وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: قِيلَ لعِطَاء: أيَمُرّ المْعتكِفُ تَحْتَ قَبْوٍ مَقْبُوٍ؟ قَالَ: نَعَمْ.
بَابُ الْقَافِ مَعَ التَّاءِ
(قَتَبَ)
(هـ) فِيهِ «لَا صدَقةَ فِي الْإِبِلِ القَتُوبَة» القَتُوبة بِالْفَتْحِ: الْإِبِلُ الَّتِي تُوضع الأَقْتاب عَلَى ظُهورها، فَعُولة بِمَعْنَى مَفْعُولة، كالرَّكُوبة والحَلُوبة، أَرَادَ لَيْسَ فِي الْإِبِلِ العَوامِل صَدقةٌ.
وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «لَا تَمْنع الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا مِنْ زَوجها وَإِنْ كَانَتْ عَلَى ظَهر قَتَب» القَتَب للجَمل كالإِكاف لِغَيْرِهِ. وَمَعْنَاهُ الحثُّ لَهُنَّ عَلَى مُطاوعة أزواجِهن، وَأَنَّهُ لَا يَسعُهُنّ الِامْتِنَاعُ فِي هَذِهِ الْحَالِ، فَكَيْفَ فِي غَيْرِهَا.
وَقِيلَ: إِنَّ نِسَاءَ الْعَرَبِ كُنَّ إِذَا أَرَدْنَ الْوِلَادَةَ جلسْنَ عَلَى قَتَب، وَيَقُلْنَ إِنَّهُ أسْلسُ لخرُوج الْوَلَدِ، فَأَرَادَتْ تِلْكَ الْحَالَةَ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: كُنَّا نَرَى أَنَّ الْمَعْنَى: وَهِيَ تَسِير عَلَى ظَهْر الْبَعِيرِ، فَجَاءَ التَّفْسِيرُ بِغَيْرِ ذَلِكَ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الرِّبا «فَتْندَلِق أَقتابُ بطْنه» الأَقتاب: الْأَمْعَاءُ، واحِدها: قِتْب بِالْكَسْرِ. وَقِيلَ: هِيَ جَمْع قِتْب، وقِتْبٌ جَمْعُ قِتْبَة، وَهِيَ المِعَي. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(قَتَتَ)
(هـ) فِيهِ «لَا يَدْخُلُ الجَنة قَتَّات» هُوَ النَّمَّام. يُقَالُ: قَتَّ الْحَدِيثَ يَقُتُّه إِذَا زَوَّرَهُ وهَيَّأه وسَوّاه.
وَقِيلَ: النَّمَّام: الَّذِي يَكُونُ مَعَ القَوم يَتحدّثون فيَنِمُّ عَلَيْهِمْ. والقَتَّات: الَّذِي يَتَسَمَّع عَلَى الْقَوْمِ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ثُمَّ يَنِمُّ. والقَسَّاس: الَّذِي يَسْأل عَنِ الْأَخْبَارِ ثُمَّ يَنُمُّها.
(هـ) وَفِيهِ «أَنَّهُ ادّهَن بدُهن غيرِ مُقَتَّت وَهُوَ مُحْرِم» أَيْ غيرُ مُطَيَّب، وَهُوَ الَّذِي يُطْبَخ فِيهِ الرَّياحين حَتَّى تَطِيبَ رِيحُه.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ سَلَامٍ «فَإِنْ أهْدَى إِلَيْكَ حِمْل تِبْن أَوْ حِمْلَ قَتّ فَإِنَّهُ رِباً» القَتُّ: الفِصْفِصَة وَهِيَ الرَّطْبة، مِنْ عَلَف الدَّوابّ.
(قَتَرَ)
(هـ) فِيهِ «كَانَ أبو طلحة يَرْمي ورسول الله صلى الله عليه وسلّم يُقَتِّرُ بَيْنَ يَدَيْهِ»(4/11)
أَيْ يُسَوَّي لَهُ النِصال ويَجْمع لَهُ السِهام، مِنَ التَّقْتير وَهُوَ المُقارَبة بَيْنَ الشَيئين وَإِدْنَاءُ أحدِهما مِنَ الْآخَرِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ القِتْر، وَهُوَ نَصْلُ الأهْداف «1» .
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ أهْدَى لَهُ يَكْسومُ سِلاحا فِيهِ سَهْم، فقَوّم فُوقَه وسمَّاه قِتر الغِلاء» القِتْر بِالْكَسْرِ: سَهم الهَدَف. وَقِيلَ: سَهْم صَغِيرٌ. والغِلاء: مَصْدَرُ غَالِي بِالسَّهْمِ إِذَا رَماه غَلْوةً.
(هـ) وَفِيهِ «تَعَوذوا بِاللَّهِ مِنْ قِتْرَةَ وَمَا وَلَد» هُوَ بِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ التَّاءِ:
اسْمُ إِبْلِيسَ.
وَفِيهِ «بسُقْمٍ فِي بَدَنِه وإِقْتارٍ فِي رِزْقِه» الإِقْتار: التَّضْييق عَلَى الْإِنْسَانِ فِي الرزْق. يُقَالُ:
أَقْتَرَ اللهُ رِزقه: أَيْ ضَيّقه وقَلله. وَقَدْ أَقْتَرَ الرجلُ فَهُوَ مُقْتِر. وقُتِرَ فَهُوَ مَقْتُور عَلَيْهِ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «مُوسَّعٌ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا ومَقْتور عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ» .
وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ «فأَقْتَرَ أبوَاهُ حَتَّى جَلَسا مَعَ الأوْفاض» أَيِ افْتَقَرا حَتَّى جَلسَا مَعَ الْفُقَرَاءِ.
(هـ) وَفِيهِ «وَقَدْ خَلَفَتْهم قَتَرَة رسول الله» القَتَرة: غَبرة الْجَيْشِ. وخَلَفَتْهم: أَيْ جَاءَتْ بَعْدَهم. وَقَدْ تَكَرَّرَتْ فِي الْحَدِيثِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ «مَن اطَّلَع مِنْ قُتْرَةٍ ففُقِئت عَيْنُهُ فَهِيَ هَدَرٌ» القُتْرة بِالضَّمِّ:
الكُوّة. والنافِذة، وعَيْن التَّنُّور، وحَلْقة الدِّرع، وبَيْتُ الصَّائِدِ، وَالْمُرَادُ الْأَوَّلُ.
(س) وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ «لَا تُؤذِ جارَك بقُتَار قِدْرك» هُوَ رِيحُ القِدْر والشِّواء وَنَحْوِهِمَا.
(هـ) وَفِيهِ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ عَنِ امْرَأَةٍ أَرَادَ نِكاحَها، قَالَ: وبقَدْر «2» أَيِّ النِّسَاءِ هِيَ؟
قَالَ: قَدْ رَأَتِ القَتِير. قَالَ: دَعْها» القَتِير: الشِّيب. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(قَتَلَ)
(هـ) فِيهِ «قاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ» أَيْ قَتَلَهم اللَّهُ. وَقِيلَ: لَعنهم، وَقِيلَ: عَادَاهُمْ.
وَقَدْ تَكَرَّرَتْ فِي الْحَدِيثِ، وَلَا تَخْرج عَنْ أَحَدِ هَذِهِ الْمَعَانِي. وَقَدْ تَرِدُ بِمَعْنَى التَّعَجُّب مِنَ الشَّيْءِ كَقَوْلِهِمْ: تَرِبَتْ يَداه! وَقَدْ تَرِدُ وَلَا يُراد بها وقُوع الأمر.
__________
(1) زاد الهروي: «وقال بعض أهل العلم: يقتَّر، أى يجمّع له الحصى والتراب يجعله قُتَرا» .
(2) في الهروي: «وتُقَدِّر» .(4/12)
وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «قاتَل اللهُ سَمُرة» .
وَسَبِيلُ «فاعَل» هَذَا أَنْ يَكُونَ مِنَ اثْنَين فِي الغالِب، وَقَدْ يَرِدُ مِنَ الْوَاحِدِ، كسافَرْتُ، وطارَقْتُ النَّعْلَ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الْمَارِّ بَيْنَ يَدَي المُصَلِّي «قاتِلْه فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ» أَيْ دافِعْه عَنْ قِبْلَتِك، وَلَيْسَ كُلُّ قِتال بِمَعْنَى القَتْل.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ السِّقيفة «قَتَلَ اللَّهُ سَعْدًا فَإِنَّهُ صَاحِبُ فِتْنة وشَرّ» أَيْ دَفَع اللَّهُ شَرَّه، كَأَنَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى مَا كَانَ مِنْهُ فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي رِوَايَةٍ «إِنَّ عُمَرَ قَالَ يَوْمَ السَّقِيفة: اقْتلوا سَعْدًا قَتَلَه اللَّهُ» أَيِ اجْعلوه كَمَنْ قُتِل واحْسُبُوه فِي عِداد مَن مَاتَ وَهَلَكَ، وَلَا تَعْتَدّوا بمَشْهَدِه وَلَا تُعَرِّجُوا عَلَى قَوْلِهِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ أَيْضًا «مَن دَعا إِلَى إِمَارَةِ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فاقْتُلوه» أَيِ اجْعَلَوه كَمَنْ قُتِلَ وَمَاتَ، بِأَنْ لَا تَقْبلوا لَهُ قَوْلاً وَلَا تُقِيموا لَهُ دَعوة.
وَكَذَلِكَ الْحَدِيثُ الْآخَرُ «إِذَا بُويِع لخَلِيفَتين فاقْتُلوا الآخِرَ مِنْهُمَا» أَيْ أبْطِلوا دَعْوَته واجْعَلوه كَمَنْ مَاتَ.
وَفِيهِ «أشدُّ النَّاسِ عَذَابًا يومَ الْقِيَامَةِ مَن قَتَلَ نَبِيَّا أَوْ قَتَلَه نبيٌّ» أَرَادَ مَنْ قَتَلَه وَهُوَ كَافِرٌ، كقَتْله أُبَيَّ بْنَ خَلفٍ يَوْمَ بدرٍ، لَا كَمَنْ قَتَلَه تَطْهِيرًا لَهُ فِي الْحَدِّ، كماعِزٍ.
(س) وَفِيهِ «لَا يُقْتَل قُرَشِيٌّ بَعْدَ الْيَوْمِ صَبْراً» إِنْ كَانَتِ اللَّامُ مَرْفُوعَةً عَلَى الْخَبَرِ فَهُوَ مَحْمول عَلَى مَا أَبَاحَ مِنْ قَتْل القُرَشيَّين الْأَرْبَعَةِ يَوْمَ الْفَتْحِ، وهُم ابْنُ خَطل ومَن مَعَهُ: أَيْ أَنَّهُمْ لَا يَعُودون كُفَّاراً يَغْزَون ويُقْتَلون عَلَى الْكُفْرِ، كَمَا قُتِل هَؤُلَاءِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ الْآخَرِ «لَا تُغْزَى مَكَّةُ بَعْدَ الْيَوْمِ» أَيْ لَا تَعُودُ دَارَ كُفر تُغْزى عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتِ اللَّامُ مَجْزُومَةً فَيَكُونُ نَهْياً عَنْ قَتْلِهم فِي غَيْرِ حدٍّ وَلَا قِصاص.
وَفِيهِ «أعَفُّ النَّاسِ قِتْلَةً أهلُ الإِيمان» القِتْلة بِالْكَسْرِ: الْحَالَةُ مِنَ القَتْل، وَبِفَتْحِهَا الْمَرَّةُ مِنْهُ.
وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ. ويُفْهَم الْمُرَادُ بِهِمَا مِنْ سِياق اللَّفْظِ.
وَفِي حَدِيثِ سَمُرة «مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْناه، وَمَنْ جَدع عبدَه جَدَعْناه» ذُكِر فِي رِوَايَةِ(4/13)
الْحَسَنِ أَنَّهُ نَسِي هَذَا الْحَدِيثَ، فَكَانَ يَقُولُ: «لَا يُقْتَل حُرٌّ بعَبْد» ويَحتمِل أَنْ يَكُونَ الحسَن لَمْ يَنْسَ الْحَدِيثَ، وَلَكِنَّهُ كَانَ يَتَأوّلُه عَلَى غَيْرِ مَعْنَى الْإِيجَابِ، ويَراه نَوْعًا مِنَ الزجْر ليَرْتَدِعوا وَلَا يُقْدِموا عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ فِي شَارِبِ الخمْر: «إنْ عادَ فِي الرَّابِعَةِ أَوِ الْخَامِسَةِ فاقْتُلوه» ، ثُمَّ جِيءَ بِهِ فِيهَا فَلَمْ يَقْتُله.
وتأوّلَه بعضُهم أَنَّهُ جَاءَ فِي عبدٍ كَانَ يَمْلِكه مرَّةً، ثُمَّ زَالَ مِلْكُه عَنْهُ فَصَارَ كُفؤاً لَهُ بالحُرِّيَّة.
وَلَمْ يَقلُ بِهَذَا الْحَدِيثِ أحدٌ إِلَّا فِي رِوَايَةٍ شاذَّة عَنْ سُفيان، والمَرْوِيُّ عَنْهُ خلافهُ.
وَقَدْ ذَهب جَمَاعَةٌ إِلَى القِصاص بَيْنَ الحُرِّ وَعَبْدِ الغَير. وأجْمعوا عَلَى أَنَّ القِصاص بَيْنَهُمْ فِي الْأَطْرَافِ ساقِط، فَلَمَّا سَقَط الجَدْع بِالْإِجْمَاعِ سَقَطَ القِصاص، لِأَنَّهُمَا ثَبَتا مَعًا، فَلَمَّا نُسِخا نُسِخا مَعًا، فَيَكُونُ حَدِيثُ سَمُرة مَنْسُوخًا. وَكَذَلِكَ حَدِيثُ الْخَمْرِ فِي الرَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ.
وَقَدْ يَرِدُ الْأَمْرُ بِالْوَعِيدِ رَدْعاً وزجْراً وَتَحْذِيرًا، وَلَا يُراد بِهِ وُقوع الْفِعْلِ.
وَكَذَلِكَ حَدِيثُ جَابِرٍ فِي السَّارِقِ «أَنَّهُ قُطِع فِي الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ، إِلَى أنْ جِيء بِهِ فِي الْخَامِسَةِ فَقَالَ: اقْتُلوه، قَالَ جَابِرٌ: فقَتَلْناه» وَفِي إِسْنَادِهِ مقَال. وَلَمْ يَذْهب أحدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى قَتْل السَّارِقِ وَإِنْ تكرَّرت مِنْهُ السَّرِقة.
(س) وَفِيهِ «عَلَى المُقْتَتِلِين أَنْ يَتَحَجُّزُوا، الأوْلى فالأوْلى، وَإِنْ كَانَتِ امْرَأَةً» قَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَاهُ أَنْ يَكفُّوا عَنِ القَتْلِ، مثْل أَنْ يُقْتَل رَجُلٌ لَهُ ورَثة، فأيُّهم عَفا سَقط القَودَ.
والأوْلَى: هُوَ الأقْرَب والأدْنَى مِن وَرَثة القَتيل.
وَمَعْنَى «المُقْتَتِلِين» : أَنْ يَطْلب أَوْلِيَاءُ القَتِيل القَوَد فيَمتنِع القَتَلَةُ فيَنْشأ بَيْنَهُمُ القِتال مِنْ أجْلِه، فَهُوَ جَمْع مُقْتَتِل، اسْمِ فاعِل مِنَ اقْتَتَلَ.
ويَحْتَمل أَنْ تَكُونَ الرِّوَايَةُ بنَصْب التاءَيْن عَلَى المفْعول. يُقَالُ: اقْتُتِلَ فَهُوَ مُقْتَتَل، غَيْرَ أَنَّ هَذَا إِنَّمَا يكثُر استعمالُه فِيمَنْ قَتَلَه الحُبُّ.
وَهَذَا حَدِيثٌ مُشْكِل، اخْتَلَفت فِيهِ أَقْوَالُ الْعُلَمَاءِ، فَقِيلَ: إِنَّهُ فِي المُقْتَتِلِين مِنْ أَهْلِ القِبْلَة، عَلَى التَّأْوِيلِ، فَإِنَّ البَصائر رُبما أدْرَكَت بعضَهم، فاحْتاج إِلَى الِانْصَرَافِ مِنْ مَقامه الْمَذْمُومِ إِلَى الْمَحْمُودِ،(4/14)
فَإِذَا لَمْ يَجِدْ طَرِيقًا يَمُرُّ فِيهِ إِلَيْهِ بَقَيَ فِي مَكَانِهِ الْأَوَّلِ، فعَسَى أَنْ يُقْتَل فِيهِ، فأمِروا بِمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ.
وَقِيلَ: إِنَّهُ يَدخل فِيهِ أَيْضًا المُقْتَتِلون مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي قِتَالهم أَهْلَ الحَرْب، إذْ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَطْرَأ عَلَيْهِمْ مَن مَعَهُ العُذر الَّذِي أبِيح لَهُمُ الانْصِراف عَنْ قِتالِه إِلَى فِئَة الْمُسْلِمِينَ الَّتِي يَتَقَوَّون بِهَا عَلَى عَدُوّهم، أَوْ يَصِيرُوا إِلَى قَوْمٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَقْوَون بِهِمْ عَلَى قِتَالِ عَدُوهم فيُقَاتِلونَهم مَعَهُمْ.
وَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ «أرْسَل إليَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أهلِ اليَمامة» المَقْتَل: مَفْعل، مِنَ القَتْل، وَهُوَ ظَرْفُ زَمَانٍ هَاهُنَا، أَيْ عِنْدَ قَتْلِهم فِي الوقْعة الَّتِي كَانَتْ باليَمامة مَعَ أَهْلِ الرِدّة فِي زمَن أَبِي بَكْرٍ.
(س) وَفِي حَدِيثِ خَالِدٍ «أَنَّ مالِكَ بْنَ نُوَيْرة قَالَ لامْرأتْه يومَ قَتَلَه خَالِدٌ: أَقْتَلْتِني» أَيْ عَرَّضْتِنيِ للقَتْل بُوجوب الدِفاع عنْكِ والمُحاماة عليكِ، وَكَانَتْ جَميلةً وتَزَوّجَها خَالِدٌ بَعْدَ قَتْلِه. ومثْلُه:
أبَعْتُ الثَّوبَ إِذَا عَرّضْتَه للبَيع.
(قَتَمَ)
(س) فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «قَالَ لابْنِه عَبْدِ اللَّهِ يَوْمَ صِفِّين: انْظر أَيْنَ تَرى عَلِيَّاً، قَالَ: أَرَاهُ فِي تِلك الْكَتِيبَةِ القَتْماء، فَقَالَ: لِلَّهِ دّرُّ ابْنِ عُمَر وابنْ مالِك! فَقَالَ لَهُ:
أيْ أبَتِ، فَمَا يَمْنَعُك إذْ غَبَطْتَهم أَنْ تَرْجع، فَقَالَ. يَا ُبَنيَّ أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ.
إِذَا حَكَكْتُ قَرْحَةً دَمَّيْتُها
القَتْماء: الغَبْراء، مِنَ القَتام، وتَدْمِية القَرْحَة مَثَل: أَيْ إِذَا قَصَدْت غَايَةً تَقَصَّيْتها.
وَابْنُ عُمر هُوَ عَبْدُ اللَّهِ، وابْنُ مَالِكٍ هُوَ سَعْدُ بْنِ أَبِي وقاَّص، وَكَانَا مِمَّنْ تَخَلَّف عَنِ الفَرِيَقْين.
(قَتَنَ)
(س) فِيهِ «قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَزوجّتُ فُلانة، فَقَالَ: بَخٍ، تَزَوَّجْتَ بِكْرًا قَتِينا» يقال: امرأة قَتِين، بلاهاء، وَقَدْ قَتُنَت قَتَانةً وقَتْنا، إِذَا كَانَتْ قَلِيلَةَ الطُّعْم.
ويَحتْمِل أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ قِلَّة الْجِمَاعِ.
وَمِنْهُ قولُه «عَلَيْكُمْ بِالْأَبْكَارِ فأنَّهنّ أرْضَى بِالْيَسِيرِ» .
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ فِي وصْفَ امْرَأَةٍ «إِنَّهَا وَضِيئةٌ قَتِين» .
(قَتَا)
(هـ) فِيهِ «أَنَّ عُبَيد اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبة سُئل عن امرأة كان زوجها مملوكا(4/15)
فاشترت، فَقَالَ: إِنِ اقْتَوَتْه فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ أَعْتَقَتْهُ فهُما عَلَى النِكاح» اقْتَوَتْه: أَيِ اسْتَخْدَمَتْه.
والقَتْوُ: الخدْمة.
بَابُ الْقَافِ مَعَ الثَّاءِ
(قَثَثَ)
(هـ) فِيهِ «حَثَّ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْما عَلَى الصَّدَقة، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ بِمَالِهِ كلَّه يَقُثُّه» أَيْ يَسوقه، مِنْ قَوْلِهِمْ: قَثَّ السَّيْلُ الغُثَاء، وَقِيلَ يَجْمَعُه.
(قَثَدَ)
- فِيهِ «أَنَّهُ كَان يَأْكُلُ القِثَّاء والقَثَدَ بالمُجاج» . القَثَد بفتحَتْين: نَبْتٌ يُشْبِه القِثَّاء. والمُجاج: العَسَل.
(قَثَمَ)
(س) فِيهِ «أَتَانِي مَلَك، فَقَالَ: أَنْتَ قُثَمُ وخَلْقُكَ قَيِّم» القُثَم: المجْتَمِع الخَلْقِ وَقِيلَ الجامِع الكامِل: وَقِيلَ الجَمُوع لِلْخَيْرِ، وَبِهِ سُمِّي الرجُل قُثَم.
وَقِيلَ: قُثَم مَعْدُولٌ عَنْ قاثِم، وَهُوَ الْكَثِيرُ العَطاء.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْمَبْعَثِ «أنتَ قُثَمُ، أَنْتَ المُقَفّى، أَنْتَ الحاشِر» هَذِهِ أَسْمَاءٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
بَابُ الْقَافِ مَعَ الْحَاءِ
(قَحَحَ)
(س) فِيهِ «أعْرابيٌّ قُحٌّ» أَيْ مَحْضٌ خَالِصٌ. وَقِيلَ: جافٍ. والقُحُّ: الجافِي مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.
(قَحَدَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ أَبِي سُفْيَانَ «فقُمْت إِلَى بَكْرَة قَحْدَة أُرِيدُ أَنْ أُعَرْقِبها» القَحْدة: الْعَظِيمَةُ السَّنام. والقَحَدَةُ بِالتَّحْرِيكِ: أصْل السَّنام. يُقَالُ: بَكْرةٌ قَحِدة، بِكَسْرِ الْحَاءِ ثُمَّ تُسَكَّن تَخْفِيفًا، كَفَخِذٍ وفَخْذ.
(قَحَرَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْعٍ «زَوْجِي لَحْمُ جَمَلٍ قَحِرٍ» القَحْر: الْبَعِيرُ الهَرِم القليلُ اللَّحْمِ، أَرَادَتْ أنَّ زوجَها هَزِيلٌ قَلِيلُ الْمَالِ «1»
(قَحَزَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ أَبِي وَائِلٍ «دَعاه الحَجَّاج فَقَالَ لَهُ: أحْسبُنا قد رَوَّعْناك، فقال:
__________
(1) في ا: «الماء» .(4/16)
أمَا إِنِّي بِتّ أُقَحّز البارِحَة» أَيْ أُنَزّى وأقْلَق مِنَ الخَوف. يُقَالُ: قَحَزَ الرجُل يَقْحَز: إِذَا قَلِق واضْطَرب.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحَسَنِ وَقَدْ بَلَغه عَنِ الحَجَّاج شَيْءٌ فَقَالَ «مَا زِلّتُ اللَّيْلَةَ أُقَحَّزُ كَأَنِّي عَلَى الجَمْر» .
(قَحَطَ)
- فِي حَدِيثِ الِاسْتِسْقَاءِ «يَا رَسُولَ اللَّهِ، قُحِطَ المطَرُ واحْمَرّ الشَّجَر» يُقَالُ: قُحِطَ الْمَطَرُ وقَحَطَ إِذَا احْتَبَس وانْقَطع. وأَقْحَط النَّاسُ إِذَا لَمْ يُمْطَروا. والقَحْط: الجَدْب؛ لِأَنَّهُ مِنْ أثَرِه. وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُهُ فِي الْحَدِيثِ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِذَا أتَى الرجُل القَوْمَ فَقَالُوا: قَحْطاً، فقَحْطاً لَهُ يومَ يَلْقَى ربَّه» أَيْ إِذَا كَانَ مِمَّنْ يُقَالُ لَهُ عِنْدَ قُدُومه عَلَى النَّاسِ هَذَا الْقَوْلُ، فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُ مَثْل ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وقَحْطاً: مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ: أَيْ قُحِطْت قَحْطاً، وَهُوَ دُعاء بالجَدب، فَاسْتَعَارَهُ لِانْقِطَاعِ الخَيْر عَنْهُ وجَدْبه مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ.
(هـ) وَفِيهِ «مَنْ جَامَعَ فأَقْحَط فَلَا غُسل عَلَيْهِ» أَيْ فتَر وَلَمْ يُنْزِل، وَهُوَ مِنْ أَقْحَطَ النَّاسِ:
إِذَا لَمْ يمُطَروا. وَهَذَا كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخ، وَأُوجِبَ الغُسل بِالْإِيلَاجِ.
(قَحَفَ)
- فِي حَدِيثِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ «تَأْكُلُ العِصابة يَوْمَئِذٍ مِنَ الرُّمّانة، ويَسْتَظِلُّون بقِحْفِها» أَرَادَ قِشْرها، تَشْبِيهًا بقِحْف الرَّأْسِ، وَهُوَ الَّذِي فَوْقَ الدِّماغ. وَقِيلَ: هُوَ مَا انْفَلَق مِنْ جُمْجمَته وانْفَصَل.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي يَوْمِ اليَرْموك «فَمَا رُئِيَ مَوْطِنٌ أَكْثَرَ قِحْفا ساقِطاً» أَيْ رَأْسًا، فَكَنَّى عَنْهُ بِبَعْضِهِ، أَوْ أَرَادَ القِحْفَ نفْسَه.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ سُلافة بِنْتِ سَعْدٍ «كَانَتْ نَذَرت لتَشْرَبنَّ فِي قِحْف رَأْسِ عَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ الخَمْر» وَكَانَ قَدْ قَتل ابْنَيْها مُسافِعاً «1» وخِلاباً.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وسُئل عَنْ قُبْلة الصَّائِمِ فَقَالَ «أُقَبَّلُها وأقْحفُها» أَيْ أَترَشَّف رِيقَها، وَهُوَ مِنَ الْإِقْحَافِ: الشُّرب الشَّدِيدُ. يُقَالُ: قَحَفْتُ قَحْفاً إِذَا شربتَ جَمِيعَ مَا فِي الإناء.
__________
(1) فى اللسان: «نافعا» . (3- النهاية- 4)(4/17)
(قَحِلَ)
- فِي حَدِيثِ الِاسْتِسْقَاءِ «قَحِل النَّاسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» أَيْ يَبِسوا مِنْ شِدَّةِ القَحْط. وَقَدْ قَحِلَ يَقْحَلُ قَحْلًا إِذَا الْتَزَق جلْدُه بعَظْمِه مِنَ الْهُزَالِ والبِلى.
وأَقْحَلْتُهُ أَنَا. وشَيْخٌ قَحْل، بِالسُّكُونِ. وَقَدْ قَحَل بِالْفَتْحِ يَقْحَل قُحُولا فَهُوَ قاحِل.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ اسْتِسْقَاءِ عَبْدِ المطِّلب «تتابعتْ على قُرِيش سِنُو جَدْب قَدْ أَقْحَلَتِ الظِلْف» أَيْ أهْزَلَت الماشِية وألْصَقَت جلودَها بعِظامِها، وَأَرَادَ ذَاتَ الظَّلْف.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أُمِّ لَيْلَى «أمَرَنا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا نُقْحِل أيْدِيَنا مِنْ خِضاب» .
وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ «لأَن يَعْصُبَه أحدُكم بِقِدٍ حَتَّى يَقْحَل خيرٌ مِنْ أَنْ يَسْأل النَّاسَ فِي نِكاح» يَعْنِي الذَّكَرَ: أَيْ حَتَّى ييَبْسَ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ وَقْعة الْجَمَلِ:
كَيْفَ نَرُدُّ شَيْخَكم وَقَدْ قَحَل
أَيْ مَاتَ وَجَفّ جِلْدُه.
أَخْرَجَهُ الْهَرَوِيُّ فِي يَوْمِ صِفِّين. والخبرُ إِنَّمَا هُوَ فِي يَوْمِ الجملِ، وَالشِّعْرُ:
نحنُ بَني ضَبَّةَ أصحابُ الجملْ ... الموتُ أحْلى عِنْدَنَا مِنَ العَسَلْ
رُدُّوا عَلَيْنَا شَيْخَنا ثُمَّ بَجَلْ
فأجيبَ:
كَيْفَ نَرُدُّ شَيْخَكم وَقَدْ قَحَل
(قَحَمَ)
- فِيهِ «أَنَا آخِذٌ بحُجَزِكم عَنِ النَّارِ، وَأَنْتُمْ تَقْتَحِمون فِيهَا» أَيْ تَقَعون فِيهَا. يُقَالُ:
اقْتَحَم الْإِنْسَانُ الأمْرَ الْعَظِيمَ، وتَقَحَّمَهُ: إِذَا رَمَى نفسَه فِيهِ مِنْ غَيْرِ رَوِيَّة وتَثبُّت.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «مَنْ سَرَّه أنْ يَتَقَحَّم جَراثيم جَهَنم فَلْيقْضِ فِي الْجَدِّ» أَيْ يَرْمي بِنَفْسِهِ فِي معَاظِم عَذَابِهَا.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهِ وَعِنْدَهُ غُلَيِّمٌ أَسْوَدُ يَغْمِزُ ظهْره، فَقَالَ: مَا هَذَا؟
قَالَ: إِنَّهُ تَقَحَّمَت بِي الناقةُ اللَّيْلَةَ» أَيْ ألْقَتْني فِي ورْطَة، يُقَالُ: تَقَحَّمَتْ بِهِ دابَتُه إِذَا نّدَّت بِهِ فلم(4/18)
يَضْبُط رَأْسَهَا. فرُبما طَوَّحت بِهِ فِي أُهْويَّة. والقُحْمة: الوَرْطة والمَهْلَكة.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «مَن لَقِي اللَّهَ لَا يُشْرِك بِهِ شَيْئًا غَفَر لَهُ المُقْحِمَات» أَيِ الذُّنوب العِظام الَّتِي تُقْحِم أصحابَها فِي النَّارِ: أَيْ تُلْقِيهم فِيهَا.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «إِنَّ للخُصومة قُحَماً» هِيَ الْأُمُورُ الْعَظِيمَةُ الشاقَّة، واحدتُها: قُحْمة.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ «أقْبَلَت زَيْنَبُ تَقَحَّمُ لَهَا» أَيْ تَتَعرّض لشَتْمها وَتَدْخُلُ عَلَيْهَا فِيهِ، كَأَنَّهَا أقْبَلَت تَشْتِمُها مِنْ غَيْرِ رَوِيَّة وَلَا تَثَبُّت.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «ابْغِني خادِماً لَا يَكُونُ قَحْماً فانِياً وَلَا صَغِيرًا ضَرَعاً» القَحْم:
الشَّيْخُ الهِمُّ الْكَبِيرُ.
(هـ) وَفِيهِ «أَقْحَمت السَّنَةُ نَابِغَةَ بَني جَعدة» أَيْ أخْرَجَته مِنَ الْبَادِيَةِ وَأَدْخَلَتْهُ الْحَضَرَ.
والقُحْمة: السَّنَةُ تُقْحِم الْأَعْرَابَ بِبِلَادِ الرِيف وتُدْخِلُهم فِيهَا.
وَفِي حَدِيثِ أُمِّ مَعْبَد «لَا تَقْتَحِمُهُ عَيْنٌ مِنْ قِصَر» أَيْ لَا تَتَجاوَزُه إِلَى غَيْرِهِ احْتِقاراً لَهُ.
وَكُلُّ شَيْءٍ ازْدَرَيْتَه فَقَدِ اقْتَحَمْتَه.
بَابُ الْقَافِ مَعَ الدَّالِ
(قَدْ)
- فِي صِفَةِ جَهَنَّمَ «فيُقال: هَلِ امْتَلأتِ؟ فتَقول: هَلْ مِنْ مَزِيد، حَتَّى إِذَا أُوعِبوا فِيهَا قَالَتْ: قَدْ قَدْ» أَيْ حَسْبي حَسْبي. ويُرْوَى بِالطَّاءِ بَدَلَ الدَّالِ، وَهُوَ بِمَعْنَاهُ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ التَّلْبِية «فَيَقُولُ: قَدْ قَدْ» بِمَعْنَى حَسْب، وَتَكْرَارُهَا لِتأكيد الأمْر. وَيَقُولُ الْمُتَكَلِّمُ: قَدْنِي: أَيْ حَسْبي، وللمُخاطَب: قَدْك: أَيْ حَسْبُك.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: قَدْك يَا أَبَا بَكْرٍ» .
(قَدَحَ)
(هـ) فِيهِ «لَا تَجْعَلوني كَقَدَح الرَّاكِبِ» أَيْ لَا تُؤَخِّرُوني فِي الذِّكْر، لِأَنَّ الرَّاكِبَ يُعَلِّق قَدَحه فِي آخِر رحْله عِنْدَ فَرَاغه مِنْ تَرْحاله ويَجْعَله خَلْفَه.(4/19)
قَالَ حسَّان:
كَمَا نِيطَ خَلْفَ الراكِب القَدَحُ الفَرْدُ «1»
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ «كنتُ أعْمَل الأَقْداح» هِيَ جَمْعُ قَدَح، وَهُوَ الَّذِي يُؤكل فِيهِ. وَقِيلَ: هِيَ جَمْع قِدْح، وَهُوَ السِّهم الَّذِي كَانُوا يَسْتّقْسِمون بِهِ، أَوِ الَّذِي يُرْمى بِهِ عَنِ القَوْس.
يُقَالُ للسَّهم أَوَّلُ مَا يُقْطَع: قِطْعٌ، ثُمَّ يُنْحَتُ ويُبرَى فيُسَمَّى بَرِياً، ثُمَّ يُقَوَّم فيسمَّى قِدْحا، ثُمَّ يُرَاش ويُرَكَّب نصْلهُ فيُسَمَّى سَهْماً.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «كَانَ يُسَوَّى الصُّفوف حَتَّى يَدَعَها مِثْل القِدْح أَوِ الرَّقِيم» أَيْ مَثْل السَّهْم أَوْ سَطْر الْكِتَابَةِ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «كَانَ يُقَوِّمُهم فِي الصَّف كَمَا يُقَوِّم القَدَّاحُ القِدْحَ» القَدَّاح:
صانِع القِدْح.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ «فشَرِبْتُ حَتَّى اسْتوى بطنِي فَصَارَ كالقِدْح» أَيِ انْتَصَب بِمَا حصَل فِيهِ مِنَ اللَّبن وَصَارَ كالسَّهم، بَعْدَ أَنْ كَانَ لَصِق بظَهْره مِنَ الخُلُوّ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «أَنَّهُ كَانَ يُطْعِم الناسَ عامَ الرَّمّادّة فاتخذَ قِدْحا فِيهِ فَرْضٌ» أَيْ أخَذ سِهْماً وَحَزَّ فِيهِ حَزًّا عَلَّمَهُ بِهِ، فَكَانَ يَغْمِزُ القِدْح فِي الثَّرِيد، فَإِنْ لَمْ يبْلُغ مَوْضِعَ الحزِّ لامَ صاحِبَ الطَّعَامِ وعَنَّفه.
(هـ) وَفِيهِ «لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَ لِلنَّاسِ قِدْحَةَ ظُلْمة كَمَا جَعَلَ لَهُمْ قِدْحَة نُورٍ» القِدْحَة بِالْكَسْرِ:
اسْمٌ مشْتَقّ مِنَ اقْتِدَاح النَّارِ بالزَّنْد. والمِقْدَح والمِقْدَحَة: الْحَدِيدَةُ. والقَدَّاح والقَدَّاحَة: الحَجر.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «اسْتَشار وَرْدان غُلامَه، وَكَانَ حَصِيفاً، فِي أمْرِ عليٍّ ومعاويةَ إِلَى أيِّهما يذْهَب؟ فَأَجَابَهُ بِمَا فِي نفسِه وَقَالَ لَهُ: الآخِرة مَعَ عَلِيٍّ، وَالدُّنْيَا مَعَ مُعَاوِيَةَ، وَمَا أَرَاكَ تَخْتَارُ عَلَى الدُّنْيَا. فَقَالَ عَمْرٌو:
يَا قاتَلَ اللهُ وَرْداناً وقِدْحَتَه ... أبْدَي لَعَمْرُك ما في القلبِ وَرْدانُ
__________
(1) صدره:
وأنت زنيمٌ نِيطَ في آلِ هاشمٍ
ديوانه ص 160 بشرح البرقوقي.(4/20)
فالقِدْحَة: اسْمٌ لِلضَّرْبِ بالمِقْدَحة، والقَدْحَة: المَرَّة، ضَرَبَها مَثَلًا لاسْتخراجِه بالنَّظَر حقيقةَ الْأَمْرِ.
وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ «يَكُونُ عَلَيْكُمْ أمِيرٌ لَوْ قَدَحْتُمُوه بشَعْرة أَوْرَيْتُمُوهُ» أَيْ لَوِ اسْتَخْرَجْتم مَا عِنْدَهُ لظَهر ضَعْفُه، كَمَا يَسْتخرِج القَادِح النَّارَ مِنَ الزَّنْد فَيُورِى.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْع «تَقْدَح قِدْراً وتَنْصِب أخْرَى» أَيْ تَغْرِف. يُقَالُ: قَدَح القِدْرَ إِذَا غَرف مَا فِيهَا. والمِقْدَحَة: المِغْرَفة. والقَدِيح: المَرَق.
وَمِنْهُ حَدِيثُ جَابِرٍ «ثُمَّ قَالَ: ادْعي خابِزةً فلْتَخْبِزْ مَعك واقْدَحي مِنْ بُرمَتِك» أَيِ اغْرِفِي.
(قَدَدَ)
- فِيهِ «ومَوضعُ قِدِّهِ فِي الْجَنَّةِ خيرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» القِدّ بِالْكَسْرِ: السَّوط، وَهُوَ فِي الأصْل سَيْرٌ يُقَدّ مِن جلْد غَيْرِ مَدْبوغ: أَيْ قَدْر سَوْط أحدِكم، أَوْ قَدْر الْمَوْضِعِ الَّذِي يَسَعُ سَوْطَه مِنَ الْجَنَّةِ خيرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا.
(س) وَفِي حَدِيثِ أحُد «كَانَ أَبُو طَلْحة شديدَ القدِّ» إِنْ رُوي بِالْكَسْرِ فيُريد بِهِ وَتَر القَوْس، وَإِنْ رُوِي بِالْفَتْحِ فَهُوَ المَدُّ والنَّزع فِي القَوْس.
(س) وَفِي حَدِيثِ سَمُرة «نَهى أَنْ يُقَدّ السَّيرُ بَيْنَ أصبعَين» أَيْ يُقْطع ويُشَق لِئَلَّا يَعْقِر الحديدُ يَدَه، وَهُوَ شبيه بنَهيه أن يَتَعاطى السَّيْفَ مَسْلولاً. والقَدُّ: القَطْعُ طُولًا، كالشَّق.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ يومَ السَّقيفة «الْأَمْرُ بينَنا وَبَيْنَكُمْ كقَدّ الأُبْلُمة» أَيْ كشَق الخُوصة نِصْفَيْنِ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «كَانَ إِذَا تَطَاوَلَ قَدّ، وَإِذَا تقَاصَر قَطّ» أَيْ قَطع طُولاً وقَطع عَرْضًا.
[هـ] وَفِيهِ «أَنَّ امْرَأَةً أَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بجَدْيَيْن مَرْضُوفين وقَدٍّ» أَرَادَ سِقَاءً صَغِيرًا متَّخذاً مِنْ جِلْد السَّخْلة فِيهِ لَبن، وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «كَانُوا يَأْكُلُونَ القَدَّ» يُريد جِلْدَ السَّخْلة فِي الجدْب.
وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ «أُتيَ بالعَبَّاس يومَ بَدْر أسِيراً وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ثَوبٌ، فَنظَر لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى(4/21)
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَمِيصاً، فَوجَدُوا قَميص عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ يُقَدُّ عَلَيْهِ فكَساه إيَّاه» أَيْ كَانَ الثَّوْبُ عَلَى قَدْرِه وطوُله.
وَفِي حَدِيثِ عُرْوَةَ «كَانَ يَتَزوّد قَدِيدَ الظِباء وَهُوَ مُحْرِم» القَدِيد: اللَّحْم المَمْلُوح المُجَفَّف فِي الشَّمْسِ، فَعِيلٍ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ «قَالَ لِمُعَاوِيَةَ فِي جَوَابِ: رُبَّ آكلِ عَبِيطٍ سَيُقَدّ عَلَيْهِ، وشاربِ صَفْو سَيَغَصُّ» هُوَ مِنَ القُدَاد، وَهُوَ دَاءٌ فِي الْبَطْنِ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فَجَعَلَهُ اللهُ حَبَناً وقُدَاداً» والحَبن: الاسْتِسقاء «1» (هـ س) وَفِي حَدِيثِ الأوزاعيِّ «لَا يُسْهَم مِنَ الغَنيمة لِلْعَبْدِ وَلَا الْأَجِيرِ وَلَا القَدِيديِّين» هُمْ تُبَّاع الْعَسْكَرِ والصُّنّاع، كَالْحَدَّادِ، والبَيْطار، بلُغَة أَهْلِ الشَّامِ. هَكَذَا يُرْوَى بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الدَّالِ.
وَقِيلَ: هُوَ بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الدَّالِ، كَأَنَّهُمْ لخسَّتهم يَلْبسون القَدِيد، وَهُوَ مِسْح صَغِيرٌ.
وَقِيلَ: هُوَ مِنَ التَّقَدُّد: التَّقَطُّع والتَّفَرُّق، لِأَنَّهُمْ يَتَفرَّقون فِي البِلاد لِلْحَاجَةِ وتمزَّق ثيابُهم.
وتصغِيرُهم تَحْقِير لشأنِهم. ويُشْتَمُ الرجُل فَيُقَالُ لَهُ: يَا قَدِيدِيّ، وَيَا قُدَيْديُّ.
وَفِيهِ ذِكْرُ «قُدَيْد» مُصَغَّرًا، وَهُوَ مَوْضِعٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ.
وَفِي ذِكْرِ الْأَشْرِبَةِ «المَقَدِّيُّ» هُوَ طِلاءٌ مُنَصَّف طُبخَ حَتَّى ذَهب نِصفْه، تَشْبِيهًا بِشَيْءٍ قُدَّ بِنصْفين، وَقَدْ تُخَفَّف دَالُهُ.
(قَدَرَ)
- فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى «الْقادِرُ
، والمُقْتَدِر، والْقَدِيرُ
» فالقادِر: اسْمُ فَاعِلٍ، مِنْ قَدَرَ يَقْدِر، والقَدِير: فَعيل مِنْهُ، وَهُوَ لِلْمُبَالَغَةِ. والمقْتَدِر: مُفْتَعِل، مِنَ اقْتَدَر، وَهُوَ أبْلَغ.
وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ «القَدَر» فِي الْحَدِيثِ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَمَّا قَضَاهُ اللَّهُ وحَكَم بِهِ مِنَ الْأُمُورِ. وَهُوَ مَصْدَرُ: قَدَرَ يَقْدِر قَدَراً. وَقَدْ تُسَكَّن دالُه.
(هـ) وَمِنْهُ ذِكْرُ «لَيْلَةِ القَدْر» وهي اليلة الَّتِي تُقَدَّر فِيهَا الْأَرْزَاقُ وتُقْضَى.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الاسْتخارة «فاقْدُرْه لِي ويَسِّرْه» أَيِ اقْضِ لِي به وهَيِّئه.
__________
(1) عبارة الهروي: «السَّقْي في البطن» .(4/22)
[هـ] وَفِي حَدِيثِ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ «فَإِنْ غُمّ عَلَيْكُمْ فاقْدُروا لَهُ» أَيْ قَدِّرُوا لَهُ عِدَدَ الشَّهْرِ حَتَّى تُكَمِّلوه ثَلَاثِينَ يَوْمًا.
وَقِيلَ: قَدِّرُوا لَهُ مَنازِلَ الْقَمَرِ، فَإِنَّهُ يَدُلُّكم عَلَى أَنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ أَوْ ثَلَاثُونَ.
قَالَ ابْنُ سُرَيج «1» : هَذَا خِطاب لِمَنْ خصَّه اللَّهُ بِهَذَا العلْم. وَقَوْلُهُ «فأكْمِلوا العِدّة» خطابٌ للعامَّة الَّتِي لَمْ تُعْن بِهِ. يُقَالُ: قَدَرْتُ الأمْر أَقْدُرُه وأَقْدِرُه إِذَا نَظَرتَ فِيهِ ودّبَّرتَه.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ «فاقْدُرُوا قَدْرَ الجاريِة الحديثةِ السِنِّ» أَيِ انْظُروه وأفْكِروا فِيهِ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «كانَ يَتَقَدَّر فِي مَرضه: أيْنَ أَنَا الْيَوْمَ؟» أَيْ يُقَدِّر أَيَّامَ أَزْوَاجِهِ فِي الدَّوْر عَلَيْهِنَّ.
وَفِي حَدِيثِ الِاسْتِخَارَةِ «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَقْدِرك بقُدْرَتك» أَيْ أطْلُب مِنْكَ أَنْ تَجْعل لِي عَلَيْهِ قُدْرة.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُثْمَانَ «2» «إِنَّ الذَّكاة فِي الحَلْق واللبَّة لَمن قَدَرَ» أَيْ لِمَنْ أمْكَنه الذَّبْحُ فِيهِمَا، فَأَمَّا النادُّ والمُتَردِّي فَأَيْنَ اتَّفَق مِنْ جسْمِهما.
وَفِي حَدِيثِ عُمَير مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ «3» «أمرَنِي مَوْلَايَ أَنْ أَقْدُر لحَمْاً» أَيْ أطْبُخ قِدْرا مِنْ لَحْم.
(قَدُسَ)
- فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى «الْقُدُّوسُ»
هُوَ الطَّاهِرُ المنزَّه عَنِ العُيوب. وفُعُّول:
مِنْ أبْنِية الْمُبَالَغَةِ، وَقَدْ تُفتح القاف، وليس بالكثير، ولم يَجيء مِنْهُ إِلَّا قَدُّوس، وسَبّوح، وذَرّوح.
وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ «التَّقْديس» فِي الْحَدِيثِ، وَالْمُرَادُ بِهِ التَّطْهِيرُ.
وَمِنْهُ «الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ»
قِيلَ: هِيَ الشَّامُ وفِلَسْطين. وسُمِّي بيتْ المَقْدس، لأنه الموضع
__________
(1) في اللسان: «ابن شريح» وانظر شرح النووي على مسلم (باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال، من كتاب الصوم) 7/ 189.
(2) أخرجه الهروي من حديث عمر.
(3) هو عبد الله بن عبد الملك بن عبد الله بن غِفار، وقيل في اسمه أقوال أخرى. انظر الأصابة 1/ 9. وإنما سمي آبي اللحم، لأنه كان يأبى أن يأكل اللحم.(4/23)
الَّذِي يُتَقَدَّس فِيهِ مِنَ الذُّنُوبِ. يُقَالُ: بَيْتُ المَقْدِس، وَالْبَيْتُ المُقَدَّس، وَبَيْتُ القُدْس، بِضَمِّ الدَّالِ وَسُكُونِهَا.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إنَّ رُوحَ القُدُس نَفَث فِي رُوعي» يَعْنِي جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ؛ لِأَنَّهُ خُلِق مِنْ طَهارة.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَا قُدِّسَتْ أُمَّةٌ لَا يُؤْخَذ لضَعيفها مِنْ قَوِيِّها» أَيْ لَا طُهِّرت.
(س) وَفِي حَدِيثِ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ «أَنَّهُ أَقْطَعه حَيْثُ يَصْلُح لِلزَّرْعِ مِنْ قُدْس، وَلَمْ يُعْطه حقَّ مُسْلِم» هُوَ بِضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ الدَّالِ: جَبَلٌ مَعْرُوفٌ.
وَقِيلَ: هُوَ الْمَوْضِعُ المُرْتَفِع الَّذِي يَصْلح لِلزِّرَاعَةِ.
وَفِي كِتَابِ الأمْكِنة «أَنَّهُ قَرِيسٌ» قِيلَ: قَرِيسٌ وقَرْس: جَبَلَانِ قُرب الْمَدِينَةِ، وَالْمَشْهُورُ المَرْوِيُّ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ.
وَأَمَّا «قَدَس» بِفَتْحِ الْقَافِ وَالدَّالِ. فموضع بالشام من فتوح شُرَحْبيل بن حَسَنة.
(قَدَعَ)
(هـ) فِيهِ «فتَتَقَادَع [بِهِمْ] «1» جَنَبَتَا الصِّراط تَقَادُعَ الفَراشِ فِي النَّارِ» أَيْ تُسْقِطهم فِيهَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ. وتَقَادَع الْقَوْمُ: إِذَا مَاتَ بعضُهم إثْرَ بَعْضٍ. وَأَصْلُ القَدْع:
الكَفُّ والمنْع.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي ذَرّ «فذهَبت أُقَبِّل بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فقَدَعَني بَعْضُ أَصْحَابِهِ» أَيْ كَفَّني.
يُقَالُ: قَدَعْتُه وأَقْدَعْتُه قَدْعا وإِقداعا.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ زَوَاجِهِ بِخَدِيجَةَ «قَالَ ورَقة بْنُ نَوْفَلٍ: مُحَمدٌ يَخطُب خَدِيجَةَ؟ هُوَ الفَحْل لَا يُقْدَع أنْفُه» يُقَالُ: قَدَعْتُ الفحلَ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ غيرَ كَرِيمٍ، فَإِذَا أَرَادَ ركُوب النَّاقَةِ الْكَرِيمَةِ ضُرِب أنفهُ بِالرُّمْحِ أَوْ غَيْرِهِ حَتَّى يَرْتَدع ويَنْكَفّ. ويُروى بِالرَّاءِ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فإنْ شَاءَ اللهُ أَنْ يَقْدَعَه بِهَا قَدَعَه» .
(هـ س) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «فجعَلْت أجدُ بِي قَدَعاً مِنْ مسْألتِه» أَيْ جُبْناً وانْكِساراً وفي رواية «أجدُنِي قَدِعْت عن مسألته» .
__________
(1) تكملة من الهروي، ومما سبق في (فرش) .(4/24)
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحَسَنِ «اقدَعُوا هَذِهِ النُّفوس فَإِنَّهَا طُلَعَة» .
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحَجَّاجِ «اقْدَعوا هَذِهِ الأنْفُسَ فَإِنَّهَا أسألُ شَيْءٍ إِذَا أُعْطِيَت، وأمنعُ شَيْءٍ إِذَا سُئِلَتْ» أَيْ كُفُّوها عمَّا تَتَطلّع إِلَيْهِ مِنَ الشَّهَوَاتِ.
[هـ] وَفِيهِ «كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَر قَدِعاً» القَدَع بِالتَّحْرِيكِ: انْسِلاق الْعَيْنِ وضَعْف البَصَر مِنْ كَثْرَةِ الْبُكَاءِ، وَقَدْ، قَدِعَ فَهُوَ قَدِعٌ.
(قَدَمَ)
- فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى «المُقَدِّم» هُوَ الَّذِي يُقَدِّم الأشياءَ ويَضَعها فِي مواضِعها، فَمَنِ اسْتَحقّ التقديمَ قَدَّمه.
(هـ) وَفِي صِفَةِ النَّارِ «حَتَّى يَضَعَ الْجَبَّارُ فِيهَا قَدَمَه» أَيِ الَّذِينَ قَدَّمَهم لَهَا مِنْ شِرار خَلْقه، فَهُمْ قَدَمُ اللَّهِ لِلنَّارِ، كَمَا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدَمُه لِلْجَنَّةِ.
والقَدَم: كلُّ مَا قدّمْتَ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ. وتَقَدَّمَتْ لفُلان فِيهِ قَدَمٌ: أَيْ تَقَدُّم فِي خَيْرٍ وشرٍّ.
وَقِيلَ: وضْع القَدم عَلَى الشَّيْءِ مَثَل للرَّدْع والقَمْع، فَكَأَنَّهُ قَالَ: يَأْتِيهَا أمرُ اللَّهِ فَيكُفّها مِنْ طلَب المَزيد.
وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ تَسْكِينَ فَوْرتها، كَمَا يُقَالُ لِلْأَمْرِ تُريد إِبْطَالَهُ: وضَعْته تَحْتَ قَدَمِي.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «ألاَ إِنَّ كلَّ دَمٍ ومَأثُرةٍ تَحْتَ قَدَمَيَّ هاتَين» أَرَادَ إخْفاءَها، وإعْدامها، وإذْلال أمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، ونَقْضَ سُنَّتها.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «ثلاثةٌ فِي المَنْسَي تَحْتَ قَدَم الرَّحْمَنِ» أَيْ أَنَّهُمْ مَنْسِيُّون، مَتْروكون، غيرُ مَذْكورِين بِخَيْرٍ.
(هـ) وَفِي أَسْمَائِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «أَنَا الحاشِرُ الَّذِي يُحْشَر الناسُ عَلَى قَدَمِي» أَيْ عَلَى أثَرِي.
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «إنَّا عَلَى مَنازِلِنا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وقِسْمة رَسُولِهِ، والرجُلُ وقَدَمُه، والرجُلُ وبَلاؤه» أَيْ فِعاله وتَقَدُّمه فِي الْإِسْلَامِ وسَبْقه.
وَفِي حَدِيثِ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ «كَانَ قَدْرُ صَلَاتِهِ الظُّهرَ فِي الصَّيْفِ ثَلَاثَةَ أَقْدام إلى خمسة(4/25)
أَقْدام» أَقْدام الظَّل الَّتِي تُعْرَف بِهَا أَوْقَاتُ الصَّلَاةِ هِيَ قَدَم كُلِّ إِنْسَانٍ عَلَى قَدْر قامَتِه، وَهَذَا أمرٌ مُخْتلِف باخْتلاف الْأَقَالِيمِ وَالْبِلَادِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ طُول الظِل وقِصَره هُوَ انحِطاط الشمس وارتِفاعُها إلى سَمْت الرؤوس، فكلَّما كانت أعْلى، وإلى مُحاذاة الرؤوس فِي مَجْراها أقْرَب، كَانَ الظِل أقْصر، وينعكِس الأمرْ بِالْعَكْسِ، وَلِذَلِكَ تَرَى ظِلّ الشِتاء فِي الْبِلَادِ الشماليَّة أَبَدًا أطْول مِنْ ظِل الصَّيْفِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْهَا، وَكَانَتْ صَلَاتُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ مِنَ الْإِقْلِيمِ الثَّانِي. ويُذْكر أَنَّ الظِل فِيهِمَا عِنْدَ الاعْتِدال فِي آذارَ وأيْلُول ثَلَاثَةُ أَقْدام وَبَعْضُ قَدَم، فيشْبِه أَنْ تَكُونَ صَلَاتُهُ إِذَا اشتدَّ الْحَرُّ مُتَأخِّرة عَنِ الوقْت الْمَعْهُودِ قبلَه إِلَى أَنْ يَصِير الظِلُّ خَمْسَةَ أَقْدَام، أَوْ خَمْسَةً وَشَيْئًا، وَيَكُونُ فِي الشِّتَاءِ أوّلَ الْوَقْتِ خمسةَ أَقْدام، وآخِرُه سَبْعَةً، أَوْ سَبْعَةً وَشَيْئًا، فيُنَزَّل هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فِي ذَلِكَ الْإِقْلِيمِ دُونَ سَائِرِ الْأَقَالِيمِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «غَيْرُ نَكِلٍ فِي قَدَمٍ وَلَا واهِناً فِي عَزْم «1» » أَيْ فِي تَقَدُّم.
وَيُقَالُ: رجُلٌ قَدَمٌ إِذَا كَانَ شُجَاعًا. وَقَدْ يَكُونُ القَدَم بِمَعْنَى التقدُّم.
(س) وَفِي حَدِيثِ بَدْرٍ «أَقْدِم حَيْزُومُ» هُوَ أمرٌ بالإِقْدام. وَهُوَ التقدُّم فِي الحرْب. والإِقْدام: الشَّجَاعَةُ. وَقَدْ تُكْسر هَمْزَةُ: «إقْدَم» ، وَيَكُونُ أمْراً بالتقدُّم لَا غَير. وَالصَّحِيحُ الْفَتْحُ، مِنْ أقْدَم.
(س) وَفِيهِ «طُوبَى لعبْدٍ مُغْبَرٍّ قُدُمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» رجُلٌ قُدُمٌ بِضَمَّتَيْنِ: أَيْ شُجَاعٌ.
ومَضَى قُدُماً إِذَا لَمْ يُعَرِّج.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ شَيْبة بْنِ عُثْمَانَ «فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُدْماً، هَا» أَيْ تَقَدَّموا وَ «هَا» تَنْبيه، يُحَرِّضُهم عَلَى الْقِتَالِ.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «نَظَر قُدُماً أمامَه» أي لم يُعَرِّج وَلَمْ يَنْثَن. وَقَدْ تُسَكّن الدَّالُ. يُقَالُ: قَدَمَ بِالْفَتْحِ يَقْدُم قُدْماً: أَيْ تَقَدَّم.
(س) وَفِيهِ «أنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ سَلَّم عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلّي فَلَمْ يَرُدّ عَلَيْهِ، قَالَ: فَأَخَذَنِي مَا قَدُم
__________
(1) رواية الهروي: «لغير نَكَلٍ في قَدَم، ولا وَهْيٍ في عَزْم» . وقال ابن الأثير في مادة (وها) : ويروى «ولا وَهْيٍ في عَزْم» .(4/26)
وَمَا حَدُث» أَيِ الحُزْن وَالْكَآبَةُ، يُرِيد أَنَّهُ عاوَدَتْه أحزانُه الْقَدِيمَةُ واتَّصَلت بِالْحَدِيثَةِ.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ غَلب عليَّ التفكُّرُ فِي أحْوالي الْقَدِيمَةِ والحَديثة. أيُّها كَانَ سَبَبًا لتَرك رَدِّه السَّلَامَ عَلَيَّ.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ ابْنَ أَبِي الْعَاصِ مَشى القُدَمِيَّة» وَفِي رِوَايَةٍ «اليقْدُمِيَّة «1» » وَالَّذِي جَاءَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ «القُدَمِيَّة» وَمَعْنَاهَا أَنَّهُ تَقَدَّم فِي الشّرَف والفضْل عَلَى أَصْحَابِهِ.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ التَّبَخْتر، وَلَمْ يُرد المَشْي بِعَيْنِهِ.
وَالَّذِي جَاءَ فِي كُتب الْغَرِيبِ «اليقْدُمِيَّة» [والتَّقْدُمِيَّة «2» ] بِالْيَاءِ وَالتَّاءِ فَهُمَا زَائِدَتَانِ، ومعناهُما التَّقَدُّمُ.
وَرَوَاهُ الْأَزْهَرِيُّ بِالْيَاءِ الْمُعْجَمَةِ مِنْ تَحْتُ، وَالْجَوْهَرِيُّ «3» بِالْمُعْجَمَةِ مِنْ فَوْق.
وَقِيلَ: إنَّ اليَقْدُمِيَّة بِالْيَاءِ مِنْ تَحْتُ هُوَ التقدُّم بهِمَّتِه وَأَفْعَالِهِ.
(س) وَفِي كِتَابِ مُعَاوِيَةَ إِلَى مَلِكِ الرُّومِ «لأكوننَّ مُقَدِّمَتَه إِلَيْكَ» أَيِ الْجَمَاعَةَ الَّتِي تَتقدّم الْجَيْشَ، مِنْ قَدَّم بِمَعْنَى تَقَدَّم، وَقَدِ اسْتُعيرت لِكُلِّ شَيْءٍ، فَقِيلَ: مُقَدِّمة الْكِتَابِ، ومُقَدِّمة الْكَلَامِ بِكَسْرِ الدَّالِ، وَقَدْ تُفْتح.
وَفِيهِ «حَتَّى إِنَّ ذِفْراها لتَكاد تُصيب قادِمَةَ الرَّحْل» هِيَ الْخَشَبَةُ الَّتِي فِي مُقَدِّمة كُور الْبَعِيرِ بِمَنْزِلَةِ قَرَبُوس السَّرج. وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرها فِي الْحَدِيثِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «قَالَ لَهُ أَبَانُ بْنُ سَعِيدٍ: تَدَلَّى مِنْ قَدُوم ضَأْنٍ» قِيلَ: هِيَ ثَنِيَّة أَوْ جَبلٌ بالسَّراة مِنْ أَرْضِ دَوْس.
وَقِيلَ: القَدوم: مَا تَقَدَّمَ مِنَ الشَّاةِ، وَهُوَ رأسُها، وَإِنَّمَا أَرَادَ احْتِقارَه وصِغَر قَدْرِه.
(س) وَفِيهِ «إِنَّ زَوْج فُرِيعة قُتِل بطَرَف القَدوم» هُوَ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ: مَوْضِعٌ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اخْتَتَن بالقَدوم» قِيلَ: هِيَ قَرْيَةٌ بِالشَّامِ. ويُروَى بِغَيْرِ أَلِفٍ وَلَامٍ. وَقِيلَ: القَدوم بالتخفيف والتشديد: قَدُوم النَّجَّار.
__________
(1) في الأصل: «التقدمية» والمثبت من ا، واللسان، والهروي.
(2) تكملة من اللسان، نقلاً عن ابن الأثير.
(3) وحكى عن سيبويه أن التاء زائدة.(4/27)
وَفِي حَدِيثِ الطُّفَيْلِ بْنِ عَمْرٍو:
ففِينا الشِعْرُ والمُلْكُ القُدَامُ
أَيِ الْقَدِيمُ، مثْل طَويل وطُوال.
بَابُ الْقَافِ مَعَ الذَّالِ
(قَذَذَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ الْخَوَارِجِ «فيَنْظُر فِي قُذَذِه فَلَا يَرَى شَيْئًا» القُذَذ: رِيشُ السَّهم، واحِدتُها: قُذَّة.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قبلَكم حَذْوَ القُذَّة بالقُذَّة» أَيْ كَمَا تُقَدَّر كلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى قَدْر صاحِبتها وتُقْطَع. يُضرب مَثَلًا للشَّيئين يَسْتويان وَلَا يَتَفَاوَتَانِ.
وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرها فِي الْحَدِيثِ مُفْرَدة وَمَجْمُوعَةً.
(قَذُرَ)
(س) فِيهِ «ويَبْقى فِي الْأَرْضِ شِرارُ أَهْلِهَا تَلْفِظُهم أرَضُوهُم وتَقْذَرُهم نَفْسُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» أَيْ يَكْره خروجَهم إِلَى الشَّامِ ومَقامَهم بِهَا، فَلَا يُوَفِّقهم لِذَلِكَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
«كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ» يُقَالُ: قَذِرْت الشَّيْءَ أَقْذَرُه إِذَا كَرِهْتَه واجْتَنَبْته.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فِي الدَّجاج «رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ شَيْئًا فَقَذِرْته» أَيْ كَرِهْتُ أَكْلَهُ، كَأَنَّهُ رَآهُ يَأْكُلُ القَذَر.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ قَاذُورةً لَا يَأْكُلُ الدَّجَاجَ حَتَّى يُعْلَفَ» القَاذُورة: هَاهُنَا الَّذِي يَقْذَر الْأَشْيَاءَ، وَأَرَادَ بعَلَفها أَنْ تُطْعَم الشَّيْءَ الطَّاهِرَ. وَالْهَاءُ فِيهَا للمبالَغة.
(هـ) وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «اجْتَنبوا هَذِهِ القَاذُورة الَّتِي نَهَى اللَّهُ عَنْهَا» القاذُورة هاهنا:
الفعل القبيح والقول السيّىء.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فَمَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ القاذُورة شَيْئًا فليَسْتَتِر بسِتْر اللَّهِ» أَرَادَ بِهِ مَا فِيهِ حَدّ كَالزِّنَا والشُّرْب. والقاذُورة مِنَ الرِّجَالِ: الَّذِي لَا يُبالي مَا قَالَ وَمَا صَنَع.(4/28)
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «هَلَك المُتَقَذِّرُون» يَعْنِي الَّذِينَ يَأْتُونَ الْقَاذُورَاتِ «1» (س) وَفِي حَدِيثِ كَعْبٍ «قَالَ اللَّهُ لِرُومِيَّة: إِنِّي أُقسِم بعِزَّتي لأَهَبَنّ سَبْيَك لبَنِي قاذِر» أَيْ بَني إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، يُرِيدُ العَربَ. وقاذِر: اسْمُ ابْنِ إِسْمَاعِيلَ. وَيُقَالُ لَهُ: قَيْذَر وقَيْذار.
(قَذَعَ)
- فِيهِ «مَن قَالَ فِي الْإِسْلَامِ شِعْراً مُقْذِعا فلِسانه هَدَرٌ» هُوَ الَّذِي فِيهِ قَذَع، وَهُوَ الفُحْش مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي يَقْبُح ذِكْرُهُ، يُقَالُ: أَقْذَع لَهُ إِذَا أفْحَش فِي شَتْمه.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «مَن رَوَى هِجَاءً مُقْذِعا فَهُوَ أَحَدُ الشاتمْين» أَيْ إِنَّ إِثْمَهُ كَإِثْمِ قَائِلِهِ الْأَوَّلِ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحَسَنِ «أَنَّهُ سُئل عَنِ الرجُل يُعْطى غَيْرَهُ الزَّكَاةَ أيُخْبِرُه بِهِ؟ فَقَالَ:
يُرِيدُ أَنْ يُقْذِعَه بِهِ» أَيْ يُسْمِعه مَا يَشُقُّ عَلَيْهِ، فسَمَّاه قَذَعاً، وأجْراه مُجْرى مَن يَشْتِمه ويُؤذيه، فَلِذَلِكَ عَدَّاهُ بِغَيْرِ لَامٍ.
(قَذَفَ)
- فِيهِ «إِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِف فِي قُلُوبِكُمَا شرَّاً» أَيْ يُلْقِى ويُوقِع. والقَذْف.
الرَّمْيُ بقُوّة.
وَفِي حَدِيثِ الْهِجْرَةِ «فَيَتَقَذَّف عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ» . وَفِي رِوَايَةٍ «فتَنْقَذِف» .
وَالْمَعْرُوفُ «فَتَتَقَصَّف» .
وَفِي حَدِيثِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ «أَنَّهُ قَذَف امْرَأَتَهُ بشَرِيك» القَذْف هَاهُنَا: رَمْيُ الْمَرْأَةِ بِالزِّنَا، أَوْ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ. وَأَصْلُهُ الرَّمْي، ثُمَّ استُعْمِل فِي هَذَا الْمَعْنَى حَتَّى غَلَب عَلَيْهِ. يُقَالُ: قَذَف يَقْذِف قَذْفاً فَهُوَ قاذِف. وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُهُ فِي الْحَدِيثِ بِهَذَا الْمَعْنَى.
وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «وَعِنْدَهَا قَيْنتَان تُغَنِّيان بِمَا تَقَاذَفَت بِهِ الْأَنْصَارُ يومَ بُعاث» أَيْ تَشاتَمَت فِي أَشْعَارِهَا الَّتِي قالتْها في تلك الحَرْب.
__________
(1) قال السيوطي في الدر النثير: وفي «الحيلة» عن وَكِيع أنهم الذين يهريقون المَرَق إذا وقع فيه الذُّباب.(4/29)
(هـ) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «1» «كَانَ لَا يُصَلِّي فِي مَسْجِدٍ فِيهِ قِذَاف» القِذاف: جَمْعُ قُذْفة، وَهِيَ الشُّرْفة، كَبُرْمَة وبِرام، وبُرْقَة وبِراق.
وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: إِنَّمَا هِيَ «قُذَف» ، وَاحِدَتُهَا: قُذْفة، وَهِيَ الشُّرَف. وَالْأَوَّلُ الوجْه، لِصِحَّة الرِّوَايَةِ ووجُود النَّظير.
(قَذَا)
(هـ) فِيهِ «هُدْنةٌ عَلَى دَخَنٍ، وجَماعةٌ عَلَى أَقْذاء» الأَقْذَاء: جَمع قَذًى، والقَذَى:
جَمْع قَذاة، وَهُوَ مَا يَقَع فِي الْعَيْنِ وَالْمَاءِ والشَّراب مِنْ تُراب أَوْ تِبْن «2» أَوْ وَسَخ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، أَرَادَ اجْتماعَهم يَكُونُ عَلَى فَسَادٍ «3» فِي قُلُوبِهِمْ، فشَبَّهه بقَذَى الْعَيْنِ وَالْمَاءِ والشَّراب.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «يُبْصِر أَحَدُكُمُ القَذَى فِي عَيْنِ أَخِيهِ ويَعْمَى عَنِ الجِذْع فِي عَيْنِهِ» ضَرَبَه مَثَلًا لِمَنْ يَرى الصَّغِيرَ مِنْ عُيوب النَّاسِ ويُعَيِّرهم بِهِ، وَفِيهِ مِنَ العُيوب مَا نِسبَتُه إِلَيْهِ كنسْبة الجِذْع إِلَى القَذاة. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
بَابُ الْقَافِ مَعَ الرَّاءِ
(قَرَأَ)
- قَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذِكر «القِراءة، والاقْتراء، والقارِىء، والقُرآن» وَالْأَصْلُ فِي هَذِهِ اللفَّظة الجمعُ. وكلُّ شَيْءٍ جَمعْتَه فَقَدَ قَرَأْتَه. وسُمِّيَ القُرآن قُرْآناً لِأَنَّهُ جَمع القِصَص، والأمْر وَالنَّهْيَ، والوْعد وَالْوَعِيدَ، والآياتِ والسُّوَر بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ، وَهُوَ مَصْدَرٌ كالغُفْران والكُفْران.
وَقَدْ يُطْلق عَلَى الصَّلَاةِ لأنَّ فِيهَا قِراءة، تَسْمِيةً لِلشَّيْءِ بِبَعْضِهِ، وَعَلَى القِراءة نفْسِها، يُقَالُ:
قَرَأَ يَقْرَأُ قِراءة وقُرْآناً. وَالِاقْتِرَاءُ: افْتِعال مِنَ القِراءة، وَقَدْ تُحْذَفُ الْهَمْزَةُ مِنْهُ تخفيفا، فيقال: قُران،
__________
(1) الذي في اللسان: «قال أبو عبيد: في الحديث أن عمر رضي الله عنه كان لا يصلي في مسجد فيه قُذُفات. هكذا يحدِّثونه. قال ابن بَرِّي: قُذُفات صحيح، لأنه جمع سلامة، كغُرْفة، وغُرُفات. وجمع التكسير قُذَف، كغُرَف. وكلاهما قد رُوي» . ثم حكى ابن منظور بعد ذلك رواية ابن الأثير.
(2) في ا: «أو طين» .
(3) في ا: «يكون فساداً في قلوبهم» . وفي اللسان: يكون على فساد من قلوبهم» وأثبت ما فى الأصل.(4/30)
وقَرَيْتُ، وقارٍ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ التّصْريف.
(س) وَفِيهِ «أكثرُ مُنَافِقِي أمَّتي قُرّاؤها» أَيْ أَنَّهُمْ يَحْفَظون القُرآن نَفْياً للتُّهمة عَنْ أنفُسهم، وَهُمْ معْتَقدون تَضْييعَه. وَكَانَ الْمُنَافِقُونَ فِي عَصْر النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ.
وَفِي حَدِيثِ أُبَيٍّ فِي ذِكْر سُورَةِ الْأَحْزَابِ «إِنْ كَانَتْ لَتُقَارِي سُورَةَ الْبَقَرَةِ أَوْ هِيَ أطْول» أَيْ تُجَارِيهَا مَدَى طُولها فِي القِراءة، أَوْ أنَّ قَارئها لَيُساوِي قارىء سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي زَمَن قِراءتها، وَهِيَ مُفاعَلة مِنَ القِراءة.
قَالَ الخطَّابي: هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ هِشَامٍ. وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ «إِنْ كَانَتْ لتُوَازِي» .
[هـ] وَفِيهِ «أَقرؤكم أُبيّ» قِيلَ أَرَادَ مِنْ جَمَاعَةٍ مَخْصُوصِينَ، أَوْ فِي وقْت مِنَ الْأَوْقَاتِ، فَإِنَّ غيْره كَانَ أَقْرَأَ مِنْهُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَكْثَرَهُمْ قِراءة.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عامَّاً وَأَنَّهُ أَقْرَأُ الصَّحَابَةِ: أَيْ أتْقَنُ للقُرآن وأحْفَظ «1» .
(س) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ كَانَ لَا يَقْرأ فِي الظُّهر والعَصْر» ثُمَّ قَالَ في آخره «وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا» مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَجْهَر بِالْقِرَاءَةِ فِيهِمَا أَوْ لَا يُسْمع نفْسَه قِرَاءَتَهُ، كَأَنَّهُ رَأَى قَوماً يَقرأون فيُسمِعون أَنْفُسَهُمْ وَمَنْ قَرُب مِنْهُمْ.
وَمَعْنَى قَوْلِهِ «وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا» يُرِيدُ أَنَّ الْقِرَاءَةَ الَّتِي تَجْهَر بِهَا أَوْ تُسْمعُها نَفْسَكَ يكتُبها الْمَلَكَانِ، وَإِذَا قَرَأْتَهَا فِي نفِسك لَمْ يكْتُباها، وَاللَّهُ يحفظُها لَكَ وَلَا ينْساها لِيُجازِيَك عَلَيْهَا وَفِيهِ «إِنَّ الربَّ عزَّ وجلَّ يُقْرِئك السلام» يقال: أَقْرِىء فُلانا السَّلَامَ واقْرَأْ عَلَيْهِ السَّلَامَ، كَأَنَّهُ حِينَ يُبَلِّغه سَلَامَهُ يَحْمِله عَلَى أَنْ يَقْرَأ السَّلَامَ ويَرُدّه، وَإِذَا قَرَأَ الرَّجُلُ القُرآن أَوِ الْحَدِيثَ عَلَى الشَّيْخِ يَقُولُ: أَقْرَأَنِي فُلَانٌ: أَيْ حَمَلني عَلَى أَنْ أَقْرأ عَلَيْهِ. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(هـ) وَفِي إِسْلَامِ أَبِي ذَرّ «لَقَدْ وضَعْتُ قولَه عَلَى أَقْرَاء الشِعْر فَلَا يِلْتَئِم على لِسان أحد»
__________
(1) قال الهروي: «ويجوز أن يحمل «أقرأ» على قارىء، والتقدير: قارىء من أمتي أبيٌّ، قال اللغويون: الله أكبر، بمعنى كبير» .(4/31)
أَيْ عَلَى طُرُق الشِعْر وَأَنْوَاعِهِ وبُحوره، واحِدها: قَرْءٌ، بِالْفَتْحِ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَغَيْرُهُ: أَقْرَاء الشِعر: قَوافيه الَّتِي يُخْتم بِهَا، كأَقْراء الطُّهْر الَّتِي يَنْقطع عِنْدَهَا، الْوَاحِدُ قَرْءٌ، وقُرْءٌ، وقَرِيّ «1» ؛ لِأَنَّهَا مَقَاطِعُ الْأَبْيَاتِ وحُدُودُها.
[هـ] وَفِيهِ «دَعِي الصلاةَ أَيَامَ أَقْرَائك» قَدْ تَكَرَّرَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ فِي الْحَدِيثِ مُفْرَدةً وَمَجْمُوعَةً، والمُفْرَدة بِفَتْحِ الْقَافِ، وَتُجَمَعُ عَلَى أَقْراء وقُرُوء، وَهُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ يَقَعُ عَلَى الطُّهر، وَإِلَيْهِ ذَهب الشَّافِعِيُّ وَأَهْلُ الْحِجَازِ، وَعَلَى الحَيْض، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وأهلُ الْعِرَاقِ.
وَالْأَصْلُ فِي القَرْء الْوَقْتُ الْمَعْلُومُ، فَلِذَلِكَ وَقَعَ عَلَى الضِّدَّيْنِ؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وقْتاً، وأَقْرَأَتِ المرأةُ إِذَا طَهُرت وَإِذَا حَاضَتْ. وَهَذَا الْحَدِيثُ أَرَادَ بالأَقْراء فِيهِ الحِيَضَ؛ لِأَنَّهُ أمَرها فِيهِ بتَرْك الصَّلَاةِ.
(قَرُبَ)
- فِيهِ «مَن تَقَرَّب إِلَيَّ شِبْراً تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِراعاً» الْمُرَادُ بقُرْب الْعَبْدِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى القُرْب بالذِكْر وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، لَا قُرْبُ الذَّاتِ وَالْمَكَانِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الْأَجْسَامِ.
واللَّه يَتَعالى عَنْ ذَلِكَ ويَتَقدّس.
وَالْمُرَادُ بقُرْب اللَّهِ مِنَ العَبْد قُرْبُ نِعَمِه وألْطافِه مِنْهُ، وبِرّه وإحْسانه إِلَيْهِ، وتَرادُف مِنَنه عِنْدَهُ، وفَيْض مَواهِبه عَلَيْهِ.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «صِفة هَذِهِ الأمَّة فِي التَّوْراة قُرْبانُهم دِمَاؤُهُمْ» القُرْبان: مَصْدَرٌ مِن قَرُبَ يَقْرُب: أَيْ يَتَقَرَّبون إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِإِرَاقَةِ دِمائهم فِي الجِهاد، وَكَانَ قُرْبانُ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ ذَبْح البَقَر وَالْغَنَمِ والإبِل.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «الصلاةُ قُرْبانُ كلِّ تَقِيّ» أَيْ أَنَّ الأتْقياء مِنَ النَّاسِ يَتَقَرَّبون بِهَا إِلَى اللَّهِ، أَيْ يَطْلُبُونَ القُرْبَ مِنْهُ بِهَا.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْجُمُعَةِ «مَن راحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى فكانَّما قرَّب بَدَنَة» أَيْ كَأَنَّمَا أهْدى ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا يُهْدى القُرْبانُ إلى بَيْت الله الحرام.
__________
(1) انظر الفائق 1/ 519. وقال في الأساس: «ويقال للقصيدتين: هما على قَرِيٍّ واحد، وعلى قَرْوٍ واحد، وهو الروىّ» .(4/32)
(هـ) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «إنْ كُنَّا لَنَلْتَقِي فِي الْيَوْمِ مِراراً يَسْأَلُ بعضُنا بَعْضًا، وَإِنْ نَقْرُب بِذَلِكَ إِلَّا أَنْ نَحْمَد اللَّهَ تَعَالَى» قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: أَيْ مَا نَطْلُب بِذَلِكَ إلاَّ حَمْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: نَقْرُب: أَيْ نَطْلب. وَالْأَصْلُ فِيهِ طَلَبُ الْمَاءِ.
وَمِنْهُ «لَيْلَةُ القَرَب» وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يُصْبِحون مِنْهَا «1» عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ اتُّسِع فِيهِ فَقِيلَ:
فُلانٌ يَقْرُب حاجَته: أَيْ يطْلُبها، وَإِنَّ الْأُولَى هِيَ المُخَفَّفة مِنَ الثَّقِيلَةِ، وَالثَّانِيَةُ نَافِيَةٌ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «قَالَ لَهُ رجُل: مَا لِي هارِبٌ وَلَا قارِبٌ» القارِب: الَّذِي يَطْلُب الْمَاءَ.
أَرَادَ لَيْسَ لِي شَيْءٌ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «وَمَا كُنْتُ إلاَّ كقارِب وَرَد، وطالِبٍ وَجَد» .
وَفِيهِ «إِذَا تَقَارَب الزَّمَانُ» وَفِي رِوَايَةٍ «اقْتَرب الزَّمَانُ لَمْ تَكَد رُؤْيا المؤمِن تَكْذِب» أَرَادَ اقْتِراب السَّاعَةِ. وَقِيلَ: اعْتِدال اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَتَكُونُ الرُّؤْيَا فِيهِ صَحِيحَةً لِاعْتِدَالِ الزَّمَانِ.
واقْتَرَب: افْتَعل، مِنَ القُرْب. وتَقَارَب: تفاعَل مِنْهُ. وَيُقَالُ لِلشَّيْءِ إِذَا وَلَّى وأدْبَر: تَقَارَب.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ الْمَهْدِيِّ «يَتَقارَب الزَّمَانُ حَتَّى تَكُونَ السَّنَة كالشَّهر» أَرَادَ: يَطِيب الزَّمَانُ حَتَّى لَا يُسْتطال، وَأَيَّامُ السُّرور وَالْعَافِيَةِ قَصِيرة.
وَقِيلَ: هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ قِصَر الأعْمار وقِلّة الْبَرَكَةِ.
(هـ) وَفِيهِ «سَدِّدُوا وقَارِبوا» أَيِ اقْتَصِدوا فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا، واتْرُكوا الغُلُوَّ فِيهَا والتَّقْصير. يُقَالُ: قارَب فُلانٌ فِي أُمُورِهِ إِذَا اقْتَصد. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّهُ سلَّم عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَلَمْ يَرُدّ عَلَيْهِ، قَالَ: فأخَذني مَا قَرُب وَمَا بَعُد» يُقَالُ للرجُل إِذَا أقْلقَه الشَّيْءُ وأزعَجه: أخَذه مَا قَرُب وَمَا بَعُد، وَمَا قَدُم وَمَا حَدُث، كَأَنَّهُ يُفكِّر ويَهْتَم فِي بَعِيدِ أُمُورِهِ وقَرِيبها. يَعْنِي أيُّها كَانَ سَبَبًا فِي الامْتناع مِنْ رَدّ السَّلَامِ.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «لأُقَرِّبَنَّ بِكُمْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» أَيْ لَآتِيَنَّكُمْ بِمَا يُشْبِهِهُا ويَقْرُب منها.
__________
(1) في الأصل: «فيها» والمثبت من اواللسان.(4/33)
وَمِنْهُ حَدِيثُهُ الْآخَرُ «إِنِّي لأَقْرَبُكُم شَبَهًا بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَفِيهِ «مَنْ غَيَّرَ المَطْرَبَةَ والمَقْرَبَةَ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ» المَقْرَبة: طَرِيقٌ صَغِيرٌ يَنْفُذ إِلَى طَرِيقٍ كَبِيرٍ، وجَمْعُها: المُقَارِب. وَقِيلَ: هُوَ مِن القَرَب، وَهُوَ السَّير بِاللَّيْلِ. وَقِيلَ السَّير إِلَى الْمَاءِ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «ثَلَاثٌ لَعِينَاتٌ: رجُل عَوَّرّ «1» طرِيقَ المَقْرَبة» .
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «مَا هَذِهِ الْإِبِلُ المُقْرِبة» هَكَذَا رُوِي بِكَسْرِ الرَّاءِ. وَقِيلَ: هِيَ بِالْفَتْحِ وَهِيَ الَّتِي حُزِمَت لِلرِّكُوبِ. وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي عَلَيْهَا رِحال مُقْرَبة بالأدَم، وَهُوَ مِنْ مَراكب الْمُلُوكِ، وأصلهُ مِنَ القِراب.
(هـ) وَفِي كِتَابِهِ لِوَائِلِ بْنِ حُجْر «لِكُلِّ عَشَرَةٍ مِنَ السَّرايا مَا يَحْمِل القِرَابُ مِنَ التَّمْر» هُوَ شِبْه الجِراب يَطْرح فِيهِ الرَّاكِبُ سَيْفه بِغمده وسَوْطَه، وَقَدْ يَطْرح فِيهِ زَادَهُ مِنْ تَمْر وَغَيْرِهِ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الرِّوَايَةُ بِالْبَاءِ هَكَذَا، وَلَا مَوْضِعَ لَهَا هَاهُنَا، وأراهُ «القِراف» جَمْع قَرْف، وَهِيَ أوْعِيَة مِنْ جُلود يُحْمَل فِيهَا الزَّادُ للسَّفَر، وتُجْمع عَلَى: قُروف، أَيْضًا.
(هـ) وَفِيهِ «إنْ لَقِيتَني بقُراب «2» الْأَرْضِ خَطِيئة» أَيْ بِمَا يُقارِب مَلأْها، وَهُوَ مَصْدَرُ:
قَارَب يُقارِب.
(س) وَفِيهِ «اتَّقُوا قُرَابَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ ينْظُر بِنُورِ اللَّهِ» ورُوِي «قُرابة الْمُؤْمِنِ» يَعْنِي فِراسَتَه وظَنَّه الذي هو قَريب من العلم والتَّحَقُّق؛ لصِدْق حَدْسِه وإصابتِه. يُقَالُ: مَا هُوَ بعالِم وَلَا قُرَاب عالِم، وَلَا قُرابة عالِم، وَلَا قَريب عَالِمٍ.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ المولِد «فخَرج عَبْدُ اللَّهِ أَبُو النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ مُتَقَرِّباً مُتَخَصَّراً بالبَطْحاء» أَيْ واضِعاً يَدَه عَلَى قُرْبِه: أَيْ خاصِرتَه.
وَقِيلَ: هو الموضع الرَّقيق أسفل من السُّرّة.
__________
(1) في الأصل، واللسان وشرح القاموس: «غوّر» بالغين المعجمة. وأثبته بالعين المهملة من اواستنادا إلى تصحيحات الأستاذ عبد السلام هارون للسان العرب. قال: «والطريق لا يغوَّر، وإنما يعوَّر، أي تُفْسَد أعلامه ومَناره. ومنه قولهم: «طريقٌ أعورُ» أي لا عَلَمَ فيه. وقد جاء على هذا الصواب في تهذيب الأزهري، مادة (قرب) » .
(2) قال في القاموس: «وِقابُ الشيء بالكسر، وقُرَابُه، وقُرابتُه بضمهما: ما قارب قدره» .(4/34)
وَقِيلَ: مُتَقَرِّباً، أَيْ مُسْرِعاً عجِلاً، ويُجْمَع عَلَى أَقْراب.
وَمِنْهُ قَصِيدِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ:
يُمْشِى القُرادُ عَلَيْهَا ثُمَّ يُزْلِقُه ... عَنْهَا «1» لَبانٌ وأَقرابٌ زَهاليلُ
وَفِي حَدِيثِ الْهِجْرَةِ «أتيْت فَرسي فركِبْتها فَرَفَعْتُهَا تُقَرِّب بِي» قَرَّبَ تَقْرِيبا إِذَا عَدَا عدْواً دُونَ الإسْراع، وَلَهُ تَقْرِيبان، أدْنى وأعْلَى.
(س) وَفِي حَدِيثِ الدَّجَّالِ «فَجَلَسُوا فِي أَقْرُب السَّفينة» هِيَ سُفُنٌ صِغار تَكُونُ مَعَ السُّفُنِ الْكِبِارِ البَحْرِيَّة كَالْجَنَائِبِ لَهَا، واحِدها: قارِب، وجَمْعُها: قَوَارِب، فأمَّا أَقْرُب فَغْير مَعْرُوفٍ فِي جَمْعِ قارِب، إلاَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ.
وَقِيلَ: أَقْرُب السَّفِينَةِ: أَدَانِيهَا، أَيْ مَا قَارَب إِلَى الْأَرْضِ مِنْهَا.
(س) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «إلاَّ حامَى عَلَى قَرابَتِه» أَيْ أَقَارِبه. سُمُّوا بِالْمَصْدَرِ، كالصَّحابة.
(قَرْثَعُ)
(س) فِي صِفَةِ الْمَرْأَةِ الناشِز «هِيَ كالقَرْثَع» القَرْثَع مِنَ النِّسَاءِ: البَلْهاء.
وسُئل أعْرابي عَنِ القَرْثَع فَقَالَ: هِيَ الَّتِي تُكَحِّل إحْدَى عيْنَيْها وتَتْرك الْأُخْرَى، وتَلْبَس قميصَها مَقْلوباً.
(قرح)
- في حديث أُحُد «بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ»
هُوَ بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ: الْجُرح، وَقِيلَ: هُوَ بِالضَّمِّ: الِاسْمُ، وَبِالْفَتْحِ: الْمَصْدَرُ، أَرَادَ مَا نَالَهُمْ مِنَ القَتْل وَالْهَزِيمَةِ يَوْمَئِذٍ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ قَدِموا الْمَدِينَةَ وَهُمْ قُرْحان» .
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «لَّما أَرَادَ دُخول الشَّامَ وَقَدْ وقَع بِهِ الطَّاعُونُ قِيلَ لَهُ: إنَّ [مَنْ] »
مَعَكَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ قُرْحان» وَفِي رِوَايَةٍ «قُرْحانون» القُرْحان بِالضَّمِّ: هُوَ الَّذِي لَمْ يَمَسّه القَرْح وَهُوَ الجُدَرِيّ، ويقَع عَلَى الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ وَالْمُؤَنَّثِ، وَبَعْضُهُمْ يُثَنَّي ويَجْمع ويُؤنث. وبَعِيرٌ قُرْحان: إِذَا لَمْ يُصِبْه الجرَب قَطّ «3» .
وَأَمَّا قُرْحَانُون، بِالْجَمْعِ، فَقَالَ الجَوهري: «هِيَ لُغَةٌ مَتْرُوكَةٌ» فَشَّبهوا السَّليم مِنَ الطَّاعُونِ والقَرْح بالقُرْحان، وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ أَصَابَهُمْ قَبْلَ ذلك داءٌ.
__________
(1) رواية شرح ديوانه ص 12: «منها» .
(2) من الهروي، والصحاح، والفائق 1/ 596. وحكى صاحب اللسان عن شَمِر، قال: «قُرحان؛ إن شئت نوَّنت، وإن شئت لم تنِّون» .
(3) في الهروي: «قال شَمِر: قُرحان؛ من الأضداد» .(4/35)
وَمِنْهُ حَدِيثُ جَابِرٍ «كُنَّا نَخْتَبِط بقِسِيِّنا ونأكُل حَتَّى قَرَحَتْ أشداقُنا» أَيْ تَجرّحت مِنْ أَكْلِ الخَبْط.
وَفِيهِ «جِلْفُ الخُبْزِ وَالْمَاءُ القَرَاح» هُوَ بِالْفَتْحِ: الْمَاءُ الَّذِي لَمْ يُخالِطْه شَيْءٌ يُطَّيب بِهِ، كالعَسل والتَّمر والزَّبيب.
(س) وَفِيهِ «خَيْر الْخَيْلِ الأَقْرَح المحَجَّل» هُوَ مَا كَانَ فِي جَبْهتَه قُرْحة، بِالضَّمِّ، وَهِيَ بَيَاضٌ يَسيرٌ فِي وَجْه الفَرس دُونَ الغُرّة، فأمَّا القارِح مِنَ الْخَيْلِ فَهُوَ الَّذِي دَخَل فِي السَّنة الْخَامِسَةِ، وجَمْعُه: قُرَّح.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «وَعَلَيْهِمُ الصالِغُ والقَارِحُ» أَيِ الفَرس القارِح.
وَفِيهِ ذُكِرَ «قُرْح» بِضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ، وَقَدْ تُحَرّك فِي الشِّعر: سُوق وادِي القُرَى، صلَّى بِهِ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبُنيَ بِهِ مَسْجِدٌ.
(قَرِدَ)
(هـ) فِيهِ «إيَّاكم والإِقْرَاد، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الإِقْرَاد؟ قَالَ: الرَّجُلُ يَكُونُ مِنْكُمْ أَمِيرًا أَوْ عامِلاً فَيَأْتِيهِ الْمِسْكِينُ والأرْمَلة فَيَقُولُ لَهُمْ: مكانَكم حَتَّى أنظُرَ فِي حَوَائِجِكُمْ، وَيَأْتِيهِ الشريفُ الغَنِيُّ فيُدنْيه وَيَقُولُ: عَجِّلوا قَضَاءَ حَاجَتِهِ، ويُتْرك الآخَرون مُقْرِدِين» يُقَالُ: أَقْرَدَ الرجُل إِذَا سَكَت ذُلاً «1» ، وَأَصْلُهُ أَنْ يَقَع الغُراب عَلَى الْبَعِيرِ فيلُقط القِرْدَان فيقَرُّ ويَسْكن لِمَا يَجِدُ مِنَ الرَّاحَةِ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ «كَانَ لَنا وَحْشٌ فَإِذَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسْعَرَنا قَفْزاً، فَإِذَا حَضَرَ مَجيئُه أَقْرَد» أَيْ سَكَن وذَلّ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «لَمْ يَر بتَقْرِيد المْحرِم البَعيرَ بَأْسًا» التَّقْرِيد: نَزْع القِرْدان مِنَ الْبَعِيرِ، وَهُوَ الطَّبُّوع الَّذِي يَلْصق بجِسْمه.
وَمِنْهُ حَدِيثُهُ الْآخَرُ «قَالَ لِعكْرِمة وَهُوَ مُحْرِم: قُمْ فقَرِّدْ هَذَا الْبَعِيرَ، فَقَالَ: إِنِّي مُحْرِم فَقَالَ: قمْ فانْحَرْهُ، فنَحَرَه، فَقَالَ: كَمْ تَرَاكَ الآن قتَلْت من قُرَادٍ وحَمْنانة» .
__________
(1) روى الهروي عن ثعلب: «يقال: أخرد الرجل: إذا سكت حياءً. وأقرد: إذا سكت ذلّا» .(4/36)
(س) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «ذُرِّي الدَّقيق وَأَنَا أَحِرُّ «1» لَكِ لئلاَّ يَتَقَرَّدَ» أَيْ لِئَلَّا يَرْكب بعضُه بَعْضًا.
(هـ) وَفِيهِ «أَنَّهُ صَلى إِلَى بعيرٍ مِنَ الْمَغْنَمِ، فَلَمَّا انْفَتَل تَنَاوَلَ قَرَدَة مِنْ وَبَر الْبَعِيرِ» أَيْ قِطْعة مِمَّا يُنْسَل مِنْهُ، وجَمْعُها: قَرَد، بِتَحْرِيكِ الرَّاءِ فِيهِمَا، وَهُوَ أرْدَأ مَا يَكُونُ مِنَ الوَبر وَالصُّوفِ وَمَا تَمَعَّطَ مِنْهُمَا.
(هـ) وَفِيهِ «لَجَأُوا إِلَى قَرْدَدٍ» هُوَ الْمَوْضِعُ المرتِفع مِنَ الْأَرْضِ، كَأَنَّهُمْ تَحَصَّنُوا بِهِ. وَيُقَالُ لِلْأَرْضِ المُسْتَوية أَيْضًا: قَرْدَدٌ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ قُسّ وَالْجَارُودِ «قَطْعت قَرْدَداً» وَفِيهِ ذِكْر «ذِي قَرَد» هُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالرَّاءِ: ماءٌ عَلَى لَيْلَتَيْنِ مِنَ الْمَدِينَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ خَيْبر.
وَمِنْهُ «غَزْوة ذِي قَرَد» وَيُقَالُ: ذُو القَرَد.
(قَرْدَحَ)
(هـ) فِي وَصِيَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حازم «قال لبينه: إِذَا أصابَتْكم خُطَّةُ ضَيْم فقَرْدِحُوا لَهَا» القَرْدَحة: القَرارُ عَلَى الضَّيْم وَالصَّبْرُ عَلَى الذُّل: أَيْ لَا تَضْطرِبوا فِيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَزيدُكم خَبالاً.
(قَرَرَ)
(هـ) فِيهِ «أَفْضَلُ الْأَيَّامِ يومُ النَّحْر ثُمَّ يَوْمُ القَرِّ» هُوَ الغَدُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، وَهُوَ حَادِيَ عَشَرَ ذِي الْحِجَّةِ، لأنَّ النَّاسَ يَقِرّون فِيهِ بِمِنًى: أَيْ يَسْكُنون ويُقِيمون.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عُثْمَانَ «أَقِرُّوا الأنْفُس حَتَّى تَزْهَق» أَيْ سَكِّنوا الذَّبائح حَتَّى تُفارِقها أرواحُها، وَلَا تُعَجِّلُوا سَلْخَهَا وَتَقْطِيعَهَا.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى «أُقِرَّت الصلاةُ بالبِّر وَالزَّكَاةِ» ورُوِي «قَرَّت» : أَيِ اسْتَقَرَّت مَعَهُمَا وقُرِنت بِهِمَا، يَعْنِي أنَّ الصَّلَاةَ مَقْرونة بالبِّر، وَهُوَ الصِّدْقُ وجِماَع الْخَيْرِ، وَأَنَّهَا مَقْرونة بِالزَّكَاةِ فِي الْقُرْآنِ، مَذْكُورَةٌ مَعَهَا.
__________
(1) في الأصل واللسان: «أُحَرِّك لك» والتصويب من: ا، ومما سبق في (حرر) 1/ 365.(4/37)
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ «قَارُّوا الصَّلَاةَ» أَيِ اسْكُنُوا فِيهَا وَلَا تَتَحَرَّكُوا وَلَا تَعْبَثُوا، وَهُوَ تفاعلُ مِنَ القَرار.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذرَ «فَلَمْ أَتَقارَّ أَنْ قُمْت» أَيْ لَمْ أَلْبَثْ، وَأَصْلُهُ: أَتَقَارَر، فأدْغَمِت الرَّاءُ فِي الرَّاءِ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ نَائِلٍ مَوْلَى عُثْمَانَ «قُلْنا لرَباح بْنِ المُعْتَرِف: غَنِّنا غِناءَ أَهْلِ القَرار» أَيْ أَهْلِ الْحَضَرِ المُسْتَقِرين فِي مَنازلهم، لَا غِناء أَهْلِ البَدْو الَّذِي لَا يَزَالُونَ مُنْتَقِلين.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ وذَكَر عَلِيًّا فَقَالَ: «عِلْمي إِلَى عِلْمه كالقَرارة فِي المثْعَنْجِر» القَرارة: المُطْمَئن مِنَ الْأَرْضِ يَسْتَقرّ فِيهِ مَاءُ المطَر، وجَمْعها: القَرارُ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ يَحْيَى بْنِ يَعْمَر «ولَحِقت طائفةٌ بقَرَارِ الأوْدِية» .
(هـ) وَفِي حَدِيثِ البُراق «أَنَّهُ اسْتصْعب ثُمَّ ارْفَضَّ وأَقَرّ» أَيْ سَكن وانْقاد.
(هـ س) وَفِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْع «لَا حَرٌّ وَلَا قُرّ» القُرُّ: البَرْد، أَرَادَتْ أَنَّهُ لَا ذُو حَرّ وَلَا ذُو بَرْدٍ، فَهُوَ مَعْتَدل. يُقَالُ: قَرَّ يَوْمُنَا يَقرُّ قُرّةً، ويومٌ قَرٌّ بِالْفَتْحِ: أَيْ بَارِدٌ، وَلَيْلَةٌ قَرَّة. وَأَرَادَتْ بالحَرّ والبَرْد الكِناية عَنِ الْأَذَى، فَالْحَرُّ عَنْ قَلِيلِهِ، وَالْبَرْدُ عَنْ كَثِيرِهِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ حُذَيْفَةَ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ «فَلَمَّا أخْبَرتُه خَبَرَ الْقَوْمِ وقَرَرْتُ قَرِرْتُ» أَيْ لَمَّا سَكَنْتُ وجَدتُ مسَّ البَرْد.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «قَالَ لِأَبِي مَسْعُودٍ البَدْري: بَلَغَني أَنَّكَ تُفتِي، وَلِّ حارَّها مَن تَولْى قارَّها» جَعَلَ الْحَرَّ كِنَايَةً عَنِ الشَّرِّ والشِدّة، والبَرْدَ كِنَايَةً عَنِ الْخَيْرِ والهَيْن. وَالْقَارُّ: فاعِل مِنَ القُرِّ: البَرْد.
أَرَادَ: وَلِّ شَرَّها مَن تَوَلَّى خَيْرها، وولِّ شَدِيدَهَا مَنْ تَوَلَّى هَيْنَها.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ فِي جَلد الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبة «وَلِّ حارَّها مَنْ تَوَلَّى قارَّها» وامْتَنَع مِن جَلده.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الِاسْتِسْقَاءِ «لَوْ رَآك لقرّتْ عَيْنَاهُ» أَيْ لسُرَّ بِذَلِكَ وفَرِح. وحَقيقته أبْرَد اللَّهُ دمْعة عَيْنَيْهِ، لِأَنَّ دَمْعَةَ الفَرح والسُّرور بَارِدَةٌ.(4/38)
وَقِيلَ: مَعْنَى أَقَرَّ اللَّهُ عينَك بَلّغَك أُمْنيَّتك حَتَّى تَرْضى نفْسُك وتَسْكُن عيْنُك فَلَا تَسْتَشْرِفُ إِلَى غَيْرِهِ.
وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَير «لَقُرْصٌ بُرِّيٌّ بأبْطَحَ قُرِّيّ» سُئل شَمِرٌ عَنْ هَذَا فَقَالَ:
لَا أعْرِفه، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنَ القُرّ: البَرْد.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ أَنْجَشة، فِي رِوَايَةِ البَراء بْنِ مَالِكٍ «رُوَيْدَك، رِفْقًا بالقَوَارِير» أَرَادَ النِّسَاءَ، شَبَّهَهُن بالقَوارير مِنَ الزُّجَاجِ؛ لِأَنَّهُ يُسْرِع إِلَيْهَا الْكَسْرُ، وَكَانَ أنْجَشَة يَحْدُو ويُنْشِد الْقَرِيضَ والرَّجَز. فَلَمْ يأمَن أَنْ يُصِيبَهُنَّ، أَوْ يَقَع فِي قُلُوبِهِنَّ حُدَاؤه، فأمَره بِالْكَفِّ عَنْ ذَلِكَ. وَفِي المَثل:
الغِناء رُقْيَة الزِّنا.
وَقِيلَ: أَرَادَ أَنَّ الْإِبِلَ إِذَا سَمِعت الحُداء أسْرعَت فِي الْمشي واشْتَدّت فأزْعجت الرَّاكِبَ وأتْعَبَتْه، فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّ النِّسَاءَ يَضْعُفْن عَنْ شِدَّةِ الْحَرَكَةِ. وَوَاحِدَةُ القَوارير: قارُورة، سُمِّيت بِهَا لاسْتِقْرار الشَّرَابِ فِيهَا.
(س) وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «مَا أصَبْتُ مُنْذُ وَليِتُ عَمَلي إِلَّا هَذِهِ القُوَيْريرة، أهْداها إليَّ الدِّهْقان» هِيَ تَصغير قَارُورة.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ اسْتِرَاقِ السَّمْعِ «يَأْتِي الشيطانُ فيتَسَمَّع الكلِمة فَيَأْتِي بِهَا إِلَى الْكَاهِنِ فيُقِرُّها فِي أذُنه كَمَا تُقَرُّ القَارُورة إِذَا أُفْرِغ فِيهَا» .
وَفِي رِوَايَةٍ «فيَقْذِفها فِي أذُن وَلِيّه كقَرِّ الدَّجَاجَةِ» القَرُّ: تَرْدِيدُك الْكَلَامَ فِي أذُن المُخاطب «1» حَتَّى يَفْهَمَهُ، تَقُولُ: قَرَرْته فِيهِ أَقُرُّه قَرّاً. وقَرُّ الدَّجَاجَةِ: صَوْتُهَا إِذَا قَطعَتْه. يُقَالُ: قَرَّتْ تَقِرُّ قَرّاً وقَرِيراً، فَإِنْ رَدَّدَتْه قُلْت: قَرْقَرَتْ قَرْقَرَة «2» .
ويُروَى «كقَرِّ الزُّجاجة» بِالزَّايِ: أَيْ كصَوْتها إِذَا صُبَّ فِيهَا الْمَاءُ.
(قَرَسَ)
(هـ) فِيهِ «قرِّسوا الْمَاءَ فِي الشِّنان، وصُبُّوه عَلَيْهِمْ فِيمَا بَيْنُ الأذاَنْين» أَيْ بَرِّدُوه فِي الأسْقِية. ويَومٌ قَارِس: بارِدٌ.
__________
(1) عبارة الهروي: «في أذن الأبكم» . وهي رواية اللسان، حكاية عن ابن الأعرابي. وذكر رواية ابن الأثير أيضاً.
(2) زاد الهروي «وقَرْقَريراً» .(4/39)
(قِرْشٌ)
- فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي ذِكْر قُرَيْش «هِيَ دَابَّةٌ تَسْكْن البَحْر تأكُل دَوابَّه» وَأَنْشَدَ فِي ذَلِكَ:
وقُرَيْشٌ هِيَ الَّتِي تَسْكن البحر بِهَا سُمِّيت قرَيْشٌ قُرَيْشاً وَقِيلَ: سُمِّيت لاجتماعِها بِمَكَّةَ بَعْدَ تَفَرُّقها فِي الْبِلَادِ. يُقَالُ: فُلان يَتَقَرَّش الْمَالَ «1» :
أَيْ يَجْمَعه.
(قَرَصَ)
[هـ] فِيهِ «أَنَّ امْرَأَةً سألتْه عَنْ دَمِ المَحِيض يُصِيبُ الثَّوب، فَقَالَ:
اقْرُصِيه بِالْمَاءِ» .
(هـ س) وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «حُتِّيه بضِلَع، واقْرُصِيه بماءٍ وسِدْر» وَفِي رِوَايَةٍ «قَرِّصيه» «2» القَرْص: الدلْك بِأَطْرَافِ الْأَصَابِعِ والأظْفار، مَعَ صَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ حَتَّى يَذْهَب أثَرُه. والتَّقْرِيص مِثْله.
يُقَالُ: قَرَصْتُه وقَرَّصْتُه، وَهُوَ أبْلَغ فِي غَسْل الدَّمِ مِنْ غَسْله بجَميع اليَدِ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ «3» : قَرِّصِيه بِالتَّشْدِيدِ: أَيْ قَطِّعيه.
وَفِيهِ «فأُتي بِثَلَاثَةِ قِرَصَة مِنْ شَعِير» القِرَصَة- بوزْن العِنَبة- جمْع قُرْص، وَهُوَ الرَّغيف، كجُحْر وجِحَرَة.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «أَنَّهُ قَضَى فِي القارِصة والقامِصة والواقِصة بالدِية أثْلاثاً» هُنّ ثَلَاثُ جوَارٍ كُنّ يَلْعَبْن، فتَراكَبْن فقَرَصَت السُّفْلى الوُسْطى، فقَمصَت، فَسقَطت العُليا فوُقِصَت عنقُها، فجَعل ثُلُثَيِ الدِية عَلَى الثِّنْتينِ وأسْقَط ثُلُث العُلْيا؛ لِأَنَّهَا أعانَت عَلَى نفْسها.
جَعَلَ الزَّمَخْشَرِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ مَرْفُوعًا، وَهُوَ مِنْ كَلَامِ عَلِيٍّ. القارِصة: اسْمُ فاعِل مِنَ القَرْص بِالْأَصَابِعِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَير «لَقَارِصٌ قُمَارِصٌ» أَرَادَ الَّلبَن الَّذِي يَقْرُص الِّلسان مِنْ حُموضِته. والقُمَارِص: تَأْكِيدٌ لَهُ. وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ.
وَمِنْهُ رَجَزُ ابْنِ الْأَكْوَعِ:
__________
(1) في ا: «الماء» .
(2) وهي رواية الهروي.
(3) في الأصل: «أبو عبيدة» وأثبت ما في: ا. ويلاحظ أن ابن الأثير أكثر ما ينقل عن أبي عبيد القاسم بن سلاّم. ولم أره ينقل عن أبي عبيدة مَعْمر بن المثنى إلا نادراً.(4/40)
لَكِنْ غَذَاهَا اللَّبَنُ الْخَرِيفُ ... الْمَخْضُ والقارِصُ وَالصَّرِيفُ
(قَرْصَفَ)
(س) فِيهِ «أَنَّهُ خَرَجَ عَلَى أتَانٍ وَعَلَيْهَا قَرْصَفٌ لَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلَّا قَرْقَرُها» القَرْصَف: القَطِيفة. هَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو مُوسَى بِالرَّاءِ. ويُروَى بِالْوَاوِ. وسيُذكر.
(قَرَضَ)
(هـ) فِيهِ «وَضَع اللَّهُ الحرَجَ إلاَّ امْرَأً اقْتَرَضَ امْرَأً مُسْلِمًا» وَفِي رِوَايَةٍ «إِلَّا مَن اقْتَرَض مُسْلِمًا ظُلْما» وَفِي أُخْرَى «مَنِ اقْتَرَضَ عِرْض مُسْلم» أَيْ نَالَ مِنْهُ وَقَطَعَهُ بالغِيبة، وَهُوَ افْتِعال، مِنَ القَرْض: القَطْع.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي الدَّرْداء «إنْ قَارَضْتَ الناَس قَارَضُوك» أَيْ إنْ سابَبْتَهم ونِلْتَ مِنْهُمْ سَبُّوك ونالُوا مِنْكَ. وَهُوَ فاعَلْت مِنَ القَرْض.
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُهُ الْآخَرُ «أَقْرِضْ مِن عِرْضك لَيوم فقْرِك» أَيْ إِذَا نَالَ أحدٌ مِن عِرْضك فَلَا تُجازِه، وَلَكِنِ اجْعَلْه قَرْضاً فِي ذِمَّتِه لِتأخُذه مِنْهُ يَوْمَ حاجِتك إِلَيْهِ. يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى وَابْنِ عُمَرَ «اجْعَلْه قِراضاً» القِراض: المُضارَبة فِي لُغة أَهْلِ الْحِجَازِ يُقَالُ: قَارَضَه يُقَارِضُه قِراضاً ومُقَارَضَة.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ الزُّهْرِي «لَا تُصْلُح مُقَارَضَةُ مَن طُعْمته الحَرام» قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ «1» :
أصلُها مِنَ القَرْض فِي الْأَرْضِ، وَهُوَ قَطْعُها بالسَّير فِيهَا، وَكَذَلِكَ هِيَ المُضارَبة أَيْضًا، مِنَ الضَّرب فِي الْأَرْضِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الْحَسَنِ «قِيلَ لَهُ: أَكَانَ أصحابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْزَحُون؟ قَالَ: نَعَمْ، ويَتَقَارَضون» أَيْ يَقُولُونَ القَرِيض ويُنْشِدونه. والقَرِيض: الشِّعْر.
(قَرَطَ)
- فِيهِ مَا يَمْنَع إحْداكُنّ أَنْ تَصْنَع قُرْطَيْن مِنْ فِضْة» القُرْط: نَوْع مِنْ حُلِيِّ الأذُن مَعْرُوفٌ، ويُجْمع عَلَى أَقْرَاط، وقِرَطة، وأَقْرِطة. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ النُّعمان بْنِ مُقَرِّن «فَلْتَثِب الرِّجالُ إِلَى خُيولِها فيُقَرِّطُوها أعِنَّتَها» تَقْرِيط الْخَيْلِ: إلجْامُها. وَقِيلَ حَمْلُها عَلَى أَشَدِّ الجَرْي. وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يَمُدَّ الْفَارِسَ يَده حَتَّى يَجْعلها عَلَى قَذال فَرَسِه فِي حال عَدْوِه «2» .
__________
(1) انظر الفائق 2/ 339.
(2) في الهروي: «حُضْرِه» وكذلك يفهم من شرح اللسان.(4/41)
(س) وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَر «ستَفْتَحون أرْضاً يُذْكَر فِيهَا القِيراطُ، فاسْتَوصُوا بِأَهْلِهَا خَيْرًا، فإنَّ لَهُمْ ذمَّةً ورَحِماً» القِيراط: جُزء مِنْ أَجْزَاءِ الدِينار، وَهُوَ نِصْفُ عُشْره فِي أَكْثَرِ الْبِلَادِ.
وأهلُ الشَّامِ يَجْعَلُونه جُزءًا مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ. وَالْيَاءُ فِيهِ بَدَل مِنَ الرَّاءِ، فإنَّ أصلَه: قِرّاط. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
وَأَرَادَ بِالْأَرْضِ المُسْتَفْتَحة مِصْرَ، وخَصَّها بِالذِّكْرِ وَإِنْ كَانَ القِيراطُ مَذْكوراً فِي غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ يغْلب عَلَى أهلِها أَنْ يَقُولُوا: أعْطَيْت فُلاناً قَرَارِيط، إِذَا أسْمَعَه مَا يكْرَهُه. واذْهَب لَا أُعْطِيكَ «1» قَرَارِيطَك: أَيْ سَبَّك وإسْماعَك المكروهَ، وَلَا يُوجَد ذَلِكَ فِي كَلَامِ غيرِهم.
وَمَعْنَى قَوْلِهِ «فإنَّ لَهُمْ ذِمَّة ورَحِماً» : أَيْ أَنَّ هاجَر أمَّ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَتْ قِبْطِيَّةً مِنْ أَهْلِ مِصْرَ.
وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْر «القِيراط» فِي الْحَدِيثِ مُفْرَداً وجَمْعاً.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فِي تَشْيِيعِ الْجِنَازَةِ.
(قَرْطَفَ)
(س) فِي حَدِيثِ النَّخَعَيّ في قوله تعالى «يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ» إِنَّهُ كَانَ مُتَدَثّراً فِي قَرْطَف» هُوَ الْقَطِيفَةُ الَّتِي لَهَا خَمْلٌ.
(قَرْطَقَ)
(س) فِي حَدِيثِ مَنْصُورٍ «جَاءَ الغُلام وَعَلَيْهِ قُرْطَقٌ أبْيَضُ» أَيْ قَبَاء، وَهُوَ تَعْريب: كُرْتهَ، وَقَدْ تُضَم طَاؤُهُ. وإبْدال الْقَافِ مِنَ الْهَاءِ فِي الْأَسْمَاءِ المُعَرَّبة كَثِيرٌ، كالبَرَق «2» ، والباشَق، والمُسْتُق.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْخَوَارِجِ «كَأَنِّي أنْظُر إِلَيْهِ حَبَشِيٌّ عَلَيْهِ قُرَيْطِقٌ» هُوَ تَصْغِيرُ قُرْطَق.
(قَرْطَمَ)
- فِيهِ «فَتلْتَقِط المُنافقين لَقْطَ الْحَمَامَةِ القُرْطم» هُوَ بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ:
حَبُّ العُصْفُر.
(قَرْطَنَ)
(س) فِيهِ «أَنَّهُ دَخَل عَلَى سَلْمان فإذا إكافٌ وقِرْطانٌ» القِرطان: كالبَرْذَعة
__________
(1) في الأصل: «لأعطيك» وأثبت ما فى اواللسان.
(2) في الأصل، واللسان: «البَرْق» بسكون الراء. وهو خطأ، صوابه الفتح. انظر المعرَّب ص 45، 265 حاشية 2.(4/42)
لذَوات الحَوافِر. وَيُقَالُ لَهُ قِرْطاطٌ، وَكَذَلِكَ رَواه الْخَطَّابِيُّ بِالطَّاءِ، وقِرْطاق بِالْقَافِ، وَهُوَ بِالنُّونِ أشْهَر. وَقِيلَ: هُوَ ثُلاثيُّ الْأَصْلِ، مُلحَق بقِرطاسٍ.
(قَرَظَ)
(س) فِيهِ «لَا تُقَرِّظُوني كَمَا قَرَّظت النَّصَارَى عِيسَى» التَّقْريظ: مَدْح الحَيّ ووَصْفُه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «وَلَا هُوَ أهلٌ لِمَا قُرِّظ بِهِ» أَيْ مُدِح.
وَحَدِيثُهُ الْآخَرُ «يَهْلِك فِيَّ رجُلان: مُحِبٌ مُفْرِطٌ يُقَرِّظني بِمَا لَيْسَ فِيَّ، ومُبِغض يَحْمِله شَنَآنِي عَلَى أَنْ يَبْهَتِني» .
(س) وَفِيهِ «أَنَّ عُمَر دَخَل عَلَيْهِ وَإِنَّ عِنْدَ رِجْليه قَرَظاً مَصْبوراً» .
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أُتيَ بهَدِية فِي أدِيم مَقْرُوظ» أَيْ مَدْبوغ بالقَرَظ وَهُوَ وَرقَ السَّلَم. وَبِهِ سمِّي سَعْد القَرَظ المؤذِّن.
وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(قَرَعَ)
(هـ) فِيهِ «لَمَّا أَتَى عَلَى مُحَسِّر قَرَعَ ناقتَه» أَيْ ضرَبها بسَوْطه.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ خِطْبة خَدِيجَةَ «قَالَ وَرَقَة بْنُ نَوفَل: هُوَ الفَحْلُ لَا يُقْرَع أنفهُ» أَيْ أَنَّهُ كُفْءٌ كَريم لَا يُرَد. وَقَدْ تَقَدَّمَ أصلُه فِي الْقَافِ وَالدَّالِ وَالْعَيْنِ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «أَنَّهُ أخَذَ قَدح سَوِيق فشَرِبَه حَتَّى قَرَع القَدَحُ جَبِينَه» أَيْ ضَرَبه، يَعْنِي أَنَّهُ شَرِب جَمِيعَ مَا فِيهِ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أقْسم لَتَقْرَعَنَّ «1» بِهَا أَبَا هُرَيْرَةَ» أَيْ لتَفْجأنَّه بذكْرها، كالصَّك لَهُ والضَّرب.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الرَّدْع. يُقَالُ: قَرَع الرُجُل: إِذَا ارْتَدَعَ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَقْرَعْتُه إِذَا قَهَرَته بِكَلَامِكَ، فَتَكُونُ التَّاءُ مَضْمُومَةً وَالرَّاءُ مَكْسُورَةً. وهُما فِي الْأُولَى مَفْتُوحَتَانِ.
وَفِي حَدِيثِ عبد الملك وذكر سَيْف الزُّبير فقال:
__________
(1) في ا: «ليَقْرعنّ ... ليَفْجأنَّه» .(4/43)
بهنَّ فُلُولٌ مِنْ قِراعِ الكتائبِ «1»
أَيْ قِتَالِ الجُيوش ومُحارَبَتها.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عَلْقمة «أَنَّهُ كَانَ يُقَرِّع غنَمه ويَحْلِبُ ويَعْلِفُ» أَيْ يُنْزِي عَلَيْهَا الْفُحُولَ.
هَكَذَا ذَكَرَهُ الْهَرَوِيُّ بِالْقَافِ، وَالزَّمَخْشَرِيُّ.
وَقَالَ أَبُو مُوسَى: هُوَ بِالْفَاءِ، وَهُوَ مِنْ هَفَوات الْهَرَوِيِّ.
قُلْتُ: إِنْ كَانَ مِنْ حيثُ إِنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يُرْوَ إِلَّا بِالْفَاءِ فَيَجُوزُ، فَإِنَّ أَبَا مُوسَى عارفٌ بطُرُق الرِّوَايَةِ. وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الُلغَة فَلَا يَمْتنع، فَإِنَّهُ يُقَالُ: قَرَع الفحلُ الناقةَ إِذَا ضرَبها. وأَقْرَعْتُه أَنَا.
والقَرِيع: فَحْل الْإِبِلِ. والقَرْع فِي الْأَصْلِ: الضَّرب. وَمَعَ هَذَا فَقَدَ ذَكَرَهُ الحرْبي فِي غَرِيبِهِ بِالْقَافِ، وَشَرَحَهُ بِذَلِكَ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْأَزْهَرِيُّ فِي «التَّهْذِيبِ» لفْظاً وشَرحاً.
وَمِنْهُ حَدِيثُ هِشَامٍ، يَصِفُ نَاقَةً «إِنَّهَا لَمِقْراع» هِيَ الَّتِي تُلْقَح فِي أَوَّلِ قَرْعَة يَقْرَعُها الفَحْل.
وَفِيهِ «أَنَّهُ ركِب حِمَارَ سَعد بْنِ عُبادة وَكَانَ قَطوفاً، فَردّه وَهُوَ هِمْلاج قَرِيعٌ مَا يُسَايَرُ» أَيْ فارِهٌ مُخْتار.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَلَوْ رُوِي «فَريغ «2» » يَعْنِي بِالْفَاءِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ لَكَانَ مُطابِقاً لِفَراغٍ، وَهُوَ الواسِع الَمْشي. قَالَ: وَمَا آمَنُ أَنْ يَكُونَ تَصْحيفاً.
وَفِي حَدِيثِ مَسْرُوقٍ «إِنَّكَ قَرِيع القُرّاء» أَيْ رئيسُهم. والقَرِيع: المُخْتار. واقْتَرَعْتُ الْإِبِلَ إِذَا اخْتَرتَها.
وَمِنْهُ قِيلَ لفحْل الْإِبِلِ «قَرِيعٌ» .
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ «يُقْتَرَع مِنْكُمْ وكُلُّكم مُنْتَهى» أَيْ يُخْتارُ مِنْكُمْ.
(هـ) وَفِيهِ «يَجيء كَنْزُ أَحَدِكِمْ «3» يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجاعاً أَقْرَع» الأَقْرَع: الذي لا شَعْر على
__________
(1) انظر ص 472 من الجزء الثالث.
(2) في الدر النثير: «قلت: كذا ضبطه الحافظ شرف الدين الدمياطي في حاشية طبقات ابن سعد وفسره بذلك» .
(3) في الأصل: «أحدهم» والمثبت من: ا، واللسان.(4/44)
رَأْسِهِ، يُريد حَيةً قَدْ تَمَعَّطَ جلْد رأسِه، لِكثرة سَمِّه وطُول عُمْره.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «قَرِع أهلُ الْمَسْجِدِ حِينَ أُصِيبَ أَصْحَابُ النَّهْر «1» » أَيْ قَلّ أهلُه، كَمَا يَقْرع الرأسُ إِذَا قَلَّ شَعْرُه، تَشْبِيهًا بالقَرْعة، أَوْ هُوَ مِنْ قَوْلهم: قَرِع المُراح إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِبِلٌ.
[هـ] وَفِي الْمَثَلِ «نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ قَرَع الْفِنَاءِ وصَفَر الْإِنَاءِ» أَيْ خُلُوِّ الدِيار مِنْ سُكانها، وَالْآنِيَةِ مِنْ مُسْتَوْدَعاتها.
(هـ) وَمِنْهُ حديث عمر «إن اعْتَمرتُم في أشْهُر الحج قَرِعَ حَجُّكم» أَيْ خَلَت أيَّام الْحَجِّ مِنَ النَّاسِ واجْتَزَأوا بالعُمْرة.
[هـ] وَفِيهِ «لَا تُحْدِثوا فِي القَرَع فإِنه مُصَلَّى الخافِين» القَرَع بِالتَّحْرِيكِ: هُوَ أَنْ يَكُونَ فِي الْأَرْضِ ذَاتِ الكَلأ مواضِعُ لَا نباتَ بِهَا، كالقَرَع فِي الرَّأْسِ، والخافُون: الجِنُّ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «أَنَّ أعْرابياً سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصُّلَيْعَاءِ والقُرَيْعاء» القُرَيْعاء: أَرْضٌ لعنَها اللَّهُ، إِذَا أنْبَتَت أَوْ زُرِع فِيهَا نَبَت فِي حافَتَيْها، وَلَمْ يَنْبُت فِي مَتْنِها شَيْءٌ.
وَفِيهِ «نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ عَلَى قَارِعة الطَّرِيقِ» . هِيَ وِسَطه. وَقِيلَ: أَعْلَاهُ. وَالْمُرَادُ بِهِ هَاهُنَا نَفْس الطَّرِيقِ وَوَجْهه.
(هـ) وَفِيهِ «مَن لَمْ يَغْزُ وَلَمْ يَجِّهز غَازِيًا أَصَابَهُ اللَّهُ بِقَارِعَةٍ» أَيْ بِدَاهِيَةٍ تُهلِكُه. يُقَالُ:
قَرَعَه أمْرٌ إِذَا أَتَاهُ فَجْأة، وجَمْعُها: قَوَارِعُ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فِي ذِكْرِ قَوَارِع القُرآن» وَهِيَ الْآيَاتُ الَّتِي مَن قَرأها أمِن شَرَّ الشَّيْطَانِ، كَآيَةِ الكُرْسيّ وَنَحْوِهَا، كَأَنَّهَا تَدْهاه وتُهْلِكُه.
(قَرَفَ)
(هـ) فِيهِ «رجُلٌ قَرَفَ عَلَى نفْسه ذُنُوباً» أَيْ كَسَبَها. يُقَالُ: قَرَف الذنْبَ واقْتَرفَه إِذَا عَمِله. وقارَف الذَّنْب وَغَيْرَهُ إِذَا دَانَاهُ ولاصَقَه. وقَرفَه بِكَذَا: أَيْ أضافَه إِلَيْهِ واتَّهَمُه به.
وقارف امْرأته إذا جامَعَها.
__________
(1) قال مصحح اللسان: «بهامش الأصل: صوابه النهروان» .(4/45)
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ «أَنَّهُ كَانَ يُصْبح جُنُباً مِنْ قِرَافٍ غيرِ احْتلام، ثُمَّ يَصُوم» أَيْ مِنْ جِماع.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ فِي دَفْنِ أُمِّ كُلْثُومٍ «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَمْ يُقَارِف أَهْلَهُ الليلةَ فَلْيَدْخُل «1» قَبْرها» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذافة «قَالَتْ لَهُ أمُّه: أمِنْت أَنْ تَكُونَ أمُّك قارَفَت بَعْضَ مَا يُقَارِف أهلُ الْجَاهِلِيَّةِ» أَرَادَتِ الزِّنَا.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْإِفْكِ «إِنْ كنتِ قَارفتِ ذَنباً فتُوبي إِلَى اللَّهِ» وكلُّ هَذَا مَرْجِعُه إِلَى المقارَبة وَالْمُدَانَاةِ.
(س) وَفِيهِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يأخُذ بالقَرَف» أَيِ التُّهْمَةِ.
وَالْجَمْعُ: الْقِرَافُ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «أَوَلَمْ يَنْهَ أُمَيَّةَ عِلمُها بِي عَنْ قِرافِي» أَيْ عَنْ تُهمَتي بالمُشارَكة فِي دَم عُثْمَانَ.
(س) وَفِيهِ «أَنَّهُ رَكِب فرَساً لِأَبِي طَلْحَةَ مُقْرِفاً» المُقْرِف مِنَ الْخَيْلِ: الهَجِين، وَهُوَ الَّذِي أمُّه بِرْذَوْنةٌ وَأَبُوهُ عَرَبي. وَقِيلَ: بِالْعَكْسِ. وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي دَانَى الهُجْنَة وقارَبها.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى فِي البَراذِين: مَا قارَف العِتاقَ مِنْهَا فَاجْعَلْ لَهُ سَهْماً وَاحِدًا» . أَيْ قَارَبَهَا وَدَانَاهَا.
وَفِيهِ «أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ أرضٍ وَبِيئَةٍ فَقَالَ: دَعْها فإنَّ مِن «2» القَرَفِ التَّلَفَ» القَرَف:
مُلابَسَة الدَّاءِ ومُداناة المَرَض، والتَّلفُ: الْهَلَاكُ. وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ العَدْوى، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الطِبّ، فَإِنَّ اسْتِصْلاح الْهَوَاءِ مِنْ أعْون الْأَشْيَاءِ عَلَى صِحَّةِ الأبْدان. وفَساد الْهَوَاءِ مِنْ أَسْرَعِ الْأَشْيَاءِ إِلَى الأسْقام.
وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «جَاءَ رجُل إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي رجلٌ مِقْراف لِلذُّنُوبِ» أَيْ كَثِيرُ المُباشَرة لَهَا. ومِفْعال: مِنْ أبنية المُبالَغة.
__________
(1) في الأصل: «فيدخل» والمثبت من ا، واللسان.
(2) في الهروي: «في» .(4/46)
(هـ) وَفِيهِ «لِكُلِّ عَشَرَةٍ مِنَ السَّرايا مَا يَحْمل القِراف «1» مِنَ التَّمر» القِرَافُ: جَمْع قَرْف بِفَتْحِ الْقَافِ، وَهُوَ وِعاءٌ مِنْ جِلْد يُدْبَغ بالقِرْفة، وَهِيَ قُشُور الرُّمَّان.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الْخَوَارِجِ «إِذَا رَأيْتُموهم فاقْرِفُوهم واقْتُلوهم» يُقَالُ: قَرَفْتُ الشجرةَ إِذَا قشَرتَ لِحاءَها، وقَرَفْت جْلد الرجُل: إِذَا اقْتَلَعْتَه، أَرَادَ اسْتَأصلوهم.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «قَالَ لَهُ رجُل مِنَ الْبَادِيَةِ: مَتَى تَحلّ لَنَا المَيْتَة؟ قَالَ: إِذَا وَجَدْت قِرْفَ الْأَرْضِ فَلَا تَقْرَبْها» أَرَادَ مَا يُقْتَرف مِنْ بَقْل الْأَرْضِ وعُروقه: أَيْ يُقْتَلَع. وأصلُه أخْذُ القِشْر.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَبْدِ الْمَلِكِ «أَرَاكَ أحْمَرَ قَرِفاً» القَرِف بِكَسْرِ الرَّاءِ: الشَّدِيدُ الحُمْرة، كَأَنَّهُ قُرِف: أَيْ قُشِر. وقِرف السِدْر: قِشْرُه، يُقَالُ: صَبَغَ ثوبَه بقِرْف السِدْر.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ «2» «مَا عَلَى أحدِكم إِذَا أتَى الْمَسْجِدَ أَنْ يُخْرِج قِرْفَة أنْفِه» أَيْ قِشْرته، يُرِيدُ المُخاط اليابسَ اللازِقَ بِهِ.
(قَرْفَصَ)
(هـ) فِيهِ «فَإِذَا رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالسٌ القُرْفُصاءَ» هِيَ جِلْسة المُحتبي بيدَيْه.
(قَرَقَ)
(س [هـ] ) فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، فِي ذِكْرِ الزَّكَاةِ «وبُطِح لَهَا بقاعٍ قَرِقٍ» القَرِق- بِكَسْرِ الرَّاءِ- المُسْتَوِي الفارِغ. والمَرْوِي «بقاعٍ قَرْقَرٍ» وسَيَجيء.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّهُ كَانَ رُبَّمَا رَآهُمْ يَلْعَبون بالقِرْقِ فَلَا يَنْهاهم» القِرْق بِكَسْرِ الْقَافِ: لُعْبة يَلْعَب بِهَا أهلُ الْحِجَازِ، وَهُوَ خَطٌّ مُرَبَّع، فِي وسَطِه خَطٌّ مُرَبَّع، فِي وسَطِه خَطٌّ مُرَبَّع، ثُمَّ يُخَطُّ فِي كُلِّ زاوِية مِنَ الخَطّ الْأَوَّلِ إِلَى زَوَايَا الْخَطِّ الثَّالِثِ، وَبَيْنَ كُلِّ زاويَتين خَطّ، فَيَصِيرُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ «3» خَطّاً.
(قَرْقَبَ)
(س) فِي حَدِيثِ عُمَرَ «فأقْبَل شيخٌ عَلَيْهِ قميص قُرْقُبِيٌّ» هو منسوب إلى
__________
(1) رُوي: «القِراب» بالباء. وسبق.
(2) أخرجه الهروي من حديث ابن عباس.
(3) هكذا في الأصل، ا. والذي في الهروي، واللسان، والقاموس: «أربعة وعشرين خطاً» وتجد صورته بهامش القاموس. لكن جاء في اللسان: «وقال أبو إسحاق: هو شيء يلعب به. قال: وسمعت الأربعة عشر» .(4/47)
قُرْقُوب، فحَذَفوا الْوَاوَ كَمَا حَذَفُوها مِنْ «سابُريّ» فِي النَّسَب إِلَى «سَابُورَ» .
وَقِيلَ: هِيَ ثِيَابُ كَتَّان بِيض. ويُروَى بِالْفَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ.
(قَرْقَرَ)
«1» (هـ س) فِي حَدِيثِ الزَّكَاةِ «بُطِح لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَر» هُوَ الْمَكَانُ المُسْتوي.
وَفِيهِ «ركِبَ أَتَانًا عَلَيْهَا قَرْصَفٌ لَمْ يَبْق مِنْهَا «2» إِلَّا قَرْقَرُها: أَيْ ظَهْرها.
وَفِيهِ «فَإِذَا قُرِّب المُهْلُ مِنْهُ سقَطَت قَرْقَرة وجْهِه» أَيْ جِلْدَته. والقَرْقَرُ مِنْ لِباس النِّسَاءِ، شُبِّهَت بَشَرة الْوَجْهِ بِهِ.
وَقِيلَ: إِنَّمَا هِيَ «رَقْرَقة وجْهِه» وَهُوَ مَا تَرَقْرق مِنْ مَحاسِنِه.
ويُرْوَى «فرْوة وجْهِه» بِالْفَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَرَادَ ظَاهِرَ وَجْهِهِ وَمَا بَدا مِنْهُ «3» .
وَمِنْهُ «قِيلَ للصًّحْراء البارِزة: قَرْقَر» «4» .
(هـ) وَفِيهِ «لَا بَأْسَ بالتَّبَسُّم مَا لَمْ يُقَرْقِر» «5» القَرْقَرة: الضَّحِكُ الْعَالِي.
وَفِي حَدِيثِ صَاحِبِ الأُخدود «اذْهَبوا فاحْملوه فِي قُرْقُور» هُوَ السَّفِينَةُ الْعَظِيمَةُ، وجَمْعُها: قَراقِير.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فَإِذَا دَخَلَ أهلُ الجنةِ الجنةَ رَكِبَ شُهَداء الْبَحْرِ فِي قَراقِيرَ مِنْ دُرٍّ» .
[هـ] وَفِي حَدِيثِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ «رَكِبوا القَراقِيرَ حَتَّى أتَوْا آسيةَ امْرَأَةَ فِرعون بِتَابُوتِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ» .
(س) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «كُنْتُ زَمِيلَهُ فِي غَزْوَةِ قَرْقَرة الكُدْر» هِيَ غَزْوة مَعْرُوفَةٌ.
والكُدْر: ماء لَبِني سُلَيْم. والقَرْقَر: الأرض المسْتوِية.
__________
(1) في الأصل، وا، وضعت هذه المادة بعد (قرقف) .
(2) في الأصل: «منه» والمثبت من: ا، واللسان، والفائق 2/ 23
(3) في الفائق 2/ 330: «وما بدا من محاسنه» .
(4) الذي في الفائق: «ومنه قيل للصحراء البارزة: قَرْقَرة. وللظَّهر: قَرْقَر» . ولعل في نقل ابن الأثير سقطاً.
(5) في الهروي: «تقرقر» .(4/48)
وَقِيلَ: إِنَّ أَصْلَ الكُدْر طَيْرٌ غُبْرٌ، سُمِّي الْمَوْضِعُ أَوِ الْمَاءُ بِهَا.
وَفِيهِ ذِكْر «قُرَاقِر» بِضَمِّ الْقَافِ الْأُولَى، وَهِيَ مَفازة فِي طَرِيقِ الْيَمَامَةِ، قَطَعَهَا خالدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَهِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ: مَوْضِعٌ مِنْ أعْراض الْمَدِينَةِ لِآلِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ.
(قَرْقَفَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ أُمِّ الدَّرْدَاءِ «كَانَ أَبُو الدرْداء يَغْتَسِل مِنَ الجَنابة فَيَجِيءُ وَهُوَ يُقَرْقِف فأضُمُّه بَيْنَ فَخِذيَّ» أَيْ يُرْعَدُ مِنَ البَرْد.
(قَرِمَ)
[هـ] فِيهِ «أَنَّهُ دَخل عَلَى عَائِشَةَ وَعَلَى الْبَابِ قِرامُ سِتْرٍ» وَفِي رِوَايَةٍ «وَعَلَى بَابِ الْبَيْتِ قِرامٌ فِيهِ تَماثيلُ» القِرام: السِتْر الرَّقِيقُ. وَقِيلَ: الصَّفيق مِنْ صُوفٍ ذِي ألْوان، وَالْإِضَافَةُ فِيهِ كَقَوْلِكَ: ثَوبُ قميصٍ.
وَقِيلَ: القِرام: السِتر الرَّقِيقُ وَرَاءَ السِتْر الْغَلِيظِ، وَلِذَلِكَ أَضَافَ.
(هـ) وَفِيهِ «أَنَّهُ كَانَ يَتَعوّذ مِنَ القَرَم» وَهِيَ شِدَّةُ شهْوة اللَّحم حَتَّى لَا يَصْبر عَنْهُ. يُقَالُ:
قَرِمتُ إِلَى اللَّحْمِ أَقْرَم قَرَما. وَحَكَى بَعْضُهُمْ فِيهِ: قَرِمْتُه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الضَّحَّية «هَذَا يومٌ اللحمُ فِيهِ مَقْرُوم» هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ. وَقِيلَ: تَقْدِيرُهُ:
مَقْرُومٌ إِلَيْهِ، فَحُذِفَ الْجَارُّ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ جَابِرٍ «قَرِمْنا إِلَى اللَّحْمِ، فَاشْتَرَيْتُ بدِرْهم لَحْماً» وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
وَفِي حَدِيثِ الْأَحْنَفِ، بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا يَغْتابهُ فَقَالَ:
عُثَيْثَةٌ تَقْرِم جِلْداً أمْلَساً
أَيْ تَقْرِض، وَقَدْ تَقَدَّمَ «1» .
(س) وَفِي حديث على «أنا أبو الحسن القَرْمُ» أَيِ المُقَدَّم «2» فِي الرَّأْيِ. والقَرْم: فَحْل الإبِل.
أَيْ أَنَا فِيهِمْ بِمَنْزِلَةِ الفحْل فِي الْإِبِلِ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَأَكْثَرُ الرِوايات «القَوْم» بِالْوَاوِ، وَلَا مَعْنَى لَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ بِالرَّاءِ: أَيِ المُقَدَّم في المعرفة وتجارِب الأمور.
__________
(1) تقدم في (عثث) .
(2) في اللسان: «المقرم» .(4/49)
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُم فزَوِّدْهم، لجماعةٍ قَدِموا عَلَيْهِ مَعَ النُّعْمان بْنِ مُقَرِّن المُزَنِي، فَقَامَ ففَتَح غُرْفَة لَهُ فِيهَا تَمْر كَالْبَعِيرِ الأَقْرَم» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: صَوَابُهُ «المُقْرَم» ، وَهُوَ البَعير المَكْرَم يَكُونُ للضِرَاب. وَيُقَالُ للسَّيِّد الرَّئِيسِ: مُقْرَم، تَشْبِيهًا بِهِ.
قَالَ «1» : وَلَا أعْرِف الأَقْرَم.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ «2» : قَرِم الْبَعِيرُ فَهُوَ قَرِم: إِذَا اسْتَقْرَم، أي صار قَرْماً. وقد أَقْرَمَه صاحبه فِي الْفِعْلِ، وكخشِنٍ وأخْشَنَ، وكدِرٍ وأكْدَر، فِي الِاسْمِ.
(قَرْمَزَ)
(س) فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى «فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ» قَالَ: كالقِرْمِز» هُوَ صِبغٌ أَحْمَرُ. وَيُقَالُ: إِنَّهُ حَيوان تُصْبَغ بِهِ الثِّيَابُ فَلَا يَكَادُ يَنْصُل لَوْنُهُ، وَهُوَ مُعَرَّب.
(قَرْمَصَ)
(س) فِي مُنَاظَرَةِ ذِي الرُّمّة ورُؤْبة «مَا تَقَرْمَص سَبُعٌ قُرْمُوصاً إِلَّا بَقضاء» القُرْمُوص: حُفْرَة يَحْفِرها الرجُل يَكْتَنّ فِيهَا مِنَ الْبَرْدِ، ويَأوِي إِلَيْهَا الصَّيد، وَهِيَ وَاسِعَةُ الجَوْف ضَيَّقة الرَّأْسِ. وقَرْمَصَ وتَقَرْمَص إِذَا دَخلها. وتَقَرْمَص السَّبُع إِذَا دَخَلها للاصطِياد.
(قَرْمَطَ)
فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «فرِّجْ مَا بَيْنَ السُّطور، وقَرْمِطْ بَيْنَ الْحُرُوفِ» القَرْمطة:
المُقارَبة بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ. وقَرْمَطَ فِي خَطوه: إِذَا قَارَبَ مَا بَيْنَ قَدَمَيه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ «قَالَ لعَمرو: قَرْمَطْتَ؟ قَالَ: لَا» يُريد أكَبِرْتَ؟ لأنَّ القَرمطة فِي الخَطو مِنْ آثَارِ الكِبَر.
(قَرْمَلَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «أَنَّ قِرْمِليّاً تَرَدّى فِي بِئر» القِرْمليُّ مِنَ الْإِبِلِ: الصَّغِيرُ الْجِسْم الْكَثِيرُ الوَبر. وَقِيلَ: هُوَ ذُو السَّنامَين. وَيُقَالُ لَهُ: قِرْمِل أَيْضًا. وَكَأَنَّ القِرْملِيَّ مَنْسوب إِلَيْهِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ مَسْرُوقٍ «تَرَدَّى قِرْمِلٌ فِي بِئْرٍ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى نَحره، فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ:
جوُفُوه، ثُمَّ اقطَعوه أعضاءً» أي اطْعَنوه في جَوْفه.
__________
(1) الذي في الفائق 2/ 326: «وزعم أبو عبيد أن أبا عمرو لم يعرف الأقرم. وقال: ولكن أعرف المُقرَم» .
(2) حكاية عن صاحب التكملة.(4/50)
(س) وَفِيهِ «أَنَّهُ رَخَّص فِي القَرَامِل» وَهِيَ ضَفائرُ مَنْ شَعَر أَوْ صُوف أَوْ إبِرَيْسم، تَصِل بِهِ الْمَرْأَةُ شَعرها. والقَرْمَل بِالْفَتْحِ: نَباتٌ طويلُ الفُروع لَيِّن.
(قَرَنَ)
(هـ) فِيهِ «خيرُكم قَرْني، ثُمَّ الَّذِينَ يَلونهم» يَعْنِي الصَّحَابَةَ ثُمَّ التَّابِعِينَ.
والقرْن: أَهْلُ كُلِّ زَمَانٍ، وَهُوَ مِقْدار التَّوَسُّط فِي أَعْمَارِ أَهْلِ كُلِّ زَمَانٍ. مَأْخُوذٌ مِنَ الاقْتران، وَكَأَنَّهُ المِقدار الَّذِي يَقْتَرِن فِيهِ أَهْلُ ذَلِكَ الزَّمَانِ فِي أَعْمَارِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ.
وَقِيلَ: القَرْن: أَرْبَعُونَ سَنَةً. وَقِيلَ: ثَمَانُونَ. وَقِيلَ: مِائَة. وَقِيلَ: هُوَ مُطلَقٌ مِنَ الزَّمَانِ. وَهُوَ مَصْدَرُ: قَرَن يَقْرِن.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى رَأْسِ غُلام وَقَالَ: عِشْ قَرْناً، فَعَاشَ مِائَةَ سَنَةٍ» .
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فارسُ نَطْحَةً أَوْ نَطْحَتين»
، ثُمَّ لَا فارِسَ بَعْدَهَا أَبَدًا، والرومُ ذَاتُ القُرُون، كُلَّمَا هَلَكَ قرْن خَلَفَه قرْن» فالقُرُون جَمْعُ قرْن.
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي سُفْيَانَ «لَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ طاعةَ قَوْم، وَلَا فارسَ الأكارِم، وَلَا الرُّوم ذَاتَ القُرُون» وَقِيلَ: أَرَادَ بالقُرون فِي حَدِيثِ أَبِي سُفْيَانَ: الشُّعور «2» ، وَكُلُّ ضَفيرة مِنْ ضَفائر الشَّعْرِ: قَرْن.
وَمِنْهُ حَدِيثُ غُسل الْمَيِّتِ «ومَشَطناها ثَلَاثَةَ قُرُون» «3» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحَجَّاجِ «قَالَ لأسْماء: لَتَأتِينِّي، أَوْ لأبْعَثَنَّ إِلَيْكِ مَنْ يَسْحَبك بقُرونك» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ كَرْدَم «وبقَرْنِ أيِّ النِساء هِيَ؟» أَيْ بِسِنَّ أيِّهنّ.
(س) وَفِي حَدِيثِ قَيْلة «فَأَصَابَتْ ظُبَتُه طَائِفَةً مِنْ قُرُون راسِيَة» أَيْ بَعْضِ نَواحي رَأْسِي.
(س [هـ] ) وَفِيهِ «أَنَّهُ قَالَ لِعَليٍّ: إِنَّ لَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ، وَإِنَّكَ ذُو قرْنَيها» أي طَرَفي الجنة وجانِبْيها.
__________
(1) هكذا «نطحةً أو نطحتين» وسيأتي الخلاف فيه، في (نطح) .
(2) وهو تفسير الهروي. حكى عن الأصمعي أنه قال: «أراد قرون شعورهم، وهم اصحاب الجُمَم الطويلة» .
(3) في ا: «ومشطنا» وفي اللسان: «ثلاث قرون» .(4/51)
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَأَنَا أحْسِبُ أَنَّهُ أَرَادَ ذُو قَرْنَيِ الأمَّة، فأضْمر.
وَقِيلَ: أَرَادَ الْحَسَنَ والحُسين.
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «وَذَكَرَ قصَّة ذِي القَرْنين ثُمَّ قَالَ: وَفِيكُمْ مِثْلُه» فيُرَى أَنَّهُ إِنَّمَا عَني نَفْسَهُ؛ لِأَنَّهُ ضُرِب عَلَى رَأْسِهِ ضَرْبَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَالْأُخْرَى ضَرْبَةُ ابْنِ مُلْجَمٍ.
وَذُو القَرْنين: هُوَ الْإِسْكَنْدَرُ، سُمّي بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَلَك الشَّرق وَالْغَرْبَ. وَقِيلَ: لِأَنَّهُ كَانَ فِي رأسِه شِبْه قَرْنَيْن. وَقِيلَ: رَأَى فِي النَّوم أَنَّهُ أخَذَ بقَرْنَي الشَّمْسِ.
(س [هـ] ) وَفِيهِ «الشَّمْسُ تَطْلُع بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ» أَيْ ناحِيَتَي رأسِه وجانِبَيْه. وَقِيلَ:
القَرْن: القٌوّة: أَيْ حِينَ تَطْلُع يَتَحَرَّك الشَّيْطَانُ ويَتَسلَّط، فَيَكُونُ كالمُعِين لَهَا.
وَقِيلَ: بَيْنَ قَرْنَيْه: أَيْ أمَّتَيْه الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ. وَكُلُّ هَذَا تَمْثِيلٌ لِمَنْ يَسْجد لِلشَّمْسِ عِنْدَ طُلُوعِهَا، فَكَأَنَّ الشَّيْطَانَ سَوّل لَهُ ذَلِكَ، فَإِذَا سجَد لَهَا كَانَ كَأَنَّ الشَّيْطَانَ مُقْتَرِنٌ بِهَا.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ خَبَّاب «هَذَا قَرْنٌ قَدْ طَلع» أَرَادَ قَوْماً أحْداثاً نَبَغوا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُونُوا. يَعْنِي القُصَّاص.
وَقِيلَ: أَرَادَ بِدْعةً حَدَثَت لَمْ تَكُنْ فِي عَهْد النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ «فوجَده الرَّسُولُ يَغْتَسِلُ بَيْنَ القرْنَيْن» هُمَا قَرْنا الْبِئْرِ المَبْنِيَّان عَلَى جانِبَيها، فَإِنْ كَانَتَا مِنْ خَشَب فهُما زُرْنُوقان.
وَفِيهِ «أَنَّهُ قَرَن بَيْنَ الْحَجِّ والعُمْرة» أَيْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِنَّية وَاحِدَةٍ، وتَلْبِية وَاحِدَةٍ، وإحْرام واحدٍ، وَطَوَافٍ وَاحِدٍ، وسَعْي وَاحِدٍ، فَيَقُولُ: لَبَّيْك بحَجَّة وعُمْرة. يُقَالُ: قَرَن بَيْنَهُمَا يَقْرِن قِرانا، وَهُوَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أفْضل مِنَ الْإِفْرَادِ والتَّمَتُّع.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ نَهَى عَنِ القِران، إلاَّ أنْ يَسْتأذِن أحدُكم صاحبَه» ويُرْوَى «الإِقْران» وَالْأَوَّلُ أصحُّ. وَهُوَ أَنْ يَقْرُن بَيْنَ التَّمْرَتَين فِي الْأَكْلِ. وَإِنَّمَا نَهى عَنْهُ لأنَّ فِيهِ شَرهاً وَذَلِكَ يُزْري بِصَاحِبِهِ، أَوْ لأنَّ فِيهِ غَبْناً بِرَفيقه.
وَقِيلَ: إِنَّمَا نَهى عَنْهُ لِمَا كَانُوا فِيهِ مِنْ شِدة الْعَيْشِ وقِلَّة الطَّعام، وَكَانُوا مَعَ هَذَا يُواسون مِنَ الْقَلِيلِ، فَإِذَا اجْتَمَعُوا عَلَى الْأَكْلِ آثَرَ بعضُهم بَعْضًا عَلَى نَفْسِهِ. وَقَدْ يَكُونُ فِي القَوْم مَنْ قَدِ(4/52)
اشْتَدَّ جوعُه، فربَّما قَرَنَ بَيْنَ التمْرَتَيْن، أَوْ عَظَّم اللُّقْمة. فأرْشَدهم إِلَى الإذْن فِيهِ، لِتَطيبَ بِهِ أنْفُس الْبَاقِينَ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ جَبَلة «قَالَ: كُنَّا بِالْمَدِينَةِ فِي بَعْث العِراق، فَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَرْزُقنا التَّمر، وَكَانَ ابْنُ عُمر يَمُرّ فَيَقُولُ: لَا تُقَارِنوا إِلَّا أَنْ يَسْتأذِنَ الرجُل أَخَاهُ» هَذَا لأجْل مَا فِيهِ مِنَ الغَبْن، ولأنَّ مِلْكهم فِيهِ سَواء. ورُوِي نحوُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي أَصْحَابِ الصُّفَّة.
وَفِيهِ «قَارِنوا بَيْنَ أبنائِكم» أَيْ سَوُّوا بَيْنَهُمْ وَلَا تُفَضِّلوا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ.
ورُوِي بِالْبَاءِ الموحَّدة، مِنَ الْمُقَارَبَةِ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْهُ.
(س) وَفِيهِ «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَرَّ برَجُلَين مُقْتَرِنَيْن، فَقَالَ: مَا بالُ القِران؟ قَالَا:
نَذَرْنا» أَيْ مَشْدُودَيْن أَحَدُهُمَا إِلَى الْآخَرِ بحَبل. والقَرَن بِالتَّحْرِيكِ: الحْبل الَّذِي يُشَدّانِ بِهِ. وَالْجَمْعُ نفسُه: قَرَن أَيْضًا. والقِرانُ: الْمَصْدَرُ والحَبْل.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «الْحَيَاءُ وَالْإِيمَانُ فِي قَرَن» أَيْ مجْمُوعان فِي حَبْل، أَوْ قِرَان.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الضالَّة «إِذَا كَتَمها آخِذُها فَفِيهَا قَرِينَتُها مِثْلُها» أَيْ إِذَا وَجَد الرجُل ضالَّة مِنَ الْحَيَوَانِ وكتَمها وَلَمْ يُنْشِدْها، ثُمَّ تُوجَد عِنْدَهُ فَإِنَّ صاحبَها يَأْخُذُهَا ومِثْلَها مَعَهَا مِنْ كاتِمِها.
وَلَعَلَّ هَذَا قَدْ كَانَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسخ، أَوْ هُوَ عَلَى جِهَةِ التَّأْدِيبِ حَيْثُ لَمْ يُعرِّفها.
وَقِيلَ: هُوَ فِي الْحَيَوَانِ خاصَّة كَالْعُقُوبَةِ لَهُ.
وَهُوَ كَحَدِيثِ مانِع الزَّكَاةِ «إنَّا آخِذُوها وشَطْرَ مالِه» والقَرِينة: فَعيلة بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ، مِنَ الاقْتِرَان.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى «فَلَمَّا أتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: خُذْ هَذيْنِ القَرِينَين» أَيِ الجَمَلْين المَشْدُودَيْن أحدُهما إِلَى الآخَر.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وطَلحة يُقَالُ لَهُمَا: القَرِينان» لأنَّ عُثْمَانَ أَخَا طَلْحة أخَذَهما فقَرَنَهما بحَبْل «1» .
__________
(1) بعد ذلك في اللسان: «وورد في الحديث أن أبا بكر وعمر، يقال لهما القرينان» .(4/53)
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «مَا مِن أحدٍ إلاَّ وُكّلَ بِهِ قَرِينُه» أَيْ مُصاحِبُه مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالشَّيَاطِينِ.
وكُلُّ إِنْسَانٍ فَإِنَّ مَعَهُ قَرِيناً مِنْهُمَا، فقَرِينُه مِنَ الْمَلَائِكَةِ يأمُره بِالْخَيْرِ ويَحُثُّه عَلَيْهِ، وقَرِينه مِنَ الشَّيَاطِينِ يأمُرُه بالشَّرّ ويَحُثُّه عَلَيْهِ.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ «فقاتِلْه فإنَّ مَعَهُ القَرِين» وَالْقَرِينُ: يَكُونُ فِي الْخَيْرِ والشَّر.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ قُرِنَ بِنُبُوّتِه عَلَيْهِ السَّلَامُ إسْرافيل ثلاثَ سِنِينَ، ثُمَّ قُرِنَ بِهِ جِبْرِيلُ» أَيْ كَانَ يَأْتِيهِ بالوَحْي.
(هـ) وَفِي صِفَته عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «سَوابغَ فِي غَيْرِ قَرَن» القَرَن- بِالتَّحْرِيكِ- الْتِقاء الحاجِبَين. وَهَذَا خِلَافُ مَا رَوَت أُمُّ مَعْبَد، فَإِنَّهَا قَالَتْ فِي صِفَته «أزَجّ أَقْرَن» أَيْ مَقْرُون الحاجبَيْن، وَالْأَوَّلُ الصَّحِيحُ فِي صِفته.
وَ «سَوابِغ» حالٌ مِنَ المْجرور وَهُوَ الحَواجِب: أَيْ أَنَّهَا دَقّت فِي حَالِ سُبوغها، ووُضع الحَواجِب مَوْضِعَ الحاجِبَين، لأنَّ التَّثنِية جَمْع.
(س) وَفِي حَدِيثِ الْمَوَاقِيتِ «أَنَّهُ وَقتَ لأهْل نَجْد قَرْناً» وَفِي رِوَايَةٍ «قَرْنَ المَنازل» هُوَ اسْمُ موضعٍ يُحرِم مِنْهُ أَهْلُ نَجْد. وَكَثِيرٌ ممَّن لَا يَعْرف يَفْتَح رَاءَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ بِالسُّكُونِ، ويُسَمَّى أَيْضًا «قَرْن الثَّعالب» . وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ احتَجَم عَلَى رَأْسِهِ بقَرْنٍ حِينَ طُبَّ» وَهُوَ اسْمُ مَوْضِعٍ، فَإِمَّا هُوَ المِيقاتُ أَوْ غَيْرُهُ. وَقِيلَ: هُوَ قَرْن ثَوْر جُعِل كالمحْجَمة.
(س) وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «إِذَا تَزَوَّجَ المرأةَ وَبِهَا قَرْنٌ فَإِنْ شَاءَ أمْسَك وَإِنْ شَاءَ طَلّق» القَرْن بِسُكُونِ الرَّاءِ: شَيْءٌ يَكُونُ فِي فَرْج الْمَرْأَةِ كالِسنّ يَمنع مِنَ الوَطْء، وَيُقَالُ لَهُ: العَفَلة.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ شُرَيح «فِي جاريةٍ بِهَا قَرْن، قَالَ: أقْعِدوها، فَإِنْ أَصَابَ الأرضَ فَهُوَ عَيْب، وَإِنْ لَمْ يُصِبْها فَلَيْسَ بعَيْب» .
(س) وَفِيهِ «أَنَّهُ وَقَف عَلَى طَرَف القَرْن الأسْود» هُوَ بِالسُّكُونِ: جُبَيْل صَغِيرٌ.(4/54)
(س) وَفِيهِ «أنَّ رجُلاً أَتَاهُ فَقَالَ: عَلَّمني دُعاءً، ثُمَّ أَتَاهُ عِنْدَ قَرْن الحَوْل» أَيْ عِنْدَ آخِرِ الحوْل [الْأَوَّلِ] «1» وَأَوَّلِ الثَّانِي.
وَفِي حَدِيثِ عُمر وَالأُسقُفّ «قَالَ: أجِدُك قَرْنا، قَالَ: قَرْن مَهْ؟ قَالَ: قَرْنٌ مِنْ حَدِيدٍ» القَرْن بِفَتْحِ الْقَافِ: الحَصْن، وجَمْعُه قُرون، وَلِذَلِكَ قِيلَ لَهَا صَياصِي.
وَفِي قَصِيدُ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ:
إِذَا يُسَاوِرُ قِرْناً لَا يَحِلُّ لَهُ ... أَنْ يَتْرُكَ القِرْنَ إِلَّا وهْو مَجْدُولُ «2»
القِرْن بِالْكَسْرِ: الكُفْء والنَّظير فِي الشَّجاعة والحَرْب، ويُجْمَع عَلَى: أَقْران. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ مُفْرداً وَمَجْمُوعًا.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ «بِئْسَ مَا عَوَّدْتم أَقْرَانَكُم» أَيْ نُظَراءكم وَأَكْفَاءَكُمْ فِي الْقِتَالِ.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الْأَكْوَعِ «سَأَلَ رسولَ اللَّهِ عَنِ الصَّلَاةِ فِي القَوس والقَرَن، فَقَالَ:
صَلّ فِي القَوْس واطْرَح القَرَن» القَرَن بِالتَّحْرِيكِ: جَعْبَة مِنْ جُلود تُشَقّ ويَجْعل فِيهَا النُّشَّاب، وَإِنَّمَا أمَرَه بَنَزْعِه، لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ جِلْد غَيْرِ ذَكِيٍّ وَلَا مَدْبُوغ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كالنَّبْل فِي القَرَن» أَيْ مَجْتَمِعون مِثْلَها.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُميَر بْنِ الْحَمَّامِ «فأخْرَج تَمْراً مِنْ قَرَنه» أَيْ جَعْبَته، ويُجْمَع عَلَى:
أَقْرُن، وأَقْرَان، كجَبَل وأجْبُل وَأَجْبَالٍ.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «تَعاهَدوا أَقْرَانكم» أَيِ انْظُروا هَلْ هِيَ مِنْ ذَكِيَّة أَوْ مَيِّتة، لأجْل حَمْلِها فِي الصَّلَاةِ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «قَالَ لرجَل: مَا مالُك؟ قَالَ: أَقْرُنٌ لِي وآدِمَةٌ فِي المَنِيئة، فَقَالَ:
قَوِّمْها وزَكِّها» .
وَفِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسار «أَمَّا أَنَا فإنِّي لِهَذِهِ مُقْرِن» أَيْ مُطِيق قادِرٌ عَلَيْهَا، يَعْنِي ناقَتَه.
يقال: أَقْرَنْت للشيء فأنا مُقْرِن: أي أطاقَه وقَوِيَ عليه.
__________
(1) تكملة من: ا، واللسان
(2) الرواية فى شرح ديوانه 22: «مفلول» .(4/55)
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى «وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ» .
(قَرَّا)
(س) فِيهِ «الناسُ قَوارِي اللَّهِ فِي الْأَرْضِ» أَيْ شُهودهُ، لِأَنَّهُمْ يَتَتَبَّع بعضُهم أحوالَ بَعْضٍ، فَإِذَا شَهِدُوا لإنْسانٍ بِخَيْرٍ أَوْ شرٍّ فَقَدْ وَجَب، واحدُهم: قارٍ، وَهُوَ جَمْعٌ شَاذٌّ حَيْثُ هُوَ وَصْف لآدَمي ذَكَر، كَفَوارِس، ونَواكِسَ.
يُقَالُ: قَرَوْتُ النَّاسَ، وتَقَرَّيْتُهم، واقْتَرَيْتُهم، واسْتَقْرَيْتُهم بِمَعْنًى.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَنَسٍ «فتَقَرَّى حُجَر نِسَائِهِ كلِّهن» .
(س) وَحَدِيثُ ابْنِ سَلَامٍ «فَمَا زَالَ عثمانُ يَتَقرّاهم وَيَقُولُ لَهُمْ ذَلِكَ» .
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «بَلَغني عَنْ أمَّهاتِ الْمُؤْمِنِينَ شيءٌ فاسْتَقْرَيْتُهُنَّ أَقُولُ: لتَكْفُفْنَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَوْ لَيُبدِّلَنَّه اللَّهُ خَيْرًا منكنَّ» .
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فجَعل يَسْتَقْرِي الرِّفاق» .
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «مَا وَلى أحَدٌ إلاَّ حامَى عَلَى قَرَابِته وقَرَى فِي عَيْبَته «1» » أَيْ جَمَع يُقَالُ: قَرَى الشيءَ يَقْريه قَرْياً إِذَا جَمَعه، يُرِيدُ أَنَّهُ خانَ فِي عَمَلِه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ هَاجَرَ حِينَ فَجَّر اللَّهُ لَهَا زَمْزَم «فقَرَت فِي سِقاءٍ أَوْ شَنَّة كَانَتْ مَعَهَا» .
(هـ) وَحَدِيثُ مُرَّة بْنِ شَرَاحِيلَ «أَنَّهُ عُوتِب فِي تَرْك الْجُمُعَةِ فَقَالَ: إنَّ بِي جُرْحاً يَقْرِي، وَرُبَّمَا ارْفَضَّ فِي إزارِي» أَيْ يَجْمع المِدَّة ويَنْفَجِر.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «قَامَ إِلَى مَقْرَى بُسْتانٍ فَقعد يَتَوَضْأ» المَقْرَى والمَقْراة: الحَوْض الَّذِي يَجْتمع فِيهِ الْمَاءُ.
(س) وَفِي حَدِيثِ ظَبْيان «رَعَوْا قَرْيانَه» أَيْ مَجاري الْمَاءِ. واحدُها: قَرِيٌّ، بوزْن طَرِيٍّ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ قُسٍّ «ورَوْضة ذَاتِ قَرْيانٍ» .
وَفِيهِ «إِنَّ نَبياً مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أَمَرَ بقَرْية النَّمْلِ فأُحْرِقت» هِيَ مَسْكَنُها وبَيْتُها، وَالْجَمْعُ:
قُرًى. والقرْية مِنَ الْمَسَاكِنِ والأبنِية: الضِياع، وَقَدْ تُطلَق عَلَى المُدُن.
__________
(1) الذي في الهروي: «وقرى على عَيَّلَته» .(4/56)
[هـ] وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أُمِرت «1» بقرْية تَأْكُلُ القُرَى» هِيَ مَدِينَةُ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَمَعْنَى أكْلها القُرَى مَا يُفْتَح عَلَى أيْدِي أَهْلِهَا مِنَ المُدُن، ويُصِيبون مِنْ غَنائِمها.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «أَنَّهُ أُتِي بضَبٍّ فَلَمْ يأكُلْه وَقَالَ: إِنَّهُ قَرَوِيّ» أَيْ مِن أَهْلِ القُرَى، يَعْنِي إِنَّمَا يأكُلُه أهلُ القُرى والبَوادي والضِياع دُونَ أَهْلِ المُدن.
والقَرَوِيُّ: مَنْسُوبٌ إِلَى القَرْية عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ يُونُسَ، وَالْقِيَاسُ: قَرَئِيٌّ «2» وَفِي حَدِيثِ إِسْلَامِ أَبِي ذَرٍّ «وضَعْتُ قَوْلَهُ عَلَى أَقْراء الشِعْر فَلَيْسَ هُوَ بِشْعر» أَقْراء الشِعر:
طَرائقُه وأنواعُه، واحدُها: قَرْوٌ، وقَرْيٌ، وقَرِيٌّ.
وَذَكَرَهُ الْهَرَوِيُّ فِي الْهَمْزِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ «حِينَ مَدح القُرْآن لَما تَلاه رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ لَهُ قُرَيش: هُوَ شِعر. قَالَ: لَا، لأنِّي عَرَضْتُه عَلَى أَقْراء الشَّعر فَلَيْسَ هُوَ بِشعْر» .
(س) وَفِيهِ «لَا تَرْجِع هَذِهِ الأمَّةُ عَلَى قَرْواها» أَيْ عَلَى أَوَّلِ أمْرِها وَمَا كَانَتْ عَلَيْهِ.
ويُرْوَى «عَلَى قَرْوائِها» بالمدِّ.
وَفِي حَدِيثِ أُمِّ مَعْبَد «أَنَّهَا أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ بشاةٍ وشَفْرة، فَقَالَ: ارْدُدِ الشّفْرة وهاتِ لِي قَرْواً» يَعْنِي قَدَحاً مِنْ خَشَبٍ.
والقَرْو: أسْفَل النَّخْلة يُنْقَرُ ويُنْبَذُ فِيهِ. وَقِيلَ: القَرْوُ: إناءٌ صَغِيرٌ يُرَدَّدُ فِي الْحَوَائِجِ.
بَابُ الْقَافِ مَعَ الزَّايِ
(قَزَحَ)
(هـ) فِيهِ «لَا تَقُولوا قَوْس قُزَح، فَإِنَّ قُزَح مِنْ أَسْمَاءِ الشَّيَاطِينِ «3» » قِيلَ: سُمّي بِهِ لتَسْويله لِلنَّاسِ وتَحْسينه إِلَيْهِمُ المَعاصي، مِنَ التَّقْزِيح: وَهُوَ التَّحْسِين. وَقِيلَ: مِنَ القُزَح، وَهِيَ الطَّرَائِقُ والألوانُ الَّتِي فِي الْقَوْسِ، الْوَاحِدَةُ: قُزْحَة، أَوْ مِنْ قَزَحَ الشىء إذا ارتفع، كأنه كره
__________
(1) في الهروي: «أموت» .
(2) في الأصل: «قرييّ» بالياء. وأثبتّه بالهمز من القاموس واللسان. غير أنه فى اللسان بسكون الراء.
(3) هكذا في الأصل، والفائق 2/ 342. وفي ا: «الشيطان» وفي اللسان: «فإن قُزَح اسم شيطان» .(4/57)
مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ عَادَاتِ الْجَاهِلِيَّةِ وَ [كَأَنَّهُ أحبَّ «1» ] أَنْ يُقَالَ قوسُ اللَّهِ، فيُرفع قَدْرها، كَمَا يُقَالُ:
بَيْتُ اللَّهِ. وَقَالُوا: قَوْس اللَّهِ أمانٌ مِنَ الْغَرَقِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ «أَنَّهُ أُتِيَ عَلَى قُزَحَ وَهُوَ يَخْرِش بَعِيره بمِحْجَنِة» هُوَ القَرْن الَّذِي يَقِف عِنْدَهُ الْإِمَامُ بالمُزْدَلِفة. وَلَا يَنْصَرِفُ لِلْعَدل والعَلَمِيَّة كعُمر، وَكَذَلِكَ قَوس قُزَح، إِلَّا مَنْ جَعَلَ قُزَح مِنَ الطَّرَائِقِ وَالْأَلْوَانِ فَهُوَ جَمْعُ قُزْحة.
(هـ) وَفِيهِ «إِنَّ اللَّهَ ضَرَب مَطْعم ابْنِ آدمَ لِلدُّنْيَا مَثَلًا، وَضَرَبَ الدُّنْيَا لمَطْعَم ابْنِ آدَمَ مَثَلًا، وإنْ قَزَّحَه ومَلّحه» أَيْ تَوْبَلَه، مِنَ القِزْح وَهُوَ التابِلُ الَّذِي يُطرح فِي القِدْر، كالكمُّون والكُزْبرة وَنَحْوِ ذَلِكَ. يُقَالُ: قَزَحْتُ القِدْر إِذَا تركْتُ فِيهَا الأبَازِير.
وَالْمَعْنَى أنَّ المَطْعَم وَإِنْ تَكَلَّف الْإِنْسَانُ التَّنَوقَ فِي صنْعِته وتَطْييبه فَإِنَّهُ عائِد إِلَى حالٍ يُكْرَهُ وَيُسْتَقْذَرُ، فَكَذَلِكَ الدُّنْيَا المَحْرُوص عَلَى عِمارتها ونَظْم أسْبابها راجِعة إِلَى خَراب وإدْبارً.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «كَرِه أَنْ يُصَلِّيَ الرجُلُ إِلَى الشجرة المُقَزَّحة» هى التى تشغّبت شُعَباً كَثِيرَةً. وَقَدْ تَقَزَّح الشجرُ والنَّبات.
وَقِيلَ: هِيَ شَجَرَةٌ عَلَى صُورَةِ التِّين، لَهَا أغْصان قِصار في رُؤوسها مِثْل بُرثُن الْكَلْبِ.
وَقِيلَ: أَرَادَ بِهَا كلَّ شَجَرَةٍ قَزَحت الكلابُ والسِباعُ بأبْوالها عَلَيْهَا. يُقَالُ: قَزَح الكلبُ ببَوْلِه: إِذَا رفَع إحْدى رِجليه وبالَ.
(قَزَزَ)
(س) فِي حَدِيثِ ابْنِ سَلَامٍ «قَالَ: قَالَ مُوسَى لجِبْريل عَلَيْهِمَا السَّلَامُ: هَلْ يَنام ربُّك؟ فَقَالَ اللَّهُ: قُلْ لَهُ فلْيأخُذْ قَازُوزَتَيْن، أَوْ قارُورَتَين، وليَقُمْ عَلَى الجَبَل مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ حَتَّى يُصْبح» قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَكَذَا رُوي مَشْكُوكاً فِيهِ. وَقَالَ: القَازُوزةُ مَشْرَبَة كالقاقُوزة، وتُجْمَع عَلَى:
القَوازِيز والقَواقيز، وَهِيَ دُونَ القَرْقارة «2» . والقارُورة بِالرَّاءِ مَعْرُوفَةٌ.
(هـ) وَفِيهِ «إنَّ إِبْلِيسَ ليَقُزُّ القَزَّةَ مِنَ المشْرِق فَتَبْلُغ الْمَغْرِبَ» أَيْ يَثِبُ الوَثْبَة.
__________
(1) تكملة موضحة من الفائق. وهذا النص بألفاظه في الفائق، حكايةً عن الجاحظ.
(2) في الأصل: «القزقازة» بزايين. والتصحيح من: ا، واللسان.(4/58)
(قَزَعَ)
- فِي حَدِيثِ الِاسْتِسْقَاءِ «وَمَا فِي السَّمَاءِ قَزَعَة» أَيْ قِطْعة مِنَ الغَيْم، وجَمْعُها: قَزَعٌ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «فَيجتمعون إِلَيْهِ كَمَا يَجْتمع قَزَعُ الخَريف» أَيْ قِطَع السَّحاب المُتَفَرقة وَإِنَّمَا خَصَّ الْخَرِيفَ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ الشِّتَاءِ، والسَّحابُ يَكُونُ فِيهِ مُتَفرِّقاً غَيْرَ مُتراكم وَلَا مُطْبِق، ثُمَّ يَجْتمع بعضُه إِلَى بَعْضٍ بَعْدَ ذَلِكَ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ نَهَى عَنِ القَزَعِ» هُوَ أَنْ يُحْلَق رأسُ الصَّبيِّ ويُتْرك مِنْهُ مواضعُ مَتَفَرِّقةٌ غَيْرُ مَحْلوقة، تَشْبِيهًا بقَزَع السَّحاب. وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ الْجَمِيعِ فِي الْحَدِيثِ مُفْرداً وَمَجْمُوعًا.
(قَزَلَ)
(س) فِي حَدِيثِ مُجَالِدِ بْنِ مَسْعُودٍ «فَأَتَاهُمْ وَكَانَ فِيهِ قَزَلٌ فَأَوْسَعُوا لَهُ» القَزَل بِالتَّحْرِيكِ: أسْوَأ العَرَج وَأَشَدُّهُ.
(قَزَمَ)
(س) فِيهِ «أَنَّهُ كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنَ القَزَم» وَهُوَ الُّلؤْم والُّشحُّ. ويُرْوَى بِالرَّاءِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ فِي ذَمِّ أَهْلِ الشَّامِ «جُفَاةٌ طَغامٌ عَبِيد أَقْزَام» هُوَ جَمْع قَزَم. والقَزَم فِي الْأَصْلِ: مصدرٌ، يَقَع عَلَى الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ، والذَّكر وَالْأُنْثَى.
بَابُ الْقَافِ مَعَ السِّينِ
(قَسَبَ)
(س) فِي حَدِيثِ ابْنِ عُكيم «أهْدَيْتُ إِلَى عَائِشَةَ جِراباً مِنْ قَسْب عَنْبَر» القَسْب: الشَّدِيدُ اليابسُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.
وَمِنْهُ «قَسْب التَّمْرِ» لُيبْسِه.
(قَسَرَ)
- فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «مَرْبُوبُون اقْتِسارا» الاقْتِسار: افْتِعال، مِنَ القَسْر، وَهُوَ القَهْر والغَلَبة. يُقَالُ: قَسَرَه يَقْسِرُه قَسْراً. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(قَسَسَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ نَهَى عَنْ لُبْسِ القَسِّيِّ» هِيَ ثِيَابٌ مِنْ كَتَّان مَخْلوط بحَريِر يُؤتَى بِهَا مِنْ مِصْرَ، نُسِبَت إلى قَرْية على شاطىء الْبَحْرِ قَرِيبًا مِنْ تِنِّيس، يُقَالُ لَهَا القَسُّ بِفَتْحِ الْقَافِ، وَبَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ يكْسِرها.(4/59)
وَقِيلَ: أَصْلُ القَسِّيِّ: القَزَّيُّ بِالزَّايِ، مَنْسُوبٌ إِلَى القَزِّ، وَهُوَ ضَرْبٌ مِنَ الإبْرَيسَم، فأبْدل مِنَ الزَّايِ سِيناً.
وَقِيلَ: مَنْسُوبٌ إِلَى القَسّ، وَهُوَ الصَّقِيعُ؛ لبَياضه.
(قَسَطَ)
- فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى «المُقْسِط» هُوَ العادِل. يُقَالُ: أَقْسَطَ يُقْسِطُ فَهُوَ مُقْسِط، إِذَا عَدَل. وقَسَطَ يَقْسِط فَهُوَ قَاسِط إِذَا جارَ. فَكَأَنَّ الْهَمْزَةَ فِي «أَقْسَطَ» للَّسلْب، كَمَا يُقَالُ:
شَكا إِلَيْهِ فأشْكاه.
(هـ) وَفِيهِ «إِنَّ اللَّهَ لَا يَنام وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنام، يَخْفِض القِسْطَ ويَرْفَعُه» القِسْط:
المِيزان، سُمّي بِهِ مِنَ القِسْط: العَدْل. أَرَادَ أَنَّ اللَّهَ يَخْفِض ويَرْفَع مِيزَانَ أَعْمَالِ الْعِبَادِ المُرْتفِعة إِلَيْهِ، وأرْزاقهم النازِلة مِنْ عِنْدِهِ، كَمَا يَرْفَع الوزَّان يَدَهُ ويَخْفِضُها عِنْدَ الْوَزْنِ، وَهُوَ تَمْثِيلٌ لِمَا يُقَدِّره اللَّهُ ويَنْزِله.
وَقِيلَ: أَرَادَ بالقِسْط القِسْمَ مِنَ الرِّزْقِ الَّذِي يُصِيب كلَّ مَخْلُوق، وخَفْضه: تَقْليله، ورَفْعه: تَكْثِيرُهُ.
(هـ) وَفِيهِ «إِذَا قَسَموا أَقْسَطُوا» أَيْ عَدلُوا.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «أُمِرْت بِقتال الناكِثين والقاسِطين والمارِقين» النَّاكِثِينَ: أصحابُ الجَمل لِأَنَّهُمْ نَكثُوا بَيْعَتهم. والقَاسِطِين: أَهْلُ صِفِّين؛ لِأَنَّهُمْ جارُوا فِي حُكْمهم وبَغَوْا عَلَيْهِ. وَالْمَارِقِينَ:
الْخَوَارِجُ؛ لِأَنَّهُمْ مَرَقُوا مِنَ الدِّين كَمَا يَمرُقُ السَّهم مِنَ الرَّميَّة.
وَفِي الْحَدِيثِ «إِنَّ النساءَ مِنْ أسْفَه السُّفَهاء إلاَّ صاحبةَ القِسْط والسِّراج» القِسْط: نِصْفُ الصَّاعِ، وَأَصْلُهُ مِنَ القِسْط: النَّصيب، وَأَرَادَ بِهِ هَاهُنَا الإناءَ الَّذِي تُوَضِّئُه فِيهِ، كَأَنَّهُ أَرَادَ إِلَّا الَّتِي تِخْدم بَعْلَها وتَقوم بِأُمُورِهِ فِي وضُوئه وَسِرَاجِهِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «أَنَّهُ أجْرَى لِلنَّاسِ المُدَيْين والقِسْطَين» القِسْطَان: نَصيبان مِنْ زَيْت كَانَ يَرْزُقهما الناسَ.
(س) وَفِي حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ «لَا تَمسُّ طِيباً إِلَّا نُبذةً مِنْ قُسْطٍ وأظفْار» القُسْط: ضَرْب مِنَ الطِّيب. وَقِيلَ: هُوَ العُود. والقُسْط: عَقَّار مَعْرُوفٌ فِي الأدْوية طَيِّب الرِّيحِ، تُبَخَّرُ بِهِ النُّفَساء وَالْأَطْفَالُ. وَهُوَ اشْبَه بِالْحَدِيثِ؛ لِإِضَافَتِهِ إِلَى الْأَظْفَارِ.(4/60)
(قَسْطَلَ)
(هـ) فِي خَبَرِ وَقْعَةِ نَهاوَنْد «لَمَّا الْتَقى الْمُسْلِمُونَ والفُرس غَشِيَتْهُم ريحٌ قَسْطَلَانِيَّة» أَيْ كَثِيرَةُ الغُبَار، وَهِيَ مَنْسُوبَةٌ إِلَى القَسْطَل: الغُبار، بِزِيَادَةِ الْأَلِفِ وَالنُّونِ لِلْمُبَالَغَةِ.
(قَسْقَسَ)
[هـ] فِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ «قَالَ لَهَا: أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَأَخَافُ عَلَيْكَ قَسْقَاسَته» القَسْقَاسَة: العَصا، أَيْ أَنَّهُ يَضْربُها بِهَا، مِنَ القَسْقَسَة: وَهِيَ الْحَرَكَةُ وَالْإِسْرَاعُ فِي المَشْي.
وَقِيلَ: أَرَادَ كَثْرَةَ الأسْفار. يُقَالُ: رفَع عَصاه عَلَى عاتِقِه إِذَا سَافَرَ، وَأَلْقَى عَصَاهُ إِذَا أَقَامَ: أَيْ لَا حَظَّ لَكَ فِي صُحْبتِه، لِأَنَّهُ كَثِيرُ السَّفَر قَلِيلُ المُقام.
وَفِي رِوَايَةٍ «إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ قَسْقَاسَتَه العَصا» «1» فَذَكَر العَصا تَفْسِيرًا للقَسْقَاسَة.
وَقِيلَ: أَرَادَ قَسْقَسَتَه العَصا: أَيْ تَحْريكَه إِيَّاهَا، فَزَادَ الْأَلِفَ ليَفْصِل بَيْنَ توَالي الحَركات.
(قَسَمَ)
- فِي حَدِيثِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ «قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْني وَبَيْنَ عبْدي نِصْفَيْنِ» أَرَادَ بِالصَّلَاةِ هَاهُنَا الْقِرَاءَةَ، تَسْمِيَةً لِلشَّيْءِ ببعضهِ. وَقَدْ جَاءَتْ مُفَسَّرة فِي الْحَدِيثِ. وَهَذِهِ القِسْمة فِي الْمَعْنَى لَا اللَّفْظِ، لِأَنَّ نِصْفَ الْفَاتِحَةِ ثَناء، وَنِصْفَهَا مَسْأَلَةٌ ودُعاء. وانْتهاء الثَّناء عند قوله «إِيَّاكَ نَعْبُدُ» ، ولذلك قال في «وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» : هَذِهِ الْآيَةُ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدي.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «أنَا قَسِيم النارِ» أَرَادَ أَنَّ النَّاسَ فرِيقان: فريقٌ مَعِي، فهُم عَلَى هُدًى، وَفَرِيقٌ عليَّ، فهُم عَلَى ضَلال، فنِصفٌ مَعِي فِي الْجَنَّةِ، وَنِصْفٌ عليَّ فِي النَّارِ.
وقَسِيم: فَعِيل بِمَعْنَى مُفاعِل، كالجَلِيس والسَّمِير. قِيلَ: أَرَادَ بِهِمُ الخَوارج. وَقِيلَ: كلُّ مَنْ قاتَلَه.
(هـ) وَفِيهِ «إيَّاكم والقُسَامَةَ» القُسامة بِالضَّمِّ: مَا يأخُذه القَسَّام مِنْ رَأْسِ الْمَالِ عَنْ أُجْرَتِهِ لِنَفْسِهِ، كما يأخذ السّما سرة رَسْمًا مَرْسُومًا لَا أجْراً مَعْلوماً، كتَواضُعِهم أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ كُلِّ ألْفٍ شَيْئًا مُعَيَّناً، وَذَلِكَ حَرَامٌ.
قَالَ الخطَّابي: لَيْسَ فِي هَذَا تَحْريمٌ إِذَا أخَذَ القَسَّام أُجْرَته بِإِذْنِ المَقْسوم لَهُمْ، وإنما هو
__________
(1) وهي رواية الهروي.(4/61)
فيمَن وَليَ أمْرَ قَوم، فَإِذَا قَسَم بَيْنَ أَصْحَابِهِ شَيْئًا أمْسَك مِنْهُ لنفْسه نَصِيباً يَسْتأثِرُ بِهِ عَلَيْهِمْ.
وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ أخْرى «الرجُل يَكُونُ عَلَى الفِئام مِنَ النَّاسِ، فَيَأْخُذُ مِنْ حَظّ هَذَا وَحَظِّ هَذَا» وَأَمَّا القِسامة- بِالْكَسْرِ- فَهِيَ صَنْعة القَسَّام. كالجُزَارة والجِزارة، والبُشَارة والبِشارة.
وَمِنْهُ حَدِيثُ وابِصة «مثَلُ الَّذِي يأكُل القُسامة كَمثل جَدْيٍ بَطْنُه مَمْلوءٌ رَضْفاً» جَاءَ تَفْسِيرُهَا فِي الْحَدِيثِ أنَّها الصَّدقة، وَالْأَصْلُ الْأَوَّلُ.
وَفِيهِ «أَنَّهُ اسْتَحْلَف خَمْسَةَ نَفَر فِي قَسامةٍ مَعَهُمْ رَجُل مِنْ غَيْرهم. فَقَالَ: رُدُّوا الأيْمان عَلَى أجالِدِهم» القَسامة بِالْفَتْحِ: الْيَمِينُ، كالقَسَم. وحقيقتُها أَنْ يُقْسِم مِنْ أَوْلِيَاءِ الدَّم خَمْسُونَ نَفَراً عَلَى اسْتِحْقاقِهم دَمَ صاحِبهم، إِذَا وجَدُوه قَتِيلاً بَيْنَ قَوْم وَلَمْ يُعْرَف قاتِلُه، فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا خَمْسِينَ أَقْسَم الموجُودون خَمْسِينَ يَميناً، وَلَا يَكُونُ فِيهِمْ صَبِيٌّ، وَلَا امْرَأَةٌ، وَلَا مَجْنون، وَلَا عَبْد، أَوْ يُقْسِم بِهَا المُتَّهَمُون عَلَى نَفْيِ القَتْل عَنْهُمْ، فإنْ حَلَف المُدَّعُون اسْتَحَقُّوا الدِية، وإنْ حَلَف المُتَّهَمون لَمْ تَلْزمْهُم الدِية.
وَقَدْ أَقْسَم يُقْسِم قَسَما وقَسامةً إِذَا حَلَف. وَقَدْ جَاءَتْ عَلَى بِنَاءِ الغَرامة والحَمالة؛ لِأَنَّهَا تَلْزم أَهْلَ الْمَوْضِعِ الَّذِي يُوجَدُ فِيهِ القَتيل.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «القَسامة تُوجب العَقْل» أَيْ تُوجب الدِّيَةَ لَا القَوَد.
وَفِي حَدِيثِ الْحَسَنِ «القَسَامةُ جاهِلِيَّة» أَيْ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَدِينُون بِهَا. وَقَدْ قَرَّرَهَا الإسْلام.
وَفِي رِوَايَةٍ «القتْل بالقَسامة جَاهِلِيَّةٌ» أَيْ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَقْتُلون بِهَا، أَوْ أنَّ القَتْل بِهَا مِنْ أَعْمَالِ الْجَاهِلِيَّةِ، كَأَنَّهُ إِنْكَارٌ لِذَلِكَ واسْتِعْظام.
وَفِيهِ «نَحْنُ نازِلون بخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ تَقَاسَمُوا [على الكفر» تقاسموا] «1»
__________
(1) تكلمة من ا، واللسان.(4/62)
مِنَ القَسَم: اليَمين، أَيْ تحالَفوا. يُريد لَّما تَعاهَدَت قُرَيش عَلَى مُقاطَعة بَنِي هَاشِمٍ وتَرْك مُخالَطَتِهم.
وَفِي حَدِيثِ الْفَتْحِ «دخَل البيتَ فَرَأَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ بِأَيْدِيهِمَا الأزْلام، فَقَالَ: قاتَلَهُم اللَّهُ، وَاللَّهُ لَقَدْ عَلِموا أَنَّهُمَا لَمْ يَسْتَقْسِمَا بِهَا قَطُّ» الاسْتِقْسام: طَلَب القِسْم الَّذِي قُسِمَ لَهُ وقٌدِّر؛ مَّما لَمْ يُقْسم وَلَمْ يُقَدَّر. وَهُوَ اسْتِفْعال مِنْهُ، وَكَانُوا إِذَا أَرَادَ أحدُهم سَفَراً أَوْ تَزْوِيجاً، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنَ المَهامّ ضَرَب بالأزْلام وَهِيَ القِداح، وَكَانَ عَلَى بَعْضِهَا مَكْتُوبٌ: أمَرَني رَبِّي، وَعَلَى الآخَر: نَهاني رَبِّي، وَعَلَى الْآخَرِ غُفْل. فَإِنْ خَرج «أمَرني» مَضَى لِشَأْنِهِ، وَإِنْ خَرَجَ «نَهَانِي» أمْسَك، وَإِنْ خَرَجَ «الغُفْل» عَادَ، أجالَها وضَرب بِهَا أخْرى إِلَى أَنْ يَخْرج الأمْرُ أَوِ النَّهْيُ. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(س هـ) وَفِي حَدِيثِ أُمِّ مَعْبَد «قَسِيمٌ وسِيمٌ» القَسامة: الحُسْن. ورَجلٌ مُقَسَّم الوَجْه:
أَيْ جميلٌ كلُّه، كَأَنَّ كلَّ مَوْضِعٍ مِنْهُ أخَذَ قِسْماً مِنَ الجَمال. وَيُقَالُ لِحُرِّ الوجْه: قَسِمَة بِكَسْرِ السِّينِ، وَجَمْعُهَا قَسِمَات.
(قَسْوَرَ)
- فِيهِ ذِكْرُ «القَسْوَرة» قِيلَ: القسْور والقسْورة: الرُّمَاة مِنَ الصَّيَّادِين.
وَقِيلَ: هُما الْأَسَدُ. وَقِيلَ: كلُّ شَدِيدٍ.
(قَسَا)
- فِي خُطبة الصِّديِّق «فَهُوَ كالدِّرهم القَسِيّ والسَّراب الخادِع» القَسِيّ بِوَزْنِ الشَّقِيِّ: الدِّرْهَمُ الرَّدِيءُ، وَالشَّيْءُ المَرْذولُ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ «مَا يَسُرُّني دِينُ الَّذِي يَأْتِي العَرَّافَ بدِرْهمٍ قَسِيّ» .
(هـ) وَحَدِيثُهُ الْآخَرُ «أَنَّهُ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: كَيْفَ يَدْرُس العِلم؟ قَالُوا: كَمَا يَخْلُق الثَّوبُ، أَوْ كَمَا تَقْسُو الدَّراهم» يُقَالُ: قَسَت الدَّراهمُ تَقْسُو إِذَا زَافَتْ.
(هـ) وَحَدِيثُهُ الْآخَرُ «أَنَّهُ بَاع نُفَايةَ بيْت الْمَالِ، وَكَانَتْ زُيوفا وقِسْيانا بِدُونِ وَزْنها، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِعُمَرَ فَنَهَاهُ وأمَرَه أَنْ يَرُدّها» هُوَ جَمْع قَسِيّ، كصِبْيان وصَبِيّ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ الشعْبيّ «قَالَ لِأَبِي الزِّنَادِ: تَأْتِينَا بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ قَسِيةً وتأخُذها مِنَّا طازَجَة» أَيْ تأتِينا بِهَا رَديئة، وتأخُذُها خالِصة مُنْتَقاةً.(4/63)
بَابُ الْقَافِ مَعَ الشِّينِ
(قَشَبَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّ رجُلاً يَمُرّ عَلَى جِسر جَهَنَّمَ، فَيَقُولُ: يَا ربِّ قَشَبَنِي ريحُها» أَيْ سَمَّني، وَكُلُّ مَسْمُوم قَشِيب ومُقْشَب. يُقَالُ: قَشَّبَتْنِي الريحُ وقَشَبَتْنِي. والقَشْبُ: الِاسْمُ.
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «أَنَّهُ وجَد مِنْ مُعَاوِيَةَ ريحَ طِيب وَهُوَ مُحْرِم، فَقَالَ: مَنْ قَشَبَنا؟» أرادَ أَنَّ رِيح الطِّيب فِي هَذِهِ الْحَالِ مَعَ الإحْرام ومُخالَفة السنُّة قَشْبٌ، كَمَا أَنَّ رِيح النَّتْن قَشْب. يُقَالُ: ما أَقْشَبَ بَيْتَهم! أي ما أقذَرَه. والقَشْب بِالْفَتْحِ: [خَلْطُ «1» ] السَّمَّ بِالطَّعَامِ.
[هـ] وَفِي حديثه الآخر «أنه يقال لبعض بنيه: قَشَبَك المال» أى أفدك وَذَهَبَ بِعَقْلِكَ.
(س) وَحَدِيثِهِ الْآخَرِ «اغْفِرْ للأَقْشَاب» هِيَ جَمْع قِشْب، يُقَالُ: رجُلٌ قِشْبٌ خِشْبٌ- بِالْكَسْرِ- إِذَا كَانَ لَا خَيْرَ فِيهِ.
وَفِيهِ «أَنَّهُ مَرَّ وَعَلَيْهِ قُشْبَانِيَّتان «2» » أَيْ بُرْدَتان خَلَقَتان. وَقِيلَ: جَدِيدَتَانِ.
والقَشِيب مِنَ الأضْداد، وَكَأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إِلَى قُشْبان: جَمْع قَشِيب، خارِجاً عَنِ القِياس؛ لِأَنَّهُ نُسِب إِلَى الجَمْع.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: «كونُه مَنْسُوبًا إِلَى الْجَمْعِ غيرُ مَرْضيّ «3» ، وَلَكِنَّهُ بِناء مُسْتَطرَف للنَّسَب كالأنْبَجَانِيّ» .
(قَشَرَ)
(هـ) فِيهِ «لَعَنَ اللَّهُ القاشِرة والمَقْشورة» القاشِرة: الَّتِي تُعالج وَجْهَها أَوْ وَجْهَ غَيْرِهَا بالغَمْرة ليَصْفُوَ لَوْنُها، والمَقْشورة: الَّتِي يُفْعل بِهَا ذَلِكَ، كَأَنَّهَا تَقْشِر أعْلَى الْجِلْدِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ قَيْلة «فَكُنْتُ إِذَا رأيتُ رجُلاً ذَا رُواء وَذَا قِشْر» القِشْر: اللِّبَاسُ.
(س [هـ] ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِنَّ الْمَلَكَ يَقُولُ لِلصَّبِيِّ الْمَنْفُوسِ: خَرَجْتَ إِلَى الدُّنْيَا وَلَيْسَ عليك قِشر» .
__________
(1) تكملة من: ا، واللسان، والهروي.
(2) رواية الفائق 2/ 348: «قُشْبانيَّان» .
(3) عبارة الفائق: «غير مُرتضي من القول عند علماء الإعراب» .(4/64)
وَمِنْهُ حديثْ ابْنِ مَسْعُودٍ، لَيْلَةَ الجِنّ «لَا أَرَى عَوْرةً وَلَا قِشْرا» أَيْ لَا أَرَى مِنْهُمْ عَورةً مُنْكَشفة، وَلَا أَرَى عَلَيْهِمْ ثِيَابًا.
(هـ) وفي حديث معاذ بن عَفْراء «أَنَّ عُمر أرْسَل إِلَيْهِ بحُلَّة فباعَها واشتَرى بِهَا خَمْسَةَ أرْؤُس مِنَ الرَّقيق فأعْتَقهم، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رَجُلًا آثَر قِشْرَتين يَلْبُسهما عَلَى عِتْق هَؤُلَاءِ «1» لَغَبِينُ الرَّأي» أَرَادَ بالقِشْرَتين: الحُلَّة، لِأَنَّ الْحُلَّةَ ثَوبانِ إزارٌ ورِداء.
(س) وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَير «قُرْصٌ بِلَبَنٍ قِشْرِيٍّ» هُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى القِشْرة، وَهِيَ الَّتِي تَكُونُ فِي رَأْسِ اللَّبَن. وَقِيلَ: إِلَى القِشْرة. والقَاشِرة: وَهِيَ مَطَرة شَدِيدَةٌ تَقْشر وجْه الْأَرْضِ يُريد لَبَناً أدَرَّه المَرْعَى الَّذِي يُنْبِته مِثْل هَذِهِ المَطَرة.
(س) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «إِذَا أَنَا حَرَّكْتُه ثارَ لَهُ قُشارٌ» أَيْ قِشْر. والقُشار: مَا يُقْشر عَنِ الشَّيْءِ الرَّقيق.
(قَشَشَ)
(س) فِي حَدِيثِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ «كُونُوا قِشَشاً» هِيَ جَمْع قِشَّة، وَهِيَ القِرْدُ وَقِيلَ: جِرْوُه. وَقِيلَ: دُوَيْبَّة تُشْبه الجُعَل.
(قَشَعَ)
(هـ) فِيهِ «لَا أعْرِفَنّ أحدَكُم يَحْمِل قَشْعاً مِنْ أَدَمٍ فيُنادِي: يَا مُحَمَّدُ» أَيْ جِلداً يابِساً. وَقِيلَ: نَطِعْاً. وَقِيلَ: أَرَادَ القِرْبة البالِيَة، وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى الْخِيَانَةِ فِي الغَنيمة أَوْ غَيْرِهَا مِنَ الْأَعْمَالِ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ سَلَمة «غَزَوْنا مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَلَى عهْد رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنَفَّلَني جَارِيَةً عَلَيْهَا قَشْعٌ لَهَا» قِيلَ: أَرَادَ بالقَشْع الفَرْو الخَلَق.
وَأَخْرَجَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ عَنْ سَلَمة.
وَأَخْرَجَهُ الْهَرَوِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: «نَفَّلِني رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَارِيَةً عَلَيْهَا قَشْعٌ لَهَا» ولعَلَّهما حَدِيثَانِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «لَوْ حَدّثْتكم بكلِّ مَا أعْلَم لرمَيْتَموني «2» بالقِشَع» هي جَمْع
__________
(1) رواية اللسان « ... على عتق خمسة أعْبُد»
(2) في الأصل: «رميتموني» وأثبتُّ ما في: ا، واللسان، والهروى.(4/65)
قَشْع عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ. وَقِيلَ: هِيَ جَمْعُ قَشْعة، وَهِيَ مَا يُقْشَع عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ مِنَ المَدَر والحَجَرِ: أَيْ يُقْلَع، كبَدْرة وبِدَر.
وَقِيلَ: القَشْعة: النُّخامة الَّتِي يَقْتَلِعُها الْإِنْسَانُ مِنْ صَدْره: أَيْ لبَزَقْتم فِي وجهِي، اسِتخْفافاً بِي وَتَكْذِيبًا لقَوْلي.
ويُروَى «لرَمَيْتُموني بالقَشْع» عَلَى الإفْراد، وَهُوَ الجِلْد، أَوْ مِنَ القَشْع، وَهُوَ الأحْمق: أَيْ لجَعَلْتموني أحمقَ.
وَفِي حَدِيثِ الِاسْتِسْقَاءِ «فتَقَشَّع السَّحابُ» أَيْ تَصَدّع وأقلعَ، وَكَذَلِكَ أَقْشَع، وقَشَعَتْه الريحُ.
(قَشْعَرَ)
- فِي حَدِيثِ كَعْبٍ «إِنَّ الْأَرْضَ إِذَا لَمْ يَنْزل عَلَيْهَا المطَر ارْبَدّت واقْشَعَرّت» أَيْ تَقَبَّضَت وتَجمَّعَت.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «قَالَتْ لَهُ هِنْدُ لَمَّا ضَرب أَبَا سُفيان بالدِّرَّة: لَرُبَّ يَوْمٍ لَوْ ضَرَبْتَهُ لاقْشَعَرّ بَطْنُ مَكَّةَ، فَقَالَ: أجَلْ» .
(قَشَفَ)
(هـ) فِيهِ «رَأَى رجُلاً قَشِفَ الْهَيْئَةِ» أَيْ تارِكاً للتَّنْظيف والغَسْل. والقَشَف:
يُبْس العَيْش. وَقَدْ قَشِفَ يَقْشَف. ورجُلٌ مُتَقَشِّف: أَيْ تاركٌ لِلنَّظَافَةِ والتَّرفُّه.
(قَشْقَشَ)
(هـ) فِيهِ «يقال لِسُورتَي: «قُلْ يَا أَيُّهاَ اْلْكَافِرُونَ. وَ: قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ» المُقَشْقِشَتان» أَيِ المُبْرِئَتان مِنَ النَّفاق والشِّرك، كَمَا يَبْرأ الْمَرِيضُ مِنْ علَّته. يُقَالُ: قَدْ تَقَشْقَشَ الْمَرِيضُ:
إِذَا أَفَاقَ وبَرَأ.
(قَشَمَ)
(هـ) فِي بَيْعِ الثِّمَارِ «فَإِذَا جَاءَ المُتَقاضِي قَالَ لَهُ: أصابَ الثَّمَرَ القُشَامُ» هُوَ بِالضَّمِّ أَنْ يَنْتَفِضَ ثَمَرُ النَّخْلِ قَبْلَ أَنْ يَصِير بَلَحاً.
(قَشَا)
(هـ) فِي حَدِيثِ قَيْلة «وَمَعَهُ عُسّيِّبُ نَخْلةٍ مَقْشُوٌّ» أَيْ مَقْشور عَنْهُ خُوصُه.
يُقَالُ: قَشَوت العُودَ: إِذَا قَشَرْتَه.
وَفِي حَدِيثِ أُسيد بْنِ أَبِي أُسيد «أَنَّهُ أهْدى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَدَّانَ لِياَءً مُقَشًّى» أَيْ مَقْشور. واللِّياء: حَبٌّ كالحِمَّص.
وَمِنْهُ حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ «كَانَ يأكُل لِيَاءً مُقَشًّى» .(4/66)
بَابُ الْقَافِ مَعَ الصَّادِ
(قَصَبَ)
[هـ] فِي صِفَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «سَبْطُ القَصَب» القَصَب مِنَ العِظام: كلُّ عَظْمٍ أجْوَفَ فِيهِ مُخٌّ، واحدَته: قَصَبة. وكلُّ عَظْم عَريض: لَوْح.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ خَدِيجَةَ «بَشِّرْ خَدِيجَةَ ببَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ فِي الْجَنَّةِ» القَصَب فِي هَذَا الْحَدِيثِ: لُؤْلُؤٌ مُجَوَّف وَاسِعٌ كالقَصْر المُنِيف. والقَصَب مِنَ الجَوْهر: مَا اسْتَطال مِنْهُ فِي تَجْويف.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ «أَنَّهُ سَبقَ «1» بَيْنَ الخَيْل فجَعَلَهَا مِائَةَ قَصَبة» أَرَادَ أَنَّهُ ذَرَع الغايةَ بالقَصَب فجَعَلها مِائَةً قَصَبة. وَيُقَالُ إِنَّ تِلْكَ القَصَبة تُرْكَز عِنْدَ أقْصَى الْغَايَةِ، فَمن سَبَق إِلَيْهَا أخذَها واسْتَحَقَّ الخَطَر، فَلِذَلِكَ يُقَالُ: حازَ قَصَب السَّبْق، واسْتَوْلَى عَلَى الأمَدِ.
(س) وَفِيهِ «رَأَيْتُ عَمْرو بنَ لُحَيًّ يَجُرّ قُصْبَه فِي النَّارِ» القُصْب بِالضَّمِّ: المِعَي، وجَمْعه:
أَقْصَاب. وَقِيلَ: القُصْب: اسْمٌ لِلأْمْعاء كُلَّها. وَقِيلَ: هُوَ مَا كَانَ أسْفَل البَطْن مِنَ الأمْعاء.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «الَّذِي يَتَخَطَّى رِقابَ النَّاسِ يَوْمَ الجُمعة كالجارِّ قُصْبَه فِي النَّار» .
(س) وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ «قَالَ لعُرْوة بْنِ الزُّبَيْرِ: هَلْ سَمِعْتَ أَخَاكَ يَقْصِبُ نِساءنا؟
قَالَ: لَا» يُقال: قَصَبَه يَقْصِبُه إِذَا عَابَه. وَأَصْلُهُ القَطْع. وَمِنْهُ القصَّاب. ورَجُلٌ قَصَّابة: يَقَعُ فِي النَّاسِ.
(قَصَدَ)
[هـ] فِي صِفَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. «كَأَنَّ أبْيضَ مُقَصَّدا» هُوَ الَّذِي لَيْسَ بطَويِل وَلَا قَصير وَلَا جَسيم، كَأَنَّ خَلْقَه نُحِيَ بِهِ القَصْد مِنَ الْأُمُورِ والمُعْتَدل الَّذِي لَا يَمِيل إِلَى أحَدٍ طَرَفَيِ التَّفْريط والإفْراط.
وَفِيهِ «القَصْدَ القَصْدَ تَبْلُغُوا» أَيْ عَلَيْكُمْ بالقَصْد مِنَ الْأُمُورِ فِي القَول وَالْفِعْلِ، وَهُوَ الوَسَط بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ. وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ المؤكِّد، وتكْرارُه للتأكيد.
__________
(1) في الهروي: «سابق» .(4/67)
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «كَانَتْ صلاتُه قَصْداً وخُطْبَتُه قَصْداً» .
وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ «عَلَيْكُمْ هَدْياً قاصِداً» أَيْ طَرِيقًا مُعْتدلاً.
وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ «مَا عَالَ مُقْتَصِد «1» وَلَا يَعِيل» أَيْ مَا افْتَقر مَنْ لَا يُسْرِف فِي الإنْفاق وَلَا يُقَتّر.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «وأَقْصَدَتْ بأسْهُمِها» أَقْصَدَتْ الرجُل: إِذَا طَعَنْتَه أَوْ رَمَيْتَه بِسَهْمٍ، فَلَمْ تُخْطِ مقَاتِلَه، فَهُوَ مُقْصَد.
وَمِنْهُ شِعْرُ حُميد بْنِ ثَوْرٍ:
أصْبَح قَلْبي مِن سُلَيْمْىَ مُقْصَدَا ... إِنْ خَطَأً مِنْهَا وإنْ تَعَمُّدا
(هـ) وَفِيهِ «كَانَتِ المُدَاعسة بالرِّماح حَتَّى تَقَصَّدَت» أَيْ تَكَسَّرَت وَصَارَتْ قِصَداً:
أَيْ قِطَعا.
(قَصَرَ)
(هـ) فِيهِ «مَنْ كَانَ لَهُ بِالْمَدِينَةِ أصْلٌ فلْيتَمسَّك «2» بِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ فلْيَجْعل لَهُ بِهَا أَصْلًا ولًوْ قَصَرَة» القَصَرة بِالْفَتْحِ وَالتَّحْرِيكِ: أَصْلُ الشَّجَرَةِ، وجمعُها قَصَر، أَرَادَ: فلْيَتَّخِذ لَه بِهَا وَلَوْ نَخْلة وَاحِدَةً.
والقَصَرة أَيْضًا: العُنْق وَأَصْلُ الرَّقَبة.
وَمِنْهُ حَدِيثُ سَلْمَانَ «قَالَ لِأَبِي سُفْيَانَ وَقَدْ مَرَّ بِهِ: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَرة هَذَا مواضعُ لسيُوف الْمُسْلِمِينَ» وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسْلم، فَإِنَّهُمْ كَانُوا حِراصاً عَلَى قَتْله. وَقِيلَ: كَانَ بَعْدَ إسْلامه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي رَيْحَانَةَ «إِنِّي لَأَجِدُ فِي بَعْضِ مَا أنزل من الكتب: الأقبل القَصِيرُ القَصَرة، صاحب العِراقَيْن، مُبَدِّل السُّنة، يَلْعنهُ أهلُ السَّمَاءِ وَأَهْلُ الْأَرْضِ، وَيْلٌ لَهُ ثُمَّ وَيْلٌ لَهُ» .
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ [تَعَالَى] «3» «إنَّها تَرْمي بشَرَرٍ كالقَصَر» «4» هو
__________
(1) في الأصل: «من اقتصد» والمثبت من ا، واللسان.
(2) في الأصل: «فليستمسك» والمثبت من: ا، واللسان، والهروي.
(3) من أ
(4) الآية 32 من سورة المرسلات. وهذه قراءة ابن عباس وابن جبير ومجاهد والحسن وابن مقسم. انظر البحر المحيط 8/ 407 والقرطبي 19/ 162.(4/68)
بِالتَّحْرِيكِ قَالَ: «كُنَّا نَرْفع الخَشَب لِلشِّتَاءِ ثلاثَ أذْرُع أَوْ أقَلّ ونُسَمِّيه القَصَر» يُرِيدُ قَصَر النَّخْل، وَهُوَ مَا غَلُظ مِنْ أسْفَلها، أَوْ أعْناق الإِبل، واحدِتُها قَصَرة.
(هـ) وَفِيهِ «مَن شَهِد الْجُمعة فصلَّى وَلَمْ يُؤْذِ أَحَدًا، بقَصْره «1» إِنْ لَمْ تُغْفَرْ لَهُ جُمْعَتَهُ تِلْكَ ذنوبهُ كلُّها- أَنْ تَكُونَ كَفَّارَتُهُ فِي الْجُمْعَةِ الَّتِي تَلِيهَا» يُقَالُ: قَصْرُك أَنْ تَفْعل كَذَا: أَيْ حَسْبُك، وكِفايَتُك، وغايَتُك. وَكَذَلِكَ قُصَارُك، وقُصاراك. وَهُوَ مِنْ مَعْنَى القَصْر: الحَبْس؛ لِأَنَّكَ إِذَا بَلَغْت الْغَايَةَ حَبَسَتك.
وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ دخَلت عَلَى الْمُبْتَدَأِ دُخُولَهَا فِي قَوْلِهِمْ: بِحْسبك قولُ السُّوءِ.
وَ «جُمْعَته» مَنْصُوبَةٌ عَلَى الظَّرْفِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ مُعَاذٍ «فَإِنَّ لَهُ مَا قَصَر فِي بيْته» أَيْ مَا حَبَسه.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ إِسْلَامِ ثُمامة «فَأَبَى أَنْ يُسْلِم قَصْراً فأعتقَه» يَعْنِي حَبْساً عَلَيْهِ وإجْباراً، يُقَالُ: قَصَرْتُ نفْسي عَلَى الشَّيْءِ: إِذَا حَبَسْتَها عَلَيْهِ وألْزمْتَها إِيَّاهُ.
وَقِيلَ: أَرَادَ قَهْراً وغَلَبة، مِنَ القَسْر، فأبْدل السِّينَ صَادًا، وَهُمَا يَتَبادلاَن فِي كَثِيرٍ مِنَ الْكَلَامِ.
وَمِنَ الْأَوَّلِ الْحَدِيثُ «ولَيَقْصُرنَّه «2» عَلَى الْحَقِّ قَصْراً» .
وَحَدِيثُ أَسْمَاءَ الْأَشْهَلِيَّةِ «إِنَّا مَعْشَرَ النساءِ مَحْصورات مَقْصورات» .
وَحَدِيثُ عُمَرَ «فَإِذَا هُم رَكْبٌ قَدْ قَصَر بِهِمُ اللَّيْلُ» أَيْ حَبسهم عَنِ السَّيْرِ.
وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «قُصِرَ الرجالُ عَلَى أَرْبَعٍ مِنْ أجْلِ أموالِ اليتَامى» أَيْ حُبِسوا ومُنِعوا عَنْ نِكَاحِ أكثرَ مِنْ أَرْبَعٍ.
(س) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «أَنَّهُ مَرَّ برجُل قَدْ قَصَرَ الشَّعر فِي السُّوق فعاقَبَه» قَصَر الشَّعر إِذَا جَزَّهُ، وَإِنَّمَا عَاقَبَهُ لِأَنَّ الرِّيحَ تَحْمِلُهُ فَتُلْقِيهِ فِي الأطْعِمة.
وَفِي حَدِيثِ سُبَيْعة الأسْلَمِية «نَزَلت سُورَةُ النِّساء القُصْرى بَعْدَ الطُّولى» القُصْرى:
تَأْنِيثُ الأَقْصَر، تُريد سُورة الطَّلاق. والطُّولى: سُورَةُ البَقَرة، لِأَنَّ عِدّة الوفاة في البقرة
__________
(1) في الهروي: «فَقَصْرُه» .
(2) في اللسان: «ولتَقْصُرنَّه» .(4/69)
أَرْبَعَةُ أشْهرُ وعشْر، وَفِي سُورَةِ الطَّلَاقِ وَضْع الْحَمْلِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: «وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ» .
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أنَّ أعْرابياً جَاءَ فَقَالَ: عَلِّمني عَملاً يُدْخلني الْجَنَّةَ، فَقَالَ: لَئِنْ كنتَ أَقْصَرْتَ الخُطبة لَقَدْ أَعْرَضْتَ الْمَسْأَلَةَ» أَيْ جِئْتَ بِالْخُطْبَةِ قَصِيرةً وَبِالْمَسْأَلَةِ عَريضة، يَعْنِي قَللَّتَ الخُطبة وأعْظَمْت الْمَسْأَلَةَ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ السَّهْوِ «أقَصُرَتِ الصلاةُ أَمْ نَسِيت؟» تُرْوَى عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَعَلَى تَسْمِية الْفَاعِلِ بِمَعْنَى النَّقص.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «قُلْتُ لعُمر: إِقْصار الصَّلَاةِ الْيَوْمَ» هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ، مِنْ أَقْصر الصَّلَاةَ، لُغة شَاذَّةٌ فِي قَصَرَ.
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: «فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ» .
(س) وَفِي حَدِيثِ عَلْقَمَة «كَانَ إِذَا خَطَب فِي نِكاحٍ قَصَّر دُونَ أَهْلِهِ» أَيْ خَطَب إِلَى مَنْ هُوَ دُونه، وأمْسك عمَّن هُوَ فَوْقه.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الْمُزَارَعَةِ «أنَّ أحدَهم كَانَ يَشْترط ثَلَاثَةَ جَداوِلَ والقُصَارةُ» القُصَارةُ بِالضَّمِّ:
مَا يَبْقى مِنَ الحَبِّ فِي السُّنْبل مَّما لا يَتَخَلَّص بعد ما يُداسُ. وَأَهْلُ الشَّامِ يُسَمُّونه: القِصْرِيّ، بوَزْن القِبْطِي. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(قَصَصَ)
(س) فِي حَدِيثِ الرُّؤْيَا «لَا تَقُصَّها إلاَّ عَلَى وادٍّ» يُقَالُ: قَصَصْت الرُّؤيا عَلَى فُلان إِذَا أخْبَرْتَه بِهَا، أَقُصُّها قَصّاً. والقَصُّ: البَيان. والقَصَصُ بِالْفَتْحِ: الِاسْمُ، وَبِالْكَسْرِ:
جَمْعُ قِصَّة. والقاصُّ: الَّذِي يَأْتِي بالقِصَّة عَلَى وجْهِها، كَأَنَّهُ يَتَتَبَّع مَعانِيَها وألْفاظَها.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَا يَقُصُّ إلاَّ أمِيرٌ أَوْ مَأمور، أَوْ مُخْتال» أَيْ لَا يَنْبَغي ذَلِكَ إلاَّ لأِميرٍ يَعِظُ النَّاسَ ويُخْبِرُهم بِمَا مَضى ليَعْتَبِرُوا، أَوْ مَأمورٌ بِذَلِكَ، فَيَكُونُ حُكْمه حُكْم الأمِير، وَلَا يَقُصُّ تَكَسُّباً، أَوْ يَكُونُ القاصُّ مخْتالاً يَفْعَل ذَلِكَ تَكُّبراً عَلَى النَّاسِ، أَوْ مُرائِياً يُرَائي النَّاسَ بِقَوْلِهِ وَعَمَلِهِ، لَا يَكُونُ وعْظُه وَكَلَامُهُ حَقِيقَةً.(4/70)
وَقِيلَ: أَرَادَ الخُطْبة، لأنَّ الأمَراء كَانُوا يَلونَها فِي الْأَوَّلِ، ويَعِظُون النَّاسَ فِيهَا، ويَقُصُّون عَلَيْهِمْ أخْبار الأمَم السالِفة.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «القاصُّ يَنْتَظِرُ المَقْتَ» لٍمَا يَعْرِض فِي قِصَصِه مِنَ الزِّيَادَةِ والنُّقْصان.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَّما قَصُّوا هَلَكوا» وَفِي رِوَايَةٍ «لَّما هَلَكُوا قَصُّوا» أَيِ اتَّكلوا عَلَى القَول وَتَرَكُوا الْعَمَلَ، فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ هلاكِهم، أَوْ بِالْعَكْسِ، لَّما هَلَكُوا بتركِ الْعَمَلِ أخْلَدوا إِلَى القِصَص.
(س) وَفِي حَدِيثِ المَبْعَث «أَتَانِي آتٍ فقّدَّ مِن قَصِّي إِلَى شِعْرَتي» القَصُّ والقَصَصُ: عَظْم الصَّدْر المَغْرُوزُ فِيهِ شراسيفُ الْأَضْلَاعِ فِي وسَطِه.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَطَاءٍ «كَرِه أَنْ تُذْبحَ الشاةُ مِنْ قَصِّها» .
وَحَدِيثُ صَفْوَانَ بْنِ محرِز «كَانَ يَبْكي حَتَّى يُرَى أَنَّهُ قَدِ انْدَقَّ قَصَصُ «1» زَوْرِه» .
(س) وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْجُد عَلَى قَصَاص الشَّعر» هُوَ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ: مُنْتَهى شَعْر الرَّأْسِ حَيْثُ يُؤخذ بالمِقَصِّ. وَقِيلَ: هُوَ مُنْتهى مَنْبِته مِنْ مُقَدَّمِه.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ سَلمان «ورأيْتُه مُقَصَّصاً» هُوَ الَّذِي لَهُ جُمَّة. وكلُّ خُصْلة مِنَ الشَّعر: قُصَّة.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَنَسٍ «وَأَنْتَ يَوْمَئِذٍ غُلامٌ وَلَكَ قَرْنانِ أَوْ قُصَّتَان» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ «تَناول قُصَّةً مَنْ شَعر كَانَتْ فِي يَدِ حَرَسِيّ» .
(هـ) وَفِيهِ «قَصَّ اللهُ بِهَا خَطاياه» أَيْ نَقَص وأخَذَ.
(هـ) وَفِيهِ «أَنَّهُ نَهَى عَنْ تَقْصِيص القُبور» هُوَ بِناؤها بالقَصَّة، وَهِيَ الجِصُّ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «لَا تَغْتَسِلْنَ مِنَ المَحِيض حَتَّى تَرَيْن القَصَّة البَيْضاء» هُوَ أَنْ تَخْرج القُطْنةُ أَوِ الخِرقة الَّتِي تَحْتَشِي بِهَا الْحَائِضُ كَأَنَّهَا قَصَّة بَيْضاء لَا يُخَالِطها صُفْرة.
وَقِيلَ: القَصَّة شيءٌ كَالْخَيْطِ الْأَبْيَضِ يخرُج بَعْدَ انْقِطاع الدَّم كُلِّهِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ زَيْنَبَ «يَا قَصّة عَلَى مَلْحُودة» شَبَّهَت أجْسامَهم بالقُبور المُتَّخذة مِنَ
__________
(1) يروى: «قضيضُ» وسيجيء.(4/71)
الْجِص، وأنفُسهم بجِيَف المَوْتَى الَّتِي تَشْتمل عَلَيْهَا القُبور.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ «أَنَّهُ خَرَجَ زَمَن الرِدَّة إِلَى ذِي القَصَّة» هِيَ بِالْفَتْحِ: مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنَ الْمَدِينَةِ، كأنَّ «1» بِهِ جِصَّاً، بَعَثَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلمة، وَلَهُ ذِكر فِي حَدِيثِ الرِدَّة.
وَفِي حَدِيثِ غَسْل دَمِ الْحَيْضِ «فتَقُصُّه بِرِيقِهَا» أَيْ تَعَضُّ موضِعه مِنَ الثَّوب بأسْنانها وريِقها لِيَذْهَبَ أَثَرُهُ، كَأَنَّهُ مِنَ القَصِّ: القَطْع، أَوْ تَتَبُّع الْأَثَرِ. يُقَالُ: قَصَّ الْأَثَرَ واقْتَصَّه إِذَا تَتَبَّعه.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فَجَاءَ واقتَصَّ أَثَرَ الدَّمِ» .
وَحَدِيثُ قِصَّةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ «فَقَالَتْ لأُخْته قُصِّيه» .
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقِصُّ مِنْ نَفْسِهِ» يُقَالُ: أَقَصَّه الْحَاكِمُ يُقِصُّه إِذَا مَكَّنه مِنْ أَخْذِ القِصاص، وَهُوَ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ مِثْلَ فِعْله؛ مِنْ قَتْل، أَوْ قَطْع، أَوْ ضَرْب أَوْ جَرْح. والقِصاص: الِاسْمُ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «أُتيَ بشاربٍ فَقَالَ لمُطيع بْنِ الْأَسْوَدِ: اضْربه الْحَدَّ، فَرَآهُ عُمَرُ وَهُوَ يَضْرِبُهُ ضَرْبًا شَدِيدًا، فَقَالَ: قتلْتَ الرَّجُلَ، كَمْ ضَرَبْتَهُ؟ قَالَ: سِتِّينَ، فَقَالَ عُمَرُ: أُقِصَّ مِنْهُ بعشْرين» أَيِ اجْعل شِدَّةَ الضَّرْبِ الَّذِي ضربْته قِصاصا بِالْعِشْرِينَ الْبَاقِيَةِ وَعِوَضًا عَنْهَا.
وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ اسْماً وفِعْلاً ومَصْدَراً.
(قَصَعَ)
(هـ) فِيهِ «خَطَبَهم عَلَى راحِلَته وَإِنَّهَا لتَقْصَعُ بجِرَّتِها» أَرَادَ شِدَّةَ المَضْغ وضَمّ بَعْضِ الأسْنان عَلَى الْبَعْضِ.
وَقِيلَ: قَصْع الجِرّة: خروجُها مِنَ الجَوْف إِلَى الشَدْق ومُتابَعة بَعْضِهَا بَعْضًا. وَإِنَّمَا تَفْعل النَّاقَةُ ذَلِكَ إِذَا كَانَتْ مُطْمَئِنَّة، وَإِذَا خَافَتْ شَيْئًا لَمْ تُخْرِجْها. وأصلُه مِنْ تَقْصِيع اليَرْبُوع، وَهُوَ إخْراجُه تُرابَ قَاصِعَائِه، وَهُوَ جُحْره.
(س) وَمِنَ الْأَوَّلِ حَدِيثُ عَائِشَةَ «مَا كَانَ لِإِحْدَانَا إلاَّ ثَوْبٌ واحدٌ تَحِيض فيه، فإذا
__________
(1) في الأصل: «كان» . وفي اللسان: «كان به حَصىً» وما أثبتُّه من: ا.(4/72)
أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ دَمٍ قَالَتْ برِيِقها فقَصَعَتْه» أَيْ مَضَغَتْه ودَلَكَتْه بُظْفرها.
وَيُرْوَى «مَصَعْته» بِالْمِيمِ. وَسَيَجِيءُ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «نَهى أَنْ تُقْصَعَ القَمْلُة بالنَّواة» أَيْ تُقْتَل. والقَصْع: الدَّلْك بالظُّفْر.
وَإِنَّمَا خَصّ النَّواة لِأَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا يَأْكُلُونَهُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ «1» .
وَفِي حَدِيثِ مُجَاهِدٍ «كَانَ نَفَسُ آدمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدْ آذَى أهلَ السَّمَاءِ فقَصَعَه اللَّهُ قَصْعَةً فاطْمأنّ» أَيْ دَفَعه وكَسَره.
وَمِنْهُ «قَصَعَ عَطَشَه» إِذَا كَسَره بالرِّيّ.
وَفِي حَدِيثِ الزِّبْرِقان «أبَغْضُ صِبْيانِنا إِلَيْنَا الأُقَيْصِعُ الكَمَرة» هُوَ تَصْغِيرُ الأَقْصَع، وَهُوَ القَصيرُ القُلْفة، فَيَكُونُ طَرَفُ كَمَرَتِهِ بَادِيًا. وَيُرْوَى بِالسِّينِ. وَسَيَجِيءُ «2» .
(قَصَفَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَا والنَّبِيُّون فُرَّاطُ القاصِفين «3» » هُمُ الَّذِينَ يَزْدَحِمُون حَتَّى يَقْصِفَ بعضُهم بَعْضًا، مِنَ القَصْف: الكَسْر والدَّفْع الشَّدِيدُ لفَرْط الزِحام، يُرِيدُ أَنَّهُمْ يَتَقَدَّمُونَ الْأُمَمَ إِلَى الْجَنَّةِ، وَهُمْ عَلَى أثَرِهم، بِداراً مُتدافِعين ومُزْدَحِمين.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَمَا يُهِمُّني مِنَ انْقِصَافِهم عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ أهَمُّ عِنْدِي مِنْ تَمام شَفاعِتي» يَعْنِي اسْتِسْعادَهم بِدُخُولِ الْجَنَّةِ، وَأَنْ يَتِمَّ لَهُمْ ذَلِكَ أهَمَّ عِنْدِي مِنْ أنْ أبلُغَ أَنَا مَنْزلة الشَّافعين المشَّفعين؛ لأنَّ قَبُول شَفَاعَتِهِ كَرَامَةٌ لَهُ، فَوُصُولُهُمْ إِلَى مُبْتَغَاهُمْ آثَرُ عِنْدَهُ مِنْ نَيْل هَذِهِ الكَرامة، لِفَرْط شَفَقَتِه عَلَى أمَّته.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «كَانَ يُصَلِّي ويَقْرأ الْقُرْآنَ فيَتَقَصَّف عَلَيْهِ نِساء الْمُشْرِكِينَ وأبْناؤهم» أَيْ يَزْدَحِمون.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ الْيَهُودِيِّ «لَمَّا قَدِم النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ قال: تَركْتُ
__________
(1) الذي في الهروي: «يَحتمل أن يكون ذلك لفضل النخلة، ويَحتمل أنه قال ذلك؛ لأنها قوت الدواجن» .
(2) في مادة (قعس)
(3) في الهروي واللسان والدر النثير: «فُرَّاطٌ لِقاصفين» وقد أشار السيوطي إلى الروايتين. وانظر ما سبق ص 434 من الجزء الثالث.(4/73)
ابْنَيْ قَيْلَةَ «4» يَتَقَاصَفُون عَلَى رجُلٍ يَزْعُم أَنَّهُ نَبِيٌّ» .
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «شَيَّبَتْني هُودُ وأخَواتُها، قَصَّفْن عليَّ الأمَم» أَيْ ذُكِرَ لِي فِيهَا هلاكُ الأمَم، وقُصَّ عليَّ فِيهَا أخبارهُم، حَتَّى تَقَاصف بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، كَأَنَّهَا ازْدَحَمَت بتَتابُعِها.
وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَصِف أَبَاهَا «وَلَا قَصَفُوا لَهُ قَناة» أَيْ كَسَروا.
وَفِي حَدِيثِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وضَرْبِه البَحْر «فانتَهَى إِلَيْهِ وَلَهُ قَصِيفٌ مَخافةَ أَنْ يَضْرِبَه بِعَصَاهُ» أَيْ صَوْتٌ هَائِلٌ يُشْبِه صَوْتَ الرعْد.
وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ «رَعْدٌ قاصِف» أَيْ شَدِيدٌ مُهْلِك لشِدّة صَوْتِه.
(قَصَلَ)
- فِي حَدِيثِ الشَّعْبِيّ «أُغْمِي عَلَى رجُل مِنْ جُهَينة، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: مَا فَعَل القُصَل؟» هُوَ بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الصَّادِ: اسْم رَجل.
(قَصَمَ)
- فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ «لَيْسَ فِيهَا قَصْمٌ وَلَا فَصْمٌ» القَصْم: كَسْر الشَّيْءِ وإبانَته، وَبِالْفَاءِ:
كسْره مِنْ غَيْرِ إِبَانَةٍ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «الفاجِر كالأَرْزة صَمَّاء مُعْتدِلة حَتَّى يَقْصِمها اللَّهُ» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ تَصِفُ أَبَاهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «وَلَا قَصَمُوا لَهُ قَناة» ويُروى بِالْفَاءِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ «فَوَجَدْتُ انقِصَاماً فِي ظهْرِي» ويُروَى بِالْفَاءِ. وَقَدْ تَقَدَّمَا.
(هـ) وَفِيهِ «اسْتَغْنُوا عَنِ النَّاسِ وَلَوْ عَنْ قِصْمة السِّوَاكِ» القِصْمة بالكسْر: مَا انْكَسر مِنْهُ وانْشَقَّ إِذَا اسْتِيك بِهِ. ويُرْوَى بِالْفَاءِ.
(هـ) وَفِيهِ «فَمَا تَرْتَفِع فِي السَّمَاءِ مِنْ قَصْمَةٍ إِلَّا فُتِح لَهَا بَابٌ مِنَ النَّارِ» يَعْنِي الشَّمْسَ.
القَصْمة بِالْفَتْحِ: الدَّرَجة، سُمِّيت بِهَا لِأَنَّهَا كِسْرة، مِنَ القَصْم: الكَسْر.
(قَصَا)
(س) فِيهِ «الْمُسْلِمُونَ تَتَكافَأ دِماؤهم، يَسْعَى بذِمَّتِهم أَدْنَاهُمْ، ويَرُدُّ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُم» أَيْ أبعَدُهم. وَذَلِكَ فِي الغَزْوِ، إِذَا دَخَل العَسْكر أَرْضَ الحرْب فوَجَّه الْإِمَامُ مِنْهُ السَّرايا، فَمَا غَنِمَت مِنْ شَيْءٍ أخَذَت مِنْهُ مَا سُمِّي لَهَا، ورُدَّ مَا بَقَي عَلَى العْسكر؛ لِأَنَّهُمْ وإنْ لَمْ يشهَدوا الْغَنِيمَةَ رِدْءٌ للسَّرايا وظَهْرٌ يَرْجِعون إليهم.
__________
(4) في ا: «أبناء قيلة» .(4/74)
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ وَحْشيّ قاتِل حَمْزَةَ «كنتُ إِذَا رأيتُه فِي الطَّرِيقِ تَقَصَّيْتُها» أَيْ صِرْتُ فِي أَقْصَاها وَهُوَ غايَتُها، والقَصْوُ: البُعد. والأَقْصَى: الأبْعَد.
وَفِي الْحَدِيثِ «أَنَّهُ خَطَب عَلَى ناقَتِه القَصْواء» قَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُهَا فِي الْحَدِيثِ، وَهُوَ لَقَبُ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والقَصْوَاء: النَّاقَةُ الَّتِي قُطِع طَرَف أُذنِها، وكلُّ مَا قُطِع مِنَ الأذُنِ فَهُوَ جَدْع، فَإِذَا بَلَغ الرُّبعَ فَهُوَ قَصْع، فَإِذَا جاوَزَه فَهُوَ عَضْب، فَإِذَا اسْتُؤصِلَت فَهُوَ صَلْم.
يُقَالُ: قَصَوْتُهُ قَصْواً فَهُوَ مَقْصُوٌّ، وَالنَّاقَةُ قَصْوَاء. وَلَا يُقَالُ بَعِيرٌ أَقْصَى.
وَلَمْ تَكُنْ نَاقَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصْوَاء، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا لقَباً لَهَا. وَقِيلَ: كَانَتْ مَقْطوعة الأذُنِ.
وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ لَهُ ناقةٌ تُسَمَّى «العَضْباء» ، وناقةٌ تُسَمَّى «الجَدْعاء» . وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «صَلْماء» ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى «مُخَضْرَمة» هَذَا كُلُّهُ فِي الأذُن، فيَحْتمِل أَنْ يَكُونَ كلُّ وَاحِدٍ صِفَةَ نَاقَةٍ مُفْرَدة، ويَحْتمِل أَنْ يَكُونَ الْجَمِيعُ صِفة نَاقَةٍ وَاحِدَةٍ، فسمَّاها كلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمَا تَخَيَّل فِيهَا.
ويُؤيِّد ذَلِكَ مَا رُوِي فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ بَعثَه رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَلِّغ أهلَ مَكَّةَ سُورَةَ بَراءة، فرَواه ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ رَكب نَاقَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «القَصْوَاء» وَفِي رِوَايَةِ جَابِرٍ «العَضْباء» . وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِهِمَا «الجَدْعاء» فَهَذَا يُصَرِّح أَنَّ الثَّلَاثَةَ صِفَةُ نَاقَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ القَضيَّة وَاحِدَةٌ.
وَقَدْ رُوِي عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «خَطَبنا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ناقةٍ جَدْعاء وَلَيْسَتْ بالعَضْباء» وَفِي إسْنادِه مَقال.
وَفِي حَدِيثِ الْهِجْرَةِ «أنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ: إنَّ عِنْدِي ناقَتَين، فأعْطَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إحداهُما وَهِيَ الجَدْعاء» .
(س) وَفِيهِ «إنَّ الشَّيْطَانَ ذِئب الْإِنْسَانِ، يأخُذ القَاصِية والشاذَّة» القَاصِية: المُنفرِدة عَنِ القَطِيع الْبَعِيدَةُ مِنْهُ. يُريد أَنَّ الشَّيْطَانَ يَتَسَلَّط عَلَى الْخَارِجِ مِنَ الجَماعة وَأَهْلِ السُّنَّةِ.(4/75)
بَابُ الْقَافِ مَعَ الضَّادِ
(قَضَأَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ الْمُلَاعَنَةِ «إِنْ جَاءَتْ بِهِ قَضِيءَ العَين فَهُوَ لهِلال» أَيْ فاسِد الْعَيْنِ. يُقَالُ: قَضِئَ الثَّوب يَقْضَأُ فهو قَضِئٌ، مِثْلُ حّذِرَ، يَحْذَر فَهُوَ حَذِرٌ؛ إِذَا تَفَزَّر وتَشَقَّقَ؛ وتَقَضَّأَ الثوبُ مِثْلُهُ.
(قَضَبَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا «رَأَتْ ثَوْباً مَصَلَّباً فَقَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَآهُ فِي ثَوْبٍ قَضَبَه» أَيْ قَطَعه. والقَضْب: القَطْع. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
وَفِي مَقْتل الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «فجَعل ابْنُ زِيَادٍ يَقْرَعُ فَمَهُ بقَضِيب» أَرَادَ بالقَضِيب:
السَّيفَ الَّلطيف الدَّقيق. وَقِيلَ: أَرَادَ العُود.
(قَضَضَ)
- فِيهِ «يُؤْتَى بِالدُّنْيَا بقَضِّها وقَضِيضها» أَيْ بِكُلِّ مَا فِيهَا، مِنْ قَوْلِهِمْ: جَاءُوا بقَضِّهم وقَضِيضِهم: إِذَا جَاءُوا مُجْتمِعين، يَنْقَضُّ آخرُهم عَلَى أَوَّلِهِمْ، مِنْ قَوِلهم: قَضَضْنا عَلَيْهِمْ، وَنَحْنُ نَقُضُّها قَضّاً.
وتَلْخيصه أَنَّ القَضّ وُضِع موضعَ القَاضّ، كزَوْر وصَومٍ، فِي زائِر وَصَائِمٍ. والقَضِيض: مَوْضِعُ المَقْضُوض؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لِتَقَدُّمه وحَمْله الْآخَرَ عَلَى اللَّحَاقِ بِهِ، كَأَنَّهُ يَقُضُّه عَلَى نَفْسِهِ. فحقيقتُه جَاءُوا بمُستَلْحِقِهم ولاحِقهم: أَيْ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ.
وألْخَصُ مِنْ هَذَا كلِّه قولُ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ: إنَّ القَضَّ: الحَصى الكِبارُ، وَالْقَضِيضَ: الحَصَى الصِغار:
أَيْ جَاءُوا بِالْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ «دَخَلَتِ الجنةَ أمَّة بقَضِّها وقَضِيضها» .
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي الدَّحْداح:
وارْتَحِلي بالقَضّ والأوْلاد»
أَيْ بِالْأَتْبَاعِ ومن يتَّصِل بك.
__________
(1) في الهروى: «فارتحلى» .(4/76)
(س) وَفِي حَدِيثِ صَفْوان بْنِ مُحْرِز «كَانَ إِذَا قَرأ هَذِهِ الْآيَةَ «وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ» بَكَى حَتَّى يُرَى لَقَدِ انْقَدَّ قَضِيضُ زَوْره» هَكَذَا رُوي.
قَالَ القُتَيْبي: هُوَ عِنْدِي خَطَأٌ مِنْ بَعْضِ النَّقَلة، وَأَرَاهُ «قَصَصُ زَوْرِه» وَهُوَ وَسَط الصدَّر. وَقَدْ تَقَدَّمَ، ويَحْتمل إِنْ صَحَّت الرِّوَايَةُ: أَنْ يُرَاد بالقَضِيض صِغارُ العِظام تَشْبِيهًا بصِغار الحَصَى.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الزُّبير وهَدْم الْكَعْبَةِ «فأخَذ ابنُ مُطِيعٍ العَتَلَة فَعَتَل نَاحِيَةً مِنَ الرُّبْض فأَقَضَّه» أَيْ جَعَله قَضَضاً. والقَضَض: الحَصى الصِّغار، جمعِ قِضَّة، بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ هَوَازِنَ «فاقْتَضَّ الْإِدَاوَةَ» أَيْ فَتَحَ رأسَها، مِنَ اقتِضَاض البِكْر. ويُرْوَى بِالْفَاءِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ.
(قَضْقَضَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ مَانِعِ الزَّكَاةِ «يُمَثَّل لَهُ كَنْزُه [يَوْمَ الْقِيَامَةِ] «1» شُجاعاً فيُلْقِمه يدَه فيُقَضْقِضُها» أَيْ يكْسرها. وَمِنْهُ: أسَدٌ قَضْقاض: إِذَا كَانَ يَحْطِم فَرِيسته.
(هـ) وَمِنْهُ حديث صَفيّة بنت عبد المطلب «فأطلَّ علينا يهودِيٌّ فقُمت إِلَيْهِ فضرَبْتُ رَأْسَهُ بالسيْف، ثُمَّ رَمَيْتُ بِهِ عَلَيْهِمْ، فتَقَضْقَضُوا» أَيِ انكَسَروا وَتَفَرَّقُوا.
(قَضَمَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ الزُّهري «قُبِض رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآنُ فِي العُسُب والقُضُم» هِيَ الْجُلُودُ البِيض، وَاحِدُهَا: قَضِيم، ويُجمع عَلَى: قَضَمٍ أَيْضًا، بِفَتْحَتَيْنِ، كأديِم وأدَم.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ وَهِيَ تَلْعَبُ ببِنْتِ مُقَضّمة» هِيَ لُعْبة تُتَّخَذ مِنْ جُلُودٍ بِيضٍ. وَيُقَالُ لَهَا: بِنْتُ قُضَّامة «2» بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيدِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «ابْنُوا شَدِيدًا، وأمِّلوا بَعِيدًا، واخْضَموا فسَنَقْضِم» «3» القَضْم: الْأَكْلُ بِأَطْرَافِ الْأَسْنَانِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «تَأْكُلُونَ خَضْماً ونأكل قَضْما» .
__________
(1) زيادة من الهروي. وانظر ما سبق ص 447 من الجزء الثاني.
(2) حكي في اللسان عن ابن بَرَّي «بضم القاف غير مصروف» .
(3) في اللسان: «فإنا سنقضم» .(4/77)
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا «فأخذتِ السَّواك فقَضَمَتْه وطَيَّبْته» أَيْ مَضَغَتْه بِأَسْنَانِهَا ولَيَّنَتْه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «كَانَتْ قُرَيْشٌ إِذَا رَأَتْهُ قَالَتِ: احْذَرُوا الحُطَم، احْذَروا القُضَم» أَيِ الَّذِي يَقْضِم النَّاسَ فَيُهْلِكهم.
(قَضَا)
(س) فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ «هَذَا مَا قاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ» هُوَ فاعَل، مِنَ القَضاء: الفَصْل والحُكْم؛ لِأَنَّهُ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ.
وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذِكر «القَضاء» . وأصلُه: القَطْع والفَصْل. يُقَالُ: قَضَى يَقْضِي قَضاءً فَهُوَ قاضٍ: إِذَا حكَم وفَصَل. وقَضاءُ الشَّيْءِ: إحْكامه وإمْضاؤه والفَراغ مِنْهُ، فَيَكُونُ بِمَعْنَى الخَلْق.
وَقَالَ الزُّهري: القَضاءُ فِي الُّلغة عَلَى وُجُوهٍ، مَرْجعها إِلَى انْقِطَاعِ الشَّيْءِ وتَمامه. وكلُّ مَا أُحكِم عَملُه، أَوْ أُتِمَّ، أَوْ خُتِم، أَوْ أُدِّي، أَوْ أُوجِبَ، أَوْ أُعْلِم، أَوْ أُنفِذَ، أَوْ أُمْضيَ. فَقَدْ قُضِيَ. وَقَدْ جَاءَتْ هَذِهِ الوجُوه كلُّها فِي الْحَدِيثِ.
وَمِنْهُ «القَضاء المَقْرون بالقَدَر» وَالْمُرَادُ بالقَدَر: التقْدير، وَبِالْقَضَاءِ: الخَلْق، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
«فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ»
أَيْ خَلَقَهُنَّ.
فالقَضاء والقَدَر أَمْرَانِ مُتَلازِمان لَا يَنْفَك أحدُهما عَنِ الآخَر، لِأَنَّ أحدَهُما بمَنْزلة الْأَسَاسِ وَهُوَ القَدَر، والآخَرَ بِمَنْزِلَةِ البِناء وَهُوَ القَضاء، فَمَنْ رَامَ الْفَصْلَ بَيْنَهُمَا، فَقَدْ رَامَ هَدْم البِناء ونَقْضَه.
وَفِيهِ ذِكْر «دارِ الْقَضَاءِ بِالْمَدِينَةِ» قِيلَ: هِيَ دَارُ الْإِمَارَةِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ خَطَأٌ، وَإِنَّمَا هِيَ دَارٌ كَانَتْ لعُمَر بْنِ الْخَطَّابِ؛ بيعَت بَعْدَ وَفاته فِي دَيْنه، ثُمَّ صَارَتْ لِمَروان وَكَانَ أمِيراً بِالْمَدِينَةِ، وَمِنْ هَاهُنَا دَخَل الْوَهْم عَلَى مَنْ جَعَلها دارَ الْإِمَارَةِ.
بَابُ الْقَافِ مَعَ الطَّاءِ
(قَطْ)
(س) فِيهِ «ذَكَر النارَ فَقَالَ: حَتَّى يَضَعَ الجبَّارُ فِيهَا قَدَمَه فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ» بِمَعْنَى حَسْب، وَتَكْرَارُهَا لِلتَّأْكِيدِ، وَهِيَ سَاكِنَةُ الطَّاءِ مخففَّة.(4/78)
وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ «فَتَقُولُ: قَطْنِي قَطْنِي» أَيْ حَسْبِي.
وَمِنْهُ حَدِيثُ قَتْلِ ابْنِ أَبِي الحُقيق «فتَحامل عَلَيْهِ بسَيْفه فِي بَطْنه حَتَّى أنفَذَه، فَجَعل يَقُولُ:
قَطْنِي قَطْنِي» .
(س) وَفِي حَدِيثِ أُبَيّ «وَسَأَلَ زِرّ بْنُ حُبَيْش عَنْ عدَد سُورَةِ الْأَحْزَابِ فَقَالَ: إمَّا ثَلَاثًا وَسَبْعِينَ، أَوْ أَرْبَعًا وَسَبْعِينَ فَقَالَ: أقَطْ؟» بِأَلِفِ الاسِتفهام: أَيْ أحَسْب؟
وَمِنْهُ حَدِيثُ حَيْوَة بْنِ شُرَيح «لَقيتُ عُقْبَة بْنَ مُسْلِمٍ فَقُلْتُ لَهُ: بَلَغني أَنَّكَ حَدَّثْتَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ أَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ، وبوَجْهه الْكَرِيمِ، وسُلطانه الْقَدِيمِ، مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، قَالَ: أقَطْ؟
قلتُ: نَعم» .
(قَطَبَ)
(س) فِيهِ «أَنَّهُ أُتِيَ بنَبيذٍ فشمَّه فقَطَّبَ» أَيْ قَبَض مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَمَا يَفْعله العَبُوس، ويُخَفَّف ويُثقل.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ الْعَبَّاسِ «مَا بالُ قُريش يَلْقَوْنَنا بوجوهٍ قاطِبة» أَيْ مُقَطبة، وَقَدْ يَجِيءُ فاعِل بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، كعِيشة رَاضِيَةٍ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلٌ عَلَى بَابِهِ، مِنْ قَطَبَ المخَفَّفة.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ «دائِمة القُطوب» أَيِ العُبوس. يُقَالُ: قَطَبَ يَقْطِب قُطُوباً. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
وَفِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ «وَفِي يَدِها أثرُ قُطْب الرَّحى» هِيَ الْحَدِيدَةُ المركَّبة فِي وسَط حَجر الرَّحَى السُّفْلى الَّتِي تَدُور حَوْلها العُلْيا.
(هـ) وَفِيهِ «أَنَّهُ قَالَ لِرَافِعِ بْنِ خَديج- ورُمي بَسَهْم فِي ثَنْدُوَته- إِنْ شِئتَ نزَعْتُ السَّهم وتَرَكْتُ القُطْبة وَشَهِدَتْ لَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّكَ شهيدٌ» القُطْبة والقُطْب: نصْل السَّهْمِ.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فَيَأْخُذُ سَهْمه فَيَنْظُر إِلَى قُطْبه فَلَا يَرَى عَلَيْهِ دَمًا» .
وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «لمَّا قُبِض رسولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْتَدَّت الْعَرَبُ قَاطِبةً» أَيْ جَمِيعُهُمْ، هَكَذَا يُقَالُ نَكِرَةً مَنْصُوبَةً غَيْرَ مُضافة، ونَصبُها عَلَى الْمَصْدَرِ أَوِ الْحَالِ.(4/79)
(قَطَرَ)
(س) فِيهِ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ مُتَوَشِّحاً بِثَوْبٍ قِطْرِيّ» هُوَ ضَرْب مِنَ البُرود فِيهِ حُمْرة، وَلَهَا أعْلام فِيهَا بَعْضُ الْخُشُونَةِ.
وقيل: هى حلل جياد تُحْمَل مِنْ قِبَل البَحْرين.
وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: فِي أعْراض البَحْرين قَرْيَةٌ يُقَالُ لَهَا: قَطَر، وأحْسَب الثِياب القَطْرية نُسِبَت إِلَيْهَا، فَكَسَرُوا الْقَافَ لِلنِّسْبَةِ وخففَّوا.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ «قَالَ أيْمَنُ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ وَعَلَيْهَا دَرْعٌ قِطْرِيٌّ ثَمنُ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ» وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «فَنَفَرتْ نَقَدَةٌ فقَطَّرَت الرجُل فِي الفُرات فغَرِق» أَيْ ألْقَتْه فِي الفُرات عَلَى أحدِ قُطْرَيه: أَيْ شِقَّيْه. يُقَالُ: طَعَنه فقَطَّره إِذَا ألْقاه. والنَّقَدُ: صِغار الغَنَم.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أنَّ رَجُلًا رَمَى امْرَأَةً يَوْمَ الطَّائِفِ، فَمَا أَخْطَأَ أَنْ قطَّرها» .
(هـ) وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ «لَا يُعْجِبَنَّك مَا تَرى مِنَ المَرْء حَتَّى تَنْظُر عَلَى أيِّ قُطْرَيْهِ يَقَع «1» » أَيْ عَلَى أَيِّ جَنْبَيْه يَكُونُ، فِي خاتمةِ عَمَلِهِ، عَلَى الْإِسْلَامِ أَوْ غَيْرِهِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ تَصِفُ أَبَاهَا «قَدْ جَمع حاشِيَتَه وضَمّ قُطْرَيه» أَيْ جَمع جانِبَيْه عَنْ الانْتِشار والتَّبَدْد والتَّفرّق.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ ابْنِ سِيرِينَ «أَنَّهُ كَانَ يَكْره القَطَر» هُوَ- بِفَتْحَتَيْنِ- أَنْ يَزِن جُلَّةً مِنْ تَمْرٍ، أَوْ عِدْلاً مِنْ مَتَاعٍ وَنَحْوِهِمَا، ويَأخُذ مَا بَقي عَلَى حِساب ذَلِكَ وَلَا يَزِنهُ، وَهُوَ المُقَاطَرة.
وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يأتِيَ الرجل إلى آخر فيقول له: بعنى مالك فِي هَذَا الْبَيْتِ مِنَ التَّمر جُزَافاً، بِلَا كَيل وَلَا وَزْن. وَكَأَنَّهُ مِنْ قِطار الْإِبِلِ، لاتِّباع بعضِه بَعْضًا. يُقَالُ: أَقْطَرْتُ الإبلَ وقَطَّرْتُها.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمارة «أَنَّهُ مَرَّت بِهِ قِطارة جِمال» القِطارة والقِطارُ: أَنْ تُشَدَّ الإبِلُ عَلَى نَسَقٍ، وَاحِدًا خَلْف وَاحِدٍ.
(قُطْرُبٌ)
(هـ) فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «لَا أعْرِفَنّ «2» أحدَكم جيِفَة لَيْل قُطْرُبَ
__________
(1) في الهروي: «وَقَع» .
(2) في الأصل: «لا عرفنّ» والتصحيح من ا، واللسان، والهروي، والفائق 2/ 360.(4/80)
نَهَارٍ» القُطْرُب: دُوَيْبَّةٌ لَا تَسْتريح نهارَها سَعْياً، فشَبَّه بِهِ الرجُل يسْعى نَهَارَه فِي حَوَائِجِ دُنْياه، فَإِذَا أمْسى كَانَ كَالًّا تَعِباً، فيَنام ليلَتَه حَتَّى يُصْبح، كَالْجِيفَةِ الَّتِي لَا تَتَحَرَّكُ «1» .
(قَطَطَ)
- فِي حَدِيثِ المُلاَعَنَة «إِنْ جَاءَتْ بِهِ جَعْداً قَطَطاً فَهُوَ لفُلان» القَطَطُ: الشَّدِيدُ الجعُودة. وَقِيلَ: الحَسَن الجُعُودة، وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «كَانَ إِذَا عَلاَ قَدَّ، وَإِذَا توسَّط قَطَّ» أَيْ قَطعه عَرْضاً نِصْفَيْنِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ زَيْدٍ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ «كَانَا لَا يَرَيانِ بِبَيْعِ القُطوط بَأْسًا إِذَا خَرجَت» القُطوط: جمْع قِطّ، وَهُوَ الْكِتَابُ والصَّكّ يُكْتَب لِلْإِنْسَانِ فِيهِ شَيْءٌ يَصِل إِلَيْهِ.
والقِطُّ: النَّصيب.
وَأَرَادَ بِهَا الأرزاقَ وَالْجَوَائِزَ الَّتِي كَانَ يَكْتُبها الأمَراء لِلنَّاسِ إِلَى الْبِلَادِ والعُمّال، وبيْعُها عِنْدَ الْفُقَهَاءِ غَيْرُ جَائِزٍ مَا لَمْ يَحْصُل مَا فِيهَا فِي مِلْك مَن كُتِبَت لَهُ.
(قَطَعَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّ رَجُلًا أَتَاهُ وَعَلَيْهِ مُقَطَّعاتٌ لَهُ» أَيْ ثِيابٌ قِصار، لِأَنَّهَا قُطِعَت عَنْ بُلوغ التَّمام.
وَقِيلَ: المُقَطَّع مِنَ الثِّيَابِ: كُلُّ مَا يَفصَّل ويُخاط مِنْ قَمِيصٍ وَغَيْرِهِ، وَمَا لَا يُقْطَع مِنْهَا كَالْأُزُرِ والأرْدية.
وَمِنَ الْأَوَّلِ:
(هـ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي وَقْتِ صَلَاةِ الضُّحى «إِذَا تَقَطَّعَت «2» الظِّلَالُ» أَيْ قَصُرت، لِأَنَّهَا تَكُونُ بُكْرة مُمْتَّدة، فكلَّما ارتَفَعت الشَّمْسُ قَصُرت.
وَمِنَ الثَّانِي:
(هـ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ فِي صِفَةِ نَخْلِ الْجَنَّةِ «منها مُقَطَّعَاتُهم وحُلَلُهم» ولم يكُن يصقها بالقِصَر؛ لأنه عيْب.
__________
(1) الذي في اللسان: «كالجيفة لا يتحرّك» .
(2) في الهروي: «انقطعت» .(4/81)
وَقِيلَ: المُقَطَّعات لَا وَاحِدَ لَهَا، فَلَا يُقَالُ للجُبَّة الْقَصِيرَةِ مُقَطَّعة، وَلَا للقَميص مُقَطَّع، وَإِنَّمَا يُقَالُ لجُمْلة الثِّيَابِ القِصار مُقَطعات، وَالْوَاحِدُ ثَوبٌ.
(هـ) وَفِيهِ «نَهى عَنْ لُبْس الذَّهَبِ إلآَّ مُقَطعا» أَرَادَ الشَّيْءَ الْيَسِيرَ مِنْهُ، كالْحَلقة والشنَّفْ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وكَره الْكَثِيرَ الَّذِي هُوَ عَادَةُ أَهْلِ السَّرَف والخُيَلاء والكِبْر. واليسيرُ هُوَ مَا لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ.
ويُشْبِه أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا كَرِه اسْتِعْمَالَ الْكَثِيرِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ رُبَّمَا بَخِل بِإِخْرَاجِ زَكَاتِهِ فَيأثَم بِذَلِكَ عِنْدَ مَن أوجَب فِيهِ الزَّكَاةَ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أبْيَضَ بْنِ حَمَّال «أَنَّهُ اسْتَقْطَعَه الملْح الَّذِي بمأرب» أى سأله أن أَنْ يَجعله لَهُ قِطاعا يَتَمَلَّكُه ويَسْتَبِدُّ بِهِ ويَنْفرِدُ. والإِقطاع يَكُونُ تَمْلِيكًا وَغَيْرَ تَمليك.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَمَّا قَدِم المدينةَ أَقْطَع الناسَ الدُّورَ» أَيْ أنزْلَهم فِي دُور الأنْصار.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ أَقْطَع الزُّبَير نَخْلاً» يُشْبِه أَنَّهُ إِنَّمَا أَعْطَاهُ ذَلِكَ مِنَ الخُمس الَّذِي هُوَ سَهْمُهُ، لِأَنَّ النَّخْلَ مَالٌ ظَاهِرُ الْعَيْنِ حَاضِرُ النَّفْع، فَلَا يَجُوزُ إِقْطاعُه. وَكَانَ بعضُهم يَتأوّل إِقْطاع النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المُهاجرين الدُّورَ عَلَى مَعْنَى العارِية.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «كَانُوا أَهْلَ دِيوان أَوْ مُقْطَعين» بِفَتْحِ الطَّاءِ، ويُروى «مُقْتَطِعين» ؛ لِأَنَّ الجُند لَا يَخْلُون مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ.
وَفِي حَدِيثِ الْيَمِينِ «أَوْ يَقْتَطِع بِهَا مال امْرِىء مُسْلِمٍ» أَيْ يَأْخُذُهُ لِنَفْسِهِ مُتَمَلِّكًا، وَهُوَ يَفْتَعِلُ مِنَ القَطْع.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فخَشِينا أَنْ يُقْتَطَع دونَنا» أَيْ يُؤْخَذَ ويُنْفَرد بِهِ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «وَلَوْ شِئنا لاقْتَطَعْنَاهم» .
وَفِيهِ «كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْطَع بَعْثاً» أَيْ يُفْرد قَوماً يَبْعَثهم فِي الغَزْو ويُعَيّنهم مِنْ غَيْرِهِمْ.
وَفِي حَدِيثِ صِلَةِ الرَّحِمِ «هَذَا مَقام العائذِ بِكَ مِنَ القَطِيعة» القَطيعة: الْهِجْرَانُ وَالصَّدُّ، وَهِيَ فَعِيلة، مِنَ القَطْع، ويُريد بِهِ تَرْكَ البرِّ وَالْإِحْسَانِ إِلَى الْأَهْلِ وَالْأَقَارِبِ، وَهِيَ ضدُّ صِلَةِ الرَّحِمِ.(4/82)
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «لَيْسَ فِيكُمْ مَنْ تَقَطَّعُ دُونَهُ «1» الأعْناق مِثْل «2» أَبِي بَكْرٍ» أَيْ لَيْسَ فِيكُمْ [أحَدٌ] «3» سابقٌ إِلَى الْخَيْرَاتِ، تَقَطَّع أعْناق مُسابقيه حَتَّى لَا يَلْحَقَه أحدٌ مِثْل أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. يُقَالُ للفَرس الجَواد: تَقَطَّعَت أَعْنَاقُ الْخَيْلِ عَلَيْهِ فَلَمْ تَلْحقه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ «4» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «فَإِذَا هِيَ يُقَطَّع «5» دونَها السَّراب» أَيْ تُسْرع إسْراعاً «6» كَثِيرًا تَقَدّمَت بِهِ وفاتَت، حَتَّى إِنَّ السَّراب يَظْهر دونَها: أَيْ مِن وَرائها لبُعدِها فِي البَرِّ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «أَنَّهُ أَصَابَهُ قُطْع» القُطْع: انْقطاع النَّفَس وضِيقُه.
(هـ) وَفِيهِ «كَانَتْ يَهُودُ قَوْمًا لَهُمْ ثِمارٌ لَا تُصِيبها قُطْعَةٌ» أَيْ عَطَشٌ بِانْقِطَاعِ الْمَاءِ عَنْهَا.
يُقَالُ: أَصَابَتِ الناسَ قُطْعَةٌ: أَيْ ذَهَبت مِياه رَكاياهم.
وَفِيهِ «إِنَّ بَيْن يَدَي السَّاعَةِ فِتَناً كقِطْع اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ» قِطْعُ اللَّيْلِ: طَائِفَةٌ مِنْهُ، وقِطْعة.
وجَمْع القِطْعة: قِطَع. أَرَادَ فِتْنة مُظلِمة سَوْدَاءَ تَعْظِيمًا لِشأنها.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ والجِنّي «فَجَاءَ وَهُوَ عَلَى القِطْع فَنَفَضه «7» » القِطْع بِالْكَسْرِ:
طِنْفِسة تَكُونُ تَحْتَ الرّحْل عَلَى كَتِفَي الْبَعِيرِ.
(هـ) وَفِيهِ «أَنَّهُ قَالَ لَمَّا أنشده العباس ابن مِرْداس أَبْيَاتَهُ العَيْنِيَّة: اقْطَعُوا عَنِّي لِسَانَهُ» أَيْ أعْطُوه وأرْضُوه حَتَّى يَسْكُت، فكَنَي بِاللِّسَانِ عَنِ الْكَلَامِ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَتَاهُ رجلٌ فَقَالَ: إِنِّي شَاعِرٌ فَقَالَ: يَا بِلَالُ اقْطَع لِسَانَهُ، فَأَعْطَاهُ أربعين درْهماً» .
__________
(1) في اللسان، والتاج والفائق 2/ 359: «عليه» .
(2) يجوز رفع «مثل» . ونصبه. انظر الفائق.
(3) تكملة من اللسان نقلاً عن ابن الأثير، ومن الفائق.
(4) هكذا في الأصل واللسان. والذي في اوتاج العروس: «أبي رَزِين» .
(5) في ا «تَقَطَّعُ» .
(6) في ا «أي تسرّع دونها إسراعا» .
(7) رواية الهروى: «ينفضه» .(4/83)
قَالَ الخطَّابي: يَشْبه أَنْ يَكُونَ هَذَا مِمن لَهُ حقٌّ فِي بَيْتِ الْمَالِ، كَابْنِ السَّبِيلِ وَغَيْرِهِ، فتَعَرَّض لَهُ بِالشِّعْرِ فَأَعْطَاهُ لحقِّه، أَوْ لحاجتِه، لَا لِشْعره.
(س) وَفِيهِ «أَنَّ سارِقاً سَرَق فقُطِعَ، فَكَانَ يَسْرِق بقَطَعَته» القَطَعة، بِفَتْحَتَيْنِ: الْمَوْضِعُ الْمَقْطُوعُ مِنَ الْيَدِ، وَقَدْ تُضَم الْقَافُ وتُسَكَّن الطَّاءُ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ «يَقْذِفون فِيهِ مِنَ القُطَيْعَاء» هُوَ نَوْع مِنَ التَّمْرِ. وَقِيلَ:
هُوَ البُسْر قَبْلَ أَنْ يُدْرِك.
(قَطَفَ)
- فِي حَدِيثِ جَابِرٍ «فبَينْا أَنَا عَلَى جَمَلِي أَسِيرُ، وَكَانَ جَملي فِيهِ قِطاف» وَفِي رِوَايَةٍ «عَلَى جَملٍ لِي قَطُوف» القِطاف: تَقَارُب الخَطْوِ فِي سُرعة، مِنَ القَطْف: وَهُوَ القَطْع. وَقَدْ قَطَفَ يَقْطِف قَطْفا وقِطافا. والقَطُوف: فَعُول مِنْهُ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ رَكِبَ عَلَى فرسٍ لِأَبِي طلحةَ يَقْطِف» وَفِي رِوَايَةٍ «قَطُوف» .
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَقْطَفُ القوِم دابَّةً أميرُهم» «1» أَيْ أَنَّهُمْ يَسِيرون بسَيْرِ دابَّتِه، فيَتَّبعونه كَمَا يُتَّبَع الأميرُ.
(هـ) وَفِيهِ «يَجْتمع النَّفَرُ عَلَى القِطْف فيُشْبعهم» القِطْف بِالْكَسْرِ: العُنْقود، وَهُوَ اسْمٌ لِكُلِّ مَا يُقْطَف، كالذَّبْح والطِّحْن. وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُهُ فِي الْحَدِيثِ، ويُجْمَع عَلَى قِطَاف وقُطُوف، وَأَكْثَرُ المُحدّثين يَرْوُونَه بِفَتْحِ الْقَافِ، وَإِنَّمَا هُوَ بالكسر.
ومنه حديث الحجّاج «أرى رؤوسها قَدْ أَيْنَعَتْ وَحَانَ قِطَافُها» قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: القِطاف:
اسْمُ وَقْتِ القَطْفِ، وذَكَر حَدِيثَ الْحَجَّاجِ. ثُمَّ قَالَ: والقَطَاف بِالْفَتْحِ جَائِزٌ عِنْدَ الْكِسَائِيِّ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ القِطَاف مَصْدَرًا.
(س) وَفِيهِ «يَقْذفون فِيهِ مِنَ القَطِيف» وَفِي رِوَايَةٍ «تُدِيُفون فِيهِ مِنَ القَطِيف» القَطِيف:
المَقْطوف مِنَ التَّمر، فَعِيل بِمَعْنَى مَفْعُولٍ.
(س) وَفِيهِ «تَعِس عَبْدُ القَطِيفة» هِيَ كِساء لَهُ خَمْل: أَيِ الَّذِي يَعْمل لَهَا ويَهْتَمُّ بتَحْصيلها. وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُهَا فِي الحديث.
__________
(1) في اللسان: «أقطَفَ القومَ دابَّةُ أميرهم» .(4/84)
(قَطَنَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ المَوْلد «قَالَتْ أمُّه لمَّا حَمَلَت بِهِ: وَاللَّهِ مَا وَجَدْتُه فِي قَطَنٍ وَلَا ثُنَّة» القَطَن: أسْفَل الظهْر، والثُّنَّة: أَسْفَلُ الْبَطْنِ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ سَطيح:
حتَّى أتَى عَارِي الجَآجِيء والقَطَنْ
وَقِيلَ: الصَّوَابُ «قَطِنٌ» بِكَسْرِ الطَّاءِ، جَمْعُ قَطِنة، وَهِيَ مَا بَيْنَ الفَخِذَين.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ سَلْمان «كُنْتُ رجُلاً مِنَ الْمَجُوسِ، فاجْتَهَدْت فِيهِ حَتَّى كنتُ قَطِنَ النَّارِ» أَيْ خازِنَها وخادِمَها: أَرَادَ أَنَّهُ كَانَ لَازِمًا لَهَا لَا يُفارِقُها، مِنْ قَطَن فِي الْمَكَانِ إِذَا لَزِمه.
ويُروْى بِفَتْحِ الطَّاءِ جَمْع قَاطِن، كخادِم وخَدَم. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى قاطِن، كفَرَط وفارِط.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْإِفَاضَةِ «نَحْنُ قَطِينُ اللَّهِ» أَيْ سُكَّان حَرَمه. والقَطين: جَمْع قاطِن، كالقُطَّان. وَفِي الْكَلَامِ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: نَحْنُ قَطِين بَيْتِ اللَّهِ وحَرِمه. وَقَدْ يَجِيءُ القَطِين بِمَعْنَى قاطِن، لِلْمُبَالَغَةِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ:
فَإِنِّي قَطِينُ البيتِ عِنْدَ المَشاعِرِ
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ مِنَ القِطْنِيَّة العُشْرَ» هِيَ بِالْكَسْرِ وَالتَّشْدِيدِ: وَاحِدَةُ القَطَانِي، كالعَدَس والحِمَّص، والُّلوبياء وَنَحْوِهَا.
(قَطَا)
- فِيهِ «كَأَنِّي أنْظُر إِلَى مُوسَى بْنِ عِمْرانَ فِي هَذَا الوادِي مُحْرِماً بَيْنَ قَطَوانِيَّتَيْن» القَطَوَانِيَّة: عَباءةٌ بيضاءُ قَصِيرَةُ الخَمْل، وَالنُّونُ زَائِدَةٌ.
كَذَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي الْمُعْتَلِّ. وَقَالَ: «كِسَاءٌ قَطَوانِيّ» «1» .
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ أُمِّ الدَّرْدَاءِ «قَالَتْ: أَتَانِي سَلْمان الْفَارِسِيُّ يُسَلِّم عَلَيَّ، وَعَلَيْهِ عَباءةٌ قَطَوانِيَّة» .
__________
(1) هكذا ذكر الجوهري فقط، ولم يشرح ولم يذكر الحديث.(4/85)
بَابُ الْقَافِ مَعَ الْعَيْنِ
(قَعْبَرَ)
(هـ) فِيهِ «أنَّ رجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَن أهلُ النَّارِ؟ قَالَ: كلُّ شديدٍ قَعْبَرِيّ، قِيلَ: وَمَا القَعْبَرِىُّ؟ قَالَ: الشَّدِيدُ عَلَى الْأَهْلِ، الشَّدِيدُ عَلَى العَشِيرة، الشَّدِيدُ عَلَى الصَّاحِبِ» قَالَ الْهَرَوِيُّ: سَأَلْتُ عَنْهُ الْأَزْهَرِيَّ فَقَالَ: لَا أَعْرِفُهُ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَرَى أَنَّهُ قَلْب عَبْقَرِيّ. يُقَالُ: رجُلٌ عَبْقَرِيٌّ، وظُلْمٌ عَبْقَرِي: شَدِيدٌ فاحِش. وَالْقَلْبُ فِي كَلَامِهِمْ كَثِيرٌ «1» .
(قَعَدَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ نَهى أَنْ يُقْعَد عَلَى القَبْر» قِيلَ: أَرَادَ القُعود لِقَضاء الْحَاجَةِ مِنَ الحَدَث.
وَقِيلَ: أَرَادَ للإحْداد والحُزْن، وَهُوَ أَنْ يُلازِمه وَلَا يَرْجِع عَنْهُ.
وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ احْترام الميِّت، وتَهْويلَ الأمْر فِي القُعُود عَلَيْهِ، تَهاوناً بِالْمَيِّتِ والمَوْت.
ورُوِي أَنَّهُ رَأَى رجُلاً مُتَّكئاً عَلَى قَبْر فَقَالَ: «لَا تُؤْذِ صَاحِبَ الْقَبْرِ» .
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الحُدود «أُتِيَ بِامْرَأَةٍ قَدْ زَنَت، فَقَالَ: ممَّن؟ قَالَتْ: مِنَ المُقْعَد الَّذِي فِي حَائِطِ سَعْد» المُقْعَد: الَّذِي لَا يَقْدِر عَلَى الْقِيَامِ؛ لِزَمانةٍ بِهِ، كَأَنَّهُ قَدْ أُلْزِم القُعُود.
وَقِيلَ: هُوَ مِنَ القُعَاد، وَهُوَ دَاءٌ يَأْخُذُ الْإِبِلَ فِي أوراكِها فيُمِيلها إِلَى الْأَرْضِ.
وَفِي حَدِيثِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ «لَا يَمْنَعه ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أكِيلَه وشَرِيبَه وقَعِيده» القَعِيد:
الَّذِي يُصاحبك فِي قُعُودك، فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفاعِل.
وَفِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ الأشْهَليَّة «إنَّا معاشِرَ «2» النِّسَاءِ مَحْصورات مقصوراتٌ، قَواعِد بُيُوتكم، وحَوامِلُ أَوْلَادِكُمْ» القَوَاعِد: جَمْعُ قاعِد، وَهِيَ الْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ المُسِنَّة، هَكَذَا يُقَالُ بِغَيْرِ هَاءٍ: أَيْ إِنَّهَا ذَاتُ قُعُود، فَأَمَّا قَاعِدَةٌ فَهِيَ فاعِلة، مِنْ قَعَدَتْ «3» قُعودا، ويَجْمع عَلَى قَوَاعِد أَيْضًا.
__________
(1) انظر الفائق 2/ 363.
(2) في الأصل: «معشر» وأثبتّ ما في ا، واللسان.
(3) في الأصل: «قعد قعوداً» وأثبتُّ ما في ا، واللسان.(4/86)
(س) وَفِيهِ «أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ سَحَائِبَ مَرَّتْ فَقَالَ: كَيْفَ تَرْون قواعِدَها وبَواسِقَها؟» أَرَادَ بالقَوَاعِد مَا اعْتَرَضَ مِنْهَا وَسَفَلَ، تَشْبِيهًا بقَواعد البِناء «1» .
[هـ] وَفِي حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ:
أَبُو سليمانَ ورِيشُ المُقْعَد ... وضالَةٌ مثْلُ الجَحيم المُوقَدِ
ويُروى «المُقْعَد» ، وَهُمَا اسْمُ رجُل كَانَ يرَيش لَهُمُ السِهام: أَيْ أَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ ومَعي سِهام راشَها المُقْعَد أَوِ المُعْقد، فَمَا عُذْرِي فِي أَلَّا أقاتِل؟
وَقِيلَ: المُقْعد: فَرْخ النَّسْر ورِيشُه أجْود «2» ، والضالَة: مِنْ شَجَر السِّدْر يُعْمَل مِنْهَا السِّهام، شَبَّه السِهام بالجَمْر لتَوقُّدِها.
(س) وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ «مِن النَّاسِ مَنْ يُذِلُّه الشَّيْطَانُ كَمَا يُذِلّ الرجُلُ قَعُودَه» القَعود مِنَ الدَّوابّ: مَا يَقْتَعِده الرجُل لِلرُّكُوبِ والحْمل، وَلَا يَكُونُ إلاَّ ذَكَراً. وَقِيلَ: القَعود: ذَكر، وَالْأُنْثَى قَعُودة. والقَعود مِنَ الإبِل: مَا أمْكَن أَنْ يُرْكَب، وأدْناه أَنْ يَكُونَ لَهُ سَنَتان، ثُمَّ هُوَ قَعود إِلَى أَنْ يُثْنِيَ فيدْخُل فِي السَّنة السَّادِسَةِ، ثُمَّ هُوَ جَمَل.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي رَجاء «لَا يكونُ الرَّجل مُتَّقيا حَتَّى يَكُونَ أذَلَّ مِنْ قَعُود، كلُّ مَن أتَى عَلَيْهِ أرْغَاه» أَيْ قَهَره وأذَلَّه، لِأَنَّ الْبَعِيرَ إِنَّمَا يَرْغُو عَنْ ذَلٍّ واسْتِكانة.
(قَعَرَ)
(هـ) فِيهِ «أنَّ رَجُلاً تَقَعَّرَ عَنْ مالٍ لَهُ» وَفِي رِوَايَةٍ «انْقَعَر عَنْ مَالِهِ» أَيِ انْقَلَع مِنْ أصلهِ. يُقَالُ: قَعَره إِذَا قَلَعَه، يَعْنِي أَنَّهُ مَاتَ عَنْ مالٍ لَهُ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ «أنَّ عُمَر لَقِيَ شَيْطَانًا فصارَعه فقَعَره» أَيْ قَلَعه.
(قَعَسَ)
(س) فِيهِ «أَنَّهُ مَدّ يَدَه إِلَى حُذَيْفة فتَقَاعَس عَنْهُ أَوْ تَقَعَّس» أَيْ تأخَّر.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الأُخدود «فتَقاعَسَت أَنْ تَقَع فِيهَا» .
(س) وَفِيهِ «حَتَّى تأتِيَ فَتَياتٍ قُعْساً» القَعَس: نُتُو الصَّدر خِلْقة، والرجل أَقْعَس، والمرأة قَعْساء، والجمع: قُعْس.
__________
(1) في الأصل والدر النثير: «النساء» والتصحيح من اواللسان. وفي الفائق 2/ 362: «كقواعد البنيان» .
(2) في الفائق 2/ 361: «أجود الريش» .(4/87)
وَمِنْهُ حَدِيثُ الزِّبْرِقان «أبْغَضُ صِبْيانِنا إِلَيْنَا الأُقَيْعِسُ الذَّكَر» هُوَ تَصْغير الأَقْعَس.
(قَعَصَ)
(هـ) فِيهِ «وَمَنْ قُتِل قَعْصاً فَقَدِ اسْتَوْجَب المَآب» «1» القَعْص: أَنْ يُضْرَب الأنسانُ فيَموتُ مكانَه. يُقَالُ: قَعَصْتُهُ وأَقْعَصْتُه إِذَا قَتَلْتَه قَتْلاً سَرِيعًا، وَأَرَادَ بوُجُوب المَآب حُسْنَ المَرْجِع بَعْدَ الْمَوْتِ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ الزُّبَيْرِ «كَانَ يَقْعَصُ الْخَيْلَ بِالرُّمْحِ قَعْصاً يومَ الجمَل» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ سِيرين «أَقْعَصَ ابْنَا عَفراء أَبَا جَهْل» .
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ «مُوتانٌ كقُعاصِ الغَنَم» القُعاص بِالضَّمِّ: دَاءٌ يَأْخُذُ الغَنم لَا يُلْبِثُها أَنْ تَمُوتَ.
(قَعَطَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ نَهَى عَنِ الاقْتِعاط» هُوَ أَنْ يَعْتَمَّ بالعِمامة وَلَا يَجْعل مِنْهَا شَيْئًا تَحْتَ ذَقَنه. وَيُقَالُ للعِمامة: المِقْعَطَة.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: «المِقْعَطَة والمِقْعَط «2» : مَا تعَصِّب بِهِ رأسَك» .
(قَعْقَعَ)
(س) فِيهِ «آخُذُ بحلَقة الْجَنَّةِ فأُقَعْقِعُها» أَيْ أحَرِّكها لتُصَوّت. والقَعْقَعة:
حِكَايَةُ حَرَكَةِ الشَّيْءِ يُسْمع لَهُ صَوْت.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي الدَّرداء «شَرُّ النِّسَاءِ السَّلْفَعة الَّتِي تُسْمَع لِأَسْنَانِهَا قَعْقَعة» .
وَحَدِيثُ سَلَمَةَ «فقَعْقَعُوا لَكَ السِلاحَ فَطَارَ سِلاحُك» .
(س [هـ] ) وَفِيهِ «فجِيء بالصَّبِيّ ونفسُه تَقَعْقَع» أَيْ تَضْطَرب وَتَتَحَرَّكُ. أَرَادَ: كُلَّمَا صَارَ إِلَى حالٍ لَمْ يَلْبَث أَنْ يَنْتَقِل إِلَى أُخْرَى تُقَربه مِنَ الْمَوْتِ.
(قُعَيْقِعَانُ) (س) فِيهِ ذِكر «قُعَيْقِعان» هُوَ جَبَلٌ بِمَكَّةَ. قِيلَ: سمِّي بِهِ، لأنَّ جُرْهُماً لَمَّا تَحاربُوا كثُرت قَعْقَعَةُ السِلاح هناك.
__________
(1) رواية اللسان: «مَن خرج مجاهداً في سبيل الله فقُتل قَعْصاً فقد استوجب المآب» . وفي الهروي: «حسن المآب» . وقال: وأراد بحسن المآب قوله تعالى: «وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ» .
(2) الذي في الفائق 2/ 457: «والمِقْعَطَة والمِعْقَطَة» .(4/88)
(قَعْنَبَ)
(س [هـ] ) فِي حَدِيثِ عِيسَى بْنِ عُمَرَ «أقْبَلْتُ مُجْرَمِّزاً حَتَّى اقْعَنْبَيْتُ بَيْنَ يَدَيِ الحسَن» اقْعَنْبَى الرجُل: إِذَا جَعل يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ وقَعَد مُسْتَوفِزاً.
(قَعَا)
(س) فِيهِ «أَنَّهُ نَهَى عَنِ الإِقْعاء فِي الصَّلَاةِ» وَفِي رِوَايَةٍ «نَهَى أَنْ يُقْعِيَ الرجلُ فِي الصَّلَاةِ» الإِقْعاء: أَنْ يُلْصِقَ الرجُل ألْيَتَيه بِالْأَرْضِ، ويَنْصِب ساقَيه وفَخِذَيه، ويَضَع يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ كَمَا يُقْعِي الكلْب.
وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يَضَعَ ألْيَتَيه عَلَى عَقِبَيْه بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ. وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أكَل مُقْعِياً» أَرَادَ أَنَّهُ كَانَ يجْلِس عِنْدَ الْأَكْلِ عَلَى وَرِكَيه مُسْتَوفِزاً غَيْرَ مُتَمَكِّن.
بَابُ الْقَافِ مَعَ الْفَاءِ
(قَفَدَ)
- فِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ «قَالَ ابْنُ المُثَنَّى: قُلْتُ لأُمَيَّة: مَا حَطأني [مِنْكَ] «1» حَطْأةً، قَالَ: قَفَدَني قَفْدة» القَفْد: صَفْع الرَّأْسِ بِبسْط الكَفّ مِنْ قِبَل القَفا.
(قَفَرَ)
(س) فِيهِ «مَا أَقْفَرَ بيتٌ فِيهِ خَلٌّ» أَيْ مَا خَلاَ مِنَ الْإِدَامِ وَلَا عَدِمَ أهلهُ الأُدْم.
والقَفَار: الطَّعَامُ بِلَا أُدْم. وأَقْفَرَ الرجُل: إِذَا أَكَلَ الخُبْز وحْدَه، مِنَ القَفْر والقَفار، وَهِيَ الْأَرْضُ الْخَالِيَةُ الَّتِي لَا مَاءَ بِهَا.
وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ «القَفْر» فِي الْحَدِيثِ. وجمعُه: قِفار. وأَقْفَر فلانٌ مِنْ أَهْلِهِ إِذَا انْفَرد.
والمكانُ مِنْ سُكَّانه إِذَا خَلا.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «فإنِّي لَمْ آتهِم ثلاثةَ أَيَّامٍ وأحْسِبُهم مُقْفِرين» أَيْ خالِين مِنَ الطَّعَامِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُهُ الْآخَرُ «قَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ الَّذِي أَكَلَ عِنْدَهُ: كَأَنَّكَ مُقْفِر» .
(س) وَفِيهِ «أَنَّهُ سُئل عمَّن يَرمِي الصَّيْدَ فيَقْتَفِر أثَره» أَيْ يَتَتَبَّعُه. يُقَالُ: اقْتَفَرْتُ الأثَرَ وتَقَفَّرْتُه إذا تَتَبَّعْتَه وقَفَوْتَه.
__________
(1) سقط من ا، واللسان. وهو في ا: «ما حَطَانِي حَطاةً» بترك الهمز. وانظر ما سبق ص 404 من الجزء الأول.(4/89)
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ يَحْيَى بْنِ يَعْمَر «ظهَر قِبَلَنا أُناسٌ يَتَقَفَّرون العِلْم» ويُروَى «يَقْتَفِرون» «1» أَيْ يَتَطَلَّبُونَهُ.
وَحَدِيثُ ابْنِ سِيرِينَ «إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا يَجدون مُحَمَّدًا مَنْعُوتًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ، وَأَنَّهُ يَخْرُج مِنْ بَعْضِ هَذِهِ القُرَى الْعَرَبِيَّةِ، فَكَانُوا يَقْتَفِرُون الأثَر» .
(قَفَزَ)
- فِيهِ «لَا تَنْتقِب المُحْرمة وَلَا تَلْبَس قُفَّازا» وَفِي رِوَايَةٍ «لَا تَنْتقِب، وَلَا تَبَرْقَع وَلَا تَقَفَّز» هُوَ بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيدِ: شَيْءٌ يَلْبَسه نِسَاءُ الْعَرَبِ فِي أيديهنَّ يُغَطِّي الأصابعَ والكَف والساعِد مِنَ البَرْد، وَيَكُونُ فِيهِ قُطْنٌ مَحْشُوٌّ.
وَقِيلَ: هُوَ ضَرْب مِنَ الحُليِّ تَتَّخِذه الْمَرْأَةُ لِيَديْها.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ كَرِه للمُحْرِمة لُبْسَ القُفَّازَيْن» .
(هـ) وَحَدِيثُ عَائِشَةَ «أنَّها رَخَّصَت لَهَا فِي لُبْسَ القُفَّازَيْن» .
(هـ) وَفِيهِ «أَنَّهُ نَهَى عَنْ قَفِيز الطّحَّان» هُوَ أنْ يَسْتَأجر رَجُلًا ليَطْحن لَهُ حِنْطة مَعْلُومَةً بقَفِيزٍ مِنْ دَقِيقها. والقَفِيز: مِكْيال يَتَواضَع الناسُ عَلَيْهِ، وَهُوَ عِنْدَ أَهْلِ العِراق ثَمَانِيَةُ مَكاكِيكَ.
(قَفَشَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ «أَنَّهُ لَمْ يُخَلِّف إلاَّ قَفْشَين ومِخْذَفةً» القَفْش:
الخُفُّ الْقَصِيرُ. وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرّب، أَصْلُهُ كَفْش «2» . والمخْذَفَة: المِقْلاع.
(قَفَصَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «وأنْ تَعْلُوَ التُّحوتُ الوُعُولَ، قِيلَ: مَا التُّحوت؟
قَالَ: بيُوت القافِصة يُرْفَعون فَوْقَ صَالِحِيهِمْ» القافِصة: اللِّئَامُ، وَالسِّينُ فِيهِ أَكْثَرُ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: ويَحْتمِل أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بالقافِصة ذَوِي العُيوب، مِنْ قَوْلِهِمْ: أصْبَح فلانٌ قَفِصاً «3» إِذَا فَسَدَت مَعِدَتُه وطَبِيعتُه.
(س) وَفِي حَدِيثِ أَبِي جَرير «حَجَجْت فَلقِيني رجُل مُقَفِّص ظَبياً، فاتَّبَعْتُه فذَبَحْتُه وَأَنَا ناسٍ لإحْرامي» المُقَفَّصُ: الَّذِي شُدَّت يَداه ورِجلاه، مَأْخُوذٌ مِنَ القَفَص الَّذِي يُحْبَس فِيهِ الطَّيْر.
والقَفِص: المُنْقَبِض بعضُه إِلَى بعض.
__________
(1) انظر ص 464 من الجزء الثالث.
(2) هكذا في الأصل وا والقاموس. والذي في اللسان، والمعَّرب ص 268 «كَفْجْ» .
(3) في ا: «قِفْصا» .(4/90)
(قَفَعَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ عُمَرَ «ذُكر عِنْدَهُ الْجَرَادُ فَقَالَ: وَدِدْتُ أَنَّ عِنْدَنَا مِنْهُ قَفْعَةً أَوْ قَفْعَتين» هُوَ شَيْءٌ شَبِيه بالزَّبيل مِنَ الخُوص لَيْسَ لَهُ عُرىً وَلَيْسَ بِالْكَبِيرِ.
وَقِيلَ: هُوَ شَيْءٌ كالقُفَّة تُتَّخَذُ واسِعةَ الأسْفَل ضَيَّقةَ الأعْلَى.
(س) وَفِي حَدِيثِ القاسِم بْنِ مُخَيْمِرَة «أنَّ غُلاماً مَرَّ بِهِ فَعَبِثَ بِهِ، فَتَنَاوَلَهُ الْقَاسِمُ، فقَفَعَه قَفْعَةً شَدِيدَةً «1» » أَيْ ضَرَبه. والمِقْفَعَة: خشَبة تُضْرَب بِهَا الْأَصَابِعُ، أَوْ هُوَ مِنْ قَفَعَه عمَّا أَرَادَ: إِذَا صَرفه عَنْهُ.
(قَفْعَلَ)
(س) فِي حَدِيثِ الْمِيلَادِ «يَدٌ مُقْفَعِلَّة» أَيْ مُتَقَبِّضة. يُقَالُ: اقْفَعَلَّت يدُه إِذَا قُبِضَت وتَشَنَّجَت.
(قَفَفَ)
(س) فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى «دَخَلْت عَلَيْهِ فَإِذَا هُوَ جالسٌ عَلَى رَأْسِ الْبِئْرِ وَقَدْ تَوَسَّط قُفها» قُفُّ الْبِئْرِ: هُوَ الدَّكَّة الَّتِي تُجْعَل حوْلَها. وَأَصْلُ القُفِّ: مَا غَلُظ مِنَ الْأَرْضِ وارْتَفع، أَوْ هُوَ مِنَ القَفِّ: الْيَابِسُ، لأنَّ مَا ارْتَفع حَوْلَ الْبِئْرِ يَكُونُ يَابِسًا فِي الْغَالِبِ.
والقُفُّ أَيْضًا: وادٍ مِنْ أَوْدِيَةِ الْمَدِينَةِ عَلَيْهِ مالٌ لأهلهِا.
(هـ) وَمِنْهُ حديث معاوية «أُعِيذُك بالله أن تنزل واد يا فتَدَع أوَّلَه يَرِفّ وآخرَه يَقِفُّ» أَيْ يَيْبَس.
(س [هـ] ) وَمِنْهُ حَدِيثُ رُقَيْقَةَ «فَأَصْبَحَتْ مَذْعورةً وَقَدْ قَفَّ جِلْدي» أَيْ تَقَبَّض، كَأَنَّهُ قَدْ يَبِس وتَشَنَّج. وَقِيلَ: أَرَادَتْ قَفَّ شَعَرِي فَقَامَ مِنَ الفَزَع.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ «لَقَدْ تكلَّمتُ بشيءٍ قَفَّ لَهُ شَعري» .
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَر «ضَعِي قُفَّتَك» القُفَّة: شِبْهُ زَبِيلٍ صَغِيرٍ مِنْ خُوصٍ يُجْتَنَى فِيهِ الرُّطَب، وتضَع النِّسَاءُ فِيهِ غَزْلَهُنَّ، ويُشَبَّه بِهِ الشيخُ والعجوزُ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي رَجاء «يَأْتُونَنِي فَيَحْمِلُونَنِي كَأَنِّي قُفَّة حَتَّى يَضَعُوني فِي مَقام الْإِمَامِ، فَأَقْرَأُ بِهِمُ الثَلَاثِينَ وَالْأَرْبَعِينَ فِي رَكْعَةٍ» .
وقيل: القُفَّة هاهنا: الشجرة اليابسة البالية.
__________
(1) الذي في اللسان: «فتناوله القاسم بمِقْفَعةٍ قَفْعةً شديدة» .(4/91)
وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الشَّجَرَةُ بِالْفَتْحِ، والزَّبِيل بِالضَّمِّ.
(هـ) وَفِيهِ «أنَّ بَعْضَهُمْ ضربَ مَثَلًا فَقَالَ: إنَّ قَفَّافاً ذَهَب إِلَى صَيْرفيٍّ بدَراهِم» القَفَّاف:
الَّذِي يَسْرِقُ الدَّرَاهِمَ بِكَفَّه عِنْدَ الانْتِقاد. يُقَالُ: قَفَّ فُلان دِرْهَماً.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «قَالَ لَهُ حُذَيْفة: إِنَّكَ تَسْتَعين بالرجُل الفاجِر، فَقَالَ: إِنِّي لأسْتَعين بالرجُل لِقُوَّته، ثُمَّ أَكُونُ عَلَى قَفَّانِه» قَفَّانُ كُلِّ شَيْءٍ: جُمّاعه، واسْتِقْصاء مَعْرِفته. يُقَالُ: أتيتُه عَلَى قَفَّان ذَلِكَ وقافِيَتِه: أَيْ عَلَى أثَرِه.
يَقُولُ: أسْتَعِين بالرجُل الكافِي القَوِيّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ الثِّقَة، ثُمَّ أَكُونُ مِنْ وَرائه وَعَلَى أثَرِه، أتَتَبَّع أمرَه وأبْحَث عَنْ حَالِهِ، فكِفايَتُه تَنْفَعُني، ومُراقَبتي لَهُ تَمْنَعهُ مِنَ الْخِيَانَةِ.
وقَفَّان: فَعَّال، مِنْ قَوْلِهِمْ فِي القَفَا: القَفَنّ «1» . وَمَنْ جَعَلَ النُّونَ زَائِدَةً فَهُوَ فَعْلان.
وذكَره الْهَرَوِيُّ وَالْأَزْهَرِيُّ فِي «قَفَفَ» عَلَى أنَّ النُّونَ زائدةٌ.
وَذَكَرَهُ الجوهَري فِي قَفَن، فَقَالَ: «القَفّان: القَفَا، وَالنُّونُ زَائِدَةٌ» .
وَقِيلَ: هُوَ مُعَرب «قَبَّان» الَّذِي يُوزَن بِهِ.
وَقِيلَ: هُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ: فُلانٌ قَبَّانٌ عَلَى فُلَانٍ، وقَفَّانٌ عليه: أي أمينٌ يَتَحَفَّظ أمْرَه ويُحَاسِبه «2»
(قَفْقَفَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ حُنَيف «فأخَذَتْه قَفْقَفَة» أَيْ رِعدة. يُقَالُ: تَقَفْقَف مِنَ البَرْد إِذَا انْضَمَّ وارْتَعد.
وَمِنْهُ حَدِيثُ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِ هشِام أخَذَتْه قَفْقَفَة» .
(قُفْلٌ)
- فِي حَدِيثِ جُبَير بْنِ مُطْعِم «بَيْنَا هُوَ يَسير مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقْفَلَه مِنْ حُنَين» أَيْ عِنْدَ رُجوعه مِنْهَا، والمَقْفَل: مَصْدَرُ قَفَل يَقْفِلُ إِذَا عَادَ مِنْ سَفَرِهِ. وقد يقال للسّفر:
__________
(1) فى ابتخفيف النون. قال في القاموس: والقَفَنُ، وتُشَدَّد نونه: القفا» .
(2) زاد الهروي: «وقال بعضهم: قَفَّانُه: إبَّانُه. يقال: هذا حين ذاك، ورُبَّانه، وقُفَّانُه، وإبَّانُه بمعنى واحد» .(4/92)
قُفُول، فِي الذَّهَابِ والمَجِيء، وَأَكْثَرُ مَا يُستعمل فِي الرُّجوع. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
وَجَاءَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ «أَقْفَلَ الجَيْش وقَلَّما أَقْفَلْنا» وَالْمَعْرُوفُ قَفَل وقَفَلْنا، وأَقْفَلْنا غيرَنا، وأُقْفِلْنا، عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فاعِلُه.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ «قَفْلة كغَزْوة» القَفْلَة: المرَّة مِنَ القُفول: أَيْ إِنَّ أجْر المُجاهِد فِي انِصرافه إِلَى أَهْلِهِ بَعْدَ غَزْوِة كأَجِره فِي إقْباله إِلَى الْجِهَادِ، لِأَنَّ فِي قُفُوله رَاحَةً للنَّفْس، واسْتِعداداً بالقُوّة لِلعَود، وحِفْظاً لِأَهْلِهِ برُجوعه إِلَيْهِمْ.
وَقِيلَ: أَرَادَ بِذَلِكَ التَّعْقِيب، وَهُوَ رُجوعه ثَانِيًا فِي الْوَجْهِ الَّذِي جَاءَ مِنْهُ مُنْصَرِفاً، وَإِنْ لَمْ يَلْقَ عَدُوّاً وَلَمْ يَشْهد قِتالاً، وَقَدْ يَفْعل ذَلِكَ الجيشُ إِذَا انْصَرفوا مِنْ مَغْزاهم، لِأَحَدِ أمْرَين: أَحَدُهُمَا أَنَّ العَدُوّ إِذَا رَآهُمْ قَدِ انْصرفوا عَنْهُمْ أمِنُوهم وخَرجوا مِنْ أمْكِنَتهم، فَإِذَا قَفَلَ الْجَيْشُ إِلَى دَارِ العَدُوّ نالُوا الفُرْصة مِنْهُمْ فَأَغَارُوا عَلَيْهِمْ، وَالْآخَرُ أَنَّهُمْ إِذَا انْصَرفوا ظَاهِرِينَ لَمْ يَأْمَنُوا أَنْ يَقْفُوَ العَدُوّ أثَرهم فَيُوقِعوا بِهِمْ وَهُمْ غارُّون، فَرُبَّمَا اسَتْظهر الْجَيْشُ أَوْ بعضُهم بالرُّجوع عَلَى أدْراجِهم، فَإِنْ كَانَ مِن العَدُوّ طَلَبٌ كَانُوا مُسْتَعِدّين لِلقائهم، وَإِلَّا فَقَدَ سَلِموا وأحْرَزوا مَا مَعَهُمْ مِنَ الغَنيمة.
وَقِيلَ: يَحْتَمِل أَنْ يَكُونَ سُئل عَنْ قَوْمٍ قَفَلوا لِخَوْفِهم أَنْ يَدْهَمَهُم مِنْ عَدُوّهم مَن هُوَ أَكْثَرُ عَدَداً مِنْهُمْ فقَفَلُوا؛ لَيْستَضِيفوا إِلَيْهِمْ عَدَدًا آخرَ مِنْ أَصْحَابِهِمْ ثُمَّ يَكُرّوا عَلَى عَدُوّهم.
(س) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «أَنَّهُ قَالَ: أربعٌ مُقْفَلَات: النَّذرُ وَالطَّلَاقُ والعِتاق والنِّكاح» أَيْ لَا مَخْرَج مِنْهُنَّ لِقائلِهنّ، كَأَنَّ عَلَيْهِنَّ أَقفالًا، فَمتى جَرى بِهَا «1» اللِّسَانُ وجَبَ بِهَا الحُكم. وَقَدْ أَقْفَلْت الْبَابَ فَهُوَ مُقْفَل.
(قَفَنَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ النَّخَعِيّ «سُئِلَ عَمَّن ذَبح فَأَبَانَ الرَّأْسَ قَالَ: تِلْكَ القَفِينةُ، لَا بَأْسَ بِهَا» هِيَ المَذْبُوحة مِنْ قِبَل القَفا. وَيُقَالُ للقَفا: القَفَنُّ، فَهِيَ فَعيلة بِمَعْنَى مُفَعْوِلَةٍ. يُقَالُ:
قَفَنَ الشاة واقْتَفَنَها.
__________
(1) فى الأصل: «فيها» والمثيت من: ا. والذي في اللسان: «فمتى جرى بهن الِّلسانُ وجب بهنّ الحكم» .(4/93)
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هِيَ الَّتِي يُبان رأسُها بالذَّبح.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «ثُمَّ أَكُونُ عَلَى قَفَّانه» عِنْدَ مَنْ جَعَلَ النُّونَ أَصْلِيَّةً. وَقَدْ تَقَدَّمَ.
(قفَا)
[هـ] فِي أَسْمَائِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «المُقَفِّي» هُوَ المُوَليِّ الذاهِب. وَقَدْ قَفَّى يُقَفِّي فَهُوَ مُقَفٍّ: يَعْنِي أَنَّهُ آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ المُتَّبِعُ لَهُمْ، فَإِذَا قَفَّى فَلَا نَبيَّ بعدَه.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فَلَمَّا قَفَّى قَالَ كَذَا» أَيْ ذَهب مُوَلّياً، وَكَأَنَّهُ مِنَ القَفا: أَيْ أَعْطَاهُ قَفَاه وظَهْره.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَلَا أخْبِركم بأشدَّ حَرّاً مِنْهُ يومَ الْقِيَامَةِ؟ هَذَيْنَك الرَّجُلَين المُقَفِّيين» أَيِ المُوَلِيَيْن. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ طَلْحَةَ «فوضَعُوا الُّلجَّ عَلَى قَفَيَّ» أَيْ وضَعوا السَّيْفَ عَلَى قَفايَ، وَهِيَ لُغَة طائِيَّة، يُشَدِّدون يَاءَ الْمُتَكَلِّمِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ، كُتِب إِلَيْهِ صحيفةٌ فِيهَا:
فَمَا قُلُصٌ وُجِدْنَ مُعَقَّلَاتٍ ... قَفا سَلْعٍ بِمُخْتَلَفِ التِّجارِ
سَلْع: جَبل، وقَفَاه: وَرَاءَهُ وخَلْفه.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «أخَذ المِسْحاةَ فاستَقْفاه، فضَربه بِهَا حَتَّى قَتَله» أَيْ أَتَاهُ مِنْ قِبَل قَفاه. يقال: تَقَفَّيت فُلَانًا واسْتَقْفَيْته.
(هـ) وَفِيهِ «يَعْقِد الشَّيْطَانُ عَلَى قافِية أحدِكم ثلاثَ عُقَد» القافِية: القَفَا. وَقِيلَ: قافِية الرَّأْسِ: مُؤَخَّره. وَقِيلَ: وسَطه، أَرَادَ تَثْقيله فِي النَّوم وَإِطَالَتَهُ، فَكَأَنَّهُ قَدْ شَد عَلَيْهِ شِداداً وعَقَده ثَلَاثُ عُقَد.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «اللَّهُمَّ إِنَّا نتَقَرّب إِلَيْكَ بعَمِّ نبيِّك وقَفِيَّةِ آبَائِهِ وكُبْرِ رِجاله» يَعْنِي الْعَبَّاسَ، يُقَالُ: هَذَا قَفِيّ الْأَشْيَاخِ وقَفِيَّتُهم. إِذَا كَانَ الخَلَفَ مِنْهُمْ، مَأْخُوذٌ مِنْ: قَفَوْتُ الرجلَ إِذَا تَبِعْتَه. يَعْنِي أَنَّهُ خَلَفُ آبَائِهِ وتِلْوهُم وتابعُهم، كَأَنَّهُ ذَهب إِلَى استِسْقاء أَبِيهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لِأَهْلِ الحَرَمْين حِينَ أجْدبوا فسَقاهم اللَّهُ بِهِ.
وَقِيلَ: القَفِيَّة: المُختار. واقْتَفَاه إِذَا اخْتَارَهُ. وَهُوَ القَفْوة، كالصَّفْوة، مِنَ اصْطَفاه.(4/94)
وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ «القَفْو والاقْتِفاء» فِي الْحَدِيثِ اْسماً، وَفِعْلًا، وَمَصْدَرًا. يُقَالُ: قَفَوْته، وقَفَيْتُه، واقْتَفَيته إِذَا تَبعْتَه واقْتَدَيْتَ بِهِ» .
(س) وَفِيهِ «نَحْنُ بَنُو النَّضْر بْنِ كِنانة، لَا نَنْتَفي مِنْ أَبِينَا وَلَا نَقْفُو أمَّنا» أَيْ لَا نَتَّهِمها وَلَا نَقْذِفُها. يُقَالُ: قَفَا فُلانٌ فُلاناً إِذَا قَذَفَه بِمَا لَيْسَ فِيهِ.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: لَا نَتْرك النَّسَب إِلَى الْآبَاءِ ونَنْتَسِب إِلَى الأمَّهات.
(س) وَمِنَ الْأَوَّلِ حَدِيثُ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَة «لَا حَدَّ إلاَّ فِي القَفْوِ البَيِّن» أَيِ القَذْف الظَّاهِرِ.
(س) وَحَدِيثُ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ «مَنْ قَفَا مُؤْمِنًا بِمَا لَيْسَ فِيهِ وَقَفَه اللَّهُ فِي رَدْغَةِ الْخَبَالِ» .
بَابُ الْقَافِ مَعَ الْقَافِ
(قَقَّ)
(هـ) فِيهِ «قِيلَ لِابْنِ عُمر: أَلَا تُبايع أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ يَعْنِي ابْنَ الزُّبير، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا شَبَّهْتُ بَيْعتَهم «2» إلاَّ بقَقَّة، أتَعْرِف مَا القَقَّة «3» ؟ الصَّبيّ يُحدِث ويَضَع يَدَيْهِ فِي حَدَثه فَتَقُولُ لَهُ أُمُّهُ:
«قَقَّة» ورُوي «قِقَة» بكسر الأولى وفتح الثانية وتحفيفها.
وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: فِي الْحَدِيثِ: إنَّ فُلَانًا وَضَع يَدَهُ فِي قِقَة «4» ، والقِقَة: مَشْيُ الصَّبيّ وَهُوَ حَدِثٌ «5» .
وحكى الهروي عنه أنه لم يجيء عَنِ الْعَرَبِ ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فِي كَلِمَةٍ إلاَّ قَوْلُهُمْ: قَعَد الصَّبيُّ عَلَى قَقَقِه، وصَصَصِه «6» .
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَقَّة: شَيْءٌ يُرَدِّدُه الطِفل عَلَى لِسَانِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَدرّب بِالْكَلَامِ، فَكَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَرَادَ تِلْكَ بيْعَة تَولاَّها الأحداث ومن لا يعتبر به.
__________
(1) فى ا: «واقتديته» .
(2) في اللسان: «بيعتكم» .
(3) في اللسان، والفائق 2/ 370: «أتعرفُ ما قّقَّة؟» .
(4) في ا: «قَقَّةٍ» .
(5) ضُبط في الأصل: «حَدَث» بفتح الدال، وضبطته بكسرها من ا، والذي في اللسان: «وهو حَدَثُه» .
(6) زاد في اللسان: «أي حَدَثُه» .(4/95)
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هُوَ صَوت يُصَوِّت بِهِ الصِّبيُّ، أَوْ يُصَوَّت لَهُ بِهِ إِذَا فزِع مِنْ شَيْءٍ أَوْ فُزِّع، أَوْ إِذَا وقَع فِي قَذَرٍ.
وَقِيلَ «1» : القَقَّة: العِقْيُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ بَطْنِ الصَّبيّ حِينَ يُولد، وَإِيَّاهُ عَنَى ابنُ عُمَرَ حِينَ قِيلَ لَهُ: هَلاَّ بايعْتَ أَخَاكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ؟ فَقَالَ: «إنَّ أَخِي وَضَعَ يَدَهُ فِي قَقَّة» أَيْ «2» لَا أنْزِعُ يَدِي مِنْ جَمَاعَةٍ وَأَضَعُهَا فِي فِرْقَةٍ.
بَابُ الْقَافِ مَعَ اللَّامِ
(قَلَبَ)
(هـ) فِيهِ «أَتَاكُمْ أهلُ الْيَمَنِ، هُمْ أرَقُّ قُلُوبًا وألْيَنُ أَفْئِدَةً» القُلُوب: جَمْعُ القَلْب، وَهُوَ أخَصُّ مِنَ الْفُؤَادِ فِي الِاسْتِعْمَالِ.
وَقِيلَ: هُمَا قَرِيبَانِ مِنَ السَّواء، وكَرّر ذِكرهُما لِاخْتِلَافِ لَفْظيْهما تَأْكِيدًا. وقَلْب كُلِّ شَيْءٍ:
لُبُّه وخالِصه.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إنَّ لكلِّ شَيْءٍ قَلْباً، وقَلْبُ الْقُرْآنِ يَاسِينُ» .
(هـ) وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ «إِنَّ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَأْكُلُ الجَراد وقُلُوب الشَّجَرِ» يَعْنِي الَّذِي يَنْبُت فِي وَسَطِهَا غَضّاً طَرِيّاً قَبْلَ أَنْ يَقْوَى وَيَصْلُبَ، وَاحِدُهَا: قُلْب بِالضَّمِّ، للفَرْق. وَكَذَلِكَ قُلْب النَّخْلَةِ.
(هـ) وَفِيهِ «كَانَ عَلِيٌّ قُرَشِيًّا قَلْباً» أَيْ خَالِصًا مِنْ صَمِيمِ قُريش. يُقَالُ: هُوَ عَرَبيٌّ قَلْب: أَيْ خَالِصٌ.
وَقِيلَ: أَرَادَ فَهِماً فَطِناً، مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى «إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ» .
(س) وَفِي حَدِيثِ دُعَاءِ السَّفر «أَعُوذُ بِكَ مِنْ كَآبَةِ المُنْقَلَب» أَيِ الانقِلاب مِنَ السَّفَرِ، وَالْعَوْدِ إِلَى الْوَطَنِ، يَعْنِي أَنَّهُ يَعُودُ إِلَى بَيتْه فَيَرَى فِيهِ مَا يُحْزِنه. والانقِلاب: الرُّجوع مُطْلَقًا.
وَمِنْهُ حَدِيثُ صَفيَّة زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «ثُمَّ قُمْت لأَنْقَلِب، فَقَامَ مَعِي ليَقْلِبَني» أَيْ لِأَرْجِعَ إِلَى بَيْتِي فَقَامَ معى يصحبنى.
__________
(1) القائل هو الجاحظ. كما في الفائق 2/ 370.
(2) في الفائق «إنى» .(4/96)
وَمِنْهُ حَدِيثُ المنذِر بْنِ أَبِي أُسَيْد حِينَ وُلِد «فأَقْلَبُوه «1» ، فَقَالُوا: أَقْلَبْناه يَا رَسُولَ اللَّهِ» هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ، وصَوابه «قَلَبْناه» : أَيْ رَدَدْناه.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لمُعَلّم الصِبْيان: اقْلِبْهم» أَيِ اصْرفْهم إِلَى مَنازلهم.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «بينْا يُكَلِّم إِنْسَانًا إِذِ انْدَفَع جَرير يُطرِيه ويُطْنب، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَا تَقُولُ يَا جَرِيرُ؟ وعَرَف الغَضَب فِي وَجْهِهِ، فَقَالَ: ذَكَرْتُ أَبَا بَكْرٍ وفَضْله، فَقَالَ عُمَرُ: اقْلِب قَلَّابُ» وسَكت.
هَذَا مَثَلٌ يُضْرب لِمَنْ تَكُونُ مِنْهُ السَّقْطة فيَتداركها، بِأَنْ يَقْلِبَها عَنْ جِهَتِها ويَصْرِفها إِلَى غَيْرِ مَعْنَاهَا، يُرِيدُ: اقْلِبْ يَا قَلَّابُ، فأسْقَط حَرْفَ النِّدَاءِ، وَهُوَ غَرِيبٌ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُحْذف مَعَ الْأَعْلَامِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ شُعيب وَمُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ «لَكَ مِنْ غَنَمِي مَا جَاتَ بِهِ قالِبَ لَوْن» تَفْسِيرُهُ فِي الْحَدِيثِ: أَنَّهَا جَاءَتْ عَلَى غَيْرِ أَلْوَانِ أمُّهاتِها، كَأَنَّ لَوْنَها قَدِ انْقَلَب.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ فِي صِفَةِ الطُّيُورِ «فمِنها مَغْموس فِي قالِبِ لَوْنٍ لَا يَشُوبه غَيْرُ لَوْن مَا غُمِس فِيهِ» .
[هـ] وَفِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ «لَمَّا احْتُضِر، وَكَانَ يُقَلب عَلَى فِراشِه فَقَالَ: إِنَّكُمْ لتُقَلِّبُون حُوَّلاً قُلَّبا إنْ وُقِي كَبَّةً النَّارِ «2» » أَيْ رجُلاً عَارِفًا بِالْأُمُورِ، قَدْ ركِب الصَّعبَ والذَّلول، وقَلَبَها ظهْراً لِبَطْن، وَكَانَ مُحتالاً فِي أُمُورِهِ حَسَنَ التَّقَلُّب.
__________
(1) ضبط فى الأصل «فأقلبوه» وفى اواللسان: «فاقْلِبوه» والضبط المثبت من صحيح مسلم (باب استحباب تحنيك المولود ... وجواز تسميته يوم ولادته، من كتاب الآداب) .
(2) رواية الهروي: «إن وُقِيَ هَوْلَ المُطَّلعِ» وكذا في اللسان، وأشار إلى رواية ابن الأثير. وانظر ما سبق ص 464 من الجزء الأول.(4/97)
وَفِي حَدِيثِ ثَوْبان «إنَّ فَاطِمَةَ حَلَّت الحَسن والحُسين بقُلْبَيْنِ مِنْ فِضَّة» القُلْب: السِوار.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ رَأَى فِي يَدِ عَائِشَةَ قُلْبَيْن» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى «وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْها، قَالَتِ: القُلْبُ والفَتَخَة» وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(س) وَفِيهِ «فانْطَلَق يَمشي مَا بِهِ قَلَبَة» أَيْ ألَمٌ وعِلَّة.
(س) وَفِيهِ «أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى قَلِيب بَدْر» القَلِيب: البِئر الَّتِي لَمْ تُطْوَ، ويُذَكَّر وَيُؤَنَّثُ.
وَقَدْ تَكَرَّرَ.
وَفِيهِ «كَانَ نِساء بَنِي إِسْرَائِيلَ يَلْبَسْن القَوالِب» جَمْعُ قالِب، وَهُوَ نَعْلٌ مِنْ خَشب كالقَبْقاب، وتُكْسَر لامُه وتُفْتَح. وَقِيلَ: إِنَّهُ مُعَرَّبٌ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ «كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَلْبَس القالِبَيْن تَطاوَلُ بِهِمَا» .
(قَلِتَ)
(هـ) فِيهِ «إنَّ المُسافر ومالَه لعلَى قَلَتٍ إلاَّ مَا وَقَى اللَّهُ» القَلَتُ: الْهَلَاكُ. وَقَدْ قَلِتَ يَقْلَت قَلَتاً: إِذَا هَلك.
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي مِجْلَزٍ «لَوْ قُلْتَ لرجُل وهو عَلَى مَقْلَتةٍ: اتَّق اللَّهَ رُعْتَه «1» فصُرِع غَرِمْتَه» أَيْ عَلَى مَهْلَكةٍ فهَلك غَرِمْتَ دِيتَه.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «تَكُونُ المرأةُ مِقْلاتاً، فتَجْعل عَلَى نفْسها إنْ عَاشَ لَهَا وَلَد أَنْ تُهَوِّده» المِقْلَات مِنَ النِّسَاءِ: الَّتِي لَا يَعِيشُ لَهَا ولَدٌ. وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَزْعمُ أنَّ المِقلات إِذَا وَطِئت رجُلاً كَرِيمًا قُتِل غَدْراً عَاشَ وَلَدُها.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «تَشْتَرِيها أكايِسُ النِّسَاءِ للخافيةِ والإِقْلَات» .
__________
(1) في الأصل وا: «اتَّقِ رُعْنَه» بالنون. وفي اللسان: «اتق الله فصُرِع» وفي الفائق 2/ 374 «اتَّقِ رعته» بالتاء المثناة من فوق. والذي في الهروي: «.. وهو على مَقْلَتةٍ كيت وكيت» . وما أثبتّه من تاج العروس.(4/98)
وَفِيهِ ذِكْرُ «قِلات السَّيل» هِيَ جَمْعُ قَلْت، وَهُوَ النُّقرة فِي الْجَبَلِ يُسَتنقع فِيهَا الْمَاءُ إِذَا انْصَبَّ السَّيْلُ.
(قَلَحَ)
[هـ] فِيهِ «مَا لِي أَرَاكُمْ تَدْخُلُون عَليَّ قُلْحاً» القَلَح: صُفْرة تَعْلو الأسْنان، ووَسَخٌ يرْكَبُها. والرجُلُ أَقْلَح، وَالْجَمْعُ: قُلْح، مِنْ قَوْلِهِمْ للمُتَوَسِّخ الثِياب: قَلِحٌ، وَهُوَ حَثّ عَلَى اسْتِعْمَالِ السِّواك.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ كَعْبٍ «الْمَرْأَةُ إِذَا غَابَ زوجُها تَقَلَّحَتْ» أَيْ تَوسَّخت ثِيابُها، وَلَمْ تَتَعَهدَّ نفْسها وَثِيَابَهَا بِالتَّنْظِيفِ. ويُرْوى بِالْفَاءِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ.
(قَلَدَ)
[هـ] فِيهِ «قَلِّدُوا الخيلَ وَلَا تُقَلِّدُوها الْأَوْتَارَ» أَيْ قَلِّدُوها طلبَ أعداء الدين والدفاع على الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تُقَلِّدوها طَلَب أَوْتَارِ الجاهلَّية وذُحُولَها الَّتِي كَانَتْ بَيْنَكُمْ.
وَالْأَوْتَارُ: جَمْعُ وِتْر بِالْكَسْرِ، وَهُوَ الدَّمُ وطَلَبُ الثَّأْرِ، يُرِيد اجْعلوا ذَلِكَ لازِماً لَهَا فِي أَعْنَاقِهَا لُزوم القَلَائد لِلْأَعْنَاقِ.
وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْأَوْتَارِ: جَمْع وَتَر القَوْس: أَيْ لَا تَجْعلوا فِي أعْناقها الْأَوْتَارَ فَتَخْتنِقَ، لأنَّ الخيلَ رُبَّمَا رعَت الْأَشْجَارَ فنَشِبَت الْأَوْتَارُ بِبَعْضِ شُعَبها فَخَنَقَتْها «1» .
وَقِيلَ: إِنَّمَا نَهاهم عَنْهَا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتقِدون أَنَّ تَقْليد الْخَيْلِ بِالْأَوْتَارِ يَدْفع عَنْهَا الْعَيْنَ والأذَى، فَتَكُونُ كالعُوذة لَهَا، فَنَهَاهُمْ وأعْلَمَهم أَنَّهَا لَا تَدْفع ضَرَراً وَلَا تَصْرف حَذَراً.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ اسْتِسْقَاءِ عُمَرَ «فقَلَّدَتْنا السماءُ قِلْداً، كلَّ خمسَ عشْرةَ لَيْلَةً» أَيْ مَطَرَتْنا لوقْتٍ مَعْلُومٍ، مَأْخُوذٌ مِنْ قِلْد الحُمَّى، وَهُوَ يَوْمُ نَوْبَتِها. والقِلْد: السَّقْي. يُقَالُ: قَلَدْتُ الزَّرعَ إِذَا سَقَيْتَه.
(هـ س) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَمْرو «أَنَّهُ قَالَ لقَيِّمه عَلَى الوَهْطِ: إِذَا أقَمْتَ قِلْدَك مِنَ الْمَاءِ فاسْقِ الأقْرَبَ فلأقرب» أَيْ إِذَا سَقَيْتَ أرضْكَ يَوْمَ نَوْبتِها فأعْط مَن يَليك.
وَفِي حَدِيثِ قَتْلِ ابْنِ أَبِي الحُقَيْق «فقُمْتُ إِلَى الأَقاليد فأخَذْتُها» هِيَ جَمْعُ: إِقْلِيد، وهو المِفْتاح.
__________
(1) قال الهروي: «والقول هو الأول» .(4/99)
(قَلَسَ)
(س) فِيهِ «مِن قَاءَ أَوْ قَلَسَ فَلْيَتوضَّأ» القَلَس بِالتَّحْرِيكِ، وَقِيلَ بِالسُّكُونِ:
مَا خَرج مِنَ الجَوْف مِلْء الفَمِ، أَوْ دُونَهُ وَلَيْسَ بِقَيْء، فَإِنْ عَادَ فَهُوَ القَيْء.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «لَّما قَدِم الشامَ لَقِيه المُقَلِّسون بالسُّيوف والرَّيْحان «1» » هُمُ الَّذِينَ يَلْعَبون بَيْنَ يَدَيِ الأمِير إِذَا وَصَلَ البَلد، الْوَاحِدُ: مُقَلِّس.
(هـ) وَفِيهِ «لَّما رَأَوْهُ قَلَّسُوا لَهُ» التَّقْليس: التَّكْفير، وَهُوَ وَضْع اليَديْن عَلَى الصَّدْر، والانْحناء، خُضوعاً واسْتِكانة.
وَفِيهِ ذِكْرُ «قالِس» بِكَسْرِ اللَّامِ: موضِع أقْطَعَه النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ [بَنِي الْأَحَبِّ مِنْ عُذْرَةَ «2» ] لَهُ ذِكْر فِي حَدِيثِ عَمْرو بْنِ حَزْم.
(قَلَصَ)
(س) فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «فقَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أحِسُّ مِنْهُ قَطْرة» أَيِ ارْتَفَع وذهَب. يُقَالُ: قَلَصَ الدَّمْعُ، مُخَففَّاً، وَإِذَا شُدِّد فلِلْمُبالَغة.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ «إِنَّهُ قَالَ للضَّرْع: اقْلِصْ، فقَلَصَ» أَيِ اجْتَمَعَ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ «أَنَّهَا رَأَتْ عَلَى سَعْدٍ دِرْعاً مُقَلِّصة» أَيْ مُجْتَمِعة مُنْضَمَّة. يُقَالُ:
قَلَّصَت الدِّرعُ وتَقَلَّصَت، وَأَكْثَرُ مَا يُقَالُ فِيمَا يَكُونُ إِلَى فَوْق.
(س) وَفِي حَدِيثِ عُمر «كُتِب إِلَيْهِ أَبْيَاتٌ فِي صَحِيفَةٍ مِنْهَا «3» :
قَلَائِصَنَا هَداك اللهُ إنَّا ... شُغِلنْا عنكُمُ زَمَنَ الحِصارِ
الْقَلَائِصُ: أراد بها ها هنا النِّسَاءَ، ونَصَبَها عَلَى الْمَفْعُولِ بِإِضْمَارِ فعْلٍ: أَيْ تَدَارَكْ قَلَائِصَنا. وَهِيَ فِي الأصلْ جَمْع قَلُوص، وَهِيَ النَّاقَةُ الشابَّة. وَقِيلَ: لَا تَزَالُ قَلُوصاً حَتَّى تَصِيرَ بازِلاً، وتُجْمَع عَلَى قِلاص وقُلُص، أَيْضًا.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لتُتْركَنّ القِلَاصُ فَلَا يُسْعى عَلَيْهَا» أَيْ لَا يَخْرج ساعٍ إِلَى زَكَاةٍ؛ لِقلَّة حَاجَّةِ النَّاسِ إِلَى الْمَالِ واسْتِغْنائهم عَنْهُ.
__________
(1) في الأصل «والزِيجان» بالزاي والجيم. والتصحيح من: ا، واللسان، والهروي، والفائق 2/ 371.
(2) تكملة من القاموس، ومعجم البلدان لياقوت 4/ 19. والحديث كله ساقط من ا.
(3) انظر الجزء الأول ص 45.(4/100)
وَمِنْهُ حَدِيثِ ذِي المِشعار «أتَوْك عَلَى قُلُصٍ نَواجٍ» .
(س) وَحَدِيثُ عَلِيٍّ «عَلَى قُلُصٍ نواجٍ» وَقَدْ تَكَرَّرَتْ فِي الْحَدِيثِ مفْردةً وَمَجْمُوعَةً.
(قَلَعَ)
(هـ) فِي صِفَته عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «إِذَا مَشى تَقَلَّعَ» أَرَادَ قُوَّةَ مَشْيه، كَأَنَّهُ يَرْفَع رِجْليه مِنَ الْأَرْضِ رَفْعاً قويَّاً، لَا كَمن يَمشِي اخْتِيالاً ويُقارِب خُطاه؛ فإنَّ ذَلِكَ مِنْ مَشْي النِّساء ويُوصَفْنَ بِهِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ [ابْنِ «1» ] أَبِي هَالَةَ فِي صفتِه عَلَيْهِ السَّلَامُ «إِذَا زالَ زالَ قَلْعاً» يُرْوَى بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ، فبالفْتح: هُوَ مَصْدر بِمَعْنَى الْفَاعِلِ: أَيْ يَزُول قالِعاً لرِجْله مِنَ الْأَرْضِ، وَهُوَ بِالضَّمِّ إِمَّا مَصْدَرٌ أَوِ اسْم، وَهُوَ بِمَعْنَى الْفَتْحِ.
وَقَالَ الْهَرَوِيُّ: قَرَأْتُ هَذَا الْحَرْفَ فِي كِتَابِ «غَرِيبِ الْحَدِيثِ» لِابْنِ الْأَنْبَارِيِّ «قَلِعاً» بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ اللَّامِ. وَكَذَلِكَ قَرَأْتُهُ بخَطِّ الْأَزْهَرِيِّ، وَهُوَ «2» كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ «كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَب» وَالانْحِدار: مِنَ الصَّبَب «3» والتَّقَلُّع: مِنَ الْأَرْضِ قَرِيب بعضُه مِنْ بَعْضٍ، أَرَادَ أَنَّهُ «4» كَانَ يَسْتعِمل التَّثَبُّت، وَلَا يَبِين «5» مِنْهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ اسْتعجالٌ ومُبادَرة شَدِيدَةٌ «6» .
(هـ) وَفِي حَدِيثِ جَرِيرٍ «قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رجلٌ قِلْعٌ فادْعُ اللَّهَ لِي» قَالَ الْهَرَوِيُّ:
القِلْع: الَّذِي لَا يَثْبُت عَلَى السَّرْج. قَالَ: وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ «قَلِع» بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ اللَّامِ بِمَعْنَاهُ.
وسماعِي «القِلْع» .
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: رجُلٌ قِلْعُ القَدَم «7» ، بِالْكَسْرِ: إِذَا كَانَتْ قَدَمُهُ لَا تَثْبُتُ عِنْدَ الصّرَاع. وفلانٌ قُلَعَة: إِذَا كَانَ يَتَقَلَّع عَنْ سَرْجه.
__________
(1) ساقط من الأصل، ا. وقد أثبتُّه من الهروي، واللسان. وانظر أسد الغابة 5/ 50، والإصابة 6/ 276.
(2) هذا من قول الأزهري. كما في الهروي.
(3) بعده في الهروي: «والتكفؤ إلى قُدَّام» .
(4) هذا من قول أبي بكر بن الأنباري. كما في الهروي.
(5) في الهروي: «ولا يتبينَّ» .
(6) بعد هذا في الهروي: «ألا تراه يقول: يمشي هَوْناً ويخطْو تكفّؤاً» .
(7) العبارة والضبط في الصِّحاح هكَذا: «والقَلَع أيضاً: مصدر قولك: رجلٌ قَلِع الْقَدَمِ، بِالْكَسْرِ، إِذَا كَانَتْ قَدَمُهُ لا تثبت عند الصِراع، فهو قَلِعٌ ... وفلانٌ قُلْعَةٌ، إِذَا كَانَ يتقلَّع عَنْ سَرْجِهِ، ولا يثبت في البطش والصّراع» .(4/101)
وَفِيهِ «بِئْسَ المالُ القُلْعَةُ» هُوَ العارِيَّة؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ فِي يَدِ المسْتَعير ومُنْقَلِعٌ إِلَى مَالِكِهِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «أُحَذِّرُكُمُ الدُّنْيَا فَإِنَّهَا مَنَزلُ قُلْعَة» أَيْ تَحَوُّلٍ وارْتِحال.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ سَعْدٍ «قَالَ لَمَّا نُودي: ليَخْرُجْ مَن فِي الْمَسْجِدِ إِلَّا آلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وآلَ عَلِيٍّ: خَرْجنا مِنَ الْمَسْجِدِ نَجُرُّ قِلاعَنا» أَيْ كُنُفنا وأمْتِعَتَنا، وَاحِدُهَا: قَلْع بِالْفَتْحِ، وَهُوَ الكِنْف يَكُونُ فِيهِ زَادُ الرَّاعِي ومَتاعُه.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «كَأَنَّهُ قِلْعُ دارِيّ» القِلْع بِالْكَسْرِ: شِراع السَّفينة. والدارِيُّ:
البَحَّار والمَلاَّح.
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ مُجَاهِدٍ «فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ» [قَالَ] «1» مَا رُفِع قِلْعُه» وَالجوارِي: السُّفُن والمَراكِب.
وَفِيهِ «سُيوفُنا قَلَعيَّة» مَنْسُوبَةٌ إِلَى القَلَعة- بِفَتْحِ الْقَافِ وَاللَّامِ- وَهِيَ مَوْضِعٌ بِالْبَادِيَةِ تُنْسَب السُّيوف إِلَيْهِ.
(هـ) وَفِيهِ «لَا يَدْخُلُ الجنةَ قَلَّاعٌ وَلَا دَيْبُوب» هُوَ السَّاعِي إِلَى السُّلْطَانِ بِالْبَاطِلِ فِي حقِ النَّاسِ، سُمِّي بِهِ لِأَنَّهُ يَقْلَع المُتَمكِّن مِنْ قَلْب الْأَمِيرِ، فيُزِيله عَنْ رُتْبَتِه، كَمَا يُقْلَع النَّباتُ مِنَ الْأَرْضِ وَنَحْوُهُ. والقَلَّاع أَيْضًا: القَوّاد، والكَذَّاب، والنَّبَّاش، والشُّرَطِيُّ.
(هـ) وَمِنَ الْأَوَّلِ حَدِيثُ الْحَجَّاجِ «قَالَ لأنَسٍ: لأقْلَعَنَّك قَلْعَ الصَّمْغة» أَيْ لأسْتَأصلَنَّك كَمَا يَسْتأصلُ الصَّمْغةَ قالِعُها مِنَ الشَّجَرَةِ «2» .
وَفِي حَدِيثِ المَزادَتين «لَقَدْ أَقْلَع عَنْهَا» أَيْ كَفّ وتَرك، وأَقْلَعَ المطَرُ: إِذَا كَفَّ وانْقَطع.
وأَقْلَعَت عَنْهُ الحُمَّى: إِذَا فارَقَتْهُ.
__________
(1) من الهروي.
(2) في ا: «الشجر» : وقال الهروي: والصمغ إذا أُخذ انقلع كلُّه ولم يبق له أثرٌ. يقال: تركتهم على مثل مَقْلِع الصمغة، ومَقْرِف الصمغة إذا لم يبق لهم شيءٌ إلا ذهب.(4/102)
(قَلَفَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ ابْنِ المسيَّب «كَانَ يَشْرب العَصير مَا لَمْ يَقْلِف» أَيْ يُزْبِد.
وقَلَفْتُ الدَّنَّ: فَضَضْتُ عَنْهُ طِينَه.
وَفِي حَدِيثِ بَعْضِهِمْ، فِي الأَقْلَفِ يَمُوتُ «هُوَ الَّذِي لَمْ يُخْتَن» والقُلْفَة: الجْلدة الَّتِي تُقْطع مِنْ ذَكَر الصَّبِيِّ.
(قَلَقَ)
(هـ) فِيهِ:
إليكَ تَعْدُو «1» قَلِقاً وَضِينُهَا ... مُخَالِفًا دِينَ النَّصارَى دِيُنها
القَلَق: الانْزِعاج. والوَضِين: حِزام الرّحْل.
أَخْرَجَهُ الْهَرَوِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَر «2» .
وَقَدْ أَخْرَجَهُ الطَّبَراني فِي «الْمُعْجَمِ» عَنْ سالِم بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ «أنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفاضَ مِنْ عَرفاتٍ. وَهُوَ يَقول ذَلِكَ» وَالْحَدِيثُ مَشْهُورٌ بابْن عُمَر مِنْ قَوْلِهِ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «أَقْلِقُوا السُّيوفَ فِي الغُمُد» أَيْ حَرِّكوها فِي أغْمادِها قَبْل أَنْ تَحْتاجوا إِلَى سَلِّها ليَسْهلُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا.
(قَلَلَ)
(س) فِي حَدِيثِ عَمرو بْنِ عَبَسَة «قَالَ لَهُ: إِذَا ارتَفَعتِ الشَّمْسُ فَالصَّلَاةُ مَحْظُورَةٌ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الرُّمْح بالظِل» أَيْ حَتَّى يَبْلُغَ ظِلُّ الرُّمْح المَغْرُوس فِي الْأَرْضِ أدْنَى غَايَةِ القِلَّة والنَّقْص؛ لِأَنَّ ظِلَّ كُلِّ شَيْءٍ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ يَكُونُ طَوِيلًا، ثُمَّ لَا يَزَالُ يَنْقُص حَتَّى يبْلُغَ أقْصَرَه، وَذَلِكَ عِنْدَ انْتِصَافِ النَّهَارِ، فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ عَادَ الظِّل يَزيد، وَحِينَئِذٍ يّدْخُل وَقْتُ الظُّهر وَتجوز الصَّلَاةُ ويَذْهب وقتُ الْكَرَاهَةِ. وَهَذَا الظِّل المُتناهِي فِي القِصَر هُوَ الَّذِي يُسَمَّى ظِلَّ الزَّوَالِ: أَيِ الظِّلّ الَّذِي تَزُولُ الشمسُ عَنْ وسَط السَّمَاءِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ قَبْلَ الزِّيَادَةِ.
فَقَوْلُهُ «يَسْتَقِل الرُّمْحُ بالظِّل» هُوَ مِنَ القِلَّة لَا مِنَ الإِقْلال والاسْتِقْلال الَّذِي بِمَعْنَى الِارْتِفَاعِ والاسْتِبْداد. يُقَالُ: تَقَلَّلَ الشيءَ، واسْتَقَلَّه، وتَقالَّه: إذا رآه قليلاً.
__________
(1) في الأصل: «تغدو» وفي ا: «يغدو» وأثبته بالعين المهملة مما يأتي في (وضن) ومن اللسان (قلق، وضن) وكذا من الفائق 3/ 169.
(2) وكذلك صنع الزمخشري. انظر الفائق.(4/103)
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَنَسٍ «أَنَّ نَفَراً سَأَلُوا عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أُخْبروا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوها» أَيِ اسْتَقَلُّوها، وَهُوَ تَفاعُلٌ مِنَ القِلَّة.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ «كَأَنَّ الرجُلَ تَقَالَّها» .
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ كَانَ يُقِلُّ الَّلغْو» أَيْ لاَ يلْغُو أصْلاً. وَهَذَا اللَّفْظُ يُسْتعمل فِي نَفْي أصْل الشَّيْءِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: «فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ»
وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ باللَّغْو الهَزْلَ والدُّعابة، وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ قَلِيلا.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ «الرِّبا وَإن كَثُر فهُو إِلَى قُلٍّ» القُلُّ بِالضَّمِّ: القِلَّة، كالذُّلِّ والذِلَّة: أَيْ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ زِيَادَةً فِي الْمَالِ عَاجِلًا فإنه يؤول إِلَى نَقْص، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: «يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ» .
(هـ) وَفِيهِ «إِذَا بَلَغَ الماءُ قُلَّتين لَم يحْمِلْ نَجَساً» القُلَّة: الحُبُّ «1» الْعَظِيمُ. وَالْجَمْعُ: قِلال.
وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ بِالْحِجَازِ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ فِي صِفَةِ سِدْرة المُنْتَهى «نَبِقُها مِثْلُ قِلال هَجَر» وهَجَر: قَرْيَةٌ قَرِيبَةٌ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَلَيْسَتْ هَجَر البَحْرين. وَكَانَتْ تُعْمل بِهَا القِلال، تأخُذ الْوَاحِدَةُ مِنْهَا مَزادة مِنَ الْمَاءِ، سُمِّيت قُلَّة لِأَنَّهَا تُقَلّ: أَيْ تُرْفَعُ وتُحْمَل.
وَفِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ «فحَثا فِي ثَوْبِه ثُمَّ ذَهب يُقِلُّه فَلَمْ يَسْتِطع» يُقَالُ: أَقَلَّ الشيءَ يُقِلُّه، واسْتَقَلَّه يَسْتَقِلُّه إِذَا رَفعه وَحَمَلَهُ.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «حَتَّى تَقَالَّت الشَّمْسُ» أَيِ اسْتَقَلَّت فِي السَّمَاءِ وارْتَفَعت وتَعَالَت.
(س) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «قَالَ لِأَخِيهِ زَيْدٍ لَمَّا وَدَّعَهُ وَهُوَ يُريد اليَمامة: مَا هَذَا القِلُّ الَّذِي أَرَاهُ بِكَ؟» القِلُّ بِالْكَسْرِ: الرِّعْدة.
(قَلْقَلَ)
(س) فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِي: خرَج عليٌّ وَهُوَ يَتَقَلْقَلُ» التَّقَلْقُل: الخِفَّة والإسْراع، مِنَ الفَرَس القُلْقُل بِالضَّمِّ، ويُروى بِالْفَاءِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَفِيهِ «ونَفْسه تَقَلْقَلُ فِي صَدْره» أَيْ تَتَحرّك بصَوت شَدِيدٍ. وأصلُه الحركَة والاضْطِراب
__________
(1) الحُبّ: الجَرَّة، أو الضخمة منها (القاموس) .(4/104)
(قَلَمَ)
(س) فِيهِ «اجْتاز النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنسْوة فَقَالَ: أظُنُّكُنّ مُقَلَّماتٍ» أَيْ لَيْسَ عَلَيْكُنَّ حَافِظٌ، كَذَا قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ فِي نَوادره، حَكَاهُ أَبُو مُوسَى.
وَفِيهِ «عالَ قَلَمُ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ» هُوَ هَاهُنَا القِدْح والسَّهم الَّذِي يُتَقَارع بِهِ، سُمِّي بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُبْرَى كَبَرْيِ القَلم. وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ «القَلم» فِي الْحَدِيثِ. وتَقْلِيم الْأَظْفَارِ: قَصُّها.
(قَلَنَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «سَأَلَ شُرَيْحاً عَنِ امْرَأَةٍ طُلِّقَت، فذَكَرت أَنَّهَا حاضَت ثَلَاثَ حِيَض فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ شُرَيح: إنْ شَهِد ثَلَاثُ نِسْوة مِنْ بِطَانَةِ أهلِها أَنَّهَا كَانَتْ تَحِيض قَبْلَ أَنْ طُلِّقَت، فِي كُلِّ شَهْرٍ كَذَلِكَ فالَقول قولُها، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: قالُونْ» هِيَ كَلِمَةٌ بالرُّوميَّة مَعْنَاهَا: أصَبْتَ.
(قَلْهَمٌ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّ قَوْمًا افْتَقَدُوا سِخَابَ فَتَاتِهِمْ، فَاتَّهَمُوا امْرَأَةً، فَجَاءَتْ عجوزٌ ففَتَّشَت قَلْهَمَها» أَيْ فَرْجَها.
هَكَذَا رَوَاهُ الْهَرَوِيُّ فِي الْقَافِ «1» . وَقَدْ كَانَ رَوَاهُ بِالْفَاءِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ بِالْفَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ.
(قَلُّوصٌ)
(س) فِي حَدِيثِ مَكْحُولٍ «أَنَّهُ سُئِل عَنِ القَلُّوص، أيُتَوضَّأ مِنْهُ؟ فَقَالَ: مَا لَمْ يَتَغَيَّر» القَلّوص: نَهْرٌ قَذِر إلاَّ أَنَّهُ جارٍ، وَأَهْلُ دِمَشْق يُسُّمون النَّهْرَ الَّذِي تَنْصَبُّ إِلَيْهِ الْأَقْذَارُ والأوساخ: نهر قلّوط، بانطاء.
(قَلَا)
- فِي حَدِيثِ عُمَرَ «لمَّا صَالَحَ نَصَارَى أَهْلِ الشَّامِ كَتبوا لَهُ كِتَابًا: إنَّا لَا نُحْدِث فِي مَدينَتِنا كَنِيسةً وَلَا قَلِيَّة، وَلَا نُخْرجَ «2» سَعَانين، وَلَا بَاعُوثًا» القَلِيَّة: كَالصَّوْمَعَةِ، كَذَا ورَدَت، واسْمُها عِنْدَ النَّصَارَى: القَلَّاية، وَهُوَ تَعْريب كَلاَّدة، وَهِيَ مِنْ بُيُوتِ عباداتِهم.
(هـ) وَفِيهِ «لَوْ رأيتَ ابْنَ عُمَرَ ساجِداً لرَأيتَه مُقْلَوْلِياً» وَفِي رِوَايَةٍ «كَانَ لَا يُرَى إلاَّ مُقْلَوْلِياً» هُوَ المُتَجافي المُسْتَوْفِزُ. وفُلان يَتَقَلَّى عَلَى فِراشه: أَيْ يَتَمْلمَل وَلَا يَسْتقِرّ.
وَفَسَّرَهُ بعضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ: كَأَنَّهُ عَلَى مِقْلًى، قَالَ الْهَرَوِيُّ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرداء «وجَدْتُ الناسَ اخْبُرْ تَقْلَهْ» القِلَى: البُغْض. يُقَالُ: قَلَاه يَقْلِيه قِلًى وقَلًى إذا أبْغَضَه.
__________
(1) في نسخة الهروي التي بين يدي، لم يروه بالقاف، وإنما رواه بالفاء فقط.
(2) سبق مضبوطاً في مادة (بعث) «نخْرِج» وكان كذلك في الأصل، وا، واللسان.(4/105)
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: «إِذَا فَتَحت مَدَدْت «1» . ويَقْلَاه: لُغَةُ طيّىء» .
يَقُولُ: جَرِّب النَّاسَ، فَإِنَّكَ إِذَا جَرَّبْتَهم قَلَيْتَهم وتَركْتَهُم لمِا يَظْهر لَكَ مِنْ بَواطِن سَرائِرهم.
لَفْظَه لفظُ الْأَمْرِ، وَمَعْنَاهُ الْخَبر: أَيْ مَنْ جَرَّبَهم وخَبَرهم أبْغَضُهم وتَركَهم.
وَالْهَاءُ فِي «تَقْلَه» للسَّكْت.
وَمَعْنَى نَظْم الْحَدِيثِ: وجَدْت الناسَ مَقُولاً فيهم هذا القول.
وقد تكر ذِكْرُ «القِلَى» فِي الْحَدِيثِ.
بَابُ الْقَافِ مَعَ الْمِيمِ
(قَمَأَ)
(س) فِيهِ «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَقْمَأ «2» إِلَى مَنْزِلِ عَائِشَةَ كَثِيرًا» أي يَدْخُل. وقَمَأتُ بالمكان قَمْأً دَخَلْتُه وأقَمْتُ بِهِ. كَذَا فُسِّر فِي الْحَدِيثِ.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ «3» : وَمِنْهُ اقْتَمَأَ الشيءَ، إِذَا جَمَعه.
(قَمَحَ)
(هـ) فِيهِ «فَرَض رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زكاةَ الفِطْر صَاعًا مِنْ بُرّ أَوْ صَاعًا مِنْ قَمْح» الُبُّر والقَمح هُما الحِنْطة، وَ «أَوْ» لِلشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي، لَا للِتَّخْيير.
وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ «القَمْح» فِي الْحَدِيثِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْع «أشْرَبُ فأَتَقَمَّح» أرادت أَنَّهَا تَشْرب حَتَّى تَرْوَى وتَرْفَع رَأْسَهَا. يُقَالُ: قَمَح البعيرُ يَقْمَح، إِذَا رَفَعَ رأسَه مِنَ الْمَاءِ بَعْد الرِّيِّ، ويُروى بِالنُّونِ.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَتَقْدَمُ عَلَى اللَّهِ أَنْتَ وشيعتُك رَاضِينَ مَرْضِيِّين، ويَقْدَم عَلَيْهِ عَدُوُّك غِضاباً مُقْمَحِين، ثُمَّ جَمع يَده إِلَى عُنُقه؛ يُريهم كَيْفَ الإِقْمَاح» الإِقْماح:
رَفْع الرَّأْسِ وغَضُّ البَصَر. يُقَالُ: أَقْمَحه الغُلُّ: إِذَا تَرَكَ رأسَه مَرْفُوعًا مِنْ ضِيقِه.
__________
(1) عبارة الجوهري في الصحاح: «والقِلَي: البغض؛ فإن فتحت القاف مددت. تقول: قَلاه يَقْلِيه قِلىً وقَلاءً، ويقلاه لغة طيّىء» .
(2) رواية الزمخشري: «يقمو» . الفائق 2/ 376.
(3) عبارته: «ومنه اقتمى الشيءَ واقتباه، إذا جمعه» .(4/106)
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: «إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ» .
وَفِيهِ «أَنَّهُ كَانَ إِذَا اشْتَكَى تَقَمَّح كَفَّاً مِنْ شُونِيز» أَيِ اسْتَفَّ كَفَّاً مِنْ حَبَّة السَّوْداء. يُقَالُ:
قَمِحْتُ السَّوِيقَ، بِالْكَسْرِ: إِذَا اسْتَفَفْتَه.
(قَمَرَ)
(هـ) فِي صِفَةِ الدَّجَّالِ «هِجَانٌ أَقْمرُ» هُوَ الشَّدِيدُ الْبَيَاضِ. والأنْثَى قَمْراءُ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ حَلِيمة «وَمَعَهَا أتانٌ قَمْراء» وَقَدْ تَكَرَّرَ ذكرُ «القُمْرة» فِي الْحَدِيثِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «مَن قَالَ: تَعالَ أُقَامِرْك فَلْيتصدّقْ» قِيلَ: يَتَصدّق بقَدْر مَا أَرَادَ أنْ يَجْعَله خَطَراً فِي القِمَار.
(قَمْرَصَ)
»
- فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَيْرٍ «لَقَارِصٌ «2» قُمَارِصٌ يَقْطُر مِنْهُ البَوْل» القُمَارِص: الشَّدِيدُ القَرْص، لزِيادة «3» الْمِيمِ.
قَالَ الخطَّابي: القُمارص: إتْباع وإشْباع، أَرَادَ لَبَناً شَدِيدَ الحُموضة، يَقْطُر بَوْل شارِبه لشِدّة حُموضَتِه.
(قَمَسَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ رجَمَ رجُلاً ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهِ، وَقَالَ: إِنَّهُ الْآنَ لَيَنْقَمِس «4» فِي رِياض الْجَنَّةِ» ورُوِي «فِي أَنْهَارِ الْجَنَّةِ» يُقَالُ: قَمَسَه فِي الْمَاءِ فانْقَمَس: أَيْ غَمَسَه وغَطَّه. ويُروى بِالصَّادِّ وَهُوَ بِمَعْنَاهُ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ وفْد مَذْحِج «فِي مَفازةٍ تُضْحِي أَعْلَامُهَا قامِساً، وَيُمْسِي سَرَابُهَا طَامِسًا» أَيْ تبدوا جِبالُها لِلْعَين ثُمَّ تَغِيب. وَأَرَادَ كلَّ عَلَم مِنْ أعْلامها، فَلِذَلِكَ أفْرَد الوَصْف وَلَمْ يَجْمَعْه.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: «ذَكر سِيبَوَيْهِ أنَّ أَفْعَالًا تَكُونُ لِلْوَاحِدِ، وأنَّ بَعْضَ الْعَرَبِ يَقُولُ: هُوَ الأنْعام، واسْتَشْهد بِقَوْلِهِ تَعَالَى: «وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ» وَعَلَيْهِ جَاءَ قَوْلُهُ: تُضْحِي أعلامُها قامِسا» وَهُوَ هاهنا فاعل بمعنى مفعول.
__________
(1) وضعت هذه المادة في الأصل، ابعد مادَّتي «قمس» و «قمص» .
(2) في الأصل، ا: «قارِصٌ» وأثبتُّ رواية اللسان. وهو يوافق ما سبق في مادة (قرص) .
(3) في ا: «بزيادة» .
(4) رواية الهروي: «ليتقمسَّ» .(4/107)
وَفِيهِ «لَقَدْ بَلَغَت كلماتُك قامُوسَ الْبَحْرِ» أَيْ وسَطه ومُعْظَمه.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وسُئل عَنْ المدِّ والجَزْر فَقَالَ «مَلَكٌ مُوَكَّلٌ بقامُوسِ الْبَحْرِ «1» ، كلَّما وضَع رِجْله فَاضَ، فَإِذَا رفَعَها غَاضَ» أَيْ زَادَ ونَقص. وَهُوَ فاعُول، مِنَ القَمْس.
(قَمَصَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ قَالَ لعُثْمان: إِنَّ اللَّهَ سَيُقَمِّصُك قَمِيصا، وَإِنَّكَ تُلاصُ عَلَى خَلْعِه، فإيَّاك وخَلْعَه» يُقَالُ: قَمَّصْتُه قَمِيصا إِذَا ألْبَسْتَه إيَّاه. وَأَرَادَ بِالْقَمِيصِ الْخِلَافَةَ. وَهُوَ مِنْ أحْسَن الاسْتِعارَات «2» .
(س) وَفِي حَدِيثِ الْمَرْجُومِ «إِنَّهُ يتَقَمَّص فِي أَنْهَارِ الْجَنَّةِ» أَيْ يَتَقلَّب ويَنْغَمِس. ويُروَى بِالسِّينِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ.
(س) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «فَقَمَص مِنْهَا قَمْصا» أَيْ نَفَر وأعْرَض. يُقَالُ: قَمَص الفَرس قَمْصاً وقِماصاً، وَهُوَ أَنْ يَنْفِر ويَرفَع يَدَيْهِ ويَطْرَحَهما مَعًا.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «أَنَّهُ قَضَى فِي القارِصة والقامِصة والواقِصة بالدِّيَة أثْلاثاً» القامِصة:
النافِرة الضارِبة برجْلَيها. وَقَدْ تَقَدَّمَ بيانُ الْحَدِيثِ فِي «القارِصة» .
وَمِنْهُ حَدِيثُهُ الْآخَرُ «قَمَصَتْ بأرْجُلها وقَنَصت بأحْبُلها» .
(س) وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ «لتَقْمِصَنَّ بِكُمُ الْأَرْضُ قِماصَ البَقر» يَعْنِي الزَّلْزلَة.
وَمِنْهُ حَدِيثُ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسار «فقَمَصتْ بِهِ فصَرَعَتْه» أَيْ وثَبَت ونَفَرت فألْقَتْه.
(قَمَطَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ شُرَيح «اخْتَصم إِلَيْهِ رجُلان فِي خُصٍّ، فَقَضَى بِالْخُصِّ لِلَّذِي تَلِيه مَعاقِدُ القُمُط» هِيَ جَمْع قِمَاط «3» ، وَهِيَ الشُّرُط الَّتِي يُشَدُّ بِهَا الخصُّ ويُوثَق، مِنْ لِيفٍ أَوْ خُوص أَوْ غَيْرِهِمَا.
وَمَعَاقِدُ القُمُط تَلِي صاحبَ الخُصِّ. والخُصُّ: الْبَيْتُ الَّذِي يُعْمَل من القَصَب.
__________
(1) رواية الهروي والزمخشري: «البحار» . الفائق 2/ 376، وفيه «فإذا وضع قدمه فاضت، وإذا رفعها غاضت» .
(2) حكى الهروي عن ابن الأعرابي: «القميص: الخلافة. والقميص: غلاف القلب. والقميص: البِرْذَوْن الكثير القِماص» .
(3) قال في المصباح: «جمعه قُمُط، مثل كِتاب، وكُتُب» .(4/108)
هَكَذَا قَالَ الْهَرَوِيُّ بِالضَّمِّ.
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: «القِمْط بِالْكَسْرِ «1» » كَأَنَّهُ عِنْدَهُ وَاحِدٌ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «فَمَا زَالَ يَسْأله شَهْرًا قَمِيطًا» أَيْ تَامًّا كَامِلًا.
(قَمَعَ)
[هـ] فِيهِ «ويْل لأَقْماع القوْل، ويلٌ للمُصِرِّين» وَفِي رِوَايَةٍ «ويْلٌ لأَقْماع الآذانِ «2» » الأَقْماع: جَمْع قِمَع، كضِلَع، وَهُوَ الْإِنَاءُ الَّذِي يُتْرَكُ فِي رُءُوسِ الظُّرُوف لِتُملأ بالمائِعات مِنَ الأشْرِبة والأدْهان.
شَبَّه أسْماع الَّذِينَ يَسْتِمعون القَوْلَ وَلَا يَعُونه ويَحْفظونه ويَعْملون بِهِ بالأَقماع الَّتِي لَا تَعِي شَيْئًا مِمَّا يُفرغ فِيهَا، فَكَأَنَّهُ يَمّر عَلَيْهَا مَجازاً، كَمَا يَمُرّ الشَّراب فِي الأَقْماع اجْتيازاً «3» .
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَوَّلُ مَنْ يُساق إِلَى النَّارِ الأَقْماع، الَّذِينَ إِذَا أَكَلُوا لَمْ يَشْبَعوا، وَإِذَا جَمعوا لَمْ يَسْتَغنوا» أَيْ كأنَّ مَا يَأْكُلُونَهُ ويَجْمَعونه يَمُرّ بِهِمْ مُجْتازاً غَيْرَ ثَابِتٍ فِيهِمْ وَلَا باقٍ عِنْدَهُمْ.
وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِمْ أَهْلَ البَطَالات الَّذِينَ لَا هَمَّ لَهُمْ إِلَّا فِي تَرْجئة الأيَّام بِالْبَاطِلِ، فَلَا هُم فِي عَمل الدُّنْيَا وَلَا فِي عَمَلِ الْآخِرَةِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ والجَوارِي اللَّاتِي كُنَّ يَلْعَبْن مَعَهَا «فَإِذَا رَأيْن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْقَمَعْنَ» أَيْ تَغَيَّبْن ودَخَلْن فِي بَيْتٍ، أَوْ مِنْ وَراء سِتْر. وَأَصْلُهُ مِنَ القِمَع الَّذِي عَلَى رَأْسِ الثَّمَرَةِ. أَيْ يَدْخُلْن فِيهِ كَمَا تَدْخُل الثَّمَرَةُ فِي قِمَعِها.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الَّذِي نَظَر فِي شَقّ الْبَابِ «فَلَمَّا أنْ بَصُر بِهِ انْقَمع» أَيْ رَدّ بَصَرُهُ ورَجع.
يُقَالُ: أَقْمَعْتُ الرجُلَ عَنِّي إِقْماعا إِذَا اطَّلع عَلَيْكَ فردَدْتَه عَنْكَ، فَكَأَنَّ المرْدُود أَوِ الراجِع قَدْ دَخَل فِي قِمَعه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ مُنْكر ونَكير «فيَنْقَمِع العذابُ عِنْدَ ذَلِكَ» أَيْ يَرْجِع ويَتَداخَل.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «ثُمَّ لَقِيَني مَلَكٌ فِي يَدَهِ مِقْمَعة مِنْ حَدِيدٍ» المِقْمَعة بِالْكَسْرِ: وَاحِدَةُ
__________
(1) قال في الصحاح: «ومنه معاقِدُ القِمْطِ» .
(2) وهي رواية الهروي.
(3) قال الهروي: «وقيل: الأقماع: الآذان والأسماع» .(4/109)
المَقَامِع، وَهِيَ سِيَاطٌ تُعْمَلُ مِنْ حَدِيدٍ، رُءُوسُهَا معوجّة.
(قمقم)
- وفى حَدِيثِ عَلِيٍّ «يَحْملُها الأخْضَرُ المُثْعَنْجَر، والقَمْقَام المُسَجّر» هُوَ البَحْر. يُقَالُ:
وَقع فِي قَمْقَامٍ مِنَ الْأَرْضِ: إِذَا وَقَع فِي أمْر شَدِيدٍ. والقَمْقَام: السَّيّد، والعَدد الْكَثِيرُ.
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «لأَنْ أشْرَبَ قُمْقُماً أحْرَقَ مَا أحْرَقَ أحَبُّ إليَّ مِنْ أَنْ أَشْرَبَ نَبيذ جَرٍّ» القُمْقُم: مَا يُسَخَّن فِيهِ الْمَاءُ مِنْ نُحاس وَغَيْرِهِ، وَيَكُونُ ضَيَّق الرَّأْسِ. أَرَادَ شُرب مَا يَكُونُ فِيهِ مِنَ الْمَاءِ الْحَارِّ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «كَمَا يَغْلي المِرْجَلُ بالقُمْقُم» هَكَذَا رُوي. وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ «كَمَا يَغْلي المِرْجَلُ والقُمْقُم» وَهُوَ أبْيَن إنْ ساعدَتْه صِحَّةُ الرِّوَايَةِ.
(قَمِلَ)
(س) فِي حَدِيثِ عُمَرَ، وصِفة النِساء «مِنهنَّ غُلٌّ قَمِلٌ» أَيْ ذُو قَمْل. كَانُوا يَغُلُّون الأسِيرَ بالقِدِّ وَعَلَيْهِ الشّعَر، فيقْمَل فَلَا يَسْتطيع دَفْعَه عَنْهُ بِحِيلَةٍ.
وَقِيلَ: القَمِلُ: القَذِر، وَهُوَ مِنَ القَمْل أَيْضًا.
(قَمَمَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ حَضَّ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَقَامَ رجُلٌ صَغِيرُ القِمَّةِ» القِمَّة بِالْكَسْرِ:
شَخْص الْإِنْسَانِ إِذَا كَانَ قَائِمًا، وَهِيَ الْقَامَةُ. والقِمَّة أَيْضًا وسَط الرَّأْسِ.
وَفِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ «أَنَّهَا قَمَّت البيتَ حَتَّى اغْبَرَّت ثِيابُها» أَيْ كَنَسْته. والقُمَامة:
الكُنَاسة. والمِقَمَّة: المِكْنَسة.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «أَنَّهُ قَدم مكّةَ فَكَانَ يَطوف فِي سِكَكِها، فيمرّ بالقوم فيقول:
قُمُّوا فناء كم، حَتَّى مَرَّ بِدَارِ أَبِي سُفيان، فَقَالَ: قُمُّوا فِناءكُم، فَقَالَ: نَعم يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، حَتَّى يَجِيءَ مُهَّانُنا الْآنَ، ثُمَّ مَرَّ بِهِ فَلَمْ يَصْنَع شَيْئًا، ثُمَّ مَرَّ ثَالِثًا، فَلَمْ يَصْنَع شيئاَ، فوَضَع الدِّرَّة بَيْنَ أُذُنَيْه ضَرْباً، فَجَاءَتْ هِند وَقَالَتْ: وَاللَّهِ لَرُبَّ يومٍ لَوْ ضَرَبْتَه لاقْشَعَرّ بَطْنُ مَكَّةَ، فَقَالَ: أجَلْ» .
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ سِيرِينَ «أَنَّهُ كَتَبَ يَسْألُهم عَنِ المُحاقَلة، فَقِيلَ: إِنَّهُمْ كَانُوا يَشْتَرطون لِرَبِّ الْمَاءِ قُمَامَةَ الجُرُن» أَيِ الكُساحة والكُنَاسة، والجُرُنُ: جمْع جَرين وَهُوَ الْبَيْدَرُ.(4/110)
(س) وَفِيهِ «أنَّ جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ كَانُوا يَقُمُّون شَوَارِبهم» أَيْ يَسْتَأصِلُونها قَصّاً، تَشْبيهاً بقَمِّ الْبَيْتِ وكَنْسه.
(قَمِنَ)
(هـ) فِيهِ «أمَّا الركوعُ فعَظِّموا الرَّب فِيهِ، وَأَمَّا السُّجود فأكْثِروا فِيهِ مِنَ الدُّعاء فَإِنَّهُ قَمِنٌ أَنْ يُسْتجابَ لَكُمْ» يُقَالُ: قَمَنٌ وقَمِنٌ وقَمِينٌ: أَيْ خَليق وجَدير، فَمَنْ فَتَح الْمِيمَ لَمْ يُثَنِّ وَلَمْ يَجْمَعْ وَلَمْ يُؤَنّث، لِأَنَّهُ مَصْدر، وَمَنْ كَسَرَ ثَنَّى وَجَمَعَ، وأنَّثَ، لِأَنَّهُ وَصْفٌ، وَكَذَلِكَ القَمِين.
بَابُ الْقَافِ مَعَ النُّونِ
(قَنَأَ)
(هـ) فِيهِ «مَرَرْت بِأَبِي بَكْرٍ فَإِذَا لِحْيَتُه قانِئةٌ» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «وَقَدْ قَنَأَ لَوْنُها» أَيْ شَدِيدَةُ الحُمْرة. وَقَدْ قَنَأَتْ تَقْنَأ قُنُوءا، وتَرْك الْهَمْزِ فِيهِ لُغة أُخْرَى. يُقَالُ: قَنا يَقْنُو فَهُوَ قانٍ.
وَفِي حَدِيثِ شَرِيك «أَنَّهُ جلَس فِي مَقْنُوءةٍ لَهُ» أَيْ مَوضع لَا تَطْلُع عَلَيْهِ الشَّمْسُ، وَهِيَ الْمَقْنَأَةُ أَيْضًا. وَقِيلَ: هُما غَيْرُ مَهْموزين.
(قَنَبَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ عُمَرَ واهْتِمامِه للخِلافة «فذُكِرَ لَهُ سَعْد، فَقَالَ: ذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي مِقْنَبٍ مِنْ مَقَانِبكم» المِقْنَب بِالْكَسْرِ: جَماعة الخيْل والفُرْسان. وَقِيلَ: هُوَ دُونَ الْمِائَةِ، يُرِيدُ أَنَّهُ صاحِبُ حَرْب وجُيوش، وَلَيْسَ بِصَاحِبِ هَذَا الأمْر.
ومنه حديث عدِيّ «كيف بِطَيّيء ومَقَانِبها» وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(قَنَتَ)
(س) فِيهِ «تَفَكُّرُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ قُنوت لَيْلَةٍ» قَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ «القُنوت» فِي الْحَدِيثِ، ويَرِدُ بِمعانٍ مُتعَدّدة، كالطَّاعة، والخُشوع، وَالصَّلَاةِ، والدُّعاء، والعِبادة، والقِيام، وَطُولِ القِيام، والسُّكوت، فيُصْرف فِي كُلِّ واحدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي إِلَى مَا يَحْتَمِله لفظُ الْحَدِيثِ الوارِد فِيهِ.
وَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ «كُنَّا نَتَكلَّم فِي الصَّلَاةِ حَتَّى نَزَلَت: «وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ»
فأمْسَكْنا عَنِ الْكَلَامِ» أَرَادَ بِهِ السُّكوت.
وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: القُنوت عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: الصَّلَاةِ، وطُول الْقِيَامِ، وَإِقَامَةِ الطَّاعَةِ، وَالسُّكُوتِ.(4/111)
(قَنَحَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْع «وَأَشْرَبُ فأَتَقَنَّح» «1» أَيْ أقْطَع الشُّرب وأتَمَهَّل فِيهِ.
وَقِيلَ: هُوَ الشُّرب بَعْدَ الرِّيّ.
(قَنْذَعَ)
- فِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ «مَا مِن مُسْلمٍ يَمْرَض فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا حَطَّ اللهُ عَنْهُ خَطاياه وإنْ بَلَغَت قُنْذُعَةَ رَأْسِهِ» هُوَ مَا يَبْقَى مِنَ الشَّعَرِ مُفَرَّقًا فِي نَوَاحِي الرَّأْسِ، كالقُنْزُعة.
وَذَكَرَهُ الْهَرَوِيُّ فِي الْقَافِ وَالنُّونِ، عَلَى أَنَّ النُّونَ أصْلية.
وَجَعَلَ الْجَوْهَرِيُّ النُّونَ مِنْهُ، وَمِنَ القُنْزُعة زَائِدَةً.
وَمِنْهُ حَدِيثُ وهْب «ذَلِكَ القُنْذُع» هُوَ الدَّيُّوث الَّذِي لَا يغَار عَلَى أهلِه.
(قُنْزُعٌ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ قَالَ لِأُمِّ سُلَيْم: خَضِّلي قَنَازِعَك» «2» القَنَازِع: خُصَل الشَّعر، واحِدتُها قُنْزُعة: أَيْ نَدِّيها ورَوِّيها بالدُّهْن ليَذْهَبَ شَعَثُها.
(هـ) وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «أَنَّهُ نَهَى عَنِ القَنَازِع» هُوَ أَنْ يُؤْخَذ بعضُ الشَّعر ويُتْرك مِنْهُ مَوَاضِع مُتَفرِّقة لَا تؤُخَذ، كالقَزَع.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ «سُئِل عَنْ رجُلٍ أهَلَّ بعُمْرة وَقَدْ لَبَّد وَهُوَ يُرِيدُ الحجَّ، فَقَالَ:
خذْ مِنْ قَنَازِع رأسِك» أَيْ مِمَّا ارْتَفَع مِنْ شَعَرك وَطَالَ.
(قَنَصَ)
(هـ) فِيهِ «تخْرج النارُ عَلَيْهِمْ قَوَانِصَ» أَيْ قِطَعاً قانِصةً تَقْنِصُهم كَمَا تَخْتَطِف الجارحةُ الصَّيدَ. والقَوانص: جَمْع قانِصة، مِنَ القَنَص: الصيَّد. والقانِص: الصَّائِدُ.
وَقِيلَ: أَرَادَ شَرراً كقَوانِص الطَّير: أَيْ حَواصِلها.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «قَمَصَتْ بأرْجُلها وقَنَصَت بأحْبُلها» أَيِ اصْطادت بِحِبالها.
وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ «وأنْ تَعْلُوَ التُّحوتُ الوُعُولَ، فَقِيلَ: مَا التُّحوت؟ قَالَ: بُيوت القانِصة» «3» كَأَنَّهُ ضَرَب بيُوت الصَّيَّادين مَثَلاً للأراذِل والأدْنياء، لِأَنَّهَا أرْذَل البُيوت.
وَفِي حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ «قَالَ لَهُ عُمر- وَكَانَ أنْسَبَ العَرب-: ممَّن كَانَ النُّعمان بْنُ المنذِر؟ فَقَالَ: مِنْ أشْلاء قَنَص بْنِ مَعَدّ» أَيْ مِنْ بَقيَّة أَوْلَادِهِ.
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: «بَنُو قَنَص بْنِ مَعَدّ قَوْمٌ دَرَجُوا» .
__________
(1) روي بالميم، وسبق.
(2) في الصحاح: وفي الحديث: «غَطِّي عنا قَنازِعَكِ يا أم أيمنَ» .
(3) روى «القافصة» بالفاء. وسبق.(4/112)
(قَنَطَ)
- قَدْ تَكَرَّرَ ذِكر «الْقُنُوطِ» فِي الْحَدِيثِ، وَهُوَ أشَدّ الْيَأْسِ مِنَ الشَّيْءِ. يُقَالُ:
قَنِطَ يَقْنَط، وقَنَطَ يَقْنِط، فَهُوَ قانِطٌ وقَنُوط: والقُنُوط بِالضَّمِّ: الْمَصْدَرُ.
(س) وَفِي حَدِيثِ خُزَيمة فِي رِوَايَةٍ «وَقُطَّتِ القَنَطة» قُطَّتْ: أَيْ قُطِعَت.
وَأَمَّا «القَنطَة» فَقَالَ أَبُو مُوسَى: لَا أَعْرِفُهَا، وأظُنُّه تَصْحيفاً، إلاَّ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ «القَطَنة» بِتَقْدِيمِ الطَّاءِ، وَهِيَ هَنَة دُون القبَّة. وَيُقَالُ لِلَّحْمة بَيْنَ الوَرِكين أَيْضًا: قَطَنة.
(قَنْطَرَ)
- فِيهِ «مَن قَامَ بِأَلْفِ آيةٍ كُتِبَ مِنَ المُقَنْطَرين» أَيْ أُعْطِي قِنْطارا مِنَ الْأَجْرِ.
جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ القِنْطار أَلْفٌ وَمِائَتَا أوقيَّة، والأُوقيَّة خَير ممَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: القَنَاطير: وَاحِدُهَا قِنْطار، وَلَا تَجِد الْعَرَبَ تَعْرِف وَزْنه، وَلَا وَاحِدَ للقِنْطار مِنْ لَفْظه.
وَقَالَ ثَعْلَبٌ: المَعْمول عَلَيْهِ عِنْدَ الْعَرَبِ الأكْثر أَنَّهُ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِينَارٍ، فَإِذَا قَالُوا قَنَاطِيرُ مُقَنْطَرة، فَهِيَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِينَارٍ.
وَقِيلَ: إنَّ القِنطار مِلْء جِلْد ثَور ذَهباً. وَقِيلَ: ثَمَانُونَ أَلْفًا. وَقِيلَ: هُوَ جُمْلة كَثِيرَةٌ مَجْهُولَةٌ مِنَ الْمَالِ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أميَّة قَنْطَرَ فِي الجاهليَّة وقَنْطَر أبُوه» أَيْ صَارَ لَهُ قِنْطار مِنَ الْمَالِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ حُذَيفة «يُوشِك بَنُو قَنْطُوراء أنْ يُخْرِجوا أهلَ العِراق مِنْ عِراقهم» ويُرْوَى «أَهْلَ البَصْرة مِنْهَا، كأنِّي بِهِمْ خُنْس الْأُنُوفِ، خُزْرُ العُيون، عِراض الوُجوه» قِيلَ:
إِنَّ قَنْطُوراء كَانَتْ جَارِيَةً لِإِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَلدَت لَهُ أَوْلَادًا مِنْهُمُ التُّرك والصِّين.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «يُوشِك بَنُو قَنْطُوراء أَنْ يُخْرِجوكم مِنْ أَرْضِ البَصْرة» .
وَحَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ «إِذَا كَانَ آخِرُ الزَّمان جَاءَ بَنُو قَنْطوراء» .
(قَنَعَ)
(هـ) فِيهِ «كَانَ إِذَا رَكع لَا يُصَوِّب رأسَه وَلَا يُقْنِعُه» أَيْ لَا يَرْفَعُهُ حَتَّى يَكُونَ أعْلَى مِنْ ظَهْره. وَقَدْ أَقْنَعَه يُقْنِعُه إِقْناعا.(4/113)
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ الدُّعَاءِ «وتُقْنِع يَدَيْك» أَيْ تَرْفَعُهما.
[هـ] وَفِيهِ «لَا تَجوز شهادةُ القانِع مِنْ «1» أَهْلِ الْبَيْتِ [لَهُمْ «2» ] » القانِع: الخادِم وَالتَّابِعُ تُرَدُّ شهادتُه للتُّهمة بِجَلْب النَّفْع إِلَى نَفْسِهِ. والقانِع فِي الْأَصْلِ: السَّائِلُ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فأكلَ وأطعْمَ القانِع والمُعْتَرَّ» وَهُوَ مِنَ القُنوع: الرِضا بِالْيَسِيرِ مِنَ الْعَطَاءِ. وَقَدْ قَنَعَ يَقْنَع قُنُوعا وقَناعة- بالكَسْر- إِذَا رَضِيَ، وقَنَع بِالْفَتْحِ يَقْنَع قُنوعا: إِذَا سَأَلَ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «القَناعة كَنْز لَا يَنفْد» لِأَنَّ الإنْفاق مِنْهَا لَا يَنْقطع، كُلَّمَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا قَنِعَ بِمَا دُونَهُ ورَضي.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ «عَزَّ مَن قَنِعَ وذَلَّ مَن طَمِع، لأنَّ القانِع لَا يُذِلُّه الطَّلب، فَلَا يَزال عَزِيزًا.
وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ «القُنوع، والقَناعة» فِي الْحَدِيثِ.
(س) وَفِيهِ «كَانَ المَقَانِع مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ كَذَا» المَقَانِع: جَمْع مَقْنَع بِوَزْنِ جَعْفر. يُقَالُ: فُلانٌ مَقْنَعٌ فِي العِلْم وَغَيْرِهِ: أَيْ رِضاً. وبعضُهم لَا يُثَنِّيه وَلَا يَجْمعه لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ، ومَن ثَنَّى وَجَمَعَ نَظَر إِلَى الاسْمِيَّة.
وَفِيهِ «أَتَاهُ رجلٌ مُقَنَّع بِالْحَدِيدِ» هُوَ الْمُتَغَطِّي بِالسِّلَاحِ. وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي عَلَى رَأْسِهِ بَيْضة، وَهِيَ الخَوذة، لأنَّ الرَّأْسَ مَوْضِعُ القِناع.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ زارَ قَبْرَ أمِّه فِي ألْفِ مُقَنَّع» أَيْ فِي ألْف فَارِسٍ مُغطًّى بالسِّلاح.
(س) وَفِي حَدِيثِ بَدْرٍ «فانْكَشف قِنَاعُ قَلْبه فَمَاتَ» قِناع القَلْب: غِشاؤه، تَشْبِيهًا بقِناع الْمَرْأَةِ، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنَ المِقْنَعة.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «أَنَّهُ رَأَى جارِيةً عَلَيْهَا قِنَاعٌ فَضَربها بالدِّرَّة وَقَالَ: أتَشَبَّهين بِالْحَرَائِرِ؟» وَقَدْ كَانَ يَوْمَئِذٍ مِنْ لُبْسِهنَّ.
__________
(1) في الهروي: «مع» .
(2) ساقط من: اوالهروى.(4/114)
[هـ] وَفِي حَدِيثِ الرُّبَيِّع بِنْتِ مُعوِّذ «قَالَتْ: أتَيْتُه بقِناعٍ مِنْ رُطَب» القِناع: الطَّبق الَّذِي يُؤْكل عَلَيْهِ. وَيُقَالُ لَهُ: القِنْع بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ «1» وَقِيلَ: القِناع جَمْعُه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ «إِنْ كَانَ لَيُهْدَى لَنَا القِنَاعُ فِيهِ كَعْبٌ مِنْ إهالةٍ فَنفْرَح بِهِ» .
(س) وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، أخّذَتْ أَبَا بَكْر غَشْيةٌ عِنْدَ الْمَوْتِ فَقَالَتْ:
مَنْ لَا يَزال دَمْعُه مُقَنَّعاً ... لَا بُدَّ يَوْماً أنْ يُهرَاقَ
هَكَذَا وَرَد. وتَصْحِيحه:
مَنْ لَا يَزال دَمْعُه مُقَنَّعاً ... لَا بُدَّ يَوْماً أَنَّهُ يُهرَاقُ
وَهُوَ مِنَ الضَّرب الثَّانِي مِنْ بَحر الرَّجَز.
ورَواه بَعْضُهُمْ:
ومَن لَا يَزال الدَّمْع فِيهِ مُقَنَّعاً ... فَلَا بُدَّ يَوْماً أَنَّهُ مُهرَاقُ
وَهُوَ مِنَ الضَّرْبِ الثَّالِثِ مِنَ الطَّويل، فَسَّروا المُقَنَّع بِأَنَّهُ المحْبُوس «2» فِي جَوْفه.
وَيَجُوزُ أَنْ يُراد: مَن كان دَمْعُه مغطًّى في شُؤونه كامِناً فِيهَا فَلَا بدَّ أَنْ يُبْرِزه البُكاء.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ الْأَذَانِ «أَنَّهُ اهْتَمَّ لِلصَّلَاةِ، كَيْفَ يَجْمَع لَهَا النَّاسَ، فذُكر لَهُ القُنْع فَلَمْ يُعْجِبه ذَلِكَ» فُسِّر فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ الشَّبُّور، وَهُوَ البُوق.
هَذِهِ اللَّفْظَةُ قَدِ اخْتُلِفَ فِي ضَبْطِهَا، فَرُوِيَتْ بِالْبَاءِ وَالتَّاءِ، وَالثَّاءِ وَالنُّونِ، وأشهرُها وَأَكْثَرُهَا النُّونُ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: سَأَلْتُ عَنْهُ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ فَلَمْ يُثْبِتُوه لِي عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ كَانَتِ الرِواية بِالنُّونِ صَحِيحَةً فَلَا أُراه سُمِّي إِلَّا لإِقْناع الصَّوت بِهِ، وَهُوَ رفْعُه. يُقَالُ: أَقْنَع الرجُلُ صَوْتَه ورأسَه إِذَا رفَعه. وَمَنْ يُريد أَنْ يَنْفُخ فِي البُوق يَرفَع رَأْسَهُ وصَوته.
__________
(1) قَالَ الهروي: «ويقال في جمع القُنْع: أقناعٌ، كما يقال: بُرْدٌ، وأبرادٌ، وقُفْلٌ، وأقْفالٌ. ويجوز: قِناعٌ، كما يقال: عُسٌّ وعِساسٌ. وجمع القِناع: أقناعٌ» .
(2) في الأصل، وا: «بأنه محبوس في جوفه» والمثبت من اللسان. والفائق 2/ 381. ويلاحظ أن هذا الشرح بألفاظه فى الفائق.(4/115)
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: «أوْ لأنَّ أطرافَه أُقْنِعَت إِلَى دَاخِلِهِ: أَيْ عُطِفَت» .
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَأَمَّا «القُبَع» بِالْبَاءِ الْمَفْتُوحَةِ فَلَا أحْسَبُه سُمِّي بِهِ إلاَّ لِأَنَّهُ يَقْبَع فَمَ صَاحِبِهِ: أَيْ يَسْتُره، أَوْ مِن قَبَعْت الجُوالِقَ وَالْجِرَابَ: إِذَا ثَنَيْتَ أَطْرَافَهُ إِلَى داخِل.
قَالَ الْهَرَوِيُّ: وَحَكَاهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ أَبِي عُمر الزَّاهِدِ: «القُثْع» بِالثَّاءِ «1» قَالَ: وَهُوَ البُوق فَعرضْته عَلَى الْأَزْهَرِيِّ فَقَالَ: هَذَا بَاطِلٌ.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: سمِعْت أَبَا عُمر الزَّاهِدَ يقولُه بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ، وَلَمْ أسْمَعْه مِنْ غَيْرِهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ: قَثَع فِي الْأَرْضِ قُثُوعاً إِذَا ذَهب، فسُمِّي بِهِ لذَهاب الصَّوْت مِنْهُ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَقَدْ رُوي «الْقَتَعُ» بِتَاءٍ بنُقْطَتين مِنْ فَوْقُ، وَهُوَ دُودٌ يَكُونُ فِي الْخَشَبِ، الْوَاحِدَةُ: قَتَعَة. قَالَ: ومَدار هَذا الحَرف عَلَى هُشَيْم، وَكَانَ كثيرَ اللَّحن والتَّحريف، عَلَى جَلالة مَحلِّة فِي الْحَدِيثِ.
(قَنَنَ)
(هـ) فِيهِ «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الكُوبة والقِنِّين» هُوَ بِالْكَسْرِ وَالتَّشْدِيدِ: لُعْبة للرُّوم يُقامِرُون بِهَا. وَقِيلَ: هُوَ الطُّنْبور بالحَبَشِيَّة. والتَّقْنِين: الضَّرب بِهَا.
(س) وَفِي حَدِيثِ عُمر وَالْأَشْعَثِ «لَمْ نَكُن عَبِيد قِنّ، إِنَّمَا كنَّا عبيدَ مَمْلكة» العَبْد القِنّ: الَّذِي مُلِك هُوَ وَأَبَوَاهُ. وعبْد المَمْلكة: الَّذِي مُلك هُوَ دُون أبَويْه. يُقَالُ: عبْدٌ قِن، وعَبْدان قِنٌّ، وعَبيدٌ قِنٌّ. وَقَدْ يُجْمع عَلَى أَقْنَان وأَقِنَّة.
(قَنَا)
(س) فِي صِفَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «كَانَ أَقْنَى الِعْرِنين» القَنا فِي الأنْف: طُوله ورِقَّة أرْنَبَتِه مَعَ حَدَبٍ فِي وَسَطِهِ. والعِرْنين: الأنْف.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «يَمْلِك رجُلٌ أَقْنَى الأنفِ» يُقَالُ: رجلٌ أَقْنَى وَامْرَأَةٌ قَنْوَاءُ.
وَمِنْهُ قَصِيدُ كَعْبٍ:
قَنْواءُ فِي حُرَّتَيْها للبَصير بهَا ... عِتْقٌ مُبين وَفِي الخَدَّينِ تَسْهيِلُ
وَفِيهِ «أَنَّهُ خَرج فَرَأَى أَقْناء مُعلَّقَة، قِنْوٌ مِنْهَا حَشَف» القِنْو: العِذْق بِمَا فِيهِ مِنَ الرُّطَب، وجمعه: أَقْناء. وقد تكرر في الحديث.
__________
(1) في الأصل، وا: «القُبْع، بالباء» وصححته من الهروي، والفائق 2/ 379.، ومعالم السُّنَن 1/ 151(4/116)
(س) وَفِيهِ «إِذَا أحَبَّ اللَّهُ عبْداً اقْتَنَاه فَلَمْ يَتْرُكْ لَهُ مَالًا وَلَا وَلَداً» أَيِ اتَّخَذَه واصْطفاه.
يُقَالُ: قَنَاه يَقْنُوه، واقْتَناه إِذَا اتَّخذه لنَفْسِه دُونَ البَيْع.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فاقْنُوهم» أَيْ عَلِّمُوهم واجْعلوا لَهُمْ قُنْيَة مِنَ العِلم، يَسْتَغْنون بِهِ إِذَا احْتاجوا إِلَيْهِ.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ نَهَى عَنْ ذَبح قَنِيِّ الغَنَم» قَالَ أَبُو مُوسَى: هِيَ الَّتِي تُقْتَنَى للدَّرّ وَالْوَلَدِ، واحدتُها: قُنْوة، بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ، وَبِالْيَاءِ أَيْضًا. يُقَالُ: هِيَ غَنَمُ قِنْوة وقِنْيَة.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: «القَنِيُّ والقَنِيَّة «1» : مَا اقتُنِي مِنْ شَاةٍ أَوْ نَاقَةٍ» فَجَعَلَهُ وَاحِدًا، كَأَنَّهُ فَعِيل بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. يُقَالُ: قَنَوْت الغَنم وَغَيْرَهَا قِنْوة وقُنْوة، وقَنَيْت أَيْضًا قُنْية وقِنْية: إِذَا اقْتَنَيْتَها لنفِسك لَا للتِّجارة، وَالشَّاةُ قنِيَّة، فَإِنْ كَانَ جَعل القَنِيَّ جنْساً للقَنِيَّة فيَجوز، وَأَمَّا فِعْلَة وفُعْلةٌ فَلَمْ يُجمعا عَلَى فَعِيل.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «لَوْ شِئْتَ أمَرْت بقَنِيَّةٍ سَمينة فأُلقيَ عَنْهَا شَعَرها» .
وَفِيهِ «فِيمَا سَقَت السماءُ والقُنِيُّ العُشُور» القُنِيُّ: جَمْع قَنَاة، وَهِيَ الْآبَارُ الَّتِي تُحفَر فِي الْأَرْضِ مَتَتابعةً ليُسْتَخْرج مَاؤُهَا ويَسِيح عَلَى وَجْه الأرِض.
وَهَذَا الْجَمْعُ أَيْضًا إِنَّمَا يَصِحُّ إِذَا جُمِعَت القَنَاة عَلَى قَنَا، وجُمِع القَنَا عَلَى: قُنِيٍّ، فَيَكُونُ جَمْع الجَمْع، فَإِنَّ فَعَلة لَمْ تُجمَع عَلَى فُعُول.
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: «القَنا: جَمْع قَنَاة، وَهِيَ الرمْح، «2» ويُجْمَع عَلَى قَنَواتٍ وقُنِيٍّ. وَكَذَلِكَ القَنَاة الَّتِي تُحْفَر» .
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فنزَلْنا بقَناةَ» وَهُوَ وادٍ مِنْ أْودِية الْمَدِينَةِ، عَلَيْهِ حَرْثٌ ومالٌ وَزَرْعٌ. وَقَدْ يُقَالُ فِيهِ: وادِي قَناة، وَهُوَ غَيْرُ مَصْروف.
وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وصَبْغِه «فَغلَّفَها بالحِنَّاء والكَتَم حَتَّى قَنَا لَوْنُها» أَيِ احمَرَّ.
يُقَالُ: قَنَا لونُها يَقْنُو قُنُوّاً وَهُوَ أحْمَرُ قانٍ.
__________
(1) عبارة الزمخشري: «القَنِيَّة: ما اْقُتنى من شاة أو ناقة» الفائق 2/ 379.
(2) بعد هذا في الصحاح: «على فُعُولٍ، وقِناءٍ، مثل جبل وجِبَالٍ، وكذلك القناة التي تُحفر، وقناة الظهر التي تنتظم الفقار» .(4/117)
(س) وَفِي حَدِيثِ وابِصة «والإِثْم مَا حَكّ فِي صَدْرك وإنْ أَقْنَاك النَّاسُ عَنْهُ وأَقْنَوْك» أَيْ أرْضَوك.
وحَكَى أَبُو مُوسَى أَنَّ الزَّمَخْشَرِيَّ قَالَ ذَلِكَ، وَأَنَّ المَحْفُوظ بِالْفَاءِ وَالتَّاءِ: أَيْ مِنَ الفُتْيا.
وَالَّذِي رَأَيْتُهُ أَنَا فِي «الْفَائِقِ» فِي بَابِ الْحَاءِ وَالْكَافِ: «أفْتَوْك «1» » بِالْفَاءِ، وفَسَّره بأرْضَوك.
وجعَل الفُتْيا إرْضاءً مِنَ المُفْتِي.
عَلَى أَنَّهُ قَدْ جَاءَ عَنْ أَبِي زَيْدٍ «2» أنَّ الْقَنَا: الرِّضَا، وَأَقْنَاهُ إِذَا أَرْضَاهُ.
بَابُ الْقَافِ مَعَ الْوَاوِ
(قَوَبَ)
(هـ) فِيهِ «لَقَابُ قَوْسِ أحدِكم، أَوْ مَوضِعُ قِدّه مِنَ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» الْقَاب والقِيبُ: بِمَعْنَى القَدْر، وعَيْنُها واوٌ، مِنْ قَوْلِهِمْ: قَوَّبُوا فِي هَذِهِ الْأَرْضِ: أَيْ أَثَّرُوا فِيهَا بِوَطْئِهِمْ، وَجَعَلُوا فِي مَسافَتِها عَلَامَاتٍ. يُقَالُ: بَيْنِي وبَيْنه قَابُ رُمحٍ وَقَابُ قَوْس:
أَيْ مِقدارهما «3» .
[هـ] وَفِي حديث عمر «إن اعْتَمرتُم في أشْهُر الحج رأيُتموها مُجْزئَةً عَنْ حَجِّكم فَكَانَتْ قائِبةَ قُوبِ عَامِهَا «4» » ضَرَبَ هَذَا مَثَلًا لخلُوّ مَكَّةَ مِنَ المُعْتمِرين فِي بَاقِي السَّنة. يُقَالُ: قِيبَتِ البَيْضةُ فَهِيَ مَقُوبةٌ: إِذَا خَرَجَ فَرْخُها مِنْهَا. فَالْقَائِبَةُ: البَيْضة. والقُوب: الفَرْخ. وتَقوَّبتِ الْبَيْضَةُ إِذَا انْفَلَقت عَنْ فَرْخها. وَإِنَّمَا قِيلَ لَهَا: قَائِبَةٌ وَهِيَ مَقُوبة عَلَى تَقْدير: ذَاتِ قُوب، أَيْ ذَاتِ فَرْخ. وَالْمَعْنَى أنَّ الفَرْخ إِذَا فَارَقَ بَيْضَته لَمْ يَعُد إِلَيْهَا. وَكَذَا إِذَا اعْتَمرُوا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لَمْ يَعُودوا إِلَى مَكَّةَ.
(قَوَتَ)
- فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى «المُقيت» هُوَ الْحَفِيظُ. وَقِيلَ: المُقْتدِر. وَقِيلَ: الَّذِي يُعْطي أَقْوَاتَ الْخَلَائِقِ. وَهُوَ مِن أقاتَه يُقِيتُه: إِذَا أَعْطَاهُ قُوتَه، وَهِيَ لُغَة فِي: قاتَهُ يَقُوتُهُ. وأَقَاتَه أَيْضًا إذا حفظه.
__________
(1) الذي في الفائق 1/ 279: «وإن أفتاك الناسُ عنه وأَقْنَوْك» .
(2) في النوادر ص 178: «يقال: قَناه اللهُ ويقنّيه، إذا أكثر ماله» .
(3) حكى الهروي عن مجاهد: «قابَ قَوْسَيْنِ: أي مقدار ذراعين. قال مجاهد: والقوس: الذِّراع، بلغة أَزْدِ شَنُوءَة» .
(4) في الأصل، ا: «رأيتموه مجزئةً من» والمثبت من الفائق 1/ 433، واللسان. غير أن في اللسان «من» وفي الفائق واللسان: «قائبة من قوب» .(4/118)
[هـ] وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «اللهُمَّ اجْعل رِزْق آلِ مُحَمَّدٍ قُوتاً» أَيْ بقَدْر مَا يُمْسِك الرَّمَق مِنَ المَطْعَم.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «كَفَى بالمَرْء إثْماً أَنْ يُضَيَّعَ مَن يَقُوت» أَرَادَ مَنْ تَلْزَمُه نَفَقَتُه مِنْ أَهْلِهِ وعِياله وعبِيده.
ويُرْوَى «مَن يُقِيت» عَلَى اللُّغة الأخْرَى.
(س) وَفِيهِ «قُوتُوا طُعامَكُم يُبارَكْ لَكُمْ فِيهِ» سُئِل الأوْزاعِي عَنْهُ فَقَالَ: هُوَ صِغَر الأرْغِفة. وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ مِثل قَوْلِهِ «كِيلُوا طَعامَكُم» .
وَفِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ «وجَعل لِكُلٍّ مِنْهُمْ قِيتَةً مَقْسُومَةً مِنْ رِزْقه» هِيَ فِعْلَة مِنَ القُوت، كمِيتةٍ مِنَ المَوْت.
(قَوَحَ)
- فِيهِ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احَتجم بالقَاحة وَهُوَ صَائِمٌ» هُوَ اُسم موضِع بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، عَلَى ثَلَاثِ مَراحِلَ مِنْهَا، وَهُوَ مِن قاحَة الدَّارِ: أَيْ وَسَطها، مِثْل ساحَتِها وباحَتِها.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «مَن مَلأ عيْنَيه مِنْ قاحَة بَيْتٍ قَبْل أَنْ يُؤذَن لَهُ فَقَدْ فَجَر» .
(قَوَدَ)
(س) فِيهِ «مَن قَتَلَ عَمْداً فَهُوَ قَوَدٌ» القَوَدُ: القِصاص وقَتْل القاتِل بَدل القَتيل.
وَقَدْ أَقَدْتُه بِهِ أُقِيدُه إِقادةً. واسْتَقَدْتُ الحاكِمَ: سألتُه أَنْ يُقِيدَنِي. واقْتَدْتُ مِنْهُ أَقْتاد. فأمَّا قَادَ البَعيرَ واقْتَاده فبِمَعْنَى جَرَّه خَلْفه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الصَّلَاةِ «اقْتَادُوا رَواحِلهم» .
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «قُرَيش قادَةٌ ذَادَة» أَيْ يَقُودون الجُيوش، وَهُوَ جَمْع: قَائِد.
ورُوِي أنَّ قُصَيَّا قَسَم مَكارِمَه، فأعْطَى قَوْدَ الجُيوش عبدَ مَناف، ثُمَّ وَلِيها عبدُ شَمْسٍ، ثُمَّ أمَيَّةُ، ثُمَّ حَرْبٌ، ثُمَّ أَبُو سُفيان.
وَفِي حَدِيثِ السَّقيفة «فانْطَلَق أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يَتَقَاودان حَتَّى أتَوْهُم» أَيْ يَذْهَبان مُسْرِعَين، كأنَّ كلَّ واحدٍ مِنْهُمَا يَقُود الآخَر لسُرْعَتِه.
وَفِي قَصِيدِ كَعْبٍ:(4/119)
وعَمُّها خالُها قَوْداء شِمْلِيلُ
القَوْداء: الطَّوِيلَةُ.
وَمِنْهُ: «رَمْلٌ مُنْقاد» أَيْ مُسْتطيل.
(قَوِرَ)
(س) فِي حَدِيثِ الِاسْتِسْقَاءِ «فتَقَوَّر السَّحابُ» أَيْ تَقَطَّع وتَفَرّق فِرَقاً مُسْتديرة.
وَمِنْهُ: قُوَارَة الجَيْب.
وَمِنْهُ حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ «وَفِي فِنائه أعْنُزٌ دَرُّهُنّ غُبْرٌ، يُحْلَبْن فِي مِثل قُوارَةِ حافِر البعِير» أَيْ مَا اسْتدارَ مِنْ باطِن حافِره، يَعْنِي صِغَر المِحْلَب وضِيقَه، وصَفَه باللُّؤم والفَقْر. واسْتعار للبعِير حافِراً مَجازاً، وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ: خُفٌّ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ الصَّدَقَةِ «وَلَا مُقْوَرَّة الألْياط» الاقْوِرَارُ: الاسْتِرخاء فِي الْجُلُودِ. وَالْأَلْيَاطُ:
جَمْع لِيطٍ، وَهُوَ قِشْر العُود. شَبَّه بِهِ الجلْد لالْتِزاقه باللِّحْم. أَرَادَ: غَيْرَ مُسْتَرْخِية الجُلود لِهُزَالِها.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ «كجِلْد البَعِير المُقْوَرّ» .
(هـ) وَفِيهِ «فَلَهُ مثْلُ قُورِ حِسْمَي» القُورُ: جَمْع قارَة وَهِيَ الجَبل. وَقِيلَ: هُوَ الصَّغِيرُ مِنْهُ كالأكَمة.
[هـ] وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «صَعَّد قارَةَ الجبَل» كَأَنَّهُ أَرَادَ جَبَلاً صَغِيرًا فَوق الجَبَل، كَمَا يُقَالُ:
صَعَّد قُنَّة الجَبَل: أَيْ أعْلاه.
وَمِنْهُ قَصِيدُ كَعْبٍ:
وَقَدْ تَلَفَّعَ بالقُورِ العَساقِيلُ
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ أُمِّ زَرْع «زَوْجي لَحْمُ جَمَلٍ غَثّ، عَلَى رَأْسِ قُورٍ «1» وَعْث» وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
وَفِي حَدِيثِ الْهِجْرَةِ «حَتَّى إِذَا بَلَغَ بِرْك الغُِماد لَقِيَه ابْنُ الدُّغُنَّة وَهُوَ سَيَّد الْقَارَةِ» القارَة:
قَبِيلة مِنْ بَني الهُون بْنِ خُزَيْمة، سُمُّوا قَارَةً لاجْتماعهم والْتِفافِهم، ويُوصَفُون بالرَّمْي. وَفِي المثل:
أنْصَفَ القارةَ مَن رامَاها.
__________
(1) لم يروه الهروي في (قور) ورواه في (قوز) بالزاي.(4/120)
(قَوَزَ)
(هـ) فِيهِ «مُحَمَّدٌ فِي الدَّهْم بِهَذَا القَوْز» القَوْز بِالْفَتْحِ: العالِي مِنَ الرَّمْل، كَأَنَّهُ جَبل «1» .
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ أُمِّ زَرْعٍ «زَوْجِي لَحْمُ جَمَلٍ غَثٍّ، عَلَى رَأْسِ قَوْزٍ وَعْثٍ» أَرَادَتْ شِدّة الصُّعود فِيهِ، لأنَّ المَشْي فِي الرَّمْل شاقٌّ فَكَيْفَ الصُعُود فِيهِ، لَا سيَّما وَهُوَ وَعْثٌ.
(قَوِسَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ وفْد عَبْدِ القَيْس «قَالُوا لِرَجُلٍ مِنْهُمْ: أطْعِمْنا مِن بَقِيَّة القَوْس الَّذِي فِي نَوْطِك» القَوْس: بَقيَّة التَّمر فِي أسْفل الجُلَّة، كَأَنَّهَا شُبِّهَتْ بقَوْس البعير، وهى جامحته.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ مَعْدِيكَرِبَ «تَضَيَّفْت خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، فأتانِي بقَوْسٍ وكَعْبِ وثَوْر» .
(قَوْصَرَ)
(س) فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «أفْلَح مَن كَانَتْ لَهُ قَوْصَرَّة» هِيَ وِعاءٌ مِنْ قَصَب يُعْمَل للتَّمر، ويُشدّد ويُخَفَّف.
(قَوْصَفَ)
- فِيهِ «أَنَّهُ خَرَجَ عَلَى صَعْدةٍ عَلَيْهَا قَوْصَف» القَوْصَف: القَطيفة. ويُرْوَى بِالرَّاءِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ.
(قَوَضَ)
- فِي حَدِيثِ الِاعْتِكَافِ «فأمَر ببنائِه فَقُوِّضَ» أَيْ قُلِع وأُزِيلَ. وَأَرَادَ بالبِناء الخِباءَ.
وَمِنْهُ «تَقْوِيض الخِيام» .
(هـ) وَفِيهِ «مَرَرْنا بشَجرةٍ وَفِيهَا فَرْخَا حُمَّرَةٍ فأخَذْناهما، فجاءتِ الحُمَّرة [إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] «2» وَهِيَ تَقَوَّض» أَيْ تَجِيء وتَذْهَب وَلَا تَقِرُّ.
(قَوَفَ)
(س) فِيهِ «أَنَّ مُجَزِّزًا كَانَ قَائِفا» القائِف: الَّذِي يَتَتَبَّع الآثارَ ويَعْرِفهُا، ويَعْرِف شَبَه الرجُل بِأَخِيهِ وَأَبِيهِ، وَالْجَمْعُ: القافَة. يُقَالُ: فُلانٌ يَقُوف الْأَثَرَ ويَقْتَافُه قِيافةً، مِثْلُ:
قَفا الأثَر واقْتَفاه.
(قَوَقَ)
(س) فِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ «اجئْتُم بِهَا هِرَقْليَّةً قُوقِيَّة؟» يُريد
__________
(1) قال الهروي: «وجمعه: أقوازٌ، وقِيزازٌ، وأقاوِزُ، للكثرة» .
(2) من الهروي، واللسان.(4/121)
أنَّ البَيْعة لِأَوْلَادِ الْمُلُوكِ سُنَّةُ الرُّوم والعَجم. قَالَ ذَلِكَ لَمَّا أَرَادَ مُعَاوِيَةُ أَنْ يُبايِع أهلُ الْمَدِينَةِ ابْنَه يَزيد بوِلاية العَهْد.
وقُوق: اسْمُ مَلِك مِنْ مُلُوكِ الرُّوم، وَإِلَيْهِ تُنْسَب الدَّنانير القُوقِيَّة.
وَقِيلَ: كَانَ لَقَب قَيْصَر قُوقاً.
ورُوِي بِالْقَافِ وَالْفَاءِ، مِنَ القَوْف: الاتِّباع، كأنَّ بعضَهم يَتْبَع بَعْضًا.
(قَوَلَ)
[هـ] فِيهِ «أَنَّهُ كَتَب لِوائِل بْنِ حُجْر: إِلَى الأَقوال العَباهِلة» وَفِي رِوَايَةٍ «الأَقْيال» «1» الأَقوال: جَمْعُ قَيْل، وَهُوَ المَلِك النافِذ القَوْل والأمْر. وَأَصْلُهُ: قَيْوِل، فَيْعِل، مِنَ القَوْل، فحُذِفَت عينهُ. ومِثْله: أمْوات، فِي جَمْعِ مَيَّت، مُخَفَّفِ مَيَّت. وَأَمَّا «أقْيال» فمَحْمُول عَلَى لَفْظ قَيْل، كَمَا قَالُوا: أرْياح، فِي جَمْعِ: رِيحٍ. وَالسَّائِغُ المَقِيس: أرْواح.
(هـ س) وَفِيهِ «أَنَّهُ نَهى عَنْ قِيَلٍ وَقَالٍ» أَيْ نَهى عَنْ فُضول مَا يَتَحَدّث بِهِ المُتَجالِسون، مِنْ قَوْلهم: قِيل كَذَا، وقَال كَذَا. وبِناؤهما عَلَى كونِهما فِعْلين ماضِيَين مُتَضَمِّنَين «2» لِلضَّمِيرِ.
والإعْرابُ عَلَى إجْرائِهما مُجْرَى الأسْماء خِلْوَيْن مِنَ الضَّمِيرِ، وإدْخال حَرْف التَّعريف عَلَيْهِمَا [لِذَلِكَ] «3» فِي قَوْلِهِمُ: القِيل «4» والقَال. وَقِيلَ: الْقَالُ: الابْتِداء، والقِيل: الجَواب.
وَهَذَا إِنَّمَا يَصِحُّ إِذَا كَانَتِ الرِواية «قِيلَ وَقَالَ» ، عَلَى أنَّهما فِعْلان، فَيَكُونُ النَّهْيُ عَنِ القَوْل بِمَا لَا يَصِحُّ وَلَا تُعْلم حقِيقتُه. وَهُوَ كَحَدِيثِهِ الآخَر «بِئْسَ مَطِيَّةُ الرجُلِ زَعَمُوا» فأمَّا مَن حَكَى مَا يَصِحُّ ويَعْرِف حَقيقته وأسْنَده إِلَى ثِقَةٍ صَادِقٍ فَلَا وجهَ للنَّهْي عَنْهُ وَلَا ذَمَّ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فِيهِ نَحْوٌ وعَربيَّة، وَذَلِكَ أَنَّهُ جَعل الْقَالَ مَصْدراً، كَأَنَّهُ قَالَ: نَهَى عَنْ قِيلٍ وقَوْل. يُقَالُ: قُلْت قَوْلا وقِيلًا وَقَالًا. وَهَذَا التَّأْوِيلُ عَلَى أَنَّهُمَا اسْمان.
وَقِيلَ: أَرَادَ النَّهي عَنْ كَثْرَةِ الكلام مُبْتدِئاً ومُجِيباً.
__________
(1) وهي رواية الهروي.
(2) في اللسان نقلاً عن ابن الأثير: «مَحكيَّيْن متضمِّنْين» . وكذا في الفائق 2/ 382.
(3) تكملة من اللسان، والفائق. وهذا الشرح بألفاظه في الفائق.
(4) في الفائق: «في قولهم: ما يعرف القال والقِيل» .(4/122)
وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ حِكَايَةَ أَقوال النَّاسِ، والبَحْثَ عمَّا لَا يَجْدِي عَلَيْهِ خْيراً وَلَا يَعْنِيه أمْرُه.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «ألاَ أنَبِّئُكم مَا العَضْة؟ هِيَ النَّميمة القالَة بَيْنَ النَّاسِ» أَيْ كَثْرَةُ القَول وَإِيقَاعُ الخُصومة بَيْنَ النَّاسِ بِمَا يُحْكَى لِلْبَعْضِ عَنِ الْبَعْضِ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «ففَشَتِ القالَةُ بَيْنَ النَّاسِ» وَيَجُوزُ أَنْ يُريد بِهِ القَوْل وَالْحَدِيثَ.
(هـ س) وَفِيهِ «سُبحانَ الَّذِي تَعَطَّف بالعزّ وقَال به» أى أحبّه واختصّمه لِنَفْسِهِ، كَمَا يُقَالُ:
فُلان يَقُولُ بفُلان: أَيْ بِمَحَبَّتِه واخْتِصاصِه.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ حَكَم بِهِ، فإنَّ القَول يُستعمل فِي مَعْنَى الحُكْم.
وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: مَعْنَاهُ غَلَب بِهِ. وأصلُه مِنَ القَيْل: المَلِك، لِأَنَّهُ يَنْفُذ قوُله.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ رُقْيَة النَّملة «العَرُوس تكْتَحِلُ وتَقْتَالُ وتَحْتَفل» أَيْ تَحْتَكِم عَلَى زَوْجِها.
(س) وَفِيهِ «قُولوا بقَوْلِكم أَوْ بِبَعْضِ قَوْلِكُمْ، وَلَا يَسْتَجْرِيَنَّكم الشَّيْطَانُ» أَيْ قُولوا بِقَوْلِ أهلِ دينِكم ومِلَّتِكم: أَيِ ادْعُوني رَسُولًا ونَبيَّاً كَمَا سَمَّاني اللَّهُ، وَلَا تُسَمُّوني سَيَّداً، كَمَا تُسَمُّون رُؤساءكم؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَحْسَبون أَنَّ السِّيَادَةَ بِالنُّبُوَّةِ كَالسِّيَادَةِ بِأَسْبَابِ الدُّنْيَا.
وَقَوْلُهُ «بَعْضِ قولِكم» يَعْنِي الاقْتِصادَ فِي المَقَال وتَرْكَ الْإِسْرَافِ فِيهِ.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «سَمِع امْرأةً تَنْدُب عُمر، فَقَالَ: أمَا وَاللَّهِ مَا قالَته، وَلَكِنْ قُوِّلَتْهُ» أَيْ لُقَّنَتْه وَعُلِّمَتْه، وأُلْقِيَ عَلَى لِسانها. يَعْنِي مِنْ جَانِبِ الإلْهام: أَيْ أَنَّهُ حَقيقٌ بِمَا قالَتْه فِيهِ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ الْمُسَيَّبِ «قِيلَ لَهُ: مَا تَقُولُ فِي عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، فَقَالَ: أَقول مَا قَوَّلَنِي اللَّهُ، ثُمَّ قرأ: «وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ» .
يُقَالُ: قَوَّلْتَنِي وأَقْوَلْتَنِي: أَيْ عَلّمْتَنِي مَا أَقُول، وأنْطَقْتَنِي، وحَمَلَتَنِي عَلَى الْقَوْلِ.
وَفِيهِ «أَنَّهُ سَمِع صَوت رجلٍ يَقْرأ بِاللَّيْلِ فَقَالَ: أتَقُولُه مُرائِياً؟» أَيْ أتَظْنُّه، وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالِاسْتِفْهَامِ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِف وَرَأَى الأخْبية فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: البِرَّ تَقُولُونَ بِهِنَّ؟» أَيْ أتَظُنُّون وتُرَوْن أَنَّهُنَّ أردْن البرَّ.
وفِعْلُ القَوْل إِذَا كَانَ بِمَعْنَى الْكَلَامِ لَا يَعْمَل فِيمَا بَعْدَهُ، تَقُولُ: قُلْت زيْدٌ قَائِمٌ، وأَقُول عَمْروٌ مُنْطَلق.(4/123)
وبعض العرب يُعْمِلهُ فيقول: قُلْت زيد قَائِمًا، فَإِنْ جَعلت القولَ بِمَعْنَى الظَّنّ أعْمَلْتَه مَعَ الِاسْتِفْهَامِ، كَقَوْلِكَ:
مَتَى تَقُول عَمْرًا ذَاهِبًا، وأ تَقُول زَيْدًا مُنْطلِقاً؟
(س) وَفِيهِ «فَقَالَ بِالْمَاءِ عَلَى يَدِه» .
(س) وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «فَقَالَ بثَوْبه هَكَذَا» الْعَرَبُ تَجْعل القَول عِبَارَةً عَنْ جَمِيعِ الْأَفْعَالِ، وتُطْلِقه عَلَى غَيْرِ الْكَلَامِ وَاللِّسَانِ، فَتَقُولُ: قَالَ بيدِه: أَيْ أخَذَ: وَقَالَ بِرْجله: أَيْ مَشَى. قَالَ الشَّاعِرُ:
وَقَالَتْ لَهُ العَيْنانِ سَمْعاً وَطَاعَةً «1»
أَيْ أوْمَأتْ. وَقَالَ بِالْمَاءِ عَلَى يَدِه: أَيْ قَلَب. وَقَالَ بثَوْبه: أَيْ رَفَعه. وكلُّ ذَلِكَ عَلَى الْمَجَازِ والاتِّساع كَمَا رُوِي:
فِي حَدِيثِ السَّهْو «فَقَالَ: مَا يَقُولُ ذُو اليَدَيْن؟ قالوا: صَدَق» رُوِي أنهم أوْمَأُوا برؤوسِهم. أَيْ نَعم، وَلَمْ يَتَكلَّموا. وَيُقَالُ: قَالَ بِمَعْنَى أٌقبَل، وَبِمَعْنَى مَال، واسْتَراح، وضَرَب، وغَلَب، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكر «الْقَوْلِ» بِهَذِهِ الْمَعَانِي في الحديث.
(س) وفى حديث جريح «فأسْرَعت القَوْلِيَّة إِلَى صَومعتِه» هُمُ الْغَوْغَاءُ وقَتَلة الْأَنْبِيَاءِ، واليَهُود تُسَمِّي الغَوْغاء قَوْلِيَّة.
(قَوَمَ)
- فِي حَدِيثِ الْمَسْأَلَةِ «أوْ لِذي فقْرٍ مُدْقِع حَتَّى يُصيب قَواما»
مِنْ عَيش» أَيْ مَا يَقُوم بحاجتِه الضَّرُّورِية. وقِوَامُ الشَّيْءِ: عِمَادُهُ الَّذِي يَقُوم بِهِ. يُقَالُ: فُلان قِوام أَهْلِ بَيْتِهِ. وقِوام الأمرِ: مِلاكُه.
(س) وَفِيهِ «إنْ نَسَّانِي الشيطانُ شَيْئًا مِنْ صَلاتي فلْيُسَبِّح القومُ ولْيُصَفِّق النِّسَاءُ» الْقَوْمُ فِي الْأَصْلِ: مصدرُ قَامَ، فوُصف بِهِ، ثُمَّ غَلَب عَلَى الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ، وَلِذَلِكَ قابَلُهنّ بِهِ. وسُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ قَوَّامون عَلَى النِّسَاءِ بِالْأُمُورِ الَّتِي لَيْسَ لِلنِّسَاءِ أَنْ يَقُمْن بها.
__________
(1) عجزُه، كما في اللسان:
وحَدَّرَتا كالدُّرِّ لّما يُثَقَّبِ
(2) في القاموس: والقَوام، كسَحاب: العَدْل وما يُعاش به. وبالكسر: نظام الأمر وعماده؛ وملاكه.(4/124)
وفيه «مَن جالسَه أَوْ قَاوَمه فِي حَاجَتِهِ صابَرهُ» قَاوَمَه: فاعَلَه، مِنَ القِيام: أَيْ إِذَا قَامَ مَعَهُ ليَقْضِيَ حاجتَه صَبَر عَلَيْهِ إِلَى أَنْ يَقْضِيها.
وَفِيهِ «قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ قَوَّمْتَ لَنَا، فَقَالَ: اللَّهُ هُوَ المُقَوِّم» أَيْ لَوْ سَعَّرْت لَنَا. وَهُوَ مِنْ قِيمة الشَّيْءِ: أَيْ حَدّدْت لَنَا قِيمَتَها.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «إِذَا اسْتَقَمْتَ بِنَقْدٍ فبعْتَ بِنَقْد فَلَا بأسَ بِهِ، وَإِذَا اسْتَقَمْتَ بِنَقْدٍ فبِعْتَ بنَسِيئةٍ فَلَا خيرَ فِيهِ» اسْتَقَمْت فِي لُغَةِ أَهْلِ مَكَّةَ: بِمَعْنَى قَوَّمْت. يَقُولُونَ: اسْتَقَمْتُ المَتاع إِذَا قَوَّمْتَه.
وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنْ يَدْفَع الرجُلُ إِلَى الرَّجُلِ ثَوْباً فيُقَوِّمه مَثَلًا بِثَلَاثِينَ، ثُمَّ يَقُولُ: بعْه بِهَا وَمَا زَادَ عَلَيْهَا فَهُوَ لَكَ. فَإِنْ بَاعَهُ نَقْداً بأكثَر مِنْ ثَلَاثِينَ فَهُوَ جَائِزٌ وَيَأْخُذُ الزِّيَادَةَ، وَإِنْ بَاعَهُ نَسِيئةً بِأَكْثَرَ ممَّا يَبيعهُ نَقْداً، فَالْبَيْعُ مَرْدود وَلَا يَجُوزُ «1» .
(س) وَفِيهِ «حِينَ قَامَ قائمُ الظَّهِيرة» أَيْ قِيامُ الشَّمْسِ وقْتَ الزَّوال، مِنْ قَوْلِهِمْ: قَامَتْ بِهِ دابَّتُه: أَيْ وقَفَت. وَالْمَعْنَى أَنَّ الشَّمْسَ إِذَا بَلَغت وسَطَ السَّمَاءِ أبْطَأت حَرَكَةُ الظِّلّ إِلَى أَنْ تزُول، فيَحْسَب الناظرُ المُتأملّ أَنَّهَا قَدْ وقَفَت وَهِيَ سَائِرَةٌ، لَكِنْ سَيْراً لَا يَظْهَر لَهُ أثَر سَريع، كَمَا يَظْهَر قَبْلَ الزَّوال وَبَعْدَهُ، فَيُقَالُ لِذَلِكَ الوُقوفِ الْمُشَاهَدِ [قام] «2» قائم الظّهيرة.
(س) وَفِي حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَام «بايَعت رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا أخِرَّ إِلَّا قَائِمًا» أَيْ لَا أمُوت إِلَّا ثابِتاً عَلَى الْإِسْلَامِ والتَّمسُّك بِهِ. يُقَالُ: قَامَ فُلان عَلَى الشَّيْءِ إِذَا ثَبَت عَلَيْهِ وتمسَّك بِهِ. وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَرْفِ الْخَاءِ.
(س [هـ] ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «اسْتَقِيمُوا لقُريش مَا اسْتَقَاموا لَكُمْ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فضَعُوا سُيوفَكم عَلَى عَواتِقِكم فأبِيدُوا خَضْراءهُم» أَيْ دُومُوا لَهُمْ عَلَى الطَّاعَةِ واثْبتُوا عَلَيْهَا، مَا دامُوا عَلَى الدِّين وثَبَتُوا عَلَى الْإِسْلَامِ. يُقَالُ: أَقَام واسْتَقَام، كَمَا يُقَالُ: أَجَابَ واسْتَجاب.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الخَوارِج وَمَنْ يَرَى رأيَهم يَتَأوّلُونَه عَلَى الأئمة، ويحْملون قوله
__________
(1) انظر اللسان، فقد بسط القول في هذه المسألة.
(2) من: اواللسان، وزاد في اللسان: «والقائُم قائُم الظَّهيرة» .(4/125)
«مَا اسْتَقَاموا لَكُمْ» عَلَى العَدْل فِي السِّيرة، وَإِنَّمَا الاسْتِقَامة هَاهُنَا الإِقَامةُ عَلَى الْإِسْلَامِ.
ودَلِيلُه فِي حَدِيثٍ آخَرَ «سَيَلِيكُم أُمَراء تَقْشَعرّ مِنْهُمُ الجُلود، وتَشْمَئزُّ مِنْهُمُ الْقُلُوبُ، قَالُوا:
يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نُقاتِلُهم؟ قَالَ: لَا، مَا أَقَاموا الصَّلَاةَ» .
وَحَدِيثُهُ الْآخَرُ «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيش، أبْرارُها أمَراء أبْرارِها، وفُجَّارُها أمراءُ فُجَّارِها» .
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «العلْم ثلاثةٌ؛ آيَةٌ مُحْكَمة، أَوْ سُنَّة قَائِمَةٌ، أَوْ فَريِضة عادِلة» القائِمة: الدَّائِمَةُ المُسْتَمِّرة الَّتِي العَملُ بِهَا مُتَّصِلٌ لَا يُتْرك.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَوْ لَم تَكِلْه لَقَام لَكُمْ» أَيْ دَامَ وثَبت.
وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ «لَوْ تَرَكْتَه مَا زَالَ قَائِمًا» .
وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ «مَا زَالَ يُقِيم لَهَا أُدْمَها» .
وَفِيهِ «تَسْوية الصَّفِّ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ» أَيْ مِنْ تَمامِها وكَمالها. فأمَّا قَوْلُهُ «قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ» فَمَعْنَاهُ قَامَ أهلُها أَوْ حَانَ قيامُهم.
(س) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ ثُلث الدِّية» هِيَ الْبَاقِيَةُ فِي موضِعها صَحِيحَةً، وَإِنَّمَا ذَهَب نَظَرُهَا وإبْصارُها.
(س) وَفِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرداء «رُبَّ قائِمٍ مَشْكورٌ لَهُ، ونائمٍ مغفورٌ لَهُ» أَيْ رُبَّ مُتَهجِّد يَسْتَغفْر لأخِيه النَّائِمِ، فيُشْكَر لَهُ فعْلُه، ويُغْفَر لِلنَّائِمِ بِدُعائه.
(س) وَفِيهِ «أَنَّهُ أذِنَ فِي قَطْعِ المَسَدِ والقائِمَتَين مِنْ شَجَرِ الحَرم» يُرِيدُ قائِمَتَي الرَّحْل الَّتِي تَكُونُ فِي مُقَدّمه ومُؤخّره.
(قَوْنَسَ)
- فِي شِعْرِ الْعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ:
وأضْرَبُ مِنَّا بالسيُّوف القَوَانِسَا
القَوَانِسُ: جَمْع قَوْنَس، وَهُوَ عَظْم ناتِىءٌ بَيْنَ أذُنَي الفَرَس، وأعْلَى بَيْضَة الْحَدِيدِ، وَهِيَ الخُوذة.
(قَوَهَ)
(هـ) فِيهِ «أنَّ رجُلاً مِنْ أَهْلِ اليَمن قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا أهلُ قَاهٍ، وَإِذَا كَانَ قاهُ أَحَدِنَا دعَا مَنْ يُعِينُه، فعَمِلوا لَهُ فأطْعَمَهم وسَقَاهم مِنْ شَرَاب يُقَالُ لَهُ: المِزْر، فَقَالَ: ألَه نَشْوة؟
قَالَ: نَعم. قَالَ: فَلَا تَشْرَبوه» القاهُ: الطَّاعَةُ. وَمَعْنَاهُ إِنَّا أَهْلُ طَاعَةٍ لِمَنْ يَتَمَلَّكُ عَلَيْنَا، وهى(4/126)
عَادَتُنَا لَا نَرَى خِلَافَهَا، فَإِذَا كَانَ قاهُ أَحَدِنَا: أَيْ ذُو قَاهِ أَحَدِنَا دَعَانَا فَأَطْعَمَنَا وَسَقَانَا.
وَقِيلَ: القاهُ: سُرْعَةُ الْإِجَابَةِ وَالْإِعَانَةِ.
وَذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْقَافِ وَالْيَاءِ، وجَعل عيْنَه مُنْقلِبة عَنْ يَاءٍ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «مَا لِي عِنْدَهُ جاهٌ وَلَا لِي عَلَيْهِ قاهٌ» أَيْ طَاعَةٌ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الدَّيْلَمِيّ «يُنْقَض الْإِسْلَامُ عُرْوةً عُرْوةً، كَمَا يُنْقَض الحَبْل قُوّةً قُوّة» القُوّة: الطَّاقَةُ مِنْ طاقاتِ الحَبْل. وَالْجَمْعُ: قُوىً.
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «يَذْهب الإسلامُ سُنَّةً سُنَّةً كَمَا يَذْهَبُ الحَبْل قُوّةً قُوّة» وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهَا، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهَا لِلَفْظِهَا، وَمَوْضِعُهَا: قَوى.
(قَوَا)
- فِي حَدِيثِ سَرِية عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْش «قَالَ لَهُ الْمُسْلِمُونَ: إنَّا قَدْ أَقْوَيْنَا فأعْطِنا مِنَ الغَنيمة» أَيْ نَفِدَت أزْوادُنا، وَهُوَ أَنْ يبَقى مِزْوَدُه قَواءً، أَيْ خالِياً.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الخُدْرِيّ، فِي سَرِيّة بَنِي فَزَارة «إِنِّي أَقْوَيت مُنْذُ ثلاثٍ فخِفْت أَنْ يَحْطِمَني الْجُوعُ» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ الدُّعَاءِ «وإنَّ مَعادِن إحْسانِك لَا تَقْوَى» أَيْ لَا تَخْلو مِنَ الجَوْهَر، يُريدُ بِهِ الْعَطَاءَ والإفْضال.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ «وَبِي رُخِّصَ لَكُمْ فِي صَعِيد الأَقواء» الأَقواء: جَمْعُ قَواء وَهُوَ القفْر الْخَالِي مِنَ الْأَرْضِ، تُريد أَنَّهَا كَانَتْ سَبب رُخْصَة التَّيمم لَّما ضَاعَ عِقْدُها فِي السَّفَر، وطلَبوه فَأَصْبَحُوا وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فنَزَلت آيةُ التَّيَمُّمِ، والصَّعيدُ: التُّراب.
وَفِيهِ «أَنَّهُ قَالَ فِي غَزْوة تَبُوك: لَا يَخْرُجَنّ مَعَنَا إِلَّا رَجُلٌ مُقوٍ» أَيْ ذُو دابَّة قَوِيَّةٍ. وَقَدْ أَقْوَى يُقْوِي فَهُوَ مُقْوٍ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ الأسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ «1» فِي قَوْلِهِ تَعَالَى «وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ «2» » قال مُقْوون
__________
(1) في الأصل وا، واللسان، والهروي: «زيد» وأثبتُّه «يزيد» مما سبق في مادة «أدا» وهو كذلك في اللسان (أدا) وفي أصل الفائق 2/ 385. وتفسير الطبري 19/ 44. وانظر أسد الغابة 1/ 85، 88.
(2) الآية 56 من سورة الشعراء. «وحاذرون» بألف: قراءة أهل الكوفة. وهي معروفة عن عبد الله بن مسعود وابن عباس. القرطبى 13/ 101.(4/127)
مؤدون» أى أصحاب دوابّ قَوِيَّة، كاملوا أَدَوَاتِ الحَرْب.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ سِيرين «لَمْ يَكُنْ يَرَى بَأْسًا بالشُّرَكاء يَتَقاوَوْن المَتاعَ بَيْنَهُمْ فِيمَنْ يَزيد «1» » التَّقَاوِي بَيْنَ الشُّركاء: أَنْ يَشْتَروا سِلْعَةً رَخِيصة ثُمَّ يَتزايدُوا بَيْنَهُمْ حَتَّى يَبْلغوا غَايَةَ ثَمَنِهَا. يُقَالُ: بَيني وَبَيْنَ فُلان ثَوْبٌ فَتَقَاوَيْنَاه: أَيْ أعطيتُه بِهِ ثَمَنًا فأخذْتهُ، و «2» أعْطاني بِهِ ثَمَنًا فأَخَذَه. واقْتَوَيْت مِنْهُ الغُلام الَّذِي كَانَ بينَنا: أَيِ اشتريتُ حِصًّته. وَإِذَا كَانَتِ السِّلْعة بَيْنَ رَجُلين فَقَوَّمَاهَا بِثَمَنٍ فهُما فِي المُقَاواةِ «3» سَوَاءٌ، فَإِذَا اشْتَرَاهَا أحدهُما فَهُوَ المُقْتَوِي دُونَ صَاحِبِهِ، وَلَا يَكُونُ الاقْتِواء فِي السِّلْعة إلاَّ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ.
قِيلَ: أَصْلُهُ مِنَ القُوَّة؛ لِأَنَّهُ بُلُوغٌ بالسِّلْعة أَقوى ثَمَنِهَا.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ مَسْرُوق «أَنَّهُ أوْصى فِي جاريةٍ لَهُ أَنْ قُولوا لبَنِيَّ: لَا تَقْتَوُوها بينَكم، وَلَكِنْ بِيعُوها، إِنِّي لَمْ أغْشَها، وَلَكِنِّي جلَسْتُ مِنْهَا مَجْلِساً مَا أحِبُّ أَنْ يَجْلِس وَلَدٌ لِي ذَلِكَ المجلِس» .
(س) وَفِي حَدِيثِ عَطَاءٍ «سَأَلَ عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عَنِ امْرَأَةٍ كَانَ زَوْجُهَا مَمْلُوكًا فَاشْتَرَتْهُ، فَقَالَ: إِنِ اقتَوته فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ أَعْتَقَتْهُ فَهُمَا عَلَى نكاحِهما» أَيْ إِنِ اسْتَخْدمَتْه، مِنَ القَتْو: الخِدْمة. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْقَافِ وَالتَّاءِ.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: «وَهُوَ أفْعَلَّ، مِنَ القَتْو: الخِدمة، كارْعَوَي مِنَ الرَّعْو «4» ، إِلَّا أنَّ فِيهِ نَظَرًا؛ لأنَّ أفْعَلَّ لم يجيء مُتَعدياً. قَالَ: وَالَّذِي سَمِعْتُهُ: اقْتَوَى إِذَا صَارَ خَادِمًا.
قَالَ: «وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: افْتَعَل مِنَ الاقْتواء، بِمَعْنَى الاستِخْلاص، فكَنَى بِهِ عَنِ الاسْتِخْدام؛ لأنَّ مَن اقْتَوى عَبْدًا لَا بُدَّ أن يَسْتخدِمَه «5» » .
__________
(1) في الأصل، ا: «يُريد» بالراء، وأثبتُّه بالزاي من الهروي، واللسان، والفائق 2/ 386.
(2) في اللسان: «أو» .
(3) في الأصل: «المقاوات» وأثبتُّ ما في ا. وفي الهروي، واللسان: «التَّقاوِي» .
(4) في الفائق 2/ 386: «الرَّعْوَي» .
(5) عبارة الفائق: «لأن من اقتوى عبداً رَدِفَهُ» .(4/128)
وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَئِمَّةِ الفِقه أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا اشْتَرَتْ زوجَها حَرُمَت عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ اشتِراط الخِدْمة. وَلَعَلَّ هَذَا شَيْءٌ اخْتَصَّ بِهِ عُبَيْدُ اللَّهِ.
بَابُ الْقَافِ مَعَ الْهَاءِ
(قَهَرَ)
- فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى «الْقاهِرُ» *
هُوَ الغالِب جَمِيعَ الْخَلَائِقِ. يُقَالُ: قَهَره يَقْهَره قَهْرا فَهُوَ قاهِر، وقَهَّار للمبالَغة. وأَقْهَرْتُ الرجُل إِذَا وجَدْتَه مَقْهورا، أَوْ صَارَ أمرُه إِلَى القَهْر. وَقَدْ تَكَرَّرَ في الحديث.
(قَهْرَمَ)
- فِيهِ «كَتَبَ إِلَى قَهْرمانِه» هُوَ كالخازِن وَالْوَكِيلِ وَالْحَافِظِ لِمَا تَحْتَ يَدِهِ، وَالْقَائِمِ بِأُمُورِ الرجُل، بلُغَة الفُرس.
(قَهَزَ)
- فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «أنَّ رجُلاً أَتَاهُ وَعَلَيْهِ ثوبٌ مِنْ قِهْز» القِهْز، بِالْكَسْرِ:
ثِياب بيضٌ يُخالِطُها حَرِيرٌ، وَلَيْسَتْ بعربِيَّة مَحْضة.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ «1» : «القَهْز والقِهْز: ضَرْبٌ مِنَ الثِياب يُتَّخذ مِنْ صُوفٍ كَالْمِرْعِزَّى، وَرُبَّمَا خَالَطَهُ الْحَرِيرُ» .
(قَهْقَرَ)
- قَدْ تَكَرَّرَ ذكْر «القَهْقَرَى» فِي الْحَدِيثِ، وَهُوَ الْمَشيُ إِلَى خَلْف مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعيد وجْهَه إِلَى جِهة مَشْيه. قِيلَ: إِنَّهُ مِنْ بَابِ القَهْر.
(هـ س) وَفِي بَعْضِ أَحَادِيثِهَا «فَأَقُولُ: يَا ربِّ أمَّتي، فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ كَانُوا يَمْشُون بعدَك القَهْقَرَى» قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: مَعْنَاهُ الارْتِدادُ عمَّا كَانُوا عَلَيْهِ. وَقَدْ قَهْقَرَ وتَقَهْقَر. والقَهْقَرَى مَصْدَرٌ.
وَمِنْهُ قولُهم: «رجَع القَهْقَرَى» أَيْ رجَع الرُّجوع الَّذِي يُعْرف بِهَذَا الاسم، لأنه ضَرْب من الرُّجوع.
(قَهَلَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ عُمَرَ «أَتَاهُ شَيْخٌ مُتَقَهّل» أَيْ شَعِثٌ وَسِخٌ. يُقَالُ: أَقْهَل الرجُل وتَقَهَّل.
__________
(1) انظر الفائق 2/ 387، والمعرَّب ص 264.(4/129)
بَابُ الْقَافِ مَعَ الْيَاءِ
(قَيَأَ)
[هـ] فِيهِ «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَقَاءَ عامِداً فأفْطَر» هُوَ اسْتَفْعَل مِنَ القَيء، والتَّقَيُّؤ أبلَغُ مِنْهُ؛ لأنَّ فِي الاستِقَاءة تَكَلُّفاً أَكْثَرَ مِنْهُ. وَهُوَ اسْتِخراج مَا فِي الجَوْف تَعَمُّداً.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَوْ يَعْلَمُ الشارِبُ قَائِمًا مَاذَا عَلَيْهِ لاسْتقاء مَا شَرِب» .
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ ثَوْبان «مَن ذَرَعَه القَيْءُ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَا شيءَ عَلَيْهِ، وَمَنْ تَقَيَّأَ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ» أَيْ تَكَلَّفه وتَعَمدَّه.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «تَقِيءُ الْأَرْضُ أَفْلَاذَ كَبِدِهَا» أَيْ تُخْرِجُ كُنُوزَهَا وَتَطْرَحُهَا عَلَى ظَهرها.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ تَصِف عُمر «وبَعَجَ الْأَرْضَ فَقَاءت أكُلَها» أَيْ أَظْهَرَتْ نَباتَها وخَزائنها. يقال: قَاءَ يَقِيء قَيْأً، وتَقَيَّأَ واسْتَقاء.
(قيح)
(س) فيه «لأَنْ يَمْتلىءَ جَوْفُ أحدِكم قَيْحاً حَتَّى يَرِيَه خَيرٌ لَهُ من أن يَمْتَلىء شِعْراً» القَيْح: المِدَّة، وَقَدْ قَاحَتِ القَرْحة وتَقَيَّحت.
(قَيَدَ)
(هـ) فِيهِ «قَيَّد الإيمانُ الفَتْكَ» أَيْ أنَّ الإيمانَ يَمْنَع عَنِ الْفَتْك، كَمَا يَمنعُ القَيْدُ عَنِ التَّصَرُّف، فَكَأَنَّهُ جَعل الفَتْك مُقَيَّدا.
وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ فِي صِفَةِ الْفَرَسِ «هُوَ قَيْدُ الْأَوَابِدِ» يُرِيدُونَ أَنَّهُ يَلْحَقُهَا بِسُرْعَةٍ، فَكَأَنَّهَا مقيَّدة لَا تَعْدُو.
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ قَيْلة «الدَّهْناء مُقَيَّدُ الْجَمَلِ» أَرَادَتْ أَنَّهَا مُخْصِبة مُمْرِعة، فَالْجَمَلُ لَا يَتَعَدَّى مَرْتَعَهُ «1» . والمُقَيَّد هَاهُنَا: الْمَوْضِعُ الَّذِي يُقَيَّد فِيهِ: أَيْ أَنَّهُ مَكَانٌ يَكُونُ الجَملُ فِيهِ ذَا قَيْد.
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ «قَالَتْ لَهَا امْرَأَةٌ: أُقَيِّد جَمَلي» أَرَادَتْ أَنَّهَا تَعْمَل لزَوْجها شَيْئًا يمنَعه عَنْ غَيْرِهَا مِنَ النِّسَاءِ، فَكَأَنَّهَا تَرْبِطُه وتُقَيِّده عَنْ إتْيان غَيْرِهَا.
[هـ] وَفِيهِ «أَنَّهُ أمَر أوْس بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الأَسْلمي أَنْ يَسِم إبلَه فِي أعْناقها قَيْدَ الفَرس» هِيَ سِمَة مَعْرُوفَةٌ، وَصُورَتُهَا حَلْقتان بينهما مَدّة.
__________
(1) عبارة الهروي: «والجملُ يُقيَّد في مرتعه حتى يَسْمَن» .(4/130)
(س) وَفِي حَدِيثِ الصَّلَاةِ «حِينَ مَالَتِ الشَّمْسُ قِيدَ الشِّراك» .
(س) وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ قِيدَ رُمْحٍ» قَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ «القِيد» فِي الْحَدِيثِ. يُقَالُ: بَيْنِي وَبَيْنَهُ قِيدُ رُمْح، وقَادُ رُمْح: أَيْ قَدْرُ رُمْح. والشِّراك: أحَدُ سُيور النَّعْل الَّتِي عَلَى وجهِها. وَأَرَادَ بقِيدِ الشِّراك الوَقْتَ الَّذِي لَا يَجُوز لِأَحَدٍ أَنْ يَتَقَدّمه فِي صَلَاةِ الظُّهر. يَعْنِي فَوْق ظِل الزَّوَالِ، فَقَدَّرَهُ بالشِّراك لدِقتَّه، وَهُوَ أَقَلُّ مَا يَتَبَيَّن بِهِ زِيَادَةُ الظِّلِّ حَتَّى يُعْرف منه مَيْل الشمس عن وسَط السماء.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَقابُ قًوْسِ أحدِكم مِنَ الْجَنَّةِ، أَوْ قِيدُ سَوْطهِ خيرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» .
(قَيَرَ)
(س) فِي حَدِيثِ مُجَاهِدٍ «يَغْدو الشيطانُ بقَيْرَوانه إِلَى السُّوق فَلَا يَزَالُ يَهْتَزُّ العَرْش ممَّا يَعْلُم اللهُ مَا لَا يَعْلم» القَيْروان: مُعْظَم العَسْكر وَالْقَافِلَةُ والجَماعة.
وَقِيلَ: إِنَّهُ مُعَرّب: كارْوَانْ، وَهُوَ بالفارِسيَّة: الْقَافِلَةُ. وَأَرَادَ بالقَيْرَوانِ أصحابَ الشَّيْطَانِ وأعوْانَه.
وقولُه «يَعْلم اللَّهُ مَا لَا يَعْلم» : يَعْنِي أَنَّهُ يَحْمل النَّاسَ عَلَى أنْ يَقُولُوا: يَعْلَم اللَّهُ كَذَا، لأِشياء يَعْلَم الله خِلافَها، فيَنْسبون إِلَى اللَّهِ عِلْم مَا يَعْلَم خِلافَه.
وَ «يَعْلم اللَّهُ» مِنْ أَلْفَاظِ القَسَم.
(قَيَسَ)
(س) فِيهِ «لَيْسَ مَا بَيْنَ فرِعَونٍ مِنَ الفَراعِنة، وفِرعونِ هَذِهِ الأمَّة قِيس شِبْر» أَيْ قَدْر شِبْر. القِيسُ والقِيدُ سَوَاءٌ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي الدَّرْداء «خيرُ نِسائِكم الَّتِي تَدْخُل قَيْساً وتَخْرُج مَيْساً» يُريد أَنَّهَا إِذَا مَشَت قاسَت بَعْضَ خُطاها بِبَعْضٍ، فَلَمْ تَعْجَل فِعْلَ الخَرْقاء، ولم تُبْطِىء، وَلَكِنَّهَا تَمْشي مَشْياً وَسَطاً مُعْتدلاً، فَكَأَنَّ خُطاها مُتساوية «1» .
(س) وَفِي حَدِيثِ الشَّعْبيّ «أَنَّهُ قَضَى بشَهادة القايِس مَعَ يَمِينِ المَشْجُوج» أَيِ الَّذِي يَقِيس الشَّجَّةَ ويَتَعرّف غَوْرَها بالمِيل الَّذِي يُدْخِله فيها ليَعْتبرها.
__________
(1) زاد الهروي: «وقال غيره [غير أبي العباس ثعلب] أراد: خير نسائكم التي تريد صلاح بيتها، لا تَخْرُق في مَهْنَتها» .(4/131)
(قَيَضَ)
(هـ) فِيهِ «مَا أكْرَم شابٌ شَيْخًا لِسِنّه إلاَّ قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَن يُكْرِمه عِنْدَ سِنّه» أَيْ سَبَّب وقَدَّر. يُقَالُ: هَذَا قَيْضٌ لِهَذَا، وقِياضٌ لَهُ: أَيْ مُساوٍ لَهُ.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِنْ شِئتَ أَقِيضُك بِهِ المُخْتارةَ مِنْ دُرُوع بَدْر» أَيْ أبْدِلُك بِهِ وَأُعَوِّضُكَ عَنْهُ، وَقَدْ قَاضَه يَقِيضُه. وقايَضَه مُقَايَضَةً فِي البَيْع: إِذَا أعْطاه سِلْعَةً وأخَذ عِوَضها سِلعة.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ «قَالَ لسَعد بْنِ عُثمان بْنِ عَفَّانَ: لَوْ مُلِئت لِي غُوطَةُ دِمَشْقَ رِجالاً مِثْلَك قِياضاً بيَزيد مَا قَبِلْتُهُم» أَيْ مُقايضةً بيَزيد.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «لَا تَكونوا كقَيْضِ بَيْضٍ فِي أداحٍ، يَكُونُ كَسْرُها وِزْراً ويَخْرج حِضانُها شَرّاً» القَيْض: قِشْر البَيْض.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «إِذَا كَانَ يومُ الْقِيَامَةِ مُدَّت الأرضُ مَدَّ الأديِم، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ قِيضَتْ هَذِهِ السَّمَاءُ الدُّنْيَا عَنْ أَهْلِهَا» أَيْ شُقَّت، مِنْ قَاضَ الفَرْخُ الْبَيْضَةَ فانْقَاضَت، وقِضْت الْقَارُورَةَ فانقاضتْ: أى انصدت وَلَمْ تَنفلق.
وَذَكَرَهَا الْهَرَوِيُّ فِي «قَوض» مِنْ تَقْويض الخِيام، وعادَ ذِكْرَهَا فِي «قَيَض» .
(قَيَظَ)
- وَفِيهِ «سِرْنا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في يومٍ قائِظ» أَيْ شَدِيدِ الحَرّ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ «أَنْ يكونَ الولَدُ غَيْظاً والمَطَر قَيْظاً» لِأَنَّ المَطَر إِنَّمَا يُراد للنَّبات وبَرْدِ الْهَوَاءِ. والقَيْظ ضِدّ ذَلِكَ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «إِنَّمَا هِيَ أصْوُعٌ مَا يُقَيِّظْن بَنِيَّ» أَيْ مَا تَكْفيهم لقَيْظِهم، يَعْنِي زَمان شِدَّةِ الحرِّ. يُقَالُ: قَيَّظَني هَذَا الشَّيْءُ، وشَتَّاني، وصَيَّفَني.
وَفِيهِ ذِكْرُ «قَيْظ» بِفَتْحِ الْقَافِ: موضِعٌ بقُرْب مَكَّةَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ مِنْ نَخْلة.
(قَيَعَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ قَالَ لأُصَيل: كَيْفَ تَرْكت مَكَّةَ؟ فَقَالَ: تَركْتُها قَدِ ابْيَضَّ قاعُها» القاعُ: الْمَكَانُ المُسْتَوِي الْوَاسِعُ فِي وَطْأة مِنَ الأرضِ، يَعْلوه مَاءُ السَّمَاءِ فيُمْسِكه(4/132)
ويَسْتوِي نَباته، أَرَادَ أنَّ مَاءَ المَطَر غَسَله فابْيَضَّ، أَوْ كَثُر عَلَيْهِ، فبَقِي كالغدِير الْوَاحِدِ، وَيُجْمَعُ عَلَى: قِيعة وقِيعان.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِنَّمَا هِيَ قِيعانٌ أمْسَكَت الْمَاءَ» .
(قِيلَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ كَتَب: إِلَى الأَقيال الْعَبَاهِلَةِ» جَمْعُ قَيْل، وَهُوَ أحدُ مُلوك حِمْيَر، دُونَ الْمَلِكِ الأعْظَم. ويُرْوَى بِالْوَاوِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِلَى قَيْل ذِي رُعَيْن» أَيْ مَلِكها، وَهِيَ قَبيلة مِنَ اليَمن تُنسب إِلَى ذِي رُعَين، وَهُوَ مِنْ أذْواء الْيَمَنِ ومُلوكها.
[هـ] وَفِيهِ «كَانَ لَا يُقِيلُ «1» مَالًا وَلَا يُبَيّتهُ» أَيْ كَانَ لَا يُمْسك مِنَ الْمَالِ مَا جَاءَهُ صَباحاً إِلَى وقْتِ الْقَائِلَةِ، وَمَا جَاءَهُ مَساءً لَا يُمْسِكه إِلَى الصَّباح. والمَقِيل والقَيْلُولة: الاسْتِراحة نِصْفَ النَّهَارِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا نَوم. يُقَالُ: قَال يَقِيل قَيْلُولة، فَهُوَ قائِل.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ «مَا مُهاجِرٌ كمَن قَالَ» وَفِي رِوَايَةٍ «مَا مُهَجِّر» أَيْ لَيْسَ مَن هاجَر عَنْ وطنِه، أَوْ خَرَجَ فِي الهاجِرة، كَمَنْ سَكَنَ فِي بَيْته عِنْدَ القائِلة، وَأَقَامَ بِهِ.
وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ «الْقَائِلَةِ» وَمَا تَصَرَّف مِنْهَا فِي الْحَدِيثِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أُمِّ مَعْبَدٍ:
رَفِيقَيْنِ قَالا خَيْمَتيْ أُمِّ مَعْبَدِ
أَيْ نَزلا فِيهَا عِنْدَ الْقَائِلَةِ، إلاَّ أَنَّهُ عَدّاه بِغَيْرِ حَرْفِ جَرّ.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بِتِعْهِنَ وَهُوَ قائلُ السَّقْيا» تِعْهِن والسُّقْيا: موضِعان بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ: أَيْ أَنَّهُ يَكُونُ بالسُّقْيا وَقْتَ القائِلة، أَوْ هُوَ مِنَ الْقَوْلِ:
أَيْ يذْكر أَنَّهُ يَكُونُ بالسُّقْيا.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْجَنَائِزِ «هَذِهِ فُلانة مَاتَتْ ظُهْراً وَأَنْتَ صائمٌ قَائِلٌ» أَيْ سَاكِنٌ فِي الْبَيْتِ عِنْدَ القائلة.
__________
(1) في الهروي: «يُقيِّل» .(4/133)
وَمِنْهُ شِعْرُ ابْنِ رَواحة:
اليومَ نَضْرِبْكمْ عَلَى تَنْزيلِهِ ... ضَرْباً يُزِيلُ الهامَ عَنْ مَقِيلِهِ
الهامُ: جَمْع هَامَةٍ، وَهِيَ أَعْلَى الرَّأْسِ. ومَقِيله: موضِعه، مُسْتعار مِنْ مَوْضِعِ الْقَائِلَةِ.
وَسُكُونُ الْبَاءِ مِنْ «نَضْرِبْكم» مِنْ جَائِزَاتِ الشّعْر، وَمَوْضِعُهَا الرَّفْعُ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ خُزَيمة «وأكْتَفِي «1» مِنْ حِمْلة بالقَيْلة» القَيْلة والقَيْل: شرْب نِصف النَّهَارِ، يَعْنِي أَنَّهُ يكْتَفي بتِلك الشَّرْبة، لَا يَحْتَاجُ إِلَى حَمْلها للخِصْب والسَّعَة.
وَفِي حَدِيثِ سَلْمان «يَمْنَعُك ابْنا قَيْلَةَ» يُريد الأوْس والخَزْرج، قَبيلَتي الْأَنْصَارِ، وقَيْلة: اسْمُ أمٍّ لَهُمْ قَدِيمَةٍ، وَهِيَ قَيْلة بِنْتُ كَاهِلٍ.
(س) وَفِيهِ «مَنْ أَقَال نادِماً أَقَاله اللَّهُ مِنْ نَارِ جَهَنَّم» وَفِي رِوَايَةٍ «أَقَاله اللَّهُ عَثْرتَه» أَيْ وافَقَه عَلَى نَقْض الْبَيْعِ وَأَجَابَهُ إِلَيْهِ. يُقَالُ: أَقَالَهُ يُقِيله إِقالة، وتَقَايَلَا إِذَا فَسَخا الْبَيْعَ، وَعَادَ المَبيعُ إِلَى مَالِكِهِ والثمنُ إِلَى المَشْتري، إِذَا كَانَ قَدْ نَدِم أحدُهما أَوْ كِلاهما، وَتَكُونُ الْإِقَالَةُ فِي البَيْعة والعَهْد.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ الزُّبَيْرِ «لَمَّا قُتِل عُثْمَانُ قُلْت: لَا أَسْتَقِيلُها أبَداً» أَيْ لَا أُقِيل هَذِهِ العَثْرة وَلَا أنْساها. والاسْتِقالة: طَلَب الْإِقَالَةِ. وَقَدْ تَكَرَّرَتْ فِي الْحَدِيثِ.
(س [هـ] ) وَفِي حَدِيثِ أَهْلِ الْبَيْتِ «وَلَا حامِل القِيلة» القِيلة، بِالْكَسْرِ: الأُدْرَة. وَهُوَ انْتِفاخ الخُصْية.
(قَيَمَ)
(س) فِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ «لَكَ الحمدُ أنت قَيَّام السموات وَالْأَرْضِ» وَفِي رِوَايَةٍ «قَيِّم» وَفِي أُخْرَى «قَيُّوم» وَهِيَ مِنْ أَبْنِيَةِ المبالَغة، وَهِيَ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَعْنَاهَا: الْقَائِمُ بِأُمُورِ الخَلق، ومدبِّر الْعَالَمِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ، وأصلُها مِنَ الْوَاوِ، قَيْوَام، وقَيْوِم، وقَيْوُوم، بِوَزْنِ فَيْعَال، وفَيْعِل، وفَيْعُول.
والْقَيُّومُ*: مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَعْدُودَةِ، وَهُوَ الْقَائِمُ بِنَفْسِهِ مطَلقاً لَا بِغَيْرِهِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَقُوم بِهِ كُلُّ مَوْجُودٍ، حَتَّى لَا يُتَصوّر وجُود شَيْءٍ وَلَا دَوامُ وَجُودِهِ إِلَّا به.
__________
(1) في الهروي: «واكْتَفي» .(4/134)
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «حَتَّى يَكُونَ لخَمسين امْرَأَةً قَيِّمٌ وَاحِدٌ» قَيِّم الْمَرْأَةِ زوجُها، لِأَنَّهُ يَقُوم بأمْرها وَمَا تَحْتاج إِلَيْهِ.
[هـ] وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «مَا أفْلَح قومٌ قَيّمُهم «1» امْرَأَةٌ» .
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَتَانِي مَلَكٌ فَقَالَ: أَنْتَ قُثَمُ، وَخَلْقُكَ قَيِّم» أَيْ مسْتقيم.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ» *
أَيِ الْمُسْتَقِيمُ الَّذِي لَا زَيْغَ فِيهِ وَلَا مَيْلَ عَنِ الحقِّ.
(هـ) وَفِيهِ ذِكْر «يَوْمِ الْقِيَامَةِ» فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ. قِيلَ: أصلُه مَصْدَرُ: قَامَ الخَلق مِنْ قُبورِهم قِيَامَةً. وَقِيلَ هُوَ تَعْرِيب «قَيْمَثا» وَهُوَ بالسُّريانية بِهَذَا الْمَعْنَى.
(قَيَنَ)
(هـ) فِيهِ «دخَل أَبُو بَكْرٍ وَعِنْدَ عَائِشَةَ قَيْنَتان تُغَنّيان فِي أَيَّامِ مِنّى» القَيْنَة:
الأمَة غَنَّت أَوْ لَمْ تُغَنّ، والماشِطة، وَكَثِيرًا مَا تُطْلق عَلَى المُغَنِّية مِنَ الْإِمَاءِ، وجَمْعها: قَيْنَات.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «نَهى عَنْ بَيْعِ القَيْنَات» أَيِ الْإِمَاءِ المُغَنّيات. وتُجمع عَلَى:
قِيانٍ، أَيْضًا.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ سَلْمان «لَوْ بَاتَ رجلٌ يُعْطي البِيضَ القِيان، وَفِي رِوَايَةٍ «القِيان البِيض» وَبَاتَ آخَرُ يَقْرأ القُرآن وَيَذْكُرُ اللَّهَ لرأيتُ أَنَّ ذِكر «2» اللَّهِ أَفْضَلُ» أَرَادَ بالقِيان الإماءَ والعَبِيد.
(س) وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «كَانَ لَهَا دْرِعٌ مَا كَانَتِ امْرَأَةٌ تُقَيَّن بِالْمَدِينَةِ إِلَّا أرسَلَت تَسْتعيره» تُقَيَّن: أَيْ تُزَيَّن لِزِفَافِهَا. والتَّقْيين: التَّزيين.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَا قَيَّنْت عَائِشَةَ» .
(س) وَفِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ «إلاَّ الإذخِرَ فَإِنَّهُ لِقُيُوننا» القُيون: جَمْعُ قَين، وَهُوَ الْحَدَّادُ وَالصَّائِغُ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ خَبّاب «كنتُ قَيناً فِي الْجَاهِلِيَّةِ» وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ الزُّبَيْرِ «وَإِنَّ فِي جَسده أمثالَ القُيُون» جَمْعُ قَينة، وهي الفَقَارةُ من
__________
(1) في الهروي واللسان: «قيِّمتُهم» وذكره الهروي في (قوم) .
(2) في الفائق 2/ 389: «ذاكر الله» .(4/135)
فَقَار الظَّهر. والهَزْمة الَّتِي بَيْنَ وَرِك الفَرَس وعَجْب ذَنَبه، يُريد آثَارَ الطَّعَنات وضَرَبات السُّيوف، يَصِفه بِالشَّجَاعَةِ والإقْدام.
(قَيْنُقَاعُ)
(هـ) فِيهِ ذِكر «قَيْنُقاع، وسُوق قَيْنُقاع» وَهُمْ بَطْن مِنْ بُطُونِ يَهُود الْمَدِينَةِ، أُضيفَت السُّوق إِلَيْهِمْ، وَهُوَ بِفَتْحِ القاف وضم النون، وقد تكسر وتُفْتح.
(قيي)
(هـ س) فِي حَدِيثِ سَلْمان «مَنْ صَلَّى بأرضٍ قِيٍّ فأذَّن وَأَقَامَ الصَّلَاةَ صَلَّى خَلْفَه مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَا لَا يُرَى قُطْرُه» وَفِي رِوَايَةٍ «مَا مِنْ مُسْلم يُصَلّي بِقِيٍّ مِنَ الْأَرْضِ» القِيُّ- بِالْكَسْرِ وَالتَّشْدِيدِ- فِعْل مِنَ القَواء، وَهِيَ الْأَرْضُ الْقَفْرُ الْخَالِيَةُ.(4/136)
حرف الكاف
بَابُ الْكَافِ مَعَ الْهَمْزَةِ
(كَأَبَ)
(س) فِيهِ «أَعُوذُ بِكَ مِن كَآبَةِ المُنْقَلَب» الْكَآبَةُ: تغيُّر النَّفْس بِالِانْكِسَارِ مِنْ شِدَّةِ الهمِّ والحُزن. يُقَالُ: كَئِب كَآبَةً واكْتأب، فَهُوَ كَئِيب ومُكْتَئِب. الْمَعْنَى أنه «1» يرجع من سفره بأمره يُحْزِنه، إِمَّا أصَابه فِي سَفره وَإِمَّا قدِم عَلَيْهِ، مِثْلُ أَنْ يَعُود غيرَ مَقْضِيّ الْحَاجَةِ، أَوْ أَصَابَتْ مالَه آفةٌ، أَوْ يَقْدَم عَلَى أَهْلِهِ فيَجِدهم مَرضى، أَوْ قَدْ فُقِد بَعْضُهُمْ.
(كَأَدَ)
- فِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ «وَلَا يَتَكَاءَدُك عفْوٌ عَنْ مُذْنب» أَيْ يَصْعُب عَلَيْكَ ويَشُقّ.
وَمِنْهُ العَقَبة الكَؤُود: أَيِ الشاقَّة.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ «إِنَّ بين أيْدينا عقَبةً كَؤُودا لَا يجُوزها إِلَّا الرَّجُل المُخِفُّ» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «وتَكَأَّدَنا «2» ضِيقُ المَضْجَع» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «مَا تَكَأَّدَني شيءٌ مَا تَكَأَّدَتْنِي خِطبةُ النِّكَاحِ» أَيْ صَعُب عليَّ وثَقُل وَشَقَّ.
(كَأْسٌ)
- قَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ «الْكَأْسِ» فِي الْحَدِيثِ، وَهُوَ الإِناء فِيهِ شَراب، وَلَا يُقَالُ لَهَا كَأْسٌ إلاَّ إِذَا كَانَ فِيهَا شَرَابٌ.
وَقِيلَ: هُوَ اسْمٌ لَهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ وَالِاجْتِمَاعِ. والجمعُ أَكْؤُس، ثُمَّ كُؤُوس. واللفَّظة مَهْمُوزَةٌ.
وَقَدْ يُتْرك الهمزُ تَخْفِيفًا.
(كَأْكَأَ)
(س) فِي حَدِيثِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيبة «خَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ وَقَدْ تَكَأْكَأَ النَّاسُ عَلَى أَخِيهِ عِمْران فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ لَوْ حَدّث الشيطانُ لَتَكأكأ الناسُ عَلَيْهِ» أَيْ عَكَفوا عَلَيْهِ مُزْدَحِمين.
__________
(1) في ا: «والمعنى أن» .
(2) في الأصل: «ويَكْأدنا» ، وفي ا: «تكاءدنا» والمثبت من اللسان. قال صاحب القاموس: «وتكأَّدني الأمرُ: شقّ عليَّ، كتكاءدني» .(4/137)
(كَأَيٍّ)
(س) فِي حَدِيثِ أُبَيّ «قَالَ لزِرّ بْنِ حُبَيْش: كأَيِّنْ تَعدُّون سُورة الْأَحْزَابِ» أَيْ كَمْ تَعُدّونها آيَةً.
وتُسْتَعْمل فِي الخَبر والاسْتفهام مِثْلَ كَمْ، وَأَصْلُهَا كأْيُنْ، بِوَزْنِ كَعْيٍ، فقُدمَت «1» الْيَاءُ عَلَى الْهَمْزَةِ، ثُمَّ خُفِّفت فَصَارَتْ بِوزْن كَيْعٍ، ثُمَّ قلِبَت الْيَاءُ أَلِفًا. وَفِيهَا لُغات، أَشْهَرُهَا كَأَيٍّ، بالتَّشديد. وَقَدْ تَكَرَّرَتْ فِي الْحَدِيثِ.
بَابُ الْكَافِ مَعَ الْبَاءِ
(كَبَبَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ ابْنِ زِمْل «فأَكَبُّوا رَواحِلهم عَلَى الطَّرِيقِ» هَكَذَا الرِّوَايَةُ.
قِيلَ: وَالصَّوَابُ: كَبُّوا، أَيْ ألْزموها الطَّرِيقَ. يُقَالُ: كَبَبْتُهُ فأَكَبَّ، وأَكَبَّ الرجُلُ يُكِبُّ عَلَى عَملٍ عَمله «2» إِذَا لزَمه.
وَقِيلَ: هُوَ مِنْ بَابِ حَذف الجارِّ وإيصالِ الفْعل. المعنَى جَعَلُوهَا مُكِبَّةً عَلَى قَطْع الطَّريق: أَيْ لازِمه لَهُ غَيْر عَادِلَةٍ عَنْهُ.
(س) وَفِي حَدِيثِ أَبِي قَتادة «فلمَّا رَأَى الناسُ المِيضَأة تَكابُّوا عَلَيْهَا» أَيِ ازدَحَموا، وَهِيَ تَفَاعلوا، مِنَ الكُبَّة بِالضَّمِّ، وَهِيَ الجَماعة مِنَ النَّاسِ وَغَيْرِهِمْ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّهُ رَأَى جَمَاعَةً ذَهَبَتْ فرجَعَت، فَقَالَ: إياكُم وكُبَّةَ السُّوق فإِنها كُبَّةُ الشَّيْطَانِ» أَيْ جَماعة السُّوق.
(س) وَفِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ «إِنَّكُمْ لَتُقَلّبون حُوَّلاً قُلَّباً إنْ وُقِيَ كَبَّةَ «3» النَّارِ» الكَبَّة بِالْفَتْحِ: شِدّة الشَيءْ ومعظمه، وكَبَّة النار: صَدْمَتُها.
(كبت)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ رَأَى طلحةَ حَزِينًا مَكْبوتا» أَيْ شَدِيدَ الحُزْن. قِيلَ:
الأصْل فِيهِ مكْبُوداً بِالدَّالِ: أَيْ أصَابَ الحُزْنُ كَبِدَه، فَقُلِبَتِ الدَّالُ تَاءً. وكَبَتَ اللَّهُ فُلاناً: أَيْ أذَلَّه وصَرَفَه.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِنَّ اللَّهَ كَبَت الْكَافِرَ» أَيْ صَرَعه وخَيَّبَه.
__________
(1) فى ا: «تقدمت» وانظر اللسان (أى) .
(2) في الهروي: «يعمله» .
(3) بهذا يصوَّب ما سبق في صفحة 464 من الجزء الأول.(4/138)
(كَبَثَ)
(هـ س) فِي حَدِيثِ جَابِرٍ «كُنَّا نَجْتني الكَبَاث «1» » هُو النَّضيج مِنْ ثَمر الْأَرَاكِ.
(كَبَحَ)
- فِي حَدِيثِ الْإِفَاضَةِ مِنْ عَرَفَاتٍ «وَهُوَ يَكْبَحُ رَاحِلَتَه» كَبَحْتُ الدَّابَّة إذَا جَذبْتَ رأسَها إِلَيْكَ وَأَنْتَ راكِب ومَنَعْتَها مِنَ الجِمَاح وسُرعة السَّير.
(كَبَدَ)
[هـ] فِي حَدِيثِ بِلَالٍ «أذَّنْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فَلَمْ يأتِ أَحَدٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما لَهُم؟ فَقُلْتُ: كَبَدهُم البَرْدُ» أَيْ شَقَّ عَلَيْهِمْ وضَيَّق، مِنَ الكَبَد بِالْفَتْحِ، وَهِيَ الشِّدّة والضِّيق، أَوْ أَصَابَ أَكْبادَهُم، وَذَلِكَ أشَدّ مَا يَكُونُ مِنَ البّرْد؛ لِأَنَّ الكَبِد مَعْدِنُ الْحَرَارَةِ والدَّم، وَلَا يَخْلُص إِلَيْهَا إِلَّا أشَدُّ البَرد.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «الكُبَادُ مِنَ العَبِّ» هُوَ بِالضَّمِّ: وجَع الكَبِد. والعَبُّ: شُرْب الْمَاءِ مِنْ غَيْرِ مَصٍّ.
(هـ) وَفِيهِ «فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى كَبِدي «2» » أَيْ عَلَى ظَاهِرِ جَنْبِي ممَّا يَلي الكَبِدَ.
(هـ) وَفِيهِ «وتُلْقي الأرضُ أفلاذَ كَبِدها» أَيْ مَا فِي بَطْنِهَا «3» مِنَ الكُنوز والمعادِن، فاستعارَ لَها الكَبِد. وكَبِدُ كُلِّ شَيْءٍ: وسَطُه.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فِي كَبِد جَبَل» أَيْ فِي جَوْفه مِنْ كَهْف أَوْ شِعْب.
وَمِنْهُ حَدِيثُ مُوسَى وَالْخِضْرِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ «فوَجَده عَلَى كَبِد الْبَحْرِ» أَيْ عَلَى أوْسَط مَوضع مِنْ شَاطِئِهِ.
وَفِي حَدِيثِ الْخَنْدَقِ «فعَرضَت كِبْدَة شَدِيدَةٌ» هِيَ القِطعة الصُّلْبة مِنَ الْأَرْضِ. وَأَرْضٌ كَبْداء، وقَوْس كَبْداء: أَيْ شَدِيدَةٌ. وَالْمَحْفُوظُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ «كُدْية» بِالْيَاءِ. وَسَيَجِيءُ.
(كَبِرَ)
فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى «الْمُتَكَبِّرُ
والْكَبِيرُ*
» أَيِ الْعَظِيمُ ذُو الكبْرياء.
وَقِيلَ: المُتعالي عن صفات الخلق.
__________
(1) رواية الهروي: «كنا معه بَمِّر الظهران نجني الكَباث» .
(2) الذي في الهروي: «فوقعت يده على كبدي. أي على جنبي من الظَّهْر» .
(3) في الأصل: «باطنها» والمثبت من ا، واللسان، والهروي.(4/139)
وَقِيلَ: المُتَكَبِّر عَلَى عُتاةَ خَلْقِه.
وَالتَّاءُ فِيهِ للتّفَرّد والتَّخَصّص «1» لَا تَاءُ التَّعَاطِي والتَّكَلُّف.
والكِبْرياء: العَظَمة والمُلْك. وَقِيلَ: هِيَ عِبارة عَنْ كَمال الذَّات وَكَمَالِ الْوُجُودِ، وَلَا يُوصَف بِهَا إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُهُمَا فِي الْحَدِيثِ. وَهُمَا مِنَ الكِبر، بِالْكَسْرِ وَهُوَ الْعَظَمَةُ. وَيُقَالُ: كَبُرَ بِالضَّمِّ يَكْبُرُ: أَيْ عَظُم، فَهُوَ كَبِير.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ الْأَذَانِ «اللَّهُ أَكْبَرُ» مَعْنَاهُ اللَّهُ الكْبير «2» ، فوُضِع أفْعَل مَوْضع فَعِيل، كَقَوْلِ الْفَرَزْدَقِ:
إِنَّ الَّذِي سَمَك السَّمَاءَ بَنَى لَنَا ... بَيْتاً دَعَائِمُه أعَزُّ وَأطْوَلُ
أَيْ عَزيزة طَوِيلَةٌ.
وَقِيلَ «3» : مَعْنَاهُ: اللَّهُ أَكْبَر مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، أَيْ أعْظَم، فحُذِفت «مِنْ» لُوِضوح مَعْنَاهَا «4» «وأَكْبَر» خَبَر، والأخْبَار لَا يُنْكر حَذْفُها، [وَكَذَلِكَ مَا يَتَعَلَّق بِهَا] «5» .
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: اللَّهُ أكْبَر مِنْ أَنْ يُعْرَف كُنْهُ كِبْريائه وعَظَمَته، وَإِنَّمَا قُدِّر لَهُ ذَلِكَ وَأُوِّلَ، لِأَنَّ أفْعَلَ فُعْلَى يَلْزَمه الْأَلِفُ وَاللَّامُ، أَوِ الْإِضَافَةُ، كالأَكْبَر وأَكْبَر، الْقَوْمِ.
ورَاءُ «أَكْبَر» فِي الأذانِ والصَّلاة ساكِنة، لَا تُضَمُّ لِلْوَقْفِ، فَإِذَا وُصِل بِكَلَامٍ ضُمَّ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «كَانَ إِذَا افْتَتح الصلاةَ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرا» كَبِيرا مَنْصُوبٌ بإضْمار فِعْل، كأنه قال: أُكَبِّرُ كَبِيرا «6» .
__________
(1) في الأصل: «والتخصيص» وأثبتّ ما في ا، واللسان.
(2) هكذا في الأصل. وفي اللسان: «معناه الله كبير» . وفي ا، والهروي «معناه الكبير» .
(3) عبارة الهروي: «وقال النحويون: معناه الله أكبر من كل شيء» .
(4) بعد هذا في الهروي: «ولأنها صلة لأفعل، وأفعل خبر، والأخبار لا ينكر الحذف منها. قال الشاعر:
فما بلغتْ كفُّ امرىءٍ متناوِلٍ ... بها المجدَ إلاّ حيثُ ما نلت أطولُ
أى أطول منه» .
(5) سقط من: اواللسان والهروي.
(6) في الهروي: «تكبيرا» .(4/140)
وَقِيلَ: هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى القَطْع مِنِ اسْم اللَّهِ تَعَالَى «1» .
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ»
قِيلَ: هُوَ يَوْمُ النَّحْر. وَقِيلَ: يَوْمُ عَرفة، وَإِنَّمَا سُمِّي الْحَجَّ الأَكْبَر؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّون العُمْرةَ الحجَّ الأصغَر.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «سَجَد أحَدُ الأَكْبَريْن فِي «إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ» أَرَادَ أحَدَ الشَّيْخَين أَبَا بَكْرٍ وعُمر.
(س) وَفِيهِ «أَنَّ رجُلاً مَاتَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ، فَقَالَ: ادْفَعوا مَالَهُ إِلَى أكبَر خُزاعة» أَيْ كَبِيرِهم، وَهُوَ أقْرَبُهم إِلَى الجَدّ الأعْلَى.
(س) وَفِيهِ «الوَلاَءُ للْكُبْر» أَيْ أَكْبَر ذُرَّيَّة الرجُل، مِثل أَنْ يَمُوتَ الرجُل عَنِ ابنَين فيَرِثان الوَلاَء، ثُمَّ يَمُوتُ أحَدُ الابْنَيْن عَنْ أَوْلَادٍ، فَلَا يَرِثُون نَصِيبَ أَبِيهِمْ مِنَ الوَلاَء، وَإِنَّمَا يَكُونُ لِعَمِّهم، وَهُوَ الِابْنُ الْآخَرُ.
يُقَالُ: فُلانٌ كُبْرُ قَوْمِه بالضَّم، إِذَا كَانَ أقْعَدَهم فِي النَّسَب، وهُو أَنْ يَنْتَسب إِلَى جَدِّه الأكْبَر بآبَاء أقلَّ عَدَدًا مِنْ بَاقِي عَشِيرته.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ الْعَبَّاسِ «أَنَّهُ كَانَ كُبْرَ قَومه» لِأَنَّهُ لَمْ يَبْق مِنْ بَنِي هَاشِمٍ أقْربُ مِنْهُ إِلَيْهِ فِي حيَاته.
وَمِنْهُ حَدِيثُ القَسامة «الكُبْرَ الكُبْرَ» أَيْ لِيَبْدأ الأَكْبَر بِالْكَلَامِ، أَوْ قَدِّموا الأَكْبَرَ؛ إِرْشَادًا إِلَى الأدَب فِي تَقْدِيمِ الأسَنَّ.
ويُروَى «كَبِّرِ»
الكُبْرَ» أَيْ قَدِّم الأكْبر.
وَفِي حَدِيثِ الدَّفْن «ويُجْعَل الأَكْبَر ممَّا يَلِي القِبْلة» أَيِ الأفْضَل، فَإِنِ اسْتَوَوْا فالأسَنّ.
وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الزُّبير وهدْمهِ الْكَعْبَةَ «فَلَمَّا أبْرَز عَنْ ربضه دعا بكُبْره فَنَظروا إليه»
__________
(1) زاد الهروي: «وهو معرفة، وكبيرا نكرة، خرجت من معرفة» .
(2) في الأصل: «كبّروا ... أى قدّموا» والمثبت من اواللسان. ومن صحيح مسلم (باب القسامة، من كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات.(4/141)
أى بمشايخه وكُبَرائه. والكُبْر هاهنا: جمْع الأَكْبَر، كأحْمَر وَحُمْر.
وَفِي حَدِيثِ مَازِنٍ «بُعِثَ نَبيٌّ مِنْ مُضَر يَدْعو بِدِينِ اللَّهِ الكُبَرِ» الكُبَرُ:
جَمْع الكُبْرَى.
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى «إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ»
وَفِي الْكَلَامِ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: بِشَرَائِعِ دِين اللَّهِ الكُبَر.
وَفِي حَدِيثِ الْأَقْرَعِ وَالْأَبْرَصِ «وَرِثْتُه كابِراً عَنْ كابِر» أَيْ وَرِثْتُه عَنْ آبَائِي وأجْدادي، كَبِيراً عَنْ كَبِيرٍ، فِي الْعِزِّ والشَّرَف.
(هـ) وَفِيهِ «لَا تُكَابِروا الصلاةَ بِمْثلها مِنَ التَّسْبيح فِي مَقام واحِد «1» » كَأَنَّهُ ارادَ لاَ تُغَالِبوها: أَيْ خَفِّفوا فِي التَّسبيح بعْد التَّسليم.
وَقِيلَ: لَا يَكُن التَّسْبيحُ الَّذِي فِي الصَّلَاةِ أكْثَرَ مِنْهَا، ولْتَكُن الصَّلَاةُ زَائِدَةً عَلَيْهِ.
وَفِيهِ ذِكر «الكَبَائر» فِي غَيْرِ مَوضِع مِنَ الْحَدِيثِ، واحدتُها: كَبِيرَةٌ، وَهِيَ الفَعْلَة الْقَبِيحَةُ مِنَ الذُّنُوبِ المَنْهيِّ عَنْهَا شَرْعًا، العظِيمِ أمْرُها، كالقَتْل، وَالزِّنَا، والفِرار مِنَ الزّحْف، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَهِيَ مِنَ الصِّفات الغالِبة.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ الإفْكِ «وَ [هُوَ] «2» الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ
» أَيْ مُعْظَمه.
وَقِيلَ: الكِبْر: الْإِثْمُ، وَهُوَ مِنَ الكَبِيرة، كالخِطْء مِنَ الخَطيئة.
وَفِيهِ أَيْضًا «أَنَّ حَسَّانَ كَانَ ممَّنْ كَبُر عَلَيْهَا» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَذَابِ الْقَبْرِ «إِنَّهُمَا ليُعَذَّبان وَمَا يُعَذَّبان فِي كَبِير» أَيْ لَيْسَ فِي أمْرٍ كَانَ يَكْبُر عَلَيْهِمَا وَيَشُقُّ فِعْلُهُ لو أراده، لَا أَنَّهُ فِي نَفْسِه غيرُ كَبِيرٍ، وكَيْف لَا يَكُونُ كَبِيرا وَهُمَا يُعَذَّبان فِيهِ؟
(س) وَفِيهِ «لَا يَدخُلُ الجنةَ مَنْ فِي قَلْبه مِثقالُ حَبَّة من خَرْدَلٍ من كِبْر»
__________
(1) رواية الهروي: «لا تكابروا الصلاة بمثلها من التسبيح بعد التسليم في مقام واحد» .
(2) زيادة من ا، واللسان. والذي في الهروي: «وقوله تعالى: وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ» .(4/142)
يَعْني كبْر الكُفْر والشِّرك، كَقَوْلِهِ تَعَالَى «إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ» .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَابَلَه فِي نَقيضِه بِالْإِيمَانِ فَقَالَ: «وَلَا يَدْخُلُ النارَ مَنْ فِي قَلْبه مثْل ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ» أرادَ دُخول تأبيدٍ.
وَقِيلَ: أرادَ إِذَا أُدْخل الجنَّة نُزع مَا فِي قَلْبه مِنَ الكبْر، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: «وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ» *.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «وَلَكِنَّ الكِبْر مَنْ بَطِرَ الْحَقَّ» هَذَا عَلَى الْحَذْفِ: أَيْ وَلَكِنْ ذُو الكِبْر مَنْ بَطِرَ الْحَقَّ، أَوْ وَلَكِنَّ الكِبْر كِبْرُ مَنْ بَطِر الحقَّ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: «وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى» .
وَفِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ «أَعُوذُ بِكَ مِنْ سُوء الكِبْر» يُرْوَى بِسُكُونِ الْبَاءِ وفَتْحها، فالسُّكون مِنَ الْأَوَّلِ، والفَتْح بِمَعْنَى الهَرَم والخَرَف.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ صَاحِبِ الْأَذَانِ «أَنَّهُ أخَذَ عُوداً فِي مَنامه لِيَتَّخِذ مِنْهُ كَبَراً» الكَبَر بِفَتْحَتين: الطَّبْل ذُو الرَّأسَين. وَقِيلَ: الطَّبْل الَّذِي لَهُ وَجْهٌ واحِد.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَطَاءٍ «سُئل عَنِ التَّعْويذ يُعَلَّق عَلَى الْحَائِضِ، فَقَالَ: إِنْ كَانَ فِي كَبَرٍ فَلَا بَأس بِهِ» أَيْ فِي طَبْل صَغِير.
وَفِي رِوَايَةٍ «إِنْ كَانَ فِي قَصَبَة» .
(كَبَسَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ عَقِيل «إِنَّ قُريشاً قَالَتْ لِأَبِي طَالِبٍ: إِنَّ ابنَ أخِيك قَدْ آذَانَا فانْهَهُ، فَقَالَ: يَا عَقِيل ائْتِنِي بمُحَمَّد، قَالَ: فانْطَلَقْت إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاسْتَخْرَجْتُه «1» مِنْ كِبْسٍ» الكِبْسُ بِالْكَسْرِ: بَيْت صَغِيرٌ.
ويُرْوَى بالنُّون، مِنَ الكِناس، وَهُوَ بَيْت الظَّبْيِ.
وَفِي حَدِيثِ الْقِيَامَةِ «فوجَدوا رجَالاً قَدْ أكَلَتْهُم النارُ إلاَّ صُورة أحَدِهم يُعْرف بها،
__________
(1) في الهروي: «واستخرجته» .(4/143)
فاكْتَبَسوا، فأُلْقُوا عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ» أَيْ أدْخَلوا رُءُوسَهُمْ فِي ثِيَابِهِمْ. يُقَالُ: كَبَس الرجُلُ رَأْسَهُ في ثوبه إذا أخْفاه.
[هُـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ مَقْتل حَمْزَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «قَالَ وَحْشٍي: فكمِنْتُ لَهُ إِلَى صَخْرة وَهُوَ مُكَبِّسٌ، لَهُ كَتِيتٌ» أَيْ يَقْتحم النَّاسَ فَيُكَبِّسُهم.
وَفِيهِ «أَنَّ رجُلاً جَاءَ بكَبَائِسَ مِنْ هَذِهِ النَّخل» هِيَ جَمْع كِبَاسَة، وَهُوَ العِذْق التَّام بشَماريخه وَرُطَبه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «كبائسُ اللُّؤْلُؤِ الرَّطْبِ» .
(كَبَشَ)
(هـ) فِي حَدِيثُ أَبِي سُفْيَانَ «لَقَد أمِرَ أمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَة «1» » كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَنْسُبُون النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي كَبْشَة، وَهُوَ رجُل مِنْ خُزاعة خالَف قُريشاً فِي عِبادة الْأَوْثَانِ، وعَبد الشِّعْرَى العَبُورَ، فلمَّا خالفَهم النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عبَادَة الْأَوْثَانِ شَبَّهُوه بِهِ.
وَقِيلَ: إِنَّهُ كَانَ جَدَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِبَل أمِّه «2» ، فَأَرَادُوا أَنَّهُ نَزَع فِي الشَّبَه إِلَيْهِ.
(كَبْكَبَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ «حَتَّى مَرَّ مُوسى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي كُبْكُبَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فأعْجَبَنِي» هِيَ بالضَّم وَالْفَتْحِ: الْجَمَاعَةُ المُتَضامَّة مِنَ النَّاسِ وغَيْرهم.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ نَظر إِلَى كَبْكَبَةٍ قَدْ أقْبَلَت، فَقَالَ: مَن هَذِهِ؟ فَقَالُوا:
بَكْرُ بْنُ وَائِلٍ» .
(كَبَلَ)
(س) فِيهِ «ضَحِكْتُ مِنْ قَوْمٍ يُؤْتَى بِهِمْ إِلَى الجنَّة فِي كَبْل الحَدِيد» الكَبْل:
قَيْد ضَخْم. وَقَدْ كَبَلْتُ الأسِير وكَبَّلْته، مُخَفَّفاً ومُثَقَّلاً، فَهُوَ مَكْبول ومُكَبَّل.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي مَرْثَد «فَفُكَّت عَنْهُ أَكْبُلُه» هِيَ «3» جَمْع قِلّة لِلْكَبْل: الْقَيْدُ.
وَمِنْهُ قَصِيدُ كَعْبِ بْنِ زهير:
__________
(1) رواية الهروي: «لقد عظُم مُلْك ابن أبي كبشة» .
(2) الذي في الهروي: «إنه كان جَدَّ جَدَّ النبي صلى الله عليه وسلم لأمه» .
(3) في الأصل: «وهي» والمثبت من ا، واللسان.(4/144)
مُتَيَّمٌ إثْرَها لَمْ يُفْدَ مَكْبُول
أَيْ مُقَيَّد.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ عُثْمَانَ «إِذَا وَقَعَت السُّهْمانُ فَلَا مُكَابَلَة» أَيْ إِذَا حُدّت الْحُدُودُ فَلَا يُحْبَسُ أحَدٌ عَنْ حَقِّه، مِنَ الكَبْل: وَهُوَ القَيْد.
وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ لَا يَرَى الشّفعة إلا للخيط.
وَقِيلَ: المُكَابَلَة: أَنْ تُبَاع الدَّارُ إِلَى جَنْب دارِك وَأَنْتَ تُريدها، فَتُؤَخِّرها حَتَّى يَسْتَوْجِبَها المُشْتَرِي، ثُمَّ تَأخذها بالشُّفعة، وَهِيَ مَكْرُوهَةٌ.
وَهَذَا عنْد مَنْ يَرَى شُفْعة الجِوار.
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «لَا مُكَابَلَةَ إِذَا حُدَّت الحُدُودُ، وَلَا شُفْعة» .
(س) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ «أَنَّهُ كَانَ يَلْبَسُ الفَرْوَ والكَبَل» الكَبَل:
فَرْوٌ كَبِيرٌ.
(كَبَنَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ مَرَّ بِفُلانٍ وَهُوَ سَاجِدٌ وَقَدْ كَبَنَ ضَفِيرَتَيْهِ وَشَدَّهُمَا بِنِصَاحٍ «1» » أَيْ ثَنَاهُما وَلَوَاهُما.
وَفِي حَدِيثِ الْمُنَافِقِ «يَكْبِنُ فِي هَذِهِ مَرَّةً وَفِي هَذِهِ مَرَّة» أَيْ يَعْدُو.
وَيُقَالُ: كَبَنَ يَكْبِنُ كُبُونا، إِذَا عَدَا عَدْواً لَيّناً.
(كَبَهَ)
- فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ «قَالَ لَهُ رجُل: قَدْ نُعِت لَنَا المسِيح الدَّجّال، وَهُوَ رَجُل عَريض الكَبْهَة» أَرَادَ الجَبْهَة، فَأَخْرَجَ الْجِيمَ بَيْنَ مَخْرَجِهَا وَمَخْرَجِ الْكَافِ، وَهِيَ لُغَةُ قَوْمٍ مِنَ الْعَرَبِ، ذَكَرَهَا سِيبَوَيْهِ مَعَ سِتَّةِ أَحْرُفٍ أُخْرَى، وَقَالَ: إِنَّهَا غَيْرُ مُسْتَحْسَنة وَلَا كَثِيرَةٍ فِي لُغة مَن تُرْضَى عَرَبِيَّتُه.
(كَبَا)
(هـ) فِيهِ «مَا عَرَضْتُ الْإِسْلَامَ عَلَى أحَد إلاَّ كانَتْ عِنْدَه له كَبْوَة «2» ، غير
__________
(1) في ا: «ببضاح» والمثبت من الأصل، واللسان، والهروي. ولم يذكره المصنف في (بضح) ولا في (نصح) . قال في القاموس (نصح) : «وككِتاب: الخيطُ والسِّلك» .
(2) رواية الهروي: «ما أحدٌ عرضت عليه الإسلام إلا كانت له كبوةٌ غير أبي بكر» .(4/145)
أَبِي بَكْرٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَلَعْثم» الكَبْوَة: الوَقْفة كوَقْفَة العاثِر، أَوِ الوَقْفَة عِنْدَ الشَّيْءِ يكْرَهُه الْإِنْسَانُ.
[هـ] وَمِنْهُ «كَبا الزَّندُ» إِذَا لَمْ يُخْرج نَارًا.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمة «قَالَتْ لِعُثْمَانَ: لَا تَقْدَحْ بزَنْدٍ كَانَ رسولُ اللَّهِ أَكْبَاها» أَيْ عَطَّلَها مِنَ القَدْح فَلَمْ يُورِ بِهَا.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ «قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ قُرَيْشًا جَعَلُوا مَثَلَك مَثَلَ نَخْلَة فِي كَبْوَة مِنَ الْأَرْضِ» قَالَ شَمِر: لَمْ نَسْمع الكَبْوَة، وَلَكِنَّا سَمِعْنا الكِبَا، والكُبَة، وَهِيَ الكُنَاسَة والتُّراب الَّذِي يُكْنَس مِنَ البَيْت.
وَقَالَ غَيْرُهُ: الكُبَة: مِنَ الْأَسْمَاءِ النَّاقِصَة، أَصْلُهَا: كُبْوَة، مِثْلَ قُلَة وثُبَة، أَصْلُهُمَا: قُلْوَة وثُبْوَة. ويقال للرّبوة وكُبْوَة بِالضَّمِّ «1» .
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الكِبَا: الكُنَاسة، وجَمْعُه: أَكْبَاء. والكُبَة بوزْن قُلَة وَظُبَة ونَحْوهما «2» .
وأصْلُها: كُبْوَة «3» ، وَعَلَى الْأَصْلِ جَاءَ الْحَدِيثُ، إلاَّ أَنَّ المُحَدِّث لَمْ يضْبط الْكَلِمَةَ فجَعلها كَبْوة بِالْفَتْحِ، فَإِنْ «4» صَحَّت الرَّواية [بِهَا «5» ] فَوَجْهُه «6» أَنْ تُطْلق الكَبْوَة. [وَهِيَ المرَّة الواحِدة مِنَ الكَسْح، عَلَى الكُسَاحة والكُنَاسَة] «7» .
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِنَّ نَاسًا مِنَ الأنْصار قَالُوا لَهُ: إِنَّا نَسْمع مِنْ قَوْمك: إِنَّمَا مَثَلُ مُحَمَّدٍ كمَثَلِ نَخْلة تَنْبُتُ «8» فِي كِباً» هِيَ بِالْكَسْرِ وَالْقَصْرِ: الْكُنَاسَةُ، وَجَمْعُهَا: أَكْباء.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «قِيلَ لَهُ: أيْنَ نَدْفِن ابْنَك؟ قَالَ: عِنْدَ فَرَطِنا عُثْمَانَ بْنِ مَظْعون، وَكَانَ قَبْر عُثمان عِنْد كِبَا بَنِي عَمْرو بْنِ عَوف» أي كُنَاسَتِهم.
__________
(1) زاد الهروي بعد هذا: «وقال أبو بكر: الكُبا: جمع كُبَة، وهي البَعَرُ. ويقال: هي المَزْبلة. ويقال في جمع كُبة ولُغة: كُبِين، ولُغِين» .
(2) بعد هذا في الفائق 2/ 393: «وقال أصحاب الفرّاء: الكُبة: المَزْبلة، وجمعها: كِبون، كقلون» .
(3) بعده في الفائق: «من كَبَوتُ البيتَ، إذا كنستَه» .
(4) في الفائق «وإن» .
(5) ليس في الفائق.
(6) في الفائق: «فوجهها» .
(7) مكان هذا في الفائق: «وهي الكَسْحة على الكُساحة» .
(8) في الأصل: «نَبَتَت» والمثبت من ا، واللسان، والفائق 2/ 392.(4/146)
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ تَجْمع الأَكْبَاء فِي دُورِها» أَيِ الكُنَاسَات.
(س) وَفِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى «فَشقَّ عَلَيْهِ حَتَّى كَبَا وَجْهُه» أَيْ رَبا وانْتَفَخَ مِنَ الغَيْظ. يُقَالُ:
كَبَا الفَرسُ يَكْبُو إِذَا انْتَفَخَ ورَبَا. وكَبَا الغُبَارُ إِذَا ارتَفَعَ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثِ جَرير «خَلَق اللهُ الأرضَ السُّفْلى مِنَ الزَّبَد الجُفَاء والْماءِ الكُباء» أَيِ الْعَالِي الْعَظِيمِ. المْعَنى أنَّه خَلَقَها مِنْ زَبَدٍ اجْتَمع لِلْماءِ وتَكاثَف فِي جَنَبَاتِه. وجَعَله الزَّمَخْشَرِيُّ حَديثاً مَرْفوعاً.
بَابُ الْكَافِ مَعَ التَّاءِ
(كَتَبَ)
(هـ) فِيهِ «لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بكِتاب اللَّهِ» أَيْ بحُكم اللَّهِ الَّذِي أنْزَلَه فِي كِتابه، أَوْ كَتَبه عَلَى عِبَادِهِ. وَلَمْ يُرِدِ الْقُرْآنَ، لِأَنَّ النَّفْي والرَّجْم لَا ذِكْرَ لَهُمَا فِيه.
والكِتاب مَصْدرٌ، يُقَالُ: كَتَبَ يَكْتُب كِتَاباً وكِتَابَة. ثُمَّ سُمّي بِهِ المَكْتُوب.
(س) ومنه حديث أنس بن النّصر «قَالَ لَهُ: كِتَابُ اللهِ القِصَاصُ» أَيْ فَرْضُ اللَّهِ عَلَى لِسَان نَبِيّه.
وَقِيلَ: هُوَ إِشَارَةٌ إلى قول الله تعالى «وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ» وَقَوْلِهِ «وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ» .
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ بَرِيرَةَ «مَنِ اشْتَرط شَرْطاً لَيْسَ فِي كِتاب اللَّهِ» أَيْ لَيْسَ فِي حُكْمه، وَلَا عَلَى مُوجب قَضاء كِتابه؛ لِأَنَّ كِتاب اللَّهِ أمرَ بِطَاعة الرَّسول، وأعْلَم أَنَّ سُنَّتَه بَيانٌ لَهُ. وَقَدْ جَعَل الرسولُ الوَلاء لِمَنْ أعْتَق، لَا أَنَّ الوَلاَء مَذْكور فِي القرآن نَصَّاً.
(س) وَفِيهِ «مَن نَظَرَ فِي كِتاب أخيهِ بغَيْر إذنِه فَكَأَنَّمَا يَنْظُر فِي النَّارِ» هَذَا تَمْثيل: أَيْ كَمَا يَحْذَر النَّارَ فلْيَحْذَر هَذَا الصَّنِيع.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ كَأَنَّمَا يَنْظُر إِلَى مَا يوجِب عَلَيْهِ النَّار.
ويَحتمل أَنَّهُ أَرَادَ عُقوبة البَصر، لِأَنَّ الجِنَاية مِنْهُ، كَمَا يُعاقَب السَّمعُ إِذَا اسْتَمع إِلَى حَديث قَوْم وهُم لَهُ كَارِهُونَ.(4/147)
وَهَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الكِتاب الَّذِي فِيهِ سِرٌّ وَأَمَانَةٌ يَكْرَه صاحبهُ أَنْ يُطَّلَع عَلَيْهِ. وَقِيلَ:
هُوَ عامٌ فِي كُلِّ كِتاب.
وَفِيهِ «لَا تَكْتُبوا عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ» وجْه الجَمْع بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَبَيْنَ إذْنِه فِي كِتَابَةِ الْحَدِيثِ عَنْهُ، فإنَّه قَدْ ثَبَت إذْنُه فِيهَا، أَنَّ الإِذْن فِي الْكِتَابَةِ ناسِخ للمَنع مِنها بِالْحَدِيثِ الثَّابِت، وبإجْماع الأمَّة عَلَى جوازِها.
وَقِيلَ: إنَّما نَهى أَنْ يُكْتَب الْحَدِيثُ مَعَ الْقُرْآنِ فِي صَحِيفة واحِدة، وَالْأَوَّلُ الوجْه.
وَفِيهِ «قَالَ لَهُ رجُل: إِنَّ امْرَأتي خرجَت حاجَّةً وَإِنِّي اكْتُتِبْت فِي غَزْوة كذَا وَكَذَا» أَيْ كُتِبَ «1» اسْمِي فِي جُمْلة الغُزَاة.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمر، وقِيل ابْنُ عَمْرو «مَن اكْتَتَبَ «2» ضَمِناً بَعَثه اللَّهُ ضَمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أَيْ مَنْ كَتَبَ اسْمَه فِي دِيوَانِ الزَّمْنَي وَلَمْ يَكُنْ زَمِناً.
(س) وَفِي كِتَابِهِ إِلَى اليَمن «قَدْ بَعَثْت إِلَيْكُمْ كَاتِبًا مِنْ أَصْحَابِي» أَرَادَ عالِماً، سُمّيَ بِهِ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى مَن كَانَ يَعْرِف الْكِتَابَةَ [أَنْ يَكُونَ «3» ] عِنْدَهُ عِلْمٌ ومَعْرفة. وَكَانَ الكاتِب عندَهم عَزِيزاً، وَفِيهِمْ قَلِيلاً.
وَفِي حَدِيثِ بَريِرة «أَنَّهَا جَاءَتْ تَسْتَعين بِعَائِشَةَ فِي كِتَابَتِهَا» الْكِتَابَةُ: أَنْ يُكَاتِبَ الرَّجُلُ عَبْدَه عَلَى مَالٍ يؤدِّيه إِلَيْهِ مُنَجَّماً، فَإِذَا أَدَّاهُ صَارَ حُرّاً. وسُمِّيت كِتابة لِمَصْدر كَتَب، كَأَنَّهُ يَكْتُب عَلَى نَفْسِه لِمَوْلاه ثمَنه، ويَكْتب مَوْلاَه لَهُ عَلَيْهِ العِتْق. وَقَدْ كَاتَبَه مُكَاتَبَة.
والعَبْد مُكاتَب.
وَإِنَّمَا خُصَّ العَبْد بِالْمَفْعُولِ لِأَنَّ أصْلَ المُكاتبة مِنَ المَولى، وَهُوَ الَّذِي يُكَاتِب عَبْدَه. وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكرها فِي الْحَدِيثِ.
وَفِي حَدِيثِ السَّقيفة «نَحْنُ أنصارُ اللَّهِ وكَتِيبةُ الإسْلام» الكَتِيبَة: القِطْعة العَظيمَة مِنَ الجَيْش، والجَمْعُ: الْكَتَائِبُ. وَقَدْ تكررت في الحديث مُفْرَدَة ومَجْموعة.
__________
(1) في اللسان: «كتبتُ» .
(2) ضبط في الأصل: «اكُتتِب» . والضبط المثبت من ا، والهروي. ومما سبق في (ضمن) .
(3) تكملة من ا. وفي اللسان: «أن عنده العلم والمعرفة» .(4/148)
(س) وَفِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ «وَقَدْ تَكتَّب يُزَفُّ فِي قَوْمِهِ» أَيْ تَحَزَّم وجَمَع عَلَيْهِ ثيابَه، مِنْ كَتَبْتُ السِّقاءَ إِذَا خَرَزْتَه.
(س) وَفِي حَدِيثِ الزُّهْرِيّ «الكُتَيْبَة أكْثَرُها عَنْوَة، وَفِيهَا صُلْح» الكُتَيْبَة مُصَغَّرة:
اسْمٌ لبَعْض قُرَى خَيْبر. يَعْنِي أَنَّهُ فَتَحها قَهْراً، لَا عَن صُلح.
(كَتَتَ)
(س) فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ «فَتَكاتَّ النَّاسُ عَلَى المِيضَأة، فَقَالَ:
أحْسِنُوا المَلْءَ، فكُلُّكم سَيَرْوَي» التَّكَاتُّ: التَّزَاحُم مَعَ صَوْت، وَهُوَ مِنَ الكَتِيت:
الهَدير والغَطيط.
هَكَذَا رَوَاهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وشَرحه. وَالْمَحْفُوظُ «تَكَابَّ» بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ وَحْشيّ ومَقْتل حَمْزَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «وَهُوَ مُكَبِّسٌ، لَهُ كَتِيتٌ» أَيْ هَدِير وغَطِيط. وَقَدْ كَتَّ الفحْلُ إِذَا هَدَر، والقِدْرُ إِذَا غَلَتْ.
وَفِي حَدِيثِ حُنين «قَدْ جَاءَ جيشٌ لا يُكَتُّ ولا يَنْكَفُّ» أي لا يُحْصَى وَلَا يُبْلَغُ آخِرُهُ.
والكَتُّ: الإحْصاء.
وَفِيهِ ذِكْرُ «كُتَاتة» وَهِيَ بِضَمِّ الْكَافِ وتَخْفيف التَّاء الأولَى: نَاحِيَةٌ مِنْ أَعْرَاضِ الْمَدِينَةِ لِآلِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ.
(كَتَدٌ)
[هـ] (س) فِي صفَته عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «جَلِيل المُشاَشَ والكَتَدِ» الكَتَدُ بِفَتْحِ التَّاء وكَسْرها: مُجْتَمَع الكَتِفين، وَهُوَ الكاهِل.
وَمِنْهُ حَدِيثُ حُذَيفة فِي صِفَةِ الدَّجَّالِ «مُشْرِف الكَتَدِ» .
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «كُنَّا يومَ الخَنْدَق نَنْقُل التُّرَابَ عَلَى أَكْتَادِنَا» جَمْعُ الكَتَد.
(كَتَعَ)
(س) فِيهِ «لَتَدخلون الْجَنَّةَ أجْمعُون أَكْتَعُون، إلاَّ مَنْ شَرَد عَلَى اللَّهِ» أَكْتَعُون: تَأْكِيدُ أَجْمَعُونَ، وَلَا يُسْتَعمل مُفْرَداً عَنْهُ، وَوَاحِده: أَكْتَع، وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ: جَبَلٌ كَتِيع: أَيْ تَامٌ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ الزُّبَيْرِ وبِناء الكَعْبة «فأقَضَّه أجْمَعَ أَكْتَعَ» .
(كَتِفٌ)
(س) فِيهِ «الَّذِي يُصَلِّي وَقَدْ عَقَص شَعره كَالَّذِي يُصَلِّي وَهُوَ مَكْتُوف»(4/149)
المَكْتُوف: الَّذِي شُدَّت يَداه مِن خَلْفِه، فَشُبِّه به الذي يَعْقِد شَعْرَه من خَلْفِه.
(س) وَفِيهِ «ائتُوني بكَتِفٍ وَدَوَاةٍ أكْتُب لَكُمْ كِتاباً» الكَتِف: عَظْم عَرِيضٌ يَكُونُ فِي أَصْلِ كَتِف الْحَيَوَانِ مِنَ النَّاس والدَّوَابّ، كَانُوا يَكْتُبون فِيهِ لِقِلَّة القراطِيس عِنْدهم.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «مَا لِي أراكُم عَنْهَا مُعْرِضِين! وَاللَّهِ لأرْمِيَنَّهاَ بَيْنَ أَكْتَافِكم» يُرْوَى بِالتَّاءِ والنُّون.
فمَعْنى التَّاء أنَّها إِذَا كانَت عَلَى ظُهُورِهِم وَبَيْن أكتافِهم لَا يَقْدِرُون أَنْ يُعْرِضوا عَنْهَا؛ لأنَّهم حامِلُوها، فَهِيَ مَعهم لَا تُفارقُهم.
ومَعْنَى النُّون أنَّها يَرْميها فِي أفْنِيَتِهم ونواحِيهم، فَكُلَّما مَرُّوا فِيهَا رَأوها فَلَا يَقْدِرُون أَنْ يَنْسَوها.
(كَتَلَ)
(س) فِي حَدِيثِ الظِّهار «أَنَّهُ أُتِيَ بمِكْتَلٍ مِنْ تَمْر» المِكْتَل بكسْر الْمِيمِ:
الزَّبيل الكَبِير. قِيلَ: إنَّه يَسَع خَمْسَة عَشَر صَاعًا، كَأَنَّ فِيهِ كُتَلًا مِنَ التَّمر: أَيْ قِطَعاً مُجْتَمعة. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ، ويُجْمَع عَلَى مَكَاتِل.
وَمِنْهُ حَدِيثُ خَيْبر «فخرجُوا بِمَساَحِيهم ومَكَاتِلهم» .
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الصَّبغاء «وارْمِ عَلَى أقْفَائهم بِمِكْتَل» المِكْتَل هَاهُنَا: مِنَ الأَكْتَل، وَهِيَ شَدِيدَةٌ مِنْ شَدائِد الدَّهْر. والكَتَال: سُوء العَيش وضِيق الْمُؤْنَةِ، والثِّقَل.
ويُرْوَى «بِمِنْكل» مِنَ النَّكال: العُقُوبة.
(كَتَمَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ «كُنَّا نَمْتَشِطُ مَعَ أسْمَاءَ قَبْلَ الإحْرَام، ونَدَّهِنُ بالمَكْتُومَة» هِيَ دُهْن مَنْ أَدْهَانِ العَرب أحْمَر، يُجْعَل فِيهِ الزَّعْفران. وَقِيلَ: يُجْعَل فِيهِ الكَتَمُ، وَهُوَ نَبْتٌ يُخْلَط مَعَ الوَسْمَة، وَيُصْبَغُ بِهِ الشَّعْرُ أسْوَد، وَقِيلَ: هُوَ الوَسْمَة.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يَصْبُغ بالحِنَّاء والكَتَم» وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
ويُشْبِه أَنْ يُراد بِهِ اسْتِعمال الكَتَم مُفْرَداً عَنِ الحِنَّاء، فَإِنَّ الحِنَّاء إِذَا خُضِب بِهِ مَعَ الكَتَم جَاءَ أسْوَد.(4/150)
وقد صَحَّ النَّهْي عَنِ السَّواد، ولَعَلَّ الْحَدِيثَ بالحِنَّاء أَوِ الكَتَم عَلَى التَّخْيير، وَلَكِنَّ الرِّوايات عَلَى اخْتِلاَفها، بالحِنَّاء والكَتَم.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الكتَّمُ مُشَدَّدة التَّاء. وَالْمَشْهُورُ التَّخْفيف.
(س) وَفِي حَدِيثِ زَمْزَمَ «إِنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ رَأَى فِي الْمَنَامِ، قِيل: احْفِرْ تُكْتَمَ بَيْنَ الفَرْث والدَّمِ» تُكْتَم: اسْم بِئْرِ زَمْزَمَ، سُمّيت بِهِ؛ لأنَّها كَانَتْ قَدِ انْدفَنَت بَعْدَ جُرْهُم وَصَارَتْ مَكْتُومة، حَتَّى أَظْهَرَهَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ.
وَفِيهِ «أَنَّهُ كَانَ اسْمُ قَوْسِ النَّبي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الكَتُوم» سُمِّيَتْ به لانحفاض صَوْتِها إِذَا رُمي بِهَا «1» .
(كَتَنَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ الْحَجَّاجِ «أَنَّهُ قَالَ لأمْرَأة: إنَّك لكَتُونٌ لَفُوت لَقُوف» الكَتُون: الَّلزُوق، مِنْ كَتِنَ الوسَخُ عَلَيْهِ إِذَا لَزِق بِهِ. والكَتْنُ: لَطْخُ الدُّخان بِالْحَائِطِ: أَيْ أنَّها لَزُوقٌ بًمْن يَمَسُّهَا، أَوْ أنَّها دَنِسَة العِرْض.
وَفِيهِ ذِكْرُ «كُتَانَة» هُوَ بضَم الْكَافِ وتَخْفيف التَّاء: ناحِية مِنْ أعْراض الْمَدِينَةِ لِآلِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ.
بَابُ الكاف مع الثاء
(كثب)
(هـ) فِي حَدِيثِ بَدْرٍ «إنْ أَكْثَبَكم القَوْمُ فانْبِلوهُم» وَفِي رِوَايَةٍ «إِذَا أَكْثَبُوكُم «2» فارْمُوهم بالنَّبْل» يُقَالُ: كَثَب وأَكْثَب إِذَا قارَب. والكَثَبُ: القُرْب.
والهَمْزة فِي «أَكْثَبَكم» لتَعدِيةَ كَثَبَ، فَلِذَلِكَ عَدّاها إِلَى ضَميرهم.
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ تَصِفُ أَبَاهَا «وَظَنَّ رِجالٌ أنْ قَدْ أَكْثَبَت أطْماعُهم» أَيْ قَرُبَت.
(هـ) وَفِيهِ «يَعْمِدُ أحَدُكُم إِلَى المُغيبة فَيَخْدَعُها بالكُثْبَة» أَيْ بالقَليل مِنَ اللَّبَن.
والكُثْبَة: كلُّ قَليلٍ جَمَعْتَه مِنْ طَعامٍ أَوْ لَبن أَوْ غَيْرِ ذلك. والجَمْعُ: كُثَب.
__________
(1) في الأصل: «عنها» والمثبت من ا، واللسان.
(2) في الهروي: «إذا كثبوكم» .(4/151)
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ «كُنْت فِي الصُّفَّة فَبَعَث النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتَمْرِ عَجْوَة فكُثِبَ بَيْنناَ، وَقِيلَ: كُلُوه وَلَا تُوَزّعوه» أَيْ تُرِك بَيْنَ أَيْدِينَا مَجْمُوعاً.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «جِئت عليَّاً وبَيْنَ يَدَيَه قَرَنْفُلٌ مَكْثُوب» أَيْ مجموع.
وفيه «لاثة عَلَى كُثُب المِسْك» .
(س) وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «عَلَى كُثْبَان المِسْك» هُما جَمْع كَثِيب. والكَثِيب: الرَّمْل المسْتَطِيل المُحْدَوْدِب. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(هـ) وَفِيهِ «يَضَعُون رِماحَهم عَلَى كَوَاثِب خُيولهم» الكواثِب: جَمْع كاثِبَة، وَهِيَ مِنَ الفَرَس مُجْتَمَع كَتِفَيْه قَدَّامَ السَّرْج.
(كَثَثَ)
[هـ] فِي صِفَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «كَثُّ اللِّحْيَة» الكثاثَة فِي اللِّحْيَة: أن تكون غير رقيفة «1» وَلَا طَوِيلَةٍ، وَ [لَكِنْ «2» ] فِيهَا كَثَافة. يُقَالُ: رجُلٌ كَثُّ اللِّحْيَة، بِالْفَتْحِ، وقوْمٌ كُثٌّ، بالضَّم.
(هـ) وَفِيهِ «أنَّه مرَّ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبيٍّ، فَقَال: يَذْهب مُحَمَّد إِلَى مَن أخْرجَه مِنْ بِلَادِهِ، فأمَّا مَن لَمْ يُخْرِجْهُ وَكَانَ قُدُومُه كَثَّ مَنْخَرِه فَلا يَغْشَاه» أَيْ كَانَ قُدُومه عَلَى رَغْم أنْفِه، يَعْني نَفْسه. وكأنَّ أصْله مِنَ الكِثْكِث: التُّراب.
(كَثُرَ)
(هـ) فِيهِ «لَا قَطْع فِي ثَمر وَلاَ كَثَرٍ» الكَثَر بفَتْحَتَين: جُمَّار النَّخْل، وَهُوَ شَحْمُه الَّذِي وسَط النَّخْلة.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ «نعْم المالُ أرْبَعُون، والكُثْرُ ستُّون» الكُثْر بالضَّم:
الكَثِير، كالقُلّ، فِي الْقَلِيلِ.
وَفِيهِ «إِنَّكُمْ لمعَ خَلِيقَتَيْنِ مَا كانَتَا مَعَ شَيء إِلَّا كَثَرَتاه» أَيْ غَلَبتاه بالكَثرة وكانَتَا أَكْثَر مِنْهُ. يُقَال: كاثَرْتُه فكَثَرْتُه إِذَا غَلَبْتَه وكُنْتَ أَكْثَرَ مِنْهُ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ مَقْتَلِ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «مَا رَأينا مَكْثُوراً أجْرَأَ مَقْدَماً مِنْه»
__________
(1) في الأصل، وا واللسان: «دقيقة» والمثبت من الهروي. وانظر المصباح (كثث) .
(2) زيادة من الهروي.(4/152)
المَكْثُور: المَغْلُوب، وَهُوَ الَّذِي تَكاثَر عَلَيْهِ النَّاسُ فَقَهَروه: أَيْ مَا رأيْنا مَقْهُوراً أجْرأَ إقْدَامّاً مِنْهُ.
وَفِي حَدِيثِ الْإِفْكِ «وَلَهَا ضَرَائر إلاَّ كَثَّرْنَ فِيهَا» أَيْ كَثَّرن القَوْل فِيهَا، والعَيْب لَهَا.
وَفِيهِ أَيْضًا «وَكَانَ حَسَّان ممَّنْ كَثَّر عَلَيْهَا» ويُرْوَى بِالْبَاءِ المُوَحَّدة، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَفِي حَدِيثِ قَزَعَة «أتيْت أبَا سَعيد وَهُوَ مَكْثُور عَلَيْهِ» يُقَالُ: رجُل مَكْثُور عَلَيْهِ، إِذَا كَثرت عَلَيْهِ الْحُقُوقُ والمُطالَبات، أرادَ أَنَّهُ كَانَ عِنده جَمْع مِنَ النَّاسِ يَسْألونه عَنْ أَشْيَاءَ، فكأنَّهم كَانَ لَهُمْ عَلَيْهِ حُقُوقٌ فَهُمْ يَطلُبُونها.
(كَثَفَ)
- فِي صِفَةِ النَّارِ «لِسُرَادِق النَّارِ أرْبَعُ جُدُرٍ كُثُف» الكُثُف: جَمْع كَثِيف، وَهُوَ الثَّخين الْغَلِيظُ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ «شَقَقْن أَكْثَفَ مُرُوطِهِنَّ فاخْتَمَرْن بِهِ» والرّواية فيه بالنُّون. وسيجيء.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى عَليٍّ يومَ صِفِّين وهُو فِي كَثْف» أَيْ حَشْدٍ وجَمَاعة.
(س هـ) وَفِي حَدِيثِ طُلَيْحة «فاسْتَكْثَفَ أمْرُه» أَيِ ارْتَفَع وَعَلَا.
(كَثْكَثَ)
- فِي حَدِيثِ حُنين «قَالَ أَبُو سُفيان عِنْدَ الجَوْلَة الَّتِي كَانَتْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ:
غَلَبَتْ وَاللَّهِ هَوَازِنُ، فَقَالَ لَهُ صَفْوانُ بْنُ أمَيَّة: بِفِيك الكَثْكَث» الكِثْكِثُ بِالْكَسْرِ والفَتْح:
دُقاق الحَصَى والتُّراب.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ «ولِلْعَاهِرِ الكِثْكِثُ» قَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَدْ مَرَّ بمَسَامِعي، وَلَمْ يَثْبُت عِنْدي.(4/153)
بَابُ الْكَافِ مَعَ الْجِيمِ
(كَجَجَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «فِي كُلِّ شيءٍ قِمَاَرٌ حَتَّى فِي لَعِب الصِّبيان بالكُجَّة» الكُجَّة بالضَّم وَالتَّشْدِيدِ: لُعْبة. وهُو أَنْ يَأخذ الصَّبيُّ خِرْقةً فيَجْعَلها كَأَنَّهَا كُرَة، ثُمَّ يتَقَامَرُون بِهَا، وكَجَّ الصًّبيُّ، إِذَا لَعِب بالكُجَّةِ.
بَابُ الْكَافِ مَعَ الْحَاءِ
(كَحَبَ)
[هـ] فِي ذِكْرِ الدَّجال «ثُمَّ يَأْتِي الخِصْبُ فَيُعَقِّل الكَرْمُ، ثُمَّ يُكَحِّب «1» » أَيْ يُخْرِج عَناقِيد الحِصْرِم، ثُمَّ يَطِيب طَعْمُه.
(كَحَلَ)
(هـ) فِي صِفَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «فِي عَيْنَيه كَحَلٌ» الكَحَل بفَتْحَتين:
سَواد فِي أَجْفَانِ العَيْن خِلْقة، والرجُل أَكْحَلُ وكَحِيلٌ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الملاعَنة «إنْ جَاءَتْ بِهِ أدْعَجَ أَكْحَلَ العَيْنِ» .
وَفِي حَدِيثِ أَهْلِ الْجَنَّةِ «جُرْدٌ مُرْدٌ كَحْلَى» جمْع كَحِيل، مِثْل قَتِيل وقَتْلى.
وَفِيهِ «أنَّ سَعْداً رُمِيَ فِي أَكْحَلِه» الأَكْحَلُ: عِرْق فِي وَسَطِ الذِّرَاعِ يَكْثُرُ فَصْدُهُ.
بَابُ الْكَافِ مَعَ الْخَاءِ
(كِخْ)
(هـ) فِيهِ «أكَلَ الحسَن أَوِ الحُسَين تَمْرةً مِنْ تَمْر الصَّدَقة، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: كَخْ كَخْ» هُوَ زَجْر للصَّبي وَرَدْع. وَيُقَالُ عِنْد التَّقَذُّر أَيْضًا، فكأنَّه أمَرَه بإلْقائها مِنْ فِيهِ، وتُكْسَر الْكَافُ وتُفتح، وتُسَكَّن الْخَاءُ وتُكْسَر، بتنْوين وغَيْر تَنْوين.
قِيلَ: هي أعجمية عُرِّبت.
__________
(1) رواية الهروي: «فتُعقِّلُ الكُرومُ ثم تُكَحِّب» . قال أبو عمرو: أي تُخرج القُطُوفَ، وهي العناقيد» .(4/154)
بَابُ الْكَافِ مَعَ الدَّالِ
(كَدَحَ)
- فِيهِ «المَسائلُ كُدُوحٌ يَكْدَح بِهَا الرجُلُ وجْهَه» .
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «جَاءَتْ مَسْألَتُه كُدُوحاً فِي وَجْهه» الكُدُوح: الخُدُوش. وكُلُّ أثَرٍ مِنْ خَدْش أَوْ عَضٍّ فَهُوَ كَدْح. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَراً سُمّي بِهِ الأثَر. والكَدْح فِي غَيْرِ هَذَا:
السَّعْيُ والحِرْصُ والعَمل.
(كَدَدَ)
(س) فِيهِ «المَسائلُ كَدٌّ، يَكُدُّ بِهَا الرَّجُلُ وَجْهَه» الكَدُّ: الْإِتْعَابُ، يُقال:
كَدَّ يَكُدُّ فِي عَمَله كَدّاً، إِذَا اسْتَعْجل وتَعِب. وَأَرَادَ بالوَجْه مَاءَهُ ورَوْنَقَه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ جُلَيِبيب «وَلَا تَجْعَل عَيْشَهُما كَدّاً» .
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَيْسَ مِنْ كَدِّكَ وَلَا كَدِّ أَبِيكَ» أَيْ لَيْسَ حاصِلاً بِسَعْيِك وتَعَبِك.
(س) وَفِي حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ العُزَّى «فحَصَ الكُدَّةَ بيَده فانبجسَ المَاء» هِيَ الْأَرْضُ الْغَلِيظَةُ؛ لِأَنَّهَا تَكُدُّ الماشيَ فِيهَا: أَيْ تُتْعبه.
(س) وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «كُنْت أَكُدُّهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» تَعْنِي الَمِنيَّ. الكَدُّ: الحَك.
(س) وَفِي حَدِيثِ إِسْلَامِ عُمَرَ «فأخْرَجَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صَفَّيْنِ لَهُ كَدِيدٌ ككَدِيد الطَّحِينِ» الكَدِيد: التُّرَابُ النَّاعِم، فإذا وُطِىء ثَار غُبَارُه، أَرَادَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي جَماعة، وَأَنَّ الغُبار كانَ يَثُور مِنْ مَشْيهم.
وَ «كَدِيد» فَعِيل بِمْعنَى مَفْعول. والطَّحين: المطْحُون المَدْقوق.
(كَدَسَ)
(س) فِي حَدِيثِ الصِّراط «وَمِنْهُمْ مَكْدُوسٌ فِي النَّار» أَيْ مَدْفوع.
وتَكَدَّس الْإِنْسَانُ إِذَا دُفِع مِنْ ورَائه فسَقط. ويُرْوَى بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، مِنَ الكَدْش. وَهُوَ السَّوق الشَّدِيدُ. والكَدْش: الطَّرْد والجَرْح أَيْضًا.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «كَانَ لَا يُؤتَى بأحَد إِلَّا كَدَسَ بِهِ الْأَرْضَ» أَيْ صَرعه وألصَقَه بها.(4/155)
(س) وَفِي حَدِيثِ قَتادة «كَانَ أصحابُ الأيْكَه أصحابَ شَجَر مُتَكادِس» أَيْ مُلْتَفّ مُجْتَمع. مِنْ تَكَدَّسَت الخيْل، إِذَا ازْدَحَمت ورَكِب بَعْضُها بَعْضاً. والكَدْس: الجَمْع.
وَمِنْهُ «كُدْسُ الطَّعَام» .
[هـ] وَفِيهِ «إِذَا بَصَق أحَدُكم فِي الصَّلَاةِ فَلْيَبْصُق عَنْ يَسَارِهِ أوْ تَحْتَ رِجْليه «1» ، فإنْ غَلَبَتْه كَدْسَةٌ أَوْ سَعْلَةٌ فَفِي ثَوْبه» الكَدْسَة: العَطسَة. وَقَدْ كَدَس: إِذَا عَطَسَ.
(كَدَمَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ العُرَنِيَّين «فلقَدْ رَأَيْتُهُمْ «2» يَكْدُمُون الأرضَ بأفْوَاهِهم» أَيْ يَقْبِضون عَلَيْهَا ويَعَضُّونها.
(كَدَنَ)
(س) فِي حَدِيثِ سَالِمٍ «أَنَّهُ دخَلَ عَلَى هِشام فَقَالَ لَهُ: إنكَ لحَسَنُ الكِدْنَةِ، فلمَّا خَرج أخَذَتْه قَفْقَفَة، فقال لِصَاحِبِهِ: أَتَرَى الأحْوَلَ لَقَعني بعَيْنِهِ» الكِدْنَة بالكسْر- وَقَدْ يُضَمُّ- غِلَظ الجِسْم وَكَثْرَة اللَّحْم.
(كَدَا)
(هـ) فِي حَدِيثِ الْخَنْدَقِ «فَعَرَضتْ فِيهِ كُدْيةٌ فأخَذَ المِسْحاة ثُمَّ سَمَّى وضَرب» الكُدْيَة: قِطْعة غَلِيظَةٌ صُلْبة لَا تَعْمَل فِيهَا الفَأس. وأَكْدَى الحافِر: إِذَا بَلَغها.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ تَصِفُ أَبَاهَا «سَبَق إذْ وَنَيْتُم ونَجَح إِذْ أَكْدَيْتُم» أَيْ ظَفِر إِذْ خِبْتُم وَلَمْ تَظْفَرُوا. وَأصْله مِنْ حافِر الْبِئْرِ يَنْتَهي إِلَى كُدْية فَلَا يُمْكِنُهُ الحَفْر فَيَتْركه.
(هـ س) وَفِيهِ «أَنَّ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا خَرجت فِي تَعْزِية بَعْض جِيرَانها، فلمَّا انْصَرفَت قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَعلَّكِ بَلَغْتِ معَهم الكُدَى» أَرَادَ المَقابر، وَذلك لِأَنَّهَا كَانَتْ مَقَابِرُهُم فِي مواضعَ صُلْبة، وَهِيَ جَمْع كُدْيَة. ويُرْوَى بِالرَّاءِ «3» ، وَسَيَجِيءُ.
(س) وَفِيهِ «أَنَّهُ دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ مَنْ كَدَاء، ودخَل فِي العُمرة مِنْ كُدًى» وَقَدْ رُوِي بِالشَّكِّ فِي الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ، عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ وَتَكْرَارِهَا.
وكَداء بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ: الثَّنِيَّة العُلْيا بِمَكَّةَ ممَّا يَلِي المَقابِر وَهُوَ المَعْلا.
وكُدَى- بِالضَّمِّ وَالْقَصْرِ- الثّنيّة السّفلى مما يَلِي باب العُمْرة.
__________
(1) في الهروي: «على يساره، أو تحت رِجله» .
(2) القائل هو أنس، كما في الهروي.
(3) في الهروي: «قلت للأزهري: رواه بعضُهم «الكُرا» بالراء. فأنكره» .(4/156)
وأمَّا كُدَيٌّ بِالضَّمِّ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ، فَهُوَ مَوْضِعٌ بِأَسْفَلِ مَكَّةَ.
وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْر الأولَيَيْن فِي الْحَدِيثِ.
بَابُ الْكَافِ مَعَ الذَّالِ
(كَذَبَ)
(هـ) فِيهِ «الحِجامة عَلَى الرِّيق فِيهَا شِفاءٌ وبَركة، فَمَنِ احْتَجم فَيومُ الْأَحَدِ وَالْخَمِيسِ كَذَباك، أَوْ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ والثُّلاثاء» [مَعْنَى] «1» كَذَباك أَيْ عَلَيْكَ بِهِمَا. يَعْنِي اليَومين الْمَذْكُورَيْنِ.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: «هَذِهِ كَلِمَةٌ جَرَت مَجْرَى المَثَل فِي كَلَامِهِمْ، وَلِذَلِكَ لَمْ تَتَصَرَّف ولَزِمَت طَرِيقَةً وَاحِدَةً، فِي كَوْنِهَا فِعلاً ماضِياً مُعَلَّقاً بالمُخاطَب [وحْدَه] «2» وَهِيَ فِي مَعْنَى الأمْر، كَقَوْلِهِمْ فِي الدُّعَاءِ:
رَحِمَكَ اللَّهُ: [أَيْ لِيَرْحَمْكَ اللَّهُ] «3» وَالْمُرَادُ بالكَذب التَّرغيب والبَعْث، مِنْ قَوْلِ العَرب: كَذَبْته نَفْسُه إِذَا مَنَّتْه الْأَمَانِيَّ، وخَيَّلت إِلَيْهِ مِنَ الْآمَالِ مَا لَا يَكَادُ يَكُونُ. وَذَلِكَ ممَّا «4» يُرَغَّب الرجلَ فِي الْأُمُورِ، ويَبْعثه عَلَى التَّعَرّض لَهَا. وَيَقُولُونَ فِي عكْسِه»
: صَدَقَتْه نفِسُه، [إِذَا ثَبَطَتْه] «6» وخَيَّلَت إِلَيْهِ العَجْز «7» والكَدّ «8» فِي الطَّلَب. وَمِنْ ثَمَّ «9» قَالُوا للنَّفْس: الكَذُوب» .
فَمَعْنَى قَوْلِهِ «10» «كَذَبَاك» : أَيْ ليَكْذِباك وليُنَشِّطاك ويَبْعَثاك عَلَى الفِعْل.
وَقَدْ أطْنَب فِيهِ الزمخشريُّ وَأَطَالَ. وَكَانَ هَذَا خُلاصةَ قَوْلِهِ.
وَقَالَ ابْنُ السِّكيِّت: كَأَنَّ «كَذَب» هَاهُنَا إغْراء: أَيْ عَلَيْكَ بِهَذَا الْأَمْرِ «11» ، وَهِيَ كَلِمَةٌ نادِرة جَاءَتْ عَلَى غَيْرِ الْقِيَاسِ.
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: «كَذَب قَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى وجَب» .
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: كَذَب عَلَيْكَ، أي وَجَب عليك.
__________
(1) زيادة من ا، واللسان.
(2) مكان هذا في الفائق 2/ 402 «ليس إلاّ» .
(3) ليس في الفائق.
(4) في الفائق «ما» .
(5) في الفائق: «في عكس ذلك» .
(6) تكملة من الفائق.
(7) في الفائق: «المَعْجَزة» .
(8) في الفائق: «والنَّكَدَ» . وكأنه أشبه.
(9) في الفائق: «ومن ثَمَّت» .
(10) انظر الفائق، لترى تصرف ابن الأثير في النقل عن الزمخشري.
(11) في الصحاح: «أي عليكم به» .(4/157)
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «كَذَب عَلَيْكُمُ الحجُّ، كَذَب عَلَيْكُمُ العُمْرةُ، كَذَب عَلَيْكُمُ الجهادُ، ثَلَاثَةُ أسْفار كَذَبْنَ عَلَيْكُمْ» مَعْنَاهُ الإغْراء: أَيْ عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ.
وَكَانَ وجْهُه النَّصْب عَلَى الإغْراء، وَلَكِنَّهُ جَاءَ شَاذًّا مَرْفُوعًا.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: إنْ قِيلَ: لَا حَجَّ عَلَيْكُمْ، فَهُوَ كَذِب.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: وَجَبَ عَلَيْكُمُ الحجُّ.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ الحثُّ والحضُّ. يَقُولُ: إِنَّ الحجَّ ظَنَّ بِكُمْ حِرْصاً عَلَيْهِ ورَغبة فِيهِ، فكَذَب ظَنُّهُ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مَعْنَى «كَذَبَ عَلَيْكُمُ الحجُّ» عَلَى كَلَامَيْنِ «1» ، كَأَنَّهُ قَالَ: كَذَب الحجُّ، عَلَيْكَ الْحَجَّ: أَيْ ليرغِّبك الحجُّ، هُوَ وَاجِبٌ عَلَيْكَ، فأضْمر الْأَوَّلَ لِدَلَالَةِ الثَّانِي عَلَيْهِ. وَمَنْ نَصب الْحَجَّ فَقَدْ جَعل «عَلَيْكَ» اسْم فِعْلٍ، وَفِي كَذَبَ ضَمير الْحَجِّ.
وَقَالَ الْأَخْفَشُ: الْحَجُّ مَرْفُوعٌ بِكَذَبَ، وَمَعْنَاهُ نَصْب، لِأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يأمُره بِالْحَجِّ، كَمَا يُقَالُ:
أمْكَنك الصَّيْدُ، يُريد ارِمْه.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «شَكَا إِلَيْهِ عَمْرُو بْنُ مَعْدِيكَرِبَ أَوْ غيرُه النِّقْرِس، فَقَالَ:
كَذَبَتْك الظَّهائر» أَيْ عَلَيْكَ بالمَشْيِ فِيهَا.
والظَّهائر: جَمْعُ ظَهِيرة، وَهِيَ شِدَّةُ الْحَرِّ.
وَفِي رِوَايَةٍ «كَذَب عَلَيْكَ الظَّواهُر» ، جَمْعُ ظَاهِرَةٍ، وَهِيَ مَا ظَهَر مِنَ الْأَرْضِ وَارْتَفَعَ.
وَمِنْهُ حَدِيثُهُ الْآخَرُ «إِنَّ عَمْرَو بْنَ مَعْدِيكَرِبَ شَكا إِلَيْهِ الْمَعَص [فَقَالَ] «2» كَذَبَ عَلَيْكَ العَسَلُ» يُرِيدُ العَسلان، وَهُوَ مَشْي الذِّئب: أَيْ عَلَيْكَ بسُرعة المَشْي.
والمَعَصُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ: الْتِواء في عَصَب الرِّجْل.
__________
(1) الذي في الفائق: «وأما كذب عليك الحج. فله وجهان: أحدهما: أن يضمَّن معنى فعل يتعدى بحرف الاستعلاء، أو يكون على كلامين ... » الخ ما نقل ابن الأثير عنه.
(2) تكملة من ا، واللسان، والفائق 2/ 400.(4/158)
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «كَذَبَتْكَ الحارِقةُ» أَيْ عَلَيْكَ بِمِثْلِها. والحارِقة: الْمَرْأَةُ الَّتِي تَغْلِبها شَهوتُها. وَقِيلَ: الضَّيِّقة الفَرْج.
(س) وَفِي الْحَدِيثِ «صَدَق اللَّهُ وكَذَب بَطْنُ أَخِيكِ» اسْتُعْمِلَ الْكَذِبُ هَاهُنَا مَجازاً حَيْثُ هُوَ ضِدُّ الصِّدق. وَالْكَذِبُ مُخْتَصٌّ بالأقوال، فجَعل بَطْن أخيه حيْث لم يَنْجَع فِيهِ العَسل كَذِباً، لِأَنَّ اللَّهَ قَالَ: «فِيهِ شِفَاءٌ للِنَّاسِ» .
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ صَلَاةِ الوِتر «كَذِبَ أبُو محَمَّد» أَيْ أخْطَأ. سَمَّاه كَذِبا، لِأَنَّهُ يُشْبِهُه فِي كَوْنِهِ ضِدّ الصَّواب، كَمَا أَنَّ الكَذِب ضِد الصِّدق وَإن افْتَرقا مِنْ حَيْثُ النِّيَّة والقَصْد؛ لِأَنَّ الكاذِب يَعْلم أَنَّ مَا يَقُولُهُ كَذِب، والمُخْطِىء لاَ يَعلَم. وَهَذَا الرجُل لَيْسَ بِمُخْبِر، وَإِنَّمَا قَالَهُ باجتهادٍ أَدَّاهُ إِلَى أَنَّ الوِتْر واجِب، والاجْتِهاد لَا يَدْخُله الْكَذِبَ وَإِنَّمَا يَدْخله الخَطأ.
وَأَبُو مُحَمَّدٍ صَحابي. وَاسْمُهُ مَسْعود بْنُ زَيْد.
وَقَدِ اسْتَعملت العرَب الكَذب فِي مَوْضع الْخَطَأِ، قَالَ الْأَخْطَلُ:
كَذَبَتْك عَيْنُك أمْ رَأيتَ بِوَاسِطٍ ... غَلَسَ «1» الظَّلاَم مِنَ الرَّباَبِ خَيَالاَ
وَقَالَ ذُو الرُّمَّة «2» :
مَا فِي سَمْعِه كَذِب
وَمِنْهُ حَدِيثُ عُرْوة «قِيلَ لَهُ: إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُول: إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبِثَ بِمَكَّةَ بضْعَ عَشْرة سَنَة. فَقَالَ: كَذَبَ» أَيْ أخْطَأ.
وَمِنْهُ «قَوْلُ عُمَرَ لِسَمُرَة حِينَ قَالَ: المُغْمَي عَلَيْهِ يُصَلّي مَعَ كُلِّ صَلاَةٍ صَلاَةً حتى يَقْضِيَها، فقال: كَذَبْت، ولكنَّه يُصَلّيهِنّ مَعَاً» أَيْ أخْطَأت. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الزُّبَيْرِ «قَالَ يَوْمَ اليَرْمُوك: إِنْ شَدَدْت «3» عَلَيْهِمْ فَلَا تُكَذِّبوا» أي
__________
(1) في الأصل، ا: «مَلَس» والتصحيح من ديوانه 41، ومن اللسان أيضاً.
(2) ديوانه 21. والبيت بتمامه:
وقد توجَّس رَِكْزاً مُقْفِرٌ نَدُسٌ ... بِنَبْأةِ الصًّوْتِ ما في سمعِه كَذِبُ
(3) في الهروي: «إن شددتم» .(4/159)
فَلَا تَجْبُنُوا وتُوَلُّوا. يُقَالُ للرجُل إِذَا حَمل ثُمَّ وَلَّى: كَذَّب عَنْ قِرْنه، وحَمَل فماَ كَذَّب: أَيْ مَا انْصَرف عَنِ القِتال. والتَّكْذيب فِي القِتَال: ضِدُّ الصِّدق فِيهِ. يُقَالُ: صَدَق القِتَال إِذَا بَذَل فِيهِ الجِدَّ، وكَذَّب عَنْهُ إِذَا جَبُنَ.
(س) وَفِيهِ «لَا يَصْلُح الكَذِب إلاَّ فِي ثَلَاثٍ» قِيلَ: أَرَادَ بِهِ مَعَارِيضَ الْكَلَامِ الَّذِي هُوَ كَذِبٌ مِنْ حَيْث يَظُنُّه السَّامع، وصِدْقٌ مِنْ حَيْث يَقُولُهُ الْقَائِلُ.
كَقَوْلِهِ «إنَّ فِي المَعَاريضِ لَمنْدُوحَةً عَنِ الكَذِب» .
وَكَالْحَدِيثِ الآخَر «أنَّه كَانَ إِذَا أرادَ سفَراً وَرَّى بِغَيْرِهِ» .
(س) وَفِي حَدِيثِ الْمَسْعُودِيِّ «رَأَيْتُ فِي بَيْت القاسِم كَذَّابَتَيْن فِي السَّقْف» الكَذَّابة: ثَوْبٌ يُصَوَّر ويُلْزَق بسَقْف البَيْت. سُمِّيت بِهِ لأنَّها تُوهِم أنَّها فِي السَّقْف، وإنَّما هِيَ فِي الثَّوب دُونَه.
(كَذَنَ)
(س) فِي حَدِيثِ بِنَاء البَصرة «فوجدُوا هَذَا الكَذَّان، فَقَالُوا: مَا هَذِهِ البَصْرة» الكَذَّان والبَصْرة: حِجَارَةٌ رِخْوة إِلَى البياَض، وَهُوَ فَعَّال، وَالنُّونُ أصْلية. وَقِيلَ:
فَعْلاَن، وَالنُّونُ زَائِدَةٌ.
(كَذَا)
- فِيهِ «نَجِيء أَنَا وَأُمَّتِي يومَ الْقِيَامَةِ علَى كَذا وَكَذَا» هَكَذَا جَاءَ فِي صَحِيحِ مَسْلم، كأنَّ الراوِي شَكَّ فِي اللَّفْظِ، فكَنى عَنْهُ بكَذا وكَذا.
وَهِيَ مِنْ أَلْفَاظِ الْكِنَايَاتِ مِثْلُ كَيْتَ وذَيْت. وَمَعْنَاهُ: مِثْل ذَا. ويُكْنَى بِهَا عَنِ المَجْهُول، وعَمَّا لَا يُراد التَّصْرِيحُ بِهِ.
قَالَ أَبُو مُوسَى: الْمَحْفُوظُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ «نَجِيء أَنَا وَأُمَّتِي عَلَى كَوْم» أَوْ لَفْظ يُؤَدِّي هَذَا المْعنى.
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «كَذَاكَ لَا تَذْعَرُوا عَلَيْنَا إبِلَنا» أَيْ حَسْبُكم، وتَقْدِيره: دَعْ فِعْلَك وأمْرَك كَذَاكَ، وَالْكَافُ الأولَى والآخرِة زَائِدَتَانِ للتَّشْبيه وَالْخِطَابِ، والاسْم ذَا، واسْتَعْملوا الكَلِمَة كلَّها اسْتِعمال الاسْم الواحِد فِي غير هذا المعنى. يقال: رجل
أَيْ خَسِيس. واشْتَر لِي غُلاماً وَلَا تَشْتَرِه كَذَاكَ: أَيْ دّنِيئاً.(4/160)
وَقِيلَ: حَقِيقَةٌ كَذَاكَ: أَيْ مِثْل ذَاكَ. وَمَعْنَاهُ الْزَمْ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ وَلَا تَتَجاوَزه. وَالْكَافُ الْأُولَى مَنْصوبة الموْضع بالفِعل المُضْمَر.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ يَوْمَ بَدْرٍ «يَا نبيَّ اللهِ كَذَاكَ» أَيْ حَسْبُك الدُّعاء، «فإنَّ اللَّهَ مُنْجِزٌ لَكَ مَا وعَدَك» .
بَابُ الْكَافِ مَعَ الرَّاءِ
(كَرَبَ)
(هـ) فِيهِ «فَإِذَا اسْتَغْنَى أَوْ كَرَبَ اسْتَعَفَّ» كَرَبَ: بمَعْنَى دَنَا وقَرُب، فَهُوَ كَارِبٌ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ رُقَيْقة «أيْفَع الغُلاَمُ أوْ كَرَبَ» أَيْ قَارَب الإيفاَع.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي العاَلِية «الكَرُوبِيُّون سادَةُ الْمَلَائِكَةِ» هُمُ المُقَرَّبون. وَيُقَالُ لكُلّ حَيَوان وَثِيق المَفاصِل: إِنَّهُ لمُكْرَب الخَلْق، إِذَا كَانَ شَديدَ القُوى. وَالْأَوَّلُ أشْبَه.
(س) وَفِيهِ «كَانَ إِذَا أَتَاهُ الوَحْيُ كَرَبَ لَهُ» أَيْ اصابَه الكَرْبُ، فَهُوَ مَكْرُوب.
وَالَّذِي كَرَبَه كَارِبٌ.
(س) وَفِي صِفَة نَخْل الجَنَّة «كَرَبُها ذَهَبٌ» هُوَ بالتَّحريك أصْلُ السَّعَف. وَقِيلَ: مَا يَبْقى مِنْ أصُوله فِي النَّخْلة بَعْدَ القَطْع كالمَراقِي.
(كَرْبَسَ)
- فِي حَدِيثِ عُمَرَ «وَعَلَيْهِ قميصٌ مِنْ كَرَابِيسَ» هِيَ جَمْع كِرْباس، وهُو القُطْن.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ «فأصْبَح وقَد اعْتَمَّ بعِمامَةٍ كَرَابِيسَ سَوْدَاء» .
(كَرَثَ)
- فِي حَدِيثِ قُسّ «لَمْ يُخَلِّنا سُدىً مِنْ بَعْدِ عِيسَى واكْتَرَثَ» يُقَالُ:
مَا أَكْتَرِثُ بِهِ: أَيْ مَا أُبالِي. وَلَا تُسْتَعْمَل إلاَّ فِي النَّفْيِ. وَقَدْ جَاءَ هَاهُنَا فِي الإثْبات وَهُوَ شَاذٌّ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «فِي سَكْرَةٍ مُلْهِثَة وغَمْرَة كَارِثَة» أَيْ شَدِيدة شاقَّة. وكَرثَه الغَمُّ يَكْرِثُه، وأَكْرَثَه: أَيِ اشْتَدَّ عَلَيْهِ وبلَغ منه المَشَقَّة.(4/161)
(كَرَدَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ «لمَّا أرادُوا الدُّخُولَ عَلَيْهِ لِقَتْلِهِ جَعَلَ الْمُغِيرَةُ بْنُ الأخْنَس يحمِل عَلَيْهِمْ ويَكْرُدُهُم بسَيْفه «1» » أَيْ يكُفُّهم ويَطْرُدُهم.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحَسَنِ، وذكَر بَيْعَة العَقَبة «كَأَنَّ هَذَا المُتكَلّم كَرَدَ القَوْم. قَالَ:
لاَ وَاللَّهِ» أَيْ صَرَفَهم عَنْ رَأيهم ورَدّهم عَنْهُ.
(س [هـ] ) وَفِي حَدِيثِ مُعَاذٍ «قَدِم عَلَى أَبِي مُوسَى باليَمن وَعِنْدَهُ رجُل كَانَ يهُوديَّاً فأسْلَم، ثُمَّ تَهوّد، فَقَالَ: واللهِ لَا أقعْدُ حتَّى تَضْربُوا كَرْدَهُ» أَيْ عُنُقَه. وكَرَدَهُ: إِذَا ضَرَب كَرْدَه.
(كَرْدَسَ)
(هـ) فِي صِفَتِهِ عَلَيْهِ الصلاة والسلام «ضَخْم الكَرادِيس» هي رُؤوس العِظام، واحدُها: كُرْدُوس. وَقِيلَ: هِيَ مُلْتَقَى كُلِّ عَظْمِين ضَخْمَين، كالركْبَتَين، والمِرْفَقين، والمَنْكِبَين، أَرَادَ أَنَّهُ ضَخْم الْأَعْضَاءِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الصِّراط «وَمِنْهُمْ مُكَرْدَسٌ فِي النَّارِ» المكَرْدَس: الَّذِي جُمِعَتْ يَدَاهُ ورِجْلاه وأُلْقَي إِلَى مَوْضِعٍ.
(كَرَرَ)
- فِي حَدِيثِ سُهَيل بْنِ عَمْرٍو «حِينَ اسْتَهْداه النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ماءَ زَمْزَمَ فاسْتعانَت امْرَأته بأُثَيلَة، فَفَرتاَ مَزَادَتَين وجَعلَتاهما فِي كُرَّيْن غُوطِيَّيْن» الكُرُّ: جِنْسٌ مِنَ الثِّيَابِ الغِلاظ، قَالَهُ أَبُو مُوسَى.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ سِيرِينَ «إِذَا كَانَ المْاء قَدْرَ كُرٍّ لَمْ يَحْمِل القَذَر» وَفِي رِوَايَةٍ: «إِذَا بَلَغَ المَاء كُرّاً لَمْ يَحْمل نَجَساً» الكُرّ بِالْبَصْرَةِ: ستَّة أوْقَار.
وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الكُرّ: سِتون قفَيزاً. والقَفِيز: ثَمَانِيَةُ مَكاَكِيك. والمَكُّوك: صَاعٌ ونِصْف، فَهُوَ عَلَى هَذَا الحِساب اثْنَا عَشَر وَسْقاً، وكُلُّ وَسْق سِتُّون صَاعًا.
(كِرْزَن)
(هـ) فِي حَدِيثِ الْخَنْدَقِ «فأخَذَ الكِرْزِين فَحفر» الكِرْزِين: الفَأس.
وَيُقَالُ لَهُ: كِرْزَن أَيْضًا بِالْفَتْحِ والكسر «2» ، والجمْع: كَرَازِين وكَرَازِن.
__________
(1) رواية الهروي: «فحمل عليهم بسيفه، فَكَرَدهم. أي شلَّهم وطَرَدهم» .
(2) في القاموس: كجَعْفَر، وزِبْرِج، وقِنْدِيل.(4/162)
وَمِنْهُ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمة «مَا صَدّقْتُ بِمَوْتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سَمعْت وقْعَ الكَرَازِين» .
(كَرَّسَ)
(س) فِي حَدِيثِ الصِّرَاطِ فِي رِوَايَةِ «وَمِنْهُمْ مَكْرُوسٌ فِي النَّارِ» بَدل مُكَرْدَسٌ، وَهُوَ بمَعْناه.
والتَّكْرِيس: ضَمُّ الشَّيْءِ بَعْضه إِلَى بَعْضٍ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كِرْس الدَّمْنة، حَيْثُ تَقِف الدوابُّ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ «مَا أدْرِي مَا أصْنع بهذه الكرايِيس، وَقَدْ نَهى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُسْتَقْبَل «1» القِبلة بغائطٍ أَوْ بَوْل» يَعْنِي الكُنُف، وَاحِدُهَا: كِرْياس، وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ مُشْرِفًا عَلَى سَطْح بقَناة إِلَى الْأَرْضِ، فَإِذَا كَانَ أسفلَ فَلَيْسَ بكِرْياس، سُمّي بِهِ لِمَا يَعْلَق بِهِ مِنَ الْأَقْذَارِ ويَتَكَرَّس «2» عَلَيْهِ ككِرْس الدِّمْن «3» .
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: «وَفِي كِتَابِ الْعَيْنِ الكِرْناس بِالنُّونِ» .
(كَرْسَعَ)
- فِيهِ «فقَبَض عَلَى كُرْسُوعي» الكُرْسوع: طَرَف رَأْسِ الزَّنْدِ مِمَّا يَلِي الْخِنْصَرَ.
(كُرْسُفٌ)
- فِيهِ «إِنَّهُ كُفِّن فِي ثَلَاثَةِ أثوابٍ يَمانِيَّةٍ كُرْسُفٍ» الكُرْسُف: القُطْن.
وَقَدْ جَعله وصْفاً لِلثِّيَابِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُشْتَقّاً، كَقَوْلِهِمْ: مَرَرْتُ بِحَيَّةٍ ذِرَاع، وإبلٍ مائةٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ الْمُسْتَحَاضَةِ «أنْعتُ لكِ الكُرْسُف» وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(كَرَشَ)
[هـ] فِيهِ «الأنْصار كَرِشي وعَيْبَتِي» أَرَادَ أَنَّهُمْ بطانَته وَمَوْضِعُ سِرِّه وأمانَتِه، وَالَّذِينَ يَعْتَمد عَلَيْهِمْ فِي أُمُورِهِ، واسْتعار الكَرِش والعَيْبة لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ المُجْترَّ يجمَع عَلَفه فِي كَرِشه، والرجل يَضع ثيابه في عَيْبته.
__________
(1) في الأصل: «نَستقبل» والمثبت من ا، واللسان.
(2) في الأصل: «وتتكرس» والمثبت من ا، واللسان.
(3) الدِّمْن، وِزان حِمْل: ما يتلبَّد من السِّرْجِين. (المصباح) .(4/163)
وَقِيلَ: أَرَادَ بالكَرِش الْجَمَاعَةَ. أَيْ جَماعَتي وصَحابَتِي. وَيُقَالُ: عَلَيْهِ كَرِشٌ مِنَ النَّاسِ:
أَيْ جَمَاعَةٌ.
وَفِي حَدِيثِ الْحَسَنِ «فِي كلِّ ذاتِ كَرِش شَاةٌ» أَيْ كُلِّ مَا لَهُ مِنَ الصَّيْد كَرِش، كالظِّباء.
والأرانِب إِذَا أَصَابَهُ المُحْرِم فَفِي فِدائه شَاةٌ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الْحَجَّاجِ «لَوْ وَجَدْتُ إِلَى دَمِك فَا كَرِشٍ لشَرِبَتِ البَطْحاء مِنْكَ» أَيْ لَوْ وَجَدْتُ إِلَى دَمِك سَبِيلًا. وَهُوَ مَثَلٌ أصْلُه أنَّ قَوْمًا طَبَخُوا شَاةً فِي كَرِشها فَضَاقَ فَمُ الكَرِش عَنْ بَعْضِ الطَّعَامِ، فَقَالُوا للطَّبَّاخ: أدْخِلْه، فَقَالَ: إنْ وجَدْتُ فاَ كَرِشٍ.
(كَرَعَ)
- فِيهِ «أَنَّهُ دخَل عَلَى رجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي حَائِطِهِ، فَقَالَ: إِنْ كَانَ عِنْدَكَ ماءٌ بَاتَ فِي شَنّه وإلاَّ كَرَعْنَا» كَرَعَ الْمَاءَ يَكْرَع كَرْعاً إِذَا تَناولَه بِفِيهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْرب بكَفّه وَلَا بإناءٍ، كَمَا تَشْرب الْبَهَائِمُ، لِأَنَّهَا تُدْخِل فِيهِ أكارِعَها.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عِكْرِمَة «كَرِه الكَرْعَ فِي النَّهْر لِذَلِكَ» .
[هـ] وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّ رجُلاً سمِع قَائِلًا يَقُولُ فِي سَحابة: اسْقي «1» كَرَع فُلاَن» قَالَ الْهَرَوِيُّ:
أَرَادَ موضِعاً يَجْتَمع فِيهِ مَاءُ السَّمَاءِ فيَسْقِي صاحِبُه زَرْعَه، يُقَالُ: شَرِبَت الأبِلُ بالكَرَع، إِذَا شرِبت مِنْ مَاءِ الغَدير.
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: «الكَرَع بِالتَّحْرِيكِ: مَاءُ السَّمَاءِ يُكْرَع فِيهِ» .
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ «شَرِبْتُ عُنْفُوَان المَكْرَع» «2» أَيْ فِي أَوَّلِ الْمَاءِ. وَهُوَ مَفْعَل مِنَ الكَرْع، أَرَادَ أَنَّهُ عَزّ فشَرب صافِي الأمْر، وشَرِب غيرهُ الكّدِر.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ النَّجاشي «فَهَلْ يَنْطِقُ فِيكُمُ الكَرَع؟» تَفْسِيرُهُ فِي الْحَدِيثِ: الدَّنِيءُ النَّفْسِ «3» وَهُوَ مِنَ الكَرَع: الأوْظِفَة، وَلَا واحدَ لَهُ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «لَوْ أطاعَنا أَبُو بَكْرٍ فِيمَا أشَرْنا بِهِ عَلَيْهِ مِنْ تَرْكِ قِتال أَهْلِ الرِّدَّةِ لغَلَب عَلَى هَذَا الْأَمْرِ الكَرَعُ والأعرابُ» هُمُ السَّفِلة والطَّغَام من الناس.
__________
(1) في الأصل، وا، واللسان: «اسق» والمثبت من الهروي.
(2) فى الهروى: «الكرع» .
(3) زاد الهروى: «والمكان» .(4/164)
وَفِيهِ «خَرَجَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ حَتَّى بَلَغ كُرَاعَ الغَمِيم» هُوَ اسْمُ مَوْضِعٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ.
والكُراع: جَانِبٌ مُسْتطيل مِنَ الحَرّة تَشْبِيهًا بالكُراع، وَهُوَ مَا دُونَ الرُّكْبة مِنَ السَّاقِ.
والغَمِيم بِالْفَتْحِ: وادٍ بِالْحِجَازِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ «عِنْدَ كُراع هَرْشَي» هَرْشَي: مَوْضِعٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وكُرَاعُها:
مَا اسْتطال مِنْ حَرَّتِها.
(س) وفي حديث ابن مسعود «كانوا لا يحسبون إلاَّ الكُرَاعَ وَالسِّلَاحَ» الكُراع:
اسْمٌ لِجَمِيعِ الخيْل.
(س) وَفِي حَدِيثِ الْحَوْضِ «فبَدأ اللهُ بكُراع» أَيْ طَرَفٍ مِنْ مَاءِ الْجَنَّةِ، مُشَبَّه بالكُراع لِقِلَّته، وَأَنَّهُ كالكُراع مِنَ الدابَّة.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ النَّخَعِيّ «لَا بأسَ بالطَّلَب فِي أَكارِع الْأَرْضِ» وَفِي رِوَايَةٍ «كَانُوا يَكْرهون الطَّلَب فِي أَكارِع الْأَرْضِ» أَيْ فِي نَوَاحِيهَا وأطْرافها «1» ، تَشْبِيهًا بِأَكَارِعِ الشَّاةِ «2» .
والأَكارِع: جَمْع أَكْرُع، وأَكْرُع: جَمْعُ كُرَاع. وَإِنَّمَا جُمع عَلَى أَكْرُع وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالْمُؤَنَّثِ؛ لِأَنَّ الكُراع يُذَكَّر وَيُؤَنَّثُ. قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ.
(كَرْكَرَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ تَضَيَّفُوا أَبَا الهَيْثم، فَقَالَ لأمْرأته: مَا عِنْدَكِ؟ قَالَتْ: شَعِير، قَالَ: فكَرْكِرِي» أَيِ اطْحَنِي. والكَرْكَرَة: صوْت يُرَدَّدُه الْإِنْسَانُ فِي جَوْفه.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «وتُكَرْكِرُ حَبَّاتٍ من شعير» أي تَطْحَن.
__________
(1) في الهروي: «وأطرافها القاصية» .
(2) بعد هذا في الهروي زيادة: «وهي قوائمها. والأكارع من الناس: السَّفِلَة» .(4/165)
(س) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «لَّما قَدِم الشَّامَ وَكَانَ بِهَا الطَّاعُونُ فكَرْكَرَ عَنْ ذَلِكَ» أَيْ رَجَع.
وَقَدْ كَرْكَرْتُهُ عَنِّي كَرْكَرَةً، إِذَا دَفْعتَه وَردَدْته.
وَمِنْهُ حَدِيثُ كِنانة «تَكَرْكَر الناسُ عَنْهُ» .
وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ «مَن ضَحِك حَتَّى يُكَرْكِرَ فِي الصَّلَاةِ فليُعِد الوُضوء وَالصَّلَاةَ» الكَرْكَرة: شِبهْ القَهْقَهة فَوْقَ القَرْقَرة، وَلَعَلَّ الْكَافَ مُبْدَلةٌ مِنَ الْقَافِ لِقُرْب المَخْرَج.
وَفِيهِ «أَلَمْ تَرْوا إِلَى البَعير تَكُونُ بكِرْكِرَتِه نُكْتةٌ مِنْ جَرَب» هِيَ بِالْكَسْرِ: زَوْرُ البَعير الَّذِي إِذَا برَكَ أَصَابَ الْأَرْضَ، وَهِيَ ناتِئة عَنْ جِسْمه كالقُرْصَةِ، وجَمْعُها: كَراكِر.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «مَا أجْهَلُ عَنْ كَرَاكِرَ وأسْنِمَة» يُريد إحْضارَها للأكْل، فَإِنَّهَا مِنْ أَطَايِبِ مَا يُؤْكَلُ مِنَ الْإِبِلِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ الزُّبَيْرِ:
عَطاؤكم للضارِبين رِقابَكُمْ ... ونُدْعَى إِذَا مَا كَانَ حَزُّ الكَرَاكِرِ
هُوَ أَنْ يَكُونَ بالبَعير داءٌ فَلَا يَسْتوِي إِذَا بَرك، فيُسَلُّ مِنَ الكِرْكِرة عِرْقٌ ثُمَّ يُكْوَى.
يُريد إِنَّمَا تَدْعُونا إِذَا بَلَغَ مِنْكُمُ الجَهْدُ؛ لعِلْمِنا بالحَرب، وَعِنْدَ الْعَطَاءِ والدَّعَة غَيْرَنَا.
(كَرْكَمَ)
(هـ) فِيهِ «بَيْنَا هُوَ وَجِبْرِيلُ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَتحادثان تَغَيَّر وجْهُ جِبْرِيلَ حَتَّى عَادَ كَأَنَّهُ كُرْكُمة» هِيَ وَاحِدَةُ الكُرْكُم، وَهُوَ الزَّعْفَرَانُ. وَقِيلَ: العُصْفُر. وَقِيلَ: شَيْءٌ كالوَرْس. وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الْمِيمُ مَزِيدَةٌ، لِقَوْلِهِمْ لِلْأَحْمَرِ: كَرِكُ «1» .
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «حِينَ ذَكَرَ سعدَ بنَ مُعاذ، فَعَادَ لَونُه كالكُرْكُمَة» .
(كَرُمَ)
- فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى «الْكَرِيمُ» هُوَ الْجَوَادُ المُعْطى الَّذِي لَا يَنْفَذُ عَطاؤه. وَهُوَ الْكَرِيمُ المُطْلَق. وَالْكَرِيمُ الْجَامِعُ لِأَنْوَاعِ الْخَيْرِ والشَّرَف وَالْفَضَائِلِ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِنَّ الكريمَ ابنَ الكريمِ يوسُف بْنُ يَعْقُوب» لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ له شَرَفُ
__________
(1) ضبط في الأصل: «كُرْك» بالضم والسكون. قال في القاموس (كرك) : «وكَكَتِف: الأحمر» .(4/166)
النُّبوّة، وَالْعِلْمِ، وَالْجَمَالِ، والعِفَّة، وكَرَم الْأَخْلَاقِ، والعَدْل، وَرِئَاسَةِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ. فَهُوَ نَبيٌّ ابْنُ نَبِيِّ ابْنِ نَبِيِّ ابْنِ نَبِيِّ، رَابِعُ أَرْبَعَةٍ فِي النُّبوّة.
(س [هـ] ) وَفِيهِ «لَا تُسَمُّوا العِنَبَ الكَرْمَ «1» ، فَإِنَّمَا الكَرْمُ الرجُل المُسْلِم» قِيلَ: سُمّي الكَرْمُ كَرْماً؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ المُتَّخَذَة مِنْهُ تَحُثّ عَلَى السَّخاء والكَرَم، فاشْتَقُّوا لَهُ مِنْهُ اسْماً، فكَرِه أَنْ يُسَمَّى بَاسِمٍ مأخوذٍ مِنَ الكَرَم، وجَعل الْمُؤْمِنَ أَوْلَى بِهِ.
يُقَالُ: رجُلٌ كَرَمٌ: أَيْ كَرِيم، وَصْفٌ بِالْمَصْدَرِ، كرجُلٍ عَدْل وضَيف.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَرَادَ أَنْ يُقَرّر ويُسَدّد «2» مَا فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ»
بِطَرِيقَةٍ أنيِقة ومَسْلكٍ لَطِيفٍ، وَلَيْسَ الغَرض حَقِيقَةَ النَّهْي عَنْ تَسْمِية العِنَب كَرْما، وَلَكِنِ الْإِشَارَةُ إِلَى أنَّ المُسلم التَّقِيَّ جديرٌ بِأَلَّا يُشَارَك فِيمَا سَمَّاه اللَّهُ بِهِ.
وَقَوْلُهُ «فَإِنَّمَا الكَرْم الرجُل المُسْلم» أَيْ إِنَّمَا المُسْتَحِقُّ لِلِاسْمِ المُشْتَق مِنَ الكَرَم الرجُلُ المُسْلم.
(هـ) وَفِيهِ «أَنَّ رجلا أهدى له رواية خَمْر، فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ حَرَّمَها، فَقَالَ الرجُل:
أَفَلَا أُكَارِم بِهَا يَهُودَ» المُكَارَمَة: أَنْ تُهْدِي لإنْسانٍ شَيْئًا ليُكافِئَك عَلَيْهِ، وَهِيَ مُفاَعَلة مِنَ الكَرَم.
(هـ) وَفِيهِ «إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: إِذَا أخَذْتُ مِنْ عَبْدي كَرِيمَتَيْه فصَبَر لَمْ ارْضَ لَهُ ثَوَابًا دُونَ الْجَنَّةِ» ويُرْوَى «كَرِيمَتَه» يُريد عَيْنَيْه: أَيْ جارِحَتَيْه الكَرِيمَتَين عَلَيْهِ. وكلُّ شَيْءٍ يَكْرُم عَلَيْكَ فَهُوَ كَرِيمُكَ وكَرِيمتك.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ أَكْرَمَ جَرير بْنَ عَبْدِ اللَّهِ لمَّا وَرَدَ عَلَيْهِ؛ فبَسَط لَهُ رِدَاءه وعَمَّمه بِيَدِهِ، وَقَالَ: إِذَا أَتَاكُمْ كَرِيمة قومٍ فأَكْرِموه» أَيْ كَرِيم قَوْم وشَرِيفهم. والهَاء للمُباَلَغة.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الزَّكَاةِ «واتَّقِ كَرَائمَ أمْوالهم» أَيْ نَفَائسَها الَّتِي تتعلَّق بِهَا نَفْسُ مالِكها ويَخْتَصُّها لَهَا، حَيْثُ هِيَ جامِعَةٌ لِلْكَمال المُمْكِن فِي حَقِّها. وواحِدتُها: كَرِيمة.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «وغَزْوٌ تُنْفَقُ فِيهِ الكريمة» أي العَزيِزة على صاحبها.
__________
(1) في الهروي: «كَرْماً» .
(2) في الفائق 2/ 407: «ويشدِّد» .(4/167)
(هـ) وَفِيهِ «خَيْرُ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ مُؤمِنٌ بَيْن كَرِيمَيْن» أَيْ بَيْن أبَويْن مُؤمِنَين.
وَقِيلَ: بَيْنَ أبٍ مُؤمن، هُوَ أصْلُه، وَابْنٍ مُؤمن، هُوَ فَرْعه، فَهُوَ بَيْن مُؤمِنَين هُما طَرَفَاه، وَهُوَ مُؤْمِنٌ «1» .
وَالْكَرِيمُ: الَّذِي كَرَّم نَفْسَه عَنِ التَّدَنُّس بِشَيْءٍ مِنْ مُخَالفَة ربِّه.
(س) وَفِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْع «كَرِيم الخِلّ، لَا تُخَادِن أحَداً فِي السِّر» أطْلَقت كَرِيما عَلَى الْمَرْأَةِ، وَلَمْ تُقل كَرِيمة الخِلِّ، ذَهَاباً بِهِ إِلَى الشَّخْص.
(س) وَفِيهِ «وَلَا يُجْلَس عَلى تَكْرِمَتِه إلاَّ بِإِذْنِهِ» التَّكْرِمَة: الموضِع الخاصُّ لِجُلوس الرجُل مِنْ فِراش أَوْ سَرير ممَّا يُعَدّ لإِكْرَامِهِ، وَهِيَ تَفْعِلة مِنَ الكَرامة.
(كَرَنَ)
(س) فِي حَدِيثِ حَمْزَةَ «فَغَنَّتْه الكَرِينَةُ» أَيِ المُغَنِّيَة الضاربةُ بالكِرَان، وَهُوَ الصَّنْج. وَقِيلَ: العُود، والكَنَّارَة نَحْوٌ مِنْهُ.
(كَرْنَفَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ الوَاقمِي «وَقَدْ ضافَه رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَى بقِرْبَتِه نَخْلَةً فعَلقها بكُرْنَافَة «2» » هِيَ أَصْلُ السَّعَفَة الغَليظة. والجْمع: الكَرَانِيف.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ أَبِي الزِّناد «وَلَا كِرْنَافَة وَلَا سَعَفَة» .
وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ «إلاَّ بُعِثَ عَلَيْهِ يومَ الْقِيَامَةِ سَعَفُها وكَرَانِيفُها أشاَجعَ تَنْهَشُه» .
(هـ) وَحَدِيثُ الزُّهْرِي «والقُرآن فِي الكَرَانيف «3» » يَعْنِي أَنَّهُ كَانَ مَكْتُوبًا عَلَيْهَا قَبْلَ جَمْعه فِي الصُّحف.
(كَرِهَ)
(س) فِيهِ «إسْباغ الْوُضُوءِ عَلَى المكارِه» هِيَ جَمْعُ مَكْرَه، وَهُوَ مَا يكرَهُه الْإِنْسَانُ ويَشُقُّ عَلَيْهِ، والكُرْه بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ: الْمَشَّقة.
وَالْمَعْنَى أَنْ يَتَوَضَّأ مَعَ البَرْد الشَّدِيدِ والعِلَل الَّتِي يَتَأذَّى مَعَهَا بِمَسّ الماء، ومع إعْوَازِه والحاجَة
__________
(1) الذي في الهروي في شرح هذا الحديث: «وقال بعضهم: هما الحج والجهاد. وقيل: بين فرسين يغزو عليهما. وقيل: بين أبوين مؤمنين كريمين. وقال أبو بكر: هذا هو القول؛ لأن الحديث يدل عليه، ولأن الكريمين لا يكونان فرسين ولا بعيرين إلا بدليل في الكلام يدل عليه» .
(2) بالكسر والضم، كما في القاموس.
(3) في الهروي: «فى كرانيف» .(4/168)
إِلَى طَلَبه، والسَّعي فِي تَحْصِيله، أَوِ ابْتِياعه بِالثَّمَنِ الْغَالِي، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْبَابِ الشَّاقَّة.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عُبادة «بايَعت رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى المَنْشَطِ والمَكْرَه» يَعْني المَحْبوب والمَكْرُوه، وَهُمَا مَصْدَران.
(س) وَفِي حَدِيثِ الْأُضْحِيَّةِ «هَذَا يَومٌ اللَّحْمُ فِيهِ مَكْرُوه» يَعْنِي أنَّ طَلَبه فِي هَذَا الْيَوْمِ شاقٌ. كَذَا قَالَ أَبُو مُوسَى.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أنَّ هَذَا يَوْمٌ يُكْرَه فِيهِ ذَبح شاةٍ للَّحْم خَاصَّةً، إِنَّمَا تُذْبح للنُّسْك، وَلَيْسَ عِنْدِي إلاَّ شَاةُ لَحْم لا تُجْزِيء عَنِ النُّسُك.
هَكَذَا جَاءَ فِي مُسْلِمٍ «اللحمُ فِيهِ مَكْرُوهٌ» وَالَّذِي جَاءَ فِي الْبُخَارِيِّ «هَذَا يَوْمٌ يُشْتَهَى «1» فِيهِ اللَّحْمُ» وَهُوَ ظَاهِرٌ.
وَفِيهِ «خَلَقَ المَكْرُوه يَوْمَ الثُّلاثاء، وخَلَقَ النُّور يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ» أَرَادَ بِالْمَكْرُوهِ هَاهُنَا الشرَّ، لِقَوْلِهِ «وخَلَق النُّور يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ» ، والنورُ خيرٌ، وَإِنَّمَا سُمّي الشَّر مَكْرُوهًا؛ لِأَنَّهُ ضِدُّ الْمَحْبُوبِ.
وَفِي حَدِيثِ الرُّؤْيَا «رجُلٌ كَرِيه المَرْآة» أَيْ قَبِيحُ المَنْظَر، فعِيل بِمَعْنَى مَفْعُولٍ.
والمَرْآة: المَرأى.
(كَرَا)
(س) فِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ «أَنَّهَا خَرَجَتْ تُعَزَّي قَوْماً فَلَمَّا انْصَرَفَت قَالَ لَهَا:
لعَلَّكِ بلغْتِ مَعَهُمُ الكُرا، قَالَتْ: مَعاذ اللَّهِ» هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ بِالرَّاءِ، وَهِيَ القُبور، جَمْعُ كُرْيَة أَوْ كُرْوة، مِنْ كَرَيْتُ الْأَرْضَ وكَرَوْتُها إِذَا حَفَرْتَها. كالحُفْرة مِنْ حفَرتُ. ويُرْوَى بِالدَّالِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ.
(س هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّ الْأَنْصَارَ سَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَهْرٍ يَكْرُونه لَهُمْ سَيْحاً» أَيْ يَحْفِرونه ويُخْرِجون طِينَه.
__________
(1) ضبط في الأصل، ا: «يوم يُشتهى» وضبطته بالتنوين من صحيح البخاري (باب الأكل يوم النحر، من كتاب العيدين) . وانظر أيضاً البخاري (باب ما يشتهى من اللحم يوم النحر، من كتاب الأضاحى» وانظر لرواية مسلم. صحيحه الحديث الخامس، من كتاب الأضاحى) .(4/169)
(هـ) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «كُنَّا عِنْدَ النبيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذاتَ ليلة فأَكْرَيْنا فِي الْحَدِيثِ» أَيْ أَطَلْنَاهُ وَأَخَّرْنَاهُ.
وأَكْرَى مِنَ الْأَضْدَادِ، يُقَالُ: إِذَا أَطَالَ وقَصَّر «1» ، وزادَ ونَقص.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ امْرَأَةً مُحْرِمة سَأَلَتْهُ فَقَالَتْ: أشَرْتُ إِلَى أرْنَبٍ فرمَاها الكَرِيُّ» الكَرِيُّ بِوَزْنِ الصَّبي: الَّذِي يُكْرِي دابَّته، فَعيل بِمَعْنَى مُفْعَل. يُقَالُ: أَكْرَى دابَّته فَهُوَ مُكْرٍ، وكَرِيّ.
وَقَدْ يَقَعُ عَلَى المُكْتَرِي، فَعيل بِمَعْنَى مُفْتَعِل. وَالْمُرَادُ الْأَوَّلُ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي السَّلِيل «2» «الناسُ يَزْعُمون أنَّ الكَرِيَّ لَا حَجَّ لَهُ» .
(س) وَفِيهِ «أَنَّهُ أدْرَكه الكَرَى» أَيِ النَّوْمُ. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
بَابُ الْكَافِ مَعَ الزَّايِ
(كَزَزَ)
(س) فِيهِ «أنَّ رَجلاً اغْتَسل فكَزَّ فَمَاتَ» الكُزازُ: داءٌ يَتَولد مِنْ شِدَّةِ الْبَرْدِ. وَقِيلَ: هُوَ نَفْسُ البْرد. وَقَدْ كَزَّ يَكِزُّ كَزّاً.
(كَزَمَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ كَانَ يَتَعوّذ مِنَ الكَزَم والقَزَم» الكَزَم بِالتَّحْرِيكِ: شِدّة الْأَكْلِ، وَالْمَصْدَرُ سَاكِنٌ. وَقَدْ كَزَمَ الشيءَ بِفِيهِ يَكْزِمُه كَزْما، إِذَا كَسَرَهُ وضَم فَمَهُ عَلَيْهِ.
وَقِيلَ: هُوَ البُخْل، مِنْ قَوْلِهِمْ: هُوَ أَكْزَمُ البَنانِ: أَيْ قَصيرها، كَمَا يُقَالُ: جَعْد الكَفّ.
وَقِيلَ: هُوَ أنْ يُرِيد الرجُل المعروفَ أَوِ الصَّدَقة وَلَا يَقْدِر عَلَى دِينار وَلَا دِرْهم.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَمْ يَكُنْ بالكَزِّ وَلَا المُنْكَزِم» فالكَزُّ: المُعَبِّس فِي وُجُوهِ السَّائِلِينَ، والمُنْكَزِم: الصَّغِيرُ الكَفِّ، الصَّغِيرُ القَدَم.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «وذَكَر رجُلاً يُذَمُّ فَقَالَ: إنْ أُفِيضَ فِي خيرٍ كَزَم وضَعُف واسْتَسْلم» أَيْ إنْ تَكَلَّم الناسُ فِي خيرٍ سَكَت فَلَمْ يُفِضْ مَعَهُمْ فِيهِ، كَأَنَّهُ ضَمَّ فاه فلم ينطق.
__________
(1) في الأصل: «إذا طال وقَصُر» وفي اللسان: «يقال: أكرى الشيءُ، يُكري: إذا طال وقَصُر» وما أثبتُّ من ا، والهروي.
(2) انظر القاموس (سلل) .(4/170)
بَابُ الْكَافِ مَعَ السِّينِ
(كَسَبَ)
- فِيهِ «أطْيَبُ مَا يأكلُ الرَّجلُ مِنْ كَسْبِه، وَوَلَدُه مِن كَسْبِه» إِنَّمَا جَعل الْوَلَدَ كَسْباً لأنَّ الْوَالِدَ طَلبه وسَعى فِي تَحْصِيله.
والكَسْب: الطَّلَب، والسَّعْي فِي طَلَبِ الرِّزْقِ وَالْمَعِيشَةِ. وَأَرَادَ بِالطَّيِّبِ هَاهُنَا الْحَلَالَ.
ونَفَقةُ الوَالدين عَلَى الوَلد واجِبة إِذَا كَانَا مُحْتاجَيْن، عاجِزَين عَنِ السَّعي، عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وغيرُه لَا يَشْترِط ذَلِكَ.
وَفِي حَدِيثِ خَدِيجَةَ «إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِم، وتَحْمِل الكَلَّ وتُكْسِبُ المَعْدومَ» يُقَالُ: كَسَبْتُ مَالًا وكَسَبْتُ زَيْدًا مَالًا، وأَكْسَبْتُ زَيْداً مَالًا: أَيْ أعَنْتُه عَلَى كَسْبِه، أَوْ جَعَلْتُه يَكْسِبُه.
فإنْ كَانَ ذَلِكَ مِن الْأَوَّلِ، فتُرِيد أَنَّكَ تَصِل إِلَى كُلِّ مَعْدوم وتَنَالُه فلا يتعذر لعبده عَلَيْكَ.
وَإِنْ جَعَلْتَه مُتَعَدِّياً إِلَى اثْنَيْنِ، فتُرِيد أنَّك تُعْطِي النَّاسَ الشَّيْءَ المعْدوم عِنْدهم وتُوصِلُه إِلَيْهِمْ.
وَهَذَا أوْلَى القَوْلَين؛ لِأَنَّهُ أشْبَه بِمَا قَبْلَهُ فِي بَابِ التَّفَضُّل والإنْعام، إِذْ لَا إِنْعَام فِي أَنْ يَكْسِب هُوَ لِنَفْسه مَالًا كَانَ مَعْدُوماً عِنْدَهُ، وَإِنَّمَا الأنْعامُ أَنْ يُوليَه غيرَه. وَبَابُ الحَظِّ والسَّعادة فِي الاكْتِساب غَيْرُ بَابِ التَّفَضُّل والإِنْعام.
وَفِيهِ «أَنَّهُ نَهى عَنْ كَسْب الْإِمَاءِ» هَكَذَا جَاءَ مُطْلقاً فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَفِي رِوَايَةِ رَافِعِ بْنِ خَديج مُقَيَّداً «حَتَّى يُعْلَم مِنْ أَيْنَ هُو» .
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى «إلاَّ مَا عَمِلَت بِيَدها» .
وَوَجْه الْإِطْلَاقِ أَنَّهُ كَانَ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ إمَاءٌ، عَلَيْهِنَّ ضَرَائِبُ يَخْدِمْنَ النَّاسَ، ويأخُذْنَ أجُورَهنّ، ويُؤدَّين ضَرائِبَهُنّ، ومَن تَكُونُ مُتَبَذِّلةً خَارِجَةً داخِلة وَعَلَيْهَا ضَرِيبَةٌ فَلَا تُؤْمِنُ أنْ تَبْدُوَ مِنْهَا زّلَّة، إِمَّا لِلِاسْتِزَادَةِ فِي المَعَاش، وَإِمَّا لِشَهْوة تَغْلِب، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ، والمَعْصوم قَلِيلٌ، فَنُهي عَنْ كَسْبِهنّ مُطْلقاً تَنَزُّهًا عَنْهُ.(4/171)
هَذَا إِذَا كَانَ لِلْأَمَةِ وَجْه مَعْلوم تَكْسِب مِنْهُ، فَكَيْفَ إِذَا لَمْ يكُن لَهَا وَجْهٌ مَعْلوم؟
(كَسَتَ)
(س) فِي حَدِيثِ غُسْل الْحَيْضِ «نُبْذَة مِنْ كُسْتِ أظْفارٍ» هُوَ القُسْط الهِندي، عَقَّار مَعْروف.
وَفِي رِوَايَةٍ «كُسْط» بالطَّاء، وهُو هُوَ. والكَاف وَالْقَافُ يُبْدل أحدُهُما مِنَ الْآخَرِ.
(كَسَحَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «وسُئل عَنْ مَالِ الصًّدَقة فَقَالَ: إِنَّهَا شَرُّ مالٍ، إنَّما هِيَ مالُ الكُسْحَان والعُورَان» هِيَ جَمْع الأَكْسَح، وَهُوَ المُقْعَد.
وَقِيلَ: الكَسَح: دَاء يأخذُ فِي الأوْراك فتَضْعُف لَهُ الرجْلُ. وَقَدْ كَسِحَ الرجُل كَسَحاً إِذَا ثَقُلَت إحْدى رِجْلَيه فِي المَشْي، فَإِذَا مَشَى كَأَنَّهُ يَكْسَحُ الْأَرْضَ، أَيْ يَكْنُسُها.
(س) وَمِنْهُ حدِيث قَتَادَةَ «فِي قَوْلِهِ تعالى: «وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ» أَيْ جَعَلْناهُم كُسْحاً» يَعْنِي مُقْعَدِين، جَمْع أَكْسَح، كأحْمَر وحُمْر.
(كَسَرَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ أُمِّ مَعْبَد «فَنَظَر إِلَى شاةٍ فيِ كَسْر الخَيمة» أَيْ جَانِبِهَا، ولكُلِّ بيْتٍ كَسْرَانِ، عَنْ يَمين وشِمال، وتُفْتَح الْكَافُ وتُكْسَر.
(س) وَفِي حَدِيثِ الْأَضَاحِي «لَا يَجُوز فِيهَا الكَسِيرُ البَيِنّةُ الكَسْر» أَيِ المُنْكَسِرة الرِّجْل الَّتِي لَا تَقْدر عَلَى المْشي، فَعِيل بِمَعْنَى مَفعول.
(س) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «لَا يَزال أحَدُهم كَاسِرا وِسَادَه عِنْدَ امْرأةٍ مُغْزِية يَتحَدّث إِلَيْهَا» أَيْ يَثْنِي وِسَادَة عندها ويَتَّكِىء عَلَيْهِ ويأخُذ معَها فِي الْحَدِيثِ. والمُغْزِيَة: الَّتِي قَدْ غَزَا زَوْجُها.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ النُّعمان «كَأَنَّهَا جَناحُ عُقَابٍ كاسِر» هِيَ الَّتِي تَكْسِر جناحيها وتضمّها إِذَا أَرَادَتِ السُّقوط.
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «قَالَ سَعْدُ بْنُ الْأَخْرَمِ: أَتْيتُه وَهُوَ يُطْعم الناسَ مِنْ كُسُور إِبِلٍ» أَيْ أعْضائها، واحِدها: كَسْر، بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ.
وَقِيلَ: هُوَ العَظْم الَّذِي لَيْسَ عَلَيْهِ كبيرُ لًحْم.
وَقِيلَ: إنَّما يُقَالُ لَهُ ذَلِكَ إِذَا كَانَ مَكْسُورا.(4/172)
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُهُ الْآخَرُ «فَدعا بخُبْزٍ يابسٍ وأَكْسَارِ بَعِير» أَكْسَار: جَمْع قِلَّة للكَسْر، وكُسُور: جَمْع كَثْرة.
(هـ) وَفِيهِ «العَجين قَدِ انْكَسَرَ» أَيْ لاَنَ واخْتَمر. وكُلُّ شَيْءٍ فَتَرَ فَقَد انْكَسَر.
يُرِيدُ أنَّهَ صَلُح لِأَنْ يُخبَز.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «بِسَوْطٍ مَكْسُور» أَيْ لَيِّن ضَعيف.
وَفِيهِ ذكْر «كِسْرَى» كَثِيرًا، وَهُوَ بكسْر الْكَافِ وَفَتْحِهَا: لَقب مُلوك الفُرْس، والنَّسَب إِلَيْهِ: كِسْرَوِيٌّ، وكِسْرَوَانِيٌّ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ.
(كَسَعَ)
(هـ) فِيهِ «لَيْسَ فِي الكُسْعَة صَدَقة» الكُسْعَة بِالضَّمِّ: الحَمِير. وَقِيلَ:
الرَّقيق، مِنَ الكَسْع: وَهُوَ ضَرْب الدُّبُرِ.
وَفِي حَدِيثِ الْحُدَيْبِيَةِ «وعَليٌّ يَكْسَعُها بِقَائِمِ السَّيف» أَيْ يَضْرِبُها مِنْ أسْفَل.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ «أنَّ رجُلاً كَسَعَ رجُلاً مِنَ الْأَنْصَارِ» أَيْ ضَرَب دُبُرَه بيَده.
(هـ س) وَمِنْهُ حَدِيثُ طَلْحَةَ يَوْمَ أحُد «فَضَربتُ عُرْقُوب فَرسه فاكْتَسَعَتْ «1» بِهِ» أَيْ سَقَطت مِنْ ناحِية مُؤخَّرها وَرَمت بِهِ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ «فلمَّا تَكَسَّعوا فِيهَا» أَيْ تَأخَّرُوا عَنْ جَوابها وَلَمْ يَردُّوه.
وَفِي حَدِيثِ طَلحة وَأَمْرِ عُثْمَانِ «قَالَ: نَدِمْتُ نَدَامَة الكُسَعِيّ، اللَّهُمَّ خُذْ مِنِّي لِعُثْمَانَ حَتَّى تَرضى» الكُسَعِيُّ: اسْمُهُ مُحارِب بْنُ قَيْس، مِنْ بَني كُسَيْعة، أَوْ بَنِي الكُسَع: بَطْن مِنْ حِمْيَر»
، يُضْرَب بِهِ المَثَل فِي النَّدامةِ، وَذَلِكَ أنَّه أَصَابَ نَبْعَة، فاتخَذَ منها قَوساً. وكان رامِياً مُجِيداً
__________
(1) رواية الهروي: «فأضرِبُ عرقوب فرسه حتى اكتسعتْ» .
(2) جاء في القاموس (كسع) : «وكَصُرَد: حيٌّ باليمن، أو من بني ثعلبة بن سعد بن قيسِ عَيْلان. ومنه غامِد بن الحارِث الكُسَعِيّ الذي اتخذ قوساً وخمسة أسهم ... الخ» .(4/173)
لا يَكاَد يُخْطىء، فَرَمى عَنْهَا عَيْراً لَيْلاً فَنَفَذ السَّهْمُ مِنْهُ وَوقع فِي حَجَر فأوْرَى نَارًا، فظَنَّه لَمْ يُصِبْ فَكَسَرَ الْقَوْسَ.
وَقِيلَ: قَطَعَ إِصْبَعَهُ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ قَدْ أخْطأ، فلمَّا أَصْبَحَ رَأَى العَيْرَ مُجدَّلاً فنَدم، فضُرب بِهِ المَثل.
(كَسَفَ)
(هـ) قَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ «الكُسوف والخُسوف، لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ» فروَاه جَمَاعَةٌ فِيهِمَا بِالْكَافِ، وَرَوَاهُ جَماعة فِيهِمَا بِالْخَاءِ، ورَواه جَمَاعَةٌ فِي الشَّمْسِ بِالْكَافِ وَفِي القَمَر بِالْخَاءِ، وكلُّهم رَوَوْا أنَّهما آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لَا يَنْكَسِفَان لَمِوت أحَدٍ، وَلَا لِحَيَاتِهِ.
وَالْكَثِيرُ فِي اللُّغة- وَهُوَ اخْتِيار الفَرَّاء- أَنْ يَكُونَ الكُسُوف لِلشَّمْسِ، وَالْخُسُوفُ للقَمَر. يُقَالُ:
كَسَفت الشمسُ، وكَسَفَها اللَّهُ وانْكَسَفَتْ. وخَسَف القَمَرُ وخَسَفَه اللَّهُ وانْخَسَف.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْخَاءِ أبْسَط مِنْ هَذَا.
وَفِيهِ «أَنَّهُ جَاءَ بثَرِيدَةِ كِسَف» أَيْ خُبْز مُكّسَّر، وَهِيَ جَمْعُ كِسْفَة. والكِسْف والكِسْفة: القِطْعة مِنَ الشَّيْءِ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي الدَّرْداء «قَالَ بَعْضُهُمْ: رأيتُه وَعَلَيْهِ كِساف» أَيْ قطْعة ثَوْبٍ، وَكَأَنَّهَا جَمْعُ كِسْفَة أَوْ كِسْف.
(س) وَفِيهِ «أنَّ صَفْوانَ كَسَف عُرقوب راحِلَته» أَيْ قَطَعه بالسَّيف.
(كَسْكَسَ)
- فِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ «تَيَاسَرُوا عَنْ كَسْكَسَة بَكْر» يَعْنِي إبْدالهم السِّين مِنْ كَافِ الخِطاب. يَقُولُونَ: أبُوسَِ وأمُّسَِ: أَيْ أبُوك وأمُّك.
وَقِيلَ: هُوَ خاصٌّ بمُخَاطبة المؤنَّث. وَمِنْهُمْ مَن يَدَع الْكَافَ بِحَالِهَا ويَزيد بعدَها سِيناً فِي الْوَقْفِ، فَيَقول: مَرَرْت بِكَسْ أَيْ بِكَ.
(كَسِلَ)
(هـ) فِيهِ «لَيْسَ فِي الإِكْسَال إلاَّ الطَّهورُ» أَكْسَل الرجُل: إِذَا جامَع ثُمَّ أدْرَكه فُتُور فَلَمْ يُنْزل. وَمَعْنَاهُ صارَ ذَا كَسل.
وَفِي كِتَابِ «العَيْن» : كَسِل الفَحْلُ إِذَا فَتَرَ عَنِ الضِّرَاب. وأنشد «1» :
__________
(1) للعجاج، كما في اللسان.(4/174)
أإنْ كَسِلْتُ والحصَانُ يَكْسَلُ «1»
ومَعْنى الْحَدِيثِ: لَيْسَ فِي الإِكْسَال غُسْلٌ، وَإِنَّمَا فِيهِ الْوُضُوءُ.
وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ رَأَى أنَّ الغُسْل لَا يَجِبُ إلاَّ مِنَ الْإِنْزَالِ، وَهُوَ مَنْسُوخٌ.
والطَّهور هَاهُنَا يُروَى بِالْفَتْحِ، ويُرادُ بِهِ التَّطَهُّر.
وَقَدْ أثْبَت سِيبَوَيْهِ الطَّهورَ والوَضُوء والوَقُود، بِالْفَتْحِ، فِي الْمَصَادِرِ.
(كَسَا)
(هـ) فِيهِ «ونِسَاء كاسِيَات عَارِيات» يُقَالُ: كَسِيَ، بِكَسْرِ السِّينِ، يَكْسَى، فَهُوَ كاسٍ: أَيْ صَارَ ذَا كُسْوة.
وَمِنْهُ قَوْلُهُ «2» :
واقْعُد فإنَّك أنتَ الطاعِمُ الكاسِي
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فاعِلاً بمعنى مفعول، من كَسَا يَكْسُو، ك ماءٍ دافِقٍ.
وَمَعْنَى الْحَدِيثِ: إنهنَّ كاسِيات مِنْ نِعَم اللَّهِ، عارِيات مِنَ الشُّكر.
وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يَكْشِفْن بعضَ جَسَدهِنّ ويَسْدِلْن الْخُمُر مِن وَرائهنّ، فَهُنَّ كاسِيات كَعَارِيَاتٍ.
وَقِيلَ: أَرَادَ أَنَّهُنَّ يَلْبَسْن ثِيَابًا رِقاقاً يَصِفْن مَا تَحْتَهَا مِنْ أجسامِهِنَّ، فهُنّ كاسِيات فِي الظَّاهِرِ عارِيات فِي الْمَعْنَى.
بَابُ الْكَافِ مَعَ الشِّينِ
(كَشَحَ)
(هـ) فِيهِ «أفضلُ الصَّدقة عَلَى ذِي الرَّحِم الكَاشِح» الكاشِح: العَدُوُّ الَّذِي يُضْمِر عَداوَته ويَطْوي عَلَيْهَا كَشْحَه: أَيْ باطِنَه. والكَشْح: الخَصْر، أَوِ الَّذِي يَطْوِي عنك كَشْحَه ولا يألفك.
__________
(1) في الأصل: «مُكْسِل» وأثبت ما في ا، واللسان. والضبط منه. وضبط في ا: «يُكْسَلُ» والفعل من باب «تَعِبَ» كما في المصباح.
(2) هو الحطيئة. ديوانه 284. وصدر البيت:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها(4/175)
وَفِي حَدِيثِ سَعْدٍ «إِنَّ أمِيَركُم هَذَا لأَهْضَمُ الكَشْحَين» أَيْ دَقِيقُ الخَصْرَين.
(كَشَرَ)
(س) فِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْداء «إنَّا لَنَكْشِرُ فِي وُجوه أقْوام» الكَشْر:
ظُهُورُ الْأَسْنَانِ للضَّحِك. وكاشَرَه: إِذَا ضَحِك فِي وجْهه وباسَطه. والاسْم الكِشْرة، كالعِشْرة.
وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(كَشَشَ)
- فِيهِ «كَانَتْ حَيَّة تَخْرُج مِنَ الْكَعْبَةِ لَا يَدْنو مِنْهَا أحدٌ إِلَّا كَشَّت وفَتَحَت فَاهَا» كشِيش الأفْعَى: صَوْت جِلْدِها إِذَا تَحَرَّكَتْ. وَقَدْ كَشَّت تَكِشُّ. وَلَيْسَ صَوتَ فَمِها، فإنَّ ذَلِكَ فَحِيحُها.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْكُمْ تَكِشُّون كَشِيشَ الضَّباب» .
وحَكى الْجَوْهَرِيُّ «1» : «إِذَا بَلَغ الذَّكَرُ مِنَ الإبِل الهَدِيرَ فَأَوَّلُهُ الكَشِيش، وَقَدْ كَشَّ يَكِشُّ» .
(كَشَطَ)
- فِي حَدِيثِ الِاسْتِسْقَاءِ «فتَكَشَّط السَّحابُ» أَيْ تَقَطَّع وتَفَرّق. والكَشْط والقَشْط سَوَاءٌ فِي الرَّفع وَالْإِزَالَةِ والقَلع والكَشْف.
(كَشَفَ)
(هـ) فِيهِ «لَوْ تَكَاشَفْتُم مَا تَدافَنْتم» أَيْ لَوْ عَلِم بعضُكم سَريرةَ بَعْضٍ لاسْتَثْقَل تَشييع جَنازته ودَفْنَه.
(س) وَفِي حَدِيثِ أَبِي الطُّفَيل «أَنَّهُ عَرَض لَهُ شابٌّ أحْمَرُ أَكْشَفُ» الأَكْشَف:
الَّذِي تَنْبُت لَهُ شَعَراتٌ فِي قُصاص ناصِيتَه ثائرةٌ، لَا تَكاد تَستَرْسِل، والعَرب تَتَشاءم بِهِ.
وَفِي قَصِيدِ كَعْبٍ:
زالُوا فَمَا زالَ أنْكاسٌ وَلَا كُشُفٌ
الكُشُفُ: جَمْع أَكْشَف. وَهُوَ الَّذِي لَا تُرْسَ مَعَهُ، كأنه مِنُكَشِف غير مَسْتور.
(كشكش)
(س) فِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ «تَياسَرُوا عَنْ كَشْكَشَةِ تَمِيم» أَيْ إبْدالِهم الشِّينَ مِنْ كَافِ الخِطاب مَعَ الْمُؤَنَّثِ، فَيَقُولُونَ: أبُوشِ وأمُّشِ. وَرُبَّمَا زادُوا عَلَى الْكَافِ شِيناً فِي الوَقْف، فَقَالُوا: مَررْت بِكش، كما تفعل بكر بالسين، وقد تقدّم.
__________
(1) عن الأصمعيّ.(4/176)
(كَشَى)
(هـ) فِي حَدِيثِ عُمَرَ «1» «أَنَّهُ وَضَع يَده فِي كُشْيَةِ ضَبٍّ وَقَالَ: إنَّ نَبِيَّ اللَّهِ لَمْ يُحَرِّمْه، وَلَكِنْ قَذِرَه» الكُشْيَة: شَحْم بَطْن الضَّبِّ. وَالْجَمْعُ: كُشًى. ووضْع اليَد فِيهِ كِناية عَنِ الأكْل مِنْهُ.
هَكَذَا رَوَاهُ القُتَيْبي فِي حَدِيثِ عُمَرَ.
وَالَّذِي جَاءَ فِي «غَرِيبِ الحَرْبي» عَنْ مُجَاهِدٍ «أنَّ رَجُلًا أهْدَى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَبّاً فقَذِرَه، فوَضع يدَه فِي كُشْيَتَيِ الضَّبِّ» . وَلَعَلَّهُ حَدِيثٌ آخَرُ.
بَابُ الْكَافِ مَعَ الظَّاءِ
(كَظَظَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ رُقَيقة «فاكْتَظَّ الوادِي بِثَجِيجه» أَيِ امْتَلأ بالمَطَر والسَّيل.
ويُرْوَى «كَظَّ الوادِي بِثَجِيجِه» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ عُتْبة بْنِ غَزْوَان فِي ذِكر بَابِ الْجَنَّةِ «ولَيَأتِينَّ عَلَيْهِ يومٌ وَهُوَ كَظِيظ» أَيْ مَمْتلِىء. والكَظِيظ: الزِّحام.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ «أهْدَى لَهُ إنْسَان جَوارِشَ، فَقَالَ: إِذَا كَظَّك الطَّعَامُ أخَذْتَ مِنْهُ» أَيْ [إِذَا] «2» امْتَلأتَ مِنْهُ وَأَثْقَلَكَ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحَسَنِ «قَالَ لَهُ إِنْسَانٌ: إِنْ شَبِعْتُ كَظَّني، وَإِنْ جُعْت أضْعَفَني» .
(س) وَحَدِيثُ النَّخَعِيّ «الأَكِظَّةُ عَلَى الأَكِظَّةِ مَسْمَنَةٌ مَكْسَلةٌ مَسْقَمة» الأَكِظَّة:
جمع الكِظة، وهي ما يَعْتري المُمتَلِىءَ مِنَ الطَّعام: أَيْ أَنَّهَا تُسٍمِن وتُكْسِل وتُسقِم.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحَسَنِ، وَذِكْرِ الْمَوْتِ فَقَالَ: «كَظٌّ لَيْسَ كالكَظِّ» أَيْ هَمٌّ يَمْلأ الجَوْفَ، لَيْسَ كَسَائِرِ الهُمُوم، ولكِنَّه أَشَدُّ.
(كَظَمَ)
(س) فِيهِ «أَنَّهُ أتَى كِظَامَةَ قَومٍ فَتوضَّأ مِنْهَا» الكِظَامة: كالقَناة، وجَمْعُها:
__________
(1) الذي في الهروي: «فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا» .
(2) تكملة من: ا، واللسان.(4/177)
كَظَائِم. وَهِيَ آبَارٌ تُحْفَر فِي الْأَرْضِ مُتَناسِقَة، ويَخْرَق بعضُها إِلَى بَعْض تَحت الْأَرْضِ، فَتَجْتَمِع مِياهُها جارِيةً، ثُمَّ تَخْرُج عِنْدَ مُنْتَهاها فَتَسِيح عَلَى وجْه الْأَرْضِ. وَقِيلَ: الكِظَامة: السِّقايَة.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو «إِذَا رَأيْتَ مكَّة قَدْ بُعِجَت كَظَائِمَ» أَيْ حُفِرَت قَنَواتٍ.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ أتَى كِظَامَةَ قَوْمٍ فَبالَ» وَقِيلَ: أَرَادَ بالكِظَامة فِي هَذَا الْحَدِيثِ: الكَنَاسَةَ.
وَفِيهِ «مَن كَظَمَ غَيْظاً فَلَه كَذَا وَكَذَا» كَظْم الغَيْظ: تَجَرُّعُه واحْتِمالُ سَبَبه والصَّبْرُ عَلَيْهِ.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِذَا تثاءَب أحَدُكم فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطاع» أَيْ لِيَحْبِسْه مَهْمَا أمْكَنه.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَبْدِ المطَّلب «لَهُ فَخرٌ يَكْظِم عَلَيْهِ» أَيْ لَا يُبْدِيه ويُظْهِره، وَهُوَ حَسَبُه.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «لعلَّ اللهَ يُصْلح أمْرَ هَذِهِ الأمَّة وَلَا يُؤخَذ بأَكْظَامِها» هِيَ جَمْع:
كَظَم، بِالتَّحْرِيكِ، وَهُوَ مَخْرَجُ النَّفَس مِنَ الحَلْق.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ النَّخعِيّ «لَهُ التَّوْبَةُ مَا لَمْ يُؤخَذ بكَظَمِه» أَيْ عِنْدَ خُرُوجِ نَفْسِهِ وَانْقِطَاعِ نَفَسِه.
وَفِي الْحَدِيثِ ذِكْر «كاظِمَة» هُوَ اسْمُ مَوْضع. وَقِيلَ: بِئر عُرِف الموْضِع بِهَا.
بَابُ الْكَافِ مَعَ الْعَيْنِ
(كَعَبَ)
(س) فِي حَدِيثِ الإزَار «مَا كَانَ أسْفَل من الكَعْبَين ففي النّار» الكَعْبَان: العظمان النائتان عِنْدَ مَفْصِل السَّاق والقَدم عَنِ الجَنْبَيْن.
وذَهب قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُمَا العَظْمان اللَّذَانِ فِي ظَهْر القَدَم، وَهُوَ مَذْهَبُ الشِّيعة.(4/178)
وَمِنْهُ قَوْلُ يَحْيَى بْنِ الْحَارِثِ «رَأَيْتُ القَتَلى يَوْمَ زيْد بْنِ عَلِيٍّ فرأيْتُ الكِعَاب فِي وَسَط القَدَم» .
وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «إنْ كَانَ لَيُهْدَى لَنَا الْقِنَاعُ فِيهِ كَعْبٌ مِنْ إِهَالَةٍ، فَنَفْرَحُ بِهِ» أَيْ قِطْعة مِنَ السَّمن والدُّهْن.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ مَعْدِيكَرِبَ «أتَوْني بقَوْسٍ وكَعْبٍ وثَوْر» أَيْ قِطْعَة مِنْ سَمْن.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ قَيْلة «واللهِ لَا يَزال كَعْبُكِ عَالِيًا» هُوَ دُعاء لَهَا بالشَّرَف والعُلُوّ. وَالأصْل فِيهِ كَعْب القَناة، وَهُوَ أنْبُوبُها وَمَا بَيْنَ كُلِّ عُقْدَتَيْنِ مِنْهَا كَعْب.
وكلُّ شَيْءٍ علاَ وارْتَفَع فَهُوَ كَعْب. وَمِنْهُ سُمّيَت الكَعْبَة، لِلْبَيْتِ الْحَرَامِ. وَقِيلَ: سُمِّيت بِهِ لتَكْعِيبها، أَيْ تَرْبِيعها.
(س) وَفِيهِ «أَنَّهُ كَانَ يَكْرَه الضَّربَ بالكِعَاب» الكِعَاب: فُصُوص النَّرْدِ، وَاحِدُهَا: كَعْب وكَعْبَة.
واللَّعِب بِهَا حَرام، وكَرِهَهاَ عامَّة الصَّحَابَةِ.
وَقِيلَ: كَانَ ابْنُ مُغَفَّل يَفْعَلُهُ مَعَ امْرَأَتِهِ عَلَى غَيْرِ قِمار.
وَقِيلَ: رَخَّص فِيهِ ابْنُ المُسَيّب، عَلَى غَيْرِ قِمار أَيْضًا.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَا يُقَلِّب كَعَبَاتِها أحدٌ يَنْتظِر مَا تَجِيء بِهِ إلاَّ لَمْ يَرَحْ رائحةَ الْجَنَّةِ» هِيَ جَمْع سَلامة للكَعْبة.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «فجئت فَتاةٌ كَعَابٌ عَلَى إحْدَى رُكْبَتَيْها» الكَعاب بِالْفَتْحِ:
المرأة حين يَبْدُو ثَدْيُها للنُّهود، وَهِيَ الكاعِب أيضاُ، وجَمْعُها: كَوَاعِبُ.
(كَعَتَ)
(س) فِيهِ ذِكْر «الكُعَيْت» وَهُوَ عُصْفُور. وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ يُسَمُّونه النُّغَر.
وَقِيلَ: هُوَ البُلْبُل.
(كَعْدَبَ)
(س) فِي حَدِيثِ عَمْرو مَعَ مُعَاوِيَةَ «أتَيْتُك وَإِنَّ أمْرَك كَحُقّ الكَهُول، أَوْ كالكُعْدُبَة» ويُرْوَى «الجُعْدُبة» وَهِيَ نُفَّاخَة الْمَاءِ. وَقِيلَ: بيت العنكبوت.(4/179)
(كَعَعَ)
- فِيهِ «مَا زَالَتْ قُرَيشٌ كاعَّةً حَتَّى ماتَ أَبُو طَالِبٍ» الكاعَّة: جَمْع كاعَ، وَهُوَ الجَبان. يُقَالُ: كَعَّ الرجُلُ عَنِ الشَّيْءِ يَكِعُّ كَعّاً فَهُوَ كاعٌّ، إِذَا جَبُنَ عَنْهُ وأحْجَم.
أَرَادَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَجْبُنُون عَنْ أذَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حياةِ أَبِي طَالِبٍ، فَلَمَّا مَاتَ اجْتَرَأوا عَلَيْهِ.
ويُرْوى بِتَخْفِيفِ الْعَيْنِ، وَسَيَجِيءُ.
(كَعْكَعَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ الْكُسُوفِ «قَالُوا لَهُ: ثُمَّ رَأَيْنَاكَ تَكَعْكَعْت» أَيْ أحْجِمْت وتأخَّرت إِلَى وَراء. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(كَعَمَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ نَهى عَنِ المُكاعَمَة» هُوَ أَنْ يَلْثَمَ الرجُلُ صاحِبَه، ويَضَعَ فَمه عَلَى فَمِه كالتَّقْبيل. أُخِذَ مِنْ كَعْم الْبَعِيرِ، وَهُوَ أَنْ يُشَدّ فَمُه إِذَا هَاجَ. فجُعِل لَثْمه إيَّاه بمنْزلة الكِعام.
والمُكَاعَمَة: مُفاعَلة مِنْهُ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «دخَل إخوةُ يوسفَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ مِصْرَ وَقَدْ كَعَموا أفْوَاه إبِلِهم» .
وَحَدِيثُ عَلِيٍّ «فهُم بَيْنَ خائفٍ مَقْمُوع، وساكِتٍ مَكْعُوم» .
بَابُ الْكَافِ مَعَ الْفَاءِ
(كَفَأَ)
(هـ) فِيهِ «الْمُسْلِمُونَ تَتَكافَأُ دِماؤُهم» أَيْ تَتَساوَى فِي القِصاص والدِيات.
والكُفْءُ: النَّظير والمُساوِي. وَمِنْهُ الكَفاءة فِي النِكاح، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الزَّوْج مُساوِياً لِلْمَرْأَةِ فِي حَسَبِها ودِينها ونَسَبِها وبَيْتَها، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «كَانَ لَا يَقْبَل الثَّناء إِلَّا من مُكافِئ» قال القُتَيْبي: مَعْنَاهُ إِذَا أنْعَم عَلَى رجُل نِعْمةً فَكَافَأَهُ بالثَّنَاء عليهِ قَبل ثَناءه، وَإِذَا أثْنَى عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُنْعِم عَلَيْهِ لَمْ يَقْبَلْها.
وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: هَذَا غَلَط، إذْ كَانَ أحدٌ لَا يَنْفَكّ مِنْ إنْعام النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لإِنَّ اللَّهَ بَعَثه رَحْمَةً لِلنَّاسِ كَافَّةً، فَلَا يَخْرُجُ مِنْهَا مُكَافِئ وَلَا غَيْرُ مُكَافِئ. والثَّناء عَلَيْهِ فَرْض لَا يَتِمُّ الإسْلامُ إلاَّ بِهِ. وَإِنَّمَا الْمَعْنَى: لَا يَقْبَل الثَّناءَ عَلَيْهِ إِلَّا مِنْ رَجلٍ يَعْرف حَقِيقَةَ(4/180)
إسْلامه، وَلَا يَدْخل فِي جُمْلة المُنافقين الَّذِينَ يَقُولُونَ بألْسِنَتهم مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ.
وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ، إِلَّا مِنْ مُكافِئ: أَيْ مِن مُقارِبٍ «1» غَيْرِ مُجاوِزٍ «2» حَدَّ مِثْله وَلَا مُقَصِّرٍ «3» عَمَّا رَفَعَه «4» اللَّهُ إِلَيْهِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ العَقِيقة «عَنِ الغُلام شَاتَانِ مُكَافِئَتان» يَعْنِي مُتَساوِيَتَين فِي السِّنّ: أَيْ لَا يُعَقُّ عَنْهُ إِلَّا بمُسِنَّة، وأقَلُّه أَنْ يَكُونَ جَذَعاً كَمَا يُجْزِئُ فِي الضَّحَايَا.
وَقِيلَ: مُكافِئتان: أَيْ مُسْتَوِيَتان أَوْ مُتَقارِبَتان. وَاخْتَارَ الخَطَّابي الْأَوَّلَ.
وَاللَّفْظَةُ «مكافِئَتان» بِكَسْرِ الْفَاءِ. يُقَالُ: كافَأَه يُكَافِئُه فَهُوَ مُكافئه: أَيْ مُساوِيه.
قَالَ: والمحدِّثون يَقُولُونَ: «مُكافَأَتان» بِالْفَتْحِ، وَأَرَى الفَتْح أوْلَى لِأَنَّهُ يُريد شاتَيْنِ قَدْ سُوِّيَ بَيْنَهُمَا، أَوْ مُسَاوَى بَيْنَهُمَا.
وَأَمَّا بِالْكَسْرِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُمَا مُتساوِيَتَان، فَيحتاج أنْ يذْكر أيَّ شَيْءٍ سَاوِيا، وَإِنَّمَا لَوْ قَالَ «مُتَكَافِئَتَان» كَانَ الكْسر أَوْلَى.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: «5» لَا فَرْقَ بَيْنَ المُكَافِئَتين والمُكَافَأَتَين؛ لأنَّ كلَّ وَاحِدة إِذَا كَافَأَتْ أخْتَها فَقَدْ كُوفِئَت، فَهِيَ مُكَافِئة ومُكَافَأَة.
أَوْ يَكُونُ مَعْنَاهُ: مُعَادِلَتَانِ لِما يَجِب فِي الزَّكَاةِ والأضْحية مِنَ الْأَسْنَانِ. ويحتَمِل مَعَ الْفَتْحِ أَنْ يُرَاد مَذْبُوحَتان، مِن كَافَأَ الرجُلُ بُين بعيريْن، إِذَا نَحر هَذَا ثُمَّ هَذا مَعاً مِنْ غيْر تَفْريق، كَأَنَّهُ يُريد شاتَيْن يَذْبَحُهما فِي وقْت وَاحِدٍ.
وَفِي شِعْرِ حَسَّانَ:
ورُوحُ القُدْس لَيْسَ لَهُ كِفَاء «6»
أَيْ جِبْرِيلُ لَيْسَ له نَظِير ولا مِثْل.
__________
(1) في الهروي: «من مقارب في مدحه» .
(2) في الهروي: «غير مجاوزٍ به» .
(3) في الهروي: «ولا مقصر به» .
(4) في الهروي: «وفَّقَه» .
(5) انظر الفائق 2/ 417.
(6) ديوانه ص 6 بشرح البرقوقي وصدر البيت:
وجبريلٌ رسولُ اللهِ فينا(4/181)
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: مَنْ يُكَافِئُ هَؤُلَاءِ؟» .
(س) وَحَدِيثُ الأحْنف «لاَ أُقاوِم مَنْ لاَ كِفَاءَ لَهُ» يَعْنِي الشَّيْطَانَ. ويُروَى «لاَ أُقَاوِل» .
[هـ] وَفِيهِ «لَا تَسْألِ المرأةُ طلاقَ أُخْتِهَا لِتَكْتَفِئَ مَا فِي إنَائِها» هُوَ تَفْتَعِل، مِنْ كَفَأْتُ القِدْر، إِذَا كَبَبْتَها لِتُفْرِغ مَا فِيهَا. يُقَالُ: كَفأت الْإِنَاءَ وأَكْفَأْتُه إِذَا كَبَبْتَه، وَإِذَا أمَلْته.
وَهَذَا تَمْثيل لإمالَة الضَّرَّة حَقَّ صاحِبَتها مِنْ زَوْجِهَا إِلَى نَفْسها إِذَا سألتْ طَلاَقها.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ الْهِرَّةِ «أَنَّهُ كَانَ يُكْفِئ لَهَا الْإِنَاءَ» أَيْ يُميله لتَشْربَ منْه بِسُهولة.
(س) وَحَدِيثُ الفَرَعَة «خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذْبَحه يَلْصَقُ لَحْمُهُ بِوَبَرِهِ، وتُكْفِئ إِنَاءَك وتُولِّه ناقَتَك» أَيْ تَكُبّ إناءَك، لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى لَكَ لَبَنٌ تَحْلُبُه فِيهِ.
(س) وَحَدِيثُ الصِّراط «آخرُ مَنْ يَمُرُّ رَجُلٌ يَتَكَفَّأُ بِهِ الصِّراط» أَيْ يَتَمَيَّل ويَنْقلب.
وَمِنْهُ حَدِيثُ [دُعَاءِ] «1» الطَّعَامِ «غير مِكْفَئٍ وَلَا مُودَّعٍ رَبنَّا» أَيْ غَيْرُ مَرْدُود وَلاَ مَقْلُوب. والضَّمير رَاجِعٌ إِلَى الطَّعام.
وَقِيلَ: «مَكْفِيّ» مِنَ الْكِفَايَةِ، فَيَكُونُ مِنَ المعْتَلّ. يَعْنِي أنَّ اللَّهَ هُوَ المُطْعِم والْكاَفِي، وَهُوَ غَيْر مُطْعَم وَلَا مَكْفيٍّ، فَيَكُونُ الضَّمِيرُ رَاجِعًا إِلَى اللَّهِ. وَقَوْلُهُ «وَلَا مُوَدَّع» أَيْ غَيْرِ مَتْروك الطَّلَب إِلَيْهِ والرَّغْبة فِيمَا عِنْدَهُ.
وأمَّا قَوْلُهُ «ربَّنا» فَيَكُونُ عَلَى الْأَوَّلِ مَنْصُوبًا عَلَى النَّداء الْمُضَافِ بِحَذْفِ حَرْف النَّداء، وَعَلَى الثَّانِي مَرْفُوعًا عَلَى الابْتداء «2» ، أَيْ ربُّنا غيرُ مَكْفيّ وَلَا مُودَّع.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكون الْكَلَامُ رَاجِعًا إِلَى الْحَمْدِ، كَأَنَّهُ قَالَ: حَمْداً كَثِيراً مُبارَكاً فِيهِ، غَيْرَ مَكْفيٍّ وَلَا مُودَّع، وَلَا مُسْتَغْنىً عَنْهُ: أَيْ عن الحمد.
__________
(1) زيادة من: ا، واللسان.
(2) في اللسان: «على الابتداء المؤخَّر» .(4/182)
وَفِي حَدِيثِ الضَّحِيَّةِ «ثُمَّ انْكَفَأَ إِلَى كَبْشَيْن أمْلَحَين فذبَحَهُما» أَيْ مَالَ ورَجَع.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فَأَضَعُ السَّيْفَ فِي بَطْنِهِ ثُمَّ أَنْكَفِئُ عَلَيْهِ» .
وَفِي حَدِيثِ الْقِيَامَةِ «وَتَكُونُ الأرضُ خُبْزة واحِدة، يَكْفَؤُها الجبَّار بيَدِه كَمَا يَكْفَأُ أحَدُكُم خُبْزَته فِي السَّفَر» .
وَفِي رِواية «يَتَكَفَّؤُها» يُرِيدُ الخُبْزة التَّي يَصْنَعُها المُسافِر وَيَضَعها فِي المَلَّة، فَإِنَّهَا لَا تُبْسَط كالرُّقاقة، وَإِنَّمَا تُقْلَب عَلَى الأيْدي حَتَّى تَسْتَوِي.
[هـ] وَفِي صِفَةِ مَشْيه عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «كَانَ إِذَا مَشَى تَكَفَّى تَكَفِّياً» أَيْ تَمَايَلَ إِلَى قُدّام، هَكَذَا رُوي غيرَ مَهْمُوزٍ، وَالْأَصْلُ الْهَمْزُ، وَبَعْضُهُمْ يَرْوِيهِ مَهْمُوزًا، لِأَنَّ مَصْدر تَفَعَّل مِنَ الصَّحِيحِ تَفَعُّلٌ، كَتَقَدّم تَقَدُّماً وتَكَفَّأَ تَكَفُّأً، وَالْهَمْزَةُ حَرْفٌ صَحِيحٌ. فَأَمَّا إِذَا اعْتلَّ انكسَرت عَيْنُ المُسْتَقْبَل مِنْهُ، نَحو: تَحَفَّى تَحَفِّياً، وتَسَمَّى تَسَمِّياً، فَإِذَا خُفْفَت الْهَمْزَةُ الْتَحَقَت بالمُعْتَل، وَصَارَ تَكَفِّيا، بالكَسْر.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ «وَلَنَا عَبَاءَتَانِ نُكَافِئ بِهِمَا عَيْنَ الشَّمس» أَيْ نُدافع، مِنَ المُكَافأة: المُقَاوَمَة.
(س) وَفِي حَدِيثِ أُمِّ مَعْبَد «رَأَى شَاة فِي كِفاء الْبَيْتِ» هُوَ شُقَّة أَوْ شُقَّتان تُخاط إحداهُما بِالْأُخْرَى، ثُمَّ تُجْعل فِي مُؤَخَّر الْبَيْتِ، وَالْجَمْعُ: أَكْفِئَة، كحِمار، وأحْمِرة.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «أَنَّهُ انْكَفَأَ لَوْنُه عامَ الرَّمَادَةِ» أَيْ تَغَيَّر عَنْ حَالِهِ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ الْأَنْصَارِيِّ «مَا لِي أرَى لَوْنَك مُنْكَفِئاً؟ قَالَ: مِنَ الجُوع» .
(هـ) وَفِيهِ «أَنَّ رَجُلاً اشْتَرَى مَعْدِناً بِمِائَةِ شَاةٍ مُتْبِع، فَقَالَتْ لَهُ أمُّه: إِنَّكَ اشتريْتَ ثلاَثمائة شَاةٍ أمَّهاتُها مِائَةٌ، وأولادُها مِائَةٌ، وكُفْأَتُها مِائَةٌ» أصْل الكُفْأَة فِي الْإِبِلِ: أَنْ تُجْعَل قطْعَتين يُراوَح «1» بينهما في النِّتاج. يقال: أعْطني كُفْأَةَ ناقِتك وكَفْأَتَهَا: أَيْ نِتاجَها. وأَكْفَأت إِبِلِي كُفْأَتين، إِذَا جَعَلْتها نِصْفَيْنِ يُنْتَجُ كلَّ عَامٍ نصفُها «2» ويُتْرك نصفُها، وَهُوَ أَفْضَلُ النِّتَاجِ، كما يُفْعل بالأرض للزراعة.
__________
(1) في ا: «يُزاوَج» .
(2) في ا: «تُنْتِج كلَّ عامٍ نصفها» .(4/183)
وَيُقَالُ: وهَبْتُ لَهُ كُفْأَةَ ناقَتِي: أَيْ وَهْبَتُ لَهُ لبَنها ووَلَدَها ووَبَرها سَنَة.
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: جَعَلتْ كُفأةَ مائِة نِتَاجٍ، فِي كُلِّ نِتاج مِائَةٌ، لِأَنَّ الْغَنَمَ لَا تُجْعَلُ قِطْعَتَيْنِ، وَلَكِنْ يُنْزَى عَلَيْهَا جَمِيعًا وتَحْمِل جَمِيعًا، وَلَوْ كَانَتْ إبِلاً كَانَتْ كُفأة مِائَةٍ مِنَ الْإِبِلِ خَمْسِينَ.
(س) وَفِي حَدِيثِ النَّابِغَةِ «أَنَّهُ كَانَ يُكْفِئُ فِي شِعْره» الإِكفاء فِي الشِّعْر: أَنْ يُخَالِف بَيْنَ حَرَكات الرَّوِيّ رَفْعاً ونَصْباً وجَرّاً، وَهُوَ كالإقواء.
(كَفَتَ)
(هـ) فِيهِ «اكْفِتُوا صِبْيَانَكُمْ» أَيْ ضُمُّوهم إِلَيْكُمْ. وكلُّ مَنْ ضَمَمْتَه إِلَى شَيْءٍ «1» فَقَدْ كَفَتَّه، يُرِيدُ عِنْدَ انْتشار الظَّلام.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «يَقُولُ اللَّهُ للكِرام الْكَاتِبِينَ: إِذَا مَرِض عَبْدي فاكْتُبوا لَهُ مثْلَ مَا كَانَ يَعْمَل فِي صحتَّه؛ حَتَّى أُعافِيَه أَوْ أَكْفِتَه» أَيْ أضُمَّه إِلَى الْقَبْرِ.
وَمِنْهُ «قِيلَ لِلْأَرْضِ: كِفات» .
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ «حَتَّى أُطْلِقَه مِنْ وَثاقي أَوْ أَكْفِتَه إليَّ» .
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «نُهِينا أَنْ نَكْفِتَ الثَّيابَ فِي الصَّلَاةِ» أَيْ نَضُمّها ونَجْمَعها، مِنَ الانْتِشار، يُريد جَمْع الثَّوب باليَدَين عِنْدَ الرُّكوع والسُّجود.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الشَّعْبيّ «أَنَّهُ كَانَ بِظَاهِرِ الْكُوفَةِ فالْتَفَت إِلَى بُيوتها فَقَالَ: هَذِهِ كِفَاتُ الْأَحْيَاءِ، ثُمَّ الْتَفَت إِلَى المَقْبُرة فَقَالَ: وَهَذِهِ كِفات الْأَمْوَاتِ» يُرِيدُ تأويلَ قَوْلِهِ تَعَالَى «أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً. أَحْياءً وَأَمْواتاً» .
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو «صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ مَا بَيْنَ أَنْ يَنْكَفِت أهلُ المغربِ إِلَى أَنْ يَثوب أهلُ العِشاء» أَيْ يَنْصَرِفون إِلَى مَنَازِلِهِمْ.
(هـ) وَفِيهِ «حُبِّب إليَّ النساءُ والطِّيبُ ورُزِقْتُ الكَفِيتَ» أَيْ مَا أَكْفِتُ به مَعِيشَتي، يَعْني أضُمّها وأصْلِحها.
__________
(1) في الهروي: «إليك» .(4/184)
وقيل: أراد بالكَفِيت القُوّةَ على الجماع.
و «1» هو مِنَ الْحَدِيثِ الْآخَرِ:
(هـ) الَّذِي يُرْوى «أَنَّهُ قَالَ: أَتَانِي جِبْرِيلُ بقِدْرٍ يُقَالُ لَهَا الكَفِيت، فوجَدْتُ قَوة أَرْبَعِينَ رجُلاً فِي الجِماع» وَيُقَالُ للقْدر الصَّغِيرَةِ: كِفْت، بِالْكَسْرِ «2» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ جَابِرٍ «أُعطيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكَفِيتَ» قِيلَ لِلْحَسَنِ: وَمَا الكَفِيتُ؟ قَالَ: البِضاع.
(كَفَحَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ قَالَ لِحسَّان: لَا تَزالُ مُؤيَّداً بِرُوح القُدُس مَا كافَحْتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» المُكافَحة: المُضَارَبَة والمُدافَعة تِلْقاء الوَجْه.
ويُروَى «نافَحْتَ» وهو بِمَعْنَاهُ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ جَابِرٍ «إِنَّ اللَّهَ كلّكم أَبَاكَ كِفاحا» أَيْ مُواجَهةً لَيْسَ بَيْنَهُمَا حِجابٌ وَلَا رَسُولٌ.
(هـ) وَفِيهِ «أعْطَيْت مُحَمَّدًا كِفاحا» أَيْ كَثِيرًا مِنَ الْأَشْيَاءِ مِنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «وَقِيلَ لَهُ: أتُقَبِّل وأنتَ صَائِمٌ؟ قَالَ: نَعَمْ وأَكْفَحُهَا» أَيْ أتَمكَّن مِنْ تقبِيلها وأسْتَوفيه مِنْ غَيْرِ اخْتِلاس، مِنَ المُكَافَحَة، وَهِيَ مُصَادَفَة الوجْهِ للوَجْه «3» .
(كَفَرَ)
(هـ س) فِيهِ «ألاَ لاَ تَرْجِعُنّ بَعْدِي كُفَّاراً يضْرب بَعْضُكم رِقابَ بَعْض» قِيلَ: أَرَادَ لابِسِي السَّلاح. يُقَالُ: كَفَرَ فَوْقَ دِرْعه، فَهُوَ كافِر، إِذَا لَبِس فَوْقَها ثَوباً. كَأَنَّهُ أَرَادَ بذَلك النَّهْيَ عن الحَرْب.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا تَعْتَقِدوا تَكْفِير النَّاس، كَمَا يَفْعَلُهُ الخوارِجُ، إِذَا اسْتَعْرَضوا الناسَ فيُكَفِّرونهم.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «مَنْ قَالَ لأِخِيه يَا كافِرُ فَقَدْ بَاء بِهِ أحَدُهما» لِأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يَصْدُق عَلَيْهِ أَوْ يَكْذِب، فَإِنْ صَدَق فهُو كافِر، وَإِنْ كَذَب عَادَ الكُفْر إِلَيْهِ بِتَكْفِيره أخاه المسلم.
__________
(1) قبل هذا في الهروي: «وقال بعضهم: الكفيت: قِدْرٌ أُنزلت من السماء، فأكل منها، وقوي على الجماع» .
(2) قال في القاموس: «والكَفْت، بالفتح: القِدْر الصغيرة. ويُكْسَر» .
(3) انظر (قحف) .(4/185)
والكُفْر صِنْفان: أحدُهما الكُفْر بأصْل الْإِيمَانِ وَهُوَ ضِدُّه، والآخَر الكُفْر بفَرْع مِنْ فُروع الْإِسْلَامِ، فَلَا يَخْرج بِهِ عَنْ أصْل الْإِيمَانِ.
وَقِيلَ: الكُفْر عَلَى أرْبَعَة أنْحاء: كُفْر إنْكار، بِأَلَّا يَعْرِف اللَّهَ أصْلاً وَلَا يَعْتَرِف بِهِ.
وكُفْر جُحود، ككُفْر إِبْلِيسَ، يَعْرِف اللَّهَ بقَلْبه وَلَا يُقِرّ بِلسانه.
وكُفْر عِناَد، وَهُوَ أنْ يَعْتَرف بقَلْبه ويَعْتَرف بِلِسانه وَلَا يَدِين بِهِ، حَسَداً وبَغْياً، ككُفْر أَبِي جَهْل وأضْرَابه.
وكُفْر نِفَاق، وَهُوَ أَنْ يُقِرَّ بِلِساَنه وَلَا يَعْتَقد بقَلْبه.
قَالَ الْهَرَوِيُّ: سُئل الْأَزْهَرِيُّ عمَّن يَقُولُ بخَلْق القُرآن: أتُسَمِّيه كافِرا؟ فَقَالَ: الَّذِي يَقُوله كُفْر «1» ، فأُعِيد عَلَيْهِ السُّؤال ثَلاَثاً ويَقُول مِثْلَ مَا قَالَ، ثُمَّ قَالَ فِي الْآخِرِ: قَدْ يَقُول المسْلم كُفْراً.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «قِيلَ لَهُ: «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ»
قَالَ: هُم كَفَرة، ولَيْسوا كَمَنْ كَفَر بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ» .
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُهُ «2» الْآخَرُ «إنَّ الأوْس والخَزْرَج ذَكَرُوا مَا كَان مِنْهم فِي الجاهليَّة، فثَار بعضُهم إِلَى بَعْضٍ بِالسُّيُوفِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى «وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ»
وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى الكُفر بِاللَّهِ، ولكِنْ عَلَى تَغْطِيَتِهم مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الْأُلْفَةِ والمَودّة.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ «إِذَا قَالَ الرجُل للرَّجُل: أنتَ لِي عَدُوّ، فَقَدْ كَفَرَ أحَدُهُما بِالْإِسْلَامِ» أَرَادَ كُفْر نعْمَته، لأنَّ اللَّهَ ألَّفَ بَيْن قُلُوبِهِمْ فَأَصْبَحُوا بِنِعْمَتِهِ إخْواناً، فَمن لَم يَعْرِفْها فَقد كَفَرَها.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «مَن تَرك قَتْل الحيَّاتِ خَشْيَةَ النَّارِ فَقَدَ كَفَرَ» أَيْ كفَر النِّعْمة. وَكَذَلِكَ:
(هـ) الْحَدِيثُ الْآخَرُ «مَن أتَى حَائِضًا فَقد كَفَرَ» .
وَحَدِيثُ الْأَنْوَاءِ «إنَّ اللَّهَ يُنْزل الغَيث فيُصبِح قَومٌ بِهِ كافِرين، يَقولون: مُطِرْنا بَنوْء كَذا وكَذا» أَيْ كافِرين بِذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِ، حيْث يَنْسِبُون المَطر إلى النَّوْء دُون الله.
__________
(1) في ا: «كَفَر» .
(2) في الأصل: «الحديث» والمثبت من: أ. وانظر تفسير القرطبى 4/ 156.(4/186)
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فرأيْتُ أكْثَر أهْلِها «1» النَّساء، لكُفْرِهِنَّ. قِيلَ: أيَكْفُرْن بِاللَّهِ؟
قَالَ: لَا، ولكنْ يَكْفُرْنَ الإحْسان، ويَكْفُرْن العَشير» أَيْ يَجْحَدْنَ إحْسان أزْواجِهنّ.
وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ «سِبَابُ المُسلمِ فُسُوقٌ وقِتَالُهُ كُفْر» .
(س) «ومَنْ رَغِبَ عَنْ أَبِيهِ فَقَدْ كَفَرَ» .
(س) «وَمَنْ تَرَكَ الرَّمْيَ فنعْمَةً كَفَرَها» .
وَأَحَادِيثُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ كَثِيرَةٌ.
وأصْل الكُفْر: تَغْطِيَةُ الشَّيْءِ تَغْطِيَةً تَسْتَهْلِكُهُ.
(س) وَفِي حَدِيثِ الرِّدّة «وكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ العَرب» أصحابُ الرِّدَّةِ كَانُوا صِنْفَيْنِ:
صِنْف ارْتَدّوا عَنِ الدِّين، وَكَانُوا طائِفَتَين: إحْدَاهُما أَصْحَابُ مُسَيْلِمة والأسْوَد العَنْسِيّ الَّذِينَ آمَنُوا بِنُبُوَّتِهما، والأخْرَى طَائِفَةٌ ارتَدُّوا عَنِ الْإِسْلَامِ، وَعَادُوا إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَهَؤُلَاءِ اتفَّقَتِ الصَّحَابَةُ عَلَى قِتالهم وسَبْيِهِمْ، واسْتَوْلَدَ عليٌّ مِن سَبْيهِمْ أمَّ مُحَمَّدِ ابْنِ الحَنَفِيَّة، ثُمَّ لَمْ يَنْقَرِض عَصْرُ الصَّحَابةِ حَتَّى أجْمَعُوا عَلَى أنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُسْبَى.
والصِّنْف الثَّانِي مِنْ اهْل الرِّدَّةِ لَمْ يَرْتَدُّوا عَنِ الْإِيمَانِ وَلَكِنْ أنْكَرُوا فَرْض الزَّكَاةِ، وزَعَمُوا أَنَّ الخِطَاب فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: «خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً» خاصٌّ بِزَمن النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَلِذَلِكَ اشْتَبه عَلَى عُمَر قِتالُهم؛ لإقْرارِهِم بالتَّوحيد وَالصَّلَاةِ. وثَبَت أَبُو بَكْرٍ عَلَى قتاَلِهم لِمَنْع الزَّكَاةِ فَتَابَعه الصَّحَابَةُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا قَرِيِبي العَهْد بزمانٍ يَقَع فِيهِ التَّبْديل والنَّسْخ، فَلَمَّ يُقَرّوا عَلَى ذَلِكَ. وَهَؤُلَاءِ كَانُوا أَهْلَ بَغْي، فَأُضِيفُوا إِلَى أهْل الرِّدَّةِ حيْث كَانُوا فِي زَمَانِهِمْ، فانْسَحَب عَلَيْهِمُ اسْمُها، فأمَّا مَا بَعْد ذَلِكَ، فَمن أنْكَرَ فَرْضيَّة أحَد أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ كَانَ كافِرا بالإجْماع.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَا تُكَفِّر أهْل قِبْلَتِك» أَيْ لاَ تَدْعهُم كُفَّارا، أَوْ لاَ تَجْعَلهم كُفَّاراً بِقَوْلِكَ وزَعْمك.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «ألاَ لاَ تَضْربوا المسْلمين فَتُذِلُّوهم، وَلَا تَمنعُوهُم حَقَّهم فتُكَفِّرُوهم» لِأَنَّهُمْ رُبَّما ارْتَدّوا إِذَا منعوا عن الحقّ.
__________
(1) أى النار.(4/187)
(س) وَفِي حَدِيثِ سَعِيدٍ «تمَتَّعْنا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعاويةُ كافِرٌ بالعُرُش» أي قَبْل إسْلامِه.
والعُرُش: بُيوت مَكَّةَ.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ مُقِيمٌ مُخْتَبِئٌ بِمَكَّةَ، لأنَّ التَّمتُّع كَانَ فِي حَجَّة الودَاع بَعْد فَتْح مَكَّةَ، ومعاويةُ أسْلم عَامَ الفتْح.
وَقِيلَ: هُوَ مِنَ التَّكْفِير: الذُّل والخُضوع.
(س) وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ «كتَب إِلَى الحجَّاج: مَنْ أقَرّ بالكُفْرِ فَخلِّ سَبيله» أَيْ بكُفْر مَنْ خَالَفَ بَني مَرْوَان وَخرج عَلَيْهِمْ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحَجَّاجِ «عُرِض عَلَيْهِ رجُل مِنْ بَنِي تَميم ليَقْتُلَه فَقَالَ: إِنِّي لأرَى رجُلاً لاَ يُقِرّ الْيَوْمَ بالكُفْر، فَقَالَ: عَنْ دَمِي تَخْدَعُني! إِنِّي أَكْفَرُ مِن حِمار» حِمَارٌ: رَجُل كَانَ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ، كَفَرَ بَعْد الْإِيمَانِ، وانْتَقل إِلَى عِباَدة الْأَوْثَانِ، فصَار مَثَلًا.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الْقُنُوتِ «واجْعَل قُلُوبَهُمْ كَقُلوب نِساء كَوَافِرَ» الكَوَافِر: جَمْع كافِرة يَعْنِي فِي التَّعادِي والاخْتِلاف. والنِّساء أضْعَفُ قُلوباً مِنَ الرِّجَالِ، لَا سِيَّما إِذَا كُنّ كَوَافِرَ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الخَدْرِيّ «إِذَا أصْبَح ابنُ آدَمَ فإنَّ الأعْضَاء كُلَّها تُكَفِّر لِلِّسَان «1» » أي تَذِلّ وتَخْضَع «2» .
والتَّكْفير: هُوَ أَنْ يَنْحَنِيَ الْإِنْسَانُ وَيُطَأْطِئَ رأسَه قَرِيبًا مِنَ الرُّكوع، كَمَا يَفْعل مَنْ يُريد تَعْظِيم صاحِبه (س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَمرو بْنِ أميَّة والنَّجَاشي «رَأَى الحَبشةَ يَدْخُلون مِنْ خَوْخَةٍ مُكَفِّرِين، فَولاّه ظَهْره ودَخل» .
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي مَعْشَر «أَنَّهُ كَانَ يَكْره التَّكْفِير فِي الصَّلَاةِ» وَهُوَ الانْحِناء الكَثِير فِي حَالَةِ القِيام قَبْل الرُّكُوعِ.
وَفِي حَدِيثِ قَضَاءِ الصَّلَاةِ «كَفَّارَتُها أَنْ تُصَلِّيَهَا إذا ذكَرْتَها» .
__________
(1) في الأصل وا، والهروي: «اللِّسان» وأثبتُّ ما في لسان العرب، والفائق 2/ 418
(2) بعده في الهروي: «له» .(4/188)
وَفِي رِوَايَةٍ «لَا كَفّارَة لَهَا إلاَّ ذَلِكَ» .
قَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ «الكَفَّارةِ» فِي الْحَدِيثِ اسْماً وفْعِلاً مُفْرداَ وَجَمعاً. وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنِ الفَعْلة والخَصْلة الَّتي مِنْ شَأنها أَنْ تُكَفِّر الخَطيئة: أَيْ تَسْتُرها وَتَمْحُوها. وَهِيَ فَعَّالة للْمبالَغة، كَقَتَّالة وضَرَّابة، وَهِيَ مِنَ الصِّفات الغالِبَة فِي بَابِ الاسْمِية.
وَمَعْنَى حَدِيثِ قَضاء الصَّلاة أَنَّهُ لَا يَلزمه فِي تَرْكها غَيْرُ قَضائها؛ مِنْ غُرْم أَوْ صَدَقة أَوْ غيرِ ذَلِكَ، كَمَا يَلْزَمُ الْمُفْطِرَ فِي رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْر، والمُحْرِمَ إِذَا تَرك شَيْئًا مِنْ نُسُكه، فَإِنَّهُ تَجِب عَلَيْهِمَا الفِدْية.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «المُؤمِن مُكَفَّر» أَيْ مُرَزَّأٌ فِي نَفْسَه ومَالِه؛ لتُكَفَّر خَطاياه.
وَفِيهِ «لَا تَسْكُنِ الكُفُورَ، فإِن ساكِنَ الكُفُور كسَاكِن القُبُور» قَالَ الْحَرْبِيُّ:
الكُفُور: مَا بَعُد مِنَ الْأَرْضِ عَنِ النَّاسِ، فَلا يَمُرّ بِهِ أَحَدٌ، وَأهْل الكُفُور عِنْدَ أهْل المُدُنِ، كَالْأَمْوَاتِ عِند الأحْياء، فَكأنّهم فِي القُبور. وأهْل الشَّام يُسمُّون القَرْيةَ الكَفْر.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «عُرِض عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هُوَ مَفْتوح عَلَى أمَّتِه مِن بَعْده كَفْراً كَفْراً، فَسُرَّ بذلك» أي قَرْيَة قَرْية.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ «لَتُخْرجنَّكم الرُّومُ مِنْهَا كَفْراً كَفْراً» .
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ «أهْل الكُفُورِ هُمْ أهلُ القُبُور» أَيْ هُم بمنْزلة الموْتَى لَا يُشَاهِدون الأمْصار والجُمَع والجَماعَاتِ.
وَفِيهِ «أَنَّهُ كَانَ اسْم كِنانةَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الكَافُور» تَشْبِيهاً بِغِلاف الطَّلْع وأكْمَام الفَواكِه، لِأَنَّهَا تَستُرها، وَهِيَ فِيهَا كَالسِّهَامِ فِي الكِنَانة.
وَفِي حَدِيثِ الْحَسَنِ «هُو الطِّبِّيع فِي كُفُرَّاه» الطَّبَّيعُ: لُبُّ الطَّلْع، وكُفُرَّاهُ- بالضَّم وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَفتح الْفاء وَضَمَّها مَقْصُور: هُو وِعَاءُ الطَّلْع وقِشْره الْأَعْلَى، وَكَذَلِكَ كافُورُه.
وَقِيلَ: هُوَ الطَّلْع حِينَ يَنْشَقُّ. ويَشْهد لِلْأَوَّلِ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيث: «قِشْرُ الكُفُرَّى» .
(كَفَفَ)
- فِي حَدِيثِ الصَّدَقَةِ «كَأَنَّمَا يَضَعُها فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ» هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ مَحلّ قَبُول الصَّدَقة، فَكَأَنَّ المُتَصدّق قَدْ وَضَع صَدَقته فِي مَحلّ القَبُول والإثَابة، وإلاَّ فَلا(4/189)
كَفَّ لِلَّهِ وَلَا جارِحةَ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ المُشَبِّهون عُلُوّاً كَبِيرًا.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «إنَّ اللهَ إِنْ شَاءَ أدْخَل [خَلْقَهُ] «1» الْجَنَّةَ بكَفٍّ واحِدة، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدَق عُمر» .
وَقَد تَكَرَّرَ ذِكْرُ «الكَفِّ والحَفْنَة واليَدِ» فِي الْحَدِيثِ، وكُلُّها تَمْثِيلٌ مِنْ غَيْرِ تَشْبيه.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «يَتَصَدّق بِجَمِيعِ مَالِهِ ثُمَّ يَقْعُد يَسْتَكِفُّ النَّاسَ» يُقَالُ: اسْتَكَفَّ وتَكَفَّفَ: إِذَا أخَذ ببَطْن كَفِّه، أَوْ سَأَلَ كَفّاً مِنَ الطَّعام أَوْ مَا يَكُفُّ الْجُوعَ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ قَالَ لسَعْدٍ: خَيْرٌ منْ أنْ تَتْرُكَهُم عَالَةً يَتَكَفَّفُون الناسَ» أَيْ يَمُدّون أَكُفَّهم إِلَيْهِمْ يَسْألونَهم.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ الرُّؤْيَا «كَأَنَّ ظُلَّةً تَنْطِفُ عَسَلاً وَسَمْناً، وَكَأَنَّ الناسَ يَتَكَفَّفُونه» .
(س) وَفِيهِ «المُنْفق عَلَى الخَيل كالمُسْتَكِفّ بالصَّدَقة» أَيِ البَاسِط يَدَه يُعْطِيها، مِنْ قَوْلهم: اسْتَكَفَّ بِهِ الناسُ، إِذَا أحْدَقُوا بِهِ، واسْتَكَفُّوا حَوْله يَنْظرون إِلَيْهِ، وَهُوَ مِنْ كَفاف الثَّوْبِ، وَهِيَ طُرَّته وحَواشِيه وأطْرَافه، أوْ مِنَ الكِفَّة بِالْكَسْرِ، وَهُوَ مَا اسْتدار ككِفَّة المِيزان.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ رُقَيْقة «واسْتَكَفُّوا «2» جَنَابَيْ عَبْدِ المطَّلب» أَيْ أحَاطُوا بِهِ واجْتَمعوا حَوْلَه.
(س) وَفِيهِ «أُمِرْت أَلَّا أَكُفَّ شَعْراً وَلاَ ثَوباً» يَعْني فِي الصَّلَاةِ.
يَحْتَمل أَنْ يَكُونَ بمَعْنى المَنْع: أَيْ لَا أمْنَعُهما مِنَ الاسْتِرْسال حالَ السُّجود لِيَقَعَا عَلَى الْأَرْضِ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الجَمْع: أَيْ لَا يَجْمَعُهما وَيَضُمُّهما.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «الْمُؤْمِنُ، أخُو المؤمِن يَكُفُّ عَلَيْهِ ضَيْعَته» أي يَجْمَع عليه مَعيشَته ويَضُمُّها إليه.
__________
(1) ساقط من: ا.
(2) في ا، واللسان: «فاستكُّفوا» والمثبت في الأصل، والفائق 2/ 314.(4/190)
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «يَكُفُّ ماءَ وجْهه» أَيْ يَصُونه ويَجْمعه عَنْ بَذْل السُّؤال. وأصْلُه المَنْع.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ «كُفِّي رَأْسِي» أَيِ اجْمَعيه وَضُمِّي أَطْرَافَهُ.
وَفِي رِوَايَةٍ «كُفِّي عَنْ رَأسِي» أَيْ دَعِيه واتْرُكي مَشْطَه. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(هـ) وَفِيهِ «إنَّ بيْنَنا وبَيْنَكم عَيْبَةً مَكْفُوفة» أَيْ مُشْرَجَة عَلَى مَا فِيهَا مُقْفَلة، ضَربَها مَثَلاً للصَّدُور، وَأنَّها نَقيَّة مِنَ الغِلِّ والغِشِّ فِيمَا اتَّفقوا عَلَيْهِ مِنَ الصُّلح والهُدْنَة.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أنْ يَكُونَ الشَّرُّ بَيْنَهُم مَكْفُوفا، كَمَا تُكَفُّ العَيْبَةُ عَلَى مَا فِيهَا مِنَ المَتَاع، يُريد أنَّ الذُّحُول الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهم اصْطَلَحوا عَلَى أَلَّا يَنْشُروها، فكأنَّهم قَدْ جَعَلوها فِي وِعاَء وَاشْرَجُوا عَلَيْهِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «وَدِدْت أنِّي سَلِمْت مِنَ الخِلافَة كَفَافاً، لاَ عَلَيَّ وَلاَ لِي» الكَفَاف: هُوَ الَّذِي لَا يَفْضُل عَنِ الشَّيْءِ، وَيَكُونُ بقَدْرِ الحاجةَ إِلَيْهِ. وَهُوَ نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ.
وَقِيلَ: أرادَ بِهِ مَكْفُوفا عَنِّي شَرُّها.
وَقِيلَ: مَعْناه أَلَّا تَنَالَ مِنِّي ولاَ أنَالَ مِنْهَا: أَيْ تَكُفُّ عَنِّي وأَكُفُّ عَنْهَا.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحَسَنِ «ابْدَأْ بِمَن تًعُولُ وَلَا تُلاَمُ عَلَى كَفَاف» أَيْ إِذَا لَمْ يَكُن عِندَك كَفَاف لَمْ تُلْم عَلَى أَلَّا تُعْطِيَ أحَداً.
(س) وَفِيهِ «لاَ ألْبَس القَمِيصَ المُكَفَّف بالحَرِير» أَيِ الَّذِي عُمِل عَلَى ذَيْله وأكْمَامِه وجَيْبِه كَفَاف مِنْ حَريِر. وكُفَّة كلَّ شَيْءٍ بِالضَّمِّ: طُرّتُه وَحَاشِيَتُهُ. وكلُّ مُسْتَطِيل: كُفَّة، كَكُفَّةِ الثَّوب. وكلُّ مُسْتَدير: كِفَّة، بِالْكَسْرِ، كَكِفَّة المِيزان.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ يَصِف السَّحاب «وَالْتَمع بَرْقُه فِي كُفَفِه» أَيْ فِي حَواشِيه.
وَحَدِيثُهُ الْآخَرُ «إِذَا غَشِيَكم اللَّيلُ فاجْعَلُوا الرِّماَحَ كُفَّة» أَيْ فِي حَواشِي العَسْكرِ وأطْرَافِه.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحَسَنِ «قَالَ لَهُ رَجُلٌ: إنَّ بِرِجْلي شُقَاقاً، فَقَال: اكْفُفْه بِخِرْقة» أَيِ اعْصِبْه بِهَا، واجْعَلْها حَوْلَه.(4/191)
(س) وَفِي حَدِيثِ عَطَاءٍ «الكِفَّة والشَّبَكَة أمْرُهُما وَاحد» الكِفَّة بالكسْر:
حِبَالَة الصَّائد.
(س) وَفِي حَدِيثِ الزُّبَيْرِ «فَتَلَقَّاه رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَّةَ كَفَّةَ» أَيْ مُوَاجَهَة، كأنَّ كُلَّ واحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ كَفَّ صَاحِبَهُ عَنْ مُجاَوَزَتِه إِلَى غَيْرِهِ: أَيْ مَنَعه. والكَفَّةُ: المرَة مِنَ الكَفِّ. وَهُمَا مَبْنِيَّان عَلَى الْفَتْحِ.
(كَفَلَ)
- فِيهِ «أَنَا وكافِلُ اليَتيم كَهَاتَيْن فِي الجنَّة، لَهُ ولِغَيْره» الكَافِل: الْقَائِمُ بأمْرِ اليَتيم المُرَبِّي لَهُ، وَهُوَ مِنَ الكَفِيل: الضَّمِين.
والضَّميرُ فِي «لهُ» وَ «لِغَيْرِهِ» راجِعٌ إِلَى الكَافِل: أَيْ أنَّ اليَتِيم سَواء كَانَ لِلْكَافِل مِنْ ذَوِي رَحِمه وأنْسَابه، أَوْ كَانَ أجْنَبِيّاً لِغَيْره، تَكَفَّلَ بِهِ.
وَقَوْلُهُ «كَهَاتَيْنِ» إِشَارَةٌ إِلَى أصْبُعَيه السَّبَّابة والوسْطَى.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «الرَّابُّ كافِلٌ» الرَّابُّ: زَوْج أُمِّ اليَتِيم؛ لِأَنَّهُ يَكْفُلُ تَرْبِيَتَه ويَقوم بأمْره مَع أمِّه.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ وَفْد هَوازِن «وَأَنْتَ خَيْرُ المَكْفُولِين» يَعني رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيْ خَيْرُ مَن كُفِلَ فِي صِغَره، وأُرْضِع وَرُبِّيَ حَتَّى نَشأ، وَكَانَ مُسْتَرْضَعاً فِي بَنِي سَعْد بْنِ بَكْرٍ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الْجُمُعَةِ «لَهُ كِفْلَان مِنَ الأجْر» الكِفْل بالكَسْر: الحَظُّ والنَّصِيب.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ مَجيء المسْتَضْعَفِين بِمَكَّةَ «وَعَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ وَسَلَمَةُ بْنُ هِشَامٍ مُتَكَفِّلان عَلَى بَعير» يُقال: تَكَفَّلْت البَعِير وأَكْفَلْتُه: إِذَا أدَرْتَ حَوْل سَنَامِه كِساَءً ثُمَّ ركِبْتَه، وَذَلِكَ الكِسَاء: الكِفْل، بِالْكَسْرِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ جَابِرٍ «وَعَمَدْنا إِلَى أعْظَمِ كِفْل» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ «قَالَ: ذَلِكَ كِفْل الشَّيْطان» يَعْني مَقْعَده.
(هـ) وَحَدِيثُ النَّخَعِيّ «أَنَّهُ كَرِه الشُّربَ مِنْ ثُلْمة القَدح، وَقَالَ: إِنَّهَا كِفْلُ الشَّيْطَانِ» أرادَ أنَّ الثُّلْمَةَ مَرْكبُ الشَّيطان؛ لِمَا يَكُونُ عَلَيْهَا مِنَ الأوْسَاخ.(4/192)
(س) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «ذَكَرَ فِتْنَة فَقَالَ: إِنِّي كائنٌ فِيها كالكِفْل، آخُذُ مَا أعْرِف وأتْرك مَا أُنْكِر» قِيلَ: هُوَ الَّذِي يَكُونُ فِي آخرِ الحَرْب هِمَّتُه الفِرَار.
وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي لَا يَقْدِر عَلَى الرُّكوب والنُّهُوض فِي شَيْءٍ، فَهُوَ لازمٌ بَيْته.
(كَفَنَ)
- فِيهُ ذِكْر «كَفَن الْمَيِّتِ» كَثيراً. وَهُوَ مَعْرُوفٌ.
وذكَر بَعْضُهم فِي قَوْلِهِ: «إِذَا كَفَّنَ أحَدُكم أَخَاهُ فلْيُحْسِن كَفْنَه» أَيْ بسُكون الْفَاء عَلَى المصْدر: أَيْ تَكْفِينَه. قَالَ: وَهُوَ الأعَمُّ؛ لأنَّه يَشْتَمِل عَلَى الثَّوب وهَيْئَتِه وعَمَلِه، وَالْمَعْرُوفُ فِيهِ الْفَتْحُ.
وَفِيهِ «فأهْدَى لَنَا شَاةً وكَفَنَها» أَيْ مَا يُغَطِّيها مِنَ الرُّغْفان.
(كَفْهَرَ)
(هـ) فِيهِ «ألقُوا المُخالِفِين بوَجْهٍ مُكْفَهِرٍّ» أَيْ عابِسٍ قَطوب.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ «إِذَا لَقِيتَ الكافِرَ فألْقَهُ بوجهٍ مُكْفَهِرٍّ» .
(كَفَا)
(س) فِيهِ «مَن قَرأ الآيَتَين مِن آخِرِ البَقَرة فِي ليلةٍ «1» كَفَتَاه» أَيْ أغْنَتاه عَنْ قِيام اللِّيل.
وَقِيلَ: أَرَادَ أَنَّهُمَا أَقَلُّ مَا يُجْزِئُ مِنَ القِراءة فِي قِيَامِ اللَّيْلِ.
وَقِيلَ: تَكْفِيَان الشَّرَّ وتَقيان مِنَ الْمَكْرُوهِ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «سَيَفْتَح اللَّهُ عَلَيْكُمْ ويَكْفِيكم اللَّهُ» أَيْ يَكفيكم القِتال بِمَا فَتَح عَلَيْكُمْ.
والكُفَاة: الخَدَم الَّذِينَ يَقُومون بالخِدْمة، جَمْعُ كافٍ. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ أبي مَرْيَم «فأذِنَ لِي إلى أهْلي بِغَيْرِ كَفِيٍّ» أَيْ بِغَيْرِ مَن يَقُومُ مَقامِي. يُقَالُ:
كَفَاه الأمْرَ، إِذَا قَامَ مَقامَه فِيهِ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ الجارُود «وأَكْفِي مَن لَمْ يَشْهَد» أَيْ أقُوم بأمْرِ مَن لَمْ يَشْهَد الحَرْب، وأُحاربُ عنه.
__________
(1) في الأصل: «في كل ليلة» وفي ا: «في ليلة» والمثبت من اللسان. ويوافقه ما في البخاري (باب فضل البقرة، من كتاب فضائل القرآن) وما فى مسلم (باب فضل الفاتحة وخواتيم سورة البقرة، من كتاب صلاة المسافرين وقصرها.(4/193)
بَابُ الْكَافِ مَعَ اللَّامِ
(كَلَأَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ نَهَى عَنِ الكَالِئ بالكالِئ» أَيْ النَّسيئة بالنَّسيئة. وَذَلِكَ أَنْ يَشْتريَ الرَّجل شَيْئًا إِلَى أجَل، فَإِذَا حَلَّ الأجَلُ لَمْ يَجِد مَا يَقْضِي بِهِ «1» ، فَيَقُولُ: بِعْنيه إِلَى أجَلٍ آخَرَ، بِزِيَادَةِ شَيْءٍ، فيَبِيعهُ مِنْهُ وَلَا يَجْرِي بَيْنَهُمَا تَقَابُضٌ. يُقَالُ: كَلَأَ الدَّيْنَ كُلُوءاً فَهُوَ كالِئ، إِذَا تأخَّر.
وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: «بَلَغ اللهُ بِكَ أَكْلَأَ العُمْر» أَيْ أطْوَله وأكَثره تَأخُّراً. وكَلَأْتُه إِذَا أَنْسَأْتَهُ.
وَبَعْضُ الرُّوَاةِ لَا يَهْمِزُ «الكالِئ» تَخْفِيفًا.
(س) وَفِيهِ «أَنَّهُ قَالَ لِبِلَالٍ وَهُمْ مُسافِرون: اكْلَأْ لَنَا وَقْتَنا» الكِلَاءة: الحِفْظُ والحِراسة.
يُقَالُ: كَلَأْتُه أَكْلَؤُهُ كِلَاءةً، فَأَنَا كالِئٌ، وَهُوَ مَكْلُوءٌ، وَقَدْ تُخَفَّف هَمْزَةُ الْكِلَاءَةِ، وتُقْلَب يَاءً.
وَقَدْ تَكَرَّرَتْ فِي الْحَدِيثِ.
[هـ] وَفِيهِ «لَا يُمْنَع فَضْلُ الماءِ ليُمْنَع بِهِ الكَلَأ» وَفِي رِوَايَةٍ «فَضْلُ الكَلَأ» الكَلَأ: النَّبات والعُشْب، وسَواءٌ رَطْبُه ويابِسُه. وَمَعْنَاهُ أنَّ البِئر تَكُونُ فِي البادِية وَيَكُونُ قَرِيبًا مِنْهَا كَلَأ؛ فَإِذَا وَرَد عَلَيْهَا وارِدٌ فَغَلب عَلَى مَائِهَا ومَنَع مَن يَأْتِي بَعْدَهُ مِنَ الاسْتِقاء مِنْهَا «2» ، فَهُوَ بِمَنْعِه الماءَ مانعٌ مِنَ الكَلأ؛ لِأَنَّهُ مَتى وَرَدَ رجُلٌ بإبِله «3» فأرْعاها ذَلِكَ الكَلأ ثُمَّ لَمْ يَسْقِها قَتَلها العَطَش. فَالَّذِي يَمْنَعُ مَاءَ البِئر يَمْنع النَّباتَ القريبَ مِنْهُ.
(هـ) وَفِيهِ «مَن مَشَى عَلَى الكَلَّاءِ قَذَفْناه فِي الْمَاءِ» الكَلَّاء بالتشديد والمَدّ، والمُكَلَّأ:
شاطىء النَّهر وَالْمَوْضِعُ الَّذِي تُرْبَط فِيهِ السُّفن. وَمِنْهُ «سُوق الكَلَّاء» بالبَصْرة.
وَهَذَا مَثَل ضَرَبه لِمَنْ عَرّض بالقَذْف. شَبَّهَهُ فِي مُقَارَبَتِهِ التَّصْرِيحَ بِالْمَاشِي عَلَى شَاطِئِ النَّهر، وإلْقاؤه فِي الْمَاءِ: إِيجَابُ القَذْف عَلَيْهِ وإلْزامُه بِالْحَدِّ» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَنَسٍ وذَكَر البَصْرة «إيَّاك وسِباخَها وكَلاءَها» .
__________
(1) في الهروي: «منه» .
(2) في الهروي: «بها» .
(3) في الأصل: «لأنه متى ورد عليه رجل بإبله» والمثبت من ا، واللسان. والذي في الهروي: «لأنه متى ورد الرجل بإبله» .
(4) في الهروي: «وإلزامه الحدَّ» .(4/194)
(كَلَبَ)
- فِيهِ «سيَخْرج فِي أُمَّتِي أقوامٌ تَتَجارى بِهِمُ الأهْوَاء كَمَا يَتجارى الكَلَبُ بصاحِبه» الكَلَب بِالتَّحْرِيكِ: دَاءٌ يَعْرِض لِلْإِنْسَانِ مِنْ عَضِّ الكَلْب الكَلِبِ، فيُصِيبُه شِبْه الجُنون، فَلَا يَعَضُّ أَحَدًا إِلَّا كَلِبَ، وتَعْرِض لَهُ أعْراضٌ رَدِيئة، ويَمْتَنِع مِنْ شُرْب الْمَاءِ حَتَّى يَمُوتَ عَطَشاً.
وأجَمَعت العَرب عَلَى أنَّ دَواءه قَطْرة مِنْ دَم مَلِك، تُخْلط بِمَاءٍ فيُسْقاه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «كتبَ إِلَى ابْن عبَّاس حِينَ أخَذَ مَالَ البَصْرة: فَلَمَّا رأيتَ الزَّمان عَلَى ابْنِ عَمَّك قَدْ كَلِبَ، والعَدُوَّ قَدْ حَرِب» كَلِب أَيِ اشْتدّ. يُقَالُ: كَلِب الدَّهُر عَلَى أهلِه: إِذَا ألَحَّ عَلَيْهِمْ واشْتدّ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحَسَنِ «إِنَّ الدُّنْيَا لَّما فُتِحَت عَلَى أَهْلِهَا كَلِبوا فِيهَا أسْوَأَ الكَلَب وَأَنْتَ تَجَشَّأ مِنَ الشِّبَع بَشَماً، وجارُك قَدْ دَمِيَ فُوهُ مِنَ الجُوع كَلَبا» أَيْ حِرْصاً عَلَى شَيْءٍ يُصِيبه.
وَفِي حَدِيثِ الصَّيْد «إنَّ لِي كِلَاباً مُكَلَّبَةً فأفْتِني فِي صَيْدها» المُكَلَّبَةُ: المُسَلَّطة عَلَى الصيَّد، المُعَوّدة بالاصْطِياد، الَّتِي قَدْ ضَرِيَتْ بِهِ.
والمُكَلِّب، بِالْكَسْرِ: صاحِبُها وَالَّذِي يَصْطاد بِهَا. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ ذِي الثُّدَيَّة «يَبْدُو فِي رأسِ ثَدْية شُعَيْراتٌ كَأَنَّهَا كُلْبَةُ كَلْب» يَعْنِي مَخالِبه. هَكَذَا قَالَ الْهَرَوِيُّ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: كَأَنَّهَا كُلْبَة كَلْب، أَوْ كُلْبَة سِنْور، وَهِيَ الشَّعْرُ النابِت فِي جانبَيِ أنْفِه. «1» وَيُقَالُ لِلشَّعْرِ الَّذِي يَخْرِزُ بِهِ الإسْكاف: كُلْبة.
قَالَ: ومَن فَسَّرَها بالمخَالِب نَظَراً إِلَى مَجِيء «2» الكَلالِيب فِي مَخالِب البازِي فَقَدْ أبْعَد.
وَفِي حَدِيثِ الرُّؤيا «وَإِذَا آخَرُ قائمٌ بكَلُّوبٍ مِنْ حَديد» الكَلُّوب، بالتشديد: حَديدة مُعْوَجَّة الرأس.
__________
(1) في الفائق 2/ 424: «خَطْمه» .
(2) في الفائق: «محني» وكأنه أشبه.(4/195)
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ أُحُد «أَنَّ فَرَساً ذَبَّ بذَنَبه فَأَصَابَ كُلَّابَ سَيفٍ فاسْتَلَّه» الكُلَّابُ والكَلْب: الحَلْقَة أَوِ المِسْمار الَّذِي يَكُونُ فِي قَائِمِ السَّيف، تَكُونُ فِيهِ عِلاقَتُه.
وَفِي حَدِيثِ عَرْفَجة «إِنَّ أنْفَه أصِيب يَوْمَ الكُلَاب فاتَّخَذ أنْفاً مِنْ فِضَّة» الكُلَاب بِالضَّمِّ وَالتَّخْفِيفِ: اسْمُ ماءٍ، وَكَانَ بِهِ يومٌ مَعْرُوفٌ مِنْ أَيَّامِ العَرب بَيْنَ البَصْرة وَالْكُوفَةِ.
(كَلْثَمَ)
(هـ) فِي صِفَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَمْ يَكُنْ بالمُكَلْثَم» هُوَ مِنَ الوُجُوه:
القَصِيرُ الحَنَك الدانِي الجَبْهة، المُسْتدير مَعَ خِفَّة اللَّحم «1» ، أَرَادَ أَنَّهُ كَانَ أسِيلَ الوجْه وَلَمْ يَكُنْ مُسْتديراً.
(كَلَحَ)
(س) فِي حَدِيثُ عَلِيٍّ «إِنَّ مِن وَرائِكم فِتَناً وبَلاَءً مُكْلِحاً مُبْلِحاً» أَيْ يُكْلِحُ النَّاسَ لِشدّتِه. والكُلُوح: العُبُوس. يُقَالُ: كَلَح الرجُلُ، وأَكْلَحه الهَمُّ.
(كَلَزَ)
- فِي شِعْرِ حُمَيْد بْنِ ثَوْرٍ:
فحِمَّلَ الْهَمّ «2» كِلَازاً جَلْعَدَا
الكِلَاز: المُجْتَمع الخَلْق الشديدُةُ. واكلَأَزَّ، إِذَا انْقبض وتَجَمَّع. ويُرْوَى «كِنَازًا» بِالنُّونِ.
(كَلَفَ)
- فِيهِ «اكْلَفُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقون» يُقَالُ: كَلِفْت بِهَذَا الْأَمْرِ أَكْلَفُ بِهِ، إِذَا وَلِعْتَ بِهِ وأحْبَبْته.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَرَاكَ كَلِفْتَ بعِلم القُرآن» وكَلِفْتُهُ إِذَا تَحَمَّلْتَه. وكَلَّفَه الشَّيْءَ تَكْلِيفاً، إِذَا أمَره بِمَا يَشُقّ عَلَيْهِ. وتَكَلَّفْتُ الشَّيْءَ، إِذَا تَجَشَّمْتَه عَلَى مَشَقَّة، وَعَلَى خِلَافِ عادِتك.
والمُتَكَلِّف: المُتَعَرِّض لِما لَا يَعْنِيه.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَا وأمَّتي بُرَآءُ مِنَ التَّكَلُّف» .
وَحَدِيثُ عُمَرَ «نُهِينا عَنِ التَّكَلُّف» أَرَادَ كثرةَ السُّؤال، والبَحْثَ عن الأشياء الغامِضة التي
__________
(1) الذي في الهروي: «المستدير الوجه، ولا يكون إلا مع كثرة اللحم» .
(2) في ديوان حميد ص 77: «فحَمَّلَ الهِمَّ» .(4/196)
لَا يَجِب البَحْث عَنْهَا، والأخْذ بِظَاهِرِ الشَّريعة وقَبُول مَا أتَت بِهِ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُهُ أَيْضًا «عثمانُ كَلِفٌ بأقارِبه» أَيْ شَدِيدُ الحُبِّ لَهُمْ. والكَلَف:
الوُلُوع بِالشَّيْءِ، مَعَ شُغْل قَلبٍ ومَشَقَّة.
(كَلَلَ)
[هـ] قَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْر «الكَلالة» وَهُوَ أَنْ يَمُوتَ الرجُل وَلَا يَدَع والِداً وَلَا وَلَداً يَرِثانه.
وأصلُه: مِنْ تَكَلَّله النَّسَب، إِذَا أَحَاطَ بِهِ.
وَقِيلَ: الكَلالة: الوارِثون الذين لَيْسَ فِيهِمْ وَلَدٌ وَلَا والِد، فَهُوَ وَاقِعٌ عَلَى الْمَيِّتِ وَعَلَى الْوَارِثِ بِهَذَا الشَّرط.
وَقِيلَ «1» : الأبُ والابْنُ طَرَفان للرجُل، فَإِذَا مَاتَ وَلَمْ يُخَلِّفْهما فَقَدْ مَاتَ عَنْ ذَهاب طَرَفَيه، فسُمّي ذَهابُ الطَّرَفين كَلالة.
وَقِيلَ: كلُّ مَا احْتَفَّ بِالشَّيْءِ مِنْ جَوانِبه فَهُوَ إِكْلِيل، وَبِهِ سُمِّيت؛ لِأَنَّ الوُرَّاثَ يُحِيطون بِهِ مِنْ جَوانبه.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ «دَخَل رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبْرُقُ أَكَالِيلُ وجهِه» هِيَ جَمْعُ إِكْلِيل، وَهُوَ شِبْه عِصابة مُزَيَّنة بِالْجَوْهَرِ، فَجَعَلت لِوَجْهه أَكالِيلَ، عَلَى جِهة الاسْتِعارة.
وَقِيلَ: أَرَادَتْ نَواحي وجْهة، وَمَا أَحَاطَ بِهِ إِلَى الجَبِين، مِنَ التَّكَلُّل، وَهُوَ الْإِحَاطَةُ؛ وَلِأَنَّ الإِكْليل يُجْعَل كالحَلْقة ويُوضع هُنالِك عَلَى أعْلَى الرَّأس.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الِاسْتِسْقَاءِ «فنَظَرْت إِلَى الْمَدِينَةِ وَإِنَّهَا لَفِي مِثْل الإِكْلِيل» يُريد أنَّ الغَيْم تَقَشَّع عَنْهَا، واسْتَدارَ بآفاقِها.
(هـ) وَفِيهِ «أَنَّهُ نَهَى عَنْ تَقْصِيص القُبور وتَكْلِيلها» أَيْ رَفْعِهَا بِبِنَاءٍ مثل الكِلَل، وهي الصَّوامِع والقِباب.
__________
(1) القائل هو القُتَيْبي، كما فى الهروى.(4/197)
وَقِيلَ: هُوَ ضَرْب الكِلَّة عَلَيْهَا، وَهِيَ سِتْرٌ مُرَبَّع يُضْرب عَلَى القُبور.
وَقَالَ الْهَرَوِيُّ: هُوَ «1» سِتْر رَقِيق يُخاط كَالْبَيْتِ، يُتَوَقَّى فِيهِ مِنَ البَقَّ.
وَفِي حَدِيثِ حُنين «فَمَا زِلْتُ أرَى حَدَّهم كَلِيلا» كَلَّ السَّيفُ يَكِلُّ كَلَالًا فَهُوَ كَلِيل، إِذَا لَمْ يَقْطَع. وطَرْفٌ كَلِيل، إِذَا لَمْ يُحَقِّق المَنْظور.
(س) وَفِي حَدِيثِ خَدِيجَةَ «كَلَّا، إنَّك لَتَحْمِل الكَلَّ» هُوَ بِالْفَتْحِ: الثِّقَل مِن كُلِّ مَا يُتَكلَّف. والكَلُّ: العِيال.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «مَن تَرَك كَلًّا فإلَيَّ وَعَلَيَّ» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ طَهْفة «وَلَا يُوكَلُ كَلُّكُم» أَيْ لَا يُوكَل إِلَيْكُمْ عِيالُكُم، وَمَا لَمْ تُطِيقوه.
ويُرْوَى «أكلكم» أى لا يفتات عليكم ما لكم.
وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذِكر «الكَلّ» .
(س) وفي حديث عثمان «أنه دُخِل عليه فقيل له: أبأمرك هذا؟ فقال: كُلّ ذَاكَ» أَيْ بعضُه عَنْ أمْري، وبعضُه بِغَيْرِ أمْرِي.
مَوْضُوعُ «كُلٍّ» الإحاطةُ بِالْجَمِيعِ، وَقَدْ تَسْتعمل فِي مَعْنَى الْبَعْضِ، وَعَلَيْهِ حُمِل قَوْلُ عُثْمَانَ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ:
قَالَتْ لَهُ وقَوْلُها مَرْعِيُّ ... إنَّ الشِّوَاء خَيْرُه الطَّرِيُّ
وكُلُّ ذَاكَ يَفْعل الوَصِيُّ
أَيْ قَدْ يَفْعل، وَقَدْ لَا يَفْعل.
(كَلَمَ)
(هـ) فِيهِ «أَعُوذُ بكَلِمات اللَّهِ التَّامَّاتِ» قِيلَ: هِيَ الْقُرْآنُ، وَقَدْ تقدّمَت فِي حَرْفِ التَّاءِ.
وَفِيهِ «سُبْحان اللَّهِ عَدَدَ كَلِماته» كلماتُ اللَّهِ: كلامُه، وَهُوَ صِفَتُه، وصِفاتُه لَا تَنْحَصِرُ، فَذِكْرُ الْعَدَدِ هَاهُنَا مَجازٌ، بِمَعْنَى المُبالَغة في الكَثْرة.
__________
(1) لم يرد هذا القول في نسخة الهروي التي بين يديّ. ولعل الأمر التبس على المصنِّف، فوضع «الهروي» مكان «الجوهري» لأن هذا الشرح بألفاظه في الصحاح (كلل) .(4/198)
وَقِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُريد عَدَدَ الأذْكار. أَوْ عَدَدَ الْأُجُورِ عَلَى ذَلِكَ، ونَصَب «عَدَدًا» عَلَى المَصْدر.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ النِّسَاءِ «اسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهنّ بكلِمة اللَّهِ» قِيلَ: هِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى «فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ» .
وَقِيلَ: هِيَ إباحَةُ اللَّهِ الزَّواجَ وإذْنُه فِيهِ.
وَفِيهِ «ذَهب الْأَوَّلُونَ لَمْ تَكْلِمْهم الدُّنْيَا مِنْ حَسَناتِهم شَيْئًا» أَيْ لَمْ تُؤَثَّر فِيهِمْ وَلَمْ تَقْدَح فِي أدْيانِهم. وأصْلُ الكَلْم: الجَرْح.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إنَّا نَقُوم عَلَى المَرْضَى ونُداوِي الكَلْمَى» هُوَ جَمْع: كَلِيم، وَهُوَ الجَريح، فَعيل بِمَعْنَى مَفْعُولٍ. وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكره اسْمًا وفْعِلاً، مُفْرداً وَمَجْمُوعًا.
(كَلَّا)
- فِيهِ «تَقَع فِتَنٌ كَأَنَّهَا الظُّلَل، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: كَلَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ» كَلَّا: رَدْع فِي الْكَلَامِ وتَنْبيه وزَجْر، وَمَعْنَاهَا: انْتَهِ لَا تَفْعل، إلاَّ أَنَّهَا آكَدُ فِي النَّفْي والرَّدْع مِنْ «لَا» لِزِيَادَةِ الْكَافِ.
وَقَدْ تَرِدُ بِمَعْنَى حَقًّا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى «كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ»
والظُّلَل: السَّحاب وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
بَابُ الْكَافِ مَعَ الْمِيمِ
(كَمَأَ)
(س) فِيهِ «الكَمْأَة مِنَ المَنِّ، وماؤُها شِفاء لِلْعَين» الكَمْأَة مَعْرُوفَةٌ، وواحِدُها: كَمْءٌ، عَلَى غَيْرِ قِياس. وَهِيَ مِنَ النَّوادِر، فَإِنَّ القِياس العَكْس.
(كَمَدَ)
(س) فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «كَانَتْ إحْدانا تَأخُذ الْمَاءَ بِيَدِها فتَصُبّ عَلَى رأسِها بإحْدى يَدْيها فتُكْمِدُ شِقَّها الأيْمَن» الكُمْدة: تَغَيُّر اللَّون. يُقَالُ: أَكْمَدَ الغَسَّالُ الثَّوبَ إِذَا لَمْ يُنَقِّه.
(س) وَفِي حَدِيثِ جُبَير بْنِ مُطْعِم «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَادَ سَعيدَ بْنَ العاصِ فكَمَّدَه بخِرْقة» التَّكْمِيد: أَنْ تُسَخَّن خِرْقَة وتُوضَع على الِعُضْوِ(4/199)
الوَجِع، ويَتابَع ذَلِكَ مرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ ليَسْكُن، وَتِلْكَ الخِرْقَة: الكِمَادَةُ والكِماد.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ «الكِمَادُ مكانُ الكَيِّ» أَيْ أَنَّهُ يُبْدَل مِنْهُ ويَسُدُّ مَسَدَّه. وَهُوَ أسْهَل وأهْوَن.
(كَمَسَ)
- فِي حَدِيثِ قُسّ [فِي] «1» تمْجيد اللَّهِ تَعَالَى «لَيْسَ لَهُ كَيْفِيَّةٌ وَلَا كَيْمُوسِيَّة» الكَيْمُوسِيَّة: عِبَارَةٌ عَنِ الْحَاجَةِ إِلَى الطَّعام والغِذاء. والكَيْمُوس فِي عِبَارَةِ الأطِبَّاء: هُوَ الطَّعَامُ إِذَا انْهَضَم فِي المَعِدة قَبْلَ أَنْ يَنْصرف عَنْهَا ويَصير دَماً، ويُسَمُّونه أَيْضًا: الكَيْلُوس.
(كَمِشَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ مُوسَى وشُعَيب عَلَيْهِمَا السَّلَامُ «لَيْسَ فِيهَا فَشُوشٌ وَلَا كَمُوشٌ» الكَمُوش: الصَّغِيرَةُ الضَّرْع، سُمِّيت بِذَلِكَ لانْكِماش ضَرْعِها، وَهُوَ تَقَلُّصُه.
وانْكَمَشَ فِي هَذَا الْأَمْرِ: أَيْ تَشَمَّر وجَدَّ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «بادَرَ مِن وَجَلٍ، وأَكْمَشَ فِي مَهَلٍ» .
وَمِنْهُ كِتَابُ عَبْدِ الْمَلِكِ إِلَى الْحَجَّاجِ «فأخْرُجْ إِلَيْهِمَا كَمِيشَ الإزارَ» أَيْ مُشَمِّراً جَادًّا.
(كَمَعَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ نَهى عَنِ المُكَامَعَة» هُوَ أَنْ يُضاجِعَ الرجُلُ صاحِبَه فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، لَا حاجِزَ بَيْنَهُمَا. والكَمِيع: الضَّجيع. وزَوْجُ الْمَرْأَةِ كَمِيعُها.
(كَمْكَمَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ عُمَرَ «أَنَّهُ رَأى جارِيةً مُتَكَمْكِمَة فَسَأَلَ عَنْهَا» كَمْكَمْتُ الشَّيْءَ، إِذَا أخْفَيْتَه. وتَكَمْكَمَ فِي ثَوْبه: تَلَفَّف فِيهِ.
وَقِيلَ: أَرَادَ مُتَكَمِّمَة، مِنَ الكُمَّة: القَلَنْسُوة، شُبِّه قِناعُها بِهَا.
(كَمَمَ)
- فِيهِ «كَانَتْ كِمامُ أصحابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُطحاً» وَفِي رِوَايَةٍ «أَكِمَّة» هُما جمْع كَثْرة وقلَّة للكُمَّة: القَلَنْسُوة، يَعْنِي أَنَّهَا كَانَتْ مُنْبَطِحةً غيرَ مُنْتَصِبة.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ النُّعمان بْنِ مُقَرِّن «فَلْيَثِبِ الرجالُ إِلَى أَكِمَّة خُيولها» أَرَادَ مَخالِبها الَّتِي عَّلَقت في رؤوسها، واحدُها: كِمام، وَهُوَ مِنْ كِمَام البَعير الَّذِي يُكَمُّ بِهِ فَمُه؛ لِئلا يَعَضَّ.
وَفِيهِ «حَتَّى يَيْبَسَ فِي أكمامِه» جَمْعُ: كِمّ، بِالْكَسْرِ. وَهُوَ غِلاف الثَّمر والحَبّ قَبْلَ أَنْ يَظْهَر. والكُمُّ، بالضم: رُدْن القَمِيص.
__________
(1) من ا، واللسان.(4/200)
(كَمَنَ)
(هـ) فِيهِ «فَإِنَّهُمَا يُكْمِنَان الأبْصار» أَوْ «يُكْمِهَانِ» الكُمنة: وَرَمٌ فِي الْأَجْفَانِ. وَقِيلَ: يُبْس وحُمْرة. وَقِيلَ: قَرْح فِي المَآقِي.
(س) وَفِيهِ «جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ فكَمِنا فِي بَعْضِ حِرار الْمَدِينَةِ» أَيِ اسْتَتَرا واسْتَخفيا.
وَمِنْهُ «الكَمِين» فِي الحَرْب.
والحِرار: جَمْعُ حَرَّة، وَهِيَ الْأَرْضُ ذَاتُ الحِجارة السُّود.
(كَمَهَ)
[هـ] فِيهِ «فَإِنَّهُمَا يُكْمِهان الْأَبْصَارَ» الكَمَهُ: الْعَمَى. وَقَدْ كَمِهَ يَكْمَه فَهُوَ أَكْمَهُ، إِذَا عَمِيَ.
وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يُولَد أعْمَى.
(كَمَا)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ مرَّ عَلَى أَبْوَابِ دُورٍ مُسْتَفِلة «1» فَقَالَ: اكْمُوها» وَفِي رِوَايَةٍ «أَكِيمُوها» أَيِ اسْتُروها لِئَلَّا تَقَع عُيُون الناسِ عَلَيْهَا. والكَمْوُ: السَّتْر.
وَأَمَّا «أكِيمُوها» فَمَعْنَاهُ ارْفَعُوها لِئلاَّ يَهْجُمَ السَّيلُ عَلَيْهَا، مَأْخُوذٌ مِنَ الكَوْمة، وَهِيَ الرَّمْلة المُشْرِفة.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ «للدابَّة ثلاثُ خَرجات ثُمَّ تَنْكَمِي «2» » أَيْ تَسْتَتِرُ.
وَمِنْهُ «قِيلَ للشُّجاع: كَمِيّ» لِأَنَّهُ اسَتتر بالدِّرْع.
وَالدَّابَّةُ: هِيَ دَابَّةُ الْأَرْضِ الَّتِي هِيَ مِنْ أشراطِ السَّاعَةِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي اليَسَر «فجِئتهُ فانْكَمَى منَّي ثُمَّ ظَهر» .
وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكر «الكَمِيّ» فِي الْحَدِيثِ، وجَمعُه: كُمَاة.
وَفِيهِ «مَن حَلَف بملَّةٍ غيرِ مِلة الْإِسْلَامِ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ» هُوَ أنْ يَقُولَ الْإِنْسَانُ فِي يَمِينه:
إِنْ كَانَ كَذَا وَكَذَا فَأَنَا كافِر، أَوْ يَهُودِيٌّ، أَوْ نَصْرَانِيٌّ، أَوْ بَرِئٌ مِنَ الْإِسْلَامِ، وَيَكُونُ كَاذِبًا فِي قَوْلِهِ، فَإِنَّهُ يَصير إِلَى ما قاله من الكُفْر وغيره.
__________
(1) في الهروي، والفائق 2/ 428: «مُتَسَفَّلة» .
(2) في الهروي: «تتكمِّي» .(4/201)
وَهَذَا وَإِنْ كَانَ يَنْعَقِدُ بِهِ يَمينٌ «1» عِنْدَ أبي حنيفة، فإنه لا يُوجِب فيه إلاَّ كَفَّارة الْيَمِينِ.
وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَلَا يَعْده يَمِينًا، وَلَا كفَّارة فِيهِ عِنْدَهُ.
وَفِي حَدِيثِ الرُّؤْيَةِ «فَإِنَّكُمْ تَرَوْن ربَّكم كَمَا تَرَوْن القَمَر ليلةَ البَدْر» قَدْ يُخَيَّل إِلَى بَعْضِ السَّامِعِينَ أنَّ الْكَافَ كَافُ التَّشْبِيهِ للْمَرئي، وَإِنَّمَا هِيَ للرُّؤية، وَهِيَ فِعْل الرَّائِي. وَمَعْنَاهُ:
أَنَّكُمْ تَرَوْن رَبَّكُمْ رُؤْيَةً يَنْزاح مَعَهَا الشَّكُّ، كرُؤيَتَكم الْقَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، لَا تَرْتابون فِيهِ وَلَا تَمْترون.
وَهَذَا الْحَدِيثُ وَالَّذِي قبْله لَيْسَ هَذَا موضِعَهما؛ لِأَنَّ الْكَافَ زائدةٌ عَلَى «مَا» ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهُمَا لِأَجْلِ لَفْظِهِمَا.
بَابُ الْكَافِ مَعَ النُّونِ
(كَنَبَ)
- فِي حَدِيثِ سَعْدٍ «رَآهُ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَكْنَبَت يَداه، فَقَالَ لَهُ: أَكْنَبَت يَدَاكَ؟ فَقَالَ: أُعالِج بالمُرّ والمِسْحاة، فأخَذ بِيَده وَقَالَ: هَذِهِ لَا تَمَسُّها النارُ أَبَدًا» أَكْنَبَت اليَدُ: إِذَا ثَخُنَت وغَلُظ جِلْدها وتَعَجَّرَ مِنْ مُعاناة الْأَشْيَاءِ الشَّاقَّةِ.
(كَنَتَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَعَامَّةُ أَهْلِهِ الكُنْتِيُّون» هُمُ الشُّيُوخُ. وَيَرِدُ مُبَيَّنًا فِي الْكَافِ وَالْوَاوِ.
(كَنَرَ)
- فِي صِفَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي التَّوْرَاةِ «بَعَثْتُك تَمْحُو المَعازِف والكَنَّارات» هِيَ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ: العِيدان. وَقِيلَ: البَرابِطُ. وَقِيلَ: الطُّنْبُورُ.
وَقَالَ الْحَرْبِيُّ: كَانَ ينْبغي أَنْ يُقَالَ «الكِرانات» فقُدِّمت النُّونُ عَلَى الرَّاءِ.
قَالَ: وَأَظُنُّ «الكَرِان» فارِسياً مُعَرّباً. وسمعتْ أَبَا نَصْرٍ يَقُولُ: الكَرينة: الضارِبة بالعُود، سُمِّيَت بِهِ لضَرْبها بالكِرَانِ.
وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الضَّرِير: أحْسَبُها بِالْبَاءِ، جَمْعُ كِبار، وكِبَارٌ: جَمْعُ كَبَرٍ، وَهُوَ الطَّبْلُ، كَجَمَلٍ وَجِمَالٍ وَجِمَالَاتٍ.
__________
(1) فى ا: «تنعقد به اليمين» .(4/202)
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «أُمِرْنَا بِكَسْرِ الْكُوبَةِ والكِنَّارة والشِّياع» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرو «إنَّ اللَّهَ أنْزَلَ الحقَّ ليُبْدِل بِهِ المَزاهِر والكِنَّارات» .
(س) وَفِي حَدِيثِ مُعَاذٍ «نَهى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُبْسِ الكِنَّار» هُوَ شُقَّة الكَتَّان. كَذَا ذَكَرَهُ أَبُو مُوسَى.
(كَنَزَ)
- فِيهِ «كلُّ مالٍ أُدّيَتْ زكاتُه فَلَيْسَ بكَنْز» .
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «كلُّ مالٍ لَا تُؤَدَّى زكاتُه فَهُوَ كَنْز» الكَنْز فِي الْأَصْلِ: المالُ المَدْفُون تَحْتَ الْأَرْضِ، فَإِذَا أخْرِج مِنْهُ الواجبُ عَلَيْهِ لَمْ يَبْق كَنْزا وَإِنْ كَانَ مَكْنُوزاً، وَهُوَ حُكْمٌ شَرعيٌّ، تُجُوِّز فِيهِ عَنِ الْأَصْلِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي ذَر «بَشِّر الكَنَّازِين برَضْف مِنْ جَهَنَّمَ» هُم جَمْع: كَنَّاز، وَهُوَ المُبالِغ فِي كَنْز الذَّهب والفِضة، وادِّخارِهِما وتَرْك إنفاقِهِما فِي أَبْوَابِ البِرِّ.
وَمِنْهُ قَوْلُهُ «لَا حَولَ وَلَا قُوّةَ إِلَّا بِاللَّهِ كَنْزٌ مِنْ كُنُوز الْجَنَّةِ» أَيْ أجْرُها مُدّخَرٌ لِقَائِلِهَا والمُتَّصِف بِهَا، كَمَا يُدَّخَر الكَنْز.
(س) وَفِي شِعْرِ حُمَيْد بْنِ ثَور:
فحِمَّلَ الْهَمّ «1» كِنازا جَلْعَدَاً
الكِناز: المُجْتَمِع اللَّحْم القَوِيُّة. وَكُلُّ مُجْتمع مُكْتَنِز. ويُرْوَى بِاللَّامِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ.
(كَنَسَ)
- فِيهِ «أَنَّهُ كَانَ يَقْرأ فِي الصَّلَاةِ بالجَوارِي الكُنَّسِ» الجَوارِي:
الكَواكِب السَّيَّارة. والكُنَّس: جَمْعُ كانِس، وَهِيَ الَّتِي تَغِيب، مِن كَنَس الظّبْيُ، إِذَا تَغَيَّب واسْتَتر فِي كِنَاسِه، وَهُوَ الموضِع الَّذِي يأوِي إِلَيْهِ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ زِيَادٍ «ثُمَّ اطْرُقوا وَراءكم فِي مَكانِس الرِّيَب» المَكانِس: جَمْعُ مَكْنَس، مَفْعَل مِنَ الكِنَاس. وَالْمَعْنَى: اسْتَتِروا فِي مَوَاضِعِ الرِّيبة.
(س) وَفِي حَدِيثِ كَعْبٍ «أَوَّلُ مَن لَبِس القَباء سُليمان عَلَيْهِ السَّلَامُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ إِذَا أدْخَل الرأسَ لِلُبْس الثِّيَابِ كَنَّسَت الشَّيَاطِينُ اسْتِهْزَاءً» يُقَالُ: كَنَّس أَنْفَهُ، إِذَا حَرَّكَهُ مُسْتَهْزِئًا، ورُوي:
__________
(1) انظر حواشي صفحة 196.(4/203)
(كَنَّصَت) بِالصَّادِّ. يُقَالُ: كنَّص فِي وَجْه فُلان إِذَا اسْتَهْزَأ بِهِ.
(كَنَعَ)
(س هـ) فِيهِ «أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الكُنُوع» هُوَ الدُّنُوُّ مِنَ الذُّل والتَّخَضُّع للسُّؤال.
يُقَالُ: كَنَعَ كُنُوعاً، إِذَا قَرُب ودَنا.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ تَحْمِلُ صبِيَّاً بِهِ جُنون، فَحَبس رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الراحِلةَ ثُمَّ اكْتَنَعَ لَهَا» «1» أَيْ دنَا مِنْهَا. وَهُوَ افْتَعَل، مِنَ الكُنُوع.
وَفِيهِ «إنَّ المُشركين يومَ أُحُد لَّما قَرُبوا مِنَ الْمَدِينَةِ كَنَعُوا عَنْهَا» أَيْ احْجَموا مِنَ الدُّخُولِ إِلَيْهَا. يُقَالُ: كَنَعَ يَكْنَع كُنُوعا، إِذَا جَبُن وهَرَب، وَإِذَا عَدَل.
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ «أتَتْ قافلةٌ مِنَ الْحِجَازِ فَلَمَّا بلَغُوا الْمَدِينَةَ كَنَعُوا عَنْهَا» .
(س) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «أَنَّهُ قَالَ عَنْ طلحةَ لَمَّا عُرِض عَلَيْهِ للخِلافة: الأَكْنَع، إِنَّ فِيهِ نَخْوةً وكِبْراً» الأَكْنَع: الأشَلُّ. وَقَدْ كَنِعَت أصابِعُه كَنَعاً، إِذَا تَشَنَّجَت وَيبِسَت، وَقَدْ كَانَتْ يدُه أصِيبَت يومَ أُحُد، لَمَّا وَقَى بِهَا رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فشَلَّت.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ خَالِدٍ «لَّما انْتهى إِلَى العُزَّى ليَقْطَعَها قَالَ لَهُ سادِنُها: إنَّها قاتِلَتُك، إِنَّهَا مُكَنِّعَتُك» أَيْ مُقَبِّضةٌ يَديك ومُشِلَّتُهما.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ الأحْنَف «كلُّ أمْرٍ ذِي بالٍ لَمْ يُبْدَأ فِيهِ بِحَمْدِ اللهِ فَهُوَ أَكْنَعُ» أَيْ ناقِصٌ أبْتَر. والمُكَنَّع: الَّذِي قُطِعَت يَداه.
(كَنَف)
(هـ) فِيهِ «إِنَّهُ تَوَضَّأ فأدْخَل يَدَه فِي الْإِنَاءِ فكَنَفَها وضَرَب بِالْمَاءِ وجْهَه» أَيْ جَمَعَها وَجَعَلَهَا كالكِنْف، وَهُوَ الْوِعاء.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «أَنَّهُ أعْطَى عِياضاً كِنْف الرَّاعِي» أَيْ وِعاءه الَّذِي يَجْعَل فِيهِ آلَتَه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَمْرو وزَوْجَته «لَمْ يُفَتِّش لَنا كِنفا» أَيْ لَمْ يُدْخِل يَده مَعَهَا، كَمَا يُدْخِل الرجُلُ يَده مَعَ زَوْجته فِي دَواخِل أمْرِها.
__________
(1) في الهروي والفائق 2/ 431: «إليها» .(4/204)
وَأَكْثَرُ مَا يُرْوَى بِفَتْحِ الْكَافِ وَالنُّونِ، مِنَ الكَنَف، وَهُوَ الْجَانِبُ، تَعْني أَنَّهُ لَمْ يَقْرَبْها.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «أَنَّهُ قَالَ لِابْنِ مَسْعُودٍ: كُنَيْفٌ مُلِئَ عِلْماً» هُوَ تَصْغير تَعْظيم للكِنْف، كَقَوْلِ الحُبَاب بْنِ المُنْذِر: أَنَا جُذَيْلُها المُحَكَّك، وعُذَيْقُها المُرَجَّب.
(س) وَفِيهِ «يُدْنَى المؤمنُ مِنْ رَبِّهِ حَتَّى يَضع عَلَيْهِ كَنَفه» أَيْ يَسْتُره. وَقِيلَ: يَرْحَمه ويَلْطُف بِهِ.
والكَنَف بِالتَّحْرِيكِ: الجانِب والناحِية. وَهَذَا تَمْثِيلٌ لجَعْله تَحْتَ ظِلّ رَحْمَتِهِ يومَ الْقِيَامَةِ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي وَائِلٍ «نَشَر اللهُ كَنَفَه عَلَى المُسْلم يومَ الْقِيَامَةِ هَكَذَا، وتَعَطَّف بِيَدِهِ وكُمِّه» وجَمْعُ الكَنَفِ: أَكْناف.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ جَرِيرٍ «قَالَ لَهُ: أيْنَ مَنْزِلُك؟ قَالَ [لَهُ] «1» : بأَكْنَاف بِيشَة» أَيْ نَواحيها.
وَفِي حَدِيثِ الإفْك «مَا كَشَفْتُ مِنْ كَنَف أنْثَى» يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بالكَسْرِ مِنَ الْأَوَّلِ؛ وَبِالْفَتْحِ مِنَ الثَّانِي.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «لَا تَكُن لِلْمُسْلِمِينَ كَانِفَةً» أَيْ سَاتِرَةً. والْهَاء للمُبالَغَة.
وَحَدِيثُ الدُّعَاءِ «مَضَوْا عَلَى شاكِلَتِهم مُكَانِفِين» أَيْ يَكْنُف بعضُهم بَعْضاً.
وَحَدِيثُ يَحْيَى بْنِ يَعْمَر «فاكْتَنَفْتُه أَنَا وَصاحبي» أَيْ أحَطْنا بِهِ مِنْ جانِبَيه.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «والنَّاس كَنَفَيْه» وَفِي رِواية «كَنَفَتَيْه» .
وَحَدِيثُ عُمَرَ «فَتَكَنَّفَه الناسُ» .
(س) وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ حِينَ اسْتَخْلَف عُمَر «أَنَّهُ أشْرَف مِنْ كَنِيفٍ فكَلَّمَهم» أَيْ مِنْ سُتْره. وكُلُّ مَا سَتَر مِنْ بِنَاء أَوْ حَظِيرة، فَهُوَ كَنِيف.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَابْنِ الْأَكْوَعِ:
تَبيتُ بَيْن الزَّرْب والكَنِيفِ
__________
(1) سقط من ا، واللسان.(4/205)
أَيِ المَوْضع الذَّي يَكْنِفُهَا ويَسْتُرها.
وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «شَقَقْن أَكْنَفَ مُروطِهنّ فاخْتَمرنَ بِهِ» أَيْ أسْتَرها وأصْفَقَها.
ويُروَى بالثَّاء المثلَّثة. وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَر «قَالَ لَهُ رجُل: ألاَ أكُونُ لَكَ صاحِباً أَكْنِف راعِيَك وأقْتَبِس مِنْكَ» أَيْ أُعِينُه وأكُونُ إِلَى جَانِبِهِ، أَوْ أجْعَله فِي كَنَف. وكَنَفْت الرجُل، إِذَا قمتَ «1» بأمْرِه وجَعَلته فِي كَنَفِكَ.
وَفِي حَدِيثِ النَّخَعِيّ «لَا يُؤخذ فِي الصَّدقة كَنُوف» هِيَ الشَّاةُ القَاصِية الَّتِي لَا تَمْشِي مَعَ الغَنم. ولَعَلَّه أَرَادَ لإِتْعابها المُصَدِّقَ باعْتِزالها عَنِ الغَنَم، فَهِيَ كالمُشَيَّعة المَنْهِيِّ عَنْهَا فِي الْأَضَاحِي.
وَقِيلَ: ناقةٌ كَنُوف: إِذَا أَصَابَهَا البَرْدُ، فَهِيَ تَسْتَتِر بِالْإِبِلِ.
(كَنَنَ)
- فِي حَدِيثِ الِاسْتِسْقَاءِ «فلَّما رَأَى سُرْعَتَهم إِلَى الكِنّ ضَحِك» الكِنُّ:
مَا يَرْدّ الحَرَّ والبَرْد مِنَ الأبِنَية وَالْمَسَاكِنِ. وَقَدْ كَنَنْتُه أَكُنُّه كَنّاً، والاسْم: الكِنُّ.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «عَلَى مَا اسْتَكَنَّ» أَيِ اسْتَتر.
(س) وَفِي حَدِيثِ أُبيِّ «أَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ وَالْعَبَّاسِ وَقَدِ اسْتَأْذَنَا عَلَيْهِ: إنَّ كَنَّتَكُما كَانَتْ تُرجِّلُني» الكَنَّه: امْرأة الابْن وامْرَأة الْأَخِ، أَرَادَ امْرَأتَه، فَسَّماها كَنَّتَهما؛ لأنهُ أخُوهُما فِي الْإِسْلَامِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «فَجاء يَتَعاهد كَنَّتَه» أَيِ امْرَأة ابْنه.
(كَنَهَ)
(س) فِيهِ «مَن قَتَل مُعاهداً فِي غَيْرِ كُنْهِه» كُنْهُ الأمْر: حَقيقته. وَقِيلَ:
وَقْته وقَدْرُه. وَقِيلَ: غايَتُه. يَعْنِي مَن قَتَله فِي غيْرِ وَقْته أَوْ غايةِ أمْرِه الَّذِي يَجُوزُ فِيهِ قَتْلُه.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَا تَسْألِ «2» المرأةُ طلاقَها فِي غيْرِ كُنْهِهِ» أَيْ فِي غَيْر أَنْ تَبْلُغ مِنَ الأذَى إِلَى الْغَايَةِ الَّتِي تعُذَر فِي سُؤال الطَّلاق مَعَها.
(كَنَهْوَرٌ)
- فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «وَمِيضُه فِي كَنَهْوَرِ رَبابِه» الكَنَهْوَر: العَظِيم من
__________
(1) في الأصل: «أقمت» والتصحيح من ا.
(2) ضبط في الأصل بضم اللام. وضبطته بالكسر من ا، واللسان.(4/206)
السَّحاب. والرَّباب: الأبيَض مِنْهُ. والنُّون والواوُ زَائِدَتَانِ.
(كَنَا)
(س) فِيهِ «إنَّ للِرُّؤيا كُنًى، وَلَهَا أسْماءٌ، فكَنُّوها بكُنَاهَا، واعتَبرُوها بِأَسْمَائِهَا» الكُنَى: جَمْع كُنْيَة، مِنْ قَوْلِكَ: كَنَيْتُ عَنِ الْأَمْرِ وكنوتُ عَنْهُ، إِذَا وَرّيْتَ عَنْهُ بِغَيْرِهِ.
أرادَ: مَثِّلُوا لَها مِثَالاً إِذَا عَبَرْتُموها. وَهِيَ الَّتي يَضْرِبُها مَلَكُ الرُّؤيا للرجُل فِي مَنامِه؛ لِأَنَّهُ يَكْنِي بِهَا عَنْ أعْيان الْأُمُورِ، كَقَولهم فِي تَعِبِير النَّخل: إنَّها رِجالٌ ذَوُو أحْسَاب مِنَ العَرب، وَفِي الجَوْزِ: إنَّها رجالٌ مِنَ العَجم، لأنَّ النَّخْلَ أكْثر مَا يَكُونُ فِي بِلَادِ العَرب، والجَوْز أَكْثَرُ مَا يَكُونُ فِي بِلَادِ العَجَم.
وَقَوْلُهُ «فاعْتَبِرُوها بأسْمَائها» : أَيِ اجْعَلوا أسْمَاء مَا يُرَى فِي المَنام عِبْرةً وَقِيَاسًا، كَأَنْ رَأى رجُلاً يُسَمَّى سَالِمًا فأوّلَه بالسَّلامة، وغانِماً فأوّلَه بالغَنِيمة.
وَفِي حَدِيثِ بَعْضِهِمْ «رَأَيْتُ عِلْجاً يَوْمَ القادِسِيَّة وَقَدْ تَكَنَّى وتَحَجَّى» أَيْ تَسَتَّر، مِن كَنَى عَنْهُ، إِذَا ورَّى، أَوْ مِنَ الكُنْيَة، كَأَنَّهُ ذكَر كُنْيَتَه عِنْدَ الحَرْب ليُعْرف، وهُو مِنْ شِعَار المُبارِزِين فِي الحَرْب. يَقُولُ أَحَدُهُمْ: أَنَا فُلان، وَأَنَا أَبُو فُلان.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «خُذْها مِنِّي وَأَنَا الغُلاَم الغِفارِيّ» .
وَقَوْلُ عَلِيٍّ: «أَنَا أَبُو حَسنٍ القَرْمُ» .
بَابُ الْكَافِ مَعَ الْوَاوِ
(كَوَبَ)
(هـ) فِيهِ «إنَّ اللهَ حَرَّم الخَمْرَ والكُوبة» هِيَ النَّرْد. وَقِيلَ: الطَّبْل.
وَقِيلَ: البَرْبَط.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «أُمِرْنا بَكَسْر الكُوبة والكِنَّارة والشِّيَاع» .
(كَوَثَ)
(س) فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «قَالَ لَهُ رَجُلٌ: أخبرنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ أصْلِكم مَعاشِرَ قُرَيْشٍ، فَقَالَ: نَحْنُ قومٌ مِنْ كُوثَى» أَرَادَ كُوثَي العِراق، وَهِيَ سُرَّة السَّواد، وَبِهَا وُلد إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
وَفِي حَدِيثِهِ الْآخَرِ «مَن كَانَ سائِلاً عَنْ نَسَبِنا فإنَّا قَوْمٌ مِنْ كُوثَى» وَهَذَا مِنْهُ تَبَرُّؤٌ مِن(4/207)
الفَخْر بالأنْساب، وتحقيقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ» .
وَقِيلَ: أَرَادَ كُوثى مَكَّة، وَهِيَ مَحَلَّة عَبْدِ الدَّارِ. وَالْأَوَّلُ أوجَه، ويَشْهَد لَهُ:
(س) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «نَحْنُ مَعاشِر قُرَيْشٍ حَيٌّ مِنَ النَّبَط مِنْ أَهْلِ كُوثَى» والنَّبَط مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ مُجَاهِدٍ «إنَّ مِنْ أسْماء مكةَ كُوثَى» .
(كَوْثَرَ)
(س) فِيهِ «أُعْطِيتُ الكَوثَرَ» وَهُوَ نَهْر فِي الْجَنَّةِ. قَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُهُ فِي الْحَدِيثِ، وَهُوَ فَوْعَل مِنَ الكَثْرة، والواوُ زَائِدَةٌ، وَمَعْنَاهُ: الخَيْر الْكَثِيرُ. وَجَاءَ فِي التَّفْسِيرِ: أنَّ الكَوْثر: القُرآن والنُّبُوة، وَالْكَوْثَرُ فِي غَيْرِ هَذَا: الرجُل الْكَثِيرُ العَطاء.
(كَوْدَنَ)
- فِي حَدِيثِ عُمَرَ «إنَّ الخَيل أَغَارَتْ بِالشَّامِ فأدْرَكَت العِرَابُ مِنْ يَوْمَها، وأدْرَكَت الكَوادِنُ ضُحَى الغَد» هِيَ البَراذينُ الهُجْن.
وَقِيلَ: الخَيْل التُّرْكِيَّة، وَاحِدُهَا كَوْدَن. والكَوْدَنَة فِي المَشْيِ: البُطْء.
(كَوَذَ)
(س) فِيهِ «أَنَّهُ ادّهَن بالكاذِيّ» قِيلَ: هُوَ شجرٌ طيِّب الرِّيحِ يُطَيَّب بِهِ الدُّهْن، مَنْبَتُه بِبِلَادِ عُمانَ، وألِفُه مُنْقَلِبة عَنْ واوٍ. كذَا ذَكره أَبُو مُوسَى.
(كَوَرَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ كَانَ يَتَعَوّذ مِنَ الحَوْر بَعْدَ الكَوْر» أَيْ مِنَ النُّقْصَان بَعْدَ الزِّيَادَةِ.
وَكَأَنَّهُ مِنْ تَكْوِير الْعِمَامَةِ: وَهُوَ لَفُّها وجَمْعُها. ويُرْوَى بِالنُّونِ.
وَفِي صِفَةِ زَرْع الْجَنَّةِ «فيُبَادِرُ الطَّرْف نَباتُه واسْتَحْصاده وتَكْوِيرُه» أَيْ جَمْعه وإلْقاؤه.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ «يُجاء بِالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ ثَوْرَيْن «1» يُكَوّران فِي النَّارِ يومَ الْقِيَامَةِ» أَيْ يُلَفَّان ويُجْمعان ويُلْقَيان فِيهَا.
والرِوَاية «ثَوْرَين» بِالثَّاءِ، كَأَنَّهُمَا يُمْسَخان. وَقَدْ رُوِي بِالنُّونِ، وَهُوَ تَصْحِيفٌ.
وَفِي حَدِيثِ طَهْفَة «بأَكْوَار المَيْس، تَرْتَمي بِنَا العيسُ» الأَكْوارُ: جَمْعُ كُور، بِالضَّمِّ، وَهُوَ رَحْل النَّاقَةِ بأداتِه، وَهُوَ كالسَّرْج وآلَتِه لِلْفرس.
__________
(1) في الأصل: «نُورَين» تصحيف، كما أشار المصنف.(4/208)
وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ مُفْرَداً وَمَجْمُوعًا. وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَفتح الْكَافَ، وَهُوَ خَطَأ.
(س) وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «لَيْسَ فِيمَا تُخْرِج أَكْوَارُ النَّحْل صَدَقة» وَاحِدُهَا: كُور، بِالضَّمِّ، وَهُوَ بَيْت النَّخْل والزَّنابير، والكُوَارُ والكُوارة: شَيْءٌ يُتَّخَذ مِنَ القُضْبان للنَّحل يُعْسِّل فِيهِ، أَرَادَ:
أَنَّهُ لَيْسَ فِي العَسل صَدقةٌ.
(كَوَزَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ الْحَسَنِ «كَانَ مَلِكٌ مِنْ مُلُوكِ هَذِهِ القَرْية يَرى الغُلامَ من غلْمانِه يَأتِي الْحُبَّ فَيَكتاز مِنْه، ثُمَّ يُجَرْجِرُ قَائِمًا فَيَقُولُ: يَا لَيْتني مِثلك، يَا لَهَا نِعْمةً تُؤكْل «1» لَذَّةً وتَخْرج سُرُحاً» يَكْتَاز: أَيْ يَغْتَرِف بالكُوزِ. وَكَانَ بِهَذَا المَلِك أُسْرٌ، وَهُوَ احْتِباس بَوْله، فتمَنَّى حَالَ غُلامِه.
(كَوَسَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ سَالِمِ بْنِ [عَبْدِ اللَّهِ بْنِ] «2» عُمَرَ «أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ الحجَّاج، فَقَالَ: مَا نَدِمْت عَلَى شَيْءٍ نَدمِي عَلَى أَلَّا أَكُونَ قَتَلتُ ابنَ عُمَر، فَقَالَ لَهُ سَالِمٌ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْ فَعَلْتَ ذَلِكَ لكَوَّسَك اللَّهُ فِي النَّارِ أعْلاك أسْفَلَك» أَيْ لَكَبَّك اللَّهُ فِيهَا، وَجَعَلَ أَعْلَاكَ أسْفَلك، وَهُوَ كَقَوْلِهِمْ: كَلَّمتُه فاهُ إِلَى فيَّ، فِي وقُوعه مَوْقِع الْحَالِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ قَتادة، ذَكَر أَصْحَابَ الأيْكة فَقَالَ: «كَانُوا أصحابَ شجرٍ مُتَكَاوِس» أَيْ مُلْتَفّ مُتَراكِب. ويُروَى «مُتَكادِس» وَهُوَ بِمَعْنَاهُ.
(كَوَعَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «بَعَث بِهِ أَبُوهُ إِلَى خَيْبر فَقَاسَمَهُمُ «3» الثَّمرة فسَحَروه، فتَكَوَّعَتْ أصابِعُه» الكَوَع بِالتَّحْرِيكِ: أَنْ تَعْوَجَّ اليَدُ مِنْ قِبَل الكُوع، وَهُوَ رَأْسُ اليَد ممَّا يَلي الإبْهام، والكُرْسوعُ: رأسُه مِمَّا يَلِي الخِنْصَر. يُقَالُ: كَوِعَتْ «4» يدُه وتَكَوَّعَت، وكَوَّعَه:
أَيْ صَيَّر أَكْوَاعَه مُعْوَجَّة. وقد تكرر في الحديث.
__________
(1) هكذا في الأصل. وفي ا، واللسان «تأكُل» وقد تقدم في مادة (سرح) : «تَشْرَب» .
(2) تكملة من الفائق 2/ 435.
(3) في الأصل، ا «وقاسمه» والتصحيح من اللسان، والهروي، والفائق 2/ 434. غير أن رواية اللسان: «وقاسمهم الثمرة» ورواية الهروي: «فقاسمهم التمر» .
(4) ضبط في الأصل: «كَوَّعَتْ» وأثبت ضبط الهروي. قال صاحب القاموس: «كَوع كفَرِح» .(4/209)
(س) وَفِي حَدِيثِ سَلَمة بْنِ الأَكْوع «يَا ثَكِلَتْه أمُّه، أَكْوَعُهُ بُكْرَةَ» «1» يَعْنِي أَنْتَ الأَكْوَع الَّذِي كَانَ قَدْ تَبِعَنا بُكْرة الْيَوْمِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَا لَحِقَهُمْ صَاحَ بِهِمْ «أَنَا ابْنُ الأَكْوَع، واليومَُ يومُ الرُّضَّع» فَلَمَّا عَادَ قَالَ لَهُمْ هَذَا الْقَوْلَ آخِرَ النَّهَارِ، قَالُوا: أنتَ الَّذِي كنتَ مَعَنَا بُكْرة؟
قَالَ: نَعَمْ، أَنَا أَكْوَعُكَ بُكْرَة.
ورأيتُ الزَّمَخْشَرِيَّ قَدْ ذَكَرَ الْحَدِيثَ هَكَذَا «قَالَ لَهُ الْمُشْرِكُونَ: بِكْرُة أَكْوَعَه «2» » يَعْنُون أنَّ سَلَمة بِكْرُ الأَكْوَعِ أَبِيهِ. والمَرْوَيّ فِي الصَّحِيحَيْنِ مَا ذَكرناه أَوَّلًا.
(كَوَفَ)
(س) فِي حَدِيثِ سَعْدٍ «لَّما أَرَادَ أَنْ يَبْني الكُوفة قَالَ: تَكَوَّفُوا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ» أَيِ اجْتَمِعوا فِيهِ، وَبِهِ سُمِّيت الكُوفة.
وَقِيلَ: كَانَ اسْمُها قَدِيمًا: كُوفان.
(كَوْكَبَ)
(س) فِيهِ «دَعا دَعْوة كَوْكَبِيَّة» قِيلَ: كَوْكَبِيَّة: قَرْية ظَلَم عَامِلُها «3» أهلَها فَدَعوا عَلَيْهِ فَلَمْ يَلْبَث أنْ مَاتَ، فَصَارَتْ مَثَلًا.
(س) وَفِيهِ «أنَّ عُثْمَانَ دُفنَ بِحْشّ كَوْكَب» كَوْكَب: اسْمُ رجُل أُضِيف إِلَيْهِ الْحِشّ وَهُوَ الْبُسْتَانُ. وكَوْكَب أَيْضًا: اسْمُ فَرَسٍ لِرَجُلٍ جَاءَ يَطوفُ عَلَيْهِ بِالْبَيْتِ فكُتِب فِيهِ إِلَى عُمر، فَقَالَ: امْنَعُوه.
(كَوَمَ)
(هـ) فِيهِ «أعْظَمُ الصَّدقة رِباط فَرَس فِي سَبِيلِ اللَّهِ، لَا يُمْنَع كَوْمُه» الكَوْمُ بِالْفَتْحِ: الضِّراب. وَقَدْ كَامَ الفَرَس أُنْثَاه كَوْماً. وأصل الكَوْم: من الارتفاع والعُلُوّ.
__________
(1) أكوعه، برفع العين، أي أنت الأكوع الذي كنت بكرة هذا النهار. وبكرة: منصوب غير منون. قال الإمام النووي: «قال أهل العربية: يقال: أتيته بكرةً، بالتنوين، إذا أردت أنك لقيته باكراً في يوم غير معين. قالوا: وإن أردت بكرة يوم بعينه قلت: أتيته بكرةَ؛ غير مصروف لأنها من الظروف غير المتمكنة» شرح النووي على مسلم (باب غزوة ذي قرد من كتاب الجهاد والسير) 12/ 181.
(2) لم يرد هذا القول في الفائق 1/ 588 والضبط المثبت من: ا
(3) وكان عاملاً لابن الزبير. كما في معجم البلدان لياقوت 7/ 301(4/210)
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إنَّ قَوْماً مِنَ المُوَحِّدين يُحْبَسون يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى الكَوْمِ إِلَى أَنْ يُهَذَّبُوا» هِيَ بِالْفَتْحِ: المَواضع المُشْرِفة، وَاحِدُهَا: كَوْمَة. ويُهَذَّبُوا: أَيْ يُنَقَّوا مِنَ المَآثم.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «يَجِيء «1» يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى كَوْم فوقَ النَّاسِ» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ الحَثِّ عَلَى الصَّدَقَةِ «حَتَّى رأيتُ كَوْمَيْن مِنْ طَعام وثِياب» .
(س) وَحَدِيثُ عَلِيٍّ «أَنَّهُ أُتِيَ بِالْمَالِ فكَوَّمَ كَوْمةً مِنْ ذَهَب، وكَوْمة مِنْ فِضَّةٍ، وَقَالَ:
يَا حَمْراء احْمَرّي، وَيَا بَيْضاء ابْيَضِّي، غُرِّي غَيْرِي، هَذَا جَنَايَ وخِيَارُه فِيه، إذْ كُلُّ جَانٍ يَدْه إِلَى فِيهِ» أَيْ جَمَع مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صُبْرة ورَفَعها وعَلاَّها.
وبعضهُم يَضم الْكَافَ. وَقِيلَ: هُوَ بِالضَّمِّ اسمٌ لِمَا كُوِّم، وَبِالْفَتْحِ اسمٌ للفَعْلة الْوَاحِدَةِ.
(هـ) وَفِيهِ «أَنَّهُ رَأى فِي إبِل الصَّدقة نَاقَةً كَوْمَاءَ» أَيْ مُشْرفةَ السَّنام عاليَتَه.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فَيأتي مِنْهُ بناقَتَين كَوْمَاوَيْن» قَلَب الْهَمْزَةَ فِي التَّثْنية وَاوًا.
وَفِيهِ ذكْر «كَوْمُ عَلْقام» وَفِي رِوَايَةٍ «كُوم علْقماء» هُوَ بِضَمِّ الْكَافِ: مَوْضِعٌ بأسْفل دِيار مِصْر.
(كَوَنَ)
(س) فِيهِ «مَن رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي، فإنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَكَوَّنُنِي» وَفِي رِوَايَةٍ «لَا يَتَكَوَّنُ فِي صُورِتي» أَيْ يَتَشَبَّه بِي ويَتَصوّر بصُورتي. وَحَقِيقَتُهُ: يَصِير كائِناً فِي صُورتِي.
وَفِيهِ «اعُوذ بِكَ مِنَ الحَوْر بَعْدَ الكَوْن» الكَوْن: مَصْدَرُ «كَان» التامَّة. يُقَالُ: كَانَ يكونُ كَوْناً: أَيْ وُجِدَ واسْتَقرّ: أَيْ أَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّقْص بَعْدَ الوجُود والثَّبات.
ويُروَى بِالرَّاءِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَفِي حَدِيثِ تَوْبَةِ كَعْبٍ «رَأَى رجُلاً يَزُول بِهِ السَّراب، فَقَالَ: كُن أَبَا خَيْثَمة» أَيْ صِرْ: يُقَالُ للرجُل يُرَى مِنْ بَعِيد: كُنْ فُلاناً، أَيْ أنتَ فلانٌ، أَوْ هو فلان.
__________
(1) في ا: «نجيء» .(4/211)
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «أَنَّهُ دَخل الْمَسْجِدَ فرَأى رجُلاً بَذَّ الهَيْأة، فَقَالَ: كُنْ أَبَا مُسلم» يَعْنِي الخَوْلانيَّ.
وَفِيهِ «أَنَّهُ دَخل الْمَسْجِدَ وَعَامَّةُ أَهْلِهِ الكُنْتِيُّون» هُمُ الشُّيُوخُ الَّذِينَ يَقُولُونَ: كُنَّا كَذَا، وَكَانَ كَذَا، وكنتَ كَذَا. فَكَأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إِلَى كُنْتُ. يُقَالُ: كَأَنَّكَ وَاللَّهِ قَدْ كنتَ وصِرْتَ إِلَى كَانَ وَكُنْتَ: أَيْ صِرْتَ إِلَى أنْ يُقَالَ عَنْكَ: كَانَ فُلان، أَوْ يُقَالُ لَكَ فِي حَالِ الهَرَم: كُنْتَ مَرَّة كَذَا، وَكُنْتَ مَرَّةً كَذَا.
(كَوَى)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ كَوى سعدَ بنَ مُعاذ ليَنْقطِع دَمُ جُرْحِه» الكَيُّ بِالنَّارِ مِنَ العِلاج الْمَعْرُوفِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرَاضِ. وَقَدْ جَاءَ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ النَّهْيُ عَنِ الكَيِّ، فَقِيلَ: إِنَّمَا نَهَى عَنْهُ مِنْ أجْل أَنَّهُمْ كَانُوا يُعَظِّمون أمْرَه، ويَرَون أَنَّهُ يَحْسِمُ الدَّاءَ، وَإِذَا لَمْ يُكْوَ العُضْوُ عَطِبَ وبَطَلَ، فَنهاهم إِذَا كَانَ عَلَى هَذَا الوجْه، وأباحَه إِذَا جُعِل سَبَباً للشِّفاء لَا عِلَّة لَهُ، فإنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي يُبْرِئه ويَشْفِيه، لَا الكَيُّ والدَّواء.
وَهَذَا أَمْرٌ تَكْثُر فِيهِ شُكوك النَّاسِ، يَقُولُونَ: لَوْ شَرِبَ الدَّواء لَمْ يَمُت، وَلَوْ أَقَامَ بِبلدِه لَمْ يُقْتَل.
وَقِيلَ: يَحتمِل أَنْ يَكُونَ نَهْيُه عَنِ الكَيِّ إِذَا اسْتُعِمل عَلَى سَبِيلِ الاحْتِراز مِنْ حُدوث المَرض وَقَبْلَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَإِنَّمَا أُبيح للتَداوِي والعِلاج عِنْدَ الْحَاجَةِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النهيُ عَنْهُ مِنْ قَبِيل التَّوكُّل، كَقَوْلِهِ: «هُمُ الَّذِينَ لَا يِسْتَرْقُون، وَلَا يَكْتَوُوُن، وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ*» والتَّوكُّل دَرَجَةٌ أخْرَى غَيْرُ الجَوازِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «إِنِّي لأَغْتَسِل قبلَ امْرأتِي ثُمَّ أَتَكَوَّى بِهَا» أَيْ أَسْتَدْفِئُ بِحرِّ جِسمِها، وأصلُه مِنَ الكَيِّ.
بَابُ الْكَافِ مَعَ الْهَاءِ
(كَهَرَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الحَكَم السُّلَمِيَ «فبِأبِي هو وأُمِّي، ما ضربنى ولا شنمنى وَلَا كَهَرَني» الكَهْر: الانْتِهار. وَقَدْ كَهَرَه يَكْهَرُه، إِذَا زَبَره واسْتَقْبله بوَجْهٍ عَبُوس.(4/212)
وَفِي حَدِيثِ المَسْعَى «أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُدَعُّون عَنْهُ وَلَا يُكْهَرُون» هَكَذَا يُرْوَى فِي كُتُب الْغَرِيبِ، وبعضِ طُرُق مُسلم. وَالَّذِي جَاءَ فِي الأكْثر «1» «يُكْرَهون» بِتَقْدِيمِ الرَّاءِ، مِنَ الإكْراه.
(كَهْكَهَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ الحَجّاج «أَنَّهُ كَانَ قَصِيراً أصْعَرَ «2» كهاكِهاً «3» » هُوَ الَّذِي إِذَا نَظَرت إِلَيْهِ رَأَيْتَهُ كَأَنَّهُ يَضْحَك، وَلَيْسَ بِضاحِك، مِنَ الكَهْكَهَة: القَهْقهة.
(كَهَلَ «4»
)
(هـ) فِي فَضْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ «هذانِ سَيّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ» وَفِي رِوَايَةٍ «كُهُول الأوَلين والآخِرين» الكَهْل مِنَ الرِجال: مَن زَادَ عَلَى ثَلَاثِينَ سَنَةً إِلَى الْأَرْبَعِينَ.
وَقِيلَ: مِنْ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ إِلَى تَمَامِ الْخَمْسِينَ. وَقَدِ اكْتَهَل الرَّجُلُ وكاهَل، إِذَا بَلَغ الكُهُولة فَصَارَ كَهْلا.
وَقِيلَ: أَرَادَ بالكَهْل هَاهُنَا الْحَلِيمَ العاقِلَ: أَيْ أَنَّ اللَّهَ يُدْخِل أهلَ الجنةِ الجنةَ حُلَماءَ عُقَلاء.
[هـ] وَفِيهِ «أَنَّ رَجُلًا سالَه الجِهاد مَعَهُ، فَقَالَ: هَلْ فِي أهْلِك مِن كاهِل» يُروى بِكَسْرِ الْهَاءِ عَلَى أَنَّهُ اسْمٌ، وبِفَتْحها عَلَى أَنَّهُ فعْل، بِوَزن ضارِبٍ، وضارَبَ، وَهُمَا مِنَ الكُهُولة: أَيْ هَلْ فِيهِمْ مَن أسَنَّ وَصَارَ كَهْلا؟
كَذَا قَالَ أَبُو عُبَيد. وَرَدَّهُ «5» عَلَيْهِ أَبُو سَعِيدٍ الضَّرير، وَقَالَ: قَدْ يَخْلُف الرجلَ فِي أهلهِ كَهْلٌ وغيرُ كَهْل.
__________
(1) انظر شرح النووي على مسلم (باب استحباب الرَّمَل في الطواف والعمرة. من كتاب الحج) 9/ 12.
(2) في ا: «أصغر» وفي اللسان، نقلاً عن الهروي: «أصفر» وعن ابن الأثير: «أصعر» والمثبت في الأصل، وهو الصواب. وانظر ص 31 من الجزء الثالث.
(3) في الهروي: «كُهاهَةً» وفي اللسان نقلاً عن الهروي: «كُهَاكِهَةً» .
(4) وضعت المواد فى الأصل، اهكذا (كهر. كهل. كهول. كهكة. كهم. كهن) وقد رتبتها على طريقة المصنِّف في إيراد الموادّ على ظاهر لفظها. وهي الطريقة التي شاعت في الكتاب كله.
(5) في ا: «وردَّ» .(4/213)
وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: سَمِعْت الْعَرَبَ تَقُولُ: فلانٌ كاهِلُ بَنِي فُلَانٍ: أَيْ عُمْدتهم فِي الُملِمَّات وسَنَدُهم «1» فِي المُهِمَّات. وَيَقُولُونَ: مُضَرُ كاهِل الْعَرَبِ، وتَميم كاهِل مُضَر. وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ كاهِل البَعير «2» ، وَهُوَ مُقَدَّمُ ظَهْرِهِ، وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ عَلَيْهِ المَحْمِلُ. وَإِنَّمَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ: هَلْ فِي أهْلِك مَن تَعْتمِد عَلَيْهِ فِي القِيام بأمْرِ مَن تَخْلُف مِنْ صِغارِ وَلَدك؟ لِئَلَّا يَضِيعوا، أَلَا تَراه قَالَ لَهُ: «مَا هُم إلاَّ أُصَيْبِيَةٌ»
صِغار» ، فَأَجَابَهُ وَقَالَ: «ففِيهم فجاهِدْ» .
وأنكَر أَبُو سَعِيدٍ الكاهِل، وزَعم أنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ لِلَّذِي يَخْلُف الرجلَ فِي أَهْلِهِ ومالِه:
كاهِنٌ، بِالنُّونِ. وَقَدْ كهَنَه يكْهُنُه كُهُوناً. فأمَّا أَنْ تَكُونَ اللَّامُ مُبْدَلة مِنَ النُّونِ، أَوْ أخْطَأ السامعُ فظَنَّ أَنَّهُ بِاللَّامِ.
(س) وَفِي كِتَابِهِ إِلَى الْيَمَنِ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ «والعِشاءُ إِذَا غَابَ الشَّفَقُ إِلَى أَنْ تَذْهب كَوَاهِلُ اللَّيْلِ» أَيْ أوائِلُه إِلَى أوْساطه، تَشْبِيهًا لِلَّيل بالإبِل السَّائِرَةِ الَّتِي تَتَقَدَّمُ أعْناقُها وهَواديِها.
ويَتْبَعها أعْجازُها وتَوالِيها.
والكَوَاهِل: جَمْع كاهِل وَهُوَ مُقَدّم أعْلى الظّهْر.
ومنه حديث عائشة «وقَرّرَ الرُّؤوسَ عَلَى كَواهِلِها» أَيْ أُثْبَتَها فِي أماكِنها، كَأَنَّهَا كَانَتْ مُشْفِيةً عَلَى الذَّهاب والهَلاك.
(كَهَمَ)
(س) فِي حَدِيثِ أُسَامَةَ «فَجعل يَتَكَهَّم بِهِمْ» التَّكَهُّم: التَّعَرّض للشَّرّ والاقِتحام فِيهِ. وَرُبَّمَا يَجْرِي مَجْرى السُّخْرية، ولعلَّه- إِنْ كَانَ مَحْفُوظًا- مَقْلُوبٌ مِنَ التَّهَكُّم، وَهُوَ الاسْتِهْزاء.
(س) وَفِي مَقْتَل أَبِي جَهْلٍ «إنَّ سَيفَك كَهامٌ» أَيْ كَلِيلٌ لَا يَقْطع.
(كَهَنَ)
(س) فِيهِ «نَهى عَنْ حُلْوان الكاهِن» الكاهِنُ: الَّذِي يَتَعاطَى الخَبَر عَنِ الكائِنات فِي مُسْتَقْبَل الزَّمَانِ، ويَدَّعي مَعْرِفَةَ الأسْرار. وَقَدْ كَانَ فِي الْعَرَبِ كَهَنة، كَشِقّ، وسَطِيح، وغيرِهما، فَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَزْعمُ أَنَّ لَهُ تابِعاً مِنَ الجِنّ وَرَئِيًّا يُلْقِي إِلَيْهِ الْأَخْبَارَ، وَمِنْهُمْ من
__________
(1) فى الهروي: «وسيِّدهم» .
(2) في الهروي، واللسان «الظَّهْر» .
(3) في الهروى: «صبية» .(4/214)
كَانَ يَزْعمُ أَنَّهُ يَعْرِف الْأُمُورَ بمُقَدِّمات أسْباب يَسْتَدلُّ بِهَا عَلَى مَواقِعها مِنْ كَلَامِ مَن يَسأله أَوْ فِعْلِه أَوْ حَالِهِ، وَهَذَا يَخُصُّونه بِاسْمِ العَرَاف، كَالَّذِي يَدَّعِي مَعْرِفَةَ الشَّيْءِ المَسْروق، وَمَكَانِ الضَّالَّة وَنَحْوِهِمَا.
وَالْحَدِيثُ الَّذِي فِيهِ «مَن أتَى كاهِنا» قَدْ يَشْتَمِل عَلَى إتْيان الكاهِن والعَرّاف والمُنَجِّم.
وجَمْعُ الكاهِن: كَهَنةٌ وكُهَّان.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْجَنِينِ «إِنَّمَا هَذَا مِنْ إخْوانِ الكُهَّان» إِنَّمَا قَالَ لَهُ ذَلِكَ مِن أجْل سَجْعه الَّذِي سَجَع، وَلَمْ يَعِبْه بمُجَرَّد السَّجْع دُونَ مَا تَضَمَّن سَجْعه مِنَ الْبَاطِلِ، فَإِنَّهُ قَالَ: كَيْفَ نَدِيَ مَن لَا أكَل وَلَا شَرِب وَلَا اسْتَهلَّ، ومِثْل ذَلِكَ يُطَلّ.
وَإِنَّمَا ضرَبَ الْمَثَلَ بالكُهَّان؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُرَوِّجُون أقاوِيلَهم الباطِلة بِأسْجاعٍ تَرُوق السَّامِعِين، فَيَسْتَمِيلون بِهَا الْقُلُوبَ، ويَسْتَصْغُون إِلَيْهَا الْأَسْمَاعَ. فأمَّا إِذَا وُضِع السَّجْع فِي مَواضِعه مِنَ الْكَلَامِ فَلاَ ذَمَّ فِيهِ. وَكَيْفَ يُذَمُّ وَقَدْ جَاءَ فِي كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرًا.
وَقد تَكَرَّرَ ذِكْرُهُ فِي الْحَدِيثِ، مُفْرداً وَجَمعاً، واسْماً وفِعْلاً.
وَفِيهِ «أَنَّهُ قَالَ: يَخْرُج مِنَ الكَاهِنَيْن رجُلٌ يَقْرأ الْقُرْآنَ لاَ يَقْرأ أحَدٌ قِرَاءتَه» قِيل:
إنَّه مُحَمَّدُ بْنُ كَعْب القُرظِيّ. وَكَانَ يُقَال لِقُرَيْظة والنَّضِير: الكاهِنَان، وَهُمَا قَبِيلاَ اليَهُود بِالْمَدِينَةِ، وهُم أَهْلُ كِتاَب وفَهْم وعِلْم، وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ مِن أوْلاَدهم.
والعرَب تُسَمِّي كلَّ مَنْ يَتعاطَى عِلْماً دَقيقاً: كاهِنا. وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يُسَمِّي المُنَجِّم والطَّبيب كاهِناً.
(كَهْوَلٌ)
[هـ] فِي حَدِيثِ عَمْرٍو «قَالَ لِمُعَاوِيَةَ: أتَيْتُك وأمْرُك كَحُقِّ الكَهُول» هَذِهِ الَّلفْظة قَدِ اخْتُلِف فِيهَا، فرَواها الْأَزْهَرِيُّ بِفَتْحِ الْكَافِ وَضَمِّ الْهَاءِ، وَقَالَ: هِيَ الْعَنْكَبُوتُ.
وَرَوَاهَا الْخَطَّابِيُّ وَالزَّمَخْشَرِيُّ بِسُكُونِ الْهَاءِ وَفَتْحِ الْكَافِ وَالْوَاوِ، وَقَالَا: هِيَ العَنْكَبوت.
وَلَمْ يُقَيَّدها القُتْيبي.
ويُرْوَى «كحُقِّ الكَهْدَل» بِالدَّالِ بَدَلَ الْوَاوِ.
وَقَالَ القُتَيْبي: أمَّا حُقّ الكَهْدَل فَلَمْ أسْمَع فِيهِ شَيْئًا مَّمن يُوثَق بعِلمه، بَلَغنِي أنه بَيْت(4/215)
الْعَنْكَبُوتِ. وَيُقَالُ: إِنَّهُ ثَدْيُ الْعَجُوزِ. وَقِيلَ: الْعَجُوزُ نفْسها، وحُقُّها: ثَدْيها. وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.
(كَهَهَ)
(س) فِيهِ «أنَّ مَلَك المَوْت قَالَ لمُوسى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ يُريد قَبْضَ رُوحه:
كُهَّ فِي وَجْهي، فَفَعل فَقَبض رُوحَه» أَيِ افْتَح فَاك وَتَنَفَّسْ. يُقَالُ: كَهَّ يَكُهُّ. وكُهَّ يَا فُلان:
أَيْ أخْرِج نَفَسك.
ويُرْوَى «كَهْ» بهَاء واحِدة مُسكَّنَة، بوَزن خَفْ، وَهُوَ مِنْ كاَهَ يَكَاه، بِهَذا المْعنى.
(كَهَا)
(هـ) فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «جاءتْه امْرأةٌ فَقَالَتْ: فِي نَفْسي مَسْألة وأنَا أَكْتَهِيك أنْ أشَافِهَك بِهَا، فَقَالَ: اكْتُبِيها فِي بِطَاقَة» «1» أَيْ أُجِلُّك وأحْتَشِمُك، مِنْ قَولِهم للِجَبَان:
أَكْهَى، وَقَدْ كَهِيَ يَكْهَى، واكْتَهَى؛ لِأَنَّ الْمُحْتَشِمَ تَمْنَعُهُ الْهَيْبَةُ عَنِ الْكَلَامِ.
بَابُ الْكَافِ مَعَ الْيَاءِ
(كَيَتَ)
(س) فِيهِ «بِئْسَ مَا لأحَدِكم أَنْ يَقُولَ: نَسِيتُ آيَة كَيْتَ وكَيْتَ» هِيَ كِناية عَنِ الأمْر، نَحو كَذَا وَكَذَا. قَالَ أَهْلُ العَربِيَّة: إنَّ أصْلَها «كَيَّة» بِالتَّشْدِيدِ، وَالتاء فِيهَا بَدل مِنْ إحْدَى اليَاءين، وَالهاءُ الَّتِي فِي الأصْل محْذُوفَة. وَقَدْ تُضمُّ التَّاءُ وتُكْسَر.
(كَيَحَ)
(س) فِي قِصَّة يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ «فَوَجَدُوهُ فِي كِيحٍ يُصَلِّي» الكِيح بِالْكَسْرِ، والْكَاحُ: سَفح الجَبلِ وسَنَده.
(كَيَدَ)
[هـ] فِيهِ «أَنَّهُ دَخَل عَلَى سَعْد وَهُوَ يَكِيدُ بنَفْسِه» أَيْ يَجُود بِهَا، يُريد النَّزْع والكَيْدُ: السَّوْق.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «تَخْرَج المرأةُ إِلَى أَبِيهَا يَكِيدُ بنَفْسِه» أَيْ عِنْد نَزْع رُوحِه ومَوْته.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا غَزْوَة كَذَا فرجَع وَلَمْ يَلْقَ كَيْداً» أَيْ حَرْبًا.
وَفِي حَدِيثِ صُلْحِ نَجْرَان «إنَّ عَلَيْهِمْ عارِيَّةَ السِّلَاحِ إنْ كَانَ بِالْيَمَنِ كَيْدٌ ذَات غَدْرٍ» أي حَرْب، ولذلك أنَّثَها.
__________
(1) جاء في الهروي: «ويُروى: «في نطاقة» الباء تبدل من النون» وانظر ص 136 من الجزء الأول.(4/216)
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ «1» الْعَاصِ «مَا قَوْلُكَ فِي عُقُولٍ كَادَها خَالِقُها؟» وَفِي رِوَايَةٍ «تِلك عُقُول كادَها بَارِئُها» أَيْ أرادَها بِسُوء، يَقَال: كِدْت الرجُل أَكِيده. والكَيْد:
الاحْتِيال والاجْتِهَاد، وَبه سُمِّيت الحَرْب كَيْداً.
(هـ س) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «نَظَر إِلَى جَوَار وقَد كِدْنَ فِي الطَّريق، فأمَر أنْ يَنحْينَ» أَيْ حِضْنَ. يُقَالُ: كادَت المَرْأةُ تَكِيدُ كَيْداً، إِذَا حاضَتْ، والكَيْدُ أيْضاً: القَيْء.
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحَسَنِ «إِذَا بَلَغ الصَّائمُ الكَيْدَ أَفْطَرَ» .
(كَيَرَ)
- فِيهِ «مَثَلُ الجَلِيس السُّوء مَثَل الْكِير» الكِيرُ بالكَسْر: كِير الحَدّاد، وَهُوَ المَبْنِيُّ مِنَ الطِّين. وَقِيلَ: الزِّقّ الَّذِي يُنْفَخ بِهِ النَّار، والمَبْنِيُّ: الكُورُ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «الْمَدِينَةُ كالكِير تَنْفِي خَبَثَها ويَنْصَع طِيبُها» وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
وَفِي حَدِيثِ الْمُنَافِقِ «يَكِيرُ فِي هَذِهِ مَرَّةً، وَفِي هَذِهِ مَرَّة» أَيْ يَجْرِي. يُقَالُ: كَارَ الفرسُ يَكِير، إِذَا جَرى رافِعاً ذَنَبَه.
ويُرْوَى «يَكْبِن» ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
(كَيَسَ)
- فِيهِ «الكَيِّسُ مَن دانَ نَفْسَه وعَمِل لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ» أَيِ الْعَاقِلُ. وَقَدْ كاسَ يَكِيسُ كَيْساً. والكَيْس: الْعَقْلُ.
[هـ] وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ» أَيْ أعْقَل.
(هـ) وَفِيهِ «فَإِذَا قَدِمْتُم فالكَيْسَ الكَيْسَ» قِيلَ: أَرَادَ الْجِمَاعَ «2» فجَعل طَلَب الوَلَد عَقْلاً.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ فِي رِوَايَةِ «أتُراني إِنَّمَا كِسْتُك لآِخُذَ جَملك» أَيْ غَلَبْتُك بالكَيْس.
يُقَالُ: كَايَسَنِي فكِسْتُه: أَيْ كنتُ أَكْيَس مِنْهُ.
وَفِي حَدِيثِ اغِتسال الْمَرْأَةِ مَعَ الرَّجُلِ «إِذَا كَانَتْ كَيِّسَة» أَرَادَ بِهِ حُسْنَ الْأَدَبِ فِي استِعمال الماء مع الرجل.
__________
(1) الذي في الهروي: «وفي حديث عمر رضي الله عنه: وما قولك فى عقول ... » .
(2) عبارة الهروي: «قال ابن الأعرابي: الكَيْس: الْجِماع، والكيس: العقل. جعل طلب الولد عقلا» .(4/217)
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «وَكَانَ كيَّسَ الفِعْل» أَيْ حَسَنَه. والكَيْسُ فِي الْأُمُورِ يَجْرِي مَجْرَى الرِّفْق فِيهَا.
وَمِنْهُ حَدِيثُهُ الْآخَرُ:
أَمَا تَرانِي كيِّساً مُكَيَّساً
المُكيَّس: الْمَعْرُوفُ بالكَيْس.
وَفِيهِ «هَذَا مِنْ كِيس أَبِي هُرَيْرَةَ» أَيْ مِمَّا عِنْدَهُ مِنَ العِلم المُقْتَنَى فِي قَلبْه، كَمَا يُقْتَنَى الْمَالُ فِي الكِيس.
ورَواه بَعْضُهُمْ بِفَتْحِ الْكَافِ: أَيْ مِنْ فِقْهِه وفِطْنَتهِ، لَا مِنْ روايِته.
(كَيَعَ)
(هـ) فِيهِ «مَا زَالَتْ قُرَيشٌ كاعَةً حَتَّى ماتَ أَبُو طَالِبٍ» الكاعَة: جَمْعُ كائِع، وَهُوَ الجَبان، كَبَائِعٍ وباعَةٍ. وَقَدْ كاعَ يَكِيع. ويُرْوَى بِالتَّشْدِيدِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ.
أَرَادَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَجْبُنُون عَنْ أذَى النَّبِيِّ فِي حياتِه، فَلَمَّا مَاتَ اجْتَرَأُوا عَلَيْهِ.
(كَيَلَ)
(س [هـ] ) فِيهِ «المِكْيَال مِكيال أهلِ الْمَدِينَةِ، وَالْمِيزَانُ ميزانُ أَهْلِ مَكَّةَ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ:
هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ لِكُلِّ شَيْءٍ من الكَيْل والوَزْن، وإنما يأتَمُّ النَّاسُ فِيهِمَا بِهِمْ، وَالَّذِي يُعْرَف بِهِ أصلُ الْكَيْلِ والوزْن أنَّ كلَّ مَا لَزمه اسْمُ المَخْتُوم والقَفيز والمَكُّوك. وَالصَّاعِ والمُدّ، فَهُوَ كَيل، وكلَّ مَا لزِمَه اسمُ الأرْطال والأمْناء «1» والأوَاقيّ فَهُوَ وزْن «2» .
وَأَصْلُ التَّمر: الكَيل، فَلَا يَجُوزُ «3» أنْ يُبَاعَ وَزْناً بِوزن، لِأَنَّهُ إِذَا رُدَّ بَعْدَ الْوَزْنِ إِلَى الْكَيْلِ، لَمْ يُؤَمن فِيهِ التفاضُل «4» .
وَكُلُّ مَا كَانَ فِي عَهْد النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ مَكِيلا فَلَا يُبَاعُ إِلَّا بِالْكَيْلِ، وَكُلُّ مَا كَانَ بهما مَوْزُوناً فَلَا يُباع إلاَّ بِالْوَزْنِ، لئلاَّ يَدْخُله الرِّبَا بالتَّفاضُل.
__________
(1) في الهروي: «والأمنان» وقال صاحِب المصباح: «المَنَا: الذي يُكال به السمنُ وغيره ... والتثنية مَنَوَان، والجمع أَمناء: مثل سبب وأسباب. وفي لغة تميم: مَنٌّ، بالتشديد، والجمع أمنان، والتثنية مَنَّان، على لفظه» .
(2) هذا آخر كلام أبي عبيد. وما يأتي من كلام أبي منصور الأزهري. كما في الهروي.
(3) عبارة الهروي: «ولا يجوز أن يُباع رِطلاً برطل ولا وزناً بوزن» .
(4) هذا آخر كلام أبي منصور الأزهري. كما في الهروي.(4/218)
وَهَذَا فِي كُلِّ نَوْع تَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامُ الشَّرع مِنْ حُقوق اللَّهِ تَعَالَى، دُونَ مَا يَتَعَامَل النَّاسُ فِي بياعاتِهم.
فأمَّا المِكْيال فَهُوَ الصَّاعُ الَّذِي يتَعَلَّق بِهِ وُجوب الزَّكَاةِ، والكَفَّارات، والنَّفَقات، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَهُوَ مُقدَّر بكَيْل أَهْلِ الْمَدِينَةِ، دُونَ غيرِها مِنَ البُلْدان، لِهَذَا الْحَدِيثِ. وَهُوَ مِفْعال مِنَ الكَيل، والميمُ فِيهِ للآْلة.
وَأَمَّا الوَزْن فيُريد بِهِ الذهبَ وَالْفِضَّةَ خاصَّة، لِأَنَّ حَقَّ الزَّكَاةِ يَتَعَلَّق بِهِمَا.
ودِرْهُم أَهْلِ مَكَّةَ سِتَّة دَوانِيق، ودَراهم الْإِسْلَامِ المُعَدَّلة كلُّ عشرةٍ سبعةُ مثاقِيل.
وَكَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَتَعاملون بالدَّراهِم، عِنْدَ مَقْدِم رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، بالعَدَد، فأرْشَدَهم إِلَى وَزْن مَكَّةَ.
وأمَّا الدَّنانير فَكَانَتْ تُحْمَل إِلَى العَرب مِنَ الرُّوم، إِلَى أنْ ضَرَب عبدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوان الدِينار فِي أيَّامِه.
وأمَّا الأرْطال والأمْناء فَلِلنَّاسِ فِيهَا عَادَاتٌ مختلِفة فِي البلْدان، وهم معاملون بها ومجزون عَلَيْهَا.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «أَنَّهُ نَهَى عَنِ المُكايَلَة» وَهِيَ المُقَايَسة بِالْقَوْلِ، وَالْفِعْلِ، وَالْمُرَادُ المُكافَأة بالسُّوء وتَرْك الإغْضَاء والاحْتِمال: أَيْ تَقُول لَهُ وتَفْعَل معَه مِثْل مَا يَقول لَك ويَفْعَل معَك.
وَهِيَ مُفاعَلَة مِنَ الكَيْل.
وَقِيلَ: أَرَادَ بِهَا المُقَايَسَة فِي الدِّين، وتَرْك العَمَل بالأثَر.
(س [هـ] ) وَفِيهِ «أنَّ رجُلاً أتَى النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُقَاتِل العَدُو، فَسَأَلَهُ سَيفاً يُقاتِل بِهِ، فَقَالَ: لعلَّك إنْ أعْطَيْتُك «1» أنْ تَقُومَ فِي الكَيُّول، فَقَالَ: لَا» أَيْ فِي مُؤخَّر الصُّفُوف، وَهُوَ فَيْعُول، مِنْ كَالَ الزَّنْدُ يَكِيل كَيْلا، إِذَا كَبَا وَلَمْ يُخْرِج نَاراً، فَشبَّه مُؤخَّر الصُّفُوف بِهِ، لِأَنَّ مَن كَانَ فِيهِ لَا يُقاتِل.
وقِيل: الكَيُّول: الجبَان. والكَيُّول: مَا أشْرَف مِنَ الْأَرْضِ. يُرِيدُ: تَقُوم فَوْقَه فَتَنْظُر «2» مَا يَصْنَع غَيْرُك.
__________
(1) عبارة الهروي: «لعلِّي إن أعطيتكه» .
(2) فى الفائق 2/ 439: «فتبصّر» .(4/219)
حرف اللاّم
بَابُ اللَّامِ مَعَ الْهَمْزَةِ
(لَاتَ)
- فِيهِ «مَنْ حَلَف باللاَّت والعُزَّى فَلْيَقُل: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» اللاّتُ: اسْمُ صَنَم كَانَ لِثَقيف بالطَّائف، والوقْف عَلَيْهِ بِالْهَاءِ. وَبَعْضُهُمْ يَقِفُ عَلَيْهِ بالتَّاء، وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ. وإنَّما التَّاء فِي حَالِ الوَصْل وَبَعْضُهُمْ يُشَدّد التَّاء.
وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ اللَّاتِ. وَمَوْضِعُهُ «لَيَه» وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهُ هَاهُنَا لأجْل لفْظِه. وألِفُه مُنْقَلبة عَنْ يَاءٍ، ولَيْسَت هَمْزة.
وَقَوْلُهُ «فَلْيقُل لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» دَلِيل عَلَى أَنَّ الحالِف بِهِمَا؛ وَبِما كَانَ فِي مَعْناهُما لَا يَلْزُمه كفَّارةُ الْيَمِينِ، وإنَّما يَلْزمُه الإنابةَ والاسِتْغفار.
(لَأَمَ)
- فِيهِ «لّمَّا انْصًرف النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الخَنْدق وَوَضَع لَأْمَتَه أَتَاهُ جبْريل فأمَره بِالْخُرُوجِ إِلَى بَنِي قُرَيْظَة» اللَّأْمَة مَهْموزة: الدِّرْع. وَقِيلَ: السِّلاح. ولَأْمَةُ الحَرب: أدّاتُه.
وَقَدْ يُتْرك الْهَمْزُ تَخفيفاً. وَقَدْ تَكَرَّرَتْ فِي الْحَدِيثِ.
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «كَانَ يُحَرِّض أصحابَه وَيَقُولُ: تَجَلْبَبُوا السَّكينة، وأكْمِلوا اللُّؤَم» هُو جَمْع «1» لَأْمَة، عَلَى غَيْرِ قِياس. فَكَأَنَّ واحِدَه لُؤْمَة «2» .
وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ «أنَّه أمَر الشَّجَرتين فجاءتَا، فَلَمَّا كانَتَا بِالمَنْصَفِ لَأَمَ بَيْنَهُما» .
يُقَالُ: لَأَمَ ولَاءَمَ بَيْنَ الشَّيئين، إِذَا جَمَع بَيْنَهُما وَوَافَقَ، وتَلَاءَمَ الشَّيْآنِ والْتَأَمَا، بِمَعْنىً.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ «لِي قائدٌ لَا يُلَائِمُني» أَيْ يُوافِقني ويُسَاعِدُني. وقد تُخَفَّف الهمزة فتصير يَاء.
__________
(1) هذا من قول القُتَيْبي كما في الهروي.
(2) بعد هذا في الهروي: «واللُّؤْمة ايضاً: الحديدة التي يُحْرث بها» .(4/220)
ويُرْوَى «يُلاَوِمُني» بِالْوَاوِ، وَلاَ أصْل لَهُ، وَهُوَ تَحْرِيف مِنَ الرُّواة، لِأَنَّ المُلاَوَمة مُفَاعَلةٌ مِنَ اللَّوْمِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ «مَنْ لَايَمَكُم مِن مَملُوكِيكُم فأطْعِمُوه مَمَّا تأكُلون» هَكَذَا يُروَى بِالْيَاءِ، مُنْقَلبة عَنِ الهَمْزة. والأصْل: لَاءَمَكم.
(لَأْلَأَ)
(هـ) فِي صِفَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «يَتَلَأْلَأُ وَجْهُه تَلَأْلُؤَ القَمرِ» أَيْ يُشْرِق ويَسْتَنِير، مأخُوذ من اللُّؤلؤ.
(لأي)
- فِيهِ «مَن كَانَ لَهُ ثَلَاثُ بَنَات فَصَبر عَلَى لَأْوَائِهِنَّ كَنّ لَهُ حِجاباً مِنَ النَّارِ» اللأْواء: الشِّدة وَضِيق المَعِيشة.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «قَالَ لَهُ: ألَسْتَ تَحْزَن؟ ألَسْتَ تُصِيبُك اللأْوَاء؟» .
[هـ] وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ «مَنْ صَبَرَ عَلَى لَأْوَاء الْمَدِينَةِ» .
(لَأَى) - فِي حَدِيثِ أُمِّ أَيْمَنَ «فَبِلَأْيٍ مَا اسْتَغْفَرَ لَهم رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» أَيْ بَعْدَ مَشقَّة وَجهْدٍ وإبْطَاء.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ وهِجْرِتها ابْنَ الزُّبير «فَبِلَأْيٍ مَّا كلَّمَتْه» .
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «يجى مِنْ قِبَل المشرِق قَوْمٌ وَصَفَهُمْ، ثُمَّ قَالَ:
والرواية يَوْمَئِذٍ يُستَقَى عَلَيْهَا أحَبُّ إليَّ مِنْ لاءٍ وشاءٍ» قَالَ القُتَيْبي: هَكَذَا رَوَاهُ نَقَلَةُ الْحَدِيثِ «لاءٍ» بِوَزْنِ مَاءٍ، وَإِنَّمَا هُوَ «الْآءُ» بِوَزْنِ الْعَاع «1» ، وَهِيَ الثِّيرَانُ، وَاحِدُهَا «لَأًى» بوزْن قَفًا، وجَمْعُه أقْفاء، يُريد: بَعِيرٌ يُسْتَقَى عَلَيْهِ يَوْمَئِذٍ خيرٌ مِنِ اقْتِناء الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، كَأَنَّهُ أَرَادَ الزِراعة، لِأَنَّ أكثرَ مَن يَقْتَنِي الثِّيران وَالْغَنَمَ الزَّرَّاعُونَ.
بَابُ اللَّامِ مَعَ الْبَاءِ
(لَبَأَ)
(س) فِي حَدِيثِ وِلادة الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ «وأَلْبَأَهُ بريقِه» أَيْ صَبَّ رِيقَه فِي فِيهِ، كَمَا يُصَبّ اللِّبَأ فِي «2» فَم الصَّبِي، وَهُوَ أَوَّلُ مَا يُحْلَب عِنْدَ الوِلادة. ولَبَأَتِ الشاةُ وَلَدها: أرْضَعَتْه اللِّبَأ، وأَلْبَأْتُ السّخلة، أرضعتها اللِّبَأ.
__________
(1) فى الهروى: «ألماء» .
(2) بوزن عِنَب. كما في المصباح.(4/221)
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ «أَنَّهُ مَرَّ بأنْصارِيٍّ يَغْرِس نَخْلاً، فَقَالَ: يَا ابْنَ أخِي، أنْ بَلَغك أنَّ الدَّجَّالَ قَدْ خَرَجَ فَلَا يَمْنَعَنك مِنْ أنْ تَلْبَأَها» أَيْ لَا يَمْنَعَنَّك خروجهُ عَنْ غَرْسها وسَقْيِها أَوَّلَ سَقية؛ مَأْخُوذٌ مِنَ اللِّبَأ.
(لَبَبَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ الإهْلال بِالْحَجِّ «لَبَّيْك اللهمَّ لَبَّيْك» هُوَ مِنَ التَّلْبِية، وَهِيَ إجابةُ الْمُنَادِي: أَيْ إجابَتِي لَكَ يَا رَبِّ، وَهُوَ مأخُوذٌ مِنْ لَبَّ بِالْمَكَانِ وأَلَبَّ [بِهِ] «1» إِذَا أَقَامَ بِهِ، وأَلَبَّ عَلَى كَذَا، إِذَا لَمْ يُفارقْه، وَلَمْ يُسْتَعمَل إِلَّا عَلَى لَفْظ التَّثْنِية فِي مَعْنَى التَّكْرِيرِ: أَيْ إِجَابَةً بَعْدَ إِجَابَةٍ.
وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ بعامِلٍ لَا يَظْهر، كَأَنَّكَ قُلْتَ: أُلِبُّ إِلْبَاباً بَعْدَ إِلْباب. والتَّلْبِية مِنْ لَبَّيْك كالتَّهليل مِنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ اتّجاهِي وقَصْدِي يَا رَبِّ إِلَيْكَ، مِنْ قَوْلِهِمْ: دَارِي تَلُبُّ دَارَكَ: أَيْ تُوَاجِهُهَا.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ إِخْلَاصِي لَكَ، مِنْ قَوْلِهِمْ: حَسَبٌ لُبَاب، إِذَا كَانَ خَالِصًا مَحْضاً. وَمِنْهُ لُبُّ الطَّعَامِ ولُبَابُه «2» .
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلْقَمَةَ «أَنَّهُ قَالَ للأسْود: يَا أَبَا عَمْرو، قَالَ: لَبَّيْك، قَالَ: لَبَّيْ يَدَيْكَ» قَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَاهُ سَلِمَت يَداك وصَحَّتا. وَإِنَّمَا تَرك الْإِعْرَابَ فِي قَوْلِهِ «يَدَيْكَ» ، وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ «يَداك» لتَزْدَوج يَدَيْك بلَبَّيْك.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: «فَمَعْنَى لَبَّيْ يَدَيْكَ: أَيْ أُطِيُعك، وأتَصَرَّف بإرادِتك، وَأَكُونُ كَالشَّيْءِ الَّذِي تُصَرِّفه بِيَدَيْكَ كَيْفَ شِئتَ» .
(هـ) وَفِيهِ «إِنَّ اللَّهَ مَنَع مِنِّي بَنِي مُدْلِج؛ لِصِلَتهم «3» الرَّحِمَ، وطَعْنِهم فِي أَلْبَاب الْإِبِلِ»
__________
(1) زيادة من الهروى.
(2) زاد الهروى من معانيها، قال: «والثالثّ: محبَّتي لك يا ربِّ. من قول العرب: امرأةٌ لَبَّةٌ، إذا كانت محبَّةً لولدها عاطفةً عليه. ومنه قول الشاعر:
وكنتم كأُمٍّ لَبَّةٍ ظَعَنَ ابنُها
(3) رواية الهروي: «إن الله منع من بني مدلج بصلتهم ... » .(4/222)
ورُوي «لَبَّات الْإِبِلِ» الأَلْبَاب «1» : جَمْع لُبّ، ولُبُّ كُلِّ شَيْءٍ: خالِصُه، أَرَادَ خالِصُ إبلِهم وكَرائمها.
وَقِيلَ: هُوَ جَمْع لَبَب، وَهُوَ المَنْحَر مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَبِهِ سُمّي لَبَبُ السَّرْج.
وأمَّا اللَّبَّات فَهِيَ جَمْع لَبَّة، وَهِيَ الهَزْمة الَّتِي فَوق الصَّدْر، وَفِيهَا تُنْحَر الْإِبِلُ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَمَا تَكُونُ الذَّكَاةُ إلاَّ فِي الحَلْق واللَّبَّة!» وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(هـ) وَفِيهِ «إنَّا حيٌّ مِن مَذْحِجٍ، عُبَابُ سَلَفِها، ولُبَابُ شَرَفِها» اللُّباب: الْخَالِصُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، كاللُّبِّ.
(هـ) وَفِيهِ «أَنَّهُ «2» صَلَّى فِي ثَوْبٍ واحدٍ مُتَلَبِّبا بِهِ» أَيْ مُتَحَزِّماً بِهِ عِنْدَ صَدْره. يُقَالُ:
تَلَبَّبَ بثَوبه، إِذَا جَمَعَه عَلَيْهِ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أنَّ رجُلاً خاصَم أَبَاهُ عِنْدَهُ فأمرَ بِهِ فلُبَّ لَهُ» يُقَالُ: لَبَبْتُ الرجُل ولَبَّبْتُه، إِذَا جَعَلَتَ فِي عُنُقه ثَوْباً أَوْ غَيْرَهُ وجَرَرْته بِهِ. وأخَذْتُ بِتَلْبِيب فُلَانٍ، إِذَا جَمَعْتَ عَلَيْهِ ثَوْبَهُ الَّذِي هُوَ لابسُه وقَبَضْت عَلَيْهِ تَجُرّه. والتَّلْبِيب: مَجْمَع مَا فِي مَوْضِعِ اللّبَب مِنْ ثِيَابِ الرَّجُلِ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ أمرَ بإخْراج المنافِقين مِنَ الْمَسْجِدِ، فَقَامَ أَبُو أيُّوب إِلَى رَافِعِ بْنِ وَدِيعة فَلَبَّبَه بردَائه، ثُمَّ نَتَره نَتْراً شَدِيداً» وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(هـ س) وَفِي حَدِيثِ صَفِية أُمِّ الزُّبَيْرِ «أَضْرِبُهُ «3» كَيْ يَلَبَّ» أَيْ يَصِيرُ ذَا لُبٍّ، واللُّبُّ:
العَقْل، وَجَمْعُهُ: أَلْبَاب. يُقَالُ: لَبَّ يَلَبُّ مِثْل عَضَّ يَعَضُّ، أَيْ صَارَ لَبِيباً. هَذِهِ لُغَةُ أهْلِ الْحِجَازِ، وَأَهْلُ نَجْدٍ يَقولُون: لَبَّ يَلِبُّ، بوَزْن فَرَّ يَفِرّ. وَيُقَالُ: لَبِبَ الرجُل بالكسر، يَلَبُّ بالفتح:
أي صَارَ ذَا لُبٍّ. وحُكي: لَبُبَ بالضَّم، وَهُوَ نَادِرٌ، وَلَا نَظِير لَهُ فِي المُضاعَف.
(س) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَمْرو «أَنَّهُ أتَى الطَّائِفَ فَإِذَا هُوَ يَرَى التُّيُوسَ تَلِبُّ- أَوْ تَنِبُّ- عَلَى الغَنَم» . هُوَ حِكايَة صَوْت التُّيُوس عِنْدَ السَّفَاد. يقال: لَبَّ يَلِبُّ، كَفَرّ يَفِرّ.
__________
(1) هذا من شرح أبي عبيد، كما في الهروي.
(2) أخرجه الهروي من حديث عمر رضي الله عنه. وانظر الفائق 2/ 445.
(3) انظر ص 281 من الجزء الأول.(4/223)
(لَبِثَ)
- فِيهِ «فاسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ» هُوَ اسْتَفْعَل مِنَ اللَّبْث: الإبْطاَء والَّتأخرِ. يُقَالُ:
لَبِثَ يَلْبَثُ لَبْثا، بسُكون الْبَاءِ، وَقَدْ تُفْتَح قَلِيلًا عَلَى القِياس.
وَقِيلَ: اللَّبْث: الِاسْمُ، واللُّبْث بالضَّم: المصْدر. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(لَبَجَ)
(س) فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ حُنَيف «لَمَّا أصابَه عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ بعَيْنه فَلُبِجَ بِهِ حَتَّى مَا يَعْقِل» أَيْ صُرِع بِهِ. يُقَالُ: لَبَجَ بِهِ الْأَرْضَ: أَيْ رَمَاه.
(س) وَفِيهِ «تَبَاعَدَتْ شَعُوبُ مِنْ لَبَجٍ فَعَاشَ أيَّاماً» هُو اسْمُ رَجُل. واللَّبَج:
الشَّجَاعَة. حَكَاهُ الزَّمَخْشَرِيُّ.
(لَبَدَ)
(هـ) فِيهِ «أنَّ عائشةَ أخْرَجَت كِسَاءً لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مُلَبَّداً» أَيْ مُرَقَّعاً. يُقَالُ: لَبَدْتُ القَميصَ أَلْبُدُهُ ولَبَّدْته «1» . وَيُقَالُ «2» للْخِرقَة الَّتِي يُرْقَع بِهَا صَدْر القَميص:
اللبْدَةُ. وَالَّتِي يُرقَع بِهَا قَبُّهُ: الْقَبِيلَةُ.
وَقِيلَ: المُلَبَّد: الَّذِي ثَخُنَ وَسَطُه وصَفُقَ حَتَّى صَارَ يُشْبِه اللِّبْدَة.
(س [هـ] ) وَفِي حَدِيثِ المُحْرِم «لَا تُخَمِّرُوا رَأسه فَإِنَّهُ يُبْعث يومَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّدا» هَكَذَا جَاءَ فِي رِواية «3» . وتَلْبِيد الشَّعَرِ: أَنْ يُجْعَل فِيهِ شيءٌ مِن صَمْغ عِنْدَ الإحْرامِ؛ لِئَّلا يَشْعَثَ ويَقْمَل إبْقَاءً عَلَى الشَّعَر. وإنَّما يُلَبِّد مَن يَطُول مُكْثُه فِي الإحْرام.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «مَن لَبَّدَ أوْ عَقَص فَعَلَيْهِ الحَلْقُ» .
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ فِي صِفَة الغَيْث «فَلَبَّدَتِ الدِّمَاثَ» أَيْ جَعَلَتْها قَويَّة لَا تَسُوخ فِيهَا الأرْجُل. والدِّماثُ: الأرَضون السَّهْلة.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْعٍ «لَيْسَ بِلَبِدٍ فَيُتَوَقَّلُ، وَلَا لَه عِنْدِي مُعَوَّل» أَيْ لَيْسَ «4» بمُسْتَمِسك مُتَلَبِّد، فَيُسرَعَ المَشْيُ فِيهِ ويُعْتَلَي.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ حُذَيفة، وذَكَر فِتْنة فَقال «الْبُدُوا لُبُودَ الرَّاعي عَلَى عَصَاهُ، لَا يذْهَب بِكُمُ السَّيْل» أَيِ الْزَمُوا الأرَض واقْعُدوا فِي بيُوتِكم، لا تَخْرجُوا منها فَتَهْلِكُوا، وتكونوا
__________
(1) زاد الهروي: «وألبدتُه» .
(2) قائل هذا هو الأزهري، كما في الفائق 2/ 449.
(3) والرواية الأخرى: «مُلَبّياً» انظر الفائق 3/ 175.
(4) هذا من شرح ابن الأنباري كما فى الهروى.(4/224)
كَمّن ذَهَب بِهِ السَّيل. يُقْال: لَبَد بِالْأَرْضِ وأَلْبَدَ بِهَا، إِذَا لَزِمها وَأقام.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «قَالَ لرجُلَين أتَياه يَسْألانهِ: الْبَدَا بِالْأَرْضِ حَتّى تَفْهما» أَيْ أَقِيمَا.
(هـ) وَحَدِيثُ قَتَادَةَ «الخشوعُ فِي القلْب، وإِلْبَادُ البَصَرِ فِي الصَّلَاةِ» أَيْ ألْزامه مَوْضعَ السُّجود مِنَ الْأَرْضِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَرزَة «مَا أرَى الْيَوْمَ خَيْراً مِنْ عِصَابةٍ مُلْبدة» يَعْني لَصِقوا بِالْأَرْضِ وأخْمَلُوا أنْفُسَهم.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ «أَنَّهُ كَانَ يَحلُبُ فَيَقُولُ: أُلْبِدُ أمْ أُرْغِي؟ فَإِنْ قَالُوا: أَلْبِدْ ألصَقَ العُلْبَة بالضَّرْع وحَلَبَ، فَلَا يَكُونُ لِلْحَليب رَغْوة، وإنْ أبَان العُلْبةَ، رَغَا لِشدَّة وَقْعِه» .
وَفِي صِفَةِ طَلْح الْجَنَّةِ «إنَّ اللَّهَ يَجْعَل مكانَ كُلِّ شَوْكة مِنْهَا مِثْلَ خُصوة «1» التَّيْس المَلْبُود» أَيِ المكْتَنِز اللَّحْم، الَّذِي لزِم بَعْضُه بَعْضاً فَتَلَبَّد.
(س) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً»
أَيْ مُجْتَمِعين بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، واحِدتُها: لِبْدَة.
(س) وَفِي حَدِيثِ حَميْد بْنِ ثَور:
وَبَيْنَ نِسْعَيْهِ خِدَبَّاً مُلْبِدَا
أَيْ عَلَيْهِ لِبْدَة مِنَ الوَبَر.
(س) وَفِيهِ ذِكْر «لُبَيْدا» «2» وَهِيَ اسْمُ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ.
(لَبَسَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ جَابِرٍ «لَّما نَزَل قَوْلُهُ تَعَالَى: «أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً»
اللبْس:
الخَلْط. يُقَالُ: لَبَسْت الْأَمْرَ بِالْفَتْحِ أَلْبِسُه، إِذَا خَلَطْتَ بعضَه بِبَعْضٍ: أَيْ يَجْعلكم فِرقَاً مختلفِين.
__________
(1) جاء في اللسان (مادة خصي) : «قال شَمِر: لم نسمع في واحد الخَصَي إلا خُصْية، بالياء؛ لأن أصله من الياء» . ويلاحظ أن ابن الأثير لم يذكر هذه المادّة.
(2) هكذا في الأصل. وفي ا: «لُبَيْداء» وفي اللسان: «لَبِيداً» .(4/225)
ومنه الحديث «فلَبَسَ عليه صلاتَه» .
والحديث الْآخَرُ «مَن لَبَسَ عَلَى نَفْسه لَبْساً» كلُّه بِالتَّخْفِيفِ، وربَّما شُدِّد للتَّكثير.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ صَيّاد «فَلَبَسَنِي» أَيْ جَعَلني أَلْتَبِسُ فِي أمْره.
وَحَدِيثُهُ الْآخَرُ «لُبِسَ عَلَيْهِ» وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ المَبْعث «فَجَاءَ المَلَكُ فشَقّ عَنْ قلْبه، قَالَ: فخِفت أَنْ يَكُونَ قَدِ الْتُبِسَ بِي» أَيْ خُولِطْت فِي عَقْلِي.
(هـ) وَفِيهِ «فيَأكُلُ وَمَا يَتَلَبَّس بيدِه طَعامٌ» أَيْ لَا يَلْزَق بِهِ؛ لنَظافة أكْله.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «ذَهَب وَلَمْ يَتَلَبَّس مِنْهَا بِشَيْءٍ» يَعْنِي مِنَ الدُّنْيَا.
وَفِيهِ «أَنَّهُ نَهى عَنْ لِبْسَتَيْن» هِيَ بِكَسْرِ اللَّامِ: الهَيْئة وَالْحَالَةُ. ورُوِي بِالضَّمِّ عَلَى الْمَصْدَرِ.
وَالْأَوَّلُ الْوَجْهُ.
(لَبَطَ)
[هـ] فِيهِ «أَنَّهُ سُئل عَنِ الشُّهداء، فَقَالَ: أُولَئِكَ يَتَلَبَّطون فِي الغُرَف العُلَى» أَيْ يَتَمرّغون.
(س [هـ] ) وَمِنْهُ حَدِيثُ ماعِز «لَا تَسُبُّوه فَإِنَّهُ الْآنَ يَتَلَبَّط فِي الْجَنَّةِ» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ أُمِّ إِسْمَاعِيلَ «جَعلت تَنْظر إِلَيْهِ يَتَلَوَّى ويَتَلَبَّطُ» .
[هـ] وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ خَرج وقُريشٌ مَلْبُوطٌ بِهِمْ» أَيْ أَنَّهُمْ سُقوطٌ بَيْنَ يَدَيْهِ.
(س [هـ] ) وَحَدِيثُ سَهل بْنِ حُنَيْفٍ «لَمَّا أَصَابَهُ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ بالعَيْن فلُبِطَ بِهِ» أَيْ صُرع وسَقَط إِلَى الْأَرْضِ. يُقَالُ: لُبِط بالرجُل فَهُوَ مَلْبُوط بِهِ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ «تَضْرب اليَتيم وتَلْبِطُه» أَيْ تَصْرَعه إِلَى الْأَرْضِ.
وَحَدِيثُ الْحَجَّاجِ السُّلَمي «حِينَ دَخل مَكَّةَ قَالَ لِلْمُشْرِكِينَ: [لَيْسَ] «1» عِنْدِي مِنَ الخَبر «2» مَا يَسُرُّكم، فَالْتَبطُوا بجَنْبَيْ نَاقتِه، يَقُولُونَ: إيهٍ يَا حَجَّاجُ» .
(لَبَقَ)
(هـ) فيه «فصَنَع ثَرِيدةً ثُمَّ لَبَّقَهَا» أَيْ خَلَطَها خَلْطاً شديداً. وقيل:
جَمَعها بالمِغْرَفة.
__________
(1) سقط من ا.
(2) في ا: «الخير» .(4/226)
(لَبَكَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ الْحَسَنِ «سَأله رَجُلٌ عَنْ مَسْأَلَةٍ ثُمَّ أَعَادَهَا فقَلَبَها، فَقَالَ لَهُ:
لَبَّكْت عليَّ» أَيْ خَلَطْت عليَّ. ويُروى «بكَّلْت» وَقَدْ تَقَدَّمَ.
(لَبَنَ)
(س) فِيهِ «إِنَّ لَبَن الفَحلِ يَحرِّم» يُريد بالفَحْل الرجلَ تَكُونُ لَهُ امرأةٌ وَلَدت مِنْهُ وَلَداً وَلَهَا لَبَن؛ فَكُلُّ مَنْ أرْضَعَتْه مِنَ الْأَطْفَالِ بِهَذَا اللَّبَن فَهُوَ مُحرَّم عَلَى الزَّوج وإخْوته وَأَوْلَادِهِ مِنْهَا، وَمِنْ غَيْرِهَا، لأنَّ اللَّبَن لِلزَّوْجِ حَيْثُ هُوَ سبُبه. وَهَذَا مَذْهَبُ الْجَمَاعَةِ. وَقَالَ ابْنُ المسَيّب والنَّخَعَيّ: لَا يُحَرِّم.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «وسُئل عَنْ رَجُلٍ لَهُ امْرَأَتَانِ أرْضَعت إِحْدَاهُمَا غُلَامًا وَالْأُخْرَى جَارِيَةً: أيَحِلُّ لِلْغُلَامِ أَنْ يَتَزوّج بِالْجَارِيَةِ؟ قَالَ: لَا، اللِّقَاح وَاحِدٌ» .
وَحَدِيثُ عَائِشَةَ «واسْتَأذن عَلَيْهَا أَبُو القُعَيس «1» فأبَت أَنْ تَأذَن لَهُ، فَقَالَ: أَنَا عَمُّكِ، ارْضَعَتْكِ امرأةُ أَخِي، فأبَت عَلَيْهِ حَتَّى ذَكَرتْه لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: هُوَ عَمك فلْيَلِجْ عَلَيْكِ» .
(س) وَفِيهِ «أنَّ رَجُلًا قَتل آخَرَ، فَقَالَ: خُذْ مِنْ أَخِيكَ اللُّبَّن» «2» أَيْ إِبِلًا لَهَا لَبَن، يعني الدَّية.
__________
(1) هكذا في الأصل، وا، واللسان. قال ابن عبد البر: «أفلح بن أبي القعيس، ويقال: أخو أبي القعيس. لا أعلم له خبراً ولا ذِكراً أكثر مما جرى من ذكره في حديث عائشة في الرضاع، في الموطّأ. وقد اختلف فيه. فقيل: أبو القعَيْس. وقيل: أخو أبي القعيس. وقيل: ابن أبي القعيس. وأصحها، إن شاء الله تعالى، ما قاله مالك ومَن تابعه عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة: جاء أفلح أخو أبي القعيس» الاستيعاب ص 102، 1733. وانظر أيضاً الإصابة 1/ 57 وانظر حديث عائشة هذا في صحيح البخاري (باب لبن الفحل، من كتاب النكاح) وصحيح مسلم (باب تحريم الرضاعة من ماء الفحل، من كتاب الرضاع) ، والموطأ (الحديث الثالث، من كتاب الرضاع) وسنن ابن ماجه (باب لبن الفحل، من كتاب النكاح) وسنن أبي داود (باب في لبن الفحل، من كتاب النكاح) وسنن الدارمى (باب ما يحرم من الرضاع، من كتاب النكاح) .
(2) في ا: «اللَّبَن» .(4/227)
وَمِنْهُ حَدِيثُ أمَيَّة بْنِ خَلَفٍ «لَّما رَآهُمْ يومَ بَدْرٍ يَقْتُلون قَالَ: أمَا لَكُمْ حاجةٌ فِي اللُّبَّن؟» أَيْ تَأسِرون فتأخُذون فِداءَهم إِبِلًا، لَهَا لَبَن.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «سَيَهْلِك مِنْ أمَّتي أهلُ الْكِتَابِ وأهلُ اللَّبَن، فسُئل: مَن أهلُ اللَّبَن؟ فَقَالَ: قومٌ يَتَّبِعون الشَّهواتِ، ويُضَيَّعون الصَّلَوَاتِ» قَالَ الْحَرْبِيُّ: أَظُنُّهُ أَرَادَ: يَتَبَاعَدُونَ عَنِ الْأَمْصَارِ وعَن صَلَاةِ الجمَاعة، ويَطْلُبون مَواضع اللَّبن فِي المَراعي والبَوَادِي. وَأَرَادَ بأهْل الكتِاب قَوماً يَتَعَلَّمون الكتَاب ليُجادِلُوا بِهِ النَّاسَ.
وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ «وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَقِيلَ لَهُ: اسْقِه لَبَنَ اللَّبَنِ» هُوَ أنْ يَسْقِيَ ظِئره «1» اللَّبن، فَيَكُون مَا يَشْرَبُه الْوَلَدُ لَبَناً مُتَوَلِّدًا عَنِ اللَّبن.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ خَدِيجَةَ «أَنَّهَا بكَت، فَقَالَ لَهَا: مَا يُبْكيك؟ فَقَالَتْ: دَرّت لَبَنَةُ الْقَاسِم فَذكَرْتُه» وَفِي رِوَايَةٍ «2» «لُبَيْنَة القَاسِم، فَقَالَ: أوَمَا تَرْضَيْن أَنْ تَكْفُلَه سَارّةُ فِي الْجَنَّةِ» اللَّبَنَة:
الطَّائِفة القَلِيلَة مِنَ اللَّبَن، واللُّبَيْنَة: تَصْغيرها.
(س) وَفِي حَدِيثِ الزَّكَاةِ ذِكْر «بِنْتِ اللَّبُون، وَابْنِ اللَّبُون» وهُما مِنَ الْإِبِلِ مَا أَتَى عَلَيْهِ سَنَتَان ودخَل فِي الثَّالِثَةِ، فَصَارَتْ أمّه لَبُونا، أى ذات لَبَن؛ لأنّهما تَكُونُ قَدْ حَمَلت حَمْلاً آخَرَ وَوَضَعَتْه.
وَقَدْ جَاءَ فِي كَثِيرٍ مِن الرِّوايات «ابْنُ لَبُون ذَكَرٍ» وَقَد عُلم أَنَّ ابْنَ اللَّبون لَا يَكُونُ إلاَّ ذكَراَ، وَإِنَّمَا ذكَره تَأْكِيدًا، كَقَوْلِهِ «ورَجَب مُضَر، الَّذِي بَيْنَ جُمادَى وَشَعْبَانَ» وَقَوْلِهِ تعالى «تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ» .
وَقِيلَ: ذَكَر ذَلِكَ تَنْبيهاً لِرَبّ الْمَالِ وعامِل الزَّكاة؛ فَقَالَ «ابْنُ لَبُون ذَكَر» لِتَطِيب نَفْس ربِّ الْمَالِ بِالزِّيَادَةِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْه إِذَا عَلم أَنَّهُ قَدْ شُرِع لَهُ مِنَ الحَقِّ، وأسْقِط عَنْهُ مَا كَانَ بِإِزَائِهِ مِنْ فَضْل الأنوثَة فِي الفَرِيضة الواجِبَة عَلَيْهِ، ولِيَعْلم العَامِل أَنَّ سِنَّ الزكاة في هذا
__________
(1) في ا: «هو أن تُسْقَى ظِئُره» .
(2) وهى رواية الهروى. وفيه: «للقاسم» .(4/228)
النَّوع مَقْبُولٌ مِنْ رَبِّ الْمَالِ، وَهُوَ أمْرٌ نادِرٌ خارجٌ عَنِ العُرف فِي بَابِ الصَّدَقات. فَلَا يُنْكر تكْرار اللفْظ للْبيَان، وتَقْرير مَعْرِفَتِه فِي النُّفوس مَعَ الغَرابَة والنُّدور.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ جَرير «إِذَا سَقط كَانَ دَرِيناً، وإنْ أُكِلَ كَانَ لَبِيناً» أَيْ مُدِرّاً للَّبَن مُكْثِراً لَه، يَعْنِي أنَّ النَّعَم إِذَا رَعَت الأرَاك والسَّلَم غَزُرَت أَلْبَانُها. وَهُوَ فَعِيل بِمَعْنَى فاعِل، كقَدِير وَقادِر، كَأَنَّهُ يُعْطِيها اللَّبن. يُقَالُ: لَبنْتُ القومَ أَلْبِنُهم فَأَنَا لَابنٌ، إِذَا سَقَيْتَهم اللَّبَن.
(هـ) وَفِيهِ «التَّلْبِينَةُ مَجَمَّةٌ لِفُؤاد المَريض» التَّلْبِينَةُ والتَّلْبِين: حَساءٌ يُعمل مِن دَقيق أَوْ نُخَالة، وربَّما جُعِل فِيهَا عَسَل، سُمِّيت بِهِ تشْبيهاً باللَّبن. لبَيَاضِها ورِقَّتها، وَهِيَ تَسْمِية بالمَرّة مِنَ التَّلْبِين، مَصْدر لَبَّنَ الْقَوْمَ، إِذَا سَقَاهم اللَّبن.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ «عَلَيْكُمْ بالمَشْنِيئَة»
النَّافِعة التَّلْبِين» وَفِي أخْرَى «بِالبَغِيض النَّافِع التَّلْبِينة» .
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «قَالَ سُوَيد بْنُ غَفَلَةَ: دَخَلْت عَلَيْهِ فَإِذَا بَيْنَ يَدَيْهِ صُحَيْفَةٌ «2» فِيهَا خَطِيفَةٌ ومِلْبَنة» هِيَ بالكَسْر: المِلْعَقَة، هَكَذَا شُرح.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ «3» : «المِلْبَنَة: لَبَنٌ يُوضع عَلَى النَّارِ وَيُتْرك عَلَيْهِ دَقِيق» وَالْأَوَّلُ أشْبَه بِالْحَدِيثِ.
وَفِيهِ «وَأَنَا مَوْضع تِلْك اللَّبِنَة» هِيَ بفَتح اللاَّم وكسْر الباء: وَاحِدة اللَّبِن، وهي التَّي
__________
(1) في الأصل، وا: «بالمشنئة» وأثبتُّه كما سبق في مادة (شنأ) .
(2) سبق في مادة (خطف) : «صَحْفة» .
(3) الذي في الفائق 2/ 249: «المِلْبنة: المِلْعقة» وكأن الأمر اختلط على المصنِّف؛ فهذا الشرح الذي عَزاه إلى الزمخشري للمِلْبنة إنما هو للخطيفة. وهذه عبارة الزمخشري: «الخطيفة: الكابول. وقيل: لَبَنٌ يوضع على النار، ثم يُذَرّ عليه دقيقٌ ويُطْبَخ. وسمِّيْت خطيفة؛ لأنها تُختطَف بالملاعق» . وانظر أيضاً الفائق 1/ 338. وانظر كذلك شرح المصنِّف للخطيفة ص 49 من الجزء الثانى.(4/229)
يُبْنَى بِهَا الجِدَار. وَيُقَال بِكَسْر اللاَّم وسُكون البَاء.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «ولَبِنَتُها دِيباج» وَهِيَ رُقْعة تُعْمَلُ مَوْضع جَيْب القَمِيص والجُبَّة.
(هـ) وَفِي حديث الاستسصاء:
أتيناك والعذارء يَدْمَى لَبَانُهَا
أَيْ يَدْمَى صَدْرُها لامْتهانِهَا نَفْسَها فِي الخِدْمة، حَيْثُ لَا تَجِدُ مَا تُعْطِيه مَن يَخْدُمها، مِنَ الجَدْب وشِدّة الزَّمان. وأصْل اللَّبان فِي الفَرس: مَوْضع اللَّبَب، ثُمَّ اسْتُعير للنَّاس.
وَمِنْهُ قَصِيدُ كَعْبٍ:
تَرْمِي «1» اللَّبَانَ بِكَفَّيها وَمِدْرَعُها «2»
وَفِي بَيْتٍ آخَرَ مِنْهَا:
يُزْلِقُه مْنها لَبَان «3»
بَابُ اللَّامِ مَعَ التَّاءِ
(لَتَتَ)
(هـ) فِيهِ «فَما أبْقَى منِّي إلاَّ لِتَاتاً» اللِّتَاتُ: مَا فُتَّ مِنْ قُشُورِ الشَّجَرِ. كَأَنَّهُ قَالَ: مَا أبْقَى مِنِّي المَرض إلاَّ جِلْداً يابِساً كَقشْر الشَّجَرة. وَقَدْ ذَكر الشافعيُّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ فِي بَابِ «التَّيَمُّم مَّما «4» لَا يَجوز التَّيَمُّم بِهِ» .
(س) وَفِي حَدِيثِ مُجَاهِدٍ «فِي قَوْلِهِ تعالى: «أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى» قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يَلُتُّ السَّويَق لَهُمْ» يُريد أنَّ أصْلَه. اللَّاتُّ بِالتَّشْدِيدِ؛ لأنَّ الصَّنَم سَمِّي بِاسْمِ الَّذِي كَانَ يَلُتُّ السَّويق عِنْدَ الْأَصْنَامِ: أَيْ يَخْلِطُه، فخُفّف وجُعل اسْماً للصَّنَم.
وَقِيلَ: إنَّ التَّاء فِي الأصْل مُخَفَّفَةٌ لِلتَّأْنِيثِ، وَلَيْسَ هذا بابها.
__________
(1) الرواية في شرح ديوانه ص 18: «تَفْرِي»
(2) ضبط في الأصل: «ومِدْرَعِها» بكسر العين وهو خطأ. صوابه من شرح الديوان. وعَجُز البيت:
مُشَقَّقٌ عن تَراقِيها رَعابِيلُ
(3) البيت بتمامه، كما في الشرح ص 12:
يَمشِي القُرادُ عليها ثم يُزْلِقُهُ ... منها لبان وأقراب زهاليل
(4) فى الهروى: «بما» .(4/230)
بَابُ اللَّامِ مَعَ الثَّاءِ
(لَثَثَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ عُمَرَ «وَلاَ تُلِثُّوا بدَار مَعْجِزَةٍ «1» » أَلَثَّ بِالْمَكَانِ يُلِثُّ، إِذَا أَقَامَ: أَيْ لَا تُقِيموا بدَارٍ يُعْجزكُمُ فِيهَا الرزقُ والكَسْب.
وَقِيلَ: أَرَادَ: لاَ تُقِيموا بالثُّغور وَمَعكم العِيَال.
(لَثِقَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ الاستسقَاء «فلمَّا رَأَى لَثَقَ الثِّياب عَلَى النَّاسِ ضَحِكَ حَتَّى بَدت نَواجِذُه» اللَّثَقُ: الْبَلَل. يُقَالُ: لَثِقَ الطَّائِر، إِذَا ابْتَلَّ رِيشُه. وَيقال للْماء والطِّين:
لَثَقٌ، أَيْضًا.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ بالشَّام لَّما بَلَغَهُم مَقْتَل عُثْمان بَكَوْا حَتَّى تَلَثَّقَ لُِحاهُم «2» » أَيْ اخْضَلْت «3» بالدُّموع.
(لَثَمَ)
(س) فِي حَدِيثِ مَكْحُولٍ «أَنَّهُ كَرِه التَّلَثُّم مِنَ الغُبار فِي الغَزْو» وَهو شَدّ الفَمِ باللِّثَام. وَإِنَّمَا كَرِهه رَغْبَةً فِي زِيَادَةِ الثَّواب بِمَا يَنالَهُ مِنَ الغُبار فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
(لَثِنَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ المَبْعَث:
فَبُغْضُكم «4» عِنْدَنا مُرٌّ مَذَاقَتُهُ ... وبُغْضُنا عنْدَكُم يَا قَوْمَنَا لَثِنُ «5»
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: سَمِعْت محمد بن إسْحَاق السَّعْدي يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ حَرْبٍ يَقُولُ: لَثِنٌ أَيْ حُلْو، وَهِيَ لُغَة يَمانيَّة، قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: وَلَمْ أسْمعْه لِغَيْرِهِ وَهُوَ ثَبَتٌ «6» .
__________
(1) ضبط في الأصل: «مُعجزَة» وهو خطأ. صوابه بفتح الميم مع فتح الجيم وكسرها، كما سبق في ص 186 من الجزء الثالث.
(2) بكسر اللام وضمها في الجمع. كما في المصباح.
(3) في ا: «تَخْضَلّ» .
(4) في الأصل، وا: «بغضكم» والمثبت من الهروي، واللسان. مادة (لثق) والوزن به أتَمّ.
(5) في الهروي: «لَثِقُ» ولكن الغريب أنه شرحه في (لثن) ولم يشرحه في (لثق) وقد ذكره اللسان في (لثن) وفي (لثق) وشرحه في كلتا المادتين نفس الشرح.
(6) في الأصل: «ثَبْت» وضبطته بالتحريك من ا، واللسان.(4/231)
(لَثَهَ)
- فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «لَعَن اللَّهُ الواشِمَة» «1» قَالَ نافِع: «الوَشْم فِي اللِّثَة» اللِّثَة بِالْكَسْرِ وَالتَّخْفِيفِ: عُمُورُ الْأَسْنَانِ، وَهِيَ مَغَارِزُهَا.
بَابُ اللَّامِ مَعَ الْجِيمِ
(لَجَأَ)
(س) فِي حَدِيثِ كَعْبٍ «مَن دَخَل فِي ديوَان المسْلمين ثُمَّ تَلَجَّأَ مِنْهُمْ فقَد خَرج مِنْ قُبَّةِ الْإِسْلَامِ» يُقَالُ: لَجأت إِلَى فُلان وَعَنْهُ، والْتَجَأْتُ، وتَلَجَّأْتُ، إِذَا اسْتَنَدْتَ إِلَيْهِ واعْتَضَدْت بِهِ، أَوْ عَدَلْت عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ، كَأَنَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى الْخروج والانْفراد عَنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ النُّعمان بْنِ بَشِير «هَذَا «2» تَلْجئة فأشْهِد عَلَيْهِ غَيْرِي» التَّلْجِئة: تَفْعِلة مِنَ الإِلْجاء، كَأَنَّهُ قَدْ أَلْجَأَك إِلَى أَنْ تَأتِيَ أمْراً، باطنُه خِلَافُ ظَاهِرِهِ، وأحْوَجَك إِلَى أَنْ تَفعل فِعلاً تَكْرهُه. وَكَانَ بَشير قَدْ افْرد ابْنَه النُّعمان بِشَيْءٍ دُونَ إِخْوَتِهِ، حَمَلَتْهُ عَلَيْهِ أمُّه.
(لَجَبَ)
- فِيهِ «أَنَّهُ كَثُرَ عِنْدَهُ اللَّجَب» هُوَ بِالتَّحْرِيكِ: الصَّوت والْغَلَبة مَعَ اخْتِلَاطٍ، وَكَأَنَّهُ مَقْلُوب الجَلَبة.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الزَّكَاةِ «فقُلت: فَفِيم حَقُّك؟ قَالَ: فِي الثَّنيَّة والجَذَعةِ اللَّجْبَة» هِيَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْجِيمِ: التَّي أتَى عَلَيْهَا مِنَ الغَنَم بعدَ نِتَاجِها أربعةُ أَشْهُرٍ فخَفَّ لَبَنُها «3» ، وجَمْعُها: لِجَاب ولَجَبَات. وَقَدْ لَجُبَت بالضَّم ولَجَّبَت. وَقِيلَ: هِيَ مِنَ المَعْز «4» خاصَّة. وَقِيلَ:
فِي الضَّأن خاصَّة.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ شُرَيْح «أنَّ رَجُلاً قَالَ لَهُ: ابْتَعْتُ مِنْ هَذَا شَاةً فَلَمْ أجِدْ لَها لَبَناً، فَقَالَ لَهُ شُرِيح: لَعَلَّها لَجَّبَت» أَيْ صَارَتْ لَجْبَة. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
__________
(1) هكذا في الأصل. وفي ا: «لُعِنَ الواشِمَةُ» . وفي اللسان: «لَعَن الواشمة» . وانظر الفائق 3/ 130.
(2) في الأصل: «هذه» والمثبت من: ا، واللسان.
(3) في الهروي: «فجَفَّ» وكذا في اللسان، عن الأصمعي. ولكن اللسان عاد فأثبتها «فخفَّ» في شرح هذا الحديث.
(4) في اللسان: «العنز» .(4/232)
(س) وَفِيهِ «يَنْفَتح لِلنَّاسِ مَعْدِنٌ فَيَبْدُو لَهم أمْثَالُ اللَّجَب مِنَ الذَّهب» قَالَ الحَرْبي:
أظنُّه وَهْماً. إنَّما أَرَادَ «اللُّجُن» لأنَّ اللَّجَيْن الفِضَّة. وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقال: أَمْثَالُ الفِضَّة مِنَ الذَّهَبِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: لَعَله «أَمْثَالُ النُّجُب» جَمْعُ النَّجيب مِنَ الْإِبِلِ، فَصَحَّف الرَّاوي.
والأوْلى أَنْ يَكُونَ غيرَ مَوْهُوم وَلَا مُصَحَّف، وَيَكُونُ اللُّجُب جَمْعَ: لَجْبَة، وَهِيَ الشَّاة الحامِل الَّتِي قَلَّ لَبَنُها. يُقَالُ: شاةٌ لَجْبَة وجَمْعُها: لِجَاب ثُمَّ لُجُبٌ، أَوْ يَكُونُ بِكَسْر اللاَّم وَفَتْحِ الْجِيمِ، جَمْع: لَجْبَة، كَقَصْعَة وقِصَع.
(س) وَفِي قصَّة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالْحَجَرِ «فَلَجَبَهُ ثَلاثَ لَجَبَاتٍ» قَالَ أَبُو مُوسَى:
كَذَا فِي «مُسْنَد أَحْمَدَ بْنِ حَنْبل» وَلَا أَعْرِفُ وجْهه، إلاَّ أَنْ يَكُونَ بالْحاء والتَّاء، مِنَ اللَّحْت، وَهُوَ الضَّرْبُ. وَلَحَتَهُ بالعَصا: ضَربه.
(س) وَفِي حَدِيثِ الدَّجَّالِ «فَأَخَذَ بِلجْبَتَيِ الْبَاب، فَقَالَ: مَهْيَمْ» قَالَ أَبُو مُوسَى: هَكَذَا رُوِي، والصَّواب بالْفَاء. وَسَيَجِيءُ.
(لَجَجَ)
(هـ) فِيهِ «إِذَا اسْتَلَجَّ أحدُكم بِيَميِنه فَإِنَّهُ آثَمُ لَهُ «1» عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الكَفَّارة» هُوَ اسْتَفْعَل، مِنَ اللَّجَاج. وَمَعْنَاهُ أَنْ يَحْلِف عَلَى شَيْءٍ وَيَرَى أَنَّ غيرَه خيرٌ مِنْهُ، فَيُقِيم عَلَى يَمِينه وَلَا يَحْنَث فَيُكَفِّر، فَذَلك آثَمُ لَهُ.
وَقِيلَ: هُوَ أنْ يَرى أنه صادِقٌ فيها مُصِيب فَيَلَجُّ فِيهَا وَلَا يُكَفِّرها.
وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الطُّرُق «إِذَا اسْتَلْجَجَ أحدُكم» بِإِظْهَارِ الإدْغام، وَهِيَ لُغَةُ قُرَيْشٍ يُظْهرُونه مَعَ الجَزْم.
[هـ] وَفِيهِ «مَن رَكِبَ الْبَحْرَ إِذَا الْتَجَّ فَقَدْ بَرِئتْ مِنْهُ الذِّمَّة» أَيْ تَلاَطَمَت أمواجُه.
والْتَجَّ الْأَمْرُ، إِذَا عَظُمَ واخْتَلَط. ولُجَّةُ الْبَحْرِ: مُعْظَمُه.
وَفِي حَدِيثِ الحُدَيْبية «قَالَ سُهَيْل بْنُ عَمْرو: قَدْ لَجَّت القَضِيَّة بَيْني وبَيْنَك» أَيْ وَجَبت. هَكَذَا جَاءَ مَشْروحاً، وَلَا أعْرف أصْلَه.
__________
(1) رواية الهروي: «فإنه آثِمٌ عند الله تعالى» .(4/233)
(هـ) وَفِي حَدِيثِ طَلْحَةَ «قَدَّمُوني فوَضَعُوا اللُّجَّ عَلَى قَفَيَّ» هُوَ بِالضَّمِّ: السَّيْفُ بِلُغَةِ طَيِّئٍ. وَقِيلَ: هُوَ اسْم سُمِّي بِهِ السَّيف، كَمَا قَالُوا: الصَّمْصَامة.
(س) وَفِي حَدِيثِ عِكْرِمة «سَمْعت لَهُمْ لَجَّةً بآمِين» يَعْنِي أصْواتَ المُصَلِّين. واللَّجَّة:
الجَلَبَة. وأَلَجَّ الْقَوْمُ، إِذَا صَاحُوا.
(لَجَفَ)
(س) «فِيهِ أَنَّهُ ذَكَرَ الدَّجَّالَ وفِتْنَتَه، ثُمَّ خَرَج لِحَاجَتِه، فانْتَحَب الْقَوْمُ حتَّى ارتفَعَت أصواتُهم، فَأَخَذَ بلَجْفَتَيِ الْبَاب فَقَالَ: مَهْيَمْ» لَجْفَتَا البابِ: عِضَادَتاه وجَانباه، مِنْ قَوْلِهِمْ لِجَوانب البِئر: أَلْجاف، جَمْع لَجَفٍ. ويُرْوَى بِالْبَاءِ، وَهُوَ وهْمٌ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ الحجَّاج «أَنَّهُ حَفَر حُفَيْرةً «1» فلَجَفَهَا» أَيْ حَفَر فِي جَوانِبها.
(س) وَفِيهِ «كَانَ اسْم فرَسه عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اللَّجِيف» هَكَذَا رَوَاهُ بَعْضُهُمْ «2» بِالْجِيمِ، فَإِنْ صَحَّ فَهُوَ مِنَ السُّرْعة؛ لِأَنَّ اللَّجِيف سَهْمٌ عريضُ النَّصْلِ.
(لَجْلَجَ)
[هـ] فِي كِتَابِ عُمر إِلَى أَبِي مُوسَى «الْفَهْمَ الْفَهْمَ فِيمَا تَلَجْلَج فِي صَدْرِكَ ممَّا لَيْسَ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّة» أَيْ تَردَّد فِي صَدْرِكَ وقَلِق وَلَمْ يَسْتَقِرّ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «الكَلِمة مِنَ الحكْمة تَكُونُ فِي صَدْر الْمُنَافِقِ فَتَلَجْلَجُ حَتَّى تَخْرُج إِلَى صَاحِبِهَا» أَيْ تَتَحَرّك فِي صَدْرِهِ وتَقلق، حَتَّى يَسْمَعها المؤمنُ فَيَأْخُذَهَا ويَعيها.
وَأَرَادَ «تَتَلَجْلَجُ» ، فحذَف تاءَ المُضارَعة تَخْفِيفًا.
(لَجَمَ)
(س) فِيهِ «مَن سُئل عمَّا يَعْلَمه فَكَتَمَهُ أَلْجَمَه اللهُ بِلِجَامٍ مِنْ نارٍ يومَ الْقِيَامَةِ» المُمْسِك عَنِ الْكَلَامِ مَمثَّلٌ بمَن أَلْجَم نَفْسَهُ بِلِجَامٍ. وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ مَا يَلْزَمُه تَعْليمه ويَتَعيَّن عَلَيْهِ، كَمن يَرَى رجُلاً حَدِيثَ عَهْد بِالْإِسْلَامِ وَلَا يُحْسِن الصَّلَاةَ وَقَدْ حَضَر وقْتُها، فَيَقُولُ: علِّموني كَيْفَ أُصلّي، وَكَمَنَ جَاءَ مُسْتَفْتِياً فِي حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ، فَإِنَّهُ يَلْزم فِي هَذَا وَأَمْثَالِهِ تَعْرِيفُ الْجَوَابِ، وَمَنْ مَنَعه اسْتَحق الْوَعِيدَ.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «يَبْلغُ العَرَقُ مِنْهُمْ مَا يُلْجِمُهم» أَيْ يَصل إِلَى أَفْوَاهِهِمْ فَيَصِيرُ لَهُمْ بِمَنْزِلَةِ اللِّجام يَمْنَعَهُم عَنِ الْكَلَامِ. يعني في المَحْشَر يومَ القيامة.
__________
(1) بالتصغير، كما في ا.
(2) ويروى أيضاً بالحاء والخاء، وسيجىء.(4/234)
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْمُسْتَحَاضَةِ «اسْتَثْفِرِي وتَلَجَّمِي» أَيِ اجْعلي موضعَ خُرُوجِ الدَّم عِصابةً تَمنع الدَّم، تَشْبِيهًا بوضْع اللِّجام فِي فَمِ الدَّابَّةِ.
(لَجَنَ)
- فِي حَدِيثِ العرْباض «بِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَكْراً، فأتَيْتُه أتَقَاضاه ثَمَنه، فَقَالَ: لَا أَقْضِيكَهَا إِلَّا لُجَيْنِيَّة» الضَّمِيرُ فِي «أَقْضِيكَهَا» راجِع إِلَى الدَّراهِم، واللُّجَيْنِيَّة: مَنْسُوبَةٌ إِلَى اللُّجَيْن، وَهُوَ «1» الفِضة.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ جَرِيرٍ «إِذَا أخْلَف كَانَ لَجِيناً» اللَّجِين بفْتح اللَّامِ وَكَسْرِ الْجِيمِ: الخَبَط، وَذَلِكَ أَنَّ وَرَق الأراكِ والسَّلَم يُخْبَط حَتَّى يَسْقُط ويَجِفّ «2» ، ثُمَّ يُدَقّ حَتَّى يَتَلَجَّن، أَيْ يَتَلَزَّج ويَصير كالخِطْمِيّ، وَكُلُّ شَيْءٍ تَلَزَّج فَقَدْ تَلَجَّنَ، وَهُوَ فَعِيل بِمَعْنَى مَفْعُولٍ.
بَابُ اللَّامِ مَعَ الْحَاءِ
(لَحَبَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ ابْنِ زِمْل الجُهَنِيّ «رَأَيْتُ الناسَ عَلَى طَريقٍ رَحْبٍ لاحِب» اللاحِب: الطَّرِيقُ الْوَاسِعُ المُنْقاد الَّذِي لَا يَنْقَطِع.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمة «قَالَتْ لِعُثْمَانَ: لَا تُعَفِّ سَبيلاً كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَحَبَها» أَيْ أوضَحَها ونَهجَهَا. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(لَحَتَ)
(هـ) فِيهِ «إنَّ هَذَا الأمْرَ لَا يَزال فِيكُمْ وَأَنْتُمْ وُلاَتُه، مَا لَمْ تُحْدِثِوا أعْمالاً، فَإِذَا فَعَلْتم ذَلِكَ بَعَث اللَّهُ عَلَيْكُمْ شَرَّ خَلْقه فَلَحَتُوكم «3» كَمَا يُلْحَتُ القَضيب» اللَّحْت: القْشَر. ولَحَتَ العَصا، إِذَا قَشَرها. ولَحَتَه، إِذَا أخَذ مَا عِنْدَهُ، وَلَمْ يَدَعْ لَهُ شَيْئًا.
__________
(1) في الأصل: «وهي» وما أثبتُّ من ا، واللسان.
(2) هكذا وردت هذه الكلمة في الأصل، وا، والهروي، واللسان. وقد جاء بهامش اللسان: «قوله: «حتى يسقط ويجف ثم يدق» كذا بالأصل والنهاية، وكتب بهامشها: هذا لا يصح؛ فإنه لا يتلزج إلا إذا كان رطباً إهـ أى فالصواب حذف يجف» .
(3) يروى: «فالتحوكم» وسيجىء.(4/235)
(لَحِجَ)
(س) فِي حَدِيثِ عَلَى يومَ بَدْرٍ «فوقَع سَيْفُه فلَحِجَ» أَيْ نَشِب فِيهِ. يُقَالُ:
لَحِج فِي الْأَمْرِ يَلْحَجُ، إِذَا دَخل فِيهِ ونَشِبَ.
(لَحَحَ)
[هـ] فِي حَدِيثِ الْحُدَيْبِيَةِ «فبَرَكَتْ ناقتهُ فزَجَرَها الْمُسْلِمُونَ فأَلَحَّت» أَيْ لَزِمتْ مكانَها، مِنْ أَلَحَّ عَلَى الشَّيْءِ، إِذَا لَزِمه وأصَرَّ عَلَيْهِ.
وَقِيلَ: إِنَّمَا يُقَالُ: أَلَحَّ الجَمَل، وخَلأتِ الناقةُ، كالحِران لِلْفَرس «1» .
(هـ) وَفِي حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وأمُّه هاجَر «وَالْوَادِي يومئذٍ لاحٌّ» أَيْ ضَيِّق مُلْتَفٌّ بِالشَّجَرِ وَالْحَجَرِ. يُقَالُ: مَكَانٌ لَاحٌّ ولَحَحٌ. ورُوي بِالْخَاءِ.
(لَحَدَ)
- فِيهِ «احْتكار الطَّعَامِ فِي الحَرَم إِلْحَادٌ فِيهِ» أَيْ ظُلْم وعُدْوانٌ. وَأَصْلُ الإِلْحاد:
المَيْل والعُدول عَنِ الشَّيْءِ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ طَهْفة «لَا يُلْطَطُ فِي الزَّكَاةِ وَلَا يُلْحَد فِي الحَياة» أَيْ لَا يَجْري مِنْكُمْ مَيْلٌ عَنِ الْحَقِّ مَا دُمْتم أَحْيَاءً.
قَالَ أَبُو مُوسَى: رَوَاهُ القُتَيْبي «لَا تُلْطِطْ وَلَا تُلْحِد» عَلَى النَّهْيِ لِلْوَاحِدِ وَلَا وَجه لَهُ؛ لِأَنَّهُ خِطَابٌ للجَماعة.
وَرَوَاهُ الزَّمَخْشَرِيُّ «لَا نُلْطِط وَلَا نُلْحِد» بِالنُّونِ «2» .
وَفِي حَدِيثِ دَفْنِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَلْحِدُوا لِي لَحْداً» اللَّحْد: الشَّق الَّذِي يُعْمل فِي جَانِبِ الْقَبْرِ لمَوضع المَيِّت؛ لِأَنَّهُ قَدْ أُمِيلَ عَنْ وسَط القَبْر إِلَى جانِبه. يُقَالُ:
لَحَدْت وأَلْحَدْت.
وَمِنْهُ حَدِيثُ دَفْنه أَيْضًا «فأرْسَلُوا إِلَى اللَّاحِد والضارِح» أَيْ الَّذِي يَعْمَل اللَّحْدَ والضَّريح.
وَفِيهِ «حَتَّى يَلْقَى اللهَ وَمَا عَلَى وجْهه لُحَادَة من لَحْم» أي قِطْعَة.
__________
(1) في ا: «في الفرس» .
(2) الذي في الفائق 2/ 5: «لا تُلْطِطْ ... ولا تلحد» بالتاء.(4/236)
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: «مَا أُراها إِلَّا «لُحَاتَة» بالتَّاء «1» ، مِن اللحْت «2» ، وَهُوَ أَلَّا يَدع عِنْدَ الإنْسان شَيْئاً إلاَ أخَذه «3» . وَإِنْ صَحَّت الروايةُ بالدَّال فَتَكُون «4» مُبْدَلةً مِنَ التَّاءِ، كَدَوْلج فِي تَوْلج» .
(لَحَسَ)
- فِي حَدِيثِ غَسْل الْيَدِ مِنَ الطَّعام «إنَّ الشيطانَ حَسَّاسٌ لَحَّاس» أَيْ كَثِير اللَّحْس لمَا يَصِل إِلَيْهِ. تَقُولُ: لَحَسْتُ الشيءَ أَلْحَسُه، إِذَا أخَذْتَه بِلِسَانِكَ. ولَحَّاس للمُبالَغَة.
والْحَسَّاس: الشَّدِيدُ الْحَسِّ والإدْراك.
(س) وَفِي حَدِيثِ أَبِي الأسْود «عليكُم فُلَانًا فَإِنَّهُ أهْيَسُ ألْيَسُ ألَدُّ مِلْحَسٌ» هُوَ الَّذِي لَا يَظْهَر لَهُ شيءٌ إلاَّ أخَذَه. وَهُوَ مِفْعَل مِنَ اللَّحْس. وَيُقَالُ: التَحَسْتُ مِنْهُ حَقِّي: أَيْ أخَذْتُه.
واللَّاحُوس: الحَرِيص، وَقِيلَ: المَشْئوم.
(لَحَصَ)
(س) فِي حَدِيثِ عَطَاءٍ، وسُئل عَنْ نَضْحِ الوُضوء فَقَالَ «اسْمَحْ يُسْمَحْ لَكَ، كَانَ مَن مَضَى لَا يُفَتِّشُون عَنْ هَذَا وَلاَ يُلَحِّصُون» التَّلْحِيصُ: التَّشديد والتَّضْييق: أَيْ كَانُوا لَا يُشَدِّدُون وَلَا يَسْتَقْصُون فِي هَذَا وَأَمْثَالِهِ.
(لَحَطَ)
(هـ) فِي حَدِيثٍ عَليٍّ «أَنَّهُ مَرَّ بقومٍ لَحَطُوا بابَ دارِهم» أَيْ رَشُّوه.
واللَّحْطُ: الرشُّ.
(لَحَظَ)
- فِي صِفَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «جُلُّ نَظَرِه المُلَاحَظَةُ» هِيَ مُفَاعَلة مِنَ اللَّحْظ، وَهُوَ النَّظَر بِشِقِّ العَين الَّذِي يَلي الصُّدْغ. وَأَمَّا الَّذِي يَلِي الْأَنْفَ فَالْمُوقُ والْمَاق.
(لَحَفَ)
(هـ) فِيهِ «مَن سَأَلَ وَلَهُ أَرْبَعُونَ دِرْهماً فَقَد سَأل الناسَ إِلْحَافاً» أَيْ بالَغَ فِيهَا.
يقَال: أَلْحَفَ فِي الْمَسْأَلَةِ يُلْحِف إِلْحَافا، إِذَا ألَحَّ فيها ولَزِمَهَا.
__________
(1) في الفائق 3/ 25: «اللّحاتة» .
(2) فى الفائق: «ومنها اللَّحت» .
(3) في الفائق: «ألاّ تدع عند الإنسان شيئاً إلا أخذته، واللَّتح مثله» .
(4) في الفائق: «وإن صحّت فوجهها أن تكون الدال مبدلة ... »(4/237)
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ «كَانَ يُلْحِف شارِبَه» أَيْ يبالِغ فِي قَصِّه. وَقَدْ تَكَرَّرَ في الحديث.
(هـ) وَفِيهِ «كَانَ اسمُ فَرَسِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّحِيف» لِطُول ذَنَبه، فَعِيل بِمَعْنَى فاعِل.
كَأَنَّهُ يَلْحَفُ الْأَرْضَ بذَنَبه. أَيْ يُغَطِّيهَا بِهِ. يُقَالُ: لَحَفْت الرجُلَ باللِّحَاف: طرَحْتُه عَلَيْهِ. ويُرْوَى بِالْجِيمِ وَالْخَاءِ.
(لَحَقَ)
(س) فِي دُعَاءِ القُنُوت «إنَّ عذابَك بالكُفَّار مُلْحِق» الرِّواية بكسْر الْحَاءِ:
أَيْ مَن نَزَل بِهِ عذابُك أَلْحَقَه بالكُفّار.
وَقِيلَ: هُوَ بِمْعنى لاحِق، لُغَة فِي لَحَق. يُقَالُ: لَحِقْتُه وأَلْحَقْتُه بِمَعْنًى، كَتَبِعْتُه وأتْبَعْتُه.
وَيُرْوَى بِفَتْحِ الْحَاءِ عَلَى الْمَفْعُولِ: أَيْ إنَّ عذَابك يُلْحَق بالكفَّار ويُصابون بِهِ.
وَفِي دُعَاءِ زِيَارَةِ الْقُبُورِ «وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاحِقُون» قيل: مَعْناه إذْ شَاءَ اللَّهُ.
وَقِيلَ «إنْ» شَرْطية، والْمَعنى لاحِقُون بكم في المُوَافاة على الإيِمَان.
وقيل: هو التَّبَرِّي والتَّفْويض، كَقَوْلِهِ تَعَالَى «لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ» وَقِيلَ: هُوَ عَلَى التَّأدُّب بِقَوْلِهِ تَعَالَى: «وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ» .
وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيب «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى أنَّ كُلَّ مُسْتَلْحَقٍ اسْتُلْحِقَ بَعْد أَبِيهِ الَّذِي يُدْعَى لَهُ فَقَدْ لَحِق بِمَنِ اسْتَلْحَقَه» قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذِهِ أحكامٌ وَقَعَت فِي أَوَّلِ زَمَانِ الشَّريعة، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ لأهْل الجاهِلية إمَاءٌ بَغَايَا، وَكَانَ سَادَتُهُنَّ يُلِمُّون بِهنّ، فَإِذَا جَاءَتْ إحْدَاهُنَّ بولدٍ رُبَّما ادَّعَاهُ السَّيد والزَّاني، فأَلْحَقَه النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالسَّيِّد، لِأَنَّ الأمةَ فِرَاشٌ كالحُرّة، فإن ماتَ السَّيِّد وَلَمْ يَسْتَلْحِقه ثُمَّ اسْتَلْحَقَهُ وَرَثَتُهُ بَعْده لَحِقَ بِأَبِيهِ. وَفِي مِيرَاثِهِ خِلَافٌ.
وَفِي قَصِيدِ كَعْبٍ:
تَخْدِي عَلَى يَسَرَاتٍ وَهْيَ لَاحِقَة ... ذَوَابِلٌ وَقْعُهُنَّ الأرْضَ تَحْلِيلُ
اللَّاحِقة: الضَّامِرَة.
(لَحَكَ)
(هـ) فِي صِفَته عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «إِذَا سُرَّ فكأنَّ وجهَه المِرآة، وَكَأَنَّ الجُدُر(4/238)
تُلَاحِك وجهَه» المُلَاحَكة: شِدَّة المُلاَءَمة: أَيْ يُرى شخصُ الجُدُرِ فِي وَجْهه.
(لَحْلَحَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّ ناقَتَه اسْتَنَاخَت عِنْدَ بَيْتِ أَبِي أَيُّوبَ وَهُوَ واضِعٌ زِمامهَا، ثُمَّ تَلَحْلَحَتْ وَأرْزَمَت، وَوَضَعت جِرَانَها» تَلَحْلَحَت: أَيْ أقامَت ولَزِمَت مَكَانَهَا وَلَمْ تَبْرح، وَهُوَ ضِدٌّ تَحَلْحَل.
(لَحَمَ)
(هـ) فِيهِ «إِنَّ اللَّهَ لَيُبغِض أهلَ الْبَيْتِ اللَّحِمِين» وَفِي رِوَايَةٍ «البَيْت اللَّحِمَ وأهْلَه» قِيلَ: هُم «1» الَّذِينَ يُكْثِرُونَ أَكْلَ لُحُوم النَّاسِ بالغِيبَة.
وَقِيلَ: هُم الَّذِينَ يُكْثِرُون أكْل اللَّحْم ويُدْمِنُونه، وَهُوَ أشْبَه.
[هـ] وَمِنْهُ قَوْلُ عُمَرَ «اتَّقُوا هَذِهِ الْمَجَازِرَ فَإِنَّ لَهَا ضَرَاوَةً كَضَراوة الخَمْر» .
وَقَوْلُهُ الْآخَرُ «إنَّ للَّحِم ضَرَاوَةً كضَراوة الخَمْر» يُقَالُ: رجُلٌ لَحِمٌ، ومُلْحِم، ولَاحِم، ولَحِيم.
فاللَّحِم: الَّذِي يُكْثِر أكْلُه، والمُلْحِم: الَّذِي يَكْثُر عِنْدَهُ اللَّحْم أَوْ يُطْعِمُه، واللَّاحِم: الَّذِي يَكُونُ عِنْدَهُ لَحْم، واللَّحِيم: الكَثِير لَحْم الجسَد.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ جَعْفَرٍ الطَّيَّار «أَنَّهُ أخَذ الرَّايةَ يومَ مُؤتَة فقاتَل بِهَا حَتَّى أَلْحَمَه الْقِتَالُ» يُقَالُ: أَلْحَم الرَّجُلُ واسْتَلْحَمَ، إِذَا نَشِب فِي الحَرْب فَلَمْ يَجِدْ لَهُ مَخْلَصاً. وأَلْحَمه غَيْرُه فِيهَا. ولُحِمَ، إِذَا قُتِل، فَهُوَ مَلْحُومٌ ولَحِيم.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ فِي صِفَةِ الغُزاة «وَمِنْهُمْ مَن أَلْحَمَه القِتالُ» .
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ سَهْلٍ «لَا يُرَدُّ الدُّعاءُ عِنْدَ الْبأس حِينَ يُلْحِمُ بعضُهم بَعْضًا» أيْ يَشْتَبِك الحَرْبُ بَيْنَهُمْ، ويَلْزَم بعضُهم بَعْضاً.
(س [هـ] ) وَمِنْهُ حَدِيثُ أُسَامَةَ «أَنَّهُ لَحِمَ رَجُلاً مِنَ العَدُو» أَيْ قَتَلَه.
وَقِيلَ: قَرُب مِنْهُ حَتَّى لَزِق بِهِ «2» ، مِنِ الْتَحَم الجُرْح، إِذَا الْتَزَق.
وَقِيلَ: لَحَمَه أَيْ ضَرَبه، مِن أَصَابَ لَحْمَه.
(س) وَفِيهِ «اليَوْمَ يَوْمُ المَلْحَمَة» .
(س) وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «ويَجْمَعُون لِلْمَلْحَمَة» هِيَ الْحَرب ومَوْضِع القِتال،
__________
(1) هذا من شرح سفيان الثوري، كما في الهروي واللسان.
(2) في الهروي: «لَصِقَ» .(4/239)
والجَمْع: المَلَاحِم، مَأْخُوذٌ مِنِ اشْتِباك النَّاسِ واخْتِلاطِهم فِيهَا، كاشْتِباك لُحْمة الثَّوب بالسَّدَي.
وَقِيلَ: هُوَ من اللَّحْم، لِكَثْرَةِ لُحُومِ القَتْلى فِيهَا.
(س) وَمِنْ أَسْمَائِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «نَبيُّ المَلْحَمَة» يَعْنِي نَبِيُّ القِتَال، وَهُوَ كَقَوْلِهِ الْآخَرِ «بُعِثْت بالسَّيف» .
(هـ) وَفِيهِ «أَنَّهُ قَالَ لِرَجل: صُمْ يَوْمًا فِي الشَّهْرِ، قَالَ: إنِّي أجِدُ قُوَّةً، قَالَ: فصُم يَوْمَيْنِ، قَالَ: إِنِّي أجِدُ قُوّة، قَالَ: فَصُم ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الشَّهر، وأَلْحَمَ عِنْدَ الثَّالِثَةِ» أَيْ وقَفَ عِندها، فَلَمْ يَزِده عَلَيْهَا، مِن أَلْحَم بالمَكان، إذا أَقَامَ فَلَمْ يَبْرَح.
(س) وَفِي حَدِيثِ أُسَامَةَ «فاسْتَلْحَمَنا رجُلٌ مِنَ العَدُوِّ» أَيْ تَبِعَنا. يُقَالُ: اسْتَلْحَمَ الطَّرِيدةَ والطَّرِيق: أَيْ تَبِع.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الشِّجاج «المُتَلَاحِمَة» هِيَ الَّتِي أخذَت فِي اللَّحْم «1» وَقَدْ تَكُونُ الَّتِي بَرأت والْتَحَمَت.
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «قَالَ لرجُل: لِم طَلَّقْت امْرأتَك؟ قَالَ: إنَّها كَانَتْ مُتَلَاحِمَة، قَالَ: إِنَّ ذَلِكَ منْهُنَّ لَمُسْتَرَادٌ» قِيلَ: هِيَ الضَّيِّقَة المَلاَقِي. وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي بِهَا رَتَقٌ.
(س) وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «فلمَّا عَلِقْتُ اللَّحْمَ سَبَقَني» أَيْ سَمِنْت وثَقُلْت.
(هـ) وَفِيهِ «الوَلاَء لُحْمَةٌ كلُحْمَةِ النَّسب» وَفِي رِوَايَةٍ «كلُحْمَة الثَّوْبِ» قَدِ اخْتُلِف فِي ضَمّ اللُّحْمَة وفَتْحهَا، فَقِيلَ: هِيَ فِي النَّسَب بالضَّم، وَفِي الثَّوْبِ بالضَّم وَالْفَتْحِ.
وَقِيلَ: الثَّوب بِالْفَتْحِ وحْدَه.
وَقِيلَ: النَّسَب والثَّوبُ بِالْفَتْحِ، فَأَمَّا بالضَّم فَهُوَ مَا يُصادُ بِه الصَّيْد.
وَمَعْنَى الْحَدِيثِ المخالَطَة فِي الْوَلاء، وَأَنَّهَا تَجْري مَجْرى النَّسَب فِي المِيراث، كَمَا تُخالِط اللُّحْمة سَدَى الثَّوْبِ حَتَّى يَصيرا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ؛ لِمَا بَيْنَهُمَا من المُداخَلة الشديدة.
__________
(1) في ا: «اللّحم» .(4/240)
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ الحَّجَّاج والمَطر «صَارَ الصِّغار لُحْمَةَ الكِبار» أَيْ أنَّ القَطْر انْتَسَج لِتتابُعه، فَدَخَلَ بعضُه فِي بَعْضٍ واتَّصَل.
(لَحَنَ)
(هـ س) فِيهِ «إنَّكم لتَخْتَصِمون إليَّ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ بعضُكم أَلْحَنَ بحَجَّتِه مِنَ الآخَر، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَإِنَّمَا أقْطَع لَهُ قِطْعةً مِنَ النَّارِ» اللَّحْن: المَيْل عَنْ جِهة الاستِقامة. يُقَالُ: لَحَنَ فُلان فِي كَلَامِهِ، إِذَا مَالَ عَنْ صَحيح المًنْطِق.
وَأَرَادَ: إنَّ بعضَكم يَكُونُ أعْرف بِالْحُجَّةِ وأفْطَنَ لَهَا مِنْ غَيْرِهِ.
وَيُقَالُ: لَحَنْتُ لفُلانٍ، إِذَا قلتَ لَهُ قَوْلاً يَفْهَمُه ويَخْفَى عَلَى غَيْرِهِ، لِأَنَّكَ تُمِيله بالتَّوْرِية عَنِ الواضِح المَفْهوم. وَمِنْهُ قَالُوا: لَحِنَ الرجلُ فَهُوَ لَحِنٌ، إِذَا فَهِم وفَطِن لِمَا لَا يَفْطَن لَهُ غَيْرُهُ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ بَعث رجُلين إِلَى بَعْضِ الثُغور عَيْناً، فَقَالَ لَهُمَا: إِذَا انْصَرفْتُما فَالْحَنَا لِي لَحْناً» أَيْ أشِيرا إِلَيَّ وَلَا تُفْصِحا، وعَرِّضا بِمَا رَأيتما. أمَرهُما بِذَلِكَ لِأَنَّهُمَا ربَّما أَخْبَرَا عَنِ العَدُوّ بِبَأْسٍ وقُوّة، فأحَبَّ أَلَّا يَقِف عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ.
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ «عَجِبْتُ لِمنْ لَاحَنَ النَّاسَ كيْف لَا يَعْرِف جَوامِع الكَلِم» أَيْ فاطَنهم وجادَلهم.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «تَعَلَّموا السُّنَّةَ والفَرائضَ واللَّحْن كَمَا تَعَلَّمون الْقُرْآنَ» وَفِي رِوَايَةٍ «تَعَلّموا اللَّحْنَ فِي الْقُرْآنِ كَمَا تَتعلمونه» يُريد تَعَلّموا لُغة الْعَرَبِ بإِعْرابها.
وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: مَعْنَاهُ: تَعلموا لُغَةَ الْعَرَبِ فِي الْقُرْآنِ، واعْرِفوا مَعانِيَه كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
«وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ»
أَيْ مَعْنَاهُ وفَحْواه.
واللَّحْن: اللُّغة والنَّحْو. واللَّحْن أَيْضًا: الخَطأ فِي الإِعراب، فَهُوَ مِنَ الأضْداد.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: كَانَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ يَقُولُ: إنَّ اللَّحْن بالسُّكون: الفِطْنة وَالْخَطَأُ سَواء، وعامَّة أَهْلِ اللُّغَةِ فِي هَذَا عَلَى خِلافه. قَالُوا: الفِطْنة بِالْفَتْحِ. وَالْخَطَأُ بِالسُّكُونِ.
وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: واللَّحَن أَيْضًا بِالتَّحْرِيكِ: اللُّغَةُ.
وَقَدْ رُوِي «أنَّ الْقُرْآنَ نَزل بلَحَن قُريش» أَيْ بِلُغَتهم.
وَمِنْهُ قَوْلُ عُمر: «تَعَلّموا الفَرائض والسُّنة واللَّحَن» : أَيِ اللُّغَةَ.(4/241)
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: «الْمَعْنَى: تَعَلّموا الغريبَ واللَّحَن»
؛ لأنَّ فِي ذَلِكَ عِلْمَ غَريب الْقُرْآنِ ومَعانيه ومعانِيَ الْحَدِيثِ والسُّنة، وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْه لَمْ يَعْرِف أَكْثَرَ كِتَابِ اللَّهِ وَمَعَانِيهِ «2» ، وَلَمْ يَعْرِف أَكْثَرَ السُّنن» .
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ أَيْضًا «أُبَيٌّ أقرَؤنا، وإنَّا لنَرغَب عَنْ كثيرٍ مِنْ لَحَنِه» أَيْ لُغَته.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي مَيْسرة، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى «فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ» قَالَ: العَرِم:
المُسَنَّاة بِلَحَن اليَمْن. أَيْ بِلُغَتِهم.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَوْلُ عُمر «تَعَلَّموا اللَّحْن» . أَيِ الْخَطَأَ فِي الْكَلَامِ لتَحْتَرِزوا مِنْهُ. قَالَ:
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي الْعَالِيَةِ «كُنْتُ أطُوف مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ يُعَلِّمني اللَّحْن» .
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «وَكَانَ الْقَاسِمُ رجُلاً لُحَنَةً» يُروَى بِسُكُونِ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا، وَهُوَ الْكَثِيرُ اللَّحْن.
وَقِيلَ: هُوَ بِالْفَتْحِ الَّذِي يُلَحِّن النَّاسَ: أَيْ يُخَطِّئهم. وَالْمَعْرُوفُ فِي هَذَا البِناء أَنَّهُ للِذي يكَثُر مِنْهُ الْفِعْلُ، كَالْهُمَزَةِ واللُّمَزة والطُّلَعةِ، والخُدَعة، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ «أَنَّهُ سَأَلَ عَنِ ابْنِ زِيَادٍ فَقِيلَ: إِنَّهُ ظَريف، عَلَى أَنَّهُ يَلْحَن، فقال: أوَلَيْس ذَلِكَ أظْرفَ لَهُ؟» قَالَ القُتَيْبي: ذَهب مُعاوية إِلَى اللَّحَن الَّذِي هُوَ الفِطنة، مُحَرّك الْحَاءِ.
وقال غيره: إنما أراد اللَّحْنَ ضِدَّ الإعْراب، وَهُوَ يُسْتَمْلَح فِي الْكَلَامِ إِذَا قَلّ، ويُسْتَثْقَل الإعْراب والتّشَدُّق.
وفيه «اقْرأُوا الْقُرْآنَ بلُحُون العَرب وأصْواتِها، وأيَّاكُم ولُحُونَ أهْلِ العِشْق ولحونَ أهْلِ الكتابَيْن» اللُّحُون والأَلْحان: جَمْعُ لَحْن، وَهُوَ التَّطْرِيب، وتَرجِيع الصَّوْت، وتَحسِين القِرَاءة، والشِّعر والغِنَاء. وَيُشْبه أَنْ يكْون أرادَ هَذا الَّذِي يَفْعَله قُرَّاء الزَّمَان؛ مِنَ اللُّحُون التَّي يَقْرَأون بها
__________
(1) مكان هذا في الفائق 2/ 458: «والنحو» .
(2) مكانه في الفائق: «ولم يقمه» .(4/242)
النَّظَائر في المَحَافِل، فإن اليَهُود والنَّصارى يقْرأون كُتُبَهم نَحواً مِنْ ذَلِكَ.
(لَحَا)
(هـ) فِيهِ «نُهيتُ عَنْ مُلَاحَاة الرِّجال» أَيْ مُقَاوَلَتِهم ومُخَاصَمَتِهم. يُقَالُ:
لَحَيْتُ الرجُلَ أَلْحَاه لَحْياً، إِذَا لُمتَهُ وعَذَلْتُه، ولاحَيْتُهُ مُلَاحاةً ولِحَاء، إِذَا نَازَعْتَه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ لَيْلَةِ القَدْر «تَلَاحَى رَجُلان فَرُفِعَت» .
[هـ] وَحَدِيثُ لُقْمَانَ «فَلَحْياً لصَاحِبِنا لَحْياً» أَيْ لَوْماً وَعَذْلاً، وَهُوَ نَصْب عَلَى المَصْدر، كَسَقْياً وَرَعْياً.
(هـ) وَفِيهِ «فَإِذَا فَعَلْتُم ذَلِكَ سَلّط اللَّهُ عَلَيْكُمْ شِرَارَ خَلْقه فالْتَحَوْكُم كَمَا يُلْتَحَى القَضِيب» يُقَالُ: لَحَوْتُ الشّجَرة، ولَحَيْتُها والْتَحَيْتُها، إِذَا أخَذْت لِحَاءَها، وهُو قِشْرها.
ويُروى «فلحَتُوكُم» . وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فَإِنْ لَمْ يَجد أحَدُكُم إِلَّا لِحَاء عِنَبَةٍ أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ فَلْيَمْضُغْه» أَرَادَ قِشْر الْعِنَبَةِ، اسْتِعَارة مِنْ قِشر العُود.
(هـ) وَمِنْهُ خُطْبَةُ الْحَجَّاجِ «لَأَلْحُوَنَّكم لَحْوَ الْعَصَا» .
(س) وَفِيهِ «أَنَّهُ نَهى عَنِ الاقْتِعاط وأمَر بالتَّلَحِّي» وَهُوَ جَعْل بَعْضِ الْعِمَامَةِ تَحْت الحنَك، والاقْتعاط: أَلَّا يَجْعل تَحتَ حَنَكه مِنْهَا شَيْئاً.
[هـ] وَفِيهِ «أَنَّهُ احْتَجم بِلَحْيِ جَمَلٍ» وَفِي روَاية «بِلَحْيَيْ جَمْل» هُوَ بِفَتْح اللَّامِ: مَوضِع بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ. وقِيل: عَقَبَة. وَقِيلَ: مَاءٌ.
بَابُ اللَّامِ مَعَ الْخَاءِ
(لَخَخَ)
(هـ) فِي قِصَّة إِسْمَاعِيلَ وَأُمِّهِ هاجَر «والوادِي يومئذٍ لَاخٌّ» أَيْ مُتضايق لكَثْرة الشَّجَرِ، وقِلّة الْعِمَارَةِ.
وَقِيلَ: هُو «لاَخٌ» بِالتَّخْفِيفِ: أَيْ مُعْوَجٌّ، مِنَ الألْخَي، وَهُوَ المُعْوَجُّ الْفَمِ.
وأثْبَته ابْنُ مَعِين بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَقَالَ: مَن قَالَ غَيْرَ هَذَا فَقَدْ صَحَّف، فَإِنَّهُ يُروَى بِالْحَاءِ المُهْملة.(4/243)
(لَخَصَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «أَنَّهُ قَعد لِتَلْخِيص مَا الْتَبَس عَلَى غَيْرِهِ» التَّلْخِيصُ:
التَّقْريب والاخْتِصار. يُقَالُ: لَخَّصْتُ القَولَ، أَيِ اْقَتَصرتُ فِيهِ واخْتَصرت مِنْهُ مَا يُحْتاج إِلَيْهِ.
(لَخَفَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ جَمْع الْقُرْآنِ «فَجَعَلْتُ أتَتَبَّعُه مِنَ الرِّقاع والعُسُب واللِّخَاف» هِيَ جَمْع لَخْفَة، وَهِيَ حِجارةٌ بِيضٌ رِقاق.
وَمِنْهُ حَدِيثُ جَارِيَةِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ «فأخَذت لِخَافَةً مِنْ حَجَر فَذَبَحْتُها بِهَا» .
[هـ] وَفِيهِ «كَانَ اسْم فَرَسِه عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اللَّخِيف» كَذَا رَوَاهُ البُخاري، وَلِمَ يَتَحَقّقْه. وَالْمَعْرُوفُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، ورُوي بِالْجِيمِ.
(لَخْلَخَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ «قَالَ: أَيُّ النَّاس أفْصَح؟ فقَال رجَلٌ: قومٌ ارْتَفَعُوا عَنْ لَخْلَخَانِيَّة العِراق» هِيَ اللُّكْنَة فِي الْكَلَامِ والعُجْمَة.
وَقِيلَ: هُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى لَخْلَخَان، وَهُوَ قَبِيلة، وَقِيلَ: مَوْضع.
[هـ] وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «كُنَّا بمَوْضِع كَذا وكَذا، فأتَى رجلٌ فِيهِ لَخْلَخَانِيَّة» .
(لَخَمَ)
- فِي حَدِيثِ عِكْرِمة «اللُّخْم «1» حَلال» هُوَ ضَرْبٌ مِنْ سَمَك البَحْر، يُقَالُ:
اسْمُه القِرْش.
(لَخَنَ)
(س) فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «يَا ابنَ اللَّخْنَاء» هِيَ الْمَرأة الَّتِي لَمْ تُخْتَن.
وَقِيلَ: اللَّخَن: النَّتْنُ. وَقَدْ لَخِنَ السِّقَاءُ يَلْخَن.
بَابُ اللَّامِ مَعَ الدَّالِ
(لَدَدَ)
- فِيهِ «إِنَّ أبغَضَ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الأَلَدُّ الخَصِم» أَيِ الشَّدِيدُ الخُصومة. واللَّدَدُ:
الْخُصُومَةُ الشَّدِيدَةُ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «رَأَيْتُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوم فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَاذَا لَقِيتُ بعدك من الأود واللَّدَد!» .
__________
(1) في الأصل، وا: «اللَّخْم» وفي اللسان: «اللُّخُم» بضمتين. وما أثبتُّ من الصحاح، والقاموس، والضبط فيهما بالعبارة.(4/244)
(هـ) وَحَدِيثُ عُثْمَانَ: «فأنَا مِنْهُمْ بَيْنَ ألْسُنٍ لِدَادٍ، وقُلوبٍ شِداد» واحِدُها:
لَدِيد، كَشَدِيدٍ.
(هـ) وَفِيهِ «خيرُ مَا تَدَاوَيْتم بِهِ اللَّدُودُ» هُوَ بِالْفَتْحِ مِنَ الأدْوية: مَا يُسقاه الْمَرِيضُ فِي أحَدِ شِقّيِ الفَمِ. ولَدِيدَا الفَمِ: جانِباه.
[هـ] وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ لُدَّ فِي مَرَضِهِ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: لَا يَبْقَى فِي الْبَيْتِ أحدٌ إلاَّ لُدَّ» فَعَلَ ذَلِكَ عُقوبَةً لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَدُّوه بِغَيْرِ إِذْنِهِ. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ عُثْمَانَ «فتَلَدَّدْتُ تَلَدُّدَ المُضْطر» التَّلَدُّد: الْتَلَفُّت يَمِينًا وشِمالاً، تَحَيُّراً، مَأْخُوذٌ مِنْ لَدِيدَى العُنق، وَهُمَا صَفْحَتاه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الدَّجَّالِ «فيقتله المسيح بباب لُدّ» مَوْضِعٌ بِالشَّامِ. وَقِيلَ بفِلَسْطين.
(لَدَغَ)
- فِيهِ «وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أَمُوتَ لَدِيغاً» اللَّدِيغ: المَلْدُوغ، فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(لدم)
[هـ] وفى حَدِيثِ العَقَبة «أنَّ أَبَا الهَيْثم بْنَ التَّيِّهان قَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ حِبالاً وَنَحْنُ قاطعُوها، فنَخْشى إنِ اللهُ أعَزَّك وأظْفَرك أَنْ تَرجِع إِلَى قَوْمك، فَتَبَّسم النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: بَلِ اللَّدَمُ اللَّدَمُ، والهَدَْمُ «1» الهَدَْمُ» اللَّدَمُ بِالتَّحْرِيكِ: الحُرَم، جَمْعُ لادِم، لِأَنَّهُنَّ يَلْتَدِمْنَ عَلَيْهِ إِذَا مَاتَ، والالْتِدَام: ضَرْب النِّسَاءِ وُجوهَهُنّ فِي النِّياحة. وَقَدْ لَدَمَت تَلْدُم لَدْماً.
يَعْنِي أنَّ حُرَمكُم حُرَمِي.
وَفِي رِوَايَةٍ أخْرَى «بَل الدَّمُ الدَّمُ «2» » وَهُوَ أَنْ يُهْدَرَ دَمُ القَتيل. الْمَعْنَى: إِنْ طُلِب دَمُكم فَقَدْ طُلِبَ دَمِي، فدَمِي ودَمُكم شَيْءٌ وَاحِدٌ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ «قُبِض رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي حِجْري، ثُمَّ وضَعْتُ رَأْسَهُ عَلَى وِسَادَةٍ وقُمْت أَلْتَدِمُ مع النساء وأضْرب وجْهِي» .
__________
(1) بفتح الدال وسكونها. كما سيأتي في (هدم) .
(2) ضبط في الأصل بفتح الميم. وضبطته بالضم من: ا، واللسان، والهروى.(4/245)
وَمِنْهُ حَدِيثُ الزُّبَيْرِ يَوْمَ أُحد «فخَرجْت أسْعَى إِلَيْهَا- يَعْنِي أمَّه- فأدْرَكْتُها قَبْلَ أَنْ تَنْتَهِيَ إِلَى القَتْلى، فَلَدَمَتْ فِي صَدْري، وَكَانَتِ امْرَأَةً جَلْدَة» أَيْ ضَرَبت وَدَفَعت.
(س) وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «واللهِ لَا أَكُونُ مثْلَ الضَّبُع، تَسْمَع اللَّدْمَ فتَخْرج حَتَّى تُصْطاد» أَيْ ضَرْبَ جُحْرِها بحَجَر، إِذَا أَرَادُوا صَيْد الضَّبُع ضَربوا جُحْرها بحَجر، أَوْ بِأَيْدِيهِمْ، فتَحْسبُه شَيْئًا تَصِيده فتَخْرج لتأخذَه فتُصطاد.
أَرَادَ: إِنِّي لَا أُخدَع كَمَا تُخْدع الضَّبُع باللَّدْم.
وَفِيهِ «جَاءَتْ أمُّ مِلْدَم تِسْتَأذن» هِيَ كُنْيَة الحُمِّي. وَالْمِيمُ الْأُولَى مَكْسُورَةٌ زَائِدَةٌ.
وأَلْدَمَتْ عَلَيْهِ الحُمِّى، أَيْ دامَت. وَبَعْضُهُمْ يَقُولها بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ.
(لَدَنَ)
(هـ) فِيهِ «أنَّ رجُلاً رَكِب ناضَحاً لَهُ ثُمَّ بَعَثَه فتَلَدَّن عَلَيْهِ» أَيْ تَلَكَّأ وتَمَكَّث وَلَمْ يَنْبَعِث.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ «فأرْسَل إِلَيَّ نَاقَةً مُحَرّمة، فتَلَدَّنَت عَلَيَّ فلَعَنْتُها» .
وَفِي حَدِيثِ الصَّدقة «عَلَيْهِمَا جُنَّتان مِنْ حَديد مِنْ لَدُنْ ثَدْيَيهْما إِلَى تَراقِيهما» لَدُن: ظَرْفُ مَكَانٍ بِمَعْنَى عِنْدَ، وَفِيهِ لُغات، إِلَّا أَنَّهُ أقْرب مَكَانًا مِنْ عِنْدَ، وأخَصّ مِنْهُ، فإنَّ «عِنْدَ» تَقَع عَلَى الْمَكَانِ وغيرِه، تَقُولُ: لِي عِنْدَ فُلان مالٌ: أَيْ فِي ذِمَّتِه. وَلَا يُقَالُ ذَلِكَ فِي لَدُن. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(لَدَا)
(س) فِي الْحَدِيثِ «أَنَا لِدَةُ رسول الله» أي تِرْبهُ. يُقَالُ: ولَدَتِ الْمَرْأَةُ وِلاداً، ووِلادةً، ولِدَةً، فسُمّي بِالْمَصْدَرِ. وَأَصْلُهُ: وِلْدَة، فَعُوِّضَتِ الْهَاءُ مِنَ الْوَاوِ. وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهُ هَاهُنَا حَمْلاً عَلَى لَفْظِهِ. وجَمْع اللِّدَة: لِدَات.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ رُقَيقة «وَفيهم الطَّيِّب الطَّاهِرُ لِدَاتُه» أَيْ أتْرَابُه. وَقِيلَ: وِلاَدَاتُه، وذِكْر الأتْراب أسْلُوب مِنْ أسَالِيبهم فِي تَثْبِيت الصِّفَة وتَمْكِينها، لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ مِنْ أقْرانٍ ذَوِي طَهَارَة كَانَ أثْبَتَ لِطَهارَتِه وطِيِبه.(4/246)
بَابُ اللَّامِ مَعَ الذَّالِ
(لَذَذَ)
[هـ] فِيهِ «إِذَا رَكِب أحَدُكم الدَّابَّة فليَحْمِلْها عَلَى مَلَاذِّها» أَيْ لِيُجْرِهَا فِي السُّهُولة لَا فِي الحُزُونَة. والمَلَاذُّ: جَمْع مَلَذٍّ، وَهُوَ مَوْضع اللَّذَّةِ. ولَذَّ الشيءُ يَلَذُّ لَذَاذَةً فَهُوَ لَذِيذ:
أَيْ مُشْتَهّى.
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ الزُّبَيْرِ، كَانَ يُرَقِّصُ عَبْدَ اللَّهِ، وَيَقُولُ:
أبْيَضُ مِنْ آلِ أَبِي عَتِيقِ ... مُبَاركٌ مِنْ وَلَدِ الصِّدِّيقِ
أَلَذُّهُ كَمَا أَلَذُّ «1» رِيِقي
تَقُولُ: لَذِذْتُهُ بالكَسْر، أَلَذُّه بِالْفَتْحِ.
(س) وَفِيهِ «لَصُبَّ عَلَيْكُمُ الْعَذَابُ صَبّاً، ثُمَّ لُذَّ لَذّاً» أَيْ قُرِن بَعْضُه إِلَى بَعْض.
(لَذَعَ)
(س) فِيهِ «خَيْرُ مَا تَدَاوَيْتُم بِهِ كَذَا وكَذَا، أَوْ لَذْعَةٌ بِنَارٍ تُصِيب ألَماً» اللَّذْع: الخَفيف مِنْ إحْراق النَّارِ، يُريدُ الْكَيّ.
(س) وَفِي حَدِيثِ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى «أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ» قَالَ: بَسْطُ أجْنحَتِهِنَّ وتَلَذُّعُهُنَّ» لَذَع الطَّائر جَنَاحَيْه، إِذَا رَفْرَف فحرّكَهُما بَعْد تَسْكيِنهما.
(لَذَا)
(س) فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «أنَّها ذَكَرت الدُّنْيَا فَقَالَتْ: قَدْ مَضَى «2» لَذْوَاهَا وبَقِي «3» بَلْوَاها» أَيْ لَذَّتُهَا، وَهُوَ فَعْلَى مِنَ اللَّذَّة، فَقُلِبَتْ إحْدى الذَّالَيْن يَاءً، كالتَّقَضِّي والتَّظَنِّي.
وأرادَت بذَهاب لَذْوَاها حياةَ النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبِالْبَلْوَى مَا حَدَث بعده من المحن.
__________
(1) فى الهرى: «يَلَذُّ» .
(2) هكذا في الأصل، وا، والفائق 2/ 460. والذي فى الهروى، واللسان: «مضت ... وبقيت» .
(3) هكذا في الأصل، وا، والفائق 2/ 460. والذي في الهروي، واللسان: «مضت ... وبقيت» .(4/247)
بَابُ اللَّامِ مَعَ الزَّايِ
(لَزِبَ)
- فِي حَدِيثِ أَبِي الأحْوص «فِي عَامِ أزْبَةٍ أوْ لَزْبَة» اللَّزْبَة: الشِّدّة.
وَمِنْهُ قولُهم «هَذَا الأمْر ضَرْبَةُ لَازِب» أَيْ لاَزِمٌ شديِد.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «ولاَطَهَا بِالْبِلَّة حَتَّى لَزِبَتْ» أَيْ لَصِقَت ولَزِمَتْ.
(لَزَزَ)
(هـ) فِيهِ «كَانَ لِرسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرسٌ يُقال لَهُ: اللِّزَاز» سُمِّي بِهِ لِشدَّة تَلَزُّزِه واجْتِماع خَلْقِه. ولُزَّ بِه الشَّيْءُ: لَزِق بِهِ، كأنَّه يَلْتَزِق بالمَطْلوب لسُرْعَتِه.
(لَزِمَ)
- فِي حَدِيثِ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ ذِكْر «اللَّزَام» وفُسِّر بأنَّه يَوْمُ بَدْرٍ، وَهُوَ فِي اللُّغة المُلَازَمَةُ لِلشَّيْءِ والدَّوَام عَلَيْهِ، وَهُوَ أَيْضًا الفَصْل فِي القَضِيَّة، فَكَأَنَّهُ مِنَ الأضْدَاد.
بَابُ اللَّامِ مَعَ السِّينِ
(لَسَبَ)
- فِي صِفَة حَيَّاتِ جَهَنَّمَ «أنْشَأنَ بِهِ لَسْباً» اللَّسْب واللَّسْع واللَّدْغ بِمَعْنىً.
(لَسَعَ)
- فِيهِ «لَا يُلْسَع المؤمِن مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْن» وَفِي رِوَايَةٍ «لَا يُلْدَغ» اللَّسْع واللَّدْغ سَوَاء. والجُحْر: ثَقْب الحَيَّة، وَهُوَ اسْتِعارة هَاهُنَا: أَيْ لَا يُدْهَى المؤمِنُ مِنْ جِهَة واحِدَة مَرَّتَين، فإنَّه بالأُولَى يَعْتَبر.
قَالَ الخطَّابي: يُروَى بِضَمِّ العَيْن وكَسْرها. فَالضَّمُّ عَلَى وجْه الْخَبَرِ، وَمَعْنَاهُ أنَّ الْمُؤْمِنَ هُوَ الكَيِّس الحازِم الَّذِي لَا يُؤتَى مِنْ جِهة الغَفْلة، فيُخْدَع مَرَّة بَعْدَ مَرَّة، وَهُوَ لَا يَفْطِنُ لِذَلِكَ وَلَا يَشْعُر بِهِ.
وَالْمُرَادُ بِهِ الخِداع فِي أمِر الدِّينِ لَا أمْرِ الدُّنْيَا.
وأمَّا الْكَسْرُ فَعَلى وجْه النَّهْي: أَيْ لَا يُخْدَعَنَّ المؤمِنُ وَلَا يُؤْتَيَنَّ مِنْ نَاحِيَةِ الغَفلة، فيَقَع فِي مَكْرُوهٍ أَوْ شَرٍّ وَهُوَ لَا يَشْعُر بِهِ، ولْيَكُن فَطِناً حَذِراً. وَهَذَا التَّأْوِيلُ يَصْلح أَنْ يَكُونَ لأِمْر الدِين وَالدُّنْيَا مَعًا.
(لَسَنَ)
- فِيهِ «لِصاحب الْحَقِّ اليَدُ واللِّسَان» اليَدُ: اللُّزوم، وَاللِّسَانُ: التَّقاضِي.(4/248)
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُمر وامْرأةٍ «إِنْ دخَلْتَ عَلَيْهَا لَسَنَتْك» أَيْ أخَذَتْك بلِسانِها، يَصِفُها بالسَّلاطة وَكَثْرَةِ الْكَلَامِ والبَذاء.
(س) وَفِيهِ «أَنَّ نَعْلَه كَانَتْ مُلَسَّنة» أَيْ كَانَتْ دَقِيقة عَلَى شَكْلِ اللِّسَانِ.
وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي جُعِل لَهَا لِسَانٌ، ولسانُها: الهَنة الناتِئة فِي مُقَدَّمِها.
بَابُ اللَّامِ مَعَ الصَّادِ
(لَصَفَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «لَمَّا وَفَدَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَقُرَيْشٌ إِلَى سيْف بْنِ ذِي يَزَن فأذِنَ لَهُمْ، فَإِذَا هُوَ مُتَضَمَّخٌ بالعَبير، يَلْصُفُ وبِيصُ الْمِسْكِ مِن مَفْرِقِه» أَيْ يَبْرُق وَيَتَلألأ. يُقَالُ:
لَصَفَ يَلْصُف لَصْفاً ولَصِيفاً، إِذَا بَرَقَ.
(لَصَقَ)
(س) فِي حَدِيثِ قَيْس بْنِ عَاصِمٍ «قَالَ لَهُ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَكَيْفَ أَنْتَ عِنْدَ الْقِرَى؟ قَالَ: أُلْصِق بِالنَّابِ الْفَانِيَةِ والضَّرَعِ الصَّغِيرِ» أَرَادَ أَنَّهُ يُلْصِق بِهَا السَّيْفَ فيُعَرْقِبُها للضِيافة.
وَفِي حَدِيثِ حاطِب «إِنِّي كنتُ امْرَأ مُلْصَقاً فِي قُرَيش» المُلْصَق: هُوَ الرجُل المُقِيم فِي الحَيِّ، وَلَيْسَ مِنْهُمْ بنَسب.
(لَصَا)
- فِيهِ «مَن لَصَا مُسْلِماً» أَيْ قَذَفه. واللاصِي: القاذِف.
بَابُ اللَّامِ مَعَ الطَّاءِ
(لَطَأَ)
[هـ] فِيهِ مِنْ أسْماء الشَّجاج «اللَاطِئَة» قِيلَ: هِيَ السَّمْحاق، والسِّمحاق عندَهم:
المِلْطَى بالقَصر، والمِلْطاة، والمِلْطَأ. والمِلْطاة: قِشْرةٌ رَقِيقة بيْن عَظْم الرَّأس ولَحْمِه.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ إِدْرِيسَ «لَطِئَ لِسَانِي فقَلّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ» أَيْ يَبِس فَكَبُرَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَسْتَطِعْ تَحْرِيكَهُ. يُقَالُ: لَطِئَ بِالْأَرْضِ ولَطَأَ بِهَا، إِذَا لَزِق.
وَفِي حَدِيثِ نَافِعِ بْنِ جُبَير «إِذَا ذُكِرَ عَبدُ مَناف فالْطَهْ» هُوَ مِنْ لَطِئَ بالأرض،(4/249)
فَحذف الْهَمْزَةَ، ثُمَّ أتْبَعَها هَاءَ السَّكْت، يُريد إِذَا ذُكِرَ فالْتَصِقُوا بِالْأَرْضِ وَلَا تَعُدّوا أنفسَكم، وكُونوا كالتَّراب.
ويُرْوَى «فالْتَطِئُوا» .
(لَطَحَ)
- فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «فجَعل يَلْطَحُ أفْخاذَنا بيدِه» اللَّطْح: الضَّرْب بالكَفَّ، وَلَيْسَ بِالشَّدِيدِ.
(لَطَخَ)
- فِي حَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ «تَرَكْتني حَتَّى تَلَطَّخْت» أَيْ تَنَجَّسْت وتَقَذَّرْت بالجِماع. يُقَالُ: رجُلٌ لَطِخٌ، أَيْ قَذِر.
(لَطَطَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ طَهْفة «لَا تُلْطِطْ فِي الزَّكَاةِ» أَيْ لَا تَمْنَعْها. يُقَالُ: لَطَّ الغَريمُ وأَلَطَّ، إِذَا مَنَع الحَقّ. ولَطَّ الحَقَّ بِالْبَاطِلِ، إِذَا سَتره.
قَالَ أَبُو مُوسَى: هَكَذَا رَوَاهُ القُتَيبي. عَلَى النَّهي لِلْوَاحِدِ. وَالَّذِي رَوَاهُ غيرُه «مَا لَمْ يَكُنْ عَهْدٌ وَلَا مَوْعدٌ وَلَا تَثاقُلٌ عَنِ الصَّلَاةِ، وَلَا يُلْطَطُ فِي الزَّكَاةِ، وَلَا يُلْحَدُ فِي الحَياة» وَهُوَ الوجْه؛ لِأَنَّهُ خِطاب للجَماعة، واقِعٌ عَلَى مَا قَبْله. وَقَدْ تَقَدَّمَ «1» .
[هـ] وَفِي حَدِيثِ ابْنِ يَعْمَر «أنْشَأتَ تَلُطُّها» أَيْ تَمْنَعُها حَقَّها.
ويُرْوَى «تَطُلُّها» . وَقَدْ تَقَدَّمَ.
(هـ) وَفِي شِعْرِ الأعْشَى الْحِرْمَازِيّ، فِي شَأْنِ امْرأتِه:
أخْلَفَت الوَعْدَ «2» ولَطَّتْ بالذَّنَبْ
أرادَ مَنَعَتْه بُضْعَها، مِنْ لَطَّت النَّاقة بِذَنَبِها، إِذَا سَدَّت فَرْجَها بِهِ إِذَا أرادَها الفَحْل.
وَقِيلَ: أَرَادَ تَوارت وأخْفَت شَخْصَها عَنْهُ، كَمَا تُخْفِي النَّاقة فَرْجَها بِذَنَبِها.
وَفِيهِ «تَلُطُّ حَوْضَها» كَذَا جَاء فِي الْموَطَّأ «3» . واللَّطُّ: الإلْصاق، يُريد تُلْصِقُه بالطّين حَتَّى تَسُدّ خَلَله «4» .
__________
(1) انظر ص 236.
(2) هكذا في الأصل، وا، والفائق 1/ 423. وفي الهروي، واللسان، هنا وفي مادة (ذرب) : «العَهْدَ» .
(3) انظر الموطأ. (الحديث الثالث والثلاثين، من كتاب صفة النبي صلى الله عليه وسلم) 2/ 934
(4) ضبط في أ: «يسد خلله» .(4/250)
[هـ] وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ «المِلْطَاةُ طريقُ بقَيَّة الْمُؤْمِنِينَ هُرَّاباً مِنَ الدَّجَّال» هُوَ سَاحِلُ البَحْر، وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ.
وَفِي ذِكْرِ الشَّجَاج «المِلْطَاطُ» وَهِيَ المِلْطَأ، وَقَدْ تقدَّمَت، والأصْل فِيهَا مِنْ مِلْطَاط الْبَعِيرِ، وَهُوَ حَرْفٌ فِي وَسَطِ رَأْسِهِ. والْمِلْط: أعْلى حَرْف الجبَل، وصَحْن الدَّارِ. وَالْمِيمُ فِي كُلِّهَا زَائِدَةٌ.
(لَطَفَ)
- فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى «اللَّطِيفُ» *
هُوَ الَّذِي اجْتَمع لَهُ الرّفْق فِي الفِعْل، والعِلْمُ «1» بدَقَائق المصَالح وإيصَالها إِلَى مَن قَدَّرَهَا لَهُ مِن خَلْقه، يُقال: لَطَفَ بِهِ وَلَهُ، بِالْفَتْحِ، يَلْطُفُ لُطْفا، إِذَا رَفَق بِهِ، فأمَّا لَطُفَ بِالضَّمِّ يَلْطُفُ، فَمَعْنَاهُ صَغُرَ وَدَقَّ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الصَّبْغَاءِ «فأجَمع لَهُ الأحِبَّة الأَلَاطِفَ» هُو جَمْع الأَلْطَف، أفْعَل، مِنَ اللُّطْف: الرِّفق.
ويُروَى «الأظَالِفَ» بالظَّاء الْمُعْجَمَةِ.
وَفِي حَدِيثِ الإفْك «وَلَا أرَى مِنْهُ اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أعْرِفُه» أَيِ الرِّفْقَ والبِرَّ.
ويُرْوَى بِفَتْح اللَّامِ والطَّاء، لُغَةٌ فِيهِ.
(لَطَمَ)
- فِي حَدِيثِ بَدْرٍ «قَالَ أَبُو جَهْل: يَا قَوْمِ، اللَّطِيمةَ اللَّطِيمةَ» أَيْ أدْرِكُوها، وَهِيَ مَنْصوبة بإضْمار هَذا الْفِعل.
واللَّطِيمة: الجِمَال الَّتِي تَحْمل العِطْر والْبَزَّ، غَيْر المِيرَة. ولَطَائم المِسْك: أوعِيَتُه.
وَفِي حَدِيثِ حسان «2» .
يُلَطِّمُهُنّ بالخمر النّساء
أى ينقضن مَا عَلَيْهَا مِنَ الغُبار، فاسْتَعار لَهُ اللَّطْم.
ويرى «يُطَلِّمُهُنّ» ، وهو الضَّرب بالكَفِّ. وقد تقدّم.
__________
(1) ضبط في الأصل: «والعلم» بكسر الميم. وأثبتُّه بضمها من ا، واللسان.
(2) ديوانه ص 5 بشرح البرقوقي. وصدره:
تَظَلُّ جِيادُنا مُتَمَطِّراتٍ
ورواية الديوان: «تلطّمهنّ»(4/251)
(لَطَا)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ بَال فَمَسح ذَكَرَه بِلطَي ثُمَّ تَوَضَّأَ» قِيلَ: هُو قَلْبُ لِيَطٍ، جَمْع لِيطَة، كَمَا قِيلَ فِي جَمْع فُوقَة: فُوَق. ثُمَّ قلِبت فَقِيل: فُقًى. والمُرَاد بِهِ مَا قُشِر مِنْ وَجْه الْأَرْضِ مِنَ المَدَر.
بَابُ اللَّامِ مَعَ الظَّاءِ
(لَظَظَ)
[هـ] فِي حديث الدعاء «أَلِظُّوا بيَا ذَا الجَلال والإِكرام» أَيِ الْزَمُوه واثْبُتُوا عَلَيْهِ وأكْثِرُوا مِنْ قَوْلِهِ والتَّلَفُّظِ بِهِ فِي دُعائِكم. يُقَالُ: أَلَظَّ بِالشَّيْءِ يُلِظُّ إِلْظَاظاً، إِذَا لَزِمَه وثابرَ عَلَيْهِ.
وَفِي حَدِيثِ رَجْم الْيَهُودِيِّ «فَلَمَّا رَآهُ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَظَّ بِهِ النَّشْدَة» أَيْ أَلَحَّ فِي سُؤَالِهِ وَأَلْزَمَهُ إِيَّاهُ.
(لظي)
- فِي حَدِيثِ خَيْفان لَّما قَدِم عَلَى عُثْمَانَ «أمَّا هَذَا الْحَيُّ مِنْ بَلْحَارث بْنِ كَعْبٍ فَحَسَكٌ أمْرَاس، تَتَلَظَّى المَنِيَّةُ فِي رِماحِهم» أَيْ تَلْتَهِب وتَضْطَرم، مِن لَظَى، وَهُو اسْم مِنْ أسْماء النَّارِ، وَلَا يَنْصَرِف للِعَلَمِيَّة والتَّأنيث. وَقَدْ تَكَرَّرَتْ فِي الْحَدِيثِ.
بَابُ اللَّامِ مَعَ الْعَيْنِ
(لَعِبَ)
- فِي حَدِيثِ جَابِرٍ «مَا لَكَ ولِلْعذَارَى ولِعَابِهَا» اللِّعَاب بِالْكَسْرِ: مثْل اللَّعِب. يُقَال: لَعِبَ يَلْعَبُ لَعِباً ولِعَاباً فَهُوَ لَاعِب.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَا يَأخُذَنّ أحدُكم مَتَاعَ أَخِيهِ لاعِباً جَادًّا» أَيْ يأخُذُه وَلاَ يُريد سَرِقَتَه ولكنْ يُريد إدْخالَ الهَمَّ والغَيْظِ عَلَيْهِ، فَهُوَ لَاعِبٌ فِي السَّرِقة، جَادٌ فِي الأذيَّة.
وَفِي حَدِيثِ علي «زَعم ابن النَّابِغَة «1» أنِّي تِلْعَابة «2» » .
__________
(1) هو عمرو بن العاص.
(2) بكسر التاء، وتفتح كما في القاموس.(4/252)
(س) وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «أنَّ عَليَّاً كَانَ تِلْعَابة» أَيْ كَثِيرَ المَزْح والمُدَاعَبة. والتَّاء زَائِدَةٌ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي التَّاءِ.
وَفِي حَدِيثِ تَمِيمٍ والجَسَّاسَة «صادَفْنا البَحْر حِينَ اغْتَلم فَلَعِبَ بنَا المَوْج شَهْراً» سَمّى اضْطِرَابَ أمْواج البَحْر لَعِباً، لَمَّا لَم يَسِرْ بِهِمْ إِلَى الوجْه الَّذِي أرَادُوه. يُقَال لكُلِّ مَنْ عَمِل عَمَلاً لاَ يُجْدِي عَلَيْهِ نَفْعاً: إنَّما أنْت لاعِب.
وَفِي حَدِيثِ الِاسْتِنْجَاءِ «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَلْعَبُ بِمقَاعِدِ بَنِي آدَمَ» أَيْ أَنَّهُ يَحْضُر أمْكِنَة الاسْتنْجاء وَيَرْصُدها بِالْأَذَى والفَساد، لأنَّها مواضِعُ يُهْجَر فِيهَا ذِكْر اللَّهِ، وتُكْشَف فِيهَا العَوْرات، فأُمِرَ بسَتْرها والامْتِناع مِنَ التَّعَرّض لِبَصر النَّاظِرين، ومَهَابِّ الرِّيَاحِ وَرَشَاش البَوْل، وكُلُّ ذَلِكَ مِنْ لَعِب الشَّيْطَانِ.
(لَعْثَمَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ «فَإِنَّهُ لَمْ يَتَلَعْثَم» أَيْ لَمْ يَتَوَقَّف، وَأَجَابَ إِلَى الإسْلام أوّلَ مَا عَرَضْتُه عَلَيْهِ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ لُقْمان «فَلَيْس فِيهِ لَعْثَمة» أَيْ لَا تَوَقُّفَ فِي ذِكْر مَنَاقِبِه.
(لَعَسَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ الزُّبير «أنَّه رَأَى فِتْيةً لُعْساً فَسَأل عنْهم» اللُّعْس: جمْع أَلْعَس، وَهُوَ الَّذِي فِي شَفَتِه سَواد.
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: لَمْ يُرِدْ بِهِ سَواد الشَّفَة كَمَا فَسَّره أَبُو عُبَيْدٍ، وَإنما أَرَادَ سَوادَ ألوانِهِم. يُقَالُ:
جارِيةٌ لَعْسَاء، إِذَا كَانَ فِي لَوْنِها أدْنَى سَوادٍ وَشُرْبَةٌ مِنَ الحُمْرَة. فَإِذَا قِيلَ: لَعْسَاء الشَّفَة فَهُوَ عَلَى مَا فَسَّره «1» .
(لَعَطَ)
[هـ] فِيهِ «أَنَّهُ عَادَ البَراء بْنَ مَعْرُور وأخذتْه الذُّبَحَة، فأمَر من
__________
(1) بعد هذا في الهروي: «قال العَجّاج:
وَبَشَرٍ مع البياض ألْعسا
فدلّ على أن اللَّعَس في البدن كلّه» .(4/253)
لَعَطَه بالنَّار» أَيْ كَواه فِي عُنُقِه. وَشَاةٌ لَعْطَاء، إِذَا كَانَ فِي جَانِبِ عُنُقِها سَواد. والعِلاَط:
وَسْم فِي العُنُق عَرْضاً.
(لَعَعَ)
(هـ) فِيهِ «إنَّما الدُّنْيَا لُعَاعَة» اللُّعَاعَة، بالضَّم: نَبْت نَاعِمٌ فِي أَوَّلِ مَا يَنْبُتُ. يُقال:
خَرَجْنا نَتَلَعَّى: أَيْ نأخُذ اللُّعَاعة.
وأصْله «نَتَلَعَّع» ، فأبْدلَت إحْدى العَيْنَين يَاءً. يَعْنِي أنَّ الدُّنيا كالنَّبَات الأخْضَر قَلِيل البَقَاء.
وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ «مَا بَقِيَ فِي الْإِنَاءِ إلاَّ لُعَاعَة» أَيْ بَقِيَّة يَسِيرة.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أوَجَدْتُم يَا مَعْشَر الْأَنْصَارِ مِن لُعاعةٍ مِنَ الدُّنيا تَألَّفْتُ بِهَا قَوْماً ليُسْلِموا، وَوَكَلْتُكم إِلَى إسْلامِكم؟» .
(لَعِقَ)
(هـ) فِيهِ «إِنَّ للِشَّيطان لَعُوقا وَدِسَاماً» اللَّعُوق بِالْفَتْحِ: اسْمٌ لِمَا يُلْعَق: أَيْ يُؤكَل بالمِلْعَقَةِ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «كَانَ يَأكُل بثَلاثِ أصَابع، فَإِذَا فَرَغ لَعِقَهَا، وأمَرَ بِلَعْق الْأَصَابِعِ والصَّحْفَة» أَيْ لَطع مَا عَلَيها مِنْ أثَرِ الطَّعام. وَقَدْ لَعِقَهُ يَلْعَقُهُ لَعْقاً.
(لَعْلَعَ)
- فِيهِ «مَا أقامَتْ «1» لَعْلَعُ» هُوَ اسْمُ جَبَل. وأنَّثَه؛ لِأَنَّهُ جَعَله اسْماً للِبُقْعَة الَّتِي حَوْل الجَبَل «2» .
(لعلَّ)
- قَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذِكر «لَعَلَّ» وَهِيَ كَلْمَةُ رَجَاء وطَمَع وَشَكٍّ. وَقَدْ جَاءَتْ فِي الْقُرْآنِ بمعْنى كَيْ.
وأصْلُها عَلَّ «3» ، وَاللَّامُ زَائِدَةٌ.
وَفِي حَدِيثِ حاطِب «وَمَا يُدْرِيك لَعَلَّ اللهَ قَدِ اطَّلَع عَلَى أَهْلِ بَدْر فقال لهم: اعْمَلُوا
__________
(1) في الهروي: «قامت» .
(2) قال الهروي: «وهو إذا ذُكِّر صُرِف، وإذا أُنِّث لم يُصْرف» .
(3) في الأصل: «وقيل: أصلها» وما أثبتُّ من ا، والصحاح (لعل) وعبارته: «واللام في أولها زائدة» .(4/254)
مَا شِئتُم فَقَدْ غَفَرتُ لكُم» ظَنَّ بعضُهم أَنَّ مَعْنَى لَعَلَّ هَاهُنَا مِنْ جِهَةِ الظَّنِّ وَالْحِسْبَانِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإنَّما هِيَ بمَعْنى عَسَى، وَعَسَى ولَعَلَّ مِنَ اللَّهِ تَحْقِيقٌ.
(لَعَنَ)
(هـ) فِيهِ «اتَّقُوا المَلَاعِنَ الثَّلَاثَ» هِيَ جَمْع مَلْعَنَة، وَهِيَ الفَعْلة الَّتِي يُلْعَن بِهَا فاعِلُها، كَأَنَّهَا مَظِنَّة لِلَّعْن وَمَحَلٌّ لَهُ.
وهِي أَنْ يَتَغَوّط الإنْسانُ عَلَى قارِعة الطَّرِيقِ، أَوْ ظِلّ الشَّجَرَةِ، أَوْ جانِب النَّهْر، فَإِذَا مَرَّ بِهَا النَّاسُ لَعَنُوا فاعِلَها.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «اتَّقُوا اللاعِنَيْن» أَيِ الأمْرَيْن الجالِبَين لِلَّعْن، الباعِثَين لِلنَّاسِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ سَبَبٌ لِلَعْن مَن فَعَله فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ.
وَلَيْسَ ذَا فِي كُلِّ ظِلّ، وَإِنَّمَا هُوَ الظِّلُّ «1» الَّذِي يَسْتظِلّ بِهِ الناسُ ويَتَّخِذونه مَقِيلاً ومُناخاً.
واللاعِن: اسْمُ فاعِل، مِن لَعَن، فسُمِّيت هَذِهِ الأماكِن لاعِنَة؛ لِأَنَّهَا سببُ اللَّعْن.
(س) وَفِيهِ «ثلاثٌ لَعِينات» اللَّعِينة: اسْمُ المَلْعُون، كالرَّهِينة فِي المَرْهُون، أَوْ هِيَ بِمَعْنَى اللَّعْن، كالشَّتِيمة من الشّتم، ولابدّ عَلَى هَذَا الثَّانِي مِنْ تَقْدِيرِ مُضَافٍ مَحْذُوفٍ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ الْمَرْأَةِ الَّتِي لَعَنَت ناقَتها فِي السَّفر «فَقَالَ: ضَعُوا عَنْهَا، فَإِنَّهَا مَلْعُونة» قِيلَ: إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ اسْتُجيب دُعاؤها فِيهَا.
وَقِيلَ: فَعَلة عُقُوبةً لصِاحِبَتِها لِئَلَّا تَعُود إِلَى مِثِلها، وليَعْتَبِرَ بِهَا غيرُها.
وَأَصْلُ اللَّعْن: الطَّرْد والإبْعاد مِنَ اللَّهِ، وَمِنَ الخَلْق السَّبُّ والدُّعاء.
وَفِي حَدِيثِ اللِّعان «فالْتَعن» هُوَ افْتَعل مِنَ اللَّعْن: أَيْ لَعَن نفسَه. واللِّعَان والمُلَاعَنة:
اللَّعْن بين اثنين فصاعِداً.
__________
(1) وردت العبارة في اهكذا: «وليس كلُّ ظلّ، وإنما هو ظِلُّ الذي ... »(4/255)
بَابُ اللَّامِ مَعَ الْغَيْنِ
(لَغِبَ)
[هـ] فِيهِ «أهْدَى يَكْسُومُ أخُو الأشْرَم إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِلاحاً فِيهِ سَهْمٌ لَغْبٌ» يُقَالُ: سَهْم لَغْبٌ ولُغاب ولَغِيب، إِذَا لَمْ يَلْتَئِم رِيشُه ويَصْطَحب لِرداءتِه، فَإِذَا الْتأم فَهُوَ لُؤامٌ.
وَفِي حَدِيثِ الْأَرْنَبِ «فسَعَى الْقَوْمُ فلَغِبُوا وأدْرَكْتُها» اللَّغَب: التَّعَبُ والإعْياء. وَقَدْ لَغِبَ يَلْغَب. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(لَغَثَ)
- فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «وَأَنْتُمْ تَلْغَثُونها» أَيْ تأكُلونها، مِن اللَّغِيث، وَهُوَ طَعام يُغْلَث «1» بِالشَّعِيرِ.
ويُرْوَى «تَرْغَثُونها» أَيْ تَرْضَعونَها.
(لَغَدَ)
- فِيهِ «فحَشَى بِهِ صَدْرَه ولَغَادِيدَه» هِيَ جَمع لُغْدود، وَهِيَ لَحْمة عِنْدَ اللَّهَوات.
وَيُقَالُ لَهُ: لُغْد، أَيْضًا، ويُجْمَع: أَلْغَادا.
(لَغَزَ)
[هـ] فِي حَدِيثِ عُمَرَ «أَنَّهُ مَرَّ بِعَلْقَمَةَ بْنِ الْفَغْوَاءِ «2» يُبايِع أعْرابيَّاً يُلْغِزُ لَهُ فِي الْيَمِينِ، ويُرِي الأعْرابيَّ أَنَّهُ قَدْ حَلَف لَهُ، ويَرَى عَلْقَمة أَنَّهُ لَمْ يَحْلِف، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ:
مَا هَذِهِ اليمينُ اللُّغَيْزاء؟» اللُّغَيْزاء مَمْدُودٌ: مِنَ اللُّغَزِ، وَهِيَ «3» جِحَرة اليَرابِيع، تَكُونُ ذَاتَ «4» جِهَتَيْنِ، تدخُل مِنْ جِهَةٍ، وتخُرج مِنْ جِهَةٍ أُخرّى، فاسْتُعِير لمَعاريض الْكَلَامِ ومَلاْحِنه.
هَكَذَا قال الهروي.
__________
(1) في ا، واللسان: «يُغَشُّ» والمثبت في الأصل. قال في الجمهرة 2/ 46: «وغلث الحديثَ يغلثه غلثاً، إذا خلط بعضه ببعض، ولم يجيء به على الاستواء. والغلث: الخلط. يقال: طعام مغلوث: أي مخلوط، نحو البُرّ والشعير، إذا خلطا» .
(2) في الأصل، وا: «الغفواء» وفي اللسان: «القعواء» وصححته بفاء مفتوحة ومعجمة ساكنة، من الهروي، والإصابة 4/ 266.
(3) في الهروي: «من اللَّغَز. وهو أحد جحرة اليربوع» .
(4) في الهروي: «ذوات» .(4/256)
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: «اللُّغَّيْزا- مُثَقلة الْغَيْنِ- جَاءَ بِهَا سِيبَوَيْهِ فِي كِتَابِهِ «1» مَعَ الخُلَّيْطَي.
وَفِي كِتَابِ الْأَزْهَرِيِّ «2» مُخَفَّفَةٌ، وحَقَّها أَنْ تَكُونَ تحِقيرَ «3» المُثّقَّلة. كَمَا يُقَالُ فِي «سُكَيْت» إِنَّهُ تحقِير «سُكَّيْت» «4» .
وَقَدْ أَلْغَز فِي كَلَامِهِ يُلْغِز إِلْغازا، إِذَا وَرّى فِيهِ وعَرّض ليَخْفَى.
(لَغَطَ)
- فِيهِ «وَلَهُمْ لَغَطٌ فِي أسْواقِهم» اللَّغَطُ: صوتٌ وضَجَّة لَا يُفْهَم مَعْنَاهَا. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(لَغَمَ)
- فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «وَأَنَا تَحْتَ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصيبُني لُغَامُها» لُغام الدَّابَّةِ: لُعابُها وزَبَدُها الَّذِي يَخُرج مِنْ فِيهَا مَعَهُ.
وَقِيلَ: هُوَ الزَّبَد وحْدَه، سُمِّي بالمَلاغم، وَهِيَ مَا حَوْلَ الفَمِ مِمَّا يَبْلُغُه اللِّسَانُ وَيصِل إِلَيْهِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ «وَنَاقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم تَقْصَعُ بِحِرَّتها ويَسيل لُغَامُها بَيْنَ كَتِفَيَّ» .
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «يَسْتعِمل مَلَاغِمَه» جَمْع مَلْغَم. وَقَدْ ذُكِرَ آنِفًا.
(لَغَنَ)
[هـ] فِيهِ «أنَّ رجُلاً قَالَ لفُلان: إِنَّكَ لَتُفْتِي بلُغْنٍ ضالٍّ «5» مُضِلٍّ» اللُّغْنُ:
مَا تَعَلَّق مِنْ لَحْم اللَّحْيَين، وجَمْعُه: لَغَانِين، كلُغْدٍ وَلَغَادِيد
(لَغَا)
[هـ] قَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ «لَغْوِ اليَمين» قِيلَ: هُوَ أنْ يَقُولَ: لاَ واللهِ، وبَلَى واللهِ، وَلَا يَعْقِد عَلَيْهِ قَلْبه.
وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي يَحْلِفُها الْإِنْسَانُ سَاهِياً أَوْ ناسِياً.
وَقِيلَ: هُوَ الْيَمِينُ فِي المعْصية. وَقِيلَ: فِي الغَضَب. وَقِيلَ: فِي المِرَاء. وَقِيلَ: فِي الهَزْل.
وَقِيلَ: اللَّغْوُ: سُقوط الإثْم عَنِ الحالِف إِذَا كَفَّر يَمِينَه. يُقال: لَغَا الْإِنْسَانُ يَلْغُو، ولَغَى يَلْغَى، ولَغِيَ يَلْغَى، إِذَا تكَلَّم بالمُطْرَح «6» مِنَ القَول، ومَا لَا يَعْنِي. وأَلْغَى، إِذَا أسْقَطَ.
وَفِيهِ «مَن قَالَ لصاحِبه والإمَام يَخْطُب: صَهْ فَقد لَغَا» .
__________
(1) في الفائق 2/ 468: «في أبنية كتابه» .
(2) في الفائق «اللُّغَيزي» مخففة.
(3) في الفائق: «تحقيراً للمثقلة» .
(4) هكذا ضبط في الأصل. وفي اللسان: «سِكِّيت» .
(5) في اللسان: «بلغنِ ضالٍّ» بالإضافة.
(6) ضبط في الهروي: «بالمُطَّرَح» .(4/257)
[هـ] وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ «مَن مَسَّ الحَصَا فَقَد لَغَا» أَيْ «1» تَكَلَّم، وقِيل: عَدَل عَنِ الصَّواب. وَقِيلَ: خَابَ. والأصْل الْأَوَّلُ.
[هـ] وَفِيهِ «والحَمْولة الْمَائِرَةُ لهُم لَاغِيَةٌ» أَيْ مُلْغَاة لَا تُعَدّ عَلَيهم، وَلَا يُلْزَمُون لَهَا صَدَقةً.
فاعِلة بمْعنَى مُفْعَلة» .
والمائِرة: الْإِبِلُ الَّتِي تَحْمِل المِيرَة.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ أَلْغَى طَلَاقَ المُكرَه» أَيْ أَبْطَلَهُ.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ سَلْمان «إيَّاكُم ومَلْغَاةَ أوّلَ اللَّيْلِ» المَلْغَاة: مَفْعَلة مِنَ اللَّغْو والْبَاطِلِ، يُريد السَّهَر فِيهِ، فَإِنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ.
بَابُ اللَّامِ مَعَ الْفَاءِ
(لَفَأَ)
- فِيهِ «رَضِيتُ مِنَ الْوَفَاء باللَّفَاء» الوَفاء: التَّمَام. واللَّفَاء: النُّقْصَان. واشْتِقَاقُه مِنْ لَفَأْتُ العَظْم، إِذَا أخَذْتَ بَعْض لَحْمه عَنْهُ. وَاسْمُ تِلْكَ اللَّحْمَة: اللَّفِيئة، وجَمْعُها: لَفَايَا، كَخَطايَا.
(لَفَتَ)
(هـ) فِي صِفَته عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «فَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمِيعًا» أرادَ «3» أنَّه لَا يُسارق النَّظَر.
وَقِيلَ: أَرَادَ لاَ يَلْوِي عُنْقَه يَمْنَةً ويَسْرَةً إِذَا نَظَر إِلَى الشَّيْءِ، وَإِنَّمَا يَفْعل ذَلِكَ الطَّائِشُ الْخَفِيفُ، وَلَكِنْ كَانَ يُقْبل جَمِيعًا ويُدْبر جَمِيعًا.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فَكَانَتْ مِنِّي لفْتَةٌ» هِيَ المَرة الواحِدة مِنَ الالْتِفَات.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَا تَتَزَوَّجَنّ لَفُوتا» هِيَ الَّتِي لَهَا وَلَدٌ مِنْ زَوْج آخَرَ. فَهِيَ لَا تَزَالُ تَلْتَفِت إِلَيْهِ، وَتَشْتَغِل بِهِ عَنِ الزَّوْج.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الحَجّاج «أَنَّهُ قَالَ لاْمرَأة: إنَّك كَتُونٌ لَفُوت» أي كثيرة التَّلَفُّت إلى الأشياء.
__________
(1) قبل هذا في الهروي: «يعني في الصلاة يوم الجمعة» .
(2) في الهروي: «بمعنى مفعول بها»
(3) هذا من قول شَمِر، كما في الهروي.(4/258)
[هـ] وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «وأنْهَزُ اللَّفُوتَ، وأضُمُّ الْعَنُودَ «1» » هِيَ «2» النَّاقَةُ الضَّجُورُ عِنْدَ الْحَلْبِ، تَلْتَفِتُ إِلَى الحالِب فَتَعَضُّه فَيَنْهَزُها بِيَدِهِ، فَتَدرِّ «3» لِتَفْتَديَ باللَّبن مِنَ النَّهْز. وَهُوَ الضَّرْب، فَضَربَها مَثَلاً لِلَّذِي يَسْتَعْصِي ويَخْرُج عَنِ الطَّاعة.
وَفِيهِ «إنَّ اللَّه يُبْغِضُ البليغَ مِنَ الرِّجال الَّذِي يَلْفِتُ الْكَلام كَمَا تَلْفِت البَقَرْةُ الخَلاَ بِلسَانِها» يُقَالُ: لَفَتَهُ يَلْفِتُه، إِذَا لَوَاه وفَتَله، وَكَأَنَّهُ مَقْلوب مِنْهُ. ولَفَتَه أَيْضًا، إِذَا صَرَفه.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ حُذَيفة «إنَّ مِن أقْرَأ النَّاسِ للقُرآن مُنَافِقاً لاَ يَدَع منْه وَاواً وَلاَ ألِفاً، يَلْفِتُه بِلِسانه كَمَا تَلْفِتُ البَقَرَةُ الخَلاَ بِلِسانها» يُقَالُ: فُلان يَلْفِت الْكَلَامَ لَفْتاً: أَيْ يُرْسلُه وَلَا يُبَالِي كَيْف جَاءَ، المَعْنى: أَنَّهُ يَقْرَؤه مِنْ غَيْرِ رَوِيَّة ولاَ تَبَصُّر وتَعَمُّدٍ لِلْمأمور بِهِ، غَيْر مُبَالٍ بِمَتْلُوِّه كَيْفَ جَاءَ، كَمَا تَفْعَل البَقَرة بالحَشيش إِذَا أكَلَتْه.
وَأَصْلُ اللَّفْت: لَيّ الشَّيْءِ عَنِ الطَّريقة المُسْتَقِيمة.
(س) وَفِيهِ ذِكر «ثَنِيَّة لَفْت» وَهِيَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ. واخْتُلف فِي ضَبْط الْفَاء فَسُكِّنَت وفُتِحَت، وَمِنْهُمْ مَنْ كسَر اللاَّم مَعَ السُّكون.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «وذَكر أمْرَه فِي الجاهِليَّة، وَأَنَّ أُمَّه اتَّخَذَت لَهُمْ لَفِيتَةً مِنَ الهَبِيد» هِيَ «4» العَصِيدة المُغَلَّظَة.
وَقِيلَ «5» : هُوَ ضَرْبٌ مِنَ الطَّبِيخ، يُشْبِه الحَساء وَنَحْوَهُ.
والهَبِيد: الحَنْظَل.
(لَفَجَ)
[هـ] فِيهِ «وأطْعِموا مُلْفَجِيكم» المُلْفَج «6» ، بِفَتْحِ الْفَاءِ: الْفَقِيرُ. يقال: أَلْفَجَ
__________
(1) في الأصل: «العتود» وأثبتُّ ما في: أ، والهروي، والفائق 1/ 433. ويلاحظ أن المصنِّف ذكره في (عتد) وفي (عند) .
(2) قائل هذا هو الكِلابيّ، كما في الهروي، عن شَمِر.
(3) في الهروي: «وذلك إذا مات ولدها» .
(4) قائل هذا هو ابن السِّكِّيت، كما في الهروي.
(5) قائل هذا هو أبو عبيد، كما في الهروي.
(6) قائل هذا هو أبو عمرو، كما ذكر الهروى.(4/259)
الرجُل فَهُوَ مُلْفَج، عَلَى غَيْرِ قِياس. وَلَمْ يَجيء إلاَّ فِي ثَلَاثَةِ أحْرُف «1» : أسْهَب فَهُوَ مُسْهَب، وأحْصَن فَهُوَ مُحْصَن، وأَلْفَج فَهُوَ مُلْفَج. الْفَاعِلُ وَالْمَفْعُولُ سَواء.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحَسَنِ «2» «قِيلَ لَهُ: أيدُالِكُ الرجلُ الْمَرْأَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِذَا كَانَ مُلْفَجاً» أَيْ يُماطِلُها بِمَهْرها إِذَا كَانَ فَقِيرًا.
والمُلْفِج «3» بِكَسْرِ الْفَاءِ [أَيْضًا] «4» : الَّذِي أفْلَس وغلبَه «5» الدَّيْن.
(لَفَحَ)
- فِي حَدِيثِ الْكُسُوفِ «تأخَّرتُ مَخافَة أَنْ يَصيبَني مِنْ لَفْحِها» لَفْحُ النَّارِ:
حَرُّها ووَهَجُها. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(لَفَظَ)
- فِيهِ «ويَبْقَى فِي كُلِّ أرضٍ شِرارُ أَهْلِهَا، تَلْفِظُهم أرضوهم» أى تفذفهم وتَرْميهم. وَقَدْ لَفِظَ «6» الشيءَ يَلْفِظُه لَفْظا، إِذَا رَماه.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «وَمَنْ أكَلَ فَمَا تَخَلَّل فلْيَلْفِظ» أَيْ فلْيُلْقِ مَا يُخْرِجه الخِلال مِنْ بَيْنِ أسنانِه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ سُئل عَمَّا لَفِظَ البحرُ فنَهَى عَنْهُ» أَرَادَ مَا يُلقِيه البحرُ مِنَ السَّمك إِلَى جانِبه مِنْ غَيْرِ اصْطِياد.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ «فَقَاءَتْ أكُلَها ولَفِظَت خَبِيئَها» أَيْ أظْهرت مَا كَانَ قَدِ اخْتَبأ فِيهَا مِنَ النَّبات وَغَيْرِهِ.
(لَفَعَ)
(هـ) فِيهِ «كُنّ نِساءٌ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ «7» يَشْهَدن مع النبيّ صلى الله
__________
(1) قال ابن خالويه: «وجدت حرفاً رابعاً: اجرأشّت الإبل فهي مجرأَشّة، بفتح الهمزة: إذا سمنت وامتلأت بطونها» . ليس في كلام العرب ص 5.
(2) في ا: «عليه السلام» .
(3) هذا من شرح أبي عبيد، كما جاء في الهروي.
(4) سقط من الهروي.
(5) في الهروي: «وعليه» وكذا في اللسان، في موضعين.
(6) من باب ضَرَب وسَمِع. كما في القاموس.
(7) رواية الهروي: «كان نساء المؤمنين» ورواية اللسان: «كُنَّ نساء المؤمنين» .(4/260)
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ، ثُمَّ يَرَجعْن مُتَلَفِّعَاتٍ بمُروطِهنَّ، لَا يُعْرَفْن مِنَ الغَلَس» أَيْ مُتَلَفِّفَاتٍ بأكْسِيَتهنّ.
واللِّفاع: ثَوْبٌ يُجَلَّل بِهِ الجسَد كلُّه، كِساءً كَانَ أَوْ غَيْرَهُ. وتَلَفَّعَ بِالثَّوْبِ، إِذَا اشْتَمَلَ بِهِ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ «وَقَدْ دَخَلْنا فِي لِفاعِنا» أَيْ لِحافِنا.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ أُبَيّ «كَانَتْ تُرَجِّلُني وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا إلاَّ لِفاع» يَعْنِي امرأتَه.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَفَعَتْك النَّارُ» أَيْ شَمِلَتْك مِنْ نَواحِيك وأصابَك لَهبَها. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ بَدلاً مِنْ حَاءِ «لفَحَته [النَّارُ] «1» » .
(لَفَفَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْع «إِنْ أكَل لَفَّ» أَيْ قَمَش «2» ، وخَلَط مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.
(هـ) وَفِيهِ أَيْضًا «وإنْ رَقَد الْتَفَّ» أَيْ إِذَا نامَ تَلَفَّفَ فِي ثوبٍ ونامَ ناحِيَةً عنِّي.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ نَائِلٍ «قَالَ: سافَرْتُ مَعَ مَولايَ عُثْمَانَ وعُمَر فِي حَجٍّ أَوْ عُمرْة، وَكَانَ عُمر وَعُثْمَانُ وَابْنُ عُمَرَ لِفّاً، وَكُنْتُ أَنَا وَابْنُ الزُّبَير فِي شَبَبةٍ مَعَنَا لِفّاً، فكُنا نتَرامَى بالحنْظَل، فَمَا يَزِيدنا عُمَرُ عَلَى أَنْ يَقُولَ: كَذَاكَ لَا تَذْعَروا عَلَيْنَا» .
اللِّفُّ: الحِزْب وَالطَّائِفَةُ، مِنَ الالْتِفَاف، وجَمْعُه: أَلْفَافٌ. يَقُولُ: حَسْبُكم، لَا تُنَفِّروا عَلَيْنَا إبِلَنا.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي الْمَوَالِي «إِنِّي لأَسْمعُ بَيْنَ فَخِذَيْها مِن لَفَفِها مِثلَ فَشيش الحرَابِش» اللَّفُّ واللَّفَفُ: تَدَانِي الفَخِذَيْن مِنَ السِّمَن. وَالْمَرْأَةُ لَفَّاء.
(لَفَقَ)
[هـ] فِي حَدِيثِ لُقمان «صَفَّاقٌ لَفَّاق» هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ بِاللَّامِ. واللَّفَّاق: الَّذِي لَا يُدْرك ما يَطْلُب. وقد لَفَق ولَفَّق.
__________
(1) من: ا، واللسان.
(2) في الهروي: «قَمَّش» قال الجوهري: «القَمْش: جمع الشىء من هاهنا وهاهنا. وكذلك التّقميش» .(4/261)
(لَفَا)
- فِيهِ «لَا أُلْفِيَنَّ أحدَكم مُتَّكِئاً عَلَى أرِيكته» أَيْ لَا أجِدُ وألْقَى. يُقَالُ:
أَلْفَيْتُ الشى أُلْفِيه إِلْفَاءً، إِذَا وَجدْتَه وصادَفْتَه ولَقِيتَه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ «مَا أَلْفَاه السَّحَرُ عِنْدِي إلاَّ نَائِمًا» أَيْ مَا أتَى عَلَيْهِ السَّحَرُ إِلَّا وَهُوَ نَائِمٌ.
تَعني بَعْدَ صَلَاةِ اللَّيْلِ «1» . وَالْفِعْلُ فِيهِ لِلسَّحَرِ. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
بَابُ اللَّامِ مَعَ الْقَافِ
(لَقَحَ)
- فِيهِ «نِعْم الْمِنْحَةُ اللَّقْحَة» اللِّقْحَة، بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ: النَّاقَةُ الْقَرِيبَةُ العَهْد بالنَّتاج.
وَالْجَمْعُ: لِقَحٌ. وَقَدْ لَقِحَتْ لَقْحاً ولَقَاحاً، وناقةٌ لَقُوح، إِذَا كَانَتْ غَزِيرة اللَّبَن. وناقةٌ لَاقحٌ، إِذَا كَانَتْ حامِلاً. ونَوقٌ لَوَاقِحُ. واللِّقَاح: ذوَات الألْبَان، الْوَاحِدَةُ: لَقُوح. وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُهُ فِي الْحَدِيثِ مُفْرَداً ومَجْموعاً.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «اللَّقاح واحِد» هُوَ بِالْفَتْحِ «2» اسْم «3» مَاء الفَحْل، أَرَادَ «4» أَنَّ مَاء الفَحْل الَّذِي حَمَلَت مِنْهُ وَاحِدٌ، واللَّبن الَّذِي أرْضَعَت كُلُّ واحِدةٍ «5» مِنْهُمَا كَانَ أصْلهُ مَاءَ الفَحْل.
ويَحْتَمِل «6» أَنْ يَكُونَ اللَّقاح فِي هَذَا الْحَدِيثِ بمعْنى الإِلْقَاح. يُقَالُ: أَلْقَحَ الفَحْل النَّاقة إِلْقَاحاً ولَقَاحاً، كَمَا يُقال: أعْطَى إعْطاءً وَعَطاء.
والأصْل فِيهِ للإبل. ثم اسْتُعير للناس «7» .
__________
(1) فى ا: «تعنى صلاة الليل» .
(2) في الهروي بالكسر، ضبط قلم. وقال صاحب المصباح: «الِلَّقاح، بالفتح والكسر» . وذكر حديث ابن عباس هذا.
(3) هذا شرح الليث، كما في الهروي.
(4) في الهروي، واللسان: «كأنه اراد» .
(5) في الهروي: «واحدٍ» وفي اللسان: «كل واحدةٍ منهما مُرْضَعَها» .
(6) قائل هذا هو الأزهري، كما في اللسان.
(7) عبارة الهروي: «والأصل فيه الإبل ثم يستعار فى النّساء» والذي في اللسان: «والأصل فيه للإبل، ثم استعير فى النّساء» .(4/262)
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ رُقِية العَين «أَعُوذُ بكَ مِن شَرِّ كُلّ مُلْقِح ومُخْبلِ» تَفْسيره فِي الْحَدِيثِ أَنَّ المُلْقح: الَّذِي يُولَدُ لَهُ، والمُخْبل: الَّذِي لَا يُولَد لَه، مِنْ أَلْقَحَ الفحْل النَّاقة إِذَا أوْلَدَها.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «أدِرُّوا لَقْحَةَ المسْلمين» أَرَادَ «1» عَطَاءهُم.
وَقِيلَ «2» : أرادَ دِرَّة الْفَيْء وَالخَراج الَّذِي مِنْهُ عَطَاؤهُم. وإدْرَارُه: جِبَايتُه وجَمْعُه.
[هـ] وَفِيهِ «أَنَّهُ نَهَى عَنِ المَلَاقِيح والمَضَامِين» الملاقِيح: جَمْع مَلْقُوح، وَهُوَ جَنِين النَّاقَةِ. يُقَالُ: لَقِحَت النَّاقَةُ، وَوَلَدُها مَلْقُوحٌ بِهِ، إلاَ أنَّهم اسْتَعملوه بحَذف الْجَارِّ، والنَّاقة مَلْقُوحَة.
وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مِن بَيْع الغَرَر.
وَقَدْ تقدَّم مَبْسوطاً فِي المضَامين.
وَفِيهِ «أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْم يُلَقِّحون النَّخْل» تَلْقِيح النَّخْل: وضْع طَلْع الذَّكَر فِي طَلْع الْأُنْثَى أَوَّلَ مَا يَنْشَقُّ «3» .
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى وَمُعَاذٍ «أمَّا أَنَا فأتَفَوَّقُه تَفَوُّقَ اللَّقُوح» أَيِ اقْرَؤه مُتَمهِّلاً شَيْئًا بعْد شَيْءٍ، بِتَدَبُّر وتَفَكُّر «4» ، كاللَّقُوح تُحْلَب فُواقاً بَعْد فُوَاق، لكَثْرَة لَبَنِها، فَإِذَا أَتَى عَلَيْهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ حُلِبَت غُدْوَةً وَعَشِيّاً «5» .
(لَقَسَ)
(هـ) فِيهِ «لَا يَقُولَنّ أحَدُكُم: خَبُثَت نَفْسِي، ولكنْ لِيَقُلْ: لَقِسَتْ نَفْسِي» أَيْ غَثَت: واللَّقْس: الْغَثَيَان.
__________
(1) هذا من قول شَمِر، كما في الهروي.
(2) القائل هو الأزهري. كما ذكر الهروي. وفيه: «كأنه أراد» .
(3) في ا: «تنشق» .
(4) الذى فى الهروى: «جزءا بعد جزءا، بتدبر وتذكّر، وبمداومته» .
(5) في الهروي: «وعشيّة» .(4/263)
وَإِنَّمَا كَرِه «خَبُثَت» هَرَباً مِنْ لْفظ الخُبث والخَبيث.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «وَذَكَرَ الزُّبير فَقَال: وَعْقَةٌ لَقِسٌ» اللَّقِس «1» :
السّيء الخُلُق.
وَقِيلَ: الشَّحِيح. ولَقِسَت نَفْسُه إِلَى الشَّيء، إِذَا حَرَصَت عَلَيْهِ ونَازَعَتْه إِلَيْهِ.
(لَقَطَ)
(س) فِي حَدِيثِ مَكَّةَ «وَلَا تَحِلُّ لُقَطَتُها إلاَّ لِمُنْشِد» قَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ «اللُّقَطة» فِي الْحَدِيثِ، وَهِيَ بضَمّ اللاَّم وفَتْح الْقَافِ: اسْم المَال المَلْقُوط: أَيِ المَوْجود. والالْتِقاط: أَنْ يَعْثُر عَلَى الشَّيء مِنْ غيرِ قَصْد وطَلب.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ اسْمُ المُلْتَقط، كالضُّحَكة والهُمَزَة، فأمَّا الْمَالُ المَلْقُوط فَهُوَ بِسُكُونِ الْقَافِ، وَالْأَوَّلُ أكْثر وَأصَحُّ.
واللُّقَطة فِي جَميع الْبِلَادِ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِمَنْ يُعَرِّفها سَنَةً ثُمَّ يَتَملَّكها بعْد السَّنَة، بشَرْط الضمَّان لصَاحِبها إِذَا وجَدَه.
فأمَّا مكَّة ففي لُقَطَتِها خِلاف، فَقيل: إِنَّهَا كَسائر البِلاد. وَقِيل: لاَ، لِهَذَا الحَديث.
والمُراد بالإنْشادِ الدَّوامُ عَلَيْهِ، وإلاَّ فَلا فَائدة لتَخْصِيصها بالإنْشاد.
وَاختار أبو عُبيد أنه ليس يَحِلُّ للمُلْتَقِط الانتفاع بها، وليس لَه إلا الأنْشاد.
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: فَرَق بِقَوْلِهِ هَذَا بَيْنَ لُقَطَة الحَرَم ولُقَطة سَائِرِ البلْدَانِ، فَإِنَّ لُقَطة غَيْرِهَا إِذَا عُرِّفَت سَنَةً حلَّ الانْتِفاع بِهَا، وجَعل لُقَطة الحَرم حَراماً عَلَى مُلْتَقطها والانْتِفاع بِهَا، وإنْ طَالَ تَعْريفُه لَهَا، وحَكَم أَنَّهَا لَا تَحِل لأحَدٍ إلاَّ بِنَيَّة تَعريفها مَا عَاشَ. فأمَّا أَنْ يأخُذَها وَهُوَ يَنْوِي تَعْرِيفها سَنَةً ثُمَّ يَنْتَفع بِهَا، كلُقَطَة غَيْرها فَلا.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «أَنَّ رجُلاً مِنْ بَني تَميم الْتَقط شبكَة فَطَلب أَنْ يَجْعَلها لَه» الشَّبكة: الْآبَارُ القَرِيبة الْمَاء. والْتِقَاطُها: عُثُورُه عَلَيْهَا من غير طَلَب.
وفيه «المرأة تَحوز ثلاثة مَوارِيث: عَتيقَها، ولَقِيطَها، وولَدَها الَّذِي لاعَنَتْ عَنْهُ» اللَّقِيط: الطِفْل الَّذِي يوجدَ مَرْمِيّاً عَلَى الطُّرُق، لَا يُعْرف أَبُوهُ وَلَا أمُّه، فَعيل بِمَعْنَى مفعول.
__________
(1) هذا من شرح ابن شُمَيل، كما ذكر الهروي.(4/264)
وَهُوَ فِي قَوْلِ عامَّة الْفُقَهَاءِ حُرٌّ لَا وَلاءَ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ، وَلَا يَرثُه مُلْتَقِطُه. وَذَهَبَ بَعْضُ أهلِ الْعِلْمِ إِلَى الْعَمَلِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى ضَعْفِه عِنْدَ أَكْثَرِ أهلِ النَّقْل.
(لَقَعَ)
- فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «قَالَ رَجُلٌ عِنْدَهُ: إِنَّ فُلاناً لَقَع فَرَسَك فَهُوَ يَدُور كَأَنَّهُ فِي فَلَك» أَيْ رَماه بعيِنه وَأَصَابَهُ بِهَا، فَأَصَابَهُ دُوَارٌ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «فَلَقَعني الأحْولُ بِعَيْنِهِ» أَيْ أصَابني بِهَا، يَعْنِي هِشام بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَكَانَ أحْولَ.
[هـ] وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فَلَقَعَه بِبَعْرةٍ» أَيْ رَماه بِهَا.
(لَقِفَ)
- فِي حَدِيثِ الْحَجِّ «تَلَقَّفْتُ التَّلبِية مِن فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» أَيْ تَلَقَّنْتها وحفِظْتُها بسُرعة.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ الحَجّاج «قَالَ لِامْرَأَةٍ: إنكِ لَقُوفٌ صَيُود» اللَّقوف «1» : الَّتِي إِذَا مَسَّها الرجُل لَقِفَت يدَه سَرِيعًا: أَيْ أخَذَتْها.
(لَقَقَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي ذَرّ: مَا لِي أَرَاكَ لَقّاً بَقًّا، كَيْفَ بِكَ إِذَا أخَرجوك مِنَ الْمَدِينَةِ؟» اللَّقُّ: الْكَثِيرُ «2» الْكَلَامِ، وَكَانَ فِي أَبِي ذَرٍّ شدّةٌ عَلَى الأمَراء، وإغْلاظٌ لَهُمْ فِي القَول.
وَكَانَ عُثْمَانُ يُبَلَّغ عَنْهُ. يُقَالُ: رَجُلٌ لَقَّاقٌ بَقَّاق. ويُرْوَى «لَقىً» بِالتَّخْفِيفِ. وَسَيَجِيءُ.
(هـ) وَفِي حَدِيثُ عَبْدِ الْمَلِكِ «أَنَّهُ كتَب إِلَى الحجَّاج: لَا تَدَعْ خَقًّا وَلَا لَقّاً إلاَّ زَرَعْتَه» اللَّقُّ بِالْفَتْحِ: الصَّدْع والشَّق.
وَفِي حَدِيثِ يُوسُفَ بْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ زَرع كلَّ حُقٍّ»
ولُقٍّ «4» » اللُّقُّ: الْأَرْضُ المرتفِعة.
(لَقْلَقَ)
- فِيهِ «مَن وُقِي شَرَّ لَقْلَقِه دَخَلَ الْجَنَّةَ» اللَّقْلَق: اللِّسَانُ.
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «مَا لَمْ يَكُنْ نَقْعٌ وَلَا لَقْلَقَة» أَرَادَ الصِياحَ والجَلَبة عِنْدَ الْمَوْتِ.
وَكَأَنَّهَا حكايةُ الْأَصْوَاتِ الْكَثِيرَةِ.
__________
(1) هذا شرح الأصمعيّ، كما ذكر الهروي.
(2) هذا من شرح الأزهري. كما في الهروي.
(3) في الأصل، واللسان: «خَقّ» بخاء معجمة مفتوحة، وهو خطأ. صوابه من: ا. ومما سبق في مادة (حقق) 1/ 416.
(4) في الأصل، واللسان: «لَقّ» بالفتح. وضبطته بالضم من: ا، ومما سبق في مادة (حقق)) .(4/265)
(لَقَمَ)
- فِيهِ «أَنَّ رجُلاً أَلْقَمَ عينَه خَصاصةً الْبَابِ» أَيْ جَعَلَ الشَّقّ الَّذِي فِي الْبَابِ محاذِي عيِنه، فَكَأَنَّهُ جَعله لِلْعَيْنِ كاللُّقْمة للفَم.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «فَهُوَ كَالْأَرْقَمِ إِنْ يُتْرَكْ يَلْقَمْ» أَيْ إنْ تَركْتَه أكَلَك. يُقَالُ:
لَقِمْت الطعامَ أَلْقَمُه، وتَلَقَّمْته والْتَقَمْتُه.
(لَقَنَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ الْهِجْرَةِ «ويَبِيت عندَهما عبدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ شابٌّ ثَقِفٌ لَقِنٌ» أَيْ فَهِمٌ حَسَنُ التَّلَقُّن لِمَا يَسْمَعُه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الأُخدود «انْظُروا لِي غُلاماً فَطِناً لَقِناً» .
[هـ] وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «إِنَّ هَاهُنَا علْماً- وَأَشَارَ إِلَى صَدره- لَوْ أصبتُ لَهُ حَمَلَةً، بَلَى أُصِيبُ «1» لَقِناً غَيْرَ مَأْمُونٍ» أَيْ فِهماً غَيْرَ ثِقة.
(لَقَا)
- فِيهِ «مَن أحَبَّ لِقَاءَ اللهِ أحَبَّ اللهُ لِقَاءَه، ومَن كَرِه لِقاء اللَّهِ كَرِهَ اللهُ لِقاءه، وَالْمَوْتُ دُونَ لِقاء اللَّهِ» .
الْمُرَادُ بِلِقَاء اللَّهِ المَصيرُ إِلَى الدَّارِ الْآخِرَةِ، وطَلَبُ مَا عِنْدَ اللَّهِ؛ وَلَيْسَ الغَرضُ بِهِ الْمَوْتَ؛ لأنَّ كُلاًّ يَكْرَهه، فَمَنْ تَرَكَ الدُّنْيَا وأبْغضَها أحَبَّ لِقَاء اللَّهِ، ومَن آثَرها ورَكَن إِلَيْهَا كَره لِقاء اللَّهِ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَصِل إِلَيْهِ بِالْمَوْتِ.
وَقَوْلُهُ: «وَالْمَوْتُ دُونَ لِقاء اللَّهِ» يُبَيِّن أَنَّ الْمَوْتَ غيرُ اللِّقاء، وَلَكِنَّهُ مُعْترض دُونَ الغَرَض الْمَطْلُوبِ، فَيَجِبُ أَنْ يَصْبر عَلَيْهِ، وَيَحْتَمِلَ مَشاقَّه حَتَّى يَصل إِلَى الفَوز باللِّقاء.
[هـ] وَفِيهِ: «أَنَّهُ نَهى عَنْ تَلَقِّي الرُّكْبان» هُوَ أَنْ يَسْتقبِلَ الحَضَرِيُّ البَدّوِيَّ قَبْلَ وصُوله إِلَى البَلَد، ويُخْبره بكَساد مَا مَعَهُ كَذِباً؛ ليَشْتَريَ مِنْهُ سِلْعَتَه بالوَكْس، وأقَلَّ مِنْ ثَمن المِثل، وَذَلِكَ تَغْريرٌ مُحَّرم، وَلَكِنَّ الشِراء مُنْعَقِدٌ، ثُمَّ إِذَا كَذب وظَهر الغَبْن، ثَبَتَ الخِيارُ لِلْبَائِعِ، وإنْ صَدق، فَفِيهِ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ خِلاف.
[هـ] وَفِيهِ «دَخَلَ أَبُو قارِظ مكةَ فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: حَلِيفُنا وعَضُدنا ومُلْتَقَى أكُفِّنا» أَيْ «2» أَيْدِينَا تَلْتَقِي مَعَ يدِه وَتَجْتَمِعُ. وَأَرَادَ به الحِلْف الذي كان بينَه وبينهم.
__________
(1) في الهروي: «بلى أصَبْتُ» .
(2) هذا شرح القُتَيْبي. كما في الهروى.(4/266)
وَفِيهِ «إِذَا الْتَقَى الخِتانان وَجب الغُسل» أَيْ إِذَا حاذَى أحدُهما الآخَر، وسواءٌ تَلامَسا أَوْ لَمْ يَتلامَسا. يُقَالُ: الْتَقَى الفارِسان، إِذَا تَحاذَيا وتَقابَلا.
وتَظْهر فَائِدَتُهُ فِيمَا إِذَا لَفَّ عَلَى عُضْوه خِرْقةً ثُمَّ جَامَعَ فإنَّ الغُسل يَجِبُ عَلَيْهِ، وإنْ لَمْ يَلْمِسِ الخِتانُ الخِتانَ.
وَفِي حَدِيثِ النَّخَعِيّ «إِذَا الْتَقَى الْمَاءَانِ فَقَدْ تَمَّ الطُّهور» يُريد إِذَا طَهَّرت العُضْويْن مِنْ أعضائِك فِي الوضُوء فاجتَمع الماءانِ فِي الطُّهُورِ لَهُمَا فَقَدْ تَمَّ طُهورهما لِلصَّلَاةِ، وَلَا يُبالي أيَّهُما قَدَّم.
وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ لَا يُوجب الترتيبَ فِي الْوُضُوءِ، أَوْ يُرِيدُ بالعُضْوين الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، فِي تَقْدِيمِ اليُمنى عَلَى اليُسْرى، أَوِ الْيُسْرَى عَلَى الْيُمْنَى. وَهَذَا لَمْ يَشْترِطه أحدٌ.
وَفِيهِ «إِنَّ الرجُل لَيَتَكلَّمُ بالكَلِمة مَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي «1» بِهَا فِي النَّارِ» أَيْ مَا يَحْضِرُ قَلْبَه لِمَا يَقُولُهُ مِنْهَا. وَالْبَالُ: الْقَلْبُ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْأَحْنَفِ «أَنَّهُ نُعي إِلَيْهِ رجُلٌ فَمَا أَلْقَى لِذَلِكَ بَالًا» أَيْ مَا اسْتَمع لَهُ، وَلَا اكْتَرث بِهِ.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَر «مَا لِي أَرَاكَ لَقًا بَقَاً» هَكَذَا جَاءَا مخفَّفَين فِي رِوَايَةٍ، بِوَزْنِ عَصاً.
واللَّقَى: المُلْقَى عَلَى الْأَرْضِ، والبَقَا: إتْباعٌ لَهُ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ حَكِيم بْنِ حِزام «وأُخِذَت ثيابُها فجُعِلَتْ لَقًى» أَيْ مُرْماةً مُلْقَاة.
قِيلَ: أصْلُ اللَّقَى: أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا طَافُوا خَلَعوا ثِيَابَهُمْ، وَقَالُوا: لَا نَطوف فِي ثيابٍ عَصَيْنا اللهَ فِيهَا فيُلْقونها عَنْهُمْ، ويُسَمون ذَلِكَ الثوبَ لَقًى، فَإِذَا قَضَوْا نُسُكَهم لَمْ يَأْخُذُوهَا، وتَركوها بِحَالِهَا مُلْقاةً.
وَفِي حَدِيثِ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ «ويُلْقَى الشُّحُّ» قَالَ الحُميدِي: لَمْ تَضْبُط الرُّوَاةُ هَذَا الحَرْف. ويَحْتمِل أَنْ يَكُونَ «يُلَقَّى» ، بِمَعْنَى يُتَلَقَّى ويُتُعَلَّم ويُتَواصَى به ويُدْعَى إليه، من
__________
(1) ضبط في ا: «يهوى» .(4/267)
قوله تعالى «وَلا «1» يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ»
أَيْ مَا يُعَلَّمها ويُنَبَّه عَلَيْهَا، وَقَوْلِهِ تَعَالَى «فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ» .
وَلَوْ قِيلَ «يُلْقَى» مُخَفَّفَةَ الْقَافِ لَكَانَ أَبْعَدَ، لِأَنَّهُ لَوْ أُلْقِيَ لتُرِكَ، وَلَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا. وَكَانَ يَكُونُ مَدْحًا، وَالْحَدِيثُ مبنيٌّ عَلَى الذَّمّ.
وَلَوْ قِيلَ «يُلْفَى» بِالْفَاءِ بِمَعْنَى يُوجَد، لَمْ يَسْتَقِم؛ لأنَّ الشُّحّ مازال مَوْجُودًا.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ اكْتَوَى مِنَ اللَّقْوَة» هِيَ مَرَضٌ يَعْرِض للوَجْه فيُمِيلُه إِلَى أَحَدِ جَانِبَيْهِ.
بَابُ اللَّامِ مَعَ الْكَافِ
(لَكَأَ)
- فِي حَدِيثِ المُلاعَنة «فَتَلَكَّأَتْ عِنْدَ الْخَامِسَةِ» أَيْ تَوَقَّفَتْ وتَباطَأتْ أنْ تَقُولَها.
وَمِنْهُ حَدِيثُ زِيَادٍ «أُتِيَ برجُلٍ فَتَلَكَّأَ فِي الشَّهادة» .
(لَكِدَ)
[هـ] فِي حَدِيثِ عَطَاءٍ «إِذَا كَانَ حَولَ الجُرْح قَيْحٌ ولَكَدٌ فأتْبِعْه بصُوفة فِيهَا ماءٌ فاغْسِله» يُقَالُ: لَكِدَ الدَّم بالجِلْد، إِذَا لَصِقَ بِهِ.
(لَكَزَ)
- فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «لَكَزَنِي أَبِي لَكْزَةً» اللَّكْز: الدَّفع فِي الصَّدر بالكَفِّ.
(لَكِعَ)
[هـ] فيه «يأتي على الناس زمانٌ يَكُونُ أسْعَدَ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا «2» لُكَعُ ابنُ لُكَع» اللُّكَع «3» عِنْدَ الْعَرَبِ: العَبد، ثُمَّ اسْتُعمِل فِي الحُمق والذَّم. يُقَالُ للرجُل: لُكَعُ، وَلِلْمَرْأَةِ لَكَاعِ. وَقَدْ لَكِعَ الرجلُ يَلْكَعُ لَكْعاً فَهُوَ أَلْكَعُ.
وَأَكْثَرُ مَا يَقَعُ فِي النِّدَاءِ، وَهُوَ اللَّئيم. وَقِيلَ: الوَسخ، وَقَدْ يُطْلق عَلَى الصَّغِيرِ.
[هـ] وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ جَاءَ يَطْلُب الحَسن بْنَ عَلِيٍّ قَالَ: أثَمَّ لُكَعُ؟» فإنْ أُطْلِق عَلَى الْكَبِيرِ أُرِيد بِهِ الصَّغيرُ العلم والعقل.
__________
(1) فى الأصل وا، والهروي واللسان: «وما» خطأ. وهي الآية 80 من سورة القصص.
(2) في الهروي، واللسان: «بالدنيا» .
(3) هذا من شرح أبي عبيد، كما في الهروي.(4/268)
[هـ] وَمِنْهُ «1» حَدِيثُ الْحَسَنِ «قَالَ لرجُلٍ: يَا لُكَعُ» يُريد يَا صَغِيراً فِي العلْم والعَقْل.
وَفِي حَدِيثِ أَهْلِ البيْت «لَا يُحبنا اللُّكَعُ «2» والمَحْيُوسُ» .
(س) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «أَنَّهُ قَالَ لأِمَةٍ رَآهَا: يَا لَكْعَاءُ، أتَتَشَبَّهِين بالحرَائر؟» يُقال:
رجُلٌ أَلْكَعُ وامْرأةٌ لَكْعَاءُ، وَهِيَ لُغَةٌ فِي لَكَاعِ، بِوَزْن قَطَامِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ «قَالَ لِمَوْلاة لَهُ أرَادَتِ الخرُوج مِنَ الْمَدِينَةِ: اقْعُدي لَكَاعِ» .
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ عُبادة «أرأيتَ إِنْ دَخَل رجُلٌ بَيْتَه فَرَأى لَكَاعاً قَدْ تَفَخَّذَ امْرَأته» هَكَذَا رُوي فِي الْحَدِيثِ، جَعَله صِفةً لرجُل، ولعلَّه أَرَادَ لُكَعاً فَحرّف.
وَفِي حَدِيثِ الْحَسَنِ «جَاءَهُ رجُل فَقَالَ: إِنَّ إياسَ بْنَ مُعَاوِيَةَ رَدّ شَهادتي، فَقَالَ:
يَا مَلْكَعَانُ، لِم رَدَدْتَ شَهَادَتَهُ؟» أرادَ حَداثَةَ سِنِّه، أَوْ صِغَرَه فِي العلْمِ. وَالْمِيمُ والنُّون زَائِدَتَانِ.
بَابُ اللَّامِ مَعَ الْمِيمِ
(لَمَأَ)
[هـ] فِي حَدِيثِ المولِد:
فَلَمَأْتُهَا نُوراً يُضِيءُ لَهُ ... مَا حَوْلَه كَإضَاءةِ البَدْرِ
لَمَأْتُها: أَيْ أبْصَرْتُها ولَمحْتُها. واللَّمْءُ وَاللَّمْحُ: سُرعة إبْصارِ الشِّيء.
(لَمَحَ)
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ كَانَ يَلْمَحُ فِي الصَّلَاةِ وَلَا يَلْتَفِت» .
(لَمَزَ)
- فِيهِ «أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمْزِ الشَّيطانِ ولَمْزِهِ» اللّمْز: العَيْب والوُقُوع فِي النَّاسِ.
وَقِيلَ: هُوَ العَيْب فِي الْوجْه.
والهمْز: العَيْب بِالْغَيْبِ. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(لَمَسَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْع المُلَامَسَة» هُوَ «3» أَنْ يَقُول: إِذَا لَمسْتَ ثَوْبي أو لمست ثوبك فقد وجب البيع.
__________
(1) هكذا جاء السياق عند الهروي: «وسُئل بلال بنُ حَرِيز، فقال: هي لغتنا للصغير. وإلى هذا ذهب الحسن....»
(2) فى اللسان: «ألكع» .
(3) هذا من شرح أبي عبيد، كما جاء عند الهروى.(4/269)
وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يَلْمِس المَتاع مِنْ وَرَاءِ ثَوب، وَلَا يَنْظُر إِلَيْهِ ثُمَّ يُوقع البَيْع عَلَيْهِ.
نهَى عَنْهُ لِأَنَّهُ غَرَرٌ، أَوْ لأنَّهُ تَعْليقٌ أوْ عُدُول عَنِ الصِّيغة الشَّرعيّة.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنْ يُجْعَل اللَّمْسُ بِاللَّيْلِ قاطِعاً للخِيارِ، وَيَرجع ذَلِكَ إِلَى تَعْليق اللُّزوم، وَهُوَ غَيْرُ نافِذٍ.
(س) وَفِيهِ «اقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ والأبتَر، فَإِنَّهُمَا يَلْمِسَان البَصَر» وَفِي رِواية «يَلْتَمِسَانِ البَصَر» أَيْ يَخْطِفَانِ وَيَطْمِسَانِ.
وَقِيلَ: لَمَسَ عينَهُ وسَمَل بِمَعْنًى.
وَقِيلَ: أَرَادَ أنَّهما يَقْصِدان البَصَر باللَّسْع.
وَفِي الحيَّاتِ نوعٌ يُسَمَّى الناظِر، مَتَى وَقَعَ نَظَرُه على عين إنسان مات من ساعَتِه. ونَوعٌ آخَرُ إِذَا سَمِع إنْسَانٌ صَوْتَه مَاتَ.
وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ الخُدْرِيّ عَنِ الشَّابِّ الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي طَعَن الحيَّة برُمْحه، فمَاتَتْ وَمَات الشَّابُّ مِنْ سَاعَته.
وَفِيهِ «أنَّ رجُلا قَالَ لَهُ: إنَّ امْرَأتي لاَ تَرُدّ يَدَ لاَمِس، فَقَالَ: فارِقْها» قِيل: هُو إجابَتُها لَمن أرادَها.
وَقَوْلُهُ فِي سِيَاق الْحَدِيثِ «فاسْتَمتِع بِهَا» : أَيْ لَا تُمْسِكْها إلاَّ بقَدْر مَا تَقْضِي مُتْعَة النَّفْس مِنْهَا وَمِن وَطَرِها. وخافَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْ هُو أوْجَب عَلَيْهِ طَلاقَها أَنْ تَتُوقَ نَفْسَه إِلَيْهَا فَيقَعَ فِي الحَرَام.
وَقِيلَ: مَعْنى «لَا تَرُدُّ يَدَ لاَمس» : أَنَّهَا تُعْطي مِنْ مَاله مَن يَطْلُب مِنْهَا، وَهَذَا أشْبَه.
قَالَ أَحْمَدُ: لَمْ يَكُنْ لِيأمرَه بإمْساكها وَهِيَ تَفْجُر.
قَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعود: إذَا جَاءَكُمُ الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَظُنُّوا بِهِ الَّذِي هُوَ أهْدَى وأتْقَى.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «مَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْماً» أَيْ يَطْلُبه، فاسْتَعارَ لَهُ اللَّمْس.(4/270)
وَحَدِيثُ عَائِشَةَ «فالْتَمَسْتُ عِقْدِى» .
وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(لَمَصَ)
- فِيهِ «أَنَّ الحَكَم بْنَ أَبِي العَاص كَانَ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْمِصُهُ فالْتَفَت إِلَيْهِ فَقَالَ: كُنْ كَذَلِكَ» يَلْمِصُه، أَيْ يَحْكيه ويُرِيد عَيْبَه بِذَلِكَ، قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ «1» .
(لَمَظَ)
[هـ] فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «الإيمانُ يَبْدَأ فِي الْقُلُوبِ لُمْظَةً» . اللُّمظة بالضَّم: مِثْلُ النُّكْتَةِ، مِنَ الْبَيَاضِ. وَمِنْهُ فَرَسٌ أَلْمَظُ، إِذَا كان بححفلته بياضُ يَسِير.
وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ، فِي التَّحْنِيك «فَجَعَلَ الصَّبِيُّ يَتَلَمَّظُ» أَيْ يُدِير لِسَانه فِي فِيه ويُحَرِّكُه يَتَتَبَّع أثَر التَّمْر، وَاسْم مَا يَبْقَى فِي الفَمِ مِنْ أثَر الطَعام: لُمَاظَة.
(لَمَعَ)
- فِيهِ «إِذَا كَانَ أحَدُكُم فِي الصَّلاة فَلَا يرفعْ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ يُلْتَمَعْ بصرُه» أَيْ يُخْتَلَس. يُقَالُ: أَلْمَعْتُ بِالشَّيْءِ، إِذَا اخْتَلَسْتَه، واخْتَطَفْته بسُرْعة.
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ «رَأَى رجُلاً شاخِصاً بَصَرهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: مَا يَدْرِي هَذَا لَعَلَّ بَصَره سَيُلْتَمع قبْل أَنْ يَرجِع إِلَيْهِ» .
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ لُقمان «إِنْ أرَ مَطْمَعِي فَحِدَوٌّ تَلَمَّعُ» أَيْ تَخْتَطِف الشيءَ فِي انِقضاضها. والحِدَوُّ: هِيَ الحِدَأة بلُغة مَكَّةَ.
ويُرْوَى «تَلْمَعُ» ، مِنْ لَمع الطَّائرُ بِجَنَاحَيْه، إِذَا خَفَق بِهِمَا.
ويُقَال: لَمع بِثَوبه وألْمَع بِهِ، إِذَا رفَعه وحَرّكه لِيَراه غَيْرُهُ فَيَجِيءَ إِلَيْهِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ زَيْنَبَ «رَآهَا تَلْمَع مِن وَرَاء الحِجاب» أي تُشِير بيَدِها.
__________
(1) لم يذكر الزمخشري هذه المادة. والذي في الفائق 3/ 159: «مرَّ بالحكم أبي مروان، فجعل الحكم يغمِز بالنبي صلى الله عليه وسلم، ويشير بأصَبعه. فالتفت إليه فقال: اللهم اجعل به وَزْغاً، فرجف مكانه. وروى أنه قال: كذلك فلْتكُنْ. فأصابه مكانه وَزْغٌ لم يفارقْه» . وانظر (وزغ) فيما يأتى.(4/271)
[هـ] وَحَدِيثُ عُمَرَ «أَنَّهُ ذَكَرَ الشَّام فَقَالَ: هِيَ اللَّمَّاعة بالرُّكْبان» أَيْ تَدْعُوهُم إِلَيْهَا.
وفَعَّالة. مِنْ أبْنِيَة المُبَالَغَة.
وَفِيهِ «أَنَّهُ اغْتَسَل فَرَأى لُمْعَة بِمَنْكِبِه فدَلَكَها بشَعَره» أرادَ بُقْعة يسِيرة مِنْ جَسَده لَمْ يَنَلْها الْماءُ، وَهِيَ فِي الْأَصْلِ قطْعةٌ مِنَ النَّبْت إِذَا أخذتْ فِي اليُبْس.
وَمِنْهُ حَدِيثُ دَمِ الْحَيْضِ «فَرَأى بِهِ لُمْعَةً مِنْ دَم» .
(لَمْلَمَ)
«1» (هـ) فِي حَدِيثِ سُوَيْد بْنِ غَفَلة «أَتَانَا مصدِّق رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهُ رجلٌ بِناقةٍ مُلَمْلَمَة فأبَى أَنْ يأخذَها» هِيَ المُسْتديرة سِمَنا، مِنَ اللَّمِّ: الضمِّ وَالْجَمْعِ، وَإِنَّمَا رَدَّهَا لِأَنَّهُ نَهَى أَنْ يُؤخذَ فِي الزَّكَاةِ خيارُ الْمَالِ.
(لَمَمَ)
[هـ] فِي حَدِيثِ بُرَيدة «أَنَّ امْرَأَةً شَكَت إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَماً بابْنَتها» اللَّمَم: طَرَف «2» مِنَ الجُنون يُلَمُّ بِالْإِنْسَانِ: أَيْ «3» يقرُب مِنْهُ وَيَعْتَريه.
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ الدُّعَاءِ «أَعُوذُ بكَلِماتِ اللَّهِ التَّامَّة «4» مِنْ شَرِّ كُلّ سامَّة، وَمِنْ كُلّ عَيْنٍ لامَّة» أَيْ «5» ذَاتِ لَمَم، وَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ «مُلِمَّة» وأصْلُها مِنْ ألْمَمْتُ بِالشَّيْءِ، لِيُزَاوِجَ قَوْلَهُ «مِنْ شَرِّ كُلِّ سامَّة» .
[هـ] وَمِنْهُ الْحَدِيثُ فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ «فَلَوْلاَ أَنَّهُ شيءٌ قَضاء اللَّهِ لَأَلَمَّ أَنْ يَذْهَب بَصَرُه؛ لِما يَرَى فِيهَا» أَيْ يَقْرُب.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «مَا يَقْتُل حَبَطاً أَوْ يُلِمُّ» أَيْ يَقْرُب مِنَ القَتْل.
وَفِي حَدِيثِ الْإِفْكِ «وإنْ كنْتِ أَلْمَمْتِ بذنْبٍ فاستغفرِي اللهَ» أَيْ قاربْتِ.
وَقِيلَ: اللَّممُ: مُقَارَبة المَعْصِيَة مِنْ غَيْرِ إِيقَاعِ فِعْل.
وَقيل: هُوَ من اللَّمَم: صِغار الذنوب.
__________
(1) وضعت هذه المادة في الأصل، وا بعد مادة (لمم) على غير نهج المصنف في إيراد المواد على ظاهر لفظها.
(2) هذا من قول شَمِر، كما في الهروي.
(3) وهذا من قول أبي عبيد، كما في الهروي أيضاً.
(4) في ا: «التامّات» .
(5) وهذا من شرح أبي عبيد، كما ذكر الهروي.(4/272)
وَقَدْ تَكَرَّرَ «اللَّمَمُ» فِي الْحَدِيثِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي الْعَالِيَةِ «إنَّ اللَّمَم مَا بيْنَ الحَدّين: حَدِّ الدُّنْيَا وحَدِّ الْآخِرَةِ» أَيْ صِغار الذُّنُوبِ الَّتِي لَيْسَ عَلَيْهَا حَدٌّ فِي الدُّنْيَا وَلاَ فِي الْآخِرَةِ.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «لابْن آدمَ لَمَّتَان: لَمَّةٌ مِنَ المَلك وَلَمَةٌ من الشيطان» اللَّمَّة: الْهَمَّة «1» والخَطْرَة تَقَع فِي الْقَلْبِ، أَرَادَ إلْمَام المَلك أَوِ الشَّيْطَانِ بِهِ والقُرْبَ مِنْهُ، فَما كَانَ مِنْ خَطَرَات الخَيْر، فَهُوَ مِنَ المَلك، وَمَا كَانَ مِن خَطَرَات الشَّرِّ، فَهُوَ مِنَ الشَّيطان.
[هـ] وَفِيهِ «اللَّهُمَّ الْمُم شعَثَنَا» .
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «وتَلُمُّ بِهَا شَعَثي» هُوَ مِنَ اللَّمِّ: الجَمْع. يُقَالُ: لَمَمْتُ الشيءَ ألُمُّه لَمًّا، إِذَا جَمَعْتَه: أَيْ اجْمَع مَا تَشَتَّت مِنْ أمرِنا.
وَفِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ «تأكُل لَمًّا وتُوسِع ذَمّاً» أَيْ تأكُل كَثِيراً مُجْتَمِعاً.
(س) وَفِي حَدِيثِ جَمِيلَةَ «أَنَّهَا كَانَتْ تحتَ أوْس بْنِ الصَّامت، وَكَانَ رجُلاً بِهِ لَمَم، فَإِذَا اشْتَدَّ لَمَمُه ظَاهَرَ مِنِ امْرأته، فَأَنْزَلَ اللَّهُ كَفَّارَةَ الظِّهار» اللَّمَمُ هَاهُنَا: الإِلْمَام بالنِّساء وشِدَّة الحِرْص عليهِنَّ. وَلَيْسَ مِنَ الجُنون، فَإِنَّهُ لَوْ ظاهَر فِي تِلْكَ الْحَالِ لَمْ يَلْزمه شَيْءٌ.
(هـ) وَفِيهِ «مَا رأيتُ ذَا لِمَّة أحْسَنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» اللِّمَّة مِنْ شَعر الرَّأْسِ: دُونَ الْجُمَّةِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ، لِأَنَّهَا أَلَّمت بالمَنْكِبَين، فَإِذَا زَادَتْ فَهِيَ الجُمَّة «2» .
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي رِمْثَة «فَإِذَا رجلٌ لَهُ لِمَّة» يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(لَمَهَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ «أَنَّهَا خَرَجَتْ فِي لُمَة مِنْ نِسائها، تَتَوطَّأ ذَيْلَها، إِلَى أَبِي بَكْرٍ فعاتبتْه» أَيْ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ نِسائها.
قِيلَ: هِيَ مَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ إِلَى الْعَشَرَةِ.
وَقِيلَ: اللُّمَة: المِثْل فِي السِّن، والتِّرب.
__________
(1) قَالَ في القاموس: «والهِمَّة، ويُفْتَح: ما هُمَّ به من أمرٍ ليُفْعَل» .
(2) زاد الهروي: «فإذا بلغت شَحْمَة الأذنين فهي الوَفْرَة» .(4/273)
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ «1» : «الْهَاءُ عِوض» مِنَ الْهَمْزَةِ الذاهِبة من وسَطِه، وهو مما أُخِذَت عينُه؛ كَسَهٍ ومُذْ، وأصْلها فُعْلَة مِنَ المُلاءمة، وَهِيَ المُوافَقة.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «أَنَّ شابَّةً زُوِّجَت شَيْخًا فقَتَلَتْه، فَقَالَ: أيُّها النَّاسُ، لِيَنْكِحِ الرجُلُ لُمَتَه مِنَ النِّسَاءِ، ولتَنْكِحِ المرأةُ لُمَتَها مِنَ الرِّجَالِ» أَيْ شَكَلْه وتِرْبه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «ألاَ وَإنَّ معاويةَ قادَ لُمَّة مِنَ الغُواة» أَيْ جماعَة.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَا تُسافروا حَتَّى تُصِيبُوا لُمةً» أَيْ رُفْقةً.
(لَمَا)
- فِيهِ «ظِلٌّ أَلْمَى» هُوَ الشَّدِيدُ الخُضْرة الْمَائِلُ إِلَى السَّواد، تَشْبِيهًا باللَّمَى الَّذِي يُعمل فِي الشَّفَة، واللَّثَة، مِنْ خُضْرةٍ أَوْ زُرْقة أَوْ سَواد.
(س) وَفِيهِ «أنْشُدُك اللهَ لَمَّا فَعلت كَذَا» أَيْ إلاَ فَعَلْتَهُ. وَتُخَفَّفُ الْمِيمُ، وَتَكُونُ «مَا» زَائِدَةً. وَقُرِئَ بِهِمَا قَوْلُهُ تَعَالَى «إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ» أَيْ مَا كلُّ نَفْسٍ إلاَّ عَلَيْهَا حَافِظٌ، وإنْ كلُّ نَفْسٍ لَعَلَيْها حافِظ.
بَابُ اللَّامِ مَعَ الْوَاوِ
(لَوَبَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ حَرَّم مَا بَيْنَ لابَتَيِ الْمَدِينَةِ» اللَّابَة: الحَرَّة، وَهِيَ الْأَرْضُ «2» ذاتُ الْحِجَارَةِ السُّودِ الَّتِي قَدْ أَلْبَسَتْهَا لكثرتها، وجمعها: لا بات، فإذا كَثُرت فهي اللَّاب واللُّوب، مِثْلُ: قَارَّةٍ وقارٍ وقُور. وألفُها مُنْقَلِبَةٌ عَنْ واوٍ.
وَالْمَدِينَةُ مَا بَيْنَ حَرَّتين عَظِيمَتَيْنِ (هـ) وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، ووَصَفَت أَبَاهَا «بعيُد مَا بَيْنَ اللَّابَتَين» أَرَادَتْ أَنَّهُ واسِع الصَّدر «3» ، وَاسْعُ العَطَن، فَاسْتَعَارَتْ لَهُ اللابَة، كَمَا يقال: رَحْب الفِناء، وواسِع الجناب.
__________
(1) ذكره الجوهري في (لمى) واقتصر على قوله: «والهاء عِوَض» أما بقية هذا الشرح فهو من قول الزمخشرى. انظر الفائق 2/ 476.
(2) هذا شرح الأصمعي. كما في الهروي.
(3) في الهروى. «الصّلة» .(4/274)
(لَوَثَ)
(هـ) فِيهِ «فَلَمَّا انصَرف مِنَ الصَّلَاةِ لَاثَ بِهِ الناسُ» أَيِ اجْتَمعوا حَوله.
يقالُ: لَاثَ بِهِ يَلُوثُ، وأَلَاثَ بِمَعْنًى. والمَلَاث: السَّيِّد تُلاث بِهِ الأُمور: أَيْ تُقْرَن بِهِ وتُعْقَد.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرّ «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، إذا الْتَاثَتْ راحلةُ أحدنا من بِالسَّرْوة في ضَبُعِها» أي إذا أبْطأت فِي سَيْرها نَخَسها بِالسَّرْوة، وَهِيَ نَصْلٌ صَغِيرٌ، وَهُوَ مِنَ اللُّوثَةِ «1» : الاسْتِرخاء والبُطْء.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أنَّ رَجُلًا كَانَ بِهِ لُوثَةٌ، فَكَانَ يُغْبَنُ فِي الْبَيْعِ» أَيْ ضَعْفٌ فِي رَأْيِهِ، وتَلَجْلُجٌ فِي كَلَامِهِ.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ «أنَّ رجُلاً وقَف عَلَيْهِ، فلَاثَ لَوْثاً مِنْ كلامٍ فِي دَهَشٍ» أَيْ لَمْ يُبَيِّنه وَلَمْ يَشْرَحه. وَلَمْ يُصَرِّح بِهِ.
وَقِيلَ: هُوَ مِنَ اللَّوْثِ: الطَّيّ وَالْجَمْعُ. يُقَالُ: لُثْتُ العمامةَ أَلُوثُهَا لَوْثاً.
وَمِنْهُ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ «فحَلْلتُ مِنْ عِمامتِي لَوْثاً أَوْ لَوْثَيْنِ» أَيْ لَفَّةً أَوْ لَفَّتَين.
وَحَدِيثُ الأنْبِذة «والأسْقِية الَّتِي تُلَاثُ عَلَى أفْواهِها» أَيْ تُشَدُّ وتُرْبَط.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَمَدت إِلَى قَرْن مِنْ قُرونها فَلَاثَتْهُ بالدُّهْن» أَيْ أدارَتْه. وَقِيلَ: خَلَطَتْه.
(س) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ جَزْء «ويْلٌ للَّوَّاثِينَ الَّذِينَ يَلُوثُونَ مِثْل البقَر، ارْفَع يَا غُلَامُ، ضَعْ يَا غُلَامُ» قَالَ الحَرْبِي: أظُنُّه الَّذِينَ يُدارُ عَلَيْهِمْ بألوانِ الطَّعَامِ، مِنَ اللَّوْثِ، وَهُوَ إِدَارَةُ العِمامة.
(س) وَفِي حَدِيثِ القَسَامة ذِكْر «اللَّوْثِ» وَهُوَ أَنْ يَشْهَد شاهِدٌ وَاحِدٌ عَلَى إقْرار المَقْتول قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ أنَّ فُلاناً قَتَلَني، أَوْ يَشْهد شاهِدانِ عَلَى عَداوةٍ بَيْنَهُمَا، أَوْ تَهْديد مِنْهُ لَهُ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَهُوَ مِنَ التَلَوُّثُ: التَّلُّطخ. يُقَالُ: لَاثَهُ في التراب، ولَوَّثَهُ.
__________
(1) اللُّوثة، بالضم، كما في ابالقلم، واللسان بالعبارة.(4/275)
(لَوَحَ)
- فِي حَدِيثِ سَطِيح، فِي رِوَايَةِ «1» :
يَلُوحُهُ فِي اللُّوْحِ بَوْغاءُ الدِّمَنْ
اللُّوحُ، بِالضَّمِّ: الهَواء. ولَاحَهُ يَلُوحُهُ، ولَوَّحَهُ، إِذَا غَيَّرَ لَوْنَه.
وَفِي أَسْمَاءِ دَوابِّه عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «أَنَّ اسْمَ فَرسِه مُلَاوِح» هُوَ الضامِر الَّذِي لَا يَسْمَن، وَالسَّرِيعُ العَطَش، وَالْعَظِيمُ الأَلْوَاح، وَهُوَ المِلْوَاح أَيْضًا.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ «أتَحْلِف عِنْدَ مِنْبَرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَأَلَاحَ مِنَ الْيَمِينِ» أَيْ أشْفَق وَخَافَ.
(لَوَذَ)
- فِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ «اللَّهُمَّ بِكَ أعُوذ، وَبِكَ أَلُوذُ» يُقَالُ: لَاذَ بِهِ يَلُوذُ لِيَاذاً، إِذَا الْتَجأ إِلَيْهِ وانْضَمَّ واسْتَغاث.
[هـ] وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «يَلُوذُ بِهِ الهُلّاك» أَيْ يَحْتمِي بِهِ الهالِكون ويَستتِرُون.
وَفِي خُطْبَةِ الحَجّاج «وَأَنَا أرْمِيكم بطَرْفِي وَأَنْتُمْ تَتَسَلَّلُون لِوَاذاً» أَيْ مُسْتَخْفين ومُسْتَترين، بَعْضِكُمْ بِبَعْضٍ، وَهُوَ مَصْدَرُ: لَاوَذَ يُلَاوِذُ مُلَاوَذَةً، ولِوَاذاً.
(لَوَصَ)
[هـ] فِيهِ «أَنَّهُ قَالَ لعُثْمان: إِنَّ اللَّهَ سَيُقَمِّصُك قَمِيصًا، وَإِنَّكَ تُلَاصُ عَلَى خَلْعِهِ» أَيْ يُطْلَبُ مِنْكَ أَنْ تَخْلَعَه، يَعْنِي الخِلافه. يُقَالُ: أَلَصْتُهُ عَلَى الشَّيْءِ أُلِيصُهُ، مِثْلَ رَاوَدْتُهُ عَلَيْهِ وَدَاوَرْتُهُ.
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «أَنَّهُ قَالَ لِعُثْمَانَ فِي مَعْنَى كَلِمَةِ الْإِخْلَاصِ: هِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي أَلَاصَ عَلَيْهَا عَمَّه عِنْدَ الْمَوْتِ» يَعْنِي أَبَا طَالِبٍ: أَيْ أَدَارَهُ عَلَيْهَا، وراوَدَهُ فِيهَا «2» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ «فأداروهُ وأَلَاصُوهُ، فَأَبَى وحلَفَ أَلَّا يَلْحَقَهم» .
وَفِيهِ «مَن سَبَق العاَطِسَ بالحَمْد أمِنَ «3» الشَّوْص واللَّوْصَ» هُوَ وَجَع الأذن. وقيل:
وجع النّحر.
__________
(1) انظر مادة (بوغ) .
(2) في الهروي: «عنها» وفي الفائق 2/ 478: «أي أراده عليها وأرادها منه» . وفي الصحاح: «ويقال: ألاصه على كذا، أي أداره على الشيء الذي يَرومُه» . وجاء في القاموس: «وألاصه على الشىء، أداره عليه، وأراده منه» .
(3) في الأصل: «أمِنَ مِن» وأسقطت «من» كما في ا، واللسان والفائق 1/ 681. وكما سبق في مادتي (شوص- علص) .(4/276)
(لَوَطَ)
- فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ «قَالَ: إِنَّ عُمر لأَحَبّ النَّاسِ إِلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَعَزُّ الوَلَدِ أَلْوَطُ» أَيْ ألْصَق بِالْقَلْبِ. يُقَالُ: لَاطَ بِهِ يَلُوطُ ويَلِيطُ، لُوطاً ولِيطاً ولِيَاطاً، إِذَا لَصِق بِهِ:
أَيِ الولَدُ ألْصَق بالقَلْب.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي البَخْتَرِيّ «مَا أزْعُم أنَّ عَلِيًّا أفضلُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَلَا عُمر، وَلَكِنْ أجِدُ لَهُ مِنَ اللَّوْطِ مَا لَا أجِدُ لأحدٍ بَعْدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .
[هـ] وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «إِنْ كُنْتَ تَلُوطُ حَوضَها» أَيْ تُطَيِّنُه وتُصْلحه. وأصْلُه مِنَ اللُّصوق.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ «ولَتقُومَنّ وَهُوَ يَلُوط حَوضَه» وَفِي رِوَايَةٍ «يَلِيطُ حَوْضه» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ قَتادة «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِنَّمَا يَشْرَبون فِي التَّيِه مَا لَاطُوا» أَيْ لَمْ يُصِيبوا مَاءً سَيْحاً، إِنَّمَا كَانُوا يَشْربون مِمَّا يَجْمَعونه فِي الحِياض مِن الآبارِ.
وَفِي خُطْبَةِ عَلِيٍّ «ولَاطَهَا بالبِلَّة حَتَّى لَزِبَت» .
[هـ] وَفِي حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، فِي المُسْتَلَاطِ «إِنَّهُ لَا يَرِث» يَعْنِي المُلْصَق بالرجُل فِي النَّسَب.
وَحَدِيثُ عَائِشَةَ فِي نِكاح الْجَاهِلِيَّةِ «فالْتَاطَ بِهِ ودُعي ابْنَه» أَيِ ألْتَصَق بِهِ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «مَنْ أحَبّ الدُّنْيَا الْتَاطَ مِنْهَا بِثَلَاثٍ: شُغْلٍ لَا يَنْقَضِي، وأمَلٍ لَا يُدْرَك، وحِرْصٍ لَا يَنْقطِع» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْعَبَّاسِ «أَنَّهُ لَاطَ لفِلان بِأَرْبَعَةِ ألافٍ، فبَعَثه إِلَى بَدْر مكانَ نَفْسِهِ» أَيْ ألْصق بِهِ أَرْبَعَةَ ألافٍ.
[هـ] وَحَدِيثُ الْأَقْرَعِ بْنِ حابِس «أَنَّهُ قَالَ لعُيَيْنة بْنِ حِصْن: بِمَا اسْتَلَطْتُمْ دَمَ هَذَا الرَّجُل؟» أَيِ اسْتَوْجَبْتم واسْتَحْقَقْتم؛ لِأَنَّهُ لمَّا صارَ لَهُم كأنَّهُم ألْصَقوه بأنْفُسِهم.
(لَوَعَ)
- فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «إِنِّي لأَجِدُ لَهُ مِنَ اللَّاعَةِ مَا أجِد لِوَلَدِي» اللَّاعَةُ واللَّوْعَةُ: مَا يَجِدهُ الْإِنْسَانُ لِوَلَده وحَمِيمه، مِنَ الحُرْقَة وشِدّة الحُبِّ. يُقَالُ: لَاعَهُ يَلُوعُهُ ويَلَاعُهُ لَوْعاً.(4/277)
(لوق)
[هـ] فى حديث عبادة من الصامِت «ولاَ آكُل إلاَّ مَا لُوِّقَ لِي» أَيْ لاَ آكُل إلاَّ مَا لُيِّنَ لِي. وَأَصْلُهُ مِنَ اللُّوقَةِ، وَهِيَ الزُّبْدَة. وَقِيلَ: الزُّبد بالرُّطَب «1» .
(لَوَكَ)
- فِيهِ «فَإِذَا هِي فِي فِيه يَلُوكُهَا» أَيْ يَمْضَغُهُا. واللَّوْكُ: إدَارَة الشَّيء فِي الفَمِ.
وَقَدْ لَاكَهُ يَلُوكُهُ لَوْكاً.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فَلَمْ نُؤتَ إلاَّ بالسَّويق فَلُكْنَاهُ» .
(لَوَمَ)
- فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ سَلَمة الجَرْمِيّ «وَكَانَتِ العَرب تَلَوَّمُ بإسْلامهم الفَتْحَ» أَيْ تَنْتَظِر. أَرَادَ تَتَلَوَّمُ. فَحَذَفَ إحْدى التَّاءيْن تَخْفِيفًا. وَهُوَ كثِير فِي كَلامِهم.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «إِذَا أجْنَب فِي السَّفر تَلَوَّمَ مَا بَيْنَه وبَيْن آخِر الوَقْت» أَيِ انْتَظر.
(س) وَفِيهِ «بئسَ لَعَمْرُ اللهِ عَمَلُ الشَّيْخ المُتَوَسِّم، والشَّابِّ المُتَلَوِّمُ» أَيِ المُتَعَرِّض لِلَّائِمَةِ فِي الْفِعْلِ السّيِّئ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ اللَّوْمَةُ «2» وَهِيَ الْحَاجَةُ: أَيِ المُنْتَظر لِقَضائِها.
(س) وَفِيهِ «فَتَلَاوَمُوا بَيْنَهم» أَيْ لَامَ بَعْضَهم بَعْضاً. وهي مُفَاعَلة، من لَامَهُ يَلُومُهُ لَوْماً، إِذَا عَذَله وعَنَّفَه.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «فَتَلَاوَمْنَا» .
(س) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ أُمِّ مَكْتوم «وَلِي قَائدٌ لاَ يُلَاوِمُنِي» كَذَا جَاءَ فِي رِوَاية بالْوَاو، وَأصله الهَمْزُ، مِنَ المُلاَءَمَة، وَهِيَ المُوَافَقة. يُقَالُ: هُوَ يُلائِمُني بِالْهَمْزِ، ثُمَّ يُخَفَّف فيَصِير يَاءً.
وَأَمَّا الْوَاوُ فَلاَ وَجْهَ لَها، إلاَّ أَنْ يَكُون يُفَاعِلُني، مِنَ اللَّوْمِ، وَلَا مَعْنى لَهُ فِي هذا الحديث.
(س) وفى حديث عمر «لوما أبْقَيْت!» أَيْ هَلاَّ أبْقَيْتَ، وَهِيَ حَرف مِنْ حُروف المَعَاني، مَعْنَاهَا التَّحضِيض، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: «لَوْ مَا تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ» .
(لَوَنَ)
(س) فِي حَدِيثِ جابِر وَغُرَمائه «اجْعَلِ اللَّوْنَ عَلَى حِدَتِه» اللَّوْنُ: نَوع مِنَ النَّخل. وَقِيلَ: هُوَ الدُّقَل. وَقِيلَ: النَّخْلُ كُلُّهُ مَا خلا البرنىّ والعجوة، ويسمّيه أهل المدينة
__________
(1) زاد الهروي: «ويقال لها: الأَلوقة. لغتان» .
(2) في الأصل: «اللّؤمة» والمثبت من: ا، واللسان.(4/278)
الأَلْوَان، واحِدَته: لِينَةٌ. وأصْلُه: لِوْنَةٌ «1» ، فَقُلِبَت الْوَاوُ يَاء، لكَسْرةِ اللَّامِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ «أَنَّهُ كتَب فِي صَدَقة التَّمر أنْ تُؤخَذَ فِي البَرْنِيّ مِنَ البَرْنِيّ، وَفِي اللَّوْنِ مِنَ اللَّوْنِ» وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(لَوَا)
- فِيهِ «لِوَاءُ الحَمْد بيَدِي يومَ الْقِيَامَةِ» اللِّوَاء: الرَّايَة، وَلَا يُمْسِكُها إلاَّ صاحبُ الجَيْش.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لكُلِّ غادِرٍ لِوَاء يومَ الْقِيَامَةِ» أَيْ عَلاَمةٌ يُشْهَر بِهَا فِي النَّاس؛ لِأَنَّ مَوْضُوع اللِّوَاء شُهْرَة مَكَانِ الرَّئيس، وجَمْعُه: أَلْوِيَة.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي قَتادة «فانْطَلَقَ الناسُ لاَ يَلْوِي أحَدٌ عَلَى أحَدٍ» أَيْ لَا يَلْتَفِت وَلَا يَعْطِف عَلَيْهِ. وأَلْوَى برَأسِه ولَوَاهُ، إِذَا أَمَالَهُ مِنْ جانِب إِلَى جانِب.
(س) مِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «إِنَّ ابْنَ الزُّبَيْر لَوَى ذَنَبَه» يُقال: لَوَى رأسَه وذَنَبه وعِطفه عَنْكَ، إِذَا ثَناه وصَرَفه. ويُرْوَى بِالتَّشْدِيدِ للمُبالَغَة.
وَهُوَ مَثَل لِتَرْك الْمَكَارم، والرَّوَغَان عَنِ المَعْرُوف وإيلاءِ الجَمِيل.
ويَجُوز أَنْ يَكُونَ كِناية عَن التَّأخُّر والتَّخَلُّف؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي مُقابِله: «وإنَّ ابْنَ أَبِي العَاصِ مَشَى اليَقْدُميّة» .
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «وَجَعَلَتْ خَيْلُنَا تُلَوِّي خَلْفَ ظُهُورِنا» أَيْ تَتَلَوَّى. يُقال: لَوَّى عَلَيْهِ، إِذَا عَطَفَ وَعَرَّجَ.
ويُرْوَى بالتَّخْفيف. ويُرْوَى «تَلُوذ» بالذَّال. وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْهُ.
وَفِي حَدِيثِ حُذَيفة «إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَفَع أرْضَ قومِ لُوط، ثُمَّ أَلْوَى بِهَا حَتَّى سَمِع أهلُ السَّماء ضُغاءَ كِلاَبِهم» أَيْ ذَهَب بِهَا. يُقَالُ: أَلَوْتُ بِهِ العَنْقاء: أَيْ أطارَتْه.
وعن قَتادة مِثله. وقال فِيهِ: «ثُمَّ أَلْوَى بِهَا فِي جَوّ السَّمَاءِ» .
(س) وَفِي حَدِيثِ الاختِمار «لَيَّةٌ لَا لَيَّتَيْنِ» أَيْ تَلْوِي خمارَها عَلَى رأسِها مَرَّةً وَاحِدَةً، وَلَا تَدِيره مَرَّتَيْنِ، لِئَلَّا تَتَشَّبه بِالرِّجَالِ إِذَا اعْتَمُّوا.
__________
(1) في الأًصل: «لُونةَ» بالضم. والتصحيح، بالكسر، من ا، واللسان.(4/279)
[هـ] وَفِيهِ «لَيٌّ الواجدِ يُحِلُّ عُقُوبَتَه وعِرْضَه» اللَّيُّ: المَطْلُ. يُقَالُ: لَوَاه غَريُمه بِدَيْنه يَلْوِيهِ لَيّاً. وَأَصْلُهُ: لَوْياً، فأدْغِمَت الواوُ فِي الْيَاءِ «1» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «يَكُونُ لَيُّ الْقَاضِي وإعْراضُه لأحدِ الرَّجُلين» أَيْ تَشَدّدُه وصلابَتُه.
وَفِيهِ «إيَّاك واللَّوَّ، فَإِنَّ اللَّوَّ مِن الشَّيْطَانِ» يُرِيدُ قَول المُتُنُدِّم عَلَى الْفَائِتِ: لَوْ كَانَ كَذَا لَقُلْتُ وفَعَلْتُ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ المُتَمنِّي؛ لأنَّ ذَلِكَ مِنَ الاعْتراض عَلَى الأقْدار.
وَالْأَصْلُ فِيهِ «لَوْ» سَاكِنَةُ الْوَاوِ، وَهِيَ حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ الْمَعَانِي، يَمتنِع بِهَا الشَّيْءُ لامْتِناع غَيْرِهِ، فَإِذَا سُمِّيَ بِهَا زِيدَ فِيهَا واوٌ أُخْرَى، ثُمَّ أدْغِمَت وشُدِّدَت، حَمْلاً عَلَى نَظَائِرِهَا مِنْ حُرُوفِ الْمَعَانِي.
(س) وَفِي صِفَةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ «مَجامِرُهم الأَلُوَّة» أَيْ بخُورُهم العُودُ، وَهُوَ اسمٌ لَهُ مُرْتَجَل.
وَقِيلَ: هُوَ ضَرْب مِنْ خِيار العُود وأجْودِه، وتُفْتَح همزتُه وتُضَمُّ. وَقَدِ اخْتُلِف فِي أصْلِيَّتِها وزيادتِها.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ كَانَ يَسْتَجْمِر بالأَلُوّة غيرَ مُطَرّاة» .
وَفِيهِ «مَنْ خَانَ فِي وصِيتَّه أُلْقِيَ فِي اللَّوَى» قِيلَ: إِنَّهُ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ.
بَابُ اللَّامِ مَعَ الْهَاءِ
(لَهَبَ)
(س) فِي حَدِيثِ صَعْصَعة «قَالَ لمعاويةَ: إنِّي لأَترُك الْكَلَامَ فَمَا أُرْهِف بِهِ وَلَا أُلْهِبَ فِيهِ» أَيْ لَا أُمْضِيه بِسُرْعَةٍ. وَالْأَصْلُ فِيهِ الَجْري الشَّدِيدُ الَّذِي يُثير اللَّهَبَ، وَهُوَ الغُبار الساطِع، كالدُّخان المرتفِع مِنَ النَّارِ.
(لَهْبَرٌ)
- فِيهِ «لَا تَتَزوّجَنَّ لَهْبَرَةً» هِيَ الطَّوِيلَةُ الهَزِيلة «2» .
__________
(1) قال الهروي: «وأراد بعِرْضِه لَوْمه، وبعقوبته حَبْسَه» . وانظر (عرض) فيما سبق.
(2) هكذا في الأصل، وا، واللسان، والذي في القاموس، والفائق 1/ 684: «القصيرة الدميمة» أما قول المصنف: «الطويلة الهزيلة» فهو شرح «النّهبرة» كما في الفائق. وكما سيذكر المصنف في مادة (نهبر) .(4/280)
(لَهَثَ)
- فِيهِ «إِنَّ امْرَأَةً بَغِيّاً رَأَتْ كَلْباً يَلْهَثُ، فَسَقْته فَغُفِر لَهَا» لَهَثَ «1» الكلبُ وغَيْرُه، يَلْهَثُ لَهْثاً، إِذَا أخْرج لسانَه مِنْ شِدّة الْعَطَشِ والحَرِّ. ورجُلٌ لَهْثَان، وامرأةٌ لَهْثَى.
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ جُبَيْرٍ، فِي الْمَرْأَةِ اللَّهْثَى «إِنَّهَا تُفْطِرُ فِي رَمَضَانَ» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «فِي سَكْرةٍ مُلْهِثَة» أَيْ مُوقعةٍ فِي اللَّهَثُ.
(لَهِجَ)
(س) فِيهِ «مَا مِن ذِي لَهْجَةٍ أصْدَق مِنْ أَبِي ذَر» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «أَصْدَقَ لَهْجَةً مِنْ أَبِي ذَرٍّ» اللَّهْجَة: اللِّسان. ولَهِجَ بِالشَّيْءِ، إِذَا وَلِع بِهِ.
(لَهَدَ)
(س) فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «لَوْ لَقِيتُ قَاتِلَ أَبِي فِي الْحَرَمِ مَا لَهَدْتُهُ» أَيْ دَفَعْته.
واللَّهْدُ: الدَّفْع الشَّدِيدُ فِي الصَّدر.
ويُرْوى «مَا هِدْتُه» أَيْ مَا حَرَّكْتُه.
(لَهَزَ)
(س) فِي حَدِيثِ النَّوح «إِذَا نُدِبَ المَيِّت وُكِلَ بِهِ مَلَكان يَلْهَزَانِهِ» أَيْ يَدْفعانه ويَضْربانه. واللَّهْزُ: الضَّرب بِجُمْعِ الكَفَّ فِي الصَّدر. ولَهَزَهُ بالرُّمْح، إِذَا طَعَنه بِهِ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي مَيْمونة «لَهَزْتُ رجُلاً فِي صَدْرِهِ» .
وَحَدِيثُ شَارِبِ الْخَمْرِ «يَلْهَزُهُ هَذَا وَهَذَا» وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(لَهْزَمَ)
(س) فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ والنَّسّابة «أمِن هامِها أَوْ لَهَازِمِهَا؟» أَيْ أمِن أشْرافِها أَنْتَ أَوْ مِن أوْساطِها. واللَّهَازِمُ: أصُول الحَنَكَين، واحِدتُها: لِهْزِمَةٌ، بِالْكَسْرِ، فَاسْتَعَارَهَا لوسَط النَّسَب والقَبيلة.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الزَّكَاةِ «ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ» يَعْنِي شِدْقَيْهِ.
وَقِيلَ: هُمَا عَظْمَانِ نَاتِئَانِ تَحْتَ الأذُنَين.
وَقِيلَ: هُمَا مُضْغَتان عَلِيَّتان»
تحتَهما. وَقَدْ تَكَرَّرَتْ «3» في الحديث.
__________
(1) ضبط في الأصل بكسر الهاء. وهو من باب «مَنَع» كما في القاموس.
(2) في الأصل: «عُلْيتان» وفي ا: «عُلْيَيَان» وأثبتُّ ما في الصّحاح واللسان.
(3) في الأصل: «تكرر» والمثبت من ا.(4/281)
(لَهَفَ)
[هـ] فِيهِ «اتَقُوا دَعْوةَ اللَّهْفَان» هُوَ المكْروب. يُقَالُ: لَهَفَ يَلْهَفُ لَهْفاً، فَهُوَ لَهْفَان، ولُهِفَ فَهُوَ مَلْهُوف.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «كَانَ يُحِبُّ إِغَاثَةَ اللَّهْفَان» .
وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ «تُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ المَلْهُوف» .
(لَهَقَ)
(هـ) فِيهِ «كَانَ خُلُقُه سَجيَّةً وَلَمْ يَكُنْ تَلَهْوُقاً» أَيْ لَمْ يَكْن تَصَنُّعاً وتَكلُّفاً.
يُقَالُ: تَلَهْوَقَ الرجُلُ، إِذَا تَزَيَّن بِمَا لَيْسَ فِيهِ مِنْ خُلُقٍ ومُرُوءَةٍ وكَرَم.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: «وعِنْدي أَنَّهُ «1» مِنَ اللَّهَقُ، وَهُوَ الأبْيَض [فَقَدِ اسْتَعْمَلُوا الْأَبْيَضَ] «2» فِي موْضع الكَريم «3» لِنَقاء عِرْضه مِمَّا يُدَنِّسه» .
وَمِنْهُ قَصِيدُ كَعْبٍ:
تَرْمى الغُيُوبَ بِعْيَنْي مفردٍ لَهِقٍ
هُوَ بفَتْح الْهَاءِ وكَسْرها: الأبْيضُ. والمُفْرَد: الثَّور الوَحْشِيُّ، شَبَّهَهَا بِهِ.
(لَهَمَ)
- فِيهِ «أَسْأَلُكَ رحْمَةً مِنْ عِنْدك تُلْهَمُنِي بِهَا رُشْدِي» الإِلْهَام: أَنْ يُلْقِيَ اللهُ فِي النَّفْس أمْراً، يَبْعَثُه عَلَى الفِعْل أَوِ التَّرْك، وَهُوَ نَوْع مِنَ الوَحْيِ يَخُصُّ اللَّهُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَاده.
وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «وَأَنْتُمْ لَهَامِيمُ العَرب» هِيَ جَمْع لُهْمُوم، وَهُوَ الجَوْاد مِنَ النَّاسِ والخَيْل.
(لَهَا)
(س) فِيهِ «ليْس شيءٌ مِنَ اللَّهْوِ إلاَّ فِي ثَلَاثٍ» أَيْ لَيْسَ مِنْهُ مُبَاحٌ إلاَّ هَذِهِ، لأنَّ كُلُّ واحدةٍ مِنْهَا إِذَا تأمّلْتَها وجَدْتَها مُعِينَةً عَلَى حَقٍّ، أَوْ ذَرِيعةً إِلَيْهِ.
واللَّهْوُ: اللَّعِب. يُقَالُ: لَهَوْتُ بِالشَّيْءِ أَلْهُو لَهْواً، وتَلَهَّيْتُ بِهِ، إِذَا لَعِبْتَ بِهِ وتَشاغَلْتَ، وغَفَلْتَ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ. وأَلْهَاه عَنْ كَذَا، أَيْ شَغَله. ولَهِيتُ عَنِ الشَّيْءِ، بِالْكَسْرِ، أَلْهَى، بالفتح
__________
(1) في الفائق 2/ 481: «أنه تَفَعْوَل من اللَّهَق» .
(2) تكملة لازمة من الفائق.
(3) في الأصل، وا واللسان: «الكرم» وأثبتُّ ما في الفائق.(4/282)
لُهِيّاً «1» إِذَا سَلَوْتَ عَنْهُ وتَرَكْتَ ذِكره، وَ [إِذَا] «2» غَفَلْتَ عَنْه واشْتَغَلْتَ.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِذَا اسْتأثَر اللهُ بِشَيْءٍ فَالْهَ عَنْه» أَيْ اتْرُكْه وأعْرِض عَنْهُ، وَلَا تَتَعرَّض لَهُ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحَسَنِ، فِي الْبَلَل بَعْد الوُضُوء «الْهَ عَنْهُ» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ سَهل بْنِ سَعْدٍ «فَلَهِيَ «3» رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ» أَيِ اشْتَغل.
وَحَدِيثُ ابْنِ الزُّبَيْرِ «أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَمِع صَوْتَ الرَّعْد لَهِيَ «4» عَنْ حَدِيثِهِ» أَيْ تَرَكه وأعْرَض عَنْهُ.
(هـ) وَحَدِيثُ عُمَرَ «أنَه بَعث إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بِمَالٍ فِي صُرَّة، وَقَالَ لِلْغُلَامِ: اذْهبْ بِهَا إِلَيْهِ ثُمَّ تَلَهَّ سَاعَةً فِي البَيْت، ثُمَّ اْنظُر مَاذَا يَصْنَع بِهَا» أَيْ تَشاغَلْ وتَعَلَّلْ.
وَمِنْهُ قَصِيدُ كَعْبٍ:
وَقَالَ كُلُّ صَدِيقٍ «5» كُنْتُ آمُلْهُ ... لاَ أُلْهِيَنَّكَ «6» إِنِّي عَنْكَ مَشْغُولُ
أَيْ لَا أشْغَلُك عَنْ أمْرك، فَإِنِّي مَشْغول عَنْكَ.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: لَا أنْفَعُك وَلَا أعَلِّلُكَ، فاعْمَل لِنفْسك.
[هـ] وَفِيهِ «سَأَلْتُ ربيَّ أَلَّا يُعَذِّبَ اللَّاهِينَ مِنْ ذُرِّية البَشَر فأعْطَانِيهم» قِيلَ: هُم البُلْه الْغَافِلُونَ.
وَقِيلَ: الَّذِينَ لَمْ يَتَعَمَّدُوا الذُّنُوبَ، وَإِنَّمَا فَرَطَ مِنْهُمْ سَهْوًا وَنِسْيَانًا «7» .
وَقِيلَ: هم الأطفال الذين لم يَقْتَرِفوا ذَنْباً.
__________
(1) في الأصل: «لَهْياً» وضبطته بضم اللام وكسرها مع تشديد الياء، من ا، واللسان، والصحاح. والشرح فيه. وزاد «ولُهْياناً» .
(2) زيادة من ا، واللسان.
(3) فى الأصل: «فلها» وأثبتّ ما في ا، واللسان، والقاموس.
(4) في الأصل: «لهَا» وأثبتُّ ما في المراجع السابقة. والفائق 2/ 481.
(5) في شرح الديوان ص 19: «خليلِ» .
(6) في شرح الديوان: «لا أُلْفِيَنَّك» .
(7) زاد الهروي: «وهو القول» .(4/283)
وَفِي حَدِيثِ الشَّاةِ الْمَسْمُومَةِ «فَمَا زِلْتُ أعْرِفها فِي لَهَوَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» اللَّهَوَات: جَمْعُ لَهَاة، وَهِيَ اللَّحَمَات فِي سَقْف أقْصَى الفَمِ. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «منْهم الفَاتح فَاه لِلُهْوَة مِنَ الدُّنْيَا» اللُّهْوَة بِالضَّمِّ: الْعَطِيَّة، وجَمْعُها: لُهًى.
وَقِيلَ: هِيَ أفْضَل العَطاء وأجزلُه.
بَابُ اللَّامِ مَعَ الْيَاءِ
(لَيَتَ)
(س) فِيهِ «يُنفَخ فِي الصُّور فَلَا يَسمعُه أحدٌ إلاَّ أصْغَى لِيتاً» اللِّيت «1» :
صَفْحة العُنُق، وَهُمَا لِيتَان، وأصْغَى: أمَالَ.
وفي الدعاء: «الحمد الله الَّذِي لَا يُفَاتُ، وَلَا يُلَات، وَلَا تَشْتَبه عَلَيْهِ الأصْوات» يُلَات:
مِنْ أَلَاتَ يُلِيتُ، لُغة فِي: لَاتَ يَلِيتُ، إِذَا نَقَصَ. وَمَعْنَاهُ: لَا يُنْقَصُ ولا يَحْبَس عنه الدُّعاء.
(هـ س) فِي حَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ «أَنَّهُ كَانَ يُواصل ثَلَاثًا ثُمَّ يُصْبح وَهُوَ أَلْيَثُ أصحاب» أَيْ أشَدُّهُم وأجْلَدهُمْ. وَبِهِ سُمِّي الأسَد لَيْثاً.
(لَيَحَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ كَانَ لحمزةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سيفٌ يُقَالُ لَهُ: لِيَاح» هُوَ من لاَح يَلُوح لِيَاحاً، إذا بَدا وَظَهر. وَأَصله: لِوَاح، فَقُلِبَت الواوُ يَاء لكَسْرة اللَّامِ، كاللِّيَاذ، مِنْ لاَذ يَلُوذ. وَمِنْهُ قِيل للصُّبح: لِيَاح. وألاَح، إِذَا تَلأْلأَ.
(لَيَسَ)
(هـ) فِيهِ «مَا أنْهَر الدّمَ وذُكِرَ اسمُ اللهِ فكَلْ «2» ، لَيْسَ السِّنَّ والظُّفْرَ» أَيْ إلاَّ السّنَّ والظُّفر.
__________
(1) بالكسر، كما في القاموس.
(2) في الأصل، وا: «كل ما أنهر الدم» وفي الهروي: «ما أنهر الدمَ فكُلْ» وهي رواية المصنِّف في (نهر) . وفي اللسان: «كُلُّ ما أنهر الدمَ فكُلْ» وأثبتُّ روايةَ البخاري، في (باب ما أنهر الدم، وباب ماندّ من البهائم، وباب إذا نّد بعير لقوم، من كتاب الذبائح) . وانظر أيضاً البخاري (باب قسمة الغنم، من كتاب الشركة في الطعام، والنَّهد، والعروض) و (باب ما يكره من ذبح الإبل والغنم، من كتاب الجهاد) ، وروايةَ مسلم (باب جواز الذبح بكل ما أنهر الدمَ، من كتاب الأضاحي) . وانظر أيضاً لهذه الرواية التي أثبتُّها، مسند أحمد 4/ 140، 142. من حديث رافع بن خَديج. والنَّسائي (باب النهي عن الذبح بالمظفر، من كتاب الضحايا) 2/ 107.(4/284)
وَ «لَيْسَ» مِنْ حُرُوفِ الِاسْتِثْنَاءِ، كَإلاَّ، تَقُولُ: جَاءَنِي القَوْم لَيْسَ زَيْدًا، وتَقْدِيره: لَيْسَ بَعْضُهم زَيْدًا.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «مَا مِنْ نَبيٍّ إِلَّا وَقد أَخْطَأَ، أَوْ هَمَّ بخَطِيئة، لَيْسَ يَحْيَى بْنَ زَكريا» .
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ قَالَ لزَيد الخَيْلِ: مَا وُصف لِي أحَدٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فرَأيْتُه فِي الْإِسْلَامِ إلاَّ رأيتُه دُونَ الصَّفَة لَيْسَكَ» أَيْ إلاَّ أَنْتَ.
وَفِي «لَيْسَك» غَرابة، فإنْ أخْبار «كَانَ وأخَواتها» إِذَا كَانَتْ ضَمائر، فَإِنَّمَا يُسْتعمل فِيهَا كَثِيرًا المُنْفَصِلُ دُونَ المُتَّصِل، تَقُولُ: لَيْسَ إيَّايَ وإيَّاك.
(س) وَفِي حَدِيثِ أَبِي الأسْود «فَإِنَّهُ أهْيَسُ ألْيَسُ» الألْيَسُ: الَّذِي لَا يَبْرَح مكانَه.
(لَيَطَ)
(س) فِي كِتَابِهِ لِثَقِيفٍ لَمَّا أسْلَموا «وَأنّ مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دَين إِلَى أجَل فَبَلغ أَجَلَهُ، فَإِنَّهُ لِيَاط مُبَرَّأٌ مِنَ اللَّهِ، وَأَنَّ مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دَيْن فِي رَهْنٍ وَرَاء عُكَاظَ، فَإِنَّهُ يُقْضَى «1» إِلَى رَأْسِهِ ويُلَاط بِعُكَاظَ وَلَا يُؤخَّر» .
أرَادَ باللِّيَاط الرِّبَا؛ لأنَّ كُلَّ شَيْءٍ ألْصِق بِشَيْءٍ وأضِيف إِلَيْهِ فَقَدْ أُلِيطَ بِهِ. والرِّبا مُلْصَقٌ بِرَأْسِ الْمَالِ. يُقال: لَاطَ حُبُّه بقَلْبي يَلِيطُ ويَلُوط، لَيْطاً ولَوْطاً ولِيَاطاً، وَهُوَ أَلْيَط بالقَلْب، وألْوَطُ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «أَنَّهُ كَانَ يُلِيطُ أولادَ الجاهِليَّة بِآبَائِهِمْ» وَفِي رِوَايَةٍ «بِمَنِ ادّعاهُم فِي الإسْلام» أَيْ يُلْحِقُهم بِهِمْ، مِنْ أَلَاطَهُ يُلِيطُهُ، إِذَا ألْصَقه بِهِ.
(هـ) وَفِي كِتَابِهِ لِوَائِلِ بْنِ حُجْر «فِي التِّيعَة شاةٌ لاَ مُقْوَرَّة الأَلْيَاط» هِيَ جَمْع لِيط، وهِي فِي الْأَصْلِ: القِشْر اللاَّزِق بالشَّجَر، أَرَادَ غَيْرَ مُسْتَرْخية الجُلُود لِهُزالِهَا، فاسْتَعَار اللِّيَط للْجِلْدَ؛ لِأَنَّهُ للَّحْم بمنزِلتِه للشَّجَر وَالقَصَب، وإنَّما جَاءَ بِهِ مَجْمُوعًا؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ لِيَط كلَّ عُضْو.
__________
(1) في ا: «يُفْضَى» .(4/285)
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّ رجُلاً قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: بِأَيِّ شَيْءٍ أُذَكِّي إِذَا لَمْ أجِدْ حَدِيدَةً؟
قَالَ: بِلِيطَةٍ فالِيَة» أَيْ قِشْرةٍ قَاطِعَة.
واللِّيط: قِشْر القَصَب والقَناة، وَكُلُّ شَيْءٍ كَانَتْ لَهُ صَلَابَةً ومَتَانَة، والقطْعة مِنْهُ: لِيطَة.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي إِدْرِيسَ «دخلْت عَلَى أنَسٍ فأُتي بِعَصافِيرَ فَذُبِحَت بِلِيطَة» وَقِيلَ:
أَرَادَ بِهِ القِطْعةَ المُحدّدة مِنَ القَصَب.
(س) وَفِي حَدِيثِ معاوية ابن قُرّة «مَا يَسُرُّني أَنِّي طَلبْتُ الْمَالَ خَلْفَ هَذِهِ اللَّائِطَة، وأنَّ لِي الدُّنيا» اللَّائِطَة: الاسْطُوَانة «1» سُمِّيت بِهِ للزُوقها بِالْأَرْضِ.
(لَيَنَ)
(هـ) فِيهِ «كَانَ إِذَا عَرَّس بلَيْلٍ توَسَّدَ لَيْنَة» اللَّيْنَة بِالْفَتْحِ: كالمِسْوَرَة «2» أَوْ كالرِّفادة، سُمِّيت لَيْنَةً لِلِينِهَا.
(س) وفى حديث بن عُمَرَ «خِياركُم أَلَايِنُكُمْ مَنَاكِبَ فِي الصَّلَاةِ» هِيَ جَمْع: أَلْيَن، وَهُوَ بمَعْنى السُّكون والوَقار والخشُوع.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «يَتْلُون كتابَ اللَّهِ لَيِّناً» أَيْ سَهْلاً عَلَى ألْسِنَتِهم.
ويُرْوَى «لَيْناً» بالتَّخفيف، لُغَة فِيهِ.
(لَيَهَ)
(س) فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ كَانَ يَقُومُ لَهُ الرجُل مِنْ لِيَةِ نفْسه، فَلَا يَقْعُد فِي مَكَانِهِ» أَيْ مِنْ ذَاتِ نَفْسِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يُكْرِهَه أحدٌ.
وأصلها «ولية» ، فخذفت الواوُ وعُوِّض مِنْهَا الْهَاءُ، كزِنَة وشِيَة.
ويُرْوَى «مِنْ إلْيَة نفْسه» فقُلِبَت الواوُ هَمْزَةً. وَقَدْ تَقَدَّمَتْ فِي حَرْفِ الْهَمْزَةِ.
ويُروى مِنْ «لِيَّتِه» بِالتَّشْدِيدِ، وهُم الأقارِب الأدْنَوْن، مِنَ اللَّيّ، فَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَلْويهم عَلَى نَفْسِهِ. وَيُقَالُ فِي الْأَقَارِبِ أَيْضًا: لِيَةٌ، بِالتَّخْفِيفِ.
(لَيَا)
- فِيهِ «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكَل لِيَاء ثُمَّ صلَّى وَلَمْ يتَوضَّأ» اللِّيَاء بِالْكَسْرِ والمَد: اللُّوبِياء، واحدتها: لِيَاءَة.
__________
(1) في الأصل: «الاصطوانة» والتصحيح من اواللسان، والقاموس.
(2) المِسْوَرة: مُتَّكَأ من جِلد.(4/286)
وَقِيلَ: هُوَ شَيْءٌ كالحِمَّص، شَدِيدُ الْبَيَاضِ يَكُونُ بِالْحِجَازِ.
واللِّيَاء أَيْضًا: سَمكة فِي البَحْر «1» يُتَّخَذ من جلدها لتّرسة «2» ، فَلَا يَحِيك فِيهَا شَيْءٌ.
وَالْمُرَادُ الْأَوَّلُ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّ فُلَانًا أهْدى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَدّانَ لِيَاء مُقَشَّى» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ «أَنَّهُ دُخل عَلَيْهِ وَهُوَ يَأْكُلُ لِيَاء مُقَشَّى» .
وَفِي حَدِيثِ الزُّبير «أقْبَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من لِيَّةَ» هُوَ اسْمُ مَوْضِعٍ بِالْحِجَازِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي اللَّامِ وَالْوَاوِ.
وَحَدِيثُ الاخْتِمار «لَيّةً لَا لَيْتَين» .
وَحَدِيثُ المَطْل «لَيُّ الواجِد» .
وَحَدِيثُ «لَيّ القاضي» ، لأنها من الواو.
__________
(1) في الأصل، وا: «بحر» والمثبت من اللسان، والفائق 2/ 484
(2) جمع التّرس.(4/287)
حرف الميم
بَابُ الْمِيمِ مَعَ الْهَمْزَةِ
(مَأْبِضٌ)
- فِيهِ «أَنَّهُ بَالَ قَائِمًا، لِعلَّة بمَأبِضَيْه» المَأبِضْ: بَاطِنُ الرُّكْبَةِ هَاهُنَا، وَأَصْلُهُ مِنَ الْإِبَاضِ، وَهُوَ الحَبْل الَّذِي يُشَدُّ بِهِ رسغُ البَعير إِلَى عَضُده. والمَأبِضُ: مَفْعِلٌ مِنه. أَيْ مَوْضِعُ الْإِبَاضِ، وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ. تَقُولُ الْعَرَبُ: إِنَّ الْبَوْلَ قَائِمًا يَشْفي مِنْ تِلْكَ العلَّة «1» .
(مَأْتَمٌ)
- فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ «فَأَقَامُوا عَلَيْهِ مَأْتَماً» المأتَمُ فِي الْأَصْلِ: مُجْتَمَعُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي الحُزن والسُّرور، ثُمَّ خُصَّ بِهِ اجْتِمَاعُ النِّسَاءِ لِلْمَوْتِ.
وَقِيلَ: هُوَ للشَّوابِّ مِنْهُنَّ لَا غيرُه. وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ.
(مَأْثَرَةٌ)
- فِيهِ «الاَ إنَّ كلْ دَمٍ ومَأْثَرَةٍ مِن مآثِر الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهَا تَحْتَ قَدَميَّ هَاتَيْن» مآثِرُ الْعَرَبِ: مَكارِمُها ومَفاخِرها الَّتِي تُؤثر عَنْهَا وتُروَى. وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ.
(مَأْرِبُ)
- قَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ «مَأْرِب» بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَهِيَ مَدِينَةٌ بِالْيَمَنِ كَانَتْ بِهَا بلْقِيس.
(مَأْزِمٌ)
- فِيهِ «إِنِّي حَرّمْت الْمَدِينَةَ حَراماً مَا بَيْنَ مَأْزِمَيْها» المَأزِم: المَضِيق فِي الْجِبَالِ حَيْثُ يَلْتَقي بعضُها بِبَعْضٍ ويَتَّسِع مَا وَرَاءَهُ. وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ، وَكَأَنَّهُ مِنَ الْأَزْمِ:
القُوّة والشِدّة.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ «إِذَا كنتَ بَيْنَ المأزِميْن دُونَ مِنىً، فَإِنَّ هُنَاكَ سَرْحةً سُرّ تحتَها سَبْعُونَ نَبِيّاً» وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
__________
(1) جاء بهامش ا: «وأقول: لعل وجه قيامه صلى الله عليه وسلم عدم قدرته على القعود، لعلَّة في ركبتيه، لا لما ذكره؛ لأنه لا يظهر وجه للتشفي من تلك العلة بالبول قائماً، كما لا يخفى» .(4/288)
(مَأْصِرٌ)
- فِي حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ «حُبِست «1» لَهُ سفينةٌ بالمَأصِرِ» هُوَ مَوْضِعٌ تُحْبَس فِيهِ السُّفُن، لأخْذ الصَّدَقَةِ أَوِ العُشْر مِمَّا فِيهَا. والمأصر: الحاجز. وقد تفتح الصاد بلاهمز، وَقَدْ تُهْمَز، فَيَكُونُ مِنَ الأصْر: الحبْس. وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ. يُقَالُ: أصَرَه يأصِرُه أصْراً، إِذَا حَبَسه. وَالْمَوْضِعُ:
مأصِر ومَأصَر. وَالْجَمْعُ: مآصِرُ.
(مَاسٌ)
- فِي حَدِيثِ مُطَرَّف «جَاءَ الهُدْهُدُ بالمَاسِ، فَأَلْقَاهُ عَلَى الزُّجاجة فَفَلَقها» ألمَاس: حَجَر مَعْرُوفٌ يُثْقَب بِهِ الجَوهر ويُقطَع ويُنْقَش، وأظُنُّ الْهَمْزَةَ وَاللَّامَ فِيهِ أصْلِيَّتَين، مِثْلَهُمَا فِي: إلْياس، وَلَيْسَتْ بعَربيَّة، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فبابُه الهَمْزة، لِقَولهم فِيهِ: الألْماس. وَإِنْ كَانَتَا للتَّعريف، فَهَذَا موضِعه. يُقَالُ: رجلٌ مَاسَ، بوَزْن مالٍ: أَيْ خفيفٌ طَيَّاش.
(مَأَقَ)
- فِيهِ «أَنَّهُ كَانَ يَكْتحِل مِنْ قِبَل مُؤْقِهِ مرَّةً، وَمِنْ قِبَلِ مَأْقِهِ مَرَّةً» مُؤْق الْعَيْنِ: مُؤخَّرُها، ومَأْقِهَا: مُقَدَّمُها.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: مِن الْعَرَبِ من يقول: مَأْقٌ ومُؤْقٌ، بضَمِّهما، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: مَأْقٍ ومُؤْقٍ، بكسرِهما، وبعضُهم [يَقُولُ] «2» : ماقٍ، بِغَيْرِ هَمْزٍ، كقاضٍ. وَالْأَفْصَحُ الْأَكْثَرُ: المَأْقِي، بِالْهَمْزِ وَالْيَاءِ، والمُؤْق بِالْهَمْزِ وَالضَّمِّ، وجَمْع الُمؤقِ: آمَاق وأَمْآق، وجَمْع المَأْقِي: مَآقِي.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ كَانَ يَمْسَح المَأْقِيَيْنِ» هِيَ تَثْنِية المَأْقِي.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ طَهْفَة «مَا لَمْ تُضْمِروا الإِمَاق» الإِمَاق: تَخْفِيفُ الإِمْآق، بِحَذْفِ الْهَمْزَةِ وإلْقاء حَركَتِها عَلَى الْمِيمِ، وَهُوَ مِنْ أمْأقَ الرجلُ، إِذَا صَارَ ذَا مَأقَة، وَهِيَ الحَمِيَّة والأنَفَة.
وَقِيلَ: الحِدّة والجَراءة. يُقَالُ: أَمْأَقَ الرجُل يُمْئِقُ إِمْآقاً، فَهُوَ مُئِيق. فأطْلَقَه عَلَى النَّكْث والغَدْرِ؛ لِأَنَّهُمَا «3» مِنْ نَتائج الأنَفَة والحَمِيَّة أَنْ يَسْمَعوا ويُطِيعوا.
__________
(1) ضبط في ا: «حَبَسْتُ» .
(2) زيادة من ا.
(3) في الهروي: «لأنه يكون من أجل الأنفة والحمية أن يسمعوا ويطيعوا» ورواية اللسان كرواية ابن الأثير، لكن فيه: «أن تسمعوا وتطيعوا» . وجاء في الصحاح: «يعني الغيظ والبكاء ممّا يلزمكم من الصدقة. ويقال: أراد به الغدر والنكث» .(4/289)
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: «وَأَوْجَهُ مِنْ «1» هَذَا أَنْ يَكُونَ الإمِاق مَصدر: أماقَ «2» ، وَهُوَ أَفْعَلُ مِنَ المُوق، بِمَعْنَى الحُمق. وَالْمُرَادُ إضْمار الكُفر، وَالْعَمَلُ عَلَى تَرك الاسْتِبْصار فِي دِين اللَّهِ تَعَالَى» .
(مَأَلَ)
- فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «إِنِّي واللهِ مَا تَأَبَّطَتْنِي الْإِمَاءُ، وَلَا حَمَلَتْنِي الْبَغَايَا فِي غُبَّرَاتِ المَآلِي» المَآلِي: جَمْعُ مِئْلَاة- بِوَزْنِ سِعلاة- وَهِيَ هَاهُنَا خِرْقة الْحَائِضِ، وَهِيَ خِرقة النَّائِحَةِ أَيْضًا. يُقَالُ: آلَت الْمَرْأَةُ إِيلَاءً، إِذَا اتَّخَذَت مِئْلَاة، ومِيمُها زَائِدَةٌ.
نَفَى عَنْ نفسِه الْجَمْعَ بَيْنَ سُبَّتَين: أَنْ يَكُونَ لزِنية، وَأَنْ يَكُونَ مَحْمولاً فِي بَقِيَّة حَيضة.
(مَأَمَ)
- فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «لَا يَزال أمْرُ النَّاسِ مُؤامّا، ما لم يَنْظُروا فِي القَدَر والوِلْدان» أَيْ لَا يَزالُ جارِياً عَلَى الْقَصْدِ والاستِقامة. والمُؤامّ: المُقَارِب، مُفاعِل مِنَ الأَمّ، وَهُوَ الْقَصْدُ، أَوْ مِنَ الأَمَم: القُرب. وَأَصْلُهُ: مُؤامِم، فأُدغِم.
وَمِنْهُ حَدِيثُ كَعْبٍ «لَا تَزال الفِتنةُ مُؤامّاً بِهَا مَا لَمْ تَبْدَأْ مِنَ الشَّامِ» مُؤَامٌّ هَاهُنَا: مُفاعَل بِالْفَتْحِ، عَلَى الْمَفْعُولِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ: مقارَبا بِهَا، وَالْبَاءُ للتَّعْدية.
وَيُرْوَى «مُؤماً» بِغَيْرِ مَدٍّ.
(مَأَنَ)
[هـ] فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «إنَّ طُولَ الصَّلَاةِ وقِصَرَ الخُطْبة مَئِنّة مِنْ فِقْه الرجُل» أَيْ إِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُعَرف بِهِ فِقْهُ الرَّجُلِ. وَكُلُّ شَيْءٍ دَلّ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ مَئِنّةٌ لَهُ، كالمَخْلَقة والمَجْدَرة. وحقيقتُها أَنَّهَا مَفْعِلة مِنْ مَعْنَى «إنَّ» الَّتِي لِلتَّحْقِيقِ وَالتَّأْكِيدِ، غَيْرُ مُشْتَقَّة مِنْ لفظِها، لِأَنَّ الْحُرُوفَ لَا يُشْتَق مِنْهَا، وَإِنَّمَا ضُمِّنَت حروفَها، دَلالةً عَلَى أَنَّ مَعْنَاهَا فِيهَا. وَلَوْ قِيلَ: إِنَّهَا اشْتُقَّت مِنْ لفظِها بَعْدَ مَا جُعِلَت اسْمًا لَكَانَ قوْلاً.
وَمِنْ أغْرب مَا قِيلَ فِيهَا: أَنَّ الْهَمْزَةَ بَدَلٌ مِنْ ظَاءِ المَظِنّة، وَالْمِيمُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ زَائِدَةٌ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: مَعْنَاهُ أَنَّ هَذَا مما يُسْتدلّ به على فِقه الرجل.
__________
(1) في الفائق 2/ 8: «منه» .
(2) بعده في الفائق: «على ترك التعويض. كقولهم: أريته إراءً. وكقوله تعالى: وَإِقامَ الصَّلاةِ*» .(4/290)
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: جَعَلَ أَبُو عُبَيْدٍ فِيهِ الْمِيمَ أَصْلِيَّةً، وَهِيَ مِيمُ مَفْعِلة «1» .
(مَاءَ)
- فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أُمُّكُمْ هاجَرُ يَا بَني مَاءِ السَّمَاءِ» يُرِيدُ الْعَرَبَ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَّبِعون قَطْر السَّمَاءِ، فيَنْزِلون حَيْثُ كَانَ، وألِفُ «الْمَاءِ» مُنْقَلِبة عَنْ وَاوٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهُ هَاهُنَا لِظَاهِرِ لَفْظِهِ.
بَابُ الْمِيمِ مَعَ التَّاءِ
(مَتَتَ)
- فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «لَا يَمُتَّان إِلَى اللَّهِ بِحَبْل، وَلَا يَمُدّانِ إِلَيْهِ بِسَبَب» المَتّ:
التَّوَسُّل والتوصُّل بحُرْمةٍ أَوْ قَرابة، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. تَقُولُ: مَتَّ يَمُتُّ مَتّاً، فَهُوَ مَاتٌّ. وَالِاسْمُ:
مَاتَّةٌ، وَجَمْعُهَا: مَوَاتّ، بِالتَّشْدِيدِ فِيهِمَا.
(مَتَحَ)
- فِي حَدِيثِ جَرِيرٍ «لا يُقامُ مَاتِحُهَا» المَاتِح: المُسْتَقِي مِنَ الْبِئْرِ بالدَّلْو مِنْ أعْلَى الْبِئْرِ، أَرَادَ أَنَّ ماءَها جارٍ عَلَى وجهِ الْأَرْضِ فَلَيْسَ يُقام بِهَا مَاتِح، لِأَنَّ الماتِحَ يَحتاج إِلَى إقامتِه عَلَى الْآبَارِ ليَسْتَقِيَ.
وَالْمَايِحُ، بِالْيَاءِ: الَّذِي يَكُونُ فِي أَسْفَلِ الْبِئْرِ يَملأ الدَّلْو. تَقُولُ: مَتَحَ الدَّلْوَ يَمْتَحُهَا مَتْحاً، إِذَا جذَبها مُسْتقِياً لَهَا، وماحَها يَمِيحُها: إِذَا مَلأها.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ أُبَيٍّ «فَلَمْ أرَ الرجالَ مَتَحَتْ أعْناقَها إِلَى شَيْءٍ مُتُوحها إِلَيْهِ» أَيْ مَدّت أعناقَها نَحْوَهُ.
وَقَوْلُهُ «مُتُوحَها» مصدرٌ غَيْرُ جارٍ عَلَى فِعله، أَوْ يَكُونُ كالشُّكور والكُفور.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «لَا تُقْصَرُ الصلاةُ إلاَّ فِي يومٍ مَتَّاح» أَيْ يومٍ يَمْتَدُّ سَيُره مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إِلَى آخِرِهِ. ومَتَحَ النَّهَارُ، إِذَا طَالَ وامْتَدّ.
(مَتَخَ)
(س) فِيهِ «أَنَّهُ أُتِيَ بسَكْرانَ، فَقَالَ: اضَرِبوه، فضَرَبوه بالثِّياب والنِّعال والمِتِّيخَة» وَفِي رِوَايَةٍ «وَمِنْهُمْ مَنْ جَلَده بالمِتِّيخَة» .
هَذِهِ اللَّفْظَةُ قَدِ اخْتُلف فِي ضبْطها. فقيل: هي بكسر الميم وتشديد التاء،
__________
(1) بعد هذا في الهروي: «فإن كان كذلك فليس هو من هذا الباب» .(4/291)
وَبِفَتْحِ الْمِيمِ مَعَ التَّشْدِيدِ، وَبِكَسْرِ «1» الْمِيمِ وَسُكُونِ التَّاءِ قبْل الْيَاءِ، وَبِكَسْرِ الْمِيمِ وَتَقْدِيمِ الْيَاءِ السَّاكِنَةِ عَلَى التَّاءِ.
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: وَهَذِهِ كُلُّهَا أسماءٌ لِجَرائد النَّخْلِ، وَأَصْلِ العُرْجون.
وَقِيلَ: هِيَ اسمٌ للعَصا. وَقِيلَ: القَضيب الدَّقيق اللَّيِّن.
وَقِيلَ: كلُّ مَا ضُرِب بِهِ مِنْ جَريد أَوْ عَصاً أَوْ دِرّة، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وأصلُها- فِيمَا قِيلَ- مِن مَتَخَ اللهُ رَقَبته بالسَّهْم، إِذَا ضَرَبه.
وَقِيلَ: مِن تَيَّخَة العذابُ، وطَيَّخَه، إِذَا ألَحَّ عَلَيْهِ، فأُبدلَت التَّاءُ مِنَ الطَّاءِ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ خَرج وَفِي يَدِهِ مِتَّيخة، فِي طَرَفها خُوصٌ، مُعْتَمِداً على ثابت ابن قَيْس» .
(مَتَعَ)
- فِيهِ «أَنَّهُ نَهَى عَنْ نِكاح المُتْعَة» هُوَ النِّكاح إِلَى أجَلٍ مُعَيَّن، وَهُوَ مِنَ التَّمَتُّع بِالشَّيْءِ: الانْتفاع بِهِ. يُقَالُ: تَمَتَّعْتُ بِهِ أَتَمَتَّعُ تَمَتُّعاً. وَالِاسْمُ: المُتْعَة، كَأَنَّهُ يَنْتفع بِهَا إِلَى أمَدٍ مَعْلُومٍ. وَقَدْ كَانَ مُباحاً فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ. ثُمَّ حُرِّم، وَهُوَ الْآنُ جَائِزٌ عِنْدَ الشِّيعة.
وَفِيهِ ذِكْرُ «مُتْعَة الْحَجِّ» التَمَتُّع بِالْحَجِّ لَهُ شَرائطُ مَعْرُوفَةٌ فِي الْفِقْهِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ قَدْ أحْرَم فِي أشْهُر الْحَجِّ بعُمرة، فَإِذَا وَصَل إِلَى الْبَيْتِ وَأَرَادَ أَنْ يُحِلَّ ويَستعمِل مَا حَرُم عَلَيْهِ، فسبيلُه أَنْ يَطُوفَ ويَسْعَى ويُحِلَّ، ويُقيمَ حَلالاً إِلَى يَوْمِ الْحَجِّ، ثُمَّ يُحْرِم مِنْ مَكَّةَ بِالْحَجِّ إحْراماً جَدِيدًا، ويَقِف بعَرَفةَ ثُمَّ يَطُوفُ ويَسْعى ويُحِلّ مِنَ الْحَجِّ، فَيَكُونُ قَدْ تَمَتَّعَ بالعُمْرة فِي أَيَّامِ الْحَجِّ: أَيِ انْتَفَع؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرَوْن الْعُمْرَةَ فِي أشْهُر الْحَجِّ، فَأَجَازَهَا الْإِسْلَامُ.
وَفِيهِ «أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ طَلَّق إمْرأةً «2» فَمَتَّعَ بِوَليدة» أَيْ أعْطاها أَمَةً، وَهِيَ مُتْعَة الطَّلَاقِ.
وَيُسْتَحَبّ للمطلِّق أَنْ يُعْطِيَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ طَلاقِها شَيْئًا يَهَبُها إيَّاه.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الأكْوَع «قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْلَا مَتَّعْتَنَا بِهِ» أَيْ هَلاَّ تَركْتَنا نَنَتَفع بِهِ.
وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْر «التَّمتُّع، والمُتْعة، والاسْتِمتاع» فِي الْحَدِيثِ.
__________
(1) في الأصل: «وكسر» والمثبت من ا، واللسان.
(2) في الأصل: «إمرأته» وأثبتُّ ما في ا، واللسان، ونسخهٍ من النهايه بدار الكتب المصريه، برقم 517 حديث.(4/292)
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ كَانَ يُفْتي النَّاسَ حَتَّى إِذَا مَتَعَ الضُّحَى وسَئِم» مَتَعَ النَّهَارُ، إِذَا طَالَ وامْتَدّ وَتَعَالَى.
وَمِنْهُ حَدِيثُ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ «بَيْنَا أَنَا جالسٌ فِي أَهْلِي حِينَ مَتَعَ النهارُ إِذَا رسولُ عُمر، فانْطَلَقْت إِلَيْهِ» .
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ كَعْبٍ والدَّجَّال «يُسَخَّر مَعَهُ جبلٌ مَاتِع، خِلاطُه ثَرِيد» أَيْ طويلٌ شاهِق.
(هـ) وَفِيهِ «أَنَّهُ حرَّم «1» الْمَدِينَةَ ورَخَّص فِي مَتَاع النَّاضِحِ» أَرَادَ أَدَاةَ البَعير الَّتِي تُؤخَذ مِنَ الشَّجَرِ، فَسَّماها مَتاعاً. والمَتَاع: كلُّ مَا يُنْتَفع بِهِ مِنْ عُروض الدُّنْيَا، قَليلها وَكَثِيرِهَا.
(مَتَكَ)
[هـ] فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «أَنَّهُ كَانَ فِي سَفر، فَرَفَعَ عَقِيرَتَهُ بِالْغِنَاءِ، فاجْتمع النَّاسُ عَلَيْهِ، فقَرأ الْقُرْآنَ فتَفَرقوا، فقال: يَا بَني المَتْكَاء، إِذَا أخَذْتُ فِي مَزامير الشَّيْطَانِ اجْتَمَعْتُمْ، وَإِذَا أخَذْتُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَفَرّقْتم» المَتْكَاء: هِيَ الَّتِي لَمْ تُخْتَن. وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي لَا تَحْبِس بَوْلَها.
وأصلُه مِنَ المَتْك، وَهُوَ عِرْق بَظْر الْمَرْأَةِ.
وَقِيلَ: أَرَادَ يَا بَني البَظْراء.
وَقِيلَ: هِيَ المُفْضاة.
(مَتَنَ)
- فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى «الْمَتِينُ»
هُوَ القوِيّ الشَّدِيدُ، الَّذِي لَا يَلْحقُه فِي أَفْعَالِهِ مَشَقَّة، وَلَا كُلْفَة وَلَا تَعَب. والمَتَانَة: الشِّدَّةُ وَالْقُوَّةُ، فَهُوَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ بالِغُ القُدرة تامُّها قوِيٌّ، وَمِنْ حَيْثُ إِنَّهُ شديدُ الْقُوَّةِ مَتين.
(س) وَفِيهِ «مَتَنَ بالناسِ يومَ كَذَا» أَيْ سارَ بِهِمْ يَوْمَه أجْمَع. ومَتَنَ فِي الْأَرْضِ، إذا ذَهَب.
__________
(1) في الهروي: «حرم شجر المدينة» .(4/293)
بَابُ الْمِيمِ مَعَ الثَّاءِ
(مَثَثَ)
(س) فِي حَدِيثِ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلًا أَتَاهُ يَسأله، قَالَ: هَلَكْتُ، قَالَ: أهَلَكْتَ وَأَنْتَ تَمُثُّ مَثَّ الحَمِيتِ؟» أَيْ تَرْشَح مِنَ السِّمَن. ويُروى بِالنُّونِ.
وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ «كَانَ لَهُ مِنديلٌ يَمُثُّ بِهِ الْمَاءَ إِذَا تَوَضَّأَ» أَيْ يَمَسح بِهِ أثرَ الْمَاءِ ويُنَشِّفُه.
(مَثَلَ)
- فِيهِ «أَنَّهُ نَهَى عَنْ المُثْلَة» يُقَالُ: مَثَلْتُ بِالْحَيَوَانِ أَمْثُلُ بِهِ مَثْلًا، إِذَا قَطَعْتَ أَطْرَافَهُ وشَوّهْتَ بِهِ، ومَثَلْتُ بالقَتيل، إِذَا جَدَعْت أَنْفَهُ، أَوْ أذُنَه، أَوْ مَذاكِيرَه، أَوْ شَيْئًا مِنْ أطرافِه. وَالِاسْمُ: المُثْلَة. فأمَّا مَثَّلَ، بِالتَّشْدِيدِ، فَهُوَ للمبالَغة.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «نَهى أَنْ يُمَثَّلَ بالدَّواب» أَيْ تُنْصَب فترْمَى، أَوْ تُقْطَع أطرافُها وَهِيَ حَيَّة.
زَادَ فِي رِوَايَةٍ «وَأَنْ تُؤْكلَ المَمْثُول بِهَا» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ سُوَيد بْنِ مُقَرِّن «قَالَ لَهُ ابنُه مُعَاوِيَةُ: لَطَمْتُ مَولىً لنَا فدَعاه أَبِي ودَعاني، ثُمَّ قَالَ: امْثُلْ مِنْهُ- وَفِي رِوَايَةٍ- امْتَثِلْ، فعَفَا» أَيِ اقْتَصَّ مِنْهُ. يُقَالُ: أَمْثَلَ السلطانُ فُلاناً، إِذَا أقادَه. وَتَقُولُ لِلْحَاكِمِ: أَمْثِلْنِي، أَيْ أقِدْنِي.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ تَصِف أَبَاهَا «فحَنَتْ لَهُ قِسِيَّها، وامْتَثَلُوهُ غَرَضاً» أَيْ نَصَبوه هَدفاً لسِهام مَلامهم وَأَقْوَالِهِمْ. وَهُوَ افْتَعل، مِنَ المُثْلة. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «مَن مَثَلَ بالشَّعَر فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ خَلاقٌ يومَ الْقِيَامَةِ» مُثْلَة الشَّعَر:
حَلْقُه مِنَ الْخُدُودِ. وَقِيلَ: نَتْفُه أَوْ تَغْييره بالسَّواد.
ورُوي عَنْ طاوُس أَنَّهُ قَالَ: جَعله اللَّهُ طُهْرَةً، فجَعَله نَكالاً.
(هـ) وَفِيهِ «مَنْ سَرَّه أنْ يَمْثُلَ لَهُ الناسُ قِياماً فلْيَتَبَوَّأ مَقْعَده مِنَ النَّار» أَيْ يَقُومُونَ لَهُ قِياماً وَهُوَ جَالِسٌ. يُقَالُ: مَثَلَ الرجُل يَمْثُلُ مُثُولًا، إِذَا انْتَصب قَائِمًا. وَإِنَّمَا نُهِي عَنْهُ لِأَنَّهُ مِنْ زِيِّ الْأَعَاجِمِ، وَلِأَنَّ الْبَاعِثَ عَلَيْهِ الكِبْرُ وإذْلالُ النَّاسِ.(4/294)
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم مُمْثِلًا» يروى بكسر الثاء وَفَتْحِهَا: أَيْ مُنْتَصِبًا قَائِمًا. هَكَذَا شُرِح. وَفِيهِ نَظَر مِنْ جِهَةِ التَّصْرِيفِ.
وَفِي رِوَايَةٍ «فمَثَل قَائِمًا» .
وَفِيهِ «أشدُّ الناسِ عَذَابًا مُمَثِّلٌ مِنَ المُمَثِّلين» أَيْ مُصَوِّر. يُقَالُ: مَثَّلْتُ، بالتَّثْقيل وَالتَّخْفِيفِ، إِذَا صورّتَ مِثالاً. والتِّمْثَال: الِاسْمُ مِنْهُ. وظِل كُلِّ شَيْءٍ: تِمْثَالُهُ. ومَثَّلَ الشَّيْءَ بِالشَّيْءِ:
سَوَّاه وشَبَّهه بِهِ، وَجَعَلَهُ مِثله وَعَلَى مِثاله.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «رَأَيْتُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ مُمَثَّلَتَيْنِ فِي قِبْلة الجِدار» أَيْ مُصوَّرتين، أَوْ مِثَالِهِمَا.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَا تُمَثِّلُوا بنامِية اللَّهِ» أَيْ لَا تُشَبِّهوا بخَلْقه، وتُصوروا مثل تَصْويره.
وقيل: هو من المُثلة.
(س [هـ] ) وَفِيهِ «أَنَّهُ دَخل عَلَى سَعْد وَفِي الْبَيْتِ مِثَالٌ رَثٌ» أَيْ فِراشٌ خَلَقٌ.
(س [هـ] ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «فاشْترى لِكُلِّ واحدٍ مِنْهُمَا «1» مِثَالين» وَقِيلَ: أَرَادَ نَمَطَيْن، والنَّمطُ: مَا يُفْتَرش مِنْ مَفارِش الصُّوفِ المُلوّنة.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عِكْرِمة «أنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ كَانَ مُسْتَلْقياً عَلَى مُثُلِهِ» هِيَ جَمْعُ مِثَال، وَهُوَ الفِراش.
وَفِي حَدِيثِ المِقْدام «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَلَا إِنِّي أُوتيت الكِتابَ ومِثْلَه مَعَهُ» يَحْتَمِلُ وجْهين مِنَ التَّأْوِيلِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أُوتِيَ مِنَ الْوَحْيِ الْبَاطِنِ غَيْرِ الْمَتْلُوِّ مِثْلَ مَا أُعْطِيَ مِنَ الظَّاهِرِ الْمَتْلُوِّ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ أُوتِيَ الْكِتَابَ وحْياً، وأُوتِيَ مِنَ البَيان مِثلَه: أَيْ أُذِنَ لَهُ أَنْ يُبيِّن مَا فِي الْكِتَابِ، فَيَعُم، ويَخُصّ، ويَزِيد، ويَنْقص، فَيَكُونُ فِي وجُوب العَمل بِهِ ولُزوم قَبوله، كَالظَّاهِرِ المَتْلُوّ مِنَ الْقُرْآنِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ الْمِقْدَادِ «قَالَ لَهُ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن قَتْلتَه كنتَ مثلَه قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كلِمتَه» أَيْ تَكُونُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ إِذَا قتلْتَه، بَعْدَ أَنْ أسْلَم وتَلَفَّظ بِالشَّهَادَةِ، كَمَا كَانَ هُوَ قَبْلَ التَّلفُّظ بالكلِمة مِنْ أَهْلِ النَّارِ، لا أنه يصير كافراً بقَتْله.
__________
(1) في الهروي. واللسان: «منهم» والقصة مبسوطة في اللسان.(4/295)
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: أَنَّكَ مِثله فِي إِبَاحَةِ الدَّم، لِأَنَّ الْكَافِرَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِم مُباحُ الدَّم، فَإِنْ قَتَله أحدٌ بَعْدَ أَنْ أسْلم كَانَ مُباحَ الدَّم بِحَقِّ القِصاص.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ صَاحِبِ النَّسْعة «إِنْ قَتَلْتَه كنتَ مِثلَه» جَاءَ فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ الرَّجُلَ قَالَ: وَاللَّهِ مَا أردتُ قَتْله» فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ قتْلُه إِيَّاهُ، وَأَنَّهُ ظَالِمٌ لَهُ، فَإِنْ صَدَق هو في قوله: إنه لَمْ يُرْد قَتْلَهُ، ثُمَّ قَتَلتَه قِصَاصًا كنتَ ظَالِماً مِثله، لِأَنَّهُ يَكُونُ قَدْ قَتَله خَطَأً.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الزَّكَاةِ «أَمَّا العباسُ، فَإِنَّهَا عَلَيْهِ ومثُلها مَعَهَا» قِيلَ: «1» إِنَّهُ كَانَ أخَّر الصدقةَ عَنْهُ عَامين، فَلِذَلِكَ قَالَ: «ومثْلُها مَعَهَا» .
وَتَأْخِيرُ الصَّدَقَةِ جَائِزٌ لِلْإِمَامِ إِذَا كَانَ بِصَاحِبِهَا حاجةٌ إِلَيْهَا.
وَفِي رِوَايَةٍ «قَالَ: فَإِنَّهَا عليَّ ومثْلُها مَعَهَا» قِيلَ: إِنَّهُ كَانَ اسْتَسلف مِنْهُ صدقةَ عامَين، فَلِذَلِكَ قَالَ: «عليَّ» .
وَفِي حَدِيثِ السَّرِقة «فَعَلَيْهِ غَرامةُ مِثْلَيْه» هَذَا عَلَى سَبِيلِ الوَعيد والتَّغْلِيظ، لَا الوُجوب؛ ليَنْتَهِيَ فاعُله عَنْهُ، وَإِلَّا فَلَا واجبَ عَلَى مُتْلِف الشَّيْءِ أكثرُ مِنْ مِثله.
وَقِيلَ: كَانَ فِي صَدْر الْإِسْلَامِ تَقَعُ الْعُقُوبَاتُ فِي الْأَمْوَالِ، ثُمَّ نُسِخَ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي ضَالَّةِ الْإِبِلِ «غَرامَتُها ومِثْلها مَعَهَا» وأحاديثُ كَثِيرَةٌ نَحْوُهُ، سَبيلها هَذَا السَّبيل مِنَ الوَعيد. وَقَدْ كَانَ عُمر يَحْكُم بِهِ. وَإِلَيْهِ ذَهب أَحْمَدُ، وخالَفه عامَّة الْفُقَهَاءِ.
وَفِيهِ «أَشَدُّ النَّاسِ بَلاءً الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الأَمْثَل فالأمْثَل» أَيِ الأشْرف فالأشْرف، والأعْلَى فَالْأَعْلَى، فِي الرُّتْبة والمَنْزِلة. يُقَالُ: هَذَا أَمْثَلُ مِن هَذَا: أَيْ أَفْضَلُ وأدْنَى إِلَى الْخَيْرِ.
وأَمَاثِل النَّاسِ: خيارُهم.
وَمِنْهُ حَدِيثُ التراوِيح «قَالَ عُمَرُ: لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلَاءِ عَلَى قَارِئٍ واحدٍ لَكَانَ أَمْثَل» أَيْ أوْلَى وأصْوَب.
وَفِيهِ «أَنَّهُ قَالَ بَعد وقَعة بدْرٍ: لَوْ كَانَ أَبُو طَالِبٍ حَيّاً لَرَأَى سُيوفَنا قَدْ بَسأت بالمَياثِل» قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مَعْنَاهُ: اعْتادت واسْتَأنَسَت بالأماثِل.
__________
(1) القائل هو أبو عبيد، كما في الهروي.(4/296)
(مَثَنَ)
(هـ س) فِي حَدِيثُ عَمّار «أَنَّهُ صَلَّى فِي تُبَّان، وَقَالَ: إِنِّي مَمْثُون» هُوَ الَّذِي يَشْتَكي مَثَانَتَه، وَهُوَ العُِضُو الَّذِي يَجْتمع فِيهِ البَوْل داخِل الجَوف، فَإِذَا كَانَ لَا يُمسِك بَوْلَه فَهُوَ أَمْثَن.
بَابُ الْمِيمِ مَعَ الْجِيمِ
(مَجَجَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ أخَذ حُسْوةً مِنْ ماءٍ فَمَجَّهَا فِي بِئْرٍ، فَفَاضَتْ بِالْمَاءِ الرَّواء» أَيْ صَبَّها. وَمِنْهُ، مَجَّ لُعابَه، إِذَا قَذَفَهُ. وَقِيلَ «1» : لَا يَكُونُ مَجّاً حَتَّى يُباعَد بِهِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «قَالَ فِي المَضْمَضة لِلصَّائِمِ: لَا يَمُجُّه، وَلَكِنْ يَشْرَبه، فإنْ أوّلَه خيرُه» أَرَادَ المَضْمضة عِنْدَ الإفْطار: أَيْ لَا يُلْقيه مِنْ فِيهِ فيَذْهَبَ خُلوفُه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَنَسٍ «فَمَجَّهُ فِي فِيهِ» .
وَحَدِيثُ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ «عَقَلْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجَّةً مَجَّها فِي بِئرٍ لَنا» .
(هـ) وَفِيهِ «أَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ الْقِثَّاءَ بالمُجَاج» أى بالعسل؛ لأنّ الّحل تَمُجُّه.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ رَأَى فِي الْكَعْبَةِ صورَةَ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ: مُرُوا المُجَّاج يُمَجْمِجُون عَلَيْهِ» المُجَّاج: جَمْع مَاجّ، وَهُوَ الرجُل الهَرِم الَّذِي يَمُجُّ رِيقَه وَلَا يَسْتَطِيعُ حبْسَه. والمَجْمَجَة:
تغيير الكتاب وإفساده عما كتب. ويقال: مَجْمَجَ فِي خَبَرِهِ: أَيْ لَمْ يَشْفِ. ومَجْمَجَ بِي: رَدَّنِي»
مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ.
وَفِي بَعْضِ الكتُب: «مُروا المَجَّاج» بِفَتْحِ الْمِيمِ: أَيْ مُروا الْكَاتِبَ يُسَوِّدُه. سُمّي بِهِ لِأَنَّ قَلمه يمجّ المداد.
__________
(1) القائل هو خالد بن جنبة. كما ذكر الهروي.
(2) في الأصل، وا: «ردَّدني» والمثبت من نسخة من النهاية برقم 590 حديث، بدار الكتب المصرية. ومن القاموس أيضاً. وجاء في اللسان: «قال شجاع السُّلَميّ: مجمج بي وبجبج، إذا ذهب بك في الكلام مذهباً على غير الاستقامة، وردّك من حال إلى حلل» .(4/297)
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الْحَسَنِ «الأذُنُ مَجَّاجَة وَلِلنَّفْسِ «1» حَمْضة» أَيْ لَا تَعِي كلَّ مَا تَسْمَع، وللنَّفْس شَهْوةٌ فِي اسْتِماع الْعِلْمِ.
(هـ) وَفِيهِ «لَا تَبِعِ العِنَبَ حَتَّى يَظْهَر مَجَجُهُ» أَيْ بُلوغه. مَجَّجَ العِنَبُ يُمَجِّجُ، إِذَا طَابَ وَصَارَ حُلْواً.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الخُدْرِي «لَا يَصْلُح السَّلَفُ فِي العِنَب وَالزَّيْتُونِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ حَتَّى يُمَجِّجَ» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ الدَّجَال «يُعَقِّل الكَرْمُ ثُمَّ يُكَحِّبَ ثُمَّ يُمَجِّجُ» .
(مَجَدَ)
[هـ] فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى «الْمَجِيدُ
، والمَاجِد» المَجْد فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الشَّرَف الْوَاسِعُ. ورجُلٌ مَاجِد: مِفْضال كَثِيرُ الْخَيْرِ شَرِيفٌ. والمَجِيد: فعِيل مِنْهُ لِلْمُبَالَغَةِ.
وَقِيلَ: هُوَ الْكَرِيمُ الفِعَال.
وَقِيلَ: إِذَا قارَن شَرفُ الذَّاتِ حُسْنَ الفِعال سُمِّيَ مَجْداً. وَفَعِيلٌ أبْلَغ مِنْ فاعِل، فكأنَّه يَجْمع مَعْنَى الْجَلِيلِ وَالْوَهَّابِ وَالْكَرِيمِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «ناوِلِيني المَجِيد» أَيِ المُصْحَف، هُوَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: «بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ «مَجَّدَنِي عَبْدِي» أَيْ شَرَّفَني وعَظَّمَني.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «أَمَّا نَحْنُ بَنُو هَاشِمٍ فَأَنْجَادٌ أَمْجَاد» أَيْ أشْرافٌ «2» كِرام، جَمْعُ مَجِيد، أَوْ مَاجِد، كَأَشْهَادٍ فِي شَهِيدٍ أَوْ «3» شَاهِدٍ. وَقَدْ تَكَرَّرَتْ هَذِهِ اللفَّظْة وَمَا تَصَرّف مِنْهَا فِي الْحَدِيثِ.
(مَجَرَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ نَهَى عَنِ المَجْر» أَيْ بَيْعِ المَجْر، وَهُوَ مَا فِي البُطون، كنَهْيه عَنِ المَلاقيح.
__________
(1) في الهروي: «والنفْس» .
(2) في ا، واللسان: «شِرافٌ» والمثبت في الأصل.
(3) في الأصل: «وشاهد» والمثبت من ا، واللسان.(4/298)
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سُميّ «1» بيعُ المَجْر مَجْراً اتِّسَاعًا وَمجازاً، وَكَانَ مِنْ بِياعات الْجَاهِلِيَّةِ. يُقَالُ:
أَمْجَرْت إِمْجَاراً، ومَاجَرْت مُمَاجَرَة. وَلَا يُقَالُ لِما فِي الْبَطْنِ مَجْرٌ، إلاَّ إِذَا أثْقَلَت الحامِل، فالمَجْر: اسْمٌ للحَمْل الَّذِي فِي بَطْنِ النَّاقَةِ. وحَمْل الَّذِي فِي بطنِها: حَبَلُ الحَبَلَة، وَالثَّالِثُ: الغَمِيس.
قَالَ القُتَيْبي: هُوَ المَجَر، بِفَتْحِ الْجِيمِ. وَقَدْ أُخِذَ عَلَيْهِ؛ لأنَّ المَجَرَ داءٌ فِي الشَّاءِ، وَهُوَ أَنْ يَعْظُمَ «2» بَطْنُ الشَّاةِ الحامِل فتَهْزُل، وَرُبَّمَا رمَت بولَدِها. وَقَدْ مَجَرْت وأَمْجَرْت.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «كُلُّ مَجْرٍ حَرام» قَالَ الشَّاعِرُ:
أَلَمْ تَكُ مَجْراً «3» لَا تَحِلُّ لمُسْلمٍ ... نهاهُ أمِيرُ المِصْرِ عَنْهُ وعامِلُهُ
(هـ) وَفِي «4» حَدِيثِ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «فيَلْتَفت إِلَى أَبِيهِ وَقَدْ مَسَخَه اللَّهُ ضِبْعاناً أَمْجَرَ» الأَمْجَر: الْعَظِيمُ البَطْنِ المَهْزُول الجِسم.
(س) وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «الحَسنة بعشْر أمْثالِها، والصَّوم لِي وَأَنَا أجْزي بِهِ، يذَرُ طَعامَه وشَرابه مِجْرَايَ» أَيْ مِنْ أجْلي.
وأصلُه: مِنْ جَرَّايَ، فَحَذَفَ النُّونَ وخفَّف الْكَلِمَةَ. وَكَثِيرًا مَا يَرِدُ هَذَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
(مَجَسَ)
(س) فِيهِ «القَدَرِيَّة مَجُوس هَذِهِ الأُمَّة» قِيلَ: إِنَّمَا جَعَلَهم مَجُوساً؛ لِمُضاهاة مَذْهَبهم مذهبَ المَجُوس، فِي قَوْلِهِمْ بالأصْلَين، وَهُمَا النُّورُ والظُّلْمة، يَزْعُمون أنَّ الْخَيْرَ مِنْ فِعْل النُّورِ، والشرَّ مِنْ فعِل الظَّلْمة. وَكَذَا القَدَرِية يُضِيفون الْخَيْرَ إِلَى اللَّهِ، والشرَّ إِلَى الْإِنْسَانِ والشيطانِ.
وَاللَّهُ تَعَالَى خَالِقُهُمَا مَعًا. لَا يَكُونُ شيءٌ مِنْهُمَا إلاَّ بمَشِيئتِه، فَهُمَا مُضَافَانِ إِلَيْهِ، خَلْقاً وَإِيجَادًا، وَإِلَى الفاعِلين لَهُمَا، عَمَلاً واكْتِساباً.
(مَجَعَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ «دَخل عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ المَلِك فمازَحَه بكلمة،
__________
(1) في ا: «قد سمَّى» .
(2) في الأصل، وا: «تعظم» والمثبت من الأساس، واللسان. قال في (بطن) : «البطن مذكَّر. وحكى أبو عبيدة أن تأنيثه لغة» .
(3) في الفائق 3/ 8: «يكُ ... لا يحلُّ» .
(4) في الأصل: «ومنه» والمثبت من: ا، واللسان.(4/299)
فَقَالَ: إيَّايَ وكلامَ المِجَعَة» هِيَ جَمْع: مِجْع، وَهُوَ الرجُل الْجَاهِلُ. وَقِيلَ: الأحْمَق، كقِردٍ وقِرَدَة.
ورجُلٌ مِجْعٌ، وامرأةٌ مِجْعَةٌ.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ «1» : لَوْ رُوي بِالسُّكُونِ لَكَانَ المرادُ: إيَّاي وكلامَ الْمَرْأَةِ الغَزِلة، أَوْ تَكُونُ التَّاءُ لِلْمُبَالَغَةِ. يُقَالُ: مَجَعَ «2» الرجُل يَمْجُعُ مَجَاعَةً، إِذَا تَماجَن ورَفَث فِي الْقَوْلِ.
ويُرْوَى «إيَّاي وكلامَ المَجَاعَة» أَيِ التَّصْرِيحَ بالرَّفَث.
وَمَعْنَى إيَّاي وَكَذَا: أَيْ نَحِّنِي عَنْهُ وجَنَّبْني.
(س) وَفِي حَدِيثِ بَعْضِهِمْ «دَخَلْتُ عَلَى رجلٍ وَهُوَ يَتَمَجَّعُ» التَّمَجُّع والمَجْعُ: أكْلُ التَّمر بِاللَّبَنِ، وَهُوَ أَنْ يَحْسُوَ حُسْوةً مِنَ اللَّبَنِ، وَيَأْكُلَ عَلَى أثَرِها تَمْرة.
(مَجَلَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّ جِبْرِيلَ نَقَر رَأْسَ رَجُلٍ مِنَ المُسْتَهْزِئين، فَتَمَجَّلَ رأسهُ قَيْحاً ودَماً» أَيِ امْتَلأ. يُقَالُ: مَجَلَتْ يدُه تَمْجُلُ مَجْلًا، ومَجَلَتْ تَمْجَلُ مَجَلًا، إِذَا ثَخُن جِلْدُها وتَعَجَّر، وظَهر فِيهَا مَا يَشْبِه البَثْر، مِنَ الْعَمَلِ بِالْأَشْيَاءِ الصُّلْبَة الخَشِنة.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ فَاطِمَةَ «أَنَّهَا شَكَت إِلَى عليٍّ مَجْلَ يديْها مِنَ الطَّحْن» .
وَحَدِيثُ حُذَيْفَةَ «فيَظَلّ أثَرُها مِثْلَ أثَر المَجْل» .
(س) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ واقِد «كُنَّا نَتَماقَلُ فِي مَاجِل أَوْ صِهْريج» المَاجِل: الْمَاءُ الْكَثِيرُ المُجْتَمِع.
قَالَهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ بِكَسْرِ الْجِيمِ، غَيْرَ مَهْمُوزٍ.
وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: هُوَ بِالْفَتْحِ وَالْهَمْزِ.
وَقِيلَ: إِنَّ مِيمَه زَائِدَةٌ، وَهُوَ مِنْ بَابِ: أجَل.
وَقِيلَ: هُوَ مُعَرَّبٌ.
وَالتَّمَاقُلُ: التَّغَاوُصُ فِي الْمَاءِ.
وَفِي حَدِيثِ سُوَيد بْنِ الصامِت «مَعي مَجَلَّة لُقْمان» أَيْ كتابٌ فِيهِ حِكْمة لُقمان. وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ. وَقَدْ تقدّم في حرف الجيم.
__________
(1) انظر الفائق 3/ 10.
(2) ككَرُم، ومنَعَ. كما في القاموس.(4/300)
(مَجَنَ) قَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ «المِجَنِّ والمَجَانّ» «1» وَهُوَ التُّرْس والتِّرَسَة. وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ لِأَنَّهُ مِنَ الجُنَّة: السُّتْرة. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْجِيمِ.
وَفِي حَدِيثِ بِلَالٍ:
وَهَلْ أرِدْنَ يَوْمًا مِياَهَ مَجَنَّةٍ ... وَهَلْ يَبْدُوَنْ لِي شامةٌ وطَفِيلُ
مَِجَنَّةٍ: مَوْضِعٌ بِأَسْفَلِ مَكَّةَ عَلَى أَمْيَالٍ. وَكَانَ يُقَامُ بها للحرب سُوقٌ.
وَبَعْضُهُمْ يَكْسِرُ مِيمَهَا، وَالْفَتْحُ أَكْثَرُ. وَهِيَ زَائِدَةٌ. وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرها فِي الْحَدِيثِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «مَا شَبَّهْتُ وقْعَ السُّيوف عَلَى الْهَامِ إِلَّا بِوَقْعِ الْبَيَازِرِ عَلَى الْمَوَاجِنِ» جَمْعُ مِيجَنَة، وَهِيَ المِدَقّة. يُقَالُ: وجَن القَصَّارُ الثوبَ يَجِنُه وجْناً، إِذَا دَقَّه. وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ. وَهِيَ مِفْعَلَةٌ، بِالْكَسْرِ مِنْهُ.
بَابُ الْمِيمِ مَعَ الْحَاءِ
(مَحَجَ)
- قَدْ تَكَرَّرَ فِيهِ ذِكْرُ «المَحَجّة» وَهِيَ جَادَّةُ الطَّرِيقِ، مَفْعَلة، مِنَ الحَجّ: القَصْد.
وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ، وجَمْعُها: المَحَاجّ، بِتَشْدِيدِ الْجِيمِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «ظَهَرت مَعالِمُ الجَوْر، وتُرِكَت مَحَاجّ السُّنَن» .
(مَحَحَ)
(هـ) فِيهِ «فلَن تَأتِيَك حُجَّة إلاَّ دحضَت، وَلَا كِتابُ زُخْرُفٍ إلاَّ ذَهَب نورُه ومَحَّ لَوْنُه» مَحَّ الكتابُ وأَمَحَّ: أَيْ دَرَسَ. وثَوْبٌ مَحٌّ: خَلَقٌ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ المُتْعة «وثَوْبِي مَحٌّ» أَيْ خَلَقٌ بالٍ.
(مَحَزَ)
(هـ) فِيهِ «فَلَمْ نَزَل مُفْطِرِينَ حَتَّى بَلَغْنَا مَاحُوزَنَا» قِيلَ «2» : هُوَ مَوْضِعُهُمُ الَّذِي أَرَادُوهُ. وَأَهْلُ الشَّامِ يُسَمُّون المكانَ الَّذِي بيِنَهم وَبِهِ الْعَدُوُّ وفيه أساميهم ومكاتبهم: مَاحُوزا «3» .
__________
(1) ضبط في الأصل، واللسان: «المِجان» بكسر الميم. وضبطته بالفتح من: ا. قال في المصباح (جنن) : «والجمع المجانّ، وزان دوابّ» .
(2) القائل هو شَمِر، كما في المعَّرب ص 323.
(3) زاد في المعَرب: «والمَكاتب: مواضع الكتيبة» .(4/301)
وَقِيلَ: هُوَ مِنْ حُزْت الشَّيْءَ، أَيْ: أحْرَزْته. وَتَكُونُ الْمِيمُ زَائِدَةً.
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: لَوْ كَانَ مِنْهُ لَقِيل: محازُنا، ومَحُوزُنا. وأحْسَبُه بلُغةٍ غَيْرِ عربِيّةً.
(مُحَسِّرٌ)
- قَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ «مُحَسِّر» فِي الْحَدِيثِ، وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِ السِّينِ المُشَدّدة: وادٍ بَيْنَ عَرفات ومِنىً.
(مَحَشَ)
[هـ] فِيهِ «يَخرُجُ قومٌ مِنَ النَّارِ قَدِ امْتَحَشُوا» أَيِ احْتَرقوا. والمَحْش:
احْتِراق الجِلْد وظُهور العَظْم.
ويُروى «امْتُحِشُوا «1» » لِمَا لَمْ يُسَمَّ فاعُله. وَقَدْ مَحَشَتْهُ النارُ تَمْحَشُهُ مَحْشاً.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «أتَوضَّأ مِنْ طَعامٍ أجِدُه حَلَالًا؛ لِأَنَّهُ مَحَشَتْهُ النَّارُ!» قَالَهُ مُنْكِراً عَلَى مَن يوجِب الوُضوء ممَّا مَسَّته النَّارُ. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(مَحَصَ)
(س) فِي حَدِيثِ الْكُسُوفِ «فَرَغ مِنَ الصَّلَاةِ وَقَدْ أَمْحَصَتِ الشَّمْسُ» أَيْ ظَهَرت مِنَ الْكُسُوفِ وانْجَلَت.
ويُروى «امَّحَصَتْ» عَلَى المُطاوَعة، وَهُوَ قَلِيلٌ فِي الرُّباعي. وَأَصْلُ المَحْص: التخليصُ. وَمِنْهُ تَمْحِيص الذُّنُوبِ، أَيْ إزالَتُها.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ وذَكَر فِتْنَة فَقَالَ: «يُمْحَصُ «2» الناسُ فِيهَا كَمَا يُمْحَصُ ذَهبُ المَعْدِن» أَيْ يُخَلَّصون بعضُهم مِنْ بَعْضٍ، كَمَا يُخَلَّص ذَهبُ المَعْدِن مِنَ التُّرَابِ.
وَقِيلَ: يُخْتَبَرون كَمَا يُخْتَبر الذَّهَبُ؛ لِتُعْرَفَ جَوْدَتُه مِنْ رَداءتِه.
(مَحَضَ)
- فِي حَدِيثِ الوَسْوسة «ذَلِكَ مَحْض الْإِيمَانِ» أَيْ خالِصُه وضريحه.
وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى الْحَدِيثِ فِي حَرْفِ الصَّادِ.
والمَحْض: الخالصُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «لمَّا طُعِن شَرِب لبَناً فَخَرَجَ مَحْضاً» أَيْ خَالِصًا عَلَى جِهته لَمْ يَخْتلِط بِشَيْءٍ. والمَحْض فِي اللُّغَةِ: اللَّبَنُ الخالصُ، غَيْرُ مَشُوب بِشَيْءٍ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «بارِك لَهُمْ فِي مَحْضِهَا ومَخْضِها» أي الخالص والمَمْخوض.
__________
(1) وهي رواية الهروي.
(2) في الهروي: «يُمحَّص ... كما يُمحَّص» .(4/302)
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ الزَّكَاةِ «فأْعمِد إِلَى شاةٍ مُمْتَلِئَةٍ شَحْماً ومَحْضاً» أَيْ سَمِينَةً كَثِيرَةَ اللَّبَنِ.
وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ بِمَعْنَى اللَّبَنِ مُطْلَقًا.
(مَحَقَ)
- فِي حَدِيثِ الْبَيْعِ «الحَلِف مَنْفَقةٌ للسِّلْعة مَمْحَقَة للبَرَكة» .
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «فَإِنَّهُ يُنَفِّق ثُمَّ يَمْحَقُ» المَحْق: النَقْص والمَحْو والإبْطال. وَقَدْ مَحَقَه يَمْحَقُهُ. ومَمْحَقَة: مَفْعَلة مِنْهُ: أَيْ مَظِنَّة لَهُ ومَحْراةٌ بِهِ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «مَا مَحَقَ الإسلامُ شَيْئًا مَا مَحَقَ الشُّحَّ» وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(مَحَكَ)
- فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «لَا تَضِيق بِهِ الْأُمُورُ، وَلَا تَمْحَكُهُ الخُصوم» المَحْك:
اللَّجاج، وَقَدْ مَحَكَ يَمْحَكُ، وأَمْحَكَهُ غَيْرَهُ.
(مَحَلَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ يَقُولُ: لسْتُ هُناكُم، أَنَا الَّذِي كذَبْتُ ثَلَاثَ كَذَبات، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَاللَّهِ مَا فِيهَا كَذْبةٌ إِلَّا وَهُوَ يُمَاحِل بِهَا عَنِ الْإِسْلَامِ» أَيْ يُدَافِع ويُجادل، مِنَ المِحَال، بِالْكَسْرِ، وَهُوَ الكَيْد. وَقِيلَ: المكْر. وَقِيلَ:
الْقُوَّةُ وَالشِّدَّةُ.
ومِيمُه أصلِيَّة. ورجلٌ مَحِلٌ: أَيْ ذُو كَيْد.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ «الْقُرْآنُ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ، ومَاحِل مُصَدَّق» أَيْ خَصْمٌ مجادَل مصدَّق.
وَقِيلَ: ساعٍ مُصدَّق، مِنْ قَوْلِهِمْ: مَحَلَ بفُلان، إِذَا سَعَى بِهِ إِلَى السُّلْطَانِ.
يَعْنِي أنَّ مَنِ اتَّبَعه وعَمِل بِمَا فِيهِ فَإِنَّهُ شافِعٌ لَهُ مَقْبول الشَّفاعة، ومصدَّق عَلَيْهِ فِيمَا يُرْفَع مِن مَساوِيه إِذَا تَرك العَملَ بِهِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الدُّعَاءِ «لَا تَجْعله مَاحِلًا مصدَّقاً» .
وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ «لَا يُنْقَض عهدُهم عَنْ شِيَةِ مَاحِل» أَيْ عَنْ وَشْي واشٍ، وسِعاية ساعٍ.
ويُروى «عَنْ سُنَّة مَاحِل» بِالنُّونِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ.
وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ:(4/303)
لَا يَغْلِبَنَّ صَلِيبُهْم ... ومِحالُهم غَدْواً مِحالَكْ
أَيْ كَيْدَك وقوتكَ.
(هـ) وَفِي حَدِيثُ عَلِيٍّ «إنَّ مِن ورائِكم أُمُوراً مُتَمَاحِلَة» أَيْ فِتنَاً طَوِيلَةَ المُدّة. والمُتَمَاحِل مِنَ الرِّجَالِ: الطَّوِيلُ.
(س) وَفِيهِ «أَمَا مَرَرْتَ بوادِي أَهْلِكَ مَحْلًا؟» أَيْ جَدْباً. والمَحْل فِي الْأَصْلِ: انقِطاع المَطَر. وأَمْحَلَتِ الأرضُ والقومُ. وأرضٌ مَحْلٌ، وزَمَنٌ مَحْلٌ ومَاحِلٌ.
(س) وَفِيهِ «حَرَّمْت شجرَ الْمَدِينَةِ إلاَّ مَسَدَ مَحَالَة» المَحَالَة: البَكَرة الْعَظِيمَةُ الَّتِي يُسْتَقَي عَلَيْهَا. وَكَثِيرًا مَا يَسْتعمِلها السَّفارة عَلَى البِئار العَميقة.
وَفِي حَدِيثِ قُسّ:
أيْقَنْتُ أنِّي لَا مَحَا ... لةَ حَيْثُ صَارَ القومُ صائِرُ
أَيْ لَا حِيلة، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الحَوْل: القوَّة والحَركة. وَهِيَ مَفْعَلة مِنْهُمَا.
وَأَكْثَرُ مَا يُستعمل «لَا محالة» بمعنى اليقين والحقيقة، أو بمعنى لابدّ. وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ.
(س) وَفِي حَدِيثِ الشَعْبيِّ «إِنْ حَوّلْناها عَنْكَ بِمحْوَل» المِحْوَل بِالْكَسْرِ:
آلَةُ التَّحْوِيلِ.
ويُرْوَى بِالْفَتْحِ، وَهُوَ مَوْضِعُ التَّحْوِيلِ. وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ.
(مَحَنَ)
[هـ] فِيهِ «فَذَلِكَ الشهيدُ المُمْتَحَن» هُوَ «1» المُصَفَّى المُهَذَّب. مَحَنْتُ الفِضة، إِذَا صَفَّيْتَها، وخَلَّصْتَها بِالنَّارِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ الشَّعْبيّ «المِحْنَة بِدْعة» هِيَ أَنْ يأخُذَ السُّلْطَانُ الرَّجُلَ فيَمْتَحِنَه، وَيَقُولُ:
فَعَلْتَ كَذَا وَفَعَلْتَ كَذَا، فَلَا يَزال بِهِ حَتَّى يَسْقطَ وَيَقُولَ مَا لَمْ يَفْعَله، أَوْ مَا لَا يَجُوزُ قَوْلُهُ، يَعْنِي أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ بِدْعة.
(مُحَنِّبٌ)
- فِيهِ ذِكْرُ «مُحَنِّب» هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ الْمَكْسُورَةِ وَبَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدة: بِئْرٌ أَوْ أرضٌ بِالْمَدِينَةِ.
__________
(1) هذا شرح شَمِر، كما في الهروي.(4/304)
(مَحَا)
[هـ] فِي أَسْمَاءِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ «المَاحِي» أَيِ الَّذِي يَمْحُو الْكُفْرَ، وَيُعَفِّي آثارَه.
بَابُ الْمِيمِ مَعَ الْخَاءِ
(مَخَخَ)
- فِيهِ «الدُّعاء مُخُّ الْعِبَادَةِ» مُخُّ الشَّيْءِ: خالصُه. وَإِنَّمَا كَانَ مُخَّها لأمرين:
أحدُهما: أنه امْتِثال أمْرِ اللَّهِ تَعَالَى حَيْثُ قَالَ: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ فَهُوَ مَحْضُ الْعِبَادَةِ وخالصُها.
الثَّانِي: أَنَّهُ إِذَا رَأَى نَجَاحَ الْأُمُورِ مِنَ اللَّهِ قَطَع أمَلَه عَمَّا سِواه، ودَعاه لِحَاجَتِهِ وحدَه. وَهَذَا هُوَ أَصْلُ الْعِبَادَةِ، وَلِأَنَّ الغرضَ مِنَ الْعِبَادَةِ الثوابُ عَلَيْهَا، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ بِالدُّعَاءِ.
وَفِي حَدِيثِ أُمِّ مَعْبَدٍ فِي رِوَايَةٍ «فَجَاءَ يَسُوقُ أَعْنُزًا عِجافاً، مِخَاخُهُنَّ قَلِيلٌ» المِخَاخ: جَمْع مُخّ، مِثُل حُبٍّ «1» وحِباب، وكُمّ وكِمام.
وَإِنَّمَا لَمْ يَقُل «قَلِيلَةٌ» لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ مِخاخَهنّ شيءٌ قَلِيلٌ.
(مَخَرَ)
(هـ) فِيهِ «إِذَا بَالَ أحدُكم فَلْيَتَمَخَّرِ الرِّيح» أي يَنْظُر أَيْنَ مَجْراها، فَلَا يَستقبلها لِئَلَّا تُرَشِّش عَلَيْهِ بَوْلَه.
والمَخْر فِي الْأَصْلِ: الشَّقّ. يُقَالُ: مَخَرَتِ السفينةُ الْمَاءَ، إِذَا شَقَّته بصدْرِها وجَرت. ومَخَرَ الْأَرْضَ، إِذَا شَقها للزِراعة.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ سُراقة «إِذَا أتَى أحدُكم الغائطَ فلْيَفعل كَذَا وَكَذَا، واسْتَمْخِرُوا الرِّيح» أَيِ اجْعلوا ظُهورَكم إِلَى الرِّيحِ عِنْدَ الْبَوْلِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا وَلاَّها ظَهْرَه أخَذَت عَنْ يَمِينِهِ ويَساره، فَكَأَنَّهُ قَدْ شَقَّها بِهِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ «قَالَ لِنَافِعِ بْنِ جُبَير: مِن أيْن؟ قَالَ: خرجْت أَتَمَخَّرُ الرِّيحَ» كَأَنَّهُ أَرَادَ: أسْتَنْشِقها.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَتَمْخُرَنَّ الرُّومُ الشامَ أَرْبَعِينَ صَباحاً» أَرَادَ أَنَّهَا تَدْخل الشَّامَ وتَخوضُه، وتَجوسُ خِلالَه، وتَتمكَّن مِنْهُ، فشَبَّهَه بِمَخْر السفينةِ البحرَ.
__________
(1) انظر حاشية ص 104 من هذا الجزء.(4/305)
[هـ] وَفِي حَدِيثِ زِياد «لَمَّا قدِم البَصرَة والِياً عَلَيْهَا، قَالَ: مَا هَذِهِ المَوَاخِير؟ الشرابُ عَلَيْهِ حَرامٌ حَتَّى تُسوَّى بِالْأَرْضِ، هَدْماً وحَرْقاً» هِيَ جَمْعُ مَاخُور، وَهُوَ مجلِس «1» الرِّيبة، ومَجْمَع أَهْلِ الفِسْق وَالْفَسَادِ، وَبُيُوتُ الخمَّارين، وَهُوَ تَعْريب: ميْخور.
وَقِيلَ: هُوَ عربِيٌّ، لِتَرَدُّد النَّاسِ إِلَيْهِ، مِنْ مَخْرِ السفينةِ الماءَ.
(مَخَشَ)
- فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِخَشّا» هُوَ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَأْكُلُ مَعَهُمْ وَيَتَحَدَّثُ. وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ.
(مَخَضَ)
(س) فِي حَدِيثِ الزَّكَاةِ «فِي خمسٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الْإِبِلِ بنتُ مَخَاض» المَخَاض:
اسْمٌ للنُّوق الحَوامِل، وَاحِدَتُهَا خَلِفَة. وَبِنْتُ الْمَخَاضِ وَابْنُ الْمَخَاضِ: مَا دَخل فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، لأنَّ أمَّه قَدْ لَحِقَت بِالْمَخَاضِ: أَيِ الحَوامِل، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَامِلًا.
وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي حَمَلَتْ أُمُّهُ، أَوْ حَمَلَتِ الْإِبِلُ الَّتِي فِيهَا أمُّه، وَإِنْ لَمْ تَحْمِل هِيَ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى ابْنِ مخَاض وَبِنْتِ مَخَاضٍ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَكُونُ ابْنَ نُوق، وَإِنَّمَا يَكُونُ ابْنَ نَاقَة وَاحِدَةٍ. وَالْمُرَادُ أَنْ تَكُونَ وضَعَتْها أمُّها فِي وقتِ مَا، وَقَدْ حَمَلَتِ النُّوقُ الَّتِي وضَعْن مَعَ أُمِّهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أمُّها حامِلاً، فَنَسبها إِلَى الجَماعة بحُكم مُجاوَرَتها أمَّها.
وَإِنَّمَا سُمّي ابنَ مخاضٍ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ إِنَّمَا كَانَتْ تَحْمِل الفُحول عَلَى الْإِنَاثِ بَعْدَ وَضْعِها بسَنَةٍ لِيَشْتَدّ وَلَدُها، فَهِيَ تَحْمِل فِي السَّنة الثَّانِيَةِ وتَمْخَض، فَيَكُونُ وَلَدُها ابنَ مَخَاضٍ. وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكرها فِي الْحَدِيثِ.
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «دَعِ المَاخِض والرُّبَّي» هِيَ الَّتِي أخَذَها المَخَاض لتَضَع. والمَخَاض: الطَّلْق عِنْدَ الوِلادة. يُقَالُ: مَخَضَتِ الشاةُ مَخْضاً ومَخَاضاً ومِخَاضاً، إِذَا دَنا نِتاجُها.
(س) وَفِي حَدِيثِ عُثْمَانَ «أَنَّ امْرَأَةً زارَت أَهْلَهَا فَمَخَضَتْ عِنْدَهُمْ» أَيْ تَحرّك الولدُ فِي بَطْنِهَا لِلْوِلَادَةِ، فضَربَها المخاضُ. وَقَدْ تَكَرَّرَ أَيْضًا فِي الْحَدِيثِ.
وَفِي حَدِيثِ الزَّكَاةِ فِي رِوَايَةٍ «فأعْمِد إِلَى شاةٍ مُمتلئِة مَخَاضاً وشَحْماً» أَيْ نِتاجاً.
وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ المخاضَ الَّذِي هُوَ دُنُوّ الوِلادة. أَيْ أنها امْتَلأت حَمْلاً وسِمَناً.
__________
(1) في الهروي: «أهل الرّيبة» .(4/306)
وَفِيهِ «بارِك لَهُمْ فِي مَحْضِها ومَخْضِهَا» أَيْ مَا مُخِضَ مِنَ اللَّبَنِ وأُخِذ زُبْدُه. وَيُسَمَّى مَخِيضاً أَيْضًا.
والمَخَض: تَحْرِيكُ السِّقاء الَّذِي فِيهِ اللَّبَنُ، لِيَخْرُجَ زُبْدُه.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ مرّ عليه بحنازة تُمْخَضُ مَخْضاً» أَيْ تُحَرَّك تَحْرِيكًا سَرِيعًا.
(مَخَنَ)
- فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، تَمثَّلَت بشِعْر لَبيد:
يَتحدّثون مَخَانة ومَلاذّة «1»
المَخَانة: مصدَرٌ مِنَ الخِيانة، وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ.
وَذَكَرَهُ أَبُو مُوسَى فِي الْجِيمِ، مِنَ الْمُجُونِ، فَتَكُونُ الْمِيمُ أَصْلِيَّةً.
بَابُ الْمِيمِ مَعَ الدال
(مدج)
(هـ س) فِيهِ ذِكْرُ «مُدَجِّج» بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ الْمَكْسُورَةِ: وادٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، لَهُ ذِكْر فِي حَدِيثِ الْهِجْرَةِ.
(مَدَدَ)
(هـ س) فِيهِ «سُبحان اللهِ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ» أَيْ مِثْلَ عَدَدِهَا. وَقِيلَ: قَدْر مَا يُوازِيها فِي الْكَثْرَةِ، عِيَار كيْل، أَوْ وَزْن، أَوْ عَدَدٍ، أَوْ مَا أشْبَهه مِنْ وجُوه الحَصْر وَالتَّقْدِيرِ.
وَهَذَا تَمثيل يُراد بِهِ التَّقريب، لِأَنَّ الكلامَ لَا يَدْخل فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ، وَإِنَّمَا يَدْخل فِي الْعَدَدِ.
والمِدَاد: مَصْدَرٌ كالمَدَدِ. يُقَالُ: مَدَدْتُ الشيءَ مَدّاً ومِدَاداً، وَهُوَ مَا يُكَثَّر بِهِ ويُزاد.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحَوْضِ «يَنْبَعِث فِيهِ مِيزابان، مِدَادُهُمَا أنْهار الْجَنَّةِ» أَيْ يَمُدّهُما أنهارُها.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «هُمْ أَصْلُ الْعَرَبِ ومَادَّة الإسلام» أى الذين يعينونهم ويكثّرون
__________
(1) البيت في شرح ديوان لبيد ص 157. وهو فيه:
يتأكَّلُون مَغالةً وخيانةً ... ويُعابُ قائلُهم وإن لم يَشْغَبِ
وقد سبق إنشاد المصنِّف له فى (خون) .(4/307)
جُيوشَهم، ويُتَقوّى بِزَكَاةِ أَمْوَالِهِمْ. وكلُّ مَا أعَنْت بِهِ قَوْمًا فِي حَرْب أَوْ غَيْرِهِ «1» فَهُوَ مَادَّةٌ لَهُمْ.
(س) وَفِيهِ «إِنَّ المؤذِّن يُغْفَر لَهُ مَدَّ صَوْته» المَدُّ: القَدْرُ، يُرِيدُ بِهِ قَدْر الذُّنُوبِ: أَيْ يُغْفَر لَهُ ذَلِكَ إِلَى مُنْتَهى مَدّ صَوْته، وَهُوَ تَمْثِيلٌ لسَعَة المَغْفِرة، كَقَوْلِهِ الْآخَرِ «لَوْ لَقِيتَني بِقُراب الأرضِ خَطايا لَقِيتُك بِهَا مَغْفِرَةً» .
ويُروى «مَدَى صَوْتِهِ» وَسَيَجِيءُ.
(س) وَفِي حَدِيثِ فَضْلِ الصَّحَابَةِ «مَا أدْرَك مُدّ أحدِهم وَلَا نَصِيفَه» المُدّ فِي الْأَصْلِ: ربُع الصَّاعِ، وَإِنَّمَا قَدّرَه بِهِ؛ لِأَنَّهُ أقَلّ مَا كَانُوا يَتَصدّقون بِهِ فِي الْعَادَةِ.
ويُروى بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَهُوَ الْغَايَةُ.
وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ «المُدّ» بِالضَّمِّ فِي الْحَدِيثِ، وَهُوَ رِطْلٌ وثُلُث بِالْعِرَاقِيِّ، عِنْدَ الشافعيِّ وأهلِ الْحِجَازِ، وَهُوَ رِطلان عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وأهلِ العِراق.
وَقِيلَ: إِنَّ أصلَ المُدّ مُقدَّرٌ بِأَنْ يَمُدّ الرَّجُلَ يَدَيْهِ فيَملأ كَفّيه طَعَامًا.
وَفِي حَدِيثِ الرَّمْي «مَنْبِلُه والمُمِدّ بِهِ» أَيِ الَّذِي يَقُومُ عِنْدَ الرَّامِي فيُناوله سَهْماً بَعْدَ سَهْمٍ، أَوْ يَرُدّ عَلَيْهِ النَّبْلَ مِنَ الهَدَف. يُقَالُ: أَمَدَّهُ يُمِدُّهُ فَهُوَ مُمِدّ.
(س) وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «قَائِلُ كَلِمة الزُّور وَالَّذِي يَمُدُّ بحَبْلها فِي الْإِثْمِ سَواءٌ» مَثَّل قَائِلَهَا بِالْمَائِحِ الَّذِي يَمْلأ الدَّلوَ فِي أسْفل الْبِئْرِ، وحاكِيها بِالْمَاتِحِ الَّذِي يَجْذِب الْحَبْلَ على رأس البئر ويَمُدّه، ولهذا يقال: الرواية «2» أحدُ الكاذِبَيْن.
وَفِي حَدِيثِ أُويس «كَانَ عُمر إِذَا أَتَى أَمْدَاد أهلِ الْيَمَنِ سَأَلَهُمْ: أفِيكُم أويس ابن عَامِرٍ؟» الأَمْدَاد: جَمْعُ مَدَد، وَهُمُ الْأَعْوَانُ والأنْصار الَّذِينَ كَانُوا يَمُدّون الْمُسْلِمِينَ فِي الْجِهَادِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَوف بْنِ مَالِكٍ «خَرجْت مَعَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ فِي غَزْوة مُؤتة، ورافَقَني مَدَدِيّ من اليمن» هو منسوب إلى المَدَد.
__________
(1) هكذا بضمير المذكر في الأصل، وا، واللسان. والحرب لفظها أنثى، وقد تذكّر ذهاباً إلى معنى القتال. قاله في المصباح.
(2) في الأصل: «الرواية» والتصحيح من: أ، واللسان.(4/308)
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُثْمَانَ «قَالَ لِبَعْضِ عُمَّالِه: بَلَغَنِي أَنَّكَ تَزوّجت امْرَأَةً مَدِيدَة» أَيْ طَوِيلَةً.
وَفِيهِ «المُدَّة الَّتِي مَادَّ فِيهَا رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا سُفيان» المُدَّة: طَائِفَةٌ مِنَ الزَّمَانِ، تقَع عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ. ومَادٌّ فِيهَا: أَيْ أطالَها، وَهِيَ فاعَل، مِنَ المَدّ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِنْ شَاءُوا مَادَدْنَاهُمْ» .
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «وأَمَدُّهَا خَواصِرَ» أَيْ أوْسَعها وأتَمها.
(مَدَرَ)
- فِيهِ «أحَبُّ إليَّ مِنْ أَنْ يكونَ لِي أهلُ الوَبَر والمَدَر» يُرِيدُ بِأَهْلِ المَدَر:
أهلَ القُرَى وَالْأَمْصَارِ، وَاحِدَتُهَا: مَدَرَة.
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي ذَر «أَمَا إِنَّ العُمْرة مِنْ مَدَرِكُمْ» أَيْ مِنْ بَلدكم، ومَدَرَةُ الرَّجُلِ: بَلدَته.
يَقُولُ: مَنْ «1» أَرَادَ العُمرة ابْتَدأ لَهَا سَفَراً جَدِيدًا مِنْ مَنْزله، غَيْرَ سفرِ الْحَجِّ. وَهَذَا عَلَى الفَضِيلة لَا الوُجوب.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ جَابِرٍ «فَانْطَلَقَ هُوَ وجبَّار بْنُ صَخْر، فنَزَعا فِي الحَوض سَجْلاً أَوْ سَجْلَين ثُمَّ مَدَرَاه» أَيْ طَيَّناه وأصْلَحاه بالمَدَر، وَهُوَ الطِّين المُتَماسِك؛ لِئَلَّا يَخْرُجَ مِنْهُ الْمَاءُ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمر وَطَلْحَةَ، فِي الإحْرام «إِنَّمَا هُوَ مَدَرٌ» أَيْ مَصْبوغ بالمَدرِ. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «يَلْتفِت إِلَى أَبِيهِ فَإِذَا هُوَ ضِبْعانٌ «2» أَمْدَر» هُوَ المنْتَفِخ الجْنَبين العظيمُ الْبَطْنِ.
وَقِيلَ: الَّذِي تَتَرَّب جَنْباه مِنَ المَدَر.
وَقِيلَ: الْكَثِيرُ الرَّجِيعِ، الَّذِي لَا يَقِدر عَلَى حبْسه.
(مَدَرَهُ)
- فِي حَدِيثِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ «إذْ أقْبل شيخٌ مِنْ بَنِي عَامِرٍ، هو مِدْرَهُ قومِه»
__________
(1) في الهروي: «إذا» .
(2) في الهروي، واللسان: «فإذا هو بِضِبْعانٍ أمْدَرَ» .(4/309)
المِدْرَه: زَعيم الْقَوْمِ وخَطيبُهم والمُتَكلِّم عَنْهُمْ، وَالَّذِي يَرْجعون إِلَى رَأْيِهِ.
وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهُ هَاهُنَا للَفْظِه.
(مَدَنَ)
- فِيهِ ذِكْرُ «مَدَان» بِفَتْحِ الْمِيمِ، لَهُ ذِكر فِي غَزْوة زَيْدِ بْنِ حارثةَ بَنِي جُذام.
وَيُقَالُ لَهُ: فَيْفاء مَدَان، وَهُوَ وادٍ فِي بِلَادِ قُضاعة.
(مَدَا)
(س) فِيهِ «المؤذَِن يُغْفَرُ لَهُ مَدَى صوتهِ» المَدَى: الْغَايَةُ: أَيْ يَسْتكمِل مَغْفِرَةَ اللَّهِ إِذَا اسْتَنْفدَ وُسْعَه في رَفْع صَوته، فيَبْلغ الغايةَ فِي المَغْفره إِذَا بَلغ الغَايه فِي الصَّوت.
وَقِيلَ: هُوَ تَمْثِيلٌ، أَيْ أَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي يَنْتهي إِلَيْهِ الصوتُ لَوْ قُدِّرَ أَنْ يَكُونَ مَا بَيْنَ أقْصاه وَبَيْنَ مَقام المؤذِّن ذُنوبٌ تَملأ تِلْكَ المَسافْة لغَفَرها اللَّهُ لَهُ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ كتَب ليَهُود تَيْماء إِنَّ لَهُمُ الذّمَّة وعَليهم الجِزْية بِلَا عَداء، النَّهار مَدَى واللَّيلَ سُدًى» أَيْ ذَلِكَ لَهُمْ أبدا مادام الليلُ وَالنَّهَارُ. يُقَالُ: لَا أفْعَله مَدَى الدَّهْر:
أَيْ طُولَه. والسُّدى: المُخَلَّى.
وَمِنْهُ حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ «فَلَمْ يَزل ذَلِكَ يَتَمَادَى بِي» أَيْ يَتَطاول ويَتَأخّر، وَهُوَ يَتَفاعَل، مِنَ المَدَى.
وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ «لَوْ تَمَادَى الشَّهرُ لَواصَلتُ» .
(هـ) وَفِيهِ «البُرُّ بالبُرّ مُدْيٌ بِمُدْيٍ» أَيْ مِكْيالٌ بِمِكْيَالٍ. والمُدْي: مِكْيَالٌ لِأَهْلِ الشَّامِ يَسَع خمسةَ عشرَ مَكُّوكاً، وَالْمَكُّوكُ: صَاعٌ وَنِصْفٌ. وَقِيلَ: أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «أَنَّهُ أجْرَى لِلنَّاسِ المُدْيَيْنِ والقِسْطَين» يُريد مُدْيَيْن مِنَ الطَّعَامِ، وقِسْطَين مِنَ الزَّيت. والقِسْط: نِصْفُ صاعٍ.
أَخْرَجَهُ الْهَرَوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ، وَالزَّمَخْشَرِيُّ عَنْ عُمَرَ.
(س) وَفِيهِ «قلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّا لاقُوا العُدوّ غَدًا وَلَيْسَتْ مَعَنا مُدًى» المُدَى: جَمْعُ مُدْيَة، وَهِيَ السِّكِّين والشَّفْرة.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَوْفٍ «وَلَا تَفُلُّوا المُدَى بِالِاخْتِلَافِ بينَكم» أَرَادَ: لَا تَخْتَلِفوا فَتقَع الفِتْنة بَيْنَكُمْ، فيَنْثَلم حَدُّكم، فاسْتَعاره لِذَلِكَ.
وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ «المُدْيَة والمُدَى» في الحديث.(4/310)
بَابُ الْمِيمِ مَعَ الذَّالِ
(مَذَحَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو «قَالَ وَهُوَ بِمَكَّةَ: لَوْ شِئْتُ لأخَذْت سِبْتِي «1» فَمَشَيْت بِهَا، ثُمَّ لَمْ أَمْذَح حَتَّى أطِأَ الْمَكَانَ الَّذِي تَخْرُج مِنْهُ الدَّابَّةُ» المَذْح: أَنْ تَصْطَكَّ الفَخِذانِ مِنَ الماشِي، وَأَكْثَرُ مَا يَعْرِض للسَّمِين مِنَ الرِّجَالِ. وَكَانَ ابْنُ عمْرو كَذَلِكَ.
يُقَالُ: مَذَح يَمْذَح مَذْحا. وَأَرَادَ قَرْبَ الْمَوْضِعِ الَّذِي تَخْرج منه الدابّة.
(مذذ)
- فِيهِ ذِكر «المَذاد» وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ: وادٍ بَيْنَ سَلْع وخَنْدق الْمَدِينَةِ الَّذِي حَفَره النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوة الخَنْدق.
(مَذَرَ)
- فِيهِ «شَرّ النِّسَاءِ المَذِرَةُ الوَذِرة» المَذر: الْفَسَادُ. وَقَدْ مَذِرت تَمْذَر فَهِيَ مَذِرَة.
«وَمِنْهُ مَذِرَت البَيْضة» إِذَا فَسَدت.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الْحَسَنِ «مَا تَشاء أَنْ تَرَى أحدَهم يَنْفُض مِذْرَوَيْه» المِذْرَوَان: جانِبا الألْيَتَين، وَلَا واحِدَ لَهُمَا. وَقِيلَ: هُما طَرَفا كلَّ شَيْءٍ، وَأَرَادَ بِهِمَا الحَسَنُ فَرْعَيِ المنْكبِين.
يُقَالُ: جَاءَ فُلَانٌ يَنْفُض مِذْرَوَيْه، إِذَا جَاءَ باغِياً يَتَهدّد. وَكَذَلِكَ إِذَا جَاءَ فَارِغًا فِي غَيْرِ شُغل.
وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ.
(مَذَقَ)
(هـ) فِيهِ «بارِك لَهُمْ فِي مَذْقِها ومَحْضها» المَذْق: المَزْج والخَلْط. يُقَالُ: مَذَقْت اللبَن، فَهُوَ مَذِيق، إِذَا خَلْطَته بِالْمَاءِ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ كَعْبٍ وَسَلَمَةَ:
ومَذْقَةٍ كُطرَّةِ الخَنِيفِ
المَذْقَة: الشَّرْبَة مِنَ اللَّبن المَمْذُوق، شَبَّهَها بِحَاشِيَةِ الخَنيف، وَهُوَ رَدِيء الكَتَّان، لتَغَيُّر لَوْنها، وذَهابه بالمَزْج.
(مَذْقَرَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبّاب «قَتَلْته الخَوارج على شاطِىء نَهْر، فسال
__________
(1) في الهروي: «سِبْتَيَّ فمشيت فيهما» وفي الفائق 1/ 564: «بِسِبْتَيَّ فمشيت فيهما» .(4/311)
دمُه فِي الْمَاءِ فَمَا امذَقَرَّ» قَالَ الرَّاوِي: فأتْبَعْتُه بَصَري كَأَنَّهُ شِراكٌ أحْمَر.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَيْ مَا امْتَزَج بِالْمَاءِ.
وَقَالَ شَمِر: الامْذِقْرَارُ: أَنْ يَجْتَمِع الدَّمُ ثُمَّ يَتَقَطَّع «1» قِطَعاً وَلَا يَخْتِلط بِالْمَاءِ. يَقُولُ: لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَلَكِنَّهُ سَالَ وامْتَزج. وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ. وسِياق الْحَدِيثِ يَشْهَدُ لِلْأَوَّلِ؛ أَيْ أَنَّهُ مَرَّ فِيهِ كالطَّريقة الْوَاحِدَةِ لَمْ يَختلط بِهِ. وَلِذَلِكَ شَبَّهَه بالشِّراك الْأَحْمَرِ، وَهُوَ سَيرٌ مِنْ سيُور النَّعل.
وَذَكَرَ المُبَرّد هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْكَامِلِ. قَالَ: «فأخَذوه «2» وقَرّبوه إلى شاطِىء النَّهر، فذَبَحوه، فامْذَقَرَّ دَمُه. أَيْ جَرى مُستطيلاً مُتَفرِّقاً «3» » . هَكَذَا رَوَاهُ بِغَيْرِ حَرْفِ النَّفْي.
وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِالْبَاءِ «4» ، وَهُوَ بِمَعْنَاهُ.
(مَذَلَ)
(هـ) فِيهِ «المِذال مِنَ النِّفاق» هُوَ أَنْ يَقْلَق الرَّجُلُ عَنْ فراشِه الَّذِي يُضاجع عَلَيْهِ حَلِيلَتَه، ويَتَحوّل عَنْهُ ليَفْتَرشَه غَيْرُهُ. يُقَالُ: مَذَل بِسِرِّهِ يَمْذُل، ومَذِل يَمْذَل، إِذَا قَلِق بِهِ. والمَذِلُ والماذِل: الَّذِي تَطِيب نَفْسه عَنِ الشَّيْءِ، يَتْرُكه ويَسْتَرْخي عَنْهُ.
(مَذَى)
(هـ) فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «كنتُ رَجُلًا مَذَّاءً» أَيْ كَثِيرَ المَذْي، هُوَ بِسُكُونِ الذَّالِ مخفَّف الْيَاءِ: البَلَل اللَّزِج الَّذِي يَخْرُج مِنَ الذَّكر عِنْدَ مُلاعَبة النِّسَاءِ، وَلَا يَجب فِيهِ الغُسل.
وَهُوَ نَجِس يَجب غَسْله، ويَنْقُض الوُضوء. ورجُلٌ مَذَّاءٌ: فَعَّال، للمبالَغة فِي كَثْرَةِ المَذْيِ. وَقَدْ مَذَى الرَّجُلُ يَمْذِي. وأَمْذَى. والمِذاء: المُمَاذاة «5» فعَال مِنْهُ.
[هـ] وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «الغَيْرة مِنَ الْإِيمَانِ، والمِذاء مِنَ النِّفَاقِ» قِيلَ: هُوَ أَنْ يُدْخِل الرجُلُ الرجالَ عَلَى أهلِه، ثُمَّ يُخَلِّيهم يُمَاذِي بعضُهم بَعْضًا. يُقَالُ: أَمْذَى الرجُل، وماذَى، إِذَا قادَ عَلَى أَهْلِهِ، مَأْخُوذٌ مِنَ المَذْي.
__________
(1) فى الهرى: «ينقطع» .
(2) في الكامل ص 947، بتحقيق الشيخ أحمد شاكر: «ثم قرّبوه إلى شاطىء النهر فذبحوه» .
(3) مكانه في الكامل: «على دِقَّةٍ» .
(4) أي «ابذقرَّ» كما في الهروي، والفائق 3/ 16.
(5) في الأصل. «المماذات» والمثبت من: ا.(4/312)
وَقِيلَ: هُوَ مِنْ أَمْذَيْتُ فَرَسِي ومَذَيْتُهُ، إِذَا أرْسلتَه يَرْعى.
وَقِيلَ: هُوَ المَذاء بِالْفَتْحِ، كَأَنَّهُ مِنَ اللِّين والرَّخاوة، مِنْ أَمْذَيْتُ الشَّراب، إِذَا أكْثَرتَ مِزاجَه، فذهَبَت شِدّتُه وحِدّتُه.
ويُروى «المِذال» بِاللَّامِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيج «كُنَّا نَكْرِي الْأَرْضَ بِمَا عَلَى المَاذِيَاناتِ «1» والسَّواقي» هي جمع ماذِيَان، وهو النَّهر الْكَبِيرُ. وَلَيْسَتْ بعربيَّة، وَهِيَ سَوادِيَّة. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ، مُفْرداً وَمَجْمُوعًا.
(مُذَيْنِبٌ)
- فِيهِ ذِكْرُ «سَيْل مهْزُور، ومُذَيْنِب» هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْيَاءِ وَكَسْرِ النُّونِ، وَبَعْدَهَا بَاءٌ موحَّدة: اسْمُ مَوْضِعٍ بِالْمَدِينَةِ. وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ.
بَابُ الْمِيمِ مَعَ الرَّاءِ
(مَرَأَ)
- فِي حَدِيثِ الِاسْتِسْقَاءِ «اسْقِنا غَيْثاً مَرِيئاً مَرِيعاً» يُقَالُ: مَرأَني الطعامُ، وأَمْرَأَني، إِذَا لَمْ يَثْقُل عَلَى المَعِدَة، وانحَدر عَنْهَا طَيِّباً.
قَالَ الْفَرَّاءُ: يُقَالُ: هَنَأَنِي الطَّعَامُ، ومَرَأَني، بِغَيْرِ ألِفٍ، فَإِذَا أَفْرَدُوهَا عَنْ هَنَأَني قَالُوا: أَمْرَأَنِي.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الشُّرب «فَإِنَّهُ أهْنَأُ وأَمْرَأُ» وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ الْأَحْنَفِ «يَأْتِينَا فِي مِثْلِ مَرِىء نَعام «2» » المَرِىءُ: مَجْرَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ مِنَ الْحَلْقِ، ضَربَه مَثَلَا لِضِيق العَيْش وقِلَّة الطَّعَامِ.
وَإِنَّمَا خَصَّ النَّعام لِدِقَّة عُنُقه، ويُستدلُّ بِهِ عَلَى ضِيقِ مَرِيئِه.
وأصلُ المَرِىءِ: رأسُ المعِدَةِ المُتَّصِلُ بِالْحُلْقُومِ. وَبِهِ يكون اسْتِمْراءُ الطعام.
__________
(1) في الهروي، والمعرّب ص 328: «الماذِيانِ» ويجوز فتح الذال أيضا، كما فى حواشى المعرّب.
(2) ؟؟(4/313)
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الْحَسَنِ «أحْسِنوا مَلأَكم أيُّها المَرْؤُون» هُوَ جمعُ المَرْءِ، وَهُوَ الرَّجُلُ.
يُقَالُ: مَرْءٌ وامْرُؤٌ.
(هـ) وَمِنْهُ قَوْلُ رُؤبَة لطائفةٍ رَآهُمْ: «أين يريدُ المَرْؤُون؟» .
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ لَمَّا تَزَوَّجَ فَاطِمَةَ «قَالَ لَهُ يهوديٌّ أَرَادَ أَنْ يَبْتَاع مِنْهُ ثِيَابًا: لَقَدْ تَزَوَّجْتَ امْرَأَةً» يُرِيدُ امْرَأَةً كَامِلَةً. كَمَا يُقَالُ: فلانٌ رجلٌ، أَيْ كاملٌ فِي الرِّجَالِ.
وَفِيهِ «يَقْتُلون كلبَ المُرَيْئة» هِيَ تَصْغِيرُ المَرأة.
(هـ) وَفِيهِ «لَا يَتَمَرْأى أحدُكُم فِي الدُّنْيَا «1» » أَيْ لَا يَنْظُر فِيهَا، وَهُوَ يَتَمَفْعَلُ، مِنَ الرُّؤية، وَالْمِيمُ زائدةٌ.
وَفِي رِوَايَةٍ «لَا يَتَمَرَّأ أحدُكم بِالدُّنْيَا» مِنَ الشَّيْءِ المَرِيءِ.
(مَرَثَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ أَتَى السِّقايَة فَقَالَ: اسقُوني، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: إِنَّهُمْ قَدْ مَرَثُوهُ وأفْسَدوه» أَيْ وسَّخُوه بِإِدْخَالِ أَيْدِيهِمْ فِيهِ. والمَرْثُ: الْمَرْسُ. ومَرَثَ الصبيُّ يَمْرُثُ، إِذَا عَضَّ بِدُرْدُره» .
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ الزُّبَيْرِ «قَالَ لِابْنِهِ: لَا تُخاصِم الخَوارِجَ بِالْقُرْآنِ، خاصِمْهم بالسُّنة، قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: فخاصَمْتُهم بِهَا، فَكَأَنَّهُمْ صِبْيانٌ يَمْرُثون سُخُبَهُم» أَيْ يَعَضُّونها ويَمُصُّونها.
والسُّخُب: قَلائد الخَرَز. يَعْنِي أَنَّهُمْ بُهِتوا وعَجَزوا عَنِ الْجَوَابِ.
(مَرَجَ)
(هـ) فِيهِ «كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا مَرِجَ الدِينُ» أَيْ فَسَد وقَلِقَت أسْبابُه.
والمَرْج: الخَلْطُ.
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ «قد مَرِجَت عُهودُهم» أي اختَلَطَت.
__________
(1) الذي في الهروي: «لا يَتَمْرأَى أحدُكم الماء. قال أبو حمزة: أي لا ينظر فيه» .
(2) قال صاحب القاموس: «والدُّرْدُر، بالضم: مَغارِز أسنان الصبيّ، أو هي قبل نباتها، وبعد سقوطها» .(4/314)
وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «خُلِقَتِ الملائكةُ مِنْ نورٍ واحدٍ، وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ
» مارِجُ النَّارِ: لَهَبُها المُخْتلِطُ بسَوادِها.
(س) وَفِيهِ «وَذُكِرَ خَيْلُ المَرابِط فَقَالَ: طَوَّلَ لَهَا فِي مَرْجٍ» المَرْجُ: الأرضُ الواسِعةُ ذاتُ نباتٍ كَثِيرٍ، تَمْرُجُ فِيهِ الدَّوابُّ، أَيْ تُخَلَّى تَسْرَحُ مُخْتلِطةً كَيْفَ شَاءَتْ.
(مِرْجَلٌ)
- فِيهِ «وَلِصَدْرِهِ أَزِيزٌ كأَزِيِز المِرْجَلِ» هُوَ بِالْكَسْرِ: الإناءُ الَّذِي يُغْلَى فِيهِ الماءُ. وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ حديدٍ أَوْ صُفْرٍ أَوْ حجارةٍ أَوْ خَزَف. وَالْمِيمُ زائدةٌ. قِيلَ: لِأَنَّهُ إِذَا نُصِبَ كَأَنَّهُ أقيمَ عَلَى أرْجُلٍ.
(س) وَفِيهِ «وَعَلَيْهَا ثيابٌ مَرَاجِلُ» يُروَى بِالْجِيمِ وَالْحَاءِ، فَالْجِيمُ مَعْنَاهُ أنَّ عَلَيْهَا نُقُوشاً تِمْثالَ الرِّجالِ. وَالْحَاءُ مَعْنَاهُ أنَّ عَلَيْهَا صُوَرَ الرِّجَالِ، وَهِيَ الإبلُ بأكْوارِها. وَمِنْهُ ثوبٌ مُرَجَّلٌ.
والرِوايتان مَعاً مِنْ بَابِ الرَّاءِ، والميمُ فِيهِمَا زائدةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فبَعثَ مَعَهُمَا بِبُرْدٍ مَرَاجِلَ» قَالَ الأزهريُّ: المراجلُ: ضَرْبٌ مِنْ بُرودِ اليمنِ. وَهَذَا التَّفْسِيرُ يُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ الميمُ أصليَّةً.
(مَرَخَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّ عُمَرَ دَخَلَ عَلَى النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، وَكَانَ مُنْبَسِطاً، فقَطَّبَ وتَشَزَّنَ لَهُ، فَلَمَّا خَرَجَ عاد إلى انبساطه، فسألتْه عائشة، فقال: إِنَّ عُمَرَ لَيس مِمّن يُمْرَخُ مَعَهُ» المَرْخُ والمَزْحُ سَوَاءٌ.
وَقِيلَ: هُوَ مِنْ مَرَّخْتُ الرجُلَ بالدُّهْنِ، إِذَا دَهَنْتَه بِهِ ثُمَّ دَلَكْتَه. وأَمْرَخْتُ العجينَ، إِذَا أكْثَرْتَ ماءَه. أَرَادَ لَيْسَ ممَّن يُسْتَلانُ جانِبُه.
وَفِيهِ ذِكْرُ «ذِي مُرَاخٍ» هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ: موضعٌ قريبٌ مِنْ مزدَلِفَة. وَقِيلَ: هُوَ جبلٌ بِمَكَّةَ. وَيُقَالُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ.
(مَرَدَ)
- فِي حَدِيثِ العِرْباض «وَكَانَ صاحبُ خَيْبَرَ رَجُلًا مارِداً مُنْكَراً» الماردُ مِنَ الرجالِ: الْعَاتِي الشديدُ. وَأَصْلُهُ مِنْ مَرَدَةِ الْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ رَمَضَانَ «وتُصْفَدُ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ» جمعُ مارِدٍ.
(س) وَفِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ «تَمَرَّدْتُ عِشْرِينَ سَنَةً، وجَمَعْتُ عِشْرِينَ، وَنَتَفْتُ عِشْرِينَ،(4/315)
وخَضَبتُ عِشْرِينَ، فَأَنَا ابْنُ ثَمَانِينَ» أَيْ مَكَثْتُ أَمْرَدَ عِشْرِينَ سَنَةً، ثُمَّ صِرْتُ مُجْتَمِع اللِّحية عِشْرِينَ سَنَةً.
وَفِيهِ ذِكْرُ «مُرَيْدٍ» وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ مُصَغَّرٌ: أُطُمٌ مِنْ آطامِ الْمَدِينَةِ.
وَفِيهِ ذِكْرُ «مَرْدان» بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ، وَهِيَ ثَنِيَّة بطريقِ تَبُوك، وَبِهَا مسجدٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(مَرَرَ)
(هـ) فِيهِ «لَا تَحِلُّ الصدقةُ لِغَنِيٍّ وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ» المِرَّةُ: القوّةُ والشِدّةُ.
والسَّوِيُّ: الصحيحُ الأعضاءِ. وَقَدْ تَكَرَّرَتْ «1» فِي الْحَدِيثِ.
(هـ) وَفِيهِ «أَنَّهُ كَرِهَ مِنَ الشاءِ سَبْعًا: الدَّمَ، والمِرارَ «2» ، وَكَذَا وَكَذَا» المِرَارُ «3» :
جَمْعُ المَرَارةِ، وَهِيَ الَّتِي فِي جَوفِ الشاةِ وغيرِها، يَكُونُ فِيهَا ماءٌ أخضَرُ مُرٌّ. قِيلَ: هِيَ لِكُلِّ حيوانٍ إِلَّا الْجَمَل.
وَقَالَ القُتَيْبِيُّ: أَرَادَ المحدِّثُ أَنْ يَقُولَ «الأَمَرَّ» وَهُوَ المَصارِينُ، فَقَالَ «المِرَار» .
وَلَيْسَ بِشَيْءٍ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ جَرَحَ إبْهامَه فألْقَمَها مَرارةً» وَكَانَ يَتَوَضَّأُ عَلَيْهَا.
(س) وَفِي حَدِيثِ شُرَيح «ادَّعى رجلٌ دَيْناً عَلَى مَيّتٍ وَأَرَادَ بَنُوه أَنْ يَحْلِفوا عَلَى عِلْمِهِم، فَقَالَ شُرَيح: لَتَرْكَبُنَّ مِنْهُ مَرارةَ الذَّقَنِ» أَيْ لِتَحْلِفُنَّ مَا لَهُ شَيْءٌ، لَا عَلَى الْعِلْمِ، فتَركَبون مِنْ ذَلِكَ مَا يُمِرُّ «4» فِي أفْواهِهِم وألسِنتِهم الَّتِي بَيْنَ أذْقانِهم.
وَفِي حَدِيثِ الِاسْتِسْقَاءِ:
وألْقَى بكَفَّيه الفَتِيُّ اسْتِكانةً ... مِنَ الْجُوعِ ضَعْفاً مَا يُمِرُّ وَمَا يُحْلِي
أَيْ مَا يَنْطِقُ بِخَيْرٍ وَلَا شرٍّ، مِنَ الْجُوعِ والضَّعْف.
(س) وَفِي قِصَّةِ مَوْلِدِ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «خَرَجَ قَوْمٌ وَمَعَهُمُ المُرُّ، قَالُوا: نَجْبُرُ بِهِ الكَسْرَ والجُرْحَ» المُرُّ: دَوَاءٌ كالصَّبِر، سُمِّيَ به لمِرَارتِه.
__________
(1) في الأصل: «تكرر» والمثبت من: ا.
(2) هكذا بكسر الميم في الأصل، وا. وفى الهروى، واللسان بفتحها.
(3) هكذا بكسر الميم في الأصل، وا. وفي الهروي، واللسان بفتحها.
(4) ضبط في اللسان بفتح الياء والميم.(4/316)
(هـ) وَفِيهِ «مَاذَا فِي الأَمَرَّيْنِ مِنَ الشِّفاء، الصَّبِر والثُّفَّاء «1» » الصَّبِرُ: هُوَ الدَّوَاءُ المرُّ الْمَعْرُوفُ. والثُّفاءُ: هُوَ الخَرْدَلُ.
وَإِنَّمَا قَالَ: «الأَمَرَّيْنِ» ، والمُرُّ أحدُهما، لِأَنَّهُ جَعَلَ الحُروفَة والحِدّة الَّتِي فِي الخَرْدَل بِمَنْزِلَةِ المَرارة. وَقَدْ يُغَلِّبون أحدَ القَرينَين عَلَى الْآخَرِ، فَيَذْكُرُونَهُمَا بلفظٍ واحدٍ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «هُمَا المُرَّيَان؛ الإمْساكُ فِي الحياةِ، والتبذيرُ فِي الْمَمَاتِ» المُرَّيان: تَثْنِيَةُ مُرَّى، مِثْلُ صُغْرَى وكُبْرَى، وصُغْرَيانِ وكُبرَيانِ، فَهِيَ فُعْلَى مِنَ المَرارةِ، تَأْنِيثُ الأَمَرِّ، كالجُلَّى والأجَلِّ؛ أَيِ الخَصْلَتان المُفَضَّلَتانِ فِي المَرارة عَلَى سَائِرِ الخِصالِ المُرَّة أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ شَحيحاً بمالِه مَا دَامَ حَيًّا صَحِيحًا، وَأَنْ يُبَذِّرَه فِيمَا لَا يُجْدى عَلَيْهِ؛ مِنَ الْوَصَايَا المبْنِيَّة عَلَى هَوَى النَّفْسِ عِنْدَ مُشارَفةِ الموتِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الْوَحْيِ «إِذَا نَزَلَ سَمِعَت الملائكةُ صوتَ مِرَار السَّلْسلةِ عَلَى الصَّفا» أَيْ صوتَ انْجِرارِها واطّرادِها عَلَى الصَّخْر. وأصلُ المِرَارِ: الفَتْلُ، لِأَنَّهُ يُمَرُّ، أَيْ يُفْتَلُ.
(هـ) وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «كإِمْرَارِ الْحَدِيدِ عَلَى الطَّسْتِ الْجَدِيدِ» أَمْرَرْتُ الشيءَ أُمِرُّه إِمْرَاراً، إِذَا جعلْتَه يَمُرُّ، أَيْ يَذْهب. يريدُ كجَرِّ الْحَدِيدِ عَلَى الطِّستِ.
وَرُبَّمَا رُوِيَ «2» الْحَدِيثُ الأوّلُ: «صوتَ إِمْرَارِ السِّلْسلة» .
(س) وَفِي حَدِيثِ أَبِي الْأَسْوَدِ «مَا فعلَت المرأةُ الَّتِي كَانَتْ تُمَارُّه وتُشارُّه؟» أَيْ تَلْتَوِي عَلَيْهِ وتخالِفه. وَهُوَ مِنْ فَتْل الحبْل.
وَفِيهِ «أَنَّ رَجُلًا أَصَابَهُ فِي سَيْره المِرارُ» أَيِ الحبلُ. هَكَذَا فُسِّر، وإنما الحبلُ المَرُّ، ولعله جمْعُه.
وفي حَدِيثُ عَلِيٍّ فِي ذِكْرِ الْحَيَاةِ «إِنَّ اللهَ جَعَلَ الموتَ قَاطِعًا لِمَرَائرِ أَقْرَانِهَا» المَرَائر: الحِبالُ المفتولةُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ طاقٍ، واحدُها: مَرِيرٌ ومَرِيرَةٌ.
__________
(1) الثفاء، بالتخفيف، وِزان غُراب، كما في المصباح. وقد سبق بالتشديد، في مادة (ثفأ) وهو موافق لما في الصحاح، والقاموس. وقال في المصباح إنه مكتوب في الجمهرة بالتثقيل. على أني لم أجد في الجمهرة ما يشير إلى تثقيل أو تخفيف. انظرها 3/ 219
(2) عبارة الهروي: «وإن رُوِي: إمرار السلسلة، فحسنٌ. يقال: أمررتُ الشيء، إذا جررتَه» .(4/317)
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ الزُّبَيْرِ «ثُمَّ استمرَّتْ مَرِيرَتي» يُقَالُ: استَمَرَّت مَرِيرتُهُ عَلَى كَذَا، إِذَا استَحْكَمَ أمْرهُ عَلَيْهِ وقَوِيَت شكيمتُه فِيهِ، وألِفَه واعْتاده. وأصلُه مِنْ فَتْل الحَبْل.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ «سُحِلَت مَرِيرتُهُ» أَيْ جُعِل حَبْلُه المُبْرَمُ سَحِيلاً، يَعْنِي رِخْواً ضَعِيفًا.
(س) وَفِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْداء ذِكر «المُرِّيّ» ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: «المُرِّيّ [بِالضَّمِّ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ «1» ] الَّذِي يُؤْتَدَمُ بِهِ، كَأَنَّهُ منسوبٌ إِلَى المَرَارة. والعامَّة تُخَفّفُه» .
وَفِيهِ ذِكْرُ «ثَنِيَّة المُرَارِ» الْمَشْهُورُ فِيهَا ضمُّ الْمِيمِ. وبعضُهم يَكْسِرُها، وَهِيَ عِنْدَ الحُدَيْبية.
وَفِيهِ ذِكْرُ «بَطْنِ مَرّ، ومَرّ الظَّهران» وَهُمَا بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ: مَوْضِعٌ بِقُرْبِ مَكَّةَ.
(مَرَزَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّ عُمَرَ أَرَادَ أَنْ يُصَلَّيَ عَلَى ميِّتٍ فمَرَزَه حُذيفةُ» أَيْ قَرَصه بِأَصَابِعِهِ لِئَلَّا يُصَلّيَ عَلَيْهِ.
قِيلَ: كَانَ ذَلِكَ المِّيت مُنافِقاً. وَكَانَ حُذيفةُ يَعْرِفُ الْمُنَافِقِينَ. يُقَالُ: مَرَزْتُ الرجُل مَرْزاً، إِذَا قَرَصْتَه بِأَطْرَافِ أَصَابِعِكَ.
(مَرْزُبَانُ)
- فِيهِ «أتيتُ الحِيرةَ فرأيتُهم يَسْجُدُونَ لمَرْزُبانٍ لَهُمْ» هُوَ بِضَمِّ الزَّايِ: أحدُ مَرَازِبَةِ الفُرْس، وَهُوَ الفارسُ الشُجاعُ المُقَدَّم عَلَى الْقَوْمِ دُونَ الْمَلِكِ. وَهُوَ مُعَرَّبٌ «2» .
(مَرَسَ)
(هـ) فِيهِ «إِنَّ مِن اقْتِراب السَّاعَةِ أَنْ يَتَمَرَّس الرجُلُ بِدِيِنه، كَمَا يَتَمَرَّسُ البعيرُ بِالشَّجَرَةِ» أَيْ «3» يتلَعَّبُ بِدِينِهِ ويَعْبَثُ بِهِ، كَمَا يَعْبَثُ البعيرُ بِالشَّجَرَةِ، ويتحكَّكُ بِهَا.
والتَّمَرُّسُ «4» : شِدّةُ الالْتِواء.
وَقِيلَ: أَرَادَ أَنْ يُمَارِس الفِتَنَ ويُشادَّها، فيَضُرّ بديِنه، وَلَا يَنْفَعُهُ غُلُوُّه فِيهِ، كَمَا أَنَّ الأجْرَبَ إِذَا تَحكَّكَ بِالشَّجَرَةِ أَدْمَته، ولم تُبْره من جَرَبه.
__________
(1) ليس في الصحاح.
(2) في المعرَّب ص 317: «وتفسيره بالعربية: حافِظُ الحَدِّ» .
(3) هذا شرح القتيبي، كما في الهروي.
(4) وهذا من شرح ابن الأعرابي، كما ذكر الهروي، أيضا.(4/318)
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ خَيْفان «أَمَّا بَنُو فُلانٍ فَحَسَكٌ أَمْراسٌ» جمعُ مَرِس، بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَهُوَ الشَّدِيدُ الَّذِي مارَسَ الْأُمُورَ وجَرَّبَها.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ وحْشِيٍّ فِي مَقْتَلِ حَمْزَةَ «فطَلَع عَلَيَّ رجُلٌ حَذِرٌ مَرِسٌ» أَيْ شديدٌ مجرَّبٌ لِلْحُرُوبِ. والمَرْسُ فِي غَيْرِ هَذَا: الدَّلْكُ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ «كنتُ أَمْرُسُه بِالْمَاءِ» أَيْ أدْلُكُه وأُدِيفُه. وَقَدْ يُطْلَق عَلَى المُلاَعَبةِ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «زَعَمَ «1» أَنِّي كُنْتُ أعافِسُ وأُمَارِسُ» أَيْ أُلاعِبُ النسِاء. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(مَرَشَ)
(هـ) فِي غَزْوَةِ حُنَيْن «فعدَلَت بِهِ ناقتُه إِلَى شجراتٍ فمرَشْنَ ظَهره» أَيْ خَدَشَتْه أغصانُها، وَأَثَّرَتْ فِي ظَهْرِهِ. وأصلُ المَرْشِ: الحَكُّ بِأَطْرَافِ الأظفارِ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى «إِذَا حكَّ أحَدُكم فَرْجَه وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فلْيَمْرُشْه مِنْ وَرَاءِ الثَّوب» .
(مَرِضَ)
- فِيهِ «لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ» المُمْرِضُ: الَّذِي لَهُ إبلٌ مَرْضَى، فَنَهى أَنْ يَسْقِي إبِلَهُ المُمْرِضُ مَعَ إِبِلِ المُصِحِّ، لَا لأَجْل العَدْوَى، وَلَكِنْ لِأَنَّ الصِّحاح رُبَّما عَرَض لَهَا مَرَضٌ فَوَقَعَ فِي نَفْسِ صَاحِبِهَا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ العَدْوَى، فيَفْتِنُه ويُشَكِّكُه، فَأَمَرَ باجِتنابه والبُعْد عَنْهُ.
وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ الْمَاء والمَرْعَى تَسْتوْبِلُه الماشِيةُ فتَمْرَض، فَإِذَا شارَكَها فِي ذَلِكَ غيرُها أصابَه مثلُ ذَلِكَ الدَّاء، فَكَانُوا لجْهلِهم يُسَمُّونه عَدْوَى، وَإِنَّمَا هُوَ فِعْلُ اللَّهِ تَعَالَى.
وَفِي حَدِيثِ تَقَاضِي الثِّمَار «تَقُولُ: أَصَابَهَا مُرَاضٌ» هُوَ بِالضَّمِّ: داءٌ يَقع فِي الثَّمَرَةِ فَتَهْلِكُ.
وَقَدْ أَمْرَضَ الرَّجُل، إِذَا وَقَعَ فِي مالِه العاهةُ.
(س) وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ مَعْدِيكَرِبَ «هُمْ شِفاءٌ أَمْرَاضِنا» أَيْ يَأْخُذُونَ بِثَأرنا، كأنَّهم يَشْفُون مرضَ القُلوب، لَا مرضَ الأجْسام.
(مَرَطَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي مُرُوطِ نِسَائِه» أَيْ أكْسِيَتِهنّ، الْوَاحِدُ: مِرْطٌ.
ويكون مِنْ صُوفٍ، ورُبما كَانَ مِنْ خَزٍّ أَوْ غَيْرِه. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ، مُفْرَدًا وَمَجْمُوعًا.
__________
(1) أي عمرو بن العاص.(4/319)
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي سُفْيَانَ «1» «فامَّرَطَ «2» قُذَذُ السَّهْم» أَيْ سَقطَ رِيشُه. وسهْمٌ أَمْرَطُ وأملَطُ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «قَالَ لِأَبِي مَحْذُورةَ- وَقَدْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْأَذَانِ-: أمَا خَشِيتَ أَنْ تنشَقَّ مُرَيْطَاؤُك» هِيَ الجلدةُ التَّي بَيْنَ السُّرَّة والعَانةِ. وَهِيَ فِي الْأَصْلِ مُصَغَّرةُ مَرْطَاءَ، وَهِيَ المَلْسَاءُ الَّتِي لَا شَعَرَ عَلَيْهَا، وَقَدْ تُقْصَر.
(مَرَعَ)
(هـ) فِيهِ «اللَّهُمَّ اسِقنا غَيْثًا مَرِيعاً مُرْبِعاً» المَرِيع: المُخْصِبُ النَّاجِعُ. يُقَالُ:
أَمْرَعَ الوَادِي، ومَرُعَ مَراعَةً.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ السَّلْوَى، فَقَالَ: هُوَ المُرَعَةُ» هِيَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِهَا: طائرٌ أبْيَضُ، حَسَنُ اللَّوْن، طَويل «3» الرِّجْلَينِ، بقَدْرِ السُّمَانَي، يَقَعُ فِي المَطَرِ مِنَ السَّماء.
(مَرَغَ)
(س) فِي صِفَةِ الجنَّة «مَراغُ دَوَابِّها المِسْكُ» أَيِ الموضِعُ الَّذِي يُتَمَرَّغُ فِيهِ مِنْ تُرَابِهَا. والتَّمَرُّغُ: التَّقَلُّب فِي التُّراب.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَمّار «أجْنَبْنَا فِي سَفَرٍ وَلَيْسَ عِنْدَنَا ماءٌ، فتَمَرَّغنا فِي التُّراب» ظَنَّ أَنَّ الجُنُب يَحْتَاجُ أَنْ يُوَصِّل التُّرَابَ إِلَى جَمِيعِ جَسَدِهِ كَالْمَاءِ.
(مَرَقَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ الْخَوَارِجِ «يَمْرُقُون مِنَ الدِّين مُرُوقَ السَّهم مِنَ الرَّمِيَّةِ» أَيْ يَجُوزُونَهُ وَيَخْرِقُونَهُ وَيَتَعَدَّوْنَهُ، كَمَا يَخْرِقُ السَّهْمُ الشَّيْءَ الْمَرْمِيَّ بِهِ وَيَخْرُجُ مِنْهُ. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «أُمِرْتُ بِقِتَالِ المارِقِين» يَعْنِي الخوارجَ.
وَفِيهِ «أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنْ بِنتاً لِي عَرُوسًا تَمَرَّقَ شَعْرَهَا» .
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «مَرِضَت فامَّرَقَ شَعْرُهَا» يُقَالُ: مَرَقَ شَعْرهُ، وتَمَرَّقَ وامَّرَقَ، إذا
__________
(1) أخرجه الهروي من حديث أبي موسى.
(2) في الفائق 2/ 318: «وانمرط» . وقال: «انمرط: مُطَاوَع مرطه. يقال: مَرَط الشعرَ والريشَ، إذا نتفه، فانْمرَط» .
(3) مكان هذا في الهروي: «طيِّبُ الطّعم» .(4/320)
انْتَثَرَ وَتَسَاقَطَ مِنْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرَه. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «إِنَّ مِنَ البَيْضِ مَا يَكُونُ مارِقاً» أَيْ فَاسِدًا، وَقَدْ مَرِقَتِ البَيْضَةُ، إِذَا فَسَدتْ.
وَفِيهِ ذِكْرُ «المُمَرِّق» وَهُوَ المُغَنّى. يُقَالُ: مَرَّقَ يُمَرِّقُ تَمْرِيقاً، إِذَا غَنَّى. والمَرْقُ بالسُّكُونِ أَيْضًا: غِنَاءُ الإمَاء والسَّفِلَةِ. وَهُوَ اسْمٌ.
وَفِيهِ «أَنَّهُ اطَّلَى حتَّى بلغَ المَرَاقَّ» هُوَ بِتَشْدِيدِ الْقَافِ: مَا رَقَّ مِنْ أسْفَلِ الْبَطْنِ ولاَنَ، وَلَا واحِدَ لَه، ومِيمُه زائدةٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الرَّاءِ.
وَفِيهِ ذِكْرُ «مَرَق» بِفَتْحِ الْمِيمِ والرَّاء، وَقَدْ تُسَكَّن: بِئر بِالْمَدِينَةِ، لَهَا ذِكرٌ فِي أَوَّلِ حَدِيثِ الْهِجْرَةِ.
(مَرْمَرَ
- فِيهِ «كَانَ هُنَاكَ مَرْمَرَةٌ» هِيَ واحدةُ المَرْمَر، وَهُوَ نوعٌ مِنَ الرُّخامِ صُلْبٌ.
(مِرْمَا) - فِي حَدِيثِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ «لَوْ وَجَدَ أحَدُهَم مِرْمَاتَيْن» يُروى بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا، ومِيمها زائدةٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مَبْسُوطًا فِي حَرْفِ الرَّاءِ.
(مَرَنَ)
(س) فِي حَدِيثِ النَّخَعيّ «فِي الْمَارِن الدِّيَةُ» المَارِنُ مِنَ الْأَنْفِ: مَا دُون القَصَبَة. والمَارِنان: المَنْخَرانِ.
(مِرْوَدٌ)
(س) فِي حَدِيثِ ماعِز «كَمَا يَدْخُل المِرْوَدُ فِي المُكْحُلَةِ» المِرْوَدُ بِكَسْرِ الْمِيمِ:
المِيلُ الَّذِي يُكْتَحَلُ بِهِ. وَالْمِيمُ زائدةٌ.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «إِنَّ لِبَنِي أمَيَّةَ مِرْوَداً يَجْرُون «1» إِلَيْهِ» وَهُوَ مِفْعَلٌ مِنَ الإِرْوَاد: الْإِمْهَالُ، كَأَنَّهُ شَبَّهَ المُهْلَةَ الَّتِي هُمْ فِيهَا بالمضْمَارِ الَّذِي يَجْرُون إِلَيْهِ. وَالْمِيمُ زائدةٌ.
(مَرِهَ)
[هـ] فِيهِ «أَنَّهُ لَعَنَ «2» المَرْهَاءَ» هِيَ «3» الَّتِي لَا تَكْتَحِلُ. والمَرَهُ: مَرَضٌ فِي العَيْنِ لتَرْك الكُحْلِ.
__________
(1) ضبط في ا: «يُجْرُون» .
(2) رواية الهروي: «لعن الله المرهاء» .
(3) هذا شرح القتيبي، كما في الهروي.(4/321)
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «خُمْصُ البُطُونِ مِنَ الصِّيَامِ، مُرْهُ العُيُونِ مِنَ البُكَاء» هُوَ جَمْعُ الامْرَهِ. وَقَدْ مَرِهَتْ عيْنُهُ تَمْرَهُ مَرَهاً.
(مَرَا)
(هـ) فِيهِ «لَا تُمارُوا فِي الْقُرْآنِ، فَإِنَّ مِرَاءً فِيهِ كُفْرٌ» المِرَاءُ: الْجِدَالُ، والتَّمارِي والمُمَارَاةُ: المُجَادَلَةُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّكِّ والرِّيبَة. ويقالُ لْلِمُناظَرَة: مُمَاراة، لِأَنَّ كلَّ واحِدٍ مِنْهُمَا يَسْتَخْرجُ مَا عِنْدَ صاحِبِه ويَمْتَرِيه، كَمَا يَمْتَرِي الحالِبً اللَّبَنَ مِنَ الضَّرْعِ.
قَالَ أَبُو عُبيدٍ: لَيْسَ وجهُ الحديثِ عِنْدَنَا عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي التَّأْوِيلِ، ولكنَّه عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي اللَّفْظِ، وَهُوَ أَنْ يقولَ «1» الرَّجُل عَلَى حَرْفٍ، فَيَقُولُ الآخَرُ: لَيْسَ هُوَ هَكَذَا، ولكنَّه عَلَى خِلافِه، وكِلاَهُمَا مُنْزَلٌ مَقْرُوءٌ بِهِ «2» . فَإِذَا جَحَد كلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِراءَة صَاحِبِهِ لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يكونَ ذَلِكَ يُخْرِجُه إِلَى الْكُفْرِ، لِأَنَّهُ نَفَى حَرْفاً أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى نَبِيّه.
وَالتَّنْكِيرُ فِي المِرَاءِ إِيذَانًا بِأَنَّ شَيْئًا مِنْهُ كُفْرٌ، فَضْلاً عَمَّا زَادَ عَلَيْهِ.
وَقِيلَ: إِنَّمَا جَاءَ هَذَا فِي الجِدَال والمِرَاءِ فِي الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا ذِكر القَدَر، وَنَحْوِهِ مِنَ الْمَعَانِي، عَلَى مذْهبِ أهْل الْكَلَامِ، وأصحابِ الأهواءِ والآراءِ، دُونَ مَا تَضَمَّنَتْهُ مِنَ الْأَحْكَامِ، وَأَبْوَابِ الحلالِ والحرامِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ قَدْ جَرَى بَيْنَ الصَّحَابَةِ فَمَن بَعْدَهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَذَلِكَ فِيمَا يَكُونُ الغَرَضُ منهُ والباعثُ عليهِ ظهورَ الحقِّ لِيُتّبَعَ، دُونَ الغَلَبَةِ والتَّعْجِيز. وَاللَّهُ أعْلَم.
(هـ) وَفِيهِ «إمْرِ الدَّمَ بِمَا شئتَ» أَيِ اسْتَخْرجْهُ وأجْرِه بِمَا شئتَ. يُرِيدُ الذّبْحَ. وَهُوَ مَنْ مَرَى الضَّرْعَ يَمرِيهِ.
وَيُرْوَى «أُمِرِ الدَّمَ» مِنْ مارَ يَمُورُ، إِذَا جَرَى. واَمَارَهُ غيرُهُ.
قَالَ الخطَّابي: أصحابُ الْحَدِيثِ يَرْوُونَهُ مُشَدَّد الرَّاء، وَهُوَ غَلَطٌ. وَقَدْ جَاءَ فِي سَنَنِ أَبِي دَاوُدَ والنَّسائي «أَمْرِر» بِرَاءَيْنِ مُظْهَرَتَيْن. وَمَعْنَاهُ اجْعل الدَّم يَمُرُّ: أَيْ يَذْهَبُ، فَعَلَى هَذَا مَنْ رواهُ مُشَدَّد الرَّاء يَكُونُ قَدْ أَدْغَمَ، وَلَيْسَ بِغَلَطٍ.
__________
(1) فى الهروى: «يقزأ» .
(2) بعده فى الهروى: «يعلم ذلك بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: نزل القرآنُ على سبعة أَحْرُف» .(4/322)
ومن الأوّل حديث عاتكة:
مروا بالسّيوف المرهقات دِمَاءَهُم
أَيِ اسْتَخْرَجُوها واسْتَدَرُّوهَا.
وَفِي حَدِيثِ نَضْلة بْنِ عَمْرو «أَنَّهُ لَقِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَرِيَّيْن» هُوَ تَثْنِيَةُ مَرِيّ، بوزْنِ صَبِيٍّ.
وَيُرْوَى «مَرِيَّتَيْن» تثنيةُ مَرِيَّةٍ. والمَرِيُّ والمَرِيَّةُ: النَّاقَةُ الغَزِيرَةُ الدَّرِّ، مِنَ المَرْيِ، وَهُوَ الْحَلبُ، وزنُها فَعِيل أَوْ فَعُولٌ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ الْأَحْنَفِ «وَسَاق مَعَهُ نَاقَةً مَرِيّاً» .
وَفِيهِ «قَالَ لَهُ عَدِيُّ بنُ حَاتم: إِذَا أَصَابَ أحَدُنَا صَيْدًا وَلَيْسَ مَعَهُ سِكِّين أنَذْبَحُ بالمَرْوَةِ وشِقَّة العَصَا؟» المَرْوَةُ: حَجَرٌ أبْيَضُ بَرَّاقٌ.
وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي يُقْدَحُ مِنْهَا النَّارُ.
ومَرْوَةُ المَسْعَى: الَّتِي تُذْكَرُ مَعَ الصَّفَا، وَهِيَ أَحَدُ رأسَيْه اللَّذَيْن يَنْتَهِي السَّعْي إِلَيْهِمَا سُميت بِذَلِكَ.
وَالْمُرَادُ فِي الذَّبْحِ جِنسُ الْأَحْجَارِ، لَا المَرْوَةُ نفسُها. وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكرها فِي الْحَدِيثِ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «إِذَا رجُلٌ مِنْ خَلْفِي قَد وضعَ مَرْوَتَهُ عَلَى مَنْكِبي فَإِذَا هُوَ عليٌّ» .
وَفِيهِ «أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَقِيَهُ عِنْدَ أَحْجَارِ المِرَاءِ» قِيلَ: هِيَ بِكَسْرِ الْمِيمِ: قُباء، فَأَمَّا المُرَاءُ بِضَمِّ الْمِيمِ فَهُوَ دَاءٌ يُصِيبُ النَّخْل.
(مُرَيْحٌ)
- فِيهِ ذِكر «مُرَيْح» وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْيَاءِ تَحْتَهَا نُقْطَتَانِ وَحَاءٌ مهملَة: أُطُمٌ بِالْمَدِينَةِ لِبَنِي قَيْنُقَاع.(4/323)
بَابُ الْمِيمِ مَعَ الزَّايِ
(مَزَدَ)
قَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ «المَزَادَةِ» فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الْحَدِيثِ. وهو الظّرف الذى يحمل فيه الماء، كالرّواية والقِرْبَةِ والسَّطِيحة، والجمعُ: المَزَاوِدُ. وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ.
(مَزَرَ)
(س) فِيهِ «أنَّ نَفْراً مِنَ اليَمن سَأَلُوهُ، فَقَالُوا: إِنَّ بِهَا شَرَابًا يقالُ لَهُ: المِزْر، فَقَالَ:
كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» المِزْرُ بِالْكَسْرِ: نبيذٌ يُتَّخَذُ مِنَ الذُّرَة. وَقِيلَ: مِنَ الشَّعِير أَوِ الحِنْطَةِ.
وَفِيهِ، وأظُنُّه عَنْ طَاوُسٍ «المَزْرَةُ الواحِدَة تُحَرِّمُ» أَيِ المَصَّةُ الواحِدةُ. والمَزْرُ والتَّمَزُّرُ:
الذَّوقُ شَيْئًا بَعْدَ شيءٍ.
وَهَذَا بِخِلَافِ المَرْوِيِّ فِي قَوْلِهِ «لَا تُحَرَّمُ المصَّةُ وَلاَ المَصَّتَانِ» ولَعلَّه قَدْ كَانَ «لَا تُحَرِّمُ» فحرَّفَهُ الرُّواة.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي الْعَالِيَةِ «اشْرَبِ النَّبِيذَ وَلَا تُمَزِّرْ» أَيِ اشْرَبْهُ لتسكينِ العَطَش، كَمَا تَشْرَب الماءَ، وَلَا تَشْرَبْه للِتَّلَذُّذ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، كَمَا يصنعُ شاربُ الخمْر إِلَى أَنْ يَسْكَر.
(مَزَزَ)
(س) وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ «أَلَا إِنَّ المُزَّاتِ حَرامٌ» يَعْنِي الخُمور، وَهِيَ جمعُ مُزَّةٍ، وَهِيَ الْخَمْرُ الَّتِي فِيهَا حُمُوضَةٌ. وَيُقَالُ لَهَا: المُزَّاءُ بالمدِّ أَيْضًا.
وَقِيلَ: هِيَ مِنْ خَلْط البُسْرِ والتَّمرِ.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أخْشَى أَنْ تكونَ المُزَّاء الَّتِي نُهِيَتْ عَنْهَا عبدُ القَيْس» وَهِيَ فُعَلاَءُ مِنَ المَزَازَةِ، أَوْ فَعَّالٌ مِنَ المَزِّ: الفَضْل.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ «فَتُرْضِعُها جارتُها المَزَّةَ والمَزَّتَيْنِ» أَيِ المصَّةَ والمصَّتَيْنِ.
وتَمَّزَزْتُ الشيءَ، إِذَا تمصَّصْتَهُ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ طَاوُسٍ «المَزَّةُ الواحِدةُ تُحَرِّم» .(4/324)
[هـ] وَحَدِيثُ أَبِي الْعَالِيَةِ «اشربِ النبِيذَ وَلَا تُمَزِّزْ» «1» هَكَذَا رُوِيَ مرَّةً بالزَّايَيْن، ومرَّةً بِزاي وراءٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ النَّخَعِيّ «إِذَا كَانَ المالُ ذَا مِزٍّ ففرِّقْهُ فِي الْأَصْنَافِ الثَّمانية، وَإِذَا كَان قَلِيلًا فأعطِه صِنفاً واحِداً» أَيْ إِذَا كَانَ ذَا فضْلٍ وكَثرةٍ. وَقَدْ مَزَّ مَزَازَةً فَهُوَ مَزِيزٌ، إِذَا كَثُرَ.
(مَزَعَ)
(هـ) فِيهِ «مَا تزالُ المسألةُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَلْقَى اللهَ وَمَا فِي وجههِ مُزْعَةُ لَحْمٍ» أَيْ قطْعَةٌ يَسيرةٌ مِنَ اللَّحْم.
وَمِنْهُ حَدِيثُ جَابِرٍ «فَقَالَ لَهُمْ: تَمَزَّعُوهُ، فأوفاهُم الَّذِي لهم» أي تَقَاسَمُوا به وفرِّقُوه بيْنَكُم.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ مُعَاذٍ «حَتَّى تَخَيَّلَ إليَّ أَنَّ أنْفَه يَتَمَزَّعُ مِنْ شِدَّة غَضَبِهِ» أَيْ يَتَقَطَّعُ ويَتَشَقَّقُ غضَباً.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أحْسَبُهُ «يَتَرَمَّعُ» أَيْ يُرْعَدُ، يَعْنِي بِالرَّاءِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ.
(مَزَقَ)
- فِي حَدِيثِ كِتَابِهِ إِلَى كِسْرَى «لمَّا مَزَّقَهُ دَعا عَلَيْهِمْ أَنْ يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ» التَّمْزِيقُ: التَّخْرِيقُ والتَّقْطِيعُ. وَأَرَادَ بِتَمْزِيقِهِم تَفَرُّقَهُم وَزَوَالَ مُلْكِهِمْ وقَطْعَ دَابِرِهِم.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ طَائِرًا مَزَقَ عَلَيْهِ» أَيْ ذَرَقَ وَرَمَى بِسَلْحِه عَلَيْهِ.
(مَزْمَزَ)
(س) فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «قَالَ فِي السَّكْرَانِ: مَزْمِزُوهُ وتَلْتِلَوهُ» هُوَ أَنْ يُحَرَّكَ تَحْرِيكاً عَنِيفاً. لعلَّه يُفيقُ مِنْ سُكْرِهِ ويَصْحَو.
(مَزَنَ)
- قَدْ تَكَرَّرَ فِيهِ ذِكْرُ «المُزْنِ» وَهُوَ الغَيْمُ والسَّحَابُ، وَاحِدَتُهُ: مُزْنَةٌ. وَقِيلَ:
هِيَ السَّحابَةُ البَيْضَاءُ.
(مِزْهَرٌ)
- فِي حَدِيثِ أُمِّ زرع «إذ سَمِعْنَ صوتَ المِزْهَرِ أيْقَنَّ أنَّهُنَّ هَوَالِكُ» المِزْهَرُ:
العُودُ الَّذِي يُضْرَبُ بِهِ فِي الغِناء. أَرَادَتْ أَنَّ زَوْجَهَا عَوّدَ إبِلَه إِذَا نَزَلَ بِهِ الضَّيفانُ أن يأتيَهُم بالمَلاَهي
__________
(1) هكذا ضبط بالضم، في الأصل، واللسان. وفي ا، والهروي: «ولا تمزّز» بالفتح.(4/325)
ويَسْقِيَهُم الشَّراب ويَنْحَرَ لَهُمُ الإِبل، فَإِذَا سَمِعْنَ ذَلِكَ الصوتَ أيقنتْ أَنَّهَا منحورةٌ.
ومِيمُ المِزْهَرِ زائدةٌ. وَجَمْعُهُ: مَزَاهِرُ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَمْرٍو «إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الحقَّ ليُذْهب بِهِ الباطِل، ويُبطِلَ بِهِ الزَّمَّارَاتِ والمَزَاهِرَ» .
وَفِيهِ «فَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهَا مِنْ مِلْكٍ وعُرْمانٍ ومَزَاهِرَ» المَزَاهِرُ: الرِّياضُ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَجْمعُ أصنافَ الزَّهر وَالنَّبَاتِ. وذاتُ المَزَاهِرِ: موضعٌ. والمَزَاهِرُ: هَضَباتٌ حُمْرٌ.
(مِزْيَلٌ)
- فِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ «أَنَّ رَجُلَين تداعَيا عندَه، وَكَانَ أحَدُهما مِخْلَطاً مِزْيلا» المِزْيَلُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الزَّايِ: الجَدِلُ فِي الخُصوماتِ، الَّذِي يَزُولُ مِنْ حُجَّة إِلَى حُجَّةٍ.
وأصلُها الْوَاوُ. والميمُ زائدةٌ.
بَابُ الْمِيمِ مَعَ السِّينِ
(مُسْتَقٌ)
(س) فِيهِ «أَنَّهُ أُهْدِيَ لَهُ مُسْتَقَةٌ مِنْ سُنْدُسٍ» هِيَ بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِهَا: فَرْوٌ طَوِيلُ الكُمَّين. وَهِيَ تعريبُ مُشْتَه.
وَقَوْلُهُ «مِنْ سُنْدُسٍ» يُشْبِهُ أنَّها كانتْ مُكَفَّفَةً بالسُنْدُس. وَهُوَ الرَّفيعُ مِنَ الحَرِير والدِّيباج لِأَنَّ نَفْسَ الفَرْوِ لَا يَكُونُ سُنْدُسًا. وجمعُها: مَسَاتِقُ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ كَانَ يَلْبَسُ البَرانِسَ والمساتِقَ، ويُصَلِّي فِيهَا» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «أَنَّهُ صلَّى بِالنَّاسِ ويداهُ فِي مُسْتَقَة» .
(س) وَيُرْوَى مِثْلُهُ عَنْ سَعْدٍ.
(مَسَحَ)
(س) قَدْ تَكَرَّرَ فِيهِ ذِكْرُ «المَسِيح عَلَيْهِ السَّلَامُ» وَذِكْرُ «المَسِيح الدَّجَّالِ» أَمَّا عِيسَى فسُمِّي بِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَمْسَحُ بِيَدِهِ ذَا عَاهَةٍ إِلَّا بَرِئَ.
وَقِيلَ: لِأَنَّهُ كَانَ أَمْسَحَ الرِّجْل، لَا أخْمصَ لَهُ.
وَقِيلَ: لِأَنَّهُ خَرَج مِنْ بَطْنِ أمِّه مَمْسُوحا بالدُّهْنِ.
وَقِيلَ: لِأَنَّهُ كَانَ يَمْسَح الْأَرْضَ: أَيْ يَقْطَعُهَا.(4/326)
وَقِيلَ: المَسِيح: الصِّدِّيق.
وَقِيلَ: هُوَ بالعبرانِيَّة: مَشِيحاً، فَعُرِّب.
وَأَمَّا الدجَّال فَسُمِّي بِهِ؛ لِأَنَّ عَيْنَه الواحدَةَ مَمْسُوحَة.
وَيُقَالُ: رجلٌ مَمْسُوحُ الوجْهِ ومَسِيحٌ، وهو أَلَّا يَبْقَى عَلَى أحدٍ شِقْي وجْهِهِ عَيْنٌ وَلَا حاجبٌ إِلَّا اسْتَوى.
وَقِيلَ: لِأَنَّهُ يَمْسَحُ الأرْض: أَيْ يَقْطَعُها.
وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَمِ: إِنَّهُ المِسِّيح، بِوَزْنِ سِكِّيتٍ، وَإِنَّهُ الَّذِي مُسِحَ خَلْقُه: أَيْ شُوِّهَ.
وَلَيْسَ بِشَيْءٍ.
[هـ] وَفِي صِفَتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «مَسِيحُ القَدَمَين» أَيْ مَلْسَاوانِ لَيِّنَتَان، لَيْسَ فِيهِمَا تَكَسُّرٌ وَلَا شُقَاقٌ، فإذَا أصابَهُما الماءُ نَبَا عَنْهُمَا.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ المُلاَعَنِةَ «إِنْ جاءَتْ بِهِ مَمْسُوحَ الألْيَتَين» هُوَ «1» الَّذِي لَزِقَتْ ألْيَتَاهُ بالعَظْم، وَلَمْ يَعْظُما. رجلٌ أَمْسَحُ، وامرأةٌ مَسْحَاءُ.
(س) وَفِيهِ «تَمَسَّحُوا بِالْأَرْضِ فَإِنَّهَا بِكُمْ بَرَّةٌ» أَرَادَ بِهِ التَّيُّمم.
وَقِيلَ: أَرَادَ مُبَاشَرَة تُرَابها بالجِبَاه فِي السَّجُود مِنْ غَيْرِ حائلٍ، وَيَكُونُ هَذَا أمْرَ تَأْدِيبٍ واسْتحْباب، لَا وُجُوب.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ تَمَسَّحَ وصلَّى» أَيْ تَوضَّأ. يُقَالُ للرجُل إِذَا توضَّأ. قَدْ تَمَسَّح.
والمَسْحُ يكُونُ مَسْحاً باليَدِ وغَسْلاً.
(س) وَفِيهِ «لَمَّا مَسَحْنا البَيْتَ أحْلَلْنا» أَيْ طُفْنا بِهِ، لِأَنَّ مَن طَافَ بِالْبَيْتِ مَسَحَ الرُّكْن، فَصَار اسْمًا للطَّوَاف.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ «أَغِرْ عَلَيْهِمْ غَارَةً مَسْحَاءَ» هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ «2» ، وَهِيَ فَعْلاَء. مِنْ مَسَحَهُم، إِذَا مَرَّ بِهِمْ مَرّاً خَفِيفاً، وَلَمْ يُقِم فِيهِ عِنْدَهُمْ.
__________
(1) هذا شرح شَمِر، كما ذكر الهروي.
(2) يروى «سَحّاء» و «سَنْحَاء» وسبقت الروايتان.(4/327)
(س) وَفِي حَدِيثِ فَرَس المُرَابِط «إِنَّ عَلَفَه وَرَوْثَه، ومَسْحاً عَنْهُ، فِي مِيزَانِهِ» يُرِيد مَسْحَ التُّرابِ عَنْهُ، وتَنْظيفَ جِلْدِه.
وَفِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ عليه السلام «فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ»
قِيلَ: ضَرَب أعْناقَها وعَرْقَبَها. يُقَالُ: مَسَحَهُ بالسَّيفِ، أَيْ ضربَهُ.
وَقِيلَ: مسحَها بِالْمَاءِ بِيَدِهِ. والأوّلُ أشبهُ.
(س) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عباسٍ «إِذَا كَانَ الْغُلَامُ يَتيماً فامسحُوا رَأْسَهُ مِنْ أعْلاهُ إِلَى مُقَدَّمِهِ وَإِذَا كَانَ لَهُ أبٌ فامسحُوا مِنْ مُقَّدمِهِ إِلَى قَفَاهُ» قَالَ أَبُو مُوسَى: هَكَذَا وجَدْته مَكتُوباً، وَلَا أعْرِفُ الحديثَ وَلَا معناهُ.
(هـ) وَفِيهِ «يَطْلُع عَلَيْكُمْ مِنْ هَذَا الفَجّ مِن خَيْرِ ذِي يَمَنٍ، عَلَيْهِ مَسْحَةُ مَلَكٍ «1» . فَطَلَعَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ» .
يُقَالُ: عَلَى وَجْهِهِ مَسْحَةُ مَلَكٍ «2» ، ومَسْحَةُ جَمالٍ: أَيْ أثرٌ ظَاهرٌ مِنْهُ. وَلَا يُقَالُ ذَلِكَ إلاَّ فِي المدْح.
(س) وَفِي حَدِيثِ عَمّار «أَنَّهُ دُخِلَ عَلَيْهِ وَهُوَ يُرجّلُ مَسَائِحَ مِنْ شَعْرِه» المَسائحُ: مَا بَيْنَ الأذنِ وَالْحَاجِبِ، يصْعَدُ حَتَّى يكونَ دُونَ اليافُوخ.
وَقِيلَ: هِيَ الذَّوائبُ وشَعَرُ جانِبَيِ الرأسِ، واحدتُها: مَسِيحةٌ. والماسِحةُ: الماشِطةُ.
وَقِيلَ: المَسِيحةُ: مَا تُرِكَ «3» مِنَ الشَّعْرِ، فَلَمْ يُعالَجْ بِشَيْءٍ.
وَفِي حَدِيثُ خَيْبَر «فخرَجُوا بمَسَاحِيهم ومكاَتِلهم» المَسَاحى: جمعُ مِسْحَاةٍ، وَهِيَ المِجْرفة مِنَ الْحَدِيدِ. والميمُ زائدةٌ؛ لِأَنَّهُ مِنَ السَّحْوِ: الكَشْفِ والإزالةِ. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(مَسَخَ)
- فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «الجانُّ مَسِيخُ الجِنِّ، كَمَا مُسِخَتِ القِرَدَةُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ» الجانُّ: الحيَّاتُ الدِّقاقُ.
__________
(1) في الأصل، واللسان: «مُلْك» بالضم والسكون. وهو خطأ، صوابه من: ا، ومما يأتي في (ملك) وقد نبّه عليه هناك مصحح الأصل.
(2) في الأصل، واللسان: «مُلْك» بالضم والسكون. وهو خطأ، صوابه من: ا، ومما يأتي في (ملك) وقد نبّه عليه هناك مصحح الأصل.
(3) في اللسان: «ما نزل» .(4/328)
ومَسِيخٌ: فَعيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، مِنَ المَسْخِ، وَهُوَ قَلْب الخِلْقَة مِنْ شَيْءٍ إِلَى شَيْءٍ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الضَّباب «إنَّ أمَّةً مِنَ الأُمَمِ مُسِخَت، وأخْشَى أَنْ تكونَ مِنْهَا» .
(مَسَدَ)
- فِيهِ «حَرَّمتُ شَجَرَ المدينةِ إلاَّ مَسَدَ مَحالةٍ» المَسَدُ: الحبلُ المَمْسُود: أَيِ المَفْتولُ مِنْ نَباتٍ أَوْ لِحاءِ شجرةٍ.
وَقِيلَ: المَسَدُ: مِرْوَد البَكَرة الَّذِي تَدُور عَلَيْهِ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ أذِنَ فِي قَطْعِ المَسَد والقائمتينِ» .
وَحَدِيثُ جَابِرٍ «إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليَمَنعُ أَنْ يُقْطَعَ المَسَدُ» .
والمَسَدُ: اللَّيفُ أَيْضًا، وَبِهِ فُسِّر قَوْلُهُ تَعَالَى: فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ
فِي قولٍ.
(مَسِسَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ أمِّ زَرْع «المَسُّ مَسُّ أرْنَبٍ» وَصَفَتْه بِلِينِ الجانبِ وحُسْنِ الخُلُقِ.
وَفِي حَدِيثِ فَتْحِ خَيْبر «فمَسَّه بعَذابٍ» أَيْ عاقَبَه.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي قَتادة والمِيضَأةَ «فأتَيْتَه بِهَا فَقَالَ: مَسُّوا مِنْهَا» أَيْ خُذُوا مِنْهَا الماءَ وتوضَّأوا.
يُقَالُ: مَسِسْتُ «1» الشيءَ أَمَسُّه مَسّاً، إِذَا لَمسْتَه بِيَدِكَ، ثُمَّ استُعير لِلْأَخْذِ وَالضَّرْبِ لِأَنَّهُمَا بِالْيَدِ، وَاسْتُعِيرَ للجِماع؛ لِأَنَّهُ لمْسٌ، وللجُنون؛ كأنَّ الجِنَّ مَسَّتْه. يُقَالُ: بِهِ مَسٌّ مِنْ جُنونٍ.
وَفِيهِ «فأصبتُ مِنْهَا مَا دُونَ أَنْ أَمَسَّها» يُرِيدُ أَنَّهُ لَمْ يُجامِعْها.
وَفِي حَدِيثِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ «وَلَمْ يَجِدْ «2» مَسّاً مِنَ النَّصَب» هُوَ أوّلُ مَا يُحَسُّ بِهِ مِنَ التَّعَب.
(س) وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «لَوْ رَأيتُ الوُعُول تَجْرُش مَا بَيْنَ لابَتَيْها مَا مِسْتُها» هَكَذَا رُوي. وَهِيَ لغةٌ فِي مَسِسْتُها «3» . يُقَالُ: مِسْتُ الشَّيْءَ، بِحَذْفِ السِّينِ الأولى وتحويل
__________
(1) من باب تَعِب، ومن باب قَتل، لغة. كما جاء في المصباح.
(2) في اللسان: «ولم نجد» .
(3) في اللسان «في مَسْتها» .(4/329)
كسْرتِها إِلَى الْمِيمِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يُقِرُّ فتحتهَا بِحَالِهَا، كظَلتُ فِي ظَلِلْتُ.
(مِسْطَحٌ)
(س) فِيهِ «أَنَّ حَمَلَ بنَ مالكٍ قَالَ: كنتُ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ، فضَربتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِمِسْطَحٍ» المِسْطَحُ، بِالْكَسْرِ: عَمودُ الخَيْمة، وعْودٌ مِنْ عيدانِ الخِباءِ.
(مَسَقَ)
- فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ «ابْلَغْتُ الراتَع مَسْقاتَه» المَسْقَاةُ بِالْفَتْحِ: موضعُ الشُّرب، وَالْمِيمُ زائدةٌ. أَرَادَ أَنَّهُ جَمَع لَهُ مَا بَيْنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ. ضَرَبَه مَثَلًا لرِفْقِه برَعِيَّتِه.
(مَسَكَ)
(هـ) فِي صِفَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «بادِنٌ مُتَمَاسِكٌ» أَيْ مُعْتَدِلُ الخَلْقِ، كَأَنَّ أعضاءَه يُمْسِكُ بعضُها بَعْضًا.
(هـ) وَفِيهِ «لَا يُمْسِكَنَّ النَّاسُ عَلَيَّ بِشَيْءٍ، فَإِنِّي لَا أُحِلُّ إلاَّ مَا أحَلَّ اللَّهُ، وَلَا أُحَرِّم إِلَّا مَا حَرَّمَ اللَّهُ» مَعْنَاهُ «1» أَنَّ اللهَ أحَلَّ لَهُ أشياءَ حرَّمَها «2» عَلَى غَيْرِهِ، مِنْ عَدَدِ النِّسَاءِ، وَالْمَوْهُوبَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وفَرَض عَلَيْهِ أَشْيَاءَ خفَّفَها عَنْ غَيْرِهِ فَقَالَ: «لَا يُمْسِكَنَّ الناسُ عليَّ بِشَيْءٍ» يَعْنِي مِمَّا خُصِصْتُ بِهِ دُونَهُمْ.
يُقَالُ: أَمْسَكْتُ الشيءَ وَبِالشَّيْءِ، ومَسَكْتُ بِهِ وتَمَسَّكْتُ، واسْتَمْسَكْتُ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «مَن مَسَكَ مِنْ هَذَا الفَيْء بِشَيْءٍ» أَيْ أَمْسَكَ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الحَيض «خُذي فِرْصَةً مُمَسَّكة فتطَيَّبِي بِهَا» الفِرْصةُ: القِطْعة، يُرِيدُ قِطعةً مِنَ المِسْكِ، وتَشْهدُ لَهُ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى: «خُذي فِرْصةً مِنْ مِسْكٍ فَتَطَيَّبِي بِهَا» .
والفِرْصةُ فِي الْأَصْلِ: القِطعةُ مِنَ الصوفِ والقُطن وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَقِيلَ: هُوَ مِنَ التَّمَسُّك بِالْيَدِ.
وَقِيلَ «3» : مُمَسَّكةً: أَيْ مُتَحمَّلةً»
. يَعْنِي تَحْتَمِلينها مَعَكِ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: «المُمَسَّكةُ: الخَلَقُ الَّتِي أُمْسِكَت كَثِيرًا، كَأَنَّهُ أَرَادَ أَلَّا تَستعمِل
__________
(1) هذا من قول الإمام الشافعي رضي الله عنه. كما جاء في الهروي.
(2) في الهروي: «حَظَّرها» .
(3) القائل هو القتيبي، كما ذكر الهروي.
(4) في الهروي: «مُحْتَمَلة» .(4/330)
الجديدَ [مِنَ الْقُطْنِ وَالصُّوفِ] «1» ، للارْتفاق بِهِ فِي الغَزْلِ وغيرهِ، وَلِأَنَّ الخَلَقَ أصلَحُ لِذَلِكَ وأوْفَقُ» .
وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ أكثرُها متكلَّفةٌ. وَالَّذِي عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ أَنَّ الحائضَ عِنْدَ الِاغْتِسَالِ مِنَ الحيضِ يُسْتحبُّ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ شَيْئًا يَسِيرًا مِنَ المِسْكِ تتطَيَّبُ بِهِ، أَوْ فِرْصةً مطَيَّبةً بالمِسْكِ.
(س) وَفِيهِ «أَنَّهُ رَأَى عَلَى عَائِشَةَ مَسَكَتَيْنِ مِنْ فضةٍ» المَسَكَةُ بِالتَّحْرِيكِ: السِّوارُ مِنَ الذَّبْلِ، وَهِيَ قُرون الأوْعالِ.
وَقِيلَ: جلودُ دَابَّةٍ بحْرِيَّة. والجمعُ: مَسَكٌ «2» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي عَمْرٍو النَّخَعِيّ «رَأَيْتُ النُّعمانَ بنَ المنذِر وَعَلَيْهِ قُرْطانِ ودُمْلَُجانِ ومَسَكَتان» .
وَحَدِيثُ عَائِشَةَ «شيءٌ ذفيفٌ يُرْبَطُ بِهِ المَسَكُ» .
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ بَدْرٍ «قَالَ ابْنُ عوفٍ، وَمَعَهُ أُمَيَّةُ بنُ خَلَفٍ: فَأَحَاطَ بِنَا الأنصارُ حَتَّى جَعَلُونَا فِي مِثلِ المَسَكَةِ» أَيْ جَعَلُونَا فى حلقة كالسّوار وأحد قوابنا. وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرها فِي الْحَدِيثِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ خَيْبَرَ «أَيْنَ مَسْكُ حُيَيِّ بنِ أخطَبَ؟ كَانَ فِيهِ ذَخيرةٌ مِنْ صامِتٍ وحُلِيٍّ قُوِّمَت بِعَشْرَةِ آلَافِ دينارٍ، كَانَتْ أَوَّلًا فِي مَسْكِ حَمَلٍ، ثُمَّ مَسْكِ ثورٍ، ثُمَّ فِي مَسْكِ جَمَلٍ» المَسْكُ، بِسُكُونِ السِّينِ: الجِلْد.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «مَا كَانَ [عَلَى «3» ] فِراشي إِلَّا مَسْكُ كَبْش» أَيْ جِلْدُه.
(هـ) وَفِيهِ «أَنَّهُ نَهَى عَنْ بيعِ المُسْكَان» هُوَ بِالضَّمِّ: بيعُ العُرْبان والعُرْبونِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَرْفِ الْعَيْنِ، ويُجْمَع عَلَى مَسَاكِين.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ خَيْفان «أَمَّا بَنُو فلانٍ فَحَسَكٌ أمْراسٌ، ومُسَكٌ أحماسٌ» المُسَكُ:
__________
(1) ليس في الفائق 1/ 239.
(2) في ا: «المَسَك» .
(3) من اللسان.(4/331)
جَمْعُ مُسَكَةٍ، بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ السِّينِ فِيهِمَا، وَهُوَ الرجلُ الَّذِي لَا يَتَعَلّقُ «1» بشيءٍ فيُتخَلَّصَ مِنْهُ، وَلَا يُنازِلُه مُنازِلٌ فيُفْلِتَ.
وَهَذَا البناءُ يختصُّ بِمَنْ يكثُر مِنْهُ الشيءُ، كالضُّحَكةِ والهُمَزةِ.
وَفِي حَدِيثِ هندٍ بِنْتِ عُتْبةَ «إِنَّ أَبَا سفيانَ رجلٌ مَسِيكٌ» أَيْ بَخيلٌ يُمْسِكُ مَا فِي يَدَيْهِ لَا يُعطيه أَحَدًا. وَهُوَ مِثْلُ الْبَخِيلِ وَزْنًا وَمَعْنًى.
وَقَالَ أَبُو مُوسَى: إِنَّهُ «مِسِّيكٌ» بِالْكَسْرِ وَالتَّشْدِيدِ، بِوَزْنِ الخِمِّير والسِّكِّيرِ. أَيْ شديدُ الإِمْسَاكِ لِمالِه. وَهُوَ مِنْ أبنيةِ الْمُبَالَغَةِ.
قَالَ: وَقِيلَ: المَسِيكُ: البخيلُ، إلاَّ أنَّ المحفوظَ الأوّلُ.
وَفِيهِ ذِكْرُ «مَسْكِن «2» » هُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْكَافِ: صُقْع بِالْعِرَاقِ، قُتِلَ فِيهِ مُصْعَبُ بنُ الزُّبير، وموضعٌ بدُجَيلِ الأهْواز، حَيْثُ كَانَتْ وَقْعَةُ الْحَجَّاجِ وَابْنِ الْأَشْعَثِ.
بَابُ الْمِيمِ مَعَ الشِّينِ
(مَشَجَ)
(هـ) فِي صِفَةِ الْمَوْلُودِ «ثُمَّ يَكُونُ مَشِيجاً أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» المَشِيجُ: المختلِطُ مِنْ كلِّ شيء مخلوطٍ، وجمْعُه: أَمْشَاجٌ.
__________
(1) في الهروي، والصحاح، واللسان: «لا يَعْلَق» .
(2) في الأصل، وا، واللسان: «مَسْكِ» وكذا هو في نسخة من النهاية بدار الكتب المصرية، برقم 590 حديث. وقال السيوطي في الدر النثير: «ومسك، كفرح: صقع بالعراق» . وجاء بهامش الأصل واللسان: «في ياقوت أن الموضع الذي قتل به مصعب والذي كانت به وقعة الحجّاج مَسْكِن، بالنون آخره، كمسجد، وهو المناسب لقوله: وكسر الكاف» . وقد وجدت في نسخة من النهاية برقم 517 حديث بدار الكتب المصرية: «مَسْكِنَ» وهذه النسخة بخط قديم، وهي جيدة جداً، لكنها للأسف تبدأ بحرف القاف. وجاء في ياقوت 8/ 54: «مَسْكِن، بالفتح ثم السكون، وكسر الكاف، ونون» .(4/332)
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «وَمَحطّ الأَمْشَاجِ مِنْ مَسارِبِ الْأَصْلَابِ» يُرِيدُ المَنِيَّ الَّذِي يَتَوَلَّدُ مِنْهُ الْجَنِينُ.
(مَشَرَ)
[هـ] فِي صِفَةِ مَكَّةَ «وأَمْشَرَ سَلَمُها» أَيْ خَرَجَ ورَقُه وَاكْتَسَى بِهِ. والمَشْرُ:
شيءٌ كالخُوصِ يَخرُج فِي السَّلَم والطَّلْح، وَاحِدَتُهُ: مَشْرَةٌ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي عُبيدة «فَأَكَلُوا الخَبَط وَهُوَ يَوْمَئِذٍ ذُو مَشْرٍ» .
(هـ) وَفِي حَدِيثِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ «إِذَا أكلتُ اللَّحْمَ وَجدتُ فِي نَفْسِي تَمْشِيرا» أَيْ «1» نَشاطاً للجِماع.
جَعَلَهُ الزمخشريُّ حَدِيثًا مَرْفُوعًا.
(مَشَشَ)
(هـ) فِي صِفَتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «جَلِيلُ المُشاشِ» أَيْ «2» عَظِيمُ رُءُوسِ العِظام، كالمِرْفَقَيْن والكَتِفين، والرُّكبتين.
قَالَ الجوهريُّ: هِيَ رُءُوسُ العِظام الليَّنة الَّتِي يُمْكِنُ مَضغُها.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «مُلِيءَ عَمَّارٌ إِيمَانًا إِلَى مُشَاشِه» .
وَفِي شِعْرِ حَسَّان «3» :
بضَرْبٍ كإيزاعِ المَخاضِ مُشَاشُهُ
أَرَادَ بالمُشاش هَاهُنَا بَوْلَ النُّوقِ الحَوامِلِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ أمِّ الهيثم «مازلت أَمُشّ الأدوِيةَ» أَيْ أخلِطُها.
وَفِي صِفَةِ مَكَّةَ «وأَمَشَّ سَلَمُها» أَيْ خَرَجَ مَا يَخْرُج فِي أَطْرَافِهِ ناعِماً رَخْصاً.
والروايةُ «أمْشرَ» بِالرَّاءِ.
(مَشَطَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ سِحْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم «أنه طُبَّ في مُشْطٍ
__________
(1) هذا شرح ابن الأعرابي، كما في الهروي.
(2) وهذا شرح أبي عبيد، كما في الهروي أيضاً.
(3) ديوانه ص 288 بشرح البرقوقي. والرواية فيه:
بِطَعْنٍ كإيزاغ المَخاضِ رَشاشُهُ ... وضربٍ يُزيل الهامَ عن كلّ مفرق(4/333)
ومُشاطَةٍ» هِيَ الشَّعَر الَّذِي يَسْقُط مِن الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، عِنْدَ التَّسْرِيحِ بالمُشْط.
(مَشَعَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُتَمَشَّعَ برَوْثٍ أَوْ عَظْمٍ» التَّمَشُّعُ «1» : التَّمَسُّح فِي الاستِنجاء. وتَمَشَّعَ «2» وامْتَشَعَ «3» ، إِذَا أَزَالَ «4» عَنْهُ الأذَى.
(مِشْفَرٌ)
- فِيهِ «أَنَّ أعرابيَّاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ النُقْبَة قَدْ تَكُونُ بمِشْفَر الْبَعِيرِ فِي الْإِبِلِ الْعَظِيمَةِ فتَجْرَبُ كُلُّهَا، قَالَ: فَمَا أجَربَ الأوّلَ؟» المِشْفَرُ لِلْبَعِيرِ: كالشَّفَةِ لِلْإِنْسَانِ، والْجَحْفَلةِ للفرسِ. وَقَدْ يُسْتعارُ لِلْإِنْسَانِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: مَشافِرُ الحَبَشِيِّ. وَالْمِيمُ زائدةٌ.
(مَشَقَ)
(س) فِيهِ «أَنَّهُ سُحِرَ فِي مُشْطٍ ومُشاقةٍ» هِيَ المُشاطة، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ. وَهِيَ أَيْضًا مَا يَنْقطِع مِنَ الإبْرَيسَم والكَتَّان عِنْدَ تخليصِه وتسرِيحه. والمَشْقُ: جَذْبُ الشَّيْءِ لِيطولَ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «رَأَى عَلَى طلحةَ ثوبينِ مَصْبُوغَيْنِ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟
قَالَ: إِنَّمَا هُوَ مِشْقٌ» المِشْقُ بِالْكَسْرِ: المَغَرَةُ. وثوبٌ مُمَشَّقٌ: مصبوغٌ بِهِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ «وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ مُمَشَّقانِ» .
وحديث جابر «كنا نَلْبَسُ المُمَشَّقَ فِي الإحْرام» .
(مَشَكَ)
(س) فِي حَدِيثِ النَّجاشيّ «إِنَّمَا يَخْرُج مِنْ مِشكاةٍ واحدةٍ» المِشكاةُ:
الكُوّةُ غيرُ النَّافِذَةِ.
وَقِيلَ: هِيَ الحديدةُ الَّتِي يُعَلَّقُ عَلَيْهَا القِنديل.
أَرَادَ أَنَّ الْقُرْآنَ والإِنجيل كلامُ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُمَا مِنْ شيءٍ وَاحِدٍ.
(مُشَلَّلٌ)
- فِيهِ ذِكْرُ «مُشَلَّل» بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الشِّينِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ الْأُولَى وَفَتْحِهَا:
موضعٌ بين مكة والمدينة.
__________
(1) هذا شرح النَّضْر، كما في الهروي.
(2) وهذا قول ابن الأعرابي، كما في الهروي، أيضاً.
(3) مكان هذا في الهروي: «وامتشّ» وجاء بهامش اللسان: «قوله: وتمشع وامتشع، كذا بالأصل والذي في نسخة النهاية على إصلاح بها بدل امتشع امتّش، بوزن افتعل. وفي القاموس: امتشّ المتغوِّط: استنجى بحَجَرٍ أو مَدَر» .
(4) في الأصل: «إذا زال» والتصويب من ا، والهروي، واللسان.(4/334)
(مُشْمَعِلٌ)
- فِي حَدِيثِ صفيةَ أمَّ الزُّبير «كَيْفَ رأيتَ زَبْراً، أقِطاً وتَمراً، أَمْ مُشْمَعِلّا صَقْراً» المُشْمَعِلّ: السريعُ الْمَاضِي. وَالْمِيمُ زائدةٌ. يُقَالُ: اشْمَعَلَّ فَهُوَ مُشْمَعِلٌّ.
(مِشْوَذٌ)
- فِيهِ «فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى المَشَاوِذ والتَّساخين» المَشَاوِذ: الْعَمَائِمُ، الواحدُ: مِشْوَذٌ. وَالْمِيمُ زائدةٌ. وَقَدْ تَشَوَّذَ الرجلُ واشْتاذَ، إِذَا تَعَمَّم.
(مَشَى)
[هـ] فِيهِ «خَيْرُ مَا تَداوَيْتَم بِهِ المَشِيُّ» يُقَالُ: شَرِبْتُ مَشِيّاً ومَشوّاً، وَهُوَ الدَّواء المُسْهِلُ، لِأَنَّهُ يَحْمِلُ شارِبَه عَلَى المشْيِ، والتردُّدِ إِلَى الخَلاء.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَسْمَاءَ «قَالَ لَهَا: بِمَ تَسْتَمْشِين؟» أَيْ بِمَ تُسْهِلِين بطنَك.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أرادَ المشيَ الَّذِي يعرِض عِنْدَ شُرْبِ الدَّواء إِلَى المَخْرَج.
وَفِي حَدِيثِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ «فِي رَجُلٍ نَذَر أَنْ يَحَجَّ ماشِيا فأعْيا، قَالَ: يَمْشِي مَا رَكب، ويَرْكَبُ مَا مَشَى» أَيْ أَنَّهُ يَنْفُذُ لِوَجْهِهِ، ثُمَّ يَعُودُ مِنْ قابِل فَيَرْكَبُ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي عَجَزَ فِيهِ عَنِ المَشْي، ثُمَّ يَمشِي مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ كلَّ مَا رَكِبَ فِيهِ مِنْ طَرِيقِهِ.
(هـ) وَفِيهِ «أَنَّ إسماعيلَ أَتَى إِسْحَاقَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، فَقَالَ لَهُ: إنَّا لَمْ نَرِثْ مِنْ أَبِينَا مَالًا، وَقَدْ أثْرَيْتَ وأَمْشَيْتَ، فَأَفِئْ عليَّ مِمَّا أفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ، فَقَالَ: ألم ترض أنى لم أستعبدك حتى حَتَّى تَجيئَني فتسألَني الْمَالَ؟» .
قولُه «أثْرَيْتَ وأَمْشَيْتَ» : أَيْ كَثُر ثَراك، يَعْنِي مَالَكَ، وكثُرَت ماشِيَتُك.
وَقَوْلُهُ: «لَمْ أسْتَعْبِدك» : أَيْ لَمْ أتَّخْذك عَبْدًا.
قِيلَ: كَانُوا يَسْتعبِدون أولادَ الإماءِ. وَكَانَتْ أمُّ إِسْمَاعِيلَ أمَةً، وَهِيَ هاجَرُ، وأمُّ إِسْحَاقَ حُرَّةً، وَهِيَ سارّةُ.
وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ «الماشيةِ» فِي الْحَدِيثِ، وجمعُها: المَواشى، وَهِيَ اسمٌ يَقَعُ عَلَى الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ. وَأَكْثَرُ مَا يُسْتعملُ فِي الغَنَم.
بَابُ الْمِيمِ مَعَ الصَّادِ
(مَصَحَ)
- فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ «دَخَلَت إِلَيْهِ أمُّ حَبيبةَ وَهُوَ محصورٌ، بِمَاءٍ فِي إداوةٍ، فَقَالَتْ: سبحانَ اللهِ! كأنَّ وجههَ مِصْحاةٌ» المِصْحاة، بِالْكَسْرِ: إناءٌ مِنْ فضةٍ يُشِرَبُ فِيهِ.(4/335)
قيل: كأنه من الصَّحْو؛ ضدّ الغَيْمِ، لِبَياصِها ونَقائها.
(مَصَخَ)
(هـ) فِيهِ «لَوْ ضَرَبك بأُمْصُوخِ عَيْشُومَةٍ لَقَتَلَكَ» الامْصوخُ: خُوصُ الثُّمام، وَهُوَ أَضْعَفُ مَا يَكُونُ.
(مَصَرَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ «يَنْزِلُ بَيْنَ مُمَصَّرَتَيْنِ» المُمَصَّرةُ مِنَ الثِّيَابِ: الَّتِي فِيهَا صُفْرَةٌ خَفِيفَةٌ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَتَى عَلِيٌّ طَلْحَةَ وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ مُمَصَّرانِ» .
وَفِي حَدِيثِ مَوَاقِيتِ الْحَجِّ «لمَّا فُتح هذانِ المِصران» المِصْرُ: البَلَدُ. وَيُرِيدُ بِهِمَا الْكُوفَةَ والبَصرة.
قَالَ الأزهريُّ: قِيلَ لَهُمَا المِصْران؛ لأنَّ عُمَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَهُمْ: لَا تَجْعلوا البحرَ فِيمَا بَيْنِي وبيْنَكم، مَصِّرُوها» أَيْ صَيِّرُوها مِصْراً بَيْنِي وَبَيْنَ الْبَحْرِ. يَعْنِي حَدّاً. والمِصْرُ: الحاجزُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «وَلَا يَمْصُرُ لَبَنَهَا «1» ، فَيَضُّرَ ذَلِكَ بوَلَدها» المَصْرُ: الحَلْبُ بِثَلَاثِ أصابعَ.
يُرِيدُ لَا يُكْثِرُ مِنْ أخْذِ لَبَنِها.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَبْدِ الْمَلِكِ «قَالَ لحالِبِ نَاقَةٍ: كَيْفَ تَحْلُبُها؟ مَصْراً أَمْ فَطْراً؟» .
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحَسَنِ «مَا لَمْ تَمْصُرْ» أَيْ تَحْلُبْ. أَرَادَ أَنْ تَسْرق اللبَن.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ زِياد «إِنَّ الرجلَ ليَتكلَّمُ بالكلمةِ لَا يَقْطَعُ بها ذَنَبَ عَنْزٍ مَصُورٍ، لو بَلَغَت إمامَه سَفَك «2» دمَه» المَصُور مِنَ المَعز «3» خَاصَّةً، وَهِيَ الَّتِي انْقَطَعَ لبَنُهَا، والجمعُ: مَصَائِرُ.
(مَصَصَ)
(س) فِي حَدِيثِ عُمَرَ «أَنَّهُ مَصَّ مِنْهَا» أَيْ نالَ القليلَ مِنَ الدُّنْيَا. يُقَالُ:
مَصِصْتُ بالكسر، أَمَصُّ مَصّاً «4» .
__________
(1) في اللسان: «ولا يُمْصَرُ لَبَنُها» .
(2) الهروي: «سَفكَتْ» .
(3) في الهروي: «العنز» .
(4) ومَصَصْتُه أمُصُّه، كخَصَصْتهُ أَخُصُّه. قاله في القاموس.(4/336)
(س) وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «أَنَّهُ كَانَ يأكلُ مُصُوصا بخَلِّ خمْرٍ» هُوَ لحمٌ يُنْقَعُ فِي الخَلِّ ويُطْبَخُ.
ويَحْتمِل فَتْحَ الْمِيمِ، وَيَكُونُ فَعُولاً مِنَ المَصِّ.
وَفِي حَدِيثِهِ الْآخَرِ «شَهَادَةً مُمْتَحَناً إخْلاصُها مُعتَقَداً مُصاصُها» المُصاصُ: خَالِصُ كُلِّ شَيْءٍ.
(مَصَعَ)
(س [هـ] ) فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ «والفِتْنَةُ قَدْ مَصَعَتْهم» أَيْ عَرَكَتهم وَنَالَتْ مِنْهُمْ. وأصلُ المَصْع: الحَرَكةُ والضربُ. والمُمَاصَعةُ والمِصاعُ: المُجالدةُ والمُضارَبة.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ ثَقِيف «تَرَكُوا المِصاعَ» أَيِ الجِلادَ والضَّرابَ.
(هـ) وَحَدِيثُ مُجَاهِدٍ «البَرْقُ مَصْعُ مَلَكٍ يَسُوقُ السَّحابَ» أَيْ يَضْرِبُ السحابَ ضَرْبَةً فيُرَى البَرْقُ يَلْمَعُ.
(س [هـ] ) وَحَدِيثُ عُبيد بْنِ عُمَير، فِي المَوْقُوذة «إِذَا مَصَعَت بذَنَبِها» أَيْ حَرَّكْته وضَربَتْ بِهِ «1» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ دمِ الْحَيْضِ «فَمَصَعَتْه بظُفرِها» أي حَرَّكَته وفَرَكَته.
(مصمص)
(هـ) فِيهِ «القتلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مُمَصْمِصَة «2» » أَيْ مُطَهِّرة «3» مِنْ دَنَس الْخَطَايَا.
يُقَالُ «4» : مَصْمَص إناءَه، إِذَا جَعل فِيهِ الماءَ، وحَرَّكه ليَتَنَظَّف.
إِنَّمَا أَنَّثَها والقَتْل مُذَكَّر؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ مَعْنَى الشَّهادة، أَوْ أَرَادَ خَصْلة مُمَصْمِصةً، فَأَقَامَ الصِّفَةَ مقام الموصوف «5» .
__________
(1) زاد الهروي: «يريد إذا ذُبِحت على تلك الحال جاز أكلُها» .
(2) في الهروي: «مَصْمَصَة» .
(3) في الهروي: «مَطْهَرَة» .
(4) القائل هو الأصمعي، كما ذكر الهروى.
(5) قال الهروي: «وأصله من المَوْص، وهو الغَسْل. وقد تُكرر العرب الحرفَ. وأصله من معتل. من ذلك: خضخضتُ الدَّلْو في الماء، وأصله من الخوض» .(4/337)
وَمِنْهُ حَدِيثُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ «كُنَّا نَتَوَضَّأ مِّما غَيَّرتِ النارُ، ونُمَصْمِصُ مِنَ اللَّبَنِ، وَلَا نُمَصْمِصُ مِنَ التَّمر» .
(هـ) وَحَدِيثُ أَبِي قِلابة «أُمِرنا أن نُمَصْمِصَ من اللَّبَنَ، وَلَا نُمَضمِضَ مِنَ التَّمرةِ» قِيلَ «1» : المَصْمصةُ بطَرَف اللسان، والمضمضة بِالْفَمِ كُلِّهِ.
بَابُ الْمِيمِ مَعَ الضَّادِ
(مَضَرَ)
- فِيهِ «سَأَلَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لِي مِنْ وَلَدِي؟ قَالَ: مَا قَدَّمْتَ مِنْهُمْ، قَالَ: فَمن خَلَّفْتُ بَعْدِي؟ قَالَ: لَكَ مِنْهُمْ مَا لِمُضَرَ مِن وَلَده» أَيْ إنَّ مُضَرَ لَا أجرَ لَهُ فِيمَنْ مَاتَ مِنْ وَلَدِهِ اليومَ، وَإِنَّمَا أجرهُ فِيمَنْ مَاتَ مِنْ وَلَدِهِ قبلَه.
(س [هـ] ) وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ، وذَكَر خُرُوجَ عَائِشَةَ فَقَالَ: «تُقاتِلُ مَعَهَا مُضَرُ، مَضَّرَها اللَّهُ فِي النارِ» أَيْ جَعَلَها فِي النَّارِ، فاشْتَقَّ لِذَلِكَ لفْظاً مِنَ اسْمِهَا. يُقَالُ: مَضَّرْنَا فُلَانًا فَتَمَضَّرَ: أَيْ صيَّرناه كَذَلِكَ، بِأَنْ نَسَبْناه إِلَيْهَا.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: «مَضَّرَها: جَمَعَها، كَمَا يُقَالُ: جَنَّدَ الجُنودَ» «2» .
وَقِيلَ: مَضَّرَها: أهلَكَها، مِنْ قَوْلِهِمْ: ذَهَبَ دمُه خَضِراً مَضِراً «3» : أَيْ هَدَراً.
(مَضَضَ)
(هـ) فِيهِ «وَلَهُمْ كلبٌ يَتَمَضَّضُ عَراقيبَ الناسِ» يُقَالُ: مَضِضْتُ أَمَضُّ، مِثْلُ مَصِصْتُ أمَصُّ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحَسَنِ «خَباثِ، كلَّ عِيدانِك قَدْ مَضِضْنا، فَوَجَدْنَا عاقِبَتَه مُرَّا» خَباث، بِوَزْنِ قَطام: أَيْ يَا خَبِيثَةُ، يُرِيدُ الدُّنْيَا. يَعْنِي جَرَّبْناكِ واخْتَبَرْناكِ، فوجَدْناكِ مُرَّةَ الْعَاقِبَةِ.
(مَضْمَضَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «وَلَا تَذُوقُوا النومَ إِلَّا غرارا ومَضْمَضَةً» لمّا جعل
__________
(1) القائل هو أبو عبيد، كما ذكر الهروي.
(2) زاد في الفائق 3/ 32: «وكتَّب الكتائب» .
(3) هكذا ضُبط، بفتح فكسر، في الأصل، وا. وضبط في اللسان، بكسر فسكون. قال في القاموس (خضر) : «وذهب دمُه خِضْراً مِضْراً، بكسرهما، وككَتِفٍ، هَدَراً» .(4/338)
للنومِ ذَوْقاً أمَرَهم أَلَّا يَنالوا مِنْهُ إِلَّا بألْسِنَتِهم وَلَا يُسِيغوه، فشَبَّهه بالمَضمضة بِالْمَاءِ، وإلقائِه مِنَ الْفَمِ مِنْ غَيْرِ ابْتلاع.
وَقَدْ تَكَرَّرَ ذكر «مَضْمَضَةُ الْوُضُوءِ» فِي الْحَدِيثِ، وَهِيَ معروفةٌ.
(مَضَغَ)
(هـ) فِيهِ «إِنَّ فِي ابْنِ آدمَ مُضْغَةً إِذَا صَلُحَت صَلُحَ الجَسدُ كلُّه» يَعْنِي القلبَ، لِأَنَّهُ قِطعةُ لحمٍ مِنَ الْجَسَدِ. والمُضْغَةُ: القِطْعةُ مِنَ اللحمِ، قَدْرَ مَا يُمْضَغُ، وجَمْعُها: مُضَغٌ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «إِنَّا لَا نَتَعاقَلُ المُضَغَ بَيْنَنَا» أَرَادَ بالمُضَغِ مَا لَيْسَ فِيهِ أرْشٌ معلومٌ مقدَّرٌ، مِنَ الجِراحِ والشَّجاج، شبَّهها «1» بالمُضْغَةِ مِن اللحمِ؛ لقلَّتِها فِي جَنْبِ مَا عظُمَ مِنَ الجِناياتِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ مَشْرُوحًا فِي حَرْفِ الْعَيْنِ.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أكَلَ حَشَفةً مِنْ تَمَراتٍ وَقَالَ: فَكَانَتْ أعْجَبَهُنَّ إليَّ، لِأَنَّهَا شدّتْ فِي مَضَاغِي» المَضَاغُ، بِالْفَتْحِ: الطَّعَامُ يُمْضَغُ. وَقِيلَ: هُوَ المضْغُ نفسهُ. يُقَالُ: لُقْمَةٌ لَيِّنَةُ المَضاغ، وَشَدِيدَةُ المَضاغ. أَرَادَ أَنَّهَا كَانَ فِيهَا قوةٌ عِنْدَ مضغِها.
(مَضَا)
- فِيهِ «لَيْسَ لَكَ مِنْ مالِكَ إلاَّ مَا تَصَدّقتَ فأمضَيت» أَيْ أنْفَذْتَ فِيهِ عطاءَك، وَلَمْ تتوقَّف فِيهِ.
بَابُ الْمِيمِ مَعَ الطَّاءِ
(مَطَرَ)
(هـ) فِيهِ «خَيْرُ نِسَائِكُمُ العَطِرةُ المَطِرَةُ» هِيَ الَّتِي تَتَنَظَّفُ بِالْمَاءِ. أُخِذَ مِنْ لَفْظِ المَطَرِ، كَأَنَّهَا مُطِرت فَهِيَ مَطِرَةٌ: أَيْ صَارَتْ مَمْطُورَةً مَغْسُولَةً.
وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي تُلازِمُ السِّواك.
(س) وَفِي شِعْرِ حَسَّانَ:
تَظَلُّ جِيادُنا مُتَمَطِّراتٍ ... يُلَطِّمُهنّ بالخُمُرِ النساءُ
__________
(1) الذي في الهروي: «شُبَّهت بمُضْغة الخَلْق قبل نفخ الروح فيه، وبالمضْغة الواحدة من اللحم» .(4/339)
يُقَالُ: تَمَطَّرَ بِهِ فَرسُه، إِذَا جَرَى وأسْرَع. وَجَاءَتِ الخيلُ مُتَمَطِّرةً: أَيْ يَسْبِقُ بعضُها بَعْضًا.
(مَطَطَ)
- فِي حَدِيثِ عُمَرَ، وذِكْر الطِّلاء «فأدْخَل فِيهِ أصْبُعه ثُمَّ رفَعَها، فتَبِعها يَتَمَطَّطُ» أَيْ يَتَمَدَّدُ. أَرَادَ أَنَّهُ كَانَ ثَخيناً.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ سَعْدٍ «وَلَا تَمُطُّوا بِآمِينَ» أَيْ لَا تَمُدُّوا.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرّ «إنَّا نأكُلُ الخَطائطَ، ونَرِدُ المَطَائطَ» هِيَ الْمَاءُ المختلِطُ بِالطِّينِ، واحدتُها: مَطِيطةٌ.
وَقِيلَ: هِيَ البقِيَّةُ مِنَ الْمَاءِ الْكَدِرِ، تَبْقَى فِي أَسْفَلِ الْحَوْضِ.
(مَطَا)
(هـ) فِيهِ «إِذَا مَشَت أُمَّتيِ المُطَيْطاءَ» هِيَ بِالْمَدِّ والقَصر: «1» مِشْيةٌ فِيهَا تَبَخْتُرٌ ومدُّ الْيَدَيْنِ «2» . يقال: مَطَوْتُ ومَطَطْتُ، بمعنى مَدَدْتُ، وهي من المَصَغَّراتِ الَّتِي لَمْ يُسْتعمل لَهَا مُكَبَّر.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ «أَنَّهُ مرَّ عَلَى عَلَى بلالٍ وَقَدْ مُطِيَ فِي الشَّمْسِ يُعَذَّبُ» أَيْ مُدَّ وبُطِحَ فِي الشَّمْسِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ خُزَيمة «3» «وتَرَكَتِ المَطِيَّ هَارًا» المَطِيُّ: جَمْعُ مَطِيَّةٍ، وَهِيَ الناقةُ الَّتِي يُرْكَبُ مَطَاها: أَيْ ظَهْرُها. وَيُقَالُ: يَمْطِي «4» بِهَا فِي السيَّر: أَيْ يَمُدُّ. وَقَدْ تَكَرَّرَتْ فِي الْحَدِيثِ.
بَابُ الْمِيمِ مَعَ الظَّاءِ
(مَظَظَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ «مرَّ بِابْنِهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ يُماظُّ جَارًا لَهُ، فَقَالَ لَهُ:
لَا تُمَاظِّ جارَكَ» أَيْ لَا تُنازِعْه. والمُماظَّةُ: شدّةُ المُنازَعةِ والمُخاصَمة، مَعَ طولِ اللُّزوم.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الزُّهْرِي وَبَنِي إِسْرَائِيلَ «وَجَعَلَ رُمّانَهم المَظَّ» هُوَ الرُّمَّان البَرِّيّ.
لَا يُنْتَفَع بحَمْلِه.
(مَظِنٌّ)
(س) فِيهِ «خيرُ النَّاسِ رجلٌ يَطْلبُ الموتَ مَظَانَّه» أَيْ معْدِنه ومكانه
__________
(1) هذا شرح أبي عبيد، كما في الهروي.
(2) في الهروي: «يَدَيْن» .
(3) زاد الهروي: «وذَكَر السَّنَةَ» .
(4) فى الهروى: «يمطى» .(4/340)
الْمَعْرُوفَ بِهِ الَّذِي إِذَا طُلِبَ وُجد فِيهِ، واحدتُها: مَظِنَّة، بِالْكَسْرِ، وَهِيَ مَفْعِلةٌ مِنَ الظَّنّ: أَيِ الْمَوْضِعِ الَّذِي يُظَنُّ بِهِ الشيءُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الظَّنّ بِمَعْنَى الْعِلْمِ، وَالْمِيمُ زائدةٌ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «طلبتُ الدُّنْيَا مَظانَّ حَلالها» أَيِ الْمَوَاضِعَ الَّتِي أعلَمُ فِيهَا الحَلال. وَقَدْ تَكَرَّرَتْ فِي الْحَدِيثِ.
بَابُ الْمِيمِ مَعَ الْعَيْنِ
(مُعْتَاطٌ)
- فِي حَدِيثِ الزَّكَاةِ «فأعْمِد إِلَى عَنَاقٍ مُعْتَاط» المُعْتاط مِنَ الْغَنَمِ: الَّتِي امْتَنَعتْ عَنِ الحَمْلِ؛ لِسِمَنِها وكَثَرة شَحْمِها.
وَهِيَ فِي الْإِبِلِ: الَّتِي لَا تَحْملُ سَنَواتٍ مِنْ غَيْرِ عُقْر. وأصلُها مِنَ الْيَاءِ أَوِ الْوَاوِ.
يُقَالُ لِلنَّاقَةِ إِذَا طَرقها الفحلُ فَلَمْ تَحْمِل: هِيَ عائِطٌ، فَإِذَا لَمْ تَحْمل السَّنةَ المُقْبِلَة أَيْضًا فَهِيَ عَائِط عِيط وعُوط. وتَعَوَّطت، إِذَا رَكِبَها الفحلُ فَلَمْ تَحْمِل. وَقَدِ اعْتاطَت اعْتِياطاً فَهِيَ مُعْتاط.
وَالَّذِي جَاءَ فِي سِياق الْحَدِيثِ: أَنَّ المعْتاطَ التى لم تلد وَقَدْ حَانَ أَنْ تَحْملَ، وَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ معرِفةُ سِنِّها، وَأَنَّهَا قَدْ قاربتِ السِّنَّ الَّتِي يَحْمِل مِثلُها فِيهَا، فَسَمَّى الحَمْل بِالْوِلَادَةِ. وَالْمِيمُ والتاءُ زَائِدَتَانِ.
(مَعَجَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ «فمَعَجَ البحرُ مَعْجَةً تَفَرَّقَ «1» لَهَا السُّفُن» أَيْ ماجَ واضْطَربَ.
(مَعَدَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ عُمَرَ «تَمَعْدَدُوا واخْشَوْشِنُوا» هَكَذَا يُرْوَى مِنْ كَلَامِ عُمَرَ، وَقَدْ رفَعه الطَّبرانيُّ فِي «المُعْجَم» عَنْ أَبِي حَدْرَدٍ الأسْلَمي، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
يُقَالُ: تَمَعْدَدَ الغلامُ، إِذَا شَبَّ وغَلُظَ.
__________
(1) في ا: «فَفَرَّق» .(4/341)
وَقِيلَ: أَرَادَ تَشَبَّهوا بعَيْشِ مَعَدِّ بنِ عَدْنَانَ. وَكَانُوا أهلَ غِلَظٍ وَقَشف: أَيْ كُونُوا مثْلَهم ودَعُوا التَّنَعُّم وزِيَّ العَجَم.
وَمِنْهُ حَدِيثُهُ الْآخَرُ «عَلَيْكُمْ باللِّبْسَة المَعَدِّيَّة» أَيْ خُشُونة اللِباس.
(مَعَرَ)
(س) فِيهِ «فَتَمَعَّرَ وجههُ» أَيْ تَغَيَّر. وأصلُه قلّةُ النَّضارةِ وعدمُ إشْراقِ اللَّونِ، مِنْ قَوْلِهِمْ: مكانٌ أَمْعَرُ، وَهُوَ الجَدْبُ الَّذِي لَا خِصْبَ فِيهِ.
(هـ) وَفِيهِ «مَا أَمْعَرَ حاجٌّ قَطُّ» أَيْ مَا افْتَقَر. وأصلُه مِنْ مَعَرِ الرأسِ، وَهُوَ قلُة شَعَرِه.
وَقَدْ مَعِرَ الرجلُ بِالْكَسْرِ، فَهُوَ مَعِرٌ. والأَمْعَر: القليلُ الشَّعَرِ. وَالْمَعْنَى: مَا افْتَقَر مَن يَحُجُّ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إلَيك مِنْ مَعَرّةِ الْجَيْشِ» المَعَرَّةُ: الأذَى. وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ. وَقَدْ تقدّمتْ فِي الْعَيْنِ.
(مَعَزَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ عُمَرَ «تَمَعْزَزُوا واخْشَوشِنُوا» هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ «1» .
أَيْ كُونُوا أشدّاءَ صُبُراً، مِنَ المَعَزِ، وَهُوَ الشِدّةُ. وَإِنْ جُعِل مِنَ العِزِّ كَانَتِ الْمِيمُ زَائِدَةً، مِثْلُهَا فِي تَمدْرَعَ وتَمسْكَنَ.
(مَعَسَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ مرَّ عَلَى أسماءَ وَهِيَ تَمْعَسُ إِهَابًا لَهَا» .
وَفِي رِوَايَةٍ «مَنِيئةً لَهَا» أَيْ تَدْبُغُ. وأصلُ المَعْسِ: المعْكُ والدَّلْكُ.
(مَعَصَ)
- فِيهِ «أَنَّ عَمْرو بن معديكرب شَكا إِلَى عُمَر المَعَصَ» هُوَ بِالتَّحْرِيكِ:
الْتِواءٌ فِي عَصَبِ الرِّجْلِ.
(مَعَضَ)
(س) فِي حَدِيثِ سَعْدٍ «لمَّا قُتِلَ رُسْتَمٌ بالقادِسِيَّة بَعَث إِلَى النَّاسِ خَالِدَ بْنَ عُرْفُطَةَ وَهُوَ ابنُ أخْتِه، فامتَعَضَ الناسُ امْتِعَاضا شَدِيدًا» أَيْ شَقَّ عَلَيْهِمْ وعَظُم. يُقَالُ: مَعِضَ مِنْ شَيْءٍ سَمِعَه، وامْتَعَضَ، إِذَا غَضِبَ وشَقَّ عَلَيْهِ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ سِيرِينَ «تُسْتَأْمَرُ اليتيمةُ، فَإِنْ مَعِضَت لَمْ تُنْكَح» أَيْ شَقَّ عَلَيْهَا.
وَفِي حَدِيثِ سُراقَة «تَمَعَّضَتِ الفرَسُ» قَالَ أَبُو مُوسَى: هَكَذَا رُوِيَ فِي «المعجم» ولعله من هذا.
__________
(1) الرواية الأخرى: «تَمَعْدَدُوا» وسبقت في (معد) .(4/342)
قَالَ: وَفِي نُسْخَةٍ «فَنَهَضَت» .
قلتُ: لَوْ كَانَ بِالصَّادِّ الْمُهْمَلَةِ مِنَ المعَصِ، وَهُوَ الْتِواءُ الرَّجْلِ لَكَانَ وَجْهاً.
(مَعَطَ)
(هـ) فِيهِ «قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: لَوْ أخذتَ ذاتَ الذَّنْبِ مِنَّا بذَنْبِها، قَالَ: إِذًا أدَعُها كَأَنَّهَا شاةٌ مَعْطاءُ» هِيَ الَّتِي سَقَط صوفُها. يُقَالُ: امّعَطَ شَعْرُه وتَمَعَّطَ، إِذَا تَنَاثَرَ. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
وَفِي حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ «فأعْرَض عَنْهُ فَقَامَ مُتَمَعِّطاً» أَيْ مُتَسَخِّطاً مُتَغَضِّباً. يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِالْعَيْنِ وَالْغَيْنِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ إِسْحَاقَ «إن فلانا وترقوسه ثُمَّ مَعَط فِيهَا» أَيْ مدَّ يَدَيْهِ بِهَا.
والمَعْطُ بِالْعَيْنِ وَالْغَيْنِ: المدُّ.
(مَعَكَ)
(س) فِيهِ «فتمعَّك فِيهِ» أَيْ تَمرَّغَ فِي ترابِه. والمَعْكُ: الدَّلْكُ. والمَعْكُ أَيْضًا: المَطْلُ. يُقَالُ: مَعَكَه بدَيْنَه وماعَكَه.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ «لَوْ كَانَ المَعْكُ رجُلاً كَانَ رجُلَ سَوْء» .
(هـ) وَحَدِيثُ شُرَيح «المَعْكُ طَرَفٌ مِنَ الظُّلْمِ» .
(مَعْمَعَ)
(هـ) فِيهِ «لَا تَهْلِكُ أُمَّتِي حَتَّى يكُونَ بَيْنَهُمُ التَّمايُلُ والتَّمايُزُ والْمَعَامِعُ» هِيَ شدّةُ الْحَرْبِ والجِدُّ فِي الْقِتَالِ.
والمَعْمَعَة فِي الْأَصْلِ: صوتُ الْحَرِيقِ. والمَعْمَعَان: شِدّة الْحَرِّ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابن عمر «كان يَتَتَبَّعُ اليومَ المَعْمَعَانِيَّ فيصومهُ» أَيِ الشديدَ الْحَرِّ.
وَفِي حَدِيثِ ثَابِتٍ «قَالَ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: إِنَّهُ لَيَظَلُّ فِي الْيَوْمِ المَعْمعانِيّ البعيدِ مَا بَيْنَ الطَّرَفين يُراوِحُ مَا بَيْنَ جَبْهَتِه وقَدَميه» .
وَفِي حَدِيثِ أوْفَى بنِ دَلْهم «النّساءُ أربعٌ، فَمِنْهُنَّ مَعْمَعٌ، لَهَا شَيْؤُها أجْمَعُ» هِيَ المسْتبِدّةُ بمالِها عَنْ زوجِها لَا تُواسِيه مِنْهُ، كَذَا فُسِّر.
(مَعَنَ)
(هـ) فِيهِ «قَالَ أنسٌ لِمُصْعَب بنِ الزُّبَيْرِ: أنشُدكَ اللهَ فِي وَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَ عَنْ فراشِه وَقَعَدَ عَلَى بِساطِه وتَمَعَّنَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: أمْرُ(4/343)
رَسُولِ اللَّهِ عَلَى الرَّأْسِ وَالْعَيْنِ» تَمَعَّنَ: أَيْ تَصاغَرَ وتَذَلَّلَ انْقِياداً، مِنْ قَوْلِهِمْ: أَمْعَنَ بِحقّي، إِذَا أذْعَن واعتَرف.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: «هُوَ مِنَ المَعان: الْمَكَانِ. يُقَالُ: موضعُ كَذَا مَعانٌ مِنْ فُلانٍ: أَيْ نَزَلَ عَنْ دَسْتِه، وتمكَّن عَلَى بِساطه تواضُعاً» .
ويُروى «تَمعَّك عَلَيْهِ» أَيْ تَقَلَّب وتَمرَّغ» .
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَمْعَنْتُم فِي كَذَا» أَيْ بالغْتُمْ. وأَمْعَنُوا فِي بَلَد العدُوِّ وَفِي الطَّلَب:
أَيْ جَدّوا وأبْعَدُوا.
وَفِيهِ «وحُسْن مُواساتهم بالماعُون» هُوَ اسمٌ جامعٌ لِمَنَافِعِ الْبَيْتِ، كالقِدْر والمفأس وغيرِهما، مِمَّا جرتِ العادةُ بعارِيَّتِه.
وَفِيهِ ذِكْرُ «بِئْرِ مَعُونَة» بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّ الْعَيْنِ فِي أَرْضِ بَنِي سُلَيم، فِيمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ.
فَأَمَّا بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ فموضعٌ قريبٌ مِنَ الْمَدِينَةِ.
(مِعْوَلٌ)
- فِي حَدِيثِ حَفْر الْخَنْدَقِ «فأخَذَ المِعْوَل فضَرَبَ بِهِ الصَّخْرةَ» المِعْوَلُ بِالْكَسْرِ: الفأسُ. وَالْمِيمُ زائدةٌ، وَهِيَ ميمُ الْآلَةِ.
(مَعَا)
(هـ) فِيهِ «المؤمنُ يأكُل فِي مِعًى واحدٍ، وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعاء» هَذَا مثَلٌ ضَرَبَهُ للمؤمنِ وزُهْده فِي الدُّنْيَا، وَالْكَافِرِ وحِرْصِه عَلَيْهَا. وَلَيْسَ مَعْنَاهُ كثْرَة الأكلِ دُونَ الاتِّساعِ فِي الدُّنْيَا. وَلِهَذَا قِيلَ: الرُّغْبُ شُؤمٌ؛ لِأَنَّهُ يَحملُ صاحبَه عَلَى اقْتحامِ النَّارِ.
وَقِيلَ: هُوَ تخصيصٌ لِلْمُؤْمِنِ وتَحامِي مَا يَجُرُّه الشّبَعُ مِنَ القَسْوة وطاعةِ الشَّهوة.
ووصفُ الكافرِ بكثرةِ الْأَكْلِ إغلاظٌ عَلَى الْمُؤْمِنِ، وتأكيدٌ لِما رُسِمَ لَهُ.
وَقِيلَ: هُوَ خاصٌّ فِي رجُلٍ بعيِنه كَانَ يأكلُ كَثِيرًا فأسْلَم فقَلَّ أكلُه.
والمِعَى: واحُد الأَمْعاء، وَهِيَ المَصارِين.
(هـ) وَفِيهِ «رَأَى عثمانُ رَجُلًا يقْطَع سَمُرَةً فَقَالَ: ألَسْتَ تَرْعَى مَعْوَتَها؟» أَيْ ثمرتهَا إِذَا أدركَت. شَبَّهها بالمَعْوِ، وَهُوَ البُسْر إِذَا أرْطَبَ.
__________
(1) انظر الفائق 3/ 36، ففيه زيادة شرح.(4/344)
بَابُ الْمِيمِ مَعَ الْغَيْنِ
(مَغَثَ)
(س) فِي حَدِيثِ خَيْبَرَ «فَمَغَثَتْهم الحُمَّى» أَيْ أَصَابَتْهُمْ وَأَخَذَتْهُمْ. المَغْثُ:
الضربُ لَيْسَ بِالشَّدِيدِ. وأصلُ المَغْثِ: المَرْسُ والدَّلْكُ بِالْأَصَابِعِ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ قَالَ لِلْعَبَّاسِ: اسْقُونا- يَعْنِي مِنْ سِقايِته- فَقَالَ: إِنَّ هَذَا شرابٌ قَدْ مُغِثَ ومُرِثَ» أَيْ نالَتْه الأْيدِي وخالَطَتْه.
(هـ) وَحَدِيثُ عُثْمَانَ «أَنَّ أمَّ عيَّاش قَالَتْ: كنتُ أَمْغَثُ لَهُ الزَّبيبَ غَدْوةً فيَشْرَبُه عَشِيَّةً، وأَمْغَثُه عَشِيَّةً فيشربُه غُدْوةً» .
(مَغَرَ)
(هـ) فِيهِ «أيُّكم ابنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ قَالُوا: هُوَ الأَمْغَرُ المرتفق» أي هو الأحمرُ المتَّكىءُ عَلَى مِرْفَقِه، مأخوذٌ مِنَ الْمَغْرَة، وَهُوَ هَذَا الْمَدَرُ الْأَحْمَرُ الَّذِي تُصْبَغُ بِهِ الثِّيَابُ. وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُهَا فِي الْحَدِيثِ.
وَقِيلَ «1» : أَرَادَ بالأَمْغَرِ الأبيضَ، لِأَنَّهُمْ يُسُّمون الأبيضَ أحمَرَ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْمُلَاعَنَةِ «إِنْ جَاءَتْ بِهِ أُمَيْغِرَ سَبْطاً فَهُوَ لِزَوْجِهَا» هُوَ تَصْغِيرُ الأَمْغَرِ.
وَحَدِيثُ يأجوجَ وَمَأْجُوجَ «فَرَموا بنِبالهم فخرَّت عَلَيْهِمْ مُتَمَغِّرَةً دَمًا» أَيْ مُحْمَرَّةً بالدَّم.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ «أَنَّهُ قَالَ لجَرير: مَغِّرْ يَا جَريرُ» أَيْ أنشِدْ كلمةَ ابْنِ مَغْرَاءَ وَاسْمُهُ أوْس بْنُ مَغْرَاءَ، وَكَانَ مِنْ شعَراء مُضَر. والمَغْرَاءُ: تأنيثُ الأَمْغَرِ.
(مَغَصَ)
(س) فِيهِ «إِنَّ فُلَانًا وجَد مَغْصاً» هُوَ بِالتَّسْكِينِ: وجَعٌ فِي المِعَي، والعامَّةُ تُحَرِّكُه. وَقَدْ مُغِصَ فَهُوَ مَمْغُوصٌ.
(مَغَطَ)
(هـ) فِي صِفَتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «لَمْ يَكُنْ بِالطَّوِيلِ المُمَغَّطِ «2» » هُوَ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ الثَّانِيَةِ: المتَناهِي الطُّولِ. وامَّغَطَ النَّهَارُ، إِذَا امْتَدَّ.. ومَغَطْتُ الحبلَ وغيرَه، إِذَا مَدَدتَه. وأصلُه مُنْمَغِطٌ. وَالنُّونُ للمُطاوَعةِ، فقُلِبَت ميماً وأُدغِمت في الميم.
__________
(1) القائل هو الأزهري، كما في الهروي.
(2) ضبط في الهروي واللسان بكسر الغين، وهو فى ابالكسر والفتح.(4/345)
وَيُقَالُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ بِمَعْنَاهُ.
(مَغِلَ)
(هـ) فِيهِ «صومُ شهرِ الصَّبْر وثلاثةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شهرٍ صومُ الدهرِ، ويذهَبُ بمَغَلَةِ الصَّدْرِ» أَيْ بِنَغَلِهِ وَفَسَادِهِ، مِنَ الْمَغَلِ «1» وَهُوَ داءٌ يأخذُ الغَنم فِي بطونِها. وَقَدْ مَغَل فلانٌ بِفُلَانٍ، وأَمْغَل بِهِ عِنْدَ السُّلْطَانِ، إِذَا وَشَى بِهِ، ومَغِلَت عينهُ، إِذَا فَسدتْ.
ويُرْوَى «يَذهب بمَغَلَّةِ الصَّدر» بِالتَّشْدِيدِ، مِنَ الْغِلِّ: الْحِقْدِ.
بَابُ الْمِيمِ مَعَ الْفَاءِ
(مَفَجَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ بَعْضِهِمْ «أخَذني الشُّراةُ فرأيتُ مُساوِراً قَدِ ارْبَدَّ وجههُ، ثُمَّ أوْمَأَ بِالْقَضِيبِ إِلَى دَجاجة كَانَتْ تُبَحْثِر «2» بَيْنَ يَدَيْهِ وَقَالَ: «3» تَسَمَّعي يَا دَجاجةُ، تَعَجَّبي يَا دَجاجةُ، ضَلَّ عليُّ واهْتَدَى مَفاجةُ» يُقَالُ: رجلٌ مَفاجةٌ، إِذَا كَانَ أحمقَ. ومَفَجَ، إِذَا حَمُقَ.
بَابُ الْمِيمِ مَعَ الْقَافِ
(مَقَتَ)
(هـ) فِيهِ «لَمْ يُصِبْنا عيبٌ مِنْ عُيُوبِ الجاهليةِ فِي نكاحِها ومَقْتِها» المَقْتُ فِي الْأَصْلِ: أشدُّ البُغْضِ. ونكاحُ المَقْتِ «4» : أَنْ يَتَزَوَّجَ الرجلُ امرأةَ أَبِيهِ، إِذَا طَلَّقها أَوْ مَاتَ عَنْهَا «5» ، وَكَانَ يُفْعَل فى الجاهلية. وحرّمه الإسلام.
__________
(1) ضبط في الأصل بسكون الغين. وفي الهروي، واللسان بالفتح. وفى ابالفتح والسكون، وفوقها كلمة «معا» .
(2) في اللسان: «تتبختر» وبحثر الشيءَ: بَحَثه وبَدَّدَه، كبعثره. اللسان (بحثر) .
(3) الذي في الهروي:
تَسَمَّعِي تعجّبى دجاجه ... صلّى علىّ واهتدى مفاجه
(4) هذا شرح ابن الأعرابي، كما ذكر الهروي.
(5) زاد الهروي: «ويقال لهذا الرجل: «الضَّيْزَن» . وانظر حواشي ص 87 من الجزء الثالث.(4/346)
وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ «المَقْتِ» فِي الْحَدِيثِ.
(مَقَرَ)
- فِي حَدِيثِ لُقْمَانَ «اكلتُ المَقِرَ وأطَلْتُ عَلَى ذَلِكَ الصَّبر» المَقِرُ: الصَّبِرُ، وَهُوَ هَذَا الدَّواء المرُّ الْمَعْرُوفُ. وأَمْقَرَ الشيءُ، إِذَا أمرَّ. يُرِيدُ أَنَّهُ أكَل الصَّبِر، وصَبَر عَلَى أكْلِه.
وَقِيلَ: المَقِرُ: شَيْءٌ يُشْبِه الصَّبِر، وَلَيْسَ بِهِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «أمَرُّ مِنَ الصَّبِر والمَقِرِ» .
(مَقَسَ)
(س) فِيهِ «خَرَجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زيدٍ وعاصمُ بنُ عُمر يَتَمَاقَسَانِ فِي الْبَحْرِ» أَيْ يَتَغاوَصان. يقال: مَقَسْتُهُ وقَمَسْتُه، على القلب، إذا غَطَطْتَه فِي الْمَاءِ.
(مَقَطَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ عُمَرَ «قَدِمَ مَكَّةَ فَقَالَ: مَن يَعْلَم موضِعَ المَقامِ؟ وَكَانَ السَّيلُ احْتَمله مِنْ مكانِه، فَقَالَ المطَّلِب بنُ أَبِي وَداعةَ: قَدْ كنتُ قَدَّرْتُه وذَرَعْتُه بِمِقَاطٍ عِنْدِي» المِقاطُ بِالْكَسْرِ: الحبلُ الصَّغِيرُ الشَّدِيدُ الْفَتْلِ، يَكَادُ يَقومُ مِنْ شدّةِ فَتْلهِ، وجمعُهُ: مُقُطٌ، ككِتابٍ وكُتُب.
(س) وَفِي حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ «فأعْرَض عَنْهُ فَقَامَ مُتَمَقِّطاً» أَيْ مُتَغَيِّظاً. يُقَالُ:
مَقَطْتُ صَاحِبِي مَقْطاً، وَهُوَ أَنْ تَبْلُغَ إِلَيْهِ فِي الْغَيْظِ.
وَيُرْوَى بِالْعَيْنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
(مَقَقَ)
- فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «مَن أَرَادَ المُفاخَرَةَ بِالْأَوْلَادِ فَعَلَيْهِ بالمُقِّ مِنَ النِّسَاءِ» أَيِ الطِوال.
يُقَالُ: رجلٌ أَمَقُّ، وامرأةٌ مَقَّاءُ.
(مَقَلَ)
(هـ) فِيهِ «إِذَا وقَع الذُّبابُ فِي الطَّعَامِ فامْقُلُوه» ورُوي «فِي الشَّراب» : أَيِ اغْمِسوه فِيهِ. يُقَالُ: مَقَلْتُ الشيءَ أَمْقُلُهُ مَقْلًا، إِذَا غَمَسْتَه فِي الْمَاءِ ونحوِه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَاصِمٍ «يَتَمَاقَلَانِ فِي الْبَحْرِ» ويُروى «يَتماقَسان» .
(هـ) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ «1» لُقْمَانَ «قَالَ لِأَبِيهِ: أرأيتَ الحَبَّة تَكُونُ فِي مَقْلِ الْبَحْرِ؟» .
أَيْ في مَغاصِ البحر.
__________
(1) الذي في الهروي: «وفي الحديث أن لقمان الحكيم قال لابنه: إذا رأيت الحَيَّةَ التي تكون فى مقل البحر ... »(4/347)
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «لَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلَّا جُرْعةٌ كجُرعةِ المَقْلَةِ» هِيَ بِالْفَتْحِ: حَصاةٌ يُقْتَسم بِهَا الْمَاءُ الْقَلِيلُ فِي السَّفَرِ، لِيُعْرَفَ قَدْرُ مَا يُسْقَى كُلُّ واحدٍ مِنْهُمْ. وَهِيَ بِالضَّمِّ: واحدةُ المُقْلِ، الثَّمَرِ الْمَعْرُوفِ. وَهِيَ لصِغَرها لَا تَسَع إِلَّا الشيءَ اليسيرَ مِنَ الْمَاءِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَسُئِلَ عَنْ مَسِّ الْحَصَى فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ: «مَرَّةً وَتَرْكُهَا خَيْرٌ مِنْ مِائَةِ ناقةٍ لِمُقْلَةٍ» «1» المُقْلَةُ: العينُ. يقولُ: تَرْكُها خَيْرٌ مِنْ مِائَةِ ناقةٍ، يختارُها الرَّجُلُ عَلَى عَيْنِهِ ونَظَرِه كَمَا يُرِيدُ «2» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ «خَيْرٌ مِنْ مِائَةِ ناقةٍ كلُّها أسْودُ المُقْلَةِ» أَيْ كُلُّ واحدٍ مِنْهَا أسودُ الْعَيْنِ.
(مِقَهٌ)
(س) فِيهِ «المِقَة مِنَ اللَّهِ، والصِّيت مِنَ السَّمَاءِ» المِقَة: المَحَبَّة.
وَقَدْ وَمِقَ يَمِقُ مِقَةً. والهاءُ فِيهِ عوضٌ مِنَ الْوَاوِ الْمَحْذُوفَةِ، وبابُه الْوَاوُ. وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُهُ فِي الْحَدِيثِ.
(مَقَا)
(هـ) فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، وذَكَرتْ عثمانَ فَقَالَتْ: «مَقَوْتُمُوه مَقْوَ الطَّسْتِ، ثُمَّ قَتَلْتُمُوهُ» يُقَالُ: مَقَى الطَّسْتَ يَمْقُوهُ ويَمْقِيه، إِذَا جَلَاهُ. أَرَادَتْ أَنَّهُمْ عتَبُوه عَلَى أَشْيَاءَ، فأعْتَبَهم، وَأَزَالَ شَكْواهم. وَخَرَجَ نَقِيّاً مِنَ العيبِ. ثُمَّ قَتَلُوهُ بَعْدَ ذَلِكَ.
بَابُ الْمِيمِ مَعَ الْكَافِ
(مَكَثَ)
(س) فِيهِ «أَنَّهُ تَوَضَّأَ وُضُوءًا مَكِيثاً» أَيْ بَطِيئًا مُتَأَنِّيًا غَيْرَ مُسْتَعْجِلٍ.
والمَكْثُ والمُكْثُ: الْإِقَامَةُ مَعَ الِانْتِظَارِ، وَالتَّلَبُّثُ فِي الْمَكَانِ.
(مَكَدَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ سَبْيِ هَوَازِنَ «أَخَذَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ مِنْهُمْ عَجُوزًا، فَلَمَّا رَدّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّبَايَا أَبَى عُيَيْنَةُ أَنْ يَرُدَّهَا، فَقَالَ لَهُ أَبُو صُرَدٍ: خُذْهَا إليك،
__________
(1) هذا شرح أبي عبيد، كما ذكر الهروي
(2) زاد الهروي: «وقال الأوزاعي: معناه أنه ينفقها في سبيل الله تعالى. قال أبو عبيد: هو كما قال، ولم يرد أنه يقتنيها» .(4/348)
فو الله مَا فُوها بباردٍ، وَلَا ثَدْيُها بناهِدٍ، وَلَا بَطْنُها بوالِدٍ، وَلَا دَرُّها بماكِدٍ» أَيْ دَائِمٍ. والمَكُودُ:
الَّتِي يَدُومُ لبَنُها وَلَا يَنْقَطِعُ.
(مَكَرَ)
- فِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ «اللَّهُمَّ امكُر لِي وَلَا تَمْكُر بِي» مَكْرُ اللَّهِ: إيقاعُ بَلائه بِأَعْدَائِهِ دُونَ أَوْلِيَائِهِ.
وَقِيلَ: هُوَ اسْتِدْراجُ الْعَبْدِ بالطاعاتِ، فيَتَوَهَّم أَنَّهَا مَقْبُولَةٌ وَهِيَ مردودةٌ.
الْمَعْنَى: ألْحِقْ مَكْرَكَ بأعدائي لا بي. وأصلُ المَكْرِ: الخِداعُ. يُقَالُ: مَكَرَ يَمْكُرُ مَكْراً.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ فِي مَسْجِدِ الكوفةِ «جانبَه الْأَيْسَرُ مَكْرٌ» قِيلَ: كَانَتِ السوقُ إِلَى جَانِبِهِ الأيسرِ، وَفِيهَا يَقَعُ المكرُ والخِداعُ.
(مَكَسَ)
(هـ) فِيهِ «لَا يدخلُ الجنةَ صاحبُ مَكْسٍ» المكسُ: الضَّريبَةُ الَّتِي يأخذُها الماكِسُ، وَهُوَ العَشَّارُ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَنَسٍ وَابْنِ «1» سِيرِين «قَالَ لِأَنَسٍ: تَسْتعمِلُني عَلَى المَكْسِ- أَيْ عَلَى عُشورِ النَّاسِ- فأُمَاكِسُهُم ويُمَاكِسُونَنِي» .
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ تَسْتَعْمِلُنِي عَلَى مَا يَنْقُصُ ديِني، لِما يَخاف مِنَ الزيادةِ وَالنُّقْصَانِ، فِي الأخْذِ والتَّرْك.
وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ «قَالَ لَهُ: أتُرَى إِنَّمَا مَاكَسْتُكَ «2» لآِخُذَ جَمَلَك» المُمَاكَسَةُ فِي الْبَيْعِ:
انْتقاصُ الثَّمَنِ واسْتِحْطاطُه، والمُنابَذَةُ بَيْنَ المتبايَعين. وَقَدْ ماكَسَهُ يُمَاكِسُه مِكَاساً ومُمَاكَسَةً.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمر «لَا بأْسَ بالمُمَاكَسَةِ فِي الْبَيْعِ» .
(مَكَكَ)
(هـ) فِيهِ «لَا تَتَمَكَّكُوا عَلَى غُرَمائكم» وَفِي رِوَايَةٍ «لَا تُمَكِّكُوا غُرماءَكم» أَيْ لَا تُلِحُّوا عَلَيْهِمْ، وَلَا تَأْخُذُوهُمْ عَلَى عُسْرةٍ، وارفُقوا بِهِمْ فِي الاقتِضاءِ والأخذِ. وَهُوَ مِنْ مَكَّ الفَصيلُ مَا فِي ضَرْعِ النَّاقَةِ، وامْتَكَّه، إِذَا لَمْ يُبْقِ فِيهِ مِنَ اللَّبَنِ شيئاً إلا مَصَّه.
__________
(1) وفي الأصل، وا: «أنس بن سيرين» وهو خطأ. وعبارة اللسان: «وفي حديث ابن سيرين قال لأنس ... » وأنس هذا هو أنس ابن مالك، فقد كان ابن سيرين مولى له، وروى عنه، وكان كاتِبه بفارس. انظر حلية الأولياء 2/ 267، تهذيب التهذيب 9/ 214، تاريخ بغداد 5/ 331.
(2) سبقت في (كيس) روايةٌ أخرى، فانظرها.(4/349)
(س) وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَوَضَّأُ بمَكُّوكٍ، ويَغْتَسِلُ بِخَمْسَةِ مَكاكِيكَ» وَفِي رِوَايَةٍ «بِخَمْسَةِ مَكاكى» أَرَادَ بالمَكُّوك المُدَّ.
وَقِيلَ: الصَّاعُ. وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ، لِأَنَّهُ جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ مُفَسَّراً بالمُدِّ.
والمَكاكى: جمعُ مَكُّوكٍ، عَلَى إبدالِ الْيَاءِ مِنَ الْكَافِ الْأَخِيرَةِ.
والمكُّوك: اسمٌ لِلْمِكْيَالِ، ويَخْتلف مقدارهُ بِاخْتِلَافِ اصطلاحِ النَّاسِ عَلَيْهِ فِي الْبِلَادِ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تعالى: صُواعَ الْمَلِكِ قَالَ: كَهَيْئَةِ المكُّوك» وَكَانَ لِلْعَبَّاسِ مثلُه فِي الْجَاهِلِيَّةِ، يَشْرب بِهِ.
(مَكَنَ)
(هـ) فِيهِ «أقِرّوا الطيرَ عَلَى مَكِنَاتِها» المَكِنَاتُ «1» فِي الْأَصْلِ: بَيْض الضَّباب، وَاحِدَتُهَا: مَكِنَةٌ، بِكَسْرِ الْكَافِ، وَقَدْ تُفْتَح. يُقَالُ: مَكِنَت الضَّبَّة، وأَمْكَنَت.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: جائزٌ فِي الْكَلَامِ أَنْ يُسْتعارَ مَكْنُ الضَّباب فيُجعَل لِلطَّيْرِ، كَمَا قِيلَ: مَشافِرُ الحَبَش، وَإِنَّمَا المَشافِرُ للإبِل.
وَقِيلَ: المَكِناتُ: بِمَعْنَى الأَمْكِنة. يُقَالُ: النَّاسُ عَلَى مَكِناتِهِم وسَكِناتهم: أَيْ عَلَى أَمْكِنَتِهم ومَساكِنهم.
وَمَعْنَاهُ أَنَّ الرجلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ إِذَا أَرَادَ حَاجَةً أتَى طَيْرًا ساقِطاً، أَوْ في وَكْرِه فَنَفَّرَهُ، فَإِنْ طارَ ذاتَ الْيَمِينِ مَضَى لحاجتِه. وَإِنْ طارَ ذاتَ الشِّمال رَجَعَ، فنُهُوا عَنْ ذَلِكَ. أَيْ لَا تَزْجُروها، وأقِرُّوها عَلَى مواضِعها الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ لَهَا، فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَع.
وَقِيلَ «2» : المَكِنَةُ: مِنَ التَّمَكُّن، كالطَّلِبةِ والتَّبِعةِ، مِنَ التَّطَلُّب والتَّتَبُّع. يُقَالُ: إنَّ فُلَانًا لّذُو مَكِنةٍ مِنَ السُّلْطَانِ: أَيْ ذُو تَمَكُّنٍ. يَعْنِي أقِرّوها عَلَى كلِّ مَكِنةٍ تَرَوْنَها عَلَيْهَا، ودَعُوا التَّطيُّر بِهَا.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: يروَى «3» «مُكُناتِها» ، جَمْعُ مُكُنٍ، ومُكُنٌ: جَمْعُ مَكانٍ، كصُعُداتٍ فِي صعُدٍ، وحُمُراتٍ، في حُمُر.
__________
(1) هذا شرح أبي عبيد، كما ذكر الهروي.
(2) القائل هو شَمِر، كما في الهروي.
(3) انظر الفائق 3/ 42(4/350)
وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ «لَقَدْ كُنَّا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهْدَى لأِحدِنا الضَّبَّة المَكُونُ أحبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ تُهْدَى إِلَيْهِ دَجاجَةٌ سَمينةٌ» المَكُونُ: الَّتِي جَمَعَت المَكْنَ، وَهُوَ بَيْضُها. يُقَالُ: ضَبَّةٌ مَكُونٌ، وضَبٌّ مَكُونٌ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي رَجاء «أيُّما أحَبُّ إِلَيْكَ، ضَبٌّ مَكُونٌ، أَوْ كَذَا وَكَذَا؟» .
بَابُ الْمِيمِ مَعَ اللَّامِ
(مَلَأَ)
- قَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ «المَلَإِ» فِي الْحَدِيثِ. والمَلأ: أشرافُ النَّاسِ ورؤَساؤُهم، ومُقَدَّموهم الَّذِينَ يُرْجَعُ إِلَى قَوْلِهِمْ. وجمعُه: أَمْلَاء.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ سمِع رجُلاً، مُنْصَرَفَهُم مِنْ غَزْوةِ بدْرٍ، يَقُولُ: مَا قتَلْنا إلاَّ عَجائِزَ صُلْعاً، فَقَالَ: أُولَئِكَ المَلَأُ مِنْ قُرَيْشٍ، لَوْ حضَرْتَ فِعالَهم لاحْتَقَرْتَ فِعْلَكَ» أَيْ أشرافُ قُرَيْشٍ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «هَلْ تَدْري فيمَ يَخْتَصِمُ الملأُ الْأَعْلَى؟» يُرِيدُ الملائكةَ المقرَّبين.
(س) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ حِينَ طُعِنَ «أَكَانَ هَذَا عَنْ مَلَإٍ مِنْكُمْ؟» أَيْ تَشاوُر مِنْ أشرافِكم وجماعتِكم.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي قَتادة «لَّما ازْدَحَمَ الناسُ عَلَى المِيضَأة قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أحْسِنوا المَلَأَ فكلُّكم سَيَرْوَى» المَلَأُ، بِفَتْحِ الْمِيمِ وَاللَّامِ وَالْهَمْزَةِ كَالْأَوَّلِ: الخُلُقُ.
وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ «1» :
تَنَادَوْا يَا لبهثة إذا رَأَوْنا ... فَقُلْنا: أحْسِنِي مَلَأ جُهَيْنا
وأكثرُ قُرَّاءِ الحديث يَقْرَأونها «أحسِنوا المِلْءَ» بكَسر الْمِيمِ وَسُكُونِ اللَّامِ، مِنْ مِلْءِ الْإِنَاءِ. وَلَيْسَ بِشَيْءٍ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ «أحسِنوا أَمْلَاءَكم» أَيْ أخلاقَكم.
وَفِي حَدِيثِ الأعرابيِّ الَّذِي بَالَ فِي الْمَسْجِدِ «فَصَاحَ بِهِ أصحابهُ، فقال: أحسِنوا مَلَأً» أي خُلُقاً.
__________
(1) هو عبد الشارق بن عبد العُزَّى الجهني. معجم مقاييس اللغة 6/ 492.(4/351)
وَفِي غَرِيبِ أَبِي عُبَيْدَةَ «مَلَأً: أَيْ غَلَبَةً» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحَسَنِ «أَنَّهُمُ ازْدَحَمُوا عَلَيْهِ فَقَالَ: أحسنوا مَلَأَكُم أيها المَرْؤُون» .
(س) وَفِي دُعَاءِ الصَّلَاةِ «لَكَ الحمدُ مِلْءَ السموات وَالْأَرْضِ» هَذَا تمثيلٌ، لِأَنَّ الْكَلَامَ لَا يَسَعُ الأماكنَ. وَالْمُرَادُ بِهِ كثرةُ الْعَدَدِ.
يَقُولُ: لَوْ قُدِّر أَنْ تَكُونَ كلماتُ الحمدِ أجْساماً، لَبَلَغَت من كثرتِها أن تَملَأَ السموات وَالْأَرْضَ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ تفخيمَ شَأْنِ كلمةِ الْحَمْدِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أجرَها وثوابَها.
وَمِنْهُ حَدِيثُ إِسْلَامِ أَبِي ذرٍّ «قَالَ لَنَا كَلِمَةً تَمْلَأُ الفَم» أَيْ أَنَّهَا عظيمةٌ شَنِيعَةٌ، لَا يَجُوزُ أَنْ تُحكى وتُقال، فَكَأَنَّ الفمَ مَلآنُ بِهَا، لَا يَقْدر عَلَى النطقِ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «امْلَئُوا أَفْوَاهَكُمْ مِنَ الْقُرْآنِ» .
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْع «مِلْءُ كِسَائها، وغَيْظ جَارَتِها» أَرَادَتْ أَنَّهَا سَمينةٌ، فَإِذَا تَغَطَّت بكِسائها مَلَأَتْهُ.
وَفِي حَدِيثِ عِمرانَ ومَزادةِ الْمَاءِ «إِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْنَا أَنَّهَا أشدُّ مِلْأَةً مِنْهَا حِينَ ابْتُدِىءَ فِيهَا» أَيْ أشدُّ امتِلَاءً. يُقَالُ: مَلَأْتُ الإناءَ أَمْلَؤُهُ مَلْأً. والمِلْءُ: الاسمُ. والمِلْأَة أخَصُّ مِنْهُ.
وَفِي حَدِيثِ الِاسْتِسْقَاءِ «فرأيتُ السَّحابَ يَتَمَزَّقُ كَأَنَّهُ المُلَاءُ حِينَ تُطْوَى» المُلَاءُ، بِالضَّمِّ وَالْمَدِّ: جَمْعُ مُلاءةٍ، وَهِيَ الْإِزَارُ وَالرَّيْطَةُ.
وَقَالَ بعضُهم: إنَّ الْجَمْعَ مُلَأٌ، بِغَيْرِ مدٍّ. والواحدُ مَمْدُودٌ. والأوّلُ أثبتُ.
شَبَّهَ تَفَرُّقَ الغَيم وَاجْتِمَاعَ بعضِه إِلَى بَعْضٍ فِي أَطْرَافِ السَّمَاءِ بِالْإِزَارِ، إِذَا جُمِعَت أطرافهُ وطُوِيَ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ قَيْلة «وَعَلَيْهِ أسمالُ مُلَيَّتْين» هِيَ تَصْغِيرُ مُلَاءَةٍ، مُثَنَّاةً مخففةَ الْهَمْزِ.
وَفِي حَدِيثِ الدَّيْن «إِذَا أُتْبِع أحدُكم عَلَى مَلِىءٍ فلْيَتْبَعْ «1» » المَلِىءُ بِالْهَمْزِ: الثِقةُ الغنيُّ.
وَقَدْ مَلُؤَ، فَهُوَ مَلِىءٌ بيَّن المَلَاءِ والمَلاءةِ بِالْمَدِّ. وَقَدْ أُولِعَ الناسُ فِيهِ بِتَرْكِ الْهَمْزِ وتشديدِ الياء.
__________
(1) ضُبِط في الأصل، وا، واللسان: «فلْيَتَّبِعْ» وضبطته بالتخفيف ممّا سبق في مادة (تبع) ومن صحيح مسلم (باب تحريم مَطْل الغنيّ، من كتاب المساقاة) .(4/352)
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «لَا مَلِىءٌ «1» وَاللَّهِ بإصْدار مَا ورَد عَلَيْهِ» .
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «لَوْ تَمالَأَ عَلَيْهِ أهلُ صَنْعاء لأَقَدْتُهم بِهِ» أَيْ تَساعَدوا وَاجْتَمَعُوا وَتَعَاوَنُوا.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «واللهِ مَا قتلتُ عثمانَ وَلَا مَالَأْتُ فِي قَتْلِه» أَيْ مَا ساعدتُ وَلَا عاوَنْتُ.
(مَلَجَ)
(هـ) فِيهِ «لَا تُحرِّم المَلْجَةُ والمَلْجَتَانِ» وَفِي رِوَايَةٍ «2» «الإِمْلاجَةُ والإِمْلَاجَتانِ» .
المَلْجُ: المَصُّ. مَلَجَ الصبيُّ أمَّهُ يَمْلُجُهَا مَلْجاً، ومَلِجَها يَمْلَجُها، إِذَا رَضَعَها. والمَلْجَة:
المَرّةُ. والإِملاجةُ: الْمَرَّةُ أَيْضًا، مِنْ أَمْلَجَتْه أمُّه: أَيْ أرضعتْه.
يَعْنِي أَنَّ المصَّةَ والمَصَّتين لَا تُحَرِّمان مَا يُحَرِّمُه الرِّضاعُ الكامِلُ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فَجَعَلَ مالكُ بْنُ سِنانٍ يَمْلَجُ الدَّمَ بِفِيهِ مِنْ وَجه رَسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ ازْدَرَدَه» أَيْ مَصَّه ثُمَّ ابْتَلَعَه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ «قَالَ لِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ يومَ قَتَله: أُذْكِرُك مَلْجَ فُلانةَ» يَعْنِي امْرَأَةً كَانَتْ أرْضَعتْهما.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ طَهْفَة «سَقط الأُمْلُوجُ» هُوَ «3» نَوَى المُقْل.
وَقِيلَ «4» : هُوَ ورقٌ مِنْ أَوْرَاقِ الشَّجَرِ، يَشْبِه الطَّرْفاء والسَّرْوَ.
وَقِيلَ: هُوَ ضَرْبٌ مِنَ النَّبات، ورقُه كَالْعِيدَانِ.
وَفِي رِوَايَةٍ «سَقط الأُمْلُوجُ مِنَ البِكارة» هِيَ جَمْعُ بَكْر، وَهُوَ الفَتِيُّ السَّمين مِنَ الْإِبِلِ:
أَيْ سَقَطَ عَنْهَا مَا عَلَاهَا مِنَ السَّمَنِ برَعْي الأُمْلوج. فسمَّي السَّمَن نَفْسَهُ أُمْلُوجاً، عَلَى سَبِيلِ الاسْتعارة. قاله «5» الزمخشري.
__________
(1) في الأصل: «لا مَليّ» والتصحيح من ا، واللسان.
(2) وهي رواية الهروي.
(3) هذا شرح الأزهري، كما في الهروي.
(4) الذي في الهروي: «وقال القُتَيبي: الأملوج: ورقٌ كالعِيدان ليس بعريض، نحو ورَق الطَّرْفاء والسَّرْو. وجمعه: الأماليج. وقال أبو بكر: الأملوج: ضرب من النبات ورقه كالعيدان، وهو العَبَل. قال: وقال بعضهم: هو ورق مفتول» .
(5) انظر الفائق 2/ 6.(4/353)
(مَلَحَ)
(هـ) فِيهِ «لَا تُحَرِّمُ المَلْحَةُ والمَلْحَتان» أَيِ الرّضْعة والرَّضْعتان. فَأَمَّا بِالْجِيمِ فَهُوَ المَصَّة. وَقَدْ تَقَدَّمَتْ.
والمِلْحُ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ: الرَّضْع. والمُمَالَحة: المُراضَعةُ.
[هـ] وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «قَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَعْدٍ، فِي وَفْدِ هَوَازِنَ: يَا مُحَمَّدُ، إنَّا لَوْ كُنَّا مَلَحْنا لِلْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ، أَوْ للنُّعمان بْنِ المُنْذِر، ثُمَّ نَزَل مَنْزِلَك هَذَا مِنَّا لَحَفِظَ ذَلِكَ فِينَا، وَأَنْتَ خيْرُ الْمَكْفُولِينَ، فَاحْفَظْ ذَلِكَ» أَيْ لَوْ كُنَّا أَرْضَعْنَا لَهُمَا. وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَرْضَعاً فِيهِمْ، أرضَعَتْه حليمةُ السَّعْدية.
(هـ) وَفِيهِ «أَنَّهُ ضَحَّى بكَبْشين أَمْلَحَين» الأَمْلَحُ «1» : الَّذِي بياضُه أَكْثَرُ مِنْ سَوَادِهِ.
وَقِيلَ «2» : هُوَ النَّقِيُّ البَياض.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «يُؤتَى بِالْمَوْتِ فِي صُورَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ» وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ خَبَّابٍ «لَكِنَّ حَمْزَةَ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَّا نَمِرَةٌ مَلحاءُ» أَيْ بُرْدَةٌ فِيهَا خُطوط سودٌ وبيضٌ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عُبيد بْنِ خَالِدٍ «خرجتُ فِي بُردَينِ وَأَنَا مُسْبِلُهما، فالتَفتُّ فَإِذَا رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: إِنَّمَا هِيَ مَلْحَاءُ، قَالَ: وَإِنْ كَانَتْ مَلْحاءَ، أَمَا لَكَ فيَّ أسْوةٌ؟» .
(هـ) وَفِيهِ «الصادقُ يُعْطَى ثلاثَ خِصالٍ: المُلْحَةَ، والمحبَّةَ، والمَهابةَ» المُلْحة بِالضَّمِّ:
البَركةُ. يُقَالُ: كَانَ ربيعُنا مَمْلُوحاً فِيهِ: أَيْ مُخْصِباً مبارَكاً. وَهُوَ مِنْ تَمَلَّحَت الماشيةُ، إِذَا ظَهر فِيهَا السِّمَن مِنَ الرَّبيع.
(س) وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «قَالَتْ لَهَا امرأةٌ: أزُمُّ جَمَلِي، هَلْ عليَّ جُناحٌ؟ قَالَتْ: لَا، فَلَمَّا خرجَت قَالُوا لَهَا: إِنَّهَا تَعْني زوجهَا، قَالَتْ: رُدُّوها عليَّ، مُلْحةٌ فِي النَّارِ، اغْسِلُوا عَنِّي أثَرَها بِالْمَاءِ والسِّدْر» المُلْحَةُ: الكلمةُ المَلِيحةُ. وَقِيلَ: القبيحةُ.
وَقَوْلُهَا: «اغْسِلُوا عَنِّي أثَرَها» تَعني الكلمةَ الَّتِي أذِنَت لَهَا بِهَا، رُدُّوها لأُعْلِمَها أَنَّهُ لَا يَجُوزُ.
وَفِيهِ «إِنَّ اللَّهَ ضَرَب مَطْعم ابن آدَمَ لِلدُّنْيَا مَثَلاً، وَإِنْ مَلَحَه» أَيْ ألْقَي فيه المِلْحَ
__________
(1) هذا شرح الكِسائي، كما في الهروي.
(2) القائل هو ابن الأعرابي. كما ذكر الهروي.(4/354)
بِقَدرٍ لِلْإِصْلَاحِ. يُقَالُ مِنْهُ: مَلَحْتُ القِدْرَ، بِالتَّخْفِيفِ، وأَمْلَحْتُهَا، ومَلَّحْتُها، إِذَا أكثْرتَ مِلْحَها حَتَّى تَفْسُد.
وَفِي حَدِيثِ عُثْمَانَ «وَأَنَا أشَربُ ماءَ المِلْحِ» يُقَالُ: ماءٌ مِلْحٌ، إِذَا كَانَ شديدَ المُلوحة، وَلَا يُقَالُ: مالِحٌ، إلاَّ عَلَى لُغَةٍ لَيْسَتْ بالعالية.
وقوله «ماءَ المِلْحِ» مِنْ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى الصِّفَةِ.
وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حُرَيثٍ «عَناقٌ قَدْ أُجِيدَ تَمليحُها وأُحْكِمَ نَضْجُها» التَّمْلِيحُ هَاهُنَا: السَّمْطُ، وَهُوَ أخْذُ شَعْرِها وصُوفِها بِالْمَاءِ.
وَقِيلَ: تَمْلِيحُها: تَسْمينُها، مِنَ الجَزُور المُمَلَّح، وَهُوَ السَّمينُ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحَسَنِ «ذُكِرت لَهُ النُّورة «1» فَقَالَ: أتُريدون أَنْ يَكُونَ جِلْدِي كجِلد الشاةِ المَمْلُوحةِ» يُقَالُ: مَلَحْتُ الشاةَ ومَلَّحْتُها، إِذَا سَمَطْتَها.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ جُوَيْرِيَةَ «وَكَانَتِ امْرَأَةً مُلَاحةً» أَيْ شديدةَ الملاحةِ، وَهُوَ مِنْ أبْنِية المُبالغة.
وَفِي كِتَابِ الزَّمَخْشَرِيِّ: «وَكَانَتِ امْرَأَةً مُلاحةً: أَيْ ذاتَ مَلاحةٍ. وفُعَالٌ مبالغةٌ فِي فَعِيلٍ.
نَحْوُ كريمٍ وكُرَامٍ، وكبيرٍ وكُبَارٍ. وفُعَّالٌ مُشَدَّدٌ «2» أبْلَغُ مِنْهُ» .
(هـ) وَفِي حَدِيثِ ظَبْيانَ «يَأْكُلُونَ مُلَّاحَها، ويَرْعَون سِراحَها» المُلَّاحُ: ضَرْبٌ مِنَ النَّباتِ. والسِّراح: جمعُ سَرْحٍ، وهو الشجرُ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الْمُخْتَارِ «لَما قَتل عُمَرَ بنَ سَعْدٍ جَعل رأسَه فِي مِلَاحٍ وعَلَّقه» المِلَاحُ:
المِخْلاةُ، بلُغةِ هُذَيلٍ. وَقِيلَ: هُوَ سِنانُ الرُّمْحِ.
(مَلَخَ)
(س) فِي حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ «ناوَلَنِي الذِراعَ فامْتَلَخْتُ الذِّراعَ» أَيِ استخرجْتُها. يُقَالُ: امْتَلَخْتُ اللِّجِام عن رأس الدابة، إذا أخرجْتَه.
__________
(1) في اللسان: «التوراة» . قال في المصباح: والنُّورة، بضم النون: حَجَر الكِلْس، ثم غَلبتْ على أخلاطٍ تضاف إلى الكِلْس من زِرْنِيخ وغيره، وتُستعمل لإزالة الشَّعَر» . وقيل: إن النُّورة ليست عربية في الأصل. انظر المعرَّب ص 341. ولم يذكرها المصنِّف في (نور) .
(2) في الفائق 3/ 46: «مشدَّداً» .(4/355)
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الْحَسَنِ «يَمْلَخُ فِي الْبَاطِلِ مَلْخاً» أَيْ «1» يَمُرُّ فِيهِ مَرّاً سهْلاً. ومَلَخَ فِي الْأَرْضِ، إِذَا ذَهَبَ فِيهَا.
(مَلَذَ)
(س) فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، وتمَثَّلَتَ بشِعْرِ لَبِيد «2» :
يَتَحدّثون مَخانةً ومَلاذَةً ... ويُعابُ قائلُهم وَإِنْ لَمْ يَشْغَبِ
المَلَاذَةُ: مصدَرُ مَلَذَهُ مَلْذاً ومَلاذَةً. والمَلُوذُ والمَلَاذُ: الَّذِي لَا يَصْدُقُ فِي مَوَدّته.
وأصلُ المَلْذِ: سُرْعةُ المجيءُ والذَّهاب.
(مَلَسَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ بَعَثَ رَجُلًا إِلَى الجِن، فَقَالَ لَهُ: سِرْ ثَلَاثًا مَلْساً» أَيْ سِرْ سَيراً سَرِيعًا. والملْس: الخِفَّةُ والإسراعُ والسَّوقُ الشَّدِيدُ. وَقَدِ امَّلَسَ فِي سَيْرِهِ، إِذَا أَسرع.
وحقيقتُه سِرْ ثلاثَ ليالٍ ذاتَ مَلْسٍ، أَوْ سِرْ ثَلَاثًا سَيراً مَلْساً، أَوْ أَنَّهُ ضَرْبٌ مِنَ السِّير، فنَصَبَه عَلَى الْمَصْدَرِ.
(مَلِصَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ عُمَرَ «3» «أَنَّهُ سُئل عَنْ إِمْلاصِ المرأةِ الجَنِينَ» هُوَ أَنْ تُزْلِقَ الجَنين قَبْلَ وَقْتِ الوِلادة. وكلُّ مَا زَلِقَ مِنَ الْيَدِ فَقَدْ مَلِصَ، وأَملص، وأَمْلَصْتُهُ أنَا.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ الدَّجَّالِ «فأَمْلَصَتْ بِهِ أُمُّهُ» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «فَلَمَّا أَتَمَّتْ أَمْلَصَتْ وَمَاتَ قَيِّمُها» .
(مَلَطَ)
(س) فِي حَدِيثِ الشَّجَاج «فِي المِلْطَى نِصفُ دِيَةِ المُوضِحَةِ» المِلْطَى، بالقَصْرِ، والمِلْطَاةُ: القِشْرَةُ الرقيقةُ بَيْنَ عَظْمِ الرأسِ ولَحْمِه، تمنعُ الشَّجَّةَ أَنْ تُوضِحَ، وَهِيَ مِنْ لَطِيتُ بالشَّيء، أَيْ لَصِقتُ، فَتَكُونُ الميمُ زَائِدَةً.
وَقِيلَ: هِيَ أصليةٌ، والألفُ للإِلْحاق، كالتَّي فِي مِعْزَى. والمِلْطَاةُ كالعِزْهَاةِ، وَهُوَ أشْبَهُ.
وَأَهْلُ الْحِجَازِ يُسَمُّونها السِّمْحاقَ.
__________
(1) هذا شرح أبي عَدنان، كما في الهروي.
(2) انظر حواشي ص 307 من هذا الجزء.
(3) في الهروي: «وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا» . وفي اللسان: «وفي الحديث أن عمر رضي الله عنه سأل عن إملاص المرأةِ الجنينَ. فقال المغيرة بن شعبة: قضى فيه النبي صلى الله عليه وسلم بغُرَّة» .(4/356)
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «يُقْضَى فِي المِلْطَاةِ بدَمِها» أَيْ يُقْضَى فِيهَا حِينَ يُشَجُّ صاحِبُها، بِأَنْ يُؤخَذَ مقدارُها تِلْكَ الساعةَ ثُمَّ يُقْضَى فِيهَا بالقِصَاص، أَوِ الأرْشِ، وَلَا يُنْظَر إِلَى مَا يَحْدُثُ فِيهَا بعدَ ذَلِكَ مِنْ زيادةٍ أَوْ نُقْصان. وَهَذَا مذهبُ بعضِ الْعُلَمَاءِ.
وَقَوْلُهُ «بِدَمِها» فِي موْضِعِ الْحَالِ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِيُقْضَى، وَلَكِنْ بِعَامِلٍ مُضْمَرٍ، كَأَنَّهُ قِيلَ:
يُقْضَى فِيهَا مُلْتَبِسَةً بِدَمِها، حالَ شَجِّهَا وسَيَلانِه.
وَفِي كِتَابِ أَبِي مُوسَى فِي ذكْر الشَّجَاج «المِلْطَاةُ، وَهِيَ السِّمْحَاقُ» وَالْأَصْلُ فِيهَا مِنْ مِلْطَاطِ الْبَعِيرِ، وَهُوَ حَرْفٌ فِي وَسَط رأسِهِ. والمِلْطَاطُ: أَعلى حَرْفِ الجبلِ، وصحْن الدارِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «هَذَا المِلْطَاطُ طَرِيقُ بَقِيَّة الْمُؤْمِنِينَ» هُوَ ساحلُ البحرِ.
ذَكَرهُ الهرويُّ فِي اللَّامِ، وَجَعَلَ ميمَه زَائِدَةً وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَذَكَرَهُ أَبُو مُوسَى فِي الْمِيمِ، وَجَعَلَ ميمَه أصْليةً.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «وأمَرْتُهم بِلُزوم هَذَا المِلْطَاطِ حَتَّى يأتِيَهُم أمْرِي» يُريدُ بِهِ شاطِىءَ الفُرَات.
وَفِي صِفَةِ الْجَنَّةِ «ومِلَاطُها مِسْكٌ أذْفَرُ» المِلَاطُ: الطِّين الَّذِي يُجْعَلُ بَيْنَ سافَيِ البِنَاء، يُمْلَطُ بِهِ الحائطُ: أَيْ يُخْلَطُ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إنَّ الإبِلَ يُمَالِطُهَا الأجربُ» أَيْ يخالِطُها.
وَفِيهِ «إِنَّ الأحنفَ كَانَ أَمْلَطَ» أَيْ لَا شَعْرَ عَلَى بدَنِه، إلاَّ فِي رأسِه.
(مَلَعَ)
- فِيهِ «كنتُ أسيرُ المَلْعَ، والخَبَبَ، والوَضْعَ» المَلْعُ: السَّيرُ الخفيفُ السَّريعُ، دُونَ الخبَب، والوضْعُ فوقَهُ.
(مَلَقَ)
فِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ «قَالَ لَهَا: أَمَّا معاويةُ فرجلٌ أَمْلَقُ مِنَ الْمَالِ» أَيْ فَقِيرٌ مِنْهُ، قَدْ نَفِدَ مَالُه. يُقَالُ: أَمْلَقَ الرَّجُلُ فَهُوَ مُمْلِقٌ.
وَأَصْلُ الإِمْلَاقِ: الإنْفَاقُ. يُقَالُ: أَمْلَقَ مَا مَعَهُ إِمْلَاقاً، ومَلَقَهُ مَلْقاً، إِذَا أخْرَجهُ مِنْ يَدِهِ وَلَمْ يَحْبِسْهُ، والفَقْرُ تابعٌ لِذَلِكَ، فاسْتَعْمَلُوا لفظَ السَّبَب فِي مَوْضِعِ المُسَبَّب، حَتَّى صَارَ بِهِ أشْهَرَ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ «ويرِيشُ مُمْلِقَها» أَيْ يُغْنى فَقِيرُهَا.(4/357)
(هـ) وَمِنَ الْأَصْلِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «فسألَتْه امْرَأةٌ: أَأُنْفِقُ «1» مِنْ مَالِي مَا شِئتُ؟ قَالَ:
نَعَمْ، أَمْلِقِي مِنْ مالِكِ مَا شِئتِ» .
(هـ) وَفِي حَدِيثُ عُبيدَة [السَّلْمَانِي] «2» «قَالَ لَهُ ابْنُ سِيرين: مَا يوجِبُ الجَنابَةَ؟ قَالَ:
الرَّفُّ والاسْتِمْلاقُ» الرَّفُّ: المصُّ. والاسْتِمْلَاقُ: الرَّضْعُ. وَهُوَ اسْتِفْعال مِنْهُ. وكَنَى بِهِ عَنِ الْجِمَاعِ، لأنَّ المَرأةَ تَرْتَضِعُ ماءَ الرَّجَلِ. يُقَالُ: مَلَقَ الجَدْيُ أُمَّه، إِذَا رَضَعَها.
(س) وَفِيهِ «لَيْسَ مِنْ خُلُقِ المؤمنِ المَلَقُ» هُوَ بِالتَّحْرِيكِ: الزيادةُ فِي التَّودُّدِ والدعاءِ والتضرُّع فَوْقَ مَا يَنْبِغي.
(مَلَكَ)
(هـ) فِيهِ «أَمْلِكْ عَلَيْكَ لِسانَك» أَيْ لَا تُجْرِه إلاَّ بِمَا يَكُونُ لَكَ لَا عَليك.
(س) وَفِيهِ «مِلَاكُ الدِّين الوَرَعُ» المِلَاكُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ: قِوَامُ الشَّيءَ ونِظامُه، وَمَا يُعْتَمد عَلَيْهِ [فِيهِ»
] .
وَفِيهِ «كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ الصلاةَ وَمَا مَلَكَتْ أيمانُكم» يُرِيدُ الإحسانَ إِلَى الرَّقِيقِ، والتخفيفَ عَنْهُمْ.
وَقِيلَ: أَرَادَ حقوقَ الزكاةِ وإخراجهَا مِنَ الْأَمْوَالِ الَّتِي تمْلِكُها الْأَيْدِي، كَأَنَّهُ عَلِمَ بِمَا يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الرِّدَّةِ، وإنكارِهِم وُجوبَ الزَّكاةِ، وامْتناعِهم مِنْ أدائِها إِلَى القائِم بعدَه، فقَطع حُجَّتَهُم بِأَنْ جعَل آخِرَ كلامِه الوصِيَّةَ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ. فَعَقَلَ أَبُو بكْرٍ هَذَا الْمَعْنَى، حَتَّى قَالَ: لأَقاتِلَنّ مَن فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ.
وَفِيهِ «حُسْنُ المَلكَةِ نَماءٌ» يُقَالُ: فُلانٌ حَسَنُ المَلَكَة، إِذَا كَانَ حَسَنَ الصَّنيعِ إِلَى مَمَالِيكِهِ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَا يَدْخُلُ الجنةَ سيِّئُ المَلكَةِ» أَيِ الَّذِي يسئ صُحبَةَ المماليكِ.
__________
(1) في الأصل، وا: «أنفق» والمثبت من الهروي، واللسان، والفائق 3/ 47.
(2) زيادة من الهروي، واللسان، والفائق 1/ 946. وضبطتُ «عَبِيدةَ» بالفتح من الهروي، واللسان. وانظر أيضاً تذكرة الحفاظ 1/ 47، واللباب 1/ 552، والمشتبه ص 437
(3) تكملة من اللسان. وفي الأصل، وا: «يَعتمد» بفتح الياء.(4/358)
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الْأَشْعَثِ «خاصَم أهلَ نَجْرانَ إِلَى عمرَ فِي رِقابِهم، فَقَالُوا: إِنَّمَا كُنَّا عبيدَ مَمْلُكَةٍ، وَلَمْ نَكْن عبيدَ قِنٍّ» المَمْلُكَةُ، بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِهَا «1» : أَنْ يَغْلِب عَلَيْهِمْ فيستَعْبِدَهُم وهُم فِي الأصلِ أحرارٌ. والقِنُّ: أَنْ يُمْلَكَ هُوَ وأبَوَاه.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ «البَصْرَةُ إحْدَى المؤتَفِكاتِ، فأنْزِلْ فِي ضواحِيها، وإيّاكَ والمَمْلُكَةَ» مِلْك الطَّرِيق ومَمْلُكَتُهُ: وسَطُهُ.
(س) وَفِيهِ «مَنْ شَهِدَ مِلَاكَ امْرِئٍ مُسْلمٍ» المِلَاكُ والإِمْلَاكُ: التَّزويجُ وعَقْدُ النِّكاحِ.
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: لَا يُقَالُ مِلاكٌ «2» .
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «أَمْلِكُوا العَجِينَ، فَإِنَّهُ أحَدُ الرَّيْعَيْنَ» يُقَالُ: مَلَكْتُ العَجِينَ وأَمْلَكْتُهُ، إِذَا أنْعَمْتَ عَجْنَهُ وأَجَدْتَهُ. أرادَ أَنَّ خُبْزَهُ يَزيد بِمَا يَحْتَمِلُهُ مِنَ الْمَاءِ، لِجَوْدَةِ العَجْنِ.
(س) وَفِيهِ «لَا تدخُل الملائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كلبٌ وَلَا صُورةٌ» أَرَادَ الملائكةَ السَّيَّاحِينَ، غيرَ الحفَظَة والحاضِرِينَ عِنْدَ الموتِ.
والملائكةُ: جمعُ مَلْأَكٍ، فِي الْأَصْلِ، ثُمَّ حُذفَتْ همزتهُ، لِكَثْرَةِ الاسِتْعمَال، فَقِيلَ: مَلَكٌ.
وَقَدْ تحذفُ الهاءُ فَيُقَالُ: مَلَائِك.
وَقِيلَ: أصلُه: مَأْلَكٌ، بِتَقْدِيمِ الهمزةِ، مِنَ الألْوك: الرِّسالة، ثُمَّ قدِّمَت الهمزةُ وجُمِع.
وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ «المَلَكُوتِ» وَهُوَ اسمٌ مبنيٌّ مِنَ المُلْكِ، كالجَبَرُوتِ والرَّهَبُوتِ، مِنَ الجَبْر والرَّهْبَةِ.
وَفِي حَدِيثِ جَرِيرٍ «عَلَيْهِ مَسْحَةُ مَلَكٍ» أَيْ أثَرٌ مِنَ الجَمالِ، لِأَنَّهُمْ أَبَدًا يصِفُونَ الملائكَةَ بالجَمالِ.
وَفِيهِ «لَقَدْ حَكَمْتَ بِحُكْمِ المَلِكِ» يُرِيدُ اللَّهَ تعالى.
__________
(1) وبالكسر، أيضاً، عن ابن الأعرابي. كما قال في اللسان.
(2) عبارة الجوهري: «الإملاك: التزويج ... وجئنا من إملاكِه، ولا تقل: مِلاكِه» .(4/359)
وَيُرْوَى بِفَتْحِ اللَّامِ، يَعْنِي جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ونزُولَه بالوحْي.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي سُفْيَانَ «هَذَا مُلْكُ هَذِهِ الْأُمَّةِ قَدْ ظَهَر» يُرْوَى بِضَمِّ الميم وسكون اللام، وبفتحها وَكَسْرِ اللَّامِ.
وَفِيهِ أَيْضًا «هَلْ كَانَ فِي آبَائِهِ مَنْ مَلَكَ؟» يُرْوَى بِفَتْحِ الْمِيمَيْنِ وَاللَّامِ، وَبِكَسْرِ الْأُولَى وَكَسْرِ اللَّامِ.
وَفِي حَدِيثِ آدَمَ «فَلَمَّا رَآهُ أجْوَف عرَف أَنَّهُ خَلْقٌ لَا يَتَمَالَكُ» أَيْ لَا يتماسَكُ. وَإِذَا وُصِفَ الإنسانُ بالخِفَّةِ والطَّيْش، قِيلَ: إِنَّهُ لَا يتمالَكُ.
(مَلِلَ)
(هـ) فِيهِ «إكْلَفُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُون، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا» مَعْنَاهُ:
أَنَّ اللهَ لَا يَمَلُّ أَبَدًا، مَلِلْتُم أَوْ لَمْ تَمَلُّوا، فَجَرَى مَجْرَى قَوْلِهِمْ: حَتَّى يَشِيبَ الْغُرَابُ، وَيَبْيَضَّ الْقَارُ.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: أَنَّ اللَّهَ لَا يطَّرحكم حَتَّى تَتْركوا الْعَمَلَ «1» ، وتَزْهَدوا فِي الرغبةِ إِلَيْهِ، فَسَمَّى الفِعْلَيْن مَلَلًا، وكِلاهُما لَيْسَا بِمَلَلٍ، كعَادَةِ العَرَبِ فِي وَضْعِ الفِعْلِ موضعَ الفِعْلِ، إِذَا وَافَقَ معناهُ نَحْوَ قَوْلِهِمْ «2» :
ثُمَّ أضْحَوْا لَعِبَ الدَّهْرُ بهمْ ... وكَذَاكَ الدَّهْرُ يُودِي بالرِّجالْ
فَجَعَلَ إهْلاكَه إيَّاهُم لَعِباً.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: أَنَّ اللَّهَ لَا يَقْطع عَنْكُمْ فَضْلَه حَتَّى تَمَلُّوا سُؤالَه. فَسَمَّى فِعْل اللَّهِ مَلَلًا، عَلَى طَرِيقِ الازْدِواج فِي الْكَلَامِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها وقوله: فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ وَهَذَا بابٌ واسعٌ فِي العَربيةِ، كثيرٌ فِي القرآنِ.
وَفِيهِ «لَا يتوارثُ أهلٌ مِلَّتَين» المِلَّةُ: الدِّينُ، كَمِلَّةِ الإسلامِ، والنَّصْرَانِيَّةِ، واليهوُدِيَّةِ.
وَقِيلَ: هِيَ مُعْظَمُ الدِّينِ، وجُمْلَةُ مَا يَجيءُ بِهِ الرُّسُل.
__________
(1) في الهروي زيادة: «له» .
(2) نسبه الهروي لعَدِيّ بن زيد. وهو بهذه النسبة في أمالي المرتضى 1/ 56. وزهر الآداب ص 333. وانظر أيضاً الأغاني 2/ 95، 135.(4/360)
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «لَيْسَ عَلَى عَرَبيٍّ مِلْكٌ، ولَسْنا بنَازِعِين مِنْ يَدِ رَجُلٍ شَيْئًا أسْلم عَلَيْهِ، وَلَكِنَّا نُقَوِّمُهُم، المِلَّةَ عَلَى آبَائِهِمْ خَمْساً مِنَ الْإِبِلِ» المِلَّةُ «1» : الدَّية، وَجَمْعُهَا مِلَلٌ.
قَالَ الأزهري: كان أهل الجاهلية يَطَأونَ الإماءَ ويَلْدِنَ لَهُمْ، فَكَانُوا يُنْسَبُون إِلَى آبائِهم، وَهُمْ عَربٌ، فَرَأَى عُمَرُ أَنْ يَرُدَّهم عَلَى آبائِهم فَيَعْتِقُون، ويَأخُذ مِنْ آبائِهم لموَاليهِم، عَنْ كلِّ واحِدٍ خَمْساً مِنَ الإبِل.
وَقِيلَ: أَرَادَ مَن سُبِيَ مِنَ العَرب فِي الْجَاهِلِيَّةِ وأدركَه الإسلاُم وَهُوَ عِنْد مَنْ سَبَاهُ أَنْ يَرُدَّهُ حُرّاً إِلَى نَسَبه، وتَكُونُ عَلَيْهِ قِيمتُه لِمَنْ سَباه، خَمْسًا مِنَ الإبِل.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُثْمَانَ «أَنَّ أمَةً أتَتْ طَيّئاً فأخْبَرتْهُم أَنَّهَا حُرَّةٌ، فَتَزَوَّجَتْ فَوَلَدتْ، فَجَعَلَ فِي وَلَدِها الْمِلَّةَ» أَيْ يَفْتَكُّهُم أبُوهُم مِنْ مَوالي أمِّهم.
وَكَانَ عُثْمَانُ يُعْطِي مَكَانَ كلِّ رأسٍ رَأسَيْن، وغيرهُ يُعْطِي مكانَ كلِّ رأسٍ رَأْسًا، وآخَرُون يُعْطُون قِيمتَهُم، بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ.
(هـ) وَفِيهِ «قَالَ لَهُ رجلٌ: إِنَّ لِي قَراباتٍ أَصِلُهُم ويَقْطَعُونَني، وأُعْطِيهم فَيَكْفُرونَنِي، فَقَالَ لَهُ: إِنَّمَا تُسِفُّهُم المَلَّ» المَلُّ والمَلَّةُ: الرَّمادُ الحارُّ الَّذِي يُحْمَى لِيُدْفَنَ فِيهِ الخُبْزُ لِيَنْضَجَ، أَرَادَ:
إِنَّمَا تَجْعَلُ المَلَّةَ لَهُمْ سُفُوفاً يَسْتَفُّونه، يَعْنِي أَنَّ عَطاءَك إِيَّاهُمْ حرامٌ عَلَيْهِمْ، ونارٌ فِي بُطُونِهم.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ «كأنَّما تُسِفُّهُم المَلَّ» .
وَفِيهِ «قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَّما افْتَتَحْنَا خَيْبَرَ، إِذَا أُنَاسٌ مِنْ يَهُودَ مَجْتَمِعُونَ عَلَى خُبْزَةٍ يَمُلُّونَها» أَيْ يَجْعَلُونها فِي المَلَّةِ.
(س) وَحَدِيثُ كعبٍ «أَنَّهُ مَرَّ بِهِ رِجْلٌ مِنْ جَرادٍ، فأخَذَ جَرادَتَين فمَلَّهُما» أَيْ شَوَاهما بالمَلَّةِ.
وَفِي حَدِيثِ الاسِتسقاء «فألَّف اللهُ السَّحَابَ ومَلَّتْنا» كَذَا جَاءَ في رواية لمسلم «2» .
__________
(1) هذا شرح أبى الهيثم، كما ذكر الهروي.
(2) أخرجه مسلم في (باب الدعاء في الاستسقاء، من كتاب صلاة الاستسقاء) الحديث الحادي عشر. وروايته: «ومكثنا» . وقال الإمام النووي في شرحه على مسلم 6/ 195: «هكذا ضبطناه: ومكثنا. وكذا هو في نُسخ بلادنا، ومعناه ظاهر. وذكر القاضي فيه أنه رُوي في نسخ بلادهم على ثلاثة أوجه، ليس منها هذا. ففي رواية لهم: «وبلَّتْنا» ومعناه أمطرتنا. قال الأزهري: بلّ السحاب بالمطر بلاًّ، والبلل: المطر. ويقال: انهلت، أيضاً. وفي رواية لهم: «وملَتْنا» بالميم، مخففة اللام. قال القاضي: ولعل معناه: أوسعتنا مطراً. وفي رواية: «ملأتنا» بالهمز.(4/361)
قِيلَ: هِيَ مِنَ الْمَلل، أَيْ كَثُر مَطرُها حَتَّى مَلِلْنَاها.
وَقِيلَ: هِيَ «مَلَتْنا» بالتَّخْفيف، مِنَ الامْتلاء، فخُفّفَ الْهَمْزُ. وَمَعْنَاهُ: أوسَعَتْنا سَقْياً وَرِيّاً.
وَفِي قَصِيدِ كَعْب بْنِ زُهَيرٍ:
كأنَّ ضَاحِيَةُ بالنَّارِ مَمْلُولُ
أَيْ كأنَّ مَا ظَهر مِنْهُ لِلشَّمْسِ مَشْوِيٌّ بالمَلَّةِ مِنْ شِدَّةِ حَرِّه.
(س) وَفِيهِ «لَا تَزَالُ المَلِيلَةُ والصُّدَاعُ بالعَبْدِ» المَلِيلَةُ: حَرارةُ الحُمَّى ووَهَجُها.
وَقِيلَ: هِيَ الحمَّى الَّتِي تَكُونُ فِي الْعِظَامِ.
وَفِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ «مَلِيلَةُ الإرْغاء» أَيْ مملُولَةُ الصَّوْتِ. فَعِيلةٌ بِمَعْنَى مفعولةٍ، يَصِفُها بكَثْرِة الْكَلَامِ ورَفْع الصَّوْتِ، حَتَّى تُمِلَّ السَّامِعِين.
(س) وَفِي حَدِيثِ زَيْدٍ، أنَّه أَمَلَّ عليه «لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» يُقَالُ: أَمْلَلَتُ الكِتابَ وأَمْلَيْتُه، إِذَا ألْقَيْتَه عَلَى الكاتِب ليكْتُبَه.
(س) وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «أصْبَح النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَلَلٍ، ثُمَّ رَاحَ وتَعَشَّى بِسَرِفٍ» مَلَلٌ- بِوَزْنِ جَمَلٍ- موضِعٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، عَلَى سَبْعَةَ عَشَرَ مِيلًا «1» مِنَ الْمَدِينَةِ.
(مَلْمَلَ)
- فِي حَدِيثِ أَبِي عُبيد «أَنَّهُ حَمَل يَوْمَ الجِسْرِ، فضَرَبَ مَلْمَلَةَ الْفِيلِ» يعني خُرْطُومَه.
__________
(1) في ياقوت 8/ 153: «ثمانية وعشرين ميلاً»(4/362)
(مَلَا «1»
)
فِيهِ «إِنَّ اللهَ لَيُمْلِي للظَّالِمِ» الإِمْلاءُ: الإمْهَالُ والتأخيرُ وإطالةَ العُمْرِ.
وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
وَكَذَلِكَ تَكَرَّرَ فِيهِ ذكْرُ «المَلِيِّ» وَهُوَ الطائفةُ مِنَ الزَّمانِ لَا حَدَّ لَهَا. يُقَالُ: مَضَى مَلِيٌّ مِنَ النَّهَارِ، ومَلِيٌّ مِنَ الدَّهْرِ: أَيْ طَائِفَةٌ مِنْهُ.
بَابُ الْمِيمِ مَعَ الْمِيمِ «2»
(مِمْ)
- فِي كِتَابِهِ لِوَائل بْنِ حُجْر «مَنْ زَنَى مِمْ بِكَرٍ، ومَن زَنَى مِمْ ثَيِّبٍ» أَيْ مِنْ بِكْرٍ وَمِنْ ثَيِّبٍ، فَقَلبَ النُّونَ مِيمًا، أَمَّا مَعَ بِكرٍ، فَلِأَنَّ النُّون إِذَا سَكَنَت قبْل البَاءِ فَإِنَّهَا تُقْلَبُ مِيماً فِي النُّطْق، نَحْوُ عَنبرٍ وشَنْبَاءَ، وَأَمَّا مَعَ غَيْرِ الْبَاءِ، فَإِنَّهَا لُغَةٌ يَمانيةٌ، كَمَا يُبْدِلُون الْمِيمَ مِنْ لامِ التَّعْرِيفِ. وَقَدْ مَرَّ هَذَا فِيمَا تَقَدَّمَ.
بَابُ الْمِيمِ مَعَ النُّونِ
(مَنَأَ)
(س) فِي حَدِيثِ عُمَرَ «وآدِمَةٌ فِي المَنِيئَةِ» أَيْ فِي الدِّبَاغِ. وَقَدْ مَنَأْتُ الأَدِيمَ، إِذَا ألْقَيْتَه فِي الدِّباغِ. وَيُقَالُ لَهُ مَا دَامَ فِي الدِّبَاغِ: مَنِيئَةٌ، أَيْضًا.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيس «وَهِيَ تَمْعَسُ مَنِيئَةً لَهَا» .
(مَنَجَفَ)
- فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وخروجهِ إِلَى النَّجَاشِيِّ «فَقَعَدَ عَلَى مِنْجَاف السَّفينةَ» قِيلَ: هُوَ سُكَّانُها [أَيْ ذَنَبها «3» ] الَّذِي تُعدَّل بِهِ، وَكَأَنَّهُ [مَا تُنْجَفُ بِهِ السفينةُ «4» ] مِن نَجَفْتُ السّهمَ، إِذَا بَرَيْته وعَدَلْتَه، كَذَا قَالَ الزمخشريُّ. وَالْمِيمُ زائدةٌ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَمْ أَسْمَعْ فِيهِ شَيْئًا أَعْتَمِدُهُ.
__________
(1) وضعت هذه المادة في الأصل، وا قبل (مم) على غير نهج المصنِّف في إيراد الموادّ على ظاهر لفظها.
(2) لم يوضع هذا الباب فوق المادَّة في الأصل، وا.
(3) تكملتان من الفائق 3/ 70. والنقل منه.
(4) تكملتان من الفائق 3/ 70. والنقل منه.(4/363)
وأخْرَجه أَبُو مُوسَى فِي الْحَاءِ المهملةِ مَعَ الْيَاءِ، وَقَالَ: قَالَ الحربيُّ: مَا سَمِعْتُ فِي المِنْجافِ شَيْئًا، ولعلُّه أَرَادَ أَحَدَ ناحيَتي السَّفينة.
وأخرَجه الْهَرَوِيُّ فِي النُّونِ وَالْجِيمِ، وَقَالَ: هُوَ سُكّانُهَا، سُمِّي بِهِ لِارْتِفَاعِهِ.
(مَنَحَ)
(هـ) فِيهِ «مَن مَنَحَ مِنْحَةَ وَرِقٍ، أَوْ مَنَحَ لَبَناً كَانَ لَهُ كَعِدْلِ رَقَبَةٍ» مِنْحَةُ «1» الوَرِقِ: القَرْضُ، ومِنْحَةُ اللبنِ: أَنْ يُعْطِيَه ناقَةً أَوْ شَاةً، يَنْتَفِعُ بِلَبَنِها ويُعِيدُها. وَكَذَلِكَ إِذَا أعْطاهُ لِيَنْتَفِعَ بِوَبَرِها وصُوفِها زَمَانًا ثُمَّ يَرُدّها وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «الْمِنْحَةُ مَرْدُودةٌ» .
[هـ] وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ «هَلْ مِنْ أحَدٍ يَمْنَحُ مِنْ إِبِلِهِ ناقَةً أهلَ بَيْتٍ لَا دَرَّ لَهُمْ؟» .
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «وَيَرْعَى عَلَيْهَا مِنْحَةٌ «2» مِنْ لَبَنٍ» أَيْ غنمٌ فِيهَا لبنٌ. وَقَدْ تقَع الْمِنْحَةُ عَلَى الهِبَةِ مُطْلَقاً، لَا قَرْضاً وَلَا عَارِيَّةً. وَمِنَ العارِيَّةِ:
(هـ) حديثُ رافعٍ «مَنْ كَانَتْ لَهُ أرضٌ فَلْيَزْرَعْها أَوْ يَمْنَحْهَا أخاهُ» .
وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ «مَنْ مَنَحَهُ المُشْرِكون أَرْضًا فَلَا أرضَ لَهُ» لِأَنَّ مَن أعارَهُ مَشْرِكٌ أَرْضًا ليَزْرَعَها، فَإِنَّ خَراجَها عَلَى صَاحِبِهَا الْمُشْرِكِ، لَا يُسْقِطُ الْخَرَاجَ عَنْهُ مِنْحَتُهُ «3» إِيَّاهَا الْمُسْلِمَ، وَلَا يَكُونُ عَلَى الْمُسْلِمِ خَراجُها.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أفضَلُ الصَّدَقة الْمَنِيحَةُ، تَغْدُو بِعِساء وتَرُوح بِعساء» الْمَنِيحَةُ: المِنْحَةُ.
وَقَدْ تكرَّرَتا فِي الْحَدِيثِ.
وَفِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْع «وآكُلُ فَأَتَمَنَّحُ» أَيْ أُطْعِمُ غَيْرِي. وَهُوَ تَفَعُّلٌ مِنَ الْمِنْحَةِ: الْعَطِيَّةِ.
__________
(1) هذا قول أحمد بن حنبل. كما ذكر الهروي. وقبله قال: «قال أبو عبيد: المنحة عند العرب على معنيين: أحدهما أن يعطِيَ الرجلُ صاحبَه صِلَةً، فتكون له، والأخرى أن يمنحه شاةً أو ناقةً ينتفع بلبنها ووَبَرها زماناً ثم يردّها. وهو تأويل قوله: «المنحة مردودة» .
(2) هكذا ضبطت بالرفع، فى الأصل، وا، وهو المناسب لقوله في التفسير «أي غنمٌ» لكن جاءت في اللسان بالنصب: «عليهما منحةً» مع رفع التفسير.
(3) في الأصل، وا، واللسان: «منحتُها» وما أثبتُّ من الفائق 3/ 51. وفي النسخة 517: «منحتها إياه المسلم» .(4/364)
(هـ) وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ «كنتُ مَنِيحَ أَصْحَابِي يومَ بَدْرٍ» الْمَنِيحُ: أحَدُ سِهَامِ المَيْسِر الثَّلَاثَةِ الَّتِي لَا غُنْمَ لَهَا وَلَا غُرْمَ عَلَيْهَا، أَرَادَ أَنَّهُ كَانَ يومَ بدْرٍ صَبِيّاً، وَلَمْ يكُن مِمَّنْ يُضْرَبُ لَهُ بسَهْمٍ مَعَ المُجاهدين.
(مَنَعَ)
فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى «المَانِعُ» هُوَ الَّذِي يَمْنَعُ عَنْ أهلِ طاعَتهِ، ويَحُوطُهُم ويَنْصُرُهم.
وَقِيلَ: يَمْنَعُ مَن يُريدُ مِنْ خَلقهِ مَا يُريدُ، ويُعْطِيه مَا يُريدُ.
وَفِيهِ «اللَّهُمَّ مَنْ مَنَعْتَ مَمْنُوعٌ» أَيْ مَن حَرَمْتَه فَهُوَ مَحْروم. لَا يُعطيه أحدٌ غَيرُك.
وَفِيهِ «أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْ عُقُوقِ الأُمَّهاتِ، ومَنْعِ وهَاتِ» أَيْ عَنْ مَنْعِ مَا عَلَيْهِ إعطاؤُهُ، وطَلَبِ مَا لَيْسَ لَهُ.
وَفِيهِ «سيَعُوذ بِهَذَا البيتِ قَوْمٌ لَيْسَتْ لَهُمْ مَنْعَةٌ» أَيْ قُوَّةٌ تَمْنَعُ مَن يُريدُهُم بسُوء.
وَقَدْ تُفْتَحُ النونُ.
وَقِيلَ: هِيَ بِالْفَتْحِ جمعُ مَانِعٍ، مِثْلُ كافِرٍ وكَفَرَةٍ. وَقَدْ تَكَرَّرَتْ فِي الْحَدِيثِ عَلَى المعْنَيَيْنِ.
(مَنْقَلٌ)
- فِي حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ «إلاَّ امْرَأة يَئِسَت منَ البُعُولةِ فَهِيَ فِي مَنْقَلَيْهَا» المَنْقَل، بِالْفَتْحِ: الخُفّ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لَولا أَنَّ الرِّواية اتَّفَقَتْ فِي الْحَدِيثِ والشِّعْرِ مَا كَانَ وجهُ الكلامِ عِنْدِي إِلَّا كَسْرَها. وَالْمِيمُ زائدةٌ.
(مَنَنَ)
- فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى «الْمَنَّانُ» هُوَ المُنْعِمُ المُعْطِي، مِنَ الْمَنِّ: العَطاء، لَا مِنَ الْمِنَّةِ.
وَكَثِيرًا مَا يَرِدُ المَنُّ فِي كلامِهِمْ بِمَعْنَى الْإِحْسَانِ إِلَى مَنْ لَا يَسْتَثِيبُه وَلَا يَطْلبُ الجَزَاءَ عَلَيْهِ. فَالْمَنَّانُ مِنْ أبنيةِ المُبَالَغة، كالسَّفاكِ والوَهَّابِ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «مَا أحَدٌ أَمَنُّ عَلَيْنَا مِنَ ابْنِ أَبِي قُحَافَةَ» أَيْ مَا أحَدٌ أجْوَدُ بمالِه وذاتِ يَدِه.
وَقَدْ تَكَرَّرَ [أَيْضًا] «1» في الحديث.
__________
(1) من: ا.(4/365)
وَقَدْ يَقَعُ الْمَنَّانُ عَلَى الَّذِي لَا يُعْطِي شَيْئًا إلاَّ مَنَّهُ. واعْتَدَّ بِهِ عَلَى مَن أعطاهُ، وَهُوَ مَذمُومٌ لِأَنَّ الْمِنَّةَ تُفْسِدُ الصَّنِيعَةَ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «ثَلَاثَةٌ يَشْنَؤُهُم اللَّهُ، مِنْهُمُ البَخيلُ الْمَنَّانُ» وَقَدْ تَكَرَّرَ أَيْضًا فِي الْحَدِيثِ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «1» «لَا تَتَزَوَّجَنَّ حَنَّانةً وَلَا مَنَّانَةً» هِيَ الَّتِي يتزوّج بها لماها، فَهِيَ أَبَدًا تَمُنُّ عَلَى زَوجِهَا. وَيُقَالُ لَهَا: الْمَنُونُ، أَيْضًا.
[هـ] وَمِنَ الْأَوَّلِ الْحَدِيثُ «الكَمْأَةُ مِنَ المَنِّ، وماؤُها شِفَاءٌ لِلعَيْن» أَيْ هِيَ ممَّا مَنَّ اللَّهُ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ.
وَقِيلَ: شَبَّهها بِالْمَنِّ، وَهُوَ العَسلُ الحُلْوُ، الَّذِي يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ عَفْواً بِلاَ عِلاَجٍ. وَكَذَلِكَ الْكَمْأَة، لَا مَؤُونَةَ فِيهَا بِبَذْرٍ وَلَا سَقْيٍ.
(س) وَفِي حَدِيثِ سَطِيحٍ:
يَا فاصِلَ الخُطَّةِ أعْيَتْ مَنْ وَمَنْ
هَذَا كَمَا يُقَالُ: أعْيَا هَذَا الأمرُ فُلَانًا وَفُلَانًا، عِنْدَ المُبَالَغةِ وَالتَّعْظِيمِ: أَيْ أعيَتْ كُلَّ مَنْ جَلَّ قَدْرُه، فحُذِفَ. يَعْنِي أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا تَقْصُرُ الْعِبَارَةُ عَنْهُ لِعِظَمِهِ، كَمَا حَذَفُوهَا مِنْ قَوْلِهِمْ بَعْدَ اللَّتَيَّا والتَّي، اسْتِعْظاماً لِشأْن المحذوف.
(س) وَفِيهِ «مَن غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» أَيْ لَيْسَ عَلَى سِيرتِنا ومذْهَبِنَا، والتَّمسُّكِ بِسُنَّتِنَا، كَمَا يقُولُ الرَّجُلُ: أَنَا مِنْكَ وإليْكَ، يُرِيدُ المتَابَعَةَ والمُوافَقَةَ.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَيْسَ مِنَّا مَن حَلَقَ وخَرَق وصَلَقَ» وَقَدْ تَكَرَّرَ أمثالُه فِي الْحَدِيثِ بِهَذَا الْمَعْنَى.
وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ النَّفْيَ عَنْ دِين الْإِسْلَامِ، وَلَا يصحُّ.
(مَنْهَرٌ)
- فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ «فأتَوْا مَنْهَرا فاخْتَبأوا» المَنْهَرُ: خَرْقٌ فِي الحِصْنِ نافِذٌ يدخُلُ فِيهِ الماءُ، وَهُوَ مَفْعَلٌ، مِنَ النَّهْرِ، والميمُ زائدةٌ.
__________
(1) عبارة الهروي: «ورُوي عن بعضهم: لا تتزوّجّنَّ ... » .(4/366)
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ «أَنَّهُ قُتِلَ وطُرِحَ فِي مَنْهَرٍ مِنْ مَنَاهِيرِ خَيْبَر» .
(مَنَا)
(هـ) فِيهِ «إِذَا تَمَنَّى أحَدُكم فلْيُكْثِر، فَإِنَّمَا يسألُ ربَّه» التَّمَنِّي: تَشَهِّي حُصُولِ الأمْرِ المَرْغُوبِ فِيهِ، وَحَدِيثُ النَّفْس بِمَا يَكُونُ وَمَا لَا يَكُونُ.
وَالْمَعْنَى: إِذَا سألَ اللهَ حوائِجَه وفَضْلَه فلْيُكْثِر، فَإِنَّ فَضْلَ اللَّهِ كثيرٌ، وخزائِنَه واسِعةٌ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحَسَنِ «لَيْسَ الإيمانُ بالتَّحَلِّي وَلَا بِالتَّمَنِّي، وَلَكِنْ مَا وقَر فِي القَلْبِ، وصَدَّقَتْه الْأَعْمَالُ» أَيْ لَيْسَ هُوَ بالقولِ الَّذِي تُظْهِرهُ بِلسانِكَ فَقَطْ، وَلَكِنْ يَجِبُ أَنْ تُتْبِعَهُ مَعْرِفَةَ القلْبِ.
وَقِيلَ: هُوَ مِنَ التَّمَنِّي: القراءةِ والتَّلاَوةِ؛ يُقَالُ: تَمَنَّى، إِذَا قَرأ.
[هـ] وَمِنْهُ مَرْثِيَةُ عُثْمَانَ:
تَمَنَّى كِتَابَ اللهِ أوّلَ لَيْلَةٍ وآخِرَهَا «1» لاَقَى حِمَامَ المَقادِرِ وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الملِك «كتَب إِلَى الحجَّاج: يَا ابْنَ الْمُتَمَنِّيَةِ» أَرَادَ أمَّهُ، وَهِيَ الفُرَيْعَةُ بنتُ هَمّامٍ، وَهِيَ القائلَةُ:
هَلْ مِنْ سَبيلٍ إِلَى خَمْرٍ فأَشْرَبَهَا أمْ هَلْ سَبِيلٍ إِلَى نَصْرِ بْنِ حَجَّاجِ وَكَانَ نصرٌ رَجُلاً جَمِيلًا مِنْ بَنِي سُلَيمٍ، يَفْتَتِنُ بِهِ النِّساءُ، فحلَقَ عُمَرُ رأسَه ونفاهُ إِلَى البَصْرَةِ.
فَهَذَا كَانَ تَمَنِّيهَا الَّذِي سَمَّاهَا بِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ.
(س [هـ] ) وَمِنْهُ قَوْلُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ لِلْحَجَّاجِ «إِنْ شِئْتَ أَخْبَرْتُكَ مَنْ لَا أُمَّ لَهُ، يَا ابْنَ الْمُتَمَنِّيَةِ» .
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُثْمَانَ «مَا تَعَنَّيْتُ، وَلَا تَمَنَّيْتُ، وَلَا شَرْبِتُ خمْراً فِي جاهليَّةٍ وَلَا إسْلامٍ» .
وَفِي رِوَايَةٍ «مَا تَمَنَّيْتُ منذُ أسْلَمْتُ» أَيْ مَا كَذَبْتُ. التَّمَنِّي: التَّكَذُّبُ، تَفَعُّلٌ، مِنْ مَنَى يَمْنِي، إِذَا قَدَّرَ، لِأَنَّ الكاذبَ يُقَدِّرُ الحديثَ فِي نَفْسه ثُمَّ يَقُولُهُ.
قَالَ رجلٌ لابْن دَأْبٍ، وَهُوَ يُحَدِّثُ: «أَهذا شيءٌ رُوِّيتَهُ «2» أَمْ شيءٌ تَمَنَّيْتَهُ؟» أَيِ اخْتَلَقْتَهُ وَلَا أصلَ لَهُ. وَيُقَالُ لِلْأَحَادِيثِ الَّتِي تُتَمَنَّى: الْأَمَانِيُّ، واحِدتُها: أُمْنِيَّةٌ.
__________
(1) في اللسان: «أوّلَ ليلِهِ ... وآخِرَه» .
(2) في الهروى: «رويته» .(4/367)
وَمِنْهُ قَصِيدُ كَعْبٍ:
فَلَا يَغُرَّنْكَ مَا مَنَّتْ وَمَا وَعَدَتْ إِنَّ الْأَمَانِيَّ والأحْلاَمَ تَضْلِيلُ (هـ) وَفِيهِ «أنَّ مُنْشِداً أنْشَدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
لَا تَأْمَنَنَّ وإنْ أمْسَيْتَ فِي حَرَمٍ حَتَّى تُلاَقِيَ مَا يَمْنِي لَكَ المَانِي
فالخَيْرُ والشَّرُّ مَقْرُونَانِ فِي قَرَنٍ ... بِكُلِّ ذلِك يَأْتِيكَ الجَدِيدَانِ
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ أَدْرَكَ هَذَا الْإِسْلَامَ» مَعناه: حَتَّى تُلاقِيَ مَا يُقدَّرُ لَكَ المُقدِّرُ، وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى. يُقَالُ: مَنَى اللهُ عليكَ خَيْراً يَمْنِي مَنْياً.
وَمِنْهُ سَمِّيَتِ «الْمَنِيَّةُ» وَهِيَ الموتُ. وجمعُها: المَنَايَا؛ لأِنها مُقدَّرةٌ بوقتٍ مَخْصُوصٍ.
وَقَدْ تَكَرَّرَتْ فِي الْحَدِيثِ.
وَكَذَلِكَ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ «الْمَنِيِّ» بِالتَّشْدِيدِ، وَهُوَ ماءُ الرَّجُلِ. وَقَدْ مَنَى الرَّجُلُ، وأَمْنَى، واسْتَمْنَى، إِذَا اسْتَدْعَى خُروجَ الْمَنِيِّ.
[هـ] وَفِيهِ «البيتُ المعمورُ مَنَا مَكّة» أَيْ بِحذَائِها فِي السَّمَاءِ. يُقَالُ: دّارِي مَنَا دارِ فُلانٍ: أَيْ مُقَابِلُها.
وَمِنْهُ حَدِيثُ مجاهدٍ «إِنَّ الحَرَمَ حَرَمٌ مَنَاهُ من السَّمواتِ السَّبْعِ والأَرَضِينَ السَّبْعِ» أَيْ حذاءَه وقَصْدَه «1» .
وَفِيهِ «أنَّهم كَانُوا يُهِلُّون لِمَنَاةَ» مَنَاةُ: صنمٌ كَانَ لِهُذَيْلٍ وخُزَاعَةَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَالْهَاءُ فِيهِ للتأنيث. والوقف عَلَيْهِ بالتاءِ.
(مَنَاذِرُ)
- فِيهِ ذِكْرُ «مَنَاذِر» هِيَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ النُّون وَكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ:
بلدةٌ معروفةٌ بِالشَّامِ قديمةٌ.
(مَنَارٌ)
- فِيهِ «لَعَنَ اللهُ مَنْ غَيَّر مَنَارَ الْأَرْضِ» أَيْ أعْلامَها. والميم زائدةٌ.
وستُذكَرُ في النُّون.
__________
(1) في الأصل: «حذاؤه وقصده» والمثبت من او اللسان.(4/368)
بَابُ الْمِيمِ مَعَ الْوَاوِ
(مُوبَذٌ)
- فِي حَدِيثِ سَطِيح «فَأرْسَلَ كِسْرَى إِلَى الْمُوبَذَانِ» الْمُوبَذَانُ للمَجُوس:
كقاضِي القُضاة لِلْمُسْلِمِينَ، والْمُوبَذُ: كالقاضِي.
(مَوَتَ)
- فِي دُعَاءِ الانْتِباه «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بعدَ مَا أَمَاتَنَا، وَإِلَيْهِ النُّشُورُ» سَمَّى النَّومَ مَوْتاً، لِأَنَّهُ يَزُولُ مَعَهُ العقلُ والحركةُ، تَمْثِيلًا وَتَشْبِيهًا، لَا تَحقيقاً.
وَقِيلَ: الْمَوْتُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ يُطلق عَلَى السُّكُونِ. يُقَالُ: مَاتَتِ الرَّيحُ: أَيْ سَكَنَت.
والْمَوْتُ يقعُ علَى أَنْوَاعٍ بحَسَب أنواعِ الحياةِ، فَمِنْهَا مَا هُوَ بإزَاءِ القُوّةِ النَّامِيَةِ الموجودة فى الحيوان والنّبات، كقوله تعالى: يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها.
ومنها زوالُ القُوَّةِ الحِسِّيَّةِ، كقوله تعالى: يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا.
وَمِنْهَا زوالُ القُوَّةِ الْعَاقِلَةِ، وَهِيَ الجَهالة، كَقَوْلِهِ تعالى: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ
وإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى.
وَمِنْهَا الحُزْنُ والخَوْف المكَدِّرُ للحياةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ.
وَمِنْهَا المنَام كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها.
وَقَدْ قِيلَ: المنامُ: المَوْتُ الخفيفُ، والمَوْتُ: النَّومُ الثَّقيل.
وَقَدْ يُسْتعارُ المَوْتُ للأحوالِ الشّاقَّةِ، كالفقرِ، والذُّلِّ، والسُّؤالِ، والْهَرَمِ، والْمعصِيَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أولُ مَنْ مَاتَ إِبْلِيسُ» لِأَنَّهُ أوّلُ مَنْ عَصَى.
(س) وَحَدِيثُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ «قِيلَ لَهُ: إِنَّ هامَانَ قَدْ مَاتَ، فَلَقِيهُ، فسألَ رَبَّه، فَقَالَ لَهُ: أَمَا تَعْلَمُ أنَّ مَن أَفْقَرْتُه فَقدْ أَمَتُّهُ» .
(س) وَحَدِيثُ عُمَرَ «اللَّبَنُ لَا يَمُوتُ» أَرَادَ أَنَّ الصَّبيَّ إِذَا رَضَعَ امْرأةً مَيِّتَةً حَرُمَ عَلَيْهِ مِنْ ولَدِها وقَرَابَتِها مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مِنْهُمْ لَوْ كانتْ حَيَّةً وَقَدْ رَضِعها.(4/369)
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: إِذَا فُصِلَ اللَّبنُ مِنَ الثَّدْي وأُسْقِيَهُ الصَّبِيُّ، فَإِنَّهُ يحرُمُ بِهِ مَا يَحْرُمُ بالرّضَاعِ، وَلَا يَبْطُل عَملُه بمُفارَقةِ الثَّدِيِ، فَإِنَّ كُلَّ مَا انْفَصَلَ مِنَ الحيِّ مَيِّتٌ، إلاَّ اللَّبَنَ والشَّعَرَ والصُّوفَ، لِضَرُورَةِ الاسْتِعمالِ.
وَفِي حَدِيثِ الْبَحْرِ «الحِلُّ مَيْتَتُهُ» هُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ: اسمٌ لِمَا مَاتَ فيهِ مِنْ حيوانهِ. وَلَا تُكْسَرُ الميمُ.
وَفِي حَدِيثِ الفِتَن «فَقَدْ مَاتَ مِيتَةً جَاهليَّةً» هِيَ بِالْكَسْرِ: حالةُ الموتِ: أَيْ كَمَا يموتُ أهلُ الجاهليَّة، مِنَ الضَّلالِ والفُرْقَةِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَلَمة «لَمْ يَكُنْ أصحابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَحَزِّقين وَلَا مُتَمَاوِتِينَ» يُقَالُ: تَمَاوَتَ الرَّجُلُ، إِذَا أظهرَ مِنْ نفْسه التَّخافُتَ والتَّضَاعُفَ، مِنَ العِبادَةِ والزُّهدِ والصَّومِ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «رَأَى رجُلاً مُطَأْطِئاً رأسَه، فَقَالَ: ارْفَعْ رأسَك، فَإِنَّ الْإِسْلَامَ لَيْسَ بِمَريِض» .
وَرَأَى رجُلاً مُتَمَاوِتاً، فَقَالَ: «لَا تُمِتْ عَلَيْنَا دِينَنَا، أَمَاتَكَ اللهُ» .
(س) وَحَدِيثُ عَائِشَةَ «نَظَرَت إِلَى رجُل كَادَ يَمُوتَ تَخافُتاً، فَقَالَتْ: مَا لِهَذَا؟ فَقِيلَ:
إنَّه مِنَ القُرَّاءِ، فَقَالَتْ: كَانَ عُمَرَ سيِّدَ القُرَّاءِ، كَانَ إِذَا مَشَى أسْرَع، وَإِذَا قَالَ أسْمَع، وَإِذَا ضَرَبَ أوجَعَ» .
(هـ) وَفِي حَدِيثِ بَدْرٍ «أَرَى القَوْمَ مُسْتَمِيتِينَ» أَيْ مُسْتَقْتِلينَ، وَهُمُ الَّذِينَ يُقَاتِلُون عَلَى الموْتِ.
(س) وَفِيهِ «يَكُونُ فِي النَّاسِ مُوتَانٌ كَقُعَاصِ الغَنَمِ» الْمُوتَانُ، بِوَزْنِ البُطْلانِ:
الموْتُ الكثيرُ الوُقوعِ.
وَفِيهِ «مَن أحْيا مَوَاتاً فَهُوَ أحَقُّ بِهِ» الْمَوَاتُ: الأرضُ التَّي لَمْ تُزرَعْ ولَم تُعْمَرْ، وَلَا جَرى عَلَيْهَا مِلْكُ أحَدٍ. وإحياؤُها: مبُاشَرَةُ عمِارَتها، وتأثيرُ شَيْءِ فِيهَا.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «مَوَتَانُ الأرْضِ لِلَّهِ ولِرسوله» يَعْنِي مَوَاتَهَا الَّذِي لَيْسَ مِلْكاً لأحَد.(4/370)
وَفِيهِ لُغَتَانِ: سُكُونُ الواوِ، وفَتحها مَعَ فَتْحِ الْمِيمِ.
والْمَوَتَانُ أَيْضًا: ضدَّ الحَيوانِ.
وَفِيهِ «كَانَ شِعَارُنا: يَا منصورُ أَمِتْ» هُوَ أَمْرٌ بالموْتِ. وَالْمُرَادُ بِهِ التفاؤُل بالنَّصرِ بعدَ الأمْرِ بِالْإِمَاتَةِ، مَعَ حُصُولِ الغَرَضِ للشِّعارِ، فإنَّهم جَعلوا هَذِهِ الكَلِمةَ عَلَامَةً بَيْنَهُمْ، يتَعارفُون بِهَا؛ لأجْل ظُلْمةِ اللَّيلِ.
وَفِي حَدِيثِ الثُّوم والبَصَل «مَن أكَلَهُما فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخاً» أي فلْيُبَالِغْ في طَبْخِهما؛ لتَذْهَبَ حِدّتُهما ورائحَتُهما.
وَفِي حَدِيثِ الشَّيْطَانِ «أَمَّا هَمْزُهُ فَالْمُوتَةُ» يَعْنِي الجُنونَ. وَالتَّفْسِيرُ فِي الْحَدِيثِ.
فَأَمَّا «غَزْوَةُ مُؤْتَةَ» فَإِنَّهَا بِالْهَمْزِ. وَهِيَ موضِعٌ مِنْ بَلَدِ الشَّام.
(مَوَدَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «أرأيْتَ رجُلاً مُودِياً نَشِيطاً» المُودِي: التَّامُ السِّلاَحِ، الكامِلُ أَدَاةِ الحرْبِ. وأصلُه الهمْزُ، وَالْمِيمُ زائدةٌ، وَقَدْ تُلَيَّن الهمزةُ فتصيرُ وَاواً. وَقَدْ تَقَدَّمَ هُوَ وغيرهُ فِي حَرْفِ الْهَمْزَةِ.
(مَوَرَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ الصَّدَقَةِ «فَأَمَّا الْمُنْفِقُ فَإِذَا أَنْفَقَ مَارَتْ عَلَيه» أَيْ تَرَدَّدَتْ نَفَقَتُهُ، وذَهَبتْ وجاءتْ. يُقَالُ: مَارَ الشَّيْءُ يَمُورُ مَوْراً، إذا جاءَ وذهبَ. ومَارَ الدَّمُ يَمُورُ مَوْراً، إِذَا جَرى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ المُسيِّبِ «سُئِل عَنْ بَعير نَحَرُوه بعُود، فَقَالَ: إِنْ كَانَ مَارَ مَوْراً فَكُلُوهُ، وَإِنْ ثَرَّدَ فَلاَ» .
(هـ) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ «يُطْلَقُ عِقَالُ الْحَرْبِ بِكَتَائِبَ تَمُورُ كَرِجْلِ الْجَرادِ» أَيْ تَتَرَدَّدُ وتَضْطربُ، لِكَثْرَتَها.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عِكْرِمة «لمَّا نُفِخَ فِي آدَمَ الروحُ مَارَ فِي رَأْسِهِ فَعَطَس» أَيْ دَارَ وتَرَدَّدَ.
وَحَدِيثُ قُسٍّ «ونُجُومٌ تَمُورُ» أَيْ تَذْهَبُ وَتَجِيءُ.(4/371)
وَفِي حَدِيثِهِ أَيْضًا «فتركْتُ الْمَوْرَ، وأخَذْتُ فِي الجَبَلِ» المَوْرُ، بِالْفَتْحِ: الطَّريقُ.
سُمِّي بالمَصْدر؛ لِأَنَّهُ يُجَاءُ فِيهِ ويُذْهَبُ.
(س) وَفِي حَدِيثِ لَيْلى «انْتَهَيْنا إِلَى الشُّعَيْثَةِ، فَوجَدْنَا سَفِينةً قَدْ جاءَتْ مِنْ مَوْرٍ» قِيلَ: هُوَ اسمُ مَوْضِعٍ، سُمِّي بِهِ لِمَوْرِ الْمَاءِ فِيهِ: أَيْ جَرَيانِه.
(مُوزَجٌ)
- فِيهِ «إنَّ امْرَأَةً نَزَعَتْ خُفَّهَا، أَوْ مُوزَجَها فَسَقَتْ بِهِ كَلْبًا» الْمُوزَجُ:
الْخُفُّ، تَعْرِيبُ مُوزَهْ، بِالْفَارِسِيَّةِ.
(مَوَسَ)
(س) فِي حَدِيثِ عُمَرَ «كَتَبَ أَنْ يَقْتُلُوا مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ الْمَوَاسِي» أَيْ مَنْ نَبَتَتْ عَانَتُهُ، لِأَنَّ الْمَوَاسِيَ إِنَّمَا تَجْرِي عَلَى مَنْ أَنْبَتَ. أَرَادَ مَنْ بَلَغَ الْحُلُمَ مِنَ الْكُفَّارِ.
(مَوَشَ)
(س) فِيهِ «كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِرْعٌ تُسَمَّى ذَاتَ الْمَوَاشِي» هَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو مُوسَى فِي «مُسْنَدِ ابْنِ عَبَّاسٍ» مِنَ الطُّوَالَاتِ. وَقَالَ: لَا أَعْرِفُ صِحَّةَ لَفْظِهِ، وَإِنَّمَا يُذْكَرُ الْمَعْنَى بَعْدَ ثُبُوتِ اللَّفْظِ.
(مَوَصَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «قَالَتْ عَنْ عُثْمَانَ: مُصْتُمُوهُ كَمَا يُمَاصُ الثَّوْبُ، ثُمَّ عَدَوْتُمْ عَلَيْهِ فَقَتَلْتُمُوهُ» الْمَوْصُ: الْغَسْلُ بِالْأَصَابِعِ. يُقَالُ: مُصْتُهُ أَمُوصُهُ مَوْصاً. أَرَادَتْ أَنَّهُمُ اسْتَتَابُوهُ عَمَّا نقموا منه، فلما أعطاهم ما طلبوا قَتَلُوهُ.
(مَوَقَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّ امْرَأة رأتْ كَلْبا فِي يَوْمٍ حَارٍّ فَنَزَعَتْ لَهُ بِمُوقِهَا، فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لَهَا» الْمُوقُ: الْخُفُّ، فارسيٌ معربٌ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى مُوقَيْهِ» .
وَحَدِيثُ عُمَرَ «لَمَّا قَدِمَ الشَّامَ عَرَضَتْ لَهُ مخاضةٌ، فَنَزَلَ عَنْ بَعِيرِهِ وَنَزَعَ مُوقَيْهِ وَخَاضَ الْمَاءَ» .
(س) وَفِيهِ «أَنَّهُ كَانَ يَكْتَحِلُ مَرَّةً مِنْ مُوقِهِ، وَمَرَّةً مِنْ مَاقِهِ» قَدْ تَقَدَّمَ شرحُه فِي الْمَأْقِ.
(مَوَلَ)
(س) فِيهِ «نَهَى عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ» قِيلَ: أَرَادَ بِهِ الْحَيَوَانَ: أَيْ يُحْسَنُ إِلَيْهِ وَلَا يُهْمَلُ.(4/372)
وَقِيلَ: إِضَاعَتُهُ: إِنْفَاقُهُ فِي الْحَرَامِ، وَالْمَعَاصِي وَمَا لَا يُحِبُّهُ اللَّهُ.
وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ التَّبْذِيرَ وَالْإِسْرَافَ، وَإِنْ كَانَ فِي حلالٍ مُبَاحٍ.
الْمَالُ فِي الْأَصْلِ: مَا يُمْلَكُ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى كُلِّ مَا يُقْتَنَى وَيُمْلَكُ مِنَ الْأَعْيَانِ. وَأَكْثَرُ مَا يُطْلَقُ المَالُ عِنْدَ الْعَرَبِ عَلَى الْإِبِلِ، لِأَنَّهَا كَانَتْ أَكْثَرَ أَمْوَالِهِمْ.
ومَالَ الرّجلُ وتَمَوَّلَ، إِذَا صَارَ ذَا مَالٍ. وَقَدْ مَوَّلَهُ غَيْرُهُ. وَيُقَالُ: رَجُلُ مَالٌ: أَيْ كَثِيرُ الْمَالِ، كَأَنَّهُ قَدْ جَعَلَ نَفْسَهُ مَالًا، وَحَقِيقَتُهُ: ذُو مَالٍ.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «مَا جَاءَكَ مِنْهُ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ عَلَيْهِ فَخُذْهُ وتَمَوَّلْهُ» أَيِ اجْعَلْهُ لَكَ مَالًا.
وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ «المَالِ» عَلَى اخْتِلَافِ مُسَمَّيَاتِهِ فِي الْحَدِيثِ. وَيُفْرَقُ فِيهَا بِالْقَرَائِنِ.
(مَوَمَ)
- فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ «وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى مِنْ مُومِ الْعَسَلِ» المُومُ: الشَّمْعُ وَهُوَ مُعَرَّبٌ.
(س) وَفِي حَدِيثِ الْعُرَنِيِّيِنَ «وَقَدْ وَقَعَ بِالْمَدِينَةِ الْمُومُ» هُوَ الْبِرْسَامُ مَعَ الْحُمَّى «1» .
وَقِيلَ: هُوَ بَثْرٌ أَصْغَرُ مِنَ الْجُدَرِيِّ.
(مُومِسٌ)
- فِي حَدِيثِ جُرَيْجٍ «حَتَّى تَنْظُرَ فِي وُجُوهِ المُومِسات» المُومِسة: الْفَاجِرَةُ.
وَتُجْمَعُ عَلَى مَيَامِس، أَيْضًا، ومَوَامِس. وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ يَقُولُونَ: مَيَامِيس، وَلَا يَصِحُّ إِلَّا عَلَى إِشْبَاعِ الْكَسْرَةِ لِيَصِيرَ يَاءً، كَمُطْفِلٍ، وَمَطَافِلَ، وَمَطَافِيلَ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي وائل «أكثر تبع الدجال أولاد المَيَامِس» وَفِي رِوَايَةٍ «أَوْلَادُ الْمَوَامِسِ» وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي أَصْلِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ، فَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُهُ مِنَ الْهَمْزَةِ، وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُهُ مِنَ الْوَاوِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا تَكَلَّفَ لَهُ اشْتِقَاقًا فِيهِ بُعْدٌ، فَذَكَرْنَاهَا فِي حَرْفِ الميم لظاهر لفظها، ولاختلافهم فى أصلها.
(موه)
(س) فِيهِ «كَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ يَغْتَسِلُ عند مُوَيْهٍ» هو تصغير ماء.
__________
(1) الموم، بمعنى البرسام فقط، ذكره الجواليقى. المعرب ص 312 وبمعنى الشمع فقط، ذكره الخفاجى. شفاء الغليل ص 202.(4/373)
وأصلُ الْمَاءِ: مَوَهٌ، ويُجمع عَلَى أَمْوَاهٍ ومِيَاهٍ، وَقَدْ جَاءَ أَمْوَاء.
والنَّسَبُ إِلَيْهِ: مَاهِيٌّ، ومَائِيٌّ، عَلَى الْأَصْلِ واللفَّظ.
(س) وَفِي حَدِيثِ الْحَسَنِ «كَانَ أصحابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْتَرونَ السَّمْنَ الْمَائِيَّ» هُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى مواضِعَ تُسَمَّى مَاهَ، يُعْمَلُ بِهَا.
وَمِنْهُ قولُهم «مَاهُ البَصْرةِ، ومَاهُ الكُوفَةِ، وَهُوَ اسمٌ للأماكِنِ المُضافة إِلَى كلِّ واحدةٍ مِنْهُمَا، فَقَلَب الْهَاءَ فِي النَّسَبِ هَمْزَةً أَوْ يَاءً. وليسَتِ اللَّفظةُ عَربيةً «1» .
بَابُ الْمِيمِ مَعَ الْهَاءِ
(مَهَرَ)
(هـ) فِيهِ «مَثَلُ الْمَاهِرِ بِالقرآنِ مَثَلُ الكِرام السَّفَرَة البَرَرَة» الْمَاهِرُ: الحاذِق بالقِراءَةِ. وَقَدْ مَهَرَ يَمْهُرُ مَهَارَةً.
والسَّفَرَةُ: الملائِكةُ.
وَفِي حَدِيثِ أُمِّ حَبيبة «وأَمْهَرَهَا النَّجاشِيُّ مِن عِندِه» يُقَالُ: مَهَرْتُ المرأةَ وأَمْهَرْتُهَا، إِذَا جعلْتَ لَهَا مَهْراً، وَإِذَا سُقْتَ إِلَيْهَا مَهْرَهَا، وَهُوَ الصَّدَاقُ.
(مَهَشَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ لَعَنَ مِنَ النِّساءِ الْمُمْتَهِشَةَ «2»
» تَفْسِيره فِي الْحَدِيثِ: الَّتِي تَحْلِقُ وَجْهَهَا بِالْمُوسَى «3» .
يُقَالُ: مَهَشَتْهُ النَّارُ، مِثْلُ مَحَشَتْهُ: أَيْ أَحْرَقَتْهُ.
(مَهَقَ)
(هـ) فِي صِفَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَمْ يَكُنْ بالأبْيَضِ الْأَمْهَقِ» هُوَ الكَرِيهُ البَيَاضِ كَلَونِ الجَصِّ. يريد أنه كان نَيِّرَ البياض.
__________
(1) قال صاحب شفاء الغليل ص 208: «ماه: بمعنى البلد. ومنه ضُرب هذا الدرهم بماه البصرة» .
(2) فى الأصل، وا: «المتمهّشة» وما أثبتُّ من الهروي، واللسان، والفائق 1/ 283، وتاج العروس.
(3) بعد هذا في الهروي: «وقال القتيبي: لا أعرف الحديث إلا أن تكون الهاء مبدلة من الحاء. يقال: مرّ بي جملٌ فمحشني، إذا حاكّه فسَحَج جِلدَه. وقال غيره: مَحشَتْه النارُ، ومهَشَتْه، إذا أحرقته» .(4/374)
(مَهَلَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ «ادْفِنُوني فِي ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ، فَإِنَّمَا هُمَا لِلمُهْلِ والتُّراب» ويُرْوَى «لِلْمِهْلَةِ» بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا وفَتْحها، وَهِيَ ثلاثَتُها: القَيْح والصَّدِيدُ الَّذِي يَذُوبُ فيسيلُ مِنَ الجسدِ، وَمِنْهُ قِيلَ للنُّحَاسِ الذَّائبِ: مُهْلٌ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «إِذَا سِرتُم إِلَى العَدُوِّ فَمَهْلًا مَهْلًا، وَإِذَا وَقَعتِ العَيْنُ عَلَى العَيْنِ فَمَهَلًا مَهَلًا» السَّاكِنُ: الرِّفْقُ، والمُتَحَرِّكُ: التَّقَدُّم. أَيْ إِذَا سرْتُم فتأنَّوا، وَإِذَا لَقِيتُم فاحْمِلُوا.
كَذَا قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَقَالَ الجوهريُّ: المَهَلُ، بالتَّحْرِيكِ: التُّؤَدَةُ والتَّباطُؤ، والاسمُ: المُهْلَةُ «1» .
وفلانٌ ذُو مَهَلٍ، بِالتَّحْرِيكِ: أَيْ ذُو تَقدُّمٍ فِي الْخَيْرِ. وَلَا يقال في الشرِّ. يقال: مَهَّلْتُهُ وأَمْهَلْتُه:
أي سَكَّنْتُه وأخَّرْتُه. وَيُقَالُ: مَهْلًا لِلْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ والجمعِ والمؤنَّثِ، بِلَفْظٍ واحدٍ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ رُقَيْقة «مَا يَبْلُغُ سَعْيُهم مَهْلَهُ» أَيْ مَا يَبْلُغُ إسْرَاعُهم إبطاءَهُ.
(مَهَمَ)
(هـ س) فِي حَدِيثِ سَطِيحٍ:
أَزْرَقُ مَهْمُ النَّابِ صَرَّارُ الأذُنْ
أَيْ حَديد النَّاب.
قَالَ الأزهريُّ: هَكَذَا رُوِيَ، وأظُنُّه «مَهْوُ النَّابِ» بِالْوَاوِ. يقالُ: سيفٌ مَهْوٌ:
أَيْ حديدٌ ماضٍ.
وأوْرَدَه الزَّمَخْشَرِيُّ:
أزْرَقُ مُمْهَى النَّابِ صَرَّارُ الأذُنْ
وَقَالَ «2»
: «المُمْهَى: المُحَدَّدُ» ، مِن أَمْهَيْتُ الحديدةَ، إِذَا أحْدَدْتَها. شَبَّهَ بَعِيَرُه بالنِمرِ، لزُرْقَةِ عَيْنَيْه، وسُرْعَةِ سَيْرِه.
(س) وَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو «مَهْمَا تُجَشِّمْني تَجَشَّمْتُ» مَهْما: حرفٌ مِنْ حُروفِ الشَّرْطِ الَّتِي يُجَازَى بِهَا، تَقُولُ: مَهْمَا تَفْعَلْ أَفْعَلْ.
قِيلَ: إِنَّ أَصْلَهَا: مَامَا، فَقُلِبَتِ الْأَلِفُ الْأُولَى هَاءً. وَقَدْ تَكَرَّرَتْ فِي الحديث.
__________
(1) زاد الجوهري: «بالضم»
(2) انظر الفائق 1/ 464(4/375)
(مَهْمَهَ)
فِي حَدِيثِ قُسّ «وَمَهْمَهٍ [فِيهِ «1»
] ظُلْمَانٌ» المَهْمَه: الْمَفَازَةُ والبريةُ الْقَفْرُ، وَجَمْعُهَا: مَهَامِه.
(مَهَنَ)
- فِيهِ «مَا عَلَى أَحَدِكُمْ لَوِ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ لِيَوْمِ جُمُعَتِهِ سِوَى ثَوْبَيْ مَهْنَتِه» أَيْ خِدْمَتِهِ وَبِذْلَتِهِ.
وَالرِّوَايَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَقَدْ تُكْسَرُ.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: «وَهُوَ عِنْدَ الْأَثْبَاتِ خَطَأٌ. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: المَهْنَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ: هِيَ الْخِدْمَةُ.
وَلَا يُقَالُ: مِهْنَة، بِالْكَسْرِ. وَكَانَ الْقِيَاسُ لَوْ قِيلَ مِثْلُ جلسةٍِ وَخِدْمَةٍ، إِلَّا أَنَّهُ جَاءَ عَلَى فَعْلَةٍ وَاحِدَةٍ» . يُقَالُ: مَهَنْتُ الْقَوْمَ أَمْهَنُهُم وأَمْهُنُهُم، وامْتَهَنُونِي: أَيِ ابْتَذَلُونِي فِي الْخِدْمَةِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ سَلْمَانَ «أَكْرَهُ أَنْ أَجْمَعَ عَلَى ماهِنِي مَهْنَتَيْن» أَيْ أَجْمَعَ عَلَى خَادِمِي عَمَلَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، كَالطَّبْخِ وَالْخَبْزِ مَثَلًا.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ «كَانَ النَّاسُ مُهَّانَ أَنْفُسِهِمْ» .
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «مَهَنَة أَنْفُسِهِمْ» هَمَا جَمْعُ ماهِنٍ، كَكَاتِبٍ وَكُتَّابٍ وكتبةٍ.
وَقَالَ أَبُو مُوسَى فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: هُوَ «مِهَان» يَعْنِي بِكَسْرِ الْمِيمِ وَالتَّخْفِيفِ. كَصَائِمٍ وَصِيَامٍ.
ثُمَّ قَالَ: وَيَجُوزُ «مُهَّان أَنْفُسِهِمْ» قِيَاسًا.
وَفِي صفَته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَيْسَ بِالْجَافِي وَلَا المَهِين» يُرْوَى بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا، فَالضَّمُّ، مِنَ الْإِهَانَةِ: أَيْ لَا يُهِينُ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ، فَتَكُونُ الْمِيمُ زَائِدَةً.
وَالْفَتْحُ مِنَ المَهَانَةِ: الْحَقَارَةِ وَالصِّغَرِ، وَتَكُونُ الْمِيمُ أَصْلِيَّةً.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ «السَّهْلُ يُوطَأُ ويُمْتَهَنُ» أَيْ يُدَاسُ وَيُبْتَذَلُ، مِنَ المَهْنَةِ: الْخِدْمَةِ.
(مَهَهَ)
- فِيهِ «كُلُّ شَيْءٍ مَهَهٌ إِلَّا حَدِيثَ النِّسَاءِ» المَهَهُ والمَهَاهُ: الشَّيْءُ الْحَقِيرُ الْيَسِيرُ.
وَالْهَاءُ فِيهِ أصلية.
قال [عمران بن حطان] «2»
:
__________
(1) تكملة مما سبق في مادة (ظلم) .
(2) ساقط من: أ. وهو في الصحاح، واللسان بهذه النسبة. والرواية في اللسان:
فليس لعيشنا هذا مهاه ... وليست دارنا هاتا بدار(4/376)
ولَيْسَ لِعَيِشَنا هَذَا مَهَاهٌ ... ولَيْسَتْ دَارُنَا الدُّنْيَا بِدَارِ
وَقِيلَ: المَهاهُ: النَّضَارَةُ والحُسْنُ، أَرَادَ عَلَى الأوَّل أَنَّ كُلَّ شَيء يَهُون ويُطْرَحُ إلاَّ ذكْرَ النِّسَاء. أَيْ أَنَّ الرَّجُلَ يَحْتَمل كلَّ شَيءٍ إلَّا ذكْرَ حُرَمِه.
وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ الْأَمْرُ بِعَكْسِهِ، أَيْ أَنَّ كُلَّ ذِكْرٍ وحَديثٍ، حَسَنٌ إلَّا ذِكْرَ النِّساءِ.
وَهَذِهِ الْهَاءُ لَا تَنْقَلِبُ فِي الوصلِ تَاءً.
وَفِي حَدِيثِ طَلَاقِ ابْنِ عُمَرَ «قُلْتُ: فَمَهْ؟ أَرَأَيْتَ إنْ عَجَز واسْتَحْمَقَ» أَيْ فَمَاذَا، للاسْتفهام، فأبْدَلَ الأَلَف هَاءً، لِلْوَقْفِ والسَّكْت.
(س) وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «ثُمَّ مَهْ؟» .
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فقالَتِ الرَّحِمُ: مَهْ؟ هَذَا مَقامُ العائِذِ بكَ» .
وَقِيلَ: هُوَ زَجْرٌ مصْرُوفٌ إِلَى المُستَعَاذ مِنْهُ، وَهُوَ القاطِعُ، لاَ إِلَى المُسْتَعاذِ بِهِ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ «مَهْ» وَهُوَ اسمٌ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكُونِ، بمْعنى اسْكُتْ.
(مَهَا)
(هـ) فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ قَالَ لعُتْبَة بْنِ أَبِي سُفْيَان- وَقَدْ أثْنَى عَلَيْهِ فأحْسَن-: أَمْهَيْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ» أَمْهَيْتَ: أَيْ بَالَغْتَ فِي الثَّناء واسْتَقْصَيْتَ، مِنْ أَمْهَى حافِرُ البِئْر، إِذَا اسْتَقْصَى فِي الحَفْرِ وبلغَ الماءَ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ «أَنَّ رَجُلاً سألَ ربَّه أَنْ يُرِيَه موقِعَ الشَّيْطَان مِنْ قلْب ابْنِ آدمَ فَرَأَى فِيمَا يرَى النَّائمُ جَسد رَجُلٍ مُمَهَّى، يُرَى داخِلْه مِنْ خارِجه» المَهَا: البِلَّوْرُ، وكلُّ شَيْءٍ صُفِّي فَهُوَ مُمَهًّى، تَشْبِيهاً بِهِ. وَيُقَالُ للكَوْكَبِ: مَهاً، ولِلثَّغْرِ إِذَا ابْيَضَّ وكَثُرَ ماؤُهُ: مَهاً.
(مَهْيَعٌ)
(س) فِيهِ «وانْقُلْ حُمَّاها إِلَى مَهْيَعَةَ» مَهْيَعَة: اسمُ الجُحفَة، وَهِيَ مِيقَاتُ أَهْلِ الشَّامِ، وَبِهَا غَديرُ خُمّ، وَهِيَ شَدِيدَةُ الوَخَم.
قَالَ الأصمَعِيُّ: لَمْ يُولَد بغَدِير خُمٍّ أحدٌ فعَاش إِلَى أَنْ يحْتَلِم، إلَّا أَنْ يتَحوَّلَ مِنْهَا.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «اتقَّوا البِدَعَ والْزَمُوا المَهْيَعَ» هُوَ الطَّرِيقُ الواسِعُ المُنْبَسِطُ. وَالْمِيمُ زائدةٌ، وَهُوَ مَفْعَلٌ مِنَ التَّهَيُّعِ: الانْبِساطٍ.(4/377)
(مَهْيَمْ)
- فِي حَدِيثِ الدَّجَّالِ «فَأَخَذَ بلَجْفَتَى البَاب فَقَالَ: مَهْيَمْ؟» أَيْ مَا أَمْرُكُم وشَأنُكم. وَهِيَ كَلِمةٌ يَمانيَّةٌ.
[هـ] وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ قَالَ لعبدِ الرَّحمن بنِ عوفٍ وَرَأَى عَلَيْهِ وَضَراً مِنْ صُفْرةٍ: مَهْيَمْ؟» .
وَحَدِيثُ لَقِيطٍ «فَيَسْتَوي جَالِساً فَيَقُولُ: رَبّ، مَهْيَمْ» .
بَابُ الْمِيمِ مَعَ الْيَاءِ
(مِيتَاءٌ)
- فِي حَدِيثُ اللُّقَطَةِ «مَا وَجدتَ فِي طَرِيقٍ مِيتاءٍ فَعَرِّفْه سَنَةً» أَيْ طرِيقٍ مَسْلُوكٍ، وَهُوَ مِفْعَالٌ مِنَ الإتِيانِ. وَالْمِيمُ زائدةٌ، وبابُه الهمزَةُ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «قَالَ لَّما مَات ابْنَه إِبْرَاهِيمُ: لَوْلاَ أنَّه طريقٌ مِيتَاءٌ لحزنَّا عَلَيْكَ يَا إِبْرَاهِيمُ» أَيْ طريقٌ يَسْلُكُه كلُّ أَحَدٍ.
(مِيتَخَةٌ)
- فِيهِ «أَنَّهُ خَرَجَ وَفِي يَدِه مِيتَخَة» هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ، بِتَقْدِيمِ الْيَاءِ عَلَى التَّاء، وَهِيَ الدِّرَّةُ، أَوِ الْعَصَا، أَوِ الجَرِيدَةُ. وَقَدْ تقدّمَتْ فِي الْمِيمِ والتَّاء مَبْسُوطَةً.
(مَيَثَ)
- فِي حَدِيثِ أَبِي أُسَيْدٍ «فَلَمَّا فَرَغ مِنَ الطَّعَامِ أَمَاثَتْه فسقَتْهُ إِيَّاهُ» هَكَذَا رُوِي «أَمَاثَتْه» وَالْمَعْرُوفُ «ماثَتْه» . يُقَالُ: مِثْتُ الشَّيءَ أَمِيثُه وأَمُوثُه فَانْمَاثَ، إِذَا دُفْتَه فِي الْماءِ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «اللهمَّ مِثْ قلوبَهم كَمَا يُمَاثُ المِلْحُ فِي الماءِ» .
(مِيثَرٌ)
- فِيهِ «أَنَّهُ نَهى عَنْ مِيثَرة الأُرْجُوَانِ» هِيَ وِطَاءٌ مَحْشُوٌّ، يُتْرَكُ عَلَى رَحْلِ البَعِير تَحْتَ الرَّاكِب. وأصْلُه الواوُ، وَالْمِيمُ زائدةٌ. وَسَيَجِيءُ فِي بَابِهِ.
(مِيجَنٌ)
- فِي حَدِيثِ ثَابِتٍ «فَضَربوا رَأْسَهُ بِمِيجَنَة» هِيَ العَصَا الَّتِي يُضْرِبُ بِهَا القَصَّارُ الثوبَ.
وَقِيلَ: هِيَ صَخْرةٌ.
واخْتُلِفَ فِي أصْلِهَا، هَلْ هُوَ مِنَ الهمزة أو الواوِ؟ وجمعُها: المَوَاجِن.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «مَا شَبَّهْتُ وَقْعَ السُّيُوفِ عَلَى الْهَامِ إِلَّا بِوَقْعِ البَيَازِرِ عَلَى المَوَاجِن» .(4/378)
(مَيَحَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ جَابِرٍ «فَنَزلْنا فيهَا سِتَّةً مَاحَةً» هِيَ جمعُ مَائح، وَهُوَ الَّذِي يَنْزِل فِي الرَّكِيَّة إِذَا قَلَّ مَاؤُهَا، فَيْملأُ الدَّلْوَ بيدِه. وَقَدْ مَاحَ يَمِيحُ مَيْحاً. وكُلُّ مَنْ أولَى مَعْروفاً فَقَدْ ماحَ. والآخِذُ: مُمْتَاحٌ ومُسْتَمِيحٌ.
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ تَصِفُ أَبَاهَا «وامْتَاحَ مِنَ المَهْواةِ» هُوَ «1»
افْتَعَلَ، مِنَ المَيْحِ: العَطَاءٍ.
(مَيَدَ)
- فِيهِ «لمَّا خَلَق اللهُ الأرضَ جَعلَتْ تَمِيدُ فأرسَاهَا بالجِبالَ» مادَ يَميد، إِذَا مالَ وتَحَرَّكَ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «فَدَحا اللهُ الأرضَ مِنْ تَحْتِها فَمَادَتْ» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «فَسَكَنَتْ مِنَ المَيَدانِ بِرُسُوبِ الجبَالِ» هُوَ بِفَتْحِ الياءِ:
مصدَرُ مادَ يَمِيد.
وَفِي حَدِيثِهِ أَيْضًا يَذُمُّ الدُّنْيا «فَهِيَ الحَيُودُ المَيُودُ» فَعُولٌ مِنْهُ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ أمِّ حَرامٍ «الْمَائِد فِي البَحْرِ لَهُ أجْرُ شَهِيدٍ» هُوَ الَّذِي يُدَارُ بِرأسِهِ مِنْ رِيحِ البَحْرِ واضْطِرَابِ السَّفِينَةِ بالأمْواج.
(هـ) وَفِيهِ «نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُون، مَيْدَ أَنَّا أُوتِينَا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهم» مَيْدَ وبَيْدَ:
لُغتان بمعْنَى غَيْر. وَقِيلَ: مَعْناهما عَلَى أنَّ.
(مَيَرَ)
(س) فِيهِ «والحَمولةُ المائِرَةُ لَهُمْ لاغِيَةٌ» يَعْنِي الإبِلَ الَّتِي تُحْمَلُ عَلَيْهَا المِيرَةُ، وَهِيَ الطَّعَامُ ونَحْوُهُ، ممَّا يُجْلَب للِبَيْع، وَلَا يُؤخَذُ مِنها زَكاةٌ، لِأَنَّهَا عوامِلُ.
يُقَالُ: مَارَهُم يَمِيرُهُم، إِذَا أعطاهُم المِيرَةَ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبْدِ العزيز «أنه دعا بإبِلٍ فأَمَارَها» أي حَمل عَلَيْهَا المِيرَةَ. وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُهَا فِي الْحَدِيثِ.
(مَيَزَ)
- فِيهِ «لَا تَهْلِكُ أُمَّتِي حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُم التَّمَايُلُ والتَّمَايُزُ» أَيْ يَتَحَزَّبُونَ أحْزَاباً، ويَتَمَيَّزُ بَعْضَهم من بَعْضٍ، ويَقَعُ التَّنَازُع.
__________
(1) في الهروي: «أى استقى»(4/379)
يقال: مِزْتُ الشَّيْءَ من الشَّيْءِ، إذا فَرَّقْتَ بَيْنَهُما، فَانْمَازَ وامْتَازَ، ومَيَّزْتُه فَتَمَيَّز.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «منْ مَازَ أَذًى فالحَسَنَةُ بعَشْرِ أَمْثَالِهَا» أَيْ نَحَّاه وأزالَه.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ كَانَ إِذَا صلَّى يَنْمازُ عَنْ مُصَلاَّه فَيَرْكَع» أَيْ يَتَحوّل عَنْ مَقامِه الَّذِي صلَّى فِيهِ.
(هـ) وَحَدِيثُ النَّخَعِيّ «اسْتَمازَ رَجُلٌ مِن رَجُلٍ بِهِ بَلاَءٌ فابْتُلِيَ بِهِ» أَيِ انْفَصل عَنْهُ وتَبَاعَد. وَهُوَ اسْتَفْعَل مِنَ المَيْزِ.
(مَيَسَ)
(س) فِي حَدِيثِ طَهْفَة «بِأكْوَارِ المَيْسِ» هُوَ شجرٌ صُلْب، تُعْمل مِنْهُ أكْوارُ الْإِبِلِ ورِحالُها.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاء «تَدْخُل قَيْساً وتَخْرُج مَيْساً» يُقَال: مَاسَ يَمِيسُ مَيْساً، إِذَا تَبَخْتَر فِي مَشْيِه وتَثَنَّى.
(مِيسَعٌ)
- فِي حَدِيثِ هِشَامٍ «إِنَّهَا لمِيسَاع» أَيْ واسِعَة الخَطْوِ. والأصْل: مِوْساع، فقُلِبَت الواوُ يَاء لِكَسْرة الْمِيمِ، كَمِيزان ومِيقَات وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ. وبَابُها الوَاوُ.
(مِيسَمٌ)
(س) فِيهِ «تُنْكَحُ المَرْأةُ لمِيسَمِها» أَيْ لِحُسْنِها، مِنَ الوَسَامة. وَقَدْ وَسُم فَهُو وَسِيم، والمَرأة وَسِيمَة، وحُكْمُها فِي البنَاء حُكْم مِيسَاع، فَهِيَ مِفْعَل مِنَ الوَسَامة. وَقَدْ تَكَرَّرَتْ فِي الْحَدِيثِ.
(مَيْسُوسَنٌ)
(س) فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «رَأى فِي بَيْته المَيْسُوسَنَ فَقَالَ: أخْرِجُوه فَإِنَّهُ رِجْسٌ» هُوَ شَرابٌ تَجْعَلٌه النِّساء فِي شُعُورِهِنّ، وَهُوَ مُعَرَّب.
أَخْرَجَهُ الْأَزْهَرِيُّ فِي «أسَنَ» مِنْ ثُلاَثِيِّ المعْتَلِّ. وعَادَ أخْرجَه فِي الرُّباعي.
(مَيَضَ)
- فِيهِ «فَدَعا بِالْمِيضَأَة» هِيَ بالقَصْرِ وكَسْر الْمِيمِ، وقَد تُمدّ: مِطْهَرَةٌ كَبيرة يُتَوَضَّأ مِنْهَا. وَوَزْنُها مِفْعَلَة ومِفْعَالة. والمِيم زَائِدَةٌ.
(مَيَطَ)
[هـ] فِي حَدِيثِ الْإِيمَانِ «أدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأذَى عَنِ الطَّرِيق» أَيْ تَنْحِيَتُه.
يُقَالُ: مِطْتُ الشَّيء وأَمَطْتُه. وَقِيلَ: مِطْتُ أَنَا، وأَمَطْتُ غَيْري.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الأكْل «فَلْيُمِطْ مَا بِهَا مِن أَذًى» .(4/380)
وَحَدِيثُ العَقيقة «أَمِيطُوا عَنْه الأذَى» .
وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ «أَمِطْ عَنَّا يَدَك» أَيْ نَحِّها.
(هـ) وَحَدِيثُ العَقَبة «مِطْ عَنَّا يَا سَعْدُ» أَيِ ابْعُدْ.
وَحَدِيثُ بَدْرٍ «فَما مَاطَ أحَدُهم عَنْ مَوْضع يَدِ رَسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .
وَحَدِيثُ خَيْبر «أنَّه أخَذَ الرَّايَةَ فَهَزَّها، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَأخُذها بحَقِّها؟ فَجاء فُلانٌ فَقال:
أَنَا، فَقال: أَمِطْ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: أَمِطْ» أَيْ تَنَحَّ واذْهَبْ.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِي «لَوْ كَانَ عُمر مِيزَاناً مَا كَان فِيهِ مَيْطُ شَعْرة» أَيْ مَيْل شَعْرة.
وَفِي حَدِيثِ بَني قُرَيْظَة والنَّضير:
وَقَدْ كَانُوا بِبَلْدَتِهم ثِقَالاً ... كَمَا ثَقُلَت بمِيطَانَ الصُّخُورُ
هُوَ بكَسْرِ الْمِيمِ «1»
: موضِع فِي بِلَادِ بَنِي مُزَيْنَة، بالحِجَاز.
(مَيَعَ)
- فِي حَدِيثِ الْمَدِينَةِ «لَا يُرِيدُها أحَدٌ بِكَيْدٍ إِلَّا انْمَاعَ كَمَا يَنْمَاع المِلْحُ فِي الْمَاء» أَيْ يَذُوب ويَجْرِي. ماعَ الشَّيءُ يَمِيعُ، وانْمَاعَ، إذَا ذَابَ وسَالَ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ جَرِيرٍ «مَاؤُنا يَمِيع، وجَنَابُنَا مَريِع» .
(هـ) وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ «وسُئِل عَنِ المُهْلِ، فأذَابَ فِضَّة، فَجَعَلت تَمِيع، فَقَالَ:
هَذَا مِنْ أشْبَهِ ما أنْتُم رَاؤُون بالمُهْل» .
(هـ) وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ «سُئل عَنْ فَأْرَةٍ وقَعَت فِي سَمْن، فَقَالَ: إِنْ كَانَ مائِعاً فألْقِه كُلَّه» .
(مِيقَعٌ)
(س) فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «نَزَل مَعَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ المِيقَعَةُ، والسِّنْدَانُ والكَلْبَتان» المِيقَعَة: المِطْرَقة الَّتِي يُضْرَب بِهَا الحَدِيد وغيْرُه، والجَمْع: المَوَاقِع. وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ.
وَالْيَاءُ بَدَل مِنَ الواوِ، قُلِبَت لِكَسْرة الْمِيمِ.
(مَيَلَ)
(هـ) فِيهِ «لَا تَهْلِكُ أُمَّتِي حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُمُ التَّمايُل والتَّمايزُ» أَيْ لَا يَكُون لَهُمْ سُلْطان، يَكُفُّ النَّاسُ عَنِ التَظالُمِ، فيَمِيلُ بَعْضُهم على بَعْض بالأذَى والحَيْف.
__________
(1) في ياقوت 8/ 225 بالفتح.(4/381)
(هـ) وَفِيهِ «مائِلات مُمِيلَات» المَائِلَات: الزَّائِغات عَنْ طاعَة اللَّهِ، وَمَا يَلْزَمُهُنّ «1»
حِفْظُه.
ومُمِيلَات: يُعَلِّمْنَ غيرَهُنّ الدّخولَ فِي مِثْل فِعْلهِنّ.
وَقِيلَ: مَائِلَات: مُتَبَخْتِراتٌ فِي المشْيِ، مُمِيلَات لأكْتافِهن وأعْطافِهنّ.
وَقِيلَ: مَائِلَات: يَمْتَشِطْن المِشْطَة المَيْلاء، وَهِيَ مِشطَة البَغايا. وَقَدْ جَاءَ كَراهَتُها فِي الْحَدِيثِ.
والمُمِيلَات: اللاَّتي يَمْشُطْن غَيْرَهُنّ تِلك المِشْطَة «2» .
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «قَالَتْ لَهُ امْرَأَةٌ: إِنِّي أمْتَشِطُ المَيْلاَء، فَقَالَ عِكْرمة:
رأسُكِ تَبَعٌ لِقَلْبِك، فَإِنِ اسْتَقام قَلْبُك اسْتَقام رأسُكِ، وإنْ مَال قَلْبُك مَالَ رأسُك» .
(س) وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَر «دَخَل عَلَيْهِ رجُلٌ فَقَرب إِلَيْهِ طَعاماً فِيه قِلَّة، فَمَيَّلَ فِيهِ لقلَّتِه، فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: إنَّما أخافُ كَثْرَته، وَلَمْ أخَفْ قِلَّتَه» مَيَّل: أَيْ تَردَّدَ، هَلْ يأكُل أَوْ يَتْرك.
تَقُول العَرَب: إِنِّي لَأُمَيِّلُ بَيْنَ ذَيْنِك الأمْرَيْن، وأُمَايِل بَيْنَهما، أيَّهما آتِي.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى «قَالَ لِأَنَسٍ: عُجِّلَتِ الدُّنيا وغُيِّبَت الآخِرة، أمَا وَالله لَوْ عايَنُوها مَا عَدَلُوا وَلاَ مَيَّلُوا» أَيْ مَا شَكُّوا وَلَا تَردّدُوا.
وَقَوْلُهُ «مَا عَدَلُوا» : أَيْ مَا سَاوَوْا بِهَا شَيْئًا.
(هـ س) وَفِي حَدِيثِ مُصْعَب بْنِ عُمَيرٍ «قَالَتْ لَهُ أُمُّهُ: واللهِ لَا ألْبَسُ خِمَاراً وَلَا أسْتَظِلّ أبَداً، وَلَا آكُلُ، وَلَا أشْرَب، حَتَّى تَدَعَ مَا أنْتَ عَلَيْهِ، وَكَانَتِ امْرَأة مَيِّلَة» أَيْ ذَاتَ مالٍ.
يُقَالُ: مَالَ يَمَالُ ويَمُول، فهو مالٌ ومَيِّل، على فعل وفعيل. والقِياس مَائِل. وبَابُه الْوَاوُ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ الطُّفَيل «كَانَ رجُلاً شَرِيفاً شَاعِراً مَيِّلا» أَيْ ذَا مَالٍ.
(س) وَفِي حَدِيثِ الْقِيَامَةِ «فتُدْنَى الشَّمسُ حَتَّى تكونَ قَدْرَ مِيل» قِيلَ: أرادَ المِيل الذَّي يُكْتَحَل بِهِ.
وَقِيلَ: أَرَادَ ثُلُثَ الفَرْسَخ.
__________
(1) في الهروي: «وما يلزمهنّ من حفظ الفروج» .
(2) زاد الهروي: «ويجوز أن تكون المائلات المميلات بمعنىً، كما قالوا: جادٌّ مُجِدٌّ، وضَرَّابٌ ضروب» .(4/382)
وقيل: المِيلُ: القِطْعةُ مِنَ الْأَرْضِ مَا بَيْنَ العَلَمَين.
وقيل: هو مَدُّ البَصَر.
ومنه قصيد كعب:
إذا تَوقَّدتِ الحُِزَّانُ والمِيلُ
وقيل: هِيَ جَمْع أَمْيَل، وَهُوَ الْكَسِل الذَّي لَا يُحْسِن الرّكوب والفُرُوسِيَّة.
وَفِي قَصِيدِهِ أَيْضًا:
عِنْدَ اللِّقَاء وَلَا مِيلٌ مَعَازِيلُ
(مَيَنَ)
- قَدْ تَكَرَّرَ فِيهِ ذِكْرُ «المَيْن» وهو الكذِب. وقَدْ مَانَ يَمِينُ مَيْناً، فَهُوَ مَائِن.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ فِي ذَمِّ الدُّنْيَا «فَهِيَ الجامِحَةُ الحَرُونُ، والمَائِنَةُ الخَؤُون» .
(هـ س) وَفِي حَدِيثِ بَعْضِهِمْ «خَرَجْتُ مَرابِطاً لَيْلَة مَحْرَسِي إِلَى المِينَاء» هو المَوْضِع الذي تُرفأ إليه السُّفن: أي تُجْمَع وتُرْبَط. قيل: هُوَ مِفْعَال مِنَ الوَنْيِ: الفُتُور، لِأَنَّ الرِّيحَ يَقِلّ فيه هُبُوبُها. وقد تُقْصَر، فتكون على مِفْعَل. والميم زائدة.
(مِينَاثٌ)
- فِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ «فُضُلٌ مِينَاثٌ» أَيْ تَلِدُ الإناثَ كثيراً، والميم زائدة. وقد تقدّم.
انتهى الجزء الرابع من نهاية ابن الأثير ويليه الجزء الخامس والأخير، وأوله (حرف النون)(4/383)
الجزء الخامس
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
حَرْفُ النُّونِ
بَابُ النُّونِ مَعَ الْهَمْزَةِ
(نَأَجَ)
(هـ) فِيهِ «ادْعُ ربَّك بِأَنْأَجِ مَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ» أَيْ بأبْلَغِ مَا يَكُونُ مِن الدُّعاء وأضْرَع. يُقال: نَأَجَ إِلَى اللَّهِ: أَيْ تَضَرَّع إِلَيْهِ. والنَّئِيجُ: الصَّوت. ونَأَجَتِ الرِّيح، تَنْأَجُ.
(نَأَدَ)
(س) فِي حَدِيثِ عُمر والمرأةِ العَجُوز «أجَاءَتْني النَّآئِدُ»
إِلَى اسْتِيشاء «2»
الأباعِد» النَّآئِدُ»
: الدَّواهي، جَمْع نَآدَى «3»
. والنَّآدُ «4»
والنَّؤُودُ: الدَّاهِية. تُريد أنَّها اضْطَرّتْها الدَّوَاهي إِلَى مَسألة الأباعِد.
(نَأْنَأَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ «طُوبَى لِمَنْ مَاتَ فِي النَّأْنَأَةِ» أَيْ فِي بَدْءِ الْإِسْلَامِ حِينَ كَانَ ضَعِيفاً، قَبْلَ أَنْ يَكْثُر أنصارُه والداخِلون فِيهِ. يُقال: نَأْنَأْتُ عَنِ الأمْرِ نَأْنَأَةً، إِذَا ضَعُفْتَ عَنْهُ وعجزْت. ويُقال: نَأْنَأْتُهُ، بمعْنَى نَهْنَهْتُهُ، إِذَا أخَّرْتَه وأمْهَلْتَه.
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «قَالَ لسُليمان بْنِ صُرَد، وَكَانَ تَخَلَّف عَنْهُ يومَ الْجَمَلِ ثُمَّ أتاَه بَعْدُ، فَقَالَ: تَنَأْنَأْتَ وتَرَبَّصْت، فكَيْف رأيتَ اللَّهَ صَنَع؟» أَيْ ضَعُفْت وتَأخَّرْتَ.
بَابُ النُّونِ مَعَ الْبَاءِ
(نَبَأَ)
(س) فِيهِ «أَنَّ رجُلا قَالَ لَهُ: يَا نَبِىءَ اللَّهِ، فَقَالَ: لَا تَنْبِرْ باسْمي، إنَّما أَنَا نَبيُّ اللَّهِ» النَّبِىءُ: فَعِيل بِمعْنَى فاعِل للْمُبالَغة، مِنَ النَّبَإِ: الخَبَر، لِأَنَّهُ أَنْبَأَ عَنِ اللَّهِ، أَيْ أََخْبَرَ.
وَيَجُوزُ فِيهِ تَحقْيِق الهَمْز وتَخِفيفُه. يُقَالُ: نَبَأَ ونَبَّأَ وأَنْبَأَ.
__________
(1) فى الأصل، وا: «النائد» وما أثبت من اللسان، والقاموس.
(2) فى اللسان: «استثناء» خطأ. وانظر «وشى» فيما يأتى.
(3) فى الأصل، وا: «نأدى» وهو بوزن فعالى، كما فى اللسان، والقاموس.
(4) فى الأصل، وا: «والنّأد» . وهو بوزن سحاب. كما نص فى القاموس:(5/3)
قَالَ سِيبَوَيْهِ: لَيْسَ أحَدُ مِن العَرب إِلَّا ويَقُول: تَنَبَّأَ مُسَيْلمة، بالهَمْز، غَيْرَ أنَّهُم تَركُوا الهَمْز فِي النَّبِىِّ، كَمَا تَركُوه فِي الذُّرِّيَّة والْبَرِيَّة والخابِيَة، إِلَّا أهْل مكَة فَإِنَّهُمْ يَهْمِزُون هَذه الأحْرف الثَّلاثة، وَلَا يَهْمِزون غَيْرَهَا، ويُخالِفُون العَرَب فِي ذَلِكَ.
قَالَ اَلْجوْهري «1»
: «يُقال: نَبَأْتُ عَلَى الْقَوْمِ «2»
إِذَا طَلَعْتَ عَلَيْهِمْ، ونَبَأْتُ مِن أرْضٍ إِلَى أَرْضٍ، إِذَا خَرجْتَ مِن هَذِه إِلَى «3»
هَذِه. قَالَ: وَهَذَا اَلْمعنَى أَرَادَهُ «4»
الأعْرَابيُّ بِقَوْلِهِ: يَا نَبِىءَ اللَّهِ، لِأَنَّهُ خَرجَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فأنْكَر عَلَيْهِ الهَمْز لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ لُغَة قُرَيْشٍ» .
وَقِيلَ: إِنَّ النَّبيَّ مُشْتَقٌّ مِنَ النَّبَاوَة، وَهِيَ الشَّيْءُ المُرْتَفِع.
وَمِنَ الْمَهْمُوزِ شِعْر عَبَّاس بْنِ مِرْداس يَمْدحُه:
يَا خَاتَمَ النُّبَآءِ إنَّك مُرْسَلٌ ... بالحَقِّ «5»
كُلُّ هُدَى السَّبيل هُدَاكا
وَمِنَ الْأَوَّلِ حَدِيثُ البَراء «قُلْتُ: وَرَسُولِكَ الذَّي أرْسَلْت. فَرَدَّ عَلَيّ وَقَالَ: وَنَبِيِّكَ الَّذي أرْسَلْت» إنَّما رَدَّ عَلَيْهِ لِيَخْتَلِف الَّلفظان، ويَجْمَع لَهُ الثَّناءيْن، مَعْنى النَّبُوّة والرِّسالة، وَيَكُونَ تَعْديداً للنِّعمة فِي الحالَيْن، وتَعْظيما لِلْمِنَّة عَلَى الوجْهَين.
والرَّسُول أخَصُّ مِن النَّبِيِّ، لِأَنَّ كُلَّ رَسُولٍ نَبيٌّ، وَلَيْسَ كُلُّ نَبيّ رَسُولا.
(نَبَبَ)
- فِي حَدِيثِ الْحُدود «يَعْمِدُ أحدُهُم إِذَا غَزا الناسُ فَيَنِبُّ كَنَبِيب التَّيس» النَّبِيبُ: صَوْت التَّيْس عِنْد السِّفاد.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «لِيُكَلِّمْني بَعْضُكم، وَلَا تَنِبُّوا «6»
نَبيبَ التُّيُوس» أَيْ تَصِيحُوا.
وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَه بْنِ عَمْرٍو «أَنَّهُ أتَى الطَّائِفَ فَإِذَا هُوَ يَرَى التُّيُوسَ تَلِبُّ، أَوْ تَنِبُّ على الغنم» .
__________
(1) حكاية عن أبى زيد.
(2) أنبأ نبأ ونبوءا. كما فى الصحاح.
(3) فى الصحاح: «إذا خرجت منها إلى أخرى» .
(4) فى الأصل، وا: «أراد» وأثبت ما فى الصحاح.
(5) فى اللسان: «بالخير» .
(6) فى الهروى، واللسان: «ولا تنبّوا عندى» ويوافق روايتنا ما فى الفائق 3/ 61(5/4)
(نَبَتَ)
- فِي حَدِيثِ بَنِي قُرَيْظة «فكُلُّ مَن أَنْبَتَ مِنْهُمْ قُتِل» أَرَادَ نَبَاتَ شَعْر الْعَانَة، فجَعَله عَلامة للبُلوغ، وَلَيْسَ ذَلِكَ حَدَّا عِنْد أكْثَرِ أهْلِ العِلْم، إِلَّا فِي أهْل الشِّرْك؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُوقَفُ عَلَى بُلُوغِهم مِنْ جِهَة السِّنّ، وَلَا يُمْكِن الرُّجُوع إِلَى قَولِهم، للتُّهْمَة فِي دَفْع القَتْل وأدَاءِ الجِزْية.
وَقَالَ أَحْمَدُ: الْإِنْبَاتُ حَدٌّ مُعْتَبَرٌ تُقَام بِهِ الحُدُود عَلَى مَن أَنْبَتَ مِن المُسْلمين. ويُحْكى مِثْله عَنْ مالِك.
وفي حديث عَلِيٍّ «أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِقَوم مِنَ العَرَب: أَنْتُمْ أهلُ بَيْت أَوْ نَبْتٍ؟ فَقَالُوا: نَحْن أهلُ بَيْتٍ وأهْل نَبْت» أَيْ نَحْن فِي الشَّرف نِهايَةٌ، وَفِي النَّبْتِ نِهاَيَةٌ. أَيْ يَنْبُتُ المالُ عَلَى أيْديناَ. فأسْلَموا.
(س) وَفِي حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَة «قَالَ: أََتَيْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: نُوَيْبِتَةٌ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّه، نُوَيْبِتَةُ خَيْرٍ أَوْ نُوَيْبِتَةُ شَرٍّ؟» النُّوَيْبِتَةُ: تَصْغير نابِتة، يُقَالُ: نَبَتَتْ لَهُمْ نَابِتَة: أَيْ نَشأ فِيهِمْ صِغارٌ لَحِقوا الكِبَارَ، وصارُوا زِيادَةً فِي العَدَد.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ الأحْنف «أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ لِمَن بِبَابه: لَا تَتَكلَّموا بِحَوائجكم، فَقَالَ:
لَوْلا عَزْمةُ أمِير الْمُؤْمِنِينَ لأخْبَرْتُه أنَّ دافَّةً دَفَّتْ، وَأَنَّ نَابِتَةً لَحِقَت» .
(نَبَثَ)
(س) فِي حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ «أطْيَبُ طَعامٍ أكَلْتُ فِي الجاهِليَّة نَبِيثَةُ سَبُعٍ» أصْل النَّبِيثَةِ: تُرَابٌ يُخْرَج مِنْ بِئر أَوْ نَهْر، فكأنَّه أَرَادَ لَحْماً دَفَنَه السَّبُع لِوَقْت حاجَتِه فِي مَوْضع، فاسْتَخْرجَه أَبُو رَافِعٍ وأكلَه.
(نَبَحَ)
(س) فِي حَدِيثِ عمَّار «اسْكُت مَشْقُوحاً مَقْبُوحاً مَنْبُوحاً» الْمَنْبُوحُ:
المَشْتُوم. يُقَالُ: نَبَحَتْنِى كِلابُك: أَيْ لَحِقَتْنِي شَتَائِمُك. وأََصْله مِنْ نُبَاحِ الكَلب، وَهُوَ صِيَاحُه.
(نَبَخَ)
(س) فِي حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَير «خُبْزَة أَنْبَخَانِيَّة» أَيْ لَيّنَةٌ هَشَّة.
يُقَالُ: نَبَخَ العَجِينُ يَنْبُخُ «1»
، إِذَا اخْتَمر. وعجينٌ أَنْبَخَانٌ: أَيْ مُخْتَمِرٌ. وَقِيلَ: حَامِضٌ.
والهمزة زائدة.
__________
(1) هكذا بالضم فى الأصل، واللسان. وفى القاموس بالكسر.(5/5)
(نَبَدَ)
- فِي حَدِيثِ عُمَرَ «جَاءَتْهُ جارِيةٌ بسَوِيق، فجعَل إِذَا حَرَّكَتْه ثَارَ لَه قُشَار، وَإِذَا تَركَتْه نَبَدَ» أَيْ سَكَن ورَكَد. قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ «1»
(نَبَذَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ نَهى عنِ الْمُنَابَذَةِ فِي البَيْع» هُوَ «2»
أَنْ يَقُولَ الرجُل لصاحِبه:
انْبِذْ إِلَيَّ الثَّوب، أَوْ أَنْبِذُهُ إلَيْك، لِيَجِبَ البَيْع.
وَقِيلَ: هُو أَنْ يَقُولَ: إِذَا نَبَذْتُ إلَيْك الحصَاةَ فقَدْ وَجَب البَيْع، فَيَكُونُ البَيْع مُعَاطَاةً مِنْ غَيْر عَقْد، وَلَا يَصِحُّ.
يُقَالُ: نَبَذْتُ الشَّيءَ أَنْبِذُهُ نَبْذاً، فهُو مَنْبُوذٌ، إِذَا رَمَيْتَه وأبْعَدْتَه.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فَنَبَذَ خاتَمه فنَبذ النّاسُ خَواتِيمَهُم» أَيْ ألْقاه «3»
مِن يَده.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عَدِيّ [بْنِ حَاتِمٍ] «4»
«أَمَرَ لَهُ لمَّا أَتَاهُ بِمِنْبَذَة» أَيْ وِسادة. سُمِّيت بِهَا لأنَّها تُنْبَذُ، أَيْ تُطْرَحُ.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فَأمر بالسِّتْر أَنْ يُقْطَع، ويُجْعَلَ لَهُ مِنه وِسَادتَان مَنْبُوذَتَانِ» .
وَفِيهِ «أَنَّهُ مَرَّ بِقَبْرٍ مُنْتَبِذٍ عَن القُبُور» أَيْ مُنْفَرِدٍ بَعيدٍ عَنْها.
(هـ) وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «انْتَهى إِلَى قَبْر مَنْبُوذٍ فصَلَّى عَلَيْهِ» يُرْوَى بتَنْوِين القَبْر والإضافَة، فَمع التَّنْوين هُو بِمَعنى الْأَوَّلِ، ومَع الإضَافة يَكُونُ المَنْبُوذُ اللّقِيط، أَيْ بِقَبْر إنْسانٍ مَنْبوذٍ.
وسُمِّي اللَّقيط مَنْبُوذاً؛ لِأَنَّ أمَّه رمَتْه عَلَى الطَّريق.
وَفِي حَدِيثِ الدَّجَّالِ «تَلِده أُُمّه وَهِيَ مَنْبوذةٌ في قَبْرها» أي مُلْقَاة.
__________
(1) ذكره الزمخشري «نثد» بالنون والثاء المثلثة. انظر الفائق 3/ 185 وسيعيد المصنف ذكره في نثد.
(2) هذا شرح أبي عبيد، كما ذكر الهروي.
(3) في الأصل، وا، واللسان: «ألقاها» قال في الصحاح: «والخاتَمُ والخاتِمُ، بكسر التاء وفتحها.... وتختمَّتُ، إذا لبستَه» فأعاد الضمير إليه مذكرا.
(4) من الهروي، والفائق 3/ 61.(5/6)
وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ «النَّبِيذِ» وَهُوَ مَا يُعْمَلُ مِنَ الأشْرِبة مِنَ التَّمرِ، والزَّبيب، والعَسَل، والحِنْطَة، والشَّعير وَغَيْرِ ذَلِكَ.
يُقَالُ: نَبَذْتُ التَّمر والعِنَب، إِذَا تَركْتَ عَلَيْهِ الْمَاء لِيَصِيرَ نَبِيذاً، فَصُرِفَ مِنْ مَفْعُولٍ إِلَى فَعِيل. وانْتَبَذْتُهُ: اتَّخَذْتُه نَبِيذاً.
وسَوَاء كَانَ مِسْكِراً أَوْ غيرَ مُسْكِر فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُ نَبِيذ. وَيقال للخَمْر المُعْتَصَر مِنَ العنَب نَبِيذٌ. كَمَا يُقَالُ للنَّبيذ خَمْرٌ.
وَفِي حَدِيثِ سَلْمان «وإنْ أبَيْتم نَابَذْنَاكُمْ عَلَى سَوَاء» أَيْ كاشَفْناكُم وقاتَلْناكُم عَلَى طَرِيق مُسْتَقِيم مُسْتَوٍ فِي العِلْم بالْمُنابذَة مِنَّا ومِنْكم، بِأَنْ نُظْهرَ لهُم العَزْم عَلَى قِتالِهم، ونُخْبِرَهُم بِهِ إخْباراً مَكْشُوفَا.
والنَّبْذ يَكُونُ بالفِعْل والقولِ، فِي الأجْسام والمَعانِي.
وَمِنْهُ نَبَذَ العهدَ، إِذَا نَقَضَهُ وَأَلْقَاهُ إِلَى مَن كَانَ بَيْنَه وبَيْنَه.
وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ «إنَّما كَانَ البَياضُ فِي عَنْفَقَتِه، وَفِي الرَّأس نَبْذٌ» أَيْ يَسيرٌ مِنْ شَيْب، يَعْنِي النّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
يُقَالُ: بِأرضِ كَذَا نَبْذٌ مِنْ كَلإٍ، وأصَابَ الأرضَ نَبْذٌ مِنْ مَطَرٍ، وذَهب مَالُه وبَقِي مِنْه نَبْذٌ ونُبْذَةٌ: أَيْ شَيْءٌ يَسِير.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ «نُبْذَةُ قُسْطٍ وَأَظْفَارٍ» أَيْ قِطْعَةٌ مِنْهُ.
(نَبَرَ)
(هـ) فِيهِ «قِيلَ لَهُ: يَا نَبِيء اللَّه، فَقَالَ: إنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ لَا نَنْبِر» وَفِي رِواية «لَا تَنْبِر باسْمي» النَّبْر: هَمْزُ الحَرْف، وَلَمْ تَكُن قُرَيش تَهمِز فِي كلامِها.
ولَمَّا حَجَّ المهديُّ قدَّم الكِسَائيَّ يُصَلِّي بِالْمَدِينَةِ، فَهَمَزَ فأنْكَر عَلَيْهِ أهلُ الْمَدِينَةِ، وَقَالُوا: إِنَّهُ يَنْبِرُ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالقُرآن.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «اطْعُنُوا النَّبْرَ، وانْظُروا الشَّزْر» النَّبْرُ: الخَلْسُ، أَيِ اخْتَلِسُوا الطَّعْنَ.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «إيَّاكُم والتَّخَلُّلَ بالقَصَب، فَإِنَّ الفَمَ يَنْتَبِرُ مِنْهُ» أَيْ يَتَنَفّطُ.
وكلُّ مُرْتَفِع: مُنْتَبِرٌ.(5/7)
وَمِنْهُ اشْتُقَّ «الْمِنْبَر» .
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِنَّ الجُرْحَ يَنْتَبِرُ فِي رَأسِ الحَوْل» أَيْ يَرِمُ.
وَحَدِيثُ نَصْل رَافِعِ بْنِ خَدِيج «غَيْرَ أَنَّهُ بَقِيَ مُنْتَبِراً» أَيْ مُرْتَفِعاً فِي جسْمه.
[هـ] وَحَدِيثُ حُذَيْفَةَ «كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَه عَلَى رِجْلك فَنَفِطَ «1»
، فَتَرَاه مُنْتَبِرا» .
(نبز)
- فيه «لا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ»
التَّنَابُزُ: التَّداعِي بالألْقاب. والنَّبَزُ، بِالتَّحْرِيكِ:
اللَّقب، وَكَأَنَّهُ يَكْثُر فِيمَا كَانَ ذَمَّا.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّ رجُلا كَانَ يُنْبَزُ قُرْقُورا» أَيْ يُلَقْب بِقُرقُور.
(نَبَسَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: فِي صِفة أَهْلِ النارِ «فَمَا يَنْبِسُونَ عِنْدَ ذَلِكَ، مَا هُو إِلَّا الزَّفيرُ والشَّهيقُ» أَيْ مَا يَنْطِقُون. وَأَصْلُ النَّبْس: الحَرَكة، وَلَمْ يُسْتَعْمل إِلَّا فِي النَّفي.
(نَبَطَ)
- فِيهِ «مَن غَدا مِن بَيْته يَنْبِطُ عِلْما فَرَشَت لَهُ الملائكةُ أجْنِحَتَها» أَيْ يُظْهِرُه ويُفْشيه فِي النَّاسِ. وأصْله مِنْ نَبَطَ الماءُ يَنْبِطُ «2»
، إِذَا نَبَع. وأَنْبَطَ الحَفَّار: بَلغَ الْماءَ فِي الْبِئر.
والِاسْتِنْبَاطُ: الإسْتِخْرَاج.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «ورَجُل ارْتَبَطَ فَرَساً لِيَسْتَنْبِطَهَا» أَيْ يَطْلب نَسْلَها ونِتَاجَها.
وَفِي رِوَايَةٍ «يَسْتَبْطِنُها» أَيْ يَطْلب مَا فِي بَطْنها.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ بَعْضِهِمْ، وَقَدْ سُئِل عَنْ رجُل فَقَالَ: «ذَاكَ قَرِيبُ الثَّرى، بَعِيدُ
__________
(1) قال النووي: «نَفِط، بفتح النون وكسر الفاء، ويقال: تنفَّط، بمعناه. والتنفط: الذي يصير في اليد من العمل بفأس، أو نحوها، ويصير كالقبة فيه ماء قليل» . شرح النووي على مسلم باب رفع الأمانة والإيمان من بعض القلوب، من كتاب الإيمان 2/ 169. وفي الهروي: «فَنَفِطَتْ» مكان: «فَنَفِط» . قال النووي: «ولم يقل: نَفِطت، مع أن الرجل مؤنثة، إما أن يكون ذكر نفط إتباعا للفظ الرِّجل، وإما أن يكون اتباعا لمعنى الرِّجل وهو العضو» ويلاحظ أن المصنف لم يذكر مادة نفط هذه.
(2) بالضم والكسر، كما في القاموس.(5/8)
النَّبَطِ» النَّبَطُ والنَّبِيطُ: الْماء الَّذِي يَخْرُج مِنْ قَعْرِ الْبِئْرِ إِذَا حُفِرَت، يُريد أنَّه دَانِي المَوْعد، بَعيد الإنْجاز.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «تَمَعْدَدُوا وَلَا تَسْتَنْبِطُوا» أَيْ تَشَبَّهُوا بِمَعَدٍّ، وَلَا تَشَبَّهُوا بِالنَّبَطِ. النَّبَطُ والنَّبِيطُ: جيلٌ مَعْرُوف، كَانُوا يَنْزِلون بالبَطائِح بَيْن العِرَاقين.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُهُ الْآخَرُ «لاَ تَنَبَّطُوا فِي المَدائن» أَيْ لاَ تَشَبَّهُوا بالنَّبَط، فِي سُكْنَاهَا واتِّخاذِ العَقَارِ والمِلك.
(س) وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «نحْن مَعاشِرَ قريشٍ مِنَ النَّبَطِ، مِن أَهْلِ كُوثَى» قِيلَ: لِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وُلِدَ بِهَا. وَكَانَ النَّبَط «1»
سُكَّانَها.
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ عَمْرو بْنِ معديكرب «سَأَلَهُ عُمَرُ عَنْ سَعْد بْنِ أَبِي وَقَّاص، فَقَالَ:
أعْرَابيّ فِي حِبْوته، نَبَطِىٌّ فِي جِبْوَتِهِ» أَرَادَ أنَّه فِي جِبَاية الخَراج وعِمَارة الأرَضين كالنَّبَط، حِذْقاً بِهَا ومَهَارَةً فِيهَا، لأنَّهم كَانُوا سُكَّانَ العِرَاق وأربابَها.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ أَبِي أوْفى «كنَّا نُسْلِفُ نَبِيطَ «2»
أهلِ الشَّام» وَفِي رِوَايَةٍ «أَنْبَاطاً مِن أنْباط الشَّامِ» .
وَفِي حَدِيثِ الشَّعْبي «أَنَّ رجُلا قَالَ لِآخَرَ: يَا نَبَطِيُّ، فَقَالَ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ، كُلُّنَا نَبَطٌ» يُرِيدُ الجِوَارَ والدَّار، دُونَ الوِلادَةِ.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «وَدَّ الشُّراة المُحَكِّمَة أَنَّ النَّبْطَ قَدْ أتَى عَلَيْنَا كُلِّنا» قَالَ ثَعْلَبٌ:
النَّبْطُ: الْمَوْتُ.
(نَبَعَ)
(س) فِيهِ ذِكْرُ «النَّبْع» وَهُوَ شجَر تُتَّخَذ مِنْهُ القِسِيُّ. قِيلَ: كَانَ شجَراً يَطُول ويَعْلُو، فَدَعا عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «لَا أطالَك اللَّهُ مِنْ عُودٍ» فَلم يَطُل بَعْدُ «3»
__________
(1) في ا: «وكان النبط بها سكانها» .
(2) في الأصل: «نبط» وأثبت ما في ا، واللسان.
(3) في ا: «بعده» .(5/9)
(نَبَغَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ تصِف أَبَاهَا «غَاضَ نَبْغَ النِّفاق والرِّدَّة» أَيْ نَقَصَه «1»
وأذْهَبَه. يُقَالُ: نَبَغَ الشيءُ، إِذَا ظَهَر، ونَبَغ فِيهِمُ النِّفاقُ، إِذَا ظَهر مَا كَانُوا يُخْفونه مِنْهُ.
(نَبَقَ)
(س) فِي حَدِيثِ سِدْرة المُنْتَهى «فَإِذَا نَبِقُهَا أمثالُ القِلال» النَّبِق، بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْبَاءِ، وَقَدْ تُسكَّن: ثَمَر السَّدر، واحدتُه: نَبِقَة ونَبْقَة، وأشبَهُ شَيْءٍ بِهِ العُنَّاب قبلَ أَنْ تَشْتَدّ حُمْرَتُهُ.
(نَبَلَ)
(هـ) فِيهِ «قَالَ: كنتُ أُنَبِّلُ عَلَى عُمومتي يَومَ الفِجار» يُقَالُ «2» : نَبَّلْتُ الرجُلَ، بِالتَّشْدِيدِ، إِذَا ناوَلْتَه النَّبْلَ ليَرْمي، وَكَذَلِكَ أَنْبَلْتُهُ.
[هـ] وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِنَّ سَعْدا كَانَ يَرْمي بَيْنَ يديِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَبِّلُهُ» .
وَفِي رِوَايَةٍ «وفَتىً يُنَبِّله، كُلَّمَا نَفِدَت نَبْلُه» .
ويُرْوى «يَنْبُلُهُ» بِفَتْحِ الْيَاءِ وَتَسْكِينِ النُّونِ وَضَمِّ الْبَاءِ.
قَالَ ابْنُ قُتَيبة: وَهُوَ غَلَط مِنْ نَقَلة الْحَدِيثِ، لِأَنَّ مَعْنَى نَبَلْتُهُ أَنْبُلُهُ، إِذَا رَمَيْتَه بالنَّبْل.
قَالَ أَبُو عُمر الزَّاهِدُ: بَلْ هُوَ صَحِيحٌ، يَعْنِي يُقَالُ: نَبَلْتُهُ، وأَنْبَلْتُهُ، ونَبَّلْتُهُ.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «الرَّامِي ومُنْبِلُهُ» وَيَجُوزُ أَنْ يُريد بِالْمُنْبِلِ الَّذِي يَرُدّ النَّبْلَ عَلَى الرامِي مِنَ الهَدَف.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَاصِمٍ:
مَا عِلَّتي وَأَنَا جَلْدٌ نَابِلٌ
أَيْ ذُو نَبْل. والنَّبْلُ: السِّهام الْعَرَبِيَّةُ، وَلَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِها، فَلَا يُقَالُ: نَبْلة، وَإِنَّمَا يُقَالُ:
سَهْمٌ، وَنُشَّابَةٌ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الِاسْتِنْجَاءِ «أعِدّوا النُّبَلَ» هِيَ الحِجارة الصِغار الَّتِي يُسْتَنْجى
__________
(1) ضبط في الأصل، وا «نقَّصه» بالتشديد. وأثبت ضبط اللسان. والفصيح في هذا الفعل أن يتعدى بنفسه، وفي لغة ضعيفة يتعدى بالهمزة والتضعيف. كما ذكر صاحب المصباح.
(2) القائل هو الأصمعي، كما ذكر الهروي.(5/10)
بِهَا، وَاحِدَتُهَا: نُبلة، كغُرفة وغُرَف. والمحدِّثون يَفْتَحون النُّونَ وَالْبَاءَ، كَأَنَّهُ جَمْع نَبِيلٍ، فِي التَّقْدِيرِ.
والنَّبَل، بِالْفَتْحِ فِي غَيْرِ هَذَا: الكبارُ مِنَ الإبِل والصِغار. وَهُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ.
(نَبَهَ)
(س) فِي حَدِيثِ الْغَازِي «فَإِنَّ نَوْمه ونُبْهَهُ خيرٌ كلُّه» النُّبْهُ: الِانْتِبَاهُ مِنَ النَّوم.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فَإِنَّهُ مَنْبَهَةٌ لِلْكَرِيمِ» أَيْ مَشْرَفَة ومَعْلاة، مِنَ النَّبَاهَةِ. يُقَالُ:
نَبُهَ يَنْبُهُ، إِذَا صَارَ نَبِيهاً شَريفا.
(نَبَا)
- فِيهِ «فأُتِيَ بِثَلَاثَةِ قِرصَةٍ فوُضِعَت عَلَى نَبِيٍّ» أَيْ عَلَى شَيْءٍ مرتفِع عَنِ الْأَرْضِ، مِنَ النَّبَاوَةِ، والنَّبْوَةُ: الشَّرَفِ المُرتَفع مِنَ الْأَرْضِ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَا تُصَلُّوا عَلَى النَّبِىِّ» أَيْ عَلَى الْأَرْضِ الْمُرْتَفِعَةِ المُحْدَوْدِبة.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَجْعل النبيَّ مُشْتَقَّاً مِنْهُ، لارْتفاع قَدْرِه.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ خَطَبَ يَوْمًا بِالنَّبَاوَةِ مِنَ الطَّائِفِ» هُوَ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ بِهِ.
(هـ) وَحَدِيثُ قَتادة «مَا كَانَ بالبَصْرة رجُلٌ أعلَمُ مِنْ حُمَيدِ بْنِ هِلال، غَيْرَ أنَّ النَّباوةَ أضَرَّت بِهِ» أَيْ طَلَبَ الشَّرَف وَالرِّيَاسَةِ، وحرْمة التَّقَدُّمِ فِي الْعِلْمِ أضَرّ بِهِ.
ويُرْوَى بِالتَّاءِ وَالنُّونِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَرْفِ التَّاءِ «1» .
(س) وَفِي حَدِيثِ الْأَحْنَفِ «قَدِمْنا عَلَى عُمر مَعَ وفْدٍ، فَنَبَتْ عَيْنَاهُ عَنْهُمْ، ووقَعَت عَلَيَّ» يُقَالُ: نَبَا عَنْهُ بصرُه يَنْبُو: أَيْ تَجافَى وَلَمْ يَنْظُر إِلَيْهِ. ونَبَا بِه منزلُهُ، إِذَا لَمْ يُوافِقْه. ونَبَا حَدُّ السَّيْفِ، إِذَا لَمْ يَقْطع، كَأَنَّهُ حَقَّرَهم، وَلَمْ يَرْفع بِهِمْ رَأْسًا.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ طَلْحَةَ «قَالَ لعُمر: أنتَ وليُّ مَا وَلِيتَ، لَا نَنْبُو فِي يَدَيْك» أي نَنْقادُ لك.
ومنه في صفته صلى الله عليه وسلم «يَنْبُو عَنْهُمَا الْمَاءُ» أَيْ يَسيل ويَمرّ سَرِيعًا، لِملاسَتهما واصْطِحابِهِما.
__________
(1) انظر ص 199 من الجزء الأول. وقد ضبطت هناك النِّباوة، بكسر النون، خطأ. والصواب الفتح.(5/11)
بَابُ النُّونِ مَعَ التَّاءِ
(نَتَجَ)
- فِيهِ «كَمَا تُنْتَجُ البهيمةُ بَهِيمَةً جَمْعاء» أَيْ تَلِدُ. يُقَالُ: نُتِجَتِ الناقةُ، إِذَا وَلَدتْ، فَهِيَ مَنْتُوجَةٌ. وأَنْتَجَتْ، إِذَا حَملتْ، فَهِيَ نَتُوجٌ. وَلَا يُقَالُ: مُنْتِج. ونَتَجْتُ الناقةَ أَنْتِجُهَا، إِذَا ولَّدتها. والنَّاتِجُ للإبِل كالقابِلة لِلنِّسَاءِ.
وَفِي حَدِيثِ الأقْرع وَالْأَبْرَصِ «فَأَنْتِجْ هَذَانِ وَوَلَّد هَذَا» كَذَا جَاءَ فِي الرِّواية «أنْتَج» وَإِنَّمَا يُقال: «نَتَجَ» ، فَأَمَّا أَنْتَجَتْ فَمَعْنَاهُ إِذَا حَمَلَت، أَوْ حَانَ نِتَاجُهَا. وَقِيلَ:
هُما لُغَتان.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي الأحْوص «هَلْ تَنْتِجُ إبلَك «1» صِحاحاً آذَانُها» أَيْ تُوَلِّدُها وتَلي نتاجَها.
(نَتَخَ)
[هـ] فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «إنَّ فِي الجنَّة بِساطاً مَنْتُوخاً بِالذَّهب» أَيْ مَنْسوجا.
والنَّتْخُ بِالْخَاءِ المُعجَمة: النَّسجُ.
(س) وَفِي حَدِيثِ الْأَحْنَفِ «إِذَا لَمْ أصِلْ مُجْتَديَّ حَتَّى يَنْتِخَ جَبينُه» أَيْ يَعْرق.
والنَّتْخ: مِثل الرَّشح. والمُجْتَدى: الطَّالب، أَيْ إِذَا لَمْ أصِلْ طَالبَ مَعْرُوفي.
(نَتَرَ)
. (هـ) فِيهِ «إِذَا بالَ أحدُكم فَلْيَنْتُرْ ذَكَرَهُ ثلاثَ نَتَرَاتٍ» النَّتْرُ: جَذْبٌ فِيهِ قُوّة وجَفْوَة.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إنَّ أحَدَكُم يُعَذَّب فِي قَبْره، فَيُقَالُ: إِنَّهُ لَمْ يَكُن يَسْتَنْتِرُ عِنْدَ بَوله» الِاسْتِنْتَار: اسْتِفْعال، مِنَ النَّتر، يُريد الحِرْصَ عَلَيْهِ والاهتمامَ بِهِ. وَهُوَ بَعْثٌ عَلَى التَّطَهُّر بالاسْتِبراء مِنَ البَوْل.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «قَالَ لِأَصْحَابِهِ: أطْعُنُوا النَّتْرَ» أَيِ الْخَلْسَ، وَهُوَ مِن فعْل الحُذَّاق.
يُقَالُ: ضَرْبٌ هَبْر، وطَعْنٌ نَتْرٌ.
ويُروَى بِالْبَاءِ بَدل التَّاء. وقد تقدّم.
__________
(1) رواية الهروي: «هل تُنْتَجُ إبلُ قومك» .(5/12)
(نَتَشَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ أَهْلِ الْبَيْتِ «لَا يُحِبُّنا حامِلُ القِيلَة، وَلَا النُّتَّاشُ» قَالَ ثَعْلَبٌ: هم النُّفَّاش والعَيَّارُون، واحِدُهم: ناتِشٌ. والنَّتْشُ والنَّتْفُ واحِد، كَأَنَّهُمُ انْتُتِفُوا مِنْ جُمْلة أهْلِ الخَيْر.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «جَاءَ فُلان فأخَذ خِيارَها، وَجَاءَ آخَرُ فأخَذ نِتَاشَهَا» أَيْ شِرَارَهَا.
(نَتَقَ)
(هـ) فِيهِ «عَلَيْكُمْ بِالْأَبْكَارِ، فَإنَّهنّ أَنْتَقُ أَرْحَامًا» أَيْ أَكْثَرُ أوْلادا. يُقال لِلْمَرْأَةِ الكَثِيرة الوَلَد: نَاتِقٌ، لِأَنَّهَا تَرمِي بالأوْلادِ رَمْياً.
والنَّتْقُ: الرمَّي والنَّفض والحَرَكة. والنَّتْقُ: الرَّفْع أَيْضًا.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «البَيْت المَعْمور نِتَاقُ الكَعْبة مِنْ فَوقها» أَيْ هُو مُطِلٌّ عَلَيْهَا فِي السَّمَاءِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُهُ الْآخَرُ فِي صِفة مَكَّةَ «وَالْكَعْبَةُ أقَلّ نَتَائِقِ الدُّنيا مَدَراً» النَّتَائِقُ: جَمْعُ نَتِيقَة، فَعِيلة بِمَعْنَى مَفْعولة، مِنَ النَّتْقِ، وهُو أَنْ تَقْلَع الشَّيْءَ فَتَرْفَعَه مِنْ مَكَانِهِ لِتَرْمِيَ بِهِ، هَذَا هُوَ الْأَصْلُ.
وَأَرَادَ بِهَا هَاهُنَا الِبلادَ؛ لِرَفْع بِناَئِها، وشُهْرتِها فِي مَوضِعها.
(نَتَلَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ رَأَى الحَسن يَلْعَب ومَعَه صِبْيَة فِي السِّكَّة، فَاسْتَنْتَلَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم أمامَ القَوْم» أَيْ تَقَدّم. والنَّتْلُ: الجَذْب إِلَى قُدّام «1» .
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «يُمَثَّل القرآنُ رجُلا، فيُؤتَى بالرجُل كانَ قَدْ حَمَلَه مُخالِفاً لَهُ، فَيَنْتَتِلُ خَصْماً لَهُ» أَيْ يَتَقَدّم ويَسْتَعِدّ لخِصامه. وخَصْما مَنْصُوب عَلَى الْحَالِ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ «أَنَّ ابْنَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بَرَزَ يَومَ بَدْرٍ مَعَ الْمُشْرِكِينَ، فَتركَه الناسُ لِكَرامة أَبِيهِ، فَنَتَلَ أَبُو بَكْرٍ ومَعَه سَيْفُه» أَيْ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ.
(هـ) وَحَدِيثُهُ الْآخَرُ «شَرِب لَبَناً فَارْتَابَ بِهِ أَنَّهُ لَمْ يَحِلّ لَهُ، فَاسْتَنْتَلَ يَتَقَيَّأ» أَيْ تَقدّم.
(س) وَحَدِيثُ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ «مَا سَبَقَنَا ابنُ شِهاب مِنَ العِلم بِشَيْءٍ،
__________
(1) زاد الهروي: «قال أبو بكر: وبه سمِّي الرجل ناتلا، ونُتَيْلَة أم العباس بن عبد المطلب» .(5/13)
إِلَّا كُنَّا نَأْتِي المجْلِسَ فَيَسْتَنْتِلُ ويَشُدّ ثَوبَه عَلَى صَدْره» أَيْ يَتَقَدّم.
(نَتَنَ)
- فِيهِ «مَا بالُ دَعْوَى الجاهِليَّة؟ دَعُوها فإنَّها مُنْتِنَةٌ» أَيْ مَذْمومة فِي الشَّرع، مُجْتَنَبة مَكْرُوهَةٌ، كَمَا يُجْتَنَبُ الشيءُ النَّتِن. يُريد قولَهم: يَا لَفُلان.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ بَدْرٍ «لَوْ كَانَ المُطْعِم بْنُ عَديّ حَيَّاً فكَلَّمَني فِي هَؤُلَاءِ النَّتْنَى لأطْلَقْتُهم لَهُ» يَعْني أُسَارَى بَدْرٍ، واحِدُهم: نَتِنٌ، كَزَمِنٍ وزَمْنَى، سَمَّاهُم نَتْنَى لِكُفْرِهم. كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ.
بَابُ النُّونِ مَعَ الثَّاءِ)
(نَثَثَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْع «لَا تَنُثُّ حديثَنا تَنْثِيثاً» النَّثُّ كالبَثِّ. يقال:
نَثَّ الحديثَ يَنِثُّهُ يَنُثُّهُ «1» ، إِذَا حدَّثَ بِهِ. تَقُولُ: لَا تُفْشي أسرارَنا، وَلَا تُطْلِع الناسَ عَلَى أحوالِنا.
والتَّنْثِيثُ: مَصْدَرُ تُنَثِّثْ، فأجْراه عَلَى تَنُثُّ.
ويروَى بِالْبَاءِ الموحَّدة «2» .
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلًا أَتَاهُ يَسأله فَقَالَ: هَلكتُ، قَالَ: أهَلكتَ وَأَنْتَ تَنِثُّ نَثِيثَ الحميتِ؟» نَثَّ الزِّقُّ يَنِثُّ بِالْكَسْرِ، إِذَا رشَح بِمَا فِيهِ مِنَ السَّمن. أَرَادَ: أتَهْلِك وجَسَدُك كَأَنَّهُ يَقْطُر دَسَماً؟
والنَّثِيثُ: أَنْ يَرْشَح ويَعْرَق مِنْ كَثْرَةِ لحمِه.
ويَرْوَى «تَمُثُّ» بِالْمِيمِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ.
(نَثَدَ)
(س) فِي حَدِيثِ عُمَرَ «إِذَا تَرَكْتَه نَثَدَ» قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَا أدرِي مَا هُوَ.
وَأَرَاهُ «رَثَد» بِالرَّاءِ. أَيِ اجْتَمَعَ فِي قَعْرِ القَدَح.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ «نَثَط» فأبْدَل الطَّاءَ دَالًا للمَخْرَج.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: «نَثَدَ: أَيْ سَكَن ورَكَد» .
وَيُرْوَى بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ. وقد تقدّم.
__________
(1) بالضم، والكسر، كما في القاموس.
(2) أي تَبُثّ. وسبق في بابه.(5/14)
(نَثَرَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ الْوُضُوءِ «إِذَا تَوضَّأتَ فَانْثِرْ «1» » .
(هـ) وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «فَاسْتَنْثِرْ» .
وَفِي آخَرَ «مَنْ تَوَضَّأَ فَلْيَنْثِرْ» .
وَفِي آخَرَ «كَانَ يَسْتنشِقُ ثَلَاثًا، فِي كُلِّ مَرَّةٍ يَسْتَنْثِرُ» .
نَثَرَ يَنْثِرُ، بِالْكَسْرِ، إِذَا امْتَخَطَ. واسْتَنْثَرَ: اسْتَفْعَل مِنْهُ. أَيِ اسْتَنْشَق الْمَاءَ ثُمَّ اسْتَخْرج مَا فِي الْأَنْفِ فَيَنْثِرُهُ.
وَقِيلَ: هُوَ مِنْ تَحْرِيكِ النَّثْرَة،، وَهِيَ طَرَف الْأَنْفِ.
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: يُروَى «فَأَنْثِرْ» بألِفٍ مَقْطُوعَةٍ. وَأَهْلُ اللُّغَةِ لَا يُجيزونه. وَالصَّوَابُ بِأَلْفِ الْوَصْلِ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وحُذَيفة فِي الْقِرَاءَةِ «هذَّا كهَذِّ الشِّعْر، ونَثْراً كَنَثْرِ الدَّقَل» أَيْ كَمَا يَتَسَاقَطُ الرُّطَب الْيَابِسُ مِنَ العِذْق إِذَا هُزَّ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فلمَّا خَلاَ سِنِّي، ونَثَرتُ لَهُ ذَا بَطْنى» أَرَادَتْ أَنَّهَا كَانَتْ شَابَّةً تَلِدُ الْأَوْلَادَ عِنْدَهُ. وامرأةٌ نَثُورٌ: كثيرةُ الوَلَد.
(هـ) وَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ «أيُواقِفُكم العدُوُّ حَلْبَ شاةٍ نَثُورٍ؟» هِيَ الواسِعة الإحْليل، كَأَنَّهَا تَنْثُر اللَّبَنَ نَثْراً.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «الجَرادُ نَثْرَةُ الْحُوتِ» أَيْ عَطْسَتُه.
وَحَدِيثِ كَعْبٍ «إِنَّمَا هُوَ نَثْرَة حُوتٍ» .
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْع «ويَمِيسُ فِي حَلَقِ النَّثْرَةِ» هِيَ مَا لَطُفَ مِنَ الدُّروع: أَيْ يَتَبَخْتر فِي حَلَقِ الدِّرْع.
(نَثَطَ)
- فِيهِ «كَانَتِ الْأَرْضُ هِفّاً عَلَى الْمَاءِ فَنَثَطَهَا اللَّهُ بِالْجِبَالِ» أَيْ أثْبَتَها وثَقَّلها.
والنَّثْطُ: غَمْزُك الشيءَ حَتَّى يَثْبُتَ.
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ كَعْبٍ «كَانَتِ الْأَرْضُ تَميدُ فَوْقَ الْمَاءِ، فَنَثَطها اللَّهُ بِالْجِبَالِ، فصارت لها أوْتاداً» .
__________
(1) قال في المصباح: «وتُكسر الثاء وتضمّ» .(5/15)
(نَثَلَ)
(هـ) فِيهِ «أيُحِبُّ أحدُكم أَنْ تُؤْتَى مَشْرَبتُه فَيُنْتَثَلَ مَا فِيهَا؟» أَيْ يُسْتَخْرَج ويؤخَذ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الشَّعبي «أَمَا تَرى حُفْرتَك تُنْثَلَ» أَيْ يُسْتَخْرَج تُرابُها، يُرِيدُ الْقَبْرَ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ صُهَيب «وانْتَثَلَ مَا فِي كِنانتِه» أَيِ اسْتَخْرج مَا فِيهَا مِنَ السِّهام.
(س) وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ «ذهَب رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْتُمْ تَنْتَثِلُونَهَا «1» » يَعْنِي الأموالَ وَمَا فُتِح عَلَيْهِمْ مِنْ زَهْرة الدُّنْيَا.
(س) وَفِي حَدِيثِ طَلْحَةَ «أَنَّهُ كَانَ يَنْثُلُ «2» دِرْعَه إذْ جَاءَهُ سَهْمٌ فوقَع فِي نَحْرِه» أَيْ يَصُبُّها عَلَيْهِ ويَلْبَسُها. والنَّثْلَةُ: الدِّرع.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «بَيْنَ نَثِيله ومُعْتَلَفه» النَّثِيلُ: الرَّوث.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ «أَنَّهُ دَخل دَارًا فِيهَا رَوْث، فَقَالَ: أَلَا كنسْتم هَذَا النَّثيل» وَكَانَ لَا يُسمِّي قَبِيحًا بِقَبِيحٍ.
(نَثَا)
(هـ) فِي صِفَةِ مجلسه عليه الصلاة والسلام «لا تُنْثَى فَلَتاتُه» أَيْ لَا تُشاع وَلَا تُذاع. يُقَالُ: نَثَوْتُ الْحَدِيثَ أَنْثُوهُ نَثْواً. والنَّثَا فِي الْكَلَامِ يُطْلق عَلَى القَبيح والحَسن.
يُقَالُ: مَا أقْبح نَثَاهُ وَمَا أحْسَنَه.
والفَلَتات: جَمْع فَلْتَةٍ، وَهِيَ الزَّلَّة. أَرَادَ أَنَّهُ لَمْ يكُن لمجْلِسه فَلَتاتٌ فَتُنْثَى.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ «فَجَاءَ خالُنا فَنَثَى عَلينا الَّذِي قِيلَ لَهُ» أَيْ أظْهَرَه إِلَيْنَا، وحدّثَنا بِهِ.
وَحَدِيثُ مازِن:
وكُلُّكُم حِين يُنْثَى عَيْبُنا فَطِنُ
وَحَدِيثُ الدُّعَاءِ «يَا من تُنْثَى عِنده بَواطِنُ الأخبار» .
__________
(1) في ا: «تَنثلونها» .
(2) من باب قتل، كما نص في المصباح، لكن جاء في القاموس بالكسر، كأنه من باب ضرب.(5/16)
بَابُ النُّونِ مَعَ الْجِيمِ
(نَجَأَ)
(هـ) فِيهِ «رُدّوا نَجْأَةَ السَّائل باللُّقْمَة» النَّجْأَةُ: شِدّة النَّظَر. يُقَالُ للرَّجُل الشَّديد الْإِصَابَةِ بالعَيْن: إِنَّهُ لَنَجُوءٌ، ونَجِىءٌ. وَقَدْ تُحذَف الواوُ وَالْيَاءُ، فَيَصِيرُ عَلَى فَعُل وفَعِل.
المْعنَى: أَعْطه اللُّقْمَة لِتَدْفعَ بِهَا شِدّة النَّظَر إِلَيْكَ.
وَلَهُ مَعْنَيان: أحَدُهما أَنْ تَقْضيَ شَهْوتَه، وتَردَّ عَينَه مِن نَظَرِه إِلَى طَعامِك، رِفقاً بِهِ ورَحْمَةً.
وَالثَّانِي أنْ تَحذَر إِصَابَتَهُ نِعْمَتكَ بعَيْنِه، لِفِرْط تَحديقه وحِرْصه.
(نَجُبَ)
- فِيهِ «إِنَّ كُلَّ نَبِيٍّ أُعْطِيَ سَبْعَةَ نُجَبَاء رُفَقاء» النَّجِيبُ: الفاضِل مِن كُلّ حَيوان. وَقَدْ نَجُبَ يَنْجُبُ نَجَابَةً، إِذَا كَانَ فاضِلا نَفِيسا فِي نَوعِه.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِنَّ اللَّه يُحب التَّاجر النَّجِيبَ» أَيِ الفاضِل الكَريم السَّخيّ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ «الأنْعامُ مِنْ نَجَائِبِ الْقُرْآنِ، أَوْ نَواجب الْقُرْآنِ» أَيْ مِنْ أَفَاضِلِ سُورَه. فَالنَّجَائِبُ: جَمْعُ نَجِيبَة، تأنيثُ النَّجيب. وَأَمَّا النَّوَاجِبُ. فَقَالَ شَمِر: هِيَ عِتاقُه، مِنْ قَوْلِهِمْ: نَجَبْتُه، إِذَا قَشَرْتَ نَجَبَه، وَهُوَ لِحاؤه وقِشْره، وتركْتَ لُبابه وخالِصه.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ أُبيّ «المؤمنُ لَا تُصيِبُه ذَعْرة، وَلَا عَثْرة، وَلَا نَجْبَةُ نَملَةٍ، إِلَّا بذَنْب» أَيْ قَرْصَة نَمْلَةٍ. مِنْ نَجَبِ العُودَ، إِذَا قَشَره.
والنَّجَبَةُ بِالتَّحْرِيكِ: القِشرة. ذَكَرَهُ أَبُو مُوسَى هَاهُنَا.
ويُروى بِالْخَاءِ المعْجمة. وَسَيَجِيءُ.
وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ «النَّجِيبِ» مِنَ الإبِل، مُفْرَدا، وَمَجْمُوعًا. وَهُوَ القَوِيّ مِنْهَا، الخَفِيف السَّرِيعُ.
(نَجَثَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ عُمَرَ «انْجُثُوا لِي مَا عِنْدَ المُغيرة، فَإِنَّهُ كَتَّامَة لِلْحَدِيثِ» النَّجْثُ:
الإستِخراج، وَكَأَنَّهُ بِالْحَدِيثِ أخَصُّ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أُمِّ زَرْع «وَلَا تُنَجِّثُ عَنْ أخبارِنا تَنْجِيثاً» .(5/17)
(هـ) وَحَدِيثُ هِند «أَنَّهَا قَالَتْ لِأَبِي سُفيان، لمَّا نَزَلُوا بالأبْواء فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ: لَوْ نَجَثْتُمْ قَبْرَ آمِنةَ أمِّ مُحَمَّدٍ» أَيْ نَبَشْتُم.
(نَجَجَ)
(س) فِي حَدِيثِ الحَجّاج «سأحْمِلك عَلَى صَعبٍ حَدْباءَ حِدْبارٍ، يَنِجُّ ظَهْرُها» أَيْ يَسيل قَيْحا. يُقَالُ: نَجَّتِ القَرْحَةُ تَنِجُّ نَجّاً.
(نَجَحَ)
(س) في خُطْبة عائشة «وأَنْجَحَ إذ أكْدَيْتُم» يُقال: نَجَحَ فُلان، وأَنْجَحَ، إِذَا أصابَ طَلِبَتَه. ونَجَحَتْ طَلِبَتُه وأَنْجَحَتْ، وأَنْجَحَهُ اللَّه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ مَعَ المتَكَهِّن «يَا جَلِيحُ، أمْرٌ نَجِيحٌ، رجُلٌ فَصيحٌ، يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه» وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(نَجَدَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ الزَّكَاةِ «إِلَّا مَن أعْطي فِي نَجْدَتِهَا ورِسْلِها» النَّجْدَةُ: الشِّدّة.
وَقِيلَ: السِّمن. وَقَدْ تَقَدَّمَ مَبْسوطا فِي حَرْفِ الرَّاءِ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ ذَكَرَ قَارِئَ الْقُرْآنِ وَصَاحِبَ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّه، أرأيتَك النَّجْدة «1» تَكُونُ فِي الرَّجُل؟ فَقَالَ: ليْست لَهُمَا بِعِدْل» النَّجْدَةُ: الشَّجاعة. ورجُلٌ نَجِدٌ ونَجُدٌ «2» : أَيْ شَدِيدُ الْبَأْسِ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «أَمَّا بَنُو هَاشِمٍ فَأَنْجَادٌ أمْجادٌ» أَيْ أشِدّاءُ شُجْعان.
وَقِيلَ: أَنْجَاد: جَمْع الْجَمْعِ، كَأَنَّهُ جَمَعَ نَجُداً عَلَى نِجَاد، أو بحود، ثُمَّ نُجُد. قَالَهُ أَبُو مُوسَى.
وَلَا حاجةَ إِلَى ذَلِكَ، لِأَنَّ أفْعالا فِي فَعُل وفَعِل مُطَّرِد، نَحْوُ عَضُد وأعْضاد، وكَتِف وأكْتاف.
وَمِنْهُ حَدِيثُ خَيفان «وَأَمَّا هَذَا الحىُّ مِنْ هَمْدانَ فأنْجادٌ بُسْلٌ» .
__________
(1) في الأصل، وا: «أرأيت كالنجدة» والتصحيح من اللسان والفائق 2/ 121، وقد جاء بهامش الأصل: «قوله: أرأيت كالنجدة. هو هكذا في بعض النسخ، وفي بعضها: أرأيتك النجدة» . وقال الزمخشري: «الكاف في أرأيتك مجردة للخطاب.... ومعناه: أخبرني عن النجدة» وانظر ما سبق في مادة رأى.
(2) هو نَجْدٌ، ونَجُدٌ، ونَجِدٌ، ونَجِيدٌ. معجم مقاييس اللغة 5/ 391.(5/18)
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «مَحاسنُ الأمورِ الَّتِي تَفاضَلَت فِيهَا المُجَداء والنُّجَدَاءُ» جَمْع مَجيد ونَجِيد.
فالمَجيد: الشَّرِيفُ. والنَّجِيدُ: الشُّجَاعُ. فَعِيل بِمَعْنَى فاعِل.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الشُّورَى «وَكَانَتِ امْرَأَةً نَجُودا» أَيْ ذاتَ رأْيٍ، كَأَنَّهَا الَّتِي تَجْهَد رَأيَها فِي الْأُمُورِ. يُقَالُ: نَجِدَ نَجَداً: أَيْ جَهَدَ جَهْداً.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْع «زَوْجي طَوِيلُ النِّجَادِ» النِّجَادُ: حَمَائِلُ السَّيْفِ. تُريد طولَ قامتِه، فَإِنَّهَا إِذَا طَالَتْ طالَ نِجادُه، وَهُوَ مِنْ أَحْسَنِ الكِنايات.
(هـ) وَفِيهِ «جَاءَهُ رجُلٌ وبكَفِّه وَضَحٌ، فَقَالَ لَهُ: انْظُر بَطْن وَادٍ، لَا مَنْجَدَ وَلَا مُتْهِمٍ، فتَمعَّك فِيهِ» أَيْ موضِعاً ذَا حَدٍ مِنْ نَجْد، وحَدٍ مِنْ تِهامة، فَلَيْسَ كُلُّهُ مِنْ هَذِهِ، وَلَا مِنْ هَذِهِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي التَّاءِ مَبْسوطا.
والنَّجْد: مَا ارْتَفع مِنَ الْأَرْضِ، وَهُوَ اسمٌ خاصٌّ لِمَا دُونَ الْحِجَازِ، ممَّا يَلي العِراق.
(هـ) وَفِيهِ «أَنَّهُ رَأَى امْرَأَةً شَيَّرَةً وَعَلَيْهَا مَنَاجِدُ مِنْ ذَهَبٍ» هُوَ حُلِيٌّ مُكَلَّلٌ بالفُصوص.
وَقِيلَ: قَلائدُ مِنْ لُؤلؤ وذَهب، واحدُها: مَنْجَد.
وَهُوَ مِنَ التَّنْجيد: التَّزْيين. يُقَالُ: بيتٌ مُنَجَّد، ونُجُودُه: سُتُورُه الَّتِي تُعَلَّق عَلَى حِيطَانِهِ، يُزَيَّن بِهَا.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ قُسٍ «زُخْرِفَ ونُجِّدَ» أَيْ زُيِّن.
وَحَدِيثُ عَبْدِ الْمَلِكِ «أَنَّهُ بعَث إِلَى أمِّ الدَّرداء بِأَنْجَادٍ مِنْ عِنْدِهِ» الْأَنْجَادُ: جَمْعُ نَجَد، بِالتَّحْرِيكِ، وَهُوَ مَتاع الْبَيْتِ، مِنْ فُرُشٍ ونَمارِقَ وسُتُور.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي زَكَاةِ الْإِبِلِ «وَعَلَى أكْتافِها أمثالُ النَّوَاجِدِ شَحماً» هِيَ طَرائق الشَّحْم، واحدتُها: نَاجِدَةٌ، سُمِّيَت بِذَلِكَ لإرتِفاعِها.
(هـ) وَفِيهِ «أَنَّهُ أذِنَ فِي قَطْع الْمِنْجَدَةِ» يَعْنِي مِنْ شَجَرِ الحَرَم، وَهِيَ عَصاً تُساق بِهَا الدُّوابُّ، ويُنْفَشُ بِهَا الصوفُ.
(س) وَفِي شِعْرِ حُمَيد بْنِ ثَوْرٍ:(5/19)
ونَجَدَ»
الماءَ الَّذِي تَوَرَّدا
أَيْ سَالَ العَرَق. يُقَالُ: نَجَدَ يَنْجَدُ نَجَداً «2» ، إِذَا عَرِق مِنْ عَمل أَوْ كَرْب. وتَوَرُّده: تَلَوُّنُه.
(س) وَفِي حَدِيثِ الشَّعبي «اجْتَمَعَ شَرْبٌ مِنْ أَهْلِ الأنْبارِ، وَبَيْنَ أَيْدِيهِمْ نَاجُودُ خَمْر» أَيْ راوُوق. والنَّاجُودُ: كُلُّ إناءٍ يُجْعُل فِيهِ الشَّراب، وَيُقَالُ لِلْخَمْرِ: نَاجُود.
(نَجَذَ)
[هـ] فِيهِ «أَنَّهُ ضَحِك حَتَّى بدَت نَواجِذُه» النَّوَاجِذُ مِنَ الأسْنان: الضَّواحِك، وَهِيَ الَّتِي تَبْدو عِنْدَ الضَّحك. وَالْأَكْثَرُ الأشْهَر أَنَّهَا أقْصى الأسْنان. وَالْمُرَادُ الْأَوَّلُ، لِأَنَّهُ مَا كَانَ يَبْلُغ بِهِ الضَّحِك حَتَّى تِبْدُوَ أَوَاخِرُ أضْراسه، كَيْفَ وَقَدْ جَاءَ فِي صِفَةِ ضَحكه: «جُلُّ ضَحِكه التَّبَسُّم» .
وَإِنْ أُرِيدَ بِهَا الأواخِرُ، فالوجْه فِيهِ أَنْ يُرادَ مُبالغةُ مِثِله فِي ضَحِكه، مِنْ غَيْرِ أَنْ يُرادَ ظُهور نَواجِذه فِي الضحِك، وَهُوَ أقْيَسُ الْقَوْلَيْنِ؛ لاشْتهارِ النَّواجذ بأواخِر الْأَسْنَانِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ العِرباض «عَضُّوا عَلَيْهَا بالنَّواجذ» أَيْ تمسَّكوا بِهَا، كَمَا يَتَمَسَّك العاضُّ بِجَمِيعِ أضراسِه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «ولَن يَليَ الناسَ كقُرشيٍ عَضَّ عَلَى نَاجِذِهِ» أَيْ صَبَر وتَصَلَّب.
فِي الْأُمُورِ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «إنَّ المَلَكَين قاعِدان عَلَى ناجِذيِ الْعَبْدِ يَكْتُبان» يَعْنِي سِنَّيه الضاحِكين، وَهُمَا اللَّذان بَيْنَ النَّابِ وَالْأَضْرَاسِ.
وَقِيلَ: أَرَادَ النابَيْن. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
__________
(1) هكذا ضبط بفتح الجيم في الأصل، وا، وديوان حميد ص 77، والفائق 2/ 354 لكن ضبط في اللسان بالكسر.
(2) حكى في الصحاح عن الأصمعي: «نَجِدَ الرجلُ بالكسر يَنْجَدُ نَجَداً: أي عَرِق من عمل أو كرب» . وقال في اللسان: «وقد نَجِد يَنْجَدُ ويَنْجُد نجدا، الأخيرة نادرة: إذا عَرِق من عمل أو كرب. وقد نُجِد عرقاً فهو منجود، إذا سال» .(5/20)
(نَجَرَ)
- فِيهِ «أَنَّهُ كُفِّن فِي ثلاثةِ أثوابٍ نَجْرَانِيَّة» هِيَ مَنْسُوبَةٌ إِلَى نَجْرَانَ، وَهُوَ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ بَيْنَ الْحِجَازِ وَالشَّامِ وَالْيَمَنِ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «قّدِم عَلَيْهِ نَصارَى نَجْرانَ» .
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «وَاخْتَلَفَ النَّجْرُ، وتَشتَّت الْأَمْرُ» النَّجْرُ: الطَّبْع، وَالْأَصْلُ، والسَّوقُ الشَّدِيدُ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ النَّجاشي «لمَّا دخَل عَلَيْهِ عَمرو بْنُ الْعَاصِ والوَفْد، قَالَ لَهُمْ: نَجِّرُوا» أَيْ سُوقوا الْكَلَامَ. قَالَ أَبُو مُوسَى: وَالْمَشْهُورُ بِالْخَاءِ. وَسَيَجِيءُ.
(نَجَزَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ الصَّرف «إِلَّا نَاجِزاً بِنَاجِزٍ» أَيْ حاضِراً بحاضِر. يُقَالُ:
نَجَزَ يَنْجُزُ نَجْزاً، إِذَا حَصَل وحَضَر. وأَنْجَزَ وَعْدَه، إِذَا أحْضَرَه. والْمُنَاجَزَةُ فِي الحَرْب: المُبارزَة.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ «قَالَتْ لِابْنِ السَّائِبِ: ثلاثٌ تَدَعهُنَّ، أَوْ لَأُنَاجِزَنَّكَ» أَيْ لأُقاتلَنَّك وأخاصمنَّك.
(نَجَشَ)
[هـ] فِيهِ «أَنَّهُ نَهى عَنِ النَّجْشُ فِي الْبَيْعِ» هُوَ أَنْ يَمدَح السِّلعة ليُنفِقَها ويُرَوِّجَها، أَوْ «1» يَزيد فِي ثَمَنِهَا وَهُوَ لَا يُرِيدُ شِراءَها، لِيَقَع غيرُه فِيهَا. «2» وَالْأَصْلُ فِيهِ: تَنْفير الوَحش مِنْ مكانٍ إِلَى مَكَانٍ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ «لَا تَنَاجَشُوا» هُوَ تَفاعُلٌ، مِنَ النَّجشِ. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ المُسّيب «لَا تَطْلُعُ الشمسُ حَتَّى يَنْجُشَهَا ثلاثُمائةٍ وستُّون مَلَكا» أَيْ يَسْتثيرُها.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «قَالَ: إنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقيهَ في بعض طُرُق المدينة
__________
(1) في الهروي: «ويزيد» .
(2) قبل هذا في الهروي: «وقال غيره [غير أبي بكر] : النَّجْش: تنفير الناس عن الشيء إلى غيره» .(5/21)
وَهُوَ جُنُب، قَالَ: فَانْتَجَشْتُ مِنْهُ» قَدِ اختُلِف فِي ضَبْطِها، فرُوي بِالْجِيمِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، مِنَ النَّجْشِ:
الْإِسْرَاعُ. وَقَدْ نَجَشَ يَنْجُشُ نَجْشاً.
وَرُوِيَ «فانْخنستُ مِنْهُ واخْتَنَسْتُ» بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ مِنَ الخُنوس: التَّأخُّر والاخْتِفاء. يُقَالُ: خَنَس، وانْخَنس، واخْتَنَس.
(س) وَفِيهِ ذِكرُ «النَّجاشيّ» فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ. وَهُوَ اسْمُ مَلِك الحَبَشة وَغَيْرِهِ، وَالْيَاءُ مُشَدَّدَةٌ. وَقِيلَ: الصَّوَابُ تخفيفُها.
(نَجَعَ)
- فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «دخَل عَلَيْهِ المِقدادُ بالسُّقيا، وَهُوَ يَنْجَعُ بَكَراتٍ لَهُ دَقِيقاً وخَبَطاً» أَيْ يَعْلِفُها. يُقَالُ: نَجَعْتُ الْإِبِلَ: أَيْ عَلَفْتها النَّجُوعُ والنَّجِيع، وَهُوَ أَنْ يُخْلَط العلفُ مِنَ الخَبَط وَالدَّقِيقِ بِالْمَاءِ، ثُمَّ تُسْقاهُ الْإِبِلُ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ أُبَيّ، وسُئل عَنِ النَّبيذ فَقَالَ: «عَلَيْكَ باللَّبن الَّذِي نُجِعْتَ بِهِ» أَيْ سُقِيتَه فِي الصِّغَر، وغُذيتَ بِهِ. وَيُقَالُ: نَجَعَ فِيهِ الدَّواءُ ونَجَّعَ وأَنْجَعَ، إِذَا نَفَعَه وعَمِل فِيهِ.
وَقِيلَ: لَا يُقَالُ فِيهِ: أَنْجَعَ.
(س) وَفِي حَدِيثِ بُدَيلْ «هَذِهِ هَوازِنُ تَنَجَّعَتْ أرْضَنا» التَّنَجُعُ والِانْتِجَاعُ والنُّجْعَةُ: طَلَب الكَلأ ومَساقِط الغَيْث. وانْتَجَعَ فلانٌ فُلَانًا: طَلَب معروفَه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «لَيْسَتْ بِدَارِ نُجْعَةٍ» .
(نَجَفَ)
[هـ] فِيهِ «فَيَقُولُ: أيْ ربِّ، قَدِّمْني إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَأَكُونُ تَحْتَ نِجَافِ الْجَنَّةِ» قِيلَ: هُوَ أُسْكُفَّة الْبَابِ. وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: هُوَ «1» دَرَوَنْدُه، يَعْنِي أَعْلَاهُ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «أنَّ حسَّان بْنَ ثَابِتٍ دَخَل عَلَيْهَا فأكْرَمَتْه ونَجَفَتْهُ» أَيْ رَفَعَتْ مِنْهُ. والنَّجَفَة: شِبه التَّلّ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عَمْرو بْنِ الْعَاصِ «أَنَّهُ جَلَسَ عَلَى مِنْجَافِ السَّفِينَةِ» قِيلَ: هُوَ سُكَّانُها «2» الذي تُعَدَّلُ به، سُمّي به لارتفاعِه.
__________
(1) مكان هذا في الهروي: «هو أعلى الباب» .
(2) انظر ص 363 من الجزء الرابع.(5/22)
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَمْ أَسْمَعْ فِيهِ شَيْئًا أَعْتَمِدُهُ.
(نَجَلَ)
- فِي صِفَةِ الصَّحَابَةِ «مَعَهُ قومٌ صدورُهم أَنَاجِيلُهُمْ» هِيَ جَمْعُ إِنْجِيل، وَهُوَ اسْمُ كِتَابِ اللَّهِ المُنَزَّل عَلَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَهُوَ اسْمٌ عِبْرانيٌّ، أَوْ سُرْيانيٌّ. وَقِيلَ:
هُوَ عَرَبِيٌّ.
يريد أنهم يقرأون كِتَابَ اللَّه عَنْ ظَهْر قُلُوبِهِمْ، ويَجْمَعونه فِي صدورِهم حِفْظاً. وكان أهل الكتاب إنما يَقْرأون كُتُبَهم مِنَ الصُحُف. وَلَا يَكاد أحدُهم يَجْمَعُها حِفْظاً إِلَّا الْقَلِيلُ.
وَفِي رِوَايَةٍ «وأناجِيلُهم فِي صدورِهِم» أَيْ أنَّ كُتُبَهم محفوظةٌ فِيهَا.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «وَكَانَ وادِيها يَجْرِي نَجْلًا» أَيْ نَزّاً، وَهُوَ الماءُ الْقَلِيلُ، تَعْني وادِي الْمَدِينَةِ. ويُجْمع عَلَى أَنْجَال.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ «قَالَ لِعُمَرَ: الْبِلَادُ الْوَبِيئَةُ ذَاتُ الْأَنْجَالِ وَالْبَعُوضِ» أَيِ النُّزُوز والبَقِّ.
(س) وَفِي حَدِيثِ الزُّبَيْرِ «عَيْنَين نَجْلَاوَيْنِ» يُقَالُ: عينٌ نَجْلَاءُ: أَيْ وَاسِعَةٌ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الزُّهرِي «كَانَ لَهُ كَلْبَةٌ صَائِدَةٌ «1» يَطْلُب لَهَا الفُحولَةَ، يَطلُب نَجْلَها» أَيْ وَلَدَها.
وَفِيهِ «مَن نَجَلَ الناسَ نَجَلُوه» أَيْ مَنْ عابَهُم وسَبَّهم وقَطَع أعراضَهم بالشَّتم، كَمَا يَقْطَع الْمِنْجَلُ الحشيشَ.
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: قَالَهُ اللَّيثُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَهُوَ تَصْحِيفٌ.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «وتُتَّخَذُ السيوفُ مَنَاجِلَ» أرادَ أنَّ النَّاسَ يَتْرُكون الْجِهَادَ، ويَشتغلون بِالْحَرْثِ والزِّراعة. والميمُ زَائِدَةٌ.
(نَجَمَ)
[هـ] فِيهِ «هَذَا إبَّانُ نُجُومِهِ» أَيْ وقتُ ظُهورِه، يَعْنِي النبيَّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم.
__________
(1) في الأصل، وا، واللسان: «كلب صائد يطلب لها» وفي تاج العروس: «كلب صائد تطلب له الفحولة، يطلب نجلها، أي ولدها» وما أثبت من الهروى.(5/23)
يُقَالُ: نَجَمَ النّبتُ يَنْجُمُ، إِذَا طَلَع. وكلُّ مَا طَلَعَ وظَهَر فَقَدْ نَجَمَ. وَقَدْ خُصَّ بالنّجم منه مالا يَقُوم عَلَى سَاقٍ، كَمَا خُصَّ الْقَائِمُ عَلَى السَّاقِ مِنْهُ بالشَّجَر.
وَمِنْهُ حَدِيثُ جَرير «بَيْنَ نَخلةٍ وَضَالةٍ ونَجْمَةٍ وأثْلَةٍ» النَّجْمَةُ: أخَصُّ مِنَ النَّجم، وَكَأَنَّهَا واحدتُه، كنَبْتةٍ ونَبْت.
وَمِنْهُ حَدِيثُ حُذَيْفَةَ «سِراجٌ مِنَ النَّارِ يَظْهر فِي أكتافِهم حَتَّى يَنْجُمَ فِي صدورِهم» أَيْ يَنْفُذ ويَخْرج مِنْ صدورِهم.
(س) وَفِيهِ «إِذَا طَلَع النَّجْمُ ارْتَفَعت الْعَاهَةُ» .
وَفِي رِوَايَةٍ «مَا طَلَع النَّجْمُ وَفِي الأرضِ مِنَ الْعَاهَةِ شَيْءٌ» .
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى «مَا طَلَع النَّجم قَطُّ وَفِي الْأَرْضِ عاهةٌ إِلَّا رُفِعَت» .
النَّجْمُ فِي الْأَصْلِ: اسْمٌ لِكُلِّ واحدٍ مِنْ كَوَاكِبِ السَّمَاءِ، وجمْعُه: نُجُومٌ، وهو بالثّريّا أخضّ، جَعَلُوهُ عَلَماً لَهَا، فَإِذَا أُطْلِق فَإِنَّمَا يُرادُ بِهِ هِيَ، وَهِيَ المرادةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ.
وَأَرَادَ بطلوعِها طلوعَها عِنْدَ الصُّبْحِ، وَذَلِكَ فِي العْشر الأوْسَط مِنْ أيَّار، وسُقوُطُها مَعَ الصُّبْحِ فِي الْعَشْرِ الْأَوْسَطِ مَنْ تَشْرين الآخَر.
وَالْعَرَبُ تَزْعُم أَنَّ بَيْنَ طلوعِها وَغُرُوبِهَا أَمْرَاضًا ووَباءً، وَعَاهَاتٍ فِي النَّاسِ وَالْإِبِلِ وَالثِّمَارِ.
وَمُدَّةُ مَغِيبِهَا بِحَيْثُ لَا تُبْصَر فِي اللَّيْلِ نَيِّفٌ وَخَمْسُونَ لَيْلَةً؛ لِأَنَّهَا تَخْفَى بقُرْبِها مِنَ الشَّمْسِ قبلَها وبعدَها، فَإِذَا بَعُدَت عَنْهَا ظَهَرَت فِي الشَّرق وَقْتَ الصُّبْحِ.
قَالَ الْحَرْبِيُّ: إِنَّمَا أَرَادَ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَرْضَ الحجازِ، لأنَّ فِي أيّارَ يقَع الحَصادُ بِهَا وتُدْرِك الثِّمار، وَحِينَئِذٍ تُباع؛ لِأَنَّهَا قَدْ أُمِنَ عَلَيْهَا مِنَ الْعَاهَةِ.
قَالَ القُتيبي: وأحْسَب أنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ عاهةَ الثِّمَارِ خاصَّةً.
وَفِي حَدِيثِ سَعْدٍ «واللَّهِ لَا أَزيدُك عَلَى أربعةِ آلافٍ مُنَجَّمَة» تَنْجِيمُ الدَّين: هُوَ أَنْ يُقَرَّر عطاؤُه فِي أوقاتٍ مَعْلُومَةٍ مُتتَابعة، مشاهَرةً أَوْ مُساناةً.
وَمِنْهُ «تَنْجيم المكاتَب، ونُجوم الْكِتَابَةِ» وأصلُه أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَجْعل مَطالِع مَنازِل(5/24)
الْقَمَرِ ومَساقِطَها مواقيتَ لِحُلول دُيونِها وَغَيْرِهَا، فَتَقُولُ: إِذَا طَلَع النَّجمُ حلَّ عَلَيْكَ مَالِي: أَيِ الثُّريَّا، وَكَذَلِكَ بَاقِي المنازِل.
(نَجَا)
- فِيهِ «وَأَنَا النَّذير العُرْيان فالنّجاءَ النَّجَاءَ» أَيِ انْجُوا بأنفسِكم. وَهُوَ مصدرٌ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ: أَيِ انْجُوا النَّجاءَ، وتَكراره لِلتَّأْكِيدِ. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
والنَّجَاءُ: السُّرعة. يُقَالُ: نَجَا يَنْجُو نَجَاءً، إِذَا أَسْرَعَ. ونَجا مِنَ الْأَمْرِ، إِذَا خَلُص، وأَنْجَاهُ غيرُه.
(س) وَفِيهِ «إِنَّمَا يَأْخُذُ الذئبُ القاصِيةَ وَالشَّاذَّةَ والنَّاجِيَة» أَيِ السَّريعة. هَكَذَا رُوِي عَنِ الْحَرْبِيِّ بِالْجِيمِ.
[هـ] وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أتَوْك عَلَى قُلُصٍ نَوَاجٍ» أَيْ مُسْرِعات. الْوَاحِدَةُ: ناجِية.
[هـ] وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِذَا سَافَرْتُمْ فِي الجَدْب فَاسْتَنْجُوا» أَيْ أسرِعوا السَّير. وَيُقَالُ لِلْقَوْمِ إِذَا انْهَزَموا: قَدِ اسْتَنْجَوا.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ لُقْمَانَ «وآخِرُنا إِذَا اسْتَنْجَيْنَا» أَيْ هُوَ حامِيَتُنا، يدْفع عَنَّا إِذَا انْهَزمْنا.
وَفِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ «اللَّهُمَّ بمحمّدٍ نبيِّك وَبِمُوسَى نَجِيِّكَ» هُوَ المُناجِي المخاطِبُ لِلْإِنْسَانِ والمُحدِّث لَهُ. يُقَالُ: نَاجَاهُ يُنَاجِيهِ مُنَاجَاةً، فَهُوَ مُنَاجٍ. والنَّجِىُّ: فَعِيلٌ مِنْهُ. وَقَدْ تَنَاجَيَا مُنَاجَاةً وانْتِجَاءً.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ» .
وَفِي رِوَايَةٍ «لَا يَنْتَجِى اثْنَانِ دُونَ صاحِبهما» أَيْ لَا يَتسارَران منفردْين عَنْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَسُوؤه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «دَعاهُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومَ الطَّائِفِ، فَانْتَجَاهُ، فَقَالَ الناسُ: لَقَدْ طَالَ نَجْواه، فَقَالَ: مَا انْتَجَيْتُهُ، وَلَكِنَّ اللَّه انْتَجاه» أَيْ إنَّ اللَّه أمَرَني أنْ أُنَاجِيهِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ «قِيلَ لَهُ: مَا سمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النَّجْوى؟»(5/25)
يُرِيدُ مُناجاةَ اللَّه تَعَالَى لِلْعَبْدِ يومَ الْقِيَامَةِ. والنَّجْوى: اسْمٌ يُقامُ مقامَ الْمَصْدَرِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الشَّعبي «إِذَا عَظُمَت الحَلْقةُ فَهِيَ بَذاءٌ ونِجَاءٌ» أَيْ مُناجاة. يَعْنِي يَكْثُر فِيهَا ذَلِكَ.
(س) وَفِي حَدِيثِ بِئْرِ بُضاعة «تُلْقَى فِيهَا المَحائض وَمَا يُنْجِى الناسُ» أَيْ يُلْقُونه مِنَ العَذِرة. يُقَالُ مِنْهُ: أَنْجَى يُنْجِى، إِذَا ألقَى نَجْوَهُ، ونَجَا وأَنْجَى، إِذَا قَضَى حاجَتَه مِنْهُ. والِاسْتِنْجَاءُ:
اسْتِخْرَاجُ النَّجْوِ مِنَ البَطن.
وَقِيلَ: هُوَ إزالَتُه عَنْ بَدَنِهِ بالغَسل وَالْمَسْحِ.
وَقِيلَ: هُوَ مِنْ نَجَوْتُ الشجرةَ وأَنْجَيْتُهَا، إِذَا قَطَعْتَها. كَأَنَّهُ قَطَع الأذَى عَنْ نَفْسِهِ.
وَقِيلَ: هُوَ مِنَ النَّجْوَةِ، وَهُوَ مَا ارْتَفَعَ مِنَ الْأَرْضِ. كَأَنَّهُ يَطْلُبها لِيجْلسَ تحتها.
(س) ومنه حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «قِيلَ لَهُ فِي مرضِه: كَيْفَ تَجِدُك؟ قَالَ: أجِدُ نَجْوِى أكثرَ مِنْ رُزْئي» أَيْ مَا يَخْرُج مِنِّي أَكْثَرُ مِمَّا يَدْخُل.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ سَلَامٍ «وَإِنِّي لَفي عَذْقٍ أُنْجِى منه رُطَبا» أي النَقِطُ. وَفِي رِوَايَةٍ «أَسْتَنْجِى مِنْهُ» بِمَعْنَاهُ.
(نَجَهَ «1» )
(هـ) فِي حَدِيثِ عُمَرَ «بَعْدَ مَا نَجَهَهَا» أَيْ ردَّها وانتَهَرها. يُقَالُ: نَجَهْتُ الرجلَ نَجْهاً، إِذَا اسْتَقْبَلْتَه بِمَا يَكُفُّه عَنْكَ.
بَابُ النُّونِ مَعَ الْحَاءِ
(نَحَبَ)
(هـ) فِيهِ «طلحةُ مِمَّنْ قَضى نَحْبَهُ» النَّحْبُ: النَّذْرُ، كَأَنَّهُ ألْزَمَ نفسَه أَنْ يَصْدُقَ أَعْدَاءَ اللَّه فِي الْحَرْبِ فَوَفَى بِهِ.
وَقِيلَ: النَّحْبُ: الموتُ، كَأَنَّهُ يُلْزِمُ نَفْسَهُ أَنْ يُقَاتِلَ حتى يموت.
__________
(1) وضعت هذه المادة في الأصل قبل مادة نجا وقد وضعتها هنا، كما وضعت في ا، والنسخة 517، والهروي، والدر النثير. وهو الصحيح؛ لأن نجا أصلها نجو والواو مقدمة على الهاء فى ترتيب المصنّف.(5/26)
(هـ) وَفِيهِ «لَوْ عَلِم الناسُ مَا فِي الصفِّ الْأَوَّلِ لاقْتتلوا عَلَيْهِ، وَمَا تقَدّموا إِلَّا بِنُحْبَةٍ» أَيْ بقُرْعة. والْمُنَاحَبَةُ: المخاطَرة وَالْمُرَاهَنَةُ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ «فِي مُنَاحَبَةِ الم غُلِبَتِ الرُّومُ» أَيْ مراهَنَتِه لِقُرَيْشٍ، بَيْنَ الرُّومِ والفُرْس.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ طَلْحَةَ «قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: هَلْ لَكَ أَنْ أُنَاحِبَكَ وتَرْفَعَ النبيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» أَيْ أفاخِرَك وأحاكِمك، وتَرْفَعَ ذِكر رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن بَيْنِنَا، فَلَا تفْتَخِر بقرابتِك مِنْهُ، يَعْنِي أَنَّهُ لَا يقصُر عَنْهُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ مِنَ المَفاخِر.
(س) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «لمَّا نُعي إِلَيْهِ حُجْر غَلَبَه النَّحِيبُ» النَّحْبُ والنَّحِيبُ والِانْتِحَابُ: الْبُكَاءُ بِصَوْتٍ طَوِيلٍ ومدٍ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ الْأَسْوَدِ بْنِ المطَّلب «هَلْ أُحِلَّ النَّحْبُ؟» أَيْ أُحِلَّ الْبُكَاءُ.
وَحَدِيثُ مُجَاهِدٍ «فَنَحَبَ نَحْبَةً هاجَ مَا ثَمَّ مِنَ البَقْل» .
وَحَدِيثُ عَلِيٍّ «فَهَلْ دَفَعَتِ الأقارِبُ، أَوْ نَفَعَتِ النَّواحِبُ؟» أَيِ البَواكي، جَمْعُ نَاحِبَة.
(نَحَرَ)
- فِي حَدِيثِ الْهِجْرَةِ «أتاَناَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ» هُوَ حِينَ تَبْلُغ الشمسُ مُنْتُهاها مِنَ الإرتِفاع، كَأَنَّهَا وصَلَت إِلَى النَّحْرِ، وَهُوَ أَعْلَى الصَّدْر.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْإِفْكِ «حَتَّى أتَيْنا الجيشَ فِي نَحْرِ الظَّهيرة» .
(س) وَفِي حَدِيثِ وابِصة «أَتَانِي ابنُ مَسْعُودٍ فِي نَحْر الظَّهيرة، فَقُلْتُ: أيَّةُ ساعةِ زِيَارَةٍ؟» وَقَدْ تَكَرَّرَتْ فِي الْحَدِيثِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «أَنَّهُ خَرَجَ وَقَدْ بكَّروا بِصَلَاةِ الضُّحى، فَقَالَ: نَحَرُوهَا نَحَرَهم اللَّه» أَيْ صَلَّوها فِي أَوَّلِ وقتِها، مِنْ نَحْرِ الشَّهْرِ، وَهُوَ أَوَّلُهُ.
وَقَوْلُهُ «نَحَرَهُمُ اللَّه» يَحْتَمِل أَنْ يَكُونَ دُعاءً لَهُمْ: أَيْ بَكَّرَهم اللَّه بِالْخَيْرِ، كَمَا بَكَّروا بِالصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ وقتِها. ويَحتَملُ أَنْ يَكُونَ دُعاءً عَلَيْهِمْ بالنَّحر والذَّبح، لِأَنَّهُمْ غيَّروا وَقْتَهَا.
وَفِي حَدِيثِهِ الْآخَرِ «حَتَّى تَدْعَقَ الخُيولُ فِي نَوَاحِر أَرْضِهِمْ» أَيْ فِي مُتقابَلاتِها. يُقَالُ:
مَنازل بَني فُلان تَتَنَاحَرُ: أَيْ تتَقابَلُ.(5/27)
وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ «وُكِّلَت الفِتْنَة بثلاثةٍ: بالحادِّ النِّحْرِيرِ» هُوَ الفَطِنُ البصيرُ بِكُلِّ شَيْءٍ.
(نَحَزَ)
(س) فِيِ حَدِيثِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ «لمَّا رَفَع رأسَه مِنَ السُّجُودِ مَا كَانَ فِي وَجْهه نُحَازَةٌ» أَيْ قِطْعة مِنَ اللَّحْمِ، كَأَنَّهُ مِنَ النَّحْزِ، وَهُوَ الدَّقُّ والنَّخس، والْمِنْحَازُ: الهاوَنُ «1» .
وَمِنْهُ الْمَثَلُ:
دَقَّك بالمِنْحاز حَبَّ الفُلْفُلِ «2»
(نَحَسَ)
(س) فِي حَدِيثِ بَدْرٍ «فَجَعَلَ يَتَنَحَّسُ الْأَخْبَارَ» أَيْ يَتَتَبَّع. يُقَالُ: تَنَحَّسْتُ الْأَخْبَارَ، إِذَا تَتَبَعَّتْهَا بالاستخْبار.
وَفِي رِوَايَةٍ: «يَتَحَسَّب ويَتَحَسَّسُ» والكلُّ بِمَعْنًى.
(نَحَصَ)
(هـ) فِيهِ «أَنه ذَكَر قَتْلَى أُحُد، فَقَالَ: يَا لَيْتَنِي غُودِرْت مَعَ أَصْحَابِ نُحْصِ الجَبل» النُّحْصُ بِالضَّمِّ «3» : أصلُ الْجَبَلِ وسَفْحُه، تَمنَّى أن يكون اسْتُشْهدَ معهم يومَ أُحُد.
__________
(1) في الأصل: «الهاوُن» بواو واحدة مضمومة، وفي ا: «الهاوُون» بواوين. وأثبته بواو مفتوحة من اللسان. قال صاحب المصباح: «والهاوَن: الذي يُدقّ فيه. قيل: بفتح الواو، والأصل: هاوون، على فاعول، لأنه يُجمع على هَوَاوين، لكنهم كرهوا اجتماع واوين، فحذفوا الثانية، فبقى هاوُن، بالضم، وليس في الكلام فاعُل، بالضم ولامه واو، ففُقِد النظير مع ثقل الضمة على الواو، ففُتحت طلبا للتخفيف. وقال ابن فارس: عربي، كأنه من الهون. وقيل: معرّب. وأورده الفارابي في باب فاعُول، على الأصل» . وانظر معجم مقاييس اللغة 6/ 21، والمعرب ص 346. والجمهرة 3/ 183، 502.
(2) هكذا في الأصل، وا، واللسان. وفي أمثال الميداني 1/ 178: «القِلْقِلِ» وكذلك جاء فى اللسان، مادة قلقل قال: «والعامة تقول: حبّ الفلفل. قال الأصمعى: وهو تصحيف، إنما هو بالقاف، وهو أصلب ما يكون من الحبوب. حكاه أبو عبيد. قال ابن برّى: الذى ذكره سيبويه ورواه: حبّ الفلفل، بالفاء قال: وكذلك رواه على بن حمزة» .
(3) هذا شرح أبى عبيد، كما ذكر الهروى.(5/28)
(نَحَضَ)
- فِي حَدِيثِ الزَّكَاةِ «فأعْمِد إِلَى شاةٍ مُمتَلئة شَحْمًا ونَحْضاً» النَّحْضُ: اللَّحْمُ ورجُلٌ نَحِيضٌ: كَثِيرُ اللَّحْمِ.
وَمِنْهُ قَصِيدُ كَعْبٍ:
عَيْرانَةٌ قُذِفَتْ بالنَّحْض «1» عَن عُرُضٍ
أَيْ رُمِيتْ بِاللَّحْمِ.
(نَحَلَ)
- فِيهِ «مَا نَحَلَ والدٌ وَلَدًا مِنْ نُحْلٍ أفضلَ مِنْ أدبٍ حَسَن» النُّحْلُ: العَطِيَّة وَالْهِبَةُ ابتِداءً مِنْ غَيْرِ عِوَض وَلَا اسْتِحْقاق. يُقَالُ: نَحَلَهُ يَنْحَلُهُ نُحْلًا بِالضَّمِّ. والنُّحْلَةُ بِالْكَسْرِ: العطَّية.
ومنه حديث النّعمان بن بشير «أنّ أبا، نَحَلَهُ نُحْلًا» .
وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ «إِذَا بَلَغَ بَنُو العاصِ ثَلَاثِينَ كَانَ مالُ اللَّه نُحْلا» أَرَادَ يَصيرُ الفىءُّ عَطَاءً مِنْ غَيْرِ اسْتِحْقاق، عَلَى الإيثارِ وَالتَّخْصِيصِ. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ أُمِّ مَعْبَد «لَمْ تَعِبْه نُحْلةٌ» أَيْ دِقَّةٌ وهُزالٌ. وَقَدْ نَحِلَ جِسمُه نُحُولًا.
والنُّحْلُ: الِاسْمُ.
قَالَ القُتَيْبِي: لَمْ أسْمَع بالنُّحْلِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ إِلَّا فِي العطِيّة.
وَفِي حَدِيثِ قَتادة بْنِ النُّعمان «كَانَ بُشَيْر بْنُ أُبَيْرِق يَقُولُ الشِّعْر، ويَهْجو بِهِ أصحابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويَنْحَلُهُ بعضَ الْعَرَبِ» أَيْ يَنْسُبُه إِلَيْهِمْ، مِنَ النِّحْلَةِ: وَهِيَ النِّسبة بِالْبَاطِلِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «مَثَل الْمُؤْمِنِ مَثَل النَّحْلَةُ» الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ.
وَهِيَ واحدةُ النَّخِيلِ.
ورُوِي بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، يُرِيدُ نَحْلَة الْعَسَلِ. ووجْه المشابَهَة بَيْنَهُمَا حِذْقُ النَّحل وفِطْنَتُه، وَقِلَّةُ أذاهُ وحَقارَته ومنفعته، وقُنوعُه وسَعْيُه في الليل، وتَنزُّهُه عن الأقْذار، وطِيب أكلِه، وَأَنَّهُ لَا يأكلُ مِنْ كَسْب غَيْرِهِ، ونُحُولُهُ وطاعتُه لِأَمِيرِهِ، وأنَّ للنَّحل آفاتٍ تَقْطَعُه عَنْ عَمَلِهِ. مِنْهَا الظُّلْمة والغَيْم،
__________
(1) في شرح ديوانه ص 12: «في اللَّحْمِ» وفي الأصل: «غيرانة» بمعجمة، خطأ.(5/29)
وَالرِّيحُ وَالدُّخَانُ، وَالْمَاءُ وَالنَّارُ. وَكَذَلِكَ المؤمنُ لَهُ آفاتٌ تُفَتِّرُه عَنْ عَمَلِهِ: ظلمةُ الْغَفْلَةِ، وغَيْم الشكِّ، وريحُ الفِتنة، ودُخَان الْحَرَامِ، وماءُ السَّعة، وَنَارُ الَهَوَى.
(نَحَمَ)
(هـ) فِيهِ «دخلتُ الجنةَ فسمِعْت نَحْمَةً مِنْ نُعَيْمٍ» أَيْ صَوْتًا. والنَّحِيمُ:
صوتٌ يخرُج مِنَ الجَوْف. ورجلٌ نَحِمٌ، وَبِهَا سُمِّي نُعَيْم النَّحَّامِ «1» .
(نَحَا)
(هـ) فِي حَدِيثِ حَرام بْنِ مِلْحان «فَانْتَحَى لَهُ عامِرُ بْنُ الطُّفَيل فقتَله» أَيْ عَرَض لَهُ وقَصَدَه. يُقَالُ: نَحَا وأَنْحَى وانْتَحَى.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فانْتَحاه رَبيعةُ» أَيِ اعْتَمَدَهُ بِالْكَلَامِ وَقَصَدَهُ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الخَضِر عَلَيْهِ السَّلَامُ «وتَنَحَّى لَهُ» أَيِ اعْتَمَدَ خَرْقَ السَّفِينَةِ.
وَحَدِيثُ عَائِشَةَ «فَلَمْ أنْشَبْ حَتَّى أَنْحَيْتُ عَلَيْهَا» هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ. وَالْمَشْهُورُ بِالثَّاءِ المثلثة والخاء المعجمة والنون.
(هـ) ومنه حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ رَأَى رجُلا يَتَنَحَّى فِي سُجُودِهِ، فَقَالَ: لَا تَشِينَنّ صُورتك» أَيْ يَعتمِد عَلَى جَبْهتِه وأنْفِه، حَتَّى يؤثِّر فِيهِمَا.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحَسَنِ «قَدْ تّنَحَّى فِي بُرْنُسِه، وَقَامَ الليلَ فِي حِنْدِسِه» أَيْ تَعَمَّد لِلْعِبَادَةِ، وتوجَّه لَهَا، وَصَارَ فِي ناحِيَتِها، أَوْ تَجَنَّب الناسَ وَصَارَ فِي ناحِيةٍ مِنْهُمْ.
(س) وَفِيهِ «يَأتيني أَنْحَاءٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ» أَيْ ضُروبٌ مِنْهُمْ، وَاحِدُهُمْ: نَحْوٌ. يَعْنِي أَنَّ الْمَلَائِكَةَ كَانُوا يَزُورُونَهُ، سِوَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
بَابُ النُّونِ مَعَ الْخَاءِ
(نَخَبَ)
- فِيهِ «مَا أصابَ المؤمنَ مِن مَكْرُوهٍ فَهُوَ كفَّارةٌ لِخَطاياه، حَتَّى نُخْبَةِ النَّمْلة» النُّخْبَةُ «2» : العضَّة والقَرْصَة. يُقَالُ: نَخَبَتِ النملةُ تَنْخُبُ، إذا عضّت. والنَّخْبُ:
خرق الجلد.
__________
(1) هو نعيم بن عبد الله بن أسيد بن عوف. الاستيعاب ص 1507.
(2) ضبطت في الهروي بفتح النون، ضبط قلم.(5/30)
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ أُبيّ «لَا يُصيبُ المؤمنَ مصيبةٌ «1» ذَعْرةٌ وَلَا عَثْرَةُ قَدَمٍ، وَلَا اختِلاجُ عرْق، وَلَا نُخْبَةُ نَمِلةٍ إِلَّا بذَنْب، وَمَا يَعفْو اللَّهُ أكثرُ» .
ذَكَره الزَّمَخْشَرِيُّ مَرْفُوعًا. وَرَوَاهُ بِالْخَاءِ وَالْجِيمِ. وَكَذَلِكَ ذكَره أَبُو مُوسَى فِيهِمَا.
وَقَدْ تَقَدَّمَ.
(س) وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَقِيلَ عُمَر «وخَرجْنا فِي النُّخْبة» النُّخْبَة بِالضَّمِّ: المُنْتَخَبون مِنَ النَّاسِ المُنْتَقَوْن. والِانْتِخَابُ: الِاخْتِيَارُ والإنْتِقاء.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ الْأَكْوَعِ «انْتَخِبْ مِنَ الْقَوْمِ مائةَ رجلٍ» .
(س) وَفِي حَدِيثُ أَبِي الدَّرداء «بئسَ العَوْنُ عَلَى الدِّين قَلْبٌ نَخِيبٌ، وبطنٌ رَغِيبٌ» النَّخِيبُ: الجَبانُ الَّذِي لَا فُؤَادَ لَهُ. وَقِيلَ: الْفَاسِدُ الْفِعْلِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ الزُّبَيْرِ «أقبَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ لِيَّةَ فاسْتَقْبَل نَخْباً ببَصرِه» هُوَ اسمُ مَوْضِعٍ هُنَاكَ.
(نَخَتَ)
(س) فِي حَدِيثِ أُبيّ «وَلَا نَخْتَة نَمْلة إِلَّا بذَنْب» هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ.
والنَّخْت والنَّتْف واحدٌ. يُرِيدُ بِهِ قَرصة نَمْلَةٍ.
ويُروى بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالْجِيمِ. وَقَدْ تَقَدَّمَا.
(نَخَخَ)
(هـ) فِيهِ «لَيْسَ فِي النُّخَّةِ صَدَقَةٌ» هِيَ الرَّقيق. وَقِيلَ: الحَمير. وَقِيلَ:
البَقَر العَوامِل. وتُفتَحُ نونُها وتُضَمُّ. وَقِيلَ: هِيَ كُلُّ دَابَّةٍ استُعملت. وَقِيلَ: البَقَر العَوامِل بِالضَّمِّ، وَغَيْرُهَا بِالْفَتْحِ.
وَقَالَ الفَرّاء: النُّخَّة أَنْ يأخذَ المُصَدِّق دِينَارًا بعدَ فراغِه مِنَ الصَّدَقَةِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «أَنَّهُ بَعَث إِلَى عُثْمَانَ «2» بِصَحِيفَةٍ فِيهَا: لَا تَأخُذَنَّ مِنَ الزُّخَّةِ وَلَا النُّخَّة شَيْئًا» .
__________
(1) هكذا ضبط بالتنوين في ا، والهروي، واللسان. وضبط في الفائق 3/ 75 بالضم مخففا مع الإضافة.
(2) هو عثمان بن حُنيف، كما سبق في مادة زخخ(5/31)
(نَخَرَ)
(س) فِيهِ «أَنَّهُ أخَذ بِنُخْرَةِ الصَّبِيِّ» أَيْ بأنفِه. ونُخْرَتَا الْأَنْفِ: ثَقْباه والنَّخَرَةُ بِالتَّحْرِيكِ: مُقَدَّم الأنفِ. والْمَنْخِرُ والْمَنْخِرَانِ أَيْضًا: ثَقْبا الأنفِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الزِّبْرِقان «الأُفَيْطِس النَّخَرَةِ، الَّذِي «1» كَأَنَّهُ يَطَّلِع فِي حِجْرِه» .
(هـ) وَحَدِيثُ عُمَرَ، وَقِيلَ عَلِيٍّ «أَنَّهُ أتِيَ بسَكْرانَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فَقَالَ: لِلْمِنْخِرَين» أَيْ كَبَّه اللَّه لِمَنْخِرَيه. ومثْلُه قولُهم فِي الدُّعَاءِ: لِلْيَدين وللفَمِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «لمَّا خَلَق اللَّه إبليسَ نَخَرَ» النَّخِيرُ: صوتُ الْأَنْفِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عَمرو بْنِ الْعَاصِ «رَكِبَ بَغْلةً شَمِط وجْهُها هَرَماً، فَقِيلَ لَهُ: أتركَبُ هَذِهِ وَأَنْتَ عَلَى أكْرم ناخِرةٍ بِمِصْرَ؟» النَّاخِرَةُ «2» : الخَيْل، واحدُها: نَاخِرٌ. وَقِيلَ: الْحَمِيرُ؛ لِلصُّوت الَّذِي يَخْرُج مِنْ أنُوفِها. وأهلُ مِصْرَ يُكْثِرون رُكوبَها أَكْثَرَ مِنْ رُكوب البِغال «3» .
(هـ) وَفِي حَدِيثِ النَّجاشِيّ «لمَّا دَخل عَلَيْهِ عمْرو والوفْد مَعَهُ، قَالَ لَهُمْ: نَخِّرُوا» أَيْ تكلَّموا. كَذَا فُسِّر فِي الْحَدِيثِ. وَلَعَلَّهُ إِنْ كَانَ عَرَبِيًّا «4» مأخوذٌ مِنَ النَّخِيرِ: الصَّوت. ويُروى بِالْجِيمِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَمِنْهُ حَدِيثُهُ أَيْضًا «فَتَنَاخَرَتْ بَطارِقَتُه» أَيْ تَكَلَّمَتْ، وَكَأَنَّهُ كلامٌ مَعَ غَضَبٍ ونُفُور.
(نَخَسَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّ قادِماً قَدِمَ عَلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَنْ خِصْب الْبِلَادِ، فحدّثَه أَنَّ سَحابةً وَقَعَت فاخْضَرَّ لَهَا الأرضُ، وَفِيهَا غُدُرٌ تَنَاخَسُ» أَيْ يَصُبُّ بعضُها فِي بَعْضٍ. وأصلُ النَّخْسِ:
الدَّفعْ والحَرَكة.
__________
(1) في اللسان: «للذي كان يَطْلُع في حِجرِه» .
(2) هذا شرح المبّرد، كما ذكر الهروي.
(3) زاد الهروي: «وقال غيره [غير المبرد] : يريد بقوله: وأنت على أكرم ناخرة: أي ولك منها أكرمُ ناخرة. ويقولون: إن عليه عَكَرَةً من مال: أي إن له عَكَرةً. والأصل فيها أنها تَرُوحُ عليه. وفي بعض الحديث: أفضل الأعمال الصلاة على وقتها. يريد لِوقتها» . وفي اللسان: «وقيل: ناجرة، بالجيم» .
(4) أفاد في الدر النثير أنه بالحبشية. قال: «ومعناه: تكلَّموا» .(5/32)
(س) وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّهُ نَخَسَ بَعيره بِمِحْجَنٍ» .
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «مَا مِنْ مولودٍ إِلَّا نَخَسه الشيطانُ حِينَ يُولَدُ إِلَّا مريمَ وابْنَها» .
وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكر «النَّخْس» فِي الْحَدِيثِ.
(نَخَشَ)
[هـ] وَفِي حَدِيثُ عَائِشَةَ «كَانَ لنَا جِيرَانٌ مِنَ الأنْصار يَمْنَحُونَنا شَيْئًا مِنْ ألبْانِهم، وَشَيْئًا مِنْ شَعير نَنْخُشُهُ» أَيْ نَقْشِرُه ونَعْزِل عَنْهُ قِشرَه. وَمِنْهُ نُخِشَ الرجلُ، إِذَا هُزِل. كَأَنَّ لَحْمَهُ أُخِذَ عَنْهُ.
(نَخَصَ)
- فِي صِفَتِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ مَنْخُوصَ الْكَعْبَيْنِ» الرِّوَايَةُ «مَنْهُوس» بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ورُوي «1» «مَنْهُوش وَمَنْخُوصَ. وَالثَّلَاثَةُ فِي مَعْنَى المَعْروقِ» وانْتَخَصَ لَحْمُه إِذَا ذَهَب. ونَخَصَ الرجلُ، إِذَا هُزِل. قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ. وَهُوَ بِالصَّادِّ الْمُهْمَلَةِ.
(نَخَعَ)
(هـ) فِيهِ «إِنَّ أَنْخَعَ الْأَسْمَاءِ عِنْدَ اللَّهِ أَنْ يَتَسَمَّى الرجلُ مَلِكَ الأمْلاك» أَيْ أقْتَلَهَا لِصَاحِبِهَا، وأهْلَكَها لَهُ. والنَّخْعُ: أشدُّ الْقَتْلِ، حَتَّى يَبْلُغ الذَّبحُ النُّخَاعَ «2» ، وَهُوَ الخيْطُ الْأَبْيَضُ الَّذِي فِي فَقار الظَّهر. وَيُقَالُ لَهُ: خَيْط الرَّقبة.
ويُروَى «أخْنَع» وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَلَا لَا تَنْخَعُوا الذبيحَةَ حَتَّى تَجِبَ» أَيْ لَا تَقْطَعوا رَقَبَتَها وتَفْصِلوها قَبْل أَنْ تَسْكُنَ حَرَكَتُها.
وَفِيهِ «النُّخَاعَةُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ» هِيَ البَزْقَة الَّتِي تَخْرُج مِنْ أَصْلِ الفمَ، مِمَّا يَلي أصْلَ النُّخَاع.
(نَخَلَ)
(هـ) فِيهِ «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنَ الدُّعاء إِلَّا النَّاخِلَة» أَيِ الْمَنْخُولَة الْخَالِصَةَ، فَاعِلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ، كماءٍ دافِق.
[هـ] وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَا يَقْبَل اللَّه إِلَّا نَخَائلَ «3» الْقُلُوبِ» أَيِ النّيَّاتِ الْخَالِصَةَ. يُقَالُ:
نَخَلْتُ لَهُ النصيحةَ، إِذَا أخلَصْتَها.
__________
(1) رواية الزمخشري بالشين المعجمة. الفائق 3/ 137. قال «وروي: منهوس ومَبْخُوص» . بالباء بدل النون، وهو موافق لما ذكره المصنف وشرحه في مادة بخص
(2) النخاع، مثلث النون، كما في اللسان. قال صاحب المصباح: «الضم لغة قوم من الحجاز، ومن العرب من يفتح، ومنهم من يكسر» .
(3) فى الهروى «تناخيل» - النهاية- 5(5/33)
(نَخَمَ)
(س) فِي حَدِيثِ الْحُدَيْبِيَةِ «مَا يَتَنَخَّمُ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي يدِ رجُل» النُّخَامَةُ:
البَزْقَة الَّتِي تَخْرُج مِنْ أقْصَى الحَلْق، وَمِنْ مَخْرَجِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «أَقْسِمُ لَتَنْخَمَنَّهَا أَمَيَّةُ مَنْ بَعْدِي كَمَا تُلْفَظُ النُّخامة» (س) وفي حديث الشَّعْبيّ: اجتمع شَرْبٌ من الْأَنْبَارِ فَغَنَّى نَاخِمُهُمْ:
ألاَ سَقِّيانِي «1» قبلَ جَيْش أَبِي بَكْرِ
النَّاخِمُ: المَغِنِّي. والنَّخْمُ: أجْوَدُ الغِناء.
(نَخَا)
(س) فِي حَدِيثِ عُمَرَ «فِيهِ نَخْوَةٌ» أَيْ كِبْرٌ وعُجْبٌ، وأنَفَة وحَميَّة. وَقَدْ نُخِىَ وانْتُخِىَ، كزُهِىَ وازْدُهِىَ.
بَابُ النُّونِ مَعَ الدَّالِ
(نَدَبَ)
- فِي حَدِيثِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ «وَإِنَّ بالَحجَر نَدَباً: سِتَّةً أَوْ سَبْعَةً، مِن ضرْبِه إيَّاه» النَّدَبُ، بِالتَّحْرِيكِ: أثَر الجُرْح إِذَا لَمْ يَرْتفِع عَنِ الجِلْد، فشُبِّه بِهِ أثَر الضَّرْبِ فِي الحَجَر.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ مُجَاهِدٍ «أَنَّهُ قَرَأَ «سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ» فَقَالَ: لَيْسَ بالنَّدَب، وَلَكِنَّهُ صُفْرةُ الوجهِ وَالْخُشُوعُ» .
(هـ) وَفِيهِ «انْتَدَبَ اللَّهُ لِمَنْ يَخْرُج فِي سَبِيلِهِ» أَيْ أجابَه إِلَى غُفْرانِه. يُقَالُ: نَدَبَتْهُ فَانْتَدَبَ:
أَيْ بَعَثْتُه ودَعَوتُه فَأَجَابَ.
(س) وَفِيهِ «كلُّ نَادِبَةٍ كاذِبةٌ إِلَّا نادِبةَ سَعْد» النَّدْبُ: أَنْ تَذكر النائحةُ الْمَيِّتَ بأحسنِ أوصافِه وَأَفْعَالِهِ.
(س) وَفِيهِ «كَانَ لَهُ فَرس يُقَالُ لَهُ الْمَنْدُوبُ» أَيِ الْمَطْلُوبُ، وَهُوَ مِنَ النَّدَبِ: الرَّهْنِ الَّذِي يُجْعَل فِي السِباق.
وَقِيلَ: سمِّي بِهِ لِنَدَبٍ كَانَ فِي جِسْمِه. وَهُوَ أَثَرُ الجُرْح.
(نَدَجَ)
(س) فِي حَدِيثِ الزُّبَيْرِ «وقَطع أُنْدُوجَ سَرْجِه» أَيْ لِبْدَه. قَالَ أَبُو مُوسَى:
كَذَا وجدتُه بالنون. وأحْسَبُه بالباء، وقد تقدم.
__________
(1) فى اللسان والفائق 713: «ألا فاسقيانى» وفى الفائق: «قبل خيل» .(5/34)
(نَدَحَ)
(هـ) فِيهِ «1» «إنَّ فِي المَعاريض لَمَنْدُوحَةً عَنِ الكَذِب» أَيْ سَعَةً وفُسْحة. يُقَالُ:
نَدَحْتُ الشيء، إذا وسَّعْتَه. وإنك لفي نُدْحَةٍ ومَنْدُوحَةٍ مِنْ كَذَا: أَيْ سَعَةٍ. يَعْنِي أنَّ فِي التَّعْرِيضِ بِالْقَوْلِ مِنَ الاتَّساع مَا يُغني الرجلَ عَنْ تَعمُّد الْكَذِبِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أُمِّ سَلمة «قَالَتْ لِعَائِشَةَ: قَدْ جَمَع القرآنُ ذَيْلَك فَلَا تَنْدَحِيهِ» أَيْ لَا تُوَسَّعيه وتَنْشُرِيه. أَرَادَتْ قولَه تَعَالَى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ الحَجّاج «وادٍ نَادِحٌ» أَيْ وَاسِعٌ.
(نَدَدَ)
(س) فِيهِ «فَنَدَّ بعيرٌ مِنْهَا» أَيْ شَرَد وذَهَب عَلَى وجْهِه.
وَفِي كِتَابِهِ لأُكَيْدِر «وخَلَع الأنْدادَ وَالْأَصْنَامَ» الْأَنْدَادُ: جَمْعُ نِدّ، بِالْكَسْرِ، وَهُوَ مثْل الشيءِ الَّذِي يُضادّه فِي أمورِه ويُنَادُّهُ: أَيْ يخالفُه. وَيُرِيدُ بِهَا مَا كَانُوا يَتَّخِذُونه آلِهَةً مِنْ دُونِ اللَّه.
(نَدَرَ)
- فِيهِ «رَكِب فَرَسًا لَهُ فَمَرَّتْ بشَجَرة، فطَارَ مِنْهَا طائِر فحادَت «2» ، فَنَدَرَ عَنْهَا عَلَى أَرْضٍ غَلِيظَةٍ» أَيْ سَقَطَ ووَقَع.
وَمِنْهُ حَدِيثُ زَوَاجِ صَفِيّة «فَعَثَرَتِ الناقةُ، ونَدَرَ رَسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونَدَرْتَ» .
(س) وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ «أَنَّ رَجلا عَضَّ يَدَ آخَرٍ فَنَدَرَتْ ثَنِيَّتُه» وَفِي رِوَايَةٍ:
«فَأَنْدَرَ ثَنيَّتَه» .
(س) وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «فَضَرَبَ رَأْسَهُ فَنَدَّ» وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلًا نَدَر فِي مجلِسه، فَأَمَرَ القومَ كلَّهم بالتَّطَهُّرِ؛ لِئَلَّا يَخْجَل الرَّجُلُ» مَعْنَاهُ أَنَّهُ ضَرط، كَأَنَّهَا نَدَرَت مِنْهُ مِنْ غَيْرِ اختيارٍ.
(س) وَفِي حديث علي «أنه أقْبَل وعليه أنْدَرْ وَرْدِيَّة» قِيلَ هِيَ فَوْقَ التُّبَّان وَدُونَ السَّرَاوِيلِ، تُغَطِّي الرُّكْبة، منسوبة إلى صانع ومكان.
__________
(1) أخرجه الهروي من حديث عِمران بن حُصَين.
(2) في ا: «فمادت» .(5/35)
(نَدَسَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَهُوَ يَنْدُسُ الأرضَ برجلِه» أَيْ يَضْرِبُها. والنَّدْسُ: الطَّعْن.
(نَدَغَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ الحجَّاج «كتَب إِلَى عَامِلِهِ بِالطَّائِفِ أَنْ أرْسلْ إليَّ بعَسَل من عسل النَّدْغِ النِّدْغِ «1» والسِّحاء» النَّدْغُ النِّدْغُ: السَّعْتَر البَرِّيّ. وَهُوَ مِنْ مَراعِي النَّحْل.
وَقِيلَ: هُوَ شجرٌ أخْضَرُ، لَهُ ثَمَرٌ أبيضُ، واحدتُه: نَدْغَة.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ «دَخَلَ الطائفَ فَوَجَدَ رائحةَ السَّعْتَر، فَقَالَ:
بِواديكم هَذَا نَدْغَةٌ» .
(نَدِمَ)
- فِيهِ «مَرْحَبًا بالقومِ غيرَ خَزايا وَلَا نَدَامَى» أَيْ نَادِمِينَ. فَأَخْرَجَهُ عَلَى مَذْهَبِهِمْ فِي الْإِتْبَاعِ لِخزايا؛ لِأَنَّ النَّدَامَى جَمْعُ نَدْمَانَ، وَهُوَ النَّدِيمُ الَّذِي يُرَافِقُكَ ويُشاربك.
وَيُقَالُ فِي النَّدَمِ: نَدمانُ، أَيْضًا، فَلَا يَكُونُ إِتْبَاعًا لِخَزَايَا، بَلْ جَمْعًا بِرَأْسِهِ.
وَقَدْ نَدِمَ يَنْدَمُ، نَدَامَةً ونَدَماً، فَهُوَ نَادِمٌ ونَدْمانُ.
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «إِيَّاكُمْ ورَضاعَ السُّوءِ؛ فَإِنَّهُ لابدّ مِنْ أَنْ يَنْتَدِمَ «2» يَوْمًا» أَيْ يظهَر أثرُه. والنَّدَمُ: الأثَر، وَهُوَ مِثل النَّدَب. وَالْبَاءُ وَالْمِيمُ يَتَبَادَلَانِ.
وَذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ بِسُكُونِ الدَّالِ، مِنَ النَّدْمِ: وَهُوَ الغَمّ اللَّازِمُ، إِذْ يَنْدَمُ صاحبُه، لِمَا يَعْثُرُ عَلَيْهِ مِنْ سُوءِ آثَارِهِ.
(نَدَهَ)
[هـ] فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «لَوْ رأيتُ قاتلَ عمرَ فِي الحَرَم مَا نَدَهْتُهُ» أَيْ مَا زجرتُه. والنَّدْهُ: الزّجرُ بِصَهْ ومَهْ.
(نَدَا)
[هـ] فِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْع «قَرِيبُ البيتِ مِنَ النَّادِى» النَّادِى: مُجْتَمَع القومِ وَأَهْلِ المجلِس، فَيَقَعُ عَلَى المجلِس وأهلِه. تَقُولُ: إِنَّ بيتَه وسَطَ الحِلَّة، أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ؛ لِيَغْشَاهُ الأضيافُ والطُّرّاق.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ الدُّعَاءِ «فإنَّ جارَ النَّادِى يَتَحوَّل «3» » أي جارَ المجلس.
__________
(1) بالفتح، ويكسر، كما في القاموس. وبالتحريك أيضا، كما في اللسان.
(2) في الفائق 3/ 78: «يندم» .
(3) في الأصل: «فإنْ جار النادي نَتحوَّل» وما أثبتُّ من ا، واللسان. وهو موافق لرواية المصنف في مادة بدو غير أن اللسان لم يضبط النون.(5/36)
وَيُرْوَى بِالْبَاءِ الموحَّدة، مِنَ البَدْو، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «وَاجْعَلْنِي فِي النَّدِيّ الأعلَى» النَّدِىُّ، بِالتَّشْدِيدِ: النادِي. أَيِ اجْعَلْنِي مَعَ الْمَلَأِ الْأَعْلَى مِنَ الملائكةِ.
وَفِي رِوَايَةٍ «وَاجْعَلْنِي فِي النِّدَاءِ الأعلَى» . أَرَادَ نِداءَ أهلِ الْجَنَّةِ أهلَ النَّارِ «أَنْ قَدْ وَجَدْنا مَا وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ سَريَّة بَنِي سُلَيم «مَا كَانُوا ليَقْتُلوا عَامِرًا وَبَنِي سُلَيم وَهُمُ النَّدِىُّ» أَيِ القومُ الْمُجْتَمِعُونَ.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ «كُنّا أَنْدَاءً فَخَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» الْأَنْدَاءُ:
جَمْعُ النَّادِي: وَهُمُ الْقَوْمُ المجتمِعون.
وَقِيلَ: أَرَادَ كُنّا أهلَ أَنْدَاءٍ. فَحَذَفَ الْمُضَافَ.
(س) وَفِيهِ «لَوْ أَنَّ رَجُلًا نَدَا الناسَ إِلَى مَرْماتيْن أَوْ عَرْقٍ أَجَابُوهُ» أَيْ دَعَاهُمْ إِلَى النَّادِي. يُقَالُ: نَدَوْتُ القومَ أَنْدُوهُمْ، إِذَا جمعتَهم فِي النَّادِي. وَبِهِ سمِّيت دَارُ النَّدْوَةِ بِمَكَّةَ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَجْتَمِعُونَ فِيهَا وَيَتَشَاوَرُونَ.
وَفِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ «ثِنْتان «1» لَا تُرَدّان، عِنْدَ النِّدَاءِ وَعِنْدَ الْبَأْسِ» أَيْ عِنْدَ الْأَذَانِ بِالصَّلَاةِ، وَعِنْدَ الْقِتَالِ.
وَفِي حَدِيثِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ «فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ نُودُوا نَادِيَةً: أَتى أَمْرُ اللَّهِ» يُرِيدُ بِالنَّادِيَةِ دَعْوَةً وَاحِدَةً ونِداءً وَاحِدًا، فَقَلَبَ نِداءةً إِلَى نَادِيَةٍ، وَجَعَلَ اسْمَ الْفَاعِلِ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَوْفٍ «وأوْدَى سمعُه إِلَّا نِدَايَا» أَرَادَ: إِلَّا نِداءً، فَأَبْدَلَ الْهَمْزَةَ يَاءً، تَخْفِيفًا، وَهِيَ لُغَةُ بَعْضِ الْعَرَبِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الْأَذَانِ «فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا» أَيْ أرفعُ وَأَعْلَى. وَقِيلَ: أحسنُ وَأَعْذَبُ.
وَقِيلَ: أَبْعَدُ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ طَلْحَةَ «خرجتُ بفَرسٍ لِي أُنَدِّيهِ «2» » التَّنْدِيَةُ: «3» أَنْ يُورِدَ الرجُل الإبِلَ
__________
(1) في الأصل: «اثنتان» وما أثبتُّ من: ا، واللسان.
(2) رواية الهروي: «لأُندِّيه» .
(3) هذا قول أبي عبيد، عن الأصمعي، كما ذكر الهروي.(5/37)
والخيلَ فتشربَ قَلِيلًا، ثُمَّ يرُدّها إِلَى المرعَى سَاعَةً، ثُمَّ تُعاد إِلَى الْمَاءِ.
والتَّنْدِيَةُ أَيْضًا: تَضْمِيرُ الْفَرَسِ، وَإِجْرَاؤُهُ حَتَّى يسيلَ عَرَقُه. وَيُقَالُ لِذَلِكَ العَرَق: النَّدَى.
وَيُقَالُ: نَدَّيْتُ الفَرَسَ وَالْبَعِيرَ تَنْدِيَةً. ونَدِىَ هُوَ نَدْواً.
وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ: الصَّوَابُ: «أُبَدِّيهِ»
» بِالْبَاءِ، أَيْ أُخْرِجَهُ إِلَى الْبَدْوِ، وَلَا تَكُونُ التَّنْدِيَةُ إِلَّا لِلْإِبِلِ.
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: أَخْطَأَ الْقُتَيْبِيُّ. وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَحَدِ الحَيَّيْن اللَّذين تَنَازَعَا فِي مَوْضِعٍ «فَقَالَ أحدُهما: مَسْرَح بَهْمِنا، ومَخْرَج نِسائنا، ومُنَدَّى خيلِنا» أَيْ مَوْضِعُ تَنْدِيَتها.
(هـ) وَفِيهِ: «مَنْ لَقَى اللَّه وَلَمْ يَتَنَدَّ مِنَ الدَّمِ الْحَرَامِ بشيءٍ دَخَلَ الجنَّةَ» أَيْ لَمْ يُصِبْ مِنْهُ شَيْئًا، وَلَمْ يَنَلْه مِنْهُ شيءٌ. كَأَنَّهُ نالَتْه نَدَاوَةُ الدَّم وَبَلَلُهُ. يُقَالُ: مَا نَدِيَنِي مِنْ فُلَانٍ شيءٌ أَكْرَهَهُ، وَلَا نَدِيَتْ كفِّي لَهُ بِشَيْءٍ.
وَفِي حَدِيثِ عَذَابِ الْقَبْرِ وجريَدَتَي النَّخْلِ «لَنْ يَزَالَ يُخَفَّف عَنْهُمَا مَا كَانَ فِيهِمَا نُدُوٌّ» يُرِيدُ نَداوة. كَذَا جَاءَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ، وَهُوَ غَرِيبٌ «2» . إِنَّمَا يُقَالُ: نَدِيَ الشيءُ فَهُوَ نَدٍ، وأرضٌ نَدَيَةٌ، وَفِيهَا نَداوةٌ.
(س) وَفِيهِ «بَكْرُ بْنُ وَائِلٍ نَدٍ» أَيْ سَخِيٌّ. يُقَالُ: هُوَ يَتَنَدَّى عَلَى أَصْحَابِهِ:
أَيْ يَتَسَخَّى.
بَابُ النُّونِ مَعَ الذَّالِ
(نَذَرَ)
- فِيهِ «كَانَ إِذَا خَطَبَ احمرَّتْ عَيْنَاهُ، وَعَلَا صوتُه، واشتدَّ غَضَبُه، كَأَنَّهُ منذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ: صبَّحكم ومسَّاكُم» الْمُنْذِرُ: المُعْلِم الَّذِي يُعرِّف القومَ بِمَا يَكُونُ قَدْ دَهَمِهم، مِنْ عدوّ أو غيره. وهو المخوّف أيضا.
__________
(1) في الهروي: «لأُبدِّيه» .
(2) انظر مسند الإمام أحمد 2/ 441 من حَدِيثُ عَبْدِ اللَّه بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ.(5/38)
وَأَصْلُ الْإِنْذَارِ: الْإِعْلَامُ. يُقَالُ: أَنْذَرْتُهُ أُنْذِرُهُ إِنْذَاراً، إِذَا أعلمتَه، فَأَنَا مُنْذِرٌ ونَذِيرٌ: أَيْ مُعْلِمٌ ومخوِّف ومحذِّر. ونَذِرْتُ بِهِ، إِذَا علِمتَ.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فَلَمَّا عَرَف أَنْ قَدْ نَذِرُوا بِهِ هَرَب» أَيْ عَلِموا وأحسُّوا بِمَكَانِهِ.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «انْذَرِ القومَ» أَيِ احْذَرْ مِنْهُمْ، واستعَّد لَهُمْ، وَكُنْ مِنْهُمْ عَلَى عِلْم وحَذَر.
وَفِيهِ ذِكر «النَّذْر» مكرَّرا. يُقَالُ: نَذَرْتُ أَنْذِرْ، وأَنْذُرُ نَذْراً، إِذَا أوجبتَ عَلَى نفسِك شَيْئًا تبرُّعا؛ مِنْ عِبَادَةٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ غَيْرِ ذلك.
وقد تكرر في أحاديثه ذِكرُ النَّهي عَنْهُ. وَهُوَ تَأْكِيدٌ لِأَمْرِهِ، وَتَحْذِيرٌ عَنِ التَّهَاوُنِ بِهِ بَعْدَ إِيجَابِهِ، وَلَوْ كَانَ مَعْنَاهُ الزَّجْرَ عَنْهُ حَتَّى لَا يُفْعَل، لَكَانَ فِي ذَلِكَ إبطالُ حُكمِه، وإسقاطُ لُزوم الْوَفَاءِ بِهِ، إِذْ كَانَ بِالنَّهْيِ يَصِيرُ مَعْصِيَةً، فَلَا يَلْزَمُ. وَإِنَّمَا وَجْهُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَدْ أَعْلَمَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ أمرٌ لَا يجٌرُّ لَهُمْ فِي الْعَاجِلِ نَفْعًا، وَلَا يصرِف عَنْهُمْ ضَرّاً، وَلَا يرُدّ قَضَاءً، فَقَالَ: لَا تَنْذِرُوا، عَلَى أَنَّكُمْ قَدْ تُدْرِكُونَ بِالنَّذْرِ شَيْئًا لَمْ يُقدِّرهُ اللَّه لَكُمْ، أَوْ تَصْرِفُونَ بِهِ عَنْكُمْ مَا جَرَى بِهِ القضاءُ عَلَيْكُمْ، فَإِذَا نَذَرتم وَلَمْ تَعْتَقِدُوا هَذَا، فَاخْرُجُوا عَنْهُ بِالْوَفَاءِ، فَإِنَّ الَّذِي نَذَرْتُمُوهُ لازِمٌ لَكُمْ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ «أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ قَضَيا فِي المِلْطاة بِنِصْفِ نَذْر المُوضِحَة» أَيْ بِنِصْفِ مَا يَجِبُ فِيهَا مِنَ الأرْش وَالْقِيمَةِ. وَأَهْلُ الْحِجَازِ يُسمُّون الْأَرْشَ نَذْراً. وَأَهْلُ الْعِرَاقِ يُسمُّونه أَرْشا.
بَابُ النُّونِ مَعَ الرَّاءِ
(نَرَدَ)
- فِيهِ «مَن لَعِب بِالنَّرْدَشِيرِ فَكَأَنَّمَا غَمَس يَدَه فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ ودَمِه» النَّرْدُ:
اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ معرَّب. وَشِيرُ: بِمَعْنَى حُلْوٍ «1» .
(نَرْمَقَ)
- فِي حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ صَفْوَانَ «إِنَّ الدِّرْهم يكسُو النَّرْمَقَ» النَّرْمَقُ: اللَّيِّنُ.
__________
(1) في القاموس: «النَّرد، معرَّب. وضعه أرْدَشير بنُ بابَك، ولهذا يقال النَّرْدشير» .(5/39)
وَهُوَ فَارِسِيٌّ معرَّب. أَصْلُهُ: النَّرْمُ «1» . يُرِيدُ أَنَّ الدِّرْهم يَكْسُو صاحبَه اللَّيِّنَ مِنَ الثِّيَابِ.
وَجَاءَ في رواية «يَكْسِر النَّرْمَق» فَإِنْ صَحَّت فيُريد أَنَّهُ يُبْلَغ بِهِ الأغراضُ البعيدة، حتى يكسِر الشَّيْءِ الليِّن الَّذِي لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَنْكَسِرَ؛ لِأَنَّ الْكَسْرَ يَخُصُّ الْأَشْيَاءَ الْيَابِسَةَ.
بَابُ النُّونِ مَعَ الزَّايِ
(نَزَحَ)
(هـ) فِيهِ «نَزَلَ الحديبيةَ وَهِيَ نَزَحٌ» النَّزَحُ، بِالتَّحْرِيكِ: الْبِئْرُ الَّتِي أُخِذ مَاؤُهَا، يُقَالُ: نَزَحَتِ البئرُ، ونَزَحْتُهَا. لازِمٌ ومُتَعَدّ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ الْمُسَيَّبِ «قَالَ لِقَتادة: ارحَلْ عنِّي، فَقَدَ نَزَحْتَنِي» أَيْ أنْفَدْت مَا عِنْدي.
وَفِي رِوَايَةٍ: «نَزَفْتَني» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ سَطِيح «عَبْدُ الْمَسِيحِ جَاءَ مِنْ بلدٍ نَزيح» أَيْ بِعِيدٍ. فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ.
(نَزَرَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ أُمِّ مَعْبَد «لَا نَزْرٌ وَلَا هَذَرٌ» النَّزْرُ: الْقَلِيلُ. أَيْ لَيْسَ بقليلٍ فيدُلَّ عَلَى عِيّ، وَلَا كثيرٍ فَاسِدٍ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ جُبَير «إِذَا كَانَتِ المرأةُ نَزْرَةً أَوْ مِقْلاةً» أَيْ قليلةَ الوَلَد. يُقَالُ:
إمرأةٌ نَزْرَةٌ ونَزُورٌ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شيءٍ مِرارا، فَلَمْ يُجبْه، فَقَالَ لِنَفْسِهِ: ثَكِلَتْك أمُّك يَا عمرُ، نَزَرْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِرَارًا لَا يُجيبك» أَيْ ألححتَ عَلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَةِ إِلْحَاحًا أدَّبك بسُكوته عَنْ جَوَابِكَ. يُقَالُ: فلانٌ لَا يُعطِي حَتَّى يُنْزَرَ:
أَيْ يُلَحَّ عَلَيْهِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ «وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تَنْزُرُوا رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّلَاةِ» أَيْ تُلِحُّوا عَلَيْهِ فِيهَا.
(نَزَزَ)
(س) فِي حَدِيثِ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ «قال لعمر: البلاد الوبيئة، ذات الأنجال
__________
(1) وهو الجيّد. كما فى المعرّب ص 333.(5/40)
والبَعوض والنَّزِّ» النَّزُّ: مَا يتحلَّب مِنَ الْمَاءِ الْقَلِيلِ فِي الْأَرْضِ. نَزَّ الماءُ يَنِزُّ نَزّاً، وأَنَزَّتِ الأرضُ، إِذَا أَخْرَجَتِ النَّزَّ.
(نَزَعَ)
(هـ) فِيهِ «رأيتُني أَنْزِعُ عَلَى قَلِيب» أَيْ أَسْتَقِي مِنْهُ الماءَ بِالْيَدِ. نَزَعْتُ الدَّلْوَ أَنْزِعُهَا نَزْعاً، إِذَا أخْرَجْتَها. وَأَصْلُ النَّزْعِ: الجَذْب والقَلْع. وَمِنْهُ نَزْعُ الميِّتِ رُوحَه «1» . ونَزَعَ القوسَ، إِذَا جَذَبها.
ومنه حديث عمر «لن تخور قوى مادام صاحبُها يَنْزِعُ ويَنْزُو» أَيْ يجذِب قوسَه، ويَثِبُ عَلَى فَرَسِهِ. والْمُنَازَعَةُ: الْمُجَاذَبَةُ فِي الْمَعَانِي وَالْأَعْيَانِ.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَا فَرَطُكم عَلَى الْحَوْضِ، فَلأُلْفَيَنَّ مَا نُوزِعْتُ فِي أَحَدِكُمْ، فَأَقُولُ:
هَذَا مِنِّي» أَيْ يُجْذَبُ وَيُؤْخَذُ منِّي.
(هـ) وَمِنْهُ الحديث: «مالي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ؟» أَيِ أُجاذَب فِي قِرَاءَتِهِ «2» . كَأَنَّهُمْ جَهَروا بِالْقِرَاءَةِ خلفَه فَشَغَلُوهُ.
(هـ) وَفِيهِ «طُوبَى للغُربَاء. قِيلَ: مَنْ هُمْ يَا رسولَ اللَّه؟ قَالَ: النُّزَّاعُ مِنَ الْقَبَائِلِ» هُمْ «3» جَمْعُ نَازِعٍ ونَزِيعٍ، وَهُوَ الْغَرِيبُ الَّذِي نَزَعَ عَنْ أَهْلِهِ وَعَشِيرَتِهِ. أَيْ بَعُدَ وَغَابَ.
وَقِيلَ: لِأَنَّهُ يَنْزِعُ إِلَى وَطَنِهِ: أَيْ يَنْجَذِب ويَميل. وَالْمُرَادُ الْأَوَّلُ. أَيْ طوبَى لِلْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ هَجَرُوا أوطانَهم فِي اللَّه تَعَالَى.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ ظَبْيان «أَنَّ قبائلَ مِنَ الْأَزْدِ نَتَّجوا فِيهَا النَّزَائِع» أَيِ الإبلَ الغرائبَ، انْتَزَعُوهَا مِنْ أَيْدِي النَّاسِ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «قَالَ لِآلِ السَّائِبِ: قَدْ أضْوَيْتُم فانكِحُوا فِي النَّزَائِعِ» أَيْ فِي النِّساء الغرائب من عشيرتكم. يقال للنِّساء التي تزوَجْن فِي غَيْرِ عَشَائِرِهِنَّ: نَزَائِعُ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ القذْف «إِنَّمَا هُوَ عِرقٌ نَزَعَهُ» يُقَالُ: نَزَع إِلَيْهِ فِي الشَّبَه، إِذَا أَشْبَهَهُ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَقَدْ نَزَعْتَ بِمِثْلِ مَا فِي التوراة» أي جئتَ بما يشبهها.
__________
(1) في الأصل: «نَزَع الميِّتُ روحَه» وما أثبتُّ من ا، واللسان.
(2) في الهروي: «أي أُجاذَب قراءتَه» .
(3) في الفائق 3/ 80: «هو» . وفي اللسان: «هو الذي نزع عن أهله وعشيرته» .(5/41)
(س) وَفِي حَدِيثِ القُرشيّ «أَسَرَنِي رجلٌ أنْزَعُ» الْأَنْزَعُ: الَّذِي يَنْحسِر شَعَرُ مقدَّم رَأْسِهِ مِمَّا فَوْقَ الجَبين. والنَّزعتان عَنْ جانِبَي الرَّأْسِ مِمَّا لَا شعَرَ عَلَيْهِ.
وَفِي صِفَةِ عَلِيٍّ «البَطينُ الأنْزَعُ» كَانَ أنزعَ الشَّعْرِ، لَهُ بَطْن.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: الأنزعُ مِنَ الشِّرْك، الْمَمْلُوءُ الْبَطْنِ مِنَ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ.
(نَزَغَ)
- فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «وَلَمْ تَرْمِ الشُّكوكُ بنَوازِغها عَزيمةَ إِيمَانِهِمْ» النَّوَازِغُ:
جَمْعُ نَازِغَة، مِنَ النَّزْغِ: وَهُوَ الطَّعْن وَالْفَسَادُ. يُقَالُ: نَزَغَ الشيطانُ بَيْنَهُمْ يَنْزِغُ نَزْغاً: أَيْ أَفْسَدَ وأغْرَى. ونَزَغَهُ بِكَلِمَةِ سُوء: أَيْ رَمَاهُ بِهَا، وَطَعَنَ فِيهِ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «صِياح الْمَوْلُودِ حِينَ يَقَعُ نَزْغَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ» أَيْ نَخْسةٌ وطَعْنة.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ الزُّبَيْرِ «فَنَزَغَهُ إنسانٌ مِنْ أهلِ الْمَسْجِدِ بِنَزِيغَةٍ» أَيْ رَمَاهُ بِكَلِمَةٍ سَيِّئَةٍ. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(نَزَفَ)
(هـ) فِيهِ «زَمزَم لَا تُنْزَفُ وَلَا تُذَمّ» أَيْ لَا يفْنَى مَاؤُهَا عَلَى كَثْرَةِ الِاسْتِقَاءِ.
(نَزَكَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرداء «ذَكَر الأبدالَ فَقَالَ: لَيْسُوا بِنَزَّاكِينَ وَلَا مُعجبين وَلَا مُتماوِتين» النَّزَّاكُ: الَّذِي يَعِيبُ الناسَ. يُقَالُ: نَزَكْتُ الرجلَ، إِذَا عِبْتَه. كَمَا يُقَالُ:
طَعْنت عَلَيْهِ وَفِيهِ. قِيلَ: أَصْلُهُ: مِنَ النَّيْزَكِ، وَهُوَ رُمْحٌ قَصِيرٌ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقْتُل الدَّجال بالنَّيْزَك» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَوْنٍ «وذُكِر عِنْدَهُ شَهْرُ بْنُ حَوْشَب، فَقَالَ: إِنَّ شَهْراً نَزَكُوهُ» أَيْ طَعَنُوا عَلَيْهِ وَعَابُوهُ.
(نَزَلَ)
- فِيهِ «إِنَّ اللَّه تَعَالَى يَنْزِلُ كلَّ ليلةٍ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا» النُّزُولُ والصُّعود، وَالْحَرَكَةُ وَالسُّكُونُ مِنْ صِفَاتِ الْأَجْسَامِ، واللَّه يَتَعالى عَنْ ذَلِكَ ويتقدَّس. وَالْمُرَادُ بِهِ نُزُولُ الرَّحْمَةِ وَالْأَلْطَافِ الْإِلَهِيَّةِ، وقُربُها مِنَ الْعِبَادِ، وَتَخْصِيصُهَا بِاللَّيْلِ وَالثُّلُثِ الْأَخِيرِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ التَّهجُّد، وَغَفْلَةِ النَّاسِ عَمَّنْ يتعرَّض لنفحاتِ رَحْمَةِ اللَّه. وَعِنْدَ ذَلِكَ تَكُونُ النَّية خَالِصَةً، وَالرَّغْبَةُ إِلَى اللَّه وَافِرَةً، وَذَلِكَ مَظِنَّة الْقَبُولِ وَالْإِجَابَةِ.(5/42)
وَفِي حَدِيثِ الْجِهَادِ «لَا تُنْزِلْهم عَلَى حُكمِ اللَّهِ، ولكْن أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ» أَيْ إِذَا طَلَبَ الْعَدُوُّ مِنْكَ الْأَمَانَ والذِّمام عَلَى حُكْمِ اللَّه تَعَالَى فَلَا تُعْطِهم، وأعطِهم عَلَى حُكْمِكَ، فَإِنَّكَ رُبَّمَا تُخْطِئُ فِي حُكْمِ اللَّهِ، أَوْ لَا تَفِي بِهِ فتأثَمَ. يُقَالُ: نَزَلْتُ عَنِ الْأَمْرِ، إِذَا تركتَه، كَأَنَّكَ كُنْتَ مُسْتَعْلِيًا عَلَيْهِ مُسْتَوْلِيًا.
وَفِي حَدِيثِ مِيرَاثِ الجَدّ «إِنَّ أَبَا بَكْرٍ أَنْزَلَهُ أَبًا» أَيْ جَعَلَ الجَدَّ فِي مَنْزِلَةِ الْأَبِ، وَأَعْطَاهُ نَصِيبَهُ مِنَ الْمِيرَاثِ.
(س) وَفِيهِ «نَازَلْتُ ربِّي فِي كَذَا» أَيْ راجعتُه، وسألتُه مرَّة بَعْدَ مَرَّةٍ. وَهُوَ مُفَاعَلَةٌ مِنَ النُّزُولِ عَنِ الْأَمْرِ، أَوْ مِنَ النِّزَالِ فِي الْحَرْبِ، وَهُوَ تقابُل القِرْنَيْن.
وَفِيهِ «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ نُزْلَ الشّهداءِ» النُّزْلُ فِي الْأَصْلِ: قِرَى الضَّيْفِ. وتُضَمُّ زايُه.
يُرِيدُ مَا لِلشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللَّه مِنَ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ «وأكرِمْ نُزُلَهُ» وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(نَزَّهَ)
(س) فِيهِ «كَانَ يصلِّي مِنَ اللَّيْلِ، فَلَا يمُرّ بآيةٍ فِيهَا تَنْزِيهُ اللَّه تَعَالَى إِلَّا نَزَّهَهُ» أَصْلُ النَّزْهِ: البُعْد. وَتَنْزِيهُ اللَّه تَعَالَى: تبعيدُه عَمَّا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ مِنَ النَّقَائِصِ.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ، فِي تَفْسِيرِ سُبْحَانَ اللَّه «هُوَ تَنْزِيهُهُ» أَيْ إِبْعَادُهُ عَنِ السُّوءِ، وَتَقْدِيسُهُ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ «الإيمانُ نَزِهٌ» أَيْ بعيدٌ عَنِ الْمَعَاصِي.
(س) وَحَدِيثُ عمر «الجابيةُ أرضٌ نَزِهَةٌ» أي بعيدة من الْوَبَاءِ. وَالْجَابِيَةُ:
قَرْيَةٌ بِدِمَشْقَ.
وَحَدِيثُ عَائِشَةَ «صَنَعَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا فرخَّص فِيهِ فتنزَّه عَنْهُ قَوْمٌ» أَيْ تَرَكُوهُ وَأَبْعَدُوا عَنْهُ، وَلَمْ يَعْمَلُوا بالرُّخصة فِيهِ. وَقَدْ نَزُهَ نَزَاهَةً، وتَنَزَّهَ تَنَزُّهاً، إِذَا بَعُد.
وَفِي حَدِيثِ المعذَّب فِي قَبْرِهِ «كَانَ لَا يَسْتَنْزِهُ مِنَ الْبَوْلِ» أَيْ لَا يَسْتَبْرِئُ وَلَا يَتَطَهَّرُ، وَلَا يَسْتَبْعِدُ مِنْهُ.
(نَزَا)
(هـ) فِيهِ «إِنَّ رَجُلًا أَصَابَتْهُ جراحةٌ فَنُزِيَ مِنْهَا حَتَّى مَاتَ» يُقَالُ: نُزِف دمُه، ونُزِيَ، إِذَا جَرَى وَلَمْ ينقطع.(5/43)
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي عَامِرٍ الْأَشْعَرِيِّ «أَنَّهُ رُمِيَ بِسَهْمٍ فِي رُكبته، فَنُزِىَ مِنْهُ فَمَاتَ» وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «أُمِرْنا أَلَّا نُنْزِىَ الحُمُرَ عَلَى الْخَيْلِ» أَيْ نحملَها عَلَيْهَا للنَّسْل. يُقَالُ:
نَزَوْتُ عَلَى الشَّيْءِ أَنْزُو نَزْواً، إِذَا وثَبْتَ عَلَيْهِ. وَقَدْ يَكُونُ فِي الْأَجْسَامِ وَالْمَعَانِي.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يُشْبه أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى فِيهِ- واللَّه أَعْلَمُ- أَنَّ الحُمُرَ إِذَا حُمِلَت عَلَى الْخَيْلِ قَلَّ عددُها، وَانْقَطَعَ نَماؤُها، وتَعَطَّلَت منافعُها. وَالْخَيْلُ يُحْتاج إِلَيْهَا للرُّكوب والرَّكض، والطَّلَب، وَالْجِهَادِ، وإحْرازِ الْغَنَائِمِ، ولحمُها مَأْكُولٌ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْمَنَافِعِ. وَلَيْسَ للبَغْل شيءٌ مِنْ هَذِهِ، فأحَبَّ أَنْ يَكْثُر نَسلُها؛ ليَكْثُرَ الانتِفاعُ بِهَا.
(س) وَفِي حَدِيثِ السَّقيفة «فَنَزَوْنا عَلَى سَعْد» أَيْ وَقَعُوا عَلَيْهِ ووَطِئوه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْر «إِنَّ هَذَا انْتَزَى عَلَى أَرْضِي فأخَذَها» هُوَ افْتَعَل مِنَ النَّزْوِ.
والِانْتِزَاءُ والتَّنَزِّى أَيْضًا: تَسَرُّع الْإِنْسَانِ إِلَى الشرِّ.
وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ «انْتَزَى عَلَى القَضاءِ فَقَضى بِغَيْرِ عَلَمٍ» وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
بَابُ النُّونِ مَعَ السِّينِ
(نَسَأَ)
(هـ) فِيهِ «مَن أحَبَّ أَنْ يُنْسَأَ فِي أجَله فلْيَصِلْ رَحِمَه» النَّسْءُ: التَّأْخِيرُ.
يُقَالُ: نَسَأْتُ الشيءَ نَسْأً، وأَنْسَأْتُهُ إِنْسَاءً، إِذَا أخَّرْتَه. والنَّسَاءُ: الاسمُ، وَيَكُونُ فِي العُمْر وَالدِّينِ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «صِلة الرَّحم مَثْراةٌ فِي الْمَالِ، مَنْسَأَةٌ فِي الأثَر» هِيَ مَفْعَلة مِنْهُ: أَيْ مَظِنَّةٌ لَهُ وموضعٌ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَوْفٍ «وَكَانَ قَدْ أُنْسِئَ لَهُ فِي العُمُر» .
(هـ) وَحَدِيثُ عَلِيٍّ «مَن سَرَّهُ النَّسَاءُ وَلَا نَسَاءَ» أَيْ تأخيرُ العُمر والبَقاء.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَا تَسْتَنْسِئُوا الشيطانَ» أَيْ إِذَا أَرَدْتُمْ عَمَلًا صَالِحًا فَلَا تُؤَخِّروه إِلَى غدٍ، وَلَا تَسْتَمهِلوا الشَّيْطَانَ. يُرِيدُ أَنَّ ذَلِكَ مُهْلةٌ مُسَوِّلة مِنَ الشيطان.(5/44)
وَفِيهِ «إِنَّمَا الرِّبا فِي النَّسِيئَةِ» هِيَ الْبَيْعُ إِلَى أجَلٍ مَعْلُومٍ. يُرِيدُ أَنَّ بَيْعَ الرِّبَوِيَّات بِالتَّأْخِيرِ مِنْ غَيْرِ تَقابُض هُوَ الرِّبا، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ زِيَادَةٍ. وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا، كَانَ يَرَى بَيْعَ الرِّبَوِيَّات مُتَفاضِلةً مَعَ التَّقابُض جَائِزًا، وَأَنَّ الرِّبا مخصوصٌ بالنَّسِيئة.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «ارْمُوا فَإِنَّ الرّميَ جَلادة «1» ، وَإِذَا رمَيْتم فَانْتَسُوا عَنِ الْبُيُوتِ» أَيْ تأخَّرُوا. هَكَذَا يُرْوَى بِلَا هَمْزٍ. وَالصَّوَابُ «انْتَسِئُوا» بِالْهَمْزِ. ويُروى «بَنَّسُوا» أَيْ تأخَّروا.
يُقَالُ: بَنَّسْتُ، إِذَا تأخَّرتَ.
(س) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «كَانَتْ النُّسْأَةُ فِي كِنْدَة» النُّسْأَةُ بِالضَّمِّ وَسُكُونِ السِّينِ:
النَّسِىءُ، الَّذِي ذَكره اللَّه تَعَالَى فِي كِتَابِهِ، مِنْ تَأْخِيرِ الشُّهُورِ بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ. والنَّسِيء: فَعيل بِمَعْنَى مَفْعُولٍ.
وَفِيهِ «كَانَتْ زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ تَحْتَ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبيع، فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ أرْسَلَها إِلَى أَبِيهَا وَهِيَ نَسُوءٌ» أَيْ مَظْنُون بِهَا الحَمْل. يُقَالُ: امرأةٌ نَسْءٌ، ونَسُوءٌ. ونِسْوةٌ نِسَاءٌ، إِذَا تَأَخَّرَ حَيْضُها ورُجِيَ حَبَلُها، فَهُوَ مِنَ التَّأْخِيرِ.
وَقِيلَ: هُوَ بِمَعْنَى الزِّيَادَةِ، مِن نَسَأْتُ اللبَن، إِذَا جَعلتَ فِيهِ الْمَاءَ تُكَثِّرُه بِهِ، والحَمْل زِيَادَةٌ.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: «النَّسُوءُ عَلَى فَعُول، والنَّسْءُ عَلَى فَعْل. ورُوي «نُسُوء» بِضَمِّ النُّونِ، فَالنَّسُوءُ «2» كالحَلْوُب، والنُّسُوءُ «3» تَسْمِيَةٌ بِالْمَصْدَرِ» .
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ دَخل عَلَى أمِّ عَامِرِ بْنِ رَبِيعة وَهِيَ نَسُوءٌ، وَفِي رِوَايَةٍ «نَسْء» ، فَقَالَ لَهَا: أَبْشِري بِعَبْدِ اللَّه خَلَفَاً مِنْ عَبْدِ «4» اللَّه فولَدت غُلَامًا، فسَمَّتْه عبدَ اللَّه» .
__________
(1) في الهروي: «عُدَّة» .
(2) الذي في الفائق 3/ 82: «وقد روى قُطْرُب: النُّسء- بالضم: المرأة المظنون بها الحمل، لتأخر حيضها عن وقته» .
(3) الذي في الفائق: «والنّسء- بالضم والفتح: تسمية بالمصدر» .
(4) في الأصل: «عند» والمثبت من ا، واللسان.(5/45)
(نَسَبَ)
- فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ «وَكَانَ رجُلا نَسَّابَةً» النَّسَّابَةُ: الْبَلِيغُ العِلمِ «1» بِالْأَنْسَابِ. وَالْهَاءُ فِيهِ للمبالغةِ، مِثْلها فِي العَلامة.
(نَسَجَ)
(س) فِيهِ «بَعَث رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدَ بْنَ حارِثة إِلَى جُذام، فأوّلُ مَن لَقيَهم رجُلٌ عَلَى فَرَسٍ أدْهَمَ، كَانَ ذَكَرُه عَلَى مَنْسِجِ فرسِه» الْمَنْسِجُ: مَا بَيْنَ مَغْرَزِ الْعُنُقِ إِلَى مُنْقَطَع الْحَارِكِ فِي الصُّلْب.
وَقِيلَ: الْمَنْسِجُ والحارِكُ والكاهِل: مَا شَخَصَ مِنْ فُروع الكَتِفَين إِلَى أَصْلِ العُنُق.
وَقِيلَ: هُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ لِلْفَرَسِ بِمَنْزِلَةِ الْكَاهِلِ مِنَ الْإِنْسَانِ، والحارِكِ مِنَ البَعير.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «رجالٌ جاعِلو رِماحِهم عَلَى مَنَاسِجِ خُيولهم» هِيَ جَمْعُ المَنْسِج.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «مَن يَدُلُّني عَلَى نَسِيجٍ وحْدِه؟» يُرِيدُ رَجُلًا لَا عَيْبَ فِيهِ.
وأصلُه أَنَّ الثَّوبَ النَّفيس لَا يُنْسَجُ عَلَى مِنْواله غيرُه، وَهُوَ فَعيل بِمَعْنَى مَفْعُولٌ. وَلَا يُقَالُ إِلَّا فِي المَدْح.
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ تَصِفُ عُمَرَ «كَانَ واللَّهِ أحْوَذيّا نَسيجَ وحدِه» .
وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ «فَقَامَ فِي نِسَاجَةٍ مُلْتَحِفاً بِهَا» هِيَ ضَرْب مِنَ المَلاحِف مَنْسُوجَةٍ، كَأَنَّهَا سُمِّيَتْ بِالْمَصْدَرِ. يُقَالُ: نَسَجْتُ أَنْسِجُ «2» نَسْجاً ونِسَاجَةً.
وَفِي حَدِيثِ تَفْسِيرِ النَّقير «هِيَ النَّخْلَةُ تُنْسَجُ نَسْجا» هكذا جاء في مسلم والتِّرمذي «3» .
__________
(1) في الأصل، واللسان: «العالم» وما أثبتُّ من ا، والنسخة 517، والفائق 3/ 84.
(2) بالضم والكسر، كما في القاموس.
(3) هو في الترمذي بالجيم، كما ذكر المصنف، وأخرجه في باب ما جاء في كراهية أن يُنْبَذَ في الدُّبّاء والحَنْتم والنقير، من كتاب الأشربة 1/ 342. لكن في مسلم بالحاء المهملة، وأخرجه في باب النهي عن الإنتباذ في المزفَّت ... من كتاب الأشربة وقال الإمام النووي 13/ 165: « ... ووقع لبعض الرواة في بعض النسخ «تُنْسَج» بالجيم. قال القاضي وغيره: هو تصحيف. وادعى بعض المتأخرين أنه وقع في نسخ صحيح مسلم وفي الترمذي بالجيم، وليس كما قال، بل معظم نسخ مسلم بالحاء» .(5/46)
وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: هُوَ وَهْمٌ، وَإِنَّمَا هُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ. قَالَ: وَمَعْنَاهُ أَنْ يُنَحَّى قِشْرُها عَنْهَا وتُمْلَس وتُحفْرَ.
وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: النَّسْجُ: مَا تَحاتَّ عَنِ التَّمر مِنْ قِشْره وأقْماعِه، مِمَّا يَبْقَى فِي أَسْفَلِ الْوِعَاءِ.
(نَسَخَ)
(هـ) فِيهِ «لَمْ تَكُنْ نُبُوّةٌ إِلَّا تَنَاسَخَتْ» أَيْ تَحَوّلَت مِنْ حالٍ إِلَى حَالٍ.
يَعْنِي أمْرَ الْأُمَّةِ، وتَغايُرَ أحوالِها.
(نَسَرَ)
- فِي شِعْرُ الْعَبَّاسِ يمدَحُ النَّبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
بَلْ نُطْفةٌ تَرْكَبُ السَّفينَ وَقَدْ ... ألْجَمَ نَسْراً وأهْلَه الغَرَقُ
يريد الصّم الَّذِي كَانَ يَعْبُده قَوْمُ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «كُلَّمَا أظَلَّ عَلَيْكُمْ مَنْسِرٌ مِنْ مَنَاسِرِ أَهْلِ الشَّامِ أغْلَق كلُّ رجُلٍ مِنْكُمْ بابَه» الْمَنْسِر، بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ السِّينِ وبعكسِهما: القِطعة مِنَ الجَيش، تَمُرّ قدّامَ الْجَيْشِ الْكَبِيرِ، وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ.
والْمِنْسِرُ فِي غَيْرِ هَذَا للجَوارح كالمِنْقارِ لِلطَّيْرِ.
(نَسَسَ)
(هـ) فِي صِفَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يَنِسُّ يَنُسُّ «1» أَصْحَابَهُ» أَيْ يَسُوقُهم يُقَدِّمُهم ويَمْشِي خَلْفَهم. والنَّسُّ: السَّوق الرَّفيق.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «كَانَ يَنُسُّ الناسَ بَعْدَ العِشاء بالدِّرّة، وَيَقُولُ: انْصَرِفوا إِلَى بُيُوتِكُمْ» وَيُرْوَى بِالشِّينِ. وَسَيَجِيءُ.
وَكَانَتِ الْعَرَبُ تسمِّي مكةَ النَّاسَّة؛ لِأَنَّ مَن بَغَى فِيهَا، أَوْ «2» أحْدَث حَدثَا أُخرِج مِنْهَا، فَكَأَنَّهَا ساقَتْه ودَفَعَتْه عَنْهَا.
(س) وَفِي حَدِيثِ الحَجَّاج «مِنْ أَهْلِ الرَّسِّ والنَّسِّ» يُقَالُ: نَسَّ فُلانٌ لفلانٍ، إذا تَخَيَّر له. والنَّسِيسَةُ: السِّعاية.
__________
(1) بالضم والكسر، كما في القاموس.
(2) في الأصل، وا: «وأحدث» والمثبت من الهروي، واللسان.(5/47)
(س) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «قَالَ لَهُ رَجُلٌ: شَنْقتُها بِجَبُوبة حَتَّى سَكَن نَسِيسُهَا» أَيْ مَاتَتْ.
والنَّسِيسُ: بَقِيَّةُ النَّفْس.
(نِسْطَاسٌ)
(س) فِي حَدِيثِ قُسٍّ «كحَذْوِ النَّسْطَاسِ» قِيلَ: إِنَّهُ ريشُ السَّهْم، وَلَا تعْرَفُ حقيقتُه.
وَفِي رِوَايَةٍ «كحَدِّ النِّسْطاس» .
(نَسَعَ)
- فِيهِ «يَجُرّ نِسْعَةً فِي عُنُقِه» النِّسْعَةُ بِالْكَسْرِ: سَيْرٌ مَضْفور، يُجعل زِمَامًا لِلْبَعِيرِ وَغَيْرِهِ. وَقَدْ تُنْسَجُ عَريضة، تُجْعل عَلَى صَدر الْبَعِيرِ. وَالْجَمْعُ: نُسْع، ونِسَع، وأَنْسَاع «1» . وَقَدْ تَكَرَّرَتْ فِي الْحَدِيثِ.
ونِسْعٌ: مَوْضِعٌ بِالْمَدِينَةِ، وَهُوَ الَّذِي حَمَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والخُلفَاءُ، وَهُوَ صَدْرُ وَادِي العَقيق.
(نَسَقَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ عُمَرَ «نَاسِقُوا بَيْنَ الحجِّ والعُمرة» أَيْ تابِعوا. يُقَالُ: نَسَقْتُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ، ونَاسَقْتُ.
(نَسَكَ)
(هـ) قَدْ تَكَرَّرَ ذِكْر «الْمَنَاسِكِ، والنُّسُكُ، والنَّسِيكَة» فِي الْحَدِيثِ، فَالْمَنَاسِكُ: جَمْعُ مَنْسِك، بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِهَا، وَهُوَ المُتَعبَّد، ويَقَع عَلَى الْمَصْدَرِ وَالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ.
ثُمَّ سُمِّيَت أمورُ الحجِّ كُلُّهَا مَناسِكَ.
والْمَنْسِكُ الْمَنْسَكْ: المَذْبَحُ. وَقَدْ نَسَكَ يَنْسُكُ نَسْكاً، إِذَا ذَبَحَ. والنَّسِيكَةُ: الذَّبيحة، وجَمْعُها: نُسُك.
والنُّسْكُ والنُّسُكُ أَيْضًا: الطَّاعَةُ وَالْعِبَادَةُ. وكلُّ مَا تُقُرِّبَ بِهِ إِلَى اللَّه تَعَالَى.
والنُّسْكُ: مَا أمَرتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ، والورَع: مَا نَهَت عَنْهُ.
والنَّاسِكُ: العابِد. وسُئل ثَعْلَبٌ عَنِ الناسِك مَا هُوَ؟ فَقَالَ: هُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ النَّسِيكَةِ، وَهِيَ سَبِيكَةُ الفِضّة المُصَفَّاة، كَأَنَّهُ صَفَّى نفسَه للَّه تَعَالَى.
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ:
ويَأسُها يُعَدّ مِنْ أَنْسَاكِهَا
__________
(1) ونُسُوع، أيضا. كما في القاموس.(5/48)
هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ. أَيْ مُتَعَبَّداتِها.
(نَسَلَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُمْ شَكَوا إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الضَّعْف، فَقَالَ:
عَلَيْكُمْ بِالنَّسْلِ» .
وَفِي رِوَايَةٍ «شَكَوا إِلَيْهِ الإعْيَاءْ، فَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِالنَّسَلَانِ» أَيِ الْإِسْرَاعِ فِي الْمَشْيِ. وَقَدْ نَسَلَ يَنْسِلُ نَسْلًا ونَسَلَاناً.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ لُقْمَانَ «وَإِذَا سَعى القومُ نَسَلَ» أَيْ إِذَا عَدَوا لِغارةٍ أَوْ مَخافةٍ أسْرَع هُوَ.
والنَّسَلَانُ: دُونَ السَّعْي.
(س) وَفِي حَدِيثِ وفْد عَبْدِ الْقَيْسِ «إِنَّمَا كَانَتْ عِنْدَنَا خَصبة، نَعْلِفُها الإبلَ فَنَسَلْنَاهَا» أَيِ اسْتَثْمَرْناها وأخَذْنا نَسْلَها، وَهُوَ عَلَى حَذْفِ الجارِّ. أَيْ نَسلْنَا بِهَا أَوْ مِنْهَا، نَحْوُ أمَرْتُك الخيرَ: أَيْ بِالْخَيْرِ.
وَإِنْ شُدِّد كَانَ مِثْل وَلَّدناها. يُقَالُ: نَسَلَ الولَدُ يَنْسُلُ ويَنْسِلُ، ونَسَلَتِ الناقةُ وأَنْسَلَتْ نَسْلا كَثِيرًا.
(نَسَمَ)
(هـ) فِيهِ «مَن أعْتقَ نَسَمَةً، أَوْ فَكَّ رَقَبَة» النَّسَمَةُ: النَّفْس وَالرُّوحُ. أَيْ مَن أعْتَق ذَا رُوح. وكلُّ دَابَّةٍ فِيهَا رُوح فَهِيَ نَسَمَةٌ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ الناسَ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «وَالَّذِي فَلَق الحبَّةَ، وبَرَأ النَّسَمة» أَيْ خَلَق ذَاتَ الرُّوح، وَكَثِيرًا مَا كَانَ يقولُها إِذَا اجْتَهد فِي يَمِينِهِ.
(هـ) وَفِيهِ «تَنَكَّبوا الْغُبَارَ، فَإِنَّ مِنْهُ تَكُونُ النَّسَمَةُ» هِيَ هَاهُنَا النَّفَس، بِالتَّحْرِيكِ، واحدُ الْأَنْفَاسِ. أَرَادَ تَوَاتُرَ النَّفَس والرَّبْو والنَّهيج، فسُمِّيت العِلَّة نَسَمَةً، لاسْتِراحة صَاحِبِهَا إِلَى تَنَفُّسه، فَإِنَّ صاحبَ الرَّبْوِ لَا يَزالُ يَتَنَفَّس كَثِيرًا.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَمَّا تَنَسَّمُوا رَوْح الْحَيَاةِ» أَيْ وَجَدُوا نَسِيمَها. والتَّنَسُّمُ: طَلَب النَّسيم واسْتِنْشاقُه. وَقَدْ نَسَمَت الرّيحُ تَنْسِمُ نَسَماً ونَسِيماً.
(هـ) وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ «بُعِثْتُ فِي نَسَمِ السَّاعَةِ» هُوَ مِنَ النَّسِيم، أَوَّلُ هُبوب الرِيح الضَّعِيفَةِ: أَيْ بُعِثْتُ فِي أَوَّلِ أشراطِ السَّاعَةِ وضَعْف مَجيئها.
7- النهاية- 5(5/49)
وَقِيلَ: هُوَ جَمْعُ نَسَمة. أَيْ بُعِثْتُ فِي ذَوِي أرواحٍ خَلَقَهم اللَّه تَعَالَى قَبْلَ اقتِراب السَّاعَةِ، كَأَنَّهُ قَالَ: فِي آخِرِ النَّشْءِ «1» مِنْ بَني آدَمَ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ «اسْتَقام الْمَنْسِمْ، وَإِنَّ الرجُلَ لَنَبِيٌ» مَعْنَاهُ تَبَيَّن الطَّرِيقُ، يُقَالُ: رأيتُ مَنْسِماً مِنَ الأمْر أعْرِف بِهِ وَجْهه: أَيْ أثَراً مِنْهُ وَعَلَامَةً. وَالْأَصْلُ فِيهِ مِنَ الْمَنْسِمِ، وَهُوَ خُفُّ الْبَعِيرِ يُسْتَبان بِهِ عَلَى الْأَرْضِ أثَرُه إِذَا ضَلَّ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «وَطِئَتْهُم بِالْمَنَاسِمِ» جَمْعُ مَنْسِم: أَيْ بأخْفافِها. وَقَدْ يُطْلَق على مَفَاصِلِ الْإِنْسَانِ اتِّساعا.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «عَلَى كلِّ مَنْسِمٍ مِنَ الْإِنْسَانِ صَدَقَةٌ» أَيْ عَلَى كُلِّ مَفْصِل.
(نَسْنَسَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «ذهب الناس وبقى النَّسْنَاسُ النِّسْنَاسُ» قِيلَ: هُمْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ.
وَقِيلَ: خَلْقٌ عَلَى صُورَةِ النَّاسِ، أشْبَهُوهم فِي شَيْءٍ، وخالَفُوهم فِي شَيْءٍ، وَلَيْسُوا مِنْ بَنِي آدَمَ وَقِيلَ: هُمْ مِنْ بَنِي آدَمَ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِنَّ حَيَّاً مِنْ عادٍ عَصَوْا رسولَهم فمَسَخَهم اللَّهُ نَسْنَاساً نِسْنَاساً، لِكُلِّ رجُلٍ مِنْهُمْ يدٌ ورِجلٌ مِنْ شِقّ واحدٍ، يَنْقُزون كَمَا يَنْقُز الطَّائِرُ، ويَرْعَون كَمَا تَرْعَى الْبَهَائِمُ» . ونُونُها مَكْسُورَةٌ، وَقَدْ تُفْتَح.
(نَسَا)
(س) فِيهِ «لَا يَقُولُنَّ أحدُكم: نَسِيتُ آيةَ كَيْتَ وكَيتَ، بَلْ هُوَ نُسِّىَ» كَرِه نِسْبة النِسْيان إِلَى النْفس لِمَعْنَيين: أَحَدُهُمَا أَنَّ اللَّه تَعَالَى هُوَ الَّذِي أَنْسَاهُ إِيَّاهُ؛ لِأَنَّهُ المُقَدِّر لِلْأَشْيَاءِ كلِّها، وَالثَّانِي أَنَّ أَصْلَ النِّسْيَانِ التَّرْكُ، فكَره لَهُ أَنْ يَقُولَ: تركْتُ الْقُرْآنَ، أَوْ قَصَدْت إِلَى نِسْيانه؛ وَلِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بِاخْتِيَارِهِ. يُقَالُ: نَسَّاهُ اللَّه وأَنْسَاهُ.
وَلَوْ روُي «نُسِىَ» بِالتَّخْفِيفِ لَكَانَ مَعْنَاهُ تُرِك مِنَ الْخَيْرِ وحُرِم.
وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ «بِئْسَمَا لأحدِكم أَنْ يَقُولَ: نَسِيت آيَةَ كَيْت وكَيت، لَيْسَ هُوَ نَسِي وَلَكِنَّهُ نُسِّىَ» وَهَذَا اللَّفْظُ أبْيَنُ مِنَ الْأَوَّلِ، وَاخْتَارَ فِيهِ أَنَّهُ بِمَعْنَى التَّرْكِ.
__________
(1) في الأصل، وا: «النَّشْو» والمثبت من الهروي، واللسان.(5/50)
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِنَّمَا أُنَسَّى لأسُنّ» أَيْ لأذْكُر لَكُمْ مَا يَلْزَمُ النَّاسِى، لِشَيْءٍ مِنْ عبادتِه، وأفْعَل ذَلِكَ فتَقْتدوا بِي.
(هـ) وَفِيهِ «فَيُتْرَكون فِي الْمَنْسَى تحتَ قَدَم الرَّحْمَنِ» أَيْ يُنْسَوْنَ في النار.
و «تحت القَدَم» استِعارةٌ، كَأَنَّهُ قَالَ: يُنْسِيهِمُ اللَّه الخَلْقَ، لِئَلَّا يَشْفع فِيهِمْ أَحَدٌ. قَالَ الشَّاعِرُ:
أبْلَت مودّتَها الليالِي بعدَنا ... ومَشَى عَلَيْهَا الدهْرُ وَهُوَ مُقَيَّدُ
وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومَ الْفَتْحِ «كُلُّ مأثُرة مِن مآثِر الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَىَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» .
وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «وَدِدْتُ أنِّي كنتُ نَسْياً مَنْسِيّاً» أَيْ شَيْئًا حَقيرا مُطَّرَحاً لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ. يُقَالُ لخِرْقة الْحَائِضِ: نِسْىٌ، وَجَمْعُهُ: أَنْسَاءٌ. تَقُولُ الْعَرَبُ إِذَا ارْتَحلوا مِنَ الْمَنْزِلِ:
انظُروا أَنْسَاءَكُمْ. يُرِيدُونَ الْأَشْيَاءَ الْحَقِيرَةَ الَّتِي لَيْسَتْ عِنْدَهُمْ بِبَالٍ. أَيِ اعْتَبروها؛ لِئَلَّا تَنْسَوْهَا فِي المنزِل.
(س) وَفِي حَدِيثِ سَعْدٍ «رَمَيْتُ سُهَيْل بْنَ عَمرو يومَ بَدْر فَقَطَعْتُ نَسَاه» النَّسَا، بوَزْن الْعَصَا: عِرْق يَخْرج مِنَ الوَرِك فيَسْتَبْطِن الفَخذ. وَالْأَفْصَحُ أَنْ يُقَالَ لَهُ: النَّسا، لَا عِرق النَّسا.
بَابُ النُّونِ مَعَ الشِّينِ
(نَشَأَ)
(س) فِيهِ «إِذَا نَشَأَتْ بَحْرِيَّةً ثُمَّ تَشاءَمَت فتِلك عينٌ غدَيْقَةٌ» يُقَالُ: نَشَأَ وأَنْشَأَ، إِذَا خَرج وابْتَدأ. وأَنْشَأَ يَفْعَل كَذَا، وَيَقُولُ كَذَا: أَيِ ابْتَدَأَ يَفْعل وَيَقُولُ. وأَنْشَأَ اللهُ الخلقَ: أَيِ ابْتَدَأَ خَلْقَهم.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «كَانَ إِذَا رَأَى نَاشِئاً فِي أُفُق السَّمَاءِ» أَيْ سَحاباً لَمْ يتَكامَل اجتماعُه واصطِحابُه. وَمِنْهُ: نَشَأَ الصَّبِيُّ يَنْشَأُ نَشْأً فَهُوَ نَاشِئٌ، إِذَا كَبِرَ وشَبَّ وَلَمْ يَتكامَل.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «نَشَأٌ يَتَّخِذون القرآنَ مَزاميرَ» يُرْوى بِفَتْحِ الشِّينَ، جَمْعُ نَاشِئٍ، كخادِم وخَدَم. يُرِيدُ جماعةً أحْداثا.(5/51)
قَالَ أَبُو مُوسَى: وَالْمَحْفُوظُ بِسُكُونِ الشِّينِ، كَأَنَّهُ تَسْمِيَةٌ بِالْمَصْدَرِ.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «ضُمُّوا نَوَاشِئَكُمْ فِي ثَوْرة العِشاء» أَيْ صِبيانَكم وأحْداثَكم، كَذَا رَوَاهُ بعضُهم. وَالْمَحْفُوظُ «فَواشِيَكم» بِالْفَاءِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ خَدِيجَةَ «دخلتْ عَلَيْهَا مُسْتَنْشِئَةٌ مِنْ مُوَلَّدات قُرَيْشٍ» هِيَ الكاهنةُ.
وتُرْوَى بِالْهَمْزِ، وَغَيْرِ الْهَمْزِ. يُقَالُ: هُوَ يَسْتَنْشِئُ الْأَخْبَارَ: أَيْ يَبحثُ «1» عَنْهَا وَيَتَطَلَّبُها والِاسْتِنْشَاءُ، يُهْمَزُ وَلَا يُهْمَزُ.
وَقِيلَ: هُوَ مِنَ الْإِنْشَاءُ: الِابْتِدَاءُ. وَالْكَاهِنَةُ تَسْتحدِث الْأُمُورَ، وتُجَدَّد الْأَخْبَارَ.
وَيُقَالُ: مِنْ أَيْنَ نَشِيتَ «2» هَذَا الخَبَر؟ بِالْكَسْرِ، مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ: أَيْ مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَه.
وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: مُسْتَنْشِئَة: اسْمُ عَلَم لِتِلْكَ الْكَاهِنَةِ الَّتِي دخَلت عَلَيْهَا، وَلَا يُنَوَّن لِلتَّعْرِيفِ وَالتَّأْنِيثِ.
(نَشِبَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ يومَ حُنَين «حَتَّى تَنَاشَبُوا حَوْلَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» أَيْ تَضامُّوا ونَشِبَ بعضُهم فِي بَعْضٍ: أَيْ دَخَل وتَعَلَّق. يُقَالُ: نَشِبَ فِي الشَّيْءِ، إِذَا وَقَع فِيمَا لَا مَخْلَصَ لَهُ مِنْهُ.
وَلَمْ يَنْشَبْ أَنْ فَعَل كَذَا: أَيْ لَمْ يَلْبَث. وحقيقتُه: لَمْ يتعلَّق بشيءٍ غيرِه، وَلَا اشْتَغَل بِسِوَاهُ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ وَزَيْنَبَ «لَمْ أَنْشَبْ أنْ أثْخَنْتُ عَلَيْهَا» وَقَدْ تَكَرَّرَ أَيْضًا فِي الْحَدِيثِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الأحْنَف «إِنَّ الناسَ نَشِبُوا فِي قَتْلِ عُثْمَانَ» أَيْ عَلِقُوا. يُقَالُ: نَشِبَتِ الحربُ بَيْنَهُمْ نُشُوباً: اشْتَبَكت.
(س) وَفِيهِ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِشُرَيح: اشتريتُ سِمْسِما فَنَشِبَ فِيهِ رجُل، يَعْنِي اشْتراه، فَقَالَ شُرَيح: هُوَ لِلْأَوَّلِ» .
(نَشَجَ)
- فِي حَدِيثِ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَنَشَجَ الناس يبكون» النَّشِيجُ:
__________
(1) في الهروي: «يَتَبحَّث» .
(2) الذي في الهروي: «نَشِئْتَ» . قال: «وروى غير مهموز أيضا» .(5/52)
صَوْتٌ مَعَهُ تَوَجُّع وبُكاء، كَمَا يُرَدِّدُ الصبيُّ بُكَاءَهُ فِي صَدْرِهِ. وَقَدْ نَشَجَ يَنْشِجُ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «أَنَّهُ قَرَأَ سُورَةَ يُوسُفَ فِي الصَّلَاةِ، فبَكَى حَتَّى سُمع نَشِيجُهُ خَلْفَ الصُّفوف» .
(هـ) ومنه حديثه الْآخَرِ «فَنَشَجَ حَتَّى اختَلَفَت أضلاعُه» .
(هـ) وَحَدِيثُ عَائِشَةَ تَصِف أَبَاهَا «شَجِيّ النَّشِيج» أَرَادَتْ أَنَّهُ كَانَ يُحْزِنُ «1» مَنْ يَسْمَعُه يَقْرَأُ.
(نَشَحَ)
(س) فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ «قَالَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا: انظُري مَا زَادَ مِنْ مَالِي فُردِّيه إِلَى الْخَلِيفَةِ بَعْدِي، فَإِنِّي كنتُ نَشَحْتُهَا جُهْدِي» أَيْ أقْللْتُ مِنَ الْأَخْذِ مِنْهَا. والنَّشْحُ:
الشُّرب الْقَلِيلُ. وانْتَشَحَتِ الإبلُ، إِذَا شَرِبَت وَلَمْ تَرْوَ.
(نَشَدَ)
هـ س فِيهِ «وَلَا تَحِلُّ لقطّها إِلَّا لِمُنْشِدٍ» يُقَالُ: نَشَدْتُ الضالَّةَ فَأَنَا نَاشِدٌ، إِذَا طَلَبْتَها، وأنْشَدتُها فَأَنَا مُنْشِدٌ، إِذَا عَرّفْتَها.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «قَالَ لِرَجُلٍ يَنْشُدُ ضالَّةً فِي الْمَسْجِدِ: أَيُّهَا النَّاشِدُ، غيرُك الواجدُ» قَالَ ذَلِكَ تَأْدِيبًا لَهُ، حَيْثُ طَلَب ضالَّتَه فِي الْمَسْجِدِ، وَهُوَ مِنَ النَّشِيدِ: رَفْع الصَّوْتِ. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(س) وَفِيهِ «نَشَدْتُكَ اللَّهَ والرَّحِمَ» أَيْ سألتُك باللَّه، وبالرَّحِم. يُقَالُ: نَشَدتُك اللَّهَ، وأَنْشُدُكَ اللَّهَ، وباللَّه، ونَاشَدْتُكَ اللَّهَ وباللَّهِ: أَيْ سألتُك وأقسْمتُ عَلَيْكَ. ونَشَدتُه نِشْدَةً ونِشْدَاناً ومُنَاشَدَةً. وتَعْديتُه إِلَى مفعولَيْن، إِمَّا لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ: دَعَوتُ، حَيْثُ قَالُوا: نَشَدتُك اللَّه وباللَّه، كَمَا قَالُوا: دَعَوتُ زَيْدًا وَبِزَيْدٍ، أَوْ لِأَنَّهُمْ ضَمَّنُوه مَعْنَى: ذَكَّرْتُ. فَأَمَّا أنشَدتُك باللَّه، فَخَطَأٌ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ قَيْلَة «فَنَشَدْتُ عَلَيْهِ فسألتُه «2» الصُّحْبة» أَيْ طَلَبْتُ مِنْهُ.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ «إِنَّ الأعضاءَ كُلَّها تُكَفِّر اللِّسَانَ، تَقُولُ: نِشْدَكَ اللَّه فِينا» النِّشْدَة:
__________
(1) ضبط في الأصل، وا: «يَحْزَن» وأثبتُّ ضبط الهروي، واللسان.
(2) قال الهروي: «تعني عمرو بن حُرَيث» .(5/53)
مَصْدَرٌ كُمَا ذَكرنا، وَأَمَّا نشْدَك فَقِيلَ: إِنَّهُ حَذَف مِنْهَا التَّاءَ، وَأَقَامَهَا مُقام الْفِعْلِ.
وَقِيلَ: هُوَ بناءٌ مُرْتَجَلٌ، كقِعْدَك اللَّهَ، وعَمْرَك اللَّهَ.
قَالَ سِيبَوَيْهِ: قَوْلُهُمْ: عَمْرَك اللَّهَ، وقِعْدَك اللَّهَ بِمَنْزِلَةِ نِشْدَك اللَّهَ. وَإِنْ لَمْ يُتَكلَّم بِنشْدك اللَّهَ، وَلَكِنْ زَعَم الْخَلِيلُ أَنَّ هَذَا تَمْثِيلٌ تَمثَّل بِهِ، وَلَعَلَّ الرَّاوِيَ قَدْ حَرَّفه عَنْ نَنْشُدك اللَّهَ، أَوْ أَرَادَ سِيبَوَيْهِ وَالْخَلِيلُ قِلَّة مَجِيئِهِ فِي الْكَلَامِ لَا عَدَمَه، أَوْ لَمْ يَبْلُغْهُما مجيئُه فِي الْحَدِيثِ، فحذِف الْفِعْلُ الَّذِي هُوَ أنْشُدك، ووُضِع الْمَصْدَرُ موضِعَه مُضَافًا إِلَى الْكَافِ الَّذِي كَانَ مَفْعُولًا أَوَّلَ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عُثْمَانَ «فَأَنْشَدَ لَهُ رِجال» أَيْ أَجَابُوهُ. يُقَالُ: نَشَدْتُهُ فَأَنْشَدَنِى، وأَنْشَدَ لِي:
أَيْ سألْتُه فَأَجَابَنِي.
وَهَذِهِ الألفُ تسمَّى ألِف الْإِزَالَةِ. يُقَالُ: قَسَط الرَّجُلُ، إِذَا جارَ. وأقْسَط، إِذَا عَدَل، كَأَنَّهُ أَزَالَ جَوْرَه، وَهَذَا أزالَ نَشِيدَهُ.
وَقَدْ تَكَرَّرَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ فِي الْحَدِيثِ كَثِيرًا؛ عَلَى اخْتِلَافِ تَصَرُّفها.
(نَشَرَ)
(س) فِيهِ «أَنَّهُ سُئل عَنِ النُّشْرَةِ فَقَالَ: هُوَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ» النُّشْرَةُ بِالضَّمِّ:
ضرْبٌ مِنَ الرُّقْية والعِلاج، يُعالَج بِهِ مَن كَانَ يُظَنُّ أَنَّ بِهِ مَسَّاً مِنَ الجِنّ، سُمِّيَتْ نُشْرةً لِأَنَّهُ يُنْشَر بِهَا عَنْهُ مَا خامَره مِنَ الدَّاءِ: أَيْ يُكْشَف ويُزال.
وَقَالَ الْحَسَنُ: النُّشْرة مِنَ السِحر. وَقَدْ نَشَّرْتُ عَنْهُ تَنْشِيراً.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فلعلَّ طَبّاً أصابَه، ثم نَشَّرَه ب قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ» أَيْ رَقَاه.
وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ «هَلَّا تَنَشَّرْتَ» .
وَفِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ «لَكَ المَحْيا والمَماتُ وَإِلَيْكَ النُّشُورُ» يُقَالُ: نَشَرَ المّيتُ يَنْشُرُ نُشُوراً، إِذَا عَاشَ بَعْدَ الْمَوْتِ. وأَنْشَرَهُ اللَّه: أَيْ أَحْيَاهُ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ «فَهلا إِلَى الشَّامِ أرضِ الْمَنْشَرِ» أَيْ مَوْضِعِ النُّشور، وَهِيَ الْأَرْضُ المُقَدَّسة مِنَ الشَّامِ، يَحْشُر اللَّهُ الْمَوْتَى إِلَيْهَا يومَ الْقِيَامَةِ، وَهِيَ أَرْضُ الْمَحْشَرِ.
(س) ومنه الحديث «لارضاع إِلَّا مَا أَنْشَرَ اللَّحْمَ، وأنْبَتَ الْعَظْمَ» أَيْ شَدّه وَقَوَّاهُ، مِنَ الْإِنْشَارِ: الإحْياء. ويُرْوى بِالزَّايِ.(5/54)
وَفِي حَدِيثِ الْوُضُوءِ «فَإِذَا اسْتَنْشَرْتَ، واسْتَنْثَرْتَ خرجَتْ خَطَايَا وجْهِك وَفِيكَ وخَياشِيمك مَعَ الْمَاءِ» قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْمَحْفُوظُ «اسْتَنْشَيْتَ» بِمَعْنَى اسْتَنْشَقْتَ، فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَهُوَ مِنَ انْتِشَارِ الْمَاءِ وتَفَرّقِه.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحَسَنِ «أتَملكُ نَشَرَ الماءِ؟» هُوَ بِالتَّحْرِيكِ: مَا انْتَشر مِنْهُ عِنْدَ الْوُضُوءِ وتَطايَر. يُقَالُ: جَاءَ القومُ نَشَراً: أَيْ منتشِرين مُتَفَرِّقِينَ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ «فرَدّ نَشَرَ الْإِسْلَامِ عَلَى غَرِّه» أَيْ رَدَّ مَا انْتَشر مِنْهُ إِلَى حَالَتِهِ الَّتِي كَانَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَرَادَتْ أمْرَ الرِدّة وكفايةَ أَبِيهَا إيَّاه، وَهُوَ فَعَلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ.
وَفِيهِ «أَنَّهُ لَمْ يَخْرُج فِي سفرٍ إِلَّا قَالَ حِينَ يَنْهض مِنْ جلوسِه: اللَّهُمَّ بِكَ انْتَشَرْتُ» أَيِ ابتدأتُ سَفَري. وَكُلُّ شَيْءٍ أخَذْتَه غَضّاً فَقَدْ نَشَرْتَهُ وانْتَشَرْتَهُ، ومَرْجعُه إِلَى النَّشْرِ، ضدِّ الطَّيِّ.
ويُروى بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ مُعَاذٍ «إِنَّ كلَّ نَشْرِ أرضٍ يُسْلِم عَلَيْهَا صاحبُها فَإِنَّهُ يُخْرِجُ عَنْهَا مَا أُعطيَ نَشْرُهَا» نَشْرُ الْأَرْضِ بِالسُّكُونِ: مَا خَرَجَ مِنْ نَباتها. وَقِيلَ: هُوَ فِي الْأَصْلِ الكَلأَ إِذَا يَبِس ثُمَّ أصابَهُ مَطَرٌ فِي آخِرِ الصَّيْفِ فاخضَرّ، وَهُوَ رَدِيءُ لِلرَّاعِيَةِ، فأطْلَقَه عَلَى كلِّ نباتٍ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ «أَنَّهُ خَرَجَ ونَشْرُهُ أمامَه» النَّشْرُ بِالسُّكُونِ: الرِّيحُ الطَّيّبة.
أَرَادَ سُطُوعَ رِيحِ المِسْك مِنْهُ.
(هـ) وَفِيهِ «إِذَا دَخل أحدُكُم الحَمَّامَ فَعَلَيْهِ بِالنَّشِيرِ وَلَا يَخْصِف» هُوَ المِئْزَر، سُمِّي بِهِ؛ لِأَنَّهُ يُنْشَرُ لِيُؤْتَزَرَ بِهِ.
(نَشَزَ)
- فِيهِ «لَا رَضاعَ إِلَّا مَا أنْشَز «1» العظمَ» أَيْ رَفَعَه وأعْلاه، وَأَكْبَرَ حَجْمَه، وَهُوَ مِنَ النَّشَزِ: المرتِفعِ مِنَ الْأَرْضِ. ونَشَزَ الرجلُ يَنْشِزُ، إذا كان قاعدا فقام.
__________
(1) روي بالراء، وسبق.(5/55)
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ كَانَ إِذَا أوْفَى عَلَى نَشَزٍ كبَّر» أَيِ ارْتَفَعَ عَلَى رابِيةٍ فِي سفرِه. وَقَدْ تُسَكَّن الشِّينُ.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فِي خاتَم النُّبُوّة بَضْعةٌ نَاشِزَةٌ» أَيْ قِطعة لَحْمٍ مُرْتفِعة عَنِ الْجِسْمِ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَتَاهُ رجُلٌ نَاشِزُ الجَبْهة» أَيْ مرتفعُها.
وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ «النُّشُوزُ بَيْنَ الزَّوجَين» يُقَالُ: نَشَزَتِ المرأةُ عَلَى زوجِها فَهِيَ نَاشِزٌ ونَاشِزَةٌ: إِذَا عَصَت عَلَيْهِ، وخَرَجَت عَنْ طَاعَتِهِ. ونَشَز عَلَيْهَا زوجُها، إِذَا جَفَاهَا وأضَرّ بِهَا «1» .
والنُّشُوزُ: كَرَاهَةُ كلِّ واحدٍ مِنْهُمَا صاحبَه، وسوءُ عِشْرته لَهُ.
(نَشَشَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ لَمْ يُصْدِق امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أوقِيَّة ونَشٍّ» النَّشُّ: نِصْفُ الأوقِيَّة، وَهُوَ عِشْرُونَ دِرهما، وَالْأُوقِيَّةَ: أَرْبَعُونَ، فَيَكُونُ الْجَمِيعُ خَمْسَمائة دِرْهَمٍ.
وَقِيلَ «2» : النَّشُّ يُطْلَق عَلَى النِّصف مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ النَّبيذ «إِذَا نَشَّ «3» فَلَا تَشْرَبْ» أَيْ إِذَا غَلا. يُقَالُ: نَشَّتِ الخَمْرُ تَنِشُّ نَشِيشاً.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الزُّهرِي «أَنَّهُ كَرِه للمُتَوَفَّى عَنْهَا زوجُها الدُّهْنَ الَّذِي يُنَشُّ بالرَّيحان» أَيْ يُطَيَّب، بِأَنْ يُغْلَى فِي القِدْر مَعَ الرَّيحان حَتَّى يَنِشَّ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ الشَّافِعِيِّ فِي صِفَةِ الأدْهانِ «مِثل الْبَان الْمَنْشُوشِ بالطِيب» .
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَطَاءٍ «سُئل عَنِ الفَأرة تَموت فِي السَّمْن الذائبِ أَوِ الدُّهن، فَقَالَ:
يُنَشُّ ويُدّهَنُ بِهِ، إِنْ لَمْ تَقْذَرْه نفسُك» أي يُخْلَطُ ويُدافُ. والأصل الأوّل.
__________
(1) في القاموس: «ضربها» .
(2) القائل هو ابن الأعرابي، وما سبق من قول مجاهد، كما ذكر الهروي.
(3) في الأصل: «إذا نش الشراب» وقد أسقطت «الشراب» حيث سقطت من ا، والهروي، واللسان، والفائق 3/ 93.(5/56)
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «أَنَّهُ كَانَ يَنِشُّ الناسَ بَعْدَ العِشاء بالدِرَّة» أَيْ يَسُوقهم إِلَى بُيوتِهم. والنَّشُّ: السَّوْق الرفيقُ.
ويُرْوى بِالسِّينِ «1» ، وَهُوَ السَّوق الشَّدِيدُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ.
(س) وَفِي حَدِيثِ الْأَحْنَفِ «نَزَلْنا سَبْخَةً نَشَّاشَةً» يَعْنِي البَصْرة: أَيْ نَزَّازة تَنِزُّ بِالْمَاءِ، لِأَنَّ السَّبَخَة يَنِزُّ مَاؤُهَا، فَيَنِشُّ ويَعود مِلْحاً.
وَقِيلَ: النَّشَّاشَةُ: الَّتِي لَا يَجِفُّ ترابُها، وَلَا يَنْبُتُ مَرْعاها.
(نَشِطَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ السِحر «فَكَأَنَّمَا أُنْشِطَ مِنْ عِقال» أَيْ حُلَّ. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
وَكَثِيرًا مَا يَجيء فِي الرِّوَايَةِ «كَأَنَّمَا نَشِطَ مِنْ عِقال» وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ. يُقَالُ: نَشَطْتُ العقْدة، إِذَا عَقَدتَها، وأَنْشَطْتُهَا وانْتَشَطْتُهَا، إِذَا حَلَلْتَها.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ «رأيتُ كَأَنَّ سَبَباً مِنَ السَّمَاءِ دُلِّيَ فَانْتُشِطَ النبيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أُعِيد فانتُشِط أَبُو بَكْرٍ» أَيْ جُذِب إِلَى السَّمَاءِ ورُفع إِلَيْهَا. يُقَالُ: نَشَطْتُ الَّدلْوَ مِنَ الْبِئْرِ أَنْشُطُهَا نَشْطاً، إِذَا جذَبْتَها ورَفَعْتَها إِلَيْكَ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمة «دَخل عَلَيْهَا عَمَّارٌ- وَكَانَ أَخَاهَا مِنَ الرَّضاعة- فَنَشَطَ زينبَ مَن حِجْرها» وَيُرْوَى «فَانْتَشَطَ» .
(س) وَفِي حَدِيثِ أَبِي المِنْهال، وذكَر حَيَّاتِ النَّارِ وعقاربَها، فَقَالَ: «وَإِنَّ لَهَا نَشْطاً ولَسْباً» وَفِي رِوَايَةِ «أنْشأنَ بِهِ نَشْطاً» أَيْ لَسْعاً بِسُرْعَةٍ واخْتِلاس. يُقَالُ: نَشَطَتْهُ الحيَّةُ نَشْطا، وانْتَشَطَتْهُ.
وأنْشأْنَ: بِمَعْنَى طَفِقْن وأخَذْن.
وَفِي حَدِيثِ عُبادة «بايَعت رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى المَنْشَطِ والمَكْرَه» الْمَنْشَطُ: مَفْعَل مِنَ النِّشَاطِ، وَهُوَ الأمْر الَّذِي تَنْشَطُ لَهُ وتَخِفُّ إِلَيْهِ، وتُؤثِرُ فِعْلَه، وهو مصدر بمعنى النَّشَاطِ.
__________
(1) في الهروي: «قال أبو عبيد: هو يَنُسّ، بالسْين، أو ينوش، أي يتناول بالدِرَّة» .(5/57)
(نَشَغَ)
(هـ) فِيهِ «لَا تَعْجَلُوا بتَغْطِية وجْه الْمَيِّتِ حَتَّى يَنْشَغَ أَوْ يَتَنَشَّغَ» النَّشْغُ فِي الْأَصْلِ: الشَّهيق حَتَّى يَكَادَ يَبْلُغُ بِهِ الغَشْي. وَإِنَّمَا يَفْعَلُ الإنسانُ ذَلِكَ تَشَوّقاً إِلَى شَيْءٍ فَائِتٍ وَأَسَفًا عَلَيْهِ.
وَعَنِ الْأَصْمَعِيِّ: النَّشَغَات عِنْدَ الْمَوْتِ: فُوَاقَاتٌ «1» خَفِيَّاتٌ جِدًّا، واحدتُها: نَشْغَة.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّهُ ذَكَر النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَشَغَ نَشْغَةً» أَيْ شَهِق وغُشِيَ عَلَيْهِ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ أُمِّ إِسْمَاعِيلَ «فَإِذَا الصبيُّ يَنْشَغُ لِلْمَوْتِ» وَقِيلَ: مَعْنَاهُ يمتصُّ بِفِيهِ، مِن نَشَغْتُ الصبيَّ دَوْاءً فَانْتَشَغَهُ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ النَّجاشي «هَلْ تَنَشَّغَ فِيكُمُ الوَلَدُ؟» أَيِ اتَّسَع وكَثُر. هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ.
وَالْمَشْهُورُ بِالْفَاءِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ.
(نَشَفَ)
(س) فِي حَدِيثِ طَلْق «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لَنَا: اكْسِروا بيعَتَكم، وانْضَحوا مَكَانَهَا، واتَّخِذوه مَسْجِدًا، قُلْنا: البَلَدُ بعيدٌ، وَالْمَاءُ يَنْشَفُ» أصلُ النَّشْفِ: دُخُولُ الْمَاءِ فِي الْأَرْضِ والثَّوب. يُقَالُ: نَشِفَتِ الأرضُ الماءَ تَنْشَفُهُ نَشْفاً: شرِبَتْه. ونَشَفَ الثوبُ الْعَرَقَ وتَنَشَّفَهُ. وأرضٌ نَشِفَةٌ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «كَانَ لِرسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَشَّافَةٌ يُنَشِّفُ بِهَا غُسالة وَجْهِهِ» يَعْنِي مِنديلا يَمسح بِهَا وَضُوءه.
(س) وَحَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ «فقُمت أَنَا وَأُمُّ أَيُّوبَ بقَطيفةٍ مَا لَنَا غيرُها، نُنَشِّف بِهَا الْمَاءَ» .
(س) وَفِي حَدِيثِ عَمّار «أتَى النبيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَى بِهِ صُفْرةً، فَقَالَ: اغسِلْها، فذَهبتُ فأخذْتُ نَشَفَةً لَنَا، فدَلَكْتُ بِهَا عَلَى تِلْكَ الصُّفْرة حَتَّى ذَهَبَت» النَّشَفَةُ بالتحريك، وقد
__________
(1) في الأصل، وا: «فُوَقات» وفي الهروي: «فَوْقات» وما أثبتُّ من اللسان. قال صاحب المصباح: «والفُوَاق بالضم: ما يأخذ الإنسانَ عند النّزع» .(5/58)
تُسَكَّن: وَاحِدَةُ النَّشَفُ، وَهِيَ حِجارةٌ سُودٌ، كَأَنَّهَا أُحْرِقَت بِالنَّارِ، وَإِذَا تُرِكت عَلَى رَأْسِ الْمَاءِ طَفَت وَلَمْ تَغُصْ فِيهِ، وَهِيَ الَّتِي يُحَكُّ بِهَا الوَسَخ عَنِ الْيَدِ والرجْل.
وَمِنْهُ حَدِيثُ حُذَيْفَةَ «أظَلَّتْكم الفتَنُ، تَرْمي بالنَّشَف، ثُمَّ الَّتِي تَليِها تَرْمي بالرَّضْف» يَعْنِي أَنَّ الْأُولَى مِنَ الفِتن لَا تُؤَثِّرُ فِي أَدْيَانِ النَّاسِ لِخِفَّتِها، وَالَّتِي بَعْدَهَا كَهَيْئَةِ حجارةٍ قَدْ أُحْمِيَت بِالنَّارِ، فَكَانَتْ رَضْفاً، فَهِيَ أبلغُ فِي أديانِهم، وأثْلَمُ لأبدانِهم.
(نَشَقَ)
(س [هـ] ) فِيهِ «أَنَّهُ كَانَ يَسْتَنْشِقُ فِي وضُوئه ثَلَاثًا» أَيْ يَبْلُغ الماءُ خَياشِيمَه وَهُوَ مِنَ اسْتِنْشَاقِ الرِّيحِ، إِذَا شَمَمْتَها مَعَ قُوَّةٍ.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِنَّ للِشيطان نَشُوقاً وَلَعُوقاً ودِساما» النَّشُوقُ بِالْفَتْحِ: اسمٌ لكلِّ دواءٍ يُصَبُّ فِي الْأَنْفِ، وَقَدْ أَنْشَقْتُهُ الدَّواءَ إِنْشَاقاً. يَعْنِي أَنَّ لَهُ وَساوِسَ، مَهْمَا وَجَدتْ مَنْفَذاً دَخَلَت فِيهِ.
(نَشَلَ)
(هـ) فِيهِ «ذُكِرَ لَهُ رجلٌ، فَقِيلَ: هُوَ مِنْ أطولِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ صَلَاةً، فَأَتَاهُ فأخَذ بعَضُدِه فَنَشَلَهُ نَشَلَاتٍ» أَيْ جَذبه جَذَباتٍ، كَمَا يَفْعل مَن يَنْشِلُ اللحمَ مِنَ القِدْر.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ مَرَّ عَلَى قِدْر فَانْتَشَلَ مِنْهَا عَظْما» أَيْ أخَذَه قَبْلَ النُّضْج، وَهُوَ النَّشِيلُ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ «قَالَ لِرَجُلٍ فِي وُضوئه: عَلَيْكَ بِالْمَنْشَلَةِ» يَعْنِي موضَع الخاتَمِ مِنَ الخِنْصَر، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذَا أَرَادَ غَسْلَه نَشَلَ الخاتمَ: أَيِ اقْتَلَعَه ثُمَّ غَسَلَه.
(نَشَمَ)
(هـ) فِي مَقْتَل عُثْمَانَ «لَمَّا نَشَّمَ الناسُ فِي أَمْرِهِ» أَيْ «1» طَعَنُوا فِيهِ وَنَالُوا مِنْهُ.
يُقَالُ «2» : نَشَّمَ القومُ فِي الْأَمْرِ تَنْشِيماً، إِذَا أَخَذُوا فِي الشَّرّ، ونَشَّمَ فِي الشَّيْءِ وتَنَشَّمَ: إِذَا ابْتَدأ فيه، ونال منه.
__________
(1) هذا شرح أبي عبيد، كما ذكر الهروي.
(2) قبل هذا في الهروي، حكاية عن أبي عبيد: «وهو في ابتداء الشر» .(5/59)
(نَشْنَشَ)
[هـ] فِي حَدِيثِ عُمَرَ «قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي كَلَامٍ: نِشْنِشَةٌ مِن أَخْشَنَ» أَيْ حَجَرٌ مِنْ جَبَلٍ. وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ شَبَّهَه بِأَبِيهِ الْعَبَّاسِ، فِي شَهامَتِه ورَأيه وجُرْأتِه عَلَى الْقَوْلِ.
وَقِيلَ: أَرَادَ أَنَّ كِلمَته مِنْهُ حَجَر مِنْ جَبَلٍ: أَيْ أَنَّ مِثْلَها يَجيء مِنْ مثلِه.
وَقَالَ الحَرْبي: أَرَادَ شِنْشِنة: أَيْ غَرِيزَةً وَطَبِيعَةً.
وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: يُقَالُ: شِنْشِنة ونِشْنِشَة.
وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ قَالَ لَهُ: «شِنْشِنةٌ أعْرِفُها مِن أَخْزَمَ» . وَقَدْ تَقَدَّمَتْ.
(نَشَا)
(هـ) فِي حَدِيثِ شُرب الْخَمْرِ «إنِ انْتَشَى لَمْ تُقْبَل لَهُ صلاةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمًا» الِانْتِشَاءُ: أوّلُ السُّكْر ومقدِّماته. وَقِيلَ: هُوَ السُّكْر نفسُه. ورَجلٌ نَشْوَانُ، بيِّنُ النَّشْوَةِ. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(هـ) وَفِيهِ «إِذَا اسْتَنْشَيْتَ واستَنثرْتَ» أَيِ استَنْشَقْتَ بِالْمَاءِ فِي الوُضوء، مِنْ قَوْلِكَ:
نَشِيتُ الرائحَة، إِذَا شَمِمْتَهَا.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ خَدِيجَةَ «دَخل عَلَيْهَا مُسْتَنْشِيَةٌ مِن مُوَلَّداتِ قُرَيْشٍ» أَيْ كاهِنة. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمَهْمُوزِ.
بَابُ النُّونِ مَعَ الصَّادِ
(نَصَبَ)
(س) فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ «قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْدِفي إِلَى نُصُبٍ مِنَ الْأَنْصَابِ، فذَبَحنْا لَهُ شَاةً، وَجَعَلْنَاهَا فِي سُفْرتِنا، فَلَقِينا زَيد بْنَ عَمْرو، فَقَدَّمَنَا لَهُ السُّفرة، فَقَالَ: لَا آكُلُ مِمَّا ذُبِحَ لِغَيْرِ اللَّه» .
وَفِي رِوَايَةٍ «أَنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرٍو مَرَّ بِرَسُولِ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فَدَعَاهُ إِلَى الطَّعَامِ، فَقَالَ زيْدٌ:
إِنَّا لَا نأكُل مِمَّا ذُبِح عَلَى النُّصُب» النُّصُبُ، بِضَمِّ الصَّادِ وَسُكُونِهَا: حَجَرٌ كَانُوا يَنصِبونه فِي الْجَاهِلِيَّةِ، ويَتَّخِذونه صَنَماً فَيَعْبُدُونَهُ، وَالْجَمْعُ: أَنْصَابٌ.
وَقِيلَ: هُوَ حجرٌ كَانُوا يَنْصِبونه، ويَذْبَحون عَلَيْهِ فيَحْمَرّ بِالدَّمِ.
قَالَ الْحَرْبِيُّ: قَوْلُهُ «ذَبَحْنا لَهُ شَاةً» لَهُ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ زيْدٌ فَعَله مِنْ غير أمرِ(5/60)
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا رِضاه، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ فَنُسِب إِلَيْهِ، ولأنْ زَيْداً لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مِنَ العِصمة مَا كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ ذَبَحَها لِزاده فِي خُرُوجِهِ، فاتَّفَق ذَلِكَ عِنْدَ صَنَم، كَانُوا يَذْبَحون عِنْدَهُ، لَا أَنَّهُ ذَبَحَها للصَّنَم، هَذَا إِذَا جُعِل النُّصُبُ الصَّنَم. فأمَّا إِذَا جُعِل الحَجَرَ الَّذِي يُذْبَحُ عِنْدَهُ فَلَا كلامَ فِيهِ، فَظَنَّ زيدُ بْنُ عَمْرو أَنَّ ذَلِكَ اللَّحْمَ مِمَّا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَذْبَحُه لِأَنْصَابِهَا فامتَنع لِذَلِكَ. وَكَانَ زَيْدٌ يُخالِفُ قُرَيْشًا فِي كَثِيرٍ مِنْ أُمُورِهَا. وَلَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَمَا ظَنَّ زيدٌ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ إِسْلَامِ أَبِي ذَرٍّ «فَخَرَرْتُ مَغْشِيَّاً عَلَيَّ ثُمَّ ارتَفَعْتُ كَأَنِّي نُصُبٌ أحمرُ» يُرِيدُ أَنَّهُمْ ضَربوه حَتَّى أدْمَوْه، فَصَارَ كالنُّصُب المُحْمَرِّ بدَم الذَّبائح.
وَمِنْهُ شِعْر الأعْشَى «1» ، يَمدح النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
وَذَا النُّصُبَ المنصوبَ لَا تَعبُدَنَّه ... وَلَا تَعْبُدِ الشيطانَ واللَّهَ فاعبُدا
يُريدُ الصَّنم. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
وذاتُ النُّصْبِ «2» : مَوْضِعٌ عَلَى أَرْبَعَةِ بُرُدٍ مِنَ الْمَدِينَةِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ الصَّلَاةِ «لَا يَنْصِبُ رأسَه وَلَا يُقْنِعُه» أَيْ لَا يَرْفَعَهُ. كَذَا فِي سُنن أَبِي دَاوُدَ»
. وَالْمَشْهُورُ «لَا يُصَبِّي ويُصَوِّب» . وَقَدْ تَقَدَّمَا.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ «مِن أقْذَر الذنوبِ رجلٌ ظَلَم امْرَأَةً صَداقَها، قِيلَ لِلَّيْثٍ:
أَنَصَبَ «4» ابْنُ عُمر الْحَدِيثَ إِلَى رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: وَمَا عِلْمُه لَوْلا أَنَّهُ سَمِعَه مِنْهُ؟» أَيْ أسْنَدَه إليه ورفعه. والنَّصْبُ: إقامة الشيء ورفعه.
__________
(1) ديوانه ص 137: والرواية فيه:
وذا النُّصُبَ المنصوبَ لا تَنْسُكَنَّهُ ... ولا تعبُدِ الأوثانَ واللَّهَ فاعبُدا
(2) ضبط في الأصل، وا: «النُّصُب» بضمتين. وضبطته بالسكون من ياقوت 8/ 290.
(3) أخرجه أبو داود في باب افتتاح الصلاة، من كتاب الصلاة 1/ 73 ولفظه: «فلا يصبّ رأسه ولا يقنع» . ومن طريق آخَر: «غير مقنع رأسه» .
(4) في الأصل: «أنْصَبَ» وأثبتُّ ما في ا، واللسان.(5/61)
(س) وَفِيهِ «فاطمةُ بَضْعَةٌ مَنَّى يُنْصِبُنِى مَا أَنْصَبَهَا» أَيْ يُتْعِبُني مَا أتْعَبَها. والنَّصَبُ:
التَّعَبُ. وَقَدْ نَصِبَ يَنْصَبُ، ونَصَبَهُ غيرُه وأَنْصَبَهُ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الدَّجَّالِ «مَا يُنْصِبُكَ مِنْهُ» ورُوِي «مَا يُضْنِيك مِنْهُ» مِنَ الضَّنا: الهُزال والضَّعْف وأثَر الْمَرَضِ. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
وَفِي حَدِيثِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ «كَانَ رَباحُ بْنُ المُعْتَرِف «1» يُحْسِنُ غِناء النَّصب» النَّصْبُ بِالسُّكُونِ: ضَربٌ مِنْ أغانِي الْعَرَبِ شِبْه الحُداء.
وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي أُحكِمَ مِنَ النَّشِيد، وأُقِيمَ لَحْنُه ووزْنُه.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ نَائِلٍ مَولى عُثْمَانَ «فَقُلْنَا لِرَباح بْنِ المُعْتَرِف «2» : لَوْ نَصَبْتَ لَنَا نَصْبَ الْعَرَبِ» قَالَ الْأَصْمَعِيُّ:
وَفِي الْحَدِيثِ «كلُّهم كَانَ يَنْصِبُ» أَيْ يُغَنّي النَّصْبَ.
(نَصَتَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ الْجُمُعَةِ «وأنْصَتَ وَلَمْ يَلْغُ» قَدْ تَكَرَّرَ ذِكْر «الْإِنْصَاتِ» فِي الْحَدِيثِ. يُقَالُ: أنْصَت يُنْصِتُ إنْصاتا، إِذَا سَكَت سُكوتَ مُسْتمِع. وَقَدْ نَصَت أَيْضًا، وأنْصَتُّه، إِذَا أسْكتَّه، فَهُوَ لَازِمٌ ومتَعدٍّ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ طَلْحَةَ «قَالَ لَهُ رَجُلٌ بالبَصْرة: أنْشُدُك اللَّهَ، لَا تَكُنْ أوّلَ مَن غَدَرَ، فَقَالَ طلحةُ: أنْصِتوني أنْصِتُوني» قَالَ الهَروي: يُقَالُ: أنْصَتُّه وأنْصَتُّ لَهُ، مِثْلُ نَصَحتُه ونَصَحتُ لَهُ.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ «أنْصِتوني مِنَ الإنْصات «3» وتَعَدِّيه بِإِلَى فَحَذَفَه «4» » : أَيِ استمِعوا إِلَيَّ.
(نَصَحَ)
- فِيهِ «إنَّ الدِّين النَّصِيحَةُ للَّه وَلِرَسُولِهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وعامّتِهم»
__________
(1) في الأصل، واللسان: «المغترف» بالغين المعجمة. وأثبتُّه بالعين المهملة من: ا، والإستيعاب ص 486. وأسد الغابة 2/ 162، والإصابة 2/ 193. وفي هوامش الإستيعاب: «والمغترف، بالغين المعجمة. ذكره ابن دُرَيد. وقال: وقد روى قوم: المعترف، بالعين غير المعجمة» اهـ، وانظر الاشتقاق ص 103.
(2) في الأصل، واللسان: «المغترف» بالغين المعجمة. وأثبتُّه بالعين المهملة من: ا، والإستيعاب ص 486. وأسد الغابة 2/ 162، والإصابة 2/ 193. وفي هوامش الإستيعاب: «والمغترف، بالغين المعجمة. ذكره ابن دُرَيد. وقال: وقد روى قوم: المعترف، بالعين غير المعجمة» اهـ، وانظر الإشتقاق ص 103.
(3) بعده في الفائق 3/ 91: «وهو السكوت للإستماع» .
(4) في الفائق: «وحَذَفَه» .(5/62)
النَّصِيحَةُ: كَلِمَةٌ يُعَبِّرُ بِهَا عَنْ جُمْلَةٍ، هِيَ إِرَادَةُ الْخَيْرِ لِلْمَنْصُوحِ لَهُ، وَلَيْسَ يُمكنُ أَنْ يُعَبَّر هَذَا الْمَعْنَى بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ تَجْمَع مَعْنَاهُ غَيْرِهَا.
وَأَصْلُ النُّصْحِ فِي اللُّغَةِ: الخُلوص. يُقَالُ: نَصَحْتُهُ، ونَصَحْتُ لَهُ. وَمَعْنَى نَصِيحَةُ اللَّه: صِحَّةُ الِاعْتِقَادِ فِي وَحْدَانِيَّتِهِ، وإخلاصُ النِيَّة فِي عبادتِه.
والنَّصِيحَةُ لِكِتَابِ اللَّه: هُوَ التَّصْدِيقُ بِهِ والعمَلُ بِمَا فِيهِ.
ونَصِيحَةُ رَسُولِهِ: التَّصْدِيقُ بنُبُوَّته ورسالتِه، والانْقياد لِمَا أمَر بِهِ ونَهَى عَنْهُ.
ونَصِيحَةُ الْأَئِمَّةِ: أَنْ يُطِيعَهم فِي الْحَقِّ، وَلَا يَرى الخروجَ عَلَيْهِمْ إِذَا جارُوا.
ونَصِيحَةُ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ: إرشادُهم إِلَى مصالِحِهم.
وَفِي حَدِيثِ أُبَيّ «سألتُ النبيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ التّوْبة النَّصُوحِ، قَالَ: هِيَ الخالِصة الَّتِي لَا يُعاوَدُ بَعدها الَّذنْبُ» وفَعول مِنْ أبْنية الْمُبَالَغَةِ، يَقَع عَلَى الذَكَر وَالْأُنْثَى، فكأنَّ الْإِنْسَانَ بالَغَ فِي نُصْح نفسِه بِهَا.
وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ «النُّصْح وَالنَّصِيحَةِ» «1» .
(نَصَرَ)
- فِيهِ «كلُّ مُسْلِم عَلَى مُسْلمٍ مُحرَّم «2» : أخَوانِ نَصِيرَانِ» أَيْ هُمَا أخَوانِ يَتَنَاصَرَانِ ويَتعاضَدانِ.
__________
(1) زاد الهروي من أحاديث المادة، قال: «وفي حديث عبد الرحمن بن عوف في الشُّورَى. قال: «وإن جُرْعةَ شَرُوبٍ أَنْصَحُ لكم من عَذْبٍ مُوبٍ» ثم حكى عن الأصمعي قال: «إذا شَرِبَ دون الرِّيِّ، قال: نَضَحْتُ الرِّيَّ، بالضاد معجمة. فإن شرب حتى يَرْوَى قال: نصحتُ الرِّيَّ، بالصاد غير معجمة، نَصْحاً، ونَصَعْتُ، ونَقَعْتُ. وقد أنصعني، وأنقعني» اه وانظر وبأ فيما يأتي.
(2) في الأصل، وا: «كلُّ مسلمٍ عن مسلمٍ مُحْرِم» وكذلك في الفائق 1/ 364. وفي اللسان: «كلُّ المسلم عن مسلمٍ مُحَرَّم» . وما أثبت من مسند أحمد 5/ 4، 5 من حديث بَهْز بن حكيم. وسننِ النَّسائي باب من سأل بوجه اللَّه عزَّ وجل، من كتاب الزكاة 1/ 358.(5/63)
والنَّصِيرُ: فَعيل بِمَعْنَى فاعِل أَوْ مَفْعُولٍ، لِأَنَّ كلَّ واحدٍ مِنَ الْمُتَنَاصِرَيْنِ نَاصِرٌ ومَنْصُورٌ. وَقَدْ نَصَرَهُ يَنْصُرُهُ نَصْراً، إِذَا أعانَه عَلَى عَدُوِّهِ وشَدّ مِنْهُ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الضَّيف الْمَحْرُومِ «فإنَّ نَصْره حقٌّ عَلَى كُلِّ مسْلم حَتَّى يأخذَ بِقِرَى لَيْلتِه» قِيلَ: يُشْبه أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي الْمُضْطَرِّ الَّذِي لَا يَجِدُ مَا يأكلُ، ويَخافُ عَلَى نفسِه التَّلَف، فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ بقَدر حاجتِه الضروريَّة، وَعَلَيْهِ الضَّمان.
(هـ) وَفِيهِ «إِنَّ هَذِهِ السَّحَابَةَ تَنْصُر أرضَ بنِي كَعْب» أَيْ تُمْطِرُهم. يُقَالُ: نَصَرْتُ الأرضُ فَهِيَ مَنْصُورَةٌ: أَيْ مَمْطورةٌ. ونَصَرَ الغيثُ البَلَدَ، إِذَا أعانَه عَلَى الخِصْب والنَّبات.
وَقِيلَ: هَذَا الخبرُ إِنَّمَا جَاءَ فِي قصَّة خُزاعة، وَهُمْ بَنُو كَعب حِينَ قَتَلَتْهم قُرَيْشٌ فِي الحرَم بَعْدَ الصُّلْحِ، فَوَرَد عَلَى النَّبِيِّ صلى اللَّه عليه وسلم وارِدٌ مِنْهُمْ مُسْتَنْصِراً، فَقَالَ: «إِنَّ هَذِهِ السحابَة تَنْصُر أرضَ بَنِي كَعْبٍ» يَعْنِي بِمَا فِيهَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَهُوَ مِنَ النَّصْر والمَعُونة.
(هـ) وَفِيهِ «لَا يَؤُمَّنَّكم أَنْصَرُ» أَيْ أقْلَفُ. هَكَذَا فُسِّر فِي الْحَدِيثِ.
(نَصَصَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ لمَّا دَفَع مِنْ عَرَفَة سَارَ العَنَقَ، فَإِذَا وَجَد فَجْوَةً نَصَّ» النَّصُّ «1» : التَّحْرِيكُ حَتَّى َيَسْتَخرِجَ أقْصَى سَير النَّاقَةِ. وأصلُ النَّصِّ: أقْصَى الشَّيْءِ وغايَتُه. ثُمَّ سُمِّي بِهِ ضَرْبٌ مِنَ السَّيْرِ سريعٌ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمة لِعَائِشَةَ «مَا كنتِ قَائِلَةً لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عارَضَك بِبَعْضِ الفَلَوات ناصَّةً قَلوصاً مِنْ مَنْهَلٍ إِلَى مَنْهَلٍ» أَيْ رافِعةً لَهَا فِي السَّير.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثِ عَلِيٍّ «إِذَا بَلغ النِّساءُ نَصَّ الحِقَاق فالعَصَبةُ أوْلَى» أَيْ إِذَا بَلَغَت غايَة الْبُلُوغِ مِنْ سِنِّها الَّذِي يَصْلُح أَنْ تُحاقِقَ وتُخاصِم عَنْ نفسِها، فعصَبَتُها أَوْلَى بِهَا مِنْ أمِّها.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ كَعْبٍ «يَقُولُ الجبَّار: احْذروني، فَإِنِّي لَا أُنَاصُّ عَبْدًا إِلَّا عَذَّبْتُه» أَيْ لَا أسْتَقْصِي عَلَيْهِ فِي السُّؤَالِ والحِساب. وَهِيَ مُفاعَلة مِنْهُ.
وَرَوَى الخطَّابي عَنْ [عَوْن بْنِ] «2» عَبْدِ اللَّه مِثْلَه.
__________
(1) هذا شرح أبي عبيد، كما ذكر الهروي.
(2) ساقط من ا، والنسخة 517.(5/64)
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَمْرو بْنِ دِينار «مَا رأيتُ رَجُلًا أَنَصَّ لِلْحَدِيثِ مِنَ الزُّهرِي» أَيْ أرفَعَ لَهُ وأسْندَ.
(س) وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّه بْنِ زَمْعة «أَنَّهُ تَزَوَّجَ بنتَ السَّائِبِ، فَلَمَّا نُصَّتْ لِتُهْدَى إِلَيْهِ طَلقَّهَا» أَيْ أُقْعِدَت عَلَى الْمِنَصَّةِ، وَهِيَ بِالْكَسْرِ: سَرير الْعَرُوسِ.
وَقِيلَ: هِيَ بِفَتْحِ الْمِيمِ: الحَجَلَةُ عَلَيْهَا، مِنْ قَوْلِهِمْ: نَصَصْتُ المَتاع، إِذَا جعلْتَ بعضَه عَلَى بَعْضٍ.
وكلُّ شَيْءٍ أظهرْته فَقَدْ نَصَصْتَهُ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ هِرَقْل «يَنُصُّهُمْ» أَيْ يَستخرج رأيَهم ويُظْهِرُه.
وَمِنْهُ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ «نَصُّ القرآنِ، ونَصُّ السُّنَّة» أَيْ مَا دَلَّ ظاهرُ لفظِهما عَلَيْهِ مِنَ الْأَحْكَامِ.
(نَصَعَ)
(س) فِيهِ «الْمَدِينَةُ كالكِير، تَنْفِي خَبَثَها وتَنْصَعُ طِيبَها» أَيْ تُخْلِصُه. وَشَيْءٌ نَاصِعٌ: خالصٌ. وأَنْصَعَ: أظْهَرَ مَا فِي نفسِه. ونَصَعَ الشيءُ يَنْصَعُ، إِذَا وَضَح وَبَانَ.
ويُرْوى «يَنْصَع طِيبُها» أَيْ يَظْهَرُ.
ويُرْوى بِالْبَاءِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الإفْك «وَكَانَ مُتَبَرَّزُ النساءِ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ تُبْنَى الكُنُف فِي الدُّورِ الْمَنَاصِعُ» هي المَواضع التي يُتَخَلَّى فِيهَا لِقضاء الحاجةِ، واحدُها: مَنْصَعَ؛ لِأَنَّهُ يُبْرَزُ إِلَيْهَا ويُظْهر.
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: أُراها مَواضِعَ مَخْصُوصَةً خارجَ الْمَدِينَةِ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إنَّ الْمَنَاصِعَ صَعيدٌ أفْيَحُ خارجَ الْمَدِينَةِ» .
(نَصَفَ)
- فِيهِ «الصَّبر نِصْفُ الْإِيمَانِ» أَرَادَ بالصبرِ الوَرَع، لِأَنَّ الْعِبَادَةَ قِسْمَانِ:
نُسْكٌ ووَرَع، فالنُّسْك: مَا أمَرتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ. والورَع: مَا نَهَت عَنْهُ. وَإِنَّمَا يُنْتَهَى عَنْهُ بِالصَّبْرِ، فكانَ الصبرُ نصفَ الْإِيمَانِ.
(هـ) وَفِيهِ «لَوْ أنَّ أحدَكم أَنْفَقَ مَا فِي الْأَرْضِ مَا بَلَغَ مُدَّ أحدِهم وَلَا نَصِيفَهُ» هُوَ النِّصف، كالعَشِير فِي العُشْر.(5/65)
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ الْأَكْوَعِ:
لَمْ يَغْذُها مُدٌّ وَلَا نَصِيفُ
(هـ) وَفِي صِفَةِ الحُور «ولَنَصِيفُ إِحْدَاهُنَّ خيرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» هُوَ الخِمارُ.
وَقِيلَ: المِعْجَرُ.
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ مَعَ زِنْباع بْنِ رَوْح:
مَتَى ألْقَ زِنْباعَ بنَ رَوْحٍ ببَلْدةٍ ... لِيَ النِّصفُ مِنْهَا يَقْرَعِ السِّنَّ مِن نَدَمْ
النِّصْفُ، بِالْكَسْرِ: الِانْتِصَافُ. وَقَدْ أَنْصَفَهُ مِنْ خَصْمِه، يُنْصِفُهُ إِنْصَافاً.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «وَلَا جَعَلوا بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ نِصْفاً» أَيْ إنْصافا.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الصَّبغاء:
بَيْنَ القِرانِ السَّوْءِ والنَّوَاصِفُ
جَمْع نَاصِفَة وَهِيَ الصَّخْرة. ويُرْوَى «التَّراصُف» . وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وفي قصيد كعب:
شَدَّ النَّهارِ ذِراعا «1» عَيطَلٍ نَصَفٍ
النَّصَفُ بِالتَّحْرِيكِ: الَّتِي بَيْنَ الشابَّة والكَهْلة.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْمَنْصَفِ» أَيِ الْمَوْضِعِ الوَسَط بَيْنَ الموضِعين.
وَمِنْهُ حَدِيثُ التَّائِبِ «حَتَّى إِذَا أَنْصَفَ الطريقَ أَتَاهُ الموتُ» أَيْ بَلَغ نِصْفَهُ. وَيُقَالُ فِيهِ: نَصَفَهُ، أَيْضًا.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ «دَخَلَ الْمِحْرَابَ وَأَقْعَدَ مِنْصَفاً عَلَى الْبَابِ» الْمِنْصَفُ بِكَسْرِ الْمِيمِ: الخادِمُ. وَقَدْ تُفْتَح. يُقَالُ: نَصَفْتُ الرَّجلَ، نِصَافَةً، إِذَا خَدَمْتَه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ سَلَامٍ «فجاءنى مِنْصَفٌ مَنْصَفٌ فَرَفَع ثِيَابِي مِن خَلْفي» .
(نَصَلَ)
[هـ] فِيهِ «مَرَّت سحابةٌ فَقَالَ: تَنَصَّلَتْ هَذِهِ تَنْصُرُ بَني كَعْبٍ» أَيْ أقْبَلَت، مِنْ قولِهم: نَصَلَ عَلَيْنَا، إِذَا خَرج مِن طَرِيقٍ، أَوْ ظَهَر من حجاب.
__________
(1) في الأصل، وا، واللسان: «ذِراعَيْ» وهو خطأ. انظر ص 258 من الجزء الثالث.(5/66)
ويُرْوى «تَنْصَلِتُ «1» » أَيْ تَقْصِد للمَطَر، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَفِيهِ «أَنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّون رَجَباً مُنْصِلَ الأسِنَّة» أَيْ مُخْرِج الأسِنّة مِنْ أماكنِها. كَانُوا إِذَا دَخَلَ رَجَبٌ نَزَعُوا أسنَّة الرِّمَاحِ ونِصَالَ السِّهَامِ، إبْطالاً لِلْقِتَالِ فِيهِ، وَقَطْعًا لِأَسْبَابِ الفِتَن لحُرْمَتِه، فلمَّا كَانَ سَبَبًا لِذَلِكَ سُمِّي بِهِ.
يُقَالُ: نَصَّلْتُ السَّهم تَنْصِيلًا، إِذَا جعَلْتَ لَهُ نَصْلًا، وَإِذَا نَزَعْتَ نَصْلَه، فَهُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ.
وأَنْصَلْتُهُ فَانْتَصَلَ، إِذَا نَزَعْتَ سَهْمَه.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى «وَإِنْ كَانَ لِرُمْحِك سِنانٌ فَأَنْصِلْهُ» أَيِ انْزَعْه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «ومَن رَمى بِكُمْ فَقَدَ رَمَى بأفْوَقَ نَاصِلٍ» أَيْ بسَهمٍ مُنْكَسِر الفُوق لَا نَصْلَ فِيهِ.
يُقَالُ: نَصَلَ السهمُ، إِذَا خَرَجَ مِنْهُ النَّصْل. ونَصَلَ أَيْضًا، إِذَا ثَبَت نَصْلُه فِي الشَّيْءِ وَلَمْ يَخْرُج، فَهُوَ مِنَ الأضْداد.
(هـ) وَحَدِيثُ أَبِي سُفْيَانَ «فامَّرَط قُذَذُ السَّهْم وانْتَصَلَ» .
(س) وَفِيهِ «مَن تَنَصَّلَ إِلَيْهِ أَخُوهُ فَلَمْ يَقْبَل» أَيِ انْتَفَى مِن ذَنْبِه واعتَذَر إِلَيْهِ.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ الخُدْريّ «فَقَامَ النَّحَّامُ العَدَوِىّ يَوْمَئِذٍ، وَقَدْ أقامَ عَلَى صُلْبه نَصِيلا» النَّصِيلُ: حَجَرٌ طويلٌ مُدَمْلَكٌ، قَدْر شِبْر أَوْ ذِراع. وجمْعُه: نُصُلٌ «2» .
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ خَوّات «فَأَصَابَ ساقَه نَصِيلُ حَجَرٍ» .
(نَصْنَصَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ «دُخِل عَلَيْهِ وَهُوَ يُنَصْنِصُ لِسانَه وَيَقُولُ: إِنَّ هَذَا أوْرَدَني المَوارِد» أَيْ يُحَرِّكُه. يُقَالُ بِالصَّادِ وَالضَّادِ مَعًا.
وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ «حيَّةٌ نَصْنَاصٌ ونَضْناض» يُكْثِرُ تَحريكَ لسانِه. وَقِيلَ: إِذَا كَانَتْ سريعةَ التَّلَوِّي لا تَثْبُتُ.
__________
(1) في الأصل: «تَقْصَلِت» بالقاف خطأ، وانظر صلت.
(2) في الأصل: «نُصل» بالسكون. وضبطته بالضم من: ا، واللسان.(5/67)
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «مَا يُنَصْنِصُ بِهَا لِسانَه» أَيْ مَا يُحَرِّكُه.
(نَصَا)
(هـ س) فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «سُئِلَت عَنِ المَّيت يُسَرَّحُ رأسُه، فَقَالَتْ: عَلام تَنْصُونَ مَيِّتَكم؟» يُقَالُ: نَصَوْتُ الرجلَ أَنْصُوهُ نَصْواً، إِذَا مَدَدْتَ نَاصِيَتَهُ. ونَصَتَ الماشطةُ المرأةَ، ونَصَّتْها فتَنَصَّت.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّ زَينبَ تَسَلَّبَت عَلَى حمزةَ ثَلاثَة أيامٍ، فأمَرها رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَنَصَّى وتَكْتَحِل» أَيْ تُسَرِّح شعرَها. أَرَادَ تَتَنَصَّى، فَحذف التَّاءَ تَخْفِيفًا.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «قَالَ للحُسَين لَمَّا أَرَادَ العِراقَ: لَوْلَا أَنِّي أكْرَه لَنَصَوْتُكَ» أَيْ أخَذْتُ بناصيتِك، وَلَمْ أدَعْك تَخْرُج.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ «لَمْ تَكُنْ واحدةٌ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُنَاصِينِى غَير زَيْنَبَ» أَيْ تُنازِعُني وتُبارِيني. وَهُوَ أَنْ يأخذَ كلُّ واحدٍ مِنَ المتنازِعَين بِنَاصِيَةِ الآخَر.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ مَقْتَل عُمر «فَثَارَ إِلَيْهِ فَتَنَاصَيَا» أَيْ تَواخَذَا بِالنَّوَاصِى.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ ذِي المِشْعار «نَصِيَّةٌ مِنْ هَمْدانَ، مِنْ كُلِّ حاضرٍ وبادٍ» النَّصِيَّةُ: مَن يُنْتَصَى مِنَ الْقَوْمِ، أَيْ يُخْتارُ مِنْ نَواصيهم، وهم الرؤوس والأشْرافُ. وَيُقَالُ للرُّؤساء: نَوَاصٍ، كَمَا يُقَالُ للأتْباع: أذْنابٌ. وَقَدِ انْتَصَيْتُ مِنَ الْقَوْمِ رَجُلًا: أَيِ اخترتُه.
(س) وَفِي حديثٍ «رأيتُ قُبورَ الشُّهَدَاءِ جُثاً قَدْ نَبَت عَلَيْهَا النَّصِىُّ» هُوَ نَبْتٌ سَبْطٌ أبيضُ ناعِمٌ، مِنْ أَفْضَلِ المَرْعَى.
بَابُ النُّونِ مَعَ الضَّادِ
(نَضَبَ)
- فِيهِ «مَا نَضَبَ عَنْهُ البحرُ وَهُوَ حَيٌّ فَمَاتَ فَكُلُوهُ» يَعْنِي حيوانَ الْبَحْرِ: أَيْ نَزَح ماؤُه ونَشِفَ. ونَضَبَ الْمَاءُ، إِذَا غارَ ونَفِد.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْأَزْرَقِ بن قيس «كنا على شاطىء النَّهْر بالأهْواز وَقَدْ نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ» وَقَدْ يُسْتعار للمعاني.(5/68)
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ «نَضَبَ عُمْرُه وضَحا ظلُّه» أي نَفِدَ عُمْرُه وانْقَضَى.
(نَضَجَ)
(س) فِي حَدِيثِ عُمَرَ «فتَرك صِبْيَةً صِغاراً مَا يُنْضِجُونَ كُراعا» أَيْ مَا يَطبُخُون كُراعا، لعَجْزِهم وصِغَرِهم. يَعْنِي لَا يَكْفُون أنفسَهم خِدمةَ مَا يَأْكُلُونَهُ، فَكَيْفَ غيْرُه؟
وَفِي رِوَايَةٍ «مَا تَسْتَنْضِجُ كُراعا» والكُراع: يَدُ الشَّاةِ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ لُقْمَانَ «قريبٌ مِنْ نَضِيجٍ، بَعيدٌ مِنْ نِيءٍ» النَّضِيجُ: الْمَطْبُوخُ، فَعيل بِمَعْنَى مَفْعُولٍ. أَرَادَ «1» أَنَّهُ يَأْخُذُ مَا طُبِخ لإلْفِه المنْزِلَ، وَطُولِ مُكْثِه فِي الحَيِّ، وَأَنَّهُ لَا يَأْكُلُ النِّيءَ كَمَا يَأْكُلُ منْ أعْجَله الأمْرُ عَنْ إِنْضَاجِ مَا اتَّخَذ، وَكَمَا يَأْكُلُ مَن غَزا واصْطاد.
(نَضَحَ)
(هـ) فِيهِ «مَا يُسْقىَ مِنَ الزَّرْع نَضْحاً ففيهِ نِصفُ العُشْر» أَيْ مَا سُقِيَ بالدَّوالِي والاسْتقاء. والنَّوَاضِحُ: الْإِبِلُ الَّتِي يُسْتَقَى عَلَيْهَا، واحدُها: نَاضِحٌ «2» .
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّ نَاضِحَ بَني فُلان قَدْ أبَدَ عَلَيْهِمْ» ويُجْمَع أَيْضًا عَلَى نَضَّاحٍ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «اعْلفْه نُضَّاحَكَ» هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ. وَفَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ بالرَّقيق، الَّذِينَ يَكُونُونَ فِي الْإِبِلِ، فالغِلْمانُ نُضَّاحٌ، وَالْإِبِلُ نَوَاضِحُ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ «قَالَ لِلْأَنْصَارِ، وَقَدْ قَعَدُوا عَنْ تَلَقِّيه لمَّا حجَّ: مَا فعَلتْ نَواضِحُكم؟» كَأَنَّهُ يُقَرّعُهم بِذَلِكَ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ حَرْثٍ وَزَرْعٍ وَسَقْيٍ.
وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُهُ فِي الْحَدِيثِ، مُفْرَدًا وَمَجْمُوعًا.
(هـ) وَفِيهِ «مِنَ السُّنَن العَشْرِ الِانْتِضَاحُ بِالْمَاءِ» هُوَ أَنْ يأخُذ قَلِيلًا مِنَ الْمَاءِ فيرُشَّ بِهِ مَذاكيرَه بَعْدَ الْوُضُوءِ، لِيَنْفيَ عَنْهُ الوَسْواس، وَقَدْ نَضَحَ عَلَيْهِ الماءَ، ونَضَحَهُ بِهِ، إِذَا رَشَّه عَلَيْهِ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَطَاءٍ «وَسُئِلَ عَنْ نَضَحِ الْوُضُوءِ» هُوَ بِالتَّحْرِيكِ: مَا يَتَرَشَّش منه عند التوضّؤ، كالنّشر.
__________
(1) هذا شرح القتيبى، كما ذكر الهروى.
(2) هكذا فى الأصل، وا، واللسان. وفى الهروى: «ناضحة» وجاء فى اللسان: «والناضح: البعير أو الثور أو الحمار الذى يستقى عليه الماء. والأنثى بالهاء، ناضحة وسانية» .(5/69)
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ قَتادة «النَّضَحُ مِنَ النَّضْحِ» يُرِيدُ مَنْ أَصَابَهُ نَضْحٌ مِنَ الْبَوْلِ- وَهُوَ الشَّيْءُ الْيَسِيرُ مِنْهُ- فَعَلَيْهِ أَنْ يَنْضَحَهُ بِالْمَاءِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَسْلُه.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هُوَ أَنْ يُصيبَه من البول رَشاشٌ كرؤوس الإبرِ.
(س) وَفِيهِ «أَنَّهُ قَالَ للرُّماة يَوْمَ أحُدٍ: انْضَحُوا عَنَّا الْخَيْلَ لَا نُؤتَى مِن خَلْفِنا» أَيِ ارْمُوهم بالنُّشَّاب. يُقَالُ: نَضَحُوهُمْ بِالنَّبْلِ، إِذَا رمَوْهم.
وَفِي حَدِيثِ هِجَاءِ الْمُشْرِكِينَ «كَمَا تَرْمُون نَضْحَ النَّبل» .
وَفِي حَدِيثِ الْإِحْرَامِ «ثُمَّ أصْبَح مُحْرِما يَنْضَحُ طِيباً» أَيْ يَفُوح. والنَّضُوحُ بِالْفَتْحِ:
ضَرْب مِنَ الطِيب تَفُوحُ رائحتُه. وَأَصْلُ النَّضْحِ: الرَّشْح، فشَبَّه كثرةَ مَا يَفُوح مِنْ طِيبِهِ بالرَّشْح.
ورُوي بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ.
وَقِيلَ: هُوَ كاللَّطْخ يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ. قَالُوا: وَهُوَ أَكْثَرُ مِنَ النَّضْح، بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ.
وَقِيلَ: هُوَ بِالْخَاءِ المعجمة فيما نحن كالطِّيب، وَبِالْمُهْمِلَةِ فِيمَا رَقّ كَالْمَاءِ. وَقِيلَ: هُمَا سَوَاءٌ.
وَقِيلَ بِالْعَكْسِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «وَجَد فَاطِمَةَ وَقَدْ نَضَحَتِ البيتَ بِنَضُوحٍ» أَيْ طَيَّبتْه وَهِيَ فِي الْحَجِّ.
وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُهُ فِي الْحَدِيثِ.
وَقَدْ يَرِدُ «النَّضْحُ» بِمَعْنَى الغَسْل وَالْإِزَالَةِ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «ونَضَح الدَّمَ عَنْ جَبِينِهِ» .
وَحَدِيثُ الْحَيْضِ «ثُمَّ لْتَنْضَحْهُ» أَيْ تَغْسِله.
وَفِي حَدِيثِ مَاءِ الْوُضُوءِ «فمِن نائِلٍ ونَاضِحٍ» أَيْ راشٍّ مِمَّا بيدِه عَلَى أَخِيهِ.
(نَضَخَ)
(هـ) فِيهِ «يَنْضَخُ البحر ساحله» النَّضْخُ: قريب من النّضخ. وَقَدِ اختُلِف فِيهِمَا أيُّهُما أَكْثَرُ، وَالْأَكْثَرُ أَنَّهُ بِالْمُعْجَمَةِ أقَلُّ مِنَ الْمُهْمِلَةِ.
وَقِيلَ: هُوَ بِالْمُعْجَمَةِ: الأثَرُ يبقَى فِي الثَّوب والجَسَد، وَبِالْمُهْمَلَةِ: الفعْلُ نفسُه.
وَقِيلَ: هُوَ بِالْمُعْجَمَةِ مَا فُعِل تَعَمُّداً، وَبِالْمُهْمَلَةِ مِنْ غَيْرِ تعمُّد.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ النَّخَعِيِّ «لَمْ يَكُنْ يَرى بنَضْخ الْبَوْلِ بَأْسًا» يَعْنِي نَشَره وَمَا تَرَشَّشَ مِنْهُ.
ذَكَرَهُ الْهَرَوِيُّ بالخاء المعجمة.(5/70)
وفي قصيد كَعْبٍ:
مِنْ كلِّ نَضَّاخَةٍ الذَّفْرَى إِذَا عَرِقَتْ
يُقَالُ: عينٌ نَضَّاخَةٌ: أَيْ كَثِيرَةُ الْمَاءِ فَوَّارَةٌ. أَرَادَ أَنَّ ذِفْرَى النَّاقَةِ كَثِيرَةُ النَّضْخ بالعَرَق.
(نَضَدَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ احْتَبَس عَنْهُ لكلْب كَانَ تَحْتَ نَضَدٍ لَهُ» هُوَ بِالتَّحْرِيكِ: السَّرِيرُ الَّذِي تُنْضَدُ عَلَيْهِ الثِّيَابُ: أَيْ يُجْعل بعضُها فوقَ بَعْضٍ، وَهُوَ أَيْضًا متاعُ الْبَيْتِ الْمَنْضُود.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ «لَتَتَّخِذُنّ نَضَائِدَ الدِّيباج» أَيِ الوَسائد، واحدتُها: نَضِيدَة.
(هـ) وَحَدِيثُ مَسْرُوقٍ «شَجَرُ الْجَنَّةِ نَضِيدٌ مِنْ أصلِها إِلَى فَرْعها» أَيْ لَيْسَ لَهَا سوُقٌ بارِزة، وَلَكِنَّهَا مَنْضُودَةٌ بالوَرَق وَالثِّمَارِ، مِنْ أسفلِها إِلَى أَعْلَاهَا. وَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ.
(نَضَرَ)
(هـ) فِيهِ «نَضَرَ اللهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا» نَضَرَهُ ونَضَّرَهُ وأَنْضَرَهُ:
أَيْ نَعَّمَه.
وَيُرْوَى بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ مِنَ النَّضارة، وَهِيَ فِي الْأَصْلِ: حُسنُ الْوَجْهِ، والبَريقُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ حَسَّن خُلُقَه وقَدْرَه.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «قَالَ: يَا معشرَ مُحارِب، نَضَّرَكُمُ اللَّه، لَا تَسْقُونِي حَلَبَ امْرَأَةٍ» كَانَ حَلَبُ النِّسَاءِ عِنْدَهُمْ عَيباً، يتعايَرون بِهِ.
وَفِي حَدِيثِ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ «رَأَيْتُ قَدَح رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ أنسٍ، وَهُوَ قَدَحٌ عَرِيضٌ مِنْ نُضَارٍ» أَيْ مِنْ خشبٍ نُضَار، وَهُوَ خَشَبٌ مَعْرُوفٌ. وَقِيلَ: هُوَ الأثْلُ الوَرْسِيُّ اللَّوْنِ. وَقِيلَ: النَّبْع. وَقِيلَ: الخِلاف «1» .
والنُّضَار: الْخَالِصُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. والنُّضَار: الذَّهَبُ أَيْضًا.
وَقِيلَ: أقْدَاحُ النُّضَارِ: حُمْرٌ مِنْ خشبٍ أَحْمَرَ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ النَّخَعيّ «لَا بَأْسَ أن يَشْرَبَ في قَدَح النُّضَارِ» .
__________
(1) الخلاف، وزِان كِتاب: شجر الصَّفْصاف. الواحدة: خِلافة. قاله في المصباح.(5/71)
(نَضَضَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ عُمَرَ «كَانَ يَأْخُذُ الزَّكَاةَ مِنْ نَاضِّ الْمَالِ» هُوَ مَا كَانَ ذَهَبًا أَوْ فِضة، عَينا ووَرِقا. وَقَدْ نَضَّ المالُ يَنِضُّ، إِذَا تَحَوّل نَقْداً بَعْدَ أَنْ كَانَ مَتَاعًا.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «خُذ صدقةَ مَا قَدْ نَضَّ مِنْ أَمْوَالِهِمْ» أَيْ مَا حَصَل وظَهر مِنْ أثْمان أمْتِعَتِهم وَغَيْرِهَا.
(هـ) ومنه حديث عِكْرِمة في الشريكين إذا أرادا أَنْ يَتَفَرّقا «يَقْسمان مَا نَضَّ بَيْنَهُمَا مِنَ الْعَيْنِ، وَلَا يَقْسمان الدَّين» كَرِه أَنْ يُقْسَم الدَّين، لِأَنَّهُ رُبَّمَا اسْتَوْفَاهُ أحدُهما، وَلَمْ يَسْتَوفِه الْآخَرُ، فَيَكُونُ رِباً، وَلَكِنْ يَقْتَسمانه بَعْدَ الْقَبْضِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ عِمران والمرأةِ صَاحِبَةِ الْمَزَادَةِ «قَالَ: وَالْمَزَادَةُ تكادُ تَنِضُّ مِنَ المِلْء «1» » أَيْ تَنْشَقُّ ويخرجُ مِنْهَا الْمَاءُ. يُقَالُ: نَضَّ الماءُ مِنَ الْعَيْنِ، إِذَا نَبَع.
(نَضَلَ)
(س) فِيهِ «أَنَّهُ مَرّ بقومٍ يَنْتَضِلُونَ» أَيْ يَرْتَمون بِالسِّهَامِ. يُقَالُ: انْتَضَلَ القومُ وتَنَاضَلُوا: أَيْ رَمَوْا للسَّبْق. ونَاضَلَهُ، إِذَا رَامَاهُ. وَفُلان يُنَاضِلُ عَنْ فُلَانٍ، إِذَا رَامَى عَنْهُ وحاجَجَ، وَتَكَلَّمْ بعُذْرِه، ودَفَع عَنْهُ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «بُعْداً لَكُنَّ وسُحْقاً، فَعَنْكنّ كُنْتُ أُنَاضِلُ» أَيْ أجادِل وأخاصِم وأدافِع.
(س) وَمِنْهُ شِعر أَبِي طَالِبٍ يَمْدَحُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
كذَبُتُم وبَيْتِ اللَّهِ يُبْزَى مُحمَّدٌ ... ولمَّا نُطاعِنْ دونَه ونُناضِلِ «2»
(نَضْنَضَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ «دُخِل عَلَيْهِ وَهُوَ يُنَضْنِضُ لِسَانَهُ» أَيْ يُحَرِّكُه.
ويُرْوى بِالصَّادِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
(نَضَا)
(س) فِيهِ «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُنْضِى شيطانَه كَمَا يُنْضِي أحدُكم بعيرَه» أَيْ يُهْزِله، ويَجْعله نِضْواً. والنِّضْوُ: الدَّابَّةُ الَّتِي أهْزَلَتْها الْأَسْفَارُ، وأذهبت لحمها.
__________
(1) هكذا في الأصل، وا. وفي اللسان: «من الماء» وهو في بعض نسخ النهاية، كما جاء بحواشي الأصل.
(2) في الأصل: «ونناضلُ» هنا وفي مادة بزى وهو خطأ، صوابه بالكسر من ا، والديوان، نسخة الشنقيطي بدار الكتب المصرية.(5/72)
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «كَلِمَاتٌ لَوْ رَحَلْتُم فيهنَّ الْمَطِيَّ لَأَنْضَيْتُمُوهُنَّ» .
وَحَدِيثُ ابْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ «أنْضَيتم الظَّهر» أَيْ أهْزَلْتُموه.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِنْ كان أحدُنا لَيأخُذُ نِضْوَ أخيه» .
(س) وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ «جَعَلتْ نَاقَتِي تَنْضُو الرِقاق «1» » أَيْ تَخْرُج مِنْ بَيْنِهَا. يُقَالُ:
نَضَتْ تَنْضُو نُضُوّاً ونُضِيّاً.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَذَكَرَ عُمر فَقَالَ: «تَنَكَّب قَوْسَه وانْتَضَى فِي يدِه أسْهُما» أَيْ أخَذ واستَخْرجَها مِنْ كِنانَتِه. يُقَالُ: نَضَا السيفَ مَنْ غِمْده وانْتَضَاهُ، إِذَا أَخْرَجَهُ.
(س) وَفِي حَدِيثِ الْخَوَارِجِ «فَيَنْظر فِي نَضِيِّهِ» النَّضِىُّ: نَصْلُ السَّهم. وَقِيلَ: هُوَ السَّهْمُ قَبْلَ أَنْ يُنْحَت إِذَا كَانَ قِدْحا، وَهُوَ أوْلَى، لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ ذِكرُ النَّصْل بَعْدَ النَّضِيّ.
وَقِيلَ: هُوَ مِنَ السَّهْمِ مَا بَيْنَ الرِيش والنَّصْل. قَالُوا: سُمِّي نَضِيّاً؛ لِكَثْرَةِ البَرْيِ والنَّحْتِ، فَكَأَنَّهُ جُعِل نِضْواً: أَيْ هَزِيلًا.
بَابُ النُّونِ مَعَ الطَّاءِ
(نَطَحَ)
(هـ) فِيهِ «فارسُ نَطْحَةٍ أَوْ نَطْحَتَيْنِ «2» ثُمَّ لَا فارِسَ بَعْدَهَا أَبَدًا» مَعْنَاهُ أَنْ «3» فارَسَ تُقاتِل الْمُسْلِمِينَ مرَّتين، ثُمَّ يَبْطُل مُلْكُها ويَزول، فحذِف الْفِعْلَ لِبَيَانِ معناه.
__________
(1) هكذا في الأصل، وا. وفي اللسان: «الرفاق» بالفاء والقاف، وهو في بعض نسخ النهاية، كما جاء بحواشى الأصل.
(2) هكذا بالنصب في الأصل، وا، والدر النثير، والهروي. والذي في القاموس، واللسان، وبعض نسخ النهاية، كما جاء بحواشي الأصل: «نطحةٌ أو نطحتان» .
(3) الذي في الهروي: «قال أبو بكر: معناه: فارس تنطح مرَّةً أو مرَّتين، فيبطل ملكها، ويزول أمرها. فحذف «تنطح» لبيان معناه. قال الشاعر:
رأتْني بحَبْلَيْها فصدَّتْ مخافةً ... وفي الحبلِ رَوْعاءُ الفؤادِ فَروقُ
أي رأتني أقبلت بحبليها، فحذف الفعل» .(5/73)
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَا يَنْتَطِحُ فِيهَا عَنْزان» أَيْ لَا يَلْتَقي فِيهَا اثْنَانِ ضَعِيفَانِ، لِأَنَّ النِّطَاحَ مِنْ شَأْنِ التُّيوس، والكِباش لَا العُنوزِ. وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى قَضية مَخْصُوصَةٍ لَا يَجْري فِيهَا خُلْف ونِزاعٌ.
(نَطَسَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ عُمَرَ «لَوْلَا التَّنَطُّسُ مَا بالَيْتُ أَلَّا أغْسِلَ يَدي» التَّنَطُّسُ «1» :
التَّقَذُّر. وَقِيلَ «2» : هُوَ الْمُبَالَغَةُ فِي الطُّهُورِ، والتَّأنُّق فِيهِ. وكُلُّ مَنْ تَأنَّق فِي الْأُمُورِ ودَقَّق النَّظر فِيهَا فَهُوَ نَطِسٌ ومُتَنَطِّسٌ.
(نَطَعَ)
(هـ) فِيهِ «هَلَك الْمُتَنَطِّعُونَ» هُمُ المُتعَمِّقون المُغالون فِي الْكَلَامِ، المتكلِّمون بأقْصَى حُلوقهم. مَأْخُوذٌ مِنَ النِّطَعِ، وَهُوَ الغارُ الأعْلى مِنَ الفَم، ثُمَّ استُعْمِل فِي كُلِّ تَعَمُّق، قَوْلًا وَفِعْلًا.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «لَنْ تَزَالُوا بِخَيْرٍ مَا عَجَّلْتم الفِطرَ وَلَمَ تَنَطَّعُوا تَنَطُّعَ أَهْلِ العِراق» أَيْ تتكلَّفوا الْقَوْلَ وَالْعَمَلَ.
وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ هَاهُنَا الْإِكْثَارَ مِنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ والتَّوسُّعَ فِيهِ حَتَّى يصِلَ إِلَى الْغَارِ الأعْلَى.
ويُسْتَحَبُّ لِلصَّائِمِ أَنْ يُعَجِّل الفِطْر بتَناول الْقَلِيلِ مِنَ الفَطُور.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ «إِيَّاكُمْ والتَّنَطُّعَ وَالِاخْتِلَافَ، فَإِنَّمَا هُوَ كَقَوْلِ أحدِكم: هَلُمَّ وتَعالَ» أَرَادَ النَّهي عَنِ المُلاحاة فِي الْقِرَاءَاتِ المختلِفة، وأنَّ مَرْجِعَها كلِّها إِلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ مِنَ الصَّوَابِ، كَمَا أَنَّ هَلُمَّ بِمَعْنَى تَعالَ.
(نَطَفَ)
(هـ) فِيهِ «لَا يَزَالُ الْإِسْلَامُ يَزِيدُ وأهلُه، ويَنْقَص الشِرك وَأَهْلُهُ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ بَيْنَ النُّطْفَتَيْنِ لَا يَخْشى جَورا» أَرَادَ بِالنُّطْفَتَيْنِ بَحْر الْمَشْرِقِ وَبَحْرَ الْمَغْرِبِ. يُقَالُ لِلْمَاءِ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ: نُطْفَةٌ، وَهُوَ بِالْقَلِيلِ أخَصُّ.
وَقِيلَ: أَرَادَ مَاءَ الفُرات وماء البحر الذى بلى جُدّة. هَكَذَا جَاءَ فِي كِتَابِ الْهَرَوِيِّ، وَالزَّمَخْشَرِيِّ: لَا يَخْشَى «3» جَورا: أَيْ لَا يَخْشَى فِي طريقه أحداً يَجور عليه ويَظْلِمهُ.
__________
(1) هذا شرح ابن عيينة، كما ذكر الهروي.
(2) القائل هو الأصمعي، كما ذكر الهروي أيضا.
(3) الذي في الفائق 3/ 103: «لا يخشى إلاّ جَوْرا» .(5/74)
وَالَّذِي جَاءَ فِي كِتَابِ الْأَزْهَرِيِّ «لَا يَخْشَى إِلَّا جَوْرا» أَيْ لَا يَخَافُ فِي طَرِيقِهِ غيرَ الضَّلال، والجَوْرِ عَنِ الطَّرِيقِ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إنَّا نَقْطَع إِلَيْكُمْ هَذِهِ النُّطْفَةِ» يَعْنِي مَاءَ الْبَحْرِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «ولْيُمْهِلْها عِنْدَ النِّطَافِ والأعْشاب» يَعْنِي الْإِبِلَ وَالْمَاشِيَةَ. النِّطَافُ:
جَمْع نُطْفة، يُرِيدُ أَنَّهَا إِذَا وَرَدَت عَلَى المِياه والعُشْب يَدَعُها لِتَرِد وتَرْعَى.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «قَالَ لِأَصْحَابِهِ: هَلْ مِنْ وَضوء؟ فَجَاءَ رَجُلٌ بِنُطْفَةٍ في إداوة» أراد بها ها هنا الْمَاءَ الْقَلِيلَ. وَبِهِ سُمِّي المَنِيُّ نُطْفَةً لِقلَّته، وجَمْعُها: نُطَفٍ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «تَخَيَّروا لِنُطَفِكم» وَفِي رِوَايَةٍ «لَا تَجْعَلوا نُطَفَكم إِلَّا فِي طَهَارَةٍ» هُوَ حَثٌ عَلَى اسْتِخارة أمِّ الوَلَد، وَأَنْ تَكُونَ صَالِحَةً، وَعَنْ نكاحٍ صَحِيحٍ أَوْ مِلْك يمين. وقد نَطَفَ الماءُ يَنْطُفُ ويَنْطِفُ، إِذَا قَطَر قَلِيلًا قَلِيلًا.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِنَّ رجُلاً أتَاه فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّه رَأَيْتُ ظُلَّةً تَنْطُف سَمْناً وعَسَلا» أَيْ تَقْطُر.
وَمِنْهُ صِفَةُ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «يَنْطُف رأسُه مَاءً» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ «دَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ وَنَوْسَاتُهَا تَنْطُف» .
(نَطَقَ)
(هـ) فِي حديث الْعَبَّاسِ يمدَحُ النَّبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حَتَّى احْتَوَى بَيْتُكَ المُهَيْمِنُ مِنْ ... خِنْدِفَ عَلْيَا تَحْتَهَا النُّطُقُ
النُّطُقُ: جمعِ نِطَاقٍ، وَهِيَ أَعْرَاضٌ مِنْ جِبَالٍ، بعضُها فَوْقَ بَعْضٍ: أَيْ نَواحٍ وأوْساط مِنْهَا، شُبِّهت بالنُّطُق الَّتِي يُشَدُّ بِهَا أوْساطُ النَّاسِ، ضَرَبَه مَثَلًا لَهُ؛ فِي ارتفاعِه وتَوسُّطِه فِي عَشِيرَتِهِ، وجعَلهم تحْتَه بِمَنْزِلَةِ أوْساط الْجِبَالِ. وأرادَ ببَيْتِه شَرَفه، وَالْمُهَيْمِنُ نَعْتُه: أَيْ حَتَّى احْتوى شرفُك الشاهدُ عَلَى فضلِك أعْلَى مكانٍ مِنْ نَسَب خِنْدِفَ.
وَفِي حَدِيثِ أُمِّ إِسْمَاعِيلَ «أَوَّلُ مَا اتَّخذ النساءُ الْمِنْطَقْ مِنْ قِبَل أُمِّ إِسْمَاعِيلَ اتَّخَذت مِنْطَقاً» الْمِنْطَق: النِطاق، وجمعُه: مَنَاطِقْ، وَهُوَ أَنْ تَلْبَسَ المرأةُ ثوبَها، ثُمَّ تَشُدّ وَسَطها بِشَيْءٍ وتَرْفَع وسَط ثَوْبِهَا، وتُرْسِله عَلَى الْأَسْفَلِ عِنْدَ مُعاناة الْأَشْغَالِ؛ لِئَلَّا تَعْثُرَ فِي ذَيْلها. وَبِهِ سُمِّيَت أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ ذاتَ النِّطَاقَيْنِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ تُطارق نِطَاقاً فَوْقَ نِطَاقٍ.(5/75)
وَقِيلَ: كَانَ لَهَا نِطاقان تَلْبَس أحدَهما، وتَحْمِل فِي الْآخَرِ الزادَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ، وَهُمَا فِي الْغَارِ.
وَقِيلَ: شَقَّت نِطاقَها نِصْفَيْنِ فاستَعملت أحدَهما، وجعلَتِ الْآخَرَ شِدادا لِزادِهما.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «فَعَمَدْن إِلَى حُجَزِ مَناطِقِهِنّ فَشَقَقْنَهَا واخْتَمَرْن بِهَا» .
(نَطَلَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ ظَبْيان «وسَقَوْهم بصَبِير النَّيْطَل» النَّيْطَلُ: الْمَوْتُ وَالْهَلَاكُ، وَالْيَاءُ زَائِدَةٌ. والصَّبير: السَّحَابُ.
(س) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ «كَرِه أَنْ يُجْعَل نَطْلُ النَّبِيذِ فِي النَّبيذ ليَشْتَدَّ بالنَّطْل» هُوَ أَنْ يُؤخذ سُلاف النَّبِيذِ وَمَا صَفا مِنْهُ، فَإِذَا لَمْ يَبْق إِلَّا العَكَر والدُّرْديّ صُبَّ عَلَيْهِ ماءٌ، وخُلط بالنَّبيذ الطَّرِيِّ ليَشْتدّ. يُقَالُ: مَا فِي الدَّن نَطْلَةُ نَاطِلٍ: أَيْ جُرْعة، وَبِهِ سُمِّي القَدَح الصَّغِيرُ الَّذِي يَعْرِض فِيهِ الخَّمار أنموذَجَه نَاطِلًا.
(نَطْنَطَ)
(هـ) فِيهِ «كَانَ يَسْأَلُ عمَّن تَخلف مِنْ غِفَار، فَقَالَ: مَا فعَل الحُمْر الطِّوال النَّطَانِط» هِيَ جَمْعُ نَطْنَاطْ، وَهُوَ الطَّوِيلُ المَديدُ الْقَامَةِ.
ويُرْوى «الثِّطاط» بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ.
(نَطَا)
(هـ) فِي حَدِيثِ طَهْفة «فِي أرضٍ غائلةِ النِّطاء» النِّطَاءُ: البُعد. وبَلَدٌ نَطِىٌّ: أَيْ بَعِيدٌ.
ويُرْوى «الْمَنْطَى» ، وَهُوَ مَفْعَل مِنْهُ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ «لَا مانِعَ لِما أَنْطَيْتَ، وَلَا مُنْطِىَ لِمَا مَنَعْت» هُوَ لُغَةُ أَهْلِ الْيَمَنِ فِي أعْطَى.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «اليَدُ الْمُنْطِيَةُ خيرٌ مِنَ اليدِ السُّفْلَى» .
وَمِنْهُ كِتَابُهُ لِوَائِلِ بْنِ حُجْر «وأنْطُوا الثَّبَجَة» .
وَقَوْلُهُ لرجُل آخَرَ «أَنْطِهِ كَذَا» (هـ) وَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ «كنتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُمْلِي كِتَابًا، فَدَخَلَ رَجُلٌ، فَقَالَ لَهُ: انْطُ» أَيِ اسْكُت، بِلُغَةِ حِمْيَر. وَهُوَ أَيْضًا زَجْر لِلْبَعِيرِ إِذَا نَفَر. يُقَالُ لَهُ: انْطُ، فيَسْكن.(5/76)
وفي حديث خيبر «غَدا إلى النَّطَاةِ» هي عَلَم لخَيْبَر أَوْ حِصْن بِهَا، وَهِيَ مِنَ النَّطْوِ: البُعْد.
وَقَدْ تَكَرَّرَتْ فِي الْحَدِيثِ. وَإِدْخَالُ اللَّامِ عَلَيْهَا كإِدخالِها عَلَى حارِث وَعَبَّاسٍ. كأنَّ النَّطاة وصْفٌ لَهَا غَلَب عَلَيْهَا.
بَابُ النُّونِ مَعَ الظَّاءِ
(نَظَرَ)
(س) فِيهِ «إِنَّ اللَّه لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكم وأموالِكم، وَلَكِنْ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ» مَعْنَى النَّظَرِ هَاهُنَا الاخْتِيار وَالرَّحْمَةُ والعَطْف؛ لأنَّ النَّظَرَ فِي الشَّاهِدِ دليلُ المحبَّة، وتَرْك النَّظَرِ دَلِيلُ البُغْض وَالْكَرَاهَةِ، ومَيْلُ النَّاسِ إِلَى الصُّوَرِ المُعْجِبة وَالْأَمْوَالِ الْفَائِقَةِ، واللَّه يَتَقَدّس عَنْ شَبَه الْمَخْلُوقِينَ، فجَعَل نَظَره إِلَى مَا هُوَ السِّرُّ واللُّبُّ، وَهُوَ الْقَلْبُ والعَمل. والنَّظَر يَقَعُ عَلَى الْأَجْسَامِ وَالْمَعَانِي، فَمَا كَانَ بِالْأَبْصَارِ فَهُوَ لِلْأَجْسَامِ، وَمَا كَانَ بالبَصائر كَانَ لِلْمَعَانِي.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «مَن ابْتاع مُصَرَّاةً فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَين» أَيْ خَيْرِ الْأَمْرَيْنِ لَهُ، إِمَّا إمْساك المَبيع أَوْ رَدّه، أيُّهما كَانَ خَيْرًا لَهُ واخْتارَه فَعَله.
وَكَذَلِكَ حَدِيثُ القِصاص «مَنْ قُتِل لَهُ قَتيل فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ» يَعْنِي القصاصَ والدِيَة، أيَّهما اخْتَارَ كَانَ لَهُ. وكلُّ هَذِهِ مَعانٍ لَا صُوَرٌ.
(هـ) وَفِي حَدِيثُ عِمران بْنِ حُصَين رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ عَلِيٍّ عِبَادَةٌ» قِيلَ «1» : مَعْنَاهُ أَنَّ علِيا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ كَانَ إِذَا بَرَز قَالَ الناسُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه، مَا أشرَفَ هَذَا الفَتى! لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه، مَا أعلَمَ هَذَا الْفَتَى! لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه، مَا أكرَمَ هَذَا الْفَتَى! أَيْ مَا أتْقَى، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه، مَا أشْجَعَ هَذَا الْفَتَى! فَكَانَتْ رؤيَتُه تَحْمِلُهم عَلَى كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ.
[هـ] وَفِيهِ «أَنَّ عَبْدَ اللَّه أَبَا النبيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بامرأةٍ تَنْظُرُ وتعْتافُ، فَرَأَتْ فِي وجهِه نُوراً، فدَعَتْه إِلَى أَنْ يَسْتَبْضِعَ مِنْهَا وتُعْطيَه مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ، فأبَى» تَنْظُر: أَيْ تَتَكهَّن، وَهُوَ نَظَر تَعَلُّم وفِراسةٍ.
__________
(1) القائل هو ابن الأعرابي، كما في الهروي.(5/77)
وَالْمَرْأَةُ كاظِمةُ بنتُ مُرّ. وَكَانَتْ مُتَهَوِّدة قَدْ قَرأتِ الكتبَ.
وَقِيلَ: هِيَ أختُ ورقَة بْنِ نَوْفَل.
(هـ) وَفِيهِ «أَنَّهُ رَأَى جارِيةٌ بِهَا سَفْعة، فَقَالَ: إِنَّ بِهَا نَظْرَةً فاسْتَرْقُوا لَهَا» أَيْ بِهَا عَيْنٌ أَصَابَتْهَا مِنْ نَظَر الْجِنِّ. وصَبيٌّ مَنْظُورٌ: أَصَابَتْهُ الْعَيْنُ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «لَقَدْ عَرَفْتُ النَّظَائِرَ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ بِهَا: عِشْرِينَ سُورَةً مِنَ المَفَصَّل» النَّظَائِرُ: جَمْعُ نَظيرة، وَهِيَ المِثْل والشِّبْه فِي الْأَشْكَالِ، وَالْأَخْلَاقِ، والأفعالِ، والأقوالِ، أَرَادَ اشْتِباهَ بعضِها بِبَعْضٍ فِي الطُّولِ.
والنَّظِيرُ: المِثْلُ فِي كُلِّ شَيْءٍ. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الزُّهْري «لَا تُناظِرْ بكتاب اللَّه ولا بسُنَّة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم» أي لَا تَجْعل لَهُمَا شِبْهاً وَنَظِيرًا، فَتَدَعُهما وتَأخُذ بِهِ، أوْ لَا تَجْعلهما مَثَلا، كَقَوْلِ الْقَائِلِ إِذَا جَاءَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُرِيدُ: [ «ثُمَ] «1» جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى» وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يُتَمثَّل بِهِ، وَالْأَوَّلُ أشْبه. يُقَالُ: نَاظَرْتُ فُلَانًا: أَيْ صِرْتُ لَهُ نَظِيرًا فِي المُخاطَبة. ونَاظَرْتُ فُلانا بفُلان:
أَيْ جعلْتُه نَظِيرًا لَهُ.
وَفِيهِ «كنتُ أبايِعُ الناسَ فكنْتُ أُنْظِرُ الْمُعْسِرَ» الْإِنْظَارُ: التَّأْخِيرُ والإمْهال. يُقَالُ:
أَنْظَرْتُهُ أُنْظِرُهُ، واسْتَنْظَرْتُهُ، إِذَا طلَبْتَ مِنْهُ أَنْ يُنْظِرَكَ.
وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ «نَظَرْنَا النبيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذاتَ لَيْلَةٍ حَتَّى كَانَ شَطْر اللَّيْلِ» يُقَالُ:
نَظَرْتُهُ وانْتَظَرْتُهُ، إِذَا ارْتَقَبْتَ حضورَه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحَجِّ «فَإِنِّي أَنْظُرُكُمَا» .
وَحَدِيثُ الأشْعَرِييّن «انْ تَنْظُرُوهُمْ» وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ «النَّظر، والإنْتِظار، والإنْظار» فِي الْحَدِيثِ.
(نَظَفَ)
(س) فِيهِ «إِنَّ اللَّه تَبارَك وَتَعَالَى نَظِيفٌ يُحبُّ النَّظَافَةَ» نَظَافَةُ اللَّه: كِنَايَةٌ عَنْ تَنَزُّهِه مِنْ سِمات الحَدَث، وتَعالِيه فِي ذاتِه عَنْ كُلِّ نَقْص. وحُبُّه النَّظافةَ من غيره كنايةٌ عن
__________
(1) من ا، وانظر الآية 40 من سورة طه.(5/78)
خُلُوصِ العَقيدة ونَفْيِ الشِّرْك ومُجانَبة الأهْواء، ثُمَّ نَظَافَةِ القلْب عَنِ الغِلّ والحِقْد والحَسد وأمثالِها، ثُمَّ نَظافة المَطْعَم والمَلْبَس عَنِ الْحَرَامِ والشُّبَه، ثُمَّ نَظَافَةِ الظَّاهِرِ لِمُلَابَسَةِ الْعِبَادَاتِ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «نَظِّفُوا أَفْوَاهَكُمْ فَإِنَّهَا طُرُقُ الْقُرْآنِ» أَيْ صُونُوها عَنِ اللَّغو، والفُحْش، والغِيبة، والنَّميمة، والكذِب، وَأَمْثَالِهَا، وَعَنْ أَكْلِ الْحَرَامِ وَالْقَاذُورَاتِ، والحَثّ «1» عَلَى تَطْهِيرِهَا مِنَ النَّجَاسَاتِ وَالسِّوَاكِ.
(س) وَفِيهِ «تَكُونُ فِتْنَة تَسْتَنْظِفُ الْعَرَبَ» أَيْ تَسْتَوْعِبُهم هَلاكاً. يُقَالُ: اسْتَنْظَفْتُ الشَّيْءَ، إِذَا أخذْتَه كلَّه. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: اسْتنظفت الخَراج، وَلَا يُقَالُ: نَظَّفْتُه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الزُّهرِي «فقدّرْت أَنِّي اسْتنظَفْتُ مَا عنْدَه، واستَغْنَيت عَنْهُ» .
(نَظَمَ)
- فِي أَشْرَاطِ السَّاعَةِ «وَآيَاتٌ تَتابَع كَنِظَام بَالٍ قُطِع سِلْكُه» النِّظَامُ: العِقْدُ مِنَ الْجَوْهَرِ وَالْخَرَزِ وَنَحْوِهِمَا. وسِلْكُهُ: خَيْطُهُ.
بَابُ النُّونِ مَعَ الْعَيْنِ
(نَعَبَ)
(س) فِي دُعَاءِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ «يَا رازِقَ النَّعَّابِ فِي عُشِّه» النَّعَّابُ: الغرابُ.
والنَّعِيبُ: صوْتُه. وَقَدْ نَعَبَ يَنْعِبُ ويَنْعَبُ نَعْباً. قِيلَ: إِنَّ فَرْخ الغُراب إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْضتِه يَكُونُ أبيضَ كالشَّحْمة، فَإِذَا رَآهُ الْغُرَابُ أنكرَه وتَرَكه وَلَمْ يَزُقّه، فيَسُوق اللَّه إِلَيْهِ البَقَّ فيَقَع عَلَيْهِ، لِزُهومة ريحِه، فيَلْقُطُها ويَعيشُ بِهَا إِلَى أَنْ يَطْلُعَ رِيشُهُ وَيَسْوَدَّ، فَيُعَاوِدُهُ أَبُوهُ وأمُّه.
(نَعَتَ)
(س) فِي صِفَتِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَقُولُ نَاعِتُهُ: لَمْ أرَ قَبْلَه وَلَا بعدَه مِثْلَه» النَّعْتُ: وصفُ الشَّيْءِ بِمَا فِيهِ مِنْ حُسْن. وَلَا يُقَالُ فِي الْقَبِيحِ، إِلَّا أَنْ يَتَكلَّف مُتَكلِّف، فَيَقُولُ:
نَعْتَ سُوءٍ، وَالْوَصْفُ يُقَالُ فِي الحَسَن وَالْقَبِيحِ.
(نَعْثَلَ)
(هـ) فِي مَقْتَل عُثْمَانَ «لَا يَمْنَعنَّك مكانُ ابنِ سَلَامٍ أَنْ تَسُبَّ نَعْثَلًا» كَانَ
__________
(1) هكذا في الأصل، وا، واللسان. والذي في الدر النثير مكان هذا: «وطهِّروها بالماء والسِّواك» .(5/79)
أَعْدَاءُ عُثْمَانَ يُسَمُّونَهُ نَعْثَلا، تَشْبِيهًا بِرَجُلٍ مِنْ مِصر «1» ، كَانَ طَوِيلَ اللِّحْيَةِ اسمُه نَعْثَل.
وَقِيلَ: النَّعْثَلُ: الشَّيْخُ الأحْمَقُ، وذَكَرُ الضِباع.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ «اقتُلوا نَعْثَلا، قَتَل اللَّه نَعْثَلًا» تَعْني عُثْمَانَ. وَهَذَا كَانَ مِنْهَا لمَّا غاضَبَتَهْ وذَهَبَتْ إِلَى مَكَّةَ.
(نَعَجَ)
- فِي شِعْرِ خُفاف بْنِ نُدْبة:
والنَّاعِجَاتُ المُسْرِعاتِ بالنَّجا «2»
يَعْنِي الخِفاف مِنَ الْإِبِلِ. وَقِيلَ: الحِسان الألْوان.
(نَعَرَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ عُمَرَ «لَا أُقْلِعُ عَنْهُ حَتَّى أطَيِّر نُعَرَتَهُ» ورُوي «حَتَّى أنْزِع النُّعَرَةَ «3» الَّتِي فِي أنْفِه» النَّعَرَةُ، بِالتَّحْرِيكِ: ذُباب [كَبِيرٌ] «4» أزْرَقُ، لَهُ إبْرة يَلْسَع بِهَا، ويَتَوَلَّع بِالْبَعِيرِ، ويدخُل فِي أنْفِه فَيَرْكَب رأسَه، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِنَعِيرِهَا وَهُوَ صوتُها، ثُمَّ اسْتُعِيرت للنَّخْوة والأنَفَة والكِبْر: أَيْ حَتَّى أُزِيلَ نَخْوَتَه، وأُخْرِج جَهْلَه مِنْ رأسِه.
أَخْرَجَهُ الْهَرَوِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ، وجَعله الزَّمَخْشَرِيُّ حَدِيثًا مَرْفُوعًا «5» .
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي الدَّرْداء «إِذَا رأيتَ نُعَرَةَ النَّاسِ، وَلَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُغَيِّرَها، فدَعْها حَتَّى يكونَ اللَّهُ يُغَيِّرها» أَيْ كِبْرَهم وجَهْلَهم.
__________
(1) في الهروي: «مُضَر» .
(2) هكذا في الأصل. وفي ا: «النَّجا» وفي اللسان: «للنَّجا» والذي في الفائق 1/ 175: «النَّجاءْ» وقد نص الزمخشري على أن القافية ممدودة مقيدة. وانظر الكامل، للمبرد ص 211.
(3) في الأصل: «نَعَرَتَه، والنَّعَرَة» والضبط المثبت من كل المراجع. وقد نص الجوهري على أنه كُهُمَزَة. لكن قول المصنف بعد ذلك إنه بالتحريك يقتضي أنه بفتح النون فقط. والذي يُستفاد من عبارة القاموس أنه كهُمَزَة، وبالتحريك أيضا.
(4) زيادة من الهروي. مكانها في الصحاح، وإصلاح المنطق ص 205: «ضَخْم» .
(5) إنما أخرجه الزمخشري من حديث عمر، أيضا. انظر الفائق 3/ 108.(5/80)
[هـ] وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَعُوذُ باللَّه مِنْ شرِّ عِرْقٍ نَعَّارٍ» نَعَرَ العِرْقُ بِالدَّمِ، إِذَا ارْتَفَع وعَلا. وجُرْحٌ نَعَّارٌ ونَعُورٌ، إِذَا صَوّت دمُه عِنْدَ خُرُوجِهِ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحَسَنِ «كلَّما نَعَرَ بِهِمْ نَاعِرٌ اتبَعُوه» أَيْ ناهِضٌ يَدْعوهم إِلَى الْفِتْنَةِ، ويَصيح بِهِمْ إِلَيْهَا.
(نَعَسَ)
- قَدْ تَكَرَّرَ فِيهِ ذِكر «النُّعَاسِ» إسْما وفِعْلا. يُقَالُ: نَعَسَ يَنْعَسُ نُعَاساً ونَعْسَةً فَهُوَ نَاعِسٌ. وَلَا يُقَالُ: نَعْسَان. والنُّعَاسُ: الوَسَن وَأَوَّلُ النَّوم.
(س) وَفِيهِ «إِنَّ كلماتِه بَلَغَت نَاعُوسَ الْبَحْرِ» قَالَ أَبُو مُوسَى: هَكَذَا وَقَعَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ»
وَفِي سَائِرِ الرِّوَايَاتِ «قَامُوسَ الْبَحْرِ» وَهُوَ وسَطُه ولُجَّته، وَلَعَلَّهُ لَمْ يُجَوِّد كِتْبتَهُ فصَحَّفَه بعضُهم.
وَلَيْسَتْ هَذِهِ اللَّفْظة أَصْلًا فِي مُسْنَد إِسْحَاقَ «2» الَّذِي رَوَى عَنْهُ مُسْلِمٌ هَذَا الحديثَ، غَيْرَ أَنَّهُ قَرَنَه بِأَبِي مُوسَى ورِوايَتِه، فَلَعلَّها فِيهَا.
قَالَ: وَإِنَّمَا أورِدُ نحوَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا طَلَبَه لَمْ يَجِدْه فِي شَيْءٍ مِنَ الكُتب فَيَتَحَيَّر، فَإِذَا نَظَر فِي كِتَابِنَا عَرَف أصلَه وَمَعْنَاهُ.
(نَعَشَ)
(هـ) فِيهِ «وَإِذَا تَعِسَ فَلَا انْتَعَشَ» أَيْ لَا ارْتَفَع، وَهُوَ دُعاء عَلَيْهِ. يُقَالُ:
نَعَشَهُ اللَّه يَنْعَشُهُ نَعْشاً إِذَا رَفَعَه. وانْتَعَشَ العاثِر، إِذَا نَهَضَ مِنْ عَثْرِته، وَبِهِ سُمِّي سَرير الميتِ نَعْشاً لِارْتِفَاعِهِ. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ميِّت مَحْمُول فَهُوَ سَرير.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «انْتَعِشْ نَعشَكَ اللَّه» أَيِ ارتفِع.
[هـ] وَحَدِيثُ عَائِشَةَ «3» «فانْتاشَ الدِّينَ بِنَعْشِهِ» أَيِ استدْرَكَه بِإِقَامَتِهِ مِنْ مَصْرَعِه.
__________
(1) أخرجه مسلم في باب تخفيف الصلاة والخطبة، من كتاب الجمعة. وقال الإمام النووي في شرحه 6/ 157: «قال القاضي عياض: أكثر نسخ صحيح مسلم وقع فيها «قاعوس» بالقاف والعين. قال: ووقع عند أبي محمد بن سعيد: «تاعوس» بالتاء المثناة فوق. قال: ورواه بعضهم: «ناعوس» بالنون والعين. قال: وذكره أبو مسعود الدمشقي في أطراف الصحيحين، والحميدي في الجمع بين رجال الصحيحين «قاموس» بالقاف والميم» .
(2) ابن راهُويه، كما صرَّح النووي.
(3) تصف أباها رضي الله عنهما. 11- النهاية 5.(5/81)
وَيُرْوَى «انْتاشَ الدِين فَنَعَشَهُ» بِالْفَاءِ، عَلَى أَنَّهُ فِعل.
وَحَدِيثُ جَابِرٍ «فانْطَلَقْنا بِهِ نَنْعَشُهُ» أَيْ نُنْهِضُه ونُقَوِّي جَأشَه.
(نَعِظُ)
[هـ] فِي حَدِيثِ أَبِي مُسْلِمٍ الخَوْلانِي «النَّعْظُ أمْرٌ عارِم «1» » يُقَالُ: نَعَظَ الذَّكَرُ، إِذَا انْتَشَر، وأَنْعَظَهُ صاحبُه. وأَنْعَظَ الرجلُ، إِذَا اشْتَهى الجِماع. والْإِنْعَاظُ: الشَّبَق.
يَعْنِي أَنَّهُ أمرٌ شَدِيدٌ.
(نَعَفَ)
[هـ] فِي حَدِيثِ عَطَاءٍ «رَأَيْتُ الأسودَ بْنَ يَزِيدَ قَدْ تَلَفَّف فِي قَطيفة، ثُمَّ عَقَد هُدبَةَ الْقَطِيفَةِ بِنَعَفَةِ الرَّحل» النَّعَفَةُ بِالتَّحْرِيكِ: جِلْدةٌ أَوْ سَيرٌ يُشَدُّ فِي آخرِه الرَّحْل، يُعَلَّق فِيهِ الشَّيْءُ يَكُونُ مَعَ الرَّاكِبِ.
وَقِيلَ: هِيَ فَضْلة مِنْ غِشاء الرَّحْل، تُشَقَّق سُيورا وَتَكُونُ عَلَى آخِرته.
(نَعَقَ)
- فِيهِ «قَالَ لنِساءِ عُثْمانَ بْنِ مَظْعون لمَّا مَات: ابْكِين وَإِيَّاكُنَّ ونَعِيقَ الشيْطان» يَعْنِي الصِّياح والنَّوح. وأضافَه إِلَى الشَّيْطَانِ؛ لِأَنَّهُ الحامِلُ عَلَيْهِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْمَدِينَةِ «آخِرُ مَن يُحْشَر راعِيان مِنْ مُزَيْنَةَ، يُرِيدَانِ الْمَدِينَةَ، يَنْعِقَانِ بغَنَمِهما» أَيْ يَصِيحان. يُقَالُ: نَعَقَ الرَّاعِي بِالْغَنَمِ يَنْعَقُ «2» نَعيقا فَهُوَ نَاعِقٌ، إِذَا دَعاها لِتَعُود إِلَيْهِ. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(نَعَلَ)
(هـ) فِيهِ «إِذَا ابْتَلَّتِ النِّعَالُ فَالصَّلَاةُ فِي الرِّحال» النِّعَالُ: جَمْع نَعْل، وَهُوَ مَا غَلُظ مِنَ الْأَرْضِ فِي صَلَابَةٍ. وَإِنَّمَا خصَّها بالذِكر، لِأَنَّ أدْنى بَلَلٍ يُنَدِّيها، بِخِلَافِ الرِّخْوة فَإِنَّهَا تُنَشِّف الْمَاءَ.
(هـ) وَفِيهِ «كَانَ نَعْلُ سَيْف رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فِضَّة» نَعْلُ السَّيْفِ:
الحديدةُ «3» الَّتِي تَكُونُ فِي أَسْفَلِ القِراب.
(س) وَفِيهِ «أَنَّ رَجُلًا شَكا إِلَيْهِ رَجُلًا مِنَ الأنصار فقال:
__________
(1) في الأصل «غارم» بالمعجمة. والتصويب بالمهملة، من ا، واللسان، والهروي، والمصباح.
(2) من باب منع، وضرب، كما في القاموس، وزاد في المصدر: «نَعْقاً، ونُعاقا» .
(3) هذا شرح شَمِر، كما ذكر الهروى.(5/82)
يَا خَيْرَ مَنْ يَمْشِي بنَعْل فَرْدِ
النَّعْلُ: مُؤنثة، وَهِيَ الَّتِي تُلْبَس فِي المشْي، تُسَمَّى الْآنَ: تاسُومة، ووَصَفَها بالفَرْد وَهُوَ مذَكر؛ لِأَنَّ تَأْنِيثَهَا غيرُ حَقِيقِيٍّ.
والفَرْدُ: هِيَ الَّتِي لَمْ تُخْصَف وَلَمْ تُطارَق، وَإِنَّمَا هِيَ طاقٌ واحدٌ. والعَرب تمْدَح برِقَّة النِعال، وتَجْعلُها مِنْ لِباسِ المُلوك. يُقَالُ: نَعَلْتُ، وانْتَعَلْتُ، إِذَا لَبِسْتَ النَّعْل، وأَنْعَلْتُ الخَيل، بِالْهَمْزَةِ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِنَّ غسّانَ تُنْعِلُ خيلَها» .
وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ «الْإِنْعَالِ والِانْتِعَالِ» فِي الْحَدِيثِ.
(نَعِمَ)
(هـ) فِيهِ «كَيْفَ أَنْعَمُ وصاحِبُ القَرْنِ قَدِ الْتَقَمَه؟» أَيْ كَيْفَ أَتَنَعَّمُ، مِنَ النَّعْمَةِ، بِالْفَتْحِ، وَهِيَ المَسَرَّة والفَرح والتَّرَفُّه.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِنَّهَا لَطَيْرٌ نَاعِمَةٌ» أَيْ سِمانٌ مُتْرَفَة.
وَفِي حَدِيثِ صَلَاةِ الظُّهْرِ «فأبْرَدَ بِالظَّهْرِ وأنْعَم» أَيْ أَطَالَ الإبْراد وأخَّرَ الصَّلَاةَ.
وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ «أَنْعَمَ النَّظَرَ فِي الشَّيْءِ» إِذَا أَطَالَ التَّفَكُّر فِيهِ.
[هـ] وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «وإنَّ أَبَا بَكْرٍ وعُمر مِنْهُمْ «1» وأَنْعَمَا» أَيْ زَادَا وفَضَلا. يُقَالُ:
أحْسَنْتَ إِلَيَّ وأَنْعَمْتَ: أَيْ زِدتَ عَلَى الإنْعام.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ صَارَا إِلَى النَّعِيمِ ودَخَلا فِيهِ، كَمَا يُقَالُ: أشْمَل، إِذَا دَخل فِي الشِّمال.
وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ: أَنْعَمْتُ عَلَى فُلَانٍ: أَيْ أصَرْتُ إِلَيْهِ نِعْمَة.
(س) وَفِيهِ «مَن تَوضَّأ للجُمعة فبها ونِعْمَتْ» أَيْ ونِعْمت الفَعْلة والخَصْلة هِيَ، فحُذِف المخصوصُ بِالْمَدْحِ.
وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ «فِيهَا» مُتَعَلِّقَةٌ بفِعْل مُضْمَر: أَيْ فَبِهَذِهِ الخَصْلة أَوِ الفَعْلَة، يَعْنِي الوُضوء يَنال الْفَضْلَ.
وَقِيلَ: هُوَ راجِع إِلَى السُّنّة: أَيْ فبالسُّنة أخَذ، فأضْمَر ذَلِكَ.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «نِعِمَّا بِالْمَالِ» أَصْلُهُ: نِعْم ما، فأُدغِم وشُدِّد. وما: غير موصوفة
__________
(1) أي من أهل عِلِّيِّين، كما صرّح الهروي.(5/83)
وَلَا مَوْصُولَةٌ، كَأَنَّهُ قَالَ: نِعْمَ شَيْئًا المالُ، وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ، مِثْل زِيَادَتِهَا فِي كَفَى باللَّه حَسيباً.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «نِعْمَ المالُ الصالحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ» وَفِي نِعْم لُغات، أشهَرُها كَسْرُ النُّونِ وَسُكُونُ الْعَيْنِ، ثُمَّ فَتْحُ النُّونِ وَكَسْرُ الْعَيْنِ، ثُمَّ كسرُهما.
(س) وَفِي حَدِيثِ قَتادة «عَنْ رَجُلٍ مِنْ خَثْعَم، قَالَ: دَفعْت إِلَى النبيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِمَنًى، فَقُلْتُ لَهُ: أَنْتَ الَّذِي تزْعُم أَنَّكَ نَبِيٌّ؟ فَقَالَ: نَعِم» وكَسَر الْعَيْنَ. هِيَ لُغَةٌ فِي نَعَم، بِالْفَتْحِ، الَّتِي لِلْجَوَابِ. وَقَدْ قُرِئَ بِهِمَا.
وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدي: «أمَرنا أميرُ الْمُؤْمِنِينَ عمرُ بأمرٍ فَقُلْنَا: نَعَم، فَقَالَ: لَا تَقُولُوا: نَعَم، وَقُولُوا نَعِم» وَكَسَرَ الْعَيْنَ.
(س) وَقَالَ بَعْضُ وَلَد الزُّبَيْرِ «مَا كُنْتُ أسمَع أشياخَ قُرَيْشٍ يَقُولُونَ إِلَّا نَعِمْ» بِكَسْرِ الْعَيْنِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ أَبِي سُفْيَانَ «حِينَ أَرَادَ الْخُرُوجَ إِلَى أُحُدٍ كتَب عَلَى سَهم: نَعَم، وَعَلَى آخَرَ:
لَا، وأجالَهُما عِنْدَ هُبَل، فَخَرَجَ سَهم نَعَم، فَخَرَجَ إِلَى أُحُد، فَلَمَّا قَالَ لعُمر: أُعْلُ هُبَلُ، وَقَالَ عُمر: اللَّه أعْلَى وأجَلّ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أَنْعَمَت، فَعالِ عَنْهَا» أَيِ اُتْرُك ذِكْرها فَقَدْ صدَقَت فِي فَتْواها. وأَنْعَمَتْ: أَيْ أجابَت بِنَعَمْ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الحَسَن «إِذَا سَمِعْتَ قَوْلًا حَسَنًا فرُوَيْداً بِصَاحِبِهِ، فَإِنْ وَافَقَ قَوْلٌ عَمَلًا فَنَعْمَ ونُعْمَةَ عينٍ، آخِه وأوْدِدْه» أَيْ إِذَا سَمِعْتَ رَجُلًا يَتَكَلَّمُ فِي الْعِلْمِ بِمَا تَسْتحسِنه، فَهُوَ كَالدَّاعِي لَكَ إِلَى مَوَدَتّه وَإِخَائِهِ، فَلَا تَعْجل حَتَّى تَخْتَبِر فعْلَه، فَإِنْ رَأَيْتَهُ حَسن العَمل فأجِبْه إِلَى إِخَائِهِ ومَوَدّتِه. وَقُلْ لَهُ: نَعَم.
ونُعْمَةُ عَيْنٍ: أَيْ قُرّة عَيْنٍ. يَعْنِي أُقِرُّ عَيْنَكَ بطاعتِك واتِّباع أمرِك. يُقَالُ: نُعْمَة عَيْنٍ، بِالضَّمِّ، ونُعْمَ عَيْنٍ، ونُعْمَى عَيْنٍ.
(س) وَفِي حَدِيثِ أَبِي مَرْيَمَ «دخلْتُ عَلَى مُعاوية فَقَالَ: مَا أَنْعَمَنَا بِكَ؟» أَيْ مَا الَّذِي أعْمَلك إِلَيْنَا، وأقْدَمَك عَلَيْنَا، وَإِنَّمَا يُقَالُ ذَلِكَ لِمَنْ يُفْرَح بِلِقَائِهِ، كَأَنَّهُ قَالَ: مَا الَّذِي أسَرَّنا وأفْرَحَنا، وأقَرّ أعْيُنَنا بلِقائك ورؤيتك.(5/84)
وَفِي حَدِيثِ مُطَرِّف «لَا تُقُل: نَعِمَ اللَّه بِكَ عَيْنًا، فَإِنَّ اللَّه لَا يَنْعَمُ بأحدٍ عَيْنًا، وَلَكِنْ قُلْ: أَنْعَمَ اللَّهُ بِكَ عَيْنًا» قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الَّذِي مَنَع مِنْهُ مُطَرِّف صحيحٌ فَصِيحٌ فِي كَلَامِهِمْ، وَعَيْنًا نَصْبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ مِنَ الْكَافِ، والباءُ للتَّعْدِية. وَالْمَعْنَى: نَعَّمَكَ اللَّهُ عَيْنًا: أَيْ نَعَّمَ عَيْنَكَ وَأَقَرَّهَا.
وَقَدْ يَحْذِفون الْجَارَّ ويُوصلون الْفِعْلَ فَيَقُولُونَ: نَعِمَكَ اللَّهُ عيْنا. وَأَمَّا أنْعَم اللَّه بِكَ عَيْنًا، فَالْبَاءُ فِيهِ زَائِدَةٌ، لِأَنَّ الْهَمْزَةَ كَافِيَةٌ فِي التَّعْدية، تَقُولُ: نَعِمَ زيْدٌ عَيْنًا، وأَنْعَمَهُ اللَّهُ عَيْنًا «1» وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أنْعم، إِذَا دَخَل فِي النَّعِيمِ، فَيُعَدَّى بِالْبَاءِ. قَالَ: وَلعَلَّ مُطَرِّفا خُيِّل إِلَيْهِ أَنَّ انْتِصاب المُميِّز «2» فِي هَذَا الْكَلَامِ عَنِ الْفَاعِلِ، فاسْتَعْظَمَه، تَعَالَى اللَّه «3» أَنْ يُوصَف بالحَواسِّ عُلوّاً كَبِيرًا، كَمَا يَقُولُونَ: نَعِمْتُ بِهَذَا الْأَمْرِ عَيْنًا، وَالْبَاءُ للتَّعدية، فَحَسِب أَنَّ الْأَمْرَ فِي نَعِم اللَّه بِكَ عَيْنًا، كَذَلِكَ.
(س) وَفِي حَدِيثُ ابْنِ ذِي يَزَن:
أتَى هِرَقْلاً وَقَدْ شالَت نعَامَتُهمْ
النَّعَامَةُ: الْجَمَاعَةُ: أَيْ تَفَرّقوا.
(نعمن)
(س) فِي حَدِيثِ ابْنِ جُبير «خَلق اللَّه آدمَ مِنْ دَحْناءَ، ومَسحَ ظَهْرَه بِنَعْمَانِ السَّحَابِ» نَعْمَان: جَبَل بقُرْب عَرَفة، وَأَضَافَهُ إِلَى السَّحاب، لِأَنَّهُ يَرْكُد فوْقَه؛ لعُلُوّه.
(نَعَا)
(س) فِي حَدِيثِ عُمَرَ «إِنَّ اللَّه نَعَى عَلَى قَوْمٍ شهَواتِهم» أَيْ عَابَ عَلَيْهِمْ. يُقَالُ:
نَعَيْتُ عَلَى الرجُل أمْراً؛ إِذَا عبْتَه بِهِ ووبَّخْتَه عَلَيْهِ. ونَعَى عَلَيْهِ ذَنْبَه: أَيْ شَهَّرَه بِهِ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ «يَنْعَى عَلَيَّ امْرَأً أكْرَمَه اللَّه عَلَى يَدَيَّ» أَيْ يَعيبُني بقَتْلى رَجُلًا أكْرمَه اللَّه بالشَّهادة عَلَى يَدي. يَعْنِي أَنَّهُ كَانَ قَتَل رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَ أَنْ يُسْلم.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ شَدّاد بْنِ أَوْسٍ «يَا نَعَايَا العَرَب، إنَّ أخْوَفَ مَا أخافُ عَلَيْكُمُ الرِّياءُ والشَّهوةُ الخَفِيَّة» وَفِي رِوَايَةٍ «يَا نُعْيَانَ الْعَرَبِ» يُقَالُ: نَعَى الميّتَ يَنْعَاهُ نَعْياً ونَعِيّاً، إِذَا أذاعَ مَوْتَهُ، وأخْبَر به، وإذا ندَبَه.
__________
(1) زاد في الفائق 3/ 111: «ونظيرها الباء في: أقرَّ اللَّه بعينه» .
(2) في ا: «التمييز» .
(3) في الفائق: «عن أن» .(5/85)
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: «1» فِي نَعَايَا ثَلَاثَةُ أوجُه: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ جَمْعَ نَعِىّ، وَهُوَ الْمَصْدَرُ، كَصَفِّي وصَفايا، وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ اسْمَ جَمْعٍ، كَمَا جَاءَ فِي أخِيَّة: أَخَايَا، وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ جَمْعَ نَعَاءِ، الَّتِي هِيَ اسْمُ الْفِعْلِ، وَالْمَعْنَى يَا نَعايا الْعَرَبِ جِئنَ فَهَذَا وقْتُكنّ وزمانُكُنّ، يُرِيدُ أَنَّ الْعَرَبَ قَدْ هَلَكَت. والنُّعْيَان مَصْدَرٌ بِمَعْنَى النَّعْى. وَقِيلَ: إِنَّهُ جَمْع نَاعٍ، كَراعٍ ورُعْيان. وَالْمَشْهُورُ فِي الْعَرَبِيَّةِ أَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا إِذَا مَاتَ مِنْهُمْ شريفٌ أَوْ قُتِل بَعَثوا رَاكِبًا إِلَى الْقَبَائِلِ يَنْعَاهُ إِلَيْهِمْ، يَقُولُ:
نَعَاءِ فُلانا، أَوْ يَا نَعَاء الْعَرَبِ: أَيْ هَلك فُلَانٌ، أَوْ هلكَت الْعَرَبُ بموْت فُلَانٍ. فَنَعَاءِ مَنْ نَعَيتُ:
مِثْل نَظارِ ودَراكِ. فَقَوْلُهُ «نَعَاءِ فَلَانًا» مَعْنَاهُ انْع فَلَانًا، كَمَا تَقُولُ: دَرَاكِ فَلَانًا: أَيْ أدْرِكه.
فَأَمَّا قَوْلُهُ يَا نَعَاءِ الْعَرَبِ، مَعَ حَرْفِ النِداء فالمُنادَى مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ: يَا هَذَا انْعَ الْعَرَبَ، أَوْ يَا هَؤُلَاءِ انْعَوا الْعَرَبَ، بِمَوْتِ فُلَانٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَا يَا اسْجُدُوا أَيْ يَا هَؤُلَاءِ اسْجُدُوا، فِيمَنْ قَرَأَ بِتَخْفِيفِ أَلَا.
بَابُ النُّونِ مَعَ الْغَيْنِ
(نَغَرَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي عُمَيْر أَخِي أنسٍ: يَا أَبَا عُمير، مَا فَعَل النُّغَيْرُ؟» هُوَ تَصْغِيرُ النُّغَرِ، وَهُوَ طَائِرٌ يُشْبِه العُصْفور، أَحْمَرُ المِنْقار، ويُجمع عَلَى: نِغْرَان.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «جَاءَتْهُ امرأةٌ فَقَالَتْ: إنَّ زوجَها يَأْتِي جاريَتَها: فَقَالَ: إِنْ كنتِ صَادِقَةً رَجَمْناه، وَإِنْ كنتِ كَاذِبَةً جلَدْناكِ، فَقَالَتْ: رُدّوني إِلَى أَهْلِي غَيْرَى نَغِرَةً» أَيْ مُغْتاظة يَغْلِي جوفِي غَلَيانَ القِدْر. يُقَالُ: نَغِرَتْ «2» القدرُ تَنْغَرُ، إِذَا غَلَت.
(نَغَشَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ مَرَّ برجُلٍ نُغَاشٍ، فَخَرَّ سَاجِدًا، ثُمَّ قَالَ: أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ» وَفِي رِوَايَةٍ «مرَّ برجلٍ نُغَاشِىّ» النُّغَاشُ والنُّغَاشِىُّ: الْقَصِيرُ، أقْصَر مَا يَكُونُ، الضَّعِيفُ الْحَرَكَةِ، النَّاقِصُ الخَلْق.
(هـ) وَفِيهِ «أَنَّهُ قَالَ: مَنْ يَأْتِينِي بخَبَر سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ؟ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلمة: فرأيتُه وسَط القَتْلَى صَرِيعًا، فناديتُه فَلَمْ يُجِبْ، فقلتُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرسلنى إليك،
__________
(1) انظر الفائق 3/ 109.
(2) من باب فَرِح، وضرَب، ومنَع، كما في القاموس.(5/86)
فَتَنَغَّشَ كَمَا يَتَنَغَّشُ الطَّيْرُ» أَيْ تَحرَّك حَرَكَةً ضَعِيفَةً.
(نَغَضَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ سَلْمان فِي خَاتَمِ النُّبُوَّةِ «وَإِذَا الخاتَمُ فِي نَاغِضِ كتِفه الْأَيْسَرِ» ويُرْوى «فِي نُغْضِ كتِفه» النُّغْضُ والنَّغْضُ والنَّاغِضُ: أعْلى الكَتِف. وَقِيلَ: هُوَ العَظْم الرَّقِيقُ «1» الَّذِي عَلَى طَرَفِه.
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّه بْنِ سَرْجس «نَظَرْت إِلَى ناغِض كَتِف رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ «بَشِّرِ الْكَنَّازِينَ بِرَضْفٍ «2» فِي الناغِض» وَفِي رِوَايَةٍ «يُوضَع عَلَى نُغْضِ كَتِف أحدِهم» وَأَصْلُ النَّغْض: الْحَرَكَةُ. يُقَالُ: نَغَضَ رأسُه، إِذَا تَحَرَّكَ، وأَنْغَضَهُ، إِذَا حرَّكَه.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «وأخَذَ يُنْغِضُ رأسَه كَأَنَّهُ يَسْتفهِم مَا يُقال لَهُ» أَيْ يُحَرِّكه، ويَميل إِلَيْهِ.
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ عُثْمَانَ «سَلِسَ بَوْلِي ونَغَضَتْ أَسْنَانِي» أَيْ قَلِقَتْ وَتَحَرَّكَتْ.
(س [هـ] ) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ «إِنَّ الْكَعْبَةَ لَمَّا احْتَرَقَتْ نَغَضَتْ» أَيْ تَحَرَّكَتْ ووَهَت.
(هـ) وَفِي صِفَتِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ «كَانَ نَغَّاضَ البَطْن» فَقَالَ لَهُ عُمر:
مَا نَغَّاضُ البَطْن؟ فَقَالَ: مُعَكَّن الْبَطْنِ، وَكَانَ عُكَنُهُ «3» أحسنَ مِنْ سَبائك الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ» والنَّغْض والنَّهْض أَخَوَانِ. وَلَمَّا كَانَ فِي العُكَن نُهُوض ونُتُوٌّ عَنْ مُسْتَوى الْبَطْنِ، قِيلَ للمُعَكَّن:
نغَّاض الْبَطْنِ.
(نَغَفَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ «فيُرْسل اللَّهُ عَلَيْهِمْ النَّغَف فيُصبِحون فَرْسَى» النَّغَفُ بِالتَّحْرِيكِ: دُودٌ يَكُونُ «4» فِي أُنُوفِ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ، وَاحِدَتُهَا: نَغَفَة.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحُدَيْبِيَةِ «دَعُوا مُحَمَّدًا وأصحابَه حَتَّى يموتوا مَوْتَ النَّغَف» .
__________
(1) في الهروي: «الدقيق» .
(2) في الهروى، واللسان: «برضفة» .
(3) قال في المصباح: «العُكْنة: الطَّيّ في البطن من السِّمن. والجمع عُكَن، مثل غُرْفَة، وغُرَف. وربما قيل: أعكان» .
(4) في الأصل: «تكون» والمثبت من سائر المراجع.(5/87)
(نَغِلَ)
(س) فِيهِ «رُبَّمَا نَظر الرجلُ نَظْرةً فَنَغِلَ قلبُه كَمَا يَنْغَلُ الْأَدِيمُ فِي الدِّباغ فيَتَفَتَّت» النَّغَلْ- بِالتَّحْرِيكِ: الفسادُ، ورجلٌ نَغِلٌ، وَقَدْ نَغِلَ الأديمُ، إِذَا عَفِن وتَهَرَّى فِي الدِّباغ، فيَنْفَسد ويَهْلِك.
(نَغَا)
(س) فِيهِ «إِنَّهُ كَانَ يُنَاغِى الْقَمَرَ فِي صِباه» الْمُنَاغَاةُ: المُحادَثة، وَقَدْ نَاغَتِ الأمُّ صَبيَّها: لاطفَتْه وشاغَلَتْه بالمُحادَثة والمُلاعَبَة.
بَابُ النُّونِ مَعَ الْفَاءِ
(نَفَثَ)
(هـ) فِيهِ «إنَّ رُوحَ القُدُس نَفَثَ فِي رُوعي» يَعْنِي جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَيْ أوْحَى وألْقَى، مِنَ النَّفْثِ بالفَم، وَهُوَ شَبيه بالنَّفْخ، وَهُوَ أقَلُّ مِنَ التَّفْل؛ لِأَنَّ التَّفْل لَا يَكُونُ إِلَّا وَمَعَهُ شيءٌ مِنَ الرِّيق.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَعُوذُ باللَّه مِنْ نَفْثِهِ ونَفْخه» جَاءَ تَفْسِيرُهُ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ الشِّعْر لِأَنَّهُ يُنْفَثُ مِنَ الفَم.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ قَرأ الُمعَوِّذَتَين عَلَى نفْسه ونَفَثَ» .
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّ زيْنبَ بنتَ رسولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنْفَر بِهَا الْمُشْرِكُونَ بَعيرَها حَتَّى سَقَطت، فَنَفَثَتِ الدِّماء مكانَها، وألْقَت مَا فِي بَطْنِهَا» أَيْ سَال دَمُها.
(س) وَفِي حَدِيثِ المُغِيرة «مِئناث كَأَنَّهَا نُفَاثٌ» أَيْ تَنْفِثُ البَناتِ نَفْثاً.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَا أَعْلَمُ النُّفَاثَ فِي شيءٍ غَيْرَ النَّفْثِ، وَلَا مَوْضِعَ لَهُ هَاهُنَا.
قُلْت: يَحْتمِل أَنْ يَكُونَ شَبَّه كَثْرَةَ مَجِيئها بالبَنات بكَثْرة النَّفْثِ، وتَواتُرِه وسُرْعِته.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ النَّجاشي «واللَّهِ مَا يَزيد عِيسَى عَلَى مَا يَقُول مُحَمَّدٌ مِثْلَ هَذِهِ النُّفَاثَةِ مِنْ سِوَاكي هَذَا» يَعْني مَا يَتَشَظَّى مِنَ السِّواك فيَبْقى فِي الفَمِ فَيَنْفِثُهُ صاحبُه.
(نَفَجَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ قَيْلة «فَانْتَفَجَتْ مِنْهُ الأرنَبُ» أَيْ وَثَبَتْ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فَأَنْفَجْنَا أَرنبا» أَيْ أثَرْناها.
(هـ) وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «أَنَّهُ ذكَر فِتْنَتَين فَقَالَ: مَا الْأُولَى عِنْدَ الْآخِرَةِ إِلَّا كَنَفْجَةِ أرْنَبٍ» أَيْ كَوَثْبَتِه مِنْ مَجْثَمِه، يُرِيدُ تَقْليلَ مُدَّتِهَا.(5/88)
(هـ) وَفِي حَدِيثِ المُسْتَضْعَفِين بِمَكَّةَ «فَنَفَجَتْ «1» بِهِمُ الطَّرِيقُ» أَيْ رَمَت بِهِمْ فَجأةً، ونَفَجَتِ الرِّيحُ، إِذَا جَاءَتْ بَغْتة.
(س) وَفِي حَدِيثِ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ «انْتِفَاج «2» الأهِلّة» رُوِي بِالْجِيمِ، مِنِ انْتَفَجَ جَنْبَا البعيِر، إِذَا ارْتَفعا وعَظُمَا خِلْقةً. ونَفَجْتُ الشَّيْءَ فانْتَفَج: أَيْ رَفَعْتُه وعَظَّمْتُه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «نَافِجاً «3» حِضْنَيْهِ» كَنَى بِهِ عَنِ التَّعاظُم والتَّكَبُّر والخُيَلاء.
وَفِي حَدِيثِ عُثْمَانَ «إنَّ هَذَا البَجْبَاجَ النَّفَّاجَ لَا يَدْري مَا اللَّهُ» النَّفَّاجُ: الَّذِي يَتَمَدّح بِمَا لَيْسَ فِيهِ، مِنَ الِانْتِفَاجُ: الارْتِفاع.
(هـ) وَفِي صِفَةِ الزُّبير «كَانَ نُفُجَ الحَقِيبة» أَيْ عَظَيم العَجُز، وَهُوَ بِضَمِّ النُّون وَالْفَاءِ.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ «إِنَّهُ كَانَ يَحْلُب لأهْلِه فيقُول: أُنْفِجُ أَمْ أُلْبِدُ؟» الْإِنْفَاجُ:
إبانَة الْإِنَاءِ عَنِ الضَّرْع عِنْدَ الحَلْب حَتَّى تَعْلُوه الرَّغْوة، والإلْباد: إلصاقُه بالضَّرْع حَتَّى لَا تَكُونَ لَهُ رَغْوة.
(نَفَحَ)
(س) فِيهِ «المُكْثِرون هُم المُقِلُّون إِلَّا مَنْ نَفَحَ فِيهِ يَمينَه وشِمالَه» أَيْ ضَرَب يَدَيه فِيهِ بالعَطاء. النَّفْحُ: الضَّرْب والرَّمْي.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَسْمَاءَ «قَالَتْ: قَالَ لِي رسولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْفِقِي، أَوِ انْضَحِي، أَوِ انْفَحِي، وَلَا تُحْصِي فَيُحْصِيَ اللَّه عَلَيْكِ» .
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ شُرَيح «أَنَّهُ أبْطَل النَّفْحَ» أَرَادَ نَفْحَ الدَّابةِ برجْلِها، وَهُوَ رَفْسُها، كَانَ لَا يُلْزِم صاحِبَها شَيْئًا.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِنَّ جِبْرِيلَ مَع حَسَّان مَا نَافَحَ عَنّي» أَيْ دافَع. والْمُنَافَحَةُ والمُكافَحة: المُدافَعة والمُضارَبة. ونَفَحْتُ الرجُل بِالسَّيْفِ: تَناوَلْتُه بِهِ، يُريد بِمُنافَحتِه هِجاءَ الُمشْركين، ومُجاوَبَتَهم عَلَى أشْعارِهِم.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ فِي صِفّين «نَافِحُوا بِالظُّبَا» أَيْ قاتِلوا بالسُّيوف. وأصلُه أَنْ يقرب
__________
(1) يروى بالخاء المعجمة، وسيجىء.
(2) يروى بالخاء المعجمة، وسيجىء.
(3) يروى بالخاء المعجمة، وسيجيء.(5/89)
أحدُ المُتقاتِلين مِنَ الْآخَرِ بحَيْث يَصِل نَفْحُ كلِّ واحدٍ مِنْهُمَا إِلَى صاحِبه، وَهِيَ ريحُه ونَفَسُه. ونَفْحُ الرِّيحِ: هُبُوبُها. ونَفَحَ الطِّيبُ، إِذَا فَاحَ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِنْ لربِّكم فِي أيَّام دَهْركم نَفَحَاتٍ، أَلَا فَتَعَرّضوا لَهَا» .
(س) وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «تَعرّضوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّه تَعَالَى» .
(هـ) وَفِيهِ «أوَّلُ نَفْحَةٍ مِنْ دَم الشَّهِيدِ» أَيْ أَوَّلُ فَوْرة تَفُور مِنْهُ.
(نَفَخَ)
- فِيهِ «أَنَّهُ نَهَى عَنْ النَّفْخِ فِي الشَّراب» إِنَّمَا نَهَى عَنْهُ مِنْ أجْل مَا يُخاف أَنْ يَبْدُرَ مِنْ رِيقِه فيَقَع فِيهِ، فرُبَّما شَرِب بَعْده غيرُه فَيَتَأَذَّى بِهِ.
وَفِيهِ «أَعُوذُ باللَّه مِنْ نَفْخِهِ ونَفْثِه» نَفْخُهُ: كِبْرُه؛ لأنَّ المُتَكَبّر يَتَعاظم وَيَجْمَع نَفْسَه ونَفَسَه، فيَحْتاج أَنْ يَنْفُخَ.
وَفِيهِ «رَأَيْتُ كَأَنَّهُ وُضِعَ فِي يَدَيَّ سُوَارَانِ مِنْ ذَهب، فأُوحِيَ إِلَيَّ أنِ انْفُخْهُمَا» أَيِ ارْمِهما وألْقِهِما، كَمَا تَنْفُخُ الشَّيءَ إِذَا دَفَعتَه عَنْكَ.
وَإِنْ كَانَتْ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ فَهُوَ مِن نَفَحْتُ الشَّيْءَ، إِذَا رَمَيْتَه. ونَفَحَتِ الدَّابة، إِذَا رَمَحَت بِرِجْلها.
وَيُرْوَى حَدِيثُ المُسْتَضْعَفِين بِمَكَّةَ «فَنَفَخَتْ بِهِمُ الطريقُ» بِالْخَاءِ المعجَمة: أَيْ رَمَتْ بِهِمْ بَغْتةً، مِنْ نَفَخَتِ الريحُ، إِذَا جَاءَتْ بَغْتة. وَكَذَلِكَ:
(س) يُرْوَى حَدِيثُ عَلِيٍّ «نَافِخٌ حِضْنَيْه» أَيْ مُنْتَفِخٌ مُسْتَعِدّ لِأَنْ يَعْمَل عَملَه مِنَ الشَّر.
(س) وَحَدِيثُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ «انْتِفَاخُ الأهِلَّة» أَيْ عِظَمُهَا. ورَجُلٌ مُنْتَفِخٌ ومَنْفُوخٌ: أَيْ سَمِين.
(س) وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «وَدَّ مُعاوية أَنَّهُ مَا بَقِيَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ نَافِخُ ضَرَمَةٍ» أَيْ أحَدٌ؛ لِأَنَّ النَّارَ يَنْفُخها الصَّغير والكَبير، والذَّكر والأنْثَى.
(س) وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «السَّعوط مَكَانُ النَّفخ» كَانُوا إِذَا اشْتَكى أحدُهم حَلْقَه نَفَخوا فِيهِ، فجُعِلَ السَّعوطُ مكَانَه.(5/90)
(نَفَذَ)
(هـ) فِيهِ «أيُّما رجُلٍ أشَادَ عَلَى مُسْلمٍ بِمَا هُوَ بَرِيءٌ مِنْهُ كَانَ حَقّاً عَلَى اللَّه أنْ يُعَذِّبَه، أَوْ يأتِيَ بِنَفَذِ مَا قَالَ» أَيْ بالمَخْرَج مِنْهُ. والنَّفَذُ، بِالتَّحْرِيكِ: المَخْرَج والمَخْلَص. وَيُقَالُ لِمَنْفَذِ الجِرَاحة: نَفَذٌ. أَخْرَجَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «إِنَّكُمْ مَجْموعون فِي صَعيِدٍ وَاحِدٍ، يَنْفُذُكُمُ البَصَر» يُقَالُ: «1» نَفَذَنِى بَصَرُه، إِذَا بلَغَني «2» وجاوَزَني. وأَنْفَذْتُ «3» القَومَ، إِذَا خَرَقْتَهم، ومَشَيْتَ فِي وسَطِهم، فَإِنْ جُزْتَهُم حَتَّى تُخَلِّفَهُم قُلْتَ: نَفَذْتُهُمْ، بِلَا ألِف. وَقِيلَ: يُقَالُ فِيهَا بالألِف.
قِيلَ: المُراد بِهِ يَنْفُذُهُمْ بَصَرُ الرَّحمن حَتَّى يأتِيَ عَلَيْهِمْ كُلِّهم.
وَقِيلَ: أَرَادَ يَنْفُذُهُمْ بَصَرُ النَّاظِرِ؛ لإسْتِواء الصَّعيد.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: أَصْحَابُ الْحَدِيثِ يَرْوُونه بِالذَّالِ المعجَمة، وَإِنَّمَا هُوَ بالمهمَلة: أَيْ يَبْلُغ أوّلَهم وآخرَهم. حَتَّى يرَاهم كُلَّهم ويَسْتَوعِبَهم، مِنْ نَفَد «4» الشَّيءُ وأنْفَدْتُه «5» . وحَمْلُ الْحَدِيثَ عَلَى بَصرِ المُبْصِر أولَى مِنْ حَمْلِه عَلَى بَصَر الرَّحْمَنِ؛ لأنَّ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ يَجمَع الناسَ يومَ الْقِيَامَةِ فِي أرضٍ يَشْهَد جَمِيعُ الْخَلَائِقِ فِيهَا مُحاسَبَةَ العَبْدِ الواحِدِ عَلَى انفِراده، ويَرَوْن مَا يَصِيرُ إِلَيْهِ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَنَسٍ «جُمِعوا فِي صَرْدَحٍ يْنُفُذُهُم البَصَر، ويُسْمِعُهم الصَّوتُ» .
وَفِي حَدِيثِ بِرّ الوالِدَيْن «الِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا وإِنْفَاذُ عَهْدِهما» أَيْ إمْضاء وَصِيَّتِهما، وَمَا عَهِدَا بِهِ قَبْل مَوتِهِما.
وَمِنْهُ حَدِيثُ المُحْرِم «إِذَا أَصَابَ أهْلَه يَنْفُذَانِ لوَجْهِهما» أَيْ يَمْضِيان عَلَى حالِهما، وَلَا يُبْطِلانِ حَجَّهما. يُقَالُ: رجُلٌ نَافِذٌ فِي أمرِه: أَيْ ماضٍ.
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «أَنَّهُ طَافَ بِالْبَيْتِ مَعَ فُلَانٍ، فَلَمَّا انْتَهَى إلى الرّكن الغربىّ الذى بلى الأسْوَدَ قَالَ لَهُ: ألاَ تَسْتَلِم؟ فَقَالَ لَهُ: انْفُذْ عَنْك، فإنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْتَلِمْه» أَيْ دَعْه وتَجاوَزْه. يُقَالُ: سِر عَنْك، وانْفُذْ عَنْك: أَيِ امْضِ عَنْ مكانِك وجُزْه «6» .
__________
(1) هذا شرح الكسائي، كما ذكر الهروي.
(2) في الهروي: «تابعني» .
(3) هذا من قول ابن عون، كما جاء في الهروي.
(4) في الأصل، وا، والدر النثير: «نفذ ... وأنفذته» بالذال المعجمة. وأثبتّه بالمهملة من اللسان.
(5) في الأصل، وا، والدر النثير: «نفذ ... وأنفذته» بالذال المعجمة. وأثبتُّه بالمهملة من اللسان.
(6) زاد الهروي: «ولا معنى لِعَنْك» .(5/91)
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «حَتَّى يَنْفُذَ النِّساء» أَيْ يَمْضِين ويَتَخَلَّصْنَ مِنْ مُزاحَمةِ الرِّجال.
وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ «انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ، وانْفُذْ بسَلام» أَيِ انْفَصل وامْضِ سالِماً.
(س) وَفِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْداء «إِنْ نَافَذْتَهُمْ نَافَذُوكَ» نَافَذْتُ الرجُل، إِذَا حاكَمْتَه:
أَيْ إنْ قُلتَ لَهُمْ قَالُوا لَك. ويُروَى بِالْقَافِ وَالدَّالِ المهمَلة.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَزْرَقِ «ألاَ رجُلٌ يَنْفُذُ بَيْنَنا» أَيْ يَحْكُم ويُمْضِي أمْرَه فِينا. يُقَالُ: أمْرُه نَافِذٌ: أَيْ ماضٍ مُطاعٌ.
(نَفَرَ)
(س) فِيهِ «بَشِّروا وَلَا تُنَفِّرُوا» أَيْ لَا تلْقَوهُم بِمَا يِحْمِلهم عَلَى النُّفُورِ. يُقَالُ:
نَفَرَ يَنْفِرُ نُفُوراً ونِفَاراً، إِذَا فَرَّ وذَهَب.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ» أَيْ مَن يَلْقَى النَّاسَ بالغِلْظة والشِّدة، فَيَنْفِرُونَ مِنَ الإسْلام والدِّين.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «لَا تُنَفِّرِ الناسَ» .
(س) وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ «إِنَّهُ اشْتَرط لِمن أقطَعَه أَرْضًا أَلَّا يُنَفِّرَ مالُه» أَيْ لَا يُزْجَر مَا يَرْعَى فِيهَا مِنْ مالِه، وَلَا يُدْفَع عَنِ الرَّعْي.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحَجِّ «يَوْمُ النَّفْرِ الْأَوَّلِ» هُوَ اليَومُ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشريق. والنَّفْر الآخِر اليَومُ الثالِث.
وَفِيهِ «وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا» الِاسْتِنْفَارُ: الاستِنْجاد والاسْتِنْصار: أَيْ إِذَا طُلِبَ مِنْكُمُ النُّصْرة فأجِيبوا وانْفِرُوا خارِجين إِلَى الْإِعَانَةِ. ونَفِيرُ الْقَوْمِ: جَماعَتُهم الَّذِينَ يَنْفِرُونَ فِي الأمْر.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ بَعَث جَمَاعَةً إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ، فَنَفَرَتْ لَهُمْ هُذَيل، فلما أحَسُّوا بِهم لَجَأوا إِلَى قَرْدَدٍ» أَيْ خَرجوا لِقتالِهم.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «غَلَبت نُفُورَتُنَا نُفُورَتَهم» يُقَالُ لِأَصْحَابِ الرَّجُل وَالَّذِينَ يَنْفِرُون مَعَهُ إِذَا حَزَبه أمرٌ: نَفْرَتُهُ ونَفْرُهُ «1» ، ونَافِرَتُهُ ونُفُورَتُهُ.
(س) وَفِي حَدِيثِ حَمْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ «أُنْفِرَ بِنَا فِي سَفَرٍ مَعَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»
__________
(1) في الأصل، وا: «ونُفْرَتُه» والمثبت من الصحاح، والأساس، واللسان.(5/92)
يُقال: أَنْفَرْنَا: أَيْ تَفَرَّقَت إبِلُنا، وأُنْفِرَ بِنا: أَيْ جُعِلْنا مُنْفِرِينَ ذَوِي إبِلٍ نَافِرَة.
وَمِنْهُ حَدِيثُ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَأَنْفَرَ بِهَا المشرِكون بَعيرَها حَتَّى سَقَطَت» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «مَا يَزيدُ عَلَى أَنْ يَقُول: لَا تُنْفِرُوا» أَيْ لَا تُنْفِروا إبِلَنا.
(س) وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ «لَوْ كَانَ هَاهُنَا أحدٌ مِنْ أَنْفَارِنَا» أَيْ مِنْ قَومِنا، جَمْع نَفَرٍ، وهُم رَهْط الْإِنْسَانِ وعَشِيرته، وهُو اسْمُ جَمْعٍ، يَقَع عَلَى جَمَاعة مِنَ الرِّجال خاصَّة مَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ «1» إِلَى العَشَرة، وَلَا واحدَ لَهُ مِنْ لَفْظه.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «ونَفَرُنَا خُلُوف» أَيْ رِجَالُنَا. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «أَنَّ رجُلا تَخَلَّل بالقَصَب، فَنَفَرَ فُوهُ، فَنَهى عَنِ التَّخلُّل بالقَصَب» أَيْ وَرِمَ. وأصلُه مِنَ النِّفَارِ؛ لأنَّ الجِلْدَ يَنْفِرُ عَنِ اللَّحم، للدَّاء الحادِث بَيْنَهُما.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ غَزْوَانَ «أَنَّهُ لَطَم عَيْنَه فَنَفَرَتْ» أَيْ وَرِمَت.
(س) وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ «نَافَرَ أخِي أُنَيْسٌ فُلانا الشَّاعِر» تَنَافَرَ الرجُلان، إِذَا تَفاخَرا ثُمَّ حَكَّما بينَهُما واحِدا، أَرَادَ أنَّهما تَفاخَرا أيُّهما أجْودُ شِعْرا.
والْمُنَافَرَةُ: المُفاخَرةُ والمُحاكَمةُ، يُقال: نَافَرَهُ فَنَفَرَهُ يَنْفُرُهُ، بِالضَّمِّ، إِذَا غَلَبه. ونَفَّرَهُ وأَنْفَرَهُ، إِذَا حَكم لَهُ بالغَلَبة.
وَفِيهِ «إنَّ اللَّه يُبْغِض العِفْرِيَةَ النِّفْرِيَة» أَيِ المُنْكَر الخبِيث. وَقِيلَ: النِّفْرِيَةُ والنِّفْرِيتُ:
إِتْبَاعٌ لِلعِفْريَةِ والعِفْريتِ.
(نَفَسَ)
[هـ] فِيهِ «إِنِّي لأَجِدُ نَفَسَ الرحمنِ مِن قِبَلِ اليَمَن» وَفِي رِوَايَةٍ «أجِدُ نفَسَ رَبِّكم» قِيلَ: عَنَى بِهِ الْأَنْصَارَ؛ لأنَّ اللَّه نَفَّسَ بِهِمُ الكَرْبَ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ، وهُم يَمَانُون؛ لأنَّهم مِنَ الأزْد. وَهُوَ مُسْتَعارٌ مِنْ نَفَسِ الْهَوَاءِ الَّذِي يَرُدّه التَّنَفُّس إِلَى الجَوف فَيُبْرِدُ مِنْ حَرارته ويُعَدِّلُها، أَوْ مِن نَفَسِ الرِّيح الَّذِي يَتَنَسَّمه فيَسْتَروِح إِلَيْهِ، أَوْ مِن نَفَسِ الرَّوضة، وَهُوَ طِيبُ رَوائحها، فَيَتَفرّج بِهِ عَنْهُ. يُقَالُ: أَنْتَ فِي نَفَسٍ مِنْ أمْرِك، وَاعْمَلْ وَأَنْتَ فِي نَفَسٍ مِنْ عُمْرك: أَيْ فِي سَعَة وفُسْحة، قَبْل المرَض والهَرَمِ ونَحْوِهما.
__________
(1) في الأصل، وا، والدر: «الثلاث» والتصحيح من اللسان.(5/93)
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَا تَسُبُّوا الرِّيح، فَإِنَّهَا مِنْ نَفَسِ الرَّحْمَنِ» يُريد بِهَا أنَّها تُفَرِّج الكَرْب، وتُنْشِىء السَّحاب، وتَنْشُر الغَيْث، وتُذْهِب الجَدْب.
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: النَّفَسُ فِي هَذيْن الحَديثَين اسْمٌ وُضِعَ مَوْضعَ المصْدَرِ الْحَقِيقِيِّ، مِنْ نَفَّسَ يُنَفِّسُ تَنْفِيساً ونَفَساً، كَمَا يقالُ: فَرّج يُفَرِّجُ تَفْريجا وفَرَجاً، كَأَنَّهُ قَالَ: أجِدُ تَنْفيسَ ربِّكُم مِنْ قِبَلِ اليَمنِ، وإنَّ الرِّيح مِنْ تَنْفِيسِ الرَّحْمَنِ بِهَا عَنِ الْمَكْرُوبِينَ.
قَالَ العُتْبي: هَجَمْتُ عَلَى وَادٍ خَصِيبٍ وَأَهْلُهُ مُصْفَرَّةٌ ألوانُهم، فسألتُهم عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ شَيْخ مِنْهُمْ: لَيْسَ لَنا رِيحٌ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «مَن نَفَّسَ عَنْ مُؤمنٍ كُرْبة» أَيْ فرَّج.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «ثُمَّ يَمشي أَنْفَسَ مِنْهُ» أَيْ أفسَحَ وأبْعَدَ قَلِيلًا.
وَالْحَدِيثُ الآخَر «مَن نَفَّسَ عَنْ غَريمه» أَيْ أخَّر مُطالَبَته.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عمَّار «لَقَدْ أبْلَغْتَ وأوْجَزْت، فَلَوْ كُنْتَ تَنَفَّسْتَ» أَيْ أطَلْتَ. وَأَصْلُهُ أَنَّ المُتكَلم إِذَا تَنَفَّسَ اسْتَأْنَفَ القَولَ، وسَهُلَت عَلَيْهِ الْإِطَالَةُ.
(س) وَفِيهِ «بُعِثْتُ فِي نَفَسِ السَّاعَةِ» أَيْ بُعِثْتُ وَقَدْ حَانَ قِيامُها وقَرُب، إِلَّا أنَّ اللَّه أخَّرها قَلِيلًا، فبَعَثَني فِي ذَلِكَ النَّفَس، فَأَطْلَقَ النَّفَس عَلَى القُرْبِ.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ جَعل لِلسَّاعَةِ نَفَساً كَنَفَسِ الْإِنْسَانِ، أرادَ إنِّي بُعِثْتُ فِي وَقْتٍ قَرِيب مِنْهَا أحُسُّ فِيهِ بنَفَسها، كَمَا يُحسُّ بنَفَسِ الْإِنْسَانِ إِذَا قَرُب مِنْهُ. يَعْنِي بُعِثْت فِي وقْتٍ بانَت أشراطُها فِيهِ وظَهَرت علاماتُها.
ويُروَى «فِي نَسَم السَّاعَةِ» وَقَدْ تَقَدَّمَ.
(هـ) وَفِيهِ «أَنَّهُ نَهَى عَنِ التَّنَفُّس فِي الْإِنَاءِ» .
(هـ) وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «أَنَّهُ كَانَ يَتَنَفَّسُ فِي الْإِنَاءِ ثَلَاثًا» يَعْنِي فِي الشُّرْب. الحَديثان صَحِيحَانِ، وهُما باخْتِلاف تَقْديريْن: أحدُهما أَنْ يَشْرَب وَهُوَ يَتَنَفَّس فِي الْإِنَاءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُبينَه عَنْ فِيه، وَهُوَ مَكْرُوهٌ. والآخَرُ أَنْ يَشْرَب مِنَ الْإِنَاءِ بِثَلَاثَةِ أَنْفَاسٍ يَفْصِل فِيهَا فَاهُ عَنِ الْإِنَاءِ. يُقَالُ:
أكْرعَ فِي الْإِنَاءِ نَفَساً أَوْ نَفَسَيْنِ، أَيْ جُرْعةً أو جرعتين.(5/94)
(س) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «كُنَّا عِنْدَهُ فَتَنَفَّسَ رجُل» أَيْ خَرج مِنْ تَحْتهِ ريحٌ. شبَّه خروجَ الرِّيح مِنَ الدُّبُر بخُروج النَّفَس مِنَ الفَمِ.
(هـ) وَفِيهِ «مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلَّا قَدْ كُتِبَ رِزقُها وأجَلُها» أَيْ مَولُودة. يُقال:
نُفِسَتِ المرأةُ ونَفِسَتْ، فَهِيَ مَنْفوسة ونُفَسَاءُ، إِذَا وَلَدَت. فَأَمَّا الحَيْضُ فَلَا يُقال فِيهِ إِلَّا نَفِسَتْ، بِالْفَتْحِ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّ أسماءَ بنتَ عُمَيس نَفِسَتْ بِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ» والنِّفَاسُ: وِلَادُ الْمَرْأَةِ إِذَا وَضَعَتْ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فَلَمَّا تَعَلَّت مِنْ نِفاسِها تَجَمَّلَت للخُطَّاب» أَيْ خَرَجَت مِنْ أيَّام وِلادَتِها.
وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(س) وَمِنَ الْأَوَّلِ حَدِيثُ عُمَرَ «أَنَّهُ أجْبَر بَنِي عَمّ عَلَى مَنْفُوس» أَيْ ألزَمَهُم إرضاعَه وتَرْبِيَتَه.
(س) وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّهُ [صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «1» ] صَلّى عَلَى مَنْفُوسٍ» أَيْ طِفْل حِينَ وُلِدَ. وَالْمُرَادُ أَنَّهُ صَلَّى عَلَيْهِ وَلَمْ يَعْمَل ذَنْبا.
(هـ) وَحَدِيثُ ابْنِ المسيَّب «لَا يَرِثُ المَنْفوسُ حَتَّى يَسْتَهِلَّ صارِخا» أَيْ حَتَّى يُسْمَعَ لَهُ صَوْتٌ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أُمِّ سَلمة «قَالَتْ: حِضْتُ فانْسَلَلتُ، فَقَالَ: مَا لَكِ، أَنَفِسْتِ؟» أَيْ أحضتِ. وَقَدْ نَفِسَت المرأةُ تَنْفَسُ، بِالْفَتْحِ، إِذَا حاضَتْ. وَقَدْ تَكَرَّرَ ذكْرُها بِمَعْنَى الوِلادة والحَيْض.
وَفِيهِ «أخْشَى أَنْ تُبْسَط الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ كَمَا بُسِطَت عَلَى مَن كَانَ قَبْلَكم، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوها» التَّنَافُسُ مِنَ الْمُنَافَسَةِ، وَهِيَ الرّغْبةُ فِي الشَّيْءِ والانْفِرادُ بِهِ، وَهُوَ مِنَ الشَّيءِ النَّفِيسِ الجَيّد فِي نَوْعِه. ونَافَسْتُ فِي الشيءِ مُنَافَسَةً ونِفَاساً، إِذَا رَغِبْتَ فِيهِ. ونَفُسَ بِالضَّمِّ نَفَاسَةً:
أَيْ صَارَ مَرْغوبا فِيهِ. ونَفِسْتُ بِهِ، بِالْكَسْرِ: أَيْ بَخِلْتُ بِهِ. ونَفِسْتُ عَلَيْهِ الشيءَ نَفَاسَةً، إِذَا لَمْ تَره لَهُ أهْلا.
__________
(1) ساقط من ا، واللسان.(5/95)
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «لَقَدْ نِلْتَ صِهْر رسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا نَفِسْنَاهُ عَلَيْكَ» .
(س) وَحَدِيثُ السَّقِيفة «لَمْ نَنْفَسْ عَلَيْكَ» أَيْ لَمْ نَبْخَل.
(س) وَحَدِيثُ الْمُغِيرَةِ «سَقِيم النِّفَاسِ» أَيْ أسقَمَتْه المَنافَسةُ والمُغالَبة عَلَى الشَّيْءِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ «أَنَّهُ تَعَلَّم العَرِبيَّةَ وأَنْفَسَهُمْ» أَيْ أعْجَبَهم.
وَصَارَ عندهُم نَفِيساً. يُقَالُ: أَنْفَسَنِي فِي كَذَا: أَيْ رَغّبَني فِيهِ.
(هـ) وَفِيهِ «أَنَّهُ نَهَى عَنِ الرُّقْيَة إِلَّا فِي النَّمْلة والحُمَة والنَّفْسِ» النَّفْسُ: الْعَيْنُ. يُقَالُ:
أصابَت فُلَانًا نَفْسٌ: أَيْ عَيْن. جعَله القُتيبيّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ سيرينَ «1» وَهُوَ حديثٌ مَرفوعٌ إِلَى النبيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَنَسٍ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ مَسَح بَطْنَ رافِع، فألْقى شَحْمَةً خَضْراء، فَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ فِيهَا أنْفُسُ سَبْعَةٍ» يُريدُ عُيُونَهم. وَيُقَالُ للعَائن: نَافِسٌ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «الكِلاب مِنَ الجِنّ، فَإِنْ غَشِيَتْكم عِنْدَ طَعامِكم فألْقُوا لَهُنّ؛ فإنَّ لَهُنَّ أنْفُساً وأعْيُنا» .
(هـ) وَفِي حَدِيثِ النَّخعَي «كُلُّ شيءٍ لَيست لَهُ نَفْسٌ سَائلة، فَإِنَّهُ لَا يُنَجِّس الْمَاءَ إِذَا سَقَط فِيهِ» أَيْ دَمٌ سَائلٌ.
(نَفَشَ)
(س) فِيهِ «أَنَّهُ نَهى عَنْ كسْب الأمَة، إِلَّا مَا عَمِلَتْ بِيَدَيْهَا، نَحْوَ الْخَبْزِ وَالْغَزْلِ والنَّفْشِ» هُوَ نَدْف القُطن والصُّوف. وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ كَسْب الْإِمَاءِ؛ لِأَنَّهُ كَانَتْ عليهنَّ ضرائبُ، فَلَمْ يأمَنْ أَنْ يَكُونَ مِنْهُنَّ الفُجور، وَلِذَلِكَ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ «حَتَّى يُعْلَمَ مِنْ أَيْنَ هُوَ» .
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «أَنَّهُ أتَى عَلَى غُلامٍ يَبِيعُ الرَّطْبة، فَقَالَ: انْفُشْهَا، فَإِنَّهُ أحْسَنُ لَهَا» أَيْ فَرِّقْ مَا اجْتَمَعَ مِنْهَا، لتَحْسُنَ فِي عَيْنِ الْمُشْتَرِي. والنَّفِيشُ «2» : المتاعُ المُتَفرِّق.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «وَإِنْ أَتَاكَ مُنْتَفِشَ «3» المَنْخَرَين» أَيْ واسِع مَنْخَرِي الْأَنْفِ، وَهُوَ مِنَ التَّفريق.
__________
(1) وكذلك صنع الهروي.
(2) فى اللسان «والنّفش» وما عندنا يوافقه ما القاموس، وانظر شرحه.
(3) في الهروي: «مُنَفَّش» .(5/96)
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّه بْنِ عَمْرٍو «الحَبَّة فِي الجنةِ مِثْلُ كَرِش الْبَعِيرِ يبيتُ نَافِشاً» أَيْ راعِيا. يقالُ: نَفَشَتِ السّائمةُ تَنْفِشُ نُفُوشاً، إِذَا رَعت لَيْلا بِلَا رَاعٍ، وهَمَلَت، إِذَا رَعَت نَهارا.
(نَفَصَ)
(س) فِيهِ «مَوْتٌ كَنُفَاصِ الغَنَم» النُّفَاصُ: داءٌ يَأْخُذُ الغَنَم فَتُنْفِصُ بأبوالِهَا حَتَّى تَمُوتَ: أَيْ تُخْرِجُه دُفْعةً بَعْدَ دُفْعَةٍ. وَقَدْ أَنْفَصَتْ فَهِيَ مُنْفِصَةٌ. هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ.
وَالْمَشْهُورُ «كَقُعاص الغَنم» وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَفِي حَدِيثِ السُّنَن الْعَشْرِ «وانْتِفَاصِ الْمَاءِ» الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ بِالْقَافِ. وَسَيَجِيءُ.
وَقِيلَ: الصَّوَابُ بِالْفَاءِ، وَالْمُرَادُ نَضْحُه عَلَى الذَكر، مِنْ قَوْلِهِمْ لِنَضْحِ الدمِ الْقَلِيلِ: نُفْصَة، وَجَمْعُهَا: نُفَصٌ.
(نَفَضَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ قَيْلة «مُلَاءَتَانِ كَانَتَا مَصْبوغَتَين وَقَدْ نَفَضَتَا» أَيْ نَصَل لَونُ صِبْغِهِمَا، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْأَثَرُ. وَالْأَصْلُ فِي النَّفْضِ: الحَرَكة «1» .
(س) وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ والْغَار «أَنَا أَنْفُضُ لَكَ مَا حَوْلك» أَيْ أحْرُسك وأطُوف هَلْ أَرَى طَلَبا. يُقَالُ: نَفَضْتُ الْمَكَانَ واسْتَنْفَضْتُهُ وتَنَفَّضْتُهُ، إِذَا نَظرْتَ جميعَ مَا فِيهِ. والنَّفْضَةُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِهَا، والنَّفِيضَةُ: قَوْمٌ يُبْعَثُون مُتَجَسِّسين، هَلْ يَرَوْن عَدُوًّا أَوْ خَوْفاً.
وَفِيهِ «ابْغني أحْجارا أَسْتَنْفِضُ بِهَا» أَيْ أسْتَنْجي بِهَا، وَهُوَ مِنْ نَفْضِ الثَّوْبَ؛ لأنَّ المُسْتَنْجِيَ يَنْفُضُ عَنْ نفْسِه الأذَى بالحَجر: أَيْ يُزيلُه ويَدفعُه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ كَانَ يَمُرُّ بالشِّعْب مِنْ مُزْدَلِفَةَ فَيَنْتَفِضُ ويَتَوضَّأ» .
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أُتِي بمِنديلٍ فَلَمْ يَنْتَفِضْ بِهِ» أَيْ لَمْ يَتَمَسَّح. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
وَفِي حَدِيثِ الْإِفْكِ «فأخَذتها حُمَّى بِنَافِضٍ» أَيْ برعدةٍ شديدةٍ، كأنها نفضتها:
أى حرّكتها.
__________
(1) فى الهروى: «التحويل» 13- النهاية 5.(5/97)
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِنِّي لَأَنْفُضُهَا نَفْضَ الْأَدِيمِ» أَيْ أُجْهِدُها وأعرُكُها، كَمَا يُفْعل بِالْأَدِيمِ عِنْدَ دِباغِه.
(س) وَفِي حَدِيثٍ «كُنَّا فِي سَفَرٍ فَأَنْفَضْنَا» أَيْ فَنِيَ زادُنا، كَأَنَّهُمْ نَفَضُوا مَزاوِدَهم لخُلُوِّها، وَهُوَ مِثْل أرْمَل وأقْفَر.
(نَفَعَ)
- فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى «النَّافِعُ» هُوَ الَّذِي يُوَصِّلُ النَّفع إِلَى مَنْ يَشَاءُ مِن خَلْقِه حَيْثُ هُوَ خالِقُ النَّفْع والضَّر، والخَيْر والشَّر.
وَفِي حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ كانَ يشربُ مِنَ الإدَاوَةِ وَلَا يَخْنِثُها ويُسَمّيها نَفْعَةَ» سمَّاها بالمرَّة الواحدةِ مِنَ النَّفْعِ، ومَنَعها مِنَ الصَّرف للعَلميَّة وَالتَّأْنِيثِ.
هَكَذَا جَاءَ فِي الْفَائِقِ»
فَإِنْ صَحَّ النَّقْل، وَإِلَّا فَمَا أشْبَه الكَلمة أَنْ تَكُونَ بِالْقَافِ، مِنَ النَّقع، وَهُوَ الرِّيّ. واللَّه أَعْلَمُ.
(نَفَقَ)
- قَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ «النِّفَاقِ» وَمَا تصرَّف مِنْهُ اسْما وفعْلا، وَهُوَ اسمٌ إِسْلَامِيٌّ، لَمْ تَعْرفْه الْعَرَبُ بالمعْنى المخْصُوص بِهِ، وَهُوَ الَّذِي يَسْتُر كُفْرَه ويُظْهر إِيمَانَهُ، وَإِنْ كَانَ أصلُه فِي اللُّغة مَعْروفا. يُقَالُ: نَافَقَ يُنَافِقُ مُنَافَقَةً ونِفَاقاً، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ النَّافِقَاءِ: أحَد جِحَرة اليَرْبوع، إِذَا طُلِب مِنْ واحِدٍ هرَب إِلَى الآخَر، وخرَج مِنْهُ. وَقِيلَ: هُوَ مِنَ النَّفَقِ: وَهُوَ السَّرَب الَّذِي يُسْتَتَر فيهِ، لِسَتْرِه كُفْرَه.
وَفِي حَدِيثِ حَنْظَلَةَ «نَافَقَ حَنْظَلةُ» أَرَادَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ عِند النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخْلَصَ وزَهِدَ فِي الدُّنْيَا، وَإِذَا خَرَجَ عَنْهُ تَرك مَا كَانَ عَلَيْهِ ورَغِب فِيهَا، فَكَأَنَّهُ نَوْعٌ مِنَ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ، مَا كَانَ يَرْضَى أَنْ يُسامِحَ بِهِ نفسَه.
(س) وَفِيهِ «أكْثَر مُنافِقي هَذِهِ الأمَّة قُرَّاؤُها» أَرَادَ بِالنِّفَاقِ هَاهُنَا الرِّياء لِأَنَّ كِلَيْهما إظهارُ غَيْرِ مَا فِي الْبَاطِنِ.
(س) وَفِيهِ «الْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهَ بالحَلِف كاذبٌ» الْمُنَفِّقُ بِالتَّشْدِيدِ: مِنَ النفَاق، وَهُوَ ضِدُّ الكَساد. ويُقالُ: نَفَقَتِ السِلعةُ فَهِيَ نَافِقَةٌ، وأَنْفَقْتُهَا ونَفَّقْتُهَا، إذا جَعَلْتَها نَافِقَةً.
__________
(1) انظر الفائق 1/ 373.(5/98)
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «اليمينُ الكاذِبةُ مَنْفَقَةٌ للسِلْعة مَمْحَقةٌ للبَركة» أَيْ هِيَ مَظِنَّة لِنفاقِها ومَوْضِعٌ لَهُ.
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «لَا يُنَفِّقُ بعضُكم لِبَعْضٍ» أَيْ لَا يَقْصِدُ أَنْ يُنَفِّق سِلْعَتَه عَلَى جِهَةِ النَّجْش، فَإِنَّهُ بِزِيَادَتِهِ فِيهَا يُرغِّب السامعَ، فَيَكُونُ قولُه سَببا لابْتِياعِها، ومُنَفِّقاً لَهَا.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «مِن حَظِّ المَرء نَفَاق أيِّمِه» أَيْ مِنْ حَظِّه وَسَعَادَتِهِ أَنْ تُخْطَب إِلَيْهِ نِسَاؤُهُ، مِنْ بناتِه وأخَواته، وَلَا يَكْسُدْن كَسادَ السِّلع الَّتِي لَا تَنْفُق.
(س) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «والجَزورُ نَافِقَةٌ» أَيْ مَيِّتة. يُقَالُ: نَفَقَتِ الدابَّة، إِذَا مَاتَتْ.
(نَفَلَ)
(س) فِي حَدِيثِ الْجِهَادِ «إِنَّهُ نَفَّلَ في البَدأة الرُّبُع، وفي القَفْلة الثُلُث» النَّفَلُ بِالتَّحْرِيكِ: الغَنِيمة، وَجَمْعُهُ: أَنْفَالْ. والنَّفْلُ بِالسُّكُونِ وَقَدْ يُحرّك: الزِّيَادَةُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي حَرْفِ الْبَاءِ وَغَيْرِهِ.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ بَعَث بَعْثاً قِبَل نَجْد، فبلَغَتْ سُهْمانُهم اثْنَي عَشَرَ بعَيرا، ونَفَّلَهُمْ بَعيراً بَعيراً» أَيْ زادَهم عَلَى سِهامِهم. وَيَكُونُ مِنْ خُمْس الخُمُس.
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «لَا نَفَلَ فِي غَنِيمة حَتَّى تُقْسم جُفَّةً كلُّها» أَيْ لَا يُنَفِّل مِنْهَا الأميرُ أَحَدًا مِنَ المُقاتِلة بعْد إحرازِها حَتَّى تُقْسَم كُلُّها، ثُمَّ يُنَفِّله إِنْ شَاءَ مِنَ الخُمس، فَأَمَّا قَبل القِسْمة فَلَا.
وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ «النَّفَلِ والْأَنْفَالِ» فِي الْحَدِيثِ، وَبِهِ سُمِّيت النَّوافل فِي العِباداتِ، لِأَنَّهَا زائدةٌ عَلَى الفرائضِ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَا يَزالُ العَبدُ يَتَقَرَّبُ إليَّ بالنَّوافِل» الْحَدِيثَ.
وَفِي حَدِيثِ قِيام رَمَضَانَ «لَوْ نَفَّلْتَنَا بَقِيَّةَ ليْلَتنا هَذِهِ» أَيْ زِدْتنَا مِنْ صَلَاةِ النَّافلة.
وَالْحَدِيثِ الْآخَرِ «إنَّ المَغانمَ كَانَتْ مُحَرَّمةً عَلَى الْأُمَمِ قَبْلَنا، فَنَفَّلَهَا اللَّه تَعَالَى هَذِهِ الأمَّة» أَيْ زادَها.
وَفِي حَدِيثِ الْقَسَامَةِ «قَالَ لأوْلِياء المَقْتول: أتَرْضَون بنَفْل خَمْسين مِنَ الْيَهُودِ مَا قَتَلوه؟» يقالُ: نَفَّلْتُهُ فَنَفَلَ: أَيْ حَلَّفْتُه فحَلَفَ. ونَفَلَ وانْتَفَلَ، إِذَا حَلَف. وأصلُ النَّفْلُ: النَّفْي. يُقَالُ:(5/99)
نَفَلْتُ الرجُل عَنْ نَسَبه، وانْفُلْ عَنْ نفسِك إِنْ كُنت صادِقا: أَيِ انْفِ عَنْكَ مَا قِيلَ فِيكَ، وسُمِّيت الْيَمِينُ فِي القَسامة نَفْلا، لِأَنَّ القِصاصَ يُنْفَى بِهَا.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «لَودِدْتُ أنَّ بَنِي أميَّة رَضُوا ونَفَّلْنَاهُمْ خَمْسِينَ رجُلا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، يَحْلِفون مَا قَتَلْنا عُثْمَانَ، وَلَا نَعْلم لَهُ قَاتِلا» يريدُ نَفَّلْنَا لَهُمْ.
(س [هـ] ) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ «أنَّ فُلَانًا انْتَفَلَ مِنْ وَلَده» أَيْ تَبرَّأ مِنْهُ.
(س) وَفِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْداء «إِيَّاكُمْ والخَيْلَ الْمُنَفِّلَة الَّتِي إِنْ لَقِيتْ فَرَّت، وَإِنْ غَنِمَت غَلَّت» كَأَنَّهُ مِنَ النَّفَلِ: الغَنيمة: أَيِ الَّذِينَ قَصْدُهم مِنَ الغَزْوِ الغنيمةُ والمالُ، دُونَ غَيْرِهِ، أَوْ مِنَ النَّفَلِ، وَهُمُ المطَّوِّعة المُتَبَرّعون بِالْغَزْوِ، وَالَّذِينَ لَا إسمَ لَهُمْ فِي الدِّيوَانِ، فَلَا يقاتِلون قِتالَ مَن لَهُ سَهْم.
هَكَذَا جَاءَ فِي كِتَابِ أَبِي مُوسَى مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ. وَالَّذِي جَاءَ فِي «مُسْند أَحْمَدَ» مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِيَّاكُمْ والخَيْلَ الْمُنَفِّلَةَ، فَإِنَّهَا إِنْ تَلْقَ تَفرّ، وَإِنْ تَغْنَم تَغْلُل» ولَعلَّهما حَدِيثَانِ.
(نَفِهِ)
[هـ] فِيهِ «هجَمَتْ لَهُ الْعَيْنُ ونَفِهَتْ لَهُ النَّفس «1» » أَيْ أعْيَت وكلَّت.
(نَفَا)
[هـ] فِيهِ «قَالَ زَيْدُ بْنُ أسْلَم: أرسَلني أَبِي إِلَى ابْنِ عُمر، وَكَانَ لَنَا غَنَم، فَأَرَدْنَا نَفِيتَيْنِ «2» نُجَفِّفُ عَلَيْهِمَا الأقِطَ، فَأَمَرَ قَيِّمه لَنا بِذَلِكَ» قَالَ أَبُو مُوسَى: هَكَذَا رُوي «نَفِيتَيْن» بوزْن بَعيرَين، وَإِنَّمَا هُوَ «نَفِيَّتَيْنِ» بِوَزْنِ شَقِيَّتَيْن، واحِدتُهما: نَفِيَّةٌ، كطَوِيَّة. وَهِيَ شيءٌ يُعمل مِنَ الخُوص، شِبْهُ طَبَقٍ عَريض.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ «3» : قَالَ النَّضر: النُّفْيَةُ، بِوَزْنِ الظُّلْمة، وعِوَض الْيَاءِ تَاءٌ، فوقَها نُقْطتان.
وَقَالَ غَيْرُهُ: هِيَ بِالْيَاءِ، وجَمْعها: نُفًى، كَنُهْيةٍ ونُهىً. والكُلّ شيءٌ يُعْمَل مِنَ الخُوص مُدَوَّراً وَاسِعًا كالسُّفرة.
__________
(1) رواية الهروي واللسان: «هَجَمَتْ عَيْناك ونَفِهَتْ نَفْسُك» قال في اللسان: رواه أبو عبيد «نَفِهَتْ» والكلام: «نَفَهَتْ» ويجوز أن يكونا لغتين. وانظر صحيح مسلم باب النهي عن صوم الدهر، من كتاب الصيام صفحتي 815، 816.
(2) في الهروي: «نُفْيَتيْن» .
(3) انظر الفائق 3/ 118.(5/100)
(هـ) وَفِي حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ «قَالَ لعُمَر بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حِينَ اسْتُخْلف، فَرَآهُ شَعِثاً، فأدام النَّظَرَ إليه، فقال له: ما لَك تُدِيمُ النَّظَر إِلَيَّ؟ فَقَالَ: أنْظُر إِلَى مَا نَفَى مِنْ شَعَرك، وحالَ مِنْ لَوْنك» أَيْ ذَهَبَ وَتَسَاقَطَ. يُقَالُ: نَفَى شَعْرُهُ يَنْفِى نَفْياً، وانْتَفَى، إِذَا تَساقط. وَكَانَ عُمر قَبْل الخِلافة مُنَعَّما مُتْرَفا، فَلَمَّا اسْتُخْلِف شَعِثَ وتَقَشَّف.
وَفِيهِ «الْمَدِينَةُ كالكِير تَنْفِي خَبثَها» أَيْ تُخْرجه عَنْهَا، وَهُوَ مِنَ النَّفْي: الإبْعاد عَنِ البلَد.
يُقَالُ: نَفَيْتُهُ أَنْفِيهِ نَفْياً، إِذَا أخرجْتَه مِنَ البلَدِ وطرَدتْه.
وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكرُ «النَّفْي» فِي الْحَدِيثِ.
بَابُ النُّونِ مَعَ الْقَافِ
(نَقَبَ)
- فِي حَدِيثِ عُبادة بْنِ الصَّامِتِ «وَكَانَ مِنَ النُّقَباء» النُّقَبَاءُ: جَمْع نَقِيب، وَهُوَ كالعَريف عَلَى الْقَوْمِ المُقَدَّم عَلَيْهِمْ، الَّذِي يَتَعَرَّف أخبارَهم، ويُنَقِّبُ عَنْ أَحْوَالِهِمْ: أَيْ يُفَتِّش. وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَعَل ليلةَ العَقَبة كُلَّ واحدٍ مِنَ الجَماعة الَّذِينَ بَايَعُوهُ بِهَا نَقِيبا عَلَى قومِه وجَماعتِه، ليأخُذوا عَلَيْهِمُ الإسْلام، ويُعَرِّفوهم شَرَائِطَهُ. وَكَانُوا اثْنَيْ عشَر نَقِيبًا كلُّهم مِنَ الْأَنْصَارِ.
وَكَانَ عُبَادة بْنُ الصَّامت مِنْهُمْ.
وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُهُ فِي الْحَدِيثِ مُفردا وَمَجْمُوعًا.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِنِّي لَمْ أُومَر أنْ أُنَقِّبَ عَنْ قُلوب النَّاسِ» أَيْ أُفَتِّشَ وأكْشِف.
(هـ) وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ «مَن سَأل عَنْ شَيْءٍ فَنَقَّبَ عَنْهُ» .
[هـ] وَفِيهِ «أَنَّهُ قَالَ: لَا يُعْدِي شيءٌ شَيْئًا، فَقَالَ لَهُ أَعْرَابِيٌّ: يَا رسولَ اللَّه، إنَّ النُّقْبَةَ تَكُونُ بِمِشْفَر الْبَعِيرِ أَوْ بذَنَبه فِي الْإِبِلِ الْعَظِيمَةِ فتَجْرَب كلُّها، فَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَمَا أجْرَب الْأَوَّلَ؟» النُّقْبَةُ: أَوَّلُ شَيْءٍ يَظْهَر مِنَ الجَرب، وجَمْعُها: نُقْبٌ، بِسُكُونِ الْقَافِ، لِأَنَّهَا تَنْقُبُ الجلْد: أَيْ تَخْرِقه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «أَتَاهُ أعرابيٌّ فَقَالَ: إِنِّي عَلَى ناقةٍ دَبْرَاءَ عَجْفاءَ نَقْبَاءَ، واسْتَحْمَله، فظنَّه كاذِبا، فَلَمْ يَحْمِله، فانْطَلَق وَهُوَ يَقُولُ:(5/101)
أقْسَمَ باللَّه أَبُو حَفْصٍ عُمَرْ ... مَا مَسَّها مِنْ نَقَبٍ وَلَا دَبَرْ
أَرَادَ بَالنَّقَبِ هَاهُنَا رِقَّة الْأَخْفَافِ. وَقَدْ نَقِبَ البعيرُ يَنْقَبُ، فَهُوَ نَقِبٌ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُهُ الْآخَرُ «أَنَّهُ قَالَ لامْرأة حاجَّه: أَنْقَبْتِ وأدْبَرْتِ» أَيْ نَقِبَ بَعيرُك ودَبِرَ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «ولْيَسْتَأْن بالنَّقِب والضالِع» أَيْ يَرفُق بِهِمَا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الجَرَب.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى «فَنَقِبَتْ أقدامُنا» أَيْ رَقَّتْ جُلُودُها، وتَنَفَّطَت مِنَ المَشْي.
(هـ) وَفِيهِ «لَا شُفْعة فِي فِنَاء وَلَا طريقٍ وَلَا مَنْقَبَةٍ» هِيَ الطَّريق بَيْنَ الدارَيْن، كَأَنَّهُ نَقْبٌ مِنْ هَذِهِ إِلَى هَذِهِ. وَقِيلَ: هُوَ الطريقُ الَّذِي يَعْلو أنْشَازَ الْأَرْضِ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُمْ فَزِعوا مِنَ الطَّاعون فَقَالَ: أرْجُو أَلَّا يَطْلُعَ إِلَيْنَا نِقَابَهَا «1» » هِيَ جَمْعُ نَقْب، وهو الطريق بين الحبلين. أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَطْلُع إِلَيْنَا مِنْ طرُق الْمَدِينَةِ، فأضمَر عَنْ غيْر مَذْكور.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «عَلَى أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ ملائكةٌ، لَا يَدْخُلُها الطَّاعُونُ وَلَا الدجَّال» وَهُوَ جَمْعُ قلَّة لِلنَّقْبِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ مَجْديّ بْنِ عمْرو «أَنَّهُ مُيْمون النَّقِيبَةِ» أَيْ مُنَجَّحُ الفِعال، مُظَفَّر المَطالِب. والنَّقِيبَةُ: النَّفْس. وَقِيلَ: الطَّبيعة والخَليقة.
(س) وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ «أَنَّهُ اشْتَكَى عَيْنَه فكَرِه أَنْ يَنْقُبَهَا» نَقْبُ العَين: هُوَ الَّذِي يُسَمِّيه الأطبَّاء القَدْحَ، وَهُوَ مُعالَجة الْمَاءِ الْأَسْوَدِ الَّذِي يَحْدث فِي العَيْن. وَأَصْلُهُ أَنْ يَنْقُرَ البَيْطَارُ حافِر الدَّابّة ليُخْرجَ مِنْهُ مَا دَخَل فِيهِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «ألْبَسَتْنا أمُّنا نُقْبَتَهَا» هِيَ السَّراويل الَّتِي تَكُونُ لَهَا حُجْزةٌ مِنْ غَيْرِ نَيْفَق «2» ، فَإِذَا كَانَ لَهَا نَيْفَقٌ فَهِيَ سَراوِيلُ.
__________
(1) ضبط في الأصل: «نِقابُها» بالضم. وضبطته بالفتح من الهروي واللسان.
(2) قال في القاموس: «ونَيْفَق السراويل، بالفتح: الموضع المتَّسِع منه» . ويقال فيه: نِئْفِق. انظر الجمهرة 3/ 155، والمعرب ص 333(5/102)
(س) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «أنَّ مَوْلاةَ امْرأةٍ اخْتَلَعَت مِنْ كُلِّ شَيْءٍ لَهَا وَكُلِّ ثَوب عَلَيْهَا، حَتَّى نُقْبَتِهَا، فَلَمْ يُنْكِر ذَلِكَ» .
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الْحَجَّاحِ «وَذَكَرَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: إِنْ كَانَ لَنِقَاباً» وَفِي رِوَايَةٍ «إِنْ كَانَ لَمِنْقَباً» النِّقَابُ والْمِنْقَبُ، بِالْكَسْرِ وَالتَّخْفِيفِ: الرجُل الْعَالِمُ بِالْأَشْيَاءِ، الْكَثِيرُ البَحْث عَنْهَا والتَّنْقِيبُ: أَيْ مَا كَانَ إِلَّا نِقَابا.
(س) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ سِيرِين «النِّقَابُ مُحْدَث» أَرَادَ أَنَّ النِّساء مَا كُنَّ يَنْتَقِبن:
أَيْ يَخْتَمِرْن.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لَيْسَ هَذَا وجْهَ الْحَدِيثِ، ولكِنّ النِّقاب عِنْدَ الْعَرَبِ هُوَ الَّذِي يَبْدو مِنْهُ مَحْجِر العَين. وَمَعْنَاهُ أَنَّ إبْدَاءهُنَّ المحَاجِرَ محْدَث، إِنَّمَا كَانَ النِّقاب لاحِقا بالعَيْن، وَكَانَتْ تَبْدُو إحْدَى العَيْنَين وَالْأُخْرَى مَسْتورة، والنِّقاب لَا يَبْدُو مِنْهُ إِلَّا العَيْنان. وَكَانَ اسمُه عِنْدَهُمْ: الوَصْوصَة، والبُرْقُع، وَكَانَا مِنْ لِباس النِّساء، ثُمَّ أحْدثْنَ النِّقابَ بَعْدُ.
(نَقَثَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْع «وَلَا تُنَقِّثْ مِيرَتَنا تَنْقِيثاً» النَّقْثُ: النَّقل. أَرَادَتْ أَنَّهَا أَمِينَةٌ عَلَى حِفْظِ طَعَامِنَا، لَا تَنْقُله وتُخْرِجه وتُفَرّقه.
(نَقَحَ)
(س) فِي حَدِيثِ الْأَسْلَمِيِّ «إِنَّهُ لَنَقِحٌ «1» » أَيْ عالِمٌ مُجَرَّب. يُقَالُ: نَقَحَ العَظْمَ، إِذَا اسْتَخْرج مُخَّه، ونَقَّحَ الكلامَ، إِذَا هَذَّبه وأحْسَن أوصافَه. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: خَيرُ الشِّعْر الحَوْلِيُّ الْمُنَقَّح.
(نَقَخَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ شَرِبَ مِنْ رُومَةَ فَقَالَ: هَذَا النُّقَاخ» هُو الْمَاءُ العَذْب البارِد الَّذِي يَنْقَخُ العَطَش: أَيْ يَكْسِره ببَرْده.
ورُومة: بِئْرٌ مَعْرُوفة بِالْمَدِينَةِ.
(نَقَدَ)
- فِي حَدِيثِ جَابِرٍ وجَمِله «قَالَ: فَنَقَدَنِي ثَمَنه» أَيْ أعْطانيه نَقْداً مُعَجَّلاً.
(س) وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ «كَانَ فِي سَفَر، فَقرَّب أصحابُه السُّفْرة ودَعَوْه إِلَيْهَا، فَقَالَ:
إِنِّي صائِم، فَلَمَّا فَرَغُوا جَعل يَنْقُدُ شَيْئًا مِنْ طعامِهم» أَيْ يَأْكُلُ شيئاً يَسيرا. وهو من نَقَدْتُ الشّيءَ
__________
(1) في اللسان: «لَنِقْحٌ» .(5/103)
بأصْبَعِي، أَنْقُدُهُ وَاحِدًا وَاحِدًا نَقْدَ الدَّراهِم. ونَقَدَ الطائرُ الحبَّ يَنْقُدُهُ، إِذَا كَانَ يَلْقُطه وَاحِدًا وَاحِدًا، وَهُوَ مِثْل النَّقْر. ويُرْوى بِالرَّاءِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ «وَقَدْ أصْبَحْتُم تَهْذِرُون الدُّنْيَا، ونَقَدَ بأصْبَعه» أَيْ نقَرَ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ «إِنْ نَقَدْتَ الناسَ نَقَدُوك» أَيْ إِنْ عِبْتَهم واغْتَبْتهم قابَلوك بمِثلِه. وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ: نَقَدْتُ الجَوْزةَ أنْقُدها، إِذَا ضَربْتَها.
ويُروَى بِالْفَاءِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ.
(س) وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «إِنَّ مكاتَبا لِبني أسَد قَالَ: جِئتُ بِنَقَدٍ أجْلُبُه إِلَى الْكُوفَةِ» النَّقَدُ: صِغار الغَنَم، واحدتُها: نَقَدَة، وجَمْعُها: نِقَادٌ.
وَمِنْهُ حَدِيثُهُ الْآخَرُ «قَالَ يومَ النَّهْرَوَان: ارْمُوهُم، فَإِنَّمَا هُم نَقَدٌ» شَبَّهُهم بالنَّقَد.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ خُزَيْمَةَ «وَعَادَ النِّقَادُ مُجْرَنْثِماً» وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(نَقَرَ)
(س) فِيهِ «أَنَّهُ نَهى عَنْ نَقْرَةِ الغُراب» يُرِيدُ تَخْفيف السُّجود، وَأَنَّهُ لَا يمكُث فِيهِ إِلَّا قدْرَ وضْع الغُرابِ مِنْقَارَهُ فِيمَا يُريدُ أكْلَه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي ذَرّ «فَلَمَّا فرَغوا جَعل يَنْقُرُ «1» شَيْئًا مِنْ طَعامِهم» أَيْ يَأْخُذُ مِنْهُ بأصْبَعه.
(هـ) وَفِيهِ «أَنَّهُ نَهى عَنِ النَّقِيرِ والمُزَفَّت» النَّقِيرُ: أصلُ النَّخْلة يُنْقَر وسَطه ثُمَّ يُنْبَذُ فِيهِ التَّمر، ويُلْقَى عَلَيْهِ الْمَاءُ لِيصيرَ نَبيذاً مُسْكراً. والنَّهي واقِعٌ عَلَى مَا يُعْمَل فِيهِ، لَا عَلى اتِّخاذ النَّقير، فَيَكُونُ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ، تَقْدِيرُهُ: عَنْ نَبِيذِ النَّقِير، وَهُوَ فَعيل بِمَعْنَى مَفْعُولٍ. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «عَلَى نَقِيرٍ مِنْ خَشَب» هُوَ جِذعٌ يُنْقَر ويُجْعل فِيهِ شِبْهُ المَراقِي يُصْعَد عَلَيْهِ إِلَى الغُرَف.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ تعالى: وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً
«وضَع طَرَف إبهامِه عَلَى باطِن سَبَّابَته ثُمَّ نَقَرَهَا، وقال: هذا النَّقير» .
__________
(1) سبق بالدال.(5/104)
وَفِيهِ «أَنه عَطَسَ عِنْدَهُ رجُل فَقَالَ: حَقِرْتَ ونَقِرْتَ» يُقَالُ بِهِ نَقير: أَيْ قُروح وبَثر ونَقِرَ: أَيْ صَارَ نَقيرا. كَذَا قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ «1» .
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: نَقِير: إِتْبَاعُ حَقِير.
يُقَالُ: هُوَ حَقيرٌ نَقِير. ونَقِرَتِ الشَّاةُ، بِالْكَسْرِ، فَهِيَ نَقِرَةٌ: أَصَابَهَا داءٌ فِي جُنُوبها.
(س) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «مَتَى مَا يَكْثُر حَمَلةُ الْقُرْآنُ يُنَقِّرُوا، وَمَتَى مَا يُنَقِّروا يَخْتَلفوا» التَّنْقِيرُ:
التَّفْتيش. ورجلٌ نَقَّارٌ ومُنَقِّرٌ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فَنَقَّرَ عَنْهُ» أَيْ بَحَثَ وَاسْتَقْصَى.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْإِفْكِ «فَنَقَّرَتْ لِيَ الحديثَ» هَكَذَا رَوَاهُ بعضُهم. والمرْوىُّ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ الْمُسَيَّبِ «بلَغَه قولُ عِكْرمةَ فِي الحِين أَنَّهُ ستَّة أشهُر، فَقَالَ: انْتَقَرَهَا عكْرمة» أَيِ اسْتَنْبَطَها مِنَ الْقُرْآنِ. والنَّقْرُ: البَحْث.
هَذَا إِنْ أَرَادَ تَصْديقه. وَإِنْ أَرَادَ تكذيبَه، فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ قَالَهَا «2» مِنْ قِبَل نَفْسه، واخْتَصَّ بِهَا، مِنَ الِانْتِقَار: الاختِصاص. يُقال: نَقَّرَ باسْم فُلان، وانْتَقَرَ، إِذَا سَمَّاه مِنْ بيْن الْجَمَاعَةِ.
(س) وَفِيهِ «فأمَر بِنُقْرَةٍ مِنْ نُحَاسٍ فأُحْمِيتْ» النُّقْرَةُ: قِدْرٌ يُسَخَّن فِيهَا الْمَاءُ وغيرُه.
وَقِيلَ: هُوَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُثْمَانَ البَتِّي «مَا بِهَذِهِ النُّقْرة أعْلَمُ بالقَضاء مِنَ ابْنِ سِيرِين» أَرَادَ البَصْرةَ.
وَأَصْلُ النُّقْرَةِ: حُفْرة يَسْتَنْقع فِيهَا الْمَاءُ.
(نَقْرَسَ)
(س) فِيهِ «وَعَلَيْهِ نَقَارِسُ الزَّبَرْجَد والحَلْي» النَّقَارِسُ: مِنْ زينَة النِّساء.
قَالَهُ أَبُو مُوسَى.
(نَقَزَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «كَانَ يُصَلّي الظُّهْر والجنَادِبُ تَنْقُزُ مِنَ الرَّمْضاء» أَيْ تَقْفِز وتَثِبُ، مِنْ شدَّة حَرارة الأرض. وقد نَقَزَ وأَنْقَزَ، إذا وَثَب.
__________
(1) في الأصل: «أبو عبيد» وما أثبت من او اللسان. وفي ا: «قال» وانظر الحاشية 3 ص 40 من الجزء الرابع.
(2) في الهروي: «اقتالها» .(5/105)
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «يَنْقُزَانِ، القِرَبُ عَلَى مُتُونهما» أَيْ يَحْمِلانها، ويَقْفزَان بِهَا وَثْباً.
وَفِي نَصْب «القِرَب» بُعْدٌ؛ لِأَنَّ يَنْقُزَ غَيْرُ مَتَعَدّ. وَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ بعدَم «1» الْجَارِّ.
وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِضَمِّ الْيَاءِ، مَنْ أَنْقَزَ، فعدَّاه بالهمْز، يُريد تَحريك القِرَب ووثُوبَها بِشدّة العَدْوِ والوَثْب.
وَرُوِيَ بِرَفْع القِرَب عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ الحالِ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فَرَأَيْتُ عَقِيصَتَيْ أَبِي عُبَيدة تَنْقُزَانِ وَهُوَ خَلْفَه» .
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «مَا كَانَ اللَّه لِيُنْقِزَ «2» عَنْ قاتِل الْمُؤْمِنِ» أَيْ ليُقْلعَ ويكُفَّ عَنْهُ حَتَّى يُهْلِكه، وَقَدْ أَنْقَزَ عَنِ الشَّيْءِ، إِذَا أقْلع وكَفَّ.
(نَقَسَ)
(س) فِي حَدِيثِ بَدْء الْأَذَانِ «حَتَّى نَقَسُوا أَوْ كادُوا يَنْقُسُونَ» النَّقْسُ: الضَّرْب بِالنَّاقُوسِ، وَهِيَ خَشَبة طَوِيلَةٌ تُضْرب بخَشَبة أصغَرَ مِنْهَا. والنَّصارى يُعْلِمون بِهَا أوقاتَ صَلاتِهم.
(نَقَشَ)
(هـ) فِيهِ «مَن نُوقِشَ الحسابَ عُذِّب» أَيْ مَن اسْتُقْصِيَ فِي مُحاسَبَته وحُوقِقَ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ «مَنْ نُوقِش الحسابَ فَقَدْ هَلَك» .
وَحَدِيثُ عَلِيٍّ «يَوْمَ يَجْمَعَ اللَّهُ فِيهِ الأوْلين والآخِرين لِنِقَاشِ «3» الحِساب» وَهُوَ مَصْدَرٌ مِنْهُ.
وأصْل الْمُنَاقَشَةِ: مِنْ نَقَشَ الشَّوْكة، إِذَا اسْتَخْرجَها مِنْ جِسْمه، وَقَدْ نَقَشَهَا وانْتَقَشَهَا.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ «وَإِذَا شيكَ فَلَا انْتَقَشَ» أي إذا دخلت فيه شوكة أخْرجَها مِنْ مَوضِعِها. وَبِهِ سُمِّيَ الْمِنْقَاش الَّذِي يُنْقَشُ بِهِ.
[هـ] وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «اسْتَوْصُوا بالمِعْزَى خَيْرا، فَإِنَّهُ مالٌ رَقِيق، وانْقُشُوا لَهُ عَطَنَهُ» أَيْ نَقُّوا مَرابِضَها مِمَّا يُؤْذِيهَا مِنْ حِجارة وشَوْكٍ وَغَيْرِهِ.
(نَقَصَ)
(س) فِيهِ «شَهْرَا عِيدٍ لَا يَنْقُصَانِ» يَعْنِي فِي الحُكْم وإنْ نَقَصَا فِي العَدَد:
أَيْ إِنَّهُ لَا يَعْرِض فِي قُلُوبِكُمْ شكٌ إِذَا صُمْتُم تِسْعَةً وَعِشْرِينَ، أَوْ إِنْ وقَع فِي يَوْمِ الْحَجِّ خَطأ، لَمْ يكُن في نُسُككُم نَقْصٌ.
__________
(1) أي أنه منصوب على نزع الخافض، كما يقول النُّحاة.
(2) هكذا بالزاي في الأصل، وا، والفائق 3/ 125، واللسان مادة (نقز) لكن رواية الهروي والجوهري بالراء. وكذلك جاءت رواية الراء في اللسان، مادة (نقر) .
(3) في الأصل بفتح النون.(5/106)
وَفِي حَدِيثِ بَيْعِ الرُّطَبِ بالتَّمر «قَالَ: أيَنْقُصُ الرّطب إذا يبس؟ قالو ا: نَعَمْ» لَفْظُه استِفْهام، وَمَعْنَاهُ تَنْبيهٌ وتقريرٌ لِكُنْه الحكْم وعِلَّته، ليكونَ مُعْتَبَرا فِي نَظائِره، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْفَى مثْلُ هَذَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ؟ وَقَوْلِ جَرير: «1»
ألَسْتم خَيْرَ مَن رَكِبَ المَطايَا
(هـ) وَفِي حَدِيثِ السُّنَن العَشْر «انْتِقَاصُ الْمَاءِ» يُريد «2» انتِقاص البَوْل بِالْمَاءِ إِذَا غَسَل المَذاكِير بِهِ.
وَقِيلَ: هُوَ الانْتِضاح بِالْمَاءِ. ويُروَى بِالْفَاءِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ.
(نَقَضَ)
- فِيهِ «أَنَّهُ سَمِعَ نَقِيضاً مِنْ فَوْقِهِ» النَّقِيضُ: الصَّوْتُ. وَنَقِيضُ الْمَحَامِلِ:
صَوْتُهَا. ونَقِيضُ السَّقْف: تَحْرِيكُ خَشَبه.
وَفِي حَدِيثِ هِرَقْل «وَلَقَدْ تَنَقَّضَتِ الغُرْفة» أَيْ تَشَقَّقت وَجَاءَ صَوْتُها.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ هَوازِن «فَأَنْقَضَ بِهِ دُرَيْد» أَيْ نَقَر بِلسانِه فِي فِيه، كَمَا يُزْجَر الحِمارُ، فَعَله استِجْهالاً «3» .
وَقَالَ الخطَّابي: أَنْقَضَ بِهِ: أَيْ صَفَّق بإحْدَى يَدَيْه عَلَى الأخْرى، حَتَّى يُسْمَعَ لهُما نَقِيضٌ: أَيْ صَوْت.
وَفِي حَدِيثِ صَوم التَّطَوُّع «فَنَاقَضَنِي ونَاقَضْتُهُ» هِيَ مُفاعَلَة، مِنْ نَقْضِ البنَاء، وهُو هَدْمُه:
أَيْ يَنْقُض قَوْلي، وأَنْقُضُ قَولَه، وَأَرَادَ بِهِ المُراجَعة والمُرادَدَة.
وَمِنْهُ حَدِيثُ «نَقْضِ الوِتْر» أَيْ إبطالِه وتَشْفيعِه بركْعة لِمَنْ يُريد أَنْ يَتَنَفَّل بعدَ أنْ أوْتَرَ.
(نَقَطَ)
- فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «فَمَا اخْتَلَفوا فِي نُقْطَة» أَيْ فِي أمْرٍ وقَضِيَّة. هَكَذَا أثْبتَه بعضُهم بِالنُّونِ. وَذَكَرَهُ الْهَرَوِيُّ فِي الْبَاءِ، وأُخِذ عليه، وقد تقدّم.
__________
(1) ديوانه ص 98. وعجزه:
وأنْدَى العالَمِينَ بُطُونَ راحِ
(2) هذا من شرح أبي عبيد، كما في الهروي.
(3) في الهروي: «استجهالاً له» .(5/107)
قَالَ بعضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: المضْبوط المرويُّ عِند عُلماء النَّقل أَنَّهُ بِالنُّونِ، وَهُوَ كَلَامٌ مَشْهُورٌ، يُقَالُ عِنْدَ المُبالَغة فِي المُوافَقة. وَأَصْلُهُ فِي الكِتابَيْن، يُقابَل أحدُهُما بِالْآخَرِ ويُعارَض، فَيُقَالُ: مَا اخْتَلَفا فِي نُقْطة، يَعْنِي مِنْ نُقَط الحُروف والكَلِمات: أى أنّ بينهما من الاتّفاق مالم يَخْتَلِفا مَعَهُ فِي هَذَا القَدْرِ الْيَسِيرِ.
(نَقَعَ)
(هـ) فِيهِ «نَهى أَنْ يُمنَعَ نَقْعُ البِئر» أَيْ فَضْل مائِها، لِأَنَّهُ يُنْقَعُ بِهِ العَطش:
أَيْ يُرْوَى. وشَرِب حَتَّى نَقَعَ: أَيْ رَوِيَ. وَقِيلَ: النَّقْعُ: الْمَاءُ النَّاقِعُ، وَهُوَ المُجْتَمِع.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَا يُباع نَقْعُ الْبِئْرِ وَلَا رَهْوُ الْمَاءِ» .
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَا يَقْعُدُ أحدُكم فِي طريقٍ أَوْ نَقْعِ مَاءٍ» يَعْنِي عِند الحَدَث وقضاءِ الحاجَة.
[هـ] وَفِيهِ «أنَّ عَمر حَمى غَرْزَ النَّقِيعِ» هُوَ موضِعٌ حَماه لِنَعَم الفَيْء وخَيْلِ المُجاهدين، فَلَا يَرعاه غَيْرُهَا، وَهُوَ مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنَ الْمَدِينَةِ، كَانَ يَسْتَنْقِعُ فِيهِ الماءُ: أَيْ يَجْتَمع.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَوَّلُ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ فِي الْإِسْلَامِ بِالْمَدِينَةِ فِي نَقِيعِ الْخَضِمَاتِ «1» » وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(هـ س) وَمِنْهُ حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ «إِذَا اسْتَنْقَعَتْ نَفْسُ الْمُؤْمِنِ جَاءَ مَلَكُ الموْت» أَيْ إِذَا اجْتَمَعَتْ فِي فِيه تُريد الخُروج، كَمَا يَسْتَنْقع الماءُ فِي قَرارِه، وَأَرَادَ بالنَّفْسِ الرُّوحَ.
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ الحجَّاج «إِنَّكُمْ يَا أهلَ العِراق شَرَّابُون عَلَيّ بِأَنْقُعٍ» هُوَ مَثَلٌ يُضْرَب لِلَّذِي جَرَّب الْأُمُورَ ومارَسها. وَقِيلَ: لِلَّذِي يُعاوِدُ الْأُمُورَ المكروهَةَ. أَرَادَ أنَّهم يَجْتَرئون عَلَيْهِ ويتَنَاكَرون.
وأَنْقُعٌ: جَمْعُ قِلَّة لِنَقْعٍ، وهُو الْمَاءُ النَّاقِعُ، وَالْأَرْضُ الَّتِي يَجْتَمع فِيهَا الْمَاءُ. وأصلُه أَنَّ الطائِر الحَذِرَ لَا يَرِد المَشَارِع، ولكنَّه يَأْتِي الْمَنَاقِعَ يَشْرب مِنْهَا، كَذَلِكَ الرجُل الحَذِر لَا يَتَقَحَّم الْأُمُورَ.
وَقِيلَ: هُوَ أَنَّ الدَّليل إِذَا عَرَف المِياه فِي الفَلَواتِ حَذَقَ سُلُوك الطَّرِيقِ الَّتِي تُؤَدِّيهِ إليها.
(هـ) ومنه حديث ابن جريح «أَنَّهُ ذَكَر مَعْمَر بْنَ رَاشِدٍ فَقَالَ: إِنَّهُ لَشَرَّابٌ بِأَنْقُع» أَيْ إِنَّهُ رَكِبَ فِي طَلَب الْحَدِيثِ كلَّ حَزْن، وكَتَبَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.
__________
(1) سبق في مادة خضم بفتح الضاد. خطأ.(5/108)
(س) وَفِي حَدِيثِ بَدْرٍ «رَأَيْتُ البَلايَا تَحْمِل المَنايَا، نَواضِح يَثْرِب تَحْمِل السَمَّ النَّاقِعَ» أَيِ القاتِل. وَقَدْ نَقَعْتُ فُلَانًا، إِذَا قَتَلْتَه. وَقِيلَ: النَّاقِعُ: الثَّابِت المُجْتَمِع، مِنْ نَقْعِ الْمَاءِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ الكَرْم «تَتَّخذونه زَبِيباً تُنْقِعُونَهُ» أَيْ تَخْلِطونه بِالْمَاءِ ليَصِير شرَاباً.
وكلُّ مَا أُلْقِي فِي مَاءٍ فَقَدْ أُنْقِعَ. يُقال: أَنْقَعْتُ الدَّواء وغَيْره فِي الْمَاءِ، فَهُوَ مُنْقَعٌ. والنَّقُوعُ بِالْفَتْحِ: مَا يُنْقَعُ فِي الْمَاءِ مِنَ اللَّيل ليُشْرَب نَهارا، وَبِالْعَكْسِ. والنَّقِيعُ: شَراب يُتَّخَذ مِنْ زَبيب أَوْ غَيره، يُنْقَع فِي الْمَاءِ مِنْ غَير طَبْخ.
وكانَ عَطاء يَسْتَنْقِعُ فِي حِياض عَرَفة: أَيْ يدْخُلها ويَتَبَرَّدُ بِمَائِهَا.
هـ س وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «مَا عَلَيْهِنَّ أَنْ يَسْفِكْنَ مِنْ دُموعهنّ عَلَى أَبِي سُليمان مَا لَمْ يَكُنْ نَقْعٌ وَلَا لَقْلَقة» يَعْنِي خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ. النَّقْعُ: رفْع الصَّوت. ونَقَعَ الصّوتُ واسْتَنْقَعَ، إِذَا ارتَفَع.
وَقِيلَ: أَرَادَ بِالنَّقْعِ شَقَّ الجُيوب.
وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ وَضْع التُّراب عَلَى الرءُوس، مِنَ النَّقْع: الغُبار، وَهُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ قَرن بِهِ اللَّقْلَقة، وَهِيَ الصَّوت، فَحمْل اللَّفْظَين عَلَى مَعْنَيَين أَوْلَى مِنْ حَمْلهما عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ المولدِ «فاسْتَقْبَلوه فِي الطَّرِيقِ مُنْتَقِعاً لونُه» أَيْ مُتَغَيِّرا. يُقَالُ: انْتَقَعَ لونُه وامْتُقِع، إِذَا تَغَيَّر مِنْ خَوْفٍ أَوْ ألَمٍ وَنَحْوِ ذلك.
ومنه حديث ابْنِ زمْل «فانْتُقع لونُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاعَةً ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ» .
(س) وَفِيهِ ذِكْرُ «النَّقِيعَةُ» وَهِيَ طَعام يَتَّخذه الْقَادِمُ مِنَ السَّفَر.
(نَقَفَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّه بْنِ عُمَرَ «1» «واعْدُدِ اثْنَيْ عَشر مِنْ بَنِي كَعْب بْنِ لُؤَيّ، ثُمَّ يَكُونُ النَّقْفُ والنِّقَافُ» أَيِ القَتْل والقِتَال. والنَّقْفُ: هَشْمُ الرَّأْسِ: أَيْ تَهِيج الفِتَن والحُروبُ بَعدَهم.
وَمِنْهُ حَدِيثُ مُسْلِمِ بْنِ عُقْبة المُرِّيّ «لَا يَكُونُ إِلَّا الوِقاف، ثُمَّ النِّقَاف، ثُمَّ الانصِراف» أَيِ المُواقَفة فِي الْحَرْبِ، ثُمَّ المُناجَزة بِالسُّيُوفِ، ثُمَّ الانْصِراف عنها.
__________
(1) هكذا في الأصل والفائق 3/ 125 وفيه: «اعدد» بإسقاط الواو. وفي ا: «بن عمرو اعدد» .(5/109)
(هـ) وَفِي رَجَزِ كَعْبٍ وَابْنِ الْأَكْوَعِ:
لكنْ غذَاها حَنْظَلٌ نَقِيفُ
أَيْ مَنْقُوف، وهُو أنَّ جانِيَ الحَنْظل يَنْقُفُهَا بظُفْره: أَيْ يَضْربها، فَإِنْ صَوّتت عَلِم أَنَّهَا مُدْركة فاجْتَناها.
(نَقَقَ)
(س) فِي رَجَزِ مُسَيْلِمَةَ.
يَا ضِفْدَعُ نِقِّي كَمْ تَنِقِّين
النَّقِيقُ: صَوْت الضِّفْدَع، فَإِذَا رجَّع صَوْتَه قِيلَ: نَقْنَقَ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْع «ودَائِسٍ ومُنِقٍّ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هَكَذَا يَرْوِيهِ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ بِكَسْرِ النُّونِ «1» ، وَلَا أعْرِف الْمُنِقَّ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنْ صَحَّت الرِّوَايَةُ فَيَكُونُ مِنَ النَّقِيقِ: الصَّوْتُ. تُرِيدُ أَصْوَاتَ الْمَوَاشِي والأنْعام.
تَصِفُه بكَثْرة أموالِه.
ومُنِقٍّ: مِنْ أَنَقَّ، إِذَا صَارَ ذَا نَقِيقٍ، أَوْ دَخل فِي النَّقيِق.
(نَقَلَ)
(هـ) فِيهِ «كَانَ عَلَى قَبْرِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّقْل» هُوَ بِفُتْحَتَيْنِ:
صِغار الحِجارة أشْباه الأثافيِّ، فَعَلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ: أَيْ مَنْقول.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْع «لَا سَمِين فَيُنْتَقَلُ «2» » أَيْ يَنْقُلُه النَّاسُ إِلَى بيُوتِهم فَيَأْكُلُونَهُ.
(هـ) وَفِي ذِكْرِ الشِّجاج «الْمُنَقِّلَةِ» هِيَ الَّتِي تَخْرج مِنْهَا صِغارُ العِظام، وتَنْتَقِلُ عَنْ أماكنِها، وَقِيلَ: الَّتِي تَنْقُلُ العَظْم: أَيْ تَكْسِره.
(نَقَمَ)
- فِي أَسْمَاءِ اللَّه تَعَالَى «الْمُنْتَقِمُ» هُوَ المُبالغ فِي الْعُقُوبَةِ لِمَنْ يَشَاءُ. وَهُوَ مُفْتَعِل، مِنْ نَقَمَ يَنْقِمُ، إِذَا بَلَغت بِهِ الكراهةُ حَدَّ السُّخط.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ مَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ قطُّ، إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ مَحارِمُ اللَّه» أَيْ مَا عَاقَبَ أَحَدًا عَلَى مَكْرُوهٍ أَتَاهُ مِنْ قِبَلِه. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ. يُقَالُ: نَقَمَ يَنْقِمُ، ونَقِمَ يَنْقَمُ. ونَقِمَ من
__________
(1) سيأتي في الصفحة القادمة بالفتح.
(2) يروى «فيُنْتَقى» وسيجيء.(5/110)
فُلان الإحْسان، إِذَا جَعَلَهُ مِمَّا يُؤَدِّيهِ إِلَى كُفْر النِّعمة.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ الزَّكَاةِ «مَا يَنْقِمُ ابنُ جَمِيل إِلَّا أَنَّهُ كَانَ فَقِيراً فَأَغْنَاهُ اللَّه» أَيْ مَا يَنقِم شَيْئًا مِنْ مَنْع الزَّكَاةِ إِلَّا أَنْ يكفُرَ النِّعمة، فَكَأَنَّ غِناه أدَّاه إِلَى كُفر نِعمِة اللَّه.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «فَهُوَ كالأرْقم، إِنْ يُقْتَلْ يَنْقَمْ» أَيْ إِنْ قتَله كَانَ لَهُ مَن يَنْتَقِمُ مِنْهُ. وَالْأَرْقَمُ: الحيَّة، كَانُوا فِي الجاهليَّة يزعمُون أَنَّ الْجِنَّ تطْلُب بِثَأْرِ الجانِّ، وَهِيَ الحيَّة الدَّقِيقَةُ، فَرُبما مَاتَ قاتِلُه، وَرُبَّمَا أَصَابَهُ خَبَلٌ.
(نَقِهَ)
(س) فِيهِ «قَالَتْ أمُّ المُنْذِر: دَخَلَ عَلَيْنَا رسولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ عليٌّ وَهُوَ نَاقِهٌ» نَقِهَ الْمَرِيضُ يَنْقَهُ فَهُوَ نَاقِهٌ، إِذَا بَرأ وَأَفَاقَ، وَكَانَ قَرِيبَ العَهْد بِالْمَرَضِ لَمْ يَرْجِع إِلَيْهِ كمالُ صِحَّتِه وقُوَّته.
وَفِيهِ «فَانْقَهْ إِذًا» أَيِ افْهَم وافْقَه يقال: نَقَهْتُ نَقِهْتُ الْحَدِيثَ، مِثْلُ فَهمْت وفَقِهْت.
(نَقَا)
(هـ) فِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْع «لَا سَمِين فَيُنْتَقَى» أَيْ لَيْسَ لَهُ نِقْىٌ فيُسْتَخْرج.
والنِّقْىُ: المخُّ. يُقَالُ: نَقَيْتُ العَظْمَ ونَقَوْتُهُ، وانْتَقَيْتُهُ.
ويُروَى «فيُنتَقَل» بِاللَّامِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَا تُجْزِئُ فِي الْأَضَاحِيِّ الكَسِيرُ الَّتِي لَا تُنْقِي» أَيِ الَّتِي لَا مُخَّ لَهَا، لِضَعْفها وهُزالها.
وَحَدِيثُ أَبِي وَائِلٍ «فغَبَط مِنْهَا شَاةً، فَإِذَا هِيَ لَا تُنْقِي» .
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَمرو بْنِ الْعَاصِ يَصف عَمْر «ونَقَتْ لَهُ مُخَّتَها» يَعْنِي الدُّنْيَا. يَصِفُ مَا فُتِح عَلَيْهِ مِنْهَا.
وَفِيهِ «الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ، تُنْقِي خَبَثها» الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ بِالْفَاءِ. وَقَدْ تقدَّمت. وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ بِالْقَافِ، فَإِنْ كَانَتْ مُخَففَّة فَهُوَ مِنْ إِخْرَاجِ الْمُخِّ: أَيْ تَسْتَخْرج خَبَثها، وَإِنْ كَانَتْ مُشَدَّدَةً فَهُوَ مِنَ التَّنْقِيَةِ، وَهُوَ إِفْرَادُ الجَيِّد مِنَ الرَّديء.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أُمِّ زَرْعٍ «وَدَائِسٍ ومُنَقٍّ» هُوَ بِفَتْحِ النُّونِ الَّذِي يُنَقِّي الطَّعام: أَيْ يُخْرجه مِنْ قِشْره وتِبْنِه. ويُروَى بِالْكَسْرِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَالْفَتْحُ أشْبَه، لِاقْتِرَانِهِ بالدَّائِس، وَهُمَا مختَصَّان بِالطَّعَامِ.(5/111)
(هـ) وَفِيهِ «خَلَق اللَّه جُؤجُؤ آدَمَ مِنْ نَقاضَرِيَّة» أَيْ مِن رَمْلها. وضَرِيَّةُ: مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ، نُسِب إِلَى ضَرِيَّة بنْت رَبِيعَةِ بْنِ نِزار. وَقِيلَ: هِيَ اسْمُ بِئْرٍ.
(هـ) وَفِيهِ «يُحْشَر الناسُ يومَ الْقِيَامَةِ عَلَى أرْضٍ بَيْضاء عَفراء كقُرْصة النَّقِىِّ» يَعْنِي الخُبْز الحُوَّارَى.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «مَا رَأى رسولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم النَّقِيَّ مِنْ حينَ ابْتَعَثَه اللَّه حَتَّى قَبَضَه» .
وَفِيهِ «تَنَقَّهْ وتَوَقَّهْ» رَوَاهُ الطَّبَراني بِالنُّونِ، وَقَالَ: مَعْنَاهُ تَخَيَّر الصَّديق ثُمَّ احْذَرْه.
وَقَالَ غَيْرُهُ: «تَبَقّهْ» بِالْبَاءِ: أَيْ أبْق الْمَالَ وَلَا تُسْرف فِي الْإِنْفَاقِ. وتَوَقَّ فِي الِاكْتِسَابِ.
وَيُقَالُ: تَبَقَّ بِمَعْنَى اسْتَبْقِ، كالتَّقَصِّي بِمَعْنَى الاسْتِقْصاء.
بَابُ النُّونِ مَعَ الْكَافِ
(نَكَبَ)
- فِي حَدِيثِ حَجَّة الْوَدَاعِ «فَقَالَ بأصْبعه السَّبَّابَة يَرْفَعُها إِلَى السَّمَاءِ ويَنْكُبُهَا إِلَى النَّاسِ» أَيْ يُمِيلُهَا إِلَيْهِمْ، يُريد بِذَلِكَ أَنْ يُشْهِدَ اللَّه عليهمْ. يُقَالُ: نَكَبْتُ الإناءَ نَكْباً، ونَكَّبْتُهُ تَنْكِيباً، إِذَا أمَالَه وكَبَّه.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ سَعْدٍ «قَالَ يومَ الشُّورَى: إِنِّي نَكَبْتُ قَرَنِي فأخذتُ سَهْمي الفالِج» أَيْ كَبَبْتُ كنانَتِي.
(هـ) وَحَدِيثُ الحَجَّاج «إنَّ أميرَ الْمُؤْمِنِينَ نَكَبَ كِنانَته فعَجَم عِيدانَها» .
(س) وَفِي حَدِيثِ الزَّكاة «نَكِّبُوا عَنِ الطعَّام» يُريد الأَكُولَةَ وذواتِ اللَّبن، وَنَحْوَهُمَا: أَيْ أعْرِضوا عَنْهَا وَلَا تَأْخُذُوهَا فِي الزَّكَاةِ، ودَعُوها لِأَهْلِهَا. فيُقال فِيهِ: نَكَبَ ونَكَّبَ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ «نَكِّبْ عَنْ ذَاتِ الدَّرّ» .
(س) والحديثُ الْآخَرُ «قَالَ لِوَحْشيّ: تَنَكَّبْ عَنْ وجْهي» أَيْ تَنحَّ، وأعْرِض عَنِّي.
(هـ) وَحَدِيثُ عُمَرَ «نَكِّبْ عَنَّا ابنَ أمِّ عَبْد» أَيْ نحِّه عَنَّا. وَقَدْ نَكَّبَ عَنِ الطَّرِيقِ، إِذَا عَدَلَ عَنْهُ، ونكَّب غَيْرَهُ.(5/112)
وَفِي حَدِيثِ قُدوم المُسْتَضْعَفِين بِمَكَّةَ «فَجَاءُوا يَسُوق بِهِمُ الوليدُ بنُ الوَليِد، وسَار ثَلَاثًا عَلَى قَدَمَيْه، وَقَدْ نَكِبَ بالحَرّة» أَيْ نالَتْه حِجارتُها وأصابَتْه.
وَمِنْهُ النَّكْبَةُ: وَهِيَ مَا يُصِيب الإنسانَ مِنَ الْحَوَادِثِ.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ نَكِبَتْ إصْبَعه» أَيْ نالَتها الحِجارة.
وَفِيهِ «كَانَ إِذَا خَطَبَ بالمُصَلَّى تَنَكَّبَ عَلَى قَوْسٍ أَوْ عَصاً» أَيِ اتَّكأ عَلَيْهَا. وأصْله مِن تَنَكَّبَ القوسَ وانْتَكَبَهَا، إِذَا علَّقها فِي مَنْكِبه.
(س) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «خِيارُكم ألْينُكم مَنَاكِبَ فِي الصَّلَاةِ» الْمَنَاكِبُ: جمعُ مَنْكِبْ، وَهُوَ مَا بَيْنَ الكَتِف والعُنُق. أَرَادَ لُزوم السَّكِينةِ فِي الصَّلَاةِ.
وَقِيلَ: أَرَادَ أَلَّا يَمْتَنَع عَلَى مَن يَجِيءُ ليدخُل فِي الصَّف لِضِيقِ الْمَكَانِ، بَلْ يُمكِّنه مِنْ ذَلِكَ.
(س) وَفِي حَدِيثِ النَّخعِيّ «كَانَ يَتَوسَّط العُرَفاء والمَناكِب» الْمَنَاكِبُ: قومٌ دُونَ العُرفاء، واحِدُهم: مَنْكِب. وَقِيلَ: الْمَنْكِبْ: رأسُ العُرَفاء. وَقِيلَ: أعْوانُه.
والنِّكَابَةُ: كالعِرَافة والنِّقابة.
(نَكَتَ)
(س) فِيهِ «بَيْنا هُوَ يَنْكُتُ إذِ انْتَبه» أَيْ يُفَكِّر ويُحدِّث نفسَه.
وَأَصْلُهُ مِنَ النَّكْتِ بالحَصَى، ونَكْت الأرضِ بالقَضيب، وَهُوَ أَنْ يُؤثِّرَ فِيهَا بطَرَفِه، فِعْلَ المُفَكِّر المَهْموم.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فجعَل يَنْكُتُ بقَضيب» أَيْ يَضْرب الأرضَ بطَرَفه.
(س) وَحَدِيثُ عُمَرَ «دخَلْت الْمَسْجِدَ فَإِذَا الناسُ يَنْكُتون بالحَصى» أَيْ يَضْربون بِهِ الْأَرْضَ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «ثُمَّ لَأَنْكُتَنَّ بِكَ الْأَرْضَ» أَيْ أطْرَحُك عَلَى رأسِك.
يُقَالُ: طعَنه فَنَكَتَهُ، إِذَا أَلْقَاهُ عَلَى رأسِه.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّهُ ذَرَق عَلَى رأسِه عُصْفورٌ، فَنكَتَه بِيَدِهِ» أَيْ رَمَاهُ عَنْ رأسِه إِلَى الأرض.
15- النهاية 5(5/113)
(س) وَفِي حَدِيثِ الْجُمُعَةِ «فَإِذَا فِيهَا نُكْتَةٌ سَوْداء» أَيْ أثَرٌ قَلِيلٌ كالنُّقْطة، شبْه الوسَخ فِي المِرآة والسَّيفِ، ونحوِهما.
(نَكَثَ)
(س) فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «اُمِرْت بِقتال النَّاكِثِينَ، والقاسِطين، والمارِقين» النَّكْثُ: نَقْض العَهْد. والاسْمُ: النِّكْثُ، بِالْكَسْرِ. وَقَدْ نَكَثَ يَنْكُثُ. وأرادَ بِهِمْ أهلَ وقْعة الجَمل، لأنَّهم كَانُوا بَايَعُوهُ ثُمَّ نَقَضوا بَيْعَتَه وقاتَلوه، وَأَرَادَ بالقاسِطِين أهلَ الشَّامِ، وبالمارِقين الخَوارجَ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ النِّكْثَ والنَّوى مِنَ الطَّرِيقِ، فَإِنْ مرَّ بِدَارِ قومٍ رَمَى بِهِمَا فِيهَا، وَقَالَ: انْتَفِعوا بِهَذَا» النِّكْثُ، بِالْكَسْرِ: الخَيْط الخَلَق مِنْ صُوفٍ أَوْ شَعَرٍ أَوْ وَبَر، سَمّي بِهِ لِأَنَّهُ يُنْقَض ثُمَّ يُعاد فَتْلُه.
(نَكَحَ)
- فِي حَدِيثِ قَيْلة «انْطَلَقْتُ إِلَى أختٍ لِي نَاكِحٍ فِي بَنِي شَيْبان» أَيْ ذَاتِ نِكَاحٍ، يَعْنِي مُتَزوّجةً، كَمَا يُقَالُ: حائِض وطَاهر وَطَالِقٌ: أَيْ ذَات حيْض وطَهارة وَطَلَاقٍ.
وَلَا يُقَالُ: نَاكِحَةٌ، إِلَّا إِذَا أرادُوا بِناء الإسْم مِنَ الفِعل، فَيُقَالُ: نَكَحَتْ فَهِيَ نَاكِحَةٌ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ سُبَيْعة «مَا أنتِ «1» بِناكِحٍ حَتَّى تَنْقِضِيَ العِدَّة» .
وَفِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ «ولَسْتُ بِنُكَحٍ طُلَقَة» أَيْ كَثير التَّزْويج والطَّلاق، والمعروفُ أَنْ يُقَالَ: نُكَحَةٌ، وَلَكِنَّ هَكَذَا رُوِي، وفُعَلة: مِنْ أبْنِية المُبالغة لِمَنْ يَكْثُر مِنْهُ الشَّيْءُ.
(نَكَدَ)
(س) فِي حَدِيثِ هَوازِن «وَلَا دَرُّها بماكِدٍ، أَوْ نَاكِدٍ» قَالَ القُتَيْبي:
إِنْ كَانَ الْمَحْفُوظُ ناكِدا، فَإِنَّهُ أَرَادَ القَلِيل؛ لِأَنَّ النَّاكِدَ الناقةُ الْكَثِيرَةُ اللَّبن، فَقَالَ: مَا دَرُّها بِغَزير. والنَّاكِدُ أَيْضًا: القَليلة اللَّبن. وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي مَاتَ ولَدُها. والماكِد قَدْ تَقدَّم.
وَفِي قَصِيدِ كَعْبٍ:
قامَت فَجاوَبَها نُكْدٌ مَثاكِيلُ
النُّكْدُ: جَمع نَاكِد، وَهِيَ الَّتِي لَا يَعيِشُ لَهَا ولَدٌ.
(نَكَرَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ أَبِي سُفْيَانَ «قَالَ: إنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يُنَاكِرْ أَحَداً قَطُّ إِلَّا كانت
__________
(1) في الأصل، وا: «أنتَ» بالفتح. وضبطته بالكسر من النسخة 517، واللسان.(5/114)
مَعَهُ الأهوالُ» أَيْ لَمْ يُحارِب. والْمُنَاكَرَةُ: الْمُحَارَبَةُ، لأنَّ كُلَّ واحدٍ مِنَ المُتَحاربَين يُنَاكِرُ الْآخَرَ:
أَيْ يُداهِيه ويخادِعه.
وَالْأَهْوَالُ: المَخاوِف والشَّدائد. وَهَذَا كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «نُصرْتُ بالرُّعبِ» .
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي وَائِلٍ وَذَكَرَ أَبَا مُوسَى فَقَالَ: «مَا كَانَ أنْكَرَه!» أَيْ أَدْهَاهُ، مِنَ النُّكْرِ، بِالضَّمِّ: وَهُوَ الدَّهاء، وَالْأَمْرُ الْمُنْكَر. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا كَانَ فَطِنا: مَا أشدَّ نَكْرَهُ، بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ «إنِّي لأَكْره النَّكَارَةَ فِي الرجُل» يَعْنِي الدَّهاء.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ بَعْضِهِمْ «1» «كُنْتَ لِي أشَدَّ نَكَرَةً» النَّكَرَةُ بِالتَّحْرِيكِ: الِاسْمُ مِنَ الْإِنْكَارِ، كالنَّفَقة مِنَ الإنْفاق.
وَقَدْ تَكَرَّرَ ذكْر «الْإِنْكَارُ والْمُنْكَرُ» فِي الْحَدِيثِ، وَهُوَ ضِدّ الْمَعْرُوفِ. وكلُّ مَا قَبَّحه الشَّرْعُ وحَرَّمه وكَرِهه فَهُوَ مُنْكَرٌ. يُقَالُ: أَنْكَرَ الشيءَ يُنْكِرُهُ إِنْكَاراً، فَهُوَ مُنْكِر، ونَكِرَهُ يَنْكَرُهُ نُكْراً، فَهُوَ مَنْكُورٌ، واسْتَنْكَرَهُ فَهُوَ مُسْتَنْكِرٌ. والنَّكِيرُ: الْإِنْكَارُ.
والْإِنْكَارُ: الجُحود. ومُنْكَرٌ ونَكِيرٌ: اسْما المَلَكَيْن، مُفْعَل وفَعِيل.
(نَكَسَ)
- فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «تَعِس عبدُ الدِّينار وانْتَكَسَ» أَيِ انقَلب عَلَى رأسِه. وَهُوَ دُعاءٌ عَلَيْهِ بالخَيْبة؛ لأنَّ مَنِ انتَكسَ فِي أمْره فَقَدْ خَابَ وخَسِر.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «قِيلَ لَهُ: إنَّ فُلانا يَقْرأ الْقُرْآنَ مَنْكُوساً، فَقَالَ: ذَلِكَ مَنْكُوسُ القَلْب» قِيلَ: هُوَ أنْ يَبْدأ مِنْ آخِر السُّورة حَتَّى يَقْرأَها إِلَى أَوَّلِهَا. وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يَبْدأ مِنْ آخِر الْقُرْآنِ، فَيَقْرَأَ السُّوَر ثُمَّ يَرتَفع إِلَى الْبَقَرَةِ «2» .
(س) وَفِي حَدِيثِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ «لَا يُحِبُّنا ذُو رَحِمٍ مَنْكُوسَة» قِيلَ: هُوَ الْمَأْبُونُ؛ لإنقِلاب شَهْوتِه إِلَى دُبُرِه.
(س) وَفِي حَدِيثِ الشَّعْبِيّ «قَالَ فِي السِّقْط: إِذَا نُكِسَ فِي الخَلْق الرَّابع عَتَقَت به
__________
(1) بهامش اللسان: «عبارة النهاية: وفي حديث عمر بن عبد العزيز» .
(2) وهو قول أبي عبيد، كما ذكر الهروى.(5/115)
الأمَةُ، وانْقَضَت بِهِ عِدّة الحُرَّة» أَيْ إِذَا قُلِبَ وَرُدَّ فِي الْخَلْقِ الرَّابِعِ، وَهُوَ الْمُضْغَةُ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلًا تُراب ثُمَّ نُطفة ثُمَّ عَلَقة ثُمَّ مُضْغة.
وَفِي قَصِيدِ كَعْبٍ:
زَالُوا فَمَا زَالَ أَنْكَاسٌ وَلَا كُشُفٌ
الْأَنْكَاسُ: جَمْعُ نِكْس، بِالْكَسْرِ، وَهُوَ الرجُل الضَّعيف.
(نَكَشَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «ذَكَره رجُل فَقَالَ: عِنْدَهُ شَجاعةٌ مَا تُنْكَشُ» أَيْ مَا تُسْتَخْرَج وَلَا تُنْزَف؛ لِأَنَّهَا بَعِيدَةُ الْغَايَةِ، يُقال: هَذِهِ بِئرٌ مَا تُنْكَش: أَيْ مَا تُنْزَح.
(نَكَصَ)
- فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ وصِفِّين «قَدَّمَ لِلْوثْبة يَدًا، وأخَّر للنَّكوص رِجْلا» النُّكوُصُ: الرُّجوع إِلَى وَراء، وَهُوَ القَهْقَرَى. نَكَصَ يَنْكُصُ فَهُوَ نَاكِصٌ. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(نَكَفَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ سُئل عَنْ قَوْلِ: سُبْحَانَ اللَّه، فَقَالَ: إِنْكَافُ اللَّهِ مِن كلِّ سُوء» أَيْ تَنْزِيهُه وتَقْديسُه. يُقَالُ: نَكِفْتُ «1» مِنَ الشَّيْءِ واسْتَنْكَفْتُ مِنْهُ: أَيْ أَنِفْتُ مِنْهُ.
وأَنْكَفْتُهُ: أَيْ نَزَّهْتُه عَمَّا يُسْتَنْكَفُ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «جَعلَ يضرِب بالمِعْوَل حَتَّى عَرِق جَبينُه وانْتَكَفَ العَرَقَ عَنْ جَبِينه» أَيْ مَسَحه ونَحَّاه. يُقَالُ: نَكَفْتُ الدمعَ وانْتَكَفْتُهُ، إِذَا نَحَّيتَه بإصْبَعك مِنْ خدِّك.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ حُنين «قد جاء جيشٌ لا يُكَتُّ ولا يُنْكَفُ» أَيْ لَا يُحْصَى وَلَا يُبْلَغ آخرُه. وَقِيلَ: لَا يَنْقَطِع آخِرُهُ، كَأَنَّهُ مِنْ نَكْفِ الدَّمْع.
(نَكَلَ)
(هـ) فِيهِ «إِنَّ اللَّه يُحِب النَّكَلَ عَلَى النَّكَلِ، قِيلَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ:
الرجُل القوِيُّ المُجَرِّب المُبْدِىء المُعيد، عَلَى الْفَرَسِ القَويّ المُجرَّب» النَّكَلُ بِالتَّحْرِيكِ: مِنَ التَّنْكِيلِ، وَهُوَ المَنْع والتَّنْحِيَةُ عمَّا يُرِيدُ. يُقَالُ: رجُلٌ نَكَلٌ ونِكْلٌ، كشَبَهٍ وشِبْه: أَيْ يُنَكَّلُ بِهِ أَعْدَاؤُهُ. وَقَدْ نَكَلَ «2» عَنِ الأمْر يَنْكُلُ، ونَكِلَ يَنْكَلُ، إذا امْتَنع.
__________
(1) من باب تَعِب، ومن باب قتل، لغة. كما ذكر صاحب المصباح.
(2) كضرب، ونصر، وعَلِم، كما في القاموس.(5/116)
وَمِنْهُ النُّكُولُ فِي الْيَمِينِ، وَهُوَ الإمْتناع مِنْهَا، وتَرْك الإقْدام عَلَيْهَا.
[هـ] وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «مُضَرُ صَخْرةُ اللَّهِ الَّتِي لَا تُنْكَلُ» أَيْ لَا تُدْفَع عَمَّا سُلِّطت عَلَيْهِ لِثُبوتها فِي الْأَرْضِ. يُقال: أَنْكَلْتُ الرجُلَ عَنْ حَاجَتِهِ، إِذَا دَفَعْتَه عنها.
(س) وفى حديث ما عز «لَأَنْكُلَنَّهُ عَنْهُنَّ» أَيْ لأمْنَعَنَّه.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «غَيْر «1» نَكِلٍ فِي قَدَم» أَيْ بِغَيْرِ جُبْنٍ وَإِحْجَامٍ فِي الإقْدام.
وَفِي حَدِيثِ وِصَالِ الصَّوم «لَوْ تأخَّر لَزِدْتُكم، كَالتَّنْكِيلِ لَهُمْ» أَيْ عُقوبةً لَهُمْ. وَقَدْ نَكَّلَ بِهِ تَنْكيلا، ونَكَّلَ بِهِ، إِذَا جَعَلَهُ عِبْرةً لِغَيْرِهِ. والنَّكَالُ: الْعُقُوبَةُ الَّتِي تَنْكُلُ الناسَ عَنْ فِعل مَا جُعِلَت لَهُ جَزاءً.
وَفِيهِ «يُؤتى بقومٍ فِي النُّكُولِ» يَعْنِي القُيود، الْوَاحِدُ: نِكْل، بِالْكَسْرِ، ويُجْمع أَيْضًا عَلَى أَنْكَال؛ لِأَنَّهَا يُنْكَلُ بِهَا: أَيْ يُمْنَع.
(نَكَهَ)
(س) فِي حَدِيثِ شَارِبِ الْخَمْرِ «اسْتَنْكِهُوهُ» أَيْ شُمُّوا نَكْهَتَهُ ورائحةَ فَمه، هَلْ شَرِب الْخَمْرَ أَمْ لَا؟
وَفِيهِ «أَخَافُ أَنْ تَنْكَهَ قلوبُكم» هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ. وَالْمَعْرُوفُ «أنْ تُنْكِرَه» قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ الْهَاءَ بدَل مِنْ هَمْزَةِ: نَكَأْتُ الجُرْح، إِذَا قَشَرتَه، يُريد أَخَافُ أَنْ تَنْكَأَ قُلوبكم، وتُوغِرَ صدورُكم، فقَلب الْهَمْزَةَ.
(نَكَا)
(س) فِيهِ «أَوْ يَنْكِي لَكَ عَدُوّا» يُقَالُ: نَكَيْتُ فِي العدُوّ أَنْكِي نِكَايَةً فَأَنَا نَاكٍ، إِذَا أكْثَرتَ فِيهِمُ الجِراح والقَتْل، فوَهَنوا لِذَلِكَ، وَقَدْ يُهْمز لُغة فِيهِ. يُقَالُ:
نَكَأْتُ الْقُرْحَةَ أَنْكَؤُهَا، إِذَا قَشَرْتَهَا.
بَابُ النُّونِ مَعَ الْمِيمِ
(نَمَرَ)
(س) فِيهِ «نَهى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ركُوب النِّمَارِ» وَفِي رِوَايَةٍ «النُّمُورُ» أَيْ جُلُودِ النُّمور، وَهِيَ السِّباع الْمَعْرُوفَةُ، واحِدُها: نَمِر. إِنَّمَا نَهَى عَنِ استعمالها لما فيها
__________
(1) في الهروي، والفائق 1/ 389: «بغير نَكَلٍ» وفي الهروي: «قدم» .(5/117)
مِنَ الزِّينة والخُيَلاء، وَلِأَنَّهُ زِيّ الْأَعَاجِمِ، أَوْ لِأَنَّ شَعْرَهُ لَا يَقْبَلُ الدِّبَاغَ عِنْدَ أحدِ الْأَئِمَّةِ إِذَا كَانَ غَيْرَ ذَكيّ وَلَعَلَّ أَكْثَرَ مَا كَانُوا يَأْخُذُونَ جُلودَ النُّمُور إِذَا مَاتَتْ، لِأَنَّ اصطيادَها عَسير.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ «أَنَّهُ أُتي بدابَّة سَرْجُها نُمور، فنَزع الصُّفّة» يَعْنِي [المِيثَرة، فقِيل «1» : الجَدَياتُ نُمور، يَعْنِي] «2» البِدَاد. فَقَالَ: إِنَّمَا يُنْهَى عَنِ الصُّفَّة» .
وَفِي حَدِيثِ الحُديبية «قَدْ لَبِسُوا لَكَ جُلودَ النُّمور» هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ شِدّةِ الحِقْد والغَضَب، تَشْبيها بأخلاقِ النَّمِر وشَراسَتِه.
(هـ) وَفِيهِ «فَجَاءَهُ قَومٌ مُجتَابِي «3» النِّمار» كلُّ شَمْلَةٍ مُخَطَّطة مَنْ مَآزِر الْأَعْرَابِ فَهِيَ نَمِرة، وجمعُها: نِمار، كَأَنَّهَا أخِذت مِنْ لَوْنِ النّمِر؛ لِمَا فِيهَا مِنَ السَّواد والبَياض. وَهِيَ مِنَ الصِّفات الْغَالِبَةِ، أَرَادَ أَنَّهُ جَاءَهُ قومٌ لابِسي أُزُرٍ مُخطَّطة مِنْ صُوف.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ مُصْعَب بْنِ عُمير «أقْبَل إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ نَمِرة» .
وَحَدِيثُ خبَّاب «لكنْ حَمزةُ لَمْ يكُن لَهُ إِلَّا نَمِرةٌ مَلْحاء» وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرها فِي الْحَدِيثِ، مُفْرَدة وَمَجْمُوعَةً.
وَفِي حَدِيثِ الْحَجِّ «حَتَّى أتَى نَمِرَةَ» هُوَ الجَبل الَّذِي عَلَيْهِ أنْصابُ الحَرم بَعَرفات.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَر «الْحَمْدُ للَّه الَّذِي أطعَمَنا الخَميرَ وسَقانا النَّمِيرَ» الْمَاءُ النَّمِير:
النَّاجِع فِي الرِّيّ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ «خُبْزٌ خَمِيرٌ وماءٌ نَمِيرٌ» .
(نَمْرَقَ)
(س) فِيهِ «اشْتَرَيْتِ نُمْرُقَة» أَيْ وِسادة، وَهِيَ بِضَمِّ النُّونِ وَالرَّاءِ وَبِكَسْرِهِمَا، وَبِغَيْرِ هاءٍ، وجمعُها: نَمَارِقُ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ هنْد يَوْمَ أُحُدٍ:
نَحنُ بَناتُ طارِقْ ... نَمْشِي على النَّمَارِقِ.
__________
(1) في الأصل: «فقال» والتصحيح من النسخة 517، واللسان، ومما سبق في مادة (جدا) .
(2) ساقط من ا.
(3) نصب على الحالية من «قوم» الموصوفة. وانظر صحيح مسلم (باب الحث على الصدقة من كتاب الزكاة ص 705) . وفيه: «فجاءه قومٌ حُفاةٌ عراةٌ مجتابي النِّمار ...(5/118)
(نَمَسَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ المَبْعَث «إِنَّهُ لَيأتيه النَّامُوسُ الأكبرُ» النَّامُوسُ:
صاحبُ سرِّ المَلِك.
[وَهُوَ خاصُّه الَّذِي يُطْلِعُه عَلَى مَا يَطْويه عَنْ غَيْرِهِ مِنْ سَرائِره] «1» .
وَقِيلَ: النَّامُوسُ: صاحبُ سرِّ الخَيْر، وَالْجَاسُوسُ: صَاحِبُ سرِّ الشَّر، وَأَرَادَ بِهِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، لأنَّ اللَّه تَعَالَى خصَّه بالوَحْي والغَيْب اللَّذين لَا يَطَّلع عَلَيْهِمَا غَيْرُه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ وَرَقَة «لَئِنْ كَانَ مَا تَقُولينَ حَقّاً لَيَأْتيه «2» النَّامُوسُ الَّذِي كَانَ يأتِي مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ» .
(س) وَفِي حَدِيثِ سَعْدٍ «أسَدٌ فِي ناموسَتِه» النَّامُوسُ: مَكْمَنُ الصَّيَّاد، فشُبِّه بِهِ موضِعُ الأسَد. والنَّامُوسُ: المكرُ وَالْخِدَاعُ. والتَّنْمِيسُ: التَّلبِيسُ.
(نَمَشَ)
(س) فِيهِ «فعَرفْنا نَمَشَ أَيْدِيهِمْ فِي العُذُوق» النَّمَشُ، بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِهَا:
الأثَرُ: أَيْ أثَر أَيْدِيهِمْ فِيهَا. وأصْل النَّمَشِ: نُقَطٌ بيضٌ وسُودٌ فِي اللَّون. وثَوْرٌ نَمِشٌ، بِكَسْرِ الْمِيمِ.
(نَمَصَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ لعَن النَّامِصَةَ والْمُتَنَمِّصَةَ» النَّامِصَةُ: الَّتِي تَنْتِف الشَّعَر مِنْ وجْهِها.
والْمُتَنَمِّصَةُ: الَّتِي تأمُر مَن يَفْعل بِهَا ذَلِكَ.
وبعضُهم يَرْويه «الْمُنْتَمِصَةُ» بِتَقْدِيمِ النُّونِ عَلَى التَّاءِ. وَمِنْهُ قِيلَ للمِنْقاش: مِنْمَاص.
(نَمَطَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «خَيْرُ هَذِهِ الأمَّة النَّمَطُ الأوْسَط» النَّمَطُ: الطَّرِيقَةُ مِنَ الطَّرائِق، والضَّرب مِنَ الضُّروب. يُقَالُ: لَيْسَ هَذَا مِنْ ذَلِكَ النَّمط: أَيْ مِنْ ذَلِكَ الضَّرب. والنَّمَطُ:
الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ أمْرُهُم واحِد. كَرِه عليٌّ الغُلُوَّ والتَّقْصير فِي الدِّين.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ كَانَ يُجَلِّلُ بُدْنَهُ الْأَنْمَاطَ» هِيَ ضَرْبٌ مِنَ البُسْط لَهُ خمل رقيق، واحدها: نَمَطٌ.
__________
(1) ساقط من او الهروى، ونسختين أخريين من النهاية، برقمي 517، 590. وهو في الأصل، والفائق 1/ 164 وفيه: «خاصَّتُه» .
(2) في الأصل: «ليأتينه» وأثبت ما في ا، واللسان، والصحاح، والفائق 1/ 163.(5/119)
وَمِنْهُ حَدِيثُ جَابِرٍ «وأنَّى لنَا أنماطٌ؟» .
(نَمَلَ)
- فِيهِ «لَا رٌقْيةَ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ: النَّمْلَةِ والحُمَةِ والنَّفَس» النَّمْلَةُ: قُروح تَخْرُج فِي الجَنْب.
(س هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «قَالَ لِلشَّفَّاء: عَلِّمي حَفْصةَ رُقْيةَ النَّمْلَةِ» قِيلَ: إِنَّ هَذَا مِنْ لُغَز الْكَلَامِ ومُزاحِه، كَقَوْلِهِ لِلْعَجُوزِ: «لَا تَدْخُلُ العُجُز الْجَنَّةَ» وَذَلِكَ أَنَّ رُقْية النَّمْلَةِ شَيْءٌ كَانَتْ تَسْتَعمله النِّسَاءُ، يَعلَم كلُّ مَن سَمِعه أَنَّهُ كلامٌ لَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَع.
ورُقْيَة النَّمْلَةِ الَّتِي كَانَتْ تُعْرَف بَيْنَهُنّ أَنْ يُقَالَ: العَرُوس تَحْتَفِل وتَخْتَضِب وتَكْتَحِل، وكلَّ شَيْءٍ تَفْتَعِل، غيرَ أَلَّا تَعْصِيَ الرجُل.
ويُرْوى عِوض تَحْتَفِل «تَنْتَعِل» ، وعِوَض تَخْتَضِب «تَقْتال» ، فَأَرَادَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا المَقال تَأنيبَ حَفْصة؛ لِأَنَّهُ ألْقَى إِلَيْهَا سِراًّ فأفْشَتْه.
(هـ) وَفِيهِ «أَنَّهُ نَهَي عَنْ قَتْل أرْبع مِنَ الدَّواب، مِنْهَا النَّمْلَةُ» قِيلَ: إِنَّمَا نَهى عَنْهَا لِأَنَّهَا قَلِيلَةُ الْأَذَى. وَقِيلَ: أَرَادَ نَوْعًا مِنْهُ خَاصًّا، وَهُوَ الكِبارُ ذَوات الأرجُل الطِّوال. قَالَ الْحَرْبِيُّ:
النَّمل «1» : مَا كَانَ لَهُ»
قَوَائِمُ، فأمَّا الصِّغار فهُو «3» الذَّرُّ.
(س) وَفِيهِ «نَمِلٌ بِالْأَصَابِعِ» أَيْ كَثِيرُ العَبَثِ بِهَا. يُقَالُ: رجُلٌ نَمِلُ الأصَابِع:
أَيْ خَفِيفها فِي العَمل.
(نَمَمَ)
- قَدْ تَكَرَّرَ فِيهِ ذِكْرُ «النَّمِيمَةِ» وَهِيَ نَقْل الْحَدِيثِ مِنْ قَوم إِلَى قَوم، عَلَى جِهَةِ الإفسادِ والشَّرّ. وَقَدْ نَمَّ الْحَدِيثُ يَنِمُّهُ ويَنُمُّهُ نَمّاً فَهُوَ نَمَّامٌ، وَالِاسْمُ النَّمِيمَةُ، ونَمَّ الحديثُ، إِذَا ظَهر، فَهُوَ مُتَعَدّ ولازمٌ.
(نَمْنَمَ)
(س) فِي حَدِيثِ سُويد بْنِ غَفَلة «4» «أَنَّهُ أُتِيَ بناقةٍ مُنَمْنَمَة» أَيْ سَمينة مُلْتَفَّة.
والنَّبْتُ الْمُنَمْنَم: المُلْتفُّ المجتمع.
__________
(1) في الهروى: «النملة»
(2) فى الهروى: «لها»
(3) فى الهروى: «فهى» .
(4) في الأصل، وا: «عفلة» بالمهملة. وهو خطأ، صوابه بالمعجمة من أسد الغابة 2/ 379 والإصابة 3/ 152.(5/120)
(نَمَا)
(هـ) فِيهِ «لَيْسَ بالكاذِب مَن أصْلَح بَيْن الناسِ، فَقَالَ خَيْرا أَوْ نَمَى خَيْرا» يُقَالُ: نَمَيْتُ الحديثَ أَنْمِيهِ، إِذَا بَلَّغتَه عَلَى وجْه الْإِصْلَاحِ وطَلبِ الخَير، فَإِذَا بَلَّغْته عَلَى وَجْهِ الْإِفْسَادِ والنَّميمة، قُلْتَ: نَمَّيْتُهُ، بِالتَّشْدِيدِ. هَكَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَابْنُ قُتَيْبة وغيرُهما مِن الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ الْحَرْبِيُّ: نَمَّى مُشَدَّدَةٌ. وَأَكْثَرُ المحدِّثين يَقُولُونَهَا مُخَفَّفَةً. وَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَرَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يكُن يَلْحَن. وَمَنْ خَفَّفَ لَزِمه أَنْ يَقُولَ: خَيرٌ، بِالرَّفْعِ. وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، فَإِنَّهُ يَنْتَصب بِنَمَى، كَمَا انْتَصَب بِقَالَ، وكِلاهُما عَلَى زَعْمه لازِمان، وإنَّما نَمَى مُتَعَدّ. يُقَالُ:
نَمَيْتُ الحديثَ: أَيْ رَفَعْتُه وأبْلَغْتُه.
[هـ] وَفِيهِ «لَا تُمثِّلوا بنامِيةِ اللَّهِ» النَّامِيَةُ: الخَلْقُ، مِنْ نَمَى الشيءُ يَنْمِى ويَنْمُو، إِذَا زَادَ وَارْتَفَعَ.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «يَنْمِى صُعُداً» أَيْ يَرتَفِع وَيَزِيدُ صُعُودا.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أنَّ رجُلا أَرَادَ الخُروج إِلَى تَبُوك، فَقَالَتْ لَهُ أمُّه، أَوِ امْرأته:
كَيْفَ بالوَدِيِّ؟ فَقَالَ: الغَزْوُ أَنْمَى للوَدِيّ» أَيْ يَنْميه اللَّهُ لِلْغَازِي، ويُحْسنُ خِلافَتَه عَلَيْهِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ «لَبِعْتُ الفانِيَةَ واشتريْتُ النَّامِيَةَ» أَيْ لَبِعْتُ الهَرِمة مِنَ الْإِبِلِ، واشتريتُ الفَتيَّة مِنْهَا.
(هـ) وَفِيهِ «كُلْ مَا أصْمَيْتَ وَدَعْ مَا أَنْمَيْتَ» الْإِنْمَاءُ: أَنْ تَرْمِيَ الصيدَ فيَغيبَ عَنْكَ فَيَمُوتَ وَلَا تَراه. يُقَالُ: أَنْمَيْتُ الرَّميَّة فَنَمَتْ تَنْمِي، إِذَا غابتْ ثُمَّ ماتَتْ. وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهَا، لِأَنَّكَ لَا تَدْرِي هَلْ مَاتَتْ برَمْيك أَوْ بِشَيْءٍ غَيْرِهِ.
وَفِيهِ «مَن ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوِ انْتَمَى إِلَى غَيْرِ مَواليه» أَيِ انتَسب إِلَيْهِمْ ومالَ، وَصَارَ مَعْروفا بِهِمْ. يُقَالُ: نَمَيْتُ الرجُل إِلَى أَبِيهِ نَمْياً: نَسْبتُه إِلَيْهِ، وانْتَمى هُوَ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ «أَنَّهُ طَلَب مِنَ امْرَأَتِهِ نُمِّيَّةً أوْ نَمَامِىَّ، لِيشْتَرِيَ بِهِ عنَبا، فَلَمْ يَجِدْها» النُّمِّيَّةُ: الفَلْس، وجمعُها: نَمَامِىُّ، كذُرّيّة وذَرارِيّ.
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: النُّمِّيُّ «1» : الفَلْس، بالرُّومِيَّة. وَقِيلَ «2» : الدِّرْهَمُ الَّذِي فِيهِ رَصاص أو نُحاس، الواحدة: نُمِّيَّة.
__________
(1) الصحاح (نمم) وفيه زيادة: «بالضم» .
(2) القائل هو أبو عبيد، كما صرح به في الصحاح.(5/121)
بَابُ النُّونِ مَعَ الْوَاوِ
(نَوَأَ)
(هـ) فِيهِ «ثلاثٌ مِنْ أمْرِ الجاهليَّة: الطَّعْن فِي الْأَنْسَابِ، والنِّياحةُ، والْأَنْوَاءُ» قَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ «النَّوْءِ وَالْأَنْوَاءِ» فِي الْحَدِيثِ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «مُطِرْنا بنَوْءِ كَذَا» .
وَحَدِيثُ عُمَرَ «كَمْ بَقِيَ مِنْ نَوْءِ الثُّريَّا» وَالْأَنْوَاءُ: هِيَ ثَمَانٍ وَعِشْرُونَ مَنْزلةً، يَنْزِلُ القَمُر كلَّ لَيْلَةٍ فِي مَنْزِلَةٍ مِنْهَا. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ ويَسْقط فِي الغَرْب كلَّ ثلاثَ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَنزلةً مَعَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وتطلُع أُخْرَى مُقابلَها ذَلِكَ الْوَقْتَ فِي الشَّرْقِ، فتَنْقضي جميعُها مَعَ انْقِضَاءِ السَّنة. وَكَانَتِ الْعَرَبُ تزعُم أَنَّ مَعَ سُقوط المنزِلة وطلُوع رَقيبها يَكُونُ مَطر، ويَنسُبونه إِلَيْهَا، فَيَقُولُونَ:
مُطِرنا بنَوْء كَذَا.
وَإِنَّمَا سُمِّي نَوْءاً؛ لِأَنَّهُ إِذَا سَقط الساقِطُ مِنْهَا بِالْمَغْرِبِ نَاءَ الطَّالِعُ بالمَشْرِق، يَنُوءُ نَوْءاً: أَيْ نَهَض وطَلَع.
وَقِيلَ: أَرَادَ بِالنَّوْءِ الغُروبَ، وَهُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لَمْ نَسْمع فِي النَّوء أَنَّهُ السُّقوط إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَإِنَّمَا غَلَّظ النبيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرِ الْأَنْوَاءِ لأنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَنْسُب الْمَطَرَ إِلَيْهَا. فَأَمَّا مَن جَعَل الْمَطَرَ مِنْ فِعْل اللَّه تَعَالَى، وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ: «مُطِرنا بِنَوْءِ كَذَا» أَيْ فِي وَقْتِ كَذَا، وَهُوَ هَذَا النَّوء الْفُلَانِيُّ، فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ: أَيْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أجْرَى الْعَادَةَ أَنْ يأتَيَ المطرُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ عُثْمَانَ «أَنَّهُ قَالَ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي مُلِّكَت أَمْرَهَا فطَلَّقت زَوْجَها، فَقَالَتْ:
أنتَ طالقٌ، فَقَالَ عُثْمَانُ: إِنَّ اللَّهَ خَطَّأ نَوْءَها، ألاَ طلَّقت نَفْسَهَا؟» قِيلَ: هُوَ دُعاء عَلَيْهَا، كَمَا يُقال:
لَا سَقاه اللَّهُ الْغَيْثَ، وَأَرَادَ بالنَّوء الَّذِي يَجيء فِيهِ المَطرُ.
قَالَ الْحَرْبِيُّ: وَهَذَا لَا يُشْبه الدُّعَاءَ، إِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ. وَالَّذِي يُشْبه أَنْ يَكُونَ دُعَاءً:
حديثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «خَطَّأ اللَّهُ نوءَها» وَالْمَعْنَى فِيهِمَا: لَوْ طَلَّقت نَفْسَها لوقَع الطَّلاق.(5/122)
فحيثُ طَلَّقتْ زوجَها لَمْ يقَع، فَكَانَتْ كَمن يُخْطِئُه النَّوءُ فَلَا يُمْطَر.
(س) وَفِي حَدِيثِ الَّذِي قَتَلَ تِسْعًا وَتِسْعِينَ نَفْسًا «فَنَاءَ بصَدْره» أَيْ نَهَض. ويَحْتَمِل أَنَّهُ بِمَعْنَى نَأَى: أَيْ بَعُد. يُقَالُ: نَاءَ وَنَأَى بِمَعْنًى.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لَا تَزَالُ طائفةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى مَن نَاوَأَهُمْ» أَيْ ناهَضَهُم وَعَادَاهُمْ. يُقَالُ: نَاوَأْتُ الرَّجُلَ نِوَاءً ومُنَاوَأَةً، إِذَا عادَيتَه. وَأَصْلُهُ مِنْ نَاءَ إِلَيْكَ ونُؤْتَ إِلَيْهِ، إِذَا نَهَضْتُما.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ الخيْل «ورجلٌ رَبطها فَخْرا ورِيَاءً ونِوَاءً لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ» أَيْ مُعاداةً لَهُمْ.
(نَوَبَ)
(س) فِي حَدِيثِ خَيْبَرَ «قَسمها نصفَين: نِصفاً لِنَوَائِبِهِ وحاجاتِه، وَنِصْفًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ» النَّوَائِبُ: جَمْعُ نَائِبَة، وَهِيَ مَا يَنوبُ الإنسانَ: أَيْ يَنْزِل بِهِ مِنَ المِهمّات وَالْحَوَادِثِ. وَقَدْ نَابَهُ يَنُوبُهُ نَوْباً، وانْتَابَهُ، إِذَا قَصَدَهُ مَرَّة بَعْدَ مَرَّة.
ومنه حَدِيثِ الدُّعَاءِ «يَا أَرْحَمَ مَنِ انْتَابَهُ المُسْتَرحِمون» .
وحديث صلاة الجمعة «كان الناسُ يَنْتَابُونَ الجمعة مِنْ مَنازلهم» .
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «احْتَاطُوا لِأَهْلِ الْأَمْوَالِ فِي النَّائِبَةِ والواطِئة» أَيِ الأضْياف الَّذِينَ ينوبُونهم.
وَفِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ «وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ» الْإِنَابَةُ: الرُّجُوعُ إِلَى اللَّه بالتَّوبة يُقَالُ: أَنَابَ يُنِيبُ إِنَابَةً فَهُوَ مُنِيبٌ، إِذَا أَقْبَلَ ورجَع. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(نَوَتَ)
- فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «كَأَنَّهُ قِلْعُ دَارِيٍّ عَنَجَه نُوتِيَّه» النُّوتِىُّ: المَلاح الَّذِي يُدَبّر السَّفِينَةَ فِي الْبَحْرِ. وَقَدْ نَاتَ يَنُوتُ نَوْتاً، إِذَا تَمَايَلَ مِنَ النُّعَاسِ، كَأَنَّ النُّوتِىُّ: المَلاح الَّذِي يُدَبّر السَّفِينَةَ فِي الْبَحْرِ. وَقَدْ ناتَ يَنُوتُ نَوْتا، إِذَا تَمَايَلَ مِنَ النُّعاس، كَأَنَّ النوتِيّ يُميل السفينةَ مِنْ جَانِبٍ إِلَى جَانِبٍ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ أَنَّهُمْ كَانُوا نَوَّاتِينَ» أَيْ مَلَّاحِينَ. تَفْسِيرُهُ فِي الْحَدِيثِ.
(نَوَحَ)
(س) فِي حَدِيثِ ابْنِ سَلام «لَقَدْ قلتَ القَولَ الْعَظِيمَ يومَ الْقِيَامَةِ، فِي الخليفة(5/123)
مِنْ بَعْدِ نُوحٍ» قِيلَ: أَرَادَ بِنُوحٍ عُمَرَ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَشَارَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا فِي أسارَى بَدْرٍ، فأشارَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ بِالْمَنِّ عَلَيْهِمْ، وأشارَ عَلَيْهِ عُمر بقَتْلهم، فَأَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَقَالَ: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ ألْينَ فِي اللَّه مِنَ الدُّهن باللَّبن «1» » وَأَقْبَلَ عَلَى عُمَرَ فَقَالَ: «إِنَّ نُوحًا كَانَ أشدَّ فِي اللَّه مِنَ الحَجَر» فشَبَّه أَبَا بَكْرٍ بإبراهيمَ حِينَ قَالَ «فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» وشَبَّه عُمَرَ بِنُوحٍ، حِينَ قَالَ: «لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً» .
وَأَرَادَ ابنُ سَلَامٍ أَنَّ عُثْمَانَ خليفةُ عُمَرَ الَّذِي شُبِّه بِنُوحٍ، وَأَرَادَ بيَوم الْقِيَامَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ القولَ كَانَ فِيهِ.
وَعَنْ كَعْبٍ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يَظْلم رَجُلًا يَوْمَ الْجُمُعَةَ، فَقَالَ: ويْحَكَ، تَظلِم رجُلا يَوْمَ الْقِيَامَةِ! وَالْقِيَامَةُ تَقُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. وَقِيلَ: أَرَادَ أَنَّ هَذَا القولَ جَزاؤه عَظِيمٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
(نَوَدَ)
(س) فِيهِ «لَا تَكُونُوا مثلَ الْيَهُودِ، إِذَا نَشَروا التَّوراة نَادُوا» يُقَالُ: نَادَ يَنُودُ، إِذَا حَرَّك رأسَه وأكتافَه. ونَادَ مِنَ النُّعاس نَوْداً، إِذَا تَمايَل.
(نَوَرَ)
- فِي أَسْمَاءِ اللَّه تَعَالَى «النُّورُ» هُوَ الَّذِي يُبْصِرُ بِنُورِهِ ذُو العَماية، ويَرْشُد بهُداه ذُو الغَوَاية. وَقِيلَ: هُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي بِهِ كلُّ ظُهورٍ. فَالظَّاهِرُ فِي نفسِه المُظْهِر لِغَيْرِهِ يُسَمَّى نُوراً.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ «قَالَ لَهُ ابنُ شَقِيقٍ: لَوْ رأيتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كنتُ أَسْأَلُهُ: هَلْ رأيتَ ربَّك؟ فَقَالَ: قَدْ سَأَلْتُهُ، فَقَالَ: نورٌ أنَّى أَراه؟» أَيْ هُوَ نُورٌ كَيْف أراهُ «2» .
سُئلَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: مَا زِلْتُ «3» مُنْكِراً لَهُ، وَمَا أَدْرِي مَا وجْهُه.
وَقَالَ ابْنُ خُزيمة: فِي الْقَلْبِ مِنْ صِحَّة هَذَا الخَبر شَيْءٌ، فإنَّ ابن شقيق لم يكن يثبت أباذر.
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: النُّورُ جسْمٌ وعَرَض، والبَارِي جلَّ وعزَّ لَيْسَ بجسْم وَلَا عَرض، وإنما
__________
(1) في اللسان: «اللَّيِّن» .
(2) انظر النووي على مسلم (باب ما جاء في رؤية اللَّه عز وجل، من كتاب الإيمان) .
(3) في اللسان: «ما رأيت» .(5/124)
الْمُرَادُ أَنَّ حِجابه النُّور. وَكَذَا رُوي فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى. وَالْمَعْنَى: كَيْفَ أَرَاهُ وحِجابُه النُّور: أَيْ إِنَّ النُّور يَمْنَعُ مِنْ رُؤْيَتِهِ.
وَفِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ «اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُوراً» وَبَاقِي أَعْضَائِهِ «1» . أَرَادَ ضِياءُ الْحَقِّ وبيَانَهِ، كَأَنَّهُ قَالَ: اللهمَّ استعمِل هَذِهِ الأعضاءَ مِنِّي فِي الْحَقِّ. وَاجْعَلْ تَصَرُّفي وتَقَلُّبي فِيهَا عَلَى سَبِيلِ الصَّوَابِ وَالْخَيْرِ.
(هـ) وَفِي صِفَتِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنْوَرُ المُتَجرَّد» أَيْ نَيِّر لَوْنِ الْجِسْمِ. يُقَالُ للحَسن المُشْرق اللَّون: أَنْوَر، وَهُوَ أَفْعَلُ مِنَ النُّورِ. يُقَالُ: نَارَ فَهُوَ نَيِّرٌ، وأَنَارَ فَهُوَ مُنِيرٌ.
وَفِي حَدِيثِ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ «أَنَّهُ نَوَّرَ بِالْفَجْرِ» أَيْ صَلَّاهَا وَقَدِ اسْتَنَارَ الأُفُق كَثِيرًا.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «نَائِرَاتُ الْأَحْكَامِ، ومُنيرات الْإِسْلَامِ» النَّائِرَاتُ: الْوَاضِحَاتُ البيِّنات، والْمُنِيرَات كَذَلِكَ. فَالْأُولَى مِن نارَ، وَالثَّانِيَةُ مِنْ أنارَ، وأنارَ لازِم ومُتَعَدّ.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فَرض عُمرُ للجَدّ ثُمَّ أَنَارَهَا زيدُ بنُ ثَابِتٍ» أَيْ أوضَحها وبَيَّنها.
(هـ) وَفِيهِ «لَا تَسْتَضِيئُوا بِنَارِ الْمُشْرِكِينَ» أَرَادَ بِالنَّارِ هَاهُنَا «2» الرَّأْيَ: أَيْ لَا تُشاورُوهم.
فَجَعَلَ الرَّأْيَ مَثَلا للضَّوء عِنْدَ الحَيْرة.
(هـ) وَفِيهِ «أنَا بَرِىءٌ مِنْ كلِّ مُسلمٍ مَعَ مُشْرِكٍ، قِيلَ: لِمَ يَا رسولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لَا تراأى نَارَاهُمَا» أَيْ لَا تَجْتَمعان بِحَيْثُ تَكُونُ نارُ أحدِهما مُقابِل نارِ الْآخَرِ.
وَقِيلَ: هُوَ مِنْ سِمَة الْإِبِلِ بِالنَّارِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مَشْرُوحًا فِي حَرْفِ الرَّاءِ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ صَعْصَعة بْنِ نَاجِيَةَ جدِّ الْفَرَزْدَقِ «قَالَ: وَمَا ناراهُما «3» ؟» أَيْ مَا سِمَتُهما الَّتِي وُسِمتا بِهَا، يَعْنِي نَاقَتَيْه الضالَّتَين، فَسُمِّيَتِ السِّمَةُ نَارًا لِأَنَّهَا تُكْوَى بِالنَّارِ، والسِّمة: الْعَلَامَةُ.
(س) وَفِيهِ «الناسُ شركاءُ فِي ثَلَاثَةٍ: الْمَاءِ والكَلأ وَالنَّارِ» أَرَادَ: لَيْسَ لِصَاحِبِ النار
__________
(1) انظر صحيح مسلم (باب الدعاء في صلاة الليل، من كتاب صلاة المسافرين وقصرها) ص 530.
(2) هذا شرح ابن الأعرابي، كما ذكر الهروي.
(3) في الهروي، والفائق 3/ 133: «وما نارُهما» .(5/125)
أَنْ يَمْنَع مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَضيءَ مِنْهَا أَوْ يَقْتَبس.
وَقِيلَ: أَرَادَ بِالنَّارِ الحِجارة الَّتِي تُورِي النارَ: أَيْ لَا يُمنَع أحدٌ أَنْ يأخذَ مِنْهَا.
وَفِي حَدِيثِ الْإِزَارِ «وَمَا كَانَ أسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ فِي النَّارِ» مَعْنَاهُ أنَّ مَا دُونَ الكَعْبين مِنْ قَدَمِ صَاحِبِ الإزارِ المُسْبَل فِي النارِ، عُقوبةً لَهُ عَلَى فِعْلِهِ.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ صَنيعه ذَلِكَ وفعلَه فِي النَّارِ: أَيْ إِنَّهُ معدودٌ مَحْسوب مِنْ أَفْعَالِ أَهْلِ النَّارِ.
وَفِيهِ «أَنَّهُ قَالَ لِعَشرة أنفُس فِيهِمْ سَمُرة: آخِركم يَمُوتُ فِي النَّارِ» فَكَانَ سَمُرة آخَر العشرةِ مَوْتًا. قِيلَ: إِنَّ سَمُرة أَصَابَهُ كُزَازٌ شَدِيدٌ، فَكَانَ لَا يكادُ يَدْفأ، فَأَمَرَ بقِدْرِ عَظِيمَةٍ فَمُلِئَتْ مَاءً، وأوقَدَ تَحْتَها، واتَّخذ فوقَها مَجْلِساً، وَكَانَ يَصْعَدُ إِلَيْهِ بُخارُها فُيدْفِئُه، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ خُسِفَت بِهِ فَحَصَلَ فِي النَّارِ، فَذَلِكَ الَّذِي قَالَ لَهُ. واللَّه أَعْلَمُ.
(س) وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ، وَالنَّارُ جُبَارٌ» قِيلَ: هِيَ النَّارُ يُوقِدُها الرجُل فِي مِلْكه، فَتُطَيِّرها الريحُ إِلَى مَالِ غَيْرِهِ فَيَحْترِق وَلَا يَملُك رَدّها، فَتَكُونَ هَدَراً.
وَقِيلَ: الْحَدِيثُ غَلطَ فِيهِ عبدُ الرَّزَّاقِ، وَقَدْ تابَعَه عبدُ الْمَلِكِ الصَّنْعاني.
وَقِيلَ: هُوَ تَصْحِيفُ «البِئر» ، فإنَّ أَهْلَ الْيَمَنِ يُمِيلون النَّارَ فَتَنْكسِر النونُ، فَسَمِعَهُ بعضُهم عَلَى الْإِمَالَةِ فكتَبه بالياء فقرأوه مُصَحَّفاً بِالْبَاءِ.
والبئرُ هِيَ الَّتِي يَحْفرها الرجُل فِي مِلْكه أَوْ فِي مَواتٍ، فَيَقَعُ فِيهَا إنسانٌ فيَهْلِك، فَهُوَ هَدَرٌ.
قَالَ الْخَطَابِيُّ: لَمْ أَزَلْ أَسْمَعُ أَصْحَابَ الْحَدِيثِ يَقُولُونَ: غَلِط فِيهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَتَّى وجَدْتُه لِأَبِي دَاوُدَ «1» مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى.
وَفِيهِ «فَإِنَّ تَحْتَ البَحْر نَارًا وَتَحْتَ النارِ بَحْرًا» هَذَا تفخيمٌ لِأَمْرِ الْبَحْرِ وَتَعْظِيمٌ لِشَأْنِهِ، وأنَّ الآفَةَ تُسْرِع إِلَى راكِبه فِي غَالِبِ الْأَمْرِ، كَمَا يُسْرِع الهلاكُ مِنَ النَّارِ لمَن لابَسها ودَنا مِنْهَا.
وَفِي حَدِيثِ سِجْنِ جَهَنَّمَ «فَتعلُوهم نارُ الْأَنْيَارِ» لَمْ أجدْه مَشْروحا، وَلَكِنَّ هَكَذَا يُرْوَى، فَإِنْ صحَّت الرِّوَايَةُ فيحتَمِل أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ نَارَ النِّيران، فَجَمَعَ النارَ على أَنْيَارٍ، وأصلُها: أَنْوَارٌ، لأنها
__________
(1) انظر سنن أبي داود (باب في الدابة تنفح برجلها، من كتاب الديات) 2/ 167.(5/126)
مِنَ الْوَاوِ، كَمَا جَاءَ فِي رِيحٍ وعِيد: أرياحٌ وأعيادٌ، مِنَ الْوَاوِ. واللَّه أَعْلَمُ.
(س) وَفِيهِ «كَانَتْ بينَهم نَائِرَةٌ» أَيْ فتْنةٌ حادِثه وعَداوة. ونارُ الْحَرْبِ ونَائِرَتُهَا:
شرُّها وهَيْجُها.
(س) وَفِي صِفَةِ نَاقَةِ صَالِحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ «هِيَ أَنْوَرُ مِنْ أَن تُحْلَبَ» أَيْ أنْفَرُ. والنَّوَارُ:
النِّفَارُ. ونُرْتُهُ وأَنَرْتُهُ: نَفَّرتُه. وامرأةٌ نَوَارٌ: نافِرةٌ عَنِ الشَّرّ وَالْقَبِيحِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ خُزَيمة «لمَّا نَزل تَحْتَ الشَّجَرَةِ أَنْوَرَتْ» أَيْ حَسُنت خُضْرَتُها، مِنَ الْإِنَارَةِ.
وَقِيلَ: إِنَّهَا أطْلَعَت نَوْرَهَا، وَهُوَ زَهْرُها. يُقَالُ: نَوَّرْتُ الشجرةُ وأَنَارَتْ. فَأَمَّا أنْوَرتْ فَعَلَى الْأَصْلِ.
(هـ) وَفِيهِ «لعَن اللَّهُ مَن غَيَّرَ مَنَارَ الْأَرْضِ» الْمَنَارُ: جَمْعُ مَنَارَة، وَهِيَ الْعَلَامَةُ تُجْعل بَيْنَ الحدَّين. ومَنَارُ الحَرم: أعلامُه الَّتِي ضَرَبَها الخليلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى أقطارِه وَنَوَاحِيهِ.
وَالْمِيمُ زائدةٌ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ «إنَّ للإسْلام صُوًى ومَنَاراً» أَيْ علاماتٍ وشرائعَ يُعْرَفُ بِهَا.
(نَوَزَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ عُمَرَ «أَتَاهُ رجُلٌ مِنْ مُزَيْنَةَ عامَ الرَّمَادة يَشْكُو إِلَيْهِ سُوءَ الْحَالِ، فَأَعْطَاهُ ثلاثَةَ أَنْيَابٍ وَقَالَ: سِرْ، فَإِذَا قَدِمْتَ فانْحَر نَاقَةً، وَلَا تُكْثِر فِي أَوَّلِ مَا تُطْعِمُهم ونَوِّزْ» قَالَ شَمِر: قَالَ القَعْنَبي: أَيْ قَلِّلْ. قَالَ: وَلَمْ أسمَعْها إِلَّا لَهُ. وَهُوَ ثِقة.
(نَوَسَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْع «أناسَ مِنْ حَلْيٍ أذُنَيَّ» كلُّ شَيْءٍ يَتَحرَّك مُتَدَلِّيا فَقَدَ نَاسَ يَنُوسُ نَوْساً، وأَنَاسَهُ غيرُه، تُريد أَنَّهُ حَلَّاهَا قِرَطَةً وشُنُوفاً تَنُوسُ بأُذُنَيْها.
وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «مَرَّ عَلَيْهِ رجلٌ وَعَلَيْهِ إزارٌ يَجُرّه، فقطَع مَا فَوقَ الكَعْبين، فَكَأَنِّي أنظُر إِلَى الْخُيُوطِ نَائِسَةً عَلَى كعْبَيه» أَيْ مُتَدَليّةً مُتَحَرِّكة.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ الْعَبَّاسِ «وضَفِيرتاه تَنُوسَانِ عَلَى رأسِه» .
(س) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «دَخلْتُ عَلَى حفْصة ونَوْسَاتُهَا تَنْطُف» أَيْ ذَوَائبُها تَقْطُر مَاءً. فسمَّى الذَّوَائِبَ نَوْسَاتٍ؛ لِأَنَّهَا تَتَحرّك كَثِيرًا.(5/127)
(نَوَشَ)
(س) فِيهِ «يَقُولُ اللَّه: يَا محمّدُ نَوِّشِ العلماءَ اليَومَ فِي ضِيافتي» التَّنْوِيشُ:
لِلدَّعْوَةِ: الوعْد وتَقْدِمَتُه. قَالَهُ أَبُو مُوسَى.
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، وسُئل عَنِ الوصيَّة فَقَالَ: «الوصِيّةُ نَوْشٌ بِالْمَعْرُوفِ» أَيْ يَتَناوَلُ المُوصِي الموصَى لَهُ بِشَيْءٍ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يُجْحِفَ بِمَالِهِ. وَقَدْ نَاشَهُ يَنُوشُهُ نَوْشاً، إِذَا تَنَاوَلَه وأخَذَه.
وَمِنْهُ حَدِيثُ قُتَيلة أُخْتِ النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ:
ظَلَّتْ سُيُوفُ بنِي أبيهِ تَنُوشُهُ ... للِّهِ أرحامٌ هُناك تُشَقَّقُ
أَيْ تَتَنَاوَلُه وتأخُذُه.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ «كنتُ أُنَاوِشُهُمْ وأُهاوِشُهم فِي الْجَاهِلِيَّةِ» أَيْ أقاتِلُهم.
والْمُنَاوَشَةُ فِي القِتال: تَدانِي الفريقَين، وأخْذُ بعضِهم بَعْضًا.
وَحَدِيثُ عَبْدِ الْمَلِكِ «لمَّا أَرَادَ الخروجَ إِلَى مُصْعَب بْنِ الزُّبير نَاشَتْ بِهِ امرأتُه وبَكَت فبكَت جَواريها» أَيْ تَعلَّقت بِهِ.
وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ تَصِفُ أَبَاهَا «فَانْتَاشَ الدِّينَ بِنَعْشه» أَيِ اسْتَدركه واسْتَنْقَذه وتَناوَلَه، وأخذَه مِنْ مَهْواتِه، وَقَدْ يُهمَز، مِنَ النَّئِيشِ وَهُوَ حَرَكَةٌ فِي إِبْطَاءٍ. يُقَالُ: نَأَشْتُ الأمرَ أَنْأَشُهُ نَأْشاً فَانْتَأَشَ. وَالْأَوَّلُ الْوَجْهُ
(نَوَطَ)
(هـ) فِيهِ «أهْدَوْا لَهُ نَوْطاً مِنْ تَعْضُوض» النَّوْطُ: الجُلَّة الصَّغِيرَةُ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا التَّمر.
وَمِنْهُ حَدِيثُ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ «أطْعِمْنا مِن بَقِيَّة القَوْس الَّذِي فِي نَوْطِك» .
(هـ) وَفِيهِ «اجْعل لَنَا ذاتَ أَنْوَاطٍ» هِيَ اسْمُ شجرةٍ بِعَيْنِهَا كَانَتْ لِلْمُشْرِكِينَ يَنُوطُونَ بِهَا سِلاحَهم: أَيْ يُعَلِّقونه بِهَا، ويَعْكُفون حَوْلهَا، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَجْعل لَهُمْ مِثْلَهَا، فنَهاهم عَنْ ذَلِكَ.
وأَنْوَاط: جَمْعُ نَوْطٍ، وَهُوَ مَصْدَرٌ سُمِّي بِهِ الْمَنُوط.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «أَنَّهُ أُتِي بمالٍ كَثِيرٍ، فَقَالَ: إِنِّي لأحسِبُكم قَدْ أهْلكتُم النَّاسَ، فَقَالُوا: واللَّهِ مَا أَخَذْنَاهُ إِلَّا عَفْواً، بِلَا سَوْطٍ وَلَا نَوْطٍ» أَيْ بِلَا ضَرْبٍ وَلَا تَعْليق.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «المَتَعَلِّق بِهَا كَالنَّوْطِ المُذَبْذَب» أَرَادَ مَا يُناطُ برَحْل الراكِب مِنْ(5/128)
قَعْبٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَهُوَ أَبَدًا يَتحرّك.
(س) وَفِيهِ «أُرِىَ اللَّيلةَ رجلٌ صَالِحٌ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ نِيطَ بِرسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» أَيْ عُلِّق، يُقَالُ: نُطْتُ هَذَا الأمرَ بِهِ أَنُوطُهُ، وَقَدْ نِيطَ بِهِ فَهُوَ مَنُوطٌ.
وَفِيهِ «بعيرٌ لَهُ قَدْ نِيطَ» يُقَالُ: نِيطَ الْجَمَلُ، فَهُوَ مَنُوطٌ، إِذَا أَصَابَهُ النَّوْطُ، وَهِيَ غُدّة تُصيبُه فِي بَطْنِهِ فتَقْتُله.
(نَوَقَ)
(هـ) فِيهِ «أنَّ رجُلا سارَ مَعَهُ عَلَى جَمَلٍ قَدْ نَوَّقَهُ وخَيَّسه» الْمُنَوَّقُ: المُذَلَّل، وَهُوَ مِنْ لَفْظِ النَّاقَةِ، كَأَنَّهُ أذهَب شِدّةَ ذُكورَتِه، وَجَعَلَهُ كَالنَّاقَةِ المُروضة المُنْقادة.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عِمران بْنِ حُصَين «وَهِيَ ناقةٌ مُنَوَّقَةٌ» .
(س) وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «فَوَجَدَ أيْنُقَه» الْأَيْنُقْ: جَمْعُ قِلّة لِناقة، وَأَصْلُهُ: أنْوُق، فقلَب وأبدَل وَاوَهُ يَاءً.
وَقِيلَ: هُوَ عَلَى حَذْفِ العَيْن وَزِيَادَةِ الْيَاءِ عِوضا عَنْهَا، فَوزْنُه عَلَى الْأَوَّلِ: أعْفُل؛ لِأَنَّهُ قَدَّمَ العَين، وَعَلَى الثَّانِي: أيْفُل؛ لِأَنَّهُ حَذَفَ الْعَيْنَ.
(نَوَكَ)
(س) فِي حَدِيثِ الضَّحاك «إِنَّ قُصَّاصَكم نَوْكَى» أَيْ حَمْقَى، جَمْعُ أَنْوَك.
والنُّوكُ بِالضَّمِّ: الحُمْق.
(نَوَلَ)
[هـ] فِي حَدِيثِ مُوسَى والخَضِر عَلَيْهِمَا السَّلَامُ «حَملوهُما فِي السَّفِينَةِ بِغَيْرِ نَوْلٍ» أَيْ بِغَيْرِ أجْرٍ وَلَا جُعْل، وَهُوَ مَصْدَرُ نَالَهُ يَنُولُهُ، إِذَا أَعْطَاهُ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «ما نَوْلُ امرِىءٍ مسلِمٍ أَنْ يقولَ غيرَ الصَّوَابِ، أَوْ أَنْ يقولَ مَا لاَ يَعْلم» أَيْ مَا يَنْبَغِي لَهُ وَمَا حَظُّه أَنْ يَقُولَ.
وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ «مَا نَوْلُكَ أَنْ تَفْعَلَ كَذَا» .
(نَوَمَ)
(س) فِيهِ «أنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا تَقْرؤه نَائِماً ويَقْظَانَ» أَيْ تَقْرَؤه حِفظا فِي كُلِّ حالٍ عَنْ قَلْبِكَ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ مَبْسُوطًا فِي حَرْفِ الْغَيْنِ مَعَ السِّينِ.
(س) وَفِي حَدِيثُ عِمران بْنِ حُصَين رَضِيَ اللَّه عَنْهُ «صلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَم تَسْتَطع فقاعدا، (17- النهاية 5)(5/129)
فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَنَائِمًا» أَرَادَ بِهِ الإضْطِجاع. ويدلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الْآخَرُ «فَإِنْ لَمْ تَسْتَطع فَعَلَى جَنْبٍ» .
وَقِيلَ: نَائِمًا: تصْحيف، وَإِنَّمَا أَرَادَ قَائِمًا. أَيْ بِالْإِشَارَةِ، كالصَّلاة عِنْدَ الْتِحَامِ القِتال، وَعَلَى ظَهْر الدَّابَّةِ.
وَفِي حَدِيثِهِ الْآخَرِ «مَنْ صلَّى نَائِماً فَلَهُ نِصْفُ أجْرِ الْقَاعِدِ» قَالَ الخطَّابي «1» : لَا أعلَم أَنِّي سَمِعْتُ صَلَاةَ النَّائِمِ إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَلَا أحْفظ عَنْ أحَد من أهل العلم أنه رخَّص فِي صَلَاةِ التَّطَوّع نَائِمًا، كَمَا رَخَّص فِيهَا قَاعِدًا، فَإِنْ صَحَّت هَذِهِ الرِّوَايَةُ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدُ الرُّواة أدرَجهُ فِي الْحَدِيثِ، وَقَاسَهُ عَلَى صَلَاةِ الْقَاعِدِ وَصَلَاةِ الْمَرِيضِ إِذَا لَمْ يَقْدِر عَلَى القُعود، فَتَكُونُ صلاةُ المُتطوِّع الْقَادِرِ نَائِمًا جَائِزَةً، واللَّه أَعْلَمُ.
هَكَذَا قَالَ فِي «مَعالم السُّنَن» . وَعَادَ قَالَ فِي «أَعْلَامِ السُّنَّة» : كُنْتُ تأوَّلْتُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِ «المعَالم» عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ صلاةُ التَّطَوُّعِ، إِلَّا أنَّ قولَه «نَائِمًا» يُفْسد هَذَا التأويلَ، لِأَنَّ المُضْطَجِعَ لَا يُصَلِّي التَّطَوُّعَ كَمَا يُصلي الْقَاعِدُ، فَرَأَيْتُ الْآنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ المريضُ المُفْتَرِض الَّذِي يُمكنُه أَنْ يتَحامَل فَيقْعُد مَعَ مَشَّقة، فَجَعَلَ أجْرَه ضِعْفَ أَجْرِهِ إِذَا صَلَّى نَائِمًا، تَرْغِيبًا لَهُ فِي القُعود مَعَ جَواز صلاتِه نَائِمًا، وَكَذَلِكَ جَعل صَلاته إِذَا تَحامل وَقَامَ مَعَ مَشقَّة ضِعفَ صَلَاتِهِ إِذَا صَلَّى قَاعِدًا مَعَ الْجواز. واللَّه أَعْلَمُ.
وَفِي حَدِيثِ بِلَالٍ وَالْأَذَانِ «عُدْ وقُلْ: أَلَا إِنَّ العَبْدَ نَامَ، أَلَا إِنَّ العَبْدَ نَام» أَرَادَ بِالنَّوْمِ الغَفْلَة عَنْ وَقْتِ الْأَذَانِ. يُقَالُ: نَامَ فُلَانٌ عَنْ حاجَتي، إِذَا غَفَل عَنْهَا وَلَمْ يَقُم بِهَا.
وقيل: معناه أنه قد عاد لنومه، إذا كَانَ عَلَيْهِ بَعْدُ وَقْتٌ مِنَ اللَّيْلِ، فَأَرَادَ أَنْ يُعْلَمَ الناسَ بِذَلِكَ، لِئَلَّا يَنْزَعِجوا مِنْ نَوْمهم بسَماع أذانِه.
(س) وَفِي حَدِيثِ سَلَمة «فَنَوَّمُوا» هُوَ مُبالغة فِي نَامُوا.
وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ وَغَزْوَةِ الْخَنْدَقِ «فَلَمَّا أصْبَحْتُ قَالَ: قُم يَا نَوْمَانُ» هُوَ الْكَثِيرُ النَّوم وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمل فِي النِّداء.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّه بْنِ جَعْفَرٍ «قَالَ للحُسين وَرَأَى ناقَته قَائِمَةً على زِمامِها بالعَرْج، وكان مريضا:
__________
(1) انظر معالم السنن 1/ 225.(5/130)
أيُّها النَّوْمُ. وَظَنَّ أَنَّهُ نَائِمٌ، وَإِذَا هُوَ مُثْبَتٌ وجَعاً» أَرَادَ أيُّها النَّائِمُ، فوَضع المَصْدر موضِعه، كَمَا يُقَالُ:
رجلٌ صَوْم: أَيْ صَائِمٌ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «أَنَّهُ ذَكَرَ آخِرَ الزَّمان والفِتَن، ثُمَّ قَالَ: خَير أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ كلُّ مُؤمنٍ نُوَمَةٍ» النُّوَمَةُ، بِوَزْنِ الهُمَزة: الخامِلُ الذِّكْر الَّذِي لَا يُؤْبَه لَهُ.
وَقِيلَ: الْغَامِضُ فِي النَّاسِ الَّذِي لَا يَعْرِف الشَّر وأهلَه.
وَقِيلَ: النُّوَمَةُ بِالتَّحْرِيكِ: الْكَثِيرُ النَّوْم. وَأَمَّا الْخَامِلُ الَّذِي لَا يُؤْبَه لَهُ، فَهُوَ بالتَّسْكين.
وَمِنَ الْأَوَّلِ:
(هـ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ قَالَ لِعَلِيٍّ: مَا النُّوَمَةُ؟ قَالَ: الَّذِي يَسْكُتُ فِي الْفِتْنَةِ، فَلَا يَبْدُو مِنْهُ شَيءٌ» .
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «دُخِلَ عليَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا عَلَى الْمَنَامَةِ» هِيَ هَاهُنَا الدُّكَّان الَّتِي يُنام عَلَيْهَا، وَفِي غَيْرِ هَذَا هِيَ القَطيفة، وَالْمِيمُ الْأُولَى زَائِدَةٌ.
وَفِي حَدِيثِ غَزْوَةِ الْفَتْحِ «فَمَا أشرَف لَهُمْ يَوْمَئِذٍ أحدٌ إِلَّا أَنَامُوهُ» أَيْ قَتَلُوهُ. يُقال: نَامَتِ الشاةُ وغيرُها، إِذَا ماتَتْ، والنَّائِمَةُ: الميِّتة.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «حثَّ عَلَى قِتَالِ الْخَوَارِجِ فَقَالَ: إِذَا رأيتُموهم فَأَنِيمُوهُمْ» .
(نَوَنَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ مُوسَى والخَضِرِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ «خُذْ نُوناً مَيّتا» أَيْ حُوتاً، وجمعُه: نِينَانٌ، وَأَصْلُهُ: نِوْنان، فقلِبَت الْوَاوُ يَاءً، لكَسرة النُّونِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ إِدَامِ أَهْلِ الْجَنَّةِ «هُوَ بَالامُ والنُّونُ» .
وَحَدِيثُ عَلِيٍّ «يَعْلَم اخْتِلافَ النِّينَانِ فِي الْبِحَارِ الْغَامِرَاتِ» .
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُثْمَانَ «أَنَّهُ رَأَى صَبيّاً مَليحا، فَقَالَ: دَسِّمُوا نُونَتَهُ؛ كَيْ لَا تُصيبَه العَين» أي سَوِّدُوها. وَهِيَ النُّقْرةُ الَّتِي تَكُونُ فِي الذَّقَن.
(نَوَهَ)
(س) فِي حَدِيثِ الزُّبَيْرِ «أَنَّهُ نَوّه بِهِ عَلَيَّ» أَيْ شهَّره وعَرَّفَه.
(نَوَا)
(هـ) فِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ «تَزَوّجتُ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ عَلَى نَوَاةٍ مِنْ ذَهب» النَّوَاةُ: اسْمٌ لِخمْسة دَراهم، كَمَا قِيلَ لِلْأَرْبَعِينَ: أوقيَّة، وللعشرين: نَشٌ.(5/131)
وَقِيلَ: أَرَادَ قَدْرَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَب كَانَ قيمتُها خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَلَمْ يَكُنْ ثَمَّ ذهَبٌ. وَأَنْكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ.
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: لَفْظُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَزَوّج المرأةَ عَلَى ذَهَب قيمتُه خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، أَلَا تَراه:
قَالَ «نَوَاةٌ مِنْ ذهَب» ولسْتُ أَدْرِي لِمَ أنكَره أَبُو عُبَيْدٍ.
والنَّوَاةُ فِي الْأَصْلِ: عَجْمَة التَّمْرَةِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُهُ الْآخَرُ «أَنَّهُ أوْدَع المُطْعِم بْنَ عَدِي جُبْجُبةً فِيهَا نَوًى مِنْ ذَهَب» أَيْ قِطَعٌ مَنْ ذَهَبٍ كالنَّوى، وَزْن الْقِطْعَةِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ.
(س) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «أَنَّهُ لقَط نَوَيَاتٍ مِنَ الطَّرِيقِ، فأمْسَكَها بيدِه، حَتَّى مَرَّ بِدَارِ قَوْمٍ فَأَلْقَاهَا فِيهَا وَقَالَ: تأكُله داجِنَتُهم» هِيَ جَمع قِلَّةٍ لنَواة التَّمرة. والنَّوَى:
جَمْعُ كَثْرة.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ وَحَمْزَةَ:
ألاَ يَا حَمْزُ لِلشُّرُفِ النِّواءِ
النِّوَاءُ: السِّمان. وَقَدْ نَوَتِ النَّاقَةُ تَنْوِي فَهِيَ نَاوِيَةٌ.
وَفِي حَدِيثِ الخيْل «ورَجُلٌ ربَطها رِيَاءً ونِوَاءً» أَيْ مُعاداةً لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ.
وأصلُها الْهَمْزُ «1» ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «ومَن يَنْوِ الدُّنْيَا تُعْجِزْه» أَيْ مَن يَسْعَ لَهَا يَخِبْ. يُقَالُ:
نَوَيْتُ الشَّيْءَ، إِذَا جَدَدْتَ فِي طَلَبه. والنَّوَى: البُعد.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عُرْوةَ فِي الْمَرْأَةِ البَدَويَّة يُتَوَفَّى «2» عَنْهَا زوجُها «أَنَّهَا تَنْتَوِي حيثُ انْتَوَى أهلُها» أي تَنْتَقِل وتَتَحَوّل.
__________
(1) في الأصل: «الهمزة» والمثبت من ا، واللسان.
(2) في الأصل: «التي تَوَفَّى» والمثبت من ا، واللسان، والفائق 3/ 136.(5/132)
بَابُ النُّونِ مَعَ الْهَاءِ
(نَهَبَ)
(س) فِيهِ «وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً ذَاتَ شَرَفٍ يَرفَعُ الناسُ إِلَيْهَا أبصارَهم وَهُوَ مؤمنٌ» النَّهْبُ: الْغَارَةُ والسَّلْب: أَيْ لَا يَخْتلس شَيْئًا لَهُ قيمةٌ عالِية.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فأُتِي بِنَهْبٍ» أَيْ غَنيمة. يُقَالُ: نَهَبْتُ أَنْهَبُ نَهْباً.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ نُثِرَ شيءٌ فِي إِمْلَاكٍ، فَلَمْ يأخُذوه، فَقَالَ: مَا لَكُمْ لَا تَنْتَهِبُونَ؟
قَالُوا: أَوَلَيْسَ قَدْ نَهَيْتَ عَنِ النُّهْبَى؟ فَقَالَ: إِنَّمَا نَهَيْتُ عَنْ نُهْبَى الْعَسَاكِرِ، فَانْتَهَبُوا» النُّهْبَى: بِمَعْنَى النَّهْبِ، كالنُّحْلَى والنُّحْل، للعَطيَّة. وَقَدْ يَكُونُ اسمَ مَا يُنْهَبُ، كالعُمْرَى والرُّقْبَى.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ «أحْرزتُ نَهْبِي وأبْتَغِي النَّوافِلَ» أَيْ قضَيْتُ مَا عليَّ مِنَ الوِتْر قَبْلَ أَنْ أَنَامَ، لِئَلَّا يَفوتَني، فَإِنِ انْتَبَهْتُ تَنَفَّلْت بِالصَّلَاةِ، والنَّهْبُ هَاهُنَا بِمَعْنَى الْمَنْهُوبِ، تَسْميةً بِالْمَصْدَرِ.
(س) وَمِنْهُ شِعْرُ الْعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ:
أَتَجْعَلُ نَهْبِي وَنَهْبَ العبيد ... بينَ عُيَيْنةَ والأقْرَعِ
عُبَيْد مُصَغَّر: اسْمُ فَرَسه، وَجَمْعُ النَّهْب: نِهابٌ ونُهُوب.
(س) وَمِنْهُ شِعْرُ الْعَبَّاسِ أَيْضًا:
كَانَتْ نِهَاباً تَلافيْتُها ... بِكَرِّي عَلَى المُهْرِ بالأجْرَعِ
(نَهْبَرَ)
(س) فِيهِ «لَا تَتَزَوَّجَنّ نَهْبَرَةً» أَيْ طَوِيلَةً مَهزُولة.
وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي أشرَفَت عَلَى الْهَلَاكِ، مِنَ النَّهَابِرِ: المَهالِك. وأصلُها: حِبالٌ مِنْ رَمْل صَعْبةُ المُرْتَقَى.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «مَن أَصَابَ مَالًا مِن نَهاوِشَ «1» أذهَبه اللَّه في نَهَابِرَ» أي في مَهالِكَ
__________
(1) في ا، والهروي: «مهاوش» والمثبت في الأصل، واللسان. وهما روايتان. انظر (نهش) و (هوش) .(5/133)
وأمورٍ مُتَبَدِّدة. يُقَالُ: غَشِيَتْ بِي النَّهَابِيرُ: أَيْ حَمَلَتْنِي عَلَى أمورٍ شَدِيدَةٍ صَعْبة، وَوَاحِدُ النَّهابير:
نُهْبُورٌ. والنَّهَابِرُ مَقْصورٌ مِنْهُ، وكأنَّ واحدَه نَهْبَرْ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَمرو بْنِ الْعَاصِ «أَنَّهُ قَالَ لِعُثْمَانَ: رِكْبتَ بِهَذِهِ الأمَّة نَهَابِيرَ مِنَ الْأُمُورِ فَرَكبوها مِنْكَ، ومِلْتَ بِهِمْ، فمَالُوا بِكَ، إعدِل أَوِ اعْتَزِل» .
(نَهَتَ)
(هـ) فِيهِ «أُرِيتُ الشَّيطانَ، فرأيتُه يَنْهِتُ كَمَا يَنْهِتُ القِرْدُ» أَيْ يُصَوِّت.
والنَّهِيتُ: صَوْت يَخْرج مِنَ الصَّدر شَبِيهٌ بالزَّحير.
(نَهَجَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ قُدوم المستضعَفِين بمكة «فَنَهِجَ بَين يَدَي رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم حتى قَضَى» النَّهْجُ بِالتَّحْرِيكِ، والنَّهِيجُ: الرَّبْو وتَواترُ النَّفَس مِنْ شِدَّة الحَركة أَوْ فِعْلٍ مُتْعِب. وَقَدْ نَهِجَ بِالْكَسْرِ يَنْهَجُ، وأَنْهَجَهُ غَيْرُهُ، وأَنْهَجْتُ الدابَّة، إِذَا سِرتَ عَلَيْهَا حَتَّى انْبَهَرتْ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يَنْهَجُ» أَيْ يَربو مِنَ السِّمَن ويَلْهَثُ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «فضَرَبه حَتَّى أُنْهِجَ» أَيْ وَقَعَ عَلَيْهِ الرَّبْوُ، يَعْنِي عُمَرَ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ «فَقادَني وَإِنِّي لَأَنْهَجُ» وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ «لَمْ يَمُت رسولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَرَكَكُمْ عَلَى طريقٍ ناهِجة» أَيْ واضِحةٍ بَيّنة. وَقَدْ نَهَجَ الأمرُ وأَنْهَجَ، إِذَا وَضَح. والنَّهْجُ:
الطَّرِيقُ الْمُسْتَقِيمُ.
(س) وَفِي شِعْرِ مَازِنٍ:
حَتَّى آذَنَ الجِسمُ بالنَّهْجِ
أَيْ بالبلَى وَقَدْ نَهِجَ الثَّوبُ والجِسم، وأَنْهَجَ، إِذَا بَلِيَ، وأَنْهَجَهُ البِلَى، إِذَا أخْلقه.
(نَهَدَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ كَانَ يَنْهَدُ إِلَى عدُوّه حِينَ تَزولُ الشَّمْسُ» أَيْ يَنْهَض. ونَهَدَ القومُ لعدُوِّهم، إِذَا صَمَدوا لَهُ وشَرعوا فِي قِتَالِهِ.
(هـ) ومنه حديث ابن عمر «إنه دخَل الْمَسْجِدَ فَنَهَدَ الناسُ يَسْأَلُونَهُ» أَيْ نَهَضُوا.(5/134)
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ هَوازِن «وَلَا ثَدْيُها بِنَاهِدٍ» أَيْ مُرْتَفِع. يُقَالُ: نَهَدَ الثَّدْيُ، إِذَا ارْتفع عَنِ الصَّدْرِ، وَصَارَ لَهُ حَجْم.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ دارِ النَّدْوة وَإِبْلِيسَ «نَأْخُذ مِنْ كُلِّ قبيلةٍ شَابًّا نَهْداً» أَيْ قَوِيًّا ضَخْما.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْأَعْرَابِيِّ:
يَا خَيْرَ مَن يَمشي بِنَعْلٍ فَرْدِ ... وهِبَةٍ «1» لِنَهْدةٍ ونَهْدِ
النَّهْدُ: الفَرس الضَّخْم القَوِيُّ، وَالْأُنْثَى: نَهْدَةً.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الْحَسَنِ «أخْرجوا نِهْدَكُمْ، فَإِنَّهُ أعظمُ للبَركة وأحسَنُ لأخلاقِكم» النِّهْدُ، بِالْكَسْرِ: مَا تُخْرِجُه الرُّفْقة عِنْدَ الْمُنَاهَدَةِ إِلَى العَدُوّ، وَهُوَ أَنْ يَقْسِموا نَفَقَتَهم بينَهم بالسَّويَّة حَتَّى لَا يَتَغَابَنوا، وَلَا يَكُونَ لِأَحَدِهِمْ عَلَى الْآخَرِ فضلٌ ومِنَّة.
(نَهَرَ)
- فِيهِ «أَنْهِرُوا الدَّمَ بِمَا شِئتُم إِلَّا الظُّفْرَ والسِنَّ» .
(هـ) وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ فكُلْ» الْإِنْهَارُ: الْإِسَالَةُ والصَّبُّ بكَثْرة، شبَّه خُروج الدَّم مِنْ مَوْضِع الذَّبحِ بجَرْي الْمَاءِ فِي النَّهْرِ. وَإِنَّمَا نَهَى عَنِ السِنّ والظُّفْر؛ لأنَّ مَن تَعَرَّض للذَّبْح بِهِمَا خَنَق المذبوحَ، وَلَمْ يَقْطع حَلْقَه.
وَفِيهِ «نَهْرَانِ مُؤْمِنَانِ ونهرانِ كافِران، فالمُؤمِنانِ: النِّيلُ وَالْفُرَاتُ، وَالْكَافِرَانِ: دَجْلة ونَهْر بَلْخ» . وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى الْحَدِيثِ فِي الْهَمْزَةِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ أُنَيْس «فأَتَوا مَنْهَراً فاخْتَبأوا فِيهِ» وَقَدْ تَقَدَّمَ هُوَ وَغَيْرُهُ فِي الْمِيمِ.
(نَهَزَ)
(هـ) فِيهِ «أنَّ رجُلا اشْترى مِن مالِ يَتامَى خَمْراً، فَلَمَّا نَزَلَ التحريمُ أتَى النبيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَرَّفَهُ، فَقَالَ: أهرِقْها، وَكَانَ المالُ نَهْزَ عَشرة آلافٍ» أَيْ قُرْبَها. وَهُوَ مِن نَاهَزَ الصبىُّ البلوغَ، إِذَا دانَاه. وحقيقتُه: كَانَ ذَا نَهْزٍ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «وَقَدْ نَاهَزْتُ الاحتِلام» والنُّهْزَةُ: الفُرْصة. وانْتَهَزْتُهَا:
اغتَنَمْتُها. وفلانٌ نُهْزَةُ المُخْتَلِس.
__________
(1) انظر مادة (فرد) .(5/135)
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي الدَّحداح.
وانْتَهَزَ الحقَّ «1» إذَا الحَقُّ وَضَحْ
أَيْ قَبِلَه وأسْرَع إِلَى تَناوُلِه.
وَحَدِيثُ أَبِي الْأَسْوَدِ «وإنْ دُعِيَ انْتَهَزَ» .
(س) وَحَدِيثُ عُمَرَ «أَتَاهُ الجَارُودُ وَابْنُ سَيَّار يَتَنَاهَزَانِ إمَارَةً» أَيْ يَتَبادَرانِ إِلَى طَلبِها وتَناوُلِها.
(س) وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ «سَيَجِد أحَدُكم امْرَأتَه قَدْ مَلَأَتْ عِكْمهَا مِنْ وَبَر الإبِلِ، فَلْيُنَاهِزْهَا، ولْيَقْتَطِع، ولْيُرسِل إِلَى جَارِه الَّذِي لَا وبَرَ لَهُ» أَيْ يُبادِرها ويُسابِقْها إِلَيْهِ.
(س) وَفِيهِ «مَنْ تَوضَّأ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يَنْهَزه إِلَّا الصَّلاةُ غُفِر لَهُ مَا خَلا مِنْ ذَنْبه» النَّهْزُ: الدَّفع. يُقَالُ: نَهَزْتُ الرجُلَ أَنْهَزُهُ، إِذَا دَفَعْتَه، ونَهَزَ رأسَه، إِذَا حَرَّكه.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «مَن أَتَى هَذَا البَيْتَ وَلَا يَنْهَزُهُ إِلَيْهِ غيرُه رَجَع وَقَدْ غُفِر لَه» يُرِيدُ أَنَّهُ مَن خَرَج إِلَى الْمَسْجِدِ أَوْ حَجّ، ولَمْ يَنوِ بخُروجه غَيْر الصَّلَاةِ والحَجّ مِنْ أمُور الدُّنيا.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ نَهَزَ راحِلَته» أَيْ دَفَعها فِي السّيَر.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَطَاءٍ «أَوْ مَصْدُور يَنهَزُ قَيْحا» أَيْ يَقْذِفُه. يُقَالُ: نَهَزَ الرجلُ، إِذَا مَدَّ عُنُقَه وَناء بصَدْره لِيَتَهَوّع. والمصْدورُ: الَّذِي بصَدْرِه وَجَعٌ.
(نَهَسَ)
(هـ س) فِي صِفَتِه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ مَنْهُوسَ الكَعْبَين «2» » أَيْ لحمُهُما قلِيل. والنَّهْسُ: أخْذ اللَّحم بِأَطْرَافِ الأسْنان. والنَّهْش: الأخْذ بِجَميعها.
ويُروَى «مَنْهُوس القَدَمين» وَبِالشِّينِ أَيْضًا.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ أخَذ عَظْماً فَنَهَسَ مَا عَلَيْهِ مِنَ اللَّحم» أَيْ أخَذه بِفِيه. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ «رَأى شُرَحْبيلَ وقد صادَ نُهَساً بالأسْوَاف» النُّهَسُ:
__________
(1) في الهروي: «الحظَّ» ولم ينشد المصراع كله.
(2) أخرجه الهروي في (نهش) «منهوش القدمين» قال: «وروى «منهوس العَقِبَيْن» بالسين غير معجمة، أي قليل لحمها» .(5/136)
طائرٌ يُشْبِه الصُّرَد، يُدِيم تَحْريك رأسِه وذَنَبِه، يَصْطادُ العَصافِير وَيأوِي إِلَى المَقابر.
والأسْوافُ: مَوْضِعٌ بِالْمَدِينَةِ.
(نَهَشَ)
س [هـ] فِيهِ «لَعن رسولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُنْتَهِشَةُ وَالْحَالِقَةَ» هِيَ «1» الَّتِي تَخْمشُ وجْهَها عِنْدَ المُصيِبة، فتأخُذ لَحْمَهُ بأظْفارها.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «وانْتَهَشَتْ أعْضادُنا» أَيْ هُزِلت. والْمَنْهُوشُ: المَهْزول المَجْهُود «2» .
وَفِيهِ «مَنْ جَمَع مَالاً مِنْ نَهَاوِشَ» هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ بالنُّون، وَهِيَ المَظالِم، مِنْ قَوْلِهِمْ:
نَهَشَهُ، إِذَا جَهَدَه، فَهُوَ مَنْهُوشٌ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْهَوْشِ: الخَلْط، ويُقْضَى بِزِيَادَةِ النُّون، وَيَكُونَ نَظير قَوْلِهِمْ: تَباذِير، وتخارِيب، مِنَ التَّبْذير والخَراب.
(نَهَقَ)
(س) فِي حَدِيثِ جَابِرٍ «فَنزعْنا فِيهِ حَتَّى أَنْهَقْنَاهُ» يَعْنِي فِي الحَوْض. هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ بالنُّون، وَهُوَ غَلَط، وَالصَّوَابُ بِالْفَاءِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ.
(نَهَكَ)
(هـ) فِيهِ «غَيْر مُضِرّ بنَسْل، وَلَا نَاهِكٍ فِي الحَلْبِ» أَيْ غَير مُبالِغ فِيهِ.
يُقال: نَهَكْتُ النَّاقة حَلَباً أَنْهَكُهَا، إِذَا لَمْ تُبْقِ فِي ضَرْعها لَبناً.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «لِيَنْهَكِ الرجلُ مَا بَيْنَ أصابِعه أَوْ لَتَنْهَكَنَّه النارُ» أَيْ لِيُبالغْ فِي غَسْل مَا بَيْنَهَا فِي الوُضوء، أَوْ لَتُبالَغنّ النَّارُ فِي إحْراقه.
وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ «انْهَكُوا الأعْقاب أَوْ لتَنْهَكَنَّها النَّارُ» .
وَحَدِيثُ الخَلوق «اذْهَبْ فَانْهَكْهُ» قَالَهُ ثَلَاثًا، أَيْ بالِغ فِي غَسْلِه.
(هـ) وَحَدِيثُ الخافِضَة «قَالَ لَهَا: أشِمّي وَلَا تَنْهَكِي» أَيْ لَا تُبالِغي فِي اسْتِقْصاء الخِتَان.
(هـ) وَحَدِيثُ يَزِيدَ بْنِ شَجَرة «انْهَكُوا وُجُوهَ القَوْم» أَيِ ابْلُغُوا جُهْدَكم فِي قِتالهم.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «إِنْ قَوما قَتَلوا فأكْثَرُوا، وَزَنَوْا وانْتَهَكُوا» أَيْ بالَغُوا فِي خَرْق مَحارِم الشَّرع وإتْيانها.
__________
(1) هذا شرح القتيبي، كما ذكر الهروي.
(2) في الأصل: «والمجهود» والمثبت من ا، واللسان.(5/137)
وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ «تُنْتَهَكُ ذِمَّةُ اللَّهِ وذِمَّةُ رَسُولِهِ» يُريد نَقْضَ العَهْد، والغَدْرَ بالمُعاهَد.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمة «كَانَ مِن أَنْهَكِ أصحابُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» أَيْ مِنْ أشْجَعِهمْ. ورجُلٌ نَهِيكٌ: أَيْ شُجاع.
(نَهِلَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ الحَوضِ «لاَ يظْمأُ واللَّهِ نَاهِلُهُ» النَّاهِلُ: الرَّيَّان والعَطْشان، فَهُوَ مِنَ الأضْداد. وَقَدْ نَهِلَ يَنْهَلُ نَهَلًا، إِذَا شَرِبَ. يُريد مَن رَوِىَ مِنه لَمْ يَعْطَشْ بَعْده أَبَدًا.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ الدَّجَّالِ «أَنَّهُ يَرِدُ كُلَّ مَنْهَلٍ» الْمَنْهَلُ مِنَ الْمِيَاهِ: كُلُّ مَا يَطَؤه الطَّرِيقُ، وَمَا كَانَ عَلَى غَيْرِ الطَّريق لَا يُدْعَى مَنْهَلا، ولكِنْ يُضاف إِلَى مَوْضعه، أَوْ إلَى مَنْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِهِ، فيُقال: مَنْهَل بَني فُلان: أَيْ مَشْرَبُهم ومَوْضع نَهَلهم.
وَفِي قَصِيدِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ:
كأنَّه مُنْهلٌ بالرَّاح مَعْلُولُ
أَيْ مسْقِيٌّ بالرَّاح. يُقَالُ: أَنْهَلْتُهُ فَهُوَ مُنْهَلٌ، بضَم الْمِيمِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ «النُّهُلُ الشُّرُوع» هُوَ جَمْع نَاهِلٍ وشارِع: أَيِ الْإِبِلُ العِطَاش الشَّارِعة فِي المْاء.
(نَهَمَ)
- فِيهِ «إِذَا قَضى أحَدُكم نَهْمَتَهُ مِنْ سَفَره فَلْيُعَجّل إِلَى أَهْلِهِ» النَّهْمَةُ: بُلُوغُ الهِمَّة فِي الشَّيْءِ.
وَمِنْهُ «النَّهَمُ مِنَ الجُوع» .
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «مَنْهُومَانِ لَا يَشْبَعَان: طالبُ عِلْم وطالبُ دُنْيَا» .
(هـ) وَفِي حَدِيثِ إِسْلَامِ عُمَرَ «قَالَ: تَبِعْتُه، فلمَّا سَمِع حِسّي ظَنّ أَنِّي إِنَّمَا تَبِعْتُه لأوذيَه فَنَهَمَنِي وَقَالَ: مَا جَاءَ بِكَ هَذِهِ السَّاعة؟» أَيْ زَجَرني وصَاح بِي. يُقَالُ: نَهَمَ الإبلَ، إِذَا زَجَرها وصاحَ بِهَا لتَمْضيَ.
[هـ] وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «قِيل لَهُ: إِنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ نَهَمَ ابنَك فَانْتَهَمَ» أَيْ زجره فانزجر.(5/138)
(س) وَفِيهِ «أَنَّهُ وفَدَ عَلَيْهِ حَيٌّ مِنَ العرب، فقال: بنو من أنتم؟ فقالوا: بنونهم.
فَقَالَ: نَهْمٌ شَيْطانٌ، أنتُم بَنُو عَبْدِ اللَّه» .
(نَهْنَهَ)
- فِي حَدِيثِ وَائِلٍ «لَقد ابْتَدَرها اثْنا عَشَرَ مَلَكا، فَمَا نَهْنَهَهَا شيءٌ دُون العَرْش» أَيْ مَا مَنَعها وكَفّها عَنِ الوُصول إِلَيْهِ.
(نَهَا)
- فِيهِ «لِيَلِني «1» مِنْكُمْ أولُو الأحْلام والنُّهَى» هِي العُقول والألبابُ، واحِدَتُها نُهْيَة، بالضَّم؛ سُمّيت بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَنْهَى صاحبَهَا عَنِ القَبيح.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي وَائِلٍ «لَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ التَّقِيَّ ذُو نُهْيَة» أَيْ ذُو عَقل.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «فَتَنَاهَى ابنُ صيَّاد» قِيلَ: هُوَ تَفاعَل، مِنَ النُّهَى: العَقْل: أَيْ رَجَع إِلَيْهِ عَقْلُه، وتَنَبَّه مِنْ غَفْلَتِه.
وَقِيلَ: هُوَ مِنَ الِانْتِهَاءِ: أَيِ انْتَهى عَنْ زَمْزَمَتِه.
وَفِي حَدِيثِ قِيَامِ اللَّيْلِ «هُو قُرْبة إِلَى اللَّهِ، ومَنْهَاةٌ عَنِ الْآثَامِ» أَيْ حالةٌ مِنْ شأْنِها أَنْ تَنْهَى عَنِ الْإِثْمِ، أَوْ هِيَ مَكانٌ مخْتصٌّ بِذَلِكَ. وَهِيَ مَفْعَلة مِنَ النَّهْى. والميمُ زَائِدَةٌ.
(هـ) وَفِيهِ «قلتُ: يَا رَسُولَ اللَّه، هَلْ مِن سَاعَةٍ أقْرَبُ إِلَى اللَّه؟ قَالَ: نَعَم، جَوْف اللَّيْلِ الآخِر، فَصَلِّ حَتَّى تُصْبِحَ ثُمَّ أنْهِهْ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ» قَوْلُهُ «أَنْهِهِ» بِمَعْنَى انْتَهِ. وَقَدْ أَنْهَى الرجُل، إِذَا انْتَهى، فَإِذَا أمَرْتَ قُلْتَ: أَنْهِهْ، فَتَزيد الْهَاءُ للسَّكْت. كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ فأجْرى الوصلَ مُجْرَى الوَقْف.
وَفِي حَدِيثِ ذِكْرِ «سِدْرَةِ الْمُنْتَهى»
أَيْ يُنْتَهَى ويُبْلَغ بِالْوُصُولِ إِلَيْهَا، وَلَا يَتَجاوزُها عِلْمُ الْخَلَائِقِ، مِنَ البَشر وَالْمَلَائِكَةِ، أَوْ لَا يتَجاوَزُها أحَدٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ والرسُل، وَهُوَ «2» مُفْتَعَل، مِنَ النِّهَايَةُ: الْغَايَةُ.
(هـ) وَفِيهِ «أَنَّهُ أَتَى عَلَى نِهْىٍ مِنْ مَاءٍ» النِّهْىُ، بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ: الغَدير، وكُلُّ مَوْضِعٍ يَجْتَمِعُ فِيهِ الماء. وجَمْعُه: أَنْهَاءٌ ونِهَاءٌ «3» .
__________
(1) في الأصل، وا، واللسان: «ليليني» مع تشديد النون في اللسان فقط. وهو جائز على التوكيد. انظر النووي 4/ 154، وانظر حواشي ص 434 من الجزء الأول.
(2) في الأصل: «هو» وما أثبت من: ا، واللسان.
(3) زاد في القاموس: «أَنْهٍ، ونُهِيٌّ» .(5/139)
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ «لَو مَرَرْتُ عَلَى نِهْيٍ نِصْفُه ماءٌ ونِصْفُه دَمٌ لَشرِبتُ مِنْهُ وتَوضَّأت» وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
بَابُ النُّونِ مَعَ الْيَاءِ
(نَيَأَ)
(س) فِيهِ «نَهَى عَنْ أكْل النَّىْءِ» هُوَ الَّذِي لَمْ يُطْبَخ، أَوْ طُبِخ أدْنَى طَبْخ وَلَمْ يُنْضَج. يُقَالُ: نَاءَ اللَّحمُ يَنِيءُ نَيْئاً، بِوَزْنِ ناعَ يَنِيع نَيْعاً، فَهُوَ نِيءٌ، بِالْكَسْرِ، كَنِيعٍ. هَذَا هُوَ الْأَصْلُ. وَقَدْ يُتْرك الْهَمْزُ ويُقلَب يَاءً فَيُقَالُ: نِىٌّ، مُشدَّدا.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الثُّوم «لَا أُرَاه إِلَّا نِيَّهُ «1» » .
(نَيَبَ)
(هـ) فِيهِ «لَهُمْ مِنَ الصَّدَقة الثِّلْبُ والنَّابُ» هِيَ النَّاقَةُ الهَرِمة الَّتِي طَالَ نَابُهَا:
أَيْ سِنّها. وألفُه مُنْقلِبة عَنِ الْيَاءِ، لِقَولهم فِي جَمْعه: أَنْيَابٌ.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «أعْطاه ثلاثةَ أنْيَابٍ جَزَائِرَ» .
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «أَنَّهُ قَالَ لِقَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ: كَيْفَ أَنْتَ عِنْدَ الْقِرَى؟ قَالَ: أُلْصِقُ بِالنَّابِ الْفَانِيَةِ» .
(س) وَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ «أنَّ ذِئباً نَيَّبَ فِي شاةٍ فَذَبَحُوهَا بمَرْوةٍ» أَيْ أنْشَب أَنْيَابَهُ فِيهَا. والنَّابُ: السِنُّ الَّتِي خَلْفَ الرَّباعِيَة.
(نَيَحَ)
(هـ) فِيهِ «لَا نَيَّحَ اللَّهُ عِظامَه» أَيْ لَا صَلَّبها وَلَا شَدَّ مِنْهَا «2» . يُقَالُ: نَاحَ العَظْمُ يَنِيحُ نَيْحاً، إِذَا صَلُب واشْتَدَّ.
(نَيَرَ)
- فِي حَدِيثِ عُمَرَ «أَنه كَرِهَ النِّيرَ» وَهُوَ الْعَلَمُ فِي الثَّوب. يُقَالُ: نِرْتُ الثَّوبَ، وأَنَرْتُهُ، ونَيَّرْتُهُ، إِذَا جَعَلْتَ لَهُ عَلَما.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ «لَوْلَا أَنَّ عُمَر كَرِهَ النِّيرَ لَم نَرَ بالعَلَم بَأْسًا» .
(نَيْزَكٌ)
- فِي حَدِيثِ ابْنِ ذِي يَزَن:
لَا يَضْجَرُون وإن كَلَّت نَيَازِكُهُمْ
__________
(1) ضبط في الأصل، وا بضم الياء.
(2) في الهروي: «ولا شَددَّها» .(5/140)
هِيَ جَمْعُ نَيْزَك، وَهُوَ الرُّمح القَصير. وحقيقَتُه تَصْغِيرُ الرُّمْح، بالفارسيَّة.
(نَيَطَ)
(س [هـ] ) فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «1» «لَودَّ معاويةُ أَنَّهُ مَا بَقَي من بني هاشم نافِخُ ضَرَمة إلاَّ طَعَن فِي نَيْطِهِ» أَيْ إِلَّا مَاتَ. يُقَالُ: طُعِن فِي نَيْطِه وَفِي جِنَازته، إِذَا مَاتَ. وَالْقِيَاسُ: النَّوْطُ، لِأَنَّهُ مِنْ نَاطَ يَنُوطُ، إِذَا عَلَّق، غَير أنَّ الْوَاوَ تَعاقِبُ الياءَ فِي حُروف كَثِيرَةٍ.
وَقِيلَ: النَّيْطُ: نِيَاطُ القلْب، وَهُوَ العِرْق الَّذِي القَلْبُ مُعَلَّق بِهِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي اليَسَر «وَأَشَارَ إِلَى نِيَاط قلْبه» وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(س) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «إِذَا انْتَاطَتِ المَغازي» أَيْ بَعُدت، وَهُوَ مِنْ نِيَاط المَفازة، وَهُوَ بُعْدُها، فَكَأَنَّهَا نِيطَتْ بمَفازة أُخْرَى، لَا تكادُ تَنْقَطِع، وانْتَاطَ فهُوَ نَيِّطٌ، إِذَا بَعُد.
وَمِنْهُ حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ «عَلَيْكَ بِصَاحِبِكَ الأقْدَم، فَإِنَّكَ تَجِدُه عَلَى مَودّةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ قَدُم العَهْدُ وانْتاطَتِ الدِّيَارُ» أَيْ بَعُدَت.
(س) وَفِي حَدِيثِ الْحَجَّاجِ «قَالَ لِحفَّار الْبِئْرِ: أخَسَفْتَ أَمْ أوْشَلْتَ؟ فَقَالَ: لَا واحِدَ مِنْهُمَا وَلَكِنْ نَيِّطاً بَيْن الأمْرَين» أَيْ وَسَطاً بَيْن الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، كَأَنَّهُ مُعَلَّق بَيْنَهما، قَالَ القُتَيبي:
هَكَذَا يُرْوى بِالْيَاءِ مُشَدَّدَةً، وَهُوَ مِنْ نَاطَهُ يَنُوطُهُ نَوْطاً، وَإِنْ كَانَتِ الرِّوَايَةُ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، فيُقال للرَّكِيَّة إِذَا اسْتُخْرِج مَاؤُهَا واسْتُنْبِط: هِيَ نَبَطٌ، بِالتَّحْرِيكِ.
(نَيَفَ)
- فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ تصِفُ أَبَاهَا «ذَاك طَوْدٌ مُنِيفٌ» أَيْ عالٍ مُشْرِفٌ. وَقَدْ أَنَافَ عَلَى الشَّيْءِ يُنِيفُ. وأصلُه مِنَ الْوَاوِ. يُقال: نَافَ الشَّيءُ يَنُوفُ، إِذَا طَالَ وارْتَفَع.
ونَيَّفَ عَلَى السَّبعين فِي العُمر، إِذَا زادَ. وكلُّ مَا زَادَ عَلَى عِقْد فَهُوَ نَيِّفٌ، بِالتَّشْدِيدِ. وَقَدْ يُخَفَّف حَتَّى يَبلغ الْعِقْدَ الثَّانِي.
(نَيَلَ)
[هـ] فِيهِ «أنَّ «2» رجُلا كَانَ يَنَالُ مِنَ الصَّحابة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ» يَعْنِي الوَقيعة فِيهِمْ.
يُقال مِنْهُ: نَالَ يَنَالُ نَيْلًا، إِذَا أَصَابَ، فَهُوَ نَائِلٌ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي جُحَيْفة «فخَرج بِلالٌ بِفَضْل وَضُوء النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبيْن ناضِحٍ ونَائِلٍ» أَيْ مُصِيبٍ مِنْهُ وآخِذ.
__________
(1) أخرجه الهروي في (نوط) .
(2) أخرجه الهروي في (نول) .(5/141)
وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «فِي رجُل لَهُ أربَع نِسْوة، فَطَلَّق إحْداهُنَّ وَلَمْ يَدْرِ أيَّتَهنَّ طلَّق، فَقَالَ: يَنَالُهُنَّ مِنَ الطلاقِ مَا يَنالهُنَّ مِنَ الْمِيرَاثِ» أَيْ إِنَّ الْمِيرَاثَ يَكُونُ بَيْنَهُنَّ، لَا تَسْقُط منهنَّ وَاحِدَةٌ حَتَّى تُعْرَفَ بعَيْنها، وَكَذَلِكَ إِذَا طلَّقها وَهُوَ حَيٌّ، فَإِنَّهُ يَعْتَزلُهنَّ جَمِيعًا، إِذَا كَانَ الطلاقُ ثَلَاثًا. يَقُولُ:
كَمَا أورِّثُهُنَّ جَمِيعًا آمرُ باعْتزالِهنَّ جَمِيعًا.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ «قَدْ نَالَ الرَّحيلُ» أَيْ حَانَ وَدَنا.
وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحَسَنِ «مَا نَالَ لَهُمْ أَنْ يَفْقَهوا» أَيْ لَمْ يَقْرُبْ وَلَمْ يدن.(5/142)
حرف الواو
بَابُ الْوَاوِ مَعَ الْهَمْزَةِ
(وَأَدَ)
(هـ) فِيهِ «أَنَّهُ نَهى عَنْ وَأْدِ البَنَات» أَيْ قَتْلِهنَّ. كَانَ إِذَا وُلِدَ لأحَدِهم فِي الْجَاهِلِيَّةِ بنتٌ دفَنَها فِي التُّرَابِ وَهِيَ حَيَّة. يُقَالُ: وَأَدَهَا يَئِدُهَا وَأْداً فهي مَوْءُودَةٌ. وَهِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّه تَعَالَى فِي كِتَابِهِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ العَزْل «ذَلِكَ الْوَأْدُ الخَفِيُّ» .
وَفِي حديث آخر «تلك الْمَوْءُودَةُ الصُّغْرى» جَعَل العَزْل عَنِ الْمَرْأَةِ بمَنْزلة الْوَأْدِ، إِلَّا أَنَّهُ خَفِيٌّ؛ لأنَّ مَن يَعْزل عَنِ امْرَأَتِهِ إِنَّمَا يَعْزل هَرَباً مِنَ الوَلَد، وَلِذَلِكَ سَمَّاه الْمَوْءُودَةُ الصغرى؛ لأنَّ وَأْدَ البَنَات الأحْياء المَوءُودةُ الكُبْرى.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «الْوَئِيدُ فِي الْجَنَّةِ» أَيِ الْمَوْءُودُ، فَعيل بِمَعْنَى مَفْعُولٍ.
وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَئِدُ البَنينَ عِنْدَ المَجاعة.
(س) وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «خَرَجْتُ أقْفُو آثارَ الناسِ يَومَ الخَنْدق فسمعْت وَئِيدَ الْأَرْضِ خلْفي» الْوَئِيدُ: صَوت شِدّة الوَطءْ عَلَى الْأَرْضِ يُسْمَع كالدَّوِيّ مِن بُعْد.
(س) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «وَلِلْأَرْضِ مِنكَ وَئِيدٌ» يُقَالُ: سمِعْت وَأْدَ قَوائِم الإبِلِ ووَئيدَها.
وَمِنْهُ حديث سواد بن مُطَرِّف «وأْدُ الذِّعْلِبِ الوجْناء» أَيْ صَوْت وطْئِها عَلَى الْأَرْضِ.
(وَأَلَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «إِنَّ درْعَه كَانَتْ صَدْراً بِلَا ظَهْر، فَقِيلَ لَهُ: لَوِ احْتَرَزتَ مِنْ ظَهْرك، فَقَالَ: إِذَا أمكَنْتُ مِنْ ظهْري فَلَا وَأَلْتُ» أَيْ لَا نَجَوْتُ. وَقَدْ وَأَلَ يَئِلُ، فَهُوَ وَائِلٌ، إِذَا الْتَجأ إِلَى موضِع ونَجا.
وَمِنْهُ حَدِيثُ البَراء بْنِ مَالِكٍ «فكأنَّ نَفْسي جاشَت فقلتُ: لَا وَأَلْتِ، أفِراراً أوَّلَ النَّهَارِ وجُبْناً آخِرَه؟» .(5/143)
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ قَيْلة «فَوَأَلْنَا إِلَى حِوَاءَ» أَيْ لَجَأنا إِلَيْهِ. والحِوَاء: البُيوت الْمُجْتَمِعَةُ.
[هـ] وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «قَالَ لرجُل: أنتَ مَنْ بَنِي فُلَانٍ؟ قَالَ: نَعَم، قَالَ: فأنتَ مِنْ وَأْلَةَ إِذًا، قُمْ فَلَا تَقْرَبَنِّي» قِيلَ «1» : هِيَ قَبِيلَةٌ خَسيسة، سُمّيت بالوَألَة، وَهِيَ البَعْرة، لخِسَّتها.
(وَأَمَ)
(س) فِي حَدِيثِ الْغَيْبَةِ «إِنَّهُ لَيُوَائِمُ» أَيْ يُوَافِقُ. والْمُوَاءَمَةُ: الموافَقة.
(وَاهٌ)
(س) فِيهِ «مَن ابْتُلي فَصَبَر فوَاهاً وَاهاً» قِيلَ: مَعْنَى هَذِهِ الكَلمة التَّلَهُّف.
وَقَدْ توضَع مَوْضِعَ الإعْجاب بِالشَّيْءِ. يُقَالُ: وَاهَاً لَهُ. وَقَدْ تَرِدُ بِمَعْنَى التوجُّع. وَقِيلَ: التّوجُّع يُقَالُ فِيهِ: آهًا.
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ «مَا أنكَرْتُم مِنْ زمانِكم فِيمَا غَيَّرتُم مِنْ أعمالِكم، إِنْ يكُنْ خَيراً فَوَاهًا وَاهاً، وَإِنْ يَكُنْ شَرّاً فَآهًا آهًا» والألِفُ فِيهَا غيرُ مَهْموزة. وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهَا لِلَفْظِهَا.
(وَأَى)
(س) فِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ «كَانَ لِي عِنْدَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأْىٌ» أَيْ وَعْدٌ. وَقِيلَ: الْوَأْىُ. التَّعريض بالعِدَةِ مِنْ غَيْرِ تَصْريح. وَقِيلَ: هُوَ العِدَة الْمَضْمُونَةُ.
وَحَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ «مَن كَانَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأْىٌ فلْيَحْضُر» .
(س) وَحَدِيثُ عمر «مَن وَأَى لأمِرىءٍ بوأْيٍ فَلْيَفِ بِهِ» وَأَصْلُ الْوَأْيِ: الْوَعْدُ الَّذِي يُوَثِّقُه الرجُل عَلَى نَفسِه، ويَعْزِم عَلَى الوفَاء بِهِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ وَهْبٍ «قَرَأْتُ فِي الْحِكْمَةِ أنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُولُ: إِنِّي وَأَيْتُ عَلَى نَفْسِي أَنْ أَذْكُرَ مَنْ ذَكَرَنِي» عَدَّاهُ بِعَلَى؛ لِأَنَّهُ أَعْطَاهُ مَعْنَى: جَعَلْتُ عَلَى نَفْسِي.
بَابُ الْوَاوِ مَعَ الْبَاءِ
(وَبَا)
(س) فِيهِ «إنَّ هَذَا الْوَبَاءَ رِجْزٌ» الوبَا بالقَصْر وَالْمَدِّ وَالْهَمْزِ: الطاعُون والمرضُ الْعَامُّ. وَقَدْ أَوْبَأَتِ الْأَرْضُ فَهِيَ مُوبِئَةٌ، ووَبِئَتْ فَهِيَ وَبِيئَةٌ، ووُبِئَتْ أَيْضًا فَهِيَ مَوْبُوءَةٌ وقد تكرر فى الحديث.
__________
(1) القائل هو ابن الأعرابي، كما ذكر الهروي.(5/144)
(س) وَمِنْهُ حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ «وإنَّ جُرْعةَ «1» شَرُوبٍ أنفعُ مِنْ عَذْبٍ مُوبٍ» أَيْ مُوِرث للوَبا. هَكَذَا يُرْوَى بِغَيْرِ هَمْزٍ. وَإِنَّمَا تَرك الْهَمْزَ ليُوازِنَ بِهِ الحَرف الَّذِي قَبْله، وَهُوَ الشَّروُب. وَهَذَا مَثل ضَرَبه لرجُلَين أحدُهما أرْفَع وأضَرُّ، والآخَر أدْوَنُ وأنفَعُ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «أمرَّ مِنْهَا جانِبٌ فَأَوْبَأَ» أَيْ صارَ وبِيئاً. وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُهُ فِي الْحَدِيثِ
(وَبَرَ)
- فِيهِ «أحَبُّ إليَّ مِنْ أهلِ الْوَبَرِ والمَدَر» أَيْ أَهْلِ البَوادِي والمُدُن والقُرى.
وَهُوَ مِنْ وَبَرِ الْإِبِلِ؛ لأنَّ بُيوتَهم يَتَّخِذونها مِنْهُ.
والمَدَرُ: جَمْعُ مَدَرة، وَهِيَ البِنْية «2» .
[هـ] وَفِي حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يومَ الشُّورَى «لَا تَغْمِدوا السُّيوفَ عَنْ أعْدائكم فَتُوَبِّرُوا آثارَكم» التَّوْبِيرُ: التَّعْفِية ومَحْو الأثَر.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: «هُوَ مِنْ تَوْبِيرِ الأرْنَب: مَشْيها عَلَى وَبَر قَوائِمها، لِئلا يُقْتَصّ أثَرُها، كَأَنَّهُ نَهاهم عَنِ الأخذْ فِي الْأَمْرِ بالهُوَيْنَا. ويُروَى بِالتَّاءِ وَسَيَجِيءُ.
(س) وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «وَبْرٌ تَحدّر مِنْ قَدُوم «3» ضأنٍ» الوَبْر، بِسُكُونِ الْبَاءِ:
دُوَيْبَّة عَلَى قَدْر السِّنَّور، غَبْراء أَوْ بَيْضاء، حَسَنة العَيْنَين، شَدِيدَةُ الحَياء، حِجازِيَّة، والأنثَى: وَبْرَةٌ، وجمعُها: وُبُورٌ، ووِبَارٌ. وَإِنَّمَا شَبَّهه بِالْوَبْرِ تَحْقِيرًا لَهُ.
وَرَوَاهُ بعضُهم بِفَتْحِ الْبَاءِ، مِنْ وَبَرِ الْإِبِلِ، تَحْقيرا لَهُ أَيْضًا. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ.
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ مُجَاهِدٍ «فِي الْوَبْرِ شاةٌ» يَعْنِي إِذَا قَتَلَهَا الْمُحْرِمُ؛ لِأَنَّ لَهَا كَرِشًا، وَهِيَ تَجْترُّ.
وَفِي حَدِيثِ أُهبان الأسْلَمي «بَيْنا هُوَ يَرْعَى بِحَرَّة الْوَبْرَةِ» هِيَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْبَاءِ:
ناحِية مِن أعْراض الْمَدِينَةِ. وَقِيلَ: هِيَ قَرْية ذاتُ نَخِيل.
(وَبَشَ)
(هـ) فِيهِ «إنَّ قُريشا وَبَّشَتْ لحرْب رسولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْبَاشاً» أَيْ
__________
(1) سبق في مادة (شرب) : «جُرْعَةٌ» متابعة للأصل، وا، واللسان. وانظر الحاشية (1) من صفحة 63، من هذا الجزء.
(2) ضبط في ا: «البَنِيَّة» .
(3) في اللسان: «قُدوم» بضم القاف. وانظر معجم البلدان، لياقوت 7/ 37 (19- النهاية 5) .(5/145)
جَمَعَت لَهُ»
جُموعا مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى. وهمُ الْأَوْبَاشُ والأوْشَاب.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ كَعْبٍ «أجِدُ فِي التَّورَاة أنَّ رَجُلا مِنْ قُرَيش أَوْبَشَ الثَّنَايَا يَحْجِلُ فِي الفِتنة» أَيْ ظاهِرَ الثَّنايا. والْوَبَشُ: البَياض الَّذِي يَكُونُ فِي الْأَظْفَارِ.
(وَبَصَ)
- فِي حَدِيثِ أخْذِ العَهْد عَلَى الذرِّيَّة «فأعْجَب آدَمَ وَبيصُ مَا بَيْنَ عَيْنَيْ داودَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ» الْوَبِيصُ: البَرِيق. وَقَدْ وَبَصَ الشَّيءُ يَبِصُ وَبِيصاً.
(هـ) وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «رأيتُ وَبِيصَ الطِّيب فِي مَفارِقِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِم» .
(هـ) وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحَسَنِ «لَا تَلْقَى المؤمِنَ إِلَّا شَاحِبًا، وَلَا تَلْقَى «2» المُنافِقَ إِلَّا وَبَّاصاً» أَيْ بَرَّاقاً. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
(وَبَطَ)
(س [هـ] ) فِيهِ «اللَّهُمَّ لَا تَبْطِنِي بَعْدَ إذْ رَفَعْتَني» أَيْ لَا تُهِنِّي وتَضَعْنِي. يُقَالُ:
وَبَطْتُ الرجُل: وَضَعْتُ مِنْ قَدْره. والْوَابِطُ: الخسيسُ والضَّعيف والجبَان.
(وَبَقَ)
(هـ) فِي حَدِيثِ الصِّراط «وَمِنْهُمْ الْمُوبَقُ بذُنوبه» أَيِ المُهْلَك. يُقَالُ: وَبَقَ يَبِقُ، ووَبِقَ يَوْبَقُ، فهُو وَبِقٌ، إِذَا هَلَكَ. وَأوْبقَهَ غيرُه، فَهُوَ مُوبَقٌ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ «فَمِنْهُمُ الغَرقُ الْوَبِقُ» .
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «وَلَوْ فَعَلْ الْمُوبِقَاتِ» أَيِ الذنوبَ المُهْلِكَات. وَقَدْ تَكَرَّرَ ذكرُها فِي الْحَدِيثِ، مُفرداً وَمَجْمُوعًا.
(وَبَلَ)
- فِيهِ «كلُّ بِنَاءٍ وَبَالٌ عَلَى صاحِبه» الْوَبَالُ فِي الأصْل: الثِّقَلُ والمكْرُوه. ويُريد بِهِ فِي الحَديث العَذابَ فِي الآخِرة. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
وَفِي حَدِيثِ العَرَنيِّينَ «فَاسْتَوْبَلُوا الْمَدِينَةَ» أَيِ اسْتَوْخَمُوها وَلَمْ تَوافِق أبْدانَهُم. يُقال:
هَذِه أرضٌ وَبِلَةٌ: أَيْ وَبِئة وَخِمَة.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِنَّ بَنِي قُرَيْظَة نَزلوا أرْضاً غَمِلَة وَبِلَة» .
(هـ) وَفِي حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ يَعْمَر «كُلُّ مالٍ أُدِّيَتْ زكاتُه فَقد ذَهَبَت وَبَلَتُهُ» أَيْ ذَهَبَتْ مَضَرَّته وإثْمُه. وَهُوَ مِنَ الْوَبَالِ.
__________
(1) في الهروي: «لها» .
(2) في الأصل: «ولا تَلْق» والتصحيح من ا، واللسان، والهروى.(5/146)
ويُروَى بِالْهَمْزَةِ عَلَى القَلْب، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ «أهْدَى رجُل لِلْحَسَنِ والحُسَين، وَلَمْ يُهْدِ لابْن الحَنفِيَّة» فَأومأ عَلِيُّ إِلَى وَابِلَةِ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ تَمَثَّلَ:
وَمَا شَرُّ الثَّلاثَةِ أمَّ عَمروٍ ... بِصَاحِبِك الَّذي لَا تَصْبَحِينا «1»
الْوَابِلَةُ: طَرَفُ العَضُد فِي الكَتِف، وطَرَفُ الفَخِذ فِي الوَرِك، وجَمْعُها: أَوَابِلْ.
(وَبَهَ)
فِيهِ «رُبَّ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرين لَا يُوبَهُ لَهُ لَوْ أقْسَم عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ «2» » أَيْ لَا يُباَلى به ولا يُلْتَفَت إليه. يقال: مَا وَبِهْتُ لَهُ، بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا، وَبْهاً ووَبَهاً، بِالسُّكُونِ وَالْفَتْحِ. وَأَصْلُ الْوَاوِ الْهَمْزَةُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ.
بَابُ الْوَاوِ مَعَ التَّاءِ
(وَتَرَ)
[هـ] فيه «إنّ الله وِتْرٌ وَتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ، فَأَوْتِرُوا» الْوِتْرُ: الفَرْدُ، وتُكْسَر وَاوهُ وتُفْتَح. فاللَّه واحدٌ فِي ذَاتِهِ، لَا يَقْبل الانْقسام والتَّجْزِئة، واحدٌ فِي صِفَاتِهِ، فَلَا شِبْهَ لَهُ وَلَا مِثْلَ، وَاحِدٌ فِي أفْعالهِ، فَلَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا مُعِينَ.
وَ «يُحبُّ الوِتْر» : أَيْ يُثيب عَلَيْهِ، ويَقْبَلُه مِن عامِله.
وقولُه «أَوْتِرُوا» أمْرٌ بِصَلَاةِ الوِتْر، وهُو أَنْ يُصَلِّي مَثْنَى مَثْنَى ثُمَّ يُصَلِّي فِي آخِرِهَا ركْعة مُفرَدة، أَوْ يُضِيفَها إِلَى مَا قَبْلَها مِنَ الرَّكَعات.
[هـ] وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «إِذَا اسْتَجْمَرتَ فَأَوْتِرْ» أَيِ اجْعَل الحِجارَة التِّي تَسْتَنْجي بِهَا فَرْدا، إمَّا وَاحِدَةً، أَوْ ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسا. وقد تكرر ذكره فى الحديث.
__________
(1) في الأصل، وا: «تصحبينا» وأثبتُّ الصواب من جمهرة أشعار العرب ص 118. وهو لعمرو بن كلثوم، من معلقته المعروفة. ويروي هذا البيت لعمرو بن عدي اللخمي ابن أخت جذيمة الأبرش. شرح القصائد العشر، للتبرِيزي ص 211.
(2) في الأصل: «لأَبرَّه قسمه» وفي ا: «لأَبَرَّ قَسَمَه» وأثبَتُّ ما في اللسان، وهو موافق لما تقدم في مادة (شعث) وما في التِّرمذي (مناقب البراء بن مالك رضي الله عنه، من كتاب المناقب 2/ 318.(5/147)