مَوسوعةُ المفاهيمِ الإسْلاميَّةِ
جمعُ وإعدادُ
الباحثُ في القرآنِ والسُّنَّةِ
عليُّ بنُ نايفَ الشَّحودِ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فهذه موسوعة للمفاهيم الإسلامية ، قد جمعتها من موقع شبكة نور الإسلام ، ومن موقع الأزهر حيث يوجد فيه برنامج المفاهيم الإسلامية ، وهي مرتبة على حروف المعجم ، ففيها تعريف لكثير من المصطلحات الإسلامية ، وقد عقبت على بعضها ، إما بزيادة بعض المعلومات ، أو رد على خطأ.
وقد قمت بفهرستها على الورد ، ووضعتها في الشاملة 3 ليعمَّ النفع بها
وقد بلغت مفرداتها حوالي أربعمائة وستين ، وكل واحدة مشفوعة بمصدرها في الغالب بنهايتها.
نسال الله تعالى أن ينفع بها جامعها ، وقارئها وناشرها والدال عليها .
قال تعالى : {أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ} (17) سورة الرعد
جمع وإعداد
الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
في 19 رمضان 1429 هـ الموافق ل 19/9/2008 م(/)
الأخوة
أولاً : دلالة المصطلح :
أ - لغة : الأخوة من الأخ وقد يكون الصديق أو الصاحب .
ب - اصطلاحاً : الأخوة في الله رباط إيماني يقوم على منهج الله .
ثانياً : الأهداف :
1- أن يعرف الطالب مفهوم الأخوة من منظور إيماني عقدي .
2- أن يميز الطالب بين الأخوة الإيمانية والصداقة الدنيوية .
3- أن يعرف الطالب وسائل تقوية الأخوة الإيمانية .
4- أن يعرف الطالب مكدرات الأخوة وخوارمها .
5- أن يعرف الطالب حقوق الأخوة الإيمانية وواجباتها .
ثالثاً : عناصر الدرس :
1. مفهوم الأخوة وفضلها .
2. الفرق بين الأخوة الإيمانية وغيرها من الصداقات الجاهلية أو الدنيوية .
3. وسائل تقوية الأخوة الإيمانية .
4. مكدرات الأخوة وخوارمها .
5. ثمار الأخوة الإيمانية وواجباتها .
6. من أخلاق المؤمن مع أخوانه في الدعوة .
7. مشكلات ينبغي علاجها .
رابعاً : العرض :
1- مفهوم الأخوة .
2- الفرق بين الأخوة الإيمانية والصداقة الجاهلية .
أ - أساسها الإيمان .
ب - هدفها التعاون على الخير .
ت - ومما تتميز به الأخوة الإيمانية .. النصرة والتناصح .
ث - ومما تتميز به الأخوة الإيمانية .. الاتصال والاستمرار .
ج - ومما تتميز به الأخوة الإيمانية .. الاتحاد والتآلف .
3- وسائل تقوية الأخوة .
أ - إفشاء السلام وطلاقة الوجه .
ب - قولك لأخيك : " إني أحبك في الله " .
ت - الهدية .
ث - الزيارات الأخوية واللقاءات الإيمانية .
ج - إدخال السرور إلى قلب أخيك .
ح - الإحساس بمصاب أخيك .
4- مكدرات الأخوة وخوارمها :
أ - النية المشوبة بالشوائب الدنيوية .
ب - الذنوب والمعاصي .
ت - الشح والأثرة وحب الذات أو ما يسمى الأنانية .
ث - الإفراط في الحب والبغض ( العاطفة المفرطة ) .
1. يخشى من فرط المحبة ما يلي :
أ - أن يوافق الأخ أخاه على الباطل .
ب - التقصير في النصيحة الواجبة .
ت - التعلق بالأشخاص لا بالدعوة .
ث - معرفة الحق بالرجال لا العكس .(1/1)
ج - وقد تنصرف المحبة المفرطة إلى علاقة غير شرعية .
2. يخشى مع الإفراط في البغض ما يلي :
أ - إفشاء الأسرار .
ب - ترك الإنصاف .
ت - نشر المعايب وكتم المحاسن .
ث - الافتراء والكذب .
ج - كثرة الزيارات غير الهادفة : وقال ابن القيم : الاجتماع بالإخوان قسمان :
1. اجتماع على مؤانسة الطبع وشغل الوقت ، وهذا مضرته أكبر من نفعه .
2. الاجتماع بهم على أسباب النجاة والتواصي بالحق فهذا من أعظم الغنيمة ولكن فيه ثلاثة آفات :
أ - تزين بعضهم لبعض .
ب - الكلام والخلطة أكثر من الحاجة .
ت - أن يصير ذلك شهوة وعادة ينقطع بها عن المقصود .
ح - الإكثار من المزاح : وللمزاح آداب ينبغي مراعاتها :
1. أن لا يتضمن الأذى بأحد من الناس .
2. أن لا يتضمن شيئاً من الكذب .
3. أن يكون بقدر مناسب وفي زمن مناسب .
خ - المراء والجدل .
د - الانتصار للنفس وعدم مراعاة المصالح والمفاسد .
ذ - التمادح ( المبالغة في المدح ) .
5- ثمار الأخوة وواجباتها :
أ - التناصح لا التفاضح .
ب - التغافر ودرء التنافر .
ت - الزيارات التفقدية .
ث - التعاون على البر والتقوى : ومن صوره :
1. التعاون على التفقه والمذاكرة العلمية .
2. الدعوة إلى الخير ونشر السنة وهداية الناس .
ج - الدعاء في ظهر الغيب .
ح - حسن الظن .
خ - التماس الأعذار .
د - التواصل لا التهاجر .
ذ - الحقوق المادية .
6- من أخلاق المؤمن مع إخوانه في الدعوة :
الاستشارة .
الطاعة بالمعروف .
الاعتذار .
الثقة .
التضحية والبذل .
7- مشكلات ينبغي علاجها :
أ - الإخاء الروتيني الإداري :
التعريف : هو تحول الإخاء الحقيقي إلى إخاء إداري بين الموظفين .
المظاهر :
1. عدم الإحساس بالمحبة الأخوية تجاه العضو الآخر .
2. عدم السؤال عن الأحوال في حالة الضائقة .
3. عدم عيادته إذا مرض وتعزيته إذا مات له قريب .
4. فتور الترحيب عند اللقاء .(1/2)
5. عدم التواصل بالهاتف أو الزيارات عند اختلاف مراكز العمل .
6. التخلي عن مساعدته عند الحاجة .
الأسباب :
1. قلة البرامج الإيمانية في منهج المؤسسة .
2. قلة تواجد القدوات .
3. ضعف التركيز على جانب الأخوة في المناهج .
4. غلبة الجانب الإداري التنفيذي على الجانب الإيماني .
5. كثرة دخول العناصر الضعيفة في المؤسسة .
6. الجهل الشرعي بأهمية وواجبات الأخوة .
7. قلة اللقاءات الإيمانية الأخوية .
8. كثرة تنقلات أفراد المؤسسة بين أقسامها .
9. عدم القيام بواجبات الأخوة أو ضعف القيام بها .
10. عدم التوافق في الطبيعة البشرية .
11. اختلاف الهمم في التحرك في الدعوة والاختلاف في التوافق .
12. جفاف الطبع ، والجهل بطرق كسب القلوب .
الحل :
1. زيادة إشراك الأعضاء بعمل مشترك .
2. التركيز على الجانب الأخوي والتنبيه عليه .
3. التركيز على الجانب الأخوي في المناهج .
4. ترجمة المعاني النظرية في الأخوة .
5. ضبط النظم الإدارية .
6. الاختيار المناسب للمسؤول .
7. التهادي بين الأعضاء بعمق روابط الأخوة .
8. إجراء بعض الدورات في فن التعامل والترحيب .
9. أن تكون جزءاً من المنهج القرائي للمؤسسة .
10. بث بعض العناصر الإيمانية التي توقظ وتؤلف بين الأعضاء .
11. تضييق الهوة بين فترات التقويم حتى يتم استدراك ما لم يتم استدراكه .
ب - الإخاء العاطفي .
بعض التطبيقات العملية المقترحة لتأكيد معاني الدرس وأهدافه :
1. أن يقوم الطالب بالسلام على إخوانه .
2. أن يزور الطالب إخوانه الصالحين .
3. أن يناصح الطالب أخاً له في الله .
4. أن يتعارف الأخ مع بعض إخوانه تعارفاً شاملاً .
5. أن يتعارف مع إخوانه على أداء طاعة .
6. أن يتعاون مع إخوانه في نشر دعوة .
7. أن يشارك إخوانه في نشاطاتهم كالرحلات والمخيمات .
8. أن يلتزم حسن الخلق .
9. أن يقرأ كتاباً في فقه الأخوة .
· كتاب مقترح :
o الأخوة الإسلامية لعبد الله علوان .(1/3)
o فقه الأخوة لجاسم مهلهل ياسين .
· شريط مقترح :
o فقه الأخوة للفريح .
قضايا ينبغي التنبيه إليها :
1. التحذير من صحبة أصحاب السوء .
2. التأكيد على سلامة المقاصد .
3. التحذير من الإفراط في العلاقات العاطفية .
4. التأكيد على ضرورة ثقة الأخ بأخيه .
المرجع : الرائد دروس في التربية والدعوة – مازن الفريح – دار المنطلق(1/4)
الأمانة
أولاً : دلالة المصطلح :
أ - لغة : الأمانة : الوفاء ، وضد الخيانة ، وائتمن فلاناً : وثق به .
ب - اصطلاحاً : تجمع كل ما يحمله الإنسان من أمر دينه ودنياه قولاً وفعلاً .
- ويظهر من تعريف الأمانة أنها تشتمل على ثلاثة عناصر :
1. عفة الأمين عما ليس له به حق .
2. تأدية الأمين ما يجب عليه من حق لغيره .
3. اهتمام الأمين بحفظ ما استؤمن عليه من حقوق غيره وعدم التفريط بها والتهاون بشأنها .
ثانياً : الأهداف :
1. التأكيد أن الأمانة صفة امتدح الله بها المؤمنين .
2. إيضاح شمولية الأمانة لمجالات الدين كافة .
3. التأكيد على أمانة الدعوة وتبعات هذه الأمانة من بذل وتضحية وصبر ومصابرة لإعلاء كلمة الله .
4. بيان أن الداعية أمين في علمه وخلقه ودعوته مقتدياً برسل الله وأنبيائه .
5. التأكيد على أن الكتمان لأسرار الإخوان في مجالسهم .
6. التحذير من الخيانة بجميع صورها ومجالاتها .
7. التعرف على بعض الأحكام الشرعية المتعلقة بالأمانة والخيانة .
ثالثاً : عناصر الموضوع :
1- تعريفها : أحد الفروع الخلقية لحب الحق وإيثاره . وهي ضد الخيانة .
2- لماذا نتحدث عن الأمانة ؟
3- فضيلة الأمانة وأهلها .
4- مجالات الأمانة .
1- أمانة الفطرة ( التوحيد ) .
2- الأمانة في الدعوة .
3- الأمانة في الدعوة .
4- الأمانة في الجوارح .
5- الأمانة في الحقوق .
6- الأمانة في المجالس .
7- الأمانة في الاستشارة والنصح .
8- الأمانة في الأسرة .
9- أمانة إتقان العمل .
5- التحذير من الخيانة .
6- أحكام تتعلق بالأمانة .
1- هل نعامل الخائن بالمثل ؟
2- من أودعت عنده أمانة فتلفت .
3- قلة الأمناء شرط من أشراط الساعة .
4- أمانة التولية .
7- صورة مشرقة في الأمانة .
8- أحاديث في الأمانة (تخريجها وبيان ما ذكره أهل العلم فيها ) .
رابعاً : العرض :
1- لماذا نتحدث عن الأمانة :
1-1 الفهم القاصر لمفهوم الأمانة عند كثير من الناس .(2/1)
1-2 التقصير في الكثير من الواجبات والمسؤوليات التي هي لمثابة الأمانات .
1-3 أهمية الأمناء في قافلة الدعوة إلى الله عز وجل .
1-4 التحذير من الخيانة وبيان عواقبها .
1-5 إن الأمانة وصية يتواصى المسلمون برعايتها ويستعينون بالله على حفظها .
1-6 إن الأمانة فضيلة ضخمة ، لا يستطيع حملها الرجال المهازيل .
2- فضيلة الأمانة وأهلها :
2-1 الأمانة سبيل إلى الفلاح .
2-2 صفة الرسل والأنبياء .
2-3 الأمانة علامة الإيمان .
2-4 الأمانة تعدل الدنيا وما فيها .
3- مجالات الأمانة :
2- أمانة الفطرة (التوحيد) .
3- الأمانة في الدعوة .
4- الأمانة في الجوارح .
5- الأمانة في الحقوق .
أ - حقوق الله عز وجل .
ب - حقوق الخلق .
6- الأمانة في المجالس .
7- الأمانة في الاستشارة والنصح .
8- الأمانة في الأسرة :
أ - كتمان الأسرار الزوجية .
ب - القيام بالواجبات الأسرية على أكمل وجه : فمن الأمانة :
تطهير البيت من المنكرات .
إلزام أهل البيت بالفرائض والواجبات .
حثهم على الفضائل والمستحبات .
9- أمانة إتقان العمل .
4- التحذير من الخيانة :
1. الخيانة صفة من صفات المنافقين .
2. الفضيحة يوم القيامة .
3. عدم محبة الله للخائنين .
4. التبرؤ من الخائن والغاش .
5. الخيانة طريق إلى النار .
5- أحكام تتعلق بالأمانة :
1.عدم جواز معاملة الخائن بالمثل .
2. من أودعت عنده وديعة فتلفت لا يضمن .
3. قلة الأمناء علامة من علامات الساعة .
4. أمانة التولية .
6- صور مشرقة في الأمانة :
1. أمانة العين .
2. أمانة الفرج .
3. أمانة الأموال .
4. أمانة تبليغ الدعوة ونشر الخير بين الناس .
5. أمانة الأسرار .
7- أحاديث في الأمانة .
خامساً : بعض التطبيقات العملية المقترحة لتطبيق بعض معاني الدرس :
1- التواصي بغض البصر عما تعرضه وسائل الإعلام .
2- التواصي بترك مجالس الغيبة والنميمة .
3- التواصي بكتمان أسرار المجالس .(2/2)
4- القراءة في رياض الصالحين / باب حفظ الأمانة ، وإلقاء كلمة حول معانيها .
5- القيام بمنشط دعوي في الأسرة كإهداء شريط أو ... إلخ .
المرجع : الرائد دروس في التربية والدعوة – مازن الفريح – دار المنطلق(2/3)
الابتلاء
أولا : دلالة المصطلح :
أ لغة واصطلاحاً : هو الاختبار والامتحان ، ويكون في الخير والشر .
ب الألفاظ المقاربة للمصطلح أو لها علاقة بها :
- الفتنة .
- المحنة .
ثانياً : الأهداف : يهدف الدرس إلى :
1- تعريف مفهوم الابتلاء .
2- تهيئة النفوس إلى ما يعترضها من عقبات في طريق الدعوة .
3- عرض أسباب الثبات عند الابتلاءات .
4- ذكر حكم الابتلاءات وثمراتها للإفادة منها في تقويم المسار الدعوي .
5- دراسة أمثلة عديدة لصور الابتلاءات في القديم والحديث .
ثالثاً : عناصر الموضوع :
1- معنى الابتلاء .
2- أهمية الموضوع .
3- الابتلاء سنة كونية .
4- أنواع الابتلاء :
أ . الابتلاء بالشر والابتلاء بالخير .
ب . الابتلاءات الدعوية والابتلاءات الشخصية .
5- حكم الابتلاءات وثمراتها .
6- عوامل الثبات عند الابتلاءات .
7- أمثلة على الابتلاءات .
رابعاً : العرض :
1- معنى الابتلاء .
2- أهمية الموضوع :
أ . تهيئة النفوس وتوطيئها .
ب . علاجاً للنفوس التي شكت تأخر النصر .
ت . تصحيحاً للمسار وارتقاء بالنفس إلى كمالها .
ث . معرفة بالسنن الإلهية في الحياة .
3- الابتلاء سنة كونية :
أ { لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً } .
ب { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ } .
ت قال الإمام ابن كثير في قوله تعالى : { أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون } قال : استفهام إنكار . ومعناه : أن الله سبحانه وتعالى لا بد أن يبتلي عباده بحسب ما عندهم من الإيمان .
4- أنواع الابتلاء :
أ الابتلاء بالخير والابتلاء بالشر .
ب الابتلاءات الدعوية : الأذى الذي يلحق الدعوة والدعاة ، ومن
صوره :(3/1)
الحملات الإعلامية : تشن الحملات على الدعوة والدعاة لأهداف منها :
1. تشويه صورة أولياء الرحمن وخاصة عند الذين لا يعرفونهم .
2. تنفير الناس منهم ومن دعوتهم .
3. إقناع الناس بعدم التعاون معهم ، والتعاطف معهم في قضاياهم .
4. تشكيك الناس في صدق الدعوة والدعاة .
التهديد بالأذى .
الإغراء بالمال والجاه .
ت الابتلاءات الشخصية : ما يصيب المسلم من هم وحزن ، ومن
صوره :
فقد عضو من أعضاء البدن .
فقد الأبناء .
الأحزان والهموم والغموم .
5- حكم الابتلاء وثمراته وغاياته :
تكفير السيئات ورفع الدرجات .
تحقيق العبودية لله في السراء والضراء .
تمحيص المؤمنين الصادقين وفضح الأدعياء الكاذبين .
محق الكافرين .
الإنابة إلى الله بالتوبة والاستغفار .
تربية النفوس وصقل الشخصية المسلمة .
6- عوامل الثبات عند الابتلاءات :
الصبر والتصبر ، وينشأ الصبر على البلاء من أسباب عديدة :
1. شهود جزائها وثوابها .
2. شهود تكفيرها للسيئات ومحوها لها .
3. شهود ترتبها عليه بذنبه .
4. أن يعلم أن المصيبة ما جاءت لتهلكه وتقتله .
5. أن يعلم أن الله يحب أن يرى عبده في السراء والضراء ، والنعمة والبلاء فيستخرج منه عبوديته في جميع الأحوال .
اللجوء إلى الله وسؤاله الثبات .
معرفة طبيعة الطريق .
ذكر الله تعالى .
الالتصاق بالصالحين .
أمثلة على الابتلاءات .
1. ابتلاء يوسف عليه السلام .
2. ابتلاء أيوب عليه السلام .
3. ابتلاء غلام الأخدود .
4. ابتلاء المسلمين في غزوة أحد .
5. ابتلاء إبراهيم .
خامساً : بعض التطبيقات المقترحة لتأكيد معاني الدرس :
1- أن يضرب الطالب أمثلة من الواقع لصور الابتلاءات التي تتعرض لها الدعوة .
2- أن يحفظ الطالب أدعية مأثورة تقال عند الهم والحزن والمرض وسائر ألوان الابتلاءات .
3- أن يتعاهد الطالب نفسه بالتوبة والاستغفار والمحاسبة اليومية .
4- أن يحضر كلمة أو درساً في الابتلاء .(3/2)
5- زيارة بعض الدعاة الذين ثبتوا عند الابتلاء والاستفادة من تجربتهم .
سادساً : قضاياً ينبغي التنبه إليها :
1. التأكيد على أن المؤمن ينبغي أن يكون لصيقاً بإخوانه حال ابتلاءه .
2. التحذير من أن يكون من الذين يعبدون الله على حرف .
3. عدم المبالغة في تضخيم قضية الابتلاءات وصورها في الوقت الحاضر لأن المقصود تهيئة النفس لا تخويفها أو تيئيسها . ( بشروا ولا تنفروا ) .
4. الإفادة من تجارب الآخرين في الابتلاءات التي مروا بها .
المرجع : الرائد دروس في التربية والدعوة – مازن الفريح – دار المنطلق .(3/3)
الإيثار
أولاً : دلالة المصطلح :
أ - لغة : آثره يؤثره إيثاراً : اختاره وفضله . وقال الأصمعي : أثرتك إيثاراً : أي فضلتك .
وضد الإيثار : الأثرة والاستئثار (الأنانية) .
ب- اصطلاحاً : هو تقديم الغير على النفس وحظوظها الدنيوية ورغبة في الحظوظ الدينية .
ج- المصطلحات المقاربة للإيثار :
- الجود .
- البذل .
- السخاء .
ثانياً : الأهداف :
1- بيان أهمية الإيثار وضرورة تخلق المرء به مع إخوانه خاصة ومع أفراد مجتمعة عامة.
2- التحذير من داء الأثرة (الأنانية) .
3- بيان السبل التي توصل المرء إلى خلق الإيثار .
4- توضيح أن الإيثار لا يختص بالمال فقط وإنما يشمل الأوقات والشهوات .
5- عرض نماذج من إيثار الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابته رضوان الله عليهم .
6- معرفة آداب الإيثار وما لا ينبغي الإيثار فيه .
ثالثاً : عناصر الموضوع :
1. تعريفه : هو تقديم الغير على النفس وحظوظها الدنيوية رغبة في الحظوظ الدينية .
2. أهمية الإيثار وضرورته .
3. أنواع الإيثار .
4. شروط الإيثار المحمود .
5. السبيل إلى الإيثار .
6. صور من الإيثار .
7. التحذير من الأثرة .
8. الموقف من المؤثرين على أنفسهم .
رابعاً : العرض :
1- أهمية الإيثار وضرورته :
1-1 إن الإيثار صفة من صفات المتقين .
1-2 إن إيثار المسلم أخاه دليل على قوة الإيمان والثقة بما عند الرحمن .
1-3 إن الدعوة إلى الله عز وجل لا تقوم إلا على رجال يؤثرونها على أنفسهم .
1-4 إن الإيثار من أكثر الوسائل تأليفاً للقلوب .
1-5 إن اليد التي غلها الشح وأمسكها البخل جزاؤها في الآخرة القطع .
1-6 إن الإيثار خصلة ترفع صاحبها في أعين الناس وتجعله قدوة لهم .
1-7 إن تربية الطالب على الإيثار من أسباب الثبات على الحق .
2- أنواع الإيثار :
2-1 إيثار رضا الخالق على رضا المخلوق .
2-2 الإيثار بالمال .
2-3 إيثار الآخرة على الدنيا .
2-4 الإيثار بالفضل .
3- شروط الإيثار :(4/1)
3-1 أن لا يؤدي إلى محرم أو مكروه .
3-2 أن لا يقطع عليك طريقاً .
3-3 أن لا يفسد عليك وقتك .
3-4 أن لا يكون الإيثار في القرب والطاعات .
4- السبيل إلى الإيثار :
4-1 قوة الإيمان .
4-2 سلامة القلب من الآفات .
4-3 تذكر عاقبة الإيثار .
4-4 الزهد في الدنيا والاستعداد للأخرى .
4-5 الثقة بما عند الله .
4-6 الدعاء .
4-7 تعظيم الحقوق .
5- صور من الإيثار :
5-1 أثره - صلى الله عليه وسلم - بثيابه التي عليه .
5-2 آثر أخاه بقوته وقوت صبيانه .
5-3 لا يحبون أن يستأثروا بشيء دون إخوانهم .
5-4 من آثر إخوانه بشيء لم يجد فقده .
5-5 إيثار الإخوان على شهوته .
5-6 إيثارهم لإخوانهم في أموالهم .
6- التحذير من الأثرة .
7- الموقف من المؤثرين على أنفسهم يجب أن يقابل بنفس متعففة غير مستشرفة .
خامساً : بعض التطبيقات العملية المقترحة لتأكيد معاني الدرس :
1- تقديم هدية لأحد الإخوان .
2- إيثار راحة إخوانك على راحتك .
3- إيثار إخوانك بما تحبه وتشتهيه نفسك .
4- العفو عن كلمة نابية أو عبارة غليظة .
5- إيثار إخوانك بوقتك وطاقاتك .
6- تقديم شيء من مالك للدعوة إلى الله عز وجل .
المرجع : الرائد دروس في التربية والدعوة – مازن الفريح – دار المنطلق .(4/2)
الإيمان
أولاً : دلالة المصطلح :
أ - لغة : ضد الكفر وهو بمعنى التصديق .
ب- اصطلاحاً : تصديق بالجنان ، وإقرار باللسان ، وعمل بالأركان .
ج- المصطلحات المقاربة :
- العقيدة .
- التصور الإسلامي ( وقد انتقد هذا الاسم ).
- الإسلام .
ثانياً : الأهداف :
1- إدراك أهمية الإيمان في عاجلته وآجلته .
2- ضرورة رعاية المسلم لإيمانه .
3- التأكيد على أثر الصحبة الصالحة .
4- بيان أهمية الالتزام بالدعوة إلى الله .
5- التأكيد على ضرورة أن يكون للإيمان آثار يتميز بها المؤمن عن غيره .
6- معرفة بعض الأحكام المتعلقة بالإيمان .
ثالثاً : عناصر الموضوع :
1. دلالة المصطلح : تصديق بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالأركان .
2. منزلة الإيمان وأهميته .
3. مكانة المؤمن عند الله عز وجل .
4. ثمرات الإيمان .
5. آثار الإيمان .
6. تعاهد الإيمان والسبيل إلى تقويته وزيادته .
7. أسباب ضعف الإيمان .
8. مظاهر ضعف الإيمان .
9. مقارنة بين المؤمن وضده .
10. أحكام ومسائل في الإيمان .
رابعاً : العرض :
1- منزلة الإيمان وأهميته :
1-1 إن الإيمان أساس قبول الأعمال عند الله عز وجل .
1-2 إن الإيمان أفضل الأعمال وأزكاها عند الله .
1-3 أن الله عز وجل قد أمر به وجعله سبباً للهداية وسبباً للسعادة في الدنيا والآخرة .
1-4 أن الله عز وجل ذكره أكثر من ثمانمائة وأربعين مرة .
1-5 إن الإيمان موقظ للمؤمن عند المعصية .
1-6 إن الإيمان معين لا ينضب للعمل الصالح .
1-7 إن الإيمان أساس شخصيتنا وسر تميزنا .
2- مكانة المؤمن عند الله عز وجل :
2-1 معية الله تعالى للمؤمنين .
2-2 الدفاع عن المؤمنين ونصرهم وحمايتهم .
2-3 الأمر بإكرام المؤمن والرفق به .
2-4 التحذير من أذى المؤمن وخذلانه .
2-5 مواساة المؤمن في مصابه .
2-6 تسديد المؤمن وتوفيقه للهداية .
2-7 الأمر بمصاحبته .
2-8 منزلة المؤمن في الآخرة .
3- ثمرات الإيمان :
3-1 الاغتباط بولاية الله الخاصة .(5/1)
3-2 الفوز برضاء الله ودار كرامته .
3-3 الوقاية من النار .
3-4 أن الله يدفع عن المؤمنين جميع المكاره وينجيهم من الشدائد .
3-5 الحياة الطيبة في الدارين .
3-6 محبة الله للمؤمن ومحبة المؤمنين له .
3-7 الرفعة والإمامة في الدين .
3-8 حصول البشارة بكرامة الله والأمن التام من جميع الوجوه .
3-9 الانتفاع بالمواعظ .
3-10 الإيمان يحمل صاحبه على الشكر في حالة السراء ، والصبر في حالة الضراء وكسب الخير في كل أوقاته .
3-11 قطع الشكوك التي تضر بالدين .
3-12 الطمأنينة عند الخوف والقوة والشجاعة والثبات .
3-13 الإيمان الصحيح يمنع العبد من الوقوع في الموبقات المهلكة .
4- آثار الإيمان :
4-1 الانقياد للشرع .
4-2 اجتناب لوثات الشرك الخفي والجلي .
4-3 الحب في الله .
4-4 الجهاد في سبيل الله .
4-5 الولاء والبراء .
4-6 الخلق الحسن .
5- تعاهد الإيمان والسبيل إلى قوته :
5-1 الالتزام بالفرائض والقيام بالواجبات .
5-2 الذكر .
5-3 الصحبة الصالحة .
5-4 تذكر الموت .
5-5 معرفة أسماء الله الحسنى الواردة في كتاب الله والسنة .
5-6 اللقاءات الإيمانية بين الإخوان ( المحاضن التربوية والأجواء الإيمانية ) .
5-7 التفكر .
أ التفكر في آيات الكون وما خلق الله في السماوات والأرض .
ب التفكر في نعيم الله وآلاءه العامة والخاصة .
5-8 قراءة معجزات الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهناك نوعان من المعجزات :
أ معجزات مادية حسية .
ب معجزات معنوية .
5-9 الاجتهاد في الأعمال الصالحة .
5-10 الدعاء .
5-11 الدعوة إلى الله تعالى وتوطين النفس على تحمل تكاليفها .
6- أسباب ضعف الإيمان :
6-1 استصغار الذنوب .
6-2 تنافس الدنيا .
6-3 الغفلة عن ذكر الله .
6-4 الإغراق في المباحات .
6-5 الآفات القلبية .
6-6 مخالطة أصحاب الأهواء .
6-7 كثرة الضحك والمزاح .
6-8 الانقطاع عن حلق التذكير والوعظ .
6-9 عدم المحافظة على الصلوات في المسجد .(5/2)
6-10 إهمال محاسبة النفس وعدم مؤاخذتها في تقصيرها .
7- مظاهر ضعف الإيمان .
8- مقارنة بين المؤمن والكافر .
9- أحكام ومسائل في الإيمان :
9-1 الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية .
9-2 ماذا يفعل المؤمن إذا خطر على قلبه خواطر شيطانية ؟
9-3 ماذا يقصد بنفي الإيمان في بعض أقواله - صلى الله عليه وسلم - ؟
خامساً : بعض التطبيقات العملية :
1- حفظ أذكار الصباح والمساء .
2- المحافظة على الورد اليومي من القرآن .
3- زيارة المقابر واتباع الجنائز وزيارة المرضى للاعتبار ومعرفة نعمة الله على عبده .
4- التصدق بشيء من المال على المساكين والفقراء .
5- الحرص على قيام الليل والتعاون مع الإخوان في ذلك .
6- المشاركة في حلق الذكر والمحافظة على حضورها وعدم التغيب عنها إلا لعذر قاهر .
7- المشاركة في الرحلات الإيمانية والزيارات الأخوية .
8- الالتزام بالواجبات الدعوية والحرص على أداء المسؤوليات على أفضل وجه .
9- الحرص على الخلوة بالنفس ومحاسبتها .
10- سماع مواعظ إيمانية بشكل دوري مع قراءة كتب الرقائق والزهد .
المرجع : الرائد دروس في التربية والدعوة – مازن الفريح – دار المنطلق .(5/3)
33 سبباً للخشوع في الصلاة
أولاً : الحرص على ما يجلب الخشوع ويقويه :
1. الاستعداد للصلاة والتهيؤ لها .
2. الطمأنينة في الصلاة .
3. تذكر الموت في الصلاة .
4. تدبر الآيات المقروءة وبقية أذكار الصلاة والتفاعل معها .
5. أن يقطع قرآءته آية آيه .
6. ترتيل القرآن وتحسين الصوت به .
7. أن يعلم أن الله يجيبه في صلاته .
8. الصلاة إلى سترة والدنو منها .
9. وضع اليد اليمنى على اليسرى على الصدر .
10. النظر إلى موضع السجود .
11. تحريك السبابة .
12. التنوع في الآيات والسور والأدعية والأذكار .
13. أن يأتي بسجود التلاوة إذا مر بموضعه .
14. الاستعاذة بالله من الشيطان .
15. التأمل في حال السلف في صلاتهم .
16. معرفة مزايا الخشوع في الصلاة .
17. الاجتهاد بالدعاء وخصوصاً في مواضعه في الصلاة .
18. الأذكار الواردة بعد الصلاة .
ثانياً : دفع الموانع والشواغل التي تصرف الخشوع :
1. إزالة ما يشغل المصلي من المكان .
2. ألا يصلي في ثوب فيه نقوش أو كتابات أو صور .
3. ألا يصلي وبحضرته طعام يشتهيه .
4. ألا يصلي وهو حاقن أو حاقب .
5. ألا يصلي وقد غلبه النعاس .
6. ألا يصلي خلف المتحدث أو النائم .
7. عدم الانشغال بتسوية الحصى .
8. عدم التشويش بالقراءة على الآخرين .
9. ترك الالتفاف في الصلاة .
10. عدم رفع البصر إلى السماء .
11. ألا يبصق أمامه في الصلاة .
12. مجاهدة التثاؤب في الصلاة .
13. عدم الاختصار في الصلاة .
14. ترك السدل في الصلاة .
15. ترك التشبه بالبهائم .
المرجع : 33 سبباً للخشوع في الصلاة - محمد المنجد - دار الوطن .(6/1)
#آداب الإسلام عن زيارة أخيك أو صديقك
1. دخول بيت المزور بغض البصر عند الدخول
· عندما تدخل منزل غيرك عليك الحفاظ على بصرك من أن يقع على عورة فيه.
· إن وقوع نظرك على عورة في المنزل إساءة منك لأهل البيت.
· عن سعد بن عباده أن رجلاً جاء فقام على النبي صلى الله عليه وسلم يستأذن مستقبل الباب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : هكذا عنك ثم قال: ( فإنما الاستئذان من أجل النظر).رواه البخاري
· وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( لا يحل لمريء أن ينظر إلى جوف بيت حتى يستأذن، فإن فعل فقد دخل) أي أنه أثم. رواه البخاري
· وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( من ملأ عينه من قاعة بيت - أي ساحته وداخله - قبل أن يؤذن له فقد فسق).
2. خلع الحذاء عند الدخول لمنزل به فرش أو نحوه.
· عندما تدخل منزلاً اخلع حذاءك في محله.
· لبس اليمنى أولاً، وخلع اليسرى أولاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمنى وإذا انتزع فليبدأ باليسرى ولتكن اليمنى أولهما تنعل وآخرهما تنزع ).رواه مسلم
· قبل الدخول إلى بيتك أو بيت أخيك انظر في نعليك ، فإذا رأيت فيهما شيئا من آثار الطريق نظفهما قبل الدخول فإن الإسلام دين النظافة.
3. الجلوس والقبول لإكرام صاحب المنزل
· لا تنازع مضيفك في المكان الذي يجلسك فيه من منزله، بل لا تجلس إلا حيث يجلسك هو.
· قد يكون المكان الذي تريد أن تجلس فيه إطلال على عورة من عورات الدار، أو فيه إحراج لساكنيه، فعليك باستماع ما يأمرك به مضيفك.(7/1)
· يقول عدي بن حاتم الطائي: (أنه قدم على النبي صلى الله عليه وسلم ، فأكرمه بالجلوس على وسادة وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأرض. ثم يقول عدي : ثم مضى بي رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا دخل بيته، تناول وسادة من أدم محشوة ليفا، فقذفها إلي فقال : اجلس على هذه، قلت : بل أنت قال : بل أنت، فجلست عليها، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأرض ). نقله الحافظ ابن كثير .
4. التصرف في بيت المضيف بأدب والبعد عن التفحص فيه.
· إذا دخلت بيت أخيك أو صديقك، فلا تتفقده ببصرك تفقد الفاحص الممحص، بل غض بصرك في أثناء قعودك.
· لا تفتح مغلقا من خزانة، أو صندوق، أو محفظة، أو صرة ملفوفة، أو شيء مستور، فإن هذا خلاف أدب الإسلام والأمانة التي خولك بها أخوك أو محبك.
· اعرف لزيارتك آدابها، واعرف لحسن المعاشرة أبوابها، تزداد عند مضيفك حباً.
5. اختيار الوقت المناسب للزيارة ومدة الزيارة.
· ينبغي أن تتخير الوقت الملائم للزيارة، وأن تجلس المدة المناسبة التي تتلاقى مع مقامك عند المزور ومع الحال التي هو عليها.
· فلا تطل ولا تثقل، ولا تأت في وقت غير ملائم لزيارته، كوقت الطعام أو النوم أو الراحة أو السكون .
6. الأدب في الحديث والمحادثة في الزيارة مع الأكبر منك والأصغر
· إذا تحدثت عند من تزوره فلا تتحدث إلا بما يناسب المقام مع الإيجاز.
إذا كنت صغير القوم في المجلس، فلا تتكلم إلا إذا علمت أن حديثك وكلامك سيقع منهم في موقعه ويسرهم ويرضيهم.
· لا تكثر في الحديث ولا تغفل عن أدب المقام في هيئة جلوسك وأسلوب كلامك وخطابك.
7. أدب التحية على صاحب البيت والجالسين
· إذا دخلت إلى مجلس فابدأ بالسلام على من فيه جميعاً.
· إذا أردت المصافحة لمن فيه فابدأ بالأكبر أو الأعلم ونحو ذلك.(7/2)
· قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كبر كبر" . وفي رواية: "كبر الكبر في السن "، رواه البخاري ومسلم . وقال "ابدؤوا بالكبراء أو قال بالأكابر"، رواه أبو يعلى والطبراني في " الأوسط ".
8. أدب الجلوس في بيت المضيف مع الزائرين
· إذا دخلت مجلسا فلا تجلس بين جليسين، ولكن خذ ناحيتهما يميناً أو يساراً.
· قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا يجلس بين رجلين إلا بإذنهما". رواه أبو داود.
· يستحب لمن جلس بين اثنين إذا فسحا له وأكرماه بذلك : أن يجمع نفسه ولا يتربع إن كان المكان ضيقاً.
· قال بعض الحكماء: اثنان ظالمان: رجل أهديت له نصيحة فاتخذها ذنبا! ورجل وسع له في مكان ضيق فقعد متربعا.
· وإذا جلست إليهما فلا تلق بسمعك إلى حديثهما، إلا إذا كان غير سر ولا خاص بهما.
· قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون صب في أذنيه الآنك يوم القيامة" . أي الرصاص المذاب، رواه البخاري.
· لا يجوز أن تسار جليسك بحديث إذا كنتم ثلاثة، فإنك بهذا توقع على ثالثكما توحشاً وانقطاعاً عنكما، فتمر بذهنه الخواطر البعيدة والقريبة، وهذا غير لائق بالمسلمين.
· نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الخلق فقال : "لا يتناجى اثنان بينهما ثالث "، رواه الإمام مالك وأبو داود.
· سئل ابن عمر فقيل له : فإذا كانوا أربعة؟ قال لا يضرك، أي لا بأس حينئذ بالمسارة والمناجاة.
المرجع: من آداب الإسلام-عبد الفتاح أبو غدة.(7/3)
#آداب الإسلام في عيادة المريض
1. أدب المسلم في زيارة أخيه المريض
· من حق أخيك المسلم إذا مرض أن تعوده ،ففي ذلك تعهد وسقيا لشجرة الأخوة والرابطة الإسلامية، وفي ذلك أيضا أجر جزيل لك.
· الحرص على زيادة حسناته لقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم، لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع، قيل يا رسول الله، وما خرفة الجنة؟ قال : جناها).رواه مسلم .
· إن الرحمة تتنزل على العائد لأخيه (من عاد مريضا لم يزله يخوض في الرحمة حتى يجلس، فإذا جلس اغتمس فيها).رواه الإمام أحمد.
2. أدب المسلم أثناء عيادة المريض زمناً.
· آداب الزيارة ، حتى تكون الزيارة رافعة من معنويته، معينة على تخفيف آلامه، زائدة في صبره.
· ينبغي لعائد المريض أن لا يطيل الجلوس عنده-إلا إذا رغب المريض بذلك- لأن المريض يحتاج للراحة.
· فعيادة المريض، كجلسة الخطيب. أي كجلسة الخطيب يوم الجمعة بين الخطبتين في قصرها وخفتها.
· قيل في هذا أيضا: أدب العيادة أن تكون مسلماً وتكون في أثر السلام مودعاً.
· وقيل أيضا : حسن العيادة يوم بين يومين، ويكفيك أن تسأله بحرف. يعني قول العائد للعليل : كيف أنت ؟ شفاك الله .
· قال الحافظ الإمام ابن عبد البر رحمه الله تعالى،في آخر كتابه "الكافي ": "ومن زار صحيحا، أو عاد مريضا، فليجلس حيث يأمره، فالمرء أعلم بعورة منزله، عيادة المريض سنة مؤكدة، وأفضل العيادة أخفها، ولا يطيل العائذ الجلوس عند العليل، إلا أن يكون صديقا يأنس به، ويسره ذلك منه".
3. أدب المسلم في عيادة المريض لباساً ونظافةً وتحدثاً وبعداً عن المكدرات.
· ينبغي لعائد المريض أن يكون نقي الثوب.
· وأن يكون طيب الرائحة طيب نظافة، لتنشرح نفسه.
· ولا يحسن أن يدخل إليه بملابس الزينة والأفراح.
· كما لا يحسن أن يكون متطيباً بطيب شديد الرائحة، فقد يزعج المريض ويؤذيه، لضعف تحمله ووهن قوته.(8/1)
· ينبغي للعائد أن لا يخبر المريض أو يتحدث عنده بما يغمه، من خبر تجارة خسرت له فيها سبب أو صلة، أو ذكر ميت، أو خبر سيء للمريض، أو نحو ذلك مما يكدر المريض أو يحزنه أو يؤثر على صحته أو شعوره.
· لا ينبغي للعائد أن يستخبر عن مرض المريض استخبار متقص، فإن ذلك التقصي من العائد لا ينفع المريض إلا أن يكون طبيباً له علاقة بمرضه.
· لا ينبغي للعائد أن يشير على المريض بدواء ولا بغذاء قد كان نفعه هو، أو سمع بأنه نافع ، فإن ذلك ربما حمل المريض - بجهله أو لشدة ما به - أن يستعمله ، فيضر به ويفسد على الطبيب عمله، وربما كان ذلك سببا لهلاك المريض.
· لا ينبغي للعائد أن يعارض الطبيب بحضرة المريض، إذا لم يكن من أهل العلم والاختصاص، فيوقع للمريض الشك فيما وصفه الطبيب.
المرجع: من آداب الإسلام-عبد الفتاح أبو غدة.(8/2)
#آداب الصداقة والصديق
آداب الصداقة والصديق
مقدمة
- للصحبة آداب.
- إذا لم تراعى الآداب قد تنقلب المحبة إلى عداوة.
من آداب الصحبة التي يجب مراعاتها:
- أن تكون الصحبة والأخوة في الله عز وجل.
- أن يكون الصاحب ذا خلق ودين.
- أن يكون الصاحب ذا عقل راجح.
- أن يكون عدلاً غير فاسق، متبعاً غير مبتدع.
من آداب الصاحب:
- أن يستر عيوب صاحبه ولا ينشرها.
- أن ينصحه برفق ولين ومودة، ولا يغلظ عليه بالقول.
- أن يصبر عليه في النصيحة ولا ييأس من الإصلاح.
- أن يصبر على أذى صاحبه.
- أن يكون وفياً لصاحبه مهما كانت الظروف.
- أن يزوره في الله عز وجل لا لأجل مصلحة دنيوية.
- أن يسأل عليه إذا غاب، ويتفقد عياله إذا سافر.
- أن يعوده إذا مرض، ويسلم عليه إذا لقيه، ويجيبه إذا دعاه، وينصح له إذا استنصحه، ويشمته إذا عطس، ويتبعه إذا مات.
- أن ينشر محاسنه ويذكر فضائله.
- أن يحب له الخير كما يحبه لنفسه.
- أن يعلمه ما جهله من أمور دينه، ويرشده إلى ما فيه صلاح دينه ودنياه.
- أن يذبّ عنه ويردّ غيبته إذا تُكلم عليه في المجالس.
- أن ينصره ظالماً أو مظلوماً. ونصره ظالماً بكفه عن الظلم ومنعه منه.
- ألا يبخل عليه إذا احتاج إلى معونته، فالصديق وقت الضيق.
- أن يقضي حوائجه ويسعى في مصالحه، ويرضى من بره بالقليل.
- أن يؤثره على نفسه ويقدمه على غيره.
- أن يشاركه في أفراحه، ويواسيه في أحزانه وأتراحه.
- أن يكثر من الدعاء له بظهر الغيب.
- أن ينصفه من نفسه عند الاختلاف.
- ألا ينسى مودته، فالحرّ من راعى وداد لحظة.
- ألا يكثر عليه اللوم والعتاب.
- أن يلتمس له المعاذير ولا يلجئه إلى الاعتذار.
- أن يقبل معاذيره إذا اعتذر.
- أن يرحب به عند زيارته، ويبش في وجهه، ويكرمه غاية الإكرام.
- أن يقدم له الهدايا، ولا ينساه من معروفه وبره.
- أن ينسى زلاته، ويتجاوز عن هفواته.
- ألا ينتظر منه مكافأة على حسن صنيعه.(9/1)
- أن يُعلمه بمحبته له. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : { إذا أحب أحدكم أخاه فليُعلمه أنه يحبه } [أخرجه أحمد وصححه الألباني].
- ألا يعيّره بذنب فعله، ولا بجرم ارتكبه.
- أن يتواضع له ولا يتكبر عليه.
- ألا يكثر معه المُماراة والمجادلة، ولا يجعل ذلك سبيلاً لهجره وخصامه.
- ألا يسيء به الظن. قال النبي صلى الله عليه وسلم : { إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث } [رواه مسلم].
- ألا يفشي له سراً، ولا يخلف معه وعداً، ولا يطيع فيه عدواً.
- أن يسارع في تهنئته وتبشيره بالخير.
- ألا يحقر شيئاً من معروفه ولو كان قليلاً.
- أن يشجعه دائماً على التقدم والنجاح.
المرجع:آداب الصداقة والصديق-دار الوطن.(9/2)
#آفات اللسان
مقدمة:
· قد سرت أمراض خبيثة في أمة الإسلام تحصد الحسنات وتجلب السيئات، يقوم بها مخلوق صغير هو من نعم الله العظيمة ولطائف صنعه.
· إنه اللسان الذي به تظهر الرفعة والدنو والسقطة والعلو.
· في بعض المجالس انصرف هذا اللسان إلى مورد خبيث ومنزلق خطير محرم، ألا وهو السخرية والاستهزاء، ينبئك ذلك عن سوء طوية، وسواد قلب، وقله دين، قال تعالى: { يأيها يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ } [الحجرات:11].
معنى السخرية: الاستهانة والتحقير والتنبيه على العيوب والنقائص، وقد يكون ذلك بالمحاكاة في الفعل والقول، وقد يكون بالإشارة والإيماء.
أنواع السخرية والاستهزاء:
· إن أشد أنواع الاستهزاء وأعظمها خطراً: الاستهزاء بالدين وأهله، لخطورته وعظم أمره فقد أجمع العلماء على أن الاستهزاء بالله وبدينه وبرسوله كفر بواح، يخرج من الملة بالكلية.
· قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر يكفر صاحبه بعد إيمانه.
· ولقد تفنن في أنواع السخرية والاستهزاء، فهناك من يهزأ بالحجاب، وآخر يسخر بتنفيذ الأحكام الشرعية، ولمن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر نصيب من ذلك.
· كما أن سنة نبينا محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام أيضاً لها نصيب من مرضى القلوب، فظهر الاستهزاء باللحية وقصر الثوب وغيره.
· في جواب اللجنة الدائمة للإفتاء على من قال لآخر: "بالحية" مستهزئاً: إن الاستهزاء باللحية منكر عظيم فإن قصد القائل بقوله: "بالحية"، السخرية فذلك كفر، وإن قصد التعريف فليس بكفر، ولا ينبغي أن يدعوه بذلك.(10/1)
· ولنعلم خطورة الاستهزاء على دين الرجل.. فلنستمع إلى ما يتلى في سورة التوبة قال تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ، لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ } [التوبة:65-66].
· وقد ورد في سبب نزولها أن رجلاً من المنافقين قال: ما أرى قراءنا هؤلاء إلا أرغبنا بطوناً، وأكذبنا ألسنة، وأجبننا عند اللقاء. فرفع ذلك إلى الرسول فجاء إلى رسول الله وقد ارتحل وركب ناقته فقال يا رسول الله: إنما كنا نخوض ونلعب فقال: { أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ }إلى قوله {مُجْرِمِينَ } وإن رجليه لتنسفان الحجارة، وما يلتفت إليه رسول الله وهو متعلق بنسعة رسول الله .
· وثابت من سيرة رسول الله أنه أرحم الناس بالناس، وأقبل الناس عذراً للناس، ومع ذلك كله لم يقبل عذراً لمستهزئ، ولم يلتفت لحجة ساخر ضاحك.
· لعلك – أخي - لاحظت في الآية الكريمة أن الله شهد لهم بالإيمان قبل الاستهزاء فقال: { قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}.
· قال ابن الجوزي في زاد المسير: وهذا يدل على أن الجد واللعب في إظهار كلمة الكفر سواء.
· قال الشيخ السعدي - رحمه الله -: إن الاستهزاء بالله ورسوله كفر يخرج عن الدين، لأن أصل الدين مبني على تعظيم الله وتعظيم دينه ورسله، والاستهزاء بشيء من ذلك مناف لهذا الأصل ومناقض له أشد المناقضة.
· وقال الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله -: ومن الناس ديدنه تتبع أهل العلم لقيهم أو لم يلقهم، مثل قول: المطاوعة كذا وكذا. فهذا يخشى أن يكون مرتداً، ولا ينقم عليهم إلا أنهم أهل الطاعة.(10/2)
· ولقد فضح الله تعالى موقف المستهزئين بالمؤمنين وبين مراتبهم في الدار الآخرة فقال تعالى: { زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [البقرة:212].
· البعض إذا قيل له هذا من باب الاستهزاء بالدين، قال: نحن لم نقصد الدين، ولم نقصد الرجل بذاته، بل نمرح ونمزح.. وما علم إلى أين يؤدي به هذا المرح وذاك المزاح؟
· إنه خزي في الدنيا وعذاب في الآخرة. هلاك ودمار في العاجلة. وعذاب مقيم في الآجلة.
· قال الله تعالى: {قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ ، إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ، فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ ، إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ } [المؤمنون:108-111].
· السخرية والاستهزاء للشخص العادي نوع من أنواع الأذى والتعدي، فما بالك إذا كان من المؤمنين أو المؤمنات، والملتزمين والملتزمات. قال الله جل وعلا: { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً } [الأحزاب:58].
· هذا اللسان الصغير الذي خلقه الله عز وجل للطاعة والعبادة قد يودي بصاحبه إلى المهالك، خاصة إذا كان يطلق بدون تحفظ ولا تحرز، فتراه يغمز هذا، ويلمز ذاك.
· ومن تأمل في حال البعض رأى أن هناك مجالس طويلة قامت على الضحك والنكت الساذجة، يقول رسول الله صلي الله عليه وسلم محذراً ومبيناً عظم الأمر وخطورته: { إن الرجل ليتكلم بالكلمة ليضحك بها جلساءه يهوي بها من أبعد من الثريا } [رواه أحمد].
الخاتمة:(10/3)
· احذر أخي المسلم الجلوس في مجالس يعصى الله عز وجل فيها، فإنها الله تعالى يقول: { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً} [النساء:140].
· عليك الإنكار عليهم مع القدرة، أو القيام مع عدمها.
· اجعل أمام عينيك هذه الآية: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ق:118].
· احرص على حفظ لسانك ففي حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: {.. وهل يكب الناس على وجوههم - أو على مناخرهم - إلا حصائد ألسنتهم } [رواه الترمذي].
· طهر الله ألسنتنا، ونزه أسماعنا من كل ما يشين.
المرجع:فلا تقعدوا معهم -عبدالملك القاسم-دار القاسم.(10/4)
#آل البيت
اختلف أهل العلم فى أهل البيت من هم؟
فقال عطاء وعكرمة وابن عباس: هم زوجاته صلى الله عليه وسلم خاصة ، لا رجل معهن ، وذهبوا إلى أن البيت أريد به مساكن النبى صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: {واذكرن ما يتلى فى بيوتكن}الأحزاب34.
وذهبت فرقة منهم أبو سعيد الخدرى وجماعة من التابعين منهم مجاهد وقتادة والزمخشرى والكلبى أنهم: علىُّ وفاطمة والحسن والحسين خاصة.
وذهب فريق منهم الفخر الرازى والقسطلانى وآخرون إلى أنهم آولاده وأزواجه صلى الله عليه وسلم والحسن والحسين ، وعلىُّ منهم ؛ لمعاشرته فاطمة وملازمته النبى صلى الله عليه وسلم.
وذهب زيد بن أرقم إلى أنهم من تحرم عليهم الصدقة، وهم آل علىٍّ، وآل عقيل ، وآل جعفر، وآل العباس ، وهو الراجح.
قال السيوطى: هؤلاء هم الأشراف حقيقة فى سائر الأعصار وهو ما عليه الجمهور، وهو معنى رواية مسلم عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما بعد..أيها الناس إنما اًنا بشر يوشك أن يأتينى رسول ربى فأجيب ، وأنا تارك بينكم ثقلين: أولهما: كتاب الله ، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به) فحث على كتاب الله ورغب فيه ، ثم قال: (وأهل بيتى، أذكركم الله فى أهل بيتى) قالها ثلاثا، فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته ، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده ، قال: ومن هم؟ قال: آل علىّ، وآل عقيل ، وآل جعفر، وآل العباس رضى الله عنهم.
والشيعة يخصون أهل بيت النبى صلى الله عليه وسلم بعلىّ وفاطمة والحسن والحسين رضى الله عنهم ، لكن رواية زيد السابقة تدل على أن آله من حُرم الصدقة، أو أنه ليس المراد بالأهل الأزواج فقط بل هم مع آله.(11/1)
وقد تنازع الناس فى آل محمد صلى الله عليه وسلم من هم فقيل: أمته وهذا قول طائفة من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم ومالك وغيرهم ، وقيل: المتقون من أمته ، وإليه ذهب طائفة من أصحاب أحمد وغيرهم واستدلوا بحديث موضوع هو: "آل محمد كل مؤمن تقى" وبنى على ذلك طائفة من الصوفية أن آل محمد صلى الله عليه وسلم هم خواص الأولياء كما ذكر الحكيم الترمذى.
لكن الصحيح أن آل محمد هم أهل بيته صلى الله عليه وسلم وهو المنقول عن الشافعى وأحمد رحمهما الله.
وآل بيته النبى صلى الله عليه وسلم يجب حبهم أخرج ابن سعد: "قال رسول صلى الله عليه وسلم: (استوصوا بأهل بيتى خيرا، فإنى أخاصمكم عنهم غدا، ومن أكن خصمه: خصمه الله) ، ونقل القرطبى عن ابن عباس فى قوله تعالى: {ولسوف يعطيك ربك فترضى}الضحى:5. قال: رضا محمد ألاّ يدخل أحد من أهل بيته النار. وأخرج البخارى عن ابن عمر قال آبو بكر: خطب النبى فقال: (أذكركم الله فى أهل بيتى ثلاثا) وروى الامام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله سائلكم كيف خلفتمونى فى كتاب الله وأهل بيتى). وروى الحاكم والترمذى، وصححه على شرط الشيخين ، قال صلى الله عليه وسلم: (أحبوا الله لما يغذوكم به ، واًحبونى بحب الله وأحبوا أهل بيتى بحبى) ، وهناك آثار كثيرة تدل على وجوب حب آل بيت النبى صلى الله عليه وسلم.(11/2)
وكثير من الآثار-أيضا- تدل على تحريم بغض آل البيت منها: ما أخرجه الطبرانى والبيهقى وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما بال أقوام يؤذوننى فى نسبى وذوى رحمى؟ ومن آذى نسبى وذوى رحمى فقد آذانى، ومن آذانى فقد آذى الله). وروى أحمد مرفوعا: (من أبغض أهل البيت فهو منافق). وروى أبو الشيخ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما بال رجال يؤذوننى فى أهل بيتى؟ والذى نفسى بيده ، لا يومن عبد حتى يحبنى، ولا يحبنى حتى يحب ذريتى). وروى الحاكم وصحته على شرط الشيخين ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يبغضنا أهل البيت أحد إلا أدخله الله النار). وقد بلغ من عظيم أدب السلف الصالح أنهم كانوا لا يقرءون فى الصلاة بسورة "المسد" حفاظا على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ونفسه ، مع أنها قرآن منزل. والله أعلم.
أ.د/عبد الصبور مرزوق(11/3)
#أبو بكر الصديق رضي الله عنه
أبو بكر الصديق رضي الله عنه
مقدمة:
- قراءة سيرة الصحابة والإقتداء بهم، نهج غفل عنه البعض وطواه النسيان عند آخرين.
- معرفة سيرتهم وفضائلهم سببٌ لمحبتهم وتقرب إلى الله بذلك.
- قال الرسول صلى الله عليه وسلم : { المرء مع من أحب } [رواه مسلم].
- يتأكد الفضل والخير في الخلفاء الأربعة لسابقتهم في الإسلام وبلائهم وجهادهم.
- عن مسروق أنة قال: ( حُبُّ أبي بكر وعمر ومعرفة فضلهما من السنة ).
- قيل للحسن: حب أبي بكر وعمر من السنة؟ قال: ( لا، بل فريضة ).
- ذكر ابن الجوزي: ( أن السلف كانوا يُعلمون أولادهم حب أبي بكر وعمر كما يعلمونهم السور من القرآن ).
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ( وأما الخلفاء الراشدون والصحابة فكل خير فيه المسلمون إلى يوم القيامة من الإيمان، والإسلام، والقرآن، والعلم، والمعارف، والعبادات، ودخول الجنة، والنجاة من النار، وانتصارهم على الكفار، وعلو كلمة الله، فإنما هو ببركة ما فعله الصحابة الذين بلّغوا الدين وجاهدوا في سبيل الله. وكل مؤمن آمن بالله، فللصحابة رضي الله عنهم الفضل إلى يوم القيامة، وخير الصحابة تبع لخير الخلفاء الراشدين، فهم كانوا أقوم بكل خير في الدنيا والدين من سائر الصحابة، كانوا والله أفضل هذه الأمة، وأبرها قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، قوم اختارهم الله لصحبة نبية وإقامة دينه فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم ودينهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم ).
- أثنى الله عليهم في آيات كثيرة منها قوله تعالى: { وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ} [التوبة:100].(12/1)
- وقوله تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} [الفتح:29].
- ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: { خير القرون: القرن الذي جئت فيه، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم } [رواه مسلم].
- ومن أفضل الصحابة وأجلهم وأكثرهم نفعاً للأمة، الخلفاء الراشدون: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي رضي اللّه عنهم أجمعين.
الخليفة الأول:
أبو بكر الصديق رضي الله عنه
- هو عبدالله بن عثمان بن عامر بن كعب، ويجتمع مع النبي في مرة بن كعب، وكنيته أبو بكر، وعثمان هو إسم أبي قحافة والد أبي بكر.
- ولد أبو بكر بعد عام الفيل بسنتين وستة أشهر.
- وكان تاجراً جمع الأموال العظيمة التي نفع بها الإسلام حين أنفقها.
صحبته للرسول صلى الله عليه وسلم:
- هو أول من أسلم من الرجال.
- وصفة الرسول بالصديق، فعن أنس بن مالك قال: صعد رسول الله أُحداً ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم فقال: { اثبت أحداً، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان } [رواه مسلم].
- قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم : { إن من أمنِّ الناس عليَّ في صحبته وذات يده أبو بكر } [رواه الترمذي].
- كان رسول الله يقضي في مال أبي بكر كما يقضي في مال نفسه.(12/2)
- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر } [رواه أحمد]. فبكى أبو بكر وقال: ( وهل أنا ومالي إلا لك يارسول الله ).
- لأبي بكر ذروة سنام الصحبة، وأعلاها مرتبة.
- صحب الرسول من حين بعثه الله إلى وفاته.
- صحبه في أشد أوقات الصحبة، ولم يسبقه أحد فيها، فقد هاجر معه واختبأ معه في الغار.
- قال الله تعالى: { إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا} [التوبة:40].
- تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بابنة أبي بكر وكانت أحب نسائه إليه عائشة ابنة الصديق رضي الله عنهما.
فضائله:
الفضائل والخصائص التي ميّزه الله بها أبا بكر عن غيره كثيرة، منها:
- الصديق أتقى الأمة بدلالة الكتاب والسنة، قال تعالى: { وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} [الليل:17-20]. وقد ذكر غير واحد من أهل العلم أنها نزلت في أبي بكر.
- أبو بكر أول من دعا إلى الله من الصحابة.
- أسلم على يديه أكابر الصحابة، ومنهم: عثمان بن عفان، وطلحة، والزبير، وعبدالرحمن بن عوف، وأبو عبيدة، رضي الله عنهم أجمعين.
- هو أزهد الصحابة.
- وأشجع الناس بعد رسول الله صلى عليه وسلم.
- وهو أحب الخلق إلى رسول الله، ولم يَسُؤهُ قط.
- هو أفضل الأمة بعد النبي عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
- وهو أحق الناس بالخلافة بعد رسول الله .(12/3)
- هو أحد المبشرين بالجنة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: { من أصبح منكم اليوم صائماً؟ فقال: أبو بكر: أنا، قال: فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ فقال أبو بكر: أنا، قال: هل فيكم من عاد مريضاً؟ قال أبو بكر: أنا، قال: هل فيكم من تصدق بصدقة؟ فقال أبو بكر: أنا، قال: ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة } [رواه مسلم].
- أعتق أبو بكر الصديق بلالاً وعامر بن فهيرة وغيرهما كثير رضي الله عنهم أجمعين.
- كتب الله لأبي بكر أن يكون مع الرسول ثاني اثنين في الإسلام، فقد كتب له أن يكون ثاني اثنين في غار ثور، وأن يكون ثاني اثنين في العريش الذي نُصب للرسول في يوم بدر.
توليه الخلافة:
- لعلم الصحابة بمكانه وقربه من الرسول وفضله وسابقة إسلامه، فقد بايعوه بعد وفاة الرسول بالخلافة.
- كان أمر وفاة الرسول ذا حزن وفزع وصدمة عنيفة، وقف لها أبو بكر ليعلن للناس في إيمان عميق قائلاً: ( أيها الناس، من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌّ لا يموت )، ثم تلا على الناس قول الله عز وجل لرسوله{ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} [الزمر:30].
- تمت البيعة بإجماع من المهاجرين والأنصار.
- كانت سياسته العامة والخاصة خيرٌ للإسلام والمسلمين و الناس كافة، أوجزها في كلمة قالها خطيباً في مسجد رسول الله بعد أخذ البيعة قال: ( أيها الناس، إني قد وُلِّيت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوِّموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قويٌ عندي حتى آخذ الحق له إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيفٌ عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل اللّه إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيتُ الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم ).
أهم أعماله بعد توليه الخلافة:(12/4)
1. أنفذ جيش أسامة بن زيد، وبلغ من تكريم أبي بكر لهذا الجيش الذي جهزه الرسول صلى الله عليه وسلم أن سار في توديعه ماشياً على قدميه.
2. وقف للردة التي وقعت بعد وفاة الرسول موقفاً لا هوادة فيه ولا ليونة، وقال كلمته المشهورة: ( والله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله لقاتلتهم على منعها ).
3. وجَّه الجيوش إلى الجهاد في أرض فارس والروم، وجعل على قائد جبهة الفرس خالد بن الوليد رضي الله عنه، وعلى قائد جبهة الروم أبوعبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه.
4. جمع القرآن الكريم، وقد عهد بذلك إلى زيد بن ثابت رضي الله عنه، فقام بالأمر حتى كتب المصحف في صحف جُمعت كلها ووضعت عند أبي بكر.
وفاته:
- مرض أبو بكر وتوفي في جمادى الآخر سنة 13هـ .
- دفن بجوار الرسول صلى الله عليه وسلم.
- كانت مدة خلافته سنتين وثلاثة أشهر.
- عهد للخلافة من بعده إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
المرجع: فضل الصحابة - أبو بكر الصديق رضي الله عنه-عبدالملك القاسم-دار القاسم.(12/5)
#أبو عبيدة بن الجرّاح
1. إسلامه.
· أسلم على يد أبي بكر الصديق رضي الله عنه في الأيام الأولى للإسلام.، قبل أن يدخل الرسول صلى الله عليه وسلم دار الرقم.
· هاجر إلى الحبشة في الهجرة الثانية، ثم عاد منها ليقف إلى جوار رسوله في بدر، وأحد، وبقيّة المشاهد جميعها.
2. مواقفه وشدة إيمانه.
· منذ بسط يمينه مبايعاً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو لا يرى في نفسه، وفي أيامه وفي حياته كلها سوى أمانة استودعها الله إياها لينفقها في سبيله وفي مرضاته، فلا يجري وراء حظ من حظوظ نفسه. ولا تصرفه عن سبيل الله رغبة ولا رهبة.
· ولما وفّى أبو عبيدة بالعهد الذي وفى به بقية الأصحاب، رأى الرسول في مسلك ضميره، ومسلك حياته ما جعله أهلا لهذا اللقب الكريم الذي أفائه عليه،وأهداه إليه، فقال عليه الصلاة والسلام: { أمين هذه الأمة، أبو عبيدة بن الجرّاح}.
· إن أمانة أبي عبيدة على مسؤولياته، لهي أبرز خصاله ففي غزوة أحد أحسّ من سير المعركة حرص المشركين، لا على إحراز النصر في الحرب، بل قبل ذلك ودون ذلك، على اغتيال حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، فاتفق مع نفسه على أن يظل مكانه في المعركة قريباً من مكان الرسول ومضى يضرب بسيفه الأمين مثله، في جيش الوثنية الذي جاء باغياً وعادياً يريد أن يطفئ نور الله.
3. شدة حبه وخوفه على الرسول صلى الله عليه وسلم.
· كلما استدرجته ضرورات القتال وظروف المعركة بعيداً عن رسول الله صلى اله عليه وسلم قاتل وعيناه لا تسيران في اتجاه ضرباته بل هما متجهتان دوما إلى حيث يقف الرسول صلى الله عليه وسلم ويقاتل، ترقبانه في حرص وقلق.
· كلما ترائى لأبي عبيدة خطر يقترب من النبي صلى الله عليه وسلم، انخلع من موقفه البعيد وقطع الأرض وثباً حيث يدحض أعداء الله ويردّهم على أعقابهم قبل أن ينالوا من الرسول منالاً.(13/1)
· في إحدى جولاته تلك، وقد بلغ القتال ذروة ضراوته أحاط بأبي عبيدة طائفة من المشركين، وكانت عيناه كعادتهما تحدّقان كعيني الصقر في موقع رسول الله، وكاد أبو عبيدة يفقد صوابه إذ رأى سهما ينطلق من يد مشرك فيصيب النبي، وعمل سيفه في الذين يحيطون به وكأنه مائة سيف، حتى فرّقهم عنه، وطار صواب رسول الله فرأى الدم الزكي يسيل على وجهه، ورأى الرسول الأمين يمسح الدم بيمينه وهو يقول:" كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيّهم، وهو يدعهم إلى ربهم".؟
· ما أجمل أن نترك الحديث لأبي بكر الصديق يصف لنا هذا المشهد بكلماته:" لما كان يوم أحد، ورمي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخلت في وجنته حلقتان من المغفر، أقبلت أسعى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنسان قد أقبل من قبل المشرق يطير طيراناً، فقلت: اللهم اجعله طاعة، حتى إذا توافينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا هو أبو عبيدة بن الجرّاح قد سبقني، فقال: أسألك بالله يا أبا بكر أن تتركني فأنزعها من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فتركته، فأخذ أبو عبيدة بثنيّة إحدى حلقتي المغفر، فنزعها، وسقط على الأرض وسقطت ثنيته معه..ثم أخذ الحلقة الأخرى بثنية أخرى فسقطت فكان أبو عبيدة في الناس أثرم.".
4. شجاعته وأمانته
· عندما اتسعت مسؤوليات الصحابة وعظمت، كان أبو عبيدة في مستواها دوماً بصدقه وبأمانته..فإذا أرسله النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الخبط أميراً على ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً من المقاتلين وليس معهم زاد سوى جراب تمر والمهمة صعبة، والسفر بعيد.
· استقبل أبو عبيدة واجبه في تفان وغبطة، وراح هو وجنوده يقطعون الأرض، وزاد كل واحد منهم طوال اليوم حفنة تمر، حتى إذا أوشك التمر أن ينتهي، يهبط نصيب كل واحد إلى تمرة في اليوم.
· حتى إذا فرغ التمر جميعاً راحوا يتصيّدون الخبط، أي ورق الشجر بقسيّهم، فيسحقونه ويشربون عليه الماء ومن اجل هذا سميت هذه الغزوة بغزوة الخبط.(13/2)
· لقد مضوا لا يبالون بجوع ولا حرمان، ولا يعنيهم إلا أن ينجزوا مع أميرهم القوي الأمين المهمة الجليلة التي اختارهم رسول الله لها.
5. حب الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي عبيدة.
· لقد أحب الرسول عليه الصلاة والسلام أمين الأمة أبا عبيدة كثيراً وآثره كثيراً.
· في يوم جاء وفد نجران من اليمن مسلمين، وسألوه أن يبعث معهم من يعلمهم القرآن والسنة والإسلام، قال لهم رسول الله: { لأبعثن معكم رجلاً أميناً، حق أمين، حق أمين.. حق أمين} وسمع الصحابة هذا الثناء من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتمنى كل منهم لو يكون هو الذي يقع اختيار الرسول عليه، فتصير هذه الشهادة الصادقة من حظه ونصيبه.
· يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:" ما أحببت الإمارة قط، حبّي إياها يومئذ، رجاء أن أكون صاحبها، فرحت إلى الظهر مهجّرا، فلما صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر، سلم، ثم نظر عن يمينه، وعن يساره، فجعلت أتطاول له ليراني فلم يزل يلتمس ببصره حتى رأى أبا عبيدة بن الجرّاح، فدعاه، فقال: أخرج معهم، فاقض بينهم بالحق فيما اختلفوا فيه.. فذهب بها أبا عبيدة؟.
6. موقف من حياته بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم
· كما عاش أبو عبيدة مع الرسول صلى الله عليه وسلم أمينا، عاش بعد وفاة الرسول أمينا بحمل مسؤولياته في أمانة تكفي أهل الأرض لو اغترفوا منها جميعا.
· لقد سار تحت راية الإسلام أنى سارت، جنديّا، كأنه بفضله وبإقدامه الأمير.. وأميراً، كأن بتواضعه وبإخلاصه واحدا من عامة المقاتلين.
· عندما كان خالد بن الوليد يقود جيوش الإسلام في إحدى المعارك الفاصلة الكبرى واستهل أمير المؤمنين عمر عهده بتولية أبي عبيدة مكان خالد.(13/3)
· لم يكد أبا عبيدة يستقبل مبعوث عمر بهذا الأمر الجديد، حتى استكتمه الخبر، وكتمه هو في نفسه طاوياً عليه صدر زاهد، فطن، أمين.. حتى أتمّ القائد خالد فتحه العظيم.. فتقدّم إليه في أدب جليل بكتاب أمير المؤمنين!! ويسأله خالد: " يرحمك الله يا أبا عبيدة. ما منعك أن تخبرني حين جاءك الكتاب"..؟؟ فيجيبه أمين الأمة: " إني كرهت أن أكسر عليك حربك، وما سلطان الدنيا نريد، ولا للدنيا نعمل، كلنا في الله إخوة".
· أصبح أبا عبيدة أمير الأمراء في الشام، ويصير تحت إمرته أكثر جيوش الإسلام عتاداً وعدداً.
· فما كنت تحسبه حين تراه إلا واحداً من المقاتلين وفرداً عادياً من المسلمين
· حين ترامى إلى سمعه أحاديث أهل الشام عنه، وانبهارهم بأمير الأمراء هذا جمعهم وقام فيهم خطيباً فانظروا ماذا قال للذين رآهم يفتنون بقوته، وعظمته " يا أيها الناس إني مسلم من قريش وما منكم من أحد، أحمر، ولا أسود، يفضلني بتقوى إلا وددت أني في إهابه".
· هو كأمير الأمراء، وقائد لأكثر جيوش الإسلام عدداً، وأشدّها بأساً، وأعظمها فوزا أما هو كحاكم لبلاد الشام، أمره مطاع ورأيه نافذ كل ذلك ومثله معه، لا ينال من انتباهه لفتة، وليس له في تقديره حساب أي حساب.
7. الحزن الشديد على مماته
· ذات يوم، وأمير المؤمنين عمر الفاروق يعالج في المدينة شؤون عالمه المسلم الواسع، جاءه الناعي، أن قد مات أبو عبيدة وأسبل الفاروق جفنيه على عينين غصّتا بالدموع..وغاض الدمع، ففتح عينيه في استسلام.. ورحّم على صاحبه، واستعاد ذكرياته معه رضي الله عنه في حنان صابر.
· قال فيه عمر الفاروق " لو كنت متمنيّا، ما تمنيّت إلا بيتا مملوءاً برجال من أمثال أبي عبيدة".
8. وفاته
· مات أمين الأمة فوق الأرض التي طهرها من وثنية الفرس، واضطهاد الرومان.
· هناك اليوم تحت ثرى الأردن يثوي رفات نبيل، كان مستقراً لروح خير، ونفس مطمئنة.
المرجع: رجال حول الرسول-خالد محمد خالد.(13/4)
#أبواب الأجر ومكفرات الذنوب
أبواب الأجر ومكفرات الذنوب
مقدمة:
- أن الغاية الكبرى لكل مسلم هي أن يخرج من هذه الدنيا وقد غفر الله له جميع ذنوبه حتى لا يسأله الله عنها يوم القيامة ويدخله جنات النعيم خالداً فيها لا يخرج منها أبداً.
- نذكر بعض الأعمال التي تكفر الذنوب والتي فيها الأجر الكبير من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم الصحيحة.
1- التوبة: حيث قال رسول الله صلي الله عليه وسلم { من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه } [مسلم:2703] .
2- الخروج في طلب العلم: حيث قال رسول الله صلي الله عليه وسلم): من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة ) [مسلم:2699].
3- ذكر الله تعالى: حيث قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: ( ألا أنبأكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم ) قالوا بلى، قال: ( ذكر الله تعالى ) [الترمذي:3347].
4- اصطناع المعروف والدلالة على الخير: حيث قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: ( كل معروف صدقة، والدال على الخير كفاعله ) [البخاري:10/374]، [مسلم:1005].
5- الدعوة إلى الله: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ) [مسلم:2674].
6- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: { من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان } [مسلم:49].
7- قراءة القرآن الكريم وتلاوته: حيث قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: { اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه } [مسلم:804].
8- تعلم القرآن الكريم وتعليمه: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: { خيركم من تعلم القرآن وعلمه } [البخاري:9/66].(14/1)
9- السلام : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : { لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أَوَلا أدلكم على شيء لو فعلتموه تحاببتم: أفشوا السلام بينكم} [مسلم:54].
10- الحب في الله : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :{ إن الله تعالي يقول يوم القيامة: أين المتحابين بجلالي، اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي } [مسلم:2566].
11- زيارة المريض : حيث قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :{ ما من مسلم يعود مسلماً مريضاً غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن عاد عشية إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح، وكان له خريف في الجنة } [الترمذي:969].
12- مساعدة الناس في الدين: حيث قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :{ من يسر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة } [مسلم:2699].
13- الستر على الناس: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :{ لا يستر عبد عبداً في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة } [مسلم:2590].
14- صلة الرحم: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :{ الرحم معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله } [البخاري:10/350] [مسلم:2555].
15- حسن الخلق: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :( سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ ) فقال: { تقوى الله وحسن الخلق } [الترمذي:2003].
16- الصدق: حيث قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :{ عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة } [البخاري:10/423، مسلم:2607].
17- كظم الغيظ: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :{ من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين ما شاء } [الترمذي:2022].(14/2)
18- كفارة المجلس: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :{ من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه؟ فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: ( سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك ) إلا غفر الله له ما كان في مجلسه ذلك } [الترمذي:3/153].
19- الصبر: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :{ ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه } [البخاري:10/91].
20- بر الوالدين: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :{ رغم أنفه ثم رغم أنفه ثم رغم أنفه } قيل: من يا رسول الله؟ قال: { من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كلاهما ثم لم يدخل الجنة } [مسلم:2551].
21- السعي على الأرملة والمسكين: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :{ الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله } وأحسبه قال: { وكالقائم لا يفتر، وكالصائم لا يفطر } [البخاري:10/366].
22- كفالة اليتيم : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :{ أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وقال بإصبعيه السبابة والوسطى } [البخاري:10/365].
23- الوضوء: حيث قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : { من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده، حتى تخرج من تحت أظفاره } [مسلم:245].
24- الشهادة بعد الوضوء: حيث قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : { من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال: ( أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ) فتحت له أبواب الجنة يدخل من أيها شاء } [مسلم:234].
25- الترديد خلف المؤذن: حيث قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : { من قال حين يسمع النداء: ( اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته )، حلت له شفاعتي يوم القيامة } [البخاري:2/77].(14/3)
26- بناء المساجد: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :{ من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله بني له مثله في الجنة } [البخاري:450].
27- السواك: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :{ لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة } [البخاري:2/331، مسلم:252].
28- الذهاب إلى المسجد: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :{ من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نُزلاً في الجنة كلما غدى أو راح } [البخاري:2/124، مسلم:669].
29- الصلوات الخمس: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : { ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة، وذلك الدهر كله } [مسلم:228].
30- صلاة الفجر وصلاة العصر: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : { من صلى البردين دخل الجنة } [البخاري:2/43].
31- صلاة الجمعة: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : { من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام } [مسلم:857].
32- ساعة الإجابة يوم الجمعة: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : { فيها ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئاً، إلا أعطاه إياه } [البخاري:2/344] [مسلم:852].
33- السنن الراتبة مع الفرائض: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : { ما من عبد مسلم يصلي لله تعالى كل يوم اثنتي عشرة ركعة تطوعا غير الفريضة إلا بنى الله له بيتا في الجنة } [مسلم:728].
34- صلاة ركعتين بعد الوقوع في ذنب: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : { ما من عبد يذنب ذنباً، فيحسن الطهور ثم يقوم فيصلي ركعتين، ثم يستغفر الله إلا غفر له } [أبو داود:1521].
35- صلاة الليل: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : { أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل } [مسلم:1163].(14/4)
36- صلاة الضحى: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : { يصبح على كل سلامة من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك كله ركعتان يركعهما من الضحى } [مسلم:720].
37- الصلاة على النبي: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : { من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً } [مسلم:384].
38- الصوم: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : { ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله تعالى إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً } [البخاري:6/35] [مسلم:1153].
39- صيام ثلاثة أيام من كل شهر: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : { صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله } [البخاري:4/192] [مسلم:1159].
40- صيام رمضان: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : { من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه } [البخاري:4/221] [مسلم:760].
41- صيام ست من شوال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : { من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال كان كصوم الدهر } [مسلم:1164].
42- صيام يوم عرفة: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : { صيام يوم عرفة يكفر السنة الماضية والباقية } [مسلم:1162].
43- صيام يوم عاشوراء: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : { وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله } [مسلم:1162].
44- تفطير الصائم: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :{ من فطر صائماً كان له مثل أجره،غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً } [الترمذي:807].
45- قيام ليلة القدر: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :{ من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه } [البخاري:4/221] [مسلم:1165].(14/5)
46- الصدقة: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :{ الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار } [الترمذي:2616]. الحج والعمرة: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :{ العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة } [مسلم:1349]
47- العمل في أيام عشر ذي الحجة: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: { ما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله فيهن من هذه الأيام } يعني أيام عشر ذي الحجة، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: { ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجلاً خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء } [البخاري:2/381].
48- الجهاد في سبيل الله: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: { رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها } [البخاري:6/11].
49- الإنفاق في سبيل الله : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :{ من جهز غازياً فقد غزا، ومن خلف غازيا في أهله فقد غزا } [البخاري:6/37] [مسلم:1895].
50- الصلاة على الميت واتباع الجنازة: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :{ من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان } قيل: وما القيراطان؟ قال: { مثل الجبلين العظيمين } [البخاري:3/158] [مسلم:945].
51- حفظ اللسان والفرج: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :{ من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة } [البخاري:11/264] [مسلم:265].(14/6)
52- فضل لا إله إلا الله، وفضل سبحان الله وبحمده: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :{ من قال: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير" في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه } وقال: { من قال: "سبحان الله وبحمده" في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر } [البخاري:11/168] [مسلم:2691].
المرجع:أبواب الأجر ومكفرات الذنوب- دار القاسم.(14/7)
#أحاديث الأحكام
أحاديث الأحكام مفهوم مركب من كلمتين (أحاديث الأحكام):
(أ) الأحاديث لغة: جمع على غير القياس لحديث ، وهو اسم لكل ما يتحدث به من كلام وخبر، قل أوكثر، كما فى مختار الصحاح.(1)
واصطلاحا: ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير القرآن من قول ، أو فعل ، أو تقرير.(2)
فالقول: مثل قوله صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى)الحديث رواه البخارى ومسلم وغيرهما.(3)
والفعل: وهو ما صدر عن النبى صلى الله عليه وسلم من أفعال ليست جبلية (خلقية)، مثل أداء الصلاء بهيئتها المعهودة، وكيفية وضوئه صلى الله عليه وسلم.
والتقرير: وهو سكوته صلى الله عليه وسلم عن إنكار فعل ، آو قول صدر من أحد من أصحابه فى حضرته آو غيبته وعلم به صلى الله عليه وسلم.
مثل قول ابن عمر (كان الرجال والنساء يتوضؤون فى زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإناء الواحد جميعا) أخرجه البخارى وأبو داو وغيرهما.(4)
(ب) الأحكام لغة: جمع حكم ، ويطلق على القضاء، كما فى مختار الصحاح.(5)
واصطلاحا: خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء، أو التخيير أو الوضع.(6)
أحاديث الأحكام اصطلاحا: من تعريف الحديث والحكم يمكن استنباط معنى شرعى لمصطلح "أحاديث الأحكام" هو "ما ورد عن النبى صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير يتضمن خطابا شرعيا يفهم منه طلب الفعل ، أو الكف عنه ، أو جعل شئ سببا أو شرطا لشئ أو مانعا منه..".
ومثال ذلك:
1-ما روى على بن أبى طالب-كرم الله وجهه-قال (جعل النبى صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوما وليلة للمقيم) يعنى فى المسح على الخفين(7) رواه مسلم(8).
2-ما روى عن صفوان بن عسال أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا على سفر أن لا ننزع خفا ثلاثة أيام ولياليهن ، إلا من جنابة ، ولكن من غائط وبول ونوم) رواه الترمزى(9).(15/1)
وأحاديث الأحكام فى عرف المحدثين يطلق على تلك الكتب التى اشتملت على أحاديث الأحكام فقط ، وهى أحاديثه انتقاها مؤلفو هذه الكتب من المصنفات الحديثية الأصول ، ورتبوها على أبواب الفقه ، منها الكبير، ومنها المتوسط ، ومنها الصغير، وهى كثيرة(10) وأشهرها:
1-الأحكام الكبرى لأبى محمد عبد الحق ابن عبد الرحمن الأشبيلى ت581هـ.
2- الأحكام لعبد الغنى بن عبد الواحد المقدسى ت 600هـ.
3-الإمام فى أحاديث الأحكام لمحمد بن على ، المعروف بابن دقيق العيد ت 602هـ.
4-المنتقى فى الأحكام لعبد السلام بن عبد الله بن تيمية الحرانى ت 652هـ.
5-بلوغ المرام من أدلة الأحكام للحافظ أحمد بن على بن حجر العسقلانى ت 852هـ.
وقد شرحت أكثر هذه الكتب ، وطبع بعضها طبعات متعددة ، وحدها أو مع شرحها.(11)
أ.د/على مرعى(15/2)
#أحكام القرآن
لغة: جمع حكم ، وأصل مأخذه فى العربية من مادة تدوركلها حول معنى المنع ومنه حَكَمة اللجام لمنعها الدابة من الانطلاقا على خلاف مراد صاحبها، ومنه الحكمة المضادة للعبث والسفه. والأحكام بمعنى المنع من الفساد وغير ذلك (1).
واصطلاحا: خصوص ما جاء فى القرآن من الأحكام الشرعية بالمعنى الأصولى والفقهى المعروف للحكم الشرعى، والذى يتعلق بفعلٍ من مخاطبات القرآن المجيد على سبيل الطلب أو التخيير أو الوضع لأى منهما.
فقولهم على سبيل الطلب أو التخييرهو الحكم الشرعى التكليفى، وهو لدى جمهرتهم أقسام خمسة؛ لأن الطلب إما ان يكون طلبا للفعل ، أو طلبا للكف ، وكل منهما إما أن يكون جازما أو غير جازم ، فطلب الفعل إما أن يكون جازما فهو الايتاب ، وإما أن كان غير جازم فهو الندب ، وطلب الكف إن كان جازما فهو التحريم وإن كان غير جازم فهو الكراهة، وأما التخيير فهو الإباحة.
وقولهم: أو الوضع لأى منهما. يعنون به الحكم الشرعى الوضعى ، والذى هو عبارة عن جعل الشىء سببا أو شرطا أو مانعا(2).
وقد اعتنى معظم المفسرين ولاسيما أصحاب التفاسير المبسوطة منهم بهذا النوع من مقاصد القرآن العظيم كل حسب مشربه ومذهبه. بل أفرده بالتصنيف جماعة كثيرة فى القديم والحديث ، قال الزركشى فى البرهان (أولهم الشافعى ثم تلاه من أصحابنا الكيا الهراس ، ومن الحنفية أبو بكر الرازى ، ومن المالكية القاضى إسماعيل ، وبكر بن العلاء القشيرى ، وابن بكر، ومكى، وابن العربى ، ومن الحنابلة القاضى أبو يعلى الكبير(3) وقد بين علماء القرآن منهج القرآن العظيم فى سياق أحكامه وطريقتهم فى استنباطها منه ، ويتلخص الحديث عن المنهج فى نظرتين ، ومن خلالهما يتبين للقارىء بعض طرق العلماء فى الاستنباط:(16/1)
إحداهمأ: أن ينظر إليه باعتبار سياقه للأحكام من حيث الجملة ، أى بقطع النظر عن طريقته فى التعبير عن كل واحد من أقسام الحكم الشرعى. وتتمثل فيما أفاد صاحب الموافقات إذ يقول: تعريف القرآن بالأحكام الشرعية أكثره كلى لا جزئى، فمأخذه على الكلية إما بالاعتبار أو بمعنى الأصل ، إلا ما خَصَّه الدليل مثل خصائص النبى صلى الله عليه وسلم.
ويدل على هذا المعنى بعد الاستقراء المعتبر أنه محتاج إلى كثير من البيان. فإن السنة على كثرتها وكثرة مسائلها إنما هى بيان للكتاب... وإذا كان كذلك ، فالقرآن على اختصاره جامع ، ولا يكون جامعا إلا والمجموع فيه أمور كليات ، لأن الشريعة تمت بتمام نزوله لقوله تعالى {اليوم اًكملت لكم دينكم}المائدة:3 ، وأنت تعلم أن الصلاة والزكاة والجهاد وأشباه ذلك لم تبين جميع أحكامها فى القرآن ، إنما بينتها السنة وكذلك العديد من الأنكحة والعقود والقصاص والحدود وغيرها ، وأيضا فإذا نظرنا إلى رجوع الشريعة إلى كلياتها المعنوية وجدناها قد تضمنها القرآن على الكمال وهى الضروريات والحاجيات والتحسينات (4).
ومكمل كل واحد منها ، وهذا كله ظاهر أيضا ، فالخارج من الأدلة عن الكتاب هو السنة والإجماع والقياس ، وجميع ذلك إنما نشأ عن القرآن ، وقد عد الناس قوله تعالى:{لتحكم بين الناس بما اًراك الله}النساء:115. متضمنا للقياس وقوله: {وما آتاكم الرسول فخذوه}الحشر:7.
متضمنا للسنة وقوله {ويتبع غيرسبيل المومنين}النساء:115 ، متضمنا للإجماع وهذا أهم ما يكون.(16/2)
وفى الصحيح (عن ابن مسعود قال: لعن الله الواشمات والمستوشما000)(5) الخ. فبلغ ذلك امرأة من بنى أسد، يقال لها أم يعقوب وكانت تقرأ القرآن ، فأتته ، فقالت: حديث بلغنى عنك أنك لعنت كذا وكذا فذكرته. فقال عبدالله: ومالى لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فى كتاب الله ، فقالت المرأة. لقد قرات مابين لوحى المصحف فما وجدته. فقال لئن كنت قرأته لقد وجدتيه ، قال الله عز وجل {وما اتاكم الرسول فخذوه ومانهاكم عنه فانتهوا}الحشر:7. فعلى هذا لاينبغى فى الاستنباط من القرآن الاقتصار عليه دون النظر فى شرحه وبيانه وهو السنة ، لأنه إذا كان كليا وفيه أمور مجملة كما فى شأن الصلاة والزكاة والحج والصوم ونحوها، فلا محيص من النظر فى بيانه ، وبعد ذلك ينظر فى تفسير السلف الصالح له إن أعوزته السنة، فإنهم أعرف به من غيرهم وإلا فمطلق الفهم العربى لمن حصله يكفى فيما أعوز منه ذلك ، والله أعلم(6).
ثانيهما: أن ينظر إليه من حيث طريقته فى التناول لتفاصيل تلك الأقسام ؛ وتتمثل فى مقولة السيوطى ونقله عن العز بن عبدالسلام رحمهما الله إذ يقول: قال الغزالى وغيره: آيات الأحكام خمسمائة آية ، وقال بعضهم مائة وخمسون ، وقيل لعل مرادهم المصرح به ، فإن آيات القصص والأمثال وغيرها يستنبط منها كثير من الأحكام ، قال الشيخ عز الدين بن عبدالسلام فى كتاب الإمام فى أدلة الأحكام: معظم آى القرآن لا يخلو عن أحكام مشتملة على أداب حسنة ، وأخلاق جميلة، ثم من الآيات ما صرح فيه بالأحكام ومنها ، ما يؤخذ بطريق الاستنباط ، كاستنباط صحة أنكحة الكفار من قوله {وامرأته حمالة الحطب}المسد:4.(16/3)
وصحة صوم الجنب من قوله {فالآن باشروهن.... من الفجر}البقرة:187 ، واستنباط أن أقل الحمل ستة أشهر من قوله تعالى {وحمله وفصاله ثلاثون شهرا}الأحقاف:15 ، مع قوله: {وفصاله فى عامين}لقمان:14 ، قال: ويستدل على الأحكام تارة بالصيغة وهو ظاهر ، وتارة بالأخبار مثل {أحل لكم}البقرة:187. و {حرمت عليكم الميتة}المائدة:3 ، و {كتب عليكم الصيام}البقرة:183 ، وتارة بمارتب فى العاجل أو الآجل من خير أو شر أو ضر ، وقد نوَّع الشارع ذلك أنواعاً كثيرة، ترغيباً لعباده وترهيبا وتقريبا إلى أفهامهم(7) ثم قسم الشيخ عز الدين ما أجمل من تلك الأنواع حسبه أقسام الحكم الشرعى، بما يطلب من مظانه هنالك.
د/إبراهيم عبدالرحمن محمد خليفة(16/4)
#أخطاء في أدب المحادثة والمجالسة
أخطاء في أدب المحادثة والمجالسة
1. الثرثرة .
2. الاستئثار بالحديث .
3. الحديث عن النفس على سبيل المفاخرة .
4. الغفلة عن مغبة الكلام .
5. قلة المراعاة لمشاعر الآخرين .
6. التعميم في الذم .
7. كثرة الأسئلة وتعمد الإحراج فيها .
8. سرعة الجواب .
9. الحرص على إبداء الرأي في كل صغيرة وكبيرة .
10. التعرض للسفلة والسفهاء .
11. الحديث بما لا يناسب المقام .
12. الحديث عند من لا يرغب .
13. تكرار الحديث .
14. التعالي على السامعين .
15. ترك الإصغاء للمتحدث .
16. الاستخفاف بحديث المتحدث .
17. المبادرة إلى إكمال الحديث عن المتحدث .
18. القيام عن المتحدث قبل أن يكمل حديثه .
19. المبادرة إلى تكذيب المتحدث .
20. التقصير في محادثة الصغار .
21. الوقيعة في الناس .
22. التسرع في نشر الأخبار قبل التثبت منها ومن جدوى نشرها .
23. الكذب .
24. سماع كلام الناس بعضهم ببعض وقبول ذلك دون تمحيص أو تثبت .
25. رفع الصوت .
26. الغلظة في الخطاب .
27. الشدة في العتاب .
28. التقصير في أدب الهاتف ، ومن مظاهر ذلك :
قلة المبالاة بصحة الرقم المطلوب .
شدة الغضب حال الاتصال الخطأ .
قلة المراعاة لوقت الاتصال .
الإطالة بالمكالمة بلا داع .
قلة الاعتداد بالسلام من المتصل بداية ونهاية .
سكوت المتصل إذا رفع السماعة .
التعمية على المتصل عليه .
خضوع المرأة بالقول حال المهاتفة ، واسترسالها بالحديث مع الرجال .
إزعاج الناس بالأخبار الكاذبة .
تسجيل صوت المتكلم دون إذنه وعلمه .
المعاكسات الهاتفية .
29. التقصير في أدب الحوار ، ومن جوانب ذلك ما يلي :
قلة الإخلاص .
الدخول في النيات .
الغضب .
الهجر والصرم .
إغفال الجوانب العاطفية .
قلة الإنصاف .
التهكم بالمحاور .
التحدي والإفحام .
تفخيم النفس .
تجاهل اسم المحاور .
التنازل عن المبدأ الثابت .(17/1)
الإصرار عل الخطأ ، والأنفة من الرجوع إلى الحق .
قلة العلم بمادة الحوار .
إصدار الأحكام في مستهل الحوار .
قلة المراعاة لعامل الزمان والمكان .
التشعب في الحوار ، والخروج عن المضمون .
محاورة ذي المهابة العظيمة .
30. الجدال والمراء والخصومة .
31. حب المعارضة والمخالفة .
32. بذاءة اللسان والتفحش في القول .
33. التقعر في الكلام .
34. الخوض فيما لا طائل تحته .
35. كثرة التلاوم .
36. كثرة الشكوى إلى الناس .
37. كثرة الحديث عن النساء .
38. كثرة الهزل .
39. كثرة المزاح .
40. كثرة الحلف .
41. تتبع عثرات الجليس .
42. إظهار الملالة من الجليس .
43. تكليف الرجل جلاسه بخدمته .
44. تناجي الاثنين دون الواحد .
45. القيام بما ينافي الذوق في المجالس .
46. مزاولة المنكرات في المجالس .
47. حضور مجالس اللهو ومداهنة أهلها .
48. الجلوس على هيئة تشعر بقلة الأدب .
49. الجلوس وسط الحلقة .
50. التفريق بين اثنين متجانسين دون إذنهما .
51. إقامة الرجل من مجلسه والجلوس مكانه .
52. الجلوس في مكان الرجل إذا قام لحاجة .
53. التقدم بحضرة الأكابر .
54. قلة التفسح في المجالس .
55. ترك الاستئذان حال دخول البيوت .
56. ترك السلام حال دخول المجلس وحال الخروج منه .
57. الإخلال بأمانة المجالس .
58. التجسس والتحسس .
59. الجلوس في الطرقات دون إعطائها حقها .
60. فقدان المودة والصفاء ، وشيوع الكراهية والبغضاء .
61. قلة ذكر الله في المجالس .
62. قلة المبالاة بقول كفارة المجلس .
المرجع : أخطاء في أدب المحادثة والمجالسة – محمد الحمد – دار ابن خزيمة .(17/2)
#أخطاء في التربية
1- الأخطاء في التربية .
· عدم مراعاة جوانب التربية المختلفة .
· عدم التدرج في التربية .
· أحيانا يحدث الخطأ بحجة التدرج .
· عدم اكتشاف المواهب .
· ربما تكون الموهبة موجودة ولكن نخفق في المحافظة عليها .
· عدم اعتراف المربي بالخطأ إذا حصل .
· عدم إغضاء المربي عن الهفوات والزلات الصغيرة التي تحدث من بعض الشباب .
· القصور في معالجة الخطأ .
· إرادة عدم الخطأ من المدعوين أبدا فيما يوكل إليهم من أعمال .
· سوء الظن واتهام الآخرين .
· كثرة التقريع والتوبيخ لأفراد المجموعة واتهامهم بالتقصير .
· اعتقاد أن جميع من عنده لابد أن يكونوا طلبة علم وإلا لا فائدة منهم .
· وضع برنامج موحد للجماعة كلها دون مراعاة الفروق الفردية .
· التكليف قبل النضج .
· اتهام من تربيهم بعدم النضج .
· عدم مراعاة المرحلة التي يمر بها المدعو .
· عدم مراعاة الظروف الاجتماعية للشاب المدعو .
· قطع العلاقة مع والد المدعو وحصرها في المدعو فقط .
· عدم مراعاة العادات والتقاليد التي لم يحرمها الشارع فكيف بالتي يأمر بها .
· قصر الشباب على المكتبة بحيث لا يعمل إلا من خلال المكتبة .
· اعتماد المربي على بعض الشباب وإهمال الآخرين تماما .
· عدم فتح فرصة للأشخاص الذين معه للانفراد .
·عدم الاعتماد على بعض الشباب في تجهيز بعض الأعمال أو إعداد الدروس والبرامج الثقافية .
· إشعار الشباب أن الأعمال التي أوكلتها إليهم ليست ذات فائدة .
· إشعار الفرد من الشباب أنه لا يتقن إلا هذا العمل ولا يتقن غيره .
· ربط الشباب بشخص معين .
· عدم التخطيط والتنظيم .
· أن يكون هناك أهداف يسعى للوصول إليها ولكنها غير واقعية .
· التعسف في استخدام الحق .
· أنه يريد من الشباب التسليم له دون مناقشة .
· أن المربي لا يستشير و لا يستشير غيره من المربين أو من ذوي الخبرة .
· زرع القناعات المسبقة في أفراد المحضن التربوي .(18/1)
· المجاملة لبعض الأشخاص وعدم مصارحتهم لتقصيرهم .
· المركزية في العمل .
· الاتكالية .
· ازدواجية التوجيه .
· التربية على العلة والانفراد وعدم المشاركة في النشاطات العامة .
· الإفراط في الخلطة .
· الاهتمام بالكثرة على حساب التقصير .
· عدم التربية على النقد الهادف البناء وتبيينه لهم .
· التربية على نقد كل شي سواء كان نقدا بناء أم لا .
· التثبيط عن العمل .
· إغفال مبدأ الثواب والعقاب .
· التفاعل الوقتي مع الأحداث .
· إطلاع المدعو على سوء التفاهم الحاصل أحياناً بين الدعاة .
· جعل الدعوة حكرا على نوع معين .
· قلة الدروس التربوية .
· الاستعجال .
· الفصل بين القول والعمل .
· الظهور بمظهر الفكاهي بحجة جذب الشباب .
· عدم التشجيع على التفوق الدراسي .
· الغفلة عن التربية الذاتية .
· ضعف المتابعة .
2- أسباب الوقوع في الأخطاء .
- تولي غير المؤهلين عملية التربية .
- عدم الفهم الصحيح لكيفية التربية .
- عدم وجود النقد البناء .
- عمد الاستشارة .
- تفسير النقد البناء والتصحيح الموجه إليه على أنه وجهة نظر للناقد لا يلزم الأخذ بها.
- التبرير لأخطائه بأن هذا أفضل الممكن .
- تولي عملية التربية أناس تربوا على أخطاء سابقة من مربيهم .
3- صفات مطلوبة في المربي :
- الإخلاص .
- القدوة الحسنة .
- الصبر وسعة الصدر .
- رجاحة العقل وسداد الرأي .
- العدل .
- الوعي بطرق التربية الصحيحة وما يتعلق بها .
- محاولة الاطلاع على تجارب الآخرين من المربين .
المرجع : أخطاؤنا في التربية – عبد الرحمن العائد – دار الوطن .(18/2)
أخطاء يقع فيها بعض الصائمين والصائمات
الصيام- أخطاء يقع فيها بعض الصائمين والصائمات
فهذه جملة من الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين والصائمات في شهر رمضان
1. من الأخطاء: استقبال بعض المسلمين لهذا الشهر الكريم بالمبالغة في شراء الأطعمة والمشروبات بكميات هائلة بدلاً من الاستعداد للطاعة والاقتصاد ومشاركة الفقراء والمحتاجين.
2. من الأخطاء: تعجيل السحور، وهو ما يقع من بعض الصائمين، وهذا فيه تفريط في أجر كثير، لأن السنة في ذلك أن يؤخر المسلم سحوره ليظفر بالأجر المترتب على ذلك لاقتدائه بالنبي صلى الله عيه وسلم.
3. ومن الأخطاء: في بعض الصائمين لا يبيت النية للصيام، فإذا علم الصائم بدخول شهر رمضان وجب عليه تبييت نيته بالصيام. فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: { من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له } [رواه النسائي]. وقوله: { من لم يبيت الصيام قبل طلوع الفجر، فلا صيام له } [رواه الدارقطني والبيهقي وصححه الألباني].
· على العكس من ذلك: البعض يتلفظ بالنية وهذا خطأ، بل يكفي أن يبيت النية في نفسه.
· قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (والتكلم بالنية ليس واجباً بإجماع المسلمين، فعامة المسلمين إنما يصومون بالنية وصومهم صحيح) [الفتاوى:ج25- ص:275].
4. ومن الأخطاء: تعمد الشرب أثناء أذان الفجر، وهذا بفعله قد أفسد صومه خاصةً إذا كان المؤذن دقيقاً في توقيته للأذان.
· قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: الأذان لصلاة الفجر إما أن يكون بعد طلوع الفجر أو قبله، فإن كان بعد طلوع الفجر فإنه يجب على الإنسان أن يمسك بمجرد سماع الأذان لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: { إن بلالاً، يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر } فإن كنت تعلم أن هذا المؤذن لا يؤذن إلا إذا طلع الفجر فأمسك بمجرد أذانه. [دروس وفتاوى الحرم].(19/1)
5. ومن الأخطاء: عدم إمساك من لم يعلم بدخول شهر رمضان، كأن يكون مسافراً أو نائماً أو غير ذلك من الأسباب التي تحول بينه وبين معرفة دخول الشهر، وهذا خطأ منه. فينبغي على المسلم متى علم بدخول الشهر أن يمسك بقية يومه، لما ورد عن سلمة بن الأكوع قال: { إن النبي بعث رجلاً ينادي في الناس يوم عاشوراء: "إن من أكل فليتم أو فليصم ومن لم يأكل فلا يأكل" } [رواه البخاري، ومسلم].
6. ومن الأخطاء: جهل البعض بفضل شهر رمضان، فيستقبلونه كغيره من أشهر السنة، وهذا خطأ لما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: { إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين } وفي رواية: { وسلسلت الشياطين } [رواه البخاري، و مسلم].
7. ومن الأخطاء: أن بعض الناس إذا بلغه أن هذه الليلة هي أول ليلة في رمضان لا يصلي صلاة التراويح، وهذا خطأ فإنه بمجرد رؤية هلال رمضان يكون المسلم قد دخل في أول ليلة من ليالي رمضان فمن السنة أن يصلى التراويح مع جماعة المسلمين في المسجد في تلك الليلة.
8. ومن الأخطاء: ما يفعله بعض الناس من ترك الشارب أو الآكل في نهار رمضان ناسياً يأكل ويشرب حتى يفرغ من حاجته.
· قال الشيخ ابن باز: (من رأى مسلماً يشرب في نهار رمضان، أو يأكل، أو يتعاطى شيئاً من المفطرات الأخرى، وجب الإنكار عليه؛ لأن إظهار ذلك في نهار الصوم منكر ولو كان صاحبه معذوراً في نفس الأمر، حتى لا يجترئ الناس على إظهار محارم الله من المفطرات في نهار الصيام بدعوى النسيان). [مجلة الدعوة:1186].
9. ومن الأخطاء: إنكار البعض على بناتهم إذا أردن الصيام بحجة أنهن صغيرات وقد تكون الفتاة ممن بلغت سن المحيض فتريد الصيام لأنها مكلفة فيمنعها أهلها من ذلك بحجة أنها صغيرة دون سؤالها عن مجيء الحيض.(19/2)
· قال الشيخ ابن جبرين: (فإن الكثير من الإناث قد تحيض في العاشرة أو الحادية عشر من عمرها فيتساهل أهلها ويظنونها صغيرة فلا يلزمونها بالصيام وهذا خطأ فإن الفتاة إذا حاضت فقد بلغت مبلغ النساء وجرى عليها حكم التكليف) [فتاوى الصيام].
10. ومن الأخطاء: تحرج بعض الناس إذا تذكر أنه أكل أو شرب ناسياً في أثناء صيامه ويشك في صحة صيامه.
· قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا نسي أحدكم فأكل وشرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه } [أخرجه البخاري]
11. ومن الأخطاء: تحرج بعض النساء من وضع الحناء في أثناء الصيام.
· قال الشيخ ابن عثيمين: (إن وضع الحناء أثناء الصيام لا يفطر ولا يؤثر على الصيام شيئاً كالكحل وقطرة الأذن وكالقطرة في العين فإن ذلك كله لا يضر الصائم ولا يفطره) [نور على الدرب].
12. ومن الأخطاء: جهل بعض الناس بمفطرات ومفسدات الصيام مما يقع فيه البعض خاصة مع بداية رمضان، وهذا خطأ عظيم، فمن الواجب على الصائم أن يعرف قبيل رمضان مبطلات ومفسدات الصيام، حتى يتحرز من الوقوع فيها.
13. ومن الأخطاء: تحرج البعض من استعمال السواك في نهار رمضان، وربما ظن أن استعمال السواك يفطر، وهذا خطأ قال صلى الله عليه وسلم : { لولا أن أشق على أمتي لامرتهم بالسواك عند كل صلاة } [متفق عليه]. قال البخاري رحمه الله: (ولم يخص النبي الصائم من غيره).
· وقاد الشيخ ابن عثيمين: (ولا يفطر الصائم بالسواك بل هو له سنة ولغيره في كل وقت في أول النهار وآخره).
14. ومن الأخطاء: أن بعض المؤذنين لا يؤذن إلا بعد انتشار الظلام ولا يكتفي بغياب الشمس ويزعم أن ذلك أحوط للعبادة، وهذا مخالف للسنة لأن السنة أن يؤذن حين تغرب الشمس تماماً، ولا عبرة بغيرها.
· قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إذا غاب جميع القرص أفطر الصائم ولا عبرة بالحمرة الشديدة الباقية في الأفق. [مجموع الفتاوى:25/215].(19/3)
15. ومن الأخطاء: غفلة بعض الصائمين عن الدعاء لمن قام، بإفطارهم، فمن السنة إذا أفطر الصائم عند قوم أن يدعو لهم بما دعا به الرسول حين يفطر عند قوم.
· كأن يقول: { أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وتنزلت عليكم الملائكة } [صحيح الجامع الصغير]. أو يقول:
· { اللهم أطعم من أطعمني واسق من سقاني } [رواه مسلم]. أو يقول:
· { اللهم بارك لهم فيما رزقتهم واغفر لهم وارحمهم } [رواه مسلم].
16. ومن الأخطاء: اعتقاد البعض تحريم معاشرة النساء في ليل رمضان، وهذا خطأ فالتحريم يكون في النهار أما في الليل فحلال، قال تعالى {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ }البقرة187.
17. ومن الأخطاء: امتناع بعض النساء عن الصيام إذا طهرت قبل الفجر ولن تتمكن من الغسل لضيق الوقت، فإنها تمتنع عن الصيام بحجة أن الصبح أدركها وهي لم تغتسل من عادتها.
· قال الشيخ ابن جبرين: إذا انقطع الدم منها وقت طلوع الفجر أو قبله بقليل صح صومها وأجزأ عن الفرض ولو لم تغتسل إلا بعد أن أصبح الصبح. [فتاوى الصيام].
18. ومن الأخطاء: ما يسمع من بعض الناس من البكاء بصوت مرتفع، ولكن البكاء عند قراءة القرآن يدل إن شاء الله على تأثر المصلي بما يسمع من كلام الله العظيم فهذا أمر محمود ولا شك فيه ولا ريب.
· لكن المشاهد والمسموع من بعض المصلين البكاء بصوت مرتفع بحيث يتسبب بإشغال جملة من المصلين الذين حوله. أضف إلى ذلك الحركات المصاحبة للبكاء، والعجب كله أن بعضهم يكون بكائه في أثناء القنوت دون القراءة للقران.
· مثل هذا يقال له: الأولى: أن يكون البكاء والتأثر عند سماع القرآن.
19. ومن الأخطاء: تحرج بعض الناس عندما بصبح جنباً فيظن أن صومه باطل وعليه القضاء وهذا خطأ، والصحيح أن صومه صحيح وليس عليه قضاء، فقد كان النبي يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم.(19/4)
· ويقول سماحة الشيخ ابن باز: (الاحتلام لا يبطل الصوم، لأنه ليس باختيار الصائم وعليه أن يغتسل غسل الجنابة إذا رأى الماء). [مجموع فتاوى ومقالات متنوعة].
20. ومن الأخطاء: تطيب بعض النساء إذا خرجن لصلاة التراويح، كذلك عدم التستر الكامل وما يحصل أيضاً من رفع الأصوات في المساجد، وهذا الجد ذاته موضع فتنة فكيف إذا كان الزمان فاضلاً والمكان فاضلاً.
21. ومن الأخطاء: تأخير بعض الصائمين صلاة الظهر والعصر عن وقتيهما لغلبة النوم، وهذا من أعظم الأخطاء قال تعالى: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ {4 }الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ }الماعون4-5.
· قال بعض أهل العلم: هم الذين يؤخرونها عن وقتها. وفي الصحيح عن ابن مسعود أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم : أي الصلاة خير؟ قال : { الصلاة على وقتها }، أو في وقتها، وفي رواية: { على أول وقتها }.
22. ومن الأخطاء: تأخير الإفطار، فمن السنة أن يعجل الصائم إفطاره متى تأكد من دخول الوقت لما ورد عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر } [متفق عليه].
· وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { بكروا با لإفطار وأخروا السحور } [صحيح الجامع الصغير].
23. ومن الأخطاء: أن بعض الصائمين لا يفطر إلا بعد انتهاء المؤذن من أذانه احتياطاّ وهذا خطأ، فمتى تأكد من سماع المؤذن فعلى الصائم أن يفطر ومن تأخر حتى نهاية الأذان فقد تنطع وتكلف بما ليس مطالباً به. بل من السنة تعجيل الفطر وتأخير السحور.
24. ومن الأخطاء: غفلة بعض الصائمين عن الدعاء عند الإفطار فمن السنة الدعاء عند الإفطار لما في ذلك من الفضل العظيم والصائم من الذين لا ترد دعوتهم.
· عن انس بن مالك رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ثلاث دعوات لا ترد: دعوة الوالد، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر } [رواه أحمد وصححه الألباني].(19/5)
· ومن الأدعية الواردة الصحيحة ما كان يقوله عند الإفطار: { ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله } [صحيح أبي داود].
25. ومن الأخطاء: انشغال بعض المسلمين في العشر الأواخر من رمضان في شراء الملابس والحلوى وتضييع أوقات فاضلة فيها ليلة القدر التي قال الله فيها: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } [القدر:3].
· ومما يتبع انشغالهم عن القيام والتهجد من السهر في الأسواق الساعات الطويلة في التجول والشراء، وهذا أمر مؤسف يقع فيه الكثير من المسلمين.
· والواجب عليهم اتباع سنة نبيهم أنه إذا دخل العشر الأواخر شد المئزر وأيقظ أهله وأحيا ليله، هكذا كان دأب النبي وصحابته رضي الله عنهم أجمعين.
26. ومن الأخطاء: تحرج بعض المرضى من الإفطار والإصرار مع وجود المشقة، وهذا خطأ فالحق سبحانه وتعالى قد رفع الحرج عن الناس وقد رخص للمريض أن يفطر، ويقضي بعد ذلك، قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }البقرة185
27. ومن الأخطاء: انشغال بعض الصائمين بالإفطار عن متابعة أذان المغرب، وهذا خطأ فإنه يسن للصائم وغيره أن يتابع المؤذن ويقول مثل قوله، فعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن } [متفق عليه]. ويكون متابعة المؤذن مع مواصلة الإفطار وعدم الانقطاع لعدم ورود النهي عن الأكل حال متابعة المؤذن وترديد الأذان والله أعلم.(19/6)
28. ومن الأخطاء: عدم تعويد الصبيان والفتيات على الصيام لصغر السن، والمستحب تعويدهم على الصيام قبل البلوغ فيؤمرون به للتمرين عليه، خاصة إذا أطاقوه لما ورد عن الربيع بنت معوذ قالت: { فكنا نصوم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه، ذاك حتى يكون عند الإفطار } [متفق عليه].
29. ومن الأخطاء: أن هناك من يعيب على المسافر الفطر، وهذا خطأ، فإن للمسافر في رمضان الفطر أو الصوم، وهذا على حسب حالته، وحالة المسافر لا تخرج عن ثلاثة:
· إذا لم يشق عليه "الصيام، فالصوم لمن قوي عليه أفضل من الفطر، لعموم قوله تعالى: { وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } [البقرة:184].
· إن شق عليه الصوم وأعرض عن قبول الرخصة، فالفطر في حقه أفضل عن الصوم لعموم قوله تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } [البقرة:286]. وقوله صلى الله عليه وسلم : { إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه } [رواه ابن حبان، الطبراني في الكبير]. ولقوله صلى الله عليه وسلم : { ليس من البر الصيام في السفر } [رواه البخاري، ومسلم من حديث جابر رضي الله عنه].
· إن لم تتحقق المشقة فإنه يخير بين الصوم والفطر لما ورد عن حمزة بن عمرو الأسلمي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: { أأصوم في السفر؟ - وكان كثير الصيام - فقال : "إن شئت فصم، وإن شئت فافطر" } [رواه البخاري]. ولم يعب أصحاب النبي بعضهم بعضاً في الصوم والإفطار- أي: حال السفر- لما ورد عن أنس بن مالك قال: { كنا نسافر مع النبي فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم } [متفق عليه].
30. ومن الأخطاء: سرعة الغضب والصخب والرفث، في نهار رمضان وينبغي للصائم أن يتمثل بحديث النبي صلى الله عليه وسلم : { الصوم جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل: ني صائم } [رواه البخاري، ومسلم].(19/7)
· والصيام لا يكون عن الأكل والشرب فقط، وإنما هو صيام يشمل صيام الجوارح عن المعاصي، وصيام اللسان عن الفحش ومساوئ الأخلاق.
31. ومن الأخطاء: إهدار الأوقات الفاضلة من نهار رمضان في متابعة المسابقات الفضائية وما يصاحبه ذلك من الموسيقى والغناء والمسلسلات المائعة.
· وهذا بلا شك يضعف الإيمان، ويضيع على الصائم أجوراً عظيمة يجب اغتنامها في هذا الشهر الكريم، وكيف يستبدل المسلم ما هو أدنى بما هو خير؟
· فالواجب على المسلم الحرص على استغلال كل وقته في رمضان في طاعة الله عز وجل وقراءة القرآن، والذكر، والدعاء، وقراءة الكتب النافعة، والمكوث في المسجد، وحضور مجالس العلم حتى يحصد الأجر والثواب في هذا الشهر العظيم.
32. ومن الأخطاء: المسارعة في قراءة القرآن بلا تدبر أو ترتيل بهدف الانتهاء من استكمال قراءته معتقداً أن ما يفعله هو الصحيح، ولكنه هو على خطر عظيم لأن القرآن نزل في هذا الشهر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الله فيه {أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} [المزمل:4].
· فالواجب: الترتيل في القراءة، والتأني، وتدبر معانيه.
33. ومن الأخطاء: إضاعة سنة الاعتكاف مع القدرة عليها بالرغم من حصول الكثيرين على إجازة في ذلك الوقت إلا أنهم لا يطبقون سنة الاعتكاف في المسجد.
34. ومن الأخطاء: تحرج بعض الصائمين من حلق الشعر، أو قص الأظافر، أو نتف الإبط، أو حلق العانة في نهار رمضان بحجة أن ذلك يفسد الصيام.
· والصحيح: أن كل ذلك لا يفطر الصائم ولا يفسد صومه، بل هو من السنن المستحبة.
35. ومن الأخطاء: تحرج بعض الصائمين من بلع الريق في نهار رمضان وما يصاحب ذلك من كثرة البصق بحجة عدم إفساد صومه، وتأذي المسلمين بهذا.
· والصحيح: أنه لا بأس من ابتلاع الريق ولو كثر ذلك، وتتابع في المسجد وغيره، ولكن إذا كان بلغماً غليظاً كالنخامة فلا يبلع بل يبصق في منديل ونحوه. ولا يكون ذلك بصوت يؤذي من حوله.(19/8)
36. ومن الأخطاء: المبالغة في التمضمض والاستنشاق في نهار رمضان بلا حاجة بحجة شدة الحر وتخفيف وطأة الحر عليه.
· قال الشيخ ابن العثسمين: (قال رسول الله : { أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً } وهذا دليل على أن الصائم لا يبالغ في الاستنشاق، وكذلك لا يبالغ في المضمضة؛ لأن ذلك قد يؤدي إلى نزول الماء إلى جوفه فيفسد به صومه) [فقه العبادات].
37. ومن الأخطاء: تحرج بعض مرضى الربو من استعمال البخاخ خوفاً من فساد صومه.
· وفي هذا يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (استعمال هذا البخاخ جائز للصائم سواء كان صيامه في رمضان أم في غير رمضان، وذلك لأن هذا البخاخ لا يصل إلى المعدة، وإنما يصل إلى القصبات الهوائية فتنفتح لما فيه من خاصية ويتنفس الإنسان تنفساً عادياً بعد ذلك. فليس هو بمعنى الأكل والشرب) [كتاب الدعوة].
38. ومن الأخطاء: تحرج بعض الصائمين من وضع قطرة العين، أو قطرة الأذن، أو وضع الحناء على الرأس، أو الاكتحال.
· والصحيح: أن كل هذا لا يفطر به الصائم ومن المباحات أثناء الصيام في أصح قولي العلماء، الذي لا يجوز هو قطرة الأنف لأنها منفذ إلى المعدة.
المرجع: أخطاء يقع فيها بعض الصائمين والصائمات-دار القاسم.(19/9)
#أدب الإسلام في الدخول والخروج من المنزل
أدب الإسلام في الدخول والخروج من المنزل
مقدمة:
· إنَّ للإسلام آداباً وفضائل تَدخُلُ في كل شأن من شؤون الحياة.
· هذه الآداب دعا الإِسلام إليها، وحضَّ عليها،لتكامل الشخصية المؤمنة، وتحققِ الانسجام بين الناس.
· التحلِّي بهذه الآداب والفضائل طاعة لله أولاً، وهي من لباب الشريعة ومقاصدها.
· التحلِّي بهذه الآداب والفضائل يزيد في جمال سلوك المسلم، ويُعزِّز محاسنه، ويُحبِّبُ شخصيتَهُ، ويُدنيه من القلوب.
· قال رُوَيْم-العالم الصالح-لابنه : يا بُنَيَّ اجعل عملك مِلْحاً، وأدَبك دَقيقاً. أي استكثر من الأدب حتى تكون نسبتُهُ.« في الكثرة نسبة الدقيق إلى الملح-في العجين-، وكثير الأدب مع قليل من العمل الصالح خير من العمل مع قلة الأدب.
أدب الدخول والخروج من المنزل.
2. الدخول والخروج من بيتك بالتلطف وحسن التصرف.
· إذا دخلت دارك أو خرجت منها، فلا تدفع بالباب دفعاً عنيفاً، أو تدعه ينغلق لذاته بشدة وعنف.
· لأن هذا منافٍ للطفِ الإسلام.
· بل أغلقه بيدك إغلاقاً رفيقاً.
· عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: (إن الرِّفقَ لا يكون في شيءٍ إلاَّ زانه، ولا يُنزَعُ من شيء إلاَّ شانه) رواه مسلم.
3. التحية في الدخول والخروج على أهلك بتحية الإسلام.
· إذا دخلت بيتك أو خرجت منه، فسلِّم على من فيه من أهلك، بتحية الإسلام (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته).
· لا تَعْدِل عن هذه التحية إلى غيرها من ( صباح الخير) أو (مرحبا) أو نحوِهما.
· قال أنس رضي الله عنه : قال لي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : " يا بُنيَّ إذا دخلتَ على أهلك فسَلم، يكون بركةً عليك وعلى أهلك " . رواه الترمذي.
· قال قتادة: إذا دخلت بيتك فسلِّم على أهلك فهم أحقُّ من سلَّمتَ عليهم.
4. إشعار أهل الدار عند الدخول عليهم.
· إذا دخلت دارك، فأشعر من فيها بدخولك قبل وصولك إليهم.(20/1)
· لئلا يرتاعوا بمفاجئتك.
· ولا تكن كالمتخوِّن الفاحِصِ لهم.
· قال أبو عُبيدة عامر بن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: كان أبي – عبدالله بن مسعود- إذا دخل الدار استأنس-أي أشعر أهلها بما يؤنسهم- وتكلَّم ورفع صوته حتى يستأنسوا.
· قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: إذا دخل الرجل بيته، استحب له أن يتنحنح أو يحرك نعليه.
· قال عبد الله ابن الإمام أحمد: كان أبي إذا دخل-أي رجع- من المسجد إلى البيت، يَضْرِبٌ برجله قبل أن يدخل الدار، حتى يسمع ضرب نعله لدخوله إلى الدار، وربما تنحنح ، ليعلم من في الدار بدخوله.
5. الاستئذان على أهله في داخل بيته.
· إذا كان بعض أهلك قارَّاً في حجرته من دارك، وأردت الدخول عليه فاستأذن، لئلا تراه على حال لا يحب أو لا تحب أن تراه عليها.
· هذا الأدب حتى لو كان من الحلائل كالأم أو الأب أو البنات و الأبناء .
· سأل رجل رسول الله صلَّى الله عليه وسلم فقال : (أأستأذِنُ على أُمي؟ فقال : نعم، فقال الرجل: إني معها في البيت، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم:استأذِنْ عليها، فقال الرجل : إني خادمها، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم : استأذِنْ عليها، أتحب أن تراها عريانة؟! قال:لا، قال: فاستأذِنْ عليها). رواه مالك.
· وقال ابن مسعود: يستأذن الرجل على أبيه وأمه وأخيه وأخته.
· قال جابر رضي الله عنه : يستأذن الرجل أمه وإن كانت عجوزاً، وأخيه وأخته وأبيه.
6. أدب طرق الباب على من تقصده وكيفية الطرق.
· إذا طرقت باب أخيك أو صديقك أو أحداً تقصده، فدق الباب دقاً رفيقاً يعرفه وجود طارق بالباب.
· لا تدقه بعنف وشدة كدق الظلمة والزبانية فتروعه.
· جاءت امرأة إلى الإمام أحمد بن حنبل - رضي الله عنه ، لتسأله عن شيء من أمور الدين ، ودقت الباب دقا فيه بعض العنف، فخرج وهو يقول : هذا الشرط - جمع شرطي- .(20/2)
· وهذا الدق اللطيف الرفيق مطلوب فيمن كان جلوسه قريباً من بابه، وأما من بعد عن الباب فيقرع عليه قرعاً يسمعه في مكانه من غير عنف.
· ينبغي أن تجعل بين الدقتين زمناً غير قليل، ليفرغ المتوضئ من وضوئه في مهل، ولينتهي المصلي من صلاته في مهل، وليفرغ الآكل من لقمته في مهل.
· قدر بعض العلماء الانتظار بين الدقتين بمقدار صلاة أربع ركعات، إذ قد يكون في بدء طرقك الباب قد بدأ بصلاتها.
· إذا طرقت ثلاث مرات متباعدة، ووقع في نفسك أنه لو كان غير مشغول عنك لخرج إليك، فانصرف.
· قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فلينصرف ". رواه البخاري ومسلم .
· لا تقف عند استئذانك أمام الباب، ولكن خذ يمنة أو يسرة، فقد "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى باب قوم لم يستقبله من تلقاء وجهه، ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر" . رواه أبو داود.
7. إعلام الطارق بنفسه بذكر اسمه لمن يطرق عليهم.
· إذا طرقت باب أحد، فقيل لك: من هذا؟ فقل: فلان باسمك الصريح الذي تعرف به.
· لا تقل : واحد، أو أنا، أو شخص.
· هذه الألفاظ لا تفيد السائل من خلف الباب معرفة بالشخص الطارق، ولا يصح لك أن تعتمد على أن صوتك معروف عند من تطرق عليه، فإن الأصوات تلتبس وتشتبه، وليس كل من في الدار التي تطرق بابها يعرف صوتك، أو يميزه، والسمع في تمييزه الأصوات يخطئ ويصيب.
· كره النبي صلى الله عليه وسلم قول الطارق: (أنا)، لأنها لا تفيد شيئاً.
· عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال :(أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فدققت الباب، فقال لي: من هذا؟ فقلت :أنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أنا أنا؟! كأنه كرهها". رواه البخاري ومسلم.
· لهذا كان الصحابة رضي الله عنهم يسمون أنفسهم إذا قيل لهم : من هذا؟.(20/3)
· عن أبي ذر رضي الله عنه قال: خرجت ليلة من الليالي، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وحده، فجعلت أمشي في ظل القمر، فالتفت فرآني، فقال: من هذا؟ فقلت : أبو ذر". رواه البخاري ومسلم.
المرجع: من آداب الإسلام-عبد الفتاح أبو غدة.(20/4)
#أدب البحث والمناظرة
اصطلاحا: علم يتعلق بقواعد نظرية وأخلاقية تضبط المباحثات والمناظرات لاستبعاد الخطأ والشك من النتائج التى يتوصل إليها المتناظران.
وقد يعبر عنه بعلم "الجدل" لأن المجادل مناظر ايضا وربما يفسق بينهما بأن الجدل لايكون إلا بين اثنين متحاورين ، والنظر قد يكون من جانب شخص واحد يتأمل ويستنبط لنفسه.
والغرض من المناظرة إن كان لمجرد إفحام الخصم والتغلب عليه بصورة أو بأخرى فهى حرام وممنوعة وإن كانت المناظرة لإظهار الحق أو لإلزام الخصم بالحق والصواب فهى مشروعة ، وتكون فرض كفاية ، لأن إظهار الحق مصلحة عامة ومن فروض الكفاية ويدل عليه قوله تعالى {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتى هى أحسن}العنكبوت:46 ، وأيضا: {وجادلهم بالتى هى أحسن}النحل 125.
والجدل جدلان: جدل حسن وجدل مذموم ، وفيصل التفرقة بينهما هو: معرفة الحق والباطل: او تبين الخطأ والصواب ، وما ورد من ذم الشرع للجدل فى بعض آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية فالمقصود منه الجدل بمعنى السفسطة والمكابرة ، أو الجدل فيما لا مجال للعقل فيه.(21/1)
وعلم المناظرة أو الجدل علم إسلامى خالص ، ومن العسير تعيين بدايته الزمنية على وجه التحديد ، وأغلب الظن أنه نشأ على يد المتكلمين الأوائل من المعتزلة وغيرهم ، فى النصف الأول من القرن الثالث الهجرى ، على أقل تقدير ، فقد ذكر ابن فورك (ت 406هـ) أن الأشعرى (ت 324هـ) رد على البلخى فى كتابه الذى زعم فيه أنه أصلح غلط "ابن الراوندى" فى أدب الجدل ، وابن الراوندى هذا ولد سنة 205هـ ومات سنة 245هـ ، ويرجع ابن خلدون بعلماء هذا الفن إلى عصر متأخر ، وذلك أثناء تقسيمه لآداب المناظرة وقواعدها إلى طريقين: طريقة "البزدوى" (ت 493هـ) المطبقة فى الفقه والأحكام الشرعية ، وطريقة ركن الدين العميدى (ت 615هـ) المطبقة فى كل دليل يستدل به ، سواء فى العلوم الشرعية أو العلوم العقلية ، وهذا العلم يعالج أركان المناظرة ، وهى أربعة:
السؤال والجواب والاعتراض والاستدلال يبينها فى مباحث بالغة الدقة والمنهجية المنطقية مثل: أدوات السؤال وأقسامه:
السؤال الصحيح والفاسد ، أقسام الجواب ، ما يلزم السائل والمجيب ، المعارضة ، المنع ، النقض ، القدح ، القلب ، الكسر ، الدليل...الخ.
وعادة ما يلحق المؤلفون بهذه القواعد جملة من الآداب تتعلق بسلوك المتناظرين مثل:الحرص على إظهار الحق ، وعدم رفع الصوت ولزوم الهدوء والسكينة وعدم الاستهانة بالخصم مهما كان ضعيفا ، ووجوب الصبر على السائل حتى يفرغ من كلامه ، والتنبه إلى الفرق بين اليقين وغالب الظن والاحتتاج والتقريب...الخ.
أ.د/أحمد الطيب(21/2)
#أدب المسلم مع الكبير والمقارن
أدب المسلم مع الكبير في مماشاته ومحادثته وسائر معاملته.
· اعرف للكبير قدره وحقه.
· إذا ماشيته فسرعن يمينه متأخراً عنه بعض الشيء.
· إذا دخلت أو خرجت فقدمه عليك في الدخول والخروج.
· إذا التقيت به فأعطه حقه من السلام والاحترام.
· إذا اشتركت معه في حديث فمكنه من الكلام قبلك، واستمع إليه بإصغاء واحترام.
· إذا كان في الحديث ما يدعو للمناقشة فناقشه بأدب وسكينة ولطف.
· غض من صوتك في حديثك إليه.
· إذا خاطبته أو ناديته فلا تنس تكريمه في الخطاب والنداء.
· جاء أخوان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليحدثاه بحادثة وقعت لهما، وكان أحدهما أكبر من أخيه ، فأراد أن يتكلم الصغير، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : "كبر كبر". -أي أعط الكبير حقه، ودع لأخيك الأكبر الكلام - . رواه البخاري ومسلم .
· وقال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ليس منا من لم يجل كبيرنا"، -وفي رواية:" ليس منا من لم يوقر كبيرنا - ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه ". رواه الإمام أحمد.
أدب الصحبة بين المتقاربين في السن والعلم.
· قال الصحابي الجليل: مالك بن الحويرث رضي الله عنه : "أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن شيبة متقاربون -أي شباب متقاربون في السن - ، فأقمنا عنده عشرين ليلة، وكن رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيماً رفيقاً، فظن أننا قد اشتقنا أهلنا، فسألنا عن من تركنا من أهلنا؟ فأخبرناه، فقال : ارجعوا إلى أهليكم ، فأقيموا فيهم، وعلموهم ومروهم، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم ، وليؤمكم أكبركم ". رواه البخاري ومسلم.(22/1)
· حكى الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى، في ترجمة الفقيه (أبي الحسن علي بن مبارك الكرخي).فقال : قال لي القاضي أبو يعلى يوماً - وأنا أمشي معه - : إذا مشيت مع من تعظمه، أين تمشي منه ؟ قلت : لا ادري ، قال : عن يمينه ، تقيمه مقام الإمام في الصلاة، وتخلي له الجانب الأيسر، فإذا أراد أن يستنثر أو يزيل أذى، جعله في الجانب الأيسر .
المرجع: من آداب الإسلام-عبد الفتاح أبو غدة.(22/2)
#أدب تقديم الضيافة
أدب تقديم الضيافة
البدء فيها بالأكبر أو الأعلم ثم من على يمينه.
· روى مسلم في "صحيحه "في (باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما).عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال:( كنا إذا دعينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طعام، لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيضع يده ).
· عقد الإمام النووي رحمه الله تعالى، في كتابه "رياض الصالحين " باباً خاصاً بعنوان "باب توقير العلماء والكبار وأهل الفضل وتقديمهم على غيرهم، ورفع مجالسهم وإظهار مرتبتهم".
· قال الله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ }الزمر9.
· عن أبي مسعود عقبة بن عمرو البدري الأنصاري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله"، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة،فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سناً". رواه مسلم .
· عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ليلني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم ". رواه مسلم .
· عن جابر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كن يجمع بين الرجلين من قتلى أحد، يعني في القبر، ثم يقول : أيهما أكثر أخذاً للقرآن؟ فإذا أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد. رواه البخاري .
· عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أراني في المنام أتسوك بسواك ، فجاءني رجلان أحدهما أكبر من الآخر،فناولت السواك الأصغر، فقيل لي :كبر ، فدفعته إلى الأكبر منهما . رواه مسلم .(23/1)
· عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن من إجلال الله تعالى أكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وكرام ذي السلطان المقسط". رواه أبو داود وهو حديث حسن .
· عن ميمون بن أبي شبيبة رحمه الله تعالى، أن عائشة رضي الله عنها مر بها سائل، فأعطته كسرة، ومر بها رجل عليه ثياب وهيئة، فأقعدته فأكل ، فقيل لها في ذلك ؟ فقالت:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أنزلوا الناس منازلهم" . - رواه أبو داود والحاكم.
· عن أبي سعيد سمرة بن جندب رضي الله عنه قال :" لقد كنت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاماً، فكنت أحفظ عنه، فما يمنعني من القول إلا أن ها هنا رجالاً هم أسن مني" . رواه البخاري ومسلم.
· السنة في الضيافة والتكريم البدء بالأكبر أو الأفضل أو الأعلم به ثم بمن على يمينه.
· السنة البدء بمن كان في أول اليمين للمضيف حينما يكون الحاضرون متساوون متقاربون في الخصال أو الفضائل أو السن.
· قال ابن رشد ، في كتابه "البيان والتحصيل ": "إذا استوت أحوال المجتمعين أو تقاربت، كانت البداية باليمين مما يستحيي مكارم الأخلاق".
· في ذلك من ترك إظهار ترفيع بعضهم على بعض بالتبدئة به.
· ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أتي بلبن قد شيب -أي مزج - بماء، وعن يمينه أعرابي، وعن يساره أبوبكر، فشربه ثم أعطاه الأعرابي وقال: : " الأيمن فالأيمن" .
· لا يعطي الذي على يساره وإن كان أحق بالتبدئة من الذي على يمينه، لعلمه أو خيره وسنه، إلا بعد أن يستأذنه في ذلك.
· ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أتي بشراب فشرب منه، وعن يمينه غلام، وعن يساره الأشياخ، فقال للغلام :( أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟ فقال :لا والله يا رسول الله ، لا أؤثر بنصيبي منك أحداً، فتله رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده -أي وضعه في يد الغلام بقوة وعزم إشارة وإيذاناً منه إلى أنه حقه -).(23/2)
· فالبدء باليمين مطلقاً مشروع إذا لم يكن هناك وصف فاضل يقتضي التقديم لصاحبه على من سواه.
· أما في حال طلب السقي من صغير أو مفضول أو نحوه، فقد صار هو صاحب الحق بإجابته والبدء به لطلبه، ثم بمن على يمينه بعده.
· إذا لحظ -عند تقديم ما طلبه إليه من الماء أو سواه – أن من هو أكبر منه أو أفضل ، له توجه إلى ما قدم إليه ، فآثره بالبدء به، رعاية للأدب الإسلامي في الإيثار، فذاك فضل كبير قد حازه.
المرجع: من آداب الإسلام-عبد الفتاح أبو غدة.(23/3)
#أسباب الحياة السعيدة
1. من أعظم الأسباب للحياة السعيدة الإيمان والعمل الصالح
· قال تعالى: { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [النحل:97].
· وعد الله أنه من يجمع بين الإيمان والعمل الصالح، بالحياة الطيبة في هذه الدار، وبالجزاء الحسن في هذه الدار وفي دار القرار.
· إن مع المؤمنين بالله حق الإيمان أصول وأسس يتلقون فيها جميع ما يرد عليهم من أسباب السرور والابتهاج، وأسباب القلق والهم والأحزان.
· أنهم يتلقون المحاب والمسار بقبولٍ حسن وشكرٍ عليها، واستعمالها فيما ينفع
· أنهم يتلقون المكاره والمضار والهم والغم بالمقاومة لما يمكنهم مقاومته، وتخفيف ما يمكنهم تخفيفه، والصبر الجميل عليها وبذلك يحصل لهم من آثار المكاره من المقاومات النافعة، والتجارب والقوة، ومن الصبر واحتساب الأجر والثواب أمور عظيمة تضمحل معها المكاره، وتحل محلها المسار والآمال الطيبة.
· الطمع في فضل الله وثوابه، كما عبر النبي عن هذا في الحديث الصحيح أنه قال: { عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له،وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن } [رواه مسلم].
· فالمؤمن يتضاعف أجره وخيره وثمرات أعماله في كل ما يطرقه من السرور و المكاره. لهذا تجد اثنين تطرقهما نائبة من نوائب الخير أو الشر فيتفاوتان تفاوتاً عظيماً في تلقيها، وذلك بحسب تفاوتهما في الإيمان والعمل الصالح.(24/1)
· هذا الموصوف بهذين الوصفين يتلقى الخير والشر بما ذكرناه من الشكر والصبر وما يتبعهما، فيحدث له السرور والابتهاج، وزوال الهم والغم، والقلق، وضيق الصدر، وشقاء الحياة وتتم له الحياة الطيبة في هذه الدار. والآخر يتلقى المحاب بأشرٍ وبطرٍ وطغيان. فتنحرف أخلاقه ويتلقاها كما تتلقاها البهائم بجشع وهلع، ومع ذلك فإنه غير مستريح القلب، بل مشتته من جهات عديدة.
· فالمؤمن إذا ابتلي بمرض أو فقر، أو نحوه فإنه بإيمانه وبما عنده من القناعة و الرضى بما قسم الله له فيكون قرير العين، لا يتطلب بقلبه أمراً لم يقدر له، ينظر إلى من هو دونه، ولا ينظر إلى من هو فوقه، وربما زادت بهجته وسروره وراحته على من هو متحصل على جميع المطالب الدنيوية، إذا لم يؤت القناعة.
· البر والفاجر، والمؤمن والكافر يشتركان في جلب الشجاعة الاكتسابية، وفي الغريزة التي تلطف المخاوف وتهونها، ولكن يتميز المؤمن بقوة إيمانه وصبره وتوكله على الله واعتماده عليه، واحتسابه لثوابه أموراً تزداد بها شجاعته، وتخفف عنه وطأة الخوف، وتهون عليه المصاعب، كما قال تعالى: { إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ} [النساء:104].
2. من الأسباب التي تزيل الهم والغم والقلق
· الإحسان إلى الخلق بالقول والفعل وقول المعروف والإصلاح بين الناس
· يهون الله على المؤمن بذل المعروف لما يرجوه من الخير، ويدفع عنه المكاره بإخلاصه واحتسابه، قال تعالى: { لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:114].(24/2)
· أن هذه الأمور كلها خير ممن صدرت منه. والخير يجلب الخير، ويدفع الشر. وأن المؤمن المحتسب يؤتيه الله أجراً عظيماً ومن جملة الأجر العظيم: زوال الهم والغم ونحوه.
3. من أسباب دفع القلق الناشئ عن توتر الأعصاب ونحوه
· الاشتغال بعمل من الأعمال أو علم من العلوم النافعة. فإنها تلهي القلب عن اشتغاله بذلك الأمر الذي أقلقه.
· هناك فرق كبير بين المؤمن وغيره من حيث التأثير عليه.
· فالمؤمن يمتاز بإيمانه وإخلاصه واحتسابه في اشتغاله بذلك العلم الذي يتعلمه أو يعلمه، إن كان عبادة فهو عبادة، وإن كان شغلاً دنيوياً أو عادةً أصحبها النية الصالحة. وقصد الاستعانة بذلك على طاعة الله، فلذلك أثره الفعال في دفع الهم و الغموم والأحزان.
· فكم من إنسان ابتلي بالقلق وملازمة الأكدار، فحلت به الأمراض المتنوعة، فصار دواؤه الناجع (نسيانه السبب الذي كدره وأقلقه، واشتغاله بعمل من مهماته).
· مما يدفع إلى الهم والقلق اجتماع الفكر كله على الاهتمام بعمل اليوم الحاضر، وقطعه عن الاهتمام في الوقت المستقبل، وعن الحزن على الوقت الماضي.
· استعاذ النبي من الهم والحزن، في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم، فلا ينفع الحزن على الأمور الماضية التي لا يمكن ردها ولا استدراكها
· قد يكون الهم الذي يحدث بسبب الخوف من المستقبل، فعلى العبد أن يكون ابن يومه، يجمع جده واجتهاده في إصلاح يومه ووقته الحاضر، فإن جمع القلب على ذلك يوجب تكميل الأعمال، ويتسلى به العبد عن الهم والحزن.
· كان النبي إذا دعا بدعاء أو أرشد أمته إلى دعاء فإنما يحث مع الاستعانة بالله والطمع في فضله على الجد والاجتهاد في التحقق لحصول ما يدعو بحصوله.
· العبد يجتهد فيما ينفعه في الدين والدنيا، ويسأل ربه نجاح مقصده ويستعينه على ذلك(24/3)
· قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإذا أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان } [رواه مسلم] جمع النبي بين الأمر بالحرص على الأمور النافعة في كل حال والاستعانة بالله وعدم الانقياد للعجز الذي هو الكسل الضار وبين الاستسلام للأمور الماضية النافذة، ومشاهدة قضاء الله وقدره.
4. من أعظم الأسباب التي تشرح الصدر وتطمئنه
· الإكثار من ذكر الله فإن لذلك تأثيراً عجيباً في انشراح الصدر وطمأنينته، وزوال همه وغمه، قال تعالى:{أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28]، فلذكر الله أثر عظيم في حصول هذا المطلوب لخاصيته، ولما يرجوه العبد من ثوابه وأجره.
· التحدث بنعم الله الظاهرة والباطنة، فإن معرفتها والتحدث بها يدفع الله به الهم والغم، ويحث العبد على الشكر الذي هو أرفع المراتب وأعلاها حتى ولو كان العبد في حالة فقر أو مرض أو غيرهما من أنواع البلايا.
· الصبر على المكاره والمصائب إذا ابتلى الله بها العبد، وأدى فيها وظيفة الصبر والرضى والتسليم، هانت وطأتها، وكان تأميل العبد لأجرها وثوابها والتعبد لله بالقيام بوظيفة الصبر والرضى، يدع الأشياء المرة حلوة فتنسيه حلاوةُ أجرها مرارة صبرها.
· الإقتداء بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم حيث يقول: { انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم} [رواه البخاري].(24/4)
· إزالة الأسباب الجالبة للهموم وفي تحصيل الأسباب الجالبة للسرور وذلك بنسيان ما مضى عليه من المكاره التي لا يمكنه ردها، ومعرفته أن اشتغال فكره فيها من باب العبث والمحال، وأن ذلك حمق وجنون، فيجاهد قلبه عن التفكر فيها وكذلك يجاهد قلبه عن قلقه لما يستقبله، مما يتوهمه من فقر أو خوف أو غيرهما من المكاره التي يتخيلها في مستقبل حياته. فيعلم أن الأمور المستقبلة مجهول ما يقع فيها من خير وشر وآمال وآلام، وأنها بيد العزيز الحكيم، ليس بيد العباد.
· استعمال الأدعية الأتي التي كان النبي يدعو به: { اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، والموت راحة لي من كل شر } [رواه مسلم]. وكذلك قوله: { اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عينْ وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت } [رواه أبو داود بإسناد صحيح].
· وضع أسوأ الاحتمالات التي تنتهي به مصيبتك ، ويوطن على ذلك نفسه، فإذا فعل ذلك فليسع إلى تخفيف ما يمكن تخفيفه بحسب الإمكان، فبهذا التوطين وبهذا السعي النافع، تزول همومه وغمومه، ويكون بذل ذلك السعي في جلب المنافع، وفد دفع المضار الميسورة للعبد.
5. من أعظم العلاجات لأمراض القلب العصبية و البدنية
· قوة القلب وعدم انزعاجه وانفعاله للأوهام والخيالات التي تجلبها الأفكار السيئة. والغضب والتشوش من الأسباب المؤلمة ومن توقع حدوث المكاره وزوال المحاب، أوقعه ذلك في الهموم والغموم والأمراض القلبية والبدنية، والانهيار العصبي الذي له آثاره السيئة التي قد شاهد الناس مضارها الكثيرة.(24/5)
· اعتمد القلب على الله، وتوكله عليه، ولا يستسلم للأوهام ولا ملكته الخيالات السيئة، ووثق بالله وطمع في فضله، اندفعت عنه بذلك الهموم والغموم، وزالت عنه كثير من الأسقام البدنية والقلبية، وحصل للقلب من القوة والانشراح والسرور ما لا يمكن التعبير عنه والمعافى من عافاه الله ووفقه لجهاد نفسه لتحصيل الأسباب النافعة المقوية للقلب، الدافعة لقلقه، قال تعالى: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } [الطلاق:3].
· المقارنة بين النعم الحاصل عليها والمكروه الذي أصابه فعند المقارنة يتضح كثرة ما هو فيه من النعم، واضمحلال ما أصابه من المكاره وكذلك المقارنة بين ما يخافه من حدوث ضرر عليه، وبين الاحتمالات الكثيرة في السلامة منها فلا يدع الاحتمال الضعيف يغلب الاحتمالات الكثيرة القوية وبذلك يزول همه وخوفه.
· معرفة أن أذية الناس لك وخصوصاً في الأقوال السيئة، لا تضرك بل تضرهم، إلا إن أشغلت نفسك في الاهتمام بها، وسوغت لها أن تملك مشاعرك، فعند ذلك تضرك كما ضرتهم، فإن أنت لم تضع لها بالاً لم تضرك شيئاً.
· اعلم أن حياتك تبع لأفكارك، فإن كانت أفكاراً فيما يعود عليك نفعه في دين أو دنيا فحياتك طيبة سعيدة. وإلا فالأمر بالعكس.
· أن توطن نفسك على أن لا تطلب الشكر إلا من الله، فإذا أحسنت إلى من له حق عليك أو من ليس له حق، فاعلم أن هذا معاملة منك مع الله. فلا تبال بشكر من أنعمت عليه، كما قال تعالى في حق خواص خلقه: { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً } [الإنسان:9].
· اجعل الأمور النافعة نصب عينيك واعمل على تحقيقها، ولا تلتفت إلى الأمور الضارة لتلهو بذلك عن الأسباب الجالبة للهم والحزن واستعن بالراحة وإجماع النفس على الأعمال المهمة.(24/6)
· حسم الأعمال في الحال، والتفرغ في المستقبل لأن الأعمال إذا لم تحسم اجتمع عليك بقية الأعمال السابقة، وانضافت إليها الأعمال اللاحقة، فتشتد وطأتها، فإذا حسمت كل شيء بوقته أتيت الأمور المستقبلة بقوة تفكير وقوة عمل.
· أن تتخير من الأعمال النافعة الأهم فالأهم، وميز بين ما تميل نفسك إليه وتشتد رغبتك فيه، فإن ضده يحدث السآمة والملل والكدر، واستعن على ذلك بالفكر الصحيح والمشاورة، فما ندم من استشار، وادرس ما تريد فعله درساً دقيقاً، فإذا تحققت المصلحة وعزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين.
المرجع: الوسائل المفيدة للحياة السعيدة-عبدالرحمن السعدي-دار الوطن.(24/7)
#أسباب شرح الصدر
من أسباب شرح الصدر
مقدمة
- ينتاب المسلم القلق والأرق أحياناً.
- تطول مدته القلق مع قوم وتقصر مع آخرين.
- ترى الرجل إذا أصابته تلك الحالة:
· كئيباً كسيراً تتغير حاله.
· تتنكر له نفسه
· قد يعاف الطعام والشراب.
· في حالة بكاء وحزن.
· يكاد أن يقدم على خطوات تغير مجرى حياته مثل:
o طلاق للزوجة.
o ترك للوظيفة.
o انتقال عن المنزل.
o قد يصل أمره إلى الإنتحار.
- إن للهمّ أسباباً حسّية ومعنوية.
- وقد يكون الهم مفاجئاً لصاحبه لا يعرف له سبباً.
أسباب انشراح الصدر كثيرة:
السبب الأول: قوة التوحيد
- تفويض الأمر إلى الله تعالى.
- الاعتقاد الجازم أن الله عز وجل وحده الذي يجلب النفع ويدفع الضر.
- أنه تعالى لا رادّ لقضائه ولا معقب لحكمه.
- أنه تعالى عدل في قضائه، يعطي من يشاء بعدله، ولا يظلم ربك أحداً.
السبب الثاني: حسن الظن بالله
- أن تستشعر أن الله تعالى فارجٌ لهمك كاشفٌ لغمك.
السبب الثالث: كثرة الدعاء
- الإلحاح على الله بذلك.
- اعلم أن الله تعالى أرحم بك من أمك وأبيك وصحابتك وبنيك.
السبب الرابع: المبادرة إلى ترك المعاصي
- تفقد النفس والمبادرة إلى ترك المعاصي.
- محاسبة النفس محاسبة صدق وإنصاف، محاسبة من يريد مرضاة ربه والخير لنفسه
السبب الخامس: أداء الفرائض والمداومة عليها
- الإكثار من النوافل من صلاة وصيام وصدقة وبر وغير ذلك.
السبب السادس: مجالسة الصالحين
- الجلوس مع هؤلاء مرضاة للرحمن، مسخطة للشيطان.
- فلازم جلوسهم ومجالسهم واطلب مناصحتهم.
- لا تجلس وحيداً.
السبب السابع: قراءة القرآن
- قراءة القرآن الكريم تدبراً وتأملاً.
السبب الثامن: أذكار الصباح والمساء
- يتبع ذلك أذكار اليوم والليلة.
- هذه الأذكار تحصن العبد المسلم بفضل الله تعالى من شر شياطين الجن والإنس.
- تزيد العبد قوةً حسيّة ومعنوية إذا قالها مستشعراً لمعانيها موقناً بثمارها ونتاجها.(25/1)
- كان رسول الله يقول عند الكرب:
· (لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم).
· ( اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل... ).
· ( يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث).
· ( اللهم رحمتك أرجوا فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأنه كله لا إله إلا أنت ).
· ( اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري، وجلاء حزني وذهاب غمي).
المرجع:من أسباب شرح الصدر-عبدالعزيز السدحان- دار القاسم.(25/2)
#أسباب مغفرة الذنوب
أسباب مغفرة الذنوب
مقدمة:
- كلنا ذوو خطأ.
- كلنا بحاجة ماسة إلى مغفرة الذنوب والمعاصي التي نقترفها بالليل والنهار.
أسباب مغفرة الذنوب
1 – الإسلام.
2 - الهجرة في سبيل الله. وهي الانتقال من دار الكفر إلى دار الإسلام .
3 - الحج المبرور.
4 - الذكر عند سماع الأذان.
- وهو قول:( أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، رضيت بالله رباً وبمحمد رسولاً وبالإسلام ديناً ).
5 - من وافق تأمينه تأمين الملائكة.
6 - من وافق قوله: ( سمع الله لمن حمده ) قول الملائكة.
7 - صلاة ركعتين لا سهو فيهما.
8 - مسح الحجر الأسود والركن اليماني.
9 - الاجتماع على ذكر الله.
10 - مرض الإنسان.
أسباب دفع العقوبات
- ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن المؤمن إذا فعل سيئة، فإن عقوبتها تندفع بنحو عشرة أسباب:
1- أن يتوب توبة نصوحاً، ليتوب الله عليه، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
2- أن يستغفر الله، فيغفر الله له.
3- أن يعمل حسنات يمحو بها تلك السيئة .
4- أن يدعو له إخوانه المؤمنون، ويشفعوا له حياً وميتاً.
5- أن يهدي له إخوانه المؤمنون من ثواب أعمالهم ما ينفعه الله به.
6- أن يشفع فيه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
7- أن يبتليه الله في الدنيا بمصائب في نفسه وماله وأولاده وأقاربه ومن يحب ونحو ذلك.
8- أن يبتليه في البرزخ بالفتنة والضغطة وهي عصر القبر، فيكفر بها عنه.
9- أن يبتليه الله في عرصات القيامة من أهوالها بما يكفّر عنه.
10- أن يرحمه أرحم الراحمين.
أسباب النجاة من النار
1 - من مات له ثلاثة من الولد وصبر.
2 - من عال ثلاث بنات أو أخوات، وأحسن إليهن.
3 - الذبّ والدفاع عن عرض المؤمن وهو غائب.
4 - من صلى أربعين يوماً في جماعة يدرك التكبيرة الأولى.
5 - حسن الخلق.
6 - المحافظة على صلاة الفجر والعصر.
7 - غبار الجهاد.
موجبات الجنة
1 - التلفظ بالشهادتين مع العمل بمقتضاهما.(26/1)
2 - إحصاء أسماء الله الحسنى.
والإحصاء معناه: الإيمان بها وحفظها والعمل بمقتضاها.
3 - قراءة آية الكرسي دبر كل صلاة.
4 - قراءة سورة تبارك.
5 – الصدقة.
6 - كفالة اليتيم.
7 - ترك سؤال الناس شيئاً.
8 - حفظ اللسان والفرج عن المحارم.
9 - الصبر على فقد الأحباب من الأولاد وغيرهم.
10 - طاعة المرأة لزوجها.
11 - المرأة تموت في نفاسها.
12 - البراءة من الكبر والغلول والدَين.
13 - صاحب السلطان المقسط والرجل الرحيم القلب والعفيف المتعفف ذو العيال.
14 - رحمة الحيوان.
15 - إماطة الأذى عن الطريق.
16 - التجاوز عن المعسر.
17 - من سأل الله الجنة ثلاثاً واستجار من النار ثلاثاً.
أسباب أخرى للنجاة
1 - الوضوء بعد الحدث وصلاة ركعتين بعد الوضوء.
2 - صوم يوم عرفة وعاشوراء.
3 - من أقال مسلماً .
المرجع: أسباب مغفرة الذنوب- دار الوطن.(26/2)
#أشراط علم الساعة
- أشراط الساعة : هي علامات القيامة التي تسبقها وتدل على قربها .
- أقسام أشراط الساعة :
o أشراط صغرى .
o أشراط كبرى .
o وقسم بعض العلماء أشراط الساعة من حيث ظهورها إلى ثلاثة أقسام :
قسم ظهر وانقضى .
قسم ظهر ولا يزال يظهر ويتتابع ويكثر .
قسم لم يظهر إلى الآن .
- أشراط الساعة الصغرى :
1. بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - .
2. موت النبي - صلى الله عليه وسلم - .
3. فتح بيت المقدس .
4. طاعون عمواس .
5. استفاضة المال والاستغناء عن الصدقة .
6. ظهور الفتن ، ومن عواصم الفتن ما يلي :
الإيمان بالله واليوم الآخر .
لزوم جماعة المسلمين .
الابتعاد عن الفتن .
التعوذ منها .
7. ظهور مدعي النبوة .
8. انتشار الأمن .
9. ظهور نار بالحجاز .
10. قتال الترك .
11. قتال العجم .
12. ضياع الأمانة .
13. قبض العلم وظهور الجهل .
14. كثرة الشرط وأعوان الظلمة .
15. انتشار الزنا .
16. انتشار الربا .
17. ظهور المعازف واستحلالها .
18. كثرة شرب الخمر واستحلالها .
19. زخرفة المساجد والتباهي بها .
20. التطاول في البنيان .
21. ولادة الأمة ربتها .
22. كثرة القتل .
23. تقارب الزمان .
24. تقارب الأسواق .
25. ظهور الشرك في هذه الأمة .
26. ظهور الفحش وقطيعة الرحم وسوء الجوار .
27. تشبب المشيخة .
28. كثرة الشح .
29. كثرة التجارة .
30. كثرة الزلازل .
31. ظهور الخسف والمسخ والقذف .
32. ذهاب الصالحين .
33. ارتفاع الأسافل .
34. أن تكون التحية للمعرفة .
35. التماس العلم من الأصاغر .
36. ظهور الكاسيات العاريات .
37. صدق رؤيا المؤمن .
38. كثرة الكتابة وانتشارها .
39. التهاون بالسنن التي رغب فيها الإسلام .
40. انتفاخ الأهلة .
41. كثرة الكذب وعدم التثبت في نقل الأخبار .
42. كثرة شهادة الزور وكتمان شهادة الحق .
43. كثرة النساء وقلة الرجال .
44. كثرة موت الفجأة .
45. وقوع التناكر بين الناس .(27/1)
46. عود أرض العرب مروجاً وأنهاراً .
47. كثرة المطر وقلة النبات .
48. حسر الفرات عن جبل من ذهب .
49. كلام السباع والجمادات للإنس .
50. تمني الموت من شدة البلاء .
51. كثرة الروم وقتالهم للمسلمين .
52. فتح القسطنطينية .
53. خروج القحطاني .
54. قتال اليهود .
55. نفي المدينة لشرارها ثم خرابها أخر الزمان .
56. بعث الريح الطيبة لقبض أرواح المؤمنين .
57. استحلال البيت الحرام وهدم الكعبة .
58. التقليد واتباع سنن الأمة الماضية .
59. فتنة الأحلاس والدهماء .
60. الفرار بالدين إلى شعف الجبال من شدة الفتن .
61. رفض السنة النبوية .
62. تداعي الأمم على الأمة الإسلامية .
63. قطع المال والغذاء عن العراق وغيرها من بلاد الإسلام .
64. كثرة الروم .
- أشراط الساعة الكبرى :
1. المهدي :
اسمه وصفته .
وصفته الواردة .
مكان خروجه .
الأدلة من السنة على ظهوره .
2. المسيح الدجال :
معنى الدجال .
صفة الدجال .
مكان خروج الدجال .
اتباع الدجال .
فتنة الدجال وسبب هذه الفتنة :
· ظهور زهرة الدنيا والخصب معه ، واستجابة الجماد لأمره .
· يجيء الدجال معه مثل الجنة والنار يتبعه نهران .
· سرعة انتقاله في الأرض والبلاد التي لا يستطيع دخولها .
· استجابة الشيطان لأوامره .
· قتله للشاب المؤمن ثم إحياءه .
والوقاية من هذه الفتنة بأمور :
· التمسك بالإسلام والتسلح بسلاح الإيمان .
· التعوذ من فتنة الدجال وخاصة في الصلاة .
· حفظ آيات من سورة الكهف .
· الفرار من الدجال والابتعاد منه والأفضل سكنى مكة والمدينة .
هلاك الدجال .
3. نزول عيسى عليه السلام .
4. يأجوج ومأجوج .
5. الخسوفات الثلاثة .
6. الدخان .
7. طلوع الشمس من مغربها .
8. الدابة .
9. رفع القرآن واندراس الإسلام .
10. النار التي تحشر الناس .
المرجع : مختصر أشراط الساعة الصغرى والكبرى – عوض بن علي بن عبد الله – دار الوطن.(27/2)
#أعمال اليوم – الأسبوع – الشهر- السنة - العمر-1
أعمال اليوم – الأسبوع – الشهر- السنة - العمر.
أولاً: أعمال اليوم والليلة
· أن تجدد النية وتخلص الوجهة لله تعالى، كل ليلة قال تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } (البينة5).
· أن تحافظ على تكبيرة الإحرام والصف الأول في صلاة الفجر في المسجد، ما وسعك ذلك. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه" (متفق عليه). وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها" (رواه مسلم).
· أن تحافظ على أداء الصلوات الخمس في جماعة أولى في المسجد ما أمكن ولا تصلي فرضاً في البيت إلا لضرورة. قال تعالى: { إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً }(النساء103).
· أن تكثر من تلاوة القرآن الكريم، وألا يقل وردك اليومي عن جزء، واجتهد أن تكون التلاوة بتدبر وخشوع. قال تعالى: {أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً } (المزمل4).
· أن تصلي من الليل، ولو ركعتين بصفة دائمة إن أمكن قال تعالى:{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ }(السجدة16 ) . وقال تعالى:{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }السجدة17.(28/1)
· أن تستغفر الله وقت السحر بسيد الاستغفار: "اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت"، وأن تداوم على ذلك.
· أن تحافظ على صلاة الضحى، ولو ركعتين، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى ثماني ركعات كل يوم، وأوصى أبا هريرة رضي الله عنه بركعتي الضحى، ونص الحديث في الصحيحين: "أوصاني خليلي بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام".
· أن تحافظ على الأدعية وأذكار الصباح والمساء، وتتذكر إخوانك في مشارق الأرض ومغاربها وقت الغروب وتدعو لهم. قال تعالى: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى }طه130 .
· أن تحاسب نفسك يومياً، ولو بمقدار خمس دقائق قبل النوم، وتجدد العزم على التوبة:
· أن تتفكر في خلق الله (الكون، البحر، السماء، الجبال، الأشجار...)، ولو بنظرة واحدة صادقة من القلب وتقول: { رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }آل عمران191.
· أن تحافظ على وضوئك طوال اليوم، وإذا فقدته سارع بتجديده مرة أخرى، فالوضوء سلاح المؤمن، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
· أن تقرأ في تخصصك إن كنت من أهل الاختصاص، ولو بمقدار صفحة. قال تعالى: " {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ } (العلق3).
· أن تمارس رياضة، ولو بمقدار عشر دقائق يومياً (مشي، سويدي، ضغط، جري في المكان....). عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير..." (رواه مسلم).(28/2)
· لا تسرف في السهر، بل نم مبكراً، واستيقظ مبكراً، فهذا من هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم.
· أن تحتك بالمتميزين خلقياً وعملياً، كلما أتيحت لك الفرصة وتحذو حذوهم قال تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ } (الأنعام90).
· أن تحدد أولوياتك بوضوح، ولا تنشغل بالمفضول عن الفاضل، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " لا يقبل الله عمل الليل بالنهار ولا عمل النهار بالليل، ولا يقبل الله النافلة حتى تؤدى الفريضة".
· أن تكتب لنفسك خمسة أهداف واضحة ومحددة وقابلة للتنفيذ، وأن تبدأ بتنفيذها فوراً، ولا تسوف.
· أن تكون متفائلاً وعندك أمل في تغيير نفسك إلى الأفضل، قال تعالى: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } (آل عمران139).
· أن تتصف بالصبر والمصابرة والمجاهدة واحتساب الأجر وتعب النفس عند الله وأن تعيد تجديد نشاطك عند كل مناسبة، قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } (آل عمران200).
· أن تجلس مع أولادك وأهلك ولو بمقدار نصف ساعة على قصة قصيرة أو خاطرة أو طرفة أو خلق أو أدب أو آية من القرآن أو حديث شريف.
· أن تلتزم بأداء حقوق الغير ولا تقصر فيها، وخاصة حقوق الوالدين، حقوق الزوجة، حقوق الأولاد، حقوق الجيران، حقوق الأرحام والأقارب، حقوق الإخوان، حقوق الأصحاب، قال الشاعر:
وابدأ بأهلك إن دعوت فإنهم ** أولى الورى بالنصح منك وأقمنُ
والله يأمر بالعشيرة أولاً ** والأمر من بعد العشيرة هينُ(28/3)
· أن تكثر من صيام التطوع وخاصة الأيام القمرية والاثنين والخميس والمناسبات الدينية وشهر الله المحرم، وشهري رجب وشعبان، والتسع الأوائل من ذي الحجة.. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن رب العزة سبحانه وتعالى: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به" (رواه البخاري).
· أن تحافظ على غض البصر وكف الأذى وعدم الغيبة وحفظ اللسان ما أمكنك ذلك، وأن تتحرى الحلال في المأكل والمشرب. قال تعالى:{وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } (الإسراء36).
· أن تداوم على الذكر في جميع الأحوال والأوقات، في الركوب والترحال والذهاب والعودة ما وسعك ذلك. قال تعالى {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } (آل عمران191).
· أن تكتب لنفسك قائمة أعمال يومية، وتسعى في تحقيق هذه الأعمال والذي لا يُنجز يرحل لليوم التالي: قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } (الحشر18).
· لا تكثر من النوم ولا تزد في يومك على ست ساعات ويمكن تقسيمها إلى ساعة واحدة في القيلولة وخمس ساعات ليلاً، ولا ترهق نفسك في العمل البدني أكثر مما يجب حتى تشعر بلذة العبادة.(28/4)
· أن تكثر من ذكر هادم اللذات ومفرق الجماعات: الموت، وأن تعيش في هذه الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمر: " كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل"، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك".
· إياك والشبع وكثرة تناول الطعام، واستجب لوصية الرسول صلى الله عليه وسلم: " نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع".
· أن تحقق في نفسك الصفات العشر للمسلم الملتزم وهي: قوي الجسم، متين الخلق، مثقف الفكر، قادر على الكسب، سليم العقيدة، صحيح العبادة، مجاهد لنفسه، حريص على وقته، منظم في شؤونه، نافع لغيره.
· أن تتوافر في شخصيتك سمات الدعوة وهي: البساطة-التلاوة-الصلاة-الجندية-الخلق الحسن.
ثانياً: أعمال الأسبوع
· أن تصلي فجر الجمعة في المسجد، وتظل في ذكر وتلاوة القرآن في المسجد حتى بعد شروق الشمس بربع ساعة، ثم تصلي الضحى في المسجد، ثم تنصرف.
· أن تحافظ على تلاوة سورة الكهف صبيحة يوم الجمعة.
· أن تحضر مبكراً إلى صلاة الجمعة، وتلزم الصف الأول ما أمكن ذلك.
· أن تحرص على حضور درس علم في الأسبوع ما أمكن.
· أن تخرج صدقة ابتغاء وجه الله أسبوعياً وتواظب على ذلك.
· أن تحرص على غسل الجمعة وقص الأظافر، والنظافة العامة، والتطيب ولبس أجمل الثياب وغسل الأسنان، والوضوء قبل خروجك إلى المسجد.
· أن تحافظ على لقائك التربوي، ولا تتخلف عنه إلا لعذر قهري.
· أن تختلي بنفسك ساعة كل أسبوع لتخطط أعمال الأسبوع القادم.
· أن تعود مريضاً أو تزور أخاً لك في الله أو أكثر، وأن تحاول المواظبة على ذلك.
· أن تقوم بنزهة خلوية أو رحلة حقلية أو برية مع أهلك وأولادك ما أمكن ذلك.
· أن تمارس رياضة ما بين ساعة إلى ساعتين أسبوعياً، مثل: كرة قدم-كرة طائرة-مشي-عدو-سباحة-رماية-ركوب خيل دراجات...(28/5)
· أن تجدد التوبة وتعزم أن يكون الأسبوع القادم أفضل من الأسبوع الحالي.
· أن تصل الأرحام مرة على الأقل أسبوعياً وتواظب على ذلك.
· أن تستعد للقاء الله وأن توقن أن قيام الساعة سيكون يوم جمعة.
· أن تكثر من الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجمعة ويوم الجمعة.
· أن تحافظ على صيام يوم على الأقل في الأسبوع الاثنين أو الخميس.
· أن تجلس مع أهلك وأولادك بما لا يقل عن ساعة في الأسبوع بقراءة قدر من القرآن الكريم، مع حديث وقصة وبعض الخواطر والأخلاق والآداب التي نتحلى بها خلال الأسبوع.
· أن تكتب الاستفادة التي حصلت عليها هذا الأسبوع من درس علم أو قراءة كتاب أو معلومة جديدة في تخصصك أو نصيحة من غيرك وكذلك باقي أفراد أسرتك.
ثالثاً: أعمال الشهر
· أن تختم القرآن الكريم مرة على الأقل كل شهر وتواظب على ذلك ما أمكن.
· أن تقرأ كتاباً كل شهر على الأقل، وتلخص ما قرأت.
· محاولة كتابة مقالة وإرسالها إلى بعض الصحف أو المجلات.
· زيارة المقابر والاتعاظ بالموتى.
· القيام برحلة يوم كامل للترويح عن النفس والأهل والأولاد.
· أن تخصص ميزانية شهرية لك ولأهل بيتك ولزوجك وأولادك وتقسمها حسب: الضروريات الحاجيات التحسينات "الكماليات".
· أن تحفظ حزباً من القرآن الكريم كل شهر أي بمعدل ربع كل أسبوع ما أمكن ذلك.
رابعاً: أعمال السنة
· أن تحافظ على صيام شهر رمضان إيماناً واحتساباً وتجتهد في قيام الليل وكثرة الصدقات وإفطار الصائمين، وأن تعتبر هذا الشهر فرصة طيبة لحسن الصلة بالله، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } (البقرة183).
· أن تجتهد في عمل عمرة خلال العام وأفضلها عمرة رمضان، لأنها تعدل حجة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.(28/6)
· أن تخرج زكاة مالك خلال العام وهي 2.5%، بشرط أن يبلغ المال النصاب، وأن يحول عليه الحول.
· أن تتحرر من الديون؛ لأن الآجال بيد الله فلا تقابل ربك وأنت مدين لأحد من الناس، واعلم أن الشهيد يغفر له كل شيء إلا الدين، كما وضح المصطفى صلى الله عليه وسلم.
· أن تحاول إتقان إحدى اللغات بجانب لغة القرآن اللغة العربية، فقد أتقن زيد بن ثابت لغة السريانية في خمسة عشر يوماً بعد أن أمره النبي صلى الله عليه وسلم " يا زيد تعلم السريانية".
خامساً: أعمال العمر
· أداء فريضة الحج مرة واحدة على الأقل، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : "أيها الناس إن الله فرض عليكم الحج فحجوا"، فقال رجل: أفي كل عام يا رسول الله؟ وكررها ثلاثاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم...".(رواه مسلم).
· توفير مسكن مناسب ومصدر رزق طيب لأهلك ولأولادك من بعدك، فقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم سعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه فقال: "لأن تدع ورثتك أغنياء خير لك من أن تدعهم عالة يتكففون الناس" (متفق عليه).
· أن تكون من حفظة كتاب الله تعالى، فإن لم تستطع فحفِّظ أبناءك، فإن لم تستطع فعلى الأقل واحداً من أبنائك، أو بناتك، يكون حافظاً لكتاب الله، حتى يكون شفيعاً لك عند الله عز وجل يوم القيامة وتلبس تاج الوقار، الياقوتة فيه خير من الدنيا وما فيها.
· أن تترك أثراً في هذه الحياة يشهد لك عند الله يوم القيامة، " تبني مسجداً أو تنشئ معهداً، أو تورث علماً، أو تزرع شجرة، أو تهدي رجلاً، أو تمهل معسراً، أو تكفل يتيماً أو أكثر، أو تستقطع من راتبك شهرياً لمحتاجي المسلمين بشكل دائم، أو تنشئ وقفاً لله، أو أي عمل يشهد لك عند الله يوم القيامة ويكون خالصاً لله سبحانه وتعالى".(28/7)
· رد المظالم إلى أهلها، وطلب الصفح من الخلق إن كانت هناك مظلمة ولا تكن مفلساً يوم القيامة تأتي بصلاة وصيام وحج وصدقة، ولكن مظالم العباد عندك كثيرة.
· أن تكتب وصيتك الشرعية وتخبر بها زوجتك وأولادك ، وكن عادلاً مع أبنائك وأهلك، وألا توصي بأكثر من الثلث، كما أمرنا المصطفى صلى الله عليه وسلم.
وأخيراً:
يقول تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ } (الحج 78).
المصدر: خطة إيمانية شاملة-عبدالحميد البلالي.(28/8)
#أمهات المؤمنين
أمهات المؤمنين كنية كرم بها القرآن الكريم أزواج النبى صلى الله عليه وسلم فى قوله تعالى: {وأزواجه أمهاتهم}الأحزاب:6.
وكان الهدف من إطلاق هذه الكنية على أزواج النبى تقرير حرمة الزواج بهن بعد مفارقته صلى الله عليه وسلم وهو الحكم الوارد فى قوله تعالى: {وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ، ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما}الأحزاب:53.
وكان اعتبار زوجات النبى صلى الله عليه وسلم أمهات للمؤمنين بمثابة وسام وضع على صدورهن تكريما لهن ، وتقديرا لدورهن فى مسيرة الدعوة.
وقد أطلقت هذه الكنية على ثلاث عشرة امرأة تزوج بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يجتمع فى عصمته في ترفه من الزوجات فى وقت واحد أكثر من تسع نساء. وكان اقترانه بهن على الترتيب التالى:
الأولى: خديجة بنت خويلد واقترن بها صلى الله عليه وسلم قبل الوحى بخمس عشرة سنة، وولدت له ذكرين وأربع إناث ، وتوفيت فى العاشر من رمضان سنة عشرة للبعثة.
الثانية: سودة بنت زمعة تزوجها صلى الله عليه وسلم فى رمضان سنة عشرة للبعثة، وتوفيت فى آخر زمان عمر بن الخطاب.
الثالثة: عائشة بنت أبى بكر الصديق تزوجها النبى صلى الله عليه وسلم فى شوال من السنة الأولى للهجرة وهى الوحيدة من بين نساء النبى التى تزوجها بكرا وتوفيت عائشة فى ليلة السابع عشر من رمضان من السنة الثامنة والخمسين للهجرة.
الرابعة: حفصة بنت عمر بن الخطاب ،تزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم فى منتصف السنة الثالثة للهجرة، وتوفيت فى شعبان من السنة الخامسة والأربعين للهجرة.
الخامسة: زينب بنت خزيمة بن الحارث الهلالية، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فى رمضان من السنة الثالثة للهجرة. ولبثت عنده ثمانية أشهر، وماتت بالمدينة وعمرها نحو ثلاثين سنة.(29/1)
السادسة: أم سلمة، اسمها هند بنت سهيل ، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فى العشر الأواخر من شوال سنة أربعة للهجرة، وتوفيت فى رمضان سنة تسع وخمسين للهجرة.
السابعة: زينب بنت جحش ،زوجها الله لرسوله حيث قال تعالى: {فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكى لا يكون على المؤمنين حرج فى أزواج أدعيائهم}الأحزاب:37. وبنى رسول الله صلى الله عليه وسلمبها فى هلال ذى القعدة من العام الخامس للهجرة ، وماتت سنة عشرين للهجرة فى خلافة عمر بن الخطاب.
الثامنة: جويرية بنت الحارث تزوجها النبى صلى الله عليه وسلم سنة ست للهجرة، وهى أول سرية للرسول ، وتوفيت فى ربيع الأول سنة ست وخمسين للهجرة.
التاسعة: أم حبيبة بنت أبى سفيان واسمها رملة وهاجرت مع زوجها عبد الله ابن جحش إلى الحبشة فتنصر وثبتت هى على إسلامها فأرسل النبى صلى الله عليه وسلم إلى النجاشى أن يزوجه أم حبيبة بتوكيل منه ، وعادت إلى المدينة فى المحرم سنة سبع للهجرة، وتوفيت سنة آربع وأربعين فى خلافة أخيها معاوية بن أبى سفيان.
العاشرة: صفية بنته حُيَىّ بن أخطب ،وهى السرية الثانية، أسلمت فأعتقها وأصدقها عتقها وتزوجها، وكان أبوها حيى ابن أخطب من بنى النضير، وبنى بها فى ربيع الأول للسنة السابعة للهجرة، وماتت فى السنة الثانية والخمسين للهجرة.
الحادية عشرة: ميمونة بنت الحارث ، وهى أخت جويرية تزوجها فى ذى القعدة سنة سبع للهجرة، وكانت قد وهبت نفسها له كما جاء فى قوله تعالى: {وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبى}الأحزاب:50 ، توفيت عام واحد وخمسين للهجرة.
الثانية عشرة: ريحانة بنت زيد، خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الإسلام والعتق والزواج أو البقاء على اليهودية فاختارت الاسلام وكان ذلك فى أواخر السنة الخامسة للهجرة وعاشت ريحانة بضع سنوات ثم توفيت فى أواخر السنة العاشرة للهجرة.(29/2)
الثالثة عشرة: مارية القبطية، وهى التى أهداها عظيم القبط بمصر للرسول صلى الله عليه وسلم فبقيت فى بيت النبوة ملك يمين حتى حملت بإبراهيم فصارت أم ولد محررة، وهى بحكم موقعها من النبى تعتبر من أمهات المؤمنين ،وقد ماتت فى المحرم من السنة السادسة عشر للهجرة.
أ.د/عبد الصبور شاهين(29/3)
#أمير الأمراء
لغة: يقال رجل إمَّرٌ وإمَّرةٌ وأمَّارة: يستأمر كل أحد فى أمره ، والأمير: الملك لنفاذ أمره ، بَيّن الإمارة والأمارة، والجمع أمراء، كما فى اللسان.(1)
واصطلاحا: كان يُلقّب به القائد الأعلى للجيش ، تلقب به "مؤنس الخادم" قائد القواد، أو أمير الأمراء العباسى.
ثم أصبح مرتبة من مراتبه التشريف أدخلها الخلفاء العباسيون على نظامهم الادارى سنة 324هـ-936م ، وذلك عندما عيّن الخليفة العباسى الراضى (322-329هـ/933-940م) محمد بن رائق أمير منطقة واسط والبصرة، أميرا للأمراء فى محاولة منه لتحسين الأوضاع المتردية فى الدولة آنئذ، وقد أسند إليه الخليفة أمر الخراج ، والضرائب ، و الدواوين ، والجيش ،والمعاونة فى كل شئ وأمر- بأن يُخطَب له على المنابر بجانب الخليفة، وأصبح الوزير بجانبه لا يساوى شيئا.
ومع ضعف سلطان الخلافة استبد حاملو هذا اللقب ، وتحوّلوا إلى ملوك أو سلاطين ،وكانوا سببا ساعد على نشأة الدويلات المستقلة عن الخلافة العباسية، وأضحى الخلفاء بجانبهم أشباحا، وبدلا من أن تساعد نشأة هذا المنصب على حل مشاكل الدولة العباسية، أضافت أعباء إلى أعبائها، وكانت من عوامل ضعفها ثم انهيارها.
أ.د/عبد الله محمد جمال الدين(30/1)
#أمير المؤمنين
لقب إسلامى لم يعرف بمعناه المتداول إلا منذ عهد الخلفاء الراشدين فقيل: إن بعض الصحابة دعا "عمر بن الخطاب" ملقبا إياه بلقب "أمير المؤمنين" فاستصوبه الناس ودعوه به. فأريد به رئيس دولة الإسلام.
وكان قواد البعوث يلقبون به فيعنى قائد الجند، ولقَّب الصحابة به "سعد ابن أبى وقاص" وقالوا إنه "أمير المؤمنين"، لأنه كان أميرا على جيش القادسية.
وقيل: إن السبب فى استعمال هذا اللقب دالا على خليفة المسلمين: أن بريدا جاء بخبر الفتح من بعض البلاد التى أرسلت قوات إسلامية لفتحها. ودخل حامل البريد المدينة المنورة وهو يسأل عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول: أين أمير المؤمنين؟ وسمعها الصحابة فاستحسنوا هذا اللقب وقالوا: أصبت والله اسمه ، إنه والله أمير المؤمنين حقا ، فدعوه بذلك ، وذهب لقبا توارثه الخلفاء.
ويرى بعض الباحثين أن إطلاق هذه الكلمة على رئيس دولة الإسلام يشير إلى أن المسلمين قد أصبحوا قوة يحسب لها ألف حساب ، وأن عمر رضى الله عنه أصبح أميرا لهذه القوة، وإطلاقه على ذلك يتمشى مع عهد الفتوحات الاسلامية لما فى اللفظ من معنى الجمع بين السلطتين: الحربية والادارية.
أضف إلى هذا أن اللقب يمثل تعبيرا دقيقا عن مهمة الخليفة وعن طبيعة السلطة التى خولتها الأمة لحاكمها. بحيث تنتفى عنه شبهة الوراثة لمهمة النبى الدينية المتمثلة فى نزول الوحى عليه ، صلى الله عليه وسلم كما تنفى عنه شبهة استبداد الملوك أو تجبر القياصرة أو الأكاسرة على النحو الذى كان معروفا آنئذ.
ومهما يكن من أمرفقد استمر اللقب مستخدما منذ عهد عمر رضى الله عنه حتى العصر العثمانى، إلى جانب ما استخدمه السلاطين والملوك من ألقاب بعد ذلك.
وواضح من كل ما سبق أن كلمات: الإمامة العظمى، والخلافة، وإمرة المؤمنين هى كلمات ثلاث مترادفة تشير جميعها إلى قيادة أو رئاسة الدولة الإسلامية.
أ.د/عبد الله جمال الدين(31/1)
#أهمية بناء النفس .
- التقصير الملحوظ في هذا الموضوع من قبل المسلمين .
- كثرة الفتن والشهوات في هذا العصر .
- أن ما تعود عليه الإنسان في صغيرة يستمر معه في كبره .
- أن المسلم داعية يعمل على بناء الآخرين .
- الآثار الإيجابية المترتبة على بناء النفس .
- الآثار السلبية المترتبة على ترك بناء النفس .
2- معنى بناء النفس : تربية النفس على القيام بأعمال تقرب إلى الله مع ترك أعمال يخاف من تأثيرها على السير إلى الله .
3- مكونات بناء النفس .
- طلب العلم الشرعي .
- العبادة .
- الدعوة إلى الله عز وجل .
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
- ترك المعصية .
- حسن الخلق .
- ترك التوسع في المباحات ، وضابط ذلك :
1- إذا كان المباح وسيلة إلى مأمور به فإنه لا ينهى عنه .
2- إذا كان المباح وسيلة إلى منهي عنه فأنه ينهي عنه كالشبع .
3- لا تداوم على مباح ليس وسيلة إلى مأمور به مداومة تشغلك عما هو أهم مثل الرحلات .
4- لا يكن تركك المباح إلا لأحد الأسباب التالية :
أ ) أن يكون هذا مانعا من عبادة .
ب ) إذا رأيت هذا المباح سيسبب لك تغيرا في نفسك كدخول الغرور .
ت ) إذا رأيت أن في هذا المباح شبهة فتورع عن الشبهات .
ث ) إذا كان في تناولك لهذا المباح إسراف .
ج ) إذا لم يكن لديك رغبة شخصية لهذا الشيء فإنه لا بأس أن
تتركه .
4- العوامل المساعدة في بناء النفس .
- الصبر والمجاهدة .
- المحاسبة .
- المراقبة .
- معرفة طبيعة النفس .
- معرفة وظيفتك في الحياة .
- البيئة الصالحة .
- معرفة الأجر في ذلك .
- قراءة سير السلف الصالح .
- التأهب للقاء الله .
- الممارسة العملية .
- تطهير القلب من الأدران المشغلة .
- إشعار النفس في التقصير .
- علو الهمة .
- تدبر القرآن الكريم
- الدعاء .
5- معوقات بناء النفس .
- التربية الخاطئة منذ الصغر .
- الوسط السيئ .
- الانفراد .
- الإخلاد إلى الشهوات المباحة .
- التسويف .(32/1)
- الوقوع في المعاصي .
- قلة ذكر الموت والدار الآخرة .
- التهاون مع النفس .
- الخجل المزيف المذموم المقعد عن القيام بالحق .
- الاستعجال .
- إشغال النفس بما لا فائدة منه .
- الجهل بآثار ترك بناء النفس .
- دنو الهمة والرضا عن واقعه الذي هو فيه .
6- آثار عدم بناء النفس .
- الاستهانة بالذنوب ولاسيما الصغائر .
- قسوة القلب وربما موته .
- اتباع الهوى .
- الالتزام الأجوف .
- الانهيار في وقت المحن والشدائد .
- المساءلة بين يدي الله غدا .
7- نماذج من البناء .
- طلب العلم
- الدعوة إلى الله .
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
- ترك المعاصي .
- حسن الخلق .
- ترك التوسع في المباحات .
المرجع: بناء النفس – عبد الرحمن العائد – دار الوطن .(32/2)
#أيام العرب
اصطلاحا: ذكر الروايات العربية عن الحروب والمعارك التى نشبت بين القبائل العربية فى الجاهلية، وقد يكون مع أحد الطرفين قوات غير عربية كما حدث فى يوم "ذى قار" حيث كان الفرس يمثلون طرفا رئيسيا فى المعركة، ويعاونهم بعض العرب.
وأيام العرب كثيرة ومختلفة الأهمية ، فمنها ما هو واسع النطاق اشتركت فيه قبائل كثيرة، ومنها ماهو ضيق النطاق حدث بين عدد من القباتل.
وأيام العرب تسمى بشىء بارز اتصل بهذه الحروب ، مثل حرب البسوس التى سُمِّيت باسم البسوس خالة جسّاس بن مرة، وهى صاحبة الناقة التى كانت سببا فى هذه الحرب ، ومثل ذلك يقال عن داحس والغبراء فهما اسمان لفَرسَين كانا سبب هذه المعارك ، وقد تعرف باسم المكان الذى جرت فيه المعركة، مثل معركة "ذى قار" فهو مكان بين واسط والكوفة، وقد اتبع ذلك فى تسمية المعارك الإسلامية فيما بعد كغزوة بدروأحد.(1)
ويقال:إن أيام العرب بلغت سبعمائة وألف يوم ، وهو رقم مبالغ فيه إلا إذا لاحظنا المعارك الصغيرة التى كانت تقع بين الرعاة بعضهم البعض.
وسنعرض هنا نماذج عن أشهر هذه المعارك:
البسوس:
من أهم أيام العرب ، التى كانت الحرب فيها بين بكر وتغلب ، وقد استمرت أربعبن سنة، وسببها: أن كليبا بين ربيعة من تغلب رمى بالنبل ناقة البسوس بنت منقذ، وهى خالة جساس بن مرة من بكر، وكان كليب زوجا لجليلة أخت جساس ،فاستجارت البسوس بجسَّاس ، فقتل جَّساس كليبا، فقامت الحرب التى أنهكت الجميع ،وعندما جلست نساء تغلب فى مأتم كليب طلبن أن تخرج جليلة أخته القاتل من المأتم ،فخرجت باكية، وأنشدت قصيدة تُعَدَّ من جيد الشعر العربى، أهم ما جاء بها:
يا قتيلا قَوَّض الدهرُبه * سقف بيتىَّ جميعا من عَلِ
هدم البيتَ الذى استحدثتُهُ * وأثنى فى هدم بيتى الأولِ
ومما قاله المُهَلهَلُ أخو كليب فى وصف هذه المعارك:
"قد فنى الحيَّان ، وثكلت الأمهات ، وتيتم الأولاد ، دموع لا تنقطع ، وأجساد لا تدفن".(33/1)
داحس والغبراء:
هما فرسان ، وكانت داحس ملكا لقيس بن زهيرمن عبس ، والغبراء ملكا لحمل بن بدر من ذبيان ، وقد أقيم سباق بين الفرسين وكان السبق لداحس ، ولكن رجلا من ذبيان لطمه ؛ فشغله ، وأضاع عليه السبق ، فبدأ الصراع الذى طال وامتد، وهلك فيه عدد كبير من الناس والحيوان والمتاع.
يوم ذى قار:
يوم من أيام العرب فى الجاهلية، ويقال: إنه حدث يوم مولد الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقيل بعد ذلك. و"ذو قار"،موضع بين واسط والكوفة على مشارف الصحراء ، وكان ذلك اليوم بين الفرس تؤيدهم تغلب وإياد وبين جيشن عربى اشتركت فيه ربيعة وبكر وبنو عجل وبنو شيبان. وقد انهزمت الفرس وولوا الأدبار، وتبعتهم بكر تضرب وتقتل ، ولا تلتفت لغنائم أو أسرى ، فحققت بذلك نصرا عظيما. ويعد هذا اليوم من مفاخر التاريخ العربى ، ومنه يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (هذا أول يوم انتصفت فيه العرب من الفرس وبى نصروا)
أ.د/أحمد شلبى(33/2)
#إعجاز القرآن الكريم
لغة: يقال عجزعن الشىء عجزا وعجزانا: ضعف ولم يقدر عليه وأعجز الشىء فلانا: فاته ولم يدركه ، وأعجز فلان: سُبِق فلم يُدرَك ، كما فى الوسيط.(1)
واصطلاحا: من إضافة المصدر إلى القرآن: أن جميع من عدا الله من الإنس والجن قد أعجزهم القرآن عن الإتيان بمثله قلَّ ذلك الكلام أو أكثر ، مع تكرار التحدى به ومطالبة من زعم أن القرآن ليس من عند الله بأن يثبتوا صدقا دعواهم بالإتيان بكلام يماثل القرآن فى بلاغته وفصاحته وعلو شأنه.
وقد طولب المتحدوُّن بأن يأتوا بسورة من مثله ، أو بعشر سور أو بمثله مطلقا -أقل من السورة ، أو فوق السور العشر- طولبوا بهذا فى مكة قبل الهجرة ، وطولبوا به فى المدينة بعد الهجرة ، فعجروا تمام العجز ، مع شدة حاجتهم إلى تحقيق ما طلب منهم ، فدل ذلك على عجزهم التام عن محاكاة القران ، لما رأوا فيه من علو الشأن ، وإحكام الأسلوب ، وروعة المعانى ، ووصفه الوليد بن المغيرة وكان كافرا بأنه يعلو ولا يعلى عليه.
وقد ورد التحدى بالإتيان بمثل القرآن فى كتاب الله العزيز مرات فى سورة البقرة ويونس وهود وغيرها ، ثم ورد الإقناط من إمكان محاكاة القرآن فى قوله تعالى {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولوكان بعضهم لبعض ظهيرا}الإسراء:88.
ولم يكن مصطلح الإعجازمعروفا فى القرون الثلاثة الأولى الهجرية ، وإنما عرف واشتهر بعد أن وضع محمد بن يزيد الواسطى كتابا سماه "إعجاز القرآن" سنة 306 هجرية.
وليس معنى ذلك أنه لم يكن موجودا من قبل ، فقد كان البحث والجدل حول إعجاز القرآن يدور على أوسع نطاق فى بيئات العلم والعلماءوبخاصة عند علماء الكلام ، وقد وضع الجاحظ كتابا حول هذه الفكرة سماه "نظم القرآن" والجاحظ توفى255 هجرية.
فليست العبرة بالمصطلح نفسه بل بالفكرة التى يحويها ، ومعروف أن الأفكار تسبق دائما مسمياتها.(34/1)
وقد كثر الجدل حول الوجوه التى كان بها القرآن معجزا ، تحدث عنها علماء الكلام والأصول والمفسرون وعلماء البلاغة وغيرهم ، وما يزال البحث يكشف عن جديد ، وبخاصة فى هذا العصر الذى ازدهرت فيه العلوم والفنون والاكتشافات العلمية الحديثة فى النفس والفضاء والأرض وما فيها ، وفى الطب ونظائره من العلوم الإنسانية والعملية.
والإعجاز القرآنى عند القدماء يدور حول الوجوه الآتية:
(أ) الأخبار والوعود الصادقة.
(ب) الإخبار عن الغيوب التى وقعت كما أخبر عنها القرآن.
(ج) فصاحة ألفاظه ، وسلامة معانيه وشرفها.
(د) نظمه المحكم ، وتأليفه البديع ، وسلامته من الطعون.
أما عند المحدثين فقد ظهر الإعجاز العلمى فى كثير من ميادين المعرفة التى طرقها الإعجاز العلمى الحديت مما يضيق المقام عن ذكره ، فقد ظهر الاعجاز فى الدراسات الطبية والنفسية والنباتية وطبقات الأرض وغيرها ، ففى كل هذه المجالات ظهرت حقائق يقينية طابقت إشارات القرآن إليها منذ خمسة عشرقرنا ، ولو لو يكن القرآن نازلا بعلم الله من عند الله ، لما ظفرنا فيه بشىء من هذه الخوارق العظيمة.
أ.د/عبد العظيم إبراهيم المطعنى(34/2)
#إفشاء السلام
إفشاء السلام
مقدمة:
- السلام سنة قديمة منذ عهد آدم - عليه السلام - إلى قيام الساعة.
- هي تحية أهل الجنة،قال تعالى: { وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ} [يونس:10].
- هي من سنن الأنبياء، وطبع الأتقياء، وديدن الأصفياء.
- في هذه الأيام أصبح بين المسلمين وحشة ظاهرة وفرقة واضحة.
- ترى أحدهم يمر بجوار أخيه المسلم ولا يلقي عليه تحية الإسلام.
- البعض يلقي السلام على من يعرف فقط.
- آخرون يتعجبون أن يلقى عليهم السلام من أناس لا يعرفونهم! حتى استنكر أحدهم من ألقى إليه السلام وقال متسائلاً: هل تعرفني؟!
الحث على إفشاء السلام.
- يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: { لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا. ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم } [رواه مسلم].
- سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أي الإسلام خير؟ قال: { تطعم الطعام، وتقرء السلام على من عرفت ومن لم تعرف } متفق عليه.
- كان ابن عمر رضي الله عنهما يغدو إلى السوق ويقول: ( إنما نغدو من أجل السلام، فنسلم على من لقيناه ).
فضائل إفشاء السلام.
- السلام يدل على تواضع المسلم ومحبته لغيره.
- السلام ينبئ عن نزاهة القلب من الحسد والحقد والبغض والكبر والاحتقار.
- هو من حقوق المسلمين بعضهم على بعض.
- هو من أسباب حصول التعارف والألفة وزيادة المودة والمحبة.
- هو من أسباب تحصيل الحسنات ودخول الجنات.
- في إشاعته إحياء لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
- قال عليه الصلاة والسلام: { خمس تجب للمسلم على أخيه: رد السلام، وتشميت العاطس، وإجابة الدعوة، وعيادة المريض، وإتباع الجنائز } [رواه مسلم].(35/1)
- الواجب على من ألقي عليه السلام أن يرد امتثالاً لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم ، فعن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { إياكم والجلوس في الطرقات } فقالوا: يا رسول الله: ما لنا من مجالسنا بدّ نتحدث فيها، فقال: { إذا أبيتم إلا المجلس، فأعطوا الطريق حقه } قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: { غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر } [متفق عليه].
- قال الإمام النووي رحمه الله: ( واعلم أن ابتداء السلام سنة ورده واجب، وإن كان المُسلم جماعة فهو سنة كفاية في حقهم، وإذا سلم بعضهم حصلت سنة السلام في حق جميعهم، فإن كان المسلم عليه واحد تعين عليه الرد، وإن كانوا جماعة كان الرد فرض كفاية في حقهم، فإن رد واحد منهم سقط الحرج عن الباقين، والأفضل أن يبتدئ الجميع بالسلام وأن يرد الجميع ).
صيغ السلام:
- قال النووي: ( وأفضل السلام أن يقول: ( السلام عليكم ) فإن كان المُسلم عليه واحداً فأقله ( السلام عليك ) والأفضل أن يقول: ( السلام عليكم ) ليتناوله وملكيه، وأكمل منه أن يزيد ( ورحمة الله ) وأيضاً ( وبركاته )، ولو قال: ( سلام عليكم ) أجزأه.
رد السلام:
- يقول الإمام النووي: ( وأما صفة الرد، فالأفضل والأكمل أن يقول: ( وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ) فيأتي بالواو ( التي تسبق عليكم ) فلو حذفها جاز وكان تاركاً للأفضل، ولو اقتصر على ( وعليكم السلام ) أو ( عليكم السلام ) أجزأه، ولو اقتصر على ( عليكم ) لم يجزأه بلا خلاف، ولو قال: ( وعليكم ) بالواو، ففي إجزائه وجهان لأصحابنا ).
مراتب السلام:
- السلام ثلاث مراتب:
· أعلاها وأكملها وأفضلها: ( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته )
· ثم دون ذلك ( السلام عليكم ورحمة الله )
· أقله ( السلام عليكم ).
- والمسلم إما أن يأخذ أجراً كاملاً، وإما أن يأخذ دون ذلك، على حسب السلام.(35/2)
- ورد أن رجلاً دخل المسجد ورسول الله جالس وأصحابه عنده فقال الداخل: ( السلام عليكم )، فقال : { وعليكم السلام، عشر} ثم بعد ذلك دخل رجل آخر فقال: ( السلام عليكم ورحمة الله )، فقال : { وعليكم السلام ورحمة الله، عشرون } ثم بعد ذلك دخل رجل آخر فقال: ( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ) فقال رسول الله : { وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ثلاثون } [ رواه أبو داود والترمذي]، أي عشر وعشرون وثلاثون حسنة.
من آداب السلام:
1. السنة إذا تلاقى اثنان في طريق، أن يسلم الراكب على المترجل، والقليل على الكثير، والصغير على الكبير، قال صلى الله عليه وسلم : { يسلم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير } [رواه مسلم].
2. ينبغي للمسلم أن تكون تحيته للمسلمين السلام، وليس " صباح الخير" أو "مرحبا" أو " ألو". وإنما يبدأ بالسلام ثم يرحب بعد ذلك بما شاء من الترحيب الجائز.
3. يستحب إذا دخل المسلم بيته أن يسلم فإن البركة تنزل بالسلام قال صلى الله عليه وسلم : { إذا دخلت على أهلك فسلم يكن بركة عليك وعلى أهل بيتك } [رواه الترمذي]. وإن لم يكن فيه أحد ليقل: { السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين } [رواه مسلم].
4. ينبغي أن يكون التسليم بصوت مسموع لا يزعج المستمع ولا يوقظ النائم، عن المقداد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (.. كنا نرفع للنبي نصيبه من اللبن، فيجيء من الليل، فيسلم تسليماً لا يوقظ نائماً ويسمع اليقظان ) [ رواه مسلم].
5. استحباب إعادة السلام وتكراره للرجل إذا فارق أخاه ولو لفترة وجيزة، فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه، فإن حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجر ثم لقيه فليسلم عليه } [رواه أبو داود].(35/3)
6. أجاز كثير من العلماء سلام الرجل على المرأة، والمرأة على الرجل إذا أمنت الفتنة، فتسلم المرأة على محارمها، ويجب أن ترد عليهم السلام، كما يسلم الرجل على محارمه ويجب أن يرد عليهم السلام، وإن كانت المرأة أجنبية فلا بأس من إلقاء السلام عليها، وإن سلمت يرد عليها السلام، إذا أمنت الفتنة، وبدون مصافحة ولا ريبة، ولا خضوع بالقول.
7. مما شاع بين الناس أن يكون السلام إيماءة وإشارة باليد. فإن كان المسلم بعيداً ونطق مع الإشارة بالسلام فلا بأس ما دام لا يسمعك، لأن الإشارة حينئذ دليل السلام وليست نائبة عنه، وكذلك يقال في الرد.
8. يستحب للجالس أن يسلم إذا قام من المجلس لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : { إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم، فإذا أراد أن يقوم فليسلم، فليست الأولى بأحق من الآخرة } [رواه أبو داود].
9. استحباب المصافحة عند السلام، وبسط اليد لأخيك المسلم قال الرسول صلى الله عليه وسلم: { ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا } [رواه أبو داود والترمذي].
10. عن أنس بن مالك قال: { كان النبي إذا استقبله الرجل فصافحه لا ينزع يده من يده حتى يكون الرجل الذي ينزع } [رواه الترمذيٍ].
11. احرص على البشاشة وطلاقة الوجه والابتسامة عند السلام حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : { وتبسمك في وجه أخيك صدقة }، وقوله : { لا تحقرنّ من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق } [رواه مسلم].
12. استحباب السلام على الصبيان كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، وفي هذا تبسط لهم، وزرع للثقة في نفوسهم، وغرس لتعاليم الإسلام في قلوبهم.
13. عدم بداءة الكفار بالسلام لقوله صلى الله عليه وسلم : { لا تبدأوا اليهود ولا النصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه } [رواه مسلم]. وقال صلى الله عليه وسلم : { إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم } [متفق عليه].(35/4)
المرجع: أفشوا السلام-عبدالملك القاسم-دار القاسم.(35/5)
#إمارة الجيش
هى إحدى الولايات أو الإمارات الخاصة، ويقوم من يتولاها بتدبير أمر الجند وحماية الحدود ، وتنفيذ سياسة الدولة العسكرية، أى أن على متوليها تنظيم الجيش فى مصاف الحرب ، والاعتماد على القيادات المدربة المتمرسة بالقتال ، ومعالجة شتى ألوان الخلل ،وتفقد الصفوف وإعداد السلاح والمؤن والحاجات الضرورية للجند ، وعليه الاهتمام بتدريبهم وعدم التغرير بهم واتخاذ كل ما يلزم لسلامتهم من الكمائن ومؤامرات الأعداء مع النظر فى أمرهم واقتلاع كل مظاهر الفساد بينهم ، وعمل كل ما يرفع من معنوياتهم ، وتنظيم أجازاتهم ، ومن الواجبات المنوطة به ، جمع أخبار العدو ليتسنى مواجهته وفق خطة محكمة تضمن النصر بإذن الله.
وإذا اقتصرت مهمة أمر الجيش على ذلك ، اعتبرت فيه شروط الولاية الخاصة، أما إذا فوض فى تقسيم الغنائم وعقد الصلح ، فعندئذ ينبغى أن تتوافر فيه شروط الولاية العامة، وقد تدخل مهمة تسيير الحجيج ضمن ولايته.
وكان النبى صلى الله عليه وسلم قائد جيش المسلمين ،وكذلك كان الخلفاء الراشدون. وبمرور الزمن ، واتساع الدولة الإسلامية، صعب على الخليفة القيام بهذه المهمة، فعهد بها إلى من عرف بالشجاعة واشتهر بحسن التدبير والذكاء.
أ.د/عبد الله جمال الدين(36/1)
#ابن السبيل
هو المسافر المنقطع عن بلده ، وليس لديه من المال ما يعينه على الوصول إليها.
وهو من الأصناف الثمانية الذين تدفع لهم الزكاة ، وقد ذكرهم الله تعالى فى قوله:{إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم}التوبة:60.
وابن السبيل المنقطع به طريقه نوعان ؛ لأنه إما غريب مسافر يجتاز بالبلد، وإما منشئ سفراً من بلد مقيم به ولوكان وطنه.
وقد ذهب الإمام مالك وأحمد بن حنبل رضى الله عنهما إلى أن المستحق للزكاة هو ابن السبيل المجتاز دون المنشئ لأن السبيل: الطريق ، وابنها: الملازم لها الكائن فيها، والقاطن فى بلده ليس بمسافر، ويعطى بشرط ألا يجد مقرضا يقرضه ، فإن وجد مقرضا وكان له من المال ببلده ما يفى بقرضه فلا يعطى الزكاة ويعطاها أيضا عندهما إن وجد مقرضا لكن ليس له فى بلده ما يكفى السداد.
وأما الشافعية: فابن السبيل عندهم يعطى من الصدقة مطلقا سواء أكان منشئا سفرا من بلد مقيم به ولو كان وطنه ، أم كان غريبا مسافرا يجتاز بالبلد حتى لو كان هناك من يقرضه كفايته وله ببلده ما يقضى به دينه.
وقد اشترط الفقهاء أن يكون سفره فى طاعة، أو فى غير معصية واختلفوا فى السفر المباح: فالشافعية على أنه يعطى منها حتى لو كان سفره للتنزه.
أ.د/عبد الصبور مرزوق(37/1)
#الأحمدية
هى حركة دينية ظهرت بإقليم البنجاب بالهند (باكستان حاليا) فى القرن الثالث عشر الهجرى التاسع عشر الميلادى.
أطلق عليها الأحمدية نسبة إلى مؤسسها ميرزا غلام أحمد ، ويطلق عليها أيضا القاديانية نسبة إلى قاديان (وهى قرية تقع بإقليم البنجاب وتبعد بنحو ستين ميلا عن لاهور) التى ولد فيها مؤسس هذه الحركة فى عام 1252هـ/1839م.
ولأن هذه الحركة ظهرت فى مجتمع إسلامى على يد مسلم يعدها المؤرخون وعلماء الأديان حركة إسلامية ، كما أن أتباعها يعتبرون أنفسهم مسلمين ، إلا أن لجنة كونها شيخ الأزهر برئاسة الشيخ عبد المجيد اللبان -أول عميد لكلية أصول الدين فى ثلاثينيات القرن العشرين- قامت ببحث حالة طالبين ينتسبان إلى هذه الجماعة ، كانا يروجان لمذهبهما فى مصر ، وكان القرار الذى أصدرته هذه اللجنة ينص بأن القاديانيين كافرون ، كما قضت بفصل الطالبين من الأزهر.
وقد بُنِى الحكم بكفر من يعتنق أفكار هذه الطائفة على أساس ما ادعاه مؤسسها ميرزا غلام أحمد بأن المسيح لم يرفع ببدنه إلى السماء ، بل بروحه ، أما بدنه فمدفون فى الهند ، وكان هذا أول رأى خالف فيه جمهور المسلمين ، ثم ادعى أن روح المسيح قد حلت فيه فعودة المسيح التى يؤمن بها المسلمون قد تحققت بحلول روح المسيح فى جسده ، كما ادعى أنه المهدى المنتظر ، فهو مرسل ليجدد أمر الدين الإسلامى فما يقوله هو الحق ، وليس لأحد أن ينكره ؛ إذ هو يتكلم عن الله تعالى.
لم يكتف بهذا ، بل ادعى أن اللاهوت قد حل فى جسده ، وأن المعجزات قد ظهرت على يديه ، فهو رسول من عند الله ، ورسالته لا تتنافى مع كون محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين فهو يفسر خاتم النبيين فى قوله تعالى: {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين}الأحزاب:40 ، بأن كل رسول يجئ من بعده يكون بخاتمه وإقراره ويحيى شرعه ويجدده (حقيقة الوحى ص27 ، التعليم ص15).(38/1)
ومن آرائه المخالفة لتعاليم الإسلام أنه:
1- ألغى فريضة الجهاد ، معللا ذلك بأنه قد استنفد أغراضه فلا داعى إليه بعد أن زالت الفتنة فى الدين (تبليغ الرسالة ص17).
2- عدم جواز صلاة الأحمدى خلف إمام غير أحمدى.
3- الحكم على من لم يؤمن بدعوته بالكفر.
4- عدم جواز زواج الأحمدية بغير أحمدى.
وبعد موت ميرزا غلام أحمد فى 1908 خلفه فى رئاسة الحركة الحكيم نور الدين ، وبعده انقسمت الحركة إلى شعبتين:
الأولى: تزعمها بشير الدين محمود بن غلام أحمد ، وهى شعبة قاديان وقد حافظ المنتسبون إلى هذه الشعبة على أفكار ميرزا غلام أحمد وتشددوا فى تنفيذها حرفيا.
الثانية: تزعمها محمد على اللاهورى وهى شعبة لاهور ، ومن معتقداتهم:
(أ) عدم إنكار إلهامات ميرزا غلام أحمد ، إلا أنهم أنكروا ادعاءه النبوة ، وفسروا ما ورد عنه من نصوص فى هذا الصدد بأنها تعبيرات مجازية.
(ب) تحاشوا تسمية المسلمين الذين لم يؤمنوا بدعوتهم كفارا ، ولكنهم أطلقوا عليهم اسم الفاسقين.
يطلق على هاتين الشعبتين (شعبة قاديان ، شعبة لاهور) الحركة الأحمدية ، ولهما نشاط واسع فى كثير من أقطار الأرض يتمثل فى بناء المساجد وإنشاء المراكز الثقافية.
أ.د/محمد شامة(38/2)
#الأحوال الشخصية
لغة: حال الشئ: صفته ، وحال الإنسان ما يختص به من أموره المتغيرة الحسية والمعنوية.
والشخص: يطلق على كل جسم له ارتفاع وظهور ، وغلب فى الإنسان ، جمعه أشخاص و شخوص ، وتعنى الأحوال الشخصية فى مدلولها هذه الصفات التى تميز إنسانا من غيره (لسان العرب/المعجم الوسيط).
واصطلاحا: هى الأحكام والمبادئ والمسائل المنظمة للعلاقات داخل الأسرة ، بما يشمل أحكام الخطبة والزواج ، والمهر ، ونفقة الزوجة وواجباتها تجاه زوجها ، والطلاق وتفريق القاضى بين الزوجين والخلع والنسب والرضاع وحضانة الأولاد والميراث والوصية والوقف.
وتتضمن مسائل الأحوال الشخصية بعض الأمور المالية كالميراث والوصية والوقف.
ومصطلح الأحوال الشخصية مصطلح حادث لم يعرفه القدامى ، وقد ابتدعه الفقه الإيطالى فى القرنين الثانى عشر والثالث عشر حين واجهته مشكلة "تنازع القوانين" لظهور نظامين قانونيين آنذاك:
الأول: هو القانون الرومانى الذى كان له التطبيق العام فى إيطاليا كلها.
الثانى: القانون المحلى الذى كان يطبق فى مدينة معينة.خاصة وقد لجأ القانون الرومانى لتمييز هذين النظامين وإلى إطلاق "حال" على النظام الثانى ثم قسم هذه الأحوال إلى أحوال تتعلق بالأموال ، وإلى أحوال تتعلق بالأشخاص وأخذت القوانين الغربية هذا التقسيم الذى استقر فيها ، وصار يطلق مصطلح الأحوال الشخصية على تلك القواعد الخاصة بالروابط الشخصية فى مقابل الأحوال العينية ، وهى الأحوال المتعلقة بالأموال.
وتختلف الأحوال العينية عن الأحوال الشخصية فى عموم تطبيق الأولى على جميع المواطنين ، على حين تتعدد القواعد القانونية المنظمة للعلاقات والمراكز القانونية للمواطنين باختلاف طوائفهم ومعتقداتهم.(39/1)
وقد حددت محكمة النقض المصرية في حكمها الشهير بتاريخ 21 /6 /1934م معنى مصطلح الأحوال الشخصية ، فنص هذا الحكم على أن: "الأحوال الشخصية هى مجموع ما يتميز به الإنسان عن غيره من الصفات الطبيعية أو العائلية التى رتب القانون عليها أثرا قانونيا فى حياته ككونه إنسانا ذكرا أو أنثى وكونه زوجا أو أرمل أو مطلقا أو ابنا شرعيا ، أو كونه تام الأهلية أو ناقصها لصغر سن أو عته أو جنون أو كونه مطلق الأهلية أو مقيدها بسبب من أسبابها القانونية ، أما الأمور المتعلقة بالمسائل المالية فكلها بحسب الأصل من الأحوال العينية ، وإذن فالوقف والهبة والوصية والنفقات على اختلاف أنواعها ومناشئها من الأحوال العينية لتعلقها بالمال وباستحقاقه وعدم استحقاقه ، غير أن المشرع المصرى وجد أن الوقف والهبة والوصية وكلها من عقود التبرعات تقوم غالبا على فكرة التصدق المندوب إليه ديانة ، فألجأه هذا إلى اعتبارها من قبيل مسائل الأحوال الشخصية ، فيما يخرجها عن اختصاص المحاكم المدنية التى ليس من نطاقها النظرفى المسائل التى قد تحوى عنصرا دينيا ذا أثرفى تقرير أحكامها".(39/2)
ولم يسلم هذا التعريف من الغموض والنقد إلى الحد الذى أوجب تدخل المشرع لتدارك نقص تعريف محكمة النقض المصرية وغموضه إذ جاء فى المادة 28 من لائحة التنظيم القضائى للمحاكم المختلطة الصادرة بالقانون رقم 49 لسنة 1937م مايلى: "تمثل الأحوال الشخصية المنازعات والمسائل المتعلقة بنظام الأسرة ، وعلى الأخص الخطبة والزواج وحقوق الزوجبن وواجباتهما المتبادلة والمهر ونظام الأموال بين الزوجين والطلاق والتطليق والتفريق والبنوة والإقرار بالأبوة وإنكارها والعلاقات بين الأصول والفروع ، والالتزام بالنفقة للأقارب والأصهار وتصحيح النسب والتبنى والوصاية والقوامة والحجر والإذن بالإدارة ، وكذلك المنازعات والمسائل المتعلقة بالهبات والمواريث وغيرها من التصرفات المضافة إلى ما بعد الموت وبالغيبة وباعتبار المفقود ميتا".
وقد جاءت القوانين الصادرة بعد الغاء المحاكم المختلطة فى مصر والخاصة بنظام القضاء والسلطة القضائية فى مصر ، لتؤكد هذا التعريف.
وتتميز أحكام موضوعات الأحوال الشخصية باستمدادها من الفقه الإسلامى وأخذها من مذاهبه المعروفة ، وذلك فى معظم بلاد العالم الإسلامى (ولم يشذ عن ذلك سوى تركيا التى اعتمدت القانون المدنى السويسرى عام 1927م بشقيه الشخصى والعينى) وذلك كمصر والسودان والباكستان.
على حين أخذت بعض البلاد الإسلامية بتقنين أحكام الأحوال الشخصية تقنينا شاملا كسوريا والأردن ، ومع ذلك فقد شهدت قوانين الأحوال الشخصية فى العالم الإسلامى الكثير من الاجتهادات المعاصرة استجابة لمقتضيات الحياة الاجتماعية الحديثة وذلك كتوثيق الزواج والمنع من زواج الصغار ، والتوسع فى حق المرأة فى طلب التفريق من زوجها والوصية الواجبة للأحفاد.
أ.د/محمد سراج(39/3)
#الأخذ بالأخف
لغة: الأخذ خلاف العطاء ، وهو أيضًا التناول ، أخذت الشئ آخُذُه أخذًا: تناولته.(لسان العرب)(1).
والأخف خلاف الأثقل.(لسان العرب)(2).
واصطلاحا: يقصد به الأخذ باًخف الأقوال حتى يدل الدليل على الأخذ بالأثقل(3).
ويعتبرالأخذ بالأخف تعبيرا واصطلاحا قريبا من قولهم الأخذ بأقل ما قيل ، وإن لم يكن هو عينه فإن بينهما خلافا؛ وذلك لأن الأخذ بأقل ما قيل يشترط فيه أن يكون المختلفون فى المسألة متفقين على الأقل حتى يقال به ، وهذا لا يشترط فيه هذا.(4).
والقول بالأخذ بأخف القولين من جملة طرق الاستدلال ، وقد ذهب البعض إلى أنه واجب على المكلف أن ياًخذ بالأخف ، كما عبروا هناك بقولهم: يجب الأخذ بأقل ما قيل (5): لقوله تعالى {يريد الله بكم اليسر}البقرة:85 وقوله تعالى {وما جعل عليكم فى الدين من حرج}الحج 78 , واعلم أن الأخذ بالأخف قد يكون بين المذاهب ، وقد يكون بين الاحتمالات المتعارضة أماراتها(6) ، وقد يكون بين أقوال الرواة (7).
والأخذ بالأخف ليس متفقأ على القول به ، فقد ذهب البعض إلى القول بوجوب الأخذ بالأشق (8) وهذا الدليل يرجع حاصله إلى أن الأصل فى الملاذ الإذن ، وفى المضار المنع ، والأخف فيهما هو ذلك (9).
وكما استدل من قال بوجوب الأخذ بالأخف بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية الدالة على اليسر والتخفيف ، وأن هذه الشريعة مبنية على رفع الحرج عن العباد ، فقد استدل من قال بوجوب الأخذ بالأشق والأثقل من القولين ، بأنه أكثر ثوابا ، فكان المصير إليه واجبا لقوله تعالى(10) {فاستبقوا الخيرات}البقرة:148.(40/1)
وهناك فريق ثالت لم يوجب الأخذ بشىء منهما ، وحجته مبنية على أنهما قولان متعارضان فيسقطان ، وانه لا معنى لهذا الخلاف فى مثل هذا؛ لأن الدين كله يسر ، والشريعة جميعها سمحة سهلة ، والذى يجب الأخذ به ويتعين العمل عليه هو ما صح دليله ، فإن تعارضت الأدلة لم يصلح أن يكون الأخف مما دلت عليه أو الأشق مرجحا ، بل يجب المصير إلى المرجحات المعتبرة عند الأصوليين وعلماء الخلاف (11).
أ.د/على جمعة محمد(40/2)
#الأخلاق الحميدة
أولاً : أسباب اكتساب حسن الخلق :
1- سلامة العقيدة .
2- الدعاء .
3- المجاهدة .
4- المحاسبة .
5- التفكر في الآثار المترتبة على حسن الخلق .
6- النظر في عواقب سوء الخلق .
7- الحذر من اليأس من إصلاح النفس .
8- علو الهمة .
9- الصبر .
10- العفة .
11- الشجاعة .
12- العدل .
13- تكلف البشر والطلاقة ، وتجنب العبوس والتقطيب .
14- التغاضي والتغافل .
15- الحلم
16- الإعراض عن الجاهلين .
17- الترفع عن الأسباب .
18- الاستهانة بالمسيء .
19- نسيان الأذية .
20- العفو والصفح ومقابلة الإساءة بالإحسان .
21- السخاء .
22- نسيان المعروف والإحسان إلى الناس .
23- الرضا بالقليل من الناس وترك مطالبتهم بالمثل .
24- الاحتساب عند الله عز وجل .
25- تجنب الغضب .
26- تجنب الجدال .
27- التواصي بحسن الخلق .
28- قبول النصح الهادف ، والنقد البناء .
29- قيام المرء بما يسند إليه من عمل على أتم وجه .
30- التسليم بالخطأ إذا وقع ، والحذر من تسويفه .
31- لزوم الرفق .
32- لزوم التواضع .
33- استعمال المداراة .
34- لزوم الصدق .
35- تجنب كثرة اللوم والتعنيف على من أساء .
36- تجنب الوقيعة في الناس .
37- أن يضع المرء نفسه موضع خصمه .
38- أن يتخذ الناس مرآة لنفسه .
39- مصاحبة الأخيار وأهل الأخلاق الفاضلة .
40- الاختلاف إلى أهل الحلم والفضل وذوي المروءات .
41- أن ينتفع الإنسان بكل من خالطه وصاحبه .
42- توطين النفس على الاعتدال حال السراء والضراء .
43- معرفة أحوال الناس ، ومراعاة عقولهم ومعاملتهم بمقتضى ذلك .
44- مراعاة أدب المحادثة والمجالسة .
45- المحافظة على الصلاة .
46- الصيام .
47- قراءة القرآن بتدبر وتعقل .
48- تزكية النفس بالطاعة .
49- لزوم الحياء .
50- إفشاء السلام .
51- إدامة النظر في السيرة النبوية .
52- النظر في سير الصحابة الكرام - رضي الله عنه - .
53- قراءة سير أهل الفضل والحلم .(41/1)
54- قراءة كتب الشمائل والكتب في الأخلاق ، ومن الكتب ما يلي :
أ كتاب الشمائل المحمدية .
ب كتب الأدب من الصحاح والسنن .
ت أدب الدنيا والدين .
ث روضة العقلاء ونزهة الفضلاء .
ج بهجة المجالس وأنس المجالس، وشحذ الذاهن والهاجس .
ح عيون الأخبار .
خ الأخلاق والسير في مداواة النفوس .
د الآداب الشرعية والمنح المرعية .
ذ عين الأدب والسياسة وزين الحسب والرياسة .
ر جوامع الآداب .
ز رسائل الإصلاح .
55- الاطلاع على الحكم المأثورة .
56- معرفة الأمثال السائرة .
المرجع : رسائل في التربية والأخلاق والسلوك – محمد الحمد – دار ابن خزيمة – صـ 507(41/2)
#الأخلاق
يجىء لفظ "الخلق" ولفظ الأخلاق وصيغ أخرى تنبثق منهما وصفا لفكر الإنسان وسلوكه دون غيره من المخلوقات: ذلك لأن الإنسان هو المخلوق الوحيد الذى منحه الله طاقات متميزة من الإدراك والتفكير وحرية الإرادة لذا جاء سلوكه مرتبطا بالفكر ، ومتوافقا مع ما يدين به من اعتقاد.
كذلك فإن الإنسان منذ نشأته يمارس الحكم الأخلاقى على الأشياء ، فهذا خير وذاك شر ، وهذا حسن ، وذاك قبيح ، وهذا نافع ، وذاك ضار الأمر الذى جعله يستحق وصف أنه كائن أخلاقى.
ويطلق لفط الخلق ويراد به القوة الغريزية التى تبعث على السلوك كما يراد به السلوك الظاهر "أى الحالة المكتسبة التى يصيربها الإنسان خليقا أن يفعل شيئا دون شئ".
وعلى هذا المعنى الأول جاء الحديث: (خيرما أعطى الناس خلق حسن) رواه أحمد والنسائى(1) ويشهد للمعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (ما من شئ أثقل فى ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن ، وان الله ليبغض الفاحش البذىء) أخرجه الترمذى (2) ولم يستخدم القرآن الكريم لفظ "أخلاق" بصيغة الجمع ، وإنما جاء اللفظ مفردا كما فى قوله تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم}االقلم:4.
أما السنة الصحيحة فقد ورد فيها بلفظ الجمع وإن ورد بلفظ المفرد أكثر ، فقد جاء لفظ "أخلاق" فى حديث: (إن من خياركم أحاسنكم أخلاقا) رواه مسلم (4) ولم تخل حضارة فضلا عن دين من الحديث عن الأخلاق لارتباطها بالإنسان ففى الحضارة المصرية القديمة حديث عن الوصايا ، والفضائل حتى أن بعض مؤرخى الفكر اعتبر المصريين أول من تكلم فى مسائل الأخلاق.
وفى الحضارة الصينية حديث عن الفضائل ، وأهميتها للفرد والجماعة ، كما جاء فيما نقل عن كونفشيوس وغيره.
وأما اليونان فاهتمامهم بالأخلاق أمر مقرر من خلال ما عرفته ثقافتنا الإسلامية من خلال حركة الترجمة فى العصر العباسى.(42/1)
فإذا أضفنا إلى ماسبقت الإشارة إليه ماجاء فى الديانتين السماويتين اللتين سبقتا الإسلام (اليهودية ، والمسيحية) من هدى إلهى فى هذا الصدد أمكننا أن نقرر أن الاهتمام بالأخلاق قاسم مشترك بين كل المذاهب والأديان باعتبار أنها خصيصة للإنسان الكائن الأخلاقى ، وأمكننا كذلك أن نفهم فى ضوء هذا الحديث: (إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق)(5).
والإسلام الذى جاء ليتم البناء الأخلاقى للإنسان تميز اهتمامه بهذا الأمر إلى حد أن فسر الإسلام على أنه الخلق ففى قوله تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم}القلم:4 ، قال ابن عباس على دين عظيم أى الإسلام.
ويتضح هذا حين نشير إلى حقائق مهمة منها:
1- الصلة الوثيقة بين الإيمان عقيدة والأخلاق سلوكا {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}التوبة 119 ، وفى الحديث: (ما آمن بى من بات شبعان وجاره جائع) متفق عليه.
2- العبادات ذات أثر أخلاقى لابد من تحققه فى حياة الجماعة ، وهذه بعض الأمثلة:
- {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر}العنكبوت:45.
- {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم}التوبة:103.
-{فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج}البقرة:197.
3- الأخلاق شرط لصحة المعاملات:{يا أيها الذين آمنوا لا تاكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا ان تكون تجارة عن تراض منكم}النساء:29 {ويل للمطففين}المطففين:1 ، وفى الحديث (من غشنا فليس منا) (رواه مسلم).
4- الحدود فى الإسلام زواجر عن جرائم خلقية (حد القتل ، السرقة ، الزنا..) ولعل المتأمل فى هذه الحقائق يدرك البعد الاجتماعى للأخلاق فى الإسلام باعتباره دينا للحياة ينظم علاقات الأحياء ببعضهم وبالحياة حولهم حيوانات أو جمادات مما يسمى بالبيئة أو الكون المحيط بنا. وقد أدى فهم علماء الإسلام لأهمية الأخلاق باعتبارها دينا إلى بذل جهود علمية شكلت علما يسمى بعلم الأخلاق الإسلامى ، بخصائصه التى تمينره عن جهود غيرهم فى الحضارات الأخرى فى هذا المجال.(42/2)
ولم يكن هذا الاهتمام خاصا بعلماء دون غيرهم ، بل أسهم الجميع فى إثراء هذا العلم ، فأهل الحديثا بدعوا بعمل اليوم والليلة ، ووصلوا إلى كتب متخصصة فى موضوع واحد مثل "جامع بيان العلم وفضله ؛ لابن عبد البروغيره كما امتلأت كتب الفقه بالحديث عن الحسبة والشروط الخلقية لكثير من التصرفات كذلك تحدث الفلاسفة المسلمون عن السعادة وعن الفضائل والقيم ، كما تحدث الصوفية عن التزكية والمجاهدة ونحو هذا ، بل إن أهل اللغة والأدب أسهموا فى نضوج هذا العلم مثل الراغب الأصفهانى فى الذريعة إلى مكارم الشريعة ، والماوردى فى آدب الدنيا والدين..وغيرهما.
الأمر الذى يجعلنا نقول: إن للمسلمين علم أخلاقا أنبثق من معتقدهم وثقافتهم وتشكل كاملا قبل أن يعرف المسلمون البحوث الأخلاقية فى ثقافات الآخرين.
أ.د/أبو اليزيد أبو زيد العجمى(42/3)
#الأدارسة
يقصد بالأدارسة الدولة التى قامت فى المغرب الأقصى سنة 172هـ /789م على يد الإمام إدريس بن عبد الله ، وبه سميت الدولة ، وينسب إدريس هذا إلى الفرع الحسنى ، فوالده هو عبد الله الكامل بن الحسن المثنى ابن الحسن بن على بن أبى طالب ، وكان عالما جليلا ، وقد احتل منزلة مرموقة فى مجتمعه ، وهو شيخ بنى هاشم ورئيس العلويين فى ذلك الوقت (1) ، وقد نشأ على جانب من اليسر.
وبعد مقتل الإمام على بن أبى طالب ، أخذ البيت العلوى يصارع فى سبيل الوصول إلى مقعد الخلافة ، وقد استمر هذا الصراع فى عهد الدولتين: الأموية والعباسية لأنهم كانوا يرون أنهم أصحاب الحق الشرعى فى منصب الخلافة لذا اندلعت عدة ثورات ومن هذه الثورات ثورة أحد زعماء البيت العلوى وهو الحسين بن على بن الحسن بن الحسن ابن على بن أبى طالب فى المدينة 169هـ/786م واشترك فيها الإمام إدريس(2) ابن عبد الله ثم انتقل الثوار إلى فخ وهو مكان قريب من مكة وكان اللقاء بين الثوار والعباسيين وانتهى بمقتل الحسين ومائة من أهل بيته ومن بقى من أهل البيت اختلط بالحجاج (3) أما الإمام إدريس بن عبد الله قد فر إلى مصر ومنها إلى بلاد المغرب الأقصى حيث توجه إلى مدينة (وليلى) وهناك نزل على زعيم قبيلة أوربة وهو إسحاق بن محمد ابن عبد الحميد الأوربى(4) الذى رحب به وأكرم وفادته وبايعه بالامامة هو وقبيلته ثم دعا بقية القبائل لمبايعته سنة 172هـ/789م (5) وبذلك قامت دولة الأدارسة.
وقد تضافرت عدة عوامل على مبايعة الامام إدريس بن عبد الله منها معرفة البربر بأحداث المشرق ، وتطلع قبائل البرير إلى زعامة دينية وسياسية مع مميزات شخصية فى الإمام ادريس ثم تأييد قبيلة اوربة للدولة الجديدة.(43/1)
ما أن استقرت الأمور فى (وليلى) عاصمة الدولة حتى خرج الإمام إدريس بن عبد الله على رأس جيشه لإخضاع بقية مناطق المغرب لذا خرج فى ثلاث حملات الأولى إلى الجنوب والغرب والثانية إلى الجنوب وذلك للقضاء على الضلالات المنتشرة فى تلك المناطق أما الثالثة فكانت إلى الشرق حيث استولى على مدينة تلسمان ، هذا النجاج أقلق الخليفة هارون الرشيد فى بغداد ومن ثم دبر مؤامرة لاغتياله على يد أحد أتباعه وهو سليمان جرير المعروف بالشماخ وقد نجح فى تنفيذ مهمته وقتل الإمام إدريس بن عبد الله بواسطة السم سنة 175هـ/791م(6).
تولى راشد وزعماء البربركفالة إدريس بن إدريس بعد مقتل والده حتى بلغ أشده وبويع سنة 188هـ/804م. وشهدت البلاد فى عهده رخاء واستقرارا مع هجرة كثير من القبائل العربية من القيروان والأندلس إلى (وليلى) مما اضطر معه الإمام إدريس بن إدريس إلى البحث عن مكان جديد للعاصمة ووقع الاختيار على مدينة فاس سنة 192هـ/808م(7) ثم تابع الإمام إدريس بن إدريس نشاط والده العسكرى فخرج فى حملتين الأولى تجاه بلاد المصامدة والثانية إلى تلمسان وقد حقق نجاحا كبيرا حتى إذا كانت سنة 213هـ/828م توفى الإمام إدريس بن إدريس ليتولى خلفا له ابنه محمد الذى قسم مناطق الدولة على إخوته وذلك بمشورة جدته كنزة التى رأت أن ذلك فى صالح الدولة؛ إلا أن هذا التقسيم حمل فى طياته بذور الخلاف والشجار ، وحدث صراع بين الأخوة ثم تعاقب أمراء الأدراسة على المناطق المختلفة ، وبدأت الدولة تفقد وحدتها وتماسكها حتى وصل القائد وصالة بن حبوس المكناسى أحد قادة الدولة الفاطمية سنة 305هـ/917م.(43/2)
لقد كان للأدارسة دور مؤثر وخطير فى حياة المنطقة إذ نجح الأدارسة فى توحيد المغرب الأقصى ، وذلك نتيجة عدة خطوات منها إقامة حكومة مركزية فى وليلى ثم فى العاصمة الجديدة "فاس" تخضع لها مختلف القبائل ؛ كما كانت الحملات العسكرية المتكررة مجالا لحشد هذه القبائل تحت راية واحدة وصهرها فى مجتمع واحد متجانس يضاف إلى ذلك ترحيب الأدارسة بالوفود العربية القادمة وما ترتب على ذلك من نشر للثقافة الإسلامية والعربية وإنشاء العاصمة الجديدة فاس التى ضمت مختلف هذه العناصر.
وفى مجال نشر الاسلام وخدمة الدين الحنيف فقد بذل أمراء الأدارسة خطوات كبرى فى هذا المجال ومن هذه الخطوات القيام بحركة مقدسة الغرض منها القضاء على الوثنية المنتشرة فى المنطقة ، وكذلك القضاء على المذاهب الخارجية التى استشرى خطرها فى البلاد فضلا عن الاستقرار السياسى والاقتصادى ودورهما المؤثر فى دخول البربر فى الاسلام ، وكان المذهب المالكى هو مذهب الدولة.
ومن أبرز أعمال الأدراسة فى المنطقة والتى خلدت اسمهم فى التاريخ بناء مدينة فاس التى لعبت دورا كبيرا فى تقدم المنطقة وازدهارها إذ أنها أسهمت فى تبديل الصورة القبلية التى كانت تعيشها المنطقة إلى نظام حضارى يسهم فى نشر الإسلام والثقافة العربية وإليها أقبل الدارسون من كل مكان ومنها انطلق العلماء لنشر الإسلام والثقافة العربية وما زالت مدينة فاس تلعب دورها الحضارى حتى يومنا هذا.
أ.د/حسن على حسن(43/3)
#الأدب الإسلامى
الأدب الإسلامى قسم من الأدب العربى ، ويقابله الأدب الجاهلى.
ويبدأ الأدب الجاهلى باستقلال عرب الشمال (العدنانيون) عن عرب الجنوب (اليمنيون) فى منتصف القرن الخامس الميلادى ، وينتهى بظهور الإسلام سنة 622 م.
ويبدأ الأدب الإسلامى بظهور الإسلام إلى الآن ، وقد قسّمه علماء تاريخ الأدب بحسب الزمن ، وأطلقوا على كل حقبة زمانية عصرًا على الوجه الأتى:
(أ) عصر صدر الإسلام ، ويشمل:عصر النبوة والخلفاء الراشدين ودولة بنى أمية حتى سقوطها عام 132هـ.
(ب) العصر العباسى ، ويبدأ بقيام دولتهم عام 132هـ إلى سقوط بغداد على أيدى التتار عام 656هـ.
(ج) العصر المملوكى ، ويبدأ من سقوط بغداد ثم ينتهى بظهور النهضة الحديثة سنة 1230هـ.
(د) العصر الحديث ، ويبدأ بحكم محمد على لمصر ، وما يزال إلى الآن (1).
وثمة ضوابط أخرى تميز بين الأدب الإسلامى قد تاًثر فى صورته ومعناه بمبادئ الإسلام وقيمه ، وتحرر من الأعراف والتقاليد والموضوعات والأغراض التى خضع لها الأدب الجاهلى شعرا ونثرًا(2).
فعفَّت ألفاظه ، وسمت معانيه ، واستهدف نصرة الحق الذى جاء به الإسلام (3) ودعا إلى الفضائل والأخلاق الكريمة ، وسار مع الدعوة الإسلامية حيث سارت.(4).
وقد بدأ هذا التحول على أيدى شعراء الدعوة الإسلامية فى المدينة المنورة بعد الهجرة الكبرى إليها ، أمثال: حسان بن ثابت.وعبدالله بن رواحه ، وكعب بن زهير.
ومع قيام الصحوة الاسلامية المعاصرة برز معنى جديد لمصطلح الأدب الاسلامى ، وهو حصرمفهومه فى كل نتاج فنى ، التزم بتوجيهات الإسلام شكلا ومضمونا وناصر قضاياه ، فخمريات أبى نواس وغزله بالمذكر تعد من الأدب الإسلامى حسب التقسيم الزمنى أما فى ظل المفهوم الجديد فخارجة عنه ، كما تخرج بعض أعمال الأدباء المعاصرين أمثال: نازك الملائكة فى بعض قصائدها ، وعبد الرحمن البياتى وأودونيس ، وبعض كتابات نجيب محفوظ ، وإحسان عبدالقدوس وغيرهم.(44/1)
بيد أن هذا المفهوم لم يستقر حتى الآن(5) رغم اهتمامات بعض الجامعات الإسلامية بهذا النوع من الأدب الإسلامى.
والأدب الإسلامى فى المفهوم العام المعاصر لا يمنع من عدّ الأعمال الأدبية التى تعالج مشكلات الخير والشر أدبا إسلاميا شريطة أن تكون النهاية هى انتصار الخير ، وألا يهتم فيها بالمغالاة فى وصف الشر بالبطولة أو الامتداد الزمنى داخل العمل الأدبى نفسه ، لئلا يترك تاًثيرا قويا فى طباع المتلقى وبخاصة النشء(6).
أ.د/عبد العظيم إبراهيم المطعنى(44/2)
#الأدب
لغة: أَدَبَ القومَ: دعاهم إلى مأدبته ، والأدب: رياضة النفس بالتعليم والتهذيب ، وقد ورد هذا المعنى فى الحديث الشريف (أدبنى ربى فأحسن تأديبى)(1) والأدب:الجميل من النظم والنثر كما فى الوسيط (2).
واصطلاحا: أطلق فى بادىء الأمر على ما أثر عن العرب من فنون القول النثرى والشعرى وكل ما نتج عن القرائح.
وقد ظهرت بعض الكتب تحمل هذه الدلالة فى عناوينها مثل: أدب الكاتب لابن قتيبة ، وكتاب الأدب فى صحيح البخارى وغيرهما كثير.
والعلاقة بين المعنى اللغوى "الدعوة إلى الطعام" والمعنى الاصطلاحى "فنون القول" أن الأول غذاء للجسم ، والثانى: غذاء للعقل والروح(3).
وفى العصر الحديث قصرت كلمة "الأدب" على الكلام الإنشائى البليغ الذى يحمل الكثير من الأخيلة والتصويرات والإيحاءات (4). وكان قبل ذلك يطلق على كل ما تنتجه القرائح (5) على نحو ما يطلق عليه الأروبيون الآن (6) فيشمل فنون القول جميعا الخيالى والعقلى كالتاريخ والفلسفة والرواية والقصيد.
أ.د/عبد العظيم إبراهيم المطعنى(45/1)
#الأزهر
المؤسسة الدينية العلمية الإسلامية العالمية -القاهرة- جمهورية مصر العربية.
يسجل التاريخ أن (الأزهر) أنشئ فى أول عهد الدولة الفاطمية بمصر جامعا باسم (جامع القاهرة، الذى سمى الأزهر فيما بعد) حيث أرسى حجر أساسه فى الرابع والعشرين من جمادى الأولى 359هـ/970م ، وصلى فيه الخليفة المعز لدين الفاطمى ثانى خلفاء الدولة الفاطمية صلاة الجمعة الأولى من شهر رمضان سنة 361هـ/972م ، إيذانا باعتماده الجامع الرسمى للدولة الجديدة ، ومقرا لنشر المذهب الشيعى فى حلقات الدروس التى انتظمت فيه ، وبدأها القاضى أبو حنيفة بن محمد القيروانى قاضى الخليفة المعز لدين الله ، وتولى التدريس أبناء هذا القاضى من بعده ، وغيرهم من علماء المذهب الشيعى ، وجانب علوم أخرى فى الدين واللغة والقراءات والمنطق والفلك.
وبقيام الدولة الأيوبية فى مصر (567هـ) تحركت بكل الجهد لإزاحة المذهب الشيعى وطمس رسوم الدولة الفاطمية ، وإحلال مذهب أهل السنة فى جامع الأزهر ، وفى عدة مدارس أنشئت لتعزيزه ومنافسته فى حركته المذهبية والعلمية الجديدة.
وفى العصر المملوكى بمصر اتجهت همة السلاطين من المماليك إلى إعمار الجامع الأزهر ، وإسباغ الرعاية على علمائه وطلابه بالمنح والهبات والأوقاف ، وأتيح للأزهريين المشاركة فى النهضة العلمية والاجتماعية والثقافية فى الدولة ، وتصاعدت هذه المكانة إلى أن كان لهم دور أكثر فى توجيه سياسة الحكم.
وفى عهد الخلافة العثمانية بتركيا:
أنشئ منصب (شيخ الأزهر) فى أواخر القرن الحادى عشر الهجرى (السابع عشر الميلادى) وحدث ركود نسبى إثر قيام السلطان سليم الأول العثمانى بترحيل عدد من علماء الأزهر إلى الأستانة -عاصمة الدولة العثمانية- وكانوا طائفة صالحة من نواب القضاة على المذاهب السنية الأربعة ، فضلا عن ترحيل عدد كبير من الصناع المهرة والعمال الفنيين.(46/1)
ثم جاءت الحملة الفرنسية على مصر سنة 1798م ، وفيما يخص الأزهر أدرك نابليون بونابرت قائد الحملة مدى أهمية الأزهر ، وقوة تأثير شيوخه فى نفوس الشعب المصرى ، فحاول -ونجح- فى التودد إلى طائفة منهم ، وجعل ينتهز الفرصة تلو الفرصة للاجتماع بهم ، ويتحدت إليهم فى موضوعات علمية حول بعض آى القرآن ، ويشعرهم باحترامه لنبى الإسلام ، فيخرجون من عنده وكلهم لسان ثناء عليه ، يشيعونه فيمن يخالطونهم.
وعندما أنشأ نابليون (ديوان القاهرة) -مركزا للشورى وتبادل الرأى- ضم إلى عضويته هؤلاء المشايخ ، وكانوا أغلبية فى المركز والاجتماعات ، لكن هذا لم يغب عن الشعب المصرى إن السياسة الفرنسية سياسة خداع وتخديرة فثاروا على نابليون وقواده أكثر من ثورة ، وشاركهم الأزهريون أنفسهم فى ثوراتهم ، بل كانوا فى مقدمة الثائرين.
ولما استقر الأمر لدولة (محمد على الكبير) واتجه إلى الاستفادة من الحضارة الأوربية آنذاك واتجه إلى إرسال البعوث العسكرية والمدنية إلى إيطاليا وفرنسا وروسيا وغيرها ، اختار أعضائها جميعا من الأزهريين ، وبعودتهم تباعا انبعثت فى مصر -فى عهده وعهود أبنائه- حركة علمية ناشطة ، غطت ساحات العمل الميدانى من ناحية وساحات الترجمة والتعليم والإعلام والقانون من ناحية أخرى.
وحتى ذلك التاريخ كان التعليم فى الأزهر قائما على الاختيار الحر ، بحيث يختار الطالب أستاذه والمادة التى يقوم بتدريسها ، أو الكتاب الذى يقرؤه لطلابه ، ويعرض نصوصه نصًا نصًا ، فإذا اتم الطالب حفظه من علم الأستاذ ، وأنس من نفسه التجويد تقدم لأستاذه ليمتحنه مشافهة ، فإذا أظهر استيعابا ونبوغا منحه الأستاذ إجازة علمية مكتوبة ، وكانت هذه الإجازة كافية لصلاحه باًن يشتغل بالتدريس فى المدارس أو فى المساجد أو فى جامع الأزهر نفسه ، وظل العمل على ذلك حتى أواخر القرن التاسع عشر ، حيث استعيض عنه بنظام التعليم الحديث ، أو بنظام قريب منه بحسب الأحوال.(46/2)
وواكب ذلك إصدار عدة قوانين لتنظيم العمل بالأزهر.
وأول هذه القوانين قانونا القرن التاسع عشر: أولهما فى سنة 1872م ينظم طريقة الحصول على العالمية وموادها ، وثانيهما فى سنة 1885م ، وأهم ما تناوله: تحديد صفة من يتصدى لمهنة التدريس في جامع الأزهر أن يكون قد انتهى من دارسة أمهات الكتب فى أحد عشر فنا واجتاز فيها امتحانا ترضى عنه لجنة من ستة علماء يرأسهم شيخ الأزهر.
وفى بداية القرن العشرين استصدر قانون سنة 1908 فى عهد المشيخة الثانية للشيخ حسونة النواوى ، وفيه تم تأليف مجلس عال لإدارة الأزهر برئاسة شيخ الأزهر ، وعضوية كل من مفتى الديار المصرية ، وشيوخ المذهب المالكى والحنبلى والشافعى واثنين من الموظفين.وفيه أيضا تقسيم الدراسة لثلاث مراحل: أولية وثانوية وعالية ، ومدة التعليم فى كل منها أربع سنوات ، يمنح الطالب الناجح فى كل مرحلة شهادة المرحلة.
ثم تلاه القانون رقم 10 لسنة 1911 وفيه:
تجديد اختصاص شيخ الأزهر ، وانشاء مجلس الأزهر الأعلى هيئة إشرافية ، وتنظيم هيئة كبار العلماء ونظام التوظف بالأزهر ، وإثر صدور هذا القانون لوحظ إقبال المصريين على الأزهر ، وأنشئت عدة معاهد فى عواصم المدن المصرية.
وفى عهد المشيخة الأولى للشيخ محمد مصطفى المراغى أعد مشروع القانون رقم 49 لسنة 1930م ، لكنه اصدر فى عهد مشيخة الشيخ محمد الأحمدى الظواهرى ويجمع الرأى على أن هذا القانون مثّل خطوة موفقة لإصلاح الأزهر ، ومكنه من مسايرة التقدم العلمى والثقافى والمعرفى.وفى هذا القانون حددت مراحل التعليم أربعة مراحل:(46/3)
ابتدائية لمدة أربع سنوات ، وثانوية لمدة خمس سنوات ، وثلاث كليات للشريعة الإسلامية ، وأصول الدين ، واللغة العربية ، مدة الدراسة بكل منها أربع سنوات ، ثم تخصص مهنى مدته سنتان فى القضاء الشرعى والإفتاء ، وفى الوعظ والإرشاد ، وفى التدريس ثم تخصص المادة لمدة خمس سنوات تؤهل الناجح للحصول على العالمية مع درجة أستاذ ويعد هذا القانون الذى أنشئته بمقتضاه الكليات الثلاث والتخصصات المدنية والعلمية هو الإرهاص لميلاد جامعة الأزهر القائمة الآن بمقتضى القانون 103 لسنة 1961 م.
وصارت جامعة الأزهر هيئة من هيئات الأزهر الشريف ، تختص بالتعليم العالى بالأزهر ، إلى جانب هيئات أخرى للتعليم قبل المرحلة الجامعية الأولى ، وأخرى للمجلس الأعلى للأزهر ، وثالثة لمجمع البحوث الإسلامية الذى يختص بنشر الثقافة الإسلامية وتجلية التراث وتنقيته من الشوائب التى علقت به ، وبشئون الدعوة والوفود الطلابية فى العالم الخارجى وإعاشتهم ، وقد أنشئت لهم مدينة سكنية للإعاشة والإقامة والرعاية البدنية والنفسية ، وخاصة لمن يأتون الأزهر على منح يقدمها لهم ، بالإضافة إلى المنح التى تقدمها وزارة الأوقاف المصرية (المجلس الأعلى للشئون الإسلامية) هذا بالإضافة إلى الوفود الإسلامية المتبادلة ، والمراكز الثقافية الإسلامية التى أقامتها مصر فى عديد من البلاد الأوروبية الأمريكية والأفريقية وكذلك المعاهد التعليمية.
ولا ننسى أنه بصدور القانون الأخير رقم 103 لسنة 1961م وتحول النظام التعليمى إلى النظم التعليمية الحديثة ، وتوسع الأزهر فى نوعيات وتخصصات التعليم والبحث العلمى للبنين والبنات على السواء ، وضم إلى الكليات الشرعية والعربية كليات للطب وطب الأسنان والصيدلة والعلوم والتربية والهندسة ، والإدارة والمعاملات ، واللغات والترجمة ويتلقى طلابها قدرا لا بأس به فى العلوم الدينية ، لتحقيق المعادلة الدراسية بينهم وبين نظرائهم فى الكليات الأخرى.(46/4)
أ.د/محمد السعدى فرهود(46/5)
#الأسرة
لغة: الدرع الحصين ، وأهل الرجل وعشيرته ، والجماعة التى يربطها أمر مشترك ، والجمع أسر، كما فى الوسيط.(1)
واصطلاحا: هى أصغر وحدة فى النظام الاجتماعى، ويختلف حجمها باختلاف النظم الاقتصادية.
1- ففى المجتمعات القديمة تتكون الأسر من أب أكبر وزوجته ، ومعه أولاده وأزواجهم وأولادهم وعبيدهم ، وهم يقيمون فى مسكن مشترك أو فى وحدات سكنية مستقلة، ولكن معيشتهم مشتركة، وتحت إشراف رئيس العائلة الذى يتولى مسئوليتهم.
2- ويطلق على الأسرة التى يكون للرجل أكثر من زوجة فى علم الاجتماع: الأسر المركبة، وهى المكونة من الرجل وزوجاته وأبنائه منهن ، ويقوم رئيس العائلة بنفس الدور كزوج وأب لجميع الأبناء، وتوجد هذا الأسرة فى المجتمعات التى تسمح بتعدد الزوجات.
3- والأسرة الصغيرة أصبحت هى النموذج الوحيد للأسرة فى المجتمعات الصناعية، وهى تتكون من زوج وزوجة وأبناء لم يبلغوا سن الثامنة عشرة.
والأسرة هى الخلية الأولى فى المجتمع وهى البناء الاجتماعى السائد على امتداد التاريخ.
وقد تدخلت الدولة فى العصر الحديث بقوانينها وخدماتها ، لشد أزر الأسرة من قوانين الزواج والطلاق ، وحقوق كل طرف كما قدمت خدماتها لتعليم الأطفال ورعايتهه صحيا واجتماعيا.
وأساس تكوين الأسرة الزواج فهو نظام اجتماعى تبدأ به الأسرة وتُبنَى عليه ، وهو نظام معترف به فى كل زمان ومكان ،كأساس لنشأة العلاقات الأسرية، كما أنه النظام المشروع الذى يرضى عنه المجتمع وتعرف الشرائع السماوية لإنجاب الأطفال.
والزواج ضرورة اجتماعية لصالح المجتمع، لأنه ينظم العلاقات بين الذكوروالإناث ،كما أنه يؤدى إلى عمران المجتمع بالناس الذين لولاهم لما تكون المجتمع.(47/1)
لذا عنى الإسلام بالحديث عن العلاقة بين الرجل المرأة ، وتنظيمها ، وإضفاء صفة القدسية عليها، فذكر أولا أن العلاقة بين الذكر والأنثى هى قاعدة الحياة البشرية، وبين أن عنصرى الأمة(الذكروالأنثى) من أصل واحد، فلا فارق بينهما فى أصل الخلق ،وأن ما تكاثر من بنى البشر على وجه الأرض إنما هو منبثق منهما، وعلاقتهما المقدسة سبب مباشر لإعمار الكون ، فقال تعالى {ياأيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء...}النساء:1 بين الإسلام أن اللبنة الأولى فى بناء المجتمع هى الأسرة، وأن المودة والرحمة هما أساس الحياة الزوجية، كى يسكن كل إلى الآخر ويطمئن إليه فقال تعالى {من آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون}الروم:21.
ثم شرع أحكاما للزواج بعضها قبل الدخول حيث بين:
1- أساس الاختيار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تُنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها، فأظفر بذات الدين تربت يداك)(راوه البخارى عن أبى هريرة )(2)
2- رؤية كل منهما الآخر قبل الخطبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما) (رواه الترمزى ).
3- تأدية المهر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (التمس ولو خاتما من حديد) (رواه البخارى).
وبعضها بعد الدخول حيث أوصى:
1 - مراعاة كل منهما حقوق الآخر، حتى يكون التألف والتآزر بينهما قائم على أساس المعروف لا على أساس الهوى والنزوة.(47/2)
2- كما حدد الإسلام لكل وظيفته فى الأسرة، فالرجل - أساسا - يقوم بالإنفاق على الأسرة وللمرأة ذلك إن دعت الضرورة، ولم ينتج عنه ضرر بحقوق بيتها وزوجها والأسرة التى تقوم على أسس إسلامية فى الاختيار، ورعاية كل لحقوق الآخر، وتاًدية كل عليه من واجبات هى البيئة الصالحة لتربية الأطفال ، وحمايتهم من الانحراف ، ووقايتهم من كل ما يفسد أخلاقهم ، ويتعودون على السلوك الأمثل مما يرونه من تعاطف بين الأبويين ومحبة بينهما.
كما حث الاسلام الأبناء على الإحسان إلى الاباء والبر بهم ، فجعل عقوق الوالدين فى مرتبة تلى مرتبة الشرك بالله ، فقال تعالى {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبرأحدهما أوكلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما. واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربيانى صغيرا}(الإسراء:23-24) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا: الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، وشهادة الزور - أو قول الزور -وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا فجلس ، فمازال يكررها حتى قلنا: ليته سكت)رواه مسلم.(3)
وللزواج نظامان شائعان منذ القدم: زواج فردى وهو النظام الذى يكون فيه للرجل زوجة واحدة، وهو السائد فى معظم دول العالم ، وبخاصة الدول المسيحية، لأن الكنيسة لا تعترف بتعدد الزوجات ، كما أن الشريعة الإسلامية تعتبره - أى النظام الفردى - القاعدة العامة فى الزواج ، وتسمح للرجل - عند الضرورة - بأن يكون له أكثرمن زوجة فى حدود أربع زوجات ، إلا أن الزواج الفردى لا يزال من الناحية العملية - هو الشائع فى الدول الإسلامية، إذ تبلغ نسبته فى بعض الأقطار الإسلامية أكثر من 96%.
أ.د/محمد شامة(47/3)
#الأسطورة
لغة: مفرد الأساطير، وهى الأباطيل والأحاديث العجيبة.
واصطلاحا: هى حكايات غريبة خارقة ظهرت فى العصور الموغلة فى القدم ،وتناقلتها الذاكرة البشرية عبر الأجيال ، وفيها تظهرآلهة الوثنيين وقوى الطبيعة بمظهر بشرى.
وكان القصد من هذه الحكايات تفسير الظواهر الطبيعية أو العقائد الدينية أو الأحداث التاريخية الموغلة فى التاريخ القديم.
وقد كانت للعرب فى جاهليتهم - مثل كل الأمم الوثنية - أساطيرهم وخرافاتهم ، ومنها ما كانوا يقولونه عن سهيل ، والشعرى، والقميصاء ، والغيلان ، والسعالى ، وعزيف الجن ، والهامة، والصدى، ولقمان والنسر لُبَد ،وزرقاء اليمامة... الخ.
وقد ظهر فى الأعوام الأخيرة تيار نقدى يفسر الشعر الجاهلى تفسيرا أسطوريا، لكنه يجنح للأسف إلى الإسراف والاعتساف ، إذ لا يكاد يترك شيئا فى ذلك الشعر إلا ويحمله بالمضامين الأسطورية خالعا عليه أساطير السومريين ، والكلدان ، والإغريق ، وغيرهم من الأمم القديمة.
وبعد التقدم الحضارى والعلمى الكبير الذى أنجزته الإنسانية انحسرت الأساطير، وحلت محلها النظرة العقلية والقانون العلمى، وإن ظل الأدباء والفنانون فى كثير من الأحيان يستخدمونها لأغراض فنيه ، لا عن اعتقاد منهم بأنها حقائق قطعية.
أ.د/إبراهيم عوض(48/1)
#الأسماء الحسنى
لغة: الاسم مشتق من السمو، أى الرفعة.
واصطهلاحا: الاسم ما دل على الذات.والأسماء الحسنى هى أسماء الله تعالى،التى ارتضاها لنفسه فى كتابه أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ولذا نرى أن القرآن الكريم قد وصفها بذلك العنوان فى آيات أربع ، منها قوله تعالى {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}الأعراف:180(1).
وقد ورد كثيرمن هذه الأسماء متفرقا فى القرآن الكريم والحديث الشريف ، كما ورد نص فى الحديث على عددها، وهو تسعة وتسعون ، فعن أبى هريرة أنه قال (لله تسعة وتسعون اسما لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة)رواه البخارى(2) وفى رواية أخرى (من أحصاها دخل الجنة ).
وزادت بعض كتب السنة - غير البخارى ومسلم - على العدد بيانا تفصيليا يحدد هذه الأسماء(3) ، وإن لم تتفق على قائمة واحدة، واختار الحافظ ابن حجر قائمة الإمام الترمذى التى رواها من طريق الوليد بن مسلم عن أبى هريرة، واعتبرها أقرب الروايات إلى الصحة. وعلى هذه القائمة عوّل غالب من شرح الأسماء الحسنى مثل "الزّجَّاج" فى (تفسير أسماء الله الحسنى) والرازى فى (شرح أسماء الله الحسنى) والبيهقى فى (كتاب الأسماء والصفات)، ونص هذه القائمة كالتالى:
((49/1)
هو الله الذى لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العليم القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل السميع البصير الحكم العدل اللطيف الخبير الحليم العظيم الغفور الشكور العَلِىّ الكبير الحفيظ المقيت الحسيب الجليل الكريم الرقيب المجيب الواسع الحكيم الودود المجيد الباعث الشهيد الحق الوكيل القوى المتين الولى الحميد المحصى المبدئ المعيد المحى المميت الحىّ القيوم الواجد الماجد الواحد الصمد القادر المقتدر المقدّم المؤخر الأول الآخر الظاهر الباطن الوالى المتعال البر التواب المنتقم العفوّ الرؤوف مالك الملك ذو الجلال والإكرام المقسط الجامع الغنى المغنى المانع الضار النافع النور الهادى البديع الباقى الوارث الرشيد الصبور). رواه الترمزى عن أبى هريرة رضى الله عنه (4).
وقد فتح تعدد الروايات فى أحاديث الأسماء الحسنى بابا أمام العلماء: ليتجادلوا حولها أهى مطلقة العدد، أم محصورة فى تسعة وتسعين؟ ففريق تقيد حرفيا بما ورد فى حديت أبى هريرة السابق ، وأطلق فريق آخر العدد قائلا إن هذه الأسماء غير محددة، وأنها تشمل كل ما يليق بذاته المقدسة.
ودليل هذا الفريق، ما يأتى:
1- تعدد الروايات فى حصر هذه الأسماء.
2- أن بعض الأسماء التى وردت فى قائمة الترمذى لم ترد فى القرآن الكريم ،مثل: الجليل ، والخافض ، والرشيد ، والصبور،والعدل. كما أن بعض ما ورد فى القرآن الكريم لم يرد فى قائمة الترمذى، مثل: المولى ، والنصير، والناصر، والحَفِىّ ، والخلاّق ،والمدبر ، ورب المشرقين ، ورب المغربين ،والأعلى، والغالب.(49/2)
3- ورود التوقيف بأسماء تزيد على التسعة والتسعين: مثل: السيد، ففى الخبر أن رجلا قال للرسول صلى الله عليه وسلم: ياسيد، فقال:(السيد هو الله تعالى) ومثل: الديّان ، والحنّان ، والمنّان ، فقد كان من دعاء الرسول: (يا حنان ، يامنّان)رواه البخارى(5) ومثل الرفيق ، والجميل ، ومٌقَلِّب القلوب. ومن آصحاب هذا الرأى ابن عباس ،والفخر الرازى، وابن كثير، والغزالى،والقرطبى والبيهقى.
فإذا تبين أن أسماء الله تعالى غير محصورة فى عدد معين ، وأن محاولة حصرها كانت مجرد اجتهاد من العلماء، فكيف يُفهَم هذا على ضوء الأحاديث التى نصّت على العدد؟
هناك أكثر من تفسير لهذه الأحاديث ،آقربها إلى القبول: أن الكلام لم يتم بقول الحديث: إن لله تسعة وتسعين اسما، وإنما تمامه بقوله: لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة، أو: من أحصاها دخل الجنة. وهذا بمنزلة قول أحدهم: إن لمحمد ألف جنيه أعدّها للصدقة، فلا يعنى هذا أنه لا يملك سوى هذه الألف ، فكذلك الحديث الشريف لا يعنى آنه ليس لله من الأسماء سوى هذه التسعة والتسعين ، وإنما يعنى أن لله آسماء كثيرة تختص تسعة وتسعون منها بأن من أحصاها أو حفظها دخل الجنة. (6).
وقيل إن تلك الآسماء الحسنى شائعة غير محددة فى أسماء الله تعالى الواردة فى الكتاب والسنة والتى تجاوزت المائتين ، وتكون قد أخفيت كما أخفيته ليلة القدرفما العَشر الأواخر من رمضان ، وساعة الإجابة فى يوم الجمعة، والصلاة الوسطى فى سائر الصلوات حتى يجد المسلم فى طلب الخيرويَتَشَوّف لفعل كل ذلك ، ليوافق الفضيلة الزائدة فى تلك الأشياء.(49/3)
وقد يرى أن الأسماء الحسنى هى تلك التسعة والتسعون التى وردت فى القرآن الكريم ، والتى اجتهدت فى استخلاصها ،وأوردها مرتبة حسب جذرها اللغوى هجائيا، كما يلى: (الآخر، الإله ، المؤمن ، البارئ ، البر، البصير، الباطن ، التواب ، الجبار، ذو الجلال ،المجيب ، الحسيب ، الحافظ ، الحفيظ ، الحفىّ، الحق ، الحكم ، الحكيم ، الحليم ، الحميد ،المحيط ، الحى، الخبير، الخالق ، الخلاّق ،الرؤوف ، الرب ، الرحمن ، الرحيم ، الرازق الرزاق ، الرقيب ، السلام ، السميع ، الشاكر،الشكور، الشهيد ، الصادق ، الصمد ، المصوّر،ذو الطول ، الظاهر، ذو المعارج ، العزيز، العظيم ، العفوّ، العليم ، الأعلى، العلى، المتعال ،الغفّار، الغفور، الغالب ، الغنى، الفاتح ، الفتاح ،ذو الفضل ، القادر، القدير، المقتدر، القدوس ، القريب ، القاهر، القهار، المقيت ، القيوم ،ذوالقوة ، القوى ، الكبير، المتكبر، الأكرم ،ذوالإكرام ، الكريم ، الكفيل ، الكافى ، الطيف ، المتين ، المجيد ، المالك ، مالِك المُلك ، المَلِك ،المَلِيك ، الناصر، النصير، ذوانتقام ، المنتقم ،النور، الهادى ، المهيمن ، الأحد ، الواحد ،الودود ، الوارث ، الواسع ، الوكيل ،الولىّ ، المولى ، الوهّاب ،الأول)(7).
أ.د/أحمد مختار عمر(49/4)
#الأسواق
لغة: جمع سوق ، وهو الموضع الذى يجلب إليه المتاع والسلع للبيع والابتياع (تؤنث وتذكر، كما فى المعجم الوسيط )(ا) ، وقد ذكرت فى القرآن فقال تعالى: {وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق}الفرقان:7.
واصطلاحا: مكان يجتمع فيه الناس للبيع والشراء، وهى الطريقة التى يتم بها اتصال البائعين والمشترين.
وفى التاريخ القديم نمت الأسواق نموا كبيرا بعد التحول من المقايضة السلعية إلى المبادلة النقدية، وازدهرت بعض المدن قديما بسبب شهرة أسواقها، بينما كان عدم وجود السوق فى بعض المدن يدل على تخلفها.
وكانت الأسواق قديما أشبه بالمعارض ،وتعقد بصفة دورية خلال العام أو فى مواسم معروفة، وأشهر أسواق العرب قبل الإسلام "عكاظ"، وبعد هجرة النبى صلى الله عليه وسلم وصحبه من مكة إلى المدينة المنورة أقام المسلمون فيها سوقا إثر تعنت تجار اليهود، وفرضهم رسوما على من يدخل أسواقهم.
وخضعت سوق المسلمين لرقابة على الموازين والمكاييل والسلع للتأكد من عدم الغش للكم أو النوع ، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فرض جزية (رسم) لدخول السوق (2) وعن الاحتجار، كما حارب الاحتكار بشدة لذلك تحددت الأسعار بقوى الطلب والعرض التنافسية الخالصة، ولم يجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مبررا للتسعيرحينما سئل عن ذلك لما غلا السعر.(3)
ورأى بعض الفقهاء فيما بعد جواز التسعيرفى السوق إذا ساده الاحتكار لتحقيق مقصد العدل فى الشريعة، ونجسدت تشريعات تنظيم سوق المدينة فيما بعد فيما يعرف بنظام "الحسبة" ، وأصبح المحتسب فيما بعد عصرالرسالة مسؤولا عن مراقبة السوق وحسم الخلافات فيها.(50/1)
ويلاحظ أن بعض أسواق المدن الأوربية قد خضعت للتنظيم والمراقبة خلال العصور الوسطى، وذلك لضمان دقة الموازين والمكاييل وحسم الخلافات وإقرار القانون بسلطة "محكمة" السوق ، وتضمن التنظيم تحديد فئات الرسوم على السلع المباعة والمعروضة لصالح مالك مساحة أو أبنية السوق (4) مما هو فى صالح الاحتكارعلى خلاف تشريع السوق فى الإسلام.
وفى العصر الحديث نصت أسواق متخصصة للسلع الصناعية على مستوى البلدان الصناعية والمستوى الدولى، وأقيمت أسواق دولية للمصنوعات فى شكل معارض فى بعض المدن الكبرى ما بين عام وآخر خلال القرن العشرين.
كذلك نمت أسواق دولية منظمة فى تجارة بعض المعادن والحبوب والقطن بعقود حاضرة وآجلة، وبرزت أسواق متخصصة للخدمات (كالنقل البحرى والجوى والسياحة، وأسواق للصرف الأجنبى والأوراق المالية، وتخضع الأخيرة للوائح تنظيمية دقيقة، ويحتاج المتعاملون فيها عادة إلى خدمات الوسطاء والسماسرة، كما ظهرت فى النصف الأخير من القرن العشرين الأسواق المشتركة مثل السوق الأوربية المشتركة، وتعنى بداية (اتفاق دولتين أو أكثر على تخفيض أو إزالة القيود على حركة التجارة بين أسواقها بصفة خاصة) وساعد على نمو الأسواق الدولية المتخصصة خلال القرن العشرين التقدم التقنى الهائل فى وسائل المواصلات والاتصالات.
أ.د/عبد الرحمن يسرى أحمد(50/2)
#الأسوة
1- تعريف الأسوة : ما يتأسى به ويقتدي به في جميع الأحوال .
2- أنواع الأسوة :
- أسوة حسنه : من اتبع ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
- أسوة سيئة : من خالف ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
3- أهمية وجود الأسوة الحسنة .
1. المسلم مطالب بأن يدعو إلى دينه ، والأسوة وسيلة في ذلك .
2. الدعوة الأسوة الحسنة دعوة بالفعل .
3. إن وجود الأسوة الحسنة يشجع الآخرين على أن يحذو حذوها .
4. وجود الأسوة الحسنة يقنع الآخرين بأن بلوغ درجات أكبر مما هم عليه أمر ممكن بمقدورهم أن يفعلوه .
5. أن الأسوة موضوع تحت مجهر يراقب في تحركاته وأعماله وأقواله دون أن يعلم .
6. أنه ربما استفاد الناس من الأسوة الحسنة دون أن يشعر .
7. يكون أسوة حسنة تبتعد عن الذم بأن قولك يخالف فعلك .
4- حرص الإسلام على إيجاد الأسوة الحسنة .
1- إن الشارع الحكيم توعد من خالف قوله فعله .
2- إن الشارع الحكيم جعل لمن تؤسي به أجر من تأسى به في الخير .
3- إن الشارع الحكيم جعل على من توسي به وزر من تأسي به في الشر .
4- إن الشارع الحكيم أمر العصاة بالاستتار .
5- الصفات المطلوبة في المتأسى به :
أ . حسن الخلق ، ومن الأخلاق الحسنة :
* الصدق .
* الصبر .
* الرحمة .
* الرفق .
* الحلم .
ب . موافقة القول والعمل .
ت . العلم .
ث . عدم التوسع في المباحات .
6- الآثار السلبية لفقد الأسوة الحسنة :
1- يوجد جيلا مشوها يعتقد شيئا ويخالف ما يعتقده .
2- يربي المتربين على النفاق .
3- يشجع على تكذيب شرع الله .
4- ربما كان فتنة لمن لا يعرف الإسلام المعرفة الحقيقة .
5- إن أعداء الله لن يجابهوا بصورة الإسلام وإنما لابد من الحقيقة .
7- معوقات التأسي بالأسوة .
1- إتباع العادات والتقاليد .
2- ضعف الإيمان وسيطرة الهوى والشهوات .
3- أن يخالف قول الأسوة فعله .
4- أن يخفي الأسوة عمله .
5- تشويه صورة الأسوة عند من يفترض أن يتأسوا به .(51/1)
8- التربية بالأسوة .
أ أن يقوم أولا بما يأمر به وينتهي عما ينهي عنه .
ب أن يبين الأسوة سبب تصرفه الذي قد يؤاخذ عليه .
9- نماذج من القدوات :
1- الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
2- حياة الصحابة :
أ . في العبادة .
ب . طلب العلم .
ت . في الدعوة إلى الله .
المرجع: التأسي بالسلف الصالح – عبد الرحمن العائد – دار الوطن .(51/2)
#الأسْطُرُلاب
الأسْطُرُلاب: Astrolobe كلمة يونانية الأصل معناها: مرآة النجوم ، وقد أطلقت على جهاز فلكى ذى أشكال مختلفة منها الكروى والمستوى والخطى، بحسب ما إذا كان يمثل الكرة (أوالقبة) السماوية ذاتها ، أو يمثل مسقط هذه الكرة على سطح مستو أو مسقط هذا المسقط على خط مستقيم.
ويعد "كلاوديوس بطليموس" أول من أعطى معلومات علمية تتعلق باستخدام الأسطرلاب لقياس ارتفاع الكواكب والنجوم ،وذلك حوالى 150 ق.م.ولكن علماء الحضارة الإسلامية برعوا فى تطوير صناعة الأسطرلابات بأنواعها المختلفة وأكثروا من التأليف فى وصفها وفوائدها وطرق استعمالها ، ولُقِّب بعض المشهورين منهم فى هذه الصناعة بالإسطرلابى.
وقد ألف أبو الريحان البيرونى (362-443هـ/973-1051م) رسائل مهمة فى الاسطرلاب ، وضع فى إحداها نضرية بسيطة لمعرفة مقدار محيط الأرض ما زألت: تدرس فى مناهج تعليم الفيزياء حتى اليوم. واخترع السجستانى (توفى نحو415هـ-1024م) "الاسطرلاب الزورقى" المبنى على أساس أن الأرض تدور حول محورها.
وقد شاع استعمال "الاسطرلاب" فى أوروبا إبان عصر النهضة لكنه ظل مستخدما فى البلاد العربية والإسلامية حتى القرن التاسع عشر الميلادى، وباستخدام الساعات الميكانيكية والحسابات الفلكية والآلات المساعدة أصبحت تقنية الاسطرلاب غير ضرورية فى عصر الفضاء، ولكنها لم تفقدقيمتها التاريخية باعتبارها تمثل الجيل الأول من أجهزة الرصد الفلكية.
أ.د/أحمد فؤاد باشا(52/1)
#الأصول الثلاثة وأدلتها
قال الإمام العلامة المجدد محمد بن عبدالوهاب عن الأصول الثلاثة وأدلتها:
اعلم أنه يجب عليك تعلم أربع مسائل:
الأولى: العلم، وهو معرفة الله، ومعرفة نبيه، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة.
الثانية: العمل به.
الثالثة: الدعوة إليه.
الرابعة:الصبر على الأذى فيه.
الأدلة على ذلك:
· الدليل في ذلك قوله تعالى:{ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}[العصر:1-3].
· قال الشافعي: ( لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم ).
· قال البخاري: ( باب العلم قبل القول والعمل، والدليل قوله تعالى:{ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ }[محمد:19]. فبدأ بالعلم قبل القول والعمل ).
اعلم أنه يجب على كل مسلم تعلم هذه الثلاث مسائل، والعمل بهن:
الأولى: أن الله خلقنا ورزقنا ولم يتركنا هملاً، بل أرسل إلينا رسولاً، فمن أطاعه دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار.والدليل قوله تعالى:{ إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً (15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً }[المزمل:16،15].
الثانية: أن الله لا يرضي أن يُشرك معه أحد في عبادته لا ملَك مقرب ولا نبي مرسل.والدليل قوله تعالى:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً }[الجن:18].(53/1)
الثالثة: أن من أطاع الرسول ووحّد الله لا يجوز له موالاة من حاد الله ورسوله، ولو كان أقرب قريب.والدليل قوله تعالى:{لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[المجادلة:22].
ما هي الأصول الثلاثة؟
الأصل الأول: معرفة الرب.
· فإذا قيل لك:من ربك؟ فقل: ربي الله الذي رباني وربى جميع العالمين بنعمه، وهو معبودي ليس لي معبود سواه.
· الدليل قوله تعالى:{الحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْن}[الفاتحة:2] وكل من سوى الله عالم، وأن واحد من ذلك العالم.
· فإذا قيل لك: بم عرفت ربك؟ فقل بآياته ومخلوقاته، ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر، ومن مخلوقاته السموات السبع، والأرضون السبع، ومن فيهن وما بينهما.
· الدليل قوله تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [فصلت:37]، وقوله تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }[الأعراف:54].(53/2)
· الرب هو: المعبود. والدليل قوله تعالى: { يَأيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا ربَّكُمُ الذَِّي خَلَقَكُم وَالذِّينَ مِن قَبلكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ(21) الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرضَ فِرَاشًا وَالسَّمآءَ بِنآءً وَأنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَاَءً فَأخرَجَ بِهِ مِن الثَّمراتِ رِزقًا لّكُم فَلاَ تَجعَلُواْ لَلَّهِ أندَادًا وَأنتُم تَعَلُمونَ} [البقرة:22،21].
· قال ابن كثير رحمه الله تعالى: ( الخالق لهذه الأشياء هو المستحق للعبادة ).
· أنواع العبادة التي أمر الله بها، مثل الإسلام، والإيمان، والإحسان، ومنه الدعاء، والخوف، والرجاء، والتوكل، والرغبة، والرهبة، والخشوع، والخشية، والإنابة، والاستعانة، والاستعاذة، والاستغاثة، والذبح، والنذر، وغير ذلك من أنواع العبادة التي أمر الله بها، كلها.الدليل قوله تعالى:{وَأنَّ المَسَاجِد لِلَّهِ فَلا تَدعُوا مَعَ اللَّهِ أحَداً}[الجن:18].
· فمن صرف منها شيئاً لغير الله فهو مشرك كافر.والدليل قوله تعالى:{وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}[المؤمنون:117].
· في الحديث: { الدعاء مخ العبادة }.والدليل قوله تعالى: { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } [غافر:60].
الأصل الثاني: معرفة دين الإسلام بالأدلة.
· هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله، وهو ثلاث مراتب: الإسلام، والإيمان، والإحسان، وكل مرتبة لها أركان.
المرتبة الأولى:الإسلام
- فأركان الإسلام خمسة: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام.(53/3)
- معنى شهادة أن لا إله إلا الله:أنه لا معبود بحق إلا الله وحده (لا إله) نافياً ما يعبد من دون الله. (إلا الله) مثبتاً العبادة لله وحده لا شريك له في عبادته، كما أنه ليس له شريك في ملكه.
- معنى شهادة أن محمداً رسول الله: طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع.
- دليل الصلاة والزكاة وتفسير التوحيد قوله تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ }[البينة:5].
- دليل الصيام قوله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة:183].
- دليل الحج قوله تعالى: { ولِلَّهِ عَلَى الناسِ حِجُّ البَيِت مِنَ استَطَاعَ إلَيهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإنَّ الَّلهَ غَني عِن العَالَمِينَ}[آل عمران:97].
المرتبة الثانية: الإيمان
- هو بضع وسبعون شعبة، فأعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان.
- أركانه ستة: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره شره.
- الدليل على هذه الأركان الستة قوله تعالى:{لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ}[البقرة:177].
- دليل القدر قوله تعالى:{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}[القمر:49].
المرتبة الثالثة: الإحسان
- ركن واحد، وهو: ( أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ).(53/4)
- الدليل قوله تعالى:{ إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ }[النحل:128]. وقوله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }[الشعراء:217 ـ220].
الأصل الثالث: معرفة نبيكم عليه الصلاة والسلام
· وهو محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم. وهاشم من قريش، وقريش من العرب، والعرب من ذرية إسماعيل بن إبراهيم الخليل، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام. وله من العمر ثلاث وستون سنة، منها أربعون قبل النبوة، وثلاث وعشرون نبياً رسولاً. نبىء بـ اقْرَأْ وأرسل بـ الْمُدَّثِّرُ . وبلده مكة، بعثه الله بالنذارة عن الشرك، ويدعو إلى التوحيد.
· الدليل قوله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ}[المدثر:1ـ7].
· معنى قُمْ فَأَنذِرْ ينذر عن الشرك ويدعو إلى التوحيد وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ عظمه بالتوحيد وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ أي طهر أعمالك من الشرك وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ الرجز: الأصنام، وهجرها تركها وأهلها والبراءة منها وأهلها، أخذ على هذا عشر سنين يدعو إلى التوحيد، وبعد العشر عرج به إلى السماء، وفرضت عليه الصلوات الخمس، وصلى في مكة ثلاث سنين، وبعدها أمر بالهجرة إلى المدينة.
· الهجرة فريضة على هذه الأمة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام، وهي باقية إلى أن تقوم الساعة.(53/5)
· الدليل على ذلك قوله تعالى:{ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً (97) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (98) فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوّاً غَفُوراً}[النساء:97 ـ99].
· الدليل على الهجرة من السنة قوله:{ لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها }.
· فلما استقر في المدينة، أمر ببقية شرائع الإسلام، مثل الزكاة، والصوم، والحج، والأذان، والجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وغير ذلك من شرائع الإسلام. أخذ على هذا عشر سنين، وبعدها توفي، صلاة الله وسلام عليه، ودينه باقٍ.
· هذا دينه لا خير إلا دله الأمة عليه، ولا شر إلا حذرها منه، والخير الذي دلها عليه: التوحيد، وجميع ما يحبه الله ويرضاه. والشر الذي حذرها منه: الشرك وجميع ما يكره الله ويأباه، بعثه الله إلى الناس كافة، وافترض طاعته على جميع الثقلين: الجن والإنس.
· الدليل على ذلك قوله تعالى:{ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً}[الأعراف:158]. وكمل الله به الدين.
· الدليل على موته قوله تعالى:{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} [الزمر:31،30].
· الناس إذا ماتوا يبعثون، والدليل قوله تعالى:{ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى } [طه:55].(53/6)
· الناس بعد البعث محاسبون ومجزيون بأعمالهم والدليل قول تعالى:{ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى }[النجم:31].
· من كذب بالبعث كفر والدليل قوله تعالى:{ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ }[التغابن:7].
· وأرسل الله جميع الرسل مبشرين ومنذرين والدليل قوله تعالى: { رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ }[النساء:165]. وأولهم نوح عليه السلام، وآخرهم محمد وهو خاتم النبيين.
· كل أمة بعث الله إليها رسولاً من نوح إلى محمد يأمرهم بعبادة الله وحده، وينهاهم عن عبادة الطاغوت والدليل قوله تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ } [النحل:36]. وافترض الله على جميع العباد الكفر بالطاغوت، والإيمان بالله.
· قال ابن القيم رحمه الله: ( معنى الطاغوت ما تجاوز به العبد حده من معبود، أو متبوع، أو مطاع).
· الطواغيت كثيرون، رؤوسهم خمسة: إبليس لعنه الله، ومن عبد وهو راض، ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه، ومن ادعى شيئاً من علم الغيب، ومن حكم بغير ما أنزل الله والدليل قوله تعالى:{لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْد مِن الْغَي فَمَن يَكْفُرْ بالطَّاغُوت وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انَفِصَام لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[البقرة:256]. وهذا هو معنى ( لا إله إلا الله ).
· في الحديث: { رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله }.
المرجع: الأصول الثلاثة وأدلتها-محمد بن عبدالوهاب- دار القاسم(53/7)
#الأضحية
لغة: اسم لما يضحى به أيام عيد الأضحى ، وتجمع على ضحايا وأضاح ، وسميت بذلك لأنها تذبح يوم الأضحى وقت الضحى (كما فى المعجم الوجيز)(1)ومن هذا قوله تعالى: {وأنك لا تظمؤا فيها ولا تضحى}طه:119.
وشرعا: عرف الفقهاء الأضحية كما يلى:
عند الحنفية: ذبح حيوان مخصوص بنية القربة فى وقت مخصوص.(2)
وعند المالكية: هى ما يتقرب بزكاته من جذع ضأن أو أنثى سائر النعم سليمين من عيب ، مشروطا بكونه فى نهار عاشر ذى الحجة أو تاليه بعد صلاة العيد. (3)
وعند الشافعية والحنابلة: ما يذبح من النعم تقربا إلى الله تعالى من يوم العيد إلى آخر أيام التشريق (4)
وشرعت الأضحية فى السنة الثانية من الهجرة. بمثل قوله تعالى {فصل لربك وانحر}الكوثر:2.
وحذر الرسول صلى الله عليه وسلم و من تركها مع القدرة على فعلها بما رواه أبو هريرة -رضى الله عنه- أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (من كان له سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا) (أخرجه أحمد وابن ماجه والبيهقى).
وهى سنة على الكفاية إن تعدد أهل البيت فإن فعلها واحد من أهل البيت كفى عن الجميع ، والا فإنها تكون سنة عين ، وذلك على غير الحاج.
وتعتبر الأضحية من أحب الأعمال إلى الله تعالى يوم النحر لما روته السيدة عائشة -رضى الله عنها- أن النبى -صلى الله عليه وسلم- قال: (ماعمل ابن آدم يوم النحرمن عمل أحل إلى الله تعالى من إراقة الدم ، وانها لتأتى يوم القيامة بقرونها وأظلافها ، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض فطيبوا بها نفسا) (رواه الترمذى والحاكم وصححه).
ولا تصح الأضحية إلا من نعم الإبل والبقر والغنم بسائر أنواعها لقوله تعالى: {ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعأم}الحج:34. وقوله سبحانه وتعالى {والبدن جعلناها لكم من شعائرالله لكم فيها خير}الحج:36.
والحكمة من تشريعها:(54/1)
- شكر الله على نعمه المتعددة وتكفير السيئات والتوسعة على أسرة المضحى وغيرهم: {كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون}الحج:36.
ولا يجزئ فيها دفع القيمة على الراجح(5) استرشادا بقوله تعالى: {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم}الحج:37.
أ.د/محمود العكازى(54/2)
#الأعمال المضاعفة
1. طوال العمر زيادُ في الخير عند المسلم
· قال الرسول صلى الله عليه وسلم لما سئل : ( من خير الناس؟ ) قال: { من طال عمره وحسن عمله } [رواه الترمذي وأحمد]
· هذه الدار هي دار التزود من الأعمال الصالحة والاستكثار منها؛ لكي يرتاح الإنسان بعد موته، ويرضى عن سعيه.
· قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {إن أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين، وليسوا كأعمار الأمم السابقة }
· لكن الرسول صلى الله عليه وسلم دلهم على أعمال وأقوال تجمع بين قلتها وسهولتها، وبين أجرها العظيم، الذي يعوض الإنسان عما يفوته من سنين طويلة مقارنة بأمم أخرى، وهذه الأعمال هي ما يسمى (بالأعمال المضاعفة) وليس كل إنسان يعرفها.
· من يزداد منا عمره فليزداد في عمره الإنتاجي في هذه الدنيا، ليكون ممن يعرفون من أين تؤكل الكتف، فيتخيرون من الأعمال أخفها على النفس، وأعظمها في الأجر.
· فهو كمن يجمع الجواهر الثمينة من بطن البحر بين أناس يجمعون الأصداف.
· قال الشاعر:
من لي بمثل سيرك المدلل *** تمشي رويدا وتجيء في الأول
2. من الأعمال التي تضاعف للمسلم الأجر
· صلة الرحم: قال صلى الله عليه وسلم:{ من سره أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره، فليصل رحمه } [رواه البخاري ومسلم].
· حُسن الخلق: قال صلى الله عليه وسلم:{ صلة الرحم وحسن الخلق وحسن الجوار يعمرن الديار ويزدن في الأعمار } [رواه أحمد].
· الإكثار من الصلاة في الحرمين الشريفين: لقوله صلى الله عليه وسلم:{ صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه } [رواه أحمد وابن ماجة].
· صلاة الجماعة مع الإمام: لقوله صلى الله عليه وسلم:{ صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة } [رواه البخاري ومسلم].(55/1)
· النساء صلاتهن في بيوتهن أفضل من صلاتهن في المسجد، ولو كان المسجد النبوي؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لأم حميد - إحدى الصحابيات: { قد علمت أنك تحبين الصلاة معي، وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير لك من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير لك من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير لك من صلاتك في مسجدي } [رواه أحمد].
· أداء النافلة في البيت: لقوله صلى الله عليه وسلم:{ فضل صلاة الرجل في بيته على صلاته حيث يراه الناس كفضل الفريضة على التطوع } [رواه البيهقي]. ويشهد له قوله في الصحيح: { أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة } [رواه البخاري ومسلم].
· التحلي ببعض الآداب يوم الجمعة: وهي ما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم:{ من غسَّل يوم الجمعة، ثم بكَّر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام، فاستمع ولم يلغ، كان له بكل خطوة عمل سنة، أجر صيامها وقيامها } [رواه أهل السنن].
· صلاة الضحى: لقوله صلى الله عليه وسلم:{ يُصبح على كل سُلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان تركعهما من الضحى } [رواه مسلم]. ومعنى { سُلامى } أي: مِفصل من مفاصل الإنسان، وهي ثلاثمائة وستون مفصلاً.
· صلاة الإشراق: لقوله:{ من صلى الغداة - أي الفجر - في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة، تامة، تامة } [رواه الترمذي وصححه الألباني].
· حضور دروس العلم في المساجد: لقوله صلى الله عليه وسلم:{ من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيرا أو يعلمه كان له كأجر حاج تاماً حجته } [رواه الطبراني وصححه الألباني].
· الاعتمار في شهر رمضان: لقوله صلى الله عليه وسلم:{ عمرة في رمضان تقضي حجة معي } [رواه البخاري].(55/2)
· أداء الصلوات المكتوبة في المسجد: لقوله صلى الله عليه وسلم:{ من خرج من بيته متطهراً إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم } [رواه أبو داود وصححه الألباني].
· أن تقول كما يقول المؤذن: لقوله صلى الله عليه وسلم:{ قل كما يقولون - أي المؤذنون - فإذا انتهيت فسَل تُعطه } [رواه أبو داود والنسائي].
· صيام رمضان وستٍ من شوال بعده لقوله صلى الله عليه وسلم:{ من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر } [رواه مسلم]
· صيام ثلاثة أيام من كل شهر: لقوله صلى الله عليه وسلم:{ من صام من كل شهر ثلاثة أيام فذلك صيام الدهر، فأنزل الله عز وجل تصديق ذلك في كتابه من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها اليوم بعشرة أيام } [رواه الترمذي].
· تفطير الصائمين لقوله صلى الله عليه وسلم:{ من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً } [رواه الترمذي وابن ماجة].
· قيام ليلة القدر لقوله تعالى: { لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } [القدر:3] أي: أفضل من عبادة ثلاث وثمانين سنة تقريباً.
· الجهاد: لقوله صلى الله عليه وسلم:{ مقام الرجل في الصف في سبيل الله أفضل من عبادة ستين سنة } [رواه الحاكم وصححه الألباني].
· الرباط: لقوله صلى الله عليه وسلم:{ من رابط يوماً وليلة في سبيل الله كان له كأجر صيام شهر وقيامه، ومن مات مرابطاً له مثل ذلك من الأجر، وأجري عليه الرزق وأُمِّن الفتان } [رواه مسلم]. والفتَّان هو عذاب القبر.
· العمل الصالح في عشر ذي الحجة: لقوله صلى الله عليه وسلم:{ ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه العشر }، فقالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله،؟ فقال: { ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء } [رواه البخاري].(55/3)
· تكرار بعض سور القرآن: لقوله صلى الله عليه وسلم:{ قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن، و قل يا أيها الكافرون تعدل ربع القرآن } [رواه الطبراني وصححه الألباني].
· الذكر المضاعف: وهو كثير، ومنه أن رسول الله خرج من عند جويرية أم المؤمنين رضي الله عنها بُكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها، ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة، فقال صلى الله عليه وسلم:{ مازلت على الحال التي فارقتك عليها؟ } قالت: نعم. فقال:{ لقد قلتُ بعدك أربع كلمات وثلاث مرات لو وُزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته } [رواه مسلم].
· الاستغفار المضاعف: لقوله صلى الله عليه وسلم:{ من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة } [رواه الطبراني وحسنه الألباني].
· قضاء حوائج الناس: لقوله صلى الله عليه وسلم:{ لأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهراً } [رواه ابن أبي الدنيا وحسنه الألباني].
· الأعمال الجاري ثوابها إلى ما بعد الموت: وهي ما وردت في قوله صلى الله عليه وسلم:{ أربعة تجري عليهم أجورهم بعد الموت: رجل مات مرابطاً في سبيل الله، ورجل علَّم علماً فأجره يجري عليه ما عُمِل به، ورجل أجرى صدقة فأجرها يجري عليه ما جرتْ عليه، ورجل ترك ولداً صالحاً يدعو له } [رواه أحمد والطبراني].
· استغلال الوقت: بأن يعمر المسلم وقته بالطاعات: كقراءة القرآن، والذكر، والعبادة، واستماع الأشرطة النافعة، لكي لا يضيع زمانه هدرا، فيُغبن يوم لا ينفعه الغَبْن، كما قال صلى الله عليه وسلم:{ نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ } [رواه البخاري].
المرجع: الأعمال المضاعفة-سليمان بن صالح الخرشي-دار الوطن.(55/4)
#الأقصوصة
لغة: هى إحدى الكلمات التى اشتقت فى العصر الحديث مفردا لأقاصيص ، ولم تعرفها المعاجم العربية القديمة ، وإن عرفت كلمة "أقاصيص" جمعا لقصة أو قصص.
واصطلاحا: هى ما يدل على القصة بكلمة واحدة.
وتوضع الأقصوصة من حيث الطول -عادة- فى مواجهة "الرواية" ، وإن كانت هناك فروق أخرى ببن هذين الجنسين الأدبيين أكثر أهمية ، فى مقدمتها: الأثر الواحد الذى يجب أن يسود الأقصوصة من مبتدئها إلى منتهاها.
أما عناصرها: فهى نفس عناصر الرواية من: شخصية ، وحدث ، وحوأر ، ووصف ، وتحليل ، فضلا عن قيام هذه العناصر على أساس من التحليل المقنع ، والابتعاد ما أمكن عن المصادفة.
وليس شرطا أن يحتل الحدث المكان الرئيسى فى الأقصوصة ، فقد تدور حول رسم شخصية من الشخصيات ، أو قد تكون غايتها الأولى وصف منظر من المناظر ، ووقعه على نفس بطلها ، أو قد يقوم بناؤها أساسا على الحوار... وهكذا.
وقد عرف الأدب العربى القديم الحكايات: تاريخية ، وواقعية ، وخرافية ، وكثير منها يصلح -بكل سهولة- أن يصنف داخل هذا الفن ، وكتب الأدب العربى القديم زاخرة بأمثلة لا تكاد تنتهى من هذا النوع.
أ.د/ابراهيم عوضى(56/1)
#الأمان
لغة: عدم توقع مكروه فى الزمن الآتى، وهو مصدر للفعل "أمن".(1)
وفقها: رفع استباحة دم الحربى ورقّه وماله حين قتاله أو العزم عليه ، مع استقراره تحت حكم الإسلام.(3)
والأصل أن إعطاء الأمان أو طلبه مباح ،وقد يكون حراما أو مكروها إذا كان يؤدى إلى ضرر أو إخلال بواجب أو مندوب.
وبالأمان يثبت لأهل الكفر الأمن من القتل والسبى واغتنام أموالهم ؛ فيحرم على المسلم قتل رجالهم وسبئ نسائهم وذراريهم واغتنام أموالهم.(3)
والأمان يكون من الإمام أو من آحاد المسلمين ، أما من آحاد المسلمين فهو لا يكون عند الجمهور إلا لعدد محصور كأهل قرية صغيرة بخلاف غير المحصور فهو من خصائص الامام ، وخالف الحنفية فهم على أنه يكون من الواحد لجماعة كثيرة أو قليله فلا فرق (4).
وينعقد الأمان بما يؤدى الغرض من صريح اللفظ أو كتابته ، وبأى لغة أو برسالة، أو بإشارة مفهمة.(5)
ومن شروطه: انتفاء الضرر ولو لم تظهر منه مصلحة، وعلى ذلك الجمهور من المالكية، والحنابلة ، وأكثر الشافعية.
والحنفية على أنه يشترط وجود مصلحة ظاهرة للمسلمين بأن يكونوا -مثلا- ضعفاء واعداؤهم أقوياء.
وللمؤمن شروط وهى: الإسلام ، العقل ، البلوغ -وذلك عند الجمهور خلافا لمحمد بن الحسن فهو على عدم اشتراطه- وعدم الخوف من الحربيين.(6)
أ.د/عبد الصبور مرزوق(57/1)
#الأمانة
لغة: ضد الخيانة. كما فى مختار الصحاح.(1) وهى تطلق على كل ما عهد به إلى الإنسان من التكاليف الشرعية كالعبادة،والوديعة. ومن الأمانة: الأهل والولد. وكثير من الآيات القرآنية، واللأحاديث النبوية تحث عليها، وتأمر بها، وتحذر من الخيانة، مثل قوله تعالى {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها}النساء:58 وقوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لاتخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم}الأنفال:27 وقوله صلى الله عليه وسلم: (أد الأمانة لمن ائتمنك ولاتخن من خانك) (2) وقوله صلى الله عليه وسلم: (من غش فليس منى)(3)أو (ليس منا من غش)(4).
واصطلاحا: تستعمل عند الفقهاء بمعنيين(5)
أحدهما: الشىء الموجود عند الأمين ،وذلك إنه بأن تكون هى المقصد الأصلى فى العقد كالوديعة ، فكل وديعة أمانة ، أو تدخل الأمانة فى العقد تبعا كما الإجارة، والعارية، والمضاربة، والوكالة، والشركة، والرهن ، أو كانت بدون عقد أصلا كاللقطة، وكما إذا ألقت الريح فى دار أحد مال جاره ، وذلك مايسمى بالأمانات الشرعية.
ثانيهما: بمعنى الصفة وذلك فى أمور، منها:
ما يسمى ببيع الأمانة، كالمرابحة، والتولية، وهى العقود التى يحتكم فيها المبتاع إلى ضمير البائع وأمانته ، أو فى الولايات سواء كانت عامة كالقاضى، أم خاصة كالوصى وناظر الوقف ، أو فيما يترتب على كلامه حكم كالشاهد، وكذلك تستعمل فى باب الأيمان كمن أقسم بها على أنها صفة من صفاته تعالى.
وثمة معنى ثالث للأمانة بمعنى حريه الاختيار والاستعداد لتحمل المسئولية وهو ما أشار إليه قوله تعالى: {إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان أنه كان ظلوما جهولا}الأحزاب:72.
فهى تعنى قبول الإنسان لحرية الاختيار مقابل تحمل المسئولية عن نتائج أعماله وما يترتب عليها من ثواب أو عقاب بينما السموات والأرض والجبال ذلك وقبلت "التسخير" إشفاقا من تبعات حمل الأمانة.(58/1)
أ.د/عبد الصبور مرزوق(58/2)
#الأمثال
لغة: جمع مَثَل والمثل ، هو الشىء الذى يضرب لشىء مثلا، فيجعل مثله ، والأصل فيه التشبيه ، كما فى اللسان.(1)
واصطلاحا: حكمة العرب فى الجاهلية والإسلام ، وبها كانت تبلغ ما حاولت من حاجاتها فى المنطق ، وقد ضربها النبى صلى الله عليه وسلم وتمثل بها هو ومن بعده من السلف (2).
ويجتمع فى المثل أربعة لا تجتمع في غيره من الكلام ، فهو نهاية البلاغة:
1- إيجاز اللفظ.
2- إصابة المعنى.
3- حسن التشبيه.
4- جودة الكناية(3).
ولذلك كان أكثر أدب القدماء وما دونوه من علوم مشفوعا بالأمثال والقصص عن الأمم ، ونطقت ببعضه على ألسن الطير والوحش حتى يكون الخير، مقرونا بذكر عواقبه ، والمقدمة موحية بنتائجها(4)؛ لأن الكلام إذا جعل مثلا كان أوضح للمنطق ،وأوسع لشعوب الحديث.
والأمثال لا تغير، بل تجرى فى القول كما جاءت ، فإذا ورد المثل. بالتأنيث، بقى على تأنيث فى كل الأحوال ، فقولك: الصيف ضيعت اللبن ، هو فى الأصل خطاب لامرأة ضيعت الأمر، ثم أرادت استدراكه فمنعت عنه ، فإذا ضربته الآن لمفرد مذكر أو مثنى أو جمع ، بقى على حاله بكسر التاء، ولا يغير عن صيغته التى ضرب بها(5).
والمثل السائر فى كلام العرب كثير، نظما ونثرا ، وأفضله أوجزه ، وأحكمه أصدقه (6).
وقد وردت الأمثال فى القرآن الكريم ،والسنة النبوية، وخرجت مخرج المثل السائر.
أ.د/عبد القادر حسين(59/1)
#الأمن
لغة: ضد الخوف ، وهو: عدم توقع مكروه فى الزمان الآتى، كما فى مختار الصحاح.(1)
واصطلاحا: لا يخرج استعماله عند الفقهاء عن المعنى اللغوى له.(2)
والأمن للفرد والمجتمع والدولة من أهم مقومات الحياة، إذ به يطمئن الناس على دينهم وأموالهم وأنفسهم وأعراضهم ،ويتفرغون لما يصلح أمرهم ويرفع شأنهم وشأن مجتمعهم.(3)
ولا يتحقق الأمن إلا بإمام يمنع الفوضى ويحرس الدين والدنيا وتتعلق به مسئوليته.(4)
والأمن مقصود فى شريعة الاسلام فى عباداته ومعاملاته على حد سواء، فالعبادة يقصد بها سلامة النفس والمال والعرض والدين والعقل ، وهى الضرورات التى لابد من حفظها لقيام مصالح الدين والدنيا، وقد اتفق الفقهاء على أن أمن الإنسان على نفسه وماله وعرضه شرط فى تكليفه بالعبادات ، لأن المحافظة على النفوس والأعضاء -للقيام بمصالح الدنيا والاخرة- أولى من تعريضها للضرر بسبب العبادة.(5)
ويلاحظ هذا فى كثير من العبادات ففى الطهارة: يعدل عن الطهارة بالماء إلى التيمم عند خشية الضرر، وفى الصلاة: يسقط عن الخائف شرط استقبال القبلة ويصلى على حاله ، وكذلك صلاة الجمعة مع فرضيتها تسقط عن الخائف على نفسه أوماله بأن وجد قطاع طريق يخشاهم مثلا، وكذلك تسقط صلاة الجماعة عن المسلم عند عدم تحقق الأمن على نفسه أو ماله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سمع المنادى فلم يمنعه من اتباعه عذر ، لم تقبل منه الصلاة التى صلاها قالوا: وما العذر قال: خوف أو مرض)0(6)(60/1)
وفى الحج: يشترط لوجوبه أمن الطريق حتى تتحقق الاستطاعة التى حددها الله ،وكذلك يشترط تحقق الأمن بالنسبة للامتناع عن المحرمات ، وهذا يظهر فى إباحة أكل الميتة للمضطر حفاظا على نفسه ، وإباحة تناول الخمر لإزالة الغصة عند فقد الماء، والتلفظ بكلمة الكفر بالنسبة للمكره ، وغيرها كثير، وكذلك الأمر فى سائر العبادات ، يشترط تحقق الأمن إما فى جانب الأداء أو الامتناع فإذا ما فقد الأمن وتحقق الخوف تغير الحكم الشرعى.(7)
أما بالنسبة للمعاملات: فيشترط تحقق الأمن فيها -أيضا- فيشترط الأمن مثلا لمن يريد السفر بمال الشركة أو المضاربة أو الوديعة، وكذلك فى بعض تصرفات الشركاء أو العقود والمعاملات الشرعية (8).
وإذا كان المقرر أن حكم الإسلام بالنسبة للمسلمين هو عصمة أنفسهم ومالهم وعرضهم وعقلهم ودينهم والتكفل بتحقيق الأمن لهم ، فإن غير المسلم يتحقق له الأمن بتأمين المسلمين له بإعطائه الأمان.
أ.د/عبد الصبور مرزوق(60/2)
#الأناة
لغة: تعنى الأناة فى لغة العرب عددا من المعانى مثل: الحلم ، العقل ، الرزانة ، الوقار.
اصطلاحا: هى الروية والتفكير قبل الحكم ، لتضاد بذلك معنى "العجلة" فى الإقدام على قرار أو حكم قبل التبصر والتثبت.
وتتفاوت درجات الناس فى استجابتهم للمثيرات حولهم ، فمنهم من يستثار لأتفه الأسباب فيطيش ويخطئ على عجل ، ومنهم من تستثيره الشدائد فيتعامل معها بعقل وحكمة وأناة، فيخرج من شدتها مأجورا مشكورا ومع هذا التفاوت فهناك علاقة وثيقة بين ثقة الفرد فى نفسه وبين أناته مع الآخرين ، وتجاوزه عن خطئهم ، فكلما سما دينه وخلقه اتسع صدره ، ووسع غيره بعلمه ،وعذر من أخطأ ، وتسامح مع من سفه عليه.
وقد كانت الأناة -الحلم- صفة لازمة للأنبياء، مارسوها مع الناس ، ونبهوا على أهميتها فى حياة الإنسان ، لذا كان رد الأنبياء على أقوامهم المكذبين والمتهمين لهم معلما للبشرية، فنبى الله "هود" عليه السلام يقول لمن قالوا: {إنا لنراك فى سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين. قال ياقوم ليس بى سفاهة ولكنى رسول من رب العالمين. أبلغكم رسالات ربى وأنا لكم ناصح أمين}الأعراف:66-68.
وما موقف الرسول محمد صلى الله عليه وسلم مع الأعرابى الذى قال له: اعدل فإنك لم تعدل حين رد الرسول الكريم: (ويحك فمن يعدل إذا أنا لم أعدل) إلا شاهد على أناته.
والأناة صفة ممدوحة إلا أن تكون تأخرا عن واجب شرعى فامتداحها فى مثل قول النبى محمد صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس: (إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة) أخرجه مسلم برواية ابن عباس(1) ومن المذموم قول الرسول لمن تأخر عن الصلاة وجاء يتخطى رقاب الناس: (اجلس فقد أذيت وأنيت) (رواه ابن ماجه)(2).
أ.د/أبو اليزيد العجمى(61/1)
#الأندلس
هو الاسم الذى يطلق على ما كان بأيدى المسلمين من شبه جزيرة إيبريا (إسبانيا والبرتغال اليوم)، الواقعة فى أقصى الجنوب الغربى من القارة الأوروبية. واسم "الأندلس" تعريب للفظ الوندال ... Vandalos إحدى القبائل القوطية التى حكمت البلاد منذ أوائل القرن الخامس الميلادى. وقد فتح المسلمون هذه البلاد بقيادة طارق بن زياد وموسى بن نصير سنة 92هـ-711م فى عهد الخليفة الأموى الوليد بن عبد الملك.
وينقسم تاريخ الأندلس إلى سبعة مراحل:
1- فترة الولاة التابعبن للخلافة الأموية 92-138هـ 711-756م:
تعاقب على حكم الأندلس فيها نحو عشرين واليا ، وتم خلالها انتشار- الإسلام وتعريب البلاد، رغم نشوب حروب أهلية ترتب عليها انسحاب المسلمين الذين استوطنوا شمال البلاد وبدء حركة المقاومة المسيحية هناك.
2- فترة الإمارة المستقلة 138-316هـ 756-929م:
بدأت بقدوم عبد الرحمن بن معاوية الداخل وتجديد الدولة الأموية بعد انهيارها فى المشرق بأيدى العباسيين. فاستقل عبد الرحمن (صقر قريش) بالأندلس وأورث الإمارة نسله بعده. ومن أعظم أمراء هذه الفترة عبد الرحمن بن الحكم الأوسط 206-238هـ 822-852م الذى إليه الفضل فى توطيد الحكم الإسلامى وفى عدد من المنجزات الحضارية و العمرانية والثقافية.
3- عصر الخلافة (316-422/929-1031):(62/1)
فى سنة 300هـ 912م ولى حكم الأندلس عبد الرحمن بن محمود، وكان الضعف قد دبّ فى دولة سلفه وجده الأمير عبد الله بسبب الثورات الداخلية، فتمكن عبد الرحمن من إعادة السلام والوحدة إلى البلاد ، وما زال ينهض بالأندلس حتى أصبحت على جانب كبير من القوة والرخاء، وحينئذ أعلن نفسه خليفة وأميرا للمؤمنين ، واتخذ لقب "الناصر لدين الله" متحديا بذلك الخلافتين العباسية والفاطمية، ويعد عصر الخلافة الذى امتد حتي نهاية القرن الرابع الهجرى أزهى عصورالحضارة الأندلسية فى جميع الميادين. وخلف الناصر ابنه الحكم المستنصر الذى اهتم بالثقافة والعلوم ، وبعده الحاجب المنصور بن أبى عامر الذى فرض هيمنته على كل شبه الجزيرة.
4- فترة ملوك الطوائف 422-484هـ 1031-1091م:
فى سنة 399هـ 1008م اندلعت الفتنة أى الحرب الأهلية بين الفئات المتنازعة على السلطة لمدة ربع قرن ، أعلن بعدها إلغاء الخلافة وقيام ما يعرف بدول الطوائف ، إذ استقل حكام الولايات بأعمالهم ، ونشبت بينهم حروب انتهت بإضعاف دولة الاسلام ،حتى تمكن ألفونسو السادس ملك قشتالة (أقوى ممالك إسبانيا المسيحية) من الاستيلاء على طليطلة 478هـ 1085م ، وإزاء عجز ملوك الطوائف وتواكلهم استنجد الشعب الأندلسى بأمير المرابطين يوسف بن تاشفين الذى كان قد أنشأ فى المغرب دوله إسلامية قوية، فدخل الأندلس وهزم الملك ألفونسو فى معركة الزَّلاَّقة 479هـ/1086م ، وبعد ذلك بخمس سنوات قام بخلع ملوك الطوائف وضم الأندلس إلى ملكه.
5- دولة المرابطين 484-541هـ 1091-1147 م:(62/2)
حكم المرابطون الأندلس وجاهدوا فى الحفاظ على ما بقى بأيدى المسلمين من البلاد، ولكن جهودهم لم تحل دون سقوط "الثغر الأعلى" (سرقطة وما حولها) فى يد ألفونسو الأول ملك أرغون (وهى مملكة مسيحية أخرى) فى 512هـ 1118م. ونشبت فى أواخر عهدهم ثورات فى الأندلس ، وفى المغرب واجهوا ثورة أخرى أخطر قام بها محمد بن تومرت المهدى زعيم دولة الموحدين وخلفه عبد المؤمن بن على وبمصرع تاشفين ابن على انهارت دولة المرابطين.
6- دولة الموحدين 541-645هـ 1147-1247م:
ورث الموحدون عبد المؤمن وخلفاؤه دولة المرابطين بالمغرب والأندلس وظل ملكهم قويا متماسكا فى ظل الخلفاء الثلاثة الأوائل ،وأحرزوا على نصارى الشمال نصرا كبيرا فى موقعة الأرك 591هـ 1195م ، ولكن الهزيمة حاقت بهم بعد ذلك فى معركة العقاب (609هـ 1313م) التى تهاوت بعدها الحواضر الأندلسية واحدة بعد أخرى فى الشرق والوسط والغرب.
7- دوله بنى الأحمر 645-897هـ 1247-1492م:
لم يبق بأيدي المسلمين منذ منتصف القرن السابع الهجرى إلا مملكة غرناطة الصغيرة التى تبلغ مساحتها نحو عشر شبه الجزيرة، ومع ذلك فقد استطاع ملوكها من بنى الأحمر الحفاظ على دولتهم نحو قرنين ونصف قرن ، ولكن النزاعات الداخلية بين آخر ملوكهم والحملات النصرانية ضدهم وتقاعس البلاد الاسلامية المجاورة عن نجدتهم؛ كل ذلك أدى إلى انهيار دولتهم ، فسقطت غرناطة فى أيدى الملكين الكاثوليكيين 897هـ 1492م.
وأصبح مسلمو الأندلس الذين دُعوا "بالموريسكيِّين" خاضعين للسلطة المسيحية التى تعقبتهم بكل ضروب الاضطهاد حتى انتهى الأمر بطرد مئات الآلاف منهم إلى خارج إسبانيا بين 1018-1023هـ 1609-1614م.(62/3)
وعلى الرغم من ضعف الدولة الأندلسية المتزايد فإن الشعب الأندلسى استطاع أن يحقق منجزات حضارية وثقافية وفنية بالغة الأهمية، مثل مسجد قرطبة الجامع وقصور إشبيلية وحمراء غرناطة، كما كان للحضارة الأندلسية فضلها الكبير على إسبانيا وعلى النهضة الأوربية.
د/محمود على مكى(62/4)
#الأنصار المهدية
مصطلح يطلق على أتباع مهدى السودان، الذى ادّعى فى ربيع الثانى عام 1298هـ ، مارس 1886م أنه المهدى المنتظر، وأطلق على اتباعه الأنصار، تأسيا بالنبى صلى الله عليه وسلم ، وكان محمد أحمد المهدى زاهدا تقيا، وزعيما دينيا، قادرا على تحريك الجماهير التى قامت بدور ملموس كإحدى حركات التصدى للغزو الأوروبى للعالم الإسلامى.
وقد بدأ محمد المهدى فى تكوين نواة جماعة الأنصار، عندما عاد من الحج وهاجر إلى جزيرة آبا (فى النيل الأبيض) ومناداته بنفسه مهديا وخليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإعلانه أنه يقوم بحركة لتجديد الإسلام وتحرير بلاده من الترك والإنجليز(1)، فبايعته القبائل فى كردفان ودارفور وبحر الغزال وشرق السودان.
وكان لجماعة الأنصار دور فى قطع وسائل المواصلات بين نواحى السودان المختلفة مما سبب مشاكل جمّة للقوات المصرية هناك حيث منيت القوات التى بعثها حكمدار السودان آنذاك رؤوف باشا بأول هزيمة تواجه الحكومة هناك منذ فتح إسماعيل باشا للسودان مما جعل الحكومة الإنجليزية تضغط على مصر ابتداء من يناير 1884م لإخلاء السودان ، فكان لها ما أرادت خاصة بعدما امتد نفوذ الأنصار- ليغطى كل مناطق السودان.
وبعد وفاة محمد المهدى فى رمضان سنة 1302هـ ، دب الخلاف بين خلفائه الأربعة الذين اختارهم قبل وفاته ، ولكن نجح عبد الله بن محمد التّعايشى الذى لقبه المهدى بالأمين الصديق أبى بكر، فى تزعمه للأنصار وذلك لأنه كان يقود أقوى فرق الأنصار وهم من البقارة والجعليين والدناقلة وهؤلاء كانوا يكونون القوة العسكرية للأنصارفى عصر- التعايش ، أما الأعمال الإدارية والمالية فكانت تقوم بها جماعة من الدنقلاوية من أهل بيت محمد أحمد المهدى ويلقبون بالأشراف.(63/1)
وقد تزعم الأنصار بعد استعادة السودان ،عبد الرحمن المهدى بن محمد المهدى 1884م ، الذى كان زعيما لحزب الأمة السودانى ، ثم خلفه نجله السيد صديق المهدى 1911م الذى كان أيضا زعيما روحيا.
ويتزعم حاليا حزب الأمة السودانى الصادق المهدى، الذى شغل منصب رئيس مجلس الوزراء فى السودان فيما بعد.
أ.د/فاروق عبد الجواد شويقة(63/2)
#الأهلية
لغة: الجدارة لأمر ما، يقال: هو أهل لكذا، أى: جدير به ، كما فى القاموس المحيط.(1)
واصطلاحا: هى صلاحية الإنسان لوجوب الحقوق المشروعة له وعليه.(2)
فالأهلية صفة فى الانسان يقدرها الشارع فى الشخص تجعله محلا صالحا لأن يتعلق به الخطاب التشريعى، باعتبار أن الشارع فيما شرَّع إنما يخاطب الناس بالأحكام آمرا وناهيا ، ويُلزِمُ بتنفيذها واحترامها.(3)
وتنقسم الأهلية إلى: أهلية وجوب ،وأهلية أداء. وكل منهما إما ناقص ، وإما كامل ، فالأقسام أربعة:
(أ) أهلية الوجوب الناقصة: وهى صلاحية الإنسان لأن تكون له حقوق ، ولكن لا يصلح لأن يجب عليه شىء، مثل أهلية الجنين ، فهى ثابتة له فى بطن أمه ، وبها كان أهلا لاستحقاق الإرث والوصية.
(ب) أهلية الوجوب الكاملة: وهى صلاحية الإنسان لوجوب الحقوق له ، وثبوت الواجب عليه. وهذه الأهلية تثبت للإنسان من ولادته إلى موته ، فيرث ويورث ، وتجب له النفقة كما تجب في ماله.
(ج) أهلية الأداء الناقصة: وهى صلاحية الإنسان لصدور بعض التصرفات دون بعض ، ومناط هذه الأهلية هو التمييز حتى يبلغ الانسان عاقلا.
(د) أهلية الأداء الكاملة: وهى صلاحية الإنسان لصدور الأفعال منه على وجه يُعتَدّ به شرعا ، وتثبت هذه الأهلية للبالغ الرشيد؛ فيكون صالحا لإبرام جميع التصرفات من غير توقف على إجازة غيره.(4)
وعوارض الأهلية نوعان: من قبل الله عزَّ وجلَّ كالصغر والجنون ، ومكتسب من جهة العبد كالسفه والإكراه 0(5)
أ.د/على مرعى(64/1)
#الأَعراب
هم سكان البادية من العرب خاصة ، والنسبة إليهم "أعرابى" ، وليس الأعراب جمعا ل "عرب" بل هو اسم جنس. (1)
وإذا كان الأعراب بدوا فإن الأحكام التى تجرى عليهم هى ذات ما يجرى على البدو من أحكام ، والأصل فى الشرع أن الأحكام تتعلق بكل مكلف ، بغض النظرعن مكان إقامته ، وعليه فإن الأحكام التى تجرى عليهم هى عين ما يجرى على أهل الحضرمن أحكام إلا ما ورد استثناء من ذلك لاختلاف طبيعة كل منهما.
ومن بعض الأحكام التى يختلفون فيها عن أهل الحضر: أن الجمعة لا تجب عليهم فى باديتهم ، لعدم الاستيطان ، إلا إذا أقاموا بموضع يسمعون فيه نداء الحضرفإنها تجب عليهم.(2) ومنها: أن البدوى لا يدخل فى عاقلة القاتل الحضرى ، ولا الحضرى فى عاقلة البدوى القاتل ، لعدم التناصر بينهما ، وعليه المالكية.(3)ومنها: أن الحنفية على أنه تكره إمامة الأعرابى فى الصلاة ، لغلبة الجهل بالأحكام عليهم.(4)
ومنها: أن شهادتهم على أهل الحضر مختلف فيها ، فالجمهور على الجواز ، والمالكية منعوها ، بخلاف شهادة أهل الحضر فإنها جائزة ، وعلة هذا المنع أنهم غالبا لا يضبطون الشهادة على وجها.(5)
واذا ما انتقل الأعرابى من البادية إلى الحضر أصبح من أهل الحضر وجرت عليه سائر أحكامهم.
أ.د/عبد الصبور مرزوق(65/1)
#الأَعراف
لغة: جمع عرف ، وكل مرتفع يُسمَّى عرفًا ، ومنه عرف الديك كما فى اللسان.(1)
واصطلاحا: سور عال مشرف قائم بين الجنة والنار.(2)
والأعراف سورة مكية هى السابعة فى ترتيب المصحف ، وهى إحدى السبع الطوال ، وشأنها شأن أمثالها من القسم المكى فى توجيه أقصى العناية إلى العقائد الأمهات (الإلهيات والنبوات والسمعيات) تأصيلا وتدليلا ، وهى مفتتحة بأربعة من الحروف المقطعة الواقعة فى افتتاح تسع وعشرين سورة ، والتى يدل الافتتاح بها على التحدى البالغ أقصى غاياته بالقرآن من قِبَل أنه مُؤلَّف من عين الحروف التى يؤلفون منها كلامهم ، بل التى لا نظم لكلامهم إلا منها ، فما عجروا عن الإتيان بمثله إلا لكونه ليس من كلام البشر ، وإنما هو قول خالق القوى والقُدَر.
وأبرز ألوان الإعجاز المتحدّى به فى هذه السورة -فوق بلوغ ذروة البيان الشامل لجميع القرآن- هو الإخبار بأنباء الغيب ، ولا سيما فى جانب الماضى السحيق المتمثل فى القصص الحق ، الذى شمل من السورة ثمانية أعشارها أو يزيد.
وسميت هذه السورة باسمها نظرا لورود قصة أصحاب الأعراف فيها وسريان روح هذه القصة المتمثلة فى بيان علامات أهل الهدى وأهل الضلال فى جميع السورة سريان الماء فى العود الأخضر.
والمترجح فى أصحاب الأعراف من بين اثنى عشر قولا -حكاها القرطبى وغيره- هو ما عليه جماهير المفسرين ، واختاره حذيفة وابن مسعود وابن عباس وغير واحد من السلف والخلف وكما قال الحافظ ابن كثير من أنهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم ، فحالت بهم حسناتهم عن دخول النار ، وعاقتهم سيئاتهم عن دخول الجنة ، حتى أنعم الله عليهم أخيرا وتفضل بدخولهم الجنة ، يقول تعالى {وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كُلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون}الأعراف:46.
أ.د/إبراهيم عبد الرحمن خليفة(66/1)
#الأَغالبة
أسرة عربية تنتمى إلى إبراهيم بن الأغلب ابن سالم التميمى ، وكان عاملا على الزَّاب ثم قبض على السلطة فى إفريقية (تونس) فثبته الخليفة العباسى هارون الرشيد 170-193هـ بها ، وأقام دولة مستقلة فى ظل الخلافة العباسية ، وكان الحكم فيها وراثيا واتخذت القيروان عاصمة لها.
وقد تولى الحكم فى هذه الأسرة أحد عشر أميرا ، أولهم إبراهيم المذكور (ت 184هـ/800م) ، وآخرهم أبو مضر زيادة الله (ت 296هـ/908م) ، وبقى حكمها حتى أسقطها الفاطميون 296هـ/908م.
ومما يذكر آنه تم فتح شبه جزيرة صقلية سنة 212هـ/827م فى عهد الأمير السابع ، وتولى قيادة الحملة الفقيه أسد بن الفرات قاضى قضاة القيروان.
وقد نعمت إفريقية بنهضة حقيقة فى كل المجالات فى ظل بنى الأغلب ، وهناك آثار بنيت فى عهدهم ما زالت باقيا معظمها حتى الآن ، منها مدينة القصر القديم أو العباسية التى بناها إبراهيم بن الأغلب جنوبى القيروان لتكون معسكرا لجنده ومقرا له وعرفت بالقصر القديم تمييزا لها عن القصر الجديد.
وقد كانت القيروان فى عهد بنى الأغلب مركزا للحياة الدينية والعلمية والأدبية ، وازدهرت فيها المدرسة المالكية ، وكان من أبرز علماء تلك المدرسة أسد بن الفرات وغيره ممن لعبوا دورا مهما فى نهضة الفقه المالكى ، وتصدوا للخوارج الذين كانوا خطرا على أهل السنة وعلى سلطان بنى العباس فى إفريقية قبل وبعد حكم الأغالبة.
لقد ساد حكم الأغالبة نحو قرن من الزمان ، عرفت البلاد خلاله الاستقرار السياسى نسبئا وأصبحت مدنها مراكز للعلم والتجارة ونشطت حركة العمران. وعمرت الأسواق وازدهرت صناعة السفن إلى جانب العناية بالزراعة والرى حتى أضحت القيروان من أكبر المراكز التجارية ، واشتهرت مدينة "رفادة" ومثلها مدينة العباسية.(67/1)
وكانت إفريقية تصدر القمح والشعير إلى الأسكندرية وتصدر الرقيق إلى بلاد الشام ، والنسيج والأقمشة الفاخرة والأبسطة إلى "بغداد" كما استوردوا بعض محاصيل المشرق ، ولهذا راجت فى زمنهم دور صناعة السفن ، وأمكنهم بفضل موانى سوسه ، وتونس ، وبجاية ، على البحر الأبيض المتوسط ، تكوين الأساطيل وتحقيق الانتصارات البحرية.
وتعتبر فترة إبراهيم بن الأغلب وابنه زيادة الله أزهى فترات هذه الدولة ، حيث ساد الرخاء ، وضربت الدنانير والدراهم ، ودونت دواوين الخراج والخاتم ونشطت دار الطرز ، وباختصار كان بلاط الأغالبة صورة مصغرة للبلاط العباسى.
وانتهت هذه الدولة فى عهد أبى نصر زيادة الله الثالث عندما نجح الفاطميون فى الاستيلاء على عاصمتها "رقادة" سنة 296هـ/908م.
أ.د/حسن على حسن(67/2)
#الإحسان
الإحسان
لغة: فعل ما هوحسن ، مع الإجادة فى الصنع (كما فى المعجم الوجيز).
شرعا: أن تعبد الله كاًنك تراه ، فإن لم تكن تراه ، فإنه يراك.
فهوفعل ما ينبغى أن يفعل من الخير فضلا ومحبة، والأفضل أن يكون ذاتيا دائما دون نقص أو انقطاع ، لأنه عمل بالفضائل ، ولأنه قربة إلى الله تعالى(3).
وجاءت مادة "حسن" فى القرآن الكريم بجميع صيغها ما يقرب من مائة وخمس وتسعين مرة منها اثنتا عشرة مرة بلفظ "إحسان" وهذا دليل على أهمية هذا المقام فى الإسلام ، حيث أمر به الله عزوجل فى مثل: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان}النحل:90.
ويقوم الإسلام على ثلاثة أمور، هى: الإسلام والإيمان والإحسان. فالاحسان: جزء من عقيدة المسلم ، كما دل عليه حديث جبريل وهو متفق عليه فقد سأل جبريل عليه السلام عن هذه الثلاثة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (هذا جبريل أتاكم ليعلمكم أمر دينكم) فسمى الثلاثه دينا ، وفى الإجابة عن الإحسان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الإحسان أن تعبد الله كانك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك) رواه البخارى.
وأوضحت السنة النبوية أن الإحسان كالروح يجب أن يسرى فى كل أمور المسلم.
قال النبى صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب الإحسان على كل شئ..) رواه مسلم.
والإحسان فى العبادات: يكون باستكمال شروطها وأركانها، واستيفاء سننها وآدابها مع استغراق المؤمن فى شعور قوى بأن الله عز وجل مراقبه حتى لكاًنه يراه تعالى ويشعر باًن الله تعالى مطلع عليه ، كما جاء في حديث جبريل.
والإحسان فى باب المعاملات: يكون ببر الوالدين ، من حيث طاعتهما ، وإيصال الخير إليهما ، وكف الأذى عنهما ، والدعاء والاستغفار لهما ، وإكرام صديقهما ، وإنفاذ عهدهما.(68/1)
قال تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا} ثم ذكرت الاية ثمانية أصناف أخرى يجب لها الإحسان وهى {وبذى القربى واليتامى والمساكين والجارذى القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم}النساء:36 وكذلك ورد توجيه نبوى فى الاحسان إلى الخادم ، وذلك بإعطائه أجره قبل آن يجف عرقه ، وبعدم تكليفه ما لايطيق. فإن كان مقيما بالبيت فليأخذ حقه من الطعام والكساء، كما فى حديث أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أتى أحدكم خادمه بطعام ، فإن لم يجلسه معه ، فليناوله لقمة أو لقمتين ، أو أكلة اًو أكلتين ، فإنه وَلِى علاجه)رواه البخارى.
والإحسان إلى الزوجة كذلك بعض ما أمر به الاسلام فى حسن معاملتها وإيفائها كافة حقوقها وحسن عشرتها، والاحتكام إلى أهلهما إن اختلفا، وعدم الاضرار بها بوجه من الوجوه كما ورد فما غيرآية من القرآن وفى قوله صلى الله عليه وسلم (استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان عندكم). وقوله صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله واًنا خيركم لأهلى).
وهكذا يتنوع الإحسان تبعا لأحوال الاخرين: فهو للأقرب ببرهم والرحمة بهم والعطف عليهم مع الأقوال والأفعال الطيبة.
ولليتامى: بصيانة حقوقهم ، وتأديبهم ، وتربيتهم ، وعدم قهرهم.
وللمساكين: بسد جوعتهم ، وستر عورتهم ، والحث على إطعامهم ، وإبعاد الأذى والسوء عنهم.
ولأبناء السبيل: بقضاء حاجتهم ،وسد خلّتهم ، وصيانة كرامتهم وبإرشادهم وهدايتهم.
ولعامة الناس: بالتلطف فى القول ، والمجاملة فى المعاملة ، مع الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ورد حقوقهم ، وكف الأذى عنهم.
والإحسان للحيوان: بإطعامه إذا جاع ،ومداواته إذا مرض ، والرفق به فى العمل ،وإراحته من التعب.(68/2)
ومن الإحسان: كثرة الجود ولا سيما فى رمضان اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم و كما روى ابن عباس: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، وكان اًجود ما يكون فى رمضان حين يلقاه جبريل...) رواه مسلم.
والإحسان فى العمل إنما يكون بإجادته ، وإتقان صنعته ، مع البعد عن التزوير والغش ، روى فى الحديث النبوى: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا اًن يتقنه) والإتقان إحسان الصنع.
أ.د/عبداللطيف محمد العبد(68/3)
#الإخلاص
1. دلالة المصطلح :
أ - لغة : خلص ، خلوصاً ، وخلاصاً ، وأخلص الشيء : أصفاه ونقاه من شوبه .
ب - اصطلاحاً : هو إفراد الحق سبحانه بالقصد في الطاعة.
2. الأهداف :
أ - أن يعرف المسلم أهمية الإخلاص في قبول العمل عند الله عز وجل .
ب - أن يجاهد العبد نفسه لتحقيق الإخلاص في عمله وجهاده لله تعالى .
ت - أن يعرف العبد حكم العمل المشوب بشائبة رياء ابتداء أو عرضاً .
ث - أن يتقي العبد الأسباب التي تشوش عليه إخلاصه .
ج - أن يتخذ السلف قدوة في إخلاصهم في دعوتهم .
ح - أن يعرف العبد ثمرات الإخلاص في الدنيا والآخرة مما يزيد من تعلقه به وحرصه عليه ومجاهدة نفسه للوصول إليه .
3. عناصر الموضوع :
أ - لماذا الحديث عن الإخلاص ؟
ب - النية وأثرها في الأعمال .
ت - ثمرات الإخلاص .
ث - هل أنت من المخلصين ؟
ج - صور من إخلاص السلف .
ح - أحكام وتنبيهات حول الإخلاص .
خ - السبيل إلى الإخلاص .
4. العرض :
أ - لماذا الحديث عن الإخلاص ؟
1. أنه من أهم أعمال القلوب .
2. أنه أحد شرطي قبول العمل .
3. أنه يعظم العمل الصغير حتى يزن عند الله جبلاً .
4. أنه حصن المؤمن من نزغات الشياطين .
5. أنه مما كان السلف يعنون به .
6. معاناة الكثير من الدعاة من شوائب مقاصدهم مما شغلهم عن سيرهم .
7 . تلويث الدعوة بالرياء يذهب في النفوس أثرها .
8. معرفة حقيقة الإخلاص من أعظم الأسباب المعينة على الإخلاص .
ب - النية وأثرها في العمل :
1. النية هي القصد إلى الشيء والعزيمة على فعله .
2. أثر النية في الأعمال : وتنقسم إلى ثلاثة أقسام :
أ - المعاصي .
ب - الطاعات .
ت - المباحات .
ت - ثمرات الإخلاص :
1. قبول الأعمال .
2. النصر والتمكين .
3. نقاء القلب من الغل والحقد والخيانة .
4. مغفرة الذنوب .
5. قلب المباحات إلى طاعات .
6. تنفيس الكروب ، وإجابة الدعاء .
7. قلة الوساوس والأوهام .
8. الظفر بالحكمة ونفاذ البصيرة .(69/1)
9. إدراك الأجر وإن عجز عن العمل .
10. إدراك الأجر وإن أخطأ في الاجتهاد ولم يصل إلى المراد .
11. النجاة من الفتن .
12. الفوز بالنعيم المقيم في جنات النعيم .
13. محبة الله عز وجل للمخلص .
14. مضاعفة الحسنات .
15. الإظلال في ظل الله عز وجل .
16. تثبيت الله للمخلصين .
ث - هل أنت من المخلصين ؟ ( صفات المخلصين ) :
1. يريدون وجه الله .
2. عمل الخلوة أحب إليهم من عمل الجلوة .
3. باطنهم أعمر من ظاهرهم .
4. همهم خدمة الدعوة في أي موقع كانوا .
5. خائفون من عدم القبول .
ج - صور من إخلاص السلف :
1. الماوردي لم يظهر شيئاً من تصانيفه في حياته .
2. ( عامر بن عبد قيس والكنز الذي وجده وأعاده ولم يخبر به باسمه )
3. علي بن الحسين وإنفاقه بالليل دون أن يعلم به أحد .
4. إخلاصهم في عبادتهم ( الصلاة – الصيام - ... ) .
5. إخلاصهم في دعوتهم وجهادهم ( قصة الأعرابي الذي قال للنبي ? ما على هذا تبعتك ؟ ) .
ح - أحكام وتنبيهات حول الإخلاص :
1. سرور العبد عند ثناء الناس عليه هل يقدح إخلاصه ؟
2. هل نشاط العبد في عمل الخير عند رؤية العابدين ، ومجالسة الصالحين يعد رياء ؟
3. ترك العمل خشية الرياء .
4. ما حكم العمل المشوب بالرياء ؟
خ - السبيل إلى الإخلاص :
1. معرفة الله عز وجل بأسمائه وصفاته .
2. اللجوء إلى الله بالدعاء .
3. معرفة عواقب الرياء .
4. معرفة ثمرات الإخلاص .
5. إخفاء العبادة وإسرارها .
6. صحبة المخلصين ، وعباد الله الصالحين .
7. الزهد بما عند الناس .
8. محاسبة النفس .
9. القراءة في سير السلف .
5. تنبيهات دعوية تتعلق بالإخلاص :
1. تربية المربي تلاميذه على صفة الإخلاص ويعلمهم الإخلاص بين الحين والآخر بصور عديدة منها :
أ - طرح موضوع الإخلاص .
ب - تكليف بعضهم بإلقاء كلمة عن الإخلاص .
ت - ذكر صور من إخلاص السلف بين الحين والآخر .
ث - سماع محاضرات عن الإخلاص .(69/2)
2. حب الظهور والحديث عن النفس ( لغير مصلحة شرعية راجحة ) من الآفات التي تبدوا على بعض الدعاة ولذلك يراعى مع مثل هذا :
أ - تذكيره بطريقه غير مباشرة بموضوع الإخلاص والرياء .
ب - عدم المدح والثناء عليه لأن المدح عندئذ مفسدة تزيد من مرضه .
ت - تضييق دائرة مسئوليته ، مع محاسبته على تقصيره وتوضيح مواطن خطئه .
3. تضييع بعض الفرص التي يمكن استثمارها للدعوة بين الناس بحجة الخوف من الرياء مدخل شيطاني والواجب أن يصحح المرء نيته .
6. من التطبيقات العملية لهذا الدرس :
أ - أن يشجع التلميذ على صدقة السر .
ب - أن يشجع التلميذ على صلاة الليل وصلاة الوتر في الجوف الأخير .
ت - أن يشجع التلميذ على جعل نوافله في بيته .
ث - أن يحفظ ( دعاء اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئاً نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه ).
المرجع الرائد دروس في التربية والدعوة – مازن الفريح – دار المنطلق .(69/3)
#الإدمان
لغة: دَمِنَ على الشئ: لزمه ، وأدمن الشراب وغيره: أدامه ولم يقلع عنه ، ويقال أدمن الأمر ، واظب عليه.(كما فى المعجم الوسيط)(1).
اصطلاحا: تعاطى المواد الضارة طبيا واجتماعيا وعضويا بكميات أو وجرعات كبيرة ولفترات طويلة ، تجعل الفرد متعودا عليها وخاضعا لتأثيرها ويصعب أو يستحيل عليه الإقناع عنها.
والإدمان قد يكون إدمانا على الخمر والمسكرات ، أو إدمانا على المخدرات أو حتى بعض الأدوية والعقاقير.
ولكنه فى كل الأحوال أكثر تعقيدا من مجرد الاشتهاء الجسمى لأنه يؤثر على أجهزة الجسم وبخاصة على الجهاز العصبى والنفسى للإنسان والقاعدة فى الشريعة الإسلامية تقرر أنه لا يحل للمسلم أن يتناول من الأطعمة أو الأشربة شيئا يقتله بسرعة أو ببطء أو ما يضره ويؤذيه ، فإن المسلم ليس ملك نفسه ، وإنما هو ملك دينه وأمته ، وحياته وصحته وماله ونعم الله كلها عليه وديعة عنده ، ولا يحل له التفريط فيها قال سبحانه وتعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}البقرة:195 ، وقال سبحانه وتعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما}النساء:29 ، فقد أثبتت الأبحاث الطبية والاجتماعية أن أشر ما يمكن أن يؤدى إلى التهلكة هو الإدمان.
وليس هناك أكمل من البيان القرآنى وحجية السنة المطهرة لبيان ما ينطوى عليه من خطورة ، فالله عندما شرع العقوبة جعل شرب الخمر ضمن جرائم الحدود ، كما قال سبحانه: {ياأيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون}النساء:43 ، وقال جل شأنه:{ياأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون.إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء فى الخمر والميسر ويصدكم عن ذكرالله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون}المائدة:90-91.(70/1)
كما وصفها الرسول الكريم بأنها أم الكبائر وأم الخبائث لأنها تزين للإنسان الشر وتدفعه إليه ، ولذا فقد لعن بائعها وعاصرها وحاملها فلقد "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر" رواه الإمام أحمد عن أم سلمة(2).
ويعتبر الإدمان فى العصر الحديث من أشد المشكلات إيلاما لأسر المدمنين والمجتمع إذ يؤدى إلى حالة من التدهور فى الشخصية تهتز معها القيم والمعايير فلا يعود المدمن قادرا على التوافق السليم مع القانون والحياة الاجتماعية السوية.
إن الإدمان ظاهرة المجتمعات التى تحتوى على كثير من العناصر البنائية المتناقضة -وبخاصة فى أنساق القيم- ويبدو أن هذا ما انتبهت إليه الحضارة الحديثة متأخرة ، حيث بدأت كثير من الدول التى لا تدين بدين الإسلام بالأخذ بنظرة الإسلام والتفكير جديا فى وضع القيود والقوانين الصارمة على الخمر والمخدرات أن لم يكن تحريمها.
أ.د/محمود أبو زيد(70/2)
#الإسراف والتبذير
· مفهوم الإسراف :
أ لغة : مجاوزة الحد .
ب اصطلاحاً : ما أنفق في غير طاعة الله فهو سرف وإن كان قليلاً .
·أسباب الإسراف والتبذير :
1. جهل المسرف بتعاليم الدين الذي ينهى عن الإسراف بشتى صوره .
2. النشأة الأولى .
3. الغفلة عن طبيعة الحياة الدنيا وما ينبغي أن تكون .
4. السعة بعد الضيق .
5. صحبة المسرفين .
6. حب التباهي والظهور .
7. المحاكاة والتقليد .
8. الغفلة عن الآثار المترتبة على الإسراف والتبذير .
· من نماذج الإسراف :
1. الخمور والمخدرات والدخان .
2. الإفراط في الطعام .
3. الإعلان والعادات الشرائية الخاطئة .
4. جنون الأزياء وتعدد أنماط المنتجات .
5. المبالغة في الإنفاق العسكري .
· بعض المتناقضات من الأولويات العسكرية والاجتماعية والبيئية :
1. أنفق برنامج الأمم المتحدة للبيئة وعلى مدى عشر سنوات 450 مليون دولار .
2. بلغ إجمالي قيمة المساعدات الإنمائية الرسمية السنوية المقدمة إلى البلدان النامية 35 مليار دولار .
3. يمكن استخدام ( 6-7 ) ساعات من الإنفاق العسكري العالمي ( 700 ) مليون دولار للقضاء على الملاريا .
4. يعادل يوم واحد من حرب الكويت 1991 م 1.5 مليار دولار .
·الآثار المترتبة على الإسراف والتبذير .
1. الإسراف خطر على العقيدة .
2. الإسراف نوع من التسرع والتهور .
3. الإسراف ودواعي الشر والإثم .
4. الإسراف وتأثيره على البيئة .
5. الترف والدعوة إلى النعومة والليونة .
6. التبذير والهوى .
7. عدم الرعاية والاهتمام بالآخرين .
· الإسراف والتبذير في واقع الناس .
· معالجة ظاهرة الإسراف والتبذير :
1. الناحية الاقتصادية .
2. الاستهلاك في حدود الوسط والاعتدال .
3. تجنب الفخر والخيلاء .
4. الابتعاد عن الحرام .
5. ترشيد وتنظيم الاستهلاك .
6. تناول المنتجات الاستهلاكية وادخارها عند السير والرخاء .
· أنواع الاستهلاك :
1. منطقة القوام ( الوسطية والاعتدال ) .(71/1)
2. منطقة الزينة ( الطيبات وإظهار الغنى ) .
3. منطقة الورع ( التقشف والزهد ) .
4. منطقة التقتير ( البخل والشح ) .
5. منطقة الإسراف ( التبذير والترف ) .
· قواعد حاكمة لعملية الاستهلاك :
1. النهي عن حياة الترف .
2. النهي عن الإسراف والتبذير والسفه .
3. الأمر بالاعتدال في الإنفاق .
4. الابتعاد عن استهلاك المنتجات المحرمة والضارة .
5. عدم المباهاة والخيلاء .
6. تذليل النفس البشرية بالجوع ، ومن فوائد الجوع :
أ صفاء القلب ونفاذ البصيرة .
ب زوال البطر والأشر .
ت تذكر بلاء الله وعذابه .
ث كسر شهوات المعاصي .
ج المواظبة على العبادة .
ح الإيثار والتصدق بالفضل .
7. التربية الاقتصادية ، ومما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - في تربية أصحابه ما يلي :
أ التربية على أن الغنى غنى النفس .
ب التربية على العمل وكسب العيش .
ت التربية على الاعتماد الذاتي والاكتفاء بالدخل الشخصي .
ث التربية على العطاء .
المرجع : الإسراف والتبذير – زيد الرماني – دار الوطن(71/2)
#الإسراف:
أولاً : معنى الإسراف
لغة: الإسراف في اللغة يطلق ويرد به :ما أنفق من غير طاعة .أو التبذير ومجاوزة الحد.
اصطلاحا: أما في اصطلاح الدعاة فيراد به مجاوزة حد الاعتدال في الطعام والشراب واللباس والسكنى ونحو ذلك من الغرائز الكامنة في النفس البشرية.
ثانياً: أسباب الإسراف :
للإسراف أسباب وبواعث توقع فيه وتؤدى إليه ونذكر منها :
1- النشأة الأولي :
· قد يكون السبب في الإسراف النشأة الأولي أي الحياة الأولي.
· ذلك أن المسلم قد ينشأ في أسرة حالها الإسراف والبذخ.
· فيكون منه سوى الإقتداء والتأسي إلا من رحم الله على حد قول القائل :
وينشئ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه
· بهذا ندرك شيئاً من أسرار دعوة الإسلام وتأكيده على ضرورة إنصاف الزوجين والتزامهم بشرع الله وهديه :
- قال تعالى: {وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }النور32
- قال تعالى: {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }البقرة221 .
- قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:( تنكح المرأة لأربع : لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك ).
2- السعة بعد الضيق:
· قد يكون الإسراف سببه السعة بعد الضيق.(72/1)
· ذلك أن كثيراً من الناس قد يعيشون في ضيق أو حرمان أو شدة أو عسر وهم صابرون محتسبون بل وماضون في طريقهم إلى ربهم، فيحدث أن تتغير الموازين وأن تتبدل الأحوال فتكون السعة بعد الضيق أو اليسر بعد العسر.
· حينئذ يصعب على هذا الصنف من الناس التوسط أو الاعتدال، فينقلب على النقيض تماماً فيكون الإسراف أو التبذير .
· لعلنا بهذا ندرك بعض الأسرار التي من أجلها حذر الشارع الحكيم من الدنيا، وأوصى بأن يكون النيل منها بقدر.
· يقول النبي صلى الله عليه وسلم:( فأبشروا وأملوا ما يسركم فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتتنافسوها كما تنافسوها تهلككم كما أهلكتم ). أخرجه البخاري.
· ويقول أيضاً:( إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعلمون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بنى إسرائيل كانت في النساء). أخرجه مسلم.
3- صحبة المسرفين :
· قد يكون سبب الإسراف صحبة المسرفين ومخالطتهم.
· ذلك أن الإنسان غالباً ما يتخلق بأخلاق صاحبه وخليله لاسيما إذ طالت هذه الصحبة وكان هذا الصاحب قوى الشخصية شديد التأثير.
· لعلنا بذلك ندرك السر في تأكيد الإسلام وتشديده على ضرورة انتقاء الصحاب أو الخليل.
4- الغفلة عن زاد الطريق:
· إنما ذلك الغفلة عن زاد الطريق هي أن الطريق الموصلة إلى رضوان الله، والجنة ليست طريقاً مفروشة بالحرير والورود والرياحين، بل بالأشواك والدموع والعرق والدماء والجماجم وولوج هذه الطريق لا يكون بالترف والنعومة والاسترخاء.
· إنما بالرجولة والشدة هو زاد الطريق والغفلة عن هذا الزاد توقع المسلم العامل في الإسراف.(72/2)
· لعلنا بذلك ندرك سر حديث القرآن المتكرر المتنوع عن طبيعة الطريق : {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ }البقرة214.
· وقال أيضاً {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ }آل عمران 142.......إلى غير ذلك من الآيات.
5- الزوجة والولد :
· إذ قد يبتلى المسلم بزوج وولد دأبهم وديدنهم الإسراف.
· وقد لا يكون حازماً معهم فيؤثرون عليه وبمرور الأيام وطول المعاشرة ينقلب مسرفاً مع المسرفين
· لعلنا بذلك نفهم بعض الأسرار التي قصد إليها الإسلام حين أكد ضرورة انتقاء واختيار الزوجة. أثناء الحديث عن السبب الأول وحين أكد على ضرورة الاهتمام بتربية الولد والزوجة .
· قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:( ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالإمام الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عن رعيته والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسئولة عن عنهم ......الحديث ). أخرجه البخاري.
6- الغفلة عن طبيعة الحياة الدنيا وما ينبغي أن تكون :
· قد يكون السبب في الإسراف الغفلة عن طبيعة الحياة الدنيا وما ينبغي أن تكون ذلك أن طبيعة الحياة الدنيا أنها لا تثبت ولا تستقر على حال واحد.
· بل هي متقلبة تكون لك اليوم وعليك، وصدق الله العظيم {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ }آل عمران 140.(72/3)
· الواجب يقتضي أن نكون منها على وجل وحذر.
· يجب وضع النعمة في موضعها وأن ندخر ما يفيض عن حاجتنا الضرورية اليوم من مال وصحة ووقت إلى الغد أو بعبارة أخرى : ندخر من يوم إقبالها ليوم إدبارها .
7- التهاون مع النفس :
· ذلك أن النفس البشرية تنقاد وتخضع ويسلس قيادها بالشدة والحزم وتتمرد وتتطلع إلى الشهوات وتلح في الانغماس فيها بالتهاون واللين.
· إن المسلم العامل إذا تهاون مع نفسه ولبى كل مطالبها أوقعته لا محالة في الإسراف.
· لعلنا بذلك نفهم السر في تأكيد الإسلام على ضرورة المجاهدة للنفس أولا وقبل كل شيء.
· وأيضاً {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ }العنكبوت69.
8- الغفلة عن شدائد وأهوال يوم القيامة:
· قد يكون السبب في الإسراف الغفلة عن الشدائد وأهوال يوم القيامة.
· ذلك أن يوم القيامة يوم فيه من الشدائد والأهوال، ما ينعقد اللسان وتعجز الكلمات عن الوصف والتصوير.
· من ظل متذكرًا ذلك متدبراً فيه قضى حياته غير ناعم بشيء في هذه الحياة الدنيا.
· أما من غفل عن ذلك فإنه يصاب بالإسراف والترف بل ربما ما هو أبعد من ذلك.
· لعلنا بهذا ندرك شيئا من أسرار دوام خشيته صلى الله وعيه وسلم لربه وقلة تنعمه ونيله من الحياة الدنيا.
· يقول صلى الله عليه ويسلم : ( لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ). أخرجه البخاري.
9- نسيان الذي تحياه البشرية عموماً والمسلمون على وجه الخصوص:
· قد يكون السبب في الإسراف إنما هو نسيان الواقع الذي تحياه البشرية عموماً والمسلمون على وجه الخصوص.
· إن المسلمين صاروا إلى حال من الذل والهوان يرثى لها ويتحسر عليها.
· من بقى مستحضراً هذا الواقع وكان متبلد الحس ميت العاطفة فإنه يمكن أن يصاب بالترف والإسراف والركون إلى زهرة الدنيا وزينتها.(72/4)
· لعلنا بذلك ندرك شيئاً من أسرار حزنه واهتمامه صلى الله عليه وسلم بأمر البشرية قبل البعثة وبعدها حتى عاتبه ربه ونهاه عن ذلك.
· قال تعالي {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً }الكهف6.
10- الغفلة عن الآثار المترتبة على الإسراف:
· قد يكون السبب في الإسراف الغفلة عن الآثار المترتبة على الإسراف ذلك أن للإسراف آثاراً ضارة وعواقب مهلكة على نحو الذي سنعرض له بعد قليل .
· لقد عرف من طبيعة الإنسان :أنه غالباً ما يفعل الشيء أو يتركه إذا كان على ذكر من آثاره وعواقبه.
· أما إذا غفل عن هذه الآثار فإن سلوكه يختل وأفعاله تضطرب فيقع أو يسقط فيما لا ينبغي ويهمل أو يترك ما ينبغي .
· وعليه فإن المسلم العالم إذا غفل عن الآثار المترتبة على الإسراف يكون عرضة للوقوع في الإسراف.
· لعلنا بذلك نفهم السر في اهتمام الإسلام بذكر الحكم والمقاصد المنوطة بكثير من الأحكام والتشريعات.
ثالثاً : آثار الإسراف :
هذا وللإسراف آثار ضارة وعواقب مهلكة سواءً على العاملين أو على العمل الإسلامي.
الآثار على العاملين :
1- علة البدن :
· أي أن الأثر الذي يتركه الإسراف إنما يكمن في علة البدن.
· ذلك أن هذا البدن محكوم بطائفة من السنن والقوانين الإلهية.
· حيث إذا تجاوزها الإنسان بالزيادة أو بالنقص تطرقت إليه العلة.
· وحين تتطرق إليه العلة فإنه يقعد بالمسلم عن القيام بالواجبات والمسئوليات الملقاة على عاتقه أو المنوطة به.
2- قسوة القلب :
· قسوة القلب ذلك أن هذا القلب يرق ويلين بالجوع أو بقلة الغذاء.
· يقسو ويجمد بالشبع أو بكثرة الغذاء.
· حين يقسو القلب أو يجمد فإن صاحبه ينقطع عن البر والطاعات.
3 - خمول الفكر :
· ذلك أن نشاط الفكر وخموله مرتبط بعدة عوامل : البطنة أحدها.
· فإذا خلت البطنة نشط الفكر.(72/5)
· وإذا امتلأت اعتراه الخمول حتى قالوا قديما : ( إذا امتلأت البطنة نامت الفطنة )
· ويوم أن يصاب الفكر بالخمول يوم أن يحرم المسلم الفقه والحكمة.
· حينئذ يفقد أخص الخصائص التي تميزه عن باقي المخلوقات.
4- تحريك دواعي الشر والإثم :
· ذلك أن الإسراف يولد في النفس طاقة ضخمة.
· وجود هذه الطاقة من شأنه أن يحرك الغرائز الساكنة أو الكامنة في هذه النفس.
· حينئذ لا يؤمن على المسلم العامل الوقوع في الإثم والمعصية إلا من رحم الله.
· لعل ذلك هو السر في تأكيد الإسلام على الصوم لمن لم يكن قادراً على مؤن النكاح.
· يقول صلى الله عليه وسلم : ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ).
5 - الانهيار في ساعات المحن والشدائد :
· ذلك أن المسرف قضى حياته في الاسترخاء والترف فلم يألف المحن والشدائد.
· مثل هذا إذا وقع في شدة أو محنة لا يلقى من الله أدنى عون أو تأييد فيضعف وينهار.
· لأن الله عز وجل لا يعين ولا يؤيد إلا من جاهد نفسه.
· وكان صادقاً مخلصاً في هذه المجاهدة، قال تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً }الفتح18.
6- عدم الرعاية أو الاهتمام بالآخرين:
· ذلك أن الإنسان لا يراعى الآخرين ولا يهتم غالباً إلا إذا أضناه التعب وعصبته الحاجة.
· كما أثر عن يوسف عليه السلام : أنه لما صار على خزائن الأرض ما كان يشبع أبداً فلما سئل عن ذلك قال : أخاف أن شبعت أن أنسى الجياع .
· والمسرف مغمور بالنعمة من كل جانب فأنى له أن يفكر أو يهتم بالآخرين.
7- المساءلة غداً بين يدي الله:
· قال سبحانه وتعالي: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ }التكاثر8.(72/6)
· مجرد الوقوف بين يدي الله للمساءلة والمناقشة عذاب كما قال صلى الله عليه وسلم :(... من نوقش الحساب يوم القيامة عذب ).
8- الوقوع تحت وطأة الكسب الحرام:
· ذلك أن المسرف قد تضيق به أو تنتهي موارده فيضطر تلبية التي ألفها إلى الواقع والعياذ بالله في الكسب الحرام.
· جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم:( كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به ).
9- المسرفين أخوة الشياطين:
· قال سبحانه وتعالى: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً }الإسراء27.
· أخوة الشياطين تعنى الصيرورة والانضمام إلى حزبهم.
10- الحرمان من محبة الله :
· قال تعالى { وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ }.
آثار الإسراف على العمل الإسلامي:
· سهولة القضاء عليه أو على الأقل تأخيره إلى الوراء عشرات السنين.
· نظراً لأن السلاح الوحيد الذي يواجه به المسلمون أعداء الله ألا وهو الإيمان.
· إنما يتأثر الإيمان أشد ما يكون التأثير بالإسراف والترف والراحة والنعيم.
رابعاً : الطريق لعلاج الإسراف:
مادامت هذه آثار وعواقب الإسراف وتلك أسبابه وبواعثه فإن طريق العلاج تتخلص في :
1- التفكر في الآثار والعواقب المترتبة على الإسراف فإن ذلك من شأنه أن يحمل على تدارك الأمر والتخلص من الإسراف قبل فوات الأوان.
2- الحزم مع النفس وذلك بفطمها عن شهواتها ومطالبها وحملها على الأخذ بكل شاق وصعب من قيام ليل إلى صوم تطوع إلى صدقة إلى مشى على الأقدام إلى حمل الأثقال ....ونحو ذلك .(72/7)
3- دوام النظر في سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته فإنها مليئة بالتحذير من الإسراف بل ومجاهدة النفس والأهل والعيش على الخشونة والتقشف إذ يقول صلى الله عليه وسلم :( والمؤمن يأكل في معي واحد والكافر يأكل في سبع أمعاء ). وقال أيضاً):ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطنه بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه ).
· تحكى أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها لعروة بن الزبير بن أختها فتقول: ( إن كنا لننظر إلى الهلال ، ثلاثة أهلة في شهرين ، وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار ، فيقول لها عروة ، ما كان يعيشكم ؟ قالت : الأسودان : التمر و الماء ).
· وإذ تقول أيضاً : ( كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدم وحشوه من ليف ).
· ( ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة من طعام بر ثلاث ليال تباعاً حتى قبض ) أخرجه البخاري.
· كان من دعائه صلى الله عليه وسلم :( اللهم ارزق آل محمد قوتاً ) أخرجه البخاري.
· وأن المسلم العامل لدين الله حين يقف على ذلك، وعلى غيره تتحرك مشاعره. وتتأجج عواطفه فيترسم خطاه صلى الله عليه وسلم. ويسير على هديه اقتداء وتأسياً وطمعاً في معيته في الجنة :
· قال تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً }مريم58.
4- دوام النظر في سيرة سلف هذه الأمة.
· مثل الصحابة المجاهدين والعلماء العاملين فقد اقتدى هؤلاء به صلى الله عليه وسلم فكان عيشهم كفافاً.
· ولا هم لهم من الدنيا إلا أنها معبر أو قنطرة توصل للآخرة.(72/8)
· دخل عمر بن الخطاب على ابنه عبد الله - رضي الله تعالى عنهما - فرأي عنده لحماً، فقال : ما هذا اللحم ؟ قال : أشتهيه قال : وكلما اشتهيت شيئاً أكلته ؟ كفي بالمرء سرفاً أن يأكل كل ما اشتهاه ).
· أتى سلمان الفارسي أبا بكر الصديق - رضي الله تعالى عنهما - في مرضه الذي مات فيه فقال : أوصيني يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر : ( إن الله فاتح عليكم الدنيا فلا يأخذن منها أحد إلا بلاغاً ).
· كتب سعد بن أبى وقاص إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - وهو على الكوفة يستأذنه في بناء بيت يسكنه فوقع في كتابه : ( ابن ما يسترك من الشمس ويكنك من الغيث، فإن الدنيا دار بلغة ).
· حكي ميمون أن رجلاً من بني عبد الله بن عمر - رضي الله تعالى عنهما - استكساه إزاراً قائلاً : قد تخرق إزاري ، فقال له عبد الله :( اقطع إزارك ثم اكنسه ) فكره الفتى ذلك فقال له : ويحك اتق الله ولا تكونن من القوم الذين يجعلون ما رزقهم الله تعالى في بطونهم وعلي ظهورهم).
· وأن المسلم العامل حين يقف على هذه الأخبار يتحرك من داخله فيتولد عنه حب السير على نفس المنهج، فتراه يطرح الترف والسرف ويعيش على الخشونة والتقشف ليكون ناجياً مع الناجين.
5- الانقطاع عن صحبة المسرفين.
· مع الارتماء في أحضان ذوى الهمم العالية والنفوس الكبيرة.
· الذين طرحوا الدنيا وراء ظهورهم، وكرسوا كل حياتهم من أجل استئناف حياة إسلامية كريمة، تصان فيها الدماء والأموال والأعراض.
· ويقام فيها حكم الله عز وجل في الأرض غير مبالين بما أصابهم ويصيبهم في ذات الله.
· إن ذلك من شأنه أن يقضى على كل مظاهر السرف والدعة والراحة.
· بل ويجنبنا الوقوع فيها مرة أخرى، لنكون ضمن قافلة المجاهدين وفي موكب السائرين.
6- الاهتمام ببناء شخصية الزوجة والولد.
· فإن ذلك من شأنه أن يقضى على كل مظاهر الترف، وأن يحول دون التورط فيها مرة أخرى.(72/9)
· بل ويعين على سلوك طريق الجادة حين تنقضي هذه الحياة بأشواكها وآلامها ونرد إلى ربنا فنلقى حظنا هناك من الراحة و النعيم المقيم.
7- دوام التفكر في الواقع الذي تحياه البشرية عموماً والمسلمون على وجه الخصوص.
· إن ذلك يساعد على التخلص من كل مظاهر الإسراف.
· بل ويحول دون التلذذ أو التنعم بشيء من هذه الحياة.
· حتى يمكن لمنهج الله وترفع الراية الإسلامية من جديد.
8- دوام التفكر في الموت، وما بعده من شدائد وأهوال.
· فإن ذلك أيضاً يعين على نبذ كل مظاهر الإسراف والترف.
· ويحول دون الوقوع فيها مرة أخرى استعداداً لساعة الرحيل ويوم اللقاء.
9- تذكر طبيعة الطريق، وما فيها من متاعب وآلام.
· وأن زادها ما يكون بالإسراف والاسترخاء والترف بل بالخشونة والحزم والتقشف.
· إن ذلك له دور كبير في علاج الإسراف ومجاهدة النفس، والقدرة على اجتياز وتخطى المعوقات والعقبات.
المرجع:آفات على الطريق-السيد محمد نوح.(72/10)
#الإسراف
لغة: تجاوز الحد فى كل فعل يفعله الإنسان ، فيقال أسرف فى ماله ، وأسرف فى الكلام ، وأسرف فى القتل ، وسرف الماء: ما ذهب منه فى غيرسقى ولا نفع كما فى الوسيط.(1)
واصطلاحا: مجاوزة الحد فى إنفاق المال ، ويقال: تارة باعتبار القدر وتارة باعتبار الكيفية وقد ذكر الفقهاء أن للإسراف حالتين:
1- أن يقع الإنفاق فى الحرام.
2- أن يكون الإنفاق فيما هو مباح الأصل لكن لا على وجه مشروع ، كإنفاق المال الكثير فى الغرض الخسيس ، وكأنه يضعه فيما يحل له لكن فوق الاعتدال ومقدار الحاجة.
وقد أشارت الآيات القرآنية إلى الإسراف والمسرفين فى إحدى وعشرين موضعا.
أولا: اختص أكثر من نصفها بالتفريط والتقصير فى واجب طاعة الله وعبادته ،وتجاوز حدود تلك الطاعة، وذلك:
1- بإسراف العباد على أنفسهم فى المعاصى والآثام ، فى قوله {قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لاتقنطوا من رحمة الله}الزمر:53، {ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا فى أمرنا وثبت أقدامنا}آل عمران:147.
2- الإسراف فى الضلال والانهماك فى الشهوات وعدم تصديق كلام الله وآياته البينات فى قوله {وكذلك نجزى من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه}طه:127. وقوله {كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب}غافر:34.
3- الإسراف فى العصيان والإجرام وتجاوز الحدود وقتل الأنبياء والرسل ، فى قوله {ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين}الأنبياء:9 ، وقوله {ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك فى الأرض لمسرفون}المائدة:32 ، وقوله {كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون}يونس:12 ، وقوله {ولا تطيعوا أمر المسرفين}الشعراء:151 ، وقوله {أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين}الزخرف:5 ، وقوله {مسومة عند ربك للمسرفين}الذاريات:34، وقوله {وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار}غافر:43.
4- الإسراف فى تجاوز الحدود من كل شىء والخروج على الفطرة، كما قال لوط لقومه {بل أنتم قوم مسرفون}الأعراف:81.(73/1)
5- وضع القرآن فرعون على رأس المسرفين لتجاوزه الحد فى الطغيان والإجرام إلى حد ادعائه للربوبية، فى قوله {وإن فرعون لعال فى الأرض وإنه لمن المسرفين}يونس:83.
ثانيا: بينت الآيات كذلك أن التجاوز الذى يكون فى الحقوق والواجبات يسمى إسرافا، ينهى الحق تعالى عنه.
1- كما فى حق القصاص فى قوله {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف فى القتل إنه كان منصورا}الإسراء:33.
2- وفى حق اليتامى فى قوله {ولاتأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا}النساء:6.
3- وفى حق زكاة الزروع والثمار فى قوله {وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين}الأنعام:141.
4- وفى حق الأكل والشرب {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين}الأعراف:31 ، فهو سبحانه لا يحب المسرفين المتعدين لحدود الله فيما أحل وفيما حرم.
وقد أكدت الأحاديث النبوية النهى عن الإسراف فى الإنفاق ، فعن أبى أمامة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والسرف فى المال والنفقة، وعليكم بالاقتصاد، فما افتقر قوم قط اقتصدوا)رواه الديلمى.(3)
كما عرَّف عليه السلام الإسراف فى الأكل بقوله عن أنس: (إن من السرف اًن تاكل كل ما اشتهيت)رواه ابن ماجه. (3) وقوله عن عائشة (أكثرمن أكله كل يوم سرف)رواه البيهقى فى شعهب الإيمان.
إن الإسلام ينهى عن شتى صور الإسراف الذى هو خروج عن الوسط والاعتدال بالزيادة فى كل التصرفات الإنسانية - وإن كانت حلالا - ذلك أنه يترتب على الإسراف الاقتصادى خاصة: إهدار الوقت والجهد والموارد ، وقصورها - على وفرتها - عن تلبية الحاجات الإنسانية، وتوفير السلع والخدمات اللازمة لإشباعها ، مما يجعل الإسراف أحد الأسباب الرئيسية لما يعانيه العالم من مشاكل اقتصادية تتمثل فى عدم كفاية الموارد لتحقيق حاجات البشر، وهو ما تؤكده الإحصائيات الدولية من إصابة البعض بأمراض التخمة والسمنة، بينما يقضى الجوع على أعداد متزايدة من البشر.(73/2)
أ.د/نعمت عبد اللطيف عاشور(73/3)
#الإسلام
مفهوم كلمة الإسلام بمعناه الشامل يعنى:الاستسلام والانقياد للخالق جل وعلا، فهو بهذا اسم للدين الذى جاء به جميع الأنبياء والمرسلين. فنوح عليه السلام قال لقومه:{وأمرت أن أكون من المسلمين}يونس:72. ويعقوب يوصى أولاده {يابنى إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون. أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدى قالوا نعبد إلهك وإله أبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون}البقرة:132،133. وموسى يقول لقومه {ياقوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين}يونس:84.
أما المعنى الخاص لكلمة الإسلام فهو يعنى: تلك الشريعة التى جاء بها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين إلى العالمين ، والتى لا تقتصر على جنس أو قوم ولكن إلى الناس كافة، وهى بهذا شريعة عالمية كاملة.
ويدل على هذا: أن النبى قبله صلى الله عليه وسلم كان يرسل إلى قومه خاصة كما حكت آيات القرآن فى قوله {والى عاد أخاهم هودا}الأعراف:65. {والى ثمود أخاهم صالحا}الأعراف:73.{والى مدين أخاهم شعيبا}الأعراف:85 ، أما رسول الإسلام فقد أرسل للناس كافة وخاطبه القرآن بقوله {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}الأنبياء:107 ،{وما أرسلناك إلا كافة للناس}سبا:28.
وعلى هذا المعنى الخاص جاءت نصوص القرآن والسنة النبوية الشريفة، فمن القرآن الكريم قوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا}المائدة:3 ،{ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين}الأحزاب:40.(74/1)
ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم (بنى الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة،وإيتاء الزكاة،وصوم رمضان ، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا) متفق عليه (1)ومنها قوله صلى الله عليه وسلم لجبريل حين جاء سائلا عن الإسلام (أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وتقيم الصلاة، وتؤتى الزكاة وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا).رواه مسلم (2) ومن هذين الحديثين تظهر أركان الإسلام الخمسة التى يدل عليها هذا الإطلاق الخاص للإسلام.
وللإسلام بالمعنى الخاص عدة خصائص ينفرد ويتميز بها عن غيره من الأديان ، ومن هذه الخصائص:
1- الربانية: فهو من عند الله فمصدره ومُشرِّع أحكامه هو الله تعالى بخلاف الشرائع الوضعية فمصدرها الإنسان. والنصوص الشرعية التى تدل على ربانية هذا الدين كثيرة منها: قولى تعالى {إن الدين عند الله الإسلام}آل عمران:19 ، وقوله تعالى {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين}آل عمران:85 ، وكثير من الآيات الدالة على أن الإسلام بدوره من عند الله.
2- الشمول: فهو يجمع بين مصالح الدنيا والدين ، وهو شامل لكل شئون الحياة، وسلوك الإنسان ، وهو رسالة الزمن كله ،والعالم كله والإنسان كله فى أطوار حياته ،ومجالاتها كلها وهناك شمول فى جميع التعاليم الإسلامية.
3- الوسطية: ويعبر عنها أيضا بالتوازن ويعنى بها التعادل بين طرفين متقابلين أو متضادين بحيث لا ينفرد أحدهما بالثأثير ويطرد الطرف المقابل ، وبحيث لا يأخذ أحد الطرفين أكثرمن حقه ، ويطغى على مقابله ويحيف عليه. ومن الآيات الدالة على هذه الخصيصة قوله تعالى {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا}البقرة:143.(74/2)
4- الواقعية: يعنى بها مراعاة واقع الكون من حيث هو حقيقة واقعة ووجود مشاهد، ولكنه يدل على حقيقة أكبر منه ، ووجود أسبق وأبقى من وجوده ، هو وجود الواجب لذاته ، وهو الله تعالى. وكذلك مراعاه واقع الحياه من حيث هى حافلة بالخير والشر تنتهى بالموت توطئة لحياة أخرى. وكذلك مراعاة واقع الإنسان من حيث ازدواج طبيعته واشتمالها على الجانب الروحى والجانب المادى. وبهذا لم يكن الإسلام كغيره مجرد وصايا ومواعظ ، وإنما كان للدين والدنيا وللعقيدة والشريعة والعبادات والمعاملات والأخلاق.
5- الجمع بين الثبات والمرونة:
فالإسلام دين مرن متطور فى أحكامه وتعاليمه ، وفى الوقت ذاته هو دين خالد ثابت فى تشريعه وتوجيهه ، فهو بهذا دين متوازن. وهناك أنظمة للإسلام يتكون كل نظام منها من مجموعة من الأحكام ومن هذه اللأنظمة:
نظام الأخلاق ونظام المجتمع ، ونظام الإفتاء، ونظام الحسبة، ونظام الحكم ، ونظام الاقتصاد والمال ، ونظام الجهاد ونظام الجريمة والعقاب ونظام الأسرة ونظام العلاقات الدولية ونظام العلاقة بالآخر.
6- احتواء توجيهاته على مقومات العطاء الحضارى التى مارسها سلف المسلمين فصنعوا حضارة كانت هى الأساس الذى قامت عليه النهضة الأوربية.
أ.د/عبد الصبور مرزوق(74/3)
#الإسماعيلية
اصطلاحا: هى إحدى الفرق الشيعية ويسمون أيضا: السبعية، الباطنية، الحشاشون ، الفداوية، ويطلق عليهم خصومهم اسم: الملاحدة، كما ينكر هؤلاء الخصوم على أئمتهم أنهم من سلالة محمد ابن إسماعيل بن جعفر الصادق وينسبونهم إلى أحد الغلاة من الشيعة وهو عبد الله بن ميمون القداح ، الذى يعد المؤسس الحقيقى لهذه الفرقة.
والإسماعيلية تتفق مع الشيعة الإمامية (الاثنا عشرية) على صحة إمامة الأئمة الستة الأول ابتداء من على بن أبى طالب إلى جعفر الصادق - رضى الله عنهم ، لكن الخلاف وقع بين الفريقين حول أى من أبناء جعفر أحق من أخيه بالإمامة: موسى الكاظم أم إسماعيل ، وقد تبع الشيعة الإمامية موسى، بينما تبع الإسماعيلية إسماعيل ومن بعده ابنه محمد بن إسماعيل فسموا الإسماعيلية، وكان لهم اتجاه عقائدى متطرف يباعد بينهم وبين عقائد الشيعة الإمامية وتقاليدها المحافظة.
وبدت بوادر هذا الاتجاه المتطرف فى حياة الإمام السادس جعفر الصادق نفسه (توفى سنة 148هـ/765م)إذ هاله أن يرى جمعا من أصحاب المقالات والفرق الغالية يلتف حول ابنه إسماعيل وعدّ ذلك نذير شؤم. وقد تحققت نبوءة الإمام الصادق ،فضمت فرقة الإسماعيلية منذ نشأتها عددا كبيرا من القيادات المتطرفة فى التشيع ،وغدت استمرارا لحركات الغلوُ فيه ، وظهر هذ الغلو فى حركة القرامطة الإسماعيلية.
وتدورعقائد الإسماعيلية ، حول الإمام ، فالدين أمرمكتوم ، لا يُعرف إلا عن طريق إمام مختاز عنده علم التأويل وتفسير ظواهر الأمور والنصوص ، فلكل تننريل تأويل ، ولكل ظاهر باطن ، وشرائع الإسلام وفرائضه كالصلاة والزكاة والحج وغيرها لها معان أخرغيرمعانيها الظاهرة، لا يقف عليها إلا الإمام ودعاته الكبار المهديون.(75/1)
والإمام قد يكون مستورا وقد يكون ظاهرا، فإن كان مستورا فدعاته ظاهرون ، وان كان ظاهرا فدعاته مستورون يعملون فى خفية عن أعين الرقباء، وزعموا أن دور الستر- الذى بدأ بمحمد بن إسماعيل - قد انتهى بظهورالإمام عبيد الله المهدى فى بلاد المغرب (سنة 629هـ/909م)التى أقام بها الدولة الفاطمية. وحين دخلت مصرفى قبضة الفاطميين سنة (362هـ/972م)تزايد طموحهم لبسط سيطرتهم على العالم الإسلامى كله ، فتحركوا فى تنظيم محكم دقيق لبث دعاتهم فى العراق والمناطق الشرقية الخاضعة للخلافة العباسية، يدعون الناس بها إلى اعتناق مذهبهم والخضوع بالتالى لنفوذ الخلافة الفاطمية بالقاهرة.
وتحقق أول نجاح لهم فى المشرق الإسلامى فى عهد المعز لدين الله ، حين أقام دعاة الاسماعيلية فى "المُلتان" -فى باكستان الحالية- دولة إسماعيلية خطب فيها للخليفة الفاطمى منذ سنة (348هـ/959م). ولكن السلطان محمود الغزنوى قضى على هذه الدولة فى سنة (401هـ/1010م) وفى سنة (483هـ/1090م) استطاع واحد من كبار دعاة الفاطميين ودهاتهم وهو الحسن بن الصباح أن يؤسس دولة إسماعيلية قوية فى المنطقة الجبلية الواقعة جنوبا بحرقزوين ويجعل من قلعة "ألموت" المنيعة عاصمة لها، وأنشأ منظمة إرهابية أطلقوا على أعضائها اسم "الفداوية" كان نشاطها قائما على اغتيال المناوئين ، فاغتالوا عددا من الخلفاء والسلاطين والوزراء وأقضّوا مضجع حكام الدول المجاورة طيلة ألفترة التى عاشتها دولة الإسماعيلية فى إيران حتى قضى - عليها المغول بقيادة هولاكو سنة (654هـ/1256م).(75/2)
كان الإسماعيلية فى إيران قد قطعوا علاقتهم المذهبية بالخلافة الفاطمية بمصر عقب وفاة المستنصر بالله (سنة 487هـ/1093م) وتولى ابنه الأصغر المستعلى عرش الخلافة، وقالوا إن الابن الأكبر -"نزار" هو الأولى بالخلافة- فعرفوا منذ ذلك الحين بالنزارية، واستقلوا عن مركز التشريع المذهبى بالقاهرة، ومضوا شوطا بعيدا فى الأخذ بالتأويل الذى بلغ أقصى درجاته عندهم ، فى عهد ملكهم الحسن بن محمد - إلى رفع التكاليف الشرعية كلها عن الناس ، وإنزال العقوبات الصارمة بمن يواظب على أداء العبادات.
وقد استقرت إمامة الإسماعيلية النزارية فى ملوك أَلَمُوت حتما قضى المغول على آخرهم - وهو ركن الدين خورشاه سنة (654هـ/1256م) ، وتتناقض الروايات المتعلقة بتسلسل الأئمة الذين خلفوا ركن الدين حتى أصبح من الصعب تحديد أسمائهم وسنى حياتهم ، وقد قيل: إنهم استتوا فى أذربيجان ثم كونوا طريقة صوفية عرفت باسم "نعمة إلهى" أى النعمة الإلهية، وشارك بعضهم فى الحياة السياسية فى إيران فى القرن الثامن عشر، ثم إن إمامهم حسن على شاه انتقل إلى بلاد الهند لأسباب سياسية، وأتخذ من بومباى مركزا له فى سنة 1843م،فأصبحت بومباى منذ ذلك الحين مقرا لإمامة الإسماعيلية النزارية. وحين توفى سلطان محمد شاه فى سنة 1957م خلفه الأغاخان الحالى: كريم خان.
وينتشر الإسماعيلية فى الوقت الحالى فى مناطق عديدة من العالم فى سوريا وعمان وإيران وآسيا الوسطى وباكستان ، ويكثرون فى الهند وشرق إفريقيا.
أ.د/محمد السعيد جمال الدين(75/3)
#الإصلاح
لغة: ضد الإفساد وهو من الصلاح المقابل للفساد ، وللسيئة.. وفى القرآن الكريم:{خلطوا عملا صالحا وآخرسيئا}التوبة:102 ، {ولا تفسدوا فى الأرض بعد إصلاحها}الأعراف:56. فالإصلاح هو التغيير إلى الأفضل ، فالحركات الإصلاحية هى الدعوات التى تحرك قطاعات من البشر لإصلاح مافسد ، فى الميادين الاجتماعية المختلفة ، انتقالا بالحياة إلى درجة أرقى فى سلم التطور الإنسانى.
واصطلاحا: لا يفرق بينه وبين مصطلح الثورة فى مستوى التغيير وشموله ، وإنما من حيث الأسلوب فى التغيير وزمن التغيير فكلاهما -إسلاميا- يعنى التغيير الشامل والعميق ، لكن الثورة تسلك سبل العنف غالبا والسرعة فى التغيير ، بينما تتم التغييرات الإصلاحية بالتدريج ، وكثيرا ما تعطى الثورة الأولية لتغيير الواقع ، بينما تبدأ مناهج الإصلاح عادة بتغيير الإنسان: وإعادة صياغة نفسه وفق الدعوة الإصلاحية ، وبعد ذلك ينهض هذا الإنسان بتغيير الواقع وإقامة النموذج الإصلاحى الجديد.
ولذلك وصفت رسالات الرسل عليهم الصلاة والسلام بأنها دعوات إصلاح فيقول رسول الله شعيب عليه السلام: {إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت}هود:88.
والناظر فى تاريخ المجتمعات الإنسانية يرى سلسلة من التدافع بين دعوات الإصلاح وحركاته وبين الفساد والإفساد فى تلك المجتمعات ، وعلى سبيل المثال ، نجد الحركة الإصلاحية التى قادها جمال الدين الأفغانى منذ النصف الثانى للقرن التاسع عشر ، بدءا من مصروشمولا لكل العالم الإسلامى تمثل إحياء وتجديدا للفكر الإسلامى بالعودة إلى منابعه الجوهرية "القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة" ومناهج السلف الصالح.
وقد عبر الإمام محمد عبده عن أهداف هذ الحركة فقال: (إنها ثلاثة):(76/1)
الأول: تحرير الفكر من قيد التقليد ، وفهم الدين على طريقة سلف الأمة قبل ظهور الخلاف ، والرجوع فى كسب معارفه إلى ينابيعها الأولى ، واعتباره من ضمن موازين العقل البشرى التى وضعها الله لتتم حكمة الله فى حفظ نظام العالم الإسلامى.
الثانى: هو إصلاح أساليب اللغة العربية فى التحرير.
الثالث: هو التمييز بين ما للحكومة من حق الطاعة على الشعب وما للشعب من حق العدالة على الحكومة. (1)
وهكذا مثلت هذه الحركة الإصلاحية منهاجًا وسطًا بين أهل الجمود والتقليد وبين المتغربين المنبهرين بالنموذج الحضارى الغربى ، وكانت دعوتها الإصلاحية شاملة لميادين الفكر الدينى ، واللغة العربية وعلومها وآدابها ، وعلاقات الحاكمين بالمحكومين.
ولقد تحولت فكرية هذه الدعوة الإصلاحية إلى روح سارية فى الكثير من الدعوات والحركات والمشاريع الفكرية للعديد من العلماء والمفكرين على امتداد العقود التى تلت ، وعلى امتداد أقاليم عالم الاسلام.
أ.د/محمد عمارة(76/2)
#الإطناب
لغة: المبالغة والإطالة والإكثار كما فى اللسان.(1)
واصطلاحا: أن تكون الألفاظ أكثر من المعانى التى يقتضيها المقام ، وقد قسم علماء "المعانى" الكلام باعتبار الدلالة ثلاثة أقسام هى:
1- الإيجاز: وهى أن تكون الألفاظ أقل من المعانى.
2- المساواة: وهى أن تكون الألفاظ مساوية للمعانى.
3-الإطناب: وهى أن تكون الألفاظ زائدة على المعانى.
بيد أن الزيادة إذا خلت من الفائدة فلا يسمى الكلام معها إطنابا ، بل تطويلا أو حشوا ، وهو مذموم (2) والإطناب ممدوح لأنه بلاغة ولا يخلو من فائدة.
ولصور الزيادة فى الإطناب ضوابط عند علماء البلاغة منها:
(أ) الزيادة بالاعتراض ، وهو ما يقع بين كلامين متصلى المعنى ، كقوله تعالى {ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون}النحل:57. وقد أفادت الزيادة هنا تنزيه الله عن نسبة البنات إليه.
(ب) الزيادة بذكر الخاص بعد العام ، كقوله تعالى {من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين}البقرة:98. فذكر جبريل وميكال وهما داخلان فى (ملائكته) ذكر خاص بعد عام ، وفائدته زيادة تشريف الخاص.
(ج) الزيادة بالاحتراس ، كقوله تعالى: {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون}المنافقون:1. فقوله تعالى {والله يعلم إنك لرسوله}إطناب جىء به لدفع ما يتوهم إرادته إذ لولاه لوقع فى الوهم ان الله يقضى بكذب المنافقين فى شهادتهم برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، ويسمى الإطناب هنا ب "الاحتراس" (3) وهو كلام مثله يدفع توهم إرادة غير المراد.
أ.د/عبد العظيم ابراهيم المطعنى(77/1)
#الإعداد الذاتي للداعية
أولاً: أهمية الإعداد الذاتي.
? يعد الجانب الذاتي مهماً وأساسياً في برامج التربية والتدريب، ومن دونه لا تنجح هذه البرامج ولا تحقق أهدافها.
? منهاج العمل الإسلامي يعتمد غالباً في النجاح والفاعلية على الجهد الذاتي والصفات الفردية لدى الدعاة.
? المنهج الإسلامي في التربية العبادة يرى هذه الرؤية، فالعبادات والمعاملات تنبثق من رقابة ذاتية ومسؤولية لدى المسلم مع الحرص والرغبة في نيل رضا الله تعالى، والشعور بأنه يراقبه دائماً وينتظر الثواب ويخاف العذاب.
? تؤكد الآيات والأحاديث على ضرورة وعي الأهداف والحكم من العبادات، وحين نفكر في تحقيق حكم العبادات و جوهرها؛ نجد أن الدافع الذاتي والحرص على الشعور بها هو الذي يسمو بهذه العبادات فيؤديها المسلم أداءً حياً يسري في حياته اليومية.
? أمثلة:
- قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }البقرة183 فإن لم يحقق المسلم بالصوم التقوى؛ فقد أخل بالغرض الذي شرع الصوم من أجله. وإن كان يشارك المسلمين بالشعائر الظاهرة للصوم، قال صلى الله عليه و سلم : (رب صائم ليس له من صومه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا التعب والنصب).
- وقال تعالى: {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ }الحج37. فالغرض هو التقوى.(78/1)
- وقال تعالى: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ }العنكبوت45 ، وقال صلى الله عليه و سلم : (من لم تنهه صلاته عن الفحشاء و المنكر لم تزده من الله إلا بُعداً). فالصلاة الصحيحة لا بد أن تنهى عن الفحشاء والمنكر.
ثانياً: خطوات تساعد في الإعداد الذاتي:
1. يكف معظم الناس بعد سن الخامسة والعشرين بسبب مشاغل الحياة وزيادة المسؤولية، وضعف الحماس والتقدم في السن، وضعف الصحة عن ممارسة مواهب نافعة، يكفون عن المطالعة والقراءة و المشاركة في الأنشطة العامة، لكن على الداعية أن يلتزم مهما تكن حاله اقتصاص وقت مناسب للقراءة والمشاركة والرياضة والكتابة والأعمال الفنية والحرفية، فإنه إن لم يفعل سيجد نفسه بعد سنوات فقد صلته بالمجتمع المحيط والأجيال الصاعدة.
2. أن يرسم الداعية خطة للثقافة الذاتية الجادة لتحقق فهماً للإسلام وأحكامه والمجتمع الواقع المحيط، و العمل الجماعي وأصوله وقواعده تعتمد على المصادر الأولية والبحث العلمي، وتتجاوز الكتب المبسطة، أو الكتب المختصرة المتكررة.
3. أن يشترك الداعية في مكتبة عامة ويتتبع المجلات المختصة والنتاج الفكري الجديد في مجال واحد يختاره.
4. اغتنام الفرص التي تتيحها المؤسسات التي يعمل بها أو يدرس، كالدورات مثلاً، ولا يزهد فيها أو تمنعه مشاغله أو ضعف همته وإرادته لتحول بينه وبينها.(78/2)
5. حيازة أكبر قدر ممكن من المهارات العملية والفنية والحرفية، كرخصة السوق والحاسوب والمقالة الصحفية والأدبية والرسم، أو المهارات اليدوية والفنية كصيانة السيارات والأجهزة والحدادة والنجارة وكل ما ينفع المسلم والمسلمين، والسعي الدائم في الاعتماد على النفس في أداء الأعمال اليومية والاحتياجات، قال صلى الله عليه وسلم:( ما أكل أحد طعاماً قط خير من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده).
6. المشاركة في الدورات التي تعقدها مؤسسات شتى لقاء أجر، كالمراكز المهنية الأهلية المختلفة.
7. إتقان لغة أجنبية يوسع الداعية ويزيد ثقافته.
ثالثاً: شروط تلزم الداعية والمشاركين في العمل الإسلامي:
1. رحابة الصدر وسعة الأفق.
2. احتمال الرأي الآخر.
3. فهم الأحداث الجارية وربطها و تفسيرها.
4. فهم المجتمع المحيط فهماً أصيلاً يحيط بتاريخه ونشأته وأسبابه الحضارية والثقافية والاقتصادية والخدمات والمرافق.
5. دراسة تاريخ الدعوة الإسلامية ومبادئها، وسبر أعماق العمل الإسلامي الاجتماعية والتنموية والنقابية.
6. اغتنام الوقت وحسن تقسيمه.
7. القدرة على الإدارة والتخطيط، وإدراك أصول العمل الجماعي وقواعده العلمية.
رابعاً: أخلاق تلزم الداعية في إطار التكوين الذاتي وبدونها يفقد العمل معناه، ولا يختلف عن سواه من الأعمال:
1. تقوى الله وعبادته والإنابة إليه.
2. الشجاعة والكرم والحلم والأناة.
3. القدوة الحسنة.(78/3)
#الإعراب
لغة: الإفصاح والتبيين والكشف ، يقال: أعرب فلان عما فى نفسه أى أبان وأفصح ، والإعراب مصدر الفعل الرباعى أعرب ، كما فى اللسان (1).
واصطلاحا: هو تغيير يطرأ على أواخر الكلمة نطقا وضبطا حسب موقعها فى الجملة ، والعوامل الداخلة عليها(2).
ومن تعريفات النحاة للإعراب:
- ما جىء به لبيان مقتضى العامل من حركة أو حرف أو سكون أو حذف.
- تغيير أواخر الكلم لاختلاف العوامل الداخلة عليها لفظا أو تقديرا(3).
- تغيير العلامة التى فى آخر اللفظ بسبب تغيير العوامل الداخلة عليه ، وما يقتضيه كل عامل (4).
وهذه التعريفات متقاربة المعنى ، فجميعها يدور حول التغيير الذى يعترى الحرف الأخير فى كل كلمة معربة.
وللإعراب عوامل:
(أ) معنوية مثل: وقوع الكلمة مبتدأ أو فاعلا أو حالا.
(ب) لفظية ، مثل: ظن وأخواتها ، وكان واخواتها ، وإن وأخواتها
(ج) والحروف ، مثل: لن ، لم ، إن ، فى ، على. وأنواع الإعراب أربعة: الرفع والنصب والجر والجزم ، فالرفع والنصب يدخلان فى الأسماء والأفعال ، والجر خاص بالأسماء ، والجزم خاص بالأفعال.
ولكل نوع علامات أصلية وفرعية:
فالعلامات الأصلية هى: الضمة للرفع ، والفتحة للنصب ، والكسرة للجر ، والسكون للجزم ، والعلامات الفرعية هى: الألف فى المثنى ، والواو فى جمع المذكر السالم والأسماء الستة ، وثبوت النون فى الأفعال الخمسة للرفع ، والياء فى المثنى وجمع المذكر السالم ، والألف فى الأسماء الستة ، والكسرة فى جمع المؤنث السالم ، وحذف النون فى الأفعال الخمسة للنصب ، والياء فى المثنى وجمع المذكر السالم والأسماء الستة ، والفتحة فى الممنوع من الصرف للجر ، وحذف النون فى الأفعال الخمسة وحذف حرف العلة للجزم.
والإعراب قسمان:
(أ) الاعراب اللفظى ، وهو ظهور ما تقتضيه العوامل على آخر الكلمة من رفع ونصب وجر وجزم.
((79/1)
ب) الإعراب التقديرى ، وهو ما لا يمكن ظهوره في النطق على أواخر الكلمات لمانع ، كأن يكون آخر الكلمة ألفا مقصورة ، مثل:
الفتى ، يسعى ، أو ياء مكسورا ما قبلها مثل كتابى(5).
ومن أمثلة ذلك التغيير الذى يطرأ على أواخر الكلمة قوله تعالى {واتقوا الله ويعلمكم الله}البقرة:282 ، فاسم الجلالة فى الجملة الأولى منصوب بالفتحة على المفعولية ، وفى الثانية مرفوع بالضمة على الفاعلية ، وقوله {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم...}آل عمران:173 ، فالناس الأولى مرفوعة بالضمة على الفاعلية ، والثانية منصوبة بالفتحة؛ لأنها اسم "إن".
أ.د/عبد العظيم إبراهيم المطعنى(79/2)
#الإقطاع
لغة: هو ما يقطعه ولى الأمرلنفسه ، أو لغيره من أرض أو غيرها، من أى نوع من أنواع المال الثابت ، أو المنقول ، واقتطع من ماله قطعة أخذ منه شيئا.
واصطلاحا: هو ما يقطعه الإمام ، أو الحاكم من الأراضى العامة التى ليست ملكا لأحد، لينتفع بها فى زرع ، أو غرس ، أو بناء، استغلالا، أو تمليكا.
وقد قسم الإقطاع إلى ثلاثة اقسام: إقطاع تمليك ، واقطاع استغلال،واقطاع إرفاق.
ومن الأحكام الفقهية للإقطاع:
1- أن لا يقطع غير الإمام ، إذ ليس لأحد التصرف فى الأملاك العامة غيره.
2- أن لا يقطع من يقطعه أكثر مما يقدر على إحيائه ، وتعميره.
3- من أقطعه الإمام أرضا، ثم عجز عن تعميرها، استردها الإمام منه محافظة على المصلحة العامة.
4- للإمام أن يقطع-إقطاع إرفاق-من شاء من الرعايا مجالس للبيع "فى الأسواق ، والساحات العامة، والشوارع الواسعة، إن لم يحصل بذلك ضرر لعامة الناس ، ولا يملك المقطوع له ذلك ، وإنما يكون أحق به من غيره فقط ، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من سبق إلى مالم يسبق إليه مسلم فهواًحق به). رواه أبو داود.
5- ليس لمن أقطعه الإمام إقطاعا أن يتسبب فى إلحاق الضرر بأحد لقوله صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار).
6- لا يقطع ،ولا يملك بالإحياء ما يضر بكافة المسلمين كالكلأ، والآبار التى يشربون منها، أو المعدن سواء كان ملحا، أو نفطا لتعلق مصالح المسلمين به ، ومن هنا تملك الدولة المناجم ، ولا يملكها الأشخاص.(80/1)
وقد كان الاقطاع فى العصر المملوكى، كما كان فى الأصل تمليكا للمنفعة لا للرقبة، فهو إقطاع انتفاع لا إقطاع ملك ، فكان المقطع يحل محل السلطان فى التمتع بغلات إقطاعه وإيراداته فحسب ، ثم يؤول جميعه إلى السلطان بمجرد انتهاء مدة الاقطاع المتفق عليها، أو عند وفاة المقطع ، أو عند إخلال المقطع بشروط العقد القائم ، سواء فى ذلك ما يسمى باسم إقطاع التمليك ، وهو الإقطاع العادى، او إقطاع الاستغلال ، وهو إقطاع شخصى لجهة معينة.
ومن ناحية أخرى ارتبطت كلمة الإقطاع فى الاصطلاح بالنظام الاقتصادى، والسياسى ، والاجتماعى الذى تميز به الغرب المسيحى فى العصور الوسطى، والذى يقوم على علاقة التبعية بين السيد الإقطاعى -المالك لمساحات كبيرة من الأرض الزراعية- ومن يقطعه أرضا للمنفعة لا للرقبة، لقاء تعهده بتقديم ، عمل أو مال يدفعه وفاء لالتزامات التبعية الإقطاعية ، والمساعدة العسكرية.
وكان نفوذ السيد الإقطاعى نفوذا واسعا حيث كان يتمتع بالعديد من الحقوق على سكان إقطاعيته ، مما ولد نظاما من الاستغلال ، والقهر.
وقد أدى نمو واتساع الحركات التحريرية الأوروبية إلى مهاجمة النظام الإقطاعى وإعلان إلغائه على يد الثورة الفرنسية 1789م ، والثورة البلشفية فى روسيا 1917م.
أ.د/نعمت عبد اللطيف مشهور(80/2)
#الإقطاعات
لغة: الأرض المقطعة تسمى قطيعة، وجمعها قطائع وإقطاعات. واصطلاحا: هى الجزء فى الأرض المقطعة التى يملكها الحاكم لمن يريد من أتباعه منحة، وتطلق أيضا على الجنود الذين أقطعوا هذا الإقطاع.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من أقطع ، لا اختلاف فى ذلك بين علمائنا، وقد بينت كتب الفقه والتراث ذلك ، فقد جاء عن طاووس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (عادى الأرض لله ورسوله ثم هى لكم) يعنى أنها تقطع للناس ، وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أقطع جماعة من المهاجرين والأنصار من أموال بنى النضير، وكانت صفيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة، فكان فيمن سمى ممن أعطى أبو بكر أعطاه (بئر مجر)، وعمر أعطاه (بئر جرم) وأقطع صهيبا الصراطة وأقطع فرات بن حبان أرضا باليمامة.
وقد سار الخلفاء الراشدون بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم على نهجه فى إقطاع الموات من الأرض لمن يحييها ويعمل علي عمارتها، فأقطع أبو بكر عبد الرحمن بن زيد أرضا قرب المدينة، وقد أقطع عمر بن الخطاب ابن سندر أرضا ميتة بمصر، كما أقطع الصحابة كذلك.
وتطبيقا لأحكام الاقطاع ، راجع عمر بن الخطاب بلال بن الحارث المزنى فيما أقطعه الرسول صلى الله عليه وسلم من أرض عريضة طويلة لم يقوعلى عمارتها بالكامل ، فأخذ منه ما عجزعن عمارته فقسمه بين المسلمين. كما عارض عمر بن الخطاب في الإقطاع من أرض الفتوح لاعتبارها ملكا للمسلميين عامة، وقد أقطع عثمان بن عفان المغيرة بن شعبة دارا بالبقيع ، وقد أمر الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز برد القطائع التى أقطعها أهل بيته من بنى أمية.(81/1)
وقد توالت إقطاعات ولاة وملوك الدولة الاسلامية المتعاقبين ، فكان للجند القائمين على حماية حدود ثغور الدولة الإسلامية مكانتهم المتميزة، فأقطعهم الولاة الأراضى الزراعية لتكون غلتها لهم رزقا مقابل حمايتهم للبلاد، من ذلك أن عثمان بن عفان أقطع المقاتلة فى السواحل من الصوافى، كما أقطع بنو العباس الجند الأتراك فى فارس.
وتزخر كتب التراث والتاريخ الإسلامى بإقطاعات الملوك والخلفاء الذين أقطعوا الأراضى الموات لمن يحبها ، فضلا عن إقطاع المساحات الواسعة ، للموالى والمقربين إلى ولاة الأمور ، ومن يرجى نفعهم وتأييدهم ، أو تقديرا لمكانتهم العلمية والأدبية ، وكان آخر الإقطاعات. التى سجلتها كتب التراث. هى إقطاع السلطان سليم الفاتح للشيخ عبد الحكيم بن على.
أ.د/نعمت عبد الحميد مشهور(81/2)
#الإلحاد
لغة: الميل عن القصد، أخذ من قوله تعالى: {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم}الحج:25 ، أى ترك القصد فيما أمر به ،ومال إلى الظلم قال تعالى: {لسان الذى يلحدون إليه أعجمى وهذ لسان عربى مبين}النحل:103 ، فمن قرأ: يَلحدون ، أراد: يميلون ، ومن قرأ: يُلحدون ، أراد يعترضون.
واصطلاحا: الشك فى الله أو فى أمرمن المعتقدات الدينية.
وللإلحاد تاريخ طويل حافل ، وله صور كثيرة متنوعة، غير أن أوسع معنى يعزى إليه ، هو أنه إنكار للنصوص السائدة عن الله أو المعتقدات الدينية، فقد أطلقت كلمة "ملحد" على "اسبينوزا" لأنه ربط بين الله والعلم على نحو مخالف للفكرة الدينية اليونانية عن الآلهة.
وفى المجتمع الإسلامى اختلفت اسباب الإلحاد، فمنهم من ألحد لأسباب من العصبية القومية، حملته على أن يتعصب لدين آبائه من المجوس والوثنية المانوية، كما فعل ابن المقفع وبشار.
وهناك فريق ألحد فرارا من تكاليف الدين وطلبا لسلوك مسلك الحياة الماجنة كما هو الحال بالنسبة الى كثيرمن الشعراء ممن ينتسبون الى عصبة المجان على حد تعبير أبى نواس.
وهناك فريق ثالث يتنازعه العاملان ؛ فجمع بين سلوك المجان ، وبين عصبية الشعوبيين ، مثل أبان بن عبدالحميد.
ومن هنا أطلق على كل صاحب بدعة، بل انتهى الأمر أخيرا إلى أن أطلق لفظ "ملحد" على من كان يحيى حياة المجون من الشعراء والكتاب. وأشهر من وصفوا بالإلحاد: ابن الراوندى الذى عاش فى القرن الثالث الهجرى.
أ.د/محمد شامة(82/1)
#الإمارة
هو مصطلح إدارى معمول به في الدول الإسلامية، مشتق من الفعل أمر أى صار أميرا، كما قصد به الولاية على الإقليم ، ومهمته قريبة من مهمة المحافظ أومديرالناحية فى وقتنا الحاضر.
ونظام الإمارة كان معروفا منذ زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى بعث أمراءه على الأقاليم ، لكن الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه هو أول من وضع نظاما دقيقا لأوضاع وأحوال الأمراء.
والإمارة على أنواع منها العام والخاص:
ومن أنواع الإمارة العامة: إمارة الاستكفاء وهى التى يعقدها الخليفة لمن يريده من كبار رجال دولته لإدارة إقليم ما.
كذلك من أنواع الإمارة العامة إمارة الاستيلاء، وهى التى يعقدها رئيس الدولة مضطرا لمن يستبد بإدارة إقليم من الأقاليم ويستولى على السلطة فيه ، ولكنه يعترف بالخلافة خوفا من سخط العامة . عندئذ يوليه الخليفة أمر الاقليم ، وهذا النوع من الإمارة عرفته الدولة الإسلامية فى النصف الثانى من القرن الثالث الهجرى التاسع الميلادى.
أما الإمارة الخاصة: فهى التى يوليها الخليفة أحد رجال دولته ؛ لأداء مهمة بعينها مثل إمارة الجيش ، أو الحج .
أ.د/عبد الله محمد جمال الدين(83/1)
#الإمام
لغة: هى من أََمَّ بمعنى قصد،وقد جاء فى كتب اللغة أن الإمام كل من ائتمّ به قوم كانوا على الصراط المستقيم أو كانوا ضالين فهومن يقتدى به.
واصطلاحا: الإمام كل شىء له قيمه ،والمصلح له ، فالقرآن إمام المسلمين ، وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إمام الأئمة، والخليفة إمام الرعية، وإمام الجند قائدهم ، والإمام ما ائتم به من رئيس ، أو غيره.
ومعنى ذلك كله ، أن هذه الكلمة تفيد معنى التقدم والقصد إلى جهة معينة والهداية والإرشاد ، والقيادة، وأهلية أن يكون المرء قدوة.
وفى آيات القرآن الكريم ما يؤكد هذه المعانى جميعها، من ذلك قوله تعالى: {يوم ندعوكل أناس بإمامهم}الإسراء:71 ، أى بنبيهم ، أو كتابهم ، أو شرعهم: {ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة}هود:17 ، {واجعلنا للمتقين إماما}الفرقان:74 ، {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ، قال إنى جاعلك للناس إماما}البقرة:124 ، {ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين ، وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا}الأنبياء:72، 73 ، {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا فى الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين}القصص:5 ، وإذا استخدمت الكلمة لإفادة معنى الشر أو الهداية إليه ، فإن استعمالها فى الهداية إلى الخير أكثر، ولهذا قال بعض المفسرين إنها لا تفيد إلا معنى الهداية إلى الخير، فإذا أريد منها معنى الشر، فلابد من النص على ذلك كقوله تعالى: {وجعلناهم أئمة يهدون إلى النار}القصص:41، {فقاتلوا أئمة الكفرإنهم لا أيمان لهم}التوبة:12 ، وقد كثر اقتران كلمة إمام بمن يؤم الناس فى الصلوات ، حتى أصبح هذا المعنى هو الأكثر شيوعا، ثم اتسع حتى شمل القيادة فى أداء كل الواجبات الدينية، وإذا أطلق اللفظ فإنه لا يعنى إلا صاحب الإمامة الكبرى، أى الخلافة أو رئاسة الدولة، على حين تسمى
الصلاة الإمامة الصغرى. وتلك الإمامة من أهم أعمال الولاة فى أمصار، أو ولايات الدولة الإسلامية.(84/1)
وكلمة إمام عند الشيعة تعنى صاحب الحق الشرعى المنصوص على إمامته ، وقد أخذ هذا المفهوم يتضح عندهم اعتبارا من النصف الثانى للقرن الأول الهجرى حينما تبلور فكرهم النظرى المتعلق بالإمامة، اما عند بقية الفرق الإسلامية، فإن مصطلح إمام مرادف لكلمتى: خليفة، وأمير المؤمنين.
أ.د/عبد الله جمال الدين(84/2)
#الإمامة
لغة: من مادة (أمّّ) بمعنى قصد، وأمهم: تقدمهم ، فهى تفيد معنى التقدم والقصد إلى جهة معينة.
واصطلاحا: الهداية والإرشاد ، والأهلية لأن يكون المرء قدوة.
وهناك آيات عديدة فى القرآن الكريم وردت فيها هذه المادة، يستنبط من مجموعها أن الإمامة هى كل نظام تكون دعامته العمل وفق شريعة سماوية، وإذا أطلقت كلمة "إمامة" فإنها تعنى القيادة الشاملة أو الإمامة الكبرى بمعنى رئاسة الدولة، أما إذا أريد بها إمامة الصلاة، فإنها عندئذ تسمى الإمامة الصغرى "ويشير ابن حزم فى الفصل 4 /90" إلى أن هذه الكلمة قد يراد بها أيضا معنى من المعانى الخاصة، وعندئذ فلابد من إضافة اللفظ إلى ما يدل على ذلك ، فيقال فلان إمام فى الدين.. وإمام بنى فلان.. إلخ.
أما "ابن خلدون" فيقرر أن إطلاق لفظ الإمامة الكبرى أو العظمى على متولى قيادة الدولة الإسلامية تشبيها لها بإمامة الصلاة،فإمام الصلاة تجب علينا متابعته والاقتداء به وكذلك الحال بالنسبة للإمامة الكبرى أو العظمى.
ولعل من المفيد أن نشير إلى أن طائفة الشيعة هم الذين بدأوا البحث فى علم الإمامة، ومن ثم هم الذين اختاروا مصطلحاته ، وهم الذين أفردوا له مكانا بين مباحث علم الكلام الإسلامى، وكانت هذه المباحث والمصطلحات المتعلقة بالإمامة نتيجة للمناقشة بين هؤلاء الشيعة وبين مخالفيهم من الخوارج والمعتزلة وأهل السنة، وإذا كانوا هم الذين بدأوا، فإنه من الطبيعى أن تكون كلمات هذا العلم الفنية من وضعهم ، ومضى خصومهم يجادلونهم بنفس لغتهم.
ومصطلح "الإمامة" عند الشيعة أخص وأكمل من مصطلح "الخلافة" لأن الإمامة عندهم لا تعنى إلا صاحب الشرع المنصوص عليه المعين من قبل من سلفه ،سواء تولى السلطة بالفعل أم لم يتول ، أما "الخلافة" فتشير إلى صاحب السلطة الزمنية أو الواقعية ولو لم يكن صاحب حق وقد يؤيد الحق مركزه الواقعى، وعندئذ فإنه يتساوى مع الإمام.(85/1)
وهذا هو السبب فى أن الشيعة يخصون "عليا" -كرم الله وجهه- بلقب الإمام كما خصوا به كل من يسوقون إليه منصب الإمامة من بعده ، فالحسن بن على وجعفر الصادق كلاهما إمام حتى لو لم يتول منصب رئاسة الدولة الاسلامية بالفعل ، ومعاوية بن أبى سفيان رضى الله عنه خليفة وليس إماما لأنه تولى السلطة الزمنية، وإن لم يكن صاحب حق أو سلطة روحية.
والإمامة عند الشيعة تثبت بالنص ، لأنها من أصول الدين التى لا ينبغى أن تترك لأحاد الأمة التى تفوض إلى نظر الأمة ، ويتعين القائم بها بتعيينهم ، بل هى ركن الدين وقاعدة الاسلام ،ولا يجوز لنبى إغفاله ولا تفويضه الى الأمة، بل يجب عليه تعيين الإمام لهم ويكون معصوما من الكبائر والصغائر.
فالإمامة إذن امتداد للنبوة، ومهام الإمام هى نفسها مهام النبى إن لم تكن أوسع وأشمل.
ولا تتفق بقية الفرق الإسلامية مع وجهة نظر الشيعة هذه ، فالإمام -عند معظمها- أنما تختارة الأمة الإسلامية ممثلة فى أهل الحل والعقد أو أهل الاختيار، ويكون اختيارها من بين من تتوافر فيهم شروط الإمامة من سداد الرأى والشجاعة، والالتزام بالوفاء لشرع الله -عزوجل- وأن يكون من يتولى قرشيا -عند البعض- وهؤلاء يردون على المخالفين ويبطلون أدلتهم بما لا مجال لعرضه هنا.
أ.د/عبد الله محمد جمال الدين(85/2)
#الإنكشارية
الإنكشارية فرقة مشاة خاصة داخل الجيش العثمانى، تكونت فى عهد السلطان مراد الأول بناء على أمره ، ونفذها الوزير جاندارلى خليل باشا لتقتصر مهمتها على الحرب وتتفرغ لها، وبذلك أصبحت أول فرقة عسكرية نظامية فى التاريخ.
كانت الإنكشارية وسيلة فعالة فى انتصارات الدولة العثمانية وفتوحاتها فى أوروبا والبلقان والشرق الأوسط ، كما تسببت فى هزائم الدولة ونكساتها.
تكونت فى البداية من ألف فرد دون مراعاة السن ثم صدرت القوانين المتتالية لتنظيم سن الالتحاق بها فأصبح من 8-20.
كان الفرد منهم قبل التحاقه يسلم إلى أسرة تركية نظير جُعل من المال لتعليمه اللغة التركية وآداب الإسلام ثم يؤخذ إلى الفرقة لينتظم فيها. وصل بعض أفرادها إلى أعلى المناصب فى الدولة العثمانية فى كافة الميادين مثل المعمار سنان وتسابقت الأسر المسيحية لإلحاق أولادها بها.
من أسماء رتبهم الكبيرة: أغا الإنكشارية وهو رئيسهم وكان يحضر فى الديوان السلطانى -رغم عدم عضويته فيه- ليقدم تقريرا عن الفرقة إلى السلطان. من رتبهم الكبيرة أيضا سكبان باشى، وباشجا ويش ، ومن رتب ضباطهم الصغيرة: الشوربجى، والسقا باشى، واوضه باشى.
اتبعوا نظاما صارما فى التدريب والطاعة المطلقة، وحرم عليهم مغادرة الثكنات والزواج والاختلاط بالمدنيين والعمل بالتجارة، وأمروا بالتفرغ التام للجندية.
ولما أصاب التأخر الانكشارية فقد أفرادها روحهم القديمة وخرجوا من الثكنات ، وأسسوا بيوتا وعائلات وألهتهم التجارة عن الحروب حتى وصاوا -وهم عماد السلطنة- إلى التمرد عليها. أول حركة عصيان قاموا بها عندما اعترضوا -وهم الجنود- على ارتقاء السلطان محمد الفاتح ، العرش ، محتجين بحداثة سنه وكان أول تمرد حركى منهم ، فى عهد السلطان القانونى الذى أدبهم ونكل بقادتهم.(86/1)
وصل التدهور بالإنكشارية إلى أن أفرادها كانوا يرفضون الخروج للحرب أحيانا،ويفرون من جبهة القتال أحيانا، ويعينون من يريدون فى المناصب العليا فى الدولة، ويطالبون برؤوس كبار رجال الدولة إذا خالفوهم.
ولما كثر تمرد الإنكشارية ودب فيهم الفساد ، وأسس السلطان سليم الثالث جيشا جديدا ، دعا الإنكشارية إلى الانخراط فيه ، فرفضوا وتمردوا وعزلوا السلطان وقتلوه ، ولما تولى السلطان محمود الثانى الحكم قام بإلغاء الإنكشارية وضرب ثكناتهم بالمدافع ، وقضى عليهم فى مذبحة شهيرة باسم "الواقعة الخيرية" عام 1825م.
أ.د/محمد حرب(86/2)
#الإيوان
هى كلمة من أصل فارسى، وجمعها إيوانات وأواوين. ومن أشهر الإيوانات القديمة إيوان كسرى بالعراق ، واستخدمت الكلمة بوصفها مصطلحا أثريا إسلاميا للدلالة على قاعة مستطيلة المسقط الأفقى وغير مسدودة الوجه ، ومسقوفة فى كثيرمن الأحيان بقبو، ويفتح جانبها غير المسدود على فناء غالبا ما يكون غير مسقوف.
استخدم الإيوان بصفة خاصة فى عمارة المدارس الإسلامية منذ عصر السلاجقة. وتشتمل المدرسة على فناء مربع أو مستطيل قد يفتح عليه إيوان واحد هو إيوان القبلة، أو إيوانات متقابلات أو أربعة أواوين محورية أكبرها إيوان القبلة، ومن أبرز أمثلتها فى مصر مدرسة السلطان حسن بالقاهرة، ويعد إيوان القبلة بها أكبر يوان بعد إيوان كسرى.
وعرف الإيوان فى منشات إسلامية أخرى كالخوانق والمساجد.
أ.د/حسن الباشا(87/1)
#الاتحاد
يقصد به أن تصير ذات ذاتا أخرى من غير أن يزول عن الذات الأولى شىء من خصائصها، أو ينضاف إليها شىء آخر.
والاتحاد بهذا المعنى مستحيل الوقوع عقلا ووجودا ، لأن هاتين الذاتين إن بقيتا بعد الاتحاد كما هما متميزتين فلا معنى للاتحاد بينهما ، وإن عُدمت إحداهما وبقيت الأخرى فلا اتحاد بينهما. وإن عُدمت الذاتان وصار الأمر إلى ذات ثالثة فلم يحدث اتحاد أصلا، وهذا هو دليل العقل على بطلان الاتحاد بالمعنى الحقيقى بين أى شيئين أو ذاتين ، ومن هنا قيل: "الاثنان لا يتحدان ".
وللاتحاد معنى آخر مجازى وهو الصيرورة أو التغير، بمعنى أن شيئا ما ينتقل إلى شئ آخر بعد أن تزول عنه صورته النوعية، وتحصل له صورة أخرى مغايرة، مثل صيرورة الماء هواء بعد زوال حقيقة الماء وتبدلها إلى حقيقة جديدة، هى حقيقة الهواء، ومثل صيرورة التراب والماء عن طريق التركيب طينا، وهذا المعنى المجازى للاتحاد جائز وواقع ، لكن لا يسمى اتحادا حقيقيا.
وفى الصوفية تستخدم بمعان عدة، تدور حول الاتحاد بمعنى: استناد الموجودات بأسرها إلى الوجود الإلهى، والنظر إليها على أنها معدومات لا وجود لها بالحقيقة. أو بمعنى مرتبة القرب التى تضمحل فيها ذات السالك ، وتفنى إرادته فى إرادة الله تعالى، وصفاته فى صفاته ، وتغيب عن كل ما سواه ،بحيث لا يرى فى الوجود إلا الله تعالى، على ما يشيرإليه حديث: (كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصربه) أو حالة العبد عند تلاشى هويته فى مقام الكثرة، وتحققه بمظهر الأحدية. ويحرص جمهور علماء التصوف على التنبيه على أن مصطلح "اتحاد" فى علومهم إنما هو "حال" أو درجة من "الشهود" يتحد فيها مراد المحب بمراد المحبوب ، وتفنى إرادة المحب فى مراد المحبوب ، وأن الجامع لذلك تحقيق شهادة "ألا إله إلا الله" علما ومعرفة وعملا وجلالا وقصدا.(88/1)
وأن الاتحاد لا يتضمن من قريب أو بعيد أن للعبد وجودا خاصا يتحد بالوجود الإلهى، فإن ذلك محال بالضرورة عندهم وعند غيرهم. ينبه على ذلك الشيخ الأكبر "ابن عربى" فيقول "واحذرمن الاتحاد، فإن الاتحاد لا يصح...فإن الذاتين لا تكون واحدة، وانما هما واحدان "ويطلق الاتحاد عند الفلاسفة على معان عدة كالمجانسة والمماثلة والمشاكلة والمشابهة والمساواة والمطابقة والاضافة. ولكل معنى منها حدُّ معين ومفهوم خاص.
أ.د/أحمد الطيب(88/2)
#الاحتيال والتغرير وأكل أموال الناس عن طريقهما-1
الاحتيال والتغرير وأكل أموال الناس عن طريقهما
بعض مظاهر حماية الشريعة لأموال الناس
1. حرمت أكل أموال الناس بالباطل، والنصوص الشرعية في ذلك كثيرة.
2. رتبت العقوبات الحدية والتعزيرية على من يعتدي على أموال الناس.
3. أباحت للشخص الدفاع عن ماله، ولو أدى ذلك إلى قتل الصائل على المال.
4. أوجبت التضمين على من أتلف مال غيره، سواء بالمباشرة أو التسبب.
5. نهت عن بيوع الغرر والجهالة.
6. حرمت الرشوة وحذرت منها .
7. نهت عن الغش والتدليس في المعاملات، التي هي ركن في جريمة الاحتيال، والتغرير.
بعض الوقفات المتعلقة بالاحتيال والتغرير:-
1. يُعَرَّفُ الاحتيال باعتباره من الجرائم الواقعة على الأموال بأنه (الاستيلاء على مال مملوك للغير بخداعه، وحمله على تسليم ذلك المال).
2. يُعرَّف التغرير بأنه:- (هو أن يخدع أحد العاقدين الآخر بوسائل احتيالية، قولية أو فعلية تحمله على الرضا بما لم يكن يرضى به بغيرها).
3. الاحتيال يدخل ضمن النظام الجنائي، والتغرير يدخل ضمن النظام المدني، وكل منهما يعتبر التدليس ركناً فيه، والتدليس في كلا النظامين –الجنائي والمدني- لا يختلف من حيث الطبيعة، فهو يهدف إلى إيقاع المجني عليه في الغلط، ويؤدي إلى أن يقوم المجني عليه بعمل لا يمكن أن يقوم به لو عرف الحقيقة .(89/1)
4. مع ذلك يختلف التدليس في النظامين-الجنائي والمدني-إذ أن النظام المدني يكتفي بمجرد الكذب أو الكتمان لبطلان التصرف، وهذا وحده لا يكفي لترتيب المسؤولية الجنائية، لأن النظام الجنائي لا يتدخل في معاملات الناس إلا في الحالات الضرورية، وعندما تُمثَِّل أفعال الجاني نفسيةً خطرةً، ولذلك ينص القانون الجنائي على طرق التدليس على سبيل الحصر، وبناء عليه فإنه يترتب على ثبوت التدليس في الاحتيال ثبوت التغرير، ولا عكس، بمعنى أنه في حالات كثيرة يمكن عدم ثبوت الاحتيال لكن يثبت التغرير الموجب للضمان، إذ أنه يكفي في ثبوته مجرد الكذب، أو الكتمان.
5. يترتب على ثبوت الاحتيال، الحق العام، والحق الخاص، ويترتب على ثبوت التغرير الحق الخاص، وهو الضمان.
6. المسؤولية في الاحتيال تلحق كلاً من الأصيل والوسيط، ويترتب عليها مسؤولية جنائية، ومدنية.
7. أيضاً تلحق المسؤولية في التغرير كلاً من الأصيل والوسيط.
8. يحق للمتضرر بسبب الاحتيال أو التغرير أن يطالب كلاً من الأصيل والوسيط، بل إن مطالبة المتضرر للوسيط أولى من مطالبته للأصيل، لأن الوسيط هو الذي أخذ المال، فهو المتلف له، سواء أكان ذلك عن طريق المباشرة أم التسبب.
9. بإمكان الوسيط أن يرجع على الأصيل بعد ذلك، وهذا يدل عليه قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: (على اليد ما أخذت حتى تؤديه) فإن يد الوسيط هي التي أخذت مال المتضرر فتتوجه المطالبة عليه، ومتى ثبت عليه الاحتيال أو التغرير ضمن، ولا ينفع الوسيط هنا أن يكون قد أخذ سنداً من المتضرر يفيد براءة ذمته، لأن ذلك داخل ضمن عملية الاحتيال، أو التغرير فهو داخلٌ ضمن أركانها.(89/2)
10. على افتراض عدم ثبوت الاحتيال، وعدم ثبوت التغرير، وإنما لحق الأصيل أو الوسيط مسؤولية التقصير، فإنه يلزمه الضمان، وهذا مما تتفق عليه الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية، وهو داخل في الشريعة الإسلامية ضمن الضمان، وداخل في القوانين الوضعية ضمن المسؤولية المدنية.
بعض صور الاحتيال والتغرير:-
· استعمال طرق احتيالية من شأنها إيهام المجني عليه بوجود مشروع كاذب، أو حادث، أو أمر لا حقيقة له، أو إحداث الأمل عند المجني عليه بربح وهمي، أو بتسديد المبلغ الذي أُخذ بطريق الاحتيال، أو الإيهام بوجود سند دين غير صحيح، أو سند مخالصة مزور.
· التصرف في مال منقول أو غير منقول وهو يعلم أنه ليس له صفة للتصرف فيه.
· الإيهام باستيراد سلع وبيعها مع عدم حصول شيء من ذلك.
· تدوير أموال الناس، وإعطاء أرباح للسابقين من أموال اللاحقين.
· أخذ عمولات على مجرد تدوير الأموال.
· أخذ عمولات فاحشة على عمليات بيع صورية، والإثراء على حساب الآخرين بسبب باطل.
· من صور الاحتيال على الناس، أو التغرير بهم قيام الوسيط بعمليات بيع للأصيل مع معرفته عدم قدرة الأصيل على الأداء، وقيام الوسيط بتدوير الأموال على الأصيل، وأخذ عمولات على ذلك.
من وسائل إثبات الاحتيال أو التغرير:-
1. الشهود، خاصة ممن يعملون مع الأصيل أو الوسيط.
2. كشوفات الحسابات البنكية، فهي قرائن قوية على ثبوت الاحتيال أو التغرير.(89/3)
3. النظر إلى الحالة المادية للمتهم، أو المدين قبل الاحتيال، أو التغرير، وبعده، فإن الثراء الفاحش في فترة قصيرة مخالف للعرف والعادة عند التجار وغيرهم، وهو يمثل إثراءً على حساب الغير بدون سبب مشروع، وذلك يعتبر قرينة قوية وظاهرة على الإدانة، وثبوت المسؤولية، وقد كان عمر بن الخطاب –رضي الله عنه– يعتمد على ذلك في محاسبته لعماله، ويقول لهم: من أين لك هذا؟! وهو بهذا قد قرر هذا المبدأ قبل القوانين الوضعية، والحسابات البنكية تفيد كثيراً في إثبات هذه الواقعة. ولو أهمل القضاء العمل بالقرائن لضاعت كثيرٌ من الحقوق، ولذا نجد قضاة السلف يهتمون بها، ويبنون عليها أقضيتهم.
4. قيام المتهم أو المدين بتهريب أمواله بأي صورة من الصور ومن ذلك نقل ملكيتها باسم غيره، فهذه قرينة قوية على الإدانة وثبوت المسؤولية.
5. للعلم فإن قيام المتهم أو المدين بتهريب أمواله يعتبر في أنظمة الدول الأخرى جريمة مستقلة يعاقب عليها القانون، وذلك لخطورتها حيث تفضي إلى ضياع أموال الناس، وغيابها عن عين العدالة.
التوصيات:-
1. نوصي الجهات التنظيمية بسن أنظمة للجرائم الواقعة على الأموال الموجبة للتعزير، أو التضمين، أسوةً بنظام الرشوة، والاختلاس والتزوير، وغسل الأموال...الخ حتى يكون ذلك ملزماً لجهات التحقيق والقضاء، فلا تضيع حقوق الناس.
2. نوصي جهات التحقيق والإدعاء العام بالاهتمام بهذه الجرائم، والحزم مع المتهمين، واعتبار تهريب الأموال وإخفائها جريمةً يعاقب عليها.
3. نوصي الجهات القضائية المختصة بالعناية بهذه القضايا سواءً أكانت جنائية، أم مدنية، فالجنائية مثل جريمة الاحتيال، وجريمة تهريب الأموال، وجريمة غسل الأموال، والمدنية مثل التغرير الموجب للتضمين، وكذا ثبوت التقصير الموجب للتضمين أيضاً.(89/4)
4. كما نوصي الجهات القضائية بالعناية بالقرائن المفيدة للقطع أو غلبة الظن في الإثبات، والتنبه إلى أن التضمين المترتب على التغرير أو التقصير يثبت بمجرد الكذب أو الكتمان، أو التقصير.
5. كما نوصي الجهات القضائية بسرعة تجميد أموال المتهمين بالاحتيال والمدينين منذ تقديم أول دعوى ضدهم، وعدم إعطائهم الفرصة لتهريب أموالهم، أو التصرف بها تصرفاً يضر بدائنيهم.
6. كما نذكِّر الجهات القضائية أن تستشعر أنها الملجأ الأخير -بعد الله– للمظلوم في الحصول على حقه.
المصدر: أكل أموال الناس عن طريق الاحتيال، أو التغرير أو بهما معاً-د. ناصر بن محمد الجوفان.(89/5)
#الاختلاط
مقدمة:
· قال الشيخ علي الطنطاوي: أما الحرب التي تواجه الإسلام الآن فهي أشد وأنكي من كل ما كان، إنها عقول كبيرة جداً، شريرة جداً، تمدها قُوى قوية جداً، وأموال كثيرة جداً، كل ذلك مسخَّر لحرب الإسلام على خطط محكمة، والمسلمون أكثرهم غافلون.
· يَجِدُّ أعداؤهم ويهزلون، ويسهر خصومهم وينامون، أولئك يحاربون صفاً واحداً، والمسلمون قد فرَّقت بينهم خلافات في الرأي، ومطامع في الدنيا.
· يدخلون علينا من بابين كبيرين، حولهما أبواب صغار لا يُحصى عددها.
· أما البابان الكبيران فهما باب الشبهات وباب الشهوات. أما الشبهات فهي كالمرض الذي يقتل من يصيبه، ولكن سريانه بطيء وعدواه ضعيفة. فما كل شاب ولا شابة إذا ألقيت عليه الشبه في عقيدته يقبلها رأساً ويعتنقها.
· أما الشهوات فهي داء يمرض وقد لا يقتل، ولكن أسرع سرياناً وأقوى عدوى، إذ يصادف من نفس الشاب والشابة غريزة غرزها الله، وغرسها لتنتج طاقة تستعمل في الخير، فتنشئ أسرة وتنتج نسلاً، وتقوي الأمة، وتزيد عدد أبنائها، فيأتي هؤلاء فيوجهونها في الشر، للذة العاجلة التي لا تثمر.
· هذا هو باب الشهوات وهو أخطر الأبواب.
· عرف ذلك خصوم الإسلام فاستغلوه، وأول هذا الطريق هو الاختلاط.
· بدأ الاختلاط من رياض الأطفال، ثم برامج الأطفال فصاروا يجمعون الصغار من الصبيان والصغيرات من البنات.
· نحن لا نقول أن الصغيرة كالكبيرة البالغة، ولكن نقول أن من يرى هذه تُذَكِّرُهُ بتلك، فتدفعه إلى محاولة رؤيتها.
· ثم إن أصول العقائد، وبذور العادات ومبادئ الخير والشر، إنما تغرس في العقل الباطن للإنسان، من حيث لا يشعر في السنوات الخمس أو الست الأولى من عمره، فإذا عودنا الصبي والبنت علي الاختلاط فيها، ألا تستمر هذه العادة إلى السبع والثمان ؟(90/1)
· ثم تصير أمراً عادياً ينشأ عليه الفتى ، وتشب الفتاة، فيكبران وهما عليه ؟ وهل تنتقل البنت في يوم معين من شهر معين، من الطفولة إلى الصبا في ساعات معدودات، حتى إذا جاء ذلك اليوم حجبناها عن الشباب ؟
· أم هي تكبر شعرة شعرة، كعقرب الساعة تراه في الصباح ثابتاً فإذا عدت إليه بعد ساعتين وجدته قد انتقل من مكانه. فهو إذن يمشي وإن لم تر مشيه، فإذا عودنا الأطفال على هذا الاختلاط فمتى نفصل بينهم ؟
· والصغير لا يدرك جمال المرأة كما يدركه الكبير، ولا يحس إن نظر إليها بمثل ما يحس به الكبير، ولكنه يختزن هذه الصورة في ذاكراته فيخرجها من مخزنها ولو بعد عشرين سنة.
· ثم إن من تُشْرِف على تربيته النساء يلازمه أثر هذه التربية حياته كلها، يظهر في عاطفته، وفي سلوكه، في أدبه، إذا كان أديباً.
· ولا تبعد في ضرب الأمثال، فهاكم الإمام ابن حزم يحدثكم في كتابه " طوق الحمامة " حديثاً مستفيضاً في الموضوع.
·
· خلق الله الرجال والنساء بعضهم من بعض، ولكن ضرب بينهم بسورٍ له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قِبَلِهِ العذاب. فمن طلب الرحمة والمودة واللذة والسكون والاطمئنان دخل من الباب، والباب هو الزواج. ومن تسوَّر الجدار أو نقب السقف، أو أراد سرقة متعة ليست له بحق، ركبه في الدنيا القلق والمرض وازدراء الناس، وتأديب الضمير، وكان له في الآخرة عذاب السعير.
· هذا ما قاله الشيخ عن بلادٍ غير بلادنا وزمان غير زماننا، والسعيد من وُعِظَ بغيره ولم يتعظ به الناس، فليحذر الذين يدندنون حول هذا الموضوع في بلادنا أن يشملهم قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ } [النور:19].
· جنبنا الله مسالك أهل الفساد والإفساد، وجعلنا من الهُداة المهتدين.
المرجع:هكذا بدأ الاختلاط- سليمان بن صالح الخراشي- دار القاسم.(90/2)
#الاختلاط
مقدمة:
· قال الشيخ علي الطنطاوي: أما الحرب التي تواجه الإسلام الآن فهي أشد وأنكي من كل ما كان، إنها عقول كبيرة جداً، شريرة جداً، تمدها قُوى قوية جداً، وأموال كثيرة جداً، كل ذلك مسخَّر لحرب الإسلام على خطط محكمة، والمسلمون أكثرهم غافلون.
· يَجِدُّ أعداؤهم ويهزلون، ويسهر خصومهم وينامون، أولئك يحاربون صفاً واحداً، والمسلمون قد فرَّقت بينهم خلافات في الرأي، ومطامع في الدنيا.
· يدخلون علينا من بابين كبيرين، حولهما أبواب صغار لا يُحصى عددها.
· أما البابان الكبيران فهما باب الشبهات وباب الشهوات. أما الشبهات فهي كالمرض الذي يقتل من يصيبه، ولكن سريانه بطيء وعدواه ضعيفة. فما كل شاب ولا شابة إذا ألقيت عليه الشبه في عقيدته يقبلها رأساً ويعتنقها.
· أما الشهوات فهي داء يمرض وقد لا يقتل، ولكن أسرع سرياناً وأقوى عدوى، إذ يصادف من نفس الشاب والشابة غريزة غرزها الله، وغرسها لتنتج طاقة تستعمل في الخير، فتنشئ أسرة وتنتج نسلاً، وتقوي الأمة، وتزيد عدد أبنائها، فيأتي هؤلاء فيوجهونها في الشر، للذة العاجلة التي لا تثمر.
· هذا هو باب الشهوات وهو أخطر الأبواب.
· عرف ذلك خصوم الإسلام فاستغلوه، وأول هذا الطريق هو الاختلاط.
· بدأ الاختلاط من رياض الأطفال، ثم برامج الأطفال فصاروا يجمعون الصغار من الصبيان والصغيرات من البنات.
· نحن لا نقول أن الصغيرة كالكبيرة البالغة، ولكن نقول أن من يرى هذه تُذَكِّرُهُ بتلك، فتدفعه إلى محاولة رؤيتها.
· ثم إن أصول العقائد، وبذور العادات ومبادئ الخير والشر، إنما تغرس في العقل الباطن للإنسان، من حيث لا يشعر في السنوات الخمس أو الست الأولى من عمره، فإذا عودنا الصبي والبنت علي الاختلاط فيها، ألا تستمر هذه العادة إلى السبع والثمان ؟(91/1)
· ثم تصير أمراً عادياً ينشأ عليه الفتى ، وتشب الفتاة، فيكبران وهما عليه ؟ وهل تنتقل البنت في يوم معين من شهر معين، من الطفولة إلى الصبا في ساعات معدودات، حتى إذا جاء ذلك اليوم حجبناها عن الشباب ؟
· أم هي تكبر شعرة شعرة، كعقرب الساعة تراه في الصباح ثابتاً فإذا عدت إليه بعد ساعتين وجدته قد انتقل من مكانه. فهو إذن يمشي وإن لم تر مشيه، فإذا عودنا الأطفال على هذا الاختلاط فمتى نفصل بينهم ؟
· والصغير لا يدرك جمال المرأة كما يدركه الكبير، ولا يحس إن نظر إليها بمثل ما يحس به الكبير، ولكنه يختزن هذه الصورة في ذاكراته فيخرجها من مخزنها ولو بعد عشرين سنة.
· ثم إن من تُشْرِف على تربيته النساء يلازمه أثر هذه التربية حياته كلها، يظهر في عاطفته، وفي سلوكه، في أدبه، إذا كان أديباً.
· ولا تبعد في ضرب الأمثال، فهاكم الإمام ابن حزم يحدثكم في كتابه " طوق الحمامة " حديثاً مستفيضاً في الموضوع.
·
· خلق الله الرجال والنساء بعضهم من بعض، ولكن ضرب بينهم بسورٍ له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قِبَلِهِ العذاب. فمن طلب الرحمة والمودة واللذة والسكون والاطمئنان دخل من الباب، والباب هو الزواج. ومن تسوَّر الجدار أو نقب السقف، أو أراد سرقة متعة ليست له بحق، ركبه في الدنيا القلق والمرض وازدراء الناس، وتأديب الضمير، وكان له في الآخرة عذاب السعير.
· هذا ما قاله الشيخ عن بلادٍ غير بلادنا وزمان غير زماننا، والسعيد من وُعِظَ بغيره ولم يتعظ به الناس، فليحذر الذين يدندنون حول هذا الموضوع في بلادنا أن يشملهم قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ } [النور:19].
· جنبنا الله مسالك أهل الفساد والإفساد، وجعلنا من الهُداة المهتدين.
المرجع:هكذا بدأ الاختلاط- سليمان بن صالح الخراشي- دار القاسم.(91/2)
#الاستحسان
لغة: مشتق من الحسن: قال ابن منظور: "والحسن - محركة - ما حسن من كل شىء: فهو استفعال من الحسن ، يطلق على ما يميل إليه الإنسان ويهواه ، حسيّا كان هذا الشىء أومعنويا، وإن كان مستقبحا عند غيره" أ.هـ.(1)
واصطلاحها: اختلف الأصوليون فى تعريف الاستحسان فقال بعضهم: إنه دليل ينقدح فى نفس المجتهد، وتقصر عنه عبارته.(2)
وقال آخرون: هو العدول عن موجب قياس إلى قياس أقوى منه ، أو هو تخصيص قياس بدليل أقوى منه.(3)
وقيل: هو العمل بأقوى الدليلين ، أو الأخذ بمصلحة جزئية فى مقابلة دليل كلى.
وبالنظر إلى هذه التعريفات نجد أن تعريف الاستحسان يتلخص فى أمرين:(5)
1- ترجيح قياس خفى على قياس جلى بناء على دليل.
2- استثناء مسألة جزئية من أصل كلى، أو قاعدة عامة بناء على دليل خاص يقتضى ذلك.
أنواعه: للاستحسان أنواع عدة منها:(6)
1- الاستحسان بالكتاب: مثل الوصية، فإن مقتضى القياسى عدم جوازها لأنها تمليك مضاف لما بعد الموت ، وهو زمن تزول فيه الملكية، إلا أنها استثنيت من تلك القاعدة العامة بقوله تعالى {من بعد وصية يوصى بها أودين}النساء:11-12.
2- الاستحسان بالإجماع: مثل إجماع العلماء على جواز عقد الاستصناع وهو أن يعقد شخص مع آخرعقدا لصنع شىء من الثياب أو الحذاء بثمن معين ، فإن مقتضى القياس بطلانه ، لأن المعقود عليه - وهو العمل - وقت القصر معدوم ، ولكن أجيز العمل به لتعامل الناس به كل الأزمان من غير إنكار العلماء عليه.
وهناك أنواع أخرى له منها: الاستحسان بالعادة والعرف ، والاستحسان بالضرورة، والاستحسان بالسنة، والاستحسان بالمصلحة، والاستحسان بالقياس الخفى وأمثلتها مبثوثة فى كتب الأصول.
حجيته: هو حجة شرعية عند: الحنفية والمالكية والحنابلة، وأنكر حجيته الشافعية والظاهرية والمعتزلة والشيعة فليس عندهم بدليل يعتد به.
أ.د/على جمعه محمد(92/1)
#الاستصحاب
لغة: طلب المصاحبة، يقال: استصحب الشىء: لازمه ، ويقال استصحبه الشىء: ساله أن يجعله فى صحبته.(1)
واصطلاحا: هو الحكم بثبوت أمر أو نفيه فى الزمان الحاضر أو المستقبل بناء على ثبوته أو عدمه فى الزمان الماضى، لعدم قيام الدليل على تغييره.(2)
وبعبارة أخرى (3): جعل الحالة السابقة دليلا على الحالة اللاحقة، أو إبقاء الشىء على حكمه السابق ما لم يغيره مغيرشرعى.
اًمثلة له:(4)
الأصل فى البكر بقاء البكارة حتى تثبت الثيوبة بدليل ، والأصل بقاء الملكية للمالك حتى يثبت نقلها بدليل ، والأصل فى الماء الطهارة حتى يثبت عدمها بدليل.
اًنواع الاستصحاب:(5) وله خمسة أنواع:
1- استصحاب حكم الإباحة الأصلية للأشياء التى لم يرد دليل على تحريمها،ومعنى هذا أن المقرر عند جمهور الأصوليين ،بعد ورود الشرع: هو أن الأصل فى الأشياء النافعة التى لم يرد فيها من الشرع حكم معين هو الإباحة، كما أن الأصل فى الأشياء الضارة هو الحرمة.
2- استصحاب العموم إلى أن يرد تخصيص أو استصحاب النص إلى أن يرد نسخ.
3- استصحاب ما دل العقل والشرع على ثبوته ودوامه ، وقد عبر عنه ابن القيم باستصحاب الوصف المثبت للحكم حتى يثبت خلافه كالملك ، عند وجود سببه ، وهو العقد أو الوراثة، أو غيرهما من أسباب الملك.
4- استصحاب العدم الأصلى المعلوم بالعقل فى الأحكام الشرعية أى انتفاء الأحكام السمعية فى حقنا قبل ورود الشرع، كالحكم ببراءة الذمة من التكاليف الشرعية حتى يوجد دليل شرعى يدل على التكليف ويسمى هذا بالبراءة الأصلية.(93/1)
5- استصحاب حكم ثابت بالإجماع فى محل الخلاف بين العلماء مثاله: إجماع الفقهاء على صحة الصلاة عند فقد الماء، فإذا أتم المتيمم الصلاة قبل رؤية الماء صحت الصلاة، وأما إذا رأى الماء فى أثناء الصلاة فهل تبطل الصلاة أم لا؟ قال الشافى ومالك ، لا تبطل الصلاة لأن الإجماع منعقد على صحتها قبل رؤية الماء، فيستصحب حال الإجماع إلى أن يدل دليل على أن رؤية الماء مبطلة، وقال أبو حنيفة وأحمد: تبطل الصلاة ولا اعتبار بالإجماع على صحة الصلاة قبل رؤية الماء، فإن الإجماع انعقد فى حالة العدم لا فى حالة الوجود ، ومن أراد إلحاق العدم بالوجود: فعليه البيان والدليل.
وللعلماء مذاهب فى القول بحجية الاستصحاب من عدمها موضعها كتب الأصول فلتراجع.
أ.د/على جمعة محمد(93/2)
#الاستعارة
لغة: مأخوذة من "العارية" أى نقل منفعة شئ ما من شخص إلى آخر يقال: تعاوروا الشىء واعتوروه: تداولوه ، كما فى اللسان(1) ولا ينفك هذا المعنى اللغوى عن المعنى الاصطلاحى.
واصطلاحا: لها عدة تعريفات وضوابط ومن أدقها وأوجزها:
1 - تعريف الخطيب القزوينى، وهو: "الاستعارة هى ما كانته علاقته تشبه معناه بما وضع له".
2- وقد عرفها البلاغيون المتاخرون(2) تعريفا جامعا مانعا فقالوا: الاستعارة هى استعمال اللفظ فى غير ما وضع له لعلاقة المشابهة مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الوضعى(3)، وهذا التعريف هو ما عليه جميع أهل الذكر الآن.
3- وبعض أهل العلم يختصرون تعريفها فيقولون: "الاستعارة تشبيه حذف أحد طرفيه" غير أن فيه قصورا لأنه لم يشر إلى العلامة والقرينة المانعة ويشترط لتحقق الاستعارة أن يتوفرفيها ثلاثة أركان هى:
1- النقل: أى نقل اللفظ من معناه الوضعى إلى المعنى المجازى المراد من الاستعارة.
2- العلاقة المسوغة للنقل ، وهى تشبيه المستعار له بالمستعار.
3- القرينة التى تمنع إرادة المعنى اللغوى (الوضعى) مع إرادة المعنى المجازى.
ومن أمثلتها قول المتنبى يمدح سيف الدولة الحمدانى وقد انتصر على الروم فى وقعة الأحيدب وهو جبل دارت عليه المعركة:
نثرتهم فوق الأحيدب نثرة * كما نثرت فوق العروس الدراهم
شبه تفريق الأعداء (موتى) بنثر الدراهم ،وحذف المشبه (التفريق)وذكر المشبه به (النثر) والعلاقة شدة البطش وأما القرينة المانعة من إرادة المعنى اللغوى فلأن النثر يكون للأجسام الصغيرة دون الكبيرة(4).
أ.د/عبد العظيم ابراهيم المطعنى(94/1)
#الاستعجال
مقدمة:
الاستعجال آفة يصاب بها بعض العاملين في العمل الإسلامي لابد أن يحذروها وأن يتخلصوا منها.
ولكي يكون لدنيا التصور الدقيق عن هذه الآفة سنتناولها على النحو التالي:
أولاً : معنى الاستعجال
لغة:
· الاستعجال والإعجال كلها بمعنى واحد.
· هو : الاستحثاث وطلب العجلة أي السرعة أو استعجل الرجل الرجل أي حثه، وأمره أن يعجل في الأمر.
· منه قوله تعالى : {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ }يونس11.
· أي لو عجل الله للناس الشر إذا دعوا به على أنفسهم عند الغضب وعلى أهليهم وأولادهم واستعجلوا به كما يستعجلون بالخير فيسألونه الخير والرحمة لقضى إليهم أجلهم فماتوا ).
اصطلاحا:
· معناه في اصطلاح الدعاة إرادة تغيير الواقع الذي يحياه المسلمون اليوم في لمحة أو في أقل من طرفة عين.
· دون نظر في العواقب ودون فهم للظروف والملابسات المحيطة بهذا الواقع.
· ودون إعداد جيد للمقدمات أو للأساليب و الوسائل.
· بحيث يغمض الناس عيونهم ثم يفتحونها أو ينامون ليلة ثم يستيقظون فإذا بهم يرون كل شيء عاد إلى وضعه الطبيعي في حياتهم، وزالت الجاهلية من طريقهم ، ورفعت الراية الإسلامية من جديد ، ووجد كل إنسان إنسانيته، وخلصت الفطرة من كل ما يكدرها ويعكر صفوها.
ثانياً : نظرة الإسلام إلى الاستعجال:
· لما كانت العجلة والاستعجال من طبيعة الإنسان بشهادة خالقه وصانعه، ومدبر أمره، قال تعالى:{وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً }الإسراء11 ، وقال تعالى:{خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ }الأنبياء37 .(95/1)
· فإن الإسلام ينظر إلى الاستعجال نظرة عدالة وإنصاف، فلا يحمده بالمرة، ولا يذمه بالمرة، وإنما يحمد بعضه، ويذم البعض الآخر.
فالمحمود منه :
· ما كان ناشئاً عن تقدير دقيق للآثار والعواقب، وعن إدراك تام للظروف والملابسات، وعن حسن إعداد وجودة ترتيب.
· وهذا النوع من الاستعجال هو المعنى في قوله تعالى حكاية عن موسى - عليه السلام - {وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَى }83{قَالَ هُمْ أُولَاء عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى }طه83-84.
· إذ الظروف مناسبة و الفرصة مواتية والعاقبة محمودة و النفس صافية مشرقة، فما الذي يحمل موسى على التواني والتأخير ؟
المذموم منه:
· ما كان مجرد ثورة نفسية خالية من تقدير العاقبة ومن الإحاطة بالظروف و الملابسات، ومن أخذ الأهبة والاستعداد.
· وهذا النوع الأخير هو الذي عناه رسولنا الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم - حين قال لخباب بن الأرت - رضي الله تعالى عنه- وقد جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يشكو ما يلقاه هو وإخوانه من الأذى والاضطهاد، ويطلب منه أن يستنصر ربه، وأن يدعوه قال له : (كان الرجل فيمن كان قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيها فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق اثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه والله ليتمن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله و الذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون ). وهو الذي نعنيه هنا أيضاً.
ثالثاً : مظاهر الاستعجال :
الاستعجال له مظاهر عديدة منها :
1. ضم أشخاص إلى قافلة الدعاة قبل الاستيثاق، والتأكد من مواهبهم وقدراتهم واستعداداتهم.
2. الارتقاء ببعض الدعاة إلى مستوى رفيع قبل اكتمال نضجهم واستواء شخصيتهم.
3. القيام بتصرفات طائشة صغيرة تضر بالدعوة ولا تفيدها.
رابعاً : آثار الاستعجال:(95/2)
كل هذه المظاهر المذكورة آنفاً، وغيرها تكون لها آثار، وعواقب:
· قد تؤدى إلى الفتور، وقليل دائم خير من كثير منقطع، قال صلى الله عليه وسلم: ( أحب العمل إلى الله أدومه وإن قلّ ) .
· وقد تؤدى إلى موتها، فلا يكون من ورائها عائد أو ثمرة.
· وهنالك تكون المسئولية و المعاتبة بين يدي الجبار الأعلى.
· القصة التالية برهان عملي لما نقول :
( كان التيار الإسلامي بمصر في نهاية الثلاثينات: يشق طريقه بين جميع البيئات، والأوساط كما تشق السفينة البحر الهادئ والريح رخاء، و صوته مسموع في جميع القضايا سواء على المستوى المحلى أو على المستوى العالمي.
· في هذه الأثناء وقف أحد أبنائها هو :( أحمد رفعت ) يعترض على الأساليب المستخدمة ويدعو إلى أساليب أخرى.
· ولم يكن في هذا ما يلفت النظر ابتداء، فللجميع الحق في نقد ما يرى أنه يستحق النقد.
· ثم تكون مناقشة بين الأطراف تنتهي إلى الأصوب والطريق الأقوم.
· بيد أن الذي استرعى الانتباه، ولفت النظر هو أن هذه الدعوة لقيت آذاناً صاغية واستجابة سريعة لدى الكثير.
· عقد لقاء لمعرفة اعتراضات، ومطالب أحمد رفعت وانحصرت في ثلاثة أمور.
الأول: أنه يرى أن الحركة تجامل الحكومة وتتبع سياسة اللف والدوران ، و الواجب يقتضي مواجهة الحكومة بالحقيقة التي قررها القرآن الكريم : هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ }المائدة44 .(95/3)
الثاني: أنه يرى أن الحركة لم تتخذ أي إجراء عملي في موضوع سفور المرأة وتبرجها، مكتفية بالنصيحة و الكلام ، و الواجب يقتضي أن توزع الحركة نفسها في شوارع القاهرة ومع كل واحد من أبنائها زجاجة حبر، وكلما مرت أمامه فتاة أو امرأة متبرجة، ألقى عليها من هذا الحبر، حتى يلطخ ملابسها، فيكون هذا رادعاً لها.
الثالث: أنه يرى أن وقوف الحركة في مساعدة مجاهدي فلسطين عند حد الدعاية لهم وجمع المال إنما هو تقصير في حق هذه القضية، وقعود عن الجهاد ، وتخلف عن المعركة، وعلى جميع أبناء الحركة أن يتركوا أعمالهم ويتطوعوا في صفوفهم وإلا كانوا من المخالفين.
· تصدى بعض الحاضرين للرد على ( أحمد ) بشأن المطلبين الأولين فقال :
1- إن مواجهة الحكومة يجب ألا يكون إلا بعد توفر عاملين :
أ - توعية الشعب بالحقائق الإسلامية التي لا زال حتى اليوم خالي الذهن منها لاسيما علاقة الإسلام بالحكم وعلاقة الإسلام بالتشريع.
ب - اكتساب الحركة قوة شعبية تستند إلى مواجهة أي ظروف تتعرض لها ولا زالت الحركة حتى اليوم حركة وليدة في حاجة إلى تثبيت دعائمها وبسط لرواقها.
2- أما موضوع المرأة فكان ردهم عليه هو أننا لو أخذنا باقتراح ( أحمد ) لكانت النتيجة في اليوم الأول للأخذ بهذا الأسلوب أن يلقى القبض على جميع أبناء الحركة، ويجرى معهم التحقيق، ويودعوا السجون حتى يحاكموا أمام القضاء الذي يقضى بالسجن والغرامة، وإذا قضوا العقوبة وعادوا إلى نفس الأسلوب، فإن العقوبة تضاعف، وما دامت التي لطخت ثيابها ستعوض ثمن هذا الثياب مضاعفاً، ثم ترى الذي لطخ ثيابها قد أودع السجن، فما الذي يمنعها من لبس ما كانت تلبسه، وإذن فلا جدوى من وراء هذا الأسلوب في ردع المتبرجات السافرات.
3- أما موضوع فلسطين، فقد أجاب عنه كتاب سماحة مفتى فلسطين السيد أمين الحسيني ردّ به على الحركة الإسلامية في مصر.(95/4)
مضمونه :" أن المجهود الذي تبذله الحركة في الدعاية لقضية فلسطين في مصر هو القدر المطلوب و الذي نحن في أمس الحاجة إليه، ولا يستطيعه غيرها، ولسنا في حاجة إلى متطوعين " .
· رغم وضوح الجواب فقد أصرَّ ( أحمد ) على موقفه، وزاد عدد مؤيديه، وصاروا يسبون الحركة والقائمين.
· ولما قاطعه أبناء الحركة، وانفض من كانوا حوله ورأي في نفسه عزلة تامة قرر السفر إلى فلسطين لينضم إلى المجاهدين في محاربة الإنجليز واليهود.
· وهنا أشفقت عليه الحركة وأرسلت له تطلب منه الحضور لتجهزه بالمال والسلاح.
· ثم تسلمه إلى مجموعة من المجاهدين الفلسطينيين الذين كانوا يتصلون بهم حتى يؤمنوا له الطريق.
· لأن المجاهدين يشكون في كل من يرونه في طريقهم - ما داموا لا يعرفونه – ويعدونه جاسوساً عليهم ويقتلونه، فرفض وأصر على الذهاب وحده.
· وذهب فعلاً ولقي مصرعه كما كانت الحركة تتوقع - على أيدي المجاهدين ) .
· إن هذه القصة تبين لنا عاقبة الحماس مع السطحية في فهم كتاب الله ،وتاريخ الدعوة الإسلامية ، واقع الحياة.
· إن عاقبة ذلك إنما هي الاستعجال وآثار الاستعجال.
· هذا الفرد لم يكن ذي معرفة بقواعد الإسلام والقرآن والسيرة والتاريخ الإسلامي.
· حين اقتنع بالفكرة الإسلامية انقض عليها بحماس بالغ.
· قبل أن يتزود بكل معالم الطريق اندفع اندفاعاً غير بصير ، فاصطدم وتحطم.
· إن الإستعجال يؤدي لتعطيل العمل، أو على الأقل الرجوع به إلى الوراء عشرات السنين وذلك فيه ما فيه من استمرار تدنيس الحياة، والمضي في الاعتداء على الدماء والأموال والأعراض وزيادة وضع الأحجار والعقبات على الطريق.
خامساً: أسباب الاستعجال :
· هنالك أسباب كثيرة توقع في الاستعجال نخص منها:
1- الدافع النفسي :
· ذلك أن الاستعجال طبيعة مركوزة في فطرة الإنسان.
· قال المولى تبارك وتعالى :{ {خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ }الأنبياء37(95/5)
· {وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً }الإسراء11 .
· إذا لم يعمل الداعية على ضبط نفسه وإلجامها بلجام العقل والتخفيف من غلوائها فإنها تدفعه لا محالة إلى الاستعجال.
2- الحماسة أو الحرارة الإيمانية:
· ذلك أن الإيمان إذا قوى، وتمكن من النفس، ولَّد طاقة ضخمة، تندفع -ما لم يتم السيطرة عليها وتوجيهها - إلى أعمال تؤذى أكثر مما تفيد وتضر أكثر مما تنفع.
· لعل هذا هو السر في أن الله سبحانه وتعالى تولى توجيه النبي صلى الله عليه وسلم و المؤمنين في المرحلة المكية إلى الصبر و الجلد، وقوة التحمل فقال {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً }المزمل10 .
· {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ }الروم60 .
· {وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً }الفرقان20 ... إلى غير ذلك من الآيات .
3- طبيعة العصر:
· ذلك أننا نعيش في عصر يمض بسرعة ويتحرك فيه كل شيء بسرعة.
· فالإنسان يكون هنا وبعد ساعات يكون في أقصى أطراف الأرض.
· والإنسان يضع أساس بيت اليوم ويسكنه غداً بسبب التمكن من وسائل العمارة الحديثة ، وقس على ذلك أشياء كثيرة في حياة الإنسان.
· فلعل ذلك مما يحمل بعض العاملين على الاستعجال لمواكبة ظروف العصر والتمشي معه.
4- واقع الأعداء :
· قد يكون واقع الأعداء هو السبب في الاستعجال.
· ذلك أنه ما يمر من يوم الآن إلا وأعداء الله يحكمون القبضة ويمسكون بزمام العالم الإسلامي.
· فلعل ذلك مما يحمل بعض العاملين على الاستعجال ، قبل أن يتفاقم الخطر ويصعب الخلاص .
5- الجهل بأساليب الأعداء:(95/6)
· ذلك أن أعداء الله لهم أساليبهم الخبيثة، والمتنوعة في الوصول إلى قلب العالم الإسلامي، وإحكام القبضة عليه.
· أخطر هذه الوسائل وأشدها دهاء ومكراً أن يواجه المسلمين نفر من بينهم يعلنون الإسلام ويبطنون الكفر والحقد و الضلال.
· إن مثل هذا الأسلوب من الكيد يحول دون التعبئة العامة في الأمة، وما أكثر هؤلاء، لمواجهة الشر أو الباطل وإزاحته من الطريق، بل إنه ليجعل العامة معهم وفي صفهم ولقد لجأ أعداء الله لمثل هذا الأسلوب ، بعد أن جربوا زماناً طويلاً، ومرات عديدة، أسلوب المواجهة الصريحة السافرة، ورأوا أنه لن يغنى عنهم شيئاً، وأنه يحمل المسلمين حتى المفرطين والمستهترين منهم على التصدي وبذل الغالي والرخيص، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.
· فلعل الجهل بمثل هذا الأسلوب وغيره من الكيد يكون سبباً من الأسباب التي توقع في الاستعجال.
6- شيوع المنكرات مع الجهل بأسلوب تغييرها:
· ذلك أن الإنسان لا يتحرك حركة الآن إلا وقد أحاطت به المنكرات، ولفته من كل جانب.
· واجب المسلم حين يرى ذلك أن يعمل على تغيير المنكر وإزالته ما في ذلك شك ، لئلا تتحول الأرض إلى بؤرة من الشر و الفساد.
· قال تعالى : {فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ }البقرة251 .
· {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ }الحج40 .(95/7)
· قال - صلى الله عليه وسلم - :( من رأي منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ).
· قال - صلى الله عليه وسلم - ( مثل القائم على حدود الله و الواقع فيها ، كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها ، وبعضهم أسفلها ، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا : لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ، ولم نؤذ من فوقنا ، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً ، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً ).
· بيد أنه ليس كل منكر تجب إزالته أو تغييره على الفور.
· إنما ذلك مشروط بألا يؤدى إلى منكر أكبر منه فإن أدى إلى منكر أكبر منه وجب التوقف بشأنه، مع الكراهة القلبية له، ومع مقاطعته، ومع البحث عن أنجح الوسائل لإزالته، والأخذ بها، ومع العزم الصادق على الوقوف في أول الصف حين تتاح فرصة التغيير.
· وفي السنة و السيرة شواهد على ذلك :
· فهاهو رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث والأصنام تملأ جوف الكعبة، وتحيط بها وتعلوها من كل جانب، ثم لا يقبل على إزالتها بالفعل إلا يوم فتح مكة في العام الثامن من الهجرة أي أنها بقيت منذ بعث إلى يوم تحطيمها إحدى وعشرين سنة.
· ليقينه صلى الله عليه وسلم بأنه لو قام بتحطيمها من أول يوم، قبل أن يحطمها من داخل النفوس لأقبلوا على تشييدها وزخرفتها بصورة أبشع، وأشنع فيعظم الإثم، ويتفاقم الضرر.
· لذلك تركها، وأقبل يُعِد الرجال، ويزكى النفوس، ويطهر القلوب حتى إذا تم له ذلك أقبل بهم، يفتح مكة ، ويزيل الأصنام مردداً : {وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً }الإسراء81.(95/8)
· وها هو - صلى الله عليه وسلم يخاطب أم المؤمنين عائشة قائلاً :( ألم ترى أن قومك لما بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم ؟ فقلت يا رسول الله ألا تردها على قواعد إبراهيم ؟ ، قال : لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت )، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - هنا توقف في شأن تجديد الكعبة ، وإعادتها إلى قواعد إبراهيم. خوفاً من أن يؤدى ذلك إلى منكر أكبر، وهو الفرقة والشقاق.
· إن المسلم حين يسكت عن منكر خوفاً من أن يؤدى إلى منكر أكبر، مع الرفض القلبي والمقاطعة ومع البحث عن الأفضل السبل للتغيير ومع العزم الصادق على أنه حين تتاح الفرصة لن يكون هناك توان ولا تباطؤ، لا يكون آثماً بذلك والله سبحانه يقول :{لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }البقرة286.
· ويقول سبحانه:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }التغابن16.
· فإذا نسى العامل أو الداعية فقه أسلوب تغيير المنكر وإزالته وقع - لا محالة - في الاستعجال لظنه، أو لتصوره أن الأمر يجب تنفيذه فوراً وأنه آثم ومذنب إن لم يقم بذلك .
7- العجز عن تحمل المشاق، ومتاعب الطريق:
· قد يكون العجز عن تحمل المشاق ومتاعب الطريق هو السبب في الاستعجال.
· ذلك أن بعضاً من العاملين يملك جرأة وشجاعة وحماساً لعمل وقتي، ولو أدى به إلى الموت.
· لكنه لا يملك القدرة على تحمل مشاقّ ومتاعب الطريق لزمن طويل.(95/9)
· مع أن الرجولة الحقة هي التي يكون معها صبر، وجلد، وتحمل، ومثابرة، وجد، واجتهاد حتى تنتهي الحياة.
· وفي العصر الحاضر ظهر صنف من هذا عجز عن التحمل والاستمرار فاستعجل وانتهي.
· وصنفاً آخر أوذي في الله عشرات السنين فصبر ، وتحمل واحتسب لأن الظروف غير ملائمة و الفرص غير مواتية ، و العواقب غير محمودة و المقدمات ناقصة أو قاصرة وكانت العاقبة أن وفقهم الله وأعانهم فثبتت أقدام على الطريق ولا تزال.
8- الظفر ببعض المقدمات، أو ببعض الوسائل مع عدم تقدير العواقب:
· قد يكون الظفر ببعض المقدمات أو ببعض الوسائل مثل العدد البشرى، ومثل الأدوات مع عدم تقدير العواقب، من زيادة تسلط أعداء الله ومن حدوث فتنة وردة فعل، لدى جماهير الناس قد يكون كل ذلك هو السبب في الاستعجال.
· لعل هذا هو السر في أمر الإسلام بالصبر على جور الأئمة ما لم يصل الأمر إلى الكفر الصريح والخروج السافر عن الإسلام .
· يقول - صلى الله عليه وسلم - : ( من رأي من أميره شيئاً يكرهه فليصبر، فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات إلا مات ميتة جاهلية ).
· ويقول عبادة بن الصامت - رضي الله تعالى عنه -دعانا النبي - صلى الله عليه وسلم - فبايعناه ، فقال فيما أخذ علينا :( أن بايعنا على السمع و الطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وألا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان ).
· بل حتى الكفر البواح لا يكون معه خروج إلا إذا أمنت الفتنة ، وتوفرت القدرات والإمكانات.
· هذا لا يمنع الإنكار عليهم باللسان وبالقلب.(95/10)
· يقول الإمام النووي - رحمه الله - في شرح حديث عبادة : معنى الحديث : (لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم ، ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكراً محققاً تعلمونه من قواعد الإسلام، فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم وقولوا بالحق حيثما كنتم، وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين، وإن كانوا فسقة ظالمين).
9- عدم وجود برنامج أو منهاج يستوعب الطاقات، ويخفف من حدتها وغلوائها:
· قد يكون عدم وجود برنامج أو منهاج يستوعب الطاقات ويخفف من حدتها وغلوائها هو السبب في الاستعجال.
· ذلك أن نفس الإنسان التي بين جنبيه إن لم يشغلها بالحق شغلته بالباطل .
· لعل ذلك هو السر في أن الإسلام غمر المسلم ببرنامج عمل في اليوم والليلة ، وفي الأسبوع وفي الشهر وفي السنة وفي العمر كله بحيث إذا حافظ عليه كانت خطوته دقيقة وكانت جهوده مثمرة.
· لعله السر أيضاً في تشديد الإسلام على الأئمة أن يستفرغوا كل ما في وسعهم وكل ما في طاقتهم لاستنباط ما يملأ حياة المسلمين بالعمل الجاد المثمر الخالي من الضر والشرر وإلا حرموا الجنة .
· يقول - صلى الله عليه وسلم -: " ما من أمير يلي أمر المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح إلا لم يدخل معهم الجنة ".
10- العمل بعيداً عن ذوى الخبرة والتجربة :
· ذلك أن الإنسان يولد ولا علم له بشيء في هذه الحياة .
· قال سبحانه : {وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }النحل78 .
· ثم يبدأ - عن طريق ما وهبه الله من السمع والأبصار والأفئدة – التعلم ، والتعلم لا يكون من الكتب وحدها، بل يتم أيضاً بواسطة التجربة، و الممارسة والعامل الواعي هو الذي ينتفع بخيرات وتجارب من سبقوه على الطريق ليوفر على نفسه الجهد، و الوقت والتكاليف.(95/11)
· أما إذا شمخ بأنفه ونأي بنفسه وبدأ العمل بعيداً عن ذوى الخبرة التجربة فستكون له أخطاء، وقد يكون الاستعجال واحداً منها.
· لعل السر في وصية الإسلام باحترام العلماء وكبار السن الصالحين وذوى الفضل حيث يقول - صلى الله عليه وسلم - :" يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله ، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة".
11- الغفلة عن سنن الله في الكون وفي النفس وفي التشريع:
· خلق السموات والأرض في ستة أيام وخلق الإنسان والحيوان والنبات على مراحل مع أنه قادر على خلق كل ذلك وغيره بكلمة " كن " {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ }البقرة117 .
· ومن سنن الله في النفس: أنها لا تضحي ولا تبذل ولا تعطى إلا إذا عولجت من داخلها، واقتلعت منها كل الحظوظ، وأدركت قيمة وفائدة التضحية والبذل والعطاء، قال تعالى: { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا{9} وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا{10} الشمس9-10.
· ذلك لا يتم بسهولة ويسر ، وإنما لابد له من جهد ووقت وتكاليف ومن سنن الله في التشريع :
· أن الخمر حرمت على مراحل وكذلك الربا، وإذا نسى العامل أو الداعية هذه السنن كانت السرعة و العجلة.
· أما حين تظل ماثلة أمام عينيه ، حاضرة في ذهنه وفؤاده، فإنها تهدئ من نفسه ، وتضبط حركته، وتبصره بموضع قدميه.
12- نسيان الغاية التي يسعى إليها المسلم:
· ذلك أن المسلم يسعى أساساً لتحقيق مرضات الله.
· هذا إنما يتحقق بالتزام منهجه، وعدم التفريط فيه، والثبات عليه إلى يوم اللقاء قدر الطاقة مع الإخلاص، قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً }الكهف110 .(95/12)
· {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }التغابن16 .
· تلك مقدمات يسأل عنها المسلم بين يدي الله يوم القيامة وعليها تكون النجاة أو عدم النجاة أما النتائج من التمكين أو عدم التمكين فلا يسأل عنها.
· لأنها بيد الله يأتي بها حيث يشاء وكما يشاء .
· فإن حدث ونسى العامل أو الداعية هذه الحقيقة فإنه يقع لا محالة في الاستعجال .
13- الغفلة عن سنة الله مع العصاة والمكذبين:
· ذلك أن من سنة الله مع العصاة والمكذبين، الإمهال، وعدم الاستعجال {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ }الأعراف183 .
· {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلاً }الكهف58 .
ومن سننه كذلك معهم :
1- أنه إذا أخذهم لم يفلتهم {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ }هود102 .
{وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُواْ إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ }الأنفال59.
2- أن أيامه ليست كأيامنا هذه {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ }الحج47 .
إذا غفل العامل أو الداعية عن هذه السنن استعجل قائلاً: نناجزهم قبل أن يستفحل شأنهم، وقبل أن يمسكوا بزمام الأمور، فتستحيل إزاحتهم بعد ذلك من طريق الناس .
14- صحبة نفر من ذوى العجلة وعدم التأني:
· ذلك أن الطبع يعدي، والمرء على دين خليله.
· إذا لم يحسن المسلم اختيار صاحبه، فإنه يقتدي به لا محالة في ما يعتنق وفي كل ما يسلك - سيما إذا كان هذا الصاحب قوى الشخصية – قد يكون من بين ذلك الاستعجال.(95/13)
· لعل هذا هو سر تأكيد الإسلام على ضرورة مراعاة الدقة والأمانة في اختيار الصديق والصاحب.
سادساً : طريق علاج الاستعجال:
ما دمنا قد وقفنا على أهم الأسباب التي تؤدى إلى الاستعجال ، فإنه صار من السهل علينا أن ندرك طريق العلاج وتتلخص في :
1- إمعان النظر في الآثار والعواقب المترتبة على الاستعجال، فإن ذلك مما يهدئ النفس ويحمل على التريث و التأني.
2- دوام النظر في كتاب الله عز وجل، فإن ذلك يبصرنا بسنن الله في الكون وفي النفس ، وفي التشريع ومع العصاة و المكذبين و البصيرة بهذه السنن تهدئ النفس وتساعد على التأني و التروي.
3- قال الله تعالى : {خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ }الأنبياء37 . وقال سبحانه: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ }البقرة2 ، وقال سبحانه: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً }الإسراء9 .
4- دوام المطالعة في السنة والسيرة النبوية ، فإن ذلك مما يوقعنا على مقدار ما لاقى النبي - صلى الله عليه وسلم - من الشدائد والمحن، وكيف أنه تحمل، وصبر ولم يستعجل، حتى كانت العاقبة له، وللمنهج الذي جاء به.
ومعلوم أن الوقوف على ذلك مما يضبط حركة المسلم ، إقتداء وتأسياً به - صلى الله عليه وسلم - {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً }الأحزاب21 .
5- مطالعة كتب التراجم والتاريخ، فإن ذلك مما يعرفنا بمنهج أصحاب الدعوات والسلف في مجابهة الباطل، وكيف أنهم تأنوا وتريثوا حتى مكن لهم، وهذا بدوره يحمل على الإقتداء والتأسي، أو على الأقل المحاكاة والمشابهة على حد قول القائل :(فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالرجال فلاح)(95/14)
6- العمل في ظل ذوى الخبرة والتجربة ممن سبقوا علي الطريق فإن ذلك من شأنه أن يجعل خطوات العاملين دقيقة محسوبة وأن يوفر عليهم الكثير من الجهد والوقت وباقي التكاليف وقد لفت النبي صلى الله عليه وسلم - النظر إلى ذلك حين قال : ( لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين ) .
6- العمل من خلال منهاج وبرنامج واضح الأركان محدد المعالم يستوعب الحياة كلها ويأخذ بيد العامل من طور إلى طور ومن مرحلة إلى مرحلة فيشبع تطلعاته ويجيب على تساؤلاته ويرفع من مستواه.
7- الفهم الدقيق لأساليب ومخططات الأعداء فإن ذلك من شأنه أن يحمل العامل على النظر في عواقب الأمور وعلى التريث والتأني والتصرف بحكمة وعلى بينة .
8- عدم الرهبة أو الخوف من تسلط الأعداء وإحكامهم القبضة على العالم الإسلامي لأن ذلك يمكن أن يزول في لحظات وما هو على لله بعزيز.
· قال تعالى: {لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ }آل عمران196 .
· قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ قَدْ ضَلُّواْ ضَلاَلاً بَعِيداً }النساء167 .
· قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ }الأنفال36 .
· بيد أن هذا الشرط بأن تقيم الإسلام في أنفسنا وفيمن حولنا بكل ما نملك وبكل ما نستطيع.
· قال تعالى: {إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ }آل عمران160 .(95/15)
· قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }النور55 .
9- مجاهدة النفس وتدريبها على ضرورة التريث والتأني والتروي فإنما الحلم بالتحلم ومن يتصبر يصبره الله والرجولة لا تكون إلا بذلك.
10- الانتباه إلى الغاية أو الهدف الذي من أجله يحيا المسلم فإن ذلك يحول دون الاستعجال ويحمل على إتقان المقدمات والوقوف عندها وعدم تجاوزها إلى النتائج .
11- الانتباه إلى موقف المسلم من المنكرات وأسلوب تغييرها فإن ذلك يبصره بمعالم الطريق ويحول بينه وبين الاستعجال.
سابعا : الاستعجال ومنهج الحركة الإسلامية المعاصرة:
جدير بالذكر أن نشير إلى أن الاستعجال على النحو الذي ذكرنا غير وارد في منهج الحركة الإسلامية المعاصرة.
بل أنه مرفوض صراحة والنص التالي - وهو جزء من منهج هذه الحركة يصدق ذلك :
أيها المسلمون وبخاصة المتحمسون المتعجلون منكم :
· اسمعوها منى كلمة عالية داوية من فوق هذا المنبر في مؤتمركم هذا الجامع إن طريقكم هذا مرسومة خطواته موضوعة حدوده ولست مخالفاً هذه الحدود التي اقتنعت كل اقتناع بأنها أسلم طريق للوصول .
· أجل قد تكون طريقا طويلة ولكن ليس هناك غيرها إنما تظهر الرجولة بالصبر والمثابرة والجد والعمل الدائب.(95/16)
· فمن أراد منكم أن يستعجل ثمرة قبل نضجها أو يقتطف زهرة قبل أوانها فلست معه في ذلك بحال وخير له أن ينصرف عن هذه الدعوة إلى غيرها من الدعوات ومن صبر معي حتى تنمو البذرة وتنبت الشجرة وتصلح الثمرة ويحين القطاف فأجره في ذلك على الله ولن يفوتنا وإياه أجر الحسنيين : إما النصر والسيادة وإما الشهادة والسعادة .
أيها المسلمون :
· ألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول وأنيروا أشعة العقول بلهب العواطف وألزموا الخيال صدق الحقيقة والواقع واكتشفوا الحقائق في أضواء الخيال الزاهية البراقة ولا تميلوا كل ميل فتذروها كالمعلقة ولا تصادموا نواميس الكون فإنها غلابة ولكن غالبوها واستخدموها وحولوا تيارها واستعينوا ببعضها على بعض وتراقبوا ساعة النصر وما هي منكم ببعيد.
·
ثامنا : الداعية بين الفتور والاستعجال :
· يظهر من حديثنا عن الفتور والاستعجال : تحديد موقع الداعية إن موقعه يجب أن يكون وسطا بين الفتور والاستعجال .
· علي معنى أنه مع المقدمات كخلية النحل دائب النشاط والحركة لا يقصر ولا يتوانى لحظة من ليل أو من نهار ولا يضيع فرصة تتاح له أما أوانه مع النتائج.
· فهو هادئ متريث متأن غير متهور لا يستعجل شيئا قبل أوانه وإلا عوقب بحرمانه .
· هذا ولم يفت الحركة الإسلامية المعاصرة أن تحدد هذا الموقع وتلك كلماتها أحرف من نور ومشاعل على الطريق :( إن ميدان القول غير ميدان الخيال ، وميدان العمل غير ميدان القول ، وميدان الجهاد غير ميدان العمل ، وميدان الجهاد الحق غير ميدان الجهاد الخاطئ.
· يسهل على كثيرين أن يتخيلوا ، ولكن ليس كل خيال يدور بالبال يستطاع تصويره أقوال باللسان.
· إن كثيرين يستطيعون أن يقولوا ولكن قليلاً من هذا الكثير يثبت عند العمل ، وكثير من هذا القليل يستطيع أن يعمل ، ولكن قليلاً منهم يقدر على حمل أعباء الجهاد الشاق و العمل المضني.(95/17)
· هؤلاء المجاهدون وهم الصفوة القلائل من الأنصار قد يخطئون الطريق ولا يصيبون الهدف إن لم تتداركهم عناية الله.
· في قصة طالوت بيان لما أقول ، فأعدوا أنفسكم وأقبلوا عليها بالتربية الصحيحة والاختبار الدقيق وامتحنوها بالعمل.
· العمل القوى البغيض لديها الشاق عليها، وافطموها عن شهواتها ومألوفاتها وعاداتها..... ولا تضيعوا دقيقة بغير عمل وعند ذلك يكون عون الله وتأييده، ونصره ).
المرجع:آفات على الطريق-السيد محمد نوح.(95/18)
#الاستفهام
لغة: استفهم من فلان عن الأمر: طلب منه أن يكشف عنه ، ليحسن صوره كما فى المعجم الوسيط.(1)
واصطلاحا: طلب الفهم ، والفهم هو حصول الشىء فى الذهن بعد أن لم يكن ،وهو من الأساليب الإنشائية التى يكثر ورودها فى الكلام البلاغى، وفى المحادثة اليومية عند جميع الناس ، والسين والتاء فيه للطلب (2) فيقال: استفهم فلان عن كذا، أى طلب الإخبار عنه.
وللاستفهام أدوات تستعمل فيه ، ولكل أداة منها معنى:
فالهمزة لطلب التصديق أو التصور(3)
وهل لطلب التصديق
ومتى للسؤال
وأين للحال
وكم للعدد
الأصل فى الاستفهام أن يكون ممن يجهل المستفهم عنه ويريد من المخاطب إعلامه به ،ويسمى الاستفهام الحقيقى، فإذا كان المستقهم (اسم فاعل)عالما بما استفهم عنه سمى الاستفهام مجازيا، ويقصد منه حينئذ معان بلاغية لغرض يقصده المستفهم وفى ذلك يقول الخطيب: "ثم إن هذه الألفاظ كثيرا ما تستعمل فى معان غير الاستفهام بحسب مايناسب المقام..(4) والمعانى التى يخرج إليها الاستفهام تنقسم قسمين كبيرين ، يندرج تحت كل قسم منهما معان فرعية لا تكاد تحصر:
القسم الأول: وهو استفهام التقرير (الإثبات)
القسم الثانى: وهو استفهام الإنكار (النفى)
أما المعانى الفرعية التى تتولد عن التقرير والإنكار بحسب المقام فكثيرة، منها:
الامتنان ، التذكير، الحث ، والتحضيض ،التوبيغ ، التعجب ، الاستبطاء ، الاستبعاد ،الأمر، النهى، التشويق ، وغيرها كثير.
فالتذكيرمع التقريرنحو قول فرعون لموسى فى قوله تعالى {ألم نربك فينا وليدا}الشعراء:18 ، والامتنان مع التقرير كقوله تعالى {ألم نشرح لك صدرك}الانشراح:1 ، والتوبيغ مع الإنكار كقوله تعالى {أكفاركم خير من أولئكم}القمر:43 ، والتعجب مع الإنكار نحو قوله {مالى لا أرى الهدهد}النمل:20 ، والاستبعاد مع الإنكار مثل قول امرىء القيس:
أيقتلنى المشرفى مضاجعى * ومسنونة زرق كأنياب أغوال
أ.د/عبد العظيم إبراهيم المطعنى(96/1)
#الاشتراكية
لغة: مصدر صناعى من الاشتراك ، يقال: اشترك الرجلان أى كان كل منهما شريك الآخر (لسان العرب).
واصطلاحا: هى نظام اجتماعى متكامل يختلف عن النظام الرأسمالى من حيث إلغاء الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج ، وعدم وجود طبقات.
والاشتراكية عند Weble: تمّلك الدولة بالنيابة عن المجتمع لأدوات الإنتاج والصناعات والخدمات دون الأفراد ، كما أن الهيئات الصناعية والاجتماعية فى الدولة لا يجورأن تُوجّه نحو الربح أو نحو خدمة فرد ، وإنما توجه لخدمة المجتمع.
وهناك كثيرون من المفكرين يحاولون تعريف الاشتراكية بذكر خصائصها ، وتلك الخصائص هى:
1- الملكية العامة لوسائل الإنتاج.
2- أن تدار وسائل الإنتاج بواسطة المجتمع ، والدولة نائبة عنه ، وأن يكون الهدف من إدارتها إشباع حاجة الأفراد ، ولذلك يراعى إنتاج الأهم فالمهم.
3- يتم الإنتاج طبقا لبرنامج دورى يرسم وفقا للموارد القومية والبشرية والطبيعية ووفقا لحاجات الشعب لتتم المواءمة بين الإنتاج وبين الحاجات ، فلا تحدث حاجة ، ولا يبقى فائض يسبب الأزمات الاقتصادية.
4- التوزيع يتم على أسس من العدل والمساواة ، ويراعى فى التوزيع عمل كل فرد طبقا للقاعدة الاشتراكية: لكل فرد بنسبة عمله ، لأن الإنتاج قد لا يكفي لسد حاجاتا كل الأفراد.
ولقد مر النظام الاقتصادى الغربى بمراحل ، هى:
1- مرحلة النظام الإقطاعى ، وحصر النفوذ السياسى والاقتصادى فى أيدى الملاك المزارعين.
2- وعندما تدهور النظام الإقطاعى صعدت الطبقة المتوسطة التى اعتمدت على الثورة الصناعية ، واهتمت بالصناعة والتجارة ، وتلك هى الطبقة التى رعت الرأسمالية والملكية الخاصة.
3- وظهرت مآسى الرأسمالية فى الظلم الاجتماعى وعدم رعاية حقوق العمال وأسرهم ، فظهرت الاشتراكية.(97/1)
ويبدو أن اصطلاح الاشتراكية لم يستخدم قبل سنة 1800م وأن"سان سيمون"(1825م) هو أول من استعمل عبارات ربط فيها المجتمع بالاقتصاد , فظهرت كلمة Socialism مشتقة من كلمة Society ، ويقال إن "روبرت أوين" أول من استعمل كلمة Socialism ، ولكن الحركات التى تحارب الظلم الاجتماعى ترجع إلى القرن السادس عشر ، وأهمها:
- الاشتراكية الطوبية ، التى نادى بها Thomas More Esir 1478م.
- اشتراكية باييف ودعاة المساواة 1796م.
- مشروعات روبرت أوين 1771-1858م.
- سان سيمون والمسيحية الجديدة 1760-1825م.
وكلها تطالب بالعدل الاجتماعى والرفق بالعمال وأسرهم.
والاشترأكية وإن كانت تعارض مبدأ الرأسمالية الذى يقوم على الملكية الفردية ، ويقر التفاوت بين الطبقات ، فإنها ليست وليدة الرأسمالية ، لأنها وجدت قبل الرأسمالية ، فقد قال بها أفلاطون ، وتحدث عنها الفارابى ، وتلاقت مع دعوات الأديان الى العدل الاجتماعى ، وفى الإسلام تحدث المعاصرون عن أبى ذر الغفارى ، الذى نسبه دعاة الإشتراكية فى القرن العشرين إليها حملا لرفضه التفاوت الكبير بين الطبقات في عصره ، وما كان هو من دعاتها.
وفى القرن التاسع عشر كثر الذين يتحدثون عن الاشتراكية ، ويقترحون -التوزيع لمناهضتها وسائل مختلفة منها: نشر النظام التعاونى ، أو إلغاء الميراث ، أو إلغاء الملكية الفردية. لكن الاشتراكية لم تبرز إلا فى أثر الثورة الصناعية.
بيد أن الاشتراكية ومثلها الشيوعية لم تصمدا فى ميدان الصناعة مع الرأسمالية ، فقد ظهر أن العمل الذى يدار جماعيا لا ينال العناية التى يهتم بها الفرد فى المشروع الخاص ، وبينما كانت الاشتراكية لهذا تتراجع ، كانت الرأسمالية تخفف من غلوائها ، ثم تدخلت الدولة لحماية الطبقة العاملة، وظهرت تشريعات خاصة ترمى إلى تذويب الفوارق بين الطبقات ، واعترفت الدولة بالنقابات العمالية ، ورفع الأجور ، وحق العمال فى الاضراب لتحسين ظروف العمل.(97/2)
وأخضعت المشروعات الكبرى للمراقبة. وقدرت إجازات للعمال.
وهكذا حققت الرأسمالية كثيرا من الأهداف التى كان العمال يتطلعون إليها ، وأخذت بذلك الزمام الذى كانت الاشتراكية تتظاهر به.
أ.د/أحمد شلبى(97/3)
#الاعتكاف
لغة: الإقامة على الشئ ولزومه ، وحبس النفس عليه ، ويأتى مضارعه على يعكُف ويعكِف. (كما فى المعجم الوجيز)(1)
وشرعا: عرفه الفقهاء بتعاريف مختلفة لفظا ، متقاربة معنى كالتالى:
فعند الحنفية: هو اللبث فى المسجد الذى تقام فيه الجماعة مع الصوم ونية الاعتكاف.(2)
وعند المالكية: هو لزوم مسلم مميز مسجدا بصوم ليلة ويوم لعبادة بنية. (3)
وعند الشافعية: هو اللبث فى المسجد من شخص مخصوص بنية.(4)
وعند الحنابلة: هو لزوم المسجد لطاعة الله على صفة مخصوصة من مسلم عاقل ممينرا طاهرا مما أوجب غسلا.(5)
ويسمى "جوارا" لقول السيدة عائشة رضى الله عنها عن النبى صلى الله عليه وسلم (وهو مجاور فى المسجد) (متفق عليه).
وفى حديث أبى سعيد الخدرى مرفوعا (كنت أجاور هذا العشر -يعنى الأوسط- ثم قد بدا لى اًن أجاورهذا العشر الأواخر فمن كان اعتكف معى فليبت فى معتكفه) (متفق عليه واللفظ لمسلم).
والاعتكاف سنة: إلا أن يكون نذرا فيلزم الوفاء به لما رواه ابن عمروأنس وعائشة -رضى الله عنهم: (أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان منذ قدم المدينة إلى أن توفاه الله (متفق عليه).
والاعتكاف معروف فى الشراثع السابقة.قال تعالى {وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتى للطائفين والعاكفين والركع السجود}البقرة:125.
وهو مستحب فى جميع أوقات السنة غير أنه يكون فى رمضان أفضل من غيره ، وأفضل أماكنه للرجال: المسجد الحرام ثم المسجد النبوى ثم المسجد الأقصى ، ثم المسجد الجامع.
الهدف من الاعتكاف: تحقيق صفاء القلب بمراقبة الله عز وجل ، والإقبال عليه لعبادته فى أوقات الفراغ ، وهو من أشرف الأعمال وأحبها إلى المولى الكريم إذا كان عن إخلاص مع الصوم.
أ.د/محمود العكازى(98/1)
#الاقتباس
لغة: اقتبس الشعلة من النار ، فعل ماض بمعنى أخذ ، والاقتباس مصدر الفعل الخماسى: اقتبس كما فى ترتيب القاموس.(1)
واصطلاحا: له الآن معنيان: معنى فى العرف اللغوى العام حيث يطلق فيه على كل كلام ضمنه صاحبه كلاما آخر لغيره ، وفى البحوث العلمية (الأكاديمية) يسمى:الاستشهاد إما لتوكيد فكرة ، أو نقدها ، أو نقضها.
والاقتباس عند البلاغيين أخص دلالة من العرف الغوى العام ، فهم يخصونه بتضمين الكلام كلاما من القرآن الكريم ، أو الحديث الشريف (2)
فيكون الاقتباس فى النثر ، والشعر: فمن أمثلته في النثر قول الحريرى:"فلم يكن إلا كلمح البصر ، أو هو أقرب ، حتى أنشد فأغرب.. ، فهو مقتبس من قوله تعالى{وما أمر الساعة إلا كلمح البصرأوهو أقرب}النحل:77 ، ومن الشعر قول ابن عباد:
قال لى إن رقيبى * سيىء الخلق فداره
قلت دعنى ، وهل * الجنة حُفَّت إلا بالمكاره
فهو مقتبس من الحديث الشريف (حفت الجنة بالمكاره وحفت الناربالشهوات) رواه البخارى.
وقول ابن الرومى يذم بخيلا مدحه فلم يعطه شيئا:
لئن أخطأت فى مدحيك * ما أخطأت فى منعى
فقد أنزلت حاجاتى * بواد غير ذى زرع.
فهو مقتبس من قوله تعالى {ربنا إنى أسكنت من ذريتى بواد غيرذى زرع عند بيتك المحرم}إبراهيم:37 ، وبلاغة الاقتباس أنه يكسب الكلام قوة ، وشرفا شريطة ألا يُخطئ المقتبس بوضع النصوص المقتبسة فى غير موضعها ، أو يذكرها فى أغراض الغزل ، والمجون ، وما أشبهها.
أ.د/عبد العظيم إبراهيم المطعنى(99/1)
#الاقتصاد الإسلامى
لغة: من مادة "قصد" قصد فى الأمر: توسط فلم يفرط ، واقتصد فى النفقة: لم يسرف ، ولم يقتر (كما فى لسان العرب).(1)
الاقتصاد الإسلامى اصطلاحا: هو دراسة ما جاء بالشريعة الإسلامية متعلقا بالاقتصاد فى أقسامها الثلاثة: العقيدة والفقه ، والأخلاق ، وجاءت كلمة "قصد" ومشتقاتها فى القرآن الكريم فى ستة مواضع ، من هذه المواضع:
-{فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد}لقمان:32.
-{منهم أمة مقتصدة}المائدة:66.
فسّر الزمخشرى مقتصد الواردة فى سورة لقمان بمعنى متوسط (2) أما مقتصد الواردة فى سورة المائدة ، فقال عنها الفخر الرازى: "معنى الاقتصاد فى اللغة الاعتدال فى العمل من غيرغلو ، ولا تقصير".(3)
يشير مصطلح الاقتصاد الإسلامى إلى نوعين من المعرفة: الأول ما يتعلق بالشريعة ، الثانى: ما يتعلق بالتحليل الاقتصادى ، ويمكن القول أن هذين النوعين من المعرفة يمثلان مرحلتين فى الكتابة عن الاقتصاد الإسلامى ومن ثم فهمه ، واستيعابه. فى المرحلة الأولى يتم التعرف على ما جاء بالشريعة ، ويكون له ارتباط بالاقتصاد ، أما المرحلة الثانية فإنها تتضمن التحليل الاقتصادى لما جاء بالشريعة من أحكام ، أو قيم ، أو آداب منظمة للأمور الاقتصادية.
والتحليل الاقتصادى يعنى تتبع أمر اقتصادى معين للتعرف على العوامل المؤثرة فيه ، ولاستنتاج سلوكه ، فمصطلح الاقتصاد الإسلامى: هو تحليل الأمور الاقتصادية التى تنشئها الأحكام الشرعية ، وبالإحالة إلى الفقه فإنه يتضمن تحليل الأمور الاقتصادية التى تنشئها الأحكام الفقهية.
فالادخار ، والاستهلاك ، والاستثمار أمثلة لموضوعات اقتصادية يقوم الاقتصاد الإسلامى بتحليلها فى مجتمع يطبق أحكام الشريعة الإسلامية كأثر الزكاة فى الموضوعات الثلاثة ، وكذا أثر الميراث على توزيع الثروة.(100/1)
وكما يرى الإمام ابن تيمية ، فإن تصرفات العباد من الأقوال ، والأفعال نوعان ، عبادات يصلح بها دينهم ، أوجبها الله ، ولا يثبت الأمر بها إلا بالشرع ، وعادات يحتاجون إليها فى دنياهم ، والاقتصاد الإسلامى يدخل فى جانب العادات ، والتى تنقسم إلى نوعين: نوع جاءت فيه أحكام ونوع لم ترد فيه أحكام ، ومن ثم فإن الاقتصاد به منطقة واسعة تركت للإنسان ليعمل فيها بعقله ، وبتجربته ، وذلك مشروط بأن تكون فى إطار القيم الإسلامية العامة.
فالتراث الإسلامى فى الاقتصاد جاءت به مساهمات كثيرة تصنف فى المنطقة التى لم ترد فيها أحكام ، ومن أمثلة ذلك آراء للجاحظ ، وآراء للدمشقى ، وآراء لابن خلدون ، وآراء للمقريزى ، أثبتت الدراسات أن هذه الآراء أنها لا تتعارض مع ما هو مقرر إسلاميا ، لذلك فإنها تدخل فى مصطلح الاقتصاد الاسلامى.
فالاقتصاد الإسلامى يسع الآراء الاقتصادية التى قالها المفكرون المسلمون عبر التاريخ ، وهذه الاراء لم يثبت الأمر بها بالشرع ، وهى لا تتعارض مع ما جاء به الإسلام ككل ، كما يشمل نفس الموضوع الآراء التى يقولها المفكرون المسلمون فى العصر الحالى ، أو عصور مقبلة.
أ.د/رفعت العوضى(100/2)
#الانتقام
لغة: تدل مادة (نقم) بكسر القاف وفتحها على المبالغة فى الكراهية لشئ ما، ويجئ لفظ "الانتقام" مصدرا للفعل انتقم ليدل على المبالغة فى العقوبة.
شرعا: يعنى العقاب من أجل انتهاك حرمات الله.
وقد وردت مادة الانتقام فى القرآن الكريم صفة لله سبحانه تدل على عقابه للكافرين بآياته والمكذبين بالحق الذى أرسل: {فانتقمنا منهم فأغرقناهم فى اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين}الأعراف:136.
ووصف سبحانه ذاته بأنه عزيز ذو انتقام: {إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام}آل عمران:4.
وفى الحديث الشريف: (ما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها)(1) والانتقام المحمود هو الذى يحدث من الإنسان غيرة على دينه وحرمات ربه.
أما الانتقام المذموم فهو التشفى وتجاوز حد العدل فى العقوبة على مايكره إذا وجه إليه أو مس شخصه بشكل أو بآخر.
وهو مذموم لأنه ينتج عن الغضب الهائج من أجل الذات ، وهيجان الغضب يوقف العقل عن التفكير السليم ، فيطيش المنتقم ظنا منه إن هذه قوة وفى الحقيقة هى ضعف لأن الحديث الشريف يقرر: (ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذى يملك نفسه عند الغضب)(3) وأجل الناس شجاعة وأفضلهم مجاهدة وأعظمهم قوة من يكظم الغيظ وعلى ذلك قوله تعالى: {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين}آل عمران:134.
ولو علم الناس أن لذة العفو خير من لذة التشفى؛ لأن العفو يأتى بالحمد والتشفى يأتى بالندم ، لو علموا هذا ما انتقم لنفسه إنسان ، لأنه لو فعل كل إنسان هذا وانتقم لنفسه لانحطّ عالم الإنسان إلى درك السباع والوحوش.
أ.د/أبو اليزيد العجمى(101/1)
#الانتكاسة
الانتكاسية بمفاهيمه الثلاثة:
أ - الارتداد عن دين الله.
ب - ترك الاستقامة و التمسك بتعاليم الله.
ت - ترك العمل في حقل الدعوة.
و في مفهومها اللغوي: هو الانقلاب
أسباب اختيار الموضوع:
أ - كثرة من كتب عن التوبة و قصص التائبين التي تؤدي بهم إلى
الانتكاس.
ب -عدم معرفة كثير من الأسباب التي تؤدي بهم إلى الانتكاس.
ت - قلة من كتب في هذا الموضوع.
أسباب الانتكاس :
1. عدم الاهتمام بالدعاء.
2. عدم سؤال الله الهداية.
3. الميل للعزلة.
4. الشهوة.
5. الحنين إلى الماضي و عدم القضاء على آثاره.
6. عدم الإخلاص والصدق في الالتزام.
7. النفاق.
8. ترك الالتزام لأجل مواقف معينه.
9. الخطأ في التعامل مع بعض المربين.
و من الأمثلة على بعض أخطاء المربين :
أ - التركيز على الشكليات.
ب - المباهاة في المحافل.
ت - الطلب من الشاب فوق طاقته.
ث - عدم وضع الفرد المناسب في المكان المناسب.
ج - قد يخطئ المربي في تقدير العقاب على الخطأ.
ح - وضع أنظمه و ضوابط لا تراعي أحوال الناس.
خ - هناك بعض الشباب يميل للعزلة والانفراد.
د - عدم التفريق بين الكبار و الصغار في العقوبة.
ذ - عدم مراعاة الظروف.
ر - عدم مراعاة الفروق الفردية.
ز - عدم التمييز.
س - اعتقاد بعض المربين أنه وصل إلى القمة و أنه تجاوز مرحلة النقد.
ش - الهروب من المنافسة.
10. عدم تحمل الأذى في سبيل الله .
من سبل التحمل في سبيل الله ما يلي :
أ - أن يبتعد عن الفتنه بقدر المستطاع.
ب - أن يعلم أن ما أصابه ما كان ليخطئه و ما أخطئه ما كان ليصيبه.
ت - أن يعلم أنه لو ضحى بدينه خوفا من عذاب الدنيا فإن وراءه عذاب الآخرة.
ث - أن يعلم أن هذا ابتلاء من الله ربما كان بسبب ذنوبه فعليه أن يحتمل ما يترتب عليه.
ج - اللجوء إلى الله – تعالى- و الاعتماد عليه.
ح - أن يستن بمن مات و أن يسلي نفسه بذكر ربه.
خ - أن يصبر و يحتسب.
11. استعجال النصر و انتظار قطف الثمر.(102/1)
12. عدم تحمل ضريبة الالتزام ( التضحية ) .
13. السير مع أصحاب السوء.
ومن أضرار السير مع أصحاب السوء:
أ - حرمان صاحبه من مجالسة أهل الخير.
ب - حرمان صاحبه من طلب العلم و حفظ كتاب الله.
ت - حرمان صاحبه من زيادة الإيمان.
ث - تشويه السمعة.
ج - التأخر عن الصلاة و ربما تركها بالكلية.
ح - تعرض صاحبه للسقوط في البلاء ، كشرب الدخان و تناول
المخدرات والسرقة.
خ - تأخره الدراسي و تخلفه في هذا المضمار.
د - حرمان لذة العبادة.
ذ - قسوة القلب و تلاشي الإيمان وسوء العاقبة في الدنيا و الآخرة.
ر - حرمان الرزق.
ز - عقوق الوالدين.
س - إضاعة الوقت والمال فيما لا ينفع.
ش - التسكع في الشوارع و المعاكسات.
ص - الانحراف الخلقي.
ض - المشاجرات و المشاحنات.
ط - التفحيط و أذية المسلمين.
14. عدم الهجرة.
15. الغلو في الدين و تحميل النفس مالا يطيق.
16. الغرور.
ومن دوافع الغرور ما يلي:
أ - المال.
ب - الجاه و المكانة.
ت - العلم.
17. الحرص على التربية الروحية.
و من وسائل التربية الروحية ما يلي أولاً قيام الليل:
معوقات قيام الليل:
أ - كثرة الأكل و خصوصا طعام العشاء.
ب - النوم على جنابة.
ت - السهر و كثرة المزاح.
ث - الذنوب و المعاصي.
ج - الأعمال الدنيوية كالوظائف و الدراسة.
ثانياً صيام النوافل .
18. الحياة مع الناس.
19. حب المال و خوف الفقر.
20. ضغط الزوجة.
21. عدم تحمل ضغط الأهل.
22. ضغط البيئة.
23. عدم التكيف مع الأوضاع و عدم الاقتناع بتغير الأحوال.
24. ضعف الإيمان.
25. عدم بذل الجهد للمحافظة على الالتزام.
26. عدم القدرة على التحمل.
27. موت القلب.
28. الاستهزاء بالدين.
29. الالتزام من أجل المصالح الشخصية .
30. عدم المحاسبة.
31. عدم بذل الجهد في التوبة.
32. عدم اختيار ما يلائم.
33. سوء الظن.
34. عدم التطبيق العلمي للدراسات النظرية( عدم العمل بالعلم).
35. الاكتفاء بما سبق و عدم التكيف مع الوضع.(102/2)
36. حب الرئاسة و الصدارة.
37. عدم وجود القدوة و عدم الرجوع إلى العلماء.
38. الحسد.
39. عدم المتابعة.
40. الزوج.
41. عدم ملاحظة التقصير.
42. الترخص و التساهل.
43. الزيغ.
44. الأمن من الانتكاس.
المرجع / كتاب من أخبار المنتكسين ( مع الأسباب و العلاج ) - صالح بن مقبل العصيمي - دار ابن خزيمة .(102/3)
#البابية
البابية نسبة إلى الباب ، والإسماعيلية يستعملون كلمة باب للدلالة على الشيخ أو الأساس ، والنصيرية أول من أطلقوا كلمة باب على سلمان الفارسى، وأما الدروز فيطلقونها على الوزير الروحانى الأول الذى يستعمل العقل الكلى.
وقد ادعى على محمد الشيرازى أنه باب الإمام الغائب الذى تنتظره طوائف الشيعة،وانه باب مظهر الحقيقة الإلهية.
ولد فى شيراز عام 1235هـ-1819م أو بعد ذلك بعام أو عامين ، وتوفى أبوه وهو صغير فكفله خاله ، ورحل به إلى بوشهر، وبعث به إلى معلم ، ثم افتتح له متجرا، ولكنه انصرف عن التجارة إلى قراءة كتب التصوف والنجوم ، وبدت عليه بوادر تدل على عدم الاتزان النفسى والعقلى، فكان يصعد إلى السطح فى شدة الحر ويظل جالسا عارى الرأس لفترات طويلة مغمغما ببعض الأوراد ،واستمر على هذه الحال حتى وقع فريسة لنوبات عصبية ولوثات هيستيرية،والتقى به رجل من تلاميذ الرشتى يسمى جواد الطباطبانى أخذ يحدثه عن بشارات الإحساش والرشتى عن قرب ظهور المهدى، فاستهواه حديثه ، وأخذ يقرأ فى كتب المشعوذين والمنجمين وتأثيرات الكواكب الروحية.
وزاد اضطرابه النفسى والعصبى فبعث به خاله إلى كربلاء ، أملا فى شفائه وقد طاب له المقام هناك ، ولفت تلامذة الرشتى انطواؤه وعكوفه على التهجد والتلاوة، فذهبوا به إلى مجلس الرشتى:فوجد فيه بغيته ، وأعجب بما يقوله ويكتبه ، فآخذ يقلده ، وفى حلقات الرشتى، تلقفه جاسوس روسى فعقد معه أواصر الصداقة والمودة، وتبادلا الزيارات ، وانعقدت بينهما المجالس فى جوف الليل على دخان الحشيش.
ومن خلال هذه الجلسات ، اكتشف ذلك الروسى أن الشيرازى فريسة سهلة، فأخذ يوحى إليه بأنه هوذلك القائم الذي يبشربه الرشتى، وينادى بصاحب الأمر وصاحب الزمان.
وفى مجلس الرشتى سئل عن المهدى أين هو؟ فأجاب أنا لا أدرى وقد يكون معنا فى المجلس ، فتلقف هذا الروسى هذه الإجابة؛ وأخذ يلقى شباكه على الشيرازى.(103/1)
ليصنع منه ذلك الموعود، وفى ذلك يقول:"رأيت فى المجلس الميرزا على محمد الشيرازى فتبسمت وصممت فى نفسى أن أجعله ذلك المهدى المزعوم.
وقد أثمرت هذه الايحاءات الشيطانية ثمرتها، فبعد أن انتقل الشيرازى من كربلاء إلى بوشهر أرسل خطابا لهذا الروسى فى مايو سنة 1844م يخبره فيه أنه الباب ويدعوه إلى الإيمان بأنه نائب صاحبه العصر، وباب العلم فكان جوابه عليه:"إنه يؤمن أنه صاحب الزمان وإمام العصر، لا بابه ونانبه راجيا ألا يحرمه مما عنده من حقائق ، ولا يحجبه عن أصوله ، لأنه أول من يؤمن به ثم يعقب قائلا:.. وحمدت الله أن سعيى لم يضع هباء، وأن جهودى التى انفقف فيها الجهد والوقت والمال قد أثمرت ثمرتها وآتت أكلها.
وقد ساعد على ظهور الحركة البابية فى إيران:
1- الاستعداد الذهنى الذى ينتظم غلبية السكان هناك من إيمانهم بانتظار ظهور الإمام الغائب.
2- تهيئة الجو النفسى العام الذى كان يسود عددا كبيرا من الناس آنذاك نتيجة لما كانت تنادى به طائفة الشيخية على يد شيخيها أحمد الإحسائى وكاظم الرشتى اللذين كانا يكثران من الحديث عن ظهور الموعود الذى حان أوانه.
3- نشاط الاستعمار الروسى بواسطة رجاله ومحاولته اصطناع اتباع له يأتمرون بأمره ويحققون أهدافه بإثارة القلاقل والبلبلة فى صفوف المجتمع الإيرانى.
4- وجود الشخص المؤهل نفسيا وعقليا للقيام بما يطلب إليه تنفيذه وقد تحقق ذلك فى شخص على محمد الشيرازى (الباب) وأعلن الباب عن نفسه بأنه باب المهدى أولا، ثم أعلن بعد ذلك أنه المهدى وكان له أعوان أخذوا ينشرون دعوته ، فتقبلها بعض الناس ، ورفضها الغالبية، وبدأ صراع انتهى بقتل الباب.(103/2)
وللبابية تعاليم تتناول العقائد والعبادات خرجوا فيها على الإسلام ، وخالفوا ما جاء فى الكتاب والسنة، فهم يرون أن الله يحل فى البشر، وأن حلوله فى بشر يعتبرمظهرا إلهيا فى هيكل بشرى، وهذا كفر صُراح ، وأنما ظهور الله فى هيكل تعدد بتعدد الأنبياء والرسل ، وأن الظهور الأخير أتم من الظهور الأول ، ومن هنا يعتبر الباب نفسه أكمل مظهر بشرى للحقيقة الإلهية وهم يكفرون بالآخره ، كما جاءت فى القرآن الكريم فلا يؤمنون ببعث ولا بجنة ولا نارولا حساب مثلهم مثل الدهريين الذين تحدث عنهم القرآن الكريم حين قال:{وقالوا ما هى إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر}الجاثية:24. والقيامة عندهم قيام الروح الإلهى فى مظهر بشرى جديد ، وألغوا الصلوات الخمس ، وجاء فى كتاب "البيان":(رفع عنكم الصلاة كلها إلا من زوال إلى زوال تسع عشرة ركعة واحدا واحدا بقيام وقنوت وقعود لعلكم يوم القيامة بين يدى تقومون ثم تسجدون ثم تقنتون..) والقبلة هى بيت الباب أو سجنه أو البيوت التى عاش فيها، والصوم عندهم تسعة عشر يوما، ويسمونه شهر العلاء، لأن الشهر تسعة عشر يوما والسنة تسعة عشر شهرا، والزكاة عندهم خُمس العشار، وتسلم إلى المجلس القائم على شئون الجماعة
والحج إلى الأماكن التى جعلها الباب قبلة لهم ، ويصح للرجل أن يطلق زوجته تسع عشرة طلقة، وعدتها تسعة عشر يوما، وإذا كانت أرملة تكون عدتها خمسة وتسعين يوما،والذين لهم حق الميراث سبعة:الذرية بنين وبنات بدون تفريق ، والزوج والزوجة، والوالد والوالدة ، والأخ ، والأخت.
أ.د/محمد إبراهيم الجيوشى(103/3)
#البدو
لغة:البادية، وسكان البادية، وفى التنزيل العزيز{وجاء بكم من البدو}يوسف:100 والبادية؛ فضاء واسع فيه المرعى والماء، والنسبة إلى بدو:بدوى على غير قياس ،والأنثى بدوية، وجمع بادية بواد ، وهى الصحراء، بخلاف الحاضرة كما فى المنجد.(1)
واصطلاحا:كانت تطلق على منطقة جنوب غرب آسيا من الجزيرة العربية، وهى منطقة تخص القبائل العربية الرُّحَّل ، فكان منهم قبائل قيس فى شمال بلاد العرب ،واليمن فى جنوبها.
ويقصد بهم حاليا:أهل الجزيرة العريية ووسط آسيا وشمال أفريقيا من الرعاة الرحل وأشباه الرحل ممن لم يستقروا بعد، حيث يعيشون فى مناطق جافة وشبه جافة حيث لا تسمح الأحوال الأيكولوجية إلا بحياة الظعن والحركة(2).
وكان الاعتماد على حيوان الحمل والتحمل (الجمل) وحيوان الكر والفر (الحصان)، فكانت ثقافة وحضارة خاصة تميزت بمميزات قائمة على مكونات هذين الحيوانين فى الغذاء والكساء والماوى وما إلى ذاك.
كل هذا كان قبل أن يظهر زيت البترول ، ويستخرج بكميات كبيرة منحت لسكان هذه البيئات دخلا كبيرأ فدخلت الأدوات التكنولوجية المتقدمة مما بدل الحال والمعيشة كثيرا.
والملاحظ أن هذه المناطق التى ظهر بها البترول يشغلها الوطن العربى ومعظم العالم الإسلامى، فكان أن أصبحت نعمة ومنحة الله للعرب والمسلمين اختبارا وابتلاء ومحنة لهم ، حتى يكونوا أهل تكافل وتعاون.
أ.د/فاروق عبد الجواد شويقة(104/1)
#البربر
يقصد بالبربر الجماعة التى أقامت منذ أحقاب بعيدة فى الشمال الإفريقى فى الأرض الممتدة من برقة شرقا حتى المحيط الأطلسى غربا، وهذه المنطقة أطلق عليها لفظة المغرب بمدلولها العام.
وأما لفظة بربر التى عرفوا بها فقد اختلف المؤرخون فى تفسيرها:
1- فالسلاوى ينسب كلمة بربر إلى بر بن قيس (1).
2- وابن خلدون يرجع الكلمة إلى ما قاله إفريقى بن صيفى من ملوك التبابعة حين سمع كلامهم قال:ما أكثر بربرتكم ، فسموا بالبربر، والبربرة بلسان العرب هى اختلاط الأصوات غير المفهومة(2).
3- كلمة بربر مأخوذة من لفظ برباردس ،وتعنى الرافضة للحضارة الرومانية.
وعاش البربر على شكل جماعات وبعضهم عاش داخل المدن ، واختلطوا بمن احتل البلاد كالرومان والوندال وغيرهم ، والغالبية عاشت على شكل قبائل وجماعات ، واتخذت من سهول وجبال المنطقة موطنا وسكنا.
والباحث فى الجذور الأولى لشعب البربر وموطنهم الأصلى يجد اختلاف وتباينا فى أقوال المؤرخين ، فابن حزم قال:إنهم من بقايا ولد حام بن نوح عليه السلام وادعت طوائف منهم إلى اليمن (3) وابن خلدون يذكر أن فلسطين ، كانت موطنهم الأول (4) ، وابن خرداذبة يشير إلى أن مواطنهم الأولى فلسطين ، وبمناقشة الآراء فى ذلك يمكننا أن نستخلص أن جيل البربركغيره من الأجيال التى عمرت الأرض وساحت فى أرجائها:
طلبا للرزق وسعيا وراء العيش ثم اتخذت لها موطنا فى أرض المغرب حيث تناسلت وتكاثرت.(105/1)
وقد قسم النسابون العرب البربر إلى شعبين كبيرين ، يقول ابن خلدون:"وأما شعوب هذا الجبل وبطونهم فإن علماء النسب متفقون على أنهم صنفان عظيمان وهما:برنس ومادغيس ويلقب مادغيس بالأتبر فلذلك يقال لشعوبه التبر، ويقال لشعوب برنس البرانس ، وهما معا ابنا بر وقد اختلف المؤرخون فى تعليل انقسام البربر إلى هذين القسمين ؛ وربما كان مرجع ذلك أن قبائل التبر تغلب عليها صفة البداوة فمواطنهم الوديان العالية والوطيئة وكذلك المناطق الرعوية وشبه الرعوية التى تمتد امتدادا متصلا من طرابلس إلى تازا ، وكذلك ينتشرون فى أقاليم النخيل الممتدة من غدامس إلى السوس الأقصى، وهم بذلك يكونون غالبية سكان القرى والصحراء.
أما قبائل البرانس فتغلب عليها صفة الحضارة ، إذ تنتشر الغالبية منها فى مناطق السهول التى تحيط بالساحل وكذلك المناطق الجبلية التى تمتد عبر المغرب.
وأما أشهر قبائل التبر فهم:زواغة وزوادة ولواتة ومزاتة وتفوشة. ومفيلة وزناتة ومطغرة وغيرها وأشهر قبائل البرانس:المصامدة وغمارة وأورية وكتامة وصنهاجة وغيرها.
وقد أشار ابن خلدون إلى حياتهم فهم يسكنون فى بيوت من الحجارة أو الطين أو الشعر ، ويشتغل بعضهم بالرعى وآخرون بالزراعة (6) وقد جبلوا على كثير من الفضائل الإنسانية منها حماية الجار ورعى الأذمة والوفاء بالقول والصبر على المكاره والثبات فى الشدائد ورحمة المسكين وبر الكبير وتوقير أهل العلم وقرى الضيف وعلو الهمة وإباء الضيم.
أ.د/حسن على حسن(105/2)
#البردة
لغة:كساء يُلتحف به وجمعه:بُرُد، والبُرد، بضم فسكون:ثوب مخطط جمعه أ براد ، وأ برد ، وبُرُود. وقيل:إذا جعل الصوف شقة وله هدب فهى بردة(1) وفى حديث سهل بن سعد أنه قال للقوم:أتدرون ما البردة؟ فقال القوم:هى شملة، فقال سهل:هى شملة منسوجة فيها حاشيتها. (رواه البخارى)(2) والشملة:شقة من الثياب ذات خمل -أى أهداب- يتوشح بها ويتلفع.
واصطلاحا:حين يذكر لفظ (البردة) يتبادر منه بردة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يتعلق بها.
وقد خلَّف رسول الله صلى الله عليه وسلم بردتين هما:
البردة الكعبية والبردة الأيلية.
1- أما البردة الكعبية:فقد روى أن كعب ابن زهيركانت له ملاحاة مع أخيه بجير حين أسلم ، تعرض فيها لأبى بكر رضى الله عنه ، فكتب بجير إليه يحذره قائلا:إن كانت لك فى نفسك حاجة فطر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه لا يقتل أحدا أتاه تائبا، فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنشده قصيدة يظهر بها إسلامه ،ويمدحه فيها، وهى قصيدة مشهورة مطلعها:
بانت سعاد فقلبى اليوم متبول * متيم إثرها لم يفد مكبول
فعفا عنه الرسول صلى الله عليه وسلم وأعطاه بردته ، ولذلك سميت هذه القصيدة بالبردة ، وحددت بعض الروايات أنه ألقاها إليه عند قوله:
إن الرسول لسيف يستضاء به * مهند من سيوف الله مسلول
يقول ابن كثير:وهذا من الأمور المشهورة جدا ولكن لم أر ذلك فى شئ من هذه الكتب المشهورة باسناد أرتضيه ، فالله أعلم (3).
فلما كانت خلافة معاوية بن أبى سفيان بعث إلى كعب بن زهير:بعنا بردة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشرة آلاف ، فوجه إليه:ما كنت لأوثر بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا، فلما مات كعب بعثا معاوية إلى أولاده بعشرين ألفا وأخذ البردة(4)، وهى التى يلبسها الخلفاء فى العيدين (5).(106/1)
2- وأما البردة الأيلية:فقد روى أن أبا العباس عبدالله بن محمد اشتراها بثلاثمائة دينار، وأنها هى البردة التى توارثها خلفاء بنى العباس.
فالبردة التى كانت عند العباسيين قد تكون هى الكعبية، ورثوها من الأمويين ، أو الأيلية، اشتراها أول الخلفاء العباسيين ؛ إذ كانت عندهم بردة واحدة أحرقها هولاكو(6) ويروى حسن إبراهيم حسن أن الكعبية بيعت للمنصور العباسى بأربعين ألفا ولاتزال فى القسطنطينية إلى اليوم (7)، فلعلها إحدى هاتين البردتين.
ولما كانت قصيدة كعب قد أجيزت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ببردته ، وكانت مخصصة لمدحه ، فقد اتخذها الشعراء من المحبين لرسول الله صلى الله عليه وسلم دليلا ينسجون على منواله القصائد فى مدحه ، تقربا إلى الله وتنفيسا عن عواطفهم ، وما يزال ذلك دأبهم.
ومن أشهر القصائد فى ذلك قصيدة (بردة المديح) للإمام شرف الدين أبى عبدالله محمد بن سعيد بن حماد البوصيرى الصنهاجى، ومطلعها:
أمن تذكرجيران بذى سلم * مزجت دمعا جرى من مقلة بدم
وقد كان أحد أبويه من بوصير، وثانيهما من دلاص ، وكلاهما بمصر الوسطى، ولد سنة ثمان وستمائة هجرية 1212م ، وتوفى سنة ست أو أربع وتسعين وستمائة للهجرة 1296م ، وقد لقيت قصيدته هذه قبولا عاما من المسلمين ، حتى عقدوا لقراءتها المجالس ، ورتبوا لها طرق الانشاد، معتقدين فى بركاتها، حيث إن ناظمها كان قد أصيب بالفالج حتى أبطل نصفه ، وأعيا الأطباء ، فصح عزمه على أن ينظم قصيدة فى مدح المصطفى صلى الله عليه وسلم يتشفع بها إلى الله ، ويرجو منه البرء والشفاء، يقول:إنه لما ختمها رأى المصطفى صلى الله عليه وسلم فى منامه يمسح عليه بيده المباركة. ويلفه فى بردته الشريفة فعوفى لوقته.(106/2)
وكما كانت قصيدة كعب بن زهيرمن عيون الشعر، كانته بردة البوصيرى؛ حتى رأى فيها الشعراء المجيدون مستوى رفيعا يتبارون فى ساحته ، سواء بالمعارضة أو التشطير، أو التخميس ، أو التسبيع ، ورأى فيها العلماء ميدانا لفنونهم العلمية ، لغوية وأدبية وحديثية، وغيرها حتى جاوزوا السبعين عددا ، ومن أشهر من عارضها فى العصر الحديث أمير الشعراء أحمد شوقى بقصيدة عصماء مطلعها:
ريم على القاع بين البان والعلم * أحل سفك دمى فى الأشهرالحرم
أ.د/عبد الفتاح عبد الله بركه(106/3)
#البرزخ
لغة:يقصد به كل ما يحجز بين شيئين أو مكانين ، وقد ورد البررخ بهذا المعنى فى القرآن الكريم فى قوله تعالى:{مرج البحرين يلتقيان. بينهما برزخ لا يبغيان}الرحمن:19 ، 20، وقوله تعالى:{وهو الذى مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما بررخا}الفرقان:53.
واصطلاحا:يطلق على الفترة الممتدة من موت الإنسان إلى بعثه ، وذلك عند النفخة الثانية. وقد ورد البررخ بهذا المعنى فى القرآن الكريم مرة واحدة فى قوله تعالى:{ومن ورائهم بررخ إلى يوم يبعثون}المؤمنون:100 ، ولا يعد البرزخ منزلا من منازل الدنيا أو الاخرة عند علماء الكلام. وهو نوعان:زمانى وهو الفترة الممتدة بين الموت والبعث ، ومكانى وهو:القبر.
وللبرزخ عند الصوفية أيضا مراتبه حسية ومعنوية تفصل بين عالمين ، فيطلق عندهم ويراد به المعنى الدينى وهو:العالم الذى ندخله بعد الموت ، ويعدونه أيضا من أول منازل الآخرة. كما يطلق على العالم الذى ترحل إليه الأنفس والأرواح فى حالة النوم ؛ ويستعمله ابن العربى فى عوالم عديدة أبرزها ما يسميه بالخيال المطلق أو عالم الجبروت الذى يفصل بين عالم الملك والملكوت ، وهذا البرزخ فاصل وجامع فى آن واحد ، وهو قابل للمتضادات ، فهو:لا موجود ولا معدوم ، ولا معلوم ولا مجهول ، ولا منفى ولا ثابت.
ومن برازخ ابن العربى أيضا:
1- بررخ عالم المثال.
2- برزخ الثبوت "وهو الفاصل بين مرتبة العدم ومرتبة الوجود".
3- برزخ العالم المشهور بين عالم المعانى والصور.
أ.د/أحمد الطيب(107/1)
#البطالة
لغة:يقال بَطَلَ العامل:تعطل فهو بطَّال ،وبَطَّلَ العامل:عطله ، وبطل العمل:قطعه (محدثة)(1)
واصطلاحا:هى التوقف عن العمل أو عدم توافر العمل لشخص قادر عليه وراغب فيه.
والبطالة قد تكون حقيقية أو بطالة مقنعة، كما قد تكون بطالة دائمة أو بطالة جزئية وموسمية، وتتضاعف تأثيراتها الضارة إذا استمرت لفترة طويلة وخاصة فى أوقات الكساد الاقتصادى، وكان الشخص عائلا أو ربا لأسرة، حيث تؤدى إلى تصدع الكيان الأسرى وتفكك العلاقات الأسرية وإلى إشاعة مشاعر البلادة والاكتئاب.
وأيا ما كانت الأسباب المؤدية إلى البطالة كأن تكون أثرا لما يوجد فى المجتمع من تناقضات فى بناء الفرصة، أو نتيجة للتخصص المتزايد والتنافس الشديد فى الإنتاج الرأسمالى ، فلا سبيل إلى مكافحتها إلا بإتاحة فرص العمل التى تصونها الضوابط العادلة من شرع الله والتى تهتم بالحاجات العامة للإنسان ، فالدين والعمل هما إذن طوق النجاة من شرور البطالة والأزمات الاقتصادية.
وإذا كانت الدولة تشعر بنوع من الالتزام الأخلاقى حيال المتعطلين فإن العمل يمثل خطا أساسيا فى الإسلام لدرجة أن الكثير من الآيات الكريمة تربط جذريا بين الإيمان والعمل الصالح. قال تعالى:{فإذا قضيت الصلاة فانتشروا فى الأرض وابتغوا من فضل الله}الجمعة:10 ، كما يقول الرسول الكريم:(إن طلب كسب الحلال فريضة)(2).
وفى هذا ضمان خير ضمان لإشباع الحاجات من ناحية، وتحقيق المواءمة بين المصلحة العامة والخاصة من ناحية ثانية.
أ.د/محمود أبوزيد(108/1)
#البكاء من الله
أولاً : دلالة المصطلح :
أ – لغة : الوقاية : الحذر ويقال اتقيته أي حذرته .
ب – اصطلاحاً :هي الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والقناعة بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل .
جـ - التقوى عندما تقرن بالبر .
د – من الألفاظ مقاربة للتقوى في الدلالة والمعنى ، الورع .
ثانياً : الأهداف :
1- إبراز أهمية التقوى في التربية والدعوة .
2- الحث على الاجتهاد في الوصول بالنفس إلى منزلة التقوى .
3- تربية الطلاب على تقوى السر ومراقبة الله في الخلوة .
4- عرض صور مشرفة لسلفنا الصالح .
ثالثاً : عناصر الموضوع :
1. مفهوم التقوى : هي الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والقناعة بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل .
2. أهمية التقوى في دين الله والدعوة .
3. فضل التقوى ومنزلة المتقين .
4. من هو التقي ومتى يعد الإنسان تقياً ؟
5. شجرة التقوى .
6. مراتب التقوى .
7. تقوى السر .
8. كيف نصل إلى منزلة التقوى ؟
9. مواقف في التقوى والورع للسلف الصالح .
10. أحاديث في التقوى .
رابعاً : العرض :
1- مفهوم التقوى .
2- أهمية التقوى في دين الله والدعوة .
2-1أن التقوى ركيزة عظمى ترتكز عليها أصول الإسلام ومبادئه .
2-2 بالتقوى تقوى الأخوة في القلوب وتثبت ركائزها في النفوس .
2-3 أن القلب التقي من أشد القلوب تعظيماً لحرمات الله وشعائره .
2-4 أنها تعصم صاحبها من كثير من الدنايا والسيئات .
2-5 أنها عدة في الفتنة وزاد يوم المحنة فما صبر على الحق ولا ثبت إلى
المتقون .
2-6 التقوى نور للدعاة يبصرون به الحق ويميزونه عن الباطل .
2-7 أنها الوصية النبوية للدعاة الذين كان يرسلهم - صلى الله عليه وسلم - لتبليغ دعوته .
2-8 كما أنها صلة تربط القلب بخالقه فيراقبه ويخشاه .
2-9 أن الحديث عن التقوى في هذا الزمان أصبح ضرورة لتذكير الناسي
وإيقاظ الغافل .
3- فضل التقوى ومنزلة المتقين :
3-1 التقي هو الأكرم عند الله .(109/1)
3-2 المتقون أولياء الله وأحباؤه .
3-3 معية الله للمتقين .
3-4 تأييد الله للمتقين بالقوة والمدد .
3-5 تيسير الأمور وسعة الأرزاق .
3-6 الفوز بالجنة ونعيم الآخرة .
3-7 هدايته سبحانه لهم وتعليمه إياهم .
3-8 إصلاح العمل وتكفير السيئات .
4- من هو التقي ؟ أو ما هي صفات المتقين ؟
4-1 أداء الفرائض واجتناب المحرمات .
4-2 الحفاظ على حقوق الناس .
4-3 حسن معاشرة الناس ( حسن الخلق ) .
4-4 المسارعة إلى التوبة وعدم الإصرار على المعصية .
4-5 التوقير للرسول - صلى الله عليه وسلم - .
4-6 البذل والتضحية .
4-7 الثبات على العهد .
4-8 العدل والإنصاف .
4-9 كف اللسان عن الأذى .
4-10 محاسبة النفس وهضمها .
4-11 علي رضي الله عنه يصف المتقين .
5- شجرة التقوى :
5-1 زاد التقوى .
5-2 كلمة التقوى .
5-3 لباس التقوى .
5-4 إلهام التقوى .
5-5 حق التقوى .
6- مراتب التقوى :
أ التوقي من العذاب المخلد بالتبرؤ من الشرك .
ب تجنب كل ما يؤثم من فعل أو ترك حتى الصغائر .
ت التنزه عما يشغل سره عن ربه وهو التقوى الحقيقية المطلوبة .
7- تقوى السر .
8- كيف نصل إلى منزلة التقوى :
8-1 العلم .
8-2 التزام الفرائض والإكثار من النوافل .
8-3 قراءة القرآن بتدبر .
8-4 الدعاء .
8-5 صحبة المتقين .
8-6 القراءة في سير المتقين .
8-7 الجدية في الالتزام .
8-8 عدم الإغراق في المباحات .
8-9 الابتعاد عن الشبهات ومواطن الريب .
8-10 تذكر الموقف بين يدي الحق عز وجل .
9- مواقف في التقوى والورع لسلفنا الصالح :
9-1 لا يأكل أجر عمل لم يقم به .
9-2 من أكل طعاماً حراماً وهو لا يعلم .
9-3 التقلل وترك الشهوات من الورع .
9-4 التقوى في الفتوى .
10- أحاديث في التقوى والورع :
10-1 هل تتعارض التقوى مع الغنى .
10-2 من اتقى دخل الجنة .
10-3 كرم المرء تقواه .
10-4 اتقوا الدنيا .. اتقوا النساء .(109/2)
خامساً : بعض الأمور العملية المقترحة لتأكيد معاني الدرس وتحقيق أهدافه :
1- عدم الجلوس عند التلفاز ، حال عرضه للنسوان ومزامير الشيطان وسائر المحرمات.
2- الإقلال من الذهاب للأسواق .
3- هجر مجالس الغيبة والنميمة .
4- غض البصر عن المحرمات .
5- الحرص على المال الحلال في البيع والشراء .
6- كف اللسان عن عيوب الناس وغيبتهم .
7- عدم مخالطة الفسقة والظلمة إلا لمصلحة شرعية راجحة .
8- الاعتدال في المطعم والمسكن لأن ذلك من صفات المتقين .
9- القراءة من سير الصالحين .
10- كثرة الأذكار وزيارة المقابر .
المرجع : الرائد دروس في التربية والدعوة – مازن الفريح – دار المنطلق(109/3)
#البلاغة
لغة:الوصول والانتهاء ومشارفة الغاية.كما فى اللسان. يوصف بها الكلام والمتكلم ، ولا توصف بها الكلمة إلا على سبيل المجاز. قال الزمخشرى فى أساس البلاغة، ومن المجاز:حفظت كلمة الحويدرة (الشاعر) لقصيدته ، وهذه كلمة شاعرة.
واصطلاحا:مطابقة الكلام لمقتضى الحال مع فصاحته ، والحال ويسمى المقام:هو الأمر الذى يدعو المتكلم إلى أن يعتبر فى كلامه خصوصية ما، فيأتى بكلامه على نحو خاص من الصياغة والتعبير من تقديم وتأخير أو ذكر أو حذف أو تعريف أو تنكير أو قصرأو إنشاء وغيرذلك من المعانى التى تترجم عن فكر المتكلم وقلبه ،ولذا قالوا:لكل مقام مقال ، ولكل كلمة مع صاحبتها مقام ومجىء الكلام معبرا عن حال صاحبه ملائما لحال المخاطب يسمى مقتضى الحال ، أو الاعتبار المناسب، فذكاء المخاطب يقتضى الإيجاز، والانكار يقتضى التوكيد ، والإنكار يقتضى التعريف والتكذيب والتوبيخ اقتضى همزة الاستفهام الإنكارى فى قول الله تعالى ردا على عقائد المشركين:{أصطفى البنات على البنين}الصافات:114 ، وهكذا تتغير الأساليب وتتنوع خصائص التعابير لتشمل كل كلام بليغ ، والاعتبار المناسب يقابل مصطلح "النظم" أو نظرية النظم التى طورها وأوفى بها الغاية الإمام عبد القاهر الجرجانى 474هـ.
بلاغة المتكلم:هى حالة راسخة، أو ملكة عند البليغ يعبرويبدع فى ذوق ورهافة حس ، ودقة فكر ومطابقة لمقتضى الحال.
مراتب البلاغة:يتفاوت البلغاء فى تعابيرهم وإلمامهم بالمقامات ومواهبهم وثقافتهم وقوة خيالهم ونفاذ فكرهم ، تفاوتا كبيرا ، شعرا ونثرا ثم يأتى النظم القرآنى ممثلا للإعجاز الذى فاق القوى، والقدرة والفصاحة داخلة فى مفهوم البلاغة التى تتوج علوم العربية وفنونها من اللغة والنحو والصرف والتعمق فى الأدب شعرا ونثرا ليكون الشكل والمضمون كلا لا يتجزأ.(110/1)
وقد تفرع من البلاغة علم المعانى أو التراكيب ، وعلم البيان من تشبيه ومجاز ، وكناية ، وعلم البديع بمحسناته المعنويه واللفظية ، إن برئت من التكلف واقتضاها المقام.
أ.د/صبّاح عبيد دراز(110/2)
#البهائية
البهائية نسبة إلى بهاء الله ، وهو حسين على المازندرانى، الذى سمى نفسه بهاء الله ،وكان له دور كبير فى مساندة الحركة البابية، وتخطيطه لها من ورأء ستار، مستغلا لكل الظروف والشخصيات فى دعمها لتحقيق مآربه ، وهو مختف حتى لا ينكشف أمره.
وقد تعاون مع الروس وعملائهم عندما كان فى إيران ، ولما انتقل إلى تركيا ثم فلسطين أخذ فى التعاون مع المؤسسات اليهودية العالمية، والاستعمار الإنجليزى.
ولما وجد أن أخاه يزاحمه على زعامة الحركة بعد هلاك الباب همّ بقتله ، ودبر مذبحة من أشنع ما عرف فى التاريخ ، قضى فيها على أعوان أخيه قتلا بالسواطير والجنازير المسمومة فى وحشية يندى لها جبين الإنسان خزيا وعارا.
بعد أن هلك الباب ادعى البهاء أنه خليفة القائم (الباب) ثم ادعى أنه القائم نفسه ، ثم تقدم خطوة أخرى فادعى أن القائم (الباب) كان ممهدا له ، فلهذا فهو.. القيُّوم ثم انتحل مقام النبوة، وأخيرا ادعى الألوهية والربوبية، وأنه مظهر الحقيقة الإلهية، التى لم تصل إلى كمالها الأعظم إلا حينما تجسدت فيه ، وأن كل الظهورات الإلهية التى سبقت منذ آدم مرورا بالأنبياء جميعا كانت درجات أدنى حتى وصلت إلى كمالها فى تجسدها فى شخصه وذلك لأنهم يؤمنون بالحلول.
وكان البهاء يغطى وجهه بقناع موهما من يلقاه أن بهاء الله يعلوه وقد ترك البهاء بعض الكتب والرسائل منها:
1- الإيقان ، وقد كتبه لما كان فى بغداد تأييدا لدعوى "الباب".
2- وله عدة رسائل بعضها كتبه بالعربية وبعضها بالفارسية، ومن أسماء هذه الرسائل "الألواح"، "الاشراقات"، "الهيكل"، "الكلمات الفردوسية"، "العهد".(111/1)
3- وأشهر كتبه "الأقدس" وقد كتبه فى السنوات الأخيرة من حياته ادعى أن الأحكام التى وردت فيه نزلت من سماء المشيئة الإلهية، وأن جميع ما نزل فى الكتب المقدسة قد نسخ لعدم انسجامها مع احتياجات الإنسان المعاصر، وكتاب "الأقدس" مجموعة من الخواطر تتحدث عن الإلهام والحلال والحرام والمواعظ ، ومخاطبة الأمم والملوك ، وبعض الألغاز التى تشير إلى الحروف مثل قوله:
يا أرض الطاء لا تحزنى من شىء قد * جعلك الله مطلع فرح العالمين.
يا أرض الخاء نسمع فيك صوت الرجال * فى ذكر ربك الغنى المتعال.
وبعد موته آل أمر الحركة إلى ابنه عباس عبد البهاء، ومن بعده حفيده شوقى ربانى، ثم آل الأمر إلى أحد اليهود الأمريكان ، وكان اسمه ميسون.
ومن عقائدهم أنهم يعبدون البهاء ، ويتوجهون إلى قبره بالعبادة ، ويحجون إليه ، ومن كلامه فى ذلك:" من توجّه إلىّ فقد توجه إلى المعبود أما الذين يتوجهون بعبادتهم إلى الله ، فإنما يتوجهون بها إلى وهم أفكته الظنون".
والصلاة عندهم تسع ركعات فى الصباح والزوال والآصال أوقات طلوع الشمس وتوسطها ومغيبها، ويقدسون العدد (9) لأنه مجموع حروف (بهاء) والقبلة كانت فى حياة البهاء إلى قصره ، وبعد موته إلى قبره ،والصوم 19 يوما ، والزكاة لمن يملك مائة مثقال من الذهب يؤخذ منه 19 مثقالا.
والحج إلى قصر البهاء فى حياته وإلى قبره بعد موته.
والزواج للرجل أن يتروج بامرأتين ، ولم يحرم من النساء إلا الأم فقط ، وإذا اقترن الزوجان عاما ولم يتفقا انفصلا بالطلاق والربا مباح والجهاد محرم ، والميراث حسب ما اتبع البابية.
وهم يكفرون بالآخرة متابعة لأسلافهم البابية والباطنية من قبل ولهم تأويلات يحرِّفون بها الكلام عن معانيه ، ومن أمثال هذه التأويلات:
القيامة: حلول روح الله فى جسد بشرى.
البعث:اليقظة الروحية.
رؤية الله:هى رؤية الجسد البشرى الذى حلّت فيه روح الله.
الجنة:رياض المعرفة التى فتحت أبوابها فى عهد البهاء.(111/2)
النار:الحرمان من معرفة الحقيقة الإلهية التى ظهرت فى جسد الباب أو الكفر بأن البهاء هو رب العالمين.
ولهم تأويلات كثيرة ترجع جميعها إلى الكفر باليوم الآخر كما جاء فى القرآن الكريم والكتب المقدسة السابقة.
أ.د/محمد إبراهيم الجيوشى(111/3)
#البوذية
أحد الأديان العالمية من حيث عدد من يعتنقونها ، إذ هى الدين السائد فى كثيرمن دول آسيا (الصين ، اليابان ، نيبال ، جاوة، سومطرة، بورما ، سيلان ، سيام) نسبتا إلى اللقب الذى اشتهربه مؤسسها بوذا (560-480 ق.م)، ومعناه فى اللغة السنسكريتية:المستنير، أو العالم ، أو العارف.
ولد بوذا فى بلدة هندية على حدود نيبال لأسرة نبيلة، إذ كان أبوه أميرا، وتزوج فى التاسعة عشرة من عمره. وعندما بلغ العام التاسع والعشرين انصرف إلى الزهد والتأمل ، فهجر زوجته ، وخرج هائما فى الأحراش راغبا عن الدنيا، غير معنى إلا بالتأملات ،رائضا نفسه على خشونة الحياة. وبعد ست سنين ادعى أن نوعا من المعرفة قد وقع فى نفسه ، وقذف بنور فى قلبه ، ويقول فى وصف هذا الإحساس:"سمعت صوتا من داخلى يقول بكل جلاء وقوة:نعم فى الكون حق ، أيها الناسك ، هنالك حق لا ريب فيه ، جاهد نفسك اليوم حتى تناله. فجلست تحته تلك الشجرة فى تلك الليلة من شهر الأزهار،وقلت لعقلى وجسدى:اسمعا لا تبرحا هذا المكان حتى أجد ذلك الحق ، لينشف الجلد، ولتنقطع العروق ، ولتنفصل العظام ، وليقف الدم عن الجريان ، لن أقوم من مكانى حتى أعرف الحق الذى أنشده ، فينجينى.
ويذكر أيضا أنه تم له فى هذه الجلسة الإشراقة التى كان يترقبها. ويراها بعض الباحثين الغربيين وحيا، ويصورها بوذا بأنها صوت حادثه ، مما دفعه إلى الدعوى إلى تعاليمه بالقول والعمل ، فآمن بدعوته كثير، وانطلقوا فى شبه الجزيرة الهندية دعاة ومرشدين فنما عددهم بمرور الأيام ، وانتشر مذهبهم ، وبوذا من ورائهم يدفعهم بحمسهم إلى أن مات فى الثمانين من عمره.(112/1)
كانت حياته ساذجة، لا تعقيد فيها ولا تزيد عن زهد فى الحياة، وميل إلى تعذيب الجسد ليتخلص كليا من الألم بعد الموت ،كما كان يدعو إلى سلوك "الممر الأوسط" بين التلذذ والزهد الخالص فى الدنيا، ويقول:إن لهذا الممر ثمانى شعبه ، هى:الآراء السليمة، والشعور الصائب ،والقول الحق ، والسلوك الحسن ، والحياة الفضلى، والسعى المشكور، والذكرى الصالحة والتأمل الصحيح.
كما يرى أن المرء يمر بأربعة أطوار، تنكسرخلالها جميع القيود التى تكبل الإنسان ، وتمنعه من الوصول إلى الكمال الإنسانى فإذا بلغ الطور الرابع يكون قد أدرك الهدف الذى يسعى إليه وهو النرفار وما هى النرفار؟ هى الطور الرابع الذى يبلغه الزاهد، ولكنه لم يذكر شيئا عن "العلة الأولى" الذى يدير دفة الكون. ومن هنا جاء الخلاف بين العلماء حول وضع الإله فى تعاليم بوذا ، فهناك من يرى أنه أنكر وجود إله خالق للكون ، ويقول أنصار هذا الرأى:إنه كان يعتقد أن فى العالم فقط روحا عاما متغلغلا فى كل شئ. ومنهم من يرى أن مذهبه إصلاحى خلقى أكثر منه دينى.
وقد أحدث بوذا بإهماله الاتجاه الإلهى ارتباكا فى الفكر بين أتباعه ، فلعبت بهم الأهواء ، فاتجه بعضهم إلى الاعتقاد بأن بوذا ليس إنسانا محضا، بل إن روح الله قد حلت فيه ، بل تطورالأمرإلى اعتباره كائنا إلهيا، وضعوا له تمثالا بين آلهة الهندوسية ولم يعارض الهندوس ذلك ، لأن العقل الهندى لا يضيره أن ينضم إله جديد إلى ما يعترف به من آلهة.
أما كتب البوذيين فلا يدعون أنها منزلة ، ولا ينسبون ما فيها إلى جانب إلهى ، بل هى عبارات منسوبة إلى بوذا ، أو حكاية لأفعاله ،أو نقل لما أقروه من أعمال أتباعه.
ولا تعتبر البوذية فى تعاليمها إضافة فى عرض الآراء على يد غير المستأثرين بها قديما من سدنة الكهنة والمحراب.
أ.د/محمد شامة(112/2)
#البوسنة
بلد بلقانى ذات نظام جمهورى، مساحتها 51.123 كم2 وعاصمتها سراييفو Sarajevo ، وهى مدينة إسلامية صرفة ذات طابع إسلامى. ومجموع سكانها طبقا لتعداد 1939م هو 4.618.804 نسمة، ويقطن العاصمة، وحدها 252.980 نسمة. وتبلغ الكثافة السكانية 90.3 نسمة فى الكيلو متر المربع. ويقطنها الأجناس البشرية التالية:
مسلمون سلاف 43.7 % ، وصرب 31.3 % ،وكروات 17.2 % ولغتها الرسمية البوسنية (الصرب كرواتية).
والديانات السائدة فيها:الإسلام ، الأرثوذكسية الشرقية والكاثوليكية الرومانية.
ورئيس جمهوريتها على عزت بيجوفيتش 1964م.
وبها مجلس تشريعى يسمى "الجمعية الوطنية"، وتنقسم إداريا إلى مائة وحدة. أما المواصلات ففيها 1.039 كم سكك حديدية، و21.168 كم طرق ، ولا يوجد بها ميناء رئيسى، وبها مطار رئيسى واحد. واعترف بها دوليا فى ربيع عام 1992م.
وكانت البوسنة والهرسك (وغالبا ما يشار إليهما بالبوسنة) إحدى الجمهوريات اليوغوسلافية. وتحدها من الشرق الصرب والجنوب الجبل الأسود ، والشمال والغرب كرواتيا، واشتقت البوسنة إسمها من نهر البوسنة الذى يمرفى قسم كبيرمن أراضيها. أما الهرسك فهى أقل بكثير من مساحة البوسنة وتقع فى الجنوب ، وأهم مدنها موستار.
الحكم العثمانى:توالت غارات الأتراك على البوسنة منذ عام 788هـ/1386م وفى عهد السلطان مراد وقع ثانى غزو على البوسنة عام 0 79هـ 1388م حتى إن السلطان جرح جرحا مميتا أثناء سير المعركة ومات بسببها. وفى سنة 867هـ/1463م. رفض ملك البوسنة أداء الجزية فغزتها الجيوش العثمانية وفتحها سريعا. وفى سنة 988هـ/1580م أنشئت إيالة البوسنة. مما أحدث تغييرات كبيرة اجتماعية ودينية وعرقية شملت السكان جميعا ودخل الناس فى الإسلام أفواجا مما سبب فى خلق قاعدة عريضة من المسلمين العسكريين والموظفين المدنيين لا من أهل المدن فحسب ، بل من الفلاحين أيضا.(113/1)
وعندما نشبت الحرب بين الدولة العثمانية وكل من الصرب والجبل الأسود،، تدخلت الدول العظمى، وقضت معاهدة "سان استيفانو" بأن تمنح تركيا البوسنة والهرسك استقلالا ذاتيا. ثم وضعت البوسنة تحت انتداب إمبراطورية النمسا والمجر طبقا لشروط معاهدة برلين 1878م. ولقيت الجيوش النمساوية مقاومة من مسلمى البوسنة، انتهى بالاحتلال فى أكتوبر 1878م ، واستمر هذا الوضع قائما حتى عام 1914.
ورغم اشتراك مسلمى البوسنة مع الصرب المسيحيين فى مقاومة النفوذ النمساوى إلا أن الصرب الأرثوذكس غدروا بهم بعد الاستقلال ومارسوا ألوانا بشعة من المعاداة للمسلمين.
وبعد الحرب العالمية الثانية 1945م حاول مسلمو البوسنة استرداد مكانتهم فقابلهم تيتو بحرب شرسه. وارتكب الحكم الشيوعى من المذابح الشىء الكثيرما بين القتل رميا بالرصاص أو خلال مسيرات الموت القسرية أو فى معسكرات الاعتقال 45-1946م ما يزيد على ربع مليون نسمة.
ونظر تيتو إلى الإسلام على أنه عقيدة رجعية آسيوية يجب القضاء عليه فى بلده ة فألغى المحاكم الشرعية (1946 م)، وأصدرقانون منع النساء من ارتداء الحجاب 1950م وإغلاق الكتاتيب وجميع التكايا وحظرنشاط جميع الطرق الصوفية 1952م.
وباختصار حاول النظام الشيوعى طمس الهوية الإسلامية فى البوسنة على أمل إذابة هوية المسلمين في هوية الصرب والكروات. وعندما أصر المسلمون على هويتهم الدينية قامت الحكومة اليوغوسلافية بإلغاء بند "مسلم" من التعداد ، وسمح له بسجيل أنفسهم "يوغوسلاف غير معينى القومية ".(113/2)
وبعد وفاة تيتو وانحلال الاتحاد اليوغوسلافى، اشتعل الصراع بين الصرب والكروات ، ووقفت البوسنة على الحياد، وفى محاولة للصرب استعادة ما كان للدولة اليوغوسلافية من مكانة اصطدمت بالبوسنة وحاولت تقسيمها إلى ثلاث مناطق لإضعاف المسلمين. فوقفت تدافع عن كيانها فأمطروها وابلا من قذائفهم حتى دمرت تماما، كما حاولوا تجويع المسلمين وتمزيقهم ، لكن الشعب البوسنوى وقف صامدا أمام إجرام الصرب مما دفع بالدول الأوروبية والولايات المتحدة التدخل لأنقاذ البوسنة؛ وانتهى الأمر بأن اعترفت الدول الأوروبية فى شهر أبريل 1992 باستقلال البوسنة وتبع ذلك انضمامها لعضوية الأمم المتحدة كدولة مستقلة ذات سيادة.
أ.د/عبد السلام عبد العزيز فهمى(113/3)
#البيت الحرام
هو بيت الله الذى فرض الله الحج إليه لمن استطاع إليه سبيلا وهو البيت المحرم ، والبيت العتيق ، والمسجد الحرام ، وكانت العرب تسمى كل بيت مربع كعبة، وأمر الله المسلمين أن يتخذوه قبلتهم فى صلاتهم ، وهو أول المساجد الثلاثة التى لا تشد الرحال إلا إليها:وهى المسجد الحرام ، والمسجد النبوى فى المدينة، والمسجد الأقصى.
والبيت الحرام هو أول بيت مبارك وضع للناس ليعبدوا فيه الله عز وجل ، ويهتدوا بفضله إلى الصراط المستقيم:{إن أول بيت وضع للناس للذى ببكة مباركا وهدى للعالمين}آل عمران:96.
وحين تأذن الله سبحانه وتعالى بأن ترفع قواعده بوأ لإبراهيم الخليل مكانه ، وأمره أن يشيده ويرفع قواعده ، ومعه ابنه إسماعيل عليهما السلام.
ووصف أبو الوليد محمد بن عبد الله بن أحمد الأزرقى الكعبة التى بناها إبراهيم عليه السلام بأنها كانت بناء ذا جوانب أربعة، بارتفاع 9 أذرع وطول جداره الشرقى 32 ذراعا ،والغربى 31، والشمالى 32 ، والجنوبى 20 ،وكان بابها إلى الأرض (1)
وجعل إبراهيم عليه السلام فى جدارها الحجر الأسود علامة على بدء الطواف حولها، ثم أعيد بناء الكعبة قبل البعثة بنحوعشر سنوات ، واشترك النبى صلى الله عليه وسلم فى أعمال البناء مع أشراف قريش ورجالها ، وكان ذلك بعد حملة أبرهة الفاشلة على البيت الحرام فى سنة 570ميلادية، التى أشار إليها القرآن الكريم فى سورة الفيل.
وبعد فتح مكة مباشرة أمرالنبى صلى الله عليه وسلم بتطهير الكعبة مما فيها من تماثيل وصور وأصنام ، ولم يكن للبيت الحرام جدران تحده إلى أن قرر عمر بن الخطاب رضى الله عنه بعد أن ولى الخلافة أن يبنى حوله جدرانا ارتفاعها أقل من القامة، وذلك فى السنة السابعة عشر بعد الهجرة.
وأجرى عثمان بن عفان رضى الله عنه توسعة ثانية فى السنة السادسة والعشرين بعد الهجرة، ويقال إنه جعل للمسجد أروقة.(114/1)
وأجريت على البيت الحرام عمائر أهمها:بناء الكعبة على يد عبد الله بن الزبيرفى العقد السابع بعد الهجرة، وإعادة بنائها على يد الحجاج بن يوسف الثقفى فى عهد عبد الملك بن مروان بعد ذلك ببضع سنواف ،وعمرت الأروقة فى عهد الوليد بن عبد الملك ، وفى عهد الخليفة العباسى المهدى بن المنصور، وفى عهد السلطان المملوكى الناصر فرج بن برقوق ، والسلطان الأشرف برسباى، وأعيد بناء الكعبة من جديد فى سنة 1040هـ فى عهد السلطان العثمانى مراد الرابع.
ونتيجة لهذه العمائر صار الحرم مستطيلا أقرب إلى التربيع ، ويحيط به من جهاته الأربع أروقة تشتمل على صفوف من الأعمدة تحمل عقودا ، وتسقف كل بلاطة تحف بها أربعة أعمدة قبة ، قاعدتها مستديرة ، وقمتها مدببة ، وتقوم الكعبة المكرمة فى وسط الحرم ، ولكن بميل إلى الجنوب وبجانبها حجر إسماعيل وحولها المطاف ، وفى شرقها بئر زمزم ، وبجوار المطاف مقام إبراهيم ،وباب الكعبة مرتفع عن الأرض ، وللمسجد خمسة وعشرون بابا ، وسبع مآذن.
وكانت الحكومة المصرية تتشرف بكسوة الكعبة المكرمة حتى قيام المملكة العربية السعودية التى أولت البيت الحرام عناية فائقة من حيث التوسعة والعمارة والتجهيز، كما قامت بعمل كسوة الكعبة الشريفة.
أ.د/حسن الباشا(114/2)
#البيطرة
لغة:بطر الشئ يبطره بطرا، فهو مبطور وبطير:شقه ، والبطر:الشق ، وبه سُمِّى البيطار:معالج الدواب ، وهو يبيطر الدواب أى يعالجها، ومعالجته:البيطرة. كما فى اللسان (1).
واصطلاحا:العلم الذى يبحث فى أحوال الخيل فى حالات الصحة والمرض ، ولقد استخدم مصطلح البيطرة بعد ذلك وحتى الآن للعلم الذى يبحث فى أحوال الحيوان بوجه عام من حيث وقايته من الأمراض وعلاجها.
ويعتقد أن مصطلح Veterinary الذى يستخدم فى اللغات الأوروبية بمعنى بيطرى، هو كلمة عربية الأصل ، جاءت من كلمة بيطار التى تحولت إلى كلمة فيتار، ومنها اشتق مصطلح Veterinary.
ولقد عرف العرب فى الجاهلية طباع الحيوان وأمراضه وعلاجها ، حيث تشير بعض أبيات الشعر الجاهلى إلى علاج الجمل المصاب بالجرب بدهانه بالقطران وعزله عن الجمال غير المصابة بالمرض.
وتزخر المكتبة العربية بمخطوطات عديدة عن الطب البيطرة كتبها علماء العرب والمسلمين ، من أهمها:
- كتاب الفروسية والخيل لمحمد بن أبى حزام.
- كتاب البيطرة لابن البيطار.
- كتاب الحيوان لابن سينا الذى تحدث فيه عن فنون التشريح ووصف الكثيرمن أنسجة الحيوان وأعضائه.
وتحدث علماء العرب عن صحة الألبان واللحوم وخواصها وطرائق حفظها ، كما عرفوا الكثير من الأمراض الباطنة والمعدية التى تصيب الحيوان ، مثل الكزاز (التيتانوس) فى الخيل ، والسعار فى الكلاب.
أ.د/عز الدين الدنشارى(115/1)
#البيع
لغة:البيع هو مطلق المبادلة مالية كانت أو غيرمالية ومن ثم جاء قول الحق تبارك وتعالى:{فاستبشروا ببيعكم الذى بايعتم به}التوبة:111. فقد أطلق الله سبحانه وتعالى البيع على بذلهم أنفسهم وأموالهم فى سبيل الله ليظفروا بجنات النعيم. وهو مصدر الفعل (باع) ويطلق على الشىء وضده كالقرء:للطهروالحيض ، فيقال باع كذا إذا أخرجه عن ملكه أو أدخله فيه. والبيع اسم المبيع ، والبيعة المبايعة التى هى عبارة عن المعاقدة والمعاهدة. فقد جاء فى الحديث النبوى الكريم قول المعصوم صلى الله عليه السلام:(ألا تبايعونى على الإسلام)(1)
واصطلاحا:البيع فى اصطلاح الفقهاء عبارة عن مبادلة المال المتقوم بمثله على وجه مخصوص ، وبذا يكون اصطلاح الفقهاء جاريا على استعمال البيع بمعنى الإدخال فى الملك ، ومن ثم قالوا:"البيع سالب والشراء جالب". وحكمة مشروعية البيع أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وجعله بطبعه محتاجا للتعامل مع بنى جنسه ، رغبة منه فى الحصول على ما يسد رمقه ، وتبقى به حياته إذ هو وحده لا يستطيع القيام بمهام شئونه المختلفة التى يتطلبها أمرمعاشه. من هنا شرع الحكيم الخبير البيع ، نظرا لما يترتب عليه من تبادل المنافع بين الناس وتحقق التعاون بين أفرادهم وجماعاتهم ، وبذا تنتظم حياتهم وينطلق كل واحد منهم إلى ما يمكنه الحصول عليه من وسائل العيش فالزارع يغرس الأرض ليبيع ثمارها وحاصلاتها لمن لا يستطيع الزراعة إلا أنه يستطيع الحصول على الثمن من طريق آخر هيأه الله له. وكذا التاجر يحضر السلعة من جهات بعيدة نائية كى يبيعها لمن هم فى حاجة إليها.(116/1)
فالبيع والشراء من أهم الوسائل التى تبعث على النهوض وترقى بأسباب الحضارة والعمران ، فلو لم يشرع الله سبحانه وتعالى البيع ؛ لاحتاج الإنسان إلى أخذ ما بيد غيره ،إما بالغلبة والقهر، وإما بالسؤال والاستجداء وإلا تذرع بالصبر حتى الهلاك. ولا شك أن هذا حال لا يقوم معه نظام الأمم لما فيه من الفساد والذل والصغار والهلاك.
ودليل مشروعية البيع:القرآن الكريم ،والسنة النبوية المطهرة، والاجماع أما القرآن الكريم ، فهناك آيات كثيرة منها قول الحق تبارك وتعالى:{وأحل الله البيع وحرم الربا}البقرة:275. وقوله:{وأشهدوا إذا تبايعتم}البقرة:282.
ومنها قوله جل وعلا:{يها أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم}النساء:29.
فهذه الآيات الكريمة صريحة فى حل البيع ومشروعيته وإن سيقت لأغراض أخرى كأفادة الآية الثانية للأمر بالاستشهاد عند التبايع ، دفعا للخصوصية ، وحسما للنزاع حتى لا يقع الجحود أو الإنكار بينما سيقت الآية الثالثة للنهى عن أكل أموال الناس بالباطل إلا بطرق البيع ونحوه من كل تجارة مشروعة.
أما الآية الأولى فقد سيقت للتفرقة بين البيع والربا ردا على من سوى بينهما ، بل جعل الربا أدخل فى الحل من البيع.
واًما السنة النبوية المطهرة فقد روى أن المعصوم صلى الله عليه وسلم سئل عن أطيب الكسب فقال:(عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور) (رواه الإمام أحمد والطبرانى)(2).
والمبرور من البيع ما لا غش فيه.
وجاء فى الحديث قوله صلى الله عليه وسلم:(الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة، والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى،الآخذ والمعطى فيه سواء)(3)
وقال المعصوم صلى الله عليه وسلم:(التاجر الصدوق يحشريوم القيامة مع الصديقين والشهداء) (رواه الترمذى)(4).(116/2)
والأحاديث فى هذا المجال مستفيضة تبلغ حد التواتر المعنوى، وقد بعث صلى الله عليه وسلم والناس يتبايعون فأقرهم على ما لم يخالف الشريعة الغراء.
وأما الإجماع فإن الأمة الإسلامية بجميع طبقاتها، وخلال كل عصورها توافقت على جواز البيع ، وأجمعت على أنه أحد أسباب الملك وقد تعامل به المسلمون من لدن الصدر الأول حتى يومنا هذا دون نكير، فكان ذلك إجماعا قطعيا على مشروعية البيع.
من الأدلة السابقة (قرآنا وسهنة وإجماعا) نقف على أن الأصل فى البيع الإباحة إلا أنه قد يطرأ من الأحوال والملابسات ما يخرجه عن هذا الأصل إلى أحد طرفى الطلب وهو الحظر أى الكراهة، أو التحريم ، أو الفعل وهو الندب أو الإيجاب ، أو الافتراض إذ البيع قد يكون مفروضا، وذلك للمضطر اضطرارا شديدا بحيث إذا لم يحصل على الشئ المبيع فورا فإنه يهلك أو يتلف عضو من أعضائه ،والبائع إذا امتنع عن البيع والحالة هذه فإنه يكون آثما ومن ثم قال فقهاؤنا:"إن القاضى له أن يجبره على البيع إنقاذا للمضطر" وقد يكون واجبا وذلك كالبيع للمضطر الذى لم يبلغ به الاضطرار حدا يودى به إلى الهلاك ، بل يوجد عنده حرجا ومشقة لا يزولان إلا بالحصول على المبيع بحيث ، إذا لم يحصل عليه من صاحبه لا يصل إليه من غيره.
وقد يكون مندوبا وذلك كبيع الشى ممن يحلف أن يشتريه منه وليس للبائع حاجة إليه.
وقد يكون حراما وذلك كبيع المسلم الخمر والخنزيرأو غيرهما من كل ما نهى عن بيعه لذاته أو لصفة فيه كالبيع مع الشروط الفاسدة غير أنه قد يكون باطلا كالخمر وما ماثله.
وقد يكون فاسدا كالبيع المقترن بالشرط الفاسد.(116/3)
وأخيرا قد يكون البيع مكروها، ومثال ذلك كل ما نهى عنه لأمر مجاور لا لخلل فى الأركان أو الشروط ، وذلك كالبيع عند الآذان الأول لصلاة الجمعة الوارد فى قول الحق تبارك وتعالى:{ياأيها الذين آمنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكرالله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون}الجمعة 9.
وإذا ما تم عقد البيع مستكملا أركانه مستوفيا شروطه ، يكون قد حاز درجة الاعتبار شرعا ، وعندئذ يترتب عليه انتقال ملك كل من الطرفين عما بذله ، وثبوت ملكه فيما أخذه ليثبت ملك البائع فى الثمن ، وملك المشترى فى المبيع ، وعندها يحل لكل منهما التصرف فيما انتقل ملكة إليه هو أهل له من التصرفات الشرعية ويصبح البيع -كما شرعه الله- واسطة السعادة بين الناس أفرادا وجماعات فتنتظم حياتهم ويتفرغ كل منهم لما يسره الله له من سبل العيش فى أمن وأمان وهدوء واستقرار وسعادة واطمئنان.
أ.د/محمد عبد اللطيف جمال الدين(116/4)
#التأليف
لغة:هو جمع الشىء إلى نظيره تقول:ألفت بين الشيئين تأليفا فتألفا وأتلفا(1).
وتقول:تألف القوم وائتلفوا أى اجتمعوا(2).
واصطلاحا:جمع مسائل علم فى كتاب (3)، وهو مأخوذ من الألفة ومن الاجتماع أيضا وقد يطلق اللفظ على المؤلف وقد يسمى التأليف تصنيفا، ويسمى الكتاب المؤلف مصنفا.
والمؤلف صاحب رسالة يريد أن ينقلها إلى القارىء ة ولذا فإن الاقتصار على سرد الآراء وجمع النصوص المتعلقة بموضوع معين لا يعد تأليفا، لأنه لا يضيف فكرا جديدا.
كذلك فإن تحقيق النصوص القديمة وترجمة النصوص الأجنبية لا يسمى تأليفا(4) لأن الفكرة الأصلية والإضافة الحقيقية هى لمؤلف النص الأصلى وليست للمحقق أو المترجم ، ويقاس على هذا القوائم الببليوجرافية التى تحصى المؤلفات فى موضوع معين ، فإن القائم بها لا يعد مؤلفا وإنما جامعا. ولهذا نقول:إعداد فلان ، ولا نقول:تأليف فلان.
ولعل هذا هوما يفسرلنا ظهور مصطلح "السرقات الأدبية" فى تراثنا الأدبى وظهور مصطلح "حق التأليف" وقوانين حماية حق المؤلف أو حق الملكية الفكرية فى العصر الحديث ، صيانة لثمرات العقول من أن تستباح فسرقة الأفكار، لا تقل شناعة عن سرقة المتاع.
والمؤلف - عادة - يجمع مادته العلمية من مصادرها المختلفة ويحللها ويناقشها(5) ويكتبها فى صورة مبدئية تسمى "المسودة" وهذه المسودة تخضع للتغيير والتبديل والتقديم والتأخير والحذف والإضافة حتى إذا استقر صاحبها على الصيغة التى يرتضيها، بيضها فى صورة نهائية ينشرها على الناس. وقد يعيد المؤلف النظر فيما كتب ، وقد يعدل عن بعض آرائه فيصدر من كتابه إصدارة جديدة أو طبعة جديدة يصفها بأنها "مزيدة ومنقحة" وتلك ظاهرة صحية لا تعيب المؤلف وإنما تحسب له وتغلى من قدره وتدل على ما يتصف به فكره من تطور ونضج ونماء، وأمانة أيضا.(117/1)
وفى العصور القديمة كان الإملاء إحدى طرق التأليف ، وكان العالم يجلس فى المسجد أو أى مكان عام ومن حوله تلاميذه ومريدوه ، يكتبون عنه ما يمليه فالسيوطى يذكر أن الإملاء كان أعظم وظائف الحفاظ من أهل الحديث (6) وابن النديم يذكر أن ابن الأعرابى "أملى على الناس ما يحمل على أجمال "(7) وتراثنا العربى يحفل بكتب كثيرة تحمل فى عناوينها كلمة "الأمالى" أو "المجالس" وقد أحصاها حاجى خليفة فى كتابه "كشف الظنون" ومن بعده إسماعيل البغدادى فى "إيضاح المكنون فى الذيل على كشف الظنون" وأشهرها أمالى أبى علاء القالى ومجلس ثعلب.
وقد انتشرت مجالس الإملاء فى الحواضر الإسلامية خلال القرنين الثالث والرابع الهجريين وتحدث الخطيب البغدادى فى مواضع متفرقة من "تاريخ بغداد" عن تلك المجالس (8) ووصف ضخامتها وكيف أن بعضها كان يحضره عشرات الألوف وربما تجاوز عدد الحاضرين مائة ألف كمجلس عاصم الواسطى (ت 221هـ)(9) وكان طبيعيا ألا يسمع صوت الشيخ تلك الأعداد الكبيرة من السامعين ولهذا ظهرت فئة "المستملين" الذين يرددون كلام الشيخ وراءه كل منهم يبلغ صاحبه حتى تسمع جموع الحاضرين (10) ومهما تكن فى هذه الأرقام من مبالغة،فإنها تدل على تضخم تلك المجالس لدرجة تلفت الانتباه.
أ.د/عبد الستار عبد الحق الحلوجى(117/2)
#التبتل
لغة: القطع ، والتبتل: الانقطاع ، ومنه: مريم البتول ، أى: المنقطعة عن الرجال ، ومنه أيضا: فاطمة البتول ، ابنة سيد الأنبياء صلى الله عليه وسلم لانقطاعها عن نظرائها من نساء الدنيا حسنا وشرفا.
وقد ورد التبتل فى القرآن الكريم بصيغة "تبتيل" فى قوله تعالى:{واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا}المزمل:18.
واصطلاحا:الانقطاع إلى الله بإخلاص العبادة.
وقد يطلق التبتل ويراد منه الانقطاع عن النساء، وترك النكاح والرهبنة، والتبتل بهذا المعنى منهى عنه فى الإسلام ، وقد رده النبى صلى الله عليه وسلم ولم يأذن فيه ؛ لأنه من باب تحريم طيبات ما أحل الله.
وقد ورد فى الحديت عن سعد بن أبى وقاص:(رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان ابن مظعون التبتل ، ولو أذن له لاختصينا) (صحيح البخارى كتاب النكاح باب 8) ويعنى التبتل عند الصوفية الانقطاع إلى الله تعالى، والتجرد إليه تجردا خالصا، وهو على درجات ثلاث:
- تبتل العامة وهو:الانقطاع عن الناس.
- تبتل المريد وهو:الانقطاع عن النفس.
- تبتل الواصل وهو:تصحيح الاستقامة والاستغراق فى التوجه.
أ.د/أحمد الطيب(118/1)
#التجويد
لغة:مصدر جوّده:أى صيرّه جيدا ، والجيد ضد الردىء(1)
واصطلاحا:إخراج كل حرف من مخرجه ،مع إعطائه حقه من الصفات اللازمة، ومستحقه من الصفات العارضة(2)، فى تلاوة القرآن الكريم.
وعلم التجويد:هو العلم الذى يعرف منه مخرج كل حرف ، وحقه من الصفات اللازمة كالجهر والاستعلاء، ومستحقه من الصفات العارضة كالتفخيم والاخفاء، ثم أقسام الوقف والابتداء، إلى غير ذلك.
وطريق تحصيله رياضة اللسان وكثرة التكرار بعد العرض والسماع بالنطق الصحيح على يد شيخ متقن لقراءة القرآن الكريم.
وحكم العمل به الوجوب العيش على كل مكلف يقرأ شيئا من القرآن ، وحكم تعليم هذا العلم الوجوبا الكفائى مادام هناك أكثرمن عارف به ، وأشهر مباحثه:مخارج الحروف وصفاتها وأحكامها.
وأشهر كتبه قديما وحديثا:الخاقانية لموسى بن عبيد الله (ت 325هـ)، والرعاية لمكى بن أبى طالب (ت 437هـ)، والتمهيد وكذا الجزرية لمحمد بن محمد بن الجزرى (ت 833هـ)، ونهاية القول المفيد لمحمد مكى نصر، من أبناء القرن الرابع عشر الهجرى.
وهداية القارئ لعبد الفتاح عجمى المرصفى (ت 1409هـ) (3) وقد كثرت الأدلة والفتاوى ونصوص العلماء على وجوبه ، ومنها:{ورتل القرآن ترتيلا}المزمل:4. فهذا أمر، والأمر للوجوب.
وفسره سيدنا على فقال:"الترتيل تجويد الحروف ومعرفة الوقوف ". {قرآنا عربيا غيرذى عوج}الزمر:28 ، فمن عوجه بترك تطبيق التجويد فقد ارتكب المحظور.
قرأ رجل:{إنما الصدقات للفقراء}التوبة:60 ، مرسلة، أى بدون المد الواجب ،فقال ابن مسعود:ما هكذا أقرانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرانيها:(للفقراء) فمدها.
فالإجماع على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقرأ إلا بالتجويد، وتلقاه الصحابة عنه هكذا ومن وراءهم على ذلك جيلا فجيلا(4)
قال يعقوب (5):إن من التحريف تغيير الأوصاف من جهروهمس وتفخيم... فعلمنا أن هذا حرام ،وأن ضده وهو التجويد واجب.(119/1)
وقال الشيخ حسنين مخلوف:"وقد أجمعوا على أن النقص فى كيفية القرآن وهيئته كالنقص فى ذاته ومادته ، فترك المد والغنة والتفخيم والترقيق كترك حروفه وكلماته ، ومن هنا وجب تجويد القرآن".
أ.د/عبد الغفور محمود مصطفى(119/2)
#التحليل
لغة:حلَّل العقدة، فكَّها، وحلَّل الشىء:أرجعه إلى عناصره ، وحلَّل نفسية فلان:درسها لكشف خباياها، وتحليل الجملة:بيان أجزائها ووظيفة كل منها. كما فى الوسيط (1).
واصطلاحا:على وجهين ، وجه العموم ووجه الخصوص.
فعلى وجه العموم هو إرجاع ظاهرة مركبة إلى أبسط عناصرها أو أجزائها.
وأما على وجه الخصوص فيستخدم فى علوم إنسانية وطبيعية كثيرة بمعان متعددة، لكنها جميعا ترتبط بهذا المعنى العام.
1- ففى علم المنطق يعتبرالتحليل -بمثابة طريقة لدراسة الظواهر تجزئ الشىء المدروس إلى وحدات متشابهة، إما بالتقسيم المادى وإما بالتفكير فى أجزاء أو صفات الشىء المتمايز كل على حدة.
2- وفى علم النفس فإن التحليل هو تحديد مكونات أية خبرة كلية أو مركبة أو عملية عقلية، ويستخدم لفظ التحليل (اختصارا للتحليل النفسى) للدلالة على منهج ومزاولة التحليل النفسى (وهو ما يطلق عليه تجاوزا:نظرية التحليل النفسى)، حيث تدرس الأحلام والتداعيات غير المقهورة وأحلام اليقظة بتوجيه عدد كبير- من القوانين وقواعد التفسير، وتتمايز أنواع مختلفة من التحليل تبعا لهذا، فالتحليل الفعال هو الطريقة التى لا تقصرفيها المحلل نفسه على تسجيل وتفسير التداعيات الحرة، بل يتدخل بجده وفاعلية ، إثارة ارتباطات ذات دلالة، ومقدما النصح على أساس المحتوى الصريح. وتحليل الذكريات هو بحث التاريخ العقلى للفرد المستمد فى جزء منه من الشخص نفسه ، وفى بقيته من أقرانه ومعارفه.
3- وفى علوم التربية يطلق تحليل المناشط على أسلوب يعمد إلى تجزئة السلوك المركب والمعقد إلى وحدات أصغر، هى أكثر نوعية وتحديدا ، ويستخدم هذا بصفة خاصة فى المفردات الدراسية.(120/1)
4- وفى علوم الاجتماع يستخدم تعبير تحليل الصفة أو الجانب فى الدراسات التى تستهدف إيجاد ذلك الجانب المتميز-من سمة معينة فى مجموعة مدروسة من الناس ،على نحو ما يحدث فى دراسة الثقافات المختلفة، وذلك لتحليل المعانى والصفات المشتركة المرتبطة بالقيم المختلفة. وتحليل المضمون يقودنا إلى دراسات موسعة وشائعة الانتشار الآن فى الدراسات الإعلامية والأدبية، تعنى بتحليل الخطاب الذى يدلى به الشخص على أساس ما يقال لا على أساس كيف قيل ، وبمعناه العام فإن تحليل المضمون قد يكون بمثابة الجدولة الموضوعية للتكرار، التى تظهر عناصر معينة فى النص ألمحلل ، وهو إذن بمثابة اكتشاف وتبويب الأفكار والمشاعر والحقائق والأطر المرجعية وفق خطة منظمة.
5- وفى الطب بصفة عامة يعنى الأطباء بتحليل مضمون شكوى المريض ، للحصول على المعلومات التى تتعلق بعناصر المرض ، ويدربون فى دراستهم الإكلينيكية على القدرة على تحليل ما يتاح لهم من معلومات ، حتى لو كانت ظاهرة البطلان ، فالذى يشكو مما ليس فيه يريد بمثل هذه الشكوى الكاذبة شيئا آخر يستطيع الأطباء استنتاجه ، والوصول إليه بحكم خبرتهم الطويلة بمثل هذه الحالات.
6- وفى الطب النفسى يطلق التحليل المباشر على إحدى الطرق المتبعة فى علاج المصابين بانفصام.
7- وفى حطوم الإحصاء يستخدم لفظ التحليل فى كثير من المصطلحات الإحصائية، ومنها التحليل التوزيعى. أما تحليل متعدد المتغيرات فأسلوب إحصائى يستخدم بكثرة وافرة الآن فى البحوث العلمية والطبية، ويهدف إلى بيان أثر عدة متغيرات وهى تتفاعل معا ، وذلك من خلال عدة طرق مختلفة (كتحليل العوامل المتعددة وتحليل التباين الاقترانى).. أما تحليل التباين فهى طريقة لتحديد ما إذا ثانت الفروق (ويعبر عنها بالتباين) الموجودة فى المتغير التابع تتجاوز ما يمكن أن نتوقعه عن طرق المصادفة.. وقد يعامل كل متغير بدوره على أنه المتغير التابع.(120/2)
8- وفى علوم الصوتيات يطلق تحليل الصوتيات على تجزئة تتابع صوتى إلى وحدات أصغر.
9- وفى علوم الكيمياء يطلق على العملية التى تثبت العناصر المختلفة المكونة لمركب ما، وقد تطرق هذا المعنى إلى تحليل لبول والدم والبراز وسوائل الجسم الأخرى بل وأنسجته فى المختبرات الطبية للكشف عن عناصرمعينة تنبىء عن حالة المرض ، أو نسبة معينة من مكون معين تنبىء زيادتها عن المرض وتطوره.
أ.د/محمد محمد الجوادى(120/3)
#التدخين
- لماذا تدخن .
- تساؤلات .
- وقفات مع أضرار التدخين :
1. أن الدخان خبيث .
2. أنه تبذير .
3. أنه إسراف .
4. أنه قتل للنفس .
5. أنه إلقاء باليد إلى التهلكة .
6. والدخان ضرر .
7. أنه أذى لعباد الله .
8. أنه تعدي على حرمة المساجد .
9. أن رائحته نتنة وكريهة .
10. أن فيه أذى للزوجة .
11. أن فيه حرمان من نعمة النسل .
12. أن فيه ما يساعدك على السعي في دمار أولادك من حيث تدري أو لا تدري .
13. أنت القدوة لأهلك وأولادك فهل تتسبب في إغوائهم .
14. أن شرب الدخان قد يقود إلى العقوق .
15. أن فيه قطع لصلة الرحم .
16. أن الله أنعم عليك بالمال ، وابتلاك به ، فهل أنفقته في حله .
17. إن الحياة وهي قصيرة في الوقت نفسه وأنت بالتدخين تقصرها قصراً يتناسب مع كمية ما تدخن .
18. أن حياة المدخن مهددة بالأمراض والأسقام والأخطار .
19. أن في التدخين تعطيل لنعمة العقل .
20. أن فيه تعريض القلب للدمار ليل نهار .
21. أن التدخين يضعف البصر .
22. أنه من خوارم المروءة .
23. أنه يثقل على المدخن العبادة .
24. أن التدخين يدعو المدخن إلى مصاحبة الأراذل والسفل .
25. أنه يوهن قواك .
26. أنه يدمر نفسك وصحتك .
27. أنه يلقي بصاحبه في براثين السرطان .
28. أنك في تدخينك تتسبب في تسوس الأسنان واصفرارها والتهاب اللثة وتقرحات الفم وتشويه الشفاه وتوسخ الأسنان .
29. أن المدخن يتحسى السموم وهو قرير العين وبمحض إرادته ، ومن خلال التجارب التي أجريت على النيكوتين ثبت ما يلي :
أنه يؤثر على جميع أنسجة الجسم .
أن جراماً واحداً منه يكفي لقتل عشرة كلاب .
أن حقنة منه تقدر بسنتيمتر مكعب كافية لقتل حصان قوي .
أن قطرة منه في فأرة تميتها في الحال .
أن 50 ملليجراماً منه تقتل الإنسان في لحظات .
30. والتدخين سبب لأمراض عديدة .
- الأمور المعينة على ترك التدخين :
1. استحضار أضرار التدخين ، واستحضار حرمته في الدين .(121/1)
2. التوبة النصوح .
3. الإخلاص لله عز وجل .
4. امتلاء القلب من محبة الله جل وعلا .
5. الاستعانة بالله .
6. استحضار الثمرات الحاصلة بترك التدخين .
7. مقارنة اللذة الموهومة بالضرر البالغ .
8. العزيمة الصادقة .
9. الإرادة القوية .
10. الصبر .
11. المجاهدة .
12. علو الهمة .
13. لزوم الحياء .
14. المحافظة على الصلاة مع جماعة المسلمين .
15. الصيام .
16. الدعاء .
17. الإكثار من تلاوة القرآن .
18. الإكثار من ذكر الله تعالى .
19. الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم .
20. تجنب الفراغ .
21. النظر في العواقب .
22. الوقوف مع النفس .
23. الحذر من اليأس .
24. البعد عما يذكر بالتدخين أو يغري به .
25. البعد عن رفقة السوء .
26. مجالسة الأخيار .
27. لا تلتفت إلى هؤلاء .
28. التدرج ، ومن ذلك :
ترك المجاهرة .
تجنب مجالس المدخنين والبعد عما يغري بالتدخين .
المكث في أماكن تعينك على ترك التدخين .
استعمال البديل المناسب .
29. عرض الحال على من يعين .
المرجع : رسائل في التربية والأخلاق والسلوك – محمد الحمد – دار ابن خزيمة – صـ 249 .(121/2)
التربية الإيمانية للدعاة-الجزء الأول
التربية الإيمانية للدعاة-الجزء الأول
مقدمة:
· في أول شبابي، يوم كنت صغيراً بعد في عداد ناشئة المساجد، وفي وقت مبكر قبل أربعين سنة: فطمتني عن اللهو تلك الهزة النفسية التي سادت الأمة عقب ضياع فلسطين، واستبدت بي عزائم الجد التي كانت تتصاعد كلما قرأت رسالة من رسائل فكر الدعوة الإسلامية، فلم أتردد في الاستجابة لأول داع يدعوني إلى " الدار "، دار الدعوة.
· دخل بعد صلاة المغرب، فإذا شاعر الدعوة الإسلامية الأستاذ وليد الأعظمي يتوسط شباباً يقربون من عشرين يتدارس معهم فصلاً من " الترغيب والترهيب " للحافظ المنذري.
· منذ ذلك اليوم القديم كان يعظني ويعظ شباب جيلي.
· كان يقف وقفاته المباركة في الجموع الحاشدة في حفلات المساجد وغيرها، فيزمجر تارة، ويرفق في أخرى ويتلطف، يتنقل بين معاني الخير، ويغرس غرسه في القلوب، كأن يقول:
كن رابط الجأش وارفع راية الأمل *** وسر إلى الله في جد بلا هزل
وإن شعرت بنقص فيك تعرفه *** فغذ روحك بالقرآن واكتمل
وحارب النفس وامنعها غوايتها *** فالنفس تهوى الذي يدعو إلى الزلل
· وكان أن استقرت مواعظه في قلبي، فنشأت معتقداً وجوب أنماط التربية الإيمانية في الطريق الدعوي.
· وأن تجاوزها إلى الشكل السياسي المحض محفوف بالمخاطر.
· وقد ينتج أفئدة فيها قسوة، ليس لها من الصفاء وفرة نصيب، ويؤدي إلى رجحان النفس الأمارة بالسوء على النفس الزكية.
· وكل من يفقه آداب الإسلام وسننه يدرك تماماً أن هذا السوء المعني ليس من شرطه أن يكون حالكاً ثقيل الوطأة موغلاً في الإغراب والإيذاء، وإنما يكفيه أن يكون لمماً وصغائر وحالات ريائية وتحاسدية، مثلا.
· إن الميزان الإيماني حساس جداً، ولفظ السوء يشمل هذه الأمراض القلبية، ومن ثم لزم أن يكون محيط الدعاة بريئاً منها، بعيداً عنها.
من أهم جوانب التربية ما يلي:
1- البعد عن الغفلة(122/1)
· يجب وراثة الرعيل الدعوي الأول في التربية.
· هنا نرفع شعار " الاكتمال من خلال تغذية الروح بالقرآن الكريم والسنة المطهرة ".
· كان أبو مسلم الخولاني رحمه الله قد دخل مسجداً، فرأى فيه حلقة ظنهم في ذكر، فجلس إليهم، فإذا هم يتحدثون في الدنيا، فقال: "سبحان الله! هل تدرون يا هؤلاء ما مثلي ومثلكم؟ كمثل رجل أصابه مطر غزير وابل ، فالتفت فإذا هو بمصراعين عظيمين ، فقال: لو دخلت هذا البيت حتى يذهب عني أذى هذا المطر، فدخل، فإذا بيت لا سقف له. جلست إليكم وأنا أرجو أن تكونوا على خير، على ذكر، فإذا أنتم أصحاب دنيا " .
· وقد أسرني هذا المثل، وتجلت لي فيه حالة رهط الدعاة إذا غفل ولم ينشغل بالتربية، وكثر فيه ذكر الأموال والأسعار والنساء والسيارات.
2- القناعة
· جاءت الآيات في القرآن زاجرة، تدعو إلى القناعة.
· قال تعالى: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى }طه131..وقوله تعالى: { أزواجا منهم } : أي أصنافا من الكفرة أو الفسقة.
· لقد شدد المتقون في وجوب غض البصر عن أبنية الظلمة وعُدَد الفسقة، في ملابسهم ومراكبهم، حتى قال الحسن : " لا تنظروا إلى دقدقة هماليج الفسقة، ولكن انظروا كيف يلوح ذل المعصية من تلك الرقاب !!" ).
· وأنا وإياك لفي غنى عن معرفة لفظ غريب في كلام الحسن البصري، لنتجاوزه إلى رؤيته للظاهرة الواضحة في مواعظ الحياة، والتي لا يلحظها غير مسلم يصون نفسه، وهو تمييزنا لذل المعصية الثقيل على رقاب أهل الدنيا، فلقد صدق رحمه الله، وإنها لمسحة تعلو المترفين واللاهين فيسفلون، إذ طائع ربه العابد يسمو نحو المعالي.
· إننا نريد أن نعيذك بالله من الغفلة والركون إلى زهرة الحياة الدنيا ، ليس غير.(122/2)
· يجب على المسلم على أن يسعى ويسيطر على حصة الإسلام في الأسواق والمزارع والمصانع، ولكن ليكون المال في يدك .. لا في قلبك، وعلى نية منافسة حصة الفسوق والعصيان.
· إنك لتتقلب في البلاد العريضة، وتهاجر، وتقيم وتسيح، وتتاجر، وتتصدى لأنواع من الخير تظنها، وتطلب التمكين، وترجو السطوة والعز، فأنت وما يوفقك الله إليه، لا نحسدك على فضل تناله، ولا ننهاك عن طلب ثروة وسعة، ولا نسألك كشف حساب أو ضريبة أو حصة إرث، وإنما نسألك - أيها الأخ العزيز - عن دينك وتوحيدك وتوكلك وإخباتك ونوايا المعروف، ونتشبه بحرص يعقوب عليه السلام لما سأل البشير:
? كيف يوسف ؟
? قال: هو ملك مصر!
? فقال: ما أصنع بالملك؟ على أي دين تركته؟
? قال: على دين الإسلام.
? قال: الآن تمت النعمة .
3- الاستقامة
· قال تعالى : {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }{112} {وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ }هود112-113.
· يعني: فاستقم أنت، وليستقم من تاب عن الكفر ورجع إلى الله مخلصا.
· عن الحسن: جعل الله الدين بين لائين: ولا تطغوا، ولا تركنوا.
· الطغيان : كل مجاوزة للحد تؤدي إلى الغفلة والإعراض عن الذكر.
· الركون إلى الظالم : يتناول صوراً كثيرة، وليس هو أن نكون من جنده فحسب، بل ورجاء خير منه أيضاً، والثقة به، وطلب نصرته لنا، وتمني مثل ما عنده.
· إن الواعظ ليدرك ثقل مثل هذه المعاني على النفوس التي تقادم عهدها في درب الإسلام، كأنها تتكبر عليها وتظن أن قد تجاوزتها، ولكن المجرب يدرك أن الشيطان يترصد، وله غزوات، وماذا على موعوظ إذا تقبل هذه الكلمات الممنوحة له مجاناً فادكر ورأى اللاءات القرآنية ثانية وثالثة كما رآها أول مرة.
· كان يقال: (النصيحة منيحة، تدرأ الفضيحة)(122/3)
· وكم من فضيحة غشيت مسلمين وثقوا بظالم وظنوا أن بيده مفتاح الفرج! ففريق منهم يثق بظالم فاسق من أبناء جلدتنا، وفريق يثق بظالم كافر يأتي من وراء دار الإسلام، وفاز وَقَّافٌ عند حدود الحلال والحرام واستعلى على جميع الظالمين وفاصلهم مفاصلة قلبية ولسانية وعملية .
4- الخوف
· ولذلك كان من موازين الحسن البصري رحمه الله: ترجيح مذهب التخويف في التربية، احتياطاً وتعجيلاً في الاستدراك، فيقول : ( لأن تصحب أقواما يخوفونك حتى تبلغ المأمن: خير لك من أن تصحب أقواما يؤمنونك حتى تبلغ المخاوف).
· ولا تستغربن ذلك، كأنك لست المعني، أو كأن جيلك بدعة في الأجيال، أو قومك ليسو على طبائع من سلف من الأقوام، بل النفس هي النفس دائما، وشكل عنفوانها واحد : يرخى لها، فتستكثر، وتستطرد، فتستكبر، وتغفل، فتخرج إلى ظلم، حتى يغلب على القرية الظلم، وتكون متمردة على وصايا الأنبياء، فيأتيها الحصاد. وكان يأتيها في الأيام الغابرة في صورة حجارة من السماء، وهو يأتي اليوم عبر هزة اقتصادية، أو حرب، أو تفكك اجتماعي، فيكون الضيق من بعد دهر من الترف.
· قال تعالى: 11 {وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ{11} فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ{12} لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ{13} قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ{14} فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ{15} الأنبياء11-15. أي لا تركضوا وارجعوا إلى منازلكم وأموالكم لعلكم تسألون مالاً وخراجاً فلا تقتلون.
5- التحذير من الفتن
· كان الفقه الإيماني يرتكز على التفريق بين نفسين، والتحذير من اللهو أو السدر في السهو، ومقاربة أسباب الفتنتين، في دعوة للعلو، وخوف من الهبوط.(122/4)
· ذلك هو الذي جعل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يكثر التخويف، استنباطاً من مثل قوله تعالى : {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ }{10 }{الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ }الذاريات11-12 .فيقول: (أي ساهون عن أمر الآخرة، فهم في غمرة عنها، أي فيما يغمر قلوبهم من حب الدنيا ومتاعها، ساهون عن أمر الآخرة وما خلقوا له. فالغمرة تكون من اتباع الهوى، والسهو من جنس الغفلة.
· لهذا قال من قال: السهو: الغفلة عن الشيء وذهاب القلب عنه. وهذا جماع الشر: الغفلة والشهوة.
· الغفلة عن الله والدار الآخرة: تسد باب الخير الذي هو الذكر واليقظة.
· والشهوة: تفتح باب الشر والسهو والخوف، فيبقى القلب مغموراً فيما يهواه ويخشاه، رائداً غير الله ، ساهياً عن ذكره، قد اشتغل بغير الله، فانفرط أمره، وران حب الدنيا على قلبه.
· وواصل صاحبه ابن القيم رحمه الله طريقته، فيقول في مثل قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا }{9 }{وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا }الشمس10:(المعنى : قد أفلح من كبرها وأعلاها بطاعة الله وأظهرها، وقد خسر من أخفاها وحقرها وصغرها بمعصية الله).
· أصل التدسية: الإخفاء، ومنه قوله تعالى: { يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ }النحل59 ، فالعاصي يدس نفسه في المعصية، ويحمي مكانها، ويتوارى من الخلق من سوء ما يأتي به، قد انقمع عند نفسه، وانقمع عند الله، وانقمع عند الخلق.
· فالطاعة والبر تكبر النفس وتعزها وتعليها حتى تصير أشرف شيء وأكبره وأزكاه وأعلاه، و مع ذلك فهي أذل شيء وأحقره وأصغره لله تعالى، وبهذا الذل حصل لها هذا العز والشرف والنمو.
· وكان ابن الجوزي رحمه الله يرى أن: من نازعته نفسه إلى لذة محرمة فشغله نظره إليها عن تأمل عواقبها وعقابها، وسمع هتاف العقل يناديه: ويحك لا تفعل، فإنك تقف عن الصعود، وتأخذ في الهبوط، ويقال لك: ابق بما اخترت. فإن شغله هواه فلم يلتفت إلى ما قيل له: لم يزل في نزول.(122/5)
· ثم رفع صوته ينادي : ( فالله الله في حريق الهوى إذا ثار، وانظر كيف تطفئه . فرب زلة أوقعت في بئر بوار، ورب أثر لم ينقلع، والفائت لا يستدرك على الحقيقة، فابعد عن أسباب الفتنة، فإن المقاربة محنة لا يكاد صاحبها يسلم ).
· فلئن كان الإجماع في فقه الأموال: إجماع الصحابة، أو إجماع جيل من أجيال المسلمين إذا وقعت بهم نازلة غريبة، فإن هاهنا في فقه الأحوال يتراكم إجماع الصحابة والتابعين وجميع الأجيال، وكان عبدالوهاب عزام يصر على هذا المذهب التربوي فليس يحتاج إلا إلى لمسة ليستدرك أو يقصد الخير بعد كل ضياع، وروى تجربته في ذلك:
تسفل النفس بالصغائر حينا ***** وتضيق الحدود والآماد
فأحل القيود عنها فتسمو ****** فإذا بي الآزال والآباد
خاتمة:
· في هذا تقرير لحقيقة إيمانية مهمة: أن مذهبنا في الخوف من الغفلات حق، ولكن هناك حقيقة أقوى من ذلك وأظهر وأجلى: أن الله يؤيد المؤمن بالعزائم، فتكون إرادته أقوى من نداء الشهوات، ومن هنا نستطيع أن نضع قاعدة في التربية الإسلامية: إن المؤمن يليق له أن يثق بنفسه، وأن يحسن الظن بها، وأنه مؤهل للأعمال الجليلة التي ندبه الله لها، من خلافة في الأرض، وإصلاح بين الناس، وتقويم كل اعوجاج، وما الخوف إلا طبيعة رقابية تتولى الحفظ والتنقية من الشوائب، لأن المحيط فيه غبار، الشيطان يثيره، ولأن الطريق فيه عثار، إبليس يمد رجله بين أرجل الراكضين ...
المرجع: نحو المعالي-محمد أحمد الراشد.(122/6)
التربية الإيمانية للدعاة-الجزء الثالث-ضعف الهمة في بعض مجتمعات الدعاة
التربية الإيمانية للدعاة-ضعف الهمة في بعض مجتمعات الدعاة
مقدمة:
· دعاة الإسلام على خير كثير بفضل الله تعالى.
· والدليل على هذه الخيرية الوافرة الجميلة : ما عندهم من حساسية إيمانية.
· تجدهم في سؤال دائم، عن ظاهرة ضعف الهمة: ما أسبابها وما علاجها؟
· إن هذا السؤال المتكرر يكشف لوحده عن همة ضافية، والقرينة تصرف الطلب إلى طلب كمال الهمة، ودرجاتها العالية، وطورها النموذجي.
· فإنهم إذ يسألون، يسدر غيرهم من المسلمين في الغفلة.
صور من فضائل دعاة الإسلام:
· إن المفتش عن صور العمارة الإيمانية المأثورة عن السلف، من مجاميع زهاد يتجردون، أو أرهاط أقوياء يجاهدون، أو عشاق جنة يتهجدون: يجد الدعاة في هذا العصر قدر ورثوا أكثر بقاياها، واستبدوا بالحظ الأوفر من أسهمها.
· وغيرهم يقتتل على أسهم الشركات لا يدقق حلالها من غررها، ويلهيه الصفق بالأسواق، يستهويه نشاز ضجيجها وصخبها، أو تشغله المناصب ومفاتن النساء، وربما كان أعلى السائبين همة من يلهو بالمباح، ويظن أن التعفف عن الحرام أبعد المناقب وأشرفها، وإنها كذلك، لولا أن إنكار المنكر أشرف منها.
· إن دعاة الإسلام اليوم، ومن على سنة التربية منهم بصفة خاصة: ليس فوقهم إلا الملائكة، بما لهم من نقاء قلب وطهارة جوارح، وغيرهم من الناس يأكل قلوبهم التحاسد، ويعمّهم التحايل، ويتربص بعضهم بعرض بعض وبماله، حتى لا يأمن الرجل ابن عمه فضلا عن جاره.
· بل يتميز دعاة الإسلام حتى وفق المقياس المدني، فإن أحلام الفلاسفة المثاليين القدماء قد تبددت، ولا يمكن أن يجدوا اليوم رجالاً تنطبق عليهم أوصاف المجتمع الفاضل الذي دعوا إليه في غير المتدينين . بل حتى أخلاق فروسية العصور الوسطى آلت إلى الاندثار، من النجدة والشهامة والمروءة، ولم تعد مجسدة في غير دعاة الإسلام.(123/1)
· لقد كان فضل الله علينا عظيما، ثم فضل التربية الدعوية التي ألهمها الله الرعيل الأول الذي أشاعها، حتى بتنا مرفوعي الرأس نتباهى بشرفنا وميزاتنا، ولكن مع ذلك يبقى السؤال عن علاج اللامبالاة والفتور وضعف الهمة سؤالاً واقعياً، والجواب عنه واجب، وذلك لأن طلب الكمال سنة المؤمن، واتهام النفس بالتقصير علامة إيمانية، وإنما كان فخرنا بالخيرية والسمو على أناس يشوبهم النفاق لا على قوم مؤمنين.
تحليل أسباب ضعف الهمة في بعض مجتمعات الدعاة:
· كذلك تظهر واقعية السؤال من باب آخر: إن مجتمع الدعاة على طبقات، منهم القدوة السريع الهمام، ومنهم المقاد المتثاقل، والواجب أن نمد يدا من المساعدة جاذبة، وأخرى ماسحة حانية، لهذا الثاني البطيء.
· أن النفوس مختلفة، لكل نفس هويتها الخاصة التي لا تكاد أن تشابهها نفس أخرى، حتى لأنها مثل بصمات الأصابع في دلالتها على هوية الشخص، لا تتكرر أبدا، وإن كانت تتقارب، فهناك لكل شخص (هوية نفسية) يجب أن نفحصها ونتعرف عليها قبل أن نحكم عليه في قضية يتعلق الحكم فيها بهذه الهوية ويتأثر بنوعيتها، وقضية الفتور في العمل الدعوي من ضمن هذه القضايا.
· وإنما تنشأ اختلافات النفوس من حقيقة أن كل نفس هي عبارة عن (خلطة) أو (مزيج) أو (تركيبة) من صفات شتى متضادة، صفات خير، وصفات شر.
· فمن جانب توجد الشجاعة، ويوجد الكرم والحلم والصبر، وبقية الصفات الإيمانية الحسنة، ومن جانب آخر يوجد الجبن والبخل والحسد وسوء الظن وبقية الصفات السيئة، ويختلط مقدار من هذه وهذه في بوتقة واحدة وبمقادير معينة، فتكون نفس فلان، وبمقدار آخر، فتكون نفسية أخرى.(123/2)
· إن (الخلطة) الواحدة التي تتكون منها نفس شخص ما ليست دائمة، بل لها تغير كبير واضح في كل حقبة، وأصغر منه في كل سنة، وأصغر منه في كل موسم، وأصغر منه في كل يوم، ولو كانت النفوس جامدة لا تقبل التغير لما كان للوعظ دور، ولا للتربية معنى، لكن أغلب هذا التغير إنما يكون بالتطبع وقسر النفس على الظهور بمظاهر معينة والقيام بأعمال ثقيلة عليها، وإن كان طول التطبع قد ينسي النفس طبعها القديم وتتحول المغالبة إلى عادة ميسورة.
· من هنا ينتفي صواب وصفة مطلقة للعلاج، بل لا بد من دراسة ميدانية للظواهر العامة وتشخيص أسبابها وتاريخ ظهورها، ولا بد من إقامة علاقة ثنائية مباشرة قبل الإفتاء في الظواهر الفردية الخاصة تتيح اكتشاف جذورها .
· تعلق المسألة النفسية ببقايا الفطرة في كل شخص كمثل تعلقها بالإيمان المكتسب، وهذا المعنى مستفاد من قول النبي صلى الله عليه وسلم : (الناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا) . فالذي لا يسعفه أساس فطري متين لا يرقى به إيمان مستحدث لأكثر من الدرجات الدنيا، ويبقى العلو صعباً عليه، وقد تكون الفطرة في شخص ما متلاشية ليس لها بقايا، وهي في الأنبياء أوفر ما تكون، باقية بتمامها، ويشير إلى ذلك قول جبريل عليه السلام: " أخذت الفطرة "، لما مد النبي صلى الله عليه وسلم يده إلى اللبن في المعراج وترك الخمر، وما بين الأنبياء وأصحاب الفطر المتلاشية درجات لا حصر لها .(123/3)
· يوجد عنصر مؤثر ثالث غير الإيمان والفطرة، وهي المنح الربانية المحضة لمن يحسن إيمانه، مثل الإلهام، وصدق الرؤيا، وصحة الفراسة، والمحبة أو المهابة التي تلقى في قلوب الناس لمؤمن ما، وأنواع أخرى من الكرامات المعنوية، وهي من فروع الإيمان وثمراته بلا شك، لكنها فرع مستقل مكافئ، وهذا الاستقلال آت من أن حصولها لا ينضبط زماناً أو كمية وفق القوانين الحياتية الظاهرة المحسوسة التي يمكن أن تعرف بالقياس والمشاهدة والاستدلال وحتمية الارتباط بين المقدمة والنتيجة، وأمثال ذلك، وإنما تحصل بفضل بحت من الله تعالى، وصحيح أنها إنما تمنح لأهل الإيمان العالي، لكن هذه القاعدة لا تخضع لقياس، لأن الإيمان سر، ولا يدري حتى المؤمن نفسه في أي أجزاء الإيمان وأخلاقه تكمن الأهمية، لأنها متعلقة بالظروف المحيطة وبالأشخاص المقابلين الذين يتعامل معهم المؤمن، وقد تكون كلمة معروف في آن تجاه شخص، أو حكم بعدل : أفضل من عبادة طويلة، مثلا ، وكذلك ستر مؤمنة بل أنثى ولو كافرة، ويشهد لهذا وصف النبي صلى الله عليه وسلم للكلمة التي تدخل قائلها الجنة أنه (لا يأبه لها)، وتتوالى ظنون الخير في أفعال الناس - بل المؤمنين - حتى ليغفر لمومس تسقي كلبا، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وكل ذلك من فضل الله عز وجل، ليس عليه بواجب كما توهم بعض المبتدعة، بل إن شاء.(123/4)
· إن (خلطة) الصفات هذه لا تكون اكتيالاً لكل ما هو محمود منها، جزافاً دون اختيار ومقدار، وإنما يجب أن يحل التناسب بينها إن لم يكن التكافؤ والانتقاء، فإن في القلب قناة وحيزاً لكل صفة فاضلة، لو فرغ منها وملأته صفة أخرى تضاعف حيزها ومكانها لحصل طغيان في تلك الصفة زائد عن حد الاعتدال، فيخرج المرء إلى تطرف، ففي القلب مثلاً أماكن للشجاعة والكرم والصبر والحلم، فما من مبالغ في صفة من هذه الصفات إلا كانت مبالغته على حساب الصفات الأخرى، ناحتة منها، وقد أشار الإمام الغزالي إلى قريب من هذا المعنى، وقد يكون هذا هو سر لغز انهيار بعض المبالغين في الحماسة والمناوشة والتحدي وحب الصدام عند المحن والفتن، لأن صفاتهم هذه نحتت من صبرهم وأزاحته وسكنت مكانه، واختل التوازن الكمي في خلطة صفاتهم، والله أعلم.
· إن هذه الحياة لا تؤثر فيها الصفات النفسية الإيجابية فقط، بل يؤثر فيها السلب أيضاً، بقدرة الله تعالى، فالمظلوم المتحرق، والحزين المنكسر، والملهوف المشتاق، والتائه التواق، كل أولئك في تعطل وانعزال وانسحاب وسكون وتسليم، لا يقدرون في أكثر الأحيان على شيء من المدافعة واتخاذ الأسباب، فإذا فوضوا أمرهم إلى الله تعالى: انتصر لهم بلا فعل منهم غير المعنى الذي تفور به قلوبهم، حتى الكافر ينتصر الله له من ظالمه.(123/5)
· يجب أن لا نتعسف في نسبة فتور لداعية في ميدان لم يخلق له، بل كل ميسر لما خلق له، وليس الاتصال بالناس ونشر الدعوة بينهم هو المقياس الوحيد لجدية الداعية، بل يمكن أن يكون موهوبا في الفقه، فانسب له الفتور في التفقه إن عطل ذكاءه وموهبته، ويمكن أن يكون موهوبا في الأدب، ولك أن تفتش عن أسباب قلة كتابته وانسداد قريحته، وقد يكون ماهرا في التحليل السياسي، فتستغرب أن لا يكتب التقارير أو المقالات، أما أن تريد من الشاعر دق أبواب الناس، ومن السياسي التشمير مع الناشئة ورحلاتهم وتجوالهم، فقد أرهقت نفسك مثلما أرهقتهم.
· إن التحقيق الذي يقترن به استحضار هذه الموازين في فهم النفس وأحوالها وما ينتظر لها أو يوهب لها: يبدي أن دارنا ليس فيها متهم، بل الكل ثقات، والجميع نبلاء، ولكن الهموم استولت فربطت أقداماً مسرعة، ولفت أشرعة مبسوطة، وأثقلت أجنحة لطالما رفرفت.
· إنها زيادة هم استولت فدوخت، ليس ثم كسل وتفريط وفتور ونقص همة.
· نعم، هناك فتور وضعف في الهمة، لكنه لا يظهر كعائق نفسي أصيل، وإنما هو ظاهرة عرضية جانبية لواقع صعب، والكشف عن الأسباب والجذور المكنونة لهذا الواقع وتشخيصها أول العلاج، وثم مبتدأ الجواب.
· قد يكون الداعية مشتاقاً للبذل، محبا للعمل، لكن تعقله متاعب تثيرها زوجه، أو رسوب في امتحان، أو خسارة في تجارة، أو علاقة متوترة مع رئيس في المهنة.
· وهل من داعية اليوم تخلو حياته من أن يعكرها ظلم مركب متعدد الأنواع، من بين قتل قريب أو حبيب، أو سجن حتى قضبان الزنزانة تمل من طوله وتضجر من قسوة وراءها، أو تشريد إلى دار هجرة يقل فيها مورده من بعد عز، ويضطر فيها أن يداري، ويغض الطرف ويسكت ، وقد كان هو من قبل أستاذ الصراحة، فصيح اللسان رفيع الصوت؟
· وأي داعية أصبح لا يقول للصعلوك الثوري في بلده، أو للحدث الحالي في دار هجرته: أيها الأستاذ، وأحدهما لا يساوي فلسين أحمرين؟(123/6)
· وأي داعية ليست تعركه مشكلة الوثائق وجواز السفر والإقامة والغرامات ومقابلة مانعي حقوقه؟
· وأيهم لم تفركه تعقيدات أحوال الأولاد في المدارس؟
· وأي مهاجر مشرد لا تشتاق زوجه إلى أمها وأخواتها وبنات عمها ولا تخنقها العبرات؟
· وأي رجل تموت أمه ولا يحضر جنازتها ثم يصبر، ويموت أبوه ولا يصلي عليه؟
· هذا كله إذا كان عديم الإحساس بقضايا الأمة، ولا يقشعر جلده لمذابح بورما والبوسنة، ولا تستفزه مأساة الأفغان، ولا تفجر شفقته مجاعة أفريقيا.
· إنها بطولة حقيقية أن يصمد داعية أمام كل هذه الضغوط النفسية، الخاصة والعامة، وأن لا ينهار، وقد أرته السنون نجوم النهار...!
· ويتوهم بعض الأخوة حين يظنون أن هذا النمط من الاعتذار عن أصحابهم والتوكل عنهم في التعبير عن أحاسيسهم وقضاياهم نوعاً من التلقين لهم، وتشجيعا للفاترين أن يفلسفوا برودهم، وأن الحث أولى، والإدانة أدعى.
· ولسنا نرى ذلك، فإنا إنما أردنا إثبات منقبة أولئك العاملين الذين ما زالوا يحلقون في الأجواء العالية ويسرعون في المدارج الصاعدة، فإنهم شركاء الفاترين في التعرض لكل تلك المتاعب، لكنهم تجاهلوها وتحدوها فكانت نفوسهم أكبر من هذه المثبطات، وفي الإشارة إلى منقبة هؤلاء موعظة لأهل الفتور أبلغ من التبكيت، إذ هي قصص يومية من التسامي على الظروف المعاكسة تدعو لاقتداء والتحاق بركب الجد واحتقار المصاعب والصبر على المكارة والنظر إلى أجر هو في الآخرة جزيل، وتطرد هذه المنقبة حتى لمن لم تصبهم بحمد الله محنة من أهل بلاد الغنى والترف، مثل الخليج، فإن المتجردين من الدعاة فيها، وفتنة المنصب الحكومي والجاه المتاح، ليستا أقل تسبيباًَ للفتور من المصاعب والآلام، وفي التعالي عليهما منقبة وبطولة.
· ليس المقصد في هذا تبرئة الفاترين والذين ابتلوا بأمراض أخرى.(123/7)
· إن المقصود: أن الملامة لا تحرك متكاسلاً، ولا تشفي مريضاً، وأنه لا بد من التحول إلى التفتيش عن الأسباب الخفية ومعرفة الثغرة التي ولج منها الألم فأقعد، أو تسللت منها اللذة فأذهلت.
· إن بعض الفتور غير نفسي، وإنما تتهم في تسببه خطط التشغيل، وهذا مبحث تستوفيه الآراء المطروحة حول عوامل الجدية الجماعية، وفي ذلك إشارة إلى أن قضية الفتور لا يستوعبها نظر واحد من زاوية واحدة، بل يجب النظر إليها من زوايا كثيرة، وزاوية النظر هاهنا في هذا الكلام هي الزاوية النفسية.
· لكن كل هذا النضال عن القوم الذين ظلموا ففتروا فتوهم العاملون ضعفهم وتسيبهم لا ينفي وجود أفراد في الصف ألهتهم عن الجد أمراض القلب، وركن بهم حب الدنيا عن نجدة إخوانهم المسلمين، ولو أنكرنا وجود هؤلاء لوقعنا في المبالغة المذمومة والمغالطة المفضوحة، لكنهم العدد الأقل، ويبقى ميزان التفتيش عن خلفياتهم النفسية صحيحاً أيضاً وضرورياً للكشف عن أسباب فتورهم، فمنهم من تجده حسن التوجه ويفهم الدعوة، لكن قلبه ما زالت تعكره بقية من حسد يشغله عن العمل الصالح إذا ربح قرين له ربحاً تجارياً أو نال مركزاً مرموقاً. ومنهم من يعشق الرئاسة والصدارة، فيظل ساخطاً إذ أبعد عنها، فيصرفه سخطه عن التصدي لإرشاد الناس، وكل خلق آخر مذموم يمكن أن يؤدي إلى شكل من أشكال الحياة السلبية، وهؤلاء الرهط تنفع معهم الموعظة، فتكون بالإيماء، وإلا فبالصراحة وإلا فبالخشونة والتقريع، ولن ينفك مخلص عن اتعاظ إذا كان معدنه صافياً ولم يزد ذهوله عن أن يكون غفلة اعترت، وذو الشوائب يبتئس ويتعالى على النصحية، فينتكس، وليس الصف عليه بحريص، ونتأول لأنفسنا أنها تجربة تجميع معرضة للخطأ والصواب، أصابت كثيراً، والبركة فيمن ثبت وتواضع وانشرح قلبه لوجود ناصح له، وأخطأت قليلا، وسلوتنا أن السيرة المطهرة لم تبرأ من ظاهرة المخلفين.(123/8)
· كل هذه الموازين سهلة الاكتشاف والتطبيق إذا كانت الأخلاق المستولية على الشخص المدروس من الأخلاق المشهورة والصفات الواضحة الرئيسة، محمودة كانت أم سيئة، لكننا نكون أحياناً إزاء حالة مشكلة إذا كانت الصفات المسببة من الصفات الخفية.
· من أمثال ذلك: ضيق الداعية ذرعاً بمن يخالفه في الرأي، وعدم استيعابه له: هو من الأخلاق الخفية، وسبب عزوف المخالفين عن العمل.
· وكذلك: قسوة الأمير على أعوانه، وفهمه وجوب الطاعة بشكل يابس، هو من خفي الأخلاق، وتسبب النفور الذي هو أبعد من الفتور، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين رحيما، والرحمة وخفض الجناح تليق لكل أمير.
· كذلك يحل بالأتباع إزاء هذين الخلقين ما هو مثيل لهما في السوء، فبمقابل ضيق الداعية برأي المخالفين يكون إلحاح التابع، وطول نفسه في الجدل والاعتراض حتى لكأنه يتنطع. وبمقابل قسوة الأمير يكون إسراف المقود في التفلت وعدم الاكتراث بالنصيحة وكثرة استنباط الأعذار وطول التشكي، وما إلى ذلك .. وإنما أردنا من هذين المثالين وعكسهما الإشارة إلى أن نقص النفس المؤدي إلى الفتور يكون في الطرفين، وليست الإمارة شهادة عصمة، ولا الانقياد مبرر تدلل واتكال.(123/9)
· ومع ذلك فإن الحذر في التشخيص واجب، إذ أن بعض حالات الفتور هي حالات وقتية طارئة، وعلينا أن نستقبلها كظاهرة طبيعية دونما جفلة واستكبار، وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن ( لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة) ، والشرة: أقصى الجد، ومن بعد كل جد فتور، وهذا يعني أن حياة المؤمن ضفيرة من سلسلتين، سلسلة جد وسلسلة فتور، تتداخلان، فبين كل جدين فتور، وبين كل فتورين جد، والإيمان يزيد وينقص تبعا لذلك، ولأسباب أخرى علمها عند الله، أي كأن هناك ثوابت نفسية تسبب الشرة والفتور وتعاقبهما، لكن الأخلاط المتأرجحة غير الثابتة ترجح مدة ودرجة كل منهما، وقد رصد بعض الصحابة للقلوب إقبالا وإدبارا، فأوصى بإلزامها العمل عند إقبالها، والرفق بها عند إدبارها.
العلاج:
· فإن كان التشخيص فليكن العلاج الرفيق، وقد غلط الصوفية إذ سنوا سنة عقابها بحرمانها من المباحات، والإثقال عليها في الأعمال، يريدون استدراك تفريط الماضي بمضاعفة واجباتها، ومثل هدا الإرهاق قد يؤدي إلى نتيجة عكسية وإلى ملل بعد حين قد يجر إلى نكوص، والمنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى.
· أما أن بعض النماذج تتحمل الأثقال فتلك هي النفوس القوية، وحين يضرب عمر بن عبدالعزيز لها مثلا أو أضرابه فلكي يكون رمزاً لو كنا على عشر ما كان عليه لكنا على خير وافر، وأما حرفية الاقتداء فتلك أمنية بعيدة المنال، يهب الزمان لها واحداً في الأمة على مدى قرن، ولكن نسدد ونقارب، والناس كإبل مائة، هزال مترنحة مسترخية، وراحلة شديدة سباقة واحدة.(123/10)
· فإن لم يكن إرهاق النفس سائغاً، ولا انتظار النفس الرمزية وارداً: لم يبق لنا إلا الطريق الأوسط الأقرب، طريق تلاوة القرآن، والصلاة، واللبث في المساجد، وحلق الذكر، وتهجد الثلث الأخير، وزيارة القبور، ومجالس العلم، وغدوة النهي عن المنكر إذا انطلق، وروحة أمر الأصحاب بالمعروف إذا آب، وعلى هذا دل الهدي النبوي الشريف، ومن لم تحلق به روحه إذ هو على حصيرة المسجد البالية فلن يطير به بساط السندباد.
· إن علاج الفتور لا يكون بتقريع، بل بانتصاب البعض قدوات، والقدوة إمامة بلا إمارة، وعنوان بلا تسمية، تنبثق تلقائياً دونما تكلف أو إشارة، وليس شرف من يوفق للتأسي بأقل من شرف مؤمن رائد استتم له النبل فصار بموضع الأسوة.
· والدعاء من قبل ومن بعد هو الذخيرة، يتذلل بها الداعية بين يدي رب غفور ودود كريم لطيف، هي أول الطريق، وهي آخره، فليحرص عليها الدعاة، وليقولوا مثلها: تفتح لهم نفوسهم بعد إغلاق، وتفتح لهم قلوب الناس بعد إدبار، وتفتح لهم قلاع العدو بعد امتناع.
المرجع: نحو المعالي-محمد أحمد الراشد.(123/11)
التربية الإيمانية للدعاة-الجزء الثاني
التربية الإيمانية للدعاة-الجزء الثاني
مقدمة:
· يلحظ المراقب الناقد لصفات الأجيال الدعوية المتعاقبة نوعاً من الهبوط في مستوى الالتزام بدقائق الأخلاق الإيمانية والذوقية.
· إذ ليس اللاحق على مثل جودة السابق.
· مع احتمال أن يكون أوعى منه سياسياًً وعلمياً، وأطلق لساناً، وأحكم تنظيماً.
· ولربما وجدت اليوم شيئاً من الغيبة، وسوء الظن، وسرعة الغضب، وورود اللفظ الخشن على لسان المتكلم، وعدم إباء أُذُن جليسه السامع لهذا اللفظ.
· وهي أمور لم يبرأ الجيل الأول منها، ولكنها كانت نادرة، تأتي كالفلتات، أو يقل عدد المتورطين بها، بينما تترادف اليوم، ويزداد الاستدراج، بحيث أصابت الصورة المثالية ثلمة.
· لكن درجات الإحسان توجب براءة شبه تامة.
الأسباب:
· يظن البعض أن هذا التباين إنما هو ظاهرة طبيعية ناتجة من ارتفاع همة من يتولى التأسيس، تبعاً لمعنى التحدي عند نشوء الدعوة في كل بلد.
· الراجح أن هذه الثلمة إنما هي من تأثر بالمحيط العام والبيئة السياسية والفكرية والإعلامية التي تعقدت بعد التحولات الثورية في كثير من البلاد.
· فإن الداعية فرد في هذا المجتمع العام قبل انضمامه لتيار الدعوة، خاضع للمؤثرات فيه، ثم هو بعد انضمامه يخالط الفجرة مثلما يخالط البررة، في الجامعة أو عند أداء عمله المهني، وفي السوق والشارع والمنتديات العامة، بل يخالط فجرة من عائلته، من بين شقيق أو ابن عم وخال، فيقلدهم في أشياء، إذا غفل، ويسري إليه عيبهم دون أن يشعر.
· فيفعل النشاز الذي يأباه الذوق أو ترفضه المروءة، إذا شاهد فاجراً يذهب في الإسفاف إلى أبعد منه، كأنه يفتي نفسه بأنه أفضل من ذاك المسف المبعد، بدلالة الاقتصار منه ومدى الاختصار.(124/1)
· كذلك ردود الفعل لأساليب الأحزاب العلمانية وأنواع تصرفات منتسبيها وأفكارهم التي يعرضونها، إذ تكون ردود الداعية أحياناً على غير ما فقه صائب إذا استفزه الحزبيون، وكذلك اللغة الصحفية والإذاعية الرديئة المبنى والجرس والنبرة فضلاً عما فيها من معنى منحرف وشتيمة وظلم واستهزاء وحشو، كل ذلك يقسي قلب المسلم عن طريق التقليد اللاشعوري لما يسمع ويرى، ويجعل الجرأة على الفاضل مستساغة عنده، فيقل احترام الكبير، من أستاذ أو شيخ مرب أو أمير متقدم، وتكون منه أنواع من المنافسة للقرين المماثل، من حسد خفي أو صريح، وتكذيب، ويصبح يضيق به ذرعا إذا رآه يأتي من العمل ما يعجز عنه أو يكون أفصح في درس أو كتابة مقال ، ولربما تجاوز عدوانه الكبير والقرين ليصيب المستجد والتلميذ والناشئ الصغير، فيتعامل معهم بلا رفق، ويكثر منه الزجر لهم والقسوة عليهم.
· لقد تأثر جيل بكامله برداءة المحيط والبيئة، إلا من رحم ربك، وقليل ما هم، وأما الغالبية فقد ألمت أو قارفت، وكأنها تورطت، لكن منهم الموغل المكثار، ومنهم المتخفف، ومنهم صاحب الفلتات النادرة.
· والمتفحص للأمر، المقارن بين قصص الحياة اليومية الحاضرة والماضية، يجد أن التأثر بالسوء حاصل بصورة عامة لدى جميع الناس بصورة أعمق، وأن الخير والفعل الجميل في تناقص، بل أن الذي نسبناه للدعاة ما هو إلا بمقدار عشر المعشار منه.
· وتولدت في الناس غلظة وجفوة وقطيعة رحم ما كان يعرفها الجيل الذي عاصر حياة ما قبل الحرب العالمية الأولى مثلا، يوم كان العرق الأخير للدولة العثمانية ينبض، حتى أصبحنا نرى من عقوق الوالدين والعدوان على الجيران والغش في التعامل والبخل على الضيف والظلم عند المقدرة أشياء كان يتعفف عنها الناس سابقا، أغلب الناس.(124/2)
· وحتى أصبحت الحكايات الحقيقية لمكارم الأخلاق، والتي كانت اعتيادية: ضرباً من الرمز والخيال المستبعد تكراره في تقدير من يسمعها، وهذا الوضع كان وما يزال مستمراً في بلاد عديدة، وبداياته تتزامن مع تطبيق مناهج التعليم الحديثة قبل ما معدله ستين سنة، أو أقل أو أكثر قليلاً، ومع ما صاحب ذلك من انفتاح على الغرب والشرق، ومع نشوء الصحافة المقلدة للصحافة العالمية التي يسيطر عليها التوجيه اليهودي.
· بل نجزم أن بلاد النصارى في الغرب، وبلاد البوذية وأمثالها في الشرق، كانت حياتها الماضية لا تخلو من تراحم بين أهلها، وبقايا عفة، وآثار مروءة، هي خالية منها الآن.
العلاج لظاهرة نقص التربية الإيمانية:
1. لا نريد بهذا الكلام أن نقذف يأساً في قلوب الدعاة، أو نولد إحباطاً وشعوراً من الأسف أو الزهد بالعمل الإسلامي ونتائجه، ولم نسرد خبر الأمس واليوم من أجل متعة تاريخية أو إثبات حقيقة إحصائية، وإنما أردنا توجيه الغد، وأن يكون لنا في التجربة موعظة.
2. إن إيراد نمط من التحليل والتسبيب يوسع آفاق تفكير الدعاة إذا أرادوا فهم ظاهرة معينة في الحياة الدعوية، بحيث تتكشف جذور المسألة وجذور المداخلات التي تحيط بها، وضغط المجتمع، وتأثيرات السياسة.
3. يجب إخراج الداعية من الإطلاق في الحكم على الأمور، إلى النسبية، ومن الاستعجال، إلى التأمل، ومن العفوية، إلى المنهجية، ومن الغفلة، إلى نقد الذات والتدقيق مع النفس.
4. إن هذه الأجيال إنما هي ضحية البيئة الملوثة أخلاقياً وفكرياً وسياسياً، وأن الخيرية مركوزة فيها أيضاً، ولكن تغطى شيئاً منها الأدران المحيطة أو تميل بها العواصف الداهمة! وأن هذا كله من دلالات الظاهرة التربوية العامة التي تجعل تأثر كل فرد بالمسموع والمنظور محتملاً، ومن نتائج تضاد التربيات المتزاحمة.(124/3)
5. وجوب التربية التي تعالج هذه السلبيات الأخلاقية، وضرورة أن يتواضع كل داعية أمام ما تستوجبه هذه الظاهرة من خضوع لمنهج يعظ القلوب بكثافة، ويعيد ذكر بديهيات الطريق وأسس الإيمان والأخلاق ، وليس بصواب أن يضع داعية نفسه فوق التربية، ويستعلي على حديث يزجره عن السوء ولو سمعه مائة مرة، فإن في النفوس - كل النفوس - قابلية لطيش في أوقات الغفلة، فتنزل إلى مستوى العوام، وان استقام صاحبها على دين الخواص الفقهاء العباد دهرا، أو حاز على أعلى شهادة وأرقى منصب وأضخم رصيد مالي، بل وإن ابيضت لحيته وتجاوز الكهولة سنه.
6. التخطيط الدعوي لإصلاح أخلاق الناس عامة وأذواقهم وأعرافهم، وإعادة إحياء عواطفهم، وتجديد الحس الإيماني بعد ضموره فيهم، ويبدأ هذا التخطيط والتنفيذ له ابتداء من يومنا هذا في مرحلتنا التي نحن فيها، رغم ثقل أحمالنا وجزالة همومنا، ثم يمتد إلى مراحل التمكين، بل يجب أن يتركز هذا التوجه آنذاك ويشتد، وليس من شأننا أن نخطط سياسياً واقتصادياً فقط، أو نبث علم اللسان فحسب، فإن طريقنا يمر قبل السياسة والاقتصاد وخلاف الفقهاء بتطهير الجنان. إن دعوتنا هي دعوة المروءة والنبل والعفة، ورقة التعامل والذوق الرفيع، قبل أن تكون دعوة سياسية، أو حملة جهادية، أو مدرسة علمية، ولن ينزل الطغاة إلى نهاياتهم ما لم تتسام أخلاقنا صعداً، ونعود إلى بداياتنا.
المرجع: نحو المعالي-محمد أحمد الراشد.(124/4)
التربية الإيمانية للدعاة-الجزء الخامس-الاندفاع الواثق
التربية الإيمانية للدعاة-الجزء الخامس-الاندفاع الواثق
مقدمة:
· إن تفويض الأمر لله –كما ذكر في الجزء الرابع- يهب صاحبه السكينة الداخلية وهدوء النفس، يمنح صاحبه أيضاً صورة ظاهرية فيها هيبة، فتكون له مكانة محترمة بين الناس.
· وتكمله العزة التي تحرك المفوض إلى الإنكار على الظلم السياسي لأن الناس مأسورة إلى صور الشجاعة، وتفتأ تشتاق إلى الحرية، فيكون لها اقتداء بمن يلقنهم إياها.
· حين ننظر إلى تاريخ الدعوة الإسلامية وواقع الدعاة المعاصر فنقرر أن الدعاة يحتلون مكانا مهما من الحياة، فالدعاة هم الذين يمنحون للحياة جمالها ومعناها ومغزاها.
كيف الحياة إذا خلت ***** منا الظواهر والبطاح؟
أين الأعزة والأسنة ******* عند ذلك والسماح؟
· ففي غياب دعاة الإسلام اليوم عن الصدارة صار غير الأعزة فيها، فترى تبعية للدول الكبرى، وخوفا من يهود، وترقيعا فكريا، وانهزامية نفسية. وغابت الأسنة، وما عادت رؤوس الحراب تلمع بين الروابي، ولا النبال. وافتقد السماح، وحضر للناس التعذيب والحديد والحبال.
الترشح لقيادة الأمة
لكل ما سبق نجد أن الدعاة هم المؤهلون لقيادة الأمة لكن بعض الدعاة يتلكأ، بسبب ضباب في الطريق، أو يتردد بسبب شبهات معترضة، لأن هذه المعوقات إنما هي جنس مألوف في الصراع.
بعض الشبهات التي تثار على الطريق
1- ضعف بعض الدعاة عن بلوغ الصور المثالية.
· ينظر الداعية الجاد إلى نفسه، وإلى إخوانه في الرهط الدعوي، فيرى نقصاً عن بلوغ الصورة المثالية التي تصفها أسطر فقه الدعوة، وتستوقفه بقايا ضعف أو طمع أو جهل.
· فيأخذ يتهم ذاته والآخرين، وتزيده الاتهامات الظالمة التي تطيرها أجهزة الإعلام المعادية إحباطاً، وليس ذلك بصواب أبداً.
· ملاذنا قاعدة صريحة في الفقه: (إن عقد الإسلام لا ينحل بازدحام الآثام، وترتفع ألف حوبة بتوبة).(125/1)
· فلو ذهبنا جدلاً أن حياة بعض الدعاة تزدحم بذنوب، فإن التوبة تعدل ذلك وتعالج الأمر معالجة تامة.
· منهجية التربية الدعوية تفرض رقابة صارمة على الأداء والممارسات، وتعالج كل ظاهرة سلبية، فتكون النتيجة دوماً نوعاً من الاتزان الذي تكون كتلته النوعية في العموم ثقيلة راجحة على مجموع أحوال الإحسان الفردية التي يمثلها أشخاص متفرقون خارج محيط الدعوة.
· فقد يبلغ مسلم درجة في العبادة ومكارم الأخلاق لا يبلغها داعية، وتتكرر هذه الصورة في عدد من الأفاضل، و لكن المجتمع الدعوي يمثل حضوراً تعبدياً وأخلاقياً وعلمياً في حياة كل قطر إسلامي هو أنفذ وأقوى وأبعد تأثيرا من تأثير العناصر المفردة.
· وما النقصان في مستوى أفراد الدعاة - لو كان - إلا ظاهرة متوقعة محسوبة مهما وصفت الكتابات العلو المطلوب، لأن هذا العلو إنما يضرب كمثل ورمز وغاية، ليصل من يصل إلى نصف الوصف النموذجي وثلثيه وثلاثة أرباعه، وما يكاد يقارب الأعالي الحقيقية إلا قلائل، ولا يتقمص الملائكية أحد، إنما هو التسديد والمقاربة والتشبه والمحاولة والرجاء.
· وتزداد درجة المحاسن النسبية للدعاة وضوحاً إذا كانت المقارنة بينهم وبين جمهرة السوء في المجتمع، وكل منصف يعلم أن الكثير من أبناء الأمة اليوم إنما هم غثاء، وفيهم من أنواع الغفلات والشطط والفساد والعدوان ما فيهم، وفيهم كل متردية ونطيحة وما أكل السبع، ومن لوثه الربا وأذهله الخمر، والدعاة بين ظهرانيهم يتفردون بالمناقب والصدق والعفاف والجد والهدي النقي.
· لذلك يليق بدعاة الإسلام اليوم أن يثقوا بأنفسهم أنهم أمثل من في الساحة، وأنهم أهل للإصلاح، وجدير بهم أن لا يلتفتوا إلى وسوسة شيطان أو أكاذيب الملأ الذين يتحلقون حول الظالمين، بل عليهم أن يشقوا الطريق صاعدين، بما حكر الإيمان لهم من أولوية وولاية.
2- أن عدد الدعاة قليل، وللباطل سواد عظيم.
· قال الشاعر:(125/2)
تعيرنا بأنا قليل عديدنا فقلت لها: إن الكرام قليل
وما قل من كانت بقاياه مثلنا شباب تسامى للعلا وكهول
· فهي ظاهرة أخرى من ظواهر الحياة إذن، يجب أن ننتبه لها: أن الكرام قليل.
· وأما الأكثرين فدون ذلك، في درجات متنازلة، حتى يكون اللئيم والكاذب وآكل الحرام.
· فهي حكمة ربانية جعلت نقباء الفضل في الناس الأقل.
· لكن قوة التأثير إنما تأتي من وحدة المنهج العالي، ومن وحدة الأجيال حين تتوارث الخير. فهو منهج يصعد بأصحابه (نحو المعالي)، ولا يحوم حول السفليات الدنيوية والمطامع وغصب الحقوق، وإنما هو منهج التسامي.
· ثم هم شباب وكهول، في وحدة قلبية تربط الجيلين ومن قبلهما من فتيان ومن بعدهما من شيوخ، وتجعلهم يحسون بركة السلف والحاجة للمجرب، حتى تكون الوصية بينهم أن: كبروا، كبروا، وأهل الدنيا يلعن بعضهم بعضاً، ويتبرأ اللاحق من السابق، وينعته برجعية وتخلف، وينقم عليه طول اللبث.
· وبذلك نحقق عنصر امتياز وتفوق، و { كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ } البقرة249 .
3- يظن بعض القوم أن دعاة الإسلام بطاء.
· تهمة، ربما يتهم الداعية بها رهطه، يريد النتيجة العاجلة، وكأنه أصبح ضجراً من طول الدرب، في حين يُجمع الفقهاء والساسة والفلاسفة والأدباء على أن الحكمة لا تأذن بقفز يتجاوز التدرج.
· الشاعر البدوي أدرك جوهر التخطيط بفطرته، فقال:
منا الأناة وبعض القوم يحسبنا ****** أنا بطاء وفي إبطائنا سرع
· قال التبريزي: (المعنى: نحن لا نعمل عملا ولا نمضي رأيا إلا بعد التأني والتروي، فلذلك بعض القوم الذين لا تجربة لهم يظنون أنا بطاء، ولا يعلمون أن إبطاءنا فيه سرعة).
· أما كيف يكون الإبطاء سرعة فالحساب بسيط، ذلك أن الاستعجال يقود إلى فشل، فتضطر لتكرار العمل، ولو جمعت الوقت الأول ووقت الاستئناف الثاني لكان أطول من وقت واحد على الطريقة المحكمة المنتجة.(125/3)
· ويتنادى الدعاة اليوم إلى حملة تكشف فقه التخطيط الصحيح وقواعده وتورد أمثلة تفسيرية له، وقد بدأت بنجاح، وطرحت في أوساط الدعاة بحوث عديدة، وهذا المنحى هو في غاية الأهمية، وينبغي أن نواصل الكتابة فيه، وأن يأخذ مكانه البارز في المنهج، فإن المحيط معقد، ولن تنفعنا بدائية وجزافية، إنما يصل بنا تقعيد وتنظير، وتنويع لمصادر التأثير، وإحصاء للطاقات وسبل صرفها، واستدراك على النقص، وتطوير، وتقويم ناقد.
4-عدم وجود القوة بسبب الحصار المحكم الذي فرضه الخصوم علينا.
· شبهة رابعة تنفي القوة عنا حين ترى الحصار المحكم الذي فرضه الخصوم علينا حتى احتكروا أشكال القوة العرفية، وحصرونا في الزاوية الضيقة كدعوة خالية الغمد.
· وليس هذا التعميم بصواب، لأن قوتهم مقترنة بغوغائية يقودها جهل، وتأسرهم أذواق فاسدة منحرفة عن الفطرة، وتسيرهم أخلاق مصلحية نفعية هي عن المكارم نائية، مع فوضى في التفكير، ومزاجية في القرار، وخيانة في الأداء.
· بينما ننطلق نحن من منهجية رصينة يخسأ الضالون أن يقاربوها، ومن قاعدة معرفية عريضة تنضجها تخصصات متكاملة، حتى أصبح عملنا يمثل سلسلة من المقدمات الحضارية المدنية التي تفرض نفسها في الساحة وفق قاعدة البقاء للأصلح، وهذا هو مكمن القوة عندنا، وذلك لأن مرجع الناس في الآخر إلى تحكيم العقل، مهما طاشت بهم السكرات، وأوبتهم إلى موازين الفطرة في المآل، مهما انتكست الأذواق أيام الغفلات .
· ولقد وضع الفيلسوفان الغربيان بيكون وهوبز قبل أكثر من قرنين معادلة صحيحة أوجزا فيها خبر التاريخ وتجارب الصراع، فقالا: ( إن المعرفة معناها : القوة ).(125/4)
· وهو شعار جد صحيح، ونظرة عميقة لحركة الحياة، والبرهان على ذلك: النتيجة التفوقية التي وصل إليها الغرب لما سيره بيكون في طريق المعرفة أثناء رئاسته لوزراء بريطانيا، ثم لما واصل من بعده الاندفاع في هذا الطريق المعرفي، فكانت القوة والقيادة والسبق وفنون الإدارة والمخترعات والنهضة الصناعية وقهر الأمم الأخرى وامتصاص أموالها، وكانت التخطيطات الاستراتيجية البعيدة المدى وتنفيذهم لها بصبر وصمت وإحاطتها بسر دفين، وبقي غيرهم تخدعه العواطف والارتجال، وانظر إلى الحرب العالمية الأولى وإجهازهم على الدولة العثمانية، ثم انظر إلى تكامل تدبيرهم في عاصفة الصحراء كمثل أخير، واعتماد صدام على الزمجرات وهتاف الغوغاء، ثم انظر إلى مسلسل تركيع الاتحاد السوفييتي وتمزيقه، ولم يصل المشهد بعد إلى نهايته.
· وهكذا، فإن مواصلة الدعوة الإسلامية سيرها المنهجي على قواعد الإدارة المتطورة في طريق المعرفة الشمولية والعلوم التطبيقية التخصصية والفنون المدنية إنما هو ردها الحاسم على القوة الطائشة في الأيادي الملوثة .
عوامل الترجيح لصالح الدعاة:
الأول: الامتداد العالمي المستغرق للقارات الخمس، انطلاقاً من بؤرة العالم الإسلامي.
وأصبح متاحاً بفضل الله تعالى حشد الطاقات وتناغم الأداء وتناصر الجبهات، في وحدة معنوية وفكرية يعجز عن مثلها المنافسون، الذين استبدت بهم الأنانية والقطريات والتعصبات، حتى تفرقوا.
الثاني: نهينا عن المنكر.(125/5)
الذي يضعنا في مرتبة فريدة بين التيارات والجماعات والأحزاب، فهم لا يتناهون عن منكر فعلوه ويفعله غيرهم، وكأن المسلم ينفرد في فهم مغزى التاريخ وحركته عبر مفاد آية سورة هود، في قوله تعالى: {فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ }هود116.
فمرتبة الفضل: النهي عن الفساد في الأرض.
ومهنة الرجال أساتذة الرجولة: أن يكونوا نهاة في ثغر النذارة.
وحركة التاريخ التي توجه تعاقب القرون: كامنة في تفرد هذه الثلة المؤمنة فيما هي فيه من إنكار السوء، فيأتيها التمكين من الله تعالى .
وحق هذا العامل الترجيحي أن يُقدم ويُذكر قبل الأول وقبل ردود الشبهات، فإنما نصول ونجول بتوفيق من الله، وإنما تأخر إشارة إلى حشد الأسباب ثم التفرغ لاستشعار التوكل والاعتماد على الله تعالى، تشبها بصف النبي صلى الله عليه وسلم. صفوف المهاجرين والأنصار يوم بدر، ثم تنحيه جانباً يلح في التضرع والدعاء وطلب النصر الرباني، حتى وقع رداؤه عن منكبه الشريف، وإنما نصل هذا التضرع الأخير بذاك التفويض الأول، فيكون مبتدأ أمرنا وخاتمته: حسن الظن بالله تعالى.
لكنها سنة الحياة أن لا ننال الذي نرجو إلا بالبذل والجهد وتقديم الثمن، ليس بالمجان، وهي التي أدركها الشاعر لما قال:
بصرت بالراحة الكبرى فلم أرها **** تنال إلا على جسر من التعب
وكأن المفهوم الساذج يصرفه إلى تعب العضلات والأبدان فقط، وإلى احتمال لحر وبرد، وجوع وعطش، وقطع مفاوز وعبور جبال، وهو كذلك، ولكن فقه الصعود نحو المعالي يجاوزه إلى التأكيد على الخطة المعرفية ذات البعد الحضاري.
وأول ذلك ومفتاحه أن ترجع إلى الحروف والسطور والكتاب، فتقرأ، ثم تقرأ، ثم تقرأ.
المرجع: نحو المعالي-محمد أحمد الراشد.(125/6)
التربية الإيمانية للدعاة-الجزء الخامس-القراءة وأهميتها-1
التربية الإيمانية للدعاة-الجزء الخامس-القراءة وأهميتها
? مقدمة:
· يشتهر بين الناس تشبيه الأولين لعمل المصلح المتجرد بشمعة، تحرق نفسها، لتضيء للآخرين.
· كان الكاتبون، أصحاب الأقلام، والتدوين، والتأليف، والصحف، يرون أنفسهم أصفى هذه الشمعات، ويظنون شعاعهم أوهج اللمعات، لما في وصف الناس للعلم بالنور من قرينة تصرف تفسير التشبيه إليهم.
· ذاك شرف، نعمّا هو، يحق معه لهم ولغيرهم أن يتنافسوا في الانتساب إليه، والسباق إلى التحلي به.
? دور الأقلام والصحف في التوجيه:
· هناك من خفي الحكمة ما هو أبرع في وصف الأقلام، ودورها في التوجيه، والبهجة التي تبعثها، فقد أطل ذكي على ساحة الحياة، يتتبع مكامن البسمات بعد أن امتلأت أحزانا، فاكتشفها فقال:( لم أر باكيا أحسن تبسما من القلم ).
· هكذا هو الكاتب، وإنها لكذلك الأقلام حقاً إذا سال منها المداد، وذرفت الدمعات السود.
· يجوب صاحب القلم الكبير الميادين، وتكون له سياحة في آفاق الأعمال، كل الأعمال، وينقب في الماضي يستخرج السوابق، ثم يرجع يختلي، يقيس ويقارن، ويحلل ويعلل، لتسطر دمعات قلمه التجارب وما وجد، لتجف دمعات قلوب التائهين، ويكون ثم ابتسام.
· إنها متاهات الحياة يهيم فيها أكثر البشر، فتأتي تجارب المربين، عبر دموع الأقلام.
· تعصم من الخطأ وتوجه، وتنتشل من التخبط وتسدد، وترسم الطريق وتخطط.
· فيعقل ساذج، ويتململ راقد، ويتنافس قانع، ويتأنى متهور، وما بين هذا التعقل والتنافس، والإسراع والإبطاء: تكون البصائر، وتتكشف أصول المباهج، فتغمر القلب برودة السكينة، بعد حرارة القلق ولذعات الحيرة، وتنفرج أسارير الوجه عن ابتسام وضاء، بعد عبوس أو ذهول.
· يتولى دور الأديب في إتمام دور الفقيه إذا بين دلائل التوحيد، وحدد قواعد السلوك الشرعي.(126/1)
· يفسر، ويستشهد بتواريخ الناس وما كانت لهم من مواقف، ويذهب في الإقناع إلى مدى التفصيل والتبسيط والتمثيل بعد إجمال أوجزه الفقيه.
· إن السطور الباسمة تستلزم خلفية من التجريب ومن الانغماس الفعلي في الأعمال والأحداث المحيطة.
· لا يمكن أن توصف للكاتب التجارب وصفاً مجرداً، وتروى له رواية، لينقلها بين أسطره، فإن مثل هذا وهذا كمثل سائح وراكب طائرة، فإن من ركاب الطائرات من تنزل به طائرته قبل وصوله مقصده في مطارات مدينتين وثلاث. يرى هذه المدن من مسافة بعيدة، ويأخذ يصف لك حسن روما وجنيف وباريس، ويحلف لك الأيمان أنه رآها، وما كذب، وإن كان لم يزر متحفاً، ولا استمتع بشاطئ بحيرة، ولا صعد برجاً، وإنما هو راءها من نافذة الطائرة حين كانت تقترب من المطار وتنخفض، وحين كانت تقلع وتعلو.
· كلا، بل هي ساعات تأمل، وخلوات تفكر، وسياحة تعرف، يضطر خلالها الأديب أو المربي إلى أن يعصر قلبه عصراً، لتسيل من قلمه الدمعات، لتبتسم على الورق الكلمات، تشارك في منح شيء للناس.... اسمه الابتسام.
· لهذا يكون الإعراض عن القراءة من كبائر الناس الكبيرة، فإن المتلقين تجب عليهم همة للقراءة توازي تلك الهمة التي عصرت الحكمة من قلوب الكاتبين.
· إن من مصائب أمتنا اليوم: أنها لا تقرأ، ومع ذلك فلا يتجه هذا الخطاب لها، لأن طريق الاستدراك طويل، ويبدأ بيقظة الخاصة من دعاة الإسلام، ليقودوا البقية، وإنما الخطاب متجه لهذه الخاصة الرائدة القائدة، بل ولفتيان الدعوة الميامين، الذين هم قادة المستقبل.
· لقد عرفت شباب الإسلام، وصاحبتهم، واقتربت منهم، فوجدتهم من أنقى الناس سريرة، وأنصعهم طهراً، وأصفاهم عقيدة، وأجزلهم وعياً، ورأيت منهم تشميراً إلى الخير، في حرص دائب.(126/2)
· لكنها كثافة المطالعة تنقصهم، ولو أنهم أحنوا ظهورهم على كتب التفسير والحديث والفقه والتاريخ طويلاً، واكتالوا لهم من الأدب والثقافة العالمية العامة جزيلاً، لكملت أوصافهم، ولتفردوا في المناقب.
? توجيهات للدعاة:
· العجب من دعاة الإسلام الذين نراهم اليوم، كيف يجرؤ أحدهم على إطالة العنق في المجالس، والنشر في الصحف، قبل أن يجمع شيئاً من البيان جمعه الطبري في تأويل آيات القرآن، وقبل أن يرفع له راية مع ابن حجر في فتحه، ولم ينل بعد من رفق أم الشافعي وحنانها، ولا كان له انبساط مع السرخسي في مبسوطه، أو موافقة للشاطبي في موافقاته؟
· كيف يقنع الداعية وهو لم يقرأ بعد المهم من كتب ابن تيمية، وابن القيم، والغزالي، وابن حزم؟
· كيف يسرع داعية إلى ذلك وهو لم يكثر من مطالعة كتب الأدب العربي القديم، ولم يعكف مع الجاحظ وأبي حيان، أو ابن قتيبة وأديبي أصبهان؟
· العجب أكثر من هذا الداعية أثير حماسه لهذه العلوم والآداب فيقول: ليس لي وقت، كأنه غير مطالب بإتعاب نفسه تعباً مضاعفاً، ولا شرع له السهر!
· ثم أعجب أكثر إذا ذكرت له كتاباً، فيأتيني من الغد مغاضباً، لخطأ وقع فيه كاتبه، أو بدعة طفيفة، كأن العلم لا يؤخذ إلا من صاحب سنة محضة وكتاب مصون! ماذا عليك لو أنك قرأت ونقحت، وتخيرت وانتقيت، وأخذت وأعرضت؟
· إن الأصل في التعليم: صحة المنهج، بأن تتلقى نصوص القرآن والحديث الصحيح بالتجلة والتعظيم، والتقديم لها، بلا تلكؤ ولا رد.
· إنك إن التزمت ذلك: لم يضرك ما يقع بيدك مع كتب التفسير والحديث والفقه، ومن كتب الأدب والفكر العالمي وصحف السياسة، تقتبس منها ما لا يضاد النصوص، وتخضع صوابها لخدمة منهجك، مفترضاً في نفسك الشجاعة والعقل والتمييز.
· إنه لا داعي لاتهام نفسك بضعف أمام خطأ المفكرين وإغراب الكاتبين، ما دام منهجك صواباً، ونفترض فيك مقدرة وافية على اكتشاف الخطأ والميل والابتداع.(126/3)
· إنما ذاك هو المبتدئ الذي ما زال يحبو : نوصيه بالقرب وعدم الإيغال، وبالتجزيء وترك الاكتيال، وبالالتزام والإستئذان، نحجر عليه ونراقبه.
· تؤدي بنا هذه المعاني والحقائق إلى ميزان مهم يجدر بنا وبناقدينا اللجوء إليه، مفاده: أن كون المسلم من أعضاء جماعة الدعاة إلى الله لا يحتم علينا أن نمنحه شهادة براءة من البدع والرأي الخاطئ والتأويل البعيد.
· إن كان انتماؤه قرينة على علو همته، وصفاء نيته، وإخلاص قصده، بل هو دارج على مدارج الفضل، سائر نحو تكميل وعيه وعلمه.
· قد يجمع المرء بين نبل الهدف والجهل، وسمو الغاية والسذاجة، وإنما العلم بالتعلم، وما زال التتلمذ، وحوار الأقران، واعتكاف المطالعة: وسائل ضرورية لمن أراد الحكمة.
· إنما يمنح السابقون اللاحق الهمام صفة الانتماء ليتاح له تحصيل العلم بهذه الوسائل، وليعينوه عن قرب، إذ هو في دارهم، وليس الانتماء نهاية سير، ولا هو دليل على اجتياز المراحل.
خاتمة:
· فانظر أخي دمعات الأقلام: تجد خطها باسما.
· واقرأ: تعصم سيرك من الخطأ، ثم لا تزال باسما..
· وارفق بمبتدئ يرعاه الدعاة: يفقه، وتكتمل له الأسباب ما دمت له باسما.
المصدر: نحو المعالي-محمد أحمد الراشد.(126/4)
#التربية الإيمانية للدعاة-الجزء الرابع-العلم والتزكية والثقة بالله
التربية الإيمانية للدعاة-العلم والتزكية والثقة بالله
مقدمة:
· في الزمن القديم، أيام عمر بن عبدالعزيز رحمه الله، كانت هناك مشاكل مشابهة لواقعنا وإحباط وحالة حزن ترهق المؤمنين، بسبب الفتن والمظالم التي تراكمت، فعالجها عمر:
? بالعلم.
? والعدل.
? وبانتصابه قدوة للأمة في التجرد وابتذال النفس.
· فكتب لكل وال من ولاته أن: (أما بعد: فمر أهل الفقه والعلم من عندك فلينشروا ما علمهم الله في مجالسهم ومساجدهم). وقد كان منهم الأداء، فكانت النهضة العلمية التي قادها عمر هي التي رممت ما هدمته سيوف التأول وعواصف الخلاف من قبله.
· وأمرنا شبيه، ولنا به اقتداء، وإذا كان تحليلنا ينتهي إلى أن في الأمة الإسلامية اليوم تخلف وفتن وافتراق، أو أن الدعوة الإسلامية تشكو من تعاكس المواقف، فإن العلم يتكفل بتوضيح الرؤية وتوحيدها، والتأثير إيجاباً في أخلاق الرجال.
· ويجدر بنا أن نعلم فوق ذلك أنه منزلة اختصاص وتفضيل، كما فهمها أبو بكر الآجري حين قال:
· (إن الله عز وجل وتقدست أسماؤه: اختص من خلقه من أحب، فهداهم للإيمان، ثم اختص من سائر المؤمنين من أحب، فتفضل عليهم فعلمهم الكتاب والحكمة، وفقههم في الدين، وعلمهم التأويل، وفضلهم على سائر المؤمنين وذلك في كل زمان وأوان، رفعهم بالعلم، وزينهم بالحلم).
· فهذا الحلم هو الثمرة الأخلاقية الإيجابية التي نعنيها، وهو أساس علاج الفتن والافتراق، وما ينتجه الحلم من التأني وهدوء النفس هما أيضاً أساس البحث المستفيض العقلاني الذي يدرأ تعاكس التأويل المسؤول عن تعاكس المواقف، لكن العاطفة حين تستبد: تشرق وتغرب، وذلك هو سر الخيرية الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم، كما في الحديث الصحيح عند البخاري، حين قال: (من يرد الله به خيرا: يفقهه في الدين) .
أولاً: أهمية العلم الشرعي ودوره في تحقيق وحدة أجيال الأمة(127/1)
· إن داعية الإسلام إذ يعيش في مجتمع الصخب الحاضر إنما يقبل على الكتاب والعلم إقبالاً يتعدى الحافز الشرعي والإحساس المحرك الإيماني ليجد سلوة وتحقيقا لحاجة نفسية يستروح لها تنسجم مع سمته الإصلاحي وإعراضه عن اللغو، لأنه يكره نفاق المداهنين وتحاسد الناس، فيجد في الكتاب الصاحب الوفي، كما قال الشاعر:
نعم الجليس إذا خلوت به *** لا مكره يخشى ولا شغبه
· فالكتاب أمين لا يغدر، صامت لا يهذر، ناصح لا يشاغب، وهذه أوصاف عالية وأخلاق صافية ليس في هذه الدنيا أحد أفرح بها من داعية مسلم أحاطه الجد فدق على صدره وقال: أنا للإصلاح. ثم يدق ثانية ويقول: أنا لمواصلة الدرب، وأنا صلة الأجيال. وذلك أن الأمة إنما بقيت حية نابضة القلب بحياة العلم الشرعي وحياة العلماء التي أفصح عنها الشاعر بقوله:
ما مات قوم إذا أبقوا لنا أدبا *** وعلم دين ولا بانوا ولا ذهبوا
· الوارث لهم يستشعر وحدة الأمة في كل أجيالها، وأنها طبقات متصلة مجتمعة حاضرة، غير منقطعة ولا متفرقة ولا غائبة، وذلك أن ثلة الفقهاء الأولين المتتاليين لم تمت، ولم تتناثر حلقاتها، وإنما هم أحياء بيننا بكتبهم وحروفهم، ويمكن أن نصدق أو نكذب في دعوى وراثتهم بمقدار الوفاء الذي نكنه لهم، وبمستوى الهمة التي تحركنا إلى مطالعة أوراقهم.
· قيل لبعض الحكماء: (بم كنت أعلم قرنائك؟ قال: لأني أنفقت في زيت المصباح لدرس الكتب مثل ما أنفقوا في شرب الخمر).
· فهذا فرق ما بين الجمع العلمي المبارك والرهط الزكي، وبين آخرين من أبناء جلدتنا تلهيهم حفلات المعازف ورنات الكؤوس.(127/2)
· إلا أن الجهل قد تقطعه انتفاضة تتمرد على الاسترسال في الصدود، ولذلك وصف العلم بأنه: (بداية تذكرة للغافلين)، لكن خيريته لا تنقطع، بل تزداد وتتعاظم، فيكون أيضا: (سبب منافسة بين المطيعين)، وبذلك لا يقتصر على أن يؤدي دوره في تجديد حياة المعرض، وإنما هو دافع يدفع التقي على أن يعدد صوابه، ويوسع دوائره، صاعدا سلم ارتفاع يظل أبدا يسمو، ومستنيرا بشعاع هاد مستمر في الانتشار، تومض به قمة كل منار.
· لكن قابلية هذا العلم على التأثير في حملته والتعدي إلى آخرين متوقفة على أن يكون على السنية المحضة، والاتباع الصارم، والانتساب إلى ما كان عليه السلف فهما وعملا، وهذا الانتساب معلم بارز من معالم تمييز البدعة أشار إليه النسفي في تفسيره لما وصف الله تعالى به نفسه أنه : " بديع السماوات والأرض "، فقال: (أي مخترعهما ومبدعهما لا على مثال سبق. وكل من فعل ما لم يسبق إليه يقال له: أبدعت . ولهذا قيل لمن خالف السنة والجماعة : مبتدع، لأنه يأتي في دين الإسلام ما لم يسبقه إليه الصحابة والتابعون رضي الله عنهم).
· ويجتمع هذا التمييز إلى تمييز آخر كامن في الوضوح الذي حواه الدعاء الذي لقنه الله تعالى لكل مؤمن فهو يقوله بكرة وأصيلا، ويتضرع أن: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ }الفاتحة6 أي : ( ثبتنا على المنهاج الواضح)، كما قال النسفي.
· فصاحب السنة ظاهر مفاخر مشاور، والمحدث باطن شائن مائن. وذو الاتباع أبداً في العرصات علانية، والمبتدع يهرب أبداً إلى الدهاليز والأقبية والظلام، يتوارى.
· وكأن هذه الإحساسات هي التي أنطقت الشاعر في تشبيهه للسماء، فقال:
وكأن النجوم بين دجاها *** سنن لاح بينهن ابتداع(127/3)
· قال السكاكي: (فإنه حين رأى ذوي الصياغة للمعاني شبهوا الهدى والشريعة والسنن وكل ما هو علم بالنور، لجعل صاحبها في حكم من يمشي في نور الشمس فيهتدي إلى الطريق المعبد، فلا يتعسف فيعثر تارة على عدو قتّال، ويتردى أخرى في مهواة مهلكة، وشبهوا الضلالة والبدعة وكل ما هو جهل بالظلمة، لجعل صاحبها في حكم من يخبط في الظلماء فلا يهتدي إلى الطريق، فلا يزال بين عثور وبين تردد: قصد في تشبيه هذا تفضيل السنن في الوضوح على النجوم، وتنزيل البدع في الإظلام فوق الدياجي).
· ثم إن الدعوة إلى (العلم الإسلامي) هي أبعد من مجرد دعوة تعميمية إلى علم إسلامي ملفق من أقوال علماء المسلمين بلا قاعدة تحدد الاختيار والانتقاء، وإنما هي دعوة تخصيصية للرجوع إلى علم شرعي على منهج الأصالة الذي تركته لنا واضحا جمهرة أئمة المذاهب الأربعة ومن قاربهم من السلف القديم، وهو علم وقاف عند النصوص الحديثية الصحيحة، مستنبط لما فيها من معان وفق قواعد فن أصول الفقه وضوابطه الدقيقة.
· إنها إذن دعوة إلى العلم مرتبطة بمنهجية صارمة هي وحدها القادرة على أن تتكفل بتحجيم ( المنهجية العقلية ) التي رفعت رأسها مجدداً على طريقة التوسع في التأول في إطار المدرسة الاعتزالية المعروفة، والتي ربما ستجلب مزايدات غير محدودة في الترخص والتسهيل والتجانس مع الحياة العلمانية السائدة تبعا لاختلاف عقول المشاركين في الإفتاء والتوصيف والتعليل، والدليل على ذلك أن من حاز علم الأصول من أصحاب هذه المدرسة لا زال أقل إغرابا من غيره وأسلم قولا.(127/4)
· نحن دعاة (الاجتهاد) والإبداع والنظر الشمولي، ولا فخر، ولنا في ذلك بحمد الله صولات، وتشهد لنا وثائق، ولسنا نقبل الجمود والتقليد وإلغاء العقل والوقوف عند أقوال الفقهاء الذين لا تسند النصوص ما ذهبوا إليه، ولكن الاجتهاد الذي نرومه إنما هو اجتهاد منضبط، ومحروس بسنن، وهو يتجول بحرية داخل العرصات الواسعة التي منحتها (القواعد الفقهية) للمتفقه والمفتي، بحيث يذهب مع المصالح والضرورات إلى أبعد مدى، لكن اجتهادنا قد ألزم نفسه أن يقترب ما أمكن من منطق الشاطبي في موافقاته، مثلما يقبس من جرأة ابن حزم في محلاه، متجنباً غرائبه القليلة، وأن يقترب من احتياطات ابن حجر في فتحه، ومن ترددات النووي بين التهيب وإحداث قول جديد في مجموعه، مثلما يساير ويماشي توسيعات ابن تيمية في فتاواه، وأمثال ذلك مما أتى به علم فطاحل آخرين كأن القدر جمع علم بعضهم إلى بعض لتكتمل صورة فقهية ناضجة تفرض نفسها علينا بقوة حججها ووضوح تقعيدها. وغاية اجتهادنا أن يستجيب للمستجدات التي أتت بها الحياة المعقدة المعاصرة من خلال الارتباط الوفي باجتهادات السلف الأولين، وليست غايته نبش وقلب صورة الفقه التي تكونت في قرون الفضل الأولى من خلال ظنون وتأولات تترك الناس في فوضى أمام زخم العقلانيات التي قد تكون متضادة بنفس حجم تضاد العقول البشرية والخلفيات التي ينطلق منها الخائضون، حتى أن رغبات السلاطين باتت تشكل إحدى أهم هذه الخلفيات التي تحاول التمرد، فتحيص حيصة مفضوحة كلما حاصرتها عوازم الفقه وجوازم الإيمان .
· ثم يحرس اجتهادنا نفسه مرة أخرى بمظلة من العقيدة السنية النصية، في وفاء ثان لحدود عقيدة الإمام أحمد بن حنبل التي ميزها عن الاستطرادات البدعية التي أوغلت في التعطيل والتمثيل، ونحن ندرك أن المدرسة العقلية الفقهية التي يريدها الاعتزال الجديد ستقوده إلى نزعة عقلية في الاعتقاد ولا بد، لأن المحركات واحدة.(127/5)
ثانياً: التزكية أهميتها ودورها
· قال بعض الصالحين: (ما فتح الله تعالى على عبد حالة سنية إلا باتباع الأوامر وإخلاص الطاعات ولزوم المحاريب)، واستشهد بدعاء زكريا وكيف أن الله تعالى وهبه يحيى وبشره به وهو قائم يصلي في ا لمحراب.
· والتأثير في الآخرين هو أسمى هذه الصور السنية التي نطمح لها، ولن تكون إلا من خلال المحاريب.
· وإنما يحرك المحراب فينا معاني الرجاء والخوف معا، وهي أحوال قلبية وممارسات عملية معا.
· أما الرجاء: فرجاء الكرامة والفوز والنجاة، وطريق هذه النعم معروف، بينته معادلة شرطية في القرآن في قوله تعالى : { وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ }البقرة40.
· قال النسفي: قال أهل الإشارة:( أوفوا في دار محنتي، على بساط خدمتي، بحفظ حرمتي : أوف في دار نعمتي، على بساط كرامتي، بسرور رؤيتي).
· وأما الخوف: فمن فزع يومئذ، وأقل هذا الفزع ما صوره صالح المري لما قرأ قارئ: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ }غافر18. فقطع صالح عليه القراءة وقال: " كيف يكون لظالم حميم أو شفيع والمطالب له رب العالمين؟ إنك والله لو رأيت الظالمين وأهل المعاصي يساقون في السلاسل والأنكال إلى الجحيم، حفاة عراة مسودة وجوههم، مزرقة عيونهم، ذائبة أجسادهم، ينادون: يا ويلنا يا ثبورنا، ماذا نزل بنا؟ ماذا حل بنا؟ أين يذهب بنا، ماذا يراد منا؟ والملائكة تسوقهم بمقامع النيران، فمرة يجرون على وجوههم ويسحبون عليها منكبين، ومرة يقادون إليها مقرنين، من بين باك دما بعد انقطاع الدموع، ومن بين صارخ طائر القلب مبهوت. إنك والله لو رأيتهم على ذلك لرأيت منظرا لا يقوم له بصرك، ولا يثبت له قلبك، ولا تستقر لفظاعة هوله على قرار قدمك.
ثم نحب وصاح: يا سوء منظراه! يا سوء منقلباه! "
وبكى وأبكى الناس.(127/6)
فقام فتى فقال: أكل هذا في يوم القيامة يا أبا بشر؟
قال: نعم والله يا ابن أخي، وما هو أكثر.
فصاح الفتى: إنا لله، واغفلتاه عن نفسي أيام الحياة، وا أسفا على تفريطي في طاعة الله، وا أسفاه على تضييعي عمري في دار الدنيا! ثم بكى، واستقبل القبلة فقال: اللهم إني أستقبلك في يومي هدا بتوبة لا يخالطها رياء لغيرك، اللهم فاقبلني على ما كان في، واعف عما تقدم من فعلي، وأقلني عثرتي. ثم استقام حتى مات.
· وإنما تتاح لك مثل هذه الذكرى التي تنفعك وتنفع المؤمنين إذا طالعت كتب الرقائق والمواعظ وقصص أهل الصلاح وأصحاب المحاريب.
· وهي تجربة ابن الجوزي رحمه الله، التي يشدد عليها. قال: (رأيت الاشتغال بالفقه وسماع الحديث لا يكاد يكفي في صلاح القلب، إلا أن يمزج بالرقائق والنظر في سير السلف الصالحين، لأنهم تناولوا مقصود النقل، وخرجوا عن صور الأفعال المأمور بها إلى ذوق معانيها والمراد بها. وما أخبرتك بهذا إلا بعد معالجة وذوق، لأني وجدت جمهور المحدثين وطلاب الحديث همة أحدهم في الحديث العالي وتكثير الأجزاء، وجمهور الفقهاء في علوم الجدل وما يغالب به الخصم، وكيف يرق القلب مع هذه الأشياء؟
· وقد كان جماعة من السلف يقصدون العبد الصالح للنظر إلى سمته وهديه، لا لاقتباس علمه، وذلك أن ثمرة علمه: هديه وسمته، فافهم هذا، وامزج طلب الفقه والحديث بمطالعة سير السلف والزهاد في الدنيا، ليكون سببا لرقة قلبك).
· ولذلك حذرنا في مناسبة أخرى من طريقة الفقهاء في تجريد دراسة الأحكام، حين (جعلوا النظر جل اشتغالهم، ولم يمزجوه بما يرقق القلوب من قراءة القرآن وسماع الحديث وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ومعلوم أن القلوب لا تخشع بتكرار إزالة النجاسة والماء المتغير، وهي محتاجة إلى التذكار والمواعظ لتنهض لطلب الآخرة، ومسائل الخلاف وإن كانت من علم الشرع إلا أنها لا تنهض بكل المطلوب).(127/7)
· وذلك لأن هذا النظر إنما يفتيك الفتاوى التي تحكم الجوارح والأبدان، وذلك نصف الإسلام، وأما نصفه الآخر فعلم يكشف لك أحوال القلوب ومكانتها من الإخلاص والتجرد والرضا والشكر والتوبة، في مائة منزل تنزلها قلوب السالكين إذ هي في مدارج الإيمان الصاعدة.
ثالثاً: الثقة بالله تعالى وتفويض الأمور إليه وأهميتها ودورها
· وكما يكون في أحكام الجوارح (اجتهاد) و (مذاهب): يكون في علم القلوب (اجتهاد) و (مذاهب) أيضاً.
· وذلك أن المؤمن يظل يزداد تأملاً في أحوال القلب حتى يدخل مرحلة (الاجتهاد الإيماني)، ربما، ويسعفه الإلهام والتوفيق، فيكون أقوى فراسة وأدق تمييزاً وأكثر جمعاً للمصالح. فمما لا يدركه كثير من الناس أن الاجتهاد كما يكون في أحكام فقه الحلال والحرام يكون في فقه الإيمان أيضاً، فيفاضل بين منازل الأخلاق، أو يكون له ذوق في المزج بين منزلتين، أو تتابعهما، أو الفصل بينهما، مثلا. ومن أجمل وأبرع (الاجتهادات الإيمانية): اجتهاد البخاري رحمه الله - فيما يروى عنه في سيرته - بين الدعاء وتركه، وقوله أنه قد دعا الله تعالى مرتين فاستجاب له، فهو يستحي أن يستطرد في الدعاء، أو يخشى الاستدراج.
· ولا يفهم الناس هذا التمنع، ويظنونه عدولاً عن سنة، فإن الدعاء سنة إيمانية محكمة، بل هو مطلوب مندوب، وهو علامة ثقة المؤمن بربه وتعويله على إحسانه وكرمه، ولكن البخاري إنما ينتقل عبر هيبته تلك لله تعالى إلى سنة أخرى يراها في مذهبه واجتهاده أحكم وأبلغ في الإخبات والتواضع والتذلل بين يدي حكمة الله تعالى، وهي سنة (التفويض)، فإنه يكل الأمر إلى ربه يفعل به ما يشاء ويختار له الأصلح في دينه ودنياه، وهذا نوع آخر من الثقة بالله تعالى هو قسيم الثقة المحركة للدعاء، وتعبير آخر عنها، ويسع المجتهد في فقه الإيمان أن يفاضل بينهما.(127/8)
· ومما يزيد في توضيح معنى الاجتهاد الإيماني وإثبات وجوده أن تعلم ما ارتكبه بعض المسلمين من خطأ في السلوك باسم التصفية والتزكية والترويض والتربية ، مما كثر عند بعض المتصوفة، أو من خطأ في فهم العقيدة حتى استحال خطؤهم إلى بدع متتالية، وكل ذلك إنما هو (اجتهاد) لكنه خاطئ، و (مذهب) في التأويل، لكنه قاصر. وإذا كان هناك اجتهاد مثل هذا هو عن الصواب بمعزل، فإن ذلك يعنى إمكانية أن يكون هناك اجتهاد له من التوفيق والصحة نصيب.
· وانظر في هذا ما يروى عن رابعة العدوية من عدول عن التعبد بنية الثواب أو خوف العقاب، مما هو عدول عن عبادة سنية محضة: يتضح لك مثل من أمثلة الخطأ في الاجتهاد الإيماني. وفي إرهاق النفس وفطمها عن المباحات مثل آخر فعله ويفعله آخرون خلاف السنة، وفي فعل الكرامية الذين يرتكبون القبائح لتكون توبتهم - بزعمهم - أوثق. ولكن بمقابل ذلك دارت اجتهادات أخرى في دائرة الممكن والسائغ والمقبول، كمفاضلة البعض بين الشكر والصبر أيهما أفضل وأعلى، مما هو مشهور في محاورات أصحاب القلوب، والتأمل في هذه الأمثال يفتح لك باب الفهم لمعنى الاجتهاد الإيماني.(127/9)
· ومن شعب هذا الإيمان: الاستسلام للقدر حين يرى العبد أن الأسباب الظاهرة المألوفة عند الناس ما عادت تجدي أو توصله إلى مبتغاه ومراده، فيدرك أن في الأمر سراً ربانياً وحكمة خفية، وأن الله سبحانه يريد به لطفاً - ربما - حين يمنعه عن نيل ما يناله الناس، ربما حتى فاجرهم، بل كافرهم، فيطرح نفسه على باب ربه متذللاً مفوضاً، ويختط لنفسه مذهبا قدرياً خاصاً، فيفتي نفسه بأن يكون ريشة في مهب ريح القدر، وقد كان من قبل يصارع قدر الشر بقدر الخير على طريقة عبد القادر الكيلاني المشهورة الصحيحة السنية، وقد أتاها وحاول وأجهد نفسه وقواه ورصد الأسباب فسلكها وخاض الغمار وأوغل في العمق واحتال بكل الحيل، لكنه فشل، فيغمره إدراك حينئذ لموقعه، وأنه محروس، بلطف ورعاية إلهية، مما يظنه خيراً وهو شر له، أو هو معاقب ممنوع، من جبار منتقم بعدل، فيتميز له طريق التوبة إذ هو في حالة الإذعان المبالغ فيه والإخبات الذي يوصله إلى أدنى درجات المسكنة ونكران الذات والإزراء على نفسه وتوبيخها وردعها واتهامها ومنعها من الاعتذار والتأول، فيسد عليها مسارب التملص كلها، ويحملها المسؤولية كاملة، حتى يرهقها محاسبة، فعسى عندئذ أن يفتح له باب من التوفيق يلج من زاويته هاربا، أو يسلك في الدرب الذي بعده صاعداً، وهذا مذهب سني صحيح ليس له مع مذهب الابتداع القدري التقاء، وإنما يميزه قدماء أهل المعاناة فقط، ولن يؤذن لطارئ أن يقارب مغزاه، وهو شأن القلب وأحاسيس اللجج، لا شأن اللسان ودعاوى اللجاج.(127/10)
· فإذا استوى على أمواج القدر، وهتف به من جانب الأفق هاتف في صورة صاحب صلاة يتلو ويبشره أن {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ }الحج38 ، فليس في ذاك الأوان أسعد منه ولا أكثر منه وثوقاً في المستقبل، فيدرك أن العاقبة للمتقين، وأنها محجوزة له محتكرة إذا استقام . وإذا قرأ {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً{5} إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} الشرح 5-6 . فإن قلبه يجد إلى الطمأنينة سبيلاً، وكأنه يتناوش اليسر من مكان قريب أو يرمى به إليه هدية وعليها اسمه وعنوانه ملفوفة بوثيقة امتياز يؤهله لتصرف غير ذي حد ولا انتهاء، إلا أن يكون هو الناكل بعدما يتدخل حسد الشيطان، فينكبح، فتكون له قصة توبة ثانية ليست لذة الاستئناف فيها بأقل من لذة الرفل بتلك السكينة الأولى لو كان مستمرا.(127/11)
· أما إن سمع {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً }الفرقان31 ، أو أحاطته معاني { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً{2} وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً{3} وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً{4} ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً{5} الطلاق 2-5. فإنه سيبلغ ذروة عالية، وكأن زمام الصعاب في يديه، فما من شوارد، ولا صوائل. ويظل يزداد ثقة إذا قرأ أمثال { فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى{5} وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى{6} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى{7} الليل5-7. وفي القرآن الكريم مبشرات كثيرة أخرى، وفي الحديث الشريف، وفي شعر المؤمنين، وهي البشائر التي نقلها عمر بهاء الدين الأميري رحمه الله، حين وصف صاحب اليقين فقال:
ولا يرى من فزع رهن أسى *** يقينه كالطود في القلب رسا
يبصر في غور الخطوب قبسا *** من نصرة الله إذا ما استيأسا(127/12)
· ثم استطرد شعراء الإيمان في جمعهم للمعاني الكبيرة في ألفاظ صغيرة تهز قلب المؤمن هزة التمحيض، لتتركه يستقر ثابتا عند ركن التفويض، أو طائفاً حول محاور العمل على سنة الترويض، فهو يكفيه موعظة أن يذكره شاعر بأن عيون الناس قد نامت قاطبة، (لكن عين الله لم تنم)، فيحس معنى الحراسة الربانية، وأن له أن يستريح، وأن يسيح، خافقاً بجناحيه مع الريح، لأنه في كلاءة الله تعالى ولطفه، تلحظه عين الرعاية أينما انقلب، فترد عنه العدو وصور الشر، فتكون له جرأة على الاقتحام في مواطن يتلكأ عنها الغافلون المحرومون من تحسس تلك الكلاءة، ويقدم على التحدي وهو رابط الجأش، بفؤاد متين، ثم يحس في انعطافة مباشرة معنى الرقابة الربانية أيضا، وأنه محاصر بها أينما ذهبت به حيل التفلت، فيدرك عجزه عن الاختباء في زاوية أو في قعر كهف أو بين جدران، فهو مفضوح مكشوف أينما ذهب، وليس له إلا أن يذعن ويستسلم ويضع نفسه في تيار التعبد الدائب، وهكذا يظل المؤمن الموقن بأن (عين الله لم تنم) متقلبا بين هذين الإحساسين الإيجابيين، فهو رافل بسكينة اللطف من جانب، متدرع، من جانب آخر، بطمأنينة إبراء الذمة فيما يظن، بعد أن قدم من العمل شيئا ولاذ بركن الرجاء، طامعا ببر رب هو عند حسن ظن عبده به.(127/13)
· ومن فروع هذا التفويض أيضا: قبول المؤمن لوقوع الظلم عليه من آخرين، بلا مقاومة أو انشغال بالرد، وبلا سعي إلى التقاضي ورفع الخصومة لدى المحاكم، أو الشكاية إلى أولي الأمر أو إلى ذي مكانة يستطيع أن يردع الظالم، بل يسكن، ويتعفف، ويرى أن مكانته الإيمانية أعز من أن يتساوى في الظاهر مع ذي العيوب الذي اعتدى عليه، ويرى أن المروءة تدعوه إلى أن يشمخ على الذي يبدي الإسفاف، وأن يترفع عن موقف يقوده إلى رفع صوت أو إثارة فضول الغرباء أو جدل أو لجاج، فيلوذ بالصمت، ويركن إلى معاني التوكل على الله: أنه هو سبحانه الذي سيعوضه خيراً مما سلب منه، إن كان مالا: فسيبارك له من مصدر آخر. أو كان ذماً: فسيفتح قلوب الناس لمحبته ويحسن ذكره في الآفاق. أو كان حرمانا من منصب أو رئاسة: فسيهبه نقابة المؤمنين والصدارة في جماعة الخير. وأنا نفسي قد اخترت هذا النوع من التفويض في حياتي فوجدته لذيذاً جداً، ووجدت كرم الله معي غاية الكرم، يعوضني الضعف إذا سلبني أحد دراهمي، ويبعث لي من يسمعني ألفاظاً جميلة إذا تجاوز علي متجاوز فاستفزني، وهكذا صرت أتأول الخير وحسن العقبى حتى في صغار الأمور اليومية، كأن يأخذ أحد دوري في دخول محل أو ركوب حافلة، مثلاً، أو حصول غش من بائع لي، فاستولت علي سجية الاسترسال مع رغبة المنافس أو الطامع، وبقلب بارد مطمئن إلى أن ما هو أحسن إنما هو في انتظاري، في حين أرى غيري يشتاط ويزمجر ويدخل المعارك في مثل ما أستقبله أنا بالتجمل.(127/14)
· ويتوسع الأمر السلمي ومفهوم الوداعة حتى يشكل سلسلة من الذوقيات الرفيعة التي وصفتها في تقريري الميداني المعروف، بل صغتها لأصحابي في قوانين تعاملية ذات حساسية مسرفة في التعفف والدماثة وهضم حقوق النفس في سبيل إرضاء الغير، مع حياء فيه مبالغة، وحرص على التشبه بأصحاب مكارم الأخلاق وتقليد النبلاء، وما زال يتوسع عدد الرهط الذين ارتضوا هذه القوانين، ولكن ما زال هناك من لا يصبر على اللأواء الظاهرية لهذه المسالمة، غير منتبه إلى ما في باطنها وعواقبها من لذائذ روحية حين يرى المسالم نفسه في الأماكن العوالي.
· لكن هذا الباب إنما هو إزاء الحقوق الشخصية، أما الظلم السياسي فشأنه مغاير، وإنما شرع الله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لمثله، وتترجم معاني الإيمان إذا وقع هذا الظلم في صورة رفضه ومنازعته ومقاومته، لأن الظالم إنما سلب حقاً إسلامياً عاماً، واعتدى على شعيرة من شعائر الله، وقد ندب الله تعالى المؤمنين إلى أن يكونوا أعزة يعلمون الناس الإباء ... والشوق إلى الحرية.
المرجع: نحو المعالي-محمد أحمد الراشد.(127/15)
#الترف
لغة: ترف فلان:تنعَّم فهو تَرِفٌ كما فى الوسيط (1).
واصطلاحا:التنعم باستهلاك وفير من الكماليات ، على اختلاف أصنافها ، أو اقتنائها ، أو هو رفه فى إشباع رغبات النفس فوق ضروراتها وحاجياتها العادية، ومن ثم فالترف قرين الثراء، ولكن العكس ليس بالضرورة صحيحا.
وقد بين القرآن أن المترفين أثرياء بلا عقيدة، فقال تعالى {وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين}سبأ:35 ، وأن كثرتهم أو تحكمهم فى مجتمع مدعاة لهلاكه فقال تعالى {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا}الإسراء:16.
ونهى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأكل فى صحاف الذهب والفضة، والشبع من الطعام ، ولباس الشهرة، والفخر والمباهاة، ولبس الرجال للحرير، والتحلى بالذهب ، والبناء فوق الحاجة تفاخرا ، وكلها مظاهر للترف (3).
وفى المسيحية دعا الآباء الأوائل إلى نبذ الترف ، وارتبط ذلك بكراهة تكوين الثروة وحب الزهد ، ولكن الكنيسة البروتستانتية اعتبارا من القرن السادس عشر أباحت تكوين الثروة، وتشددت فى إدانة الترف ، فدعت رعاياها إلى نبذ الاستهلاك غير الضرورى ، ويرى Max Weber أن هذة العقيدة أدت إلى نمو المدخرات من ثروة متزايدة، ومن ثم نمو الاستثمار، وبروغ الرأسمالية الحديثة.
ويلاحظ أن الإسلام لم يحرم تكوين الثروة طالما كانت من كسب حلال ، ولكنه نظم إنفاق المسلم بحيث لا يدخل الترف حياته ، فحث على الاعتدال فى الانفاق ، فقال تعالى {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا}الإسراء:29. ونهى عن التبذير فقال تعالى {وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا. إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا}الإسراء:26-27 ، وفرض الزكاة، وحث على الصدقات والقرض الحسن.(128/1)
وقد قدم ابن خلدون تحليلا لأثر الترف على النشاط الانتاجى، فرأى أنه يؤدى إلى تنوع الكماليات المنتجة، وإتقان صنعتها وزيادة قيمتها، ومن ثم دخول صانعيها، وأن ذلك ينعكس على الأسواق ، فيزداد الإنفاق فيها وتنتعش ، ولكنه رأى أيضا أن أحوال الترف التى تصيب الحكام تزيد من إنفاقهم مما يتطلب موارد مالية إضافية لا يحصلون عليها إلا بزيادة الجباية من الرعية فيفسد ذلك نشاطهم الإنتاجى، ويؤدى إلى خراب الدولة(3).
واختلف الاقتصاديون المحدثون فى تحليل أثر الترف على النشاط الإنتاجى.
1- فرأى التقليديون أن إنتاج السلع الترفية أقل تأثيرا فى النشاط الاقتصادى والنمو من إنتاج السلع الأخرى التى يزداد عليها طلب عامة الناس.
2- ورأى الكنزيون معارضة الرأى السابق ، لأن موارد المجتمع المحدودة ليست موظفة بالكامل دائما فى الأجل القصير، كما أعتقد التقليديون ، فإذا كان بعضها معطلا فإن استخدامه فى إنتاج سلع الترف أو غيرها ينعش الاقتصاد.
والرأى التقليدى أكثر رجاحة فى الأجل الطويل إذا اعتبرنا التضحية التى يتحملها المجتمع بتخصيص بعض موارده المحدودة لانتاج سلع خاصة بالأقلية الموسرة.
ولقد تبين لعدد ممن تناول موضوع الترف فى القرن العشرين أن مشكلة كثير ممن يعمل بكفاءة ويزداد دخله وتتعاظم ثروته أنه لا يستطيع أن ينفق ما حصل عليه بكفاءة أو برشد، بل ربما كان سلوكه مشينا(4).
أ.د/عبد الرحمن يسرى أحمد(128/2)
#الترويح
لغة:إدخال الراحة والسرور على النفس. كما فى اللسان(1). والترويح عن النفس بإدخال السرور عليها والأخذ بأسبابه مما ندب إليه الشارع الحكيم ، حتى يتجدد للنفس نشاطها وتقبل على العبادة بمزيد شغف وبكثير حب ، وهذا هو صريح قوله صلى الله عليه وسلم:(روحوا عن القلوب ساعة بعد ساعة، فإن القلوب إذا كلت عميت)(2).
واصطلاحا:إدخال الراحة والسرور على النفس على أن يكون مشروع الوسيلة والمقصد، بأن لا يرتكب به الإنسان مخالفة شرعية فى حق نفسه أو حق غيره.
أما فى حق نفسه:فبأن ينشغل عن عبادة ربه ويلهى عنه ، لأنه لا خيرفى عمل يلهى عن ذكر الله ، والمفروض أن الترويح تجديد لنشاط العبد حتى يقوى على تمام الطاعة، وكذلك بأن يرتكب مخالفة شرعية كأن يظهر عورة أمر الله أن تستر، أو أن يطلع على عورات الناس ، أو أن يستخدم فى ذلك قبيح الألفاظ والعبارات ، إلى غير ذلك مما يضر الإنسان.
وأما فى حق غيره:فبأن يكون فى ترويحه مثلا سخرية واستهزاء بالآخرين ، أو غيبة لهم ، أو إضاعة لحقوقهم.
والترويح لابد أن يكون موافقا لما أمر الله به ، قال تعالى:{قل بفضل الله وبرحمته فبذلك يفرحوا هوخير مما يجمعون}يونس:58.
وقال تعالى:{قل إن صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين) الأنعام:162.
فكل ما ليس عليه أمرالشارع فهو مردود على الإنسان يستوى فى ذلك جده ولعبه.
أ.د/عبد الصبورمرزوق(129/1)
#التسلط
لغة:تَسَلَّطَ عليه:تحكم وتمكن وسيطر،وسلطه:أطلق السلطان والقدرة، وسلطة عليه:مكنه منه وحكمه فيه (كما فى المعجم الوسيط)(1).
واصطلاحا:حالة تنطوى على معانى الإملاء والتحكم والرغبة فى فرض السيطرة على الآخرين.
والتسلط بهذه المعانى قد توصف به الدول والحكومات أو حتى الأفراد الجماعات حيث يدين الكل بالاستبداد والقهر لإملاء ما يرونه دون مراعاة للحريات أو لحقوق الغير.
ومع أن التسلط ينطوى على مضمون نفسى يرتبط بالدوافع والنزعات اللاشعورية التى يتم إسقاطها على الغير، إلا أن خطره يبدو إذا ما ارتبط بالسلطة السياسية فيما يعرف بالتسلطية التى تركز عناصر القوة فى يد فرد أو جماعة مما يجعلها قادرة على فرض إرادتها بما تملك من وسائل القمع المادى والمعنوى كما هو الحال فى كل النظم الجماعية الشمولية المستبدة(3).
ولقد كان للشريعة الإسلامية فضل السبق فى تقديم الحل الأمثل لكل مشكلات التسلط والتسلطية عندما أرست مبدأ الشورى وأوضحت مقاصدها السامية التى تتمثل فى قيام مصالح الناس فى الدين والدنيا. يقول سبحانه وتعالى:{وشاورهم فى الأمر}آل عمران:159.
كما جاء فى الحديث القدسى:(يا عبادى إنى حرمت الظلم على نفسى وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا}رواه مسلم عن أبى ذر(3).
وها هو ذا أبو بكر الصديق يقول فى خطبة توليه:(أيها الناس إنى قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينونى وان أسأت فقومونى) فيضع بذلك قاعدة هامة لتحديد سلطة رئيس الدولة؛ لكى تكون دستورا لمن يجيء من بعده منعا للاستبداد بالرأى والتسلط فى مصائر الناس دون رقابة وتقويم من الأمة التى هى مصدر السلطات (4).
أ.د/محمود أبو زيد(130/1)
#التصوف
يمثل التصوف نزعة إنسانية، يمكن القول بأنها ظهرت فى كل الحضارات على نحو من الأنحاء، وهو يعبر عن شوق الروح إلى التطهر، ورغبتها فى الاستعلاء علي قيود المادة وكثافتها، وسعيها الدائم إلى تحقيق مستويات عليا من الصفاء الروحى والكمال الأخلاقى.
ولم يكن المسلمون استثناء من هذه القاعدة، فقد ظهر التصوف لديهم مثلما ظهر لدى من سبقهم أو عاصرهم من الأمم.
وقد قدم الصوفية تفسيرات متعددة لهذه النسبة التى تميروا بها عن غيرهم من الفرق والطوائف التى ظهرت فى المجتمع الإسلامى، ومن هذه التفسيرات ما يلى:
- إن التصوف مأخوذ من صفاء الأسرار ونقاء الآثار.
- إنه نسبة إلى الصف الأول فى الصلاة.
- إنه نسبة إلى عمل أهل الصفة من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم وقد لاحظ القشيرى أن هذه التفسيرات ليست صحيحة من الناحية اللغوية.
- إن التصوف نسبة إلى صوفة القفا.
- إنه منسوب إلى رجل كان يجاور بمكة قبل الإسلام يسمى صوفة بن بشر، وعلق ابن تيمية بأن النسبة إلى هذا الرجل أو إلى قبيلته نسبة ضعيفة "... لأن غالب من تكلم باسم الصوفى لا يعرف هذه القبيلة، ولا يرضى أن يكون مضافا إلى قبيلة فى الجاهلية، ولا وجود لها فى الإسلام ".
- إن هذه التسمية نسبة إلى الصوف ،الذى هو زى الأنبياء، وشعار الصالحين والأولياء، ولباس أهل الزهد والتقشف والتواضع والإقبال على الله ، وهم يتميزون به عن أهل الرغبة فى الدنيا.
ولا يرفض القشيرى هذا التفسير، ولكنه لا يقبله قبولا تاما، وفى ذلك يقول:"فأما من قال:إنه من الصوف؟ ولهذا يقال:تصوف إذا لبس الصوف كما يقال تقمص إذا لبس القميص؟ فذلك وجه ، ولكن القوم لم يختصوا بلبس الصوف ". ومع ذلك يبقى أن هذا التفسير هو أقرب التفسيرات إلى القبول، وإن كان شيوخ التصوف قد أوضحوا أن التصوف يهتم بالجوهرقبل المظهر ويعنى بالحقائق والأعمال أكثرمن عنايته بالرسوم والأشكال.(131/1)
وأما تعريفات التصوف فإنها كثيرة جدا، وقد ذكر السهروردى أن له أكثر من ألف تعريف بل ذكرالشيخ زروق أنها تبلغ نحو الألفين وترجع هذه الكثرة إلى أن كل واحد ممن عرفوا التصوف كان يعبر عن ذوقه ووجده وحاله ، ولهذا اختلفت العبارات ، لأن الطرق إلى الله تعالى بعدد النجوم أو بعدد أنفس السالكين.
ويمكن تصنيف هذه التعريفات إلى أنواع بحسب الطابع الغالب عليها:
(أ) فبعضها يركز على الجانب العملى، الذى يهتم بمجاهدة النفس ومقاومة شهواتها ، وذلك كالذكر والمراقبة ، ومحاسبة النفس والزهد فى الدنيا، ومن نماذج هذه التعريفات:
- التصوف:قلة الطعام ، والسكون إلى الله تعالى والفرار من الناس.
- التصوف:ضبط حواسك ، ومراعاة أنفاسك ، وهكذا.
(ب) وبعضها يتجه إلى ملاحظة الجانب الأخلاقى، الذى هو من أهم أركان التصوف ،
ومن هذه التعريفات:
- التصوف:هو الدخول فى كل خلق سَنِىّ، والخروج من كل خلق دنىّ.
- التصوف:خلق فمن زاد عليك فى الخلق فقد زاد عليك فى الصفاء.
- وقال الهروى الأنصاوى: واجتمعت كلمة الناطقين فى هذا العلم ان التصوف هو الخلق.
(ج) وكان بعضها يهتم بجانب المعرفة، وهى المعرفة إلالهامية الذوقية التى هى موضع اعتزاز الصوفية وفخرهم. ومن هذه التعريفات ما قال العطار عن علم التصوف الذى هو "ثمرة للعمل والحال ، وليس نتيجة للحفظ والقال ، وإنه من العيان لا من البيان ، ومن الأسرارلا من التكرارومن العلم اللدنى لا من العلم الاكسبى...".
(د) ومن التعريفات ما يجمع هذه الجوانب كلها، ويضيف إليها ضوابط للسلوك المقبول عندهم بما يدفع التهم عن طريق الصوفية، ومن هذه التعريفات تعريف ابن خفيف للتصوف.
وقد نشأ التصوف عند المسلمين لأسباب متعددة، بعضها من داخل البيئة الإسلامية،وبعضها من خارجها.(131/2)
وكان الزهد هو البيئة الطبيعية التي نشأ فيها التصوف ، وكان الزهد نفسه ثمرة لعوامل دينية واجتماعية حيث طرأ على الحياة عند المسلمين أنماط من العيش وصور من السلوك ، لم تكن مألوفة فى حياة الصدر الأول من المسلمين الذين كانوا يتميزون بالبساطة والقناعة، والبعد عن التفنن فى مطاعمهم ومشاربهم ، أخذا بالورع وخشية من الحساب ، ولكن الحياة تحولت فيما بعد، وعند أهل الترف والغنى إلى نماذج من السرف الفاحش الذى يستثير أهل الفقر والمسكنة، المستمسكين بما كان عليه السلف من زهد وبساطة، وكان ذلك من دواعى نشأة التصوف عند المسلمين كما يقول ابن خلدون:"واصل هذه الطريقة العكوف على العبادة... والإعراض عن زخرف الدنيا ، والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه...وكان ذلك عاما فى الصحابة والسلف ، فلما فشا الإقبال على الدنيا، فى القرن الثانى وما بعده ، وجنح الناس إلى مخالطة الدنيا،اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية والمتصوفة ".
على أن التصوف لم يخل من التأثر ببعض المؤثرات الوافدة من نظم صوفية أخرى، جاءت من خارج البيئة الإسلامية، بسبب الترجمة أحيانا أو بسبب اتصال المسلمين -بعد الفتوحات- بشعوب أخرى كان لها قدم راسخة فى التصوف كالهند وفارس ، وقد كان بعض الصوفية من أصول ترجع إلى هذه الشعوب ، وليس ببعيد أن يكون لبعض أهل الكتاب الذين كانوا يعيشون بين المسلمين بعض التأثير أيضا ، وكان من آثار هذه العوامل كلها أن ظهر لدى بعض الصوفية أقوال ونظريات مشابهة لبعض ما ظهر فى النظم الصوفية الأخرى.
وأدى ذلك إلى أن تتفاوت نظرة المسلمين إلى التصوف ، وقد انقسموا حوله إلى أنصار يرون فى التصوف طريق الولاية، وسبيل الصفاء والعرفان ونيل الكرامات وخرق العادات ، وهؤلاء هم الصوفية ومن ارتضى طريقتهم.(131/3)
وإلى خصوم يرون التصوف بدعة وضلالة، واستعلاء على الشريعة بدعوى الحقيقة، وإعلاء للباطن على حساب الظاهر، وترويجا للأفكار والمذاهب الدخيلة التى تتحدث عن الفناء والحلول ، ووحدة الوجود وإسقاط التكاليف ، ووقوعا فى أسر البطالة والتواكل والجمود والسلبية، والإعراض عن العلم بدعوى العلم اللدنى.
وكان من بين المسلمين من اتخذ موقفا وسطا بين هؤلاء وهؤلاء ، ومن أبرز ممثلى هذا الاتجاه ابن تيمية (728هـ) وتلميذه ابن قيم الجوزية (751هـ) وقد أشار كل منهما إلى مواقف الفريقين ، وذكر ابن تيمية أن "الصواب هو الإقرار بما فيها ، وفى غيرها من موافقة الكتاب والسنة، والإنكار لما فيها وفى غيرها من مخالفة الكتاب والسنة".
وإذا طبقنا هذا المعيار فسنجد أنه يوجد بين الصوفية: السابقون المقربون والمقتصدون الذين هم من أهل اليمين ، وفيهم من هو ظالم لنفسه ، وقد انتسب إليهم طوائف من أهل البدع والزندقة ولكن المحققين من الصوفية يتبرأون منهم وينكرونهم.
ولعل هذا الموقف هو أولى الآراء بالقبول ، لأنه أقرب إلى الموضوعية والإنصاف ، وأبعد من التعميم والتعصب المذموم.
وينبغى ونحن نتحدث عن التصوف ألا نغفل عما حفل به التصوف من تربية أخلاقية وتحليلات نفسية كانت موضع إعجاب الدارسين فى الشرق والغرب ، وقد كان للصوفية المسلمين دورهم فى نشر الإسلام ، فى كثير من بقاع الأرض فى آسيا وإفريقيا قديما ، وفى أوروبا حديثا ، وهو دور معروف لدى المؤرخين.
أ.د/عبد الحميد مدكور(131/4)
#التعاون
أولاً : دلالة المصطلح :
أ – لغة : أعانه على الشيء : أي ساعده . تعاون القوم : أي عاون بعضهم بعضاً ، واستعان فلان بفلان : أي طلب منه العون .
ب- اصطلاحاً :المساعدة على الحق ابتغاء الأجر من الله عز وجل .
ثانياً : الأهداف :
1- غرس روح الجماعية في النفوس وتقديم المصلحة العامة على الخاصة .
2- الترغيب في خلق التعاون بين المؤمنين .
3- بيان سبل تقوية خلق التعاون في النفوس .
4- بيان الأحكام الشرعية والآداب المرعية للتعاون بين المؤمنين .
ثالثاً : عناصر الموضوع :
1. دلالة المصطلح : المساعدة على الحق ابتغاء الأجر من الله عز وجل .
2. أهمية التعاون في واقعنا المعاصر .
3. مشروعية التعاون على الحق .
4. فضل التعاون .
5. من صور التعاون .
6. سبل تقوية التعاون بين المؤمنين .
7. ضوابط المعونة والمناصرة .
8. مواقف من تعاون السلف .
9. أحاديث ومسائل في التعاون .
رابعاً : العرض :
1- أهمية التعاون في واقعنا ( أسباب عرض الموضوع ) :
1-1 إن العون مبدأ من مبادئ الإسلام .
1-2 إن التعاون يشيع روح الألفة والمحبة بين المؤمنين ويجعلهم كالجسد الواحد .
1-3 إن التعاون علاج لمشكلة الملكات المهدرة والطاقات المعطلة .
1-4 من طبيعة الفرد النقص ومحدودية الإنتاج والطاقة ، فهو بحاجة إلى معونة .
1-5 حاجة الدعوة اليوم إلى تعاون أبنائها لمواجهة تيارات الكفر .
1-6 إن في التعاون بعداً عن الخطأ وسلامة بإذن الله من الانحراف .
1-7 إن التعاون يكسب المرء قوة في مواجهة عقبات الطريق .
2- مشروعية التعاون :
3- فضل التعاون على الخير .
3-1 المستعان .
3-2 محبة الله عز وجل للمتعاونين فيه .
3-3 التعاون صفة من صفاته - صلى الله عليه وسلم - .
3-4 مغفرة الذنوب .
3-5 النجاة من كرب يوم القيامة .
3-6 الإعانة للمسلمين من أفضل الأعمال .
3-7 معونة الله للمتعاونين .
3-8 دخول الجنة .
3-9 دوام نعمة الله على عبده .(132/1)
3-10التعاون أفضل من نافلة الاعتكاف .
3-11 أن الله يثبت قدم الباذل للمعونة يوم تزل الأقدام .
4- من صور التعاون على البر والتقوى :
4-1 التناصح .
4-2 طلب العلم والتفقه في الدين .
4-3 التعاون في الدعوة إلى الله .
4-4 التعاون في الثبات على الحق والتواصي به .
4-5 التعاون في الدلالة على الحق ، يمكن أن يكون :
أ– بالنصيحة .
ب- بالاستشارة .
جـ - الدلالة على أمر اطلع عليه طرف وجهله الآخر .
4-6 التعاون في النصرة على الحق .
4-7 التعاون في تفريج الكربات وسد الحاجات .
5- سبل تقوية التعاون بين المؤمنين :
5-1 التعارف .
5-2 معرفة المسلم لحقوق المسلم عليه .
5-3 احتساب الأجر .
5-4 تنمية روح الجماعية .
5-5 فقه الواقع .
5-6 تطهير القلب من الأمراض .
6- ضوابط المعونة والمناصرة :
6-1 أن يكون التعاون على الحق .
6-2 العلم .
6-3 أن لا يترتب على النصرة أو المعونة مفسدة أكبر من مفسدة ترك النصرة .
6-4 أن لا يترتب على التعاون محذور شرعي .
7- مواقف من تعاون السلف الصالح :
7-1 تعاون آل أبي بكر مع رسول الله في هجرته .
7-2 تعاون الصحابة في بناء مسجده - صلى الله عليه وسلم - .
7-3 تعاون الأنصار مع المهاجرين في إيوائهم ومقاسمتهم أموالهم وبيوتهم .
7-4 تعاونه - صلى الله عليه وسلم - مع أصحابه في حفر الخندق .
7-5 تعاون ذي القرنين مع أصحاب السد ( فأعينوني بقوة ) .
7-6 موسى عليه السلام يسأل الله أن يجعل أخاه معيناً له على دعوته .
7-7 معاذ بن جبل يتعاون مع شباب بني سلمة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير .
7-8 تعاون النساء في الدعوة وخدمة المسلمين .
8- أحاديث ومسائل في التعاون :
8-1 قال - صلى الله عليه وسلم - : ( ثلاثة حق على الله عونهم ... ) .
8-2 قال - صلى الله عليه وسلم - : ( على كل مسلم صدقة ... ) .
8-3 جزاء التعاون على الباطل .
8-4 تعاون الزوجين على أمور الآخرة .(132/2)
8-5 سؤال إبراهيم عليه السلام إسماعيل معاونته على بناء البيت .
8-6 ولا تعينوا الشيطان .
8-7 سؤال الله المعونة على الأعداء .
خامساً : بعض التطبيقات العملية المقترحة لتأكيد معاني الدرس :
1- تكليف الطالب بأن يتعاون مع بعض إخوانه للقيام برحلة أو كتابة مسابقة .
2- التعاون في الاستيقاظ لصلاة الفجر .
3- التعاون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
4- التعاون في جمع الصدقات والزكاة ، وإيصالها لمستحقيها .
5- التعاون مع بعض المؤسسات الخيرية الإغاثية .
المرجع : الرائد دروس في التربية والدعوة – مازن الفريح – دار المنطلق .(132/3)
#التعاون
1- معنى الإعانة لغة : أعانه وأجاره وأيده .
2- معنى التعاون شرعاً : الإتيان بكل خصلة من خصال الخير المأمور بفعلها . والامتناع عن كل خصلة من خصال الشر المأمور بتركها .
3- الفرق بين البر والتقوى ، والإثم والعدوان .
4- قواعد مؤكدة في التعاون :
أن المعاونة على البرَّ بر .
التعاون مع البشر من فطرة الله التي فطر الناس عليها .
5- الأسباب الدافعة للتعاون على البر والتقوى :
تحصيل ثواب امتثال الأمر الوارد .
زيادة الأجر والمضاعفة .
الحاجة .
إتقان العمل وسهولة القيام به .
6- مجالات التعاون على البر والتقوى :
التعاون في مجال الدعوة ونصرة الدين :
o نصرة الإسلام وأهله .
o جهاد الكفار والمنافقين .
o التعاون على قتل ووعي النبوة .
التعاون على إقامة العبادات .
التعاون في بناء المساجد .
التعاون في مجال طلب العلم .
التعاون في الدعوة والتعليم وإنكار المنكر .
المعاونة في إقامة الأنشطة الخيرية والأعمال الإسلامية .
التعاون في القيام بحقوق المسلمين : منها :
· إعانة الملهوف .
· إعانة الضعفاء والمظلومين وحمايتهم من الاعتداءات .
· التعاون في مواجهة شدائد العيش .
· تعاون أصحاب المسؤوليات فيما بينهم .
· التعاون على الشيطان .
7- بماذا يكون التعاون على الإثم والعدوان :
التعاون على إقامة الشرك والكفر .
الاستعانة بالشياطين على السحر والاعتداء وإيذاء المسلمين .
التعاون على إحياء البدع وإقامتها .
أن يعاون الظلمة بأخذ المكوس .
أن يدل رجلاً على مطلوب ليقتل ظلماً .
المعاونة في الأغاني ، نظماً ، وتلحيناً ، وتنظيماً .
المعاونة على المنكر عموماً .
المرجع : كونوا على الخير أعواناً – محمد المنجد – دار الوطن .(133/1)
#التغيير الاجتماعي
لغة:التغيير والتبديل ، تقول:غيرت الشىء فتغير ، أى بدلته فتبدل (1).
واصطلاحا:هو إحداث شىء لو يكن قبله (2).
وإذا كان التغيير اجتماعيا أمكننا أن نعرفه بأنه:إحداث شىء فى المجتمع لم يكن موجودا من قبل.
ويلاحظ فى التعبير بلفظة "التغيير": عمل الغير ، أما إن أردنا أن ننبه إلى حاله الشىء المتغير فالأليق أن نعبر بالتغير، فهو: انتقال الشىء من حالة إلى حالة أخرى(3).
وكثيرا ما يترادف مفهوم "التغيير الاجتماعى" مع مصطلحات: "النهضة"، و "اليقظة" ، و "التطور" ، و "النمو" ، و "الإصلاح"، و "التقدم"، وهى مفردات شاعت لدى رواد الفكر والإصلاح العرب والمسلمين فى العصر الحديث ، فاستخدام هذه الكلمات يتضمن معنى واحدا هو الصيغة الإرادية للتغيير.
والتغيير الاجتماعى له عناصر لا يتم إلا بها ، وهى:الأشخاص ، والأشياء ، والأفكار.
فالتغيير يقوم على متابعة تحليلية لحركة هذه العناصر فى إطار الحياة الاجتماعية للإنسان. ولا يخفى ارتباط هذه العناصر ببعضها ارتباطا وثيقا وإن شكلت الأفكار فى عملية التغيير الاجتماعى العنصر ذا الأهمية البالغة، فأى عمل فردى أو اجتماعى لا يمكنه التحرك دون توجيه منها ، وهى تؤثر فى المجتمع إما كعوامل نهوض ، وإما كعوامل تعوق التحرك والنمو الاجتماعى(4).
حقيقة التغييرفى منهج القرآن:
ورؤية القرآن فى "التغيير" لا تقف عند تغييرما بظواهر الأحياء والأشياء لأن هذا النوع لا يعدو أن يكون تبدلا من حال إلى حال ، ومن مظهر إلى مظهر يأتى اللاحق فينسخ السابق.
أما التغييرالحق فهوبعض سنن الله فى الآفاق وفى الأنفس والتى قوامها تغيير ما بالنفس أى التغيير الداخلى لنفس الإنسان وهو ما يتم عادة بتغيير الفكر الذى يتم معه تغيير السلوك ، وتقاس به أحوال الأقوام والأمم بين الضعف والقوة وبين السقوط والنهوض.(134/1)
وهذا ما قرره القرآن فى قوله:{ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون وكل كانوا ظالمين}الأنفال:54.
وقوله سبحانه:{إن الله لا يغيرما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}الرعد:11.
وفى ضوء هذه السنة القرآنية التى قوامها الالتزام بمنهج الله أو البعد عنه:تسير مصائر الأفراد والأمم بين الازدهار والانكسار.
أ.د/عبد الصبور مرزوق(134/2)
#التفريد
لغة:تفرد بالأمر انفرد، واستفرد الشىء: أخذه فردا لا ثانى له ولا مثل.
واصطلاحا: يستعمل التفريد عند الصوفية بمعان عديدة منها:
1- أن يكون وصفا للعبد، وهو حال يصل إليه السالك بعد وصوله إلى التجريد، ويعرف الكلاباذى التفريد بهذا المعنى بأنه هو "أن يتفرد عن الأشكال ، وينفرد فى الأحوال ،ويتوحد فى الأفعال ، وهو أن تكون أفعاله لله وحده ، فلا يكون فيها رؤية نفس ، ولا مراعاة خلق ولا مطالعة عوض ، ويتفرد فى الأحوال عن الأحوال ، فلا يرى لنفسه حالا بل يغيب برؤية يحولها عنها، ويتفرد عن الأشكال ، فلا يأنس بها، ولا يستوحش منها"(1).
2- أنما يكون التفريد مختصا بالرب -جل جلاله- وهو معنى من معانى توحده بإفراده عن المحدثات ، إذ لا مجالسة بينه وبينها(3). فهو واحد آحد، فرد صمد، متفرد فى ذاته وصفاته وأفعاله.
3- ومن الصوفية من يفهم هذا المصطلح فى سياق المذهب القائل بوحدة الوجود ومن هؤلاء: القاشانى الذى يعرف التفريد بأنه "شهود الحق ولا شىء معه ،فيشهده منفردا،وذلك لفناء الشاهد فى المشهود. ومن لم يذق هذا المشهد نازعه عقله فى فهم هذا المعنى.. فيقال له:ألست تشهد نفسك بنفسك؟ مع أن ذلك لا ينافى الإفراد، فهو الشاهد من الشاهد، والمشهود من المشهودة إذ لا حقيقة لغيره ، ولأن الكل تعيناته "(3).
4- والتفريد عند الكمشخانوى معنى عام سار فى كل جانب من جوانب التصوف وفى كل مرحلة من مراحله "... وصورته فى البدايات:تخليص الإشارة إلى الحق بالعبارة،وفى الأبواب:تخليص الإشارة إلي الحق بالعقيدة. وفى المعاملات تفريد الاشارة إلى الحق بالتأثير والتصريف. وفى الأخلاق: تصريف الاشارة إلى الحق بالحق والبعث.
وفى الأصول:تخليص الاشارة إلى الحق قصدا وسلوكا ، وفى الأدوية:تخليص الإشارة بالحق محبة وغيرة، وفى الولايات:تخليص الإشارة بالحق ؛ افتخارا وغيرة. وفى الحقائق:تخليص الإشارة بالحق شهودا واتصالا "(4).
أ.د/عبد الحميد مدكور(135/1)
#التفسير
لغة:تدور مادته حول معنى الكشف مطلقا سواء أكان هذا الكشف لغموض لفظ أم لغير ذلك ، يقال فسرت اللفظ فسرا من باب ضرب ونصر، وفسرته تفسيرا شدد للكثرة إذا كشفت مغلقه (1).
واصطلاحا:كشف معانى القرآن وبيان المراد منه ، وهو أعم من أن يكون بحسب اللفظ المشكل وغيره ، وبحسب المعنى الظاهر وغيره ، والمقصود منه (2).
وهل يتوقف هذا الإيضاح على القطع بالمعنى المراد بأن يكون اللفظ نصا لا يحتمل إلا معنى واحدا أو الرواية الصحيحة عن المعصوم صلى الله عليه وسلم ، أو لا يتوقف على شىء من ذلك بحيث يكفى فيه غلبة الظن بالمعنى المراد؟ الصواب هو عدم التوقف ، غاية الأمر أنه يلزم عند مجرد غلبة الظن ألا يقطع المفسر بأن المعنى الذى غلب على ظنه هومراد الله من النص. بل يقول ما يشعر بعدم الجزم كقوله:المعنى عندى والله أعلم ، وأشباه ذلك من العبارأت المشعرة بعدم القطع فيما لا قاطع فيه.
والتفسير بهذا المعنى يشمل جميع ضروبه البيان لمفردات القرآن وتراكيبه سواء تعلق البيان بشرح لغة، أم باستنباط حكم أم بتحقيق مناسبة، أو سبب نزول ، أم بدفع إشكال ورد على النص ، أو بينه وبين نص آخر أم بغير ذلك من كل ما يحتاج إليه بيان النص الكريم.
وقد عرف القول فى تفسير القرآن منذ عهد نزول القرآن ذاته ، فالقرآن يفسر بعضه بعضا. وقد يحتاج بعض الصحابة إلى بيان شىء من القرآن فيوافيهم به النبى صلى الله عليه وسلم كما فى قوله تعالى:{وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) النحل:44 ، ومن ثم عرف العلماء وذكروا فى تصانيفهم ألوانا شتى من تفسير القرآن للقرآن ومن تفسير السنة للقرآن.(136/1)
ثم سار الصحابة فمن بعدهم على هذا المنوال من البيان لكل ما يحتاج إلى بيان من القرآن فتكونت ، المدارس المتقدمة للتفسير فى مكة والمدينة والشام ، والعراق وهلم جرا ، وحتى دونت المصنفات التى لا تكاد تحصى فى التفسير، كل على حسب مشرب صاحبه من العناية باللغة والبلاغة أو الفقه والأحكام ، أو تحقيق أمور العقيدة ومباحثه علم الكلام ، أو التصوف وأذواقا المتصوفة وإشاراتهم ، ثم من إسهاب إلى إيجاز إلى توسط فى التناول ، وهكذا صار تفسير القرآن علما قائما برأسه وضعت فيه المئات إن لم تكن الألوف من المجلدات (3).
ولتقسيم التفسير اعتبارات متعددة يختلف باختلافها ، وهذه الاعتبارات هى:
أولا: أن ننظر إلى التفسير من حيث إمكان تحصيله وهو بهذا الاعتبار ينقسم إلى أربعة أقسام أخرجها ابن جرير الطبرى عن طريق سفيان الثورى عن ابن عباس فيما يلى:
(أ) وجه تعرفه العرب من كلامها.
(ب) وتفسير لا يعذر أحد بجهالته.
(ج) وتفسير يعلمه العلماء.
(د) وتفسيرلا يعلمه إلا الله (4).
ثانيا: أن ينظر إلى التفسيرمن جهة استمداده من الطريق المعتاد نقلا كان من القرآن نفسه ، أو من السنة، أو من كلام الصحابة، أو التابعين ، أو كان رأيا واجتهادا.
أو من غيرهذا الطريق بأن يكون بطريق الإلهام والفيض ، فالتفسير ينقسم بهذا الاعتبار إلى ثلاثة أقسام:
(أ) تفسير بالرواية، ويسمى التفسير بالمأثور.
(ب) تفسير بالدراية، ويسمى التفسير بالرأى.
(ج) تفسير بالفيض والإشارة، ويسمى التفسير الإشارى(5).
ثالثا: أن ينظر إلى التفسيرمن جهة كونه شرحا لمجرد معنى اللفظ فى اللغة، ثم لمعنى الجملة أو الآية على سبيل الإجمال ، وهو بهذا الاعتبار ينقسم إلى قسمين:
(أ) إجمالى.
(ب) تحليلى(6).
رابعا: أن ينظر إلى التفسير من جهة خصوص تناوله لموضوع ما من موضوعات القرآن الكريم ، عاما كان كالعقيدة والأحكام أو خاصا كالصلاة والوحدانية ونحوها. وهو بهذا الاعتبار ينقسم إلى:
(أ) تفسير عام (7).
((136/2)
ب) تفسير موضوعى.
أ.د/ابراهيم عبد الرحمن مهمد خليفة(136/3)
#التقاويم
التقويم فى علم الفلك:حساب الزمن بالسنين والشهور والأيام ، وقد اتخذت شعوب كثيرة من وحدات اليوم والشهر والسنة أساسا لوضع تقاويم Calendars خاصة، مثل التقويم المصرى (القبطى) واليونانى والفارسى والهندى واليهودى وغيرها.
وهذه التقاويم وإن كانت تختلف فى خصائصها الدقيقة عن بعضها البعض إلا أنه يمكن إجمالها عموما فى نوعين رئيسين:
أحدهما:قمرى، أساسه دوران القمر حول الأرض.
والآخر: شمسى، أساسه دوران الأرض حول الشمس. ويعتبر التقويمان الهجرى والميلادى خير مثالين لهذين النوعين من التقاويم.
أما التقويم الهجرى فيتخذ من رؤية الهلال بعد غروب الشمس بداية للشهر الهجرى فى اليوم التالى للرؤية، ويبدأ اليوم فى التقويم الهجرى بغروب الشمس وينتهى بالغروب التالى، ويبلغ الشهر الهجرى 29 أو 30 يوما، وكل اثنى عشرشهرا تساوى عاما كاملا.
وقد بدأ إحصاء التاريخ الهجرى منذ أول المحرم لسنة هجرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من مكة المشرفة إلى المدينة المنورة.
وفى هذا التقويم يبدأ ترتيب الشهور الهجرية بدءا بالمحرم ، ثم صفر، وربيع الأول ،وربيع الآخر، وجمادى الأولى، وجمادى الآخرة ، ورجب ، وشعبان ، ورمضان ، وشوال ،وذو القعدة، وذو الحجة.ومنذ بداية القرن العشرين زاد الاهتمام بطرق الرصد الدقيق لتعيين مدارات القمر والكواكب ، وأصبح بالامكان تحديد لحظة ميلاد الهلال بدقة كبيرة عن طريق حل المعادلات الرياضية لمداره حول الأرض ومدار الأرض الظاهرى حول الشمس ، وبلغت هذه الحسابات من الدقة ما جعلها تصلح للتحديد المسبق لمواقع الكواكب والأقمار، وضمان الوصول الآمن إليها فى الفضاء بعد رحلات قد تستغرق سنين عديدة، وقد حفزذلك أقطارا إسلامية للاستغناء كلية عن رؤية الهلال ، والاكتفاء بالحسابات الفلكية.
وحسب نتائج الرؤية فى اليوم التاسع والعشرين من كل شهر هجرى، يتم الإعلان عن دخول الشهر الجديد فى اليوم التالى أو الذى يليه.(137/1)
وأما التقويم الميلادى الذى يعتمد على دوران الأرضر حول الشمس فقد طرأت عليه تعديلات جوهرية كثيرة على مدى القرون ، إلى أن استقر على يد البابا جسريجورى،وأصبح يعرف بالتقويم الجريجورى، وصار أساسا عالميا للتأريخ والأحداث ، وتشتمل السنة الجريجورية (الميلادية) على 12 شهرا طولها الشهور الفردية من الأول حتى السابع:(يناير - مارس - مايو - يوليو) والشهور الزوجية من الثامن حتى الثانى عشر:(أغسطس - أكتوبر - ديسمبر) وتبلغ 31 يوما، بينما تكون باقى الشهور ثلاثين يوما فيما عدا الشهر الثانى (فبراير) فيكون 28 يوما فى السنة البسيطة (التى لا تقبل القسمة على أربعة) و 29 يوما فى السنة الكبيسة التى طولها 366 يوما، وتأتى كل أربع سنوات ، أى فى السنة التى تقبل القمسة على أربعة.
أ.د/أحمد فؤاد باشا(137/2)
#التقريب
لغة:مصدر "قرب" بالراء المفتوحة المشددة، كما فى مختار الصحاح (1).
واصطلاحا:هو سوق المقدمات على وجه يفيد المطلوب ، وقيل:سوق الدليل على الوجه الذى يلزم المدعى، وقيل:جعل الدليل مطابقا للمدعى، ولا يتم التقريب إلا إذا كان المطلوب لازما ، واللازم مطلوب.
والتقريب كاصطلاح عام يدخل فى كثير من المجالات ، ومنها:
1- التقريب بين وجهات النظر المختلفة سواء أكان ذلك فيما يقع للناس فى أمور معاشهم وطرائقها ، أم كان فى نظرتهم -مثلا- لبعض الفروع الفقهية واختلافهم بشأنها من جهة ما يعتريها من أحكام.
ومن التقريب بهذا المعنى:محاولة التقريب بين المذاهب الإسلامية، خاصة بين أهل السنة والشيعة ، لما يترتب على ذلك من تقوية لمفهوم الأخوة الإسلامية الجامعة، بعد أن عبثت بها نوازع الفرقة.
وقد ظهرت فى مصرمنتصف القرن الثالث عشر للهجرة التاسع عشر للميلاد دعوة للتقريب بين المذاهب الإسلامية دعا إليها الشيخ محمد تقى الدين القمى تحمل اسم "جماعة التقريب" وسجلت بهذا الاسم وضمته نخبة من كبارعلماء مصرمنهم الشيخ محمود شلتوت والشيخ عبد المجيد سليم والشيخ إبراهيم حمروش والشيخ محمد المدنى وغيرهم ، وكان من نتائج عملها أن درست فى كليات الشريعة بالأزهر بعض المذاهب الشيعية الأقرب إلى "أهل السنة" كالزيدية لكنها توقفت ، ولم يحاول آخرون تجديدها والتمكين لدورها فى التقريب بين الشيعة والسنة وهما الجناحان الأعظمان للمسلمين فى العالم.(138/1)
2- التقريب فى الأحكام الشرعية، وذلك بأنه يتعين على الفقيه أن يجد لمسألته دليلا مباشرا صريحا، حين يتجاذب المسألة أكثر من دليل وأكثر من أصل ، أو حين يجد فيها نوعا من الغموض والتقصير، فالتحقيق يفرض عليه أن يصوغ اجتهاده فى هذه الحالة صياغة تقريبية كأن يقول:الأقرب إلى الصواب فيها كذا ، أو الأشبه بالحق ، وغير ذلك. ومن أمثلة هذا النوع:مسألة الأراضى المفتوحة التى أشكلت على الصحابة فاختلفوا فيها، واختلف فيها الأئمة من بعدهم فذهب بعضهم إلى جعلها غنيمة توزع على الفاتحين ، والبعض على أنها فىء.
وقيل:التصرف فيها يخضع للاجتهاد وللاعتبارات المصلحية وهو ما استقر عليه جمهور الصحابة، وأشذ به جمهور العلماء.
ولعل القضاة والمفتين هم أكثر الفقهاء احتياجا إلى التقريب فى الاجتهادات والأحكام ، لكثرة ما يعرض لهم من غريب النوازل والقضايا المستجدة مما يجعلهم فى أحايين كثيرة يقفون أمام قضايا لا نص فيها وتحتاج إلى التقريب ما أمكن.
3- التقريب فى الأوصاف ، وهذا يتجلى فى الصفات المطلوبة فى الخليفة والقضاة، والشهود وغيرهم ، فإن الشروط المطلوبة فى هذه النوعيات كثيرا ما تتخلف، والتوقف عن تقليد هؤلاء مناصبهم حتى تكتمل الشروط فيهم قول لا يؤيده واقع سليم ، بل يكون اللجوء إلى التقريب لاختيار الأكمل ضرورة يفرضها المتاح.
4- التقريب فى المقادير، وهو لا يختلف فى حقيقته عن النوع السابق فالمقادير التى حددها الشرع سواء أكانت مكيلة أم موزونة أم معدودة أم غير ذلك قد يتعذر الإتيان بها بتمامها ، وعليه فالأصوب أن يؤتى بما يقاربها خصوصا إذا كانت الفروق فيها طفيفة.
فالتقريب هو نوع تصرف تفرضه الظروف.وخصوصا إذا تعذر المباح فيتعين المتاح.
أ.د/ عبد الصبور مرزوق(138/2)
التقصير في تربية الأولاد
أولاً : التحذير من التقصير في تربية الأولاد .
ثانياً : من مظاهر التقصير والخطأ في تربية الأولاد :
1- تنشئة الأولاد على الجبن والخوف والهلع والفزع .
2- تربيتهم على التهور ، وسلاطة اللسان والتطاول على الآخرين وتسمية ذلك شجاعة .
3- تربيتهم على الميوعة ، والفوضى ، وتعويدهم على الترف والنعيم والبذخ .
4- بسط اليد للأولاد وإعطاؤهم كل ما يريدون .
5- إعطاؤهم ما يريدون إذا بكوا بحضرة الوالد ، خصوصاً الصغار .
6- شراء السيارات لهم وهم صغار .
7- الشدة والقسوة عليهم أكثر من اللازم .
8- شدة التقتير عليهم .
9- حرمانهم من العطف والشفقة والحنان .
10- الاهتمام بالمظاهر فحسب .
11- المبالغة في إحسان الظن بالأولاد .
12- المبالغة في إساءة الظن بهم .
13- التفريق بينهم .
14- التسخط بالبنات ، وفيه عدة محاذير منها :
أ - أنه اعتراض على قدر الله عز وجل .
ب - أن فيه رداً لهبة الله بدلاً من شكرها .
ت- أنه تشبه بأخلاق أهل الجاهلية .
ث- أنه دليل على السفه والجهل والخلل في العقل .
ج - أنه تحميل للمرأة ما لا تطيق .
ح - أن فيه إهانة للمرأة وحط من قدرها .
15- التسمية للأولاد بأسماء سيئة ، ومن الأخطاء التي تقع في تسمية المولود :
أ - تسميتهم بالأسماء الممنوعة المحرمة .
ب - تسميتهم بالأسماء التي ينبغي تجنبها والتي قد تكون محرمة .
ت - تسميتهم بالأسماء التي يظن أنها من أسماء الله .
ث - تسميتهم بالأسماء المكروهة أدباً وذوقاً .
ج - تسميتهم بالأسماء التي تسبب الضحك وتثير السخرية .
ح - تسميتهم بالأسماء التي توحي بالتميع والغرام وخدش الحياء .
خ - التسمية بأسماء الملائكة .
د - تسميتهم بالأسماء التي تتضمن تزكية دينية .
16- مكث الوالد طويلاً خارج المنزل ، ومن مظاهر ذلك ما يلي :
أ - الاشتغال عن الأولاد بالبيع أو الشراء والتجارة .
ب - السفر الطويل خارج البلد للعمل أو النزهة .(139/1)
ت - العكوف الساعات الطوال مع الأصحاب في الاستراحات .
ث - إهمال البيت الأول إذا بنى الأب بزوجة جديدة .
ج - كثرة خروج الأم من المنزل .
17- الدعاء على الأولاد .
18- التربية على سفاسف الأمور ، وسيئ العبارات ، ومرذول الأخلاق .
19- فعل المنكرات أمام الأولاد أو إقرارهم عليها .
20- جلب المنكرات للمنزل .
21- كثرة المشكلات بين الوالدين .
22- التناقض .
23- العهد للخادمات والمربيات بتربية الأولاد .
24- ترك البنات يذهبن للسوق بلا محرم .
25- إهمال الهاتف وترك مراقبته في المنزل .
26- الغفلة عما يقرؤه الأولاد .
27- احتقار الأولاد وقلة تشجيعهم .
28- قلة العناية بتربيتهم على تحمل المسؤولية .
29- عدم إعطائهم فرصة للتصحيح والتغيير للأفضل .
30- سوء الفهم لنفسية الأولاد وطبائعهم .
31- قلة المراعاة لتقدير مراحل العمر التي يمر بها الولد .
32- الشماتة بالمبتلين .
33- قلة الاهتمام باختيار مدارس الأولاد .
34- إلحاقهم بالمدارس الأجنبية .
35- قلة التعاون مع مدارس الأولاد ، أو انعدامه بالكلية .
36- الدفاع عن الولد بحضرته – خصوصاً في المدرسة - .
37- ترك المبادرة في تزويج الأبناء مع الحاجة والمقدرة .
38- إجبار الابن على نكاح من لا يريد .
39- تأخير زواج البنات بغير مسوغ شرعي .
40- تزويج البنات بغير الأكفياء .
41- إرغام البنت على الزواج بمن لا تريده .
42- دخول الوالد في كل صغيرة وكبيرة من أمر ولده إذا تزوج .
ثالثاً : تساؤلات .
رابعاً : صور مشرقة من تربية السلف لأولادهم .
خامساً : مناشدة .
سادساً : السبل المعينة على تربية الأولاد :
1- العناية باختيار الزوجة الصالحة .
2- سؤال الله الذرية الصالحة .
3- الفرح بمقدم الأولاد ، والحذر من التسخط بهم .
4- الاستعانة بالله على تربيتهم .
5- الدعاء للأولاد وتجنب الدعاء عليهم .
6- تسميتهم بأسماء حسنة .
7- تكنيتهم بكنى طيبة منذ الصغر .(139/2)
8- غرس الإيمان والعقيدة الصحيحة في نفوس الأولاد .
9- غرس القيم الحميدة والأخلاق الكريمة في نفوسهم .
10- تجنيبهم الأخلاق الرذيلة وتقبيحها في نفوسهم .
11- تعليمهم الأمور المستحسنة وتدريبهم عليها .
12- الحرص على استعمال العبارات المقبولة الطيبة مع الأولاد ، والبعد عن العبارات الرذيلة السيئة
13- الحرص على تحفيظ الأولاد كتاب الله .
14- تحصينهم بالأذكار الشرعية .
15- الحرص على مسألة التربية بالقدوة .
16- الحذر من التناقض .
17- الوفاء بالوعد .
18- إبعاد المنكرات وأجهزة الإفساد عن الأولاد .
19- إيجاد البدائل المناسبة للأولاد .
20- تجنيبهم أسباب الانحراف الجنسي .
21- تجنيبهم الزينة الفارهة والميوعة القاتلة .
22- تعويدهم على الخشونة والرجولة ، والجد والاجتهاد ، وتجنيبهم الكسل والبطالة والراحة والدعة .
23- تعويدهم الانتباه آخر الليل .
24- تجنيبهم فضول الطعام ، والكلام ، والمنام ، ومخالطة الأنام .
25- تشويقهم للذهاب إلى المسجد صغاراً وحملهم على الصلاة فيه كباراً .
26- مراقبة ميول الولد ، وتنمية مواهبه ، وتوجيهه لما يناسبه .
27- تنمية الجرأة الأدبية في نفس الولد .
28- استشارة الأولاد .
29- تعويد الولد على القيام ببعض المسؤوليات .
30- تعويد الأولاد على المشاركة الاجتماعية .
31- التدريب على اتخاذ القرار .
32- فهم طبائع الأولاد ونفسياتهم .
33- تقدير مراحل العمر للأولاد .
34- تلافي مواجهة الأولاد مباشرة .
35- الجلوس مع الأولاد .
36- العدل بين الأولاد .
37- إشباع عواطفهم .
38- النفقة عليهم بالمعروف .
39- إشاعة الإيثار بينهم .
40- الإصغاء إليهم إذا تحدثوا وإشعارهم بأهمية كلامهم ، ومن آثاره الإيجابية :
أ - أن هذا العمل يعلم الولد الطلاقة في الكلام .
ب - يساعده على ترتيب أفكاره وتسلسلها .
ت - يدربه على الإصغاء ، وفهم ما يسمعه من الآخرين .
ث - أنه ينمي شخصية الولد ، ويصقلها .(139/3)
ج - يقوي ذاكرته ويعينه على استرجاع ما مضى .
ح - يزيده قرباً من والده .
41- تفقد أحوال الأولاد ومراقبتهم عن بعد ، ومن ذلك ما يلي :
أ - ملاحظتهم في أداء الشعائر التعبدية من صلاة ووضوء ونحوها .
ب - مراقبة الهاتف المنزلي .
ت - النظر في جيوبهم وأدراجهم من حيث لا يشعرون .
ث - السؤال عن أصحابهم .
ج - مراقبة ما يقرؤونه ، وتحذيرهم من الكتب التي تفسد أديانهم .
42- إكرام الصحبة الصالحة للولد .
43- مراعاة الحكمة في إنقاذ الولد من رفقة السوء .
44- التغافل – لا الغفلة – عن ما يحدث من الأولاد من عبث أو طيش .
45- البعد عن تضخيم الأخطاء .
46- اصطناع المرونة في التربية .
47- لتربية بالعقوبة .
48- إعطاء الأولاد فرصة للتصحيح .
49- الحرص على أن يكون التفاهم قائماً بين الوالدين .
50- تقوى الله في حال الطلاق .
51- العناية باختيار المدارس المناسبة للأولاد والحرص على متابعتهم فيها .
52- إقامة الحلقات العلمية داخل البيوت .
53- إقامة المسابقات الثقافية بين الأولاد ، ووضع الجوائز والحوافز لها .
54- تكوين مكتبة منزلية ميسرة .
55- اصطحاب الأولاد لمجالس الذكر .
56- الرحلة مع الأولاد .
57- ربطهم بالسلف الصالح في الاقتداء والاهتداء .
58- العناية بتعليم البنات ما يحتجن إليه من أمور دينهن ودنياهن .
59- منع البنات من الخروج وحدهن .
60- منع البنات من التشبه بالرجال ومنع البنين من التشبه بالنساء .
61- منع الأولاد بنين وبنات من التشبه بالكفار .
62- منع البنين من الاختلاط بالنساء ومنع البنات من الاختلاط بالرجال .
63- العناية بصحة الأولاد .
64- عدم استعجال النتائج في التربية .
65- الحذر من اليأس .
66- اليقين بأن التربية الصالحة لا تذهب سدى .
67- إعانة الأولاد على البر .
68- حفظ الجميل للأبناء .
69- التغاضي عن بعض الحقوق .
70- استشارة من لديه خبرة بالتربية .
71- قراءة الكتب المفيدة في التربية ، ومنها :(139/4)
أ - العيال .
ب - تحفة المودود في أحكام المولود .
ت - المسؤولية في الإسلام .
ث - أثر التربية الإسلامية في أمن المجتمع .
ج - تذكير العباد بحقوق الأولاد .
ح - الأولاد وتربيتهم في الإسلام .
خ - نظرات في الأسرة المسلمة .
د - تربية الأولاد في الإسلام .
72- استحضار فضائل التربية في الدنيا والآخرة .
73- استحضار عواقب الإهمال والتفريط في تربية الأولاد .
74- خلاصة القول .
المرجع : الرائد دروس في التربية والدعوة – مازن الفريح – دار المنطلق(139/5)
#التقوى
أولاً : دلالة المصطلح :
أ – لغة : الوقاية : الحذر ويقال اتقيته أي حذرته .
ب – اصطلاحاً : هي الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والقناعة بالقليل والاستعداد ليوم
الرحيل .
جـ – التقوى عندما تقرن بالبر .
د – من الألفاظ مقاربة للتقوى في الدلالة والمعنى ، الورع .
ثانياً : الأهداف :
1- إبراز أهمية التقوى في التربية والدعوة .
2- الحث على الاجتهاد في الوصول بالنفس إلى منزلة التقوى .
3- تربية الطلاب على تقوى السر ومراقبة الله في الخلوة .
4- عرض صور مشرفة لسلفنا الصالح .
ثالثاً : عناصر الموضوع :
1. مفهوم التقوى : هي الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والقناعة بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل .
2. أهمية التقوى في دين الله والدعوة .
3. فضل التقوى ومنزلة المتقين .
4. من هو التقي ومتى يعد الإنسان تقياً ؟
5. شجرة التقوى .
6. مراتب التقوى .
7. تقوى السر .
8. كيف نصل إلى منزلة التقوى ؟
9. مواقف في التقوى والورع للسلف الصالح .
10. أحاديث في التقوى .
رابعاً : العرض :
1- مفهوم التقوى .
2- أهمية التقوى في دين الله والدعوة .
2-1 أن التقوى ركيزة عظمى ترتكز عليها أصول الإسلام ومبادئه .
2-2 بالتقوى تقوى الأخوة في القلوب وتثبت ركائزها في النفوس .
2-3 أن القلب التقي من أشد القلوب تعظيماً لحرمات الله وشعائره .
2-4 أنها تعصم صاحبها من كثير من الدنايا والسيئات .
2-5 أنها عدة في الفتنة وزاد يوم المحنة فما صبر على الحق ولا ثبت إلى المتقون .
2-6 التقوى نور للدعاة يبصرون به الحق ويميزونه عن الباطل .
2-7 أنها الوصية النبوية للدعاة الذين كان يرسلهم - صلى الله عليه وسلم - لتبليغ دعوته .
2-8 كما أنها صلة تربط القلب بخالقه فيراقبه ويخشاه .
2-9 أن الحديث عن التقوى في هذا الزمان أصبح ضرورة لتذكير الناسي وإيقاظ الغافل .
3- فضل التقوى ومنزلة المتقين :
3-1 التقي هو الأكرم عند الله .
3-2 المتقون أولياء الله وأحباؤه .(140/1)
3-3 معية الله للمتقين .
3-4 تأييد الله للمتقين بالقوة والمدد .
3-5 تيسير الأمور وسعة الأرزاق .
3-6 الفوز بالجنة ونعيم الآخرة .
3-7 هدايته سبحانه لهم وتعليمه إياهم .
3-8 إصلاح العمل وتكفير السيئات .
4- من هو التقي ؟ أو ما هي صفات المتقين ؟
4-1 أداء الفرائض واجتناب المحرمات .
4-2 الحفاظ على حقوق الناس .
4-3 حسن معاشرة الناس ( حسن الخلق ) .
4-4 المسارعة إلى التوبة وعدم الإصرار على المعصية .
4-5 التوقير للرسول - صلى الله عليه وسلم - .
4-6 البذل والتضحية .
4-7 الثبات على العهد .
4-8 العدل والإنصاف .
4-9 كف اللسان عن الأذى .
4-10 محاسبة النفس وهضمها .
4-11 علي رضي الله عنه يصف المتقين .
5- شجرة التقوى :
5-1 زاد التقوى .
5-2 كلمة التقوى .
5-3 لباس التقوى .
5-4 إلهام التقوى .
5-5 حق التقوى .
6- مراتب التقوى :
أ التوقي من العذاب المخلد بالتبرؤ من الشرك .
ب تجنب كل ما يؤثم من فعل أو ترك حتى الصغائر .
ت التنزه عما يشغل سره عن ربه وهو التقوى الحقيقية المطلوبة .
7- تقوى السر .
8- كيف نصل إلى منزلة التقوى :
8-1 العلم .
8-2 التزام الفرائض والإكثار من النوافل .
8-3 قراءة القرآن بتدبر .
8-4 الدعاء .
8-5 صحبة المتقين .
8-6 القراءة في سير المتقين .
8-7 الجدية في الالتزام .
8-8 عدم الإغراق في المباحات .
8-9 الابتعاد عن الشبهات ومواطن الريب .
8-10 تذكر الموقف بين يدي الحق عز وجل .
9- مواقف في التقوى والورع لسلفنا الصالح :
9-1 لا يأكل أجر عمل لم يقم به .
9-2 من أكل طعاماً حراماً وهو لا يعلم .
9-3 التقلل وترك الشهوات من الورع .
9-4 التقوى في الفتوى .
10- أحاديث في التقوى والورع :
10-1 هل تتعارض التقوى مع الغنى .
10-2 من اتقى دخل الجنة .
10-3 كرم المرء تقواه .
10-4 اتقوا الدنيا .. اتقوا النساء .
خامساً : بعض الأمور العملية المقترحة لتأكيد معاني الدرس وتحقيق أهدافه :(140/2)
1- عدم الجلوس عند التلفاز ، حال عرضه للنسوان ومزامير الشيطان وسائر المحرمات .
2- الإقلال من الذهاب للأسواق .
3- هجر مجالس الغيبة والنميمة .
4- غض البصر عن المحرمات .
5- الحرص على المال الحلال في البيع والشراء .
6- كف اللسان عن عيوب الناس وغيبتهم .
7- عدم مخالطة الفسقة والظلمة إلا لمصلحة شرعية راجحة .
8- الاعتدال في المطعم والمسكن لأن ذلك من صفات المتقين .
9- القراءة من سير الصالحين .
10- كثرة الأذكار وزيارة المقابر .
المرجع : الرائد دروس في التربية والدعوة – مازن الفريح – دار المنطلق(140/3)
#التقوى
لغة:قلة الكلام ، وقد استعملت التقوى -بمعنى عام- فى الصيانة والحذر والوقاية، واجتناب ما هو مكروه أو قبيح أو ضار.
واصطلاحا:هى التحرز من عقوبة الله تعالى وعذابه ، بطاعته واتباع أوامره ،واجتناب نواهيه.
وقد سأل عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- أبيا عن التقوى، فقال:هل أخذت طريقا ذا شوك؟ قال:نعم. قال:فما عملت فيه؟ قال:تشمرت وحذرت ، قال:فذاك التقوى(1).
وتنسب مثل هذه الإجابة إلى أبي هريرة عند الشوكاني (2).
وتقوم التقوى -فى جوهرها- على استحضار القلب لعظمة الله تعالى واستشعار هيبته وجلاله وكبريائه ، والخشية لمقامه ،والخوف من حسابه وعقابه.
وإذا كان هذا هو معنى التقوى فإن نطاقها لا ينحصرفى اجتناب الكبائرفحسب ، بل إنه يمتد ليشمل كل ما فيه معنى المخالفة حتى لو كان من اللَّمم أو الصغائر، وقد فهمت التقوى هذا الفهم منذ عهد الصحابة الذين قال قائلهم:لا تنظر إلى صغر الذنب ولكن انظر من عصيت.
بل إنهم جعلوا من تمام معناها أن تتضمن الورع ، عن بعض ما هو طيب أو حلال ، حذرا من مقاربة الحرام ، وفى ذلك يقول أبو الدرداء: "تمام التقوى:أن يتقى الله العبد حتى يتقيه من مثقال ذرة، وحتى يترك بعض ما يرى أنه حلال ، خشية أن يكون حراصا ".
وهذا المعنى له أصل صحيح فى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعن عطية السعدي قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس" (أخرجه أحمد والبخاري فى تاريخه).(141/1)
وليست التقوى -كما يفهم من معناها اللغوى وبعض استعمالاتها الشرعية- مقصورة على الحذر والاجتناب للمعاصى والرذائل ، بل إنها تتضمن -كذلك- جانب الفضائل والطاعات العملية الإيجابية ويظهر هذا فى عديد من الآيات القرآنية، ولعل من أكثرها دلالة على هذا التكامل آية البر المشهورة، وهى قوله تعالى:{ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ،ولكن البرمن آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفى الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين فى البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون) البقرة:177.
وقد كانت الوصية بالتقوى أول وصايا الله تعالى لبنى آدم. قال تعالى:{يا بنى آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يوارى سوآتكم وريشا، ولباس التقوى ذلك خير}الأعراف:26.
وهى وصية الله للمسلمين وللأمم من قبلهم:{ولقد وصينا الذين أوتوا الكتابا من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله}النساء:131.
وكان أهل التقوى هم أهل محبة الله:{بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين}آل عمران:76.
وهم أهل ولايته:{ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.الذين آمنوا وكانوا يتقون}يونس:62،63.
وأهل الكرامة عنده فى الدنيا وفى الآخرة:{إن أكرمكم عند الله أتقاكم}الحجرات:13.
وقد وصفت الجنة بأنها دار المتقين:{ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين}النحل:30 ، {تلك الجنة التى نورث من عبادنا من كان تقيا}مريم:63.
وقد جعل الله التقوى من أعظم أسباب البركة فى الأرزاق ومن أعظم أسباب تفريج الكربات وتكفير السيئات وزيادة الحسنات والخروج من المضائق والأزمات.(141/2)
والحديث عن التقوى ومكانتها ، وصفات أصحابها كثير فى القرآن والسنة وقد أمر الله بها فى أمر المؤمن كله:عبادات ومعاملات دينا ودنيا ، قال تعالى:{ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}آل عمران:102.
وقال صلى الله عليه وسلم:(اتق الله حيثما كنت...) رواه الدرامى(3).
أ.د/عبد الحميد مدكور(141/3)
#التكبر
لغة: تَكَبَّر أى تعظم وامتنع عن قبول الحق معاندة (1).
واصطلاحا: سلوك يعبر به صاحبه عن مرض نفسى هو "الكبر" الذى هو ظن الإنسان أنه أفضل من غيره ، وأن ما عنده من نعم هو جديربها، وهذا الظن وليد جهل الإنسان بحقيقته فى منشئه وحياته ومنتهاه.
فإذا وقع الإنسان فى هذا الفهم الخاطى لنفسه عظمها واستصغر غيره ، فإذا جاء سلوكه معبرا عن هذا فهو التكبر أى تعظيم النفس واحتقار الغير"فإذا تعظم أنف وحمى وافتخر، واستطال ، ومرح ، واختال" (2).
والتكبر رذيلة وثيقة الصلة برذائل أخرى مثل:العجب ، الحقد، الحسد، الرياء.
والتكبر بلاء لا يُرحم صاحبه عليه كما قال أحد الحكماء حين سئل عن ذلك (3).
المتكبر ممقوت من الله سبحانه:{إنه لا يحب المستكبرين}النحل:23.
وهو محروم من نعمة التوفيق {سأصرف عن آياتى الذين يتكبرون فى الأرض بغير الحق}الأعراف:146 ، أى أمنعهم من فهم الحجج المؤدية إلى اليقين ، فالمتكبر معاقب فى الآخرة: {إن الذين يستكبرون عن عبادتى سيدخلون جهنم داخرين}غافر:60 ، أى صاغرين (4).
وذلك لأن الكبر منع أصحابه من تصديق الرسل ، كما جعلهم يحتقرون اتباع الرسل ، فالمتكبر محروم من حب الناس له ؛ لأنه يتعظم عليهم ويحتقرهم فلا تكون المودة، وهو كذلك محروم من سديد آرائهم لأن غروره يمنعه من الأخذ عنهم حتى ولو كان حقا واضحا، وبذلك يمنع التكبر أصحابه من أن يتعاونوا مع غيرهم على البروالتقوى، ولا يبرأ مريض هذا المرض إلا إذا تذكر مم خلق ، ونعم الله عليه ، وإلى ماذا يصيربعد حياته الدنيا، هنا يدرك حقيقته وقدرغيره ، فيتواضع لله فى خلقه.
أ.د/أبو اليزيد العجمى(142/1)
#التكفير
لغة:التغطية والستر، ومنه {كمثل غيث أعجب الكفار نباته...) الحديد:20 ، أى الغراس ، حيث إنهم يسترون الحبوب داخل التربة. والتكفير: مصدر كفر بالفاء المفتوحة المشددة أى دعا إلى الكفر.
واصطلاحا:نسبة أحد من أهل القبلة إلى الكفر.
والكفر فى الشرع:نقيض الإيمان ، وهو الجحود، ومنه قوله تعالى:{وقالوا إنا بكل كافرون...}القصص:48. أى جاحدون ،وهو بهذا لا يخرج عن المعنى اللغوى ، لأن الكافر يستر قلبه ويغطيه بكفره. قال ابن عابدين فى حاشيته:الكفر شرعا:تكذيبه صلى الله عليه وسلم فى شىء مما جاءبه مما هو معلوم من الدين بالضرورة.
حكمه:نسبة أهل الكفر إلى كفرهم لا شىء فيه ، أما نسبة المسلم إلى الكفر فإنه يدور بين حكمين:
أحدهما:التحريم ، وذلك إذا كان المسلم باقيا على إسلامه ولم يقم دليل على كفره لقوله تعالى:{يا أليها الذين آمنوا إذا ضربتم فى سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا) النساء:94.
ولقوله صلى الله عليه وسلم:(من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فهو المسلم ،له ما لنا وعليه ما علينا)(1).
وقوله:(إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما ، فإن كان كما قال والا رجعتا عليه)(2).
ثانيهما:الوجوب وذلك فى حق من صدر عنه ما يكفره ممن له صلاحية إصدار الحكم كالإفتاء والقضاء لمصلحة شرعية معتبرة تترتب على الحكم بتكفيره.
وحتى تكون نسبة أحد إلى الكفر صحيحة لابد وأن يكون من حكم بكفره قد رجع عن الإسلام بأحد صور الرجوع كالقول أو الفعل أو الامتناع عن الفعل ، بشرط كونه قاصدا ، عالما ، فلا يحكم -مثلا –بكفر من جرى على لسانه الكفر دون قصد أو دراية لمعنى ما صدر عنه.
جماعات التكفير:(143/1)
وقد ظهرت فى النصف الثانى من القرن الماض فى مصر وغيرها مجموعات من الناس تسمى نفسها "جماعة المسلمين" كان لها غلو شديد فى الدين تحكم بتكفير المجتمع ، ودعت إلى الخروج منه والخروج عليه اعتمادا على اجتهاد شخصى ممن لا يملك أهلية للاجتهاد منهم ، وأعطوا لأنفسهم حق الاتهام والعقوبة وتنفيذها بالقتل فيمن يرون أنه كافر، كما أعطوا لأنفسهم حق العدوان على أموال الآخرين وفق ما سموه نظرية الاستحلال.
وقد عانى المسلمون كثيرا من آثار هذه الفتنة بما نشروا من الإرهاب وما قوبلوا به من الإرهاب المضاد الذى أزهقت به أرواح أبرياء وروعت به مئات الأسر حتى قيض الله لهذه الفتنة أن تنجلى فى نهاية هذا القرن (1).
أ.د/عبد الصبور مرزوق
---------------------------
قلت : هذا الكلام عن هؤلاء يحتاج إلى دليل صحيح من كتبهم ، وإلا لا يجوز تصديقه عليهم واتهامهم بغير برهان(143/2)
التميز في حياة المسلم
التميز في حياة المسلم
مقدمة:
· كل شيء خلقه الله تعالى له خصوصياته التي ميّزه الله تعالى بها.
· فالكون كله له تلك المميزات التي تميز الأرض عن السماء ، والكوكب عن النجم ، والحشرة عن الطيور، وهكذا كل شيء له المميزات الخاصة ؛ بل إن كل من في المجموعة الواحدة له مميزاته الخاصة.
· انظر إلى مجموعة الطيور ؛ فإن العصفور مختلف عن الغراب ، وإلى مجموعة الحشرات النملة مختلفة عن دودة القز، وهكذا الإنسان لا بد أن له ميزات مختلفة داخل المجموعة نفسها.
· المسلم يعيش في هذه الأرض مع اليهود والنصارى والمشركين، وكل هذه الفئات تختلف بأنها بدّلت الذي هو أدنى وهو الكفر بالذي هو خير.
· أما المسلم فقد رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، فهو إذن متميز على من سواه من البشر، فهم كما قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم : ( يأتون يوم القيامة كالشامة البيضاء على الثور الأسود ) .
هل هناك تميز بين المسلمين أنفسهم؟
· نعم إنه التميز التربوي الذي غرسه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في أصحابه فأخرج جيلاً شريفاً عفيفاً قوياً شجاعاً، رهباناً بالليل، فرساناً بالنهار، وامتد ذلك الجيل إلى إن بدأت تدب الخلافات السياسية بين المسلمين، ودخلت الخلافات العنصرية والطبقية، وانتقضت عرى الخلافة الإسلامية عروة عروة .
· نحن إذ نعيش عصر التميع الحضاري لم يعد إلا أن نسعى إلى إيجاد رؤية واضحة الحدود و محددة المعالم نسير عليها للوصول إلى ما وصل إليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ملامح التميز للشخصية الإسلامية المعاصرة.
· إنه التميز الكامل في الروح والقلب والجوارح.
· فالمسلم خالٍ من آفات القلب العقدية والروحية من عبادة سوى الله تعالى، والإنابة إلى سواه وعبادة من عدم الخضوع والتذلل لسوى الله تعالى وعدم السجود لغيره تعالى.(144/1)
· ومن أخلاقية فهو سليم من كل آفات اللسان من الكذب والخيانة والولاء والبراء، فإنها من أولويات العقيدة الإسلامية.
· قال ربعي بن عامر لرستم بعد أن دخل عليه ببغلته، وأخذ يمزق ستائر قصره بحربته، مستهيناً بكل زخارف الدنيا ومفاتنها، فيقول له رستم: ما الذي أتى بكم إلينا أيها البدو الآن وقد أعطيناكم ما تريدون؟ فيرد عليه : نحن قوم ابتعثنا الله لإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.
· نعم إننا كنا كما قلت نأتي لنأخذ فتات مما عندكم ونقنع ولكن الآن لقد أسلمنا، وأعزنا الله بالإسلام، ولن نرضى إلا بالجنة إذا رضي الناس بالدنيا فنحن لا نرضى إلا بالجنة ، وإذا تقربّوا إلى أهل الملك و السلطان فنحن لا نتزلف ولا نتقرب إلا إلى الله تعالى .. فهذا التميز الذي يسبغ الإسلام به أصحابه من أول جملة ينطقونها وهي الشهادتين.
التميز الذي نراه هنا هو تميز بكل المقاييس
· التميز العقدي . نحن لا نعبد إلا الله تعالى و لا نرضي إلا الله تعالى { ومن يبتغي غير الإسلام دينا فلن يقبل منه } و بدلا من أن يفتخر بقيس و تميم يقول :
أبي الإسلام لا أب لي سواه *** إذا افتخروا بقيس أو تميم
· والتميز العبادي التام الذي إذا سجد الآخرون لغير الله تعالى سجد هو لله ، وأنكر عليهم ودعاهم إلى الله،قال تعالى: {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً }مريم42. ثم يردد قول الشاعر:
أرب يبول الثعلبان برأسه *** تبا لمن بالت عليه الثعالب
· فلا يصرف جزءاً من عبادته لغير الله تعالى ولا يسبح بحمد غير الله تعالى فهو كما قال الجنيد : إن تكلم فلله وإن سكت فمع الله وإن مشى فإلى الله وإن عمل فبالله فهو مع الله في سكناته وإلى الله في حركاته وبالله في شغله وفي الله صبره وشكره.(144/2)
· وحين ترى سبب إخراج الكفار لقوم لوط من قريتهم قالوا : {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ }النمل56 لقد تميزوا بعفتهم و أخلاقهم الكريمة بأنهم يتطهرون مما لا يتعفف غيرهم من إتيانه.
· قال الشاعر:
وكن في الطريق عفيف الخطى *** كريم السماع عفيف النظر
وكن رجلاً إن أتوا بعده *** يقولون مر هذا الأثر
المرجع:التميز في حياة المسلم-موقع قدوة.(144/3)
#التنافس
أولاً : دلالة المصطلح :
أ لغة :أصله من الشيء النفيس ونافست في الشيء منافسة إذا رغبت فيه على وجه المبادرات .
ب اصطلاحاً : المسارعة والمبادرة والمسابقة في الشيء .
ت الألفاظ المقاربة : المسابقة – المسارعة – المبادرة .
ثانياً : الأهداف :
1- غرس روح المبادرة إلى الأعمال .
2- تحفيز الطالب إلى التنافس مع إخوانه في الخيرات .
3- التأدب بالآداب الشرعية عند التنافس .
4- بيان صفات المتنافسين وخصال المتسابقين إلى الخيرات .
5- الترهيب من التنافس المذموم .
6- الحث على اغتنام الأوقات واستغلال الفرص والمناسبات .
ثالثاً : عناصر الموضوع :
1. ماذا نقصد بالتنافس ؟
2. أهمية التنافس في التربية والدعوة .
3. فضيلة التنافس .
4. التنافس المحمود .
5. التنافس الذميم والتسابق الأثيم .
6. أصناف العباد في المسابقة والمسارعة .
7. صفات المتنافسين أو المتسابقين .
8. عوائق في سبيل المتنافسين .
9. مسائل في التنافس والمسارعة .
10. أمثلة على تسابق السلف وتنافسهم .
رابعاً : العرض :
1- ماذا نقصد بالتنافس ؟
2- أهمية التنافس في التربية والدعوة :
2-1 إن التنافس في الخيرات صفة من صفات النبيين .
2-2 أن التنافس مطلب شرعي حيث أمر الله عز وجل به .
2-3 التسابق في أعمال الخير ، وصية نبوية وسنة محمدية أوصى النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بها .
2-4 التنافس سبب لرفع الهمة في القلوب الفاترة .
2-5 إن التنافس يكشف عن معادن الناس وقوة عزائمهم .
2-6 لا بد من المسارعة قبل وجود العوائق التي تحول بين العبد وطاعة ربه .
2-7 إن الصحبة التي يغلب على أفرادها التنافس في الخيرات يألف ذووها الجدية .
2-8 إن أهل التنافس والتسابق أعلى شأناً وأرفع مكانة من غيرهم من القاعدين.
3- فضيلة السبق في الإسلام :
3-1 الأمر بها والدعوة إليها .
3-2 جعل المسابقة والمسارعة من صفات المؤمنين الموحدين .
3-3 التفاضل في درجات الجنة بحسب السبق .(145/1)
3-4 السباق إلى فعل الخيرات له أجر من تبعه .
3-5 سبقك بها عكاشة .
4- التنافس المحمود :
4-1 التنافس في المبادرة إلى الصلاة والصف الأول .
4-2 التنافس في الجهاد بالنفس .
4-3 التنافس في الجهاد بالمال .
4-4 التنافس في العلم .
4-5 التنافس في الذكر وقيام الليل .
5- التنافس الذميم والتسابق الأثيم :
5-1 التنافس على الدنيا ، ومن أهم المظاهر التي تدل على التنافس على الدنيا :
أ إهمال أو إهدار الورع في المطاعم .
ب بغض طلاب الآخرة .
ت بغض أو معاداة كل من يسبقه في الدنيا .
ث ازدراء نعمة الله وعدم الرضا بها .
ج المخاصمة المستمرة على الدنيا .
ح التشتت الدائم مع كثرة الهموم والأحزان .
خ الاشتغال الدائم بالسعي في طلب الدنيا .
د الحديث الدائم عن الدنيا .
5-2 المسارعة بالكفر والإثم والعدوان .
5-3 التنافس في تضليل المؤمنين والإفساد بينهم .
6- أصناف العباد في التنافس والمسارعة .
7- صفات المتنافسين :
7-1 الخوف من الله .
7-2 قوة الإيمان .
7-3 تجريد التوحيد .
7-4 معرفة قيمة الأوقات والأعمار .
7-5 العزيمة الصادقة والهمة العالية والجدية الفائقة .
7-6 الحرص على السبق في تنافسهم .
7-7 سلامة الصدر .
7-8 الاقتداء بالصالحين والنظر إلى المبرزين .
8- عوائق في سبيل المتنافسين :
8-1 فساد النية ، ومن صور فساد النية :
أ استنقاص منجزات الآخرين .
ب إظهار سلبيات الأقسام الأخرى وكتم الإيجابيات .
ت التعصب الذميم الذي يؤدي إلى الإجحاف .
ث سوء الظن بالطرف المنافس وتأويل أقواله على أسوء محمل
8-2 الحسد بين المتنافسين ، وهو نوعان :
أ الحسد المذموم .
ب الحسد المحمود ( الغبطة ) .
8-3 التنافس في أمر مع تضييع أمور أخرى .
8-4 التسويف والتباطؤ .
9- مسائل في التنافس والمسارعة :
9-1 كيف نوفق بين العجلة من الشيطان والمسارعة والمبادرة .
9-2 ما الفرق بين التنافس المحمود والحسد .
9-3 هل يأثم من أحب أن لا يفوقه أحد .(145/2)
10- أمثلة على تسابق السلف وتنافسهم :
10-1خشي أن يؤخره غسل الجنابة عن اللحاق بركب المتنافسين .
10-2 تنافس على الشهادة .
10-3 منافسة بين الأب وابنه .
خامساً : بعض التطبيقات العملية المقترحة لتأكيد معاني الدرس :
1- أن يشجع المربي تلاميذه على الصف الأول .
2- وضع عدة مسابقات في القرآن الكريم والعلوم الشرعية :
أ التنافس في حفظ سورة معينة .
ب التنافس في المسابقات الثقافية والإجابة على أسئلة تطرح .
ت التنافس في تلخيص كتاب .
3- التنافس بين التلاميذ في مجال الدعوة ، ونشر الخير بين الناس :
أ إدارة حلقة تحفيظ القرآن وتدريس علومه .
ب نشر الشريط الإسلامي .
ت نشر فتاوى العلماء لتوعية الناس .
4- التنافس في مجال طلب العلم :
أ حفظ أحاديث نبوية .
ب حفظ متون مناسبة لعلوم معينة .
ت قراءة الكتب مع تلخيصها .
5- تنافس في مجال العبادة :
أ التشجيع والحث على صيام الاثنين والخميس والأيام البيض .
1- ب التشجيع على قيام الليل .
2- ت التشجيع على حفظ الأذكار .
6- التنافس في الخدمات العامة :
أ القيام على الأرامل والأيتام .
ب معرفة المحتاجين في الحي ومساعدتهم .
ت المشاركة في بعض المؤسسات واللجان .
سادساً : قضايا ينبغي التنبيه عليها :
1- التحذير دائماً من الحسد .
2- التأكيد على سلامة القصد من الشرك الخفي .
3- التأكيد على المبدأ الإيماني (( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )) .
المرجع : الرائد دروس في التربية والدعوة – مازن الفريح – دار المنطلق .(145/3)
#التنجيم
لغة: النظر فى الكواكب والنجوم ،وحساب حركاتها ، واستخدام ذلك فى ادعاء معرفة الغيب واستطلاع أقدار الناس وآجالهم ، وأرزاقهم وحظوظهم فى الدنيا(1).
واصطلاحا: التنجيم:حرفة مارسها المنجمون ، على أساس أفكار علماء الفلك الأقدمين.
وكان الكلدانيون أول من اشتغل بالتنجيم فى القرن السابع ق.م، كما اشتغل به المصريون القدماء، وأخذه الإغريق عنهم كما أخذه عنهم الهنود القدماء والرومان.
واعتبرت رسالة النبى عيسى عليه السلام التنجيم وحيا من الشيطان إلى من يعمل به ، ولقد كان من بعض الأعراب فى الجاهلية منجمون ومنهم:سملقة ، و سطيح ، و طريفة ، وزوبعة ،وعمران وغيرهم.
ونهى الإسلام عن التنجيم واعتبر الإيمان به كفرا، فاشتفت حرفة التنجيم فى الجزيرة العربية زمنا طويلا، إلى أن ظهرت فى عصر الدولة العباسية، فكان أبو جعفر المنصور من المعجبين بالتنجيم والمهتمين به حتى كان بعض المنجمين فى صحبته دائما وكان منهم نوبخت الفارسى وغيره.
وأساس التنجيم ظاهر البطلان ، وما انتشر- قديما إلا بين الأمم الوثنية التى كانت تقدس النجوم وتسجد لها، كما قال الله عز وجل:{ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمرلا تسجدوا للشمس ولا للقمرواسجدوا لله الذى خلقهن إن كنتم إياه تعبدون}فصلت:37.
وعن زيد بن خالد -رضى الله عنه- قال:(خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية فأصابنا مطر ذات ليلة فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح ، ثم أقبل فقال:(أتدرون ماذا قال ربكم؟ قلنا الله ورسوله أعلم. قال:قال الله عزوجل:أصبح من عبادى مؤمن بى، وكافربى، فأما من قال:مطرنا برحمة الله وبرزق الله وبفضل الله ،فهو مؤمن بى كافر بالكواكب ، أما من قال مطرنا بنجم كذا وكذا فهو مؤمن بالكواكب كافربى) (رواه البخارى)(2).
وعن محمد بن على عن أبيه عن على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(ولا نجالس أصحاب النجوم) (أخرجه أحمد).(146/1)
ولما تأهب الخليفة المعتصم لفتح عمورية، ظهرالمذنب هالى فى السماء فتشاءم الناس منه ، ونصح المنجمون الخليفة ألا يخرج للحرب ، إلا أنه تذكر أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج للحرب وانتصر.
وفى ذلك قال المتنبى:
السيف أصدق إنباء من الكتب * فى حده الحد بين الجد واللعب
أما المنجمون فى العصر الحالى. وقد صدموا بالاكتشافات الفلكية الحديثة فقد أعلنوا أنهم لا يعتقدون أن للكواكب والنجوم تأثيرا على مقدرات الناس ، وإنما هى منفعلة لإرادة الله تعالى.
فالذى يراقبها من المنجمين ، يتبين له وجهة الإرادة الإلهية فى بعض الأحداث الدنيوية يريد الله تعالى أن يكشفها للناس.
ومن الواضح أن هذا التأويل الذى وجدوا فيه مخرجا لهم ظاهر البطلان أيضا.
أ.د/احمد شوقى إبراهيم(146/2)
#التنوير
لغة:وقت إسفار الصبح ، يقال:قد نور الصبح تنويرا ، والتنوير: الإنارة، والتنوير: الإسفار، كما فى اللسان(1).
واصطلاحا:التنوير (Renaissance):ظهر فى القرنين السادس عشر والسابع عشر تعبيرا عن الفكر الليبرالى البورجوازى ذى النزعة الإنسانية العقلية والعلمية والتجريبية، كما يتضمن هذا الفكر نزعة مادية واضحة بعد إقصاء اللاهوت ، وذلك بإحلال الطبيعة والعقل بدلا من الفكر الغيبى الثيولوجى والخرافى فى تفسير ظواهر العالم ووضع قوانينه.
وأطلق على هذا العصر- القرنين:السادس عشر والسابع عشر عصر النهضة ويقصد بها التحررمن السيطرة الطاغية: سيطرة الملوك والأمراء، ومن سيطرة التقاليد والعادات وتخلصا من سيطرة الكنسية واللاهوت.
وقد شاع هذا المصطلح "التنوير" فى العالم العربى خلال القرن التاسع عشر الميلادى تحت مفهوم:الحداثة ، نتيجة لقاء الحضارة العربية مع الحضارة الأوروبية، وكان يعنى: نفض الغبار الذى ران على العقل العربى الإسلامى خلال عصور الانحطاط التى بدأت منذ السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى) وتجديد الفكر العربى الإسلامى لمواجهة الفكر الغربى.
ومع ذلك لم تقطع حركة التنويرالعربية الإسلامية علاقتها بالتراث العربى الإسلامى ، بل اتجهت إلى إحياء جوانبه العقلية والعلمية والتجريبية، وربطها بالحضارة الحديثة فلم تكن حركة تقليد للوافد الجديد، ولا تمسكا حرفيا بالقديم الموروث ، بل كانت محاولة للتجديد فى إطار عربى إسلامى.(147/1)
وقد بدأت هذه الحركة بومضات استنارة، ظهرت فى فكر الكواكبى، والشيخ حسن العطار، ورفاعة الطهطاوى، واتضحت معالمها فى فكر جمال الدين الأفغانى، وتلميذه الإمام محمد عبده ، ومدرسة المنار: مصطفى عبد الرازق، ومحمود شلتوت ، ومحمد البهى وغيرهم ، إذ لم يجد هؤلاء الرواد تعارضا بين تعاليم الإسلام وبين استخدام العقل فى فهم الكون والطبيعة والإنسان ، ولم يجدوا بأسا فى الأخذ بأساليب المدنية الحديثة ، فلقد دعا جمال الدين الأفغانى ومحمد عبده وتلاميذهما إلى أن الإسلام منور للعقول بإشراق الحق ، فحث المسلمين على البحث فى جميع فروع العلوم المدنية؟ إذ تلزم العقيدة معتنقيها بالتبصر فى الفنون والعلوم ،كالطبيعة، والكيمياء، والهندسهة، والفلك. وغيرها. وبذلك أدى هؤلاء المصلحون خدمة للدين والعلم معا؟ بما أكدوا على حرية العقل من المنظور الدينى، وبما أنهوا من أسباب العداوة بين الدين والعلم فى المجتمع المعاصر.
ولم يكن ظهور الاتجاه العقلى فى الفكر الإسلامى فى القرن التاسع عشر الميلادى بداية عصر التنوير فى المجتمع الإسلامى بل كان إحياء لظاهرة فكرية قديمة، قادها المعتزلة، وابن رشد ، وابن خلدون ، وغيرهم ممن كان للعقل المقام الأول فى نظرتهم للكون والطبيعة والإنسان ، بل إن من الباحتين من يرى أن إخوان الصفا هم رواد التنوير فى الفكر الإسلامى، ويستدل على ذلك بأنهم دعوا فى رسائلهم إلى استخدام العقل ورفض التعصب الدينى والمذهبى، وإنكار "تكفير" الفرقاء لأسباب فكرية دينية وغير ذلك من الأفكار التى تعد معالم للفكرالتنويرى، بل ذهب بعضهم إلى أن فكر ابن خلدون -فى جوهره- منقول عن إخوان الصفا، وأن ابن النفيس اقتبس -أو نقل- عنهم كثيرا من أفكاره.
أ.د/محمد شامة(147/2)
#التهكم
هو ما كان ظاهره جدا وباطنه هزلا.
وهو عكس الهزل الذى يراد به الجد، والتهكم أسلوب يستخدم للسخرية من الآخرين ، صحيح الظاهر جاده ، وفى داخله هزل ولمز.
مثاله:قول إنسان لآخروهو فى معرض ذمه:أنت جواد كريم ، ولكنه فى الحقيقة لا يقصد ظاهر هذه العبارة بل يقصد لمزه بالبخل والشح.
وقد عد جماعة من قبيل التهكم قوله تعالى:{ذق إنك أنت العزيز الكريم}الدخان:49. إذ اللفظ فى ظاهره يحمل وصفا العزة والكرم ، لكن باطنه يحمل رميا بالذل والخسة والمهانة.
وذهب جماعة إلى نفى التهكم والسخرية عن كلام الله -عز وجل- تنزيها له سبحانه وتعالى عن هذا الأسلوب الذى لا يناسب جلاله وكماله.
أ.د/عبد الصبورمرزوق(148/1)
#التوازن
أولاً : دلالة المصطلح :
- لغة : الاعتدال
- اصطلاحاً : إعطاء كل شيء حقه من غير زيادة ولا نقصان .
- الألفاظ المقاربة :
O الوسطية .
o الاقتصاد .
o الاعتدال .
o التسديد .
ثانياً : الأهداف :
1- إيجاد شخصية إسلامية متزنة تقتدي بالسلف الصالح .
2- التحذير من الشطط في أي جانب من جوانب الدين .
3- التأكيد على النظرة المعتدلة المنصفة والموقف المتزن من المؤسسات والأشخاص في الجرح والتعديل .
4- بيان أسس وضوابط تحقيق التوازن في حياة المسلم .
ثالثاً : عناصر الموضوع :
1- معنى التوازن ومرادفاته .
2- أهمية الموضوع .
3- الدعوة إلى التوازن في الكتاب .
4- الدعوة إلى التوازن في السنة .
5- التوازن في أقوال السلف .
6- توازن الشخصية المسلمة .
7- أسس وضوابط لتحقيق التوازن .
8- مسائل في التوازن .
9- أحاديث في التوازن والوسطية .
رابعاً : العرض :
1- معنى التوازن ومرادفاته .
2- أهمية الموضوع :
2-1 إن التوازن من الموضوعات التي ينبغي أن يعنى بها المربون بحثاً وتطبيقاً .
2-2 إن التوازن في الشخصية مطلب شرعي .
2-3 إن التوازن والوسطية والاعتدال .. صفات للمنهج الإسلامي في عقائده وتشريعه .
2-4 إن في عرض موضوع التوازن علاجاً للمتحمس الغالي .
2-5 إن فقد التوازن في حياة المسلم تنكب عن الفطرة الذي يؤدي إلى الانقطاع عن الدين كله أو بعضه .
2-6 التوسط أو الاعتدال أحد الأركان الأربعة التي يقوم عليها حسن الخلق .
2-7 بروز ظاهرة الشطط عند بعض الدعاة ما بين غال متشدد ومفرط متساهل .
2-8 إن التوازن والوسطية دعاء كل مسلم .
2-9 شكوى العديد من الدعاة وطلبة العلم من عدم قدرتهم على الموازنة بين اهتماماتهم ونوازعهم مما أحدث خللاً في العديد من الواجبات والتقصير في بعض المسؤوليات .
2-10 المفاسد العظيمة التي جرت على المسلمين من جراء غلو بعض أبنائها أو تفريطهم.
3- الدعوة إلى التوازن في الكتاب :(149/1)
3-1 الوسطية والتوازن من صفات الأمة .
3-2 الوسطية والاعتدال من صفات عباد الرحمن .
3-3 الإنكار على أهل الغلو والتقصير .
4- الدعوة إلى التوازن والوسطية في السنة :
4-1 (( من رغب عن سنتي فليس مني )) .
4-2 (( أعط كل ذي حق حقه ))
4-3 الاعتدال والتوازن في أمور الدين كلها .
5- التوازن والوسطية في أقوال السلف .
6- توازن الشخصية المسلمة :
6-1 التوازن في المعتقد .
6-2 التوازن في العبادة .
6-3 التوازن بين الدنيا والآخرة .
6-4 توازن الشخصية المسلمة في أحكامها ومواقفها من الأفراد والمؤسسات .
6-4-1 الإنسان يوزن بحسناته وسيئاته .
6-4-2 التثبت من النقل ومعرفة الأحوال .
6-4-3 من كان فضله أكثر من نقصه وهب نقصه لفضله .
6-4-4 لا تنظر بعين واحدة .
6-4-5 لا تحكم على مؤسسة أو جماعة من خلال خطأ وقع فيه بعض من ينتمي إليها .
6-4-6 لا تتعرض للنقد إلا إذا كان يحقق مصلحة راجحة .
6-4-7 الظلم محرم حتى مع الكافر .
6-4-8 (( أحبب حبيبك هونا ما ... ))
6-5 توازن الشخصية المسلمة في المباحات .
6-5-1 التوازن في الإنفاق .
6-5-2 التوازن في المآكل .
6-5-3 التوازن في الملبس .
6-5-4 التوازن بين الرخص والعزائم .
7- أسس وضوابط لتحقيق التوازن :
7-1 (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد ))
7-2 ترتيب الأولويات وتقديم المهمات .
7-3 (( أعط كل ذي حق حقه )) .
7-4 لا تبالغ .. هلك المتنطعون .
8- مسائل في التوازن :
8-1 التوازن بين طلب العلم وطلب ترقيق القلب .
8-2 التوازن بين العبادات المحضة .
8-2-1 الأولوية لإقامة الفرائض .
8-2-2 فعل بعض التطوعات أمر لازم لطالب الدرجات العلى .
8-2-3 إقامة الحقوق الأخرى .
8-2-4 الشمولية في العبادة .
9- أحاديث في التوازن :
9-1 أهل العلم هم أهل التوسط والتوازن .
9-2 تناصح الإخوان بالتوازن والتوسط .
9-3 منهج الإسلام هو الوسطية .
9-4 التوازن والوسطية من صفات النبوة ..(149/2)
خامساً : تطبيقات عملية لتأكيد معاني الدرس :
1- وضع جدول ينظم فيه الطالب واجباته ويتذكر فيها مسؤولياته .
2- محاسبة النفس على التقصير في الفرائض والحرص على أداءها .
3- استعراض بعض صور الإفراط في (( الجرح والتعديل )) .
4- العلاج في علاج صور التفريط والإهمال في عمل اليوم والليلة ، مثل :
أ - إيقاظ الأخ لإخوانه لصلاة الليل أو صلاة الليل .
ب - دعوتهم لمجالس الذكر (( تعال بنا نؤمن ساعة )) .
5- مناصحة الإخوان الذي نرى فيهم انحرافاً نحو الإفراط أو التفريط .
سادساً : قضايا ينبغي التنبيه عليها :
1- التأكيد على التفريط في عصرنا أكثر من الإفراط لا سيما في جانب العبادة .
2- التحذير من التسرع في تبديع أو تفسيق أو تكفير الدعاة الصالحين لمجرد خطأ وقعوا فيه .
المرجع : الرائد دروس في التربية والدعوة / الجزء الثاني – مازن الفريح – دار الأندلس الخضراء .(149/3)
التوبة للداعية إذا أخطأ-1
التوبة: للداعية إذا أخطأ
أولاً: مقدمة
· لا أحد يجادل في كون الداعية بشرًا، يجري عليه ما يجري على كل البشر، من طاعة ومعصية، وذِكر وغفلة، وعزم وتخاذل.
· قال عز وجل عن أبينا آدم عليه السلام -وهو النبي الأول الذي خلقه الله بيديه وأسجد له ملائكته-: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } [طه: 115].
· قال صلى الله عليه وسلم: (كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون) [رواه أحمد والترمذي بسند حسن].
· عن حنظلة الأسيدي رضي الله عنه - وكان أحد كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال: (لقيني أبو بكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قلت: نافق حنظلة، قال: سبحان الله، ما تقول؟ قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالجنة والنار كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرا، قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما ذاك؟ قلت: يا رسول الله، نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة في فرشكم، وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ثلاث مرات). [رواه مسلم].
ثانياً: إمكانية حدوث الخطأ من الداعية
· داعية اليوم - لن يكون - أفضل من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين وقعت منهم الذنوب والمعاصي، صغيرها وكبيرها، ثم تابوا عنها.
· إن حدوث الذنب من الداعية هو من طبيعة البشر، ولكن المصيبة هي الإصرار على الذنب، وعدم التوبة منه.(150/1)
· قال تعالى في معرض وصفه للمتقين: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }آل عمران135.
· وقد قال صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده، لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، وجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله تعالى، فيغفر لهم). [رواه مسلم].
ثالثاً: أصناف المخطئين
حينما نتعرض للحديث عن أخطاء الدعاة، يجب أن نفرق بين صنفين:
الصنف الأول: الذين يُقبلون على الذنب ويقارفونه عن عمد وإصرار.
· يظهرون أمام الناس بصورة الأتقياء الورعين العابدين.
· إذا خلوا بأنفسهم، أتوا المعاصي والمنكرات.
· هذا هو الصنف الذي يقصده النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (لأعلمنَّ أقواما من أمتي، يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء، فيجعلها الله هباء منثورا، أما إنهم إخوانكم، ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها). [رواه ابن ماجة، وإسناده صحيح].
· في هؤلاء يصدق قول الله عز وجل: {يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ }البقرة9
الصنف الثاني، الذين لا يتعمدون المعصية ولا يُبيِّتون النية لإتيانها.
· تقع المعصية منهم عَرَضًا نتيجة لحظة ضعف بشرية.
· ثم إنهم إذا أتوا المعصية لا يصرون عليها، بل يسارعون إلى التوبة والاستغفار منها، ويظل إحساسهم بالتقصير يؤرقهم، ويغتمون، ويصيبهم الهم الكبير.
· وما دام هناك إحساس بالذنب، ولوم من النفس، وأرَق وهَم وغَم من المعصية؛ فتلك علامات خير، تدل على حياة القلب وإيمانه.
رابعاً: ما يجب على الداعية فعله إذا وقع في معصية:(150/2)
1. أن يجتهد في الإقلاع عن هذا الذنب ولا يصر عليه، ويتوب إلى الله عز وجل، وقد وعد الله عزَّ وجلَّ بقبول توبة التائبين، وغفران ذنوب المسيئين.
2. ألا يستصغر هذا الذنب ولا يستهين به؛ يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا.
3. ألا يتهاون بستر الله عليه وحلمه عنه وإمهاله إياه، فإنما ذلك يكون بسبب أمنه من مكر الله، وجهله بمكامن الغرور بالله.
4. ألا يرتكب المعصية أمام الناس؛ فإنه إذا فعل المعصية على أعين الناس الذين يعرفونه ويقتدون به، كبُر ذنبه وعظم، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: ويل للعالم من الأتباع؛ يزل زلة فيرجع عنها، ويحملها الناس فيذهبون بها في الآفاق، ولهذا السبب ضاعف الله عز وجل لنساء النبي صلى الله عليه وسلم عذابهن إذا أتين بفاحشة مبينة، كما ضاعف لهن أجرهن إذا قنتن لله وعملن صالحا، يقول عز وجل{ يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً{30} وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً{31} يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً{32} [الأحزاب: 30- 32].
5. أن يستر هذا الذنب أو العيب ولا يفشيه ولا يتحدث به لأحد، حتى لا يحرك رغبة الشر ونوازع المعصية، ويعين الشيطان على السامع أو من يصله هذا الكلام، وليس هذا من الرياء أو النفاق.(150/3)
6. قد يخيِّل الشيطان للداعية أن في تحدثه بذنبه تواضعا وتحقيرا لنفسه؛ ولكن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه) [رواه البخاري].
7. إن أرباب الحياء والأدب مع الله عز وجل، الذين يكتمون على أنفسهم، ولا يحدثون الناس بهفواتهم ويندمون عما حدث منهم من المعاصي، يقول عنهم صلى الله عليه وسلم: (إن الله يدْني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره، فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم أي رب، حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه هلك، قال: سترْتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، فيعطى كتاب حسناته) [رواه البخاري].
8. يجب أن يدرك الداعية الأسباب التي تؤدي إلى وقوعه في المعصية، ويحاول تجنب هذه الأسباب مستقبلا، ولا يعرض نفسه لها فيفتح عليه بابًا للشيطان.
9. ينبغي ألا تنهار معنويات الداعية بسبب ما وقع فيه من معصية، ولا ينبغي له أبدًا العكوف على جَلْد ذاته وتحقيرها لأنَّها وقعت في ذنب. نعم هو داعية، ولكنه لم يكن أبدا ولن يكون مَلَكًا معصوما؛ إنه بشرٌ عاديٌّ من بني آدم، ممَّن كُتب عليهم الجهل والخطأ والنسيان.
10. إن الداعية إذا أذنب أو أخطأ، فلا ينبغي أن يقعده ذلك الذنب أو الخطأ، ويمنعه عن ممارسة الدعوة إلى الله عز وجل، بحجة أنه لم يعد أهلاً لها بعدما أذنب وأخطأ، فهذا باب من أبواب الشيطان يستدرج منه العبد.
11. إننا نعبد الله سبحانه، ولا نعبد الناس، وإذا أصلحنا ما بيننا وبينه سبحانه وتعالى، فإنه سيصلح ما بيننا وبين الناس.
12. على الداعية المبتلَى بالخطأ والذنب أن يتوجَّه إليه سبحانه وتعالى بالدعاء أن يُنسي الناس أخطاءه، ويصفِّي له قلوبهم، ويعلم أنه يتوب لله وليس للناس، ويهمه رضاه هو سبحانه، وليس رضا الناس.(150/4)
13. ولا ينبغي أن يدع الداعية نظرات الناس تخترق نفسيَّته وتؤثِّر فيها، بل عليه أن يواجهها بكل شجاعةٍ ويتجاهل معانيها، ويتكلم وتعامل بكل ثقة، فإن تجاوز الناس النظرات إلى التلميح بالكلام أو التصريح، فعليه أن يخبرهم بما ذكرناه من سريان الجهل والخطأ والنسيان على كل البشر، وأنَّه ليس هناك أحد معصوم، وليس عيبًا أن تقع في المعصية، ولكنَّ العيب هو الاستمرار عليها، وعدم التوبة والاستغفار منها.
خاتمة:
1. وجوب الحذر من الوقوع في المعاصي صغيرها وكبيرها؛ لأنَّ الناس ينظرون إلى أخطاء الدعاة بعدساتٍ مكبِّرَة.
2. عادةً ما يحدث بسبب سوء الفهم، أو خبث القصد أحيانا، أن يلصقوا تلك السقطات بكلِّ الدعاة، ثمَّ تنسحب تدريجيًّا على الدين ذاته، ويكون السبب في هذا هو هذا الداعية الذي سمح لهم بأن يطَّلعوا على هَنَّاته وسقطاته.
3. لذا كان رسل الله عزَّ وجلَّ وأنبياؤه يُختارون من أوساطٍ طاهرةٍ نقيَّة، لها ماضٍ ناصع البياض ومُشرِّف، حتى لا يجد أعداء الدعوة ما يشوِّهونها به من خلال ماضي هؤلاء أو واقعهم.
4. يتجلَّى الدليل على ذلك واضحً في شخص النبيِّ صلى الله عليه وسلم، حيث كانت سيرته العطرة في قومه، وأخلاقيَّاته السامية، قبل البعثة وبعدها، كانت حائط صدٍّ أمام هجمات أعداء الدعوة، حيث لم يجدوا ما ينفُذوا منه لتشويه صورة الدعوة من خلال حاملها.
5. انظر إلى الحوار الذي دار بين هرقل قيصر الروم وأبي سفيان بن حرب قبل إسلامه حين دعاه هرقل ليسأله عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فكان ممَّا قاله هرقل: وسألتك: هل كنتم تتَّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال، فزعمت أن لا، فعرفت أنَّه لم يكن ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله.
6. ليأخذ الداعية نفسه بالعزيمة، متمثلاً قول الشاعر:
قد هيئوك لأمر لو فطنت له ... فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
المصدر: عندما يكبو الجواد-فتحي عبد الستار.(150/5)
#التوبة
أولاً : دلالة المصطلح :
أ - لغة : الرجوع
ب - اصطلاحاً : رجوع العبد إلى الله ومفارقته صراط المغضوب عليهم والضالين .
ت -الألفاظ المقاربة :
1. الإنابة .
2. الأوبة .
3. الاستغفار .
ثانياً : الأهداف :
1. بيان المعنى الحقيقي للتوبة .
2. الحث على خلق التوبة حتى تعتاده النفوس .
3. التحذير من توبة الكذابين التي يتحرك بها اللسان دون أن يكون لها أثر في الجنان.
4. التأكيد على علامات التوبة المقبولة .
5. التعريف بأسباب استدامة العبد على توبته .
6. عرض صورة لتوبة سلفنا الصالح .
7. بيان بعض الأحكام التي تتعلق بتوبة التائب .
ثالثاً : عناصر الموضوع :
1. دلالة المصطلح .
2. أهمية الموضوع .
3. حكم التوبة .
3-1 حكمها .
3-2 المبادرة إليها .
3-3 الوقاية خير من العلاج .
4. ثمرات التوبة وفضلها .
5. شروط التوبة الصحيحة .
6. توبة الكذابين .
7. هل قبلت توبتك ؟ وهل أنت صادق فيها ؟
8. حوار مع دمعة .
9. بواعث التوبة وأسباب استدامتها .
10. مراتب التوبة .
11. مسائل في التوبة .
12. مع التائبين .
رابعاً : العرض :
1- دلالة المصطلح .
2- أهمية الموضوع ، هناك أسباب تجعل الحديث عن التوبة له أهمية كبيرة منها :
2-1 جهل الكثير من الناس بحقيقة التوبة وشروطها وآدابها .
2-2 لا بد للعبد من التوبة وإلا كان ظالماً لنفسه .
2-3 أمر الله بها .
2-4 إن التوبة من أفضل القربات التي ينبغي الحث عليها .
2-5 ضرورة استصحاب التوبة في جميع مراحل التربية .
3- حكم التوبة :
3-1 حكم التوبة .
3-2 المبادرة بها والتحذير من التسويف بها .
3-3 الوقاية خير ..
4- ثمرات التوبة وفضلها :
4-1 التوبة طريق للفلاح .
4-2 الملائكة تدعو للتائبين .
4-3 سعة الرزق ورغد العيش .
4-4 تكفير السيئات وغفران الخطيئات .
4-5 نور البصيرة وانشراح الصدر .
4-6 صقل القلب وطهارته ووضاءته .
4-7 محبة الله - عز وجل - .
4-8 الخيرية على عباده .
4-9 فرح الخالق بالتائب .(151/1)
4-10 التوبة : سبيل الظفر برحمة الله الواسعة .
4-11 حفظ الله ورعايته .
5- شروط التوبة الصحيحة :
5-1 الإقلاع عن الذنب .
5-2 الندم على فعلها .
5-3 العزم على ألا يعود .
5-4 رد المظالم إلى أهلها أو التحلل منهم .
5-5 الإخلاص .
5-6 أن تكون في زمن التوبة .
6- توبة الكذابين .
7- هل قبلت توبتك ؟ وهل أنت صادق فيها ؟
7-1 شكر الله - عز وجل – على التوفيق للتوبة .
7-2 المبادرة للعمل الصالح بعدها .
7-3 محبة الله ورسوله والمؤمنين .
7-4 الخوف من الله .
7-5 السعي في الاستدراك .
8- حوار مع دمعة .
9- بواعث التوبة وأسباب استدامتها .
9-1 معرفة حقيقة التوبة .
9-2 استشعار عواقب الذنوب .
9-3 هجران سيء الخلان .
9-4 مفارقة بيئة العصيان .
9-5 قراءة القرآن وتدبره .
9-6 الدعاء .
9-7 معرفة عظمة الخالق .
9-8 تذكر الموت وفجأة نزوله .
10- مراتب التوبة .
11- مسائل في التوبة .
11-1 إذا تاب المذنب من ذنبه ثم عاد ، فما حكم توبته الأولى ؟
11-2 هل تصح التوبة من ذنب مع الإصرار على ذنب غيره ؟
11-3 هل يشترط في التوبة من الغيبة إخبار من اغتبته ؟
11-4 كيف يتوب من بيده مال حرام من سرقة أو ربا ؟
12- مع التائبين .
12-1 التوبة من التخلف عن ركب الدعوة .
12-2 هجر أصحاب السوء وفارقهم .
خامساً : التطبيقات العملية لتأكيد معاني الدرس وتحقيق أهدافه :
1. المحاسبة اليومية للنفس .
2. الإكثار من الاستغفار والتوبة في كل مجلس .
3. حفظ حديث كفارة المجلس .
4. هجر أصحاب السوء إلا إذا كانت هناك مصلحة شرعية تقتضي الجلوس معهم.
5. اتباع التوبة بالصدقة .
6. أداء صلاة التوبة .
المرجع : الرائد دروس في التربية والدعوة / الجزء الثاني – مازن الفريح – دار الأندلس الخضراء .(151/2)
#التوثيق
لغة: هو الإحكام (1) تقول: وثق الشىء قوى وثبت وكان محكما، وتوثق تقوى وتثبته (2).
واصطلاحا: هو إثبات صحة الشىء أو التثبت من صحة النص ، وهو مشتق من الثقة ومنه وثيقة الزواج ، وتوثيق العقود أى إثبات صحتها ومصلحة التوثيق هى الجهة المنوط بها إثبات صحة العقود والمعاملات المكتوبة بين الناس.
والتوثيق فى البحوث العلمية يقصد به:ربط كل الأفكار والقضايا والمسائل الواردة بها بالمصادر والمراجع التى أخذت منها ، وتدعيمها بالاقتباسات والشواهد المأخوذة من تلك المصادر والمراجع (3).
وأول مظهر لاهتمام العرب بتوثيق النصوص هو عناية الرسول صلى الله عليه وسلم بكتابة القرآن الكريم ، وحرصه على ضبط ما يكتبه كتبة الوحى فقد روى عن زيد بن ثابت قوله "كنت أكتب الوحى عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يملى على، فإذا فرغت قال:اقرأه ، فأقرأه فإن كان فيه سقط أقامه ثم أخرج به إلى الناس"(4).
وبما أن الحديث النبوى هو المصدر الثانى من مصادر التشريع ونظرا لأنه لم يدون إلا على رأس المائة الثانية للهجرة فقد كان طبيعيا أن يهتم المسلمون بتوثيقه اهتماما بالغا لما له من أهمية فى شئون أمور الدين والدنيا. ولهذا وضعت القواعد لقبول الحديث وظهر الاهتمام بصحة الإسناد منذ عهد مبكر، فقد روى عن عبد الله بن المبارك قوله:"مثل الذى يطلب أمردينه بلا إسناد كمثل الذى يرتقى السطح بلا سلم "(5)، ونتج عن ذلك الاهتمام بصدق الرواة والتأكد من حسن سماعهم لما يروونه ،وحقيقة لقائهم بشيوخهم وعدم الزيادة أو النقصان أو التحريف أو التصحيف أو المخالفة فيما يروون من أجل التثبت من أهليتهم لرواية الحديث ، وكما نتج عنه الاهتمام بمعرفة اتصال السند أو انقطاعه ،وعلوه ونزوله ، وغير ذلك مما فصلته علوم الحديث ، وقد تمخض هذا كله عن ظهور علم مصطلح الحديث من ناحية وكتب الجرح والتعديل من ناحية أخرى.(152/1)
وكان لتوثيق النصوص مظاهر متعددة تمثلت فى تدوين السماعات والقراءات والإجازات والمقابلات والمعارضات والتصحيحات والاستدراكات على النسخ المخطوطة إحكاما واستيثاقا.
وفى العقد الثالث من القرن العشرين استخدم المكتبيون مصطلح "التوثيق" كمقابل لكلمة Decumentation. التى أفرزها عصر تفجر المعلومات (6)، فقد أدى التتابع السريع والمنتظم للمعلومات التى تنشر فى غير الكتب كمقالات الدوريات والبحوث والتقارير والنشرات والمستخلصات والرسائل العلمية وغيرها من صور النشر الحديثة وبخاصة فى مجال العلوم والتكنولوجيا.
وأدى عجز النظم الببليوجرافية التقليدية، وقصورأمناء المكتبات التقليدية فى تلبية احتياجات الباحثين فى التخصصات الدقيقة أدى ذلك إلى تحول المكتبات المتخصصة إلى مراكز توثيق مهمتها السيطرة على هذا السبيل الجارف من المعلومات جمعا وتسجيلا وتصنيفا واختزانا فى الحاسبات الإلكترونية، وتقديم خدمة غير تقليدية للباحثين فبدأت تظهر مراكز توثيق متخصصة فى الزراعة والصناعة والتربية وغيرها من فروع المعرفة وانعكس هذا التطور على مسميات أقسام المكتبات ومعاهدها فأصبحت تسمى "أقسام المكتبات والتوثيق" واستمرت هذه الموجة ثلاثة عقود ثم بدأت فى الانحسار وبدأ مصطلح "التوثيق" يختفى من الاستخدام فى السبعينيات ليحل محله مصطلح جديد هو المعلومات Information.
أ.د/عبد الستار عبدالحق الحلوجى(152/2)
#التوحيد
لغة:"الإيمان بالله وحده لاشريك له".
واصطلاحا:"معرفة الله تعالى بالربوبية ، والإقرار بالوحدانية ، ونفى الأنداد عنه جملة "، وهو بهذا المعنى حقيقة بسيطة تدور على إفراد الله تعالى بالعبودية، ونفيها عن كل ما سواه.
والتوحيد هو جوهر الإسلام ، بل جوهركل الأديان السماوية، وهو دعوة الرسل والأنبياء من آدم إلى محمد عليهم الصلاة والسلام. وجاء فى القرآن الكريم:{ولقد بعثنا فى كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) النحل:36. ويقف الإسلام بخصيصة التوحيد هذه على الطرف المقابل للعقائد التى يتسع فيها مفهوم العبادة لغير الله تعالى، كائنا ما كان هذا الغير: جمادا أو حيوانا أو إنسانا أوكائنا خفيا كالجن والشياطين ، كما يقف على الطرف المقابل أيضا لكل المذاهب والفلسفات التى تؤمن بحلول الله فى غيره ، أو اتحاده بهذا الغير، أو تجسده فيه.
ولم ترد كلمة "التوحيد" بهذه الصيغة اللغوية فى القرآن الكريم ، وإنما وردت بصيغة "الواحد" وصفا لله تعالى اثنتين وعشرين مرة. كما وردت لها فيه صيغة "أحد" -وصفا لله تعالى- فى سورة الإخلاص فى قوله تعالى:{قل هو الله أحد}الإخلاص:1 ، وهذه السورة تعدل ثلث القرآن لما اشتملت عليه من بيان التوحيد الخالص الذى هو أصل الإسلام وذروة سنامه.
والتوحيد -فى هذا الإطار الواضح الميسر- هو العقيدة التى يحملها الإسلام إلى الناس كافة ويقدمها للبشر بحسبانها معيارا وحيدا يصحح بها علاقة الإنسان بالله -تعالى- عقيدة وعبادة. ورغم بساطة هذه العقيدة ووضوحها فقد شغلت مساحة هائلة من اهتمام العلماء والمفكرين والفلاسفة المسلمين ، ونشأت حولها تفسيرات وشروح وأفكار بالغة الدقة، شكلت "علما" مستقلا سمى بعلم التوحيد أو علم الكلام ، وظهر هذا العلم فى وقت مبكر جدا من تاريخ الإسلام ،ولازال يستمد مبررات وجوده من هذه العقيدة حتى يومنا هذا.(153/1)
وقد نشأت على طول هذا التاريخ مدارس وفرق كلامية اختلفت رواها وتفسيراتها العلمية لأبعاد عقيدة التوحيد، لكنها لم تختلف حول المعنى البسيط لهذه العقيدة كما يقررها القرآن الكريم والسنة النبوية.
ومعنى "التوحيد" عند متكلمى أهل السنة والجماعة:إثبات الوحدانية لله تعالى فى ذأته وصفاته وأفعاله:فوحدانية الذات تعنى تنزيه ذاته تعالى عن الجسمية ولواحقها من تركب وتبعض وتحيزفى الجهة، وهو ما يعبرون عنه بنفى الكم المتصل عن الذات ، كما يعنى تنزيه الذات عن أن يكون له ند أوضد أو مثل أو شريك ، وهو ما يعبرعنه بنفى الكم المنفصل عن الذات ، وتعنى وحدانية الصفات استحالة التعدد فى الصفة الواحدة من صفات الله تعالى كأن تكون له قدرتان أو علمان.الخ. كما تعنى استحالة استحقاق الغيرلأية صفة من الصفات الإلهية.
أما وحدانية الأفعال فمعناها نفى مشاركة الغيرلله تعالى فى إيجاد شىء فى هذا الكون أو تدبيره.
وقد تشددت فرقة المعتزلة فى تنزيه التوحيد فاثبتوا الذات ونفوا الصفات ، وتشدد بعض الفلاسفة أيضا فمنعوا وصفه تعالى بالصفات الثبوتية، واكتفوا بوصفه تعالى بالإضافات والسلوب ، وذلك خوفا من انثلام "الوحدة" الإلهية أو لحوقما التعدد بها ، حتى لو كان التعدد فى الأوصاف. وهذان المذهبان يقابلان مذهب أهل السنة الذى يثبت لله تعالى ما أثبته لنفسه من صفات وأسماء كثيرة، والذى يرى أن كثرة الصفات لموصوف واحد لا تقدح فى وحدة الذات ، إذ الممنوع عقلا وجود أكثر من ذات أو جوهر يتصف كل منها بالألوهية أو تحل فيها المعانى الإلهية. ولعلماء الكلام من معتزلة واشاعرة وغيرهم براهين عقلية مطولة فى إثبات صفة الوحدانية لله وإبطال العقائد المعددة فى الألوهية بالتثنية أو التثليث أو الحلول أو الاتحاد... الخ.(153/2)
والتوحيد عند شيوخ التصوف يستند -أيضا- إلى المعنى العام البسيط للتوحيد كما ورد فى القرآن والسنة، وقد عرض القشيرى فى مفتتح كتابه المسمى بالرسالة القشيرية لبيان اعتقادهم فى التوحيد بما لا يخرج عن مذهب أهل السنة والجماعة. غير أننا نلمس أبعادا أخرى -ذوقية- تقع وراء "المعنى البسيط" لعقيدة التوحيد، وتتمتل فى تقسيمه إلى مراتب تختلف باختلاف الموحدين ومدى مخالطة "بشاشة التوحيد" لقلوبهم ، فهناك توحيد العامة، وهو التوحيد الذى يقف عند المعنى العام لشهادة:ألا إله إلا الله ، وتوحيد الخاصة، وهو حالة لا يرى فيها العبد غير الحق ، وتسقط عنده الأسباب الظاهرة، فلا يرى لها تأثيرا رغم مباشرته إياها. ثم توحيد خاصة الخاصة، وهو التوحيد الذى اختص الحق -تعالى- نفسه به ، غيرأنه أظهر لبعض صفوته من هذا التوحيد لوائح وأسرارا. وطريق التوحيد فى المرتبة الأولى ملاحظة الشواهد والآيات والآثار، وفى المرتبة الثانية المكاشفات والمعاينات والأحوال من قبض وبسط وسكروصحو ومحو... الخ.
وتوحيد المرتبة الثالثة لا يقبل وصفا ولا تأخذه العبارة ولا النعت.
وما يقوله شيوخ التصوف فى مراتب التوحيد ليس مسلما لدى كثيرمن علماء الإسلام وفقهائه ،خصوصا: ابن تيمية، وابن القيم الذى انتقد هذه المراتب وفندها من وجهة نظرشرعية وهو يشرح منازل السائرين للصوفى الشهير:
أبى إسماعيل الهروى.
ويرى ابن خلدون أن المعتبر فى التوحيد ليس هو الإيمان فقط ، لأن الإيمان تصديق علمى، أما التوحيد فهو علم ثان ينشأ من العلم الأول ، والفرق بينهما أشبه بالفرق بين العلم بالشىء والاتصاف بهذا الشىء أو التحقق به.
أ.د/أحمد الطيب(153/3)
#التورية
لغة: مأخوذة من: ورى الخبر، أى ستره ،وأظهر غيره ، والتورية:الستر كما فى اللسان.
واصطلاحا:أن يطلق لفظ له معنيان قريب وبعيد، ويراد البعيد منهما لقرينة خفية، فكأن المعنى القريب ساتر للمعنى البعيد المراد، وكانت القرينة خفية شحذا للخيال ، وإثارة للتأمل ، تتجاوز المعنى القريب إلى البعيد.
وتنقسم إلى أربعة أقسام:
1- مرشحة:إذا ذكر ما يلائم المعنى القريبه غير المراد، لإثارتها مزيدا من الفكر والتأمل كقول يحيى بن منصور الحنفى من شعراء الحماسة.
فلما نأت عنا العشرة كلها * أنخنا تحالفنا السيوف على الدهر
فما أسلمتنا عند يوم كريهة * ولا نحن أغفينا الجفوف على وتر
فإن الإغفاء مما يلائم جفن العين ،لا جفن السيف ، وإن كان المراد إغماد السيوف أى لم تغمد السيوف وهم وترعند أحد.
2- مجردة: وهى التى تتجرد عما يلائم كلا المعنيين ، القريب والبعيد:كقول إبراهيم الخليل عليه السلام عن سارة زوجه ، لجبار من الجبابرة وقد سأله عنها: "أختى" يريد أخوة الإسلام لا أخوة النسب.
3- مبينة: وهى ما ذكرفيها ما يلائم المعنى البعيد كقول البحترى:
ووراء تسدية الوشاح ملية * بالحسن تملح فى القلوب وتعذب.
فالمراد الملاحة والحسن.
4- مهيأة: وهى التى تفتقر إلى ذكر شىء مهيىء فى العبارة كقول ابن الربيع:
لولا التطير بالخلاف وأنهم * قالوا مريض لا يعود مريضا
لقضيت نحبى فى جنابك خدمة * لأكون مندوبا قضى مفروضا.
ومندوبا صفة لمحذوف أى ميتا مندوبا وهو المعنى البعيد المراد، والمعنى القريب:المندوب ما قابل المسنون والمفروض ، وذكر المفروض هيأ التورية، وتقبل التورية إذا جاءت تلقائية دون تكلف وسرف تثير التدبر وتدل على الذكاء وامتلاك ناصية اللغة.
أ.د/صبّاح عبيد دراز(154/1)
#التوكل
أولاً: دلالة المصطلح:-
أ- لغة:- قال ابن منظور – رحمه الله – "التوكل:- إظهار العجز والاعتماد على غيرك والاسم التكلان اتكلت على فلان في أمري إذا اعتمدته.
ب- اصطلاحاً:- قال الغزالي – يرحمه الله – ( فالتوكل عبارة عن اعتماد القلب على الوكيل وحده ) .
* التوكل على غير الله:-
قال الشيخ سليمان – رحمه الله – : "التوكل على غير الله قسمان:-
1. التوكل في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله.
مثل:- التوكل على الأموات والطواغيت.
2. التوكل في الأسباب الظاهرة العادية.
مثل:- أن يتوكل على أمير أو سلطان.
ج- الألفاظ المقاربة للمصطلح:-
التفويض – الاستسلام.
ثانياً: الأهداف:-
1- ربط قلب الداعية بربه.
2- تنبيه الداعية إلى إخلاص توحيده.
3- بيان التوكل الحق الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم.
4- رد الشُّبه الكثيرة التي علقت بالتوكل مما ابتدعه بعض المتصوفة.
5- إدراك الداعية لأهمية التوكل في الدعوة إلى الله تعالى.
ثالثاً: عناصر الموضوع:-
1- لماذا نتحدث عن التوكل ؟
2- ولكن ما حقيقة التوكل الذي نريد ؟
3- فضل التوكل وجزاء المتوكلين.
4- مجالات التوكل.
5- التوكل لا التوكل.
6- متى تذم الأسباب ؟
7- أصناف الناس بالنسبة للأسباب.
8- من ثمار التوكل على غير الله.
9- بواعث التوكل على غير الله.
10- نواقض التوكل وموهناته.
11- مسائل في التوكل:-
1. هل التداوي يخل بالتوكل.
2. هل البعد عن المريض خوفاً من العدوى يخل بالتوكل.
رابعاً: العرض :-
1- لماذا نتحدث عن التوكل ؟
- نتحدث عن التوكل لأسباب كثيرة منها:-
1. أن التوكل من أجل صفات المؤمنين.
2. أن التوكل دليل على إيمان صاحبه.
3. أن التوكل نصف الدين.
4. حجة المسلم إلى التذكير بالتوكل لعلاج هم الرزق.
5. حاجة الداعية لصفة التوكل على الله في مواجهة عقبات الطريق.
6. أمر الله لعباده بالتوكل عليه والالتجاء إليه.(155/1)
7. علاج لتلك القلوب التي تعلقت بالأسباب المادية.
2- لكن ما حقيقة التوكل الذي نريد ؟
3- فضل التوكل وجزاء المتوكلين:-
1. دخول الجنة بغير حساب.
2. التوكل سبب لمحبة الله.
3. المتوكلون في حماية الله ورعايته وحفظه وكفايته.
4. الهداية والسداد والبعد عن مزالق الشيطان.
5. المتوكلون هم الغدوات الذين جعلهم الله أسوة يقتدى بهم.
6. التوكل من أكبر أسباب الرزق.
7. التوكل من أكبر أسباب النصر على الأعداء.
4- مجالات التوكل:-
1. التوكل على الله في الرزق والأجل.
2. التوكل على الله في أمر الدين.
5- التوكل لا التوكل.
1. الأمر برعية الأسباب في القرآن.
2. الأمر بالتسبب في السنة.
3. اتخاذ الأسباب سنة الأنبياء جميعاً.
4. السلف يصححون مفهوم التوكل للمتواكلين.
5. ما يترتب على التواكل:-
أ - إشاعة للسلبية.
ب - إهدار الطاقات وإضاعة الفرص.
6- متى تذم الأسباب ؟
7- أصناف الناس بالنسبة للأسباب:-
- الصنف الأول: معطلو الأسباب.
- الصنف الثاني: المعتمدون على الأسباب دون مسببها.
- الصنف الثالث: المستعينون بالأسباب على المعاصي.
- الصنف الرابع: من جمعوا بين السبب والتوكل على المسبب.
8- من ثمار التوكل على الله:-
1. السكينة والطمأنينة.
2. القوة.
3. العزة.
4. الرضا.
5. الأمل.
9- بواعث التوكل:-
1. تجريد التوحيد ومعرفة الخالق بأسمائه وصفاته.
2. الثقة بالله.
3. معرفة الإنسان نفسه وإدراكه لضعفه وعجزه.
4. المعرفة بفضل التوكل وأحوال المتوكلين ومعاشيتهم.
10- نواقض التوكل وموهناته:-
1. الجذع والهلع.
2. ترك الأسباب [التوكل].
3. الإلحاق في سؤال الناس.
4. الحل المال الحرام.
11- مسائل في التوكل:-
1. هل التداوي يخل بالتوكل ؟
2. هل البعد عن المريض خوفاً من العدوى مخل بالتوكل ؟
خامساً: بعض التطبيقات العملية لتأكيد معاني الدرس:-
1. حفظ دعاء الخروج من البيت.
2. التخطيط بجدية لبرامج الدعوة لأن الله تعالى أمرنا باتخاذ الأسباب لذلك.(155/2)
3. عدم سؤال الناس شيئاً من متاع الدنيا.
4. إلقاء كلمة أو درس حول موقف الأنبياء من قومهم لهم وثباتهم على دعوته.
5. الحذر من بعض الألفاظ.
6. المضي في ركب الدعوة مهما صدر من أعداء الدعوة من تهديدات.
7. حفظ سورة إبراهيم (أو أي سورة فيها بعض التوكل).
المرجع : الرائد دروس في التربية والدعوة / الجزء الثاني – مازن الفريح – دار الأندلس الخضراء .(155/3)
#التيمم
لغة:القصد، يقال "تيممت الشىء" أى: قصدته وتعمدته ، كما فى اللسان (ا)، ومنه قولة تعالى: {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) البقرة:267.
واصطلاحا:طهارة ترابية تشتمل على مسح الوجه واليدين ، وهو ضربتان:إحداهما يمسح بها الوجه ، والأخرى يمسح بها اليدين إلى المرفقين (2) ويكون ذلك عند فقدان الماء حقيقة، أو حكما ؛ كأن يتعذر استعماله لمرض ، أو أن يخاف عطشا على نفسه أو غيره من آدمى أو بهيمة، أو عدم آلة توصله إلى الماء(3).
والتيمم رخصة مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع:
أما الكتاب فقوله تعالى: {وإن كنتم مرضى أوعلى سفرأوجاء أحد منكم من الغائط أولامستم النساء فلم نجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه}المائدة:6.
وأما السنة فما رواه مسلم عن حذيفة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(فضلنا على الناس بثلاث:جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا،وجعلت تربتها لنا طهورا ؛ إذا لم نجد الماء}(4).
وأما الإجماع فقد انعقد على مشروعيته ،وعلى أنه من خصائص هذه الأمة ، لطفا من الله بها وإحسانا، وليجمع لها بين التراب الذى هو مبدؤ ايجادها، والماء الذى هو سببه استمرار حياتها(5).
ويستباح بالتيمم ما يستباح بالطهارة بالماء من صلاة وغيرها من العبادات ، وينقضه ما ينقض الوضوء والغسل ، كما ينقضه وجود الماء قبل الصلاة اتفاقا(6).
أ.د/على مرعى(156/1)
#التّربُح
لغة:كل ما زاد أو نما فى التجارة، ويتجوّز به على كل ما يعود من ثمرة عمل.
واصطلاحا:ما زاد من ثمن سلع التجارة على ثمنها الأول ، ذهبا أو فضة(ا)، أو غيرهما من العملة المتداولة.
ولما كان التربح هو طلب الكسب والربح فى التجارة، فإنه لم يرد فى الشرع الإسلامى ما يقيد إطلاق الربح طالما كان مبنيا على أساس من العدالة؛ فليس فيه غبن فاحش لصاحبه ، ولا استغلال لطيش بَيّن فيه ، ومحررا من الحرام (2)، فما نتج من الربح عن عقد مشروع كان حلالأ مشروعا، وما نتج عن تصرف محرم كان محرما(3).
غير أن الاعتدال فى التربح مطلوب "ويراعى فيه التقريب ، فإن بذل المشترى زيادة على الربح المعتادة إما لشدة رغبته فيه ، أو لشدة حاجته فى الحال إليه ، فينبغى أن يمتنع من قبوله ؛ فذلك الإحسان... ومن قنع بربح قليل كثرت معاملاته ، واستفاد من تكررها ربحا كثيرا، وبه تظهر البركة، وكان علىّ رضى الله عنه يدور فى سوق الكوفة بالدِّرّة ويقول:معاشر التجار خذوا الحق تسلموا، لا تردوا قليل الربح فتخرفوا كثيره "(4).
أ.د/على مرعى(157/1)
الثبات
أولاً : دلالة المصطلح :
أ . لغة :
قال ابن فارس – رحمه - : ( والثناء والباء والتاء كلمة واحدة ، وهي دوام الشيء يقال : ثبت ثباتاً وثبوتاً ) قال ابن منظور : ورجل ثبت أي ثابت الثلب . قال العجاج يمدح عمر بن عبد الله بن معمر : بكل أخلاق الرجال قد مهر ثبت إذا ما صيح بالقوام وقر
وقول ثابت صحيح وفي التنزيل العزيز: { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ } وكله من الثبات .
قال الشرباصي : فمادة ( الثبات ) تدل على الاستقرار والرسوخ ، وعلى ضد التزلزل والاضطراب ".
ب . اصطلاحاً :
الثبات في الدعوة هو أن يظل الداعية مجاهداً في سبيل غايته ، مضحياً في نشر دعواته ، ملتزماً بمدائه ، مستقيماً على منهجه حتى يلقى ربه : { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً } .
مفهوم الثبات :
1- إن طريق العبادة والطاعة والدعوة شاقة ومحفوظة بالمحن
والابتلاءات وطويلة لا تنتهي إلا بنهاية الحياة { وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } لذلك لابد من الثبات على الطريق والاستمرار فيها مهما طالب ، ومقاومة المعوقات وتخطي العقبات مهما كثرت .
2- إن العبرة عند الله بالخواتيم ، فلا يكفي أن يستقيم الإنسان فترة
من الزمن ثم ينكص على عقبيه ن لذلك جاء التوجيه الرباني للمؤمنين بالثبات على الإسلام حتى الممات قال تعالى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } .
3- تذبذب بعض دعاة الإسلام أو تراجعهم عن طريق الدعوة(158/1)
للإسلام بعد كان بعضهم في يوم من الأيام شعلة تتوقد حماساً للالتزام بالإسلام والدعوة إليه ، وفجأة أنطفأت تلك الشمعة واختفت تلك الجذوة وهو ما ينبيك عن سر تكرار ذلك الدعاء النبوي الذي لهج به قلب رسولنا - صلى الله عليه وسلم - وهو : (( اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك )) .
من ثمرات الثبات :
1- النصر على الأعداء :
قال الله تعالى : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ } .
وعند تثبت القلوب على مثل هذه المحنة المزلزلة .. عندئذ تتم كلمة الله ويجيء النصر من الله : { أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ } .
إنه مدخر لمن يستحقونه ، ولن يستحقه إلا الذين يثبتون إلى النهاية ، الذين يثبتون على البأساء والضراء ، الذين يصدمون للزلزلة ، الذين لا يحنون رؤوسهم للعاصفة الذين ستقنون أن لا نصر الله ، وعندما يشاء الله .
2- دخول الجنة :
ويا لها من ثمرة شمر لها المشمرون ، وسعى إلهيا العاملون ، وهي مدخلة لأصحاب الثبات ، الذين ثبتوا على عقيدتهم ودعوتهم لم تزعزعهم شدة ، ولم تغرهم شهوة ، ولم يهنوا لمحنة أو لفتنة .. مضوا على الدرب مجاهدين ، وعلى عيباته ومصاعبه صابرين ، باعوا أنفسهم – عز وجل – ففازوا بوعده لهم : { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } .(158/2)
فالثبات شرط لابد من التحقق منه قبل دخول الجنة ،كما قال تعالى : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ } . قال القرطبي رحمه الله : " والمعنى : أونسبتم يا من أنهزم يوم أحد أن تدخلوا الجنة كما دخل الذين قتلوا وصبروا على ألم الجرح والقتل من غير أن تسلكوا طريقهم وتصبروا صبرهم ؟
لا حتى { وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ } أ يعلم شهادة حتى يقع عليه الجزاء
مما يعين على الثبات :
الثبات على الحق مطلب كل مؤمن ، وهم كل داعية ، لا سيما في هذا الزمن الذي كثرت فيه الابتلاءات والفتن ، وتنوعت وسائل الإضلال والمحن حتى أصبح " القابض على دينه كالقابض الجمر لهذا لابد من بذل أسباب الثبات ، وفعل ما يقويه في القلوب ويرسخه في النفوس ، ولعنا نذكر بعض ما يعين على ذلك .
ثقة الداعية بدعوته :
ثقة الداعية فيما يدعو إليه ، وإيمانه بصدق دعوته ، سمو عقيدته ، وأصالة مبادئه من أكبر العوامل التي تزيده ثباتاً على دعواته مهما أعرض عنها الغافلون ، أو افترى عليها الأفاكون ، فلا يزيده ذلك إلا رسوخاً وشموخاً ،فلا ييأس لقة المستجيبين له ، فله أسوة حسنة في بعض أنبياء الله الذين أخبرنا الله عنهم في كتابه ، ومنهم نوح – عليه السلام – الذي قال الله في شأنه : { وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ } .
الارتباط بالقرآن الكريم
الارتباط بكتاب الله تلاوة وحفظاً ، تدبراً وعملاً ، من أعظم أساب الثبات ، فهذا غراس الإيمان يثبت الله به الأقدام ، ويربط على القلوب ويذهب به رجز الشيطان
أسباب أخرى
· تعلم العلم الشرعي .
· التزام السنة والبعد عن البدعة .
· معرفة حقيقة الباطل وعدم الاغترار به .
· التأمل في نعيم الجنة وعذاب النار .
· تذكر الموت والخوف من سوء الخاتمة .
· الصبر .
عوائق في طريق الثابتين(158/3)
طريق الثابتين ملي بالمعوقات ، كثير العقبات ، ولكنه طريق ينتهي إلى الجنة ، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - مخبراً عن تلك العوائق : ( حجبت النار بالشهوات ، وحجبت الجنة بالمكاره ) وفي رواية لمسلم (حفت) قال الإمام الننوي – رحمه الله – في شرح الحديث : قال العلماء هذا من بديع الكلام وفصيحة وجوامعه التي أوتيها - صلى الله عليه وسلم - من التمثيل الحسن ، ومعناه لا يوصل الجنة إلا بارتكاب المكاره .
والنار بالشهوات ، وكذلك هما محجوبتان بهما ، فمن هتك الحجاب وصل إلى المحجوب ، فهتك حجاب الجنة باقتحام المكاره هتك حجاب النار بارتكاب الشهوات ، فأما المكاره فيدخل فيها الاجتهاد في العبادات والمواظبة عليها والصبر على مشاقها وكظم الغيظ .
حب الدنيا والإغراق في مباحاتها :
إن التثاقل إلى الأرض بالركون إلى مابها والإكثار من شهواتها وشغل القلب بهم الدنيا والعب ملذاتها أكبر أسباب النفور من الطاعة ، والنكوص عن الهدى وإيثار العاجلة على الآجلة ولهذا جاءت النصوص الكثيرة في التحذير من هذا العائق ومن ذلك { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ } .
وعوائق أخرى :
·كثرة المحن .
·بعض وسائل الإعلام وما تحمله من خبث في الكثير من برامجها .
·التبرع وكثرة الفساد في المجتمع .
·الزواج بالمرأة الطالحة أو زواج المرأة بالرجل الفاجر .
من صور الثبات :
المسلم الذي رضي الله ربا وبالإسلام ديناً وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبياً قد جعل الإسلام حياته ومنطلق أحكامه وتصوراته ، لا يحيد عنه ولا يبغي سواءه ، مهما ادلهت الخطوب أو اشتدت الكروب .
الثبات عند مواجهة جند الباطل .(158/4)
المسلم لا يرهبه الباطل بكثرة جنوده ، ولا يخيفه بشدة بطشه واثق بالله يستشعره معينه وتأييده ، لسان حاله ومقاله يلهج بقول المثبتين من قلبه : { إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } , { إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا } أسوته في ثباته بعد أنبياء الله عليهم صلوات الله وسلامه .
المرجع : الرائد دروس في التربية والدعوة – مازن الفريح – دار المنطلق(158/5)
#الثروة
لغة: ثروة من ثرى، ثرى المال ثراء: نما، وثرى القوم: كثروا وثرى ثراء كثر ماله فهو ثر وثرى، وثرى بكذا: كثرماله فهو غنى عند الناس ، والثراء كثرة المال ، والثرى: الأرض (كما فى لسان العرب)(1).
اصطلاحا: الثروة هى الأشياء الأساسية التى تسهم فى الرفاهية وهذه الأشياء هى التى تسمى السلع ألاقتصادية.
لم ترد كلمة "ثروة" فى القرآن الكريم ،والكلمة التى جاءت ولها صلة لغوية بهذه المفردة هى كلمة "ثرى" فى قوله سبحانه وتعالى: {له ما فى السموات وما فى الأرض وما بينهما وما تحت الثرى}طه:6.
وقال الآلوسى فى تفسيرها: الثرى: التراب الندى، تثرى ثرى فهى ثرية كغنية(2).
وردت كلمة ثروة فى حديثين من أحاديث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أحد الحديثين جاء فيه: (ما بعث الله نبيا الا فى ثروة من قومه)(3).
أما الحديث الثانى فجاء فيه: (وأما أول ثلة يدخلون النارفأمير مسلط وذو ثروة من المال لا يؤدى حق الله فى ماله 00)(4).
يمكن القول أن كلمة (مال) هى أقرب الكلمات إلى معنى كلمة "ثروة" وذلك فى القرآن الكريم وفى الدراسات الفقهية، جاءت كلمة مال فى القرآن ستا وثمانين مرة، وفى الاصطلاح الفقهى تعددت التعاريف التى عرف بها الفقهاءمصطلح "مال"،ومما قيل فى تعريفه: "لا يقع اسم مال إلا على ما له قيمة يباع بها وتلزم متلفه وإن قلت وما لا يطرحه الناس "(5).
وقيل أيضا فى تعريفه: "المراد بالمال ما يميل إليه الطبع ويمكن ادخاره لوقت الحاجة(6).(159/1)
وقد ميز محمد باقر الصدر بين نوعين من "الثروة": ثروة آولية وهى مصادر الإنتاج ، وثروة ثانوية وهى ما يظفربه الإنسان عن طريق استخدام تلك المصادر وفى رأيه أن الثروة الأولية لا يدخل فيها العمل ورأس المال ، وإنما تشمل مصادر الطبيعة للإنتاج وهى: الأرض -المواد الأولية التى تحويها الأرض- المياه الطبيعية بقية الثروات وهى محتويات البحاروالأنهار والثروات الطبيعية المنتشرة فى الجو، والقوى الطبيعية المنبثة فى أرجاء الكون ، وغيرذلك من ذخائر الطبيعة وثروتها.
وإذ اشرنا إلى أن كلمة "ثروة" لم ترد فى القرآن الكريم وأن كلمة (مال) أقرب مدلول لها، فقد جاءت فى القرآن الكريم مفردات كثيرة تدل على معنى الثروة ومنها كلمة: رزق ونعمة، والمعنى الذى يبرز فى هذه المفردات أنها أعطت للثروة عناصر قيمية، وأن كل مفردة من المفردات السابقة تحمل عنصرا قيميا معينا وهذا يعنى أن الإسلام لا يقصر النظر إلى الثروة من حيث العنصر المادى، إنما يضم إلى ذلك عناصرقيمية فى فهم معنى الثروة وفى استخدامها أو توظيفها، وهذه العناصر القيمية تتوزع إلى عناصر عقيدية وعناصر أخلاقية، وغير ذلك مما تدل عليه المفردات السابقة.
ومما سبق يمكن تقديم مفهوم للثروة فى الإسلام وللعناصر الفاعلة فيه ، فالثروة تشمل السلع النافعة والمباحة شرعا، ولا يقتصر مفهوم الثروة فى الإسلام على السلع المنتجة وإنما يدخل فيها كل مصادر الطبيعة مثل أشعة الشمس والهواء وما فى جوف الأرض من عناصر طبيعية أخرى.
أ.د/رفعت العوضى(159/2)
#الثغور
لغة: مفردها ثغر.
واصطلاحا: يقصد بها منطقة الحصون التى بنيت على تخوم الشام والجزيرة لصد غزوات الروم ، ولهذا أطلق عليها مصطلح "الثغورالرومية ".
وهناك من توسع فى مفهوم "الثغز للدلالة على كل موضع قريب من أرض العدو.
وتبدأ منطقة الثغور هذه من طرسوس فى قليقلة، وتمتد فى طول البلاد حتى ملطية ثم الفرات ، وكانت مهمتها حماية إقليم العواصم الممتد على طول الحدود من غارات الأعداء.
وقد فرق الجغرافيون بين الثغور الشامية وثغور الجزيرة عن طريق تقسيمها إلى ثغور عربية وأخرى شامية.
ويقصد بالجزيرة: المنطقة الشمالية الخصبة بين "دجلة والفرات" وتمتد إلى منطقة الدروب عند سلاسل جبال طوروس ،كما تمتد إلى الجبال الفارسية.
وقد كثر سكان العرب فى هذه المنطقة قبل الإسلام ،ووجدت فيها قبائل وديار ربيعة ومضر وبكر.
وذكر الجغرافيون عددا من الحصون فى منطقة الثغور الشامية هى: ملطية والحدث ومرعش وطرسوس والهارونية والكنيسة السوداء وعين زرنجة والمصيصة وأذنة.
أما منطقة ثغور الجزيرة فمن حصونها: كمخ وشمشاط وألبيرة وحصن منصور وقلعة الروم والحدث والحمراء ، ومن أشهر مدن هذا الثغر أنطاكية وبغراس.
وقد تحدث "قدامة بن جعفر" عن الثغور وقال: إن منها ما هو برى وهو ما يلقى بلاد العدو ويقابله من جهة البر، ومنها ما هو بحرى حيث تلقى العدو وتقابله من ناحية البحر، ومنها ما يجتمع فيه الأمران.
أما عواصم هذه الثغور فهى ما وراءها من بلدان الإسلام ، وكل منها يعتبر عاصما لأنه يعصم الثغر ويمده فى أوقات النفير.(160/1)
ولهذا كان إقليم الجزيرة وشمالى الشام وحدة يتمم بعضه بعضا من حيث ارتباط حصونها ، وتعرضها لغارات البيزنطيين ،وكانت الحملات الإسلامية المتعاقبة فى حاجة إلى قواعد ترتكز عليها، فتطلع المسلمون إلى مد نفوذهم إلى تلك المراكز الأمامية المطلة على ألعدو والمعروفة "بالثغو" ، وحصنوها وشحنوها بالجنود ، وبدأت العواصم الخلفية وثغورها الأمامية تأخذ مكانتها المتميزة فى نظام الدولة الإسلامية منذ زمن الخلفاء الراشدين.
وهكذا انقسمت الحدود فى زمن الراشدين إلى قسمين:
1- إقليم العواصم والثغور الشامية للدفاع عن إقليم الشام والإغارة على أرض البيزنطيين بآسيا الصغرى.
2- إقليم العواصم والثغور الجزرية للدفاع عن شمالى العراق وللحملات التى تقوم منه على أراضى الدولة البيزنطية.
ولما آل حكم الدولة الإسلامية إلى الأمويين واصلوا تخطيط المدن وتمصيرها وإنزال الجنود فيها وتوسيعها، حتى أضحته أمصارا زاخرة بالمقاتلين والسلاح والأيدى العاملة.
وهكذا عاش الناس فى مجتمع الثغور حراسا لدار الإسلام.
وهكذا ظلت مناطق الثغور تنال اهتماما وتحظى بالتطور، إلى أن تغير حال العالم الإسلامى، وتولى أمره الظالمون ممن شغل بالمنكرات والملذات ، فضعف أمر الثغور واختل نظامها وانحل عقدها نحو منتصف القرن الرابع الهجرى ،العاشر الميلادى.
أ.د/عبد الله جمال الدين(160/2)
#الثقافة
لغة: ثَقِفَ الرجل: صار حاذقا فطنا،والثقافة: العلوم والمعارف والفنون التى يطلب الحذق فيها، كما فى الوسيط (1).
واصطلاحا: مجموعة الأعراف والطرق والنظم والتقاليد التى تميز جماعة أو أمة أو سلالة عرقية عن غيرها.
وعلى مستوى الفرد يطلق اللفظ على درجة التقدم العقلى التى حازها، بصرف النظر بالطبع عن مستويات الدراسة التى أنجزها.
ومنذ وقت طويل تتعدد التعريفات لهذا اللفظ حتى إنه فى مطلع الخمسينات حصر عالمان أمريكيان من علماء الأنثروبولوجيا مائة وخمسين تعريفا للثقافة، وتلقى التعريفات المختلفة أضواء على المراد باللفظ الذى يفهمه العامة بأكثر مما يفهمون تعريفه ،ويمكن لنا تأمل ما توحى به من تعريفات مهمة من قبيل أن مفهوم الثقافة يشير إلى كل ما يصدر عن الإنسان من إبداع أو إنجاز فكرى أو أدبى أو علمى أو فنى.
أما المفهوم الأنثروبولوجى للثقافة فهو أكثر شمولا، ويعد الثقافة حصيلة كل النشاط البشرى الاجتماعى فى مجتمع معين ،ويستتبع هذأ أن لكل مجتمع ثقافته الخاصة المميزة، بصرف النظر عن مدى تقدم ذلك المجتمع أو تأخره.
ويتميز هذا المفهوم ببعده عن تحميل الثقافة بالمضمونات القيمية، وإن اعترف بأن لكل ثقافة نسقها الخاص من القيم والمعايير.
وفى مقابل هذا المفهوم الأنثروبولوجى الواسع نجد مفاهيم كثيرة أكثر تحديدا ، فكثيرا ما تستخدم الثقافة للإشارة إلى النشاط الاجتماعى الذهنى والفنى، وفى أحيان أخرى إلى النشاط الفنى وحده ، أو النشاط الأدبى والفنى دون النشاط العلمى الذى يعده البعض غير خاضع لأنساق الثقافات ، باعتباره مرتكزا على حقائق مطلقة بعيدة عن التأثر بإلذوق أو البيئة أو الموروثات جميعا.(161/1)
ويتضح هذا المفهوم بطريقة بيروقراطية فى مصر حين تمنح أكاديمية البحث العلمى والتكنولوجيا ومن قبل (المجلس الأعلى للعلوم) جوائز الدولة فى العلوم ، على حين يمنح المجلس الأعلى للثقافة نفس الجوانز فى الآداب والفنون ، وتضاف إليها العلوم الاجتماعية، (وقد كان هذا قائما منذ كان المجلس السابق مجلسا للفنون والآداب والعلوم الاجتماعية).
وتأخذ كثير من البلدات الإسلامية بمثل هذا التقسيم مع اختلافات طفيفة، فعلى حين تعد العمارة فنا من الفنون ، فإنها فى أحيان كثيرة تعامل على أنها علم هندسى يتبع بالتالى العلوم ومجالسها لا الفنون.
وقد ذكرنا العمارة بالذات لأنها أحد المكونات البارزة للثقافة القومية، بل ربما كانت بمثابة أولى مقومات تكوين الفكرة عن الثقافة لدى الآخرين الذين يطلعون عليها للوهلة الأولى.
ومن تعريفات الثقافة الأخرى التى تلقى الضوء على معناها أنها مجموع العادات والفنون والعلوم والسلوك الدينى والسياسى منظورا إليها ككل متمايز يميز مجتمعا عن آخر.
ومن ثم يمكن فهم تعبيرات مثل "الصراع الثقافى" للتعبير عن الصراع أو التسابق بين ثقافتين متجاورتين ، أو التغير والارتقاء فى عدة جوانبه من النمط الثقافى.
كما يمكن استخدام لفظ الثقافة للدلالة على الجوانب العقلية والفنية للحياة، فى مقابل الجوانب المادية والتكنولوجية لها ، ومن ثم تصبح الثقافة بمثابة نمط كل الترتيبات -المادية أو السلوكية- التى يحقق -من خلالها- مجتمع معين لأعضائه إشباعات أكبر مما يستطيعون فى حالة مجرد الطبيعة.(161/2)
ويميز بعض الباحثين بين ثقافة مادية تشمل العدد والأدوات والسلع الاستهلاكية والتكنولوجيا وثقافة غير مادية تشمل القيم والتقاليد والتنظيم الاجتماعى، وتنطوى الثقافة على اكتساب وسائل اتصال (اللغة،المطالعات ، الكتابات) وأدوات عمل معينة، وافكار وأعمال مثل الحساب ، وعلى زاد ضخم من المعرفة والاعتقاد، وعلى منظومة من القيم ، وعلى توجه ميول خاص ملازم ، ويمكن لكل هذا أن يكتمل ويرتقى بتربية متخصصة قليلا أو كثيرا، وتدريب يسمح باستفادة اجتماعية بالأنشطة الفردية.
ويرى الأنثربولوجيون أن الثقافة تتمايز وتستقل عن الأفراد الذين يحملونها ويمارسونها فى حياتهم اليومية، فعناصر الثقافة تكتسب بالتعلم من المجتمع المعاش ،على اعتبار أن الثقافة هى جماع التراث الاجتماعى المتراكم على مر العصور.
وعلى هذا يبعد هؤلاء عن الثقافة كل ما هو غريزى أو فطرى أو موروثا بيولوجيا.
وللسمات الثقافية قدرة هائلة على البقاء والانتقال عبر الزمن ، وكثير من هذه السمات والملامح التى تتمثل بوجه خاص من العادات والتقاليد والعقائد والخرافات والأساطير تحتفظ بكيانها لعدة اجيال.
ويهتم علماء الاجتماع بدراسة تاريخ ثقافات الشعوب المختلفة من باب أن معرفة الماضى تساعد على فهم الحاضر.
وليس من شك فى أن الثقافة الإسلامية ككل وثقافات الشعوب الإسلامية المختلفة، تمثل أنماطا بارزة للثقافة المتصلة والممتدة بجذور قوية فى الماضى، بل يكاد المراقبون ينظرون إلى الثقافات الإسلامية اليوم على أنها أقدم الثقافات التى لا تزال موجودة فى عالم اليوم دون تقلبات أو تغيرات حادة فى مفاهيمها الأولى، ويرجع هذا بالطبع إلى سمو التعليمات الإسلامية، التى تستمد وجودها من الخالق جل وعلا من خلال تشريع سماوى لم يقتصرعلى العبادات وإنما تكفل بتوجيه السلوك الإنسانى فى المعاملات والعادات ونمط الحياة اليومية على مستوى الفرد والمجتمع على نحوما نعرف جميعا.
أ.د/محمد محمد الجوادى(161/3)
الثقة
أولاً : دلالة المصطلح :
أ - لغة : مصدر قولك وثق به يثق ، والميثاق هو العهد والمواثقة هي المعاهدة .
ب - اصطلاحاً :
ت - الألفاظ المقاربة :
1 .التوكل .
2. التفويض .
ثانياً : الأهداف :
1. تعزيز ثقة الداعية بربه .
2. ثقة الداعية بنصر الله لأوليائه .
3. غرس روح المبادرة للأعمال .
4. الحذر من معاول هدم الثقة بين الدعاة إلى الله .
ثالثاً :عناصر الموضوع :
1. مفهوم الثقة .
2. أهمية الموضوع .
3. مجالات الثقة :
أ - الثقة بالله :
الثقة بنصر الله .
الثقة بقضاء الله وقدره .
الثقة بثواب الله .
الثقة بحفظ الله .
ب - الثقة بالمنهج والدعوة .
ت - الثقة بالدعاة إلى الله .
ث - الثقة بالنفس .
4. معاول هدم الثقة .
5. صورة من الواثقين .
6. بشائر تعزز الثقة .
7. لماذا إذن يتأخر النصر .
8. من ثمار الثقة .
رابعاً : العرض :
1. مفهوم الثقة .
2. أهمية الموضوع .
3. مجالات الثقة :
أ -الثقة بالله – عز وجل - ، ومن معانيها وصورها ما يلي :
1- الثقة بقضاء الله وقدره .
2- الثقة بنصر الله .
3- الثقة بثواب الله .
4- الثقة بحفظ الله ، وهو على نوعين :
أ - حفظ الدين .
ب - حفظ الدنيا .
ب - الثقة بالنهج والدعوة ، ومن مقتضيات هذه الثقة :
1. إيمانه بكمال منهجه وتمامه .
2. يقينه بشموليته .
3. القول والاستسلام .
4. الالتزام بالمنهج والدعوة إليه .
ت - الثقة بالدعاة العاملين المخلصين ، ومن مظاهر ثقة الداعية بإخوانه :
1- التعاون معهم على البر والتقوى .
2- الأخذ بصالح نصحهم وتوجيهاتهم .
3- الحرص على استشارتهم .
4- إعذارهم عند تقصيرهم في حقه .
5- حمل كلامهم على أحسن محمل من الخير .
6- رفض شبهات الحاقدين والمغرضين .
ث - الثقة بالنفس .
4. معاول هدم الثقة
4-1 سوء الظن .
4-2 النقد غير البناء .
4-3 التوسع في الرخص والوقوع في الشبهات .
4-4 القدوة المهزوزة .
5. صور من الواثقين :
5-1 كلا .. إن معي ربي سيهدين .(162/1)
5-2 قالت هاجر إذن لا يضيعنا .
5-3 وصدق الله ورسوله .
6. بشائر تعزز الثقة بنصر الله لأوليائه .
6-1 انتشار الإسلام وتوسع فتوحاته .
6-2 العلو للإسلام والسيادة للمسلمين .
6-3 بقاء الإسلام وزيادة أهله .
6-4 البشارة بالتمكين للإسلام في الأرض والنصر والغلبة لأهله .
6-5 الطائفة المجاهدة القائمة على الحق .
7. لماذا إذن يتأخر النصر ؟
7-1 قد يبطئ النصر ؛ لأن البنية الأمة المؤمنة لم تنضج بعد نضجها .
7-2 قد يبطئ النصر ؛ حتى تبذل الأمة المؤمنة آخر ما في طوقها من قوة .
7-3 قد يبطئ النصر ؛ حتى تجرب الأمة المؤمنة آخر قواها .
7-4 قد يبطئ النصر ؛ لتزيد الأمة المؤمنة صلتها بالله .
7-5 قد يبطئ النصر ؛ لأن الأمة المؤمنة لم تتجرد بعد في كفاحها وبذلها .
7-6 قد يبطئ النصر ؛ لأن في الشر الذي تكافحه الأمة المؤمنة بقية من خير .
7-7 قد يبطئ النصر ؛ لأن الباطل الذي تحاربه الأمة المؤمنة لم ينكشف زيفه للناس تماماً .
7-8 قد يبطئ النصر ؛ لأن البيئة لا تصلح بعد لاستقبال الحق والخير والعدل .
8. من ثمار الثقة بالله :
الثمار الدنيوية :
8-1 الرضا بقضاء الله وقدره .
8-2 اطمئنان النفس وسكينتها بتعرفها على خالقها وهدايته لها .
8-3 عدم الندم على ما فات من الدنيا .
الثمار الأخروية : ألا وهي جنات النعيم .
خامساً : التطبيقات العملية المقترحة لتأكيد معاني الدرس :
1. قراءة الآيات والأخبار والمبشرات بنصر هذا الدين .
2. حصر بعض الأحداث التي وقعت في العالم .
3. تعميق وتقوية مظاهر الثقة بين الداعية وإخوانه :
استشارتهم في قضايا الدعوة والتربية .
الذب عن أعراضهم .
الاستجابة لهم بالمعروف .
4. الصبر والاحتساب على ما يقدره الله من الابتلاءات .
5. الإعراض عن مجالسة المثبطين .
المرجع : الرائد دروس في التربية والدعوة / الجزء الثاني – مازن الفريح – دار الأندلس الخضراء .(162/2)
#الثنوية
اصطلاحا: هم الذين يقولون بأصلين للوجود، مختلفين تمام الاختلاف ، كل منهما له وجود مستقل فى ذاته ، وبدون هذين الأصلين لا يمكن فهم طبيعة الكون ، الذى تتصارع فيه القوى المتضاربة، التى ينتمى بعضها إلى أحد المبدأين ، وينتمى سائرها إلى المبدا الآخر،مما يعنى أن حقيقة الوجود تنطوى على انقسام داخلى وتقابل ضرورى دائم بين أصلين ، لكل منهما قوأنينه وأطواره الزمنية الخاصة به.
وقد ظهرهذا المذهب منذ قديم لدى الإغريق ، فأثر على أعظم فلاسفتهم كأفلاطون وأرسطو؟ إذ فرق أفلاطون بين عالم المادة وعالم المثل ، وفرق أرسطو بين الهيولى والصورة، أو بين الموجود بالقوة والموجود بالفعل ، وأن كانت الثنوية لديهما ممزوجة بنزوع واضح إلى الوحدة.
وفى الشرق القديم قال "مانى" مؤسس المانوية فى فارس بالتقابل بين مبدأى الخير والشر، أو النور والظلام ، فالنور مصدر الخير، والظلام منشأ الشر، والخير والشر هذان لا يصدران عن شىء واحد، وهما مبدأن نشيطان فاعلان إلى الأبد.
وقد يرى البعض أن الزردشتية -بحكم ما فى آرائهما من مظاهر ثنوية- تجرى فى نفس الاتجاه ، لكننا إذ ذكرنا ما قلناه من أن الثنوية تقول بأصلين جوهرين لا يمكن رد أحدهما إلى الآخر، أو ردهما معا إلى مبدأ ثالث أسبق منهما علمنا أن -الزردشتية- أقربا إلى القول بالوحدة، وأن المثال الصحيح للثنوية إنما هوالمانوية، وأن الزردشتية أدنى إلى التوحيد فى أساسها ، فالشر عارض ، والخير ينتصر فى النهاية.(163/1)
وقد مثلت الثيولوجية المنبثقة عن المسيحية فى العصور الوسطى مذهب الثنوية فى نظرتها إلى الحياة البشرية على أنها صراع دائم بين الروح والبدن ، وهو صراع ينتج عنه تحديد مصير النفس بعد الموت فى الجنة أو فى النار، فإن انتصر البدن فى ذلك الصراع فالمصير إلى النار، وإن انتصرت الروح فالمصير إلى الجنة ، ولذلك اشتدوا فى معاملة الجسد وحرموه من كل لذة وراحة، لفتح أبواب الملكوت التى لا تفتح إلا للفقراء الزاهدين ، وأيا ما كانته علاقة هذا التصور بالمسيحية الأصلية فقد تضخم هذا التقابل الوجودى، واتخذ طابع المبالغة الذى أثر على مختلف مجالات الفكر والحياة فى العصور الوسطى.
وفى العصر الحديث عبر ديكارت -بصورة- فلسفية أدق عن "الميتافيزيقية الثنائية" بقوله بالمبدأين ، وهما: "الذهن والمادة" فكل من الذهن والجسم قائم بذاته ، تختلف صفات كل منهما عن الآخر، بل يستبعد كل منهما الآخر، فما يكون صفة للذهن لا يمكن أن يكون صفة للمادة.
وقد أدى هذا بديكارت إلى افترأض نوعين يسودان الوجود، فالطبيعة تخضع لقوى آلية تحكم مستقلة عن إرادة العقل ، أما روح الإنسان فهى تلقائية ذاتية حرة خالصة،لا تخضع لأية حتمية تاريخية.
أ.د/محمد السعيد جمال الدين(163/2)
#الجاذبية
لغة: مصدر صناعى من جاذب ، وتعنى الحالة التى يجذب بها صاحبها غيره يقال: فلان له جاذبية، أى: يستميل غيره إليه.
اصطلاحا: تعنى قوة التجاذب بين شيئين.
ومن أنواعها:
- الجاذبية الكهربية: وهى القوة العاملة بين الأجسام المشحونة كهربيا وكان الفيزيائى الفرنسى "كولوم" أول من قام بقياسها فى سنة 1119هـ سنة1785م.
- الجاذبية التثاقلية: وهى بين أى جسمين ماديين ، وكان العالم الإنجليزى "إسحق نيوتن" هو الذى وضع صياغة قانون الجذب العام بين الأجسام المادية، وهو القانون الذى يفسر سقوط الأجسام نحو الأرض ، ويشرح حركة الكواكب حول الشمس.
وكان علماء الحضارة الإسلامية أول من قدموا أساسا مقبولا لتفسير السقوط الحر للأجسام تحت تأثير الجاذبية الأرضية، وقد بدا الحسن بن أحمد الهمدانى (ت 334هـ،945م) فى إرساء أول حقيقة علمية عن ظاهرة الجاذبية عندما تحدث عن الأرض قائلا: "...فمن كان تحتها (أى تحته الأرض عند نصفها الأسفل) فهو فى الثبات فى قامته كمن فوقها ، ومسقطه وقدمه إلى سطحها الأسفل كمسقطه إلى سطحها الأعلى، وكثبات قدمه عليها، فهى بمنزلة حجر المغناطيس الذى تجذب قواه الحديد من كل جانب ".
وأضاف علماء آخرون حقائق هامة عن المقذوفات من حيث إن حركتها إلى أعلى عند القذف تعاكس فعل الجاذبية الأرضية، وتحدثوا عن انجذاب الجسم إلى مجاوره الأبعد، مقتربين بذلك من المعنى الشمولى الذى توصل "نيوتن" إلى قانونه العام.
أ.د/أحمد فؤاد باشا(164/1)
الجار
أولاً : تعريف الجار :
أ - لغة : الجوار : المجاورة ، والجار الذي يجاورك .
ب - اصطلاحاً : هو من جاورك جواراً شرعياً سواءً كان مسلماً أو كافراً ، براً أو فاجراً ، محسناً أو مسيئاً .
ثانياً : حد الجوار ، واختلف العلماء في ذلك وإليك بعض أقوالهم :
1- أن الحد أربعون داراً من كل جانب .
2- أنه عشرة دور من كل جانب .
3- أنه من سمع النداء هو جار .
4- أنه الجار الملاصق الملازق .
5- أن حد الجار هم الذين يجمعهم مسجد واحد .
6- أن الحد يرجع فيه إلى العرف فما كان عرفاً أنه جار فهو جار .
ثالثاً : شمول مفهوم الجار .
رابعاً : وصايا الإسلام بالجار .
خامساً : حقوق الجار :
1- كف الأذى .
2- حماية الجار .
3- الإحسان إلى الجار .
4- احتمال أذى الجار .
سادساً : التقصير في حق الجار :
1- مضايقة الجار .
2- حسد الجار .
3- احتقار الجار والسخرية منه .
4- كشف أسرار الجار .
5- تتبع عثرات الجار ، والفرح بزلاته .
6- تنفير الناس من الجار .
7- التعدي على حقوق الجار وممتلكاته .
8- قلة الاعتداد بتعليم الأولاد حق الجار .
9- إيذاء الجيران بالجلبة .
10- تأجير من لا يرغب الجيران في إسكانه .
11- خيانة الجار والغدر به .
12- قلة النهوض لحماية الجار .
13- قلة الإحسان إلى الجار .
14- قلة الحرص على التعرف على الجيران .
15- قلة المشاركة العاطفية للجيران .
16- قلة التفقد لأحوال الجيران .
17- الغفلة عن تعاهد الجيران بالطعام .
18- قلة التهادي بين الجيران .
19- التكبر عن قبول هدية الجار .
20- منع الجار ما يحتاج إليه عادة .
21- قلة الاهتمام بإعادة المعار من الجيران إليهم .
22- قلة المبالاة بدعوة الجار إلى المناسبات والولائم .
23- ترك الإجابة لدعوة الجار .
24- قلة التناصح بين الجيران .
25- التكبر عن قبول النصيحة والزراية بالناصح .
26- قلة التعاون على البر والتقوى .
27- كثرة الخصومة والملاحاة بين الجيران .(165/1)
28- التهاجر والتقاطع بين الجيران عند أدنى سبب .
29- قلة الحرص على إصلاح ذات البين .
30- العناد وقلة الاستجابة لداعي الصلح .
31- ترك الإحسان للجار الغريب .
32- ترك الإحسان للجار غير المسلم .
33- قلة العناية باختيار الجار الصالح .
34- التفريط بالجار الصالح .
35- الاستعجال بالرحيل عن الجيران .
36- قلة المراعاة لأقدار الجيران وإنزالهم منازلهم .
37- قلة احتمال الجار والصبر على أذاه .
38- الإقامة بدار الهوان .
39- قلة الوفاء للجار بعد الرحيل .
المرجع : رسائل في التربية والأخلاق والسلوك – محمد الحمد – دار ابن خزيمة – صـ(165/2)
#الجامعة الإسلامية
اصطلاحا: هى عبارة عن دائرة انتماء عقائدى وحضارى وسياسى، نبعت وتنبع من التوحيد الإسلامى.
والانتماء إلى الجامعة الإسلامية وإن اعترف واحترم واغتنى بالانتماءات الفرعية، إلا أنه لا يكتفى بها، ولا يقف عند حدودها كنهاية للمطاف ، وإنما يوظف هذه الانتماءات الفرعية.
وفي العصر الحديثه أصبح شعار "الجامعة الإسلامية" المظلة التى استظلت بها دعوات وحركات جمعتها مقاصد إنهاض المسلمين بالإسلام ، للخروج من مأزق التراجع الحضارى، ولمواجهة المد الاستعمارى الغربى مع التمايز فى سبل ووسائل هذا النهوض ، وذلك تبعا للملابسات الإقليمية والتوجهات المذهبية عند رواد هذه الحركات والدعوات ،مثل الدعوة الوهابية والدعوة السنوسية والدعوة والحركة المهدية والحزب الوطنى.وأوسع فصائل تيار الجامعة الاسلامية، كان ذلك الذى تبلور من حول جمال الدين الأفغانى والذى تأسس شعبيا وخاصة بين الصفوة والعلماء وقادة الرأى العام -ثم تحالف مع الدولة العثمانية- بقيادة السلطان عبد الحميد الثانى لنصرة الدعوة إلى الجامعة الإسلامية.
جمع هذا الاتجاه بين الأصول الإسلامية وبين التجديد ، وانطلق من مصر فى سبعينات القرن التاسع عشر إلى كل أنحاء العالم الإسلامى وتميزت دعوته ب:
1- الإصلاح الدينى: من منطلق العقلانية الإسلامية التى توازن بين "الرأى" و" الأثر".
2- المحافظة على الدولة العثمانية ، باعتبارها الدولة الإسلامية الجامعة.
3- تجديد الصلات الحضارية مع الغرب واقتباس المناسب من حضارتها وعلومها ، من واقع التمايز الثقافى والاستقلال الحضارى.
4- تحرير ثروات العالم الإسلامى من النهب الاستعمارى والسيطرة الغربية.
واذا كانت التحديات ، واختلال موازين القوى، قد غالبت هذا "التيار الانقاذى" فحالت بينه وبين النجاح فى تجديد الدولة العثمانية إلا أن دعوته إلى الجامعة الإسلامية هى المظلة التى عملت فى ظلالها كل دعوات التجديد الإسلامى.(166/1)
ففى مواجهة الأحزاب الوطنية التي وقفت بالوطن عند الإقليم ، وقنعت بالدولة القطرية وعلى خلاف الأحزاب القومية التى وقفت عند العرف واللغة مهملة الدائرة الحضارية الإسلامية، ظلت دعوات وحركات الجامعة الإسلامية على مناهجها الجامعة بين الوطنية والقومية فى إطار الجامعة.
وهكذا أصبحت تركز على قضايا التحرر الوطنى، ومحاربة التغريب الفكرى إلى جانب تجديد الفكر الإسلامى.
وأصبح طريقها إلى الجامعة الإسلامية هو إقامة الدولة الإسلامية النموذج ، التى لا تقف مقاصدها عند الإقليم ، وإنما تسعى لتسلك الأقاليم الإسلامية فى "رابطة شعوب إسلامية" وذلك وصولا إلى إعادة الوحدة الإسلامية فى الجوامع الخمسة: العقيدة ، والشريعة ، والأمة ، والحضارة ، ودار الإسلام.
وكما طمحت دعوة الجامعة الإسلامية إلى إقامة الوحدة الإسلامية الجامعة لأقاليم عالم الإسلام ، فلقد حرصت على وحدة الأمة بالمعنى السياسى، على النحو الذى يجعل القوميات الإسلامية المتمايزة فى اللغات والطوائف الدينية -غير المسلمة- المتميزة فى الملل والشرائع ، لبنات فى بناء الأمة الواحدة.
فالجامعة الإسلامية هى رابطة أمة، بأقوامها المتعددة ومللها المتمايزة، وهى ليست نزعة دينية متعصبة ضد غير المسلمين ، سواء فى داخل الأوطان الإسلامية أو فى الغرب النصرانى، وإنما هى رابطة إسلامية لشعوب المدنية الإسلامية، تحتضن "التنوع" فى إطار جوامع الإسلام.
أ.د/محمد عمارة(166/2)
#الجاهلية
لغة: مأخوذة من الفعل (جهل)، والجهل معناه: خلاف العلم.
يقول الراغب: الجهل على ثلاثة أضرب: الأول: خلو النفس من العلم ، الثانى: اعتقاد الشىء بخلاف ما هو عليه ، الثالث: فعل الشىء بخلاف ما حقه أن يفعل (1).
وقد وردت مشتقات الكلمة فى القرآن الكريم بمعنى:
1- الخلو من المعرفة، كقوله تعالى: {يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف}البقرة:273.
2- الطيش والسفه ، كقوله تعالى: {قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون}يوسف:89.
3- بمعناها معا كقوله تعالى: {ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون}الأنعام:111.
اصطلاحا: اصطلح المؤرخون على أن لفظ الجاهلية قد يكون اسما للحال ، ومعناها الصفات المرذولة التى كانت عليها الأمة قبل الإسلام من الجهل بالله وبرسوله وشرائع الدين والمفاخرة بالأنساب والكبر والتجبر.. إلخ ، ومنه قول النبى صلى الله عليه وسلم لأبى ذر: (إنك امرؤ فيك جاهلية) (رواه البخارى)(3) أى حال أو طريقة أو عادة جاهلية أو نحو ذلك.
وقد يكون اسما لذى الحال ، أى الزمان ،ومعناها: المدة التى كانت قبل نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقيل: زمن الكفر مطلقا، وقيل: ما قبل الفتح ، وقيل ما كان بين مولد النبى والمبعث ،وبهذا قال ابن حجر، ومنه قوله تعالى: {يظنون بالله غيرالحق ظن الجاهلية}آل عمران:154 ، وذلك لما كان عليه العرب من فاحش الجهالات فى العقيدة والعبادة والتشريع والمعاملات والأخلاق التى انتقلت إليهم وشاعت بينهم وتأصلت فى نفوسهم حتى صارت دينا حل محل الحنيفية السمحة(3).
وعلى هذا نقول: طائفة جاهلية، وشاعر، جاهلى، نسبة إلى الجهل ، لأن من لم يعلم الحق فهو جاهل ، فإن اعتقد خلافه أو قال بخلاف الحق عالما به أو غيرعالم فهو جاهل ، كقوله تعالى: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما}الفرقان:63.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان أحدكم صائما فلا يرفث ولا يجهل) (رواه أبو داود)(4).(167/1)
أى لا يعمل بعمل الجاهلية من السفه والغضب والأنفة والحمية والمفاخرة، ومنه قول عمرو بن كلثوم فى معلقته:
ألا لا يجهلن أحد علينا * فنجهل فوق جهل الجاهلينا
أى لا يسفه أحد علينا فنسفه عليه فوق سفهه ، أى نجازيه به جزاء يزيد عليه.
وكذلك من عمل بخلاف الحق فهو جاهل وإنما علم أنه مخالف للحق ، كما قال تعالى: {إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريبا}النساء:17 ، لأن العلم الحقيقى الراسخ فى القلب يمتنع أن يصدر عنه ما يخالفه من قول أو فعل ، فإن صدر ما يخالفه كان جهلا، وعلى ذلك كان الناس قبل البعثة النبوية فى جاهلية وكل ما يخالف ما جاء به المرسلون من أفعال اليهود والنصارى، وتلك كانت الجاهلية العامة.
أما بعد البعثة فقد مضى زمانها بمجىء الإسلام ، وإن بقيت أحوالها وعاداتها بين الإطلاق والتقييد.
فالمطلقة قد تكون فى بلد دون بلد،كما هى فى غير ديار الإسلام ، وقد تكون فى بعض الأشخاص دون بعض ، كالرجل قبل أن يسلم وإن كان فى دار الإسلام.
والمقيدة قد تكون فى بعض ديار المسلمين وفى كثير من الأشخاص المسلمين ؛ لقول صلى الله عليه وسلم (أربع في أمتى من أمرالجاهلية لا يتركونهن الفخر بالأحساب ، والطعن فى الأنساب والاستسقاء بالنجوم ،والنياحة) رواه مسلم (5).
فهذه كلها جاهلية، وهى من المعاصى التى لا يكفر صاحبها.
وقد اختلف المؤرخون فى تحديد الفترة الزمنية للجاهلية على أقوال ، منها أنها بين آدم ونوح ، أو بين نوح وإدريس ،أو بين موسى وعيسى، أو بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم ومنهم من قال هى الفترة بين كل نبيين ، والراجح أن الفترة الزمنية للجاهلية تبدأ من عصور ما قبل التاريخ ، وتنتهى بالبعثة النبوية فى القرن السابع الميلادى، وعلى هذا لا يصح مطلقا أن يوصف المجتمع المسلم بأنه جاهلى، بخلاف الأفراد، فإنه يمكن إطلاق لفظ الجاهلية على الشخص إن وقع فى فعل جاهلى.
أ.د/خليفة حسن العسال(167/2)
#الجبر(علم)
الجبر هو أحد فروع علم الرياضيات ، وكان محمد بن موسى الخوارزمى أول من ألف فيه كتابا فى زمن الخليفة المأمون (198-218هـ) أسماه "الجبر والمقابلة"، وضع فيه أصول علم الجبر وقواعده ، وخرج به من نطاق الأمثلة المفردة إلى المعادلة العامة التى تسهل حل المسائل الحسابية المتشابهة طبقا لقاعدة معينة.
واصطلاحا: يعنى نقل الحدود السالبة من مكانها فى أحد طرفى المعادلة الجبرية إلى الطرف الآخر، أما المقابلة فتعنى حذف الحدود المتشابهة فى الطرفين.
وقد عرف الخوارزمى فى كتابه جميع عناصر المعادلة الرياضية الجبرية كما نفهمها اليوم ، فشرح معنى الحد المعلوم والمجهول والمطلق والعدد الأصم وفكرة الأس واللوغاريتمات والكميات السالبة والموجبة والتخيلية ومعادلات الدرجة الأولى والدرجة الثانية وطرق حلها، ثم انتقل بعد ذلك إلى الجانب العملى الخاص بتطبيقات الجبر فى الحياة العملية، وجعله كتابا مستقلا يشتمل على الكثيرمنها والقياس عليها فى مسائلهم المتعلقة بالمعاملات والوصايا والمواريث.
وأضاف علماء آخرون إلى علم الجبر، وزادوا فى أصوله ومسائله مثل أبى الوفاء البوزجانى، وشجاع بن أسلم ، وعمر الخيام ،والقلصاوى وغيرهم ، وعنهم انتقل هذا العلم إلى جُلّ اللغات الأجنبية بلفظه العربى "Algebra" وأصبح بعد ذلك يطلق على علم المعادلات الرياضية بوجه عام.
أ.د/أحمد فؤاد باشا(168/1)
الجدية
أولاً : دلالة المصطلح :
أ - لغة : الاجتهاد في الأمور .
ب - اصطلاحاً : الاجتهاد في الأمر والاهتمام به والمبالغة في تحقيقه حتى نصل إلى الهدف .
ت - المصطلحات المرادفة : الهمة العالية ، العمل الصالح ، الإيجابية .
ثانياً : الأهداف :
1. تأصيل صفة الجدية عند الداعية .
2. تعويد المسلم على حسن استغلاله لأوقاته .
3. تكوين الوعي بأهمية وضع الخطط والبرامج للوصول إلى الأهداف .
4. غرس روح المبادرة للعمل والتسابق فيه بعزم وهمة عالية .
5. التأسي بالجادين من رجال الإسلام والاقتداء بهم .
ثالثاً : عناصر الموضوعات :
1. دلالة المصطلح .
2. لماذا الحديث عن الجدية ؟
3. الدعوة إلى الجدية :
أ - في الكتاب .
ب - في السنة .
ت - في أقوال السلف .
4. بعض مجالات الجدية .
5. من مظاهر الجدية .
6. كيف تكون جادا ؟
7. معاول هدم الجدية .
8. نماذج من الجادين .
9. قواعد يسير عليها الجادون .
10. مسائل في الجدية .
رابعاً : العرض :
1. ماذا نعني بالجدية ؟
2. لماذا الحديث عن الجدية ؟
2-1 لأن العمر قصير .
2-2 لأن الجدية صفة من صفات أهل الإيمان .
2-3 لأن الواجبات أكثر من الأوقات .
2-4 لأن فئاماً من الدعاة أكثروا من الهزل والضحك .
2-5 الجد والاجتهاد والحركة الدائبة في ميدان العمل الصالح تجدد للروح حيويتها ونشاطها .
2-6 لأن الجدية تتأكد في الشباب حيث القوة والعافية والفراغ .
2-7 لأن القرب من الله – عز وجل – بحسب جد العبد في التقرب إليه .
3. الدعوة إلى الجدية :
3-1 الدعوة إلى الجدية في القرآن الكريم .
3-1-1 الجدية في التمسك بالكتاب .
3-1-2 الدعوة إلى العمل والمبادرة إليه .
3-1-3 التحذير من التفريط والإهمال وبيان سوء حال أهله عند الموت .
3-2 الدعوة إلى الجدية في السنة النبوية .
3-2-1 الأمر بالجد وترك العجز .
3-2-2 فتح أبواب العمل الصالح لكل راغب .
3-2-3 الحث على الأعمال ولو كانت يسيرة .(169/1)
3-2-4 الدعوة إلى استغلال الطاقات وعمارة الأرض بالجد والاجتهاد .
4. بعض مجالات الجدية :
4-1 الجدية في التمسك بالإسلام .
4-2 الجدية في الدعوة .
4-3 الجدية في طلب العلم .
4-4 الجدية في التربية الأسرية .
4-5 الجدية في الصحة والأخوة .
4-6 الجدية في الأماني والتطلعات ، ومن نماذج ذلك ما يلي :
4-6-1 تمني الجهاد دون الاستعداد له .
4-6-2 تمني الغنى والمال الكثير للتصدق دون العمل على تزكية النفس من الحرص والطمع والبخل .
5. مظاهر الجدية :
5-1 الحرص على اغتنام الأوقات .
5-2 تنظيم الواجبات والاهتمام بالمسؤوليات .
5-3 له من كل غنيمة سهم .
5-4 دائم الارتقاء .
5-5 يؤثر العمل على الكلام .
6. كيف تكون جاداً :
6-1 الإقلاع عن الذنوب والمبادرة إلى التوبة .
6-2 ذكر الله تعالى ، ومن فضله ما يلي :
6-2-1 الذكر سبب لزوال عقد الكسل الشيطانية .
6-2-2 الذكر سبب لزيادة قوة المرء روحاً وإقداماً .
6-3 مصاحبة الجادين .
6-4 فقه السعادة .
6-5 اكتشاف القدرات وتطوير الذات ، وعدم الرضا بالدون من المهمات والدرجات.
6-6 تذكر الأجر .
6-7 المحاسبة .
6-8 الدعاء .
6-9 تعلم العلم الشرعي .
6-10 ذكر الموت وسرعة انقضاء الدنيا .
7. معاول هدم الجدية :
7-1 التسويف ، ومن آفاته ما يلي :
7-1-1 أنك لا تضمن أن تعيش إلى الغد .
7-1-2 أنك إن ضمنت حياتك إلى الغد فلا تأمن المعوقات من مرض طارئ أو غيره .
7-1-3 أن لكل يوم عمله ، ولكل وقت واجباته فليس هناك وقت فارغ من العمل .
7-1-4 أن تأخير الطاعات والتسويف في فعل الخيرات يجعل النفس تعتاد تركها .
7-2 كثرة الهزل والضحك واللهو .
7-3 إضاعة الأوقات وتبديد العمر بما لا ينفع .
7-4 مصاحبة البطالين .
7-5 الإكثار من المباح .
7-6 الركون إلى الزوجة والأبناء .
7-7 اتباع الهوى .
8. نماذج من الجادين :
8-1 شيخ المفسرين والمحدثين والمؤرخين .
8-2 صاحب أكبر كتاب في الدنيا .
9. قواعد يسير عليها الجادون :(169/2)
9-1 اتق الله حيثما كنت .
9-2 لا تؤجل عمل اليوم إلى غد .
9-3 أعط حل ذي حق حقه .
9-4 اعمل .. فإن لم تستطع فأعن غيرك .. فإن لم تستطع فكف شر نفسك .
9-5 هناك نية وهدف لكل عمل .
9-6 الأهم ثم المهم [ ترتيب الأولويات ] .
10. مسائل في الجدية :
10-1 هل اللهو يتناقض مع الجدية .
10-2 يلاحظ على بعض الجادين العبوس .. فما رأيكم ؟
خامساً : بعض التطبيقات العلمية لتأكيد معاني الدرس :
1. الالتزام بحضور اللقاءات والمناشط .
2. وجود مفكرة للمواعيد والواجبات .
3. القراءة اليومية لكتاب الله أولاً ، ثم الكتب الشرعية .
4. تخصيص مبلغ من الراتب لنصرة دين الله .
5. القيام بمناشط هادفة أو قراءة مفيدة .
المرجع : الرائد دروس في التربية والدعوة / الجزء الثاني – مازن الفريح – دار الأندلس الخضراء .(169/3)
#الجذب
الجذب مصطلح صوفى يقصد به "ملاحظة العناية الإلهية للعبد باجتذابه إلى حضرة القرب" وذلك بأن يهيىء الله للمجذوب كل ما يحتاجه فى طريقه لاجتياز المنازل والمقامات ، دون كلفة ولا مشقة، وهو يقابل "السالك" الذى يقطع الطريق بالمجاهدة والرياضة.
ويسمى المجذوب "مريدا" كما يسمى السالك "مريدا" أيضا ، والفرق بينهما أن المجذوب لا يعانى مشقات الطريق ؛ لأنه مختطف بالجذب ، بخلاف السالك السائر فإن عليه أن يقطع كل عقبات الطريق.
وقد ظهر هذا المصطلح مبكرا فى مراجع التصوف الإسلامى ، حيث تحدث الطوسى (ت 378هـ) فى كتابه "اللمع" عن جذب الأرواح وما يتعلق به من أوصاف ترجع كلها إلى معنى "التوفيق والعناية" في اجتذاب المريد، ويقول شيوخ التصوف: إن صاحب الجذبة يرى فى بدايته ما يكون له في نهايته ، وإن جذبة من جذبات الحق تُربى على أعمال الثقلين ، وللمجذوب بعد جذبته إلى مقام القرب إحدى حالتين: فقد يستقر فى هذا المقام ولا يرجع إلى ما كان عليه ، أولا فيسمى "عاشقا"، وقد يعود إلى حالته الأولى ويواصل سلوكه فيسمى "المجذوب السالك" ، وقد تحصل الجذبة للسالك فى نهاية سلوكه فيسمى حينئذ: "السالك المجذوب" ، و"المجذوب السالك" و "السالك المجذوب" كلاهما مؤهل لرتبة المشيخة وتربية المريدين ،بخلاف "المجذوب المجرد "، أو "السالك المجرد" فإن أيا منهما لا يصلح لهذه الرتبة.
وليس فى كلام الصوفية عن "الجذب" ما يدل على انمحاق العقل ، بمعنى "الجنون" المسقط للتكاليف الشرعية، وإن كانت تعريفاتهم تشير إلى أن المجذوب مشتغل بربه ،ومنقطع إليه ، ومأخوذ عن نفسه.
ويميل "ابن خلدون" إلى اعتبار "المجذوب" فاقدا لعقل التكليف ، ويكاد يلحقه بالحمقى والمجانين في سقوط التكاليف الشرعية، ويراه أقل مرتبة من عوام المؤمنين ، فضلا عن أن يكون من طبقة الأولياء المقربين.
أ.د/أحمد الطيب(170/1)
#الجشع
لغة: الحرص الشديد، والطمع فى حق الغير، والشح. فيعرف بأنه الحرص الشديد، وقيل أسوأ الحرص على الطعام وغيره ، وقيل هو أن تأخذ نصيبك وتطمع فى نصيب غيرك ، ويوصف به الشحيح ، والمتخلق بالباطل بما ليس فيه (1).
واصطلاحا: طمع فى غير حق ، ورغبة فى الحصول على أكثرمما قدر له.
والباعث عليه "كما يقول المارودى: شيئان: الشره ، وقلة الأنفة، فلا يقنع بما أوتى وإن كان كثيرا لأجل شرهه ، ولا يستنكف مما منع وإن كان حقيرا لقلة أنفته ، وهذه حال من لا يرضى لنفسه قدرا، ويرى المال أعظم خطرا ، فيرى بذل أهون الأمرين لأجلهما مغنما"(2).
والجشع فى باب المال يجر صاحبه إلى حرمان من فضائل هامة، "ومن أحب المال حتى استعبده المال لم يؤهل لهذه الرتبة (رتبة الفضائل) فإن حرصه على جمع المال يصده عن استعمال الرأفة وامتطاء الحق وبذل ما يجب ، يضطره إلى الخيانة والاختلاق والزور ومنع الواجب.
وربما أنفق أموالا جمة محبة منه للمحمدة ولا يريد بذلك وجه الله ، بل يتخذها مصيدة ويجعل ذلك مكسبه ، ولا يعلم أن ذلك عليه سيئة ومسبة"(3).
ثم هو فى باب الشهرة ، والحرص على أن يتصدر اسمه المجالس يجر إلى الكذب والرياء والتصنع ، وقبول الدنية سرا ، والتظاهر بضدها علنا، رغبة فى إرضاء من يريد منه مكانة أو صلة وبرا(4).
فالجشع الذى هو أسوأ الطمع والحرص مرض نفسى يسبب لصاحبه الهم والذل ، لأنه لا يستريح ولا يقنع حتى ولو يحقق ما يسعى إليه ، فيظل فى كدر دائم ، وذل للحاجة مستمر (5).
وعلاجه فى النزاهة، وهى الترفع عن المطامع الدنية، وفي القناعة والزهد ، ففى القناعة رضا تسكن النفس به وتستريح ، وفى الزهد استعلاء على ما يذل ففيه عزة، لأنه قيل: "أذل الحرص أعناق الرجال ".(171/1)
وهذا لا يتحقق إلا لمن آمن بأن للعبد رزقا يطلبه كما يطلبه أجله ، وآمن بأنه (ليس الغنى عن كثرة العرض ،ولكن الغنى غنى النفس)، وآمن بأنه (قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه) ، وعلم نصيحة رسول الله لأمته: (إن روح القدس نفث فى روعى: إن نفسا لن تموت حتى تستوفى رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا فى الطلب ،ولا يحملنكم إبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعاصى الله تعالى، فإن الله عزوجل لا يدرك ما عنده إلا بطاعته (6)، وكل هذه النصائح النبوية صدى لآيات الله فى الرزق {وما من دابة فى الأرض إلا على الله رزقها}هود:6.
{وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون. ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون. إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين}الذاريات:56-58.
أ.د/أبو اليزيد العجمى(171/2)
#الجلال
وردت كلمة "الجلال" فى القرآن الكريم مرتين فى سورة الرحمن ، فى قوله تعالى: {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام}الرحمن:27 ، وقوله تعالى: {تبارك اسم ربك ذى الجلال والإكرام}الرحمن:78. ومعنى الجلال فى الآيتين: الملك والعظمة والقوة والعزة.
والجليل اسم من أسماء الله تعالى، ومعناه: العظيم فى ذاته وصفاته وأفعاله ، والفرق بين الجليل والكبير والعظيم -فى الأسماء الحسنى- أن اسم الكبيريرجع إلى كمال الذات ، والجليل إلى كمال الصفات ، والعظيم إلى كمال الذات والصفات معا ،وصفات التنزيه ترجع -فيما يرى المتكلمون- إلى صفة الجلال ، ويعنون بصفات التنزيه كل صفة تنفى عن الله تعالى معنى لا يليق بذاته المقدسة، كوصفه تعالى بأنه ليس جسما ولا عرضا ولامحتاجا ولا متحيزا فى جهة.
والجلال -فى اصطلاح الصوفية- هو: احتجاب الحق بحجاب العزة عن معرفة حقيقة ذاته المقدسة، فلا يرى ذاته ولا يعلمها على حقيقتها إلا هو، وليس لمخلوق أدنى نصيب فى معرفة "الجلال" أو الكلام فيه ،وسبب ذلك... فيما يقول بعض شيوخ الصوفية: أن الجلال مرتبط بالجمال ، وأن جمال الله تعالى يعلو ويدنو.
وعلو الجمال وعزته هو "الجلال" الذى يتكلم فيه العارفون ، وهم فى حقيقة الأمر إنما يتكلمون فى جلال الجمال لا "الجلال" المطلق ، "فالجلال المطلق" معنى يرجع من الله إليه وحده ، وهو مانع يمنع من رؤيته ، بخلاف "جمال الجلال" فإنه يتجلى به على عباده ،وهو مصحح لرؤيته تعالى فى الجنة، مع تنزهه عن الجهة والتحيز وتوابعهما، كما هو مذهب أهل السنة. وتجلى الجمال يوجب عند الصوفية الفناء والمحو والقهر.
أ.د/أحمد الطيب(172/1)
الجلوس في المسجد بعد الفجر حتى طلوع الشمس
مقدمة:
- ذكر الله بعد صلاة الصبح في المسجد حتى تطلع الشمس من أعظم العبادات وأكثرها أجراً.
- قال تعالى : { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وأقام الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} (النور:36-37).
- مدح الله تعالى هؤلاء الرجال بأنهم في بيوته التي أذن أن ترفع ويذكر فيها اسمه وهي المساجد.
- هذا فيه إشعار بهممهم السامية ونياتهم وعزائمهم العالية التي صاروا بها عماراً للمساجد، يسبحون له في أول النهار وآخره فيها.
- كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجلس في المسجد مع الصحابة ويتذاكر معهم القرآن.
- حدث جابر بن سمرة رضي الله عنه فقال : (( كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس حسناً )) رواه مسلم.
فضل الجلوس في المسجد:
- رغب الرسول -صلى الله عليه وسلم- في لزوم المساجد والجلوس فيها فقال : (( من صلى الصبح في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة )) رواه الترمذي وصححه الألباني.
- وعن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : (( لأن أقعد أذكر الله تعالى وأكبره وأحمده وأسبحه وأهلله حتى تطلع الشمس أحب إلي من أن أعتق رقبتين ( أو أكثر ) من ولد إسماعيل ومن بعد العصر حتى تغرب الشمس أحب إلى من أن أعتق أربع ( رقاب ) من ولد إسماعيل )) رواه أحمد وحسنه الألباني.
- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (( من صلى صلاة الغداة في جماعة ثم جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم قام فصلى ركعتين انقلب بأجر حجة وعمرة )) رواه الطبراني وحسنه الألباني.(173/1)
- وعن سهل بن معاذ عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : (( من قعد في مصلاه حين ينصرف من صلاة الصبح حتى يسبح ركعتي الضحى لا يقول إلاّ خيراً غفر له خطاياه وإن كانت أكثر من زبد البحر )) رواه أحمد وأبو داود وأبو يعلى وأظنه قال : (( من صلى صلاة الفجر ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس وجبت له الجنة )) رواه الثلاثة .
- وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : كان رسول الله : -صلى الله عليه وسلم- إذا صلى الفجر لم يقم من مجلسه حتى تمكنه الصلاة وقال : (( من صلى الصبح ثم جلس في مجلسه حتى تمكنه الصلاة كان بمنزله عمرة وحجة متقبلتين )) رواه الطبراني وحسنه الألباني.
- وعن عبدالله بن غابر أن أبا أمامة وعتبة بن عبدالله حدثاه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : (( من صلى صلاة الصبح في جماعة ثم ثبت حتى يسبح لله سبحة الضحى كان له كأجر حاج ومعتمر تاماً له حجة وعمرته )) رواه الطبراني وحسنه الألباني.
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعثاً ، فأعظموا الغنيمة وأسرعوا الكرة : فقال رجل : يا رسول الله ما رأينا بعثاً قط أسرع كرة أولاً أعظم غنيمة من هذا البعث فقال : (( ألا أخبركم بأسرع كرة منهم وأعظم غنيمة ؟ رجل توضأ فأحسن الوضوء، ثم عمد إلى المسجد، فصلى فيه الغداة ثم عقب بصلاة الضحوة، فقد أسرع الكرة وأعظم الغنيمة)) رواه أبو يعلى وصححه الألباني .
- قال مالك : كان سعيد بن أبي هند ونافع مولى ابن عمر وموسى بن ميسرة يجلسون بعد الصبح حتى ترتفع الشمس ثم يتفرقون ولا يكلم بعضهم بعضاً اشتغالاً بذكر الله.
- كما أن أغلب دروس الأئمة والعلماء بعد صلاة الفجر .(173/2)
- حدث الربيع بن سليمان أنه قال : كان الشافعي رحمه الله يجلس في حلقته إذا صلى الصبح، فيجيئه أهل القرآن فإذا طلعت الشمس قاموا وجاء أهل الحديث فيسألونه تفسيره ومعانيه ، فإذا ارتفعت الشمس قاموا فاستوت الحلقة للمذاكرة والنظر، فإذا ارتفع الضحى تفرقوا، وجاء أهل العربية والعروض والنحو والشعر فلا يزالون إلى قرب انتصاف النهار ثم ينصرف رحمه الله.
- وعن أبي معاذ عن مسعر بن كدام . قال : أتيت أبا حنيفة في مسجده ، فرأيته يصلي الغداة ، ثم يجلس للناس في العلم إلى أن يصلي الظهر ثم يجلس إلى العصر ، فإذا صلى العصر جلس إلى المغرب فإذا صلى المغرب جلس إلى أن يصلي العشاء.
- كما حرص السلف الصالح على الالتزام بهذه السنة فها هو شيخ الإسلام ابن تيمية كما ينقل عنه تلميذه ابن القيم يجلس بعد الصلاة يذكر الله وكان يقول إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، يعني بذلك ما يحصل للعابد من لذة المناجاة التي لا نسبة بينها وبين لذات الدنيا بأسرها وكان يقول: هذه غدوتي ولو لم أتغد الغداء سقطت قوتي. وقد كان إذا صلى الفجر جلس يذكر الله تعالى إلى قريب من انتصاف النهار.
- والنبي -صلى الله عليه وسلم- يدلك على تجارة رابحة وخطة ناجحة ، أن تستيقظ مبكراً ثم تصلي الصبح وتستمر في مصلاك حتى مطلع الشمس ، وتتنفل بركعتين ليكتب لك ثواب حجة تامة.
- كما أنك إذا عملت بهذه السنة طهرت من الدنس ونقيت صحيفتك من الخطايا وإن كانت مثل رغوات البحر وزبده.
- وبسط الله لك رزقك وشعرت بالفرح وذهبت إلى عملك قرير العين مثلوج الفؤاد، باسم الثغر ممتلئاً قوة ونشاطاً وثقة بالله واعتماداً عليه لأنك تحس برضا مولاك، وإحاطة رحمته بك ، كما قال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي مر بنا : (( أولئك أسرع رجعة وأفضل غنيمة )) صححه الألباني.
- كان الصحابة والسلف الصالح رضوان الله عليهم يصلون الفجر وينتظرون في مصلاهم يسبحون الله حتى مطلع الشمس.(173/3)
- ونحن في هذا الزمن زاد السهر والسمر ويتأخر الغافل في النوم حتى تطلع الشمس .
وما الحياة بأنفاس نرددها إن الحياة حياة العلم والعمل
بركة الوقت بعد صلاة الفجر
- وقت ما بعد صلاة الفجر كله خير وبركة دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأمته فيه بالخير والبركة.
- لذا نجد أصحاب الحرف والمهن والتجارة يحرصون على اغتنام هذا الوقت الفضيل لما فيه من الخير والبركة.
- عن صخر الغامدي أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال : (( اللهم بارك لأمتي في بكورها )) رواه أحمد وصححه الألباني. وقال : وكان إذا بعث سرية أو جيشاً بعثهم أول النهار، وكان صخر رجلاً تاجراً وكان إذا بعث تجارة بعث أول النهار فأثرى وكثر ماله .
- والذين ينامون في هذا الوقت الثمين ويستغرقون في نومهم إلى الضحوة حرموا أنفسهم بركة هذا الوقت .
- أما الفوائد الصحية التي يجنيها الإنسان بيقظة الفجر فهي كثيرة منها : تكون نسبة لغاز الأوزون في الجو عند الفجر وتقل تدريجياً حتى تضمحل عند طلوع الشمس ولهذا الغاز تأثير مفيد للجهاز العصبي ومنشط للعمل الفكري والعضلي بحيث يجعل الإنسان عندما يستنشق نسيم الفجر الجميل المسمى بريح الصبا يجد لذة ونشوة لا شبيه لها في أي ساعة من ساعات النهار أول الليل .
- ويقول الشيخ عايض القرني الحث على المكث في المسجد بعد صلاة الفجر :
أتنام يا خدن العقيدة كيف تغفو يا أخاه
الفجر جاءك طارقاً يشكو إليك أذى الطغاة
وسرى النسيم مرنماً مثل الحروف على الشفاه
وإذا الصبا مسك هفا والورد يغدو من شذاه
قم رتل القرآن عذباً إنه زاد الدعاة
أتنام والركب العظيم يسير في درب الحياة
أتريد تنوير العقول ورفع حصن في سماه
وتنام من بعد الصلاة وأين مفهوم الصلاة
الليث يغمض غمضة فيها الحتوف لمن رماه
أينام ليث المسلمين وفوق هامته الحداه
الفجر كالعمر الجديد إذا ترفل في صباه
خاتمة:
أهم فوائد الجلوس في المصلى بعد صلاة الصبح والعصر وهي كما يلي:(173/4)
1- المحافظة على صلاة الفجر جماعة في المسجد .
2- أن الله يبارك لمن جلس في مصلاه في يومه وفي وقته.
3- نيلك أجر حجة وعمرة وعتق أربع رقاب في سبيل الله .
4- قراءة أذكار الصباح بحضور قلب وبخشوع وبدون استعجال .
5- المحافظة على بعض الأذكار التي غفل عنها كثير من المسلمين كالتهليل مائة مرة ، وقول سبحان الله وبحمده مائة مرة والاستغفار ، والصلاة على النبيّ عشر مرات في الصباح وعشر مرات في المساء لقوله : -صلى الله عليه وسلم- : (( من صلى علي حين يصبح عشراً وحين يمسي عشراً أدركته شفاعتي يوم القيامة )).
6- أن الملائكة تصلي على من جلس في مصلاه وتستغفر له وتدعو له بالرحمة كما قال -صلى الله عليه وسلم- : (( الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه ما لم يحدث تقول : الله اغفر له الله ارحمه )) رواه البخاري .
7- المحافظة على صلاة الضحى التي تكفي عن ثلاثمائة وستين صدقة على الإنسان في كل يوم بعدد مفاصله كما في الحديث الذي رواه مسلم .
8- قراءة القرآن وختمه كل أسبوعين أو كل شهر على الأقل مرة ، وهذا الوقت فرصة للحفظ وللمراجعة لتقبل النفس لذلك.
9- المحافظة على دروس العلماء .
10- تنظيم الوقت والذهاب إلى العمل باكراً ممتلئاً قوة ونشاطاً وثقة بالله واعتماداً عليه.
11- أن الجالس في المسجد بعد الصلاة لا يزال في صلاة وفي عبادة لقوله -صلى الله عليه وسلم- : (( لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه )) متفق عليه.
المرجع: الجلوس بعد صلاة الفجر-موقع منابر الدعوة.(173/5)
الجماعة
أولاً : دلالة المصطلح :
أ دلالة المصطلح :
قال ابن فارس – رحمه الله - : (الجيم والميم والعين أصل واحد ، يدل على تضام الشيء )
أمر جامع : يجمع الناس .. والمسجد الجامع : الذي يجمع أهله .. والجمعة ، وهو يوم العربة ، سمي بذلك لاجتماع الناس في .
قال تعالى : ( وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ) ، وقال : { قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ } . وقال أجمع المسلمون على كذا : ( اجتمعت آراؤهم عليه ) .
( الجماعة ) طائفة من الناس يجمعها غرض واحد .
ب- اصطلاحاً :
نقصد بالجماعة حب المسلم للاجتماع مع إخوانه المؤمنين ، والدعاة الصالحين ، للتواصي معهم بالحق والتواصي بالصبر ، والتعاون على البر والتقوى ، مثل :
·اجتماع المسلم مع جماعة المسجد للدعوة والتناصح بينهم .
? اجتماع المسلم بالعلماء العاملين والمشايخ المخلصين في يحلق العلم ؛ للأخذ عنهم ، والتتلمذ عليهم .
? اجتماع المسلم بالدعاة العاملين في هيئات الإغاثة والمؤسسات الخيرية ، وضم جهده إلى جهودهم في إغاثة الملهوفين وإنقاذ المتضررين ومساعدة الضعفاء والمساكين من المسلمين .
? اجتماع المسلم بإخوانه الدعاة الموثوقين ؛ لهداية الضال ، وتعليم الجاهل .
المصطلحات المقاربة :
· التعاون .
? الأخوة .
ثانياً : الأهداف :
1- التأكيد على مبدأ الجماعة في الدعوة .
2- تنمية حب المسلم لإخوانه المسلمين .
3- تكوين الوعي عند المسلم للمنافع الكثيرة والمصالح العظيمة التي يجنيها الفرد من التعاون مع إخوانه .
4- التحذير من بعض الآفات والعوائق التي تعترض المسلم حال اجتماعه بإخوانه ومجالسته لهم وتعاونه معهم .(174/1)
5- الموازنة بين المسؤولية الفردية في تربية النفس والارتقاء بها وتهذيبها ، والمسؤولية الجماعية في دعوة الآخرين ، ومجاهدة المنافقين فيقوم بمقتضيات قوله تعالى : { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ } . بتوازن وانسجام .
ثالثاً :عناصر الموضوع :
1- مفهوم الجماعية .
2- مشروعيتها .
3- أهمية الجماعية للفرد والمجتمع وفرائدها .
4- كيف غرس الإسلام الجماعية في قلوب أتباعه .
5- صيانة الإسلام لحمي الجماعة من التفكك والفرقة .
6- مظاهر قوة الجماعية عند الداعية .
7- عوائق في طريق الجماعية .
8- صور من الجماعية .
9- الموازنة بين الجماعية والفردية .
10- مسائل حول الجماعية .
رابعاً : العرض :
1- مفهوم الجماعية
2- مشروعيتها :
لقد جاءت النصوص الكثيرة في الكتاب والسنة تدعو المسلمين للأجتماع على البر والتكاتف على الخير .
قال تعالى : { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا } قال القرطبي – رحمه الله – في حبل الله : قال ابن مسعود : حبل الله القرآن . ورواه علي وأبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وعن مجاهد وقتادة مثل ذلك .. وروي عن عبد الله بن مسعود ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ) ، قال : الجماعة ؛ روي عنه وعن غيره من وجوه ، والمعنى كله متقارب متداخل ؛ فإن الله تعالى يأمر بالألفة ، وينهي عن الفرقة ، فإن الفرقة هلكة والجماعة نجاة . ورحم الله ابن المبارك حيث يقول :
إن الجماعة حبل الله فاعتصموا *** منه بعروته الوثقى لما دنا
قال الله تعالى : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } قال الإمام ابن كثير – رحمه الله - : ( يأمر الله تعالى عباده المؤمنين بالمعاونة على فعل الخيرات ؛ وهو البر وترك المنكرات ، وهو التقوى ، وينهاكم عن التناصر على الباطل ، والتعاون على المآثم والمحارم )(174/2)
ولقد أكدت أحاديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم - مشروعية الجماعة في تأدية جُل شعائر الإسلام وكثير من فرائضه ، وبين عليه أفضل الصلاة والسلام أهمية اجتماع المسلم بإخوانه المسلمين ، واختلاطه معهم في ثباته على الحق ، وعدم استحواذ الشيطان عليه فقال - صلى الله عليه وسلم - : ( ما من ثلاثة في قرية لا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان، فعليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية ) ، والقاصية هي الشاة المنفردة عن القطيع.
ودعا - رضي الله عنه - إلى حماية المجتمع المسلم من معاول العدم والتشتت.
(من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم ويفرق جماعتكم فاقتلوه بالسيف كائناً من كان ) .
وكدر الجماعة خير من صفو الفردية : ونقصد بالكدر ذلك الأذى الذي يصيب المؤمن من اختلاطه بإخوانه المسلمين .
قال صلى الله عليه وسلم " المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم " .
وعلى هذا سار السلف الذين بين معتقدهم صاحب الطحاوية فقال : ( ونرى الجماعة حقاً وصواباً ، والفرقة زيغاً وعذاباً ) .
أهمية صفة ( الجماعة ) وفرائدها :
لابد من تنشئة الفرد المسلم على حب الجماعية ن وتبصيره بما يترتب عليها من مصالح عظيمة وفوائد جسيمة في الدنيا والآخرة ، وتبدو أهمية صفة الجماعية من خلال أمور كثيرة :
الجماعية مطلب شرعي في تأدية شعائر الإسلام والكثير من فراضه .
الجماعية دافع لتحلي المسلم بكثير من الفضائل التي دعا إليها الإسلام : كالإيثار ، والأخوة ، والعفو ، والإحسان على الناس .. إلى آخره .(174/3)
إن جلائل الأعمال ، وعظائم الأهداف لا يمكن تحقيقها – عادة – إلا من خلال العمل الجماعي الذي تتكاتف فيه الجهود ، بخلاف العمل الفردي فإنه لا يثمر في الغالب إلا أعمالاً تتناسب مع مستوى طاقات الأفراد شدةً وضعفاً ؛ ولهذا نرى إبراهيم عليه السلام يستعين بإسماعيل – عليه السلام – في بناء البيت وموسى – عليه السلام – يدعو ربه أن يشد عضده بأخيه ..
إن كثيراً من مطالب الإنسان الحياتية ، وحاجاته المادية ، بل والمعنوية ، تحتاج إلى جهود جماعية : كالتماس النصرة ، وتبادل المنفعة ، والإفادة من التجارب .. بل حتى عالم الحيوان نرى فيه هذا التكاتف الجماعي : كالنحل ، والنمل ، وغيرها ، على حد قول القائل :
النمل تبني قراها في تماسكها والنحل تجني رحيق الشهد أعوناً
أعلم أنه لا صعب على كل أحد أن يحصل لنفسه أدنى ما يحتاج إليه إلا بمعاونة عدة رجال له ؛ ولهذا احتاج الناس أن يجتمعوا فرقة فيتظاهروا ؛ ولأجل ذلك قيل : الإنسان مدني بالطبع ، أي لا يمكنه التفرد عن الجماعة بعيشه ، بل يفتقر بعضهم إلى بعض في مصالح الدين والدنيا وعلى ذلك نبه - صلى الله عليه وسلم - بقوله : " المؤمنون كالبنيان يشد بعضهم بعضاً " . وقال " مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد الواحد إذا تألم بعضه تداعى سائره " ، وقيل : الناس كجسدٍ واحد ؛ متى عاون بعضُه بعضاً استقل ، ومتى خذل بعضُه اختل " .
الجماعية دافع للحركة ، بعكس الفردية الانعزالية ، فإن المرء يشعر غلاباً معها بالفتور والكسل والدعة والملل .
الجماعية في العمل تعطي الدعوة قوة تستعصي معها على الاستئصال أو الاحتواء ، فلا يستطيع الأعداء الظفر بها أو التغلب عليها .
الجماعية تحقق مبدأ التكامل في الدعوة ؛ ، فتستوفي بالجتماع شروط نجاح العمل وإتمامه وإتقانه .(174/4)
قال الله عن نبيه موسى – عليه السلام – وهو يسال ربه : ( قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ * وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ ) ، فقد سأل موسى – عليه السلام – ربه أن يجعل معه أخاه هارونا مساعداً ومعاوناً له في الدعوة ، وذكر أسباب هذا الدعاء ؛ وهي أنه يخشى أن يُقتل ، فتنقطع بمقتله الدعوة ، وكذلك من عدم الإبانة في الحجج والدلائل على صدق دعوته ورسالته بسبب عقدة لسانه ؛ فيريد أن يعنه هارون في هذه المهمة ، فهو أفصح منه لساناً ، وأحسن بياناً ؛ فتتكامل الطاقات أو الجهود في الوصول إلى الهدف المنشود .
الجماعية من أهم عوامل ثبات الداعية على الحق الذي يؤمن به ويدعو إليه .
الجماعية وسيلة للتعرف على الحق والوصول إليه ، والبعد عن الباطل والنفور منه ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : " الشيطان مع الواحد ، وهو من الاثنين أبعد " .
الجماعية مجال واسع لأعمال البر وميدان رحب لاكتساب الأجر والثواب .
الجماعية صفة ترفع منزلة صاحبها في الآخرة ، وتعلي درجته ..
كيف غرس الإسلام الجماعية في قلوب أتباعه ؟ .
الدعوة إلى الاجتماع ونبذ الفرقة والنزاع :
قال الله تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) .
وصف المؤمنين بالتلاحم والترابط :
لقد وصف الرسول - رضي الله عنه - المؤمنين بالترابط والتلاحم ، وشبههم بالبنيان المتماسك فقال – عليه أفضل الصلاة والسلام - : " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً " ، وشبك بين أصابعه ، ففي هذا الحديث دعوة إلى الوحدة الجماعية بين الأفراد المسلمين .
إقامة بعض الشعائر التعبدية جماعة :(174/5)
" ولتغذية روح الجماعة في المسلمين أقام الإسلام مناسبات دينية كثيرة قائمة على الجماعة ، وحث المسلمين على شهودها ، وشدد النكير على من يتخلف عنها ، من أهمها : الصلاة "
بل قد تبطل صلاة من صلى منفرداً عن الجماعة من غير عذر ، كما روى " لا صلاة لفرد الصف " ورفع قدر صلاة الجماعة بالأجر والثواب فقال صلى الله عليه وسلم : " صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة " .
حث الإسلام على الجماعية في الحالات كثيرة :
أ- الجماعية في الأكل : لقد حث - صلى الله عليه وسلم - على الاجتماع عن أكل الطعام وبين لأصحابه حين قالوا له : يا رسول الله إنا نأكل ولا نشبع . قال صلى الله عليه وسلم : " فلعلكم تفترقون " . قالوا : نعم . قال : فاجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله يبارك لكم فيه " .
ب- الجماعة في السفر : فعلى الرغم من كون السفر طارئاً وغالباً ما يكون لأيامٍ معدودات فإن الإسلام حث على الجماعية فيه ، ونهى عن الوحدة .
جـ- النهي عن المبيت منفرداً : لحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوحدة : " أن يبيت الرجل وحده ، أو يسافر وحده " فهذا النهي عن الوحدة في النوم ؛ فكيف بالوحدة في أمور الدعوة ومجاهدة الفسقة وأهل الأهواء ؟! .
الأفضلية والخيرية لمن اجتمع بالناس ونفعهم وألفهم وألفوه :
خير الناس أنفعهم للناس ، وهذا النفع إنما يكون بمخالطتهم ، وبذلك الجهد لإرشادهم وتوجههم ، ومساعدتهم وخدمتهم .
وقد وصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المؤمن فقال : " المؤمن يألف ويؤلف ، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف ، وخير الناس أنفعهم للناس " .(174/6)
وحين يعتذر بعض الانعزاليين بأنهم يردون أن يسلموا من أذى الناس الذي قد يتعرضون له عند مخالطتهم ، يأتيهم البيان النبوي فيثبت لهم أن الذي يصبر على أذى الناس خير من الذي يرغب بالسلامة فيعتزل عنهم . روى الترمذي وابن ماجة بإسناد صحيح عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " المؤمن الذي خالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم "
التذكير بأن الجماعية منهج أعداء الله في مقاومة الحق :
قال الله تعالى : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } ، وقال – عز وجل - : ( المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض ) ، فأهل الكفر والنفاق يجتمعون ويتعاونون فيما بينهم لحرب الإسلام والمسلمين ؛ ولهذا فإن الحق – عز وجل – يأمرنا أن نقاتلهم مجتمعين متكاتفين ، كما قال تعالى : { وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً } وقال ابن عطية : وإنما معنى هذه الآية الحض على قتالهم والتحزب عليهم وجمع الكلمة ، ثم قيدها بقوله : { كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً } فبحسب قتالهم واجتماعهم لنا يكون فرض اجتماعنا لهم . والله أعلم "
شرع التأخي بين المؤمنين :
قال تعالى : ()إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } فجعل الأخوة بين المؤمنين ، يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه في الخير : " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " ، وهو مرآة ينصحه ويسدده ، ويرشده ويوجهه كما قال صلى الله عليه وسلم : " يكف عليه ضيعته " ، أي يجمع عليه معيشته ويضمها له ، وضيعة الرجل : ما منه معاشه ، " ويحوطه من ورائه " ، أي يحفظه ويصونه ويذب عنه ويدفع عنه ن يغتابه أو يلحق به ضرراً ويعامله بالإحسان بقدر الطاقة والشفقة والنصيحة وغير ذلك " ، ونهى الإسلام عن كل ما يضعف هذه الأخوة ويهدمها أو يكدر صفوها .
صيانة الإسلام لحمى " الجماعية " من الفرقة والتفكك :(174/7)
لقد حرص الإسلام من خلال تشريعاته على تحقيق الترابط بين المؤمنين ، وحصول وحدتهم وانتظام عقدهم ، وتآلف قلوبهم ، حتى كأنهم جسد واحد في تعاونهم وتآزرهم ومشاعرهم وآمالهم ؛ ومنع كل سبب يؤدي إلى اختلافهم وتنابذهم ، وتباغضهم وتدابرهم ؛ حفاظاً على جماعتهم من عوامل التفكك والتشتت .. وإليك طرفاً من هذه التشريعات
نهى عن العصبية الجاهلية :
قال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } .. ( فميزان التفاضل بين أفراد المجتمع المسلم ليس للون أو الجنس أو القبيلة ؛ وإنما هنالك ميزان واحد تحدد به القيم ، ويعرف به فضل الناس : { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } ، الكرمي حقاً هو الكريم عند الله .
وهكذا تسقط جميع الفوارق ، وتسقط جميع القيم ، ويرتفع ميزان واحد بقيمة واحدة وإلى هذا الميزان يتحاكم البشر ، وعلى هذه القيمة يرجع اخلاف البشر في الميزان .
وقد حارب الإسلام هذه العصبية الجاهلية في كل صورها وأشكالها ، ليقيم نظامه الإنساني العالمي في ظل راية واحدة : راية الله ..لا راية الوطنية ، ولا راية القومية ، ولا راية البيت ، ولا راية الجنس ؛ فكلها رايات زايفة لا يعرفها الإسلام " .
وقال صلى الله عليه وسلم عن العصبية الجاهلية " دعوها فإنها منتنة " .
ورى أن رجلاً قال لنبي الله عيسى – عليه السلام - : أي الناس أفضل ؟ فأخذ قبضتين من تراب وقال : أي هاتين أفضل ؟! الناس خلقوا من تراب ، فأكرمهم أتقاهم .
دعوة الإسلام للتغافر ونهية عن التفاجر :(174/8)
حث الإسلام والمسلمين على التغفر فيما بينهم ، ونهاهم عن التدابر والتهاجر ؛ حفاظاً على وحدتهم وتآلف قلوبهم ، فقال صلى الله عليه وسلم : " لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال ، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا ، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام " .
التثبت من أخبار الفاسقين :
كم من الحبال تقطعت وكانت متينة بسبب نمام فاسق أو منافق حاقد يريد تفريق المؤمنين ، وتمزيق صفهم ؛ لذا أمر الله المؤمنين بالتثبيت من الأخبار قال- عز وجل – : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } .
نبذ الإسلام للأنانية :
دعا الإسلام إلى الإيثار وحذر من شح النفس وأثرتها ، فقال _ عز وجل – { وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } .
نهيه عن الجدال والمراء والتنازع :
المراء يقسي القولب ، ويلود الضغائن ، ويروث البغضاء والقطيعة ، ويؤدي إلى التنازع الذي يفرق الجماعة ويشتت قوتها ؛ فيحصل الفشل .. ولهذا قال الله تعالى : { وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ } .
رعاية حقوق المسلم :
ومن أجل أن تتوطد روابط المحبة وتقوى دواعي الألفة بين المؤمنين ويشعر كل واحدٍ منهم بقيمته عند إخوانه فيزيد من تمسكه بهم وانتمائه إليهم وقربه منهم ، جعل الإسلام له حقوقاً يؤديها له إخوانه ليشعر باهتمامهم به وحصرهم عليه ، ومنها :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حق المسلم على المسلم ست " ، قيل : ما هن يا رسول الله ؟! قال : " إذا لقيته فسلم عليه ، وإذا دعاك فأجبه ، وإذا إستنصحك فاصح له ، وإذا عطس فحمد الله فشمته " ، وإذا مرض فعده ، وإذا مات فاتبعه " ، أي اتبع جنازته للصلاة عليه ودفنه.
من مظاهر قوة " الجماعية عند الداعية :(174/9)
هناك مظاهر تبرز عند الداعية تدل على قوة روح الجماعية التي تسري في كيانه ، واتعزازه بإخوانه ، ومن هذه المظاهر :
الاستشارة :
وهي استنباط المرء رأي غيره فيما يعرض له من الأمور المشكلات .
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم مع كونه معصوماً ويأتيه الوحي من السماء ، كان صلى الله عليه وسلم من أكثر الناس استشارة إلى أصحابه قياماً بأمر الله له : ( وشاروهم في الأمر ) .. روى الحسن البصري والضحاك قالا : " ما أمر الله تعالى نبيه بالمشاورة لحاجة منه إلى رأيهم ؛ وإنما أراد أن يعلمهم ما في المشاروة من الفضل ، ولتقديتي به أمته من بعده " . ولهذا فإن الداعية ينبغي أن يشاور إخوانه الدعاة فيما يعرض له من أمور الدعوة وقضاياها خاصة ، وفي أمور الأخرى عامة .
إيثاره رأي إخوانه :
الإعجاب بالرأي مهلكة من المهالك التي يوقع الشيطان فيها النفوس المغرورة المزهوة ، والتي لا تعرف حقيقة ضعفها ، وحاجتها لغيرها مهما بلغت من العلم والخبرة . وقد قال صلى الله عليه وسلم : " ثلاث مهلكات وثلاث منجيات .. فأما المهالك : فشج مطاع ، وهو متبع ، وإعجاب المرء بنفسه ، وأما المنجيات : فالعدل في الغضب والرضا ، والقصد في الفقر والغنى ، وخشية الله تعالى في السر والعلانية " ، وإن من علامة فقه الداعية ونضوجه ، وثقته بإخوانه الدعاة ، إيثاره لرأيهم على رأيه في القضايا التي يدور فيها الرأي بين الصواب والأصوب والفاضل والأفضل .
التناصر والتناصح والتعاون :
التناصر والتناصح والتعاون حقوق يراها الأخ عنقه لإخوانه لابد من أدائها بقدر استطاعته .
مستخضراً قول رسوله صلى الله عليه وسلم " المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يسلمه ، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة " .(174/10)
كما أنه يدرك أن المتخاذل عن نصرة إخوانه – وهو قادر عليها – سيجني جزاء تخاذله ، وسيترجع كأس تقصيره وتكاسله في الدنيا قبل الآخرة كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم حيث قال : ما من امرئ يخذل امرءاً مسلماً في موطن تنتهك فيه حرمته ، وينقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا خذله الله – عز وجل – في موطن يحب فيه نصرته ، وما من امرئ ينصر امرءاً مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه ، وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يجب فيه نصرته " . فكن نصراً لإخوانك عوناً لهم ، مسخراً كل مواهبك وملكاتك في خدمتهم ، فإنك إن فعلت إنما تخدم نفسك وتعين شخصك .
صور للتناصر والتناصح :
· بالمال : كما فعل عثمان رضى الله عنه حين جهز جيش العسرة ، وشراؤه للبئر التي يستسقي منها المسلمون ماءهم .
? بالرأي والمشورة : كما فعل الحباب بن المنذر في بدر ، وسلمان الفارسي يوم الخندق ، وأم سلمة يوم الحديبية .
? بالحنكة والخبرة والتخطيط : كما فعل خالد في جهاده وفتوحاته .
? بالدعوة ونشر العلم وتعليم الناس : كما فعل مصعب ومعاذ – رضي الله عنهما .
? فسر أخي الكريم على نهجهم ، وتشبه بهم : " إن الشبه بالكرام فلاح "
صبره على إخوانه :
ونعني بهذا صبره على ما يلقاه من بعض إخوانه من تقصير في حقه أو أذى لشخصه من جفاء لقاء ، أو سوء فهم ، أو عبارة نابية ، أو كلمة خشنة ، أو ما يراه من بعضهم من قصور في الدعوة أو تقصير في بعض أمور دينهم ، ويتذكر أنهم بشر يصيبون ويخطئون ، وليسوا ملائكة معصومين ، وأن المرء يوزن بحسناته وسيئاته . وقد قال الله لرسوله صلى الله عليه وسلم وهو أمر لجميع أتباعه : { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } .(174/11)
وعلى الداعية أن يعالج الخطأ يحلم وروية وحكمة ورفق مستهدياً بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في معالجة الأخطاء كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في معالجة الأخطاء ، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع حاطب رضي الله عنه حينما علم أنه أرسل إلى كفار قريش يخبرهم بنية المسلمين في التوجه إلى مكة لفتحها ، فإنه قال له : " ما حلمك يا حاطب على ما صنعت " . قال : ما بي إلا أن أكون مؤمناً بالله ورسوله ، وما غيرت لا بدلت .. أردت أن تكون لي عند القوم يد يدفع الله بها عن أهلي ومالي ، وليس من أصحابك هناك إلا وله ما يدفع الله به عن أهله وماله . قال : " صدق فلا تقولوا له إلا خيراً " ، قال : فقال عمر بن الخطاب : " إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين ، فدعني فاضرب عنقه " قال : فقال " يا عمر ، وما يدريك لعل الله أطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة " . قال : فدمعت عينا عمر وقال : الله ورسوله أعلم .
وفي هذه القصة عدد من الفوائد التربوية العظيمة :
1- معاتبة النبي - صلى الله عليه وسلم - للصحابي المخطئ خطأ بالغاً بقوله له : " ما حملك على ما صنعت " .
2- الاستعلام عن السبب الذي دفع بالمخطئ إلى الخطأ ، وهذا لا شك سيؤثر في الموقف الذي سيتخذ منه .
3- أصحاب الفضل والسابقة ليسوا معصومين من الذنب الكبير .
4- أن على المربي أن يكون واسع الصدر في تحلم أخطاء أصحابه ليدوموا معه على المنهج السوي ، فالغرض إصلاحهم لا إبعادهم .
5- أن على المربي أن يقدر لحظة الضعف البشري التي قد تمر ببعض من معه ، وألا يؤاخذ بسقطة قوية وخطأ فظيع قد يقع من بعض القدامى .
6- المدافعة عمن يستحق الدفاع عنه من المخطئين .
7- أن المخطئ إذا كانت له حسنات عظيمة سابقة فلابد أن تؤخذ بالاعتبار عند تقويم خطئه واتخاذ موقف منه .(174/12)
8- وليتذكر الداعية – عندما يؤدي في شخصه – مقالة نبينا صلى الله عليه وسلم : " رحم الله موسى فقد اوذي بأكثر من ذلك فصبر " ، فليصبر وليحتسب .
عوائق في طريق " الجماعية " :
اجتماع الشهوة وتضييع الأوقات :
مع أهمية اجتماع الداعية بإخوانه للتناصح معهم والتعاون وإياهم على البر والتقوى ، فإن بعضه هذه اللقاءات قد تتحول مع الأيام إلى مجالس لغوٍ ومؤانسة طبع تذهب بالأوقات وتشغل المرء عن الواجبات ، ويوضح الإمام ابن القيم هذا العائق بعابرة جزلة فيقول : " الاجتماع بالإخوان قسمان :
أحدهما : اجتماع على مؤنسة الطبع وشغل الوقت ، فهذا مضرته أرجح من منفعته ، وأققل ما فيه أنه يفسد القلب ويضيع الوقت .
الثاني : الاجتماع بهم على التعاون على أسباب النجاة والتواصي بالحق والصبر ، فهذا من أعظم الغنيمة وأنفعها ، ولكن فيه ثلاث آفات : إحداهما : تزيين بعضهم لبعض .
الثانية : الكلام والخطة أكثر من الحاجة . الثالثة : أن تصير ذلك شهوة وعادة ينقطع بها عن المقصود ، وبالجملة فالاجتماع والخطة لقاح إما للنفس الأمارة وإما للقلب والنفس المطمئنة ، والنتيجة مستفادة من اللقاح ؛ فمن طاب لقاحها طابت ثمرته ، وهكذا الأرواح الطيبة لقاحها من الملك والخبيثة لقالحا من الشيطان ، وقد جعل الله سبحانه بحكمته الطيبات للطيبين والطيبين للطيبات ، وعكس ذلك " .
الطاعة غير المبصرة غير المبصرة ( أو الاتباع الأعمى ) :(174/13)
طاعة الداعية لإخوانه أمر مهم في الدعوة والتربية ، ولكن مع أهميتها فإنها ليست مطلقة ، بل هي محدودة بضوابط الشرع وهدى الإسلام ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما الطاعة بالمعروف " ، كما أنها طاعة مبصرة : { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } .. فسير الداعية إخوانه الدعاة سير العميان ، واتباعهم ، واتباعهم الاتباع الأعمى مرفوض في الإسلام ؛ ولهذا عندما " "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سرية ، واستعمل عليهم رجلاً من الأنصار ، وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا ، فأغضبوه في شيء . فقال : اجمعوا لي خطباً . فجمعوا له . ثم قال : أوقدوا ناراً . فأوقدوا . ثم قال : ألم يأمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسمعوا لي وتطيعوا ؟ قالوا : بلى . قال : فادخلوها . قال فنظر بعضهم إلى بعض ، فقالوا : إنما فررنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من النار ؛ فكانوا كذلك ، وسكن غضبه ، وطفئت النار . فملا رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : لو دخلوها ما خرجوا منها . إنما الطاعة في المعروف " .
العصبية المذمومة :
وهذا مرض قد يسري في قلوب بعض الدعاة ، فيجعلون من انتمائهم لبلد أو قوم أو غيرها من الموازين الأرضية الترابية سبباً يمنعهم من التعاون مع إخوانهم الدعاة ممن ليسوا من ذلك البلد أو هذه القبيلة ، وقد يحملهم تعصبهم إلى احتقار من سواهم وسوء الظن بهم ، بل واتهامهم في عقائدهم ونياتهم .
الرياء :
وقد ذكر هذا العائق الإمام الغزالي في حديثه عن آفات الخلطة بالناس والاجتماع بهم ، وهو من الأدواء التي يصعب الاحتراز عنها أو السلامة منها ، لا سيما في أزماننا هذه ، والموفق من وفقه الله فهداه للإخلاص ، وطهر قلبه من مراءاة الناس .
التعليق العاطفي بالأشخاص :(174/14)
ونقصد به ارتباط الشخص بأحد إخوانه الدعاة ارتباطاً شخصياً ، وتعلقه به تعلقاً ذاتياً وليس نابعًا من إيمانه بفكره ، أو يقينه بدعوة ، وهو ناشئ من ضعف التربية الإيمانية ، وكثرة حديث المربي عن نفسه وقلة اهتمامه بربط تلامذته بالله – عز وجل - .
وقد أشار إلى هذه الآفة الحق – عز وجل – في كتابه فقال : (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً } . وقال أبو بكر رضي الله عنه : " من كان منكم يعبد محمداً فإن محمداً مات ، ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حي لا يموت " والعلاج لهذه الآفة التركيز على الأصول الإيمانية ومعاني الشرك ، وخاصة في المحبة مع الله ، والحث على التعلق بالله وحده .
الخلاف :
إن من شر ما يبتلى به الدعاة إلى الله الاختلاف المذموم ، الذي يضعف قوتهم ويفرق صفهم ، ويوهن أخوتهم ؛ فيجعلهم فرقاً شتى ، كل فرقة تضلل أختها وتتبع عوارها ح وهو ما يضعف عند الناس أُرهم ، ويقلل تأثيرهم ولقد قال عب الله بن مسعود رضي الله عنه " الخلاف شر " ، فاحذره – أخي الحبيب – وبادر إلى سد أبوابه والبعد عن أسبابه .
صور من الجماعية :
هذه طائفة من المواقف الفذة التي نرى فيها بوضوح استعانة الصالحين بإخوانهم في دعوتهم ، وتربيتهم لأنفسهم ، وحرصهم عل الجماعية في الكثير من شؤون حياتهم .
ذو القرنين وحاجته للجماعية :(174/15)
لقد مكن الله لذى القرنين في الأرض كما أخبر بذلك – عز وجل – فقال : (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً } . قال الإمام ابن كثير – رحمه الله - : " أي أعطيناه ملكاً عظيماً ، مُمُكناً فيه من جميع ما يؤتى الملوك من التمكين والجنود وآلات الحرب والحضارات ، ولهذا ملك المشارق والمغارب من الأرض ، ودانت له البلاد ن وخضعت له ملوك العباد ، وخدمته الامم من العرب والعجم " .
وعلى الرغم من هذا التمكين فإنه لم يستغن عن الجماعية عند عمل السد فقال: { فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً } إن المجتمع المتكامل الناجح ، هو الذي تجتمع كافة القوى والطاقات فيه ، لتحقيق الخير فيه . وإن القادة الناجحة الواعية هي التي تستقطب كافة الإمكانيات والقدرات لتحقيق الغايات المنشودة .
هناك فئات في المجتمع تملك القوة الفكرية ، فتستطيع أن تفكر ، وأن تبرمج ، وأن تنظر ولو تركت هذه الفئات وحدها ، فإنها قد لا تحقق ما خططته وفكرت فيه .. وهناك فئات في المجتمع تملك المال والاقتصاد الكافي للعمل ، لكنها قد لا تملك الفكر والتخطيط ، كما أنها قد لا تملك الجهد المناسب للعمل . وهناك فأت لا تملك مالاً ولا تقدر على تخطيط ، ولكنها تملك الوقت والجهد ، وتقدر على العمل بالسعي والكسب والبدن .
فلابد من التنسيق والتعاون بين هذه الفئات ، وجمع ما تملكه من قوى وطاقات وقدرات ، والتوجه به نحو خير الامة ورفعتها .
والقيادة الواعية في الأمة ، هي تلك التي تقدر على الربط بين كل الخيوط والخطوط والتنسيق بين المواهب والطاقات ؛ فهل أمتنا في واقعها المعاصر تجمع بين القوى والطاقات أم تفرق بينها ؟ وهل تلتقي كل المواهب والقدرات على خير الأمة ، أم هي ممزقة متفرقة ؟(174/16)
كم من مواهب ضائعة في الأمة ! وكم من طاقات معطلة ! وكم من أموال مهدورة ! وكم من أوقات مبددة ! وكم من شباب حيارى !.. لابد أن تأخذ الأمة قاعدة ذي القرنين في الجمع والتنسيق والتعاون ، ولابد أن يكون شعارها بكافة فئاتها وطاقاتها وقواها:
( فأعينوني بقوة )
الجماعية في التخطيط للهجرة :
لقد تضافرت الجهود الجماعية في تسهيل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم ، وزرعت المهام على الأشخاص كل حسب قدراته ومواهبه ومناسبته للعمل الذي يقوم به :
· علي - رضي الله عنه - ينام على فراش النبي صلى الله عليه وسلم للتمويه والتعمية على العدو.
? أبو بكر مُعيناً ومرافقاً للنبي صلى الله عليه وفي هجرته .
? عبد الله بن أبي بكر يتسمع ما يقول الناس في النبي صلى الله عليه وسلم في النهار ، ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون في ذلك اليوم من الخبر .
? وكانت أسماء بنت أبي بكر تأيتهما من الطعام إذا أمست بما يصلحهما .
? وأمر أبوبكر عامر بن فهيرة مولاه أن يرعى غنمه نهاره ثم يريها عليه .
الجماعية في غزوة الخندق :
· سلمان الفارسي رضي الله عنه يقترح حفر الخندق .
? الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه من المهاجرين والأنصار يحفرون الخندق في جو بارد خلال أربعة أيام بلياليها .
? جابر بن عبد الله يُعد طعاماً للنبي صلى الله عليه وسلم ولرجل أو رجلين معه ن فيدعو النبي - صلى الله عليه وسلم - المهاجرين والأنصار ، فيأكل ألف من المهاجرين في بيت جابر ، ويكفيهم طعام ثلاثة ! وهي معجزة من معجزات رسولنا - صلى الله عليه وسلم - .
? علي بن أبي طالب والزبير – رضي الله عنهما – يقاتلان بعض المشركين الذين حالوا اقتحام الخندق .
? زيد بن حارثة ، ومعه ثلاثمائة رجل ، يحرسون المدينة ، ويظهرون التكبير ليرهبوا بني قريطة ؛ لئلا يسول لهم الغدر نقص عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيهجموا على المدينة ، وفيها النساء والأطفال والعجزة .(174/17)
? سعد بن عبادة وسعد بن معاذ يذهبان ليتعرفا حال بني قريظة ، وهل نقضوا عهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أم لا .
? حذيفة بن اليمان يبعثه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الأحزاب ليأتي بأخبارهم .
الجماعية في المدارس والمذاكرة :
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر ، فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله – عز وجل – تنادوا : هلموا إلى حاجتكم ، فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا ، فيسألهم ربهم – وهو أعلم - : ما يقول عبادي ؟ قال : يقولون : يسبحونك ، ويكبرونك ، ويحمدونك ، ويمجدونك . فيقول : هل رأوني ؟ فيقولون لا والله ما رأوك فيقول : كيف لو رأوني ؟ قال : يقولون : لو رأوك كانوا اشد لك عبادة ، وأشد لك تمجيداً ، وأكثر لك تسبيحاً . فيقول : فماذا يسألون ؟ قال : يقلون : يسألونك الجنة . قال : يقول : وهل رأوها ؟ قال: يقلون : لا والله يا رب ، وما رأوها . قال يقول : فكيف لو رأوها ؟ قال : يقولون : لو أنهم رأوها كانوا اشد عليها حرصاً ، وأشد لها طلباً ، وأعظم فيها رغبة . قال : فمم يتعوذون ؟ قال : يقولون : يتعوذون من النار ز قال : فيقول : وهل رأوها ؟ قال : يقولون : لا والله ، وما رأوها . فيقول : فكيف لو رأوها ؟ قال : يقولون : لو رأوها كانوا أشد منها فراراً ، وأشد لها مخافة . قال : فيقول : فأشهدكم أني قد غفرت لهم . قال : يقول ملك من الملائكة : فيهم فلان ليس منهم ؛ إنما جاء لحاجة ، قال : هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم .
الجماعية في دعوة الناس إلى الخير :(174/18)
قال أنس - رضي الله عنه - : " جاء ناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : أن أبعث معنا رجالاً يُعلمونا القرآن والسنة ، فبعث إليهم سبعين رجلاً من الأنصار ، يُقال لهم القراء ، يقرؤون القرآن ، ويتدارسون بالليل يتعلمون ، وكانوا بالنهار يجيئون بالماء فيضعونه في المسجد ، ويحتطبون فيبيعونه ، ويشترون به الطعام لأهل الفصة وللفقراء ، فبعثهم النبي صلى الله عليه وسلم إليهم لدعوتهم ولتعليمهم القرآن والسنة ] ، فعرضوا لهم ، فقتلوهم قبل أن يبلغوا المكان [ أي عرض المشركون لهؤلاء الدعاة وهم في طريقهم لأولئك القوم من أجل دعوتهم وتعليمهم فقتلوهم قبل أن يصلوا إلى المكان الذي يردون الدعوة فيه ] ، فقالوا [ أي هؤلاء الدعاة ] : اللهم بلغ عنا نبينا أنا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا "
ومن فوائد الجماعية في الدعوة :
· التكامل في التخصص واستثمار المواهب والملكات :
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أرحم أمتي بأمتي أبو بكر ، وأشهدهم في أمر الله عمر ، وأصدقهم حياء عثمان ، وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب ، وأفرضهم زيد بن ثابت ، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل ، ألا وإن لكل أمةٍ أميناً وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح " ، فانظر كيف استثمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قدرات أصحابه ووظفها في خدمة الإسلام !.
الجماعية في الشورى :
لقد كان من الصفات البارزة عند السلف الإفادة من خبرات الأفراد وتجاربهم في الإقدام على عمل أو الإحجام عنه .
الموازنة بين الفردية والجماعية :
الجماعية لا تعني ذوبان الشخصية الفردية المميزة :(174/19)
إن الدعوة إلى الجماعية والاهتمام بها والحرص عليها لا يعني ذوبان شخصية المسلم في دائرتها وإلغاء فرديته في محيطها ، لأن ذلك ينشئ إنساناً خنوعاً أمعهً ، يعرف الحق بالرجال ، ولا يميز بالرجال ، ولا يميز الرجال بالحق ، يسير سير العميان أو سير الشاة في القطيع ، والإسلام يرفض هذه التبعية العمياء : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ } .
وهو منهج متميز يجعل من المسلم صاحب شخصية واعية مبصرة مميزة . قال عبد الله بن مسعود : " لا تكونوا إمعة ، تقولون إن أحسن الناس أحسناً ، وإن ظلموا ظلمنا ، ولكن وطنوا أنفسهم إن أحسن الناس أن تحسنوا ، وإن أساءوا فلا تظلموا "
الموازنة بين حق الذات وحق إخوانه :
في زحمة الأعمال والواجبات يكثر الشطط ، ويختل الميزان ، ويحصل التطفيف ، ويقع التقصير في الحقوق عند البعض .
والعدل في رعاية الحقوق وإيتاء كل ذي حق حقه ، وإنها لمهمة عسيرة إلا لمن وفقه الله لليسرى وبارك في أوقاته وجهوده .
وإليك بعض الإرشادات التي تقربك من الموازنة .
· " إن لربك عليكم حقاً ، وإن لنفسك عليك حقاً ، وإن لزوجك عليك حقاً وإن لضيفك عليك حقاً فأعط كل ذي حق حقه " .
? أعط كل واجب ما يستحقه من الوقت دون زيادة .
? لا تغرق في المباحات فتنشغل عن الواجبات .
? رتب واجباتك بحسب الأهمية ، وراع تقدم الواجب الموقوت ( المضيق ) على الواجب الموسع ، وما هو فرض على الكفائي ، وما تعلق بمصلحة جماعية كبرى على ما تعلق بمصلحة خاصة صغرى .
? الكثير من اللقاءات والمجالس يمكن اختصار وقتها مع تحقيق النتائج نفسها.
مسائل حول الجماعية :
أيهما أفضل : الاجتماع بالناس ، أم العزلة عنهم ؟(174/20)
" أما الاجتماع بالصالحين وعباد الله المتقين والدعاة العاملين والمخلصين فإن ذلك من أعظم الغنيمة ، أما الاختلاط بعامة الناس من أجل دعوتهم ، وأمرهم بالمعروف ، ونهيهم عن المنكر ، وتعليمهم الخير ، فهو أفضل من اعتزالهم بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن أحياناً تحدث أمور تكون العزلة فيها خيراً من الاختلاط بالناس ، من ذلك : إذا خاف الإنسان على نفسه فتنة ، مثل أن يكون في بلد يطالب فيه بأن ينحرف عن دينه ، أو يدعو إلى بدعة ، أو يرى الفسوق الكثير فيه ، أو يخشى على نفسه من الفواحش ، فهنا تكون العزلة خيراً له"
وقيل : التفرد مكروه إلا لثلاثة : سلطان لإنشاء تدبير المملكة ، وحكيم لاستنباط الحكمة ، ومتنسك لمناجاة رب العزة .
هل يجوز الهجر بين الدعاة إلى الله بسبب اختلافهم في أساليب الدعوة ؟
قال الشيخ ابن عثيمين : " أقول : لا يجوز الهجر بين المؤمنين ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ، كعب بن مالك وصاحبيه رضي الله عنه حين تخلفوا عن عزوة تبوك .
خامساً : التطبيقات العلمية المقترحة لتأكيد معاني الدرس :
1- الاجتماع بالدعاة الموثقين في الحي .
2- تكوين مجموعة من الدعاة لاستقطاب شباب الحي وتربيتهم على المبادئ الإسلامية والأخلاق الإيمانية .
3- تفعيل دور جماعة المسجد في نشر الخير بين الناس .
4- توثيق الصلة بأهل الخبرة من الدعاة واستشارتهم ، ومدارسة أحوال الدعوة والدعاة معهم.
5- الاهتمام برباط الأخوة ، ومحاولة توثيقه وتنميته ، وذلك عن طريق :
· تبادل الهدايا .
? الزيارات الموجهة والتناصح الأخوي .
? إلى آخره من وسائل زيادة المحبة .
? إقامة حلقات مدارسة للعلوم الشرعية عامة والأمور الدعوية خاصة بين الدعاة إلى الله .
? المشاركة في المؤسسات الخيرية ، ومساعدة القائمين عليها في أعمالهم ومسؤولياتهم .
المرجع : الرائد دروس في التربية والدعوة – مازن الفريح – دار المنطلق .(174/21)
#الجمال
لغة: هو "الحسن "، واسم "الجميل" فى أصل اللغة موضوع للصورة الحسية المدركة بالعين ، أيا كان موضوع هذه الصورة من إنسان أو حيوان أو نبات او جماد. ثم نقل اسم الجميل لتوصف به المعانى التى تدرك بالبصائر لا الأبصار، فيقال: سيرة حسنة جميلة، وخلق جميل. وقد وردت كلمة جمال وصفا للأنعام فى قوله تعالى: {ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون}النحل:6 ، كما وردت كلمة "الجميل" فى القرآن أيضا وصفا للصبر والصفح وتسريح الزوجة والبحر. كما وردت وصفا لله تعالى فى الحديث الشريف: (إن الله جميل يحب الجمال) (صحيح الإمام مسلم ، كتاب الإيمان ، باب تحريم الكبر وبيانه) ومعنى "جميل" فى الحديث: المنزه عن النقائص والموصوف بصفات الكمال ، أو: ذو النور والبهجة.. إلخ.. ويرجع المتكلمون صفات المعانى لله تعالى كالعلم والقدرة وما إليهما إلى صفة "الجمال".
واصطلاحا: الجمال الحقيقى -فى المفهوم الصوفى- هو: الجمال الإلهى، وهو من صفات الله الأزلية، شاهدها فى ذاته أزلا مشاهدة علمية، ثم أراد أن يشاهدها مشاهدة عينية في أفعاله ، فخلق العالم ،فكان كمرآة انعكس على صفحتها هذا الجمال الأزلى.
والجمال الإلهى -فيما يقول الصوفية- نوعان: جمال معنوى وجمال صورى. فالجمال المعنوى هو: معانى الصفات الإلهية والأسماء الحسنى. وهذا النوع لا يشهده إلا الله ، أما الجمال الصورى فهو هذا العالم الذى يترجم عن الجمال الإلهى. بقدر ما تستوعبه الطاقة البشرية. فالعالم ليس إلا مجلى من مجالى الجمال الإلهى. وهو بهذا الاعتبار حسن. وكل ما فيه جميل ، والقبح الذى يبدو فيه ليس قبحا حقيقيا، بل هو قبح بالإضافة والاعتبار لا بالأصالة. ويضربون مثلا لذلك: قبح الرائحة المنتنة التى ينفر منها الإنسان ، ويتلذذ بها الحيوان ، والنار التى تكون قبيحة لمن يحترق فيها، لكنها فى غاية الحسن لمن لا يحترق بها مثل طائر "السمندل" الذى يتلذذ بالمكث فى النار. فيما يقولون.(175/1)
وإذا كان المعتزلة يرون أن الحسن والقبح وصفان ذاتيان فى الأشياء، ويرى الأشاعرة أن الأشياء فى أنفسها قبل ورود الشرع لا توصف بحسن ولا قبح فإن الصوفية يؤكدون على أن "الحسن" وصف أصيل فى كل ما خلق الله تعالى. ولتجلى الجمال "انبهار" يقهر عقل السالك إلى درجة "الهيمان "، فإن بقى فى هيمانه سمى "مولها "، والمؤيدون من السالكين معصومون فى تجلى الجمال من الهيمان ،قإذا سكروا صحوا عن قريب ، وهؤلاء يسمون "بالممكنين" ، وأهل "التأييد"، وأهل "التمكين" أرفع درجات من المهيمين. ويستدل الصوفية على أحوالهم فى تجلى الجمال بدعاء النبى صلى الله عليه وسلم فى الحديث الشريف: (وشوقا إلى لقائك من نكير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة) (مسند الإمام أحمد، 5/ 191)، ويفسرون "الضراء المضرة" فى الحديث بذهاب العقل ، و"الفتنة المضلة" بانحلال قيود العلم المؤدية إلى الزندقة.
وتجلى الجمال من منازل القلب ، وليس من أخلاق النفس ، وهو -بهذا الاعتبار- من "الأصول" ، التى يتبنى عليها السلوك.
أ.د/أحمد الطيب(175/2)
#الجنازة
لغة: الميت ، وقيل: الميت مع نعشه ، كما فى اللسان(1).
واصطلاحا: تطلق فى كتب الفقه على الميت ، وعلى صلاة الجنازة.
فإذا قضى الإنسان نحبه وجبته له حقوق، أهمها خمسة: الغسل ، والتكفين ، والصلاة عليه ،ودفنه ، وقضاء ما عليه من ديون (2).
وتكون صلاة الجنازة بأن ينوى الصلاة على الجنازة الحاضرة (من ذكر أو أنثى) ثم يكبر أربعا: يقرأ بعد التكبيرة الأولى الفاتحة، ويصلى على النبى صلى الله عليه وسلم بعد الثانية، ويدعو للميت بما يتيسرله بعد الثالثة، ويدعو لعامة المسلمين بعد الأخيرة، ثم يسلم (3).
ولا يشرط لصلاة الجنازة جماعة محدودة بعدد، ويشترط لها من الطهارة ما يشترط لبقية الصلوات ، وشرط صحتها الإمامة، فإن فعلت بغير إمام أعيدت.
والأولى فيمن يصلى على الجنازة من أوصى الميت بأن يصلى عليه ، ثم الأولياء العصبة على مراتبهم فى ولاية النكاح ، وينبغى لأهل الفضل أن يجتنبوا الصلاة على مظهرى الكبائر والبدع ردعا لأمثالهم ، وصلاة الجنازة فرض كفاية، إذا قام بها البعض سقطت عن الباقى(4).
بعد ذلك لا بأس أن يدخل الميت فى قبره من أى ناحية، والقبلة أولى لأنها أفضل الجهات ، ويضجع الميت على جنبه الأيمن ،يستقبل القبلة، وتمد يده اليمنى مع جسده ،وتحل عقد الأكفان من عند رأسه ورجليه ،ويسوى من تحت رأسه ورجليه بالتراب حتى يستوى،ويستحب الدعاء له حينئذ(5).
أ.د/على مرعى(176/1)
الجهاد في سبيل الله
الجهاد في سبيل الله
مقدمة:
- قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } [الصف:10-11].
- قال صلى الله عليه وسلم: { جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم } [رواه أحمد والنسائي وصححه الحاكم].
- من الخصائص العظيمة التي امتن بها الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة وميزها عن بقية الأمم أن شرع لها الجهاد.
- وجعل ما يحصل بسببه من الأجر والمثوبة الشيء العظيم.
- تلك هي الفريضة التي جعلت للمسلمين الأوائل العزة والتمكين في الأرض، ومن ثم السيادة على باقي الأمم.
- لم يكن جهادهم وكفاحهم لتحقيق أهداف شخصية، أو أطماع دنيوية زائلة، أو حباً للتملك والرياسة، وإنما كان الغرض من هذا كله إعلاء الحق وجعل كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى.
- من إعلاء كلمة الله تطبيق شرعه الذي أمر به، وتعبيد الناس لله، وإعمار الأرض بما يرضيه سبحانه، وإرهاب أعداء الله، وزرع المهابة في قلوبهم كما قال تعالى: { وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ } [الأنفال:60].
- ( كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذروة العليا من الجهاد، فاستولى على أنواعه كلها، فجاهد في الله حق جهاده بالقلب والجنان والدعوة والبيان، والسيف والسنان ) [مختصر زاد المعاد].
- كذلك كان جيل الصحابة رضوان الله عليهم أفضل الأجيال، وقد قال أبو بكر الصديق في أول خطبة له بعد توليه الخلافة: (لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل).
فضل المرابطة في سبيل الله(177/1)
- قال شيخ اللإسلام ابن تيمية : المرابطة في سبيل الله أفضل من المجاورة بمكة والمدينة وبيت المقدس، حتى قال أبو هريرة رضي الله عنه: لأن أرابط في سبيل الله أحب إلي من أن أوافق ليلة القدر عند الحجر الأسود.
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل } [رواه أهل السنن وصححوه].
- عن سلمان، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { رباط يوم وليلة في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه، ومن مات مرابطاً أجري عليه عمله، وأجري عليه رزقه في الجنة، وأمن الفتان } يعني منكراً ونكيراً. صحيح مسلم.
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في وجه عبداً أبداً }.
- وقال صلى الله عليه وسلم: { من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمها الله على النار }.
فضل الجهاد في سبيل الله
- قال صلى الله عليه وسلم : { يعطى الشهيد ست خصال: يغفر له بأول قطرة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويكسى حلة من الإيمان، ويزوج اثنتين وسبعين من الحور العين، ويوقى فتنة القبر، ويؤمن من الفزع الأكبر } [رواه أهل السنن].
- وقال صلى الله عليه وسلم : { إن في الجنة لمائة درجة، ما بين الدرجة والدرجة ما بين السماء والأرض، أعدها الله سبحانه وتعالى للمجاهدين في سبيله }.
- وقال : { مثل المجاهد في سبيل الله مثل الصائم القائم القانت، الذي لا يفتر من صلاة ولا صيام قال رجل: { أخبرني بعمل يعدل الجهاد في سبيل الله؟ قال: "لا تستطيعه". قال: أخبرني؟ قال: "هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تصوم ولا تفطر وتقوم ولا تفتر؟". قال: لا. قال: "فذلك الذي يعدل الجهاد في سبيل الله" }.
- كذلك اتفق العلماء - فيما أعلم - على أنه ليس في التطوعات أفضل من الجهاد. فهو أفضل من صوم التطوع، وأفضل من صلاة التطوع.
أنوع الجهاد
قال ابن القيم رحمة الله في مختصر زاد المعاد:
الجهاد على أربع مراتب:(177/2)
- الأولى: جهاد النفس. وهو أيضاً أربع مراتب:
· أحدهما: أن يجاهدها على تعلم الهدى.
· الثانية: على العمل به بعد علمه.
· الثالثة: على الدعوة إليه، وإلا كان ممن يكتمون ما أنزل الله.
· الرابعة: على الصبر على مشاق الدعوة، ويتحمل ذلك كله لله.
- المرتبة الثانية: جهاد الشيطان. وهو مرتبتان:
· أحدهما: جهاده على ما يلقي من الشبهات.
· الثانية: على دفع ما يلقي من الشهوات
· فالأولى بعدة اليقين، والثانية بعدة الصبر، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } [السجدة:24].
- المرتبة الثالثة: جهاد الكفار والمنافقين. وهو أربع مراتب:
· أحدهما: القلب.
· الثانية: اللسان.
· الثالثة: المال.
· الرابعة: النفس.
- وجهاد الكفار أخص باليد، وجهاد المنافقين أخص باللسان.
- المرتبة الرابعة: جهاد أرباب الظلم والمنكرات والبدع. وهو ثلاث مراتب:
· أحدهما: باليد إذا قدر.
· الثانية: باللسان إذا عجز عن اليد.
· الثالثة: بالقلب إذا عجز عن اللسان.
- هذه ثلاث عشر مرتبة من الجهاد وقال صلى الله عليه وسلم { من مات ولم يغز، ولم يحدث نفسه به مات على شعبة من نفاق } [رواه مسلم].
هديه صلى الله عليه وسلم في الجهاد
- كان النبي صلى الله عليه وسلم يستحب القتال أول النهار، فإذا لم يقاتل أول النهار، أخر القتال حتى تزول الشمس، وتهب الريح وينزل النصر.
- كان يبايع أصحابه في الحرب.
- كان يشاور أصحابه في الجهاد، ولقاء العدو، وتخير المنازل.
- كان يتخلف في ساقتهم في المسير، فيجزي الضعيف، ويروف المنقطع، وكان أرفق الناس بهم في المسير.
- إذا أراد غزوة ورى بغيرها، ويقول صلى الله عليه وسلم : { الحرب خدعة }.
- وكان يبعث العيون يأتونه بخبر عدوه، ويطلع الطلائع ويبث الحرس.
- كان إذا لقي عدوه، وقف ودعا واستنصر الله، وأكثر هو وأصحابه من ذكر الله، وخفضوا أصواتهم.(177/3)
- كان يرتب الجيش والمقاتلة. ويجعل في كل كنبة كفئاً لها، وكان يبارز بين يديه بأمره.
- كان يلبس للحرب عدته، وربما ظاهر بين درعين.
- كان له ألوية.
- كان إذا ظهر على قوم نزل بعرصتهم ثلاثاً، ثم قفل.
- كان يرتب الصفوف. ويبعث للقتال بيده ويقول صلى الله عليه وسلم: { تقدم يا فلان، تأخر يا فلان }.
- وكان يستحب للرجل أن يقاتل تحت راية قومه.
- كان إذا لقي العدو يقول صلى الله عليه وسلم: { اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم، وانصرنا عليهم } وربما قال: { سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ، بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ } [القمر:45-46].
- كان أقرب الصحابة إلى العدو.
- كان يجعل لأصحابه شعاراً في الحرب يعرفون به، وكان شعارهم مرة: أمت أمت، ومرة: يا منصور.
- وكان يلبس الدرع والخوذة. ويتقلد السيف، ويحمل الرمح والقوس ويتترس بالترس.
- كان يحب الخيلاء في الحرب، وقال صلى الله عليه وسلم: { إن منها ما يحب الله، ومنها ما يبغض الله، فأما التي يحب الله، فاختيال الرجل بنفسه عند اللقاء، واختياله عند الصدقة، وأما التي يبغض الله عز وجل، فاختياله في البغي والفجور } وقاتل مرة بالمنجنيق، نصبه على أهل الطائف.
- كان ينهى عن قتل النساء والولدان، وينظر في المقاتلة، فمن رآه أنبت قتله، وإلا أستحياه.
- كان إذا بعث سرية يوصيهم بتقوى الله. ويقول صلى الله عليه وسلم: { سيروا بسم الله وفي سبيل الله، ولا تمثلوا، ولا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تقتلوا وليداً }.
- كان ينهى عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو، ويأمر أمير سريته أن يدعو عدوه قبل القتال إلى الإسلام والهجرة، أو الإسلام دون الهجرة، ويكونون كأعراب المسلمين ليس لهم نصيب في الفيء، أو بذل الجزية، فإن هم أجابوا إليه قبل منهم، وإلا استعان بالله وقاتلهم.(177/4)
- كان يشدد في الغلول جداً ويقول صلى الله عليه وسلم: { عار ونار وشنار على أهله يوم القيامة }، ولما أصيب غلامه مدعم، قال بعض الصحابة: هنيئاً له الجنة. فقال: { كلا والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من الغنائم لم تصبها المقاسم، لتشتعل عليه ناراً } فجاء رجل بشراك أو شراكين لما سمع ذلك فقال: "شراك أو شراكان من نار") [مختصر زاد المعاد].
دور المرأة في الجهاد
- كان للمرأة في عهد النبي وعهد الخلفاء الراشدين مواقف بطولية توحي إلى قوة إيمان أولئك النسوة وحرصهن - رضوان الله عليهم - على نصرة هذا الدين والذب عنه بكل ما يستطعن من قوة.
- أم سليم يوم حنين حيث اتخذت خنجراً، وعندما سألها رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ما هذا الخنجر؟ } فقالت: اتخذته إن دنا مني أحد المشركين بقرت به بطنه، فجعل رسول الله يضحك}. [صحيح السيرة النبوية ].
- أم عمارة قاتلت يوم أحد فاعترضت لابن قمئة في أناس من المسلمين، فضرب ابن قمئة عاتقها ضربة تركت جرحاً أجوف، وضربت هي ابن قمئة عدة ضربات بسيفها، ولكن كان عليه درعان فنجا، وبقيت أم عمارة حتى أصابها اثنا عشر جرحاً. [الرحيق المختوم].
- كذلك تقوم المرأة بتطبيب الجرحى المشاركين في القتال، كما فعلت أم سليط، فقد قال عنها عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كانت تزفر لنا القرب يوم أحد. [صحيح السيرة النبوية]. وغيرهن كثير.
- ومنهن من تشارك بطريق غير مباشر بتحريض ودفع فلذة كبدها للجهاد، كما فعلت الخنساء عندما دفعت بأبنائها الأربعة للجهاد، وقد قتلوا جميعاً.(177/5)
- المرأة في زماننا هذا عليها مسئولية جسيمة وأمانة عظيمة يجب أن تتحملها، فهي مطالبة بأنواع من الجهاد كتربية أبنائها التربية المستقيمة المتمثلة في حب الشهادة في سبيل الله، فابنها أمل المستقبل، وعندما يكبر سيكون - بإذن الله - حجر عثرة في طريق أعداء الأمة الذين يتربصون بها الدوائر. وتربية بناتها على حب الفضيلة والعفة والحياء.
من جهاد المرأة:
· طاعتها لزوجها والقيام بما يصلح له أمر دينه ودنياه.
· الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حدود ما تستطيع.
· بذل النصح والتوجيه لأخواتها المسلمات واللاتي هن في أمس الحاجة لمن يفقههن ويعلمهن ما ينفعهن.
· جهادها بالقلم والرد على أصحاب الدعوات المضللة الذين يطالبون بخروج المرأة وتحررها من جميع القيم الدينية والأخلاقية الإسلامية الفاضلة.
المرجع: ذروة السنام يا أمة الإسلام-عبدالحكيم بن علي السويد-دار الوطن.(177/6)
الجهاد
أولاً : دلالة المصطلح :
أ لغة : بذل أقصى الوسع والطاقة لنيل محبوب أو لدفع مكروه .
ب اصطلاحاً ينقسم إلى قسمين :
1. المعنى العام للجهاد .
2. المعنى الخاص للجهاد .
ت الألفاظ المقاربة : التضحية ، الدعوة .
ثانياً : الأهداف :
1. التأكيد على عظم شعيرة الجهاد في الإسلام .
2. الحث على استصحاب نية الغزو للشهادة .
3. تعويد المسلم على إعداد نفسه للجهاد .
4. تكوين الوعي بمخططات الأعداء في طمس معالم هذه الفريضة .
5. الترهيب من ترك الجهاد .
6. بيان معاني الجهاد وصوره في الشرع .
ثالثاً : عناصر الموضوعات :
1. دلالة المصطلح .
2. أهمية الموضوع .
3. لماذا نجاهد .
4. مراتب الجهاد ( أنواعه ، أقسامه ) .
5. هل الجهاد فرض عيني أم كفائي ؟
6. مراحل الجهاد .
7. فضل الجهاد وما وعد الله به المجاهدين في سبيله .
8. الترهيب من ترك الجهاد والتقاعس عنه .
9. الاستعداد للجهاد .
10. من أخلاق المجاهدين وآدابهم .
11. نماذج مجاهدة .
12. مسائل في الجهاد .
رابعاً :
1. مفهوم الجهاد .
2. أهمية الموضوع :
2-1 أهميته في الإسلام ومكانته فيه .
2-2 يكتسب الحديث عن الجهاد أهمية بالغة .
2-3 الغفلة عن استصحاب نية الجهاد عند فئات كثيرة من الدعاة .
2-4 غياب معنى الجهاد بمفهومه الشامل .
2-5 وضع الأمة المتردي وحالها المبكي .
2-6 ذكر فضائل الجهاد .
3. لماذا نجاهد ؟
3-1 إزالة العوائق .
3-2 دفع الظلم ، وإحقاق الحق .
3-3 الحفاظ على كيان وعز المسلمين .
3-4 إذلال أعداء الله وإرهابهم .
3-5 تمحيص المؤمنين ، ومحق الكافرين .
3-6 التمكين في الأرض .
4. مراتب الجهاد ( أنواعه / أقسامه ) :
4-1 جهاد النفس :
4-1-1 أن يجاهدها على تعلم الهدى ودين الحق .
4-1-2 أن يجاهدها على العمل به بعد علمه .
4-1-3 أن يجاهدها على الدعوة إليه .
4-1-4 أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله .
4-2 جهاد الشيطان ، وهو مرتبتان :(178/1)
4-2-1 جهاده على دفع ما يلقي إلى العبد من الشبهات والشكوك القادحة في الإيمان
4-2-2 جهاده على دفع ما يلقي إليه من الإرادات الفاسدة والشهوات .
4-3 جهاد الكفار .
4-4 جهاد المنافقين .
4-5 جهاد أرباب الظلم والبدع والمنكرات .
4-6 جهاد المسلمين لإصلاحهم في عقائدهم وعباداتهم وجميع شؤون دينهم .
5. هل الجهاد فرض عيني أفرض كفائي ؟
5-1 جهاد النفس والشيطان .
5-2 جهاد الكفار والمنافقين ومن في حكمهم .
6. مراحل الجهاد :
6-1 مرحلة الدعوة والإنذار .
6-2 مرحلة الإذن بالقتال .
6-3 مرحلة فرض قتال الدفع .
6-4 مرحلة قتال الطلب والابتداء .
7. فضل الجهاد وما وعد الله به المجاهدين في سبيله :
7-1 لا يستوون عند الله .
7-2 تجارة رابحة .
7-3 الجهاد في سبيل الله أمنيته - صلى الله عليه وسلم - .
7-4 رافع الدرجات ومكفر السيئات .
7-5 فضل الجهاد المالي .
7-6 في فضل الشهيد .
7-7 فضل السعي والحركة في سبيل الله والرباط في الثغور .
8. الترهيب من ترك الجهاد والتقاعس عنه .
8-1 فتربصوا حتى يأتي الله بأمره .
8-2 ويستبدل قوماً غيركم .
8-3 أصابه الله بقارعه .
8-4 شعبة من النفاق .
8-5 يورث الذل والهوان .
8-6 ومن مضار التخلف عن الجهاد :
1. أن السعي في إبطال الجهاد والتخلف عنه سبب لشمول اللعنة من الله .
2. القعود عن الجهاد يسبب كثير من المفاسد .
9. الاستعداد للجهاد :
9-1 الإعداد الإيماني .
9-2 الإعداد القتالي .
9-3 جمع الكلمة والتآلف والتعاون .
9-4 الإعداد المالي .
9-5 التبصر بمخططات الأعداء .
9-6 الإعداد النفسي .
10. من أخلاق المجاهد وآدابه .
11. نماذج مجاهدة .
11-1 ما على هذا اتبعتك .
11-2 رجال صدقوا ما عاهدوا الله .
11-3 على ودعوة وجهاد .
11-4 لا يتأخرون .
11-5 يأخذون أنفسهم بالعزائم ولا يغرقون في الرخص .
12. مسائل في الجهاد :(178/2)
12-1 هل اشتغال الداعية بالرد على العلمانيين والحداثيين وسائر أرباب التيارات الفاسدة يعد جهاداً ؟
12-2 هل الاشتغال بدعوة الشباب المسلم واحتضانهم وتربيتهم وتحصينهم من عوامل الفساد يعد جهاداً ؟
12-3 هل على المرأة المسلمة جهاد ؟ وما نوعه ؟ وما هي مجالات خدمة المرأة المسلمة لمجتمعها ؟
12-4 أيهما أفضل : الحج والاعتمار النافلة ، أم بذل ما ينفق فيهما إلى المجاهدين في سبيل الله ؟
12- 5 في الوقت الحاضر قد يعجر بعض الناس عن الجهاد بنفسه ، نظراً للظروف والعوائق التي تمر بها الأمة ، فبماذا تنصح الشباب المسلم ؟
خامساً : بعض التطبيقات العملية المقترحة لتأكيد معاني الدرس :
1. المساهمة في جزء من مالك لمناصرة إخواننا المجاهدين .
2. المساهمة في دعم نشاطات الدعوة مالياً .
3. التعلم باللياقة البدنية وتعلم فنون الفروسية (( كالرمي ونحوه )) .
4. زيارة المناطق التي يكثر في البدع والشركيات .
5. التصدي لحركات التغريب والعلمنة والحداثة وكشف عوارها .
6. استحضار نية الجهاد في الدعوة والإنفاق .
7. القراءة في سير المجاهدين .
المرجع : الرائد دروس في التربية والدعوة / الجزء الثاني – مازن الفريح – دار الأندلس الخضراء .(178/3)
#الجيش
جيش وجند وعسكر: كلمات مترادفة، ولم تكن الجزيرة العربية تعرف الجيوش قديما بمعناها المعروف ، اللهم إلا فى اليمن غالبا، وقد ظهرت نواة الجيش زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومر الجيش الإسلامى آنئذ بأربعة أدوار مختلفة تدرجت من الضعف إلى القوة ومن الدفاع إلى الهجوم وهى:
1- دور الحشد: ويبدأ من البعثة النبوية حتى الهجرة إلى المدينة المنورة.
2- دور الدفاع عن العقيدة وتنظيم الجيش: ويبدأ من الإذن بالقتال إلى غزوة الخندق.
3- دور التعرض: ويبدأ من غزة الخندق إلى حنين ، وفى هذا الدور انتشر الإسلام فى شبه الجزيرة العربية كلها.
4- دور التكامل: ويبدأ من حنين إلى وفاة النبى صلى الله عليه وسلم وفيه تكاملت قوة المسلمين فى الجزيرة العربية ومدوا أبصارهم خارجها فى غزوة تبوك سنة 9هـ /630م.وكان يعتمد على أصحاء الأبدان الذين يستجيبون لنداء الجهاد إذا ما دعوا إليه ، سلاحهم السيف والرمح والقوس ، وإذا ما انتهى القتال رجعوا لممارسة حياتهم العادية.
وبمرور الزمن أصبح الجنود يرابطون فى معسكرات خاصة بهم فى الأمصار وكانوا قبائل مختلفة توفرت لها الرواتب المنتظمة،ويعتبر الخليفة عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- أول من أنشأ ديوان الجند، وقيد فيه الأسماء والأوصاف والعطايا، وهو أول من أقام الحصون وبنى الحاميات وشيد الأمصار والمعسكرات الدائمة لراحة الجند.
ثم عدل النظام العسكرى منذ زمن الأموبين ، وتعرض لتغييرات جذرية من حيث التكوين والتكتيك الحربى والتسليح والمرتبات ،وتلك كانت ضرورة فرضها اتساع الدولة الإسلامية وتغير أوضاعها.
أ.د/عبد الله جمال الدين(179/1)
#الحاجب
لغة:اسم فاعل من حجب أى ستر.
واصطلاحا:اسم يقال للذى يحفظ باب الملك أو نحوه ، لكى يمنع الدخول عليه إلا بإذن ، وعرف العرب الحجابة بصفتها خطة منذ الجاهلية، فقد كان لبنى قصى حجابة الكعبة وهى سدانتها وملك مفاتيحها.
ولم تعرف هذه الخطة أيام الخلفاء الراشدين لأنهم كانوا لا يحجبون أحدا عن أبوابهم ، فلما انقلبت الخلافة إلى ملك فى ظل بنى أمية اتخذ خلفاؤهم من يقوم بحفظ أبوابهم وسمو القاتم بذلك "الحاجب "، وكان أول من اتخذ حاجبا عبد الملك بن مروان (65هـ-86هـ).
واستمرت هذه الخطة فى خلافة العباسيين بالدلالة نفسها ، وكانت دون مرتبة الوزير.
أما دولة بنى أمية فى الأندلس فقد قسموا الوزارة أصنافا، فتعدد الوزراء لديهم ،وأفرد للتردد بينهم وبين السلطان واحد خصوه بلقب الحاجب ، فكان بمثابة رئيس الوزراء وظل الأمر كذلك حتى نهاية الخلافة الأموية، ثم طوال عصر الطوائفه إذ حمل معظم أمرائهم لقب "الحاجب " ثم انقطعت بعد ذلك خطة الحجابة فى المغرب والأندلس منذ بداية دولة المرابطين فى القرن السادس الهجرى. غير أن اللقب عاد للظهور فى دولة الحفصيين بإفريقية (تونس) ولكن باختصاص آخر؟ إذ كان يحمله كبير موظفى قصر الخلافة الناظر فى ترتيب أحواله ونفقات المطابخ والاصطبلات وما إلى ذلك ، ثم مازالت الخطة ترتفع حتى أصبح الحاجب مستبدا بأمور الدولة، ولكن أبا العباس أحمد بن أبى بكر ألغى خطة الحجابة وباشر الأمور بنفسه (750هـ /1349م).
وفى مصر المملوكية أصبحت الحجابة إحدى الخطط التابعة لنائب السلطان وكانت النيابة نظير الوزارة فى الخلافة العباسية، وكان يعهد بالحجابة لحاكم ينفذ الأحكام فى طبقات العامة والجند تحت نظر النائب.
أ.د/محمود على مكى(180/1)
#الحب الإلهى
نشأ مصطلح "الحب الالهى" بمعناه القريب فى الحياة الروحية فى الاسلام فى القرن الثانى الهجرى.
وكانت الحياة قبل ذلك يحركها عامل "الخوف" من الله ومن عقابه ، وكان "الحسن البصرى" (21-110هـ) أبرز ممثلى هذا الطور فى حياة الزهاد والعباد الأوائل ، فقد عرف عنه أنه كان يبكى من خوف الله حتى قيل "كأن النار لم تخلق إلا له".
ويميل مؤرخو التصوف الإسلامى إلى القول بأن رابعة العدوية(ت 185هـ) هى أول من أخرجت التصوف من الخضوع لعامل "الخوف" إلى الخضوع لعامل "الحب "، وأنها أول من استخدم لفظ "الحب " استخداما صريحا فى مناجاتها وأقوالها المنثورة والمنظومة، وعلى يديها ظهرت نظرية "العبادة" من أجل محبة الله ، لامن أجل الخوف من النار أو الطمع فى الجنة.
وكان الصوفية -قبل رابعة- يترددون فى قبول كلمة "الحب" فمالك بن دينار الصوفى (ت 131هـ) كان يتحاشى لفظ "الحب" ويستخدم بدله كلمة "الشوق"، وعبدالواحد بن زيد (ت 77هـ) كان يفضل لفظ "العشق" فى أقواله. ومع رابعة بدأت كلمة أو مصطلح "الحب الإلهى" تأخذ مكانها فى أقوال الزهاد ممن جاؤوا بعدها ، مثل: معروف الكرخى (ت 201هـ)، والمحاسبى (ت 243هـ) الذى خصص لموضوع "المحبة" فصلا كاملا فى كتابه: "الرعاية"، وذى النون المصرى (ت 245هـ) الذى فاضت مأثوراته بهذه الكلمة.
ثم استكملت نظرية "الحب الالهى" ملامحها وقسماتها بعد ذلك فى مؤلفات كبار شيوخ التصوف ، مثل: التعرف للكلاباذى (ت 380هـ)، وقوت القلوب لأبى طالب المكى (386هـ)، وكشف المحجوب للهجويرى (حوالى465هـ)، والرسالة للقشيرى (465هـ)، وإحياء علوم الدين للغزالى (450-505هـ). لكنها أخدت أبعادا عرفانية وفلسفية بالغة التعقيد ظهرت أولا فى تصوف الحلاج (ت 309هـ) ثم اكتملت بعد ذلك فى أشعار ابن الفارض (ت 632هـ)، ومؤلفات الشيخ الأكبر ابن عربى (ت 638هـ).(181/1)
وقد جمع القشيرى فى رسالته تعريفات عديدة لمعنى "المحبة الإلهية"، كما أحصى ابن القيم فى مدارج السالكين (ج 3) ثلاثين تعريفا للمحبة بالمعنى الصوفى.
ومن الشيوخ من يرى أن تعريفها يستعصى على العبارة للطافتها ، وصاحب عوارف المعارف (السهروردى) يعرف الحب بتقسيمه إلى سببين: عام وخاص ، والأول ثمرة امتثال الأوامر واجتناب النواهى ، وهو من "المقامات "، لأن للسالك مدخلا فى اكتسابه ،والحب الثانى (الخاص) هو ماينشأ عن انكشافات الروح ، وهذا النوع من "الأحوال" وليس للعبد كسب فيه. أما الهروى (ت 481هـ) فيعرف المحبة بأنها "تعلق القلب بين الهمة والأنس " بما يعنى تعلق القلب بالمحبوب تعلقا حائرا بين طلب المحب لمحبوبه طلبا لاينقطع ، وبين أنسه بمحبوبه.
وللمحبة درجات:
الأولى محبة تقطع وساوس القلب ، وتلذ الخدمة وتسلى عن المصائب ، وتنشأ من ملاحظة العبد لنعم المولى الظاهرة والباطنة، وثبات هذه المحبة يكون بمتابعة النبى صلى الله عليه وسلم والتأسى به.
والثانية محبة تبعث على إيثار الحق على كل ما سواه ، وتنشأ بسبب من مطالعة العبد للصفات الإلهية، والارتياض بالمقامات الروحية.
والثالثة محبة تنشأ من مشاهدة جمال المحبوب ، وفى هذه الدرجة يختطف قلب المحب وتنقطع عبارته وإشارته ، وحقيقة هذه الدرجة: الفناء فى المحبة وفى الشهود.
والمحب إذا كان واعيا بحبه ومكتسبا له سمى "محبا" وإذا كان مختطفا بالحب سمى "عاشقا" والفرق بينهما -فيما يقول شيوخ التصوف- أن المحب مريد والعاشق مراد.
ونظرية "الحب الإلهى" مستقاة فى أصولها من معانى أسماء الله الحسنى وصفاته كالودود واللطيف والرحيم ، ومن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التى تحدثت عن الحب الإلهى، ومنها على سبيل المثال -لا الحصر- قوله تعالى: {يحبهم ويحبونه}المائدة:54 ، وقوله (اللهم اجعل حبك أحب إلى من نفسى وأهلى ومن الماء البارد)(سنن الترمذى، كتاب الدعوات ، باب:73، حديث 3490).(181/2)
أ.د/أحمد الطيب(181/3)
#الحجر الأسود
هو حجر بيضى الشكل ، لونه أسود ضارب للحمرة، وبه نقط حمراء وتعاريج صفرأء، وقطره حوالى ثلاثين سنتيمترا، ويحيط به إطار من الفضة، عرضه عشرة سنتيمترات ،يقع فى حائط الكعبة فى الركن الجنوبى الشرقى من بناء الكعبة على ارتفاع متر ونصف متر من سطح الأرض ، وعنده يبدأ الطواف.
وللحجر الأسود كساء وأحزمة من فضة تحيط به حماية له من التشقق وهناك روايات غير مؤكدة تقول: إن جبريل -عليه السلام- نزل به من السماء، أو إن هذا الحجر مما كشف عنه طوفان نوح ، والمؤكد أن إبراهيم -عليه السلام- وضعه فى هذا المكان علامة لبدء الطواف.
ويسن تقبيله عند الطواف إذا تيسر ذلك ، فإذا لم يتيسر اكتفى بالإشارة إليه ، أما عن تقبيله فقد وضح لنا عمربن الخطابه رضى الله عنه ذلك بقوله: (والله إنى أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولولا أنى رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك) .
وعلى ذلك فإذا استطاع من يطوف بالكعبة أن يقبله فلا بأس فى ذلك اقتداء برسول الله صلوات الله وسلامه عليه.
وقد اعيد وضح الحجرفى مكانه عندما هدمت قريش الكعبة لاعادة بنائها ، وعندما وصل البناء إلى الموضع الذى يوضع فيه الحجر اختلفت القبائل من قريش ، فكل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه دون غيرها ووصل الأمر إلى أن تحالفوا وأعدوا أنفسهم للقتال.
ومكثت قريش على ذلك أربع ليال أو خمسة، ثم إنهم اجتمعوا فى المسجد وتشاوروا وتناصفوا ، فقال أبو أمية بن المغيرة المخرومى وكان أسن قريش: يا معشرقريش ، اجعلوا فيما اختلفتم فيه الحكم لأول من يدخل من باب هذا المسجد، فارتضوا ذلك ، وكان أول داخل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان آنذاك فى الخامسة والثلاثين من عمره ، فقالوا: هذا الأمين ، رضينا بحكمه ، فلما أخبروه الخبر.(182/1)
قال: هلم إلى بثوب ، فأتى به له ، فأخذ الحجر ووضعه فيه بيده ، ثم قال: لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ، ثم أرفعوه جميعا. ففعلوا حتى إذا بلغوا به موضعه وضعه هو بيده وبنى عليه (1).
وحين أعيد بناء الكعبة فى عهد عبد الله ابن الزبير قام ابنه حمزة بوضعه فى مكانه ،وأطال واتره الصلاة بجماعة المسلمين حتى انتهى حمزة من وضع الحجر، وكان ذلك ليتحاشى التنافس الذى حصل من قبل ، وقد غضب بعض المسلمين لهذا التصرف واعتبروه من حب الذات (2).
وفى سنة 140هـ كسى الحجر الأسود بصحاف من الفضة، وقام بذلك زياد بن عبدالله.
وفى سنة 317هـ دخل القرامطة مكة المكرمة، وأوقع زعيمهم أبو طاهر سليمان بأهلها ، وهاجم الحجاج فقتل منهم وأسر، وسلب الأموال واقتلع الحجر الأسود كما اقتلع أبواب الكعبة، واستولى على ما كان بالكعبة من تحف وذخائر، وعاد بكل ذلك إلى هجر عاصمة دولته (3).
ولم يرد القرامطة الحجر إلى مكانه إلا سنة 239هـ عندما هدد الخليفة الفاطمى أبا طاهر، وألزمه بإعادة الحجر(4).
أ.د/أحمد شلبى(182/2)
#الحجية فى الكتاب والسنة
لغة: الدليل والبرهان (1)
واصطلاحا: ما دل به على صحة الدعوى(2).
والحجية مصدر صناعى ، ومعنى حجية القرآن والسنة كون كل منهما يدل على صحة وحقية ما يرشد إليه.
والقرآن الكريم حجة؛ لأنه قد ثبت تواتره ،وهذا يوجب القطع بصدوره وثبتت نسبته إلى الله عز وجل.
ويكفى حجة على ذلك ثبوت إعتازه بأسلوبه ومضامينه ، وتحديه لبلغاء عصره ؛ وعلى هذا فحجية القرآن ثابتة على جميع البشر، وإضافة إلى هذا يستأنس المسلمون لحجيته بتأكيد الله تعالى على عجز الإنس والجن عن الإتيان بمثله وتأكيد حقيقته ،والأمر باتباعه فى مثل قوله تعالى: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا}الإسراء:88.
كذلك يستأنسون بمثل قول النبى صلى الله عليه وسلم (إن هذا القرآن طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبدا)(3).
وحجية السنة ثابتة بعدة أدلة منها ثبوت حجية القرآن والأمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم والتأسى به. فى مثل قوله تعالى: {وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}الحشر:7.
وهكذا استدل المسلمون فى جميع العصور على الأحكام الشرعية، ولم يختلفوا فى وجوب العمل بما أفاد قطعا أو ظنا راجحا من سنة النبى صلى الله عليه وسلم المروية على درجة من القبول ، ويستندون لقوله صلى الله عليه وسلم: (من رغب عن سنتى فليس منى)(4).
كذلك قوله (ألا إنى أوتيت الكتاب ومثله معه ، ألا يوشك رجل شبعان ،على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن ، فما وجدتم فيه من حلال فاحلوه ، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ،وأن ما حرم رسول الله كما حرم الله...)(5).
أ.د/عبد الغفورمحمود مصطفى(183/1)
#الحرص
لغة: شدة الإرادة والاجتهاد للحصول على المطلوب ، ويطلق ويراد به: الجشع ،والحرص: الشق ، حرص الثوب: شقة، كما فى اللسان (1).
واصطلاحا: طلب الشىء بأقصى ما يمكن من الاجتهاد، ومنه قوله تعالى: {إن تحرص على هداهم...}النحل:37 ،أى أن تطلب بجهدك ذلك..
وقد فسر بعض العلماء كلمة(حريص) فى قوله تعالى {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيزعليه ما عنتم حريص عليكم}التوبة:128، بأنه -أى الرسول- شحيح عليكم أن تدخلوا النار.
لم ترد كلمة الحرص فى القرآن الكريم ، وإنما وردت مشتقاتها: مثل (حرصتت) فى سورة يوسف:103 (وتحرص) فى سورة النحل:37 و(أحرص) فى سورة البقرة 98.
والحرص: الشره ، والحريص: الشره ،ويأتى بمعنى الشح والطمع الذى يدفع بصاحبه إلى مساوئ الأخلاق ، وارتكاب المنكرات التى تتنافى مع المروءة. وقد جبل الإنسان على الحرص والطمع ، ففى الحديث: (لو كان لابن آدم واديان من ذهب لأحب أن يكون له ثالث ، ولا يملأ فمه إلا التراب ، ويتوب الله على من تاب) (رواه الترمذى) ولهذا نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن شدة الحرص والمبالغة فى الطلب فقال: (إن روح القدس نفث في روعى إن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا فى الطلب) (أخرجه ابن أبى الدنيا فى القناعة).
ولا يتخلص من الحرص إلا من أدرك عز القناعة، وعزم على وقاية نفسه من ذل الطمع ، فاقتصد فى معيشته ، وأيقن بأن الرزق الذى قدر له لابد وأن يأتيه ، وإن لم يشتد حرصه ؛ فإن شدة الحرص ليست هى السبب لوصول الأرزاق ، بل بالاجتهاد فى العمل وإتقانه يحصل المرء على وعد الله بأنه يرزق من يشاء بغير حساب.
أ.د/محمد شامة(184/1)
#الحزم
لغة: حزم الأمر: ضبطه واتقنه واستعد له. كما فى المعجم الوسيط (1).
واصطلاحا: اتخاذ القرار بفعل أو ترك.
ويرتبط معنى الحزم بخصيصتين هامتين فى الإنسان هما:
1- العقل والتفكير.
2- الإرادة والاختيار.
ذلك أن العاقل يفكر فى المواقف التى تجابهه ، فيستثمر علمه وتجربته وما وصله من هدى إلهى فى الموازنة والترجيح ليصل إلى قرار حكيم يناسب الموقف الذى هو فيه ،وهنا يختارما أداء إليه عقله وتجربته وفهمه لأحكام دينه ، حلا وحرمة ونحو هذا.
والحزم لا يعنى ألا يستفيد العاقل من مشاورة من يثق فى نصحهم ؛ لأن المشاورة تضىء له جنبات الموقف ، ثم هوبعد هذا صاحب القرار الذى سيتحمل مسئوليته ، ولذا وجدنا فى القرآن الكريم: {وشاورهم فى الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين}آل عمران:159.
والحزم مظهر لاستقلال الشخصية وعدم تذبذبها أو تبعيتها للناس دون تفكير وموازنة، ودون اختيار رشيد، لذا وجدنا الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لا تكونوا إمعة تقولون: إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا أن لا تظلموا) (رواه الترمذى)(2).
ولم يستخدم لفظ "الحزم" فى القرآن الكريم ، لكنه استعمل في السنة كثيرا من ذلك ما جاء عن أبى قتادة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لأبى بكر: (متى توتر؟ قال: أوترمن أول الليل ، وقال لعمر: متى توتر؟ قال آخرالليل: فقال -صلى الله عليه وسلم- لأبى بكر: خذ هذا بالحزم ،وقال لعمر: خذ هذا بالقوة) (رواه أبو د اود).
والحزم ضرورى لمن يلى أمرا من أمور المسلمين حتى لا تتعدد الآراء وتتأرجح دون قرار يحسم الأمر ويحيله إلى التنفيذ بدلا من حيز الكلام فقط.
أ.د/أبو اليزيد العجمى(185/1)
#الحساب (علم)
يعد الحساب أقدم وأبسط فروع علم الرياضيات ، وهو يحوى دراسة الأعداد والطرق الحسابية، وحل المشكلات والمسائل باستخدام الأعداد، ويتضمن ذلك العمليات الأساسية الأربع: الجمع والطرح والضرب والقسمة، مع تطبيق هذه العمليات في مسائل الحياة العامة، ولذلك فإن الحساب هو الأساس الذى يقوم عليه الكثير من الفروع الأخرى للرياضيات كالجبر والهندسة وحساب المثلثات.
وقد كان لعلماء الحضارة الإسلامية إسهامات بالغة الأهمية فى تطور علم الحساب ، ويزخر التراث الإسلامى بالعديد من كتب الحساب التى كان معظمها مراجع رئيسية في مختلف جامعات العالم ، من ذلك:
كتاب "المقالات فى علم الحساب" لابن البناء المراكشى، وكتابا "مفتاح الحساب ، لغياث الدين حمشيد الكاشى، وكتاب "الجامع فى أصول الحساب" للحسن بن الهيثم ، وكتاب "طرائف الحساب" لأبى كامل شجاع بن اسلم ، وكتاب "خلاصة الحساب" لبهاء الدين العاملى وغيرها كثير جدا.
وكانت لعلماء المسلمين طرق خاصة لإجراء العمليات الحسابية بما يصلح أن يتخذ وسيلة للتعليم فى عصرنا، ولقد انتبه بعض رجال التربية فى أوروبا إلى قيمة هذه الأساليب من منظور تربوى، فأوصوا باستعمالها عند تعليم المبتدئين.
من ناحية أخرى هذب علماء المسلمين النظام العددى العشرى المأخوذ عن الهنود، ووضعوه فى الصورة المستخدمة في عصرنا، وأخذ الأوروبيون عن العرب الصفر والأعداد وسموها الأعداد العربية.
أ.د/أحمد فؤاد باشا(186/1)
#الحسد
لغة: يقال حسده ، يحسدُه ، وحسَّده: إذا تمنى أن تتحول إليه نعمته وفضله ، أو يسلبهما هو،: والحسود: من طبعه الحسد ذكرا كان أم أنثى. والجمع حُسَّد، وحُسَّاد، وحَسَدَة، والمحسدة: ما يحسد عليه الإنسان من مال أوجاه ، ونحوهما ، كما فى الوسيط (1).
الحسد ظاهرة نفسية لا ينكرها أحد، فقد وردت كلمة حسد فى الآداب الإنسانية، كما جاء الحديث عن "الحسد" فى الكتب المقدسة، أما تأثير الحاسد فى المحسود بواسطة العين فقد اختلف فيه ، إذ من المعتقدات الشائعة بين جميع الشعوب أن من الناس (الحاسد) من يملك قوى يمكنها إلحاق الضرر بالآخرين (المحسودين) سواء كان هؤلاء الآخرون: أناسا ، أو حيوانات أو نباتات أو أى شىء، حتى ولو كان جمادا -بمجرد النظر إليه أو عن طريق إرسال شعاع العين إليه- أى أن الضرر ينتقل من عين الرائى -وهو الحاسد- إلى المرئى -وهو المحسود- بمجرد نظر صاحب العين الشريرة إليه أو حديثه عنه ، سواء كان مدحا، أو إعجابا، أو كان مجرد وصفا له أو تقريرا لهيئته وشكله.
وقد تحدثت الكتب السماوية عن إلحاق ضرر الحاسد للمحسود بواسطة العين فقد ورد فى إنجيل متى (20:17) : أو ما يحل لى أن أفعل ما أريد، أن عينك شريرة لأنى صالح ".(187/1)
أما فى الفكر الإسلامى، فقد علل الجاحظ الإصابة بالعين: بأن لكل حادث سببا، وما دامت الإصابة لا سبب لها سوى رؤية العين ، فينبغى التصديق: بأنه قد انفصل شىء من عين العائن فأصاب المعيون ، ويعتبر ابن القيم من أشد المؤمنين بالعين حيث جمع الأحاديث التى تتعلق بهذا الموضوع سواء كانت تخبر عن الإصابة بالعين ، أو توصى بالرقى لدرء الحسد، أو تصف طريقة علاج المحسود، ثم يعقب على ذلك بالهجوم على من ينكر الإصابة بالعين ، مستشهدا بآراء من سبقوه ،فيقول: "وعقلاء الأمم -وعلى اختلاف مللهم ونحلهم- لا تدفع أمر العين ، ولا تنكره ، وإن اختلفوا فى سببه ووجهة تأثير العين ، فقالت طائفة: أن العائن إذا تكيفت نفسه بالكيفية الرديئة، انبعثت من عينه قوة سمية تتصل بالعين ليتضرر... الخ" ومما يؤخذ من كلام ابن القيم: إن الحسد ليس حالة نفسية تصيب المحسود فقط ، بل لعين العائن آثار ضارة تصيب المعيون ، وقد تصل الإصابة إلى حد إدخال الرجل القبر والجمل القدر، أى أن العائن قادر على إماتة الأحياء، وإهلاك الزرع والضرع.. حتى ولو كان أعمى.
وذكر الحارث المحاسبى أنواع الحسد، ومجالاته ، ودوافعه ، وأضراره ، وبين أن المحسود لا يلحقه الضرر من عين العائن ، ولا يصيبه شىء من الحاسد إلا إذا تجاوز الحسد القلب إلى الجوارح ، فسلك الحاسد مسالك تؤدى إلى إلحاق الضرر بالمحسود، كتدبير المؤامرات لافساد العلاقة بينه وبين مصادر نعمته ، أو اتخاذ تدابير تؤدى إلى زوال ما يتمتع به المحسود من النعم ، أو الاعتداء على النفس والأرواح بما يصيبها أو يهلكها، ولم يسم هذا حسدا، بل يرى أنه عمل دفع الحسد إليه.
أما الأمام أبو حامد الغزالى فقد تناول حديثه عن الحسد تسع نقاط هى: ذم الحسد ، حقيقته ، أقسامه ، حكمه ،مراتبه ، أسبابه ، سبب كثرته بين الأمثال والأقران ، دواؤه ، القدر الواجب في نفيه.(187/2)
فهو يرى أن الحسد ليس مرضا عضويا، بل هو من أمراض القلوب ، ولا يداوى إلا بإلعلم ، وأنه لا ضربى فيه على المحسود فى الدنيا والآخرة إذ يقول: "وأما أنه لا ضرر فيه على المحسود فى دينه ودنياه فواضح ، لأن النعمة لا ترول عنه بحسدك ، بل ما قدره الله تعالى من إقبال ونعمة، فلابد أن يدوم إلى أجل معلوم قدره الله سبحانه وتعالى، فلا حيلة في دفعه ، بل كل شىء عنده بمقدار، ولكل أجل كتاب ، فإذا لم تزل ألنعمة بالحسد،لم يكن على المحسود ضرر فى الدنيا، ولا يكون عليه إثم فى الآخرة. ولعلك تقول: ليت النعمة كانت تزول عن المحسود بحسدى وهذا غاية الجهل ، فلو كانته النعمة تزول بالحسد لم يبق الله عليك نعمة ولا على أحد من خلقه ، ولا نعمة الإيمان أيضا لأن الكفار يحسدون المؤمنين على الإيمان ، قال تعالى {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسم..}البقرة:109.
وقد نسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث تخبرعن إمكانية وجود الحسد ووقوع ضرر من عين الحاسد بالمحسود، وتوصى بتلاوة نصوص محددة للتعاويذ والرقى للحماية من عين الحاسد، كما شرحت ، أحاديث أخرى العلاج من ضرر الحسد.. أما فى القرآن الكريم فقد وردت كلمة "الحسد" فى أربع آيات: البقرة:109 ، النساء:54، الفتح:15 ، الفلق:5) كما وردت ألفاظ تتضمن معنى الحسد فى آيات أخرى: (البقرة:90، 213، الحسد فى آيات أخرى: (البقرة:90، 213،آل عمران:19 ، الشورى:14 ، الجاثية 17).(187/3)
وقد أول المنكرون لتأثير عين الحاسد فى المحسود كل ما ورد فى القرآن الكريم وخاصة فى قوله تعالى: {ومن شر حاسد إذا حسد}الفلق:5 ، فقالوا فى تفسير هذه الآية "وتقييد الاستعاذة من شره بوقت: "إذا حسد"؟ لأنه حينئذ يندفع إلى عمل الشر بالمحسود، حين يجيش الحسد فى نفسه ، فتتحرك له الحيل والنوايا ، لالحاق الضرر به" أى أن الضرر لا يأتى من العين ،بل من عمل الحاسد، حين يدفعه حسده إلى إلحاق الضرر بالمحسود، أما ما نسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قبلوا ما أخبر به عن وقوع الحسد لأن وجوده فى النفس الإنسانية مسلم به إلا أنه لا يتعدى كونه ظاهرة نفسية لدى الحاسد، أما الأحاديث التى تتحدث عن الأضرار التى تصيب المحسود عن طريق غير الحاسد فقد ردوها لضعف سندها أو لتناقض معناها مع مبادىء الإسلام وتعاليمه ، مثل الحديث المشهور: (إن العين لتدخل الرجل القبر والجمل القدر)، إذ لم يرد هذا الحديث فى أى من كتب الحديث التسعة، وإنما ذكره أبو نعيم الأصفهانى فى الحلية، قال الصابونى: "بلغنى أنه قيل له -أى لراويه شعيب بن أيوب الأنصارى-: ألا ينبغى أن تمسك عن هذه الرواية، ففعل).
أ.د/محمد شامة(187/4)
#الحقيقة المحمدية
الحقيقة المحمدية اصطلاح ظهر متأخرا فى أدبيات التصوف الاسلامى، وهو يعنى أن النبى صلى الله عليه وسلم مخلوق من نور، وأن حقيقته النورية هى أول الموجودات فى الخلق الروحانى، ومن نورها خلقت الدنيا والآخرة، فهى أصل الحياة، وسرها السارى فى كل الكائنات والموجودات الدنيوية والأخروية.
وللحقيقة المحمدية أسماء أخرى عديدة، مثل: "حقيقة الحقائق" و"أول موجود فى الهباء" و"العقل الأول" و"التعين الأول" والقائلون بهذه النظرية يؤكدون على أن الأنبياء والرسل السابقين على محمد صلى الله عليه وسلم هم فى حقيقة الأمر نوابه وورثته ، وأن دورهم فى التاريخ إنما هو تجسيد للحقيقة المحمدية، أو الروح المحمدى قبل ظهور جسده الشريف.
ومن الحقيقة المحمدية يستمد كل الأنبياء والأولياء والعارفين علومهم وأنوارهم الإلهية.
وبهذا الاعتبار سمى محمد صلى الله عليه وسلم بنور الأنوار وأبى الأرواح ، وسيد العالم بأسره ، وأول ظاهر فى الوجود. أما ظهور الجسد المحمدى فهو الصورة العنصربة لمعنى حقيقته النورية.
والنبى صلى الله عليه وسلم فى مفهوم هذه النظرية، هو الجد الأعلى للأنبياء والنبى الخاتم فى آن واحد. ويستند الصوفية فى نظريتهم هذه إلى ظواهر من نصوص القرآن والسنة النبوية ومأثورات السلف الصالح ، مثل قوله تعالى: {جاءكم من الله نور وكتاب مبين}المائدة:15 ، وقوله تعالى: {وسراجا منيرا}الأحزاب:46 ، ومثل حديث (.....متى جعلت نبيا؟ قال: وآدم بين الروح والجسد) (مسند الإمام أحمد 4 /66. الترمذى، مناقب ، 1)، وقول الإمام مالك ، وهو يناظر أبا جعفر المنصور، ويأمرء باستقبال القبر الشريف فى دعائه: ".. إنه وسيلتك ووسيلة أبيك آدم ". وللصوفية مروياته أخرى ردها علماء الحديث وأنكروها عليهم.
أ.د/أحمد الطيب(188/1)
الحياء
الحياء
مقدمة:
- للخير والشر معان كامنة في النفس تعرف بعلامات وسمات دالة كما قال الشاعر:
لا تسأل المرء عن أخلاقه في وجهه شاهد من الخير
- من سمات الخير: الدعه والحياء والكرم.
- ومن سمات الشر: الوقاحة والبذاءة واللؤم.
حياءك فاحفظه عليك وإنما يدل على فعل الكريم حياؤه
- الحياء علامة تدل على ما في النفس من الخير وهو إمارة صادقة على طبيعة الإنسان يكشف عن مقدار بيانه وأدبه.
- عندما ترى إنساناً يشمئز ويتحرج عن فعل ما لا ينبغي فاعلم أن فيه خيراً وإيماناً بقدر ما فيه من ترك للقبائح.
- تعريف الحياء وحقيقته:
- الحياء: خلق يبعث على فعل كل مليح وترك كل قبيح، فهو من صفات النفس المحمودة التي تستلزم الانصراف من القبائح وتركها وهو من أفضل صفات النفس وأجلها وهو من خلق الكرام وسمة أهل المروءة والفضل.
- من الحكم التي قيلت في شأن الحياء: ( من كساه الحياء ثوبه لم يرى الناس عيبه)
- قال الشاعر:
ورب قبيحة ما حال بيني وبين ركوبها إلا الحياء
- لذلك فعندما نرى إنساناً لا يكترث ولا يبالي فيما يبدر منه من مظهره أو قوله أو حركاته يكون سبب ذلك قلة حيائه وضعف إيمانه، كما جاء في حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم): إذا لم تستح فافعل ما شئت(
- قال الشاعر:
إذا رزق الفتى وجهاً وقاحاً تقلب في الأمور كما يشاء
فمالك في معاتبة الذي لا حياء لوجهه إلا العناء
- قال أبو حاتم: إن المرء إذا إشتد حياؤه صان ودفن مساوئه ونشر محاسنه.
- الحياء من الأخلاق الرفيعة التي أمر بها الإسلام وأقرها ورغب فيها.
- جاء في الصحيحين قول النبي صلي الله عليه وسلم): الإيمان بضع وسبعون شعبه فأفضلها لا إله إلا اللّه وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان(
- في الحديث الذي رواه الحاكم وصححه على شرط الشيخين في قول رسول الله صلي الله عليه وسلم): الحياء والإيمان قرنا جميعاً فإذا رفع أحدهما رفع الآخر )(189/1)
- والسر في كون الحياء من الإيمان:أن كل منهما داع إلى الخير مُقرب منه صارف عن الشر مُبعد عنه.
- الإيمان يبعث المؤمن على فعل الطاعات وترك المعاصي والمنكرات. والحياء يمنع صاحبه من التفريط في حق الرب والتقصير في شكره. ويمنع صاحبه كذلك من فعل القبيح أو قوله اتقاء الذم والملامة.
ورب قبيحة ما حال بيني وبين ركوبها إلا الحياء
- قيل: ( الحياء نظام الإيمان فإذا انحل نظام الشيء تبدد ما فيه وتفرق(
- فالحياء ملازم للعبد المؤمن كالظل لصاحبه وكحرارة بدنه لأنه جزء من عقيدته وإيمانه ومن هنا كان الحياء خيراً ولا يأتي إلا بالخير.
- في الصحيحين عن النبي صلي الله عليه وسلم) : الحياء لا يأتي إلا بخير) وفي رواية مسلم) الحياء خير كله).
- في الصحيحين أن النبي صلي الله عليه وسلم: مر على رجل يعظ أخاه في الحياء: أي يعاتبه فيه لأنه اضر به، فقال له الرسول صلي الله عليه وسلم) : دعه فإن الحياء من الإيمان ( فقد أمر الرسول صلي الله عليه وسلم ذلك الرجل أن يترك أخاه ويبقيه على حيائه ولو منع صاحبه من إستيفاء حقوقه.
- ضياع حقوق المرء خير له من أن يفقد حيائه الذي هو من إيمانه وميزة إنسانيته وخيريته.
- رحم الله امرأة كانت فقدت طفلها فوقفت على قوم تسألهم عن طفلها فقال أحدهم: تسأل عن ولدها وهي تغطي وجهها. فسمعته فقالت: ( لأن أرزأ في ولدي خير من أن أرزأ في حيائي أيهل الرجل ).
- أين هذه المرأة من نساء اليوم تخرج المرأة كاشفة وجهها مبدية زينتها لا تستحي من الله ولا من الناس.
- صدق الشاعر حين قال:
فتاة اليوم ضيعت الصوابا وألقت عن مفاتنا الحجابا
فلن تخشى حياءٌ من رقيب ولم تخشى من الله الحسابا
بربك هل سألت العقل يوما ً أهذا طبع من رام الصوابا
أهذا طبع طالبة لعلم إلى الإسلام تنتسب انتسابا
ما كان التقدم صبغ وجه وما كان السفور إليه باباً
شباب اليوم يا أختي ذئاب وطبع الحمل أن يخشى الذئابا(189/2)
- أما انقباض النفس عن الفضائل والانصراف عنها فلا يسمى حياء.
- خلق الحياء في المسلم غير مانع له من أن يقول حقاً أو يطلب علماً أو يأمر بمعروف أو ينهى عن منكر.
- فإذا منع العبد عن فعل ذلك باعث داخلي فليس هو حياء وإنما هو ضعف إيمانه وجبنه عن قول الحق، قال تعالي: {وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} (الأحزاب:53).
- النبي صلي الله عليه وسلم مع شدة حيائه إلا أنه لم يكن يسكت عن قول الحق بل كان يغضب غضباً شديداً إذا انتهكت محارم الله.
- من ذلك عندما شفع مرة عند رسول الله صلي الله عليه وسلم أسامة بن زيد حب رسول الله وابن حبه فلم يمنعه حياؤه من أن يقول لأسامة في غضب (أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة والله لو سرقت فاطمة لقطعت يدها )
- لم يمنع الحياء أم سليم الأنصارية أن تقول: يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق فهل على المرأة غسل إذا احتلمت؟ فيقول لها ولم يمنعه الحياء في بيان العلم) نعم، إذا رأت الماء) إذاً الحياء لا يمنع من الاستفسار والسؤال عما جهل من أمور الدين وما يجب عليه معرفته وقد قيل) :لا يتعلم العلم مستكبر ولا مستح ).
- وهناك من النساء من يمنعها حياؤها بزعمها من ترك بعض العادات المحرمة التي اعتادت عليها في مجتمعها مثل مصافحة الرجال الأجانب والاختلاط بهم فلا تتحجب من أقارب زوجها ولا تمنع دخولهم عليها في بيتها حال غياب زوجها.
- النبي صلي الله عليه وسلم يقول) :إياكم والدخول على النساء ) صحيح الجامع.(189/3)
- فإذا كان خير الخلق لا يصافح نساء الصحابة وهن خير القرون فما بال رجال ونسوة في عصر كثر فيه الشر وأهله أصبحوا لا يرون في المصافحة بأساًَ. محتجين أن قلوبهم تقية ونفوسهم نقية؟ فأيهم أزكى نفساً وأطهر قلباً؟ أهذا الغثاء أم تلك النفوس الكبيرة؟ فضلاً عن أن الرسول صلي الله عليه وسلم حذر من مس النساء فقال) :لأن يُطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير من أن يمس امرأة لا تحل له ) (صحيح الجامع( .
- من الناس من يتساهل في إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحجة أنه يستحي من الإنكار على الناس.
- من ذلك ما يفعله بعض الناس من مجاملة بعضهم لبعض في سماع الغيبة أو سماع أي من المنكرات أو رؤيتها.
- و فهذا جبن مذموم كل الذم وصاحبه شريك في الإثم إن لم ينكر أو يفارقهم.
- والله عز وجل قال: {كُنتُم خَير اُمةٍ أخرِجت لِلنّاسِ تَأمرونَ بالمَعروف وَتَنهُونَ عَنِ المُنكرِ وَتُؤمِنُونَ باللّه} (آل عمران:110).
- حذرنا رسول الله صلي الله عليه وسلم من التساهل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال) :والذي نفسي بيده لتأمرون بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعوه فلا يستجاب لكم ).
أقسام الحياء:
ينقسم الحياء من حيث الأصل إلى قسمين:
أولاً: حياء فطري غريزي.
ثانياً: حياء مكتسب.
- قال القرطبي: ( الحياء المكتسب هو الذي جعله الشارع من الإيمان غير أن من كان فيه غريزة الحياء فإنها تعينه على المكتسب وقد يتطبع بالمكتسب حتى يصير غريزياً.(
- وهذا قول صحيح ومعلوم بالتجربة في مجال التربية.
- فإن المتربي قد يكون في بدايته لا يملك حياء غريزياً أو أن عنده حياء غريزياً ناقصاً ثم ينشأ في جو ينمي بواعث الحياء في قلبه ويدله على خصال الحياء.
- فإن هذا المتربى سيكتسب الحياء شيئاً فشيئاً ويقوى الحياء في قلبه بالتوجيه والتربية حتى يصبح الحياء خلقاً ملازماً له.(189/4)
- وقد قال بعض الحكماء: ( احيوا الحياء بمجالسة من يستحيا منه ) وهذا الكلام بديع المعنى بعيد الفقه.
- حيث أن كثرة مجالسة من لا يستحيا منه لوضاعته أو حقارته أو قلة قدره ومروءته تخلق في النفس نوع التجانس معهم.
- ثم إن قلة قدرهم عنده تجعله لا يستحي منهم فيصنع ما يشاء بحضرة هذه الجماعة فيضعف عنده خصلة الحياء شيئاً فشيئاً فيتعود أن يصنع ما يشاء أمام الناس جميعاً.
- أما مجالسة من يستحيا منه لصلاحهم وعلو قدرهم فأنها تحيي في القلب الحياء فيظل الإنسان يراقب أفعاله وأقواله قبل صدورها حياء ممن يجالسه فيكون هذا خلقاً له ملازماً فتتعود نفسه إتيان الخصال المحمودة ومجانية وكراهية الخصال المذمومة.
- إن مجالس الأخيار تقوي الحياء المكتسب وتنميه.
- أما مجالسة الأرذال فإنها تحول بين العبد وبين اكتساب الحياء.
أنواع الحياء:
1- الحياء من الله.
2- الحياء من الملائكة.
3- الحياء من الناس.
4- الحياء من النفس.
أولاً:ً الحياء من الله:
- قال الله تعالى:{ أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى}) العلق:14(.
- وقال تعالى:{ مَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} ) الأنعام:91.(
- تجرؤ العبد على المعاصي واستخفافه بالأوامر والنواهي الشرعية يدل على عدم إجلاله لربه وعدم مراقبته له.
- الحياء من الله يكون باتباع الأوامر واجتناب النواهي.
- قال رسول الله صلي الله عليه وسلم): استحيوا من الله حق الحياء (قال: قلنا يا رسول الله إنا نستحي والحمد لله قال): ليس ذلك ولكن من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى وليحفظ البطن وما حوى، وليذكر الموت والبلى ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء( .(189/5)
- معنى الحديث) استحيوا من الله حق الحياء ( أي استحيوا من الله قدر استطاعتكم لأنه من المعلوم أن الإنسان لا يستطيع أن يقوم بكل ما عليه تاماً كاملاً ولكن كل على حسب طاقته ووسعه قال تعالى:{ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (التغابن:16( .
- قال قلنا: (إنا نستحي والحمد لله ). أجابوا بذلك لأنهم قصدوا أنهم يفعلون كل مليح ويتركون كل قبيح على حسب استطاعتهم فرد عليهم رسول الله صلي الله عليه وسلم أن ليس المقصود هذا العموم
- لأن هناك شروطاً للحياء حق الحياء فليس كما يظنون ( أن يحفظ الرأس وما وعى(أي ما جمع من الأعضاء: العقل والبصر والسمع واللسان.
- قال تعالى:{ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} (الإسراء:36( .
- (وليحفظ البطن وما حوى ( أي يحفظ بطنه وما في ذلك من حفظ الفرج عن الحرام فيحفظ بطنه من أن يدخله طعام حرام أو من مال حرام فالبدن نبت ويقوي من الطعام.
- والرب عز وجل لا يقبل من عبده أن يتقوى على طاعته بمطعم حرام ولا مشرب حرام لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً.
- (وليذكر الموت والبلى (أن يذكر الموت دائماً لأننا في هذه الدنيا لسنا مخلدين وإنما سنموت وسنرجع وسنقف بين يدي الله تبارك وتعالى.
- قال رسول الله صلي الله عليه وسلم): أكثروا من ذكر هادم اللذات(
- وقال أيضاً: (ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا).
- قال تعالى:{ تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (القصص:83).
- فالمقصود أن الحياء من الله يكون باتباع أوامر الله واجتناب نواهيه ومراقبة الله في السر والعلن.
- قال رسول الله صلي الله عليه وسلم): استحي من الله تعالى كما تستحي من الرجل الصالح من قومك ) (صحيح الجامع).(189/6)
- وهذا الحياء يسمى حياء العبودية الذي يصل بصاحبه إلى أعلى مراتب الدين وهي مرتبة الإحسان الذي يحس فيها العبد دائماً بنظر الله إليه وأنه يراه في كل حركاته وسكناته فيتزين لربه بالطاعات.
- وهذا الحياء يجعله دائماً يشعر بأن عبوديته قاصرة حقيرة أمام ربه لأنه يعلم أن قدر ربه أعلى وأجل.
- قال ذو النون: ( الحياء وجود الهيبة في القلب مع وحشة مما سبق منك إلى ربك ).
- وهذا يسمى أيضاً حياء الإجلال الذي متبعه معرفة الرب عز وجل وإدراك عظم حقه ومشاهدة مننه وآلائه.
- وهذه هي حقيقة نصب الرسول صلي الله عليه وسلم وإجهاد نفسه في عبادة ربه.
- ومن هذا الحياء أيضاً، حياء الجناية والذنب.
ومن أنواع الحياء من الله:
- الحياء من نظر الله إليه في حالة لا تليق:
- كالتعري كما في حديث بهز بن حكيم عندما سأل رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال: ( عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ ) فقال: (احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك ( قال: ( يا نبي الله إذا كان أحدنا خالياً؟ ) قال): فالله أحق أن يستحي منه الناس ).
- لذلك عقد الإمام البخاري باباً سماه: ( التعري عند الاغتسال والاستتار أفضل )
- قد ورد أن ابن عباس كان يغتسل وهو يرتدي ثوباً خفيفاً حياء من الله أن يتجرد.
- وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول: ( والله إني لأضع ثوبي على وجهي في الخلاء حياء من الله ).(189/7)
- وجاء رجل إلى الحسين بن علي رضي الله عنهما فقال له: أنا رجل عاصي ولا أصبر عن المعصية فعظني. فقال الحسين: ( افعل خمسة وافعل ما شئت ). قال الرجل: هات. قال الحسين: ( لا تأكل من رزق الله وأذنب ما شئت ). قال الرجل: كيف ومن أين آكل وكل ما في الكون من رزقه. قال الحسين: ( اخرج من أرض الله وأذنب ما شئت ). قال الرجل: كيف ولا تخفى على الله خافية. قال الحسين: ( اطلب موضعاً لا يراك الله فيه وأذنب ما شئت ). قال الرجل: هذه أعظم من تلك، فأين أسكن. قال الحسين: ( إذا جاءك ملك الموت فادفعه عن نفسك وأذنب ما شئت ). قال الرجل: هذا مُحال. قال الحسين: ( إذا دخلت النار فلا تدخل فيها وأذنب ما شئت ). فقال الرجل: حسبك، لن يراني الله بعد اليوم في معصية أبداً.
- لقد بلغ الإيمان بالصحابة رضي الله عنهم أنهم أصبحوا يستحيون من الله في التقصير في النوافل وكأنهم قد ضيعوا الفرائض.
- قال يحيي بن معاذ: ( من استحى من الله مطيعاً استحى الله منه وهو مذنب ). أي من غلب عليه خلق الحياء من الله حتى في حال طاعته فهو دائماً يحس بالخجل من الله في تقصيره فيستحي أن يرى من يكرم عليه في حال يشينه عنده.
- ثم قال يحيي بن معاذ: ( سبحان من يذنب عبده ويستحي هو ). وفي الأثر: ( من استحيا الله منه )
- ويجدر هنا أن ننبه إلى أن حياء الرب صفة من صفاته الثابتة بالكتاب والسنة وهي كسائر صفاته عز وجل لا تدركها الأفهام ولا تكيفها العقول بل نؤمن بها من غير تشبيه ولا تكييف.
- وحياء الله عز وجل صفة كمال تدل على الكرم والفضل والجود والجلال.
- ففي حديث الرسول صلي الله عليه وسلم): أن الله حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه أن يردهما صفراً(وأيضاً) إن الله يستحي أن يعذب شيبة شاب في الإسلام)
ثانياً: الحياء من الملائكة:
- من المعلوم أن الله قد جعل فينا ملائكة يتعاقبون علينا بالليل والنهار.(189/8)
- هناك ملائكة يصاحبون أهل الطاعات مثل الخارج في طلب العلم والمجتمعين على مجالس الذكر والزائر للمريض وغير ذلك.
- وأيضاً هناك ملائكة لا يفارقوننا وهم الحفظة والكتب، قال تعالي: { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ }الإنفطار:11،10. وقال سبحانه:{ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} (الزخرف:8(
- إذاً فعلينا أن نستحي من الملائكة وذلك بالبعد عن المعاصي والقبائح وإكرامهم عن مجالس الخنا وأقوال السوء والأفعال المذمومة المستقبحة.
- قال صلي الله عليه وسلم): إياكم والتعري فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط وحين يفضي الرجل إلى أهله فاستحيوا منهم وأكرموهم ).
ثالثاً: الحياء من الناس:
- هذا النوع من الحياء هو أساس مكارم الأخلاق ومنبع كل فضيلة لأنه يترتب عليه القول الطيب والفعل الحسن والعفة والنزاهة.
- الحياء من الناس قسمين:
1ـ هذا القسم أحسن الحياء وأكملة وأتمه.
- فإن صاحبه يستحي من الناس جازم بأنه لا يأتي هذا المنكر والفعل القبيح إلا خوفاً من الله تعالى أولاً ثم اتقاء ملامة الناس وذمهم ثانياً.
- فهذا يأخذ أجر حيائه كاملاً لأنه استكمل الحياء من جميع جهاته إذ ترتب عليه الكف عن القبائح التي لا يرضاها الدين والشرع ويذمه عليها الخلق.
2 ـ قسم يترك القبائح والرذائل حياء من الناس وإذا خلا من الناس لا يتحرج من فعلها وهذا النوع من الناس عنده حياء ولكن حياء ناقص ضعيف يحتاج إلى علاج وتذكير بعظمة ربه وجلاله وأنه أحق أن يستحيا منه لأنه القادر المطلع الذي بيده ملكوت كل شيء الذي أسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة فكيف يليق به أن يأكل من رزقه ويعصيه ويعيش في أرضه وملكوته ولا يطيعه ويستعمل عطاياه فيما لا يرضيه.(189/9)
- على ذلك فإن هذا العبد لا يليق به أن يستحي من الناس الذين لا يملكون له ضراً ولا نفعاً لا في الدنيا ولا في الآخرة ثم لا يستحي من الله الرقيب عليه المتفضل عليه الذي ليس له غناء عنه.
- أما الذي يجاهر بالمعاصي ولا يستحي من الله ولا من الناس. فهذا من شر ما منيت به الفضيلة وانتهكت به العفة. لأن المعاصي داء سريع الانتقال لا يلبث أن يسري في النفوس الضعيفة فيعم شر معصية المجاهر ويتفاقم خطبها.
- المجاهر شره على نفسه وعلى الناس عظيم وخطره على الفضائل كبير.
- ومن المؤسف أن المجاهرة بالمعاصي التي سببها عدم الحياء من الله ولا من الناس ـ قد فشت في زماننا.
- فلا شاب ينزجر ولا رجل تدركه الغيرة ولا امرأة يغلب عليها الحياء فتتحفظ وتتستر.
- فقد كثر في المجتمعات المسلمة التبرج من النساء في الأسواق وفي الحدائق العامة وحتى في المساجد.
- تخرج المرأة كاشفة الوجه مبدية الزينة بكل جرأة لم تجل خالقاً ولم تستحي من مخلوق.
- ومن مظاهر عدم الحياء في مجتمع النساء: تحدث المرأة بما يقع بينها وبين زوجها من الأمور الخاصة.
- وقد وصف النبي صلي الله عليه وسلم من يفعل ذلك بشيطان أتى شيطانه في الطريق والناس ينظرون.
- ومن مظاهر ضعف الحياء لدى بعض النساء: تبسطها بالتحدث مع الرجل الأجنبي مثل البائع وتليين القول له وترقيق الصوت من أجل أن يخفض لها سعر البضاعة.
- ومن المظاهر تشبه النساء بالرجال في اللباس وقصات الشعر والمشية والحركة.
- وهذا فعل مستقبح تأباه الفطرة السليمة والذوق والحياء وحرمه الشرع ونهى عنه.
رابعاً: الحياء من النفس:
- وهو حياء النفوس العزيزة من أن ترضى لنفسها بالنقص أو تقنع بالدون.
- يكون هذا الحياء بالعفة وصيانة الخلوات وحسن السريرة.
- فيجد العبد المؤمن نفسه تستحي من نفسه حتى كأن له نفسين تستحي إحداهما من الأخرى وهذا أكمل ما يكون من الحياء.
- فإن العبد إذا استحى من نفسه فهو بأن يستحي من غيره أجدر.(189/10)
- يقول أحد العلماء: ( من عمل في السر عملاً يستحي منه في العلانية فليس لنفسه عنده قدر.
- والحقيقة أن هناك نفساً أمارة بالسوء تأمر صاحبها بالقبائح.
- قال تعالى على لسان امرأة العزيز:{ وَمَا أبَرِّىءُ نَفسِي إنَّ النّفسَ لأَمّارَةٌ بِالسُوءِ إلاَ مَارَحِمَ رَبِيِ إنّ رَبِي غَفُورٌ رّحِيمٌ} (يوسف:53)
- والنفس الثانية هي النفس الأمارة بالخير الناهية عن القبائح وهي النفس المطمئنة.
- قال تعالى:{ يَا أيّتُهَا النّفسُ المُطمَئِنَةُ ارجِعِى إلى رَبِكِ رَاضِيَةً مَرضِيَةً فَأدخُلي في عِبادِي وَادخُلي جَنَتي} (الفجر:27-30)
خاتمة:
- علينا أن نجاهد أنفسنا فلا نجعلها تفكر في الحرام ولا تعمله حتى تكون من النفوس المطمئنة التي تبشر بجنة عرضها السموات والأرض.
- يقول تعالى: { وَالّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهدِيَنّهُمَ سُبُلُنَا وَإنّ اللّهَ لَمَعَ المُحسِنِينَ }العنكبوت:69.
- نسأل الله العزيز القدير ذا العرش المجيد أن يعصمنا من قبائحنا وأن يستر عوراتنا ويغفر زلاتنا ويقينا شرور أنفسنا وشر الشيطان وشركه.
- اللهم إنا نعوذ بك من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن.
المرجع: الحياء- دار القاسم.(189/11)
#الحيل
لغة: جمع حيلة، اسم من الاحتيال ،وأصله: الحذق فى تدبير الأمور ثم غلب فى العرف على أستعمال الطرق الخفية التى يتوصل بها المرء إلى حصول غرضه ، بحيث لا يتفطن له إلا بنوع من الذكاء والفطنة، كما فى مختار الصحاح (1).
واصطلاحا: تقديم عمل ظاهر الجوازة لإبطال حكم شرعى وتحويله فى الظاهر إلى حكم آخر.
والحيل ثلاثة أقسام:
1- حيل لا خلاف في تحريمها وإبطالها، كحيل المنافقين والمرائين ، ومن ذلك.
أ- الاحتيال للتفريق بين المؤمنين كما فى قوله تعالى: {والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون. لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين}التوبة:107-108.
ب- الاحتيال لإسقاط الواجب على المكلف (2)، كما في قوله صلى الله عليه وسلم (لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة). (رواه البخارى وأبو داود ، واللفظ للبخارى)(3). فهذا يعنى النهى عن احتيال مقصود به إبطال حكم شرعى وتحويله فى الظاهر إلى حكم آخر.
2- حيل جائزة، وذلك اذأ كان المقصود بها أخذ حق ، أو دفع باطل ، أو مكروه (أذى) يلحق بصاحبه ، كالنطق بكلمة الكفر حالة الإكراه.
يقول تعالى: {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفرصدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذابا عظيم}النحل:106.
3- ما اختلف فيه ، وهو ما لم يتبين بدليل قاطع موافقته لمقصد الشارع أو مخالفته ، فمن رأى من الفقهاء أن الاحتيال فى أمرها مخالفا للمصلحة منعه ، ومن رأى أن الاحتيال غير مخالف لها فهو عنده جائز، بشرط أن لا يكون قصد المكلف المحتال مخالفا لقصد الشارع الحكيم.(190/1)
ومثال ذلك من باع ماله أو وهبه عند رأس الحول فرارا من الزكاة، فإن أصل البيع أو الهبة على الجواز، ولو منع الزكاة من غيرهما لكان حراما، فهذا وما شابهه محل خلاف بين الفقهاء(4).
أ.د/على مرعى(190/2)
#الحيل (علم)
علم "الحيل" الذى عرف عند العرب بهذا الاسم هو ذلك العلم الذى أطلق عليه قدامى الإغريق اسم "الميكانيكا" ولا يزال يحمل هذه التسمية حتى الآن.
وقد ازدهر علم الحيل فى العالم الإسلامى ما بين القرنين الثالث والسابع الهجريين ، التاسع والثالث عشر الميلاديين ،واستمر عطاء المسلمين فيه حتى القرن السادس عشر الميلادى تقريبا.
ويمثل علم "الحيل النافعة" الجانب التقنى المتقدم فى علوم الحضارة الإسلامية حيث كان المهندسون والتقنيون يقومون بتطبيق معارفهم النظرية للإفادة منها تقنيا فى كل ما يخدم الدين ويحقق مظاهر المدنية والإعمار.
وقد جعلوا الغاية من هذا العلم "الحصول على الفعل الكبير من الجهد اليسيرا، ويقصد به استعمال الحيلة مكان القوة، والعقل مكان العضلات ، والآلة بدل البدن ، ذلك أن الشعوب السابقة كانت تعتمد على العبيد، وتلجأ إلى نظام السخرة في إنجاز الأعمال التى تحتاج إلى مجهود جسمانى كبير، فلما جاء الإسلام ونهى عن السخرة وإرهاق الخدم والعبيد وتحميلهم فوق ما يطيق الإنسان العادى، إلى جانب تحريمه المشقة على الحيوان أتجه المسلمون إلى تطوير الآلات لتقوم بالأعمال الشاقة، وبعد أن كانت غاية السابقين من علم "الحيل" لا تتعدى استعماله فى التاثير الدينى والروحى على اتباع مذاهبهم ، مثل استعمال التماثيل المتحركة أو الناطقة بواسطة الكهان ،واستعمال الأرغن الموسيقى وغيره من الآلات المصوتة فى المعابد، فقد جاء الإسلام وجعل الصلة بين العبد وربه بغير حاجة إلى وسائل وسيطة أو خداع حسى أوبصرى وأصبح لعلم "الحيل النافعة" هدف جديد هو التيسير على الإنسان باستعمال آلات متحركة.(191/1)
وقد ظهر هذا التوجه عند المسلمين الأوائل على أيدى نفر من العلماء الأعلام ،لعل أشهرهم أبناء موسى بن شاكر الذين عاشوا فى القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى) وألفوا كتابهم المعروف باسم "حيل بنى موسى" وقد قام دونالد هيل "D.Hill" بترجمته إلى الإنجليزية كاملا فى عام 1979م ، ويحتوى هذا الكتاب على مائة تركيب ميكانيكى مع شروح تفصيلية ورسوم توضيحه لطرائق التركيب والتشغيل ، وهو ما يدخل اليوم فى نطاق علم "الهندسة الميكانيكية" المعتمدة على حركة الهواء، أو حركة السوائل والتزامها.
وقد استعملوا نظام الصمامات الآلية ذات التشغيل المتباطىء وعرفوا طريقة التحكم الآلى والتشغيل عن بعد.
كذلك تضمنت ابتكارات المسلمين الأوائل فى علم الحيل النافعة تصميمات متنوعة لساعات وروافع آلية يتم فيها نقل الحركة الخطية إلى حركة دائرية بواسطة نظام يعتمد على التروس المسننة وهو الأساس الذى تقوم عليه جميع المحركات العصرية.
ومن المؤلفات التراثية الرائدة فى هذا المجال كتاب "الجامع بين العلم والعمل النافع فى صناعة الحيل" ، لبديع الزمان الرزاز الجزرى الذى عاش فى القرنين السادس والسابع الهجريين (الثانى عشروالثالث عشر الميلاديين).
وقد وصفه مؤرخ العلم المعاصر"جورج سارتون "بأنه أكثرالكتب من نوعه وضوحا ويمكن اعتباره الذروة في هذا النوع من إنجازات المسلمين.
أ.د/أحمد فؤاد باشا(191/2)
#الحُلْم
الحُلْم: الرؤيا ، والجمع: أحلام يقال: حلم يحلم: إذا رأى فى نومه رؤيا، والحلم: ما يراه النائم فى نومه من الأشياء، ولكن غلبت الرؤيا على ما يراه من الخير والشئ الحسن ، وغلب الحلم على ما يراهن من الشر والقبح ، ومنه قوله تعالى: {أضغاث أحلام}يوسف:44 ، فى حديث: (الرؤيا من الله والحلم من الشيطان) رواه البخارى ، وفى الاستعمال: يعبر كل منهما عن الآخر.
بدأ الانسان حياته على الأرض وهو يحلم ،وما زال يحلم حتى الآن. وفى سجل الحضارات بيان لأهمية الأحلام فى حياة الإنسان ، وخاصة احلام ملوكهم من حيث إنها منذرة أو مبشرة بأحداث قادمة، مما الجأ الملوك إلى البحث عن مفسرين لأحلامهم عرفوا باسم: (رجال المعرفة فى مكتبة السحر) وقد اكتشفت إحدى اللوحات أمام غرفة فى أحد المعابد مكتوب عليها: (إنى أفسر الأحلام ولدى إذن من الآلهة بأن أقوم بذلك).(192/1)
ساد الاعتقاد فى المجتمعات القديمة بأن الذى يحدث فى النوم هو أن الروح تترك الجسد وتهيم فى مكان آخر، أو أنها تواجه الآلهة. ويرى أفلاطون أن الأحلام تمثل تحرر الروح من قيود الجسد، لتعبرعن مكامن خفية فى حياتنا والتى لا تعيها فى أنفسنا، إذ يقول: "فالنوم.... ، فإن الوحش الهائج فى داخلنا ، والذى أشبع اللحم والشراب ، فإنه ينتصب ، وينفض عنه النوم ، ويسعى فى طلب ذلك الذى يرضى غرائزه..." وبهذا القول يتضح أن أفلاطون رأى فى الأحلام تعبيرا عن قوى وحاجات غريزية تكمن فى الفرد ذاته ، ولا تأتى إليه من خارجه ، مخالفا بذلك ما قالت به النظرية التاريخية من أن الأحلام هى رسائل يستلمها الحالم ، وبدون فعل آخر منه يتجاوز هذا الاستلام. وهذا ما ذهب إليه "فرويد" فى العصر الحديث من أن الأحلام تعبر عن مكنونات خفية عن الوعى، أو أنها فى معظمها تعود إلى ذكريات بعيدة فى الطفولة أو الحداثة. وقد عارضه بعض الباحثين مثل: "ازرنسكى"، و "كلايتمان" اللذين كانت أبحاثهما بداية اكتشاف للمنظور العلمى الحديث للأحلام ، الذى يربط بين ظاهرة الأحلام ونشاطات بيولوجية وفسيولوجية واسعة فى الدماغ والجسم.
وبهذا يتبين أن المنظور السيكولوجى الذى طوره "فرويد" ليس بالمنظور الوحيد -أو حتى الصحيح- فى مجمله فى تفسيرظاهرة الأحلام.
اعتقد العرب أن الأحلام هى من فعل القوى الخارقة والتى شملت الآلهة، كما شملت الشياطين والأرواح الشريرة، فاهتموا بها وأقبلوا على تفسيرها، وعمق هذا الاهتمام لديهم ما ورد فى القرآن الكريم عن الرؤى والأحلام ، فقد جاء الحديث عن الرؤيا فى أربع سور: (يوسف ، والإسراء ، والصافات ،والفتح).
ففى سورة يوسف:
1- إخبار يوسف لأبيه بأنه رأى أحد عشر كوكبا والشمس والقمر ساجدين له.(192/2)
2- سؤال صاحبى السجن عن تفسير ما رأياه فى منامهما بأن أحدهما رأى أنه يعصر خمرا ، والآخر يحمل فوق رأسه خبزا تأكل الطير منه ، ففسر لهما هذه الرؤيا بقوله: {ياصاحبى السجن أما أحدكما فيسقى ربه خمرا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه}يوسف:41.
3- سؤال الملك ليوسف عن تفسير ما رآه فى منامه ، من أن سبع بقرات سمان يأكلن سبع عجاف ، وكان الجواب: {... تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه فى سنبله إلا قليلا مما تأكلون. ثم يأتى من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون. ثم يأتى من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون}يوسف:47-49.
وقوله تعالى: {وما جعلنا الرؤيا التى أريناك إلا فتنة للناس...}الإسراء:60 ، فقد روى الرازى فى تفسيره للرؤيا فى هذه الآية أربعة أقوال: أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى فى منامه:
1- دخوله مع المسلمين مكه.
2- مصارع كفار قريش فى غروة.
3- ارتقاء بنى أمية منبره.
4- ما أراه الله فى ليلة الإسراء على اعتبار أنه لا فرق بين الرؤية والرؤيا فى اللغة.
وفى قوله تعالى: {قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزى المحسنين}الصافات:105 ، خطابا لإبراهيم حين أطاع الله ، فهم بتنفيذ ما أراه الله فى منامه: {فلما بلغ معه السعى قال يابنى إنى أرى فى المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى...}الصافات:102.
وفى قوله تعالى: {لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين}الفتح:27 ، فهذه الآية تخبر بأن الله كان قد أرى محمد صلى الله عليه وسلم فى منامه أنهم سيدخلون مكة.(192/3)
أما الحلم ، فلم يرد فى القرآن الكريم -فى مجال التعبير عما يراه المرء فى منامه إلا بصيغة الجمع وصفا لما يراه المرء فى نومه من الشر والقبح ، {قالوا أضغاث أحلام...}يوسف:44 ، فالضغت من الخبروالأمر: ما كان مختلطا لا حقيقة له ،ومنه قيل للأحلام الملتبسة: أضغاث ، ومنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (الرؤيا من الله والحلم من الشيطان).
تعتبر رؤيا الأنبياء بمثابة الوحى إليهم ، فقد أخبرنا القرآن الكريم عما رآه إبراهيم فى منامه بأن يذبح ولده ، فهم بذبحه لأنه اعتبر هذه الرؤيا وحيا من الله واجب التنفيذ، كما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (رؤيا الأنبياء وحى) (رواه البخارى).
وعنه أيضا: (الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة). (رواه البخارى).
اهتم الباحثون فى المجتمع الإسلامى بالرؤيا، واشتهر منهم محمد بن سيرين (المتوفى 108هـ-728 م) الذى ألف عددا من الكتب فى تفسير الأحلام والرؤى، وكثر المعبرون للرؤى بعد ابن سيرين ، تحدث عنهم عبد الغنى بن اسماعيل ، الملقب بابن النابلسى فى كتابه: (طبقات المعبرين) الذى تضمن الإشارة إلى أكثر من سبعة آلاف مفسر للأحلام.
الحلم ، والاحتلام: الجماع ونحوه فى النوم ، الاسم: الحلم ، ففى القرآن الكريم: {والذين لم يبلغوا الحلم منكم}النور:58 ، أى لم يصلوا من الصبيان إلى حد البلوغ. وفى الحديث أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر معاذا أن يأخذ من كل حالم دينارا ، يعنى الجزية.
قال أبو الهيثم: أراد بالحالم كل من بلغ الحلم ، وجرى عليه حكم الرجال ، احتلم أم لم يحتلم.
الحلم بكسر الحاء: الأناة والعقل ،وجمعه: أحلام ، فى القرآن الكريم: {أم تأمرمم أحلامهم بهذا}الطور:32.
أى تأمرهم عقولهم بما كانوا يقولون؟ وفى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الجماعة: (ليلينى منكم أولو الأحلام والنهى) رواه ابن ماجه ، أى ذوو الألباب والعقول.(192/4)
والحليم فى صفة الله عز وجل معناه: الصبور، أى أنه الذى لا يستخفه عصيان العصاة، ولا يستفزه الغضب عليهم.
أ.د/محمد شامة(192/5)
#الخرقة
لغة: القطعة من الثوب الممزق، وخرق الشىء مزقه وشقه.كما فى المعجم الوسيط.
واصطلاحا: هى ما يلبسه المريد من شيخه الذى دخل فى إرادته.
ويرى الصوفية أن فى لبسها معنى المبايعة، وأنها تمثل عتبة دخول المريد فى صحبة الشيخ الذى يتولى تربيته وتهذيب أخلاقه وتقويم سلوكه.
وللبس الخرقة مراسم يشترك فى أدائها كل من الشيخ والمريد وإن كان الشيخ يتولى القسط الأكبر منها، فهو يتطهر ويتوضأ ثم يأمر المريد بذلك ثم توضع الخرقة بين أيديهما ، ويقرأ الشيخ الفاتحة، ثم يقوم بإلباسا للمريد مبينا له سند وصولها إليه ثم يأخذ عليه عهد الوفاء لشرائطها، ويعرفه حقوق الخدمة.
ويقول الصوفية إنه يسرى -عند ذلك- من باطن الشيخ حال إلى باطن المريد كسراج يقتبس من سراج ، وبعضهم يشبهها بقميص يوسف عليه السلام الذى لما ألقاه البشير على وجه أبيه يعقوب عليه السلام ارتد بصيرا.
ويذكر السهروردى أن الخرقة خرقتان:
خرقة إرادة وخرقة تبرك ، ومقصود الصوفية هو الأولى منهما، أما الثانية فتأتى تبعا لها.
وقد أفاض القاشانى فى بيان الفوائد التى تترتب على لبس الخرقة. وقد أراد الصوفية أن يجعلوا للخرقة إسنادا متصلا إلى الحسن البصرى عن الامام على رضى الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم ويذكر الشعرانى أن ابن حجر والسيوطى صححا هذا الإسناد.
ولكن ابن الجوزى يرفض ذلك رفضا حاسما.
على حين يرى ابن خلدون أن فى ربط الخرقة بالإمام على مظهرا من مظاهر تأثر التصوف بالتشيع.
وقد قال السهروردى -الذى كان من أهم من تحدثوا عن الخرقة- عن الهيئة التى تعتمدها الشيوخ فى هذا الزمان لم تكن فى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه قد كانت طبقة من السلف الصالحين لا يعرفون الخرق ولا ينبسونها المريدين".
وقد رأينا من المشايخ من لا يلبس الخرقة ومن يسلك بأقوام من غير لبس الخرقة، واللون المفضل للخرقة هو اللون الأزرق ، ولكنه ليس بلازم.
أ.د/عبد الحميد مدكور(193/1)
----------------------------
قلت : لا يصح في إسنادها شيء
وفي المقاصد الحسنة للسخاوي(852 ) حديث: لبس الخرقة الصوفية، وكون الحسن البصري لبسها من علي، قال ابن دحية وابن الصلاح: إنه باطل، وكذا قال شيخنا: إنه ليس في شيء من طرفها ما يثبت، ولم يرد في خبر صحيح، ولا حسن، ولا ضعيف، أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم ألبس الخرقة على الصورة المتعارفة بين الصوفية لأحد من أصحابه ، ولا أمر أحداً من أصحابه يفعل ذلك، وكل ما يروى في ذلك صريحاً فباطل، قال: ثم إن من الكذب المفترى قول من قال: إن علياً ألبس الخرقة الحسن البصري، فإن أئمة الحديث لم يثبتوا للحسن من علي سماعاً فضلاً عن أن يلبسه الخرقة، ولم يتفرد شيخنا بهذا، بل سبقه إليه جماعة حتى من لبسها وألبسها كالدمياطي والذهبي والهكاري وأبي حيان والعلائي ومغطاي والعراقي وابن الملقن والأبناسي والبرهان الحلبي وابن ناصر الدين، وتكلم عليها في جزء مفرد، وكذا أفردها غيره ممن توفي من أصحابنا، وأوضحت ذلك كله مع طرقها في جزء مفرد، بل وفي ضمن غيره من تعاليقي، هذا مع إلباسي إياها لجماعة من أعيان المتصوفة امتثالاً لإلزامهم لي بذلك، حتى تجاه الكعبة المشرفة تبركاً بذكر الصالحين واقتفاء لمن أثبته من الحفاظ المعتمدين.(193/2)
الخشوع والطمأنينة في الصلاة
الخشوع والطمأنينة في الصلاة
مقدمة:
· الخشوع هو روح الصلاة ومادة حياتها وإنسان عينها.. وهو ثمرة الإيمان وطمأنينة النفس.
· الذي لا يخشع في صلاته ربما ينصرف ولم يكتب له من صلاته إلا الشيء اليسير.
· الخشوع في الصلاة إنما يحصل لمن فرغ قلبه لها،واشتغل بها عما عداها وآثرها على غيرها.
· ذكر الله عز وجل الخاشعين والخاشعات في صفات عباده الأخيار، وأنه أعد لهم مغفرة وأجراً عظيماً.
أهمية الخشوع والطمأنينة وفضلها
· قال صلى الله عليه وسلم : { إن الرجل لينصرف، وما كتب له إلا عُشر صلاته، تُسعها، ثُمنها، سُبعها، سُدسها، خُمسها، ربُعها، ثُلثها، نُصفها } [رواه أبو داود والنسائي].
· { ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نقرة الغراب، وافتراش السبع، وأن يوطن الرجل المكان في المسجد كما يوطن البعير } [رواه أحمد وأبو داود].
· قال صلى الله عليه وسلم: { أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته. قالوا يا رسول الله: وكيف يسرق من صلاته؟ قال: لا يتم ركوعها ولا سجودها }.
· عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { لا ينظر الله إلى رجل لا يقيم صلبه بين ركوعه وسجوده }.رواه أحمد.
· قال صلى الله عليه وسلم : { تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقرها أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً } [رواه مسلم].(194/1)
· عن أبي هريرة رضي الله عنه: { أن رجلاً دخل المسجد ورسول الله جالس فيه فرد عليه السلام، ثم قال له: ارجع فصل فإنك لم تصل. فرجع فصلى كما صلى، ثم جاء فسلم علي النبي فرد عليه السلام ثم قال: ارجع فصل فإنك لم تصل، فرجع فصلى كما صلى، ثم جاء فسلم على النبي فرد عليه السلام، وقال: ارجع فصل فإنك لم تصل ثلاث مرات، فقال في الثالثة: والذي بعثك بالحق يا رسول الله ما أحسن غيره فعلمني. فقال : إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم اجلس حتى تطمئن جالساً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، وافعل ذلك في صلاتك كلها } رواه البخاري ومسلم.
· عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود }.
· وهذا نص عن النبي في أن من صلى ولم يُقم ظهره بعد الركوع والسجود كما كان، فصلاته باطلة، وهذا في صلاة الفرض، وكذا الطمأنينة أن يستقر كل عضو في موضعه.
· قال صلى الله عليه وسلم : { خمس صلوات كتبهن الله على العباد فمن جاء بهن ولم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة } [رواه أبو داود والنسائي].
· قال الله تعالى: { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ{1} الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ{2} المؤمنون1-2 . أي خائفون ساكنون، والخشوع هو السكون والطمأنينة والتؤدة والوقار والتواضع، والحامل عليه هو الخوف من الله ومراقبته، والخشوع أيضاً هو قيام القلب بين يدي الرب بالخضوع والذل.
من مظاهر عدم الخشوع في الصلاة:
1- عدم الطمأنينة وتأدية الصلاة بسرعة وعجلة ونقرها كنقر الغراب.
2- العبث بالفرش أو الحصى وتقليب العين في النقوش والزخارف.
3- الالتفات في الصلاة ورفع البصر إلى السماء.(194/2)
4- السهو في الصلاة وعدم التركيز فلا يدري على كم ينصرف من الركعات.
5- كثرة الهواجس والخواطر وذكر أمور الدنيا في الصلاة.
6- العبث بالساعة والنظر إليها أو إصلاح أطراف الثوب وتحريك العباءة.
7- مسابقة الإمام في الركوع والسجود.
من أحوال الخاشعين في الصلاة
· قال عمر بن الخطاب على المنبر: إن الرجل ليشيب عارضاه في الإسلام وما أكمل لله تعالى صلاة، قيل: وكيف ذلك؟ فقال: لا يُتم خشوعها وتواضعها وإقباله على الله عز وجل.
· قال الحسن: سمعهم عامر بن عبد قيس وما يذكرون من ذكر الضيعة في الصلاة، قال: تجدونه؟ قالوا: نعم، قال: والله لئن تختلف الأسنة في جوفي أحب إليَّ أن يكون هذا في صلاتي.
· يقول أبو بكر بن عياش: رأيت حبيب بن أبي ثابت ساجداً، فلو رأيته قلت ميت، يعني من طول السجود.
· كان إبراهيم التيمي إذا سجد كأنه جذم حائط ينزل على ظهره العصافير.
· قال ابن وهب: رأيت الثوري في الحرم بعد المغرب، صلى، ثم سجد سجدة، فلم يرفع حتى نودي بالعشاء.
· صلى أبو عبد الله النباحي يوماً بأهل طرسوس، فصيح بالنفير، فلم يخفف الصلاة، فلما فرغوا قالوا: أنت جاسوس، قال: ولم؟ قالوا: صيح بالنفير وأنت في الصلاة فلم تخفف. قال: ما حسبت أن أحداً يكون في الصلاة فيقع في سمعه غير ما يخاطب به الله عز وجل.
· كان الإمام البخاري يصلي ذات ليلة، فلسعه الزنبور سبع عشرة مرة، فلما قضى الصلاة، قال: انظروا أيش آذاني.
· عن ميمون بن حيان قال: ما رأيت مسلم بن يسار متلفتاً في صلاته قط خفيفة ولا طويلة، ولقد انهدمت ناحية المسجد ففزع أهل السوق لهدته وإنه في المسجد في صلاته فما التفت.
· عندما سُئل خلف بن أيوب: ألا يؤذيك الذباب في صلاتك فتطردها قال: لا أُعوِّد نفسي شيئاً يفسد علي صلاتي، قيل له: وكيف تصبر على ذلك؟ قال: بلغني أن الفساق يصبرون تحت سياط السلطان فيقال: فلان صبور ويفتخرون بذلك ؛ فأنا قائم بين يدي ربي أفأتحرك لذبابة؟!!.(194/3)
· قال القاسم بن محمد: غدوت يوماً وكنت إذا غدوت بدأت بعائشة رضي الله عنها أسلِّم عليها، فغدوت يوماً إليها فإذا هي تصلي الضحى وهي تقرأ:{فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ } [الطور:27]، وتبكي وتدعو وتردد الآية فقمت حتى مللت وهي كما هي، فلما رأيت ذلك ذهبت إلى السوق فقلت: أفرغ من حاجتي ثم أرجع، ففرغت من حاجتي ثم رجعت وهي كما هي تردد الآية وتبكي وتدعو.
· عن حاتم الأصم أنه سئل عن صلاته فقال: إذا حانت الصلاة أسبغت الوضوء وأتيت الموضع الذي أريد الصلاة فيه فأقعد فيه حتى تجتمع جوارحي، ثم أقوم إلى صلاتي وأجعل الكعبة بين حاجبي والصراط تحت قدمي والجنة عن يميني والنار عن شمالي وملك الموت ورائي أظنها آخر صلاتي، ثم أقوم بين الرجاء والخوف وأكبر تكبيراً بتحقيق وأقرأ قراءة بترتيل وأركع ركوعاً بتواضع وأسجد سجوداً بتخشع وأقعد على الورك الأيسر وأفرش ظهر قدمها وأنصب القدم اليمنى على الإبهام وأتبعها الإخلاص، ثم لا أدري أقبلت مني أم لا؟
· هذه وصية بكر المزني تنادي بالحرص على الصلاة وإتمامها على وجهها الصحيح إذ قال: إذا أردت أن تنفعك صلاتك، فقل: لا أصلي غيرها.
· رغم تلك العناية بالصلاة وشدة المحافظة عليها فإن عثمان بن أبي دهرش قال: ما صليت صلاة قط إلا استغفرت الله تعالى من تقصيري فيها.
الوسائل المعينة على الخشوع في الصلاة.
أولاً: أسباب لا تتعلق بالصلاة وهي:
1- توحيد الله عز وجل في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته.
2- تعظيم جناب الرب تبارك وتعالى والإخلاص له ومراقبته في السر والعلانية.
3- تجريد الاتباع للرسول صلى الله عليه وسلم .
4- تقوى الله بفعل المأمورات وترك المحظورات.
5- أكل الحلال الطيب والبعد عن الحرام وتجنب الشبهات.
6- الدعاء والتضرع إلى الله عز وجل بأن يرزقك الخشوع.
7- صحبة الخاشعين ومسايرتهم.
ثانياً: تتعلق بالصلاة... منها:
1-اجمع نفسك وأحضر قلبك قبل الدخول في الصلاة.(194/4)
2-استشعار عظمة من ستقف أمامه وهو الله عز وجل.
3- الرجاء في الحصول على ثواب الصلاة كاملاً.
4- إحسان الوضوء وعدم الإسراف وترك الأعقاب.
5- تهيأ قبل الدخول في الصلاة قال صلى الله عليه وسلم: { لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان } [رواه مسلم]، وليكن المكان مهيأً للصلاة.
6- الحذر من التهاون في أداء الصلاة مع الجماعة والسعي لها مع الأذان.
7- لا تدع النوافل وبخاصة الرواتب كالوتر وسنة الفجر وعليك بقيام الليل.
8- تفكر في معاني الآيات والأذكار التي تقرأها وترددها.
9- لا تتعجل في صلاتك ولا تكن الصلاة أهون شيء عندك تؤديها كيفما كان.
10- التأدب في الصلاة بعدم الحركة أو الالتفات أو العبث المنهي عنه.
11- التزم بأحكام الصلاة وآدابها، واجعل نظرك في موضع سجودك... قال صلى الله عليه وسلم { صلوا كما رأيتموني أصلي }.
12- تابع الإمام فإنما جعل الإمام ليؤتم به.
13- فرغ قلبك من شواغل الدنيا... فهي كلها بما فيها من فتن وشواغل لا تساوي عند الله جناح بعوضة.
14- تجنب الصلاة في الأماكن التي فيها آلات اللهو أو التصاوير أو تشويش أو أصوات ولغط.
15- صلِّ صلاة مودع فكل من نعرفهم رحلوا بعد صلاة مكتوبة وأنت لا بد منهم.
خاتمة:
· قال صلى الله عليه وسلم: { ما من امرئ تحضره صلاة مكتوبة، فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها، إلا كانت كفارة من الذنوب ما لم تؤت كبيرة، وذلك الدهر كله } [رواه مسلم].
المرجع: ارجع فصلِّ فإنك لم تصل-عبدالملك القاسم-دار القاسم.(194/5)
#الخضر
الخضر: هو عبد من عباد الله آتاه الله تعالى نعمة من عنده ، وعلمه من لدنه علم الباطن إلهاما(1). وقصته مع سيدنا موسى عليه السلام في سورة الكهف (2) ، ولم يكن نبيا عند أكثر أهل العلم (3).
وسمع أبو حاتم السجستانى مشايخه يقولون: "إن أطول بنى آدم عمرا: الخضر، واسمه خضرون بن قابيل بن آدم"(4). لكن قد ورد ما يدل على أنه كان من بنى اسرائيل فى زمان فرعون (5). وصحح ابن جرير أنه كان متقدما فى الزمان حتى أدركه موسى عليه السلام (6).
وفى الصحيح المرفوع: "إنما سمى الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هى تهتز خلفه خضراء"(7). وأخرجة عبد الرزاق ثم قال: والفروة: الحشيش الأبيض وما أشبهه ، يعنى: الهشيم اليابس (8).
وقال السهيلى بصحة الطرق الواردة باجتماعه مع النبى صلى الله عليه وسلم وتعزيته لأهل البيت بعد وفاته عليه الصلاة والسلام (9).
وقال الأكثرون من العلماء إنه حى الآن.
وهذا متفق عليه عند مشايخ الصوفية وأهل الصلاح والمعرفة (10) ،واستشهد الجمهور على ذلك بأخبار عديدة(11).
وقد اختلف العلماء فى اسمه ونسبه ونبوته وحياته إلى الآن (12)، وبناء عليه فليس ذلك من العقائد والله أعلم.
أ.د/عبد الغفور محمود مصطفى
=======================
قلت : قد بينت في كتابي (( الرد على من زعم أن الخضر حي )) ضعف وبطلان الروايات التي تقول بحياته(195/1)
#الخطابة
لغة: مصدر خطب يخطب أى باشر الخطبة كما فى اللسان (1).
واصطلاحا: قد عرفت بتعريفات كثيرة منها تعريف "أرسطو" بأنها: القدرة على النظر فى كل ما يوصل إلى الإقناع فى أى مسألة من المسائل (2).
وعرفها ابن رشد بأنها: قوة تتكلف الإقناع الممكن فى كل واحد من الأشياء المفردة(3).
وعرفها بعض المحدثين بأنها: نوع من فنون الكلام غايته إقناع السامعين واستمالتهم والتأثير فيهم بصواب قضية أو بخطأ أخرى(4).
وعرفت بأنها: علم يقتدر بقواعده على مشافهة الجماهير بفنون القول المختلفة لإقناعهم واستمالتهم (5).
والخطابة ضرورة اجتماعية تفرضها الظروف ، وتعبر عن المجتمع بوجه عام ، وكل الأمم فى حاجة إليها، بل إن المواقف المجيدة فى تاريخ الأمم مدينة للخطباء الذين عبروا عن قضاياهم أصدق تعبير، وأثروا فى مجتمعاتهم أعظم التأثير.
والخطابة أنواع كثيرة منها: الخطابة العلمية، والخطابة السياسية، والخطابة العسكرية، والخطابة الدينية ، والخطابة الاجتماعية، والخطابة القضائية، والخطابة الحفلية.
وللخطابة طرق للتحصيل وعوامل للرقى، فمن طرق تحصيلها: الموهبة والاستعداد الفطرى، ودراسة أصول الخطابة، ودراسة كثير من كلام البلغاء، وحفظ الكثيرمن الألفظ والأساليب ، وكثرة الاطلاع على العلوم المختلفة، والتدريب والممارسة.
أما عوامل رقيها فمنها: الحرية، وطموح الأمة إلى حياة أرقى وذلك -مثلا- إذا ما تفشى فى أمة من الأمم سخط على نظام قائم ووجدت إرادة فى التغيير إلى الأفضل ، والتاريخ القديم والمعاصر يشهدان لهذا ،والتغيرات الدينية والسياسية والاجتما عية، والحروب والثورات ، وكثرة الأحزاب والتكتلات مع تنازعها ، والرغبة فى إصلاح ذات البين.
وفن الخطابة له أصول يتعلق بعضها بالخطيب وبعضها بالخطبة.(196/1)
فأما ما يتعلق بالخطيب فأهمه: الموهبة ورباطة الجأش ، وسلامة الصوت من العيوب ،وطول النفس ، وحسن الوقفة ، وحسن استخدام الإشارة فى موضعها المناسب ، والسمت الذى يستميل سامعيه.
وأما ما يتعلق بالخطبة فأهمه: براعة الاستهلال ، ووفرة المحصول من مختلف أساليب البيان، والتنقل بين الانشائية والخبرية، ووضوح المعانى من خلال قصر الجمل ، وملاحظة تقسيم الخطبة، ثم موضوع الخطبة، ثم الختام الذى يجب أن يشتمل على جمل يسهل تردادها وتذكرها بعد انتهاء الخطيب من خطبته وخاصة فى النوعين السياسى والدينى من الخطابة.
هذا وتجدر الإشارة إلى بعض الأسماء من الخطباء الذين خلد التاريخ ذكرهم مثل: "ميرابو" و"سحبان وائل" و"قس بن ساعدة" و"واصل بن عطاء" فى القديم ، ومثل "غاندى" و"مصطفى كامل" و"سعد زغلول" فى الحديث (6).
وللخطابة علاقة وثيقة بغيرها من العلوم ، فبالنسبة للعلوم الإنسانية: لها علاقة وثيقة بعلم المنطق ، وعلم النفس وخاصة علم نفس الجماعة، وعلم الاجتماع.
وبالنسبة للعلوم الاسلامية: فهى تتصل بكل هذه العلوم ، والعلوم الإسلامية تفيد علم الخطابة بصفة عامة والخطابة الدينية بصفة خاصة.
ومن أهم ما يحتاجه الخطيب من العلوم الإسلامية ومصادرها: القرآن الكريم ، والسنة النبوية، ومقارنة الأديان ، ومعرفة الأحكام الفقهية ومصادر التشريع ، والعلم بالتاريخ الإسلامى -ولا تخفى علاقتها- أيضا.
بالشعر والأدب ، والكتابة، والأخلاق والسياسة(7).
أ.د/عبد الصبور مرزوق(196/2)
الخلاف-قواعد في التعامل مع المخالف -1
الخلاف-قواعد في التعامل مع المخالف
1- حال أهل الإيمان
· يوضح نبينا عليه الصلاة والسلام حال أهل الإيمان فيشبههم بالجسد الواحد (مثل المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى سائر الجسد بالحمّى والسَّهَر).
· ترجمة ذلك موجود في أفعال سلف الأمة، فقد نقل أن الرجل منهم إذا رأى أخاه يبكي بكى لبكائه ثم يسأله بعد ذلك عما أبكاه. يقول حذيفه العدوى: انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عم لي ومعي شئ من الماء وأنا أقول إن كان به رمق سقيتة فإذا أنا به فقلت له: أسقيك؟ فأشار برأسه: أن نعم، فإذا أنا برجل يقول: آه، آه. فأشار إلىَّ ابن عمي: أن أنطلق إليه، فإذا هو هشام بن العاص، فقلت: أسقيك؟ فأشار أن نعم، فسمع آخر يقول: آه، آه، فأشار هشام أن أنطلق إليه، فجئت فإذا هو قد مات، فرجعت إلى هشام فإذا هو قد مات فرجعت إلى ابن عمي فإذا هو قد مات.
2- المحبة في الدنيا
· الأخوة الإيمانية جزء أصيل من عقيدة الإيمان، ورتبة عالية من رتب الإسلام؛ ولذا كان جزاء هذه المحبه في الدنيا حلاوة يجدها المؤمن في قلبه تفوق كل لذة، وفي الآخرة يدخله الرحمن ظلا ظليلا.
· عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان ، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا الله، وأن يكره أن يعود للكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار).
· عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن الله تعالى يقول يوم القيامة أين المتحابون بجلالي، اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي).(197/1)
· قال ابن تيميه: (جعل الله عباده المؤمنين بعضهم أولياء بعض, وجعلهم إخوة, وجعلهم متناصرين متراحمين متعاطفين وأمرهم سبحانه بالإئتلاف و نهاهم عن الافتراق والاختلاف, فكيف يجوز مع هذه لأمة محمد أن تفترق وتختلف حتى يوالي الرجل طائفة ويعادى طائفة أخرى بالظن والهوى بلا برهان من الله تعالى.
3- أهمية الاتفاق والاجتماع
· من تأمل أحكام الشرع وجد مظاهر كثيرة تؤكد على أهمية الاتفاق والاجتماع، وتقضي على الفرقة والشتات فجمعت الناس في أنساكهم وصيامهم وصلاتهم أن يشرعوا فيها في وقت واحد ويختموها في وقت واحد وشرع الاصطفاف للصلاة، ونهى عن تفويت الجماعة في الصلوات.
4- الدعوة للاتفاق ليست إلغاء للخلاف:
· فالافتراق وصف مذموم في الشرع قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْء} [الأنعام:59] وقد نهى الله تعالى عنه نهياً مطلقاً كما قال: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103] وقال: {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى:13] .
· أما الاختلاف فإنه قد يكون رحمة، وأهله معذورون: قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (والنزاع في الأحكام قد يكون رحمة إذا لم يفض إلى شرٍ عظيم من خفاء الحكم ولهذا صنف رجل كتاباً سماه: كتاب الإختلاف فقال الإمام أحمد: سَمّه كتاب السَّعَة، وإن الحق في نفس الأمر واحد، وقد يكون من رحمة الله ببعض الناس خفاؤه، لما في ظهوره من الشدة عليه).
· وقد وقع الخلاف بين السابقين من أفضل قرون هذه الأمة من الصحابة والتابعين ولم يوجب افتراقاً، ولذا لم يكن مذموماً .(197/2)
· نقل الشاطبي جملة مما اختلف فيه أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مما هو من محالّ الاجتهاد ثم قال: (وغير ذلك مما اختلفوا فيه، وكانوا مع ذلك أهل مودة وتناصح وأخوه الإسلام فيما بينهم قائمة فلما حدثت الأهواء المردية التي حذر منها الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وظهرت العداوات وتحزب أهلها، فصاروا شيعاً، دل على أنه إنما حدث ذلك من المسائل المحدثة التي ألقاها الشيطان على أفواه أوليائه).
· ضابط التفرق أنه: تشتتت الشمل والكلمة. وهو بهذا يشل حركة المجتمع ويضعف المسلمين، ويمكن أعدائهم منهم كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وهذا التفريق الذي حصل من الأمة علمائها ومشائخها، وأمرائها وكبرائها هو الذي أوجب تسلط الأعداء عليها... وإذا تفرق القوم فسدوا وهلكوا، وإذا اجتمعوا اصلحوا وملكوا؛ فإن الجماعة رحمةٌ والفرقة عذاب).
· أما الخلاف فإنه لا يذم متى كان في المسائل التي يسوغ فيها الاجتهاد وإبداء الرأي وهو مالا يعارض قاطعاً من الكتاب والسنة وإجماع الأمة. سواء من مسائل العلم أو أوضاع الدعوة وأحوال العمل.
· مع أن نبذا التفرق حتى ولو كان على خلاف سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وارد إذا كن لقائله نوع تأويل كما حصل لابن مسعود -رضي الله عنه- لما أتم عثمان بن عفان -رضي الله عنه- الصلاة بمنى أربع ركعات خلافاً لما كان عليه رسول الله ل وأبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- فاسترجع ابن مسعود وقال: صليت مع رسول الله بأبي بكر وعمر بمنى ركعتين فليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان. ثم صلى أربعاً فقبل له: عتبت على عثمان ثم صليت مع أربعاً، فقال: الخلاف شر.(197/3)
· يلخص ابن القيم المعنى الذي نريده بقوله: (وقوع الاختلاف بين الناس أمر ضروري لابد منه لتفاوت إرادتهم وأفهامهم وقوى إدراكهم، ولكن المذموم بغي بعضهم على بعض وعدوانه وإلا إذا كان الاختلاف على وجه لا يؤدي إلى التباين والتحزب، وكل من المختلفين قصده طاعة الله ورسوله، لم يضر ذلك الاختلاف، فإنه أمر لابد منه في النشأة الإنسانية. لكن إذا كان الأصل واحداً والغاية المطلوبة واحدة والطريق المسلوكة واحدة لم يكد يقع اختلاف، وإن وقع كان اختلافاً لا يضر كما تقدم من اختلاف الصحابة، فإن الأصل الذي بنوا عليه واحد وهو كتاب الله وسنة رسوله، والقصد واحد وهو طاعة الله ورسوله، والطريق واحد، وهو النظر في أدلة القرآن والسنة وتقديمها على كل قول ورأي وقياس وذوق وسياسة) .
وسائل تؤدي للاتفاق:
أولاً: الإنصاف مع المخالف:
· فإن الاختلاف في الرأي لا يمكن أن يكون مؤدياً إلى فتنة، أو مورثاً لفرقة إلا إذا صاحبة بغى أو هوى .
· قال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِنبَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا} [آل عمران:19].
· الله تعالى مع أمره بعدم موالاة الكفار قال: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:8]. قال ابن تيمية: (وهذه الآية نزلت بسبب بغضهم للكفار، وهو بغضٌ مأمور به، فإن كان البغض الذي أمر الله به قد نهى صاحبه أن يظلم من أبغضه، فكيف في بغض مسلم بتأويل وشبهة أو بهوى نفس فهو أحق أن لا يظلم) .
· إذا أنصف الإنسان حمله إنصافه على أن يعرف قدر الخطأ، فلا يعطيه أكبر من حقه، كما لا ينسى سابقة قائله، وظروفه التي حملته على فعله، ولا يغيبن عنك فعل حاطب بن أبي بلتعة وكيف أن عقوبته منع من ترتبها عليه مشهده العظيم يوم بدر.(197/4)
· لقد قال ابن القيم: (من قواعد الشرع والحكمة أن من كثرت حسناته وعظمت وكان له في الإسلام تأثير ظاهر فإنه يحتمل منه ما لا يحتمل من غيره ويعفى عنه ما لا يعفى من غيره فإن المعصية خبث والماء إذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث.. وهذا أمر معلوم عند الناس مستقر في فطرهم أن من له ألوف الحسنات فإنه يسامح بالسيئة والسيئتين وكما قيل:
وإذا الحبيب أتى بذنب واحد ***جاءت محاسنه بألف شيع.
· كذلك قد يكون العالم أو الداعية أو الأمير غير قائم بشيء من أحكام الشرع لعذر، فمن أنصف عذره، وقد ضرب ابن تيمية أمثلة لهذا فذكر النجاشي وأنه لم يعمل بكثير من شرائع الإسلام كالهجرة والجهاد والحج، كما أنه لم يحكم قومه بالقرآن لعدم استطاعته وذكر مؤمن آل فرعون ويوسف الصديق عليه السلام مع أهل مصر، ثم قال: (وكثيراً ما يتولى الرجل بين المسلمين والتتار قاضياً بل وإماماً وفي نفسه أمور من العدل يريد أن يعمل بها فلا يمكن ذلك، بل هناك من يمنعه ذلك، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها).
· من أراد أن يتصور كيفية مراعاة الحال فليتأمل حديث الذي فقد دابته وهو في صحراء، فلما أيقن بالهلاك وجدها، فقال: (اللهم أنت عبدي وأنا ربك. أخطأ من شدة الفرح).فلم يؤاخذ مراعاة للظرف الذي ألمّ به حال تكلمه.
ثانياً: مراعاة المصالح والمفاسد:
· إن من قواعد الشريعة تحمل أدنى المفسدتين لدرء أعلاهما، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرى بمكة أكبر المنكرات وأكبر الأصنام ولا يغيرها وترك المنافقين ولم يقتلهم مع ثبوت كفرهم لئلا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه.
· التعامل مع كل مخالف منوط بهذه القاعدة، فلا يسوغ الرد عليه إذا ترتب على ذلك مفسدة أكبر. وقد نهى الله تعالى عن سب آلهة المشركين لما ترتب على ذلك مفسدة أعظم من مصلحة سبها، قال تعالى: {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام:108].(197/5)
· قال ابن القيم: (إن النبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله، فإذ كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله، فإنه لا يسوغ إنكاره وإن كان الله يبغضه ويمقت أهله). وفي امتناع النبي صلى الله عليه وسلم عن هدم الكعبة شاهد ظاهر لهذا.
· في هذا المعنى يقول ابن تيمية: (إذا لم يحصل النور الصافي، بأن لم يوجد إلا النور الذي ليس بصاف. وإلا بقى الإنسان في الظلمة فلا ينبغي أن يعيب الرجل وينهى عن نور فيه ظلمة إلا إذا حصل نور لا ظلمة فيه، وإلا فكم ممن عدل عن ذلك يخرج عن النور بالكلية) .
· لا يمكن تبين الصالح والفاسد وحقائقها إلا لمشارك في الحال، أما الناظر من بعيد فإنه لا يتصور ذلك على وجهه.
· مراعاة المصالح والمفاسد يتضمن ملاحظة الوقت الذي يعيشه الإنسان، وهل سيتعلق بكلامه أهل الفساد ليكون ذريعة لمآرب سيئة وهل سيُفهم على وجهه أم لا. وذلك كله مبني على قاعدة كبرى، وهي أن الأعمال الشرعية قصدت المصالح المترتبة عليها.
ثالثاً: معرفة لغة المتكلم وحقيقة رأيه:
· فإذا جهل الإنسان حقيقة قول المتكلم ومقصده من اصطلاحاته حمله غير مقصوده، ولذا قال ابن تيمية: (وكثير من الناقلين ليس قصده الكذب، لكن المعرفة بحقيقة أقوال الناس من غير نقل ألفاظهم، وسائر ما به يعرف مرادهم قد يتعسر على بعض الناس ويتعذر على بعضهم) .
· قال السبكي: (كثيراً ما رأيت من يسمع لفظةً فيفهمها على غير وجهها فيغير على الكاتب والمؤلف ومن عاشره واستن بسنته.. مع أن المؤلف لم يرد ذلك على الوجه الذي وصل إليه هذا الرجل).
· لما ذكر العلماء القوادم في باب القياس جعلوا منها استعمال اللفظ الغامض وطالبوا المتكلم بإظهار المراد منه ليمكن إبطاله أو التسليم به.
· لعل من هذا الباب ما نُقل أن الإمام أحمد قال: ما زلنا نلعن أهل الرأي ويلعنوننا حتى جاء الشافعي فخرج بيننا.(197/6)
رابعاً: التثبت:
· فالاستعجال في إصدار الأحكام تصرف يوقع صاحبه للزلل والخطأ، ولذا جاء الشرع بالأمر بالتثبت والتبيّن كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6]
· قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً} [النساء:94].
· المراد بالتبيّن: التعرّف والتبصر والأناة وعدم العجلة حتى يتضح الأمر ويظهر، وهذا يحصل في النقل والمنقول. فأما النقل فبالتحقق من صدق الناقل وسلامته ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بئس مطية الرجل زعموا) .
· قال الخطابي: (إنما يقال زعموا في حديث لا سند له ولا تثبت فيه ، وإنما هو شيء يحكى على الألسن على سبيل البلاغ، فذم صلى الله عليه وسلم من الحديث ما كان هذا سبيله وأمر بالتثبت فيه والتوثق لما يحكيه من ذلك فلا يرويه حتى يكون معزياً إلى ثبت ومروياً عن ثقة) .
· ولعلماء الرواية تقدير رائق في عدم قبول رواية المبهم ولو أبهم بلفظ التعديل كقول بعضهم حدثني الثقة أو من لا أتهم.
· لذا قال ابن تيمية: (من أراد أن ينقل مقالة عن طائفة فليسمّ القائل والناقل، وإلا فكل أحد يقدر على الكذب) .
· أما المنقول فلا بد أن يتثبت الناقد أن المنقول لا وجه له في الصحّة يقتضي قبوله وهذا ما سبق في فهم كلام المتكلم وحقيقة مراده.
خامساً: التخلص من سلطة الأتباع
· فعصا الأتباع مرفوعة على متبوعهم كلما خالف رغبتهم، أو عدل عن تقرير أبواه، أو فتوى أخذ بها، والمتبوع يخشى منهم الإنكار عليه والإنفضاض من حوله والتشنيع عليه.
· هذه العصا تصد المتبوعين عن التآلف مع من سبق أن كان بينهم نوع خلاف والله المستعان.
سادساً: لزوم آداب الشرع(197/7)
· إحسان الظن بالمخالف فقد أمرنا الله بذلك فقال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات:12]، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شراً وأنت تجد لها في الخير محملاً) .
· الخضوع للحق ولو نطق به الخصم كما قال الشافعي: ما ناظرت أحداً إلا قلت: اللهم أجر الحق على قلبه ولسانه، فإن كان الحق معي اتبعني، وإن كان الحق معه اتبعته.
· الستر على المخطي فقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على الستر فقال: (ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة) متفق عليه. ومن هذا أن يبين الخطأ دون التعرض لشخص المخطئ وهذا نهج أثري منقول في قول المصطفى في كثير من الأحوال، ما بال أقوام.
سابعاً: البحث في وسائل لتجاوز الافتراق
الاتفاق عمل وليس قول ومن اجتهد لبلوغه مع حسن القصد تيسر له أمره، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:69]، وهذه وسائل مقترحة يمكن بتفعيلها تجاوز الفرقة ، منها:
· إيجاد مرجعية تحكم في الخلاف وتفصل فيه ولابد لهذه المرجعية أن تكون سليمة الماضي، نظيفة السجلات حتى تكسب الاحترام والقبول.
· كذلك كثرة اللقاءات بين الأطياف المختلفة لتفعيل الود وكسر الحواجز المصطنعة بينهم بالمؤتمرات والندوات والحوارات والزيارات ونحوها.
· منها: نشر الكلام عن أدب الخلاف وطريقة التعامل مع المخالف سواء عبر الكتابات والمشافهات، أو من خلال وسائل الإعلام، أو طريقة عملية في تربية النشئ في محاضن الدعوة والتعليم.
المصدر: قواعد في التعامل مع المخالف-د. هاني بن عبدالله الجبير.(197/8)
#الخلافة
لغة: من خلف فلان فلانا إذا كان خليفته وجاء من بعده ، وهى مصدر تخلف فلان فلانا إذا تأخر عنه ، والخلافة النيابة عن الغير.
واصطلاحا: الخلافة فى الإسلام منصب سياسى يجمع صاحبه بين السلطتين الزمنية والروحية، ولكن وظيفته الدينية لا تتعدى المحافظة على شرع الله ، ومن حقه قيادة الدولة الإسلامية ورسم سياستها وتنفيذها على المستويين: الداخلى والخارجى، وواجبه تبليغ الدعوة الإسلامية ونشرها والتصدى بالقتال -إذا لزم الأمر- ضد من يقف عقبة فى سبيل أدائه لمهمته ، وله أن يعاقب الخارجين على أوامر الشرع ، ويؤم الناس فى الصلوات ويساعدهم على أداء الفرائض السياسية.
وقد وردت هذه المادة فى آيات عديدة من القرآن الكريم ، منها قوله تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة إنى جاعل فى الأرض خليفة}البقرة:30 ، أى قوما يخلف بعضهم بعضا قرنا بعد قرن.
وقوله سبحانه وتعالى: {ياداود إنا جعلناك خليفة فى الأرض فاحكم بين الناس بالحق}ص:26 ، أى استخلفناك على الملك فى الأرض ، لأن داود -عليه السلام- كان ملكا نبيا.
وقد نشأ منصب الخلافة -باعتباره ضرورة فرضتها الظروف السياسية- عقب وفاة النبى صلى الله عليه وسلم وكان نتيجة للمناقشات الحرة التى جرت بين الصحابة -رضوان الله عليهم- فى "سقيفة بنى ساعدة" لقد كان اجتماع "السقيفة" هذا أشبه بجمعية تأسيسية أو وطنية مناط بها البحث فى مصير أمة بعد وفاة موجهها وقائدها ، وقد دارت المناقشات فيه بحرية كاملة، وانبثق عنه آنئذ قيام نظام الخلافة، هذا النظام الذى استمر -بشكل أو بآخر- فى العالم الإسلامى حتى القرن العشرين ، ولم يغب عن مجتمعنا إلا بعد أن قام "كمال أتاتورك" بإلغائه سنة (1323هـ-1924م) عقب انهيار الخلافة العثمانية.(198/1)
وكان اختيار لقب "خليفة" وإطلاقه على أول رئيس للدولة الإسلامية -أبى بكر الصديق رضى الله عنه- الهدف منه ، التمييز بين هذا النظام الذى أقامه المسلمون وبين أنظمة الحكم التى كانت سائدة فى العالم آنئذ، لقد كانت هذه الأنظمة تقوم على القهر والجبروت ، وتستعبد الشعوب وتستغلها وتحرمها من أبسط حقوقها، بينما جاء النظام الإسلامى ليكون جديدا فى جوهره وغاياته فهو يرفض القهر والظلم ، ويقوم على قواعد الحرية والمساواة والعدل والاعتداد برأى الأمة؛ ولهذا كان هذا اللقب تأكيدا لحقيقة مهمة هى أن حكم الرسول صلى الله عليه وسلم مستمر وباق فى أمته ، وأن أبا بكر إنما يخلف محمدا صلى الله عليه وسلم فى التنفيذ والتطبيق ورعاية مصلحة الأمة، وليس فى الإضافة إلى الدين أو الانتقاص منه.
نرى كل هذه الحقائق واضحة فى ذهن كل من عرض لموضوع "الخلافة" الذين قدموا لها تعريفات توضح جوهر النظام الإسلامى وغاياته ، ولعل من أبرزها تعريف "ابن خلدون" الذى عبر عن ماهيتها بقوله: "الخلافة هى حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعى فى مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها ، إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة، فهى فى الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع فى حراسة الدين وسياسة الدنيا به ".
لقد كان اختيار المسلمين لخليفتهم الأول رضى الله عنه ، بناء على قاعدة الشورى، وتحددت مهمته فى قيادة المسلمين ، ورعاية مصالح الناس ، وتنفيذ شرع الله عز وجل ، واشترط العلماء فيمن يلى هذا المنصب شروطا منها الكفاية والعدل وصحة البدن والعقل... الخ.
واستمر اختيار الخلفاء وفقا لهذه الشروط طوال عصر الراشدين ، ثم حدث تحول ابتداء من العصر الأموى، فتركت الشورى، واعتمد نظام الغلبة والتوارث ، وبعد أن كانت الخلافة اختيارا اصبحت قهرا وإجبارا ، تقترب أو تبتعد عن قيم الإسلام ومبادئه ، وتتفق معه فى قليل أو كثير إلى أن تم إلغاؤها تماما كما أسلفناه.(198/2)
أ.د/عبد الله محمد جمال الدين(198/3)
#الخلفاء الراشدون
أثيرت مسألة من يخلف الرسول صلى الله عليه وسلم في تدبير أمور المسلمين وحراسة الدين بعد وفاته مباشرة حيث اجتمع الأنصار ليختاروا الخليفة، ولحق بهم كبار المهاجرين مثل أبى بكر وعمر، وأنهوا هذا الاجتماع الهام إلى جعل الخلافة فى قريش باعتبار سبقهم إلى الإسلام وقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد مشاورات عديدة بلغت حد الاختلاف ، استقر الرأى على مبايعة أبى بكر بالخلافة، وكان هذا الصحابى أول من ولى أمور المسلمين بعد الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
ونلاحظ أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يعين خليفة له بشكل مباشر، ولكنه ترك الأمر شورى يتولاه المسلمون.
وبمبايعة أبى بكر بالخلافة بدأت مرحلة ما يعرف بعصر الخلفاء الراشدين ، وهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلى، وهى مرحلة تختلف عن المراحل التالية فى تاريخ الإسلام ، فقد حكم الدولة الإسلامية صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبتوا أركان الدولة، حيث واجه أبوبكر حركة الارتداد عن الإسلام بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بحسم ، وبدأت الفتوح الإسلامية لأكبر إمبراطوريتين فى عصره وهما: إمبراطورية الروم ، وإمبراطورية الفرس، وتفغ عمر بن الخطاب لتأسيس الدولة الإسلامية فأنشأ الدواوين وتكملة الفتح الإسلامى لأراضى الفرس والروم ، وأرسى مبادى واضحة لإقامة العدل بين الناس ومحاسبة الولاة.
أما عثمان ففضله عظيم فى مجال جمع القرآن وتوحيد المصاحف وتكملة الفتوح ودخل بالمسلمين مجال البحر، فتم إنشاء أسطول بحرى فى عصره انتصر على الأعداء فى موقعة ذات الصوارى.(199/1)
وبدأت الفتنة الكبرى فى عهد عثمان ، تلك الفتنة التى انتهت بقتله ، ولم تهدأ آثارها فى دول الإسلام بعد ذلك فقد اشتدت الفتنة، وأدت إلى انقسام المسلمين بين مؤيد لعلى وبين معارض له بدعوى عدم قيام على بالثأر لمقتل عثمان ، وبدأت تتكون الفرق المعروفة فى التاريخ الإسلامى والتى فرقت جمع المسلمين: فرق الشيعة والخوارج وغيرهم.
وقد واجه على بن أبى طالب هذه الفتن بقوة وصلابة وخاصة فى واقعتين هما واقعة الجمل ، وواقعة صفين ، ووضع فيهما قواعد لمعاملة أهل البغى تعتبر دستورا لمعاملة المنشقين على الإمام فى كل عصر، ويستفيد منها القانون الدولى الإنسانى الآن فى مجال حقوق المحاربين فى النزاعات الدولية غير المسلحة.
ومع ذلك فقد سير أمور الدولة، ووضع قواعد لتحقيق العدالة والمساواة بين المسلمين كما تم تثبيت الفتوح الإسلامية فى عهده.
وقد استمر حكم الخلفاء الراشدين ثلاثين عاما من عام 11هـ إلى عام 40هـ ، وتميز بتداول السلطة بين المسلمين بسهولة، والحكم بالشورى، وإرساء دعائم الدولة الإسلامية.
أ.د/جعفر عبد السلام(199/2)
#الخلق
لغة: خلق الله العالم: صنعه وأبدعه (1).
واصطلاحا: الخلق مرادف للصنع ، وهو ينسب إلى الإنسان على سبيل المجاز، فإذا نسب إلى الله عز وجل كان يعنى: الإيجاد من عدم كما جاء فى قوله تعالى: {قال رب أنى يكون لى غلام وكانت امرأتى عاقرا وقد بلغت من الكبرعتيا. قال كذلك قال ربك هو على هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا}مريم:8-9.
وقد وردت كلمة الخلق منسوبة لله عز وجل بالمعنى السالف مائتين وأربعا وخمسين مرة.
وأضيفت للإنسان بمعنى الصنع لا الإيجاد من عدم مرتين كقوله تعالى لعيسى عليه السلام: {وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذنى فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذنى}المائدة:110.وفى قوله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام لقومه: {إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا}العنكبوت:17.
ويحدث الخلق بقوله تعالى للشىء "كن" فيكون ، كما ورد فى قوله تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون}يس:82.
ومن أهم السياقات الفكرية التى استخدم فيها مصطلح "الخلق" ثلاثة: "خلق العالم" و"خلق الأفعال" "وخلق القرآن".
وقد عرفت مشكلة خلق العالم منذ القدم وبصفة خاصة فى الحضارة المصرية القديمة وتشهد على ذلك الآثار والمعابد والأجساد المحنطة التى تثبث أيضا وجود عقيدة البعث بعد الموت.وقد عرف الفكر القديم الخلق على فترات متعددة كما فى نظرية الصدور والفيض والعقول العشرة أو نظرية المثل الأفلاطونية أو المحرك الأول عند أرسطو طاليس ثم فى الفلسفة الهيلينية ثم انتقل ذلك إلى الفكر الاسلامى خاصة عند الكندى والفارابى (330هـ /950م) وابن سينا (427هـ /1037م) ويعد المثال الأول عند أفلاطون (347 ق.م) والمحرك الأول عند أرسطو طاليس (322 ق.م.) والحق المطلق أو الخير- المحض عند أفلوطين (270م) المقابل لكلمة الخالق تبارك وتعالى عند المسلمين.
وقد عرف الفكر الإنسانى نظرية "قدم العالم" فى مقابل نظرية "خلق أو حدوث العالم ".(200/1)
ويرى أصحاب نظرية "قدم العالم" أن العالم قديم قدم الخالق ، فهو مخلوق له ولكن لا يتأخر عنه فى الزمان بل يتأخر عنه فى الدرجة فقط لكونه معلولا للخالق.وقد انتقلت هذه النظرية إلى المسلمين عن طريق الفيلسوف الهيلينى برقلس (485 م) الذى تأثر بفلسفة أفلوطين (270 م) والأفلاطونية المحدثة التى نسبت إليه وقد تأثر بها من المسلمين بعض المعتزلة الذين ذهبوا إلى أن المعدوم شىء يكتسب صفة الوجود فيخلق ، أى أن الخلق ليس سوى نقل من العدم إلى الوجود.وارتبطت هذه النظرية عند المعتزلة بقولهم بارتباط الجواهر بأعراضها متأثرين في ذلك بنظرية أرسطو طاليس فى المادة والصورة.
وقد تأثر أيضا بعض الفلاسفة المسلمين بهذه النظرية وذهبوا إلى القول بقدم العالم وأثبتوا خلقه فى الزمان.فجاء تقسيم الأشاعرة للموجودات إلى قسمين فقط هما: القديم والمحدث مقابلا لتقسيم المعتزلة للموجودات الى ثلاثة أقسام: قديم ومعدوم ومحدث: فالقديم هو الله تعالى فالق كل شئ.والمعدوم هو الجسم الخالى عن ألأعراض.والمحدث هو الجسم الذى انتقل من العدم إلى الوجود عن طريق اكتسابه للأعراض (2).
إلا أن المعتزلة كانت تفرق بين "العدم" "والمعدوم" ، فالعدم هو اللاشىء، أما المعدوم فهو الشىء الذى يمكنه أن يوجد بالخلق ليصبح جسما ، وبذلك يكون المعدوم مماثلا للممكن (3).
أما ردود الأشاعرة على المعتزلة ونقدهم مذهبهم فى الخلق والمعدوم فقعد فصل الحديث فيه عبد القاهر البغدادى والشهرستانى وابن حزم وغيرهم (4).
أما خلق الأفعال: فقد ذهب فيه المعتزلة إلى أن الإنسان خالق لأفعاله مسئول عنها أمام الله بناء على إدرته على الفعل والترك ، وقدرة الأنسان على أفعاله قدرة مخلوقة فالأنسان قادر بقدرة محدثة يخلقها الله تعالى فيه قبل الفعل ، وقد رتبوا على ذلك قولهم بالاستطاعة والاستحقاق ، إما استحقاق الثواب أو العقاب (4). ويقابل "الكسب" عند الأشاعرة: "الاستطاعة" عند المعتزلة(5).(200/2)
أما مشكلة "خلق القران": فقد ترتبت على قول المعتزلة فى الصفات بأن كلام الله مخلوق لأنه مركب من حروف ويحدث فى الزمان ولا يمكن إضافته إلى ذاته تعالى فتشاركه فى القدم.
وقد ترتبه على مغالاة المعتزلة فى هذا القول وتماديهم فى محاولة إجبار علماء السنة على القول بخلق القرآن ما نعرفه فى التاريخ بمحنة الإمام أحمد بن حنبل فى زمن المعتصم إلى أن جاء الخليفة المتوكل ونصر أهل السنة وحرم القول بخلق القرآن ، وقد أفرد القاضى عبد الجبار لخلق الأفعال المجلد السابع من كتابه المغنى فى أبواب التوحيد والعدل.
أ.د/السيد محمد الشاهد(200/3)
#الخلوة
لغة:انفراد الإنسان بنفسه أو بغيره ، أو بمعنى: المكان الذى يتم فيه ذلك ، ومنه قول أنس بن مالك -رضى الله عنه- جاءت امرأة من الأنصار إلى النبى صلى الله عليه وسلم فخلا بها (رواه البخارى)(1) أى ابتعد منفردا بها بحيث لا يسمع الحاضرون شكواها، لا بحيث يغيب عن أبصارهم.
واصطلاحا: للفظ الخلوة استعمالان:
1- استعمال فقهى بمعنى انفراد الرجل بالمرأة فى مكان يبعد أن يطلع عليهما فيه أحد.
وخلوة الرجل بالمرأة الأجنبية عنه حرام ، لما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما، أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: (لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم) (رواه البخارى(2)، ومسلم)(3)كما روى عن ابن عمر من خطبة لعمر -رضى الله عنهما- (ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان) (رواه الترمذى فى سننه)(4).
ولا يلزم الزوجة أن تمكن الزوج من نفسها فى غير خلوة، ولا يجوز له أن يطلب ذلك منها.
والخلوة عند المالكية نوعان:
أ- خلوة الاهتداء، وهى: أن يوجد الزوج معها وحدها فى محل ترخى الستور على نوافذه إن كانت ستور، وغلق الباب الموصل لهما، بحيث لا يصل إليهما أحد.
ب- وخلوة الزيارة، وهى: أن تزوره فى بيته ، أو يزورها فى بيتها ، أو يزور الاثنان شخصا آخر فى بيته.
وعند الحنفية: الخلوة الصحيحة التي تترتب عليها أحكام الزوجية هى:
أن يجتمعا فى مكان ، وليس هناك مانع يمنعهما من الوطء ، لاحسا. ولا شرعا. ولا طبعا.ولاختلاف المذاهب فى اعتبارات الخلق وأحوالها وأحوال أطرافها ، والربط بينهما وبين الآيات القرآنية من مثل قوله تعالى:
{(201/1)
وآتوا النساء صدقاتهن نحلة}النساء:4، وقوله: {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء مالم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين.وأن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم}البقرة:236،237 ، وقوله: {ياأيها الذين أمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فمالكم عليهن من عدة تعتدونها}الأحزاب:49 ، لاختلاف المذاهب فى ذلك اختلفت بعض أحكامها فيما يتعلق بإيجاب المهر كله ، أو نصفه ، أو إسقاطه ، وكذلك فى المتعة والعدة والنسب عند حدوث الولد ، والاحصان ، وحرمة من تحرم بالزواج ، إلى غير ذلك من الأحكام.
2- استعمال صوفى بمعنى محادثة السر -الذى هو محل المشاهدة- مع الحق بحيث لا يرى غيره ، وهذه حقيقتها، أما صورتها فهى ما يتوصل به إلى تحقيق ذلك.
وهذا يرجع إلى منهجهم فى مجاهدة النفس ، حيث يرون أن الخلوة أعون للمريد على التركيزفى عبادته حتى يمحو ما فى نفسه من ذميم الصفات ، ويحصل على صفو العلاقة بالله سبحانه وتعالى، فمن وجد فى نفسه القوة أن يكون مع الناس بجسمه ومع الحق وحده بروحه وسره ، فالخلطة والاجتماع له افضل ، وللمشايخ فى المفاضلة بين الخلوة والمخالطة ترجيحات تعود إلى تقدير أحوال المريد، وهم يرجعون فى شأن الخلوة إلى ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حديث بدء الوحى(5)، أنه صلى الله عليه وسلم حبب إليه الخلاء، فكان يأتى غار حراء فيتحنث فيه الليالى ذوات العدد، ويتزود لذلك ، ثم يرجع إلى خديجة رضى الله عنها فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو فى غار حراء.(201/2)
وقد وضعوا للخلوة شروطا لكى تثمرثمارا صحيتة، فما كان منها وفقا لقواعد الشرع وصدق المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أثمر تنوير القلب ، والزهد فى الدنيا ، وحلاوة الذكر، والمعاملة لله بالاخلاص ، لذلك يحتاج المريد إلى تعلم ما يلزمه من علوم الشريعة قبل الدخول فى الخلوة.
وما لم يستوف المريد شروطها فإنها توقعه فى فتنة أو بلية،وقد تنتج له صفاء فى النفس يستعان به على اكتساب علوم الرياضة، مما يعتنى به الفلاسفة وامثالهم ، وقد يوجد عندهم ما يشبه فى صورته أحوال المتابعين للشرع ، فيكون فى حقهم مكرا واستدراجا ، ولا يصح للمريد أن يغتر بشىء من ذلك حتى لو مشى على الماء أوطار فى الهواء ، لأن من تعلق بخيال ، أو قنع بمحال ، ولم يحكم أساس خلوته فى الإخلاص فإنه يدخل الخلوة بالزور، ويخرج بالغرور، ويسلبه الله لذة العبادة، ويفتضح فى الدنيا والآخرة.
وكثيرا ما يكتفون فى الخلوة بأربعين يوما يسمونها الأربعينية؛ رجاء أن ينسحب حكم الأربعين على جميع الزمان بحيث تجعل المدوامة فيها على شىء خلقا كالخلق الأصلى الغريزى.
واعتمدوا فى تحديد الأربعينية على حديث رواه مكحول قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم (6) (من أخلص لله تعالى العبادة أربعين يوما ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه) وهو حديث ضعيف الإسناد إلا أن الصوفية يؤيدون معناه بما ورد فى القرآن الكريم عن موسى عليه السلام حيث يقول {وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة}الأعراف:142 ، ففيها إشارة إلى الاستعداد البدنى والنفسى خلالها بمزيد عبادة وتبتل من أجل استقبال واردات الحق.
ومن أصولهم أن من يدخل الخلوة ينبغى أن يكون خاليا من جميع الأفكار إلا ذكر الله ، ومن جميع المرادات إلا مراد ربه ، بصرف النظر عما يمكن أن يقع دون نظر إلى شىء سواه ، وإلا فتن بهواه.
أ.د/عبد الفتاح عبد الله بركة(201/3)
#الخلود
لغة: من "الخلد" وهو دوام البقاء، و"أخلده الله "، و"أخلده تخليدا "، والفعل أخلد بمعنى "ركن" فيقال: "أخلد إليه" أى ركن إليه.
واصطلاحا: لا يختلف المعنى الاصطلاحى عن المعنى اللغوى كما ورد فى قوله تعالى: {ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه}الأعراف:176.وقد ورد هذا اللفظ فى صيغة المضارع بمعنى دوام البقاء فى قوله تعالى: {يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيها مهانا}الفرقان:69 ، أما لفظ "الخلود" فقد ورد فى القرآن الكريم مرة واحدة بالمعنى السابق وهو دوام البقاء فى قوله تعالى: {ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود}ق:34.أما فى السنة المطهرة فقد ورد لفظ الخلود بالمعنى ذاته فى مواضع كثيرة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: (يقال لأهل الجنة خلود بلا موت....) (رواه البخارى ومسلم والترمذى فى الجنة) أما فى علم الكلام فقد حظى لفظ الخلود باهتمام خاص فى إطار مناقشة مسألة "الجوهر الفرد" أو "الجزء الذى لا يتجزأ" وقد مثل كل من أبى الهزيل العلاف (227هـ-842 م) وإبراهيم بن سيار النظام (235هـ-850 م).قطبى الرحى فى هذه المناقشات.مقال الأول بأن الجزء لابد له أن يصل إلى جزء لا يتجزأ حيث تتوقف عملية التقسيم تماما.
وأراد أبو الهزيل إثبات حدوث العالم بهذه الطريق ، لأن التقسيم إلى ما لا نهاية يعنى أن العالم ليس له نهاية أو بداية، ومن ثم لا يمكن أن يكون محدثا؛ لأن المحدث بدأ فى الزمان ولابد أن ينتهى أيضا فى الزمان ، فالتجزؤ إلى ما لا نهاية يعنى قدم العالم وسرمديته وهذا ما يرفضه أبو الهزيل.إلا أن النظام ألزمه على قوله أن حركات أمل الجنة لابد وأن تتوقف فى زمن ما فيتخلدون على الوضع الذى توقفت عنده حركاتهم فى سكون أبدى، وذلك لأن الحركة مرتبطة بانقسام المادة فإذا توقف الانقسام توقفت الحركة.(202/1)
أما النظام فقد كان يرى أنه ما من جزء إلا ويتجزأ إلى ما لا نهاية ومن ثم لا تتوقف الحركة فى الكون أبدا، وكذلك لا تتوقف حركات أهل الجنة. وقد كان رأى النظام فى الجزء الذى يتجزأ أساسا لما عرف فيما بعد بالنظرية الذرية فى الإسلام وبه قال أكثر الفلاسفة.
وقد ثار الجدل حول خلود الكافر والفاسق فى النار ضمن الحديث عن الشفاعة والوعد والوعيد واستحقاق الثواب والعقاب حيث أنكرها المعتزلة بناء على ما ذهبوا إليه فى الوعد والوعيد وأثبتها أهل السنة بناء على ثبوتها بنص القرآن الكريم.أما الفلاسفة فقد قال منهم ابن سينا وأبو البركات البغدادى بخلود النفس متأثرين فى ذلك على ما يبدو بأفلاطون (347 ق.م.) وقد قررتها المسيحية والإسلام وفى الفلسفة الحديثة عن كانط خلود النفس الإنسانية من مسلمات العقل العملى، ويعنى خلود النفس حسب ما جاء فى المعجم الفلسفى: "بقاؤها بعد فناء البدن مع احتفاظها بخصائصها ومميزاتها الفردية".
أ.د/السيد محمد الشاهد(202/2)
#الخيال
لغة: ما تشبه لك فى اليقظة والحلم من صورة، كما فى اللسان (1).
واصطلاحا: يقصد به أحد قوتين:
1- القوة الذهنية التى تحتفظ بصور المحسوسات ، بكل أنواعها من مرئية ومسموعة وملموسة ومشمومة، بعد غياب هذه المحسوسات عن الحواس التى أدركتها.
وهو بهذا المعنى شىء يشبه الذاكرة، سواء كانت هذه الذاكرة تفصيلية حرفية تحفظ الأشياء الفردية كما أدركها صاحبها، أو ذاكرة إجمالية مجردة تحفظ الصور العامة للمدركات الحسية.
2- القوة الذهنية الأخرى التى تعتمد على صور المدركات السابق ذكرها ، فتختار منها بعض عناصرها ، وتقوم بالتأليف بينها مبدعة بذلك صورا جديدة.
وهذه الصور الجديدة قد تكون مع هذا واقعية (أى ليست مستحيلة؛ بل يمكن أن تقع)، وقد تكون خارقة مستحيلة، كما فى الملاحم القديمة ، والخرافات والأساطير، وكما فى كثيرمن قصص "ألف ليلة وليلة" و"رسالة التوابع والزوابع" وبعض قصص جوته وإدجار ألن بو، وقصة "آلة الزمن" لهربرت جورج ولز، و"عود على بدء" لإبراهيم المازنى.
وهذه الصور الخيالية قد تكون صورا محدودة جزئية، مثلما هو الحال فى التشبيه والاستعارة والمجاز، وقد تكون صورا كلية فسيحة المدى، كما هو الحال فى القصص والمسرحيات ، وقد تكون شيئا وسطا بين هذا وذاك ، كما فى اللوحات التصويرية في بعض القصائد والمقالات وغيرها.
وقد اختلف موقف النقاد والأدباء المبدعين من الخيال:
فبعضهم كأفلاطون قد أدانه ، ومن ثم أخرج الشعراء من "جمهوريته ".
وبعضهم رحب به أيما ترحيب ، وجعله محور الإبداع ، كنقاد العرب القدماء، الذين كانوا يرون أن أعذبا الشعر أكذبه ، وكالرومانسيين.(203/1)
وغنى عن البيان أن الواقعية هى أيضا لا تستغنى عن الخيال ، بل أن أحد ألوانها، وهى الواقعية السحرية، التى ظهرت مؤخرا فى أعمال قصاصى أمريكا اللاتينية، يخلط بين الواقعى والخرافى الغرائبى فى جديلة واحدة، وليس فى هذا ما يدعو إلى الدهشة أو التعجب ؛ إذ لا يعدو الأمر أن يكون تضافرا بين درجتين أو نوعين من أنواع الخيال.
وفى الشعر الصوفى الإسلامى يتلون الخيال بصبغة خاصة، إذ يتجه إلى عالم الغيب الأعلى تبعا لاهتمامات أصحابه ، الذين يولون وجوههم نحو الله سبحانه وتعالى، محاولين الاقتراب منه ، بل والفناء فيه كما يزعمون ، فنراهم يتحدثون عن ليلى ووصالها لهم وهجرها إياهم ، وعن الخمرة والساقى وما إلى ذلك ، وهم إنما يقصدون (حسبما يقولون) الذات الإلهية، والنشوة الروحيه التى تعتريهم عند نجاحهم فى تحقيق ما يصبون إليه من الاقتراب منها، أو الفناء المزعوم فيها.
أ.د/إبراهيم عوض(203/2)
#الخيانة
لغة: خانه يخونه خونا وخيانة. والخون: أن يؤتمن الإنسان فلا ينصح ، والخون النقص ، كما أن معنى الوفاء التمام ، ومنه تخونه: إذا انتقص منه ، ثم استعمل في ضد الأمانة والوفاء؛ لأنك إذا خنته الرجل ، فى شىء فقد أدخلت عليه النقصان فيه كما فى الكشاف (1).
وفى الحديثه: (يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب) رواه أحمد ، وخائنة الأعين: ما تسارق من النظر إلى ما لا يحل ، ففى القرآن الكريم: {يعلم خائنة الأعين}غافر:19 ، أى يعلم خيانة الأعين.
واصطلاحا: من ضيع شيئا مما أمره الله به ، أو اقترف أمرا مما نهى عنه أو عصى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فرط فى الأمانة يعد خائنا، يقول الله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم}الأنفال:27.
ومن أظهر خلاف ما يبطن ، فهو خائن ، ففى الحديث: "لا ينبغى لنبى أن تكون له خائنة الأعين"(رواه أبو داود والنسائى)، أى أن يضمر فى نفسه غيرما يظهره.ومن ضيع أمانات الناس فهو خائن ، ففى الحديثه (المسلم أخو المسلم لا يخونه...) (رواه الترمذى) و (وآية المنافق ثلاث.... وإذا أؤتمن خان) (رواه البخارى)(2).(204/1)
والتعامل مع العدو أثناء الحرب لإمداده بأسرار الدولة: خيانة، يقول الله تعالى: {لا تجد قوما يؤمنون بألله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أوأبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم}المجادلة:22 ، فحكم القرآن في هؤلاء الذين يتعاونون مع أعداء الله بيِّن واضح ؛ إذ يعتبر ذلك خيانة لله ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ، لقوله تعالى: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله فى شىء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه}آل عمران:28 ، إذ فى مناصرة الأعداء خطرعلى المسلمين ، فمن يفعل ذلك فليس بمؤمن إلا في حالة الضعف والخوف من أذاهم ، فتجوز الموالاة ظاهرا ريثما يعد المسلمون أنفسهم لمواجهة من يهددهم.
أ.د/محمد شامة(204/2)
#الخير
لغة: هو اسم تفضيل على غير قياس وهو ضد الشر، والخير الحسن لذاته ولما يحققه من لذة أو نفع أو سعادة، وجمعه خيور، وخيار، وأخيار، كما فى الوسيط (1).
ومنه قوله تعالى: {وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا}المزمل:20 ، أى تجدوه خيرا لكم من متاع الدنيا.
واصطلاحا: لها عدة تعريفات:
1- ينظر "الأبيقوريون" إلى كل شعور باللذة على أنه خير بالنسبة إلى الفرد الذى يمارسه بغض النظر عن المصدر، وهذا يؤدى بالضرورة إلى إرجاع الفارق بين أى لذتين على أساس كمى.
2- بينما يرى "الرواقيون" أن الخيرهو الواجب ؛ فالحياة الخيرة التى ينبغى لكل حكيم أن يسعى إليها هى تلك التى يتحدد بها واجب الإنسان على أساس قانون الطبيعة أو النظام الكونى للعقل.
3- فى حين تذهب "الأفلاطونية" الحديثة إلى أن الخيرهو خلاص النفس من سجنها المادى باتصالها بالواحد الأحد.
4- ثم جاءت "المسيحية" فبينت أن الخير هو طاعة القانون ، وليس هذا القانون هو ما يكتشفه العقل البشرى، بل هو الوحى المنزل من السماء، فيجب علينا الالتزام به ، لمجرد كونه تعبيرا عن الإرادة الإلهية، سواء بدا لنا معقولا أم غيرمعقول ، منطقيا أم تعسفيا، عادلا أم ظالما.
5- ويصف "الإسلام" كل ما هو طيب ونافع للإنسان ، فردا أو جماعة بأنه خير، فهو إحدى القيم الإسلامية الهامة، ذكره القرآن الكريم فى مائة وتسعين آية، فأمر به الله كقيمة مطلقة، أى من حيث هو خير فى نفسه من غير قياس إلى غيره فى قوله تعالى: {وافعلوا الخير لعلكم تفلحون}الحج:77، وقوله: {فاستبقوا الخيرات}البقرة:148.
وذكره الله تعالى فى معرض التفضيل فى آيات عدة، حيث بين:(205/1)
1- أن ما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم خير مما هو عند الآخرين ، فقال: {ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء..}البقرة:105 ، فالخير فى هذه الآية هو الوحى، أى القرآن ، وهو خير مما عندهم.
2- أن عبادة الله وتقواه خير من عبادة الأوثان: {وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون}العنكبوت:16 ، يعنى عبادة الله وتقواه خير لكم ، أى خير للناس ، إن كانوا يعلمون ما ذكره الله لهم من الآيات البينات ، والدلائل الواضحة على إثبات هده الخيرية.
3- أن إعطاء كل ذى حق حقه خير {فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خيرللذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون}الروم:38 ، يمكن أن يكون معناه: ذلك خيرمن غيره ، ويمكن أن يقال: ذلك خير فى نفسه وإن لم يقس إلى غيره.
4- أن الآخرة خير من الدنيا: {والآخرة خير وأبقى}الأعلى:17، {وللآخرة خيرلك من الأولى}الضحى:4.
5- الخير هو المال الكثير الطيب فى قوله {إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين}البقرة:180.
ورسالة محمد خير للإنسانية، والإيمان بها خير للإنسان ، فردا أو جماعة، والعبادة نوع من أنواع فعل الخير، لأن فعل الخير ينقسم إلى خدمة المعبود الذى هو عبارة عن التعظيم لأمر الله ، وإلى الإحسان الذى هو عبارة عن الشفقة على خلق الله ، ويدخل فيه: البر والمعروف ، والصدقة على الفقراء، وحسن القول للناس ، ودقة الالتزام بالقيم الإنسانية، وإتقان العمل فى جميع مجالات الحياة.
والخير عند الصوفى: تفويض الأمر لله: {وعلى الله فليتوكل المؤمنون}إبراهيم:11 ، والزهد فى الدنيا ، والرضا ، والتوكل ، والانفرادية فى التعبد ؛ لأنها تتيح له مواجهة نفسه ، والتفتيش فيها ، وتنقيتها ، وتهيئتها لأن تصفو وتنجلى.
أ.د/محمد شامة(205/2)
#الخيلاء
لغة: الكبر، وقد اختال ، وهو ذو خيلاء وذو مخيلة أى ذو كبر، كما فى الوسيط (1).
وعن ابن عباس رضى الله عنه (كل ما شئت والبس ما شئت ما خطأتك خلتان: سرف أو مخيلة) (رواه البخارى)(2).
واصطلاحا: المختال: المتكبر، يقول الله تعالى {ولا تمش فى الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور}لقمان:18 ، وهو الصلف للمتباهى الجهول الذى يأنف من ذوى قرابته أو جيرانه ، إذا كانوا فقراء، ولا يحسن عشرتهم.أو من يكون به خيلاء، وهو الذى يرى الناس عظمة نفسه وهو التكبر، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من جر ثوبه خيلاء لم ينظرالله إليه.." (رواه البخارى)(3).
ولا يحمد الخيلاء إلا فى موضعين لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من الخيلاء وما يحبه الله فى الصدقة والحرب "، أما الصدقة فإنها تهز أريحية السخاء، فيعطيها طيبة بها نفسه ،ولايستكثر كثيرا،ولا يعطى منها شيئا إلا وهو مستقل ، وأما الحرب فإنه يتقدم فيها بنشاط وقوة ونخوة وجنان" (رواه النسائى).
والخائل: المعجب بنفسه الذى يتباهى أمام الناس ، ويمشى فى الأرض مرحا، يقول تعالى: {ولا تمش فى الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا}الإسراء:37.
أ.د/محمد شامة(206/1)
الداعية-الشخصية الدعوية المؤثرة -1
الداعية-الشخصية الدعوية المؤثرة
مقدمة:
· يحتاج المجتمع المسلم دائماً إلى شخصيات متوازنة ذات قيمة فعلية تأخذ بيده وتؤثر فيه وتقوده نحو تحقيق ذاته وإثبات أثره الإيجابي المرجو.
· تحتاج الأمة دوماً إلى تلك الشخصيات الإسلامية الدعوية المؤثرة لتقويم مسار أفرادها وتحديد الأطر التطبيقية للعمل التنفيذي الخاص بالدعوة والحركة الإسلاميتين.
أهمية الدافعية للتأثير:
· الدافعية للتأثير شرط هام في التأثير في الآخرين.
· الداعية الذي يريد ترك الأثر الحسن في الناس، ويريد دعوتهم إلى الله إرادة حازمة عازمة هو الذي يعتبر قد ابتدأ أولى الخطوات في هذا السبيل.
· الذي لم تتكون عنده الدوافع للتأثير فلن يؤثر.
· الدافع هو المحرك الأول للاهتمام بالآخرين، ولذلك فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد علمنا أن نربي الناس بإيقاظ الدوافع الطيبة فيهم بطرق مختلفة، فمن ذلك قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ (لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم) أخرجه البخاري .فهو حديث واضح في إنشاء الدافعية لدى الشخصية الإسلامية نحو التأثير في الآخرين وتغييرهم إلى الهداية والصلاح.
· قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها وحدث بها) أخرجاه في الصحيحين. يدعو له بالنضرة والصلاح، فهذا أيضا واضح في بثه ـ صلى الله عليه وسلم ـ الدوافع الإيمانية في الدعاة إلى الله أن يحدثوا بحديثه ويعلموا بعلمه.
· قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الدال على الخير كفاعله) رواه مسلم. فهو هنا يدفع الداعية إلى بيان السبيل القويم للناس ودلالتهم على العمل الصالح ويبث فيه الرغبة في العمل بأن له أجر كأجر فاعله.
· قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة)أخرجه مسلم.
مداخل للتأثير في الشخصية:
أولاً: الأمن(207/1)
· يقصد به أن يأمن الآخر أن السلوك الذي تدفعه إليه آمن غير ضار نافع غير مفسد.
· ليس المقصود هنا هو الأمن على المصالح الشخصية فحسب، بل يتعدى الأمر إلى أكبر من هذا إلى الأمن على المستقبل والمآل والمنتهى، كما يتعدى إلى أمن الحرام وأمن البعد عن اللعنة الإلهية والأمن من غضب الرب سبحانه وتعالى .
· قال الله تعالى : { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} (الأنعام:82)، فالأمن هنا هو أمن المآل والرحمة والأمن من العذاب والسخط، وقد جعل سبحانه بيته بيتاً آمناً قال الله تعالى : {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} (العنكبوت: من الآية67)، بل إنه من أراد فيه بسوء عوقب ولو لم يبتدئ تنفيذ عزمه ونيته الفاسدة، قال تعالى : { وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (الحج: من الآية25).
· يشبه العلماء الأمن للإنسان كالتربة الصالحة وهو هنا تربة نفسية تفتح باب القبول للشخصية الداعية، وقد علمنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذلك كثيرا في أحاديثه فمنه قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ (من قال: لا إله إلا الله فقد عصم ماله ودمه إلا بحق الإسلام).
ثانياً: الإنجاز
· إن لإنجاز مدخل مهم للنفوس فالداعية إلى الله سبحانه لابد وأن يشعر الآخرين بالإنجاز فإننا لو شبهنا الأمن بالتربة الصالحة فإن الإنجاز هو ذلك الماء الذي يروي هذه التربة ويبث فيها الرونق والانتعاش ويظهر فيها علامات الحياة.
· كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يربى الناس على إشعارهم بالإنجاز والتميز والتقدم فيقول لهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ :( مَن قرأ حرفا من كتاب الله فله به آجر لا أقول الم حرف بل ألف حرف ولام حرف وميم حرف) فهو يعلمك أنك تنجر كثيراً جداً وتحصل كثيراً جداً بقراءتك أكثر مما تتصور.(207/2)
· حتى الذين لم يحسنوا القراءة بعد، يقول لهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق فله أجران) فهو يعلمك أنك منجز على كل حال ولن يمنعك تعلمك أن تحصل الثواب الكبير والعميم فأنت منجز على كل حال.
ثالثاً: الحب
· كذلك فإن الحب مدخل هام جداً من مداخل الشخصية: فأنت يا أيها الداعية إذا أردت التأثير في الناس فدعهم يحبونك أولاً، ثم بعد ذلك مرهم فيعملوا، فالحب يرقق القلوب ويقربها إلى الداعية قال الله تعالى : { وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} (آل عمران: من الآية159)، فهو بيان رباني إذن للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يجد الطريق إلى القلوب برقة ورحمة ومحبة وتسامح وعفو. قال الله تعالى : {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} (التوبة:128).
· انظر إلى الداعية المحبوب كيف يجد طريقه إلى التأثير في الناس وفي قلوبهم بمنتهى اليسر والبساطة وانظر إلى الآخر الذي يريد إجبار الناس على التأثر بكلماته وهو منفر غليظ عبوس متكلف معجب بنفسه وبعمله، مستقل عمل الآخرين وطاعاتهم.. لكم يخسر هذا.. لكم يخسر!!
قانونان للتأثير في الآخرين:
القانون الأول:
· وهو يعنى أن عمليات التأثير والتأثر تخضع لوجود علاقة بين ما هو ظاهر في شعورك وما هو باطن داخلك وأن تقليد الباطن متقدم على تقليد الظاهر وبمعنى آخر، فإننا حينما نتأثر نبدأ بتقليد الأفكار والآراء والتشبع بها قبل تقليد السلوك ذاته.(207/3)
· فالأمم التي تقلد الأمم الغربية في سلوكها مثلا وملابسها وطريقة حياتها لا تقلدها إلا بعد اتصالها بها بشيء من الأمور المعنوية والتأثر بها فكريا، ومن خلال التأثير في مبادئها واعتناق كثير من تصوراتها.
· لذلك فأنك تجد أن الشباب المسلم الذي يقلد الغرب في أحواله الظاهرة هو شباب قليل العلم بعيد عن الجادة الإسلامية قد تأثر قلبه بمبادئ الغرب وقيمه، وعلى الجانب الآخر فإنك تجد أن الشباب المسلم المتميز والفخور بقيمه والبعيد عن تأثر الغرب غير لهوف في تقليده في مظاهر الحياة، ومن هنا كان على الدعاة بث معنى العزة والتميز للمسلم ولمبادئه وقيمه وثوابته فإنها إن ثبتت في القلب صار آمنا من السقوط في هوة التقليد الأعمى.
· نجد هنا أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد أدرك هذه الحقيقة تمام الإدراك ووجه الدعاة إلى الله إليها بكل جلاء ووضوح، فهو يوجههم نحو طهارة الباطن قبل طهارة الظاهر ويوجههم إلى ابتغاء وجه الله تعالى من عملهم الدعوى وليس ابتغاء وجه الناس، حتى إذا تأثر الناس بهم تأثروا بطهارة باطنهم ونقاوة سريرتهم وشفافية شخصياتهم وسبحان الله فإن الداعية الذي اتصف بذلك لهو الداعية الذي تجتمع الناس حوله ويتأثرون بقوله وفعله.
· كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحذرهم من الذين يعاملون الناس بوجه ظاهر حسن وقلوبهم خبيثة منكرة، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن من أهل النار من تندلق أقتاب بطنه يدور بها كما يدور الحمار برحاه) رواه مسلم. فيجتمع إليه أهل النار فيقولون له: يا فلان ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ فيقول: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه، فهذا لا أثر لفعله في الناس إذ إن فعله الظاهر قد خرج من باطن خبيث فكان مآله كباطنه ولم ينفعه ظاهره شيئاً.(207/4)
· هنا سقطة قد يقع فيها الدعاة إلى الله فهو قد يجد قبولاً عند الناس فيعبرون له عن محبتهم له بالهبات والخدمات والدعوات وقبول الداعية لمثل ذلك يحط من دعوته في أنظار الناس فيهون عليهم ويصبح الداعية مرغوباً عنه، والصادقون من الدعاة إلى الله يعطون ولا يأخذون وهم أصحاب الأيدي العالية والنفوس الكبيرة يقول الماوردي: والمروءة هي حلية النفوس وزينة الهمم ولا تكون المروءة إلا بالعفة والنزاهة والصيانة والعفة البعد عن المحارم والمآثم والنزاهة البعد عن المطامع الذاتية والمواقف المريبة وأما الصيانة فتكون بصيانة النفس عن تحمل المنن والاسترسال في الاستعانة بالخلق أدب الدنيا والدين.
القانون الثاني:
· فهو أن التأثر إنما يكون من العالي إلى المنخفض وهو يشير إلى أن التأثر غالباً ما يكون من الشخص ذي القيمة والمقدار والعلم والخبرة، في الآخر الذي هو أقل، سواء كان ما يؤثر به معنوياً أو مادياً.
· ينطبق هذا القانون على تقليد الصغير للكبير وتقليد الضعيف للقوى وتقليد الفقير للغني والتلميذ للأستاذ والتاجر الصغير للتاجر الكبير فمن هنا حرص الإسلام على عدة جوانب هامة في فن التأثير في الآخرين.
· لقد حرص الإسلام على أن يتمتع الدعاة إلى الله بالعلم وأمر بالعلم حتى يؤثر الداعية في غيره فلابد أن يعلوه بالعلم الذي يعلمه إياه أما الداعية إن كان جاهلاً فلم يستطيع التأثير في غيره، كما حرص الإسلام على تميز الداعية بالصبر والثبات.
· إن بعض الناس يفتقدون الصبر والثبات في بداية طريقهم وصبر الداعية وثباته له أكبر الأثر في غيره ليقتدوا به.
· حرص الإسلام على تميز الداعية بالورع والقرب إلى الله سبحانه وجعله له ركنا ركينا يستند عليه، وقد يعلم الداعية بإيمانه ويقينه وورعه من فاقه علما وخبرة.(207/5)
· قال الإمام أحمد رحمه الله: لقيني في طريقي إلى السجن أعرابي فأوقف الدابة، وقال: يا أحمد إن تعش، تعش حميداً، أو تمت، تمت شهيداً، قال الإمام أحمد: فقوي قلبي... والله الهادي إلى سواء السبيل.
المرجع: الشخصية الدعوية المؤثرة-خالد روشة.(207/6)
الدعوة الفردية
1- أهمية الدعوة :
- أن الشارع أمر بها ومدح من اتصف بها وحذر من تركها .
- تعرض الأمة من هجمات شرسة من أعدائها بقصد تضليها وتجهيلها وإبعادها عن دينها .
2- جوانب الدعوة .
- دعوة الكفار .
- دعوة المسلمين .
3- معنى الدعوة الفردية .
4- ميزات الدعوة الفردية .
- أن الدعوة الفردية تنعم بالحرية المطلقة في كل الأحوال والظروف فلا تتعرض للتضييق
- أنها تحدث صلة بين المدعو والداعية .
- أنها تتيح للمدعو الاستفسار عما يريد وطلب التوجيه المباشر في أي أمر من أموره .
- أن الدعوة الفردية أبلغ وأعمق في التربية .
- الدعوة الجماعية تأثيرها وقتي .
- عن طريق الدعوة الفردية يمكن للداعية أن يتدرج في توصية المدعو فيعطيه ما يناسبه في الدعوة .
- يمكن عن طريق الدعوة الفردية الوصول إلى من لم تصله الدعوة الجماعية .
- أن الدعوة الفرية يمكن القيام بها في كل مكان وفي وقت .
- الدعوة الفردية تكسب الداعية خبرة ومعرفة بأحوال الناس .
- الدعوة الفردية تدفع من يعمل بها إلى العلم والعمل .
- الدعوة الفردية تتيح للداعية أن يطبق ما تعلمه من مفاهيم الصبر والتحمل والإيثار .
5- كيفية الدعوة الفردية .
- عقد الصلة بينك وبينه .
- تقوي إيمانه بطريق غير مباشر .
- تحاول أن تقوي إيمانه بطريق مباشر .
- تحاول ربطه بجماعة طيبة
- تحاول توسع مفهوم الإسلام والدعوة إليه .
- تشجيعه على القيام بالعمل للإسلام .
6- عقبات في طريق الدعوة :
- الخجل .
- كثرة الانشغال بأي أمر من الأمور .
- عدم الصبر والتحمل من قبل الداعية .
- أن الدعوة الفردية تحتاج إلى نفسية طيبة وتعامل من نوع خاص قد لا يجيده كل شخص .
- أنها في الحقيقة تحتاج إلى وقت طويل حتى تؤتي ثمارها .
7- عيوب الدعوة الفردية .
- انه ربما يكون إنتاجها قليلا .
- أنها تحتاج إلى نوع خاص من المعاملة .
8- الصفات المطلوبة في الداعية الذي يدعو دعوة فردية .
- الإخلاص .(208/1)
- الصلة بالله تعالى.
- العلم .
- الصبر .
- الحكمة .
- أن يتخلق بالأخلاق الفاضلة حتى يكون قوله أقرب إلى القبول .
- أن يكون قدوة صالحة في كل شي حتى في الأعمال الدنيوية المباحة .
- الرفق .
9- أمور يشار إليها .
- لا تقتصر على الدعوة الفردية .
- لا تكن الدعوة الفردية سببا في تركك الاهتمام بنفسك من ناحية العلم والعمل .
- لا تكن الدعوة الفردية سببا في ابتعادك عن رفقتك الطيبة .
- لا يكن قيامك بالدعوة الفردية حاملا لك على المجاملة على حساب دينك .
- إذا رأيت أنك ربما تتأثر أنت بالمدعوة فيسب لك الانتكاس والسقوط فدعه وانج بنفسك.
- لابد من التنسيق بين الدعاة بحيث لا يجتمع داعيتان على مدعو واحد .
- انتبه يا أخي لذوي القربى .
- لا تواجه المدعو بالانتقاد بالمباشر .
- لا تظهر له أنك أعلم منه .
- لا تتتبع عثراته .
- لابد من التدرج وعدم الاستعجال .
- لا تتركه بلا متابعة .
- لا بد من مراعاة الفروق الفردية بين المدعوين .
- التأدب بأدب الزيارة .
- اقتصد في الموعظة .
- احتفظ بشخصيتك ولا تشوهها بكثرة المزاح .
- أن يكون المدعو ممن يعشق الرياضة .
10- مشروع مقترح .
المرجع: الدعوة الفردية – عبد الرحمن العائد – دار الوطن .(208/2)
#2 الدعوة الفردية
الدعوة الفردية
مقدمة:
· تعتبر الدعوة الفردية أصل الدعوة إلى الله.
· ويكفيها شرفاً أن أول من مارسها هو سيد الدعاة إلى الله محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه وضع – بها- أول لبنة لقيام الدولة الإسلامية الأولى.
· فقد بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم أول ما بدأ – الدعوة- بأبي بكر الصديق- رضي الله عنه- فكان البذرة الأولى للدعوة إلى هذا الدين الجديد – الإسلام- فراح يتحرك هنا وهناك، يبلغ دين الله ويبشر الناس به، فكان بمثابة النواة، واتسعت الدعوة شيئاً فشيئاً، فأسلم على يدي أبي بكر رجالٌ صاروا فيما بعد من المبشرين بالجنة.
تنقسم الدعوة إلى الله- من حيث المدعو- إلى قسمين أساسيين، هما:
1- دعوة عامة (جمعية):
هي التي يمارسها الداعية مع عدد من الناس، أو جمع من المدعوين، بهدف إخبارهم أو إعلامهم بأوامر الله ونواهيه، مع حضهم وحثهم على طاعة الله بإتباع أوامره واجتناب نواهيه، وتحذيرهم من معصية الله بفعل ما نهى عنه أو ترك ما أمر به، من خلال عدة وسائل كإلقاء الخطب أو المواعظ أو الدروس العامة.
2- دعوة خاصة (فردية):
هي التي يمارسها الداعية مع شخص واحد من الناس، تربطه به إحدى الروابط التالية: القرابة، الزمالة، الصداقة، الجيرة، المهنة، بهدف تصحيح مفاهيمه، أو تقويم سلوكه، أو تقوية إيمانه بالله، من خلال تربيته وفق برنامج تربوي شامل يجمع بين الخلق الفاضل، والسلوك القويم، والفهم الصحيح الشامل للإسلام كدين ومنهج حياة.
فضل الدعوة إلى الله:
الأدلة على فضل الدعوة إلى الله، في صريح القرآن وصحيح السنة، أكثر من أن تحصى، وأذكر منها على سبيل المثال:
1- قال تعالى :(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ ) (آل عمران: آية 104).(209/1)
2- وقال أيضاً: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ) (النحل: آية 125(.
3- وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً). (النووي على مسلم 16 /227).
4- وروى البخاري وغيره من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه لما بعثه إلى خيبر ( لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم). (الفتح 7/70).
5- وفي الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره على أثرة علينا وعلى ألا ننازع الأمر أهله وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم ) (الفتح 13/192، النووي على مسلم 12/228).
خصائص الدعوة الفردية:
1- أيسر ممارسة: لكونها لا تحتاج إلى علم غزير أو فقه كثير، كما لا تحتاج إلى خطيب مفوه، أو واعظ بارع، وإنما تحتاج إلى مسلم ملتزم بتعاليم دينه، قدوة في سلوكه، يعرف حقوقه وواجباته، يعرف ما له وما عليه، كما يمكن أن يقوم بها العامل في مصنعه، والفلاح في مزرعته، والمعلم في مدرسته، والطبيب في مشفاه و ...إلخ.
2- أسرع تأثيراً: فهي أكثر فعالية من الدعوة العامة، وآثارها تظهر على المدعو في وقت قصير، حيث يسهل ملاحظة إقلاع المدعو عن بعض العادات السيئة التي كان يفعلها قبل الدعوة، أو إقلاعه عن بعض الذنوب والمعاصي البارزة التي كان يرتكبها قبل التعرف على المدعو.
3- أدق قياساً: من الدعوة العامة، حيث يقوم الداعية بترتيب الخطوات، وتحديد الأولويات، ووضع خطة زمنية واضحة، ومن ثم فإنه يسهل قياس درجة التغيير الحادثة على المدعو، بعكس الدعوة العامة التي قد يكون القياس فيها مستحياً وأحياناً خادع!(209/2)
4- أنجع حلاً: في الرد على الشبهات التي يثيرها أعداء الإسلام أو أعداء الدعوة، على مسامع بعض الأفراد، مما يصعب التعرض له بالشرح والتفصيل في اللقاءات العامة أو الدروس الجمعية التي يحضرها جمع كبير من الناس من مختلفي الثقافات والميول.
5- أجدى تربية: من الدعوة العامة، حيث يركز الداعية فيها على خلق محدد، كالكذب أو الجبن، أو البخل أو...إلخ ... مما يرى أنه موجود فيمن يدعوه، في محاولة تستهدف تخليصه منه، ببيان مخالفته للشرع الحنيف، والخلق القويم، والطبع السليم، ومن خلال إخضاع المتربي لبرنامج علاجي واضح ومحدد الهدف يساعده على التخلص من هذا الخلق.
6- أقل تضييقاً: فالدعوة الفردية يمكن أن تتم في كل الظروف و الأحوال؛ في النادي، في الشارع، في الجامعة، في المدرسة، في وسائل المواصلات، في السفر، في الحضر، في الصحة، في المرض، كما يصعب التضييق عليها، بخلاف الدعوة العامة التي قد تتعرض للتضييق، أو المنع في بعض الأحيان.
عقبات الدعوة الفردية:
غير أن بعض الدعاة و خبراء الدعوة إلى الله، يحذرون من:
1- طول المدة: فهي تحتاج إلى وقت طويل، ومرات عديدة، ومن ثم فإن بعض الدعاة قد يصابون باليأس، والملل أو الفتور الدعوي.
2- قلة الإنتاج: فقد يمكث الداعية عاماً كاملاً يدعو شخصاً واحداً، وقد لا يفلح في النهاية في إحداث تغير ملموس في فهم وفكر المدعو.
3- انقطاع المتابعة: فعملية الدعوة الفردية تحتاج إلى متابعة مستمرة، ويقظة دائمة من جانب الداعية، فضلاً عن نوع خاص من المعاملة مع المدعو الذي يكون في الغالب ذو طباع خاصة.(209/3)
4- الارتباط بالأشخاص: حيث إنها تقوم أساساً على فكرة ربط المدعو بالداعية، وتمتين الصلة بينهما، وتوثيق العلاقة الإنسانية، وهو ما قد يكون مهماً وضرورياً أول الأمر، غير أنه على المدى البعيد قد يكون له آثار سلبية، حيث لا يرتبط المدعو بالفكرة قدر ما يرتبط بشخص الداعية، فإذا ما حدث شيء ما للداعية كسفر أو ابتعاد عن الدعوة أو انحراف عن المنهج فإن مصير هذا المدعو يكون معرضاً للخطر!
5- تعجل النتائج: فلا ينبغي أن تكون رغبة الداعية في الارتقاء بالمدعو إلى مرحلة متقدمة سبباً في تعجل النتائج، وجني الثمر نيئة قبل نضجها، مما قد يسبب نوعاً من النكوص والارتداد السلوكي والأخلاقي لدى المدعو، بل يجب مراعاة أن الزمن جزء من العلاج.
6- اختلاف الطباع: فلكل مدعو طباعه الخاصة، وأخلاقه المميزة، كما أن له أيضاً عيوبه المتفردة، وخصاله السيئة، ومن ثم فإنه من الخطأ معاملة كل المدعوين بطريقة واحدة، وبأسلوب ثابت، فلكل منهم مفتاح شخصية، فإذا ما استطاع الداعية الوصول إلى هذا المفتاح استطاع الدخول على قلبه، وسهل عليه التأثير في سلوكه.
7- تأثير لا تأثر: فيجب أن يحذر الداعية من أن ينقلب عن فطرته السوية، أو أن يتأثر بالسيئ من خلق أو سلوك من يدعوه، وأن يجيد المخالطة مع التمايز، وأن يكون على وعي بأن مهمته هي التغيير لا التغير، والتأثير لا التأثر، والتثبيت لا التذبذب، فإن لاحظ من نفسه ميلاً أو انحرافاً فعليه بسرعة التوقف والعودة، وكم من داعية تشرب – شيئاً فشيئاً - من خلق من كان يدعوه، فصار إلى الطاعات أثقل، وإلى المعاصي أقرب، ولا حول ولا قوة إلا بالله.(209/4)
8- إهمال ذوي القربى: من الأخطاء التي يقع فيها الدعاة إهمال ممارسة واجب الدعوة الفردية مع أولي القربى، ولنا في سيد الدعاة محمد صلى الله عليه وسلم الأسوة والقدوة، فقد أمره ربه أن ينذر عشيرته الأقربين، فقال تعالى: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (الشعراء: 214). وفي حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت لما نزلت (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا فاطمة ابنة محمد يا صفية ابنة عبد المطلب يا بني عبد المطلب: لا أملك لكم من الله شيئاً سلوني من مالي ما شئتم) (النووي على مسلم 3/54).
كما ذكر صاحب أسد الغابة أنه لما أسلم الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني امرؤ مطاع في قومي وأنا راجع إليهم وأدعيهم إلى الإسلام فلما رجع إلى قومه دعا أباه إلى الإسلام فأسلم ثم دعا امرأته إلى الإسلام فأسلم.
فيجب على الداعية أن يبدأ بذوي قرابته، الأقرب فالأقرب حتى توجد له منعة ونصرة، فلا يصح أن يترك الداعية أهل بيته وأقاربه دون دعوتهم.
شروط التصدي للدعوة الفردية:
وكما أن ليس كل الأطباء مؤهلين للتصدي للعمليات الجراحية، ولا كل الجراحين مؤهلين لإجراء العمليات الجراحية الدقيقة.
فكذا.. ليس كل الدعاة والعاملين في مجال الدعوة إلى الله، مؤهلين لممارسة الدعوة الفردية.
ومن ثم فإن هناك عدداً من الصفات التي يجب أن يتحلى بها العاملون في مجال الدعوة الفردية، على وجه الخصوص، منها:-
1- الإخلاص والتجرد: فعلى قدر تجرد الداعية وإخلاصه لله عز وجل، يبارك الله في عمله، وفي وقته، ويجعل في كلامه الأثر، وفي وجهه القبول.(209/5)
2- التقوى والاستقامة: فكلما ازداد الداعية تقوى لله ازداد هدى، قال تعالى: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ) ( محمد – 17). وقال تعالى: (... وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) (الطلاق - 4).
3- حسن الصلة بالله: فيجب على الداعية أن يكون كثير العبادة مستعيناً بالله في كل شأن من شئونه، قال تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ* لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) (فاطر/29-30).
3- حسن السيرة والسريرة: فيجب أن يكون طيب السمعة، حسن السيرة، لا يعرف عنه سوء السلوك، أو فحش القول، أو بذاءة اللسان، فعن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال: لم يكن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم فاحشاً ولا متفحشاً، وكان يقول: إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً. (متفق عَلَيهِ).
4- التحلي بالأخلاق الفاضلة: فيجب على الداعية إلى الله أن يتحلى بجملة من الأخلاق الحميدة، فعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، .... (التِّرمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيح). وعن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنها قالت سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم يقول: (إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم). (رواه أبو داود).(209/6)
5- القدوة العملية: فلا شك أن التربية بالقدوة هي أفضل طرق التربية الصحيحة، ومن ثم فيجب على الداعية أن يكون قدوة صالحة لمن يدعوه، في كل شيء، حتى في الأعمال الدنيوية، كالتفوق والاجتهاد في الدراسة، فلا يصح أن يكون الداعية فاشلاً في حياته العملية، أو راسباً في حياته العلمية، بل يجب أن يكون متفوقاً وناجحاً يشار إليه بالبنان، فذلك أقبل لدعوته.
6- الوعي وبعد النظر: فيجب على الداعية أن يكون واعياً، مدركاً لأبعاد الأمور، قارئاً جيداً للأحداث، يجيد التعامل مع المفاجآت، يرتب الأولويات، ويحسن التقدير، يعرف ما يجب وما لا يجب، فقيها بموازين الأحكام، يعرف ما يستوجب التقديم فيقدمه، وما حقه التأخير فيؤخره، يزن كلامه بميزان الإيمان.
وسائل الدعوة الفردية:
الدعوة الفردية، شأنها شأن الدعوة العامة، لها وسائلها وأدواتها اللازمة، وزمنها على سبيل المثال:-
1- التبسم: لا ينكر أهمية الابتسامة في حياة الدعاة إلا جاهل، فهي مفتاح القلوب، والعصا السحرية التي تكبت الغضب وتسري عن القلب المهموم. ورغم أنها حركة بسيطة بالشفتين إلا أنها تعني للمدعو الشيء الكثير، فهي بذرة صغيرة ترميها في نفسية المدعو، فتنمو وتكبر وتؤتي أكلها بإذن الله، ولم لا .. وخير الدعاة محمد صلى الله عليه وسلم يقول: تبسمك في وجه أخيك صدقة، ويعرف حسن الخلق بأنه: بسط الوجه وبذل المعروف وكف الأذى، ويقول أيضاً: كل معروف صدقة، و إن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق .... ويقول عنه أبو الدرداء رضي الله عنه : ما رأيت أو ما سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يحدث حديثاً إلا تبسم.(209/7)
2- السلام والمصافحة: فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان النبي صلى اللهم عليه وسلم إذا استقبله الرجل فصافحه لا ينزع يده من يده حتى يكون الرجل هو الذي ينزع، ولا يصرف وجهه عن وجهه حتى يكون الرجل هو الذي يصرفه...، و لهذا دلالة عظيمة، وأثر كبير في نفس المدعو، فهو دليل اهتمام ومحبة، تترجمها تلك الشحنات الكهربائية التي تنتقل عبر المصافحة فتزرع الحب في القلوب.
3- التعارف والتعرف: هي وسيلة عظيمة من وسائل الدعوة إلى الله، بل إنه لا يعقل أن يكون هناك دعوة ما لم يسبقها تعارف، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }الحجرات13 .وعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، والأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف. (رواه مُسْلِمٌ).
4- التهنئة والتبركة: تعتبر التهنئة وسيلة مهمة من وسائل الدعوة إلى الله، والتهنئة لا تكون إلا في مناسبة سعيدة، كالنجاح في الدراسة أو الزواج أو العودة من السفر أو الحج، أو عند الرزق بمولود، وكذا في الأعياد والمناسبات الإسلامية، وهذه كلها مما يجب أن ينتبه له الدعاة، فهذه المناسبات فرصة لتوثيق الصلة بالمدعوين، والتعرف عليهم، مما يعتبر بداية جيدة وفرصة مناسبة لبدء مشروع الدعوة الفردية.(209/8)
5- التهادي: الهدية تورث الحب، بل هي عنوان عليه، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: (تهادوا تحابوا) فيجب على الداعية ألا يبخل ببعض الهدايا الرمزية في سبيل دعوته، والهدية ليست موقوفة بمن تربطك به علاقة قديمة بل هي وسيلة دعوية لكسب فرد جديد، لأنه حتما سيسعى لرد الهدية مما يفتح بينكما طريقاً للدعوة.
6- التزاور: لا شك أن الزيارة وسيلة مهمة من وسائل الدعوة الفردية، غير أنه يجب على الداعية أن يتأدب بآداب الزيارة، فيحسن اختيار الوقت المناسب لظروف المدعو، فلا يزوره في وقت راحته، ولا في وقت عمله، كما يجب ألا يتدخل في شئونه الخاصة، وألا يمد يديه أو يتطلع بعينه إلى كل ما يخص المدعو، من أوراق أو كتب أو أشرطة، وأن يخفف مدة الزيارة، وأن يطلب من المزور ألا يتكلف في إكرامه وهكذا.
7- السؤال والاهتمام: على الداعية أن يهتم بالسؤال عن المدعو، وأن يطمئن على أحواله، في العمل، وفي البيت، وأن يسأله عن ظروفه وأولاده، مع مراعاة حدود العلاقة بينهما، ومدتها، حتى لا يعتبره متطفلاً يسأل عما لا يجب.
8- المتابعة المستمرة: فالدعوة الفردية تتطلب من الداعية المتابعة المستمرة للمدعو، مخافة أن يصيبه الفتور إذا رأى إهمالاً أو عدم متابعة، وذلك لأن البيئة التي يعيشون بها لا تعينهم على الاستقامة، بل إنها تحارب كل عائد إلى ربه، كما أن قرناء السوء يبذلون جهداً كبيراً – خاصة في الفترة الأولى، ليعيدوه إلى ما كان عليه من الفساد والانحراف، ومن ثم يجب على الداعية أن يتعاهد الثمرة، بالرعاية والعناية، وأن يربطه بأصدقاء صالحين ليكونا له عونا على الخير.
الخاتمة:
وفي الختام، فإنه يجب على الداعية، وخاصة الذي يعمل في مجال الدعوة الفردية، أن يراعي عدداً من الأمور في مقدمتها:
· التواضع للمدعو وعدم التكبر عليه، مع مراعاة فهم الظروف العائلية والبيئية المحيطة بالمدعو، والتدرج في الدعوة وعدم الاستعجال.(209/9)
· البعد عن مواطن الخلاف الفقهي والفكري، مع مراعاة التعرف على ميول المدعو واهتماماته، ومراعاة الفروق الفردية بين المدعوين.
· الحذر من توجيه النقد المباشر، والاقتصاد في الموعظة والتقليل من الملاحظات، على أن يحتفظ لداعية لنفسه بشخصية قوية يكسوها الوقار والهيبة والاحترام.
المرجع: الدعوة الفردية السهل الممتنع-موقع الرواق.(209/10)
#الدعوة سرًا وجهرًا
لغة: اسم من الفعل (دعا) ومعناها: مطلق الطلب لأى شىء حسى كطعام أو معنوى كفكرة(1) وعند ابن فارس: هى فن الإمالة للجمهور نحو شىء معين بأى وسهيلة متاحة.(2).
واصطلاحا: ورد فى تعريفها عدة تعريفات منها:
"العلم الذى به تعرف كافة المحاولات الفنية المتعددة الرامية إلى تبليغ الناس الإسلام بما حوى من عقيدة وشريعة وأخلاق (3).
أو هى "تبليغ الإسلام للناس وتعليمهم إياه وتطبيقه فى مواقع الحياة "(4) أو "هى برنامج كامل يعم جميع المعارف التى يحتاج إليها الناس ليبصروا الغاية من محياهم وليستكشفوا معالم الطريقة التى تجمعهم راشدين.(5)
أو هى فن يستميل الناس إلى الإسلام بالوسائل المناسبة ليتعلموه ويطبقوه فى واقع الحياة".
والدعوة بهذا المفهوم:
إما أن نتوجه بها إلى غير المؤمنين بالإسلام لنكشف لهم عن محاسن هذا الدين واستقامة عقيدته ونبل مقاصده وعظمة تشريعاته وغالبا ما يكون ذلك فى المجتمعات غير الإسلامية كأوربا وأمريكا وغيرها.
وإما أن نتوجه بها إلى المؤمنين به والمعتنقين له لنأخذ بأيديهم ونبصرهم حتى يعملوا بمقتضى مبادى هذا الدين ويسيروا على نهجه الذى اختاروه فى العقيدة والعبادة والسلوك والأخلاق والمعاملات.
وعلى كل فإن كلمة الدعوة من الألفظ المشتركة التى تطلق على الإسلام كدين وعلى عملية نشره وتبليغه للناس ، وسياق الكلام هو الذى يحدد المعنى المراد فمثلا إذا قيل: هذا من رجال الدعوة إلى الله كان معنى الدعوة هنا محاولات النشر والتبليغ ، وإذا قيل: اتبعوا دعوة الله كان المراد الإسلام.(210/1)
وإذا ذكرت على إطلاقها فإنها تنصرف عرفا إلى محاولة نشر الإسلام وتبليغه للعالمين ، وهو المعنى الذى تواردت عليه معظم الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وخير من قام بتبليغ الدعوة هو الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن أعده الله لها وهيأه لحملها ثم كلفه بتبليغها حين نزل عليه قوله تعالى: {ياأيها المدثر. قم فأنذر}المدثر:1-2.
فبدأ النبى صلى الله عليه وسلم دعوته سرا يدعو كل من وثق فيه إلى عبادة الله ، وكان يلتقى بالأولياء والأصدقاء المقربين ، وكان أول من آمن به من النساء زوجته ، ومن الصبيان على بن أبى طالب ، ومن الموالى زيد بن حارثه ، ومن الرجال أبو بكر الصديق الذى أسلم على يديه كثير من الأحرار والعبيد، وظلت الدعوة سرية حوالى ثلاث سنوات أسلم فيها ثلاثة وخمسون شخصا بينهم عشرنساء. (6).
وإنما كانت الدعوة خفية ابتداء لتتكون خلية الإسلام ، فالخلايا يكون بذر البذور فيها بالكتمان ؛ لأن الجهر يبددها قبل أن تتكون حتى يبدو عودها ويتكون سوقها، فكل فكرة جديدة لابد أن تلتقى حولها قلوب مؤمنة بها، ويكون بعد ذلك إعلانها والمجاهرة بها.
ولم تكن السرية فى هذه الدعوة استخفاء بالدعوة فقد كان النبى صلى الله عليه وسلم يعلن ما جاء من نذير وما عنده من تبشير ولكن الذى كان يستخفى به هو إقامة العبادة ومدارسة الاسلام فى دار الأرقم بن أبى الأرقم. (7).
ومكث عليه الصلاة والسلام يدعو سرا حتى نزل عليه قوله تعالى: {وأنذر عشيرتك الأقربين}الشعراء:214.
وقوله تعالى: {فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين}الحجر:94.
فبدل بالدعوة سرا الدعوة جهرا ممتثلا أمر ربه واثقا بنصره ووعده.(210/2)
وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشيرته الأقربين ، فصعد على الصفا فجعل ينادى: يا بنى فهر، يا بنى عدى، يا بنى عبد مناف ، ثم نادى بطون قريش حتى اجتمعوا إليه فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج ارسل رسولا لينظر الخبر فجاء أبولهب بن عبد المطلب وقريش فقال عليه الصلاة والسلام: (أرايتم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادى تريد أن تغيرعليكم أكنتم مصدقى؟ قالوا: نعم ماجربنا عليك كذبا، قال: فإنى نذير لكم بين يدى عذاب شديد، فقال أبولهب تبالك ألهذا جمعتنا) فأنزل الله شأنه: {تبت يدا أبى لهب وتب. ما أغنى عنه ماله وما كسب. سيصلى نارا ذات لهب}المسد:1-3 (8) ؛ وهكذا دمغه الوحى بهذه الآيات البينات التى كانت بمثابة التشجيع للنبى صلى الله عليه وسلم ليستمر فى دعوته ويمضى إلى غايته ، فكانت حافزا قويا على النشاط فى إذاعتها والمضى فى سبيل انتشارها ، كما كانت سابقة فأل ومقدمة بشارة بأن الله سينصر الحق على الباطل ويتم نوره ولو كره المشركون.
وقد وجه النبى صلى الله عليه وسلم دعوته فى السر والجهر بإصرار وثبات ، وصادف من بيئته جمودا ومعارضة تمثلت فى ردود فعل مختلفة أقلها تعذيب أتباعه ، ثم مقاطعتهم ثم محاولة قتله بوصفه صاحب اللواء فإذا سقط انتهت دعوته ولكن الله عصمه ، ونصره بالهجرة وامتن عليه بالفتح حتى إذا صار للإسهلام الكلمة العليا في الجزيرة العربية ، فاضت الوحدانية بالنور إلى الأقاليم المجاورة إقليما بعد إقليم.
أ.د/خليفة حسين العسال(210/3)
#الدلالة
لغة: كل شىء يقوم بدور العلامة أوالرمز له دلالته أو معناه ، سواء أكانت العلامة أو الرمز كلمات وجملا، أو كانت أشياء غير لغوية، كإشارات المرور، وإيماءة الرأس ، ورسم فتاة مغمضة تمسك ميزانا، والتصفيق باليدين ، وغيرها.
واصطلاحا: علم مستقل يعد فرعا من فروع اللغة، يهتم بدراسة دلالات الرموز اللغوية وأنظمتها، يسمى علم الدلالة، أو علم المعنى.
وقد كان للعرب فضل السبق فى هذا النوع من الدراسات ، فمعظم الأعمال اللغوية المبكرة عند العرب تعد من مباحث الدلالة، مثل: تسجيل معانى الغريب فى القرآن الكريم ، والحديثا عن مجاز القرآن ، والتأليف فى الوجوه والنظائر فى القرآن ، وإنتاج المعاجم. وحتى ضبط المصحف بالشكل يعد فى حقيقته عملا دلاليا ، لأن تغييرالضبط يؤدى إلى تغييرالمعنى.
ولعل من أهم الدراسات العربية المبكرة التى تناولت جانبا المعنى دراسات الأصوليين التى سبقته فى كثيرمن نتائجها دراسة المعنى فى العصر الحديث ، كما ضمت هذه الدراسات موضوعات مثل: دلالة اللفظ من حيث الشمول (العام ، الخاص ، المشترك ) ودلالة المنطوق ، ودلالة المفهوم ، وتقسيم المعنى بحسب الظهور والخفاء، وطرق الدلالة، والتغير الدلالى، والحقيقة والمجاز، والمشترك اللفظى والمترادف.
كذلك نجد دراسات واشارات كثيرة للمعنى فى مؤلفات الفلاسفة المسلمين ، مثل: الفارابى، وابن سينا، وابن رشد، وابن حزم ، والغزالى، والقاضى عبدالجبار وغيرهم.
كما انعكس الاهتمام بالمعنى فى دراسات البلاغيين التى اهتمت بمباحث الحقيقة والمجاز، ودرست كثيرا من الأساليب ، كالأمر والنهى والاستفهام ، وقدمت نظرية النظم عند عبدالقاهر الجرجانى وغيرها.
ولم يقتصر الاهتمام العربى بمباحث الدلالة على وسائل الاتصال اللفظية وحدها ، بل تجاوزها ليشمل كذلك الوسائل غير اللفظية، وبخاصة حركات الجسم وما تحمله من دلالات لغوية، وفى القرآن الكريم أمثلة كثيرة على ذلك ، مثل:(211/1)
أ- شخوص البصرعند الدهشة، كما فى قوله تعالى {واقترب الوعد الحق فإذا شاخصة أبصارالذين كفروا}الأنبياء:97.
ب- غل اليدين إلى العنق للإشارة إلى البخل ،كما فى قوله تعالى {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك}الإسراء:29.
وقد أشار الجاحظ فى كتابه "البيان والتبين" إلى حسن الاشارة باليد والرأس ، واعتبرها من تمام حسن البيان باللسان ، كما نعى على أحد المتحدثين عدم استخدامه الإشارة باليد وغيرها.
كما أشار الجاحظ إلى التواصل باستخدام العين أو الجفن للتفاهم بين اثنين بطريقة تخفى على الآخرين ، فى أمور يسترها بعض الناس من بعض ، ويخفونها من الجليس وغير الجليس.
أ.د/أحمد مختار عمر(211/2)
#الدواء
لغة: يقال داواه أى عالجه ، ويقال: هو يدوى ويداوى أى يعالج ، ويداوى بالشىء أى يعالج به ، والدواء: ما عولج به الفرس من تضمير وحنذ، وما عولجت به الجارية حتى تستمن ، كما فى اللسان (1).
واصطلاحا: مادة تستخدم لعلاج المرض أو تشخصيه أو الوقاية منه.
ومن استعمالات الدواء:
1- يستعمل فى تغييربعض وظائف الجسم الطبيعية مثل الإحساس بالألم.
2- يستخدم لأغراض جراحية، مثل التخدير وتطهير الجروح.
3- يستخدم فى تعويض النقص فى إفرازات الغدد ، مثل استعمال الأنسولين في علاج مرضى السكر، واستعمال العصائر الحمضية فى علاج عسر الهضم.
4- يستعمل فى علاج عوز الفتيامينات والعناصر المعدنية.
ويحدث الدواء تأثيره بتفاعله مع الكائن الحى، سواء كان هذا الكائن عضوا من أعضاء الجسم ، أو خلية من خلاياه ، أو فيروسا ، أو ميكروبا ، أو خلايا سرطانية تلحق به المرض.
ويطلق اسم "علم الأدوية" (فارماكولوجى) على الذى يختص بدراسة الدواء، وامتصاصه من الجهاز الهضمى وأعضاء أخرى، وأنتشاره فى أعضاء الجسم ، وتغيير هيكله الكيميائى فى بعض الأعضاء، وخروجه من الجسم.
ولقد أطلق ، على هذا المبحث قديما اسم "أقراباذين" وهو مصطلح يونانى الأصل ، ويعنى تركيب الأدوية المفردة وقوانينها.
ولقد أخذت هذه الكلمة عند العلماء العرب مدلولا دقيقا هو "الأدوية المركبة".
ولقد كان للعرب والمسلمين أبلغ الأثر فى تقدم وتطوير "علم الأدوية"، وذلك فيما بين القرن السابع والقرن الحادى عشر الميلادى، وكان لهم أثركبيرفى إثراء علم الكيمياء ، الذى يعتبر الدعامة الأساسية لاكتشاف الآلاف من الأدوية المصنعة كيميائيا.
ولقد استفاد علماء الغرب من خبرة وتجارب علماء الكيمياء العرب، مثل جابربن حيان ، الذى ثبت دعائم الكيمياء، وبين أهمية التجربة، وأوصى بدقة الملاحظة، وهو الذى عرف العمليات الكيميائية، ولقد ترجمت كتبه إلى اللاتينية، وبقيت مرجعا يعتمد عليه فى الكيمياء لمدة ألف عام.(212/1)
وكان لحث الإسلام للمسلمين على طلب العلم وتكريم العلماء فضل كبيرعلى العالم فى تقدم وازدهار شتى مجالات العلم والمعرفة، ومنها الصيدلية، حيث شهد العالم فى العصرالإسلامى مولد أول مدرسة للصيدلة، ولقد برع المسملون فى فن تحضير الدواء، وكانوا من أول من أنشأوا صيدليات لبيع الدواء.
ويعتبر العالمان المسلمان: أبو بكر الرازى (240-320هـ /854-932م) وابن سينا (371-429هـ/988-1037م) من أشهر علماء الطب والصيدلة، ولقد تركت دراساتهما أثرا بالغا فى علوم الأدوية والطب الأوروبية.
وتضم قائمة العلماء العرب المسلمين الذين أثروا هذه العلوم البيرونى 351-440هـ /961-1045م ) والزهراوى (324-453هـ /936-1013م ) وابن البيطار(575-646هـ /1148-1197م ) وغيرهم. ويعتبر كتاب "الطب النبوى" لابن قيم الجوزية من أشهر الكتب التى تناولت أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم فى هداية النفوس والأبدان ، وشمل الكتاب فصولا عديدة فى الطب والدواء وعلاج الأمراض.
أ.د/عز الدين الدنشارى(212/2)
#الدواوين
لغة: جمع "ديوان" والديوان يعنى السجل الذى يتم فيه تدوين الأعمال والأموال والقائمين بها أو عليها، أو على حد تعبير الماوردى فى الأحكام السلطانية: والديوان موضوع لحفظ ما يتعلق بحقوق السلطنة من الأعمال والأموال ومن يقوم بها من الجيوش والعمال ، ثم أطلقت الكلمة أيضا من باب المجاز على المكان الذى تحفظ فيه السجلات ويجرى العمل بها.
وقد اختلف الباحثون فى أصل هذه الكلمة، فذهب البعض إلى القول بأنها ترجع إلى أصل فارسى كما يذكر العلامة ابن خلدون فى مقدمته ، بينما يعود بها البعض الأخر إلى أصول عربية، من دون الشىء أى: أثبته ، على حد قول ابن منظور فى لسان العرب أخذا عن سيبوبه.
وكانت الحاجة قد استدعت إنشاء هذا النظام والعمل به على عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فى السنة الخامسة عشرة للهجرة، بعد أن بدأت الفتوحات الإسلامية للمناطق المجاورة لشبة الجزيرة العربية، وأخذت الأموال تتدفق على المدينة الإسلامية، وأصبح ضروريا وضع نظام دقيق لضبط هذه الأموال ومصارفها وتسجيل المستحقين لها.
ولما كان العرب قد انصرفوا فى صدر الإسلام للجهاد من أجل جعل كلمة الله هى العليا، فقد كان طبيعيا أن تكون أعمال الدواوين بأيدى أبناء البلاد المفتوحة وبألسنتهم ، ومن ثم كتب ديوان الشام باليونانية أو الرومية كما يسميها المسلمون ، وديوان مصر بها أيضا بالقبطية، وديوان العراق بالفارسية، وديوان إفريقية بالبربرية، وظل الأمر على هذا الحال حتى كان عهد الخليفة الأموى عبد الملك بن مروان ، فصدرت الأوامر بنقل هذه الدواوين جميعها إلى العربية، وهو ما عرف بتعريب الدواوين.
ولاشك أن حركة تعريب الدواوين قد أسهمت إسهاما فعالا فى نشر اللغة العربية على نحو كبير، إذ سارع أبناء هذه البلاد المفتوحة إلى تعلم العربية حتى لا يفقدوا وظائفهم فى تلك الدواوين ، كما أنها أدت إلى ظهور طبقة جديدة فى المجتمع الإسلامى، هى طبقة الكتاب.(213/1)
وكان ديوان الجند أول الدواوين التى أنشأها الخليفة عمر بن الخطاب ، ويعرف أيضا بديوان الجيش أو العطاء، واختص بتدوين أسماء الجند وأوصافهم وأنسابهم وما يخصهم من العطاء، وشدد عمرعلى ضرورة التفرغ للجهاد حتى لا ينصرف الناس عنه إلى الدعة فى البلاد المفتوحة. وقد وصل ديوان الجند إلى أقصى مراحل تطوره فى أيام الخلافة الفاطمية، حيث صار يضم ثلاثة دواوين ، هى الجند والرواتب والإقطاع.
أما الديوان الثانى فهو ديوان الخراج ،وقد نشأ فى عهد الخليفة عمربن الخطاب بعد أن اتسعت فى عهده رقعة الدولة الإسلامية وكثرت الأموال ، وغدت مهمته الإشراف على جباية الأموال وتدوين ما يرد منها إلى بيت المال وأوجه الإنفاق العام ، وأضحى له -مع الاتساع- فرع فى كل ولاية.
ولما كان عهد بنى أمية، ونشطت حركة الفتوح ، وامتدت أطراف الدولة ، استدعى الأمر قيام عدد من الدواوين الأخرى، يأتى فى مقدمتها ديوان الخاتم الذى أنشأه معاوية ابن أبى سفيان ضمانا لسرية أمور الدولة، حتى أصبح ديوان الخاتم يعد أهم دواوين الدولة الإسلامية، وكانت مهمته تشمل أوأمر الخليفة ورسائله وحزمها بخيط ولصقه بالشمع ثم ختمه بخاتم الخليفة حتى لا يجرو أحد على فضه سوى المرسل إليه.
ويكمل عمل هذا الديوان ديوان الرسائل الذى عرف أيضا بديوان الإنشاء، ويشرف على الرسائل الواردة من الولايات إلى الخليفة، أو من هذا إلى عماله فى الأمصار، وازدادت أهمية هذا الديوان تدريجيا حتى صار الكثيرون يتنافسون للعمل فيه ، وبلغ قيمة ازدهاره فى مصر زمن الفاطميين والأيوبيين والمماليك ، ومن بين أعظم من شغلوا رئاسته القاضى الفاضل والقلقشندى.(213/2)
وتعددت الدواوين فى الدولة الإسلامية بتطور عهودها، فظهر ديوان البريد، وتتضح أهميته من قول أبى جعفر المنصور: "ما كان أحوجنى إلى أن يكون على بابى أربعة نفرهم أركان الملك ،ولايصح الملك إلا بهم.. أما أحدهم فقاض لا تأخذه فى الله لومة لائم ،والآخرصاحب شرطة ينصف الضعيف من القوى، والثالث صاحب خراج لا يظلم الرعية، والرابع. وعض على أصبعه السبابة ثلاث مرات وقال صاحب بريد يكتب إلى بخبر هؤلاءعلى الصحة".
وإلى جانب ما سبق هناك عدد آخر من الدواوين ، كديوان الطراز، وديوان التوقيع ، وديوان الجهبذة، وديوان البر والصدقات ، وديوان الزمام ، ولكن تظل الدواوين الخمسة الأولى صاحبة الأهمية فى الدولة الإسلامية.
أ.د/رأفت عبد الحميد محمد(213/3)
#الدولة
يقصد بها اكتمال عناصرثلاثة هى:
الإقليم ، والشعب ، والحكومة، ولذلك يجب أن توجد جماعة من الناس يعيشون على إقليم محدد، كما يجب أن ينتظم هؤلاء الناس تحت حكومة معينة يحدد الإقليم نطاق السلطة التى تمارسها هذه الحكومة على الشعب.
ويشمل الإقليم عناصر ثلاثة هى: الإقليم البرى والإقليم البحرى والإقليم الجوى، ويكفل الإقليم البحرى للدولة حماية شواطئها حتى امتداد معين حدد باثنى عشر ميلا بحريا، كما يكفل إقليمها الجوى حماية إقليمها من أى اختراق بواسطة الطائرات إذ يمتد إلى ما لانهاية فى الارتفاع ، أما الإقليم البرى فهو موئل نشاط البشر المكونين لشعب الدولة.
وتعتبر الدولة القومية المعروفة بشكلها الحالى نتاجا حديثا ظهر فى بداية العصور الحديثة أى فى القرن السادس عشر، وجاء كرد فعل لانسياب السلطة وتوزعها فى العصور الوسطى فى أوروبا ويتميز بتقوية سلطة الملك أو الحاكم بشكل عام.
أما فى الإسلام فقد كون رسول الله صلى الله عليه وسلم دولة المدينة، كان فيها مركز للسلطات المعروفة فى الدول الحديثة أى السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وقد تم تحديد ذلك بوضوح في الصحيفة، أو الوثيقة الأولى لتأسيس دولة المدينة التى قرأها الرسول صلى الله عليه وسلم على سكان المدينة وممثلى القبائل واليهود.
وعرف الرسول صلى الله عليه وسلم فكرة الحدود فأرسل من يضع حدودا بين لابتيها شمالا وجنوبا وشرقا وغربا كما حدد فى الصحيفة شعب المدينة وعلاقته بالشعوب المجاورة، وحدد من هم أعداء الدولة وكيف تكون العلاقة معهم ، وهم هنا المشركون من قريش وهى علاقة أساسها الحرب ردا على عدوانهم على الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته ومحاولتهم اجتثاث الإسلام من جذوره.(214/1)
ويجب أن نوضح أن دولة الإسلام ليست دولة دينية بالمفهوم الغربى، لأن الأمة هى مصدر سلطات الخليفة، وهو مسئول أمامها وتستطيع أن تحاسبه ، ولايمكن الادعاء بأن الخليفة يستمد سلطاته من تفويض إلهى بشكل أو بآخر. ويتبين ذلك من التسليم فى الفقه الإسلامى بان سند تولية الخليفة هو البيعة، وقد استنتجت محكمة العدل الدولية في حكم حديث لها أن السيادة في الدولة الإسلامية ارتبطت بالبيعة.
كما نود أن نشير إلى أن الإسلام كان دينا وجنسية، وكان من حق المسلم أن ينتقل بين مختلف أجزاء الدولة الإسلامية دون قيود ، بل إن السلطة كانت تنتقل بين هذه الأجزاء بسهولة ويسر.
ولايمكن أن نقول إن الاسلام قد اشترط شكلا معينا للدولة فيمكن أن تكون ملكية أوجمهورية بشرط أن يقيم الحاكم حدود الله وأن يحقق العدالة فى الناس، وبشرط أن يتخذ الشورى أساسا لحكمه إعمالا لقوله تعالى: {وأمرهم شورى بينهم}الشورى:38 ، وأمره لنبيه بها {فاعف عنهم واستغفرلهم وشاورهم فى الأمر}آل عمران:159 ، مع ملاحظه أنه فى حالة النظام الملكى يستوجب الإسلام مبايعة كل ملك ورث ملكه ورضا الشعب عنه.
أ.د/جعفر عبد السلام(214/2)
#الدِّين
الدين من الألفاظ التى لم تخل منها لغة من اللغات بمدلولها ، لأن التدين فطرة، وقد تعددت دلالتها بتعدد الأمم ، وإن وجد قاسم مشترك بينها في النهاية، وقد عرفها العرب بمدلولات شتى، ووردت فى القرآن الكريم بمعان متعددة منها:
1- الدين: الطاعة، وهو أصل المعنى، ودنت له أى أطعته ، ومنه قوله تعالى: {وقاتلوهم حتى لاتكون فتنة ويكون الدين لله}البقرة:193.
وفى آية أخرى: {ويكون الدين كله لله}الأنفال:193 ، أى الخضوع له وحده دون سواه ، قال عمرو بن كلثوم:
وأياما لنا غرا كراما * عصينا الملك فيها أن ندينا
ومنه قوله تعالى:{لا إكراه فى الدين}البقرة:256 ، أى فى الطاعة.
2- الدين: الجزاء والمكافأة، يقال دانه دينا أى جازاه ، ويقال: كما تدين تدان أى كما تجازى بحسب ماعملت ، ومنه قوله تعالى {أءنا لمدينون}الصافات:53، أى مجزيون ، قال خويلد بن نوفل يخاطب الحارث بن أبى شمر:
يا صاح أيقن أن ملكا زائل * واعلم بأن كما تدين تدان
3- الدين: الحساب ، ومنه قوله تعالى: {مالك يوم الدين}الفاتحة:4 ، وبه فسر الحديث: (الكيس من دان نفسه ) أى حاسبها.
4- الدين: السلطان والملك ، وقد دنته دينا ، ملكته ، ومنه قوله تعالى: {غير مدينين}الواقعه:86 , أى غير مملوكين عند الفراء، ومنه قولهم: يدين الرجل أمره ، أى يملكه.
5- الدين: القضاء والحكم والملك ، وبه فسر قوله تعالى: {ما كان ليأخذ أخاه فى دين الملك}يوسف:76 ، أى فى حكمه وقضائه ، والديان: هو القاضى.
6- الدين: الحال والعادة والشأن ، يقال: مازال ذلك دينى وديدنى، أى عادتى، قال المثقب العبدى:
تقول إذا درأت لها وصينى * أهذا دينه أبدا ودينى
قال ابن شمل:سألت أعرابيا عن شئ فقال: لولقيتنى على دين غير هذا لأخبرتك.(215/1)
7- الدين: يطلق ويراد به الإسلام ، قال الراغب: ومنه قوله تعالى: {أفغير دين الله يبغون}آل عمران:83 ، يعنى الإسلام لقوله تعالى: {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه}آل عمران:85.
وقد وردت الكلمة بمعان أخرى غير ما سبق فى لغة العرب وفى القرآن الكريم.
ومن ملاحظة جملة المعانى السابقة من منظور دينى ندرك أنها تؤلف وحدة كلية. يعبركل جزء من المعانى عن جانب من المعنى المطلق لها، وهذا ما ذهب إليه أحد العلماء (د/دراز) حين قال: إن من وراء هذا الاختلاف الظاهر، تقاربا شديدا ، بل صلة تامة فى جوهر المعنى، إذ نجد هذه المعاش تعود في نهاية الأمر، إلى ثلاثة معان ، وإن التفاوت مرده إلى أصل الفعل من حيث التعدى بالنفس والتعدى بالغير.
فإذا تعدى الفعل بنفسه (دانه دينا) عنينا به أنه ملكه وحكمه وقهره وحاسبه وجازاه.
وإذا تعدى باللام ، أردنا أنه أطاعه وخضع له ، وكلمة الدين لله ، يصح أن يفهم منها كلا المعنيين: الحكم لله أو الخضوع لله ، وواضح أن هذا المعنى الثانى، ملازم للأول ، ومطاوع له ، وأنه دانه فدان له أى قهره فخضع وأطاع.
وإذا تعدى بالباء، دان بالشىء، كان معناه أنه اتخذه دينا ومذهبا، فهو الطريقة التى يسير عليها المرء نظريا وعمليا.
وجملة القول أن كلمة دين عند العرب تشير إلى علاقة بين طرفين يعظم أحدهما الآخر، ويخضع له ، فإذا وصف بها الطرف الأول كان خضوعا وانقيادا ، وإذا وصفا بها الطرف الثانى كان أمرا وسلطانا وحكما وإلزاما ، وإذا نظر بها إلى أمر الرباط الجامع بين الطرفين كانت الدستور المنظم لتلك العلاقة أو المظهر الذى يعبر عنها.
ومعنى كلمة دين بين الإطلاق والتقييد:
من الدلالة اللغوية لكلمة دين رأينا أن كل خضوع على وجه ما لشىء ما تقديسا وتقربا اليه ، يسمى دينا، سواء أكان منشأ هذا الخضوع الوضع كما هو الحال فى معتقدات الوثنيين والصابئين والمجوس أو الوحى كما فى معتقدات أهل الكتاب والمسلمين.(215/2)
وقد وسم القرآن كل معتقد بأنه (دين ) حقا كان أم باطلا، ففى قوله تعالى: {قل ياأيها الكافرون. لا أعبد ماتعبدون}الكافرون:1-2 ، ختمها بقوله {لكم دينكم ولى دين}الكافرون:6 ، وقال تعالى {ومن يبتغ غيرالإسلام دينا فلن يقبل منه}آل عمران:85 ، فسمى كل معتقد غاير الإسلام بأنه دين ويرفض البعض إطلاق كلمة دين علي كل معتقد غاير الاسلام ، وهم بذلك مصادمون لنصوص القرآن والسنة، بينما يرى آخرون: أن الكلمة إذا وردت محلاة باللام يراد بها الإسلام دون سواه ، واستشهد بقوله تعالى {شرع لكم من الدين}الشورى:13.
وقوله تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين}الشورى:21.
وأما إذا ذكرت منكرة، فإنها تحتمل الدين الحق والدين الباطل ، وهذا غير صحيح ، لأن الكلمة كما وردت منكرة يراد بها الدين الحق ، الأديان الباطلة وردت معرفة كذلك بنفس المعنى قال تعالى: {هو الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله}الصف:9.
والتمييز بين الحق والباطل يكون بالوصف الدين الإسلامى، الدين اليهودى، الدين الحق ، الدين الباطل ، أو بالاضافة إلى الله أو النبى أو المتبع أو المؤسس: (دين الله ) من (دين ) (البوذية).
أ.د/بكر زكى عوض(215/3)
#الرأفة
لغة: الرحمة، وقيل: أشد الرحمة.رأف به -يرأف ، ورئف ، ورؤف رأفة ، ورآفة- رحمه أشد رحمة.
شرعا وفى القرآن الكريم {ولا تأخذكم بهما رأفة فى دين الله}النور:2 ، أى لا ترحموهما فتسقطوا عنهما ما أمر الله به من الحد.
ومن صفات الله عز وجل: (الرءوف)، أى الرحيم بعباده ، العطوف عليهم بألطافه ، يقول تعالى: {والله رءوف بالعباد}البقرة:207 ، كما وصف الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم ، فقال {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم}التوبة:128 ، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد الرأفة بالمسلمين كثير المراعاة لاختلاف أحوالهم وما يعترى النفوس من فتور وملل ، يقول ابن مسعود -رضى الله عنه-: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة فى الأيام كراهة السآمة علينا) (البخارى: كتاب العلم)، وكان مع شدة ولعه بالصلاة يتجوز فيها إذا سمع بكاء الصبى، فقد روى أنه قال (إنى لأقوم فى الصلاة أريد أن أطيل فيها، فأسمع بكاء الصبى، فأتجوزفى صلاتى، كراهة أن أشق على أمه).(البخارى: كتاب الأذان).
ومن رأفة الله سبحانه وتعالى بعباده أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها، بل جعل الواجبات والفروض لا تكون مقبولة إلا إذا كانت فى اطار سهل ميسر لكل الناس ، فقد روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ، فسددوا، وقاربوا وأبشروا....). البخارى: كتاب الإيمان ، ومسند أحمد: 5 /69 ، ومن رأفته ورحمته أن المصر على الكفر طول حياته ، إذا تاب وأناب ، أسقط عنه العقاب وأعطاه الثواب الدائم والنعيم الخالد فى الآخرة.
ومن رآفة محمد صلى الله عليه وسلم بالمسلمين وصيته لأصحابه بأن ييسروا ولا يعسروا ويبشروا ولا ينفروا.
أ.د/محمد شامة(216/1)
#الرؤيا
لغة: على وزن فُغلَى غير منصرف لألف التأنيث ، وهى ما رأيته فى منامك قال الليث: لا تجمع الرؤيا، وقال غيره: تجمع الرؤيا على رؤى كما يقال عليا وعلىَّ كما فى اللسان(1).
واصطلاحا: ورد فى القرآن {إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إنى رأيت أحد عشركوكبا والشمس والقمر رأيتهم لى ساجدين. قال يابنى لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين}يوسف:4،5 ، كما جاء فى سورة يوسف أيضا رؤيا الفتيين ، ورؤيا الملك فى أكل السبع البقرات السمان للسبع العجاف(2) ورؤيا إبراهيم عليه السلام أنه يذبح ولده(3).
وقد ورد فى السنة الكثير من الحديث عن الرؤيا ونكتفى منها بحديث أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا ، ورؤيا المسلم جزء من خمسة وأربعين جزءا من النبوة. والرؤيا ثلاثة: فالرؤيا الصالحة بشرى من الله ورؤيا تحزين من الشيطان ، ورؤيا ما يحدث المرء نفسه فإن رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل ولا يحدث بها الناس...) رواه مسلم(4).
وقد وردت عدة روايات فى هذا الحديث جاءت بلفظ (من ست وأربعين جزءا من النبوة) وفى رواية من حديث ابن عمر رضى الله عنهما (من سبعين جزءا من النبوة) وجميع هذه الرؤايات أخرجها مسلم فى صحيحه(5) وقد نقل عن ابن عبد البر، أن الاختلاف فى مقدار الجزء إنما هو بحسب يقين الرائى، وإخلاصه ، ودرجة تقواه ، كما أن الأنبياء يتفاضلون(6).(217/1)
وبالجملة فإن أهل العلم يتفقون على أن الرؤيا الصادقة من الله تعالى وأن التصديق بها حق ، وتحتاج إلى التأويل الحسن ، ولا ينبغى أن تعبر إلا من أهل العلم العارفين بالتأويل كما أن فيها من بديع صنع الله وجميل لطفه ما يزيد المؤمن فى إيمانه ، ولم ينكرالرؤيا إلا أهل الإلحاد من قدامى ومحدثين ، وشرذمة من المعتزلة حيث إنهم لينسبونها إلى ما يغلب على الإنسان من الطبائع الأربعة فإن غلبت السوداء عليه رأى السواد والأهوال ، وان غلبت عليه الصفراء رأى النار والمصابيح والمعصفرات وإن غلب عليه البياض رأى المياه والأنهار، وإن غلب عليه الدم رأى الشراب والرياحين والمعازف(7) قال الكرمانى فى الرؤيا ثمانية أقسام ، سبعة لا تعبر وواحد يعبر، حيث أضاف إلى الأربعة السابقة خامسا: وهو الرؤى المنعكسة عما يجول فى النفس فى حالة اليقظة. وسادسا وهو ما كان من رؤى الشيطان ويعرف بكونه يأمره بمنكر وينهاه عن المعروف. وسابعا وهو ما كان من قبيل الاحتلام.
أما الرؤيا التى تعبر فهى ما ينقله ملك الرؤيا من اللوح المحفوظ من أمور دنيا الرائى وأخراه(8) وعلى ذلك فما قاله الملحدون ومن معهم إنما هو نوع من الرؤيا وليس هو كل الرؤيا بل هو يدخل فى أضغاث الأحلام التى آشار إليها المصطفى صلى الله عليه وسلم فى الحديث الصحيح (الرؤيا من الله والحلم من الشيطان) رواه مسلم(9).
أما الأحكام الفقهية التى تلقى فى الرؤيا وكانت مخالفة للأحكام المستقرة فى الشريعة الإسلامية فإنه لا يعمل بها قال الإمام القرافى: من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم و وقال له مثلا: إن امرأتك طالق ثلاثا وهو يجزم بأنه لم يطلقها.(217/2)
فالذى يظهر أن إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم فى اليقظة مقدم على الخبر فى النوم لتطرق الاحتمال للرائى بالغلط فى ضبط المثال ولو قال له: عن أمر حرام إنه حلال ، أو عين حكما من الشريعة، قدمنا ما ثبته فى اليقفلة على مارؤى فى النوم لما ذكرنا، كما إذا تعارض خبران من أخبار اليقظة فإننا نقدم اللأرجح(10).
فإذا تعلقت بشىء من فضائل الأعمال وقد عبرها أحد العلماء بالتأويل فالظاهرأنه يعمل بمقتضاها إذا لم تتعارض مع حكم منصوص عليه ، لحديث ابن عمر رضى الله عنهما أن رجالا من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر فى المنام فى السبع الأواخر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أرى رؤياكم قد تواطأت فى السبع الأواخر فمن كان متحريها فليتحرها فى السبع الأواخر) رواه البخارى(11).
وهذا فى غير رؤيا الأنبياء لأن رؤيا الأنبياء حق فقد عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمقتضاها حينما رأى أنه يدخل المسجد الحرام ، كما عمل إبراهيم عليه السلام بمقتضاها حينما رأى أنه يذبح ابنه كما هو معلوم ومفصل فى القرآن الكريم.
أ.د/أحمد على طه ريان(217/3)
#الرؤية
لغة: يقال رؤية العين ورؤيا العين ، ما تراه الباصرة، وجمع الرؤية رُؤَى. ورؤية العين معاينتها للشىء، وهى تتعدى إلى مفعول واحد، وإن كانت بمعنى العلم فإنها تتعدى إلى مفعولين ، وقال ابن سيده: الرؤية النظر بالعين وبالقلب ، كما فى اللسان(1).
واصطلاحا: الرؤية بالعين ، هى إدراك الأشياء بحاسة البصر وعليها المعول فى الشهادة، ففى حديث ابن عباس رضى الله عنهما، أن رجلا سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن الشهادة فقال: هل ترى الشمس؟ قال: نعم.قال: على مثلها فاشهد أو دع (أخرجه البيهقى فى سننه والحاكم فى مستدركه)(2).
لذلك رد كثيرمن الفقهاء شهادة الأعمى مطلقا لأن مبنى الشهادة على المشاهدة، وهو لا يشاهد، وبعضهم ردها فى خصوص الشهادة على الأشياء التى تحتاج إلى مشاهدة، وأجازها فيما يمكنه التعرف عليه بلمسه أو ذوقه أو شمه أو سماعه.
وقد أوجب الشارع على من اعتدى على آخر بالضرب على رأسه فأذ هب الرؤية من حاسة بصره ولو بقى جرم العين سليما - فإنه يقتص منه بمثل ما فعل ، إن كان قد فعل ذلك به عمدا عدوانا، وإلا بأن كان خطأ ، فتجب فيه الدية كاملة، فإن ذهبت رؤية إحدى العينين فنصف الدية.
وعن رؤية الله تبارك وتعالى يوم القيامة ذهب أكثر العلماء إلى أن قوله تعالى {وجوه يومئذ ناضرة. إلى ربها ناظرة}القيامة:22-23، يبشر المؤمنين برؤية ربهم تبارك وتعالى يوم القيامة وذلك لاقتران النظر بلفظ إلى وقد قال تعالى {كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون}المطففين:15 ، ومفهوم ذلك أن المؤمنين لايحجبون منها(3)، وأن هذه الرؤية هى الزيادة التى وعد الله تبارك وتعالى بها المؤمنين من أهل الجنة فى قوله جل شأنه {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة}يونس:26.(218/1)
وفى رواية صهيب عن النبى صلى الله عليه وسلم قال (إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئا أزيدكم فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظرإلى ربهم عز وجل) رواه مسلم(4) كما ثبت فى مسلم أيضا أنهم يرونه كما يرون الشمس بالظهيرة صحوا والقمر ليلة البدر صحوا(5).
وأما رؤية الله تعالى فى الدنيا فيقول الجمهور من أهل السنة بجواز وقوعها مستدلين لسؤال موسى عليه السلام فى قوله جل شأنه {قال رب أرنى أنظر إليك قال لن ترانى ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف ترانى فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين}الأعراف:143 ، فبعد أن سمع موسى عليه السلام كلام ربه اشتاق لرؤيته ولم يطلب منه أن يريه آية، أو أنه طلبها ليعلم قومه الذين طلبوها منه أنها مستحيلة ، كما يقول بذلك المعتزلة، وغيرهم ممن ينكر ذلك مستدلين بقوله تعالى {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير}الأنعام:103.
وقد رد ذلك بأن الإدراك المنفى فى الآية هو بمعنى الإحاطة والحصر، وليس مجرد النظر والرؤية.(218/2)
ومبنى الاستدلال من الجمهور أن موسى عليه السلام لو لم يعلم جواز وقوع الرؤية فى الدنيا لما طلبها إذ يبعد ألا يعلم ما يجوز فى حق الله تعالى وما يستحيل ، لكن المولى عز وجل منعه منه رحمة به ، لأن خلقه لا يقوى على المعاينة فقد دل على ذلك بأنه سبحانه سيتجلى للجبل وهو أقوى منه وأصلب ، ثم أراه الجبل ولم يثبت ، وذلك حتى يطيب نفسا ، وأن حجبه عن الرؤية إنما كان رعاية له ورحمة به ، وهذا هو رأى الأكثر، لكن نقل القاضى عياض عن الإمام محمد بن الطيب المشهور بأبى بكر الباقلانى شيخ علماء عصره ببغداد أن موسى عليه السلام رأى الله تعالى فلذلك خر صعقا وأن الجبل رأى ربه فصار دكا بإدراك خلق الله له ، مستنبطا ذلك من قوله تعالى {ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف ترانى}الأعراف:143.
ومن هنا وجد الخلاف فى مقولة رؤية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ربه ليلة الإسراء والمعراج حيثه اشتهر القول عند ابن عباس وأبى بن كعب وأنس بن مالك والحسن وعكرمة وأبى الحسن الأشعرى بأن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه مستدلين لقوله تعالى {ما كذب الفؤاد ما رأى}النجم:11 ، وأنكرت عائشة رضى الله عنها رؤيته صلى الله عليه وسلم لربه بعينه وقالت: من قال إن محمدا رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية. وفى صحيح مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سئل عن ذلك (نورأنى أراه)(6).
وفى رواية أخرى أخرجها مسلم أيضا قال: (رأيت نورا)(6) وهذا هو المشهور عن ابن مسعود حيث قال المراد هو رؤية محمد لجبريل عليه السلام على هيئته العظيمة التى خلقه الله عليها إذ لم يره بهذه الخلقة حيث سد الأفق بجناح واحد حين فرده من أجنتته الستمائة إلا مرتين وهما اللتان أشار إليهما المولى تبارك وتعالى فى قوله عز شأنه {ما كذب الفؤاد ما رأى} وفى قوله تعالى {ولقد رآه نزلة أخرى. عند سدرة المنتهى}النجم:13،14.
أ.د/أحمد على طه ريان(218/3)
#الرحلات والرحالة المسلمون
اصطلاحا: هى الرحلات البرية والبحرية التى قام بها الرحالة المسلمون ، وقد تنوعت بتنوع أغراضها ، ومن تلك الأغراض: التجارة أو طلب العلم أو الحج ، ومن أهم دواعيها الكشف وحب استطلاع المجهول.
وبعد نمو الدولة الإسلامية على متسعات من آسيا وأفريقيا وأوربا ، ومن يسكنها من شعوب وحضارات وعقائد ولغات مختلفة، ظهرت الحاجة إلى معرفة العالم الإسلامى والعوالم المجاورة له ؟ كما أن بعض الرحالة كانت تحدوهم أغراض سياسية كمقدمة للتوسع ، أو تغليب مذهب على آخر كما حدث عندما صارت هناك دول إسلامية سنية وأخرى شيعية.
وقد ترتب على الرحلة الإسلامية نمو أسس معرفية لعلوم عديدة أخصها الجغرافيا والنقل والأنثروبولوجيا والاجتماع والسياسة ،وبدايات علم الخرائط التفصيلية للأقاليم بدلا من الاعتماد على خريطة العالم التى رسمها بطليموس الجغرافى السكندرى فى القرن الثانى الميلادى، والشىء نفسه تكرر فى العصر الحديث الذى بنى فيه الأوربيون علومهم على معارف المسلمين ، وهذه هى سنة البناء العلمى فقد بنى المسلمون علومهم علي معارف سابقيهم من روم ويونان وفرس وهنود إلخ..
وقد ترتب على الرحلات التى قام بها الجغرافيون ظهور أنواع متتالية من التأليف.
وآول الجغرافيين العرب كان الخوارزمى (ت 850م) الدى كان متأثرا بجغرافية بطليموس.
وفى القرنين التاسع والعاشر الميلاديين ظهرت كتب كثيرة تحت مسمى "المسالك والممالك " مثل اليعقوبى (ت 897م) الذى اهتم بما نسميه الآن الجغرافيا البشرية.
وابن خرداذبة (ت:912) اهتم بالطرق والمسافات فى كتابه " المسالك ".
والبلخى(ت:934).
وابن فضلان (بدأ رحلته إلى نهر الفولجا عام 921).
والاصطخرى كتب المسالك والممالك 933م.
والمسعودي (ت:957م) صاحب "مروج الذهب " الذى تضمن وصفا لاستدارة الأرض ومظاهرها الطبيعية وحضارات الماضى وشعوبه وبلاد الإسلام.(219/1)
والمقديسى الذى أعطى للظاهرات المختلفة ألوانا خاصة على الخرائط وكتب "أحسن التقاسيم فى معرفة الأقاليم " بترتيب وتدقيق.
وكان ابن حوقل أكثر الجغرافيين الذين ارتحلوا فى تلك الفترة، وبلغ زمن رحلته نحو 32 سنة غطى فيها مشارق العالم الإسلامى ومغاربه ، فهو بدون منازع شيخ الرحالة، وكتب "صورة الأرض" 977م.
وفى القرنين 11 و 12م. برز من بين الرحالة الشريف الإدريسى (ت:1166) صاحب خريطة العالم على قرمى كبيرمن الفضة التى حلت محل خريطة بطليموس كأساس محدث يستند إليه إلى أن جاءت الكشوف الجغرافية ابتداء من ق 160م. كما كتب "نزهة المشتاق فى اختراق الآفاق".
أما ناصرخسرو(ت:1061م)وكتابه "سفر نامه " فيتضمن معلومات دقيقة عن الحياة الاجتماعية والاقتصادية للبلاد بين فارس ومصر قبيل الغزوات الصليبية.
وابن جبير الأندلسى (ت.1217م) قدم لمصر والحجاز والشام فى ثلاث رحلات طوال أوسطها بعد فتح صلاح الدين للقدس مباشرة، ولم يصلنا من كتاباته إلا القليل من الرحلة الأولى.
ثم ياقوتا الحموى (ت:1229م) صاحب "معجم البلدان" ، هو اتجاه بحثى هام وغير مسبوق ، حفظ لنا الكثير من أسماء وأبحاث الجغرافيين السابقين الذين فقدت أعمالهم.
أما العلامة البيرونى (ت:1048م) فلم يكن جغرافيا، لكنه أجاد فى الجوانب الفلكية والجغرافيا الرياضية.
وأنجب القرن14م أمير الرحالة المسلمين ابن بطوطة (ت:1377م) الذى قضى نحو 25 سنة فى رحلته الأولى من المغرب إلى الصين.
كما ظهر فى الفترة ذاتها عالم الاجتماع وفلسفة التاريخ ابن خلدون (ت:1406م) فى كتابه الشهير "ديوان المبتدأ والخبر فى تاريخ العرب والعجم والبربر"، وتجلت عبقريته فى مقدمة الكتاب التى تعد فلسفة فى العلوم الاجتماعية والعمرانية والسياسية.
أ.د/محمد رياض(219/2)
#الرحمة
لغة: الرِّقَّة ، والتَّعَطُّف ، و "الرحمة": المغفرة، يقول الله تعالى {.... وهدى ورحمة للمؤمنين}يونس:57 ، أى فصلناه هاديا وذا رحمة، يقول تعالى {.... ورحمة للذين آمنوا منكم..}التوبة:61.
رَحِمَةُ رَحمًا ، ورُحُمًا ، ورَحمَة: رقَّ له ،وشفق عليه ، وتعطف وغفر له ، يقول تعالى {وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة}البلد:17 ، أى أوصى بعضهم بعضا برحمة الضعيف ، والتعطف عليه.
ويقول تعالى: {إن رحمت الله قريب من المحسنين}الأعراف:56 ، أى عفوه ،وعنايته ، ورعايته "الرحيم": قد يكون بمعنى "المرحوم"، كما يكون بمعنى "الراحم" يقول الله تعالى {...... وأقرب رحما}الكهف:81 ، وقيل: "ترحمت عليه"،قلت: رحمه الله.
اصطلاحا: إرادة إيصال الخير وهى: اللطف والإحسان: أى التخلص من كل آفة أو نزعة تدفع الإنسان إلى الشر، مع إيصال الخير إلى الناس ، فمساعدة الضعيف رحمة، ومد يد العون للمحتاج رحمة، وتخفيف آلام الناس رحمة، وعدم القسوة على من -وما- تحت يد المرء رحمة، ومعاملة الأرحام -وخاصة الوالدين- بالحسنى رحمة.(220/1)
وقد ذكرت كلمة "رحمة" فى القرآن الكريم 79 مرة توزعت فى سوره ، ابتداء من قوله تعالى: {أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة}البقرة:157 ، وحتى قوله تعالى {وجعلنا فى قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة}الحديد:27 ، وتدور معانيها حول رحمة الله بعباده ، وذلك بإنزال النعم عليهم فى الدنيا والآخرة، وفى مقدتها بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم لهم بالهدى والرحمة، يقول تعالى{فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة}الأنعام:157 ، ويقول {... وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين}الإسراء:82 ، ولبيان أن الرحمة لأصحاب الفضل واجبة، يقول تعالى {واخفض لهما جناح الذل من الرحمة...}الإسراء:24 ،أو التبشير بالرحمة لمن تاب وأناب ، يقول تعالى {قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله}الزمر:53 ، فرحمة الله قريب من المحسنين وهى لعباده المطيعين لأوامره ، سواء كانت أمرا أو نهيا،كما بين القرآن الكريم أن الرحمة هى أساس العلاقة بين الزوجين ، يقول الله تعالى {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة}الروم:21 ، ومدح الله بها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار
رحماء بينهم....}الفتح:29.(220/2)
وردت كلمة "رحمة" ومشتقاتها فى أحاديث عديدة، وكلها تدور حول: التواصل بين الناس ، ووصف المؤمنين بالتراحم والتعاطف فيما بينهم ، مثل: (ترى المؤمنين فى توادهم وتراحمهم ، وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد...) (البخارى: كتاب الأدب)،، و (الراحمون يرحمهم الرحمن) (سنن الترمذى: كتاب البر والصلة). كما تنفرهم من القسوة وعدم الرحمة، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "الجماعة رحمة والفرقة عذاب " (مسند أحمد)، وقوله: (لا تنزع الرحمة إلا من شقى، وقوله: نزعت منه الرحمة، فإذا نزعت منه الرحمة، لم تلقه إلا رجيما ملعونا) (سنن ابن ماجة: كتاب الفتن) ، وقوله: (من لا يرحم الناس لا يرحمه الله) (سنن الترمذى: كتاب البر والصلة)، ولهذا نص عليها فى رد السلام: (وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته)، ليتذكرها الناس دائما فيسود التعاطف والتالف بينهم.
أ.د/محمد شامة(220/3)
#الرزق
لغة: الرزق بكسرالراء كل ما ينتفع به من المال أو الجاه أو السلطان أو الصحة أو الملبس أو المسكن أو الذرية أو العلم. ويشمل العطاء الدنيوى والأخروى.
والأرزاق نوعان: أرزاق ظاهرة للأبدان "كالأقوات ".
أرزاق باطنة للقلوب والنفوس "كالمعارف والعلوم" (1).
أما الرزق: بفتح الراء فهو المصدر الحقيقى، والمرة الواحدة رزقة ، والجمع رزقاف. يقول الجوينى الأشعرى: "والذى صح عندنا فى معنى الرزق أن كل ما انتفع به منتفع فهو رزقه ، فلا فرق بين أن يكون متعديا بانتفاعه ، وبين أن لا يكون متعديا به"(2).
واصطلاحا: الرزق يتسع ليضم كل ما يتغذى به سواء كان حراما أم حلالا وهذا ما يقول به أهل السنة. كما ورد فى عبارة الباقلانى التالية: "فإن قالوا: أفتقولون إن الله يرزق الحلال والحرام ؟ قيل لهم: أجل ، فقد دل على ذلك بقوله: {الله الذى خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم}الروم:40 ، فلما كان منفردا بالخلق والإماتة والاحياء كان منفردا بتولى الأرزاق ، فإن قيل: ما معنى قولكم إن الله يرزق الحرام ؟ قيل لهم: تأويل ذلك أن يجعله غذاء للأبدان ، وقواما للأجسام ، لا على معنى التمليك والاباحة لتناوله ، لأن ذلك مما قد أجمع المسلمون على خلافه (3).
ويعرف بعض المعتزلة الرزق بأنه: الملك ،بينما يعرفه المتأخرون منهم ، بأنه: ما ينتفع به المنتفع من ملكه (4). وعلى هذا المعنى يجوز للإنسان عندهم أن يأخذ رزقا غيره ، ويجوز أن يأخذ غيره رزقه. وهم يرون أن ما يتغذى به من الحرام ، لا يكون رزقا من الله لأنه لا يرزق الحرام وإنما هو من فعل العبد(5).
ويلزم من تعريف المعتزلة للرزق ، أن البهائم لم يرزقها الله ، لأنها لا تتصف بالملك ، وهذا يتناقض مع قوله تعالى {وما من دابة على الأرض إلا على الله رزقها}هود:6.
كما يلزم قولهم بأن من تغذى بالحرام طول عمره لم يرزقه الله سبحانه ، وهذا مخالف للنقل والعقل (1).(221/1)
ويرى أهل السنة أن كل ما أكله الانسان أو شربه فهو رزقه حلالا أو حراما لا يتعداه ،فلا يأكل أحد رزق غيره ، ولا يأكل غيره رزقه.
أما الرزاق: فهو من غلبت نعمه شكر العباد، ولا يصح إطلاقه إلا على الله سبحانه وتعالى.
أ.د/محمد الأنور حامد عيسى(221/2)
الرقائق
1- تعريف الرقائق : وهي ما تحدث في القلب رقة .
2- أسباب الكتابة في هذا الموضوع :
أ أن الرقائق من العلم .
ب إقبال الدنيا وتزينها في هذا العصر .
ت حاجة الناس لما يرقق قلوبهم .
ث أهمية هذا الموضوع في هذا الزمن المادي الذي يقدس الأساس التحليلي
والإقناع العقلاني .
ج إغفال هذا الموضوع من قبل الملتزمين . لأسباب هي :
1.اعتقاد أن مثل هذا الموضوع شأن العامة والمبتدئين .
2. اعتقاد أن مثل هذا الكلام أو الاهتمام به من شأن الصوفية .
3. أن هذا العصر عصر مادي يحتاج إلى الإقناع العقلاني ولا يحتاج للعاطفة .
3- أهمية الرقائق والحاجة إليها :
أ أن من كان قبلنا كانوا يعيشون في محيط إسلامي والمنكرات تستتر . أما الآن فالمنكرات كثيرة.
ب أن الرقائق تعطي قوة دفع للمسلم لامتثال ما يؤمر به والانتهاء عما ينهى عنه .
ت تقوي الإيمان الذي يعين المسلم على الثبات في مواجهة الشهوات .
ث أن مخاطبة العقل وحده قد لا تكفي ما لم تكن ممزوجة بإثارة العاطفة .
ج الرقائق تجدد الإيمان في القلب .
ح طلبة العلم والدعاة بحاجة إلى الرقائق وذلك لما يلي :
- تجنب طالب العلم بإذن الله الإصابة ببعض الآفات .
- طالب العلم والداعية يدعوان الآخرين إلى طاعة الله .
- طالب العلم والداعية قدوة للآخرين فيستفاد منه .
- إعانته على الثبات على دين الله ، وذلك لما يتعرض له من الابتلاءات والامتحانات .
4- الرقائق :
أ معرفة الله ومعرفة أسمائه وصفاته .
ب ذكر الجنة والنار .
ت ذكر الموت وما بعده من عذاب القبر ونعيمه .
ث التفكر في أهوال يوم القيامة .
ج زيارة القبور .
ح استحضار سوء الخاتمة وحسنها .
خ تذكر الذنوب السابقة .
د معرفة الدنيا وما جبلت عليه من التقلب .
ذ التفكر في آيات الله الكونية .
ر مجالسة الصالحين .
ز الاستكثار من الأعمال الصالحة .
س قراءة سير وأخبار السلف .
ش قراءة كتب الرقائق والزهد .
ص الدعاء .
5- العناية بالرقائق :(222/1)
أ ذكر عناية الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما يرقق القلوب .
ب ذكر حرص الصحابة على ما يرقق القلوب .
ت تأليف العلماء كتباً مستقلة .
ث لا تكاد تجد كتاباً صنف في الحديث إلا وأفرد للرقائق كتاباً أو باباً .
6-التوازن في الرقائق .
المرجع: حاجتنا إلى الرقائق – عبد الرحمن العائد – دار الوطن .(222/2)
#الركاز
لغة: قطع ذهب وفضة أو معدن تخرج من الأرض ، وقال أهل العراق الركاز، المعادن كلها، وقال أهل الحجاز الركاز: كنوز الجاهلية، فأما المعادن فليست بركاز. قال أبو عبيد: وهذان القولان تحتملهما اللغة، لأن كلا منهما مركوز فى الأرض أى ثابت ، كما فى اللسان (1).
واصطلاحا: اختلف الفقهاء فى حقيقته ، فجمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة على أن الركاز هو ما وجد من دفن الجاهلية بأن توجد عليه آثارهم ، أو يعثر عليه فى قبورهم أو مبانيهم ،وعلى هذا يختلف الركاز عن المعدن الذى هو جزء من الأرض.
بينما يذهب أبو حنيفة إلى أن الركاز يشمل ما وجد من دفن الجاهلية، أو ما استخرج من باطن الأرض من المعدن سواء كان جزءا منها، أوتكون فيها بفعل مؤثرات جيولوجية متنوعة، فيوجد على هيئة عروق ممتدة، فيقطع الجزء الخاص بالمعدن منها، ويصفى من خلال أجهزة معينة مما علق به من شوائب ، ولا تخرج زكاته إلا بعد تصفيته ، وقد أوجب فى الجميع الخُمس.
بينما أوجب الجمهور فى الركاز، وهو ما وجد من دفن الجاهلية، الخمس لسهولة استخراجه وقلة تكاليفه خلافا للشافعى الذى أوجب فيه ربع العشر، وأوجبوا فى المعدن ربع العشر، نظرا لكثرة ما ينفق على استخراجه وتصفيته من تكاليف.
أما ما وجدت عليه علامة أهل الإسلام ،أو فى المبانى الإسلامية، أو فى طرق المسلمين المستعملة فى حركتهم وتنقلاتهم ، فإنه ليس بكنز جاهلى ولا يعطى حكم الركاز بل هو لقطة يجب أن تعرف سنة إن كانت قيمته ذات بال ، وإلا فهو لواجده ، وقد ميز رسول الله صلى الله عليه وسلم بين هذين النوعين بحديثه الشريف "ما كان فى طريق مأتى أو فى قرية عامرة فعرفها سنة فإن جاء صاحبها، وإلا فلك ،وما لم يكن فى طريق مأتى ولا قرية عامرة، ففيه وفى الركاز الخمس " (رواه النسائى)(2).(223/1)
وهذا القدر الواجب إخراجه يجب على واجده أيا كان معتقده أو حاله ، أى سواء كان مسلما أو ذميا، كان صغيرا أم كبيرا، عاقلا أومجنونا. وهذا قول جمهورالفقهاء لعموم حديث (وفى الركاز الخمس) خلافا للشافعى الذى أوجبه فقط على من تجب عليه الزكاة.
على أن ما يخرج من القدر الواجبه فى المعدن والركاز لا يشترط فيه مرور الحول بل يخرج كل منهما بمجرد العثور عليهما ، وإمكانية الانتفاع بهما.
وما بقى من الركاز بعد القدر الواجب فهو لواجده من مسلم ، أو ذمى، أو غيرهما ، شأنه شأن الغنيمة، بخلاف المعدن ، فإنه بعد إخراج زكاته يكون لصاحب الأرض التى وجد فيها، إذ هو جزء منها عند جمهور الفقهاء.وأن كان بعض العلماء يرى أنه ملك الدولة وأن كانت هى التى ملكت الأرض التى وجد بها معدن أو الركاز لبعض الأفراد أو الهيئات (3).
أ.د/أحمد على طه ريان(223/2)
#الرهبانية
لغة: رَهِبَ ، يَرِهَبُ ، رَهبّة ورهبا ، ورَهَبا: خاف رَهِبَ الشىء: خافه تَرَهَّبَ الرَّجُلُ: صار راهبا يخشى الله. والراهب: المتعبد فى صومعة، وجمعه: رهبان ، وجمع الراهبة: راهبات ، ورواهب. والمصدر: الرهبة، والرهبانية. والرهبنة: اسم من معنى الراهب ، أى اتخاذ طريق الرهبان.
واصطلاحا: حياة دينية منعزلة عن المجتمع ، سماتها: التقشف ، والاستغراق فى العبادة وصورتها: حياة الفرد وحده منعزلا عن الناس ، أو فى جماعة عزلت نفسها عن المجتمع فى الصحراء، أو فى بناء خاص يطلق عليه: الدير.
وتدل الرهبنة فى مجال التاريخ الدينى والاجتماعى على شكل اجتماعى له الخصائص التالية:
مجموعة من الرجال -أو النساء- يعيشون معا فى تجمعات صغيرة، داخل مجموعات أكبر، وتتصرف فيما تحت يدها على أساس أنه ملكية شائعة طبقا للتعاليم التقشفية التى التزموا بها، ويلتزمون فى جميع تصرفاتهم بما رسمه لهم الحبر الأكبر فى معزل عن إخوانهم فى العقيدة.
ولا يرتبط ظهور الرهبنة بجنس خاص من البشر ولا تتعلق الرهبنة بلغة معينة ، فهى ظاهرة عامة وجدت فى كثير من المجتمعات ،وتأسست تحت عباءة أديان عدة على درجات متفاوتة، وبصور متعددة ، إذ توجد فى الهندوسية، والبوذية، (وخاصة فى سيلان والتبت).
وكان أول ظهورها بين المسيحيين فى مصر، وكانت فى صورة حياة داخل صوامع ،تحولت فيما بعد إلى أديرة على يد " Basilius "(330-370) ثم أدخلها " Benedikt " (480-547) -الذى يعتبر أب الرهبنة الأوروبية- إلى أوروبا على شكل حياة فى أديرة خاصة منعزلة عن المجتمع.
ظهرت الرهبنة فى التاريخ الدينى مرتبطة بالمسيحية، ويرجع المؤرخون السبب فى ظهورها بين المسيحيين إلى أنهم كانوا يرون من ملوكهم ما لا يصبرون عليه ، فاتخذوا أسرابا وصوامع وابتدعوا ذلك فلما ألزموا أنفسهم ذلك التطوع ، ودخلوا فيه ، لزمهم تمامه ، كما أن الإنسان إذا جعل على نفسه صوما لم يفترض عليه لزمه أن يتمه.(224/1)
كما استدل المسيحيون على شريعة الرهبنة بنصوص من العهد الجديد، إذ يكررون فى هذا الصدد ما جاء فى إنجيل متى على لسان عيسى عليه السلام: "......إن أردت أن تكون كاملا فاذهب وبع أملاكك ،وأعط الفقراء، فيكون لك كنز فى السماء، وتعال اتبعنى"(19 :21).
وبعبارة وردت فى رسالة بولس إلى العبرانيين "...... وهم لم يكن العالم مستحقا لهم: تائهين فى برارى، وجبال ،ومغاير، وشقوق الأرض ، فهؤلاء كلهم مشهود لهم بالإيمان...."(11:38-39).
وقد دفعت هذه الكلمات كثيرا من المسيحيين إلى اللجوء إلى الأديرة، فأصبحت فى مصر مكانا لمن ليس له وطن أو مكان يستقر فيه وعنده شعور داخلى يدفعه إلى الزهد فى الحياة الدنيا، كما ظهرت جماعة من الزهاد المتجولين فى سوريا، اعتبروا أنفسهم المنقذين لمبادئ الرهبنة بكاملها.
وتدل كتابات "Klement " الإسكندرانى (توفى قبل عام 215 م) على أن رجال الدين كانوا يرون: أن فى محيط الرهبنة يتثقف ويتخرج أحسن التلاميذ، ويعنون بذلك أن الرهبان هم القادرون على حمل الرسالة للآخرين ، وهم النموذج الأمثل فى مجال التبشير بالمسيحية. ويرى "Origenes" (185-254) أن حياة الرهبان هى النموذج الكامل لحياة المسيح وتوجد الرهبنة عند كل الطوائف المسيحيه ما عدا الطائفة الإنجيلية (البروتستانت).
وفى القرآن الكريم وردت كلمة رهبانية مرة واحدة فى قوله تعالى: {...... وجعلنا فى قلوب اللذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها...}الحديد:27 ، أى أنهم ابتدعوا فى الدين ما لم يأمر به الله ، ثم لم يلتزموا بما زعموا أنه قربة يقربهم إلى الله عز وجل.(224/2)
وفى الحديث: (إن الرهبانية لم تكتب علينا) مسند أحمد قال ابن الأثير: هى من رهبنة النصارى، وأصلها من الرهبة، أى الخوف: كانوا يترهبون بالتخلى عن أشغال الدنيا ، وترك ملاذها والزهد فيها، والعزلة عن أهلها، وتعمد مشاقها، حتى أن منهم من كان يخصى نفسه ، ويضع السلسلة فى عنقه. فنفاها النبى صلى الله عليه وسلم عن الإسلام ، ونهى المسلمين عنها. وفى الحديث (وعليك بالجهاد فإنه رهبانية الإسلام.) (مسند أحمد).
أ.د/محمد شامة(224/3)
#الرهن
لغة: يطلق على ما يفيد الثبوت والدوام على الشىء والارتباط به ، كما فى اللسان(1).
واصطلاحا: عرفه الفقهاء بأنه حبس الشىء، بحق يمكن أخذه منه كالدين(2) وتتكون عناصره من:
1- الراهن ، وهو المدين صاحب الرهن ،وشرط: أن يكون جائز التصرف فى المال بأن يكون بالغا عاقلا رشيدا مالكا للرهن ،لازم من جهته متى تم قبضه.
2- المرتهن ، وهو الدائن بدين لازم ،والرهن غير لازم من جهته لأنه أخذه للتوثق بدينه ، فإن حصل التوثق من جهة أخرى غير الرهن فلا بأس من إعادة الرهن إلى راهنه.
والرهن يوضع عند المرتهن إلى أن يسدد الدين ، ويجوز الاتفاق على وضعه عند شخص أمين.
3- الرهن ، وهو الشىء المرهون وشرطه أن يكون فيه وفاء الدين حتى إذا لم يقم المدين بالسداد فى الموعد فإن الرهن يباع ويستوفى الدين من ثمنه.
4- المرهون به ، وهو الدين الذى يشترط فيه أن يكون لازما ولابد من معرفة قدره ،وجنسه ، وصفته.
5- الصيغة ، وهى الإيجاب والقبول.
وقد جاء فى القرآن الكريم {وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة}البقرة:283 ، فقد أفاد النص الكريم أن الرهن المقبوض فى السفر يحل محل التوثق بالكتابة التى جرى الشرع والعرف على التوثق بها ، وإنه وإن ذكر السفر فى الدين لكنه ليس على سبيل الاشتراط ،بل إنه خرج مخرج الغالب ، إذ يغلب فى السفر عدم وجود أدوات الكتابة مع حصول النسيان والتعرض للموت فيه(3)، وقد ورد جواز الرهن فى الحضر بما روته عائشة رضى الله عنها قالت "اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم من يهودى طعاما ورهنه درعا من حديد" رواه مسلم(4). واستغلال الرهن مدة الرهن إنما يكون من قبل المرتهن لحساب الراهن ، ولا يأخذ من عائد الاستغلال إلا قدر نفقته عليه إن كان يحتاج إلى نفقة ، لقوله عليه الصلاة والسلام (الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا وعلى الذى يشرب ويركب النفقة) رواه البخارى.
أ.د/أحمد على طه ريان(225/1)
#الرِّضاع
لغة: شرب اللبن من الضرع أو الثدى، تقول: رضع يرضع بكسر الضاد فيهما، وبفتح الضاد فى المضارع ، كما فى اللسان (1).
واصطلاحا: يقال: امرأة مرضع ، إذا كان لها ولد ترضعه ، وهو أخوه من الرضاعة بفتح الراء، ومدته حولان كاملان غير لازمة التمام (3) ، يقول تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة}. البقرة:233.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " (رواه مسلم).
مصداقا لقوله تعالى -فى بيان بعض أسباب التحريم- {وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة}النساء:23.
وموجزما قاله علماء الفقه والتفسير فى إيضاح ذلك: إذا أرضعتا المرأة طفلا حرمت عليه لأنها أمه ،وبنتها كأنها أخته ، وأختها كأنها خالته ، وأمها لأنها جدته ، وبنت زوجها صاحبا اللبن لأنها أخته ،وأخته لأنها عمته ، وأمه لأنها جدته ،وبنات بنيها وبناتها لأنهم بنات إخوته وأخواته ، وأما الأخوات من الرضاعة، فهن الأخت لأب وأم ، وهى التى أرضعتها أمك بلبان أبيك سواء أرضعتها معك أوولدت قبلك أو بعدك ، والأخت للأب دون الأم ، وهى التى أرضعتها زوجة أبيك ، والأخت من الأم دون الأب ، وهى التى أرضعتها أمك بلبان رجل آخر(3).
والرضاع المحرم: هو الذى يحدث فى الحولين عند جمهور العلماء: لأنه هو الذى ينبت اللحم وينشز العظم.
وزاد الإمام مالك الشهر ونحوه بعد الحولين.
وزاد الامام أبو حنيفة ستة أشهر كذلك.
وانفرد الإمام الليث بن سعد بالقول بأن رضاع الكبير يحرم ، وهو قول السيدة عائشة رضى الله عنها،محتجة بقصة سالم مولى أبى حذيفة. حيث صار رجلا، وكان قد تربى فى حجر زوجة أبى حذيفة، فلما بلغ مبلغ الرجال ترددت فى دخوله عليها لما رأته فى وجه أبى حذيفة من التغير، فقال لها صلى الله عليه وسلم "أرضعيه " (خرّجه صاحب الموطأ ، وغيره)(4).
ويحصل التحريم عند الحنفية والمالكية بوصول أى قدر من اللبن إلى جوف الرضيع.(226/1)
ولو بمصة واحدة؛ لعموم النص.
وعند الشافعى وأحمد بن حنبل بخمس رضعات متفرقات ؛ لحديث عائشة مرفوعا (كان فيما أنزل الله فى القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ، ثم نسخن بخمس معلومات..) الحديث.. (رواه مسلم)(5).
وعند داود الظاهرى بثلاث رضعات ؛ محتجا بحديث (لا تحرم الإملاجة والإملاجتان) (رواه مسلم)(6) فتكون الثلاثة محرمة.
ولا يثبت التحريم بالشك فى الرضاع ، بل لابد فيه من اليقين بحصوله.
أ.د/أحمد على طه ريان(226/2)
#الرِّفق
لغة: ضد العنف ،فهولين الجانب ولطافة الفعل ، وصاحبه: رفيق ، وفى الحديث: (من أعطى حظه من الرفق فقد أعطى حظه من الخير،ومن حرم حظه من الرفق فقد حرم حظه من الخير.) (سنن الترمذى-البر) .
رفقه: نفعه وأعانه ، ورفق به ، وله ، وعليه -رفقا ، ومرفقا-: عامله برفق ، والرفق ،والمِرفَق ، والمَرفَق ، والمَرفِق: ما استعين به ،ففى القرآن الكريم {ويهيئ لكم من أمركم مرفقا}الكهف:116.
اصطلاحا: صفة يحبها الله فى كل مجالات الحياة، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب الرفق فى الأمر كله) البخارى: كتاب الأدب ، ولهذا ينبغى على كل مسلم -بل على كل إنسان ذى عقل سليم- أن يلتزم بالرفق. إزاء كل من -وما- تحت يديه ؛ فيرفق بأبويه وأهله ، ويكون رفيقا بمن تحت يديه فى العمل ، وبما سخره الله له من حيوانات ، عطوفا على الضعفاء والمساكين ، لينال ستر الله فى الدنيا ، ويحظى بدخول جنته فى الآخرة، يقول رسول صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه ستر الله عليه ،وأدخله جنته: رفق بالضعيف ، وشفقة على الوالدين ، وإحسان إلى المملوك).(الترمذى: كتاب القيامة) ، والرفق -بالإضافة ثوابه فى الدنيا والآخرة- يرفع درجة صاحبه بين الناس ، بحيث تلهج ألسنتهم عند ذكره بالثناء عليه والدعاء له ، ومن سلب هذه الصفة، فسلك مع الناس سلوك العنف ،و تعامل معهم بالشدة، صبوا عليه اللعنات.
وجردوه فى حديثهم من الإنسانية. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الرفق لا يكون فى شىء إلا زانه ،ولا ينزع من شىء إلا شانه) (مسلم: كتاب البر)، فالخير كل الخير فى الالتزام بالرفق ، والشر كل الشر لمن حرم الرفق ، ومال إلى ضده ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حرم الرفق حرم الخير).(مسلم-كتاب البر).
أ.د/محمد شامة(227/1)
#الرِّقّ
لغة: هو الشىء الرقيق ،نقيض الغليظ والثخين (لسان العرب).
واصطلاحا: هو الملك والعبودية، أى نقيض العتق والحرية، والرقيق-بمعنى العبد- يطلق على المفرد والجمع ، وعلى الذكر والأنثى. أما العبد، فهو الرقيق الذكر، ويقابله الأمة للأنثى ومن الألفاظ الدالة على الرقيق الذكر لفظها الفتى، والغلام ، وعلى الأنثى لفظتا الفتاة والجارية. أما القِنّ فهو أخص من العبد، إذ هو الذى مُلك هو وأبواه ، ومالك الرقيق هو السيد ، أو المولى.
والرق نظام قديم قدم المظالم والاستعباد والطبقية والاستغلال فى تاريخ الإنسان ،وإليه أشار القرآن الكريم فى قصة يوسف عليه السلام: {وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قال يابشرى هذا غلام وأسروه بضاعة والله عليم بما يعملون. وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين.وقال الذى اشتراه من مصرلامرأته أكرمى مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا}يوسف:19-21 ، وكان الاسترقاق من عقوبات السرقة عند العبرانيين القدماء، وعندما سئل إخوة يوسف عن جزاء السارق لصواع الملك: {قالوا جزاؤه من وجد فى رحله فهو جزاؤه}يوسف:75.
وفى الحضارات القديمة كان الرق عماد نظام الإنتاج والاستغلال ، وفى بعض تلك الحضارات -كالفرعونية المصرية والكسروية الفارسية- كان النظام الطبقى المغلق يحول دون تحرير الأرقاء، مهما توفر لأى منهم الرغبة أو الإمكانات.
وفى الحضارة الرومانية كان السادة هم الأقلية الرومانية، وكانت الأغلبية فى الإمبراطورية برابرة أرقاء، أو فى حكم الأرقاء.
وللأرقاء فى تلك الحضارات ثورات من أشهرها ثورة "سبارتاكوس " (73-71 ق.م).
وعندما ظهر الإسلام كان التمييز العرقى والطبقى والمظالم الاجتماعية بمثابة منابع وروافد تغذى "نهر الرق " فى كل يوم بالمزيد من الأرقاء. وذلك من مثل:
1- الحرب ، بصرف النظر عن حظها من الشرعية والمشروعية، فالأسرى يتحولون إلى أرقاء، والنساء يتحولن إلى سبايا وإماء.(228/1)
2- الخطف ، يتحول به المخطوفون إلى رقيق.
3- ارتكاب الجرائم الخطيرة كالقتل والسرقة والزنا كان يحكم على مرتكبيها بالاسترقاق.
4- العجز عن سداد الديون ، كان يحول الفقراء المدينين إلى أرقاء لدى الأغنياء الدائنين.
5- سلطان الوالد على أولاده ، كان يبيح له أن يبيع هؤلاء الأولاد، فينتقلون من الحرية "إلى العبودية ".
6- سلطان الإنسان على نفسه ، كان يبيح له بيع حريته ، فيتحول إلى رقيق.
7- النسل المولود من كل هؤلاء الأرقاء يصبح رقيقا حتى ولو كان أبوه حرا.
ومع كثرة واتساع هذه الروافد التى تمد نهر الرقيق -فى كل وقت- بالمزيد من الأرقاء، كانت أبواب العتق والحرية إما موصدة تماما، أو ضيقة عسيرة على الولوج منها.
وأمام هذا الواقع ، اتخذ الإسلام منذ ظهوره طريق تحرير الأرقاء، وإلغاء نظام العبودية بنهج متميز، فهو لم يتجاهل الواقع ، وأيضا لم يعترف به على النحو الذى يبقيه ويكرسه.
لقد بدأ الاسلام بأغلاق أغلب الروافد التى كانت تمد نهر الرقيق بالمزيد منهم إلا أسرى الحرب المشروعة، والنسل إذا كان أبواه من الأرقاء، وحتى أسرى الحرب المشروعة، فتح أمامهم باب العتق والحرية {فاذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوتاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها}محمد:4 ، فعندما تضع الحرب أوزارها ، يتم تحرير الأسرى، إما بالمن عليهم بالحرية وإما بمبادلتهم بالأسرى المسلمين لدى الأعداء.
ومع إغلاق روافد الاسترقاق ومصادره التفت الإسلام إلى "كتلة" واقع الأرقاء، فسعى إلى تصفيتها بالتحرير، فحبب إلى المسلمين عتق الأرقاء تطوعا لتحرير الانسان من عذاب النار يوم القيامة.
كما جعل عتق الأرقاء كفارة للكثير من الذنوب والخطايا.(228/2)
وجعل للدولة مدخلا فى تحرير الأرقاء عندما جعله مصرفا من المصارف الثمانية لفريضة الزكاة. يقول سبحانه {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقابا والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم}التوبة:60.
كما جعل الحرية هى الأصل الذى يولد عليه الناس ، والرق هو الاستثناء الطارئ الذى يحتاج إلى إثبات ، فمجهولو الحكم هم أحرار، وعلى مدعى رقهم إقامة البينات ، وأولاد الأمة من الأب الحر أحرار وقد قيل: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ؟.
كذلك ، ساوى الإسلام بين العبد والحر فى كل الحقوق الدينية، وفى أغلب الحقوق المدنية، وكان التمييز فقط -فى أغلب حالاته- للتخفيف عن الأرقاء مراعاة للاستضعاف والقيود التى يفرضها الاسترقاق عليهم.
فالمساواة تامة فى التكاليف الدينية، وفي الحساب والجزاء، وشهادة الرقيق معتبرة عند الحنابلة، وله حق الملكية فى ماله الخاص ، والدماء متكافئة فى القصاص. وإعانته على شراء حريته -بنظام المكاتبة والتدبير- مرغوب فيها دينيا {والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذى آتاكم}النور:33.
وبعد أن كان الرق من أكبر مصادر الاستغلال والثراء لملاك العبيد، حوله الإسلام -بمنظومة القيم التى كادت أن تسوى بين العبد وسيده- إلى ما يشبه العبء المالى على ملاك الرقيق ، فمطلوب من مالك الرقيق أن يطعمه مما يأكل ويلبسه مما يلبس ، ولا يكلفه من العمل ما لا يطيق ، بل والمطلوب منه -أيضا- إلغاء كلمة "العبد" و "الأمة" واستبدالها بكلمة " الفتى" و "الفتاة".(228/3)
بل لقد مضى الإسلام إلى ما هو أبعد من تحرير الرقيق ، فلم يتركهم فى عالم الحرية الجديد دون عصبية وشوكة وانتماء، وإنما سعى إلى إدماجهم فى القبائل والعشائر والعصبيات التى كانوا فيها أرقاء، فأكسبهم عزتها وشرفها ومكانتها ومنعتها وما لها من إمكانات ، وبذلك أقام نسيجا اجتماعيا جديدا عن طريق "الولاء" الذى قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الولاء لحمة كلحمة النسب " رواه الدارمى. حتى لقد غدا أرقاء الأمس "سادة" فى أقوامهم ، بعد أن كانوا "عبيدا" فيهم.
وقد قال عمر بن الخطاب -وهو من هو- عن بلال الحبشى الذى اشتراه أبو بكر الصديق وأعتقه: سيدنا أعتق سيدنا! كما تمنى عمر بن الخطاب أن يكون سالم مولى أبى حذيفة حيا فيختاره فى منصب الخلافة؛ فالمولى الذى نشأ رقيقا قد حرره الإسلام ، فكان إماما فى الصلاة وأهلا لخلافة المسلمين.
ورغم انتكاس الواقع التاريخى للحضارة الإسلامية بعد عصر الفتوحات وسيطرة العسكر المماليك على الدولة الإسلامية، إلا أن حال الأرقاء فى الحضارة الإسلامية قد ظلت أخف قيودا وأكثر عدلا بما لا يقارن من نظائرها خارج الحضارة الإسلامية.
عندما سعت أوربا فى القرن التاسع عشر إلى إلغاء نظام الرق وتحريم تجارته ، لم تكن دوافعها -فى أغلبها- روحية ولا قيمية ولا إنسانية، وإنما كانت فى الأساس ، دوافع مادية؛ لأن نظامها الرأسمالى قد رأى فى تحرير الرقيق سبيلا لجعلهم عمالا أكثر مهارة، وأكثر قدرة على النهوض باحتياجات العمل الفنى فى الصناعات التى أقامها النظام الرأسمالى.
ولقد كان القرن الذى دعت فيه أوربا لتحريرالرقيق هو القرن الذى استعمرت فيه العالم فاسترقت بهذا الاستعمار الأمم والشعوب استرقاقا جديدا، لا تزال الإنسانية تعانى منه حتى الآن.
أ.د/محمد عمارة(228/4)
#الزاجل
اسم يطلق على ضرب من الحمام يرسل إلى مسافات بعيدة(1)، وهو نوع متميز استخدم فى نقل الرسائل منذ عهد قديم كما استخدم فى أوقات الحروب ، وتكتب الرسالة - التى ترسل عن طريقه - على ورق رقيق يودع فى أنبوبة معدنية أو غابة مثقوبة تحملها الحمامة حول عنقها أو تربط إلى ساقها، وتقطع الحمامة الزاجلة مئات الأميال ، وتعود إلى المكان الذى سرحت منه وقلما تضل طريقها حتى فى الظلام ، وكان العرب يدعونه "حمام البريد" وكان بعضه يباع فى أسواق بغداد والقاهرة بآلاف الدراهم.
والحمام بوجه عام نوع من الطيور منها الأليف ومنها البرى، ويطلق العرب اسم الحمام على أنواع أخرى من الطيور، كاليمام والقمرى أو الحمامة المنزلية فهى أكثر أنواع الحمام انتشارا ، وتربى فى أبراج أو أقفاص.
أما عن رأس الحمامة فهى صغيرة ولكل عين ثلاثة جفون؟ ولذلك يضرب بها المثل فى حدة البصر، وللحمامة ثلاث وعشرون ريشة فى كل جناح واثنتا عشرة ريشة فى الذنب ،لهذا يبدو أطول من حقيقته.
أما عن غذائها فتتغذى بالحبوب وفتات الخبز، وتضع أنثى الحمام بيضتين فى كل مرة تحتضنها بالتناوب مع الذكر، ويفرخ البيض بعد تسعة عشريوما فراخا فتغذيها الأم بمنقارها.
والحمام البرى ينتشر فى الصيف طلبا للقوت ، ويفرخ فى الربيع ، ويصطاد بالشباك أو بقيادته إلى برج من أبراج الحمام بدليل أليف من نوعه(2).
أ.د/عبد الله جمال الدين(229/1)
#الزاوية
ويقصد بها المسجد غير الجامع وجمعها زوايا(1).
اصطلاحا: محل تثقيف العقول دينيا وأدبيا ، وتكون مسماة باسم أحد المرابطين على اصطلاح المغاربة(2).
وهى عبارة عن فناء واسع تحيط به مرافق ، وهى مسكن الشيخ ومسجد ومكان للضيافة وحجرات لساكنى الطلاب ومحل لإيواء اللاجئين إلى الزاوية... وتدور هذه المرافق حول الفناء الذى كان محط رجال القوافل ، وبه بئر للسقيا ومخزن للمتاع...ولكل زاوية شيخ يقيم الصلاة، ويعلم الأولاد ،ويباشر عقود النكاح ، والصلاة على الجنائز.
وانتشرت الزوايا فى برقة وطرابلس وظهر أثرها واضحا حيث زحف الإسلام بواسطة هذه الزوايا نحو الجنوب حتى بحيرة تشاد ووسط إفريقيا(3).
وفى الجزائر يدفع التلميذ عند أول قصده إتمام الدراسة - إذا كان ولدا - نحو 30 فرنكا، أما إذا كان أهله أولى ثروة فيقدمون هدايا كثيرة مساعدة للزاوية، وكثيرا ما يبذل الزوار الأغنياء الأموال الجزيلة، وبذلك قد صار لها ريع كثير من الأوقاف(4).
على أن صاحب كتاب الطبقات(1) سماها خلوة وكان ينشئها البعض من أهل اليسار فى السودان ، ويؤجر فقيها يقرر له راتبا معينا ويطلب منه هذه المهمة الجليلة، وفى بعض الأحايين كان ينشئها البعض من حفظة القرآن الكريم أو يشترك فى إنشائها أهل البلدة جميعا(2).
أ.د/عبد الله جمال الدين(230/1)
#الزخرفة
لغة: مفعول الزُّخرُف وهو الذهب ، أو الزينة وكمال حسن الشىء لسان العرب.
واصطلاحا: إضفاء الجماليات على الأشياء باستعمال الأشكال الهندسية والنباتية ودون إدخال صور الكائنات الحية فيها.
وقد تعددت الزخارف الهندسية والنباتية فى العمارة الإسلامية بأشكال وأنماط وألوان متعددة مستمدة من الموروث الحرفى الذى تتميز به الأقطار المختلفة من العالم الإسلامى.
فقد تشكل من الحجر كما فى مصر، أو من "الطابوق" كما فى العراق ، أو من الخزف كما فى إيران.
وتطبق الزخارف على الأرضيات أو الحوائط أو الأسقف والقباب ، وعلى الأقمشة والسجاد والأعمال الخشبية والحديدية والنحاسية؟ لتزيينها، وإضفاء مسحة من الجمال عليها.
وقد أدخلت الزخرفة على العمارة الإسلامية فى مراحل ما بعد صدر الإسلام
عندما انتشرت على ربوع الأرض شرقا وغربا ، وقد تأثرت الزخارف بمعطيات الحضارات السابقة، فأخذت منها ما لا يتعارض مع العقيدة الإسلامية، ولفظت ما يتعارض معها.
فالإسلام يدعو إلى إضفاء الجمال على الأشياء وتزيينها، ولكن دون إسراف أو تقتير، قال تعالى {قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هى للذين آمنوا فى الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك لك نفصل الآيات لقوم يعلمون}الأعراف:32 ، فقد ربط الله تعالى الزينة بالإيمان ، وربط فقد ربط الله تعالى الزينة بالإيمان ، وربط الإيمان بالوسطية، حتى لا تنقلب الزينة إلى إسفاف أو إسراف.
فالإسراف فى الزخرف والألوان منهى عنه خاصة فى المساجدة حتى لا يشغل المصلين عن الصلاة، عملا بمنهج الوسطية فى الإسلام ، قال تعالى {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا}البقرة:143.(231/1)
وينطبق ذلك على المسكن والملبس والأثاث وغيرها من الأدوات ، قال تعالى {ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون.ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون.وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين}الزخرف:33-35.
وهنا يجدر الفصل بين خصوصية الزخرف الذى لا يظهر للآخرين ، والزخرف الذى يظهر للآخرين من أفراد المجتمع ، وهو ما يكون من الخيلاء أو التفاخر، فالزخرف داخل المعمار له خصوصيته الفردية، أما الزخرف فى الخارج فله حدوده التى ينبغى أن تتفق مع ما ترضى عليه الجماعة.
د.م/عبد الباقى إبراهيم(231/2)
الزكاة وكيفية إخراجها-1
الزكاة وكيفية إخراجها
مقدمة:
· الزكاة هي الركن المالي الاجتماعي من أركان الإسلام الخمسة.
· والزكاة طهارة لنفس الغني من الشح البغيض، وللفقير من الحسد والضغن على من يكنز ماله، وهي حماية للمجتمع كله من عوامل الهدم والتفرقة والصراع والفتن، قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة:103].
· والزكاة وسيلة من وسائل الضمان الاجتماعي الذي جاء به الإسلام. ومن أعظم مظاهر الإحسان في الزكاة والصدقة صيانة ماء وجه الفقير من أن يراق علناً أمام جماعة الناس. قال تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [البقرة:271].
ما تجب فيه الزكاة:
1- الذهب والفضة ومنها الأموال.
2- الزروع والثمار.
3- الكسب من تجارة وغيرها.
4- الخارج من الأرض من معدن وغيره.
زكاة الثروة الحيوانية
· المقصود بالثروة الحيوانية ما ينتفع به الإنسان من الأنعام، وهي: الإبل، والبقر، والغنم.
· الشروط العامة لزكاة الأنعام:
1- أن تبلغ الأنعام النصاب الشرعي: والنصاب في الإبل خمس، وفي الغنم أربعون شاة، وفي البقر ثلاثون بقرة، وما دون ذلك فلا زكاة فيه.
2- أن يحول على الأنعام حول كامل عند مالكها.
3- أن تكون الأنعام سائمة، ونعني بها الأنعام التي ترعى المباح أكثر العام.
4- ألا تكون عاملة، وهي التي يستخدمها صاحبها في حرث الأرض، أو نقل المتاع، أو حمل الأثقال؛ لأنها تدخل في الحاجات الأصلية كالثياب.
دليل وجوب الزكاة في الأنعام:(232/1)
· ما رواه أبو هريرة –رضي الله عنه- قال، قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقّها، ومن حقها حلبها يوم وردها، إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر، أوفر ما كانت، لا يفقد منها فصيلاً واحداً، تطؤه بأخفافها، وتعضه بأفواهها، كلما مر عليه أولاها، رد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يُقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار! قيل: يا رسول الله: فالبقر والغنم. قال: ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي منها حقها إلا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر، لا يفقد منها شيئاً، ليس فيها عفصاء ولا جلحاء ولا عضباء، تنطحه بقرونها، وتطؤه بأظلافها، كلما مر عليه أولاها، رد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يُقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار...".
بيان كيفية زكاة الماشية:
أولاً: الإبل:
جدول يوضح زكاة الإبل
العدد ... الواجب ... العدد ... الواجب
من ... إلى ... من ... إلى
5 ... شاة ... بنت لبون
10 ... شاتان ... حقة
15 ... ثلاث شياه ... جذعة
20 ... أربع شياه ... بنتا لبون
25 ... بنت مخاض ... حقتان
· فإذا زادت عن مائة وعشرين فالواجب في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة. وهكذا مهما بلغت.
ثانياً: البقر:
جدول يوضح كيفية زكاة البقر
العدد ... الواجب
من ... إلى
30 ... عجل تبيع
40 ... مسنة
60 ... تبيعان
70 ... مسنة وتبيع
· وإذا بلغت سبعين، إلى تسع وسبعين وجب فيها مسنة وتبيع. ثم في كل ثلاثين تبيع. وفي كل أربعين مسنة. وهكذا مهما بلغت. وعليه ففي الثمانين مسنتان. وفي التسعين ثلاثة عجاجيل أتبعة. وفي المائة مسنة، وعجلان تبيعان، وفي مائة وعشر مسنتان، وتبيع. وفي مائة وعشرين ثلاث مسنات، أو أربعة عجاجيل أتبعة.
ثالثاً: الغنم:(232/2)
· إذا ملك المسلم أربعين رأسًا من الغنم إلى مائة وعشرين وجب عليه فيها شاة. فإذا زادت واحدة إلى مائتين، ففيها شاتان. فإذا زادت واحدة إلى ثلاثمائة، ففيها ثلاث شياه. فإذا زادت واحدة إلى أربعمائة، ففيها أربع شياه. فإذا زادت واحدة إلى خمسمائة، ففيها خمس شياه. ثم في كل مائة شاة مهما بلغت.
جدول يوضح كيفية زكاة الغنم
العدد ... الواجب
من ... إلى
40 ... شاة
121 ... شاتان
201 ... ثلاث شياه
400 ... أربع شياه
500 ... خمس شياه
· ثم في كل مائة شاة. مهما بلغت.
مسائل تتعلق بزكاة الماشية:
الأولى: هل في صغار المواشي زكاة؟
· اختلف أهل العلم في هذه المسألة؛ فمن قائل: إنه لا زكاة على الصغار! ولو بلغت نصابًا، ولا فرق عنده بين صغار الإبل أو البقر أو الغنم.
· ومن قائل: بالتفريق بين صغار الغنم والإبل والبقر، فيوجبها في الثاني دون الأول.
· ومن قائل: بعدم وجوبها إذا كانت الماشية كلها صغاراً. أما إذا كانت الماشية خليطاً بين الصغار والكبار ففيها الزكاة.
· والذي يظهر وجوبها في الصغار لو بلغت نصاباً. وعليه فتؤخذ الزكاة من نوع النصاب..أما إذا كانت الماشية خليطاً بين الصغار والكبار فلا يجزئ في الزكاة إلا جذع الضأن، وثني المعز. وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: "إذا كانت الغنم أربعين صغاراً أو كباراً، وجبت فيها الزكاة، إذا حال عليها الحول...".
الثانية: زكاة الخيل:
· لا زكاة فيما يقتنيه المسلم من الخيل للركوب أو حمل الأثقال، أو للجهاد عليها في سبيل الله، سواء أكانت سائمة أم علوفة؛ لأنها مشغولة حينئذ بحاجة صاحبها، ومال الزكاة كما قررنا هو المال النامي الفاضل عن الحاجة.
· كما قرروا أن ما اتخذه منها للتجارة ففيه الزكاة؛ لأن الإعداد للتجارة دليل النماء والفضل عن الحاجة، سواء أكانت سائمة أم علوفة؛ لأنها في هذه الحالة تعد سلعة من السلع كسائر ما يباع ويشترى من الحيوان والنبات والجماد ابتغاء الربح.(232/3)
· كما قرر أهل العلم أن الخيل المعلوفة طوال العام أو أكثره لا زكاة فيها؛ لأن الشرط في وجوب الزكاة في الحيوان عندهم هو السوم.
· وقد ذكر الكاساني في بدائع الصنائع إجماع أهل العلم على ذلك.
· بقيت الخيل السائمة التي يقتنيها المسلم بغية استيلادها، ونتاجها، وهي خليط من الذكور والإناث، أو تكون إناثاً فقط. فهذه محل خلاف بين أهل العلم! والصحيح المعتمد أنه لا زكاة فيها، لما ثبت عن الرسول –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة".
الثالثة: ما يأخذه الساعي في زكاة الأنعام:
· ينبغي للساعي أن يكون عارفًا قدر المستطاع بأحكام الزكاة.
· لا يأخذ أعلى من الواجب، ولا ينقص منه. فعليه مراعاة السن الواجبة إذ لا يُجزيء أقل منها؛ لأنه إضرار بالفقراء، ولا ينبغي أعلى منها لأنّه إجحاف بالأغنياء.
· ينبغي أن يتجنب المريضة والمعيبة والكبيرة والهرمة؛ لأنها لا تنفع الفقير. وبالمقابل ينبغي أن يتجنب الأكولة وهي السمينة المعدة للأكل. والربيَّ، وهي: التي تربي ولدها والمخاض، وهي: الحامل. والفحل؛ لأنها كلها من كرام الأموال، وأخذها إضرار بالغني.
الرابعة: الخلطة في بهيمة الأنعام:
(أ) الخليطان يتراجعان بالسوية
· إذا كان هناك مسلمان لكل منهما عدد من الإبل أو البقر أو الغنم، وكان راعيهما واحدًا، ومراح ماشيتهما واحدًا، والفحل واحداً فهما خليطان؛ يأخذ المصدق من ماشيتهما الزكاة على أنها واحدة. ولا ينظر لمسألة الخلطة، ثم على الخليطين أن يتراجعا بينهما بالسوية حسب ملكهما. فإذا كان لأحد الخليطين عشر شياه، وللآخر ثلاثون، وأخذ المصدق الواجب وهو شاة واحدة، فهنا على صاحب العشر الربع، وعلى صاحب الثلاثين ثلاثة أرباع، وهكذا.
(ب) الأنواع في بهيمة الأنعام يضم بعضها إلى بعض(232/4)
· فالضأن والمعز نوعان. والبقر والجاموس نوعان. والبخت والعراب من الإبل نوعان. ويضم كل نوع إلى نوعه في الزكاة، وتخرج الزكاة من أكثر النوعين. والله أعلم.
(ج) لا يجوز أن يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع خشية الزكاة
· لأن ذلك تحايل لإبطالها، أو تخفيفها، وهذا لا يجوز لما فيه من الإضرار بالفقراء.
· مثال ذلك شخصان يملكان أربعين شاة، وقد خلطاها، فإذا قرب وقت مجيء المصدق فرقاها لتسقط عنهما الزكاة.
· أو شخصان يملكان مائتين وشاتين مختلطة، ففيها ثلاث شياه. فإذا قرب وقت مجيء المصدق فرقاها ليجب على كل واحد منهما شاة واحدة فقط!
· أو شخصان لكل واحد منهما أربعون شاة، فإذا قرب وقت مجيء المصدق جمعاها ليجب عليهما واحدة فقط! في حين أنه يجب على كل منهما واحدة، فهذا كله لا يصح! لما فيه من التحايل على إسقاطها، أو تخفيفها.
زكاة الذهب والفضة
دليل وجوب الزكاة في النقود:
· قول تعالى: { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ. يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ } [التوبة:34-35].
· وقوله –صلى الله عليه وسلم- "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمى عليها في نار جهنم، فيكوى بها جبينه وظهره، كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار.." .
نصاب النقود ومقدار الواجب فيها:
· وردت في السنة أحاديث كثيرة توضح نصاب النقود ومقدار الواجب فيها نذكر طرفًا منها فيما يلي:(232/5)
· من ذلك ما رواه أبو سعيد الخدري –رضي الله عنه- قال، قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة، ولا فيما دون خمس ذود صدقة، ولا فيما دون خمس أواق صدقة".
· قال النووي: "..فنصاب الفضة خمس أواق، وهي مائتا درهم بنص الحديث والإجماع. وأما الذهب فعشرون مثقالاً والعول فيه على الإجماع".
· تبين لنا من النصوص السابقة أن الدينار اثنتان وسبعون حبة شعير، وأن الدرهم سبعة أعشار المثقال، وعليه فالدرهم إحدى وخمسون حبة شعير – احتياطاً.
· وبهذا يُصبح نصاب الذهب بالجرامات سبعين جرامًا.
· ونصاب الفضة أربعمائة وستون جرامًا.
· وفيها ربع العشر.
النصاب بالعملات الورقية المتداولة:
· إذا ملك المسلم نصاباً من الذهب أو الفضة، أو أراد إخراج زكاته بالعملات الورقية المتداولة، لزمه أن يسأل عن سعر الجرام من الذهب والفضة حال وجوب الزكاة عليه، وبعد ذلك يخرج الواجب بالعملة المتداولة.
تنبيهات:
الأول: ليعلم أن الذهب يُضم إلى الفضة، وكذا يُضم إليهما أو إلى أحدهما العملة المتداولة في كل بلد، لأنها قائمة مقامهما.
الثاني: ذهب بعض أهل العلم إلى أن نصاب الذهب خمسة وثمانون جرامًا (85جرامًا)، ونصاب الفضة خمسمائة وخمسة وتسعون جرامًا (595) جراماً.
وهذا القول مرجوح في نظرنا لأمرين:
1- أن الأخذ بالأقل هو الأحوط لدين المسلم والأبرأ لذمته والأنفع لإخوانه الفقراء.
2- أن تقديرنا للدينار باثنتين وسبعين حبة والدرهم بخمسين حبة وخمسي حبة عليه عامة أهل العلم .
زكاة عروض التجارة:
وهي تشمل كل ما يعد للبيع والشراء بقصد الربح.
دليل وجوب زكاة عروض التجارة:
· قول الحق تبارك وتعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ } [البقرة:267].
· ذكر عامة أهل العلم أن المراد بهذه الآية زكاة عروض التجارة.
شروط وجوب زكاة عروض التجارة:(232/6)
ذكر الفقهاء مجموعة شروط لابد أن تحقق في عروض التجارة، لكي تجب فيها الزكاة وهي:
1- الملك التام لعروض التجارة.
2- بلوغ عروض التجارة نصاباً، وذلك بتقويمها بأحد النقدين.
3- حولان الحول على هذه العروض.
مقدار الواجب في عروض التجارة:
· يجب فيها ربع العشر، مهما كانت، وهو اثنان ونصف في المائة 2.5%.
كيفية زكاة عروض التجارة:
· على أصحاب المتاجر الذين يبيعون ويشترون، ولا تستقر البضائع عندهم طويلاً كباعة البقول والأقمشة وأدوات البناء وأواني الطبخ وغيرها، على هؤلاء أن يقوّموا الموجود عندهم رأس كل حول، ويضيفوا إليه ما عندهم من الأموال الزكوية فيزكوه بنسبة ربع العشر إذا بلغ نصابًا.
زكاة الزروع والثمار
دليل وجوب زكاة الزروع والثمار:
· قوله تعالى:{كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام:141].
· ما رواه أبو سعيد الخدري، قال، قال: رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة".
· وما رواه جابر بن عبد الله، أنه سمع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "فيما سقت الأنهار والغيم العشور وفيما سقى بالساقية نصف العشر".
أنواع الزروع والثمار التي تجب فيها الزكاة:
· اختلف أهل العلم في الأصناف التي تجب فيها الزكاة؛ وسبب اختلافهم راجع إلى تعلق الزكاة، هل هي متعلقة بالعين أم هي متعلقة بالعلة؟
· وعلى أية حال فالعلماء متفقون على وجوب الزكاة في أصناف أربعة هي: الحنطة والشعير والزبيب والتمر.. وما عداها فهو محل خلاف.
· فمن أهل العلم من لا يوجبها في غير هذه الأصناف الأربعة.
· والجمهور على وجوبها في غيرها ولكنهم مختلفون في العلة، هل هي الاقتيات والادخار أم هي الكيل أم تجب في كل الزروع والثمار؟ والذي يظهر تعلقها بعلة الاقتيات والادخار! لأنه الوصف الملائم لهذه المطعومات.
النصاب في زكاة الزروع والثمار:(232/7)
· الصحيح الذي ينبغي التعويل عليه أن نصاب الزروع والثمار خمسة أوسق فأكثر، فلا يجب فيهما دون خمسة أوسق زكاة.
· وهذا منطوق النص الصحيح الصريح الذي لا يحتمل غير هذا، وما ذهب إليه بعض أهل العلم في وجوب الزكاة في القليل والكثير الخارج من الأرض فهو مرجوح، إذ هو خلاف ما دلت عليه النصوص الصحيحة الصريحة.
عدم اعتبار الحول في زكاة الزروع والثمار:
· لا يشترط في زكاة الزروع والثمار حَوَلَان الحول، وهذه ميزة يتميز بها هذا النوع من أموال الزكاة عن غيره، وذلك لأن هذا النوع من أموال الزكاة نماء في نفسه، فتخرج منه الزكاة عند كماله، ثم بعد ذلك يبدأ في النقص لا في النماء، ولو أخرج منه العشر أو نصف العشر وبقى عنده أعوامًا طويلة لم يجب عليه فيه شيء لأن زكاته تجب مرة واحدة فقط.
مقدار الواجب في زكاة الزروع والثمار:
· المعول عليه في المقدار هو ما ورد في السنة من تحديد النصاب والمقدار، فالنصاب ورد تحديده في الصحيح بخمسة أوسق كما سبق. والمقدار ورد تحديده أيضًا بالعشر، أو نصف العشر.
نصاب الزروع والثمار بالمقاييس العصرية:
· النصاب خمسة أوسق، والوسق ستون صاعًا، فيكون النصاب ثلاثمائة صاع.
· قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين: "والوسق ستون صاعاً بصاع، النبي –صلى الله عليه وسلم- فيبلغ النصاب ثلاثمائة صاع بصاع النبي –صلى الله عليه وسلم- الذي تبلغ زنته بالبر الجيد ألفين وأربعين جراما أي كيلوين وخمس عشر الكيلو. فتكون زنة النصاب بالبر الجيد ستمائة واثني عشر كيلو.
تنبيه:
قال ابن قدامة: "والنصاب معتبر بالكيل فإن الأوساق قليلة وإنما نقلت إلى الوزن لتضبط وتحفظ. وتنقل ولذلك تعلق وجوب الزكاة بالمكيلات دون الموزونات والمكيلات تختلف في الوزن فمنها الثقيل كالحنطة والعدس ومنها الخفيف كالشعير والذرة ومنها المتوسط...".
زكاة العسل
· هل في العسل زكاة؟
· اختلف أهل العلم أيجب في العسل زكاة أو لا؟(232/8)
· فمنهم من قال: بوجوبها، متعمداً على بعض الآثار الواردة في ذلك.
· ومنهم من لم يوجبها مستنداً إلى عدم وجود دليل صحيح صريح على وجوبها.
· والذي يظهر وجوبها لأن العسل يخرج من النحل وهو يتغذى من الأشجار وهو مما يدخر وكلفته من الزروع والثمر.
· قال ابن قدامة في المغني: "ومذهب أحمد أن في العسل العشر قال الأثرم سئل أبو عبد الله أنت تذهب إلى أن في العسل زكاة قال نعم أذهب إلى أن في العسل زكاة العشر قد أخذ عمر منهم زكاة قلت ذلك على أنهم تطوعوا به قال لا بل أخذه منهم".
نصاب العسل ومقدار الواجب فيه:
· اختلف القائلون بوجوب الزكاة في العسل في نصابه فمنهم من أوجبها في القليل والكثير ومنهم من حددها بعشرة أفرق ومنهم من قاسه على الحبوب والثمار فجعل نصابه خمسة أوسق فمتى بلغت قيمته خمسة أوسق من الحبوب والثمار وجبت فيه الزكاة ومقدارها العشر وهذا هو الظاهر لقوة الشبه بين العسل والحبوب والثمار ولأن خمسة أوسق هي النصاب الشرعي المنصوص عليه والله أعلم.
زكاة الثروة المعدنية والبحرية
تعريف المعدن:
المعدن في اللغة: مأخوذ من العدن وهو الإقامة سمي بذلك لعدونه أي إقامته يقال : عدن بالمكان إذا أقام به.
وشرعاً: كل ما خرج من الأرض مما يخلق فيها من غيرها مما له قيمة.
تعريف الركاز:
الركاز لغةً: من الركز بمعنى الإثبات.
وشرعاً: ما يوجد في الأرض أو على وجهها من دفائن الجاهلية ذهباً أو فضة أو غيرها.
أدلة وجوب الزكاة في المعدن والركاز:
· استدل أهل العلم على وجوب الزكاة في المعدن والركاز بعموم قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [البقرة:267].
· قال القرطبي –رحمه الله- يعني النبات والمعادن والركاز.
· وقد نقل صاحب المجموع الإجماع على وجوب الزكاة في المعادن حيث قال: "قال أجمعت الأمة على وجوب الزكاة في المعادن".(232/9)
صفة المعدن الذي تجب فيه الزكاة:
اختلف أهل العلم في صفة المعدن الذي يتعلق به وجوب الزكاة على ثلاثة أقوال:
الأول: قول الإمام مالك والشافعي حيث قصرا المعدن الذي تجب فيه الزكاة على الذهب والفضة وأما غيرهما من الجواهر فلا زكاة فيه.
الثاني: قول أبي حنيفة وأصحابه حيث أوجبوا الزكاة في المعادن المستخرجة من الأرض الجامدة التي تنطبع بالنار وأما المعادن السائلة والمعادن الجامدة التي لا تنطبع بالنار فلا شيء فيها.
الثالث: قول الحنابلة حيث أوجبوا الزكاة في كل أنواع المعادن وهي كل ما خرج من الأرض مما يخلق فيها من غيرها مما له قيمة ولا فرق بين ما ينطبع وما لا ينطبع سواء أكان جامداً أم سائلاً.
والذي نراه رجحان ما ذهب إليه الحنابلة. لعموم قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [البقرة:267].
وهذا ما يتمشى مع روح الشرع المطهر الذي يصلح لكل زمان ومكان حيث نرى إمكانات الناس الهائلة في وقتنا الحاضر في استخراج شتى أنواع المعادن من باطن الأرض وخصوصا السائلة منها.
نصاب الزكاة في المعادن:
اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين:
الأول: ذهب الحنفية إلى وجوب الزكاة في المعدن في قليله وكثيره دون اعتبار نصاب له، لأنهم قالوا: إنه ركاز، ولا يعتبر له حول، فلم يعتبر له نصاب كالركاز.
الثاني: وذهب الإمام مالك والشافعي وأحمد إلى وجوب الزكاة في المعدن إذا بلغ نصابا وذلك بأن يبلغ الخارج ما قيمته نصاب من النقود واستدل هؤلاء بعموم الأحاديث التي وردت في نصاب الذهب والفضة وبالإجماع على أن نصاب الذهب عشرون مثقالاً.
والصحيح الذي تعضده الأدلة هو اعتبار النصاب.
مقدار الواجب في زكاة المعدن:
· اختلف أهل العلم في هذه المسألة فذهب الحنفية إلى وجوب الخمس في المعدن وذلك بناء على أنه فيئ وعليه فيصرف في مصالح المسلمين عامة.(232/10)
· وذهب مالك وأحمد والشافعي في أحد قوليه إلى أن الواجب ربع العشر قياساً على الواجب في النقدين وعندهم أنه زكاة يصرف في مصارف الزكاة الثمانية المحددة بقوله تعالى: { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:60].
هل تجب الزكاة فيما يستخرج من البحر؟
· لا تجب الزكاة على الصحيح من أقوال أهل العلم في المستخرج من البحر كاللؤلؤ والمرجان والعنبر والسمك وقال بعض أهل العلم بوجوب الزكاة فيه لأنه خارج من معدن فأشبه الخارج من معدن البر.
· والذي يظهر عدم وجوب الزكاة في المستخرج من البحر لأنه قد كان يخرج على عهد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وخلفائه فلم يأت فيه سنة عنه ولا عن أحد من خلفائه من وجه يصح ولأنه الأصل عدم الوجوب فيه ولا يصح قياسه على معدن البر لأن العنبر إنما يلقيه البحر فيوجد ملقى في البر على الأرض من غير تعب فأشبه المباحات المأخوذة من البر.
زكاة المستغلات والدخل
· أما زكاة المستغلات من العمارات المؤجرة والمصانع ونحوها.
· وزكاة الدخل من كسب العمل والمهن الحرة فالذي يظهر لي أن الزكاة لا تجب فيها إلا إذا حال الحول على المال وهو في حوزة مالكه معاملة لها مثل غيرها من الأموال المملوكة فإذا أجر شخص مصنعًا وقبض أجرته وحال عليها الحول وجبت فيها الزكاة وكذلك المساكن المؤجرة مهما عظمت وكثرت لا تجب الزكاة إلا في أجرتها إذا حال عليها الحول وهذا ما عليه عامة أهل العلم قديمًا وحديثًا.
زكاة الأسهم والسندات
· الأسهم حقوق مالية يمتلكها الأفراد في شركات أو مؤسسات ويقبض أرباحها حسب نظام الشركة.
· والسندات جمع سند وهو تعهد مكتوب من جهة معينة كاملة بسداد مبلغ مقدر من قرض في تاريخ معين نظير فائدة مقدرة.(232/11)
· وأما كيفية زكاة الأسهم والسندات فالذي يظهر من كلام أهل العلم أن صاحب الأسهم مخير بين أن يزكي رأس ماله كل سنة وإذا قبض الربح زكاه لما مضى أو لعام واحد على خلاف بين أهل العلم.
· وبين أن يسأل رأس كل حول عن قيمة أسهمه ويزكيها حسب ما يفيده به القائمون على الشركة أو المؤسسة التي ساهم فيها أو ما يفيده به أهل الخبرة سواء كانت رابحة أو خاسرة.
· وزكاتها زكاة النقدين إذا بلغت نصابًا وهو ربع العشر 2.5%.
وأما السندات فهي ديون مؤجلة.
· والصحيح من كلام أهل العلم وجوب تزكية الديون إذا كانت على موسرين فإذا حال الحول على الديون ومنها السندات زكاها كغيرها من الأموال الموجودة عنده.
· وإن أخر زكاتها حتى قبضها زكاها إذا قبضها لما مضى.
يقول الدكتور القرضاوي [... هناك اتجاهان في زكاة الأسهم والسندات...]:
الاتجاه الأول:
· ينظر إلى هذه الأسهم والسندات تبعًا لنوع الشركة التي أصدرتها أهي صناعة أم تجارية أم مزيج منهما.. فلا يعطي السهم حكماً إلا بعد معرفة الشركة التي يمثل جزءًا من رأس مالها وبناء عليه يحكم بتزكيته أو بعدمها.
الاتجاه الثاني:
· ينظر إليها كلها نظرة واحدة ويعطيها حكمًا واحدًا بغض النظر عن الشركة التي أصدرتها... فيعتبرها عروض تجارة تأخذ أحكامها في كل شيء.
· وهنا أنبه إلى أمر هام وهو أن المساهمة في البنوك الربوية أمر محرم لأنه تعامل بالربا صراحة وإعانة لها على عملها وهو محرم كما أن المساهمة في الشركات التي يثبت تعاملها بالربا أمر محرم لأنه من التعاون على الإثم والعدوان المنهي عنه شرعًا، قال تعالى:{ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2].(232/12)
· فلا يجوز المساهمة ابتداءً في هذه الشركات لكن من جهل حالها ثم تبين له أنها تتعامل بالربا فعليه التخلص منها والبعد عنها وإن لم يستطع فينتظر حتى توزع أرباحها فإن علم قدر الربا أخرجه بنية التخلص منه لا بنية التقرب به إلى الله. وإن لم يعلم قدر الربا فعليه إخراج نصف الربح احتياطاً.
· وعلى المسلم أن يحتاط لنفسه وذريته ومن تحت يده فلا يطعمهم إلا ما أحل الله وفي الحلال مندوحة عن الحرام والقليل الحلال أفضل وأزكى وأطيب من الكثير الذي تشوبه الشوائب.
المصدر: كيف تزكي أموالك-أ.د. عبد الله بن محمد الطيار.(232/13)
#الزكاة
لغة: الصلاح والتقوى والتطهير والزيادة والنماء، كما فى اللسان(1). ومنه قوله تعالى {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها}التوبة:103. واصطلاحا: إذا أطلقت الزكاة فإنما يراد منها زكاة الأموال التى فرضت فى السنة الثانية من الهجرة على من ملك نصابا وحال عليه الحول ، فى زكاة المواشى، والنقود، وعروض التجارة، وبدو الصلاح فى الثمار والحبوب وذوات الزيوت. وتجب الزكاة على المسلم البالغ العاقل المالك للنصاب مع خلو المال من الدين عند الحنفية ، لأنها من العبادات ، والعبادات منوطة بالتكليف ، بينما لا يشترط الجمهور البلوغ والعقل ، بل تجب فى مال الصبى والمجنون ويخرجها عنهما وليهما، لأنها حق واجب فى الأموال لا يشترط فى مالكها التكليف.
كما أن الخلو من الدين عند الجمهور إنما يراعى فى زكاة النقدين وعروض التجارة فى الجملة، أما الحرث والمواشى فلا يراعى فيها ذلك.
وتجب فى النقود التى يتعامل بها أو ما يقوم مقامها من أوراق البنكنوت إذا ملك المسلم منها، ما يعادل عشرين دينارا شرعيا، وهو ما يوازى الآن خمسة وثمانين جراما ذهبا، ومن الفضة مائتا درهم شرعى، وهو ما يوازى الآن خمسمائة وخمسة وتسعين جراما من الفضة.
والزكاة عن النقدين ، إنما يراعى فيها سعر صرف يومها ، والقدر الوجب فى ذلك هو ربع العشر، حيث يجب فى الألف خمسة وعشرون جنيها، وقد تضمن ذلك الحديث الشريف (...فإذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم ، وليس عليك شىء،وحتى تكون لك عشرون دينارا وحال عليها الحول؟ ففيها نصف دينار، فما زاد فبحساب ذلك..) الحديث أخرجه أبو داود(2).(233/1)
وعن المواشى ، يجب فى أربعين من الغنم شاة، وفى مائة وواحد وعشرين شاتان ،وتجب فى خمس من الإبل شاة، وفى عشر شاتان ، وفى خمس عشرة ثلاث شياه ، وفى عشرين أربع شياه ، وفى خمس وعشرين بنت مخاض(3)... وفى البقر والجاموس ، فى كل ثلاثين تبيع(4)، وفى كل أربعين مسنة(5)، ويراعى فى نصاب المواشى التدرج فى الارتفاع فى القدر المخرج بارتفاع الأعداد المملوكة، وتعرف تفاصيلها من كتب الفروع وعن الحبوب والثمارة يجب فيها العشر إن سقيت بدون تكلفة، ونصف العشر إذا كانت بتكلفة وذلك إذا حصل نصاب منها، وقدره خمسة أؤسق ، والوسق ستون صاعا، وقدره بالكيل المصرى الحالى خمسون كيلة.
وعن البقول والخضروات ، فيوجب فيها الإمام أبو حنيفة الزكاة، بينما الجمهور لا يوجب فيها الزكاة، وكذلك الحلى الذى تتحلى به المرأة ، فبعض العلماء يوجب فيها الزكاة، بينما يذهب فريق آخر إلى عدم وجوب الزكاة فيه لأنه ليس بمكنوز ولا نام.
وعن عروض التجارة ، فتجب فيها الزكاة إذا مر عليه حول منذ ملك أصله وكان فيه النصاب ، والواجب فيه ربع العشر، وعروض التجارة تشمل المال المتحرك فى المحلات التجارية والمصانع ، كما تشمل قيمة أسهم الشركات بمختلف أنواعها، وكل مال يتاجر فيه ، بمرور الحول وملك النصاب.
وعن الركاز ، فيجب فيه الخمس ،وهو يشمل المعدن عند الحنفية، بينما الجمهور يوجبون فيه الخمس ، وأما المعادن المستخرجة من الأرض بمختلف أنواعها ففيها عندهم رتجع العشر لما يبذل فيها من تكلفة(6).
وقد تحددت مصارف الزكاة بقوله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم}التوبة:60 ، وذلك تحقيقا لمبدأ التكافل الاجتماعى بين المسلمين حيث يلنرم الأغنياء بسد حاجة الفقراء فى المجتمع المسلم.(233/2)
أما زكاة الفطر فتجب بغروب الشمس من آخر يوم من رمضان ، أو طلوع الفجر من يوم أول شوال على من كان عنده قوت يومه لحديث ابن عمر مرفوعا (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا(7) من تمر أو صاعا من شعيرعلى العبد والحرة والذكر والأنثى، والصغير والكبير ، من المسلمين ، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة) رواه مسلم(8).
أ.د/أحمد على طه ريان(233/3)
الزنا ومفاسده
الزنا ومفاسده
مقدمة:
- قال تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً }الإسراء32.
- الزنا فساد كبير، وشر مستطير، له آثار كبيرة.
- هذه الأضرار على مرتكبيه، وعلى الأمة عامة.
نبذة عن آثار الزنى ومفاسده، وآفاته وأضراره:
1. الزنا يجمع خلال الشر كلها من: قلة الدين، وذهاب الورع، وفساد المروءة، وقلة الغيرة، ووأد الفضيلة.
2. يقتل الحياء ويلبس وجه صاحبه رقعة من الصفاقة والوقاحة.
3. سواد الوجه وظلمته، وما يعلوه من الكآبة والمقت الذي يبدو للناظرين.
4. ظلمة القلب، وطمس نوره.
5. الفقر اللازم لمرتكبيه.
6. أنه يذهب حرمة فاعله، ويسقطه من عين ربه وأعين عباده، ويسلب صاحبه اسم البر، والعفة، والعدل، ويعطيه اسم الفاجر، والفاسق، والزاني، والخائن.
7. الوحشة التي يضعها الله في قلب الزاني، وهي نظير الوحشة التي تعلو وجهه، فالعفيف على وجهه حلاوة، وفي قلبه أنس، ومن جالسه استأنس به، والزاني بالعكس من ذلك تماماً.
8. أن الناس ينظرون إلى الزاني بعين الريبة والخيانة، ولا يأمنه أحد على حرمته وأولاده.
9. ومن أضراره الرائحة التي تفوح من الزاني، يشمها كل ذي قلب سليم، تفوح من فيه، ومن جسده.
10. ضيقة الصدر وحرجه، فإن الزناة يعاملون بضد قصودهم؛ فإن من طلب لذة العيش وطيبه بمعصية الله عاقبه الله بنقيض قصده، فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته، ولم يجعل الله معصيته سبباً إلى خير قط.
11. لو علم الفاجر ما في العفاف من اللذة والسرور، وانشراح الصدر، وطيب العيش؛ لرأى أن الذي فاته من اللذة أضعاف أضعاف ما حصل.
12. الزاني يعرض نفسه لفوات الاستمتاع بالحور العين في المساكن الطيبة في جنات عدن.(234/1)
13. الزنا يجرئ على قطيعة الرحم وعقوق الوالدين، وكسب الحرام، وظلم الخلق، وإضاعة الأهل والعيال وربما قاد إلى سفك الدم الحرام، وربما استعان عليه بالسحر والشرك وهو يدري أو لا يدري؛ فهذه المعصية لا تتم إلا بأنواع من المعاصي قبلها ومعها، ويتولد عنها أنواع أخرى من المعاصي بعدها؛ فهي محفوفة بجند من المعاصي قبلها وجند من المعاصي بعدها، وهي أجلب شيء لشر الدنيا والآخرة، وأمنع شيء لخير الدنيا والآخرة.
14. الزنا يذهب بكرامة الفتاة ويكسوها عاراً لا يقف عندها، بل يتعداها إلى أسرتها؛ حيث تدخل العار على أهلها، وزوجها، وأقاربها، وتنكس به رؤوسهم بين الخلائق.
15. أن العار الذي يلحق من قذف بالزنا أعلق من العار الذي ينجر إلى من رمي بالكفر وأبقى؛ إلا إن التوبة من الكفر على صدق القاذف تذهب رجسه شرعاً، وتغسل عاره عادة، ولا تبقي له في قلوب الناس حطة تنزل به عن رتبة أمثاله ممن ولدوا في الإسلام، بخلاف الزنا؛ فإن التوبة من ارتكاب فاحشته ـ وإن طهرت صاحبها تطهيراً، ورفعت عنه المؤاخذة بها في الآخرة ـ يبقى لها أثر في النفوس، ينقص بقدره عن منزلة أمثاله ممن ثبت لهم العفاف من أول نشأتهم.
16. انظر إلى المرأة ينسب إليها الزنا كيف يتجنب الأزواج نكاحها وإن ظهرت توبتها؛ مراعاة للوصمة التي أُلصقت بعرضها سالفاً، ويرغبون أن ينكحوا المشركة إذا أسلمت رغبتهم في نكاح الناشئة في الإسلام.
17. إذا حملت المرأة من الزنا، فقتلت ولدها جمعت بين الزنا والقتل، وإذا حملته على الزوج أدخلت على أهلها وأهله أجنبياً ليس منهم، فورثهم ورآهم وخلا بهم، وانتسب إليهم وهو ليس منهم إلى غير ذلك من مفاسد زناها.(234/2)
18. أن الزنا جناية على الولد؛ فإن الزاني يبذر نطفته على وجه يجعل النسمة المخلقة منها مقطوعة عن النسب إلى الآباء، والنسب معدود من الروابط الداعية إلى التعاون والتعاضد؛ فكان الزنا سبباً لوجود الولد عارياً من العواطف التي تربطه بأدنى قربى يأخذون بساعده إذا زلت به فعله، ويتقوى به اعتصابهم عند الحاجة إليه.
19. كذلك فيه جناية عليه، وتعريض به؛ لأنه يعيش وضيعاً في الأمة، مدحوراً من كل جانب؛ فإن الناس يستخفون بولد الزنا، وتنكره طبائعهم، ولا يرون له من الهيئة الاجتماعية اعتباراً؛ فما ذنب هذا المسكين؟ وأي قلب يحتمل أن يتسبب في هذا المصير؟!
20. زنا الرجل فيه إفساد المرأة المصونة وتعريضها للفساد والتلف.
21. الزنا يهيج العداوات، ويزكي نار الانتقام بين أهل المرأة وبين الزاني، ذلك أن الغيرة التي طبع عليها الإنسان على محارمه تملأ صدره، ولو بلغ الرجل أن امرأته أو إحدى محارمه قتلت كان أسهل عليه من أن يبلغه أنها زنت.
22. قال سعد بن عبادة: "لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح". فبلغ ذلك رسول الله فقال: { أتعجبون من غيرة سعد! والله لأنا أغير منه، والله أغير مني؛ ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن } [أخرجه البخاري ومسلم].
23. للزنا أثر على محارم الزاني، فشعور محارمه بتعاطيه هذه الفاحشة يسقط جانباً من مهابتهن له، ويسهل عليهن بذل أعراضهن ـ إن لم يكن ثوب عفافهن منسوجاً من تربية دينية صادقة.
24. بخلاف من ينكر الزنا ويتجنبه، ولا يرضاه لغيره؛ فإن هذه السيرة تكسبه مهابة في قلوب محارمه، وتساعده على أن يكون بيته طاهراً عفيفاً.
25. للزنا أضرار جسيمة على الصحة يصعب علاجها والسيطرة عليها، بل ربما أودت بحياة الزاني، كالإيدز، والهربس، والزهري، والسيلان، ونحوها.(234/3)
26. الزنا سبب لدمار الأمة؛ فقد جرت سنة الله في خلقه أنه عند ظهور الزنا بغضب الله ـ عز وجل ـ ويشتد غضبه، فلا بد أن يؤثر غضبه في الأرض عقوبة.
27. قال ابن مسعود رضي الله عنه: ( ما ظهر الربا والزنا في قرية إلا أذن الله بإهلاكها ).
خص الله سبحانه حد الزنا من بين الحدود بثلاثة خصائص:
أحدها: القتل فيه بأشنع القتلات للمحصن. ولغير المحصن جمع فيه بين العقوبة على البدن بالجلد، وعلى القلب بتغريبه عن وطنه سنة.
الثاني: أنه نهى عباده أن تأخذهم بالزناة رأفة في دينه؛ بحيث تمنعهم من إقامة الحد عليهم، فإنه سبحانه من رأفته بهم شرع هذه العقوبة؛ فهو أرحم منكم بهم، ولم تمنعه رحمته من أمره بهذه العقوبة؛ فلا يمنعكم أنتم ما يقوم بقلوبكم من الرأفة من إقامة أمره.
الثالث: أنه سبحانه أمر أن يكون حدهما بمشهد من المؤمنين، فلا يكون في خلوة بحيث لا يراهما أحد، وذلك أبلغ في مصلحة الحد، وحكمة الزجر ).
كيفية التوبة من الزنا
- يجب على من وقع في الزنا، أو تسبب في ذلك أو أعان عليه أن يبادر إلى التوبة النصوح، وأن يندم على ما مضى، وألا يرجع إليه إذا تمكن من ذلك.
- لا يلزم من وقع في الزنا رجلاً كان أو امرأة أن يسلم نفسه، ويعترف بجرمه، بل يكفي في ذلك أن يتوب إلى ربه، وأن يستتر بستره عز وجل.
- إن كان عند الزاني صور لمن كان يفجر بها، أو تسجيل لصوتها أو لصورتها فليبادر إلى التخلص من ذلك.(234/4)
- إن كانت المرأة قد وقع لها تسجيل أو تصوير وخافت أن ينتشر لأمرها، فعليها أن تبادر إلى التوبة، وألا يكون ذلك معوقاً لها عن الإقبال على ربها، بل يجب عليها أن تتوب، وألا تستسلم للتهديد والترهيب فإن الله كافيها ومتوليها، ولتعلم أن من يهددها جبان رعديد، وأنه سوف يفضح نفسه إن هو أقدم على نشر ما بيده. ثم ماذا يكون إذا هو نفذ ما يهدد به؟ أيهما أسهل: فضيحة يسيرة في الدنيا ويعقبها توبة نصوح؟ أو فضيحة على رؤوس الأشهاد يوم القيامة ثم يعقبها دخول النار وبئس القرار؟
- مما ينفع في هذا الصدد إن هي خافت من نشر أمرها: أن تستعين برجل رشيد من محارمها؛ ليعينها على التخلص مما وقعت فيه؛ فربما كان ذلك الحل ناجعاً مفيداً.
خاتمة:
على من وقع في ذلك الجرم أن يبادر إلى التوبة النصوح، وأن يقبل على ربه بكليته، وأن يقطع علاقته بكل ما يذكره بتلك الفعلة، وأن ينكسر بين يديه مخبتاً منيباً، عسى أن يقبله، ويغفر سيئاته، ويبدلها حسنات،{ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً ، يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً ، إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} [الفرقان: 68-70].
المرجع: من مفاسد الزنا-محمد بن ابراهيم الحمد-دار الوطن.(234/5)
#الزَّنْج
هو اسم أطلق على أحد الأجناس الثلاثة الكبرى التى ينقسم إليها النوع الإنسانى، ويتميز بخصائص جسمانية بارزة(1) هى:
(أ) البشرة السوداء.
(ب) الشعر الصوفى.
(ج) الأنف الأفطس.
(د) الفك البارز.
(هـ) الشفاة الغليظة المتهدلة.
كما يطلق لقب زنجى على بعض السلالات المنحدرة من القبائل الإفريقية أنى استوطنت(2). كذلك نجد الزنج المتكرر ذكرهم فى تاريخ الإسلام ، والمذكور رئيسهم باسم "صاحب الزنج" تارة، وباسم "الخبيث صاحب الزنج" تارة أخرى يراد بهم نوع من الخوارج الزنوج(3).
وقد أثار هؤلاء القلق فى حاضرة الخلافة العباسية، وكان مسرح هذه الثورة الجامحة العنيفة التى دامت أكثر من أربع عشرة سنة هذه المستنقعات الممتدة بين البصرة وواسط.
وكان صاحب الزنج رجلا فارسيا يسمى "على بن محمد" من أهالى الطالقان ، ادعى أنه من ولد على زين العابدين بن الحسين بن على، ولكنه لم يجهر بعقائد المذهب الشيعي على الرغم من ادعائه النسب إلى على وفاطمة، وإنما جهر بعقائد مذهب الخوارج.
ومهما يكن فإن صاحب الزنج لم يلبث أن كشفط عن ميوله الحقيقية، حتى إن أعداءه سموه: دَعِىّ علىّ ، كما سموه:الخبيث.
قدم صاحب الزنج بلاد العراق واتصل ببعض بطانة الخليفة المنتصر(سنة 247-248هـ)، ثم سار فى سنة 249هـ ، إلى البحرين ، ودعا إلى تحرير العبيد ، واستمال قلوبهم ، حتى إنهم تركوا مواليهم وانضموا إليه ، فعظم شأنه ، وقويت شوكته ، ولقيت دعوته قبولا بين أهالى البحرين(4).
وقد أول قوله تعالى: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون فى سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا فى التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذى بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم}التوبة:111 ، تأويلا سياسيا قصد به تضليل أنصاره ، إذ أولها بأن المؤمنين قد اشتروا أنفسهم أى: لم يعودوا بعد عرضة للرق والعبودية.(235/1)
وسرعان ما قدم إلى البصرة، فأسرع إليه بعض غلمانها رغبة فى التخلص من الرق ،وما زال الزنج يلتفون حوله حتى نهبت جيوشه القادسية واستولت على البصرة وذبحت كثيرا من أهلها سنة 257هـ، واستولت جيوشه بعد ذلك على الأهواز، ثم واسط ، فسير إليهم الخليفة المعتمد كثيرا من قواده ، ولكن الزنج لم يضعفوا ، وظل خطرهم يتزايد، فعهد الخليفة المعتمد إلى أخيه أبى أحمد الموفق بقتالهم ، فأجلاهم عن الأهواز،وحاصر مدينتهم "المختارة".
لقد دامت هذه الحرب بين جيوش العباسيين والزنج أكثر من أربع عشرة سنة، وقضى عليهم الموفق وقواده ، مما جعله يخر ساجدا لله شكرا.
ولكن أحد أنصار صاحب الزنج رمى الموفق بسهم فى صدره ، ولكن جىء به إلى الموفق فقتله ابنه العباس ، وقتل صاحب الزنج فى صفر سنة 270هـ، وبلغ عدد القتلى ألفى ألف وخمسمائة ألف(5) وقيل ألف ألف وخمسمائة ألف(6).
أ.د/عبد الله جمال الدين(235/2)
#السرايا
لغة: جمع سرية والسرية قطعة من الجيش ما بين خمسة أنفس إلى ثلاث مائة(1).
واصطلاحا: السرايا هى ما يعقد فيها اللواء لغير الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومهمتها استطلاعية أو حربية، وقد يطلق على بعض السرايا المهمة غزوة، مثل: غروة مؤتة، وغزوة ذات السلاسل وعدتها 38 أولها سرية حمزة بن عبد المطلب إلى قريش ،وآخرها سرية أسامة بن زيد إلى بنى مذجح باليمن(2). وقيل: إن عددها 47 سرية(3).
ومن هذه السرايا:
1- سرية عبيدة بن الحارث: وكانت مكونة من ستين راكبا من المهاجرين بقيادة عبيدة بن الحارث ، وكان الهدف منها: تهديد تجارة قريش بين مكة والشام ، وقد وصلت هذه السرية إلى وادى رابغ ورجع الفريقان دون قتال.
2- سرية عبد الله بن جحش: إذ بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه ثمانية من المهاجرين ،وكتب له كتابا أمره فيه ألا يفضه حتى يسير يومين ، ثم ينظر فيه ويمضى لما أمره به ، ولا يستكره أحدا من أصحابه ففعل ، حتى إذا فتح الكتاب وجد فيه إذا نظرت فى كتابى هذا فسر حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف ، فترصد بها قريشا وتعلم لنا من أخبارهم.
3- سرية مؤتة: وكانت فى السنة الثانية للهجرة، وكان أعظم ما يلفت النظرفيها أنها موجهة إلى أمير بصرى وهى إمارة كانت تابعة لدولة الروم ، وكان الغرض منها الانتقام للحارث بن عمير الأزدى وهو الرسول الذى كان يحمل كتاب النبى صلى الله عليه وسلم إلى هذا الأمير،فأساء أنصاره إليه وقتلوه ظلما، وخالفوا بذلك أبسط القواعد المعروفة لدى جميع الأمم ، وهى أن الرسل لا تقتل ، وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم عليها زيد بن حارثة وقال لهم: إن أصيب فالأمير جعفر بن أبى طالب ، فإن أصيب فعبد الله بن رواحة(4).
وقد كانت هناك سرايا أطلق عليها سرايا تأديب الأعراب منها:
1- سرية: عمربن الخطاب إلى تربة واد بقرب مكة سنة 7هـ.
2- سرية: أبى بكر الصديق إلى بنى كلاب بنجد شعبان سنة 7هـ.(236/1)
3- سرية: بشير بن سعد الأنصارى إلى فدك شعبان سنة 7هـ.
4- سرية: أبى العوجاء السلمى إلى بنى سليم سنة 7هـ.
وهناك سرايا أطلق عليها سرايا الدعوة إلى التوحيد منها:
1- سرية: خالد بن الوليد إلى جذيمة من كنانة فى شوال سنة 8هـ.
2- سرية: عيينة بن حصن الفزارى إلى بنى تميم فى المحرم سنة 9هـ.
3- سرية: على بن أبى طالب إلى اليمن فى رمضان سنة 10هـ(5).
أ.د/عبد الله جمال الدين(236/2)
#السلفية
لغة: نسبة إلى السلف ، والسلف هو الماضى، والسالف: المتقدم (لسان العرب).
وفى القرآن الكريم: {فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف}البقرة:275.
واصطلاحا: هى الرجوع فى الأحكام الشرعية إلى منابع الاسلام الأولى، أى الكتاب والسنة، مع إهدار ما سواهما.
ومع وضوح هذا التعريف للسلفية، تعددت فصائل تيارها فى تراثنا وفكرنا الإسلامى، فكل السلفيين يعودون فى فهم الدين إلى الكتاب والسنة، لكن منهم فصيلا يقف فى الفهم عند ظواهرالنصوص ،ومنهم من يعمل العقل فى الفهم ،ومن الذين يعملون العقل: مسرف فى التأويل ، أو متوسط ، أو مقتصد.
ومن السلفيين: أهل جمود وتقليد، ومنهم أهل التجديد، الذين يعودون إلى المنابع لاستلهامها فى الاجتهاد لواقعهم الجديد.
ومن السلفيين من سلفهم -ماضيهم- فكر عصر الازدهار الحضارى والخلق والإبداع ، ومنهم من سلفهم -ماضيهم- فكرعصر التراجع الحضارى والتقليد والجمود.
ومن السلفيين مقلدون لكل التراث ، دونما تمييز بين الفكر وبين التجارب ، ودونما تمييز فى الفكر بين الثوابت وبين المتغيرات، ومنهم مستلهمون لثوابت التراث ، مع الاسترشاد بتجارب ومتغيرات التاريخ.
ومن السلفيين من يعيشون فى الماضى، ومنهم من يوازن بين السلف الماضى وبين الحاضر والمعاصر.
وهذا التنوع الذى يقترب أحيانا من درجة التناقض ، فى مناهج فصائل السلفية، هو الذى أحاط مضامين هذا المصطلح ، وخاصة فى فكرنا المعاصر بكثيرمن الغموض ،وسوء الفهم ، بل وسوء الظن أيضا.(237/1)
ومن أشهر المدارس الفكرية التى حاولت الاستئثار، فى تراثنا ، بمصطلح السلفية هى مدرسة أهل الحديث التى هالها الوافد اليونانى فلسفة ومنطقا وأفزعتها عقلانية اليونان المنفلتة من النقل الدينى، فاعتصمت بالنصوص ، مقدمة ظواهرها، بل وحتى ضعيفها على الرأى والقياس والتأويل وغيرها من ثمرات النظر العقلى، وهى المدرسة التى انعقدت زعامتها للإمام أحمد بن حنبل (164-241هـ/780-855م) حتى ليحسبها البعض كل السلفية، بينما هى فى الحقيقة واحدة من فصائل هذا الاتجاه.
وفى منهاج هذه المدرسة يعلو النص على غيره ، بل ويكاد أن ينفرد بالحجية، فالنص ،وفتوى الصحابة، والمختار من فتوى الصحابة عند اختلافهم ، والحديث المرسل والضعيف ، ثم القياس للضروة هى الأصول الخمسة التى حددها الإمام أحمد بن حنبل أركانا لمنهج هذه المدرسة رافضا بذلك الرأى، والقياس ،والتأويل ، والذوق ، والعقل ، والسببية فى الفكر الدينى.
وعن هذا المنهج النصوصى "للسلفية النصوصية" -كما صاغه الإمام أحمد بن حنبل- يقول واحد من أعلامها هو الإمام ابن القيم الجوزية (691-751هـ/1292-1350م):
الأصل الأول: النصوص فإذا وجد النص أفتى به ولم يلتفت إلى ما خالفه ولا من خالفه ، كائنا من كان ولم يكن يقدم على الحديث الصحيح عملا ولا رأيا ولا قياسا ولا قول صاحب ولا عدم علمه بالمخالف.
الأصل الثانى: ما أفتى به الصحابة فإنه إذا وجد لبعضهم فتوى، لا يعرف له مخالف منهم فيها، لم يعدها إلى غيرها ولم يقدم عليها عملا ولا رأيا ولا قياسا.
الأصل الثالث: إذا اختلف الصحابة تخير من أقوالهم ما كان أقربها إلى الكتاب والسنة، ولم يخرج عن أقوالهم ،فإن لم يتبين له موافقة أحد الأقوال حكى الخلاف فيها ، ولم يجزم بقول.
الأصل الرابع: الأخذ بالمرسل والحديث الضعيف ، إذا لم يكن فى الباب شىء يدفعه ، وهو الذى رجحه -أى الحديث الضعيف- على القياس.(237/2)
الأصل الخامس: القياس للضروة، فإذا لم يكن عنده فى المسألة نص ، ولا قول الصحابة، أو واحد منهم ، ولا آثر مرسل أو ضعيف ، عدل إلى القياس ، فاستعمله للضرورة.
وعن المنهاج التجديدي لهذه السلفية العقلانية يعبر الإمام محمد عبده (1265-1323هـ/1849-1905م) عندما قال: لقد ارتفع صوتى بالدعوة إلى تحرير العقل من قيد التقليد، وفهم الدين على طريقة سلف الأمة، قبل ظهور الخلاف ، والرجوع فى كسب معارفه إلى ينابيعها الأولى، واعتباره من ضمن موازين العقل البشرى التى وضعها الله لترد من شططه ، وتقل من خلطه وخبطه ،لتتم حكمة الله فى حفظ نظام العالم الإنسانى، وأنه على هذا الوجه يعد صديقا للعلم ، باعثا على البحث فى أسرار الكون ، داعيا إلى احترام الحقائق الثابتة، مطالبا بالتعويل عليها فى أدبا النفس وإصلاح العمل.
ففى منهاج هذه السلفية العقلانية تآخى النص والعقل ،وتزامل العلم والدين ، وتآزرت السلفية والتجديد.
أ.د/محمد عمارة(237/3)
#السلفيون
لغة: هم الذين يحتذون حذو السلف ،الذين سلفوا ، أى سبقوا ومضوا.
واصطلاحا: يدخل فى إطار السلفيين أغلب تيارات الفكر ومذاهبه ومدارسه بدرجات متفاوتة ومعان متمايزة ، لأن لها ماضيا ومرجعية ونموذجا ترجع إليه وتنتسب له وتحتذيه وتستصحب ثوابته ومناهجه ،وذلك إذا استثنينا تيار الحداثة بالمعنى الغربى، والتى يقيم أصحابه قطيعة معرفية مع الموروث.
وإذا كان السلف هو الماضى فكلنا سلفيون.
لكن السلفيين أنواع:
فمن السلفيين من يقلد السلف ، وهؤلاء هم أهل الجمود والتقليد.
ومن السلفيين من يرجع إلى السلف ،فيجتهد فى ميراثهم وتراثهم ، مميزا فيه الثوابت عن المتغيرات والصالح للاستصحاب والاستلهام عن ما تجاوزته الوقائع المتغيرة، والعادات المتبدلة ، والأعراف المختلفة ، والمصالح المستجدة.
ومن السلفيين من يستلهم من فقه السلف ما يتطلبه فقه الواقع الجديد.
ومن السلفيين من يهاجر من واقعه المعيش إلى واقع السلف الذى تجاوزه الزمان ، وإلى تجاربهم التى طوتها القرون.
ومن السلفيين من سلفه عصر الازدهار والإبداع فى تاريخنا الحضارى.
ومن السلفيين من سلفه عصر الركاكة والتراجع فى مسيرتنا الحضارية.
ومن السلفيين من سلفه تراثنا وحضارتنا وثقافتنا الوطنية والقومية والإسلامية.
ومن السلفيين من سلفه تراث الآخر الحضارى ومذاهبه وتياراته الفلسفية والاجتماعية، وبهذا المعنى يمكن إدخال الليبراليين الذين يحتذون حذو الليبرالية الغربية، والماركسيين اللذين يحتذون حذو الماركسية الغربية، وأمثالهم من المتغربين فى عداد السلفيين الذين أصبح الموروث والماضى الغربى سلفا لهم يحتذونه أحيانا مع قدر من التحوير، وأحيانا بجمود وتقليد.
ومن السلفيين من سلفه المذاهب والتيارات النصية الحرفية فى تراثنا.
ومن السلفيين من سلفه تيارات العقلانية فى تراثنا أو النزعات الصوفية فى موروثنا الحضارى.
ومن السلفيين من سلفه مذهب تراثى بعينه يتعصب له ولا يتعداه.(238/1)
ومن السلفيين من مرجعيته تراث الأمة، على اختلاف مذاهبها، يحتضنها جميعا، ويعتز بها ، ويتخير منها.
ولكن مع صدق وصلاحية إدخال أغلب تيارات الفكر تحت مصطلح السلفيين ، إلا أن هذا المصطلح قد ادعاه واشتهر به وكاد يحتكره أولئك الذين غلبوا النص ، وفى أحيان كثيرة ظاهر النص على الرأى والقياس وغيرهما من سبل وآليات النظر العقلى، فوقفوا عند الرواية أكثرمن وقوفهم عند الدراية، وحرموا الاشتغال بعلم الكلام فضلا عن الفلسفات الوافدة على حضارة الإسلام ،وهؤلاء هم الذين يطلق عليهم أحيانا أهل الحديث ، لاشتغالهم بصناعة المأثور وعلوم الرواية، ورفضهم علوم النظرالعقلى.
وإمام هذه المدرسة هو أبو عبد الله أحمد ابن حنبل (164-241هـ /780-855م) وفيها نجد أبرز الأئمة الذين اشتغلوا بصناعة الرواية وعلومها ، من أمثال: ابن راهويه (238هـ/852م) وإمام علم الجرح والتعديل ، وأصحاب الصحاح والجوامع والمسانيد: البخارى (256هـ/870م) ، وأبو داود (275هـ/888م) ، والدارمى (280هـ/893م) ، والطبرانى (360هـ/971م)، والبيهقى (458هـ/1066م) إلخ...
ولقد تطورت هذه المدرسة فى مرحلة ابن تيمية (661-728هـ/1263-1328م) وابن قيم الجوزية (691-751هـ/1292-1350م) فضمت إلى المأثور بعضا من أدوات النظر العقلى، وإن ظلت الغلبة والأولوية عندها للنصوص والمأثورات.
وعن هذا المنهاج يعبر ابن القيم ، فيقول: "إن النصوص محيطة بأحكام الحوادث ، ولم يحلنا الله ولا رسوله على رأى ولا قياس ، وإن الشريعة لم تخوجنا إلى قياس قط ، وإن فيها غنية عن كل رأى وقياس وسياسة واستحسان ، ولكن ذلك مشروط بفهم يؤتيه الله عبده فيها".
فلقد ظل النص وحده هو المرجع عند هؤلاء السلفيين ، لكن التطور قد أصاب هذا المنهاج النصى -فى مرحلة ابن تيمية وابن القيم- فحدث إعمال الفهم والعقل فى النصوص ، دون الاكتفاء بالوقوف عند ظواهر هذه النصوص.(238/2)
ولقد كان غلو هؤلاء السلفيين فى الانحياز إلى النص وحده ، ثمرة لعوامل كثيرة، منها: مخافة غلو مضاد انحاز أهله -وهم فلاسفة العقلانية اليونانية من المشائيين- إلى عقلانية غير مضبوطة بالنص الدينى، وأيضا النزعة الصوفية الباطنية الإشراقية، التى انحازت إلى الذوق والحدس ، دونما ضابط من النص ولا من العقل.
ولأن هذه النزعات جميعها -النصية منها والعقلانية والباطنية- قد شابها قدر، كثير أو قليل ، من الغلو، فلقد ظلت عاجزة عن استقطاب جمهور الأمة، وانحاز هذا الجمهور إلى النزعة الوسطية فى السلفية، تلك التى جمعت بين النقل والعقل ووازنت بينهما، وهى الأشعرية التى أسسها إمامها أبو الحسن الأشعرى: على بن إسماعيل (260-324هـ/874-936م) ففى هذه المدرسة من مدارس السلفيين اجتمع النقل والمأثور مع النظر العقلى والاشتغال بعلم الكلام -الذى حرم السلفيون النصيون الاشتغال به- مع علم أصول الفقه ، الذى يمثل فلسفة العقلانية الإسلامية فى التشريع.
ثم تطورت هذه المدرسة -بعد مرحلة التأسيس- على يد كوكبة من أئمتها، فى مقدمتهم الباقلانى: أبو بكر محمد بن أبى الطيب (453هـ-1013م) وإمام الحرمين الجوينى: أبو المعالى عبد الملك بن عبد الله ابن يوسف (419-478هـ/1028-1085م) وحجة الإسلام أبو حامد الغزالى (450-505هـ/1058-1111م).
وعلى امتداد تاريخ الحضارة الإسلامية، ظلت هذه الصورة وهذه الموازنة ملحوظة فى مدارس ومذاهب السلفيين ، فالنزعة النصية تمثلها فى عصرنا الحديث وواقعنا المعاصر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب (1115-1206هـ/1702-1792م) المسماة بالوهابية ، بينما لا تزال الأشعرية، الممثلة للعقلانية،النصية، تستقطب جمهور المسلمين.
أ.د/محمد عمارة(238/3)
#السنة
السنة النبوية: هى أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته. والمراد بحجيتها: قبولها ،واعتقاد أنها وحى من الله تعالى، وأنها جزء من الرسالة التى أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتبليغها.
والناس أمام حجية السنة وعدم حجيتها أنواع:
الأول: مسلمون مذعنون لرسول الله صلى الله عليه وسلم ملتزمون بقوله تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}النساء:65. وبقوله تعالى {لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر}الأحزاب:21. وبقوله تعالى: {وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}الحشر:7. وبقوله تعالى: {من يطع الرسول فقد أطاع الله}النساء:80. والطاعة عند هؤلاء واجبة فيما أمر به وجوبا، وواجبة الابتعاد فيما نهى عنه تحريما، ومستحبة فيما أمر به استحبابا، ومكروهة فيما نهى عنه تنزيها ، ومباحة الفعل والترك فيما أذن بطرفيه ، الفعل والترك.
الثانى: هناك من الناس من يقف أمام حجية السنة على طرف النقيض من النوع الأول ، يردون السنة كلها، وينكرونها جملة وتفصيلا، وينكرون أنها وحى من عند الله ، وأنها من جملة الرسالة، وقريب من هؤلاء من يعترف بأنها وحى لكنه يتشكك فى ثبوتها كلها، وصدورها عن محمد صلى الله عليه وسلم لعدم قدرته على الفصل بين صحيحها وضعيفها، فيردها ككل ، ويدعى إمكان الاكتفاء بالقرآن الكريم.
وهذان النوعان فى حاجة إلى دراسة ووعى علمى ودينى، أو الرجوع إلى أهل الذكر والاختصاص ، وشأنهم فى ذلك شأن المريض الذى لا يميز بين الأدوية، ما ينفع منها، وما يضر، فيظن أن الحكمة فى ترك الدواء، كل الدواء.(239/1)
ومشكلة العصر فى تشكيك بعض المسلمين في السنة، بل بعض علماء المسلمين من بنى جلدتنا، ويتكلمون لغتنا، بل ويحملون مؤهلاتنا وشهاداتنا، لكنهم بهدف أو بآخر يتنصلون من بعضها،وفى الرد عليهم رد على غيرهم من الطاعنين أو المغرضين أو الشاكين ، وهم يقسمون السنة إلى تشريعية وغير تشريعية، فيقول أحدهم: ما ورد عن النبى صلى الله عليه وسلم ودون فى كتب الحديث من أقواله وأفعاله وتقريراته على أقسام:
أحدها: ما سبيله سبيل الحاجة البشرية كالأكل والشرب ، والنوم ، والمساواة فى البيع و الشراء.
ثانيها: ما سبيله سبيل التجارب والعادة الشخصية والاجتماعية، كالذى ورد فى شئون الزراعة، والطب ، وطول اللباس وقصره.
ثالثها: ما سبيله التدبير الإنسانى أخذا من الظروف الخاصة، كتوزيع الجيوش على المواقع الحربية، وكل ما نقل من هذه الأنواع الثلاثة ليس شرعا، يتعلق طلب الفعل والترك ، وانما هو من الشئون البشرية التى ليس مسلك الرسول فيها تشريعا ولا مصدر تشريع(1).
ثم يقول: ومن هنا نجد أن كثيرا مما نقل عنه صور بأنه شرع أو دين أو سنة أو مندوب ، وهو لم يكن فى الحقيقة صادرا على وجه التشريع أصلا(2).
فهذا القول ينفى التشريع بأحكامه الأريعة (الوجوب ، والندب ، والحرمة، والكراهة) عن جميع أقواله وأفعاله وتقريراته صلى الله عليه وسلم الواردة فى هذه الأمور الثلأثة، ولو تتبعنا ما ورد فى الأكل والشرب كمثال لوجدنا منه ما هو واجبه ، وما هو محرم ، وما هو مندوب ، وما هو مكروه
فأحاديث: صيد الكلب ، وحل السمك ،والجراد الميت ، وتحريم كل ذى ناب من السباع ، وكل ذى مخلب من الطير، تحرم أشياء، وتبيح أشياء فكيف لا يكون الرسول صلى الله عليه وسلم فيها مشرعا؟
والله تعالى يقول عنه: {يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث}الأعراف:157.(239/2)
ويقول الآخر: فما دام الرسول كان يجتهد، وما دام هذا الاجتهاد قد شمل الكثير من أنواع المعاملات ، أفلا يجوز لمن يأتى بعده أن يدلى فى الموضوع باجتهاده أيضا؟ هادفا إلى تحقيق المصلحة، ولو أدى اجتهاده إلى غير ما قرره الرسول باجتهاده (3).
وهذه الشبهات من أخطر ما يوجه إلى السنة من تحطيم ، فشبهتهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم بشر من الناس ، وهذا حق ، لكن بشريته لم تلغ رسالته فى وقت من الأوقات فهو بشر رسول في جميع أقواله وأفعاله وأحواله ، إن جعله رسولا فى قول دون قول ، وفي فعل دون فعل؟
يلغى الأمر بالاقتداء به ، وينفى مراقبة الله له فى وقت من الأوقات ، وفى قول من الأقوأل ،وفى فعل من الأفعال.
كيف تفلت بعض أفعال محمد صلى الله عليه وسلم من مراقبة الله ، وكل مؤمن وغير مؤمن مراقب محاسب على ما يفعل ، وهو يزيد عن البشر بالوحى والرؤية فى المنام وفي الإلهام ،وبجبريل -عليه السلام- ومأمور بالاقتداء به فى أفعاله والعمل بأقواله.
لقد حوسب وعوتب على أنه امتنع عن طعام يحبه ، إرضاء لأزواجه ، فنزل فيه قرآن يتلى: {يا أيها النبى لم تحرم ما أحلا لله لك تبتغى مرضات أزواجك}التحريم:1.
ولقد حوسب وعوتب على عوارض انفعالاته ، وتجهم وجهه فى ملاقاة أعمى لا يراه ، ولا يتاثر بعبوسه ، فنزل فيه قرآن يتلى: {عبس وتولى أن جاءه الأعمى}عبس:1-2.
بل لقد عوتب وحوسب على خلجات قلبه ،ودواخل نفسه ، فنزل فيه قرآن يتلى: {وإذ تقول للذى أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفى فى نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه}الأحزاب:37.(239/3)
أليست كل هذه الأفعال قد صدرت بصفته البشرية؟ لكنها خضعت لرقابة الوحى، وتوجيه الوحى، ولكل فعل من أفعال المكلفين حكم عند الله ، لأنه إما أن يكون مرضيا عنه من الله تعالى، وإما أن يكون غير مرضى عنه ، ويستحيل أن يفعل محمد صلى الله عليه وسلم فعلا لا يرضى عنه الله ، وينزل جبريل المرة بعد المرة فلا يعدله ، ولا يوجهه ، فنزول جبريل بعد صدور حكم له صلى الله عليه وسلم أو فعل ، وعدم اعتراضه عليه ، إقرار وتقرير من الله تعالى، وهو شرع لا يسند إلى محمد صلى الله عليه وسلم ولكنه يسند إلى الله تعالى.
وكان الصحابة يؤمنون بذلك ، ويقتدون بأفعاله على أنها شرع الله حتى فيما هو من الأمور البشرية، لبس نعله فى الصلاة ، فلبسوا نعالهم ، فلما خلع نعله لسبب لا يعلمونه ، خلعوا نعالهم ، فلما قضى صلاته ، قال لهم: (ما حملكم على إلقاء نعالكم ، قالوا رأيناك ألقيت نعلك ، فألقينا نعالنا، قال: إن جبريل أتانى فأخبرنى أن فيها قذرا أوأذى)(4) ونزل ضيفا على أبى أيوب الأنصارى، فتكلفوا له طعاما، فيها ثوم ،فكره أكله فتوقف الصحابة عن أكله ، فقال لهم: (كلوا، فإنى لست كأحدكم إنى أخاف أن أوذى صاحبى)(5).
وقدم إليه الضب في طعامه فكره أكله ،فقيل له: أحرام هو؟ قال: (لا ولكن نفسى تعافه ، فأكلوه بعد أن توقفوا)(6).
إن الذين ينفون التشريع عن فعل النبى صلى الله عليه وسلم فى الأكل والشرب يسوون بين أكله وشربه صلى الله عليه وسلم وبين أكل وشرب أبى جهل وأبى لهب ، فالكل عندهم صادر عن الجبلة والعادة والطبيعة والبشرية وما هكذا يفهم الإسلام والله المستعان.
أ.د/موسى شاهين لاشين.(239/4)
السهر
أولاً : لماذا الحديث عن السهر ؟
1- لما فيه من الأضرار والأخطار على الفرد والجماعة .
2- لتصور بعض الشباب حتى وصل الأمر إلى صغار السن أن السهر فخر ورقي .
3- لما حصل فيه من التفريط في رعاية الأسرة والأولاد .
4- ضياع كثير من الطاقات وإهدار الكثير من القدرات .
ثانياً : أسباب السهر .
1- المصالح الدنيوية كالتجارات .
2- المشاكل الصحية له أو لأفراد أسرته .
3- المشاكل العائلة أو الدراسة .
4- المناسبات العائلة أو الزيارات .
5- متابعة القنوات الفضائية .
6- مصالح شرعية كحماية ثغور المسلمين .
7- النوم في النهار كثيراً .
8- السفر .
9- الإجازات الصيفية .
10- غفلة وقلة عناية الكثير من أولياء الأمور بالسؤال عن حال أبنائهم .
11- مجالسة رفقاء السوء .
12- العمل على الشبكة العالمية .
13- ارتفاع حرارة الجو .
14- محاكاة الناس وتقليد الأصدقاء .
ثالثاً : أقسام السهر :
1- السهر في طاعة الله : ولا بد من معرفة قضيتين :
أ ) إذا ترتب على السهر ضياع واجب كتفويت لصلاة الفجر فأنه يأثم .
ب ) قد يلبس الشيطان على كثير من الصالحين أن سهرهم من أجل طاعة الله فيسهر لمعالجة قضية من قضايا .
والسهر في طاعة الله أنواع :
- السهر لمتابعة مصالح المسلمين .
- السهر في طلب العلم .
- السمر مع الضيف .
- السهر للمرابطة في الثغور .
2- السهر المباح أو فيما مباح .
3- السهر في معصية الله .
رابعاً : آثار السهر وأضراره .
1- مخالف أمر الني - صلى الله عليه وسلم - الذي نهى عن الحديث بعد العشاء لغير فائدة .
2- إضاعة صلاة الفجر وتفويتها .
3- إهمال المنزل وأهلة .
4- التفريط في الأداء الوظيفي أو الحضور المدرسي .
5- السهر يخالف السنن الإلهية .
6- السهر وأضراره على صحة الإنسان وهي متنوعة ومنها :
أ ) سوء التغذية .
ب ) أضرار نفسية .
ت ) أضرار على ذاكرة الإنسان والجهاز العصبي .
ث ) أضراره في نمو الإنسان وتكامل بنيته .(240/1)
7- السهر من أسباب الحوادث .
8- السهر نزيف اقتصادي
خامساً : أقول من هدي السلف .
سادساً : احذر ممنوع الاقتراب وممن الأمكنة الممنوعة :
1- مقاهي الشيشة والجراك .
2- مقاهي الإنترنت .
3- المنتزهات العائلية لما فيها من الاختلاط .
4- الأسواق والمجمعات التجارية .
5- المهرجانات الغنائية .
6- الاستراحات التي يوجد بها الدش .
7- الملاهي .
سابعاً : السهر في رمضان .
ثامناً : ما الحل ؟ هناك عده أمور منها :
1- شعورك بالذنب .
2- تذكر عواقب السهر وأضراره .
3- تذكر ثمرات النوم المبكر وما يعيشه صاحبه من نشاط .
4- تذكر هدى المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وأنه كان ينام مبكرا إلا من حاجة .
5- الزواج .
6- تجنب النوم نهاراً .
7- مجاهدة النفس في النوم مبكراً .
8- الجد بقدر المستطاع من عدم قبول الدعوة ليلا .
9- قراءة الكتب النافعة قبل النوم .
10- الابتعاد قدر الإمكان عن تناول الوجبات الدسمة قبل النوم .
11- محاولة الإنسان نسيان المشاكل عند النوم .
12- التعود على الاستيقاظ المبكر .
13- الابتعاد عن الاسباب الجالبة للسهر كالقنوات الفضائية .
14- المطالبة بإغلاق المحلات والمنتزهات في وقت مبكر.
تاسعاً : أي الفريقين أحب الله ؟
المرجع: السهر أسبابه وأقسامه - محمد الهبدان - دار القاسم .(240/2)
#السورة
لغة: المنزلة، وقيل: مخصوصة بالرفعة (الدرجة) والسورة من البناء: ما طال وحسن ،وقيل: هى العلامة كما فى مختار الصحاح (1).
واصطلاحا: قرآن يشتمل على آى ذوات فاتحة وخاتمة، وأقلها: ثلاث آيات وهى سورة الكوثر، وقيل: الطائفة المسماة باسم خاص بتوقيف من النبى صلى الله عليه وسلم.
والسورة تشتمل على آيات ، والآية: قرآن مركب من جمل ولو تقديرا، ذو مبدء ومقطع ، مندرج فى سورة، وأصلها العلامة، ومنه قوله تعالى: {إن آية ملكه}البقرة:248 ، لأنها علامة للفضل والصدق ، أو الجماعة لأنها جماعة كلمة.
وقيل السورة: هى طائفة من القرآن ، منقطعة عما قبلها وما بعدها،ليس بينها شبه بما سواها.
والحكمة فى تقطيع القرآن سورا هى الحكمة ذاتها فى تقطيع السور آيات معدودات ، لكل آية حد ومطلع ، حتى تكون كل سورة، بل كل آية فنا مستقلا وقرآنا معتبرا.
وسورت السور طوالا وقصارا وأوساطا: تنبيها على أن الطول ليس من شرط الإعجاز، بل قصارها كطوالها ، ولهذا -أيضا- حكمة فى التدرج فى تعليم الصبيان القرآن الكريم.
وسور القرآن قد يكون لها اسم واحد وهو الأكثر، وقد يكون لها اسمان: كسورة البقرة فانه يقال لها: فسطاط القرآن لعظمها وبهائها ، وآل عمران يقال لها فى التوراة: طيبة، والنحل تسمى سورة النعم لما عدد الله فيها من النعم على عبادء، والجاثية تسمى الشريعة، ومحمد تسمى القتال.
وقد يكون لها ثلاثة أسماء: كالمائدة فإنها تسمى العقود والمنفذة، وكغافر فتسمى الطول والمؤمن.
وقد يكون لها أكثر من ذلك: كسورة براءة فهى التوبة، والفاضحة، والحافرة لأنها حفرت عن قلوب المنافقين ، والعذاب ، والمشقشقة، والمبعثرة، وكسورة الفاتحة فإنها: أم الكتاب ، وأم القرآن ، والسبع المثانىء والحمد، وقد ذكر لها بضعة وعشرون اسما.(241/1)
واختصاص كل سورة بما سميت به مقصود: فالعرب تراعى فى الكثير من المسميات أخذ أسمائها من نادر أو مستغرب يكون فى الشىء من خلق أو صفة تخصه ،أو تكون معه أحكم أو أكثر أو أسبق لإدراك الرائى للمسمى وعلى ذلك جرت أسماء سور الكتاب العزيز كتسمية سورة البقرة بهذا الاسم ، لقرينة ذكر قصة البقرة المذكورة فيها ، وسورة النساء سميت بذلك لما تردد فيها من كثير من أحكام النساء، وتسمية سورة الأنعام لما ورد فيها من تفصيل أحوالها، وهكذا فى بقية السور.
وعدد سور القرآن الكريم أربع عشرة ومائة سورة، افتتحها سبحانه وتعالي بعشرة أنواع من الكلام ، لا يخرج شىء من السور عنها ، وهى:
1- الاستفتاح بالثناء، مثل: الحمد لله ،وتبارك ، وسبحان ، وسبح ، ويسبح لله.
2- الاستفتاح بحروف التهجى: مثل الم ،المص ، الر، وذلك فى ست وعشرين سورة.
3- الاستفتاح بالنداء، وذلك فى عشرين سورة، مثل: مفتتح النساء، والمائدة والأحزاب.
4- الاستفتاح بالجمل الخبرية، فى ثلاث وعشرين سورة، مثل ، مفتتح النحل والأنبياء.
5- الاستفتاح بالقسم ، وذلك فى خمس عشرة سورة، مثل: مفتتح الضحى والليل والشمس.
6- الاستفتاح بالشرط ، فى سبع سور، مثل: مفتتح التكوير والانفطار والانشقاق.
7- الاستفتاح بالأمر، فى ست سور، مثل: مفتتح الجن والأعلى والإخلاص والمعوذتين.
8- الاستفتاح بالاستفهام ، فى ست سور، مثل: الإنسان والنبأ والغاشية والفيل.
9- الاستفتاح بالدعاء، فى ثلاث سور وهى المطففين ، والهمزة، والمسد.
10- الاستفتاح بالتعليل ، فى موضع واحد ، لإيلاف قريش.
وهذه الافتتاحات فيها من الحسن وبراعة الاستهلال ما فيها.
وخواتم السور مثل فواتحها فى الحسن ، لأنها آخر ما يقرع الأسماع ، ولهذا تضمنت جملة من المعانى البديعة مع إيذان السامع بانتهاء الكلام حتى يرتفع معه تشوف النفس إلى ما يذكر بعد.(241/2)
ومن أوضحه خاتمة سورة إبراهيم {هذا بلاغ للناس ولينذروا به..}(آية 52) والأحقاف {بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون}(آية35) وأول سورة نزلت فى القرآن "اقرأ" ثم "نوح"، وآخرما نزل {إذا جاء نصرالله والفتح}النصر:1.
وكل سور القرآن الكريم بدأت بالبسملة إلا سورة التوبة، وسورة النمل بدأت بالبسملة ووجدت البسملة فى آية منها فى قوله تعالى: {إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم}النمل:30.
أ.د/عبدالصبور مرزوق(241/3)
#السياسة
لغة: مصدرللفعل "ساس" أى رأس وقاد، والسياسة: القيام على الشىء بما يصلحه... والوالى يسوس رعيته ، كما فى اللسان(1). وسست الرعية سياسة، أى ملكت أمرهم ، كما فى الصحاح (2). وفى الحديث الشريف: "كان بنو إسرائيل يسوسهم أنبياؤهم " أى يتولون أمورهم كما يفعل الأمراء، الولاة بالرعية.
والمعنى الاصطلاحى للسياسة حتى اليوم يتفق وتدبير أمور الرعية فى الداخل والخارج ، وفى التوصيف الغربى(3) فإن السياسة هى مجموعة القرارات المترابطة المتفق عليها بقصد التوصل إلى نتائج وأهداف محددة على المستوى العام أو المستوى الشخصى.
وينظر إلى السياسة غالبا باعتبارها تمثل التعامل والتفاعل بين الأفراد والعوامل ، التى تحدث نتيجة تحديد المواقع والمصالح ، التى يمكن تحقيقها والقرارات المصاحبة لذلك ،إلا أن اللفظ اتخذ فى الإسلام طابعا دينيا ، إذ أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن صاحب رسالة دينية فقط إنما كان رئيسا للجماعة الإسلامية الناشئة، التى وضع أساسها بمقتضى الصحيفة التى آخى فيها بين المهاجرين والأنصار، والتى يمكن أن يطلق عليها "دستور المدينة" إذ تضمنت تنظيما واضحا للعلاقات بين أعضاء المجتمع الإسلامى، بينهم ورياسة هذه الجماعة، وبينهم وبين من يخالفونهم فى الدين.
وتعتبر الصحيفة نقلة نوعية من المنظور السياسى ، حيث تضمنت من المعانى-على خلفية عالميةالإسلام- عناصر بالغة الدلالة من حيث العلاقات الدولية، فقد تضمنت إطارا لدول متعاونة على كل ما عرف خيره تتحمل مسئوليتها فرادى وجماعات فى عمارة الأرض (4) وعدم الإفساد وأنه لا إكراه فى الدين ، وبرّ من يخالفنا ما لم يعتد علينا فى ديارنا أو ديننا، وأن الخلق كلهم عيال الله ، وأن الحوار والتفاوض فى السياسة أمران واردان.(242/1)
وجاء ذلك فى إطار ما حفل به القرآن الكريم من معان سامية ينبغى أن تسود البشر لإصلاح أمورهم فى دنياهم وأخراهم ، بما فى ذلك تأكيده على قيم العدل والمساواة والتعاون والسلام بين البشر -وهى قيم ينبغى أن تكون لها السيادة فى العلاقات السياسية الدولية- أتى بها الإسلام وسبق غيره بقرون عديدة.
وعالمية الإسلام تكسب التوجهات الإسلامية بعدها العالمى {تبارك الذى نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا}الفرقان:1 ، وقد أمر الإسلام بالتعايش والتعارف {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا}الحجرات:13 ، وأمر بالعدل {ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى}المائدة:8.
ويعتبر الإسلام أن السلام هو السياسة الإسلامية الأصيلة التى تمارس داخل المجتمع الاسلامى فى علاقاته مع مخالفيه (5) وهو يفرق فى هذا الصدد بين الذين يسالمون المسلمين والذين يقاتلونهم ، والاختلاف ليس سبيلا للحرب بل إنه كامن فى طبيعة الحياة، والسلام لا يعنى الاستسلام للمعتدين ، وحتى فى حالة الحرب فلها سياستها وآدابها، والإسلام يدعو إلى التعايش والحوار كمنهاج لممارسة السياسة، وفى ظلها تنمو العلاقات السياسية والاقتصادية وغيرها من أوجه العلاقات التى تتم فى إطار السياسة الدولية.
أما التنافس والتدافع فى المصالح والأمور السياسية فلا يعنى بالضرورة تصارعا وقتالا، إنما يعتبر ذلك من سنن الحياة التى تحقق التوازن والتداول فى إطار الفهم السليم لمقاصد الشريعة {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزير}الحج:40.
وقد عرف النظام الإسلامى أسلوب كتابة المعاهدات ، وسبق اتفاقيات جنيف التى عقدت عام 1949م فى حماية ضحايا الحرب وأسراها ، وحظر أعمال الثأر والانتقام ضد العدو.(242/2)
ولقد كان إنشاء الدولة الإسلامية فى المدينة، وامتداد نفوذها بالتدريج فى معظم أجزاء شبه جزيرة العرب فى حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ثمرة مجهودات كبيرة حربية وتشريعية وسياسية، وكانت حصيلة النشاط السياسى والدبلوماسى مجموعة كبيرة من الرسائل والصكوك والمعاهدات التى تحدد العلاقات السياسية على أسانيدها من القرآن والسنة النبوية.
السفير/نبيل محمد بدر(242/3)
#السَّرْمَد
لغة: هو الدائم الذى لا ينقطع.
اصطلاحا: هو"ما لا أول له ولا آخر" (التعريفات للجرجانى)، أو هو الدائم والطويل من الليالى كما جاء فى معلقة طرفة ابن العبد:
لعمرك ما أمرى على بغمة * نهارى ولا ليلى على بسرمد.
وقد ورد هذا اللفظ مرتين في القرآن الكريم بذات المعنى في قوله تعالى: {قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل الي سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون. قل ما أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون}القصص:71-72 0
ويجتمع فى لفظ السرمد معنيان: الأزل والأبد. فالأول ما لا بداية له ، أوكما يعرفه الي الفلاسفة "الوجود فى أزمنة مقدرة غير متناهية فى جانب الماضى". أما الأبد فهو: "الوجود فى أزمنة مقدرة غير متناهية فى جانب المستقبل" والشىء الذى يوصف باللانهائية فى المستقبل يسمى "السرمد". منسوبا إلى الأشياء مع مفهوم "السرمد" مع مفهوم "القدم" الذى لا ينسب إلا لله عز وجل حسب مذهب المعتزلة، ونتج عن تماديهم ومبالغتهم فى هذا المذهب كثير من المشكلات الكلامية والفلسفية، ومنها مسألة خلق القرآن أو "كلام الله المخلوق" (انظر مادة الصفات).(243/1)
أما المعنى الذى يفهم من تفسير الآيتين الكريمتين من سورة القصص (71-72) فلا يتضمن معنى الأزلية أى اللابداية، بل أكثر ما يفهم منها هو معنى اللانهاية، لأنه لوكان المقصود أن يجعل الله الليل أو النهار أزليا أبديا لما عرف الناس غير الليل أو النهار، ولما عرفوا الفرق بينهما ولا الحكمه من اختلافهما، بل لأصبحوا يخافون اختلاف الليل والنهار الذى جعله الله آية من آياته الكبرى.كما جاء فى قوله تعالى {إن فى خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التى تجرى فى البحر بما ينفع الناس. لآيات لقوم يعقلون}البقرة:164 ، فلا يتم المعنى المقصود فى آيتى سورة القصص إلا إذا كان الإنسان يعرف فوائد الليل وفوائد النهار فيكون فى انعدامها ضياع لهذه الفوائد. بهذا المفهوم يقترب معنى "السرمد" من معنى كل من "الأبد" والخلود (انظر هاتين المادتين) اللذين يتضمنان معنى بداية الأمر- لا ينتهى فى الزمان.
أ.د/السيد محمد الشاهد(243/2)
#السَّلف
لغة: السلف هو الماضى، وهو كل من تقدم.
اصطلاحا: هو العصر الذهبى الذى يمثل نقاء الفهم والتطبيق للمرجعية الفكرية والدينية، قبل ظهور المذاهب التى وفدت بعد الفتوحات وأدخلت الفلسفات غير الإسلامية على فهم السلف الصالح للإسلام ، والسلف أيضا هو كل عمل صالح قدمه الإنسان.
وفى القرآن الكريم يرد مصطلح السلف بمعنى: الماضى، {فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف}البقرة:275.
{ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف}النساء:22.
هذا المعنى نجده فى الحديث النبوى الشريف ، ففى مسند الإمام أحمد، عن فاطمة الزهراء، رضى الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال لها فى مرض موته: (...ولا أراه إلا قد حضر أجلى... إنك أول أهل بيتى لحوقا بى، ونعم السلف أنا لك) وعن ابن عباس رضى الله عنهما لما ماتت زينب ، ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال رسول الله: (الحقى بسلفنا الصالح الخير عثمان بن مظعون).
والسلف فى اصطلاح المال والتجارة، هو: إقراض الأموال قرضا حسنا ، أى لا منفعة فيه للمقرض بالدنيا... وبهذا المعنى ورد فى الحديث النبوى، فعن السائب بن أبى السائبه انه كان يشارك رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام ، فى التجارة فلما كان يوم الفتح جاء فقال النبى صلى الله عليه وسلم: (مرحبا بأخى وشريكى -كان لا يدارى ولا يمارى- يا سائب قد كنت تعمل أعمالا فى الجاهلية لا تقبل منك ، وهى اليوم تقبل منك كان ذا سلفا وصلة}(رواه الإمام أحمد).(244/1)
ولما كان كل ماض هو سلف ، فلقد شاع إطلاقا هذا المصطلح معرفا -السلف- على الجيل المؤسس الذى أقام الدين وطبق منهاج الإسلام جيل الصحابة الذين عاشوا بمصر فقد تنزل الوحى فيهم ، وتلقوا عن المعصوم صلى الله عليه وسلم البيان النبوى للبلاغ القرآنى، وحولوا جميع ذلك إلى واقع حياتى معين فعدوا لذلك السلف الصالح ، بتعميم وإطلاق... ثم انضم إليهم فى زمرة السلف من اهتدى بهديهم وعمل بسنتهم من التابعين وتابع التابعين ، فالسلف: هو كل من يقلد ويقتدى أثره فى الدين.
وبعد السلف والتابعين والأئمة العظام للمذاهب الكبرى من تابعى التابعين ، يأتى الخلف الذين يلونهم فى التسلسل الزمنى... وبعد الخلف تأتى أجيال المتأخرين.
أ.د/محمد عمارة(244/2)
#السِّحْر
لغة: يقال: سحره: خدعه (أى عمل له السحر) أو استماله وفتنه وسلب لبه ، وسحره عن كذا: صرفه وأبعده ، وجمع السحر أسحار ، وسحور، وصفة المذكر: ساحر والجمع سحرة وسحار، قال الأزهرى: وأصل السحر: صرف الشىء عن حقيقته إلى غيره ،فكأن الساحر لما رأى الباطل فى صورة الحق ،وخيل الشىء على غير حقيقته - قد سحر الشىء عن وجهه ، أى صرفه(1).
واصطلاحا: عمل يتقرب فيه إلى الشيطان وبمعونة منه ، وهو كل عمل لطف مأخذه ودق ، وكل أمر يخفى سببه ويتخيل على نكير حقيقته ويجرى مجرى التمويه والخداع.
ولقد دأب الإنسان منذ فجر التاريخ على ممارسة السحر باعتباره وسيلة للسيطرة على الطبيعة، مثل: إسقاط الأمطار، أو حدوث التحاريق ، أو إثارة الريح والزوابع ، أو كسبب فى الأمراض والحوادث المميتة التى تصيب الإنسان والزرع والضرع ، ولذا قد شاع بين المجتمعات الوثنية، كما انتشر فى المجتمعات التى تدين بالأديان السماوية.
وكان موقف الكنيسة من السحرة متأرجحا، فقد تشددت فى محاربتهم فى بادىء الأمر، وعملت كل ما تستطيع لإبطال مفعول السحر السئ والشرير، إذ أصدرت فى أواخر القرن التاسع الميلادى قرارا بتوقيع الحرمان الكنسى على السحرة، إلا أنها كانت أقل تشددا فى الفترة بين (1258-1260م)
حيث نصح البابا "ألكسندر الرابع" بعض المحققين فى محاكم التفتيش أن يبذلوا قصارى جهدهم فى اكتشاف الهرطقة والضرب عليها من حديد، مع ضبط النفس فى حالة السحرة، ثم عادت الكنيسة إلى اتخاذ موقف من السحرة أكثر تشددا فى عام 1948م عندما أدخل البابا "أنسونت الثامن" تعديلات على الموقف البابوى المتساهل تجاه السحرة، وأصدرت تعليمات مشددة إلى محاكم التفتيش بألا تأخذهم أدنى شفقة أو رحمة بهم.(245/1)
ويعتبر السحر من الموبقات السبع التى حذر الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين من الاقتراب منها، حيث أمر باجتنابها فى قوله صلى الله عليه وسلم (اجتنبوا الموبقات السبع ، قيل: يا رسول الله وما هن؟ قال (الشرك بالله ، والسحر وقتل النفس التى حرم الله إلا بالحق ، وأكل مال اليتيم ،وأكل الربا، والتولى يوم الزحف ،وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) رواه مسلم(2).
وقد جاء فى الروايات أن حده القتل ، لقوله صلى الله عليه وسلم (حد الساحر ضربة بالسيف) رواه الترمذى (3)، ويرى الشافعى أن الساحر يقتل إذا كان يعمل فى سحره ما يبلغ به الكفر، فإذا عمل عملا دون الكفر فلا يقتل.
وليس السحر سوى محض تمويه ، بدليل قوله تعالى {فلما ألقوا سحروا أعين الناس}الأعراف:116 ، إذ قال المفسرون لو كان السحر حقا، لكانوا قد سحروا قلوبهم لا أعينهم ، فثبت أن المراد: أنهم تخيلوا أحوالا عجيبة مع أن الأمر فى الحقيقة ما كان على وفق ما تخيلوا ، ذلك أن السحرة أتوا بالحبال والعصى، ولطخوا تلك الحبال بالزئبق ،وجعلوا الزئبق فى دواخل تلك العصى، فلما أثر تسخين الشمس فيها تحركت والتوت بعضها على بعض -وكانت كثيرة جدا - تخيل الناس أنها تتحرك وتتلوى باختيارها وقدرتها.
أ.د/محمد شامة(245/2)
#الشباب
الشباب
مقدمة:
· قد يقوم البعض منا بأعمال يكون دافعه لها الشهوة المجردة دون التفكير المتعقل لعواقبها.
· من ذلك ما يقوم به المعاكس للنساء.
نقاط مهمة:
1. إن الفتاة التي تعاكسها هي من أفراد مجتمعك ويعني ذلك أنك تساهم في إفساده إرضاء لشهوتك وكان من المفترض ـ وأنت ابن الإسلام ـ أن تسهم في إصلاحه. فهل ترضى لمجتمعك وفتياته الفساد؟!
2. إن الفتاة التي تعاكسها بها للفاحشة إنما هي في المستقبل إن لم تكن زوجة لك فهي زوجة لقريبك أو لأحد من المسلمين وكذلك الفتاة التي عاكسها غيرك وساهم في إفسادها قد يبتليك الله بها عقوبة لك في الدنيا قال تعالى {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } [النور:26].
3. إن فساد النساء يعني فساد المجتمع وقد يبدأ من شخصك أو مما تساهم في تنشيطه وينتهي في المستقبل مع قريباتك ومن أفسدتها اليوم أنت أو غيرك قد تكون صديقة لزوجتك أو أختك أو قريبتك ويقمن بإفسادها ودلالتها على طريق الغواية.. فهن جزء لا يتجزأ من مجتمعك وقد حذر نبيك من مغبة الأمر فقال صلى الله عليه وسلم: { فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء } [رواه مسلم].(246/1)
4. إن كانت الفتاة ترضى أن ترتبط معك في علاقة محرمة فما ذنب أهلها بتدنيسك لعرضهم؟ ثم هل طواعيتها لك عذر مقبول لاعتدائك؟! بمعنى آخر لو أن أحدا من الناس بنى علاقة غير مشروعة مع أحد قريباتك ثم اكتشفت ذلك فهل يكفيك عذراً أن يقول لك من هتك عرضك: هي التي دعتني لذلك لتغفر له خطيئته؟ وأسوق لك حديث الشاب الذي جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال له: { ائذن لي في الزنا فقال : أتحبه لأمك لابنتك لزوجتك لعمتك لخالتك، وكان يقول: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك فقال : ولا الناس يحبونه لبناتهم وأخواتهم وعماتهم وخالاتهم، أو كما قال } [رواه أحمد عن أبي أمامة].
5. لو خيرت بين الموت أو أن يهتك عرضك ماذا تختار؟ إذا كيف ترضى لنفسك الوقوع في محارم الناس؟! قال الرسول صلى الله عليه وسلم :{ من قتل دون أهله فهو شهيد } [رواه أحمد وأبو داود والنسائي وهو صحيح].
6. ما هو الشعور الذي ينتابك وأنت تعيش في مجتمع خنته وهتكت محارمه وأفسدت نسائه؟
7. هل يكفيك من الفاحشة أن تقوم بها مرة ـ مرتين ـ ثلاث أم أن الشيطان يريد لك الهلاك؟ فالأمر لا يتوقف وهو مسلسل سقوط خطير في دنياك وآخرتك قال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ } فاطر:6.
8. سمعت عن القول المأثور ( الجزاء من جنس العمل ) فهل أنت مستعد أن تبتلى في عرضك الآن أو حتى بعد حين مقابل التنفيس عن شهواتك؟ قد تقول: أتوب قبل أن أتزوج أو أرزق بنتا ! فأسألك: هل تضمن أن الله يقبل توبتك ولا يبتليك؟! قال تعالى {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ } [الشورى:40]. واعلم أن الذئاب كثير ولك أم وأخت وزوجة وبنت وابنة عم وابنة خال.. فاحذر وانتبه !
قال الشافعي رحمه الله:(246/2)
عفوا تعف نساؤكم في المحرم *** وتجنبوا ما لا يليق بمسلم
إن الزنى دين فإن أقرضته *** كان الوفاء بأهل بيتك فاعلم
9. إذا صنف الناس إلى صنفين: مصلحين ومفسدين فأين تصنف نفسك؟ وقد نهى الله عز وجل عن الفساد قال تعالى: {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ } [الأعراف:56].
10. ما هو شعورك وأنت تفعل الفاحشة بزانية يدخل عليك والداك وإخوانك وكل صديق يثق بك ويحبك وكل عدو يود أن يشمت بك ثم الناس كلهم ويرونك على هذه الحال بل ما هو موقفك وأنت بعيد عن أعينهم في مأمن لكن عين الله تراك؟ وهل تذكرت وقوفك بين يدي الله في أرض المحشر عندما { ينصب لكل غادر لواء فيقال: هذه غدرة فلان } كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري.
11. إن كنت ذكيا وحاذقا واستطعت بذكائك التلاعب بأعراض المسلمين دون أن يكتشف أمرك فما هو موقفك من قول الله تعالى {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ } [إبراهيم:42].
12. هل تظن أن ستر الله عليك في هذا العمل كرامة؟ لا بل قد يكون استدراجا لك لتموت على هذا العمل وتلاقي الله به، قال صلى الله عليه وسلم { إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته } [رواه البخاري ومسلم]، { ومن مات على شيء بعثه الله عليه } [السلسلة الصحيحة:1/ 282].
13. ثم لنفترض أن الله ستر عليك، أفلا تستحي منه وتتوب، وإلى متى وأنت تفعل الذنوب؟!(246/3)
14. نهاية طريق حياتك {وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} [البقرة:281]، فهل تستطيع أن تشذ عن الخلق وتغير هذا الطريق؟! إذا لماذا لا تستعد للموت وما بعده والقبر وظلمته والصراط وزلته !؟! واعلم أنك تموت وحدك، وتبعث وحدك، وتحاسب وحدك.
15. روى البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { إنه أتاني الليلة آتيان وإنهما قالا لي انطلق ـ وذكر الحديث حتى قال: فأتينا على مثل التنور فإذا فيه لغط وأصوات فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا } فلما سأل عنهم الملائكة قالوا: { وأما الرجال والنساء العراة الذين هم في مثل بناء التنور فإنهم الزناة والزواني }. فهل تود أيها الشاب أن تكون منهم؟!
16. قد تقول لا أستطيع الزواج لغلاء المهور فهل الحل الوقوع في الحرام؟! ثم إن سلوكك طريق الحرام تواجهك فيه مصاعب وتسعى جاداً لتذليلها بجهدك ومالك وفكرك وأنت مأزور غير مأجور فلماذا لا تكون لك هذه الهمة في طريق الحلال فتواجه الصعوبات، وأنت مأجور لك الأجر وحسن المثوبة والذكر الحسن؟ قال صلى الله عليه وسلم : { ثلاث حق على الله عونهم ـ ذكر منهم ـ الناكح يريد العفاف } [أخرجه الترمذي والنسائي وحسنه الألباني].
17. إن ممارسة الشيء والاستمرار عليه مدعاة لحبه والدعوة إليه فيخشى على من داوم فعل هذه الفاحشة أن يستسيغها حتى في أهله بعد حين فيصبح ديوثا والعياذ بالله من ذلك.(246/4)
18. قد تكون المرأة التي بدأت معها علاقة غير مشروعة عن طريق الهاتف متزوجة وفي لحظة ضعف أو غياب وعي استرسلت معك في الحديث ثم قمت بالتسجيل كالعادة ثم بدأت بتهديدها.. الخ، هل تعلم أنك بهذا العمل قد ارتكبت جريمة شنعاء؟!! ليس في حق المرأة فقط بل وفي حق زوجها الذي أفسدت عليه زوجته والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: { ليس منا من خبب ـ أفسد ـ امرأة على زوجها } [رواه أبو داود]، ثم في حق أطفالها إن كان لديها أطفال فما ذنبهم أن يدنس عرضهم ويفرق بين أبويهم وقد يكون ذلك أيضا سبباً في ضياعهم وانحرافهم. والمسئول عن ذلك كله هو أنت فما هو عذرك أمام الله؟
خاتمة:
· لا تكن ممن قال الله فيهم: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ } [البقرة:206]، ولكن عد إلى الله واعلم أن التوبة تَجُب ما قبلها واسع إلى االتوبة النصوح قبل أن توسد في قبرك وتحصى عليك أعمالك.
· قال تعالى: {فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [المائدة:39].
· وقال تعالى {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } الزمر53 .
· اغتنم شبابك قبل هرمك وحياتك قبل موتك.
المرجع: أيها الشاب الفطن-دار القاسم.(246/5)
#الشركات
لغة: هى عقد بين اثنين أو أكثر للقيام بعمل مشترك ، وهو معنى قريب من المعنى الاصطلاحى فى القانون التجارى، وفى الشريعة الإسلامية(لسان العرب).
واصطلاحا: اتفاق بين اثنين أو أكثر بقصد القيام بنشاط اقتصادى معين ابتغاء الربح.
و يشجع الإسلام قيام الشركات ، فيقول رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم (أنا مع الشريكين ما لم يختلفا) كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أسهم كشريك فى نوع معين من الشركات ، هو شركة المضاربة حيث قدمت السيدة خديجة رضى الله عنها مالا، وقدم هو عمله فى هذه الشركة، ولازال هذا النشاط يعد من أهم الأنشطة للشركات الآن ، ومن تطبيقاته: شركات المزارعة، وشركات الاستصناع ، كذلك فهو نظام شائع فى التجارة بمختلف فروعها فى الدول الإسلامية، وغير الإسلامية على السواء.
هذا ويحفل الفقه الإسلامى بدراسات تتصل بمجموعات الشركات ، ومن أهم الشركات التى اهتم بها الفقه الإسلامى:
- شركات الأعمال:
وهى شركات تقوم بين أصحاب المهن المتماثلة أو المتكاملة لأداء الأعمال للمهن التى يحترفونها ، وهى شركات قامت أساسا للحفاظ على تقاليد المهن الراسخة، ومنع الدخلاء الذين لا يحترمون هذه التقاليد.
- شركات الذمم:
وتتميز هذه الشركات بأن الشركاء فيها لا يدفعون رأس مال وتقوم أساسا على شراء سلع بالأجل يتجرون فيها جميعا، ثم يقتسمون الربح بنسبة ما يتحمله كل منهم فى ثمن السلع المشتراة.
- شركات القراض:
وهى تجمع شخصا أو أشخاصا يقدمون رؤوس أموال ، بالإضافة إلى لشخص أو أشخاص يقدمون العمل ، ويقوم أصحاب الحصص بنشاط اقتصادى واحد أو متعدد حسب الاتفاق ، ويوزعون الربح بينهم حسب الاتفاق.
وهى نوع من شركات المضاربة.
كما يشجع الإسلام قيام أية شركات أخرى لتنفيذ تعاليم الإسلام فى تشجيع المبادرات الفردية على العمل والإنتاج لتكوين المؤمن القوى القادر، وذلك طالما توافرت لها الشروط الآتية:(247/1)
1- عدم التعامل فى أى أشياء محرمة مثل الاتجار فى الخمر أو فى لحوم الخنزير أو فى اللحوم غير المذبوحة وفقا للشريعة.
2- عدم التعامل بالفائدة أخذ أو عطاء؛ لذا فمن المتفق عليه ضرورة إلغاء أحكام الفائدة من نماذج إقامة الشركات التى تصدرها بعض الدول ، وكذلك شطب القانون المنظم لاصدار السندات ، لأن السند دين على الشركة يتم الوفاء به بعد مدة مع سداد فوائد منصوص عليها فيها.
3- أن يؤدى قيام الشركة إلى تعظيم الإنتاج وزيادة الموارد؟ لأن فلسفة الشركة هى القيام بأعمال مفيدة يعجز عنها الفرد العادى، أو ضم جهود متعددة إلى بعضها البعض فينتج من هذا الضم القيام بأعمال ضخمة.
والمثال النموذجى لذلك هو شركات المساهمة التى تقوم على تجميع الأموال أساسا من عدد كبير من الأشخاص فى أسواق المال ، ويختار أصحاب الأسهم من يقومون بإدارة الشركة ويراقبون أعمالهم ،ويملكون تغييرهم.
أما الشركات ذات المسئولية المحدودة، فتختلف عن شركات المساهمة فى انها لا تصدر أسهما، وإنما تتم المشاركة عن طريق حصص يساهم فيها الأشخاص وغير قابلة للتداولة مثل الأسهم ، كما تحدد قوانين مختلف الدول حدا أدنى لرأس المال وحدا أقصى لعدد الشركاء فى هذا النوع من الشركات.
كذلك توجد "شركات أشخاص " يعتبر عامل الشخص هو الأساس فيها، منها شركات التضامن ، وشركات التوصية البسيطة ، وشركات التوصية بالأسهم ، ورؤوس أموالها تكون بسيطة فى الغالب ، كما أن وفاة أى شريك أو خروجه من الشركة ينهيها.
د/جعفر عبد السلام(247/2)
#الشريعة
لغة: الموضع الذى ينحدر إلى الماء منه ، كما فى اللسان (1).
واصطلاحا: ما شرعه الله لعباده من الدين ، مثل الصوم والصلاة والحج.. وغير ذلك ، وإنما سمى شريعة لأنه يقصد ويلجأ إليه ،كما يلجأ إلى الماء عند العطش ،ومنه قوله تعالى: {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها}الجاثية:18 ، وقوله تعالى {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا}المائدة:48 والشرع والتشريع هو ما يسن من الأحكام (2).
والشرائع السماوية تستمد أحكامها من عدة مصادرة فالشريعة الموسوية تستمد أحكامها أساسا من كتاب الله تعالى المنزل على سيدنا موسى بن عمران عليه السلام والمسمى بالتوراة، ثم زاد علماؤهم ما كتبه رجال الدين اليهوديى على امتداد قرون متطاولة، والذى جمع فيما بعد فيما سمى بالتلمود، على الرغم من اعتراضات كثيرة حوله.
كما أن الشريعة العيسوية تستمد أكامها من كتابى الإنجيل والتوراة معا.
أما الشريعة الإسلامية، فإنها تستمد أحكامها من القرآن الكريم ، ومن السنة النبوية الشريفة، ومن إجماع العلماء على حكم من الأحكام فى عصر من العصور بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم ؛ مثل الإجماع على مبايعة أبى بكر الصديق رضى الله عنه بالخلافة، ومن القياس فى إثباته حكم فرعى قياسا على حكم أصلى لعلة جامعة بينهما؛ مثل إثبات جريمة إتلاف مال اليتيم بالحرق قياسا على حرمة إتلافه بالأكل ، الثابت بالقرآن الكريم ؛ بجامع الإتلاف فى كل.
بالإضافة إلى مجموعة من الأدلة المختلف فيها مثل: الاستحسان ، والمصالح المرسلة، وسد الذرائع ، والبراءة الأصلية، والعرف المستقر، وقول الصحابى؛ حيث لم يخالف نصا شرعيا، ولم يوجد ما يخالفه من قول صحابى آخر، وشرع من قبلنا؛ إذا لم يرد فى شرعنا ما ينسخه (3).
وقد أجمع العلماء على أن الشرائع السماوية متفقة على أمرين:(248/1)
1- الأمور الاعتقادية، من حيث الإقرار بوجود إله خالق رازق محى مميت موجد لهذا العالم ، وواضع لنواميسه ، ومرسل للرسل وما يحملون من شرائع.
2- الدعوة إلى مكارم الأخلاق ، مثل الوفاء بالعهود والعقود، والإخلاص فى الأقوال والأفعال ، وأداء الأمانات.. وغير ذلك مما تدعوا إليه هذه الشرائع.
لكنها تختلف من حيث الأحكام العملية فى العبادات، والمعاملات ، والأقضية
والشهادات ، وجزاء الجنايات ، ونظم المواريث ؛ فلكل شريعة أحكامها الخاصة بها(4).
ومن خصائص الشريعة الإسلامية أنها:
1- إلهية المصدر.
2- محفوظة عن التبديل والتغير.
3- شاملة لكل شئون الحياة ، حيث تعايش الإنسان جنينا ، وطفلا، وشابا ، وشيخا ، ثم تكرمه ميتا ، وتنظم انتقال تركته إلى من بعده.
4- حاكمة على كل تصرف من تصرفات الإنسان فى هذه المراحل كلها ، بالوجوب ، أو الحرمة، أو الكراهة، أو الندب ، أو الاباحة، وفى كل مجالات الحياة من عملية ، وعقائدية ، وأخلاقية.
5- واقعية ، حيث راعت كل جوانب الإنسان البدنية، والروحية الفردية، والجماعية، كما راعت التدرج فى مجال التربية.
6- صلاحيتها لكل زمان ومكان.
ومن أهدافها: حفظ الضروات الخمس ، وهى: الدين ، والنفس ، والعقل ، والنسل ، والمال إلى جانب مراعاتها رفع الحرج والمشقة فى مجال الحاجيات ؛ كشريعة القراض ، والمساقاة، والسلم ، ونحو ذلك من التصرفات التى تشتد الحاجة إليها، مع الأخذ بما يليق فى جانبه التحسينات كالطهارات ، وستر العورات ، وأخذ أنواع الزينة، وآداب الأكل ، وهكذا جاءت شريعة كاملة وافية بكل حاجات البشر فى كل زمان ومكان (5).
أ.د/أحمد على طه ريان(248/2)
#الشعوبية
لغة: كلمة منسوبة للشعوب ، فهى بذلك لا تفرق بين شعب وآخر من حيث الرفعة أو الضعة، وإنما تدعو للمساواة وهى بهذا المعنى متفقة مع الفكر الإسلامى الذى يرى أنه لا فضل لعربى على أعجمى ولا لأعجمى على عربى إلا بالتقوى فالمفاضلة تكون بين الأفراد حسب أعمالهم ، وليست بين الجماعات والشعوب ، وجدى الحال على ذلك فى صدر الإسلام ، فبلال الحبشى وصهيب الرومى، وسلمان الفارسى كانوا من خيرة الصحابة، وعندما غضب أبو ذر الغفارى على عبد له ، وقال له يا ابن السوداء، صاح به الرسول صلى الله عليه وسلم إنك إمرؤ فيك جاهلية، ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل إلا بعمل صالح (1).
وبدأ الإسلام يتسع على يد العرب ، ويضم أقواما لهم فى التاريخ مكان مجيد، وجاء العصر الأموى الذى كان يعتمد على سيوف العرب فى فتوحاته وتوسعه ، وظهرت روح جديدة لايقرها الإسلام وهى الفرق بين العرب والموالى، وفى أيسر تعريف للموالى أنهم المسلمون من غير العرب ، وأحس العرب بتفوق جنسهم الذى كان منه الخلفاء والأمراء والكتاب والشعراء والفقهاء، وافتخر الغرب بجنسهم ولم يساووا بين العرب والموالى وبخاصة من الفرس.
ومن هنا بدأ للشعوبية معنى جديد فى التاريخ يرمى إلى التعصب لغير العرب ،واعتبارهم بتاريخهم العظيم أسمى من العرب ، وقاد يهود فارس هذا الإتجاه.
وساعد على ذلك أن الدولة العباسية قامت بسيوف فارسية، وأن مفكرى الفرس اهتموا بالتفوق فى مجالات الأدب والشعر والتفسير والفكر، وذلك ضمن لهم التفوق فى المجال السياسى والفكرى، فأصبح الخلفاء يعترفون بفضلهم ، وأصبح منهم العديد من الوزراء والأدباء والسفراء والمفسرين والمؤرخين.(249/1)
وبدءوا بحاضرهم وماضيهم يعدون أنفسهم أسمى من العرب ، وهذا هو المعنى الذى آل إليه معنى الشعوبية فأصبح للشعوبية معنى مزدوج هو الحط من الجنس العربى، والنيل من الدين الإسلامى، ووسيلتها لذلك التعصب لرفع شأن غير العرب وبخاصة الفرس والتفاخر بأمجادمم ، ورقى حضارتهم ، وما يتبع ذلك من تصغير شأن العرب والهجوم عليهم ، ووصفهم بأحقر الأوصاف.
ويصور الجاحظ حركة الشعوبية وأهدافها بقوله: إن عامة من ارتاب فى الإسلام كانت الشعوبية أساس ارتيابهم فلا تزال الشعوبية تنتقل بأهلها من وضع إلى وضع حتى ينسلخوا من الإسلام لأنه نزل على نبى عربى، وكان العرب حمله أوائه عندما نزل (2).
ويلاحظ أن الفرس حاولوا أن يشركوا الأجناس غير العربية فى حركتهم الشعوبية فاستعانوا بأجناس وحضارات مختلفة ضد العرب ، وتنفيذا لذلك راحوا يمجدون حضارة الفراعنة وحضارة الفينقيين والهند ، ولكن ذلك لم يخدع هذه الشعوب ، فإن هؤلاء ربحوا عقائديا وثقافيا وسياسيا بالاسلام فرفضوا أن ينضموا للفكر الشعوبى وتمسكوا بالفكر الإسلامى الذى يسوى بين البشر على اختلاف أجناسهم وألوانهم ، والذى يدعو إلى التعاون بين الشعوب الإسلامية لخدمة الجميع.
وبقى الفرس وحدهم فى هذا المضمار، وقد وضعوا بعض الأحاديث التى نسبوها للرسول صلوات الله وسلامه عليه والتى تعلى من قدرهم.
واشترك بعض الشعراء الفرس فى هذا المجال فنظموا القصائد التى يهاجمون فيها العرب ، ومن ذلك ما قاله أحدهم:
همو راضة الدنيا وسادة أهلها * إذا افتخروا لإراضة الشاه والإبل وقال آخر:
ولست تبارك إيوان كسرى * لتوضح أو لحومل فالدخول.(249/2)
ووجد اليهود الفرس فرصتهم فى هذا المجال ليهاجموا الإسلام ورسول الإسلام فقالوا: منا العديد من الأنبياء والمرسلين وليس هناك أنبياء من العرب سوى ثلاثة هم هود وصالح ومحمد، ونسوا أن كثرة الأنبياء فيهم كانت لكثرة زيفهم وضلالهم ،فأرسل الله لهم العديد من الأنبياء لإصلاح شأنهم ولكن بدون جدوى، وطعن اليهود الفرس فى إسماعيل الجد الأعلى للرسول صلوات الله وسلامه عليه فقالوا إنه ابن جارية (هاجر)، أما إسحق جدهم فإن حرة (سارة).
وهكذا خلق اليهود والفرس هذه النفرة للتفريق بين المسلمين ، مع أن الإسلام لا ينظر إلى أصول الناس أو ثرائهم أو ألوانهم ، وإنما ينظر إلى تقواهم وأعمالهم قال تعالى {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله أتقاكم}الحجرات:13.
والآية تذكر الناس بوحدة المنشأ ، وتقرر أن تقسيم الناس إلى قبائل وضع طبيعى ناتج عن تعدد الأولاد والأحفاد ، ولكن يهدف للتعارف لا للتفرقة، كما تؤكد الآية أن التفاضل لا يتخذ أساسه أصول الناس بألوانهم وأخباسهم ، بل ينظر إلى عمق الإيمان وما يقدمه الناس من العمل الصالح.
أ.د/أحمد شلبى(249/3)
#الشفعة
لغة: الزيادة ، وهو أن يشفعك فيما تطلب حى نضمه إلى ما عندك فتزيده ، أى أنه كان ،واحدا فضم إليه مازاده وشفعه به ،ويسمى صاحبها شفيعا، كما فى اللسان (1).
وفى القرآن الكريم {والشفع والوتر}الفجر:3 ، والمختار فى تفسيرها هو ما قاله ابن عباس رضى الله عنهما وعدد كبير من التابعين: أن المراد من الشفع فى الآية هو الخلق قال الله تعالى: {ومن كل شىء خلقهنا زوجين}الذاريات:49 ، الكفر ،والإيمان ، والشقاوة والسعادة، والهدى والضلال ، والنور والظلمة ، والليل والنهار، والحروالبرد، والشمس والقمر، والصيف والشتاء، والسماء، والأرض ، والجن والإنس.
والوتر: هو الله تعالى قال جل ثناؤه: {قل هوالله أحدالله الصمد}الإخلاص:1-2 ،وقال النبى صلى الله عليه وسلم: (إن لله تسعة وتسعين أسما والله وتر يحب الوتر)(2).
واصطلاحا: عرفها الفقهاء؛ بأنها حق تملك قهرى يثبت للشريك القديم على الحادث فيما ملك بعوض ،وقد قيل فى الحكمة من تشريعها؛إنها لدفع ضرر مؤنة القسمة أو استحداث المرافق كالمصعد والمنور والبالوعة وغيرها مما يحتاج إليه فى نصيبه الذى آل إليه ؛ وقيل: إنها لدفع ضرر الشركة ،مع شريك جديد لم تعرف معاملته ومجاورته.
وأركانها: الشقص المشقوع فيه، والشريك القديم الطالب للشفعة، والمشترى لجديد للشقص ، والصيغة، وهى الإيجاب والقبول بلفظ دال على عقد الشفعة.
وفى الحديث الشريف: عن جابر رضى الله عنه قال: (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة فى كل شركة لم تقسم ربعة أو حائط ،لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه ،فإن شاء أخذ وإن شاء ترك ، فإذا باع ولم يؤذنه فهو أحق به) (رواه مسلم) (3).(250/1)
فبين هذا الحديث الشريف سبب الشفعة وما يجب على الشريك الذى يريد بيع نصيبه من إخطار شريكه برغبته فى البيع ، بينما آخرج البخارى هذا الحديث بلفظ (قضى النبى صلى الله عليه وسلم بالشفعة فى كل ما لم يقسم ، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) (رواه البخارى)(4) حيث دلت هذه الزيادة على الأمد الذى انتهى عنده حق طلب الشفعة وهو حصول القسمة ووضع الحدود بين الأنصياء وتصريف الطرق بينها.
ومذهب جهود العلماء أن الشفعة تثبت فيما لم يقسم فى العقارات ؛ وهى الأرض وما اتصل بها من بناء وأشجار، فإذا حصلت القصمة ووقعت الحدود فلا شفعة، وقد نقل هذا عن عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان.
وسعيد بن المسيب ، وسليمان بن يسار، وعمر بن عبدالعزيز، والزهرى، ويحيى الأنصارى، وأبى الزناد ، والأوزاعى ، ومالك ، والشا فعى،وأحمد بن حنبل ، وإسحاق ، وأبى ثور، رضى الله عنهم أجمعين.
وقال أبو حنيفة والثورى: تثبت الشفعة بالجوار الملاصق ولو من جانب واحد،واستدلا بحديث أبى رافع عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الجار أحق بسقيه) (أخرجه البخارى، والشافعى، وأحمد ، وأبو داود،والنسائى وأصحها رواية البخارى)(5).
ويبطل حق الشفيع بعد علمه ببيع نصيب شريكه من أجنبى وسكوته بما يظن منه أنه غير راغب فى المطالبة بالشفعة، ويثبت ذلك بقرائن الأحوال.
أ.د/أحمد على طه(250/2)
#الشُرطة
لغة: الخير؛ لأن شرطة كل شىء خياره ، وقيل أشراط الشىء أوائله ،منه أشراط الساعة، وقيل: الأشراط: الأشراف(لسان العرب).
اصطلاحا: هم نخبة السلطان من جنده ،وهم المكلفون بالمحافظة على الأمن الداخلى بمنع وقوع الجرائم ، والقبض على الجناة، وعمل التحريات اللازمة، وتنفيذ العقوبة التى يحكم بها القضاة، وإقامة الحدود.
ويطلق على واحد الشرطة شرطى، وعلى جماعة الشرطة شرط وشرطية، وصاحب الشرطة هو رئيسهم وقائدهم ، وربما سمى أيضا عامل الشرطة، ومتولى الشرطة، وولى الشرطة.
وقد يسند إليه أيضا القيام بأعمال أخرى، مثل: بعض أعمال الحسبة، والإشراف على الأحباس ، والمساعدة فى تحصيل الأموال ،وإصدار الدنانير، وإطفاء الحرائق.
وقد عرف العالم الإسلامى إلى جانبه شرطة الأمن الداخلى أنواعا أخرى من الشرطة، مثل: الشرطة النهرية، وشرطة الخميس ، وشرطة الجيش ، والشرطة الخاصة.
وقد تبلورت اختصاصات صاحب الشرطة على مدى العصور الإسلامية، فظهرت وظيفة صاحب الشرطة فى خلافة الإمام على بن أبى طالب رضى الله عنه الذى نُظِّمت الشرطة فى عهده ، ووضحت مهمة الشرطة فى العصر الأموى، وزاد تنسيقها فى العصر العباسى إذ صار لكل مدينة شرطة خاصة تخضع لرئيسها:صاحب شرطة هذه المدينة، وكان صاحب الشرطة يتخذ نائبا ومساعدين يسمون الأعوان ، وكان الشرط يتخذون أعلاما خاصة، ويلبسون زيا خاصا بهم ،ويحملون مطارد وترسة تحمل كتابات لباسم صاحب الشرطة، ويحملون فى الليل الفوانيس ، ويصحبون معهم كلاب الحراسة.(251/1)
وكان تعيين صاحب الشرطة من اختصاص الوالى أو الأمير؛ ومن ثم كان عزل الوالى يتبعه فى معظم الأحيان عزل صاحب الشرطة، وكان الوالى يختار لهذه الوظيفة من بين أبنائه أو أقاربه ، وكان صاحب الشرطة يخلف الوالى فى السلطة إذا غاب فى الحج أو الحرب أو غير ذلك ، كما كان ينيبه عنه كثيرا فى إمامة الصلاة، وأحيانا كان يولى الإمارة، وعرف صاحب الشرطة فى الدول الإسلامية التى تفرعت من الخلافة العباسية.
ومنذ عصر الولاة فى مصر كانت وظيفة صاحب الشرطة من أكبر الوظائف وأهمها، وكانت تسمى فى عصر الولاة بخلافة الفسطاط ، لأنه كان ينوب عن الوالى، غير أن هذه الصيغة اختفت منذ عصر الطولونيين.
وفى عصر الولاة كان صاحب الشرطة يقيم فى الفسطاط مع الوالى، وعندما آسست العسكر وجدت شرطتان: شرطة الفسطاط ؛ وكانت تسمى الشرطة السفلى، وشرطة العسكر وكانت تسمى الشرطة العليا، وكانت الشرطة العليا تقيم فى دار تقع قريبا من جامع ابن طولون ، وكانت دار الشرطة تعرف باسم الشرطة، وظل نظام الشرطتين -العليا والسفلى- معروفا فى العصر الفاطمى، غير أن صاحب الشرطة العليا كان يقيم فى القاهرة ، وكان يسمى أيضا باسم حاكم القاهرة، واختفت صيغة صاحب الشرطة فى عصر المماليك ، وصار من يتولى مهامها يسمى الوالى أو وإلى القاهرة أو وإلى المدينة أو صاحب العسس.
وعرفت الشرطة وصاحبها فى العالم الإسلامى خارج مصر شرقا وغربا ، وعظم أمر صاحب الشرطة بخاصة فى الأندلس فى دولة بنس أمية، وانقسمت الشرطة إلى شرطتين: شرطة كبرى، وشرطة صغرى، وكانت مهمة الشرط الكبرى: النظر فى أمر الخاصة، وربما سمى صاحب الشرطة الكبرى باسم صاحب الشرطة العليا، أما صاحب الشرطة الصغرى فكان مخصصا للنظر فى أمر العامة، وفى أواخر العصر الإسلامى فى الأندلس صار صاحب الشرطة يسمى صاحب المدينة، وعند العامة يعرف بصاحب الليل ، كما عرف أيضا باسم الحاكم.(251/2)
وعرفت وظيفة صاحب الشرطة فى عصر الموحدين فى تونس ، وكان ضمن من يجلسون بين يدى السلطان.
أ.د/حسن الباشا(251/3)
#الصابئة
لغة: صبأ الرجل بمعنى ترك دينه فهو صابىء.
واصطلاحها: الصابئة قوم يعبدون الكواكب أو الملائكة أو لا دين لهم ، أو هم قوم يوحدون الله وليس لهم كتاب ولا نبى ولا طقوس للعبادة. وهذا المعنى يقتبس مما تدل عليه الآية الكريمة: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون}البقرة:62.
والصابئة نوعان تبعا لإشارات القرآن الكريم ، وأقوال المفكرين المسلمين:
النوع الأول: يذكر بعضهم أنهم من أهل الكتاب بدليل ارتباط ذكرهم باليهود والنصارى فى بعض الآيات.
النوع الثانى: ويعدهم من الوثنيين وهم صابئة حران ، وهؤلاء يقولون بوسائط بين الله والعالم ،وهى التى تدير الكون ،وتفيض على الوجود، وهم يمنعون تعدد الزوجات ،ويحرمون الطلاق والختان ، ويحرصون على تطهير أنفسهم من دنس الشهوات ، ويصلون ثلاث صلوات فى اليوم. والصابئة الحرانيون خدموا الإسلام عن طريق الترجمة، وكان منهم الرياضيون والوزراء مثل: ثابته بن قرة، وابن سنان. وكان لهم نشاط فكرى فى بغداد فى عهد أبى إسحاق الصابى وزير الطائع والمطيع ، ثم ضعف شأنهم.
ومن أشهر علمائهم ثابت بن قرة (901م) وقد برع فى الرياضة والفلك وكان من كبار المترجمين من اليونانية والسريانية إلى اللغة العربية، وترجم أو اشترك فى ترجمة كتب أرشميدس وإقليدس وجالينوس ، ومن مؤلفاته الطبية كتاب "الذخيرة".
وقد نبغ من أبنائه إبراهيم ، وسنان وسنان خدم الخليفتين المقتدر والقاهر، وأشرف على إنشاء البيمارستان الذى عرف باسم والدة المقتدر، وله تصانيف فى الفلسفة وعلم الهيئة.(252/1)
ومن أشهر أدباء الصابئة الصابى الحرانى إبراهيم بن هلال (994م)، كان من أدباء العصر، ودرس الرياضة و الفلسفة والفلك والأدب ، وتولى ديوان الرسائل والمظالم سنة (960م)، سجن عدة مرات ، وكان شاعرا مجيدا له ديوان ، واشتهر بالرسائل الديوانية التى حوت صورا طيبة من الألفاظ الجزلة والتعبير السهل.
أ.د/أحمد شلبى(252/2)
#الصبر
لغة: حبس النفس عن الجزع.
واصطلاحا: ترك الشكوى من ألم البلوى لغير الله.
وقد وصف الله المؤمنين بالصبر، فقال تعالى: {والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم}الرعد:22 ، فهو ليس استسلاما للذل والمهانة وليس سلبية فى مواجهة الباطل ، بل ضبط النفس والتحمل فى سبيل أداء ما يجب على المرء أداؤه ابتغاء وجه الله ؛ إذ يصبر رب الأسرة فى رعاية أسرته وتوجيهها، والموظف فى أداء وظيفته ،والقاضى فى سبيل تحرى العدل ، والحاكم فى سبيل إحقاق الحق ، وإقرار الطمأنينة والأمن ، والفرد فى سبيل سيطرة حكمته على هواه ، والأم فى سبيل رعاية أولادها ، وسلامة صحتهم وعقولهم... إلخ.
ويتطلب الصبر قدرة على الاحتمال وضبط النفس ، وإيمانا بالغاية والهدف ، كما يتطلب ممارسة على السيطرة على هوى النفس وانفعالاتها ، وعلى الرجوع إلى العقل والتروى فى مواجهة الشدائد والأزمات ، ولهذا وردت فى القرآن الكريم آيات كثيرة تحث عليه ، منها قوله تعالى: {واصبرعلى ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور}لقمان:17.
بل إنه قرن بالصلاة والمرابطة فى قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبروالصلاة إن الله مع الصابرين}البقرة:153 ، وقوله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون}آل عمران:200.
أ.د/محمد شامة(253/1)
الصحابة#
اصطلاحا: هم هؤلاء الأعلام الذين عرفوا من أحوال النبى صلى الله عليه وسلم ما جعلهم يهرعون إليه ويضعون مقاليدهم بين يديه ينغمسون فى فيضه الذى بهر منهم الأبصار وأزال عنهم الأكدار، وصيرهم أهلا لمجالسته ومحادثته ومرافقته ومخالطته ، حتى آثروه على أنفسهم وأموالهم وأزواجهم وأولادهم ، وبلغ من محبتهم له وإيثارهم الموت فى سبيله أن هان عليهم اقتحام المنية كراهة أن يجدوه فى موقف مؤذ أو كربة يغض من قدره.
ولما للصحابة من الفضل العظيم فإن الله تعالى ذكرهم فيما أنزل من الكتب ؛ حتى لا يذهب ذكرهم ولا تمحى من رؤوس القبائل والشعوب مآثرهم فقال: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم فى وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم فى التوراة ومثلهم فى الإنجيل كزرع أخرج شطئه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما}الفتح:29.
وقال تعالى {والسابقون السابقون أولئك المقربون فى جنات النعيم ثلة من الأولين وقليل من الآخرين}الواقعة:10-14.
ثم قال تعالى: فى سورة الواقعة أيضا {إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا أترابا لأصحاب اليمين ثلة من الأولين وثلة من الآخرين}الواقعة:35-40.(254/1)
ويتضح من الآيات السابقة، وما يجرى فى فلكها، أن الصحابة درجات بعضها فوق بعض ، فالسابقون الأولون الذين أسلموا وجوههم إلى الله ، ولبوا مناديه إلى الإيمان ،وكل من على سطح هذه المعمورة مخالف لهم هم كبار الصحابة الذين اصطنعهم سيدهم بنفسه ، ورباهم تحت سمعه وبصره عبر ثلاث عشرة سنة قضاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مكة، وقال فيهم ورحى الحرب دائرة فى بدر (اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد فى الأرض)(1)، وقال أيضا (الله الله فى أصحابى، فلو أن أحدكم تصدق بمثل أحد ذهبا ما ساوى مده ولا نصيفه)رواه البخارى (3).
يلى هؤلاء السابقين من المهاجرين ،السابقون من الأنصار وهم الذين بايعوا النبى صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة على أن يمنعوه من الأسود والأحمر، والإنس والجن.
يقول تعالى {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجرى تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم}التوبة:100.
وما سوى الصحابة الكبار طبقات بعضها أفضل من بعض ، فالذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا أفضل من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا ، يقول تعالى {لا يستوى منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير}الحديد:10.
وواضح من الآية السابقة وما يشبهها أن الله تعالى قد جعل لأصحاب النبى صلى الله عليه وسلم مقياسا تقاس به أقدارهم وميزانا توزن به منازلهم ومراتبهم ، فالسابقون الأولون من المهاجرين هم الكبار الذين لا يسمو إليهم غيرهم ، ومن عداهم من الصحابة الكرام متفاوتون تبعا لأعمالهم فى نصرة الإسلام ،وجهادهم تحت ألويته وراياته ، فأفضلهم الذين شهدوا بدرا ودافعوا عن النبى صلى الله عليه وسلم ودينه فيها.
ويليهم من شهد أحدا والخندق، وهكذا حتى غروة تبوك.
وهناك عدة ثوابت تعم الصحابة، منها:(254/2)
1- الصحابة كلهم عدول ، لا يجوز تجريحهم ولا تعديل البعض منهم دون البعض.
2- الصحابة كالنجوم يهدون الحائر، ويرشدون الضال ، وفيهم يقول النبى صلى الله عليه وسلم (أصحابى كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم)(3).
3- الصحابة لم يذكرهم الله تعالى فى كتابه إلا وأثنى عليهم وأجزل الأجر والمثوبة لهم ،ولم يفرق بين فرد منهم وفرد ولا بين طائفة وطائفة.
وفيهم يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (خيرالقرون قرنى، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم) (رواه البخارى)(4).
أ.د/عبدالعزيز غنيم عبدالقادر #(254/3)
#الصحابى
اصطلاحا: هو من لقى النبى صلى الله عليه وسلم مؤمنا به ، ومات على الإسلام (1).
ويشمل هذا التعريف كذلك:
1- من رأى النبى صلى الله عليه وسلم قبل البلوغ ؛ فإنه إن كان قد بلغ سن التمييز فهو صحابى، وإلا فإن صحبته باعتبار رؤية النبى في صلى الله عليه وسلم له ، وهو تابعى من حيث الرواية.
2- المرتد العائد للإسلام ؛ فهو صحابى وإن لم ير النبى صلى الله عليه وسلم مرة أخرى.
ويخرج منه: من رأى النبى صلى الله عليه وسلم وهو ميت ؛ فليس بصحابى.
ويلاحظ فى هذا التعريف أنه لم يشترط فيمن يستحق لقب الصحابى وقتا ، ولا عملا ما: فمن لقى النبى صلى الله عليه وسلم ساعة واحدة فهو صحابى، زادت تلك الساعة أو قلت ،والأمر كذلك فيمن غزا معه ومن لم يغز، ومن روى عنه ومن لم يرو؛ فهذا اللقب الكريم لا ينزعه عمن حمله إلا عودته إلى الكفر وإصراره عليه ، وهذا هو التعريف الذى اختاره وقال به الإمام الحافظ ابن حجر العسقلانى، وهو المتفق عليه.
وهناك من العلماء من اشترط فى الصحابى أن يكون قد صحب النبى صلى الله عليه وسلم عامين ، أو غزا معه غروتين (2)، ومنهم من يرى أن الصحابى هو من تحقق فيه شرط من أربعة:
1- طول المجالسة.
2- حفظ الرواية.
3- الغرو مع النبى صلى الله عليه وسلم.
4- الاستشهاد بين يديه.
وقد وصف الإمام الحافظ ابن حجر العسقلانى هذه الشروط بأنها من الشواذ.
أ.د/عبدالعزيز غنيم عبدالقادر(255/1)
#الصحة
اصطلاحا: تطور تعريف الصحة مع ارتقاء المستويات الاقتصادية والاجتماعية حتى أصبح كل ما من شأنه سلامة البدن (الجسم) والنفس والتوافق الاجتماعى.
وقد حرصت التعاليم الإسلامية على التنبيه على أهمية الصحة ففى الحديث الشريف: "المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفى كل خير".
وفى حديث آخر ينصح الرسول صلى الله عليه وسلم أحد صحابته (إن لبدنك عليك حقا) بعد ما قال (إن لنفسك عليك حقا) وقد أصبح من المتعارف عليه الآن أن الصحة الجيدة مطلوبة للمجتمع كما هى مندوبة للفرد ، فهى تمكن الناس من الاستمتاع بحياتهم وإنجاز ما يفيدهم ويفيد المجتمع بالتالى، ولهذا السبب تدخل المستويات الصحية فى المعايير التى يقاس بها التقدم وفى معايير التنمية البشرية.
وقد بلور الطب فكره فى أنه لابد لكافة أجزاء الجسم من العمل مع بعضها البعض بصورة صحيحة من أجل المحافظة على صحة البدن ، ومن مقومات الحياة الصحية الرئيسية: الغذاء الصحيح ، الرياضة، الراحة، النوم ، النظافة ، الرعاية الصحية ، ورعاية الإنسان.
وتلعب الصحة النفسية دورا مهما فى سلوكيات الناس ومشاعرهم ، وأولئك الذين يتمتعون بأقدار معقولة من الثبات الانفعالى يستطيعون تحقيق قدر أكبر من السعادة ، لأنهم يتقبلون أنفسهم علما بأوجه الضعف وأوجه القوة على حد سواء، ويظلون أيضا على صلة بالواقع ، كما يتمكنون من التعامل الرشيد مع الضغوط ودواعى الإحباط ، كما يستطيعون التصرف دون الاعتماد على المؤثرات الخارجية وردود الأفعال.
وفى المجتمعات المعاصرة تتولى وزارات متخصصة بالصحة المسئولية عن توفير عدد كبير من الخدمات الصحية، وقد تنامى الاهتمام المؤسسى بالرعاية الصحية الأولية والثانوية والمتقدمة، ويشمل هذا توفير الوسائل الكفيلة بمنع الأمراض ، والسيطرة عليها ، والتحكم فى الأوبئة، وتنفيذ برامج للتطعيم وللفحوص الروتينية، فضلا عن إجراءات الحجر الصحى والتوعية الصحية.(256/1)
وتتولى مؤسسات عديدة الإسهام فى تقديم الرعاية الصحية وقد نشأت منظمة الصحة العالمية كإحدى منظمات الأمم المتحدة ولا تزال تعمل من أجل رفع المستوى الصحى فى كافة أنحاء العالم ،وقد كان شعارها فى العقدين "الماضيين" الصحة للجميع بحلول عام 2000 م "وقد نجحت السلطات الصحية بالفعل فى استئصال بعض الأمراض كالجدرى، وفى تقليل مخاطر أمراض كثيرة أخرى.
أ.د/محمد الجوادى(256/2)
#الصحوة
لغة: من الصحو، وهو ذهاب الغيم وارتفاع النهار، وذهاب السكر، وترك الباطل.(كما فى اللسان)(1).
واصطلاحا: اليقظة، تصيب الفرد أو الأمة، بعد سنة وغفلة وتخلف وتراجع.
ويشيع إطلاقها -فى واقعنا المعاصر- على نزوع أمتنا إلى النهضة الإسلامية، بعد عصر التراجع الحضارى، الذى امتد تحت حكم العسكر المماليك والسلطنة العثمانية، وهى صحوة تجاهد على صعيدين ، وفى جبهتين:
1- صعيد وجبهة التخلف الذاتى الموروث عن حقبة التراجع الحضارى.
2- وصعيد وجبهة التحديات الغربية، التى تريد تهميش دور الأمة الإسلامية، وإلحاقها بالتبعية للغرب ، ليتأبد استغلال الغرب وهيمنته على عالم الإسلام.
ووصف هذه الصحوة بالإسلامية، إنما يأتى تمييزا لها عن مشاريع النهوض التى اختار أصحابها المذاهب والفلسفات الغربية مرجعية لدعوات النهوض ، ونماذج التحديث التى يبشرون بها ليبرالية، أو اشتراكية أو قومية.
فالصحوة الإسلامية: هى ذلك التيار العريض المتعدد الفصائل والمستويات الذى يسعى إلى تجديد الدين الإسلامى لتتجدد به دنيا المسلمين.(257/1)
ولما كانت سنة الله سبحانه وتعالى فى مسارات الأمم والحضارات ، هى سنة الدورات التى تتداول فيها الأمم والحضارات فترات وحقب التقدم والتراجع ، والصعود والهبوط ، والنهوض والركود ، والحياة والموت ، وهى السنة التى أشار إليها القرآن الكريم بقوله تعالى: {وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين}آل عمران:140 ، {وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم}محمد:38 ، {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض}البقرة:251 ، والتى بينها حديت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذى قال فيه (لا يلبث الجور بعدى إلا قليلا حتى يطلع ، فكلما طلع من الجور شىء ذهب من العدل مثله ،حتى يولد فى الجور من لم يعرف غيره ، ثم يأتى الله تبارك وتعالى بالعدل ، فكلما جاء من العدل شىء ذهب من الجور مثله ، حتى يولد فى العدل من لا يعرف غيره) (رواه أحمد).
فإذا كانت سنة الدورات هى التى تحكم مسارات الأمم والحضارات ، فإن هذه السنة تقتضى الصحوة، واليقظة، والتجديد ، خروجا من مراحل ودورات الغفلة، والتراجع ،والجمود، فصحوة التجديد هى الأخرى سنة من سنن الله فى الاجتماع الإنسانى وفى مسارات الحضارات ، وعن هذه الحقيقة ينبىء حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذى قال فيه (يبعثا الله لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها) (رواه أبو داود).(257/2)
وإذا كانت الحضارات الإنسانية هى مواضعات بشرية وإبداعات مدنية، لا توصف بالخلود ولا بالإطلاق ، ومن ثم يجوز عليها الموت وإخلاء الطريق لحضارات أخرى وارثة لأممها وشعوبها وتاريخها ، بمعنى أن سنة الصحوة والتجديد قد تأتى فى صورة تداول الحضارات ، لا بعثها وتجددها ، فإن الحضارة الإسلامية -وأيضا اللغة العربية- مع أنهما مواضعات بشرية وإبداعات إنسانية، هما استثناء من مصيرموت وفناء الحضارات واللغات ، وذلك لارتباطهما بالمطلق الدينى، وهو الإسلام الخالد والخاتم ، والقرآن الكريم الذى تعهد الله بحفظه بلسان عربى مبين.
ولذلك ، كانت الصحوة وكان التجديد سنة مطردة وقانونا لازما فى مسار الحضارة الإسلامية، يقودها إلى النهوض بعد كل ركود، وهذا هو الذى جعل حضارتنا الإسلامية -ومعها اللغة العربية- أطول الحضارات المعاصرة عمرا ، وأرسخها قدما على درب النهوض من العثرات ، وأكثرها استعصاء على فقدان الهوية والخصوصية، لارتباط ذلك فيها بالمطلق الدينى والخالد الإلهى، فهى إبداع مدنى بشرى، حفز إليه وصبغه وحدد معاييره الوضع الإلهى -المتمثل فى وحى الله ونبأ السماء العظيم- وتلك خصوصية لحضارتنا الإسلامية تفردت بها دون كل الحضارات.
وإذا كانت الحقبة المملوكية العثمانية، قد مثلت مرحلة التراجع فى مسيرة حضارتنا الإسلامية، فإن بواكير الصحوة الإسلامية قد بدأت فى بلادنا منذ أكثرمن قرنين من الزمان ، وفى استطاعة المؤرخ لهذه الصحوة أن يتخذ من نداء الشيخ حسن العطار (1180-1250هـ/1711-1835م) أواخر القرن الثامن عشر الميلادى علامة على مرحلة التبلور لبواكير هذه الصحوة، ذلك النداء الذى قال فيه هذا الشيخ الرائد: إن بلادنا لابدأن تتغيز ويتجدد بها من العلوم والمعارف ما ليس فيها.(257/3)
ولقد كان تلاميذ الشيخ حسن العطار وفى طليعتهم الشيخ رفاعة رافع الطهطاوى (1216-1290هـ/1801-1873م) الذين سعوا إلى تجديد "الذات الإسلامية" بالاحياء، وإلى الاستفادة من علوم المدنية الغربية -علوم الواقع والتمدن المدنى- بالتفاعل ، وليس بالمحاكاة والتقليد هم طلائع وجذور الصحوة الإسلامية الحديثة والمعاصرة.
فلما حدث وعاجل المد الاستعمارى الغربى مشروع النهضة الذى قاده محمد على باشا الكبير (1184-1265هـ/1770-1846م).
والذى جسد إلى حد كبير فكر هذه الصحوة تسلم ريادة هذه الصحوة تيار الجامعة الإسلامية، الذى تبلور -شعبيا- عبر العالم الإسلامى حول جمال الدين الأفغانى (1254-1265هـ/1770-1849م) والذى كان الإمام محمد عبده المهندس الأول لمشروعه الفكرى النهوضى، والذى حملته إلى العالم الإسلامى -على امتداد أربعين عاما- مجلة (المنار) التى رأس تحريرها الإمام محمد رشيد رضا (1282-1354هـ/1865-1935م) ، ثم أسلم أمانة هذه الصحوة إلى الحركات والتنظيمات الإسلامية الحديثة -سواء منها تنظيمات الصفوة أو التنظيمات الجماهيرية- تلك التى نشأت عقب عموم بلوى الاستعمار الغريى للعالم الإسلامى إبان الحرب الاستعمارية العالمية الأولى (1332-1336هـ/1914-1918م) وبعد إسقاط الخلافة الإسلامية (1342هـ) ، ولأن هذه الصحوة كانت تواجه جناحى المأزق الحضارى: التخلف الموروث ، والزحف الاستعمارى الغربى، ولأنها قد سعت إلى الإحياء والتجديد الدينى، لبلورة معالم المشروع النهضوى العصرى، فى مواجهة الجمود والتقليد اللذين أوجدا "الفراغ الفكرى" فى بلادنا ، وهو الفراغ الذى سعى الاستعمار الغربى إلى ملئه بنموذجه الحضارى الوضعى العلمانى، فلقد كان تركيز
هذه الصحوة على تجديد دين الإسلام لتتجدد به -وليس بالنموذج الغربى- دنيا المسلمين.(257/4)
وهذه الحقيقة هى التى جعلت رفاعة الطهطاوى يدعو إلى إحياء الشريعة الإسلامية بالاجتهاد الجديد ، وإلى تقنين فقه معاملاتها ، ليحكم -بدلا من القانون الوضعى الفرنسى- حركة الاجتماع والاقتصاد والسياسة فى بلادنا "لأن بحر هذه الشريعة الغراء، على تفرع مشارعه ، لم يغادر من أمهات المسائل صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها وأحياها بالسقى والرى، ولقد انطلق الأفغانى من ذات الموقف -إسلامية الصحوة- فرفض أن نبدأ صحوتنا من حيث انتهى المشروع الغربى العلمانى، قائلا: "إنه لا ملجئ للشرقى فى بدايته أن يقف موقف الغربى فى نهايته" فالتمدن الغربى هو فى الحقيقة تمدن للبلاد التى نشأ فيها على نظام الطبيعة وسير الاجتماع الإنسانى، والإسلام هو السبب المفرد لسعادة الإنسان ، ومن طلب إصلاح الأمة بوسيلة سوى هذه ،فقد ركب بها شططا،ولا يزيدها إلا نحسا،ولا يكسبها إلا تعسا.
وعلى هذا الدرب فى إسلامية الصحوة سار الإمام محمد عبده ، الذى قال: "إن الإسلام دين وشرع ،وهو لم يدع ما لقيصر لقيصر وإنما كان من شأنه أن يحاسب قيصرعلى ماله ، ويأخذ على يديه فى عمله " فهو كمال للشخص.
ولم تتكف هذه الصحوة عند حدود الفكر والدعوة وإنما سلكت سبيل التنظيم ، لإبلاغ الرسالة، واستمرارية الدعوة، فعرفت مسيرتها تنظيمات: الحزب الوطنى الحر وجمعية العروة الوثقى وجمعية أم القرى، فى الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، كما عرفت الحزب الوطنى الذى قاده مصطفى كامل (1291-1326هـ/1874-1908م) فى العقد الأول من القرن العشرين وهو الحزب الذى جمع فى دوائر الانتماء بين الوطنية وبين الجامعة الإسلامية.(257/5)
وليس صحيحا ما يظنه البعض من أن الصحوة الإسلامية قد تمثلت فقط فى الحركات والتنظيمات الإسلامية، فأوسع وأعرض فصائل الصحوة الإسلامية هو التيار الشعبى، المستمسك بالهوية الإسلامية، وفى مقدمة مؤسسات الصحوة الإسلامية الأزهر الشريف ، الذى ظل يرعى علوم الشريعة والعربية ويحرس الوجدان الإسلامى للأمة عبر تاريخها الطويل.
فلقد سعى على هذا الطريق العديد من أعلام الفقه والقانون ، وكان الدكتور عبدالرازق السنهورى باشا (1313-1391هـ/1895-1971م) واحدا منهم ، جعل هذه المهمة مشروع حياته ، تأليفا وتطبيقا، مؤكدا أن دول الشرق لا يمكن أن تجتمع على شىء واحد غير الإسلام ، فالإسلام بالشرق والشرق بالإسلام.
وإذا كانت العقود الأخيرة قد شهدت تعاظم الصحوات الدينية، فى مختلف الديانات ، بعد أن فشلت مشاريع النهوض والتحديث اللادينية، فإن تعاظم الصحوة الإسلامية يستند إلى خصيصة إسلامية، ينفرد بها الإسلام عن غيره من الديانات ،هى منهاجه الشامل ، الذى يجعله بديلا حضاريا، وليس مجرد عقائد وعبادات.
وهكذا ارتبطت الصحوة الإسلامية بحلم الأمة فى النهوض ، والانعتاق من أسر التخلف الموروث ، ومن الهيمنة الاستعمارية والحضارية الغربية، منذ فجر هذه الصحوة وحتى الآن.
أ.د/محمد عمارة(257/6)
#الصدر الأعظم
لغة: الصدرهو أعلى مقدم كل شىء وأوله ، والأعظم صيغة أفعل التفضيل من عظيم ، كما فى اللسان (1).
واصطلاحا: هو نائب السلطان ورئيس الوزراء فى الباب العالى، ورئيس ولاة الولايات العثمانية فى آسيا وأفريقيا وأوربا.
وقد استحق هذا اللقب لأنه كان يتصدر مجلس الباب العالى، ويرأس الحكومة العثمانية وما اشتملت عليه من المؤسسات المختلفة، كما كان يقود المعارك وحده ، أو فى معية السلطان ، ولم يكن يساويه أو يفوقه غير شيخ الإسلام "المفتى الأعظم " ولم يكن هذا المنصب عثمانيا وحسب ، وإنما كان إسلاميا يتقلده أصحاب الكفاءة من سائر الجنسيات.
ومدة ولايته تتراوح غالبا بين تسعة أشهر وسبعة أعوام ، وبعد عزله أو اعتزاله كان يتولى حكم مصر والمجر غالبا ، لأنهما أهم ولايات الدولة العثمانية.
وأول من تولى هذا المنصب هو خليل باشا، ابن على باشا، فى سلطنة مراد الثانى(2) وقيل بل علاء الدين باشا(3).
وقد بقى هذا المنصب قائما حتى انتهى نظام السلطنة والخلافة العثمانية، وآل الحكم إلى تركيا الحديثة تحت قيادة كمال أتاتورك سنة 1344هـ-1925م.
أ.د/عبد العزيز غنيم عبد القادر(258/1)
#الصدق
لغة: ضد الكذب ، يقال: هو رجل صدق ،وصديق صدق أى صادق الرجولة والصداقة لا يخون صدق يصدق صدقا، صدقا ، فى وعده أو وعيده: أنفذه وصدقه: قبل قوله والمصدق: هو الذى يصدقك فى حديثك والصديق: الدائم التصديق ، وهو أيضا الذى يصدق قوله بالعمل.
واصطلاحا: هو من الصفات الحميدة فى الإنسان، بل إنه من أفضل الصفات الإنسانية على الإطلاق ، ذلك أن من يتحلى بالصدق فى القول وفى العمل ، فهو لبنه صالحة فى بناء المجتمع الإنسانى ، لأن الصدق من أهم الدعائم التى تستقيم بها حياة الفرد، وتصلح بها العلاقات الاجتماعية، وتقوى بها الروابط بين الناس فى المجتمع ،ولذا حث الإسلام عليه ، ووعد الصادقين جنات النعيم ، فقد ورد مدح الصادقين فى القرآن الكريم أكثر من خمسين مرة، منها قوله تعالى: {ليجزى الله الصادقين بصدقهم}الأحزاب:24 ، وقوله: {قل أؤنبئكم بخيرمن ذلكم ، للذين اتقوا عند ربهم جنات تجرى من تحتها الأنهارخالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفرلنا ذنوبنا وقنا عذابا النار الصابرين والصادقين...}آل عمران:15-17.
كما ورد أن الصدق من صفات هؤلاء الذين سينعمون بجنات تجرى من تحتها الأنهار، فقال تعالى: {قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم ، لهم جنات تجرى من تحتها الأنهارخالدين فيها أبدا، رضى الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفورالعظيم}المائدة:119.
كذلك ورد فى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو المسلمين إلى التحلى بالصدق فى القول والعمل ، فقد روى أبو هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (من أفتى بغيرعلم كان إثمه على من أفتاه ، ومن أشاربعلم وهو يعلم أن الرشد فى غيره فقد خانه) رواه أبو داود.(259/1)
فالصدق صفة مطلوبة، وفضيلة يجب على كل مسلم أن يتحلى بها، فإن لم يفعل ذلك ، كان جزاؤه النار وبئس المصير، فقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (عليكم بالصدق ، فإن الصدق يهدى إلى البر وإن البر يهدى إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإياكم والكذب ، فإن الكذب يهدى إلى الفجور وإن الفجور يهدى إلى النار وما يزال الرجل يكذب حتى يكتب عند الله كذابا) (رواه البخارى).
وكما حث الإسلام المسلمين على الالتزام بالصدق فى القول ، ووعد من التزم به جزاء فى الدنيا والآخرة، كذلك أمرهم بالصدق فى العمل ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) أى أن يكون صادقا فيما يقوم به من عمل فى جميع المجالات سواء كانت دينية أم دنيوية.
أ.د/محمد شامة(259/2)
#الصدقة
· فضائل الصدقة :
1. أن الإنفاق استجابة لأمر ربنا تبارك وتعالى .
2. أنها برهان على صحة الإيمان .
3. أن صاحبها يذوق طعم الإيمان .
4. أنها تطهير للنفس .
5. أنها تزكية للنفس .
6. مضاعفة الحسنات .
7. مغفرة الذنوب وتكفير السيئات وإطفاء الخطايا .
8. أن أجرها ثابت ولو كانت النفقة على النفس .
9. أن درجة البر تنال بالإنفاق .
10. أنها من صفات المتقين .
11. الأمان من الخوف يوم الفزع الأكبر وعدم الحزن على ما فاتهم .
12. أن صاحب الصدقة موعود بالخير الجزيل والأجر الكبير .
13. أن الله تكفل بتربية الصدقات للعبد .
14. أن الله يخلف الصدقة .
15. أنها تزيد في العمر .
16. أنها تمنع ميتة السوء .
17. أنها تذهب الكبر والفخر .
18. أنها تزيد المال ولا تنقصه .
19. أنها سبب في الرزق .
20. أنها سبب في النصر .
21. أنها تطفئ غضب الرب .
22. أنها أفضل الأعمال الصالحات .
23. أنها تظلل صاحبها يوم القيامة .
24. أنها تفك صاحبها من النار .
25. أنها تسد سبعين باباً من السوء .
26. أن صاحب النفقة يده خير الأيدي .
27. أنها تلحق صاحبها بركب السابقين الذين سلموا من الشح وأفلحوا .
28. أنها سبب لدعاء الملائكة للمتصدق .
29. أنها سبب في استجابة الدعوة وكشف الكربة .
30. أن المتصدق والعامل على الصدقة لهما أجر المجاهد .
31. أن المتصدق له أجر الصائم .
32. أنها سبب في مجاورة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجنة .
33. أنها سبب في بناء بيت للمتصدق في الجنة .
34. أنها سبب في إطعام الله للعبد من الجنة وسقيه وكسائه .
35. أنها تطفئ عن صاحبها حر القبور .
36. أنها تدفع البلاء .
37. أن الصدقة الجارية تبقى للعبد بعد موته .
38. أنها سبب لمحبة عباد الله للمتصدق .
39. أنها أمارة من أمارات الجود وعلامة من علامات الكرم والسخاء .
40. أنها من أسباب دخول الجنة بسلام .
41. أنها من أسباب نيل غرف في الجنة .(260/1)
42. أن أجرها ثابت ولو كانت الصدقة على البهائم أو الطيور .
43. أنها خير ما يهدى للميت وأنفع ما تكون له .
44. أنها شفاء وعلاج .
45. أن المتصدق من خيار الناس .
46. أن ثوابها لكل من شارك فيها .
47. أن الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه .
48. أنها من أسباب ترابط الأمة الإسلامية وتراحمها .
49. أنها سبب سرور المتصدق ونضرة وجهه يوم القيامة .
50. أن الرجال والنساء من المؤمنين والمؤمنات المتصدقين والمتصدقات موعودون بمضاعفة الأجر .
51. أن الله تعالى ضرب أحسن الأمثلة للمتصدق .
52. أنها سبب تيسير العبد للخير .
53. أنها من المبشرات بحسن الخاتمة .
54.أنها علاج لقسوة القلب .
المرجع : التذكرة في فضل الصدقة – عبد العزيز الخطابي – دار الوطن .(260/2)
#الصفات
لغة: جمع صفة ، وهى الاسم الدال على بعض أحوال الذات وذلك نحو طويل وقصير وعاقل وأحمق وغيرها.
واصطلاحا: الأمارة اللازمة بذات الموصوف الذى يعرف بها.
والمصدر الأول لأسماء الله وصفاته هو القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. قال تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}الأعراف:180.
ومشكلة الأسماء والصفات تحتل مركزا وثقلا كبيرين فى مؤلفات الفلاسفة والمتكلمين المسلمين.
ويندرج تناول مشكلة صفات الله عز وجل تحت باب التوحيد خاصة عند المعتزلة والأشاعرة ومن تابعهم من الفلاسفة المسلمين.
ويقسم المعتزلة الصفات المنسوبة لله تعالى إلى قسمين:
أحدهما: صفات الذات ، وتعرف بأنها الصفات التى لا تنفك عنها الذات وهى خمس صفات: الوجود والحياة والقدرة والعلم والإرادة
والثانى: صفاته الأفعال وهى كل ما تعلق بالجوارح أو الحواس التى لا تنسب إلى الله عز وجل إلا على سبيل المجاز.
أما بالنسبة للإنسان فهى تكون على وجه الحقيقة ولا يجوز وصفه تعالى بعكس صفات الذات ولا صفات الأفعال التى تليق بذاته ، أما صفات الأفعال الأخرى فيمكن وصفه تعالى بأضدادها مثل المحيى والمميت ، والرحيم والمنتقم ، والعاطى والمانع أما صفة العدل فلا يجوز وصفه تعالى بأضدادها، وكذلك صفة الكمال والجمال والإحسان وما إلى ذلك مما لا يتصور ضدها فيه تعالى.
لم ينكرأحد المسلمين ثبوت صفات الجلال لله عز وجل ، وإنما وقع الخلاف فى كيفية نسبتها إلى ذاته بحيث لا توحى بالتعدد أو التغير فى ذاته تعالى.(261/1)
وقد حرصت المعتزلة على عدم إشراك أى مع الله فى صفة القدم ونتج عن ذلك تقارب فى الآراء بين المعتزلة أنفسهم وبينهم وبين الفرق الأخرى من جانبه آخر. وعرف فى هذا المجال ما يسمى بنظرية المعانى التى قال بها معمر بن عياد السلمى (320هـ) وأبو على الجبائى (303هـ-924م) وأخد بها الأشاعرة. كما عرفت نظرية الأحوال التى قال بها أبو هاشم عبد السلام الجبائى (321هـ-941م). ومضمون نظرية المعانى أن الصفات عبارة عن معان قائمة بالذات لا ينتج عن قيامها بالذات لا تعددا ولا تغيرا.
أما الأحوال فتعنى أن الذات الإلهية تكون على حال ثم تكون على حال أخرى، فتكون تارة على حال عالمة ثم على حال قادرة ثم أخرى مريدة وهكذا ، وقد قوبلت هذه النظرية بنقد شديد من كثير من المعتزلة والأشاعرة وغيرهم من متكلمى أهل السنة والفلاسفة.
أما أول محاولة جادة لتفسير علاقة الصفات بالذات الإلهية فقد قام بها أبو الهذيل العلاف المعتزلى (227هـ-842م) حيث روى عنه أنه كان يقول بأن الله قادر بقدرة ليست هى هو ولا هى غيره ،وكذا فى سائر الصفات فأثبت له تعالى حق القدرة ولكنه لم يستطع بيان علاقة القدرة أو أية صفة أخرى من صفات الذات بذاته تعالى فقال بما يتناقض مع نفسه ، فهذه القدرة ليست هى هو ولا هى غيره ماذا تكون إذن؟!
وكانت هذه المقولة سببا فى اتهام المعتزلة بأنهم نفوا الصفات عن الله عز وجل وأنهم مُعَطِّلة وكان من المعتزلة من يذهب إلى القول بضد الصفة لإثباتها لذاته تعالى، فنفى ، العجز يتضمن الوصف بالقدرة، ونفى الجهل عنه تعالى يعنى إثبات صفة العلم لله تعالى، وهكذا فى باقى صفات الذات ومن هنا جاء وصفهم من قبل متكلمى أهل السنة بأنهم نفوا الصفات عن الله عزوجل.(261/2)
أما أشد أنواع الجدل فقد دار حول الصفات التشبيهية مثل تفسير اليد والوجه والاستواء وما شابه ذلك. حيث توقف أهل السنة والجماعة عن الخوض فيها، وآمنوا بها كما جاءت فى القرآن الكريم دون السؤال عن الكيف.
أما المعتزلة فقد لجأوا فى تفسير ذلك إلى ما عرف بقياس الغائب على الشاهد، وفسروها أحيانا بأنها منسوبة لله عزوجل على سبيل المجاز لا على سبيل الحقيقة، ففسروا الوجه بالوجود واليد بالقدرة والرؤية (رؤية البارى عز وجل فى الآخرة) على أنها تكون بالروح لا بحاسة البصر، وقد اختلف معهم فى هذه الطريقة أيضا متكلمو السنة.
ويرى أبو الحسن الأشعرى أن إثبات الصفة عن طريق نص ضدها حسبما كان يذهب إليه إبراهيم بن سيار النظام (235هـ-850م) قد دخل الفكرالاسلامى عن طريق الفلسفة اليونانية ومن تأثر بها من المسلمين. وقد أيد أبو حامد الغزالى ما ذهب اليه أبو الحسن الأشعرى فى حق الفلاسفة لنفيهم الصفات بحجة أن إثباتها يؤدى إلى التعدد فى الذات الإلهية.
وكذلك يرفض ابن رشد تفسيرالمعتزلة للصفات وعلاقتها بالذات ويدلل على بطلانه وتناقضه مع ذاته ثم جاء ابن تيمية (728هـ) ليرد على المعتزلة والأشاعرة والفلاسفة ويضع حدا للخوض فى هذه المسألة وإثبات استحالة القطع فيها عن طريق العقل.
أ.د/السيد محمد الشاهد(261/3)
#الصلاة ما يكره ويستحب ويباح فيها
الصلاة ما يكره ويستحب ويباح فيها
ما يكره في الصلاة:
1- الالتفات
· يكره للمسلم في الصلاة الالتفات بوجهه وصدره، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد } [رواه البخاري].
· إلا أن يكون ذلك لحاجة، فلا بأس به، كما في حالة الخوف أو كان لغرض صحيح.
· فإن استدار بجميع بدنه، أو استدبر الكعبة في غير حالة الخوف بطلت صلاته، لتركه الاستقبال بلا عذر.
· تبين بهذا أن الالتفات في الصلاة في حالة الخوف لا بأس به، لأن ذلك من ضروريات القتال وإن كان في غير حالة الخوف، فإن كان بالوجه والصدر فقط دون بقية البدن، فإن كان لحاجة فلا بأس، وإن كان لغير حاجة فهو مكروه، وإن كان بجميع البدن بطلت صلاته.
2- رفع بصره إلى السماء
· يكره في الصلاة رفع بصره إلى السماء؛ فقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على من يفعل ذلك، فقال: { ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم؟! }، واشتد قوله في ذلك، حتى قال: { لينتهن أو لتخطفن أبصارهم } [رواه البخاري].
· ينبغي أن يكون نظر المصلي إلى موضع سجوده، فلا ينبغي له أن يسرح بصره فيما أمامه من الجدران، والنقوش، والكتابات، ونحو ذلك، لأن ذلك يشغله عن صلاته.
3- تغميض العينين
· يكره في الصلاة تغميض عينيه لغير حاجة، لأن ذلك من فعل اليهود.
· وإن كان التغميض لحاجة، كأن يكون أمامه ما يشوش عليه صلاته كالزخارف والتزويق، فلا يكره إغماض عينيه عنه، وهذا معنى ما ذكره ابن القيم رحمه الله.
4- الإقعاء في الجلوس
· ويكره في الصلاة إقعاؤه في الجلوس، وهو أن يفرش قدميه ويجلس على عقبيه، لقوله صلى الله عليه وسلم : { إذا رفعت رأسك من السجود فلا تقع كما يقعي الكلب } [رواه ابن ماجه].
5- الاستناد إلى جدار أو نحوه حال القيام(262/1)
· يكره في الصلاة أن يستند إلى جدار أو نحوه حال القيام، إلا من حاجة، لأنه يزيل مشقة القيام، فإن فعله لحاجة - كمرض ونحوه - فلا بأس.
6- افتراش الذراعين حال السجود
· يكره في الصلاة افتراش ذراعيه حال السجود، بأن يمدها إلى الأرض مع إلصاقهما بها؛ قال صلى الله عليه وسلم : { إعتدلوا في السجود، ولا يبسط أحدكم ذراعيه إنبساط الكلب } [متفق عليه].
7- العبث
· يكره في الصلاة العبث - وهو اللعب - وعمل ما لا فائدة فيه بيد، أو رجل، أو لحية، أو ثوب، أو غير ذلك، ومنه مسح الأرض من غير حاجة.
· يكره في الصلاة مسح جبهته وأنفه مما علق بهما من أثر السجود، ولا بأس بمسح ذلك بعد الفراغ من الصلاة.
· يكره في الصلاة العبث بمس لحيته، وكف ثوبه، وتنظيف أنفه، ونحو ذلك، لأن ذلك يشغله عن صلاته.
8- التخصر
· يكره في الصلاة التخصر، وهو وضع اليد على الخاصرة.
· ذلك لأن التخصر فعل الكفار المتكبرين.
· ثبت في الحديث المتفق عليه النهي عن أن يصلي الرجل متخصراً.
9- فرقعة الأصابع وتشبيكها
· يكره في الصلاة فرقعة أصابعه وتشبيكها.
10- الانشغال عن الصلاة
· يكره أن يصلي وبين يديه ما يشغله ويلهيه؛ لأن ذلك يشغله عن إكمال صلاته.
· يكره أن يدخل في الصلاة وهو مشوش الفكر بسبب وجود شيء يضايقه، كاحتباس بول، أو غائط، أو ريح، أو حالة برد أو حر شديدين، أو جوع أو عطش مفرطين؛ لأن ذلك يمنع الخشوع.
· يكره دخوله في الصلاة بعد حضور طعام يشتهيه، لقوله عليه الصلاة والسلام: { لا صلاة بحضرة طعام، ولا هو يدافعه الأخبثان } [رواه مسلم].
11- الصلاة في مكان به تصاوير
· تكره الصلاة في مكان فيه تصاوير، لما فيه من التشبه بعبادة الأصنام، سواء كانت الصورة منصوبة أو غير منصوبة على الصحيح.
12- اختصاص الجبهة بما يسجد عليه
· يكره للمصلي أن يخص جبهته بما يسجد عليه، لأن ذلك من شعار الرافضة، ففي ذلك الفعل تشبه بهم.
ثانيا: ما يستحب أو يباح فعله في الصلاة:(262/2)
1- رد المار من أمامه قريباً منه
· يسن للمصلي رد المار من أمامه قريباً منه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { إذا كان أحدكم يصلى، فلا يدعن أحداً يمر بين يديه، فإن أبى فليقاتله؛ فإن معه القرين } [رواه مسلم].
· لكن إذا كان أمام المصلي سترة (أي: شيء مرتفع من جدار أو نحوه) فلا بأس أن يمر من ورائها.
· إذا كان يصلي في الحرم، فلا يمنع المرور بين يديه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ( كان يصلي بمكة والناس يمرون بين يديه وليس دونهم سترة) رواه الخمسة.
2- اتخاذ السترة
· واتخاذ السترة سنة في حق المنفرد والإمام، لقوله صلى الله عليه وسلم : { إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة، وليدن منها } [رواه أبو داود وابن ماجه].
· أما المأموم فسترته سترة إمامه.
· ليس اتخاذ السترة بواجب، لحديث ابن عباس { أنه صلى في فضاء ليس بين يديه شيء } [رواه أحمد وأبو داود].
· ينبغي أن تكون السترة قائمة قدر ذراع، سواء كانت دقيقة أو عريضة.
· الحكمة في اتخاذها، لتمنع المار بين يديه، ولتمنع المصلي من الانشغال بما وراءها.
· وإن كان في الصحراء، صلى إلى شيء شاخص من شجر أو حجر أو عصا، فإن لم يمكن غرز العصا في الأرض؛ وضعه بين يديه عرضاً.
3- التصحيح على الإمام إذا التبس عليه
· إذا التبست القراءة على الإمام، فللمأموم أن يسمعه القراءة الصحيحة.
4- بعض الأفعال المباحة
· يباح للمصلي لبس الثوب ونحوه، وحمل شيء ووضعه، وفتح الباب، وله قتل حية وعقرب، لأنه صلى الله عليه وسلم: { أمر بقتل الأسودين في الصلاة - الحية والعقرب } [رواه أبو داود والترمذي وصححه].
· لكن لا ينبغي له أن يكثر من الأفعال المباحة في الصلاة إلا لضرورة.
· إن أكثر منها من غير ضرورة، وكانت متوالية أبطلت الصلاة.(262/3)
· إذا عرض للمصلي أمر كاستئذان عليه، أو سهو إمامه، أو خاف على إنسان الوقوع في هلكة فله التنبيه على ذلك، بأن يسبح الرجل وتصفق المرأة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : { إذا نابكم شيء في صلاتكم؛ فلتسبح الرجال، ولتصفق النساء } [متفق عليه].
· لا يكره السلام على المصلي إذا كان يعرف كيف يرد، وللمصلي حينئذ رد السلام في حال الصلاة بالإشارة لا باللفظ، فلا يقول: وعليكم السلام، فإن رده باللفظ بطلت صلاته، لأنه خطاب آدمي، وله تأخير الرد إلى ما بعد السلام.
· يجوز للمصلي أن يقرأ عدة سور في ركعة واحدة، لما في الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعة من قيامه بالبقرة وآل عمران والنساء.
· يجوز له أن يكرر قراءة السورة في ركعتين، وأن يقسم السورة الواحدة بين ركعتين، ويجوز له قراءة أواخر السور وأوساطها؛ لما روى أحمد ومسلم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يقرأ في الأولى من ركعتي الفجر قوله تعالى: { قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا} الآية [البقرة:136]، وفي الثانية الآية من سورة آل عمران: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} الآية [آل عمران:64]، ولعموم قوله تعالى: { فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل:20]، لكن لا ينبغي الإكثار من ذلك، بل يفعل أحياناً.
· للمصلي أن يستعيذ عند قراءة آية فيها ذكر عذاب، وأن يسأل الله عند قراءة آية فيها ذكر رحمة، وله أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم عند قراءة ذكره، لتأكد الصلاة عليه عند ذكره.
المرجع: ما يكره ويستحب ويباح في الصلاة -صالح بن فوزان الفوزان-دار القاسم.(262/4)
#الصلاة
الصلاة
مقدمة:
- الصلاة من أهم أركان الإسلام بعد الشهادتين.
- قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ{9} أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ{10} الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{11} المؤمنون9-11 .
- وقال تعالى :{ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً{59} إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئاً{60} مريم59-60.
- قال ابن عباس رضي الله عنهما ليس معنى أضاعوها تركوها بالكلية، لكن معنى أضاعوها أخروها عن أوقاتها ، وقال تعالى :{ فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ{4} الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ{5} الماعون4-5 .أي غافلون عنها متهاونون بها حتى يفوت وقتها.
- وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا ).
- وقال صلى الله عليه وسلم :( لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا فيؤم الناس ثم أخالف معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار ).
- وقصة ابن أم مكتوم الأعمى وعدم ترخيص النبيّ له بالصلاة في بيته لأنه يسمع الأذان.
- وصلاة الخوف كل ذلك يدل على وجوب الصلاة مع الجماعة وأن المتخلف عنها بلا عذر فاسق ساقط العدالة لا تقبل شهادته.
- وأما من ترك الصلاة أو بعضها فهو كافر ، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: ( بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة ). وقال عمر:(لاحظ في الإسلام لمن ترك الصلاة) إنما موضع الصلاة من الدين كموضع الرأس من الجسد وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر ).(263/1)
- وقال الله تعالى: مخبراً عن أصحاب النار { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ{42} قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ{43} وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ{44} وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ{45} وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ{46} حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ{47} فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ{48} المدثر42-48.
- ومما يجب التنبه له أمور هامة:
أولاً:
- منها ما ابتلي به بعض الأئمة من التخفيف في الصلاة وعدم الطمأنينة فيها ، وقد ورد في الحديث: ( من أم الناس فأصاب الوقت وأتم الصلاة فله ولهم ، ومن انتقص من ذلك شيئاً فعليه ولا عليهم ) وفي رواية: (من أم قوماً فليتق الله وليعلم أنه ضامن مسئول ، فإن أحسن كان له من الأجر مثل أجر من صلى خلفه ، وإن أساء فعليه وزره ووزرهم ) فليتق الله من أم قوماً وليحسن الصلاة طلباً لبراءة ذمته والحصول على الأجر العظيم .
ثانياً:
- ما ابتلي به بعض المأمومين من مسابقة الإمام في الصلاة. فهذا من كيد الشيطان لإبطال عمل الإنسان ، وقد ورد في الحديث: (أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أو يسجد قبله أن يجعل الله رأسه رأس حمار ، أو صورته صورة حمار ) وفي الرواية الأخرى ( الذي يخفض رأسه قبل الإمام إنما ناصيته بيد الشيطان ).
- ومن كيد الشيطان ومكره الالتفات في الصلاة ، ورفع البصر فيها إلى السماء.
- وقد ورد في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها ، قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم على الالتفات في الصلاة ، فقال:(هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد) وفي صحيح مسلم.
ثالثاً:(263/2)
- ما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فيه فصلى الرجل ثم جاء فسلم على النبيّ صلى الله عليه وسلم فرد عليه السلام ثم قال له أرجع فصل فإنك لم تصل ثلاث مرات فقال له في الثالثة والذي بعثك بالحق يا رسول الله ما أحسن غيره فعلمني فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم معك (إذا قمت إلى الصلاة فاسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم أركع حتى تطمئن راكعاً ثم ارفع حتى تعتدل قائماً ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ثم اجلس حتى تطمئن جالساً ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً وافعل ذلك في صلاتك كلها ) وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود ) وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال (أشد الناس سرقة الذي يسرق من صلاته قيل وكيف يسرق من صلاته ، قال لا يتم ركوعها ولا سجودها ولا القراءة فيها ) .
رابعاً:
- كثير من الناس إذا مرض ترك الصلاة مدة مرضه ويدعي أنه سيقضيها.
- هذا والعياذ بالله تفريط وإضاعة للصلاة التي هي عمود الإسلام ، وقد قال الله تعالى: { إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً }النساء103.
- ربما مات في مرضه وهو تارك للصلاة فيختم له بشر خاتمه ، وقد قال الله تعالى : {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }التغابن16. وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) وقال: ( صل قائماً ، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنبك).
- فما دام العقل ثابتاً فالواجب لا يسقط بحال، وأداؤه على حسب الاستطاعة.
- تنبهوا أيها المسلمون لهذه المسائل فإن خطرها عظيم ، فكيف يكون حال من مات تاركاً للصلاة.(263/3)
المرجع-أهمية الصلاة في الإسلام.(263/4)
#الصلاة
لغة: الدعاء، لقوله تعالى: {وصل عليهم}التوبة:103 ، أى ادع لهم.(1).
واصطلاحا: قال الجمهور(2): هى أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم مع النية بشرائط مخصوصة.
وعند الأحناف هى عبارة عن الأركان المعهودة والأفعال المخصوصة(3) وعليه فإذا ورد فى الشرع أمر بصلاة أو حكم معلق بها، انصرف بظاهره إلى الصلاة الشرعية.
والصلاة مفروضة شرعا، دل على فرضيتها الكتاب والسنة والإجماع: أما الكتاب فآيات كثيرة منها: قوله تعالى فى غير موضع من القرآن: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة}البقرة:110.
وأما السنة: فأحاديث كثيرة منها: ما رواه ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (بنى الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان ،وحج البيت من استطاع إليه سبيلا) (متفق عليه)(4).
وأما الاجماع: فقد أجمعت الأمة سلفا وخلفا على وجوب خمس صلوات فى اليوم والليلة(5).
والصلوات المكتوبات خمس فى اليوم والليلة ، وهى: الظهر، أربع ركعات ، والعصر أربع ركعات ، والمغرب ثلاث ركعات ، والعشاء أربع ركعات ، والصبح ركعتان.
ولا خلاف بين المسلمين فى وجوبها، ولا يجب غيرها إلا لعارض من نذر، وذلك لما رواه أنس بن مالك قال: (فرضت على النبى صلى الله عليه وسلم الصلوات ليلة أسرى به خمسين ،ثم نقصت حتى جعلت خمسا، ثم نودى يا محمد، إنه لا يبدل القول لدى، وإن لك بهذه الخمس خمسين)(6).
والصلاة أفضل أركان الإسلام بعد الإيمان ، وهى أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة(7).
والصلوات المكتوبات معلومة من الدين بالضرورة، فمنكرها كافر، حيث إن تارك الصلاة حالين:
الأولى: أن يتركها جحودا لفرضيتها، وفى هذه الحالة أجمع العلماء على أنه كافر مرتد يستتاب ، فإن تاب ، وإلا قتل كفرا.(264/1)
الثانية: أن يترك الصلاة تهاونا وكسلا لا جحودا ، وفى حكم هذه الحالة اختلف الفقهاء، فذهب المالكية والشافعية ورواية عن أحمد إلى أنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل حدا لا كفرا. أى أن حكمه بعد الموت حكم المسلم ،فيغسل ويصلى عليه ويدفن مع المسلمين.
وذهب الإمام أحمد فى الرواية الثانية وهى أرجح الروايتين عنه ، وعبد الله بن المبارك ، وابن راهويه ، وهو وجه عند الشافعية إلى أن حكم المتكاسل عن الصلاة يستتاب ، فإن تاب، وإلا قتل كفرا. وذهب أبو حنيفة والإمام المزنى إلى أنه لا يكفر ولا يقتل ، بل يعزر ويحبس حتى يصلى(8).
وللصلاة شروط يجب توافرها ، وهى نوعان: شروط وجوب ، وشروط صحة.
أولا: شروط الوجوب ، هى:
1- الإسلام: فتجب الصلاة على كل مسلم ، ذكرا أو أنثى، ولا تجب على الكافر ولكن يعاقب على تركها فى الآخرة، لتمكنه من فعلها بالإسلام.
2- العقل: فلا تجب الصلاة على المجنون باتفاق الفقهاء.
3- البلوغ: اتفق على أن البلوغ شرط لوجوب الصلاة، فلا تجب على الصبى حتى يبلغ ، ولكنه يؤمر بها تعليما له عندما يبلغ سبع سنوات ، ويضرب على تركها إذا بلغ عشر سنوات.
ثانيا: شروط الصحة، هى:
(أ) طهارة البدن والثوب والمكان من النجاسة الحقيقية.
(ب) الطهارة من الحدث ، وتكون بالوضوء، أو الغسل ، أو التيمم.
(ب) العلم بدخول وقت الصلاة، فلا تصح الصلاة إذا أديت قبل دخول وقتها.
(د) ستر العورة، فتبطل الصلاة مع كشف العورة للقادر على سترها، ولو كان منفردا فى مكان مظلم ، والعورة من الذكر ما بين السرة والركبة، ومن الأنثى جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين.
(هـ) استقبال القبلة، فيجب على المصلى أن يولى وجهه شطر المسجد الحرام(9).
أقوال الصلاة وأفعالها تنقسم إلى أركان وسنن ، فالأركان هى التى لا تصح الصلاة بدونها ، والسنن تصح الصلاة بدونها على خلاف بين الفقهاء.(264/2)
نكتفى بذكر الأركان إجمالا، أما تفصيلها ومعرفة السنن فيرجع إليها فى كتاب الصلاة من كتب المذاهب.
والأركان هى: النية، وتكبيرة الإحرام ،والقيام للقإدر عليه ، وقراءة الفاتحة، وآيات من القرآن ، والركوع ، والرفع من الركوع والاعتدال ، والسجود ، والرفع من السجود ،والجلوس بين السجدتين ، والطمأنينة فى الأركان ، والجلوس الأخير، والتشهد الأخير، والسلام ، وترتيب أركان الصلاة(10).
أ.د/على مرعى(264/3)
#الصلح
لغة: اسم من الصلاح وهو التوفيق ، وأصلحت بين القوم: أى وفقت قال الراغب: الصلح يختص بإزالة النفار بين الناس ، فهو قطع المنازعة(1).
وشرعا: هو الانتقال عن حق أو دعوى بعوض لرفع نزاع أو خوف وقوعه ، فهذا التعريف يشير إلى أنه قد يكون الصلح عن المنازعة بعد وقوعها، كما أنه يكون أيضا عند خوف المنازعة واحتماك وقوعها وقاية منها(2).
والصلح مشروع بالكتاب والسنة والاجماع.
أما الكتاب: قوله تعالى: {لا خير فى كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس}النساء:114 ، وقوله تعالى: {والصلح خير}النساء:128 ، فالله تعالى وصفه الصلح بالخيرية، ولا يوصف بها إلا ما كان مشروعا ومأذونا فيه.
وأما السنة: فبما روى أبو هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال (الصلح جائز بين المسلمين)(3) فالحديث واضح الدلالة على مشروعية الصلح.
وأما الإجماع: فقد أجمع الفقهاء على مشروعية الصلح فى الجملة، وإن كان هناك خلاف فى بعض الصور(4).
أما عن درجة المشروعية: فالأصل أنه مندوب ، ومع ذلك فقد يكون واجبا عند تعين مصلحة، وقد يكون حراما أو مكروها عند استلزامه مفسدة يجب درؤها ، أو يترجح جانب المفسدة(5).
وللصلح أنواع خمسة:
(أ) الصلح بين أهل العدل وأهل البغى.
(ب) الصلح بين الزوجين عند خوف الشقاق.
(ج) الصلح بين المتخاصمين فى غير مال كالجنايات العمدية.
(د) الصلح بين المسلمين والكفار.
(هـ) الصلح بين المتخاصمين فى الأموال.
وهذا الأخير قد أفرد له الفقهاء بابا فى كتب الفقه(6).
ويجوز للقاضى أن يرد الخصوم إلى الصلح إن طمع فى الصلح منهم ، وإلا فلا يردهم ، بل ينفذ القضاء فيهم ، لأنه لا فائدة فى الرد(7).(265/1)
وعقد الصلح ليس عقدا مستقلأ بذاته ، بل هو متفرع عن غيره ، بمعنى أنه تسرى عليه أحكام أقرب العقود إليه شبها بحسب المضمون ، فالصلح عن مال بمال يعتبرفى حكم البيع ، والصلح عن مال بمنفعة يعد في حكم الإجارة، والصلح عن نقد بنقد له حكم الصرف وهكذا. ويترتب على ذلك أنه تجرى على الصلح أحكام العقد الذى تشابه معه أواعتبر به، فتراعى فيه شروطه ومتطلباته ،وذلك لأن العبرة للمعانى دون الصور (8).
وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن للصلح أركانا ثلاثة:
1- الصيغة (الإيجاب والقبول).
2- والعاقدان.
3- والمحل (المصالح به والمصالح عنه).
وللصلح أقسام نوجزها فيما يلى، ومن أراد الأستزادة فليرجع إلى التفصيل فى كتب الفقهاء.
فالصلح إما أن يكون بين المدعى والمدعى عليه ، وإما أن يكون بين المدعى والأجنبى المتوسط.
كما ينقسم الصلح بنوعيه إلى ثلاثة أقسام: صلح عن الإقرار، وصلح عن الإنكار، وصلح عن السكوت.
(أ) فالصلح مع إقرار المدعى عليه جائز باتفاق الفقهاء، وهو ضربان: صلح عن الأعيان وصلح عن الديون ، والصلح عن الأعيان نوعان: صلح الحطيطة، وصلح المعاوضة والصلح عن الديون نوعان: صلح
إسقاص وإبراء ، وصلح معاوضة(9).
(ب) وأما الصلح مع إنكار المدعى عليه فقد اختلف الفقهاء فى جوازه على قولين:
القول الأول: أن الصلح على الإنكار جائز، بشرص أن يعتقد المدعى أن له الحق ، والمدعى عليه يعتقد أن لا حق عليه ، فيتصالحان قطعا للخصومة والنزاع.
وبهذا قال الحنفية والمالكية والحنابلة(10).
والقول الثانى: أن الصلح على الإنكار باطل وبهذا قال الشافعية وابن أبى ليلى(11).
(ج) وأما الصلح مع سكوت المدعى عليه ، كما إذا ادعى شخص على آخر شيئا، فسكت المدعى عليه دون أن ينكر أو يقر، ثم صالح عنه وهذا النوع اعتبره الفقهاء فى حكم الصلح عن الإنكار، وبالتالى ففيه القولان السابقان (12).(265/2)
8- وقد بين الفقهاء أنه يترتب على انعقاد الصلح حصول البراءة عن الدعوى، ووقوع الملك فى بدل الصلح للمدعى، وفى المصالح به للمدعى عليه إن كان مما يحتمل التمليك ،كما أن الصلح يعتبربأقرب العقود إليه ، فما كان فى معنى البيع أو الإجارة أخذ حكمه ؛ ذلك أن العبرة فى العقود للمقاصد والمعانى دون الألفاظ والمبانى.
كما أن الصلح من العقود اللازمة، فإذا انعقد صحيحا خاليا من العيوب ، فإنه لا يملك أحد المتعاقدين فسخه أو الرجوع عنه بمفرده (13).
أما عن شروط الصلح وسائر تفصيلات أحكامه وفروعها، فيرجع إليها فى كتب الفقه على نحو ما ذكرت من مراجع.
أ.د/على مرعى(265/3)
#الصيدلة
لغة: الصيدلانى، فارسى معرب ، والجمع صيادلة كما فى اللسان (1).
واصطلاحا: فن علمى يبحث فى أصول الأدوية سواء كانت نباتية أو حيوانية أو أدوية مصنعة كيميائيا، من حيث تركيبها وتحضيرها ومعرفة خواصها الكيميائية والطبيعية، وتأثيرها فى علاج الأمراض والوقاية منها، كما تختص الصيدلة بكيفية استحضار الأدوية المركبة من هذه الأصول.
ويدل المصطلح العربى "صيدلى" أو "صيدلانى" -طبقا لما ذهب إليه العالم المسلم البيرونى- على المحترف بجمع الأدوية على أحد صورها واختيار الأجود من أنواعها مفردة أو مركبة؛ لاستعمالها فى علاج الأمراض.
ويرى البيرونى أن كلمة "صيدلانى" تعريب لكلمة "جندولانى" بقلب الجيم صادا ، وكلمة "جندن "و" صندل " تدل على أفواه الطيب العطر، وقد تنسب كلمة "صيدلانى" أيضا إلى "الصندل " وفى كلتا الحالتين فإن المصطلح يدل على أن "الصيدلى" هو الشخص الذى يجمع الأعشاب النافعة للتطبيب.
ولقد عرف الإنسان الدواء منذ فجر التاريخ ، حيث اهتدى الإنسان البدائى بالفطرة إلى اكتشاف الدواء الذى يسكن آلامه ويعالج مرضه ، فقد استعمل الكحول والأفيون لتسكين الآلام ، كما استخدم "السنكونا " لعلاج الملاريا ، ونبات عرق الذهب لعلاج الدوسنتريا.
وتعتبر الحضارة المصرية القديمة من أعرق الحضارات التى زخرت بالكثير من العلوم الطبية، والتى كان لها الفضل فى اكتشاف بعض الأدوية التى لا يزال يستعمل عدد منها حتى الآن ، وتشهد بعض البرديات التى يرجع تابخها إلى (1600) سنة قبل الميلاد، على أن قدماء المصريين قد توصلوا إلى علاج أمراض عديدة ومتنوعة، حيث تزخر البرديات الطبية بما يزيد عن (700) وصفة علاجية تشمل طريقة تحضير الدواء، وكيفية إعطائه للمريض ، منها استعمال الحنظل والزعتر والزعفران والثوم والبصل وزيت الزيتون والسمسم والقرنفل ، وغير ذلك مما يدل على أنهم قد برعوا فى مجال الطب والصيدلة.(266/1)
وقد توصل الهنود فى القرن السادس قبل الميلاد إلى الوقاية من مرض الجدرى باستعمال وسيلة التطعيم ، وعلاج بعض الأمراض باستعمال النباتات والأدوية الطبيعية، كما كانوا يعتقدون فى العلاج بالسحر.
كما توصل أيضا قدماء اليونانيين إلى علاج بعض الأمراض باستعمال الأدوية الطبيعية والنباتات ، كما كانوا يعتقدون كذلك فى العلاج بالسحر.
ولقد استطاع العالم اليونانى أبقراط (460-377 ق م) وأتباعه أن يحرروا الطب من الخرافات والخزعبلات ، وأوصى أبقراط بالوقاية من الأمراض وعلاجها بتناول الغذاء الأمثل والتعرض للهواء النقى وتدليك الجسم ، كما أوصى باستعمال الأدوية المسهلة والحقن الشرجية وبعض الأدوية فى علاج الأمراض.
وفى العصر الرومانى انتقل التراث الطبى من اليونان إلى روما ، ويعتبر العالم جالينوس -وهو يونانى المنشأ- من أشهر علماء الطب والصيدلة فى العصر الرومانى، حيث كان له أبلغ الأثر فى تقدم الصيدلة، فهو أول من أدخل المستحضرات الدوائية المركبة فى مجال الصيدلة، وأول من حضر صبغة الأفيون ومستحضرات بعض النباتات الطبية، التى أطلق عليها فيما بعد اسم "الجالينات".
ولقد كان للإسلام أبلغ الأثر فى تقدم وتطور علوم الطب والصيدلة، حيث حث المسلمين على طلب العلم وتكريم العلماء، ولقد شهد العالم الإسلامى مولد أول مدرسة للصيدلة، وبذلك استقل مبحث الصيدلة عن مبحث الطب ،ويشهد لعلماء العصر الإسلامى ببراعتهم فى فن تحضير الدواء، وكان المسلمون هم أول من أنشأوا صيدليات لبيع الدواء.
ولقد أسهم الأطباء والصيادلة العرب والمسلمون إسهاما كبيرا فى تقدم وتطور علوم الطب والصيدلة فى مختلف دول العالم بما قدموه من دراسات ومؤلفات ، مما كان له أثر كبير فى تطورها، وكانت تعد من أهم المراجع الطبية والصيدلية فى أوروبا إلى ما بعد القرن السابع عشر.(266/2)
ولقد شهد العصر الحديث تطورا مذهلا فى علوم الصيدلة، حيث شيدت آلاف الأدوية الكيميائية، واكتشفت الآثار الطبية العديد من الأدوية الطبيعية، كما تنوعت وتقدمت وسائل العلاج الدوائى، وتحضير الأدوية والمركبات الصيدلية، كما شهد هذا العصرتقدما علميا وتقنيا فى الصناعات الدوائية ودراسات وبحوث الصيدلة.
أ.د/عز الدين الدنشارى(266/3)
#الصيرفة
لغة: مشتقة من الصرف ، وهو صرف الذهب والفضة فى الميزان ، أى فضل الدرهم على الدرهم ، والدينار على الدينار ، لأن كل واحد منهما يصرف عن قيمة صاحبه ، ويقال بين الدرهمين صرف أى فضل لجودة فضة أحدهما ، والصرف أيضا بيع الذهب بالفضة، ويقال صرفت الدراهم بالدنانير(كما فى اللسان).(1)
واصطلاحا: وظيفة من وظائف كتاب الأموال فى الدول الإسلامية.
والصراف والصريف والصيرفى هو الذى كان يتولى قبض الأموال وصرفها ونقدها ،والجمع صيارف وصيارفة، وقد يجمع شخص واحد مهمة الصيرفى والجابى.
ونظرا لأهمية وظيفة الصيرفة ألفت كتب لإرشاد الصيارفة، منها:
كتاب "المختار فى كشف الأسرار" للجويرى، وهو من علماء النصف الأول من القرن الهجرى، وقد تناول هذا الكتاب كشف أسرار الغش والتدليس فى الصناعات ، وعنى بصفة خاصة بأعمال الصيارف.
كتاب "الباهر فى الحيل والشعبذة" لأحمد بن عبدالملك الأندلسى. واهتم الكتاب بتنبيه الصيارفة إلى تجنب التصرفات المخالفة للشرع ، فحذرهم السباكى مثلا من خلط أموال الناس بعضها ببعض ،وعدم بيع النقدين بالآخر نسيئة، بل نقدا، وذكرهم أيضا بأن من حق الصيرفى معرفة عقد الصرف ،وألزم بضمان ما يتلف فى يده من النقد للغير. ومن الأمورالتى لفت السباكى نظر الصيرفى إليها انه إذا سلم صبى درهما إلى صيرفى لينقده لم يحل للصيرفى رده إليه ، وإنما يرده إلى وليه.
ومن الملاحظ أن كثيرين من اليهود والنصارى مارسوا الصيرفة فى مصر فى العصر الإسلامى، وأثروا منها ثراء كبيرا، وحصلوا عن طريقها على كثير من النفوذ.
وحدد ديوان الإنشاء فى عصر المماليك ألقابا الصيارف من اليهود والنصارى، وذكر أنها تصدر "بالشيخ" كما كانوا يتخذون ألقابا مضافة إلى الدولة مثل ولى الدولة وشمس الدولة،وربما قيل: الشيخ الشمسى للتفخيم.(267/1)
وكان الصيرفى إذا أسلم أضيف لقبه إلى الدين بدلا من الدولة، فيقال مثلا شمس الدين ، وإذا كان لقبه لا ينالب الإضافة إلى الدين نعت بلقب قريب ، مثلا الشيخ السعيد، قد يقال له سعد الدين.
هذا.. واشتهر بعض الأعلام بلقب الصيرفى مما يرجح اشتغالهم بهذه الوظيفة، أو انتسابهم إلى من اشتغل بها، ومن أمثلة هؤلاء: الصيرفى على بن بندار الصوفى والصيرفى عمرو بن عدى، والشيخ أبو القاسم على بن منجب الصيرفى الكاتب ،مؤلف كتاب "قانون ديوان الرسائل" وشهرته ابن الصيرفى، وقد ورد اسمه بمسجد مهدم بقرية الحصن.
وقد وصلتنا بعض شواهد قبور تشتمل على أسماء مصحوبة بهذه الوظيفة، منها: شاهد رخام من ترابانى مؤرخ ربيع الأول سنة 474هـ باسم سيدة الأهل بنت عبدالعزيز الصيرفى من أهل مازر.
شاهد حجر جيرى مؤرخ آخر رجب سنة 583هـ من جبانة باب الشاغور بدمشق باسم الحاج أبو المكارم بن جامع بن على الصيرفى.
هذا ويطلق حاليا فى مصروغيرها من البلاد العربية على شركات تغيير العملات أو استبدالها شركات الصرافة.
أ.د/حسن الباشا(267/2)
#الضرر
لغة: اسم من الضر، وهو نقص يدخل على الأعيان ، فهو ضد النفع ، وهو النقصان يقول الأزهرى: "كل ما كان سوء حال وفقر وشدة فى بدن فهو ضر بالضم ، وما كان ضد النفع فهو بفتحها(1).
واصطلاحا: هو إلحاق مفسدة بالغير(2).
والضرر قد يكون بالقول: كرجوع الشاهدين عن شهادتهما بعد القضاء ، وقبض المدعى للمال ، فلا يفسخ الحكم ، ويضمنان ما أتلفاه على المحكوم عليه ، وقد يكون الضرر ناشئا عن الفعل كتمزيق الثياب ، وقطع الأشجار(3).
وقد يكون بالقول والفعل كما سبق.
وقد يكون بالترك ، ومثاله امرأة تصرع أحيانا، فتحتاج إلى حفظها، فإن لم يحفظها الزوج حتى ألقت بنفسها من شاهق ، فعليه ضمانها(4).
والأصل أن سائر أنواع الضرر حرام إلا ما قام الدليل على إباحته ، وتزداد حرمته كلما زادت شدته ، وقد دلت على ذلك نصوص كثيرة،منها:
قوله تعالى {لا تضار والدة بولدها}البقرة:233، وقوله تعالى {ولا تمسهكوهن ضرارا لتعتدوا}البقرة:231.
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم "لا ضر ولا ضرار"(5). فهذا الحديث يشمل كل أنواع الضرر؛ لأن النكرة فى سياق النفى تعم ،ومعناه أنه لا يجوز شرعا إلحاق ضرر أو ضرار بالنفس أو بالغير إلا بموجب خاص.
وتجدر الإشارة إلى أن الضرر يباح استثناء فى أحوال منها: إدخال الضرر على أحد يستحقه لكونه تعدى حدود الله ، فيعاقب بقدر جريمته ، ومنها ارتكاب الضرر فى حالة الضرورة، أو ارتكاب ضرر أخف تجنبا لضرر أشد إلى غيرذلك.
وهناك قواعد فقهية ضابطة لأحكام الضرر، تناولها الفقهاء وفصلوها وبينوا أحكامها ، وسنذكرها إجمالا ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى كتب القواعد.
فمن هذه القواعد: "الضرر يزال " فيبنى على هذه القاعدة كثير من أبواب الفقه مثل الرد بالعيب ، والخيار بأنواعه ،والحجر والشفعة، وقسمة الجبر وغير ذلك (6) ويتفرع عن هذه القاعدة قاعدتان:
الأولى: الضروات تبيح المحظورات وبناء عليها يجوز أكل الميتة للمضطر.(268/1)