واللامَ الْأُخْرَى وَذكر أَبُو بكر عَن أبي الْعَبَّاس أَنه قَالَ إِن بَعضهم قَالَ: الْمَحْذُوف من اللامين الزَّائِدَة، وَقَالَ آخَرُونَ: الْمَحْذُوف الأَصْل والمبقى الزَّائِدَة خلافَ سِيبَوَيْهٍ قَالَ: فَمن حجتهم أَن يَقُولُوا إِن الزَّائِد جَاءَ لِمَعْنى فَهُوَ أولى بِأَن يتْرك فَلَا يحذف إِذا الزَّائِد لِمَعْنى إِذا حذف زَالَت بحذفه دلَالَته الَّتِي لَهَا جَاءَ وَقد رَأَيْتهمْ يحذفون من نفس الْكَلِمَة فِي تحو لَمْ يَكُ وَلَا أَدْرِ وَلم أُبَلْ إِذا كَانَ مَا أُبْقِيَ يدل على مَا أُلْقِيَ فَكَذَلِك يكون المحذوفُ من هَذَا الِاسْم مَا هُوَ من نفس الحرفِ وَيكون المُبْقَى الزَّائِد وَأَيْضًا فَمَا يحذف من هَذِه المكررات إِنَّمَا يحذف للاستثقال فِيمَا يتَكَرَّر لَا فِي المبدوء بِهِ الأوّل فَالْأولى أَن يحذف الَّذِي بِهِ وَقَعَ الاستثقالُ وَهُوَ الْفَاء وَيبقى حرفُ الْجَرّ أَلا ترى أَنهم يُبْدِلون الثَّانِي من تَقَضَّيْتُ ونحوِه وآدَمَ وشِبْهِهِ وَكَذَلِكَ حذفُ النونِ الَّتِي تكون عَلامَة للمنصوب فِي كأَنِّي لما وَقعت بعد النُّون الثقلية، وَأَيْضًا فَإِن الحرفين إِذا تكررا فَكَانَ أحدُهما لِمَعْنى وَذَلِكَ نَحْو تُكَلَّمُ فالمحذوف تَاء تَفَعَّلُ لَا التَّاء الَّتِي فِيهَا دليلُ المضارعة فَكَذَلِك يكون قولُهم لاهِ أَبوك انْتَهَت الْحِكَايَة عَن أبي الْعَبَّاس الْجَواب عَن الْفَصْل الأول أَن حرف الْمَعْنى قد حذف حذفا مطرداً فِي نَحْو قَوْلهم واللهِ أَفْعَلُ إِذا أردتَ وَالله لَا أَفْعَلُ وَحذف أَيْضا فِي قَوْلهم لأَضْرِبَنَّهُ ذهَبَ ومَكَثَ وَحذف أَيْضا فِي قَول كثير من النَّحْوِيين فِي نَحْو هَذَا زيد قَامَ تُرِيدُ قد قَامَ و (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ) وَلَيْسَ فِي هَذِه الضروب المُطَّرِدةِ الْحَذف دلالةٌ تدل عَلَيْهَا من اللَّفْظ فَإِذا ساغَ هَذَا فحذفُ الَّذِي يَبْقَى فِي اللَّفْظ دلالةٌ عَلَيْهِ مِنْهُ أَسْوَغُ وَقد حذفتْ همزةُ الاستفهامِ فِي نَحْو قولِ عِمْرَانِ بْنِ حِطَّانَ:
(فَأَصْبَحْتُ فيهِمْ آمِناً لاَ كَمَعْشَرٍ ... أَتْونِي فَقَالُوا من رَبِيعَةَ أَو مُضَرْ)
وحذفت اللامُ الجازمة فِي نَحْو قَول الشَّاعِر:
(مُحَمَّدُ تَفْدِ نَفْسَكَ كُلُّ نَفْسٍ ... إِذا مَا خِفْتَ مِنْ شَيْءٍ تَبَالاَ)
وَأنْشد أَبُو زيد:
(فَتُضْحِي صَرِيعاً مَا تَقُومُ لِحَاجَةٍ ... وَلَا تُسْمِعُ الدَّاعِي ويُسْمِعْكَ مَنْ دعَا)
وَأنْشد البغداديون:
(وَلَا تَسْتَطِلْ مِنِّي بَقَائِي وَمُدَّتِي ... وَلَكِن يَكُنْ للخَيْرِ مِنْكَ نَصِيبُ)
وأنشدوا أَيْضا:
(فقلتُ ادَّعِي وأَدْعُ فَإِنَّ أَنْدَى ... لِصَوْتٍ أَن يُنَادِي داعِيَانِ)(5/222)
وَقَالَ الْكسَائي فِي قَوْله تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ آمنُوا يَغْفِرُوا} [الجاثية: 14] إِنَّمَا هُوَ لِيَغْفِرُوا فَحذف اللَّام وقياسُ قَوْله هَذَا عِنْدِي أَن تكون اللَّام محذوفةً من هَذَا الْقَبِيل نَحْو قَوْله عز وَجل: {قُلْ لِعِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ} [إِبْرَاهِيم: 31] وَقَالُوا أَللَّهِ لأَفْعَلَنَّ وحُذِفَ الحرفُ فِيمَا كَانَ من نَحْو مَا كَانَ ليفعلَ وَمَعَ الْفَاء وَالْوَاو وأو وَحَتَّى فَإِذا حذف فِي هَذِه الْأَشْيَاء لم يمْتَنع حذفُه فِي هَذَا الْموضع أَيْضا لِأَن الدّلَالَة على حذفه قائمةٌ أَلا ترى أَن انْجرار الِاسْم يدل عَلَيْهِ كَمَا أَن انتصابَ الفعلِ فِي الْمَوَاضِع الَّتِي ذكرنَا يدل عَلَيْهِ فالحذفُ فِي هَذَا الْحَرْف الزَّائِد كالحذف فِي الْحُرُوف الْأَصْلِيَّة للدلالة على حذفه كالدلالة على الْحَذف من الأَصْل نَحْو لم أُبَلْ لِأَن الجرَّ فِي الِاسْم يدل على الجارّ الْمَحْذُوف وَقد حُذِفَ الحرفُ الزَّائِد كَمَا حُذِفَ الأصلُ نَحْو إِنِّي ولعليِّ كحذفهم التَّاء من اسْتَطَاعَ وَكَذَلِكَ يَسُوغُ حذفُ هَذَا الزَّائِد الجارِّ وَقد حذفوا الجارَّ أَيْضا فِي قَوْلهم مَرَرْت بِرَجُل إِن صَالح وَإِن طالح فَلَيْسَ فِي شَيْء ذَكرُوهُ فِي الْفَصْل الأول مَا يمْتَنع لَهُ حذف الْحَرْف من قَوْلهم لاهِ أَبوك، وَأما مَا ذكرُوا فِي الْفَصْل الثَّانِي مِنْهَا وَذَلِكَ قَوْلهم ظِلْتُ ومِسْتُ وَنَحْو ذَلِك فَإِن قلت وَمَا الدليلُ على أنّ الْمَحْذُوف الأوّل وَمَا تنكر من أَن يكونَ الثَّانِي فالدليلُ على أَنه الأوّل قولُ من قَالَ فِي ظَلِلْتُ ظِلْتُ وَفِي مَسِسْتُ مِسْتُ فألقَى حركةَ العينِ المحذوفة على الْفَاء كَمَا أَلْقَاهَا عَلَيْهَا فِي خِفْتُ وهِبْتُ وظُلْتُ وَيدل أَيْضا سكونُ الْحَرْف قبل الضَّمِير فِي ظِلْتُ وظَلْتُ كَمَا سكن فِي ضَرَبْتُ وَلَو كَانَ المحذوفُ اللامَ دون الْعين لتحرّك مَا قبل الضَّمِير وَلم يسكن فقد دَلَّكَ هَذَا على أَن المحذوفَ الأوّل لَا المتكررُ وَقَالُوا عَلْمَاء بَنُو فُلاَن يُرِيدُونَ عَلَى الماءِ بَنو فلَان ويَلْحَارِث فحذفوا الأول وَأما مَا ذَكرُوهُ فِي الْفَصْل الثَّالِث من أَن التَّخْفِيف وَالْقلب يلْحق الثَّانِي من المكرر دون الأوّل فقد يَلْحَقُ الأوّلَ كَمَا يَلْحَقُ الثَّانِي وَذَلِكَ قولُهم دِينَارٌ وقِيراطٌ ودِيوانٌ وَنَحْو ذَلِك أَلا تَرَى أَن الْقلب لَحِقَ الأوَّلَ كَمَا لحق الثَّانِي فِي تَقَضَّيْتُ وأَمْلَيْتُ وَنَحْو ذَلِك وَقد خُفِّفَتْ الْهمزَة الأُولى كَمَا خُفِّفَتْ الثانيةُ فِي نَحْو فقد جَاءَ أشراطُها وَنَحْو ذَلِك فَأَما مَا ذَكرُوهُ من قَوْلهم كأَنِّي فقد حذف غير الآخر من الْأَمْثَال إِذا اجْتمعت نَحْو قَوْلهم إِنَّا نَفْعل فالمحذوف يَنْبَغِي أَن يكون الأوسطَ دون الآخرَ أَلا ترى أَن النُّون الثَّانِيَة قد حذفت من أنَّ فِي نَحْو علم أَن سيكونُ مِنْكُم وَالنُّون من فعلنَا لم تحذف فِي مَوضِع فَلذَلِك جعلنَا المحذوفة الوُسْطَى وعملت المخففةُ فِي الْمُضمر على حَدِّ مَا عملتْ فِي المُظْهَر فِي نَحْو إنَّ زيدا مُنْطَلِقٌ ولَمنطلقٌ وَقد أجَازه سِيبَوَيْهٍ وَزعم أَنَّهَا قِرَاءَة وَقد يَجِيء على قِيَاس مَا أجَازه فِي الظَّاهِر هَذَا البيتُ الَّذِي يُنْشِدُهُ البغداديون:
(فَلَوْ أَنَّكِ فِي يومِ الرَّخَاءِ سَأَلْتِنِي ... فِرَاقَكِ لَمْ أَبْخَلْ وأنتِ صَدِيقُ)
إِلَّا أَن هَذَا القياسَ إِن رُفِضَ كَانَ وَجْهاً لِأَن مَا يحذف مَعَ المظهرة أَو يُبدل إِذا وُصِلَ بالمضمر رُدَّ إِلَى الأَصْل أَلا تَرَى أَنهم يَقُولُونَ: من لَدُ الصلاةِ، فَإِذا وَصَلُوا بالمضمر قَالُوا من لَدُنِهٍ وَمن لَدُنَنيَّ وَقَالُوا واللهِ لأَفْعَلَنَّ فَلَمَّا وصل بالمضمر قَالُوا بِهِ لأَفْعَلَنَّ وَيذْهب سِيبَوَيْهٍ إِلَى أنَّ الْمَفْتُوحَة إِذا خُفِّفَتْ أُضْمِرَ مَعهَا القصةُ والحديثُ وَلم يَظْهَر فِي مَوضِع فَلَو كَانَ اتصالُ الضَّمِير بهَا مُخَفّفَة سائغاً لَكَانَ خليقاً أَن تتصلَ بالمفتوحة مُخَفّفَة وَقَالُوا ذَيَّا وَتَيَّا فِي تحقير ذواتا فَاجْتمعُوا على حذف الأول من الْأَمْثَال الثَّلَاثَة فَلَيْسَ فِي هَذَا الْفَصْل أَيْضا شَيْء يمْنَع جوازَ قَول سِيبَوَيْهٍ وَمَا قَالُوهُ من الحذفِ فِي تَكَلَّمُ وتَذَكَّرُ فَلَمَّا كَانَ الحذفُ فِي الثَّانِي دون الأول لِأَنَّهُ يَعْتَلُّ بِالْإِدْغَامِ فِي نَحْو تَذَكَّرُ لِأَنَّهُ لَو حذف حرف المضارعة لوَجَبَ إدخالُ ألف الْوَصْل فِي ضَرْبٍ من الْمُضَارع نَحْو(5/223)
تَذَكَّرُ ودخولُ ألف الْوَصْل لَا مساغَ لَهُ هُنَا كَمَا لَا يدْخل على أَسمَاء الفاعلين والمفعولين وَلِأَن حرفَ الجرّ أقوى من حرف المضارعة للدلالة عَلَيْهِ بالجرّ الظَّاهِر فِي اللَّفْظ فَلهَذَا حذف الثَّانِي فِي هَذَا النَّحْو دون حرف المضارعة لَا لِأَن الْحَذف غير سَائِغ فِي الأول فِيمَا يتَكَرَّر لِأَنَّك قد رأيتَ مساغَ الْحَذف فِي الأول فِي هَذِه المتكررة فَلَيْسَ فِي شَيْء مِمَّا احْتَجُّوا بِهِ فِي أَن الْمَحْذُوف الآخَرُ دون الأوّل حجَّةٌ ويَثْبُتُ قُولُ سِيبَوَيْهٍ إِن المحذوفَ الأوَّلُ بِدلَالَة وَهِي أَن اللَّام منفتحةٌ وَلَو كَانَت اللامُ فِي الْكَلِمَة لامَ الْجَرّ لوَجَبَ أَن تنكسر لِأَن الِاسْم مظهر وَهَذِه اللَّام مَعَ المظهرة تكسر فِي الْأَمر الْأَكْثَر فَكَمَا لَا يجوز لتحرك اللَّام أَن يُقَال إِنَّهَا لامُ التَّعْرِيف لِأَن تِلْكَ سَاكِنة كَذَلِك لَا يجوز لتحرّكها بِالْفَتْح أَن يُقَال إِنَّهَا الجارةُ لِأَن تِلْكَ تكسر مَعَ المظهرة وَلَا تفتح فَإِن قلت فقد فُتِحَتْ فِي قَوْلهم يَا لَبَكْرٍ وَنَحْوه فَمَا تُنْكِرُ أَن تكون فِي هَذَا الْموضع أَيْضا فَالْجَوَاب أَن ذَلِك لَا يجوز هَاهُنَا من حَيْثُ جَازَ فِي قَوْلهم يَا لبَكْر وَإِنَّمَا جَازَ فِيهِ لِأَن الِاسْم فِي النداء وَاقع موقع الْمُضمر وَلذَلِك بُنِي المفردُ المعرفةُ فِيهِ فَكَمَا جَازَ بِنَاؤُه جَازَ انفتاحُ اللَّام مَعَه وَلَيْسَ الاسمُ هَاهُنَا وَاقعا موقع مُضْمر كالنداء فَيجوز فتح اللَّام مَعَ فَإِن قلتَ تكون اللامُ الجارة هَاهُنَا مَفْتُوحَة لمجاورتها الألفَ لِأَنَّهَا لَو كُسِرَتْ كَمَا تكسر مَعَ سَائِر المظهرة لَقُلِب الْحَرْف الَّذِي بعْدهَا قيل هَذَا القَوْل لَا يَسْتَقِيم لقائله أَن يقولَه لحكمه فِيمَا يتنازع فِيهِ بِمَا لَا نَظِير لَهُ وَلَا دلَالَة عَلَيْهِ وسائرُ مَا لحقته هَذِه اللامُ فِي المُظْهَرَة يُدْفَعُ بِهِ مَا قَالَه لمُخَالفَته لَهُ وَيمْتَنع من وَجه آخر وَهُوَ أَنه إِذا جعل هَذِه اللَّام هِيَ الجارَّة فَهِيَ غير لَازِمَة للكلمة وَإِذا لم تكن مُلَازمَة لم يعتدّ بهَا فَكَأَنَّهُ قد ابْتَدَأَ بساكن فَمن حَيْثُ يمْنَع الِابْتِدَاء بالساكن يمْتَنع مَا ذهب إِلَيْهِ فِي هَذَا وَمِمَّا يُؤَكد ذَلِك أَن أهل التَّخْفِيف لم يخففوا الهمزَة المبتدأةَ لِأَن التَّخْفِيف تقريبٌ من السَّاكِن فَإِذا رَفَضُوا ذَلِك لتقريبه من السَّاكِن مَعَ أَنه فِي اللَّفْظ وَوزن الشّعْر بِمَنْزِلَة المتحرِّك فَأن لَا يُبْتَدأ بالساكن المَحْضِ ويُرْفَض كلامُهم أَجْدَرُ أَلا ترى أَن من كَانَ من قَوْله تخفيفُ الأولى من الهمزتين إِذا التقتا وَافق الَّذين يخففون الثَّانِيَة فَترك قَوْله فِي نَحْو {آلِدُ وَأَنا عَجُوزٌ} [هود: 72] لِمَا كانَ يلْزمه من الِابْتِدَاء بالحرف المُقَرَّب من السَّاكِن فَإِذا كَانُوا قد حذفوا الْألف من هَلُمَّ لِأَن اللازمَ الَّتِي هِيَ فاءٌ لما كَانَت متحركة بحرَكةٍ غَيرهَا صَار كَأَنَّهُ فِي تَقْدِير السَّاكِن فحُذِف كَمَا يحذف مَعَ السَّاكِن مَعَ أَن الْحَرْف بُنِيَ مَعَ الْفِعْل حَتَّى صَار كالكلمة الْوَاحِدَة فَأن تكون اللامُ فِي لاهِ الجارَّة أَبْعَدُ لِأَنَّهُ يلْزم أَن يبد بساكن لِأَن اتِّصَال الجارّ بِهِ لَيْسَ كاتصال حرف التَّثْنِيَة بذلك الْفِعْل أَلا ترى أَنه قد بُنِيَ مَعَه على الْفَتْح كَمَا بُنِيَ مَعَ النُّون فِي لأَفْعَلَنَّ على الْفَتْح فَإِذا قَدَّرُوا المتحرك فِي اللَّفْظ تقديرَ السَّاكِن فِيمَا هُوَ مُتَّصِل بِالْكَلِمَةِ لمَكَان الْبناء مَعهَا فالساكنُ الَّذِي لَيْسَ بمتحرّك مَعهَا فِي تَقْدِير الِانْفِصَال مِنْهُ أَجْدَرُ أَن يَبْعُدَ فِي الْجَوَاز فَأَما مَا أنْشدهُ بعض الْبَصرِيين من قَول الشَّاعِر:
(أَلاَ لاَ بَارَكَ اللهُ فِي سُهَيْلٍ ... إِذا مَا اللهُ بَاركَ فِي الرِّجالِ)
فعلى مَا يجوز فِي الشّعْر دون الْكَلَام وَيَنْبَغِي أَن يُوَجَّهُ هَذَا على أَنه أخرجه على قَول سِيبَوَيْهٍ أَن أصل الِاسْم إِلَه فَحذف الْألف الزَّائِدَة كَمَا يقصر الْمَمْدُود فِي الشّعْر وَلَا يحملهُ على الْوَجْه الآخر فَيلْزم فِيهِ أَنه حذف الْعين لِأَن ذَلِك غير مُسْتَقِيم وَلَا مَوْجُود إِلَّا فِي شَيْء قَلِيل فَهَذَا مِمَّا يبين لَك أَن الْأَوْجه من الْقَوْلَيْنِ هُوَ أَن يكون أصلَ الِاسْم إِلهٌ فَأَما الإمالة فِي الْألف من اسْم الله تَعَالَى فَجَائِز فِي قِيَاس الْعَرَبيَّة وَالدَّلِيل على جَوَازهَا فِيهِ أَن هَذِه الْألف لَا تَخْلُو من أَن تكون زَائِدَة لِفِعَالٍ كَالَّتِي فِي إِزَار وعِمَاد أَو تكونَ عين الْفِعْل فَإِن كَانَت زَائِدَة لِفِعَالٍ جَازَت فِيهَا الإمالة من وَجْهَيْن أَحدهمَا: أَن الْهمزَة المحذوفة كَانَت مَكْسُورَة وكسرُها يُوجب الإمالةَ فِي الْألف كَمَا أَن الكسرةَ فِي عِمَادٍ توجب إمالةَ ألفِه فَإِن قلت كَيفَ تُمالُ الألفُ من أجلِ الكسرةِ وَهِي محذوفةٌ فَالْجَوَاب أَن الكسرة وَإِن كَانَت محذوفة مُوجِبَةٌ للإمالة كَمَا كَانَت توجيها قبل الْحَذف لِأَنَّهَا وَإِن كَانَت(5/224)
محذوفةً فَهِيَ من الْكَلِمَة ونظيرُ ذَلِك مَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهٍ من أَن بضعَهم يميلُ الألفَ فِي مادٍّ وشاذٍّ للكسرة المنوية فِي عين فاعِلِ المدغمة وَمِنْهُم من يقولُ هَذَا ماش فِي الْوَقْف فيميل الألفَ فِي الْوَقْف وَإِن لم يكن فِي لفظ الْكَلِمَة كسرة فَكَذَلِك الألفُ فِي الله تجوز إمالتُها وَإِن لم تكن الكسرة ملفوظاً بهَا، وَتجوز إمالتُها من جِهَة أُخْرَى وَهِي أَن لامَ الْفِعْل مُنْجَرَّة فَتجوز الإمالة لانجرارها قَالَ سِيبَوَيْهٍ: سمعناهم يَقُولُونَ من أهل عادٍ ومررت بِعِجْلاَتِكَ فأمالوا للجر فَكَذَلِك أَيْضا تجوز الإمالة فِي الْألف من اسْم الله فَإِن كَانَت الْألف فِي الِاسْم عينا لَيست بزائدة جَازَت إمالَتُهَا وَحَسُنَتْ فِيهَا إِذا كَانَ انقلابها عَن الْيَاء بِدلَالَة قَوْلهم: لَهْيَ أَبوك وظهورِ الْيَاء لَمَّا قُلبتْ إِلَى مَوضِع اللَّام فَإِذا لم تَخْلُ الألفُ من الْوَجْهَيْنِ اللَّذين ذكرنَا كَانَ جوازُ الإمالةِ فِيهِ على مَا رَأينَا عُلمَتْ صحتُه فَإِن ثَبَتَتْ بِهِ قِرَاءَة فَهَذِهِ جهةُ جوازِها إِن شَاءَ الله قَالَ أَبُو إِسْحَاق: وَأما {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} [الْفَاتِحَة: 1] فالرَّحْمنُ اسمُ اللهِ خَاصَّة لَا يُقَال لغير الله رَحْمنُ وَمَعْنَاهُ المبالغ فِي الرَّحْمَة أرْحم الرَّاحِمِينَ وفَعْلاَنُ من بِنَاء الْمُبَالغَة تَقول للشديد الامتلاء ملآنُ وللشديد الشِّبِع شَبْعَانُ وَرُوِيَ عَن أَحْمد بن يحيى أَنه قَالَ هُوَ عِبْرانِيّ وَهَذَا مَرْغُوب عَنهُ وَلم يحك هَذَا أَبُو إِسْحَاق فِي كِتَابه قَالَ: والرحيم هُوَ اسْم الْفَاعِل من رَحِيمَ فَهُوَ رَخِيمٌ وَهُوَ أَيْضا للْمُبَالَغَة قَالَ غَيره: أصلُ الرَّحْمَةِ النعمةُ من قَوْله: {هذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي} [الْكَهْف: 98] أَي نِعْمَةٌ وَقد يُقَال فِي قلب فلَان رحمةٌ لفُلَان على معنى الرِّقَّةِ وَلَيْسَ بِأَصْل ويَدُلُّكَ على أَن أصلَه النِّعْمَة دون الرِّقَّة قولُهم رَحِمَهُ الطبيبُ بِأَن استقصَى علاجَه أَي أحسن إِلَيْهِ بذلك وأنعم عَلَيْهِ وَإِن كَانَ قد آلمه بالبَطِّ وَمَا جرى مجْرَاه من الجَبْرِ وَغَيره والصفتانِ جَمِيعًا من الرَّحْمَة النعمةُ من قَوْله: {هذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي} [الْكَهْف: 98] أَي نِعْمَةٌ وَقد يُقَال فِي قلب فلَان رحمةٌ لفُلَان على معنى الرِّقَّةِ وَلَيْسَ بِأَصْل ويَدُلُّكَ على أَن أصلَه النِّعْمَة دون الرِّقَّة قولُهم رَحِمَهُ الطبيبُ بِأَن استقصَى علاجَه أَي أحسن إِلَيْهِ بذلك وأنعم عَلَيْهِ وغن كَانَ قد آلمه بالبَطِّ وَمَا جرى مجْرَاه من الجَبْرِ وَغَيره والصفتانِ جَمِيعًا من الرَّحْمَة وهما للْمُبَالَغَة إِلَّا أَن فَعْلاَنَ أَشَدُّ مُبَالغَة عِنْدهم من فعيل كَذَا قَالَ الزّجاج: وحقيقةُ الرحمةِ الإنعام على الْمُحْتَاج يدل على ذَلِك أَن إنْسَانا لَو أهْدى إِلَى مَلَكٍ جوهراً لم يكن ذَلِك رَحْمَة مِنْهُ وَإِن كَانَ نعْمَة يسْتَحق بهَا الْمُكَافَأَة والشُّكْرَ وَإِنَّمَا ذُكِرَتِ الصفتان جَمِيعًا للْمُبَالَغَة فِي وصف الله تَعَالَى بِالرَّحْمَةِ ليُدَلَّ بذلك أَن نِعَمهُ على عباده أَكثر وَأعظم من كل مَا يجوز أَن يُنْعِمَ بِهِ سواهُ وَأَنه قد أنعم بِمَا لَا يقدر أحدٌ أَن يُنْعِم بِمثلِهِ وَيُقَال لم قَدَّم ذِكْرَ الرَّحْمنِ وَهُوَ أشدُّ مُبَالغَة وَإِنَّمَا يبْدَأ فِي نَحْو هَذَا بِالْأَقَلِّ ثمَّ يُتْبَعُ الأكثرَ كَقَوْلِهِم فلانٌ جوادٌ يُعْطِي العَشَراتَ والمِئِينَ والأُلوفَ وَالْجَوَاب فِي ذَلِك أَنه بُدِئَ بِذكر الرَّحْمَن لِأَنَّهُ صَار كَالْعلمِ إِذْ كَانَ لَا يُوصف بِهِ إِلَّا اللهُ جَلَّ وَعز وحُكْمُ الأَعْلاَمِ وَمَا كَانَ من الْأَسْمَاء أعرفَ أَن يُبْدَأ بِهِ ثمَّ يتبعَ الأَنْكَرَ وَمَا كَانَ فِي التَّعْرِيف أنقصَ هَذَا مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وَغَيره من النَّحْوِيين فجَاء على منهاج كَلَام الْعَرَب وَقيل الرحمنُ صفة لله تَعَالَى وَجل وَعز قيل مَجِيء الْإِسْلَام وأنشدوا لبَعض شعراء الْجَاهِلِيَّة:(5/225)
وَقَالَ الْحسن الرحمنُ اسمٌ ممنوعُ أَن يتسمى بِهِ أحدٌ والإجماعُ على ذَلِك وَإِنَّمَا تسمى بِهِ مُسَيْلمَة الكذابُ جهلا مِنْهُ وَخطأ وَقيل الرَّحْمَن وَذُو الْأَرْحَام من الرَّحْمَن لتعاطفهم بِالْقَرَابَةِ و (الأَحَدُ) أَصله الوَحَدُ بِمَعْنى الْوَاحِد وَهُوَ الواحدُ الَّذِي لَيْسَ كمثله شَيْء وَإِذا أجري هَذَا الِاسْم على الْقَدِيم سُبْحَانَهُ أَن يكون الَّذِي هُوَ وصف كالعالم والقادر وَجَاز أَن يكون الَّذِي هُوَ اسْم كَقَوْلِنَا شَيْء ويقوِّي الأوّل قَوْله تَعَالَى: {وإلَهُكُمْ إِلهٌ وَاحِدٌ} [الْبَقَرَة: 163] قَالَ وَفِي التَّنْزِيل: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدّ} [الْإِخْلَاص: 1] بعد ذكره أَن الْهمزَة مبدلة من الْوَاو على حد إبدالها مِنْهَا فِي وَنَاةٍ حَيْثُ قَالُوا أَنَاةٌ لِأَن الْوَاو مَكْرُوهَة أوّلا فقلبت إِلَى حرف مُنَاسِب لَهَا بِأَنَّهُ أوّل المخارج كَمَا هِيَ كَذَلِك وَأَنَّهَا حرف عِلّة مَعَ قُوَّة الْهمزَة أوَّلاً وَيُقَال مَا حَقِيقَة الْوَاحِد فَالْجَوَاب شيءٌ لَا يَنْقَسِم فِي نَفسه أَو مَعْنَى صفِته وَذَلِكَ أَنه إِذا قيل الْجُزْء الَّذِي لَا يتَجَزَّأ واحدٌ فِي نَفسه فَإِذا جرى على مَوْصُوف فَهُوَ وَاحِد فِي نَفسه وَإِذا قيل هَذَا الرجلُ إنسانٌ واحدٌ فَهُوَ وَاحِد فِي معنى صفته وَقد تقدم ذكر أَحَدٍ وواحدٍ مَعَ تصاريفهما فِي بَاب العددِ (الصَّمد) فِيهِ قَولَانِ الأوّل السَّيِّد الْمُعظم كَمَا قَالَ الْأَسدي:
(أَلاَ بَكَرَ الناعِي بَخَيْرَيْ بَنِي أْسَدْ ... بِعَمْرو بْنِ مَسْعُودٍ وَبِالسَّيِّدِ الصَّمَدْ)
وَالثَّانِي الَّذِي يُصْمَدُ إِلَيْهِ فِي الْحَوَائِج لَيْسَ فَوْقه أحد صَمَدْتُ إِلَيْهِ أَصْمُدُ - قَصَدْتُ إِلَّا فِي الصّفة معنى التَّعْظِيم كَيفَ تصرفتِ الحالُ قَالَ أَبُو إِسْحَاق: وتأويلُ صُمودِ كُلِّ شَيْء لله أَن فِي كل شَيْء أثَر صَنْعَة الله قَالَ غَيره: وَقيل الصَّمد الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ (البَارئ) يُقَال بَرَأ اللهُ الخلقَ يَبْرَؤُهُمْ ويَبْرُؤُهم - أَي خَلَقَهُمْ والبَرِيَّةُ الخَلْقُ مِنْهُ تخفيفُه تخفيفٌ بَدَلِيٌ وَلَو كَانَ قياسيًّا لَخُفِّفَ مرّة وحُقِّقَ أُخْرَى وَلكنه تخفيفٌ بَدَلِيٌ فَلَا يُقَال بَرِيئةٌ إِلَّا على استكراه وخلافٍ لِلْجُمْهُورِ كَمَا أَن تَخْفيف النَّبِيِّ تَخْفيف بَدَلِيٌّ إِذْ لَا يُقَال النَّبِي بِالْهَمْز إِلَّا على اللُّغَة الرَّديئَة الَّتِي نَسَبهَا سِيبَوَيْهٍ إِلَى الْحِجَازِيِّينَ قَالَ أَبُو عبيد: ثَلَاثَة أحرف تركت العربُ الهمزَ فِيهَا وَأَصلهَا الْهَمْز فَقَوله تركت الْعَرَب الْهَمْز فِيهَا وَأَصلهَا الْهَمْز دَلِيل أَنه تَخْفيف بدلي وَلَيْسَ بقياسي إِذْ لَا يحصر مَا تَخْفيف الْهَمْز فِيهِ قياسي لاطراده ثمَّ عَدَّدَ الأحرفَ الَّتِي هَذَا أمرهَا فَقَالَ: النبيُّ أَصْلهَا من النبأ وَقد نَبَّأْتُ أَخْبَرْتُ والخابيةُ أَصْلهَا الهمزُ من خَبَأْتُ والبَرِيَّةُ أَصْلهَا من بَرَأَ اللهُ الْخلق وَقد صرح سِيبَوَيْهٍ بِأَن تَخْفيف النَّبِي والبرية تخفيفٌ بدليٌ بِدلَالَة ضُروبُ تصريفها وَقد تقدم ذكر هَذَا فِي مَوْضِعه من التَّخْفِيف البدلي الحِفْظِيَّ قَالَ أَبُو عبيد: قَالَ يُونُس أهلُ مَكَّة يخالفون غَيرهم من الْعَرَب يهمزون النبيء والبريئة وَذَلِكَ قَلِيل فِي الْكَلَام (القَيُّوم) المبالغ فِي الْقيام بِكُل مَا خَلَقَ وَمَا أَرَادَ فَيْعُولٌ من القيامِ على مِثَال دَيُّورٍ وعيُّوقٍ وَالْأَصْل فِي ذَلِك قَيْوُومٌ فسَبَقَت الياءُ بِسُكُون فقلبوا الْوَاو المتحركة يَاء وأدغموا هَذِه فِيهَا وَلَا يكون فَعُّولاً لِأَنَّهُ لَو كَانَ كَذَلِك لقيل قَوُّوم و (الوَلِيُّ) المُتَوَلِّي للْمُؤْمِنين (اللَّطِيفُ) الَّذِي لَطَفَ لِلْخلقِ من حَيْثُ لَا يعلمُونَ وَلَا يقدرُونَ قَالَ سِيبَوَيْهٍ: لَطَفَ بِهِ وأَلْطَفَهُ وَحكى غَيْرُهُ اللُّطْفَ واللَّطَفَ والتَّلَطُّفُ العامُّ من التَّحَفِّي العامّ وَكَذَلِكَ التَّلْطِيفُ (الوَدُودُ) المُحِبُّ الشَّديد الْمحبَّة (الشُّكُورُ) الَّذِي يُرِيحُ الخَيْرَ أَي يُزْكِيهِ (الظاهِر الباطِنُ) الَّذِي يعلم مَا ظَهَرَ وَمَا بَطَنَ (البَدِئُ) الَّذِي ابْتَدَأَ كُلَّ شَيْء من غير شَيْء يُقَال بَدَأَ الْخلق يَبْدَؤُهُمْ بَدْءاً وأَبْدَأَهُمْ وَمِنْه بِئْر بَدِيءٌ أَي جَدِيد (البَدِيع) الَّذِي ابْتَدَعَ الخلقَ على غير مِثَال يُقَال ابْتَدَعَ اللهُ الخَلْقَ وَمِنْه قيل بِدْعَةٌ لِلْأَمْرِ المُخْتَلَقَ الَّذِي لم تَجْرِ بِهِ(5/226)
عادةٌ وَلَا سُنَّةٌ يُقَال هَذَا من فِعْلِهِ بَدِيعٌ وبِدْعٌ وبِدَعٌ وَفِي التَّنْزِيل: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدَعاً من الرُّسُلِ} [الْأَحْقَاف: 9] وَقَالُوا بِئْر بَدِيعٌ كَمَا قَالُوا بَدِئٌ (القُدُّوس) وَقد رويت القَدُّوسُ بِفَتْح الْقَاف وَجَاء فِي التَّفْسِير أَنه الْمُبَارك وَمن ذَلِك أَرض مُقَدَّسَةٌ مباركة وَقيل الطَّاهِر أَيْضا و (الذَّارئ) أَيْضا مَهْمُوز الَّذِي ذَرَأَ الخَلْقَ أَي خَلَقَهُمْ وَقد ذَرَأَهُمْ يَذْرَؤُهُمْ ذَرْأً قَالَ الْفَارِسِي: وَيجوز أَن يكون اشتقاق الذُّرِّيَّةِ مِنْهُ فَيكون وَزنه على هَذَا فُعُّولَة (الفاصِلُ) الَّذِي فَصَلَ بَين الْحق وَالْبَاطِل (الغَفُور) الَّذِي يغْفر الذُّنُوب وَتَأْويل الغفران فِي اللُّغَة التغطية على الشَّيْء وَمن ذَلِك المِغْفَرُ مَا غُطِّيَ بِهِ الرَّأْس وَقَالُوا اصْبُغْ ثوبَك فَإِنَّهُ أَغْفَرُ للطَّبَع أَي أسْتَرُ لَهُ وَقَالُوا الغِفَارَةُ للسَّحابة تكون فَوق السحابة لِسَتْرهِا إِيَّاهَا وَقَالُوا للخْرْقَة الَّتِي تَضَعُهَا الْمَرْأَة على رَأسهَا لِتَقِيَ بهَا الخِمارَ من الدُّهْنِ غِفَارَةٌ أَيْضا لذَلِك وَكَذَلِكَ الْخِرْقَة الَّتِي تكون على مَقْبِضِ الْقوس (المَجِيد) الْجَمِيل الفِعَالِ (الشَّهِيدُ) الَّذِي لَا يَغِيبُ (والرَّبُّ) مالِكُ كُلِّ شَيْء وَقيل الرب السيدُ وَقيل الرَّب المُدَبِّر قَالَ لُبَيدْ بن رَبِيعة:
(وأَهْلَكْنَ يَوْماً رَبَّ كِنْدَةَ وابْنَهُ ... ورَبَّ مَعَدٍّ بَيْنَ خَبْتٍ وعَرْعَرِ)
يَعْنِي سيد كِنْدَة وَيُقَال رَبُّ الدَّار وربُّ الْفرس أَي مَالك وَقَالَ عَلْقَمَة:
(وكنتَ امْرَأٌ أفْضَتْ إِلَيْك رِبَابَتِي ... وَقَبْلَكَ رَبَّتْنِي فَضِعْتُ رُبُوبُ)
رُبُوبٌ جمع رَبِّ أَي المُلوكُ الَّذين كَانُوا قَبْلَكَ ضَيَّعُوا أَمْرِي وَقد صَارَت الآنَ رَبَابَتِي إِلَيْك أَي تَدْبِير أَمْرِي وإصلاحُه فَهَذَا رَبُّ بِمَعْنى مَالك كَأَنَّهُ قَالَ الَّذين كَانُوا يملكُونَ أَمْرِي قبلك ضيعوه ويروى عَن بعض الفصحاء لأَنْ يَرُبَّنِي رجلٌ من قُرَيْش أحبُّ إليَّ من أَن يَرُبَّني رجلٌ من هَوْازِنَ أَي لأَن يَمْلِكَنِي واللهُ عز وَجل الرَّبُّ بِمَعْنى الممالِكِ السيِّد وَقَالَ عز وَجل: {فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً} [يُوسُف: 41] أَي سَيّده وَأَصله فِي الِاشْتِقَاق من التَّرْبِيَةِ وَهِي التَّنْشِئَةِ يُقَال رَبِّيْتُهُ ورَبَّيْتُهُ بِمَعْنى وَقيل للْمَالِك رَبٌّ لِأَنَّهُ يملك تَنْشِئَةَ المَرْبُوبُ يُقَال للحاضنة الرَّبِيبةُ والرَّبِيبُ ابنُ امْرَأَة الرجل وَأنْشد أَبُو عبيد لِمَعْنِ بن أوْسِ المُزَنِي يَذْكُرُ امرأتَه وَيذكر أَرضًا كَانَت بهَا فَقَالَ:(5/227)
(إِنَّ لَهَا جارَيْنِ لم يَغْدِرا بهَا ... رَبِيبَ النَّبِيِّ وابْنَ خَيْرِ الخَلاَئِف)
يَعْنِي عُمر بن أبي سَلَمَة وَهُوَ ابْن أُمِّ سَلَمَة زوجُ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والرَّابُ - هُوَ زوجُ الأُمِّ قَالَ: ويروى عَن مُجَاهِد أَنه كَرِهَ أَن يتَزَوَّج الرجلُ امْرَأَة رابَّةً وَقَالُوا طالتْ مَرَبَّتُهُمْ الناسَ كَمَا قَالُوا طَالَت مملكتُهم الناسَ والمَرَبُّ - الأرضُ الَّتِي لَا يزَال بهَا الثَّرَى وَيُقَال رَبَّبْتُ الوَلَد وَرَبَّبْتُهُ وَيُقَال رَبَّبْتُ الشيءَ بالعسل أَو بالخل ورَبَيَّتُهُ وَكَذَلِكَ الجِرْو يُرَبَّبُ فَيَضْرَى والرُّبَّى - الشاةُ الَّتِي قد وَلَدَتْ حَدِيثا كَأَنَّهَا تُرَبِّي المولودَ وَمِنْه رَبُّ النِّعْمَةِ يَرُبُّهَا رَبًّا ورَبَّبْتُ الولدَ والمُهْرَ يُقَال بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد وَمن ذَلِك قولُ الْأَعْشَى:
(تَرْتَبّ سُخَاماً تَكُفُّه بِخلاَلِ ... )
إِنَّمَا يَعْنِي أَنَّهَا تُرَبِّي شعرَها وَمِنْه رُبَّان السَّفِينَة لِأَنَّهُ يُنْشِئُ تدبيرها وَيقوم عَلَيْهِ والرَّبابُ السَّحابُ الَّذِي فِيهِ مَاء واحدتُه رَبَابَةٌ لِأَنَّهُ يُنْشِئُ الماءَ أَو يَنْشَأُ بِمَا فِيهِ من الماءِ والرُّبُّ سُلاَفُ الخاثِر من كل شَيْء لأنَّ تَصْفِيَتَهُ تَنْشَأ حَالا بعد حَال وَوَصْفُ القَديمِ جَلَّ وعَزَّ بِأَنَّهُ رَبٌّ وَبِأَنَّهُ مالكٌ وَبِأَنَّهُ سَيِّدٌ يرجع إِلَى معنى قادِرٍ إِلَّا أَنه يُفِيدُ فوائدَ مُخْتَلفَة فِي المَقْدُورِ فالرَّبُّ الْقَادِر على مَاله أَن يُنْشِئَهُ من غير جِهَة الِاسْتِعَارَة وَذَلِكَ أَن الوكيلَ والمُسْتَعِير لَهما أَن يُنْشِئَا الشيءَ إِلَّا أَنه على طَريقَة الْعَارِية وَهِي مُخَالفَة لطريقة المِلْكِ (والصَّفُوحُ) المتجاوز عَن الذُّنُوب يَصْفَحُ عَنْهَا (والحَنَّانُ) ذُو الرَّحْمَة والتَّعَطُّفِ (والمَنَّانُ) الْكثير المَنِّ على عباده بمظاهرته النِّعَمَ (والفتَّاحُ) الْحَاكِم (والدَّيَّانُ) المُجَازَي والدِّينُ بِمَعْنى الْجَزَاء مَعْرُوف فِي اللُّغَة يُقَال كَمَا تَدِينُ تُدَان - أَي كَمَا تَجْزِي تُجْزَى وَقَالَ الشَّاعِر:
(واعْلَمْ وأَيْقِنْ أَنْ مُلْكَكَ زَائشلٌ ... واعْلَمْ بِأَنَّ كَمَا تَدِينُ تُدَانُ)
كَأَنَّهُ قَالَ كَمَا تَصْنَعُ يُصْنَعُ بِكَ وَقَالَ كَعْبُ بن جُعَيْل:
(إِذا مَا رَمَوْنَا رَمَيْنَاهُمْ ... ودِنَّاهُمُ مِثْلَ مَا يُقْرِضُونَا)
وَقَالَ عز وَجل: {فَلَوْلاَ إِنْ كُنْتُمْ غَيَرَ مَدِينِينَ} [الْوَاقِعَة: 86] أَي غير مُجْزِيِّينَ وَقَالَ: {كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بالدِّينِ} [الإنفطار: 9] أَي بالجزاء وَمِنْه: {وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ} [الذاريات: 6] أَي الجَزَاءَ وقدي قَالَ الدِّينُ بِمَعْنى الدَّأَبِ والعادةِ قَالَ الشَّاعِر:
(تَقُولُ إِذَا دَرَأْتُ لَهَا وَضِينِي ... أَهَذَا دِينُهُ أَبَداًودِيني}
أَي عادتُه وعادتي والدِّينُ - المِلَّة من قَوْلك دِينُ الإسلامِ خَيْرُ الأَديانِ والدِّينُ - الانْقِيَادُ والاستسلامُ من قَول الْعَرَب بَنُو فلانٍ لَا يَدِينُونَ للمُلُوكِ وَقيل فِي دِينِ المَلِكِ - فِي طَاعَة الْملك وتصريفه دانَ يَدِينُ دِيْناً وتَدَيَّنَ تَدَيُّناً ودِيَانَةً واسْتَدَانَ من الدَّيْنِ اسْتِدَانَةً ودَايَنَةُ مُدَايَنَةً قَالَ الشَّاعِر:
(دَايَنْتُ أَرْوَى والدُّيُونُ تُقْضَى ... فَمَطَلَتْ بَعْضاً وأَدَّتْ بَعْضَا)
أَي مَنَحَتُهَا وُدِّي لِتَجْزِيني عَلَيْهِ فَهَذَا يدل أَن أصلَ الدِّين الجَزَاءُ وَقيل أصلُ الدِّينِ الانقيادُ والاستسلامُ وَقيل أَصله العادةُ وَإِنَّمَا بَنُو فلانٍ لَا يَدِينُونَ للملوك أَي لَا يَدْخُلُونَ تَحْتَ جَزَائِهِمْ وَقَوله:
(أَهَذا دِينُهُ أَبَداً ودِينِي ... )
أَي عادتُه فِي جَزَائي وعادتي فِي جَزائه ويومُ الدِّينُ هَاهُنَا يومُ الْقِيَامَة سمي بذلك لِأَنَّهُ يَوْم الْجَزَاء (الرَّقِيبُ) الحافِظُ الَّذِي لَا يغيب عَنهُ شَيْء (المَتِينُ) الشديدُ القُوَّةِ على أَمْرِهِ (الوَكِيلُ) الَّذِي تَوَكَّلَ بالقيامِ بِجَمِيعِ(5/228)
مَا خَلَقَ (الزَّكِيُّ) الْكثير الْخَيْر (السُّبُّوحُ) الَّذِي تنزه عَن كل سُوءٍ و (المُؤْمِنُ) الَّذِي آمَنَ الْعباد من ظُلْمِهِ لَهُم إِذْ قَالَ: (لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّة) وَقيل الْمُؤمن الَّذِي وَحَّد نَفْسَهُ بقوله (شَهِدَ اللهُ أَنه لَا إِلَه إلاَّ هُوَ والملائكةُ) و (المُهَيْمِنُ) جَاءَ فِي التَّفْسِير أَنه الأمينُ وَزعم بعضُ أهل اللُّغَة أَن الْهَاء بدل من الْهمزَة وَأَن أصلَه المُؤَيْمِنُ كَمَا قَالُوا إيَّاكَ وهَيَّاكَ وَالتَّفْسِير يشْهد بِهَذَا القَوْل لِأَنَّهُ جَاءَ أَنه الأَمِينُ وَجَاء انه الشَّهِيدُ فتأويلِ الشهيدِ أَنه الأمينُ فِي شهادَتِهِ وَقَالَ بَعضهم: معنى الْمُهَيْمِن معنى المُؤْمنِ إِلَّا أَنه أَشَدُّ مُبَالغَة فِي الصِفَّة لِأَنَّهُ جَاءَ على الأَصْل فِي المُؤَيْمِنِ إِلَّا أَنه قبلت الْهمزَة هَاء وفُخِّمَ اللفظُ لتفخيم الْمَعْنى قَالَ أَبُو عَليّ: أما قَوْلنَا فِي وصف الْقَدِيم سُبْحَانَهُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ فَإِنَّهُ يحْتَمل تأويلين أَحدهمَا: أَن يكون من أَمِنَ المعتدي إِلَى مفعول فَنقل بِالْهَمْز فتعدى إِلَى مفعولين فَصَارَ من أَمِنَ زيدٌ العذابَ وآمَنْتُهُ العذابَ فَمَعْنَاه المُؤْمِنُ عذابَه من لَا يسْتَحقّهُ وَفِي هَذِه الصّفة وَصْفُ الْقَدِيم بالعَدْلِ كَمَا قَالَ: (قَائِما بالقِسْطِ) وَأما قَوْله تَعَالَى المُهَيْمِنُ فَقَالَ أَبُو الْحسن فِي قَوْله: (مُهَيْمِناً عَلَيْهِ) أَنه الشَّاهِد وَقد رُوِيَ فِي التَّفْسِير أَنه الأَمِينُ قَالَ حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد قَالَ: سَأَلت الْحسن عَن قَوْله تَعَالَى: {مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكِتَابِ وَمُهَيْمِناً علَيْهِ} [الْمَائِدَة: 48] قَالَ: مُصَدِّقاً بِهَذِهِ الكُتُبِ وأَمِيناً عَلَيْهَا والمعنيان مُتقاربانِ أَلا ترى أَن الشَّاهِد أَمِينٌ فِيهَا شَهِدَ بِهِ فَهَذَا التَّأْوِيل مُوَافق لما جَاءَ فِي التَّفْسِير من أَنه الأَمِينُ وَإِن جعلتَ الشاهدَ خلافَ الغائبِ كَانَ بِمَنْزِلَة قَوْله تَعَالَى: {لاَ يَخْفَى علىَ اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ} [غَافِر: 16] و {لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السمواتِ} [سبأ: 3] وَقَالَ: {وكُنَّا لِحُكْمِهِم شاهِدِينَ} [الْأَنْبِيَاء: 78] وَقَالُوا إِنَّه مُفَيْعَلٌ مثل مُبَيْطَرٌ وأبدلت من الْفَاء الَّتِي هِيَ هَمزةٌ الهاءُ كَمَا أبدلت مِنْهَا فِي غير هَذَا الْموضع وروى اليَزِيدِيُّ أَبُو عبد الله عَن أبي عُبَيْدَةَ قَالَ: لَا يُوجد هَذَا البناءُ إِلَّا فِي أَرْبَعَة أَشْيَاء مُبَيْطِرٍ ومُسَيْطِرٌ ومُبَيْقِرٌ ومُهَيْمِنٌ قَالَ أَبُو عَليّ: وَلَيْسَت الْيَاء للتصغير إِنَّمَا هِيَ الَّتِي لَحِقَتْ فَعَلَ فألحقته بالأربعة نَحْو دَحْرَجَ وَإِن كَانَ اللفظُ قد وَافَقَ اللفظَ إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَقَوله (العَزِيزُ) أَي الْمُمْتَنع الَّذِي لَا يغلبه شَيْء و (الجَبَّارُ) تأويلُه الَّذِي جَبَر الخَلقَ على مَا أرادَ من أمره وَقيل الجَبَّارُ العظيمُ الشأنِ فِي الْملك والسُّلْطانِ وَلَا يسْتَحق أَن يُوصَفَ بِهِ على هَذَا الإطلاقِ إِلَّا الله تَعَالَى فَإِن وُصِفَ بِهِ العبدُ فَإِنَّمَا هُوَ على وضع نَفسه فِي غير موضعهَا وَهُوَ ذَمٌّ على هَذَا الْمَعْنى (المُتَكَبِّرُ) الَّذِي تَكَبَّرَ عَن ظلم عباده وَقيل المُتَكَبِّرُ الَّذِي تكبَّر عَن كل سوءٍ عَن قَتَادَة والمُتَكَبِّرُ الْمُسْتَحق لصفات التَّعْظِيم (السَّلاَمُ) اسْم من أَسمَاء الله تَعَالَى وَقيل السَّلامُ الَّذِي سَلِمَ الخلقُ من ظُلْمِهِ و (القَدِيرُ) القادرُ على كل شَيْء من القَدْرِ والقَدَرِ وَهُوَ القضاءُ والجمعُ أَقْدَارٌ وقَدَرَ على خلقه الأَمْرَ يَقْدِرُهُ ويَقْدُرُه قَدْراً وَقَدَراً وقَدَّرَهُ لَهُ وَعَلِيهِ وَقَدَرَ لَهُ الرِّزق والقَدَرِيَّة قوم يَجْحَدُون القدَرَ و (مَلِك يَوْمِ الدِّينِ) قَالَ أَبُو عَليّ: هُوَ من المُلْكِ وَمَالك من المِلْكِ وَقيل أصلُه فِي الِاشْتِقَاق من الشَّدِّ والرَّبْطِ وَقيل من القُدْرَةِ والأوّل قولُ ابنِ السِّرَّاجِ وَالثَّانِي قَول أبي بكر أَحْمد بن عَليّ والتصريفُ يَطَّرِدُ فِي كلا الأَصْلَيْنِ فَمِنْهُ الاِمْلاَكُ ومَلَكْتُ بُضْعَ المرأةِ وَمِنْه قولُهم مَلَكْتُ العجينَ - إِذا شَدَدْتُهُ وقَوَّيْتُهُ وَمِنْه قَوْله:
(مَلَكْتُ بهَا كَفِّي فأَنْهَرْتُ فَتْقَهَا ... يَرَى قَائمٌ من دُونِهَا مَا وَرَاءَهَا)
فَإِن قَالَ قَائِل لم قطعتَ على أَنه من القُدْرَةِ وَهُوَ يطرد فِي كلا الْأَصْلَيْنِ فَالْجَوَاب أَن هَذَا معنى قد اشْتَقَّ لله عز وَجل مِنْهُ صفاتٌ فالوَجْهُ أَخْذَهُ من أشرف الْمَعْنيين إِذا اطَّرَدَ على الأَصْلَيْنٍ وَهُوَ الْقُدْرَة دون الْمَعْنى الآخر وَاخْتلفُوا فِي أيِّ الصفتين أَمْدَخُ فَقَالَ قومٌ مَلِكٌ أَمْدَحُ لِأَنَّهُ لَا يكون إِلَّا مَعَ التَّعْظِيم والاحْتِوَاء على الْجمع الْكثير وَقد يملك الشيءَ الصَّغِير والجُزْءَ الحقير وَقَالَ قوم مالِكٌ أَمدح لِأَنَّهُ يجمع الاسمَ والفعلَ كَأَنَّهُمْ يذهبون إِلَى أَنه لَا يكون مَالِكًا لشَيْء لَا يملكهُ كَقَوْلِك مَلِكُ الْعَرَب ومَلِكُ الرُّوم وَقد تَقول مَالك المَال وَلَا تَقول مَلِكُ(5/229)
المَال قَالَ وصفةُ مَلِك عِنْدِي أمدحُ لِأَنَّهَا متضمنة للمدح والتعظيم من غير إِضَافَة وَلَيْسَ كَذَلِك مَالك وَلِأَنَّهَا متضمنة معنى الْفِعْل أَيْضا إِذْ كَانَ لَا يكون مَلِكاً إِلَّا من قد مَلَكَ أَشْيَاء كثيرةٌ وحَوَى مَعَ ذَلِك أموراً عَظِيمَة وكلا الْقِرَاءَتَيْن مُنْزَلٌ وَالدَّلِيل على ذَلِك أَن التَّواخُذ جَاءَ بهما مَجيئاً وَاحِدًا فَلَو ساغَ جَحْدُ نُزول إِحْدَاهمَا لساغَ جَحْدُ نزولِ الأُخْرَى فَإِن قَالَ قَائِل مَا تنكر أَن تكون إِحْدَاهمَا مُنْزَلَة وَالْأُخْرَى معتبرةٌ استحنسها الْمُسلمُونَ وقَرَؤُوا بهَا إِذْ كَانَت لَا تَخْرُجُ عَن معنى المُنْزَلَة قيل لَهُ: لَا يجوز ذَلِك من قِبَل أَنه أُخِذَ على النَّاس أَن يُؤَدُوا لفظَ الْقُرْآن وَمَا أُخِذَ عَلَيْهِم أَن يُؤُدُّوا مَعْنَاهُ وَلم يُسَوِّغُوا الْقِرَاءَة على الْمَعْنى يَدُلُّكَ على ذَلِك أَنه لَو سَاغَ أَن يُقْرأ على الْمَعْنى لساغَ أَن يُقْرأ ذُو المِلْكَة يومَ الدِّين وذُو المَلكوت يَوْمَ الدّين وذُو مِلْكِ يَوْم الدّين فَلَمَّا كَانَ مَعْلُوما أَن ذَلِك لَا يسوغُ وَلَا يجوز عِنْد الْمُسلمين صَحَّ أَنه لَا يجوز مَا كَانَ مثلَه ونظيرَه وَقَرَأَ مالِكِ بألِفٍ عصامٌ والكسائيُّ وَقَرَأَ بَاقِي السبعةِ بِغَيْر ألف قَالَ وَالِاخْتِيَار مَلِك لِأَنَّهُ أمدح والمالِكُ هُوَ القادرُ على مَاله أَن يَصَرِّفه وَإِذا قيل للصَّبِيّ أَو الْعَاجِز فَإِنَّمَا هُوَ مَالك لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الْقَادِر الَّذِي لَهُ أَن يصرف الشَّيْء وَإِذا قيل فِي الْوَكِيل أَنه لَا يملك الشَّيْء الَّذِي لَهُ أَن يتَصَرَّف فِيهِ فلأنهم لم يعتدوا بِتِلْكَ الْحَال لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَة الْعَارِية والمَلِكُ القادرُ الواسِعُ الْمَقْدُور الَّذِي لَهُ السّياسة وَالتَّدْبِير قَالَ: فَمَا حَكَاهُ أَبُو بكر محمدُ بنُ السَّرِيُّ عَن بعض من اخْتَار القراءةَ مَلِكِ من أَن الله سُبْحَانَهُ قد وَصَف نفسَه بِأَنَّهُ مالكُ كل شَيْء بقوله رب الْعَالمين فَلَا فائدةَ فِي تَكْرِير مَا قد مَضَى فَإِنَّهُ لَا يرجح قِرَاءَة مَلِك على مَالك لِأَن فِي التَّنْزِيل أشياءَ على هَذِه الصُّورَة قد تَقَّدمها العامُّ وذُكِرَ بعد العامِّ الخاصُّ كَقَوْلِه عز وَجل: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَق} [العلق: 1] فَالَّذِي وَصْفٌ للمضاف إِلَيْهِ دون الأوّل الْمُضَاف لِأَنَّهُ كَقَوْلِه: {هُوَ اللهُ الخَالِقُ البَارِئُ} [الْحَشْر: 24] ثمَّ خَصَّ ذِكْرَ الْإِنْسَان تَنْبِيها على تأَمُلِ مَا فِيهِ من إتقانِ الصَّنْعَة ووُجُوهِ الْحِكْمَة كَمَا قَالَ: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ} [الذاريات: 21] وَقَالَ: {خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ} [العلق: 2] وَكَقَوْلِه: {وبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [الْبَقَرَة: 4] بعد قَوْله: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ} [الْبَقَرَة: 3] والغيبُ يَعُمُّ الآخرةَ وغيرَها فَخُصُّوا بالمدح بِعِلْمِ ذَلِك والتَّيَقُّنِ تَفْضِيلاً لَهُم على الْكفَّار المنكرين لَهَا فِي قَوْلهم: {لاَ تَأْتِينَا السَّاَعةُ قُلْ بَلى ورَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} [سبأ: 3] وَكَقَوْلِه تَعَالَى: {مَا تَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنَّ إِلاَّ ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} [الجاثية: 32] وَكَقَوْلِه تَعَالَى: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} [الجاثية: 24] وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى عز وَجل: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرّحِيمِ} [الْفَاتِحَة: 1] الرَّحْمنُ أبلغُ من الرَّحِيم بِدلَالَة أَنه لَا يُوصف بِهِ إِلَّا الله تَعَالَى ذكره وَذكر الرَّحِيم بعده لتخصيص الْمُسلمين بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَكَانَ بِالمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} [الْأَحْزَاب: 43] وكما ذُكِرَتْ هَذِه الأمورُ الخاصةُ بعد الْأَشْيَاء العامَّةِ لَهَا ولغيرها كَذَلِك يكون قولُه: {مَالك يَوْم الدّين} فِيمَن قَرَأَهَا بِالْألف بعد قَوْله: {الْحَمد لله رب الْعَالمين} [الْفَاتِحَة: 2] أثبت فَلِمَنْ قَرَأَ مَالك من التَّنْزِيل قولُه: {وَالأمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلّهِ} [الإنفطار: 19] لأنَّ مِلْك الأَمْرِ لِلَّهِ وَهُوَ مالِكُ الْأَمر بِمَعْنى أَلا ترى أَن لامَ الجَرِّ مَعْنَاهَا المِلْكُ والاستحقاقُ وَكَذَلِكَ قَوْله: {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لنفسٍ شَيئاً والاَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلّهِ} [الإنفطار: 19] يقوِّي ذَلِك وَالتَّقْدِير: {مالِك يَوْم الدّين} من الْأَحْكَام مَا لَا تملكه نفَسٌ لنفسٍ فَفِي هَذَا دلَالَة وتقويةٌ لقِرَاءَة من قَرَأَ مَالك وَإِن كَانَ قولُه: {لِمَنِ المُلْكُ اليَوْمَ} [غَافِر: 16] أوضح دلالةٌ على قِرَاءَة من قَرَأَ مَلِكِ من حَيْثُ كَانَ اسمُ الْفَاعِل من المُلْكِ المَلِك فَإِذا قَالَ المُلْكُ لَهُ ذَلِك اليومَ كَانَ بِمَنْزِلَة هُوَ مِلكُ ذَلك هَذَا مَعَ قَوْله تَعَالَى: {فَتَعَالَى اللهُ المَلِكُ الحَقُّ} [طه: 114] والمَلِكُ القَدُّوسُ ومَلِكِ الناسِ
ورُوِي فِي الحَدِيث:
(إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةٌ وتِسْعِينَ اسْماً مَنْ أَحْصَاهَا دَخَل الجَنَّةَ) قَالَ أَبُو إِسْحَاق الزّجاج روى أَبُو هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
(لله تَعَالَى مائةُ اسْمٍ غَيْرَ واحدٍ من أحصاها دَخَلَ الجَنَّةَ هُوَ: اللهُ الواحِدُ الرَّحْمنُ الرَّحيمُ الأَحَدُ الصَّمَدُ السَّلاَمُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ الخَالِقُ البارِئُ(5/230)
المُصَوِّرُ الحَيُّ القَيُّومُ العَلِيُّ الكَبيرُ الغَنِيُّ الكَرِيمُ الوَلِيُّ الحَمِيدُ العَلِيمُ اللَّطِيفُ السَّمِيعُ البَصيرُ الوَدُودُ الشَّكُورُ الظَّاهِرُ البَاطِنُ الأَوَّلُ الآخِرُ المُبْدِئُ البَديعُ المَلِكُ القُدُّوسُ الذَّارِئُ الفَاصِلُ الغَفُورُ المَجِيدُ الحَلِيمُ الحَفِيظُ الشَّهِيدُ الرَّبُّ القَدِيرُ التَّوَّابُ الحَافظُ الكَفِيلُ القَريبُ المُجِيبُ العَظِيمُ الجَلِيلُ العَفُوُّ الصَّفُوحُ الحَقُّ المُبِينُ المَعِزُّ المُذِلُّ القَوِيُّ الشَّدِيدُ الحَنَّانُ المَنَّان الفَتَّاح الرَّؤُوفُ القَابِضُ البَاسِطُ البَاعِثُ الوَارِثُ الخَبِيرُ الرَّقِيبُ الحَسِيبُ المَتِينُ الوَكِيلُ الزَّكِيُّ الطَّاهِرُ المُحْسِنُ المُجْمِلُ المُبَارَكُ السُّبُوحُ الحَكِيمُ البَرُّ الرَّازِقُ الهَادِي المَوْلَى النَّصِيرُ الأَعْلَى الأَكْبَرُ الأَكْرَمُ الوَّهَّابُ الجَوَادُ الوَفِيُّ الوَاسِعُ الرَّزَّاقُ الخَلاَّقُ الوِتْرُ وَمعنى الوِتْر الأَحَدُ فَهَذَا كتسميتهم إِيَّاه الفَرْدُ وَأما المُصَوِّرُ فَمَعْنَاه الَّذِي صَوَّرَ جميعَ الموجوداتِ الحامِلَة للصورة وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ الَّذِي صَوَّرَ آدمَ عَلَيْهِ السَّلَام فَأَما قِرَاءَة من قَرَأَ المُصَوَّرُ على لفظ الْمَفْعُول فَلَا تصح إِذْ لَا معنى لَهَا لِأَن المُصَوَّرُ يَقْتَضِي مُصَوِّراً وَأَيْضًا فَإِن المُصَوَّرُ ذُو صُورَة وَهَذَا يَقْتَضِي أقدمَ مِنْهُ وَلَا أَقْدَمَ مِنْهُ جَلَّ وَعز وَقد فَسَّرْتُ من هَذِه الْأَسْمَاء وَالصِّفَات مَا يَحتاجُ إِلَى التَّفْسِير وتَحَرَّيْتُ أقاويلَ الثِّقَاتِ أهل المعرفةِ بالإِصْدَارِ والإيرادِ وَالله الموفقُ للصَّوَاب
وَأَنا أذكر أَجْمَعَ آيَة فِي الْقُرْآن لأسمائه وَصِفَاته وأفسر مَا تضمنته من الْحِكْمَة وَهِي: {لَوْ أَنْزَلْنَا هذَا القُرْآنَ على جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خِشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ هُوَ اللهُ الَّذِي لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الغَيْبِ والشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيم هُوَ اللهُ الَّذِي لاَ إِلهَ هُوَ المَلِكُ القُدُّوسِ السَّلاَمُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللهُ الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمواتِ والأَرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ} [الْحَشْر: 21 - 24] وَقد تَضَمَّنت الآياتُ البيانَ عَمَّا يجب اعتقادُه من أَن منزلَةَ القرآنِ منزلَةُ مَا لَو أُنْزِلَ على جبل يَشْعُرُ بِعِظَمِ شأنِهِ لَخَشَعَ للَّذي أنزلهُ ولَتَصَدَّعَ مِنْ خِشْيَتِهِ مَعَ ضَرْبِ هَذَا المثلِ ليتفكر الناسُ فِيهِ وللبيان عَمَّا يجب اعتقادُه من تَوْحِيد الْإِلَه وَأَنه عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة الَّذِي عمَّ كُلَّ شيءٍ مِنْهُ الرحمةُ وكُلُّ شيءٍ مِنْهُ نِعْمَةٌ وتضمنت أَيْضا الحكمةَ والبيانَ عَمَّا يجب من تَعْظِيم الله بصفاته من أَنه الْإِلَه الْملك القدوس السَّلَام الْمُؤمن الْمُهَيْمِن الْعَزِيز الْجَبَّار المتكبر المنزه عَن الْإِشْرَاك بِهِ وَعَن كل صفة لَا تجوز عَلَيْهِ فالبيانُ عَمَّا يجب أَن يعظم بِهِ من أَنه الخالقُ البارئ المصوّر وَأَنه المُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض وَأَنه الْعَزِيز الْحَكِيم
فَإذْ قد ذكرنَا مَا حَضَرنا من أَسْمَائِهِ الحُسْنَى وصفاتِه العُلَى فلْنَحْمَدُهُ على مَا ألهمنا إِلَيْهِ من مَعْرفَته وَالْعلم بِهِ ثمَّ لْنُصَلِّ على نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ لْنَأْخُذَ فِي ذكر الْأَلْفَاظ الَّتِي يُنَزَّهُ بهَا اللهُ عز وَجل من تقديس أَو تَعْظِيم أَو تبرئة عَمَّا يَلْحَقُ المخلوقين من ضُروبِ العيوبِ والذُّمُومِ والأَعْرَاضِ وَنَذْكُرُ الألفاظَ الَّتِي بهَا يُدْعَى إِلَيْهِ أَيْضا وَالَّتِي تُسْتَعْمَلُ عِنْد الِاسْتِعَاذَة ونَبْدَأُ بِالْكَلِمَةِ الَّتِي تَقْتَضِي حمدَه على نعمه وَبهَا افْتَتَحَ كِتَابَهُ فَقَالَ عز وَجل: {الحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ العَالَمِينَ} [الْفَاتِحَة: 2] وَجعلهَا آخرَ دُعَاء أوليائه فِي جِوَارِهِ وَجَنَّتِهِ فَقَالَ: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وتَحِيِّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وآخِرُ دَعْوَاهُم أَنِ الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ} [يُونُس: 2] الحمدُ نقيضُ الذَّمِّ والحمدُ والشكرُ والمدحُ والثناءُ نَظَائِر وَبَين الْحَمد وَالشُّكْر فرقٌ يظْهر بالنقيض فنقيضُ الشُّكْر الكفرُ ونقيضُ الْحَمد الذَّمُّ وأصلُ الْحَمد الوصفُ بالجميل كَمَا أَن أصلَ المَدْحِ كَذَلِك وَقد يُقَال للأَخْرَسِ حَمِدَ فُلاناً إِذا أظهر مَا يقوم مقامَ الْوَصْف بالجميل وَرُبمَا قَالُوا قد وَصفه بالجميل فيُوقعونه مَوْقِعَ مَدْحِهِ بذلك والحمدُ - هُوَ(5/231)
الوَصْفُ بالجميل على جهةِ التفضيلِ وَقد شَرَطَ قومٌ بِأَن قَالُوا بالجميل عِنْد الواصف لِأَن اليهوديَّ قد يصف إنْسَانا بِأَنَّهُ متمسك باليهودية على جِهَة الْمَدْح بذلك وَهُوَ يجوز أَن يُسْتَعار لَهُ اللفظُ إِذا قيل قد مَدَحَهُ والأصلُ فِي هَذَا أَن يُمَيَّزَ بَين من لَا يسْتَحق الحمدَ وَبَين من يسْتَحقّهُ فَأَما من يكون ممدوحاً مِمَّن لَا يكون ممدوحاً فطريقُه طريقُ الْعِبَادَة وَمَا يجْرِي فِي عَادَة أهل [ ... ] فاليهودي لَا يسْتَحق أَن يُوصف بالجميل على جِهَة التَّفْضِيل فَهُوَ [ ... ] الْحَمد وَالْحَمْد والمدح فِي هَذَا سواءٌ وَالشُّكْر لَا يكون إِلَّا على نعْمَة والحمدُ قد يكون على نعْمَة وعَلى غير نعْمَة كَمَا قد يكون المدحُ فَنحْن نحمد الله على أنعامنا عَلَيْهِ ونحمده على أَفعاله الجميلة من طَرِيق حسنها كَمَا حمدناه من طَرِيق النِّعْمَة بهَا وَإِنَّمَا نحمده جلّ وَعز على جِهَة التَّفْضِيل لأفعاله على كل فِعْلٍ لنا وعَلى التَّعْظِيم لإنعامه علينا وإحسانه إِلَيْنَا وَقد يُقَال الأخلاقُ المحمودةُ فَيجْرِي ذَلِك على جِهَة الِاسْتِعَارَة والتشبيه بِحَمْد من كَانَ مِنْهُ فِعْلٌ حَسَنٌ أَو قَبِيح فقد صَار الحمدُ بِمَنْزِلَة المشتَرك وَإِن كَانَ الأَصْل مَا بدأنا بِهِ من الْمُخْتَص وَقد قَالَ قوم إِن كلا الْأَمريْنِ أصلٌ وَلَو كَانَ كَمَا قَالُوا لجَاز أَن يُحْمَدَ اليهوديُّ على قوَّته وشدَّة بدنه وَإِن صرف ذَلِك إِلَى الْفساد وَمَا هُوَ كفر مِنْهُ وإشراك والحمدُ مصدر لَا يثنى وَلَا يُجْمَعُ تَقول أعجبني حمدُكُمْ زيدا والحمدُ لله خبرٌ وَفِيه معنى الْأَمر كَأَنَّهُ قيل لنا احْمُدُوا الله أَو قُولُوا الحمدُ لله والغَرَضُ من الْحَمد لله الإقرارُ بِمَا يسْتَحقّهُ اللهُ من الْمَدْح وَالثنَاء فَإِن قَالَ قَائِل إِذا كَانَ فِي الْفِعْل دلالةٌ عَلَيْهِ فَمَا الفائدةُ فِيهِ قيل لَهُ الْفَائِدَة فِيهِ من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: التنبيهُ كَمَا قد اجْتمع على قَول أَمِير الْمُؤمنِينَ عَلَيْهِ السَّلَام قِيمَةُ كُلِّ امْرِئٍ مَا يُحْسِنُهُ وَقَوله تَكَلَّمُوا تُعْرَفُوا وَقَوله المَرْءُ مَخْبُوءٌ تَحت لسانِه وَقَول الآخر إيَّاكَ والرَّأْيَ الفَطِير وَقَول الْحسن: اجْعَلِ الدَّنْيا قَنْطَرَةٌ تَعْبُرها وَلَا تَعْمُرها وَقَول الْحجَّاج آمِراً اتَّقِي اللهَ امرُؤٌ حاسَبَ نَفْسَهُ وأَخَذَ بِعَنَانِ عَقْلِهِ فَعَلِمَ مَا يُرَادُ بِهِ وَقَوْلهمْ الفِتْنَةُ يَنْبُوعُ الأَحْزانِ قَالَ أَبُو عَليّ: وَقَول الأَوَّلِ العُمْرُ قَصِير والصِّنَاعَةُ طَوِيلَةٌ والتَّجْرِبَةُ خَطَرُ والقَضَاءُ عَسِيرٌ فكلُّ هَذَا وَإِن كَانَ فِي الْعقل عَلَيْهِ دلَالَة فَفِي التَّنْبِيه عَلَيْهِ فَائِدَة عَظِيمَة فالحاجة إِلَيْهِ شَدِيدَة فَكَذَلِك كُلُّ مَا جَاءَ فِي الْقُرْآن مِمَّا فِي العقلِ عَلَيْهِ دلَالَة فَأحَدُ وُجُوهِ الفائدةِ فِيهِ التنبيهُ عليهِ والوَجْهُ الآخَرُ أَن العقلَ وَإِن كَانَ فِيهِ دلَالَة لمن طلبَهَا فقد يَغْلطُ غَالِطٌ فَيَصْدِفُ عَنْهَا كَمَا غَلِطَ عَبَدَةُ الأَوْثَانِ فَقَالُوا اللهُ أَجَّلُ من أَن يُقْصَدَ بالعِبَادَةَ وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَن نتخذَ وَاسِطَة تَجْعَلُ لنا عِنْده المنزلةَ فعبدوا لذَلِك الأوثانَ وَاتَّخذُوا الأنداد فَكَذَلِك قد يَغْلَطُ غَالطٌ فيقولِ اللهُ أَجَلُّ من أَن يُقْصَدُ بالعبادةِ والثناءِ كَمَا غلط هَؤُلَاءِ فَقَالُوا الله أجل من أَن يُقْصَد بِالْعبَادَة فجَاء السمعُ مؤكداً لما فِي الْعقل وَقد أُجْمِعَ على قِرَاءَة الحمدُ للهِ بِالرَّفْع وَيجوز بِالْعَرَبِيَّةِ الحمدَ للهِ بالنصبِ والفرقُ بَين وَالرَّفْع وَالنّصب أَن النصبَ إِنَّمَا هُوَ إِخْبَار عَن الْمُتَكَلّم أَنه حَامِد كَأَنَّهُ قَالَ أحْمَدُ اللهَ الحمدَ فَأَما الرفعُ فَهُوَ إِخْبَار أَن الحمدَ كُلَّهُ لِلّهِ كَأَنَّهُ لم يُعْتَدَّ بِمَا كَانَ من ذَلِك لغيره على مَا تقدم بياننا لَهُ قَالَ سِيبَوَيْهٍ: إِلَّا أَنه قد تدَاخل ذَلِك على جِهَة التَّوَسُّع فَاسْتعْمل كل وَاحِد على معنى الآخر وحُذَّاقُ أهل النَّحْو يُنكرُونَ مَا جَاءَ بِهِ القُرَّاءُ من الضَّم وَالْكَسْر فِي الحمدُ للهِ والحمدِ لله والكسرُ أبعد الْوَجْهَيْنِ إِذْ كَانَ فِيهِ إبطالُ الْإِعْرَاب وَإِنَّمَا فسد الضمُّ من قِبَلَ أَنه مَا كَانَ الإتباعُ فِي الْكَلِمَة الْوَاحِدَة أُخُوك وأُبُوك ضَعِيفا قَلِيلا كَانَ مَعَ الْكَلِمَة خطأ لَا يجوز البتةَ إِذا كَانَ المنفصلُ لَا يلْزم لزومَ الْمُتَّصِل فَإِذا ضَعُفَ فِي الْمُتَّصِل لم يجز فِي الْمُنْفَصِل إِذْ لَيْسَ بعد الضعْف إِلَّا امتناعُ الْجَوَاز وَمَعَ ذَلِك فَإِن حركةَ الْإِعْرَاب لَا تلْزم فَلَا يكون لإجلها إتباعٌ كَمَا لَا يجوز فِي امْرُؤٌ وابْنُمٌ أَن يضم الألفُ للإتباع وكما لَا يجوز فِي دَلْو الْهمزَة لِأَن ضمةَ الْإِعْرَاب لَا تلْزم وَكَذَلِكَ: {وَلاَ تَنْسَوُا الفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [الْبَقَرَة: 237] لَا يهمز لِأَن حَرَكَة التقاء الساكنين لَا تلْزم وكما قَالُوا(5/232)
فِي الْمُنْفَصِل لم تَخَفِ الرجلَ فَلم يَرُدُّوا الألفَ إِذْ الْمُنْفَصِل لَا يلْزم والحمدُ لَا يُسْتَحَقُ إِلَّا على فِعْل إِنَّمَا يُسْتَحَقُ بعد أَن لم يكن يُسْتَحَقُ وَإِن العقلَ يَقْتَضِي أَن الْمُسْتَحق للحمد لَا يسْتَحقّهُ إِلَّا من أجل إِحْسَان كَانَ مِنْهُ وَكَذَلِكَ الذَّمُ لَا يسْتَحقّهُ إِلَّا الْمُسِيء على إساءته وَكَذَلِكَ الثوابُ والعقابُ فكُلُّ مُسْتَحِقِّ الثَّوَاب مُحْسِنٌ وكُلُّ مُسْتَحِقِّ العقابِ مُسِيءٌ وَالَّذِي لم يكن مِنْهُ إحسانٌ وَلَا إساءة على وَجه من الْوُجُوه لَا يجوز أَن يَسْتَحِقَّ حمداً وَلَا ذماً وَلَا ثَوابًا وَلَا عِقاباً وَلَيْسَ يجوز أَن يَسْتَحقَّ أحدٌ الحمدَ والذَّمَّ فِي حَال وَاحِدَة كَمَا لَا يكون وَلِيًّا عَدُوًّا فِي حَال وَاحِدَة وَلَا عَدْلاً فَاسِقًا فِي حَال وَاحِدَة وَلَا بَرًّا وَلَا فَاجِرًا فِي حَال وَاحِدَة وَأما حاشَ لله فَمَعْنَاه بَرَاءَةً لِلَّهِ ومَعاذاً لِلَّهِ قَالَ أَبُو عَليّ: حذفت مِنْهُ اللَّام كَمَا قَالُوا وَلَو تَرَ يَا أهلُ مَكَّة وَذَلِكَ لِكَثْرَة استعمالهم لَهُ وَأما سبحانَ اللهَ فَأرى سبحانَ مصدرَ فِعْلٍ لَا يسْتَعْمل كَأَنَّهُ قَالَ سَبَحَ سُبْحاناً كَمَا تَقول كَفَر كُفْراناً وَشَكَرَ شُكْراناً وَمَعْنَاهُ معنى التَّنْزِيه والبراءة وَلم يتَمَكَّن فِي مَوَاضِع المصادر لِأَنَّهُ لَا يَأْتِي إِلَّا مصدرا مَنْصُوبًا مُضَافا وَغير مُضَاف وَإِذا لم يُضَفْ تُرِكَ صَرْفُه فَقيل سُبْحَانَ من زيد أَي براءةٌ مِنْهُ كَمَا قَالَ فِي الْبَيْت:
(سُبْحَانَ مِنْ عَلْقَمَةَ الفاخِرِ ... )
وَإِنَّمَا مُنِعَ الصرفَ لِأَنَّهُ معرفةٌ فِي آخِره ألفٌ ونونٌ زائدتان مثل عُثْمان وَمَا جرى مجْرَاه فَأَما قولُهم سَبَّحَ يُسَبِّحُ فَهُوَ فَعَّلَ ورد على سُبْحَانَ بعد أَن ذُكِّرَ وعُرِّفَ وَمعنى سَبَّح زيد أَي قَالَ سُبْحَانَ الله كَمَا تَقول بَسْمَلَ إِذا قَالَ بِسم الله وَقد يجيءُ سُبْحَانَ فِي الشّعْر منوَّناً كَقَوْلِه أُميَّة:
(سُبْحَانَهُ ثمَّ سُبْحاناً يَعُودُ لَهُ ... وقَبْلَنَا سَبَّحَ الجُودِيُّ والجُمُدُ)
فِيهِ وَجْهَان يجوز أَن يكون نكرَة فَصَرفهُ وَيجوز أَن يكون صرفه [ ... ] وَحكى صَاحب الْعين: سَبَحَ فِي سَبَّحَ وَقَالَ سُبُحات وَجْهِ اللهِ كِبْرِيَاؤُه وجلالُه واحدتُه سُبْحَةٌ وَقَالَ جبريلُ إِن الله دُونَ العرشِ سبعين بَابا لَو دَنَوْنَا من أحدِها لأَحَرَقَّتْنَا سُبُحاتُ وَجْهِ اللهِ والسُّبْحَةُ - الخَرَزُ الَّذِي يُسَبِّحُ بعَدَدِها وَقيل السُّبْحَة الدعاءُ وصلاةُ التَّطَوُّع وعَمَّ بِهِ بعضُهم الصلاةَ وَفِي التَّنْزِيل: {فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ المُسَبِّحِينَ للَبَثَ} [الصافات: 143 - 144] أَي الْمُصَلِّين قبل ذَلِك وَأما مَعاذ اللهِ فَإِنَّهُ يسْتَعْمل مَنْصُوبًا كَمَا ذكر سِيبَوَيْهٍ مُضَافا والعياذُ الَّذِي هُوَ فِي مَعْنَاهُ يسْتَعْمل مَنْصُوبًا وَمَرْفُوعًا ومجروراً وبالألف وَاللَّام فَيُقَال العِياذُ بِاللَّه واللَّجَأُ إِلَى العِيَاذِ بِاللَّه وَأما رَيْحَانَ اللهِ فَفِي معنى الاسْتِرْزَاقِ فَإِذا دَعَوْتَ بِهِ كَانَ مُضَافا وَقد أدخلهُ سِيبَوَيْهٍ فِي جملَة مَا لَا يتَمَكَّن من المصادر وَلَا يتَصَرَّف وَلَا يدْخلهُ الرّفْع والجر وَالْألف وَاللَّام وَقد ذكر فِي معنى قَوْله جلّ وَعز: {والحَبُّ ذُو العَصْفِ والرَّيْحَانِ} [الرَّحْمَن: 12] أَنه الرِّزْقُ وَهُوَ مخفوض بِالْألف وَاللَّام وَقَالَ النمر بن تولب:
(سَلاَمُ الإِلهِ وَرَيْحَانُه ... ورَحْمَتُهُ وَسَمَاءٌ دَرَرْ)
فرفَعه وَلَعَلَّ سِيبَوَيْهٍ أَرَادَ إِذا ذُكِرَ رَيْحَانَه مَعَ سُبْحَانَهُ كَانَ غيرَ مُتَمَكن كسُبْحان وَأما عَمْرَك اللهَ فَهُوَ مصدر ونصبُه على تَقْدِير فعل وَقد يُقَدِّرُ ذَلِك الْفِعْل على غير وَجهه مِنْهُم من يقدر أَسأَلك بِعَمْرِكَ الله وبتَعْمِيرَكَ اللهَ أَي بوصفك اللهَ بِالْبَقَاءِ وَهُوَ مَأْخُوذ من العَمْرِ والعُمُرَ فِي معنى الْبَقَاء أَلا تَرَى أَن العربَ تَقول لعمر الله فَتَخْلِفُ ببقاءِ اللهِ كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
(إِذا رَضِيْتَ عَلَيَّ بَنُو قُشَيْر ... لَعَمْرُ اللهَ أعْجَبَنِي رِضاها)(5/233)
وَمِنْهُم من يُقَدِّر أَنْشُدُكَ بِعَمْرِكَ اللهَ فَيجْعَل الفعلَ أَنْشُدَكَ وهم يستعملون الْبَاء فِي هَذَا الْمَعْنى فَيَقُولُونَ أَنْشُدُكَ باللهِ فَإِذا حُذِفَ الباءُ وَصَلَ الفِعْلُ ويُصَرِّفُونَ مِنْهُ الفعلَ فَيَقُولُونَ عَمَّرْتُكَ اللهَ على معنى ذَكَّرْتُكَ اللهَ وسألتُكَ بِاللَّه قَالَ الشَّاعِر:
(عَمَّرْتُكِ اللهَ إِلاَّ مَا ذَكَرْتِ لَنَا ... هَلْ كُنْتِ جارَتَنَا أَيَّامَ ذِي سَلَم)
وَقَالَ آخر:
(عَمَّرْتُكَ اللهَ الجَلِيلَ فَإِنَّنِي ... أَلْوِي عَلَيْكَ لَو أنَّ لُبَّكَ يَهْتَدِي)
وَأما نصب اسْم الله الْجَلِيل بعد عَمْرَكَ اللهَ فَلِأَنَّهُ مفعول الْمصدر كَأَنَّهُ قَالَ أَسأَلك بتذكيرك اللهَ أَو بوصفك اللهَ بِالْبَقَاءِ وَقد أجَاز الْأَخْفَش رَفعه على أَن الْفَاعِل للتذكير هُوَ كَأَنَّهُ قَالَ أَسأَلك بِمَ أُذَكِّرُكَ اللهَ بِهِ وقِعْدَك بِمَعْنى عَمْرَك وَفِيه لُغَتَانِ يُقَال قِعْدَكَ اللهَ وَقَعِيدَكَ قَالَ الشَّاعِر وَهُوَ مُتَمِّم بن نُوَيْرَة:
(فَقِعْدكِ أَن لَا تُسْمِعِينِي مَلاَمَةً ... وَلَا تَنْكَئِي قَرْحَ الفُؤَادِ فَيِيجَعَا)
وَقَالَ آخر:
(قَعِيدَكُمَا اللهَ الَّذِي أَنْتُمَا لَهُ ... أَلَمْ تَسْمَعَا بالبَيْضَتَيْنِ المُنَاديَا)
وَمَعْنَاهُ أَسأَلك بِقِعْدِكَ اللهَ وبِقَعِيدِكَ اللهَ وَمَعْنَاهُ بِوَصْفِكَ اللهَ بالثَبَاتِ والدَّوامِ وَهُوَ مَأْخُوذ من الْقَوَاعِد الَّتِي هِيَ الْأُصُول لما يَلْبَثُ ويَبْقى وَلم يُصَرَّفْ مِنْهُ فَيُقَال قَعَّدْتُكَ اللهَ كَمَا يُقَال عَمَّرْتُكَ اللهَ لِأَن العَمْرَ فِي كَلَام الْعَرَب مَعْرُوف وَهِي كَثِيرَة الِاسْتِعْمَال لَهُ فِي الْيَمين فَلذَلِك تَصرَّفَ وكثرتْ موَاضعه وَأما جوابُ عَمْرَك اللهَ وقِعْدَكَ اللهَ ونَشَدْتُكَ الله فَإِنَّهَا تكون بِخَمْسَة أَشْيَاء: بالاستفهام وَالْأَمر وَالنَّهْي وأنْ وإِلاَّ ولَمَّا وَالْأَصْل فِي ذَلِك نَشْدْتُكَ اللهَ أَي سأَلتُكَ بِهِ وطلبتُ مِنْك بِهِ لِأَنَّهُ يُقَال نَشَدَ الرجلُ الضَّالَّةَ إِذا طلبَهَا كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
(أَنْشُدُ والباغِي يُحِبُّ الوِجْدَانْ ... )
أَي أطلبُ الضالَّة والطالبُ يحب الْإِصَابَة وجُعِلَ عَمْرَكَ الله وقِعْدَكَ اللهَ فِي معنى الطَّلَبِ وَالسُّؤَال كنَشَدْتُكَ اللهَ فَكَانَ جوابُها كُلِّها مَا ذكرتُ لَك لِأَن الْأَمر وَالنَّهْي والاستفهام كلهَا بِمَعْنى السُّؤَال والاستدعاء وَكَذَلِكَ أَن لِأَنَّهُ صلَة الطَّلَبِ كَقَوْلِك نَشَدْتُكَ اللهَ أَن تقوم وَكَذَلِكَ تقُولُ نَشَدْتُكَ اللهَ قُمْ ونَشَدْتُكَ اللهَ لَا تَقُم قَالَ الشَّاعِر:
(عَمْرَكِ اللهَ ساعةَ حَدِّثِينَا ... ودَعِينَا مِنْ ذِكْرِ مَا يُؤْذِينَا)
وَقد مر: " فَقِعْدَكِ أَن لَا تُسْمِعِيني " فَجعل الْجَواب بِأَن لِأَنَّهُ فِي معنى الطّلب وَالْمَسْأَلَة وعَمَّرْتُكَ اللهَ إلاَّ كَمَا تَقول باللهِ إِلاَّ فَعَلَتْ كَذَا وَكَذَا ومثلُ مَا ينْتَصب من ذَلِك قَوْلُكَ للرجل سَلاَماً أَي تَسَلُّماً مِنْك وعَلى هَذَا قولُه عز وَجل: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَما} [الْفرْقَان: 63] مَعْنَاهُ بَرَاءَة مِنْكُم لِأَن هَذِه الْآيَة فِي(5/234)
سُورة الْفرْقَان وَهِي مَكِّيَّة وَالسَّلَام فِي سُورَة النِّسَاء وَهِي مَدَنِيَّة وَلم يُؤْمَرِ الْمُسلمُونَ بِمَكَّة أَن يُسَلِّمُوا على الْمُشْركين وَإِنَّمَا هَذَا على معنى بَرَاءَة مِنْكُم وتَسَلُّماً لَا خير بَيْننَا وَبَيْنكُم وَلَا شَرَّ وَمن ذَلِك قَول أُميَّة:
(سَلاَمَكَ رَبَّنَا فِي كُلِّ فِجْرٍ ... بَرِيئاً مَا تَغَنَّثُكَ الذُّمُومُ)
أَي تَبْرِئَةً لَك من السُّوء وَمعنى مَا تَغَنَّثُك الذمومُ أَي لَا يَلْصَقُ بِهِ صفةُ ذَمٍّ قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَكَانَ أَبُو ربيعَة يَقُول إِذا لَقيتَ فلَانا فقُلْ سَلاما وسُئِلَ ففسَّرَ للسَّائِل معنى بَرَاءةٌ مِنْك قَالَ فكلُّ هَذَا ينْتَصب انتصاب حَمْداً وشُكراً إِلَّا أَن هَذَا يَتَصَّرفُ وَذَاكَ لَا يتَصَرَّف قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَنَظِير سُبْحَانَ من المصادرِ فِي الْبناء والمجزى لَا فِي الْمَعْنى غَفْران لِأَن بعض الْعَرَب يَقُول غُفْرَانُكَ لَا كُفْرَانَكَ يُرِيد اسْتِغْفَارًا لَا كُفْراً قَالَ فَجعله فِيمَا ل يتَمَكَّن لِأَنَّهُ لَا يسْتَعْمل على هَذَا إِلَّا مَنْصُوبًا مُضَافا وَكَذَلِكَ قَوْله عز وَجل: {وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً} [الْفرْقَان: 22] أَي حَرَامًا مُحَرَّماً عَلَيْهِم الغفرانُ أَو الْجنَّة أَو نَحْو ذَلِك من التَّقْدِير على معنى حَرَّمَ اللهُ ذَلِك تَحْرِيماً أَو جعلَ اللهُ ذَلِك مُحَرَّماً عَلَيْهِم وَيَقُول الرجلُ للرجل أتفعل كَذَا وَكَذَا فَيَقُول حِجْراً أَي سِتْراً وبَراءةٌ وكل ذَلِك يَؤُل إِلَى معنى الْمَنْع كَأَنَّهُ مَأْخُوذ من الْبناء الَّذِي يحْجر فَيمْنَع من وُصُول مَا يصل إِلَى دَاخله وَمن الْعَرَب من يرفع سَلاما إِذا أَرَادَ معنى المبارأةِ كَمَا رَفَعُوا حَنَانَ قَالَ سمعنَا بعضَ الْعَرَب يَقُول لرجل لَا تَكُونَنَّ مِني فِي شيءٍ إِلاَّ سَلاَمٌ بِسَلاَمٍ أَي أَمْري وأَمْرُكَ المُسَالَمَةُ وَتَرَكُوا لفظَ مَا يرفع كَمَا تركُوا فِيهِ لفظَ مَا ينصب قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَأما سُبُوحاً قَدُّوساً رَبَّ الْمَلَائِكَة والرُّوح فعلى شَيْء يَخْطُرُ على باله أَو يَذْكُرُه ذاكِرٌ فَقَالَ سُبُّوحاً - أَي ذكرت سُبُوحاً كَمَا تَقول أهلَ ذاكَ إِذا سمعتَ رَجُلاً يذكر رَجُلاً بثناءٍ أَو بِذَمِّ كَأَنَّك قلتَ ذكرتَ أهْلَ ذَاكَ أَو اذْكُرْ أَهْلَ ذَاكَ وَنَحْو هَذَا مِمَّا يَلِيق بِهِ وخَزَلُوا الفعلَ الناصبَ لِسُبْحَانَ لِأَن المصدَرَ صَار بَدَلا مِنْهُ وَمن الْعَرَب من يَرْفَعُ فَيَقُول سُبُوحٌ قُدُّوسٌ على إِضْمَار وَهُوَ سُبُوح وَنَحْو ذَلِك مِمَّا مضى قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَمِمَّا ينْتَصب فِيهِ المصدرُ على إِضْمَار الْفِعْل المتروكِ إظهارُه وَلكنه فِي معنى التَّعَدِّي قولُكَ كَرَماً وصَلَفاً كَأَنَّهُ يَقُول أَكْرَمَكَ اللهُ وأدامَ اللهُ لَك كَرَماً وأَلْزَمَتْ صَلَفاً وَفِيه معنى التَّعَجُّب فَيصير بَدَلا من قَوْلك أَكْرِمَ بِهِ وأَصْلِفْ بِهِ قَالَ أَبُو مُرْهِب: كَرَماً وطُولَ أَنْفِ أَي أَكْرِم بِكَ وأَطْوِلْ بِأَنْفِكَ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ التعجبَ وأَضْمَرَ الفعلَ الناصبَ كَمَا انْتَصَبَ مَرْحَباً بِمَا ذُكِرَ قبلُ
وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على مُحَمَّد خَاتم النَّبِيين وعَلى آله وَسلم تَسْلِيمًا آخر اشتقاق أَسْمَائِهِ عز وَجل وبتمامه تمّ جَمِيع الدِّيوَان(5/235)