الشيءَ مُزَعْزَعاً؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَتَانِي النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فحَطانِي حَطْوَةً
؛ هَكَذَا رَوَاهُ غَيْرَ مَهْمُوزٍ وَهَمَزَهُ غَيْرُهُ، قَالَ: وقرأْته بِخَطِّ شَمِرٍ فِيمَا فَسَّرَ مِنْ حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: تَناوَلَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بقَفَايَ فحطَأَنِي حَطْأَةً
، وَقَالَ ابْنُ الأَثير: قَالَ الْهَرَوِيُّ جَاءَ بِهِ الرَّاوِي غَيْرَ مَهْمُوزٍ، وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ فِي أَماليه: يُقَالُ لِلْقَمْلَةِ حَطَاة وَجَمْعُهَا حَطاً، قَالَ: وَذَكَرَهُ ابْنُ وَلَّادٍ بِالظَّاءِ المعجمة، وهو خطأٌ.
حظا: الحُظْوَة والحِظْوَة والحِظَة: المَكانة والمَنزِلة لِلرَّجُلِ مِنْ ذِي سُلْطان وَنَحْوِهِ، وَجَمْعُهُ حُظاً [حِظاً] وحِظَاءٌ، وَقَدْ حَظِيَ عِنْدَهُ يَحْظَى حِظْوَة. ورجُل حَظِيٌّ إِذَا كَانَ ذَا حُظْوة ومَنْزِلة، وَقَدْ حَظِيَ عِنْدَ الأَمير واحْتَظَى بِهِ بِمَعْنَى. وحَظِيَت المرأَة عِنْدَ زَوْجِهَا حُظْوَة وحِظْوَة، بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ، وحِظَةً أَيضاً وحَظِيَ هُوَ عندَها، وامرأَة حَظِيَّة وَهِيَ حَظِيَّتِي وإحْدَى حَظَايايَ. وَفِي الْمَثَلُ: إلَّا حَظِيَّةً «1» . فَلَا أَلِيَّةً أَي إلَّا تكُنْ مِمَّن يَحْظَى عِنْدَهُ فإنِّي غيرُ أَلِيَّةٍ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَلَوْ عَنَت بالحَظِيَّةِ نفسَها لَمْ يَكُنْ إلَّا نَصْباً إِذَا جَعَلَتِ الحَظِيَّة عَلَى التَّفْسِيرِ الأَول، وَقِيلَ فِي الْمَثَلُ: إلَّا حَظِيَّةً فَلَا أَلِيَّةً؛ تَقُولُ: إنْ أَخْطَأَتْكَ الحُظْوة فِيمَا تَطْلُب فَلَا تَأْلُ أَنْ تَتَوَدَّد إِلَى النَّاسِ لَعَلَّكَ تُدْرِكُ بَعْضَ مَا تُرِيدُ، وأَصله فِي المرأَة تَصْلَف عِنْدَ زَوْجِهَا؛ وَفِي التَّهْذِيبِ: هَذَا الْمَثَلُ مِنْ أَمثال النِّسَاءِ، تَقُولُ: إِنْ لَمْ أَحْظَ عند زوجي فلا آلُوا فِيمَا يُحْظِيني عندَه بِانْتِهَائِي إِلَى مَا يَهْواه. وَيُقَالُ: هِيَ الحِظْوَة والحُظْوَة والحِظَة؛ قَالَ:
هَلْ هِيَ إلَّا حِظَة أَوْ تَطْلِيقْ، ... أَو صَلَفٌ مِنْ دُونِ ذَاكَ تَعْلِيقْ،
قَدْ وجَبَ المَهْرُ إِذَا غابَ الحُوقْ
وَفِي الْمَثَلِ: حَظِيِّينَ بَنَاتٍ صَلِفِينَ كَنَّاتٍ؛ يُضْرَبُ لِلرَّجُلِ عِنْدَ الْحَاجَةِ يَطْلُبُهَا يُصِيبُ بَعْضَهَا ويَعْسُر عَلَيْهِ بَعْضٌ. أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ إِنَّهُ لَذُو حُظْوَة فيهن وعندهن، وَلَا يُقَالُ ذَلِكَ إِلَّا فِيمَا بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهَا: تَزَوَّجَنِي رسولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي شَوَّال وبَنَى بِي فِي شَوَّال فأَيُّ نِسائهِ أَحْظَى مِنِّي
أَي أَقرب إِلَيْهِ مِنِّي وأَسعد بِهِ. يُقَالُ: حَظِيت المرأَة عِنْدَ زَوْجِهَا تَحْظَى حِظْوَة وحُظْوَة، بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ، أَي سَعِدت ودنَت مِنْ قَلْبِهِ وأَحَبَّها. وَيُقَالُ: إِنَّهُ لَذو حَظّ فِي الْعِلْمِ. أَبو زَيْدٍ: وأَحْظَيْتُ فُلَانًا عَلَى فُلَانٍ، مِنَ الحُظْوة وَالتَّفْضِيلِ، أَي فضَّلته عَلَيْهِ. ابْنُ بُزُرْج: وَاحِدُ الأَحاظِي أَحْظاءٌ «2» ، وواحد الأَحْظاءِ حِظىً، منقوص، قَالَ: وأَصلُ الحِظَى الحَظُّ. وَقَالَ ابْنُ الأَنباري: الحِظَى الحُظْوة، وَجَمْعُ الحِظَى أَحْظٍ ثُمَّ أَحَاظٍ. وَرَجُلٌ لَهُ حُظْوَة وحِظْوَة وحِظَة أَي حَظٌّ مِنَ الرِّزْقِ. والحَظْوة والحُظْوة: سَهْمٌ صَغِيرٌ قدرُ ذِرَاعٍ، وَقِيلَ: الحَظْوة سَهْمٌ صَغِيرٌ يَلْعَبُ بِهِ الصِّبْيَانُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَصْل فَهُوَ حُظَيَّة، بِالتَّصْغِيرِ. وَفِي الْمَثَلِ: إحدَى حُظَيَّاتِ لُقْمَان، وَهُوَ لُقْمانُ بْنُ عادٍ وحُظَيَّاتُه سِهَامُهُ ومَرَاميه؛ يُضْرَبُ لِمَنْ عُرِفَ بالشَّرارة ثُمَّ جَاءَتْ مِنْهُ هَنَةٌ؛ وَقَالَ الأَزهري: حُظَيَّات تَصْغِيرُ حَظَوَات، وَاحِدَتُهَا حَظْوَة، وَمَعْنَى الْمَثَلِ إحْدى دَوَاهِيهِ ومَرَاميه. وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: إِذَا عُرِف الرجل بالشَّرارة
__________
(1) . قوله [وَفِي الْمَثَلِ إِلَّا حَظِيَّةً إلى قوله على التفسير الأَول] هذه عبارة المحكم بالحرف
(2) . قوله [ابْنُ بُزُرْجٍ وَاحِدُ الأَحاظي أحظاء إلخ] هي عبارة التهذيب بالحرف، وما نقله عن ابن الأَنباري هو الموافق لما في القاموس والتكملة(14/185)
ثُمَّ جَاءَتْ مِنْهُ هَنَةٌ قِيلَ إِحْدَى حُظَيَّاتِ لُقْمَانَ أَي أَنَّها مِنْ فَعَلاته، وأَصْل الحُظَيَّاتِ المَرامي، وَاحِدَتُهَا حُظَيَّة ومُكَبَّرها حَظْوة، وَهِيَ الَّتِي لَا نَصْل لَهَا مِنَ الْمَرَامِي؛ وَقَالَ الْكُمَيْتُ:
أَرَهْطَ إمْرِئِ القَيْس، اعْبَؤُوا حَظَواتِكُمْ ... لِحَيٍّ سِوانا، قَبْلَ قاصمةَ الصُّلْبِ
والحَظْوة مِنَ المَرامي: الَّذِي لَا قُذَذَ لَهُ، وَجَمْعُ الحَظْوة حَظَوات وحِظاءٌ، بِالْمَدِّ؛ أَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
إِلَى ضُمَّرٍ زُرْقٍ كأَنَّ عُيونَها ... حِظَاءُ غُلامٍ لَيْس يُخْطِين مُهْرَأَ «3»
. ابْنُ سِيدَهْ: الحَظْوة كُلُّ قَضِيبٍ نَابِتٍ فِي أَصل شَجَرَةٍ لَمْ يَشْتَدَّ بعدُ، وَالْجَمْعُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ حِظَاءٌ، مَمْدُودٌ، وَيُقَالُ للسَّرْوة حَظْوة وثَلاثُ حِظاءٍ؛ وَقَالَ غَيْرُهُ: هِيَ السِّروة، بِكَسْرِ السِّينِ. ابْنُ الأَثير: وَفِي حَدِيثِ
مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ: دَخَلَ عَلَيَّ طَلْحَةُ وأَنا مُتَصَبِّحٌ فأَخَذَ النعلَ فَ حَظَانِي بِهَا حَظَياتٍ ذَواتِ عَدَدٍ
أَي ضَرَبَنِي، قَالَ: هَكَذَا رُوِيَ بِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَقَالَ الْحَرْبِيُّ: إِنَّمَا أَعْرِفُها بِالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ، فأَما الْمُعْجَمَةُ فَلَا وَجْهَ لَهُ؛ وَقَالَ غَيْرُهُ: يَجُوزُ أَن يَكُونَ مِنْ الحَظْوة بِالْفَتْحِ، وَهُوَ السَّهْمُ الصَّغِيرُ الَّذِي لَا نَصْلَ لَهُ، وَقِيلَ: كُلُّ قَضِيبٍ نَابِتٍ فِي أَصل فَهُوَ حَظْوة، فَإِنْ كَانَتِ اللَّفْظَةُ مَحْفُوظَةً فَيَكُونُ قَدِ اسْتَعَارَ الْقَضِيبَ أَو السَّهْمَ لِلنَّعْلِ. يُقَالُ: حَظَاه بالحَظْوة إِذَا ضَرَبَهُ بِهَا كَمَا يُقَالُ عَصاه بالعَصَا. وحُظَيٌّ: اسمُ رَجُلٍ إِنْ جَعَلته مِنَ الحُظْوة [الحِظْوة] ، وَإِنْ كَانَ مُرْتَجَلًا غَيْرَ مُشْتَقٍّ فَحُكْمُهُ الْيَاءُ. وَيُقَالُ: حَنْظَى بِهِ، لُغَةٌ فِي عَنْظَى بِهِ إِذَا نَدَّد بِهِ وأَسْمَعه الْمَكْرُوهَ. والحَظَى: القَمْلُ، واحدتُها حَظَاةٌ. ابْنُ سِيدَهْ: وحُظَيٌّ اسْمُ رَجُل؛ عَنِ ابْنِ دُرَيْدٍ، وَقَدْ يَجُوزُ أَن تَكُونَ هَذِهِ الْيَاءُ وَاوًا عَلَى أَنه تَرْخِيمُ مُحْظٍ أَي مفَضِّل لأَن ذَلِكَ مِنَ الحُظْوَة.
حفا: الحَفا: رِقَّة القَدم والخُفِّ وَالْحَافِرِ، حَفِيَ حَفاً فَهُوَ حافٍ وحَفٍ، وَالِاسْمُ الحِفْوَة والحُفْوة. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: حَافٍ بيِّنُ الحُفْوة والحِفْوة والحِفْية والحِفَاية، وَهُوَ الَّذِي لَا شَيْءَ فِي رِجْله من خُفّ ولا نَعْل، فأَما الَّذِي رقَّت قَدماه مِنْ كَثْرَةِ المَشْي فَإِنَّهُ حَافٍ بَيِّنُ الحَفَا. والحَفَا: المَشْيُ بغير خُفّ ولا نَعْلٍ. الْجَوْهَرِيُّ: قَالَ الْكِسَائِيُّ رَجُلٌ حافٍ بيّنُ الحُفْوَة والحِفْيَة والحِفَايَة والحفاءِ، بِالْمَدِّ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ والحَفَاء، بِفَتْحِ الْحَاءِ، قَالَ: كَذَلِكَ ذَكَرَهُ ابْنُ السِّكِّيتِ وَغَيْرُهُ، وَقَدْ حَفِيَ يَحْفَى وأَحْفَاه غَيْرُهُ. والحِفْوة والحَفا: مَصْدَرُ الحَافي. يُقَالُ: حَفِيَ يَحْفَى حَفاً إِذَا كَانَ بِغَيْرِ خفّ ولا نَعْل، وَإِذَا انْسَحَجَتِ الْقَدَمُ أَو فِرْسِنُ الْبَعِيرِ أَو الحافرُ مِنَ المَشْيِ حَتَّى رَقَّت قِيلَ حَفِيَ يَحْفَى حَفاً، فَهُوَ حَفٍ؛ وأَنشد:
وَهُوَ منَ الأَيْنِ حَفٍ نَحِيتُ
وحَفِيَ مِنْ نَعْليه وخُفِّه حِفْوة وحِفْية وحَفاوة، ومَشَى حَتَّى حَفِيَ حَفاً شَدِيدًا وأَحْفاه اللَّهُ، وتَوَجَّى مِنَ الحَفَا وَوَجِيَ وَجىً شَدِيدًا. والاحْتِفَاء: أَن تَمْشِيَ حَافِيًا فَلَا يُصيبَك الحَفَا. وَفِي حَدِيثِ الِانْتِعَالِ:
ليُحْفِهِما جَمِيعًا أَو لِيَنْعَلْهما جَمِيعًا
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: أَي ليمشِ حافيَ الرِّجلين أَو مُنْتَعِلَهما لأَنه قَدْ يَشُقُّ عَلَيْهِ الْمَشْيُ بِنَعْلٍ وَاحِدَةٍ، فإنَّ وضْعَ إحْدى الْقَدَمَيْنِ حَافِيَةً إِنَّمَا يَكُونُ مَعَ التَّوَقِّي مِنْ أَذىً يُصيبها، وَيَكُونُ وَضْعُ الْقَدَمِ المُنْتَعِلة عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ فَيَخْتَلِفُ حِينَئِذٍ مَشْيُهُ الَّذِي اعْتَادَهُ فَلَا يأْمَنُ العِثارَ،
__________
(3) . قوله: ليس يخطين مُهْرأ؛ هكذا في الأَصل(14/186)
وَقَدْ يتَصَوَّر فاعلُه عِنْدَ النَّاسِ بِصُورَةِ مَنْ إحْدى رِجْلَيْهِ أَقصرُ مِنَ الأُخرى. الْجَوْهَرِيُّ: أَما الَّذِي حَفِيَ مِنْ كَثْرَةِ الْمَشْيِ أَي رَقَّت قدَمُه أَو حافِره فَإِنَّهُ حَفٍ بَيِّنُ الحَفَا، مَقْصُورٌ، وَالَّذِي يَمْشِي بِلَا خُفّ وَلَا نَعْل: حافٍ بَيِّنُ الحَفَاءِ، بِالْمَدِّ. الزَّجَّاجُ: الحَفَا، مَقْصُورٌ، أَن يَكْثُرَ عَلَيْهِ الْمَشْيُ حَتَّى يُؤلِمَه المَشْيُ، قَالَ: والحَفَاءُ، مَمْدُودٌ، أَن يَمْشِيَ الرَّجُلُ بِغَيْرِ نَعْل، حافٍ بَيِّن الحَفَاء، مَمْدُودٌ، وحَفٍ بَيِّنُ الحَفَا، مَقْصُورٌ، إِذَا رَقَّ حَافِرُهُ. وأَحْفَى الرجلُ: حَفِيت دَابَّتُهُ. وحَفِيَ بالرجُل حَفَاوة وحِفاوَة وحِفَاية وتَحَفَّى بِهِ واحْتَفَى: بالَغَ فِي إكْرامه. وتَحَفَّى إِلَيْهِ فِي الوَصِيَّة: بالغَ. الأَصمعي: حَفِيتُ إِلَيْهِ فِي الْوَصِيَّةِ وتَحَفَّيْت بِهِ تَحَفِّياً، وَهُوَ الْمُبَالَغَةُ فِي إكْرامه. وحَفِيت إِلَيْهِ بِالْوَصِيَّةِ أَي بَالَغْتُ. وحَفِيَ اللهُ بِكَ: فِي مَعْنَى أَكرمك اللَّهُ. وأَنا بِهِ حَفِيٌّ أَي بَرٌّ مُبَالِغٌ فِي الْكَرَامَةِ. والتَّحَفِّي: الكلامُ واللِّقاءُ الحَسَن. وَقَالَ الزَّجَّاجُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا
؛ مَعْنَاهُ لَطِيفًا. وَيُقَالُ: قَدْ حَفِيَ فُلَانٌ بِفُلَانٍ حِفْوة إِذَا بَرَّه وأَلْطَفه. وَقَالَ اللَّيْثُ: الحَفِيُّ هُوَ اللَّطِيفُ بِكَ يَبَرُّكَ ويُلْطِفك ويَحْتَفِي بِكَ. وَقَالَ الأَصمعي: حَفِيَ فُلَانٌ بِفُلَانٍ يَحْفَى بِهِ حَفَاوَة إِذَا قَامَ فِي حَاجَتِهِ وأَحْسَن مَثْواه. وحَفا اللَّهُ بِهِ حَفْواً: أَكرمه. وحَفَا شارِبَه حَفْواً وأَحْفَاه: بالَغَ فِي أَخْذه وألْزَقَ حَزَّه. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، أَمر أَن تُحْفَى الشواربُ وتُعْفَى اللِّحَى
أَي يُبالَغ فِي قَصِّها. وَفِي التَّهْذِيبِ:
أَنه أَمر بإحْفَاءِ الشَّوَارِبِ وإعْفاء اللِّحَى.
الأَصمعي: أَحْفَى شارِبَه ورأْسَه إِذَا أَلزق حَزَّه، قَالَ: وَيُقَالُ فِي قولِ فلانٍ إحْفَاءٌ، وَذَلِكَ إِذَا أَلْزَق بِك مَا تَكْرَهُ وأَلَحَّ فِي مَسَاءَتِك كَمَا يُحْفَى الشيءُ أَي يُنْتَقَص. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ لِآدَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَخْرِجْ نَصِيبَ جَهَنَّمَ منْ ذُرِّيَّتِكَ، فيقولُ: يَا رَبّ كَمْ؟ فَيَقُولُ: مِن كلِّ مِائَةٍ تسْعَةً وتسعينَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ احْتُفِينا إِذًا فَماذا يَبْقى؟
أَيِ اسْتُؤْصِلْنَا، مِنْ إحْفَاءِ الشَّعْرِ. وكلُّ شيءٍ اسْتُؤْصِلَ فَقَد احْتُفِيَ. وَمِنْهُ حَدِيثُ الْفَتْحِ:
أَنْ يَحْصُدُوهم حَصْداً
، وأَحْفَى بيَدِه أَي أَمالَها وصْفاً للحَصْدِ والمُبالَغة فِي القَتْل. وحَفَاهُ مِنْ كُلِّ خَيْر يَحْفُوه حَفْواً: مَنَعَه. وحَفَاه حَفْواً: أَعطاه. وأَحْفَاه: أَلَحَّ عَلَيْهِ فِي المَسْأَلة. وأَحْفَى السُّؤالَ: رَدَّده. اللَّيْثُ: أَحْفَى فُلَانٌ فُلَانًا إِذَا بَرَّح بِهِ فِي الإِلْحاف عَلَيْهِ أَو سَأَلَه فأَكْثَر عَلَيْهِ فِي الطَّلَبِ. الأَزهري: الإِحْفَاء فِي المسأَلة مثلُ الإِلْحاف سَواءً وَهُوَ الإِلْحاحُ. ابْنُ الأَعرابي: الحَفْوُ المَنْعُ، يُقَالُ: أَتاني فحَفَوْته أَي حَرَمْتُه، وَيُقَالُ: حَفَا فُلَانٌ فُلَانًا مَنْ كُلِّ خَيْرٍ يَحْفُوه إِذَا مَنَعه مَنْ كُلِّ خَيْرٍ.
وعَطَس رجلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوْقَ ثلاثٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَفَوْتَ
، يَقُولُ مَنَعْتَنا أَنْ نُشمِّتَكَ بعدَ الثلاثِ لأَنَّه إِنِّمَّا يُشَمَّتُ فِي الأُولى والثَّانية،
وَمَنْ رَوَاهُ حَقَوْتَ
فَمَعْنَاهُ سَدَدْت عَلَيْنَا الأَمْرَ حَتَّى قَطَعْتَنا، مأْخوذٌ مِنَ الحَقْوِ لأَنه يَقْطَعُ البطنَ ويَشُدُّ الظَّهْرَ. وَفِي حَدِيثِ
خَلِيفَةَ: كتبتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَن يَكْتُب إليَّ ويُحْفِيَ عَنِّي
أَي يُمْسِكَ عَنِّي بعضَ مَا عِنْدَهُ مِمَّا لَا أَحْتَمِلُه، وَإِنْ حُمِلَ الإِحفاء بِمَعْنَى الْمُبَالَغَةِ فَيَكُونُ عَنِّي بِمَعْنَى عليَّ، وَقِيلَ: هُوَ بِمَعْنَى الْمُبَالَغَةِ فِي البِرِّ بِهِ والنصيحةِ لَهُ، وَرُوِيَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن رَجُلًا سلَّم عَلَى بَعْضِ السَّلَفِ فَقَالَ وَعَلَيْكُمُ السلامُ ورحمةُ اللَّهِ وبَرَكاتُه الزَّاكِيات،(14/187)
فَقَالَ: أَراك قَدْ حَفَوْتَنا ثَوابَها
أَي مَنَعتَنا ثَوَابَ السَّلَامِ حَيْثُ استَوْفَيت عَلَيْنَا فِي الردِّ، وَقِيلَ: أَراد تَقَصَّيْتَ ثوابَها وَاسْتَوْفَيْتَهُ عَلَيْنَا. وحَافَى الرجلَ مُحَافَاةً: مارَاه ونازَعه فِي الْكَلَامِ. وحَفِيَ بِهِ حِفَايةً، فَهُوَ حَافٍ وحَفِيٌّ، وتَحَفَّى واحْتَفَى: لَطَفَ بِهِ وأَظهر السرورَ والفَرَحَ بِهِ وأَكثر السُّؤَالَ عَنْ حَالِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنَّ عَجُوزًا دخلَت عَلَيْهِ فسَأَلها فأَحْفَى وَقَالَ: إنَّها كَانَتْ تَأْتِينا فِي زَمَن خَدِيجَة وإنَّ كَرَم العَهْدِ مِنَ الإِيمان.
يُقَالُ: أَحْفَى فُلَانٌ بصاحبه وحَفِيَ به وتَحَفَّى بِهِ أَي بالَغَ فِي بِرِّهِ وَالسُّؤَالِ عَنْ حَالِهِ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ: فَأَنْزَلَ أُوَيْساً القَرَنيَّ فَاحْتَفَاهُ وأَكْرَمَه.
وَحَدِيثُ
عَلِيٍّ: إنَّ الأَشْعَثَ سَلَّم عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيْهِ بغَيْر تَحَفّ
أَي غيرَ مُبالِغٍ فِي الرَّدِّ والسُّؤَالِ. والحَفَاوَة، بِالْفَتْحِ: المُبالَغةُ فِي السؤَال عَنِ الرَّجُلِ والعنايةُ فِي أَمرهِ. وَفِي الْمَثَلِ: مَأْرُبَةٌ لَا حَفاوةٌ؛ تَقُولُ مِنْهُ: حَفِيت، بِالْكَسْرِ، حَفاوةً. وتَحَفَّيْت بِهِ أَي بالَغْت فِي إكْرامِه وإلْطافِه وحَفِيَ الفرسُ: انْسَحَجَ حافِرهُ. والإِحْفاء: الاسْتِقْصاء فِي الْكَلَامِ والمُنازَعَةُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الحرث بْنِ حِلِّزة:
إِنَّ إخْوانَنَا الأَراقِمَ يَعْلُونَ ... عَلَيْنا، فِي قيلِهِم إحْفَاءُ
أَي يَقَعون فِينَا. وحَافَى الرجلَ: نازَعَه فِي الْكَلَامِ وَمَارَاهُ. الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا
؛ أَي يُجْهِدْكُم. وأَحْفَيْتُ الرجلَ إِذَا أَجْهَدْتَه. وأَحْفَاه: بَرَّحَ بِهِ فِي الإِلحاحِ عَلَيْهِ، أَو سأَله فأَكْثَر عَلَيْهِ فِي الطَّلَبِ، وأَحْفَى السؤالَ كَذَلِكَ. وَفِي حَدِيثِ
أَنس: أَنهم سأَلوا النبي، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، حَتَّى أَحْفَوْه
أَي اسْتَقْصَوْا فِي السؤالِ. وَفِي حَدِيثِ السِّواكِ:
لَزِمْتُ السِّواكَ حَتَّى كِدْتُ أُحْفِي فَمِي
أَي أَسْتَقْصِي عَلَى أَسناني فأُذْهِبُها بالتَّسَوُّكِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها
؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: يسأَلونك عَنْ أَمر الْقِيَامَةِ كأَنك فرحٌ بِسُؤَالِهِمْ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ كأَنك أَكثرت المسأَلة عَنْهَا، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وتأْخير، مَعْنَاهُ يسأَلونك عَنْهَا كأَنك حفِيٌّ بِهَا؛ قَالَ: وَيُقَالُ فِي التَّفْسِيرِ كأَنك حَفِيٌّ عَنْهَا كأَنك عَالِمٌ بِهَا، مَعْنَاهُ حافٍ عَالِمٌ. وَيُقَالُ: تحافَيْنا إِلَى السُّلْطَانِ فَرَفَعَنَا إِلَى الْقَاضِي، وَالْقَاضِي يُسَمَّى الحَافِيَ. وَيُقَالُ: تَحَفَّيْتُ بِفُلَانٍ فِي المسأَلة إِذَا سأَلت بِهِ سُؤَالًا أَظهرت فِيهِ المحَبَّةَ والبِرَّ، قَالَ: وَقِيلَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها
كأَنك أَكثرت المسأَلة عَنْهَا، وَقِيلَ: كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها
كأَنك مَعْنِيٌّ بِهَا، وَيُقَالُ: الْمَعْنَى يسأَلونك كأَنك سَائِلٌ عَنْهَا. وَقَوْلُهُ: إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا
؛ مَعْنَاهُ كَانَ بِي مَعْنِيّاً؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَاهُ كَانَ بِي عَالِمًا لَطِيفًا يُجِيبُ دَعْوَتِي إِذَا دَعَوْتُهُ. وَيُقَالُ: تحَفَّى فلان بفلان مَعْنَاهُ أَنه أَظهر العِناية فِي سؤَاله إِيَّاهُ. يُقَالُ: فُلَانٌ بِي حَفِيٌّ إِذَا كَانَ مَعْنِيّاً؛ وأَنشد للأَعشى:
فَإِنْ تَسْأَلي عنِّي، فَيَا رُبَّ سائِلٍ ... حَفِيّ عَنِ الأَعْشى بِهِ حَيْثُ أَصعَدا
مَعْنَاهُ: مَعْنِيٌّ بالأَعْشى وبالسؤَال عَنْهُ. ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ لَقِيتُ فُلَانًا فَحَفِيَ بِي حَفَاوَة وتَحَفَّى بِي تَحَفِّياً. الْجَوْهَرِيُّ: الحَفِيُّ الْعَالِمُ الَّذِي يَتَعَلَّم الشيءَ باسْتِقْصاء. والحَفِيُّ: المُسْتَقْصي فِي السُّؤَالِ. واحْتَفَى البَقْلَ: اقْتَلعَه مِنْ وَجْهِ الأَرض. وَقَالَ أَبو حَنِيفَة: الاحْتِفَاء أَخذُ البقلِ بالأَظافير مِنَ الأَرض. وَفِي حَدِيثِ المضْطَرّ الَّذِي سأَل النبيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
مَتى تَحِلُّ لَنَا المَيْتَةُ؟ فَقَالَ: مَا لَمْ(14/188)
تَصْطَبِحُوا أَو تَغْتَبِقُوا أَوْ تَحْتَفِيُوا بِهَا بَقْلًا فشَأْنَكُم بِهَا
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: هُوَ مِنَ الحَفا، مَهْمُوزٌ مَقْصُورٌ، وَهُوَ أَصل البَرْدي الأَبيض الرَّطبِ مِنْهُ، وَهُوَ يُؤْكَل، فتأَوَّله فِي قَوْلِهِ تَحْتَفِيُوا، يَقُولُ: مَا لَمْ تَقْتَلِعُوا هَذَا بعَيْنه فتأْكلوه، وَقِيلَ: أَي إِذَا لَمْ تَجِدُوا فِي الأَرض مِنَ الْبَقْلِ شَيْئًا، وَلَوْ بأَن تَحْتَفُوه فتَنْتِفُوه لِصغَرِه؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَإِنَّمَا قَضَينا عَلَى أَنّ اللَّامَ فِي هَذِهِ الْكَلِمَاتِ يَاءٌ لَا وَاوٌ لِمَا قِيلَ مِنْ أَن اللَّامَ يَاءٌ أَكثر مِنْهَا وَاوًا. الأَزهري: وَقَالَ أَبو سَعِيدٍ فِي قَوْلِهِ أَو تَحْتَفِيُوا بَقْلًا فشَأْنَكُم بِهَا؛ صَوَابُهُ تَحْتَفُوا، بِتَخْفِيفِ الْفَاءِ مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ. وكلُّ شَيْءٍ اسْتُؤْصل فَقَدِ احْتُفِيَ، وَمِنْهُ إحْفاءُ الشَّعَرِ. قَالَ: واحْتَفَى البَقْلَ إِذَا أَخَذَه مِنْ وَجْهِ الأَرض بأَطراف أَصابعه مِنْ قِصَرِهِ وقِلَّته؛ قَالَ: وَمَنْ قَالَ تَحْتَفِئُوا بِالْهَمْزِ مِنَ الحَفإ البَرْدِيّ فَهُوَ بَاطِلٌ لأَن البَرْدِيَّ لَيْسَ مِنَ الْبَقْلِ، والبُقُول مَا نَبَتَ مِنَ العُشْب عَلَى وَجْهِ الأَرض مِمَّا لَا عِرْق لَهُ، قَالَ: وَلَا بَرْدِيَّ فِي بِلَادِ الْعَرَبِ، وَيُرْوَى:
مَا لَمْ تَجْتَفِئُوا
، بِالْجِيمِ، قَالَ: والاجْتِفاء أَيضاً بِالْجِيمِ بَاطِلٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لأَن الاجْتِفاء كبُّكَ الآنِيَةَ إِذَا جَفَأْتَها، وَيُرْوَى:
مَا لَمْ تَحْتَفُّوا
، بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ، مِنَ احْتَفَفْت الشَّيْءَ إِذَا أَخذتَه كُلَّهُ كَمَا تَحُفُّ المرأَة وَجْهَهَا مِنَ الشَّعْرِ، وَيُرْوَى بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَقَالَ خَالِدُ بْنُ كُلْثُومٍ: احْتَفَى القومُ المَرْعى إِذَا رَعَوْهُ فَلَمْ يَتْرُكُوا مِنْهُ شَيْئًا؛ وَقَالَ فِي قَوْلِ الْكُمَيْتِ:
وشُبِّه بالحِفْوة [بالحَفْوة] المُنْقَلُ
قَالَ: المُنْقَلُ أَن يَنْتَقِلَ القومُ مِنْ مَرْعىً احْتَفَوْه إِلَى مَرْعىً آخَرَ. الأَزهري: وَتَكُونُ الحَفْوَة [الحِفْوَة] مِنَ الحَافِي الَّذِي لَا نَعْلَ لَهُ وَلَا خُفَّ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
وشُبِّه بالِحفْوَة المُنْقَلُ
وَفِي حَدِيثِ السِّباق ذَكَرَ الحَفْيَاء، بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ مَوْضِعٌ بِالْمَدِينَةِ عَلَى أَميال، وَبَعْضُهُمْ يُقَدِّمُ الْيَاءَ عَلَى الْفَاءِ، وَاللَّهُ أَعلم.
حقا: الحَقْوُ والحِقْوُ: الكَشْحُ، وَقِيلَ: مَعْقِدُ الإِزار، وَالْجَمْعُ أَحْقٍ وأَحْقَاء وحِقِيٌّ وحِقَاء، وفي الصحاح: الحِقْ والخَصْرُ ومَشَدُّ الإِزار مِنَ الجَنْب. يُقَالُ: أَخذت بحَقْوِ فُلَانٍ. وَفِي حَدِيثِ صِلةِ الرَّحِمِ
قَالَ: قَامَتِ الرَّحِمُ فأَخَذَت بِحَقْو العَرْشِ
؛ لمَّا جعلَ الرَّحِمَ شَجْنة مِنَ الرَّحْمَنِ اسْتَعَارَ لَهَا الِاسْتِمْسَاكَ بِهِ كَمَا يَستمسك القريبُ بِقَرِيبِهِ والنَّسيب بنسيبه، والحِقْو [الحَقْو] فِيهِ مَجَازٌ وَتَمْثِيلٌ. وَفِي حَدِيثِ
النُّعمان يَوْمَ نِهاوَنْدَ [نُهاوَنْدَ] : تَعاهَدُوها بَيْنكم فِي أَحْقِيكمْ
؛ الأَحْقِي: جَمْعُ قِلَّةٍ للحَقْو مَوْضِعُ الإِزار. وَيُقَالُ: رَمى فلانٌ بحَقْوِه إِذَا رَمى بِإِزَارِهِ. وحَقاهُ حَقواً: أَصابَ حَقْوَه. والحَقْوانِ والحِقْوانِ: الخاصِرَتان. ورجلٌ حَقٍ: يَشْتَكي حَقْوَه [حِقْوَه] ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. وحُقِيَ حَقْواً، فَهُوَ مَحْقُوٌّ ومَحْقِيٌّ: شَكا حَقْوه؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: بُنِيَ عَلَى فُعِلَ كَقَوْلِهِ:
مَا أَنا بِالْجَافِي وَلَا المَجْفِيِ
قَالَ: بَنَاهُ عَلَى جُفِيَ، وأَما سِيبَوَيْهِ فَقَالَ: إِنَّمَا فَعَلوا ذَلِكَ لأَنهم يَميلون إِلَى الأَخَفِّ إِذِ الْيَاءُ أَخَفُّ عَلَيْهِمْ مِنَ الْوَاوِ، وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَدْخُلُ عَلَى الأُخْرى فِي الأَكثر، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: عُذْتُ بحَقْوِه إِذَا عَاذَ بِهِ ليَمْنَعه؛ قَالَ:
سَماعَ اللهِ والعلماءِ أَنِّي ... أَعوذُ بحَقْوِ خَالِكَ، يَا ابنَ عَمْرِو(14/189)
وأَنشد الأَزهري:
وعُذْتُمْ بِأَحْقَاءِ الزَّنادِقِ، بَعْدَ ما ... عَرَكْتُكُمُ عَرْكَ الرَّحى بِثِفالِها
وَقَوْلُهُمْ: عُذْتُ بحَقْوِ فُلَانٍ إِذَا اسْتَجَرْت بِهِ واعْتَصَمْت. والحَقْوُ والحِقْوُ والحَقْوَةُ والحِقاءُ، كُلُّهُ: الإِزارُ، كأَنه سُمِّي بِمَا يُلاثُ عَلَيْهِ، وَالْجَمْعُ كَالْجَمْعِ. الْجَوْهَرِيُّ: أَصل أَحْقٍ أَحْقُوٌ عَلَى أَفْعُلٍ فحذِف لأَنه لَيْسَ فِي الأَسماء اسْمٌ آخِرُهُ حَرْفُ عِلَّةِ وَقَبْلَهَا ضَمَّةٌ، فَإِذَا أَدّى قياسٌ إِلَى ذَلِكَ رُفِضَ فأُبْدِلت مِنَ الْكَسْرَةِ فَصَارَتِ الْآخِرَةُ يَاءً مَكْسُورًا مَا قَبْلَهَا، فَإِذَا صَارَتْ كَذَلِكَ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْقَاضِي وَالْغَازِي فِي سُقُوطِ الْيَاءِ لِاجْتِمَاعِ السَّاكِنَيْنِ، وَالْكَثِيرُ فِي الْجَمْعِ حُقِيٌّ وحِقِيٌّ، وَهُوَ فُعُول، قُلِبَتِ الْوَاوُ الأُولى يَاءً لِتُدْغَمَ فِي الَّتِي بَعْدَهَا. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ فِي قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ فَإِذَا أَدَّى قياسٌ إِلَى ذَلِكَ رُفِض فأُبدلت مِنَ الْكَسْرَةِ قَالَ: صَوَابُهُ عَكْسُ مَا ذُكِرَ لأَن الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ فأُبدلت يَعُودُ عَلَى الضَّمَّةِ أَي أُبدلت الضَّمَّةُ مِنَ الْكَسْرَةِ، والأَمر بِعَكْسِ ذَلِكَ، وَهُوَ أَن يَقُولَ فأُبدلت الْكَسْرَةُ مِنَ الضَّمَّةِ.
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنه أَعطَى النساءَ اللَّاتِي غَسَّلْنَ ابْنَتَه حِينَ ماتَتْ حَقْوَهُ وقال: أَشْعِرْنها إيَّاهُ
؛ الحَقْو: الإِزار هَاهُنَا، وَجَمْعُهُ حِقِيٌّ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الأَصل في الحِقْوِ [الحَقْوِ] معقدُ الإِزار ثُمَّ سُمِّيَ الإِزار حَقْواً لأَنه يُشَدُّ عَلَى الحَقْوِ، كَمَا تسمى المَزادة راوِيَة لأَنها عَلَى الراوِية، وَهُوَ الجمَل. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ للنساء: لَا تَزْهَدْنَ فِي جَفَاءِ الحَقْوِ
أَي لَا تَزْهَدْنَ فِي تَغْليظ الإِزار وثخَانَتِه لِيَكُونَ أَسْتَر لَكُنَّ. وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الحِقْو والحَقْو الْخَاصِرَةُ. وحَقْو السهمِ: مَوْضِعُ الرِّيشِ، وَقِيلَ: مُسْتَدَقُّه مِنْ مُؤَخَّره مِمَّا يَلِي الرِّيشَ. وحَقْوُ الثَّنِيَّةِ: جَانِبَاهَا. والحَقْوُ: مَوْضِعٌ غَلِيظٌ مُرْتَفِعٌ عَلَى السَّيْلِ، وَالْجَمْعُ حِقَاءٌ؛ قَالَ أَبو النَّجْمِ يَصِفُ مَطَرًا:
يَنْفِي ضِبَاعَ القُفِّ مِنْ حِقَائِه
وَقَالَ النَّضِرُ: حِقِيٌّ الأَرض سُفُوحُها وأَسنادُها، وَاحِدُهَا حَقْوٌ، وَهُوَ السَّنَد والهَدَف. الأَصمعي: كُلُّ مَوْضِعٍ يَبْلُغُهُ مَسِيلُ الْمَاءِ فَهُوَ حَقْوٌ. وَقَالَ اللَّيْثُ: إِذَا نَظَرتَ عَلَى رأْس الثَّنيَّة مِنْ ثَنَايَا الْجَبَلِ رأَيت لِمَخْرِمَيْها حَقْوَيْنِ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
تَلْوي الثَّنَايَا، بأَحْقِيها حَواشِيَه ... لَيَّ المُلاءِ بأَبْوابِ التَّفارِيجِ
يَعْنِي بِهِ السَّرابَ. والحِقاءُ: جَمْعُ حَقْوَةٍ، وَهُوَ مُرْتَفِع عَنِ النَّجْوة، وَهُوَ مِنْهَا مَوْضِعُ الحَقْوِ مِنَ الرِّجْلِ يَتَحَرَّزُ فِيهِ الضِّبَاعُ مِنَ السَّيْلِ. والحَقْوة والحِقاءُ: وجَعٌ فِي الْبَطْنِ يُصِيبُ الرجلَ مِنْ أَنْ يأْكل اللحمَ بَحْتاً فيأْخُذَه لِذَلِكَ سُلاحٌ، وَفِي التَّهْذِيبِ: يُورِثُ نَفْخَةً فِي الحَقْوَيْن، وَقَدْ حُقِيَ فَهُوَ مَحْقُوٌّ ومَحْقِيٌّ إِذَا أَصابه ذَلِكَ الداءُ؛ قال رُؤْبَةُ:
مِنْ حَقْوَةِ البطْنِ ودَاءِ الإِغْدَادْ
فمَحْقُوٌّ عَلَى الْقِيَاسِ، ومَحْقِيٌّ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنَّ الشَّيْطَانَ قَالَ مَا حَسَدْتُ ابنَ آدَمَ إلَّا عَلَى الطُّسْأَةِ والحَقْوَة
؛ الحَقْوة: وَجَع فِي الْبَطْنِ. والحَقْوة فِي الإِبل: نَحْوُ التَّقْطِيع يأْخذها مِنَ النُّحازِ يَتَقَطَّع لَهُ البطنُ، وأَكثر مَا تُقَالُ الحَقْوة للإِنسان، حَقِيَ يَحْقَى حَقاً فَهُوَ مَحْقُوٌّ. وَرَجُلٌ مَحْقُوٌّ: مَعْنَاهُ إِذَا اشْتَكَى حَقْوَه. أَبو عَمْرٍو: الحِقاءُ رِباط الجُلِّ عَلَى بَطْنِ الفَرَس إِذَا حُنِذَ للتَّضْمِير؛ وأَنشد لطَلْقِ بنِ عَدِيٍّ:(14/190)
ثُمَّ حَطَطْنا الجُلَّ ذَا الحِقاءِ، ... كَمِثْلِ لونِ خالِصِ الحِنَّاءِ
أَخْبَرَ أَنه كُمَيْت. الْفَرَّاءُ: قَالَتِ الدُّبَيْرِيَّةُ يُقَالُ وَلَغَ الكلبُ فِي الإِناءِ ولَجَنَ واحْتَقَى يَحْتَقِي احْتِقَاءً بمعنىً واحد. وحِقاءٌ: موضع أَو جَبَل.
حكي: الحِكايةُ: كَقَوْلِكَ حَكَيْت فُلَانًا وحَاكَيْتُه فَعلْتُ مِثْلَ فِعْله أَو قُلْتُ مِثْلَ قَوْله سَوَاءٌ لَمْ أُجاوزه، وحَكَيْت عَنْهُ الْحَدِيثَ حِكَايَةً. ابن سيدة: وحكو
حَكَوْت عَنْهُ حَدِيثًا فِي مَعْنَى حَكَيته. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَا سَرَّني أَنِّي حَكَيْت إِنْسَانًا وأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا
أَي فَعَلْتُ مِثْلَ فِعْلِهِ. يُقَالُ: حَكَاه وحَاكَاه، وأَكثر مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْقَبِيحِ المُحَاكَاةُ، والمُحَاكَاة الْمُشَابَهَةُ، تَقُولُ: فُلَانٌ يَحْكِي الشمسَ حُسناً ويُحَاكِيها بِمَعَنًى. وحَكَيْت عَنْهُ الكلام حِكَايَةً وحكو
حَكَوت لُغَةً؛ حَكَاهَا أَبو عُبَيْدَةَ. وأَحْكَيْت العُقْدة أَي شدَدتها كأَحْكَأْتُها؛ وَرَوَى ثَعْلَبٌ بَيْتَ عَدِيٍّ:
أَجْلِ أَنَّ اللهَ قَدْ فَضَّلَكمْ ... فوقَ مَن أَحْكَى بِصُلْبٍ وإزارْ
أَي فَوْقَ مَنْ شدَّ إِزَارَهُ عَلَيْهِ؛ قَالَ وَيُرْوَى:
فَوْقَ مَا أَحْكِي بِصُلْبٍ وَإِزَارٍ
أَي فَوْقِ مَا أَقول مِنَ الْحِكَايَةِ. ابْنُ الْقَطَّاعِ: أَحْكَيْتُها وحَكَيْتُها لُغَةٌ فِي أَحْكَأْتُها وحَكَأْتُها. وَمَا احْتَكَى ذَلِكَ فِي صَدْري أَي مَا وَقَعَ فِيهِ. والحُكَاةُ، مَقْصُورٌ: العَظاية الضَّخْمَةُ، وَقِيلَ: هِيَ دَابَّةٌ تُشْبِهُ العَظاية وَلَيْسَتْ بِهَا، رَوَى ذَلِكَ ثَعْلَبٌ، وَالْجَمْعُ حُكىً مِنْ بَابِ طَلْحَةٍ وطَلْحٍ. وَفِي حَدِيثِ
عَطَاءٍ: أَنه سُئِلَ عَنِ الحُكَأَةِ فَقَالَ مَا أُحِبُّ قَتْلَها
؛ الحُكَأَةُ: العَظَاةُ بِلُغَةِ أَهل مَكَّةَ، وَجَمْعُهَا حُكىً، قَالَ: وَقَدْ يُقَالُ بِغَيْرِ هَمْزٍ وَيُجْمَعُ عَلَى حُكىً، مَقْصُورٌ. والحُكاءُ، مَمْدُودٌ: ذَكَر الخَنافِس، وَإِنَّمَا لَمْ يُحِبَّ قَتْلَها لأَنها لَا تُؤْذِي. وَقَالَتْ أُم الْهَيْثَمِ: الحُكاءَةُ مَمْدُودَةٌ مهموزةٌ، وَهُوَ كَمَا قَالَتْ. الْفَرَّاءُ: الحاكِيَة الشَّادَّة، يُقَالُ: حَكَتْ أَي شَدَّت، قَالَ: والحايِكَةُ المُتَبَخْتِرة.
حلا: الحُلْو: نَقِيضُ المُرّ، والحَلاوَة ضدُّ المَرارة، والحُلْوُ كُلُّ مَا فِي طَعْمِهِ حَلاوة، وَقَدْ حَلِيَ وحَلا وحَلُوَ حَلاوةً وحَلْواً وحُلْوَاناً واحْلَوْلَى، وَهَذَا الْبِنَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الأَمر. ابْنُ بَرِّيٍّ: حَكَى قَوْلَ الْجَوْهَرِيِّ، واحْلَوْلَى مثلُه؛ وَقَالَ قَالَ قَيْسُ بْنُ الْخَطِيمِ:
أَمَرُّ عَلَى البَاغي ويَغْلُظ جَانِبي، ... وَذُو القَصْدِ أَحْلَوْلِي لَهُ وأَلِينُ
وحَلِيَ الشيءَ واسْتَحْلاهُ وتَحَلَّاه واحْلَوْلاهُ، قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
فلمَّا تَحَلَّى قَرْعَها القاعَ سَمْعُه ... وبانَ لَهُ، وَسْطَ الأَشَاءِ، انْغِلالُها
يَعْنِي أَنّ الصَّائِدَ فِي القُتْرَة إِذَا سَمِعَ وَطْءَ الْحَمِيرِ فَعَلِمَ أَنه وطْؤُها فَرِحَ بِهِ وتحَلَّى سمعُه ذَلِكَ؛ وَجَعَلَ حُمَيْدُ بْنُ ثَوْرٍ احْلَوْلَى مُتَعَدِّيًا فَقَالَ:
فلمَّا أَتى عامانِ بعدَ انْفِصالِه ... عَنِ الضَّرْعِ، واحْلَولَى دِثاراً يَرودُها «4»
. وَلَمْ يَجِئِ افْعَوْعَل مُتَعَدِّيًا إِلَّا هَذَا الْحَرْفُ وَحَرْفٌ آخَرُ وَهُوَ اعْرَوْرَيْت الفَرَسَ. اللَّيْثُ: قَدِ احْلَوْلَيْت الشيءَ أَحْلَوْلِيهِ احْلِيلاءً إِذَا اسْتَحْلَيْتَه، وقَوْلٌ حَلِيٌّ يَحْلَوْلَي فِي الفَم؛
__________
(4) . قوله [واحلولى دثاراً] كذا بالأَصل، والذي في الجوهري: دماثاً(14/191)
قَالَ كثَيِّر عَزَّةَ:
نُجِدُّ لكَ القَوْلَ الحَلِيَّ، ونَمْتَطِي ... إلَيْك بَنَاتِ الصَّيْعَرِيِّ وشَدْقَمِ
وحَلِيَ بقَلْبي وعَيْنِي يَحْلَى وحَلا يَحْلُو حَلاوةً وحُلْوَاناً إِذَا أَعْجبك، وَهُوَ مِنَ الْمَقْلُوبِ، وَالْمَعْنَى يَحلى بالعَين، وَفَصَلَ بَعْضُهُمْ بَيْنَهُمَا فَقَالَ: حَلا الشيءُ فِي فَمِي، بِالْفَتْحِ، يَحْلُو حَلاوة وحَلِيَ بِعَيْنِي، بِالْكَسْرِ، إِلَّا أَنهم يَقُولُونَ: هُوَ حُلْوٌ فِي الْمَعْنَيَيْنِ؛ وَقَالَ قَوْمٌ مِنْ أَهل اللُّغَةِ: لَيْسَ حَلِيَ مِنْ حَلا فِي شَيْءٍ، هَذِهِ لُغَةٌ عَلَى حِدَتِها كأَنها مُشْتَقَّةٌ مِنَ الحَلْيِ المَلْبوسِ لأَنه حَسُن فِي عَيْنِكَ كحُسْن الحَلْيِ، وَهَذَا لَيْسَ بِقَوِيٍّ وَلَا مَرْضِيٍّ. اللَّيْثُ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ حَلا فِي عَيْني وحَلا فِي فَمِي وَهُوَ يَحْلُو حَلْواً، وحَلِيَ بِصَدْرِي فَهُوَ يَحْلَى حُلْوَاناً «1» . الأَصمعي: حَلِيَ فِي صَدْرِي يَحْلى وَحَلَا فِي فَمِي يَحْلُو، وحَلِيتُ العيشَ أَحْلاهُ أَي اسْتَحْلَيْته، وحَلَّيْتُ الشيءَ فِي عَين صاحِبه، وحَلَّيْت الطَّعَامَ: جعَلْتُه حُلْواً، وحَلِيتُ بِهَذَا الْمَكَانِ. وَيُقَالُ: مَا حَلِيت مِنْهُ حَلْياً أَي مَا أَصَبت. وحَلِي مِنْهُ بخيرٍ وَحَلَا: أَصاب مِنْهُ خَيْرًا. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَوْلُهُمْ لَمْ يَحْلَ بِطَائِلٍ أَي لَمْ يَظْفَرْ وَلَمْ يَسْتَفِدْ مِنْهَا كبيرَ فَائِدَةٍ، لَا يُتكَلَّم بِهِ إِلَّا مَعَ الجَحْد، وَمَا حَلِيتُ بِطَائِلٍ لَا يُستعمل إِلَّا فِي النَّفْيِ، وَهُوَ مِنْ مَعْنَى الحَلْيِ والحِلْيَة، وَهُمَا مِنَ الْيَاءِ لأَن النَّفْسَ تَعْتَدُّ الحِلْية ظَفَراً، وَلَيْسَ هُوَ مَنْ حَلِيَ بعيْني بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ حَلِيَ بِعَيْنِي حَلاوَة، فَهَذَا مِنَ الْوَاوِ والأَول مِنَ الْيَاءِ لَا غَيْرَ. وحَلَّى الشَّيْءَ وحَلَّأَه، كِلَاهُمَا: جَعَلَهُ ذَا حَلَاوَةٍ، هَمَزُوهُ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ. اللَّيْثُ: تَقُولُ حَلَّيْت السويقَ، قَالَ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ هَمَزَهُ فَقَالَ حَلَّأْتُ السويقَ، قَالَ: وَهَذَا مِنْهُمْ غَلَطٌ. قَالَ الأَزهري: قَالَ الْفَرَّاءُ تَوَهَّمَتِ العربُ فِيهِ الْهَمْزَ لمَّا رأَوْا قَوْلَهُ حَلَّأْتُه عَنِ الْمَاءِ أَي مَنَعْتُهُ مَهْمُوزًا. الْجَوْهَرِيُّ: أَحْلَيْتُ الشيءَ جَعَلْتُهُ حُلْواً، وأَحْلَيْتُه أَيضاً وَجَدْتُهُ حُلْواً؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِعَمْرِو بْنِ الهُذيل العَبْديّ:
وَنَحْنُ أَقَمْنا أَمْرَ بَكْرِ بنِ وائِلٍ، ... وأَنتَ بِثأْجٍ لَا تُمِرُّ وَلَا تُحْلِي
قُلْتُ: وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ، وَيُشْبِهُ أَن يَكُونَ هَذَا الْبَيْتُ شَاهِدًا عَلَى قَوْلِهِ لَا يُمِرُّ وَلَا يُحْلِي أَي مَا يَتَكَلَّمُ بحُلْوٍ وَلَا مُرّ. وحَالَيْتُه أَي طايَبْتُه؛ قَالَ المرَّار الْفَقْعَسِيُّ:
فَإِنِّي، إِذَا حُولِيتُ، حُلْوٌ مَذاقتي، ... ومُرٌّ، إِذَا مَا رامَ ذُو إحْنةٍ هَضْمي
والحُلْوُ مِنَ الرِّجَالِ: الَّذِي يَسْتخفه الناسُ ويَسْتَحْلُونه وتستَحْلِيه العينُ؛ أَنشد اللِّحْيَانِيُّ:
وَإِنِّي لَحُلْوٌ تَعْتَريني مَرَارَةٌ، ... وَإِنِّي لَصَعْبُ الرأْسِ غيرُ ذَلُولِ
وَالْجَمْعُ حُلْووُنَ وَلَا يُكسَّر، والأُنثى حُلْوَة وَالْجَمْعُ حُلْوَاتٌ وَلَا يُكسَّر أَيضاً. وَيُقَالُ: حَلَتِ الجاريةُ بِعَيْنِي وَفِي عَيْنِي تَحْلُو حَلاوَةً. واسْتَحْلاه: مِنَ الحَلاوة كَمَا يُقَالُ اسْتَجَادَهُ مِنَ الجَوْدة. الأَزهري عَنِ اللِّحْيَانِيِّ: احْلَوْلَتِ الجاريةُ تَحْلَوْلِي إِذَا استُحْلِيَتْ واحْلَوْلاها الرجلُ؛ وأَنشد:
فَلَوْ كنتَ تُعطي حِينَ تُسْأَلُ سامحَتْ ... لَكَ النَّفْسُ، واحْلَوْلاكَ كلُّ خليلِ
وَيُقَالُ: أَحْلَيْتُ هَذَا المكانَ واستَحْليتُه وحَلِيتُ بِهِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. ابْنُ الأَعرابي: احْلَوْلَى الرَّجُلُ إذا
__________
(1) . قوله [فهو يَحْلَى حُلْوَاناً] هذه عبارة التهذيب، وقال عقب ذلك: قلت حُلْوَان في مصدر حَلِيَ بصدري خطأ عندي(14/192)
حسُنَ خلُقه، واحلَوْلى إِذَا خرَجَ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ. وحُلْوَةُ: فَرَسُ عبيدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ. وَحَكَى ابْنُ الأَعرابي: رَجُلٌ حَلُوٌّ، عَلَى مِثَالِ عَدُوّ، حُلْوٌ، وَلَمْ يَحْكِهَا يَعْقُوبُ فِي الأَشياء الَّتِي زَعَمَ أَنه حَصَرها كحَسُوّ وفَسُوّ. والحُلْوُ الحَلالُ: الرَّجُلُ الَّذِي لَا رِيبَةَ فِيهِ، عَلَى المَثل، لأَن ذَلِكَ يُسْتَحلَى مِنْهُ؛ قَالَ:
أَلا ذهَبَ الحُلْوُ الحَلالُ الحُلاحِلُ، ... ومَنْ قولُه حُكْمٌ وعَدْلٌ ونائِلُ
والحَلْوَاءُ: كلُّ مَا عُولج بحُلْو مِنَ الطَّعَامِ، يُمَدُّ وَيُقْصَرُ وَيُؤَنَّثُ لَا غَيْرَ. التَّهْذِيبُ: الحَلْواء اسْمٌ لِمَا كَانَ مِنَ الطَّعَامِ إِذَا كَانَ مُعالَجاً بحَلاوة. ابْنُ بَرِّيٍّ: يُحْكى أَن ابنَ شُبْرُمَة عاتَبه ابْنُهُ عَلَى إِتْيَانِ السُّلْطَانِ فَقَالَ: يَا بُنيّ، إِنَّ أَباك أَكل مِنْ حَلْوائِهم فحَطَّ فِي أَهْوائِهم. الْجَوْهَرِيُّ: الحَلْواء الَّتِي تُؤْكَلُ، تُمَدُّ وَتُقْصَرُ؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:
مِنْ رَيْبِ دَهْرٍ أَرى حوادِثَه ... تَعْتَزُّ، حَلْواءَها، شدائِدُها
والحَلْواءُ أَيضاً: الْفَاكِهَةُ الحُلْوة. التَّهْذِيبُ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُقَالُ لِلْفَاكِهَةِ حَلْوَاءُ. وَيُقَالُ: حَلُوَتِ الفاكهةُ تَحْلُو حَلاوةً. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَنَاقَةٌ حَلِيَّة عَلِيَّة فِي الحَلاوة؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، هَذَا نصُّ قَوْلِهِ، وأَصلها حَلُوَّة. وَمَا يُمِرُّ وَلَا يُحْلي وَمَا أَمَرَّ وَلَا أَحْلَى أَي مَا يَتَكَلَّمُ بحُلْوٍ وَلَا مُرّ وَلَا يَفْعل فِعْلًا حُلْواً وَلَا مُرّاً، فَإِنْ نفَيْتَ عَنْهُ أَنه يَكُونُ مُرّاً مَرَّةً وحُلْواً أُخرى قلتَ: مَا يَمَرُّ وَلَا يَحْلُو، وَهَذَا الْفَرْقُ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. والحُلْوَى: نقيضُ المُرَّى، يُقَالُ: خُذِ الحُلْوَى وأَعْطِه المُرَّى. قَالَتِ امرأَة فِي بناتِها: صُغْراها مُرّاها. وتَحَالَتِ المرأَة إِذَا أَظْهَرَت حَلاوَةً وعُجْباً؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
فشأْنَكُما، إنِّي أَمِينٌ وإنَّني، ... إِذَا مَا تَحَالَى مِثْلُها، لَا أَطُورُها
وحَلا الرجلَ الشيءَ يَحْلُوه: أَعطاه إِيَّاهُ؛ قَالَ أَوْسُ ابْنُ حُجْرٍ:
كأَني حَلَوْتُ الشِّعْرَ، يومَ مَدَحْتُه، ... صفَا صَخْرَةٍ صَمّاءَ يَبْسٍ بِلالُها
فَجَعَلَ الشِّعْرَ حُلْوَاناً مِثلَ الْعَطَاءِ. والحُلْوانُ: أَن يأْخذ الرجلُ مِنْ مَهْرِ ابنتهِ لنفْسهِ، وَهَذَا عارٌ عِنْدَ الْعَرَبِ؛ قَالَتِ امرأَة فِي زَوْجِهَا:
لَا يأْخُذُ الحُلْوَانَ مِنْ بَناتِنا
وَيُقَالُ: احْتَلَى فُلَانٌ لِنَفَقَةِ امرأَته وَمَهْرِهَا، وَهُوَ أَن يتَمَحَّلَ لَهَا ويَحْتالَ، أُخِذَ مِنَ الحُلْوانِ. يُقَالُ: احْتَلِ فتزوَّجْ، بِكَسْرِ اللَّامِ، وابتَسِلْ مِنَ البُسْلة، وَهُوَ أَجْرُ الرَّاقِي. الْجَوْهَرِيُّ: حَلَوْتُ فُلَانًا عَلَى كَذَا مَالًا فأَنا أَحْلُوه حَلْواً وحُلْواناً إِذَا وهبتَ لَهُ شَيْئًا عَلَى شَيْءٍ يَفْعَلُهُ لَكَ غيرَ الأُجرة؛ قَالَ عَلْقمةُ ابْنُ عَبَدَة:
أَلا رَجُلٌ أَحْلُوهُ رَحْلي وَنَاقَتِي ... يُبَلِّغُ عَنِّي الشِّعْرَ، إِذْ ماتَ قائلُهْ؟
أَي أَلا هَاهُنَا رجلٌ أَحْلُوه رَحْلي وَنَاقَتِي، وَيُرْوَى أَلا رجلٍ، بِالْخَفْضِ، عَلَى تأْويل أَمَا مِنْ رجلٍ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَهَذَا الْبَيْتُ يُرْوَى لضابئٍ البُرْجُمِيّ. وحَلا الرجلَ حَلْواً وحُلْوَاناً: وَذَلِكَ أَن يُزَوِّجَهُ ابنتَه أَو أُختَه أَو امرأَةً مَّا بمهرٍ مُسَمّىً، عَلَى أَن يَجْعَلَ لَهُ مِنَ الْمَهْرِ شَيْئًا مُسمّىً، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تُعَيِّرُ بِهِ. وحُلْوانُ المرأَة: مَهْرُها، وَقِيلَ: هُوَ مَا كَانَتْ تُعْطى عَلَى مُتْعَتِها بِمَكَّةَ. والحُلْوانُ أَيضاً: أُجْرة(14/193)
الكاهِن. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه نَهَى عَنْ حُلْوانِ الكاهِنِ
؛ قَالَ الأَصمعي: الحُلْوانُ مَا يُعطاه الكاهنُ ويُجْعَلُ لَهُ عَلَى كهَانَتهِ، تَقُولُ مِنْهُ: حَلَوْتُه أَحْلوه حُلواناً إِذَا حَبَوْته. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: الحُلْوان أُجْرة الدَّلَّالِ خَاصَّةً. والحُلْوانُ: مَا أَعْطَيْتَ مِنْ رَشْوة وَنَحْوِهَا. ولأَحلُوَنَّك حُلْوانَكَ أَي لأَجْزِينَّكَ جَزاءَك؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. والحُلْوانُ: مَصْدَرٌ كالغُفْران، وَنُونُهُ زَائِدَةٌ وأَصله مِنَ الحَلا. والحُلْوانُ: الرَّشْوة. يُقَالُ: حَلَوْتُ أَي رَشوْتُ؛ وأَنشد بَيْتَ عَلْقَمَةَ:
فَمَنْ راكبٌ أَحْلُوه رَحْلَا وَنَاقَةً ... يُبَلِّغُ عَنِّي الشِّعْرَ، إِذْ ماتَ قائِلُه؟
وحَلاوةُ الْقَفَا وحُلاوَتُه وحَلاواؤُه وحُلاواهُ وحَلاءَتُه؛ الأَخيرة عَنِ اللِّحْيَانِيِّ: وَسَطُه، وَالْجَمْعُ حَلاوى. الأَزهري: حَلاوَةُ القَفا حاقٌّ وَسَطِ الْقَفَا، يُقَالُ: ضَرَبَهُ عَلَى حَلاوَةِ القَفا أَي عَلَى وَسَطِ الْقَفَا. وحَلاوَةُ الْقَفَا: فَأْسُه. وَرَوَى أَبو عُبَيْدٍ عَنِ الْكِسَائِيِّ: سَقَط عَلَى حُلاوَةِ الْقَفَا وحَلاواءِ الْقَفَا، وحَلاوةُ الْقَفَا تَجُوزُ وَلَيْسَتْ بِمَعْرُوفَةٍ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَوَقَعَ عَلَى حُلاوة الْقَفَا، بِالضَّمِّ، أَي عَلَى وَسَطِ الْقَفَا، وَكَذَلِكَ عَلَى حُلاوَى وحَلاواءِ القَفا، إِذَا فَتَحت مَدَدْتَ وَإِذَا ضَمَمْتَ قَصَرْتَ. وَفِي حَدِيثِ الْمَبْعَثِ:
فَسَلَقني لِ حُلاوَة الْقَفَا
أَي أَضْجَعَني عَلَى وَسَطِ القَفا لَمْ يَمِلْ بِي إِلَى أَحد الْجَانِبَيْنِ، قَالَ: وَتُضَمُّ حَاؤُهُ وَتُفْتَحُ وَتُكْسَرُ؛ وَمِنْهُ حَدِيثِ
مُوسَى والخَضِر، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ: وَهُوَ نَائِمٌ عَلَى حَلاوةِ قفاهُ.
والحِلْو: حَفٌّ صَغِيرٌ يُنسَجُ بِهِ؛ وشَبَّه الشَّمَّاخُ لِسَانَ الْحِمَارِ بِهِ فَقَالَ:
قُوَيْرِحُ أَعْوامٍ كأَنَّ لسانَه، ... إِذَا صَاحَ، حِلْوٌ زَلَّ عَنْ ظَهْرِ مِنْسَجِ
وَيُقَالُ: هِيَ الْخَشَبَةُ الَّتِي يُديرها الْحَائِكُ وأَرضٌ حَلاوَةٌ: تُنْبِت ذُكُورَ البَقْلِ. والحُلاوَى مِنَ الجَنْبة: شجَرة تَدُومُ خُضْرتَها، وَقِيلَ: هِيَ شَجَرَةٌ صَغِيرَةٌ ذَاتُ شَوْكٍ. والحُلاوَى: نَبْتة زَهْرتها صَفْرَاءُ وَلَهَا شَوْكٌ كَثِيرٌ وَوَرَقٌ صِغَارٌ مُسْتَدِيرٌ مِثْلَ وَرَقِ السِّذَابِ، وَالْجَمْعُ حُلاوَيات، وَقِيلَ: الْجَمْعُ كَالْوَاحِدِ. التَّهْذِيبُ: الحَلاوى ضَرْبٌ مِنَ النَّبَاتِ يَكُونُ بِالْبَادِيَةِ، وَالْوَاحِدَةُ حَلاوِيَة عَلَى تَقْدِيرِ رَباعِية. قَالَ الأَزهري: لَا أَعرف الحَلاوَى وَلَا الحَلاوِيَة، وَالَّذِي عَرَفْتُهُ الحُلاوَى، بِضَمِّ الْحَاءِ، عَلَى فُعالى، وَرَوَى أَبو عُبَيْدٍ عَنِ الأَصمعي فِي بَابِ فُعالى خُزامى ورُخامى وحُلاوى كلُّهن نَبْتٌ، قَالَ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. وحُلْوانُ: اسْمُ بَلَدٍ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِقَيْسِ الرُّقَيَّات:
سَقْياً لِحُلْوانَ ذِي الكُروم، وَمَا ... صَنَّفَ مِنْ تينهِ ومِنْ عِنَبِهْ
وَقَالَ مُطِيعُ بْنُ إِيَاسٍ:
أَسْعِداني يَا نَخْلَتَيْ حُلْوانِ، ... وابْكِيا لِي مِنْ رَيْبِ هَذَا الزَّمانِ
وحُلوانُ: كُورَةٌ؛ قَالَ الأَزهري: هُمَا قَرْيَتَانِ إحْداهما حُلْوان الْعِرَاقِ والأُخْرى حُلْوان الشَّامِ. ابْنُ سِيدَهْ: والحُلاوة مَا يُحَكُّ بَيْنَ حَجَرَيْنِ فيُكتحل بِهِ، قَالَ: وَلَسْتُ مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَةِ عَلَى ثِقَةٍ لِقَوْلِهِمُ الحَلْوُ فِي هَذَا الْمَعْنَى. وَقَوْلُهُمْ حَلأْتُه أَيْ كَحَّلْتُهُ. والحَلْيُ: مَا تُزُيِّنَ بِهِ مِنْ مَصوغِ المَعْدِنِيَّاتِ أَو الحجارةِ؛ قَالَ:
كأَنها مِنْ حُسُنٍ وشارهْ، ... والحَلْيِ حَلْيِ التِّبْر والحِجارهْ،(14/194)
مَدْفَعُ مَيْثاءَ إِلَى قَرارهْ
وَالْجَمْعُ حُلِيٌّ؛ قَالَ الْفَارِسِيُّ: وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ الحَلْيُ جَمْعًا، وَتَكُونَ الْوَاحِدَةُ حَلْيَةً كشَرْيَةٍ وشَرْيٍ وهَدْيَةٍ وهَدْيٍ. والحِلْيَةُ: كالحَلْيِ، وَالْجَمْعُ حِلىً وحُلىً. اللَّيْثُ: الحَلْيُ كُلُّ حِلْيةٍ حَلَيت بِهَا امرأَةً أَو سَيْفًا ونحوَه، وَالْجَمْعُ حُلِيٌّ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ
. الْجَوْهَرِيُّ: الحَلْيُ حَلْيُ المرأَةِ، وَجَمْعُهُ حُلِيٌّ مِثْلُ ثَدْيٍ وثُدِيّ، وَهُوَ فُعُولٌ، وَقَدْ تُكْسَرُ الْحَاءُ لِمَكَانِ الْيَاءِ مِثْلَ عِصيّ، وَقُرِئَ: مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَداً
، بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ. وحَلَيْتُ المرأَةَ أَحْلِيها حَلْياً وحَلَوْتُها إِذَا جَعَلْتَ لَهَا حُلِيّاً. الْجَوْهَرِيُّ: حِلْيَةُ السيفِ جمْعها حِلىً مِثْلُ لِحْيةٍ ولِحىً، وَرُبَّمَا ضُمَّ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه جَاءَهُ رَجُلٌ وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ حَدِيدٍ فَقَالَ: مَا لِي أَرى عليكَ حِلْيَة أَهلِ النارِ؟
هُوَ اسْمٌ لِكُلِّ مَا يُتَزَيَّن بِهِ مِنْ مَصَاغِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَإِنَّمَا جَعَلَهَا حِلْيَةً لأَهل النَّارِ لأَن الْحَدِيدَ زِيُّ بَعْضِ الْكُفَّارِ وَهُمْ أَهل النَّارِ، وَقِيلَ: إِنَّمَا كَرِهَهُ لأَجل نَتْنِه وزُهوكَتهِ، وَقَالَ: فِي خاتَمِ الشِّبْهِ ريحُ الأَصْنام، لأَن الأَصنام كَانَتْ تُتَّخَذ مِنَ الشَّبَهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُقَالُ حِلْيةُ السَّيْفِ وحَلْيهُ، وَكَرِهَ آخَرُونَ حَلْيَ السَّيْفِ، وَقَالُوا: هِيَ حِلْيَتُه؛ قَالَ الأَغْلَبُ العِجْلِي:
جارِيةٌ مِنْ قيْسٍ بنِ ثَعْلَبهْ، ... بَيْضاءُ ذاتُ سُرَّةٍ مُقَبَّبَهْ،
كأَنها حِلْيَةُ سَيْفٍ مُذْهَبَهْ
وَحَكَى أَبو عَلِيٍّ حَلاة فِي حِلْيَةٍ، وَهَذَا فِي الْمُؤَنَّثِ كشِبْهٍ وشَبَهٍ فِي الْمُذَكَّرِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها
؛ جَازَ أَن يُخْبِرَ عَنْهُمَا بِذَلِكَ لِاخْتِلَاطِهِمَا، وإلا ف الحِلْيَةُ إِنَّمَا تُسْتَخرج مِنَ المِلْح دُونَ العَذْب. وحَلِيَت المرأَةُ حَلْياً وَهِيَ حَالٍ وحَالِيَةٌ: اسْتَفَادَتْ حَلْياً أَو لَبِسَتْهُ، وحَلِيَتْ: صَارَتْ ذَاتَ حَلْيٍ، وَنِسْوَةٌ حَوالٍ. وتَحَلَّتْ: لَبِسَتْ حَلْياً أَو اتَّخَذَتْ. وحَلَّاها: أَلبسها حَلْياً أَو اتَّخَذَهُ لَهَا، وَمِنْهُ سَيْفٌ مُحَلّىً. وتَحَلَّى بالحَلْي أَي تزيَّن، وَقَالَ: ولغةٌ حَلِيَت المرأَةُ إِذَا لَبِسَتْه؛ وأَنشد:
وحَلْي الشَّوَى مِنْهَا، إِذَا حَلِيَتْ بِهِ، ... عَلَى قَصَباتٍ لَا شِخاتٍ وَلَا عُصْلِ
قَالَ: وَإِنَّمَا يُقَالُ الحَلْيُ للمرأَة وَمَا سِوَاهَا فَلَا يُقَالُ إِلَّا حِلْيةٌ للسيفِ وَنَحْوِهِ. وَيُقَالُ: امرأَة حَالِيَة ومُتَحَلِّيَة. وحَلَّيْت الرجلَ: وصفتُ حِلْيَته. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ*
؛ عدَّاه إِلَى مَفْعُولَيْنِ لأَنه فِي مَعْنَى يَلْبَسُون. وَفِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَانَ يُحَلِّينا رِعاثاً مِنْ ذَهَبٍ ولُؤْلُؤٍ
، وحَلَّى السيفَ كَذَلِكَ. وَيُقَالُ لِلشَّجَرَةِ إِذَا أَورقت وأَثمرت: حَالِيَةٌ، فَإِذَا تَنَاثَرَ وَرَقُهَا قِيلَ: تعطَّلت؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
وهاجَتْ بَقايا القُلْقُلانِ، وعَطَّلَت ... حَوَالِيَّهُ هُوجُ الرِّياحِ الحَواصِد
أَي أَيْبَسَتْها الرِّيَاحُ فَتَنَاثَرَتْ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَانَ يَتَوضَّأُ إِلَى نِصْفِ ساقَيْه وَيَقُولُ إِنَّ الحِلْيَة تَبْلُغُ إِلَى مواضِع الْوُضُوءِ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: أَراد بالحِلْيَة هَاهُنَا التَّحْجِيلَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَثر الْوُضُوءِ مِنْ
قَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: غُرٌّ مُحَجَّلون.
ابْنُ سِيدَهْ فِي مُعْتَلِّ الْيَاءِ: وحَلِيَ فِي عَيْنِي وصَدْرِي قِيلَ لَيْسَ مِنَ الحَلاوة، إِنَّمَا هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الحَلْي الْمَلْبُوسِ لأَنه حَسُنَ فِي عَيْنِكَ كَحُسْنِ الحَلْيِ، وَحَكَى(14/195)
ابْنُ الأَعرابي: حَلِيَتْه العَيْنُ؛ وأَنشد:
كَحْلاءُ تَحْلاها العُيونُ النُّظَّرُ
التَّهْذِيبُ: اللِّحْيَانِيُّ حَلِيَتِ المرأَة بعَيْني وَفِي عَيْني وبِقَلْبي وَفِي قَلْبي وَهِيَ تَحْلَى حَلاوة، وَقَالَ أَيضاً: حَلَتْ تَحْلُو حَلاوة. الْجَوْهَرِيُّ: وَيُقَالُ حَلِيَ فُلَانٌ بِعَيْنِي، بِالْكَسْرِ، وَفِي عَيْنِي وَبِصَدْرِي وَفِي صَدْرِي يَحْلَى حَلاوة إِذَا أَعجبك؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
إنَّ سِرَاجاً لَكَرِيمٌ مَفْخَرُهْ، ... تَحْلَى بِهِ العَيْن إِذَا مَا تَجْهَرُهْ
قَالَ: وَهَذَا شَيْءٌ مِنَ الْمَقْلُوبِ، وَالْمَعْنَى يَحْلَى بالعَين. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَكِنَّهُمْ حَلِيَت الدُّنْيَا فِي أَعْينُهم.
يُقَالُ: حَلِيَ الشيءُ بعَيْني يَحْلى إِذَا استَحْسَنْته، وحَلا بفَمِي يَحْلُو. والحِلْيَةُ: الخِلْقة. والحِلْيَةُ: الصِّفَةُ والصُّورة. والتَّحْلِيةُ: الوَصْف. وتَحَلَّاه: عَرَفَ صِفَته. والحِلْيَة: تَحْلِيَتُك وجهَ الرجلِ إِذَا وصَفْته. ابْنُ سِيدَهْ: والحَلَى بَثْرٌ يَخْرُجُ بأَفواه الصِّبْيَانِ؛ عَنْ كُراع، قَالَ: وَإِنَّمَا قَضَيْنَا بأَن لَامَهُ يَاءٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَن اللَّامَ يَاءٌ أَكثر مِنْهَا وَاوًا. والحَلِيُّ: مَا ابيضَّ مِنْ يَبِيسِ السِّبَطِ والنَّصِيِّ، وَاحِدَتُهُ حَلِيَّةٌ؛ قَالَ:
لَمَّا رأَتْ حَلِيلَتي عَيْنَيَّهْ، ... ولِمَّتِي كأَنَّها حَلِيَّهْ،
تَقُولُ هَذِي قرَّةٌ عَلَيَّهْ
التَّهْذِيبُ: والحَلِيُّ نَبَاتٌ بعَيْنه، وَهُوَ مِنْ خَيْرِ مَرَاتِعِ أَهل الْبَادِيَةِ للنَّعَم وَالْخَيْلِ، وَإِذَا ظَهَرَتْ ثَمَرَتُهُ أَشبه الزَّرْعَ إِذَا أَسبل؛ وَقَالَ اللَّيْثُ: هُوَ كُلُّ نَبْتٍ يُشْبِهُ نَبَاتَ الزَّرْعِ؛ قَالَ الأَزهري: هَذَا خطأٌ إِنَّمَا الحَلِيُّ اسْمُ نَبْتٍ بِعَيْنِهِ وَلَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ مِنَ الكلإِ. الْجَوْهَرِيُّ: الحَلِيُّ عَلَى فَعيل يَبِيسُ النَّصِيِّ، وَالْجَمْعُ أَحْلِية؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ:
نَحنُ مَنَعْنا مَنْبِتَ النَّصِيِّ، ... ومَنْبِتَ الضَّمْرانِ والحَلِيِ
وَقَدْ يُعَبَّر بالحَلِيِّ عَنِ الْيَابِسِ كَقَوْلِهِ:
وإنَّ عِنْدِي، إِنْ رَكِبْتُ مِسْحَلِي، ... سَمَّ ذَراريحَ رطابٍ وحَلِي
وَفِي حَدِيثِ
قُسّ: وحَلِيّ وأَقَاحٍ
؛ هُوَ يَبِيسُ النَّصِيِّ مِنَ الكَلإِ، وَالْجَمْعُ أَحْلِيَة. وحَلْيَة: مَوْضِعٌ؛ قَالَ الشَّنْفَرَى:
بِرَيْحانةٍ مِنْ بطنِ حَلْيَةَ نَوَّرَتْ، ... لَهَا أَرَجٌ، مَا حَوْلَها غَيرُ مُسْنِتِ
وَقَالَ بَعْضُ نِسَاءِ أَزدِ مَيْدَعانَ:
لَوْ بَيْنَ أَبْياتٍ بِحَلْيَةَ مَا ... أَلْهاهُمُ، عَنْ نَصْرِكَ، الجُزُرُ
وحُلَيَّة: مَوْضِعٌ؛ قَالَ أُمية بْنُ أَبي عَائِذٍ الْهُذَلِيُّ:
أَو مُغْزِلٌ بالْخَلِّ، أَو بِحُلَيَّةٍ ... تَقْرُو السلامَ بِشَادِنٍ مِخْماصِ
قَالَ ابْنُ جِنِّي: تَحْتَمِلُ حُلَيَّة الْحَرْفَيْنِ جَمِيعًا، يَعْنِي الْوَاوَ وَالْيَاءَ، وَلَا أُبعِد أَن يَكُونَ تَحْقِيرَ حَلْية، وَيَجُوزُ أَن تكونَ هَمْزَةً مُخَفَّفَةً مِنْ لَفْظِ حلَّأْت الأَديم كَمَا تَقُولُ فِي تَخْفِيفِ الحُطَيْئة الحُطَيَّة. وإحْلِيَاءُ: مَوْضِعٌ؛ قَالَ الشَّمَّاخُ:
فأَيْقَنَتْ أَنَّ ذَا هاشٍ مَنِيَّتُها، ... وأَنَّ شَرْقِيَّ إحْلِياءَ مَشْغُولُ
الْجَوْهَرِيُّ: حَلْية، بِالْفَتْحِ، مأْسَدة بِنَاحِيَةِ الْيَمَنِ؛ قَالَ يَصِفُ أَسداً:(14/196)
كأَنَّهُمُ يَخْشَوْنَ منْك مُدَرَّباً، ... بِحَلْيةَ، مَشْبُوحَ الذِّراعَيْن مِهْزَعَا
الأَزهري: يُقَالُ لِلْبَعِيرِ إِذَا زَجَرْتَهُ حَوْبُ وحَوْبَ وحَوْبِ، وَلِلنَّاقَةِ حَلْ جَزْمٌ وحَلِيْ جَزْم لَا حَلِيتِ وحَلٍ، قَالَ: وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ يُقَالُ فِي زَجْرِ النَّاقَةِ حَلْ حَلْ، قَالَ: فَإِذَا أَدخلت فِي الزَّجْرِ أَلِفاً وَلَامًا جَرَى بِمَا يُصِيبُهُ مِنَ الإِعراب كَقَوْلِهِ:
والحَوْبُ لمَّا لَمْ يُقَلْ والحَلُ
فَرَفَعَهُ بِالْفِعْلِ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ.
حما: حَمْوُ المرأَة وحَمُوها وحَماها: أَبو زَوْجها وأَخُو زَوْجِهَا، وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ مِنْ قِبَلِه. يُقَالُ هَذَا حَمُوها ورأَيت حَمَاها وَمَرَرْتُ بحَمِيها، وَهَذَا حَمٌ فِي الِانْفِرَادِ. وكلُّ مَنْ وَلِيَ الزوجَ مِنْ ذِي قَرابته فَهُمْ أَحْماء المرأَة، وأُمُّ زَوجها حَمَاتُها، وكلُّ شَيْءٍ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ أَبوه أَو أَخوه أَو عَمُّهُ فَهُمُ الأَحْماءُ، والأُنثى حماةٌ، لَا لُغَةَ فِيهَا غَيْرُ هَذِهِ؛ قَالَ:
إِنَّ الحَماةَ أُولِعَتْ بالكَنَّهْ، ... وأَبَتِ الكَنَّةُ إلَّا ضِنَّهْ
وحَمْوُ الرَّجُلِ: أَبو امرأَته أَوْ أَخوها أَو عَمُّهَا، وَقِيلَ: الأَحْمَاءُ مِنْ قِبَل المرأَة خَاصَّةً والأَخْتانُ مِنْ قِبَل الرَّجُلِ، والصِّهْرُ يَجْمَعُ ذَلِكَ كلَّه. الْجَوْهَرِيُّ: حَمَاةُ المرأَة أُمّ زَوْجِهَا، لَا لُغَةَ فِيهَا غَيْرُ هَذِهِ. وَفِي الحَمْو أَربع لُغَاتٍ: حَماً مِثْلُ قَفاً، وحَمُو مثل أَبُو، وحَمٌ مِثْلُ أَبٍ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُ حَماً قَوْلُ الشَّاعِرِ:
وَبجارَة شَوْهاءَ تَرْقُبُني، ... وحَماً يخِرُّ كَمَنْبِذِ الحِلْسِ
وحَمْءٌ ساكنةَ الْمِيمِ مَهْمُوزَةٌ؛ وأَنشد:
قُلْتُ لِبَوَّابٍ لَدَيْهِ دَارُها: ... تِئْذَنْ، فَإِنِّي حَمْؤُها وجَارُها
ويُروْى: حَمُها، بِتَرْكِ الْهَمْزِ. وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ قِبَل المرأَة فَهُمُ الأَخْتان. الأَزهري: يُقَالُ هَذَا حَمُوها وَمَرَرْتُ بحَمِيها ورأَيت حَمَاها، وَهَذَا حَمٌ فِي الِانْفِرَادِ. وَيُقَالُ: رأَيت حَماها وَهَذَا حَماها وَمَرَرْتُ بِحَماها، وَهَذَا حَماً فِي الِانْفِرَادِ، وَزَادَ الْفَرَّاءُ حَمْءٌ، سَاكِنَةُ الْمِيمِ مَهْمُوزَةٌ، وحَمُها بِتَرْكِ الْهَمْزِ؛ وأَنشد:
هِيَ مَا كَنَّتي، وتَزْعُمُ أَني لهَا حَمُ
الْجَوْهَرِيُّ: وأَصل حَمٍ حَمَوٌ، بِالتَّحْرِيكِ، لأَن جَمْعَهُ أَحْماء مِثْلَ آبَاءَ. قَالَ: وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي الأَخ أَن حَمُو مِنَ الأَسماء الَّتِي لَا تَكُونُ مُوَحَّدة إِلَّا مُضَافَةً، وَقَدْ جَاءَ فِي الشِّعْرِ مُفْرَدًا؛ وأَنشد:
وَتَزْعُمُ أَني لها حَمُو
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هُوَ لفَقيد ثَقِيف «2» . قَالَ: وَالْوَاوُ فِي حَمُو للإِطلاق؛ وَقَبْلَ الْبَيْتِ:
أَيُّها الجِيرةُ اسْلَمُوا، ... وقِفُوا كَيْ تُكَلَّمُوا
خَرَجَتْ مُزْنَةٌ من ... البَحْر ريَّا تَجَمْجَمُ
هِيَ مَا كَنَّتي، وتَزْعُمُ ... أَني لَها حَمُ
وَقَالَ رجل كَانَتْ لَهُ امرأَة فَطَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَهَا أَخوه:
لَقَدْ أَصْبَحَتْ أَسْماءُ حَجْراً [حِجْراً] مُحَرَّما، ... وأَصْبَحْتُ مِنْ أَدنى حُمُوّتِها حَمَا
أَي أَصبحت أَخا زَوْجِهَا بَعْدَ مَا كُنْتُ زَوْجَهَا. وَفِي
__________
(2) . قوله: فقيد ثقيف؛ هكذا في الأَصل(14/197)
حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنه قَالَ: مَا بالُ رِجَالٍ لَا يزالُ أَحدُهم كاسِراً وِسادَه عِنْدَ امرأَة مُغْزِيةٍ يَتحدَّث إِلَيْهَا؟ عَلَيْكُمْ بالجَنْبةِ.
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ:
لَا يَدْخُلَنَّ رجلٌ عَلَى امرأَة
، وَفِي رِوَايَةٍ:
لَا يَخْلُوَنَّ رجلٌ بمُغِيبة وَإِنْ قِيلَ حَمُوها أَلا حَمُوها الموتُ
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: قَوْلُهُ أَلا حَمُوها الْمَوْتُ، يَقُولُ فَلْيَمُتْ وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ، فَإِذَا كَانَ هَذَا رأْيَه فِي أَبي الزَّوْج وَهُوَ مَحْرَم فَكَيْفَ بِالْغَرِيبِ؟ الأَزهري: قَدْ تَدَبَّرْتُ هَذَا التَّفْسِيرَ فَلَمْ أَرَهُ مُشاكلًا لِلَفْظِ الْحَدِيثِ. وَرَوَى ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي أَنه قَالَ فِي قَوْلِهِ الحَمُ الموتُ: هَذِهِ كَلِمَةٌ تَقُولُهَا الْعَرَبُ كَمَا تَقُولُ الأَسَدُ الْمَوْتُ أَي لِقَاؤُهُ مِثْلُ الْمَوْتِ، وَكَمَا تَقُولُ السلطانُ نارٌ، فَمَعْنَى قَوْلِهِ الحَمُ الموتُ أَن خَلْوَةَ الحَمِ مَعَهَا أَشد مِنْ خَلْوَةِ غَيْرِهِ مِنَ الْغُرَبَاءِ، لأَنه رُبَّمَا حسَّن لَهَا أَشياء وَحَمَلَهَا عَلَى أُمور تَثْقُلُ عَلَى الزَّوْجِ مِنَ الْتِمَاسٍ مَا لَيْسَ فِي وَسْعِهِ أَو سُوءِ عِشْرَةٍ أَو غَيْرِ ذَلِكَ، ولأَن الزَّوْجَ لَا يُؤْثِرُ أَن يَطَّلِعَ الحَمُ عَلَى بَاطِنِ حَالِهِ بِدُخُولِ بَيْتِهِ؛ الأَزهري: كأَنه ذَهَبَ إِلَى أَن الْفَسَادَ الَّذِي يَجْرِي بَيْنَ المرأَة وأَحمائها أَشد مِنْ فَسَادٍ يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْغَرِيبِ وَلِذَلِكَ جَعَلَهُ كَالْمَوْتِ. وَحُكِيَ عَنِ الأَصمعي أَنه قَالَ: الأَحْمَاءُ مِنْ قِبَل الزَّوْجِ، والأَخْتانُ مِنْ قِبَل المرأَة، قَالَ: وَهَكَذَا قَالَ ابْنُ الأَعرابي وَزَادَ فَقَالَ: الحَمَاةُ أُمُّ الزَّوْجِ، والخَتَنة أُمُّ المرأَة، قَالَ: وَعَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ العباسُ وعليٌّ وحمزةُ وَجَعْفَرٌ أَحْمَاءُ عائشةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجمعين. ابْنُ بَرِّيٍّ: وَاخْتُلِفَ فِي الأَحْماءِ والأَصْهار فَقِيلَ أَصْهار فُلَانٍ قَوْمُ زَوْجَتِهِ وأَحْمَاءُ فُلَانَةَ قَوْمُ زَوْجِهَا. وَعَنِ الأَصمعي: الأَحْمَاءُ مِنْ قِبَل المرأَة والصِّهْر يَجْمَعهما؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
سُبِّي الحَمَاةَ وابْهَتي عَلَيْها، ... ثُمَّ اضْرِبي بالوَدِّ مِرْفَقَيْها
مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَن الحَمَاة مِنْ قِبَل الرَّجُلِ، وَعِنْدَ الْخَلِيلِ أَن خَتَنَ الْقَوْمِ صِهْرُهم والمتزوِّج فِيهِمْ أَصهار الخَتَنِ «1» ، وَيُقَالُ لأَهل بيتِ الخَتَنِ الأَخْتَانُ، ولأَهل بَيْتِ المرأَة أَصهارٌ، وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَجْعَلُهُمْ كلَّهم أَصْهاراً. اللَّيْثُ: الحَمَاةُ لَحْمة مُنْتَبِرَة فِي باطِنِ السَّاقِ. الْجَوْهَرِيُّ: والحَمَاة عَضَلَةُ السَّاقِ. الأَصمعي: وَفِي سَاقِ الْفَرَسِ الحَمَاتانِ، وَهُمَا اللَّحْمَتان اللَّتَانِ فِي عُرْض السَّاقِ تُرَيانِ كالعَصَبَتَين مِنْ ظَاهِرٍ
وَبَاطِنٍ، وَالْجَمْعُ حَمَوات. وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: هُمَا المُضْغَتان المُنتَبِرتان فِي نِصْفِ السَّاقَيْنِ مِنْ ظَاهِرٍ. ابْنُ سِيدَهْ: الحَماتان مِنَ الْفَرَسِ اللَّحْمتان الْمُجْتَمِعَتَانِ فِي ظَاهِرِ السَّاقَيْنِ مِنْ أَعاليهما. وحَمْوُ الشَّمْسِ: حَرُّها. وحَمِيَت الشمسُ والنارُ تَحْمَى حَمْياً وحُمِيّاً وحُمُوّاً، الأَخيرة عَنِ اللِّحْيَانِيِّ: اشتدَّ حَرُّها، وأَحْماها اللهُ، عَنْهُ أَيضاً. الصِّحَاحُ: اشْتَدَّ حَمْيُ الشمسِ وحَمْوُها بِمعْنىً. وحَمَى الشيءَ حَمْياً وحِمىً وحِماية ومَحْمِيَة: مَنَعَهُ وَدَفَعَ عَنْهُ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: لَا يَجِيءُ هَذَا الضَّرْبُ عَلَى مَفْعِلٍ إِلَّا وَفِيهِ الْهَاءُ، لأَنه إِنْ جَاءَ عَلَى مَفْعِلٍ بِغَيْرِ هاءٍ اعْتَلَّ فَعَدَلُوا إِلَى الأَخفِّ. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: حَمَيْتُ الأَرض حَمْياً وحِمْيَةً وحِمَايَةً وحِمْوَةً، الأَخيرة نَادِرَةٌ وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ بَابِ أَشَاوي. والحِمْيَة والحِمَى: مَا حُمِيَ مِنْ شيءٍ، يُمَدُّ وَيُقْصَرُ، وَتَثْنِيَتُهُ حِمَيانِ عَلَى الْقِيَاسِ وحِمَوان عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ. وكلأٌ حِمىً: مَحْمِيٌّ. وحَماه مِنَ الشَّيْءِ وحَماه إِيَّاهُ؛ أَنشد سِيبَوَيْهِ:
حَمَيْنَ العَراقِيبَ العَصا، فَتَرَكْنَه ... بِهِ نَفَسٌ عَالٍ، مُخالِطُه بُهْرُ
وحَمَى المَريضَ مَا يضرُّه حِمْيَةً: مَنَعَه إيَّاه؛ واحْتَمَى هُوَ مِنْ ذَلِكَ وتَحَمَّى: امْتَنَع. والحَمِيُّ:
__________
(1) . قوله: أصهار الختن: هكذا في الأَصل(14/198)
المَريض الْمَمْنُوعُ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
وجْدي بصَخْرَةَ، لَوْ تَجْزِي المُحِبَّ بِهِ، ... وَجْدُ الحَمِيِّ بماءِ المُزْنةِ الصَّادي
واحْتَمَى المريضُ احْتِمَاءً مِنَ الأَطعمة. وَيُقَالُ: حَمَيْتُ الْمَرِيضَ وأَنا أَحْمِيه حِمْيَةً وحِمْوَةً مِنَ الطَّعَامِ، واحْتَمَيت مِنَ الطَّعَامِ احْتِماءً، وحَمَيْت القومَ حِمايةً، وحَمَى فلانٌ أَنْفَه يَحْمِيه حَمِيَّةً ومَحْمِيَةً. وَفُلَانٌ ذُو حَمِيَّةٍ مُنْكَرَة إِذَا كَانَ ذَا غَضَبٍ وأَنَفَةٍ. وحَمَى أَهلَه فِي القِتال حِمايةً. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَمِيتُ مِنْ هَذَا الشيءِ أَحْمَى مِنْه حَمِيَّةً أَي أَنَفاً وغَيْظاً. وَإِنَّهُ لَرَجُل حَمِيٌّ: لَا يَحْتَمِل الضَّيْم، وحَمِيُّ الأَنْفِ. وَفِي حَدِيثِ
مَعْقِل بنِ يَسارٍ: فَ حَمِيَ مِنْ ذَلِكَ أَنَفاً
أَي أَخَذَتْه الحَمِيَّة، وَهِيَ الأَنَفَة والغَيْرة. وحَمِيت عَنْ كَذَا حَمِيَّةً، بالتشديد، ومَحْمِيَةً إذا أَنِفْت مِنْهُ وداخَلَكَ عارٌ وأَنَفَةٌ أَن تفْعَله. يُقَالُ: فُلَانٌ أَحْمَى أَنْفاً وأَمْنَعُ ذِماراً مِنْ فُلَانٍ. وحَماهُ الناسَ يَحْمِيه إياهمْ حِمىً وحِمايةً: مَنَعَهُ. والحامِيَةُ: الرجلُ يَحْمِي أَصحابه فِي الْحَرْبِ، وهم أَيضاً الْجَمَاعَةُ يَحْمُون أَنفُسَهم؛ قَالَ لَبِيدٌ:
ومَعِي حَامِيةٌ مِنْ جَعْفرٍ، ... كلَّ يوْمٍ نَبْتَلي مَا فِي الخِلَلِ
وَفُلَانٌ عَلَى حَامِية الْقَوْمِ أَي آخِرُ مَنْ يَحْمِيهِمْ فِي انْهِزامِهم. وأَحْمَى المكانَ: جَعَلَهُ حِمىً لَا يُقْرَب. وأَحْمَاهُ: وجَدَه حِمىً. الأَصمعي: يُقَالُ حَمىَ فُلَانٌ الأَرضَ يَحْمِيها حِمًى لَا يُقْرَب. اللَّيْثُ: الحِمَى مَوْضِعٌ فِيهِ كَلأٌ يُحْمَى مِنَ النَّاسِ أَن يُرْعى. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، فِي تَفْسِيرِ
قَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا حِمَى إِلَّا لِلَّهِ ولِرَسُولِه
، قَالَ: كَانَ الشَّرِيفُ مِنَ الْعَرَبُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا نَزَلَ بَلَدًا فِي عَشِيرَتِهِ اسْتَعْوَى كَلْباً فحَمَى لخاصَّته مَدَى عُواءِ الكَلْبِ لَا يَشرَكُه فِيهِ غيرهُ فَلَمْ يَرْعَه مَعَهُ أَحد وَكَانَ شريكَ الْقَوْمِ فِي سَائِرِ المرَاتع حَوْله، قَالَ: فَنَهَى النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، أَنْ يُحْمَى عَلَى النَّاسِ حِمىً كَمَا كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَفْعَلُونَ، قَالَ: وَقَوْلُهُ إِلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، يَقُولُ: إِلَّا مَا يُحْمَى لِخَيْلِ الْمُسْلِمِينَ ورِكابِهِم الَّتِي تُرْصَد لِلْجِهَادِ ويُحْمَل عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِبِلِ الزَّكَاةِ، كَمَا حَمَى عُمَرُ النَّقِيع لِنَعَمِ الصَّدَقَةِ وَالْخَيْلِ المُعَدَّة فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَفِي حَدِيثِ
أَبيَضَ بنِ حَمّالٍ لَا حِمَى فِي الأَراكَ، فَقَالَ أَبيَضُ: أَراكَةٌ فِي حِظاري
أَي فِي أَرضي، وَفِي رِوَايَةٍ:
أَنه سأَله عَمَّا يُحْمَى مِنَ الأَراك فَقَالَ مَا لَمْ تَنَلْهُ أَخفافُ الإِبلِ
؛ مَعْنَاهُ أَن الإِبل تأْكل مُنْتَهى مَا تَصِلُ إِلَيْهِ أَفواهها، لأَنها إِنَّمَا تَصِلُ إِلَيْهِ بِمَشْيِهَا عَلَى أَخفافها فيُحْمَى مَا فَوْقَ ذَلِكَ، وَقِيلَ: أَراد أَنه يُحْمَى مِنَ الأَراك مَا بَعُدَ عَنِ العِمارة وَلَمْ تَبْلُغْهُ الإِبلُ السَّارِحَةُ إِذَا أُرْسِلت فِي المَرْعَى، وَيُشْبِهُ أَن تَكُونَ هَذِهِ الأَراكة الَّتِي سأَل عَنْهَا يَوْمَ أَحْيا الأَرضَ وحَظَر عَلَيْهَا قائمةَ فِيهَا فأَحيا الأَرض فَمَلَكَهَا بالإِحياء وَلَمْ يَمْلِكِ الأَراكة، فأَما الأَراك إِذَا نَبَتَ فِي مِلك رَجُلٍ فَإِنَّهُ يَحْمِيهِ وَيَمْنَعُ غَيْرَهُ مِنْهُ؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
مِنْ سَراةِ الهِجانِ، صَلَّبَها العُضّ ... ورَعْيُ الحِمَى وطولُ الحِيال
رَعْيُ الحِمَى: يُرِيدُ حِمَى ضَرِيَّة، وَهُوَ مَراعي إِبِلِ المُلوك وحِمَى الرَّبَذَةِ دونَه. وَفِي حَدِيثِ الإِفْكِ:
أَحْمِي سَمْعي وبصَري
أَي أَمنَعُهما مِنْ أَن أَنسُب إِلَيْهِمَا مَا لَمْ يُدْرِكاه وَمِنَ الْعَذَابِ لَوْ كَذَبْت عَلَيْهِمَا.(14/199)
وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ وذكَرَت عُثْمَانَ: عَتَبْنا عَلَيْهِ مَوْضِعَ الغَمامة المُحْماةِ
؛ تُرِيدُ الحِمَى الَّذِي حَماه. يُقَالُ: أَحْمَيْت الْمَكَانَ فَهُوَ مُحْمىً إِذَا جَعَلْتَهُ حِمىً، وَجَعَلَتْهُ عَائِشَةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، مَوْضِعًا لِلْغَمَامَةِ لأَنها تَسْقِيهِ بِالْمَطَرِ وَالنَّاسُ شُركاء فِيمَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ مِنَ الكَلإِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا فَلِذَلِكَ عَتَبُوا عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: حَمَيْتُ الحِمَى حَمْياً مَنَعْته، قَالَ: فَإِذَا امتَنع مِنْهُ الناسُ وعَرَفوا أَنه حِمىً قُلْتَ أَحمَيْتُه. وعُشْبٌ حِمىً: مَحْمِيٌّ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يُقَالُ حَمَى مكانَه وأَحْماه؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
حَمَى أَجَماتِه فتُرِكْنَ قَفْراً، ... وأَحْمَى مَا سِواه مِنَ الإِجامِ
قَالَ: وَيُقَالُ أَحْمَى فلانٌ عِرْضَه؛ قَالَ المُخَبَّلُ:
أَتَيْتَ امْرَأً أَحْمَى عَلَى الناسِ عِرْضَه، ... فَمَا زِلْتَ حَتَّى أَنْتَ مُقْعٍ تُناضِلُهْ
فأَقْعِ كَمَا أَقْعى أَبوكَ عَلَى اسْتِهِ، ... رأَى أَنَّ رَيْماً فوْقَه لَا يُعادِلُهْ
الْجَوْهَرِيُّ: هَذَا شيءٌ حِمىً عَلَى فِعَلٍ أَي مَحْظُور لَا يُقْرَب، وَسَمِعَ الْكِسَائِيُّ فِي تَثْنِيَةِ الحِمَى حِمَوانِ، قَالَ: وَالْوَجْهُ حِمَيانِ. وَقِيلَ لِعَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ الأَنصاري: حَمِيُّ الدَّبْرِ، عَلَى فَعِيلٍ بِمَعْنَى مَفعول. وَفُلَانٌ حَامِي الحقِيقةِ: مِثْلَ حَامِي الذِّمارِ، وَالْجَمْعُ حُماةٌ وحَامِية؛ وأَما قَوْلُ الشَّاعِرِ:
وَقَالُوا: يالَ أَشْجَعَ يومَ هَيْجٍ، ... ووَسْطَ الدارِ ضَرْباً واحْتِمايا
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: أَخرجه عَلَى الأَصل وَهِيَ لُغَةٌ لِبَعْضِ الْعَرَبِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَنشد الأَصمعي لأَعْصُرَ بنِ سعدِ بْنِ قيسِ عَيْلان:
إِذَا مَا المَرْءُ صَمَّ فلمْ يُكَلَّمْ، ... وأَعْيا سَمْعهُ إِلَّا نِدَايا
ولاعَبَ بالعَشِيِّ بَني بَنِيهِ، ... كفِعْلِ الهِرِّ يَحْتَرِشُ العَظايا
يُلاعِبُهُمْ، ووَدُّوا لوْ سَقَوْهُ ... مِنَ الذَّيْفانِ مُتْرَعَةً إِنَايَا
فَلَا ذاقَ النَّعِيمَ وَلَا شَراباً، ... وَلَا يُعْطى منَ المَرَضِ الشِّفايا
وَقَالَ: قَالَ أَبو الْحَسَنِ الصِّقِلِّي حُمِلت أَلف النَّصْبِ عَلَى هَاءِ التأْنيث بِمُقَارَنَتِهَا لَهَا فِي الْمَخْرَجِ وَمُشَابَهَتِهَا لَهَا فِي الْخَفَاءِ، وَوَجْهٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنه إِذَا قَالَ الشفاءَا وَقَعَتِ الْهَمْزَةُ بَيْنَ أَلفين، فَكَرِهَهَا كَمَا كَرِهَهَا فِي عَظاءَا، فَقَلَبَهَا يَاءً حَمْلًا عَلَى الْجَمْعِ. وحُمَّةُ الحَرِّ: مُعْظَمُه، بِالتَّشْدِيدِ. وحامَيْتُ عَنْهُ مُحاماةً وحِماءً. يُقَالُ: الضَّرُوسُ تُحامِي عَنْ وَلدِها. وحامَيْتُ عَلَى ضَيْفِي إِذَا احتَفَلْت لَهُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
حامَوْا عَلَى أَضْيافِهِمْ، فشَوَوْا لَهُمْ ... مِنْ لَحْمِ مُنْقِيَةٍ وَمِنْ أَكْبادِ
وحَمِيتُ عَلَيْهِ: غَضِبْتُ، والأُموي يَهْمِزُهُ. وَيُقَالُ: حِماءٌ لَكَ، بِالْمَدِّ، فِي مَعْنَى فِداءٌ لَكَ. وَتَحَامَاهُ النَّاسُ أَي توَقَّوْهُ وَاجْتَنَبُوهُ. وذهَبٌ حَسَنُ الحَماءِ، مَمْدُودٌ: خَرَجَ مِنَ الحَماءِ حسَناً. ابْنُ السِّكِّيتِ: وَهَذَا ذهَبٌ جيِّدٌ يَخْرُجُ مِنَ الإِحْماءِ، وَلَا يُقَالُ عَلَى الحَمَى لأَنه مِنْ أَحمَيْتُ. وحَمِيَ مِنَ الشَّيْءِ حَمِيَّةً ومَحْمِيَةً: أَنِفَ، وَنَظِيرُ المَحْمِيَة المَحْسِبةُ مِنْ حَسِب، والمَحْمِدة مِنْ حَمِدَ، والمَوْدِدة مِنْ وَدَّ، والمَعْصِيةُ مِنْ عَصَى. واحْتَمَى فِي الْحَرْبِ: حَمِيَتْ نَفْسهُ. وَرَجُلٌ(14/200)
حَمِيٌّ: لا يحتمل الضَّيْمَ، وأَنْفٌ حَمِيٌّ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: يُقَالُ حَمِيتُ فِي الْغَضَبِ حُمِيّاً. وحَمِيَ النَّهَارُ، بِالْكَسْرِ، وحَمِيَ التَّنُّورُ حُمِيّاً فِيهِمَا أَي اشتدَّ حَرُّه. وَفِي حَدِيثِ حُنَيْنٍ:
الْآنَ حَمِيَ الوَطِيسُ
؛ التَّنُّورُ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ شدَّة الأَمر واضْطِرامِ الحَرْبِ؛ وَيُقَالُ: هَذِهِ الْكَلِمَةُ أوَّلُ مَنْ قَالَهَا النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمَّا اشْتَدَّ البأْسُ يومَ حُنَيْنٍ وَلَمْ تُسْمَعُ قَبْله، وَهِيَ مِنْ أَحسن الِاسْتِعَارَاتِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
وقِدْرُ القَوْمِ حامِيةٌ تَفُور
أَي حارَّة تَغْلي، يُرِيدُ عِزَّةَ جانبِهم وشدَّةَ شَوْكَتِهم. وحَمِيَ الفرسُ حِمىً: سَخُنَ وعَرِقَ يَحْمَى حَمْياً، وحَمْيُ الشَّدِّ مِثْلُهُ؛ قَالَ الأَعشى:
كَأَنَّ احْتِدامَ الجَوْفِ مِنْ حَمْيِ شَدِّه، ... وَمَا بَعْدَه مِنْ شَدّه، غَلْيُ قُمْقُمِ
وَيُجْمَعُ حَمْيُ الشَّدّ أَحْماءً؛ قَالَ طَرَفَة:
فَهِيَ تَرْدِي، وَإِذَا مَا فَزِعَتْ ... طارَ مِنْ أَحْمائِها شَدّ الأُزُرْ
وحَمِيَ المِسْمارُ وَغَيْرُهُ فِي النَّارِ حَمْياً وحُمُوّاً: سَخُنَ، وأَحْمَيْتُ الْحَدِيدَةَ فأَنا أُحْمِيها إحْماءً حَتَّى حَمِيَتْ تَحْمَى. ابْنُ السِّكِّيتِ: أَحْمَيْتُ الْمِسْمَارَ إحْماءً فأَنا أُحْمِيهِ. وأَحْمَى الحديدةَ وَغَيْرَهَا فِي النَّارِ: أَسْخَنَها، وَلَا يُقَالُ حَمَيْتها. والحُمَة: السَّمُّ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ الإِبْرة الَّتِي تَضْرِبُ بِهَا الحَيّةُ وَالْعَقْرَبُ والزُّنْبور وَنَحْوُ ذَلِكَ أَو تَلْدَغُ بِهَا، وأَصله حُمَوٌ أَو حُمَيٌ، وَالْهَاءُ عِوَضٌ، وَالْجَمْعُ حُماتٌ وحُمىً. اللَّيْثُ: الحُمَةُ فِي أَفواه العامَّة إبْرةُ العَقْرب والزُّنْبور وَنَحْوِهِ، وَإِنَّمَا الحُمَةُ سَمُّ كُلِّ شَيْءٍ يَلْدَغُ أَو يَلْسَعُ. ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ لسَمّ الْعَقْرَبِ الحُمَةُ والحُمَّةُ. وَقَالَ الأَزهري: لَمْ يُسْمَعِ التَّشْدِيدُ فِي الحُمَّة إِلَّا لِابْنِ الأَعرابي، قَالَ: وأَحسبه لَمْ يَذْكُرْهُ إِلَّا وَقَدْ حَفِظَهُ. الْجَوْهَرِيُّ: حُمَةُ العقرب سَمُّهَا وَضَرُّهَا، وحُمَة البَرْدِ شِدَّته. والحُمَيَّا: شِدَّةُ الْغَضَبِ وأَوَّلُه. وَيُقَالُ: مَضَى فُلَانٌ فِي حَمِيَّتهِ أَي فِي حَمْلَته. وَيُقَالُ: سارَتْ فِيهِ حُمَيَّا الكَأْسِ أَي سَوْرَتُها، وَمَعْنَى سارَت ارْتَفَعَتْ إِلَى رأْسه. وَقَالَ اللَّيْثُ: الحُمَيَّا بُلُوغ الخَمْر مِنْ شَارِبِهَا. أَبو عُبَيْدٍ: الحُمَيَّا دَبِيبُ الشَّراب. ابْنُ سِيدَهْ: وحُمَيَّا الكأْسِ سَوْرَتُها وشدَّتها، وَقِيلَ: أَوَّلُ سَوْرتها وشدَّتها، وَقِيلَ: إسْكارُها وحِدَّتُها وأَخذُها بالرأْس. وحُمُوَّة الأَلَمِ: سَوْرَته. وحُمَيّا كُلّ شَيْءٍ: شِدَّته وحِدَّته. وفَعَل ذَلِكَ فِي حُمَيَّا شَبابه أَي فِي سَوْرته ونَشاطه؛ ويُنْشَد:
مَا خِلْتُني زِلْتُ بَعْدَكُمْ ضَمِناً، ... أَشْكُو إلَيْكُمْ حُمُوَّةَ الأَلَمِ
وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنَّه رَخَّصَ فِي الرُقْيَةِ مِنَ الحُمَة
، وَفِي رِوَايَةٍ:
مِنْ كُلِّ ذِي حُمَة.
وَفِي حَدِيثِ الدَّجَّالِ:
وتُنْزَع حُمَةُ كُلِّ دابَّة
أَي سَمُّها؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَتُطْلَقُ عَلَى إِبْرَةِ الْعَقْرَبِ لِلْمُجَاوَرَةِ لأَن السُّمَّ مِنْهَا يَخْرُجُ. وَيُقَالُ: إِنَّهُ لَشديد الحُمَيَّا أَي شَدِيدُ النَّفْسِ والغَضَب. وَقَالَ الأَصمعي: إِنَّهُ لحَامِي الحُمَيَّا أَي يَحْمِي حَوْزَتَه وَمَا وَلِيَه؛ وأَنشد:
حَامِي الحُمَيَّا مَرِسُ الضَّرِير
والحَامِيَةُ: الحجارةُ الَّتِي تُطْوَى بِهَا الْبِئْرُ. ابْنُ شُمَيْلٍ: الحَوَامِي عِظامُ الْحِجَارَةِ وثِقالها، وَالْوَاحِدَةُ حامِيَةٌ. والحَوَامِي: صَخْرٌ عِظامٌ تُجْعَل فِي مآخِير الطَّيِّ أَن يَنْقَلِعَ قُدُماً، يَحْفِرون لَهُ نِقَاراً(14/201)
فيَغْمزونه فِيهِ فَلَا يَدَعُ تُراباً وَلَا يَدْنُو مِنَ الطَّيِّ فَيَدْفَعُهُ. وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: الحَوامِي مَا يَحْمِيه مِنَ الصَّخْر، وَاحِدَتُهَا حامِيَة. وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: حِجَارَةُ الرَّكِيَّة كُلُّها حَوَامٍ، وَكُلُّهَا عَلَى حِذَاءٍ واحدٍ، لَيْسَ بَعْضُهَا بأَعظم مِنْ بَعْضٍ، والأَثافِي الحَوامِي أَيضاً، وَاحِدَتُهَا حَامِيَةٌ؛ وأَنشد شَمِرٌ:
كأَنَّ دَلْوَيَّ، تَقَلَّبانِ ... بينَ حَوَامِي الطَّيِّ، أَرْنَبانِ
والحَوَامِي: مَيامِنُ الحَافِر ومَياسِرهُ. والحَامِيَتانِ: مَا عَنِ الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ الأَصمعي: فِي الحَوافر الحَوَامِي، وَهِيَ حُرُوفُهَا مِنْ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ؛ وَقَالَ أَبو دُوادٍ:
لَهُ، بَيْنَ حَوامِيهِ، ... نُسُورٌ كَنَوَى القَسْبِ
وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: الحَامِيَتانِ مَا عَنْ يَمِينِ السُّنْبُك وشِماله. والحَامِي: الفَحْلُ مِنَ الإِبل يَضْرِبُ الضِّرَابَ المعدودَ قِيلَ عَشْرَةُ أَبْطُن، فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ قَالُوا هَذَا حامٍ أَي حَمَى ظَهْرَه فيُتْرَك فَلَا يُنْتَفَعُ مِنْهُ بِشَيْءٍ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ مَاءٍ وَلَا مَرْعىً. الْجَوْهَرِيُّ: الْحَامِي مِنَ الإِبل الَّذِي طَالَ مُكْثُهُ عِنْدَهُمْ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ
؛ فأَعْلَم أَنه لَمْ يُحَرِّمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ؛ قَالَ:
فَقَأْتُ لَهَا عَيْنَ الفَحِيلِ عِيافَةً، ... وفيهنَّ رَعْلاء المَسامِعِ والْحامي
قَالَ الْفَرَّاءُ: إِذَا لَقِحَ ولَد وَلَدهِ فَقَدْ حَمَى ظَهْرَه وَلَا يُجَزُّ لَهُ وَبَر وَلَا يُمْنَع مِنْ مَرْعىً. واحْمَوْمَى الشيءُ: اسودَّ كَاللَّيْلِ وَالسَّحَابِ؛ قَالَ:
تَأَلَّقَ واحْمَوْمَى وخَيَّم بالرُّبَى ... أَحَمُّ الذُّرَى ذُو هَيْدَب مُتَراكِب
وَقَدْ ذُكِرَ هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ. اللَّيْثُ: احْمَوْمَى مِنَ الشَّيْءِ فَهُوَ مُحْمَوْمٍ، يُوصف بِهِ الأَسْوَدُ مِنْ نَحْوِ اللَّيْلِ وَالسَّحَابِ. والمُحْمَوْمِي مِنَ السَّحَابِ: المُتَراكم الأَسْوَدُ. وحَمَاةُ: مَوْضِعٌ؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
عَشيَّةَ جَاوَزْنا حَمَاةَ وشَيْزَرا «2»
. وَقَوْلُهُ أَنشده يَعْقُوبُ:
ومُرْهَقٍ سَالَ إمْتاعاً بوُصدَته ... لَمْ يَسْتَعِنْ، وحَوامِي المَوْتِ تَغْشَاهُ
قَالَ: إِنَّمَا أَراد حَوائِم مِنْ حامَ يَحُومُ فَقَلَبَ، وأَراد بسَال سَأَلَ، فَإِمَّا أَن يَكُونَ أَبدل، وَإِمَّا أَن يُرِيدَ لُغَةَ مَنْ قَالَ سَلْتَ تَسَالُ.
حنا: حَنَا الشيءَ حَنْواً وحَنْياً وحَنَّاهُ: عَطَفه؛ قَالَ يَزِيدُ بْنُ الأَعْوَرِ الشَّنّي:
يَدُقُّ حِنْوَ القَتَب المُحَنَّا، ... إِذَا عَلا صَوَّانَهُ أَرَنَّا
والانْحِناءُ: الْفِعْلُ اللَّازِمُ، وَكَذَلِكَ التَّحَنِّي. وانْحَنَى الشيءُ: انْعَطَفَ. وانْحَنَى العُودُ وتَحَنَّى: انْعَطَفَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَمْ يَحْنِ أَحدٌ مِنَّا ظَهْرَه
أَي لَمْ يَثْنه لِلرُّكُوعِ. يُقَالُ: حَنَى يَحْني ويَحْنُو. وَفِي حَدِيثِ
مُعَاوِيَةَ: وَإِذَا رَكَعَ أَحدُكم فلْيَفْرُشْ ذِرَاعَيْهِ عَلَى فَخْذَيْهِ ولْيَحْنا
«3» ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ، فَإِنْ كَانَتْ بِالْحَاءِ فَهُوَ مِنْ حَنَا ظَهْرَهُ إِذَا عَطَفَهُ، وَإِنْ كَانَتْ بِالْجِيمِ فَهُوَ مِنْ جنأَ على الشيء
__________
(2) . وصدر البيت:
تقطَّعُ أسبابُ اللُّبانة، وَالْهَوَى
(3) . قوله [ولْيَحْنَا] هي في الأَصل ونسخ النهاية المعتمدة مرسومة بالأَلف(14/202)
أَكَبَّ عَلَيْهِ، وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ، قَالَ: وَالَّذِي قرأْناه فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ بِالْجِيمِ وَفِي كِتَابِ الْحُمَيْدِيِّ بِالْحَاءِ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي هُرَيْرَةَ: إِياك والحَنْوَةَ، والإِقْعاء
؛ يَعْنِي فِي الصَّلَاةِ، وَهُوَ أَن يُطَأْطِئَ رأْسه ويُقَوِّسَ ظَهْره مِنْ حَنَيْتُ الشيءَ إِذا عَطَفْتَهُ، وَحَدِيثُهُ الْآخَرُ:
فَهَلْ يَنْتَظِرُ أَهْلُ بَضاضَة الشَّبابِ إِلا حَوانِيَ الهَرَمِ؟
هِيَ جَمْعُ حانِيَة وَهِيَ الَّتِي تَحْنِي ظَهْرَ الشَّيْخِ وتَكُبُّه. وَفِي حَدِيثِ رَجْمِ الْيَهُودِيِّ:
فرأَيتُه يُحْنِي عَلَيْهَا يَقِيهَا الْحِجَارَةَ
؛ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الَّذِي جَاءَ فِي السُّنَنِ يُجْني، بِالْجِيمِ، وَالْمَحْفُوظُ إِنما هُوَ بِالْحَاءِ أَي يُكِبُّ عَلَيْهَا. يُقَالُ: حَنَا يَحْنو حُنُوّاً؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
قَالَ لِنِسَائِهِ لَا يُحْني عَلَيْكُنَّ بَعْدي إِلا الصَّابِرُونَ
أَي لَا يَعْطِفُ ويُشْفِقُ؛ حَنا عَلَيْهِ يَحْنو وأَحْنَى يُحْنِي. والحَنِيَّةُ: الْقَوْسُ، وَالْجَمْعُ حَنِيٌّ وحَنايا، وَقَدْ حَنَوْتُها أَحْنُوها حَنْواً. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ: لَوْ صَلَّيْتُم حَتَّى تَكُونُوا كالحَنايا
؛ هِيَ جَمْعُ حَنِيَّةٍ أَو حَنِيٍّ، وَهُمَا الْقَوْسُ، فَعِيل بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، لأَنها مَحْنِيَّة أَي مَعْطُوفَةٌ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
عَائِشَةَ: فحَنَت لَهَا قَوْسَها
أَي وتَّرَتْ لأَنها إِذا وتَّرَتْها عَطَفَتها، وَيَجُوزُ أَن تَكُونَ حَنَّتْ مشدَّدة، يُرِيدُ صَوَّتَت. وحَنَت المرأَة عَلَى وَلَدِهَا تَحْنُو حُنُوّاً وأَحْنَت؛ الأَخيرة عَنِ الْهَرَوِيِّ: عَطَفَت عَلَيْهِمْ بَعْدَ زَوْجِهَا فَلَمْ تَتَزَوَّجْ بَعْدَ أَبيهم، فَهِيَ حانِيَةٌ؛ وَاسْتَعْمَلَهُ قَيْس بْنُ ذَريحٍ فِي الإِبل فَقَالَ:
فأُقْسِمُ، مَا عُمْشُ العيونِ شَوارِفٌ ... رَوائِمُ بَوٍّ حانياتٌ عَلَى سَقْبِ
والأُمُّ البَرَّة حانِيَة، وَقَدْ حَنَت عَلَى وَلَدِهَا تَحْنُو. أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ للمرأَة الَّتِي تُقِيمُ عَلَى وَلَدِهَا وَلَا تَتَزَوَّج قَدْ حَنَتْ عَلَيْهِمْ تَحْنُو، فَهِيَ حانِيَة، وإِذا تَزَوَّجَتْ بَعْدَهُ فَلَيْسَتْ بحَانِيَة؛ وَقَالَ:
تُساقُ وأَطفالُ المُصِيف، كأَنَّها ... حَوانٍ عَلَى أَطلائهنَّ مَطافِلُ
أَي كأَنَّها إِبل عَطَفت عَلَى وَلَدِهَا. وتَحَنَّنتُ عَلَيْهِ أَي رَقَقْت لَهُ ورَحِمْته. وتحَنَّيْت أَي عَطَفْتُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
خيرُ نِساءٍ ركِبْنَ الإِبلَ صالحُ نِساء قرَيشٍ أَحْناهُ عَلَى ولدٍ فِي صِغَرهِ وأَرْعاه عَلَى زَوْجٍ فِي ذاتِ يَدِه.
وَرَوَى أَبو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: خيرُ نساءٍ ركِبْنَ الإِبلَ خِيارُ نساءِ قريشٍ أَحناه عَلَى ولدٍ فِي صِغَره وأَرعاه عَلَى زَوْجٍ فِي ذاتِ يَدِه
؛ قَوْلُهُ: أَحناهُ أَي أَعْطَفه، وَقَوْلُهُ: أَرعاهُ عَلَى زَوْجٍ إِذا كَانَ لَهَا مَالٌ واسَتْ زوْجَها؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وإِنما وحَّد الضَّمِيرَ ذَهَابًا إِلى الْمَعْنَى، تَقْدِيرُهُ أَحْنى مَنْ وُجِدَ أَو خُلِقَ أَو مَن هُناك؛ وَمِنْهُ:
أَحسنُ النَّاسِ خُلُقاً وأَحسنُه وجْهاً
يُرِيدُ أَحسنُهم، وَهُوَ كَثِيرٌ مِنْ أَفصح الْكَلَامِ.
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنه قَالَ: أَنا وسَفْعاءُ الخَدَّيْنِ الحانِيةُ عَلَى وَلدِها يومَ الْقِيَامَةِ كَهاتَيْن، وأَشار بالوُسْطى والمُسَبِّحة
، أَي الَّتِي تُقِيمُ عَلَى وَلَدِهَا لَا تَتَزَوَّجُ شَفَقَةً وَعَطْفًا. اللَّيْثُ: إِذا أَمْكَنَت الشاةُ الكَبْشَ يُقَالُ حَنَتْ فَهِيَ حانِيَة، وَذَلِكَ مِنْ شِدَّةِ صِرافِها. الأَصمعي: إِذا أَرادت الشاةُ الْفَحْلَ فَهِيَ حانٍ، بِغَيْرِ هَاءٍ، وَقَدْ حَنَت تَحْنُو. ابْنُ الأَعرابي: أَحْنَى عَلَى قَرابته وحَنَا وحَنَّى ورَئِمَ. ابْنُ سِيدَهْ: وحَنَت الشاةُ حُنُوّاً، وَهِيَ حانٍ، أَرادت الفَحل وَاشْتَهَتْهُ وأَمكنته، وَبِهَا حِناء، وَكَذَلِكَ الْبَقَرَةُ الْوَحْشِيَّةُ لأَنها عِنْدَ الْعَرَبِ نَعْجَةٌ، وَقِيلَ: الْحَانِي الَّتِي اشْتَدَّ عَلَيْهَا الاسْتِحْرامُ. والحانِية والحَنْواءُ مِنَ الْغَنَمِ: الَّتِي تَلْوي عُنُقَها لِغَيْرِ عِلَّةٍ، وَكَذَلِكَ هِيَ مِنَ الإِبل، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ عَنْ عِلَّةٍ؛(14/203)
أَنشد اللِّحْيَانِيُّ عَنِ الْكِسَائِيِّ:
يَا خالِ، هَلَّا قُلْتَ إِذْ أَعْطَيْتَني: ... هِيَّاكَ هِيَّاكَ وحَنْواءَ العُنُقْ
ابْنُ سِيدَهْ: وحَنا يدَ الرجلِ حَنْواً لَواها، وَقَالَ فِي ذَوَاتِ الْيَاءِ: حَنى يَدَه حِنايَةً لَوَاهَا. وحَنَى العُودَ والظَّهْرَ: عَطَفَهُما. وحَنَى عَلَيْهِ: عَطَف. وحَنَى العُودَ: قَشَره، قَالَ: والأَعْرفُ فِي كُلِّ ذَلِكَ الْوَاوُ، وَلِذَلِكَ جَعَلْنَا تَقَصِّيَ تصارِيفه فِي حَدِّ الْوَاوِ؛ وَقَوْلُهُ:
بَرَكَ الزَّمَانُ عليهمُ بِجِرانِه، ... وأَلحَّ منكِ بحيثُ تُحْنى الإِصْبَع
يَعْنِي أَنه أَخذ الْخِيَارَ الْمَعْدُودِينَ؛ حَكَاهُ ابْنُ الأَعرابي؛ قَالَ: وَمِثْلُهُ قَوْلُ الأَسدي:
فإِنْ عُدَّ مَجْدٌ أَو قَدِيمٌ لِمَعْشَرٍ، ... فَقَوْمِي بِهِمْ تُثْنى هُناكَ الأَصابِعُ
وَقَالَ ثَعْلَبٌ: مَعْنَى قَوْلِهِ حَيْثُ تُحْنَى الإِصبع أَن تَقُولَ فُلَانٌ صَدِيقِي وَفُلَانٌ صَدِيقِي فتَعُدَّ بأَصابعك، وَقَالَ: فُلَانٌ مِمَّنْ لَا تُحْنَى عَلَيْهِ الأَصابع أَي لَا يُعَدُّ فِي الإِخوان. وحَنْوُ حِنْوُ كلِّ شيءٍ: اعْوِجاجُه. والحِنْوُ الحَنْوُ: كُلُّ شيءٍ فِيهِ اعْوِجَاجٌ أَو شبْهُ الِاعْوِجَاجِ، كعَظْم الحِجاج واللَّحْي والضِّلَع والقُفِّ والحِقْفِ ومُنْعَرَجِ الْوَادِي، وَالْجَمْعُ أَحْناءٌ وحُنِيٌّ وحِنِيٌّ. وحِنْوُ الرحْلِ والقَتَبِ والسَّرْج: كلُّ عُود مُعْوَجٍّ مِنْ عِيدانِه، وَمِنْهُ حِنْوُ الْجَبَلِ. الأَزهري: والحِنْوُ والحِجاج العَظْم الَّذِي تَحْتَ الْحَاجِبِ مِنَ الإِنسان؛ وأَنشد لِجَرِيرٍ:
وخُورُ مُجاشعٍ تَرَكُوا لَقِيطاً، ... وَقَالُوا: حِنْوَ عَيْنِكَ والغُرابا
قِيلَ لبَني مُجاشع خُورٌ بِقَوْلِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّة:
يَا قَصَباً هَبَّت لَهُ الدَّبورُ، ... فهْو إِذا حُرِّكَ جُوفٌ خُورُ
يُرِيدُ: قَالُوا احذَرْ حِنْوَ عَيْنِكَ لَا يَنْقُرُه الغُراب، وَهَذَا تَهَكُّمٌ. وحِنْوُ العَيْن: طَرفها. الأَزهري: حِنْوُ العَيْنِ حِجاجُها لَا طَرَفُها، سُمِّي حِنْواً لِانْحِنَائِهِ؛ وَقَوْلُ هِمْيان بْنِ قُحافة:
وانْعاجَت الأَحْناءُ حَتَّى احلَنْقَفَتْ
إِنما أَراد الْعِظَامَ الَّتِي هِيَ مِنْهُ كالأَحْناء. والحِنْوانِ: الخَشَبتان المَعْطوفتان اللَّتَانِ عَلَيْهِمَا الشَّبكة يُنْقَلُ عَلَيْهِمَا البُرُّ إِلى الكُدْسِ. وأَحْناءُ الأُمور: أَطرافها وَنَوَاحِيهَا. وحِنْوُ الْعَيْنِ: طَرَفها؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:
والُوا الأُمُورَ وأَحْناءَها، ... فلمْ يُبْهِلُوها ولمْ يُهْمِلُوا
أَي ساسُوها وَلَمْ يُضَيِّعُوها. وأَحْناءُ الأُمورِ: مَا تَشابَه مِنْهَا؛ قَالَ:
أَزَيْدُ أَخا وَرْقاءَ، إِنْ كنتَ ثَائِرًا، ... فقدْ عَرَضَتْ أَحْناءُ حَقٍّ فخاصِمِ
وأَحْنَاءُ الأُمور: مُتَشابِهاتُها؛ وَقَالَ النَّابِغَةُ:
يُقَسِّمُ أَحْنَاءَ الأُمورِ فهارِبٌ، ... وشاصٍ عَنِ الحَرْبِ العَوانِ، ودائِنُ
والمَحْنِيَة مِنَ الْوَادِي؛ مُنْعَرَجُه حَيْثُ يَنْعطِف، وَهِيَ المَحْنُوَة والمَحناةُ؛ قَالَ:
سَقَى كلَّ مَحْناةٍ مِنَ الغَرْبِ والمَلا، ... وجِيدَ بهِ مِنْهَا المِرَبُّ المُحَلَّلُ
وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ. والمَحْنِيَة: مُنْحَنى الْوَادِي حَيْثُ يَنْعرج مَنْخَفِضًا عَنِ السَّنَدِ. وتَحَنَّى الحِنْوُ: اعْوَجَّ؛(14/204)
أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
فِي إِثْرِ حَيٍّ كَانَ مُسْتَباؤُهُ، ... حيثُ تَحَنَّى الحِنْوُ أَو مَيْثاؤُهُ
ومَحْنِية الرَّمْلِ: مَا انْحَنى عَلَيْهِ الحِقْف. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: قَالَ سِيبَوَيْهِ المَحْنِية مَا انْحَنى مِنَ الأَرض، رَمْلًا كَانَ أَو غَيْرَهُ، ياؤُه مُنْقَلِبَةٌ عَنْ وَاوٍ لأَنها مَنْ حَنَوْت، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنه لَمْ يَعرف حَنَيْت، وَقَدْ حَكَاهَا أَبو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ. والمَحْنِية: العُلْبة تُتَّخذُ مِنْ جُلُودِ الإِبل، يُجعَل الرَّمْلُ فِي بَعْضِ جِلْدِهَا، ثُمَّ يُعَلَّق حَتَّى يَيْبَسَ فَيُبْقَى كَالْقَصْعَةِ، وَهِيَ أَرفق لِلرَّاعِي مِنْ غَيْرِهِ. والحَوَانِي: أَطْوَل الأَضلاع كلِّهن، فِي كُلِّ جَانِبٍ مِنَ الإِنسان ضِلَعان مِنَ الحَوَاني، فهنَّ أَربعُ أَضلُع مِنَ الجَوانِحِ يَلِينَ الواهِنَتَينِ بَعدَهما. وَقَالَ فِي رَجُلٍ فِي ظَهْرِهِ انْحِنَاءٌ: إِنَّ فيه لَ حِنايَةً يَهُودِيَّة، وَفِيهِ حِنَايةٌ يَهُودِيَّةٌ أَي انحِناءٌ. وَنَاقَةٌ حَنْوَاءُ: حدْباءُ. والحَانِيَةُ: الْحَانُوتُ، وَالْجَمْعُ حَوَانٍ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ جَعَلَ اللِّحْيَانِيُّ حَوَانِيَ جمعَ حانوتٍ، وَالنَّسَبُ إِلى الحانِيَة حانِيٌّ؛ قَالَ عَلْقَمَةُ:
كأْسٌ عَزِيزٌ مِنَ الأَعْنابِ عَتَّقَها، ... لِبَعْضِ أَرْبابِها، حانِيَّةٌ حُومُ
قَالَ: وَلَمْ يَعْرِفْ سِيبَوَيْهِ حانِيَة لأَنه قَدْ قَالَ كأَنه أَضاف إِلى مِثْلِ نَاحِيَةٍ، فَلَوْ كَانَتِ الحَانِيَةُ عِنْدَهُ مَعْرُوفَةً لَمَا احْتَاجَ إِلى أَن يَقُولَ كأَنه أَضاف إِلى نَاحِيَةٍ، قَالَ: وَمَنْ قَالَ فِي النَّسَبِ إِلى يَثْرِبَ يَثْرَبيّ وإِلى تَغْلِبَ تَغْلَبِيٌّ قَالَ فِي الإِضافة إِلى حانِيَة حانَوِيّ؛ وأَنشد:
فكيفَ لَنَا بالشُّرْبِ، إِنْ لَمْ تكنْ لَنَا ... دَوانِقُ عِنْدَ الحَانَوِيِّ، وَلَا نَقْدُ؟
ابْنُ سِيدَهْ: الحَانُوتُ فاعُول مِنْ حَنَوْت، تَشْبِيهًا بالحَنِيَّة مِنَ الْبِنَاءِ، تاؤُه بَدَلٌ مِنْ وَاوٍ؛ حَكَاهُ الْفَارِسِيُّ فِي الْبَصَرِيَّاتِ لَهُ قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَن يَكُونَ فَعَلُوتاً مِنْهُ. وَيُقَالُ: الحانوتُ والحانِيَة والحاناةُ كَالنَّاصِيَةِ وَالنَّاصَاةِ. الأَزهري: التَّاءُ فِي الْحَانُوتِ زَائِدَةٌ، يُقَالُ حانَةٌ وحَانُوت وَصَاحِبُهَا حانِيٌّ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ: أَنه أَحرق بيتَ رُوَيْشِدٍ الثَّقَفِيِّ وَكَانَ حَانُوتًا تُعاقَرُ فِيهِ الخَمر وتُباعُ.
وَكَانَتِ الْعَرَبُ تُسَمِّي بُيُوتَ الخمَّارين الحَوَانِيت، وأَهل الْعِرَاقِ يُسَمُّونَهَا المَواخِيرَ، وَاحِدُهَا حانوتٌ وماخُورٌ، والحَانَة أَيضاً مِثْلُهُ، وَقِيلَ: إِنهما مِنْ أَصل وَاحِدٍ وإِن اخْتَلَفَ بناؤُهما، والحَانُوت يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ. والحَانِيّ: صَاحِبُ الْحَانُوتِ. والحانِيَّة: الخمَّارون، نُسِبُوا إِلى الحانِية، وَعَلَى ذَلِكَ قَالَ: حانِيَّة حُوم؛ فأَما قَوْلُ الْآخَرِ:
دَنانيرُ عِنْدَ الحانَوِيِّ وَلَا نَقْدُ
فَهُوَ نَسَبٌ إِلى الحاناةِ. والحَنْوة، بِالْفَتْحِ: نَبَاتٌ سُهْليٌّ طَيِّبُ الرِّيحِ، وَقَالَ النَّمِرُ بْنُ تَوْلَبٍ يَصِفُ رَوْضَةً:
وكأَنَّ أَنْماطَ المدائنِ حَوْلَها ... مِن نَوْرِ حَنْوَتها، ومِن جَرْجارِها
وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
كأَنَّ ريحَ خُزاماها وحَنْوَتِها، ... بِاللَّيْلِ، رِيحُ يَلَنْجُوجٍ وأَهْضامِ
وَقِيلَ: هِيَ عُشبة وضِيئة ذَاتُ نَوْر أَحمر، وَلَهَا قُضُب وَوَرَقٌ طَيِّبَةُ الرِّيحِ إِلى القِصَر والجُعُودة مَا هِيَ، وَقِيلَ: هِيَ آذَرْيُونُ البَرِّ، وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الحَنْوة الرَّيْحانة، قَالَ: وَقَالَ أَبو زِيَادٍ مِنَ العُشب الحَنْوة، وَهِيَ قَلِيلَةٌ شَدِيدَةُ الْخُضْرَةِ طَيِّبَةُ الرِّيحِ وَزَهْرَتُهَا صَفْرَاءُ وَلَيْسَتْ بِضَخْمَةٍ؛ قَالَ جَمِيلٌ:(14/205)
بِهَا قُضُبُ الرَّيْحانِ تَنْدَى وحَنْوةٌ، ... وَمِنْ كُلِّ أَفْواهِ البُقُولِ بِهَا بَقْلُ
وحَنْوة: فَرَسُ عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ. والحِنْوُ: مَوْضِعٌ؛ قَالَ الأَعشى:
نحنُ الفَوارِسُ يومَ الحِنْوِ ضاحِيةً ... جَنْبَيْ فُطَيْمةَ، لَا مِيلٌ وَلَا عُزْلُ
وَقَالَ جَرِيرٌ:
حَيِّ الهِدَمْلةَ مِن ذاتِ المَواعِيسِ، ... فالحِنْوُ أَصبَحَ قَفْراً غيرَ مأْنوسِ
والحَنِيَّانِ: واديانِ مَعْرُوفَانِ؛ قَالَ الْفَرَزْدَقُ:
أَقَمْنا ورَبَّبْنا الدِّيارَ، وَلَا أَرى ... كمَرْبَعِنا، بَينَ الحَنِيَّينِ، مَرْبَعا
وحِنْوُ قُراقِرٍ: مَوْضِعٌ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الحِنْوُ مَوْضِعٌ. والحِنْو: وَاحِدُ الأَحْنَاءِ، وَهِيَ الجَوانِب مِثْلَ الأَعْناء. وَقَوْلُهُمُ: ازْجُرْ أَحْناءَ طَيرِكَ أَي نواحِيَه يَمِينًا وَشِمَالَا وأَماماً وخَلْفاً، ويُراد بالطَّير الخِفَّة والطَّيْش؛ قَالَ لَبِيدٌ:
فَقُلْتُ: ازْدَجِرْ أَحْناءَ طَيْرِك، واعْلَمَنْ ... بأَنَّكَ، إِن قَدَّمْتَ رِجْلَكَ، عاثِرُ
والحِنَّاءُ: مَذْكُورٌ فِي الْهَمْزَةِ. وحَنَيْت ظَهْري وحَنَيْت العُود: عَطَفْتُهُ، وحَنَوْتُ لُغَةٌ؛ وأَنشد الْكِسَائِيُّ:
يَدُقُّ حِنْوَ القَتَبِ المَحْنِيَّا ... دَقَّ الوَلِيدِ جَوْزَه الهِنْدِيَّا
فَجَمَعَ بَيْنَ اللُّغَتَيْنِ، يَقُولُ: يَدُقُّهُ برأْسه مِنَ النُّعَاسِ. وَرَجُلٌ أَحْنَى الظَّهْرِ والمرأَة حَنْيَاءُ وحَنْواء أَي فِي ظَهْرِهَا احْدِيداب. وَفُلَانٌ أَحْنَى النَّاسِ ضُلوعاً عَلَيْكَ أَي أَشْفَقُهم عَلَيْكَ. وحَنَوْت عَلَيْهِ أَي عَطَفْتُ عَلَيْهِ. وتَحَنَّى عَلَيْهِ أَي تعَطَّف مِثْلُ تَحَنَّن؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
تَحَنَّى عليكَ النفْسُ مِنْ لاعِج الهَوى، ... فَكَيْفَ تَحَنِّيها وأَنْتَ تُهِينُها؟
والمَحَانِي: معاطِف الأَوْدِية، الْوَاحِدَةُ مَحْنِية، بِالتَّخْفِيفِ؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
بمَحْنِيَة قَدْ آزَرَ الضَّالُ نَبْتَها، ... مَضَمِّ جُيوشٍ غانِمِين وخُيَّبِ
وَفِي الْحَدِيثِ:
كَانُوا مَعَه فأَشْرَفوا عَلَى حَرَّةِ واقِمٍ فإِذا قبُورٌ بمَحْنِيَة
أَي بِحَيْثُ يَنْعَطِف الْوَادِي، وَهُوَ مُنْحَناه أَيضاً، ومَحاني الْوَادِي: مَعاطِفه؛ وَمِنْهُ قَوْلَ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ:
شُجَّتْ بِذِي شَبَمٍ مِنْ مَاءٍ مَحْنِيَةٍ، ... صافٍ بأَبْطَح أَضْحى، وَهُوَ مَشْمُول
خَصَّ ماءَ المَحْنية لأَنه يَكُونُ أَصفى وأَبرد. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن العَدُوَّ يَوْمَ حُنَيْنٍ كَمَنُوا فِي أَحْناء الْوَادِي
؛ هِيَ جَمْعُ حِنْوٍ وَهُوَ مُنْعَطَفُه مِثْلُ مَحانيه؛ وَمِنْهُ حَدِيثِ
عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عنه: مُلائِمةٌ لأَحْنائها
أَي مَعاطِفِها.
حوا: الحُوَّةُ: سَوَادٌ إِلى الخُضْرة، وَقِيلَ: حُمْرةٌ تَضْرب إِلى السَّواد، وَقَدْ حَوِيَ حَوىً واحْوَاوَى واحْوَوَّى، مُشَدَّدٌ، واحْوَوى فَهُوَ أَحْوَى، وَالنَّسَبُ إِليه أَحْوِيٌّ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: قَالَ سِيبَوَيْهِ إِنما ثَبَتَتِ الْوَاوُ فِي احْوَوَيْت واحْوَاوَيْت حَيْثُ كَانَتَا وَسَطًا، كَمَا أَنَّ التَّضْعِيفَ وَسَطًا أَقوى نَحْوُ اقْتَتل فَيَكُونُ عَلَى الأَصل، وإِذا كَانَ مِثْلُ هَذَا طَرَفًا اعْتَلَّ، وَتَقُولُ فِي تَصْغِيرِ يَحْيَى يُحَيٌّ، وَكُلُّ اسْمٍ اجْتَمَعَتْ فِيهِ ثَلَاثُ ياءَات أَولهن يَاءُ التَّصْغِيرِ فإِنك تَحْذِفُ مِنْهُنَّ وَاحِدَةً، فإِن لَمْ يَكُنْ أَولهن يَاءَ التَّصْغِيرِ أَثْبَتَّهُنَّ ثَلاثَتَهُنَّ، تَقُولُ فِي تَصْغِيرِ حَيَّة حُيَيَّة، وَفِي تَصْغِيرِ أَيُّوب أُيَيِّيبٌ بأَربع ياءَات، واحْتَملَت ذَلِكَ لأَنها فِي وَسَطِ(14/206)
الِاسْمِ وَلَوْ كَانَتْ طَرَفًا لَمْ يُجْمَعْ بَيْنَهُنَّ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَمِنْ قَالَ احْواوَيْت فالمصدر احْوِيَّاءٌ لأَن الْيَاءَ تَقْلِبُهَا كَمَا قَلَبت واوَ أيَّام، وَمَنْ قَالَ احْوَوَيْت فَالْمَصْدَرُ احْوِوَاء لأَنه لَيْسَ هُنَالِكَ مَا يَقْلِبُهَا كَمَا كَانَ ذَلِكَ فِي احْوِيَّاء، وَمَنْ قَالَ قِتَّال قَالَ حِوَّاء، وَقَالُوا حَوَيْت فصَحَّت الْوَاوُ بِسُكُونِ الْيَاءِ بَعْدَهَا. الْجَوْهَرِيُّ: الحُوَّة لَوْنٌ يُخَالِطُهُ الكُمْتَة مِثْلُ صَدَإ الْحَدِيدِ، والحُوَّة سُمْرة الشَّفَةِ. يُقَالُ: رَجُلٌ أَحْوَى وامرأَة حَوَّاءُ وَقَدْ حَوِيَتْ. ابْنُ سِيدَهْ: شَفَة حَوَّاءُ حَمْراء تَضْرِب إِلَى السَّوَادِ، وَكَثُرَ فِي كَلَامِهِمْ حَتَّى سَمَّوْا كُلَّ أَسود أَحْوَى؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:
كَمَا رَكَدَتْ حَوَّاءُ، أُعْطي حُكْمَه ... بِهَا القَيْنُ، مِنْ عُودٍ تَعَلَّلَ جاذِبُهْ
يَعْنِي بالحَوَّاءِ بكَرَة صُنِعَتْ مِنْ عُودٍ أَحْوَى أَي أَسود، ورَكَدَتْ: دَارَتْ، وَيَكُونُ وَقَفَتْ، وَالْقَيْنُ: الصَّانِعُ. التَّهْذِيبِ: والحُوَّةُ فِي الشِّفاهِ شَبيه باللَّعَسِ واللَّمَى؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
لَمْياءُ فِي شَفَتَيْها حُوَّةٌ لَعَسٌ، ... وَفِي اللِّثاتِ وَفِي أَنيابِها شَنَبُ
وَفِي حَدِيثِ
أَبي عَمْرٍو النَّخَعِيِّ: ولَدَتْ جَدْياً أَسْفَعَ أَحْوَى
أَي أَسود لَيْسَ بِشَدِيدِ السَّوَادِ. واحْوَاوَتِ الأَرض: اخْضَرَّت. قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَتَقْدِيرُهُ افْعالَت كاحْمارَتْ، وَالْكُوفِيُّونَ يُصَحِّحون ويُدغمون وَلَا يُعِلُّون فَيَقُولُونَ احْوَاوَّت الأَرض واحْوَوَّت؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَالدَّلِيلُ عَلَى فَسَادِ مَذْهَبِهِمْ قَوْلُ الْعَرَبِ احْوَوَى عَلَى مِثَالِ ارْعَوَى وَلَمْ يَقُولُوا احْوَوَّ. وجَمِيمٌ أَحْوَى: يَضْرِبُ إِلَى السَّوَادِ مِنْ شِدَّةِ خُضْرته، وَهُوَ أَنعم مَا يَكُونُ مِنَ النَّبَاتِ. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: هُوَ مِمَّا يُبَالِغُونَ بِهِ. الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى
، قَالَ: إِذَا صَارَ النَّبْتُ يَبِيسًا فَهُوَ غُثاءٌ، والأَحْوَى الَّذِي قَدِ اسودَّ مِنَ القِدَمِ والعِتْقِ، وَقَدْ يَكُونُ مَعْنَاهُ أَيضاً أَخْرَجَ المَرْعَى أَحْوى أَي أَخضر فَجَعَلَهُ غُثاءً بَعْدَ خُضْرته فَيَكُونُ مُؤَخَّرًا مَعْنَاهُ التَّقْدِيمُ. والأَحْوَى: الأَسود مِنَ الخُضْرة، كَمَا قَالَ: مُدْهامَّتانِ. النَّضْرُ: الأَحْوَى مِنَ الْخَيْلِ هُوَ الأَحْمر السَّرَاة. وَفِي الْحَدِيثِ:
خَيْرُ الخَيْلِ الحُوُّ
؛ جَمْعُ أَحْوَى وَهُوَ الكُمَيت الَّذِي يَعْلُوهُ سَوَادٌ. والحُوَّة: الكُمْتة. أَبو عُبَيْدَةَ: الأَحْوَى هُوَ أَصْفَى مِنَ الأَحَمِّ، وَهُمَا يَتَدانَيانِ حَتَّى يَكُونَ الأَحْوَى مُحْلِفاً يُحْلَفُ عَلَيْهِ أَنه أَحَمُّ. وَيُقَالُ: احْوَاوَى يَحْوَاوِي احْوِيوَاءً. الْجَوْهَرِيُّ: احْوَوَى الْفَرَسُ يَحْوَوِي احْوِوَاءً، قَالَ: وَبَعْضُ الْعَرَبِ يَقُولُ حَوِيَ يَحْوَى حُوَّة؛ حَكَاهُ عَنِ الأَصمعي فِي كِتَابِ الْفَرَسِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: احْوَوَّى، بِالتَّشْدِيدِ، وَهُوَ غَلَطٌ، قَالَ: وَقَدْ أَجمعوا عَلَى أَنه لَمْ يَجِئْ فِي كَلَامِهِمْ فِعْل فِي آخِرِهِ ثَلَاثَةُ أَحرف مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ إِلَّا حَرْفٌ وَاحِدٌ وَهُوَ ابْيَضَضَّ؛ وأَنشدوا:
فالْزَمي الخُصَّ واخْفِضي تَبْيَضِضِّي
أَبو خَيْرَةَ: الحُوُّ مِنَ النَّمْلِ نَمْلٌ حُمْرٌ يُقَالُ لَهَا نَمْلُ سُلَيْمَانَ. والأَحْوَى: فَرَسُ قُتَيْبَة بنِ ضِرار. والحُوَّاء: نَبْتٌ يُشْبِهُ لَوْنَ الذِّئبِ، وَاحِدَتُهُ حُوَّاءَةٌ. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الحُوَّاءَةُ بَقْلَةٌ لَازِقَةٌ بالأَرض، وَهِيَ سُهْلِيَّة وَيَسْمُو مِنْ وَسَطِهَا قَضِيبٌ عَلَيْهِ وَرَقٌ أَدق مِنْ وَرَقِ الأَصل، وَفِي رأْسه بُرْعُومة طَوِيلَةٌ فِيهَا بِزْرُهَا. والحُوَّاءة: الرَّجُلُ اللَّازِمُ بَيْتَهُ، شُبِّهَ بِهَذِهِ النَّبْتَةِ. ابْنُ شُمَيْلٍ: هُمَا حُوَّاءَانِ أَحدهما حُوَّاء الذَّعاليق وَهُوَ حُوَّاءُ البَقَر وَهُوَ مِنْ أَحْرار الْبُقُولِ،(14/207)
وَالْآخَرُ حُوَّاء الْكِلَابِ وَهُوَ مِنَ الذُّكُورِ يَنْبُتُ فِي الرِّمْثِ خَشِناً؛ وَقَالَ:
كَمَا تَبَسَّم للحُوَّاءةِ الجَمَل
وَذَلِكَ لأَنه لَا يَقْدِرُ عَلَى قَلْعها حَتَّى يَكْشِرَ عَنْ أَنيابه لِلُزُوقِهَا بالأَرض. الْجَوْهَرِيُّ: وَبَعِيرٌ أَحْوَى إِذَا خَالَطَ خُضْرتَه سوادٌ وَصُفْرَةٌ. قَالَ: وَتَصْغِيرُ أَحْوَى أُحَيْوٍ فِي لُغَةِ مَنْ قَالَ أُسَيْود، وَاخْتَلَفُوا فِي لُغَةِ مَنْ أَدغم فَقَالَ عِيسَى بْنُ عُمَرَ أُحَيِّيٌ فصَرَف، وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: هَذَا خطأٌ، وَلَوْ جَازَ هَذَا لَصُرِفَ أَصَمُّ لأَنه أَخف مِنْ أَحْوى وَلَقَالُوا أُصَيْمٌ فَصَرَفُوا، وَقَالَ أَبو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ فِيهِ أُحَيْوٍ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَلَوْ جَازَ هَذَا لَقُلْتَ فِي عَطَاءٍ عُطَيٌّ، وَقِيلَ: أُحَيٌّ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَالصَّوَابُ. وحُوّة الْوَادِي: جَانِبُهُ. وحَوَّاءُ: زَوْجُ آدَمَ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، والحَوَّاء: اسْمُ فَرَسِ عَلْقَمَةَ بْنِ شِهَابٍ. وحُوْ: زَجْرٌ لِلْمَعْزِ، وَقَدْ حَوْحَى بِهَا. والحَوُّ والحَيُّ: الْحَقُّ. واللَّوُّ واللَّيُّ: الْبَاطِلُ. وَلَا يَعْرِفُ الحَوَّ منَ اللَّوِّ أَي لَا يَعْرِفُ الْكَلَامَ البَيِّن مِنَ الخَفِيِّ، وَقِيلَ: لَا يَعْرِفُ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ. أَبو عَمْرٍو: الحَوّة الْكَلِمَةُ مِنَ الْحَقِّ. والحُوَّة: مَوْضِعٌ بِبِلَادِ كَلْبٍ؛ قَالَ ابْنُ الرِّقَاعِ:
أَوْ ظَبْية مِنْ ظِباءِ الحُوَّةِ ابْتَقَلَتْ ... مَذانِباً، فَجَرَتْ نَبْتاً وحُجْرَانا
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الَّذِي فِي شِعْرِ ابْنِ الرِّقَاعِ فُجِرَتْ، والحُجْران جَمْعُ حَاجِرٍ مِثْلُ حائِر وحُوران، وَهُوَ مِثْلُ الْغَدِيرِ يُمْسِكُ الْمَاءَ. والحُوَّاء، مِثْلُ المُكَّاء: نَبْتٌ يُشْبِهُ لَوْنَ الذِّئْبِ، الواحِدة حُوّاءَةٌ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ شَاهِدُهُ قوله الشَّاعِرِ:
وكأنَّما شَجَر الأَراك لِمَهْرَةٍ ... حُوَّاءَةٌ نَبَتَتْ بِدارِ قَرارِ
وحُوَيُّ خَبْتٍ: طَائِرٌ؛ وأَنشد:
حُوَيَّ خَبْتٍ أَينَ بِتَّ اللَّيلَهْ؟ ... بِتُّ قَرِيباً أَحْتَذِي نُعَيْلَهْ
وَقَالَ آخَرُ:
كأنَّك فِي الرِّجَالِ حُوَيُّ خَبْتٍ ... يُزَقّي فِي حُوَيّاتٍ بِقَاعِ
وحَوَى الشيءَ يحوِيه حَيّاً وحَوَايَةً واحْتَواه واحْتَوَى عَلَيْهِ: جمَعَه وأَحرزه. واحْتَوَى عَلَى الشَّيْءِ: أَلْمَأَ عَلَيْهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن امرأَة قَالَتْ إنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْني لَهُ حِواءً
؛ الحِوَاءُ: اسْمُ الْمَكَانِ الَّذِي يَحْوِي الشَّيْءَ أَي يَجْمَعُهُ وَيَضُمُّهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ عَلَيَّ فِي مَالِي شيءٌ إِذَا أَدّيْت زَكاتَه؟ قَالَ: فأَينَ مَا تَحَاوتْ عليكَ الفُضُول؟
هِيَ تفاعَلَت مِنْ حَوَيْت الشَّيْءَ إِذَا جَمَعْتَهُ؛ يَقُولُ: لَا تَدَع المُواساة مِنْ فَضْلِ مَالِكَ، والفُضُول جَمْعُ فَضْل المالِ عَنِ الْحَوَائِجِ.، وَيُرْوَى: تَحَاوَأتْ، بِالْهَمْزِ، وَهُوَ شَاذٌّ مِثْلُ لَبَّأتُ بالحَجِّ. والحَيَّة: مِنَ الْهَوَامِّ مَعْرُوفَةٌ، تَكُونُ لِلذَّكَرِ والأُنثى بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، وَسَنَذْكُرُهَا فِي تَرْجَمَةِ حَيَا، وَهُوَ رأْي الْفَارِسِيِّ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَذَكَرْتُهَا هُنَا لأَن أَبا حَاتِمٍ ذَهَبَ إِلَى أَنها مِنْ حَوَى قَالَ لتَحَوِّيها فِي لِوَائِها. وَرَجُلٌ حَوَّاءٌ وحاوٍ: يَجْمَعُ الحَيَّات، قَالَ: وَهَذَا يُعَضِّدُ قَوْلَ أَبي حَاتِمٍ أَيضاً. وحَوى الحَيَّةِ: انْطِوَاؤُهَا؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لأَبي عَنْقَاءَ الْفَزَارِيِّ:
طَوَى نفْسَه طَيَّ الحَرير، كأَنه ... حَوَى حَيَّةٍ فِي رَبْوَةٍ، فهْو هاجِعُ(14/208)
وأَرضٌ مَحْوَاة: كَثِيرَةُ الحَيَّاتِ. قَالَ الأَزهري: اجْتَمَعُوا عَلَى ذَلِكَ. والحَوِيَّةُ: كِسَاءٌ يُحَوَّى حَوْلَ سنامِ الْبَعِيرِ ثُمَّ يُرْكَبُ. الْجَوْهَرِيُّ: الحَوِيّة كِسَاءٌ مَحْشُوٌّ حَوْلَ سَنَامِ الْبَعِيرِ وَهِيَ السَّويَّة.
قَالَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ الجُمَحِي يَوْمَ بَدْرٍ وحُنَينٍ لَمَّا نَظَرَ إِلَى أَصحاب النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحَزَرَهُم وأَخْبر عَنْهُمْ: رأَيت الحَوايا عَلَيْهَا المَنايا نَواضِحُ يثربَ تَحْمِل الموتَ النَّاقِعَ.
والحَوِيَّةُ لَا تَكُونُ إِلَّا للجِمال، والسَّوِيَّة قَدْ تَكُونُ لِغَيْرِهَا، وَهِيَ الحَوَايا. ابْنُ الأَعرابي: الْعَرَبُ تَقول المَنايا عَلَى الحَوَايا أَي قَدْ تأْتي المنيةُ الشجاعَ وَهُوَ عَلَى سَرْجه. وَفِي حَدِيثِ
صَفيَّة: كَانَتْ تُحَوِّي وراءَه بِعَبَاءَةٍ أَو كِسَاءٍ
؛ التَّحْوِيةُ: أَن تُدير كِسَاءً حولَ سَنام الْبَعِيرِ ثُمَّ تَرْكَبَه، وَالِاسْمُ الحَوِيّةُ. والحَوِيّةُ: مَرْكَبٌ يُهَيّأ للمرأَة لِتَرْكَبَهُ، وحَوَّى حَوِيَّة عَمِلَها. والحَوِيَّةُ: اسْتدارة كُلِّ شَيْءٍ. وتَحَوَّى الشيءُ: استدارَ. الأَزهري: الحَوِيُّ اسْتِدَارَةُ كُلِّ شَيْءٍ كَحَوِيِّ الحَيَّة وكَحَوِيِّ بَعْضِ النُّجُومِ إِذَا رأَيتها عَلَى نَسَقٍ واحدٍ مُستديرة. ابْنُ الأَعرابي: الحَوِيُّ الْمَالِكُ بَعْدَ اسْتِحْقَاقٍ، والحَوِيُّ العَلِيلُ، والدَّوِيُّ الأَحمق، مُشَدَّدَاتٌ كُلُّهَا. الأَزهري: والحَوِيُّ أَيضاً الْحَوْضُ الصَّغِيرُ يُسَوِّيه الرجلُ لِبَعِيرِهِ يَسْقِيهِ فِيهِ، وَهُوَ المَرْكُوُّ «4» . يُقَالُ: قَدِ احتَوَيْتُ حَوِيّاً. والحَوَايا: الَّتِي تَكُونُ فِي القِيعانِ فَهِيَ حَفَائِرُ مُلْتوية يَمْلَؤها ماءُ السَّمَاءِ فَيَبْقَى فِيهَا دَهْرًا طَوِيلًا، لأَن طِينَ أَسفلها عَلِكٌ صُلْبٌ يُمْسِكُ الماءَ، وَاحِدَتُهَا حَوِيَّة، وَتُسَمِّيهَا الْعَرَبُ الأَمْعاء تَشْبِيهًا بحَوايا الْبَطْنِ يَسْتَنْقِعُ فِيهَا الْمَاءُ. وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: الحَوايا المَساطِحُ، وَهُوَ أَن يَعْمِدوا إِلَى الصَّفا فَيَحْوُونَ لَهُ تُرَابًا وَحِجَارَةً تَحْبِسُ عَلَيْهِمُ الماءَ، وَاحِدَتُهَا حَوِيَّة. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الحَوَايا آبَارٌ تُحْفَرُ بِبِلَادِ كَلْب فِي أَرض صُلْبة يُحْبس فِيهَا مَاءُ السُّيُولِ يَشْرَبُونَهُ طُولَ سَنَتِهِمْ؛ عَنِ ابْنِ خَالَوَيْهِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والحَوِيَّة صَفَاةٌ يُحاط عَلَيْهَا بِالْحِجَارَةِ أَو التُّرَابِ فَيَجْتَمِعُ فِيهَا الْمَاءُ. والحَوِيَّة والحاوِيَةُ والحاوِيَاء: مَا تَحَوَّى مِنَ الأَمعاء، وَهِيَ بَناتُ اللَّبَن، وَقِيلَ: هِيَ الدُّوَّارة مِنْهَا، وَالْجَمْعُ حَوَايا، تَكُونُ فَعَائل إِنْ كَانَتْ جَمْعَ حَوِيَّة، وفَواعل إِنْ كَانَتْ جَمْعَ حاوِيَةٍ أَو حاوِياءَ. الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ
؛ هِيَ المَباعِرُ وبناتُ اللَّبَنِ. ابْنُ الأَعرابي: الحَوِيَّة والحَاوِيَةُ واحد، وَهِيَ الدُّوَّارة الَّتِي فِي بَطْنِ الشَّاةِ. ابْنُ السِّكِّيتِ: الحَاوِياتُ بَنات اللَّبَنِ، يُقَالُ حَاوِيَةٌ وحَاوِياتٌ وحَاوِيَاء، مَمْدُودٌ. أَبو الْهَيْثَمِ: حاوِيَةٌ وحَوايا مِثْلُ زَاوِيَةٍ وزَوايا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ حَوِيَّة وحَوايا مِثْلُ الحَوِيَّة الَّتِي تُوضَعُ عَلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ وَيُرْكَبُ فَوْقَهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ لِوَاحِدَتِهَا حاوِياءُ، وَجَمْعُهَا حَوايا؛ قَالَ جَرِيرٌ:
تَضْغُو الخَنانِيصُ، والغُولُ الَّتِي أَكَلَتْ ... فِي حاوِياءَ دَرُومِ الليلِ مِجْعار
الْجَوْهَرِيُّ: حَوِيَّة الْبَطْنِ وحَاوِيَة البَطْنِ وحَاوِيَاءُ الْبَطْنِ كُلُّهُ بِمَعْنًى؛ قَالَ جَرِيرٌ:
كأنَّ نَقيقَ الحَبِّ فِي حاوِيَائِه ... نقِيقُ الأَفاعي، أَو نقِيقُ العَقارِبِ
وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِعَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ:
أَضْرِبُهم وَلَا أَرى مُعاويَهْ ... الجاحِظَ العَينِ، العَظيمَ الحاوِيَهْ
__________
(4) . قوله [وهو المركوّ] هكذا في التهذيب والتكملة، وفي القاموس وغيره أن المركوّ الحوض الكبير(14/209)
وَقَالَ آخَرُ:
ومِلْحُ الوَشِيقَةِ فِي الحَاوِيَهْ
يَعْنِي اللَّبَنَ. وَجَمْعُ الحَوِيَّةِ حَوَايا وَهِيَ الأَمعاء، وَجَمْعُ الحَاوِياءِ حَوَاوٍ عَلَى فَوَاعِلَ، وَكَذَلِكَ جَمْعُ الحَاوِيَة؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: حَوَاوٍ لَا يَجُوزُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ لأَنه يَجِبُ قَلْبُ الْوَاوِ الَّتِي بَعْدَ أَلف الْجَمْعِ هَمْزَةً، لِكَوْنِ الأَلف قَدِ اكْتَنَفَهَا وَاوَانِ، وَعَلَى هَذَا قَالُوا فِي جَمْعِ شاوِيَة شَوَايا وَلَمْ يَقُولُوا شَوَاوٍ، وَالصَّحِيحُ أَن يُقَالَ فِي جَمْعِ حَاوِيَة وحَاوِياءَ حَوَايا، وَيَكُونُ وَزْنُهَا فَواعِلَ، وَمَنْ قَالَ فِي الْوَاحِدَةِ حَوِيَّة فَوَزْنُ حَوَايا فَعائِل كصَفِيّة وصَفايا، وَاللَّهُ أَعلم. اللَّيْثُ: الحِوَاءُ أَخْبِيَةٌ يُدَانَى بعضُها مِنْ بَعْضٍ، تَقُولُ: هُمْ أَهل حِوَاءٍ وَاحِدٍ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ لمُجتمَعِ بُيُوتِ الحَيِّ مُحْتَوًى ومَحْوًى وحِوَاء، وَالْجَمْعُ أَحْوِيَةٌ ومَحاوٍ؛ وَقَالَ:
ودَهْماء تستَوْفي الجَزُورَ كأَنَّها، ... بأَفْنِيَةِ المَحوَى، حِصانٌ مُقَيَّد
ابْنُ سِيدَهْ: والحِوَاءُ والمُحَوَّى كِلَاهُمَا جَمَاعَةُ بُيُوتِ النَّاسِ إِذَا تَدَانَتْ، وَالْجَمْعُ الأَحْوِيَة، وَهِيَ مِنَ الوَبَر. وَفِي حَدِيثِ
قَيْلَة: فوَأَلْنا إِلَى حِوَاءٍ ضَخْمٍ
، الحِوَاءُ: بُيُوتٌ مُجْتَمِعَةٌ مِنَ النَّاسِ عَلَى ماءٍ، ووَأَلْنا أَي لَجَأْنا؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ:
ويُطلَبُ فِي الحِواء العظيمِ الكاتِبُ فَمَا يُوجَدُ.
والتَّحْوِيَة: الانْقِباض؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَذِهِ عِبَارَةُ اللِّحْيَانِيِّ، قَالَ: وَقِيلَ لِلْكَلْبَةِ مَا تَصْنَعِينَ معَ الليلةِ المَطِيرَة؟ فَقَالَتْ: أُحَوِّي نَفْسِي وأَجْعَلُ نفَسي عِندَ اسْتي. قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّ التَّحَوِّيَ الانقباضُ، والتَّحْوِيَةُ القَبْض. والحَوِيَّةُ: طَائِرٌ صَغِيرٌ؛ عَنْ كُرَاعٍ. وتَحَوَّى أَي تَجَمَّع واستدارَ. يُقَالُ: تَحَوَّت الحَيَّة. والحَواةُ: الصوتُ كالخَوَاةِ، وَالْخَاءُ أَعلى. وحُوَيٌّ: اسمٌ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ لِبَعْضِ اللُّصُوصِ:
تقولُ، وَقَدْ نَكَّبْتُها عَنْ بلادِها: ... أَتَفْعَلُ هَذَا يَا حُوَيُّ عَلَى عَمْدِ؟
وَفِي حَدِيثِ
أنَس: شَفَاعَتِي لأَهلِ الكَبائِر مِنْ أُمَّتي حتى حَكَمٍ وحاءٍ
؛ هُمَا حَيَّانِ مِنَ الْيَمَنِ مِنْ وَرَاءِ رمْل يَبْرينَ؛ قَالَ أَبو مُوسَى: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَا مِنَ الحُوَّة، وَقَدْ حُذِفت لامُه، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مِنْ حَوَى يَحْوي، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مَقْصُورًا لَا مَمْدُودًا. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والحاءُ حَرْفُ هِجَاءٍ، قَالَ: وَحَكَى صَاحِبُ الْعَيْنِ حَيَّيْتُ حَاءً، فَإِذَا كَانَ هَذَا فَهُوَ مِنْ بَابِ عَيَّيْتُ، قَالَ: وَهَذَا عِنْدِي مِنْ صَاحِبِ الْعَيْنِ صَنْعَةٌ لَا عَرَبِيَّةٌ، قَالَ: وَإِنَّمَا قَضَيْتُ عَلَى الأَلف أَنَّهَا وَاوٌ لأَن هَذِهِ الْحُرُوفَ وَإِنْ كَانَتْ صَوْتًا فِي مَوْضُوعَاتِهَا فَقَدْ لَحِقَتْ مَلْحَقَ الأَسماء وَصَارَتْ كمالٍ، وَإِبْدَالُ الأَلف مِنَ الْوَاوَ عَيْنًا أَكثر مِنَ إِبْدَالِهَا مِنَ الْيَاءِ، قَالَ: هَذَا مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ، وَإِذَا كَانَتِ الْعَيْنُ وَاوًا كَانَتِ الْهَمْزَةُ يَاءً لأَن بَابَ لوَيْتُ أَكثر مِنْ بَابِ قُوَّة، أَعني أَنه أَن تَكُونَ الْكَلِمَةُ مِنْ حُرُوفٍ مُخْتَلِفَةٍ أَوْلى مِنْ أَن تَكُونَ مِنْ حُرُوفٍ مُتَّفِقَةٍ، لأَن بَابَ ضَرَب أَكثر مِنْ بَابِ رَدَدْتُ، قَالَ: وَلَمْ أَقض أَنها هَمْزَةٌ لأَن حَا وَهَمْزَةً عَلَى النَّسَقِ مَعْدُومٌ. وَحَكَى ثَعْلَبٌ عَنْ معاذٍ الهَرَّاء أَنه سَمِعَ الْعَرَبَ تَقُولُ: هَذِهِ قَصِيدَةٌ حاوِيَّة أَي عَلَى الْحَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ حَائِيَّةٌ، فَهَذَا يُقَوِّي أَنَّ الأَلف الأَخيرة هَمْزَةٌ وَضْعية، وَقَدْ قدَّمنا عَدَمَ حَا وهمزةٍ عَلَى نَسَقٍ. وَحم، قَالَ ثَعْلَبٌ: مَعْنَاهُ لَا يُنْصَرون، قَالَ: وَالْمَعْنَى يَا مَنْصور اقْصِدْ بِهَذَا لَهُمْ أَوْ يَا اللَّهُ. قَالَ سِيبَوَيْهِ:(14/210)
حم لَا يَنْصَرِفُ، جَعَلْتَهُ اسْمًا لِلسُّورَةِ أَو أَضَفْتَ إِلَيْهِ، لأَنهم أَنزلوه بِمَنْزِلَةِ اسْمٍ أَعجمي نَحْوِ هَابِيلَ وَقَابِيلَ؛ وَأَنْشَدَ:
وجَدْنا لَكُمِ، فِي آلِ حميمَ، آيَةً ... تأوَّلَها مِنَّا تَقِيٌّ ومُعْرِبُ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَكَذَا أَنشده سِيبَوَيْهِ، وَلَمْ يَجْعَلْ هُنَا حَا مَعَ مِيمٍ كَاسْمَيْنِ ضُمَّ أَحدهما إِلَى صَاحِبِهِ، إِذْ لَوْ جَعَلَهُمَا كَذَلِكَ لَمَدَّ حَا، فَقَالَ حاءْ مِيمَ ليصيرَ كحَضْرَمَوْتَ. وحَيْوَةُ: اسْمَ رَجُلٍ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهَا هَاهُنَا لأَنه لَيْسَ فِي الْكَلَامِ ح ي و، وَإِنَّمَا هِيَ عِنْدِي مَقْلُوبَةٌ من ح وي، إِمَّا مَصْدَرُ حَوَيْتُ حَيَّةً مَقْلُوبٌ، وَإِمَّا مَقْلُوبٌ عَنِ الحَيَّة الَّتِي هِيَ الْهَامَّةُ فِيمَنْ جَعَلَ الحَيّة مِنْ ح وي، وَإِنَّمَا صَحَّتِ الْوَاوُ لِنَقْلِهَا إِلَى الْعَلَمِيَّةِ، وسَهَّل لَهُمْ ذَلِكَ القلبُ، إِذْ لَوْ أَعَلُّوا بَعْدَ الْقَلْبِ والقلبُ عِلَّةٌ لَتَوالَى إِعْلَالَانِ، وَقَدْ تَكُونُ فَيْعلة مِنْ حَوَى يَحْوي ثُمَّ قُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً لِلْكَسْرَةِ فَاجْتَمَعَتْ ثَلَاثُ يَاءَاتٍ، فَحُذِفَتِ الأَخيرة فَبَقِيَ حَيَّةٌ، ثُمَّ أُخرجت عَلَى الأَصل فَقِيلَ حَيْوَة.
حيا: الحَيَاةُ: نَقِيضُ الْمَوْتِ، كُتِبَتْ فِي الْمُصْحَفِ بِالْوَاوِ لِيُعْلَمَ أَن الْوَاوَ بَعْدَ الْيَاءِ فِي حَدِّ الْجَمْعِ، وَقِيلَ: عَلَى تَفْخِيمِ الأَلف، وَحَكَى ابْنُ جِنِّي عَنْ قُطْرُب: أَن أَهل الْيَمَنِ يَقُولُونَ الحَيَوْةُ، بِوَاوٍ قَبْلَهَا فَتْحَةٌ، فَهَذِهِ الْوَاوُ بَدَلٌ مِنَ أَلف حياةٍ وَلَيْسَتْ بِلَامِ الْفِعْلِ مِنْ حَيِوْتُ، أَلا تَرَى أَن لَامَ الْفِعْلِ يَاءٌ؟ وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ أَهل الْيَمَنِ بِكُلِّ أَلف مُنْقَلِبَةٍ عَنْ وَاوٍ كَالصِّلْوَةِ وَالزِّكْوَةِ. حَيِيَ حَياةً «5» . وحَيَّ يَحْيَا ويَحَيُّ فَهُوَ حَيٌّ، وَلِلْجَمِيعِ حَيُّوا، بِالتَّشْدِيدِ، قَالَ: ولغة أُخرى حَيَّ وَلِلْجَمِيعِ حَيُوا، خَفِيفَةٌ.
وقرأَ أَهل الْمَدِينَةِ: ويَحْيَا مَنْ حَيِيَ عَنْ بيِّنة
، وَغَيْرُهُمْ: مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ
؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: كتابتُها عَلَى الإِدغام بِيَاءٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ أَكثر قِرَاءَاتِ الْقُرَّاءِ، وقرأَ بَعْضُهُمْ: حَيِيَ عَنْ بَيِّنَةٍ، بِإِظْهَارِهَا؛ قَالَ: وَإِنَّمَا أَدغموا الْيَاءَ مَعَ الْيَاءِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَن لَا يَفْعَلُوا لأَن الْيَاءَ الأَخيرة لَزِمَهَا النَّصْبُ فِي فِعْلٍ، فأُدغم لمَّا التَقى حَرْفَانِ مُتَحَرِّكَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، قَالَ: وَيَجُوزُ الإِدغام فِي الِاثْنَيْنِ لِلْحَرَكَةِ اللَّازِمَةِ لِلْيَاءِ الأَخيرة فَتَقُولُ حَيّا وحَيِيَا، وَيَنْبَغِي لِلْجَمْعِ أَن لَا يُدْغَم إِلَّا بِيَاءٍ لأَن يَاءَهَا يُصِيبُهَا الرَّفْعُ وَمَا قَبْلَهَا مَكْسُورٌ، فَيَنْبَغِي لَهَا أَن تُسَكَّنَ فَتَسْقُطَ بِوَاوِ الجِماعِ، وَرُبَّمَا أَظهرت الْعَرَبُ الإِدغام فِي الْجَمْعِ إرادةَ تأْليفِ الأَفَعال وأَن تَكُونَ كُلُّهَا مُشَدَّدَةً، فَقَالُوا فِي حَيِيتُ حَيُّوا، وَفِي عَيِيتُ عَيُّوا؛ قَالَ: وأَنشدني بَعْضُهُمْ:
يَحِدْنَ بِنَا عَنْ كلِّ حَيٍّ، كأَنَّنا ... أَخارِيسُ عَيُّوا بالسَّلامِ وَبِالْكُتُبِ «6»
. قَالَ: وأَجمعت الْعَرَبُ عَلَى إِدْغَامِ التَّحِيَّة لِحَرَكَةِ الْيَاءِ الأَخيرة، كَمَا اسْتَحَبُّوا إِدْغَامَ حَيَّ وعَيَّ لِلْحَرَكَةِ اللَّازِمَةِ فِيهَا، فأَما إِذَا سَكَنَتِ الْيَاءُ الأَخيرة فَلَا يَجُوزُ الإِدغام مِثْلُ يُحْيِي ويُعْيِي، وَقَدْ جَاءَ فِي الشِّعْرِ الإِدغام وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ، وأَنكر الْبَصْرِيُّونَ الإِدغام فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَلَمْ يَعْبإ الزَّجَّاجُ بِالْبَيْتِ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ الْفَرَّاءُ، وَهُوَ قَوْلُهُ:
وكأَنَّها، بينَ النِّسَاءِ، سَبِيكةٌ ... تَمْشِي بسُدّةِ بَيْتِها فتُعيِّي
وأَحْياه اللهُ فَحَيِيَ وحَيَّ أَيضاً، والإِدغام أَكثر لأَن الْحَرَكَةَ لَازِمَةٌ، وَإِذَا لَمْ تَكُنِ الْحَرَكَةُ لَازِمَةً لَمْ تُدْغَمْ كَقَوْلِهِ: أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى.
__________
(5) . قوله [حيي حياة إلى قوله خفيفة] هكذا في الأصل والتهذيب
(6) . قوله [وبالكتب] كذا بالأَصل، والذي في التهذيب: وبالنسب(14/211)
والمَحْيا: مَفْعَلٌ مِنَ الحَياة. وَتَقُولُ: مَحْيَايَ ومَماتي، وَالْجَمْعُ المَحايِي. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً
، قَالَ: نرْزُقُه حَلالًا، وَقِيلَ: الحَيَاة الطَّيِّبَةُ الْجَنَّةُ، وَرُوِيَ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً
هُوَ الرِّزْقُ الْحَلَالُ فِي الدُّنْيَا، وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ إِذَا صَارُوا إِلَى اللَّهِ جَزاهُم أَجرَهُم فِي الْآخِرَةِ بأَحسنِ مَا عَمِلُوا.
والحَيُّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ: نقيضُ الْمَيِّتِ، وَالْجَمْعُ أَحْيَاء. والحَيُّ: كُلُّ مُتَكَلِّمٍ نَاطِقٍ. والحيُّ مِنَ النَّبَاتِ: مَا كَانَ طَرِيّاً يَهْتَزّ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ
؛ فَسَّرَهُ ثَعْلَبٌ فَقَالَ الحَيُّ هُوَ الْمُسْلِمُ وَالْمَيِّتُ هُوَ الْكَافِرُ. قَالَ الزَّجَّاجُ: الأَحْيَاءُ الْمُؤْمِنُونَ والأَموات الْكَافِرُونَ، قَالَ: وَدَلِيلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ
، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا
؛ أَي مَنْ كَانَ مُؤْمِنًا وَكَانَ يَعْقِلُ مَا يُخاطب بِهِ، فَإِنَّ الْكَافِرَ كَالْمَيِّتِ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ
؛ أَمواتٌ بإضْمار مَكْنِيٍّ أَي لَا تَقُولُوا هُمْ أَمواتٌ، فَنَهَاهُمُ اللَّهُ أَن يُسَمُّوا مَنْ قُتِل فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَيِّتًا وأَمرهم بأَن يُسَمُّوهم شُهداء فَقَالَ: بَلْ أَحْياءٌ
؛ الْمَعْنَى: بَلْ هُمْ أَحياء عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، فأَعْلَمنا أَن مَنْ قُتل فِي سَبِيلِهِ حَيٌّ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا بالُنا نَرى جُثّتَه غيرَ مُتَصَرِّفة؟ فَإِنَّ دليلَ ذَلِكَ مثلُ مَا يَرَاهُ الإِنسانُ فِي مَنَامِهِ وجُثّتُه غيرُ مُتَصَرِّفَةٍ عَلَى قَدْرِ مَا يُرى، وَاللَّهُ جَلَّ ثناؤُه قَدْ تَوَفَّى نَفْسَهُ فِي نَوْمِهِ فَقَالَ: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها، ويَنْتَبِهُ النائمُ وَقَدْ رَأَى مَا اغْتَمَّ بِهِ فِي نَوْمِهِ فيُدْرِكُه الانْتِباهُ وَهُوَ فِي بَقِيَّةِ ذَلِكَ، فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَن أَرْواحَ الشُّهداء جَائِزٌ أَن تُفارقَ أَجْسامَهم وَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَحْيَاء، فالأَمْرُ فِيمَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يُوجِبُ أَن يُقالَ لَهُ مَيِّتٌ، وَلَكِنْ يُقَالُ هُوَ شَهِيدٌ وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَيٌّ، وَقَدْ قِيلَ فِيهَا قَوْلٌ غَيْرُ هَذَا، قَالُوا: مَعْنَى أَموات أَي لَا تَقُولُوا هُمْ أَموات فِي دِينِهِمْ أَي قُولوا بَلْ هُمْ أَحياء فِي دِينِهِمْ، وَقَالَ أَصحاب هَذَا الْقَوْلِ دليلُنا قَوْلُهُ: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها
؛ فجَعَلَ المُهْتَدِيَ حَيّاً وأَنه حِينَ كَانَ عَلَى الضَّلالة كَانَ مَيْتًا، وَالْقَوْلُ الأَوَّلُ أَشْبَهُ بالدِّين وأَلْصَقُ بِالتَّفْسِيرِ. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: ضُرِبَ ضَرْبةً لَيْسَ بِحايٍ مِنْهَا أَي لَيْسَ يَحْيا مِنْهَا، قَالَ: وَلَا يُقَالُ لَيْسَ بحَيٍّ مِنْهَا إِلَّا أَن يُخْبِرَ أَنه لَيْسَ بحَيٍّ أَي هُوَ مَيِّتٌ، فَإِنْ أَردت أَنه لَا يَحْيا قُلْتَ لَيْسَ بحَايٍ، وَكَذَلِكَ أَخوات هَذَا كَقَوْلِكَ عُدْ فُلاناً فَإِنَّهُ مَرِيضٌ تُريد الحالَ، وَتَقُولُ: لَا تأْكل هَذَا الطعامَ فَإِنَّكَ مارِضٌ أَي أَنك تَمْرَضُ إِنْ أَكلته. وأَحْياهُ: جَعَله حَيّاً. وَفِي التَّنْزِيلِ: أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى
؛ قَرَأَهُ بَعْضُهُمْ: عَلَى أَنْ يُحْيِي الْمَوْتَى، أَجْرى النصبَ مُجْرى الرَّفْعِ الَّذِي لَا تَلْزَمُ فِيهِ الْحَرَكَةُ، ومُجْرى الْجَزْمِ الَّذِي يَلْزَمُ فِيهِ الْحَذْفُ. أَبو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ: وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ
؛ أَي مَنْفَعة؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: لَيْسَ لِفُلَانٍ حَيَاةٌ أَي لَيْسَ عِنْدَهُ نَفْع وَلَا خَيْر. وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُخْبِراً عَنِ الْكُفَّارِ لَمْ يُؤمِنُوا بالبَعْثِ والنُّشُور: إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ
؛ قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: اخْتُلِفَ فِيهِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ هُوَ مُقَدَّم ومُؤَخَّرِ، وَمَعْنَاهُ نَحْيا ونَمُوتُ وَلَا نَحْيا بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَعْنَاهُ نَحْيَا وَنَمُوتُ وَلَا نَحْيَا أَبداً وتَحْيا أَوْلادُنا بعدَنا، فَجَعَلُوا حَيَاةَ أَولادهم(14/212)
بَعْدَهُمْ كَحَيَاتِهِمْ، ثُمَّ قَالُوا: وَتَمُوتُ أَولادُنا فَلَا نَحْيا وَلَا هُمْ. وَفِي حَدِيثِ حُنَيْنٍ قَالَ للأَنصار:
المَحْيَا مَحْيَاكُمْ والمَماتُ مَمَاتُكُمْ
؛ المَحْيا: مَفْعَلٌ مِنَ الحَياة وَيَقَعُ عَلَى الْمَصْدَرِ وَالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ
؛ أَراد خَلَقْتنا أَمواتاً ثُمَّ أَحْيَيْتَنا ثُمَّ أَمَتَّنا بعدُ ثُمَّ بَعَثْتَنا بَعْدَ الْمَوْتِ، قَالَ الزَّجَّاجُ: وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ التَّفْسِيرِ أَنَّ إحْدى الحَياتَين وإحْدى المَيْتَتَيْنِ أَن يَحْيا فِي الْقَبْرِ ثُمَّ يَمُوتَ، فَذَلِكَ أَدَلُّ عَلَى أَحْيَيْتَنا وأَمَتَّنا، والأَول أَكثر فِي التَّفْسِيرِ. واسْتَحْيَاه: أَبقاهُ حَيّاً. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: استَحْيَاه استَبقاه وَلَمْ يَقْتُلْهُ، وَبِهِ فُسِّرَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ*
؛ أَي يَسْتَبْقُونَهُنَّ، وَقَوْلُهُ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً
؛ أَي لَا يسْتَبْقي. التَّهْذِيبُ: وَيُقَالُ حَايَيْتُ النارَ بالنَّفْخِ كَقَوْلِكَ أَحْيَيْتُها؛ قَالَ الأَصمعي: أَنشد بعضُ الْعَرَبِ بيتَ ذِي الرُّمَّةِ:
فقُلْتُ لَهُ: ارْفَعْها إليكَ وحَايِهَا ... برُوحِكَ، واقْتَتْه لَهَا قِيتَةً قَدْرا
وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: حَيَّتِ النَّارُ تَحَيُّ حَيَاة، فَهِيَ حَيَّة، كَمَا تَقُولُ ماتَتْ، فَهِيَ مَيْتَةٌ؛ وَقَوْلُهُ:
وَنَارٌ قُبَيْلَ الصُّبحِ بادَرْتُ قَدْحَها ... حَيَا النارِ، قَدْ أَوْقَدْتُها للمُسافِرِ
أَراد حياةَ النارِ فَحَذَفَ الْهَاءَ؛ وَرَوَى ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي أَنه أَنشده:
أَلا حَيَّ لِي مِنْ لَيْلَةِ القَبْرِ أَنَّه ... مآبٌ، ولَوْ كُلِّفْتُه، أَنَا آيبُهْ
أَراد: أَلا أَحَدَ يُنْجِيني مِنْ لَيْلَةِ الْقَبْرِ، قَالَ: وَسَمِعْتُ الْعَرَبَ تَقُولُ إِذَا ذَكَرَتْ مَيْتًا كُنَّا سَنَةَ كَذَا وَكَذَا بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا وحَيُّ عمرٍو مَعَنا، يُرِيدُونَ وعمرٌو مَعَنا حيٌّ بِذَلِكَ الْمَكَانِ. وَيَقُولُونَ: أَتيت فُلَانًا وحَيُّ فلانٍ شاهدٌ وحَيُّ فلانَة شاهدةٌ؛ الْمَعْنَى فُلَانٌ وَفُلَانَةُ إذ ذَاكَ حَيٌّ؛ وأَنشد الْفَرَّاءُ فِي مِثْلِهِ:
أَلا قَبَح الإِلَهُ بَني زِيادٍ، ... وحَيَّ أَبِيهِمُ قَبْحَ الحِمارِ
أَي قَبَحَ اللَّهُ بَني زِيَادٍ وأَباهُمْ. وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: أَتانا حَيُّ فُلانٍ أَي أَتانا فِي حَياتِهِ. وسَمِعتُ حَيَّ فُلَانٍ يَقُولُ كَذَا أَي سَمِعْتُهُ يَقُولُ فِي حَيَاتِهِ. وَقَالَ الكِسائي: يُقَالُ لَا حَيَّ عَنْهُ أَي لَا مَنْعَ مِنْهُ؛ وأَنشد:
ومَنْ يَكُ يَعْيا بالبَيان فإنَّهُ ... أَبُو مَعْقِل، لَا حَيَّ عَنْهُ وَلَا حَدَدْ
قَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَاهُ لَا يَحُدُّ عَنْهُ شيءٌ، وَرَوَاهُ:
فَإِنْ تَسْأَلُونِي بالبَيانِ فإنَّه ... أَبُو مَعْقِل، لَا حَيَّ عَنْهُ وَلَا حَدَدْ
ابْنُ بَرِّيٍّ: وحَيُّ فلانٍ فلانٌ نَفْسُه؛ وأَنشد أَبو الْحَسَنِ لأَبي الأَسود الدُّؤَلِيِّ:
أَبو بَحْرٍ أَشَدُّ الناسِ مَنّاً ... عَلَيْنَا، بَعدَ حَيِّ أَبي المُغِيرَهْ
أَي بَعْدَ أَبي المُغيرَة. وَيُقَالُ: قَالَهُ حَيُّ رِياح أَي رِياحٌ. وحَيِيَ الْقَوْمُ فِي أَنْفُسِهم وأَحْيَوْا فِي دَوابِّهِم وماشِيَتِهم. الْجَوْهَرِيُّ: أَحْيَا القومُ حَسُنت حالُ مواشِيهمْ، فَإِنْ أَردت أَنفُسَهم قُلْتَ حَيُوا. وأَرضٌ حَيَّة: مُخْصِبة كَمَا قَالُوا فِي الجَدْبِ مَيِّتَةٌ. وأَحْيَيْنا الأَرضَ: وَجَدْنَاهَا حيَّة النباتِ غَضَّة. وأَحْيَا القومُ أَي صَارُوا فِي الحَيا، وَهُوَ الخِصْب. وأَتَيْت الأَرضَ ف أَحْيَيتها أَي وَجَدْتُهَا خِصْبة. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: أُحْيِيَت الأَرض إِذَا اسْتُخْرِجَت. وَفِي(14/213)
الْحَدِيثِ:
مَنْ أَحْيا مَواتاً فَهو أَحقُّ بِهِ
؛ المَوَات: الأَرض الَّتِي لَمْ يَجْرِ عَلَيْهَا مِلْكُ أَحد، وإحْياؤُها مباشَرَتها بتأْثير شَيْءٍ فِيهَا مِنْ إِحَاطَةٍ أَو زَرْعٍ أَو عِمَارَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ تَشْبِيهًا بِإِحْيَاءِ الْمَيِّتِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
عَمْرٍو: قِيلَ سلمانَ أَحْيُوا مَا بَيْنَ العِشاءَيْن
أَي اشْغَلُوهُ بِالصَّلَاةِ وَالْعِبَادَةِ وَالذِّكْرِ وَلَا تعطِّلوه فَتَجْعَلُوهُ كَالْمَيِّتِ بعُطْلَته، وَقِيلَ: أَراد لَا تَنَامُوا فِيهِ خَوْفًا مِنْ فَوَاتِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ لأَن النوم موت واليقطة حَيَاةٌ. وإحْياءُ اللَّيْلِ: السَّهَرُ فِيهِ بِالْعِبَادَةِ وَتَرْكِ النَّوْمِ، وَمَرْجِعُ الصِّفَةِ إِلَى صَاحِبِ اللَّيْلِ؛ وَهُوَ مِنْ بَابِ قَوْلِهِ:
فأَتَتْ بِهِ حُوشَ الفُؤادِ مُبَطَّناً ... سُهُداً، إِذَا مَا نَامَ لَيْلُ الهَوْجَلِ
أَي نَامَ فِيهِ، وَيُرِيدُ بِالْعِشَاءَيْنِ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ فَغَلَبَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه كَانَ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ حَيَّة
أَي صَافِيَةُ اللَّوْنِ لَمْ يَدْخُلْهَا التَّغْيِيرُ بدُنُوِّ المَغِيب، كَأَنَّهُ جَعَلَ مَغِيبَها لَها مَوْتاً وأَراد تَقْدِيمَ وَقْتِهَا. وطَريقٌ حَيٌّ: بَيِّنٌ، وَالْجَمْعُ أَحْياء؛ قَالَ الْحُطَيْئَةُ:
إِذَا مَخَارِمُ أَحْياءٍ عَرَضْنَ لَه
وَيُرْوَى: أَحياناً عَرَضْنَ لَهُ. وحَيِيَ الطريقُ: استَبَان، يُقَالُ: إِذَا حَيِيَ لَكَ الطريقُ فخُذْ يَمْنَةً. وأَحْيَت النَّاقَةُ إِذَا حَيِيَ ولَدُها فَهِيَ مُحْيٍ ومُحْيِيَة لَا يَكَادُ يَمُوتُ لَهَا وَلَدٌ. والحِيُّ، بِكَسْرِ الْحَاءِ: جمعُ الحَياةِ. وقال ابن سيده: الحِيُّ الحيَاةُ زَعَموا؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
كأنَّها إذِ الحَياةُ حِيُّ، ... وإذْ زَمانُ النَّاسِ دَغْفَلِيُ
وَكَذَلِكَ الْحَيَوَانُ. وَفِي التَّنْزِيلِ: وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ
؛ أَي دارُ الحياةِ الدَّائِمَةِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: كَسَرُوا أَوَّل حِيٍّ لِئَلَّا تَتَبَدَّلَ الْيَاءُ وَاوًا كَمَا قَالُوا بِيضٌ وعِينٌ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الحَياةُ والحَيَوان والحِيِّ مَصادِر، وَتَكُونُ الحَيَاة صِفَةً كالحِيُّ كالصَّمَيانِ لِلسَّرِيعِ. التَّهْذِيبِ: وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ: إنَّ الرجلَ لَيُسْأَلُ عَنْ كلِّ شيءٍ حَتَّى عَنْ حَيَّةِ أَهْلِه
؛ قَالَ: مَعْنَاهُ عَنْ كلِّ شيءٍ حَيٍّ فِي مَنْزِلِهِ مثلِ الْهِرِّ وَغَيْرِهِ، فأَنَّث الحَيّ فَقَالَ حَيَّة، ونحوَ ذَلِكَ قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ: وَإِنَّمَا قَالَ حَيَّة لأَنه ذَهَبَ إِلَى كُلِّ نَفْسٍ أَو دَابَّةٍ فأَنث لِذَلِكَ. أَبو عَمْرٍو: الْعَرَبُ تَقُولُ كَيْفَ أَنت وَكَيْفَ حَيَّةُ أَهْلِكَ أَي كَيْفَ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ حَيّاً؛ قَالَ مَالِكُ بن الحرث الْكَاهِلِيُّ:
فَلَا يَنْجُو نَجَاتِي ثَمَّ حَيٌّ، ... مِنَ الحَيَواتِ، لَيْسَ لَهُ جَنَاحُ
أَي كُلُّ مَا هُوَ حَيٌّ فَجَمْعُهُ حَيَوات، وتُجْمع الحَيَّةُ حَيَواتٍ. والحَيَوانُ: اسْمٌ يَقَعُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حيٍّ، وَسَمَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْآخِرَةَ حَيَواناً فَقَالَ: وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ
؛ قَالَ قَتَادَةُ: هِيَ الْحَيَاةُ. الأَزهري: الْمَعْنَى أَن مَنْ صَارَ إِلَى الْآخِرَةِ لَمْ يَمُتْ وَدَامَ حَيًّا فِيهَا لَا يَمُوتُ، فَمَنْ أُدخل الْجَنَّةَ حَيِيَ فِيهَا حَيَاةً طَيِّبَةً، وَمَنْ دَخَلَ النَّارَ فَإِنَّهُ لَا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى *
، كَمَا قَالَ تَعَالَى. وكلُّ ذِي رُوح حَيَوان، وَالْجَمْعُ وَالْوَاحِدُ فِيهِ سَوَاءٌ. قَالَ: والحَيَوان عينٌ فِي الجَنَّة، وَقَالَ: الحَيَوان مَاءٌ فِي الْجَنَّةِ لَا يُصِيبُ شَيْئًا إلا حَيِيَ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَفِي حَدِيثِ الْقِيَامَةِ:
يُصَبُّ عَلَيْهِ ماءُ الحَيَا
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا جَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، وَالْمَشْهُورُ:
يُصَبُّ عَلَيْهِ ماءُ الحَيَاةِ.
ابْنُ سِيدَهْ: والحَيَوان أَيضاً جِنْسُ الحَيِّ، وأَصْلُهُ حَيَيانٌ فَقُلِبَتِ الْيَاءُ الَّتِي هِيَ لَامٌ وَاوًا، اسْتِكْرَاهًا لِتَوَالِي الْيَاءَيْنِ لِتَخْتَلِفَ الْحَرَكَاتُ؛ هَذَا مَذْهَبُ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ، وَذَهَبَ أَبو عُثْمَانَ(14/214)
إِلَى أَن الْحَيَوَانَ غَيْرُ مُبْدَلِ الْوَاوِ، وأَن الْوَاوَ فِيهِ أَصل وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ فِعْلٌ، وَشَبَّهَ هَذَا بِقَوْلِهِمْ فَاظَ المَيّت يَفِيظُ فَيْظاً وفَوْظاً، وَإِنْ لَمْ يَسْتَعْمِلُوا مِنْ فَوْظٍ فِعْلًا، كَذَلِكَ الْحَيَوَانُ عِنْدَهُ مَصْدَرٌ لَمْ يُشْتَقّ مِنْهُ فِعْلٌ. قَالَ أَبو عَلِيٍّ: هَذَا غَيْرُ مَرْضِيٍّ مِنْ أَبي عُثْمَانَ مِنْ قِبَل أَنه لَا يَمْتَنِعُ أَن يَكُونَ فِي الْكَلَامِ مَصْدَرٌ عَيْنُهُ وَاوٌ وَفَاؤُهُ وَلَامُهُ صَحِيحَانِ مِثْلُ فَوْظٍ وصَوْغٍ وقَوْل ومَوْت وأَشباه ذَلِكَ، فأَما أَن يُوجَدَ فِي الْكَلَامِ كَلِمَةٌ عَيْنُهَا يَاءٌ وَلَامُهَا وَاوٌ فَلَا، فحَمْلُه الحيوانَ عَلَى فَوْظٍ خطأٌ، لأَنه شَبَّهَ مَا لَا يُوجَدُ فِي الْكَلَامِ بِمَا هُوَ مَوْجُودٌ مُطَّرِدٌ؛ قَالَ أَبو عَلِيٍّ: وكأَنهم اسْتَجَازُوا قَلْبَ الْيَاءِ وَاوًا لِغَيْرِ عِلَّةٍ، وَإِنْ كَانَتِ الْوَاوُ أَثقل مِنَ الْيَاءِ، لِيَكُونَ ذَلِكَ عِوَضًا لِلْوَاوِ مِنْ كَثْرَةِ دُخُولِ الْيَاءِ وَغَلَبَتِهَا عَلَيْهَا. وحَيْوَة، بِسُكُونِ الْيَاءِ: اسمُ رجلٍ، قُلِبَتِ الْيَاءُ وَاوًا فِيهِ لضَرْبٍ مِنَ التوَسُّع وَكَرَاهَةً لِتَضْعِيفِ الْيَاءِ، وَإِذَا كَانُوا قَدْ كَرِهُوا تَضْعِيفَ الْيَاءِ مَعَ الْفَصْلِ حَتَّى دَعَاهُمْ ذَلِكَ إِلَى التَّغْيِيرِ فِي حاحَيْت وهَاهَيْتُ، كَانَ إِبْدَالُ اللَّامِ فِي حَيْوةٍ لِيَخْتَلِفَ الْحَرْفَانِ أَحْرَى، وَانْضَافَ إِلَى ذَلِكَ أنَّه عَلَم، والأَعلام قَدْ يَعْرِضُ فِيهَا مَا لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهَا نَحْوُ مَوْرَقٍ ومَوْهَبٍ ومَوْظَبٍ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: حَيْوَة اسْمُ رَجُلٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يُدْغَمْ كَمَا أُدغم هَيِّنٌ ومَيّت لأَنه اسْمٌ مَوْضُوعٌ لَا عَلَى وَجْهِ الْفِعْلِ. وحَيَوانٌ: اسْمٌ، وَالْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي حَيْوَةَ. والمُحَايَاةُ: الغِذاء لِلصَّبِيِّ بِمَا بِهِ حَيَاته، وَفِي الْمُحْكَمِ: المُحَايَاةُ الغِذاء للصبيِّ لأَنّ حَياته بِهِ. والحَيُّ: الْوَاحِدُ مِنْ أَحْيَاءِ العَربِ. والحَيُّ: البطن من بطون العرب؛ وَقَوْلُهُ:
وحَيَّ بَكْرٍ طَعَنَّا طَعْنَةً فَجَرى
فَلَيْسَ الحَيُّ هُنَا البطنَ مِنْ بُطُونِ الْعَرَبِ كَمَا ظَنَّهُ قَوْمٌ، وَإِنَّمَا أَراد الشَّخْصَ الْحَيَّ المسمَّى بَكْرًا أَي بَكْرًا طَعَنَّا، وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ، فحَيٌّ هُنَا مُذَكَّرُ حَيَّةٍ حَتَّى كأَنه قَالَ: وشخصَ بكرٍ الحَيَّ طَعَنَّا، فَهَذَا مِنْ بَابِ إِضَافَةِ الْمُسَمَّى إِلَى نَفْسِهِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنُ أَحمر:
أَدْرَكْتَ حَيَّ أَبي حَفْصٍ وَشِيمَتَهُ، ... وقَبْلَ ذاكَ، وعَيْشاً بَعْدَهُ كَلِبَا
وَقَوْلُهُمْ: إِنَّ حَيَّ لَيْلَى لَشَاعِرَةٌ، هُوَ مِنْ ذَلِكَ، يُريدون لَيْلَى، وَالْجَمْعُ أَحْيَاءٌ. الأَزهري: الحَيُّ مِنْ أَحْيَاء العَرب يَقَعُ عَلَى بَني أَبٍ كَثُروا أَم قَلُّوا، وَعَلَى شَعْبٍ يجمَعُ القبائلَ؛ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
قَاتَل اللهُ قيسَ عَيْلانَ حَيّاً، ... مَا لَهُمْ دُونَ غَدْرَةٍ مِنْ حِجابِ
وَقَوْلُهُ:
فتُشْبِعُ مَجْلِسَ الحَيَّيْنِ لَحْماً، ... وتُلْقي للإِماء مِنَ الوَزِيمِ
يَعْنِي بالحَيَّينِ حَيَّ الرجلِ وحَيَّ المرأَة، والوَزِيمُ العَضَلُ. والحَيَا، مَقْصُورٌ: الخِصْبُ، وَالْجَمْعُ أَحْيَاء. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: الحَيَا، مقصورٌ، المَطَر وَإِذَا ثَنَّيْتَ قُلْتَ حَيَيان، فتُبَيِّن الياءَ لأَن الْحَرَكَةَ غَيْرُ لَازِمَةٍ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ مرَّةً: حَيَّاهم اللَّهُ بِحَياً، مَقْصُورٌ، أَي أَغاثهم، وَقَدْ جَاءَ الحَيَا الَّذِي هُوَ الْمَطَرُ وَالْخِصْبُ مَمْدُودًا. وحَيَا الربيعِ: مَا تَحْيا بِهِ الأَرض مِنَ الغَيْث. وَفِي حَدِيثِ الِاسْتِسْقَاءِ:
اللَّهُمَّ اسْقِنا غَيْثاً مُغيثاً وَحَياً رَبيعاً
؛ الحَيَا، مَقْصُورٌ: المَطَر لإِحْيائه الأَرضَ، وَقِيلَ: الخِصْبُ وَمَا تَحْيا بِهِ الأَرضُ وَالنَّاسُ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ الله عنه: لَا آكلُ السَّمِينَ حَتَّى يَحْيا الناسُ مِنْ أَوَّلِ مَا يَحْيَوْنَ
أَي حَتَّى يُمْطَروا(14/215)
ويُخْصِبُوا فَإِنَّ المَطَر سَبَبُ الخِصْب، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مِنَ الْحَيَاةِ لأَن الْخِصْبَ سَبَبُ الْحَيَاةِ. وَجَاءَ فِي حَدِيثٍ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ، أَنه قَالَ: كَانَ عليٌّ أَميرُ الْمُؤْمِنِينَ يُشْبِهُ القَمَر الباهِرَ والأَسَدَ الخادِرَ والفُراتَ الزَّاخِرَ والرَّبيعَ الباكِرَ، أَشْبَهَ مِنَ القَمر ضَوْءَهُ وبَهاءَهُ ومِنَ الأَسَدِ شَجاعَتَهُ ومَضاءَهُ وَمِنَ الفُراتِ جُودَه وسَخاءَهُ وَمِنَ الرَّبيعِ خِصْبَه وحَياءَه.
أَبو زَيْدٍ: تَقُولُ أَحْيَا القومُ إِذَا مُطِرُوا فأَصابَت دَوابُّهُم العُشْبَ حَتَّى سَمِنَتْ، وَإِنْ أَرادوا أَنفُسَهم قَالُوا حَيُوا بعدَ الهُزال. وأَحْيا اللَّهُ الأَرضَ: أَخرج فِيهَا النَّبَاتَ، وَقِيلَ: إِنَّمَا أَحْياها مِنَ الحَياة كأَنها كَانَتْ مَيْتَةً بالمحْل فأَحْياها بِالْغَيْثِ. والتَّحِيَّة: السَّلَامُ، وَقَدْ حَيَّاهُ تحِيَّةً، وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: حَيَّاك اللهُ تَحِيَّةَ المؤمِن. والتَّحِيَّة: البقاءُ. والتَّحِيَّة: المُلْك؛ وَقَوْلُ زُهَيْر بْنُ جَنابٍ الكَلْبي:
ولَكُلُّ مَا نَال الْفَتَى ... قَدْ نِلْتُه إِلَّا التَّحِيَّهْ
قِيلَ: أَراد المُلْك، وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: أَراد البَقاءَ لأَنه كَانَ مَلِكاً فِي قَوْمِهِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: زهيرٌ هَذَا هُوَ سَيِّدُ كَلْبٍ فِي زَمَانِهِ، وَكَانَ كَثِيرَ الْغَارَاتِ وعُمِّرَ عُمْراً طَوِيلًا، وَهُوَ الْقَائِلُ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ:
أبَنِيَّ، إنْ أَهْلِكْ فإنِّي ... قَدْ بَنَيْتُ لَكُمْ بَنِيَّهْ
وتَرَكْتُكُمْ أَولادَ ساداتٍ، ... زِنادُكُمُ وَرِيَّهْ
ولَكُلُّ مَا نالَ الفَتى ... قَدْ نِلْتُه، إِلَّا التَّحِيَّهْ
قَالَ: وَالْمَعْرُوفُ بالتَّحِيَّة هُنَا إِنَّمَا هِيَ بِمَعْنَى الْبَقَاءِ لَا بِمَعْنَى الْمُلْكِ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: تَحِيَّة تَفْعِلَة، وَالْهَاءُ لَازِمَةٌ، وَالْمُضَاعَفُ مِنَ الْيَاءِ قَلِيلٌ لأَن الْيَاءَ قَدْ تَثْقُلُ وَحْدَهَا لَامًا، فَإِذَا كَانَ قَبْلَهَا ياءٌ كَانَ أَثقل لَهَا. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: والتَّحِيَّةُ فِي غَيْرِ هَذَا السلامُ. الأَزهري: قَالَ اللَّيْثُ فِي قَوْلِهِمْ فِي الْحَدِيثِ
التَّحِيَّات لِلَّهِ
، قَالَ: مَعْنَاهُ البَقاءُ لِلَّهِ، وَيُقَالُ: المُلْك لِلَّهِ، وَقِيلَ: أَراد بِهَا السَّلَامَ. يُقَالُ: حَيَّاك اللَّهُ أَي سلَّم عَلَيْكَ. والتَّحِيَّة: تَفْعِلَةٌ مِنَ الْحَيَاةِ، وَإِنَّمَا أُدغمت لِاجْتِمَاعِ الأَمثال، وَالْهَاءُ لَازِمَةٌ لَهَا وَالتَّاءُ زَائِدَةٌ. وَقَوْلُهُمْ: حيَّاكَ اللهُ وبَيَّاكَ اعتَمَدَكَ بالمُلْك، وَقِيلَ: أَضْحَكَكَ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: حَيَّاكَ اللهُ أبْقاكَ اللهُ. وحَيَّاك اللَّهُ أَي مَلَّكك اللَّهُ. وحَيَّاك اللَّهُ أَي سلَّم عَلَيْكَ؛ قَالَ: وَقَوْلُنَا فِي التَّشَهُّدِ
التَّحِيَّات لِلَّهِ
يُنْوَى بِهَا البَقاءُ لِلَّهِ والسلامُ مِنَ الآفاتِ والمُلْكُ لِلَّهِ ونحوُ ذَلِكَ. قَالَ أَبو عَمْرٍو: التَّحِيَّة المُلك؛ وأَنشد قَوْلَ عَمْرِو بْنِ مَعْدِيكَرِبَ:
أَسيرُ بِهِ إِلَى النُّعْمانِ، حتَّى ... أُنِيخَ عَلَى تَحِيَّتِهِ بجُنْدي
يَعْنِي عَلَى مُلْكِه؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُرْوَى أَسِيرُ بِهَا، وَيُرْوَى: أَؤُمُّ بِهَا؛ وَقَبْلَ الْبَيْتِ:
وَكُلِّ مُفاضَةٍ بَيْضاءَ زَغْفٍ، ... وَكُلِّ مُعاوِدِ الغاراتِ جَلْدِ
وَقَالَ خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ: لَوْ كَانَتِ التَحِيَّة المُلْكَ لَمَا قِيلَ التَّحِيَّات لِلَّهِ، وَالْمَعْنَى السَّلَامَاتُ مِنَ الْآفَاتِ كُلِّهَا، وجَمَعها لأَنه أَراد السَّلَامَةَ مِنْ كُلِّ آفَةٍ؛ وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ: إِنَّمَا قِيلَ التَّحِيَّات لِلَّهِ لَا عَلَى الجَمْع لأَنه كَانَ فِي الأَرض مُلُوكٌ يُحَيَّوْنَ بتَحِيّات مُخْتَلِفَةٍ، يقال لبعضهم: أَبَيْتَ اللَّعْنَ، وَلِبَعْضِهِمْ: اسْلَمْ وانْعَمْ وعِشْ أَلْفَ سَنَةٍ، وَلِبَعْضِهِمْ: انْعِمْ صَباحاً، فَقِيلَ لَنَا: قُولوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ أَي الأَلفاظُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الْمُلْكِ وَالْبَقَاءِ وَيُكَنَّى بِهَا عَنِ الْمُلْكِ فَهِيَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.(14/216)
وَرُوِيَ عَنْ أَبي الْهَيْثَمِ أَنه يَقُولُ: التَّحِيَّةُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مَا يُحَيِّي بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِذَا تَلاقَوْا، قَالَ: وتَحِيَّةُ اللَّهِ الَّتِي جَعَلَهَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لِمُؤْمِنِي عِبَادِهِ إِذَا تَلاقَوْا ودَعا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ بأَجْمَع الدُّعَاءِ أَن يَقُولُوا السلامُ عَلَيْكُمْ ورحمةُ اللَّهِ وبركاتُه. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ
. وَقَالَ فِي تحيَّة الدُّنْيَا: وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها
؛ وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ:
قَدْ نِلْتُهُ إِلَّا التحيَّة
يُرِيدُ: إِلَّا السَّلَامَةَ مِنَ المَنِيَّة وَالْآفَاتِ فَإِنَّ أَحداً لَا يَسْلَمُ مِنَ الْمَوْتِ عَلَى طُولِ الْبَقَاءِ، فَجَعَلَ مَعْنَى التَّحِيَّات لِلَّهِ أَي السَّلَامُ لَهُ مِنْ جَمِيعِ الْآفَاتِ الَّتِي تَلْحَقُ الْعِبَادَ مِنَ الْعَنَاءِ وَسَائِرِ أَسباب الْفَنَاءِ؛ قَالَ الأَزهري: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبو الْهَيْثَمِ حَسَنٌ وَدَلَائِلُهُ وَاضِحَةٌ، غَيْرَ أَن التَّحِيَّة وَإِنْ كَانَتْ فِي الأَصل سَلَامًا، كَمَا قَالَ خَالِدٌ، فَجَائِزٌ أَن يُسَمَّى المُلك فِي الدُّنْيَا تَحِيَّةً كَمَا قَالَ الْفَرَّاءُ وأَبُو عَمْرٍو، لأَن المَلِكَ يُحَيَّا بتَحِيَّةِ المُلْكِ الْمَعْرُوفَةِ لِلْمُلُوكِ الَّتِي يُبَايِنُونَ فِيهَا غَيْرَهُمْ، وَكَانَتْ تحيَّةُ مُلُوك العَجَم نَحْوًا مِنْ تحيَّة مُلوك العَرَب، كَانَ يُقَالُ لِمَلِكهم: زِهْ هَزَارْ سَالْ؛ الْمَعْنَى: عِشْ سَالِمًا أَلْفَ عَامٍ، وَجَائِزٌ أَن يُقَالَ لِلْبَقَاءِ تَحِيَّة لأَنَّ مَنْ سَلِمَ مِنَ الْآفَاتِ فَهُوَ باقٍ، وَالْبَاقِي فِي صِفَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ هَذَا لأَنه لَا يَمُوتُ أَبداً، فَمَعْنَى؛ حَيّاك اللَّهُ أَي أَبقاك اللَّهُ، صحيحٌ، مِنَ الْحَيَاةِ، وَهُوَ الْبَقَاءُ. يُقَالُ: أَحْيَاه اللَّهُ وحَيّاه بِمَعْنًى وَاحِدٍ، قَالَ: وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الشَّيْءَ بِاسْمِ غَيْرِهِ إِذَا كَانَ مَعَهُ أَو مِنْ سَبَبِهِ. وَسُئِلَ سَلَمة بنُ عاصمٍ عَنْ حَيّاك اللَّهُ فَقَالَ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ أَحْيَاك اللَّهُ أَي أَبقاك اللَّهُ مِثْلُ كرَّم وأَكرم، قَالَ: وَسُئِلَ أَبو عُثْمَانَ الْمَازِنِيُّ عَنْ حَيَّاك اللَّهُ فَقَالَ عَمَّرك اللَّهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن الْمَلَائِكَةَ قَالَتْ لِآدَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، حَيَّاك اللَّهُ وبَيَّاك
؛ مَعْنَى حَيَّاك اللهُ أَبقاك مِنَ الْحَيَاةِ، وَقِيلَ: هُوَ مِنِ اسْتِقْبَالِ المُحَيّا، وَهُوَ الوَجْه، وَقِيلَ: ملَّكك وفَرَّحك، وَقِيلَ: سلَّم عَليك، وَهُوَ مِنَ التَّحِيَّة السَّلَامُ، وَالرَّجُلُ مُحَيِّيٌ والمرأَة مُحَيِّيَة، وَكُلُّ اسْمٍ اجْتَمَعَ فِيهِ ثَلَاثُ ياءَات فيُنْظَر، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مبنيٍّ عَلَى فِعْلٍ حُذِفَتْ مِنْهُ اللَّامُ نَحْوَ عُطَيٍّ فِي تَصْغِيرِ عَطاءٍ وَفِي تَصْغِيرِ أَحْوَى أُحَيٍّ، وَإِنْ كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى فِعْلٍ ثَبَتَتْ نَحْوَ مُحَيِّي مِنْ حَيَّا يُحَيِّي. وحَيَّا الخَمْسين: دَنَا مِنْهَا؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. والمُحَيّا: جَمَاعَةُ الوَجْهِ، وَقِيلَ: حُرُّهُ، وَهُوَ مِنَ الفرَس حَيْثُ انفرَقَ تحتَ الناصِية فِي أَعلى الجَبْهةِ وَهُنَاكَ دائرةُ المُحَيَّا. والحياءُ: التوبَة والحِشْمَة، وَقَدْ حَيِيَ مِنْهُ حَيَاءً واستَحْيَا واسْتَحَى، حَذَفُوا الْيَاءَ الأَخيرة كَرَاهِيَةَ الْتِقَاءِ الياءَينِ، والأَخيرتان تَتَعَدَّيانِ بِحَرْفٍ وَبِغَيْرِ حَرْفٍ، يَقُولُونَ: استَحْيَا مِنْكَ واستَحْياكَ، واسْتَحَى مِنْكَ واسْتَحَاك؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُ الحَيَاء بِمَعْنَى الِاسْتِحْيَاءِ قَوْلُ جَرِيرٍ:
لَوْلَا الحَياءُ لَعَادني اسْتِعْبارُ، ... ولَزُرْتُ قَبرَكِ، والحبيبُ يُزارُ
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنه قَالَ: الحَياءُ شُعْبةٌ مِنَ الإِيمان
؛ قَالَ بَعْضُهُمْ: كَيْفَ جعَل الحياءَ وَهُوَ غَرِيزةٌ شُعْبةً مِنَ الإِيمان وَهُوَ اكْتِسَابٌ؟ وَالْجَوَابُ فِي ذَلِكَ: أَن المُسْتَحي يَنْقَطِعُ بالحَياء عَنِ الْمَعَاصِي، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ تَقِيَّة، فَصَارَ كالإِيمان الَّذِي يَقْطَعُ عَنْهَا ويَحُولُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَبَيْنَهَا؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَإِنَّمَا جُعِلَ الحَيَاء بَعْضَ الإِيمان لأَن الإِيمان يَنْقَسِمُ إِلَى ائْتِمَارٍ بِمَا أَمر اللَّهُ بِهِ وَانْتِهَاءٍ عمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ، فَإِذَا حَصَلَ الِانْتِهَاءُ بِالْحَيَاءِ كَانَ بعضَ الإِيمان؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فاصْنَع مَا شئتَ
؛ الْمُرَادُ أَنه(14/217)
إِذَا لَمْ يَسْتَحِ صَنَعَ مَا شَاءَ، لأَنه لَا يَكُونُ لَهُ حياءٌ يحْجزُه عَنِ الْمَعَاصِي وَالْفَوَاحِشِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَلَهُ تأْويلان: أَحدهما ظَاهِرٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ إِذَا لَمْ تَسْتَح مِنَ العَيْب وَلَمْ تَخْشَ العارَ بِمَا تَفْعَلُهُ فَافْعَلْ مَا تُحَدِّثُك بِهِ نفسُك مِنْ أَغراضها حسَناً كَانَ أَو قَبِيحًا، ولفظُه أَمرٌ وَمَعْنَاهُ تَوْبِيخٌ وَتَهْدِيدٌ، وَفِيهِ إِشْعَارٌ بأَنَّ الَّذِي يردَع الإِنسانَ عَنْ مُواقَعة السُّوء هُوَ الحَياءُ، فَإِذَا انْخَلَعَ مِنْهُ كَانَ كالمأْمور بِارْتِكَابِ كُلِّ ضَلَالَةٍ وَتَعَاطِي كُلِّ سَيِّئَةٍ، وَالثَّانِي أَن يُحْمَلَ الأَمر عَلَى بَابِهِ، يَقُولُ: إِذَا كُنْتَ فِي فِعْلِكَ آمِنًا أَن تَسْتَحيَ مِنْهُ لجَريك فِيهِ عَلَى سَنَن الصَّوَابِ وَلَيْسَ مِنَ الأَفعال الَّتِي يُسْتَحَى مِنْهَا فَاصْنَعْ مِنْهَا مَا شِئْتَ. ابْنُ سِيدَهْ:
قَوْلُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إنَّ مِمَّا أَدرَك الناسُ مِنْ كَلَامِ النبوَّة إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فاصْنَعْ مَا شِئْتَ
«7» . أَي مَنْ لَمْ يَسْتَحِ صَنَعَ مَا شَاءَ عَلَى جِهَةِ الذمِّ لتَرْكِ الحَياء، وَلَيْسَ يأْمره بِذَلِكَ وَلَكِنَّهُ أَمرٌ بِمَعْنَى الخَبَر، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنه يأْمُرُ بالحَياء ويَحُثُّ عَلَيْهِ ويَعِيبُ تَرْكَه. وَرَجُلٌ حَيِيٌّ، ذُو حَياءٍ، بِوَزْنِ فَعِيلٍ، والأُنثى بِالْهَاءِ، وامرأَة حَيِيَّة، واسْتَحْيَا الرَّجُلُ واسْتَحْيَت المرأَة؛ وَقَوْلُهُ:
وإنِّي لأَسْتَحْيِي أَخي أَنْ أَرى لَهُ ... عليَّ مِنَ الحَقِّ، الَّذِي لَا يَرَى لِيَا
مَعْنَاهُ: آنَفُ مِنْ ذَلِكَ. الأَزهري: لِلْعَرَبِ فِي هَذَا الْحَرْفِ لُغَتَانِ: يُقَالُ اسْتَحَى الرَّجُلُ يَسْتَحِي، بِيَاءٍ وَاحِدَةٍ، واسْتَحْيَا فُلَانٌ يَسْتَحْيِي، بياءَين، وَالْقُرْآنُ نَزَلَ بِهَذِهِ اللُّغَةِ الثَّانِيَةِ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا
. وحَيِيتُ مِنْهُ أَحْيا: استَحْيَيْت. وَتَقُولُ فِي الْجَمْعِ: حَيُوا كَمَا تَقُولُ خَشُوا. قَالَ سِيبَوَيْهِ: ذَهَبَتِ الْيَاءُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ لأَن الْوَاوَ سَاكِنَةٌ وَحَرَكَةَ الْيَاءِ قَدْ زَالَتْ كَمَا زَالَتْ فِي ضَرَبُوا إِلَى الضَّمِّ، وَلَمْ تُحَرَّكِ الْيَاءُ بِالضَّمِّ لِثِقَلِهِ عَلَيْهَا فَحُذِفَتْ وضُمَّت الْيَاءُ الْبَاقِيَةُ لأَجل الْوَاوِ؛ قَالَ أَبو حُزابة الوليدُ بْنُ حَنيفة:
وَكُنَّا حَسِبْناهم فَوارِسَ كَهْمَسٍ ... حَيُوا بعد ما ماتُوا، مِنَ الدهْرِ، أَعْصُرا
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: حَيِيتُ مِنْ بَنَاتِ الثَّلَاثَةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: حَيُّوا، بِالتَّشْدِيدِ، تَرَكَهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ للإِدغام؛ قَالَ عبيدُ بنُ الأَبْرص:
عَيُّوا بأَمرِهِمُو، كَمَا ... عَيَّتْ ببَيْضَتِها الحَمامَهْ
وَقَالَ غَيْرُهُ: اسْتَحْياه واسْتَحْيا مِنْهُ بِمَعْنًى مِنَ الْحَيَاءِ، وَيُقَالُ: اسْتَحَيْتُ، بِيَاءٍ وَاحِدَةٍ، وأَصله اسْتَحْيَيْتُ فأَعَلُّوا الْيَاءَ الأُولى وأَلقَوا حَرَكتها عَلَى الْحَاءِ فَقَالُوا اسْتَحَيْتُ، كَمَا قَالُوا اسْتنعت اسْتِثْقَالًا لَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهَا الزوائدُ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: حُذِفَتِ الْيَاءُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ لأَن الْيَاءَ الأُولى تُقْلَبُ أَلفاً لِتَحَرُّكِهَا، قَالَ: وَإِنَّمَا فَعَلُوا ذَلِكَ حَيْثُ كَثُرَ فِي كَلَامِهِمْ. وَقَالَ الْمَازِنِيُّ: لَمْ تُحْذَفْ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ لأَنها لَوْ حُذِفَتْ لِذَلِكَ لَرَدُّوهَا إِذَا قَالُوا هُوَ يَسْتَحِي، وَلَقَالُوا يَسْتَحْيي كَمَا قَالُوا يَسْتَنِيعُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَوْلُ أَبي عُثْمَانَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ سِيبَوَيْهِ، وَالَّذِي حَكَاهُ عَنْ سِيبَوَيْهِ لَيْسَ هُوَ قَوْلَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ الْخَلِيلِ لأَن الْخَلِيلَ يَرَى أَن اسْتَحَيْت أَصله اسْتَحْيَيْت، فأُعل إِعْلَالَ اسْتَنَعْت، وأَصله اسْتَنْيَعْتُ، وَذَلِكَ بأَن تُنْقَلَ حَرَكَةُ الْفَاءِ عَلَى مَا قَبْلَهَا وَتُقْلَبَ أَلفاً ثُمَّ تُحْذَفَ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَأَمَّا سِيبَوَيْهِ فَيَرَى أَنها حُذِفَتْ تَخْفِيفًا لِاجْتِمَاعِ الْيَاءَيْنِ لَا لإِعلال مُوجِبٍ لِحَذْفِهَا، كَمَا حَذَفْتَ السينَ مِنْ أَحْسَسْت حِينَ قلتَ أَحَسْتُ، ونقلتَ حَرَكَتِهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا
__________
(7) . قوله [مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ إِذَا لم تستح إلخ] هكذا في الأصل(14/218)
تَخْفِيفًا. وَقَالَ الأَخفش: اسْتَحَى بِيَاءٍ وَاحِدَةٍ لُغَةُ تَمِيمٍ، وَبِيَاءَيْنِ لُغَةُ أَهل الْحِجَازِ، وَهُوَ الأَصل، لأَن مَا كَانَ موضعُ لَامِهِ مُعْتَلًّا لَمْ يُعِلُّوا عَيْنَهُ، أَلا تَرَى أَنهم قَالُوا أَحْيَيْتُ وحَوَيْتُ؟ وَيَقُولُونَ قُلْتُ وبِعْتُ فيُعِلُّون الْعَيْنَ لَمَّا لَمْ تَعْتَلَّ اللامُ، وَإِنَّمَا حَذَفُوا الْيَاءَ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِمْ لِهَذِهِ الْكَلِمَةِ كَمَا قَالُوا لَا أَدْرِ فِي لَا أدْرِي. وَيُقَالُ: فُلَانٌ أَحْيَى مِنَ الهَدِيِّ، وأَحْيَى مِنْ كَعابٍ، وأَحْيَى مِنْ مُخَدَّرة وَمِنْ مُخَبَّأَةٍ، وَهَذَا كُلُّهُ مِنَ الحَياء، مَمْدُودٌ. وأَما قَوْلُهُمْ أَحْيَى مِنْ ضَبّ، فَمِنَ الحياةِ. وَفِي حَدِيثِ البُراقِ:
فدنَوْتُ مِنْهُ لأَرْكَبَه فأَنْكَرَني ف تَحَيَّا مِنِّي
أَي انْقَبَض وانْزَوى، وَلَا يَخْلُو أَن يَكُونَ مأْخوداً مِنَ الْحَيَاءِ عَلَى طَرِيقِ التَّمْثِيلِ، لأَن مِنْ شَأْنِ الحَيِيِّ أَن يَنْقَبِضَ، أَو يَكُونَ أَصله تَحَوّى أَي تَجَمَّع فَقُلِبَتْ وَاوُهُ يَاءً، أَو يَكُونَ تَفَيْعَلَ مِنَ الحَيِّ وَهُوَ الْجَمْعُ، كتَحَيَّز مِنَ الحَوْز. وأَما قَوْلُهُ: وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ
، فَمَعْنَاهُ يَسْتَفْعِلُ مِنَ الحَياة أَي يتركهنَّ أَحياء وَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا لُغَةٌ وَاحِدَةٌ. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ حَيِيتُ مَنْ فِعْلِ كَذَا وَكَذَا أَحْيَا حَياءً أَي اسْتَحْيَيْتُ؛ وأَنشد:
أَلا تَحْيَوْنَ مِنْ تَكْثير قَوْمٍ ... لعَلَّاتٍ، وأُمُّكُمو رَقُوبُ؟
مَعْنَاهُ أَلا تَسْتَحْيُونَ. وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ:
اقْتُلُوا شُيُوخ الْمُشْرِكِينَ واسْتَحْيُوا شَرْخَهم
أَي اسْتَبْقُوا شَبابَهم وَلَا تَقْتُلُوهُمْ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ
؛ أَي يسْتَبْقيهن لِلْخِدْمَةِ فَلَا يَقْتُلُهُنَّ. الْجَوْهَرِيُّ: الحَياء، مَمْدُودٌ، الِاسْتِحْيَاءُ. والحَياء أَيضاً: رَحِمُ النَّاقَةِ، وَالْجَمْعُ أَحْيِيةٌ؛ عَنِ الأَصمعي. اللَّيْثُ: حَيا النَّاقَةِ يُقْصَرُ وَيُمَدُّ لُغَتَانِ. الأَزهري: حَياءُ النَّاقَةِ وَالشَّاةِ وَغَيْرِهِمَا مَمْدُودٌ إِلَّا أَن يَقْصُرَهُ شَاعِرٌ ضَرُورَةً، وَمَا جَاءَ عَنِ الْعَرَبِ إِلَّا مَمْدُودًا، وَإِنَّمَا سُمِّيَ حَياءً بِاسْمِ الحَياء مِنَ الاسْتحياء لأَنه يُسْتَر مِنَ الْآدَمِيِّ ويُكْنى عَنْهُ مِنَ الْحَيَوَانِ، ويُسْتَفحش التصريحُ بِذِكْرِهِ وَاسْمِهِ الْمَوْضُوعِ لَهُ ويُسْتَحى مِنْ ذَلِكَ ويُكْنى عَنْهُ. وَقَالَ اللَّيْثُ: يَجُوزُ قَصْر الحَياء ومَدُّه، وَهُوَ غَلَطٌ لَا يَجُوزُ قَصْرُهُ لِغَيْرِ الشَّاعِرِ لأَن أَصله الحَياءُ مِنَ الِاسْتِحْيَاءِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه كَرِهَ مِنَ الشاةِ سَبْعاً: الدَّمَ وَالْمَرَارَةَ والحَياءَ والعُقْدَةَ والذَّكَر والأُنْثَيين والمَثانَة
؛ الحَيَاءُ، مَمْدُودٌ: الْفَرْجُ مِنْ ذَوَاتِ الخُفِّ والظِّلْف، وَجَمْعُهَا أَحْيِيَة. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَدْ جَاءَ الحَياء لِرَحِمِ النَّاقَةِ مَقْصُورًا فِي شِعْرِ أَبي النَّجْم، وَهُوَ قَوْلُهُ:
جَعْدٌ حَياها سَبِطٌ لَحْياها
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي تَرْجَمَةِ عَيِيَ: وَسَمِعْنَا مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ أَعْيِياءُ وأَحْيِيَةٌ فيُبَيِّنُ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: فِي كِتَابِ سِيبَوَيْهِ أَحْيِيَة جَمْعُ حَياءٍ لِفَرْجِ النَّاقَةِ، وَذَكَرَ أَن مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُدْغِمُهُ فَيَقُولُ أَحِيَّة، قَالَ: وَالَّذِي رأَيناه فِي الصِّحَاحِ سَمِعْنَا مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ أَعْيِياءُ وأَعْيِيَةٌ فَيُبَيِّنُ؛ ابْنُ سِيدَهْ: وَخَصَّ ابْنُ الأَعرابي بِهِ الشَّاةَ وَالْبَقَرَةَ وَالظَّبْيَةَ، وَالْجَمْعُ أَحْيَاءٌ؛ عَنْ أَبي زَيْدٍ، وأَحْيِيَةٌ وأَحِيَّةٌ وحَيٌّ وحِيٌّ؛ عَنْ سِيبَوَيْهِ، قَالَ: ظَهَرَتِ الْيَاءُ فِي أَحْيِيَة لِظُهُورِهَا فِي حَيِيَ، والإِدْغامُ أَحسنُ لأَن الْحَرَكَةَ لَازِمَةٌ، فَإِنْ أَظهرت فأحْسَنُ ذَلِكَ أَن تُخْفي كَرَاهِيَةَ تَلاقي الْمِثْلَيْنِ، وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ بِزِنَتِهَا مُتَحَرِّكَةٌ، وَحَمَلَ ابْنُ جِنِّي أَحْياءً عَلَى أَنه جَمْعُ حَياءٍ مَمْدُودًا؛ قَالَ: كَسَّرُوا فَعالًا عَلَى أَفعال حَتَّى كَأَنَّهُمْ إِنَّمَا كَسَّرُوا فَعَلًا. الأَزهري: والحَيُّ فَرْجُ المرأَة. وَرَأَى أَعرابي جِهَازَ عَرُوسٍ فَقَالَ: هَذَا سَعَفُ الحَيِّ أَي جِهازُ فَرْجِ المرأَة.(14/219)
والحَيَّةُ: الحَنَشُ الْمَعْرُوفُ، اشْتِقَاقُهُ مِنَ الحَياة فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الْعَرَبِ فِي الإِضافة إِلَى حَيَّةَ بْنِ بَهْدَلة حَيَوِيٌّ، فَلَوْ كَانَ مِنَ الْوَاوِ لَكَانَ حَوَوِيّ كَقَوْلِكَ فِي الإِضافة إِلَى لَيَّة لَوَوِيٌّ. قَالَ بَعْضُهُمْ: فَإِنْ قُلْتَ فهلَّا كَانَتِ الحَيَّةُ مِمَّا عَيْنُهُ وَاوٌ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِمْ رَجُلٌ حَوَّاء لِظُهُورِ الْوَاوِ عَيْنًا فِي حَوَّاء؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ أَبا عَلِيٍّ ذَهَبَ إِلَى أَن حَيَّة وحَوَّاء كسَبِطٍ وسِبَطْرٍ ولؤلؤٍ ولأْآلٍ ودَمِثٍ ودِمَثْرٍ ودِلاصٍ ودُلامِصٍ، فِي قَوْلِ أَبِي عُثْمَانَ، وَإِنَّ هَذِهِ الأَلفاظ اقْتَرَبَتْ أُصولها وَاتَّفَقَتْ مَعَانِيهَا، وَكُلُّ وَاحِدٍ لَفْظُهُ غَيْرُ لَفْظِ صَاحِبِهِ فَكَذَلِكَ حَيَّةٌ مِمَّا عَيْنُهُ وَلَامُهُ ياءَان، وحَوَّاء مِمَّا عَيْنُهُ وَاوٌ وَلَامُهُ يَاءٌ، كَمَا أَن لُؤلُؤاً رُباعِيٌّ ولأْآل ثُلَاثِيٌّ، لَفْظَاهُمَا مُقْتَرِبَانِ وَمَعْنَيَاهُمَا مُتَّفِقَانِ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ جُبْتُ جَيْبَ القَميص، وَإِنَّمَا جَعَلُوا حَوَّاء مِمَّا عَيْنُهُ وَاوٌ وَلَامُهُ يَاءٌ، وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ لَفْظُهُ أَن يَكُونَ مِمَّا عَيْنُهُ وَلَامُهُ وَاوَانِ مِنْ قِبَل أَن هَذَا هُوَ الأَكثر فِي كَلَامِهِمْ، وَلَمْ يأْت الْفَاءُ وَالْعَيْنُ وَاللَّامُ ياءَات إلَّا فِي قَوْلِهِمْ يَيَّيْتُ يَاءً حَسَنة، عَلَى أَن فِيهِ ضَعْفاً مِنْ طَرِيقِ الرِّوَايَةِ، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مِنَ التّحَوِّي لانْطوائها، وَالْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الحَيَّة تَكُونُ لِلذَّكَرِ والأُنثى، وَإِنَّمَا دَخَلَتْهُ الْيَاءُ لأَنه وَاحِدٌ مِنْ جِنْسٍ مِثْلُ بَطَّة ودَجاجة، عَلَى أَنه قَدْ رُوِيَ عَنِ الْعَرَبِ: رأَيت حَيّاً عَلَى حَيّة أَي ذَكَرًا عَلَى أُنثى، وَفُلَانٌ حَيّةٌ ذَكَرٌ. والحاوِي: صَاحِبُ الحَيَّات، وَهُوَ فَاعِلٌ. والحَيُّوت: ذَكَر الحَيَّات؛ قَالَ الأَزهري: التَّاءُ فِي الحَيُّوت: زَائِدَةٌ لأَن أَصله الحَيُّو، وتُجْمع الحَيَّة حَيَواتٍ. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا بأْسَ بقَتْلِ الحَيَواتِ
، جَمْعُ الحَيَّة. قَالَ: واشتقاقُ الحَيَّةِ مِنَ الحَياة، وَيُقَالُ: هِيَ فِي الأَصل حَيْوَة فأُدْغِمَت الْيَاءُ فِي الْوَاوِ وجُعلتا يَاءً شَدِيدَةً، قَالَ: وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِ الحَيَّاتِ حايٍ فَهُوَ فَاعِلٌ مِنْ هَذَا الْبِنَاءِ وَصَارَتِ الْوَاوُ كَسْرَةً «1» . كَوَاوِ الْغَازِي وَالْعَالِي، وَمَنْ قَالَ حَوَّاء فَهُوَ عَلَى بِنَاءِ فَعَّال، فَإِنَّهُ يَقُولُ اشتقاقُ الحَيَّة مِنْ حَوَيْتُ لأَنها تَتَحَوَّى فِي الْتِوائِها، وَكُلُّ ذَلِكَ تَقُولُهُ الْعَرَبِ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَإِنْ قِيلَ حاوٍ عَلَى فَاعِلٍ فَهُوَ جَائِزٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غازٍ أَنَّ عَيْنَ الْفِعْلِ مِنْ حاوٍ وَاوٌ وَعَيْنَ الْفِعْلِ مِنَ الْغَازِي الزَّايُ فَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ، وَهَذَا يَجُوزُ عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ الحَيَّة فِي أَصل الْبِنَاءِ حَوْيَةً. قَالَ الأَزهري: وَالْعَرَبُ تُذَكّر الحَيَّة وَتُؤَنِّثُهَا، فَإِذَا قَالُوا الحَيُّوت عَنَوا الحَيَّة الذكَرَ؛ وأَنشد الأَصمعي:
ويأكُلُ الحَيَّةَ والحَيُّوتَا، ... ويَدْمُقُ الأَغْفالَ والتَّابُوتَا،
ويَخْنُقُ العَجُوزَ أَو تَمُوتَا
وأَرض مَحْيَاة ومَحْواة: كَثِيرَةُ الْحَيَّاتِ. قَالَ الأَزهري: وَلِلْعَرَبِ أَمثال كَثِيرَةٌ فِي الحَيَّة نَذْكُرُ مَا حَضَرَنَا مِنْهَا، يَقُولُونَ: هُوَ أَبْصَر مِنْ حَيَّةٍ؛ لحِدَّةِ بَصَرها، وَيَقُولُونَ: هُوَ أَظْلَم مِنْ حَيَّةٍ؛ لأَنها تأْتي جُحْر الضَّبِّ فتأْكلُ حِسْلَها وتسكُنُ جُحْرَها، وَيَقُولُونَ: فُلَانٌ حَيَّةُ الوادِي إِذَا كَانَ شَدِيدَ الشَّكِيمَةِ حامِياً لحَوْزَتِه، وهُمْ حَيَّةُ الأَرض؛ وَمِنْهُ قَوْلُ ذِي الإِصْبعِ العَدْواني:
عَذِيرَ الحَيِّ منْ عَدْوانَ، ... كانُوا حَيَّةَ الأَرض
أَراد أَنهم كَانُوا ذَوِي إربٍ وشِدَّةٍ لَا يُضَيِّعون ثَأْراً، وَيُقَالُ رأْسُه رأْسُ حَيَّةٍ إِذَا كَانَ مُتَوقِّداً شَهْماً عَاقِلًا. وَفُلَانٌ حَيّةٌ ذكَرٌ أَي شُجَاعٌ شَدِيدٌ. وَيَدْعُونَ
__________
(1) . قوله [وصارت الواو كسرة] هَكَذَا فِي الأَصل الَّذِي بيدنا ولعل فيه تحريفاً، والأَصل: وصارت الواو ياء للكسرة(14/220)
عَلَى الرَّجُلِ فَيَقُولُونَ: سَقَاهُ اللَّهُ دَمَ الحَيَّاتِ أَي أَهْلَكَه. وَيُقَالُ: رأَيت فِي كِتَابِهِ حَيَّاتٍ وعَقارِبَ إِذَا مَحَلَ كاتِبُهُ بِرَجُلٍ إِلَى سُلْطانٍ ووَشَى بِهِ ليُوقِعَه فِي وَرْطة. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا طَالَ عُمْره وللمرأَة إِذَا طَالَ عُمْرُهَا: مَا هُو إِلَّا حَيَّةٌ وَمَا هِيَ إِلَّا حَيّةٌ، وَذَلِكَ لِطُولِ عُمْرِ الحَيّة كأَنَّه سُمِّي حَيَّةً لِطُولِ حَيَاتِهِ. ابْنُ الأَعرابي: فلانٌ حَيّةُ الْوَادِي وحَيَّة الأَرض وحَيَّةُ الحَمَاطِ إِذَا كَانَ نِهايةً فِي الدَّهاء وَالْخُبْثِ وَالْعَقْلِ؛ وأَنشد الْفَرَّاءُ:
كمِثْلِ شَيْطانِ الحَمَاطِ أَعْرَفُ
وَرُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ كَثْوَة: مِنْ أَمثالهم حيه
حَيْهٍ حِمَارِي وحِمَارَ صَاحِبِي، حيه
حَيْهٍ حِمَارِي وَحْدِي؛ يُقَالُ ذَلِكَ عِنْدَ المَزْرِيَةِ عَلَى الَّذِي يَسْتحق مَا لَا يَمْلِكُ مُكَابَرَةً وَظُلْمًا، وأَصله أَن امرأَة كَانَتْ رَافَقَتْ رَجُلًا فِي سَفَرٍ وَهِيَ رَاجِلَةٌ وَهُوَ عَلَى حِمَارٍ، قَالَ فأَوَى لَهَا وأَفْقَرَها ظَهْرَ حِمَارِهِ ومَشَى عَنْهَا، فبَيْنَما هُمَا فِي سَيْرِهِمَا إِذْ قَالَتْ وَهِيَ رَاكِبَةٌ عليه: حيه
حيهٍ حِمَارِي وحِمَارَ صَاحِبِي، فَسَمِعَ الرَّجُلُ مَقَالَتَهَا فَقَالَ: حيه
حَيْهٍ حِمارِي وَحْدِي وَلَمْ يَحْفِلْ لِقَوْلِهَا وَلِمَ يُنْغِضْها، فَلَمْ يَزَالَا كَذَلِكَ حَتَّى بَلَغَتِ الناسَ فَلَمَّا وَثِقَتْ قالت: حيه
حَيْهٍ حِمَاري وَحْدِي؛ وَهِيَ عَلَيْهِ فَنَازَعَهَا الرجلُ إِيَّاهُ فَاسْتَغَاثَتْ عَلَيْهِ، فَاجْتَمَعَ لَهُمَا الناسُ والمرأَةُ رَاكِبَةٌ عَلَى الْحِمَارِ وَالرَّجُلُ رَاجِلٌ، فقُضِيَ لَهَا عَلَيْهِ بِالْحِمَارِ لَمَّا رأَوها، فَذَهَبَتْ مَثَلًا. والحَيَّةُ مِنْ سِماتِ الإِبل: وَسْمٌ يَكُونُ فِي العُنُقِ والفَخِذ مُلْتَوِياً مثلَ الحَيَّة؛ عَنِ ابْنِ حَبِيبٍ مِنْ تَذْكِرَةِ أَبِي عَلِيٍّ. وحَيَّةُ بنُ بَهْدَلَةَ: قَبِيلَةٌ، النَّسَبُ إِلَيْهَا حَيَوِيٌّ؛ حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ عَنِ الْخَلِيلِ عَنِ الْعَرَبِ، وَبِذَلِكَ استُدِلّ عَلَى أَن الإِضافة إِلَى لَيَّةٍ لَوَوِيٌّ، قَالَ: وأَما أَبو عَمْرٍو فَكَانَ يَقُولُ لَيَيِيٌّ وحَيَيِيٌّ. وبَنُو حِيٍّ: بطنٌ مِنَ الْعَرَبِ، وَكَذَلِكَ بَنُو حَيٍّ. ابْنُ بَرِّيٍّ: وبَنُو الحَيَا، مَقْصُورٌ، بَطْن مِنَ الْعَرَبِ. ومُحَيَّاةُ: اسْمُ مَوْضِعٍ. وَقَدْ سَمَّوْا: يَحْيَى وحُيَيّاً وحَيّاً وحِيّاً وحَيَّانَ وحُيَيَّةَ. والحَيَا: اسْمُ امرأَة؛ قَالَ الرَّاعِي:
إنَّ الحَيَا وَلَدَتْ أَبي وَعُمُومَتِي، ... ونَبَتُّ فِي سَبِطِ الفُرُوعِ نُضارِ
وأَبو تِحْيَاةَ: كُنْيَةُ رَجُلٍ مِنْ حَيِيتَ تِحْيا وتَحْيا، وَالتَّاءُ لَيْسَتْ بأَصلية. ابْنُ سِيدَهْ: وَحَيَّ عَلَى الغَداء والصلاةِ ائتُوهَا، فحَيَّ اسْمٌ لِلْفِعْلِ وَلِذَلِكَ عُلّق حرفُ الْجَرِّ الَّذِي هُوَ عَلَى بِهِ. وحَيَّهَلْ وحَيَّهَلًا وحَيَّهَلا، مُنَوَّناً وغيرَ مُنَوَّنٍ، كُلُّهُ: كَلِمَةٌ يُسْتَحَثُّ بِهَا؛ قَالَ مُزاحم:
بِحَيَّهَلًا يُزْجُونَ كُلَّ مَطِيَّةٍ ... أَمامَ المَطايا، سَيْرُها المُتَقاذِفُ «1»
. قَالَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ: إِذَا قُلْتَ حَيَّهَلًا فَنَوَّنْتَ قُلْتَ حَثّاً، وَإِذَا قُلْتَ حَيَّهَلا فَلَمْ تُنون فكأَنَّك قُلْتَ الحَثَّ، فَصَارَ التَّنْوِينُ عَلَمَ التَّنْكِيرِ وَتَرْكُهُ عَلَمَ التَّعْرِيفِ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَا هَذِهِ حَالُهُ مِنَ المبنيَّات، إِذَا اعْتُقِد فِيهِ التَّنْكِيرُ نُوِّن، وَإِذَا اعتُقِد فِيهِ التَّعْرِيفُ حُذِفَ التَّنْوِينُ. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: سَمِعَ أَبو مَهْدِيّة رَجُلًا مِنَ الْعَجَمِ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ زُوذْ زُوذْ، مَرَّتَيْنِ بِالْفَارِسِيَّةِ، فسأَله أَبو مَهْدِيَّة عَنْهَا فَقِيلَ لَهُ: يَقُولُ عَجِّلْ عَجِّلْ، قَالَ أَبو مَهْدِيَّة: فهَلّا قَالَ لَهُ حَيَّهَلَكَ، فَقِيلَ لَهُ: مَا كَانَ اللَّهُ لِيَجْمَعَ لَهُمْ إِلَى العَجَمِيّة العَرَبِيّة.
__________
(1) . قوله [سيرها المتقاذف] هكذا في الأَصل؛ وفي التهذيب: سيرهن تقاذف(14/221)
الْجَوْهَرِيُّ: وَقَوْلُهُمْ
حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ
مَعْنَاهُ هَلُمَّ وأَقْبِلْ، وفُتِحت الياءُ لِسُكُونِهَا وَسُكُونِ مَا قَبْلَهَا كَمَا قِيلَ لَيتَ ولعلَّ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: حَيَّ عَلَى الثَّرِيدِ، وَهُوَ اسمٌ لِفعل الأَمر، وَذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ حَيَّهَلْ فِي بَابِ اللَّامِ، وحاحَيْتُ فِي فَصْلِ الْحَاءِ والأَلف آخرَ الْكِتَابِ. الأَزهري: حَيَّ، مثَقَّلة، يُنْدَبُ بِهَا ويُدْعَى بِهَا، يُقَالُ: حَيَّ عَلَى الغَداء حَيَّ عَلَى الْخَيْرِ، قَالَ: وَلَمْ يُشْتَق مِنْهُ فِعْلٌ؛ قَالَ ذَلِكَ اللَّيْثُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: حَيَّ حَثٌّ ودُعاء؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ الأَذان:
حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الفَلاح
أَي هَلُمُّوا إِلَيْهَا وأَقبلوا وتَعالَوْا مُسْرِعِينَ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُمَا عَجِّلوا إِلَى الصَّلَاحِ وَإِلَى الْفَلَاحِ؛ قَالَ ابْنُ أَحمر:
أَنشَأْتُ أَسْأَلُه مَا بالُ رُفْقَته، ... حَيَّ الحُمولَ، فإنَّ الركْبَ قَدْ ذَهَبا
أَي عَلَيْكَ بِالْحُمُولِ فَقَدْ ذَهَبُوا؛ قَالَ شَمِرٌ أَنشد مُحَارِبٌ لأَعرابي:
وَنَحْنُ فِي مَسْجدٍ يَدْع مُؤَذِّنُه: ... حَيَّ تَعالَوْا، وَمَا نَاموا وَمَا غَفَلوا
قَالَ: ذَهَبَ بِهِ إِلَى الصَّوْتِ نَحْوَ طاقٍ طاقٍ وغاقٍ غاقٍ. وَزَعَمَ أَبو الْخَطَّابِ أَن الْعَرَبَ تَقُولُ: حَيَّ هَلَ الصلاةَ أَي ائْتِ الصَّلَاةَ، جَعَلَهُما اسْمَيْنِ فَنصَبَهما. ابْنُ الأَعرابي: حَيَّ هَلْ بِفُلَانٍ وحَيَّ هَلَ بِفُلَانٍ وحَيَّ هَلًا بِفُلَانٍ أَي اعْجَلْ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ مَسْعُودٍ: إِذَا ذُكِرَ الصَّالِحُون فَ حَيَّ هَلًا بِعُمَرَ
أَي ابْدَأ بِهِ وعَجِّلْ بِذِكْرِهِ، وَهُمَا كَلِمَتَانِ جُعِلَتَا كَلِمَةً وَاحِدَةً وَفِيهَا لُغَاتٌ. وهَلا: حَثٌّ وَاسْتِعْجَالٌ؛ وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوْتان رُكِّبا، وَمَعْنَى حَيَّ أَعْجِلْ؛ وأَنشد بَيْتَ ابْنِ أَحمر:
أَنْشَأْتُ أَسْأَلُه عَنْ حَالِ رُفْقَتِهِ، ... فقالَ: حَيَّ، فَإِنَّ الرَّكْبَ قَدْ ذَهَبا
قَالَ: وحَاحَيْتُ مِنْ بَناتِ الأَرْبعة؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
قَوْمٌ يُحاحُونَ بالبِهام، ونِسْوَانٌ ... قِصارٌ كهَيْئَةِ الحَجَلِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنَ هَذَا الْفَصْلِ التَّحايِي. قَالَ ابْنُ قتيبةَ: رُبّما عَدَل القَمَر عن الهَنْعة فنزل ب التَّحايي، وَهِيَ ثَلَاثَةُ كَوَاكِبَ حِذَاءَ الهَنْعَة، الْوَاحِدَةُ مِنْهَا تِحْيَاة وَهِيَ بَيْنَ المَجَرَّةِ وتَوابِعِ العَيُّوق، وَكَانَ أَبو زِيَادٍ الْكِلَابِيُّ يَقُولُ: التَّحايِي هِيَ الهَنْعَة، وَتُهْمَزُ فَيُقَالُ التَّحَائي؛ قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: بِهِنَّ يَنْزِلُ الْقَمَرُ لَا بالهَنْعة نَفْسِها، وَوَاحِدَتُهَا تِحْيَاة؛ قَالَ الشَّيْخُ: فَهُوَ عَلَى هَذَا تِفْعَلة كتِحْلَبَة مِنَ الأَبنية، ومَنَعْناهُ مِنْ فِعْلاةٍ كعِزْهاةٍ أَنَّ ت ح ي مهملٌ وأَنَّ جَعْلَه وح ي تَكَلُّفٌ، لإِبدال التَّاءِ دُونَ أَن تَكُونَ أَصلًا، فَلِهَذَا جَعَلناها مِنَ الحَيَاء لأَنهم قَالُوا لَهَا تَحِيَّة، تسمَّى الهَنْعة التَّحِيّة فَهَذَا مِنْ ح ي ي لَيْسَ إِلَّا، وأَصلها تحْيِيَة تَفْعِلة، وأَيضاً فإنَّ نوءَها كَبِيرُ الْحَيَا مِنْ أَنواء الْجَوْزَاءِ؛ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ النَّابِغَةِ:
سَرَتْ عَلَيْهِ منَ الجَوْزاء ساريةٌ، ... تُزْجي الشَّمالُ عَليَه سالِفَ البَرَد
والنَّوْءُ لِلْغَارِبِ، وَكَمَا أَن طُلُوعَ الْجَوْزَاءِ فِي الْحَرِّ الشديد كذلك نوؤها فِي الْبَرَدِ وَالْمَطَرِ وَالشِّتَاءِ، وَكَيْفَ كَانَتْ وَاحِدَتُهَا أَتِحْيَاةٌ، عَلَى مَا ذَكَرَ أَبو حَنِيفَةَ، أَمْ تَحِيَّة عَلَى مَا قَالَ غَيْرُهُ، فَالْهَمْزُ فِي جَمْعِهَا شَاذٌّ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ، فَإِنْ صَحَّ بِهِ السَّمَاعُ فَهُوَ كمصائبَ ومعائِشَ فِي قِرَاءَةِ خَارِجَةَ، شُبِّهَت تَحِيَّة بفَعِيلة، فَكَمَا قِيلَ تَحَوِيٌّ فِي النَّسَبِ، وَقِيلَ فِي مَسِيل مُسْلان فِي أَحد الْقَوْلَيْنِ قِيلَ تَحائي، حَتَّى كأَنه فَعِيلة وفَعائل. وَذَكَرَ الأَزهري فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ: الحَيْهَل شجرٌ؛ قَالَ النَّضْرُ: رأَيت(14/222)
حَيْهَلًا وَهَذَا حَيْهَلٌ كَثِيرٌ. قَالَ أَبو عَمْرٍو: الهَرْمُ مِنَ الحَمْضِ يُقَالُ لَهُ حَيْهَلٌ، الْوَاحِدَةُ حَيْهَلَةٌ، قَالَ: وَيُسَمَّى بِهِ لأَنه إِذا أَصابه الْمَطَرُ نَبَت سَرِيعًا، وإِذا أَكلته النَّاقَةُ أَو الإِبل وَلَمْ تَبْعَرْ وَلَمْ تَسْلَحْ سَرِيعًا مَاتَتْ. ابْنُ الأَعرابي: الحَيُّ الحَقُّ واللَّيُّ الْبَاطِلُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: لَا يَعْرِف الحَيَّ مِنَ اللَّيِّ، وَكَذَلِكَ الحَوَّ مِنَ اللَّوِّ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَقِيلَ: لَا يَعْرِف الحَوَّ مِنَ اللَّوِّ؛ الحَوُّ: نَعَمْ، واللَّوُّ لَوْ، قَالَ: والحَيُّ الحَوِيّةُ، واللَّيُّ لَيُّ الحَبْلِ أَي فَتْلُهُ؛ يُضرب هَذَا للأَحْمق الَّذِي لَا يَعْرف شَيْئًا. وأَحْيَا، بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْحَاءِ وياءٍ تحتَها نُقْطَتَانِ: ماءٌ بِالْحِجَازِ كَانَتْ بِهِ غَزاة عُبيدَة بن الحرث بن عبد المطلب.
فصل الخاء المعجمة
خبا: الخِباءُ مِنَ الأَبنية: وَاحِدُ الأَخْبية، وَهُوَ مَا كَانَ مِنْ وَبَر أَو صُوفٍ وَلَا يَكُونُ مِنْ شَعَر، وَهُوَ عَلَى عَمُودَيْنِ أَو ثَلَاثَةٍ، وَمَا فوقَ ذَلِكَ فَهُوَ بَيْت. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: الخِباءُ مِنْ شعرٍ أَو صُوفٍ، وَهُوَ دُونَ المَظَلَّة؛ كَذَلِكَ حَكَاهَا هَاهُنَا بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَقَالَ ثعلب عن يعقوب: من الصُّوفُ خَاصَّةً. والخِباءُ: مِنْ بُيوت الأَعراب، جَمْعُهُ أَخْبِية بِلَا هَمْزٍ. وَفِي حَدِيثِ الِاعْتِكَافِ:
فأَمَرَ بِخبائه فقُوِّضَ
؛ الخِباءُ: أَحد بُيُوتِ الْعَرَبِ مِنْ وَبَر أَو صُوفٍ. وَفِي حَدِيثِ
هندٍ: أَهْل خِباءٍ أَو أَخْباء
، عَلَى الشَّكِّ، وَقَدْ يُسْتَعْمل فِي الْمَنَازِلِ وَالْمَسَاكِنِ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
لأَنه أَتى خِباءَ فَاطِمَةَ وَهِيَ فِي الْمَدِينَةِ
؛ يُرِيدُ مَنْزِلَهَا. وأَصل الخِباء الْهَمْزُ لِأَنَّهُ يُخْتَبَأُ فِيهِ. وأَخْبَيْت خِباءً وخَبَّيْته وتَخَبَّيته: عَمِلْتُهُ ونَصَبته. واسْتَخْبَيْته: نَصَبْته وَدَخَلْتُ فِيهِ. والتَّخْبِية: مِنْ قَوْلِكَ خَبَّيْته وتَخَبَّيْته. وتَخَبَّيت كِسَائِي تَخَبِّياً وأَخْبَيْت كِسَائِي إِذا جَعَلْتَه خِباءً. الْكِسَائِيُّ: يُقَالُ مِنَ الْخِبَاءِ أَخْبَيْت إِخباءً إِذا أَردت الْمَصْدَرَ إِذا عَمِلْته وتَخَبَّيْت أَيضاً. والخِباءُ: غِشاءُ البُرَّةِ والشَّعيرة فِي السُّنْبُلة، وخِبَاءُ النَّوْرِ: كِمَامُه، وكِلاهما عَلَى المَثَل. وخَبَتِ النارُ والحَرْبُ والحِدّةُ تَخْبُو خَبْواً وخُبُوّاً: سَكَنت وطَفِئَت وخَمَدَ لَهَبُها، وَهِيَ خَابِيَة، وأَخْبَيْتها أَنا: أَخْمَدْتها؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:
ومِنَّا ضِرارٌ وابْنَماهُ وحاجِبٌ ... مُؤَجِّجُ نِيرانِ المَكارِمِ، لَا المُخْبِي
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً
؛ قِيلَ: مَعْنَاهُ سَكَن لَهَبُها، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ كلَّما تَمَنَّوا أَن تَخْبُوَ وأَرادوا أَن تَخْبُوَ. والخَابِيَة: الحبُّ، وأَصله الْهَمْزُ، لأَنه مِنْ خَبَأْت إِلَّا أَن الْعَرَبَ تَرَكَتْ هَمْزَهَا.
ختا: خَتا الرَّجُلُ يَخْتو خَتْواً إِذا رأَيته مُتَخَشِّعاً، أَو إِذا انْكَسر مِنْ حُزْنٍ أَو مَرَضٍ، أَو تَغَيَّر لونُه مِنْ فَزَعٍ أَو مَرَضٍ. والمُخْتَتِي: الناقِصُ. وخَتَوْتُ الرجُلَ: كَفَفْته عَنِ الأَمر. وخَتَا الثوبَ خَتْواً: فَتَلَ هُدْبَه. والخَاتِية مِنَ العِقْبان: الَّتِي تَخْتاتُ، وَهُوَ صوتُ جَناحَيْها وانْقِضاضِها. وَيُقَالُ: خاتَتَ تَخُوتُ. يُقَالُ: خاتَت العُقابُ وخَتَت إِذا انْقَضّتْ، قَالَ: وَيَجِيءُ خَتَا يَخْتُو بِمَعْنَى انْقَضَّ، وَهُوَ مَقْلُوبٌ مِنْ خَاتَ. الأَصمعي فِي الْمَهْمُوزِ: اخْتَتأَ ذَلَّ؛ وأَنشد لِعَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ:
وَلَا يَخْتَتِي ابنُ العَمِّ، مَا عِشْتُ، صَوْلَتي، ... وَلَا أَخْتَتِي مِنْ صَوْلَةِ المُتَهَدِّدِ
وإِنِّي، وإِن أَوْعَدتُه أَوْ وَعَدْتُه، ... لَمُخْلِفُ إِيعادِي ومُنْجِزُ مَوْعِدِي(14/223)
وَقَالَ: إِنما تَرَكَ هَمْزَهُ ضَرُورَةً؛ قَالَ وَقَالَ الشَّاعِرُ:
بَكَتْ جَزَعاً أَنْ عَضَّهُ السَّيْفُ، واخْتَتَتْ ... سُلَيْمُ بنُ مَنْصورٍ لقَتْلِ ابْنِ حازِمِ
وَيُقَالُ: هُوَ خاتِلٌ لَهُ وخاتٍ بِمَعْنًى وَاحِدٍ؛ وأَنشد لأَوْس بْنِ حُجْر:
يَدِبُّ إِليه خاتِياً، يَدَّرِي لَهُ ... ليَعْقِرَهُ فِي رَمْيِهِ حينَ يُرْسِلُ
وَقَالَ: أَصل اخْتَتَى من خَتَا لَونُه يَخْتُو خَتْواً إِذا تَغَيَّر من فَزَع أَو مَرض. اللَّيْثُ: المُخْتَتِي الذَّلِيلُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقِيلَ فِي خاتِي مِنْ قَوْلِ جَرِيرٍ:
وخَطَّ المِنْقَرِيُّ بِها فَخَرَّتْ ... عَلَى أُمِّ القَفا، والليلُ خاتِي
إِنه الشَّدِيدُ الظُّلْمَة. ابْنُ الأَعرابي: الخَتْيُ الطَّعْن الوِلاءُ.
خثا: الخَثْوَة: أَسْفَلُ البَطْنِ إِذا كَانَ مسْتَرْخياً، امرأَةٌ خَثْوَاءُ، وَلَا يَكَادُونَ يَقُولُونَ ذَلِكَ لِلرَّجُلِ. وخَثَى البقرُ يَخْثِي والفِيلُ خَثْياً: رَمَى بِذِي بَطْنِه، وَخَصَّ أَبو عُبَيْدٍ بِهِ الثورَ وَحْدَهُ دُونَ الْبَقَرَةِ، وَالِاسْمُ الخِثْيُ، وَالْجَمْعُ أَخْثَاءٌ مِثْلَ حِلْسٍ وأَحْلاس؛ وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: الخِثْيُ لِلثَّوْرِ؛ وأَنشد:
عَلَى أَنَّ أَخْثاءً لَدَى البَيْتِ رَطْبةً، ... كأَخْثاءِ ثَوْرِ الأَهْلِ عِنْدَ المُطَنَّبِ
وَفِي حَدِيثِ
أَبي سُفْيَانَ: فأَخَذَ مِنْ خِثْيِ الإِبِل فَفَتَّهُ
أَي رَوْثِها، وأَصل الخِثْيِ لِلْبَقَرِ فاستعاره للإِبل.
خجا: الخجاةُ: القَذَر واللُّؤْمُ، وَالْجَمْعُ خَجًى. وَمَا فُلَانٌ إِلَّا خَجاةٌ مِنَ الخَجَى أَي قَذِرٌ لَئِيمٌ. وامرأَة خَجْواءُ: وَاسِعَةٌ. وخَجَى برِجْلِه: نَسَف بِهَا التُّرَابَ فِي مَشْيه. والخَجَوْجَى: الطويلُ الرجْلَين، يُمَدُّ وَيُقْصَرُ، وَهُوَ فَعَوْعَل، والأُنثى خَجَوْجَاةٌ، وَقِيلَ: هُوَ المُفْرِط الطُّولِ فِي ضِخَمٍ مِنْ عِظامِهِ، وَقِيلَ: هُوَ الضَّخْمُ الجَسِيم، وَقَدْ يَكُونُ جَباناً. ورِيحٌ خَجَوْجاةٌ: دائِمةُ الهُبُوبِ شَدِيدَةُ المَرِّ؛ قَالَ ابْنُ أَحمر:
هَوْجَاءُ رَعْبَلَةُ الرَّواحِ، خَجَوْجَاةُ ... الغُدُوِّ، رَواحُها شَهْرُ
وَفِي حَدِيثِ
حُذَيْفَةَ: كالكُوزِ مُخَجِّياً
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا أَورده صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَقَالَ: خَجَّى الكُوزَ أَماله، وَالْمَشْهُورُ بِالْجِيمِ قَبْلَ الْخَاءِ، وَقَدْ تقدم.
خدي: خَدَى البعيرُ وَالْفَرَسُ يَخْدِي خَدْياً وخَدَياناً، فَهُوَ خادٍ: أَسرع وزجَّ بِقَوائِمِه مثلَ وَخَدَ يَخِدُ وخَوَّدَ يُخَوِّدُ كلُّه بِمَعْنًى وَاحِدٍ؛ قَالَ الرَّاعِي:
حَتَّى غَدَتْ فِي بَياضِ الصُّبْحِ طَيِّبَةً ... رِيحَ المَبَاءَةِ تَخْدِي، والثَّرَى عَمِدُ
وإِنما نَصَبَ ريحَ المَباءَة لَمَّا نَوَّن طَيِّبَةً، وَكَانَ حَقُّها الإِضافَةَ، فضارَعَ قَولَهم هُوَ ضاربٌ زَيْدًا. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ فِي قَوْلِ الرَّاعِي: حَتَّى غَدَت ضَمِيرُ بَقَرَةٍ وَحْشِيَّةٍ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا، ومَبَاءَتُها: مَكْنِسُها، وعَمِدٌ: شديدُ الابْتلال؛ وَفِي قَصِيدِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ:
تَخْدِي عَلَى يَسَراتٍ وهْيَ لاهِيَةٌ
الخَدْيُ: ضَرْبٌ مِنَ السَّيْر، خَدَى فَهُوَ خَادٍ، وَقِيلَ: هُوَ ضَرْبٌ مِنَ سَيْرِهَا لَمْ يُحَدَّ. قَالَ الأَصمعي: سأَلْت أَعرابّياً مَا خَدَى؛ فَقَالَ: هُوَ عَدْوُ الحِمار بَيْن آرِيِّه ومُتَمَرَّغِه. اللَّيْثُ: الوَخْدُ سَعَةُ الخَطْوِ فِي المَشْي، وَمِثْلُهُ الخَدْيُ لُغَتَانِ. والخَدَى: دُودٌ يَخْرُجُ مَعَ رَوْثِ(14/224)
الدَّابَّةِ، وَاحِدَتُهُ خَدَاةٌ؛ عَنْ كُرَاعٍ. والخَدَاءُ: مَوْضِعٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وإِنما قَضَيْنَا بأَن هَمْزَتَهُ يَاءٌ لأَن اللَّامَ يَاءٌ أَكثَر مِنْهَا وَاوًا مَعَ وُجُودِ خ د ي وَعَدَمِ خ د و، وَاللَّهُ أَعلم.
خُذَا: خَذَا الشيءُ يَخْذُو خَذْواً: اسْتَرْخَى، وخَذيَ، بِالْكَسْرِ، مثلُه. وخَذِيَت الأُذُنُ خَذاً وخَذَتْ خَذْواً وَهِيَ خَذْواءُ: اسْتَرْخَتْ مِنْ أَصلها وَانْكَسَرَتْ مُقْبِلةً عَلَى الوَجْه، وَقِيلَ: هي الَّتِي اسْتَرْخَتْ مِنْ أَصلها عَلَى الخَدَّين فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ، يكونُ فِي النَّاسِ وَالْخَيْلِ والحُمُر خِلْقةً أَو حَدَثاً؛ قَالَ ابْنُ ذِي كِبَار:
يَا خَلِيلَيَّ قَهْوَةً ... مُزَّةً، ثُمَّتَ احْنِذَا
تدَعُ الأُذْنَ سُخْنَةً، ... ذَا احْمرارٍ بِهَا خَذَا
ذَكَّرَ الأُذنَ عَلَى إِرادة العُضْوِ. وَرَجُلٌ أَخْذَى وامرأَة خَذْواء. وخَذِيَ الحِمارُ يَخْذَى خَذاً، فَهُوَ أَخْذَى الأُذنِ، وَكَذَلِكَ فَرَسٌ أَخْذَى، والأُنثى خَذْواءُ بَيِّنَةُ الخَذَا؛ وَاسْتَعَارَ ساعدةُ بنُ جُؤَيَّة الخَذَا للنَّبْلِ فَقَالَ:
مِمَّا يُتَرَّصُ فِي الثِّقافِ، يَزِيِنُه ... أَخْذَى، كخَافِيةِ العُقابِ، مُحَرَّبُ
ويَنَمَةٌ خَذْواءُ: مُتَثَنِّيَة لَيِّنة مِنَ النَّعْمة، وَهِيَ بَقْلة. قَالَ الأَزهري: جَمْعُ الأَخْذى خُذْوٌ، بِالْوَاوِ، لأَنه مِنْ بَنَاتِ الْوَاوِ كَمَا قِيلَ فِي جَمْعِ الأَعْشَى عُشْوٌ. وأُذُنٌ خَذْواءُ وخُذَاوِيَّةٌ، زَادَ الأَزهري مِنَ الْخَيْلِ: خَفيفةُ السَّمْعِ؛ قَالَ:
لَهُ أُذُنانِ خُذَاوِيَّتَانِ، ... والعَيْنُ تُبْصِرُ مَا فِي الظُّلَمْ «2»
. والخَذْوَاءُ: اسْمُ فَرَسِ شَيْطانَ بْنِ الحَكم بْنِ جاهِمَة؛ حَكَاهُ أَبو عَلِيٍّ؛ وأَنشد:
وقَدْ مَنَّت الْخَذْوَاءُ مَنّاً عَلَيهِمُ، ... وشَيطانُ إِذْ يَدْعُوهُمُو ويثوبُ
والخَذَا: دُودٌ يَخْرُجُ مَعَ رَوْث الدَّابَّةِ؛ عَنْ كُرَاعٍ. واسْتَخْذَيْتُ: خَضَعْت، وَقَدْ يُهْمَزُ، وَقِيلَ لأَعرابي فِي مَجْلِسِ أَبي زَيْدٍ: كَيْفَ اسْتَخْذَأْت؟ ليَتَعَرَّف منه الهَمْز، فقال: الْعَرَبُ لَا تَسْتَخْذِئُ، فهَمَز. وَرَجُلٌ خِنْذِيانٌ: كَثِيرُ الشرِّ. وَقَدْ خَنْذَى يُخَنْذِي وخَنْظَى بِهِ: أَسْمَعَه الْمَكْرُوهَ؛ ذَكَرَهُ الأَزهري هُنَا وَقَالَ أَيضاً فِي الرُّبَاعِيِّ: يُقَالُ للمرأَة تُخَنْذِي وتُخَنْظي أَي تَتَسَلَّطُ بِلِسَانِهَا؛ وأَنشد أَبو عَمْرٍو لِكَثِيرٍ الْمُحَارِبِيِّ:
قدْ مَنعَتْني البُرَّ وهْيَ تَلْحانْ، ... وهْوَ كَثِيرٌ عِنْدَها هِلِمَّانْ،
وَهِيَ تُخَنْذِي بالمَقالِ البَنْبانْ
وَيُقَالُ للأَتانِ: الخَذْوَاءُ أَي مسترخيةُ الأُذُن؛ وَقَالَ أَبو الغُول الطُّهَوِيّ يَهْجُو قَوْمًا:
رأَيْتُكُمُو، بَني الخَذْواءِ، لمَّا ... دَنا الأَضْحَى وصَلَّلَتِ اللِّحامُ
تَوَلَّيْتُمْ بِوِدِّكُمُ وقُلْتُمْ: ... لَعَكٌّ مِنْكَ أَقْربُ أَو جُذامُ
وَفِي حَدِيثِ
النَّخَعِيِّ: إِذا كَانَ الشقُّ أَو الخَرْقُ أَو الخَذَى فِي أُذُن الأُضْحِية فَلَا بأْسَ
، هُوَ انْكِسارٌ
__________
(2) . قوله [والعين تبصر] كذا في الأَصل والتهذيب، والذي في التكملة: وبالعين يبصر(14/225)
واسترخاءٌ فِي الأُذُنْ. وأُذُنٌ خَذْواءُ أَي مُسْتَرْخِيَةٌ. والخَذَواتُ: اسْمُ مَوْضِعٍ. وَفِي حَدِيثِ
سَعْدٍ الأَسْلميّ: رأَيت أَبا بَكْرٍ بالخَذَواتِ، وَقَدْ حَلَّ سُفْرَةً مُعلَّقة.
خرا: الخَرَاتانِ: نَجْمانِ كلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَراةٌ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا يُعْرَفُ الخَرَاتانِ إِلا مُثَنّىً، وَتَاءُ الأَصل وَالتَّاءُ الزَّائِدَةُ فِي التَّثْنِيَةِ مُتَسَاوِيَتَا اللَّفْظِ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي حَرْفِ التَّاءِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ سِيدَهْ فِي مُعْتَلِّ الْوَاوِ وَالْيَاءِ، وَاللَّهُ أَعلم.
خزا: خَزَا الرجلَ يَخْزُوه خَزْواً: ساسَه وقَهَره؛ قَالَ ذُو الإِصبع العَدْواني:
لاهِ ابنُ عَمِّكَ لَا أَفضَلْتَ فِي حَسَبٍ، ... يَوْماً، وَلَا أَنْتَ دَيَّاني فتَخْزُوني
مَعْنَاهُ: للهِ ابنُ عَمِّك أَي وَلَا أَنتَ مَالِكُ أَمْري فتَسُوسَني. وخَزَوتُ الفَصيل أَخْزُوه خَزْواً إِذا أَجْرَرْت لِسَانَهُ فشَقَقْته. والخَزْوُ: كفُّ النَّفْسِ عَنْ هِمَّتِها وصَبْرُها عَلَى مُرِّ الْحَقِّ. يُقَالُ: اخْزُ فِي طاعةِ اللَّهِ نفْسَكَ. وخَزَا نفْسَه خَزْواً: مَلَكَها وكَفَّها عَنْ هَواها؛ قَالَ لَبِيدٌ:
إِكْذِبِ النَّفْسَ إِذا حَدَّثْتَها، ... إِنَّ صِدْقَ النفْسِ يُزْري بالأَمَلْ
غيرَ أَنْ لَا تَكْذِبَنْها فِي التُّقَى، ... واخْزُها بالبِرِّ للهِ الأَجَلْ
وخَزا الدَّابَّةَ خَزْواً: ساسَها وراضَها. والخِزْيُ: السُّوءُ. خَزِيَ الرجلُ يَخْزَى خِزْياً وخَزىً؛ الأَخيرة عَنْ سِيبَوَيْهِ: وَقَعَ فِي بَلِيَّة وشَرٍّ وشُهْرةٍ فذَلَّ بِذَلِكَ وهانَ. وَقَالَ أَبو إِسحاق فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ
؛ المُخْزَى فِي اللُّغَةِ المُذَلُّ المَحْقُورُ بأَمْرٍ قَدْ لَزِمَهُ بحُجَّة، وَكَذَلِكَ أَخْزَيْته أَلْزَمته حُجَّةً إِذا أَذْلَلْته بِهَا. والخِزْيُ: الهَوان. وَقَدْ أَخْزَاهُ اللَّهُ أَي أَهانَه اللَّهُ. وأَخْزَاه اللَّهُ وأَقامَه على خَزْيةٍ [خِزْيةٍ] ومَخْزاةٍ. وَقَالَ أَبو الْعَبَّاسِ فِي الْفَصِيحِ: خَزِيَ الرجلُ خِزْياً مِنَ الهَوان، وخَزِيَ يَخْزَى خَزايةً مِنَ الِاسْتِحْيَاءِ، وامرأَة خَزْيا؛ قَالَ أُمية:
قالتْ: أَرادَ بِنَا سُوءاً، فقلتُ لَهَا: ... خَزْيانُ حيثُ يقولُ الزُّورَ بُهْتانا
وأَنشد بَعْضُهُمْ:
رِزانٌ إِذا شَهِدُوا الأَنْدِياتِ ... لَمْ يُسْتَخَفُّوا وَلَمْ يخْزَوُوا
أَراد بِقَوْلِهِ لَمْ يخْزَوُوا بناءَ افْعَلَّ مِثْلَ احمرَّ يَحْمرُّ مِنْ خَزِيَ يَخْزَى، قَالَ: واخْزَوَى يَخْزَوي مثلُ ارْعَوَى يَرْعَوي، وَلَمْ يَرْعَوُوا لِلْجَمْعِ. قَالَ شَمِرٌ: قَالَ بَعْضُهُمْ أَخْزَيْته أَي فَضَحْتُهُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ لُوطٍ لِقَوْمِهِ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي
؛ أَي لَا تَفْضَحُونِ. وَقَالَ فِي قَوْلِهِ: ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا
؛ الخِزْيُ الفَضِيحةُ. وَقَدْ خَزِيَ يَخْزَى خِزْياً إِذا افْتَضَح وتَحيَّر فَضِيحَةً. وَمِنْ كَلَامِهِمْ لِلرَّجُلِ إِذا أَتَى بِمَا يُسْتَحْسَن: مَا لَه، أَخْزَاهُ اللهُ وَرُبَّمَا قَالُوا: أَخْزَاهُ اللَّهُ، مِنْ غَيْرِ أَن يَقُولُوا مَا لَه. وكلامٌ مُخْزٍ: يُسْتَحْسَنُ فَيُقَالُ لِصَاحِبِهِ أَخْزَاهُ اللَّهُ. وَذَكَرُوا أَن الْفَرَزْدَقَ قَالَ بَيْتًا مِنَ الشِّعْرِ جيِّداً فَقَالَ: هَذَا بيتٌ مُخْزٍ أَي إِذا أُنْشِد قَالَ الناسُ: أَخْزَى اللهُ قائلَه مَا أَشْعَرَه وإِنما يَقُولُونَ هَذَا وشِبْهَهُ بدلَ المدحِ لِيَكُونَ ذَلِكَ وَاقِيًا لَهُ مِنَ الْعَيْنِ، وَالْمُرَادُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ إِنما هُوَ الدُّعَاءُ لَهُ لَا عَلَيْهِ. وَقَصِيدَةٌ مُخْزِية أَي نِهايةٌ فِي الحُسْنِ يُقَالُ لقائِلِها أَخْزاهُ اللَّهُ. والخَزْية والخِزْية: البَلِيَّة يُوقَع فِيهَا؛ قَالَ جَرِيرٌ يُخَاطِبُ الْفَرَزْدَقَ:(14/226)
وكنْتَ إِذا حَلَلْتَ بدارِ قوْمٍ، ... رَحَلْتَ بِخَزْيَةٍ وترَكْتَ عَارَا
وَيُرْوَى لخِزْية. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِنَّ الحَرَم لَا يُعيذُ عاصِياً وَلَا فَارًّا بخَزْية
أَي بجَريمة يُسْتَحْيا مِنْهَا؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
الشَّعْبِيِّ: فأَصابَتْنا خَزْيَة [خِزْيَة] لَمْ نَكُنْ فِيهَا بَرَرَةً أَتْقِياءَ ولا فَجَرَةً أَقْوِياءَ
أَي خَصلةٌ استَحْيَيْنا مِنْهَا. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ*
؛ قَالَ أَبو إِسحاق: مَعْنَاهُ قَتْلٌ إِن كَانُوا حَرْباً أَو يُجَزَّوْا إِن كَانُوا ذِمَّةً. وخَزِيَ مِنْهُ وخَزِيَهُ خَزَايَةً وخَزىً، مَقْصُورٌ: استَحْيا. وَفِي حَدِيثِ
يَزِيدَ بْنِ شَجَرة: أَنه خَطَبَ الناسَ فِي بَعْضِ مَغازيه يَحُثُّهم عَلَى الْجِهَادِ فَقَالَ فِي آخِرِ خُطْبَتِهِ: انْهَكُوا وُجُوهَ الْقَوْمِ وَلَا تُخْزُوا الحُورَ العِينَ
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: قَوْلُهُ لَا تُخْزُوا لَيْسَ مِنَ الخِزْي لأَنه لَا مَوْضِعَ للخِزْي هاهنا، وَلَكِنَّهُ مِنَ الخَزَاية، وَهِيَ الِاسْتِحْيَاءُ؛ يُقَالُ مِنَ الْهَلَاكِ: خَزِيَ الرجلُ يَخْزَى خِزْياً، وَمِنَ الحياءِ: خَزِيَ يَخْزَى خَزاية؛ يُقَالُ: خَزَيْت فُلَانًا إِذا اسْتَحييت مِنْهُ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
خَزايَةً أَدْرَكَتْه، بَعْدَ جَوْلَتِه، ... مِنْ جانبِ الحبْلِ مُخلوطاً بِهَا الغَضَبُ
وَقَالَ القُطامي يَذْكُرُ ثَوْرًا وَحْشِيًّا:
حَرِجاً وكَرَّ كُرُورَ صاحبِ نَجْدَةٍ، ... خَزِيَ الحَرائِرُ أَن يكونَ جَبانا
أَي اسْتَحَى. قَالَ: وَالَّذِي أَراد ابْنُ شَجَرَةَ بِقَوْلِهِ لَا تُخْزُوا الحورَ العِين أَي لَا تَجْعَلُوهُنَّ يَسْتَحْيِينَ مِنْ فِعلكم وتَقْصيرِكم فِي الجِهاد، وَلَا تَعَرَّضوُا لِذَلِكَ مِنْهُنَّ وانْهَكُوا وجُوه القوْم وَلَا تُوَلُّوا عَنْهُمْ. وَقَالَ اللَّيْثُ: رَجُلٌ خَزْيانُ وامرأَة خَزْيا، وَهُوَ الَّذِي عمِل أَمراً قَبِيحًا فاشتَدَّ لِذَلِكَ حياؤُه وخَزايَتُه، وَالْجَمْعُ الخَزايا؛ قَالَ جَرِيرٌ:
وإِنَّ حِمىً لَمْ يَحْمِهِ غيرُ فَرْتَنا، ... وغيرُ ابنِ ذِي الكِيرَيْنِ، خَزْيانُ ضائِعُ
وَقَدْ يَكُونُ الخِزْيُ بِمَعْنَى الْهَلَاكِ وَالْوُقُوعِ فِي بَلِيَّةٍ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ شَارِبِ الْخَمْرِ:
أَخْزاهُ اللهُ
، وَيُرْوَى: خَزَاهُ اللهُ أَي قَهَره. يُقَالُ: خَزاه يَخْزُوه. وخَازَانِي فلانٌ فَخَزَيْتُه أَخْزِيهِ: كنتُ أَشَدَّ خِزْياً مِنْهُ وكَرِهْتُ أَنْ أَخْزِيَهُ. وَفِي الدُّعَاءِ:
اللَّهُمَّ احْشُرْنا غَيْرَ خَزَايا وَلَا نادِمِينَ
أَي غَيْرَ مُسْتَحْيِينَ مِنْ أَعمالنا. وَفِي حَدِيثِ
وَفْدِ عَبْدِ القَيْس: غيرَ خَزَايَا وَلَا نَدامى
؛ خَزَايا: جَمْعُ خَزْيَانَ وَهُوَ المُسْتَحْيي. والخَزَاءُ، بِالْمَدِّ: نَبْتٌ.
خسا: الخَسَا: الفَرْد، وَهِيَ المَخاسي جمعٌ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ كمَسَاوٍ وأَخواتِها. وتَخَاسَى الرَّجُلَانِ: تَلاعَبا بالزَّوْج والفَرْد. يُقَالُ: خَساً أَو زَكاً أَي فَرْد أَو زَوْج؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:
مَكارِمُ لَا تُحْصَى، إِذا نحْنُ لَمْ نَقُلْ ... خَساً وزَكاً فِيما نَعُدُّ خِلالَها
اللَّيْثُ: خَساً وزَكاً، فَخَساً كَلِمَةٌ مِحْنَتُها أَفْرادُ الشيءِ، يُلْعَبُ بالجَوْزِ فَيُقَالُ خَساً زَكاً، فَخَساً فَرْدٌ وزَكاً زَوْج، كَمَا يُقَالُ شَفْعٌ ووِتْرٌ؛ قَالَ رؤْبة:
لَمْ يَدْرِ مَا الزَّاكي مِنَ المُخَاسِي
وَقَالَ رُؤْبَةُ أَيضاً:
حَيْرانُ لَا يَشْعُرُ مِنْ حَيْثُ أَتَى ... عنْ قِبْضِ مَنْ لاقَى، أَخَاسٍ أَمْ زَكا؟
يَقُولُ: لَا يَشْعُر أَفَرْدٌ هُوَ أَم زَوْج. قَالَ: والأَخاسِي جَمْعُ خَساً. الْفَرَّاءُ: الْعَرَبُ تَقُولُ لِلزَّوْجِ(14/227)
زَكَا وللفَرْد خَسَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْحِقها بِبَابِ فَتىً، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْحِقُهَا بِبَابِ زُفَرَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْحِقُهَا بِبَابِ سَكْرَى؛ قَالَ: وأَنشدتني الدُّبَيْرِيَّة:
كَانُوا خَساً أَو زَكاً مِنْ دونِ أَرْبعةٍ، ... لَمْ يَخْلَقُوا وجُدُودُ الناسِ تَعْتَلِجُ
وَيُقَالُ: هُوَ يُخَسِّي ويُزَكِّي أَي يَلْعب فَيَقُولُ أَزَوْجٌ أَم فَرْد. وَتَقُولُ: خَاسَيْتُ فُلَانًا إِذا لَاعَبْتُهُ بالجَوْزِ فَرْداً أَو زَوْجاً؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي فِي صِفَةِ فَرَسٍ:
يَعْدُو عَلى خَمْسٍ قَوائِمُه زَكَا
أَراد: أَن هَذَا الْفَرَسَ يَعْدُو عَلَى خَمْسٍ مِنَ الأُتُن فيَطْرُدها، وقَوائمُه زَكَا أَي هِيَ أَربع. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: لَامُ الخَسا هَمْزَةٌ. يُقَالُ: هُوَ يُخاسِئُ يُقامِرُ، وإِنما تَرَكَ هَمْزَةَ خَساً إِتباعاً لِزَكاً؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:
لأَدْنى خَساً أَو زَكاً مِنْ سِنِيك ... إِلى أَرْبَعٍ، فَتقُولُ انْتِظارا
قَالَ: وَيُقَالُ خَسَا زَكَا مِثْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ؛ قَالَ:
وشَرُّ أَصْنافِ الشُّيوخِ ذُو الرِّيَا، ... أَخْنَسُ يَحْنُو ظَهْرَه، إِذا مَشى
الزُّورُ أَو مالُ اليَتِيمِ، عِنْدَه، ... لِعْبُ الصَّبِيِّ بالحَصى خَسَا زَكا
وَفِي الْحَدِيثِ:
مَا أَدْرِي كَمْ حدَّثني أَبي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَخَساً أَمْ زَكاً
؛ يَعْنِي فَرْداً أَو زَوْجاً. وتَخَاسَتْ قوائمُ الدَّابَّةِ بالحَصَى أَي تَرامَتْ بِهِ؛ قَالَ المُمَزَّق الْعَبْدِيُّ:
تَخاسى يَداها بالحَصَى وتَرُضُّه بأَسْمَر صَرَّافٍ، إِذا حَمَّ مُطْرِقُ «3»
. أَراد بالأَسْمَر الصَّرَّافِ مَنْسِمَها.
خشي: الخَشْيَة: الخَوْف. خَشِيَ الرَّجُلُ يَخْشَى خَشْية أَي خَافَ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُقَالُ فِي الخَشْية الخَشَاةُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
كأَغْلَبَ مِنْ أُسُودِ كِرَاءَ وَرْدٍ، ... يَرُدُّ خَشايَةَ الرَّجُل الظَّلوم
كِراءُ: ثَنِيَّة بِيشَةَ. ابْنُ سِيدَهْ: خَشِيَه يَخْشَاه خَشْياً وخَشْيَة وخَشاةً ومَخْشاةً ومَخْشِيةً وخِشياناً وتَخَشَّاه كِلَاهُمَا خافَهُ، وَهُوَ خاشٍ وخَشٍ وخَشْيانُ، والأُنثى خَشْيا، وَجَمْعَهُمَا مَعًا خَشايا، أَجروه مُجْرى الأَدْواء كحَباطَى وحَباجَى وَنَحْوِهِمَا لأَن الخَشْية كالدَّاء. وَيُقَالُ: هَذَا الْمَكَانُ أَخْشَى مِنْ ذَلِكَ أَي أَشدُّ خَوْفًا؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
قَطَعْت أَخْشَاهُ إِذا مَا أَحْبَجا
وَفِي حَدِيثِ
خَالِدٍ: أَنه لَمَّا أَخَذ الرَّايَةَ يومَ مُوتة دَافَع الناسَ وخَاشَى بِهِمْ
أَي أَبْقى عَلَيْهِمْ وحَذِر فانْحازَ؛ خَاشَى: فاعَلَ مِنَ الخَشْية. خاشَيْت فُلَانًا: تارَكْته. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً
؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَى فَخَشِينا أَي فعَلِمْنا، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: فَخَشِينا مِنْ كَلَامِ الخَضِر، وَمَعْنَاهُ كَرِهْنا، وَلَا يَجُوزُ أَن يَكُونَ فَخَشِينا عَنِ اللَّهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنه مِنْ كَلَامِ الخَضِر قَوْلُهُ: فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما، وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ فَخَشِينا عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، لأَنّ الخَشْية مِنَ اللَّهِ مَعْنَاهَا الكَراهة، وَمِنَ الآدَمِيِّين الخوفُ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ حِينَئِذٍ فأَرَدْنا بِمَعْنَى أَراد اللَّهُ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ: قَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ لقَد أَكْثَرْتَ مِنَ الدُّعَاءِ بِالْمَوْتِ حَتَّى خَشِيتُ أَن يكونَ ذَلِكَ أَسْهَلَ لَكَ عِنْدَ نُزُوله
؛ خَشِيت هُنَا بِمَعْنَى: رَجَوْت. وَحَكَى ابن الأَعرابي: فَعَلْت
__________
(3) . قوله [إذا حم] بالحاء المهملة كما في الأصل والتكملة والتهذيب وقال حم أي قصد انتهى والذي في الأساس: جم، بالجيم: وقال يريد الخف وجمومه اجتماع جريه(14/228)
ذَلِكَ خَشاةَ أَن يَكُونَ كَذَا؛ وأَنشد:
فتَعَدَّيْتُ خَشاةً أَنْ يَرَى ... ظالمٌ أَني كَمَا كَانَ زَعَمْ
وَمَا حَمَلَه عَلَى ذَلِكَ إِلَّا خِشْيُ فُلَانٍ «1» . وخَشَّاهُ بالأَمْر تَخْشِيَة أَي خَوَّفَه. وَفِي الْمَثَلِ: لَقَدْ كُنْت وَمَا أُخَشَّى بالذِّئْبِ. وَيُقَالُ: خَشّ ذُؤَالَةَ بالحِبالة، يَعْنِي الذِّئْبَ. وخَاشَاني فَخَشَيْتُه أَخْشِيهِ: كنتُ أَشَدَّ مِنْهُ خَشْيَةً. وَهَذَا المكانُ أَخْشى مِنْ هَذَا أَي أَخْوَفُ، جَاءَ فِيهِ التعجبُ مِنَ الْمَفْعُولِ، وَهَذَا نَادِرٌ، وَقَدْ حَكَى سِيبَوَيْهِ مِنْهُ أَشياء. والخَشِيُّ، عَلَى فَعِيلٍ، مِثْلُ الحَشِيِّ: اليابسُ مِنَ النَّبْتِ؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:
كأَنَّ صَوْتَ شُخْبِها، إِذا خَمى، ... صَوْتُ أَفاعٍ فِي خَشِيٍّ أَعْشَما
يَحْسَبُه الجاهلُ، مَا كَانَ عَما، ... شَيْخاً عَلَى كُرْسيِّه مُعَمَّما
لَوْ أَنَّه أَبانَ أَو تَكَلَّما، ... لَكَانَ إِيَّاه، وَلَكِنْ أَحْجَما
قَالَ: الخَشِيُّ الْيَابِسُ العَفِنُ، قَالَ: وخَمى بِمَعْنَى خَمَّ، وَقَوْلُهُ: مَا كَانَ عَمَا، يَقُولُ نَظَرَ إِليه مِنْ بُعْدٍ، شَبَّهَ اللَّبَنَ بالشَّيْخِ؛ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: اسْتَثْبتُّ فِيهِ أَبا الْعَبَّاسِ فَقَالَ يُقَالُ خَشِيّ وحَشِيّ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَيُرْوَى فِي حَشِيٍّ وَهُوَ مَا فَسَدَ أَصله وعَفِنَ وَهُوَ فِي مَوْضِعِهِ. وَيُقَالُ: نَبْتٌ خَشِيٌّ وحَشِيٌّ أَي يَابِسٌ. ابْنُ الأَعرابي: الخَشَا الزَّرْعُ الأَسْود من البَرْد، وخشو
الخَشْوُ الحَشَفُ من التَّمْر. وخشو
خَشَت النخلةُ خشو
تَخْشُو خشو
خَشْواً: أَحْشَفَتْ، وَهِيَ لُغَةُ بَلْحرث بْنِ كَعْبٍ؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
إِنَّ بَني الأَسْودِ أَخْوالُ أَبي ... فإِنَّ عندِي، لَوْ رَكِبتُ مِسْحَلي،
سَمَّ ذَرارِيحَ رِطابٍ وخَشِي
أَراد: وخَشِيّ فحذَف إِحدى الْيَاءَيْنِ لِلضَّرُورَةِ، فَمَنْ حَذَفَ الأُولى اعتلَّ بِالزِّيَادَةِ وَقَالَ: حذفُ الزَّائِدِ أَخف منْ حَذْفِ الأَصل، وَمَنْ حَذف الأَخيرة فلأَنَّ الْوَزْنَ إِنما ارْتَدَعَ هُنَالِكَ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
كأَنَّ صوتَ خِلْفِها والخِلْفِ، ... والقادِمَيْن عِنْدَ قَبْضِ الكَفِّ،
صوتُ أَفاعٍ فِي خَشِيِّ القُفّ
قَالَ: قَوْلُهُ صَوْتُ خلِفها؛ وَالْخِلْفُ مِثْلُ قَوْلِ الْآخَرِ:
بَيْن فَكِّها والفَكِ
وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
وَلَقَدْ خَشِيتُ بأَنَّ مَنْ تَبِعَ الهُدى ... سَكَنَ الجنانَ مَعَ النبيِّ مُحَمَّدِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالُوا: مَعْنَاهُ عَلِمْتُ، وَاللَّهُ أَعلم.
خصا: الخُصْيُ والخِصْيُ والخُصْيَةُ والخِصْيَة مِنْ أَعضاء التَّنَاسُلِ: وَاحِدَةُ الخُصى، وَالتَّثْنِيَةُ خِصْيتانِ [خُصْيتانِ] وخُصْيانِ وخِصْيانِ. قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: يُقَالُ خُصْية وَلَمْ أَسمعها بِكَسْرِ الْخَاءِ، وَسَمِعْتُ فِي التَّثْنِيَةِ خُصْيانِ، وَلَمْ يَقُولُوا لِلْوَاحِدِ خُصْيٌ، وَالْجَمْعُ خُصىً؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ قَدْ جَاءَ خصْيٌ لِلْوَاحِدِ فِي قَوْلِ الرَّاجِزِ:
شَرُّ الدِّلاءِ الوَلْغة المُلازِمهْ، ... صغيرةٌ كخُصْيِ تَيْسٍ وارِمهْ
وَقَالَ آخَرُ:
يَا بِيَبا أَنتَ، وَيَا فوقَ البِيَبْ، ... يَا بِيَبا خُصْياكَ مِنْ خُصىً وزُب
__________
(1) . قوله [إلا خشي فلان] ضبط في المحكم بفتح الخاء وكسرها مع سكون الشين فيهما(14/229)
فثنَّاه وأَفرده. وخَصى الفحلَ خِصاءً، مَمْدُودٌ: سَلَّ خُصْيَيْه، يَكُونُ فِي النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْغَنَمِ. يُقَالُ: بَرِئَتْ إِليك مِنَ الخِصاء؛ قَالَ بِشْر يَهْجُو رَجُلًا:
جَزِيزُ القَفا شَبْعانُ يَرْبِضُ حَجْرَةً، ... حَدِيثُ الخِصاءِ، وارمُ العَفْلِ مُعْبَر
وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: الخُصْيَتانِ البَيْضَتان، والخُصْيان الجِلْدتان اللَّتان فِيهِمَا البَيضتان؛ وَيُنْشِدُ:
تقولُ: يَا رَبَّاهُ، يَا رَبِّ هَلِ، ... إِن كنتَ مِنْ هَذَا مُنَجِّي أَجَلي،
إِمَّا بتَطْلِيقٍ وإِمَّا بِارْحَلي ... كأَنَّ خُصْيَيْهِ، مِنَ التَّدَلْدُلِ،
ظَرْفُ عجوزٍ فِيهِ ثِنْتا حَنْظَلِ
أَراد حنْظَلَتان؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ وَمِثْلُهُ لِلْبُعَيْثِ:
أَشارَكْتَني فِي ثَعْلبٍ قَدْ أَكَلْته، ... فَلَمْ يَبْقَ إِلا جِلْدُه وأَكارِعُهْ؟
فَدُونَكَ خُصْيَيْهِ وَمَا ضَمَّتِ اسْتُه، ... فإِنَّكَ قَمْقامٌ خَبِيثٌ مَراتِعُهْ
وَقَالَ آخَرُ:
كأَنَّ خُصْيَيْهِ، إِذا تَدَلْدَلا، ... أُثْفِيَّتانِ تَحْمِلانِ مِرْجَلا
وَقَالَ آخَرُ:
كأَنَّ خُصْيَيْه،، إِذا مَا جُبَّا ... دَجاجَتانِ تَلْقُطانِ حَبَّا
وَقَالَ آخَرُ:
قَدْ حَلَفَتْ بِاللَّهِ لَا أُحِبُّه، ... أَن طالَ خُصْياه وقَصْر زُبُّه
وَقَالَ آخَرُ:
مُتَوَرِّكُ الخُصْيَيْنِ رِخْوُ المَشْرَحِ
وَقَالَ الحرث بْنُ ظَالِمٍ يَهْجُو النُّعْمَانَ:
أَخُصْيَيْ حِمارٍ ظَلَّ يَكْدِمُ نَجمَةً، ... أَتُؤْكَلُ جَارَاتِي، وجارُك سالِمُ؟
والخُصْيَة البَيْضة؛ قَالَتِ امرأَة مِنَ الْعَرَبِ:
لَسْتُ أُبالي أَن أَكون مُحْمِقَهْ، ... إِذا رأَيْتُ خُصْيَةً مُعَلَّقَهْ
وإِذا ثنَّيت قُلْتَ خُصْيان لَمْ تُلْحِقْه التَّاءَ، وَكَذَلِكَ الأَلْيَةُ إِذا ثنَّيت قلتَ أَلْيانِ لَمْ تُلْحِقْه التاءَ، وَهُمَا نَادِرَانِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: كُلُّ مَقْرُونَيْنِ لَا يَفْتَرِقَانِ فَلَكَ أَن تَحْذِفَ مِنْهُمَا هَاءَ التأْنيث؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
تَرْتَجّ أَلياهُ ارْتِجاجَ الوَطْب
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَدْ جَاءَ خُصْيتان وأَلْيتان بِالتَّاءِ فيهما؛ قَالَ يَزِيدُ بْنُ الصَّعِق:
وإِنَّ الفَحْل تُنْزَعُ خُصْيَتاهُ، ... فيُضْحي جافِراً قَرِحَ العِجانِ
قَالَ النَّابِغَةُ الْجَعْدِيُّ:
كَذِي داءٍ بإِحْدى خُصْيَتَيْه، ... وأُخْرى مَا تَوَجَّعُ مِنْ سَقامِ
وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:
قدْ نامَ عَنْها جابرٌ ودَفْطَسا، ... يَشْكُو عُروقَ خُصْيَتَيْهِ والنَّسا
كأَنَّ ريحَ فَسْوِهِ، إِذا فَسا، ... يَخْرُجُ مِنْ فِيهِ، إِذا تَنَفَّسَا
وَقَالَ أَبو المُهَوِّسِ الأَسدي
قَدْ كُنْتُ أَحْسِبُكُم أُسودَ خَفِيَّةٍ، ... فإِذا لَصافِ تَبِيضُ فِيهَا الحُمَّرُ
عَضَّتْ أُسَيِّدُ جَدْلَ أَيْرِ أَبِيهِمُ، ... يومَ النِّسارِ، وخُصْيَتَيْهِ العَنْبَرُ «1»
__________
(1) . قوله [عضت أسيد إلخ] أنشده ياقوت في المعجم هكذا:
عضت تميم جلد أير أبيكم ... يوم الوقيط وعاونتها حضجر(14/230)
وَقَالَ عَنْتَرَةُ فِي تَثْنِيَةِ الأَلْية:
مَتى مَا تَلْقَني، فَرْدَيْنِ، تَرجُفْ ... روانِفُ أَلْيَتَيْكَ وتُسْتطارا
التَّهْذِيبُ: والخُصْيَة تُؤَنَّثُ إِذا أُفْرِدَت فإِذا ثَنَّوا ذكَّروا، وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ الخُصْيَتَان. قَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: يُقَالُ إِنه لِعَظِيمُ الخُصْيَتين والخُصْيين، فإِذا أَفردوا قَالُوا خُصْية. ابْنُ سِيدَهْ: رَجُلٌ خَصِيٌّ مخْصِيٌّ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: خَصِيٌّ بَصِيٌّ إِتباعٌ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وَالْجَمْعُ خِصْيَةٌ وخِصْيانٌ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: شَبَّهُوهُ بِالِاسْمِ نَحْوَ ظَلِيم وظِلْمان، يَعْنِي أَن فِعْلاناً إِنما يَكُونُ بِالْغَالِبِ جمعَ فَعِيلٍ اسْماً، وَمَوْضِعُ الْقَطْعِ مَخْصىً. قَالَ اللَّيْثُ: الخِصاءُ أَن تُخْصَى الشاةُ والدابةُ خِصاءً، مَمْدُودٌ، لأَنه عَيْبٌ والعُيوب تَجِيء عَلَى فِعال مِثْلُ العِثارِ والنِّفارِ والعِضاضِ وَمَا أَشبهها. وَفِي بَعْضِ الأَخْبار:
الصَّوْمُ خِصاءٌ، وَبَعْضُهُمْ يَرْوِيهِ: وِجاءٌ
، وَالْمَعْنَيَانِ مُتَقَارِبَانِ.
وَرُوِيَ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عْبدٍ السُّلَمِيِّ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَهُ أَعرابيّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَسْمَعُك تَذْكُرُ فِي الْجَنَّةِ شَجَرةً أَكْثَرُ شَوْكاً مِنْهَا الطَّلْحُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِن اللَّهَ يَجْعلُ مكانَ كلِّ شوكةِ مِثْلَ خُصْوَةِ التَّيْسِ المَلْبُودِ فِيهَا سَبْعون لَوْناً مِنَ الطَّعام لَا يُشْبِهُ الآخرَ
«1» ؛ قَالَ شَمِرٌ: لَمْ نَسْمَعْ فِي وَاحِدَةٍ الخُصَى إِلا خُصْيَة بِالْيَاءِ لأَن أَصله مِنَ الْيَاءِ، والطَّلْح المَوْز. والخَصِي، مُخَفَّفٌ: الَّذِي يَشْتَكِي خُصاه. والخَصِيّ مِنَ الشِّعْرِ: مَا لَمْ يُتَغَزَّلْ فِيهِ. وَالْعَرَبُ تقول: كان جواداً فَ خُصِيَ أَي غَنِيّاً فافْتَقَر، وَكِلَاهُمَا عَلَى المَثَل؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ فِي تَرْجَمَةِ حَلَق فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:
خَصَيْتُك يَا ابْنَ حَمْزَة بالقَوافِي، ... كَمَا يُخْصَى، مِنَ الحَلَقِ، الحِمارُ
قَالَ الشَّيْخُ: الشُّعَرَاءُ يَجْعَلُونَ الهِجاء والغَلَبة خِصاءً كأَنه خَرَجَ مِنَ الفُحول؛ وَمِنْهُ قَوْلُ جَرِيرٍ:
خُصِيَ الفَرَزْدق، والخِصَاءُ مَذَلَّةٌ، ... يَرْجُو مُخاطَرَة القُرُومِ البُزَّلُ
خضا: الخَضا: تَفَتُّت الشيءِ الرَّطْب؛ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: وَلَيْسَ بِثَبتٍ، وَذَكَرَهُ ابْنُ سِيدَهْ أَيضاً فِي الْمُعْتَلِّ بِالْيَاءِ وَقَالَ: قَضَيْنَا عَلَى هَمْزَتِهَا يَاءً لأَن اللَّامَ يَاءٌ أَكثرُ مِنْهَا وَاوًا، وَاللَّهُ أَعلم.
خطا: خَطَا خَطْواً واخْتَطَى واخْتاطَ، مقلوبٌ: مَشَى. والخُطْوة، بِالضَّمِّ: مَا بَيْنَ الْقَدَمَيْنِ، وَالْجَمْعُ خُطىً وخُطْوات وخُطُوات، قَالَ سِيبَوَيْهِ: وخُطَوات لَمْ يَقْلِبُوا الْوَاوَ لأَنهم لَمْ يَجْمَعُوا فُعْلًا وَلَا فُعْلةً عَلَى فُعُلٍ، وإِنما يَدْخُلُ التَّثْقِيلُ فِي فُعُلات، أَلا تَرَى أَن الْوَاحِدَةَ خُطْوَةٌ؟ فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ فُعْلة وَلَيْسَ لَهَا مُذَكَّرٌ، وَقِيلَ: الخَطْوة والخُطْوة لُغَتَانِ، والخَطْوة الفِعْل، والخَطْوة بِالْفَتْحِ، المَرَّة الْوَاحِدَةُ، وَالْجَمْعُ خَطَوات، بِالتَّحْرِيكِ، وخِطاءٌ مِثْلُ رَكْوة ورِكاءٍ؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
لَها وثَباتٌ كَوَثْبِ الظِّباءِ، ... فَوادٍ خِطاءٌ ووادٍ مطَرْ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَي تَخْطُو مَرَّةً فتَكفُّ عَنِ العَدْوِ وتَعْدُو مَرَّةً عَدْواً يُشْبه المَطَر، وَرَوَى أَبو عُبَيْدَةَ: فَوادٍ خَطِيطٌ. قَالَ الأَصمعي: الأَرض الخَطِيطَة الَّتِي لَمْ تُمْطَرْ بَيْن أَرْضَيْن مَمْطورَتَيْن، وَرَوَى غَيْرُهُ: كصَوْبِ الخَرِيف؛ يَعْنِي أَن الخريف يَقَعُ بِمَوْضِعٍ ويُخْطِئُ آخَرَ. وَفِي حَدِيثِ الْجُمْعَةِ:
رأَى
__________
(1) . قوله [لا يشبه الآخر] هكذا في الأَصل(14/231)
رَجُلًا يَتَخَطَّى رِقاب النَّاسِ
أَي يَخْطُو خَطْوة خَطْوة. وَفِي الْحَدِيثِ:
وكَثْرة الخُطَى إِلى المَسْجِد.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ*
؛ قِيلَ: هِيَ طُرُقه أَي لَا تَسْلُكوا الطَّرِيقَ الَّتِي يَدْعُوكُمْ إِليها؛ ابْنُ السِّكِّيتِ: قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى لَا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ*
أَي فِي الشَّرِّ، يُثَقَّل، قَالَ: وَاخْتَارُوا التَّثْقِيلَ لِمَا فِيهِ مِنَ الإِشباع وَخَفَّفَ بَعْضُهُمْ، قَالَ: وإِنما تَرَك التثقيلَ مَنْ تَرَكه اسْتِثْقَالًا لِلضَّمَّةِ مَعَ الْوَاوِ يَذْهَبُونَ إِلى أَن الْوَاوَ أَجْزتْهم مِنَ الضَّمَّةِ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْعَرَبُ تَجْمَعُ فُعْلة مِنَ الأَسماء عَلَى فُعُلات مِثْلَ حُجْرة وحُجُرات، فَرْقًا بَيْنَ الِاسْمِ وَالنَّعْتِ، النَّعْتُ يُخَفَّف مِثْلُ حُلْوة وحُلْوات فَلِذَلِكَ صَارَ التَّثْقِيلَ الاختيارَ، وَرُبَّمَا خُفِّفَ الِاسْمُ، وَرُبَّمَا فُتِح ثَانِيهِ فَقِيلَ حُجَرات؛ وَقَالَ الزَّجَّاجُ: خُطُوات الشَّيْطَانِ طُرُقه وآثارُه؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَاهُ لَا تتَّبعوا أَثَره فإِنّ اتِّباعه مَعْصِيَةٌ إِنه لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ، وَقَالَ اللَّيْثُ: مَعْنَاهُ لا تَقْتَدُوا بِهِ، قَالَ: وقرأَ بَعْضُهُمْ خُطُؤات الشَّيْطَانِ مِنَ الخَطيئةِ المَأْثم؛ قَالَ الأَزهري: مَا عَلِمْتُ أَحداً مِنْ قُرَّاءِ الأَمْصار قرأَه بِالْهَمْزَةِ وَلَا مَعْنَى لَهُ. أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ نَاقَتُكَ هَذِهِ مِنَ المُتَخَطِّيات الجِيَفِ أَي هِيَ نَاقَةٌ قَوِيّة جَلْدَة تَمْضي وتُخَلِّف الَّتي قَدْ سَقَطَت. وتَخَطَّى الناسَ واخْتَطاهم: رَكِبَهم وجاوزَهم. وخَطَوْت واخْتَطَيْتُ بِمَعْنًى. وأَخْطَيْت غَيْرِي إِذا حَمَلْته عَلَى أَن يَخْطُو، وتَخَطَّيْته إِذا تجاوزْته. يُقَالُ: تَخَطَّيت رقابَ الناسِ وتَخَطَّيْت إِلى كَذَا، وَلَا يُقَالُ تَخَطَّأْت بِالْهَمْزِ. وَفُلَانٌ لَا يَتَخَطَّى الطُّنُبَ أَي لَا يَبْعُد عَنِ الْبَيْتِ للتَّغَوُّطِ جُبْناً ولُؤْماً وقَذَراً. وَفِي الدُّعَاءِ إِذا دُعِيَ للإِنسان:
خُطِّيَ عَنْك السُّوءُ
أَي دُفِعَ. يُقَالُ: خُطِّيَ عَنْكَ أَي أُميطَ. قَالَ: والخَطَوْطَى النَّزِقُ.
خظا: الْخَاظِي: الكثيرُ اللَّحمِ. خَظا لَحْمُهُ يَخْظُو خُظُوّاً وخَظِيَ خَظاً: اكْتَنَز، وَقِيلَ: لَا يُقَالُ خَظِيَ؛ قَالَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ السَّعْدِيُّ:
وأَهْلَكَني لَكُمْ، فِي كلِّ يَومٍ، ... تَعَوُّجُكُم عليَّ وأَسْتَقيمُ
رقابٌ كالمَواجِن خَاظِيَاتٌ، ... وأَسْتاهٌ عَلَى الأَكْوار كُومُ
والخَاظِي: المُكْتَنِزُ. ولحمُه خَظا بَظا: إِتباع، وأَصله فَعَلٌ؛ قَالَ الأَغلب الْعِجْلِيُّ:
خَاظِي البَضيع لحمُه خَظا بَظا
لأَن أَصلها الْوَاوُ. وخَظا بَظا: مُكْتَنِزٌ. الْفَرَّاءُ: خَظَا بَظا وكَظا، بِغَيْرِ هَمْزٍ، يَعْنِي اكْتَنَز، وَمِثْلُهُ يَخْظُو ويَبْظُو ويَكْظُو. أَبو الْهَيْثَمِ: يُقَالُ فَرَسٌ خَظٍ بَظٍ، ثُمَّ يُقَالُ خَظاً بَظاً. وَيُقَالُ: خَظِيَة بَظِيَة، ثُمَّ يُقَالُ خَظاةٌ بَظاة قُلِبَت الْيَاءُ أَلفاً سَاكِنَةً عَلَى لُغَةِ طيِء. وَفِي حَدِيثِ
سَجاح امرأَةِ مُسَيْلمة: خَاظِي البَضِيع
، هُوَ مِنْ ذَلِكَ، والبَضِيعُ اللحمُ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِدَخْتَنُوسَ ابْنَةِ لَقِيط:
يَعْدُو بِهِ خَاظِي البَضِيعِ، ... كأَنه سِمْعٌ أَزَلْ
قَالَ: وَلَمْ يَذْكُرِ الْقَزَّازُ إِلَّا خَظِيَ. قَالَ: وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ خَظِيَ وخَظَى، بِالْفَتْحِ أَكثر، وأَما قَوْلُهُمْ حَظِيَت المرأَة وبَظِيَتْ مِنَ الحُظْوَة فَهُوَ بِالْحَاءِ، قَالَ: وَلَمْ أَسمع فِيهِ الْخَاءَ. والخَظاةُ: المُكْتَنِزَةُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ؛ وأَما قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:(14/232)
لَها مَتْنَتانِ خَظاتا كَمَا، ... أَكَبَّ عَلَى ساعِدَيْه النَّمِرْ
فإِن الْكِسَائِيَّ قَالَ: أَراد خَظَتا فَلَمَّا حرَّك التَّاءَ ردَّ الأَلف الَّتِي هِيَ بَدَلٌ مِنَ لَامِ الْفِعْلِ، لأَنها إِنما كَانَتْ حُذِفَتْ لِسُكُونِهَا وَسُكُونِ التَّاءِ، فَلَمَّا حرَّك التَّاءَ رَدَّها فَقَالَ خَظاتا، قَالَ: وَيَلْزَمُهُ عَلَى هَذَا أَن يَقُولَ فِي قَضَتا وغَزَتا قَضاتا وغَزاتا، إِلا أَن لَهُ أَن يَقُولَ إِن الشَّاعِرَ لَمَّا اضطرَّ أَجرى الْحَرَكَةَ الْعَارِضَةَ مُجرى الْحَرَكَةِ اللَّازِمَةِ فِي نَحْوِ قَوْلًا وَبَيْعًا وَخَافًا؛ وَذَهَبَ الْفَرَّاءُ إِلى أَنه أَراد خَظاتان فَحَذَفَ النُّونَ اسْتِخْفَافًا كَمَا قَالَ أَبو دُوَادٍ الإِيادي:
ومَتْنان خَظاتانِ، ... كزُحْلُوفٍ مِنَ الهَضْبِ
الزُّحْلُوفُ: الْمَكَانُ الزَّلِقُ فِي الرَّمْلِ وَالصَّفَا، وَهِيَ آثَارُ تَزَلُّجِ الصِّبْيَانِ، يُقَالُ لَهَا الزَّحالِيفُ، شَبَّهَ مسَّها فِي سِمَنِها بالصَّفاة المَلْساء، أَراد خَظِيتانِ؛ وأَنشد:
أَمْسَيْنا أَمْسَيْنا ... وَلَمْ تَنامِ العَيْنا «2»
. فَلَمَّا حرَّك الميمَ لِاسْتِقْبَالِهَا اللامَ ردَّ الأَلف؛ وأَنشد:
مَهْلًا فِدَاءً لَكَ يَا فَضالَهْ، ... أَجِرَّهُ الرُّمْحَ وَلَا تُهالَهْ
أَي وَلَا تُهَلْه؛ وَقَالَ آخَرُ:
حَتَّى تَحاجَزْنَ عَنِ الذُّوَّادِ، ... تَحاجُزَ الرِّيِّ وَلَمْ تَكادِ
أَراد: وَلَمْ تكَد، فَلَمَّا حرَّكت القافيةُ الدالَ ردَّ الأَلف؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ وَكَمَا قَالَ الْآخَرُ:
يَا حَبَّذَا عَيْنا سُلَيمْى والفَمَا
قَالَ: أَراد الفَمانِ يَعْنِي الفَمَ والأَنفَ فَثَنَّاهُمَا بِلَفْظِ الْفَمِ لِلْمُجَاوِرَةِ. وَقَالَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ: مَذْهَبُ الْكِسَائِيِّ فِي خَظاتا أَقيس عِنْدِي مِنْ قَوْلِ الْفَرَّاءِ لأَن حَذْفَ نُونِ التَّثْنِيَةِ شَيْءٌ غَيْرُ مَعْرُوفٍ، وَالْجَمْعُ خَظَوات؛ وَقَالَ ابْنُ الأَنباري: الْعَرَبُ تَصِلُ الْفَتْحَةَ بأَلف سَاكِنَةٍ، فَقَوْلُهُ:
لَهَا مَتْنَتان خَظَاتا
أَراد خَظَتا مَنْ خَظَا يَخْظُو؛ وأَنشد:
قلتُ وَقَدْ خَرَّتْ عَلَى الكَلْكالِ
أَراد عَلَى الكَلْكلِ، قَالَ: وأَصل الْكَسْرِ بِالْيَاءِ وَالضَّمِّ بِالْوَاوِ وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ كُلِّهِ. الأَزهري: قَالَ النَّحْوِيُّونَ أَراد خَظَتا فمدَّ الْفَتْحَةَ بأَلف كَقَوْلِهِ «3» .
يَنْباعُ مِنْ ذِفْرَى غَضُوب
أَراد يَنْبَع. وَقَالَ: فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ؛ أَي فَمَا اسْتَكَنوا. وَقَالَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ: كفَّ نونَ خَظاتان كَمَا قَالُوا اللَّذا يُرِيدُونَ اللَّذَانِ؛ وَقَالَ الأَخطل:
أَبَني كُلَيْبٍ، إِنَّ عَمَّيَّ اللَّذَا ... قَتَلا المُلوكَ، وفَكَّكا الأَغْلالا
وَرَجُلٌ خَظَوانٌ: كَثِيرُ اللَّحْمِ. وقَدَحٌ خاظٍ: حادِرٌ غليظٌ؛ حَكَاهُ أَبو حَنِيفَةَ: وَقَالَ الشَّاعِرُ:
بأَيدِيهِمْ صَوارِمُ مُرْهَفاتٌ، ... وكلُّ مُجَرَّبٍ خَاظِي الكُعوبِ
الْخَاظِي: الغليظُ الصُّلبُ؛ وَقَالَ الْهُذَلِيُّ يَصِفُ العَيْر:
خَاظٍ، كعِرْقِ السِّدْرِ، يَسْبِقُ ... غارَةَ الخُوصِ النَّجائبْ
والخَظَوانُ، بِالتَّحْرِيكِ: الَّذِي رَكِبَ لحمُه بعضُه بَعْضًا. ورجلٌ أَبَيَانٌ: مِنَ الإِباء، وقَطَوانٌ: يَقْطُو فِي مِشْيَتِه. ويومٌ صَخَدَانٌ: شَدِيدُ الحَرِّ. ابْنُ السِّكِّيتِ: يُقَالُ رَجُلٌ خِنْظيانٌ إِذا كان فاحِشاً.
__________
(2) . قوله [أمسينا إلخ] هكذا في الأصول
(3) . أي عنترة، والبيت من معلقته(14/233)
وخَنْظَى بِهِ إِذا نَدَّدَ بِهِ وأَسْمَعه الْمَكْرُوهَ. ابْنُ الأَعرابي: الخِنْظِيانُ الْكَثِيرُ الشَّرِّ وَهُوَ يُخَنْظِي ويُعَنْظي، ذَكَرَ هَذِهِ اللَّفْظَةَ الأَزهري فِي الرباعي.
خفا: خفو
خفا البَرْقُ خفو
خَفْواً وخفو
خُفُوّاً: لَمعَ. وخفو
خَفَا الشيءُ خفو
خَفْواً: ظَهَر. وخَفَى الشيءَ خَفْياً وخُفِيّاً: أَظهره وَاسْتَخْرَجَهُ. يُقَالُ: خَفَى المطرُ الفِئَارَ إِذا أَخرَجهُنَّ مِنْ أَنْفاقِهِنّ أَي مِنْ جِحَرَتِهِنَّ؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ يَصِفُ فَرَسًا:
خَفَاهُنَّ مِنْ أَنْفاقِهِنَّ، كأَنَّما ... خَفاهُنَّ وَدْقٌ مِنْ سَحَابٍ مُرَكَّبِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَالَّذِي وَقَعَ فِي شِعْرِ امْرِئِ الْقَيْسِ مِنْ عَشِيّ مُجَلِّبِ؛ وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ بْنُ عَابِسٍ الكِنْدي أَنشده اللِّحْيَانِيُّ:
فإِنْ تَكْتُمُوا السِّرَّ لَا نَخْفِه، ... وإِنْ تَبْعَثُوا الحَرْبَ لَا نَقْعُد
قَوْلُهُ لَا نَخْفِه أَي لَا نُظْهِرْه.
وَقُرِئَ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الساعةَ آتِيةٌ أَكادُ أَخْفِيها
، أَي أُظْهِرُها؛ حَكَاهُ اللِّحْيَانِيُّ عَنِ الْكِسَائِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. وخَفَيْتُ الشيءَ أَخْفِيه: كتَمْتُه. وخَفَيْتُه أَيضاً: أَظْهَرْتُه، وَهُوَ مِنَ الأَضداد. وأَخْفَيْتُ الشيءَ: سَتَرْتُه وكتَمْتُه. وشيءٌ خَفِيٌّ: خافٍ، وَيُجْمَعُ عَلَى خَفايا. وخَفِيَ عَلَيْهِ الأَمرُ يَخْفَى خَفاءً، مَمْدُودٌ. اللَّيْثُ: أَخْفَيْتُ الصوتَ وأَنا أُخْفِيه إِخْفَاءً وَفِعْلُهُ اللازمُ اخْتَفَى. قَالَ الأَزهري: الأَكثر اسْتَخْفَى لَا اخْتَفَى، واخْتَفَى لغةٌ لَيْسَتْ بِالْعَالِيَةِ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: أَمّا اخْتَفَى بِمَعْنَى خَفِيَ فلغةٌ وَلَيْسَتْ بِالْعَالِيَةِ وَلَا بالمُنْكَرة. والخَفِيَّةُ: الرَّكِيَّة الَّتِي حُفِرت ثُمَّ تُرِكتْ حَتَّى انْدَفَنَتْ ثُمَّ انْتُثِلَت واحتُفِرَتْ ونُقِّيَتْ، سَمِّيَتْ بِذَلِكَ لأَنها استُخرجت وأُظْهِرَتْ. واخْتَفَى الشيءَ: كخَفاه، افْتَعَل مِنْهُ؛ قَالَ:
فاعْصَوْصَبُوا ثُمَّ جَسُّوهُ بأَعْيُنِهِمْ، ... ثُمَّ اخْتَفَوْهُ، وقَرْنُ الشَّمسِ قَدْ زَالَا
واخْتَفَيْت الشيءَ: استَخْرَجته. والمُخْتَفِي: النَّبَّاشُ لاسْتِخراجه أَكفانَ الْمَوْتَى، مَدَنِيَّةٌ. قَالَ ثَعْلَبٌ: وَفِي الْحَدِيثِ
لَيْسَ عَلَى المُخْتَفي قَطْعٌ.
وَفِي حَدِيثِ
عَلِيِّ بْنِ رَباح: السُّنَّة أَنْ تُقْطَع اليدُ المُسْتَخْفِية وَلَا تُقْطَعَ اليدُ المُسْتَعْلِية
؛ يُرِيدُ بالمُسْتَخْفِية يَدَ السَّارِقِ والنَّبَّاشِ، وبالمُسْتَعْلِية يَدَ الْغَاصِبِ وَالنَّاهِبِ ومَن فِي مَعْنَاهُمَا. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَعَنَ المُخْتَفِيَ والمُخْتَفِيَة
؛ المُخْتَفِي: النَّبَّاشُ، وَهُوَ مِنَ الِاخْتِفَاءِ وَالِاسْتِتَارِ لأَنه يَسْرُق فِي خُفْية. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَن اخْتَفَى مَيِّتاً فكأَنَّما قتَلَه.
وخَفِيَ الشيءُ خَفَاءً، فَهُوَ خافٍ وخَفِيٌّ: لَمْ يَظْهَرْ. وخَفاه هُوَ وأَخْفاهُ: سَتَرَه وكتَمَه. وفي التنزيل: إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ
. وَفِي التَّنْزِيلِ: إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها
؛ أَي أَسْتُرها وأُوارِيها؛ قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَهِيَ قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ.
وَفِي حَرْف أُبَيٍّ: أَكادُ أُخْفِيها مِنْ نَفْسِي
؛ وَقَالَ ابْنُ جِنِّي: أُخْفيها يَكُونُ أُزيلُ خَفاءها أَي غِطاءَها، كَمَا تَقُولُ أَشكيته إِذا زُلْتَ لَهُ عَمَّا يَشْكوه؛ قَالَ الأَخفش: وَقُرِئَتْ
أَكاد أَخْفِيها
أَي أُظْهرها لأَنك تَقُولُ خَفَيْتُ السرَّ أَي أَظْهرته. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَا لَمْ تَصْطَبِحُوا أَو تَغْتَبِقُوا أَو تَخْتَفُوا بَقْلًا
أَي تُظهروه، وَيُرْوَى بِالْجِيمِ وَالْحَاءِ؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَكادُ أُخْفِيها
، فِي التَّفْسِيرِ، مِنْ نَفْسِي فَكَيْفَ أُطْلِعُكُم عَلَيْهَا. والخَفاءُ، مَمْدُودٌ: مَا خَفِيَ عَلَيْكَ. والخَفا، مَقْصُورٌ: هُوَ الشَّيْءُ الْخَافِي؛ قَالَ الشَّاعِرُ:(14/234)
وعالِمِ السِّرِّ وعالِمِ الخَفا، ... لَقَدْ مَدَدْنا أَيْدِياً بَعْدَ الرَّجَا
وَقَالَ أُمية:
تُسَبِّحهُ الطَّيْرُ الكَوامِنُ فِي الخَفا، ... وإِذْ هِيَ فِي جَوِّ السماءِ تَصَعَّدُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ أَبو عَلِيٍّ الْقَالِي خَفَيْت أَظْهَرْتُ لَا غَيْرُ، وأَما أَخْفَيْت فَيَكُونُ للأَمرين وغَلَّطَ الأَصمعي وأَبا عُبَيْدٍ القاسمَ بنَ سَلَّامٍ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه كَانَ يَخْفِي صَوتَه بِآمِينَ
؛ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِفَتْحِ الْيَاءِ مَنْ خَفَى يَخْفِي إِذا أَظْهَر كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
إِن السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكاد أَخْفِيها، عَلَى إِحدى الْقِرَاءَتَيْنِ.
والخَفاء والخَافِي والخَافِيَة: الشيءُ الخَفِيُّ. قَالَ الليث: الخُفْية [الخِفْية] مِنْ قَوْلِكَ أَخْفَيْت الشيءَ أَي سَتَرْته، وَلَقِيتُهُ خَفِيّاً أَي سِرّاً. والخَافِيَة: نَقِيضُ الْعَلَانِيَةِ. وفَعَلَه خَفِيّاً وخِفْية، بكسر الخاء، وخفو
خِفْوة عَلَى المُعاقَبة. وَفِي التَّنْزِيلِ: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً
؛ أَي خَاضِعِينَ مُتَعَبِّدِين، وَقِيلَ أَي اعْتَقِدوا عبادَته فِي أَنفسكم لأَن الدُّعَاءَ مَعْنَاهُ الْعِبَادَةُ؛ هَذَا قَوْلُ الزَّجَّاجِ؛ وَقَالَ ثَعْلَبٌ: هُوَ أَن تَذْكُرَهُ فِي نَفْسِكَ؛ وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: خُفْية فِي خَفْضٍ وَسُكُونٍ، وتضَرُّعاً تَمَسْكُناً. وَحُكِيَ أَيضاً: خَفِيتُ لَهُ خِفْية وخُفْية أَي اخْتَفَيْت؛ وأَنشد ثَعْلَبٌ:
حَفِظْتُ إِزاري، مُذْ نَشَأْتُ، وَلَمْ أَضَعْ ... إِزاري إِلى مُسْتَخْدَماتِ الوَلائِدِ
وأَبْناؤُهُنَّ المُسْلمون، إِذا بَدا ... لَكَ المَوْتُ وارْبَدَّتْ وجوهُ الأَساوِدِ
وهُنَّ الأُلى يَأْكُلْنَ زادَكَ خفو خِفْوَةً ... وهَمْساً، ويُوطِئْنَ، السُّرى، كُلَّ خابِطِ
أَي حفِظْت فَرْجي وَهُوَ مَوْضِعُ الإِزار أَي لَمْ أَجعل نَفْسِي إِلى الإِماء، وَقَوْلُهُ: يأْكُلْن زادَك خفو
خِفْوَة، يَقُولُ: يَسْرِقْنَ زَادَكَ فإِذا رأَينَك تَموت تركْنَك، وَقَوْلُهُ: ويُوطِئْن السُّرى كلَّ خابِطِ، يُرِيدُ كُلُّ مَنْ يأْتِيهن بِاللَّيْلِ يُمَكِّنَّهُ مِنْ أَنفُسِهن. واسْتَخْفَى مِنْهُ: اسْتَتَر وَتَوَارَى. وَفِي التَّنْزِيلِ: يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ
؛ وَكَذَلِكَ اخْتَفَى، وَلَا تَقُل اخْتَفَيْت. وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الْفَرَّاءُ حَكَى أَنه قَدْ جَاءَ اخْتَفَيْت بِمَعْنَى اسْتَخَفْيت؛ وأَنشد:
أَصْبَحَ الثعلبُ يَسْمُو لِلعُلا، ... واخْتَفَى مِنْ شِدَّةِ الخَوْفِ الأَسَدْ
فَهُوَ عَلَى هَذَا مُطاوِع أَخْفَيْته فاخْتَفَى كَمَا تَقُولُ أَحْرَقْته فاحْتَرَق، وَقَالَ الأَخفش فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ
، قَالَ: المُسْتَخْفِي الظَّاهِرُ، والسَّارِبُ المُتَواري؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ أَي مُسْتَتر وسارِبٌ بِالنَّهَارِ ظَاهِرٌ كأَنه قَالَ الظَّاهِرُ والخَفِيُّ عِنْدَهُ جَلَّ وَعَزَّ وَاحِدٌ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: قَوْلُ الأَخفش المُسْتَخْفِي الظَّاهِرُ خَطَأً والمُسْتَخْفِي بِمَعْنَى المُسْتتر كَمَا قَالَ الْفَرَّاءُ، وأَما الاخْتِفاء فَلَهُ مَعْنَيَانِ: أَحدهما بِمَعْنَى خَفِيَ، وَالْآخَرُ بِمَعْنَى الاسْتِخْراج؛ وَمِنْهُ قِيلَ للنَّبَّاش المُخْتَفي، وجاءَ خَفَيْت بِمَعْنَيَيْنِ وَكَذَلِكَ أَخْفَيْت، وَكَلَامُ الْعَرَبِ الْعَالِي أَن تَقُولَ خَفَيْت الشيءَ أَخْفِيه أَي أَظهرته. واسْتَخْفَيت مِنْ فُلَانٍ أَي تَوارَيْت واسْتَترت وَلَا يَكُونُ بِمَعْنَى الظُّهُورِ. واخْتَفَى دمَهُ: قَتَلَه مِنْ غَيْرِ أَن يُعْلَم بِهِ، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الغَنَوِيّ لأَبي الْعَالِيَةِ: إِن بَني عامِرٍ أَرادوا أَن يَخْتَفُوا دَمي. وَالنُّونُ الخَفِيَّة: السَّاكِنَةُ وَيُقَالُ لَهَا الخَفِيفة أَيضاً. والخِفاء: رِداءٌ تَلْبَسُه العَرُوس عَلَى ثَوْبها فَتُخْفِيه بِهِ. وكلُّ مَا سَتَر شَيْئًا فَهُوَ لَهُ خِفاءٌ. وأَخْفِيَة النَّوْرِ:(14/235)
أَكِمَّتُه. وأَخْفِيَة الكَرَى: الأَعينُ؛ قَالَ:
لَقَدْ عَلِمَ الأَيْقاظُ أَخْفِيةَ الكَرَى ... تَزَجُّجَها مِنْ حالِكٍ، واكْتِحالَها
والأَخْفِية: الأَكْسِيَة، وَالْوَاحِدُ خِفَاءٌ لأَنها تُلْقى عَلَى السِّقاءِ؛ قَالَ الْكُمَيْتُ يَذُمُّ قَوْمًا وأَنهم لَا يَبْرَحون بيوتَهم وَلَا يَحْضُرُونَ الْحَرْبَ:
فَفِي تلكَ أَحْلاسُ البُيوتِ لَواصِفٌ، ... وأَخْفِيَةٌ مَا هُمْ تُجَرُّ وتُسْحَبُ
وَفِي حَدِيثِ
أَبي ذَرٍّ: سَقَطْتُ كأَني خِفاءٌ
؛ الخِفَاء: الكِساء. وكلُّ شيءٍ غطَّيْت بِهِ شَيْئًا فَهُوَ خِفاءٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ العَبْدَ التَّقِيَّ الغَنِيَّ الخَفِيَ
؛ هُوَ المعتَزِل عَنِ النَّاسِ الَّذِي يَخْفَى عَلَيْهِمْ مكانُه. وَفِي حَدِيثِ الْهِجْرَةِ:
أَخْفِ عنَّا
أَي اسْتُر الخَبَر لِمَنْ سأَلك عنَّا. وَفِي الْحَدِيثِ:
خيرُ الذّكْرِ الخَفِيُ
أَي ما أَخْفاه الذاكره وسَتَره عَنِ النَّاسِ؛ قَالَ الْحَرْبِيُّ: الَّذِي عِنْدِي أَنه الشُّهْرَةُ وَانْتِشَارُ خَبَرِ الرَّجُلِ لأَن سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ أَجاب ابنَه عُمَر عَلَى مَا أَراده عَلَيْهِ مِنَ الظُّهُورِ وَطَلَبِ الْخِلَافَةِ بِهَذَا الْحَدِيثِ. والخَافِي: الجِنُّ، وَقِيلَ الإِنْس؛ قَالَ أَعْشى باهِلَة:
يَمْشي بِبَيْداءَ لَا يَمْشي بِهَا أَحَدٌ، ... وَلَا يُحَسُّ مِنَ الخَافِي بِهَا أَثَرُ
وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: أَصابها رِيحٌ مِنَ الخَافِي أَي مِنَ الجِنِّ. وَقَالَ ابْنُ مُناذِرٍ: الخَافِية مَا يَخْفى فِي البَدَن مِنَ الجِنِّ. يُقَالُ: بِهِ خَفِيَّة أَي لَمَم ومَسٌّ. والخَافِيَة والخَافِياءُ: كَالْخَافِي، وَالْجَمْعُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ خَوافٍ. حَكَى اللِّحْيَانِيُّ عَنِ الْعَرَبِ أَيضاً: أَصابه رِيحٌ مِنَ الخَوَافِي؛ قَالَ: هُوَ جَمْعُ الخَافِي يَعْنِي الَّذِي هُوَ الجِنُّ، وَعِنْدِي أَنهم إِذا عَنَوْا بالخَافِي الجِنَّ فَهُوَ مِنَ الِاسْتِتَارِ، وإِذا عَنَوا بِهِ الإِنسَ فَهُوَ مِنَ الظُّهُورِ وَالِانْتِشَارِ. وأَرضٌ خافيةٌ: بِهَا جِنٌّ؛ قَالَ المَرَّار الْفَقْعَسِيُّ:
إِليك عَسَفْتُ خَافِيَةً وإِنْساً ... وغِيطاناً، بِها للرَّكْبِ غُولُ
وَفِي الْحَدِيثِ:
إِن الحَزَاةَ يَشْرَبُها أَكايِس النِّسَاءِ للخَافِية والإِقْلاتِ
؛ الخَافِية: الجِنُّ سُمُّوا بِذَلِكَ لاسْتِتارهم عَنِ الأَبصار. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا تُحْدِثُوا فِي القَرَعِ فإِنه مُصَلَّى الخَافِين
؛ والقَرَعُ، بِالتَّحْرِيكِ: قِطعٌ مِنَ الأَرض بَيْنَ الكَلإِ لَا نَباتَ بِهَا. والخَوَافِي: رِيشَات إِذا ضَمَّ الطائرُ جَناحَيْه خَفِيت؛ وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هِيَ الرِّيشَات الأَربع اللَّوَاتِي بعدَ المَناكِب، وَالْقَوْلَانِ مُقْتربان؛ وَقَالَ ابْنُ جَبَلة: الخَوَافِي سبعُ رِيشات يَكُنَّ فِي الجَناحِ بَعْدَ السبْع المُقَدَّمات، هَكَذَا وَقَعَ فِي الْحِكَايَةِ عَنْهُ، وإِنما حَكَى النَّاسُ أَربعٌ قَوادِمُ وأَربعٌ خَوافٍ، وَاحِدَتُهَا خَافِية. وَقَالَ الأَصمعي: الخَوَافِي مَا دُونَ الرِّيشَاتِ الْعَشْرِ مِنْ مُقَدَّمِ الجَناح. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِن مَدينةَ قَومِ لُوطٍ حَمَلَها جِبْريل، عَلَيْهِ السَّلَامُ، عَلَى خَوافِي جَناحِه
؛ قَالَ: هِيَ الرِّيشُ الصِّغَارُ الَّتِي فِي جَناحِ الطَّائِرِ ضِدُّ القَوادِم، واحدَتُها خَافِيَة. وَفِي حَدِيثِ
أَبي سُفْيَانَ: وَمَعِي خَنْجَرٌ مثلُ خَافِيَة النَّسْرِ
؛ يُرِيدُ أَنه صَغِيرٌ. والخَوَافِي: السَّعَفات اللَّواتي يَلِينَ القِلَبةَ، نَجْديةٌ، وَهِيَ فِي لُغَةِ أَهل الْحِجَازِ العَوَاهِنُ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هِيَ السَّعَفات اللَّواتِي دُون القِلَبة، وَالْوَاحِدَةُ كَالْوَاحِدَةِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنَ السَّتْرِ. والخَفِيّة: غَيْضة مُلْتَفّة يتّخِذُها الأَسدَ عَرِينَهُ وَهِيَ خَفِيّته؛ وأَنشد:
أُسود شَرىً لاقَتْ أُسُودَ خَفِيَّةٍ، ... تَسَاقَيْنَ سُمّاً كُلُّهُنّ خَوادِرُ(14/236)
وَفِي الْمُحْكَمِ: هِيَ غَيْضَةٌ مُلْتَفَّة يَتَّخِذُ فِيهَا الأَسد عِرِّيساً فَيَسْتَتِرُ هُنَالِكَ، وَقِيلَ: خَفِيَّةُ وشَرىً اسْمَانِ لموضِعين عَلَمان؛ قَالَ:
ونحنُ قَتَلْنَا الأُسْدَ أُسْدَ خَفِيَّةٍ ... فَمَا شَرِبُوا، بَعْداً عَلَى لَذَّةٍ، خَمْرَا
وَقَوْلُهُمْ: أُسُودُ خَفِيَّةٍ كَمَا تَقُولُ أُسُود حَلْيَةٍ، وَهُمَا مَأْسَدَتان؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: السَّمَاعُ أُسُود خَفِيَّةٍ وَالصَّوَابُ خفِيَّةَ، غيرَ مَصْرُوفٍ، وإِنما يُصْرَفُ فِي الشِّعْرِ كَقَوْلِ الأَشهب بْنِ رُميلة:
أُسُودُ شَرىً لاقَتْ أُسُودَ خَفِيَّةٍ، ... تَسَاقَوْا، عَلَى لَوحٍ، دِماءَ الأَساوِدِ
والخَفِيَّةُ بئرٌ كَانَتْ عادِيَّةً فانْدَفَنَتْ ثُمَّ حُفِرَتْ، وَالْجَمْعُ الخَفَايا والخَفِيَّات. والخَفِيَّة: البئرُ القَعِيرَةُ لِخَفاءِ مَائِها. وخفو
خَفَا البَرْقُ خفو
يَخْفُو خفو
خَفْواً وخَفَا البَرْقُ وخَفِيَ خَفْياً فِيهِمَا؛ الأَخيرة عَنْ كُرَاعٍ: بَرَق بَرْقاً خَفِيّاً ضَعِيفاً مُعْتَرِضاً فِي نَواحي الْغَيْمِ، فإِن لَمَع قَلِيلًا ثُمَّ سَكَن وَلَيْسَ لَهُ اعْتِرَاضٌ فَهُوَ الوَمِيضُ، وإِن شَقَّ الغَيْم واسْتَطال فِي الجَوِّ إِلى السماءِ مِنْ غَيْرِ أَن يأْخُذَ يَميناً وَلَا شِمَالًا فَهُوَ العَقِيقَة؛ قَالَ ابْنُ الأَعرابي: الوَميضُ أَن يُومِضَ البَرْق إِيماضَة خَفِيفَة ثُمَّ يَخْفى ثُمَّ يُومِض، وَلَيْسَ فِي هَذَا يأْس مِنَ الْمَطَرُ. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: خفو
الخَفْوُ اعْتِراض البَرْق فِي نَواحِي السَّمَاءِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه سأَلَ عَنِ البَرْق فَقال أَخفو
خَفْواً أَم ومِيضاً.
وخَفا البَرْقُ إِذا بَرَق بَرْقاً ضَعِيفًا. وَرَجُلٌ خَفِيُّ البَطْنِ: ضَامره خَفيفُه؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
فَقامَ، فأَدْنَى مِن وِسادي وِسادَهُ، ... خَفِيَ البَطْنِ ممْشُوقُ القَوائِمِ شَوْذَبُ
وَقَوْلُهُمْ: بَرِحَ الخَفَاءُ أَي وضَحَ الأَمرُ وَذَلِكَ إِذا ظَهَرَ. وَصَارَ فِي بَراحٍ أَي فِي أَمر مُنْكَشِفٍ، وَقِيلَ: بَرِحَ الخَفَاءُ أَي زَالَ الخَفاء، قَالَ: والأَول أَجود. قَالَ بعضهم: الخَفاءُ المُتَطَأْطِيءُ مِنَ الأَرض الخَفِيُّ، والبَراحُ الْمُرْتَفِعُ الظاهرُ، يَقُولُ صَارَ ذَلِكَ المُتَطَأْطِئُ مُرْتَفِعًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الخَفَاءُ هُنَا السِّرّ فَيَقُولُ ظهَر السِّرّ، لأَنا قَدْ قَدَّمْنَا أَن البَراحَ الظاهرُ المُرْتَفِع؛ قَالَ يَعْقُوبُ: وَقَالَ بَعْضُ الْعَرَبِ إِذا حَسُن مِنَ المرأَة خَفِيَّاها حَسُنْ سائرُها؛ يَعْنِي صَوْتَها وأَثَرَ وطْئِها الأَرضَ، لأَنها إِذا كَانَتْ رخيمةَ الصَّوْتِ دلَّ ذَلِكَ عَلَى خَفَرِها، وإِذا كَانَتْ مُقارِبة الخُطى وتَمَكَّنَ أَثرُ وطْئِها فِي الأَرض دلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنّ لَهَا أَرْدافاً وأَوْراكاً. اللَّيْثُ: والخِفاءُ رِداءٌ تَلْبَسه المرأَة فَوْقَ ثِيَابِهَا. وكلُّ شَيْءٍ غطَّيْته بِشَيْءٍ مِنْ كِسَاءٍ أَو نَحْوِهِ فَهُوَ خِفاؤُه، وَالْجَمْعُ الأَخْفِيَة؛ وَمِنْهُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:
عَلَيْهِ زادٌ وأَهْدامٌ وأَخْفِيَة، ... قَدْ كَادَ يَجْتَرُّها عَنْ ظَهْرِه الحَقَب
خلا: خَلا المكانُ والشيءُ يَخْلُو خُلُوّاً وخَلاءً وأَخْلَى إِذا لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَحد وَلَا شَيْءَ فِيهِ، وَهُوَ خالٍ. والخَلاءُ مِنَ الأَرض: قَرارٌ خالٍ. واسْتَخْلَى: كخَلا مِنْ بَابِ عَلَا قِرْنَه واسْتَعْلاه. وَمِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ؛ مِنْ تَذْكِرَةِ أَبي عَلِيٍّ. وَمَكَانٌ خَلاء: لَا أَحد بِهِ وَلَا شَيْءَ فِيهِ. وأَخْلَى الْمَكَانَ: جَعَلَهُ خَالِيًا. وأَخْلاه: وَجَدَهُ كَذَلِكَ. وأَخْلَيْت أَي خَلَوْت، وأَخْلَيْتُ غيرِي، يَتعدَّى وَلَا يتعدَّى؛ قَالَ عُتَيّ بْنُ مَالِكٍ العُقَيْلي:
أَتيتُ مَعَ الحُدَّاثِ لَيْلَى فَلَمْ أُبِنْ، ... فأَخْلَيْتُ، فاسْتَعْجَمْت عندَ خَلائي «4» .
__________
(4) . قوله [عند خلائي] هكذا في الأَصل والصحاح، وفي المحكم: عند خلائيا(14/237)
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ أَبو الْقَاسِمِ الزَّجَّاجِيُّ فِي أَماليه أَخْلَيْتُ وجدْتُها خَالِيَةً مِثْلَ أَجْبَنْته وجدْته جَباناً، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَكُونُ مَفْعُولُ أَخْلَيْتُ مَحْذُوفًا أَي أَخْلَيْتها. وَفِي حَدِيثِ
أُمّ حَبيبةَ: قَالَتْ لَهُ لستُ لَكَ بمُخْلِيَةٍ
أَي لَمْ أَجِدْكَ خالِياً مِنَ الزَّوْجات غَيْرِي، قَالَ: وَلَيْسَ مِنْ قَوْلِهِمُ امرأَة مُخْلِية إِذا خَلَتْ مِنَ الزَّوْج. وخَلا الرجلُ وأَخْلَى: وَقَعَ فِي مَوْضِعٍ خالٍ لَا يُزاحَمُ فِيهِ. وَفِي الْمَثَلِ: الذئبُ مُخْلِياً أَشدُّ. والخَلاءُ، مَمْدُودٌ: البَرازُ مِنَ الأَرض. وأَلْفَيتُ فُلَانًا بخَلاءٍ مِنَ الأَرض أَي بأَرض خاليةٍ. وخَلَت الدَّارُ خَلاءً إِذا لَمْ يَبْقَ فِيهَا أَحَدٌ، وأَخْلاها اللَّهُ إِخْلاءً. وخَلا لَكَ الشيءُ وأَخْلَى: بِمَعْنَى فَرَغَ؛ قَالَ مَعْن بْنِ أَوْس المُزَني:
أَعاذِلَ، هَلْ يأْتي القبائِلَ حَظُّها ... مِنَ المَوْتِ أَم أَخْلى لَنَا الموتُ وحْدَنا؟
ووجدْت الدَّارَ مُخْلِيَةً أَي خالِيَة، وَقَدْ خَلَت الدارُ وأَخْلَتْ. ووَجَدت فلانةَ مُخْلِيَة أَي خالِيَة. وَفِي الْحَدِيثِ
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إِذا أَدْرَكْتَ منَ الجُمُعَة رَكْعَةً فإِذا سَلَّم الإِمام فأَخْلِ وَجْهَك وضُمَّ إِليها ركْعة، وإِن لَمْ تُدْرِك الرُّكوعَ فَصَلِّ أَرْبعاً
؛ قَالَ شَمِرٌ: قوله ف أَخْلِ وجْهَكَ مَعْنَاهُ فِيمَا بَلَغَنا اسْتَتِرْ بإِنسانٍ أَو شَيءْ وصَلِّ رَكْعة أُخْرى، ويُحْمَل الاسْتِتار عَلَى أَن لَا يراهُ الناسُ مُصَلِّياً مَا فاتَه فَيَعْرِفوا تقصيرَه فِي الصلاةِ، أَو لأَنَّ النَّاسَ إِذا فَرَغوا مِنَ الصلاةِ انْتَشروا راجِعِين فأَمَرَه أَن يَسْتَتِرَ بِشَيْءٍ لِئَلَّا يَمُرّوا بَيْنَ يَدَيْهِ. قَالَ: وَيُقَالُ أَخْلِ أَمْرَكَ واخْلُ بأَمْرِك أَي تَفَرَّدْ بِهِ وتَفَرَّغ لَهُ. وتَخَلَّيت: تَفَرَّغت. وخَلا عَلَى بعضِ الطعامِ إِذا اقْتَصَر عَلَيْهِ. وأَخْلَيْتُ عنِ الطعامِ أَي خَلَوْت عَنْهُ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: تَمِيمٌ تَقُولُ خَلا فُلان عَلَى اللَّبَنِ وَعَلَى اللَّحْمِ إِذا لَمْ يأْكُلْ مَعَهُ شَيْئًا وَلَا خَلَطَه بِهِ، قَالَ: وكِنانَةُ وقيسٌ يَقُولُونَ أَخْلى فُلَانٌ عَلَى اللَّبَنِ واللَّحْمِ؛ قَالَ الرَّاعِي:
رَعَتْه أَشهراً وخَلا عَلَيْها، ... فطارَ النَّيُّ فِيهَا واسْتَغارا
ابْنُ الأَعرابي: اخْلَوْلى إِذا دَامَ عَلَى أَكلِ اللَّبنِ، واطْلَوْلى حَسُن كلامهُ، واكْلَوْلى «1» . إِذا انْهَزَم. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا يَخْلو عَلَيْهِمَا أَحدٌ بِغَيْرِ مكةَ إِلَّا لَمْ يُوافِقاهُ
، يَعْنِي الماءَ واللحْم أَي ينفرِدُ بِهِمَا. يُقَالُ: خَلا وأَخْلَى، وَقِيلَ: يَخْلُو يَعْتَمِدُ، وأَخْلَى إِذا انْفَرَدَ؛ ومنه الحديث:
ف اسْتَخْلاهُ البُكاءُ
أَي انْفَرَدَ بِهِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: أَخْلَى فلانٌ عَلَى شُرْب اللَّبنِ إِذا لَمْ يأْكلْ غيرَه، قَالَ أَبو مُوسَى: قَالَ أَبو عَمْرٍو هُوَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْحَاءِ لَا شَيْءَ. واسْتَخْلاهُ مَجْلِسَه أَي سَأَله أَن يُخْلِيَه لَهُ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ: كانَ أُناسٌ يَستَحْيُون أَن يَتخَلَّوْا فيُفْضُوا إِلى السماءِ
؛ يَتَخَلَّوْا: مِنَ الخَلاء وَهُوَ قضاءُ الْحَاجَةِ، يَعْنِي يَستَحْيُون أَن يَنْكَشِفُوا عِنْدَ قَضَائِهَا تَحْتَ السَّمَاءِ. والخَلاء، مَمْدُودٌ: المُتَوَضَّأ لِخُلُوِّه. واسْتَخْلَى المَلِكَ فأَخْلاه وخَلا بِهِ، وخَلا الرجلُ بصاحِبه وإِلَيْه ومَعَه؛ عَنْ أَبي إِسحاق، خُلُوّاً وخَلاءً وخَلْوةً، الأَخيرة عَنِ اللِّحْيَانِيِّ: اجْتَمَعَ مَعَهُ فِي خَلْوة. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ
؛ وَيُقَالُ: إِلى بمعْنى مَعْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ*. وأَخْلَى مَجْلِسَه، وَقِيلَ: الخَلاءُ والخلُوُّ المصْدر، والخَلْوَة الِاسْمُ. وأَخْلَى بِهِ؛ كخَلا؛ هَذِهِ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، قَالَ: وَيَصْلُحُ أَن يَكُونَ خَلَوْت به أَي
__________
(1) . قوله [واكلولى] هكذا في الأصل والتهذيب(14/238)
سَخِرْتُ مِنْهُ. وخَلا بهِ: سَخِرَ مِنْهُ. قَالَ الأَزهري: وَهَذَا حَرْفٌ غَرِيبٌ لَا أَعْرِفه لِغَيْرِهِ، وأَظنه حفِظَه. وَفُلَانٌ يَخْلُو بفلانٍ إِذا خادَعَه. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَخْلَيْت بِفُلَانٍ أُخْلِي بهِ إِخْلاءً الْمَعْنَى خَلَوْت بِهِ. وَيَقُولُ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: اخْلُ مَعي حَتَّى أُكَلِّمَك أَي كُنْ مَعِي خَالِيًا. وَقَدِ اسْتَخْلَيْتُ فُلَانًا: قُلْتُ لَهُ أَخْلِني؛ قَالَ الْجَعْدِيُّ:
وذَلِكَ مِنْ وَقَعاتِ المَنُون، ... فأَخْلِي إِلَيْكِ وَلَا تَعْجَبِي
أَي أَخْلِي بأَمْرِك مِنْ خَلَوْت. وخَلا الرجلُ يَخْلو خَلْوةً. وَفِي حَدِيثِ الرُّؤْيَا:
أَلَيْسَ كُلُّكُم يَرى القَمَر مُخْلِياً بِهِ؟
يُقَالُ: خَلَوتُ بِهِ وَمَعَهُ وإِليه وأَخْلَيْت بِهِ إِذا انْفَرَدْتُ بِهِ، أَي كُلُّكم يَرَاهُ مُنْفَرِدًا لِنَفْسِهِ، كَقَوْلِهِ: لَا تُضارُون فِي رُؤْيَته. وَفِي حَدِيثِ
بَهْزِ بْنِ حَكِيم: إِنَّهُمْ لَيَزْعُمُونَ أَنك تَنْهى عَنِ الغَيِّ وتَسْتَخْلِي بِهِ
أَي تَسْتَقِلّ بِهِ وتَنْفَرد. وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ: تَرَكْتُه مُخْلِياً بِفُلَانٍ أَي خَالِيًا بِهِ. واسْتَخْلَى بِهِ: كَخَلا، عَنْهُ أَيضاً، وخَلَّى بَيْنَهُمَا وأَخْلاه مَعَهُ. وكُنَّا خِلْوَيْن أَي خالِيَيْن. وَفِي المَثَل: خَلاؤُك أَقْنى لِحَيائِك أَي منزِلُك إِذا خَلَوْت فِيهِ أَلْزَم لِحَيائِك، وأَنت خَلِيٌّ مِنْ هَذَا الأَمر أَي خالٍ فارِغٌ مِنَ الْهَمِّ، وَهُوَ خِلافُ الشَّجِيِّ. وَفِي الْمَثَلِ: وَيْلٌ للشَّجِيِّ مِنَ الخَلِيِّ؛ الخَلِيُّ الَّذِي لَا همَّ لهُ الفارِغ، وَالْجَمْعُ خَليُّون وأَخْلِياء. والخِلْوُ: كالخَلِيِّ، والأُنثى خِلْوَةٌ وخِلْوٌ؛ أَنشد سِيبَوَيْهِ:
وقائِلَةٍ: خَوْلانُ فانْكِحْ فتاتَهُمْ ... وأُكْرُومَةُ الحَيّيْنِ خِلْوٌ كَمَا هِيا
وَالْجَمْعُ أَخْلاءٌ. قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: الْوَجْهُ فِي خِلْوٍ أَن لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ وَلَا يُؤَنَّثُ وَقَدْ ثَنَّى بَعْضُهُمْ وَجَمَعَ وأَنث، قَالَ: وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ. وَفِي حَدِيثِ
أَنس: أَنت خِلْوٌ مِنْ مُصِيبَتي
؛ الخِلْوُ، بِالْكَسْرِ: الفارِغُ الْبَالِ مِنَ الْهُمُومِ، والخِلْو أَيضاً المُنْفَرِدُ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
إِذا كنْتَ إِماماً أَوْ خِلْواً.
وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ أَيضاً: أَنت خَلاءٌ مِنْ هَذَا الأَمرِ كَخَلِيّ، فَمَنْ قَالَ خِليٌّ ثنَّى وَجَمَعَ وأَنث، وَمَنْ قَالَ خَلاءٌ لَمْ يُثَنِّ وَلَا جَمَعَ وَلَا أَنث. وَتَقُولُ: أَنا مِنْكَ خَلاءٌ أَي بَراءٌ، إِذا جَعَلْتَهُ مَصْدَرًا لَمْ تُثَنَّ وَلَمْ تُجْمَعْ، وإِذا جَعَلْتَهُ اسْمًا عَلَى فَعِيلٍ ثَنَّيْتَ وَجَمَعْتَ وأَنثت وَقُلْتَ أَنا خَلِيٌّ مِنْكَ أَي بَرِيءٌ مِنْكَ. وَيُقَالُ: هُوَ خِلْوٌ مِنْ هَذَا الأَمر أَي خالٍ، وَقِيلَ أَي خارِجٌ، وَهُمَا خِلْوٌ وَهُمْ خِلْوٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَمَا خِلْوان مِنْ هَذَا الأَمر وَهُمْ خِلاءٌ، وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ. والخَالِي: العَزَبُ الَّذِي لَا زَوْجَة لَهُ، وَكَذَلِكَ الأُنثى، بِغَيْرِ هَاءٍ، وَالْجَمْعُ أَخْلاءٌ؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
أَلَمْ تَرَني أُصْبي عَلى المَرْءِ عِرْسَهُ، ... وأَمْنَعُ عِرْسي أَن يُزَنَّ بِهَا الخَالِي؟
وخَلَّى الأَمْرَ وتَخَلَّى مِنْهُ وَعَنْهُ وخَالاه: تَرَكه. وخَالَى فُلَانًا: تَرَكه؛ قَالَ النَّابِغَةُ الذُّبْياني لزُرْعة بْنِ عَوْف، حينَ بعثَ بَنُو عَامِرٍ إِلى حِصْن بْنِ فَزَارَةَ وإِلى عُيَيْنَة بنِ حِصْنٍ أَن اقْطَعُوا مَا بيْنَكُم وبَينَ بَنِي أَسَدٍ، وأَلْحِقُوهمْ ببَني كنانَة ونحالِفُكُمْ، فنَحْنُ بَنُو أَبيكم، وَكَانَ عُيَيْنَة هَمَّ بِذَلِكَ فَقَالَ النَّابِغَةُ:
قالَتْ بَنُو عامِرٍ: خالُوا بَنِي أَسدٍ، ... يَا بُؤْسَ للحَرْبِ ضَرَّاراً لأَقْوامِ
أَي تارِكُوهُمْ، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ، قال ف خَلَّى(14/239)
عَنْهُمْ أَربعين عَامًا ثُمَّ قال اخْسَؤُا فِيها
أَي ترَكَهُم وأَعرَض عَنْهُمْ. وخَالانِي فُلَانٌ مُخَالاةً أَي خالَفَني. يُقَالُ: خَالَيْته خِلاءً إِذا تَركْتَه؛ وَقَالَ:
يأْبى البَلاءُ فَمَا يَبْغِي بهمْ بَدَلًا، ... وَمَا أُرِيدُ خِلاءً بعدَ إِحْكامِ
يأْبى البَلاءُ أَي التَّجْرِبة أَي جَرَّبْناهم فأَحْمَدْناهُمْ فَلَا نخالِيهمْ. والخَلِيَّةُ والخَلِيُّ: مَا تُعَسِّلُ فِيهِ النَّحْلُ مِنْ غَيْرِ مَا يُعالَجُ لَهَا مِنَ العَسَّالاتِ، وَقِيلَ: الخَلِيَّة مَا تُعَسِّل فِيهِ النَّحل مِنْ راقُودٍ أَو طِينٍ أَو خَشبة مَنْقُورة، وَقِيلَ: الخَلِيَّة بَيْتُ النَّحْل الَّذِي تُعَسِّلُ فِيهِ، وَقِيلَ: الخَلِيَّةُ مَا كَانَ مَصْنُوعًا، وَقِيلَ: الخَلِيَّة والخَلِيُّ خَشَبة تُنْقَرُ فيُعَسِّلُ فِيهَا النَّحلُ؛ قَالَ:
إِذا مَا تأَرَّتْ بالخَلِيِّ ابتَنَتْ بِهِ ... شَرِيجَيْنِ مِمَّا تَأْتَرِي وتُتِيع
شَرِيجَيْنِ أَي ضَرْبَيْنِ مِنَ الْعَسَلِ. والخَلِيَّة: أَسفَلُ شَجَرة يُقَالُ لَهَا الخَزَمة كأَنه راقُود، وَقِيلَ: هُوَ مِثْلُ الرَّاقُودِ يُعْمَل لَهَا مِنْ طِينٍ. وَفِي الْحَدِيثِ:
فِي خَلايا النَّحلِ إِنَّ فِيهَا العُشْرَ.
اللَّيْثُ: إِذا سُوِّيَت الخَلِيَّة مِنْ طِين فَهِيَ كُوَّارة. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ عَامِلًا لَهُ عَلَى الطائِف كتَبَ إِليه إِن رِجالًا مِنْ فَهْمٍ كَلَّموني فِي خَلايا لَهُمْ أَسْلَموا عَلَيْهَا وسأَلوني أَنْ أَحْمِيَها لهمْ
؛ الخَلايا: جمعُ خَلِيَّة وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تُعَسّل فِيهِ النَّحل. والخَلِيَّة مِنَ الإِبل: الَّتِي خُلِّيَتْ للحَلْب، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي عَطَفتْ عَلَى وَلَدٍ، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي خَلَتْ عَنْ وَلَدِها ورَئِمَتْ وَلَدَ غيرِها، وإِنْ لَمْ تَرْأَمْهُ فَهِيَ خَلِيَّة أَيضاً، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي خَلَتْ عَنْ وَلَدِهَا بمَوْت أَو نَحْر فتُسْتَدَرُّ بوَلَدِ غيرِها وَلَا تُرْضِعُه، إِنما تَعْطِفُ عَلَى حُوارٍ تُستَدَرُّ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَن تُرْضِعَه، فسُمِّيت خَلِيَّة لأَنها لَا تُرْضِعُ ولدَها وَلَا غيرَه؛ وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: الخَلِيَّة الَّتِي تُنْتَج وَهِيَ غَزِيرَةٌ فيُجَرُّ ولدُها مِنْ تَحْتِهَا فيُجعل تَحْتَ أُخرى وتُخَلَّى هِيَ لِلْحَلْبِ وَذَلِكَ لكَرَمِها. قَالَ الأَزهري: ورأَيت الخَلايا فِي حَلائبهم، وَسَمِعْتُهُمْ يَقُولُونَ: بَنُو فُلَانٍ قَدْ خَلَوْا وهمْ يَخْلُون. والخَلِيَّة: النَّاقَةُ تُنْتَج فيُنْحَر ولدُها ساعةَ يُولَد قبلَ أَن تَشَمَّه ويُدْنى مِنْهَا ولدُ ناقةٍ كَانَتْ ولدَتْ قَبلَها فتَعْطِفُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُنظَر إِلى أَغْزَر النَّاقَتَيْنِ فتُجعل خَلِيَّةً، وَلَا يَكُونُ للحُوار مِنْهَا إِلَّا قَدْرُ مَا يُدِرُّها وتُركَت الأُخرى للحُوار يَرْضعُها مَتَى مَا شَاءَ وتُسمَّى بَسُوطاً، وَجَمْعُهَا بُسْطٌ، وَالْغَزِيرَةُ الَّتِي يتَخلَّى بلَبَنِها أَهلُها هِيَ الخَلِيَّة. أَبو بَكْرٍ: نَاقَةٌ مِخلاءٌ أُخْلِيَت عَنْ ولدِها؛ قَالَ أَعرابي:
عِيطُ الهَوادي نِيطَ مِنها بالحُقِي [بالحِقِي] ، ... أَمْثالُ أَعْدالِ مَزَادِ المُرْتَوي،
مِنْ كلِّ مِخْلاءٍ ومُخْلاةٍ صَفي
والمُرْتوي: المُسْتَقي، وَقِيلَ: الخَلِيَّة نَاقَةٌ أَو نَاقَتَانِ أَو ثَلَاثٌ يُعْطَفْنَ عَلَى ولدٍ وَاحِدٍ فيَدْرُرْنَ عَلَيْهِ فيَرْضعُ الْوَلَدُ مِنْ وَاحِدَةٍ، ويتَخلَّى أَهلُ الْبَيْتِ لأَنفُسِهم وَاحِدَةً أَو ثِنْتَيْنِ يَحْلُبونها. ابْنُ الأَعرابي: الخَلِيَّة النَّاقَةُ تُنْتَجُ فيُنْحَرُ وَلَدُهَا عَمْداً ليَدُوم لَهُمْ لَبَنُها فتُسْتَدَرُّ بِحُوارِ غيرِها، فإِذا دَرَّتْ نُحِّيَ الحُوارُ واحْتُلِبَتْ، وَرُبَّمَا جَمَعُوا مِنَ الخَلايا ثَلَاثًا وأَربعا عَلَى حُوارٍ واحدٍ وَهُوَ التَّلَسُّن. وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: رُبَّمَا عَطَفُوا ثَلَاثًا وأَربعاً عَلَى فَصيل وبأَيَّتِهِنَّ شاؤُوا تَخَلَّوْا. وتَخَلَّى خَلِيَّة: اتَّخَذَها لنفْسه؛ وَمِنْهُ قَوْلُ خَالِدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ كِلَابٍ يَصِفُ فَرَسًا:
أَمرْتُ بِهَا الرِّعاءَ ليُكرموها، ... لَهَا لَبَنُ الخَلِيَّةِ والصَّعُودِ(14/240)
وَيُرْوَى:
أَمْرتُ الراعِيَيْن ليُكْرِماها
والخَلِيَّة مِنَ الإِبل: المطلَقة مِنْ عِقال.
ورُفِعَ إِلى عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عنه، رجلٌ وَقَدْ قَالَتْ لَهُ امرأَتُه شَبِّهْني فَقَالَ: كأَنكِ ظَبْيَةٌ، كأَنكِ حمامةٌ فَقَالَتْ: لَا أَرضَى حَتَّى تقولَ خَليَّة طالِقٌ فَقَالَ ذَلِكَ، فَقَالَ عُمَرُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: خُذْ بِيَدِهَا فإِنها امرأَتُك
لمَّا لَمْ تَكُنْ نيتُه الطلاقَ، وإِنما غالَطَتْه بِلَفْظٍ يُشْبِه لَفْظَ الطَّلَاقِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: أَراد بالخَلِيَّة هَاهُنَا النَّاقَةَ تُخَلَّى مِنْ عِقالها، وطَلَقَت مِنَ العِقال تَطْلُقُ طَلْقاً فَهِيَ طَالِقٌ، وَقِيلَ: أَراد بالخَلِيَّة الغزيرةَ يؤْخذ وَلَدُهَا فيُعطَفُ عَلَيْهِ غيرُها وتُخَلَّى للحَيِّ يَشْرَبُونَ لَبَنَهَا، والطالِقُ: النَّاقَةُ الَّتِي لَا خِطَام لَهَا، وأَرادت هِيَ مُخادَعَته بِهَذَا الْقَوْلِ ليَلْفِظ بِهِ فيقَعَ عَلَيْهَا الطلاقُ، فَقَالَ لَهُ عُمر:
خُذْ بِيَدِهَا فإِنها امرأَتك
، وَلَمْ يُوقِعِ الطَّلَاقَ لأَنه لَمْ يَنْوِ الطلاقَ، وَكَانَ ذَلِكَ خِداعاً مِنْهَا. وَفِي حَدِيثِ
أُمّ زَرْع: كنتُ لكِ كأَبي زَرْع لأُم زَرْع فِي الأُلْفَة والرِّفاء لَا فِي الفُرْقة والخَلاء
، يَعْنِي أَنه طَلَّقها وأَنا لَا أُطَلِّقك. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: الخَلِيَّةُ كَلِمَةٌ تُطَلَّقُ بِهَا المرأَة يُقَالُ لَهَا أَنتِ بَرِيَّة وخَلِيَّة، كِنَايَةً عَنِ الطَّلَاقِ تَطْلُق بِهَا المرأَة إِذا نوَى طَلَاقًا، فَيُقَالُ: قَدْ خَلَت المرأَةُ مِنْ زَوْجِهَا. وَقَالَ ابْنُ بُزُرْج: امرأَة خَلِيَّةٌ ونساءٌ خَلِيَّاتٌ لَا أَزواج لهُنَّ وَلَا أَولادَ، وَقَالَ: امرأَةٌ خِلْوةٌ وامرأَتان خِلْوَتان وَنِسَاءٌ خِلْواتٌ أَي عَزَبات. وَرَجُلٌ خَلِيٌّ وخَلِيّانِ وأَخْلِياءُ: لَا نساءَ لَهُمْ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ: الخَلِيَّة ثَلَاثٌ
، كَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُ لِزَوْجَتِهِ أَنتِ خَلِيَّة فَكَانَتْ تَطْلُق مِنْهُ، وَهِيَ فِي الإِسلام مِنْ كِنايات الطَّلَاقِ فإِذا نَوَى بِهَا الطَّلَاقَ وَقَعَ. أَبو الْعَبَّاسِ أَحمد بْنُ يَحْيَى: إِنه لَحُلْوُ الخَلا إِذا كَانَ حسَنَ الْكَلَامِ؛ وأَنشد لِكُثَيِّرٍ:
ومُحْتَرِشٍ ضَبَّ العَداوة مِنْهُمُو ... بحُلْوِ الخَلا حَرْشَ الضِّبابِ الخَوادعِ
شَمِرٌ: المُخالاةُ المبارَزَةُ. والمُخالاةُ: أَن يَتخلَّوْا مِنَ الدُّورِ ويَصيروا إِلى الدُّثُورِ. اللَّيْثُ: خَالَيْت فُلَانًا إِذا صارَعْته، وَكَذَلِكَ المُخالاةُ فِي كلِّ أَمرٍ؛ وأَنشد:
وَلَا يَدْرِي الشَّقِيُّ بمَنْ يُخالِي
قَالَ الأَزهري: كأَنه إِذا صَارَعَهُ خَلا بِهِ فَلَمْ يَسْتَعِنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بأَحَدٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَخْلُو بِصَاحِبِهِ. وَيُقَالُ: عَدُوٌّ مُخَالٍ أَي لَيْسَ لَهُ عَهْد؛ وَقَالَ الْجَعْدِيُّ:
غَيْرُ بِدْعٍ منَ الجِيادِ، وَلَا يُجْنَبْنَ ... إِلَّا عَلَى عَدُوٍّ مُخَالِي
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: خَالَيْت العَدُوَّ تَرَكَتْ مَا بَيْني وَبَيْنَهُ مِنَ المُواعَدة، وَخَلَا كلُّ واحدٍ مِنْهُمَا مِنَ العَهْد. والخَلِيَّة: السَّفِينة الَّتِي تَسير مِنْ غَيْرِ أَن يُسَيِّرَها مَلَّاح، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي يَتْبَعُهَا زَوْرَق صَغِيرٌ، وَقِيلَ: الخَلِيَّة الْعَظِيمَةُ مِنَ السُّفُن، وَالْجَمْعُ خَلايا، قَالَ الأَزهري: وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ قَالَ طَرَفَةُ:
كأَنَّ حُدُوجَ المَالِكِيَّة، غُدْوَةً، ... خَلايا سَفِين بالنَّواصِفِ مِنْ دَدِ
وَقَالَ الأَعشى:
يَكُبُّ الخَلِيَّةَ ذاتَ القِلاع، ... وقَدْ كادَ جُؤْجُؤُها يَنْحَطِمْ
وَخَلَا الشيءُ خُلُوّاً: مَضَى. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ
؛ أَي مَضَى وأُرْسِل. والقُرون الخَالِيَة: هُم المَواضي. وَيُقَالُ: خَلا قَرْنٌ فَقَرْنٌ أَي مَضى. وَفِي حَدِيثِ
جَابِرٍ: تَزَوَّجْت(14/241)
امرأَةً قَدْ خَلا مِنْهَا
أَي كَبِرَتْ ومَضى مُعْظَم عُمْرِها؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
فلمَّا خَلا سِنِّي ونَثَرْتُ لَهُ ذَا بَطْني
؛ تُرِيدُ أَنها كَبِرَت وأَولَدت لَهُ. وتَخَلَّى عَنِ الأَمر وَمِنَ الأَمر: تَبَرَّأَ. وتَخَلَّى: تَفَرَّغ. وَفِي حَدِيثِ
مُعاوية القُشَيْرِي: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا آياتُ الإِسلامِ؟ قَالَ: أَن تَقُولَ أَسْلَمْتُ وجْهِي إِلى اللَّهِ وتَخَلَّيْتُ
؛ التَّخَلِّي: التفَرُّغُ. يُقَالُ: تَخَلَّى لِلْعِبَادَةِ، وَهُوَ تَفَعُّلٌ مِنَ الخُلُوّ، وَالْمُرَادُ التَّبَرُّؤُ مِنَ الشرْكِ وعقْدُ القَلْبِ عَلَى الإِيمان. وخَلَّى عَنِ الشَّيْءِ: أَرْسَلَه، وخَلَّى سبيلَه فَهُوَ مُخَلّىً عَنْهُ، ورأَيته مُخَلِّياً؛ قَالَ الشَّاعِرِ:
مَا لِي أَراك مُخَلِّياً، ... أَيْنَ السلاسِلُ والقُيُود؟
أَغَلا الحدِيدُ بأَرْضِكُمْ ... أَمْ ليسَ يَضْبِطُكَ الحدِيد؟
وخَلَّى فلانٌ مكانَه إِذا مَاتَ؛ قَالَ:
فإِنْ يكُ عبدُ اللَّهِ خَلَّى مكانَه، ... فَمَا كَانَ وقَّافاً وَلَا مُتَنَطِّقا
قَالَ ابْنُ الأَعرابي: خَلا فلانٌ إِذا ماتَ، وَخَلَا إِذا أَكل الطَّيِّبَ، وَخَلَا إِذا تعيَّد، وَخَلَا إِذا تَبَرَّأَ مِنْ ذَنْبٍ قُرِفَ بِهِ. وَيُقَالُ: لَا أَخْلَى اللهُ مكانَك، تَدْعُو لَهُ بالبَقاء. وخَلا: كَلِمَةٌ مِنْ حُرُوفِ الِاسْتِثْنَاءِ تَجُرُّ مَا بَعْدَهَا وتنصِبُه، فإِذا قُلْتَ مَا خَلا زَيْدًا فَالنَّصْبُ لَا غَيْرَ. اللَّيْثُ: يُقَالُ مَا فِي الدَّارِ أَحد خَلا زَيْدًا وزيدٍ، نصْبٌ وجَرّ، فإِذا قُلْتَ مَا خَلَا زَيْدًا فانْصِبْ فإِنه قَدْ بُيِّنَ الفِعْلُ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: تقول جاؤوني خَلَا زَيْدًا، تَنْصِبُ بِهَا إِذا جَعَلْتها فِعْلًا وَتُضْمِرَ فِيهَا الْفَاعِلَ كأَنك قُلْتَ خَلَا مَنْ جَاءَنِي مِنْ زَيْدٍ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ خَلَا بعضُهم زَيْدًا، فإِذا قُلْتَ خَلَا زَيْدٍ فجررتْ فَهُوَ عِنْدَ بَعْضِ النَّحْوِيِّينَ حَرْفُ جَرٍّ بِمَنْزِلَةِ حَاشَى، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ مَصْدَرٌ مُضَافٌ، وأَما مَا خَلَا فَلَا يَكُونُ بَعْدَهَا إِلَّا النصب، تقول جاؤوني مَا خَلَا زَيْدًا لأَن خَلا لَا تَكُونُ بَعْدَ مَا إِلَّا صِلَةً لَهَا، وَهِيَ مَعَهَا مَصْدَرٌ، كأَنك قلت جاؤوني خُلُوَّ زَيْدٍ أَي خُلُوَّهُم مِنْ زَيْدٍ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: مَا الْمَصْدَرِيَّةُ لَا تُوصَلُ بِحَرْفِ الْجَرِّ، فَدَلَّ أَن خَلَا فِعْلٌ. وَتَقُولُ: مَا أَردت مَساءَتَك خَلا أَني وعَظْتك، مَعْنَاهُ إِلَّا أَني وَعَظْتُكَ؛ وأَنشد:
خَلا اللهَ لَا أَرْجُو سِوَاكَ، وإِنَّما ... أَعُدُّ عِيالي شُعْبة مِنْ عِيالِكا
وَفِي الْمَثَلِ: أَنا مِنْ هَذَا الأَمْرِ كَفَالِجِ بْن خَلاوَةَ أَي بَرِيءٌ خَلاءٌ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي حَرْفِ الْجِيمِ. وخَلاوَةُ: اسْمُ رَجُلٍ مشتقٌّ مِنَ ذَلِكَ. وبَنُو خَلاوَةَ: بَطْنٌ مِنْ أَشْجَعَ، وَهُوَ خَلاوَةُ بْنُ سُبَيْعِ بنِ بَكْرِ بنِ أَشْجَعَ؛ قَالَ أَبو الرُّبَيْسِ التَّغْلَبيّ:
خَلاوِيَّةٌ إِنْ قُلْتَ جُودي، وجَدْتَها ... نَوَارَ الصَّبَا قَطَّاعَةً للعَلائِقِ
وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الخَلْوَتانِ شَفْرَتا النَّصْل، واحدَتُهما خَلْوَة. وَقَوْلُهُمْ: افْعَلْ كَذَا وخَلاكَ ذَمٌّ أَي أَعْذَرْتَ وسَقَطَ عَنْكَ الذَّمُّ؛ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ:
فَشَأْنَكِ فانْعَمي، وخَلاكِ ذَمٌّ، ... وَلَا أَرْجِعْ إِلى أَهْلٍ وَرَائي
وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ: وخَلاكُمْ ذَمٌّ مَا لَمْ تَشْرُدوا
، هُوَ مِنْ ذَلِكَ. والخَلى: الرَّطْبُ مِنَ النَّبات، وَاحِدَتُهُ خَلاةٌ. الْجَوْهَرِيُّ: الخَلى الرَّطْبُ من الحَشِيشِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يُقَالُ الخَلى الرُّطْبُ، بِالضَّمِّ لَا غَيْرَ، فإِذا قُلْتَ الرَّطْبُ مِنَ الحَشِيش فَتَحْت لأَنك تُرِيدُ ضِدَّ(14/242)
الْيَابِسِ، وَقِيلَ: الخَلاةُ كُلُّ بَقْلة قَلَعْتها، وَقَدْ يُجْمَع الخَلى عَلَى أَخْلاءٍ؛ حَكَاهُ أَبو حَنِيفَةَ. وجاءَ فِي الْمَثَلِ: عَبْدٌ وخَلىً فِي يَدَيْهِ أَي مَعَ عبودِيَّته غَنيٌّ. قَالَ يَعْقُوبُ: وَلَا تَقُلْ وحَلْيٌ فِي يَدَيْه. وَقَالَ الأَصمعي: الخَلى الرَّطْب من الحشيش، وَبِهِ سُمِّيت المِخْلاة، فَإِذَا يَبِس فَهُوَ حَشِيش؛ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَوْلُ الأَعشى:
وحَوْليَ بَكْرٌ وأَشْياعُهَا، ... ولَسْتُ خَلاةً لِمَنْ أَوْعَدَنْ
أَي لَسْتُ بِمَنْزِلَةِ الخَلاةِ يأْخُذُها الآخِذُ كَيْفَ شَاءَ بَلْ أَنا فِي عِزّ ومَنَعة. وَفِي حَدِيثِ
مُعْتَمِرٍ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ عَجين يُعْجَن بِدُرْدِيّ فَقَالَ: إِنْ كَانَ يُسْكِرُ فَلا
، فَحَدَّث الأَصمعي بِهِ مُعْتَمِراً فَقَالَ: أَو كَانَ كَمَا قَالَ:
رأَى فِي كَفِّ صاحِبِه خَلاةً، ... فتُعْجِبهُ ويُفْزِعُه الجَرِيرُ
الخَلاةُ: الطَّائِفَةُ مِنَ الخَلا، وَذَلِكَ أَن مَعْنَاهُ أَن الرجلَ يَنِدُّ بَعيره، فيأْخُذُ بإحْدى يَدَيْه عُشْباً وبالأُخْرى حَبْلًا، فينظُر البعيرُ إلَيْهما فَلَا يَدْرِي مَا يَصْنَع، وَذَلِكَ أَنه أَعْجَبه فَتْوَى مالِكٍ وخافَ التحريمَ لِاخْتِلَافِ الناسِ فِي الْمُسْكِرِ فتَوقَّف وتمَثَّل بِالْبَيْتِ. وأَخْلَت الأَرضُ: كَثُرَ خَلاها. وأَخْلَى اللهُ الماشِيَةَ يُخْلِيها إخْلاءً: أَنْبَتَ لَهَا مَا تأْكُلُ مِنَ الخَلى؛ هَذِهِ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. وخَلى الخَلى خَلْياً واخْتَلاه فانْخَلَى: جَزَّه وقَطَعَه ونَزَعه، وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: نَزَعه. والمِخْلَى: مَا خَلاه وجَزَّه بِهِ. والمِخْلاةُ: مَا وَضَعه فِيه. وخَلى فِي المِخْلاةِ: جَمَع؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. اللَّيْثُ: الخَلى هُوَ الْحَشِيشُ الَّذِي يُحْتَشُّ مِنْ بُقول الرَّبِيع، وَقَدِ اخْتَلَيْته، وبِه سُمِّيت المِخْلاة، وَالْوَاحِدَةُ خَلاةٌ، وأَعْطِني مِخْلاةً أَخْلِي فِيهَا. وخَلَيْت فَرَسي إِذَا حَشَشْت عَلَيْهِ الحَشيش. وَفِي حَدِيثِ تَحْرِيمِ مَكَّة:
لَا يُخْتَلَى خَلاها
؛ الخَلَى: النَّبات الرَّقِيقُ مَا دَامَ رَطْباً. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ: كَانَ يَخْتَلِي لِفَرسِه
أَي يَقْطَع لَهَا الخَلَى. وَفِي حَدِيثِ
عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ: إِذَا اخْتُلِيَتْ فِي الحَرْبِ هامُ الأَكابِرِ
أي قُطِعَتْ رُؤُوسُهُم. وخَلى البَعِيرَ والفَرَس يَخْلِيها خَلْياً: جَزَّ لَه الخَلَى. والسيفُ يَخْتَلِي أَي يَقْطَع. والمُخْتَلُون والخَالُون: الَّذِينَ يَخْتَلُون الخَلَى وَيَقْطَعُونَهُ. وخَلَى اللِّجامَ عَنِ الْفَرَسِ يَخْلِيهِ: نَزَعَه. وخَلَى الفرسَ خَلْياً: أَلْقَى فِي فِيهِ اللِّجامَ؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ فِي خَلَيْت الْفَرَسَ:
تَمَطَّيْت أَخْلِيهِ اللِّجامَ وبَذَّنِي، ... وشَخْصي يُسامي شَخْصَه وَهْوَ طائِلُهْ «2»
. وخَلَى القِدْرَ خَلْياً: أَلْقَى تَحْتَها حَطَباً. وخَلاها أَيضاً: طَرحَ فِيهَا اللَّحْمَ. ابْنُ الأَعرابي: أَخْلَيْتُ القِدْرَ إِذَا أَلْقَيْتَ تَحْتَها حَطَباً. وخَلَيْتُها إِذَا طَرَحْتَ فِيهَا اللَّحم، وَاللَّهُ أَعلم.
خما: خَما الصَّوْتُ: اشْتَدَّ، وَقِيلَ: ارْتَفَعَ؛ عَنْ ثَعْلَبٍ؛ وأَنشد هُوَ وَابْنُ الأَعرابي:
كأَنّ صَوْتَ شُخْبِها، إِذَا خَما، ... صوتُ أَفاعٍ فِي خشِيٍّ أَعْشَما
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أَلفها يَاءٌ لأَن اللَّامَ يَاءٌ أَكثر مِنْهَا وَاوًا. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الْخَامِي الخامسُ؛ قَالَ الحادِرَةُ:
مَضَى ثلاثُ سِنينٍ مُنْذُ حَلَّ بها، ... وعامُ حَلَّتْ وهذا التابعُ الخَامِي
__________
(2) . قوله [وهو طائله] كذا بالأَصل والتكملة، والذي بهامش نسخة قديمة من النهاية: ويطاوله(14/243)
قَالَ: وَهَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَن يُذْكَرَ فِي فَصْلِ خما، كَمَا ذُكِرَ السَّادي في فصل سَدَى.
خنا: الخَنا: مِنْ قَبِيحِ الْكَلَامِ. خَنا فِي مَنْطقه يَخْنُو خَناً، مَقْصُورٌ. والخَنَا: الفُحْش. وَفِي التَّهْذِيبِ: الخَنَا مِنَ الْكَلَامِ أَفْحَشُه. وخَنا فِي كَلَامِهِ وأَخْنَى: أَفْحَش، وَفِي مَنْطقه إخْنَاءٌ؛ قَالَتْ بنتُ أَبي مُسافِعٍ القُرَشي وَكَانَ قَتَلَهُ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
وَمَا لَيْثُ غَرِيفٍ ذُو ... أَظافِيرَ وأَقْدامِ
كحِبِّي، إذا تَلاقَوا، وَ ... وُجُوهُ القَوْمِ أَقْرانُ
وأَنتَ الطاعِنُ النَّجْلاءِ ... مِنْهَا مُزْبِدٌ آنِ
وَفِي الكَفِّ حُسامٌ صارِمٌ ... أَبْيَضُ خَذَّامُ
وَقَدْ تَرْحَلُ بالرَّكْبِ، ... فَمَا تُخْنِي لصُحْبانِ
ابْنُ سِيدَهْ: هَكَذَا رَوَاهَا الأَخفش كُلَّهَا مُقَيَّدَةً، وَرَوَاهَا أَبو عَمْرٍو مُطْلَقَةً. قَالَ ابْنُ جِنِّي: إِذَا قُيِّدَتْ فَفِيهَا عَيْبٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الإِكْفاء بِالنُّونِ وَالْمِيمِ، وَإِذَا أَطلقت فَفِيهَا عَيْبَانِ الإِكْفاء والإِقْواء، قَالَ: وَعِنْدِي أَن ابْنَ جِنِّي قَدْ وَهِمَ فِي قَوْلِهِ رَوَاهَا أَبو الْحَسَنِ الأَخفش مُقَيَّدَةً، لأَن الشِّعْرَ مِنَ الهَزَج وَلَيْسَ فِي الْهَزَجِ مَفَاعِيلْ بالإِسكان وَلَا فَعُولانْ، فَإِنْ كَانَ الأَخْفش قَدْ أَنشده هَكَذَا فَهُوَ عِنْدِي عَلَى إِنْشَادِ مَنْ أَنشد:
أَقِلِّي اللَّوْمَ عاذِلَ والعِتابْ
بِسُكُونِ الْبَاءِ، وَهَذَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ ضَرْبًا لأَن فَعُولْ مُسَكَّنَةً لَيْسَتْ مِنْ ضُرُوبِ الْوَافِرِ، فَكَذَلِكَ مفاعيلْ أَو فَعُولانْ لَيْسَتْ مِنْ ضُرُوبِ الْهَزَجِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالرِّوَايَةُ كَمَا رَوَاهُ أَبو عَمْرٍو، وَإِنْ كَانَ فِي الشِّعْرِ حِينَئِذٍ عَيْبَانِ مِنَ الإِقواء والإِكفاء إِذِ احتمالُ عَيْبَيْنِ وَثَلَاثَةٍ وأَكثر مِنْ ذَلِكَ أَمْثَلُ مِنْ كَسْرِ الْبَيْتِ، وَإِنْ كُنْتَ أَيها النَّاظِرُ فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنْ أَهل العَروض فعِلْمُ هَذَا عَلَيْكَ مِنَ اللَّازِمِ الْمَفْرُوضِ. وكلامٌ خَنٍ وكَلِمَة خَنِيَةٌ، وَلَيْسَ خَنٍ عَلَى الفِعْل، لأَنا لَا نَعْلَمُ خَنِيَتِ الْكَلِمَةُ، وَلَكِنَّهُ عَلَى النَّسَب كَمَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ مِنْ قَوْلِهِمْ رَجُلٌ طَعِمٌ ونَهِرٌ، وَنَظِيرُهُ كاسٍ إِلَّا أَنه عَلَى زِنَةِ فاعِلٍ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: أَي ذُو طَعامٍ وكسْوَة وسَيْرٍ بِالنَّهَارِ؛ وأَنشد:
لَسْتُ بلَيْلِيٍّ ولكنِّي نَهِرْ
وَقَوْلُ القُطامِيّ:
دَعُوا النَّمْر، لَا تُثْنُوا عَلَيْهَا خَنايَةً، ... فَقَدْ أَحْسَنَتْ فِي جُلّ مَا بَيننا النَّمْرُ
بَنَى مِنَ الخنَا فَعالَة. وَقَدْ خَنِيَ عَلَيْهِ، بِالْكَسْرِ، وأَخْنَى عَلَيْهِ فِي مَنْطِقِه: أَفْحَشَ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
وَلَا تُخْنُوا عليَّ، وَلَا تُشِطُّوا ... بِقَوْلِ الفخْر، إِنَّ الفَخْرَ حُوبُ
وَفِي الْحَدِيثِ:
أَخْنَى الأَسماء عِنْدَ اللَّهِ رَجُلٌ تَسَمَّى مَلكَ الأَمْلاكِ
؛ الخَنا: الفُحْشُ فِي الْقَوْلِ، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مِنْ أَخْنَى عَلَيْهِ الدَّهْرُ إِذَا مالَ عَلَيْهِ وأَهلكه. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَنْ لَمْ يَدَعِ الخَنا والكَذِبَ فَلَا حاجةَ لِلَّهِ فِي أَن يَدَعَ طَعامَه وَشَرَابَهُ.
وَفِي حَدِيثِ
أَبي عُبَيْدَةَ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ جُهَيْنَة وَاللَّهِ مَا كَانَ سَعْدٌ ليُخْنِيَ بابْنهِ «1» فِي شِقَّةٍ مِنْ تَمْرٍ
أَي
__________
(1) . قوله [ليخني بابنه] بهامش نسخة من النهاية ما نصه: الإِخناء على الشيء الإفساد ومنه الخنا وهو الفحش والكلام الفاسد، ودخلت الباء في بابنه للتعدية، والمعنى: ما كان ليجعله مخنياً على ضمانه خائساً به، واللام لتأكيد مَعْنَى النَّفْيِ كَأَنَّهُ قَالَ: سعد أجلّ من أن يضايق ابنه في هذا حتى يعجز عن الوفاء بما ضمن(14/244)
يُسْلِمه ويَخْفر ذِمَّتَه، وَهُوَ من أَخْنَى عليه الدِّهْرُ. وخَنَى الدَّهْرِ: آفاتُه؛ قَالَ لَبِيدٌ:
قلتُ: هَجِّدْنا فَقَدْ طالَ السُّرَى، ... وقَدرنا إِنْ خَنَى الدَّهرِ غَفَلْ
وأَخْنَى عَلَيْهِ الدَّهْرُ: طالَ. وأَخْنَى عَلَيْهِمُ الدهرُ: أَهلكهم وأَتَى عَلَيْهِمْ؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
أَمْسَتْ خَلاءً وأَمْسَى أَهْلُها احْتَمَلُوا، ... أَخْنَى عَلَيْهَا الَّذِي أَخْنَى عَلَى لُبَدِ
وأَخْنَى: أَفْسَدَ. وأَخْنَيْتُ عَلَيْهِ: أَفْسَدْتُ. والخَنْوةُ: الغَدْرَةُ. والخَنْوَة أَيضاً: الفُرْجَة فِي الخُصّ. وأَخْنَى الجرادُ: كَثُر بيضُه؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ. وأَخْنَى المَرْعَى: كَثُرَ نَباتُه والْتَفَّ؛ وَرُوِيَ بَيْتُ زُهَيْرٍ:
أَصَكُّ مُصَلَّمُ الأُذُنَيْنِ أَخْنَى، ... لَهُ بالسِّيِّ تَنُّومٌ وآءُ
والأَعرف الأَكثر أَجْنَى. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَإِنَّمَا قَضَيْنَا أَن أَلفه يَاءٌ لأَن اللَّامَ يَاءٌ أَكثر مِنْهَا وَاوًا، وَاللَّهُ أَعلم.
خوا: خَوَتِ الدارُ: تَهَدَّمَتْ وسَقَطَتْ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً
، أَي خَالِيَةً كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها
؛ أَي خاليةٌ، وَقِيلَ: ساقِطةٌ عَلَى سُقُوفها. وخَوَّتِ الدارُ وخَوِيَتْ خَيّاً وخُوِيّاً وخَواءً وخَوَايَةً: أَقْوَتْ وخَلَتْ مِنْ أَهلها. وأَرضٌ خاوِيَةٌ: خالِيةٌ مِنْ أَهلها، وَقَدْ تَكُونُ خَاوِيَةً مِنَ الْمَطَرِ. وخَوَى البيتُ إِذَا انْهَدَمَ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ خَنْساء:
كَانَ أَبو حَسّانَ عَرْشاً خَوَى ... مِمَّا بَناهُ الدهرُ دانٍ ظَلِيلْ
خَوَى أَي تَهَدَّمَ ووَقَع. وَفِي حَدِيثِ
سَهْلٍ: فَإِذَا هُمْ بِدَارٍ خاوِيَة عَلَى عُرُوشِها
؛ خَوَى إِذَا سَقَطَ وخَلا، وعُروشُها سُقُوفها؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ: أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ
. قال الله تعالى قي قصَّةِ عادٍ: كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ
؛ أعجازُ النَّخْلِ: أُصولُها، وَقِيلَ: خاوِيَة نَعْتٌ لِلنَّخْلِ لأَن النَّخْلَ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ؛ المُنْقَعِرُ: المُنْقَلِعُ عَنْ مَنْبِتِه، وَكَذَلِكَ الخاوِيَة مَعْنَاهَا مَعْنَى المُنْقَلِعِ، وَقِيلَ لَهَا إِذَا انْقَلَعتْ خاوِيَة لأَنها خَوَتْ مِنْ مَنْبِتِها الَّذِي كَانَتْ تَنْبُتُ فِيهِ وخوَى مَنْبِتُها مِنْهَا، وَمَعْنَى خَوَتْ أَي خَلَتْ كَمَا تَخْوِي الدارُ خُوِيّاً إِذَا خَلَتْ مِنْ أَهلها. وخَوَتِ الدارُ أَي بادَ أَهْلُها وَهِيَ قَائِمَةٌ بِلَا عامِرٍ. الأَصمعي: خَوَى البيتُ يَخْوِي خَواءً، مَمْدُودٌ، إِذَا مَا خَلا مِنْ أَهله. وَيُقَالُ: وقَع عرشُك بخَوّ أَي بأَرضٍ خَوَّار «1» . يُتَعرَّقُ فِيهِ فَلَا يُخْلِفُ. وخَوَاءُ الأَرض، مَمْدُودٌ: بَراحُها؛ قَالَ أَبو النَّجْمِ:
يَبْدُو خَواءُ الأَرضِ مِنْ خَوائِه
وَيُقَالُ: دَخَلَ فُلَانٌ فِي خَواءِ فرسِه يَعْنِي مَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، وأَبو النَّجْمِ وَصَفَ فَرَسًا طَوِيلَ الْقَوَائِمِ. وَيُقَالُ لِمَا يَسُدُّه الفرسُ بذَنَبه مِنْ فُرْجَةِ مَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ: خَوَايَةٌ؛ قَالَ الطِّرمّاح:
فسَدَّ، بمَضْرَحِيِّ اللَّوْن جَثْلٍ، ... خَوَايَةَ فَرْجِ مِقْلاتٍ دَهينِ
أَيْ سَدَّت مَا بَيْنَ فَخْذَيْهَا بذَنَب مَضْرَحِيِّ اللونِ. والخَوَاءُ: خُلُوُّ الجَوْفِ مِنَ الطَّعَامِ، يُمَدُّ وَيُقْصَرُ، وَالْقَصْرُ أَعلى. وخَوَى خَوىً وخَواءً: تَتَابَعَ عَلَيْهِ الجوعُ، وخَوِيَت المرأَةُ خَواً. وخَوَتْ: وَلَدَتْ فخَوَى بطنُها أَي خَلا، وَكَذَلِكَ إِذَا لَمْ تأْكل عند
__________
(1) . قوله [أي بأرض خوار إلخ] كذا بالأَصل(14/245)
الْوِلَادَةِ، وخَوِيَتْ أَجْودُ. والخَويَّة: مَا أَطعمتها عَلَى ذَلِكَ. وخَوَّاها وخَوَّى لَهَا تَخْوِيةً؛ الأَخيرة عَنْ كُرَاعٍ: عَمِلَ لَهَا خَوِيَّةً تأْكلها وَهِيَ طَعَامٌ. الأَصمعي: يُقَالُ للمرأَة خُوِّيتْ، فَهِيَ تُخَوَّى تَخْوِيَةً، وَذَلِكَ إِذَا حُفِرَتْ لَهَا حَفِيرةٌ ثُمَّ أُوِقدَ فِيهَا، ثُمَّ تَقْعُدُ فِيهَا مِنْ دَاءٍ تَجِدهُ. وخَوَّتِ الإِبلُ تَخْوِيةً: خَمُصَتْ بُطونُها وارْتَفعَتْ. وخَوَّى الرجلُ: تَجافى فِي سُجُودِهِ وفَرَّجَ مَا بَيْنَ عَضُدَيْهِ وجَنْبيه، والطائرُ إِذَا أَرسل جَنَاحَيْهِ، وَكَذَلِكَ الْبَعِيرُ إِذَا تَجافى فِي بُروكِه ومَكَّنَ لثَفِناتِه؛ قَالَ:
خَوَّتْ عَلَى ثَفِناتِها
وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ إِذَا سَجَدَ خَوَّى
؛ وَمَعْنَاهُ أَنه جَافَى بطنَه عَنِ الأَرض ورَفَعَها حَتَّى يَخْوِيَ مَا بَيْنَ ذَلِكَ ويُخَوِّي عَضُدَيه عَنْ جَنْبَيْهِ؛ وَمِنْهُ يُقَالُ لِلنَّاقَةِ إِذَا بَرَكَتْ فتَجافى بطنُها فِي بُروكها لضُمْرِها: قَدْ خَوَّتْ؛ وأَنشد أَبو عُبَيْدٍ فِي صِفَةِ نَاقَةٍ ضَامِرٍ:
ذَاتُ انْتِباذٍ عَنِ الْحَادِي إِذَا بَركَتْ، ... خَوَّتْ عَلَى ثَفِناتٍ مُحْزَئِلَّاتِ
وَيُقَالُ لِلطَّائِرِ إِذَا أَراد أَن يَقَعَ فيَبْسُطَ جناحَيه ويَمُدَّ رِجْلَيْهِ: قَدْ خَوَّى تَخْوِيةً. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ: إِذَا سَجَدَ الرجلُ فلْيُخَوِّ، وَإِذَا سَجَدَتِ المرأَةُ فلْتَحْتَفِزْ
؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ثَعْلَبٌ:
يَخْرُجْنَ مِنْ خَلَلِ الغُبارِ عَوَابساً، ... كأَصابِعِ المَقْرُورِ خَوَّى فاصْطَلى
فَسَّرَهُ فَقَالَ: يُرِيدُ أَن الْخَيْلَ قَرُبَتْ بعضُها مِنْ بَعْضٍ. والخَوَى: الرُّعافُ. والخَوَاءُ: الهَواءُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ، وَكَذَلِكَ الْهَوَاءُ الَّذِي بَيْنَ الأَرض وَالسَّمَاءِ؛ قَالَ بِشْرٌ يَصِفُ فَرَسًا:
يَسُدُّ خَوَاءَ طُبْيَيْها الغُبارُ
أَي يَسُدُّ الفَجْوةَ الَّتِي بَيْنَ طُبْيَيها. وكلُّ فُرْجة فَهِيَ خَوَاءٌ. والخَوِيُّ: الوِطاءُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ وَهُوَ اللَّيِّنُ مِنَ الأَرض. وَقَالَ أَبو حَنِيفَة: الخَوِيُّ بطْنٌ يَكُونُ فِي السَّهْل والحَزْن دَاخِلًا فِي الأَرض أَعْظَمُ مِنَ السَّهْبِ مِنْباتٌ. قَالَ الأَزهري: كلُّ وادٍ وَاسِعٌ فِي جَوٍّ سَهْلٍ فهو خوو
خَوٌّ وخَوِيٌّ. والخَوِيُّ؛ عَنِ الأَصمعي: الْوَادِي السَّهْلُ الْبَعِيدُ؛ وَقَوْلُ الطِّرمّاح:
وخَوِيّ سَهْل، يُثِيرُ به القَوْمُ ... رِباضاً للعِينِ بَعْدَ رِباضِ
يَقُولُ: يَمرُّ الرُّكْبانُ بالعِينِ فِي مَرابضها فتُثِيرها مِنْهَا، والرِّباضُ: الْبَقَرُ الَّتِي رَبَضَتْ فِي كُنُسِها. الأَزهري فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: ابْنُ الأَعرابي الوَخُّ الأَلمُ، والوَخُّ القَصْدُ، وخوو
الخَوُّ الجُوع. والخوِيَّةُ: مَفْرَجُ مَا بَيْنَ الضَّرْع والقُبُلِ مِنَ النَّاقَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الأَنعام. وخَوَايَةُ السِّنانِ: جُبَّتُه وَهِيَ مَا الْتَقَم ثَعْلَبَ الرُّمْحِ. وخَوَايةُ الرَّحْل: مُتَّسَعُ داخِله. وخَوَى الزَّنْدُ وأَخْوَى: لَمْ يُورِ. وخَوَتِ النُّجُومُ تَخْوِي خَيّاً وأَخْوَتْ وخَوَّتْ: أَمحَلَتْ، وَقِيلَ: خَوَتْ وأَخْوَتْ، وَذَلِكَ إِذَا سَقَطتْ وَلَمْ تُمْطِرْ فِي نَوْئِها؛ قَالَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ:
قومٌ إِذَا خَوَتِ النُّجومُ فإنَّهمْ، ... للطارِقينَ النازِلينَ، مَقارِي
وَقَالَ آخَرُ:
وأَخْوَتْ نُجومُ الأَخْذِ إِلَّا أَنِضَّةً، ... أَنِضَّةَ مَحْلٍ لَيْسَ قاطِرُها يُثْرِي
قَوْلُهُ: يُثْري يَبُلُّ الأَرضَ؛ وَقَالَ الأَخطل:
فأَنتَ الَّذِي تَرْجُو الصَّعاليكُ سَيْبَهُ، ... إِذَا السَّنةُ الشَّهْباءُ خَوَّتْ نُجومُها(14/246)
وخَوَّتْ تَخْوِيةً: مالَتْ للمَغِيب. وخَوَى الشيءَ خَيّاً وخَوَايةً واخْتَواه: اختَطَفَه؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
حَتَّى اخْتَوَى طِفْلَها فِي الجَوِّ مُنْصَلِتٌ ... أَزَلُّ مِنْهَا، كنَصْلِ السَّيفِ، زُهْلُولُ
ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ اخْتَوَاه واختدَفَه واخْتاتَهُ وتَخَوَّتَهُ إِذَا اقتَطَعهُ؛ وَقَالَ أَبو وَجْزَة:
ثُمَّ اعْتَمَدْتَ إِلَى ابْنِ يَحْيَى تَخْتَوِي، ... مِنْ دُونِه، مُتَباعِدَ البُلْدانِ
وخَوَايةُ الخَيل: حفيفُ عَدْوِها «2» ؛ كَذَلِكَ حَكَاهُ ابْنُ الأَعرابي بِالْهَاءِ. وخَوَايةُ الْمَطَرِ: حفِيفُ انْهِلاله بِالْهَاءِ؛ عَنْهُ أَيضاً. وَحَكَى أَبو عُبَيْدَةَ: الخَوَاة الصَّوْتُ. قَالَ أَبو مَالِكٍ: سَمِعْتُ خَوَايَتَهُ أَيْ سَمِعْتُ صَوْتَهُ شِبْهَ التَّوَهُّمِ؛ وأَنشد:
خَوايَةَ أَجْدَلا
يَعْنِي صَوْتَهُ. وَفِي حَدِيثِ
صِلَةَ: فَسَمِعْتُ كخَوايَةِ الطائِرِ
؛ الخَوَايَة: حَفِيفُ الجَناح. وخَواةُ الرِّيحِ: صَوْتها؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي أَيضاً. والخَوِيُّ: الثابِتُ، طائِيَّة. والخَاوِيَةُ: الداهِية؛ عن كراع. وخوو
الخَوُّ: العَسَل؛ عَنِ الزَّجَّاجِيِّ. ويومُ خَوىً وخُوىً وخُوَيّ: مَعْرُوفٌ. وخَوِيٌّ: موضع. ويَومُ خوو
خَوٍّ: مِنْ أَيام الْعَرَبِ، مَعْرُوفٌ. والخَوِيُّ: البَطْنُ السَّهْلُ مِنَ الأَرض، عَلَى فَعِيلٍ. وَفِي الْحَدِيثِ:
فأَخَذَ أَبا جَهْل خوو
خَوَّةٌ «3» . فَلَا يَنْطِقُ
أَي فَتْرَةٌ؛ ذَكَرَهُ ابْنُ الأَثير، قَالَ: والهاء زائدة. وخوو
الخَوَّانِ: وَادِيَانِ مَعْرُوفَانِ فِي دِيَارِ تميم. وخوو
خَوٌّ: وادٍ لِبَنِي أَسد؛ قَالَ زُهَيْرٌ:
لَئِنْ حَلَلْت خوو بِخَوّ فِي بَني أَسَدٍ، ... فِي دينِ عَمْرٍو، وحالَتْ دُونَنا فَدَكُ
قَالَ أَبو مُحَمَّدٍ الأَسود: وَمَنْ رَوَاهُ بِالْجِيمِ فَقَدْ صحَّفه، قَالَ وَفِيهِ يَقُولُ الْقَائِلُ:
وبَيْنَ خوو خَوَّيْنِ زُقاقٌ واسِعُ
وخَيْوانُ: بَطنٌ مِنْ هَمْدانَ؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي للأَسود بْنِ يَعْفُر:
جُنِّبْتَ خَاوِيَةَ السِّلاحِ وكَلْمَهُ ... أَبَداً، وجانَبَ نَفْسَكَ الأَسْقامُ
وَلَمْ يُفَسِّرِ الخَاوِيَةَ، فتأَمله. وَالْخَاءُ: حَرْفُ هِجَاءٍ، وَحَكَى سِيبَوَيْهِ: خَبَّيْت خَاءً، وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ.
فصل الدال المهملة
دأي: الدَّأْيُ والدُّئِيُّ والدِّئِيُّ: فِقَر الكاهِلِ والظَّهْرِ، وَقِيلَ: غَراضِيفُ الصَّدْرِ، وَقِيلَ: ضُلُوعه فِي مُلْتَقاهُ ومُلْتَقَى الجَنْب؛ وأَنشد الأَصمعي لأَبي ذُؤَيْبٍ:
لَهَا مِنْ خِلالِ الدَّأْيَتْين أَرِيجُ
وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: إنَّ الدَّأَيات أَضْلاع الكَتِف وَهِيَ ثَلَاثُ أَضلاع مِنْ هُنا وَثَلَاثٌ مِنْ هُنا، واحِدتُه دَأْية. اللَّيْثُ: الدَّأْيُ جَمْعُ الدَّأْيَةِ وَهِيَ فَقار الكاهِل فِي مُجْتَمَع مَا بَيْنَ الكَتِفَيْن مِنْ كاهِل الْبَعِيرِ خَاصَّةً، وَالْجَمْعُ الدَّأَياتُ، وَهِيَ عِظامُ مَا هُنالِكَ، كلُّ عَظْمٍ مِنْهَا دَأْية. وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: الدَّأَيَاتُ خَرَزُ العُنُق، وَيُقَالُ: خَرَزُ الفَقار. وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: يُقَالُ للضِّلَعَيْن اللتَيْن تَلِيانِ الواهِنَتَيْن الدَّأْيَتَان، قَالَ: والدَّئِيُ
__________
(2) . قوله [حفيف عدوها وقوله حفيف انهلاله] كذا بالأَصل بإهمال الحاء فيهما، والذي في القاموس باعجامها فيهما كالمحكم
(3) . قوله [فَأَخَذَ أَبَا جَهْلٍ خوَّة] ضبطت في بعض نسخ النهاية بضم الخاء وفي بعضها بفتحها كالأَصل(14/247)
فِي الشَّراسيفِ هِيَ البَوَاني الحَراني «1» . المُسْتَأْخِراتُ الأَوْساطُ مِنَ الضُّلُوعِ، وَهِيَ أَرْبَع وأَرْبَع، وهُنَّ العُوجُ وَهُنَّ المُسَقَّفات، وَهِيَ أَطْولُ الضّلُوعِ كُلِّها وأَتَمُّها وَإِلَيْهَا يَنْتَفِخُ الْجَوْفُ. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: لَمْ يَعْرِفُوا، يَعْنِي العرَب، الدَّأَياتِ فِي العُنُقِ وعَرَفُوهُنَّ فِي الأَضْلاع، وَهِيَ ستٌّ يَلِينَ المَنْحر، مِنْ كلِّ جانِبٍ ثلاثٌ، وَيُقَالُ لِمَقادِيمِهِنّ جَوانِحُ، وَيُقَالُ لِلَّتَيْن تَلِيان المَنْحَرَ ناحِرَتان؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذَا صَوَابٌ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ طَرَفَةَ:
كأَنَّ مَجَرَّ النِّسْعِ، فِي دَأَياتِها، ... مَوارِدُ مِنْ خَلْقاء فِي ظَهْر قَرْدَدِ
وَحَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ عَنِ الأَصمعي: الدُّئِيُّ، عَلَى فُعُولٍ، جَمْعُ دَأْيَةٍ لِفَقارِ العُنُق. وابنُ دَأْيَةَ: الغُراب، سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَنه يَقَعُ عَلَى دأْية البَعير الدَّبِرِ فيَنْقُرها؛ وَقَالَ الشَّاعِرُ يَصِفُ الشَّيْب:
ولمَّا رأَيتُ النَّسْرَ عَزَّ ابنَ دَأْيَةٍ، ... وعَشَّشَ فِي وَكْرَيْهِ، جاشَتْ لَهُ نَفْسي
والدَّأْيَة: مُرَكَّبُ القِدْحِ مِنَ القَوْس، وَهُمَا دَأْيَتانِ مكْتَنِفَتا العَجْسِ مِنْ فوقُ وأَسْفَلَ. ودَأَى لَهُ يَدْأَى دَأْياً ودأو
دَأْواً إِذَا خَتَلَه. والذِّئْبُ يَدْأَى لِلْغَزال: وَهِيَ مِشْيَةٌ شبِيهةٌ بالخَتْلِ. ودأو
دَأَوْتُ لَهُ: لُغَةٌ فِي دَأَيْت. ودأو
دَأَوْتُ لَهُ: مِثْلَ أَدَيْتُ لَهُ؛ قَالَ:
كالذِّئْب يَدْأَى للغَزالِ يَخْتِلُهْ
ودأَى الذِّئْبُ للْغَزال دأو
يَدْؤُو دأو
دَأْواً لِيأْخُذَه مِثْلُ يَأْدُو: وَهُوَ شَبِيهُ المُخاتَلَة والمُراوَغَة. والدَّأْيُ والدَّأْيَةُ مِنَ الْبَعِيرِ: المَوْضِعُ الَّذِي يقعُ عَلَيْهِ ظَلِفَة الرَّحْلِ فيَعْقِرهُ، ويُجْمَع عَلَى دَأْيَاتٍ، بِالتَّحْرِيكِ وجَمْعُ الدَّأْيِ دَئِيٌّ مثلُ ضَأْنٍ وضَئينٍ ومَعْزٍ ومَعيزٍ؛ وَقَالَ حُمَيْد الأَرْقط:
يَعَضُّ مِنْهَا الظَّلِفُ الدَّئِيّا ... عَضَّ الثِّقافِ الخُرُصَ الخَطِّيَّا
دبي: الدَّبَى: الجَرادُ قَبل أَن يَطِير، وَقِيلَ: الدَّبى أَصغرُ مَا يَكُونُ مِنَ الْجَرَادِ وَالنَّمْلِ، وَقِيلَ: هُوَ بعدَ السِّرْوِ، واحِدَته دباةٌ؛ قَالَ سِنان الأَباني «2» :
أَعارَ، عِنْدَ السِّنِّ والمَشيبِ، ... مَا شِئْتَ مِنْ شَمَرْدَلٍ نَجيبِ
أُعِرْته مِنْ سَلْفَعٍ صَخُوبِ، ... عاريَةِ المِرْفَقِ والظُّنْبُوبِ
يابِسَةِ المِرْفَقِ والكُعُوبِ، ... كأَنَّ خَوْقَ قُرْطِها المَعْقوبِ
عَلَى دَباةٍ أَو عَلَى يَعْسُوبِ، ... تَشْتِمُني فِي أَنْ أَقُولَ تُوبي
الْمَعْنَى: أَن اللَّهَ رَزَقَهُ عند كِبَرِ سِنَّهِ أَولاداً نُجَباءَ مِنِ امرأَة سَلْفَعٍ، وَهِيَ البَذِيَّة، وجَعل عُنُقَها لِقِصَرِه كعُنُق الدَّباةِ. وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: كيفَ الناسُ بعدَ ذلِك؟ قَالَ: دَباً يأْكل شِدادُهُ ضِعافَه حَتَّى تَقومَ عَلَيْهِمُ الساعَة
الدَّبا، مَقْصُورٌ: الجَرَادُ قبلَ أَن يَطِير، وَقِيلَ: هُوَ نَوْعٌ يُشْبِه الجَرادَ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قالَ لَهُ رجلٌ أَصَبْتُ دَباةً وأَنا مُحْرِم، قَالَ: اذْبَحْ شُوَيْهَةً.
أَبو عُبَيْدَةَ: الْجَرَادُ أَوَّلَ مَا يَكُونُ سِرْوٌ، وهُو أَبْيض، فَإِذَا تَحَرَّك واسْوَدّ فَهُوَ دَبًى قبلَ أَن تَنْبت أَجنحته. وأَرضٌ مُدْبِيَةٌ:
__________
(1) . قوله [الحراني] هي في الأَصل بالراء وانظر هل هي محرفة عن الواو والأَصل الحواني يعني الأَضلاع الطوال
(2) . قوله [سنان الأباني] كذا في الأَصل هنا، والذي في مادة سلفع: سيار بدل سنان(14/248)
كثيرة الدَّبا. وأَرضٌ مُدْبِيَةٌ ومُدَبِّيَة، كِلْتَاهُمَا: مِنَ الدَّبا. وأَرض مُدْبِيَةٌ ومَدْبَاةٌ: كَثِيرَةُ الدَّبا. وأَرض مَدْبِيَّة ومَدْبُوَّةٌ: أَكل الدَّبا نَبْتَها. وأَدْبَى الرِّمْثُ والعَرْفَجُ إِذَا مَا أَشْبَهَ مَا يَخْرُجُ مِنْ ورَقِه الدَّبى، وَهُوَ حِينَئِذٍ يَصْلُح أَن يُؤْكلَ. وجاءَ بِ دَبى دُبَيٍّ ودَبَى دُبَيَّيْنِ ودَبَى دَبَيَيْنِ؛ عَنْ ثَعْلَبٍ، يُقَالُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِ الكَثْرة والخَيرِ والمالِ الكثِير، فالدَّبَى مَعْرُوفٌ؛ ودُبَيٌّ: مَوْضِعٌ وَاسِعٌ، فكأَنه قَالَ: جَاءَ بِمَالٍ كدَبَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الْوَاسِعِ. ابْنُ الأَعرابي: جاءَ فلانٌ بِ دَبَى دَبَى إِذَا جَاءَ بِمَالٍ كالدَّبَى فِي الْكَثْرَةِ. ودُبَيٌّ: مَوْضِعٌ لَيِّنٌ بالدَّهْناء يأْلفه الْجَرَادُ فَيَبِيضُ فِيهِ. والدَّبَى: مَوْضِعٌ. ودَبَى: سوقٌ مِنْ أَسواق الْعَرَبِ. ودُبَيَّة: اسْمَ رَجُلٍ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا كُلُّهُ بِالْيَاءِ لأَن الْيَاءَ فِيهِ لَامٌ، فأَما مَدْبُوَّةٌ فنَوْعٌ مِنَ المُعاقَبة. والدُّبَّاءُ: القَرْعُ عَلَى وَزْنِ المُكَّاءِ، واحِدته دُبَّاءَةٌ. قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَمِمَّا تُؤَخِّذُ بِهِ نِسَاءُ الْعَرَبِ الرجالَ أَخَّذْتُه بِدُبَّاءْ مُمَلَّإٍ منَ الماءْ، مُعَلَّقٍ بتِرْشاءْ، فَلَا يَزَلْ فِي تِمْشاءْ، وعَيْنُه فِي تِبْكَاءْ، ثُمَّ فَسَّرَهُ فَقَالَ: التِّرْشاءُ الحَبْل، والتِّمشاءُ المَشْيُ، والتِّبْكاءُ البُكاءُ. والدَّبَّةُ: كالدُّبَّاء؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الأَعرابي: قاتَلَ اللَّهُ فُلانة كأَنَّ بَطْنَها دَبَّةٌ. وَفِي الْحَدِيثِ
عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنه نَهَى عَنِ الدُّبَّاء والحَنْتَمِ والنَّقِيرِ
؛ وهو أَوعية كَانُوا يَنْتَبِذُون فِيهَا وضَرِيَت فَكَانَ النَّبيذُ فِيهَا يَغْلِي سَرِيعًا ويُسْكِر، فَنَهَاهُمْ عَنِ الْانْتِباذ فِيهَا، ثُمَّ رَخَّص، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي الانْتِباذ فِيهَا بِشَرْطِ أَن يَشْرَبُوا مَا فِيهَا وَهُوَ غَيْرُ مُسْكِرٍ، وَتَحْرِيمُ الِانْتِبَاذِ فِي هَذِهِ الظُّرُوفِ كَانَ فِي صَدْرِ الإِسلام، ثُمَّ نُسِخَ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَذَهَبَ مَالِكٌ وأَحمد إِلَى بَقَاءِ التَّحْرِيمِ؛ وَوَزْنُ الدُّبَّاء فُعَّال ولامُه هَمْزَةٌ لأَنه لَمْ يُعْرف انْقلاب لامهِ عَنْ وَاوٍ أَوْ يَاءٍ؛ قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وأَخرجه الْهَرَوِيُّ فِي دَبَّبَ عَلَى أَن الْهَمْزَةَ زَائِدَةٌ، وأَخرجه الْجَوْهَرِيُّ فِي الْمُعْتَلِّ عَلَى أَن هَمْزَتَهُ مُنْقَلِبَةٌ، قَالَ: وكأَنه أَشبه، وَاللَّهُ أَعلم؛ وَقَالَ:
إِذَا أَقْبَلَتْ قُلْتَ: دُبَّاءَةٌ، ... مِنَ الخُضْرِ، مَغْمُوسَةٌ فِي الغُدَرْ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي الصِّحَاحِ مَنْسُوبٌ لِامْرِئِ الْقَيْسِ وَهُوَ:
وإنْ أَدْبَرَتْ قلتَ: دُبَّاءَةٌ، ... منَ الخُضْرِ، مَغْمُوسَةٌ في الغُدَرْ
دجا: الدُّجى: سَوادُ الليلِ مَعَ غَيْمٍ، وأَنْ لَا تَرَى نَجْماً وَلَا قمَراً، وَقِيلَ: هُوَ إِذَا أَلْبَسَ كلَّ شيءٍ ولَيْس هُوَ مِنَ الظُّلْمة، وَقَالُوا: لَيْلة دُجىً وليالٍ دُجًى، لَا يُجْمع لأَنه مَصْدَرٌ وُصِفَ بِهِ، وَقَدْ دَجا الليلُ يَدْجُو دَجْواً ودُجُوّاً، فَهُوَ داجٍ ودَجِيٌّ، وَكَذَلِكَ أَدْجَى وتَدجَّى اللَّيْلُ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
واضْبِطِ الليلَ، إِذَا رُمْتَ السُّرى، ... وتَدَجَّى بَعْدَ فَوْرٍ واعْتَدَلْ
فَوْرَتُه: ظُلْمَتُه. وتَدَجِّيه: سكونُه؛ وَشَاهِدُ أَدْجَى الليلُ قَوْلُ الأَجْدَعِ الهَمْداني:
إِذَا الليلُ أَدْجَى واسْتَقَلَّتْ نُجُومُهُ، ... وصاحَ مِنَ الأَفْراطِ هامٌ حَوائِمُ
الأَفْراطُ: جَمْعُ فُرُطٍ وَهِيَ الأَكَمة. وكلُّ مَا أَلْبَس فَقَدْ دَجَا؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
فَمَا شِبْهُ كَعْبٍ غَيرَ أَغْتَمَ فاجِرٍ ... أَبى، مُذْ دَجا الإِسْلامُ، لَا يَتَحَنَّفُ(14/249)
يَعْنِي أَلْبَس كُلَّ شيءٍ، وَهَذَا البيتُ شاهِدُ دَجا بِمَعْنَى أَلْبَس وانْتَشَر؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: دَجا الإِسلامُ أَي قَوِيَ وأَلْبَسَ كلَّ شيءٍ. وَحُكِيَ عَنِ الأَصْمعي أَنَّ دَجا الليلُ بِمَعْنَى هَدَأَ وسَكَن؛ وَشَاهِدُهُ قَوْلُ بِشْرٍ:
أَشِحُّ بِهَا، إِذَا الظَّلْماءُ أَلْقَتْ ... مَراسِيَها، وأَرْدَفَها دُجَاها
وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه بَعَثَ عُيَيْنة بْنَ بَدْرٍ حِينَ أَسلَم الناسُ ودَجا الإِسْلامُ فأَغارَ عَلَى بَنِي عَدِيّ
، أَي شَاعَ الإِسلام وكَثُر، مِنْ دَجا الليلُ إِذَا تَمَّتْ ظُلْمَته وأَلْبس كلَّ شَيْءٍ. ودَجا أَمْرُهم عَلَى ذَلِكَ أَي صَلَح. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَا رُؤِيَ مثلُ هَذَا مُنْذُ دَجا الإِسْلامُ
، وَفِي رِوَايَةٍ:
مُنْذُ دَجَتِ الإِسْلامُ
فأَنَّث عَلَى مَعْنَى المِلَّة؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
مَن شَقَّ عَصا المُسْلِمِين وهُمْ فِي إسْلامٍ داجٍ
، وَيُرْوَى:
دامِجٍ.
وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: يُوشِكُ أَنْ يَغشاكُمْ دَوَاجِي ظُلَلِه
أَي ظُلَمُها، واحِدتها دَاجِيَةٌ. والدُّجَى: جمعُ دُجْيَة وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ وَاوِيَّةٌ وَيَائِيَّةٌ بتقاربِ الْمَعْنَى. ودَيَاجِي اللَّيْلِ: حَنادِسُه كأَنه جَمْعُ دَيْجاةٍ. ودَجَا الشيءُ الشيءَ إِذَا سَتَرَهُ؛ قَالَ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ:
أَبى مُذْ دَجا الإِسْلامُ لَا يَتحَنَّفُ
قَالَ: لَجَّ هَذَا الكافر أَن يُسْلِم بعد ما غَطَّى الإِسلامُ بثَوْبِه كُلّ شيءٍ. ابْنُ سِيدَهْ: وَذَهَبَ ابْنُ جِنِّي إِلَى أَن الدُّجى الظُّلْمة واحِدَتها دُجْيَة، قَالَ: وَلَيْسَ مِنْ دَجَا يَدْجُو وَلَكِنَّهُ فِي مَعْنَاهُ. وَلَيْلٌ دَجِيٌّ: داجٍ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
والصُّبْحُ خَلْفَ الفَلَق الدَّجِيِ
والدُّجُوُّ: الظُّلْمَةُ. وليلةٌ داجِيَةٌ: مُدْجِية، وَقَدْ دَجَتْ تَدْجُو. وَدَاجَى الرجلَ: ساتَرَه بالعَداوة وأَخْفاها عَنْهُ فكأَنه أَتاه فِي الظُّلمة، ودَاجَاه أَيضاً: عاشَرَه وجامَله. التَّهْذِيبُ: وَيُقَالُ دَاجَيْتُ فُلَانًا إِذَا ماسَحْتَه عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وجامَلْته. والمُداجاةُ: المُداراةُ. والمُداجاةُ: المُطاولة. وداجَيْتُه أَي دَارَيْتُهُ، وكأَنك سَاتَرَتَهُ العَداوَةَ؛ وَقَالَ قَعْنَبُ بْنُ أُمِّ صاحِبٍ:
كلٌّ يُداجِي عَلَى البَغْضاءِ صاحِبَهُ، ... وَلَنْ أُعالِنَهُمْ إِلَّا بِمَا عَلَنُوا
وَذَكَرَ أَبو عَمْرٍو أَن المُداجَاةَ أَيضاً المَنْعُ بَيْنَ الشِّدَّةِ والإِرْخاء. والدُّجْيَةُ، بِالضَّمِّ: قُتْرةُ الصَّائِدِ، وَجَمْعُهَا الدُّجى؛ قَالَ الشَّماخ:
عَلَيْهَا الدُّجى المُسْتَنْشَآتُ، كأَنَّها ... هوادِجُ مَشْدُودٌ عَلَيْهَا الجزاجِزُ
والدُّجْيَةُ: الصُّوف الأَحمر، وأَراد الشَّمَّاخُ هَذَا، وَيُقَالُ دُجىً؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَوْلُ أُمية بْنُ أَبي عَائِذٍ:
بِهِ ابنُ الدُّجى لاطِئاً كالطِّحالْ
قِيلَ: الدُّجَى جُمِعَ دُجْية لقُتْرةِ الصَّائِدِ، وَقِيلَ: جَمْعُ دُجْيَةٍ لِلظُّلْمَةِ لأَنه يَنَامُ فِيهَا لَيْلًا؛ وَقَالَ الطِّرِمَّاح فِي الدُّجْيَة لقُتْرةِ الصَّائِدِ:
مُنْطَوٍ فِي مُسْتوى دُجْيَةٍ، ... كانْطواءِ الحُرِّ بَيْنَ السِّلامْ
ودُجْيَة القَوْس: جلْدَةٌ قدرُ إصْبَعَين تُوضَعُ فِي طَرَف السَّيْرِ الَّذِي تُعَلَّق بِهِ الْقَوْسُ وَفِيهِ حَلْقة فِيهَا طَرَفُ السَّيْرِ، وَقَالَ: الدُّجَة عَلَى أَربع أَصابع مِنْ عُنْتُوت القَوْس، وَهُوَ الحَزُّ الَّذِي تَدْخُلُ فِيهِ(14/250)
الغانَة، والغانَة حَلْقة رأْسِ الوتَر. قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: إِذَا التَأَمَ السحابُ وتَبَسَّطَ حَتَّى يَعُمَّ السَّمَاءَ فَقَدْ تَدَجَّى. ودَجَا شَعَرُ الْمَاعِزَةِ: أَلْبَس ورَكِب بَعضُه بَعْضاً وَلَمْ يَنْتَفِشْ. وعَنْزٌ دَجْواءُ: سابِغة الشَّعَر، وَكَذَلِكَ النَّاقَةُ. ونِعْمة داجِيَة: سابِغَة؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
وإنْ أَصابَتْهُمُ نَعْماءُ داجِيَةٌ ... لَمْ يَبْطَرُوها، وَإِنْ فاتَتْهُمُ صَبَروُا
وَيُقَالُ: إِنَّهُ لَفِي عَيْشٍ داجٍ دَجِيّ، كأَنه يُرادُ بِهِ الخَفْضُ؛ وأَنشد:
والعَيْشُ داجٍ كَنفاً جِلْبابُه
ابْنُ الأَعرابي: الدُّجَى صِغارُ النَّحْل، والدُّجْيَة وَلَدُ النَّحْلة، وجَمْعُها دُجىً؛ قَالَ الشاعرِ:
تَدِبُّ حُمَيَّا الكأْسِ فيهمْ، إِذَا انْتَشَوْا، ... دَبِيبَ الدُّجَى وَسْطَ الضَّرِيبِ المُعَسَّلِ
والدُّجَة: الزِّرُّ، وَفِي التَّهْذِيبِ: زِرُّ الْقَمِيصِ. يُقَالُ: أَصلح دُجَة قمِيصك، وَالْجَمْعُ دُجاتٌ ودُجىً. والدُّجَة: الأَصابع وَعَلَيْهَا اللُّقْمة. ابْنُ الأَعرابي قَالَ: محاجاةٌ للأَعْراب: يَقُولُونَ ثلاثُ دُجَهْ يَحْمِلْنَ دُجَهْ إِلَى الغَيْهبانِ فالمِنْثَجَهْ؛ قَالَ: الدُّجَةُ الأَصابعُ الثلاثُ، والدُّجَةُ اللُّقْمة، والغَيْهَبانُ البَطْنُ، والمِنْثَجَةُ الاسْتُ، والدَّجْوُ الجِماع؛ وأَنشد:
لَمَّا دَجاها بِمِتَلٍّ كالقَصَب «3» .
دحا: الدَّحْوُ: البَسْطُ. دَحَا الأَرضَ يَدْحُوها دَحْواً: بَسَطَها. وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها
، قَالَ: بَسَطَها؛ قَالَ شَمِرٌ: وأَنشدتني أَعرابية:
الحمدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطاقَا، ... بَنَى السماءَ فَوْقَنا طِباقَا،
ثُمَّ دَحا الأَرضَ فَمَا أَضاقا
قَالَ شَمِرٌ: وَفَسَّرَتْهُ فَقَالَتْ دَحَا الأَرضَ أَوْسَعَها؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِزَيْدِ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْل:
دَحَاها، فَلَمَّا رَآهَا اسْتَوَتْ ... عَلَى الْمَاءِ، أَرْسَى عَلَيْهَا الجِبالا
ودَحَيْتُ الشيءَ أَدْحاهُ دَحْياً: بَسَطْته، لُغَةً فِي دَحَوْتُه؛ حَكَاهَا اللِّحْيَانِيُّ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ وصلاتهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: اللَّهُمَّ دَاحِيَ المَدْحُوَّاتِ
، يَعْنِي باسِطَ الأَرَضِينَ ومُوَسِّعَها، وَيُرْوَى؛ دَاحِيَ المَدْحِيَّاتِ. والدَّحْوُ: البَسْطُ. يُقَالُ: دَحَا يَدْحُو ويَدْحَى أَي بَسَطَ وَوَسَّعَ. والأُدْحِيُّ والإِدْحِيُّ والأُدْحِيَّة والإِدْحِيَّة والأُدْحُوَّة: مَبِيض النَّعَامِ فِي الرَّمْلِ، وَزْنُهُ أُفْعُول مِنْ ذَلِكَ، لأَن النَّعَامَةَ تَدْحُوه برِجْلها ثُمَّ تَبِيض فِيهِ وَلَيْسَ لِلنَّعَامِ عُشٌّ. ومَدْحَى النَّعَامِ: مَوْضِعُ بَيْضِهَا، وأُدْحِيُّها: مَوْضِعُهَا الَّذِي تُفَرِّخ فِيهِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُقَالُ لِلنَّعَامَةِ بِنْتُ أُدْحِيَّةٍ؛ قَالَ: وأَنشد أَحمد بْنُ عُبَيْدٍ عَنِ الأَصمعي:
بَاتَا كَرِجْلَيْ بِنْتِ أُدْحِيَّةٍ، ... يَرْتَجِلانِ الرِّجْلَ بالنَّعْلِ
فأَصْبَحا، والرِّجْلُ تَعْلُوهُما، ... تَزْلَعُ عن رِجْلِهِما القَحْلِ
يَعْنِي رِجْلَيْ نَعامة، لأَنه إِذَا انْكَسَرَتْ إِحْدَاهُمَا بَطَلَتِ الأُخرى، وَيَرْتَجِلَانِ يَطْبُخان، يَفْتَعِلان مِنَ المِرْجَل، والنَّعْل الأَرض الصُّلبة، وَقَوْلُهُ: والرجْلُ تَعْلُوهُمَا أَي مَاتَا مِنَ الْبَرْدِ والجرادُ يَعْلُوهُمَا، وتَزْلَعُ تَزْلَقُ، والقَحْلُ الْيَابِسُ لأَنهما قد ماتا.
__________
(3) . قوله [كالقصب] كذا في الأَصل والتهذيب والمحكم، والذي في التكملة: كالصقب بتقديم الصاد على القاف الساكنة أي كالعمود(14/251)
وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا تَكُونُوا كقَيْضِ بَيْضٍ فِي أَدَاحِيَ
؛ هِيَ جَمْعُ الأُدْحِيِّ، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تَبِيضُ فِيهِ النَّعَامَةُ وتُفْرِخ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ: ف دَحَا السَّيْلُ فِيهِ بالبَطْحاءِ
أَي رَمَى وأَلْقَى. والأُدْحِيُّ: مِنْ مَنَازِلِ الْقَمَرِ شَبِيهٌ بأُدْحِيِّ النَّعام، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: الأُدْحِيُّ منزلٌ بَيْنَ النَّعائِمِ وسَعْدٍ الذَّابِحِ يُقَالُ لَهُ البَلْدَة. وَسُئِلَ ابْنُ الْمُسَيَّبَ عَنِ الدَّحْوِ بِالْحِجَارَةِ فَقَالَ: لَا بأْس بِهِ، أَي المُراماة بِهَا وَالْمُسَابَقَةِ. ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ هُوَ يَدْحُو بالحَجَرِ بيَدِه أَيْ يَرْمِي بِهِ وَيَدْفَعُهُ، قَالَ: والدَّاحِي الَّذِي يَدْحُو الحَجَر بيدهِ، وَقَدْ دَحَا بِهِ يَدْحُو دَحْواً ودَحَى يَدْحَى دَحْياً. ودَحَا المَطَرُ الحَصَى عَنْ وَجْهِ الأَرض دَحْواً: نَزَعه. وَالْمَطَرُ الدَّاحِي يَدْحَى الحَصَى عَنْ وَجْهِ الأَرض: يَنْزِعُه؛ قَالَ أَوس بْنُ حَجَر:
يَنْزِعُ جلْدَ الحَصَى أَجَشُّ مُبْتَرِكٌ، ... كأَنَّه فاحِصٌ أوْ لاعِبٌ دَاحِي
وَهَذَا الْبَيْتُ نَسَبَهُ الأَزهري لِعُبَيْدٍ وَقَالَ: إِنَّهُ يَصِفُ غَيْثًا. وَيُقَالُ للَّاعِب بالجَوْز: أَبْعِدِ المَرْمَى وادْحُه أَيِ ارْمِهِ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
فَيَدْحُو بِكَ الدَّاحِي إِلَى كُلِّ سَوْءَةٍ، ... فَيَا شَرَّ مَنْ يَدحُو بأَطْيَش مُدْحَوِي
وَفِي حَدِيثِ
أَبي رَافِعٍ: كُنْتُ أُلاعِبُ الحَسَن وَالْحُسَيْنَ، رِضْوَانُ اللَّهِ عليهما، ب المَدَاحِي
؛ هِيَ أَحجار أَمثال القِرَصَة، كَانُوا يحفِرون حُفْرة ويَدْحُون فِيهَا بِتِلْكَ الأَحْجار، فَإِنْ وَقَعَ الْحَجَرُ فِيهَا غَلَب صاحِبُها، وَإِنْ لَمْ يَقَع غُلِبَ. والدَّحْوُ: هُوَ رَمْيُ اللَّاعِب بالحَجَر والجَوْزِ وغيرهِ. والمِدْحاة: خَشَبة يَدْحَى بِهَا الصبِيُّ فَتَمُرُّ عَلَى وَجْهِ الأَرض لَا تأْتي عَلَى شَيْءٍ إِلَّا اجْتَحَفَتْه. شَمِرٌ: المِدْحَاة لُعْبَةٌ يَلْعَبُ بِهَا أَهل مَكَّةَ، قَالَ: وَسَمِعْتُ الأَسَدِيَّ يَصِفُهَا وَيَقُولُ: هِيَ المَداحِي والمَسَادِي، وَهِيَ أَحجار أَمثال القِرَصة وَقَدْ حَفَروا حُفْرة بِقَدْرِ ذَلِكَ الحَجَر فيَتَنَحَّون قَلِيلًا، ثُمَّ يَدْحُون بِتِلْكَ الأَحْجار إِلَى تِلْكَ الحُفْرة، فَإِنْ وَقْعَ فِيهَا الْحَجَرُ فَقَدَ قَمَر، وإلَّا فَقَدْ قُمِرَ، قَالَ: وَهُوَ يَدْحُو ويَسْدُو إِذَا دَحاها عَلَى الأَرض إِلَى الحُفْرة، والحُفْرة هِيَ أُدْحِيَّة، وَهِيَ افْعُولة مِنْ دَحَوْت. ودَحا الفرسُ يَدْحُو دَحْواً: رَمَى بِيَدَيْهِ رَمْياً لَا يَرْفَع سُنْبُكَه عَنِ الأَرض كَثِيرًا. وَيُقَالُ للفَرَس: مَرَّ يَدْحُو دَحْواً. العِتْرِيفي: تَدَحَّتِ الإِبِلُ إِذَا تَفَحَّصَت فِي مَبارِكِها السَّهْلةِ حَتَّى تَدَعَ فِيهَا قَرامِيصَ أَمْثالَ الجِفارِ، وَإِنَّمَا تَفْعَلُ ذَلِكَ إِذَا سَمِنَتْ. وَنَامَ فُلَانٌ فَتَدَحَّى أَي اضْطَجَع فِي سَعَةٍ مِنَ الأَرض. ودَحَا المرأَةَ يَدْحُوها: نَكَحَها. والدَّحْوُ: اسْتِرْسال البَطْنِ إِلَى أَسْفَلَ وعِظَمُه؛ عَنْ كُراع. ودِحْيَة [دَحْيَة] الكَلْبِيُّ؛ حَكَاهُ ابْنُ السِّكِّيتِ بِالْكَسْرِ، وَحَكَاهُ غَيْرُهُ بِالْفَتْحِ، قَالَ أَبو عَمْرٍو: وأَصل هَذِهِ الْكَلِمَةِ السَّيِّدُ بِالْفَارِسِيَّةِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: دِحْيَة، بِالْكَسْرِ، هُوَ دَحْيَةُ بنُ خَليفة الكَلْبِيُّ الَّذِي كَانَ جبريلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، يأْتي فِي صُورَتِهِ وَكَانَ مِنْ أَجمل النَّاسِ وأَحسنهم صُورَةً. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَجاز ابْنُ السِّكِّيتِ فِي دِحْية الكَلْبِيّ فَتْحَ الدَّالِ وَكَسْرَهَا، وأَما الأَصمعي فَفَتَحَ الدَّالَ لَا غَيْرَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
كَانَ جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، يأْتيه فِي صُورَةِ دِحيْة.
والدِّحْية: رئيسُ الجُنْدِ ومُقَدَّمُهم، وكأَنه مِنْ دَحاه يَدْحُوه إِذَا بَسَطه ومَهَّده لأَن الرَّئِيسَ لَهُ البَسْط والتَّمْهيد، وقلبُ الْوَاوِ فِيهِ يَاءً نَظِيرُ قَلْبِها(14/252)
فِي فِتية وصِبْية، وأَنكر الأَصمعي فِيهِ الكَسر. وَفِي الْحَدِيثِ:
يَدْخُلُ البيتَ المعمورَ كلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلفَ دِحْيَةٍ مَعَ كُلِّ دِحْيةٍ سَبْعُونَ أَلفَ مَلَكٍ
؛ قَالَ: والدِّحْيَة رَئِيسُ الجُنْدِ، وَبِهِ سُمِّيَ دِحْيَةُ الكَلْبِيّ. ابْنُ الأَعرابي: الدِّحْيَة رَئِيسُ الْقَوْمِ وسيِّدهم، بِكَسْرِ الدَّالِ، وأَمّا دَحْيَة بالفَتْح ودِحْيَة فَهُمَا ابْنا مُعَاوِيَةَ بنِ بكرِ بنِ هَوازِن. وَبَنُو دُحَيّ بطن. والدَّحِيُّ: موضع.
دخي: الدَّخَى: الظُّلْمَةُ. وَلَيْلَةُ دَخْيَاءُ: مُظْلِمَة. وَلَيْلٌ دَاخٍ: مُظْلِم. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: فَأَمَّا أَن يَكُونَ عَلَى النَّسبِ، وَإِمَّا أَن يَكُونَ عَلَى فِعْلٍ لَمْ نَسْمعه.
ددا: الْجَوْهَرِيُّ: الدَّدُ اللهْوُ واللعِبُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَا أَنا مِنْ دَدٍ وَلَا الدَّدُ مِنِّي
، قَالَ: وَفِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ: هَذَا دَدٌ، ودَداً مِثْلُ قَفاً، ودَدَنٌ؛ قَالَ طَرَفَةُ:
كأَنَّ حُدوجَ المالِكِيّة، غُدْوَةً، ... خَلايَا سَفِينٍ بالنَّواصِفِ مِنْ دَدِ
وَيُقَالُ: هُوَ مَوْضِعٌ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُ هَذَا الْحَرْفِ أَنْ يُذْكر فِي فَصْلِ دَدَنَ أَو فِي فَصْلِ دَدَا مِنَ الْمُعْتَلِّ، لأَنه يَائِيٌّ مَحْذُوفُ اللَّامُ، وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ الْجَوْهَرِيُّ فِي حَرْفِ الدَّالِ فِي تَرْجَمَةِ دَدَّ. والحُدُوج: جَمْعُ حِدْجٍ وَهِيَ مَرَاكِبُ النِّسَاءِ، والمالِكِيّة: مَنْسُوبَةٌ إِلَى مَالِكِ بْنِ سَعْدِ بْنِ ضُبَيْعَة، والسَّفِينُ: جَمْعُ سَفِينة، والنَّواصِفُ: جَمْعُ ناصِفة الرَّحَبة الواسِعة تَكُونُ فِي الْوَادِي؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: الدَّدُ اللهْو واللَّعِبُ، وَهِيَ مَحْذُوفَةُ اللَّامِ، وَقَدِ اسْتُعْمِلَتْ مُتَمَّمة دَدىً كنَدىً وعَصاً، ودَدٌ مثلَ دَمٍ، ودَدَنٌ كبَدَنٍ؛ قَالَ: فَلَا يَخْلُو الْمَحْذُوفُ أَن يَكُونَ يَاءً كَقَوْلِهِمْ يَدٌ فِي يَدْيٍ، أَو نُونًا كَقَوْلِهِمْ لَدُ فِي لَدُنْ، وَمَعْنَى تنكيرِ الدَّدِ فِي الأَوَّلِ الشِّياع وَالِاسْتِغْرَاقُ وأَن لَا يَبْقَى شيءٌ مِنْهُ إِلَّا وَهُوَ مُنَزَّه عَنْهُ أَي مَا أَنَا فِي شَيْءٍ مِنَ اللهْوِ واللَّعِب، وَتَعْرِيفُهُ فِي الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ لأَنه صَارَ مَعْهُودًا بِالذِّكْرِ كأَنه قَالَ وَلَا ذَلِكَ النَّوْعُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ وَلَا هُوَ مِنِّي لأَن الصَّرِيحَ آكَدُ وأَبلغ، وَقِيلَ: اللَّامُ فِي الدَّد لِاسْتِغْرَاقِ جِنْسِ اللَّعِبِ أَي ولا جنس اللعب مني، سواء كان الذي قُلْتُهُ أَوْ غيرَه مِنْ أَنواع اللَّعِبِ وَاللَّهْوِ، وَاخْتَارَ الزَّمَخْشَرِيُّ الأَول، قَالَ: وَلَيْسَ يَحْسُنُ أَن يَكُونَ لِتَعْرِيفِ الْجِنْسِ وَيَخْرُجُ عَنِ الْتِئَامِهِ، وَالْكَلَامُ جُمْلَتَانِ، وَفِي الْمَوْضِعَيْنِ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ مَا أَنَا مِنْ أَهل دَدٍ وَلَا الدَّدُ مِنْ أَشغالي. ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ هَذَا دَدٌ ودَداً ودَيْدٌ ودَيَدَانٌ ودَدَنٌ ودَيْدَبُونٌ لِلَّهْوِ. ابْنُ السِّكِّيتِ: مَا أَنَا مِنْ دَداً وَلَا الدَّدَا مِنِّيَهْ، مَا أَنَا مِنَ الباطِلِ وَلَا الباطِلُ منِّي. وَقَالَ اللَّيْثُ: دَدٌ حِكَايَةُ الاسْتِنانِ للطَّرَبِ وضَرْبُ الأَصابِعِ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ تُضْرَب بعدَ الْجَرْيِ فِي بِطالَةٍ فَهُوَ دَدٌ؛ قَالَ الطِّرِمَّاحُ:
واسْتَطْرَقَتْ ظُعْنُهُمْ لَمَّا احْزَأَلَّ بِهِمْ ... آلُ الضُّحَى نَاشِطاً منْ دَاعِباتِ دَدِ
أَراد بالنَّاشِطِ شَوْقاً نازِعاً. قَالَ اللَّيْثُ: وأَنشده بَعْضُهُمْ: مِنْ دَاعِبٍ دَدِدِ؛ قَالَ: لمَّا جَعَلَهُ نَعْتًا للدّاعِبِ كسَعَه بِدَالٍ ثَالِثَةٍ لأَن النَّعْتَ لَا يَتَمَكَّنُ حَتَّى يتمَّ ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ، فَصَارَ دَدِدِ نَعْتاً لِلدَّاعِب اللاعِبِ، قَالَ: فَإِذَا أَرادوا اشْتِقَاقَ الْفِعْلِ مِنْهُ لَمْ يَنْفَك لِكَثْرَةِ الدَّالَاتِ، فَيَفْصِلُونَ بَيْنَ حَرْفَيِّ الصَّدْرِ بِهَمْزَةٍ فَيَقُولُونَ دَأْدَدَ يُدَأْدِدُ دَأْدَدَةً، وَإِنَّمَا اخْتَارُوا الْهَمْزَةَ لأَنها أَقوى الْحُرُوفِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ(14/253)
كَذَلِكَ. أَبو عَمْرٍو: الدَّادِي المُولَع باللهْو الَّذِي لَا يَكاد يَبْرَحُه.
دري: دَرَى الشيءَ دَرْياً ودِرْياً؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، ودِرْيَةً ودِرْيَاناً ودِرَايَةً: عَلِمَهُ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: الدَّرْيَةُ كالدِّرْيَةِ لَا يُذْهَبُ بِهِ إِلَى المَرَّةِ الْوَاحِدَةِ وَلَكِنَّهُ عَلَى مَعْنَى الْحَالِ. وَيُقَالُ: أَتى هَذَا الأَمْرَ مِنْ غَيْرِ دِرْيَة [دَرْيَة] أَي مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ. وَيُقَالُ: دَرَيْت الشيءَ أَدْرِيهِ عَرَفْته، وأَدْرَيْتُه غَيْرِي إِذَا أَعْلَمْته. الْجَوْهَرِيُّ: دَرَيْته ودَرَيْت بِهِ دَرْياً ودَرْية ودِرْيةً ودِرَايَة أَي عَلِمْتُ به؛ وأَنشد:
لاهُمَّ لَا أَدْرِي، وأَنْت الدَّارِي، ... كُلُّ امْرِئٍ مِنْك عَلَى مِقْدارِ
وأَدْرَاه بِهِ: أَعْلَمه. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَلا أَدْراكُمْ بِهِ
، فأَما
مَنْ قرأَ: أَدْرَأَكُم بِهِ
، مَهْمُوزٌ، فلَحْنٌ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ:
وَقُرِئَ وَلَا أَدْرَأَكُم بِهِ
؛ قَالَ: وَالْوَجْهُ فِيهِ تَرْك الْهَمْزُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يُرِيدُ أَنَّ أَدْرَيْته وأَدْرَاهُ، بِغَيْرِ هَمْزٍ، هُوَ الصَّحِيحُ؛ قَالَ: وَإِنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ فِيمَا بَعْدُ مُدَاراة النَّاسِ، يُهْمَزُ وَلَا يُهْمَزُ. ابْنُ سِيدَهْ: قَالَ سِيبَوَيْهِ وَقَالُوا لَا أَدْر، فَحَذَفُوا الياءَ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِمْ لَهُ كَقَوْلِهِمْ لَم أُبَلْ ولَم يكُ، قَالَ: وَنَظِيرُهُ مَا حَكَاهُ اللِّحْيَانِيُّ عَنِ الْكِسَائِيِّ: أَقْبَلَ يَضْرِبُه لَا يَأْلُ، مضمومَ اللامِ بِلَا وَاوٍ؛ قَالَ الأَزهري: وَالْعَرَبُ رُبَّمَا حَذَفُوا الْيَاءَ مِنْ قَوْلِهِمْ لَا أَدْرِ فِي مَوْضِعِ لَا أَدْرِي، يكتَفُون بِالْكَسْرَةِ مِنْهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ؛ والأَصل يَسْري؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَإِنَّمَا قَالُوا لَا أَدْرِ بِحَذْفِ الْيَاءِ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ كَمَا قَالُوا لَمْ أُبَلْ وَلَمْ يَكُ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ
؛ تأْويله أَيُّ شَيْءٍ أَعْلَمَك مَا الحُطَمة. قَالَ: وَقَوْلُهُمْ يُصيبُ وَمَا يَدْرِي ويُخْطِئُ وَمَا يدرِي أَي إصابَتَه أَي هُوَ جاهلٌ، إِنْ أَخطأَ لَمْ يَعْرِفْ وَإِنْ أَصاب لَمْ يَعْرِفْ أَي مَا اخْتل «1» ، مِنْ قَوْلِكَ دَرَيْت الظِّبَاءَ إِذَا خَتَلْتَها. وَحَكَى ابْنُ الأَعرابي: مَا تَدْرِي مَا دِرْيَتُها أَي مَا تَعْلَمُ مَا علْمُها. ودَرَى الصيدَ دَرْياً وادَّرَاه وتَدَرَّاه: خَتَلَه؛ قَالَ:
فَإِنْ كنتُ لَا أَدْرِي الظِّباءَ، فإنَّني ... أَدُسُّ لَهَا، تحتَ التُّرابِ، الدَّواهِيا
وَقَالَ:
كيفَ تَرانِي أَذَّرِي وأَدَّرِي ... غِرَّاتِ جُمْلٍ، وتَدرَّى غِرَرِي؟
فالأَول إِنَّمَا هُوَ بِالذَّالِ معجمة، وهو أَفْتَعِل من ذَرَيْت تُرَابَ الْمَعْدِنِ، وَالثَّانِي بِدَالٍ غَيْرِ مُعْجَمَةٍ، وَهُوَ أَفْتَعِل مِنِ ادَّراه أَي خَتَلَه، وَالثَّالِثُ تَتَفَعَّل مِنْ تَدَرَّاه أَي خَتَلَه فأَسقط إِحْدَى التَّاءَيْنِ، يَقُولُ: كَيْفَ تَرَانِي أَذَّرِي التُّرَابَ وأَخْتِل مَعَ ذَلِكَ هَذِهِ المرأَة بِالنَّظَرِ إِلَيْهَا إِذَا اغتَرَّت أَي غَفَلَت. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يَقُولُ أَذَّرِي التُّرَابَ وأَنا قَاعِدٌ أَتَشَاغَلُ بِذَلِكَ لِئَلَّا تَرْتَابَ بِي، وأَنا فِي ذَلِكَ أَنظر إِلَيْهَا وأَخْتِلُها، وَهِيَ أَيضاً تَفْعَلُ كَمَا أَفعل أَي أَغْتَرُّها بِالنَّظَرِ إِذَا غَفَلَت فَتَرَانِي وتَغْتَرُّني إِذَا غَفَلْت فتَخْتِلُني وأَخْتِلُها. ابْنُ السِّكِّيتِ: دَرَيْت فُلَانًا أَدْرِيه دَرْياً إِذَا خَتَلْتَه؛ وأَنشد للأَخطل:
فَإِنْ كُنت قَدْ أَقْصَدْتني، إِذْ رَمَيْتني ... بسَهْمِك، فالرَّامي يَصِيدُ وَلَا يَدْرِي
أَي وَلَا يَخْتِلُ وَلَا يَسْتَتِرُ. وَقَدْ دارَيْته إِذَا خاتَلْته. والدَّرِيَّة: النَّاقَةُ وَالْبَقَرَةُ يَسْتَتِرُ بِهَا مِنَ الصَّيْدِ فيختِلُ، وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: هِيَ مَهْمُوزَةٌ لأَنها تُدْرأُ لِلصَّيْدِ أَي
__________
(1) . قوله [أي ما اختل إلخ] هكذا في الأَصل(14/254)
تُدْفَعُ، فَإِنْ كَانَ هَذَا فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ. وَقَدِ ادَّرَيْت دَرِيَّة وتَدَرَّيت. والدَّرِيّة: الْوَحْشُ مِنَ الصَّيْدِ خَاصَّةً. التَّهْذِيبُ: الأَصمعي الدَّرِيّة، غَيْرُ مَهْمُوزٍ، دابَّة يَسْتَتِرُ بِهَا الصَّائِدُ الَّذِي يَرْمِي الصَّيْدَ لِيَصِيدَهُ، فَإِذَا أَمكنَه رَمَى، قَالَ: وَيُقَالُ مِنَ الدَّرِيّة ادَّرَيْت ودَرَيْت. ابْنُ السِّكِّيتِ: انْدَرَأْتُ عَلَيْهِ انْدِراءً، قَالَ: وَالْعَامَّةُ تَقُولُ انْدَرَيْت. الْجَوْهَرِيُّ: وتَدَرَّاه وادَّراه بِمَعْنَى خَتَله، تَفَعَّل وافْتَعَل بِمَعْنَى؛ قَالَ سُحَيم:
وَمَاذَا يَدَّرِي الشُّعَراءُ مِنِّي، ... وقَدْ جاوَزْتُ رَأْسَ الأَرْبَعِينِ؟
قَالَ يَعْقُوبُ: كَسَرَ نُونَ الْجَمْعِ لأَن الْقَوَافِيَ مَخْفُوضَةً، أَلا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ:
أَخو خَمْسِين مُجْتَمعٌ أَشُدِّي، ... ونَجَّذَني مُداوَرَةُ الشُّؤُونِ
وادَّرَوْا مَكَانًا: اعْتَمَدوه بِالْغَارَةِ والغَزْو. التَّهْذِيبُ: بَنُو فُلَانٍ ادَّرَوْا فُلَانًا كأَنَّهم اعْتَمَدوه بِالْغَارَةِ وَالْغَزْوِ؛ وَقَالَ سُحَيم بْنُ وَثيل الرِّيَاحِيُّ:
أَتَتْنا عامِرٌ مِنْ أَرْضِ رامٍ، ... مُعَلِّقَةَ الكَنائِنِ تَدَّرِينا
والمُدَارَاةُ فِي حُسْن الخُلُق والمُعاشَرةِ مَعَ النَّاسِ يكونُ مَهْمُوزًا وَغَيْرُ مَهْمُوزٍ، فَمَنْ هَمَزَهُ كَانَ مَعْنَاهُ الاتِّقاءَ لشَرِّه، وَمَنْ لَمْ يَهْمِزْهُ جَعَلَهُ مِنْ دَرَيْت الظَّبْيَ أَي احْتَلْت لَهُ وخَتَلْته حَتَّى أَصِيدَه. ودَارَيْته مِنْ دَرَيْت أَي خَتَلْت. الْجَوْهَرِيُّ: ومُدَارَاة النَّاسِ المُداجاة والمُلايَنَة؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
رأْس العَقْلِ بعدَ الإِيمانِ بِاللَّهِ مُدَارَاةُ الناسِ
أَي مُلايَنَتُهُم وحُسنُ صُحْبَتِهِم واحْتِمالُهُم لئَلَّا يَنْفِروا عَنْكَ. ودَارَيت الرجلَ: لايَنْته ورَفَقْت بِهِ، وأَصله مِنْ دَرَيْت الظَّبْي أَي احْتَلْت لَهُ وخَتَلْته حَتَّى أَصيدَه. ودَارَيْتُه ودَارأْته: أَبْقَيْته، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْهَمْزِ أَيضاً. ودارأْت الرجلَ إِذَا دَافَعْتَه، بِالْهَمْزِ، والأَصل فِي التَّدَارِي التَّدارُؤُ، فَتُرِكَ الهَمْز ونُقِلَ الْحَرْفُ إِلَى التَّشْبِيهِ بِالتَّقَاضِي وَالتَّدَاعِي. والدَّرْوانُ: ولَدُ الضِّبْعانِ مِنَ الذِّئْبة؛ عَنْ كُرَاعٍ. والمِدْرَى والمِدْراة والمَدْرِيَةُ: القَرْنُ، وَالْجَمْعُ مَدارٍ ومَدارَى، الأَلف بَدَلٌ مِنَ الْيَاءِ. ودَرَى رَأْسَه بالمِدْرى: مَشَطَه. ابْنُ الأَثير: المِدْرَى والمِدْرَاةُ شَيْءٌ يُعْمَل مِنْ حَدِيدٍ أَو خَشَبٍ عَلَى شَكْلِ سِنٍّ مِنْ أَسْنان المُشْطِ وأَطْولُ مِنْهُ، يُسَرَّحُ بِهِ الشَّعَر المُتَلَبِّدُ ويَستَعمله مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُشْط؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
أُبيّ: أَن جَارِيَةً لَهُ كانَت تَدَّري رأْسَهُ بِمِدْراها
أَي تُسَرِّحُه. يُقَالُ: ادَّرَت المرأَة تَدَّرِي ادِّراءً إِذَا سَرَّحَتْ شَعَرَهَا بِهِ، وأَصلها تَدْتَري، تَفْتَعِل مِنِ اسْتِعْمَالِ المِدْرى، فأُدغمت التَّاءُ فِي الدَّالِ. وَقَالَ اللَّيْثُ: المِدْرَاةُ حَدِيدَةٌ يُحَكُّ بِهَا الرأْس يُقَالُ لَهَا سَرْخارَهْ، وَيُقَالُ مِدْرىً، بِغَيْرِ هَاءٍ، ويُشَبَّه قَرْنُ الثَّوْرِ بِهِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ النَّابِغَةُ:
شَكَّ الفَرِيصَةَ بالمِدْرَى فأَنْفَذَها، ... شَكَّ المُبَيْطِرِ إذْ يَشْفِيِ مِنَ العَضَدِ
وَفِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنه كَانَ فِي يَدِهِ مِدْرىً يَحُكُّ بِهَا رأْسَه فَنَظَر إلَيْه رَجلٌ مِنْ شَقِّ بابهِ قَالَ: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّك تَنْظُر لَطَعَنْتُ بِهِ في عَيْنِكَ.
فَقَالَ: وَرُبَّمَا قَالُوا للمِدْراةِ مَدْرِيَة، وَهِيَ الَّتِي حدِّدَت حَتَّى صَارَتْ مِدْرَاةً؛ وَحَدَّثَ الْمُنْذِرِيُّ أَن الْحَرْبِيَّ أَنشده:(14/255)
وَلَا صُوار مُدَرَّاةٍ مَناسِجُها، ... مثلُ الفريدِ الَّذِي يَجْري مِنَ النَّظْمِ
قَالَ: وَقَوْلُهُ مُدَرَّاة كأَنها هُيِّئَت بالمِدْرى مِنْ طُولِ شَعْرِهَا، قَالَ: والفَرِيدُ جَمْعُ الْفَرِيدَةُ، وَهِيَ شَذْرة مِنْ فِضَّةٍ كَاللُّؤْلُؤِ، شَبَّه بياض أَجسادها بها كأَنها الْفِضَّةُ. الْجَوْهَرِيُّ فِي المِدْراةِ قَالَ: وَرُبَّمَا تُصْلِحُ بِهَا الْمَاشِطَةُ قُرُونَ النِّساء، وَهِيَ شَيْءٌ كالمِسَلَّة يَكُونُ مَعَها؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
تَهْلِكُ المِدْراةُ فِي أَكْنافِه، ... وإِذا مَا أَرْسَلَتْهُ يَعْتَفِرْ
وَيُقَالُ: تَدَرَّت المرأَة أَي سَرَّحت شعَرها. وَقَوْلُهُمْ جَأْبُ المِدْرى أَي غَلِيظ القَرْنِ، يُدَلّ بِذَلِكَ عَلَى صِغَر سِنِّ الْغَزَالِ لأَن قَرْنَه فِي أَول مَا يَطْلُعُ يَغْلُظُ ثُمَّ يَدِقُّ بَعْدَ ذَلِكَ؛ وقول الهذلي:
وبالترك قد دمها ... وذات المُدارأَة الغائط «2»
الْمَدْمُومَةُ: الْمَطْلِيَّةُ كأَنها طُلِيَتْ بِشَحْمٍ. وَذَاتُ المدارأَة: هِيَ الشديدة النفس فهي تُدْرأُ؛ قَالَ وَيُرْوَى:
وَذَاتُ المُدَارَاة وَالْغَائِطُ
قَالَ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَن الْهَمْزَ فِيهِ وترك الهمز جائز.
درحي: الْجَوْهَرِيُّ: الدِّرْحَايَةُ الرجُلُ الضَّخْم الْقَصِيرُ، وَهِيَ فِعْلايَةٌ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
عَكَوَّكاً، إِذَا مَشَى، دِرْحَايَهْ ... تَحْسِبُني لَا أَعرفُ الحُدايَهْ
قَالَ الشَّيْخُ: دِرْحاية يَنْبَغِي أَن يَكُونَ فِي بَابِ الْحَاءَ وَفَصْلِ الدَّالِ وَالْيَاءِ آخِرُهُ زَائِدَةٌ لأَن الْيَاءَ لَا تَكُونُ أَصلًا فِي بَنَاتِ الأَربعة.
دسا: دسي
دَسَى دَسَى
يَدْسَى: نقيضُ زَكا. اللَّيْثُ: دَسا فُلَانٌ يَدْسُو دَسْوَةً، وَهُوَ نَقِيضُ زَكا يَزْكُو زَكَاةً، وَهُوَ داسٍ لَا زاكٍ، ودَسَّى نَفْسَه. قال: ودسي
دَسَى دسي
يَدْسَى لُغَةٌ، ويَدْسُو أَصوب. ابْنُ الأَعرابي: دَسا إِذَا اسْتَخَفَى. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذَا يَقْرُبُ مِمَّا قَالَ اللَّيْثُ، قَالَ: وأَحسبهما ذَهَبًا إِلَى قَلْبِ حَرْفِ التَّضْعِيفِ، وَاعْتَبَرَ اللَّيْثُ مَا قَالَهُ فِي دَسَّى مِنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها
؛ أَي أَخفاها، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُنَا إِنَّ دَسّاها فِي الأَصل دَسَّسها، وإِن السِّينَاتِ تَوَالَتْ فَقُلِبَتْ إِحْدَاهُنَّ يَاءً، وأَما دَسَّى غيرَ مُحَوَّل عَنِ الْمُضَعَّفِ مِنْ بَابِ الدَّسِّ فَلَا أَعرفه وَلَا أَسمعه، وَالْمَعْنَى خَابَ مَنْ دَسَّى نفسَه أَي أَخْمَلها وأَخَسَّ حَظَّها، وَقِيلَ خَابَتْ نفسٌ دَسَّاها اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَكُلُّ شَيْءٍ أَخْفَيْته وقلَّلْته فَقَدْ دَسَسْته، رَوَى ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي أَنه أَنشده:
نَزُورُ امْرَأً أَما الإِلَه فَيَتَّقِي، ... وأَمّا بِفعْلِ الصالِحِينَ فيأْتَمِي
قَالَ: أَراد فيَأْتَمُّ. قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: دَسَّى فُلَانٌ نفْسَه إِذَا أَخفاها وأَخملها لُؤْماً مَخَافَةَ أَن يتَنَبَّه لَهُ فيُستضافَ. ودسَا الليلُ دَسْواً ودَسْياً: وَهُوَ خِلَافُ زَكَا. ودَسَّى نفْسَه. وتَدَسَّى ودَسّاه: أَغراه وأَفْسَدَه. وَفِي التَّنْزِيلِ: وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها
؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي لِرَجُلٍ مِنْ طيِء:
وأَنتَ الَّذِي دَسَّيْتَ عَمْراً، فأَصْبَحَت ... نِساؤُهُمُ مِنْهُمْ أَرامِلُ ضُيَّعُ
قَالَ: دَسَّيْت أَغْوَيْت وأَفسدْت، وعمرو قبيلة.
دشا: ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي: دَشَا إِذَا غاصَ في الحرب.
__________
(2) . قوله [
وبالترك قد دمها
إلخ] هذا البيت هو هكذا في الأَصل.(14/256)
دعا: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ
؛ قَالَ أَبو إِسْحَاقَ: يَقُولُ ادْعُوا مَنِ اسْتَدعَيتُم طاعتَه ورجَوْتم مَعونتَه فِي الإِتيان بِسُورَةٍ مِثْلِهِ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ
، يَقُولُ: آلِهَتَكم، يَقُولُ اسْتَغِيثوا بِهِمْ، وَهُوَ كَقَوْلِكَ لِلرَّجُلِ إِذَا لَقِيتَ الْعَدُوَّ خَالِيًا فادْعُ الْمُسْلِمِينَ، وَمَعْنَاهُ اسْتَغِثْ بِالْمُسْلِمِينَ، فالدُّعَاء هَاهُنَا بِمَعْنَى الِاسْتِغَاثَةِ، وَقَدْ يَكُونُ الدُّعَاءُ عِبادةً: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ
، وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ: فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ
، يَقُولُ: ادْعُوهُمْ فِي النَّوَازِلِ الَّتِي تَنْزِلُ بِكُمْ إِنْ كَانُوا آلِهَةً كَمَا تَقُولُونَ يُجيبوا دُعَاءَكُمْ، فَإِنْ دَعَوْتُموهم فَلَمْ يُجيبوكم فأَنتم كَاذِبُونَ أَنهم آلهةٌ. وَقَالَ أَبو إِسْحَاقَ فِي قَوْلِهِ: أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ
؛ مَعْنَى الدُّعَاءِ لِلَّهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوجه: فضربٌ مِنْهَا توحيدهُ والثناءُ عَلَيْهِ كَقَوْلِكَ: يَا اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنت، وَكَقَوْلِكَ: ربَّنا لكَ الحمدُ، إِذَا قُلْتَه فقدَ دعَوْته بِقَوْلِكَ ربَّنا، ثُمَّ أَتيتَ بِالثَّنَاءِ وَالتَّوْحِيدِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي
؛ فَهَذَا ضَرْبٌ مِنَ الدُّعَاءِ، وَالضَّرْبُ الثَّانِي مسأَلة اللَّهِ العفوَ وَالرَّحْمَةَ وَمَا يُقَرِّب مِنْهُ كَقَوْلِكَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا، وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ مسأَلة الحَظِّ مِنَ الدُّنْيَا كَقَوْلِكَ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي مَالًا وَوَلَدًا، وَإِنَّمَا سُمِّيَ هَذَا جَمِيعُهُ دُعَاء لأَن الإِنسان يُصَدّر فِي هَذِهِ الأَشياء بِقَوْلِهِ يَا اللَّهُ يَا رَبُّ يَا رحمنُ، فَلِذَلِكَ سُمِّي دُعَاءً. وَفِي حَدِيثِ عرَفة:
أَكثر دُعَائِي ودُعَاء الأَنبياء قَبْلي بعَرفات لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وحدهَ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلكُ وله الحمدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
، وَإِنَّمَا سُمِّيَ التهليلُ والتحميدُ والتمجيدُ دُعَاءً لأَنه بِمَنْزِلَتِهِ فِي استِيجاب ثوابِ اللَّهِ وَجَزَائِهِ كَالْحَدِيثِ الْآخَرِ:
إِذَا شَغَلَ عَبْدي ثَنَاؤُهُ عليَّ عَنْ مسأَلتي أَعْطَيْتُه أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السائِلين
، وأَما قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلَّا أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ
؛ الْمَعْنَى أَنهم لَمْ يَحْصُلوا مِمَّا كَانُوا ينْتَحِلونه مِنَ المذْهب والدِّينِ وَمَا يَدَّعونه إِلَّا عَلَى الاعْتِرافِ بأَنهم كَانُوا ظَالِمِينَ؛ هَذَا قَوْلُ أَبي إِسْحَاقَ. قَالَ: والدَّعْوَى اسمٌ لِمَا يَدَّعيه، والدَّعْوى تَصْلُح أَن تَكُونَ فِي مَعْنَى الدُّعاء، لَوْ قُلْتَ اللَّهُمَّ أَشْرِكْنا فِي صالحِ دُعاءِ المُسْلمين أَو دَعْوَى الْمُسْلِمِينَ جَازَ؛ حَكَى ذَلِكَ سِيبَوَيْهِ؛ وأَنشد:
قَالَتْ ودَعْوَاها كثِيرٌ صَخَبُهْ
وأَما قَوْلُهُ تَعَالَى: وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ
؛ يَعْنِي أَنَّ دُعاءَ أَهلِ الجَنَّة تَنْزيهُ اللهِ وتَعْظِيمُه، وَهُوَ قَوْلُهُ: دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَ
، ثُمَّ قَالَ: وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ
؛ أَخبرَ أَنهم يبْتَدِئُون دُعاءَهم بتَعْظيم اللَّهِ وتَنزيهه ويَخْتِمُونه بشُكْره وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، فجَعل تَنْزِيهَهُ دُعَاءً وتحميدَهُ دُعَاءً، والدَّعْوى هُنَا مَعْنَاهَا الدُّعاء.
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنه قَالَ: الدُّعاءُ هُوَ العِبادَة، ثُمَّ قرأَ: وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي
؛ وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ
، قَالَ: يُصَلُّونَ الصَّلَواتِ الخمسَ، ورُوِي مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ في قوله: لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً
؛ أَي لَنْ نَعْبُد إِلَهًا دُونَه. وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَتَدْعُونَ بَعْلًا
؛ أَي أَتَعْبُدون رَبّاً سِوَى اللَّهِ، وَقَالَ: وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ
؛ أَي لَا تَعْبُدْ. والدُّعاءُ: الرَّغْبَةُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، دَعَاهُ دُعَاءً ودَعْوَى؛ حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ فِي الْمَصَادِرِ الَّتِي آخِرُهَا أَلف التأْنيث؛ وأَنشد لبُشَيْر بْنِ النِّكْثِ:(14/257)
وَلَّت ودَعْوَاها شَديدٌ صَخَبُهْ
ذكَّرَ عَلَى مَعْنَى الدُّعَاءِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَوْلَا دَعْوَةُ أَخِينا سُلْيمانَ لأَصْبَحَ مُوثَقاً يَلْعَبُ بِهِ وِلْدانُ أَهلِ الْمَدِينَةِ
؛ يَعْنِي الشَّيْطان الَّذِي عَرَضَ لَهُ فِي صَلَاتِهِ، وأَراد بدَعْوَةِ سُلْيمانَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَوْلَهُ: وَهَبْ لِي مُلْكاً لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي، وَمِنْ جُمْلَةِ مُلكه تَسْخِيرُ الشَّيَاطِينِ وانقِيادُهم لَهُ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
سأُخْبِرُكم بأَوَّل أَمري دَعْوةُ أَبي إِبْرَاهِيمَ وبِشارةُ عِيسى
؛ دَعْوةُ إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، قولهُ تَعَالَى: رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ؛ وبِشارَةُ عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ. وَفِي حَدِيثُ
مُعَاذٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لَمَّا أَصابَهُ الطَّاعُونُ قَالَ: ليْسَ بِرِجْزٍ وَلَا طاعونٍ وَلَكِنَّهُ رَحْمةُ رَبِّكم ودَعْوَةُ نبِيِّكُم، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
؛ أَراد قَوْلَهُ:
اللَّهُمَّ اجعَلْ فَناءَ أُمَّتي بالطَّعْن والطاعونِ
، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ نَظَر، وَذَلِكَ أَنه قَالَ لَمَّا أَصابَهُ الطَّاعُونُ فأَثبَتَ أَنه طاعونٌ، ثُمَّ قَالَ: ليسَ برِجْزٍ وَلَا طاعونٍ فنَفَى أَنه طاعونٌ، ثُمَّ فسَّر قَوْلَهُ ولكنَّه رحمةٌ مِنْ ربِّكم ودَعوةُ نبِيِّكم فَقَالَ أَراد قَوْلَهُ:
اللَّهُمَّ اجعَلْ فَناءَ أُمَّتي بالطَّعْن وَالطَّاعُونِ
، وَهَذَا فِيهِ قَلَق. وَيُقَالُ: دَعَوْت اللَّهَ لَهُ بخَيْرٍ وعَليْه بِشَرّ. والدَّعْوة: المَرَّة الواحدةَ مِنَ الدُّعاء؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
فَإِنَّ دَعْوتَهم تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ
أَي تحُوطُهم وتكْنُفُهم وتَحْفَظُهم؛ يُرِيدُ أهلَ السُّنّة دُونَ البِدْعة. والدُّعَاءُ: وَاحِدُ الأَدْعِيَة، وأَصله دُعاو لأَنه مَنْ دَعَوْت، إِلَّا أَنَّ الْوَاوَ لمَّا جَاءَتْ بَعْدَ الأَلف هُمِزتْ. وَتَقُولُ للمرأَة: أَنتِ تَدْعِينَ، وَفِيهِ لُغَةٌ ثَانِيَةٌ: أَنت تَدْعُوِينَ، وَفِيهِ لُغَةٌ ثَالِثَةٌ: أَنتِ تَدْعُينَ، بِإِشْمَامِ الْعَيْنِ الضَّمَّةَ، وَالْجَمَاعَةُ أَنْتُنَّ تَدْعُونَ مِثْلُ الرِّجَالِ سَوَاءً؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَوْلُهُ فِي اللُّغَةِ الثَّانِيَةِ أَنتِ تَدْعُوِينَ لُغَةٌ غَيْرُ مَعْرُوفَةٍ. والدَّعَّاءَةُ: الأَنْمُلَةُ يُدْعى بِهَا كَقَوْلِهِمُ السَّبَّابة كَأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تَدْعُو، كَمَا أَن السَّبَّابَةَ هِيَ الَّتِي كأَنها تَسُبُّ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِ
؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ أَنها شَهَادَةُ أَن لَا إِلَه إِلَّا اللَّهُ، وجائزٌ أَن تَكُونَ، وَاللَّهُ أَعلم، دَعْوَةُ الْحَقِ
أَنه مَن دَعا اللَّهَ مُوَحِّداً اسْتُجيب لَهُ دُعَاؤُهُ.
وَفِي كِتَابِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى هِرَقْلَ: أَدْعُوكَ بِ دِعَايَةِ الإِسْلام
أَي بِدَعْوَتِه، وَهِيَ كَلِمَةُ الشَّهَادَةِ الَّتِي يُدْعى إِلَيْهَا أَهلُ المِلَلِ الْكَافِرَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ:
بداعِيَةِ الإِسْلامِ
، وَهُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الدَّعْوةِ كَالْعَافِيَةِ وَالْعَاقِبَةِ. وَمِنْهُ حَدِيثِ
عُمَيْر بْنِ أَفْصى: لَيْسَ فِي الخْيلِ داعِيَةٌ لِعاملٍ
أَي لَا دَعْوى لعاملِ الزَّكَاةِ فِيهَا وَلَا حَقَّ يَدْعُو إِلَى قَضَائِهِ لأَنها لَا تَجب فِيهَا الزَّكَاةُ. ودَعا الرجلَ دَعْواً ودُعَاءً: نَادَاهُ، وَالِاسْمُ الدَّعْوَة. ودَعَوْت فُلَانًا أَي صِحْت بِهِ واسْتَدْعَيْته. فأَما قَوْلُهُ تَعَالَى: يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ
؛ فإن أَبا إسحق ذَهَبَ إِلَى أَن يَدْعُو بِمَنْزِلَةِ يَقُولُ، ولَمَنْ مرفوعٌ بِالِابْتِدَاءِ وَمَعْنَاهُ يقولُ لَمَنْ ضَرُّه أَقربُ مِنْ نَفْعه إلهٌ وربٌّ؛ وَكَذَلِكَ قَوْلُ عَنْتَرَةَ:
يَدْعُونَ عَنْتَرَ، والرِّماحُ كأَنها ... أَشْطانُ بئرٍ فِي لَبانِ الأَدْهَمِ
مَعْنَاهُ يَقُولُونَ: يَا عَنْتَر، فدلَّت يَدْعُون عَلَيْهَا. وَهُوَ مِنِّي دَعْوَةَ الرجلِ ودَعْوةُ الرجُلِ، أَي قدرُ مَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ، ذلك يُنْصَبُ عَلَى أَنه ظَرْفٌ ويُرفع عَلَى أَنه اسمٌ. وَلِبَنِي فلانٍ الدَّعْوةُ عَلَى قومِهم أَي يُبْدأُ بِهِمْ فِي الدُّعَاءِ إِلَى أَعْطِياتِهم، وَقَدِ انْتَهَتِ الدَّعْوة إِلَى بَنِي فلانٍ.
وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رَضِيَ(14/258)
اللَّهُ عَنْهُ، يُقدِّمُ الناسَ فِي أَعطِياتِهِم عَلَى سابِقتِهم، فَإِذَا انْتَهَتِ الدَّعْوة إِلَيْهِ كَبَّر
أَي النداءُ والتسميةُ وأَن يُقَالَ دونكَ يَا أَميرَ الْمُؤْمِنِينَ. وتَداعى القومُ: دَعَا بعضُهم بَعْضًا حَتَّى يَجتمعوا؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وَهُوَ التَّدَاعِي. والتَّدَاعِي والادِّعَاءُ: الاعْتِزاء فِي الْحَرْبِ، وَهُوَ أَن يَقُولَ أَنَا فلانُ بنُ فُلَانٍ، لأَنهم يَتداعَوْن بأَسمائهم. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَا بالُ دَعْوى الْجَاهِلِيَّةِ؟
هُوَ قولُهم: يَا لَفُلانٍ، كَانُوا يَدْعُون بعضُهم بَعْضًا عِنْدَ الأَمر الْحَادِثِ الشَّدِيدِ. وَمِنْهُ حَدِيثِ
زيدِ بنِ أَرْقَمَ: فَقَالَ قومٌ يَا للأَنْصارِ وَقَالَ قومٌ: يَا للْمُهاجِرين فَقَالَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: دَعُوها فَإِنَّهَا مُنْتِنةٌ.
وَقَوْلُهُمْ: مَا بالدَّارِ دُعْوِيٌّ، بِالضَّمِّ، أَي أَحد. قَالَ الْكِسَائِيُّ: هُوَ مِنْ دَعَوْت أَي لَيْسَ فِيهَا مَنْ يَدعُو لَا يُتكَلَّمُ بِهِ إلَّا مَعَ الجَحْد؛ وَقَوْلُ الْعَجَّاجِ:
إنِّي لَا أَسْعى إِلَى داعِيَّهْ
مُشَدَّدَةَ الْيَاءِ، والهاءُ للعِمادِ مِثْلُ الَّذِي فِي سُلْطانِيَهْ ومالِيَهْ؛ وَبَعْدَ هَذَا الْبَيْتِ:
إِلَّا ارْتِعاصاً كارْتِعاص الحَيَّهْ
ودَعَاه إِلَى الأَمِير: ساقَه. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً
؛ مَعْنَاهُ دَاعِيًا إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ وَمَا يُقَرِّبُ مِنْهُ، ودَعَاهُ الماءُ والكَلأُ كَذَلِكَ عَلَى المَثَل. والعربُ تَقُولُ: دَعَانا غَيْثٌ وَقَعَ ببَلدٍ فأَمْرَعَ أَي كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لانْتِجاعنا إيَّاه؛ وَمِنْهُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:
تَدْعُو أَنْفَهُ الرِّيَبُ
والدُّعَاةُ: قومٌ يَدْعُونَ إِلَى بَيْعَةٍ هُدىً أَو ضَلَالَةً، واحدُهم دَاعٍ. وَرَجُلٌ داعِيَةٌ إِذَا كَانَ يَدْعُو النَّاسَ إِلَى بِدْعة أَو دينٍ، أُدْخِلَت الهاءُ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ. وَالنَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَاعِي اللَّهِ تَعَالَى، وَكَذَلِكَ المُؤَذِّنُ. وَفِي التَّهْذِيبِ: المُؤَذِّنُ دَاعِي اللَّهِ وَالنَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَاعِي الأُمَّةِ إِلَى توحيدِ اللَّهِ وطاعتهِ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُخْبِرًا عَنِ الْجِنِّ الَّذِينَ اسْتَمعوا الْقُرْآنَ: وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ قالوا يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ
. وَيُقَالُ لِكُلِّ مَنْ مَاتَ دُعِيَ فأَجاب. وَيُقَالُ: دَعَانِي إِلَى الإِحسان إِلَيْكَ إحسانُك إِلَيَّ. وَفِي الْحَدِيثُ:
الْخِلَافَةُ فِي قُرَيْشٍ والحُكْمُ فِي الأَنْصارِ والدَّعْوَة فِي الحَبَشة
؛ أَرادَ بالدَّعْوَة الأَذانَ جَعله فِيهِمْ تَفْضِيلًا لمؤذِّنِهِ بلالٍ. والدَّاعِيَة: صرِيخُ الْخَيْلِ فِي الْحُرُوبِ لِدُعَائِهِ مَنْ يَسْتَصْرِخُه. يُقَالُ: أَجِيبُوا داعِيَةَ الْخَيْلِ. ودَاعِيَة اللَّبَنِ: مَا يُترك فِي الضَّرْع ليَدْعُو مَا بَعْدَهُ. ودَعَّى فِي الضَّرْعِ: أَبْقى فِيهِ داعيةَ اللَّبنِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه أَمر ضِرارَ بنَ الأَزْوَر أَن يَحْلُبَ نَاقَةً وَقَالَ لَهُ دَعْ داعِيَ اللبنِ لَا تُجهِده
أَيْ أَبْق فِي الضَّرْعِ قَلِيلًا مِنَ اللَّبَنِ وَلَا تَسْتَوْعِبْهُ كُلَّهُ، فَإِنَّ الَّذِي تُبْقِيهِ فِيهِ يَدْعُو مَا وَرَاءَهُ مِنَ اللَّبَنِ فيُنْزله، وَإِذَا استُقْصِيَ كلُّ مَا فِي الضَّرْعِ أَبطأَ دَرُّه عَلَى حَالِبِهِ؛ قَالَ الأَزهري: وَمَعْنَاهُ عِنْدِي دَعْ مَا يَكُونُ سَبباً لِنُزُولِ الدِّرَّة، وَذَلِكَ أَن الحالبَ إِذَا تَرَكَ فِي الضَّرْعِ لأَوْلادِ الحلائبِ لُبَيْنةً تَرضَعُها طَابَتْ أَنفُسُها فَكَانَ أَسرَع لإِفاقتِها. وَدَعَا الميتَ: نَدَبه كأَنه نَادَاهُ. والتَّدَعِّي: تَطْريبُ النَّائِحَةِ فِي نِياحتِها عَلَى مَيِّتِها إِذَا نَدَبَتْ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. والنادبةُ تَدْعُو الْمَيِّتَ إِذَا نَدَبَتْه، وَالْحَمَامَةُ تَدْعو إِذَا ناحَتْ؛ وَقَوْلُ بِشْرٍ:
أَجَبْنا بَني سَعْد بْنِ ضَبَّة إذْ دَعَوْا، ... وللهِ مَوْلى دَعْوَةٍ لَا يُجِيبُها
يُرِيدُ: لِلَّهِ وليُّ دَعْوةٍ يُجيب إِلَيْهَا ثُمَّ يُدْعى فَلَا(14/259)
يُجيب؛ وَقَالَ النَّابِغَةُ فجعَل صوتَ الْقَطَا دُعَاءً:
تَدْعُو قَطاً، وَبِهِ تُدْعى إِذَا نُسِبَتْ، ... يَا صِدْقَها حِينَ تَدْعُوها فتَنْتَسِب
أَي صوْتُها قَطاً وَهِيَ قَطاً، وَمَعْنَى تَدْعُو تُصوّت قَطَا قَطَا. وَيُقَالُ: مَا الَّذِي دَعَاكِ إِلَى هَذَا الأَمْرِ أَي مَا الَّذِي جَرَّكَ إِلَيْهِ واضْطَرَّك. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَوْ دُعِيتُ إِلَى مَا دُعِيَ إِلَيْهِ يوسفُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، لأَجَبْتُ
؛ يُرِيدُ حِينَ دُعِيَ لِلْخُرُوجِ مِنَ الحَبْسِ فَلَمْ يَخْرُجْ وَقَالَ: ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ؛ يَصِفُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِالصَّبْرِ وَالثَّبَاتِ أَي لَوْ كُنْتُ مَكَانَهُ لَخَرَجْتُ وَلَمْ أَلْبَث. قَالَ ابْنُ الأَثير: وَهَذَا مِنْ جِنْسِ تَوَاضُعِهِ فِي قَوْلِهِ
لَا تُفَضِّلوني عَلَى يونُسَ بنِ مَتَّى.
وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه سَمِع رجُلًا يَقُولُ فِي المَسجِدِ مَنْ دَعَا إِلَى الجَمَلِ الأَحمر فَقَالَ لَا وجَدْتَ
؛ يُرِيدُ مَنْ وجَدَه فدَعا إِلَيْهِ صاحِبَه، وَإِنَّمَا دَعَا عَلَيْهِ لأَنه نَهَى أَن تُنْشَدَ الضالَّةُ فِي الْمَسْجِدِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا مَا لَوْنُها
، قَالَ: سَلْ لَنَا رَبّك. والدَّعْوة والدِّعْوة والمَدْعاة والمِدْعاةُ: مَا دَعَوتَ إِلَيْهِ مِنْ طَعَامٍ وَشَرَابٍ، الْكَسْرُ فِي الدِّعْوَة «3» . لعَدِي بن الرِّباب وسائر العرب يَفْتَحُونَ، وَخَصَّ اللِّحْيَانِيُّ بالدَّعْوَة الْوَلِيمَةَ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: كُنا فِي مَدْعَاةِ فُلَانٍ وَهُوَ مَصْدَرٌ يُرِيدُونَ الدُّعاءَ إِلَى الطَّعَامِ. وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ
؛ دارُ السلامِ هِيَ الجَنَّة، وَالسَّلَامُ هُوَ اللَّهُ، وَيَجُوزُ أَن تَكُونَ الْجَنَّةُ دَارَ السَّلَامِ أَي دَارَ السَّلَامَةِ وَالْبَقَاءِ، ودعاءُ اللهِ خَلْقَه إِلَيْهَا كَمَا يَدْعُو الرجلُ الناسَ إِلَى مَدْعاةٍ أَي إِلَى مَأْدُبَةٍ يتَّخِذُها وطعامٍ يَدْعُو الناسَ إِلَيْهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ إِذَا دُعِيَ أَحَدُكم إِلَى طَعَامٍ فلْيُجِبْ فَإِنْ كَانَ مُفْطِراً فلْيَأْكُلْ وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فلْيُصَلِّ.
وَفِي العُرْسِ دَعْوة أَيضاً. وَهُوَ فِي مَدْعَاتِهِم: كَمَا تَقُولُ فِي عُرْسِهِم. وَفُلَانٌ يَدَّعِي بكَرَم فِعالهِ أَي يُخْبِر عَنْ نَفْسِهِ بِذَلِكَ. والمَداعِي: نَحْوَ المَساعي والمكارمِ، يُقَالُ: إِنَّهُ لذُو مَدَاعٍ ومَساعٍ. وَفُلَانٌ فِي خَيْرٍ مَا ادَّعَى أَي مَا تَمَنَّى. وَفِي التَّنْزِيلِ: وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ
؛ مَعْنَاهُ مَا يتَمَنَّوْنَ وَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى مَعْنَى الدُّعاء أَي مَا يَدَّعِيه أَهلُ الْجَنَّةِ يأْتيهم. وَتَقُولُ الْعَرَبُ: ادَّعِ عليَّ مَا شئتَ. وَقَالَ الْيَزِيدِيُّ: يُقَالُ لِي فِي هَذَا الأَمر دَعْوَى ودَعاوَى ودَعَاوةٌ ودِعَاوَةٌ؛ وأَنشد:
تأْبَى قُضاعَةُ أَنْ تَرْضى دِعاوَتَكم ... وابْنا نِزارٍ، فأَنْتُمْ بَيْضَةُ البَلَدِ
قَالَ: وَالنَّصْبُ فِي دَعاوة أَجْوَدُ. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: يُقَالُ لِي فِيهِمْ دِعْوة أَي قَرابة وإخاءٌ. وادَّعَيْتُ عَلَى فُلَانٍ كَذَا، وَالِاسْمُ الدَّعْوى. ودعاهُ اللهُ بِمَا يَكْرَه: أَنْزَلَه بِهِ؛ قَالَ:
دَعاكَ اللهُ مِنْ قَيْسٍ بأَفْعَى، ... إِذَا نامَ العُيونُ سَرَتْ عَلَيْكا «4»
. القَيْسُ هُنَا مِنْ أَسماء الذَّكَر. ودَوَاعِي الدَّهْرِ: صُرُوفُه. وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي ذِكْرِ لَظَى، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْهَا: تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى
؛ مِنْ ذَلِكَ أَي تَفْعل بِهِمُ الأَفاعيل المَكْرُوهَة، وَقِيلَ: هُوَ مِنَ الدُّعَاء الَّذِي هُوَ النِّدَاءُ، وَلَيْسَ بقَوِيّ. وَرَوَى الأَزهري عَنِ الْمُفَسِّرِينَ: تَدْعُو الْكَافِرَ بِاسْمِهِ وَالْمُنَافِقَ بِاسْمِهِ، وَقِيلَ: لَيْسَتْ كالدعاءِ تَعالَ، وَلَكِنَّ دَعْوَتها إِيَّاهُمْ مَا تَفْعَل بِهِمْ مِنَ الأَفاعيل الْمَكْرُوهَةِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ: تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى
أَي تُعَذِّبُ، وقال
__________
(3) . قوله [الكسر في الدِّعْوَة إلخ] قال في التكملة: وقال قطرب الدُّعْوَة بالضم في الطعام خاصة
(4) . وفي الأَساس: دَعَاك الله من رجلٍ إلخ(14/260)
ثَعْلَبٌ: تُنادي مَنْ أَدْبر وتوَلَّى. ودَعَوْته بزيدٍ ودَعَوْتُه إياهُ: سَمَّيته بِهِ، تَعَدَّى الفعلُ بَعْدَ إِسْقَاطِ الْحَرْفِ؛ قَالَ ابْنُ أَحمرَ الْبَاهِلِيُّ:
أَهْوَى لَهَا مِشْقَصاً جَشْراً فشَبْرَقَها، ... وكنتُ أَدْعُو قَذَاها الإِثْمِدَ القَرِدا
أَي أُسَمِّيه، وأَراد أَهْوَى لَهَا بِمِشْقَصٍ فَحَذَفَ الْحَرْفَ وأَوصل. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً
؛ أَي جعَلوا، وأَنشد بَيْتَ ابْنِ أَحمر أَيضاً وَقَالَ أَي كُنْتُ أَجعل وأُسَمِّي؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
أَلا رُبَّ مَن تَدْعُو نَصِيحاً، وإنْ تَغِبْ ... تَجِدْهُ بغَيْبٍ غيرَ مُنْتَصِحِ الصَّدْرِ
وادَّعيتُ الشيءَ: زَعَمْتُهُ لِي حَقّاً كَانَ أَو بَاطِلًا. وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي سُورَةِ المُلْك: وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ
؛ قرأَ أَبو عَمْرٍو تَدَّعُون، مُثَقَّلَةً، وَفَسَّرَهُ الْحَسَنُ تَكْذبون مِنْ قَوْلِكَ تَدَّعِي الْبَاطِلَ وتَدَّعِي مَا لَا يَكُونُ، تأْويله فِي اللُّغَةِ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ مِنْ أَجله تَدَّعُونَ الأَباطيلَ والأَكاذيبَ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: يَجُوزُ أَن يَكُونَ تَدَّعُون بِمَعْنَى تَدْعُون، وَمَنْ قرأَ تَدْعُون، مُخَفَّفَةً، فَهُوَ مَنْ دَعَوْت أَدْعُو، وَالْمَعْنَى هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ وتَدْعُون اللَّهَ بتَعْجيله، يَعْنِي قَوْلَهُمْ: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ، قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ تَدَّعُون فِي الْآيَةِ تَفْتَعِلُونَ مِنَ الدُّعَاءِ وتَفْتَعِلون مِنَ الدَّعْوَى، وَالِاسْمُ الدَّعْوى والدِّعْوة، قَالَ اللَّيْثُ: دَعا يَدْعُو دَعْوَةً ودُعاءً وادَّعَى يَدَّعي ادِّعاءً ودَعْوَى. وَفِي نَسَبِهِ دَعْوة أَي دَعْوَى. والدِّعْوة، بِكَسْرِ الدَّالِ: ادِّعاءُ الوَلدِ الدَّعِيِّ غَيْرَ أَبيه. يُقَالُ: دَعِيٌّ بيِّنُ الدِّعْوة والدِّعاوَة. وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: الدَّعْوة فِي الطَّعَامِ والدِّعْوة فِي النَّسَبِ. ابْنُ الأَعرابي: المدَّعَى المُتَّهَمُ فِي نسَبه، وَهُوَ الدَّعِيُّ. والدَّعِيُّ أَيضاً: المُتَبَنَّى الَّذِي تَبَنَّاه رجلٌ فَدَعَاهُ ابنَه ونسبهُ إِلَى غَيْرِهِ، وَكَانَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَبَنَّى زيدَ بنَ حارثةَ فأَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَن يُنْسَب الناسُ إِلَى آبَائِهِمْ وأَن لَا يُنْسَبُوا إِلَى مَن تَبَنَّاهم فَقَالَ: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ
، وَقَالَ: وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ
. أَبو عَمْرٍو عَنْ أَبيه: والدَّاعِي المُعَذِّب، دَعاهُ اللَّهُ أَي عَذَّبَه اللَّهُ. والدَّعِيُّ: الْمَنْسُوبُ إِلَى غَيْرِ أَبيه. وَإِنَّهُ لَبَيِّنُ الدَّعْوَة والدِّعْوَةِ، الْفَتْحُ لعَدِيِّ بْنِ الرِّباب، وسائرُ الْعَرَبِ تَكْسِرُها بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فِي الطَّعَامِ. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: إِنَّهُ لبيِّنُ الدَّعَاوَة والدِّعَاوَة. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا دِعْوَة فِي الإِسلام
؛ الدِّعْوَة فِي النَّسَبِ، بِالْكَسْرِ: وَهُوَ أَن ينْتَسب الإِنسان إِلَى غَيْرِ أَبيه وَعَشِيرَتِهِ، وَقَدْ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فَنَهَى عَنْهُ وجعَل الوَلَدَ لِلْفِرَاشِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَيْسَ مِنَ رَجُلٍ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبيه وَهُوَ يَعْلمه إِلَّا كَفَر
، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ:
فالجَنَّة عَلَيْهِ حَرَامٌ
، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ:
فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ
، وَقَدْ تكرَّرَت الأَحاديث فِي ذَلِكَ، والادِّعَاءُ إِلَى غيرِ الأَبِ مَعَ العِلْم بِهِ حَرَامٌ، فَمَنِ اعْتَقَدَ إِبَاحَةَ ذَلِكَ فَقَدْ كَفَرَ لِمُخَالَفَتِهِ الإِجماع، وَمَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ إِبَاحَتَهُ فَفِي مَعْنَى كُفْرِهِ وَجْهَانِ: أَحدهما أَنه قَدْ أَشبه فعلُه فعلَ الْكُفَّارِ، وَالثَّانِي أَنه كَافِرٌ بِنِعْمَةِ اللَّهِ والإِسلام عَلَيْهِ؛ وَكَذَلِكَ الْحَدِيثُ الْآخَرُ:
فَلَيْسَ مِنَّا
أَي إِنِ اعْتَقَد جوازَه خَرَجَ مِنَ الإِسلام، وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْهُ فَالْمَعْنَى لَمْ يَتَخَلَّق بأَخلاقنا؛ وَمِنْهُ حَدِيثِ
عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ: المُسْتَلاطُ لَا يَرِثُ ويُدْعَى لَهُ ويُدْعَى بِهِ
؛ المُسْتَلاطُ المُسْتَلْحَق فِي النَّسَبِ،(14/261)
ويُدْعَى لَهُ أَي يُنْسَبُ إِلَيْهِ فَيُقَالُ: فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، ويُدْعَى بِهِ أَي يُكَنَّى فَيُقَالُ: هُوَ أَبو فُلَانٍ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ لَا يَرِثُ لأَنه لَيْسَ بِوَلَدٍ حَقِيقِيٍّ. والدَّعْوة: الحِلْفُ، وَفِي التَّهْذِيبِ: الدَّعْوَةُ الحِلْف. يُقَالُ: دَعْوَة بَنِي فُلَانٌ فِي بَنِي فُلَانٍ. وتَداعَى البناءُ وَالْحَائِطُ للخَراب إِذَا تكسَّر وآذَنَ بانْهِدامٍ. ودَاعَيْنَاها عَلَيْهِمْ مِنْ جَوانِبِها: هَدَمْناها عَلَيْهِمْ. وتَدَاعَى الْكَثِيبُ مِنَ الرَّمْلِ إِذَا هِيلَ فانْهالَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
كَمَثَلِ الجَسدَ إِذَا اشْتَكَى بعضهُ تَدَاعَى سائرهُ بالسَّهَر والحُمَّى
كأَن بَعْضَهُ دَعَا بَعْضًا مِنْ قَوْلِهِمْ تَدَاعَت الْحِيطَانُ أَي تَسَاقَطَتْ أَو كَادَتْ، وتَدَاعَى عَلَيْهِ الْعَدُوُّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ: أَقْبَلَ، مِنْ ذَلِكَ. وتَدَاعَت القبائلُ عَلَى بَنِي فُلَانٍ إِذَا تأَلَّبوا وَدَعَا بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَى التَّناصُر عَلَيْهِمْ. وَفِي الْحَدِيثِ:
تَدَاعَتْ عَلَيْكُمُ الأُمَم
أَي اجْتَمَعُوا وَدَعَا بَعْضُهُمْ بَعْضًا. وَفِي حَدِيثِ
ثَوْبانَ: يُوشكُ أَن تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِها.
وتَدَاعَتْ إبلُ فُلَانٍ فَهِيَ مُتَدَاعِيةٌ إِذَا تَحَطَّمت هُزالًا؛ وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
تَباعَدْتَ مِنِّي أَن رأَيتَ حَمُولَتي ... تَدَاعَتْ، وأَن أَحْنَى عليكَ قَطِيعُ
والتَّدَاعِي فِي الثَّوْبِ إِذَا أَخْلَقَ، وَفِي الدَّارِ إِذَا تصدَّع مِنْ نَوَاحِيهَا، والبرقُ يَتَدَاعَى فِي جَوَانِبِ الغَيْم؛ قَالَ ابْنُ أَحمر:
وَلَا بَيْضاءَ فِي نَضَدٍ تَدَاعَى ... ببَرْقٍ فِي عَوارِضَ قَدْ شَرِينا
وَيُقَالُ: تَدَاعَت السحابةُ بِالْبَرْقِ والرَّعْد مِنْ كُلِّ جَانِبٍ إِذَا أَرْعَدَت وبَرَقَت مِنْ كُلِّ جِهَةٍ. قَالَ أَبو عَدْنان: كلُّ شَيْءٍ فِي الأَرض إِذَا احتاجَ إِلَى شَيْءٍ فَقَدْ دَعا بِهِ. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَخْلَقَت ثيابُه: قَدْ دَعَتْ ثِيابُكَ أَي احْتَجْتَ إِلَى أَن تَلْبَسَ غَيْرَهَا مِنَ الثِّيَابِ. وَقَالَ الأَخفش: يُقَالُ لَوْ دُعِينَا إِلَى أَمر لانْدَعَينا مِثْلَ قَوْلِكَ بَعَثْتُه فانْبَعَثَ، وَرَوَى الْجَوْهَرِيُّ هَذَا الْحَرْفَ عَنِ الأَخفش، قَالَ: سَمِعْتُ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ لَوْ دَعَوْنا لانْدَعَيْنا أَي لأَجَبْنا كَمَا تَقُولُ لَوْ بَعَثُونا لانْبَعَثْنا؛ حَكَاهَا عَنْهُ أَبو بَكْرِ ابن السَّرَّاج. والتَّداعِي: التَّحاجِي. ودَاعَاهُ: حاجاهُ وفاطَنَه. والأُدْعِيَّةُ والأُدْعُوَّةُ: مَا يَتَداعَوْنَ بِهِ. سِيبَوَيْهِ: صَحَّت الْوَاوُ فِي أُدْعُوَّة لأَنه لَيْسَ هُنَاكَ مَا يَقْلِبُها، وَمَنْ قَالَ أُدْعِيَّة فلخِفَّةِ الْيَاءِ عَلَى حَدِّ مَسْنِيَّة، والأُدْعِيَّة مِثْل الأُحْجِيَّة. والمُدَاعَاة: المُحاجاة. يُقَالُ: بَيْنَهُمْ أُدْعِيَّة يَتَداعَوْنَ بِهَا وأُحْجِيَّة يَتَحاجَوْنَ بِهَا، وَهِيَ الأُلْقِيَّة أَيضاً، وَهِيَ مِثْلُ الأُغْلُوطات حَتَّى الأَلْغازُ مِنَ الشِّعْرِ أُدْعِيَّة مِثْلُ قَوْلِ الشَّاعِرِ:
أُدَاعِيكَ مَا مُسْتَحْقَباتٌ مَعَ السُّرَى ... حِسانٌ، وَمَا آثارُها بحِسانِ
أَي أُحاجِيكَ، وأَراد بالمُسْتَحْقَباتِ السُّيوفَ، وَقَدْ دَاعَيْتُه أُدَاعِيهِ؛ وَقَالَ آخَرُ يَصِفُ القَلَم:
حاجَيْتُك يَا خَنْساءُ، ... فِي جِنْسٍ مِنَ الشِّعْرِ
وَفِيمَا طُولُه شِبْرٌ، ... وَقَدْ يُوفِي عَلَى الشِّبْرِ
لَهُ فِي رَأْسِهِ شَقٌّ ... نَطُوفٌ، ماؤُه يَجْرِي
أَبِيِني، لَمْ أَقُلْ هُجْراً ... ورَبِّ البَيْتِ والحِجْرِ(14/262)
دغا: الدَّغْوَةُ ودغي
الدَّغْيَة: السَّقْطَةُ القَبيحة، وَقِيلَ: الْكَلِمَةُ القَبيحة تَسْمَعُهَا، وَقِيلَ: تَسْمَعُها عَنِ الإِنسان. وَرَجُلٌ ذُو دَغَواتٍ ودغي
دَغَيَاتٍ: لَا يَثْبُتُ عَلَى خُلُقٍ، وَقِيلَ: ذُو أَخْلاقٍ رَدِيئةٍ، وَالْكَلِمَةُ وَاوِيَّةٌ وَيَائِيَّةٌ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
ذَا دَغَواتٍ قُلَّبَ الأَخْلاقِ
أَي ذَا أَخْلاقٍ رَدِيئَةٍ مُتَلَوِّنَة؛ وَقَالَ أَيضاً:
ودغي دَغْيَة مِنْ خَطِلٍ مُغْدَوْدِنِ
قَالَ: ولم نسمع دغي
دَغَيات ولا دغي
دَغْيَةً إِلَّا فِي بَيْتِ رُؤْبَةَ فَإِنَّهُ قَالَ: نَحْنُ نقولُ دغي
دَغْية وَغَيْرُنَا يَقُول دَغْوة. وقُلَّب الأَخْلاقِ: هَالِكُ الأَخْلاق رديئُها مِنْ قُلِب إِذَا هَلَك، مِثْلُ رجلٌ حُوّلٌ قُلَّبٌ مدحٌ لِلرَّجُلِ المُحْتال. وحُكِي عَنِ الْفَرَّاءِ: إِنَّهُ لَذُو دَغَواتٍ، بِالْوَاوِ، وَالْوَاحِدَةُ دَغْيَة؛ قَالَ: وَإِنَّمَا أَرادوا دَغِيَّةً ثُمَّ خُفّف كَمَا قَالُوا هَيّن وهَيْن. ودُغَاوَةُ: جِيلٌ «1» . مِنَ السُّودَانِ خَلْف الزِّنْجِ فِي جَزِيرَةِ الْبَحْرِ، قَالَ: وَالْمَعْرُوفُ زُغاوة، بِالزَّايِ، جِنْسٌ مِنَ السُّودَانِ. ودُغَةُ: اسْمُ رَجُلٍ كَانَ أَحْمَقَ. ودُغَةُ: اسْمُ امرأَة مِنْ عِجْلٍ تُحَمَّقُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هِيَ مارِيَة بِنْتُ مَغْنَج. وَحَكَى حَمْزَةُ الأَصبهاني عَنْ بَعْضِ أَهل اللُّغَةِ أَنَّ الدُّغَة الفَراشَة، وَحُكِيَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمَوْصِلِيِّ أَنها دُويْبَّة. يُقَالُ: فُلَانٌ أَحْمَقُ مِنْ دُغَة، وَلَهَا قِصَّة «2» ، قَالَ: وأَصلها دُغَوٌ أَو دُغَيٌ وَالْهَاءُ عِوَضٌ، وَقِيلَ: دُغَةُ اسْمُ امرأَة قَدْ وَلَدت «3» . فِي عِجْلٍ. ودغي
الدَّغْيَةُ: الدَّعارة؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي.
دفا: الأَدْفَى مِنَ المَعَزِ والوُعولِ: الَّذِي طَالَ قَرْنَاهُ حَتَّى انْصَبَّا عَلَى أُذُنَيْه مِنْ خَلْفِه، وَمِنَ النَّاسِ الَّذِي يمشِي فِي شِقّ، وَقِيلَ: هُوَ الأَجْنَأُ، وَقِيلَ: المُنضَمُّ المَنْكِبَيْن، وَمِنَ الطَّيْرِ مَا طَالَ جَناحاه مِنْ أُصُولِ قوادِمِه وطَرَف ذَنَبِه وَطَالَتْ قادِمةُ ذَنَبِه؛ قَالَ الطِّرِمَّاحُ يَصِفُ الْغُرَابَ:
شَنِجُ النَّسَا أَدْفَى الجَناحِ كأَنه ... فِي الدارِ، إثْرَ الظاعِنِين، مُقَيَّدُ
وطائرٌ أَدْفَى: طويلُ الجَنَاحِ، وَإِنَّمَا قِيلَ للعُقاب دَفْوَاءُ لعَوَج مِنْقارها. والأَدْفَى مِنَ الإِبِلِ: مَا طَالَ عُنُقه واحْدَوْدَب وَكَادَتْ هامَتُه تَمَسُّ سَنامَه، والأُنثى مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ دَفْوَاءُ. والدَّفْوَاءُ مِنَ النجائِبِ: الطَّويلة العُنق إِذَا سَارَتْ كَادَتْ تضَع هامَتَها عَلَى ظَهْر سَنامِها، وَتَكُونُ مَعَ ذَلِكَ طَوِيلَةَ الظَّهْرِ. والدَّفْوَاءُ: النَّاقَةُ الَّتِي تَمْشي فِي جانِبِها وَهُوَ أَسرع لَهَا وأَحسن؛ وأَنشد:
دَفْوَاءُ فِي المِشْيَةِ مِنْ غَيْرِ جَنَفْ
والجَنَف: أَن تَكُونَ كِرْكِرةُ البَعير ضَخْمة مِنْ أَحَدِ الجانِبَين. والتَّدَافِي: التَّداوُل. يُقَالُ: تَدَافَى البعيرُ تَدَافِياً إِذَا سَارَ سَيْرًا مُتَجافِياً، قَالَ: وَرُبَّمَا قِيلَ للنَّجِيبَة الطَّوِيلة العُنُق دَفْوَاءُ. وأُذُنٌ دَفْوَاءُ إِذَا أَقْبَلَتْ عَلَى الأُخْرى حَتَّى كادَتْ أَطْرافُهما تَماسُّ فِي انْحِدارٍ قِبَلَ الجَبْهة وَلَا تَنتَصِب وَهِيَ شديدةٌ فِي ذَلِكَ، وَقِيلَ: إِنَّمَا ذَلِكَ فِي آذَانِ الخَيْل. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: الدَّفْوَاءُ المائِلَة فقطْ. والدَّفْوَاءُ: العَرِيضَة العِظامِ؛ عَنْ أَبي عُبَيْدَةَ، والفِعلُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ دَفِيَ دَفاً. وكَبْشٌ أَدْفَى: وَهُوَ الَّذِي يَذْهَبُ قَرنه قِبَلَ ذَنَبِه. والدَّفَا، مَقْصُورٌ: الانْحِناء. وَفِي صِفَةِ الدَّجَّالِ:
أَنَّهُ
__________
(1) . قوله [ودغاوة جيل إلخ] ضبط بضم الدال في المحكم وتبعه المجد وصرح به في زغ وفقال بضم الزاي، وضبط في التكملة بفتحها كالزغاوة وصرح به في زغ وفقال بالفتح
(2) . قوله [ولها قصة] قد ذكرها في مادة ج ع ر ومغنج بميم مفتوحة فغين معجمة ساكنة فنون مفتوحة وتحرفت في نسخ القاموس الطبع
(3) . قوله [قد ولدت] كذا بضبط الأصل والمحكم، يعني مبنياً للفاعل(14/263)
عَرِيضُ النَّحْرِ فيهِ دَفاً
أَي انْحِناء، يُقَالُ: رَجُلٌ أَدفى، قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي الْمُعْتَلِّ، قَالَ: وَجَاءَ بِهِ الْهَرَوِيُّ فِي الْمَهْمُوزِ رَجُلٌ أَدْفَأُ وامرأَة دَفْآءُ. وَرَجُلٌ أَدْفى إِذَا كَانَ فِي صُلْبِهِ احْدِيدابٌ. وَرَجُلٌ أَدْفى، بِغَيْرِ هَمْزٍ، أَي فِيهِ انْحِناء. وأَدْفَى الظَّبْيُ إِذَا طَالَ قَرْناهُ حتَّى كَادَا يَبْلُغانِ مُؤخَّره. أَبو زَيْدٍ: الدَّفْواء مِنَ المعْزَى الَّتِي انْصَبَّ قَرْناها إِلَى طَرَفَي عِلْباوَيْها. ووَعِلٌ أَدْفَى بَيّنُ الدَّفَا: وَهُوَ الَّذِي طَالَ قَرْنه جِدّاً وذَهَبَ قِبَلَ أُذُنَيْهِ. ودَفَا الجَرِيحَ دَفْواً: أَجْهَزَ عَلَيْهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن قَوْمًا مِنْ جُهَيْنَةَ جاؤُوا بأَسير إِلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَرْعُدُ مِنَ البَرْد فَقَالَ لَهُمُ اذْهَبُوا بِهِ فأَدْفُوه
؛ يُرِيدُ الدِّفْءَ مِنَ البَرْدِ، وَهِيَ لُغَتُهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَذَهَبُوا بِهِ فَقَتَلُوهُ، وَإِنَّمَا أَراد أَدْفِئُوه مِنَ الْبَرْدِ فَوَداه رسولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ودَفَوْتُ الجَرِيحَ أَدْفُوه دَفْواً إِذَا أَجْهَزْتَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ دافَيْتُه وأَدْفَيْتُه. والدَّفْوَاءُ: الشَّجَرَةُ الْعَظِيمَةُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي بَعْضِ أَسفاره أَبْصَرَ شَجَرَةً دَفْوَاء تُسَمَّى ذاتَ أَنْواطٍ لأَنه كَانَ يُناطُ بها السلاحُ وتُعْبَدُ دونَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
والدَّفْوَاءُ: الْعَظِيمَةُ الظَّلِيلةُ الكثيرةُ الفُروع والأَغْصان وتَكُونُ المائلةَ. اللَّيْثُ: يُقَالُ أَدْفَيْتُ واسْتَدْفَيْتُ أَي لَبِسْتُ مَا يُدْفِيني. قَالَ: وَهَذَا عَلَى لُغَةِ مَنْ يَتْرُكُ الْهَمْزَ. الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَكُمْ فِيها دِفْءٌ، قَالَ: الدِّفْءُ كُتِبَ فِي الْمَصَاحِفِ بِالدَّالِ وَالْفَاءِ، وَإِنْ كُتِبَتْ بِوَاوٍ فِي الرَّفْعِ وَيَاءٍ فِي الْخَفْضِ وأَلف فِي النَّصْبِ كَانَ صَوَابًا، وَذَلِكَ على ترك الهمز.
دقا: دَقِيَ الفَصيل، بِالْكَسْرِ، يَدْقى دَقىً وأَخِذَ أَخَذاً إِذَا شَرِبَ اللَّبَنَ وأَكثر حَتَّى يَتَخَثَّرَ بَطْنُه ويَفْسُدَ ويَبْشَمَ ويَكْثُرَ سَلْحُه. يُقَالُ: فَصِيلُ دَقٍ، عَلَى فَعِلٍ، ودَقِيٌّ ودَقْوَانُ، والأُنثى دَقِيَة، وَهُوَ فِي التَّقْدِيرِ مِثْلُ فَرِحٍ وفَرِحَة، فَمَنْ أَدْخَل فرْحانَ عَلَى فَرِحٍ قَالَ فَرْحانُ وفَرْحَى، وَقَالَ عَلَى مِثَالِهِ دَقْوَانُ ودَقْوَى؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والأُنثى دَقْوَى؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي فِي الدَّقَى:
إِنِّي، وإنْ تُنْكِرْ سُيوحَ عَباءَتي، ... شِفاءُ الدَّقى، يَا بَكْرَ أُمِّ تَمِيمِ
يَقُولُ: إِنَّكَ إِنْ تُنْكِرْ سُيوحَ عَبَاءَتِي يَا جملَ أُمِّ تميمٍ فَإِنِّي شفاءُ الدَّقى أَي أَنا بصيرٌ بِعِلَاجِ الإِبِلِ أَمنع مِنَ البَشَمِ، لأَني أَسقي اللبنَ الأَضيافَ فَلَا يَبْشَم الفَصِيلُ، لأَنه إِذَا سُقِيَ اللَبنَ الضَّيْفُ لَمْ يَجِدِ الفصيلُ ما يَرْضَعُ.
دكا: ابْنُ الأَعرابي قَالَ: دَكا إِذَا سَمِنَ، وكَذَا إذا قَطَع.
دَلَا: الدَّلْوُ: مَعْرُوفَةٌ وَاحِدَةُ الدِّلاءِ الَّتِي يُسْتَقَى بِهَا، تذكَّر وتؤنَّث؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
تَمْشي بِدَلْوٍ مُكْرَبِ العَراقي
والتأْنيث أَعلى وأَكثر، وَالْجَمْعُ أَدْلٍ فِي أَقل الْعَدَدِ، وَهُوَ أَفْعُلٌ، قُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً لِوُقُوعِهَا طَرَفًا بَعْدَ ضَمَّةٍ، وَالْكَثِيرُ دِلاءٌ ودُلِيٌّ، عَلَى فُعولٍ، وَهِيَ الدَّلاةُ والدَّلا بِالْفَتْحِ وَالْقَصْرِ، الْوَاحِدَةُ دَلاةٌ؛ قَالَ الجُمَيح:
طَامِي الجِمامِ لَمْ تُمَخِّجْه الدَّلا
وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ هَذَا الْبَيْتُ وَنَسَبَهُ لِلشَّمَّاخِ؛ وأَنشد لِآخَرَ:(14/264)
إنَّ لَنا قَلَيْذَماً هَمُوما، ... يَزِيدُها مَخْجُ الدِّلا جُموما «4»
. وأَنشد لِآخَرَ فِي الْمُفْرَدِ:
دَلْوَكَ إِنِّي رافعٌ دَلاتي
وأَنشد لِآخَرَ:
أَيُّ دَلاةِ نَهَلٍ دَلاتي
وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ
عُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: تَطَأْطَأْت لَكُمْ تَطَأْطُؤَ الدُّلاة
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ جَمْع دالٍ كقاضٍ وقُضاةٍ، وَهُوَ النازِعُ فِي الدَّلْوِ المُسْتَقِي بِهَا الماءَ مِنَ الْبِئْرِ. يُقَالُ: أَدْلَيْتُ الدَّلْوَ ودَليْتُها إِذَا أَرسلتها فِي الْبِئْرِ، ودَلَوْتها أَدْلُوها فأَنا دالٍ إِذَا أَخرجْتها، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ تَوَاضَعْتُ لَكُمْ وتَطامَنْتُ كَمَا يَفْعَل المُستقي بالدَّلْوِ. وَمِنْهُ حَدِيثُ
ابْنِ الزُّبَيْرِ: أَن حبَشِيّاً وَقَعَ فِي بئرِ زَمْزَمَ فأَمرَهُم أَن يَدْلُوا ماءَها
أَي يَسْتَقُوه، وَقِيلَ: الدَّلا جمعُ دَلاةٍ كفَلًا جَمْعُ فَلاةٍ. والدَّلاة أَيضاً: الدَّلْوُ الصَّغِيرَةُ؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
آلَيْتُ لَا أُعْطِي غُلاماً أَبَدَا ... دَلاتَهُ، إِنِّي أُحِبُّ الأَسْوَدا
يُرِيدُ بِدَلاتِه سَجْلَه ونَصِيبَه مِنَ الوُدِّ، والأَسْوَدُ اسمُ ابنِه. ودَلَوْتُها وأَدْلَيْتُها إِذَا أَرْسَلْتها فِي الْبِئْرِ لِتَسْتَقِيَ بِهَا أُدْلِيها إِدْلاءً، وَقِيلَ: أَدْلاها أَلْقاها لِيَسْتَقِيَ بِهَا، ودَلاها جَبَذها ليُخْرِجَها، تَقُولُ دَلَوْتها أَدْلُوها دَلْواً إِذَا أَخرجَتها وجَذَبْتَها مِنَ الْبِئْرِ مَلأَى؛ قَالَ الرَّاجِزُ الْعَجَّاجُ:
يَنْزِعُ مِنْ جَمَّاتِها دَلْوُ الدَّال
أَي نَزْعُ النازعِ. ودَلَوْتُ الدَّلْوَ: نَزَعْتُها. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَقَدْ جَاءَ فِي الشِّعْرِ الدَّالي بِمَعْنَى المُدْلي؛ وَهُوَ قَوْلُ الْعَجَّاجِ:
يَكْشِفُ، عَنْ جَمَّاتِه، دَلْوُ الدَّالْ ... عَباءةً غَبْراءَ مِنْ أَجْنٍ طالْ
يَعْنِي المُدْليَ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِثْلُهُ لِرُؤْبَةَ:
يَخْرُجْنَ مِنْ أَجْوازِ لَيْلٍ غَاضِي
أَيْ مُغْضٍ، قَالَ: وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ قَدْ غَلِطَ جَمَاعَةٌ مِنَ الرُّواة فِي تَفْسِيرِ بَيْتِ الْعَجَّاجِ آخِرُهُمْ ثَعْلَبٌ، قَالَ: يَعْنِي كَوْنَهُمْ قَدَّرُوا الدَّالِيَ بِمَعْنَى المُدْلي؛ قَالَ ابْنُ حَمْزَةَ: وَإِنَّمَا الْمَعْنَى فِيهِ أَنه لَمَّا كَانَ المُدْلي إِذَا أَدْلى دَلْوَه عادَ فَ دَلاها أَي أَخرجها مَلأَى قَالَ دَلْوُ الدَّالْ كَمَا قَالَ النَّابِغَةُ:
مِثْل الإِماء الغَوادِي تَحْمِلُ الحُزُما
وَإِنَّمَا تَحْمِلُهَا عِنْدَ الرَّواح، فَلَمَّا كُنَّ إِذَا غَدَوْنَ رُحْنَ قَالَ: مِثْلُ الإِماء الغَوادِي. وَيُقَالُ: دَلَوْتُها وأَنا أَدْلُوها وأَدْلَوْتُها. وَفِي قِصَّةِ يُوسُفَ: فَأَدْلى دَلْوَهُ قالَ يا بُشْرى
. ودَلَوْتُ بِفُلَانٍ إِلَيْكَ أَي اسْتَشْفَعْتُ بِهِ إِلَيْكَ.
قَالَ عُمَرُ لَمَّا اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: اللَّهُمَّ إِنَّا نَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ بعَمِّ النبي، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، وقَفِيَّةِ آبائِه وكُبْرِ رِجالهِ دَلَوْنا بِهِ إليكَ مُسْتَشْفِعين
؛ قَالَ الْهَرَوِيُّ: مَعْنَاهُ مَتَتْنا وتَوَسَّلْنا؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأُرَى مَعْنَاهُ أَنهم تَوَسَّلُوا بِالْعَبَّاسِ إِلَى رَحْمةِ اللَّهِ وغِياثِه كَمَا يُتَوَسَّل بالدَّلْوِ إِلَى الْمَاءِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ من الدَّلْوِ لأَنه يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الْمَاءِ، وَقِيلَ: أَراد بِهِ أَقْبَلْنا وسُقْنَا، مِنَ الدَّلْوِ وَهُوَ السَّيْرُ الرَّفِيقُ. وَهُوَ يُدْلي برَحِمِه أَي يَمُتُّ بِهَا. والدَّلْوُ: سِمَةٌ للإِبل. وَقَوْلُهُمْ: جَاءَ فلانٌ بالدَّلْوِ
__________
(4) . قوله [مخج الدلا] ضبط الدِّلا هنا بالفتح، وضبط فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ اللسان وغيره بكسر الدال(14/265)
أَي بالدَّاهِيةِ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
يَحْمِلْنَ عَنْقَاءَ وعَنْقَفِيرَا، ... والدَّلْوَ والدَّيْلَم والزَّفِيرَا «1»
. والدَّلْوُ: بُرْجٌ مِنْ بُرُوج السَّمَاءِ مَعْرُوفٌ، سُمِّيَ بِهِ تَشْبِيهًا بالدَّلْو. والدَّالِيَةُ: شيءٌ يُتَّخذُ مِنْ خُوصٍ وخَشَبٍ يُسْتَقَى بِهِ بحِبالٍ تُشَدُّ فِي رأْس جِذْعٍ طَوِيلٍ؛ قَالَ مِسْكِين الدارمي:
بأَيْدِيهِمْ مَغارِفُ من حَديدٍ ... يُشَبِّهُها مُقَيَّرَةَ الدَّوَالِي
والدَّالِيَةُ: المَنْجَنُون، وَقِيلَ: المَنْجَنُون تُدِيرُها البَقَرَةُ، والناعُورَة يُديرُها الْمَاءُ. ابْنُ سِيدَهْ: والدَّالِيَةُ الأَرض تُسْقَى بالدَّلْو والمَنْجَنُون. والدَّوَالِي: عِنَبٌ أَسْوَدُ غيرُ حالِكٍ وعَناقِيدُه أَعْظَم العناقِيدِ كُلِّها تَرَاها كأَنَّها تُيُوس معلَّقة، وعِنَبه جافٌّ يتَكَسَّر فِي الْفَمِ مُدَحْرَج ويُزَبَّبُ؛ حَكَاهُ ابْنُ سِيدَهْ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ: وأَدْلَى الفَرَسُ وغيرُه: أَخرج جُرْدانَه ليَبُولَ أَو يَضْرِبَ، وَكَذَلِكَ أَدْلَى العَيْرُ ودَلَّى؛ قِيلَ لابْنَةِ الخُسِّ: مَا مائَةٌ منَ الحُمُر؟ قَالَتْ: عازِبَةُ اللَّيْل وخِزْيُ المَجْلِس، لَا لَبَنَ فَتُحْلَبَ وَلَا صُوفَ فَتُجَزَّ، إنْ رُبِطَ عَيْرُها دَلَّى وَإِنْ أَرْسَلْتَه وَلَّى. والإِنسانُ يُدْلِي شَيْئًا فِي مَهْوَاةٍ ويَتَدَلَّى هُوَ نَفْسُه. ودَلَّى الشيءَ فِي المَهْواةِ: أَرْسَلَهُ فِيهَا؛ قَالَ:
مَنْ شَاءَ دَلَّى النَّفْسَ فِي هُوَّةٍ ... ضَنْكٍ، ولَكِنْ مَنْ لَهُ بِالمَضِيقْ
أَي بِالْخُرُوجِ مِنَ المَضِيق، وتَدَلَّيْتُ فِيهَا وَعَلَيْهَا؛ قَالَ لَبِيدٌ يَصِفُ فَرَسًا:
فَتَدَلَّيْتُ عَلَيْها قَافِلًا، ... وَعَلَى الأَرضِ غَياياتُ الطَّفَلْ
أَراد أَنه نَزَل مِنْ مِرْبائه وَهُوَ عَلَى فَرَسِه راكبٌ. وَلَا يَكُونُ التَّدَلِّي إِلَّا مِنْ عُلْوٍ إِلَى اسْتِفَال، تَدَلَّى مِنَ الشَّجَرَةِ. وَيُقَالُ: تَدَلَّى فلانٌ عَلَيْنَا مِنْ أَرض كَذَا وَكَذَا أَيْ أَتانا. يُقَالُ: مِنْ أَيْنَ تَدَلَّيْتَ عَلَيْنَا؛ قَالَ أُسامة الْهُذَلِيُّ:
تَدَلَّى عَلَيه وهُوَ زَرْقُ حَمامَةٍ، ... لَهُ طِحْلِبٌ، فِي مُنْتَهَى القيضِ، هامِدُ
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ
. قَالَ أَبو إِسْحَاقَ: دلَّاهُما فِي المَعْصِيَة بأَن غَرَّهُما، وقال غيره: فَدلَّاهُما فأطْمَعَهُما؛ وَمِنْهُ قَوْلُ أَبي جُنْدُب الْهُذَلِيِّ:
أَحُصُّ فَلَا أُجِيرُ، ومَنْ أُجِرْهُ، ... فَلَيْسَ كَمَنْ يُدَلَّى بالغُرُورِ
أَحُصُّ: أَمْنَع، وَقِيلَ: أَحُصُّ أَقْطَع ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: كَمَنْ يُدَلَّى أَي يُطْمَع؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وأَصله الرَّجُلُ العَطْشانُ يُدَلَّى فِي الْبِئْرِ ليَرْوَى مِنْ مَائِها فَلَا يجدُ فِيهَا مَاءً فَيَكُونُ مُدَليِّاً فِيهَا بالغُرورِ، فوُضِعَت التَّدْلِيَة مَوْضِعَ الإِطْمَاع فِيمَا لَا يُجْدِي نَفْعاً؛ وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ: فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ
، أَي جَرَّأهما إِبْلِيسُ عَلَى أَكْلِ الشَّجَرَةِ بغُرره، والأَصلُ فِيهِ دَلَّلهما، والدَّالُ والدَّالَّةُ: الجُرْأَة. الْجَوْهَرِيُّ: ودلَّاه بغُرُورٍ أَي أَوْقَعَه فِيمَا أَراد مِنْ تَغْرِيره وَهُوَ مِنْ إِدْلاءِ الدَّلْو. وأَما قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:
__________
(1) . قوله [يحملن عنقاء إلخ] كذا أنشده الجوهري وقال في التكملة: الإِنشاد فاسد والرواية:
أَنْعَتُ أَعْيَارًا رَعَيْنَ كِيرَا ... يَحْمِلْنَ عَنْقَاءَ وَعَنْقَفِيرَا
وَأُمُّ خَشَّافٍ وَخَنْشَفِيرَا ... والدَّلْو وَالدَّيْلَمَ والزفيرا
ثم قال: والكير اسم موضع بعينه(14/266)
ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى
؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: ثُمَّ دَنا جِبْرِيلُ مِنْ مُحَمَّدٍ فَتَدَلَّى
كأَنَّ الْمَعْنَى ثُمَّ تَدَلَّى فَدَنا، قَالَ: وَهَذَا جَائِزٌ إِذَا كَانَ المَعْنى فِي الْفِعْلَيْنِ وَاحِدًا. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَى دَنا فَتَدَلَّى
وَاحِدٌ لأَن الْمَعْنَى أَنه قَرُبَ فَتَدَلَّى أَي زَادَ فِي القُرْب، كَمَا تَقُولُ قدْ دَنَا فُلَانٌ مِنِّي وقرُبَ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى
، أَي تَدَلَّل كَقَوْلِهِ: ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى؛ أَي يَتَمَطَّطُ. وَفِي حَدِيثِ الإِسْراء: فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ
؛ التَّدَلِّي: النزولُ مِنَ العُلْو؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: والضميرُ لِجِبْرِيلَ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. وأَدْلَى بحُجَّتِه: أَحْضَرَها واحْتجَّ بِهَا. وأَدْلَى إِلَيْهِ بِمالِه: دَفَعه. التَّهْذِيبُ: وأَدْلَى بمالِ فُلَانٍ إِلَى الحاكِمِ إِذَا دَفَعَه إِلَيْهِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ
؛ يَعْنِي الرِّشْوَةَ. قَالَ أَبو إِسْحَاقَ: مَعْنَى تُدْلُوا فِي الأَصل مِنْ أَدْلَيْت الدَّلْوَ إِذَا أَرْسَلْتها لتملأَها، قَالَ: وَمَعْنَى أَدْلَى فُلَانٌ بحُجَّته أَي أَرْسَلَها وأَتَى بِهَا عَلَى صِحَّةٍ، قَالَ: فَمَعْنَى قَوْلِهِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ
أَي تَعْمَلون عَلَى مَا يوجِبُه الإِدْلاءُ بالحُجة وتَخُونُون فِي الأَمانة لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ، كأَنه قَالَ تَعْمَلون عَلَى مَا يوجِبُه ظاهِرُ الحُكْمِ وتَتْرُكُونَ مَا قَدْ عَلِمْتُم أَنه الحَقّ؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَاهُ لَا تأْكُلوا أَمْوالكم بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَلَا تُدْلُوا بِهَا إِلَى الحُكَّام، وَإِنْ شئتَ جَعلْتَ نصبَ وتُدْلُوا بِهَا إِذَا أَلْقَيْتَ مِنْهَا لَا عَلَى الظَّرْفِ، وَالْمَعْنَى لَا تُصانِعُوا بأَمْوالِكُم الحُكَّام ليَقْتَطِعُوا لَكُمْ حَقًّا لِغَيْرِكُمْ وأَنتم تَعْلَمُونَ أَنه لَا يَحِلُّ لَكُمْ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذَا عِنْدِي أَصح الْقَوْلَيْنِ لأَن الْهَاءَ فِي قَوْلِهِ وَتُدْلُوا بِها
للأَموال وَهِيَ، عَلَى قَوْلِ الزَّجَّاجِ، للحُجّة وَلَا ذِكْرَ لَهَا فِي أَول الْكَلَامِ وَلَا فِي آخِرِهِ. وأَدْلَيْت فِيهِ: قُلْتُ قَوْلًا قَبِيحًا؛ قَالَ:
وَلَوْ شئتُ أَدْلَى فِيكُمَا غَيْرُ واحِدٍ ... عَلانِيَةً، أَو قالَ عِنْدِيَ فِي السِّرِّ
ودَلَوْتُ الناقَةَ والإِبِلَ دَلْواً: سُقْتُها سَوْقاً رَفيقاً رُوَيْداً؛ قَالَ:
لَا تَقْلُواهَا وادْلُوَاهَا دَلْوَا، ... إنَّ مَعَ اليَوْمِ أَخَاهُ غَدْوَا
وَقَالَ الشَّاعِرُ:
لَا تَعْجَلا بالسَّيْرِ وادْلُواها، ... لَبِئْسما بُطْءٌ وَلَا نَرْعاها
وادْلَوْلَى أَي أَسْرَع، وَهِيَ افْعَوْعَلَ. ودَلَوْت الرجلَ ودَالَيْته إِذَا رَفَقْتَ بِهِ ودارَيْته. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: المُدَالاةُ المُصانَعة مثلُ المُداجاةِ؛ قَالَ كَثِيرٌ:
أَلا يَا لَقَوْمي، للنَّوى وانْفِتَالِها ... وللصَّرْمِ مِنْ أَسْماءَ مَا لَمْ نُدَالِها
وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
كأَنَّ راكِبَها غُصْنٌ بَمَرْوَحَة، ... إِذَا تَدَلَّت بِهِ، أَو شارِبٌ ثَمِلُ
يَجُوزُ أَن يَكُونَ تَفَعَّلَتْ مِنَ الدَّلْوِ الَّذِي هُوَ السَّوْق الرَّفِيقُ كأَنَّه دَلَّاها فَتَدَلَّت، قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ أَراد تَدَلَّلَت مِنَ الإِدْلالِ، فَكُرِهَ التَّضْعِيفُ فَحَوَّلَ إِحْدَى اللامين ياء كما قالو تَظَنَّيْتُ فِي تَظَنَّنْتُ. ابْنُ الأَعرابي: دَلِيَ إِذَا ساقَ ودَلِيَ إِذَا تَحَيَّر، وَقَالَ: تَدَلَّى إِذَا قَرُب بَعْدَ عُلْوٍ، وتَدَلَّى تواضَعَ. ودَالَيْتُه أَي دارَيْتُه.
دمي: الدَّمُ مِنَ الأَخْلاطِ: مَعْرُوفٌ. قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: الدَّمُ اسْمٌ عَلَى حَرْفَين، قَالَ الْكِسَائِيُّ: لَا أَعرف(14/267)
أَحداً يُثَقِّل الدَّمَ؛ فأَما قَوْلُ الهُذَلي:
وتَشْرَقُ مِنْ تَهْمالِها العَيْنُ بالدَّمِ
مَعَ قَوْلِهِ: فالعَينُ دائِمَةُ السَّجْمِ، فَهُوَ عَلَى أَنه ثَقَّل فِي الوَقْفِ فَقَالَ الدَّمّ فشدَّد، ثُمَّ اضْطُرَّ فأَجْرى الوَصْل مُجْرى الوَقْفِ؛ كَمَا قَالَ:
بِبازِلٍ وجْنَاءَ أَو عَيْهَلِ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا يَجُوزُ لأَحد أَن يَقُولَ إِنَّ الْهُذَلِيَّ إِنَّمَا قَالَ بالدَّمِ، بِالتَّخْفِيفِ، لأَن الْقَصِيدَةَ مِنَ الضَّرْبِ الأَول مِنَ الطَّوِيلِ؛ وأَوّلها:
أَرِقْتُ لِهَمٍّ ضافَني بَعْدَ هَجْعَةٍ ... عَلَى خالِدٍ، فالْعَيْنُ دائِمَةُ السَّجْمِ
فَقَوْلُهُ: مَةُ السَّجْمِ مَفَاعِيلُنْ، وَقَوْلُهُ: نُ بالدَّمِّ مفاعيلُنْ، وَلَوْ قَالَ: نُ بالدَّمِ لَجَاءَ مفاعِلُنْ وَهُوَ لَا يَجِيءُ مَعَ مَفَاعِيلُنْ، وَتَثْنِيَتُهُ دَمانِ ودَمَيانِ؛ قَالَ الشاعر:
لعَمْرُك إنَّني وأَبا رَباحٍ، ... عَلَى طولِ التَّجاوُرِ مُنذُ حِينِ
ليُبْغِضُني وأُبْغِضُه، وأَيْضاً ... يَراني دُونَهُ، وأَراه دُوني
فلَوْ أَنَّا عَلَى حَجَرٍ ذُبِحْنا، ... جَرى الدَّميانِ بالخَبَرِ اليَقِينِ
فَثَنَّاهُ بِالْيَاءِ، وأَما الدَّمَوانِ فَشَاذٌّ سَمَاعًا. قَالَ: وَتَزْعُمُ الْعَرَبُ أَن الرجُلَين الْمُتَعَادِيَيْنِ إِذَا ذُبِحا لَمْ تَخْتَلِطْ دِمَاؤُهُما. قَالَ: وَقَدْ يُقَالُ دَمَوانِ عَلَى المُعاقبة، وَهِيَ قَلِيلَةٌ لأَن أَكثرَ حكمِ المُعاقَبة إِنَّمَا هُوَ قَلْبُ الْوَاوِ لأَنهم إِنَّمَا يَطْلُبُونَ الأَخف، وَالْجَمْعُ دِماءٌ ودُمِيٌّ. والدَّمَة أَخَصُّ مِنَ الدَّمِ كَمَا قَالُوا بيَاضٌ وبَياضَة؛ قال ابْنُ سِيدَهْ: الْقِطْعَةُ مِنَ الدَّمِ دَمَةٌ وَاحِدَةٌ. قَالَ: وَحَكَى ابْنُ جِنِّيٍّ دَمٌ ودَمَةٌ مَعَ كَوْكَبٍ وكَوْكَبَةٍ فأَشعر أَنَّهما لُغَتَانِ. وَقَالَ أَبو إِسْحَاقَ: أَصله دَمَيٌ، قَالَ: وَدَلِيلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ دَمِيَتْ يَدُه؛ وَقَوْلُهُ:
جَرَى الدَّمَيانِ بالخَبَرِ اليَقِين
وَيُقَالُ فِي تَصْرِيفِهِ: دَمِيَتْ يَدي تَدْمَى دَمىً، فيُظْهِرون فِي دَمِيَتْ وتَدْمى الياءَ والأَلفَ اللَّتَيْنِ لَمْ يَجِدُوهُما فِي دَمٍ، قَالَ: وَمِثْلُهُ يَدٌ أَصْلُها يَدَيٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَالَ قَوْمٌ أَصله دَمْيٌ إِلَّا أَنه لَمَّا حُذِف وَرُدَّ إِلَيْهِ مَا حُذِفَ مِنْهُ حُرِّكَتِ الْمِيمُ لِتَدُلَّ الْحَرَكَةُ عَلَى أَنه اسْتُعْمِلَ مَحْذُوفًا. الْجَوْهَرِيُّ: قَالَ سِيبَوَيْهِ: الدَّمُ أَصله دَمْيٌ عَلَى فَعْلٍ، بِالتَّسْكِينِ، لأَنه يُجْمع عَلَى دِمَاءٍ ودُمِيّ مِثْلُ ظَبْيٍ وظِباء وظُبِيٍّ، ودَلْوٍ ودِلاءٍ ودُلِيٍّ، قَالَ: وَلَوْ كَانَ مِثْلَ قَفاً وعَصاً لَمْ يُجْمع عَلَى ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَوْلُهُ فِي فُعُول إِنَّهُ مُخْتَصٌّ بِجَمْعِ فَعْلٍ نَحْوَ دَمٍ ودُمِيّ ودَلْوٍ ودُلِيٍّ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، بل قد يَكُونُ جَمْعًا لفَعَلٍ نَحْوَ عَصاً وعُصِيٍّ وقَفاً وقُفِيٍّ وصفَاً وصُفِيٍّ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الدَّمُ أَصله دَمَوٌ، بِالتَّحْرِيكِ، وَإِنَّمَا قَالُوا دَمِيَ يَدْمَى لِحالِ الْكَسْرَةِ الَّتِي قَبْلَ الْوَاوِ كَمَا قَالُوا رَضِيَ يَرْضَى وَهُوَ مِنَ الرِّضوان. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الدَّمُ لامُه يَاءٌ بِدَلِيلِ قَوْلِ الشَّاعِرِ:
جَرَى الدَّمَيان بالخَبَرِ اليَقِينِ
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَقَالَ الْمُبَرِّدُ أَصله فَعَلٌ وَإِنْ جَاءَ جَمْعُهُ مُخَالِفًا لِنَظَائِرِهِ، وَالذَّاهِبُ مِنْهُ الْيَاءُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهَا قَوْلُهُمْ فِي تَثْنِيَتِهِ دَمَيان، أَلا تَرَى أَن الشَّاعِرَ لَمَّا اضْطُرَّ أَخرجه عَلَى أَصله فَقَالَ:
فَلَسْنا عَلى الأَعْقابِ تَدْمَى كُلُومُنا، ... ولَكِنْ عَلَى أَعْقابِنا يَقْطُرُ الدَّما
فأَخرجه عَلَى الأَصل. قَالَ: وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا قَوْلُهُمْ(14/268)
يَدْيانِ، وَإِنِ اتَّفَقُوا عَلَى أَن تَقديرَ يَدٍ فَعْلٌ ساكنَة الْعَيْنِ، لأَنه إِنَّمَا ثُنِّيَ عَلَى لُغَةِ مَنْ يَقُولُ لِلْيَد يَدَا، قَالَ: وَهَذَا الْقَوْلُ أَصح. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَائِلٌ فَلَسْنا عَلَى الأَعقاب هُوَ الحُصَين بنُ الحَمامِ المُرِّي؛ قَالَ: وَمِثْلُهُ قَوْلُ جَرِيرٍ:
عَوى مَا عَوى مِنْ غَيْرِ شيءٍ رَمَيْته ... بقارِعَة أَنْفاذُها تَقْطُر الدَّما
قَالَ: أَنْفاذُها جَمْعُ نَفَذٍ مِنْ قَوْلُ قَيْسِ بْنِ الخَطِيم:
لَهَا نَفَذٌ لَوْلا الشُّعاعُ أَضاءَها
وَقَالَ اللَّعِينُ المِنْقَري:
وأُخْذَلُ خِذْلاناً بِتَقْطِيعِيَ الصُّوى ... إليكَ، وخُفٍّ راعِفٍ يَقْطُرُ الدَّما
قَالَ: وَمِثْلُهُ قَوْلِ عَلِيٍّ،
كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ:
لِمَنْ رايَةٌ سَوْدَاءُ يَخْفِقُ ظِلُّها، ... إِذَا قِيلَ: قَدِّمْها حُضَيْنُ، تَقَدَّما
ويُورِدُها للطَّعْنِ، حَتَّى يُعِلَّها ... حِياضَ المَنايا تَقْطُر المَوْتَ والدَّما
وَتَصْغِيرُ الدَّمِ دُمَيٌّ، وَالنِّسْبَةُ إِلَيْهِ دَمِيٌّ، وَإِنْ شِئْتَ دَمَويٌّ. وَيُقَالُ: دَمِيَ الشيءُ يَدْمى دَمىً ودُمِيّاً فَهُوَ دَمٍ، مِثْلُ فَرِقَ يَفْرَقُ فَرَقاً فَهُوَ فَرِقٌ، وَالْمَصْدَرُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَنه بِالتَّحْرِيكِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الِاسْمِ. وأَدْمَيْته ودَمَّيْته تَدْمِيَةً إِذَا ضَرَبْتَه حَتَّى خَرَجَ مِنْهُ دَمٌ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ دَمِيَ دَمىً وأَدْمَيْته ودَمَّيْته؛ أَنشد ثَعْلَبٌ قَوْلَ رُؤْبَةَ:
فَلَا تَكُوني، يَا ابْنَةَ الأَشَمِّ، ... وَرْقاءَ دَمَّى ذِئْبُها المُدَمِّي
ثُمَّ فَسَّرَهُ فَقَالَ: الذِّئْبُ إِذَا رأَى لِصَاحِبِهِ دَمًا أَقبل عَلَيْهِ ليأْكله فَيَقُولُ: لَا تَكُونِي أَنتِ مِثْلَ ذَلِكَ الذِّئْبِ؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْآخَرِ:
وكُنْت كذِئْبِ السُّوء لمَّا رأَى دَماً ... بِصاحِبِه يَوْمًا، أَحالَ عَلَى الدَّمِ
وَفِي الْمَثَلِ: ولدُكَ مَنْ دمَّى عَقِبَيْك. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنه قَالَ لأَبي مَريمَ الحَنَفِيِّ: لأَنا أَشدُّ بُغْضاً لكَ مِنَ الأَرْض للدَّمِ
؛ يَعْنِي أَنَّ الدَّمَ لَا تَشْرَبُهُ الأَرض وَلَا يَغُوص فِيها فجعَلَ امْتِناعها مِنْهُ بُغْضاً مَجَازًا. وَيُقَالُ: إِنَّ أَبا مَرْيَمَ كَانَ قَتَل أَخاه زَيْدًا يَوْمَ الْيَمَامَةِ. والدَّامِيَة مِنَ الشِّجاجِ: الَّتِي دَمِيَتْ وَلَمْ يَسِلْ بعدُ مِنْهَا دمٌ، والدامِعَة هِيَ الَّتِي يَسِيلُ مِنْهَا الدَّمُ. وَفِي حَدِيثِ
زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: فِي الدَّامِيَة بَعيرٌ
؛ الدَّامِيةُ: شَجَّة تَشُقُّ الجِلْد حَتَّى يَظْهَر مِنْهَا الدَّمُ، فَإِنْ قَطَر مِنْهَا فَهِيَ دامِعةٌ. واسْتَدْمَى الرَّجلُ: طَأْطَأَ رأْسَه يقْطُر مِنْهُ الدَّم. الأَصمعي: المُسْتَدْمِي الَّذِي يَقْطُر مِنْ أَنْفِه الدَّمُ المُطَأْطِئُ رأسَه، والمُسْتَدْمِي الَّذِي يَسْتَخْرِجُ منْ غَريمهِ دَيْنَه بالرِّفْق. وَفِي حَدِيثِ العَقيقة:
يُحْلَقُ مِنْ رأْسِه ويُدَمَّى
، وَفِي رِوَايَةٍ:
ويُسَمَّى.
وَكَانَ قَتَادَةُ إِذَا سُئِلَ عَنِ الدَّمِ كَيْفَ يُصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: إِذَا ذُبِحَت الْعَقِيقَةُ أُخِذَتْ مِنْهَا صُوفة واسْتُقْبِلَتْ بِهَا أَوْداجُها، ثُمَّ تُوضَع عَلَى يافُوخِ الصَّبِيّ ليَسِيلَ عَلَى رأْسه مثلُ الخَيْط، ثُمَّ يُغْسل رأْسُه بعدُ ويُحْلَقُ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: أَخرجه أَبو دَاوُدَ فِي السُّنَنِ وَقَالَ هَذَا وَهَمٌ مِنْ هَمَّامٍ، وجاءَ بِتَفْسِيرِهِ عَنْ قَتَادَةَ وَهُوَ مَنسوخ، وَكَانَ مِنْ فِعْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَقَالَ: ويُسَمَّى أَصَحُّ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: إِذَا كَانَ أَمَرهم بإماطَة الأَذى اليابِس عَنْ رأْس الصَّبِيِّ فَكَيْفَ يأْمُرُهم بتَدْمِية رأْسِه وَالدَّمُ نَجِسٌ نجاسَة غَلِيظَةً؟ وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن رَجُلًا جاءَ ومَعَه أَرْنَبٌ(14/269)
فوَضعَها بينَ يَديِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ إنِّي وجَدْتُها تَدْمَى
أَي أَنَّها تَرَى الدَّمَ، وَذَلِكَ لأَن الأَرْنَب تَحِيضُ كَمَا تَحِيضُ المرأَة. والمُدَمَّى: الثوبُ الأَحْمَر. والمُدَمَّى: الشَّدِيدُ الشُّقْرة. وَفِي التَّهْذِيبِ: مِنَ الخَيْلِ الشديدُ الحُمْرَة شِبْهُ لَوْنِ الدَّمِ. وكلُّ شيءٍ فِي لوْنِهِ سَوادٌ وحُمْرة فَهُوَ مُدَمّىً. وَكُلُّ أَحْمَرَ شَدِيدِ الْحُمْرَةِ فَهُوَ مُدَمّىً. وَيُقَالُ: كُمَيْتٌ مُدَمّىً؛ قَالَ طُفَيْلٌ:
وكُمْتاً مُدَمَّاةً كأَنَّ مُتُونَها ... جَرى فَوْقَها، واسْتَشْعَرَتْ لَوْنَ مُذْهَب
يَقُولُ: تَضْرِبُ حُمْرَتُها إِلَى الكُلْفة لَيْسَتْ بِشَدِيدَةِ الْحُمْرَةِ. قَالَ أَبو عُبيدَةَ: كُمَيْتٌ مُدَمّىً إِذَا كَانَ سوادُه شديدَ الحُمرة إِلَى مَراقِّه. والأَشْقَرُ المُدَمَّى: الَّذِي لَوْنُ أَعلى شعْرَتِه يَعْلُوها صُفْرَةٌ كَلوْنِ الكُمَيْت الأَصْفَرِ. والمُدَمَّى مِنَ الأَلْوانِ: مَا كَانَ فِيهِ سوادٌ. والمُدَمَّى مِنَ السِّهام: الَّذِي تَرْمي بِهِ عَدُوَّك ثُمَّ يَرْمِيكَ بِهِ؛ وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا رَمَى العَدُوَّ بسَهْمٍ فأَصاب ثُمَّ رَمَاهُ بِهِ العَدُوُّ وعَلَيْه دَمٌ جَعَله فِي كِنانَتِه تَبَرُّكاً بِهِ. وَيُقَالُ: المُدَمَّى السَّهْمُ الَّذِي يَتَعاوَرُه الرُّماة بينَهُم وَهُوَ راجِع إِلَى مَا تَقدَّم. وَفِي حَدِيثِ
سَعْدٍ قَالَ: رَمَيْتُ يوْمَ أُحْدٍ رَجلًا بِسهْمٍ فقَتَلْتُه ثُمَّ رُمِيت بِذَلِكَ السَّهْم أَعْرِفُه حَتَّى فَعَلْتُ ذَلِكَ وفعلُوه ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقُلْتُ: هَذَا سَهْمٌ مُبَارَكٌ مُدَمّىً فَجَعَلْتُهُ فِي كِنانَتي، فَكَانَ عِنْدَهُ حَتَّى مَاتَ
؛ المُدَمَّى مِنَ السِّهامِ: الَّذِي أَصابه الدَّمُ فحصَل فِي لوْنِه سَوادٌ وَحُمْرَةٌ مِمَّا رُمِيَ بِهِ العَدُوّ؛ قَالَ: وَيُطْلَقُ عَلَى مَا تَكَرّر بِهِ الرَّمْيُ، وَالرُّمَاةُ يتَبرَّكون بِهِ؛ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ مأخُوذٌ مِنَ الدَّامِيَاء وَهِيَ البَرَكَة؛ قَالَ شِمْرٌ: المُدَمَّى الَّذِي يَرْمِي بِهِ الرجلُ العدُوَّ ثُمَّ يرْميه العَدُوّ بِذَلِكَ السَّهْمِ بِعَيْنِهِ: قَالَ: كأَنه دُمِّيَ بالدَّمِ حِينَ وقَع بالمَرْمِيِّ. والمُدَمَّى: السَّهْمُ الَّذِي عَلَيْهِ حُمْرة الدَّمِ وَقَدْ جَسِدَ بِهِ حَتَّى يضرِبَ إِلَى السَّواد. وَيُقَالُ: سُمِّيَ مُدَمّىً لأَنه احْمَرَّ مِنَ الدَّمِ. وَفِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي بَيْعة الأَنْصار، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: أَنَّ الأَنْصار لمَّا أَرادُوا أَن يُبايعُوه بَيْعَةَ العَقَبَة بمَكَّة قَالَ أَبو الهَيْثَمِ بنُ التَّيِّهان إنَّ بينَنا وبينَ القَوْم حِبالًا ونَحْنُ قاطِعُوها، ونَخْشى إنِ اللهُ أَعَزَّك وأَظْهَرَكَ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى قَوْمِكَ، فتَبَسَّمَ النبيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: بَلِ الدَّمُ الدَّمُ والهَدْمُ الهَدْمُ، أُحارِبُ مَنْ حارَبْتُمْ وأُسالِمُ منْ سالَمْتُمْ
، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ:
بَل اللَّدَمُ اللَّدَمُ والهَدَمُ الهَدَمُ
، فَمَنْ رَوَاهُ بَلِ الدَّمُ الدَّمُ فَإِنَّ ابْنَ الأَعرابي قَالَ: الْعَرَبُ تَقُولُ دَمي دَمُكَ وهَدْمي هَدْمُك فِي النُّصْرَة أَي إِن ظُلِمْت فَقَدْ ظُلِمْت؛ وأَنشد للعُقَيْلي:
دَماً طَيِّباً يَا حَبَّذا أَنتَ مِنْ دَمِ
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَقَالَ الْفَرَّاءُ الْعَرَبُ تُدْخِلُ الأَلف وَاللَّامَ اللَّتَيْنِ لِلتَّعْرِيفِ عَلَى الإِسم فَتَقُومَانِ مَقَامَ الإِضافة كَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: فَأَمَّا مَنْ طَغى وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى؛ أَي أَنَّ الْجَحِيمَ مَأْواهُ؛ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى؛ الْمَعْنَى فَإِنَّ الجنةَ مأْواه، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ المأْوى لَهُ، قَالَ: وَكَذَلِكَ هَذَا فِي كُلِّ اسْمَيْن يَدُلَّانِ عَلَى مِثْلِ هَذَا الإِضمار، فَعَلَى قَوْلِ الْفَرَّاءِ قَوْلُهُ الدَّمُ الدَّمُ أَي دَمُكُمْ دمِي وهَدْمُكُم هَدْمي وأَنْتُمْ تُطْلَبُون بدَمي وأُطْلَبُ بدَمِكم ودَمِي ودمُكُمْ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وأَما مَنْ رَوَاهُ بَل(14/270)
اللَّدَمُ اللَّدَمُ والهَدَمُ الهَدَمُ فَكُلٌّ مِنْهُمَا مَذْكُورٌ فِي بَابِهِ. وَفِي حَدِيثِ
ثُمامة بنِ أُثالٍ: إنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ
أَي مَنْ هُوَ مُطالَبٌ بدمٍ أَو صَاحِبُ دمٍ مَطْلُوبٍ، وَيُرْوَى:
ذَا ذِمّ
، بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، أَي ذِمامٍ وحُرْمة فِي قَوْمِهِ، وَإِذَا عَقَد ذِمَّة وُفِّي لَهُ. وَفِي حَدِيثِ قَتْلِ كَعْب بْنِ الأَشْرفِ:
إنِّي لأَسْمَع صَوْتًا كأَنه صَوْتُ دَمٍ
أَي صَوْتُ طالِبِ دَمٍ يَسْتَشْفي بِقَتْلِهِ. وَفِي حَدِيثِ
الْوَلِيدِ بْنِ المُغِيرَة: والدَّمِ مَا هُوَ بِشَاعِرٍ
، يَعْنِي النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ هَذِهِ يَمينٌ كَانُوا يَحْلِفُونَ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَعْنِي دَمَ مَا يُذْبَح عَلَى النُّصُبِ. وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
لَا والدِّماءِ
أَي دماءِ الذَّبائِحِ، ويُرْوى:
لَا والدُّمَى
، جَمْعُ دُمْيَةٍ وَهِيَ الصُّورَةُ وَيُرِيدُ بِهَا الأَصْنام. والدَّمُ: السِّنَّوْرُ؛ حَكَاهُ النَّضْر فِي كِتَابِ الوُحوش؛ وأَنشد كُرَاعٌ:
كَذاك الدَّمُّ يأْدُو للْعَكابِرْ
العَكابِرْ: ذُكُورُ الْيَرَابِيعِ. ورجلٌ دَامِي الشِّفَة: فقِيرٌ؛ عَنْ أَبي العَمَيْثل الأَعرابي. ودَمُ الغِزْلان: بَقْلَةٌ لَهَا زَهْرَةٌ حَسَنة. وبناتُ دَم: نَبْتٌ. والدُّمْيَةُ: الصَّنَم، وَقِيلَ: الصُّورَةُ المُنَقَّشة العاجُ وَنَحْوُهُ، وَقَالَ كُراع: هِيَ الصُّورَةُ فعَمَّ بِهَا. وَيُقَالُ للمرأَة: الدُّمْيَةُ، يُكَنَّى عَنِ الْمَرْأَةِ بِهَا، عَرَبِيَّةٌ، وَجَمْعُ الدُّمْيةِ دُمىً؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
والبِيضَ يَرْفُلْنَ فِي الدُّمَى ... والرَّيْطِ والمُذْهَبِ المَصُونِ
يَعْنِي ثِيَابًا فِيهَا تَصَاوِيرُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الَّذِي فِي الشِّعْرِ كالدُّمى، والبيضَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْعَطْفِ عَلَى اسْمِ إِنَّ فِي الْبَيْتِ قَبْلَهُ، وَهُوَ:
إنَّ شِوَاءً ونَشْوَةً ... وخَبَبَ البازِلِ الأَمُونِ
ودَمَّى الرَّاعِي الماشِيَةَ: جعَلَها كالدُّمَى؛ وأَنشد أَبو الْعَلَاءِ:
صُلْبُ العَصا بِرَعْيِه دَمَّاها، ... يَوَدُّ أَنَّ اللهَ قَدْ أَفْناها
أَي أَرعاها فَسَمِنَتْ حَتَّى صَارَتْ كالدُّمى، وَفِي صِفَتِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
كأَن عُنُقَه عُنُقُ دُمْيةٍ
؛ الدُّمْية: الصُّورَةُ الْمُصَوَّرَةُ لأَنها يُتَنَوَّقُ فِي صَنْعتِها ويُبالَغُ فِي تَحْسِينِها. وخُذْ مَا دَمَّى لَكَ أَي ظَهَرَ لَكَ. ودَمَّى لَهُ فِي كَذَا وَكَذَا إِذَا قَرَّب؛ كِلَاهُمَا عَنْ ثَعْلَبٍ. اللَّيْثُ: وبَقْلَةٌ لَهَا زَهْرة يُقَالُ لَهَا دُمْيةُ الغِزْلانِ. وَسَاتِي دَمَا: اسْمُ جَبَلٍ: يُقَالُ: سُمِّي بِذَلِكَ لأَنه لَيْسَ مِنْ يَوْمٍ إِلَّا ويُسْفَكُ عَلَيْهِ دَمٌ كأَنهما اسْمَانِ جُعِلَا اسْمًا وَاحِدًا؛ وأَنشد سِيبَوَيْهِ لِعَمْرِو بْنِ قَمِيئَةَ:
لمَّا رأَتْ سَاتِي دَمَا اسْتَعْبرَتْ، ... للهِ دَرُّ، اليَوْمَ، مَنْ لامَها
وَقَالَ الأَعشى:
وهِرَقْلًا، يَوْمَ ذِي سَاتِي دَمَا، ... مِنْ بَني بُرْجانَ ذِي البَأْسِ رُجُحْ «2»
. وَقَدْ حَذَفَ يزيدُ بْنِ مُفَرَّغٍ الحِمْيَري مِنْهُ الْمِيمَ بِقَوْلِهِ:
فَدَيْرُ سُوىً فَسَاتِي دَا فبُصْرَى
وَدَمُ الأَخَويْنِ: العَنْدَمُ.
دنا: دَنا الشيءُ مِنَ الشيءِ دُنُوّاً ودَناوَةً: قَرُبَ. وَفِي حَدِيثِ الإِيمان:
ادْنُهْ
؛ هُوَ أَمْرٌ بالدُّنُوِّ والقُرْبِ، وَالْهَاءُ فِيهِ لِلسَّكْتِ، وجيءَ بِهَا لِبَيَانِ الْحَرَكَةِ. وَبَيْنَهُمَا دَنَاوَة أَي قَرابة. والدَّنَاوَةُ: القَرابة والقُربى. وَيُقَالُ: مَا تَزْدادُ منِّا إِلَّا قُرْباً ودَنَاوَةً؛ فرق بين مصدرِ دنا
__________
(2) . قوله [ذي البأس] هكذا في الأصل والصحاح، قال في التكملة: والرواية في الناس بالنون، ويروى رجح بالتحريك أي رجح عليهم(14/271)
وَمَصْدَرِ دَنُؤَ، فَجُعِلَ مَصْدَرُ دَنا دَنَاوَةً وَمَصْدَرُ دَنُؤَ دَناءَةً؛ وَقَوْلُ سَاعِدَةَ بْنِ جُؤيَّة يَصِفُ جَبَلًا:
إِذَا سَبَلُ العَماء دَنا عَلَيْهِ، ... يَزِلُّ بِرَيْدِهِ ماءٌ زَلولُ
أَراد: دَنا مِنْهُ. وأَدْنَيْته ودَنَّيْته. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِذَا أكَلْتُم فسَمُّوا اللَّهَ ودَنُّوا وسَمِّتُوا
؛ مَعْنَى قَوْلِهِ دَنُّوا كُلُوا مم يَلِيكُم وَمَا دَنا مِنْكُمْ وَقَرُبَ مِنْكُمْ، وسمِّتُوا أَي ادْعُوا للُمطْعِم بِالْبَرَكَةِ، ودَنُّوا: فِعْلٌ مَنْ دَنا يَدْنُو أَي كُلُوا مِمَّا بَيْنَ أَيدِيكم. واسْتَدْنَاه: طَلَبَ مِنْهُ الدُّنُوَّ، ودَنَوْتُ مِنْهُ دُنُوّاً وأَدْنَيْتُ غَيْرِي. وَقَالَ اللَّيْثُ: الدُّنُوُّ غيرُ مَهْمُوزٍ مصدرُ دَنا يَدْنُو فَهُوَ دانٍ، وسُمِّيت الدُّنْيا لدُنُوِّها، ولأَنها دَنتْ وتأَخَّرَت الْآخِرَةُ، وَكَذَلِكَ السماءُ الدُّنْيا هِيَ القُرْبَى إِلَيْنَا، وَالنِّسْبَةُ إِلَى الدُّنيا دُنياوِيٌّ، وَيُقَالُ دُنْيَوِيٌّ ودُنْيِيٌّ؛ غَيْرُهُ: وَالنِّسْبَةُ إِلَى الدُّنْيَا دُنْيَاوِيٌّ؛ قَالَ: وَكَذَلِكَ النِّسْبَةُ إِلَى كُلِّ مَا مُؤَنَّثُه نَحْوَ حُبْلَى ودَهْنا وأَشباه ذَلِكَ؛ وأَنشد:
بوَعْساء دَهْناوِيَّة التُّرْبِ طَيِّب
ابْنُ سِيدَهْ: وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها
؛ إِنَّمَا هُوَ عَلَى حَذْفِ الْمَوْصُوفِ كَأَنَّهُ قَالَ وَجَزَاهُمْ جَنَّة دَانِيَةً عَلَيْهِمْ فَحَذَفَ جَنَّةً وأَقام دَانِيَةً مُقامها؛ وَمِثْلُهُ مَا أَنشده سِيبَوَيْهِ مِنْ قَوْلِ الشَّاعِرِ:
كأنَّكَ مِنْ جِمالِ بَني أُقَيْشٍ، ... يُقَعْقَعُ خَلْفَ رِجْلَيْهِ بِشَنِ
أَراد جَمَلٌ مِنْ جمالِ بن أُقَيْشٍ. وَقَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: دانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها
، مَنْصُوبَةٌ عَلَى الْحَالِ مَعْطُوفَةٌ عَلَى قَوْلِهِ: مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ؛ قَالَ: هَذَا هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي لَا ضَرُورَةَ فِيهِ؛ قَالَ وأَما قَوْلُهُ:
كأَنَّك مِنْ جِمالِ بَني أُقَيْشٍ
الْبَيْتُ، فَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ فِي ضَرُورَةِ الشِّعْر، وَلَوْ جَازَ لَنَا أَن نَجِدَ مِنْ في بَعْضِ الْمَوَاضِعِ اسْمًا لَجَعَلْنَاهَا اسْمًا وَلَمْ نَحْمِلِ الْكَلَامَ عَلَى حَذْفِ الْمَوْصُوفِ وَإِقَامَةِ الصِّفَةِ مَقَامَهُ، لأَنه نَوْعٌ مِنَ الضَّرُورَةِ، وَكِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى يَجِلّ عَنْ ذَلِكَ؛ فأَما قَوْلُ الأَعشى:
أَتَنْتَهُون ولَنْ يَنْهَى ذَوي شَطَطٍ، ... كالطَّعْنِ يَذْهَبُ فِيهِ الزَّيْتُ والفُتُلُ
فَلَوْ حَمَلْتَهُ عَلَى إِقَامَةِ الصِّفَةِ مَوْضِعَ الْمَوْصُوفِ لَكَانَ أَقبح مَنْ تأَوُّل قَوْلَهُ تَعَالَى: وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها
؛ عَلَى حَذْفِ الْمَوْصُوفِ لأَن الْكَافَ فِي بَيْتِ الأَعشى هِيَ الْفَاعِلَةُ فِي الْمَعْنَى، وَدَانِيَةً فِي هَذَا الْقَوْلِ إِنَّمَا هِيَ
مَفْعول بِهَا، وَالْمَفْعُولُ قَدْ يَكُونُ اسْمًا غَيْرَ صَرِيحٍ نَحْوَ ظَنَنْتُ زَيْدًا يَقُومُ، وَالْفَاعِلُ لَا يَكُونُ إِلَّا اسْمًا صَرِيحًا مَحْضًا، فَهُمْ عَلَى إمْحاضه اسْمًا أَشدُّ مُحافظة مِنْ جَمِيعِ الأَسماء، أَلا تَرَى أَن الْمُبْتَدَأَ قَدْ يَقَعُ غيرَ اسمٍ محضٍ وَهُوَ قَوْلُهُ: تَسْمَعُ بالمُعَيْديِّ خيرٌ مِن أَن تَراهُ؟ فَتَسْمَعُ كَمَا تَرَى فِعْلٌ وَتَقْدِيرُهُ أَن تَسْمَعَ، فحذْفُهم أَنْ ورفْعُهُم تَسمعُ يَدُلُّ عَلَى أَن الْمُبْتَدَأَ قَدْ يُمْكِنُ أَن يَكُونَ عِنْدَهُمْ غيرَ اسمٍ صَرِيحٍ، وَإِذَا جَازَ هَذَا فِي الْمُبْتَدَأِ عَلَى قُوَّة شبِهه بِالْفَاعِلِ فَهُوَ فِي الْمَفْعُولِ الَّذِي يبعُد عَنْهُمَا أَجْوَزُ؛ فَمِنْ أَجل ذَلِكَ ارْتَفَعَ الْفِعْلُ فِي قَوْلِ طَرَفة:
أَلا أَيُّهَذا الزَّاجِرِي أَحْضُرُ الوَغَى، ... وأَنْ أَشْهَدَ اللَّذَّاتِ، هلْ أَنتَ مُخلِدي؟
عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، لأَنه أَراد أَنْ أَحْضُرَ الوَغَى. وأَجاز سِيبَوَيْهِ فِي قَوْلِهِمْ: مُرْهُ يَحْفِرُها أَن يَكُونَ الرفعُ عَلَى قَوْلِهِ أَنْ يَحْفِرَها، فَلَمَّا حُذِفت أَن ارْتَفَعَ الْفِعْلُ بَعْدَهَا، وَقَدْ حَمَلَهم كثرةُ حذفِ أَن مَعَ غَيْرِ الْفَاعِلِ عَلَى أَن اسْتَجازُوا ذَلِكَ فِيمَا لَمْ يُسَمَّ فاعِلُه،(14/272)
وإِن كَانَ ذَلِكَ جَارِيًا مَجْرى الْفَاعِلِ وَقَائِمًا مَقَامَهُ؛ وَذَلِكَ نَحْوَ قَوْلِ جَمِيلٍ:
جَزِعْتُ حِذارَ البَيْنِ، يَوْمَ تَحَمَّلُوا، ... وحُقَّ لِمِثْلي، يَا بُثَيْنَةُ، يَجْزَعُ
أَراد أَن يَجْزَع، عَلَى أَن هَذَا قَلِيلٌ شَاذٌّ، عَلَى أَنّ حَذْفَ أَنْ قَدْ كثُر فِي الْكَلَامِ حَتَّى صَارَ كِلَا حَذْفٍ، أَلا تَرَى أَن جَمَاعَةً استَخَفّوا نَصْبَ أَعْبُدَ مِنْ قَوْلِهِ عَزَّ اسمُه: قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ؟ فَلَوْلَا أَنهم أَنِسُوا بحَذْفِ أَنْ مِنَ الْكَلَامِ وإِرادَتِها لَمَا اسْتَخَفُّوا انْتِصاب أَعْبُدَ. ودَنَت الشمسُ للغُروبِ وأَدْنَت، وأَدْنَت النَّاقَةُ إِذا دَنا نِتاجُها. والدُّنْيا: نَقِيضُ الْآخِرَةِ، انْقَلَبت الْوَاوُ فِيهَا يَاءً لأَن فُعْلى إِذا كَانَتِ اسْمًا مِنْ ذَوَاتِ الْوَاوِ أُبدلت واوُها يَاءً، كَمَا أُبدلت الْوَاوُ مَكَانَ الْيَاءِ فِي فَعْلى، فأَدخَلوها عَلَيْهَا فِي فُعْلى ليَتكافآ فِي التَّغْيِيرِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَذَا قَوْلُ سِيبَوَيْهِ، قَالَ: وَزِدْتُهُ أَنا بَيَانًا. وَحَكَى ابْنُ الأَعرابي: مَا لَهُ دُنْياً وَلَا آخِرةٌ، فنَوّن دُنْياً تَشْبِيهًا لَهَا بفُعْلَلٍ، قَالَ: والأَصل أَن لَا تُصْرَفَ لأَنها فُعْلى، وَالْجَمْعُ دُناً مِثْلُ الكُبْرى والكُبَر والصُّغْرى والصُّغَر، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: والأَصل دُنَوٌ، فَحُذِفَتِ الْوَاوُ لِاجْتِمَاعِ السَّاكِنَيْنِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ فَقُلِبَتِ الْوَاوُ أَلفاً لِتَحَرُّكِهَا وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا، ثُمَّ حُذِفَتِ الأَلف لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَهُمَا الأَلف وَالتَّنْوِينُ. وَفِي حَدِيثِ الْحَجِّ:
الجَمْرة الدُّنْيا
أَي القَرِيبة إِلى مِنىً، وَهِيَ فُعْلى مِنَ الدُّنُوِّ. والدُّنْيا أَيضاً: اسمٌ لِهَذِهِ الحَياةِ لبُعْدِ الْآخِرَةِ عَنْها، وَالسَّمَاءُ الدُّنْيا لقُرْبها مِنْ ساكِني الأَرْضِ. وَيُقَالُ: سماءُ الدُّنْيا، عَلَى الإِضافة. وَفِي حَدِيثِ حَبْسِ الشمسِ:
فادَّنَى بالقَرْيَةِ
؛ هَكَذَا جَاءَ فِي مُسْلِمٍ، وَهُوَ افْتَعَلَ مِنَ الدُّنُوِّ، وأَصلُه ادْتَنى فأُدْغِمَتِ التاءُ فِي الدالِ. وَقَالُوا: هُوَ ابْنُ عَمّي دِنْيَةً، ودِنْياً، منوَّنٌ، ودِنْيَا، غَيْرُ مُنَوَّنٍ، ودُنْيَا، مَقْصُورٌ إِذا كَانَ ابنَ عَمِّه لَحّاً؛ قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَتُقَالُ هَذِهِ الْحُرُوفُ أَيضاً فِي ابنِ الخالِ والخالَةِ، وَتُقَالُ فِي ابْنِ العَمَّة أَيضاً. قَالَ: وَقَالَ أَبو صَفْوانَ هُوَ ابنُ أَخِيه وأُخْتِه دِنْيَا، مِثْلَ مَا قِيلَ فِي ابنِ العَمِّ وابنِ الخالِ، وإِنما انْقَلَبت الْوَاوُ فِي دِنْيةً ودِنْياً يَاءً لمجاورةِ الكسرةِ وضعفِ الحاجِزِ، ونَظِيرُهُ فِتْيةٌ وعِلْيَةٌ، وكأَنَّ أَصلَ ذَلِكَ كلِّه دُنْيا أَي رَحِماً أَدْنى إِليَّ مِنْ غَيْرِهَا، وإِنما قَلَبوا ليَدُلّ ذَلِكَ عَلَى أَنه ياءُ تأْنيثِ الأَدْنى، ودِنْيَا دَاخِلَةٌ عَلَيْهَا. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ ابْنُ عَمٍّ دِنْيٍ ودُنْيَا ودِنْيا ودِنْية. التَّهْذِيبُ: قَالَ أَبو بَكْرٍ هُوَ ابْنُ عمٍّ دِنْيٍ ودِنْيَةٍ ودِنْيَا ودُنْيَا، وإِذا قُلْتَ دُنْيَا، إِذا ضَمَمْت الدَّالَ لَم يَجُز الإِجْراءُ، وإِذا كسرتَ الدالَ جازَ الإِجْراءُ وتَرك الإِجْراء، فإِذا أَضفت العمَّ إِلى مَعْرِفَةٍ لَمْ يَجُزِ الْخَفْضُ فِي دِنْيٍ، كَقَوْلِكَ: ابْنُ عَمِّكَ دِنْيٌ ودِنْيَةٌ وَابْنُ عَمِّكَ دِنْياً لأَن دِنْياً نَكِرَةٌ وَلَا يَكُونُ نَعْتًا لِمَعْرِفَةٍ. ابْنُ الأَعرابي: والدُّنا مَا قرُبَ مِنْ خَيْرٍ أَو شَرٍّ. وَيُقَالُ: دَنا وأَدْنى ودَنَّى إِذا قَرُبَ، قَالَ: وأَدْنَى إِذا عاشَ عَيْشاً ضَيِّقاً بَعْدَ سَعَةٍ. والأَدْنَى: السَّفِلُ. أَبو زَيْدٍ: مِنْ أَمثالهم كلُّ دَنِيٍّ دُونَه دَنِيٌّ، يَقُولُ: كلُّ قريبٍ وكلُّ خُلْصانٍ دُونَه خُلْصانٌ. الْجَوْهَرِيُّ: والدَّنِيُّ القَريب، غيرُ مهموزٍ. وَقَوْلُهُمْ: لَقِيتُهُ أَدْنَى دَنيٍّ أَي أَوَّلَ شَيْءٍ، وأَما الدنيءُ بِمَعْنَى الدُّونِ فَمَهْمُوزٌ. وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ الْهَرَوِيُّ الدَّنيُّ الخَسِيسُ، بِغَيْرِ هَمْزٍ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى
؛ أَي الَّذِي هُوَ أَخَسُّ، قَالَ: ويقوِّي قَوْلَهُ كونُ فِعْلِهِ بِغَيْرِ هَمْزٍ، وَهُوَ دَنِيَ يَدْنَى دَناً ودَنايَةً، فَهُوَ دَنِيٌّ. الأَزهري فِي قَوْلِهِ: أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى
؛(14/273)
قَالَ الفراءُ هُوَ مِنَ الدَّناءَةِ؛ وَالْعَرَبُ تَقُولُ إِنه لَدَنيٌّ يُدَنِّي فِي الأُمورِ تَدْنِيَةً، غَيْرُ مَهموزٍ، يَتْبَع خسيسَها وأَصاغرَها، وَكَانَ زُهَير الفُرْقُبيُّ يَهْمِزُ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى
، قَالَ الْفَرَّاءُ: وَلَمْ نَرَ الْعَرَبَ تَهْمِزُ أَدْنى إِذا كَانَ مِنَ الخِسَّةِ، وَهُمْ فِي ذَلِكَ يَقُولُونَ: إِنه لَدانئٌ خَبِيثٌ، فَيَهْمِزُونَ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى
، غَيْرَ مَهْموزِ: أَي أَقْرَبُ، وَمَعْنَى أَقْرَبُ أَقلُّ قِيمَةً كَمَا تَقُولُ ثَوْبٌ مُقارِبٌ، فأَما الْخَسِيسُ فَاللُّغَةُ فِيهِ دَنُؤَ دَناءةً، وَهُوَ دَنيءٌ بِالْهَمْزِ، وَهُوَ أَدْنَأُ مِنْهُ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: أَهل اللُّغَةِ لَا يَهْمِزُونَ دَنُوَ فِي بَابِ الخِسَّة، وإِنما يَهْمِزُونَهُ فِي بَابِ المُجون والخُبْثِ. قَالَ أَبو زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ: رَجُلٌ دَنيءٌ مِنْ قَوْمٍ أَدْنِياءَ، وَقَدْ دَنُؤَ دَناءَةً، وَهُوَ الخَبيث البَطْنِ والفَرْجِ. وَرَجُلٌ دَنيٌّ مِنْ قَوْمٍ أَدْنِياءَ، وَقَدْ دَني يَدْنَى ودَنُوَ يَدْنُو دُنوّاً: وَهُوَ الضَّعِيفُ الخَسيسُ الَّذِي لَا غَناء عِنْدَهِ المُقَصِّرُ فِي كلِّ مَا أَخَذَ فِيهِ؛ وأَنشد:
فلا وأَبِيك ما خُلُقي بوَعْرٍ، ... وَلَا أَنا بالدَّنِيِّ وَلَا المُدَنِّي
وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: المُدَنِّي المُقَصِّر عَمَّا يَنْبَغِي لَهُ أَن يَفْعَله؛ وأَنشد:
يَا مَنْ لِقَوْمٍ رأْيُهُم خَلْفٌ مُدَنْ
أَراد مُدَنِّي فَقَيَّد الْقَافِيَةَ.
إِن يَسْمَعُوا عَوْراءَ أصْغَوْا فِي أَذَنْ
وَيُقَالُ لِلْخَسِيسِ: إِنه لَدنِيٌّ مِنْ أَدْنِياءَ، بِغَيْرِ هَمْزٍ، وَمَا كَانَ دَنِيّاً ولَقَدْ دَنِيَ يَدْنَى دَنىً ودَنايَةً. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذا طَلَب أَمراً خَسِيسًا: قَدْ دَنَّى يُدَنِّي تَدْنِيَة. وَفِي حَدِيثِ الحُدَيْبِيَة:
علامَ نُعْطِي الدَّنِيَّة فِي دِينِنا
أَي الخَصْلَة المَذْمُومَة؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: الأَصل فِيهِ الْهَمْزُ، وَقَدْ يُخَفَّفُ، وَهُوَ غَيْرُ مَهْمُوزٍ أَيضاً بِمَعْنَى الضَّعِيفِ الْخَسِيسِ. وتَدَنَّى فُلَانٌ أَي دَنا قَلِيلًا. وتَدانَوْا أَي دَنا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ
؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: كلُّ مَا يُعَذَّبُ بِهِ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ العذابُ الأَدْنَى، والعذابُ الأَكْبَر عذابُ الآخِرةِ. ودَانَيْت الأَمْرَ: قارَبْته. ودَانَيْت بَيْنَهما: جَمَعْت. ودَانَيْت بَيْنَ الشَّيْئَيْن: قَرَّبْت بَيْنَهما ودَانَيْتُ القَيْدَ فِي البَعيرِ أَو لِلْبَعير: ضَيَّقْته عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ دَانَى القَيْدُ قَيْنَيِ البَعِير؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
دَانَى لهُ القَيْدُ، فِي دَيْمُومَةٍ قُذُفٍ، ... قَيْنَيْهِ، وانْحَسَرَتْ عَنْه الأَناعِيمُ
وَقَوْلُهُ:
مَا لِي أَراهُ دانِفاً قدْ دُنْيَ لهْ
إِنما أَراد قَدْ دُنِيَ لهُ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهُوَ مِنَ الْوَاوِ مِنْ دَنَوْتُ، وَلَكِنَّ الْوَاوَ قُلِبَتْ يَاءً مَنْ دُنِيَ لِانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا، ثُمَّ أُسْكِنَت النُّونُ فَكَانَ يَجِبُ، إِذْ زَالَتِ الْكَسْرَةُ، أَن تَعُودَ الْوَاوُ، إِلا أَنه لَمَّا كَانَ إِسكان النُّونِ إِنما هُوَ لِلتَّخْفِيفِ كَانَتِ الكَسْرَة المنويَّة فِي حُكْمِ الْمَلْفُوظِ بِهَا، وَعَلَى هَذَا قَاسَ النَّحْوِيُّونَ فَقَالُوا فِي شَقِيَ قَدْ شَقْيَ، فَتَرَكُوا الواوَ الَّتِي هِيَ لامٌ فِي الشِّقْوة والشَّقاوة مَقْلُوبَةً، وإِن زَالَتْ كَسْرَةُ الْقَافِ مَنْ شَقِيَ، بِالتَّخْفِيفِ، لَمَّا كَانَتِ الكسرةُ مَنْويَّةً مُقَدَّرَةً، وَعَلَى هَذَا قَالُوا لقَضُوَ الرجلُ، وأَصله مِنَ الْيَاءِ فِي قَضَيْت، وَلَكِنَّهَا قُلِبت فِي لقَضُو لِانْضِمَامِ الضَّادِ قَبْلَهَا وَاوًا، ثُمَّ أَسكنوا الضَّادَ تَخْفِيفًا فَتَرَكُوا الْوَاوَ بِحَالِهَا وَلَمْ يردّوها إِلى الْيَاءِ، كَمَا تَرَكُوا الْيَاءَ فِي دُنْيَا بِحَالِهَا وَلَمْ يَرُدُّوهَا إِلى الْوَاوِ، وَمِثْلُهُ مِنْ(14/274)
كَلَامِهِمْ رَضْيُوا، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ بإِسكان الضَّادِ وَتَرْكِ الْوَاوِ مِنَ الرِّضْوَانِ وَمَرَّ صَرِيحًا لِهَؤُلَاءِ، قَالَ: وَلَا أَعلم دُنْيَ بِالتَّخْفِيفِ إِلا فِي هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَنشدناه، وَكَانَ الأَصمعي يَقُولُ فِي هَذَا الشِّعْرِ الَّذِي فِيهِ هَذَا الْبَيْتُ: هَذَا الرِّجْزُ لَيْسَ بِعَتِيقٍ كأَنه مِنْ رَجَز خَلَفٍ الأَحمر أَو غَيْرِهِ مِنَ الْمَوَلِّدِينَ. وناقَةٌ مُدْنِيَةٌ ومُدْنٍ: دَنا نِتاجُها، وَكَذَلِكَ المرأَة. التَّهْذِيبُ: والمُدَنِّي مِنَ النَّاسِ الضَّعِيفُ الَّذِي إِذا آوَاهُ الليلُ لَمْ يَبْرَحْ ضَعْفًا وَقَدْ دَنَّى فِي مَبِيِتِه؛ وَقَالَ لَبِيدٌ:
فيُدَنِّي فِي مَبِيتٍ ومحَلّ
والدَّنِيُّ مِنَ الرِّجَالِ: السَّاقِطُ الضَّعِيفُ الَّذِي إِذا آوَاهُ اللَّيْلُ لَمْ يَبْرَحْ ضَعْفاً، وَالْجَمْعُ أَدْنِياءُ. وَمَا كَانَ دَنِيّاً وَلَقَدْ دَنِيَ دَناً ودَنَايَة ودِنَايَة، الْيَاءُ فِيهِ مُنْقَلِبَةٌ عَنِ الْوَاوِ لِقُرْبِ الْكَسْرَةِ؛ كُلُّ ذَلِكَ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. وتَدَانَتْ إِبلُ الرَّجُلِ: قَلَّت وضَعُفَت؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
تَباعَدْتَ مِني أَنْ رأَيْتَ حَمُولتِي ... تَدَانَتْ، وأَنْ أَحْنَى عليكَ قَطِيعُ
ودَنَّى فلانٌ: طَلَبَ أَمْراً خسِيساً، عَنْهُ أَيضاً. والدَّنا: أَرض لكَلْب؛ قَالَ سَلامة بْنُ جَنْدل:
مِنْ أَخْدَرِيَّاتِ الدَّنَا التَفَعَتْ لَهُ ... بُهْمَى الرِّفاغِ، ولَجَّ فِي إِحْناقِ
الْجَوْهَرِيُّ: والدَّنَا مَوْضِعٌ بِالْبَادِيَةِ؛ قَالَ:
فأَمْواهُ الدَّنا فعُوَيْرِضاتٌ ... دَوارِسُ بعدَ أَحْياءٍ حِلالِ
والأَدْنَيَانِ: واديانِ. ودَانِيا: نبيٌّ مِنْ بَنِي إِسرائيل يُقال لَهُ دانِيالُ.
دَهَا: الدَّهْوُ والدَّهَاءُ: الْعَقْلُ، وَقَدْ دَهِيَ فلانٌ يَدْهَى ويَدْهُو دَهاءً ودَهاءَةً ودَهْياً، فَهُوَ داهٍ مِنْ قَوْمٍ دُهاةٍ، ودَهُوَ دَهاءةً، فَهُوَ دَهِيٌّ مِنْ قَوْمٍ أَدْهِياءَ ودُهَواءَ، ودَهِيَ دَهىً، فَهُوَ دَهٍ مِنْ قَوْمٍ دَهِينَ. التَّهْذِيبُ: وإِنَّه لَداهٍ ودَهِيٌّ ودَهٍ، فَمَنْ قَالَ دَاهٍ قَالَ مِنْ قومٍ دُهَاةٍ، وَمَنْ قَالَ دَهِيٌّ قَالَ مِنْ قَوْمٍ أَدْهِياءَ، وَمَنْ قَالَ دَهٍ قَالَ مِنْ قَوْمٍ دَهِينَ مِثْلُ عَمِينَ. ودَهاهُ دَهْواً: نَسبَه إِلى الدَّهاءِ. وأَدْهاهُ: وجَدَه داهِياً. التهذيب: الدَّهْوُ ودهي
الدَّهْيُ لُغَتَانِ فِي الدَّهاءِ. يُقَالُ: دَهَوْتُه ودهي
دَهَيْته، فهو مَدْهُوٌّ ودهي
مَدْهِيٌّ. ودهي
دَهَيْته ودَهَوْته: نسَبْته إِلى الدَّهاءِ. ودَهاهُ دَهْياً ودَهَّاهُ: نسبَه إِلى الدَّهاء. وأَدْهاهُ: وجَدَهُ دَاهِيَةً. ابْنُ سِيدَهْ: الدَّهْيُ والدَّهاءُ الإِرْبُ. ورجلٌ داهٍ وداهِيَةٌ، الْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ: عَاقِلٌ. وَفِي التَّهْذِيبِ: رَجُلٌ دَاهِيَة أَي مُنْكَرٌ بَصِيرٌ بالأُمور. والدَّاهِيَة: الأَمرُ المُنْكَر الْعَظِيمُ. وَقَوْلُهُمْ: هِيَ الدَّاهِيَة الدَّهْوَاء بالَغُوا بِهَا، وَالْمَصْدَرُ الدَّهَاءُ تَقُولُ: مَا دَهَاك أَي مَا أَصابك. وكلُّ مَا أَصابكَ مِنْ مُنْكَرٍ مِنْ وَجْهِ المَأْمَنِ فَقَدْ دَهَاكَ دَهْياً، تَقُولُ مِنْهُ: دُهِيت. وَقَالُوا: هِيَ دَاهِية دُهْوِيَّةٌ، وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ وَاوِيَّةٌ وَيَائِيَّةٌ. ودَهَاهُ دَهْواً: خَتَلَه. والدَّهْيَاءُ: الدَّاهِية مِنْ شدائِدِ الدَّهْر؛ وأَنشد:
أَخُو مُحافَظَةٍ، إِذا نزَلَتْ بِهِ ... دَهْيَاءُ داهِيَةٌ مِنَ الأَزْمِ
ودَوَاهِي الدَّهْر: مَا يُصِيبُ الناسَ مِنْ عَظِيمِ نُوَبِه. ودَهَتْه دَاهِيةٌ دَهْياءُ ودَهْواءُ أَيضاً، وَهُوَ تَوْكِيدٌ أَيضاً. وأَمرٌ دَهٍ: داهٍ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
أَلمْ أَكُنْ حُذِّرْتُ مِنكَ بالدَّهِي
وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ أَراد بالدَّهْي، فَلَمَّا وقفَ أَلقَى حَرَكَةَ الياءِ عَلَى الهاءِ، كَمَا قَالُوا مِنَ البَكِرْ، أَرادوا مِنَ البَكْرِ. ودَهِيَ الرجُلُ دَهْياً ودَهاءً وتَدَهَّى:(14/275)
فعَلَ فِعْلَ الدُّهاةِ، وَهُوَ يَدْهَى ويَدْهُو ويَدْهِي، كُلُّ ذَلِكَ لِلرَّجُلِ الدَّاهي؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
وبالدَّهاءِ يُخْتَلُ المَدْهِيُ
وَقَالَ:
لَا يَعْرِفونَ الدَّهْيَ مِنْ دَهْيائِها، ... أَو يَأْخُذَ الأَرْض عَلَى مِيدائِها
وَيُرْوَى: الدَّهْوَ مِنْ دَهائِها. والدَّهْيُ، سَاكِنَةُ الْهَاءِ: المُنْكَرُ وجَوْدَةُ الرأْيِ. يقال: رَجُلٌ دَاهِيَة بيِّنُ الدَّهْيِ والدَّهاءِ، ممدودٌ وَالْهَمْزَةُ فِيهِ مُنْقَلِبَةٌ مِنَ الْيَاءِ لَا مِنَ الْوَاوِ، وَهُمَا دَهْيَاوان. ودَهاهُ يَدْهَاهُ دَهْياً: عابَهُ وتَنَقَّصَه؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ثَعْلَبٌ:
وَقُوَّلٌ إِلَّا دَهٍ فَلَا دَهِ
قَالَ: مَعْنَاهُ إِن لَمْ تَتُب الآنَ فَلَا تَتُوبُ أَبداً. وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْكَاهِنِ لِبَعْضِهِمْ وَقَدْ سأَله عَنْ شَيْءٍ يُمْكِنُ أَن يَكُونَ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ لَهُ: لَا، فَقَالَ: فَكَذَا؟ فَقَالَ لَهُ: لَا، فَقَالَ لَهُ الْكَاهِنُ: إِلا دَهٍ فَلَا دَهٍ أَي إِن لَمْ يَكُنْ هَذَا الَّذِي أَقول لَكَ فإِني لَا أَعرِف غَيْرَهُ. وَيُقَالُ: غَرْبٌ دَهْيٌ أَي ضَخْم؛ وَقَالَ الرَّاجِزُ:
والغَرْبُ دَهْيٌ غَلْفَقٌ كَبِيرُ، ... والحَوْضُ مِنْ هَوْذَلِه يَفُورُ
ويوْمُ دَهْوٍ: يومٌ تَناهَضَ فِيهِ بَنُو المُنْتَفِقِ، وَهُمْ رَهْطُ الشَّنَآنِ بْنِ مَالِكٍ وَلَهُ حديثٌ. وَبَنُو دَهْيٍ: بَطْنٌ.
دهدي: يُقَالُ: دَهْدَيْتُ الحَجَر ودَهْدَهْتُه فتَدَهْدَى وتَدَهْدَه. وَيُقَالُ: مَا أَدري أَيُّ الدَّهْدَاء هُو أَي أَيُّ الخَلْقِ هُوَ؛ وَقَالَ:
وعِنْدي الدَّهْدَهاءُ «3» .
دَوَا: الدَّوُّ: الفَلاةُ الواسِعَة، وَقِيلَ: الدَّوُّ المُسْتوية مِنَ الأَرض. والدَّوِّيَّة: الْمَنْسُوبَةُ إِلى الدَّوِّ؛ وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
وَدَوٍّ ككَفِّ المُشْتري غيرَ أَنَّه ... بساطٌ، لأَخْماسِ المَراسِيلِ، واسعُ «4»
. أَي هِيَ مُستويةٌ ككَفِّ الَّذِي يُصافِقُ عِنْدَ صَفْقَة الْبَيْعِ، وَقِيلَ: دَوِّيَّة وداوِيَّة إِذا كَانَتْ بعيدةَ الأَطرافِ مُستوية وَاسِعَةً؛ وَقَالَ العجاج:
دَوِّيَّةٌ لهَوْلها دَوِيُّ، ... للرِّيحِ فِي أَقْرابِها هُوِيُّ «5»
. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقِيلَ الدَّوُّ والدَّوِّيَّة والدَّاوِيَّة والدَّاوِيَة الْمَفَازَةُ، الأَلف فِيهِ مُنْقَلِبَةٌ عَنِ الْوَاوِ السَّاكِنَةِ، وَنَظِيرُهُ انْقِلَابُهُ عَنِ الْيَاءِ فِي غَايَةٍ وَطَايَةٍ، وَهَذَا الْقَلْبُ قَلِيلٌ غَيْرُ مَقِيسٍ عَلَيْهِ غَيْرُهُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: هَذِهِ دَعْوَى مِنْ قَائِلِهَا لَا دَلَالَةَ عَلَيْهَا، وَذَلِكَ أَنه يَجُوزُ أَن يَكُونَ بَنَى مِنَ الدوِّ فاعِلةً فَصَارَ داوِيَة بِوَزْنِ راوِية، ثُمَّ إِنه أَلْحق الْكَلِمَةَ ياءَ النَّسَب وحذَفَ اللَّامَ كَمَا تَقُولُ فِي الإِضافة إِلى نَاحِيَةٍ ناحِيٌّ، وإِلى قَاضِيَةٍ قاضِيٌّ؛ وَكَمَا قَالَ عَلْقَمَةُ:
كأْسَ عَزِيزٍ مِنَ الأَعْنابِ عَتَّقَها، ... لبَعْضِ أَرْبابِها، حانِيَّةٌ حُومُ
فَنَسَبَهَا إِلى الْحَانِي بِوَزْنِ القاضِي؛ وأَنشد الْفَارِسِيُّ لِعَمْرِو بْنِ مِلْقَط:
والخيلُ قَدْ تُجْشِمُ أَرْبابَها الشِّقَّ، ... وقَدْ تَعْتَسِفُ الداوِيَهْ
قَالَ: فإِن شِئْتَ قُلْتَ إِنه بَنَى مِنَ الدَّوِّ فاعِلَة، فَصَارَ التَّقْدِيرُ داوِوَة، ثُمَّ قَلَبَ الْوَاوَ الَّتِي هِيَ لَامُ ياءً
__________
(3) . قوله [الدَّهْدَهَاء] هكذا في الأصل
(4) . قوله [لأَخماس المراسيل إلخ] هو بالخاء المعجمة في التهذيب
(5) . قوله [في أقرابها هوي] كذا بالأصل والتهذيب ولعله في أطرافها(14/276)
لِانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا ووقوعِها طَرَفاً، وإِن شِئْتَ قُلْتَ أَراد الدَّاوِيَّةَ المحذوفةَ اللَّامِ كالحانِيّة إِلا أَنه خَفَّفَ بالإِضافة كَمَا خَفَّفَ الْآخَرُ فِي قَوْلِهِ؛ أَنشده أَبو عَلِيٍّ أَيضاً:
بَكِّي بعَيْنِك واكِفَ القَطْرِ ... ابْنَ الحَوَارِي العالِيَ الذّكْرِ «1»
. وَقَالَ فِي قَوْلِهِمْ دَوِّيَّة قَالَ: إِنما سُمِّيَتْ دَوِّيَّة لَدوِيِّ الصَّوْتِ الَّذِي يُسْمَع فِيهَا، وَقِيلَ: سُمِّيَت دَوِّيَّة لأَنَّها تُدَوِّي بِمَنْ صَارَ فِيهَا أَي تَذْهَب بِهِمْ. وَيُقَالُ: قَدْ دَوَّى فِي الأَرض وَهُوَ ذَهابُهُ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
دَوَّى بِهَا لَا يَعْذِرُ العَلائِلا، ... وَهُوَ يُصادِي شُزُناً مَثائِلا «2»
. دَوَّى بِهَا: مَرَّ بِهَا يَعْنِي العَيْرَ وأُتُنَه، وَقِيلَ: الدَّوُّ أَرض مَسيرةُ أَربع ليالٍ شِبْهُ تُرْسٍ خاويةٌ يُسَارُ فِيهَا بِالنُّجُومِ ويخافُ فِيهَا الضلالُ، وَهِيَ عَلَى طَرِيقِ الْبَصْرَةِ مُتَيَاسِرَةٌ إِذا أَصْعَدْتَ إِلى مَكَّةُ شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى، وإِنما سُمِّيَتِ الدَّوَّ لأَن الفُرْسَ كَانَتْ لَطائِمُهُم تَجُوزُ فِيهَا، فَكَانُوا إِذا سَلَكُوهَا تَحاضُّوا فِيهَا بالجِدِّ فقالوا بالفارسي: دَوْ دَوْ «3» . قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَقَدْ قَطَعْتُ الدَّوَّ مَعَ القَرامِطَة، أَبادَهُم اللَّهُ، وَكَانَتْ مَطْرَقَهُم قَافِلِينَ مِنَ الهَبِير فسَقَوْا ظَهْرَهم واسْتَقَوْا بحَفْرِ أَبي مُوسَى الَّذِي عَلَى طَرِيقِ الْبَصْرَةِ وفَوَّزوا فِي الدوِّ، وَوَرَدُوا صبيحةَ خامسةٍ مَاءً يُقَالُ لَهُ ثَبْرَةُ، وعَطِبَ فِيهَا بُخْتٌ كَثِيرَةٌ مِنْ إِبل الْحَاجِّ لبُلُوغ العَطَش مِنْهَا والكَلالِ؛ وأَنشد شِمْرٌ:
بالدَّوّ أَو صَحْرائِهِ القَمُوصِ
وَمِنْهُ خُطْبَةُ الحَجّاج:
قَد، لَفَّها اللَّيْلُ بعُصْلُبِيِّ ... أَرْوَعَ خَرَّاجٍ مِنَ الدَّاوِيِ
يَعْنِي الفَلَوات جَمْعُ داوِيَّة، أَراد أَنه صَاحِبُ أَسفار ورِحَلٍ فَهُوَ لَا يَزَالُ يَخْرُج مِنَ الفَلَوات، وَيَحْتَمِلُ أَن يَكُونَ أَراد بِهِ أَنه بَصِيرٌ بالفَلَوات فَلَا يَشْتَبه عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهَا. والدَّوُّ: مَوْضِعٌ بِالْبَادِيَةِ، وَهِيَ صَحْراء مَلْساء، وَقِيلَ: الدَّوُّ بَلَدٌ لِبَنِي تَمِيمٍ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
حَتَّى نِساءُ تمِيمٍ، وهْي نازِحةٌ ... بباحَةِ الدَّوِّ فالصَّمَّانِ فالعَقَدِ «4»
. التَّهْذِيبُ: يُقَالُ داوِيَّة وداوِيَةٌ، بِالتَّخْفِيفِ؛ وأَنشد لِكُثَيِّرٍ:
أَجْواز داوِيَةٍ خِلالَ دِماثِهَا ... جُدَدٌ صَحَاصِحُ، بَيْنَهُنَّ هُزومُ
والدَّوَّةُ: مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ. الأَصمعي: دَوَّى الفَحْلُ إِذا سَمِعْت لهَدِيره دَوِيّاً. الْجَوْهَرِيُّ: الدَّوُّ والدَّوِّيُّ المَفازة، وَكَذَلِكَ الدَّوِّيَّة لأَنها مَفازَة مثلُها فنُسِبَتْ إِليها، وَهُوَ كَقَوْلِهِمْ قَعْسَرٌ وقَعْسَرِيّ ودَهْر دَوَّار ودَوَّارِيّ؛ قَالَ الشَّمَّاخُ:
ودَوِّيَّةٍ قَفْرٍ تَمَشَّى نَعامُها، ... كَمَشْيِ النَّصارَى فِي خِفافِ الأَرَنْدَجِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هَذَا الْكَلَامُ نَقَلَهُ مِنْ كَلَامِ الْجَاحِظِ لأَنه قَالَ سُمّيت دَوِّيّة بالدَّوِّيّ الَّذِي هُوَ عَزِيفُ الجنِّ،
__________
(1) . قوله [بكّي بعينك واكف إلخ] تقدم في مادة حور ضبطه بكى بفتح الكاف وواكف بالرفع، والصواب ما هنا
(2) . قوله
وَهُوَ يُصَادِي شُزُنًا مَثَائِلَا
كذا بالأصل، والذي في التهذيب:
وهو يصادي شزباً نسائلا
(3) . قوله [دو دو] أي أَسْرِعْ أَسْرِعْ، قاله ياقوت في المعجم
(4) . قوله [فالعقد] بفتح العين كما في المحكم، وقال في ياقوت: قال نصر بضم العين وفتح القاف وبالدال مَوْضِعٌ بَيْنَ الْبَصْرَةِ وَضَرِيَّةَ وأظنه بفتح العين وكسر القاف(14/277)
وَهُوَ غَلَطٌ مِنْهُ، لأَن عَزِيفَ الجنِّ وَهُوَ صَوْتها يُقَالُ لَهُ دَوِيٌّ، بِتَخْفِيفِ الْوَاوِ؛ وأَنشد بَيْتَ الْعَجَّاجِ:
دَوِّيَّة لِهَوْلِهَا دَوِيُ
قَالَ: وإِذا كَانَتِ الْوَاوُ فِيهِ مُخَفَّفَةً لَمْ يَكُنْ مِنْهُ الدَّوِّيّة، وإِنما الدَّوِّيَّة مَنْسُوبَةٌ إِلى الدَّوِّ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِمْ أَحْمَرُ وأَحْمَرِيٌّ، وَحَقِيقَةُ هَذِهِ الْيَاءِ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ أَنها زَائِدَةٌ لأَنه يُقَالُ دَوٌّ ودَوِّيٌّ للقَفْر، ودَوِّيَّة للمَفازة، فَالْيَاءُ فِيهَا جَاءَتْ عَلَى حَدِّ ياءِ النسَبِ زَائِدَةً عَلَى الدَّوِّ فَلَا اعتِبار بِهَا، قَالَ: وَيَدُلُّكَ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ الْجَاحِظِ إِن الدوِّيّة سُمّيت بالدَّوِيّ الَّذِي هُوَ عَزِيفُ الْجِنِّ قَوْلُهُمْ دَوٌّ بِلَا ياءٍ، قَالَ: فَلَيْتَ شِعْرِي بأَيِّ شيءٍ سُمِّيَ الدَّوُّ لأَنّ الدَّوَّ لَيْسَ هُوَ صوتَ الجِنِّ، فَنَقُولُ إِنَّه سُمّي الدَّوّ بَدوِّ الْجِنِّ أَي عزِيفهِ، وَصَوَابُ إِنشاد بَيْتِ الشَّمَّاخِ: تَمَشَّى نِعاجُها؛ شَبَّهَ بقَر الْوَحْشِ فِي سَوَادِ قوائِمها وَبَيَاضِ أَبْدانِها بِرِجَالٍ بيضٍ قَدْ لَبِسُوا خِفافاً سُوداً. والدَّوُّ: مَوْضِعٌ، وَهُوَ أَرض مِنْ أَرض الْعَرَبِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هُوَ مَا بَيْنَ الْبَصْرَةِ وَالْيَمَامَةِ، قَالَ غَيْرُهُ: وَرُبَّمَا قَالُوا دَاوِيّة قَلَبُوا الواوَ الأُولى السَّاكِنَةَ أَلِفاً لِانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا وَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُمْ: مَا بِهَا دَوِّيٌّ أَي أَحد مِمَّن يَسْكن الدَّوَّ، كَمَا يُقَالُ مَا بِهَا دُورِيٌّ وطُورِيٌّ. ودود
الدَّوْدَاة: الأُرْجُوحَة. ودود
الدَوْدَاة: أَثَرُ الأُرْجوحة وَهِيَ فَعْلَلَة بِمَنْزِلَةِ القَرْقَرَة، وأَصلها دَوْدَوَة ثُمَّ قُلِبَت الواوُ يَاءً لأَنّها رابِعَة هُنَا فَصَارَتْ فِي التَّقْدِيرِ دَوْدَيَةً، فانْقَلَبت الياءُ أَلفاً لتَحَرُّكِها وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا فَصارت دود
دَوْدَاة، قَالَ: وَلَا يَجُوزُ أَن يَكُونَ فَعْلاةً كأَرْطاةٍ لئِلَّا تُجْعل الْكَلِمَةُ مِنْ بَابِ قَلِقٍ وسَلِسٍ، وَهُوَ أَقل مِنْ بَابِ صَرْصَر وفَدْفَدٍ، وَلَا يَجُوزُ أَيضاً أَن تَجْعَلَهَا فَوْعَلَةً كجَوْهَرةٍ لأَنك تَعْدِلُ إِلى بَابٍ أَضيق مِنْ بَابِ سَلس، وَهُوَ بَابُ كَوْكَب ودَوْدَن، وأَيضاً فإِنّ الفَعْلَلَة أَكثر فِي الْكَلَامِ مِنْ فَعْلاةٍ وفَوْعَلَةٍ؛ وَقَوْلُ الْكُمَيْتِ:
خَرِيع دود دَوادِيُ فِي مَلْعَبٍ ... تَأَزَّرُ طَوْراً، وتُرْخِي الإِزارَا
فإِنه أَخرج دَوادِيَ عَلَى الأَصل ضَرُورَةً، لأَنه لَوْ أَعَلّ لامَه فحذَفَها فَقَالَ دَوادٍ لانْكَسر الْبَيْتُ؛ وَقَالَ الْقَتَّالُ الكِلابي:
تَذَكَّرَ ذِكْرَى مِنْ قَطاةٍ فَأَنْصَبا، ... وأَبّنَ دود دَوْداةً خَلاءً ومَلْعَبا
وَفِي حَدِيثِ
جُهَيْسٍ: وكَائِنْ قَطَعْنَا مِنْ دَوِّيَّةٍ سَرْبَخٍ
؛ الدوُّ: الصَّحْراء الَّتِي لَا نَباتَ بِهَا، والدَّوِّيَّةُ مَنْسُوبَةٌ إِليها. ابْنُ سِيدَهْ: الدَّوى، مقصورٌ، المرَض والسِّلُّ. دَوِيَ، بِالْكَسْرِ، دَوىً فَهُوَ دَوٍ ودَوىً أَي مَرِضَ، فَمَنْ قَالَ دَوٍ ثَنَّى وجَمع وأَنث، وَمَنْ قَالَ دَوىً أَفرد فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَلَمْ يؤنِّثْ. اللَّيْثُ: الدَّوى داءٌ باطنٌ فِي الصَّدْرِ، وإِنه لَدَوِي الصَّدْرِ؛ وأَنشد:
وعَيْنُكَ تُبْدِي أَنَّ صَدْرَكَ لِي دَوِي
وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
وقَدْ أَقُود بالدَّوَى المُزَمَّلِ ... أَخْرسَ فِي السَّفْر بَقَاقَ المَنْزِل
إِنما عَنى بِهِ المريضَ مِنْ شِدَّةِ النُّعَاسِ. التَّهْذِيبُ: والدَّوى الضَّنى، مَقْصُورٌ يُكْتَبُ بِالْيَاءِ؛ قَالَ:
يُغْضي كإِغْضاءِ الدَّوَى الزَّمِينِ
ورجلٌ دَوىً، مَقْصُورٌ: مثلُ ضَنىً. وَيُقَالُ: تَرَكْتُ فُلَانًا دَوىً مَا أَرى بِهِ حَياةً. وَفِي حَدِيثِ
أُمِّ زَرْعٍ: كلُّ داءٍ لَهُ داءٌ
أَي كُلُّ عَيْبٍ يكونُ فِي الرِّجَالِ فَهُوَ فِيهِ، فجَعَلَتِ العيب داءً،(14/278)
وقولها: لَهُ داءٌ خَبَرٌ لِكُلُّ، وَيُحْتَمَلُ أَن يَكُونَ صِفَةً لِدَاءٍ، وَدَاءٌ الثَّانِيَةُ خَبَرٌ لِكُلُّ أَي كُلُّ دَاءٍ فِيهِ بليغٌ مُتناهٍ، كَمَا يُقَالُ: إِنَّ هَذَا الفَرَسَ فَرَسٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:
وأَيُّ داءٍ أَدْوى مِنَ البُخْلِ
أَي أَيُّ عَيْبٍ أَقْبحُ مِنْهُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَالصَّوَابُ أَدْوَأُ مِنَ البُخْل، بِالْهَمْزِ وَمَوْضِعُهُ الْهَمْزُ، وَلَكِنَّ هذا يُرْوى إِلا أَن يُجْعَلَ مِنَ بَابِ دَوِيَ يَدْوَى دَوىً، فَهُوَ دَوٍ إِذا هَلَكَ بِمَرَضٍ بَاطِنٍ، وَمِنْهُ حَدِيثُ
العَلاء بْنِ الحضْرَمِيّ: لَا داءَ وَلَا خِبْثَة
؛ قَالَ: هُوَ العَيْبُ الباطِن فِي السِّلْعة الَّذِي لمْ يَطَّلِعْ عَليه المُشْتري. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِنَّ الخَمر داءٌ ولَيْسَتْ بِدواءٍ
؛ اسْتَعْمَلَ لَفْظَ الداءِ فِي الإِثْمِ كَمَا اسْتَعْمَله فِي الْعَيْبِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ: دَبَّ إِليْكُم داءُ الأُمَمِ قَبْلَكُم البَغْضاءُ والحَسَدُ، فنَقَل الداءَ مِنَ الأَجْسامِ إِلى الْمَعَانِي ومنْ أَمْر الدُّنيا إِلى أَمْر الآخِرَةِ، قَالَ: وَلَيْسَتْ بدَواءٍ وإِن كَانَ فِيهَا دَواءٌ مِنْ بَعْضِ الأَمْراض، عَلَى التَّغْلِيبِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي الذَّمِّ، وَهَذَا كَمَا نُقِلَ الرَّقُوبُ والمُفْلِسُ والصُّرَعةُ لِضَرْبٍ مِنَ التَّمْثِيل والتَّخْيِيل. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ: إِلى مَرْعىً وبِيٍّ ومَشْرَبٍ دَوِيٍ
أَي فِيهِ داءٌ، وَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلى دَوٍ مَنْ دَوِيَ، بِالْكَسْرِ، يَدْوَى. وَمَا دُوِّيَ إِلا ثَلَاثًا «5» . حَتَّى مَاتَ أَو بَرَأَ أَي مَرِضَ. الأَصمعي: صَدْرُ فلانٍ دَوىً عَلَى فُلَانٍ، مَقْصُورٌ، وَمِثْلُهُ أَرض دَوِيَّة أَى ذَاتُ أَدْواءٍ. قَالَ: وَرَجُلٌ دَوىً ودَوٍ أَي مَرِيضٌ، قَالَ: وَرَجُلٌ دَوٍ، بِكَسْرِ الْوَاوِ، أَي فاسدُ الْجَوْفِ مِنْ داءٍ، وامرأَة دَوِيَةٌ، فإِذا قُلْتَ رَجُلٌ دَوىً، بِالْفَتْحِ، اسْتَوَى فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ وَالْجَمْعُ لأَنه مَصْدَرٌ فِي الأَصل. وَرَجُلٌ دَوىً، بِالْفَتْحِ، أَي أَحمق؛ وأَنشد الْفَرَّاءُ:
وَقَدْ أَقُود بالدَّوى المُزَمَّل
وأَرض دَوِيَةٌ، مُخَفَّفٌ، أَي ذَاتُ أَدْواءٍ. وأَرْضٌ دَوِيَةٌ: غَيْرُ مُوَافِقَةٍ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والدَّوى الأَحمق، يُكْتَبُ بِالْيَاءِ مَقْصُورٌ. والدَّوى: اللَّازِمُ مَكَانَهُ لَا يَبْرح. ودَوِيَ صَدْرُه أَيضاً أَي ضَغِنَ، وأَدْوَاهُ غيرُه أَي أَمْرَضَه، ودَاوَاهُ أَي عالَجَهُ. يُقَالُ: هُوَ يُدْوِي ويُدَاوِي أَي يُعالِجُ، ويُدَاوَى بِالشَّيْءِ أَي يُعالَجُ بِهِ، ابْنُ السِّكِّيتِ: الدَّوَاءُ مَا عُولِجَ بِهِ الفَرَسُ مِنْ تَضْمِير وحَنْذٍ، وَمَا عُولِجَتْ بِهِ الجارِيَة حَتَّى تَسْمَن؛ وأَنشد لِسَلَامَةَ بْنِ جَنْدَلٍ:
ليْسَ بأَسْفى وَلَا أَقْنى وَلَا سَغِلٍ ... يُسْقى دَواءَ قَفِيِّ السَّكْنِ مَرْبوبِ
يَعْنِي اللَّبَنَ، وإِنما جَعَلَهُ دَوَاءً لأَنهم كَانُوا يُضَمِّرونَ الخيلَ بشُرْبِ اللَّبَنِ والحَنْذِ ويُقْفُون بِهِ الجارِية، وَهِيَ القَفِيَّة لأَنها تُؤْثَر بِهِ كَمَا يُؤْثَرُ الضَّيف والصَّبيُّ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِثْلُهُ قَوْلُ امرأَة مِنْ بَنِي شُقيْر:
ونُقْفي وِليدَ الحَيِّ إِنْ كَانَ جائِعاً، ... ونُحْسِبُه إِنْ كَانَ ليْسَ بجائعِ
والدَّواةُ: مَا يُكْتَبُ مِنْهُ مَعْرُوفَةٌ، وَالْجَمْعُ دَوىً ودُوِيٌّ ودِوِيٌّ. التَّهْذِيبُ: إِذا عدَدْت قُلْتَ ثَلَاثَ دَوَياتٍ إِلى العَشْر، كَمَا يُقَالُ نَواةٌ وَثَلَاثُ نَوَياتٍ، وإِذا جَمَعْت مِنْ غَيْرِ عَدَدٍ فَهِيَ الدَّوَى كَمَا يُقَالُ نَواةٌ ونَوىً، قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يُجْمَع دُوِيّاً عَلَى فُعُول مِثْلُ صَفاةٍ وصَفاً وصُفِيٍّ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
عَرَفْتُ الديارَ كَخَطِّ الدُّوِيِّ ... حَبَّره الكاتِبُ الحِمْيَرِي
والدُّوَايَةُ والدِّوَايَةُ: جُلَيْدةٌ رَقِيقَةٌ تَعْلُو اللَّبَنَ
__________
(5) . قوله [وَمَا دُوِّيَ إِلَّا ثَلَاثًا إلخ] هكذا ضبط في الأصل بضم الدال وتشديد الواو المكسورة(14/279)
والمَرَقَ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: دُوَايَة [دِوَايَة] اللبنِ والهَرِيسَة وَهُوَ الَّذِي يَغْلُظُ عَلَيْهِ إِذا ضرَبَتْه الريحُ فيصيرُ مِثْلَ غِرْقِئ البَيْض. وَقَدْ دَوَّى اللبنُ والمَرَقُ تَدْوِيةً: صَارَتْ عَلَيْهِ دُوَايَةٌ أَي قِشْرَةٌ. وادَّوَيْت: أَكَلْت الدُّوايةَ، وَهُوَ افْتَعَلْت، ودَوَّيْته؛ أَعْطَيْته الدُّواية، وادَّوَيْتُها: أَخَذْتها فأَكَلْتها؛ قَالَ يزيدُ بْنُ الحَكَم الثَّقَفي:
بَدا منْك غِشٌّ، طَالَمَا قَدْ كَتَمْته، ... كَمَا كَتَمَتْ داءَ ابْنِها أُمُّ مُدَّوِي
وَذَلِكَ أَن خَاطِبَةً مِنَ الأَعراب خَطَبَتْ عَلَى ابْنِهَا جَارِيَةً فَجَاءَتْ أُمّها إِلَى أُمّ الْغُلَامِ لِتَنْظُرَ إِليه فَدَخَلَ الْغُلَامُ فَقَالَ: أَأَدَّوِي يَا أُمِّي؟ فَقَالَتْ: اللِّجامُ مُعَلَّقٌ بعَمُودِ البَيْتِ؛ أَرادت بِذَلِكَ كِتْمان زَلَّةِ الِابْنِ وسُوءِ عادَتِهِ. وَلَبَنٌ داوٍ: ذُو دُوَايَةٍ. والدُّوَايَة [الدِّوَايَة] فِي الأَسْنان كالطُّرامَة؛ قَالَ:
أَعددت لفيك ذو الدُّوَايَهْ «1»
. ودَوَّى الماءُ: علاهُ مثلُ الدُّوَايَة [الدِّوَايَة] مِمَّا تَسْفِي الرِّيحُ فِيهِ، الأَصمعي. ماءٌ مُدَوٍّ ودَاوٍ إِذا عَلَتْه قُشَيْرة مِثْلُ دَوَّى اللبنُ إِذا عَلَتْه قُشَيْرة، وَيُقَالُ لِلَّذِي يأْخذ تِلْكَ القُشَيْرة: مُدَّوٍ، بِتَشْدِيدِ الدَّالِ، وَهُوَ مُفْتَعِل، والأَول مُفَعِّل. ومَرَقَةٌ دِوَايَةٌ ومُدَوِّيَة: كَثِيرَةُ الإِهالة. وَطَعَامٌ دَاوٍ ومُدَوٍّ: كثيرٌ. وأَمْرٌ مُدَوٍّ إِذا كَانَ مُغَطّىً؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:
وَلَا أَرْكَبُ الأَمْرَ المُدَوِّيَ سادِراً ... بعَمْياءَ حتَّى أَسْتَبِينَ وأُبْصِرا
قَالَ: يَجُوزُ أَن يَعْنِيَ الأَمْر الَّذِي لَا يُعْرَفُ مَا وراءَهُ كأَنه قَالَ ودُونه دُوايةٌ قَدْ غَطَّته وَسَتَرَتْهُ، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مِنَ الدَّاءِ فَهُوَ عَلَى هَذَا مَهْمُوزٌ. وداوَيْت السُّقْم: عانَيْته. الْكِسَائِيُّ: داءَ الرجلُ فَهُوَ يَداءُ عَلَى مِثال شاءَ يَشاء إِذا صَارَ فِي جَوْفِهِ الدَّاءُ. وَيُقَالُ: دَاوَيْت العَلِيلَ دَوىً، بِفَتْحِ الدَّالِ، إِذا عالَجْته بالأَشْفِية الَّتِي تُوافِقُه؛ وأَنشد الأَصمعي لثَعْلَبة بْنُ عَمْرٍو العَبْدي:
وأَهْلَكَ مُهْرَ أَبِيكَ الدَّوَى، ... وليسَ لَهُ مِنْ طَعامٍ نَصِيبْ
خَلا أَنهُم كُلَّما أَوْرَدُوا ... يُصَبَّحُ قَعْباً عَلَيْهِ ذَنُوبْ
قَالَ: مَعْنَاهُ أَنه يُسْقَى مِنْ لبنٍ عَلَيْهِ دَلْو مِنْ مَاءٍ، وَصَفَهُ بأَنه لَا يُحْسن دَواءَ فَرسه وَلَا يُؤْثِرهُ بِلَبَنِهِ كَمَا تَفْعَلُ الفُرْسان؛ وَرَوَاهُ ابْنُ الأَنباري:
وأَهْلَكَ مُهْرَ أَبيكَ الدَّوَاءْ
بِفَتْحِ الدَّالِ، قَالَ: مَعْنَاهُ أَهلكه تَرْكُ الدَّوَاءِ فأَضْمَر التَّرْكَ. والدَّواءُ: اللَّبَن. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: الدِّوَاءُ والدَّوَاءُ والدُّوَاءُ؛ الأَخيرة عَنِ الْهَجَرِيِّ، مَا داوَيْتَه بِهِ، مَمْدُودٌ. ودُووِيَ الشَّيْءُ أَي عُولِجَ، وَلَا يُدْغَمُ فَرْقاً بَيْنَ فُوعِلَ وفُعِّل. والدِّوَاءُ: مَصْدَرُ دَاوَيْتُه دِوَاءً مِثْلُ ضَارَبْتُهُ ضِراباً؛ وَقَوْلُ الْعَجَّاجِ:
بفاحِمٍ دُووِيَ حَتَّى اعْلَنْكَسا، ... وبَشَرٍ مَعَ البَياضِ أَملَسا
إِنما أَراد عُونِيَ بالأَدْهان وَنَحْوِهَا مِنَ الأَدْوِية حَتَّى أَثَّ وكَثُرَ. وَفِي التَّهْذِيبِ: دُوِّيَ أَي عُولِجَ وقِيمَ عَلَيْهِ حَتَّى اعْلَنْكَس أَي ركِبَ بعضُه بَعْضًا مِنْ كَثْرَتِهِ. وَيُرْوَى: دُووِيَ فُوعِلَ مِنَ الدَّواء، وَمَنْ رَوَاهُ دُوِّيَ فَهُوَ عَلَى فُعِّلَ مِنْهُ. والدِّوَاءُ، مَمْدُودٌ: هُوَ الشِّفاءُ. يُقَالُ: دَاوَيْته مُداواةً، ولو
__________
(1) . قوله [أعددت لفيك إلخ] هكذا بالأصل(14/280)
قُلْتَ دِوَاءً كَانَ جائِزاً. وَيُقَالُ: دُووِيَ فُلَانٌ يُداوَى، فيُظْهِرُ الواوَيْنِ وَلَا يُدْغِم إِحداهما فِي الأُخرى لأَن الأُولى هِيَ مَدّة الأَلف الَّتِي فِي دَاوَاهُ، فكَرِهوا أَن يُدْغِموا المدَّة فِي الْوَاوِ فَيَلْتَبِسُ فُوعِل بفُعِّل. الْجَوْهَرِيُّ: الدَّوَاء، ممدودٌ، وَاحِدُ الأَدْوِيَة، والدِّوَاءُ، بالكسرِ، لُغة فِيهِ؛ وَهَذَا الْبَيْتُ يُنْشَد عَلَى هَذِهِ اللُّغَةِ: يَقُولُونَ:
مَخْمورٌ وَهَذَا دِوَاؤُه، ... عليَّ إِذاً مَشْيٌ، إِلى البيتِ، واجِبُ
أَي قَالُوا إِنَّ الجَلْد والتَّعْزِيزَ دواؤُه، قَالَ: وعلَيَّ حجةٌ مَاشِيًا إِن كنتُ شَرِبْتُها. وَيُقَالُ: الدِّوَاءُ إِنما هُوَ مَصْدَرُ دَاوَيْته مُدَاوَاةً ودِوَاءً. والدَّوَاءُ: الطعامُ وَجَمْعُ الدَّاء أَدْوَاءٌ، وَجَمْعُ الدواءِ أَدْوِيَة، وَجَمْعُ الدَّوَاةِ دُوِيُّ. والدَّوَى: جمعُ دواةٍ، مقصورٌ يُكْتَبُ بِالْيَاءِ، والدَّوَى للدَّواءِ بِالْيَاءِ مَقْصُورٌ؛ وأَنشد:
إِلا المُقِيمَ عَلَى الدَّوَى المُتَأَفِّن
ودَاوَيتُ الفَرَس: صَنَّعْتُها. والدَّوَى: تَصْنيع الدابَّة وتسْمِينُه وصَقْله بسَقْي اللَّبَنِ والمواظَبة عَلَى الإِحسان إِليه، وإِجرائِه مَعَ ذَلِكَ البَرْدَينِ قدرَ مَا يَسِيلُ عَرَقُه ويَشْتَدُّ لحْمه وَيَذْهَبُ رَهَله. وَيُقَالُ: دَاوَى فُلَانٌ فرسَه دِواءً، بِكَسْرِ الدَّالِ، ومُدَاوَاةً إِذا سَمَّنه وعَلَفَه عَلْفاً ناجِعاً فِيهِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
ودَاوَيْتُها حَتَّى شَتَتْ حَبَشِيَّةً، ... كأَنَّ عَليها سُنْدُساً وسُدُوسا
والدَّوِيُّ: الصَّوْتُ، وَخَصَّ بَعْضُهُمْ بِهِ صوتَ الرَّعْد، وَقَدْ دَوَّى. التَّهْذِيبُ: وَقَدْ دَوَّى الصوتُ يُدَوِّي تَدْوِيَةً. ودَوِيُّ الريحِ: حَفِيفُها، وَكَذَلِكَ دَوِيُّ النَّحْلِ. وَيُقَالُ: دَوَّى الفَحْل تَدْوِيَةً، وَذَلِكَ إِذا سَمِعْتَ لهَدِيره دَوِيّاً. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَالُوا فِي جَمع دَوِيِّ الصوتِ أَدَاوِيَّ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
وللأَدَاوِيِّ بِهَا تَحْذِيما
وَفِي حَدِيثِ الإِيمانِ:
تَسْمَعُ دَوِيَّ صَوْتِه وَلَا تَفْقَه مَا يَقُولُ
؛ الدَّوِيُّ: صَوْتٌ لَيْسَ بِالْعَالِي كَصَوْتِ النَّحْلِ وَنَحْوِهِ. الأَصمعي: خَلا بَطْني مِنَ الطَّعَامِ حَتَّى سَمِعْتُ دَوِيّاً لِمَسامِعي. وسَمِعْتُ دَوِيَّ المَطر والرَّعْدِ إِذا سمعتَ صَوْتَهما مِنْ بعيدٍ. والمُدَوِّي أَيضاً: السَّحَابُ ذُو الرَّعْدِ المُرْتَجِس. الأَصمعي: دَوَّى الكَلْبُ فِي الأَرض كَمَا يُقَالُ دَوَّمَ الطائِرُ فِي السَّمَاءِ إِذا دَارَ فِي طَيَرانِه فِي ارْتِفَاعِهِ؛ قَالَ: وَلَا يَكُونُ التَّدْويمُ فِي الأَرض وَلَا التَّدْوِيَة فِي السَّمَاءِ، وَكَانَ يَعِيبُ قَوْلَ ذِي الرُّمَّةِ:
حَتَّى إِذا دَوَّمَتْ فِي الأَرض راجَعَهُ ... كِبْرٌ، وَلَوْ شاءَ نجَّى نفْسَه الهَرَبُ
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ هُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى، وَمِنْهُ اشْتُقَّت دُوَّامة الصَّبِيِّ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلا فِي الأَرض. أَبو خَيْرة: المُدَوِّيَةُ الأَرض الَّتِي قَدِ اختَلَف نَبْتُها فدَوَّت كأَنها دُوايَةُ اللَّبَنِ، وَقِيلَ: المُدَوِّيَةُ الأَرضُ الوافِرة الكَلإِ الَّتِي لَمْ يُؤْكَلْ مِنْهَا شيءٌ. والدَّايَة: الظِّئْرُ؛ حَكَاهُ ابْنُ جِنِّي قَالَ: كِلَاهُمَا عَرَبِيٌّ فَصِيحٌ؛ وأَنشد لِلْفَرَزْدَقِ:
رَبِيبَة داياتٍ ثلاثٍ رَبَيْنَها، ... يُلَقِّمْنَها مِنْ كلِّ سُخْن ومُبْرَدِ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وإِنما أَثبته هُنَا لأَن بَابَ لَوَيْتُ أَكثرُ مِنْ بَابِ قُوَّة وعييت.
فصل الذال المعجمة
ذأي: ذأو
الذَّأْوُ: سيرٌ عنيفٌ. ذأَى يَذْأَى وذأو
يَذْؤُو ذأو
ذَأْواً: مَرَّ مَرّاً خفِيفاً سَرِيعًا، وَقَالَ: سَارَ سَيراً شَدِيدًا.(14/281)
وذَأَى الإِبلَ يَذْآها وذأو
يَذْؤُوها ذأو
ذَأْواً وذَأْياً: سَاقَهَا سَوْقاً شَدِيدًا وطرَدَها؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وأَنشد أَبو عَمْرٍو لِحَبِيبِ بْنِ المِرْقال الْعَنْبَرِيِّ:
ومَرَّ يَذْآها ومَرَّتْ عُصَبا ... شِهْذارَة تأْفِرُ أَفْراً عَجَبا
وذأو
الذَّأْوَةُ: الشاةُ المَهْزُولةُ؛ عَنْ ثَعْلَبٍ. وذَأَى العُودُ والبَقْلُ يَذْأَى ذأو
ذَأْواً وذَأْياً وذَأًى وذُئِيّاً؛ الأَخيرة عَنِ ابْنِ الأَعرابي، قَالَ يَعْقُوبُ وَهِيَ حِجازية: ذَوَى وذَبَل. وذَأَى الفَرَسُ والحِمارُ والبعيرُ يَذْأَى ذَأْياً: أَسرع، وَهُوَ ضَرْبٌ مِنْ عَدْوِ الإِبلِ، وفَرَسٌ مِذْأىً؛ قَالَ:
مِذْأىً مِخَدّاً فِي الرِّقاقِ مِهْرَجا
وَيُرْوَى:
بَعِيد نَضْحِ الْمَاءِ مِذْأىً مِهْرَجا
وَقِيلَ: الذَّأْيُ السَّيرُ الشَّدِيدُ. وذَأَيْتُه ذَأْياً: طَرَدْتُه. وحمارٌ مِذْأىً، مَقْصُورٌ مَهْمُوزٌ، وحِمار مِذْأىً طَرَّادٌ لأُتُنه؛ وَقَالَ أَوسُ بْنُ حَجَرٍ:
فذَأَوْنَه شَرَفاً وكُنَّ لَهُ، ... حَتَّى تَفاضَلَ بيْنَها جَلَبا
وَقَدْ ذَآها يَذْآها ذَأْياً وذأو
ذَأْواً إِذا طَردها.
ذبي: ذَبَتْ شَفَتُه: كذَبَّتْ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وقَضَيْنا عَلَيْهَا بِالْيَاءِ لِكَوْنِهَا لَامًا. وذُبْيان وذِبْيَان: قبيلةٌ، والضمُّ فِيهِ أَكثرُ مِنَ الكسرِ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ قَالَ ابْنُ دُرَيد: وأَحسب أَنَّ اشتقاقَ ذُبْيَان مِنْ قَوْلِهِمْ ذَبَتْ شَفَتُه، قَالَ: وَهَذَا أَيضاً مِمَّا يُقَوِّي كَوْنَ ذَبَتْ مِنَ الْيَاءِ لَوْ أَنَّ ابْنَ دُرَيْدٍ لَمْ يُمَرِّضه. والذُّبْيَان: بَقِيَّةُ الوَبَر؛ عَنْ كُرَاعٍ، قَالَ: وَلَسْتُ مِنْهُ عَلَى ثِقَةٍ، قَالَ: وَالَّذِي حَكَاهُ أَبو عُبَيْدٍ الذُّوبانُ والذِّيبانُ. قَالَ الأَزهريْ: أَما ذَبَى فَمَا عَلِمْتُني سَمِعْتُ فِيهِ شَيْئًا مِنْ ثِقَةٍ غَيْرَ هَذِهِ الْقَبِيلَةِ الَّتِي يُقَالُ لَهَا ذُبْيان. قَالَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ: كَانَ أَبي يَقُولُ ذِبْيَان، بِالْكَسْرِ، قَالَ: وَغَيْرُهُ يَقُولُ ذُبْيَان، وَهُوَ أَبو قَبِيلَةٍ مَنْ قِيسٍ، وَهُوَ ذُبْيَان بنُ بَغِيضِ بنِ رَيْثِ بنِ غَطَفانَ بنِ سَعْدِ بنِ قَيْسِ عَيْلانَ. وَيُقَالُ: ذَبَّ الغَديرُ وذَبَى وذَبَتْ شفَتُه وذَبَّت، قَالَ: وَلَا أَدْري مَا صِحَّتُه.
ذحا: ذَحا يَذْحى ذَحْواً: ساقَ وطَرَدَ. وذَحَا الإِبِلَ يَذْحَاها ذَحْواً: طَرَدَها وساقَها؛ قَالَ أَبو خِراشٍ الهُذَلي:
ونِعْم مُعَرَّسُ الأَقْوامِ تَذْحى ... رِحالَهُم شآمِيَةٌ بَلِيلُ
أَراد تَذْحى رواحِلَهم، وَقِيلَ: أَراد أَنهم يُنْزِلُون رحالَهم فتأْتي الرِّيحُ فتَسْتَخِفُّها فتَقْلَعُها فكأَنها تَسُوقها وتَطْردها. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: فَعَلَى هَذَا لَا حَذْفَ هُنَالِكَ. وذَحَاهُ يَذْحُوه ويَذْحَاهُ ذَحْواً: طَرَده. وذَحَتْهُم الريحُ تَذْحَاهُم ذَحْياً إِذا أَصابتهم وَلَيْسَ لَهُمْ مِنْهَا سِتْرٌ. وَفِي التَّهْذِيبِ: وَلَيْسَ «1» . لَنَا ذَرىً نَتَذَرَّى بِهِ، وذَحا المرأَةَ يَذْحُوها ذَحْواً: نَكَحَهَا؛ هَذِهِ عَنْ كُرَاعٍ.
ذرا: ذَرَت الرِّيحُ الترابَ وغيرَه تَذْرُوه وتَذْرِيه ذَرْواً وذَرْياً وأَذْرَتْهُ وذَرَّتْه: أَطارَتْه وسفَتْه وأَذْهَبَتْه، وَقِيلَ: حَمَلَتْه فأَثارَتْه وأَذْرَتْه إِذا ذَرَتِ التُّرابَ وَقَدْ ذَرا هُوَ نفسُه. وَفِي حَرْفِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ: تَذْرِيهِ الريحُ، وَمَعْنَى أَذْرَتْه قَلَعَته ورَمَتْ بِهِ، وَهُمَا لُغَتَانِ. ذَرَتِ
__________
(1) . قوله [وفي التهذيب وليس إلخ] أول عبارته: قال أبو زيد ذَحَتْنَا الريح تذحانا ذحياً إذا أصابتنا ريح وليس لنا إلخ(14/282)
الريحُ التُّرابَ تَذْرُوه وتَذْرِيه أَي طَيَّرَته؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُ ذَرَوْتُه بِمَعْنَى طَيَّرْتُه قَوْلُ ابْنِ هَرْمَة:
يَذْرُو حَبِيكَ البَيْضِ ذَرْواً يخْتَلي ... غُلُفَ السَّواعِدِ فِي طِراقِ العَنْبَرِ
والعَنْبَر هُنَا: التُّرْس. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِنَّ اللَّهَ خَلق فِي الجَنَّة رِيحًا مِنْ دُونِها بابٌ مُغْلَق لَوْ فُتحَ ذَلِكَ الْبَابُ لأَذْرَتْ مَا بَيْنَ السماءِ والأَرْضِ
، وَفِي رِوَايَة:
لَذَرَّتِ الدُّنْيا وَمَا فِيهَا.
يُقَالُ: ذَرَتْه الرِّيحُ وأَذْرَتْه تَذْرُوه وتُذْريه إِذا أَطارَتْه. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن رَجُلًا قَالَ لأَوْلادِهِ إِذا مُتُّ فأَحْرِقُوني ثُمَّ ذَرُّوني فِي الرِّيحِ
؛ وَمِنْهُ حَدِيثِ
عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: يَذْرُو الرِّوايَةَ ذَرْوَ الريحِ الهَشِيمَ
أَي يَسْرُدُ الرِّواية كَمَا تَنْسِفُ الريحُ هَشِيمَ النَّبْتِ. وأَنكر أَبو الْهَيْثَمِ أَذْرَتْه بِمَعْنَى طَيَّرَتْه، قَالَ: وإِنما قِيلَ أَذْرَيْت الشيءَ عَنِ الشَّيْءِ إِذا أَلقَيْتَه؛ وقال إمرؤ القيس:
فتُذْرِيكَ منْ أُخْرى القَطاةِ فتَزْلَقُ
وَقَالَ ابْنُ أَحمر يَصِفُ الرِّيحَ:
لَهَا مُنْخُلٌ تُذْرِي، إِذا عَصَفَتْ بِهِ ... أَهابيَ سَفْسافٍ مِنَ التُّرْبِ تَوْأَمِ
قَالَ: مَعْنَاهُ تُسْقِطُ وتَطْرَح، قَالَ: والمُنْخُل لَا يرفَعُ شَيْئًا إِنما يُسْقِط مَا دقَّ ويُمْسِك مَا جَلَّ، قَالَ: وَالْقُرْآنُ وَكَلَامُ الْعَرَبِ عَلَى هَذَا. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَالذَّارِياتِ ذَرْواً
؛ يَعْنِي الرِّياحَ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: تَذْرُوهُ الرِّياحُ
. وريحٌ ذَارِيَةٌ: تَذْرُو التُّراب، وَمِنْ هَذَا تَذْرِية النَّاسِ الحنطةَ. وأَذْرَيْتُ الشيءَ إِذا أَلْقَيْتَه مثلَ إِلْقائِكَ الحَبَّ للزَّرْع. وَيُقَالُ لِلَّذِي تُحْمَلُ بِهِ الْحِنْطَةُ لتُذَرَّى: المِذْرَى. وذَرَى الشيءُ أَي سَقَط، وتَذْرِيَة الأَكْداسِ مَعْرُوفة. ذَرَوْت الحِنْطة والحبَّ ونَحْوَه أَذْرُوها وذَرَّيْتُها تَذْرِيَة وذَرْواً مِنْهُ: نَقَّيْتها فِي الرِّيحِ. وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: ذَرَيْتُ الحَبَّ وَنَحْوَهُ وذَرَّيْته أَطَرْته وأَذْهَبْته، قَالَ: وَالْوَاوُ لُغَةٌ وَهِيَ أَعْلى. وتَذَرَّت هي: تَنَقَّت. والذُّرَاوَةُ: مَا ذُرِيَ مِنَ الشَّيْءِ. والذُّرَاوَةُ: مَا سَقَطَ مِنَ الطَّعام عِنْدَ التَّذَرِّي، وَخَصَّ اللِّحْيَانِيُّ بِهِ الحِنْطة؛ قَالَ حُمَيْد بْنُ ثوْر:
وعادَ خُبَّازٌ يُسَقِّيِه النَّدى ... ذُرَاوَةً تَنْسِجُهُ الْهُوج الدُّرُجْ
والمِذْرَاة والمِذْرَى: خَشَبَةٌ ذَاتُ أَطْراف، وَهِيَ الْخَشَبَةُ الَّتِي يُذَرَّى بِهَا الطَّعامُ وتُنَقَّى بِهَا الأَكْداس،، وَمِنْهُ ذَرَّيْتُ تُرَابَ الْمَعْدِنِ إِذا طَلَبْت مِنْهُ الذَّهَب. والذَّرَى: اسمُ مَا ذَرَّيْته مِثْلَ النَّفَضِ اسْمٌ لِمَا تَنْفُضُه؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
كالطَّحْن أَو أَذْرَتْ ذَرىً لَمْ يُطْحَنِ
يَعْنِي ذَرْوَ الرِّيحِ دُقاقَ التُّراب. وذَرَّى نَفَسَه: سَرَّحه كَمَا يُذَرَّى الشيءُ فِي الرِّيحِ، والدَّالُ أَعْلى، وَقَدْ تَقَدَّمَ. والذَّرَى: الكِنُّ. والذَّرَى: مَا كَنَّكَ مِنَ الرِّيحِ البارِدَةِ مِنْ حائِطٍ أَو شَجَرٍ. يُقَالُ: تَذَرَّى مِنَ الشَّمَالِ بذَرىً. وَيُقَالُ: سَوُّوا للشَّوْل ذَرىً مِنَ البَرْدِ، وَهُوَ أَن يُقْلَع الشجَر مِنَ العَرْفَجِ وَغَيْرِهِ فيوضَع بعضُه فوقَ بعضٍ مِمَّا يَلِي مَهَبَّ الشمالِ يُحْظَر بِهِ عَلَى الإِبل فِي مأْواها. وَيُقَالُ: فُلَانٌ فِي ذَرَى فلانٍ أَي فِي ظِلِّه. وَيُقَالُ: اسْتَذْرِ بِهَذِهِ الشجَرة أَي كنْ فِي دِفْئها. وتَذَرَّى بالحائِط وغيرِه مِنَ البَرْدِ والرِّيحِ واسْتَذْرَى، كِلَاهُمَا: اكْتَنَّ. وتَذَرَّتِ الإِبلُ واسْتَذْرَت: أَحَسَّت البَرْدَ واسْتَتَر بعضُها ببعضٍ واسْتَتَرت بالعِضاهِ. وذَرا(14/283)
فلانٌ يَذْرُو أَي مَرَّ مَرّاً سَرِيعًا، وَخَصَّ بَعْضُهُمْ بِهِ الظَّبْيَ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
ذَارٍ إِذا لَاقَى العَزازَ أَحْصَفا
وذَرا نابُه ذَرْواً: انْكَسر حَدُّه، وَقِيلَ: سَقَطَ. وذَرَوْتُه أَنا أَي طَيَّرته وأَذْهَبْته؛ قَالَ أَوْس:
إِذا مُقْرَمٌ مِنَّا ذَرَا حَدُّ نابهِ ... تَخَمَّطَ فِينَا نابُ آخَرَ مُقْرَمِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: ذَرَا فِي الْبَيْتِ بِمَعْنَى كَلَّ، عِنْدَ ابْنِ الأَعرابي، قَالَ: وَقَالَ الأَصمعي بِمَعْنَى وقَع، فَذَرا فِي الْوَجْهَيْنِ غَيْرُ مُتَعَدٍّ. والذَّرِيَّةُ: النَّاقَةُ الَّتِي يُسْتَتَر بِهَا عَنِ الصَّيْدِ؛ عَنْ ثَعْلَبٍ، وَالدَّالُ أَعلى، وَقَدْ تَقَدَّمَ. واسْتَذْرَيْت بالشَّجَرة أَي استَظْلَلْت بِهَا وصِرْتُ فِي دِفئِها. الأَصمعي: الذَّرَى، بِالْفَتْحِ، كُلُّ مَا اسْتَتَرْتَ بِهِ. يُقَالُ: أَنا فِي ظِلِّ فُلَانٍ وَفِي ذَرَاهُ أَي فِي كَنَفه وسِتْره ودِفْئِه. واسْتَذْرَيْتُ بِفُلَانٍ أَي التَجَأْتُ إِليه وصِرْتُ فِي كَنَفه. واسْتَذْرَتِ المِعْزَى أَي اشْتَهت الفَحْلَ مِثْلَ اسْتَدَرَّتْ. والذَّرَى: مَا انْصَبَّ مِنَ الدَّمْع، وَقَدْ أَذْرَتِ العينُ الدّمْعَ تُذْرِيه إِذْرَاءً وذَرىً أَي صَبَّتْه. والإِذْرَاءُ: ضَرْبُك الشيءَ تَرْمي بِهِ، تَقُولُ: ضَرَبْتُه بِالسَّيْفِ ف أَذْرَيْتُ رأْسَه، وطَعَنته ف أَذْرَيْتُه عَنْ فَرَسه أَي صَرَعْته وأَلْقَيْته. وأَذْرَى الشيءَ بِالسَّيْفِ إِذا ضَرَبه حَتَّى يَصْرَعه. والسيفُ يُذْرِي ضَرِيبَتَه أَي يَرْمِي بِهَا، وَقَدْ يوصَفُ بِهِ الرَّمْي مِنْ غَيْرِ قَطْع. وذَرَّاهُ بالرُّمْحِ: قَلَعَه؛ هَذِهِ عَنْ كُرَاعٍ. وأَذْرَتِ الدابَّة راكِبَها: صَرَعَتْه. وذِرْوَةُ كلِّ شَيءٍ وذُرْوَتُه: أَعْلاهُ، والجَمْع الذُّرَى بِالضَّمِّ. وذِرْوة السَّنامِ والرأْسِ: أَشْرَفُهُما. وتَذَرَّيْت الذِّرْوة: رَكِبْتُها وعَلَوْتها. وتَذَرَّيْت فِيهِمْ: تَزَوَّجْت فِي الذِّرْوة مِنْهُم. أَبو زَيْدٍ: تَذَرَّيْت بَني فلانٍ وتَنَصَّيْتهم إِذا تَزَوَّجْت مِنْهُمْ فِي الذِّرْوة وَالنَّاصِيَةِ أَي فِي أَهل الشَّرَفِ والعَلاء. وتَذَرَّيت السَّنام: عَلَوْته وفَرَعْته. وَفِي حَدِيثِ
أَبي مُوسَى: أُتِي رسولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بإِبِلٍ غُرِّ الذُّرَى
«2» . أَي بِيض الأَسْنِمَة سِمانها. والذُّرَى: جَمْعُ ذِرْوَةٍ، وَهِيَ أَعْلَى سَنامِ البَعِير؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
عَلَى ذِرْوةِ كلِّ بَعِيرٍ شيطانٌ
، وَحَدِيثُ
الزُّبير: سأَلَ عائشةَ الخُروجَ إِلى البَصْرة فأَبَتْ عَلَيْهِ فَمَا زالَ يَفْتِلُ فِي الذِّرْوَةِ والغارِبِ حَتَّى أَجابَتْهُ
؛ جَعَلَ وبَرَ ذِرْوَة الْبَعِيرِ وغارِبِه مَثَلًا لإِزالتها عَنْ رَأْيها، كَمَا يُفْعَلُ بِالْجَمَلِ النَّفُور إِذا أُريد تَأْنيسُه وإِزالَةُ نِفارِه. وذَرَّى الشاةَ والناقَةَ وَهُوَ أَنْ يَجُزَّ صوفَها ووَبَرَها ويدَعَ فوقَ ظَهْرِها شَيْئًا تُعْرَف بِهِ، وَذَلِكَ فِي الإِبل والضأْن خَاصَّةً، وَلَا يَكُونُ فِي المِعْزَى، وَقَدْ ذَرَّيتها تَذْرِيَةً. وَيُقَالُ: نعجةٌ مُذَرَّاةٌ وكَبْشٌ مُذَرّىً إِذا أُخِّرَ بَيْنَ الكَتِفين فِيهِمَا صُوفَةٌ لَمْ تُجَزَّ؛ وَقَالَ سَاعِدَةُ الْهُذَلِيُّ:
وَلَا صُوارَ مُذَرَّاةٍ مَناسِجُها، مِثْل الفَرِيدِ الَّذِي يَجْرِي مِنَ النَّظْمِ
والذُّرَةُ: ضربٌ مِنَ الحَبِّ مَعْرُوفٌ، أَصلُه ذُرَوٌ أَو ذُرَيٌ، والهاءُ عِوَض، يُقَالُ للواحِدَة ذُرَةٌ، والجَماعة ذُرَةٌ، وَيُقَالُ لَهُ أَرْزَن «3» . وذَرَّيْتُه:
__________
(2) . قوله [بإبل غرّ الذرى] هكذا في الأصل، وعبارة النهاية: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى الله عليه وسلم، بنهب إبل فأمر لنا بخمس ذود غُرِّ الذُّرَى أَيْ بِيضِ إلخ
(3) . قوله [ويقال له أرزن] هكذا في الأصل(14/284)
مَدَحْتُه؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. وَفُلَانٌ يُذَرِّي فُلَانًا: وَهُوَ أَن يَرْفَعَ فِي أَمره وَيَمْدَحَهُ. وَفُلَانٌ يُذَرِّي حَسَبَه أَي يَمْدَحُهُ ويَرْفَعُ مِنْ شأْنه؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
عَمْداً أُذَرّي حَسَبِي أَن يُشْتَمَا، ... لَا ظَالِمَ النَّاسِ وَلَا مُظَلَّما
وَلَمْ أَزَلْ، عَنْ عِرْضِ قَوْمِي، مِرْجَمَا ... بِهَدْرِ هَدَّارٍ يَمُجُّ البَلْغَما
أَي أَرْفَعُ حَسَبي عَنِ الشَّتِيمةِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وإِنما أَثْبَتُّ هَذَا هُنَا لأَن الِاشْتِقَاقَ يُؤذِنُ بِذَلِكَ كأَنِّي جَعَلْتُهُ فِي الذِّرْوَةِ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي الزِّنَادِ: كَانَ يَقُولُ لِابْنِهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كيفَ حديثُ كَذَا؟
يريدُ أَن يُذَرِّيَ مِنْهُ أَي يَرْفَعَ مِنْ قَدْره ويُنَوِّهَ بذِكْرِه. والمِذْرَى: طَرَفُ الأَلْيةِ، والرَّانِفةُ ناحيَتُها. وَقَوْلُهُمْ: جَاءَ فُلَانٌ يَنْفُضُ مِذْرَوَيْه إِذا جَاءَ باغِياً يَتَهَدَّدُ؛ قَالَ عَنْتَرة يَهْجُو عُمارةَ بنَ زِيادٍ العَبِسِي:
أَحَوْلِيَ تَنْفُضُ اسْتُكَ مِذْرَوَيْها ... لِتَقْتُلَنِي؟ فَهَا أَنا ذَا عُمارَا
يُرِيدُ: يَا عُمارَةُ، وَقِيلَ: المِذْرَوَانِ أَطْرافُ الأَلْيَتَيْن لَيْسَ لَهُمَا وَاحِدٌ، وَهُوَ أَجْوَدُ الْقَوْلَيْنِ لأَنه لَوْ قَالَ مِذْرَى لَقِيلَ فِي التَّثْنِيَةِ مِذْرَيانِ، بِالْيَاءِ، لِلْمُجَاوِرَةِ، ولَمَا كَانَتْ بِالْوَاوِ فِي التَّثْنِيَةِ وَلَكِنَّهُ مِنْ بَابِ عَقَلْتُه بِثنْيَايَيْنِ فِي أَنه لَمْ يُثَنَّ عَلَى الْوَاحِدِ؛ قَالَ أَبو عَلِيٍّ: الدليلُ عَلَى أَن الأَلف فِي التَّثْنِيَةِ حَرْفُ إِعراب صِحَّةُ الْوَاوِ فِي مِذْرَوانِ، قَالَ: أَلا تَرَى أَنه لَوْ كَانَتِ الأَلف إِعراباً أَو دليلَ إِعراب وَلَيْسَتْ مَصُوغَةً فِي بِنَاءِ جُمْلَةِ الْكَلِمَةِ مُتَّصِلَةً بِهَا اتصالَ حِرَفِ الإِعراب بِمَا بَعْدَهُ، لَوَجَبَ أَن تُقْلَبَ الْوَاوُ يَاءً فَيُقَالُ مِذْريانِ لأَنها كَانَتْ تَكُونُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ طَرَفاً كلامِ مَغْزىً ومَدْعىً ومَلْهىً، فَصِحَّةُ الْوَاوِ فِي مِذْرَوانِ دلالةٌ عَلَى أَن الأَلف مِنْ جُمْلَةِ الْكَلِمَةِ، وأَنها لَيْسَتْ فِي تَقْدِيرِ الِانْفِصَالِ الَّذِي يَكُونُ فِي الإِعراب، قَالَ: فجَرَتِ الأَلف فِي مِذْرَوانِ مَجْرَى الْوَاوِ فِي عُنْفُوانٍ وإِن اخْتَلَفَتِ النُّونُ وَهَذَا حَسَنٌ فِي مَعْنَاهُ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْمَقْصُورُ إِذا كَانَ عَلَى أَربعة أَحرف يُثَنَّى بِالْيَاءِ عَلَى كُلِّ حَالٍ نَحْوَ مِقْلىً ومِقْلَيانِ. والمِذْرَوانِ: نَاحِيَتَا الرأْسِ مِثْلُ الفَوْدَيْن. وَيُقَالُ: قَنَّع الشيبُ مِذْرَوَيْه أَي جانِبَيْ رأْسه، وَهُمَا فَوْداهُ، سمِّيا مِذْرَوَينِ لأَنهما يَذْرَيانِ أَي يَشيبَانِ. والذُّرْوَةُ: هُوَ الشَّيْبُ، وَقَدْ ذَرِيَتْ لِحْيَتُه، ثُمَّ استُعِير للمَنْكِبَيْنِ والأَلْيَتَيْن والطَّرَفَيْن. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: مِذْرَوا القَوْس المَوْضِعان اللَّذَانِ يَقَعُ عَلَيْهِمَا الوَتَر مِنْ أَسْفلَ وأَعْلَى؛ قَالَ الْهُذَلِيُّ:
عَلَى عَجْسِ هَتَّافَةِ المِذْرَوَيْنِ، ... صَفْرَاءَ مُضْجَعَةٍ فِي الشِّمالْ
قَالَ: وَقَالَ أَبو عَمْرٍو وَاحِدُهَا مِذْرىً، وَقِيلَ: لَا وَاحِدَ لَهَا، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: مَا تَشَاءُ أَن تَرَى أَحدهم يَنْفُضُ مِذْرَوَيْه، يقول ها أَنا ذَا فَاعْرِفُونِي. والمِذْرَوَانِ كَأَنَّهما فَرْعَا الأَلْيَتين، وَقِيلَ: المِذْرَوَانِ طَرَفَا كلِّ شَيْءٍ، وأَراد الْحَسَنُ بِهِمَا فَرْعَي المَنْكِبَيْن، يُقَالُ ذَلِكَ لِلرَّجُلِ إِذا جَاءَ بَاغِيًا يَتَهَدَّدُ. والمِذْرَوَانِ: الجانِبَانِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، تَقُولُ الْعَرَبُ: جَاءَ فُلانٌ يَضْرِبُ أَصْدَرَيْه ويَهُزّ عِطْفَيه ويَنْفُضُ مِذْرَوَيْه، وَهُمَا مَنْكِبَاه. وإِنّ فُلَانًا لكَريمُ الذَّرَى أَي كِرِيمُ الطَّبِيعَة. وذَرَا اللَّهُ الخَلْق ذَرْواً: خَلَقهم، لُغَةٌ فِي ذَرَأَ. والذَّرْوُ والذَّرَا والذُّرِّيَّة: الخَلْق، وَقِيلَ: الذَّرْوُ والذَّرَا عددُ الذُّرِّيَّة. اللَّيْثُ: الذُّرِّيَّة تَقَعُ(14/285)
عَلَى الآباءِ والأَبْناءِ والأَوْلادِ والنِّسَاء. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ
؛ أَراد آبَاءَهُمُ الَّذِينَ حُمِلُوا مَعَ نُوحٍ فِي السَّفِينَةِ. وَقَوْلُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
ورأَى فِي بَعْضِ غَزَواته امرأَةً مَقْتولةً فَقَالَ: مَا كَانَتْ هَذِه لتُقاتِلَ، ثُمَّ قَالَ لِلرَّجُلِ: الْحَقْ خَالِدًا فقلْ لَهُ لَا تَقْتُلْ ذُرِّيَّةً وَلَا عَسِيفاً
، فسمَّى النساءَ ذُرِّيَّةً. وَمِنْهُ حَدِيثُ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عنه: حُجُّوا ب الذُّرِّيَّة لا تأْكلوا أَرزاقَها وتَذَرُوا أَرْباقَها فِي أَعْناقِها
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: أَراد بالذُّرِّيَّة هَاهُنَا النساءَ، قَالَ: وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهل العربيَّة إِلى أَن الذُّرِّيَّةَ أَصلها الْهَمْزُ، رَوَى ذَلِكَ أَبو عُبَيْدٍ عَنْ أَصحابه، مِنْهُمْ أَبو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ مِنَ الْبَصْرِيِّينَ، قَالَ: وذهَب غيرُهم إِلى أَن أَصل الذُّرِّيَّة فُعْلِيَّةٌ مِنَ الذَّرِّ، وكلٌّ مذكورٌ فِي مَوْضِعِهِ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ، ثُمَّ قَالَ: ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ
؛ قَالَ أَبو إِسحاق: نصَبَ ذُرِّيَّةً عَلَى البدلِ؛ الْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ اصْطَفَى ذرِّيَّة بَعْضُهَا مِنْ بعضٍ، قَالَ الأَزهري: فَقَدْ دخلَ فِيهَا الآباءُ والأَبْناءُ، قَالَ أَبو إِسحاق: وَجَائِزٌ أَن تُنْصَب ذُرِّيَّةً عَلَى الْحَالِ؛ الْمَعْنَى اصْطَفَاهُمْ فِي حَالِ كَوْنِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِم؛ يُرِيدُ أَولادَهُم الصِّغَارَ. وأَتانا ذَرْوٌ مِنْ خَبَرٍ: وَهُوَ اليسيرُ مِنْهُ، لُغَةٌ فِي ذَرْءٍ. وَفِي حَدِيثِ
سُلَيْمَانَ بْنَ صُرَد: قَالَ لِعَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: بَلَغَنِي عَنْ أَمير الْمُؤْمِنِينَ ذَرْوٌ مِنْ قَوْلٍ تَشَذَّرَ لِي فِيهِ بالوَعِيد فسِرْتُ إِليه جَوَادًا
؛ ذَرْوٌ مِنْ قَوْلٍ أَي طَرَفٌ مِنْهُ وَلَمْ يَتَكَامَلْ. قَالَ ابْنُ الأَثير: الذَّرْوُ مِنَ الْحَدِيثِ مَا ارتفعَ إِليك وتَرامى مِنْ حَوَاشِيهِ وأَطرافِه، مِنْ قَوْلِهِمْ ذَرا لِي فُلَانٌ أَي ارتفَع وقصَد؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُ أَبي أُنَيْسٍ حَلِيفِ بَني زُهْرة وَاسْمُهُ مَوْهَبُ بنُ رِيَاحٍ:
أَتاني عَنْ سُهَيْلٍ ذَرْوُ قَوْلٍ ... فأَيْقَظَني، وَمَا بِي مِنْ رُقادِ
وذَرْوَة: مَوْضِعٌ. وذَرِيَّات: مَوْضِعٌ؛ قَالَ الْقَتَّالُ الكِلابي:
سَقَى اللهُ مَا بينَ الرِّجامِ وغَمْرَةٍ، ... وبئْرِ ذَرِيَّاتٍ بهِنَّ جَنِينُ
نَجاءَ الثُّرَيَّا، كُلَّما ناءَ كوْكَبٌ، ... أَهلَّ يَسِحُّ الماءَ فِيهِ دُجُونُ
وَفِي الْحَدِيثِ:
أَوَّلُ الثلاثةِ يدخُلونَ النارَ مِنْهُمْ ذُو ذَرْوَةٍ لَا يُعْطِي حَقَّ اللهِ مِنْ مَالِهِ
أَي ذُو ثَرْوةٍ وَهِيَ الجِدَةُ والمالُ، وَهُوَ مِنْ بَابِ الِاعْتِقَابِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَخْرَجِ. وذِرْوَةُ: اسْمُ أَرضٍ بِالْبَادِيَةِ. وذِرْوة الصَّمَّان: عالِيَتُها. وذَرْوَةُ: اسْمُ رَجُلٍ. وَبِئْرُ ذَرْوَانَ، بِفَتْحِ الذَّالِ وَسُكُونِ الرَّاءِ: بئْر لبَني زُرَيْق بِالْمَدِينَةِ. وَفِي حَدِيثِ سِحْرِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
بِئْرُ ذَرْوانَ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَهُوَ بِتَقْدِيمِ الرَّاءِ عَلَى الْوَاوِ مَوْضِعٌ بينَ قُدَيْدٍ والجُحْفَة. وذَرْوَةُ بن حُجْفة: مِنْ شُعَرَائِهِمْ. وعَوْفُ بنُ ذِرْوَة، بِكَسْرِ الذَّالِ: مِنْ شُعرائِهِم. وذَرَّى حَبّاً: اسْمَ رَجُلٍ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: يَكُونُ مِنَ الْوَاوِ وَيَكُونُ مِنَ الْيَاءِ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ولتأْلَمُنَّ النَّوْمَ عَلَى الصُّوفِ الأَذْرِيِّ كَمَا يَأْلَم أَحدُكم النومَ عَلَى حَسَكِ السَّعْدانِ
؛ قَالَ الْمُبَرِّدُ: الأَذْرِيّ مَنْسُوبٌ إِلى أَذْرَبيجانَ، وَكَذَلِكَ تَقُولُ الْعَرَبُ، قَالَ الشَّمَّاخُ:(14/286)
تَذَكَّرْتُها وَهْناً، وقَدْ حالَ دُونَها قُرى ... أَذَرْبيجانَ المسالِحُ والجالُ
قَالَ: هَذِهِ مَوَاضِعُ كلها.
ذقا: رجلٌ أَذْقى: رخْوُ الأَنْفِ، والأُنْثى ذَقْوَاءُ. وَفَرَسٌ أَذْقى، والأُنْثى ذَقْوَاءُ، وَالْجَمْعُ الذُّقْوُ: وهو الرّخْوُ أَنْفِ الأُذُنِ «1» ، وَكَذَلِكَ الحِمارُ؛ قَالَ الأَزهري: هَذَا تَصْحِيف بَيِّن والصوابُ فَرَسٌ أَذْقَى والأُنْثى ذَقْوَاء إِذَا كَانَا مُسْتَرْخِيَيِ الأُذُنَيْنِ، وقد تقدم.
ذكا: ذَكَتِ النارُ تَذْكُو ذُكُوّاً وَذَكًا، مَقْصُورٌ، واسْتَذْكَتْ، كُلُّه: اشْتَدَّ لهَبُها واشْتَعلت، ونارٌ ذكِيَّةٌ عَلَى النَّسب؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
يَنْفَحْنَ مِنْهُ لهَباً مَنْفُوحَا ... لَمْعاً يُرى، لَا ذَكِياً مَقْدُوحا
وأَراد يَنْفُخْنَ مِنْهُ لَهَبًا مَنْفُوخاً، فأَبدل الْحَاءَ مَكَانَ الْخَاءِ لِيُوَافِقَ رَوِيّ هَذَا الرَّجَزِ كُلِّهِ لأَن هَذَا الرَّجَزَ حَائِيٌّ؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُ رُؤْبَةُ:
غَمْرُ الأَجارِيِّ كَرِيمُ السِّنْحِ، ... أَبلَجُ لَمْ يُولَدْ بنَجْم الشُّحَ
يُرِيدُ: كَرِيمُ السِّنْخِ. وأَذْكَاها وذَكَّاها: رَفَعها وأَلقى عَلَيْهَا مَا تَذْكُو بِهِ. والذُّكْوَة والذُّكْيَة «2» : مَا ذَكَّاها بِهِ مِنْ حَطَب أَو بَعَر، الأَخيرة مِنْ بَابِ جَبَوتُ الخَراج جِبايةً. والذُّكْوة والذَّكا: الْجَمْرَةُ المُلْتهبة. وأَذْكَيْتُ الحَرْبَ إِذَا أَوْقَدْتها؛ وأَنشد:
إنَّا إِذَا مُذْكِي الحُروب أَرَّجا
وتَذْكِيَةُ النَّارِ: رَفْعُها. وَفِي حَدِيثِ ذِكْرِ النَّارِ:
قَشَبَني ريحُها وأَحْرَقَني ذَكاؤها
؛ الذَّكاءُ: شدةُ وهَجِ النارِ؛ يُقَالُ: ذَكَّيْتُ النارَ إِذَا أَتْمَمْتَ إشْعالَها ورفَعْتها، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ
؛ ذبْحُهُ عَلَى التَّمام. والذَّكا: تمامُ إيقادِ النارِ، مقصورٌ يُكْتَبُ بالأَلف؛ وأَنشد:
ويُضْرِم فِي القَلْبِ اضْطِراماً، كأَنه ... ذَكا النارِ تُرْفِيهِ الرِّياحُ النَّوافحُ
وذُكاءُ، بِالضَّمِّ: اسمُ الشَّمْسِ، مَعْرِفَةٌ لَا يَنْصَرِف وَلَا تدْخُلها الأَلِفُ وَاللَّامُ، تَقُولُ: هَذِهِ ذُكاءُ طالِعةً، وَهِيَ مُشْتَقَّة مِنْ ذَكَتِ النارُ تَذْكُو، وَيُقَالُ للصُّبْح ابنُ ذُكاء لأَنه مِنْ ضَوْئها؛ وأَنشد:
فَوَرَدَتْ قَبْلَ انبِلاج الفجرِ، ... وابنُ ذُكاءَ كامِنٌ فِي كَفْرِ
وَقَالَ ثَعْلَبَةُ بْنُ صُعَير الْمَازِنِيُّ يَصِفُ ظَلِيماً ونَعامة:
فتذَكَّرا ثَقَلَا رَثِيداً، بَعْدَ ما ... أَلْقَتْ ذُكاءُ يمينَها فِي كافِرِ
والذَّكَاءُ، ممدودٌ: حِدَّةُ الْفُؤَادِ. والذَّكَاءُ: سُرْعة الفِطْنَة. اللَّيْثُ: الذَّكَاءُ مِنْ قَوْلِكَ قلبٌ ذَكِيٌّ وصَبِيٌّ ذكِيٌّ إِذَا كَانَ سريعَ الفِطْنَةِ، وَقَدْ ذكِيَ، بِالْكَسْرِ، يَذْكَى ذَكاً. وَيُقَالُ: ذَكا يَذْكُو ذَكاءً، وذَكُوَ فَهُوَ ذكِيٌّ. وَيُقَالُ: ذَكُوَ قَلْبُه يَذْكُو إِذَا حَيَّ بَعْدَ بَلادَةٍ، فَهُوَ ذَكِيٌّ عَلَى فَعِيلٍ، وَقَدْ يُسْتَعْمل ذَلِكَ فِي البَعِير. وذَكا الريحِ: شِدَّتها مَنْ طِيبٍ أَو نَتْنٍ. ومِسْكٌ ذَكِيٌّ وذاكٍ: ساطِعُ الرائِحَةِ، وَهُوَ مِنْهُ. ومِسْكٌ ذَكِيٌّ وذَكِيَّة، فَمَنْ أَنَّث ذَهَبَ بِهِ إِلَى الرائْحة؛ وَقَالَ أَبو هَفَّانَ: المِسْكُ والعَنْبَر يُؤنَّثان ويُذَكَّران. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَتَقُولُ هُوَ ذَكِيُّ الرائِحة وذَاكِي
__________
(1) . قوله [الرخو أنف الأَذن] هي عبارة التهذيب
(2) . قوله [والذُّكْوَة والذَّكْيَة] كلاهما ضبط في الأصل والمحكم والتهذيب والتكملة بضم الذال، وكذلك الذُّكْوَة الجمرة، وضبطت في القاموس بالفتح(14/287)
الرائِحَة؛ قَالَ قَيْسُ بْنُ الْخَطِيمِ:
كأَنَّ القَرَنْفُل والزَّنْجَبِيل ... وذَاكِي العَبِيرِ بِجِلْبابِها
والذَّكَاءُ: السِّنُّ. وَقَالَ الحَجَّاج: فُرِرتُ عَنْ ذَكَاءٍ. وبَلَغَت الدَّابَّةُ الذَّكَاءَ أَي السِّنَّ. وذَكَّى الرجلُ: أَسَنَّ وبَدُنَ. والمُذَكِّي أَيضاً: المُسِنُّ مِنْ كلِّ شَيْءٍ، وَخَصَّ بعضُهم بِهِ ذواتِ الحافِرِ، وَهُوَ أنْ يُجاوِزَ القُرُوحَ بسَنَةٍ. والمَذاكِي: الخيلُ الَّتِي أَتى عَلَيْهَا بعدَ قُروحها سنَةٌ أَو سَنَتان، الْوَاحِدُ مُذَكٍّ مِثْلُ المُخْلِفِ مِنَ الإِبل. والمُذَكِّي أَيضاً مِنَ الخَيْلِ: الَّذِي يَذْهَب حُضْرُه ويَنْقَطِعُ. وَفِي الْمَثَلِ: جَرْيُ المُذَكِّياتِ غِلابٌ أَي جَرْيُ المَسانِّ القُرَّحِ مِنَ الْخَيْلِ أَن تُغالِبَ الجَرْيَ غِلاباً، وتأويلُ تمَام السِّنِّ النهايةُ فِي الشَّبَابِ، فَإِذَا نقَص عَنْ ذَلِكَ أَو زَادَ فَلَا يُقَالُ لَهُ الذكاءُ. والذَّكَاءُ فِي الفَهْمِ: أَن يَكُونَ فَهْماً تَامًّا سَرِيعَ القَبُولِ. ابْنُ الأَنباري فِي ذَكَاءِ الفَهْمِ والذَّبْحِ: إِنَّهُ التَّمامُ، وَإِنَّهُمَا ممدودانِ. والتَّذْكِيَة الذَّبْحُ. والذَّكَاءُ والذَّكَاةُ: الذَّبْحُ؛ عَنْ ثَعْلَبٍ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: ذَكَاةُ الجِنين ذَكاةُ أُمِّهِ أَي إِذَا ذُبْحتِ الأُمُّ ذُبح الجنينُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
ذَكاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّه.
ابْنُ الأَثير: التَّذْكِيَةُ الذَّبْحُ والنَّحْرُ؛ يُقَالُ: ذَكَّيْت الشَّاةَ تَذْكِيَة، وَالِاسْمُ الذَّكاةُ، والمَذْبوحُ ذَكِيٌّ، وَيُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ بالرفْع والنَّصب، فَمَنْ رَفَع جَعَلَه خبرَ المبتدإِ الَّذِي هُوَ ذَكَاةُ الْجَنِينِ، فَتَكُونُ ذَكَاةُ الأُمِّ هِيَ ذَكَاةَ الْجَنِينِ فَلَا يَحتاجُ إِلَى ذَبْحٍ مُسْتَأنَفٍ، وَمَنْ نَصَب كَانَ التَّقْدِيرُ ذَكاةُ الجِنينِ كذَكاة أُمِّه، فَلَمَّا حُذِفَ الجارُّ نُصِب، أَو عَلَى تَقْديرِ يُذَكَّى تَذْكِيَةً مِثْلَ ذكاةِ أُمِّه، فحَذَفَ المَصْدرَ وصِفَتَه وأَقام الْمُضَافَ إِلَيْهِ مُقامه، فَلَا بدَّ عِنْدَهُ مِنْ ذَبْحِ الجنِين إِذَا خَرَجَ حَيّاً، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْويه بِنَصْبِ الذّكاتَيْن أَي ذَكُّوا الجنينَ ذكاةَ أُمِّه. ابْنُ سِيدَهْ: وذَكاءُ الْحَيَوَانِ ذبْحُه؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
يُذَكِّيها الأَسَلْ
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ
؛ قَالَ أَبو إِسْحَاقَ: معناهُ إلَّاما أَدْرَكْتُمْ ذَكَاتَه مِنْ هَذِهِ الَّتِي وَصَفْنَا. وكلُّ ذَبْحٍ ذَكاةٌ. وَمَعْنَى التَّذْكِية: أَنْ تُدْرِكَها وَفِيهَا بَقِيَّة تَشْخُب مَعَها الأَوْداج وتَضْطَرِبُ اضْطرابَ المَذْبوح الَّذِي أُدْرِكَتْ ذَكاتُه، وأَهل الْعِلْمِ يَقُولُونَ: إِنْ أَخْرَجَ السبُعُ الحِشْوَةَ [الحُشْوَةَ] أَو قَطَع الجَوْفَ قَطْعاً تَخْرُجُ مَعَهُ الحِشْوة [الحُشْوة] فَلَا ذَكاةَ لِذَلِكَ، وتأْويلُه أَن يَصِيرَ فِي حَالَةِ مَا لَا يُؤَثِّرُ فِي حَيَاتِهِ الذَّبْحُ. وَفِي حَدِيثِ الصَّيْدِ:
كُلْ مَا أَمْسَكَتْ عَلَيْك كلابُكَ ذَكِيٌّ وغيرُ ذَكِيّ
؛ أَراد بالذَّكيِّ مَا أُمْسِكَ عَلَيْهِ فأَدْرَكَه قبلَ زُهُوقِ رُوحه فذَكَّاه فِي الحَلْقِ واللَّبَّةِ، وأَراد بِغَيْرِ الذَّكيِّ مَا زَهَقَتْ روحُه قَبْلَ أَن يُدْركَه فيُذَكِّيَهُ ممَّا جَرَحَه الكلبُ بسِنِّه أَو ظفْرِه. وَفِي حَدِيثِ
مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ: ذَكَاةُ الأَرض يُبْسُها
؛ يُرِيدُ طَهارَتَها مِنَ النَّجَاسَةِ، جَعَلَ يُبْسَها مِنَ النَّجَاسَةِ الرَّطْبة فِي التَّطْهِير بمَنْزِلة تَذْكِيَةِ الشاةِ فِي الإِحْلالِ لأَن الذَّبْحَ يُطَهِّرُهَا ويحلِّل أَكْلَها. وأَصل الذَكَاة فِي اللُّغَةِ كُلِّها إتْمامُ الشَّيْءِ، فَمِنْ ذَلِكَ الذَّكَاءُ فِي السِّنِّ والفَهْمِ وَهُوَ تَمَامُ السنِّ. قَالَ: وَقَالَ الْخَلِيلُ الذَّكَاءُ فِي السنِّ أَن يأْتي عَلَى قُرُوحه سَنَةٌ وَذَلِكَ تمامُ اسْتِتْمامِ القُوَّة؛ قَالَ زهير:
يُفَضّلُه، إذا اجْتَهَدُوا عليْهِ، ... تمامُ السِّنِّ مِنْهُ والذَّكَاءُ(14/288)
وجَدْيٌ ذَكِيٌّ: ذَبيْحٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ واويَّة، وأَما ذ ك ي فَعَدَمٌ، وَقَدْ ذَكَرْتُ أَن الذَّكِيَّة نادرٌ. وأَذْكَيْتُ عَلَيْهِ العُيونَ إِذَا أَرْسَلْتَ عَلَيْهِ الطَّلائع؛ قَالَ أَبو خِراشٍ الهُذلي:
وظَلَّ لَنَا يَومٌ، كأَنَّ أُوارَهُ ... ذَكا النَّارِ مِنْ نَجْمِ الفُرُوعِ طَويلُ
الفُروعُ، بِعَيْنٍ مُهْمِلَةٍ: فُروعُ الْجَوْزَاءِ، وَهِيَ أَشدُّ مَا يَكُونُ مِنَ الْحَرِّ. وذَكْوَانُ: قبيلةٌ مِنْ سُلَيْم. والذَّكَاوِينُ: صِغارُ السَّرْح، واحِدَتُها ذَكْوَانَةٌ. ابْنُ الأَعرابي: الذَّكْوَان شَجَرٌ، الواحدةُ ذَكْوَانَةٌ. ومَذَاكِي السَّحابِ: الَّتِي مَطَرَتْ مَرَّة بَعْدَ أُخرى، الْوَاحِدَةُ مُذْكِيَة؛ قَالَ الرَّاعِي:
وتَرْعى القَرارَ الجَوّ، حيثُ تَجاوَبَتْ ... مَذاكٍ وأَبْكارٌ، مِنَ المُزْنِ، دُلَّحُ
وذَكْوَانُ: اسْمٌ. وذَكْوَةُ: قَرْيةٌ؛ قَالَ الرَّاعِي:
يَبِتْنَ سجُوداً مِنْ نَهِيتِ مُصَدَّرٍ ... بذَكْوَةَ، إطْراقَ الظِّباءِ مِنَ الوَبلِ
وَقِيلَ: هِيَ مأسَدة فِي ديار قَيْسٍ.
ذلا: ابْنُ الأَعرابي: تَذَلَّى فُلَانٌ إِذَا تَواضع. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وأَصله تَذَلَّل، فكَثُرَت اللَّاماتُ فقُلِبت أُخْراهُنَّ يَاءً كَمَا قَالُوا تَظَنَّ وأَصله تَظَنَّنَ. واذْلَوْلَى: ذَلَّ وانْقادَ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد لِشُقْرانَ السُّلامِيِّ مِنْ قُضاعَة:
ارْكَبْ مِنَ الأَمْرِ قَرادِيدَهُ ... بالحَزْمِ والقُوَّةِ، أَو صانِعِ
حَتَّى تَرى الأَخْدَعَ مُذْلَوْلِياً، ... يَلْتَمِسُ الفَضْلَ إِلَى الخادِعِ
قَرادِيدُ الأَرضِ: غَلظُها، والمُذْلَوْلِي: الَّذِي قَدْ ذلَّ وانْقادَ؛ يَقُولُ اخْدَعْه بِالْحَقِّ حَتَّى يَذِلَّ ارْكَبْ بِهِ الأَمْر الصَّعْبَ. وَفِي حَدِيثِ
فاطمةَ بِنْتِ قَيْسٍ: مَا هُوَ إِلَّا أَنْ سمعتُ قَائِلًا يَقُولُ ماتَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، ف اذْلَوْلَيْتُ حَتَّى رأَيتُ وجهَه
أَي أَسْرَعْت؛ يُقَالُ: اذْلَوْلَى الرجلُ إِذَا أسْرع مَخَافَةَ أَن يَفُوتَه شيءٌ، قَالَ: وَهُوَ ثُلاثيٌّ كُرِّرَتْ عينُه وَزِيدَ وَاوًا لِلْمُبَالَغَةِ كاقْلَوْلى واغْدَوْدَنَ. ورجلٌ ذَلَوْلَى: مُذْلَوْلٍ. واذْلَوْلَى اذْلِيلاءً: انْطَلق فِي اسْتِخْفاءٍ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: لَا يُسْتَعْمَل إلَّا مَزيداً. واذْلَوْلَيْت اذْلِيلاءً وتَذَعْلَبْتُ تَذَعْلُباً: وَهُوَ انْطِلاقٌ فِي اسْتِخْفاءٍ، وَالْكَلِمَةُ يائِيَّة لأَنَّ ياءَها لامٌ. واذْلَوْلَيْت إِذَا انْكَسَرَ قلْبي. وَقَالَ أَبو مَالِكٍ عَمْرُو بنُ كِرْكرَة: اذْلَوْلَى ذَكَرُه إذا قامَ مُسْتَرْخِياً. واذْلَوْلَى فَذَهَبَ إِذَا وَلَّى مُتَقاذِفاً. ورشاءٌ مُذْلَوْلٍ إِذَا كَانَ مُضْطَرِبًا، والله أَعلم.
ذمي: الذَّماءُ: الْحَرَكَةُ، وَقَدْ ذَمِيَ. والذَّمَاءُ، ممدودٌ: بقيَّةُ النَّفْسِ؛ وَقَالَ أَبو ذؤَيب:
فأَبَدَّهُنَّ حُتُوفَهُنَّ، فهارِبٌ ... بِذَمَائِه، أَو بارِكٌ مُتَجَعْجِعُ
والذَّمَاءُ، ممدودٌ: بقِيَّةُ الروحِ فِي المَذْبوح، وَقِيلَ: الذَّمَاءُ قوّةُ القلْبِ؛ وأَنشد ثَعْلَبٌ:
وقاتِلَتي بَعْدَ الذَّمَاءِ وعائِدٌ ... عَلَيَّ خَيالٌ مِنكِ مُذْ أَنَا يافعُ
وَقَدْ ذَمِيَ «3» . المَذْبوحُ يَذْمَى ذَماً إِذَا تَحَرَّك.
__________
(3) . قوله [وقد ذَميَ الخ] ضبط في القاموس كرَضِيَ، وفي الصحاح كرَمَى ومثله في التهذيب(14/289)
والذَّمَاءُ: الحَرَكَة. قَالَ شَمِرٌ: وَيُقَالُ الضَّبُّ أَطولُ شيءٍ ذَمَاءً. الأَصمعي: ذَمَى العلِيلُ يَذْمِي ذَمْياً إِذا أَخذه النَّزْع فَطَالَ عَلَيْهِ عَلَزُ الْمَوْتِ، فَيُقَالُ مَا أَطولَ ذَمَاءَهُ. والذَّامِي والمَذْمَاةُ، كِلَاهُمَا: الرَّمِيَّةُ تُصابُ فيَسُوقُها صاحِبُها فتَنْساقُ مَعَهُ. وَقَدْ أَذْمَى الرَّامِي رَمِيَّتَه إِذَا لَمْ يُصِب المَقْتَل فيُعَجِّلَ قَتْلَه؛ قَالَ أُسامة الْهُذَلِيُّ:
أَنَابَ، وَقَدْ أَمْسَى عَلَى الماءِ قَبْلَه ... أُقَيْدِرُ لَا يُذْمِي الرَّمِيَّةَ راصِدُ
أَناب، يَعْنِي الحمارَ: أَتى الماءَ؛ وَقَالَ آخَرُ:
وأَفْلَتَ زيدُ الخَيْلِ منَّا بِطَعْنَةٍ، ... وَقَدْ كانَ أَذْمَاهُ فَتًى غَيْرُ قُعْدُدِ
وذَمَتْه الريحُ تَذْمِيهِ ذَمْياً: قَتَلَتْه. وذَمَى الرجلُ ذَماءً، ممدودٌ: طالَ مرضُه. واسْتَذْمَيْت مَا عندَ فُلانٍ إِذا تَتَبَّعْته وأَخَذْته؛ يُقَالُ: خُذْ مِنْ فلانٍ مَا ذَمَا لَكَ أَي ارْتَفَعَ لَكَ. واسْتَذْمَى الشيءَ: طَلَبه. وذَمَى لِي مِنْهُ شيءٌ: تَهَيَّأَ. والذَّمَى: الرائِحَة المُنْتِنَة، مقصورةٌ تُكْتَب بِالْيَاءِ. وذَمَى يَذْمِي: خَرَجَت مِنْهُ رائِحَة كَرِيهةٌ. وذَمَتْه رِيحُ الجِيفَةِ تَذْمِيهِ ذَمْياً إِذا أَخَذَتْ بنَفَسِه؛ قَالَ خِدَاشُ بنُ زُهيرٍ:
سَيُخْبِرُ أَهل وَجٍّ مَنْ كَتَمْتُمْ، ... وتَذْمِي، مَنْ أَلَمَّ بِهَا، القُبُورُ
هَذَا مِنْ ذَمَاه ريحُ الجيفةِ إِذَا أَخَذَتْ بنَفَسِه. الْجَوْهَرِيُّ: وذَمَتْنِي ريحُ كَذَا أَي آذَتْني؛ وأَنشد أَبو عَمْرٍو:
لَيْسَتْ بعَصْلاءَ تَذْمِي الكَلْبَ نَكْهَتُها، ... وَلَا بعَنْدَلَةٍ يَصْطَكُّ ثَدْياها
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْآخَرِ:
يَا بِئْرَ بَيْنُونَةَ لَا تَذْمِينَا، ... جِئْتِ بأَرْواحِ المُصَفَّرِينَا «1»
. يَعْنِي المَوْتَى. وذَمَتْني الريحُ: آذَتْني؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ؛ وأَنشد:
إِذَا مَا ذَمَتْنِي رِيحُها حينَ أَقْبَلَتْ، ... فَكِدت لِمَا لاقَيْتُ مِنْ ذَاكَ أَصْعَقُ
قَالَ: وذَمَى الحَبَشِيُّ فِي أَنْفِ الرجلِ بصُنَانِه يَذْمِي ذَمْياً إِذَا آذاهُ بِذَلِكَ. وذَمَتْ فِي أَنْفِهِ الريحُ إِذَا طارتْ إِلَى رأْسِه؛ وَقَالَ البَعِيث:
إِذَا البيضُ سافَتْه، ذَمَى فِي أُنُوفِها ... صُنانٌ، ورِيحٌ مِنْ رُغاوَة مُخْشِمِ
قَوْلُهُ: ذَمَى أَي بَقِيَ فِي أُنوفِها، ومُخْشِمٌ: مُنْتِنٌ. وَيُقَالُ: ضَرَبَه ضَرْبة فأَذْمَاهُ إِذَا أَوْقَذَه وتَرَكه برَمَقِه. والذَّمَيَانُ: السُّرعة. وَقَدْ ذَمَى يَذْمِي إِذَا أَسرع. وَحَكَى بَعْضُهُمْ ذَمِيَ يَذْمَى؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: ولَسْتُ مِنْهَا عَلَى ثِقَةٍ. غَيْرُهُ: والذَّمَاءُ ضَرْبٌ مِنَ المَشْيِ أَو السَّيْرِ، يُقَالُ: ذَمَى يَذْمِي ذَمَاءً، مَمْدُودٌ. والذَّمَيَانُ: الإِسْراع.
ذها: التَّهْذِيبُ: فِي تَرْجَمَةِ هَذَى: ابْنُ الأَعرابي هَذَى إِذَا هَدَر بِكَلَامٍ لَا يُفْهَم، وذَها إِذَا تَكَبَّر. قَالَ الأَزهري: لَمْ أَسمع ذَهَا إِذَا تَكَبَّر لِغَيْرِهِ.
ذوي: ذَوَى العُودُ والبَقْلُ، بِالْفَتْحِ، يَذْوِي ذَيّاً وذُوِيّاً، كِلَاهُمَا: ذَبَلَ، فَهُوَ ذَاوٍ، وَهُوَ أَن لَا يُصِيبَه رِيُّه أَو يَضْرِبَه الحَرُّ فيَذْبُلَ ويَضْعُفَ، وأَذْوَاهُ العَطَشُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَشَاهِدُ الذُّوِيّ المَصْدَر قَوْلُ الرَّاجِزِ:
__________
(1) . قوله [يا بئر بينونة] هكذا في الأَصل، وفي ياقوت: يا ريح بينونة؛ وبينونة: مَوْضِعٌ بَيْنَ عُمَانَ وَالْبَحْرَيْنِ(14/290)
مَا زِلْتُ حَوْلًا فِي ثَرىً ثَرِيِّ، ... بَعْدَكَ مِنْ ذَاكَ النَّدَى الوَسْمِيِّ،
حَتَّى إِذَا مَا هَمَّ بالذُّوِيِّ، ... جِئْتُكَ واحْتَجْتُ إِلَى الوَلِيِّ؛
لَيْسَ غَنِيٌّ عَنْكَ بالغَنِيِ
وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ: أَنّه كانَ يَسْتَاكُ وَهُوَ صائِمُ بِعُودٍ قَدْ ذَوَى
أَي يَبِسَ. وَقَالَ اللَّيْثُ: لُغَةُ أَهلِ بُثَيْنَة ذَأَى العُودُ؛ قَالَ: وذَوِيَ العُودُ يَذْوَى، قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: وَهِيَ لغةٌ رديئَة. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَلَا يُقَالُ ذَوِيَ البقلُ، بِالْكَسْرِ؛ وَقَالَ يُونُسُ: هِيَ لُغَةٌ. وأَذْوَاهُ الحَرُّ أَي أَذْبَلَهُ. والذِّوَى: النِّعاجُ الضِّعافُ. والذَّوَاةُ: قِشْرَةُ العِنَبة والبِطِّيخة والحَنْطَلة، وجَمْعُها ذَوىً. ابْنُ بَرِّيٍّ: الذَّاوِي الَّذِي فِيهِ بَعضُ رُطُوبَةٍ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
رَأَيْتُ الفَتَى يَهْتَزُّ كالغُصْنِ ناعِماً، ... تَرَاهُ عَمِيّاً ثُمَّ يُصْبِحُ قَدْ ذَوَى
قَالَ: وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
وأَبْصَرْتُ أَنَّ القِنْعَ صارَتْ نِطافُهُ ... فَراشاً، وأَنَّ البَقْل ذَاوٍ ويَابِسُ
قَالَ: فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا ذكرناه.
ذيا: قَالَ الْكِلَابِيُّ: يقولُ الرجلُ لِصَاحِبِهِ هَذَا يومُ قُرٍّ، فَيَقُولُ الْآخَرُ: وَاللَّهِ مَا أَصْبَحَتْ بِهَا ذِيَّةٌ أَي لَا قُرَّ بِهَا.
فصل الراء المهملة
رأي: الرُّؤْيَة بالعَيْن تَتَعدَّى إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ، وَبِمَعْنَى العِلْم تتعدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ؛ يُقَالُ: رَأَى زَيْدًا عَالِمًا ورَأَى رَأْياً ورُؤْيَةً ورَاءَةً مِثْلُ راعَة. وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: الرُّؤْيَةُ النَّظَرُ بالعَيْن والقَلْب. وَحَكَى ابْنُ الأَعرابي: عَلَى رِيَّتِكَ أَي رُؤيَتِكَ، وفيه ضَعَةٌ، وحَقيقَتُها أَنه أَراد رُؤيَتك فَأبْدَلَ الهمزةَ وَاوًا إِبْدَالًا صَحِيحًا فَقَالَ رُويَتِك، ثُمَّ أَدغَمَ لأَنَّ هَذِهِ الواوَ قَدْ صَارَتْ حرفَ علَّة لمَا سُلِّط عَلَيْهَا مِنَ البَدَل فَقَالَ رُيَّتِك، ثُمَّ كَسَرَ الراءَ لِمُجَاوِرَةِ الْيَاءِ فَقَالَ رِيَّتِكَ. وَقَدْ رَأَيْتُه رَأْيَةً ورُؤْيَة، وَلَيْسَتِ الهاءُ فِي رَأْيَة هُنَا للمَرَّة الْوَاحِدَةِ إِنَّمَا هُوَ مصدَرٌ كَرُؤيةٍ، إلَّا أَنْ تُرِيدَ المَرَّةَ الْوَاحِدَةَ فَيَكُونَ رَأَيْته رَأْية كَقَوْلِكَ ضَرَبْتُه ضربة، فأَمَّا إذ لَمْ تُردْ هَذَا فرأْية كرؤْية لَيْسَتِ الهاءُ فِيهَا للوَحْدَة. ورَأَيْته رِئْيَاناً: كرُؤْية؛ هَذِهِ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وَرَيْتُهُ عَلَى الحَذْف؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:
وَجنْاء مُقْوَرَّة الأَقْرابِ يَحْسِبُها ... مَنْ لَمْ يَكُنْ قَبْلُ رَاهَا رَأْيَةً جَمَلا
حَتَّى يَدُلَّ عَلَيْها خَلْقُ أَرْبَعةٍ ... فِي لازِقٍ لاحِقِ الأَقْرابِ، فانْشَمَلا
خَلْقُ أَربعةٍ: يَعْنِي ضُمورَ أَخْلافها، وانْشَمَلَ: ارْتَفَعَ كانْشمرَ، يَقُولُ: مَنْ لَمْ يَرَها قبلُ ظَنَّها جَمَلًا لِعظَمها حَتَّى يَدلَّ عَلَيْهَا ضُمورُ أَخْلافِها فيَعْلَم حِينَئِذٍ أَنها نَاقَةٌ لأَن الْجَمَلَ لَيْسَ لَهُ خِلْفٌ؛ وأَنشد ابْنُ جِنِّي:
حَتَّى يَقُولَ من رآهُ إذْ رَاهْ: ... يَا وَيْحَه مِنْ جَمَلٍ مَا أَشْقاهْ
أَراد كلَّ من رَآهُ إذْ رَآهُ، فسَكَّنَ الهاءَ وأَلقَى حركةَ الْهَمْزَةِ؛ وَقَوْلُهُ:
مَنْ رَا مِثْلَ مَعْدانَ بنِ يَحْيَى، ... إِذَا مَا النِّسْعُ طَالَ عَلَى المَطِيَّهْ؟
ومَنْ رَا مثلَ مَعْدانَ بْنِ يَحْيَى، ... إِذَا هَبَّتْ شآمِيَةٌ عَرِيَّهْ؟(14/291)
أَصل هَذَا: مِنْ رأَى فخفَّف الْهَمْزَةَ عَلَى حَدِّ: لَا هَناك المَرْتَعُ، فَاجْتَمَعَتْ أَلفان فَحَذَفَ إِحْدَاهُمَا لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ؛ وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أَصله رأَى فأَبدل الْهَمْزَةَ يَاءً كَمَا يُقَالُ فِي سأَلْت سَيَلْت، وَفِي قرأْت قَرَيْت، وَفِي أَخْطأْت أَخْطَيْت، فَلَمَّا أُبْدِلت الْهَمْزَةُ الَّتِي هِيَ عَيْنٌ يَاءً أَبدلوا الْيَاءُ أَلفاً لِتَحَرُّكِهَا وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا، ثُمَّ حُذِفَتِ الأَلف الْمُنْقَلِبَةُ عَنِ الْيَاءُ الَّتِي هِيَ لَامٌ الْفِعْلِ لِسُكُونِهَا وَسُكُونِ الأَلف الَّتِي هِيَ عَيْنُ الْفِعْلِ؛ قَالَ: وسأَلت أَبا عَلِيٍّ فَقُلْتُ لَهُ مَنْ قَالَ:
مَنْ رَا مِثْلَ مَعْدانَ بنِ يَحْيَى
فَكَيْفَ يَنْبَغِي أَن يَقُولَ فَعَلْتُ مِنْهُ فَقَالَ رَيَيْت وَيَجْعَلُهُ مِنْ بَابِ حَيَيْتُ وَعَيَيْتُ؟ قَالَ: لأَن الْهَمْزَةَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إِذَا أُبدلت عَنِ الْيَاءِ تُقلب، وَذَهَبَ أَبو عَلِيٍّ فِي بَعْضِ مَسَائِلِهِ أَنه أَراد رأَى فحذَفَ الهمزةَ كَمَا حَذَفَهَا مِنْ أَرَيْت وَنَحْوِهِ، وَكَيْفَ كَانَ الأَمر فَقَدْ حُذِفْتَ الْهَمْزَةُ وَقُلِبَتِ الْيَاءُ أَلفاً، وَهَذَانِ إِعْلَالَانِ تَوَالَيَا فِي الْعَيْنِ وَاللَّامِ؛ وَمِثْلُهُ مَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ: جَا يَجِي، فَهَذَا إِبْدَالُ الْعَيْنِ الَّتِي هِيَ يَاءٌ أَلفاً وَحَذَفَ الْهَمْزَةَ تَخْفِيفًا، فأَعلّ اللَّامَ وَالْعَيْنَ جَمِيعًا. وأَنا أَرَأُهُ والأَصلُ أَرْآهُ، حذَفوا الهمزةَ وأَلْقَوْا حَرَكَتها عَلَى مَا قبلَها. قَالَ سِيبَوَيْهِ: كلُّ شيءٍ كَانَتْ أَوَّلَه زائدةٌ سِوَى أَلف الْوَصْلِ مَنْ رأَيْت فَقَدِ اجْتَمَعَتِ الْعَرَبُ عَلَى تَخْفِيفِ هَمْزِهِ، وَذَلِكَ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِمْ إِيَّاهُ، جَعَلُوا الهمزةَ تُعاقِب، يَعْنِي أَن كُلَّ شيءٍ كَانَ أَوّلُه زَائِدَةً مِنَ الزَّوَائِدِ الأَربع نَحْوَ أَرَى ويَرَى ونرَى وتَرَى فَإِنَّ الْعَرَبَ لَا تَقُولُ ذَلِكَ بِالْهَمْزِ أَي أَنَّها لَا تَقُولُ أَرْأَى وَلَا يَرْأَى وَلَا نَرْأَى وَلَا تَرْأَى، وَذَلِكَ لأَنهم جَعَلُوا هَمْزَةَ الْمُتَكَلِّمِ فِي أَرَى تُعاقِبُ الهمزةَ الَّتِي هِيَ عَيْنُ الْفِعْلِ، وَهِيَ همزةُ أَرْأَى حَيْثُ كَانَتَا هَمْزَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَتِ الأُولى زَائِدَةً وَالثَّانِيَةُ أَصليةً، وكأَنهم إِنَّمَا فرُّوا مِنِ الْتِقَاءِ هَمْزَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا حَرْفٌ سَاكِنٌ، وَهِيَ الرَّاءُ، ثُمَّ أَتْبعوها سائرَ حروفِ الْمُضَارَعَةِ فَقَالُوا يَرَى ونَرَى وتَرَى كَمَا قَالُوا أَرَى؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَحَكَى أَبو الْخَطَّابِ قدْ أَرْآهم، يَجيءُ بِهِ عَلَى الأَصل وَذَلِكَ قَلِيلٌ؛ قَالَ:
أَحِنُّ إِذَا رَأيْتُ جِبالَ نَجْدٍ، ... وَلَا أَرْأَى إِلَى نَجْدٍ سَبِيلا
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَا أَرَى عَلَى احْتِمَالِ الزِّحافِ؛ قَالَ سُراقة الْبَارِقِيُّ:
أُرِي عَيْنَيَّ مَا لَمْ تَرْأَياهُ، ... كِلانا عالِمٌ بالتُّرَّهاتِ
وَقَدْ رَوَاهُ الأَخفش: مَا لَمْ تَرَياهُ، عَلَى التَّخْفِيفِ الشَّائِعِ عَنِ الْعَرَبِ فِي هَذَا الْحَرْفِ. التَّهْذِيبُ: وَتَقُولُ الرجلُ يَرَى ذاكَ، عَلَى التَّخْفِيفِ، قَالَ: وَعَامَّةُ كَلَامِ الْعَرَبِ فِي يَرَى ونَرَى وتَرَى وأَرَى عَلَى التَّخْفِيفِ، قَالَ: ويعضهم يحقِّقُه فَيَقُولُ، وَهُوَ قَلِيلٌ، زيدٌ يَرْأَى رَأْياً حَسَناً كَقَوْلِكَ يَرْعَى رَعْياً حَسَناً، وأَنشد بَيْتَ سُرَاقَةَ الْبَارِقِيِّ. وارْتَأَيْتُ واسْتَرْأَيْت: كرَأَيْت أَعني مِنْ رُؤية العَين. قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: قَالَ الْكِسَائِيُّ اجْتَمَعَتِ الْعَرَبُ عَلَى هَمْزِ مَا كَانَ مِنْ رَأَيْت واسْتَرْأَيْت وارْتَأَيْت فِي رُؤْية الْعَيْنِ، وَبَعْضُهُمْ يَترُك الْهَمْزَ وَهُوَ قَلِيلٌ، قَالَ: وَكُلُّ مَا جَاءَ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَهمُوزٌ؛ وأَنشد فِيمَنْ خَفَّفَ:
صاحِ، هَلْ رَيْتَ، أَو سَمِعتَ بِراعٍ ... رَدَّ فِي الضَّرْعِ مَا قَرَى فِي الحِلابِ؟
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَرُبَّمَا جَاءَ مَاضِيهِ بِلَا هَمزٍ، وأَنشد هَذَا الْبَيْتَ أَيضاً:
صاحِ، هَلْ رَيْتَ، أَو سَمِعتَ(14/292)
وَيُرْوَى: فِي الْعِلَابِ؛ وَمِثْلُهُ للأَحوص:
أَوْ عَرَّفُوا بصَنِيعٍ عندَ مَكْرُمَةٍ ... مَضَى، وَلَمْ يَثْنِه مَا رَا وَمَا سَمِعا
وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي أَرَأَيْتَ وأَ رَأَيْتَكَ أَرَيْتَ وأَ رَيْتَك، بِلَا هَمْزٍ؛ قَالَ أَبو الأَسود:
أَرَيْتَ امرَأً كُنْتُ لَمْ أَبْلُهُ ... أَتاني فَقَالَ: اتَّخِذْني خَلِيلا
فترَك الهمزةَ، وَقَالَ رَكَّاضُ بنُ أَبَّاقٍ الدُّبَيْري:
فقُولا صادِقَيْنِ لزَوْجِ حُبَّى ... جُعلْتُ لَهَا، وإنْ بَخِلَتْ، فِداءَ
أَرَيْتَكَ إنْ مَنَعْتَ كلامَ حُبَّى، ... أَتَمْنَعُني عَلَى لَيْلى البُكاءَ؟
وَالَّذِي فِي شِعْرِهِ كَلَامُ حبَّى، وَالَّذِي رُوِيَ كَلَامُ لَيْلى؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْآخَرِ:
أَرَيْتَ، إِذَا جالَتْ بكَ الخيلُ جَوْلةً، ... وأَنتَ عَلَى بِرْذَوْنَةٍ غيرُ طائِلِ
قَالَ: وأَنشد ابْنُ جِنِّي لِبَعْضِ الرُّجَّازِ:
أَرَيْتَ، إنْ جِئْتِ بِهِ أُمْلُودا ... مُرَجَّلًا ويَلْبَسُ البُرُودا،
أَقائِلُنَّ أَحْضِرُوا الشُّهُودا
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَفِي هَذَا الْبَيْتِ الأَخير شُذُوذٌ، وَهُوَ لِحَاقُ نُونِ التَّأْكِيدِ لِاسْمِ الْفَاعِلِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والكلامُ الْعَالِي فِي ذَلِكَ الهمزُ، فَإِذَا جئتَ إِلَى الأَفعال الْمُسْتَقْبَلَةِ الَّتِي فِي أَوائلها الْيَاءُ وَالتَّاءُ وَالنُّونُ والأَلف اجْتَمَعَتِ الْعَرَبُ، الَّذِينَ يَهْمِزُونَ وَالَّذِينَ لَا يَهْمِزُونَ، عَلَى تَرْكِ الْهَمْزِ كَقَوْلِكَ يَرَى وتَرَى ونَرَى وأَرَى، قَالَ: وَبِهَا نَزَلَ الْقُرْآنُ نَحْوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ
، وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى
، وإِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ
، وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ
؛ إِلَّا تَيمَ الرِّباب فَإِنَّهُمْ يَهْمِزُونَ مَعَ حُرُوفِ الْمُضَارَعَةِ فَتَقُولُ هُوَ يَرْأَى وتَرْأَى ونَرْأَى وأَرْأَى، وَهُوَ الأَصل، فَإِذَا قَالُوا مَتَى نَراك قَالُوا مَتَى نَرْآكَ مِثْلَ نَرْعاك، وبعضٌ يَقْلِبُ الْهَمْزَةَ فَيَقُولُ مَتَى نَرَاؤكَ مِثْلَ نَراعُك؛ وأَنشد:
أَلا تِلْكَ جاراتُنا بالغَضى ... تقولُ: أَتَرْأَيْنَه لنْ يضِيفا
وأَنشد فِيمَنْ قَلَبَ:
مَاذَا نَراؤُكَ تُغْني فِي أَخي رَصَدٍ ... مِنْ أُسْدِ خَفَّانَ، جأْبِ الوَجْه ذِي لِبَدِ
وَيُقَالُ: رأَى فِي الْفِقْهِ رَأْياً، وَقَدْ تَرَكَتِ الْعَرَبُ الْهَمْزَ فِي مُسْتَقْبَلِهِ لِكَثْرَتِهِ فِي كَلَامِهِمْ، وَرُبَّمَا احْتَاجَتْ إِلَيْهِ فهَمَزَته؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَنشد شاعِرُ تَيْمِ الرِّباب؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هُوَ للأَعْلم بْنِ جَرادَة السَّعْدي:
أَلَمْ تَرْأَ مَا لاقَيْت والدَّهْرُ أَعْصُرٌ، ... وَمَنْ يَتَمَلَّ الدَّهْرَ يَرْأَ ويَسْمَعِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُرْوَى ويَسْمَعُ، بِالرَّفْعِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، لأَن الْقَصِيدَةَ مَرْفُوعَةٌ؛ وَبَعْدَهُ:
بأَنَّ عَزِيزاً ظَلَّ يَرْمي بِحَوْزِهِ ... إليَّ، وراءَ الحاجِزَينِ، ويُفْرِعُ
يُقَالُ: أَفْرَعَ إِذَا أَخذَ فِي بَطْنِ الْوَادِي؛ قَالَ وَشَاهِدُ تَرْكِ الْهَمْزَةِ مَا أَنشده أَبو زَيْدٍ:
لمَّا اسْتَمَرَّ بِهَا شَيْحانُ مُبْتَجِحٌ ... بالبَيْنِ عَنْك بِمَا يَرْآكَ شَنآنا
قَالَ: وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ وَالشِّعْرِ، فَإِذَا جِئتَ إِلَى الأَمر فَإِنَّ أَهل الْحِجَازِ يَتْركون الْهَمْزَ فَيَقُولُونَ: رَ ذَلِكَ، وللإِثنين: رَيا ذَلِكَ، وَلِلْجَمَاعَةِ: رَوْا ذَلِكَ،(14/293)
وللمرأَة رَيْ ذَلِكَ، وللإِثنين كَالرَّجُلَيْنِ، وَلِلْجَمْعِ: رَيْنَ ذاكُنَّ، وَبَنُو تَمِيمٍ يَهْمِزُونَ جَمِيعَ ذَلِكَ فَيَقُولُونَ: ارْأَ ذَلِكَ وارْأَيا وَلِجَمَاعَةِ النِّسَاءِ ارْأَيْنَ، قَالَ: فَإِذَا قَالُوا أَرَيْتَ فُلَانًا مَا كَانَ مِنْ أَمْرِه أَرَيْتَكُم فُلَانًا أَفَرَيْتَكُم فَلَانًا فَإِنَّ أَهل الْحِجَازِ يَهْمِزُونَهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ كَلَامِهِمُ الْهَمْزُ، فَإِذَا عَدَوْت أَهلَ الْحِجَازِ فَإِنَّ عامَّة العَرب عَلَى تَرْكِ الْهَمْزِ، نَحْوَ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ
أَرَيْتَكُمْ، وَبِهِ قرأَ الْكِسَائِيُّ تَرَك الْهَمْزَ فِيهِ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ، وَقَالُوا: وَلَوْ تَرَ مَا أَهلُ مَكَّةَ، قَالَ أَبو عَلِيٍّ: أَرادوا وَلَوْ تَرى مَا فَحَذَفُوا لِكَثْرَةِ الاسْتِعْمال. اللِّحْيَانِيُّ: يُقَالُ إِنَّهُ لخَبِيثٌ وَلَوْ تَرَ مَا فلانٌ وَلَوْ تَرى مَا فُلَانٍ، رَفْعًا وَجَزْمًا، وَكَذَلِكَ وَلَا تَرَ مَا فلانٌ وَلَا تَرى مَا فُلانٌ فِيهِمَا جَمِيعًا وَجْهَانِ: الْجَزْمُ وَالرَّفْعُ، فَإِذَا قَالُوا إِنَّهُ لَخَبِيثٌ وَلَمْ تَرَ مَا فُلانٌ قَالُوهُ بِالْجَزْمِ، وَفُلَانٌ فِي كُلِّهِ رُفِعَ وتأْويلُها وَلَا سيَّما فلانٌ؛ حكي ذَلِكَ عَنِ الْكِسَائِيِّ كُلُّهُ. وَإِذَا أَمَرْتَ مِنْهُ عَلَى الأَصل قُلْتَ: ارْءَ، وَعَلَى الْحَذْفِ: رَا. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَصَوَابُهُ عَلَى الْحَذْفِ رَهْ، لأَن الأَمر مِنْهُ رَ زَيْدًا، وَالْهَمْزَةُ سَاقِطَةٌ مِنْهُ فِي الِاسْتِعْمَالِ. الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ*
، قَالَ: الْعَرَبُ لَهَا فِي أَرأَيْتَ لُغَتَانِ وَمَعْنَيَانِ: أَحدهما أَنْ يسأَلَ الرجلُ الرجلَ: أَرأَيتَ زَيْدًا بعَيْنِك؟ فَهَذِهِ مَهْمُوزَةٌ، فَإِذَا أَوْقَعْتَها عَلَى الرجلِ مِنْهُ قُلْتَ أَرَأَيْتَكَ عَلَى غيرِ هَذِهِ الْحَالِ، يُرِيدُ هَلْ رأَيتَ نَفْسَك عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ، ثُمَّ تُثَنِّي وتَجْمع فتقولُ لِلرَّجُلَيْنِ أَرَأَيْتُماكُما، وَلِلْقَوْمِ أَرَأَيْتُمُوكُمْ، وللنسوة أَرأَيْتُنَّكُنَّ، وللمرأَة أَرأَيْتِكِ، بِخَفْضِ التاءِ لَا يَجُوزُ إِلَّا ذَلِكَ، وَالْمَعْنَى الْآخَرُ أَنْ تَقُولَ أَرأَيْتَكَ وأَنت تَقُولُ أَخْبِرْني، فتَهْمِزُها وتنصِب التاءَ مِنْهَا وتَتركُ الهمزَ إِنْ شِئْتَ، وَهُوَ أَكثر كَلَامِ الْعَرَبِ، وتَتْرُكُ التاءَ مُوحَّدةً مَفْتُوحَةً لِلْوَاحِدِ وَالْوَاحِدَةِ وَالْجَمْعِ فِي مؤَنثه ومذكره، فنقول للمرأَة: أَرَأَيْتَكِ زَيْدًا هَلْ خَرج، وَلِلنِّسْوَةِ: أَرَأَيْتَكُنَّ زَيْدًا مَا فَعَل، وَإِنَّمَا تَرَكَتِ الْعَرَبُ التاءَ وَاحِدَةً لأَنهم لَمْ يُرِيدُوا أَن يَكُونَ الْفِعْلُ مِنْهَا وَاقِعًا عَلَى نَفْسِهَا فَاكْتَفَوْا بِذِكْرِهَا فِي الْكَافِ وَوَجَّهُوا التَّاءَ إِلَى الْمُذَكَّرِ وَالتَّوْحِيدِ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْفِعْلُ وَاقِعًا، قَالَ: وَنَحْوَ ذَلِكَ قَالَ الزَّجَّاجُ فِي جَمِيعِ مَا قَالَ، ثُمَّ قَالَ: وَاخْتَلَفَ النَّحْوِيُّونَ فِي هَذِهِ الْكَافِ الَّتِي فِي أَرأَيتَكُمْ فَقَالَ الْفَرَّاءُ وَالْكِسَائِيُّ: لَفْظُهَا لفظُ نصبٍ وتأْويلُها تأْويلُ رَفْعٍ، قَالَ: وَمِثْلُهَا الْكَافُ الَّتِي فِي دُونَكَ زَيْدًا لأَنَّ الْمَعْنَى خُذْ زَيْدًا قَالَ أَبو إِسْحَاقَ: وَهَذَا الْقَوْلَ لَمْ يَقُلْه النَّحْوِيُّونَ القُدَماء، وَهُوَ خطَأٌ لأَن قَوْلَكَ أَرأَيْتَكَ زَيْدًا مَا شأْنُه يُصَيِّرُ أَرَأَيْتَ قَدْ تَعَدَّتْ إِلَى الْكَافِ وَإِلَى زيدٍ، فتصيرُ «2» أَرأَيْتَ اسْمَيْن فَيَصِيرُ الْمَعْنَى أَرأَيْتَ نفْسَكَ زَيْدًا مَا حالُه، قَالَ: وَهَذَا مُحَالٌ وَالَّذِي يَذْهَبُ إِلَيْهِ النَّحْوِيُّونَ الْمَوْثُوقُ بِعِلْمِهِمْ أَن الْكَافَ لَا مَوْضِعَ لَهَا، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى أَرأَيْتَ زَيْدًا مَا حالُه، وَإِنَّمَا الْكَافُ زِيَادَةٌ فِي بَيَانِ الْخِطَابِ، وَهِيَ الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهَا فِي الْخِطَابِ فَتَقُولُ لِلْوَاحِدِ الْمُذَكَّرِ: أَرَأَيْتَكَ زَيْدًا مَا حَالُهُ، بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْكَافِ، وَتَقُولُ فِي الْمُؤَنَّثِ: أَرَأَيْتَكِ زَيْدًا مَا حالُه يَا مَرْأَةُ؛ فَتُفْتَحُ التَّاءُ عَلَى أَصل خِطَابِ الْمُذَكَّرِ وَتُكْسَرُ الْكَافُ لأَنها قَدْ صَارَتْ آخرَ مَا فِي الْكَلِمَةِ والمُنْبِئَةَ عَنِ الْخِطَابِ، فَإِنَّ عدَّيْتَ الْفَاعِلَ إِلَى الْمَفْعُولِ فِي هَذَا الْبَابِ صَارَتِ الكافُ مَفْعُولَةً، تَقُولُ: رأَيْتُني عَالِمًا بِفُلَانٍ، فَإِذَا سَأَلَتْ عَنْ هَذَا الشَّرْطِ قلتَ لِلرَّجُلِ: أَرَأَيْتَكَ عَالِمًا بِفُلَانٍ، وللإِثنين أَرأَيتُماكما عالمَينِ بِفُلَانٍ، وَلِلْجَمْعِ أَرَأَيْتُمُوكُمْ، لأَن هَذَا فِي تأْويل أَرأَيتُم أَنْفُسَكم، وَتَقُولُ للمرأَة: أَرأَيتِكِ عالمَة بفُلانٍ، بِكَسْرِ التاء،
__________
(2) . قوله [فتصير إلخ] هكذا بالأصل ولعلها فتنصب إلخ.(14/294)
وَعَلَى هَذَا قِيَاسُ هَذَيْنِ الْبَابَيْنِ. وَرَوَى الْمُنْذِرِيُّ عَنْ أَبي الْعَبَّاسِ قَالَ: أَرأَيْتَكَ زَيْدًا قَائِمًا، إِذَا اسْتَخْبَر عَنْ زَيْدٍ تَرَكَ الْهَمْزَ وَيَجُوزُ الْهَمْزُ، وَإِذَا اسْتَخْبَرَ عَنْ حَالِ الْمُخَاطَبِ كَانَ الْهَمْزُ الِاخْتِيَارَ وَجَازَ تَرْكُه كَقَوْلِكَ: أَرَأَيْتَكَ نَفْسَك أَي مَا حالُك مَا أَمْرُك، وَيَجُوزُ أَرَيْتَكَ نَفْسَك. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَإِذَا جَاءَتْ أَرأَيْتَكُما وأَ رأَيْتَكُمْ بِمَعْنَى أَخْبِرْني كَانَتِ التَّاءُ موَحَّدة، فَإِنْ كَانَتْ بِمَعْنَى العِلْم ثَنَّيْت وجَمَعْت، قُلْتَ: أَرأَيْتُماكُما خارِجَيْنِ وأَ رأَيْتُمُوكُمْ خارِجِينَ، وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ أَرأَيْتَكَ وأَ رأيْتَكُمْ وأَ رأَيْتَكما، وَهِيَ كَلِمَةٌ تَقُولُهَا الْعَرَبُ عِنْدَ الِاسْتِخْبَارِ بِمَعْنَى أَخبِرْني وأَخْبِراني وأَخْبِرُوني، وتاؤُها مَفْتُوحَةٌ أَبداً. وَرَجُلٌ رَءَّاءٌ: كَثيِرُ الرُّؤيَةِ؛ قَالَ غِيلَانُ الرَّبَعي:
كأَنَّها وقَدْ رَآها الرَّءَّاءُ
وَيُقَالُ: رأَيْتُه بعَيْني رُؤيَةً ورأَيْتُه رَأْيَ العينِ أَي حَيْثُ يَقَعُ الْبَصَرُ عَلَيْهِ. وَيُقَالُ: مِنْ رأْيِ القَلْبِ ارْتَأَيْتُ؛ وأَنشد:
أَلَا أَيُّها المُرْتَئِي فِي الأُمُور، ... سيَجْلُو العَمَى عنكَ تِبْيانُها
وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: إِذَا أَمرْتَ مَنْ رأَيْتَ قُلْتَ ارْأَ زَيْدًا كأنَّكَ قُلْتَ ارْعَ زَيْدًا، فَإِذَا أَردت التَّخْفِيفَ قُلْتَ رَ زَيْدًا، فَتُسْقِطُ أَلف الْوَصْلِ لِتَحْرِيكِ مَا بَعْدَهَا، قَالَ: وَمِنْ تَحْقِيقِ الْهَمْزِ قَوْلُكَ رأَيْت الرَّجُلَ، فَإِذَا أَردت التَّخْفِيفَ قُلْتَ رأَيت الرَّجُلَ، فحرَّكتَ الأَلف بِغَيْرِ إِشْبَاعِ الْهَمْزِ وَلَمْ تُسْقِطِ الْهَمْزَةَ لأَن مَا قَبْلَهَا مُتَحَرِّكٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن أَبا البَخْترِي قَالَ ترَاءَيْنا الهِلالَ بذاتِ عِرْق، فسأَلنا ابنَ عباسٍ فَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَدَّهُ إِلَى رُؤْيَتِه فإنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فأَكْمِلوا العِدَّة
، قَالَ شَمِرٌ: قَوْلُهُ تَراءَيْنا الهلالَ أَي تَكَلَّفْنا النَّظَر إِلَيْهِ هل نَراهُ أَم لَا، قَالَ: وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ انْطَلِقْ بِنَا حَتَّى نُهِلَّ الهلالَ أَي نَنْظُر أَي نراهُ. وَقَدْ تَراءَيْنا الهِلالَ أَي نظرْناه. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْعَرَبُ تَقُولُ راءَيْتُ ورأَيْتُ،
وقرأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرَاوُون النَّاسَ.
وَقَدْ رأَّيْتُ تَرْئِيَةً: مِثْلَ رَعَّيْت تَرْعِيَةً. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: أَرَيْتُه الشيءَ إِرَاءَةً وإرايَةً وإرءَاءَةً. الْجَوْهَرِيُّ: أَرَيْتُه الشيءَ فرآهُ وأَصله أَرْأَيْتُه. والرِّئْيُ والرُّواءُ والمَرْآةُ: المَنْظَر، وَقِيلَ: الرِّئْيُ والرُّواءُ، بِالضَّمِّ، حُسْنُ المَنْظر فِي البَهاء والجَمال. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ:
حَتَّى يتَبيَّنَ لَهُ رِئْيُهما
، وَهُوَ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْهَمْزَةِ، أَي مَنْظَرُهُما وَمَا يُرَى مِنْهُمَا. وَفُلَانٌ مِنِّي بمَرْأىً ومَسْمَعٍ أَي بِحَيْثُ أَراهُ وأَسْمَعُ قولَه. والمَرْآةُ عامَّةً: المَنْظَرُ، حَسَناً كَانَ أَو قَبِيحاً. وَمَا لهُ رُواءٌ وَلَا شاهِدٌ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ لَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا. وَيُقَالُ: امرأَةٌ لَهَا رُواءٌ إِذَا كَانَتْ حَسَنةَ المَرْآةِ والمَرْأَى كَقَوْلِكَ المَنْظَرَة والمَنْظر. الْجَوْهَرِيُّ: المَرْآةُ، بِالْفَتْحِ عَلَى مَفْعَلةٍ، المَنْظر الحَسن. يُقَالُ: امرأَةٌ حَسَنةُ المَرْآةِ والمَرْأَى، وَفُلَانٌ حسنٌ فِي مَرْآةِ العَين أَي فِي النَّظَرِ. وَفِي المَثل: تُخْبِرُ عَنْ مَجْهولِه مَرْآتُه أَي ظاهرُه يدلُّ عَلَى باطِنِه. وَفِي حَدِيثِ الرُّؤْيا:
فَإِذَا رجلٌ كَرِيهُ المَرْآةِ
أَي قَبِيحُ المَنْظرِ. يُقَالُ: رَجُلٌ حَسَنُ المَرْأَى والمَرْآةِ حَسُنَ فِي مَرْآةِ الْعَيْنِ، وَهِيَ مَفْعَلة مِنَ الرُّؤْيَةِ. والتَّرْئِيَةُ: حُسْنُ البَهاء وحُسْنُ المنظرِ، اسْمٌ لَا مَصْدَرٌ؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
أَمَّا الرُّواءُ ففِينا حَدُّ تَرْئِيَةٍ، ... مِثل الجِبالِ الَّتِي بالجِزْعِ منْ إضَمِ(14/295)
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً
؛ قُرِئَتْ رِئْياً؛ بِوَزْنِ رِعْياً، وَقُرِئَتْ رِيّاً؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: الرِّئْيُ المَنْظَر، وَقَالَ الأَخفش: الرِّيُّ مَا ظَهَر عَلَيْهِ مِمَّا رأَيْت، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَهْلُ المدينة يَقْرؤُونها رِيّاً، بِغَيْرِ هَمْزٍ، قَالَ: وَهُوَ وَجْهٌ جَيِّدٌ مِنْ رأَيْت لأَنَّه مع آياتٍ لَسْنَ مهموزاتِ الأَواخِر. وَذَكَرَ بعضهم: أَنَّه ذهب بالرِّيِّ إلى رَوِيت إذا لم يُهْمَزْ وَنَحْوَ ذَلِكَ. قَالَ الزَّجَّاجُ: مَنْ قرأَ رِيّاً، بِغَيْرِ هَمْزٍ، فَلَهُ تَفْسِيرَانِ أَحدهما أَن مَنْظَرهُم مُرْتَوٍ مِنَ النَّعْمة كأَن النَّعِيم بَيِّنٌ فِيهِمْ وَيَكُونُ عَلَى ترك الهمز من رأَيت، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: مَنْ هَمَزَهُ جَعَلَهُ مِنَ الْمَنْظَرِ مِنْ رأَيت، وَهُوَ مَا رأَتْهُ الْعَيْنُ مِنْ حالٍ حسَنة وَكُسْوَةٍ ظَاهِرَةٍ؛ وأَنشد أَبو عُبَيْدَةَ لِمُحَمَّدِ بْنِ نُمَير الثَّقَفِيِّ:
أَشاقَتْكَ الظَّعائِنُ يومَ بانُوا ... بِذِي الرِّئْيِ الجمِيلِ منَ الأَثاثِ؟
وَمَنْ لَمْ يَهْمِزْهُ إِمَّا أَن يَكُونَ عَلَى تَخْفِيفِ الْهَمْزِ أَو يَكُونَ مِنْ رَوِيَتْ أَلْوانهم وَجُلُودُهُمْ رِيّاً أَي امْتَلأَتْ وحَسُنَتْ. وَتَقُولُ للمرأَة: أَنتِ تَرَيْنَ، وَلِلْجَمَاعَةِ: أَنْتُنَّ تَرَيْنَ، لأَن الْفِعْلَ لِلْوَاحِدَةِ وَالْجَمَاعَةِ سَوَاءٌ فِي الْمُوَاجَهَةِ فِي خَبَرِ المرأَةِ مِنْ بنَاتِ الْيَاءِ، إِلَّا أَن النُّونَ الَّتِي فِي الْوَاحِدَةِ عَلَامَةُ الرَّفْعِ وَالَّتِي فِي الْجَمْعِ إِنَّمَا هِيَ نُونُ الْجَمَاعَةِ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَفَرْقٌ ثَانٍ أَن الياءَ فِي تَرَيْن لِلْجَمَاعَةِ حَرْفٌ، وَهِيَ لَامُ الْكَلِمَةِ، وَالْيَاءُ فِي فِعْلِ الْوَاحِدَةِ اسْمٌ، وَهِيَ ضَمِيرُ الْفَاعِلَةِ الْمُؤَنَّثَةِ. وَتَقُولُ: أَنْتِ تَرَيْنَني، وَإِنْ شِئْتَ أَدغمت وَقُلْتَ تَرَيِنِّي، بِتَشْدِيدِ النُّونِ، كَمَا تَقُولُ تَضْرِبِنِّي. واسْتَرْأَى الشيءَ: اسْتَدْعَى رُؤيَتَه. وأَرَيْتُه إِيَّاهُ إراءَةً وَإِرَاءً؛ الْمَصْدَرُ عَنْ سِيبَوَيْهِ، قَالَ: الْهَاءُ لِلتَّعْوِيضِ، وَتَرَكَهَا عَلَى أَن لَا تعوَّض وَهْمٌ مِمَّا يُعَوِّضُونَ بَعْدَ الْحَذْفِ وَلَا يُعَوِّضون. ورَاءَيْت الرجلَ مُراآةً ورِياءً: أَرَيْته أَنِّي عَلَى خِلَافِ مَا أَنا عَلَيْهِ. وَفِي التَّنْزِيلِ: بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ
، وَفِيهِ: الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ
؛ يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ أَي إِذَا صَلَّى الْمُؤْمِنُونَ صَلَّوا معَهم يُراؤُونهُم أَنَّهم عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ. وَفُلَانٌ مُراءٍ وقومٌ مُراؤُونَ، والإِسم الرِّياءُ. يُقَالُ: فَعَلَ ذَلِكَ رِياءً وسُمْعَةً. وَتَقُولُ مِنَ الرِّياء يُسْتَرْأَى فلانٌ، كَمَا تَقُولُ يُسْتَحْمَقُ ويُسْتَعْقَلُ؛ عَنْ أَبي عَمْرٍو. وَيُقَالُ: رَاءَى فُلَانٌ الناسَ يُرائِيهِمْ مُراآةً، ورَايَاهم مُرَايَاةً، عَلَى القَلْب، بِمَعْنًى، ورَاءَيْته مُراآةً ورِيَاءً قابَلْته فرَأَيْته، وَكَذَلِكَ تَرَاءَيْته؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
أَبَى اللهُ إِلَّا أَن يُقِيدَكَ، بَعْدَ ما ... تَراءَيْتُموني مِنْ قَرِيبٍ ومَوْدِقِ
يَقُولُ: أَقاد اللَّهُ مِنْكَ عَلانيَةً وَلَمْ يُقِدْ غِيلَة. وَتَقُولُ: فُلَانٌ يَتَرَاءَى أَي يَنْظُرُ إِلَى وَجْهِهِ فِي المِرْآةِ أَو فِي السَّيْفِ. والمِرْآة: مَا تَراءَيْتَ فِيهِ، وَقَدْ أَرَيْته إِيَّاهَا. ورَأَّيْتُه تَرْئِيَةً: عَرَضْتُها عَلَيْهِ أَو حَبَسْتُهَا لَهُ يَنْظُرُ نفسَه وتَرَاءَيْتُ فِيهَا وتَرَأَّيْتُ. وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ:
لَا يتَمَرْأَى أَحدُكم فِي الْمَاءِ
أَي لَا يَنْظُر وَجْهَه فِيهِ، وَزْنُه يتَمَفْعَل مِنَ الرُّؤْية كَمَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: تَمَسْكَنَ مِنَ المَسْكَنة، وتَمدْرَع مِنَ المَدْرَعة، وَكَمَا حَكَاهُ أَبو عُبَيْدٍ مِنْ قَوْلِهِمْ: تَمَنْدَلْت بالمِندِيل. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا يتَمَرْأَى أَحدُكُم فِي الدُّنْيَا
أَي لَا يَنْظُر فيها، وقال: وَفِي رِوَايَةٍ
لَا يتَمَرْأَى أَحدُكم بالدُّنيا مِنَ الشَّيْءِ المَرْئِيِّ.
والمِرآةُ، بِكَسْرِ الْمِيمِ: الَّتِي يُنْظَرُ فِيهَا، وَجَمْعُهَا المَرَائِي وَالْكَثِيرُ المَرَايَا، وَقِيلَ: مَنْ حوَّل الْهَمْزَةَ قَالَ المَرَايَا. قَالَ أَبو زَيْدٍ: تَراءَيْتُ فِي المِرآةِ تَرَائِياً ورَأَّيْتُ الرجلَ تَرْئِيَةً إِذَا أَمْسَكْتَ لَهُ(14/296)
المِرآةَ لِيَنْظُر فِيهَا. وأَرْأَى الرجلُ إِذا تراءَى فِي المِرآة؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِشَاعِرٍ:
إِذا الفَتى لَمْ يَرْكَبِ الأَهْوالا، ... فأَعْطِه المِرْآة والمِكْحالا،
واسْعَ لَهُ وعُدَّهُ عِيالا
والرُّؤْيا: مَا رأَيْته فِي منامِك، وَحَكَى الْفَارِسِيُّ عَنْ أَبي الْحَسَنِ رُيَّا، قَالَ: وَهَذَا عَلَى الإِدغام بَعْدَ التَّخْفِيفِ الْبَدَلِيِّ، شَبَّهُوا وَاوَ رُويا الَّتِي هِيَ فِي الأَصل هَمْزَةٌ مُخَفَّفَةٌ بِالْوَاوِ الأَصلية غَيْرِ المقدَّر فِيهَا الْهَمْزُ، نَحْوُ لوَيْتُ لَيّاً وشَوَيْتُ شَيّاً، وَكَذَلِكَ حَكَى أَيضاً رِيَّا، أَتبع الْيَاءَ الْكَسْرَةَ كَمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الْيَاءِ الْوَضْعِيَّةِ. وَقَالَ ابْنُ جِنِّي: قَالَ بَعْضُهُمْ فِي تَخْفِيفِ رُؤْيا رِيَّا، بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَذَلِكَ أَنه لَمَّا كَانَ التَّخْفِيفُ يصيِّرها إِلى رُويَا ثُمَّ شُبِّهَتِ الْهَمْزَةُ الْمُخَفَّفَةُ بِالْوَاوِ الْمُخَلَّصَةِ نَحْوُ قَوْلِهِمْ قَرْنٌ أَلْوى وقُرُونٌ لُيٌّ وأَصلها لُويٌ، فَقُلِبَتِ الْوَاوُ إِلى الْيَاءِ بَعْدَهَا وَلَمْ يَكُنْ أَقيسُ الْقَوْلَيْنِ قَلْبَها، كَذَلِكَ أَيضاً كُسِرَتِ الرَّاءُ فَقِيلَ رِيَّا كَمَا قِيلَ قُرون لِيٌّ، فَنَظِيرُ قَلْبِ وَاوِ رُؤْيَا إِلحاقُ التَّنْوِينِ مَا فِيهِ اللامُ، وَنَظِيرُ كَسْرِ الراءِ إِبدالُ الأَلف فِي الْوَقْفِ عَلَى الْمُنَوَّنِ الْمَنْصُوبِ مِمَّا فِيهِ اللَّامُ نَحْوُ العِتابا، وَهِيَ الرُّؤَى. ورأَيتُ عَنْكَ رُؤىً حَسَنَةً: حَلَمتها. وأَرْأَى الرجلُ إِذا كَثُرَتْ رُؤَاهُ، بِوَزْنِ رُعاهُ، وَهِيَ أَحْلامه، جمعُ الرُّؤْيا. ورَأَى فِي مَنَامِهِ رُؤْيا، عَلَى فُعْلى بِلَا تَنْوِينٍ، وجمعُ الرُّؤْيا رُؤىً، بِالتَّنْوِينِ، مِثْلُ رُعىً؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَدْ جَاءَ الرُّؤْيا فِي اليَقَظَة؛ قَالَ الرَّاعِي:
فكَبَّر للرُّؤْيا وهَشَّ فُؤادُه، ... وبَشَّرَ نَفْساً كَانَ قَبْلُ يَلُومُها
وَعَلَيْهِ فُسِّرَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ
؛ قَالَ وَعَلَيْهِ قَوْلُ أَبي الطَّيِّبِ:
ورُؤْياكَ أَحْلى، فِي العُيون، مِنَ الغَمْضِ
التَّهْذِيبُ: الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ، عَزَّ وَجَلَّ: إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ
؛ إِذا تَرَكَتِ العربُ الْهَمْزَ مِنَ الرُّؤْيا قَالُوا الرُّويا طَلَبًا لِلْخِفَّةِ، فإِذا كَانَ مِنْ شأْنهم تحويلُ الْوَاوِ إِلى الْيَاءِ قَالُوا: لَا تَقْصُصْ رُيَّاك، فِي الْكَلَامِ، وأَما فِي الْقُرْآنِ فَلَا يَجُوزُ؛ وأَنشد أَبو الْجَرَّاحِ:
لَعِرْضٌ مِنَ الأَعْراض يُمْسِي حَمامُه، ... ويُضْحي عَلَى أَفنانهِ الغِينِ يَهْتِفُ
أَحَبُّ إِلى قَلْبي مِنَ الدِّيكِ رُيَّةً ... «3» . وبابٍ، إِذا مَا مالَ للغَلْقِ يَصْرِفُ
أَراد رُؤْيةً، فَلَمَّا تَرَكَ الْهَمْزَ وَجَاءَتْ وَاوٌ سَاكِنَةٌ بَعْدَهَا يَاءٌ تَحَوَّلَتَا يَاءً مُشَدَّدَةً، كَمَا يُقَالُ لَوَيْتُه لَيّاً وكَوَيْتُه كَيّاً، والأَصل لَوْياً وكَوْياً؛ قَالَ: وإِن أَشرتَ فِيهَا إِلى الضَّمَّةِ فَقُلْتَ رُيَّا فَرَفَعْتَ الرَّاءَ فَجَائِزٌ، وَتَكُونُ هَذِهِ الضَّمَّةُ مِثْلَ قوله وحُيلَ [حِيلَ] وسُيق [سِيق] بالإِشارة. وَزَعَمَ الْكِسَائِيُّ أَنه سَمِعَ أَعرابيّاً يَقْرَأُ:
إِن كُنْتُمْ للرُّيَّا تَعْبُرون.
وَقَالَ اللَّيْثُ: رأَيتُ رُيَّا حَسَنة، قَالَ: وَلَا تُجْمَعُ الرُّؤْيا، وَقَالَ غَيْرُهُ: تُجْمَعُ الرُّؤْيا رُؤىً كَمَا يُقَالُ عُلْياً وعُلىً. والرَّئِيُّ والرِّئِيُّ: الجِنِّيُّ يَرَاهُ الإِنسانُ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: لَهُ رَئِيٌّ مِنَ الْجِنِّ ورِئِيٌّ إِذا كَانَ يُحِبه ويُؤَالِفُه، وَتَمِيمٌ تَقُولُ رِئِيٌّ، بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ، مِثْلُ سِعيد وبِعِير. اللَّيْثُ: الرَّئِيُّ جنِّيّ يَتَعَرَّضُ لِلرَّجُلِ يُريه كَهَانَةً وطِبّاً، يُقَالُ: مَعَ فُلَانٍ رَئِيٌّ. قَالَ ابْنُ الأَنباري: بِهِ رَئِيٌّ مِنَ الْجِنِّ بِوَزْنِ رَعِيّ، وَهُوَ الَّذِي يَعْتَادُ الإِنسان مِنَ الجنّ. ابن الأَعرابي:
__________
(3) . قوله [رية] تقدم في مادة عرض: رنة، بالراء المفتوحة والنون، ومثله في ياقوت(14/297)
أَرْأَى الرجلُ إِذا صَارَ لَهُ رَئِيٌّ مِنَ الْجِنِّ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ لِسَوادِ بنِ قارِبٍ أَنتَ الَّذِي أَتاكَ رَئِيُّكَ بِظُهور رسولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ.
يُقَالُ لِلتَّابِعِ مِنَ الْجِنِّ: رَئِيٌّ بِوَزْنِ كَمِيٍّ، وَهُوَ فَعِيلٌ أَو فَعُولٌ، سُمِّي بِهِ لأَنه يَتَراءى لمَتْبوعه أَو هُوَ مِنَ الرَّأْيِ، مِنْ قَوْلِهِمْ فلانٌ رَئِيُّ قومِهِ إِذا كَانَ صَاحِبَ رأْيِهِم، قَالَ: وَقَدْ تُكْسَرُ رَاؤُهُ لِاتِّبَاعِهَا مَا بَعْدَهَا؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
الخُدْري: فإِذا رَئِيٌّ مِثْلُ نِحْيٍ
، يَعْنِي حَيَّةً عظِيمَةً كالزِّقِّ، سَمَّاهَا بالرَّئِيِّ الجِنِّ لأَنهم يَزْعُمُونَ أَن الحيَّاتِ مِنْ مَسْخِ الجِنِّ، وَلِهَذَا سَمَّوْهُ شَيْطَانًا وحُباباً وَجَانًّا. وَيُقَالُ: بِهِ رَئِيٌّ مِنَ الْجِنِّ أَي مَسٌّ. وتَرَاءَى لَهُ شَيْءٌ مِنَ الْجِنِّ، وَلِلِاثْنَيْنِ تَرَاءَيَا، وَلِلْجَمْعِ تَراءَوْا. وأَرْأَى الرجلُ إِذا تَبَّيَنت الرَّأْوَة فِي وجْهِه، وَهِيَ الحَماقة. اللِّحْيَانِيُّ: يُقَالُ عَلَى وَجْهِهِ رَأْوَةُ الحُمْقِ إِذا عَرَفْت الحُمْق فِيهِ قَبْلَ أَن تَخْبُرَهُ. وَيُقَالُ: إِن فِي وَجْهِهِ لرَأْوَةً أَي نَظْرَة ودَمامَةً؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ رَأْوَةَ الحُمْقِ. قَالَ أَبو عَلِيٍّ: حَكَى يَعْقُوبُ عَلَى وَجْهِهِ رَأْوَةٌ، قَالَ: وَلَا أَعرف مثلَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ فِي تَصْرِيفِ رَأَى. ورَأْوَةُ الشَّيْءِ: دلالَتُه. وَعَلَى فُلان رَأْوَةُ الحُمْقِ أَي دَلالَته. والرَّئِيُّ والرِّئِيُّ: الثَّوْبُ يُنْشَر للبَيْع؛ عَنْ أَبي عَلِيٍّ. التَّهْذِيبُ: الرِّئْيُ بِوَزْنِ الرِّعْيِ، بِهَمْزَةٍ مسَكَّنَةٍ، الثوبُ الْفَاخِرُ الَّذِي يُنشَر ليُرى حُسْنُه؛ وأَنشد:
بِذِي الرِّئْيِ الجَميلِ مِنَ الأَثاثِ
وَقَالُوا: رَأْيَ عَيْني زيدٌ فَعَلَ ذَلِكَ، وَهُوَ مِنْ نادِرِ المصادِرِ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، وَنَظِيرُهُ سَمْعَ أُذُنِي، وَلَا نَظِيرَ لَهُمَا فِي المُتَعَدِّيات. الْجَوْهَرِيُّ: قَالَ أَبو زَيْدٍ بعينٍ مَا أَرَيَنَّكَ أَي اعْجَلْ وكُنْ كأَنِّي أَنْظُر إِلَيْكَ. وَفِي حَدِيثِ
حنَظلة: تُذَكِّرُنا بالجَنَّةِ والنَّارِ كأَنَّا رَأْيَ عَيْنٍ.
تَقُولُ: جعلتُ الشَّيْءَ رَأْيَ عَيْنِك وبمَرْأًى مِنْكَ أَي حِذاءَكَ ومُقابِلَك بِحَيْثُ تَرَاهُ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ أَي كأَنَّا نراهُما رَأْيَ العَيْنِ. والتَّرْئِيَةُ، بِوَزْنِ التَّرْعِيةِ: الرجلُ المُخْتال، وَكَذَلِكَ التَّرَائِيَة بوزْنِ التَّراعِيَة. والتَّرِيَّة والتَّرِّيَّة والتَّرْيَة، الأَخيرة نَادِرَةٌ: مَا تَرَاهُ المرأَة مِنْ صُفْرةٍ أَو بَياضٍ أَو دمٍ قليلٍ عِنْدَ الْحَيْضِ، وَقَدْ رَأَتْ، وَقِيلَ: التَّرِيَّة الخِرْقَة الَّتِي تَعْرِفُ بِهَا المرأَةُ حَيْضَها مِنْ طُهْرِهَا، وَهُوَ مِنَ الرُّؤْيَةِ. وَيُقَالُ للمَرْأَةِ: ذاتُ التَّرِيَّةِ، وَهِيَ الدَّمُ الْقَلِيلُ، وَقَدْ رَأَتْ تَرِيَّةً أَي دَماً قَلِيلًا. اللَّيْثُ: التَّرِّيَّة مشدَّدة الرَّاءِ، والتَّرِيَّة خَفِيفَةُ الرَّاءِ، والتَّرْية بجَزْمِ الرَّاءِ، كُلُّها لُغَاتٌ وَهُوَ مَا تَرَاهُ المرأَةُ مِنْ بَقِيَّة مَحِيضِها مِنْ صُفْرة أَو بَيَاضٍ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: كأَنّ الأَصل فِيهِ تَرْئِيَةٌ، وَهِيَ تَفْعِلَةٌ مِنْ رأَيت، ثُمَّ خُفِّفَت الهَمْزة فَقِيلَ تَرْيِيَةٌ، ثُمَّ أُدْغِمَت الياءُ فِي الْيَاءِ فَقِيلَ تَرِيَّة. أَبو عُبِيدٍ: التَّرِيَّةُ فِي بَقِيَّةِ حَيْضِ المرأَة أَقَلُّ مِنَ الصُّفْرَةِ والكُدْرَة وأَخْفَى، تَراها المرأَةُ عِنْدَ طُهْرِها لِتَعْلم أَنَّها قَدْ طَهُرَت مِنْ حَيْضِها، قَالَ شَمِرٌ: وَلَا تَكُونُ التَّرِيَّة إِلا بَعْدَ الِاغْتِسَالِ، فأَما مَا كَانَ فِي أَيام الْحَيْضِ فَلَيْسَ بتَرِيَّة وَهُوَ حَيْضٌ، وَذَكَرَ الأَزهري هَذَا فِي تَرْجَمَةِ التَّاءِ وَالرَّاءِ مِنَ الْمُعْتَلِّ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: التَّرِيَّة الشيءُ الخَفِيُّ اليَسيِرُ مِنَ الصُّفْرة والكْدْرة تَراها المرأَةُ بَعْدَ الاغْتِسال مِنَ الحَيْضِ. وَقَدْ رَأَتِ المرأَة تَرِيئَةً إِذا رَأَت الدَّمَ القليلَ عِنْدَ الْحَيْضِ، وَقِيلَ: التَّرِيَّة الماءُ الأَصْفَر الَّذِي يَكُونُ عِنْدَ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ.(14/298)
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الأَصل فِي تَرِيَّة تَرْئِيَة، فَنُقِلَتْ حَرَكَةُ الْهَمْزَةِ عَلَى الرَّاءِ فَبَقِيَ تَرِئْيَة، ثُمَّ قُلِبَتِ الْهَمْزَةِ يَاءً لِانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا كَمَا فَعَلُوا مِثْلَ ذَلِكَ فِي المَراة والكَماة، والأَصل المَرْأَة، فَنُقِلَتْ حَرَكَةُ الْهَمْزَةِ إِلى الرَّاءِ ثُمَّ أُبدلت الْهَمْزَةُ أَلفاً لِانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا. وَفِي حَدِيثِ
أُمّ عَطِيَّةَ: كُنَّا لَا نَعُدُّ الكُدْرة والصُّفْرة والتَّرِيَّة شَيْئًا
، وَقَدْ جَمَعَ ابْنُ الأَثير تَفْسِيرَهُ فَقَالَ: التَّرِيَّة، بِالتَّشْدِيدِ، مَا تَرَاهُ المرأَة بَعْدَ الْحَيْضِ وَالِاغْتِسَالِ مِنْهُ مِنْ كُدْرة أَو صُفْرة، وَقِيلَ: هِيَ الْبَيَاضُ الَّذِي تَرَاهُ عِنْدَ الطُّهْر، وَقِيلَ: هِيَ الخِرْقة الَّتِي تَعْرِف بِهَا المرأَة حيضَها مِنْ طُهْرِها، والتاءُ فِيهَا زَائِدَةٌ لأَنه مِنَ الرُّؤْية، والأَصل فِيهَا الْهَمْزُ، وَلَكِنَّهُمْ تَرَكُوهُ وشدَّدوا الياءَ فَصَارَتِ اللَّفْظَةُ كأَنها فَعِيلَةٌ، قَالَ: وَبَعْضُهُمْ يُشَدِّدُ الراءَ وَالْيَاءَ، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَن الْحَائِضَ إِذا طَهُرت واغْتَسَلت ثُمَّ عَادَتْ رَأَتْ صُفْرة أَو كُدْرة لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا وَلَمْ يُؤَثِّر فِي طُهْرها. وتَراءَى القومُ: رَأَى بعضُهُم بَعْضًا. وتَراءَى لِي وتَرَأَّى؛ عَنْ ثَعْلَبٍ: تَصَدَّى لأَرَاهُ. ورَأَى المكانُ المكانَ: قابَلَه حَتَّى كَأَنَّه يَراهُ؛ قَالَ سَاعِدَةُ:
لَمَّا رَأَى نَعْمانَ حَلَّ بِكِرْفِئٍ ... عَكِرٍ، كَمَا لَبَجَ النُّزُولَ الأَرْكُبُ
وقرأَ أَبو عَمْرٍو:
وأَرْنا مَنَاسِكَنا
، وَهُوَ نادِرٌ لِمَا يَلْحَقُ الفعلَ مِنَ الإِجْحاف. وأَرْأَتِ الناقَةُ والشاةُ مِنَ المَعَز والضَّأْنِ، بتَقْدِير أَرْعَتْ، وَهِيَ مُرْءٍ ومُرْئِيَةٌ: رؤِيَ فِي ضَرْعها الحَمْلُ واسْتُبينَ وعَظُمَ ضَرْعُها، وَكَذَلِكَ المَرْأَة وجميعُ الحَوامِل إِلا فِي الحَافِر والسَّبُع. وأَرْأَت العَنْزُ: وَرِمَ حَياؤُها؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، وتَبَيَّنَ ذَلِكَ فِيهَا. التَّهْذِيبُ: أَرْأَت العَنْزُ خاصَّة، وَلَا يُقَالُ لِلنَّعْجة أَرْأَتْ، وَلَكِنْ يُقَالُ أَثْقَلَت لأَن حَياءَها لَا يَظْهَر. وأَرْأَى الرجلُ إِذا اسْوَدَّ ضَرْعُ شاتِهِ. وتَرَاءَى النَّخْلُ: ظَهَرَت أَلوانُ بُسْرِهِ؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ، وكلُّه مِنْ رُؤْيَةِ الْعَيْنِ. ودُورُ الْقَوْمِ مِنَّا رِئَاءٌ أَي مُنْتَهَى البَصَر حيثُ نَرَاهُم. وهُمْ مِنِّي مَرْأىً ومَسْمَعٌ، وإِن شئتَ نَصَبْتَ، وَهُوَ مِنَ الظُّرُوفِ الْمَخْصُوصَةِ الَّتِي أُجْرِيَتْ مُجْرَى غَيْرِ الْمَخْصُوصَةِ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، قَالَ: وَهُوَ مِثْلُ مَناطَ الثُّرَيَّا ومَدْرَجَ السُّيُول، وَمَعْنَاهُ هُوَ مِنِّي بحيثُ أَرَاهُ وأَسْمَعُه. وهُمْ رِئَاءُ أَلْفٍ أَي زُهَاءُ أَلْفٍ فِيمَا تَرَى العَيْنُ. ورأَيت زَيْدًا حَلِيماً: عَلِمْتُه، وَهُوَ عَلَى المَثَل برُؤْيَةِ العَيْن. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ*
؛ قِيلَ: مَعْنَاهُ أَلَمْ تَعْلَم أَي أَلَمْ يَنْتَهِ عِلْمُكَ إِلى هَؤُلاء، ومَعْناه اعْرِفْهُم يَعْنِي عُلَمَاءَ أَهل الْكِتَابِ، أَعطاهم اللَّهُ عِلْم نُبُوّةِ النبي، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، بأَنه مَكْتُوبٌ عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ والإِنجيل يَأْمرُهم بالمَعْروف ويَنْهاهُمْ عَنِ المُنْكر، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَلَمْ تَرَ*
أَلَمْ تُخْبِرْ، وتأْويلُهُ سُؤالٌ فِيهِ إِعْلامٌ، وتَأْوِيلُه أَعْلِنْ قِصَّتَهُم، وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ: أَلَمْ تَرَ إِلى فلان، وأَ لَمْ تَرَ إِلى كَذَا، وَهِيَ كَلِمَةٌ تَقُولُهَا العربُ عِنْدَ التَّعَجُّب مِنَ الشَّيْءِ وَعِنْدَ تَنْبِيهِ الْمُخَاطَبِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ
، أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ*
؛ أَي أَلَمْ تَعْجَبْ لِفِعْلِهِم، وأَ لَمْ يَنْتَه شأْنُهُم إِليك. وأَتاهُم حِينَ جَنَّ رُؤْيٌ رُؤْياً ورَأْيٌ رَأْياً أَي حينَ اختَلَطَ الظَّلام فلَمْ يَتَراءَوْا. وارْتَأَيْنا فِي الأَمْرِ وتَراءَيْنا: نَظَرْناه. وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ الله عنه، وذَكَر المُتْعَة: ارْتَأَى امْرُؤٌ بعدَ ذَلِكَ مَا شاءَ أَنْ يَرْتَئِيَ
أَي فكَّر وتَأَنَّى، قَالَ: وَهُوَ افْتَعَل مِنْ رُؤْيَة القَلْب أَو مِنَ الرَّأْيِ. ورُوِي(14/299)
عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنه قَالَ: أَنا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مَعَ مُشْرِكٍ، قِيلَ: لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لَا تَراءَى نَارَاهُما
؛ قَالَ ابنُ الأَثِير: أَي يَلْزَمُ المُسْلِمَ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَن يُباعِدَ مَنْزِلَه عَنْ مَنْزِل المُشْرِك وَلَا يَنْزِل بِالْمَوْضِعِ الَّذِي إِذا أُوقِدَتْ فِيهِ نارُه تَلُوح وتَظْهَرُ لِنَارِ المُشْرِكِ إِذا أَوْقَدَها فِي مَنْزِله، وَلَكِنَّهُ يَنْزِل معَ المُسْلِمِين فِي دَارِهِم، وإِنما كَرِهَ مُجاوَرَة الْمُشْرِكِينَ لأَنهم لَا عَهْدَ لَهُمْ وَلَا أَمانَ، وحَثَّ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الهِجْرة؛ وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَن يَسْكُنَ بلادَ المُشْرِكين فيكونَ مَعَهم بقَدْر مَا يَرَى كلُّ واحدٍ مِنْهُمْ نارَ صاحِبه. والتَّرَائِي: تفاعُلٌ مِنَ الرُّؤْيَةِ. يُقَالُ: تَرَاءَى القومُ إِذا رَأَى بعضُهُم بَعْضًا. وتَرَاءَى لِي الشيءُ أَي ظَهَر حَتَّى رَأَيْته، وإِسناد التَّرائِي إِلى النَّارَيْن مجازٌ مِنْ قَوْلِهِمْ دَارِي تَنْظُر إِلى دارِ فُلَانٍ أَي تُقابِلُها، يَقُولُ نَارَاهُمَا مُخْتَلِفتانِ، هَذِهِ تَدْعو إِلى اللَّهِ وَهَذِهِ تَدْعُو إِلى الشَّيْطَانِ، فَكَيْفَ تَتَّفِقانِ؟ والأَصل فِي تَراءَى تَتَراءَى فَحَذَفَ إِحدى التَّاءَيْنِ تَخْفِيفًا. وَيُقَالُ: تَراءَينا فُلَانًا أَي تَلاقَيْنا فَرَأَيْتُه ورَآني. وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ فِي قَوْلِهِ لَا تَراءَى نارَاهُما: أَي لَا يَتَّسِمُ المُسْلِم بسِمَةِ المُشْرِك وَلَا يَتَشَبَّه بِهِ فِي هَدْيِه وشَكْلِهِ وَلَا يَتَخَلّق بأَخْلاقِه، مِنْ قَوْلِكَ مَا نَارُ بَعِيرِكَ أَي مَا سِمةُ بعِيرِكَ. وَقَوْلُهُمْ: دَارِي تَرَى دارَ فلانٍ أَي تُقابِلُها؛ وَقَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
سَلِ الدَّار مِنْ جَنْبَيْ حَبِيرٍ، فَواحِفِ، ... إِلى مَا رَأَى هَضْبَ القَلِيبِ المصَبَّحِ
أَراد: إِلى مَا قابَلَه. وَيُقَالُ: مَنازِلُهم رِئَاءٌ عَلَى تَقْدِيرِ رِعَاء إِذا كَانَتْ مُتَحاذِيةً؛ وأَنشد:
لَيالِيَ يَلْقَى سرْبُ دَهْماء سِرْبَنَا، ... ولَسْنا بِجِيرانٍ ونَحْنُ رِئَاءُ
وَيُقَالُ: قَوْم رِئَاءٌ يقابلُ بعضُهُم بَعْضًا، وَكَذَلِكَ بُيوتُهُم رِئَاءٌ. وتَرَاءَى الجَمْعانِ: رَأَى بعضُهُم بَعْضًا. وَفِي حَدِيثِ رَمَلِ الطَّوافِ:
إِنما كُنَّا رَاءَيْنا بِهِ الْمُشْرِكِينَ
، هُوَ فاعَلْنا مِنَ الرُّؤْية أَي أَرَيْناهم بِذَلِكَ أَنَّا أَقْوِياء. وَفِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَهلَ الجَنَّةِ ليَتَرَاءَوْنَ أَهلَ عِلِّيِّين كَمَا تَرَوْنَ الكَوْكَب الدُّرِّيَّ فِي كَبِدِ السَّمَاءِ
؛ قَالَ شَمِرٌ: يَتَرَاءَوْنَ أَي يتَفاعَلون أَي يَرَوْنَ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قولُه كَمَا تَرَوْن. والرَّأْيُ: معروفٌ، وَجَمْعُهُ أَرْآءٌ، وآراءٌ أَيضاً مَقْلُوبٌ، ورَئِيٌّ عَلَى فَعِيل مِثْلُ ضَأْنٍ وضَئِينٍ. وَفِي حَدِيثِ الأَزرق بْنِ قَيْسٍ: وفِينا رجُلٌ لَهُ رَأْيٌ. يُقَالُ: فلانٌ مِنْ أَهل الرَّأْي أَي أَنه يَرَى رَأْيَ الْخَوَارِجِ وَيَقُولُ بمَذْهَبِهم، وَهُوَ الْمُرَادُ هَاهُنَا، والمُحَدِّثون يُسَمُّون أَصحابَ القياسِ أَصحابَ الرَّأْي يَعْنُون أَنهم يأْخذون بآرائِهِم فِيمَا يُشْكِلُ مِنَ الْحَدِيثِ أَو مَا لَمْ يَأْتِ فِيهِ حَدِيثٌ وَلَا أَثَرٌ. والرَّأْيُ: الاعتِقادُ، اسمٌ لَا مصدرٌ، وَالْجَمْعُ آراءٌ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: لَمْ يكَسَّر عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ فِي جَمْعِهِ أَرْءٍ مِثْلُ أَرْعٍ ورُئِيٌّ ورِئِيٌّ. وَيُقَالُ: فُلَانٌ يَتَرَاءَى بِرَأْيِ فُلَانٍ إِذا كَانَ يَرَى رَأْيَه ويَمِيلُ إِليه ويَقْتَدي بِهِ؛ وأَما مَا أَنشده خَلَفٌ الأَحمر مِنْ قَوْلِ الشَّاعِرِ:
أَما تَرَانِي رَجُلًا كَمَا تَرَى ... أَحْمِلُ فَوْقي بِزَّتِي كَمَا تَرَى
عَلَى قَلُوص صَعْبَةٍ كَمَا تَرَى ... أَخافُ أَن تَطْرَحَني كَمَا تَرَى(14/300)
فَمَا تَرى فِيمَا تَرَى كَمَا تَرَى
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: فَالْقَوْلُ عِنْدِي فِي هَذِهِ الأَبيات أَنها لَوْ كَانَتْ عدَّتُها ثَلَاثَةً لَكَانَ الْخَطْبُ فِيهَا أَيسر، وَذَلِكَ لأَنك كُنْتَ تَجْعَلُ وَاحِدًا مِنْهَا مِنْ رُؤْية العَيْنِ كَقَوْلِكَ كَمَا تُبْصِر، وَالْآخَرَ مِنْ رُؤْية القَلْبِ فِي مَعْنَى الْعِلْمِ فَيَصِيرُ كَقَوْلِكَ كَمَا تَعْلم، وَالثَّالِثَ مِنْ رأَيْت الَّتِي بِمَعْنَى الرَّأْي الِاعْتِقَادِ كَقَوْلِكَ فُلَانٌ يَرَى رَأْي الشُّراةِ أَي يعتَقِدُ اعْتِقادَهم؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ
؛ فحاسَّةُ البَصَر هَاهُنَا لَا تتَوَجَّه وَلَا يَجُوزُ أَن يَكُونَ بِمَعْنَى أَعْلَمَك اللَّهُ لأَنه لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لوَجَب تعدِّيه إِلى ثَلَاثَةِ مَفْعولِين، وَلَيْسَ هُنَاكَ إِلا مَفْعُولَانِ: أَحدهما الْكَافُ فِي أَراك، وَالْآخَرُ الضَّمِيرُ الْمَحْذُوفُ لِلْغَائِبِ أَي أَراكَه، وإِذا تعدَّت أَرى هَذِهِ إِلَى مَفْعُولَيْنِ لَمْ يَكُنْ مِنَ الثَّالِثِ بُدُّ، أَوَلا تَراكَ تَقُولُ فُلَانٌ يَرَى رأْيَ الْخَوَارِجِ وَلَا تَعْني أَنه يَعْلَمُ مَا يَدَّعون هُمْ عِلْمَه، وإِنما تَقُولُ إِنه يَعْتَقِدُ مَا يَعْتَقِدُونَ وإِن كَانَ هُوَ وَهُمْ عِنْدَكَ غَيْرَ عَالِمِينَ بأَنهم عَلَى الْحَقِّ، فَهَذَا قِسْمٌ ثَالِثٌ لرأَيت، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: فَلِذَلِكَ قُلْنَا لَوْ كَانَتِ الأَبيات ثَلَاثَةً لَجَازَ أَن لَا يَكُونَ فِيهَا إِيطاء لِاخْتِلَافِ الْمَعَانِي وإِن اتَّفَقَتِ الأَلفاظ، وإِذْ هِي خمسة فظاهر أَمرها أَن تَكُونَ إِيطاء لِاتِّفَاقِ الأَلفاظ وَالْمَعَانِي جَمِيعًا، وَذَلِكَ أَن الْعَرَبَ قَدْ أَجرت الْمَوْصُولَ وَالصِّلَةَ مُجْرى الشَّيْءِ الْوَاحِدِ ونَزَّلَتْهما مَنْزِلَةَ الْخَبَرِ الْمُنْفَرِدِ، وَذَلِكَ نَحْوَ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: الَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ؛ لأَنه سُبْحَانَهُ هُوَ الْفَاعِلُ لِهَذِهِ الأَشياء كُلِّهَا وَحْدَهُ، وَالشَّيْءُ لَا يُعْطَف عَلَى نفسِه، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَتِ الصِّلَةُ وَالْمَوْصُولُ كَالْخَبَرِ الْوَاحِدِ وأَراد عَطْفَ الصِّلَةِ جَاءَ مَعَهَا بِالْمَوْصُولِ لأَنهما كأَنهما كِلَاهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ مُفْرَدٌ؛ وَعَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
أَيا ابْنَةَ عبدِ اللَّهِ وابْنَةَ مالِكٍ، ... وَيَا ابْنَةَ ذِي الجَدَّينِ والفَرَسِ الوَرْدِ
إِذا مَا صَنَعْتِ الزَّادَ، فالْتَمِسي لهُ ... أَكِيلًا، فإِني لسْتُ آكُلُه وَحْدي
فإِنما أَراد: أَيا ابْنة عبدِ اللَّهِ ومالِكٍ وَذِي الجَدّين لأَنها واحدةٌ، أَلا تَراهُ يَقُولُ صنعتِ وَلَمْ يَقُلْ صنعتُنَّ؟ فإِذا جازَ هَذَا فِي الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إِليه كَانَ فِي الصِّلَةِ والموصولِ أَسْوَغَ، لأَنَّ اتِّصالَ الصِّلَةِ بِالْمَوْصُولِ أَشدُّ مِنَ اتِّصَالِ المضافِ إِليه بالمُضاف؛ وَعَلَى هَذَا قَوْلُ الأَعرابي وَقَدْ سأَله أَبو الْحَسَنِ الأَخفشُ عَنْ قَوْلِ الشَّاعِرِ:
بَناتُ وَطَّاءٍ عَلَى خَدِّ اللَّيْل
فَقَالَ لَهُ: أَين الْقَافِيَةُ؟ فَقَالَ: خَدِّ الليلْ؛ قَالَ أَبو الْحَسَنِ الأَخفش: كأَنه يُرِيدُ الكلامَ الَّذِي فِي آخِرِ الْبَيْتِ قلَّ أَو كَثُر، فَكَذَلِكَ أَيضاً يَجْعَلُ مَا تَرَى وَمَا تَرَى جَمِيعًا الْقَافِيَةَ، وَيَجْعَلُ مَا مَرَّةً مَصْدَرًا وَمَرَّةً بِمَنْزِلَةِ الَّذِي فَلَا يَكُونُ فِي الأَبيات إِيطاء؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَتَلْخِيصُ ذَلِكَ أَن يَكُونَ تَقْدِيرُهَا أَما تَرَانِي رَجُلًا كرُؤْيَتِك أَحمل فَوْقِي بِزَّتِي كمَرْئِيِّك عَلَى قَلُوصٍ صَعْبَةٍ كعِلْمِكَ أَخاف أَن تَطْرَحَنِي كمَعْلُومك فَمَا تَرَى فِيمَا تَرَى كمُعْتَقَدِك، فَتَكُونُ مَا تَرَى مَرَّةً رُؤْيَةَ الْعَيْنِ، وَمَرَّةً مَرْئِيّاً، وَمَرَّةً عِلْماً وَمَرَّةً مَعلوماً، وَمُرَّةً مُعْتَقَداً، فَلَمَّا اخْتَلَفَتِ الْمَعَانِي الَّتِي وَقَعَتْ عَلَيْهَا مَا وَاتَّصَلَتْ بِهَا فَكَانَتْ جُزْءًا مِنْهَا لَاحِقًا بِهَا صَارَتِ الْقَافِيَةُ مَا تَرَى جَمِيعًا، كَمَا صَارَتْ فِي قَوْلِهِ خَدِّ اللَّيْلِ هِيَ خَدُّ اللَّيْلِ جَمِيعًا لَا اللَّيْلُ وَحْدَهُ؛ قَالَ: فَهَذَا قِيَاسٌ مِنَ الْقُوَّةِ بِحَيْثُ تَرَاهُ، فإِن قُلْتَ: فَمَا رَوِيُّ هَذِهِ(14/301)
الأَبيات؟ قِيلَ: يَجُوزُ أَن يَكُونَ رَوّيها الأَلفَ فَتَكُونُ مَقْصُورَةً يَجُوزُ مَعَهَا سَعَى وَأَتَى لأَن الأَلف لَامُ الْفِعْلِ كأَلف سَعَى وسَلا، قَالَ: وَالْوَجْهُ عِنْدِي أَن تَكُونَ رائِيَّة لأَمرين: أَحدهما أَنها قَدِ التُزِمَت، وَمِنْ غَالِبِ عَادَةِ الْعَرَبِ أَن لَا تَلْتَزِمَ أَمراً إِلا مَعَ وُجُوبِهِ، وإِن كَانَتْ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ قَدْ تتَطوَّع بِالْتِزَامِ مَا لَا يَجِبُ عَلَيْهَا وَذَلِكَ أَقل الأَمرين وأَدْوَنُهما، وَالْآخَرُ أَن الشِّعْرَ الْمُطْلَقَ أَضعاف الشِّعْرِ الْمُقَيَّدِ، وإِذا جَعَلْتَهَا رَائِيَّةً فَهِيَ مُطْلقة، وَإِذَا جَعَلْتَهَا أَلِفِيَّة فَهِيَ مُقَيَّدَةٌ، أَلا تَرَى أَن جَمِيعَ مَا جَاءَ عَنْهُمْ مِنَ الشِّعْرِ الْمَقْصُورِ لَا تَجِدُ الْعَرَبَ تَلْتَزِمُ فِيهِ مَا قَبْلَ الأَلف بَلْ تُخَالِفُ لِيُعْلَمَ بِذَلِكَ أَنه لَيْسَ رَوِيّاً؟ وأَنها قَدِ الْتَزَمَتِ الْقَصْرَ كَمَا تَلْتَزِمُ غَيْرَهُ مِنْ إِطلاق حَرْفِ الرَّوِيِّ، وَلَوِ الْتَزَمَتْ مَا قَبْلَ الأَلف لَكَانَ ذَلِكَ دَاعِيًا إِلى إِلْباس الأَمر الَّذِي قَصَدُوا لإِيضاحِه، أَعني القصرَ الَّذِي اعْتَمَدُوهُ، قَالَ: وَعَلَى هَذَا عِنْدِي قَصِيدَةُ يزيدَ بنِ الحَكَم، الَّتِي فِيهَا مُنْهَوي ومُدَّوي ومُرْعَوي ومُسْتَوي، هِيَ واويَّة عِنْدَنَا لِالْتِزَامِهِ الْوَاوَ فِي جَمِيعِهَا والياءاتُ بَعْدَهَا وُصُول لِمَا ذَكَرْنَا. التَّهْذِيبُ: اللَّيْثُ رَأْي القَلْب والجمعُ الآراءُ. وَيُقَالُ: مَا أَضلَّ آرَاءَهم وَمَا أَضلَّ رَأْيَهُمْ. وارْتَآهُ هُوَ: افْتَعَل مِنَ الرَّأْي والتَّدْبِير. واسْتَرْأَيْتُ الرُّجلَ فِي الرَّأْيِ أَي اسْتَشَرْتُه وراءَيْته. وَهُوَ يُرَائِيهِ أَي يشاوِرُه؛ وَقَالَ عِمْرَانُ بْنُ حطَّان:
فإِن تَكُنْ حِينَ شاوَرْناكَ قُلْتَ لَنا ... بالنُّصْحِ مِنْكَ لَنَا فِيما نُرَائِيكا
أَي نَسْتَشِيرُكَ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وأَما قَوْلُ اللَّهِ عزَّ وَجَلَّ: يُراؤُنَ النَّاسَ
، وقوله: يُراؤُنَ وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ
، فَلَيْسَ مِنَ الْمُشَاوَرَةِ، وَلَكِنَّ مَعْنَاهُ إِذا أَبْصَرَهُم النَّاسُ صَلَّوا وإِذا لَمْ يَرَوْهم تَرَكُوا الصلاةَ؛ وَمِنْ هَذَا قَوْلَ اللَّهِ عزَّ وَجَلَّ: بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ
؛ وَهُوَ المُرَائِي كأَنه يُرِي النَّاسَ أَنه يَفْعَل وَلَا يَفْعَل بِالنِّيَّةِ. وأَرْأَى الرجلُ إِذا أَظْهَر عَمَلًا صالِحاً رِياءً وسُمْعَة؛ وأَما قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ يَهْجُو قَوْمًا ويَرْمِي امرأَة مِنْهُمْ بِغَيْرِ الجَمِيلِ:
وَبَاتَ يُراآها حَصاناً، وقَدْ جَرَتْ ... لَنا بُرَتَاهَا بِالَّذِي أَنَا شَاكِرُه
قَوْلُهُ: يُراآها يَظُنُّ أَنها كَذَا، وَقَوْلُهُ: لَنَا بُرَتاها مَعْنَاهُ أَنها أَمكنته مِنْ رِجْلَيْها. وَقَالَ شَمِرٌ: الْعَرَبُ تَقُولُ أَرَى اللهُ بِفُلَانٍ أَي أَرَى اللهُ الناسَ بِفُلَانٍ العَذَابَ والهلاكَ، وَلَا يُقَالُ ذَلِكَ إِلَّا فِي الشَّرِّ؛ قَالَ الأَعشى:
وعَلِمْتُ أَنَّ اللهَ عَمْداً ... خَسَّها، وأَرَى بِهَا
يَعْنِي قَبِيلَةً ذكَرَها أَي أَرَى اللهُ بِهَا عَدُوَّها مَا شَمِتَ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: أَي أَرَى اللَّهُ بِهَا أَعداءَها مَا يَسُرُّهم؛ وأَنشد:
أَرَانَا اللهُ بالنَّعَمِ المُنَدَّى
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: أَرَى اللهُ بِفُلَانٍ أَي أَرَى بِهِ مَا يَشْمَتُ بِهِ عَدُوُّه. وأَرِنِي الشَّيءَ: عاطِنيهِ، وَكَذَلِكَ الِاثْنَانِ وَالْجَمْعُ والمؤَنث، وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: هُوَ مَرآةٌ أَنْ يَفْعَلَ كَذَا أَي مَخْلَقة، وَكَذَلِكَ الِاثْنَانِ وَالْجَمْعُ والمؤَنث، قال: هُوَ أَرْآهُمْ لأَنْ يَفَعَلَ ذَلِكَ أَي أَخْلَقُهُم. وَحَكَى ابْنُ الأَعرابي: لَوْ تَرَ مَا وأَو تَرَ مَا ولَمْ تَرَ مَا، مَعْنَاهُ كُلُّهُ عِنْدَهُ وَلَا سِيَّما. والرِّئَة، تُهْمَزُ وَلَا تُهْمَزُ: مَوْضِع النَّفَس والرِّيحِ مِنَ الإِنْسانِ وَغَيْرِهِ، وَالْجَمْعُ رِئَاتٌ ورِئُون،(14/302)
عَلَى مَا يَطّرِد فِي هَذَا النَّحْوِ؛ قَالَ:
فَغِظْنَاهُمُ، حتَّى أَتَى الغَيْظُ مِنْهُمُ ... قُلوباً، وأَكْباداً لهُم، ورِئِينَا
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وإِنما جَازَ جَمْعُ هَذَا وَنَحْوِهِ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ لأَنها أَسماء مَجْهودة مُنْتَقَصَة وَلَا يُكَسَّر هَذَا الضَّرب فِي أَوَّلِيَّته وَلَا فِي حَدِّ التَّسْمِيَةِ، وَتَصْغِيرُهَا رُؤَيَّة، وَيُقَالُ رُوَيَّة؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:
يُنازِعْنَ العَجاهِنَةَ الرِّئِينَا
ورَأَيْته: أَصَبْت رِئَته. ورُؤِيَ رَأْياً: اشْتكى رِئَته. غَيْرُهُ: وأَرْأَى الرجلُ إِذا اشْتَكى رِئَته. الْجَوْهَرِيُّ: الرِّئَة السَّحْرُ، مَهْمُوزَةٌ، وَيُجْمَعُ عَلَى رِئِينَ، والهاءُ عوضٌ مِنَ الْيَاءِ المَحْذوفة. وَفِي حَدِيثِ
لُقْمانَ بنِ عادٍ: وَلَا تَمْلأُ رِئَتِي جَنْبِي
؛ الرِّئَة الَّتِي فِي الجَوْف: مَعْروفة، يَقُولُ: لَسْتُ بِجَبان تَنْتَفِخُ رِئَتي فَتَمْلأُ جَنْبي، قَالَ: هَكَذَا ذَكَرَهَا الهَرَوي. والثَّوْرُ يَرِي الكَلْبَ إِذا طَعَنَه فِي رِئَتِه. قَالَ ابْنُ بُزُرج: ورَيْته مِنَ الرِّئَةِ، فَهُوَ مَوْرِيّ، ووَتَنْته فَهُوَ مَوْتونٌ وشَويْته فَهُوَ مَشْوِيّ إِذا أَصَبْت رِئَتَه وشَوَاتَه ووَتِينِه. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: يُقَالُ مِنَ الرِّئة رَأَيْته فَهُوَ مَرْئيٌّ إِذا أَصَبْته فِي رِئَته. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يُقَالُ لِلرَّجُلِ الَّذِي لَا يَقْبَل الضَّيم حامِضُ الرِّئَتَين؛ قَالَ دُرَيْدٌ:
إِذا عِرْسُ امْرِئٍ شَتَمَتْ أَخاهُ، ... فَلَيْسَ بحامِضِ الرِّئَتَيْن مَحْضِ
ابْنُ شُمَيْلٍ: وَقَدْ وَرَى البعيرَ الدَّاءُ أَي وَقَعَ فِي رِئَتِه وَرْياً. ورَأَى الزندُ: وَقَدَ؛ عَنْ كُرَاعٍ، ورَأَيْته أَنا؛ وَقَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:
وجَذْب البُرَى أَمْراسَ نَجْرانَ رُكِّبَتْ ... أَوَاخِيُّها بالمُرْأَياتِ الرَّواجِفِ
يَعْنِي أَواخِيَّ الأَمْراسِ، وَهَذَا مَثَلٌ، وَقِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ: رَأْسٌ مُرْأىً بِوَزْنِ مُرْعًى طويلُ الخَطْمِ فِيهِ شبِيهٌ بالتَّصْويب كهَيْئة الإِبْرِيقِ؛ وَقَالَ نُصَيْرٌ:
رُؤُوسٌ مُرْأَياتٌ كَأَنَّها قَراقِيرُ
قَالَ: وَهَذَا لَا أَعرف لَهُ فِعْلًا وَلَا مادَّة. وَقَالَ النَّضْرُ: الإِرْآءُ انْتِكابُ خَطْمِ البعيرِ عَلَى حَلْقِه، يُقَالُ: جَمَلٌ مُرأىً وجِمال مُرْآةٌ. الأَصمعي: يُقَالُ لِكُلِّ ساكِنٍ لَا يَتَحَرَّك ساجٍ ورَاهٍ ورَاءٍ؛ قَالَ شَمِرٌ: لَا أَعرف رَاءً بِهَذَا الْمَعْنَى إِلَّا أَن يَكُونَ أَراد رَاه، فَجَعَلَ بَدَلَ الْهَاءِ يَاءً. وأَرْأَى الرجلُ إِذا حَرَّك بعَيْنَيْه عِنْدَ النَّظَرِ تَحْرِيكاً كَثِيراً وَهُوَ يُرْئي بِعَيْنَيْه. وسَامَرَّا: الْمَدِينَةُ الَّتِي بَنَاهَا المُعْتَصِم، وَفِيهَا لُغَاتٌ: سُرَّ مَنْ رَأَى، وسَرَّ مَنْ رَأَى، وسَاءَ مَنْ رأَى، وسَامَرَّا؛ عَنْ أَحمد بْنِ يَحْيَى ثَعْلَبٍ وَابْنِ الأَنباري، وسُرَّ مَنْ رَاءَ، وسُرَّ مَرَّا، وَحُكِيَ عَنْ أَبي زَكَرِيَّا التِّبْرِيزِيِّ أَنه قَالَ: ثَقُلَ عَلَى النَّاسِ سُرَّ مَنْ رأَى فَغَيَّروه إِلى عَكْسِهِ فَقَالُوا سامَرَّى؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يُرِيدُ أَنَّهُمْ حَذَفُوا الْهَمْزَةَ مِنْ سَاءَ وَمِنْ رَأَى فَصَارَ سَا مَنْ رَى، ثُمَّ أُدغمت النُّونُ فِي الرَّاءِ فَصَارَ سَامَرَّى، وَمَنْ قَالَ سَامَرَّاءُ فإِنه أَخَّر هَمْزَةَ رأَى فَجَعَلَهَا بَعْدَ الأَلف فَصَارَ سَا مَنْ رَاءَ، ثُمَّ أَدغم النُّونَ فِي الرَّاءِ. ورُؤَيَّة: اسْمُ أَرْضٍ؛ وَيُرْوَى بَيْتُ الْفَرَزْدَقِ:
هَلْ تَعْلَمون غَدَاةَ يُطْرَدُ سَبْيُكُم ... بالسَّفْحِ، بَيْنَ رُؤَيَّةٍ وطِحَالِ؟
وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ هُنَا: رَاءَ لُغَةٌ فِي رَأَى، وَالِاسْمُ الرِّيءُ. ورَيَّأَهُ تَرْيِئَة: فَسَّحَ عَنْهُ مِنْ خِناقهِ.(14/303)
وَرَايا فُلَانًا: اتَّقاه؛ عَنْ أَبي زَيْدٍ؛ وَيُقَالُ رَاءَهُ فِي رَآه؛ قَالَ كُثَيِّرٌ:
وكلُّ خَلِيل رَاءَني، فهْوَ قَائِلٌ ... منَ أجْلِك: هَذَا هامَةُ اليَومِ أَو غَدِ
وَقَالَ قَيْسُ بْنُ الْخَطِيمِ:
فَلَيْت سُوَيْداً رَاءَ مَنْ فَرَّ مِنْهُمُ، ... ومَنْ جَرَّ، إِذْ يَحْدُونَهُم بالرَّكَائِبِ
وَقَالَ آخَرُ:
وَمَا ذاكِ مِنْ أَنْ لَا تَكُوني حَبِيبَةً، ... وإِن رِيءَ بالإِخْلافِ مِنْكِ صُدُودُ
وَقَالَ آخَرُ:
تَقَرَّبَ يَخْبُو ضَوْءُهُ وشُعاعُه، ... ومَصَّحَ حَتَّى يُسْتَراءَ، فَلَا يُرى
يُسْتَراءَ: يُسْتَفْعَل مِنْ رأَيت. التَّهْذِيبُ: قَالَ اللَّيْثُ يُقَالُ مِنَ الظنِّ رِيْتُ فُلَانًا أَخاكَ، وَمَنْ هَمَزَ قَالَ رؤِيتُ، فإِذا قُلْتَ أَرى وأَخَواتها لَمْ تَهْمِزْ، قَالَ: وَمَنْ قَلَبَ الْهَمْزَ مِنْ رأَى قَالَ راءَ كَقَوْلِكَ نأَى وناءَ. وَرُوِيَ
عَنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنه بَدأَ بالصَّلاة قَبْلَ الخُطْبة يومَ العِيدِ ثُمَّ خَطَبَ فَرُؤِيَ أَنه لَمْ يُسْمِعِ النساءَ فأَتاهُنَّ ووعَظَهُنَ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: رُؤِيَ فِعْلٌ لَمْ يسَمّ فَاعِلُهُ من رَأَيْت بِمَعْنَى ظَنَنْت، وَهُوَ يَتَعَدَّى إِلى مَفْعُولَيْنِ، تَقُولُ رأَيتُ زَيْدًا عاقِلًا، فإِذا بَنَيْتَه لِمَا لَمْ يُسَمّ فاعلُه تعدَّى إِلى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ فَقُلْتَ رُؤِيَ زيدٌ عَاقِلًا، فَقَوْلُهُ إِنه لَمْ يُسْمِع جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي وَالْمَفْعُولُ الأَول ضَمِيرُهُ. وَفِي حَدِيثِ
عُثْمَانَ: أَراهُمُني الباطِلُ شَيْطاناً
؛ أَراد أَنَّ الباطِلَ جَعَلَني عِنْدَهُمْ شَيْطَانًا. قَالَ ابْنُ الأَثير: وَفِيهِ شُذُوذٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحدهما أَن ضَمِيرَ الْغَائِبِ إِذا وَقَعَ مُتَقَدِّماً عَلَى ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ وَالْمُخَاطَبِ فَالْوَجْهُ أَن يُجاء بِالثَّانِي مُنْفَصِلًا تَقُولُ أَعطاه إِياي فَكَانَ مِنْ حَقِّهِ أَن يَقُولَ أَراهم إِياي، وَالثَّانِي أَن وَاوَ الضَّمِيرِ حَقُّهَا أَن تَثْبُتَ مَعَ الضَّمَائِرِ كَقَوْلِكَ أَعطيتموني، فَكَانَ حَقُّهُ أَن يَقُولَ أَراهُمُوني، وَقَالَ الْفَرَّاءُ:
قرأَ بَعْضُ الْقُرَّاءِ: وتُرَى الناسَ سُكارى
، فَنَصَبَ الرَّاءَ مِنْ تُرى، قَالَ: وَهُوَ وَجْهٌ جَيِّدٌ، يُرِيدُ مثلَ قَوْلِكَ رُؤِيتُ أَنَّك قائمٌ ورُؤِيتُك قَائِمًا، فَيَجْعَلُ سُكارى فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ لأَن تُرى تَحْتَاجُ إِلى شَيْئَيْنِ تَنْصِبُهُمَا كَمَا تَحْتَاجُ ظَنَّ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: رُؤِيتُ مقلوبٌ، الأَصلُ فِيهِ أُريتُ، فأُخرت الْهَمْزَةُ، وَقِيلَ رُؤِيتُ، وهو بمعنى الظن.
ربا: رَبا الشيءُ يَرْبُو رُبُوّاً ورِباءً: زَادَ وَنَمَا. وأَرْبَيْتُه: نَمَّيته. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ
؛ وَمِنْهُ أُخِذَ الرِّبا الحَرام؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ
؛ قَالَ أَبو إِسحاق: يَعني بِهِ دَفْعَ الإِنسان الشيءَ ليُعَوَّضَ مَا هُوَ أَكثرُ مِنْهُ، وَذَلِكَ فِي أَكثر التَّفْسِيرِ لَيْسَ بِحَرامٍ، وَلَكِنْ لَا ثَوَابَ لِمَنْ زَادَ عَلَى مَا أَخذ، قَالَ: والرِّبا رِبَوانِ: فالحَرام كلُّ قَرْض يُؤْخَذُ بِهِ أَكثرُ مِنْهُ أَو تُجَرُّ بِهِ مَنْفَعة فَحَرَامٌ، وَالَّذِي لَيْسَ بِحَرَامٍ أَن يَهَبَه الإِنسان يَسْتَدْعي بِهِ مَا هُوَ أَكْثَر أَو يُهْديَ الهَدِيَّة ليُهْدى لَهُ مَا هُوَ أَكثرُ مِنْهَا؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: قُرِئَ هَذَا الْحَرْفُ ليَرْبُوَ بِالْيَاءِ وَنَصْبِ الْوَاوِ، قرأَها عَاصِمٌ والأَعمش، وقرأَها أَهل الْحِجَازِ لتَرْبُو، بِالتَّاءِ مَرْفُوعَةً، قَالَ: وكلٌّ صوابٌ، فَمَنْ قرأَ لِتَرْبُوَ فَالْفِعْلُ لِلْقَوْمِ الَّذِينَ خُوطِبُوا دَلَّ عَلَى نَصْبِهَا سُقُوطُ النُّونِ، وَمَنْ قرأَها ليَرْبُوَ فَمَعْنَاهُ ليَرْبُوَ مَا أَعطيتم مِنْ شَيْءٍ لتأْخذوا أَكثر، مِنْهُ، فَذَلِكَ رُبُوّه وَلَيْسَ ذَلِكَ زَاكِيًا عِنْدَ اللَّهِ، وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَتِلْكَ تَرْبُو بِالتَّضْعِيفِ.(14/304)
وأَرْبَى الرَّجُلُ فِي الرِّبا يُرْبِي. والرُّبْيَةُ: مِنَ الرِّبا، مُخَفَّفَةٌ. وَفِي الْحَدِيثِ
عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي صُلْحِ أَهل نَجْرَانَ: أَن لَيْسَ عَلَيْهِمْ رُبِّيَّةٌ وَلَا دَمٌ
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: هَكَذَا رُوِيَ بِتَشْدِيدِ الْبَاءِ وَالْيَاءِ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: إِنما هُوَ رُبْيَة، مُخَفَّفٌ، أَراد بِهَا الرِّبا الَّذِي كَانَ عَلَيْهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ والدماءَ الَّتِي كَانُوا يُطْلَبون بِهَا. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَمِثْلُ الرُّبْيَة مِنَ الرِّبا حُبْيَة مِنْ الاحْتِباء، سماعٌ مِنَ الْعَرَبِ يَعْنِي أَنهم تَكَلَّمُوا بِهِمَا بِالْيَاءِ رُبْيَة وحُبْيَة وَلَمْ يَقُولُوا رُبْوَة وحُبْوة، وأَصلهما الْوَاوُ، وَالْمَعْنَى أَنه أُسقط عَنْهُمْ مَا اسْتَسْلَفُوه فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ سَلَفٍ أَو جَنَوه مِنْ جِنَايَةٍ، أُسقط عَنْهُمْ كلُّ دَمٍ كَانُوا يُطْلبون بِهِ وكلُّ رِباً كَانَ عَلَيْهِمْ إِلَّا رؤوسَ أَموالهم فإِنهم يَرُدُّونَهَا، وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُهُ فِي الْحَدِيثِ، والأَصل فِيهِ الزِّيَادَةُ مِنْ رَبَا المالُ إِذا زَادَ وارْتَفَع، وَالِاسْمُ الرِّبا مَقْصُورٌ، وَهُوَ فِي الشَّرْعِ الزِّيَادَةُ عَلَى أَصل الْمَالِ مِنْ غَيْرِ عَقْدِ تبايُعٍ، وَلَهُ أَحكام كَثِيرَةٌ فِي الْفِقْهِ، وَالَّذِي جَاءَ فِي الْحَدِيثِ رُبِّيَّة، بِالتَّشْدِيدِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَلَمْ يُعْرَفْ فِي اللُّغَةِ؛ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: سَبِيلُهَا أَن تَكُونَ فُعُّولة مِنَ الرِّبا كَمَا جَعَلَ بَعْضُهُمُ السُّرِّيَّة فُعُّولة مِنَ السَّرْوِ لأَنها أَسْرى جَوَارِي الرَّجُلِ. وَفِي حَدِيثِ
طَهْفةَ: مَنْ أَبى فَعَلَيْهِ الرِّبْوَةُ
أَي مَنْ تَقاعَدَ عَنْ أَداءِ الزكاةِ فَعَلَيْهِ الزيادةُ فِي الْفَرِيضَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ كالعُقُوبة لَهُ، وَيُرْوَى:
مَنْ أَقَرَّ بالجِزْية فَعَلَيْهِ الرِّبْوَةُ
أَي مَنِ امْتَنَعَ عَنِ الإِسلام لأَجْل الزَّكَاةِ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الجِزْية أَكثرُ مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ بِالزَّكَاةِ. وأَرْبى عَلَى الْخَمْسِينَ وَنَحْوِهَا: زَادَ. وَفِي حَدِيثِ
الأَنصار يَوْمَ أُحُدٍ: لئِنْ أَصَبْنا مِنْهُمْ يَوْماً مثلَ هَذَا لَنُرْبِيَنَّ عَلَيْهِمْ فِي التَّمْثِيلِ
أَي لَنَزِيدَنَّ ولَنُضاعِفَنَّ. الْجَوْهَرِيُّ: الرِّبا فِي الْبَيْعِ وَقَدْ أَرْبَى الرجلُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَنْ أَجْبى فَقَدْ أَرْبَى.
وَفِي حَدِيثِ الصَّدَقَةِ:
وتَرْبُو فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ حَتَّى تكونَ أَعْظَمَ مِنَ الْجَبَلِ.
ورَبا السويقُ وَنَحْوُهُ رُبُوّاً: صُبَّ عَلَيْهِ الماءُ فانْتَفَخ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي صفةِ الأَرضِ: اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ*
؛ قِيلَ: مَعْنَاهُ عَظُمَتْ وانْتَفَخَتْ،
وَقُرِئَ ورَبأَتْ
، فَمَنْ قرأَ ورَبَتْ فَهُوَ رَبَا يَرْبُو إِذا زَادَ عَلَى أَيِّ الجهاتِ زَادَ، وَمَنْ قرأَ ورَبأَتْ بِالْهَمْزِ فَمَعْنَاهُ ارْتَفَعَتْ. وسابَّ فُلَانٌ فُلَانًا ف أَرْبَى عَلَيْهِ فِي السِّباب إِذا زَادَ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً
أَي أَخْذَةً تَزِيدُ عَلَى الأَخَذات؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: أَي زائِدَةً كَقَوْلِكَ أَرْبَيْت إِذا أَخَذْتَ أَكثرَ مِمَّا أَعْطَيْتَ. والرَّبْوُ والرَّبْوَةُ: البُهْرُ وانْتِفاخُ الجَوْفِ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
ودُونَ جُذُوٍّ وابْتِهارٍ ورَبْوةٍ، ... كأَنَّكُما بالرِّيقِ مُخْتَنِقانِ
أَي لسْتَ تَقْدِرُ عَلَيْهَا إِلَّا بَعْدَ جُذُوٍّ عَلَى أَطْراف الأَصابِعِ وبَعْدَ رَبْوٍ يأْخُذُكَ. والرَّبْوُ: النَّفَسُ الْعَالِي. ورَبَا يَرْبُو رَبْواً: أَخَذَه الرَّبْوُ. وطَلَبْنا الصَّيْدَ حَتَّى تَرَبَّيْنا أَي بُهِرْنا «4» . وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهَا مَا لِي أَراكِ حَشْيَا رَابِيَةً
؛ أَراد بالرَّابِيَة الَّتِي أَخَذَها الرَّبْوُ وَهُوَ البُهْرُ، وَهُوَ النَّهِيجُ وتَواتُرُ النَّفَسِ الَّذِي يَعْرِضُ للمُسْرِعِ فِي مَشْيِه وحَرَكَتِه وَكَذَلِكَ الحَشْيا. ورَبا الفَرَس إِذا انَتَفَخَ مِنْ عَدْوٍ أَو فَزَعٍ؛ قَالَ بِشْر بْنُ أَبي خَازِمٍ:
كأَنَّ حَفِيفَ مُنْخُرِه، إِذَا مَا ... كتَمْنَ الرَّبْوَ، كِيرٌ مُسْتَعارُ
__________
(4) . قوله [حَتَّى تَرَبَّيْنَا أَيْ بُهِرْنَا] هكذا في الأصل(14/305)
والرِّبَا: العِينَة. وَهُوَ الرِّمَا أَيضاً عَلَى البَدَل؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وَتَثْنِيَتُهُ رِبَوانِ ورِبَيان، وأَصله مِنَ الْوَاوِ وإِنما ثُنِّيَ بِالْيَاءِ للإِمالة السَّائِغَةِ فِيهِ مِنْ أَجل الْكَسْرَةِ. ورَبَا المالُ: زادَ بالرِّبَا. والمُرْبِي: الَّذِي يَأْتي الرِّبَا. والرَّبْوُ والرَّبْوَةُ والرُّبْوَةُ والرِّبْوَة والرَّبَاوَة والرُّبَاوة والرِّبَاوَة والرَّابِيَة والرَّبَاةُ: كلُّ مَا ارْتَفَعَ مِنَ الأَرض ورَبا؛ قَالَ المُثَقِّب العَبْدي:
عَلَوْنَ رَبَاوَةً وهَبَطْنَ غَيْباً، ... فَلَمْ يَرْجِعْنَ قَائِمَةً لِحِينِ
وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:
يَفُوتُ العَشَنَّقَ إِلْجامُهَا، ... وإِنْ هُوَ وَافَى الرَّبَاةَ المَدِيدَا
المديدَ: صِفَةٌ للعَشَنَّقِ، وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ صِفَةً للرَّبَاةِ عَلَى أَن يَكُونَ فَعِيلًا فِي مَعْنَى مَفْعولةٍ، وَقَدْ يَجُوزُ أَن يكونَ عَلَى الْمَعْنَى كأَنَه قَالَ الرَّبْوَ المَدِيدَ، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ فَاعِلًا ومَفْعولًا. وأَرْبَى الرجلُ إِذا قَامَ عَلَى رابِيَة؛ قَالَ ابْنُ أَحمر يَصِفُ بَقَرَةً يَخْتَلِف الذِّئْبُ إِلى ولَدها:
تُرْبِي لَهُ، فَهْوَ مَسْرورٌ بطَلْعَتِها ... طَوْراً، وطَوْراً تَناسَاهُ فتَعْتَكِرُ
وَفِي الْحَدِيثِ:
الفِرْدَوْسُ رَبْوَة الجَنَّةِ
أَي أَرْفَعُها. ابْنُ دُرَيْدٍ: لفُلان عَلَى فُلَانٍ رَباءٌ بِالْفَتْحِ والمَدِّ، أَي طَوْلٌ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ
؛ وَالِاخْتِيَارُ مِنَ اللُّغَاتِ رُبْوةٌ لأَنها أَكثر اللُّغَاتِ، والفتحُ لُغة تَمِيمٍ، وجَمْعُ الرَّبْوة رُبىً ورُبِيٌّ؛ وأَنشد:
ولاحَ إِذْ زَوْزَى بِهِ الرُّبِيُ
وزَوْزَى بِهِ أَي انْتَصَب بِهِ. قَالَ ابنُ شُمَيْلٍ: الرَّوَابِي مَا أَشْرَف مِنَ الرَّمْلِ مثلُ الدَّكْدَاكَةِ غيرَ أَنها أَشَدُّ مِنْهَا إِشْرافاً، وَهِيَ أَسْهَلُ مِنَ الدَّكْداكةِ، والدَّكْدَاكَةُ أَشَدُّ اكْتِنازاً مِنْهَا وأَغْلَظُ، والرَّابِيَة فِيهَا خُؤُورَةٌ وإشْرافٌ تُنْبِتُ أَجْوَدَ البَقْلِ الَّذِي فِي الرِّمَالِ وأَكثرَه يَنْزِلُها الناسُ. وَيُقَالُ جَمَل صَعْبُ الرُّبَةِ أَي لَطيف الجُفْرةِ؛ قَالَهُ ابْنُ شُمَيْلٍ، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وأَصله رُبْوَةٌ؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:
هَلْ لَكِ، يَا خَدْلَةُ، فِي صَعْبِ الرُّبَهْ ... مُعْتَرِمٍ، هامَتُه كالحَبْحَبَهْ؟
ورَبَوْت الرَّابِية: عَلَوْتها. وأَرضٌ مُرْبِية: طَيّبة. وَقَدْ رَبَوْت في حِجْرِهِ [حَجْرِهِ] رُبُوّاً ورَبْواً؛ الأَخيرة عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، ورَبِيْتُ رِباءً ورُبِيّاً، كِلاهما: نَشَأْتُ فِيهِمْ؛ أَنشد اللِّحْيَانِيُّ لِمِسْكِينٍ الدَّارِمِيِّ:
ثَلاثَة أَمْلاكٍ رَبَوْا فِي حُجُورِنَا، ... فهَلْ قائِلٌ حَقّاً كمَنْ هُوَ كاذِبُ؟
هَكَذَا رَوَاهُ رَبَوْا عَلَى مِثال غَزَوْا؛ وأَنشد فِي الْكَسْرِ للسَّمَوْأَل بنِ عَادِياءَ:
نُطْفَةً مَّا خُلِقْتُ يومَ بُرِيتُ ... أَمِرَتْ أَمْرَها، وَفِيهَا رَبِيتُ
كَنَّها اللهُ تحتَ سِتْرٍ خَفِيٍّ، ... فتَجافَيْتُ تَحْتَها فَخَفِيتُ
ولكُلٍّ مِنْ رِزْقِه مَا قَضَى اللَّهُ، ... وإِن حَكَّ أَنْفَه المسْتَمِيتُ
ابْنُ الأَعرابي: رَبِيت فِي حجرِه ورَبَوْتُ ورَبِيتُ أَرْبَى رَباً ورُبُوّاً: وأَنشد:(14/306)
فَمَنْ يكُ سَائِلًا عَنِّي فإِنِّي ... بمَكَّة مَنْزِلي، وبِها رَبِيتُ
الأَصمعي: رَبَوْتُ فِي بَني فُلَانٍ أَرْبُو نَشَأْتُ فيهِم، ورَبَّيْتُ فُلَانًا أُرَبِّيه تَرْبِيَةً وتَرَبَّيْتُه ورَبَبْتُه ورَبَّبْته بِمَعْنًى وَاحِدٍ. الْجَوْهَرِيُّ: رَبَّيْته تَرْبِيَة وتَرَبَّيْته أَي غَذَوْتُه، قَالَ: هَذا لِكُلِّ مَا يَنْمِي كالوَلَد والزَّرْع وَنَحْوِهِ. وَتَقُولُ: زَنْجَبيل مُرَبّىً ومُرَبَّبٌ أَيضاً أَي مَعْمُولٌ بالرُّبِّ. والأُرْبِيَّة، بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيدِ: أَصل الفَخِذِ، وأَصله أُرْبُوَّة فَاسْتَثْقَلُوا التَّشْدِيدَ عَلَى الْوَاوِ، وَهُمَا أُرْبِيَّتان، وَقِيلَ: الأُرْبِيَّة مَا بَيْنَ أَعْلى الفَخِذ وأَسْفَل البَطْنِ، وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هِيَ أَصل الْفَخِذِ مِمَّا يَلِي البطنَ وَهِيَ فُعْلِيَّة، وَقِيلَ: الأُرْبِيّة قَرِيبَة مِنَ العانَة، قَالَ: وللإِنسان أُرْبِيَّتان وَهُمَا العانَة والرُّفْعُ تَحْتَها. وأُرْبِيَّة الرَّجُلِ: أَهلُ بَيْتِه وبنُو عَمِّه لَا تَكُونُ الأُرْبِيَّة مِنْ غَيْرِهِمْ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
وإِنِّي وَسْطَ ثَعْلَبةَ بنِ عمروٍ ... بِلا أُرْبِيَّة نَبَتَتْ فُروعا
وَيُقَالُ: جَاءَ فِي أُرْبِيَّةٍ مِنْ قَوْمِهِ أَي فِي أَهل بَيْتِهِ وبَنِي عَمِّهِ وَنَحْوِهِمْ. والرَّبْوُ: الجَماعة هُمْ عَشَرَةُ آلَافٍ كالرُّبَّة [كالرِّبَّة] . أَبو سَعِيدٍ: الرُّبْوة، بِضَمِّ الرَّاءِ، عَشَرَةُ آلَافٍ مِنَ الرِّجَالِ، وَالْجَمْعُ الرُّبِي؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
بَيْنَا هُمُو يَنْتَظِرون المُنْقَضَى ... مِنَّا، إِذا هُنَّ أَراعِيلٌ رُبَى
وأَنشد:
أَكَلْنا الرُّبَى يَا أُمَّ عَمْروٍ، ومَنْ يَكُنْ ... غَرِيباً بأَرْضٍ يأْكُلِ الحَشَراتِ
والأَرْباء: الْجَمَاعَاتُ مِنَ النَّاسِ، وَاحِدُهُمْ رَبْوٌ غَيْرُ مَهْمُوزٍ. أَبو حَاتِمٍ: الرُّبْيَة ضَرْب مِنَ الحَشَرات، وَجَمْعُهُ رُبىً. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الإِرْبِيَانُ، بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، ضَرْبٌ مِنَ السَّمَكِ، وَقِيلَ: ضَرب مِنَ السمكِ بيضٌ كالدُّود يَكُونُ بِالْبَصْرَةِ، وَقِيلَ: هُوَ نَبْتٌ؛ عَنِ السِّيرَافِيِّ. والرُّبْيَة: دُوَيْبَّة بَيْنَ الفَأْرة وأُمِّ حُبَيْنٍ. والرَّبْوُ: مَوْضِعٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: قَضَيْنا عَلَيْهِ بِالْوَاوِ لِوُجُودِنَا رَبَوْت وَعَدِمْنَا رَبَيت عَلَى مِثَالِ رَمَيت.
رتا: رَتَا الشيءَ يَرْتُوه رَتْواً: شدَّه وأَرْخاه، ضِدٌّ. وَرُوِيَ
عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنه قَالَ فِي الحَساءِ: إِنَّه يَرْتُو فُؤادَ الحَزِينِ ويَسْرو عَنْ فُؤادِ السَّقِيم
؛ قَالَ الأَصمعي: يَرْتُو فُؤَادَ الحَزِينِ يَشُدُّه ويُقَوِّيه؛ وَقَالَ لَبِيدٌ فِي الشَّدِّ يصفِ دِرْعاً:
فَخْمَةٌ دَفْراء تُرْتى بالعُرى ... قُرْدُمانِيّاً وتَرْكاً كالبَصَلْ
يَعْنِي الدُّروعَ أَنه لَيْسَ لَهَا عُرىً فِي أَوْساطِها، فيُضَمُّ ذَيلُها إِلى تِلْكَ العُرى وتُشَدُّ إِلى فَوقُ لتَنْشَمِرَ عَنْ لَابِسِهَا، فَذَلِكَ الشَّدُّ هُوَ الرَّتْوُ. ابْنُ الأَعرابي: الرَّتْوُ يَكُونُ شَدّاً وَيَكُونُ إِرْخاءً؛ وأَنشد للحرث يَذْكُرُ جَبَلًا وارتفاعَه:
مُكْفَهِرّاً عَلَى الحَوادِثِ لَا يَرْتُوهُ ... للِدَّهْرِ مُؤْيِدٌ صَمَّاءُ
أَي لَا تُرْخِيه وَلَا تُدْهِيهِ داهِيةٌ وَلَا تُغَيِّرُه. وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: مَعْنَاهُ لَا تَرْتُوهُ لَا تَرْمِيه، وأَصل الرَّتْوِ الخَطْوُ، أَراد أَنَّ الداهيةَ لَا تَخَطَّاه وَلَا تَرْمِيه فتُغيِّرَه عَنْ حَالِهِ وَلَكِنَّهُ باقٍ عَلَى الدَّهْرِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِنَّ الخَزِيرَة تَرْتُو فُؤَاد المَريضِ(14/307)
أَي تَشُدُّه وتُقَوِّيه. ورَتَوْتُه: ضَمَمْته. ورُتِيَ فِي ذَرْعِه: كَفُتَّ فِي عَضُدِه. والرَّتْوة: الدَّرجة والمَنْزِلة عندَ السُّلْطان. والرَّتْيَة والرَّتْوَة: الخَطْوة، وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: قَالَ اللِّحْيَانِيُّ ولَسْت مِنْهَا عَلَى ثِقَةٍ. وَقَدْ رَتَوْت أَرْتُو رَتْواً إِذا خَطَوْت. وَرُوِيَ
عَنْ مُعَاذٍ أَنه قَالَ: تَتَقَدَّم العلماءُ يومَ الْقِيَامَةِ برَتْوَة
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الرَّتْوة الخَطْوة هَاهُنَا أَي بخَطْوة، وَيُقَالُ بدَرَجَة. وَقَالَ ابْنُ الأَثير: أَي برَمْية سَهْم، وَقِيلَ: بِميلٍ، وَقِيلَ: مَدى البَصَر. وَفِي حَدِيثِ
أَبي جَهْلٍ: فَيَغِيب فِي الأَرض ثُمَّ يَبْدو رَتْوَة.
وَفِي حَدِيثِ
فَاطِمَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنها أَقبلت إِلى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهَا ادْني يَا فَاطِمَةُ، فدَنَتْ رَتْوة، ثُمَّ قَالَ ادْني يَا فاطِمَة، فدَنَتْ رَتْوة
؛ الرَّتْوة هَاهُنَا: الخَطْوة، وَقِيلَ: الرَّتْوة البَسْطَة، والرَّتْوَةُ نحوٌ منْ ميلٍ، والرَّتْوة الدَّعْوة، والرَّتْوَة الزِّيَادَةُ فِي الشرَفِ وغيرِه، والرَّتْوَة العُقْدة الشَّدِيدة، والرَّتْوَة العُقْدة المسْتَرْخية، قَالَ: ورَتَا برأْسه يَرْتُو رَتْواً ورُتُوّاً أَوْمَأَ، وَقِيلَ: هُوَ مِثْلُ الإِيماءِ، وَقِيلَ: هُوَ أَن يَقُولَ نعَم وَتَعَالَ بالإِيماء. ورَتا بالدَّلْو يَرْتُو رَتْواً: مَدَّ بِهَا مَدًّا رَفيقاً. ورَتَوْت: رمَيْت. والرَّتْوة: رَميةٌ بسَهْم. والرَّتْوة: نحوٌ مِنْ مِيلٍ، وَقِيلَ: مَدُّ البَصَر والرَّتْوَة: سُوَيْعة. والرَّتْوَة: شَرَفٌ مِنَ الأَرضِ نَحْوَ الرَّبْوة. ابْنُ الأَعرابي: الرَّاتِي الزائِدُ عَلَى غَيْرِهِ فِي العِلْم، والرَّاتي الربَّاني، وَهُوَ العالِمُ العامِل المُعَلِّم، فإِن حُرِم خَصْلَةً لَمْ يُقَل لَهُ ربَّانيٌّ.
رثا: الرَّثْوُ: الرَّثِيئة مِنَ اللَّبَن؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَيْسَ عَلَى لَفْظِهِ فِي حُكْمِ التَّصْرِيفِ لأَن الرَّثِيئة مَهْمُوزَةٌ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ رَثَأْت اللبنَ خَلَطْته، فأَمَّا قَوْلُهُمْ رجلٌ مَرْثُوٌّ أَي ضعيفُ العَقْل فَمِنَ الرَّثِيَّة. ورَثَوْت الرَّجُلَ: لُغَةٌ فِي رثَأْتُه، ورَثَتِ المرأَة بَعْلها تَرْثِيه وتَرْثُوه رِثَايةً. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ رَثَيْت عَنْهُ حَدِيثًا أَي حَفِظْته، وَالْمَعْرُوفُ نثَّيْت عَنْهُ خَبَرًا أَي حَمَلْته. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وأُرى اللِّحْيَانِيَّ حَكَى رَثَوْت عَنْهُ حَدِيثًا حَفِظته وإِنما الْمَعْرُوفُ نَثَوْتُ عَنْهُ خَبَراً، وَفِي الصِّحَاحِ: رَثَيْت عَنْهُ حَدِيثًا أَرْثِي رِثَايَةً إِذا ذكَرْتَه عَنْهُ. ورَثَيْت عَنْهُ حَدِيثًا أَرْثي رِثَايَةً إِذا ذكَرْته عَنْهُ، وَحُكِيَ عَنِ العُقَيلي رثَوْنا بَيْنَنَا حَدِيثًا ورَثَيْناه وَتَنَاثَيْنَاهُ مِثْلَهُ. والرَّثْيَة، بِالْفَتْحِ: وجَعٌ فِي الرُّكْبَتَين والمفاصِل. وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وجعُ المفاصِل واليَدين والرجْلين، وَقِيلَ: وجعٌ وظُلاعٌ فِي القوائِمِ، وَقِيلَ: هُوَ كُلُّ مَا مَنَعك مِنْ الانْبعاث مِنْ وجَع أَو كِبَرٍ؛ قَالَ رُؤْبَةُ فشَدَّد:
فإِن تَرَيْني اليَومَ ذَا رَثِيَّهْ
وَقَالَ أَبو نُخَيْلة يَصِفُ كِبَره:
وَقَدْ عَلَتْني ذُرْأَةٌ بَادِي بَدي، ... ورَثْيَةٌ تَنْهَضُ بالتَّشَدُّدِ،
وصارَ للفَحْلِ لِسَانِي ويَدِي
وَيَرْوَى: فِي تشددِ، قَالَ: الرَّثْية انْحِلال الرُّكَب والمفاصِل، وَقَدْ رَثِيَ رَثْياً؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَالْقِيَاسُ رَثىً، وَقَالَ ثَعْلَبٌ: والرَّثْيَة والرَّثِيَّة الضَّعف. التهذيب: الرَّثْيَة داءٌ يعرِض فِي المفاصِل وَلَا هَمْز فِيهَا، وجَمْعها رَثَياتٌ؛ وأَنشد شَمِرٌ لجوَّاس بْنِ نُعَيْمٍ أَحد بَنِي الهُجَيْم بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيم، قَالَ السُّكَّرِيُّ: ويُعْرَف بِابْنِ أُمِّ نَهارٍ، وأُمُّ نهارٍ هِيَ أُمُّ أَبيه وَبِهَا يُعرف:(14/308)
وللكَبير رَثَيات أَرْبَعُ: ... الرُّكبَتان والنَّسا والأَخْدَعُ
وَلَا يزالُ رأْسُه يَصَّدَّعُ، ... وكلُّ شيءٍ بعدَ ذاكَ يَيْجَعُ
والرَّثْيَةُ: الحُمْق. وَفِي أَمْره رَثْيَة أَي فُتُور؛ وَقَالَ أَعرابي:
لَهُمْ رَثْيَةٌ تَعْلو صَرِيمَةَ أَهْلِهمْ، ... وللأَمْر يَوْماً راحةٌ فقَضاءُ
ابْنُ سِيدَهْ: وَرَجُلٌ مَرْثُوءٌ مِنَ الرَّثْية نادرٌ أَي أَنه مِمَّا هُمِزَ وَلَا أَصل لَهُ فِي الهَمْز. وَرَجُلٌ أَرْثَى: لَا يُبْرِمُ أَمْراً، ومَرْثُوٌّ: فِي عقْله ضَعْف، وَقِيَاسُهُ مَرْثِيٌّ، فأَدخلوا الواو على الواو كَمَا أَدخلوا الْيَاءُ عَلَى الْوَاوِ فِي قَوْلِهِمْ أَرضٌ مَسْنِيَّة وقَوْسٌ مَغْريّة. ورَثَى فُلَانٌ فُلَانًا يَرْثِيهِ رَثْياً ومَرْثِيَةً إِذا بكاهُ بَعْدَ مَوته. قَالَ: فإِن مدَحَه بَعْدَ مَوْتِهِ قِيلَ رَثَّاهُ يُرَثِّيه تَرْثِيَةً. ورَثَيْت الميّتَ رَثْياً ورِثَاءً ومَرْثَاةً ومَرْثِيَةً ورَثَّيْته: مَدَحْته بَعْدَ الْمَوْتِ وبَكَيْته. ورَثَوْت الْمَيِّتَ أَيضاً إِذا بكَيْته وعدَّدت مَحَاسِنَهُ، وَكَذَلِكَ إِذا نظَمْت فِيهِ شِعْرًا. ورَثَتِ المرأَةُ بعْلها تَرْثِيه ورَثِيَتْه تَرْثاهُ رِثَايَةً فِيهِمَا؛ الأَخيرة عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وتَرَثَّتْ كرَثَّت؛ قَالَ رُؤْبَةَ:
بكاءَ ثكْلى فَقَدتْ حَميما، ... فَهِيَ تُرَثِّي بِأَبا وابْنِيما
وَيُرْوَى: وابْناما، وَلَمْ يَحْتَشِمْ مِنَ الأَلف مَعَ الْيَاءِ لأَنها حِكَايَةٌ، وَالْحِكَايَةُ يَجُوزُ فِيهَا مَا لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهَا، أَلا تَرَى أَنهم قَالُوا مَن زَيْدًا فِي حِكَايَةِ رأَيتُ زيْداً، ومَن زيدٍ فِي حِكَايَةِ مَرَرْتُ بزَيْدٍ؟ وكلُّ ذَلِكَ مذْكورٌ فِي مَوَاضِعِهِ. وامرأَة رثَّاءَةٌ ورثَّايَة: كَثِيرَةُ الرِّثاء لبَعْلِها أَو لِغَيْرِهِ مِمَّن يُكْرمُ عندَها تَنُوحُ نِياحةً، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْهَمْزِ، فَمَنْ لَمْ يَهْمِزْ أَخرجه عَلَى أَصله، وَمَنْ هَمَزَهُ فلأَنَّ الْيَاءَ إِذا وَقَعَتْ بَعْدَ الأَلف السَّاكِنَةِ هُمِزَت، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي سَقَّاءَةٍ وسَقَّايَةٍ وَمَا أَشْبَهَها. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: قَالَتِ امرأَة مِنَ الْعَرَبِ رَثأْتُ زَوْجي بأَبيات، وهَمَزَت؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: رُبَّما خَرَجَتْ بِهِمْ فَصاحَتُهم إِلى أَنْ يَهْمِزُوا مَا لَيْسَ بمَهموز، قَالُوا: رَثَأْت المَيت ولَبَّأْت بالحَجِّ وحَلَّأْت السَّويقَ تَحْلِئَةً إِنما هُوَ مِنَ الحَلاوةِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه نَهَى عَنِ التَّرَثِّي
، وَهُوَ أَن يُنْدَب المَيِّتُ فيقال وَا فُلاناهْ. ورَثَيْتُ لَهُ: رَحِمْتُهُ. وَيُقَالُ: مَا يَرْثِي فلانٌ لِي أَي مَا يَتَوَجَّع وَلَا يُبالِي. وإِنِّي لأَرْثِي لَهُ مَرْثَاةً ورَثْياً. ورَثَى لَهُ أَي رَقَّ لَهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنّ أُخْتَ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ بَعَثَتْ إِلَيْهِ عِنْدَ فِطْرِه بقَدَحِ لَبَنٍ وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنما بَعَثْت بِهِ إِليكَ مَرْثِيةً لكَ مِنْ طُول النهارِ وشِدّة الحرِّ
أَي تَوَجُّعاً لكَ وإِشْفاقاً، مِنْ رَثَى لَهُ إِذا رَقّ وَتَوَجَّعَ، وَهِيَ مِنْ أَبنية الْمَصَادِرِ نَحْوُ المَغْفِرَة والمَعْذِرَة، قَالَ: وَقِيلَ الصَّوَابُ أَن يُقَالَ مَرْثاةً لكَ مِنْ قَوْلِهِمْ رَثَيْت للحيِّ رَثْياً ومَرْثَاةً، والله أَعلم.
رجا: الرَّجَاءُ مِنَ الأَمَلِ: نَقِيضُ اليَأْسِ، مَمْدودٌ. رَجاهُ يَرْجُوهُ رَجْواً ورَجَاءً ورَجَاوَةً ومَرْجَاةً ورَجَاةً، وهمزَتُه مُنْقَلِبَةٌ عَنْ وَاوٍ بِدَلِيلِ ظُهورِها فِي رَجاوةٍ. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِلَّا رَجَاةَ أَن أَكُونَ مِنْ أَهْلِها
؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:
غَدَوْتُ رَجَاةً أَن يَجودَ مُقاعِسٌ ... وصاحِبُه، فاسْتَقْبَلانِيَ بالغَدْرِ(14/309)
وَيُرْوَى: بالعُذْرِ، وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ الرَّجَاءِ بِمَعْنَى التَّوَقُّعِ والأَمَل. ورَجِيَهُ ورَجَاهُ وارْتَجَاه وتَرَجَّاه بمَعْنىً؛ قَالَ بِشْرٌ يُخَاطِبُ بِنْتَهُ:
فرَجِّي الخَيْرَ وانْتَظِرِي إِيَابِي، ... إِذا مَا الْقارِظُ العَنَزِيُّ آبَا
وَمَا لِي فِي فُلَانٍ رَجِيَّةٌ أَي مَا أَرْجُو. وَيُقَالُ: مَا أَتَيْتُكَ إِلا رَجَاوَةَ الخَيْرِ. التَّهْذِيبُ: مَنْ قَالَ فَعَلْت ذَلِكَ رَجاةَ كذا هو خَطأٌ، إِنما يُقَالُ رَجاءَ كَذَا، قَالَ: والرَّجْوُ المُبالاة، يُقَالُ: مَا أَرْجُو أَي مَا أُبالِي. قَالَ الأَزهري: رَجِيَ بِمَعْنَى رَجَا لَمْ أَسْمَعْه لِغَيْرِ اللَّيْثِ، وَلَكِنْ رَجِيَ إِذا دُهِشَ. وأَرْجَتِ الناقةُ: دَنا نِتاجُها، يُهْمز وَلَا يُهْمَزُ، وَقَدْ يَكُونُ الرَّجْوُ والرَّجاءُ بِمَعْنَى الخَوْف. ابْنُ سِيدَهْ: والرَّجاءُ الخَوْف. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً
. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: قَالَ الْفَرَّاءُ الرَّجَاءُ فِي مَعْنَى الخَوْفِ لَا يَكُونُ إِلا مَعَ الجَحْدِ، تَقُولُ: مَا رَجَوْتُكَ أَي مَا خِفْتُك، وَلَا تَقُولُ رَجَوْتُك فِي مَعْنَى خِفْتُك؛ وأَنشد لأَبي ذُؤَيْبٍ:
إِذا لَسَعَتْه النَّحْلُ لَمْ يَرْجُ لَسْعَها، ... وخالَفَها فِي بَيْتِ نُوبٍ عَواسِلِ
أَي لَمْ يَخَفْ وَلَمْ يُبالِ، وَيُرْوَى: وحالَفَها، قَالَ: فَحَالَفَهَا لَزِمَهَا، وَخَالَفَهَا دَخَلَ عَلَيْهَا وأَخذَ عَسَلَها. الْفَرَّاءُ: رَجَا فِي موضِعِ الخَوْفِ إِذا كَانَ مَعَهُ حرفُ نَفْيٍ، وَمِنْهُ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً
؛ الْمَعْنَى لَا تَخافون للهِ عَظَمة؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
لَا تَرْتَجِي حِينَ تُلاقِي الذَّائِدَا ... أَسَبْعَةً لاقَتْ مَعًا، أَو واحِدَا؟
قَالَ الْفَرَّاءُ: وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ
؛ مَعْنَاهُ تَخَافُونَ، قَالَ: وَلَمْ نَجِدْ مَعْنَى الخَوْفِ يَكُونُ رَجاءً إِلَّا وَمَعَهُ جَحْدٌ، فإِذا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الخوفُ عَلَى جِهَةِ الرَّجاء والخوفِ وَكَانَ الرَّجاء كَذَلِكَ كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ
هَذِهِ؛ لِلَّذِينَ لَا يَخافون أَيامَ اللَّهِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً
؛ وأَنشد بَيْتَ أَبي ذُؤَيْبٍ:
إِذا لَسَعَتْه النحلُ لَمْ يَرْجُ لَسْعَها
قَالَ: وَلَا يَجُوزُ رَجَوْتُك وأَنتَ تُريد خِفْتُك، وَلَا خِفْتُك وأَنت تُرِيدُ رَجَوْتك. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَقالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقاءَنا
؛ أَي لَا يَخْشَوْنَ لِقَاءَنَا، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: كَذَا ذَكَرَهُ أَبو عُبَيْدَةَ. والرَّجا، مَقْصُورٌ: ناحيةُ كلِّ شيءٍ، وَخَصَّ بَعْضُهُمْ بِهِ نَاحِيَةَ الْبِئْرِ مِنْ أَعلاها إِلى أَسفلِها وحافَتَيْها. وكلُّ شَيْءٍ وكلُّ ناحيةٍ رَجاً، وَتَثْنِيَتُهُ رَجَوَان كعَصاً وعَصَوانِ. ورُمِيَ بِهِ الرَّجَوانِ: اسْتُهِينَ بِهِ فكأَنه رُمِيَ بِهِ هُنَالِكَ، أَرادوا أَنه طُرِحَ فِي المَهالِكِ؛ قَالَ:
فَلَا يُرْمَى بِيَ الرَّجَوانِ أَنِّي ... أَقَلُّ القَوْمِ مَنْ يُغْنِي مَكانِي
وَقَالَ الْمُرَادِيُّ:
لَقَدْ هَزِئَتْ مِنِّي بنَجْرانَ، إِذْ رَأَتْ ... مَقامِيَ فِي الكِبْلَيْنِ، أُمُّ أَبانِ
كأَنْ لَمْ تَرَى قَبْلِي أسِيراً مُكَبَّلًا، ... وَلَا رَجُلًا يُرْمَى بِهِ الرَّجَوَانِ
أَي لَا يَسْتطِيع أَن يَسْتَمْسِك، وَالْجَمْعُ أَرْجاءٌ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها
، أَي نَوَاحِيهَا؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
بَيْنَ الرَّجَا والرَّجَا مِنْ جَنْبِ واصِبةٍ ... يَهْماء، خابِطُها بالخَوْفِ مَعْكُومُ(14/310)
والأَرْجاءُ تُهْمَز وَلَا تُهْمَزُ. وَفِي حَدِيثِ
حُذَيْفَةَ لَمَّا أُتِيَ بكَفَنِه فَقَالَ: إنْ يُصِبْ أَخُوكُم خَيْرًا فعَسَى وَإِلَّا فَلْيَتَرامَ بِي رَجَوَاها إِلَى يومِ الْقِيَامَةِ
أَي جانِبا الحُفْرة، وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ، يُرِيدُ بِهِ الحُفْرة، والرَّجَا، مَقْصُورٌ: نَاحِيَةُ الْمَوْضِعِ، وَقَوْلُهُ: فَلْيَتَرامَ بِي لفظُ أَمْرٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ الخَبَر أَي وإلَّا تَرامَى بِي رَجَواها كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ «5» . رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: كَانَ الناسُ يَرِدُونَ مِنْهُ أَرْجَاءَ وادٍ رَحْبٍ
أَي نَواحِيَه، وصَفَه بسَعَة العَطَنِ وَالِاحْتِمَالِ والأَناةِ. وأَرْجَاها: جعَل لَهَا رَجاً. وأَرْجَى الأَمْرَ: أَخَّرَه، لُغَةٌ فِي أَرْجأَهُ. ابْنُ السِّكِّيتِ: أَرْجَأْتُ الأَمْرَ وأَرْجَيْته إِذَا أَخَّرْتَهُ، يُهْمز وَلَا يُهْمَزُ، وَقَدْ قُرِئَ: وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ
،
وَقُرِئَ: مُرْجَؤُونَ
، وَقُرِئَ: أَرْجِهْ وَأَخاهُ*
، وأَرْجِئْهُ وأَخاه؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَفِي قِرَاءَةِ أَهل الْمَدِينَةِ قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ*
، وَإِذَا وصفتَ بِهِ قلتَ رجلٌ مُرْجٍ وَقَوْمٌ مُرْجِيَة، وَإِذَا نَسَبْتَ إِلَيْهِ قلتَ رجلٌ مُرْجيٌّ، بِالتَّشْدِيدِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي بَابِ الْهَمْزِ. وَفِي حَدِيثُ
تَوْبةِ كَعْبِ بْنِ مالكٍ: وأَرْجَأَ رسولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمْرَنا
أَي أَخَّرَه. قَالَ ابْنُ الأَثير: الإِرْجاء التأْخير، وَهَذَا مَهْمُوزٌ. وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ المُرْجِئَةِ، قَالَ: وَهُمْ فِرقة مِنْ فِرَقِ الإِسلامِ يَعْتَقِدُونَ أَنه لَا يَضُرُّ مَعَ الإِيمان مَعْصِية كَمَا أَنه لَا ينْفعُ مَعَ الكُفْرِ طَاعَةٌ؛ سُمُّوا مُرجِئَة لاعتقادِهم أَن اللَّهَ أَرجَأَ تَعْذيبَهم عَلَى الْمَعَاصِي أَي أَخّرَه عَنْهُمْ، والمُرْجِئة يُهْمَزُ وَلَا يُهْمَزُ، وَكِلَاهُمَا بِمَعْنَى التَّأْخير. وَتَقُولُ مِنَ الْهَمْزِ: رَجُلٌ مُرْجِئٌ وهُم المُرْجِئَة، وَفِي النَّسَبِ مُرْجِئِيٌّ مِثَالُ مُرْجِعٍ ومُرْجِعَةٍ ومُرْجِعِيٍّ، وَإِذَا لَمْ تَهْمِز قُلْتَ رَجُلٌ مُرْجٍ ومُرْجِيَة ومُرْجِيٌّ مِثْلُ مُعْطٍ ومُعْطِية ومُعْطِيّ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَلا تَرَى أَنَّهم يتَبايَعُون الذَّهبَ بالذَّهبِ وَالطَّعَامَ مُرَجًّى
أَي مُؤَجّلًا مُؤَخَّراً، وَيُهْمَزُ وَلَا يُهْمَزُ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَفِي كِتَابِ الْخَطَّابِيِّ عَلَى اخْتِلَافِ نُسَخِهِ مُرَجًّى، بِالتَّشْدِيدِ لِلْمُبَالَغَةِ، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَن يَشْتريَ مِنْ إنسانٍ طَعَامًا بدينارٍ إِلَى أَجَلٍ، ثم يبيعه مِنْهُ أَو مِنْ غَيْرِهِ قَبْلَ أَن يَقْبِضَهُ بِدِينَارَيْنِ مَثَلًا فَلَا يَجُوزُ لأَنه فِي التَّقْدِيرِ بيعُ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ والطعامُ غائبٌ، فكأَنه قَدْ بَاعَهُ دينارَه الَّذِي اشْتَرَى بِهِ الطَّعَامَ بِدِينَارَيْنِ فَهُوَ رِبًا ولأَنه بَيْعُ غائبٍ بناجزٍ وَلَا يَصِحُّ. والأُرْجِيّةُ: مَا أُرْجِيَ مِنْ شَيْءٍ. وأَرْجَى الصيدَ: لَمْ يُصِبْ مِنْهُ شَيْئًا كأَرْجأَهُ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا كُلُّهُ واويٌّ لوجود ر ج وَمَلْفُوظًا بِهِ مُبَرْهَناً عَلَيْهِ وعدمِ ر ج ي عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَ
؛ مِنْ ذَلِكَ. وقَطِيفة حَمْراء أُرْجُوان، والأُرْجُوانُ: الحُمْرة، وَقِيلَ: هُوَ النَّشاسْتَجُ، وَهُوَ الَّذِي تُسَمِّيهِ الْعَامَّةُ النَّشَا. والأُرْجُوَانُ: الثيابُ الحُمْرُ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. والأُرْجُوَانُ: الأَحْمَرُ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الأُرْجُوَانُ صِبْغ أَحْمَر شَدِيدُ الْحُمْرَةِ، والبَهْرَمانُ دونَه؛ وَأَنْشَدَ ابْنُ بَرِّيٍّ:
عَشِيَّة غادَرَت خَيْلِي حُمَيْداً، ... كأَنَّ عَلَيْهِ حُلَّةَ أُرْجُوَانِ
وَحَكَى السِّيرَافِيُّ: أَحمرُ أُرْجُوَانٌ، عَلَى الْمُبَالَغَةِ بِهِ كَمَا قَالُوا أَحْمَرُ قانِئٌ، وَذَلِكَ لأَن سِيبَوَيْهِ إِنَّمَا مَثَّل بِهِ فِي الصِّفَةِ، فَإِمَّا أَن يَكُونَ عَلَى الْمُبَالَغَةِ الَّتِي ذَهَبَ إِلَيْهَا السِّيرَافِيُّ، وَإِمَّا أَن يُريد الأُرْجُوَان الَّذِي هُوَ الأَحْمر مُطْلَقًا. وَفِي حَدِيثِ
عُثْمَانَ: أَنَّه غَطَّى
__________
(5) . قوله [وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ إلخ] فِي النِّهَايَةِ: وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَوَصَفَ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ كَانَ إلخ(14/311)
وجهَه بقَطِيفَةٍ حَمْراءَ أُرْجُوانٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الأُرْجُوَان الشَّدِيدُ الحُمْرَة، لَا يُقَالُ لِغَيْرِ الحُمْرة أُرْجُوَان، وَقَالَ غَيْرُهُ أُرْجُوَان مُعَرَّبٌ أَصله أُرْغُوَانٌ بِالْفَارِسِيَّةِ فأُعْرِبَ، قَالَ: وَهُوَ شَجَرٌ لَهُ نَوْرٌ أَحمر أَحْسَنُ مَا يَكُونُ، وكلُّ لَوْنٍ يُشْبهُه فَهُوَ أُرْجُوَانٌ؛ قَالَ عَمْرُو بْنُ كُلْثُومٍ:
كأَنَّ ثِيابَنا مِنَّا ومنْهُمْ ... خُضِبْنَ بأُرْجُوَانٍ، أَو طُلِينا
وَيُقَالُ: ثوبٌ أُرْجُوَانٌ وقَطِيفةٌ أُرْجُوَانٌ، والأَكثر فِي كَلَامِهِمْ إِضَافَةُ الثَّوْبِ وَالْقَطِيفَةِ إِلَى الأُرْجُوَان، وَقِيلَ: إِنَّ الكلمةَ عَرَبِيَّةٌ والأَلف وَالنُّونَ زَائِدَتَانِ، وَقِيلَ: هُوَ الصِّبْغ الأَحْمَرُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ النَّشاسْتَجُ، والذَّكَر والأُنثى فِيهِ سَوَاءٌ. أَبو عُبَيْدٍ: البَهْرَمانُ دُونَ الأُرْجُوَانِ فِي الحُمْرة، والمُفَدَّمُ المُشْرَبُ حُمْرَةً. ورَجاءٌ ومُرَجَّى: اسْمَانِ.
رحا: الرَّحا: معروفةٌ، وَتَثْنِيَتُهَا رَحَوانِ، والياءُ أَعْلى. ورَحَوْتُ الرَّحا: عَمِلْتُها، ورحي
رَحَيْتُ أَكثرُ، وَقَالَ فِي الْمُعْتَلِّ بالياء: رحي
الرَّحَى الحَجَر الْعَظِيمُ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الرَّحَا عِنْدَ الفرَّاء يكتُبها بِالْيَاءِ وبالأَلف لأَنه يُقَالُ رَحَوْت بالرَّحا ورحي
رَحَيْتُ بِهَا. ابْنُ سِيدَهْ: الرَّحَى الحَجَر الْعَظِيمُ، أُنثى. والرَّحَى: مَعْرُوفَةٌ الَّتِي يُطْحَنُ بِهَا، وَالْجَمْعُ أَرْحٍ وأَرْحاءٌ ورُحِيٌّ ورِحِيٌّ وأَرْحِيَةٌ؛ الأَخيرة نَادِرَةٌ؛ قَالَ:
ودارَتِ الحَرْبُ كدَوْرِ الأَرْحِيَه
قَالَ: وَكَرِهَهَا بَعْضُهُمْ. وَحَكَى الأَزهري عَنْ أَبي حَاتِمٍ قَالَ: جَمْعُ الرَّحَى أَرْحَاءٌ، وَمَنْ قَالَ أَرْحِيَةٌ فَقَدْ أَخطأ، قَالَ: وَرُبَّمَا قَالُوا فِي الْجَمْعِ الْكَثِيرُ رِحِيٌّ، وَكَذَلِكَ جَمْعُ القَفا أَقْفاءٌ، وَمَنْ قَالَ أَقْفِيَةٌ فَقَدْ أَخطأَ، قَالَ: وسَمِعْنا فِي أَدْنَى الْعَدَدِ ثلاثُ أَرْحٍ، قَالَ: والرَّحَى مُؤَنَّثَةٌ وكذلك القفا، وأَلف رحي
الرَّحَى مُنْقَلِبَةٌ مِنَ الْيَاءِ، تقول هما رحي
رَحَيَانِ؛ قَالَ مُهَلْهِلُ بنُ رَبِيعَةَ التَّغْلِبِيُّ:
كأنَّا غُدْوَةً وبَني أَبينا، ... بجَنْبِ عُنَيْزَةٍ، رحي رَحَيا مُديِرِ
وكلُّ مَن مَدَّ قَالَ رَحاءٌ ورَحاءَانِ وأَرْحِيَةٌ مِثْل عطاءٍ وعَطاءانِ وأَعطِية، جَعَلَهَا مُنْقَلِبَةً مِنَ الْوَاوِ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَلَا أَدري مَا حُجَّته وَلَا مَا صِحَّتُه؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ هُنَا: حُجَّتُه رَحَتِ الحَيَّةُ تَرْحُو إِذَا اسْتَدارَت، قَالَ: وأَما صِحّةُ رَحَاء بالمدّ فقولهم أَرْحِيَةٌ. ورحي
رَحَيْتُ الرَّحَى: عَمِلْتُها وأَدَرْتُها. الْجَوْهَرِيُّ: رَحَوْتُ الرَّحا ورحي
رَحَيْتُها إِذَا أَدَرْتها. وَفِي الْحَدِيثِ:
تَدُورُ رَحا الإِسلامِ لخَمْسٍ أَو سِتٍّ أَو سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، فَإِنْ يَقُمْ لَهُمْ دينُهم يَقُمْ لَهُمْ سبعين سنة، وإنْ يَهْلِكُوا فسبيلُ مَنْ هَلَك مِنَ الأُمَمِ
، وَفِي رِوَايَةٍ:
تدورُ فِي ثلاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً أَوْ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ سِوَى الثلاثِ وَالثَّلَاثِينَ، قَالَ: نَعَمْ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: يُقَالُ دارتْ رَحَى الْحَرْبِ إِذَا قامتْ عَلَى سَاقِهَا، وأَصل الرَّحَى الَّتِي يُطْحَنُ بِهَا، وَالْمَعْنَى أَن الإِسلام يَمْتَدُّ قيامُ أَمره عَلَى سَنَن الاستقامةِ والبُعْدِ مِنْ إحداثاتِ الظَّلَمة إِلَى تَقَضِّي هَذِهِ الْمُدَّةِ الَّتِي هِيَ بِضْعٌ وَثَلَاثُونَ، ووجهُه أَنْ يَكُونَ قَالَهُ وَقَدْ بَقِيتْ مِنْ عُمُره السِّنون الزائدةُ عَلَى الثَّلَاثِينَ بِاخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ، فَإِذَا انْضَمَّت إِلَى مُدَّةِ خِلَافَةِ الأَئمة الرَّاشِدِينَ وَهِيَ ثَلَاثُونَ سَنَةً كَانَتْ بَالِغَةً ذَلِكَ الْمَبْلَغَ، وَإِنْ كَانَ أَراد سنةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ فَفِيهَا خَرَجَ أَهلُ مِصْرَ وحَصَروا عُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَجَرَى فِيهَا مَا جَرَى، وَإِنْ كَانَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا كَانَتْ وقعةُ الجَمَل، وَإِنْ كَانَتْ سَبْعًا(14/312)
وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا كَانَتْ وقْعَةُ صِفِّينَ، وأَما قَوْلُهُ يَقُمْ لَهُمْ سَبْعِينَ عَامًا فَإِنَّ الْخَطَّابِيَّ قَالَ: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَراد مدّةَ مُلْكِ بَنِي أُميّةَ وَانْتِقَالَهُ إِلَى بَنِي الْعَبَّاسِ، فَإِنَّهُ كَانَ بَيْنَ اسْتِقْرارِ المُلْك لِبَنِي أُمية إِلَى أَن ظَهَرَتْ دُعاةُ الدَّوْلة الْعَبَّاسِيَّةِ بخُراسان نَحْوٌ مِنْ سَبْعِينَ سَنَةً، قَالَ ابْنُ الأَثير: وَهَذَا التأْويل كَمَا تَرَاهُ فَإِنَّ الْمُدَّةَ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا لَمْ تَكُنْ سَبْعِينَ سَنَةً وَلَا كَانَ الدِّينُ فِيهَا قَائِمًا، وَيُرْوَى:
تَزول رَحى الإِسلام
عِوَضَ تَدُورُ أَي تَزُول عَنْ ثُبُوتها وَاسْتِقْرَارِهَا. وتَرَحَّتِ الحَيّة «6» . اسْتَدَارَتْ وتَلَوَّت فَهِيَ مُتَرَحِّيَةٌ؛ وَلِهَذَا قِيلَ لَهَا إِحْدَى بناتِ طَبَقٍ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
يَا حَيَّ لَا أَفْرَقُ أَن تَفِحِّي، ... أَوْ أَنْ تَرَحَّيْ كرَحَى المُرَحِّي
والمُرَحِّي: الَّذِي يُسَوِّي الرَّحى، قَالَ: وفَحِيحُ الحَيَّة بفيهِ وحَفِيفُه مِنْ جَرْشِ بَعْضه بِبَعْضٍ إِذَا مَشى فتَسْمَعُ لَهُ صَوْتًا. الْجَوْهَرِيُّ: رَحَتِ الحَيَّةُ تَرْحُو وتَرَحَّتْ إِذَا اسْتَدارَتْ. والأَرْحَاءُ: عامةُ الأَضْراسِ، واحدُها رَحىً، وخَصَّ بعضُهم بِهِ بعضَها فَقَالَ قَوْمٌ: للإِنسان اثْنَتا عَشْرَةَ رَحًى، فِي كُلِّ شِقٍّ سِتٌّ، فسِتٌّ مِنْ أَعلى وسِتٌّ مِنْ أَسْفَلَ، وَهِيَ الطَّواحِنُ، ثُمَّ النَّواجِذُ بعدَها وَهِيَ أَقْصى الأَضْراس، وَقِيلَ: الأَرْحَاءُ بعدَ الضَّواحِك، وَهِيَ ثَمَانٍ: أَربعٌ فِي أَعلى الْفَمِ، وأَربعٌ فِي أَسفله تَلي الضّواحِكَ؛ قَالَ:
إِذَا صَمَّمَتْ فِي مُعْظَمِ البَيْضِ أَدْرَكَتْ ... مَراكِزَ أَرْحَاءِ الضُّروسِ الأَواخِرِ
وأَرْحاءُ الْبَعِيرِ والفِيل: فَراسِنُهما. والرَّحَا: الصَّدْرُ؛ قَالَ:
أُجُدٌ مُداخِلَةٌ وآدَمُ مُصْلِقٌ، ... كَبْداءُ لاحِقةُ الرَّحَا وشَمَيْذَرُ
ورَحَا الناقةِ: كِرْكِرَتُها؛ قَالَ الشَّمَّاخُ:
فَنِعْمَ المُعْتَرى رَكَدَتْ إِلَيْهِ، ... رَحَى حَيْزومِها كرَحَا الطَّحِين
والرَّحَى: كِرْكرَةُ الْبَعِيرِ. الأَزهري: فَراسِنُ الجَمَل أَرْحَاؤُه وثَفِناتُ رُكَبِهِ وكِرْكِرَته أَرْحَاؤُه؛ وأَنشد ابْنُ السِّكِّيتِ:
إليكَ عَبْدَ اللهِ، يَا مُحَمَّدُ، ... باتَتْ لَهَا قَوائِدٌ وقُوَّدُ،
وتالِياتٌ ورَحًى تَمَيَّدُ
قَالَ: ورَحَى الإِبِل مثلُ رَحَى القَوْمِ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ، يَقُولُ: اسْتَأْخَرَت جَواحِرُها واسْتَقْدَمتْ قَوائِدُها ووَسَطت رَحَاها بَيْنَ القَوائد والجَواحِر. والرَّحى: قِطْعة مِنَ النَّجَفَةِ مُشْرِفة عَلَى مَا حَوْلَها تَعْظُمُ نحوَ مِيلٍ، والجمعُ أَرْحَاء، وَقِيلَ: الأَرْحَاءُ قِطَعٌ مِنَ الأَرض غِلاظٌ دُونَ الْجِبَالِ تَسْتَدِيرُ وتَرْتَفِعُ عَمَّا حَوْلَها. ابْنُ الأَعرابي: الرَّحَى مِنَ الأَرض مكانٌ مُسْتَدِيرٌ غَليظٌ يَكُونُ بَيْنَ رِمالٍ. قَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: الرَّحَا القارَة الضَّخْمة الغليظةُ، وَإِنَّمَا رَحَّاها اسْتِدارَتُها وغِلَظُها وإشْرافُها عَلَى مَا حَوْلَهَا، وأَنها أَكَمَةٌ مُسْتَدِيرَةٌ مُشْرِفَة وَلَا تَنْقادُ عَلَى وَجْهِ الأَرضِ وَلَا تُنْبِتُ بَقْلًا وَلَا شَجَراً؛ وَقَالَ الْكُمَيْتُ:
إِذَا مَا القُفُّ، ذُو الرَّحَيَيْنِ، أَبْدى ... مَحاسِنَه، وأَفْرَخَتِ الوُكُورُ
__________
(6) . قوله [وتَرَحَّتِ الحية إلخ] هذه عبارة التهذيب بزيادة قوله ولهذا إلخ من المحكم. وعبارة المحكم: ورحتِ الحية استدارت كالرحى وَلِهَذَا قِيلَ لَهَا إِحْدَى بَنَاتِ طَبَقٍ، قَالَ رُؤْبَةُ إلخ وعليه ينطبق الشاهد(14/313)
قَالَ: والرَّحَا الحجارةُ والصَّخْرة الْعَظِيمَةُ. ورَحَى الحَرْبِ: حَوْمَتُها؛ قَالَ:
ثُمَّ بالنَّيِّراتِ دارَتْ رَحَانا، ... ورَحَى الحَرْبِ بالكُماةِ تَدُورُ
وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِشَاعِرٍ:
فَدارَتْ رَحَانا بفُرْسانِهِمْ، ... فَعادُوا كأَنْ لَمْ يَكُونوا رَميما
ورَحى المَوْتِ: مُعْظَمُه، وَهِيَ المَرْحَى؛ قَالَ:
عَلَى الجُرْدِ شُبَّاناً وشِيباً عَلَيْهِمُ، ... إِذَا كانتِ المَرْحَى، الحَديدُ المُجَرَّبُ
ومَرْحَى الجمَلِ: مَوْضعٌ بِالْبَصْرَةِ دارتْ عَلَيْهِ رَحَى الْحَرْبِ. التَّهْذِيبُ: رَحَى الحَرْبِ حَوْمَتُها، ورَحَى الموتِ ومَرْحَى الحَرْبِ. وَفِي حَدِيثِ
سُلَيمانَ بْنَ صُرَدٍ: أَتيتُ عَلِيّاً حِينَ فَرَغَ مِنْ مَرْحَى الجَمل
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: يَعْنِي الموضعَ الَّذِي دارتْ عَلَيْهِ رَحى الحَرْبِ؛ وأَنشد:
فَدُرْنا كَمَا دارَتْ عَلَى قُطْبِها الرَّحَى، ... ودارَتْ، عَلَى هامِ الرِّجالِ، الصَّفائِحُ
ورَحَى القومِ: سَيِّدُهم الَّذِي يَصْدُرُون عَنْ رأْيه ويَنْتَهُونَ إِلَى أَمره كَمَا يُقَالُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَحَا دارَةِ العربِ. قَالَ: وَيُقَالُ رَحَاهُ إِذَا عَظَّمَه وحَراه إِذَا أَضاقَهُ. والرَّحَى: جماعَةُ العِيالِ. والرَّحَى: نَبْتٌ تُسَمِّيه الفُرْس اسْبانَخْ. ورَحَا السَّحابِ: مُسْتَدارُها. وَفِي حَدِيثِ صِفَةِ السَّحابِ:
كَيْفَ تَرَوْنَ رَحاها
أَي اسْتِدارَتَها أَو مَا اسْتَدارَ مِنْهَا. والأَرْحِي: القَبائلُ الَّتِي تَسْتَقِلُّ بنَفْسها وتَسْتَغْني عَنْ غَيْرِهَا، والرَّحَى مِنْ قَوْلِ الرَّاعِي:
عَجِبْتُ مِنَ السارِينَ، والرِّيحُ قَرَّةٌ، ... إِلَى ضَوْء نارٍ بَيْنَ فَرْدَةَ والرَّحَى
قَالَ: اسْمُ مَوْضِعٍ. والرَّحَا مِنَ الإِبل: الطَّحَّانة، وَهِيَ الإِبل الكثيرةُ تَزْدَحِمُ. والرَّحَا: فرسُ النَّمِر بنِ قاسِطٍ. وَزَعَمَ قَوْمٌ أَن فِي شِعْر هُذَيْل رُحَيَّات، وفَسَّرُوه بِأَنَّهُ مَوْضِعٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا تَصْحِيفٌ إِنَّمَا هُوَ زُخَيَّات، بِالزَّايِ وَالْخَاءِ، والله أَعلم.
رخا: قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: الرِّخْوُ والرَّخْوُ والرُّخْو الهَشُّ مِنْ كُلِّ شيءٍ؛ غَيْرُهُ: وَهُوَ الشَّيْءُ الَّذِي فِيهِ رَخاوة. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: كلامُ الْعَرَبِ الجيّدُ: الرِّخْو، بِكَسْرِ الرَّاءِ؛ قَالَهُ الأَصمعي وَالْفَرَّاءُ، قَالَا: والرَّخْوُ، بِفَتْحِ الرَّاءِ، مُوَلَّد، والأُنثى بِالْهَاءِ. رَخُوَ رَخَاءً ورَخاوَةً ورِخْوَةً، الأَخيرة نادِرَة، ورَخِيَ واسْتَرْخَى. الْجَوْهَرِيُّ: رَخِيَ الشيءُ يَرْخَى ورَخُوَ أَيضاً إِذَا صَارَ رِخْواً. ابْنُ سِيدَهْ: وأَرْخَى الرِّباط ورَاخَاه جَعَلَه رِخْواً. وَفِيهِ رُخْوَة ورِخْوَة أَي اسْتِرْخَاءٌ. وفرسٌ رِخْوَة أَي سَهْلَةٌ مُسْتَرْسِلَة؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
تَغْدُو بِهِ خَوْصاءُ، تَقْطَعُ جَرْيَها، ... حَلَقَ الرِّحالَةِ، فَهْيَ رِخْوٌ تَمْزَعُ
أَراد: فَهِيَ شيءٌ رُخْوٌ، فَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ رِخْوَة. وأَرْخَيْت الشيءَ وغيرَه إِذَا أَرْسَلْته. وَهَذِهِ أُرْخِيَّةٌ لِمَا أَرْخَيْتَ مِنْ شيءٍ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: والأَرَاخِيّ جَمْعُ أُرْخِيَّة لِمَا اسْتَرْخى مِنْ شَعَرٍ وَغَيْرِهِ؛ قَالَ مُليْح بنُ الحَكَم الْهُذَلِيُّ:
إِذَا أَطْرَدَت بَيْنَ الوِشاحَيْن حَرَّكَتْ ... أَرَاخِيّ مُصْطَكٍ، مِنَ الحَلْيِ، حافِل
وَقَدِ اسْتَرْخَى الشيءُ. وَمِنْ أَمثال الْعَرَبِ: أَرْخِ(14/314)
يدَيْكَ واستَرْخْ إنَّ الزِّنادَ مِنْ مَرْخْ؛ يُضْرَب لِمَنْ طلبَ حَاجَةً إِلَى كَرِيمٍ يَكْفِيكَ عِنْدَهُ اليسيرُ مِنَ الْكَلَامِ. والمُرَاخَاةُ: أَن يُراخِيَ رِبَاطًا ورِباقاً. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَيُقَالُ رَاخِ لَهُ مِنْ خِناقهِ أَي رَفِّهْ عَنْهُ. وأَرْخِ لَهُ قَيْده أَيْ وسِّعْه وَلَا تضَيِّقْه. وَيُقَالُ: أَرْخِ لَهُ الحبْلَ أَي وسِّعْ عَلَيْهِ الأَمرَ فِي تَصَرُّفه حَتَّى يَذْهَبَ حيثُ شَاءَ. وَقَوْلُهُمْ فِي الآمِنِ المُطْمَئنِّ أَرْخَى عِمامَتَه، لأَنه لَا تُرْخى العمائمُ فِي الشِّدّة. وأَرْخَى الفرسَ وأَرْخَى لَهُ: طوَّلَ لَهُ مِنَ الحبْلِ. والتَّرَاخِي: التقاعُدُ عَنِ الشَّيْءِ. والحروفُ الرِّخْوَةُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ حَرْفًا وَهِيَ: الثاءُ وَالْحَاءُ وَالْخَاءُ وَالذَّالُ وَالزَّايُ وَالظَّاءُ وَالصَّادُ وَالضَّادُ وَالْغَيْنُ وَالْفَاءُ وَالسِّينُ وَالشِّينُ وَالْهَاءُ؛ والحرفُ الرِّخْو: هُوَ الَّذِي يَجْرِي فِيهِ الصَّوْتُ، أَلا تَرَى أَنك تَقُولُ المَسُّ والرَّشُّ والسَّحُّ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَتَجِدُ الصَّوْتَ جَارِيًا مَعَ السِّينِ وَالشِّينِ وَالْحَاءِ؟ والرَّخَاء: سَعَة العَيْشِ، وَقَدْ رَخُوَ ورَخَا يَرْخُو ويَرْخى رَخاً، فَهُوَ راخٍ ورَخِيٌّ أَي ناعِم، وَزَادَ فِي التَّهْذِيبِ: ورَخِيَ يَرْخَى وَهُوَ رَخِيُّ الْبَالِ إِذَا كَانَ فِي نَعْمَةٍ واسِعَ الْحَالِ بَيّنُ الرَّخاء، ممدودٌ. وَيُقَالُ: إِنَّهُ فِي عَيْشٍ رخِيٍّ. وَيُقَالُ: إِنَّ ذَلِكَ الأَمرَ ليَذْهَبُ منِّي فِي بالٍ رَخِيٍّ إِذَا لَمْ يُهْتَمَّ بِهِ. وَفِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ:
اذْكُرِ اللَّهَ فِي الرَّخَاء يَذْكُرْك فِي الشِّدَّة
، وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ:
فلْيُكثُر الدعاءَ عِنْدَ الرَّخَاء
؛ الرَّخَاءُ: سَعَة العَيْش؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
لَيْسَ كلُّ الناسِ مُرْخًى عَلَيْهِ
أَي مُوسَّعاً عَلَيْهِ فِي رِزْقِه ومَعيشَتِه. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ:
اسْتَرْخِيا عَنِّي
أَي انْبَسِطا واتَّسِعا. وَفِي حَدِيثِ
الزُّبَيْر وأسماءَ فِي الحجِّ: قَالَ لَهَا اسْتَرْخِي عَنِّي.
وَقَدْ تَكَرَّرَ ذكرُ الرَّخَاء فِي الْحَدِيثِ. وريحٌ رُخَاءٌ: لَيِّنة. اللَّيْثُ: الرُّخَاءُ مِنَ الرِّياح الليِّنة السَّرِيعَةُ لَا تُزَعْزِعُ شَيْئًا. الْجَوْهَرِيُّ: والرُّخَاءُ، بِالضَّمِّ، الريحُ الليِّنَة. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ
؛ أَي حَيْثُ قَصَد، وَقَالَ الأَخفش: أَي جَعَلْنَاهَا رُخاءً. واسْتَرْخَى بِهِ الأَمرُ: وَقَعَ فِي رَخَاءٍ بعدَ شِدَّةٍ؛ قَالَ طُفَيل الغَنَوي:
فأَبَّلَ، واسْتَرْخَى بِهِ الخَطْبُ بعدَ ما ... أَسافَ، وَلَوْلَا سَعْيُنا لَمْ يُؤَبِّل
يُرِيدُ حَسُنَت حَالُهُ. وَيُقَالُ: اسْتَرْخَى بِهِ الأَمرُ واسْتَرْخَت بِهِ حالُه إِذَا وَقَعَ فِي حَالٍ حَسَنةٍ بَعْدَ ضيقٍ وشِدَّة. واسْتَرْخَى به الخَطْبُ أَي أَرْخاهُ خَطْبُه ونعَّمه وَجَعَلَهُ فِي رَخاءٍ وسَعَةٍ. وأَرْخَت النَّاقَةُ إِرْخاءً: اسْتَرخى صِلَاهَا، فَهِيَ مُرْخٍ وَيُقَالُ: أَصْلتْ، وإصْلاؤُها انْهِكاكُ صَلَوَيْها وَهُوَ انْفراجُهما عِنْدَ الْوِلَادَةِ حِينَ يَقَعُ الْوَلَدُ فِي صَلَوَيْها. ورَاخَتِ المرأَةُ: حَانَ وِلادُها. وتَرَاخَى عَنِّي: تقاعَسَ. ورَاخَاه: باعَدَه. وتَرَاخَى عَنْ حاجَته: فتَرَ. وتَرَاخَى السماءُ: أَبْطأَ المَطرُ. وتَرَاخَى فلانٌ عَنِّي أَي أَبْطَأَ عَنِّي، وَغَيْرُهُ يَقُولُ: تَرَاخَى بعُدَ عَنِّي. والإِرْخَاء: شدَّةُ العَدْوِ، وَقِيلَ: هُوَ فوقَ التَّقْريب. والإِرْخَاءُ الأَعلى: أَشدُّ الحُضْر، والإِرْخَاء الأَدْنى: دُونَ الأَعلى؛ وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
وإرْخَاءُ سِرْحانٍ وتَقْريبُ تَتْفُلِ «1»
. وفرسٌ مِرْخاءٌ وناقةٌ مِرْخَاءٌ فِي سَيْرِهِمَا. وأَرْخَيْتُ الفَرسَ وتَرَاخَى الفَرَسُ، وَقِيلَ: الإِرْخَاءُ عَدْوٌ دُونَ التَّقْرِيبِ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: لَا يقال أَرْخَيْت
__________
(1) . صدر البيت:
لَهُ أَيْطَلَا ظبيٍ، وَسَاقَا نعامةٍ(14/315)
الفرسَ وَلَكِنْ يُقَالُ أَرْخَى الفَرَسُ فِي عَدْوه إِذَا أَحْضَرَ، وَلَا يُقَالُ تَرَاخَى الفرسُ إلَّا عندَ فُتُورِه فِي حُضْرِهِ. وَقَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وإرْخَاءُ الفرسِ مأْخُوذٌ مِنَ الرِّيحِ الرُّخَاء، وَهِيَ السَّريعة فِي لِينٍ، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مِنْ قَوْلِهِمْ أَرْخَى بِهِ عَنَّا أَي أَبْعَدَه عنَّا. وأَرْخَى الدّابَّةَ: سَارَ بِهَا الإِرْخاءَ؛ قَالَ حُمَيْدُ بْنُ ثَوْرٍ:
إِلَى ابْنِ الخَليفَة فاعْمِدْ لَهُ، ... وأَرْخِ المطِيّةَ حَتَّى تَكِلْ
وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الإِرْخَاءُ أَن تُخَلِّيَ الفَرَس وشهْوَته فِي العَدْو غَيرَ مُتْعِبٍ لَهُ. يُقَالُ: فرَسٌ مِرْخَاءٌ مِنْ خَيْلٍ مَراخٍ. وأَتانٌ مِرْخَاءٌ: كثيرة الإِرخاء.
ردي: الرَّدى: الهلاكُ. رَدِيَ، بِالْكَسْرِ، يَرْدَى رَدىً: هَلَكَ، فَهُوَ رَدٍ. والرَّدِي: الهالِكُ، وأَرْداهُ اللهُ. وأَرْدَيْتُه أَي أَهلكتُه. ورجلٌ رَدٍ: لِلْهَالِكِ. وامرأَة رَدِيَةٌ، عَلَى فَعلةٍ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ
؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ لتُهْلِكُني، وَفِيهِ: وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى
. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ الأَكوع: ف أَرْدَوْا فرَسَين فأَخَذْتُهما
؛ هُوَ مِنَ الرَّدى الهلاكِ أَي أَتْعَبُوهُما حَتَّى أَسْقَطوهُما وخَلَّفُوهُما، وَالرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ فأَرْذَوْا، بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، أَي تركُوهما لضَعْفِهما وهُزالهما. ورَدي فِي الهُوَّةِ رَدًى وتَرَدَّى: تَهَوَّر. وأَرْدَاهُ اللَّهُ ورَدَّاه فَتَرَدَّى: قلبَه فانْقَلب. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى
؛ قِيلَ: إِذَا مَاتَ، وَقِيلَ: إِذَا تَرَدَّى فِي النَّارِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ
؛ وَهِيَ الَّتِي تَقَع مِنْ جَبَلٍ أَو تَطِيحُ فِي بِئْرٍ أَو تسقُطُ مِنْ موضِعٍ مُشْرفٍ فتموتُ. وَقَالَ اللَّيْثُ: التّرَدِّي هُوَ التَّهَوُّر فِي مَهْواةٍ. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: رَدِيَ فلانٌ فِي القَلِيب يَرْدَى وتَرَدَّى مِنَ الْجَبَلِ تَرَدِّياً. وَيُقَالُ: رَدَى فِي الْبِئْرِ وتَرَدَّى إِذَا سَقَط فِي بئرٍ أَو نهرٍ مِنْ جبَلٍ، لُغتان. وَفِي الْحَدِيثِ
أَنه قَالَ فِي بَعيرٍ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ: ذَكِّه مِنْ حَيْثُ قدَرْت
؛ تَرَدَّى أَي سقَطَ كأَنه تفَعَّل مِنَ الرَّدى الهَلاكِ أَي اذْبَحْه فِي أَيِّ مَوْضِعٍ أَمْكَن مِنْ بدَنِهِ إِذَا لَمْ تَتَمَكَّنْ مِنْ نَحْرِهِ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ مَسْعُودٍ: مَنْ نَصَر قوْمَه عَلَى غَيْرِ الحقِّ فَهُوَ كَالْبَعِيرِ الَّذِي رَدَى فَهُوَ يُنْزَعُ بذَنَبه
؛ أَرادَ أَنه وقَع فِي الإِثم وهَلَك كالبعِير إِذَا تَرَدَّى فِي البِئر وأُريد أَن يُنْزَعَ بذَنَبه فَلَا يُقْدَرَ عَلَى خَلَاصِهِ، وَفِي حَدِيثِهِ الْآخَرِ:
إنَّ الرجلَ ليَتَكَلَّم بالكَلِمَة مِنْ سَخَطِ اللَّهِ تُرْدِيه بُعْدَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ والأَرضِ
أَي توقعُهُ فِي مَهْلَكة. والرِّدَاءُ: الَّذِي يُلْبَسُ، وتثنيتُه رِدَاءَانِ، وَإِنْ شِئتَ رِدَاوَانِ لأَن كُلَّ اسمٍ ممدودٍ فَلَا تَخْلُو همْزَتُه، إِمَّا أَن تَكُونَ أَصلِيَّة فتَتْرُكها فِي التَّثْنِيَةِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ وَلَا تَقْلِبها فَتَقُولُ جَزَاءانِ وخَطاءَانِ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ أَن يقولَ قُرّاءَانِ ووُضَّاءَانِ مِمَّا آخِرُه همزةٌ أَصليَّة وقبلَها أَلِفٌ زَائِدَةٌ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَإِمَّا أَن تكونَ للتأْنيث فتَقْلِبها فِي التَّثنية وَاوًا لَا غيرُ، تَقُولُ صَفْرَاوَانِ وسَوْداوانِ، وَإِمَّا أَن تكونَ مُنقَلبة مِنْ واوٍ أَو ياءٍ مِثْلَ كساءٍ ورِدَاءٍ أَو مُلحِقَةً مثلُ عِلْباءٍ وحِرْباءٍ مُلْحِقَةٌ بسِرْداحٍ وشِمْلالٍ، فأَنتَ فِيهَا بِالْخِيَارِ إِنْ شِئْتَ قلَبْتها وَاوًا مِثْلَ التأْنيثِ فَقُلْتَ كِساوانِ وعِلْباوانِ ورِدَاوَانِ، وَإِنْ شِئْتَ تركتَها هَمْزَةً مِثْلَ الأَصلية، وَهُوَ أَجْوَد، فَقُلْتَ كِساءَانِ وعِلْباءَانِ ورِدَاءَان، وَالْجَمْعُ أَكْسِية. والرِّدَاءُ: مِنَ المَلاحِفِ؛ وَقَوْلُ طَرَفة:(14/316)
ووَجْه، كأَنّ الشَّمْسَ حَلّتْ رِداءَها ... عَلَيْهِ، نَقِيّ اللّونِ لَمْ يتَخَدَّدِ «2»
. فَإِنَّهُ جَعَلَ لِلشَّمْسِ رِدَاءً، وَهُوَ جَوْهر لأَنه أَبلغ مِنَ النُّور الَّذِي هُوَ العَرَض، وَالْجَمْعُ أَرْدِيَةٌ، وَهُوَ الرِّدَاءَةُ كَقَوْلِهِمِ الإِزارُ والإِزارة، وَقَدْ تَرَدّى بِهِ وارْتَدَى بِمَعْنًى أَيْ لبِسَ الرِّداءَ. وَإِنَّهُ لحَسَنُ الرِّدْيَةِ أَي الارْتِداء. والرِّدْيَة: كالرِّكبةِ مِنَ الرُّكوبِ والجِلْسَةِ مِنَ الجُلُوسِ، تَقُولُ: هُوَ حَسَنُ الرِّدْيَة. ورَدَّيْتُه أَنا تَرْدِيةً. والرِّدَاءُ: الغِطاءُ الْكَبِيرُ. ورجلٌ غَمْرُ الرِّدَاءِ: واسِعُ الْمَعْرُوفِ وَإِنْ كَانَ رِدَاؤُه صَغِيرًا؛ قَالَ كُثَيِّرٌ:
غَمْرُ الرِّدَاءِ، إِذَا تبَسَّمَ ضاحِكاً ... غَلِقَتْ لضِحْكَتِه رِقابُ المالِ
وعَيْشٌ غَمْرُ الرِّداءِ: واسِعٌ خَصِيبٌ. والرِّدَاءُ: السَّيْفُ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أُراهُ عَلَى التَّشْبِيهِ بالرِّداءِ مِنَ المَلابِسِ؛ قَالَ مُتَمِّم:
لَقَدْ كَفَّنَ المِنْهالُ، تحتَ رِدَائِه، ... فَتًى غيرَ مِبْطانِ العَشِيَّاتِ أَرْوعا
وَكَانَ المِنْهالُ قتلَ أَخاهُ مالِكاً، وَكَانَ الرجلُ إِذَا قَتَل رجُلًا مَشْهُورًا وَضَعَ سيفَه عَلَيْهِ ليُعرفَ قاتِلُه؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِلْفَرَزْدَقِ:
فِدًى لسُيوفٍ مِنْ تَمِيمٍ وَفَى بِها ... رِدَائِي، وجَلَّتْ عَنْ وجُوهِ الأَهاتِم
وأَنشد آخَرُ:
يُنازِعُني رِدَائِي عَبْدُ عَمْرٍو، ... رُوَيْداً يَا أَخا سَعْدِ بنِ بَكْرِ
وَقَدْ ترَدَّى بِهِ وارْتَدَى؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:
إِذَا كشَفَ اليومُ العَمَاسُ عَنِ اسْتِه، ... فَلَا يَرْتَدي مِثْلي وَلَا يتَعَمَّمُ
كَنَى بِالِارْتِدَاءِ عَنْ تقَلُّد السيفِ، والتَّعَمُّمِ عَنْ حملِ البَيْضة أَو المِغْفَر؛ وَقَالَ ثَعْلَبٌ: مَعْنَاهُمَا أَلْبَسُ ثيابَ الْحَرْبِ وَلَا أَتَجَمَّل. والرِّدَاءُ: القَوْسُ؛ عَنِ الْفَارِسِيِّ. وَفِي الْحَدِيثِ:
نِعْمَ الرِّداءُ القَوْسُ
لأَنها تُحْمَلُ مَوْضِعَ الرِّداءِ مِنَ العاتِقِ. والرِّداءُ: العقلُ. والرِّداءُ: الجهلُ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
رفَعْتُ رِداءَ الجهلِ عَنِّي وَلَمْ يَكُنْ ... يُقَصِّرُ عنِّي، قَبْلَ ذاكَ، رداءُ
وَقَالَ مَرَّةً: الرِّداء كلُّ مَا زَيَّنَك حَتَّى دارُكَ وابْنُكَ، فَعَلَى هَذَا يكونُ الرِّداء مَا زانَ وَمَا شانَ. ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ أَبوكَ رِدَاؤُكَ ودارُكَ رِدَاؤُكَ وبُنَيُّكَ رِدَاؤُكَ، وكلُّ مَا زَيَّنَكَ فَهُوَ رِدَاؤُكَ. ورِدَاءُ الشَّبابِ: حُسْنُه وغَضارَتُه ونَعْمَتُه؛ وَقَالَ رؤْبة:
حَتَّى إِذَا الدَّهْرُ اسْتَجَدَّ سِيما ... مِنَ البِلى يَسْتَوْهِبُ الوَسِيما
رِدَاءَهُ والبِشْرَ والنَّعِيما
يَسْتوْهِبُ الدّهرُ الوَسِيمَ أَي الوجهَ الوَسيم رِدَاءَهُ، وَهُوَ نَعْمَتُه، واسْتَجدّ سِيما أَي أَثَراً مِنَ البِلى؛ وَكَذَلِكَ قَوْلُ طَرَفَةَ:
ووَجْه، كأَنّ الشَّمسَ حَلَّتْ رِدَاءَها ... عَلَيْهِ، نَقيّ اللَّونِ لَمْ يَتَخَدَّدِ
أَي أَلقت حُسْنَهَا ونُورَها عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، مِنَ التَّحْلِيَةِ، فَصَارَ نُورُها زِينَةً لَهُ كالحَلْيِ. والمَرَادِي: الأَرْدِيةُ واحِدَتُها مِرْدَاةٌ؛ قَالَ:
لَا يَرْتَدِي مَرادِيَ الحَريرِ، ... وَلَا يُرَى بشِدّةِ الأَمِيرِ،
إلَّا لِحَلْبِ الشَّاةِ والبَعِيرِ
__________
(2) . وفي رواية أخرى: أَلْقَت رداءها(14/317)
وَقَالَ ثَعْلَبٌ: لَا وَاحِدَ لَهَا. والرِّدَاءُ: الدَّينُ. قَالَ ثَعْلَبٌ: وَقَوْلُ حَكِيمِ العرَب مَنْ سَرّه النّساءُ وَلَا نَساءَ، فلْيُباكِرِ الغَداءَ والعَشاءَ، وليخفِّفِ الرِّدَاء، وليُحْذِ الحِذاء، وليُقِلَّ غِشيانَ النِّساء؛ الرِّدَاءُ: هُنَا الدَينُ؛ قَالَ ثَعْلَبٌ: أَرادَ لَوْ زَادَ شَيْءٌ فِي الْعَافِيَةِ لَزَادَ هَذَا وَلَا يَكُونُ. التَّهْذِيبِ: وَرُوِيَ
عَنْ عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، أَنه قَالَ: مَنْ أَرادَ الْبَقَاءَ وَلَا بَقاء، فلْيُباكِرِ الغَداء، وليُخَفِّف الرِّدَاء، وليُقِلَّ غِشْيانَ النِّساءِ؛ قَالُوا لَهُ: وَمَا تَخْفِيفُ الرِّدَاء فِي البَقاءِ؟ فَقَالَ: قِلَّة الدَّيْنِ.
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وسُمِّي الدَّيْنُ رِدَاءً لأَن الرِّدَاء يقَع عَلَى المَنْكِبين والكَتِفَينِ ومُجْتَمَعِ العُنُقِ، والدَّيْنُ أَمانةٌ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ فِي ضَمَانِ الدَّيْنِ هَذَا لَكَ فِي عُنُقي ولازِمٌ رَقَبَتي، فَقِيلَ للدَّينِ رِدَاءٌ لأَنه لَزِمَ عُنُقَ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ كالرِّداءِ الَّذِي يَلْزَم المَنْكِبين إِذَا تُرُدِّيَ بِهِ؛ وَمِنْهُ قِيلَ للسَّيفِ رِدَاءٌ لأَن مُتَقلِّدَه بحَمائِله مُتَرَدٍّ بِهِ؛ وَقَالَتْ خَنْسَاءُ:
وداهِيةٍ جَرَّها جارِمٌ، ... جعَلْتَ رِدَاءَكَ فِيهَا خِمارا
أَي عَلَوتَ بسَيْفِك فِيهَا رقابَ أَعْدائِكَ كالخِمارِ الَّذِي يتَجَلَّلُ الرأْسَ، وقَنَّعْتَ الأَبْطالَ فِيهَا بسيفِك. وَفِي حَدِيثِ
قُسٍّ: ترَدَّوْا بالصَّماصِمِ
أَي صَيَّرُوا السُّوُف بِمَنْزِلَةِ الأَرْدِية. وَيُقَالُ للوِشاحِ رِدَاءٌ. وَقَدْ تَرَدَّت الْجَارِيَةُ إِذَا توَشَّحَت؛ وَقَالَ الأَعشى:
وتَبْرُد بَرْدَ رِدَاءِ العَرُوسِ، ... بالصَّيفِ، رَقْرَقتَ فِيهِ العَبيرا
يَعْنِي بِهِ وِشاحَها المُخَلَّقَ بالخَلُوق. وامرأَة هَيْفاءُ المُرَدَّى أَي ضامِرَةُ موضعِ الوِشاحِ. والرِّدَاءُ: الشَّبَابُ؛ وَقَالَ الشَّاعِرُ:
وهَذَا رِدَائِي عِنْدَهُ يَسْتَعِيرُهُ
الأَصمعي: إِذَا عَدَا الفَرَسُ فرَجَم الأَرْضَ رَجْماً قِيلَ رَدَى، بِالْفَتْحِ، يَرْدِي رَدْياً ورَدَيَاناً. وَفِي الصِّحَاحِ: رَدَى يَرْدِي رَدْياً ورَدَيَاناً إِذَا رَجَم الأَرضَ رَجْماً بَيْنَ العَدْو والمَشْي الشَّدِيدِ؛ وَفِي حَدِيثِ عَاتِكَةَ:
بجَأْوَاءَ تَرْدِي حافَتَيه المَقَانِبُ
أَي تَعْدُو. قَالَ الأَصمعي: قُلْتُ لِمُنْتَجِعِ بنِ نَبهان مَا الرَّدَيان؟ قَالَ: عَدْوُ الحِمارِ بَيْنَ آرِيِّهِ ومُتَمَعَّكِه. ورَدَت الخَيْلُ رَدْياً ورَدَياناً: رَجَمَت الأَرضَ بحَوافِرِها فِي سَيْرِها وعَدْوِها، وأَرْدَاها هُو، وَقِيلَ: الرَّدَيانُ التَّقْريبُ، وَقِيلَ: الرَّدَيَانُ عَدْوُ الفَرَس. ورَدَى الغُرابُ يَرْدِي: حَجَلَ. والجَواري يَرْدِينَ رَدْياً إِذَا رَفَعْنَ رِجْلًا ومَشَيْن عَلَى رِجْلٍ أُخْرَى يَلْعَبْنَ. ورَدَى الغُلامُ إِذَا رَفَع إحدَى رِجْلَيْه وقَفَزَ بالأُخرى. ورَدَيتُ فُلَانًا بحَجَرٍ أَرْدِيهِ رَدْياً إِذَا رَمَيْته؛ قَالَ ابْنُ حِلِّزَةَ:
وكأنَّ المَنونَ تَرْدِي بِنَا أعْصَم ... صمٍّ يَنْجَابُ عَنْه العَمَاءُ
وَرَدَيْتُه بالحِجارَةِ أَرْدِيهِ رَدْياً: رَمَيْته. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ الأَكوع: فَ رَدَيْتُهُم بِالْحِجَارَةِ
أَي رَمَيْتُهُم بِهَا. يُقَالُ: رَدَى يَرْدِي رَدْياً إِذَا رَمَى. والمِرْدَى والمِرْدَاةُ: الحَجَرُ وأَكثر مَا يُقَالُ فِي الحَجَرِ الثَّقِيلِ. وَفِي حَدِيثِ أُحد:
قَالَ أَبو سُفْيَانَ مَنْ رَدَاهُ
أَي منْ رَماهُ. ورَدَيْتُه: صَدَمْته. ورَدَيْت الحَجَرَ بِصَخْرَة أَو بِمعْوَلٍ إِذَا ضَرَبته بِهَا لتَكسِره. ورَدَيْت الشيءَ بالحَجَرِ: كَسَرْته.(14/318)
والمِرْدَاةُ: الصَّخْرة تَرْدِي بهَا، والحَجَر تَرْمِي بِهِ، وجَمْعُها المَرَادِي؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ فِي المَثَل: عِنْدَ جُحْرِ كُلِّ ضَبٍّ مِرْدَاتُهُ؛ يُضْرَبُ مَثَلًا للشيءِ العَتِيدِ لَيْسَ دونَه شيءٌ، وَذَلِكَ أَن الضبَّ لَيْسَ يَنْدَلُّ عَلَى جُحْرِه، إِذَا خَرَج مِنْهُ فَعَادَ إِلَيْهِ، إِلَّا بحَجَرٍ يَجعَلُه علامَةً لجُحْرِه فيَهْتَدِي بِها إليهِ، وتُشَبَّهُ بِهَا النّاقَةُ فِي الصَّلابَةِ فيقالُ مِرْدَاةٌ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الصَّخْرة يقالُ لَها رَدَاةٌ، وَجَمْعُهَا رَدَياتٌ؛ وقال ابن مقبل:
وقَافِية، مثل حَدِّ الرَّدَاةِ، ... لَمْ تَتّرِكْ لِمُجِيبٍ مَقالا
وَقَالَ طُفَيل:
رَدَاةٌ تَدَلَّتْ مِنْ صُخُورِ يَلَمْلَم
ويَلَمْلَمُ: جَبَلٌ. والمِرْدَاةُ: الحَجَر الَّذِي لَا يَكَادُ الرَّجُلُ الضابِطُ يَرْفَعه بيدِهِ يُرْدَى بِهِ الحجرُ، والمكانُ الغَليظُ يَحْفِرونَهُ فيَضْرِبُونَه فيُلَيِّنُونَهُ، ويُرْدَى بِهِ جُحْرُ الضَّبِّ إِذَا كَانَ فِي قَلْعَةٍ فَيُلَيِّنُ القَلْعَة ويَهْدِمُها، والرَّدْيُ إنَّما هُوَ رَفْعٌ بِهَا ورَمْيٌ بِهَا. الْجَوْهَرِيُّ: المِرْدَى حَجَرٌ يُرْمَى بِهِ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلرَّجُلِ الشُّجَاعِ: إِنَّهُ لَمِرْدَى حُروبٍ، وهُمْ مَرادِي الحُرُوبِ، وَكَذَلِكَ المِرْداةُ. والمِرْدَاةُ: صَخْرَةٌ تُكْسَرُ بِهَا الحِجَارَة. الْجَوْهَرِيُّ: والرَّدَاةُ الصَّخرَةُ، والجمعُ الرَّدَى؛ وَقَالَ:
فَحْلُ مَخَاضٍ كالرَّدَى المُنْقَضِ
والمَرَادِي: القَوائِمُ مِنَ الإِبِلِ والفِيَلة عَلَى التّشْبِيه. قَالَ اللَّيْثُ: تُسَمَّى قوائِمُ الإِبِلِ مَرادِيَ لثِقَلِها وشِدَّةِ وَطْئِها نعتٌ لَهَا خاصَّة، وَكَذَلِكَ مَرادِي الفِيل. والمَرَادِي: المَرامِي. وَفُلَانٌ مِرْدَى خُصومَةٍ وحَرْبٍ: صَبُورٌ عَلَيْهِمَا. ورَادَيْتُ عَنِ القَوْمِ مُرَادَاةً إِذَا رامَيْت بالحِجارةِ. والمُرْدِيُّ: خَشَبة تُدْفَعُ بِهَا السَّفِينَةُ تكونُ فِي يدِ المَلَّاحِ، والجمعُ المَرَادِي. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: والمَرْدَى مَفْعَلٌ مِنَ الرَّدَى وَهُوَ الهَلاكُ. ورَادَى الرجلَ: داراهُ وراوَدَهُ، وراوَدْتُه عَلَى الأَمرِ ورَادَيْتُه مَقْلُوبٌ مِنْهُ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: رادَيْته عَلَى الأَمْر راوَدْته كأَنه مَقْلُوبٌ؛ قَالَ طُفَيْل يَنْعَت فَرَسَه:
يُرادَى عَلَى فأْسِ اللِّجام، كأَنما ... يُرادَى بِهِ مِرْقاةُ جِذْعٍ مُشَذَّبِ
أَبو عَمْرٍو: رَادَيْت الرَّجُلَ وداجَيْته ودالَيْته وفانَيْته بِمَعْنًى واحِدٍ. والرَّدَى: الزِّيَادَةُ. يُقَالُ: مَا بَلَغَت رَدَى عَطائِكَ أَي زيادَتُك فِي العَطِيَّة. ويُعْجِبُني رَدَى قولِك أَي زيادةُ قَوْلك؛ وقال كثير:
له عَهْدُ ودٍّ لَمْ يُكَدَّرْ، يَزينُه ... رَدَى قَوْلِ معروفٍ حديثٍ ومُزْمِنِ
أَي يَزينُ عَهْدَ وِدِّهِ زيادةُ قولِ معروفٍ مِنْهُ؛ وَقَالَ آخَرُ:
تَضمّنَها بَناتُ الفَحْلِ عَنْهُمْ ... فأَعْطَوْها، وَقَدْ بَلَغوا رَدَاها
وَيُقَالُ: رَدَى عَلَى المائَةِ يَرْدِي وأَرْدَى يُرْدِي أَي زادَ. ورَدَيْت عَلَى الشَّيْءِ وأَرْدَيْت: زِدْتُ. وأَرْدَى عَلَى الخَمسينَ والثمانينَ: زادَ؛ وَقَالَ أَوس:
وأسْمَرَ خَطِّيّاً، كأَنَّ كُعوبَهُ ... نَوَى القَسْبِ، قَدْ أَرْدَى ذِرَاعًا عَلَى العَشْرِ
وَقَالَ اللَّيْثُ: لُغَةُ الْعَرَبِ أَرْدَأَ عَلَى الْخَمْسِينَ زَادَ. ورَدَتْ غَنَمي وأَرْدَتْ: زَادَتْ؛ عَنِ الْفَرَّاءِ؛ وأَما قَوْلُ كُثَيِّرُ عَزَّةَ:(14/319)
له عَهْدُ ودٍّ لم يُكَدَّرْ، يَزينُه ... رَدَى قَوْلِ معروفٍ حديثٍ ومُزْمِنِ
فَقِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ: رَدَى زِيَادَةٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأُراه بَنَى مِنْهُ مَصْدَراً عَلَى فَعِلَ كَالضَّحِكِ وَالْحُمْقِ، أَو اسْمًا عَلَى فعَل فوضَعه موضِعَ الْمَصْدَرَ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَإِنَّمَا قَضَيْنَا عَلَى مَا لَمْ تَظْهر فِيهِ الياءُ مِنْ هَذَا الْبَابِ بِالْيَاءِ لأَنها لامٌ مَعَ وُجُودِ رَدْيٍ ظَاهِرَةٍ وَعَدَمِ رَدْوٍ. وَيُقَالُ: مَا أَدرِي أَين رَدَى أَي أَين ذَهَبَ. ابْنُ بَرِّيٍّ: والمِرْدَاء، بالمدِّ، مَوْضِعٌ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
هَلَّا سأَلتُم، يَوْمَ مِرْدَاءِ هَجَرْ، ... إذْ قابَلَتْ بَكْرٌ، وإذْ فَرَّتْ مُضَرْ
وَقَالَ آخَرُ:
فَلَيْتَكَ حالَ البحرُ دونَكَ كلُّه، ... ومَنْ بالمَرَادِي مِنْ فَصيحٍ وأَعْجَمِ
قَالَ الأَصمعي: المَرَادِي جَمْعُ مِرْداءٍ، بِكَسْرِ الْمِيمِ، وَهِيَ رِمَالٌ منبطحة ليست بمُشْرِفة.
رذي: الرَّذِيُّ: الَّذِي أَثقَلَه المَرَض، وَقَدْ رَذِيَ وأُرْذِيَ. والرَّذِيُّ مِنَ الإِبل: المهزُولُ الهالِكُ الَّذِي لَا يَستطيعُ بَراحاً وَلَا يَنبَعِث، والأُنْثَى رَذِيَّة. وَفِي الصِّحَاحِ: الرَّذِيَّة النَّاقَةُ الْمَهْزُولَةُ مِنَ السَّيْرِ، وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: هِيَ الْمَتْرُوكَةُ الَّتِي حسَرَها السفَرُ لَا تَقْدِرُ أَن تَلْحَق بِالرِّكَابِ. وَفِي حَدِيثِ الصَّدَقَةِ:
فَلَا يُعْطِي الرَّذِيَّةَ وَلَا الشّرَطَ اللّئِيمَة
أَي الهَزيلَة. والرَّذِيُّ: الضَّعِيفُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَالْجَمْعُ رَذَايَا ورُذَاةٌ؛ الأَخيرة شاذَّة، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعَسَى أَن يَكُونَ عَلَى تَوَهُّمِ رَاذٍ، وَقَدْ رَذِيَ يَرْذَى رَذَاوَةً، وَقَدْ أَرْذَيْتُه. الْجَوْهَرِيُّ: وَقَدْ أَرْذَيْت نَاقَتِي إِذَا هَزَلْتها وخَلَّفْتها. والمُرْذَى: المَنْبُوذ، وَقَدْ أَرْذَيْتُه. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ الأَكوع: ف أَرْذَوْا فَرَسَيْنِ فأَخذتُهُما
أَي تركوهُما لضَعْفِهِما وهُزالِهِما، وَرُوِيَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مِنَ الرَّدَى الهَلاكِ أَي أَتْعَبُوهما وخَلَّفوهما، وَالْمَشْهُورُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وقضَيْنا عَلَى هَذَا بِالْوَاوِ لِوُجُودِ رَذَاوَةٍ. وَفِي حَدِيثِ
يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: فَقَاءَهُ الحُوتُ رَذِيّاً.
ابْنُ الأَعرابي: الرَّذِيُّ الضَّعِيفُ مِنْ كُلِّ شيءٍ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
يَأْوِي إِلَى الأَطنابِ كُلُّ رَذِيَّةٍ ... مِثلِ البَلِيّةِ، قالِصاً أهدامُها
أَراد: كلُّ امرأَة أَرْذاها الجوعُ والسُّلالُ؛ والسُّلالُ: داءٌ باطِنٌ ملازِمٌ للجَسَدِ لَا يَزَال يَسُلُّه ويُذِيبُه.
رزا: ابْنُ الأَعرابي: رَزَا فلانٌ فُلَانًا إِذَا بَرَّه؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: أَصله مَهْمُوز فخُفِّفَ وكُتِبَ بالأَلف، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: رَزَا فلانٌ فلانا إذا قَبِلَ بِرَّهُ. الأُمَوِي: أَرْزَيْتُ إِلَى اللَّهِ أَي اسْتَنَدْت. وقال شمر: إنه لَ يُرْزِي إِلَى قُوّةٍ أَي يَلْجأُ إِلَيْهَا. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذَا جَائِزٌ غَيْرُ مَهْمُوزٍ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ رؤْبة:
يُرْزِي إِلَى أَيْدِ شَديدٍ إيَادْ
الْجَوْهَرِيُّ: أَرْزَيْتُ ظَهْري إِلَى فُلَانٍ أَي الْتَجَأْتُ إِلَيْهِ؛ قَالَ رؤْبة:
لَا تُوعِدَنِّي حَيَّةٌ بالنَّكْزِ، ... أَنا ابنُ أَنْضادٍ إِلَيْهَا أُرْزِي،
نَغْرِفُ منْ ذِي غَيِّثٍ ونُؤْزِي
الأَنضاد: الأَعمام. أَنضاد الرَّجُلِ: أَعمامه وأَخواله الْمُتَقَدِّمُونَ فِي الشَّرَفِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَوْلا أَنّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ ضَلالَةَ العَمَلِ مَا رَزَيْنَاكَ عِقالًا
، جاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ هَكَذَا غَيْرَ مَهْمُوزٍ، قَالَ: والأَصل الْهَمْزُ، وَهُوَ مِنَ التَّخْفِيفِ الشَّاذِّ، وضلالَةُ العَمَل:(14/320)
بُطْلانُه وذَهابُ نَفْعِه.
رسا: رَسَا الشَّيءُ يَرْسُو رُسُوّاً وأَرْسَى: ثَبَتَ، وأَرْسَاه هُوَ. ورَسَا الجَبَلُ يَرْسُو إِذَا ثَبَت أَصلهُ فِي الأَرض، وجبالٌ رَاسِياتٌ. والرَّوَاسِي مِنَ الْجِبَالِ: الثَّوابتُ الرَّواسخُ؛ قَالَ الأَخفش: وَاحِدَتُهَا رَاسِيةٌ. ورَسَتْ قَدَمُه: ثبَتَتْ فِي الحَرْب. ورَسَتِ السَّفينةُ تَرْسُو رُسُوّاً: بَلَغَ أَسفلُها القَعْرَ وَانْتَهَى إِلَى قرارِ الماءِ فَثَبَتَت وَبَقِيَتْ لَا تَسير، وأَرْساها هُوَ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ فِي قِصَّةِ نُوحٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَسَفِينَتِهِ:
بِسْمِ الله مَجْريها ومُرْساهَا
، وقرئَ:
مُجْرِيهَا ومُرْسِيها
، عَلَى النَّعْتِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ الْجَوْهَرِيُّ: مَنْ قرأَ مُجْراها ومُرْساهَا، بِالضَّمِّ، مِنْ أَجْرَيْت وأَرْسَيْت، ومَجْراها ومَرْسَاها، بِالْفَتْحِ، مِنْ رَسَت وجَرَت؛ التَّهْذِيبِ: القرَّاء كُلُّهُمُ اجْتَمَعُوا عَلَى ضَمِّ الْمِيمِ مِنْ مُرْساها وَاخْتَلَفُوا فِي مُجْراها، فقرأَ الْكُوفِيُّونَ مَجْراها وقرأَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وأَبو عَمْرٍو وَابْنُ عَامِرٍ مُجْراها؛ قَالَ أَبو إِسْحَاقَ: مَنْ قرأَ مُجْراها ومُرْساها فَالْمَعْنَى بِسْمِ اللَّهِ إجْراؤُها وإرساؤُها، وَقَدْ رَسَت السَّفينةُ وأَرْساها اللهُ، قَالَ: ولَوْ قُرِئَت مُجْرِيها ومُرْسِيها فَمَعْنَاهُ أَن اللَّهَ يُجْريها ويُرْسيها، وَمَنْ قرأَ مَجْراها ومَرْساها فَمَعْنَاهُ جَرْيُها وثَباتُها غَيْرُ جارِيَة، وجائز أَن يكونا بمَعنَى مُجْراها ومُرْساها. وَقَوْلُهُ عزَّ وجل: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها*
؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى يسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ متَى وقُوعُها، قَالَ: وَالسَّاعَةُ هُنَا الْوَقْتُ الَّذِي يموتُ فِيهِ الخَلْق. والمِرْساةُ: أَنْجَرُ السَّفينة الَّتِي تُرْسَى بِهَا، وَهُوَ أَنْجَرُ ضَخْمٌ يُشَدُّ بالحِبال ويُرْسلُ فِي الْمَاءِ فيُمْسِكُ السَّفينة ويُرْسِيها حَتَّى لَا تَسِير، تُسَمِّيها الفُرْسُ [لَنْگَرْ] . قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يُقَالُ أَرْسَيْتُ الوَتِدَ فِي الأَرض إِذَا ضَرَبْتَه فِيهَا؛ قَالَ الأَحوص:
سِوَى خَالِدَاتٍ مَا يُرَمْنَ وهَامِدٍ، ... وأَشْعَتَ تُرْسِيه الوَلِيدَةُ بالفِهْرِ
وَإِذَا ثَبَتَت السَّحابة بِمَكَانٍ تُمطِر قِيلَ: أَلْقَت مَرَاسِيَها. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: ألْقَت السَّحابَةُ مَراسِيَها اسْتَقَرَّت ودَامَتْ وجَادَت. ورَسا الفَحْل بِشُوَّلِهِ: هَدَرَ بِهَا فاسْتَقَرَّت. التَّهْذِيبِ: والفَحْل مِنَ الإِبِل إِذَا تَفَرَّقَ عَنْهُ شُوَّلُه فَهَدَرَ بِهَا ورَاغَت إِلَيْهِ وسَكَنَت قِيلَ رَسَا بِهَا؛ وَقَالَ رؤْبة:
إِذَا اشمعَلَّتْ سَنَناً رَسَا بِهَا ... بِذات خَرْقَيْن إِذَا حَجَا بِها
اشمعَلَّت: انْتَشَرَتْ، وَقَوْلُهُ: بِذَاتِ خَرْقَيْنِ يَعْنِي شِقْشِقَة الفَحْلِ إِذَا هَدَرَ فِيهَا. وَيُقَالُ: أَرْسَتْ قَدماه أَي ثَبَتَتا. الْجَوْهَرِيُّ: وَرُبَّمَا قَالُوا قَد رَسا الفَحْلُ بالشُّوَّل وَذَلِكَ إِذَا قَعَا عَلَيْها. وقِدْرٌ رَاسِيَة: لَا تَبْرَح مَكَانَها وَلَا يُطاقُ تَحْوِيلُها. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَقُدُورٍ راسِياتٍ
؛ قَالَ الفراءُ: لَا تُنْزَلُ عَنْ مَكَانِها لعِظَمِها. والرَّاسِيَةُ: الَّتِي تَرْسُو، وَهِيَ الْقَائِمَةُ. وَالْجِبَالُ الرَّوَاسِي والرَّاسِياتُ: هِيَ الثَّوابِتُ. ورَسَا لَهُ رَسْواً مِنْ حَدِيثٍ: ذَكَرَهُ. ورَسَوْت لَهُ إِذَا ذَكَرْتَ لَهُ طَرَفاً مِنْهُ. ورَسَوْتُ عَنْهُ حَديثاً أَرْسُوهُ رَسْواً، ورَسَا عَنْهُ حَدِيثًا رَسْواً: رَفَعه وحَدَّث بِهِ عَنْهُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ عُمر بْنُ قَبِيصة العَبْدِي مِنْ بَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَارِمٍ:
أَبا مَالِكٍ، لَوْلا حَواجِزُ بَيْنَنا ... وحُرْماتُ حَقّ لَمْ تُهَتَّكْ سُتُورُها،
رَمَيْتُك إذْ عَرَّضْتَ نَفْسَكَ رَمْيَةً ... تَبَازَخُ مِنْها، حِينَ يُرْسَى عَذِيرُها(14/321)
قَوْلُهُ: حِينَ يُرْسَى عَذِيرُها أَي حِينَ يُذْكَرُ حالُها وحَدِيثُها. ابْنُ الأَعرابي: الرَّسُّ والرُّسُوُّ بِمَعْنًى واحدٍ. ورَسَسْتُ الحَدِيثَ أَرُسُّه فِي نَفْسِي أَي حَدَّثْتُ بِهِ فِي نَفْسي؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِذِي الرُّمَّةِ:
خَلِيلَيَّ، عُوجَا، بارَكَ اللهُ فِيكُمَا، ... عَلَى دارِ مَيّ، أَوْ أَلِمَّا فَسَلِّمَا
كَمَا أَنْتُما لَوْ عُجْتُمَا بِي لِحاجةٍ، ... لَكَانَ قَلِيلًا أَنْ تُطاعَا وتُكْرَما
أَلِمَّا بمَحْزُونٍ سَقِيمٍ، وأَسْعِفا ... هواهُ بمَيّ قَبْلَ أَنْ تَتَكَلَّما
أَلا فاحْذَرَا الأَعْداءَ واتَّقِياهُمُ، ... ورُسَّا إِلَى مَيّ كَلَامًا مُتَمَّما
وَفِي حَدِيثِ
النَّخَعي: إِنِّي لأَسْمَعُ الحديثَ «3» . فأُحَدِّثُ بِهِ أَرُسُّه فِي نَفْسي
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: أَبتدئ بِذِكْرِ الْحَدِيثِ ودَرْسِهِ فِي نَفْسي وأُحَدِّثُ بِهِ خَادِمِي أَسْتَذْكِرُ الْحَدِيثَ؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَاهُ أُرَدِّدُه وأُعاوِدُ ذِكْرَه. ورَسا الصومَ إِذَا نَواهُ. ورَاسَى فلانٌ فُلَانًا إِذَا سابَحَه، وساراهُ إِذَا فاخَرَه. ورَسَا بينَهم رَسْواً: أَصْلَح. والرَّسْوَةُ: السِّوارُ مِنَ الذَّبْلِ، وَقَالَ كُرَاعٌ: الرَّسْوَةُ الدَّسْتِينَجُ، وجمعهُ رَسَوات وَلَا يُكَسَّر، وَقِيلَ: الرَّسْوَةُ السِّوارُ إِذَا كَانَ مِنْ خَرَزٍ فَهُوَ رَسْوةٌ. الْجَوْهَرِيُّ: الرَّسْوَةُ شَيْءٌ مِنْ خَرَزٍ يُنْظَمُ. ابْنُ الأَعرابي: الرَّسِيُّ الثَّابِتُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ. والرَّسِيُّ: الْعَمُودُ الثابتُ فِي وسَط الخِباءِ. الْجَوْهَرِيُّ: تَمْرةٌ نِرْسِيانَةٌ، بِكَسْرِ النُّونِ، لضرب من التَّمْرِ.
رشا: الرَّشْوُ: فِعْلُ الرَّشْوَةِ، يُقَالُ: رَشَوْتُه. والمُرَاشَاةُ: المُحاباةُ. ابْنُ سِيدَهْ: الرَّشْوَةُ والرُّشْوَةُ والرِّشْوَةُ مَعْرُوفَةٌ: الجُعْلُ، وَالْجَمْعُ رُشىً ورِشىً؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ رُشْوَةٌ ورُشىً، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رِشْوَةٌ ورِشىً، والأَصل رُشىً، وأَكثر الْعَرَبِ يَقُولُ رِشىً. ورَشَاه يَرْشُوه رَشْواً: أَعطاه الرَّشْوَةَ. وَقَدْ رَشا رَشْوَةَ وارْتَشَى مِنْهُ رَشْوَةً إِذَا أَخذَها. ورَاشَاهُ: حَابَاهُ. وتَرَشَّاه: لايَنَهُ. ورَاشَاه إِذَا ظاهرهَ. قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: الرُّشْوَةُ مأْخوذة مِنْ رَشَا الفَرْخُ إِذَا مدَّ رأْسَه إِلَى أُمِّه لتَزُقَّه. أَبو عُبَيْدٍ: الرَّشَا مِنْ أَولاد الظِّباء الَّذِي قَدْ تحرَّك وتمشَّى. والرِّشَاءُ: رَسَنُ الدَّلوِ. والرَّائِشُ: الَّذِي يُسْدي بَيْنَ الرَّاشِي والمُرْتَشِي. وَفِي الْحَدِيثِ:
لعَنَ اللهُ الرَّاشِيَ والمُرْتَشِيَ والرَّائِشَ.
قَالَ ابْنُ الأَثير: الرَّشْوَةُ والرُّشْوَةُ الوُصْلَةُ إِلَى الْحَاجَةِ بالمُصانعة، وأَصله مِنَ الرِّشَاءِ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الْمَاءِ، فالرَّاشِي مَنْ يُعطي الَّذِي يُعينُه عَلَى الْبَاطِلِ، والمُرْتَشِي الآخذُ، والرَّائِش الَّذِي يَسْعَى بَيْنَهُمَا يَسْتَزيد لِهَذَا ويَسْتَنْقِصُ لِهَذَا، فأَما مَا يُعطى توصُّلًا إِلَى أَخذِ حَقّ أَو دفعِ ظلمٍ فغيرُ داخِلٍ فِيهِ.
وَرُوِيَ أَن ابْنَ مَسْعُودٍ أُخِذَ بأَرضِ الحَبَشة فِي شَيْءٍ فأَعْطى دِينَارَيْنِ حَتَّى خُلِّيَ سبيلُه
،
وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَئمة التَّابِعِينَ قَالُوا: لَا بأْس أَن يُصانعَ الرجلُ عَنْ نفسهِ ومالهِ إِذَا خافَ الظُّلْمَ.
والرِّشاءُ: الحبْلُ، وَالْجَمْعُ أَرْشِيَةٌ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَإِنَّمَا حَمَلْنَاهُ عَلَى الْوَاوِ لأَنه يُوصَلُ بِهِ إِلَى الْمَاءِ كَمَا يوصَلُ بالرُّشْوَةِ إِلَى مَا يُطلَبُ مِنَ الأَشياء. قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَمِنْ كَلَامِ المؤَخِّذات لِلرِّجَالِ أَخَّذْتُه بدُبَّاء مُمَلَّإٍ مِنَ الماءِ مُعَلَّقٍ بتِرْشاء؛ قَالَ: التِّرْشَاءُ الْحَبْلُ، لَا يُسْتَعمَلُ هَكَذَا إِلَّا فِي هَذِهِ الأُخْذةِ. وأَرْشى
__________
(3) . قوله [إني لأَسمع الحديث إلخ] هكذا في الأَصل. ولفظ النهاية: إني لأَسمع الْحَدِيثَ أَرُسُّهُ فِي نَفْسِي وأحدث بِهِ الْخَادِمَ، أَرُسُّهُ فِي نفسي أي أثبته إلخ(14/322)
الدَّلْوَ: جَعَلَ لَهَا رِشاءً أَيْ حَبْلًا. والرِّشَاءُ: مِنْ مَنَازِلِ الْقَمَرِ، وَهُوَ عَلَى التَّشْبِيهِ بِالْحَبْلِ. الْجَوْهَرِيُّ الرِّشَاءُ كواكبُ كَثِيرَةٌ صغارٌ عَلَى صُورَةِ السَّمَكة يُقَالُ لَهَا بطنُ الحُوت، وَفِي سُرَّتِها كَوْكَبٌ نَيِّرٌ يِنزِلُه الْقَمَرُ. وأَرْشِيَةُ الحنظلِ واليقطينِ: خُيوطه. وَقَدْ أَرْشَت الشجرةُ وأَرْشَى الحنظلُ إِذَا امْتَدَّتْ أَغصانُه. قَالَ الأَصمعي: إِذَا امْتَدَّتْ أَغصانُ الحَنظل قِيلَ قَدْ أَرْشَتْ أَي صَارَتْ كالأَرْشِيَة، وَهِيَ الحِبال. أَبو عَمْرٍو: اسْتَرْشَى مَا فِي الضَّرْع واسْتَوْشى مَا فِيهِ إِذَا أَخْرَجَهُ. واسْتَرْشَى فِي حُكْمِهِ: طَلَبَ الرَّشْوَة عَلَيْهِ. واسْتَرْشَى الفصيلُ إِذَا طَلَبَ الرَّضاع، وَقَدْ أَرْشَيْتُه إرْشاءً. ابْنُ الأَعرابي: أَرْشَى الرجلُ إِذَا حكَّ خَوْرانَ الْفَصِيلِ ليعدُوَ، وَيُقَالُ لِلْفَصِيلِ الرَّشِيُّ. والرَّشَاةُ: نَبْتٌ يُشْرَب للْمَشِيِّ؛ وَقَالَ كُرَاعٌ: الرَّشَاةُ عُشبةٌ نحوُ القَرْنُوَةِ، وَجَمْعُهَا رَشاً. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وحملْنا الرَّشِيّ عَلَى الْوَاوِ لِوُجُودِ ر ش وو عدم ر ش ي.
رصا: ابْنُ الأَعرابي: رَصَاه إِذَا أَحكمَهُ، ورَصَاهُ إِذَا نَواهُ للصومِ، وَاللَّهُ أَعلم.
رضي: الرِّضَا، مقصورٌ: ضدُّ السَّخَطِ. وَفِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ:
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعوذُ برِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وبمُعافاتِكَ مِنْ عُقوبَتِكَ، وأَعوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصي ثَناءً عَلَيْكَ أَنت كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ
، وَفِي رِوَايَةٍ:
بَدأَ بالمُعافاة ثُمَّ بالرِّضَا
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: إِنَّمَا ابتدأَ بالمُعافاة مِنَ الْعُقُوبَةِ لأَنها مِنْ صِفَاتِ الأَفعال كالإِماتة والإِحياء والرِّضَا؛ والسَّخَطُ مِنْ صِفَاتِ الْقَلْبِ، وصفاتُ الأَفعال أَدْنى رُتبةً مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ، فبدأَ بالأَدْنى مُتَرَقِّياً إِلَى الأَعلى، ثُمَّ لمَّا ازْدَادَ يَقِينًا وارْتَقى تَرَكَ الصفاتِ وقَصَر نَظَرُهُ عَلَى الذَّاتِ فَقَالَ أَعوذ بِكَ مِنْكَ، ثُمَّ لمَّا ازْدَادَ قُرْبًا اسْتَحيْا مَعَهُ مِنَ الاسْتِعاذة عَلَى بِسَاطِ القُرْب فالْتَجأَ إِلَى الثَّناءِ فَقَالَ لَا أُحْصي ثَناءً عَلَيْكَ، ثُمَّ عَلِمَ أَن ذَلِكَ قُصورٌ فَقَالَ أَنت كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نفسِك؛ قَالَ: وأَما على الرواية الأُولى فَإِنَّمَا قَدَّمَ الِاسْتِعَاذَةَ بالرِّضا عَلَى السَّخَط لأَن المُعافاة مِنَ العُقوبة تَحْصُلُ بِحُصُولِ الرِّضَا، وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا لأَن دَلَالَةَ الأُولى عَلَيْهَا دَلَالَةُ تَضَمُّنٍ، فأَراد أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهَا دَلَالَةَ مُطَابَقَةٍ فَكَنَّى عَنْهَا أَولًا ثُمَّ صَرَّحَ بِهَا ثَانِيًا، ولأَن الراضِيَ قَدْ يعاقِب لِلْمَصْلَحَةِ أَو لِاسْتِيفَاءِ حقِّ الْغَيْرِ. وَتَثْنِيَةُ الرِّضا رِضَوانِ ورِضَيانِ، الأُولى عَلَى الأَصل والأُخرى عَلَى المُعاقبة، وكأَن هَذَا إِنَّمَا ثُنِّيَ عَلَى إِرَادَةِ الْجِنْسِ. الْجَوْهَرِيُّ: وَسَمِعَ الْكِسَائِيُّ رِضَوانِ وحِمَوانِ فِي تَثْنِيَةِ الرِّضا والحِمى، قَالَ: وَالْوَجْهُ حِمَيان ورِضَيان، فَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُهُمَا بِالْيَاءِ عَلَى الأَصل، وَالْوَاوُ أَكثر، وَقَدْ رَضِيَ يَرْضَى رِضاً ورُضاً ورِضْوَاناً ورُضْوَاناً، الأَخيرة عَنْ سِيبَوَيْهِ ونَظَّرهَ بشُكْران ورُجْحانٍ، ومَرْضَاةً، فَهُوَ رَاضٍ مِنْ قَوْمٍ رُضَاةٍ، ورَضِيٌّ مَنْ قَوْمٍ أَرْضِيَاءَ ورُضاةٍ؛ الأَخيرة عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهِيَ نَادِرَةٌ، أَعني تَكْسِيرَ رَضِيّ عَلَى رُضاةٍ، قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّهُ جَمَعَ رَاضٍ لَا غَيْرَ، ورَضٍ مِنْ قَوْمٍ رَضِينَ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَقَالُوا رَضْيُوا كَمَا قَالُوا غَزْيا، أَسكن العينَ، وَلَوْ كَسَرَهَا لحذفَ لأَنه لَا يَلْتَقي سَاكِنَانِ حَيْثُ كَانَتْ لَا تَدْخُلُهَا الضَّمَّةُ وَقَبْلَهَا كَسْرَةٌ، وراعَوْا كَسْرَةَ الضَّادِ فِي الأَصل فَلِذَلِكَ أَقروها يَاءً، وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ نَادِرَةٌ. ورَضِيتُ عَنْكَ وعَلَيْكَ رِضىً، مقصورٌ: مصدرٌ مَحْضٌ، والاسمُ الرِّضَاءُ، ممدودٌ عَنِ الأَخفش؛ قَالَ القُحَيْفُ العُقَيْلي:
إِذَا رَضِيَتْ عَليَّ بَنو قُشَيْرٍ ... لَعَمْرُ اللهِ أَعْجَبَني رِضاها(14/323)
وَلَا تَنْبو سُيوفُ بَني قُشَيْرٍ، ... وَلَا تَمْضي الأَسِنَّةُ فِي صَفاها
عَدَّاهُ بعَلى لأَنَّه إِذَا رَضِيَتْ عَنْهُ أَحَبَّتْه وأَقْبَلَت عليه، فذلك اسْتَعْمل عَلَى بِمَعْنَى عَنْ. قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَكَانَ أَبو عَلِيّ يَسْتَحْسِنُ قَوْلَ الْكِسَائِيِّ فِي هَذَا، لأَنه لمَّا كَانَ رَضِيتُ ضِدَّ سَخِطْت عَدَّى رَضيتُ بعَلى، حَمْلًا لِلشَّيْءِ عَلَى نَقِيضِهِ كَمَا يُحْمَلُ عَلَى نَظيره، قَالَ: وَقَدْ سَلَكَ سِيبَوَيْهِ هذه الطريق في المصادر كَثِيرًا فَقَالَ: قَالُوا كَذَا كَمَا قَالُوا كَذَا، وأَحدُهما ضدُّ الآخرَ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ*
؛ تأْويله أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَضِيَ عَنْهُم أَفْعالَهم وَرَضُوا عَنْهُ مَا جَازَاهُمْ بِهِ. وأَرْضاهُ: أَعْطاهُ مَا يَرْضى بِهِ. وتَرَضَّاهُ طَلَب رِضاه؛ قَالَ:
إِذَا العَجوزُ غَضِبَتْ فَطَلِّقِ، ... وَلَا تَرَضَّاها وَلَا تَمَلَّقِ
أَثبت الأَلف مِنْ تَرَضَّاها فِي مَوْضِعِ الْجَزْمِ تَشْبِيهًا بِالْيَاءِ فِي قَوْلِهِ:
أَلَمْ يَأْتيكَ، والأَنْباءُ تَنْمي، ... بِمَا لاقَتْ لَبونُ بَني زِيادِ؟
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لَئلَّا يَقُولَ تَرَضَّها فيلْحَقَ الجُزْءَ خَبْنٌ، عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ قَدْ رَواه عَلَى الْوَجْهِ الأَعْرَف: وَلَا تَرَضَّها وَلَا تَمَلَّقِ، عَلَى احْتِمَالِ الخَبْن. والرَّضِيُّ: المَرْضِيُّ. ابْنُ الأَعرابي: الرَّضِيُّ المُطيعُ والرَّضِيُّ الضّامِنُ. ورَضِيتُ الشيءَ وارْتَضَيْتُه، فَهُوَ مَرْضِيٌّ، وَقَدْ قالوا مَرْضُوٌّ، فجاؤوا بِهِ عَلَى الأَصْل. ابْنُ سِيدَهْ: ورَضِيَهُ لِذَلِكَ الأَمْر، فَهُوَ مَرْضُوٌّ ومَرْضِيٌّ. وارْتَضَاه: رَآهُ لَهُ أَهْلًا. ورجلٌ رِضىً مِنْ قَوْمٍ رِضىً: قُنْعانٌ مَرْضِيٌّ، وصَفوا بالمَصْدر؛ قَالَ زُهَيْرٌ:
هُمُ بَيْنَنا فَهُمْ رِضىً وهُمُ عَدْلُ
وصَفَ بِالْمَصْدَرِ الَّذِي فِي مَعْنى مَفْعول كَمَا وُصِفَ بالمَصْدر الَّذِي فِي مَعْنى فاعِلٍ فِي عَدْلٍ وخَصْمٍ. الصِّحَاحُ: الرِّضْوَانُ الرِّضا، وَكَذَلِكَ الرُّضْوانُ، بِالضَّمِّ، والمَرْضَاةُ مثلهُ. غَيره: المَرْضَاةُ والرِّضْوَان مَصْدَرَانِ، والقُرّاء كلهم قَرَؤُوا الرِّضْوَانَ، بِكَسْرِ الرَّاءِ، إلَّا مَا رُوِي عَنْ عَاصِمٍ أَنه قرأَ رُضْوَان وَيُقَالُ: هُوَ مَرْضِيٌّ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مَرْضُوٌّ لأَن الرِّضَا فِي الأَصل مِنْ بَنَاتِ الْوَاوِ، وَقِيلَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ*
أَي مَرْضِيَّة أَي ذَاتِ رِضًى كَقَوْلِهِمْ هَمٌّ ناصِبٌ. وَيُقَالُ: رُضِيَتْ مَعيشَتهُ، عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فاعلهُ، وَلَا يُقَالُ رَضِيَتْ. وَيُقَالُ: رَضِيتُ بِهِ صاحِباً، وَرُبَّمَا قَالُوا رَضِيتُ علَيْه فِي معنَى رَضِيتُ بِهِ وَعَنْهُ. وأَرْضَيْتُه عَنِّي ورَضَّيْته، بِالتَّشْدِيدِ أَيضاً، فَرَضِيَ. وتَرَضَّيته أَي أَرْضَيْته بَعْدَ جَهْدٍ. واسْتَرْضَيْتُه فأَرْضَانِي. ورَاضَانِي مُرَاضَاةً ورِضَاءً فَرَضَوْتُه أَرْضُوهُ، بِالضَّمِّ، إِذَا غَلَبْتَه فِيهِ لأَنه مِنَ الْوَاوِ، وَفِي الْمُحْكَمِ: فرَضَوْتُه كُنْتُ أَشدَّ رِضاً مِنْهُ، وَلَا يُمَدُّ الرِّضَا إِلَّا عَلَى ذَلِكَ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَإِنَّمَا قَالُوا رَضِيتُ عَنْهُ رِضاً، وَإِنْ كَانَ مِنَ الْوَاوِ، كَمَا قَالُوا شَبِعَ شِبَعاً، وَقَالُوا رَضِيَ لِمكان الْكَسْرِ وحَقُّه رَضُوَ، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: إِذَا جَعَلْتَ الرِّضَى بِمَعْنَى المُراضاةِ فَهُوَ مَمْدُودٌ، وَإِذَا جَعَلْتَهُ مصدَرَ رَضِي يَرْضَى رِضىً فَهُوَ مَقْصُورٌ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَقَالُوا عيشَة رَاضِيَة عَلَى النَّسب أَي ذَاتُ رِضاً. ورَضْوَى: جَبَل بالمَدينة، والنِّسْبة إِلَيْهِ رَضَوِي قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: ورَضْوَى اسْمُ جَبَلٍ بِعَيْنِهِ، وَبِهِ سُمِّيَتِ المرأَةُ، قَالَ: وَلَا أَحمله عَلَى بَابِ تَقْوَى لأَنه لَيْسَ فِي الْكَلَامِ ر ض ي فَيَكُونُ هَذَا مَحْمُولًا عَلَيْهِ.(14/324)
التَّهْذِيبِ: ورَضْوَى اسْمُ امرأَة؛ قَالَ الأَخطل:
عفَا واسِطٌ مِنْ آلِ رَضْوَى فَنَبْتَلُ، ... فَمُجْتَمَعُ المَجْرَيْنِ، فالصَّبْرُ أَجْمَلُ
وَمِنْ أَسماء النِّسَاءِ رُضَيَّا بِوَزْنِ الثُّرَيّا، وَتَكْبِيرُهُمَا رَضْوَى وثَرْوى. ورَضْوَى: فَرَس سَعْدِ بْنِ شُجَاعٍ، وَاللَّهُ أَعلم.
رطا: الأَرْطَى: شَجَرٌ مِنْ شَجَرِ الرَّمْل، وَهُوَ أَفْعَلُ مِنْ وجْهٍ وفَعْلى مِنْ وجْه لأَنهم يَقُولُونَ أَديمٌ مأْروط إِذَا دُبِغَ بوَرَقِه، وَيَقُولُونَ أَديمٌ مَرْطِيٌّ، وَالْوَاحِدَةُ أَرْطاة ولُحوقُ تَاءِ التأْنيثِ فِيهِ يدلُّ عَلَى أَن الأَلف فِيهِ لَيْسَتْ للتأْنيث وَإِنَّمَا هِيَ للإِلحاق، أَو بُنِيَ الاسمُ عَلَيْهَا؛ وَقَالَ الشَّاعِرُ يَصِفُ ذِئْبًا:
لمَّا رأَى أَنْ لَا دَعَهْ وَلَا شِبَعْ، ... مالَ إِلَى أَرْطَاةِ حِقْفٍ فاضْطَجَعْ
وأَرْطَتِ الأَرض: أَنْبَتَتِ الأَرْطى. والرَّوَاطِي: رِمالٌ تُنْبِتُ الأَرْطى؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
أَبْيَض مُنْهالًا منَ الرَّوَاطِي
وَرُوِيَ: مُنْهَلًّا مِن الرَّواطي، وفُسِّرَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَقِيلَ: الرَّوَاطِي كُثْبانٌ حُمْر، والأَوَّلُ أَصحُّ. وأَديم مَرْطِيٌّ: مَدْبُوغٌ بالأَرْطى. والرَّاطِيَة والرَّوَاطِي: مَوْضِعٌ مِنْ شِقِّ بَنِي سَعْدٍ، قِيلَ: بَنِي سَعْد الْبَحْرَيْنِ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
فِي دفِّ يَبْنِينَ مِن الرَّوَاطِي
الْجَوْهَرِيُّ: ورَاطِيَةُ اسمُ مَوْضِعٍ، وَكَذَلِكَ أُرَاطٌ؛ وَهُوَ فِي شِعْرِ عَمْرِو بْنِ كُلْثوم:
ونحنُ الحابِسونَ بذِي أُراطٍ، ... تَسَفُّ الجِلَّةُ الخُورُ الدَّرينا «1»
. ورَطاها رَطْواً: نكَحَها، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْهَمْزِ. والرَّوَاطِي: مواضع معروفة.
رعي: الرَّعْيُ: مَصْدَرُ رَعَى الكَلأَ ونحوَه يَرْعَى رَعْياً. والرَّاعِي يَرْعى الماشيةَ أَي يَحوطُها ويحفظُها. والماشيةُ تَرْعَى أَي تَرْتَفِعُ وتأْكل. ورَاعِي الماشيةِ: حافظُها، صفةٌ غَالِبَةٌ غلَبةَ الِاسْمِ، وَالْجَمْعُ رُعَاةٌ مِثْلُ قاضٍ وقُضاةٍ، ورِعَاءٌ مِثْلُ جائعٍ وجِياعٍ، ورُعْيانٌ مِثْلُ شَابٍّ وشُبَّانٍ، كسَّروه تَكْسِيرَ الأَسماء كَحاجِرٍ وحُجْرانٍ لأَنها صِفَةٌ غَالِبَةٌ، وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ اسْمٌ عَلَى فَاعِلٍ يَعْتَوِرُ عَلَيْهِ فُعَلَة وفِعالٌ إِلَّا هَذَا، وَقَوْلُهُمْ آسٍ وأُساةٌ وإساءٌ. وَفِي حَدِيثِ الإِيمان:
حَتَّى تَرى رِعاءَ الشَّاءِ يَتَطاوَلُون فِي البُنْيان.
وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ: كأَنه رَاعِي غَنَمٍ
أَي فِي الجَفَاء والبَذاذةِ. وَفِي حَدِيثِ
دُرَيْدٍ قَالَ يَوْمَ حُنَيْنٍ لِمَالِكِ بْنِ عَوْفٍ: إِنَّمَا هُوَ رَاعِي ضأْنٍ مَا لَه وللحربِ
، كأَنه يَسْتَجْهله ويُقَصِّر بِهِ عَنْ رُتْبةِ مَنْ يَقُودُ الجُيوشَ ويَسُوسُها؛ وأَما قَوْلُ ثَعْلَبَةُ بْنُ عُبَيْدٍ العَدَوِيِّ فِي صِفَةِ نَخْلٍ:
تَبِيتُ رُعَاها لَا تَخافُ نِزاعَها، ... وَإِنْ لَمْ تُقَيَّدْ بالقُيودِ وبالأُبض
فَإِنَّ أَبا حَنِيفَةَ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ رُعىً جمعُ رُعاةٍ، لأَن رُعاةً وَإِنْ كان جمعاً فإن لَفْظُهُ لَفْظُ الْوَاحِدِ، فَصَارَ كَمُهاةٍ ومُهىً، إِلَّا أَن مُهاةً وَاحِدٌ وَهُوَ ماءُ الْفَحْلِ فِي رَحِم النَّاقَةِ، ورُعَاة جَمْعٌ؛ وأَما قَوْلُ أُحَيْحَة:
وتُصْبِحُ حيثُ يَبِيتُ الرِّعَاء، ... وإنْ ضَيَّعوها وإنْ أَهْمَلُوا
إِنَّمَا عَنَى بالرِّعَاء هُنَا حَفَظَة النَّخْل لأَنه إِنَّمَا هُوَ فِي صِفَةِ النَّخِيل؛ يَقُولُ: تُصْبح النخلُ فِي أَماكنها لَا تَنْتَشِر كَمَا تَنْتَشِرُ الإِبل المُهْمَلة. والرَّعِيَّة: الماشيةُ الراعيةُ أَو المَرْعِيَّة؛ قال:
__________
(1) . رواية المعلقة: بذي أُراطى(14/325)
ثُمَّ مُطِرْنَا مَطْرَةً رَوِيَّهْ، ... فنَبَتَ البَقْلُ وَلَا رَعِيَّهْ
وَفِي التَّنْزِيلِ: حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ
؛ جَمْعُ الرَّاعِي. قَالَ الأَزهري: وأَكثر مَا يُقَالُ رُعَاةٌ للوُلاةِ، والرُّعْيَانُ لراعِي الغَنَمِ. وَيُقَالُ للنَّعَم: هِيَ تَرْعَى وتَرْتَعِي. وقرأَ بَعْضُ القُرَّاء:
أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً نَرْتَعِي
«2» . ونَلْعَبْ؛ وَهُوَ نَفْتَعِلُ مِنَ الرَّعْيِ، وَقِيلَ: مَعْنَى نَرْتَعِي أَي يَرْعَى بعضُنا بَعْضًا. وَفُلَانٌ يَرْعَى عَلَى أَبِيه أَي يَرْعَى غَنَمَه. الْفَرَّاءُ: يُقَالُ إنَّه لَتِرْعِيَّةُ مالٍ «3» . إِذَا كَانَ يَصْلُح المالُ عَلَى يَدِهِ ويُجِيدُ رِعْيةَ الإِبِل. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: رجلٌ تَرْعِيَّةٌ [تِرْعِيَّةٌ] وتِرْعِيٌّ، بِغَيْرِ هَاءٍ، نادرٌ؛ قَالَ تأَبط شَرًّا:
ولَسْت بِتِرْعِيّ طَوِيلٍ عَشَاؤُه، ... يُؤَنِّفُها مُسْتَأَنَفَ النَّبْتِ مُبْهِل
وَكَذَلِكَ تَرْعِيَّة وتُرْعِيَّة، مُشَدَّدَةُ الْيَاءِ، وتِرْعَايَة وتُرْعَايَةٌ بِهَذَا الْمَعْنَى صِناعتُه وصِنَاعة آبائِهِ الرِّعَايَة، وَهُوَ مِثَالٌ لَمْ يَذْكُرْهُ سِيبَوَيْهِ. والتِّرْعِيَّة: الحَسَن الالْتِماسِ والارْتِيادِ لِلْكَلإِ لِلْمَاشِيَةِ؛ وأَنشد الأَزهري لِلْفِرَاءِ:
ودَار حِفاظٍ قَدْ نَزَلْنَا، وغَيرُها ... أَحبُّ إِلَى التِّرْعِيَّةِ الشَّنَآنِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُ حَكِيمِ بْنِ مُعَيَّة:
يَتْبَعُها تِرْعِيَّةٌ فِيهِ خَضَعْ، ... في كَفِّه زَيْعٌ، وَفِي الرُّسْغِ فَدَعْ
والرِّعَايَةُ: حِرْفةُ الرَّاعِي، والمَسُوسُ مَرْعِيٌّ؛ قَالَ أَبو قَيْسِ بْنُ الأَسْلَت:
لَيس قَطاً مثلَ قُطَيّ، وَلَا المَرْعِيُّ، ... فِي الأَقْوامِ، كالرَّاعِي
وَرَعتِ الماشِيةُ تَرْعَى رَعْياً ورِعَايَةً وارْتَعَتْ وتَرَعَّتْ؛ قَالَ كُثَيِّرُ عَزَّةَ:
وَمَا أُمُّ خِشْفٍ تَرَعَّى بِهِ ... أَراكاً عَمِيماً ودَوْحاً ظَلِيلا
ورَعَاها وأَرْعَاها، يُقَالُ: أَرْعَى اللهُ المَواشِيَ إِذَا أَنْبَتَ لَهَا مَا تَرْعاه. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ
؛ وَقَالَ الشاعر:
كأَنَّها ظَبْيةٌ تَعْطُو إِلَى فَنَنٍ، ... تأْكُلُ مِنْ طَيِّبٍ، واللهُ يُرْعِيها
أَي يُنْبِتُ لَهَا مَا تَرْعَى، والاسمُ الرِّعْيَة؛ عَنِ اللِّحْيَانِيُّ. وأَرْعَاهُ المكانَ: جعلَهَ لَهُ مَرْعىً؛ قَالَ القُطامي:
فَمَنْ يَكُ أَرْعاهُ الحِمَى أَخَواتُه، ... فَما ليَ مِنْ أُخْتٍ عَوانٍ وَلَا بِكْرِ
وإبِلٌ رَاعِيةٌ، وَالْجَمْعُ الرَّوَاعِي. ورَعَى البعِيرُ الكلأَ بنَفْسِه رَعْياً، وارْتَعَى مثلُه؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ شَاهِدًا عَلَيْهِ:
كالظَّبْيةِ البِكْرِ الفَرِيدةِ تَرْتَعِي، ... فِي أَرْضِها، وفَراتِها وعِهادَها
خَضَبَتْ لَهَا عُقَدُ البِراقِ جَبِينَها، ... مِنْ عَرْكِها عَلَجانَها وعَرادَها
والرِّعْي، بِكَسْرِ الرَّاءِ: الكَلأُ نَفْسُه، وَالْجَمْعُ أَرْعَاءٌ. والمَرْعَى: كالرَّعْيِ. وَفِي التَّنْزِيلِ: وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى
. وَفِي الْمَثَلِ: مَرْعىً وَلَا كالسَّعْدانِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَوْلُ أَبي العِيالِ:
__________
(2) . قوله [نرتعي] كذا بالأَصل والتهذيب بإثبات الياء بعد العين وهي قراءة قنبل وقفاً ووصلًا كما في الخطيب المفسر
(3) . قوله [إنه لترْعِيَّة مال] حاصل لغاتها إنها مثلثة الأَول مع تشديد الياء المثناة التحتية وتخفيفها كما في القاموس(14/326)
أَفُطَيْم، هَلْ تَدْرِينَ كَمْ مِنْ مَتْلَفٍ ... جاوَزْتُ، لَا مَرْعىً وَلَا مَسْكُونِ؟
عِنْدِي أَن المَرْعَى هَاهُنَا فِي مَوْضِعِ المَرْعِيِّ لِمُقَابَلَتِهِ إِيَّاهُ بِقَوْلِهِ وَلَا مَسْكون. قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ المَرْعَى الرِّعْيَ أَي ذُو رِعْيٍ. قَالَ الأَزهري: أَفادني المُنْذِرِيُّ يُقَالُ لَا تَقْتَنِ فَتاةً وَلَا مَرْعاة فإنَّ لكُلٍّ بُغاةً؛ يَقُولُ: المَرْعَى حَيْثُ كَانَ يُطْلَبُ، والفَتاةُ حَيْثُمَا كَانَتْ تُخْطَبُ، لكلِّ فتاةٍ خاطِب، ولكلِّ مَرْعىً طَالِبٌ؛ قَالَ: وأَنشدني مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ:
ولَنْ تُعايِنَ مَرْعىً ناضِراً أُنُفاً، ... إلَّا وجَدْتَ بِهِ آثارَ مأْكُولِ
وأَرْعَتِ الأَرضُ: كثُر رِعْيُها. والرَّعايا والرَّعاوِيَّةُ: الْمَاشِيَةُ المَرْعِيَّة تَكُونُ لِلسُّوقَةِ وَالسُّلْطَانِ، والأَرْعاوِيَّةُ لِلسُّلْطَانِ خَاصَّةً، وَهِيَ الَّتِي عَلَيْهَا وُسومُه ورُسومُه. والرَّعاوَى والرُّعاوَى، بِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا: الإِبل الَّتِي تَرْعَى حَوالَى القومِ وديارِهم لأَنها الإِبل الَّتِي يُعْتَمَلُ عَلَيْهَا؛ قَالَتِ امرأَة مِنَ الْعَرَبِ تُعاتب زوجَها:
تَمَشَّشْتَني، حَتَّى إِذَا مَا تَرَكْتَنِي ... كنِضْوِ الرَّعاوَى، قلتَ: إنِّي ذَاهِبُ
قَالَ شَمِرٌ: لَمْ أَسمع الرَّعاوَى بِهَذَا الْمَعْنَى إِلَّا هَاهُنَا. وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: الأُرْعُوَّة بِلُغَةِ أَزْدِ شَنُوأَة نِيرُ الفَدَّان يُحْتَرَثُ بِهَا. والراعِي: الواليِ. والرَّعِيَّة: العامَّة. ورَعَى الأَمِيرُ رَعِيَّته رِعايةً، ورَعَيْتُ الإِبلَ أَرْعاها رَعْياً ورَعاه يَرْعاه رَعْياً ورِعايَةً: حَفِظَه. وَكُلُّ مَنْ وَلِيَ أَمرَ قومٍ فَهُوَ راعِيهم وهُم رَعِيَّته، فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ. وَقَدِ اسْتَرْعَاهُ إيَّاهم: اسْتَحْفَظه، واسْتَرْعَيْته الشيءَ فرَعَاه. وَفِي الْمَثَلِ: مَن اسْتَرْعَى الذئْبَ فَقَدْ ظَلَمَ أَي مَنِ ائتَمَنَ خَائِنًا فَقَدْ وَضَعَ الأَمانة فِي غيرِ موْضِعِها. ورَعَى النُّجُوم رَعْياً ورَاعَاها: راقَبَها وانْتَظَر مَغِيبَها؛ قَالَتِ الْخَنْسَاءُ:
أَرْعَى النُّجوم وَمَا كُلِّفْت رِعْيَتَها، ... وَتَارَةً أَتَغَشَّى فَضْلَ أَطْمارِي
ورَاعَى أَمرهَ: حَفِظَه وتَرَقَّبَه. والمُراعاة: المُناظَرة والمُراقَبَة. يُقَالُ: راعَيْتُ فُلَانًا مُرَاعَاةً ورِعَاءً إِذَا راقَبْتَه وتأَمَّلْت فِعْلَه. ورَاعَيْتُ الأَمرَ: نَظَرْت إلامَ يَصِيرُ. ورَاعَيْته: لاحَظته. ورَاعَيْته: مِنْ مُراعاةِ الحُقوق. وَيُقَالُ: رَعَيْتُ عَلَيْهِ حُرْمَتَه رِعَايَةً. وفلانُ [يُرَاعِي] أَمرَ فُلانٍ أَي يَنْظُرُ إِلَى مَا يَصِيرُ إِلَيْهِ أَمره. وأَرْعَى عَلَيْهِ: أَبْقى؛ قَالَ أَبو دَهْبَل: أَنشده أَبو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ:
إِنْ كَانَ هَذَا السِّحْرُ منكِ، فَلَا ... تُرْعِي عَليَّ وجَدِّدِي سِحْرا
والإِرْعَاءُ: الإِبْقاء عَلَى أَخيكَ؛ قَالَ ذُو الإِصْبَع:
بَغى بعضُهُمُ بَعْضاً، ... فَلَمْ يُرْعُوا عَلَى بَعْضِ
والرُّعْوَى: اسْمٌ مِنَ الإِرْعَاء وَهُوَ الإِبْقاءُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ قَيْسٍ:
إِنْ تَكُنْ للإِله فِي هَذِهِ الأُمَّةِ ... رُعْوَى، يعُدْ إِلَيْكَ النَّعيمُ
وأَرْعِنِي سَمْعَكَ ورَاعِنِي سمعكَ أَي اسْتَمِعْ إِلَيَّ. وأَرْعَى إِلَيْهِ: اسْتَمَع. وأَرْعَيْت فُلاناً سَمْعي إِذَا اسْتَمَعْت إِلَى مَا يقولُ وأَصْغَيْت إِلَيْهِ. وَيُقَالُ: فُلَانٌ لَا يُرْعِي إِلَى قَوْلِ أَحدٍ أَي لَا يلتفِتُ إِلَى أَحد. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا
؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ مِنَ الإِرْعاءِ والمُرَاعَاةِ،(14/327)
وَقَالَ الأَخفش: هُوَ فاعِلْنا مِنَ المُراعاة عَلَى مَعْنَى أَرْعِنا سَمْعَك وَلَكِنَّ الْيَاءَ ذَهَبَتْ للأَمْر،
وَقُرِئَ رَاعِناً
، بِالتَّنْوِينِ عَلَى إعْمال القولِ فِيهِ كأَنه قَالَ لَا تَقُولُوا حُمْقاً وَلَا تَقُولُوا هُجْراً، وَهُوَ مِنَ الرُّعونَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَقَالَ أَبو إِسْحَاقَ: قِيلَ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقوال، قَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ أَرْعِنا سَمْعَك، وَقِيلَ: أَرْعِنَا سَمْعَك حَتَّى نُفْهِمَك وتَفْهَمَ عَنَّا، قَالَ: وَهِيَ قِرَاءَةُ أَهل الْمَدِينَةِ، ويُصَدِّقُها
قِرَاءَةُ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ: لَا تَقُولُوا رَاعَوْنَا
، وَالْعَرَبُ تَقُولُ أَرْعِنا سَمْعك ورَاعِنَا سَمْعَك، وَقَدْ مَرَّ مَعْنَى مَا أَراد القومُ يقول رَاعِنا فِي تَرْجَمة رَعَنَ، وَقِيلَ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَقُولُونَ لِلنَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: راعِنا، وَكَانَتِ الْيَهُودُ تَسابُّ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ بَيْنَهَا، وكانوا يسُبُّون النبي، عليه السلام، فِي نُفوسِهِم فَلَمَّا سَمِعوا هَذِهِ الْكَلِمَةَ اغْتَنَمُوا أَن يُظْهِرُوا سَبَّهُ بِلَفْظٍ يُسمع وَلَا يَلْحَقُهُمْ فِي ظَاهِرِهِ شَيْءٌ؛ فأَظهر اللَّهُ النبيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمُسْلِمِينَ عَلَى ذَلِكَ ونَهَى عَنِ الْكَلِمَةِ، وَقَالَ قَوْمٌ: رَاعِنَا مِنَ المُرَاعَاة والمُكافأَةِ، وأُمِرُوا أَن يخاطِبوا النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بالتعزير والتَّوْقير، أَي لَا تَقُولُوا رَاعِنا أَي كافِئْنا فِي المَقال كَمَا يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ. وَفِي
مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: رَاعُونا.
ورَعى عَهْدَه وحَقَّه: حَفِظَه، وَالِاسْمُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ الرَّعْيا والرَّعْوَى. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأُرى ثَعْلَبًا حَكَى الرُّعوى، بِضَمِّ الرَّاءِ وَبِالْوَاوِ، وَهُوَ مِمَّا قُلِبَتْ يَاؤُهُ وَاوًا لِلتَّصْرِيفِ وَتَعْوِيضِ الْوَاوِ مِنْ كَثْرَةِ دُخُولِ الْيَاءِ عَلَيْهَا وَلِلْفَرْقِ أَيضاً بَيْنَ الِاسْمِ وَالصِّفَةِ، وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِثْلَهُ كالَبقْوى والفَتْوى والتَّقْوى والشَّرْوى والثَّنْوى، والبَقْوى والبَقْيا اسْمَانِ يُوضَعَانِ مَوْضِعَ الإِبْقاء. والرَّعْوى والرَّعْيا: مِنْ رِعايةِ الحِفاظِ. وَيُقَالُ: ارْعَوَى فُلَانٌ عَنِ الْجَهْلِ يَرْعَوِي ارْعِوَاءً حَسَناً ورَعْوى حَسَنةً، وَهُوَ نُزُوعُه وحُسْنُ رُجوعهِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: الرَّعْوَى والرَّعْيا النُّزُوعُ عَنِ الْجَهْلِ وحسنُ الرجوعِ عَنْهُ. وارْعَوَى يَرْعَوِي أَي كفَّ عَنِ الأُمور. وَفِي الْحَدِيثِ:
شَرُّ الناسِ رجلٌ يقرأُ كتابَ اللهِ لَا يَرْعَوِي إِلَى شَيءٍ مِنْهُ
أَي لَا ينكفُّ وَلَا يَنْزَجِرُ، مِنْ رَعَا يَرْعُو إِذَا كفَّ عَنِ الأُمور. وَيُقَالُ: فُلَانٌ حَسَنُ الرَّعْوَة والرِّعْوة والرُّعْوَة والرُّعْوَى والارْعِوَاء، وَقَدِ ارْعَوى عَنِ الْقَبِيحِ، وَتَقْدِيرُهُ افْعَوَلَ وَوَزْنُهُ افْعَلَل، وَإِنَّمَا لَمْ يُدْغَمْ لِسُكُونِ الْيَاءِ، وَالِاسْمُ الرُّعْيا، بِالضَّمِّ، والرَّعْوى بِالْفَتْحِ مِثْلُ البُقْيا والبَقْوى. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ: إِذَا كَانَتْ عِنْدَكَ شَهَادَةٌ فسُئِلْت عَنْهَا فأَخْبِرْ بِهَا وَلَا تقُلْ حَتَّى آتِيَ الأَمير لَعَلَّهُ يَرْجِعُ أَو يَرْعَوِي.
قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الارْعِوَاءُ النَّدَم عَلَى الشَّيْءِ وَالِانْصِرَافُ عَنْهُ والتركُ لَهُ؛ وأَنشد:
إِذَا قُلْتُ عَنْ طُول التَّنائي: قَدِ ارْعَوَى، ... أَبى حُبُّها إِلَّا بَقاءً عَلَى هَجْرِ
قَالَ الأَزهري: ارْعَوَى جَاءَ نَادِرًا، قَالَ: وَلَا أَعلم فِي الْمُعْتَلَّاتِ مِثْلَهُ كأَنهم بَنَوْهُ عَلَى الرَّعْوى وَهُوَ الإِبْقاءُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
إلَّا إرْعَاءً عَلَيْهِ
أَي إبْقاءً ورِفْقاً. يُقَالُ: أَرْعَيْتُ عَلَيْهِ، مِنَ المُرَاعَاةِ والمُلاحظةِ. قَالَ الأَزهري: وللرَّعْوَى ثلاثةُ مَعانٍ: أَحدها الرَّعْوى اسمٌ مِنَ الإِبْقاء، والرَّعْوَى رِعاية الحِفاظِ لِلْعَهْدِ، والرَّعْوى حسنُ المُراجَعةِ والنُّزوع عَنِ الجَهْلِ. وَقَالَ شَمِرٌ: تَكُونُ المُرَاعَاة مِنَ الرَّعْيِ مَعَ آخَرَ، يُقَالُ: هَذِهِ إبِلٌ تُرَاعِي الوَحْشَ أَي تَرْعى مَعَهَا. وَيُقَالُ: الحِمارُ يُراعِي الحُمُر أَي يَرْعى مَعَهَا؛ قَالَ أَبو ذُؤَيب:(14/328)
مِنْ وَحشِ حَوضَى يُرَاعِي الصَّيْدَ مُنْتَبِذاً، ... كأَنَّه كوْكَبٌ فِي الجَوِّ مُنْجَرِدُ
والمُرَاعَاةُ: المحافَظة والإِبْقاءُ عَلَى الشيءِ. والإِرْعَاء: الإِبْقاء. قَالَ أَبو سَعِيدٍ: يُقَالُ أَمْرُ كَذَا أَرْفَقُ بِي وأَرْعَى عليَّ. وَيُقَالُ: أَرْعَيْت عَلَيْهِ إِذَا أَبْقَيْت عَلَيْهِ ورحِمْتَه. وَفِي الْحَدِيثِ:
نِساءُ قُرَيْشٍ خيرُ نِساءٍ أَحْناهُ عَلَى طِفْلٍ فِي صِغَرِه وأَرْعَاهُ عَلَى زوجٍ فِي ذاتِ يدهِ
؛ هُوَ مِنَ المُراعاةِ الحِفْظِ والرِّفْقِ وتَخْفِيفِ الكُلَفِ والأَثْقالِ عَنْهُ، وذاتُ يدهِ كِنايةٌ عَمَّا يَمْلِكُ مِنْ مالٍ وغيرهِ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا يُعْطى مِنَ الغَنائِمِ شيءٌ حَتَّى تُقْسَم إِلَّا لِرَاعٍ أَو دليلٍ
؛ الرَّاعِي هُنَا: عَيْنُ الْقَوْمِ عَلَى العدوِّ، مِنَ الرِّعايَةِ الحِفْظِ. وَفِي حَدِيثِ
لُقْمَانَ بْنِ عادٍ: إِذَا رَعَى القومُ غَفَلَ
؛ يُرِيدُ إِذَا تَحافَظَ القومُ لشيءٍ يخافُونَه غَفَلَ وَلَمْ يَرْعَهُم. وَفِي الْحَدِيثِ:
كُلُّكُمْ راعٍ وكلُّكُم مسؤول عَنْ رعيَّتهِ
أَي حافِظٌ مؤْتَمَنٌ. والرَّعِيَّةُ: كُلُّ مَنْ شَمِلَه حِفْظُ الرَّاعِي ونَظَرهُ. وَقَوْلُ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ورِّعِ اللِّصَّ وَلَا تُرَاعِهْ
، فَسَّرَهُ ثَعْلَبٌ فَقَالَ: مَعْنَاهُ كُفَّه أَنْ يأْخُذَ مَتاعَك وَلَا تُشْهِدْ عَلَيْهِ، وَيُرْوَى
عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنه قَالَ: مَا كَانُوا يُمْسِكون عن اللِّصِّ إذا دَخَلَ دارَ أَحدِهم تأَثُّماً.
والرَّاعِيَةُ: مُقَدِّمَةُ الشَّيْبِ. يُقَالُ: رأَى فلانٌ رَاعِيَةَ الشَّيْبِ، ورَوَاعِي الشَّيْبِ أَوَّلُ مَا يَظْهَرُ مِنْهُ. والرِّعْيُ: أَرْضٌ فِيهَا حِجَارَةٌ ناتِئَةٌ تَمْنَعُ اللُّؤْمَة أَن تَجْري. ورَاعِيَة الأَرضِ: ضَرْبٌ مِنَ الجَنادِب. والرَّاعِي: لَقَبُ عُبْيدِ اللَّهِ بْنِ الحُصَيْن النُّمَيْري الشَّاعِرِ.
رغا: الرُّغاءُ: صَوتُ ذواتِ الخُفِّ. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا يأْتي أَحدُكُم يومَ القيامةِ ببعيرٍ لَهُ رُغاءٌ
؛ الرُّغَاءُ: صوتُ الإِبلِ. رَغَا البعيرُ وَالنَّاقَةُ تَرْغُو رُغَاءً: صوَّتت فضَجَّت، وَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ للضِّباع والنَّعام. وَنَاقَةٌ رَغُوٌّ، عَلَى فَعَوْلٍ، أَي كَثِيرَةُ الرُّغاءِ. وَفِي حَدِيثِ
المُغيرة: مَلِيلَة الإِرْغاءِ
أَي مَمْلولة الصوتِ، يَصِفُها بكَثْرة الْكَلَامِ وَرَفْعِ الصَّوْتِ حَتَّى تُضْجِرَ السَّامِعِينَ، شبَّه صوتَها بالرُّغاء أَو أَراد إزْباد شِدْقيْها لِكَثْرَةِ كَلَامِهَا، مِنَ الرَّغوة الزُّبْدِ. وَفِي الْمَثَلِ: كَفى بِرُغَائِها مُنادياً أَي أَن رُغاءَ بعيرهِ يقومُ مَقامَ نِدائهِ فِي التَّعَرُّض للضِّيافة والقِرى. وسَمِعْتُ رَاغِيَ الإِبل أَي أَصواتَها. وأَرْغَى فلانٌ بعيرَه: وَذَلِكَ إِذَا حَمَلَهُ عَلَى أَن يَرْغُوَ لَيْلًا فيُضافَ. وأَرْغَيْتُه أَنا: حملتُه عَلَى الرُّغَاء؛ قَالَ سَبْرة بنُ عَمْرو الفَقْعَسي:
أَتَبْغي آلُ شَدَّادٍ عَلَيْنَا، ... وَمَا يُرْغى لِشَدَّادٍ فَصيلُ
يَقُولُ: هُمْ أَشِحَّاء لَا يُفَرِّقون بَيْنَ الْفَصِيلِ وأُمّه بِنَحْرٍ وَلَا هِبَةٍ، وَقَدْ يُرْغِي صاحبُ الإِبل إبلَه ليَسْمَعَ ابْنُ السَّبِيلِ بِاللَّيْلِ رُغاءَها فيَميلَ إليها؛ قال ابْنُ فَسْوة يَصِفُ إِبِلًا:
طِوال الذُّرى مَا يَلْعَنُ الضَّيْفُ أَهْلَها، ... إِذَا هُوَ أَرْغَى وسْطَها بَعْد ما يَسْري
أَي يُرْغي ناقَتَه فِي ناحِية هَذِهِ الإِبل. وَفِي حَدِيثِ الإِفك:
وَقَدْ أَرْغَى الناسُ للرَّحيل
أَي حَمَلُوا رواحِلَهُم عَلَى الرُّغاءِ، وَهَذَا دأْبُ الإِبل عِنْدَ رَفْعِ الأَحْمالِ عَلَيْهَا؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
أَبي رَجاءٍ: لَا يَكُونُ الرَّجُلُ مُتَّقِياً حَتَّى يَكُونَ أَذلَّ مِنْ قَعُودٍ كلُّ مَنْ أَتى إِلَيْهِ أَرْغاه
أَيْ قَهَره وأَذلَّه لأَن البعير لا يَرْغُو إِلَّا عَنْ ذُلّ واسْتِكانة، وَإِنَّمَا خصَّ القَعودَ لأَن الفَتِيَّ مِنَ(14/329)
الإِبل يَكُونُ كَثِيرَ الرُّغاءِ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فسَمِعَ الرَّغْوَةَ خلْفَ ظَهْرهِ فَقَالَ هَذِهِ رَغْوة نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الجَدْعَاءِ
؛ الرَّغْوَةُ، بِالْفَتْحِ: المَرَّة مِنَ الرُّغَاءِ، وَبِالضَّمِّ الِاسْمُ كالغَرْفةِ والغُرْفة. وتَراغَوْا إِذَا رَغا واحدٌ هاهُنا وَوَاحِدٌ هَاهُنَا. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِنَّهُمْ وَاللَّهِ تَرَاغَوْا عَلَيْهِ فقتلُوه
أَي تَصايَحُوا وتَداعَوْا عَلَى قتلهِ. وَمَا لَهُ ثاغِيَة وَلَا راغِيَة أَي مَا لَهُ شَاةٌ وَلَا ناقةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي ثَغا، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ أَتيته فَمَا أَثْغى وَلَا أَرْغَى أَي لَمْ يُعْطِ شَاةً وَلَا نَاقَةً كَمَا يُقَالُ ما أَخْشى وَلَا أَجلَّ. والرَّغْوَة: الصَّخْرَةُ. وَيُقَالُ: رَغَّاهُ إِذَا أَغضبه، وغَرَّاه إِذَا أَجبره. ورَغَا الصبيُّ رُغَاءً: وَهُوَ أَشدُّ مَا يَكُونُ مِنَ بُكَائِهِ. ورَغا الضَّبُّ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، كَذَلِكَ. ورَغْوَة اللَّبَنِ ورُغْوَته ورِغْوَته ورُغَاوَتُه ورِغَاوَتُه ورُغَايَته ورِغايَتُه، كُلُّ ذَلِكَ: زَبَدهُ، وَالْجَمْعُ رُغاً. وارْتَغَيْتُ: شربْتُ الرُّغْوة. والارْتِغَاء: سَحْفُ الرَّغْوة واحْتِساؤها؛ الْكِسَائِيُّ: هِيَ رَغْوة اللَّبَنِ ورُغْوَتهُ ورِغْوَته ورِغَاؤه ورِغَايتهُ، وَزَادَ غَيْرُهُ رُغَايَته، قَالَ: وَلَمْ نَسْمَعْ رُغَاوَته. أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ للرَّغْوَة رُغَاوى وَجَمْعُهَا رَغَاوَى. وارْتَغَى الرُّغْوَة: أَخذها وَاحْتَسَاهَا. وَفِي الْمَثَلِ: يُسِرُّ حَسْواً فِي ارْتِغَاءٍ؛ يُضرب لِمَنْ يُظهر أَمراً وَهُوَ يُرِيدُ غيرهَ؛ قَالَ الشَّعْبِيُّ لِمَنْ سأَله عَنْ رجلٍ قبَّل أُمَّ امرأَته قَالَ: يُسِرُّ حسْواً فِي ارْتِغَاء وَقَدْ حرُمَت عَلَيْهِ امرأَته، وَفِي التَّهْذِيبِ: يُضرَب مَثَلًا لِمَنْ يُظهر طلَب الْقَلِيلِ وَهُوَ يُسِرُّ أَخْذَ الْكَثِيرِ. وأَمْسَت إبِلُكم تُنَشِّفُ وتُرَغِّي أَي تَعْلُو أَلبانَها نُشافة ورَغْوة، وَهُمَا وَاحِدٌ. والمِرْغَاةُ: شيءٌ يُؤْخَذُ بِهِ الرَّغُوة. ورَغا اللبنُ ورَغَّى وأَرْغَى تَرْغِيَةً: صَارَتْ لَهُ رَغْوةٌ وأَزبد. وإبلٌ مَرَاغٍ: لأَلبانِها رَغْوة كَثِيرَةٌ. وأَرْغَى البائلُ: صَارَ لِبَوْلِهِ رَغْوة؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:
مِنَ البِيضِ تُرْغِينا سِقاطَ حَديِثِها، ... وتَنْكُدُنا لهْوَ الْحَدِيثِ المُمَتَّعِ «4»
. فَسَّرَهُ فَقَالَ: تُرْغِينا، مِنَ الرَّغْوة، كأَنها لَا تُعْطِينا صَرِيحَ حديثِها تَنْفَحُ لَنَا برَغْوتِه وَمَا لَيْسَ بمَحْضٍ مِنْهُ؛ مَعْنَاهُ أَي تُطْعِمُنا حَدِيثًا قَلِيلًا بِمَنْزِلَةِ الرَّغْوة، وتَنْكُدنا لَا تُعْطِينا إِلَّا أَقَلَّه، قَالَ: وَلَمْ أَسمع تُرْغي مُتَعَدِّيًا إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ وَلَا إِلَى مَفْعُولَيْنِ إلَّا فِي هَذَا الْبَيْتِ، وَمِنْ ذَلِكَ قولُهم: كلامٌ مُرَغٍّ إِذَا لَمْ يُفْصِحْ عَنْ مَعْنَاهُ. ورُغْوةُ: فَرَسُ مَالِكِ بن عَبْدة.
رفا: رَفَوْتُه: سَكَّنْته مِنَ الرُّعْب؛ قَالَ أَبو خِراشٍ الْهُذْلِيُّ:
رَفَوْني وَقَالُوا: يَا خُوَيْلِدُ لَا تُرَعْ، ... فقلتُ، وأَنْكَرْت الوُجوهَ: هُمُ هُمُ
يَقُولُ: سَكَّنُوني، اعتَبرَ بِمُشَاهَدَةِ الْوُجُوهِ، وَجَعَلَهَا دَلِيلًا عَلَى مَا فِي النُّفُوسِ، يُرِيدُ رَفَؤُوني فأَلقى الْهَمْزَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. ورَفَوْتُ الثوبَ أَرْفُوه رَفْواً: لُغَةٌ فِي رَفَأْتُه، يُهمز وَلَا يُهْمَزُ، وَالْهَمْزُ أَعلى. وَقَالَ فِي بَابِ تَحْوِيلِ الْهَمْزَةِ: رَفَوْتُ الثوبَ رَفْواً يُحَوِّلُ الْهَمْزَةُ وَاوًا كَمَا تَرَى. أَبو زَيْدٍ: الرِّفاءُ الموافَقة، وَهِيَ المُرافاةُ بِلَا هَمْزٍ؛ وأَنشد:
ولمَّا أَنْ رأَيتُ أَبا رُوَيْمٍ ... يُرافِيني، ويَكْرَهُ أَنْ يُلاما
والرِّفاءُ: الالتِحامُ والاتِّفاقُ. وَيُقَالُ: رَفَّيْتُه
__________
(4) . قوله [الممتع] كذا بالأَصل بمثناة فوقية بعد الميم كالمحكم، والذي في التهذيب والأَساس: الممنع، بالنون: وفسره فقال: أي تستخرج منا الحديث الذي نمنعه إلا منها(14/330)
تَرْفِيةً إِذَا قُلْتَ لِلْمُتَزَوِّجِ بالرِّفاءِ والبَنين؛ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: وَإِنْ شئتَ كَانَ مَعْنَاهُ بِالسُّكُونِ والطمأْنينة، مِنْ قَوْلِهِمْ رَفَوْت الرجلَ إِذَا سَكَّنته. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه نَهَى أَن يُقَالَ بالرِّفاءِ والبَنِين
، قَالَ ابْنُ الأَثير: ذَكَرَهُ الْهَرَوِيُّ فِي الْمُعْتَلِّ هَاهُنَا وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمَهْمُوزِ؛ قَالَ: وَكَانَ إِذَا رَفَّى رَجُلًا أَي إِذَا أَحبَّ أَن يَدْعُوَ لَهُ بالرِّفاء، فترَك الْهَمْزَ وَلَمْ يَكُنِ الهمزُ مِنْ لُغَتِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَكثر هَذَا الْقَوْلِ. الْفَرَّاءُ: أَرْفَأْتُ إِلَيْهِ وأَرْفَيْتُ إِلَيْهِ لُغَتَانِ بِمَعْنَى جَنَحْت إِلَيْهِ. اللَّيْثُ: أَرْفَت السَّفينة قَرُبَتْ إِلَى الشَّطّ. أَبو الدُّقيش: أَرْفَت السفينةُ وأَرْفَيْتُها أَنا، بِغَيْرِ هَمْزٍ. والرُّفَةُ، بِالتَّخْفِيفِ: التِّبْنُ؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ، تَقُولُ الْعَرَبُ: اسْتَغْنَتِ التُّفَةُ عَلَى الرُّفَةِ، وَالتَّشْدِيدُ فِيهِمَا لُغَةٌ، وَقِيلَ: الرُّفَة التِّبْن، يَمَانِيَّةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الثُّنَائِي. والرُّفَةُ: دُوَيْبَّة تَصِيدُ تسمَّى عَناقَ الأَرض. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: قَضَيْنَا عَلَى لامِها بِالْيَاءِ لأَنها لَامٌ، قَالَ: وَقَدْ يَجُوزُ أَن تَكُونَ وَاوًا بِدَلِيلِ الضَّمَّةِ. التَّهْذِيبُ: اللَّيْثُ الرُّفَة عَناقُ الأَرض تَصِيدُ كَمَا يَصيدُ الفَهْد. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: غَلِط اللَّيْثُ فِي الرُّفَةِ فِي لَفْظِهِ وَتَفْسِيرِهِ، قَالَ: وأَحسبه رأَى فِي بَعْضِ الصُّحُفِ أَنا أَغنى عنك من التُّفَةِ عَنِ الرُّفَةِ، فَلَمْ يَضْبُطْهُ وغيَّرَه فأَفسده، فأَما عَناقُ الأَرض فَهُوَ التُّفَة مُخَفَّفَةً، بِالتَّاءِ وَالْفَاءِ وَالْهَاءِ، وَيُكْتَبُ بِالْهَاءِ فِي الإِدْراج كَهَاءِ الرَّحْمَةِ وَالنِّعْمَةِ. وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: أَمَّا الرَّفْتُ فَهُوَ بِالتَّاءِ فَعْلٌ مِنْ رَفَتُّه أَرْفِتُه إِذَا دَقَقْته. وَيُقَالُ للتِّبْنِ: رُفَتٌ ورَفْتٌ ورُفاتٌ، وَقَدْ مَرَّ ذِكْرُهَا. والأُرْفِيُّ: لبنُ الظَّبْيَةِ، وَقِيلَ: هُوَ اللبنُ الخالصُ المَحْضُ الطَّيِّبُ. والأُرْفِيُّ أَيضاً: الماسِخُ، قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ أُفْعُولًا وَقَدْ يَكُونُ فُعْلِيّاً، وَقَدْ يَكُونُ مِنَ الْوَاوِ لِوُجُودِ رَفَوْت وَعَدَمِ رَفَيْت. والأَرْفَى: الأَمرُ العظيمُ.
رقا: الرَّقْوَةُ: دِعْصٌ مِنْ رَمْلٍ. ابْنُ سِيدَهْ: الرَّقْوةُ والرَّقْوُ فُوَيْقَ الدِّعْصِ مِنَ الرَّمْلِ، وأَكثرُ مَا يَكُونُ إِلَى جَوَانِبِ الأَودية؛ قَالَ يَصِفُ ظَبْيَةً وخِشْفها:
لَهَا أُمُّ مُوَقَّفة وَكُوبٌ، ... بحيثُ الرَّقْوُ، مَرْتَعُها البَرِيرُ «1»
. أَراد لَهَا أُمُّ مرتَعها البَريرُ، وَكَنَّى بالكُوب عَنِ الْقَلْبِ وغيرهِ، والمُوَقَّفة: الَّتِي فِي ذِراعَيْها بياضٌ، والوَكُوبُ: الَّتِي واكَبَتْ ولدَها ولازَمَتْه؛ وَقَالَ آخَرُ:
مِن البِيضِ مِبْهاجٌ، كأَنَّ ضَجِيعَها ... يَبِيتُ إِلَى رَقْوٍ، مِنَ الرَّمْلِ، مُصْعب
ابْنُ الأَعرابي: الرَّقْوَة القُمْزَة مِنَ التُّرَابِ تَجْتَمِع عَلَى شَفِير الْوَادِي، وَجَمْعُهَا الرُّقَا. ورَقِيَ إِلَى الشيءِ رُقِيّاً ورُقُوّاً وارْتَقَى يَرْتَقِي وتَرَقَّى: صَعِد، ورَقَّى غيرهَ؛ أَنشد سِيبَوَيْهِ للأَعشى:
لئنْ كُنت فِي جُبّ ثَمَانِينَ قامَةً، ... ورُقِّيت أَسْبابَ السَّمَاءِ بسُلَّم
ورَقِىَ فلانٌ فِي الْجَبَلِ يَرْقَى رُقِيّاً إِذَا صَعَّدَ. وَيُقَالُ: هَذَا جبَل لَا مَرْقىً فِيهِ وَلَا مُرْتَقىً. وَيُقَالُ: مَا زَالَ فلانٌ يَتَرقَّى بِهِ الأَمرُ حَتَّى بَلَغ غايتَه. ورَقِيتُ فِي السُّلَّم رَقْياً ورُقِيّاً إِذَا صَعِدْتَ، وارتَقَيْت مثلُه؛ أَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
أَنتَ الَّذِي كلَّفْتَني رَقْيَ الدَّرَجْ، ... عَلَى الكَلالِ والمَشِيبِ والعَرَجْ
وَفِي التنزيل: لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ
. وَفِي حَدِيثِ
__________
(1) . قوله: وكنى بالكوب؛ هكذا في الأَصل، ولم يرد في البيت وإنما ورد وَكُوب(14/331)
اسْتِراقِ السَّمْعِ:
ولكنَّهم يُرَقُّونَ فِيهِ
أَي يتَزَيَّدُون فِيهِ. يُقَالُ: رَقَّى فُلَانٌ عَلَى الْبَاطِلِ إِذَا تقَوَّلَ مَا لَمْ يَكُنْ وَزَادَ فِيهِ، وَهُوَ مِنَ الرُّقِيّ الصُّعُودِ والارتفاعِ، ورَقَّى شُدِّد لِلتَّعْدِيَةِ إِلَى الْمَفْعُولِ، وَحَقِيقَةُ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ يَرْتَفِعُونَ إِلَى الْبَاطِلِ ويدَّعون فَوْقَ مَا يَسْمَعُونَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
كنتُ رَقَّاءً عَلَى الْجِبَالِ
أَيْ صَعَّاداً عَلَيْهَا، وفعَّال لِلْمُبَالَغَةِ. والمَرْقَاة والمِرْقَاة: الدَّرَجَةُ، وَاحِدَةٌ مِنْ مَرَاقِي الدرَج، وَنَظِيرُهُ مَسْقاةٌ ومِسْقاة، ومَثْناةٌ ومِثْناة للحَبْل، ومَبْناةٌ ومِبْناة للعَيْبة أَو النِّطَع، بالفتج وَالْكَسْرِ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: مَنْ كسَرَها شبَّهها بِالْآلَةِ الَّتِي يُعْمَلُ بِهَا، وَمَنْ فَتَح قَالَ هَذَا مَوْضِعٌ يُفْعَلُ فِيهِ، فجعَله بِفَتْحِ الْمِيمِ مُخَالِفًا؛ عَنْ يَعْقُوبَ. وتَرَقَّى فِي العِلْم أَي رَقِيَ فِيهِ دَرَجة دَرَجَةً. ورَقَّى عَلَيْهِ كَلَامًا تَرْقِيةً أَي رفَع. والرُّقْيَة: العُوذة، مَعْرُوفَةٌ؛ قَالَ رؤْبة:
فَمَا تَرَكا مِن عُوذَةٍ يَعْرِفانها، ... وَلَا رُقْيَةٍ إِلَّا بِهَا رَقَيَاني
وَالْجَمْعُ رُقىً. وَتَقُولُ: اسْتَرْقَيْتُه فرَقَانِي رُقْيَة، فَهُوَ راقٍ، وَقَدْ رَقَاه رَقْياً ورُقِيّاً. ورجلٌ رَقَّاءٌ: صاحبُ رُقىً. يُقَالُ: رَقَى الرَّاقِي رُقْيةً ورُقِيّاً إِذَا عَوَّذَ ونَفَثَ فِي عُوذَتِه، والمَرْقِيُّ يَسْتَرْقي، وَهُمُ الراقُونَ؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
تَناذَرَها الرَّاقُونَ مِن سُوءِ سَمِّها
وَقَوْلُ الرَّاجِزِ:
لَقَدْ عَلِمْت، والأَجَلِّ الْبَاقِي، ... أَنْ لَنْ يَرُدَّ القَدَرَ الرَّوَاقِي
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: كأَنه جمَع امرأَةً رَاقِيَةً أَو رجُلًا رَاقِيَةً، بِالْهَاءِ لِلْمُبَالَغَةِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَا كنَّا نأْبُنُه برُقْيَة.
قَالَ ابْنُ الأَثير: الرُّقْيَة العُوذة الَّتِي يُرْقى بِهَا صاحبُ الآفةِ كالحُمَّى والصَّرَع وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآفَاتِ، وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الأَحاديث جوازُها وَفِي بعضِها النَّهْيُ عَنْهَا، فمنَ الْجَوَازِ قَوْلُهُ:
اسْتَرْقُوا لهَا فإنَّ بِهَا النَّظْرَة
أَي اطْلُبوا لَهَا مَنْ يَرْقِيها، وَمِنَ النَّهْيِ عَنْهَا قَوْلُهُ:
لَا يَسْتَرْقُون وَلَا يَكْتَوُون
، والأَحاديث فِي الْقِسْمَيْنِ كَثِيرَةٌ، قَالَ: وَوَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَهَا أَن الرُّقَى يُكره مِنْهَا مَا كَانَ بِغَيْرِ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ وَبِغَيْرِ أَسماء اللَّهِ تَعَالَى وصفاتهِ وَكَلَامِهِ فِي كتُبه الْمُنَزَّلَةِ، وأَن يعْتَقدَ أَن الرُّقْيا نَافِعَةٌ لَا مَحالَة فيتَّكلَ عَلَيْهَا، وَإِيَّاهَا أَراد بِقَوْلِهِ:
مَا توَكَّلَ مَنِ اسْتَرْقَى
، وَلَا يُكره مِنْهَا مَا كَانَ فِي خِلَافِ ذَلِكَ كَالتَّعَوُّذِ بِالْقُرْآنِ وَأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى والرُّقَى المَرْوِيَّةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ لِلَّذِي رَقَى بِالْقُرْآنِ وأَخَذَ عَلَيْهِ أَجْراً:
مَن أَخَذ برُقْية باطِلٍ فَقَدْ أَخَذْت برُقْية حَقّ
، وَكَقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ
جَابِرٍ: أَنه، عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ اعْرِضُوها عليَّ فعرَضْناها فَقَالَ لَا بأْس بِهَا إِنَّمَا هِيَ مواثِيقُ
، كأَنه خَافَ أَن يَقَعَ فِيهَا شَيْءٌ مِمَّا كَانُوا يَتَلَفَّظُونَ بِهِ وَيَعْتَقِدُونَهُ مِنَ الشِّرْكِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَمَا كَانَ بِغَيْرِ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ مِمَّا لَا يُعْرَفُ لَهُ تَرْجَمَةٌ وَلَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ، فَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ؛ وأَما قَوْلُهُ:
لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ أَو حُمَةٍ
، فَمَعْنَاهُ لَا رُقْية أَوْلَى وأَنفعُ، وَهَذَا كَمَا قِيلَ
لَا فَتىً إِلَّا عليٌ
، وَقَدْ أَمَر، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَصحابه بالرُّقْيةِ وسَمِعَ بِجَمَاعَةٍ يَرْقُونَ فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ، قَالَ: وأَما الْحَدِيثُ الْآخَرُ فِي صِفَةِ أَهل الْجَنَّةِ:
الَّذِينَ يَدْخُلُونَهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ وَهُمُ الَّذِينَ لَا يَسْتَرقُونَ وَلَا يَكْتَوُون وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
، فَهَذَا مِنْ صِفَةِ الأَولياء الْمُعْرِضِينَ عَنْ أَسباب الدُّنْيَا الَّذِينَ لَا يَلْتَفِتُونَ إِلَى شَيْءٍ مِنْ عَلَائِقِهَا، وَتِلْكَ درجةُ الخَواصِّ لَا يَبْلُغها غيرُهم، جَعَلَنَا اللَّهُ تَعَالَى(14/332)
مِنْهُمْ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ، فأَما العوامُّ فَمُرَخَّصٌ لَهُمْ فِي التَّدَاوِي والمُعالجات، وَمَنْ صَبَرَ عَلَى الْبَلَاءِ وَانْتَظَرَ الفرجَ مِنَ اللَّهِ بِالدُّعَاءِ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْخَوَاصِّ والأَولياء، وَمَنْ لَمْ يَصْبِرْ رَخَّصَ لَهُ فِي الرُّقْيَةِ وَالْعِلَاجِ وَالدَّوَاءِ، أَلا تَرَى أَن الصِّدِّيقِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لَمَّا تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ لَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ عِلْمًا مِنْهُ بِيَقِينِهِ وَصَبْرِهِ؟ وَلَمَّا أَتاه الرَّجُلُ بِمِثْلِ بَيْضَةِ الْحَمَامَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَقَالَ: لَا أَملك غَيْرَهُ، ضَرَبَهُ بِهِ بِحَيْثُ لَوْ أَصابه عَقَره وَقَالَ فِيهِ مَا قَالَ. وقولُهم: ارْقَ عَلَى ظَلْعِكَ أَي امْشِ واصْعد بِقَدْرِ مَا تُطِيقُ وَلَا تَحْمِلْ عَلَى نَفْسِكَ ما لا تُطِيقُهُ، وَقِيلَ: ارْقَ عَلَى ظَلْعِكَ أَي الْزَمْه وارْبَعْ عَلَيْهِ. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ: ارْقَ عَلَى ظَلْعِكَ أَي أَصِلحْ أوَّلًا أمرَكَ، فَيَقُولُ قَدْ رَقِيتُ، بِكَسْرِ الْقَافِ، رُقِيّاً. ومَرْقَيَا الأَنْفِ: حَرْفاه؛ عَنْ ثَعْلَبٍ، كأَنه مِنْهُ ظَنٌّ، وَالْمَعْرُوفُ مَرَقَّا الأَنْفِ. أَبو عَمْرٍو: الرُّقَّى الشحْمة الْبَيْضَاءُ النَّقِيَّة تَكُونُ فِي مَرْجِعِ الكَتِف، وَعَلَيْهَا أُخْرى مثلُها يُقَالُ لَهَا المَأْتاةُ «1» . فَكَمَا يَراها الآكِلُ يأْخُذُها مُسابَقةً. قَالَ: وَفِي الْمَثَلِ يَضْرِبُه النِّحْرير للخَوْعَمِ حَسِبْتَنِي الرُّقَّى عَلَيْهَا المَأْتاة. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: والرُّقَيُّ مَوْضِعٌ. ورُقَيَّة: اسْمُ امرأَة. وعبدُ اللَّهِ بنُ قيسِ الرُّقَيَّات «2» . إِنَّمَا أُضيف قيسٌ إِلَيْهِنَّ لأَنه تَزَوَّجَ عدَّة نِسْوَةٍ وَافَقَ أَسماؤهن كُلِّهِنَّ رقيَّةَ فنُسب إِلَيْهِنَّ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هَذَا قَوْلُ الأَصمعي، وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنَّهُ كَانَتْ لَهُ عدَّةُ جَدَّاتٍ أَسماؤهن كُلِّهنّ رُقَيَّة، وَيُقَالُ: إِنَّمَا أُضيف إِلَيْهِنَّ لأَنه كَانَ يُشَبِّبُ بِعِدَّةِ نِسَاءٍ يُسَمَّيْن رُقَيَّة.
ركا: الرَّكْوَةُ والرِّكْوة «3» . شِبْه تَوْرٍ مِنْ أَدمٍ، وَفِي الصِّحَاحِ: الرِّكْوَةُ الَّتِي لِلْمَاءِ. وَفِي حَدِيثِ
جَابِرٍ: أُتِيَ النبيُّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، بِرَكْوةٍ [بِرِكْوةٍ] فِيهَا ماءٌ
؛ قَالَ: الرَّكْوة [الرِّكْوة] إناءٌ صَغِيرٌ مِنْ جِلْدٍ يُشْرَب فِيهِ الماءُ، وَالْجَمْعُ رَكَوات، بِالتَّحْرِيكِ، ورِكاءٌ. والرَّكْوَة [الرِّكْوة] أَيضاً: زَوْرَقٌ صَغِيرٌ. والرَّكْوةُ [الرِّكْوةُ] : رقْعَة تَحْتَ العَواصِرِ، والعَواصِرُ حِجَارَةٌ ثلاثٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ. ورَكا الأَرضَ رَكْواً: حَفَرَهَا. ورَكا رَكْواً: حَفَرَ حَوْضاً مُسْتَطيلًا. والمَرْكُوُّ مِنَ الحِياضِ: الْكَبِيرُ، وَقِيلَ الصَّغِيرُ، وَهُوَ مِنَ الاحْتِفار. ابْنُ الأَعرابي: رَكَوْتُ الحَوْضَ سوَّيته. أَبو عَمْرٍو: المَرْكُوُّ الحَوْض الْكَبِيرُ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَالَّذِي سَمِعْتُهُ مِنَ الْعَرَبِ فِي المَرْكُوِّ أَنه الحُوَيْضُ الصَّغِيرُ يُسَوِّيه الرَّجُلُ بِيَدَيْهِ عَلَى رأْس الْبِئْرِ إِذَا أَعْوَزه إناءٌ يَسْقي فِيهِ بَعيراً أَو بَعيريَن. يُقَالُ: ارْكُ مَركُوّاً تَسْقِي فِيهِ بَعيرَك، وأَما الْحَوْضُ الْكَبِيرُ فَلَا يُسَمَّى مَرْكُوّاً. اللَّيْثُ: الرَّكْوُ أَن تَحْفِرَ حَوْضاً مُسْتَطِيلًا وَهُوَ المَرْكُوُّ. وَفِي حَدِيثِ
البرَاء: فأَتَيْنا عَلَى رَكِيٍّ ذَمَّةٍ
؛ الرَّكِيُّ: جِنْسٌ للرَّكِيَّة وَهِيَ الْبِئْرُ، والذَّمَّة الْقَلِيلَةُ الماءِ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، كَرَّمَ الله وجه: فإذا هو في رَكِيٍّ يَتَبَرَّد.
الْجَوْهَرِيُّ: والمَرْكُوُّ الحَوْضُ الْكَبِيرُ والجُرْمُوزُ الصَّغِيرُ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
السَّجْلُ والنُّطْفَةُ والذَّنُوبُ، ... حَتَّى تَرىَ مَرْكُوَّها يَثُوبُ
يَقُولُ: اسْتَقَى تارَةً ذَنُوباً، وَتَارَةً نُطْفَةً حَتَّى رجَعَ الحَوضُ مَلآنَ كَمَا كَانَ قَبْلَ أَن يُشْرَبَ.
__________
(1) . قوله [يقال لها المأتاة] هكذا هو في الأَصل والتهذيب
(2) . قوله [وَعَبْدُ اللَّهِ بْنِ قَيْسِ الرُّقَيَّاتِ] مثله في الجوهري عبد الله مكبراً، وقال في التكملة: صوابه عبيد الله مصغراً
(3) . قوله [الركوة إلخ] هي مثلثة الراء كما في القاموس(14/333)
والرَّكِيَّة: البئرُ تُحْفَرُ، وَالْجَمْعُ رَكِيٌّ «1» . ورَكَايا؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَضَيْنَا عَلَيْهَا بِالْوَاوِ لأَنه مِنْ رَكَوْت أَي حَفَرْت. ورَكا الأَمْرَ رَكْواً: أَصْلَحَه؛ قَالَ سُوَيْد:
فَدَعْ عَنْكَ قَوْماً قَدْ كَفَوْك شُؤُونَهُم، ... وشَأْنُكَ إنْ لَا تَرْكُهُ مُتَفاقِمُ
مَعْنَاهُ إِنْ لَا تُصْلِحْه. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: رَكَوْتُ الشيءَ أَرْكُوهُ إِذَا شَدَدْتَه وأَصْلَحْته. ورَكا عَلَى الرجُل رَكْواً وأَرْكَى: أَثْنَى عَلَيْهِ ثَناءً قَبِيحًا. ورَكَوْتُ عَلَيْهِ الحِمْلَ وأَرْكَيْتُه: ضاعَفْته عَلَيْهِ وأثْقَلْتُه بِهِ، ورَكَوْت عَلَيْهِ الأَمْرَ ورَكَّيْته. وَيُقَالُ: أَرْكَى عَلَيْهِ كَذَا وَكَذَا كأَنه رَكَّهُ فِي عُنقهِ أَي جَعَلَه. وأَرْكَيْت فِي الأَمْر: تأَخَّرْت. ابْنُ الأَعرابي: رَكاه إِذَا أَخَّرَه. وَفِي الْحَدِيثِ:
يَغْفِرُ اللهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ لكُلِّ مُسْلِم إلَّا لِلْمُتَشاحِنَيْنِ فَيُقَالُ ارْكُوهُما حَتَّى يَصْطَلِحا
؛ هَكَذَا رُويَ بِضَمِّ الأَلف. وَفِي حَدِيثِ
أَبي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنه قَالَ تُعْرَضُ أَعمالُ الناسِ فِي كلِّ جُمْعةٍ مَرَّتَين يومَ الإثنَيْنِ ويومَ الخَميس فيُغْفَر لِكُلِّ عبدٍ مُؤْمن إلا عَبْداً كانتْ بينَه وبينَ أَخيهِ شَحْناءُ فَيُقَالُ ارْكُوا هذَيْنِ حَتَّى يَفِيئَا
؛ قَالَ الأَزهري: وَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ، قَالَ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ ارْكُوا هَذَيْنِ أَي أَخِّرُوا، قَالَ: وَفِيهِ لُغَةٌ أُخرى. رُوِيَ عَنِ الْفَرَّاءِ أَنه قَالَ أَرْكَيْت الدَّيْنَ أَي أَخَّرْته، وأَرْكَيْتُ عليَّ دَيْناً ورَكَوْتُه. وَفِي رِوَايَةٍ فِي الْحَدِيثِ:
اتْرُكُوا هَذَيْنِ
، مِنَ التَّرْكِ. وَيُرْوَى: ارْهَكُوا، بالهاءُ، أَي كَلِّفُوهُما وأَلْزِمُوهُما، مِنْ رَهَكْت الدابَّة إِذَا حمَلْت عَلَيْهَا فِي السَّيْر وأَجْهَدْتها. قَالَ أَبو عَمْرٍو: يُقَالُ للغَريم ارْكِنِّي إِلَى كَذَا أَي أَخِّرْني. الأَصمعي: رَكَوْتَ عَلَيَّ الأَمرَ أَي وَرَّكْتَه. ورَكَوْتُ عَلَى فلانٍ الذَّنْبَ أَي وَرَّكْتُه. ورَكَوْتُ بَقِيَّةَ يَوْمي أَي أَقَمْتُ. ابْنُ الأَعرابي: أَرْكَيْتُ لِبَني فُلَانٍ جُنْداً أَيْ هَيَّأْتُه لَهُمْ. وأَرْكَيْتَ عليَّ ذَنْباً لَمْ أَجْنِه. وَقَوْلُهُمْ فِي الْمَثَلِ: صارَتِ القوْسُ رَكْوَةً؛ يُضْرَبُ فِي الإِدْبارِ وانْقِلابِ الأُمور. وأَرْكَيْتُ إِلَى فُلَانٍ: مِلْتُ إِلَيْهِ واعْتَزَيْت. وأَرْكَيْت إِلَيْهِ: لَجَأْت. وأَنا مُرْتَكٍ عَلَى كَذَا أَي مُعَوِّلٌ عَلَيْهِ، وَمَا لِي مُرتَكىً إِلَّا عليكَ. عليُّ بْنُ حَمْزَةَ: رَكَوْتُ إِلَى فُلَانٍ اعتَزَيْتُ إِلَيْهِ ومِلْتُ إِلَيْهِ؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:
إِلَى أَيِّما الحَيَّيْنِ تُرْكَوا، فإنَّكُمْ ... ثِفالُ الرَّحَى مَنْ تَحْتَها لَا يَرِيمُها
فَسَرَّ تُرْكَوْا تُنْسَبوا وتُعْزَوْا؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي أَنّ الرِّوَايَةَ إِنَّمَا هِيَ تُرْكُوا أَو تَرْكُوا أَي تَنْتَسِبوا وتَعْتَزُوا. والرَّكاءُ: اسْمُ مَوْضِعٍ، وَفِي المُحْكم: وادٍ مَعْرُوفٌ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
فدَعْدَعا سُرَّةَ الرَّكاءِ، كَمَا ... دَعْدَعَ سَاقِي الأَعاجِمِ الغَرَبا
قَالَ: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمَوْثُوقِ بِهَا مِنْ كِتَابِ الْجَمْهَرَةِ الرِّكَاءِ، بِالْكَسْرِ، وَيُرْوَى بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا، وَالْفَتْحُ أَصح، وَهُوَ مَوْضِعٌ؛ وصفَ ماءَيْن التَقَيا مِنَ السَّيْل فمَلَآ سُرَّة الرِّكاء كَمَا ملأَ سَاقِي الأَعاجِم قَدَح الغَرَبِ خَمْرًا. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الرَّكاء، بِالْفَتْحِ، وادٍ بجانِب نَجْدٍ بينَ البَدِيِّ والكُلابِ، قَالَ: ذَكَرَهُ ابْنُ وَلَّادٍ فِي بَابِ المَمْدود والمَفْتوح أَوَّلُه.
__________
(1) . قوله [والجمع رَكِيّ] كذا بضبط الأَصل والتهذيب بفتح الراء، فلا تغتر بضبطها في نسخ القاموس الطبع بضمها(14/334)
غَيْرُهُ: ورِكَاءٌ، مَمْدُودٌ، مَوْضِعٌ؛ قَالَ:
إِذْ بالرِّكَاء مَجالِسٌ فُسُحُ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَضَيْتُ عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَاتِ بِالْوَاوِ لأَنه لَيْسَ فِي الْكَلَامِ ر ك ي، وَقَدْ تَرَى سِعَةَ بَابِ رَكَوْت. ابْنُ الأَعرابي: رَكَاهُ إِذَا جاوَبَ رَوْكَه، وَهُوَ صوتُ الصَّدَى مِنَ الجَبل والحَمَّام. والرَّكِيُّ: الضَّعِيف مثلُ الرَّكِيكِ، وَقِيلَ: ياؤُه بَدَلٌ مِنْ كَافِ الرَّكِيكِ، قَالَ: فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ. وَهَذَا الأَمرُ أَرْكَى مِنْ هَذَا أَي أَهْوَنُ مِنْهُ وأَضْعَف؛ قَالَ القُطامي:
وغيرُ حَرْبيَ أَرْكَى مِن تَجَشمِها، ... إجَّانَةٌ مِن مُدامٍ شَدَّ مَا احْتَدَما
رمي: اللَّيْثُ: رَمى يَرْمِي رَمْياً فَهُوَ رامٍ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى
؛ قَالَ أَبو إِسْحَاقَ: لَيْسَ هَذَا نَفْيَ رَمْيِ النبي، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، وَلَكِنَّ الْعَرَبَ خُوطِبَت بِمَا تَعْقِل. وَرُوِيَ
أَنّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لأَبي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ناوِلْني كَفّاً مِنْ تُرابِ بَطْحاءِ مكةَ، فناولَهُ كَفًّا فرَمَى بِهِ فَلَمْ يَبقَ مِنْهُمْ أَحدٌ مِنَ العدُوّ إِلَّا شُغِلَ بعَيْنهِ
، فأَعْلَمَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَن كَفّاً مِنْ تُرابٍ أَو حَصًى لَا يَمْلأُ بِهِ عُيونَ ذَلِكَ الْجَيْشِ الْكَثِيرِ بَشَرٌ، وأَنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى توَلَّى إيصالَ ذَلِكَ إِلَى أَبصارهم فَقَالَ: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى
؛ أَي لَمْ يُصِبْ رَمْيُك ذَلِكَ ويبْلُغ ذَلِكَ المَبْلَغ، بَلْ إِنَّمَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ تَوَلَّى ذَلِكَ، فَهَذَا مَجازُ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى، وَرَوَى أَبو عَمْرٍو عَنْ أَبي الْعَبَّاسِ أَنه قَالَ: مَعْنَاهُ وَمَا رَمَيْتَ الرُّعْبَ والفَزَعَ فِي قُلُوبِهِمْ إذْ رَمَيْتَ بالحَصى وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمى؛ وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: مَعْنَاهُ مَا رَمَيْتَ بِقُوَّتِكَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنْ بِقُوَّةِ اللَّهِ رَمَيْتَ. ورَمى اللهُ لِفُلَانٍ: نَصَره وصنَع لَهُ؛ عَنْ أَبي عَلِيٍّ، قَالَ: وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى
، قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ الرَّمْيِ لأَنه إِذَا نَصَرَهُ رَمى عدُوَّه. وَيُقَالُ: طَعَنه فأَرْمَاه عَنْ فَرسه أَي أَلقاه عَنْ ظَهْرِ دَابَّتِهِ كَمَا يُقَالُ أَذْراه. وأَرْمَيْتُ الحجَرَ مِنْ يَدِي أَي أَلقيت. ابْنُ سِيدَهْ: رَمَى الشيءَ رَمْياً ورَمَى بِهِ ورَمَى عَنِ القوْس ورَمَى عَلَيْهَا، وَلَا يُقَالُ رَمَى بِهَا فِي هَذَا الْمَعْنَى؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
أَرْمِي عَلَيْهَا وَهِيَ فَرْعٌ أَجْمَعُ، ... وَهِيَ ثلاثُ أَذْرُعٍ وإصْبَعُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: إِنَّمَا جَازَ رَمَيْتُ عَلَيْهَا لأَنه إِذَا رَمى عَنْهَا جعَلَ السهمَ عَلَيْهَا. ورَمَى القَنَصَ رَمْياً لَا غَيْرُ. وخرجتُ أَرْتَمِي وَخَرَجَ يَرْتَمِي إِذَا خَرَجَ يَرْمي القنَصَ؛ وَقَالَ الشَّمَّاخُ:
خَلَتْ غيرَ آثارِ الأَراجِيلِ تَرْتَمِي، ... تَقَعْقَع فِي الآباطِ مِنْهَا وِفاضُها
قَالَ: تَرْتَمِي أَي تَرْمي الصَّيدَ، والأَراجِيلُ رجالةٌ لُصوصٌ [لِصوصٌ] . أَبو عُبَيْدَةَ: وَمِنْ أَمثالهم فِي الأَمر يُتقدَّم فِيهِ قَبْلَ فِعْلِه: قَبْلَ الرِّماءِ تُمْلأُ الكَنائنُ. والرِّماءُ: المُراماةُ بالنَّبْلِ. والتِّرْماءُ: مِثْلُ الرِّماءِ والمُراماةِ. وخرجْت أَتَرَمَّى وخرجَ يَتَرَمَّى إِذَا خَرَجَ يَرْمي فِي الأَغْراضِ وأُصُول الشَّجَرِ. وَفِي حَدِيثِ الْكُسُوفِ:
خرجتُ أَرْتَمِي بأَسْهُمي
، وَفِي رِوَايَةٍ:
أَتَرَامَى.
يُقَالُ رَمَيْت بالسَّهْمِ رَمْياً وارْتَمَيْت وتَرَامَيْت تَرَامِياً ورَامَيْت مُرَاماةً إِذَا رَمَيْت بِالسِّهَامِ عَنِ القِسِيّ، وَقِيلَ: خرجتُ أَرْتَمِي إِذَا رَمَيْت(14/335)
القَنَصَ، وأَتَرَمَّى إِذَا خَرَجْتَ تَرْمي فِي الأَهْدافِ ونحوِها. وَفُلَانٌ مُرْتَمىً لِلْقَوْمِ «2» . ومُرْتَبىً أَيْ طَلِيعَةٌ. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ:
لَيْسَ وراءَ اللهِ مَرْمىً
أَي مَقْصِدٌ تُرْمى إِلَيْهِ الآمالُ ويوجَّه نحوهَ الرَّجاءُ. والمَرْمَى: مَوْضِعُ الرَّمْيِ تَشْبِيهًا بالهَدَف الَّذِي تُرْمى إِلَيْهِ السِّهَامُ. وَفِي حَدِيثِ
زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ: أَنَّهُ سُبِيَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فتَرَامَى بِهِ الأَمرُ إِلَى أَن صَارَ إِلَى خَدِيجَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فوَهَبَتْه لِلنَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأَعْتَقَه
؛ تَرامَى بِهِ الأَمرُ إِلَى كَذَا أَي صَارَ وأَفْضى إِلَيْهِ، وكأَنه تَفاعَل مِنَ الرَّمْي أَي رَمَتْه الأَقدارُ إِلَيْهِ. وتَيْسٌ رَمِيٌّ: مَرْمِيٌّ، وَكَذَلِكَ الأُنثى وَجَمْعُهَا رَمَايَا، وَإِذَا لَمْ يَعْرِفُوا ذَكَرًا مِنْ أُنثى فَهِيَ بِالْهَاءِ فِيهِمَا. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: عَنْزٌ رَمِيٌّ ورَمِيَّة، والأَول أَعلى. وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي جَاءَ فِي الْخَوَارِجِ:
يَمْرُقون مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُق السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّة
؛ الرَّمِيَّة: هِيَ الطَّرِيدَةُ الَّتِي يَرْميها الصَّائِدُ، وَهِيَ كلُّ دابةٍ مَرْمِيَّةٍ، وأُنِّثَتْ لأَنها جُعِلَت اسْمًا لَا نَعْتًا، يُقَالُ بِالْهَاءِ لِلذَّكَرِ والأُنثى: قَالَ ابْنُ الأَثير: الرَّمِيَّة الصَّيْدُ الَّذِي تَرْميه فتَقْصِدهُ ويَنْفُذُ فِيهِ سَهْمُك، وَقِيلَ: هِيَ كلُّ دَابَّةٍ مَرْمِيَّة. الْجَوْهَرِيُّ: الرَّمِيَّة الصَّيْدُ يُرْمى. قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَقَالُوا بِئْسَ الرَّمِيَّةُ الأَرْنَبُ؛ يُرِيدُونَ بِئْسَ الشيءُ مِمَّا يُرْمى، يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ الْهَاءَ فِي غَالِبِ الأَمر إِنَّمَا تَكُونُ للإِشعار بأَن الْفِعْلَ لَمْ يَقَعْ بعدُ بِالْمَفْعُولِ، وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ: هَذِهِ ذَبِيحَتُكَ، لِلشَّاةِ الَّتِي لَمْ تُذْبَح بعدُ كالضَّحية، فَإِذَا وَقَعَ بِهَا الْفِعْلُ فَهِيَ ذبيحٌ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي قَوْلِهِمْ بِئْسَ الرَّمِيَّة الأَرنب: أَي بِئْسَ الشيءُ مِمَّا يُرْمى بِهِ الأَرنب، قَالَ: وَإِنَّمَا جَاءَتْ بِالْهَاءِ لأَنها صَارَتْ فِي عِدَادِ الأَسماء، وَلَيْسَ هُوَ عَلَى رُمِيَتْ فَهِيَ مَرْمِيَّة، وعُدِلَ بِهِ إِلَى فَعِيلٍ، وَإِنَّمَا هُوَ بئسَ الشيءُ فِي نَفْسِهِ مِمَّا يُرْمى الأَرْنَبُ. وَبَيْنَهُمْ رَمِّيَّا أَي رَمْيٌ. وَيُقَالُ: كَانَتْ بَيْنَ القومِ رِمِّيَّا ثُمَّ حَجَزَتْ بَيْنَهُمْ حِجِّيزى، أَي كَانَ بَيْنَ الْقَوْمِ تَرامٍ بِالْحِجَارَةِ ثُمَّ توسَّطَهم مَنْ حجزَ بَيْنَهُمْ وكفَّ بعضَهم عَنْ بَعْضٍ. والرِّمى: صَوْتَ الْحَجَرِ الَّذِي يَرْمي بِهِ الصَّبِيُّ. والمِرْماةُ: سهمٌ صَغِيرٌ ضَعِيفٌ؛ قَالَ: وَقَالَ أَبو زِيَادٍ مثلٌ لِلْعَرَبِ إِذَا رأَوْا كثرةَ المَرَامِي فِي جَفِير الرَّجُلِ قَالُوا:
ونَبْلُ العبدِ أَكثرُها المَرَامِي
قِيلَ: مَعْنَاهُ أَن الحُرَّ يُغَالِي بِالسِّهَامِ فَيَشْتَرِي المِعْبَلة والنَّصْل لأَنه صَاحِبُ حربٍ وصيدٍ، وَالْعَبْدُ إِنَّمَا يَكُونُ رَاعِيًا فتُقْنِعُه المَرَامِي لأَنها أَرخصُ أَثماناً إِنِ اشْتَرَاهَا، وَإِنِ اسْتَوهَبها لَمْ يَجُدْ لَهُ أَحد إِلَّا بمرْماة. والمِرْمَاة: سهمُ الأَهداف؛ وَمِنْهُ قَوْلُ
النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَدَعُ أَحدُهم الصلاةَ وَهُوَ يُدْعى إِلَيْهَا فَلَا يُجيبُ، وَلَوْ دُعِيَ إِلَى مِرْمَاتَيْنِ لأَجابَ
، وَفِي رِوَايَةٍ:
لَوْ أَن أَحدهم دُعِيَ إِلَى مِرْمَاتَيْن لأَجابَ وَهُوَ لَا يُجيب إِلَى الصَّلَاةِ
، فَيُقَالُ المِرْمَاةُ الظِّلْفُ ظِلْفُ الشاةِ. قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: يُقَالُ إِنَّ المرمَاتَينِ مَا بَيْنَ ظِلْفَي الشاةِ، وتُكْسَر ميمُه وتُفتح. قَالَ: وَفِي بَعْضِ الْحَدِيثِ
لَوْ أَن رَجُلًا دَعا النَّاسَ إِلَى مِرْمَاتَيْنِ أَو عَرْقٍ أَجابوه
، قَالَ: وَفِيهَا لُغَةٌ أُخرى مَرْمَاة، وَقِيلَ: المِرْمَاةُ، بِالْكَسْرِ، السَّهمُ الصَّغِيرُ الَّذِي يُتَعلَّمُ فِيهِ الرَّمْيُ وَهُوَ أَحْقَرُ السِّهَامِ وأَرْذَلُها، أَي لَوْ دُعِي إِلَى أَن يُعْطى سَهْمَيْنِ مِنْ هَذِهِ السِّهَامِ لأَسْرَعَ الإِجابة؛ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَهَذَا لَيْسَ بِوَجِيهٍ، وَيَدْفَعُهُ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الأُخرى
لَوْ دُعِيَ إِلَى مِرْمَاتَين أَو عَرْقٍ.
__________
(2) . قوله [وفلان مُرْتَمىً للقوم إلخ] كذا بالأَصل والتهذيب بهذا الضبط، والذي في القاموس والتكملة: مرتم، بكسر الميم الثانية وحذف الياء(14/336)
قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَهَذَا حَرْفٌ لَا أَدري مَا وَجْهُهُ إِلَّا أَنه هَكَذَا يُفَسَّر بِمَا بَيْنَ ظِلْفَي الشاةِ يُرِيدُ بِهِ حقارَته قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ ابْنُ القَطاع المِرْمَاة مَا فِي جَوْفِ ظِلْف الشَّاةِ مِنْ كُراعِها، وَرَوِيَ عَنِ ابْنِ الأَعرابي أَنه قَالَ: المِرْمَاةُ، بِالْكَسْرِ، السَّهْمُ الَّذِي يُرْمى بِهِ، فِي هَذَا الْحَدِيثِ. قَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: والمَرَامِي مِثْلُ المَسالِّ دقيقةٌ فِيهَا شيءٌ مِنْ طُولٍ لَا حُروفَ لَهَا، قَالَ: والقِدْحُ بِالْحَدِيدِ مِرْمَاةٌ، وَالْحَدِيدَةُ وَحْدَهَا مِرْمَاةٌ، قَالَ: وَهِيَ لِلصَّيْدِ لأَنها أَخَفّ وأَدَقُّ، قَالَ: والمِرْمَاةُ قِدْح عَلَيْهِ رِيشٌ وَفِي أَسْفَلهِ نَصْلٌ مثلُ الإِصْبع؛ قَالَ أَبو سَعِيدٍ: المِرْمَاتانِ، فِي الْحَدِيثِ، سَهْمَانِ يَرْمي بِهِمَا الرجلُ فيُحْرِزُ سَبَقَه فَيَقُولُ سَابَق إِلَى إحْرازِ الدُّنْيَا وسَبَقِها ويَدَع سَبَق الْآخِرَةِ. الْجَوْهَرِيُّ: المِرْمَاة مِثْلُ السِّرْوةِ وَهُوَ نَصْل مدَوَّرٌ للسَّهْم. ابْنُ سِيدَهْ: المِرْمَاة والمَرْمَاة هَنَة بَيْنَ ظِلْفَي الشَّاةِ. وَيُقَالُ: أَرْمَى الفرسُ براكِبه إِذَا أَلقاه. وَيُقَالُ: أَرْمَيْت الحِمْل عَنْ ظَهْرِ البَعِير فارْتَمَى عَنْهُ إِذَا طَاحَ وسَقَط إِلَى الأَرض؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
وسَوْقاً بالأَماعِزِ يَرْتَمِينا
أَراد يَطِحْن ويَخْرِرْنَ. ورَمَيْت بالسَّهْم رَمْياً ورِمَايَةً ورَامَيْتُه مُرَامَاةً ورِمَاءً وارْتَمَيْنَا وتَرَامَيْنا وَكَانَتْ بَيْنَهُمْ رِمِّيَّا ثُمَّ صَارُوا إِلَى حِجِّيزى. وَيُقَالُ للمرأَة. أَنتِ تَرْمِينَ وأَنْتُنَّ تَرْمِينَ، الْوَاحِدَةُ وَالْجَمَاعَةُ سَوَاءٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَنْ قُتِلَ فِي عِمِّيَّةٍ فِي رِمِّيَّا تَكُونُ بَيْنَهُمْ بِالْحِجَارَةِ
؛ الرِّمِّيَّا، بِوَزْنِ الهِجِّيرى والخِصِّيصى: مِنَ الرَّمْي، وَهُوَ مصدرٌ يُراد بِهِ الْمُبَالَغَةُ. وَيُقَالُ: تَرامَى الْقَوْمُ بِالسِّهَامِ وارْتَمَوْا إِذَا رَمَى بعضُهم بَعْضًا. الْجَوْهَرِيُّ: رَمَيْت الشيءَ مِنْ يَدي أَي أَلْقَيْته فارْتَمَى. ابْنُ سِيدَهْ: وأَرْمَى الشيءَ مِنْ يدهِ أَلقاه. ورَمَى اللَّهُ فِي يدِه وأَنْفِه وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَعضائهِ رَمْياً إِذَا دُعِي عَلَيْهِ؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
قُعوداً لَدَى أَبْياتِهم يَثْمِدُونَها، ... رَمَى اللهُ فِي تِلْكَ الأُنوفِ الكَوانِعِ
والرَّمِيُّ: قِطَعٌ صِغَارٌ مِنَ السَّحَابِ، زَادَ التَّهْذِيبُ: قدرُ الكَفِّ وأَعظمُ شَيْئًا، وَقِيلَ: هِيَ سَحَابَةٌ عظيمةُ القَطرِ شَدِيدَةُ الوقْعِ، وَالْجَمْعُ أَرْمَاءٌ وأَرْمِيَةٌ ورَمَايا؛ وَمِنْهُ قَوْلُ أَبي ذؤَيب يَصِفُ عَسَلًا:
يَمانِيَةٍ أَجْبى لَهَا مَظَّ مائِدٍ، ... وآلِ قُراسٍ صوبُ أَرْميَةٍ كُحْلِ
وَيُرْوَى: صوبُ أَسْقِية. الْجَوْهَرِيُّ: الرَّمِيّ السّقيُّ وَهِيَ السَّحَابَةُ الْعَظِيمَةُ القطرِ. الأَصمعي: الرَّمِيّ والسَّقِيُّ، عَلَى وَزْنِ فَعِيلٍ، هُمَا سَحَابَتَانِ عَظِيمَتَا الْقَطْرِ شَدِيدَتَا الْوَقْعِ مِنْ سَحَائِبِ الْحَمِيمِ وَالْخَرِيفِ؛ قَالَ الأَزهري: وَالْقَوْلُ مَا قَالَهُ الأَصمعي؛ وَقَالَ مُلَيح الهُذَلي فِي الرَّميّ السَّحَابِ:
حَنِين اليَماني هاجَه، بعْدَ سَلْوةٍ، ... ومِيضُ رَميٍّ، آخرَ اللَّيلِ، مُعْرِقِ
وَقَالَ أَبو جُنْدُبٍ الْهُذَلِيُّ وَجَمَعَهُ أَرْمِيَةً:
هُنَالِكَ لَوْ دَعَوْت، أَتاكَ منْهمُ ... رجالٌ مِثْلُ أَرْمِيَةِ الحَميم
والحَميم: مطرُ الصَّيْفِ، وَيَكُونُ عظيمَ الْقَطْرِ شديدَ الوَقْع. والسحابُ يَتَرَامَى أَي يَنْضم بعضهُ إِلَى بَعْضٍ، وَكَذَلِكَ يَرْمِي؛ قَالَ المُتَنَخِّل الْهُذَلِيُّ:
أَنْشَأَ فِي العَيْقةِ يَرْمِي لَهُ ... جُوفُ رَبابٍ وَرِهٍ مُثْقَلِ
ورَمَى بِالْقَوْمِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ: أَخْرَجهم مِنْهُ، وَقَدِ(14/337)
ارْتَمَت بِهِ البلادُ وتَرَامَتْ بِهِ؛ قَالَ الأَخطل:
وَلَكِنْ قَذاها زائرٌ لَا تُحِبُّهُ، ... تَرَامَتْ بِهِ الغِيطانُ مِنْ حيثُ لَا يَدْرِي
ابْنُ الأَعرابي: ورَمَى الرَّجلُ إِذَا سَافَرَ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَسَمِعْتُ أَعرابيّاً يَقُولُ لِآخَرَ أَيْنَ. تَرْمِي؟ فَقَالَ: أُرِيدُ بلَدَ كَذَا وَكَذَا؛ أَراد بِقَوْلِهِ أَيْنَ تَرْمِي أَيَّ جهةٍ تَنْوِي. ابْنُ الأَعرابي: ورَمَى فُلَانٌ فُلَانًا بأَمرٍ قبيحٍ أَي قَذَفَهُ؛ وَمِنْهُ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ
، وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ
؛ مَعْنَاهُ القَذْف. ورَمَى فُلَانٌ يَرْمِي إِذَا ظَنَّ ظَنّاً غيرَ مُصيب؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ رَجْماً بِالْغَيْبِ؛ قَالَ طُفَيْل يَصِفُ الْخَيْلَ:
إِذَا قيلَ: نَهْنِهْها وَقَدْ جَدَّ جِدُّها، ... تَرَامَتْ كخُذْرُوفِ الوَلِيد المُثَقَّفِ
تَرَامَتْ: تَتابَعَت وازْدادَتْ. يُقَالُ: مَا زَالَ الشرُّ يَتَرَامَى بَيْنَهُمْ أَي يَتَتابَع. وتَرَامَى الجُرْحُ والحَبْنُ إِلَى فَسادٍ أَي تَراخَى وَصَارَ عَفِناً فَاسِدًا. وَيُقَالُ: تَرَامَى أَمرُ فلانٍ إِلَى الظَّفَرِ أَو الخِذْلانِ أَي صَارَ إِلَيْهِ. والرَّمْي: الزِّيَادَةُ فِي العُمْرِ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
وعَلَّمَنا الصَّبْرَ آباؤُنا، ... وخُطَّ لَنا الرَّمْيُ فِي الوافِرَهْ
الْوَافِرَةُ: الدُّنْيَا. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: الرَّمْي أَن يُرْمَى بالقومِ إِلَى بَلَدٍ. ورَمَى عَلَى الْخَمْسِينَ رَمْياً وأَرْمَى: زَادَ. وكلُّ مَا زَادَ عَلَى شَيْءٍ فَقَدْ أَرْمَى عَلَيْهِ؛ وَقَوْلُ أَبي ذُؤَيْبٍ:
فَلَمَّا تَرَامَاهُ الشَّباب وغَيُّه، ... وَفِي النَّفْسِ منِهُ فِتْنَةٌ وفُجورُها
قَالَ السُّكّري: تَرَامَاهُ الشَّباب أَي تَمَّ. والرَّمَاء، بالمَدَّ: الرِّبا؛ قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هُوَ عَلَى البَدَل. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ الله عنه: لَا تَبيعُوا الذَّهَبَ بالفِضَّة إلَّا يَداً بِيَدٍ هاءَ وَهَاءَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمُ الرَّمَاء
؛ قَالَ الْكِسَائِيُّ: هُوَ بالفَتْح وَالْمَدِّ. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: أَراد بالرَّمَاء الزِّيَادَةَ بِمَعْنَى الرِّبَا، يَقُولُ: هُوَ زِيَادَةٌ عَلَى مَا يَحِلُّ. يُقَالُ: أَرْمَى عَلَى الشيءِ إرْمَاءً إِذَا زَادَ عَلَيْهِ كَمَا يُقَالُ أَرْبى؛ وَمِنْهُ قِيلَ: أَرْمَيْت عَلَى الخَمْسين أَي زِدْتُ عَلَيْهَا إرْماءً، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ:
إِنِّي أَخاف عَلَيْكُمُ الإِرْمَاءَ
، فجاءَ بِالْمَصْدَرِ؛ وأَنشد لِحَاتِمِ طَيِّءٍ:
وأَسْمَرَ خَطِّيّاً، كأَنَّ كُعوبَهُ ... نَوَى القَسْبِ قَدْ أَرْمَى ذِراعاً عَلَى العَشْرِ
أَي قَدْ زَادَ عَلَيْهَا، وأَرْمَى وأَرْبى لُغَتَانِ. وأَرْمَى فلانٌ أَي أَرْبَى. ويقال: سابَّهُ ف أَرْمَى عَلَيْهِ إِذَا زادَ، وَحَدِيثُ
عَدِيٍّ الجُذَامِي: قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كانَ لِي امْرَأَتانِ فاقْتَتَلَتا فَ رَمَيْتُ إحْداهما ف رُمِيَ فِي جنَازَتِها أَي ماتَتْ فَقَالَ: اعْقِلْها وَلَا تَرِثهَا
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: يُقَالُ رُمِيَ فِي جنازةِ فُلَانٍ إِذَا مَاتَ لأَنَّ الجِنازَة تَصيرُ مَرْميّاً فِيهَا، وَالْمُرَادُ بالرَّمْيِ الحَمْلُ والوَضْعُ، والفِعلُ فاعِلهُ الَّذِي أُسْنِدَ إِلَيْهِ هُوَ الظَّرْفُ بِعَيْنِهِ كَقَوْلِكَ سِيرَ بِزَيْدٍ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُؤَنَّث الْفِعْلُ، وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ فرُمِيَتْ فِي جِنازَتها، بِإِظْهَارِ التَّاءِ. ورُمَيٌّ ورِمِّيانُ: مَوْضِعَانِ. وأَرْمِيَا: اسمُ نَبِيٍّ؛ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: أَحْسبه مُعَرَّباً. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: ورَمَى اسْمُ وادٍ، يُصْرَفُ وَلَا يُصْرَفُ؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِل:
أَحَقّاً أَتاني أَنَّ عَوْفَ بنَ مالِكٍ ... ببَطْنِ رَمَى يُهْدِي إلَيَّ القَوافِيَا؟ «3» .
__________
(3) . قوله [ببطن رمى] في ياقوت: ببين رمى، وقال: بِين رمى، بكسر الباء، موضع إلخ(14/338)
رنا: الرُّنُوُّ: إِدَامَةُ النَّظَر مَعَ سكونِ الطَّرْف. رَنَوْتُه ورَنَوْتُ إِلَيْهِ أَرْنُو رَنْواً ورَنَا لَهُ: أَدامَ النَّظَرَ. يُقَالُ: ظَلَّ رَانِياً، وأَرْنَاهُ غيرهُ. والرَّنَا، بِالْفَتْحِ مقصورٌ: الشيءُ المَنْظُورُ إِلَيْهِ، وَفِي الْمُحْكَمِ: الَّذِي يُرْنَى إِلَيْهِ مِنْ حُسْنهِ، سمَّاه بِالْمَصْدَرِ؛ قَالَ جَرِيرٌ:
وَقَدْ كَانَ مِنْ شَأْنِ الغَوِيِّ ظَعائِنٌ ... رَفَعْنَ الرَّنَا والعَبْقَرِيَّ المُرَقَّما
وأَرْنَاني حُسْنُ المَنْظَر ورَنَّاني؛ الْجَوْهَرِيُّ: أَرْنَانِي حسنُ مَا رأَيتُ أَي حَمَلَني عَلَى الرُّنُوِّ. والرُّنُوّ: اللَّهْوُ مَعَ شَغْلِ القَلْبِ والبَصَرِ وغَلَبةِ الهَوَى. وفُلانٌ رَنُوُّ فُلَانَةَ أَي يَرْنُو إِلَى حديثِها ويُعْجبُ بِهِ. قَالَ مُبْتَكِرٌ الأَعرابي: حدَّثني فلان فَ رَنَوْتُ إِلَى حديثهِ أَي لَهَوْتُ بِهِ، وَقَالَ: أَسأَلُ اللهَ أَن يُرْنِيكُم إِلَى الطَّاعَةِ أَي يُصَيِّرَكُم إِلَيْهَا حَتَّى تَسْكُنوا وتَدُومُوا عَلَيْهَا. وإنَّه لَ رَنُوُّ الأَمَاني أَي صاحبُ أُمْنِيَّةٍ. والرَّنْوَة: اللَّحمة، وجمعُها رَنَوات. وكأْسٌ رَنَوْنَاةٌ: دائمةٌ عَلَى الشُّرْبِ ساكِنة، وَوَزْنُهَا فَعَلْعَلَة؛ قَالَ ابْنُ أَحمر:
مَدَّت عَلَيْهِ المُلكَ أَطنابَها ... كأْسٌ رَنَونَاةٌ وطِرفٌ طِمِرّ
أَراد: مَدَّتْ كأْسٌ رَنَوْناةٌ عَلَيْهِ أَطْنابَ الْمُلْكِ، فذَكَرَ المُلْكَ ثمَّ ذَكَرَ أَطْنابَه؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَمْ نَسْمَعْ بالرَّنَونَاةِ إلَّا فِي شِعْرِ ابْنِ أَحمر، وَجَمْعُهَا رَنَوْنَيَاتٌ، وَرَوَى أَبو الْعَبَّاسِ عَنِ ابْنِ الأَعرابي أَنه سَمِعَه رَوَى بيتَ ابنِ أَحمر:
بَنَّتْ عَلَيْهِ الملْكُ أَطْنابَها
أَي المُلْكُ، هِيَ الكَأْسُ، ورَفَعَ المُلْكَ ببَنَّت، وَرَوَاهُ ابْنُ السِّكِّيتِ بَنَتْ، بِتَخْفِيفِ النُّونِ، والمُلْكَ مفعولٌ لَهُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ ظرفٌ، وَقِيلَ: حَالٌ عَلَى تَقْدِيرِهِ مَصْدَرًا مِثْلُ أَرْسَلَها العِراك، وَتَقْدِيرُهُ بَنَتْ عَلَيْهِ كأْسٌ رَنَوْناة أَطْنابَها مُلْكاً أَي فِي حَالِ كَوْنِهِ مُلْكًا، وَالْهَاءُ فِي أَطنابها فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ كُلِّهَا عَائِدَةٌ عَلَى الكأْس، وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: أَطنابها بَدَلٌ مِنَ الْمُلْكِ فَتَكُونُ الْهَاءُ فِي أَطنابها عَلَى هَذَا عَائِدَةً عَلَى الْمُلْكِ، وَرَوَى بَعْضُهُمْ: بَنَتْ عَلَيْهِ الملكُ، فرفَعَ الملكَ وأَنَّثَ فِعْلَهُ عَلَى مَعْنَى المَمْلَكة؛ وَقَبْلَ الْبَيْتِ:
إنَّ إمرَأَ القَيْس عَلَى عَهْدِهِ، ... فِي إرْثِ مَا كَانَ أَبوه حِجِرْ
يَلْهو بِهِنْدٍ فَوْقَ أَنْماطِها، ... وفَرْثَنى يعْدُو إِلَيْهِ وَهِرْ
حتَّى أَتَتْه فَيْلَقٌ طافِحٌ ... لَا تَتَّقي الزَّجْرَ، وَلَا تَنْزَجِرْ
لمَّا رأَى يَوْماً، لَهُ هَبْوةٌ، ... مُرّاً عَبُوساً، شَرُّه مُقْمَطِرْ
أَدَّى إِلَى هِنْدٍ تَحِيَّاتها، ... وَقَالَ: هَذَا مِنْ دَواعي دبرْ
إنَّ الفَتى يُقْتِرُ بعدَ الغِنى، ... ويَغْتَني مِنْ بَعْدِ مَا يَفْتَقِرْ
والحَيُّ كالمَيْتِ ويَبْقى التُّقى، ... والعَيْشُ فَنَّانِ: فحُلْوٌ، ومُرْ
وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ:
فوَرَدَتْ تَقْتَدَ بَرْدَ مائِها
أَراد: وَرَدَتْ بَرْدَ ماءِ تَقْتَدَ؛ وَمِثْلُهُ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ؛ أَي أَحْسَنَ خَلْقَ كُلِّ شيءٍ، ويُسَمَّى هَذَا البَدَل. وَقَوْلُهُمْ(14/339)
فِي الْفَاجِرَةِ: تُرْنَى؛ هِيَ تُفْعَلُ مِنَ الرُّنُوِّ أَي يُدامُ النظَرُ إِلَيْهَا لأَنَّها تُزَنُّ بالرِّيبَة. الْجَوْهَرِيُّ: وَقَوْلُهُمْ يا ابْنَ تُرْنى كنايةٌ عَنِ اللَّئِيم؛ قَالَ صَخْرٌ الْغَيُّ:
فإنَّ ابنَ تُرْنى، إِذَا زُرْتُكُمْ، ... يُدافِعُ عَنِّيَ قَوْلًا عَنِيفا
وَيُقَالُ: فُلَانٌ رَنُوُّ فُلَانَةٍ إِذَا كَانَ يُدِيمُ النَّظَر إِلَيْهَا. وَرَجُلٌ رَنَّاءٌ، بِالتَّشْدِيدِ: للَّذي يُدِيمُ النَّظَر إِلَى النساءِ. وَفُلَانٌ رَنُوُّ الأَماني أَي صاحِبُ أَمانيَّ يتَوقَّعُها؛ وأَنشد:
يَا صاحِبَيَّ، إنَّني أَرْنُوكمُا، ... لَا تُحْرِماني، إنَّني أَرْجُوكُما
ورَنا إِلَيْهَا يَرْنُو رُنُوّاً ورَناً، مَقْصُورٌ، إِذَا نظرَ إليْها مُداوَمة؛ وأَنشد:
إِذَا هُنَّ فَصَّلْنَ الحَدِيث لأَهْلهِ، ... وجَدَّ الرَّنا فصَّلْنَه بالتَّهانُف «1»
. ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ أَبو عَلِيٍّ رَنَوْناةٌ فعَوْعَلة أَو فعَلْعَلة مِنَ الرَّنا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:
حديثَ الرَّنا فصَّلْنَه بالتَّهانُفِ
ابْنُ الأَعرابي: تَرَنَّى فُلَانٌ أَدام النَّظر إِلَى مَنْ يُحِبُّ. وتُرْنَى وتَرْنَى: اسْمُ رَمْلَةٍ، قَالَ: وقَضَينا عَلَى أَلِفِها بِالْوَاوِ وَإِنْ كَانَتْ لَامًا لِوُجُودِنَا رَنَوْت. والرُّناءُ: الصَّوْتُ والطَّرَب. والرُّنَاءُ: الصوتُ، وَجَمْعُهُ أَرْنِيَةٌ. وَقَدْ رَنَوتُ أَي طَرِبْتُ. ورنَّيْتُ غَيْرِي: طرَّبْتُه، قَالَ شَمِرٌ: سأَلت الرِّيَاشِيَّ عَنِ الرُّناءِ الصَّوْتِ، بِضَمِّ الرَّاءِ، فَلَمْ يَعْرفْه، وَقَالَ: الرَّناء، بِالْفَتْحِ، الْجَمَالُ؛ عَنْ أَبي زَيْدٍ؛ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ: سأَلت أَبا الْهَيْثَمِ عَنِ الرُّناءِ والرَّناء بِالْمَعْنَيَيْنِ اللَّذَيْنِ تَقَدَّمَا فَلَمْ يَحْفَظْ وَاحِدًا مِنْهُمَا؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: والرُّناءُ بِمَعْنَى الصَّوْتِ مَمْدُودٌ صَحِيحٌ. قَالَ ابْنُ الأَنباري: أَخْبَرَنِي أَبي عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ قَالَ كَانَتِ الْعَرَبُ تُسَمِّي جُمَادَى الْآخِرَةَ رُنَّى، وَذَا القَعدة رُنَة، وَذَا الْحِجَّةِ بُرَكَ. قَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: رُنَةُ اسْمُ جُمَادَى الْآخِرَةِ؛ وأَنشد:
يَا آلَ زَيدٍ، احْذَرُوا هَذِي السَّنَهْ، ... مِنْ رُنَةٍ حَتَّى يُوافيها رُنَهْ
قَالَ: وَيُرْوَى:
مِنْ أَنةٍ حَتَّى يُوَافِيَهَا أَنَه «2»
. وَيُقَالُ أَيضاً رُنَّى، وَقَالَ ابْنُ الأَنباري: هِيَ بِالْبَاءِ، وَقَالَ أَبو عُمَرَ الزَّاهِدُ: هُوَ تَصْحِيفٌ وَإِنَّمَا هُوَ بِالنُّونِ. والرُّبَّى، بِالْبَاءِ: الشاةُ النُّفَساء، وَقَالَ قُطْرُبٌ وَابْنُ الأَنباري وأَبو الطَّيِّبِ عَبْدُ الْوَاحِدِ وأَبو الْقَاسِمِ
الزَّجَّاجِيُّ: هُوَ بِالْبَاءِ لَا غيرُ، قَالَ أَبو الْقَاسِمِ الزَّجَّاجِيُّ: لأَن فِيهِ يُعْلَم مَا نُتِجَتْ حُروبُهم أَي مَا انْجَلَتْ عَلَيْهِ أَو عَنْهُ، مأْخوذ مِنَ الشَّاةِ الرُّبَّى؛ وأَنشد أَبو الطَّيِّبِ:
أَتَيْتُك فِي الحنِين فقُلْتَ: رُبَّى، ... وَمَاذَا بينَ رُبَّى والحَنِينِ؟
قَالَ: وأَصل رُنَة رُونَة، وَهِيَ مَحْذُوفَةُ الْعَيْنِ. ورُونَة الشَّيْءِ: غايتُه فِي حَرّ أَو بَرْدٍ أَو غَيْرِهِ، فسمِّي بِهِ جُمادى لشِدة بَرْدِه. وَيُقَالُ: إِنَّهُمْ حِينَ سمَّوا الشُّهُورَ وَافَقَ هَذَا الشَّهْرُ شدَّةَ البَرْدِ فسَمَّوْه بذلك.
رها: رَها الشيءُ رَهْواً: سَكَن. وعَيْشٌ رَاهٍ: خصيبٌ ساكنٌ رافِهٌ. وخِمْسٌ راهٍ إذا كان سهْلًا.
__________
(1) . قوله [وجد الرنا إلخ] هو هكذا بالجيم والدال في الأَصل وشرح القاموس أيضاً، وتقدم في مادة هنف بلفظ: حديث الرنا
(2) . قوله [من أنة إلخ] هكذا في الأَصل(14/340)
وكلُّ ساكِنٍ لَا يتحَرَّكُ راهٍ ورَهْوٌ. وأَرْهَى عَلَى نَفْسِهِ: رفقَ بِهَا وسَكَّنها، والأَمرُ مِنْهُ أَرْهِ عَلَى نفسِك أَي ارْفُق بِهَا. وَيُقَالُ: افْعَلْ ذَلِكَ رَهْواً أَي ساكِناً عَلَى هِينتِك، الأَصمعي: يُقَالُ لِكُلِّ سَاكِنٍ لَا يَتَحَرَّكُ ساجٍ وراهٍ وزاءٍ. اللِّحْيَانِيُّ: يُقَالُ مَا أَرْهَيْتُ ذَاكَ أَي مَا تَركْتُه سَاكِنًا. الأَصمعي: يُقَالُ أَرْهِ ذَلِكَ أَي دَعْهُ حَتَّى يسكُن، قَالَ: والإِرْهاءُ الإِسْكان. والرَّهْوُ: المَطَر السَّاكِنُ. وَيُقَالُ: مَا أَرْهَيْتَ إِلا عَلَى نفْسِك أَي مَا رَفَقْتَ إِلا بِهَا. ورَها البحرُ أَي سكَن. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً
؛ يَعْنِي تَفَرُّق الْمَاءِ مِنْهُ، وَقِيلَ: أَي سَاكِنًا عَلَى هِينتِك، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: رَهْواً هُنَا يَبَساً، وَكَذَلِكَ جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ، كَمَا قال: فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً؛ قَالَ الْمُثَقِّبُ:
كالأَجْدَلِ الطالِب رَهْوَ القَطا، ... مُسْتَنْشطاً فِي العُنُقِ الأَصْيَدِ
الأَجْدَل: الصَّقْر. وَقَالَ أَبو سَعِيدٍ: يَقُولُ دَعْه كَمَا فلَقْته لَكَ لأَن الطَّرِيقَ فِي الْبَحْرِ كَانَ رَهْواً بَيْنَ فِلْقي الْبَحْرِ، قَالَ: وَمَنْ قَالَ سَاكِنًا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلَكِنَّ الرَّهْو فِي السَّيْرِ هُوَ اللِّينُ مَعَ دوامِه. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً
، قَالَ: وَاسِعًا مَا بَيْنَ الطَّاقَاتِ؛ قَالَ الأَزهري: رَهْواً سَاكِنًا مِنْ نعتِ مُوسَى أَي عَلَى هِينَتِك، قَالَ: وأَجْود مِنْهُ أَن تَجْعَل رَهْوًا مِنْ نَعْتِ الْبَحْرِ، وَذَلِكَ أَنه قَامَ فِرْقاهُ سَاكِنَيْنِ فَقَالَ لِمُوسَى دَعِ الْبَحْرَ قَائِمًا مَاؤُهُ سَاكِنًا واعْبُر أَنت الْبَحْرَ، وَقَالَ خَالِدُ بْنُ جَنبة: رَهْواً أَي دَمِثاً، وَهُوَ السَّهْل الَّذِي لَيْسَ برَمْلٍ وَلَا حَزْنٍ. والرَّهْوُ أَيضاً: الْكَثِيرُ الْحَرَكَةِ، ضدٌّ، وَقِيلَ: الرَّهْوُ الْحَرَكَةُ نَفْسُهَا. والرَّهْوُ أَيضاً: السَّرِيعُ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
فإِنْ أَهْلِكْ، عُمَيْرُ، فَرُبَّ زَحْفٍ ... يُشَبَّه نَقْعُه رَهْواً ضَبابا
قَالَ: وَهَذَا قَدْ يَكُونُ لِلسَّاكِنِ وَيَكُونُ لِلسَّرِيعِ. وَجَاءَتِ الخيلُ والإِبِلُ رَهْواً أَي سَاكِنَةً، وَقِيلَ: مُتَتَابِعَةً. وغارَةٌ رَهْوٌ مُتَتَابِعَةٌ. وَيُقَالُ: النَّاسُ رَهْوٌ واحدٌ مَا بَيْنَ كَذَا وَكَذَا أَي مُتَقَاطِرُونَ. أَبو عُبَيْدٍ فِي قَوْلِهِ:
يَمْشِينَ رَهْواً
قَالَ: هُوَ سيرٌ سَهْل مُسْتَقِيمٌ. وَفِي حَدِيثِ
رافِع بْنِ خَدِيجٍ: أَنه اشتَرى مِنْ رجلُ بَعِيراً بِبَعِيرَيْنِ دَفع إِليه أَحَدهما وَقَالَ آتيكَ بالآخَرِ غَداً رَهْواً
؛ يَقُولُ: آتيكَ بِهِ عَفْواً سَهلًا لَا احْتباسَ فِيهِ؛ وأَنشد:
يَمْشِينَ رَهْواً، فَلَا الأَعجازُ خاذِلةٌ، ... وَلَا الصُّدورُ عَلَى الأَعْجازِ تَتَّكِلُ
وامرأَةٌ رَهْوٌ ورَهْوَى: لَا تَمْتَنِعُ مِنَ الفُجور، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي لَيْسَتْ بِمَحْمُودَةٍ عِنْدَ الْجِمَاعِ مِنْ غَيْرِ أَن يُعَين ذَلِكَ، وَقِيلَ: هِيَ الْوَاسِعَةُ الْهَنِ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِشَاعِرٍ:
لقدْ وَلَدَتْ أَبا قابُوسَ رَهْوٌ ... نَؤُومُ الفَرْجِ، حَمْراءُ العِجانِ
قَالَ ابْنُ الأَعرابي وَغَيْرُهُ: نزَلَ المخَبَّل السَّعْديّ، وَهُوَ فِي بَعْضِ أَسفاره، عَلَى خُلَيْدة ابْنةِ الزِّبْرِقانِ بْنِ بَدْرٍ وَكَانَ يُهاجِي أَباها فعرَفته وَلَمْ يَعْرِفْهَا، فأَتته بغَسُولٍ فغَسَلَتْ رأْسَه وأَحسَنَت قِراهُ وزَوَّدته عِنْدَ الرِّحْلة فَقَالَ لَهَا: مَنْ أَنتِ؟ فَقَالَتْ: وَمَا تُرِيدُ إِلى اسمِي؟ قَالَ: أُريد أَن أَمدحك فَمَا رأَيت امرأَة مِنَ الْعَرَبِ أَكرم مِنْكِ قَالَتْ: اسْمِي رَهْوٌ قَالَ: تَاللَّهِ مَا رأَيت امرأَةً شَرِيفَةً سُمِّيَت بِهَذَا الاسْم غيرَكِ، قَالَتْ: أَنت سَمَّيْتَني بِهِ، قَالَ: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟(14/341)
قَالَتْ: أَنا خُلَيْدةُ بنتُ الزِّبْرِقان، وَقَدْ كَانَ هَجَاها وزوجَها هَزَّالًا فِي شِعْرِهِ فَسَمَّاهَا رَهْواً؛ وَذَلِكَ قَوْلُهُ:
وأَنْكَحْتَ هَزَّالًا خُلَيْدةَ، بَعْدَ ما ... زَعَمْتَ برأْسِ العَيْنِ أَنك قاتِلُهْ
فأَنْكَحْتُمُ رَهْواً، كأَنَّ عِجانَها ... مَشَقُّ إِهابٍ أَوْسَعَ السَّلْخَ ناجِلُهْ
فجعَل عَلَى نَفْسِه أَن لَا يَهْجُوَها وَلَا يهجُوَ أَباها أَبداً، واسْتَحَى وأَنشأَ يَقُولُ:
لقدْ زَلَّ رَأْيِي فِي خُلَيْدة زَلَّةً، ... سأُعْتِبُ قَوْمِي بَعْدَها فأَتُوبُ
وأَشْهَدُ، والمُسْتَغْفَرُ اللهُ، أَنَّني ... كذَبْتُ عَلَيْهَا، والهِجاءُ كَذُوبُ
وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وجهه، يصفُ السماءَ: ونَظَمَ رَهَواتِ فُرَجِها
أَي المواضعَ المُتَفَتِّحَةَ مِنْهَا، وَهِيَ جَمْعُ رَهْوَة. أَبو عَمْرٍو: أَرْهَى الرجلُ إِذا تَزَوَّج بالرَّهاء، وَهِيَ الخِجامُ الْوَاسِعَةُ العَفْلَق. وأَرْهَى: دامَ عَلَى أَكْلِ الرَّهْوِ، وَهُوَ الكُرْكِيُّ. وأَرْهَى: أَدامَ لضِيفانِه الطَّعامَ سَخاءً. وأَرْهَى: صادَفَ مَوْضِعاً رَهَاءً أَي واسِعاً. وبِئرٌ رَهْوٌ: واسِعَة الفَمِ. والرَّهْوُ: مُسْتَنْقَع الْمَاءِ، وَقِيلَ: هُوَ مُسْتَنْقَع الْمَاءِ مِنَ الجُوَبِ خاصَّة. أَبو سَعِيدٍ: الرَّهْوُ مَا اطْمَأَنَّ مِنَ الأَرض وارْتَفَع مَا حَوْلَه. والرَّهْوُ: الجَوْبَةُ تَكُونُ فِي مَحَلَّةِ القَوْمِ يسيلُ إِليها المَطَر، وَفِي الصِّحَاحِ: يَسِيلُ فِيهَا المَطَر أَو غيرُه. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنَّه قَضَى أَنْ لَا شُفْعَة فِي فِناءٍ وَلَا طَريقٍ وَلَا مَنْقَبَةٍ وَلَا رُكْحٍ وَلَا رَهْوٍ
، وَالْجَمْعُ رِهاءٌ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الفِنَاءُ فِنَاءُ الدَّارِ وَهُوَ مَا امْتَدَّ مَعَها مِنْ جَوانِبها، والمَنْقَبةُ الطريقُ بينَ الدارَيْنِ، والرُّكْحُ ناحِيةُ البَيْتِ مِنْ وَرائِهِ ورُبَّما كانَ فَضَاءً لَا بِناءَ فِيهِ. والرَّهْوُ: الجَوْبَةُ الَّتِي تَكُونُ فِي مَحَلَّة القَوْم يسيلُ إِليها مِياهُهُم، قَالَ: وَالْمَعْنَى فِي الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ لَمْ يكُن مُشَارِكًا إِلَّا فِي واحدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الخَمْسةِ لَمْ يَسْتَحِقَّ بهذهِ المشارَكة شُفْعَة حَتَّى يَكُونَ شَرِيكًا فِي عَيْن العَقَار والدُّورِ والمَنازِلِ الَّتِي هَذِهِ الأَشْيَاءُ مِنْ حُقُوقِها، وأَنّ وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الأَشْياء لَا يُوجِبُ لَهُ شُفْعة، وَهَذَا قولُ أَهلِ الْمَدِينَةِ لأَنَّهم لَا يوجِبُون الشُّفْعَة إِلَّا للشَّرِيك المُخالِطِ، وأَما قَوْلُهُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ:
لَا يُمْنَعُ نَقْعُ البئرِ وَلَا رَهْوُ الماءِ
، ويُرْوى:
لَا يُباعُ
، فإِن الرَّهْو هُنَا المُستَنْقَع، وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ الماءَ الواسِعَ المُتَفَجِّر، وَالْحَدِيثُ نَهَى أَن يُباعَ رَهْوُ الماءِ أَو يُمْنع رَهْوُ الْمَاءِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: أَراد مُجْتَمِعَه، سُمِّيَ رَهْواً باسمِ الموضعِ الَّذِي هُوَ فِيهِ لانْخِفاضِه. والرَّهْوُ: حَفِيرٌ يُجْمَع فِيهِ الماءُ. والرَّهْو: الواسِعُ. والرَّهَاءُ: الواسِعُ مِنَ الأَرضِ المُسْتَوِي قَلَّما يَخلُو منَ السَّرابِ. ورَهاءُ كلِّ شَيْءٍ: مُسْتَواهُ. وطريقٌ رَهَاءٌ: وَاسِعٌ، والرَّهاءُ شبيهٌ بالدُّخانِ والغَبَرة؛ قَالَ:
وتَحْرَجُ الأَبْصار فِي رَهَائِهِ
أَي تَحَارُ. والأَرْهاء: الجَوانِبُ؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ، قَالَ: وَقِيلَ لابْنَةِ الخُسِّ أَيُّ البِلادِ أَمْرَأُ؟ قَالَتْ: أَرْهَاءُ أَجَإٍ أَنَّى شَاءَتْ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وإِنما قَضَيْنَا أَن هَمْزَةَ الرَّهاء والأَرْهاءِ واوٌ لَا ياءٌ لأَن رَ هَـ وأَكثر مِنْ ر هـ ي، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَتِ الْيَاءُ أَمْلَكَ بِهَا لأَنها لَامٌ. ورَهَتْ تَرْهُو رَهْواً: مَشَتْ مَشْياً خَفِيفاً فِي رِفْق؛ قَالَ الْقُطَامِيُّ فِي نَعْتِ الرِّكَابِ:(14/342)
يَمْشِينَ رَهْواً، فَلا الأَعْجازُ خاذِلَةٌ، ... وَلَا الصُّدُورُ عَلَى الأَعْجازِ تَتَّكِلُ
والرَّهْوُ: سَيْرٌ خَفِيفٌ حَكَاهُ أَبو عُبَيْدٍ فِي سَيْرِ الإِبل. الْجَوْهَرِيُّ: الرَّهْوُ السَّيْرُ السَّهْلُ. يُقَالُ: جاءَت الخَيْلُ رَهْواً أَي مُتَتَابِعَةً. وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ
ابْنِ مَسْعُودٍ: إِذْ مَرَّتْ بِهِ عَنانَةٌ تَرَهْيَأَتْ
أَي سحابةٌ تَهَيَّأَتْ لِلْمَطَرِ فَهِيَ تُرِيدُهُ وَلَمْ تَفْعَل. والرَّهْو: شِدَّةُ السَّيْرِ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وَقَوْلُهُ:
إِذا مَا دَعا داعِي الصَّباحِ أَجابَهُ ... بَنُو الحَرْب مِنَّا، والمَراهِي الضَّوابِعُ
فَسَّرَهُ ابْنُ الأَعرابي فَقَالَ: الْمَرَاهِي الْخَيْلُ السِّرَاعُ، وَاحِدُهَا مُرْهٍ، وَقَالَ ثَعْلَبٌ: لَوْ كَانَ مِرْهىً كَانَ أَجود، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنه لَمْ يَعْرِفْ أَرْهَى الفَرَسُ وإِنما مِرْهىً عِنْدَهُ عَلَى رَها أَو عَلَى النَّسَبِ. الأَزهري: قَالَ العُكْلِيّ المُرْهِي مِنَ الْخَيْلِ الَّذِي تَرَاهُ كأَنَّه لَا يُسْرِع وإِذا طُلِبَ لَمْ يُدْرَكْ، قَالَ: وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: الرَّهْوُ مِنَ الطَّيْرِ والخيلِ السِّراعُ؛ وَقَالَ لَبِيدٌ:
يُرَيْنَ عَصائباً يَرْكُضْنَ رَهْواً، ... سَوابِقُهُنَّ كالحِدَإِ التُّؤامِ
وَيُقَالُ: رَهْواً يَتْبَعُ بعضُها بَعْضًا: وَقَالَ الأَخطل:
بَني مهْرَةٍ، والخَيْلُ رَهْوٌ كأَنها ... قِداحٌ عَلَى كَفَّي مُجيلٍ يُفيضُها
أَي متتابعةٌ. والرَّهْوُ: مِنَ الأَضداد، يَكُونُ السَّيْرَ السَّهْلَ وَيَكُونُ السَّريعَ؛ قَالَ الشَّاعِرُ فِي السَّريع:
فأَرْسَلَها رَهْواً رِعالًا، كأَنَّها ... جَرادٌ زهَتْهُ ريحُ نَجْدٍ فأَتْهَما
وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: رَها يَرْهو فِي السَّيْرِ أَي رَفَقَ. وَشَيْءٌ رَهْوٌ: رَقِيقٌ، وَقِيلَ مُتَفَرِّق. ورَها بَيْنَ رِجْلَيْهِ يَرْهو رَهْواً: فَتَح؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وأَنشد أَبو زِيَادٍ:
تَبيتُ، مِنْ شَفّانِ إِسْكَتَيْها ... وحِرِها، راهِيَةً رِجْلَيْها
وَيُقَالُ: رَها مَا بَيْنَ رِجْلَيْه إِذا فَتَحَ مَا بَيْنَ رِجليه. الأَصمعي: وَنَظَرَ أَعرابي إِلى بَعِيرٍ فالِجٍ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ رَهْوٌ بَيْنَ سَنامَيْن أَيْ فَجْوَةٌ بينَ سَنامَيْن، وَهَذَا مِنَ الانْهِباط. والرَّهْوُ: مَشْيٌ فِي سُكونٍ. وَيُقَالُ: افْعَلْ ذَلِكَ سَهْواً رَهْواً أَي سَاكِنًا بِغَيْرِ تَشَدُّدٍ. وثوبٌ رَهْوٌ: رَقيقٌ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد لأَبي عَطَاءٍ:
وَمَا ضَرَّ أَثْوابي سَوادي، وتَحْتَه ... قَميصٌ مِنَ القوهِيِّ، رَهْوٌ بَنائقُهْ
وَيُرْوَى: مَهْوٌ ورَخْفٌ، وكلُّ ذَلِكَ سَواءٌ. وخِمارٌ رَهْوٌ: رَقيقٌ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يَلي الرأْسَ وَهُوَ أَسْرَعُهُ وسَخاً. والرَّهْوُ والرَّهْوَةُ: المَكانُ المُرْتَفِعُ والمُنْخَفِضُ أَيضاً يَجتَمِع فِيهِ الماءُ، وَهُوَ مِنَ الأَضداد. ابْنُ سِيدَهْ: والرَّهْوة الارْتِفاعُ والانْحِدارُ ضِدٌّ؛ قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ النُّمَيْري:
دَلَّيْتُ رِجْلَيَّ فِي رَهْوَةٍ، ... فَما نالَتا عندَ ذاكَ القَرارا
وأَنشده أَبو حَاتِمٍ عَنْ أُمّ الهَيْثم؛ وأَنشد أَيضاً:
تَظَلُّ النساءُ المُرْضِعاتُ بِرَهْوةٍ ... تَزَعْزَعُ، من رَوْعِ الجَبانِ، قُلوبُها
فَهَذَا انْحِدار وانْخِفاض؛ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ كُلثوم:
نَصَبْنا مِثْلَ رَهْوَةَ ذَاتَ حَدٍّ ... مُحافَظةً، وكُنّا السابِقينا(14/343)
وَفِي التَّهْذِيبِ: وَكُنَّا المُسْنِفينا، وَفِي الصِّحَاحِ: وَكُنَّا الأَيْمَنينا، كأَنَّ رَهْوَةَ هَاهُنَا اسْمٌ أَو قارةٌ بِعَيْنِهَا، فَهَذَا ارْتِفَاعٌ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: رَهْوَةُ اسْمُ جَبَلٍ بِعَيْنِهِ، وذاتُ حَدٍّ: مِنْ نَعْتِ الْمَحْذُوفِ، أَراد نَصَبْنا كَتيبَةً مِثلَ رَهْوَة ذاتَ حَدٍّ، ومُحافظة: مَفْعُولٌ لَهُ، وَالْحَدُّ: السِّلَاحُ وَالشَّوْكَةُ؛ قَالَ: وَكَانَ حَقُّ الشَّاهِدِ الَّذِي اسْتَشْهَدَ بِهِ أَن تَكُونَ الرَّهْوَةُ فِيهِ تَقَعُ عَلَى كُلِّ مَوْضِعٍ مُرْتَفِعٍ مِنَ الأَرض فَلَا تَكُونُ اسْمَ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ، قَالَ: وعُذْره فِي هَذَا أَنه إِنما سُمِّيَ الْجَبَلُ رَهْوَةً لارْتِفاعه فَيَكُونُ شَاهِدًا عَلَى الْمَعْنَى. وشاهدُ الرَّهْوَة لِلْمُرْتَفِعِ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ:
وسُئل عَنْ غَطَفان فَقَالَ رَهْوَةٌ تَنْبَع مَاءً
، فَ رَهْوَةٌ هُنَا جَبَلٌ يَنْبَعُ مِنْهُ مَاءٌ، وأَراد أَنَّ فِيهِمْ خُشونةً وتَوَعُّراً وتَمَنُّعاً، وأَنهم جَبَلٌ يَنْبَعُ مِنْهُ الْمَاءُ، ضَرَبَهُ مَثَلًا. قَالَ: والرَّهْوُ والرَّهْوَةُ شِبْهُ تَلٍّ صَغِيرٍ يَكُونُ فِي مُتون الأَرض وعلى رؤوس الْجِبَالِ، وَهِيَ مَواقِع الصُّقور والعِقبان؛ الأُولى عَنِ اللِّحْيَانِيِّ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
نَظَرْتُ، كَمَا جَلّى عَلَى رأْسِ رَهْوَةٍ ... مِن الطَّيْرِ أَقْنى، يَنْفُضُ الطَّلَّ أَزْرَقُ
الأَصمعي وَابْنُ شُمَيْلٍ: الرَّهْوَةُ والرَّهْوُ مَا ارتفعَ مِنَ الأَرض. ابْنُ شُمَيْلٍ: الرَّهْوَةُ الرَّابِية تضْرِبُ إِلى اللِّين وطولُها فِي السَّمَاءِ ذِرَاعَانِ أَو ثَلَاثَةٌ، وَلَا تَكُونُ إِلا فِي سهولِ الأَرض وجَلَدِها مَا كَانَ طِينًا وَلَا تَكُونُ فِي الجِبال. الأَصمعي: الرِّهاءُ أَماكنُ مُرْتَفِعَةٌ، الْوَاحِدُ رَهْوٌ. والرَّهَاءُ: مَا اتَّسع مِنَ الأَرض؛ وأَنشد:
بِشُعْثٍ عَلَى أَكْوارِ شُدْفٍ رَمى بِهِمْ ... رَهاء الفَلا نَابِي الهُمومِ القَواذِف
والرَّهَاء: أَرض مُسْتَوِيةٌ قَلَّما تَخْلُو مِنَ السَّرَابِ. الْجَوْهَرِيُّ: ورَهْوَةٌ فِي شِعر أَبي ذُؤَيب عَقَبة بِمَكَانٍ مَعْرُوفٌ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ بَيْتُ أَبي ذُؤَيْبٍ هُوَ قَوْلُهُ:
فإِنْ تُمْسِ فِي قَبْرٍ برَهْوَةَ ثاوِياً، ... أَنيسُك أَصْداءُ القُبور تَصيحُ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: رَهْوَى مَوْضِعٌ وَكَذَلِكَ رَهْوَةُ؛ أَنشد سِيبَوَيْهِ لأَبي ذُؤَيْبٍ:
فإِن تمسِ فِي قَبْرٍ برَهْوَة ثَاوِيًا
وَقَالَ ثَعْلَبٌ: رَهْوَةُ جَبَلٌ؛ وأَنشد:
يوعِدُ خَيْراً، وهْوَ بالرَّحْراحِ ... أَبْعَدُ مِن رَهْوةَ مِن نُباحِ
نُباحٌ: جَبَلٌ. ابْنُ بُزُرْجَ: يَقُولُونَ لِلرَّامِي وَغَيْرِهِ إِذا أَساء أَرْهِهْ أَي أَحْسِنْ. وأَرْهَيْت: أَحْسَنْت. والرَّهْو: طَائِرٌ مَعْرُوفٌ يُقَالُ لَهُ الكُرْكِيُّ، وَقِيلَ: هُوَ مِنْ طَيْر الْمَاءِ يُشْبِهُهُ وَلَيْسَ بِهِ، وَفِي التَّهْذِيبِ: والرَّهْوُ طَائِرٌ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُقَالُ هُوَ طَائِرٌ غَيْرُ الْكُرْكِيِّ يَتزوَّد الْمَاءَ فِي اسْتِهِ؛ قَالَ: وإِياه أَراد طَرَفة بِقَوْلِهِ:
أَبا كَرِبٍ، أَبْلِغْ لَدَيْكَ رِسالةً ... أَبا جابِرٍ عَنِّي، وَلَا تَدَعَنْ عَمْرا
هُمُ سَوَّدوا رَهْواً تَزَوَّدَ فِي اسْتِه، ... مِنَ الماءِ، خالَ الطَّيْرَ وارِدةً عَشْرا
وأَرْهى لَكَ الشيءُ: أَمْكَنَكَ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. وأَرْهَيْتُه أَنا لَكَ أَي مَكَّنْتُكَ مِنْهُ. وأَرْهَيْتُ لَهُمُ الطَّعامَ والشرابَ إِذا أَدَمْتَه لَهُم؛ حَكَاهُ يَعْقُوبُ مِثْلُ أَرْهَنْتُ، وَهُوَ طَعَامٌ رَاهِنٌ وراهٍ أَي دائمٌ؛ قَالَ الأَعشى:
لَا يَسْتَفِيقونَ مِنْها، وهْيَ رَاهِيةٌ، ... إِلَّا بِهاتِ، وإِنْ عَلُّوا وإِن نَهِلُوا(14/344)
وَيُرْوَى: رَاهِنَةٌ، يَعْنِي الخَمْر. والرَّهِيَّةُ: بُرٌّ يُطحَن بَيْنَ حَجَرَيْنِ ويُصَبُّ عَلَيْهِ لَبَن، وَقَدِ ارْتَهَى. والرُّها «3» : بَلَدٌ بِالْجَزِيرَةِ يُنْسَبُ إِليه ورَق المَصاحف، وَالنِّسْبَةُ إِليه رُهاوِيٌّ. وبَنُو رُهاء، بِالضَّمِّ «4» : قَبِيلَةٌ مِنْ مَذْحجٍ وَالنِّسْبَةُ إِليهم رُهَاوِيٌّ. التَّهْذِيبُ فِي تَرْجَمَةِ هَرَا: ابْنُ الأَعرابي هَارَاهُ إِذا طانَزه، ورَاهاهُ إِذا حَامَقَهُ.
روي: قَالَ ابْنُ سِيدَهْ فِي مُعْتَلِّ الأَلف: رُواوةُ مَوْضِعٌ مِنْ قِبَل بِلَادِ بَنِي مُزَيْنةَ؛ قَالَ كُثَيِّرُ عَزَّةَ:
وغَيَّرَ آياتٍ، بِبُرْقِ رُواوةٍ، ... تَنائِي اللَّيالي، والمَدَى المُتَطاوِلُ
وَقَالَ فِي مُعْتَلِّ الْيَاءِ: رَوِيَ مِنَ الْمَاءِ، بِالْكَسْرِ، وَمِنَ اللَّبَن يَرْوَى رَيّاً ورِوىً أَيضاً مِثْلُ رِضاً وتَرَوَّى وارْتَوَى كُلُّهُ بِمَعْنًى، وَالِاسْمُ الرِّيُّ أَيضاً، وَقَدْ أَرْواني. وَيُقَالُ لِلنَّاقَةِ الْغَزِيرَةِ: هِيَ تُرْوِي الصَّبِيَّ لأَنه يَنام أَول الليلِ، فأَراد أَنّ دِرَّتها تَعْجَلُ قبلَ نَوْمِه. والرَّيَّانُ: ضِدُّ العَطْشان، وَرَجُلٌ رَيّانُ وامرأَة رَيَّا مِن قَوْمٍ رِواءٍ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَمّا رَيَّا الَّتِي يُظنّ بِهَا أَنها مِنْ أَسماء النِّسَاءِ فإِنه صِفَةٌ، عَلَى نَحْوِ الحَرث والعَباسِ، وإِن لَمْ يَكُنْ فِيهَا اللَّامُ، اتَّخَذُوا صِحَّةَ الْيَاءِ بَدَلًا مِنَ اللَّامِ، وَلَوْ كَانَتْ عَلَى نَحْوِ زَيْدٍ مِنَ الْعَلَمِيَّةِ لَكَانَتْ رَوَّى مِنْ رَوِيت، وَكَانَ أَصلها رَوْيا فَقُلِبَتِ الْيَاءُ وَاوًا لأَن فَعْلى إِذا كَانَتِ اسْمًا وأَلفها يَاءً قُلِبَتْ إِلى الْوَاوِ كتَقْوَى وشرْوَى، وإِن كَانَتْ صِفَةً صَحَّتِ الْيَاءُ فِيهَا كصَدْيا وخَزْيا. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَذَا كَلَامُ سِيبَوَيْهِ وَزِدْتُهُ بَيَانًا. الْجَوْهَرِيُّ: المرأَة رَيَّا وَلَمْ تُبدل مِنَ الْيَاءِ وَاوٌ لأَنها صِفَةٌ، وإِنما يُبدلون الْيَاءَ فِي فَعْلَى إِذا كَانَتِ اسْمًا وَالْيَاءُ مَوْضِعُ اللَّامِ، كَقَوْلِكَ شَرْوَى هَذَا الثوبِ وإِنما هُوَ مِنْ شَرَيْت، وتَقْوَى وإِنما هُوَ مِنَ التَّقِيَّة، وإِن كَانَتْ صِفَةً تَرَكُوهَا عَلَى أَصلها قَالُوا امرأَة خَزْيا ورَيَّا، وَلَوْ كَانَتِ اسْمًا لَكَانَتْ رَوَّى لأَنك كُنْتَ تُبْدِلُ الأَلف وَاوًا مَوْضِعَ اللَّامِ وَتَتْرُكُ الْوَاوَ الَّتِي هِيَ عَيْنُ فَعْلَى عَلَى الأَصل؛ وَقَوْلُ أَبي النَّجْمِ:
وَاهًا لِرَيَّا ثُمَّ وَاهًا وَاهَا
إِنما أَخرجه عَلَى الصِّفَةِ. وَيُقَالُ: شَرِبْت شُرْباً رَوِيّاً. ابْنُ سِيدَهْ: ورَوِيَ النَّبْتُ وتَرَوَّى تَنَعَّم. ونَبْتٌ رَيّانُ وشَجر رِواءٌ؛ قَالَ الأَعشى:
طَرِيقٌ وجَبّارٌ رِواءٌ أُصولُه، ... عَلَيْهِ أَبابِيلٌ مِنَ الطَّيْرِ تَنْعَبُ
وَمَاءٌ رَوِيٌّ ورِوىً ورَواءٌ: كَثِيرٌ مُرْوٍ؛ قَالَ:
تَبَشّرِي بالرِّفْهِ والماءِ الرِّوَى، ... وفَرَجٍ مِنْكِ قَرِيب قَدْ أَتَى
وَقَالَ الْحُطَيْئَةُ:
أَرَى إِبِلِي بِجَوْفِ الماءِ حَنَّتْ، ... وأَعْوَزَها بِه الماءُ الرَّوَاءُ
وماءٌ رَوَاء، مَمْدُودٌ مَفْتُوحُ الرَّاءِ، أَي عَذْبٌ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِشَاعِرٍ:
مَنْ يَكُ ذَا شَكّ، فَهَذَا فَلْجُ ... ماءٌ رَواءٌ وطَرِيقٌ نَهْجُ
وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ تَصِفُ أَباها، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: واجْتَهَرَ دُفُنَ الرَّواء
، وَهُوَ بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ الْمَاءُ الْكَثِيرُ، وَقِيلَ: العَذْب الَّذِي فِيهِ للوارِدين رِيٌّ.
__________
(3) . قوله [والرُّها إلخ] هو بالمدّ والقصر كما في ياقوت
(4) . قوله [وبنو رُهَاء بالضم] تبع المؤلف الجوهري، والذي في القاموس كسماء(14/345)
وَمَاءٌ رِوىً، مَقْصُورٌ بِالْكَسْرِ، إِذا كَانَ يَصْدُر «1» . مَنْ يَرِدُه عَنْ غَيْرِ رِيٍّ، قَالَ: وَلَا يَكُونُ هَذَا إِلا صِفَةً لأَعْداد الْمِيَاهِ التي لا تَنْزَحُ وَلَا يَنقطع مَاؤُهَا؛ وَقَالَ الزَّفيان السَّعْدِيُّ:
يَا إِبِلِي مَا ذامُه فَتَأْبَيْهْ ... «2» . ماءٌ رَواءٌ ونَصِيٌّ حَوْلَيْهْ
هَذَا مَقامٌ لَكِ حَتَّى تِيبَيْهْ
إِذا كَسَرَتَ الرَّاءَ قَصَرْتَهُ وَكَتَبْتَهُ بِالْيَاءِ فَقُلْتَ مَاءٌ رِوىً، وَيُقَالُ: هُوَ الَّذِي فِيهِ للوارِدةِ رِيٌّ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُهُ قَوْلُ الْعَجَّاجِ:
فصَبِّحا عَيْناً رِوىً وفَلْجا
وَقَالَ الجُمَيْحُ بْنُ سُدَيْدٍ التَّغْلِبِيُّ:
مُسْحَنْفِرٌ يَهْدِي إِلى مَاءٍ رِوَى، ... طامِي الجِمام لَمْ تَمَخَّجْه الدِّلا
المُسْحَنْفِرُ: الطَّرِيقُ الْوَاضِحُ، وَالْمَاءُ الرِّوَى: الْكَثِيرُ، والجِمامُ: جَمْعُ جَمَّة أَي هَذَا الطَّرِيقُ يَهْدِي إِلى مَاءٍ كَثِيرٍ. ورَوَّيْتُ رأْسِي بالدُّهْن ورَوَّيْت الثَّرِيدَ بالدَّسم. ابْنُ سِيدَهْ: والرَّاوِيَةُ المَزادة فِيهَا الْمَاءُ، وَيُسَمَّى الْبَعِيرُ رَاوِيَة عَلَى تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ غَيْرِهِ لِقُرْبِهِ مِنْهُ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
فتَوَلَّوْا فاتِراً مَشْيُهُمُ، ... كَرَوَايا الطِّبْعِ هَمَّتْ بالوَحَلْ
وَيُقَالُ للضَّعيف الوادِع: مَا يَرُدُّ الرَّاوِيَة أَي أَنه يَضْعُف عَنْ ردِّها عَلَى ثِقَلها لِمَا عَلَيْهَا مِنَ الْمَاءِ. والرَّاوِيَة: هُوَ الْبَعِيرُ أَو الْبَغْلُ أَو الْحِمَارُ الَّذِي يُستقى عَلَيْهِ الْمَاءُ والرَّجل الْمُسْتَقِي أَيضاً رَاوِيَة. قَالَ: وَالْعَامَّةُ تُسَمِّي المَزادة رَاوِيَة، وَذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى الِاسْتِعَارَةِ، والأَصل الأَول؛ قَالَ أَبو النَّجْمِ:
تَمْشِي مِنَ الرِّدَّةِ مَشْيَ الحُفَّلِ، ... مَشْيَ الرَّوَايَا بالمَزادِ الأَثْقَلِ «3»
. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُ الرَّاوِيَة الْبَعِيرُ قَوْلُ أَبي طَالِبٍ:
ويَنْهَضُ قَوْمٌ، فِي الحَدِيد، إِلَيْكُمُ ... نُهُوضَ الرَّوايا تحتَ ذاتِ الصَّلاصِلِ
ف الرَّوَايا: جَمْعُ رَاوِيَة لِلْبَعِيرِ: وَشَاهِدُ الرَّاوِيَة للمَزادة قَوْلُ عَمْرِو بْنِ مِلْقَط:
ذاكَ سِنانٌ مُحْلِبٌ نَصْرُه، ... كالجَمَلِ الأَوْطَفِ بالرَّاوِيَةْ
وَيُقَالُ: رَوَيْتُ عَلَى أَهلي أَرْوِي رَيَّةً. قَالَ: وَالْوِعَاءُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الْمَاءُ إِنما هِيَ المَزادة، سُمِّيَتْ رَاوِيَةً لِمَكَانِ الْبَعِيرِ الَّذِي يَحْمِلُهَا وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: يُقَالُ رَوَيْتُ القومَ أَرْوِيهم إِذا استَقَيْت لهم. وَيُقَالُ: مِنْ أَيْنَ رَيَّتُكم أَي مِنْ أَين تَرْتَوُون الْمَاءَ، وَقَالَ غَيْرُهُ: الرِّوَاء الحَبْل الَّذِي يُرْوَى بِهِ عَلَى الرَّاوِيَةِ إِذا عُكِمَتِ المزادتانِ. يُقَالُ: رَوَيْت عَلَى الراَّوية أَرْوِي رَيّاً فأَنا راوٍ إِذا شدَدْتَ عَلَيْهِمَا الرِّواء؛ قَالَ: وأَنشدني أَعرابي وَهُوَ يُعاكِمُني:
رَيَّاً تَمِيميّاً عَلَى المزايدِ
وَيُجْمَعُ الرِّواءُ أَرْوِيَةً، وَيُقَالُ لَهُ المِرْوَى، وَجَمْعُهُ مَراوٍ ومَراوَى. وَرَجُلٌ رَوَّاء إِذا كَانَ الاستقاءُ بِالرَّاوِيَةِ لَهُ صِناعةً، يُقَالُ: جَاءَ رَوّاءُ الْقَوْمِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، سَمَّى السَّحابَ رَوَايا البِلادِ
؛ الرَّوَايا مِنَ الإِبلِ: الحَوامِلُ للماء،
__________
(1) . قوله [إذا كان يصدر إلخ] كذا بالأصل ولعله إذا كان لا يصدر كما يقتضيه السياق
(2) . قوله [فتأبيه إلخ] هو بسكون الياء والهاء في الصحاح والتكملة، ووقع لنا في مادة حول وذام وأبي من اللسان بفتح الياء وسكون الهاء
(3) . قوله [الأثقل] هو هكذا في الأصل والجوهري هنا ومادة ردد، ووقع في اللسان في ردد المثقل(14/346)
وَاحِدَتُهَا رَاوِيةٌ فشبَّهها بِهَا، وَبِهِ سُمِّيَتِ المزادةُ رَاوِيَةً، وَقِيلَ بِالْعَكْسِ. وَفِي حَدِيثِ بَدْرٍ:
فإِذا هُوَ برَوَايا قُرَيْشٍ
أَي إِبِلِهِم الَّتِي كَانُوا يَسْتَقُونَ عَلَيْهَا. وتَرَوَّى القومُ ورَوَّوْا: تَزَوَّدُوا بِالْمَاءِ. ويَوْم التّرْوِية: يوْمٌ قَبْلَ يومِ عَرَفَةَ، وَهُوَ الثَّامِنُ مِنْ ذِي الحِجّة، سُمِّيَ بِهِ لأَن الحُجّاج يتَرَوَّوْنَ فِيهِ مِنَ الْمَاءِ وينهَضُون إِلى مِنىً وَلَا مَاءَ بِهَا فيتزوَّدون رِيَّهم مِنَ الْمَاءِ أَي يَسْقُون ويَسْتَقُون. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ: كَانَ يُلبِّي بالحَجِّ يومَ التَّرْوِيَةِ.
ورَوَيْت عَلَى أَهلي ولأَهلي رَيّاً: أَتيتُهم بِالْمَاءِ، يُقَالُ: مِنْ أَيْن رَيَّتُكم أَي مِنْ أَين تَرْتَوُون الْمَاءَ. ورَوَيْتُ عَلَى البَعير رَيّاً: اسْتَقَيْتُ عَلَيْهِ؛ وَقَوْلُهُ:
وَلَنَا رَوايا يَحْمِلون لَنَا ... أَثْقالَنا، إِذ يُكْرَهُ الحَمْلُ
إِنما يَعْنِي بِهِ الرِّجَالَ الَّذِينَ يحْمِلون لَهُمُ الدِّياتِ، فَجَعَلَهُمْ كَرَوَايَا الْمَاءَ. التَّهْذِيبُ: ابْنُ الأَعرابي يُقَالُ لسادةِ الْقَوْمِ الرَّوايا؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهِيَ جَمْعُ راوِيةٍ، شَبّه السيِّد الَّذِي تحَمَّل الدِّيات عَنِ الْحَيِّ بالبَعير الرَّاوِيَة؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاعي:
إِذا نُدِيَتْ رَوَايَا الثِّقْلِ يَوْماً، ... كَفَيْنا المُضْلِعاتِ لِمَنْ يَلِينا
أَراد بِرَوَايَا الثِّقْل حَوامِل ثِقْل الدِّيات، والمُضْلِعات: الَّتِي تُثْقِلُ مَنْ حَمَلَها، يَقُولُ: إِذا نُدِبَ للدِّيات المُضْلِعةِ حَمَّالوها كُنَّا نَحْنُ المُجِيبين لحمْلِها عمَّن يَلِينا مِنْ دُونِنَا. غَيْرُهُ: الرَّوَايا الَّذِينَ يحْمِلون الْحَمَالَاتِ؛ وأَنشدني ابْنُ بَرِّيٍّ لِحَاتِمٍ:
اغْزُوا بَنِي ثُعَل، والغَزْوُ جَدُّكُم ... جَدُّ الرَّوايا، وَلَا تَبْكُوا الَّذِي قُتِلا
وَقَالَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَذَكَرَ قَوْمًا أَغاروا عَلَيْهِمْ: لَقِينَاهُمْ فقَتَلْنا الرَّوَايَا وأَبَحْنا الزَّوايا أَي قَتَلْنا السادةَ وأَبَحْنا البُيوت وَهِيَ الزَّوايا. الْجَوْهَرِيُّ: وَقَالَ يَعْقُوبُ ورَوَيْتُ القومَ أَرْويهم إِذا اسْتَقَيْتُ لَهُمُ الْمَاءَ. وَقَوْمٌ رِوَاء مِنَ الْمَاءِ، بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ؛ قَالَ عُمر بْنُ لجَإٍ:
تَمْشي إِلى رِواءِ عاطِناتِها، ... تحَبُّسَ العانِسِ فِي رَيْطاتِها
وتَرَوَّت مفاصِلُه: اعْتَدَلَتْ وغَلُظَتْ، وارْتَوَت مَفَاصِلُ الرَّجُلِ كَذَلِكَ. اللَّيْثُ: ارْتَوَتْ مَفَاصِلُ الدَّابَّةِ إِذا اعْتَدَلت وغَلُظت، وارْتَوَت النَّخْلَةُ إِذا غُرست فِي قَفْر ثُمَّ سُقِيَت فِي أَصلها، وارْتَوَى الحَبْلُ إِذا كَثُرَ قُواه وغَلُظ فِي شِدَّة فَتْلٍ؛ قَالَ ابْنُ أَحمر يَذْكُرُ قَطَاةً وفَرْخَها:
تَرْوي لَقىً أُلْقِيَ فِي صَفْصَفٍ، ... تَصْهَرُه الشَّمس فَمَا يَنْصَهِرْ
تَرْوِي: مَعْنَاهُ تَسْتقي يُقَالُ: قَدْ رَوَى مَعْنَاهُ اسْتَقى عَلَى الرَّاوِيَة. وَفَرَسٌ رَيَّانُ الظَّهْرِ إِذا سمِنَ مَتْناهُ. وَفَرَسٌ ظَمْآنُ الشَّوى إِذا كَانَ مُعَرَّق الْقَوَائِمِ، وإِنَّ مفاصِله لظِماء إِذا كَانَ كَذَلِكَ؛ وأَنشد:
رِواء أَعالِيهِ ظِماء مفاصِلُهْ
والرِّيُّ: المَنْظرُ الحسَنُ فِيمَنْ لَمْ يَعْتَقِدِ الْهَمْزَ. قَالَ الْفَارِسِيُّ: وَهُوَ حَسَنٌ لِمَكَانِ النَّعْمة وأَنه خِلَافُ أَثَرِ الجَهْد والعَطش والذُّبول. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: أَحسَنُ أَثاثاً ورِيّاً؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: أَهل المدينة يقرؤونها رِيّاً، بِغَيْرِ هَمْزٍ، قَالَ: وَهُوَ وَجْهٌ جَيِّدٌ مِنْ رأَيت لأَنه مع آيات لسْنَ مَهْمُوزَاتِ الأَواخر، وَذَكَرَ بعضهم أَنه ذهب بالرِّيّ إِلى رَوَيْت إِذا لم يُهْمَزْ،(14/347)
وَنَحْوَ ذَلِكَ قَالَ الزَّجَّاجُ: مَنْ قرأَ رِيّاً بِغَيْرِ هَمْزٍ فَلَهُ تَفْسِيرَانِ، أَحدهما أَنّ مَنْظَرَهم مُرْتَوٍ مِنَ النَّعْمة كأَن النَّعِيمَ بيِّنٌ فِيهِمْ، وَيَكُونُ عَلَى تَرْكِ الْهَمْزِ مِنْ رأَيت. ورَوى الحَبْلَ رَيّاً فارْتَوى: فتَلَه، وَقِيلَ: أَنْعم فَتْله. والرِّوَاء، بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ: حَبْلٌ مِنْ حِبال الخِباء، وَقَدْ يُشدُّ بِهِ الحِمْل والمَتاع عَلَى الْبَعِيرِ. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الرِّوَاءُ أَغْلَظُ الأَرْشيةِ، وَالْجَمْعُ الأَرْوِية؛ وَأَنْشَدَ ابْنُ بَرِّيٍّ لِشَاعِرٍ:
إِنِّي إِذا مَا القَوْمُ كَانُوا أَنْجِيَهْ، ... وشُدَّ فوْقَ بَعْضِهِمْ بالأَرْويَهْ،
هُناك أَوْصيني وَلَا تُوصِي بِيَهْ
وَفِي الْحَدِيثِ:
ومَعِي إِداوةٌ عَلَيْهَا خِرْقةٌ قَدْ روَّأْتها.
قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ بِالْهَمْزِ، وَالصَّوَابُ بِغَيْرِ هَمْزٍ، أَي شَدَدتها بِهَا وَرَبَطْتها عَلَيْهَا. يقال: رَوَيْت الْبَعِيرَ، مُخَفَّفُ الْوَاوِ، إِذا شَدَدْت عَلَيْهِ بالرِّواء. وارْتَوَى الحبْلُ: غلُظَت قُوَاهُ، وَقَدْ رَوَى عَلَيْهِ رَيّاً وأَرْوَى. ورَوَى عَلَى الرَّجل: شدَّه بالرِّواءِ لِئَلَّا يسقُط عَنِ الْبَعِيرِ مِنَ النَّوْمِ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
إِنِّي عَلَى مَا كانَ مِنْ تَخَدُّدي، ... ودِقَّةٍ فِي عَظْمِ سَاقِي ويَدِي،
أَرْوي عَلَى ذِي العُكَنِ الضَّفَنْدَدِ
وَرُوِيَ
عَنْ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنه كَانَ يأْخذ مَعَ كُلِّ فريضةٍ عِقالًا ورِواءً
؛ الرِّوَاء، مَمْدُودٌ، وَهُوَ حَبْلٌ؛ فإِذا جَاءَتْ إِلى الْمَدِينَةِ باعَها ثُمَّ تَصدَّق بِتِلْكَ العُقُل والأَرْوِيِة. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الرِّواء الحَبْلُ الَّذِي يُقْرَن بِهِ البعيرانِ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: الرِّوَاء الحَبْل الَّذِي يُرْوى بِهِ عَلَى الْبَعِيرِ أَي يُشدّ بِهِ الْمَتَاعُ عَلَيْهِ، وأَما الحَبْلُ الَّذِي يُقْرَنُ بِهِ البعِيرانِ فَهُوَ القَرَنُ والقِرانُ. ابْنُ الأَعرابي: الرَّوِيُّ السَّاقِي، والرَّوِيُّ الضَّعيفُ، والسَّوِيُّ الصَّحِيحُ البَدَنِ والعقلِ. وَرَوَى الحديثَ والشِّعْرَ يَرْوِيه رِوَاية وتَرَوَّاه، وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنها قَالَتْ: تَرَوَّوْا شِعْر حُجَيَّة بْنِ المُضَرِّبِ فإِنه يُعِينُ عَلَى البِرِّ
، وَقَدْ رَوَّاني إِياه، وَرَجُلٌ راوٍ؛ وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ:
أَما كَانَ، فِي مَعْدانَ والفيلِ، شاغِلٌ ... لِعَنْبَسةَ الرَّاوي عليَّ القَصائدا؟
ورَاوِيةٌ كَذَلِكَ إِذا كَثُرَتْ روايتُه، وَالْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ فِي صِفَتِهِ بالرِّواية. وَيُقَالُ: روَّى فُلَانٌ فُلَانًا شِعْرًا إِذا رَوَاهُ لَهُ حَتَّى حَفِظه للرِّواية عَنْهُ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: رَوَيْتُ الْحَدِيثَ والشِّعر رِوَاية فأَنا رَاوٍ، فِي الْمَاءِ والشِّعر، مِنْ قَوْمٍ رُوَاة. ورَوَّيْتُه الشِّعر تَرْوِيَةً أَي حَمَلْتُهُ عَلَى رِوايتِه، وأَرْوَيْتُه أَيضاً. وَتَقُولُ: أَنشد القصيدةَ يَا هَذَا، وَلَا تَقُلِ ارْوِها إِلا أَن تأْمره بِرِوَايَتِهَا أَي بِاسْتِظْهَارِهَا. وَرَجُلٌ لَهُ رُواء، بِالضَّمِّ، أَي منظرٌ. وَفِي حَدِيثِ
قَيْلَةَ: إِذا رأَيتُ رَجُلًا ذَا رُوَاء طَمِحَ بَصَرِي إِليه
؛ الرُّواء، بِالضَّمِّ وَالْمَدِّ: المنظرُ الْحَسَنُ. قَالَ ابْنُ الأَثير: ذَكَرَهُ أَبو مُوسَى فِي الرَّاءِ وَالْوَاوِ، وَقَالَ: هُوَ مِنَ الرِّيِّ والارْتِواء، قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ مِنْ المَرأَى وَالْمَنْظَرِ فَيَكُونُ فِي الرَّاءِ وَالْهَمْزَةِ. والرَّوِيُّ: حَرْفُ الْقَافِيَةِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
لَوْ قَدْ حَداهُنَّ أَبو الجُوديِّ، ... بِرَجَزٍ مُسْحَنْفِرِ الرَّوِيِّ،
مُسْتَوِياتٍ كنَوى البَرْنيِ
وَيُقَالُ: قَصِيدَتَانِ عَلَى رَويّ وَاحِدٍ؛ قَالَ الأَخفش:(14/348)
الرَّوِيُّ الْحَرْفُ الَّذِي تُبْنى عَلَيْهِ الْقَصِيدَةُ وَيَلْزَمُ فِي كُلِّ بَيْتٍ مِنْهَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ نَحْوَ قَوْلِ الشَّاعِرِ:
إِذا قلَّ مالُ المَرْءِ قلَّ صديقُه، ... وأَوْمَتْ إِليه بالعُيوبِ الأَصابعُ
قَالَ: فَالْعَيْنُ حَرْفُ الرَّويّ وَهُوَ لَازِمٌ فِي كُلِّ بَيْتٍ؛ قَالَ: المتأَمل لِقَوْلِهِ هَذَا غَيْرُ مقْنعٍ فِي حَرْفِ الرَّويّ، أَلا تَرَى أَن قَوْلَ الأَعشى:
رحَلَتْ سُمَيَّةُ غُدْوَةً أَجْمالَها، ... غَضْبى عليكَ، فَمَا تقولُ بَدَا لَهَا
تَجِدُ فِيهِ أَربعة أَحرف لَوَازِمٍ غَيْرَ مُخْتَلِفَةِ الْمَوَاضِعِ، وَهِيَ الأَلف قَبْلَ اللَّامِ ثُمَّ اللَّامُ وَالْهَاءُ والأَلف فِيمَا بَعْدُ، قَالَ: فَلَيْتَ شِعْرِي إِذا أَخذ الْمُبْتَدِي فِي مَعْرِفَةِ الرَّويّ بِقَوْلِ الأَخفش هَكَذَا مُجَرَّدًا كَيْفَ يَصِحُّ لَهُ؟ قَالَ الأَخفش: وَجَمِيعُ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ تَكُونُ رَوِيّاً إِلا الأَلف وَالْيَاءَ وَالْوَاوَ اللَّواتي يكُنَّ للإِطلاق. قَالَ ابْنُ جِنِّي: قَوْلُهُ اللَّوَاتِي يكنَّ للإِطلاق فِيهِ أَيضاً مُسَامَحَةٌ فِي التَّحْدِيدِ، وَذَلِكَ أَنه إِنما يُعْلَمُ أَن الأَلف وَالْيَاءَ وَالْوَاوَ للإِطلاق، إِذا عَلِمَ أَن مَا قَبْلَهَا هُوَ الرَّوِيُّ فَقَدِ اسْتَغْنَى بِمَعْرِفَتِهِ إِياه عَنْ تَعْرِيفِهِ بِشَيْءٍ آخَرَ. وَلَمْ يبقَ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ هَاهُنَا غرضٌ مَطْلُوبٌ لأَن هَذَا مَوْضِعُ تَحْدِيدِهِ ليُعرف، فإِذا عُرف وعُلم أَن مَا بَعْدَهُ إِنما هُوَ للإِطلاق فَمَا الَّذِي يُلتَمس فِيمَا بَعْدُ؟ قَالَ: وَلَكِنْ أَحْوَطُ مَا يُقَالُ فِي حَرْفِ الرَّوِيِّ أَن جَمِيعَ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ تَكُونُ رَويّاً إِلا الأَلف وَالْيَاءَ وَالْوَاوَ الزَّوَائِدَ فِي أَواخر الْكَلِمِ فِي بَعْضِ الأَحوال غَيْرَ مَبْنِيَّات فِي أَنْفُس الْكَلِمِ بِنَاءَ الأُصول نَحْوَ أَلف الجَرَعا مِنْ قَوْلِهِ:
يَا دارَ عَفْراء مِن مُحْتَلِّها الجَرعَا
وَيَاءِ الأَيَّامي مِنْ قَوْلِهِ:
هَيْهاتَ منزِلُنا بنَعْفِ سُوَيْقةٍ، ... كانتْ مُبَارَكَةً مِنَ الأَيَّامِ
وَوَاوِ الخِيامُو مِنْ قَوْلِهِ:
مَتَى كَانَ الخِيامُ بِذِي طُلُوحٍ، ... سُقيتِ الغَيْثَ، أَيتها الخِيامُ
وإِلَّا هَاءَيِ التأْنيث والإِضمار إِذا تَحَرَّكَ مَا قَبِلَهُمَا نَحْوَ طَلْحَهْ وضرَبَهْ، وَكَذَلِكَ الْهَاءُ الَّتِي تُبَيَّنُ بِهَا الْحَرَكَةُ نَحْوَ ارْمِهْ واغْزُهْ وفِيمَهْ ولِمَهْ، وَكَذَلِكَ التَّنْوِينُ اللَّاحِقُ آخِرَ الْكَلِمِ لِلصَّرْفِ كَانَ أَو لِغَيْرِهِ نَحْوَ زَيْدًا وصَهٍ وغاقٍ ويومئذٍ؛ وَقَوْلُهُ:
أَقِلِّي اللَّوْمَ، عاذِلَ، والعِتابَنْ
وَقَوْلُ الْآخَرِ:
دايَنْتُ أَرْوى والدُّيونُ تُقْضَيَنْ
وَقَالَ الْآخَرُ:
يَا أَبَتا علَّك أَو عَساكَنْ
وَقَوْلُ الْآخَرِ:
يَحْسَبُه الجاهلُ مَا لَمْ يَعْلَمَنْ
وَقَوْلُ الأَعشى:
وَلَا تَعْبُدِ الشيطانَ واللهَ فاعْبُدَنْ
وَكَذَلِكَ الأَلفات الَّتِي تُبَدَّلُ مِنْ هَذِهِ النُّونَاتِ نَحْوَ:
قَدْ رَابَنِي حَفْصٌ فحَرِّكْ حَفْصا
وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْآخَرِ:
يَحْسَبُه الجاهلُ مَا لَمْ يَعْلَما
وَكَذَلِكَ الْهَمْزَةُ الَّتِي يُبْدِلُهَا قَوْمٌ مِنَ الأَلف فِي الْوَقْفِ نَحْوَ رأَيت رَجُلأْ وَهَذِهِ حُبْلأْ، وَيُرِيدُ أَن يضربَهأْ، وَكَذَلِكَ الأَلف وَالْيَاءُ وَالْوَاوُ الَّتِي تَلْحَقُ الضَّمِيرَ نَحْوَ رأَيتها وَمَرَرْتُ بِهِي وَضَرَبْتُهُو وَهَذَا غُلَامُهُو وَمَرَرْتُ بِهِمَا(14/349)
وَمَرَرْتُ بِهِمِي وَكَلَّمْتُهُمُو، وَالْجَمْعُ رَوِيَّات؛ حَكَاهُ ابْنُ جِنِّي؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَظن ذَلِكَ تَسَمُّحًا مِنْهُ وَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنَ الْعَرَبِ. والرَّوِيَّةُ فِي الأَمر: أَن تَنْظُر وَلَا تَعْجَل. ورَوَّيْت فِي الأَمر: لُغَةٌ فِي رَوَّأْت. ورَوَّى فِي الأَمر: لُغَةٌ فِي رَوَّأَ نَظَرَ فِيهِ وتَعقّبه وتَفَكَّر، يُهْمَزُ وَلَا يُهْمَزُ. والرَّوِيَّة. التَّفَكُّر فِي الأَمر، جَرَتْ فِي كَلَامِهِمْ غَيْرَ مَهْمُوزَةٍ. وَفِي حَدِيثِ
عَبْدِ اللَّهِ: شَرُّ الرَّوايا رَوَايا الكَذِب
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هِيَ جَمْعُ رَوِيَّة وَهُوَ مَا يروِّي الإِنسانُ في نفسه من القول وَالْفِعْلِ أَي يُزَوِّرُ ويُفَكِّرُ، وأَصلها الْهَمْزُ. يُقَالُ: رَوَّأْتُ فِي الأَمر، وَقِيلَ: هِيَ جَمْعُ رَاوِيَةٍ لِلرَّجُلِ الْكَثِيرِ الرِّواية، وَالْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ، وَقِيلَ: جَمْعُ رَاوِيَة أَي الَّذِينَ يَرْوُون الْكَذِبَ أَو تَكْثُرُ رواياتُهم فِيهِ. والرَّوُّ: الخِصْبُ. أَبو عُبَيْدٍ: يُقَالُ لَنَا عِنْدَ فُلَانٍ رَوِيَّةٌ وأَشْكَلةٌ وَهُمَا الحاجةُ، وَلَنَا قِبَله صارَّة مِثْلُهُ. قَالَ: وَقَالَ أَبو زَيْدٍ بَقِيَتْ مِنْهُ رَوِيَّةٌ أَي بَقِيَّةٌ مِثْلُ التَّلِيَّة وَهِيَ الْبَقِيَّةُ مِنَ الشَّيْءِ. والرَّوِيَّةُ: البقيِّة مِنَ الدَّين وَنَحْوِهِ. والرَّاوِي: الَّذِي يقومُ عَلَى الْخَيْلِ. والرَّيَّا: الرِّيحُ الطَّيِّبَةُ؛ قَالَ:
تطلَّعُ رَيَّاها مِنَ الكَفِرات
الكَفِراتُ: الْجِبَالُ العاليةُ الْعِظَامُ. وَيُقَالُ للمرأَة: إِنها لَطَيِّبَةُ الرَّيَّا إِذا كَانَتْ عَطِرَةَ الجِرْم. ورَيَّا كُلِّ شَيْءٍ: طِيبُ رائحتهِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ «4» :
نَسِيمَ الصَّبا جاءتْ برَيَّا القَرَنْفُلِ
وَقَالَ الْمُتَلَمِّسُ يَصِفُ جَارِيَةً:
فَلَوْ أَن مَحْمُوماً بخَيْبَر مُدْنَفاً ... تَنَشَّقَ رَيَّاها، لأَقْلَعَ صالِبُهْ
والرَّوِيُّ: سَحَابَةٌ عَظِيمَةُ القَطر شَدِيدَةُ الْوَقْعِ مِثْلُ السَّقِيّ. وَعَيْنٌ رَيَّةٌ كَثِيرَةُ الْمَاءِ؛ قَالَ الأَعشى:
فأَوْرَدَها عَيْناً مِنَ السِّيفِ رَيَّةً، ... بِهِ بُرَأٌ مِثْلُ الفَسِيلِ المُكَمَّمِ «5»
. وَحَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ: مِنْ أَين رَيَّةُ أَهْلِك أَي مِنْ أَينَ يَرْتَوُون؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَما رِيَّةً فِي بَيْتِ الطِّرِمَّاحِ وَهُوَ:
كظَهْرِ اللأَى لَوْ تَبْتَغي رِيَّةً بِهَا ... نَهَارًا، لَعَيَّت فِي بُطُونِ الشَّواجِنِ
قَالَ: فَهِيَ مَا يُورَى بِهِ النارُ، قَالَ: وأَصله وِرْيةٌ مِثْلُ وِعْدةٍ، ثُمَّ قَدَّمُوا الرَّاءَ عَلَى الْوَاوِ فَصَارَ رِيَّةً. والرَّاءُ: شَجَرٌ؛ قَالَتِ الْخَنْسَاءُ:
يَطْعُنُ الطَّعْنةَ لَا يَنْفَعُها ... ثَمَرُ الرَّاء، وَلَا عَصْبُ الخُمُر
ورَيَّا: مَوْضِعٌ. وَبَنُو رُوَيَّة: بَطْنٌ «6» . والأُرْوِيَّةُ والإِرْوِيَّةُ؛ الْكَسْرُ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ: الأُنثى مِنَ الوُعول. وثلاثُ أَرَاوِيّ، عَلَى أَفاعيلَ، إِلى الْعَشْرِ، فإِذا كَثُرَتْ فَهِيَ الأَرْوَى، عَلَى أَفْعَل عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَذَهَبَ أَبو الْعَبَّاسِ إِلى أَنها فَعْلَى وَالصَّحِيحُ أَنها أَفْعَل لِكَوْنِ أُرْوِيَّةٍ أُفْعُولةً؛ قَالَ وَالَّذِي حَكَيْتُهُ مِنْ أَنّ أَرَاوِيَّ لأَدنى الْعَدَدِ وأَرْوَى لِلْكَثِيرِ قَوْلُ أَهل اللُّغَةِ، قَالَ: وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَن أَرَاوِيَّ تَكْسِيرُ أُرْوِيَّةٍ كأُرْجُوحةٍ وأَراجِيحَ، والأَرْوَى اسْمٌ لِلْجَمْعِ، وَنَظِيرُهُ مَا حَكَاهُ الْفَارِسِيُّ مِنْ أَنّ الأَعَمَّ الْجَمَاعَةُ؛ وأَنشد عن أَبي زيد:
__________
(4) . هو إمرؤ القيس. وصدر البيت:
إِذا قامتا تَضَوّعَ المِسكُ منهما،
(5) . قوله [به برأ] كذا بالأصل تبعاً للجوهري، قال الصاغاني، والرواية: بها، وقد أورده الجوهري في برأ على الصحة. وقوله [المكمم] ضبط في الأصل والصحاح بصيغة اسم المفعول كما ترى، وضبط في التكملة بكسر الميم أي بصيغة اسم الفاعل، يقال كمم إذا أخرج الكمام، وكممه غطاه
(6) . قوله [وبنو روية إلخ] هو بهذا الضبط في الأصل وشرح القاموس(14/350)
ثمَّ رَماني لأَكُونَنْ ذَبِيحةً، ... وَقَدْ كثُرَتْ بينَ الأَعَمِّ المَضائِضُ «1»
. قَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: ذَكَرَهَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، يَعْنِي ابْنَ دُرَيْدٍ، فِي بَابِ أَرو، قَالَ: فَقُلْتُ لأَبي عَلِيٍّ مِنْ أَين لَهُ أَن اللَّامَ وَاوٌ وَمَا يُؤَمِّنُهُ أَن تَكُونَ يَاءً فَتَكُونُ مِنْ بَابِ التَّقْوَى والرَّعْوَى؛ قَالَ: فجَنَح إِلى الأَخذ بِالظَّاهِرِ، قَالَ: وَهُوَ الْقَوْلُ، يَعْنِي أَنه الصَّوَابُ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَرْوَى تُنَوَّنُ وَلَا تُنَوَّنُ، فَمَنْ نَوَّنَهَا احْتَمَلَ أَن يَكُونَ أَفْعَلًا مِثْلُ أَرْنَبٍ، وأَن يَكُونَ فَعْلَى مِثْلُ أَرْطى مُلْحَقٌ، بجَعْفر، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَكُونُ أُرْوِيَّةٌ أُفْعُولةً، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فُعْلِيَّة، وَتَصْغِيرُ أَرْوَى إِذا جَعَلْتَ وَزْنَهَا أَفْعَلًا أُرَيْوٍ عَلَى مَنْ قَالَ أُسَيْوِدٌ وأُحَيْوٍ، وأُرَيٍّ عَلَى مَنْ قَالَ أُسَيِّدٌ وأُحَيٍّ، وَمَنْ قَالَ أُحَيٍّ قَالَ أُرَيٍّ فَيَكُونُ مَنْقُوصًا عَنْ مَحْذُوفِ اللَّامِ بِمَنْزِلَةِ قاضٍ، إِنما حُذفت لَامُهَا لِسُكُونِهَا وَسُكُونِ التَّنْوِينِ، وأَما أَرْوَى فِيمَنْ لَمْ يُنَوِّنْ فَوَزْنُهَا فَعْلى وَتَصْغِيرُهَا أُرَيَّا، وَمَنْ نوَّنها وَجَعَلَ وَزْنَهَا فَعْلى مِثْلَ أَرْطى فَتَصْغِيرُهَا أُرَيٌّ، وأَما تَصْغِيرُ أُرْوِيَّةٍ إِذا جَعَلْتَهَا أُفْعُولةً فأُرْيَوِيَّةٌ عَلَى مَنْ قَالَ أُسَيْوِدٌ وَوَزْنُهَا أُفَيعِيلةٌ، وأُرَيَّةٌ عَلَى مَنْ قَالَ أُسَيِّدٌ وَوَزْنُهَا أُفَيْعةٌ، وأَصلها أُرَيْيِيَيةٌ؛ فَالْيَاءُ الأُولى يَاءُ التَّصْغِيرِ وَالثَّانِيَةُ عَيْنُ الْفِعْلِ وَالثَّالِثَةُ وَاوُ أُفعولة وَالرَّابِعَةُ لَامُ الْكَلِمَةِ، فحَذَفْت مِنْهَا اثْنَتَيْنِ، وَمَنْ جَعَلَ أُرْوِيَّة فُعْلِيَّةً فَتَصْغِيرُهَا أُرَيَّةٌ وَوَزْنُهَا فُعَيْلة، وَحُذِفَتِ الْيَاءُ الْمُشَدَّدَةُ؛ قَالَ: وَكَوْنُ أَرْوَى أَفْعَلَ أَقيسُ لِكَثْرَةِ زِيَادَةِ الْهَمْزَةِ أَولًا، وَهُوَ مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ لأَنه جَعَلَ أُرْوِيَّةً أُفْعُولةً. قَالَ أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ للأُنثى أُرْوِيَّة وَلِلذَّكَرِ أُرْوِيَّة، وَهِيَ تُيُوس الجَبل، وَيُقَالُ للأُنثى عَنْزٌ وَلِلذَّكَرِ وَعِلٌ، بِكَسْرِ الْعَيْنِ، وَهُوَ مِنَ الشَّاءِ لَا مِنَ الْبَقَرِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه أُهْدِيَ لَهُ أَرْوَى وَهُوَ مُحْرِمٌ فرَدَّها
؛ قَالَ: الأَرْوَى جَمْعُ كَثْرَةٍ للأُرْوِيَّة، وَيُجْمَعُ عَلَى أَرَاوِيّ وَهِيَ الأَيايِلُ، وَقِيلَ: غَنَمُ الجبَل؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
عَوْن: أَنه ذكَرَ رَجُلًا تَكَلَّمَ فأَسقَط فَقَالَ جمَع بَيْنَ الأَرْوَى والنَّعامِ
؛ يُرِيدُ أَنه جَمَعَ بَيْنَ كَلِمَتَيْنِ مُتناقِضتين لأَن الأَرْوَى تَسْكُنُ شَعَف الجِبال والنَّعامُ يَسْكُنُ الفَيافيَ. وَفِي الْمَثَلِ: لَا تَجْمَعْ بَيْنَ الأَرْوَى والنَّعامِ، وَفِيهِ:
لَيَعْقِلَنَّ الدِّينُ مِنَ الْحِجَازِ مَعْقِلَ الأُرْوِيَّةِ مِنْ رأْسِ الجَبلِ
؛ الْجَوْهَرِيُّ: الأُرْوِيَّةُ الأُنثى مِنَ الوُعُول، قَالَ: وَبِهَا سُمِّيَتِ المرأَة، وَهِيَ أُفْعُولة فِي الأَصل إِلا أَنهم قَلَبُوا الْوَاوَ الثَّانِيَةَ يَاءً وأَدغموها فِي الَّتِي بَعْدَهَا وَكَسَرُوا الأُولى لِتَسْلَمَ الْيَاءُ، والأَرْوَى مُؤَنَّثَةٌ؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
بتَكَلُّمٍ لَوْ تَسْتَطِيعُ كَلامَه، ... لَدَنَتْ لَهُ أَرْوَى الهِضابِ الصُّخَّدِ
وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ:
وإِلى سُلَيْمَانَ الَّذِي سَكَنَتْ ... أَرْوَى الهِضابِ لَهُ مِنَ الذُّعْرِ
وأَرْوَى: اسْمُ امرأَة. والمَرْوَى: مَوْضِعٌ بِالْبَادِيَةِ. ورَيَّانُ: اسْمُ جَبَلٍ بِبِلَادِ بَنِي عَامِرٍ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
فمَدافِعُ الرَّيَّانِ عُرِّيَ رَسْمُها ... خَلَقاً، كَمَا ضَمِنَ الوُحِيَّ سِلامُها
ريا: الرَّايَةُ: العَلَم لَا تَهْمِزُهَا الْعَرَبُ، وَالْجَمْعُ راياتٌ ورايٌ، وأَصلها الْهَمْزُ، وَحَكَى سِيبَوَيْهِ عَنْ أَبي الْخَطَّابِ رَاءَةً بِالْهَمْزِ، شَبَّهَ أَلف رَايَةٍ وإِن كَانَتْ بَدَلًا مِنَ الْعَيْنِ بالأَلف الزَّائِدَةِ فَهَمَزَ اللَّامَ كَمَا يَهْمِزُهَا بَعْدَ الزَّائِدَةِ فِي نَحْوِ سِقاء وشِفاء. ورَيَّيْتُها: عَمِلْتها كغَيَّيْتُها؛
__________
(1) . قوله [ثم إلخ] كذا بالأصل هنا والمحكم في عمم بدون ألف بعد اللام ألف، ولعله لا أكونن، بلا النافية، كما يقتضيه الوزن والمعنى(14/351)
عَنْ ثَعْلَبٍ. وَفِي حَدِيثِ خَيْبَرَ:
سأُعْطِي الرَّايَةَ غَدًا رجُلًا يُحِبُّه اللهُ ورسولُه
؛ الرَّايَةُ هَاهُنَا: العَلَمُ. يُقَالُ: رَيَّيْتُ الرَّايَةَ أَي رَكَزْتها. ابنُ سِيدَهْ: وأَرْأَيْتُ الرايةَ رَكَزْتها؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ؛ قَالَ وَهَمْزُهُ عِنْدِي عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ إِنما حُكْمُهُ أَرْيَيْتُها. التَّهْذِيبُ: يُقَالُ رأَيْت رَايَةً أَي رَكَزْتُها، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ أَرْأَيْتُها، وَهُمَا لُغَتَانِ. والرايةُ: الَّتِي توضَع فِي عُنقِ الْغُلَامِ الآبِق. وَفِي الْحَدِيثِ:
الدَّيْنُ رايةُ اللَّهِ فِي الأَرضِ يَجْعَلُها فِي عُنُقِ مَنْ أَذَلَّه
، قَالَ ابْنُ الأَثير: الرايةُ حَدِيدَةٌ مُسْتَدِيرَةٌ عَلَى قَدر العُنُق تُجعل فِيهِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
قتادةَ فِي الْعَبْدِ الآبِق: كَرِهَ لَهُ الرَّايَةَ ورَخَّصَ فِي الْقَيْدِ.
اللَّيْثُ: الرَّايَةُ مِنْ رَاياتِ الأَعْلامِ، وَكَذَلِكَ الرَّايَةُ الَّتِي تُجعل فِي العُنق، قَالَ: وَهُمَا مِنْ تأْلِيف يَاءَيْنِ وَرَاءٍ، وَتَصْغِيرُ الرَّايَة رُيَيَّةٌ، وَالْفِعْلُ رَيَيْتُ رَيّاً ورَيَّيْتُ تَرِيَّةً، والأَمر بِالتَّخْفِيفِ ارْيِهْ، وَالتَّشْدِيدُ رَيِّهْ. وعَلَمٌ مَرِيٌّ، بِالتَّخْفِيفِ، وإِن شِئْتَ بَيَّنْت الياءَات فَقُلْتَ مَرْيِيٌّ بِبَيَانِ الياءَات. ورايةُ: بَلَدٌ مِنْ بِلَادِ هُذَيْلٍ. والرَّيُّ: مِنْ بِلَادِ فَارِسَ، النسبُ إِليه رازِيٌّ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ. وَالرَّاءُ: حَرْفُ هِجَاءٍ، وَهُوَ حَرْفٌ مَجْهور مُكَرَّرٌ يَكُونُ أَصلًا لَا بَدَلًا وَلَا زَائِدًا؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي وأَما قَوْلُهُ:
تَخُطُّ لامَ أَلِف مَوْصُولِ، ... والزايَ والرَّا أَيَّما تَهْلِيلِ
فإِنما أَراد وَالرَّاءَ، مَمْدُودَةً، فَلَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ لِئَلَّا يَنْكَسِرَ الْوَزْنُ فَحَذَفَ الْهَمْزَةَ مِنَ الرَّاءِ، وَكَانَ أَصل هَذَا وَالزَّايَ وَالرَّاءَ أَيَّما تَهْلِيل، فَلَمَّا اتَّفَقَتِ الْحَرَكَتَانِ حُذِفَتِ الأُولى مِنَ الْهَمْزَتَيْنِ. ورَيَّيْتُ رَاءً: عَمِلْتها، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَما أَبو عَلِيٍّ فَقَالَ أَلف الرَّاءِ وأَخواتها مُنْقَلِبَةٌ عَنْ وَاوٍ وَالْهَمْزَةُ بَعْدَهَا فِي حُكْمِ مَا انقلبتْ عَنْ يَاءٍ، لِتَكُونَ الكلمةُ بَعْدَ التَّكمِلةِ والصَّنعة الإِعرابية مِنْ بَابِ شَوَيْتُ وطَوَيْتُ وحَوَيْت، قَالَ ابْنُ جِنِّي، فَقُلْتُ لَهُ أَلسنا قَدْ عَلِمْنَا أَن الأَلف فِي الرَّاءِ هِيَ الأَلف فِي يَاءٍ وَبَاءٍ وَثَاءٍ إِذا تَهَجَّيْتَ وأَنت تَقُولُ إِن تِلْكَ الأَلف غَيْرُ مُنْقَلِبَةٍ مِنْ يَاءٍ أَو وَاوٍ لأَنها بِمَنْزِلَةِ أَلف مَا وَلَا؟ فَقَالَ: لَمَّا نُقِلت إِلى الِاسْمِيَّةِ دَخَلَهَا الحُكْم الَّذِي يَدْخُلُ الأَسماء مِنَ الِانْقِلَابِ والتَّصَرُّف، أَلا تَرَى أَننا إِذا سَمَّيْنَا رَجُلًا بضَرَبَ أَعربناه لأَنه قَدْ صَارَ فِي حَيِّز مَا يَدْخُلُهُ الإِعراب، وَهُوَ الأَسماء، وإِن كُنَّا نَعْلَمُ أَنه قَبْلَ أَن يُسمى بِهِ لَا يُعْرَبُ لأَنه فِعْلٌ مَاضٍ، وَلَمْ تَمْنَعْنا مَعْرِفَتُنا بِذَلِكَ مِنْ أَن نَقْضِيَ عَلَيْهِ بِحُكْمِ مَا صَارَ مِنْهُ وإِليه، فَكَذَلِكَ أَيضاً لَا يَمْنَعُنا عِلْمُنا بأَن ألف رَا بَا تَا ثَا غَيْرُ مُنْقَلِبَةٍ، مَا دَامَتْ حُرُوفَ هِجَاءٍ، مِنْ أَن نَقْضِيَ عَلَيْهَا إِذا زِدْنَا عَلَيْهَا أَلفاً أُخرى، ثمَّ هَمَزْنَا تِلْكَ الْمَزِيدَةَ بأَنها الْآنَ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ وَاوٍ وأَن الْهَمْزَةَ مُنْقَلِبَةٌ عَنِ الْيَاءِ إِذا صَارَتْ إِلى حُكْمِ الِاسْمِيَّةِ الَّتِي تَقْضي عَلَيْهَا بِهَذَا وَنَحْوِهِ، قَالَ: وَيُؤَكِّدُ عِنْدَكَ أَنهم لَا يجوِّزون رَا بَا تَا ثَا حَا خَا وَنَحْوَهَا مَا دَامَتْ مَقْصُورَةً مُتَهَجَّاةً، فإِذا قُلْتَ هَذِهِ رَاءٌ حَسَنَةٌ وَنَظَرْتَ إِلى هَاءٍ مَشْقُوقَةٍ جَازَ أَن تُمَثِّلَ ذَلِكَ فَتَقُولُ وَزْنُهُ فَعَلٌ كَمَا تَقُولُ فِي دَاءٍ وَمَاءٍ وَشَاءٍ إِنه فَعَلٌ، قَالَ: فَقَالَ لأَبي عَلِيٍّ بعضُ حَاضِرِي الْمَجْلِسِ أَفتجمع عَلَى الْكَلِمَةِ إِعلال الْعَيْنِ وَاللَّامِ؟ فَقَالَ: قَدْ جَاءَ مِنْ ذَلِكَ أَحرف صَالِحَةٌ فَيَكُونُ هَذَا مِنْهَا وَمَحْمُولًا عَلَيْهَا. ورايةُ: مَكَانٌ؛ قَالَ قَيْسُ بْنُ عَيْزارَة:
رِجالٌ ونِسْوانٌ بأَكْنافِ رايةٍ، ... إِلى حُثُنٍ تلكَ العُيونُ الدَّوامعُ
والله أَعلم.(14/352)
فصل الزاي
زأي: ابْنُ الأَعرابي: زأَى إِذا تكَبَّر.
زبي: الزُّبْيَةُ: الرابِيةُ الَّتِي لَا يَعْلُوهَا الْمَاءُ، وَفِي الْمَثَلِ: قَدْ بَلَغَ السَّيْلُ الزُّبَى.
وكتبَ عثمانُ إِلى عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا حُوصِر: أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بلغَ السَّيْلُ الزُّبَى وجاوَزَ الحِزامُ الطُّبْيَيْنِ، فإِذا أَتاك كِتابي هَذَا فأَقْبِلْ إِليَّ، عليَّ كنتَ أَمْ لِي
؛ يَضْرِبُ مَثَلًا للأَمر يتَفاقَمُ أَو يتَجاوَزُ الحدَّ حَتَّى لَا يُتَلافَى. والزُّبَى: جُمَعُ زُبْيَة وَهِيَ الرَّابِيَةُ لَا يَعْلُوهَا الْمَاءُ، قَالَ: وَهِيَ مِنَ الأَضداد، وَقِيلَ: إِنما أَراد الْحُفْرَةَ الَّتِي تُحْفَرُ للأَسد وَلَا تحفرُ إِلا فِي مَكَانٍ عالٍ مِنَ الأَرض لِئَلَّا يَبْلُغَهَا السَّيْلُ فتَنْطَمَّ. والزُّبْيةُ: حُفرة يتَزَبَى فِيهَا الرَّجُلُ لِلصَّيْدِ وتُحْتَفَرُ لِلذِّئْبِ فيُصْطاد فِيهَا. ابْنُ سِيدَهْ: الزُّبْيَة حُفْرة يَستتر فِيهَا الصَّائِدُ. والزُّبْية: حَفِيرة يُشْتَوىَ فِيهَا ويُخْتَبَزُ، وزَبَّى اللحمَ وَغَيْرَهُ: طَرَحه فِيهَا؛ قَالَ:
طارَ جَرادي بَعْدَ ما زَبَّيْتُه، ... لَوْ كانَ رأْسي حَجراً رَمَيْتُه
والزُّبْيَة: بِئْرٌ أَو حُفْرة تُحْفَر للأَسد، وَقَدْ زَباها وتَزَبَّاها؛ قَالَ:
فكانَ، والأَمرَ الَّذِي قَد كِيدا، ... كاللَّذْ تَزَبَّى زُبْيَةً فاصْطِيدا
وتَزَبَّى فِيهَا: كتَزَبَّاها؛ وَقَالَ عَلْقَمَةُ:
تَزَبَّى بِذِي الأَرْطى لَهَا، ووراءَها ... رِجالٌ فَبدَّتْ نَبْلَهم وكَلِيبُ
وَيُرْوَى: وأَرادها رِجَالٌ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: سُمِّيَتْ زُبْيَةُ الأَسدِ زُبْية لِارْتِفَاعِهَا عَنِ المَسِيل، وَقِيلَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لأَنهم كَانُوا يحْفِرونها فِي مَوْضِعٍ عالٍ. وَيُقَالُ قَدْ تَزَبَّيْت زُبْيةً؛ قَالَ الطِّرِمَّاحُ:
يَا طَيِءَ السَّهْلِ والأَجْبالِ مَوْعِدُكم ... كمُبْتَغى الصَّيدِ أَعْلى زُبْيَةِ الأَسَدِ
والزُّبْيَةُ أَيضاً: حُفْرة النَّمْلِ، والنملُ لَا تَفْعَلُ ذَلِكَ إِلا فِي مَوْضِعٍ مُرْتَفِعٍ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه نَهَى عن مَزَابِي القُبُور
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هِيَ مَا يُنْدَبُ بِهِ الميتُ ويُناحُ عَلَيْهِ بِهِ، مِنْ قَوْلِهِمْ: مَا زَبَاهُم إِلى هَذَا أَي مَا دَعاهم، وَقِيلَ: هِيَ جَمْعُ مِزْبَاةٍ مِنَ الزُّبْيةِ وَهِيَ الحُفْرة، قَالَ: كأَنه، وَاللَّهُ أَعلم، كَرِهَ أَن يُشَقَّ القَبرُ ضَرِيحًا كالزُّبْية وَلَا يُلْحَد، قَالَ: ويُعَضِّدُه قَوْلُهُ اللَّحْدُ لَنَا والشَّقُّ لِغَيْرِنَا، قَالَ: وَقَدْ صَحَّفَه بعضُهم فَقَالَ نَهى عَنْ مَراثي القُبور. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وجهَه: أَنه سُئِلَ عَنْ زُبْيةٍ أَصْبَحَ الناسُ يتدافَعُون فِيهَا فَهَوَى فِيهَا رَجُلٌ فتَعَلَّقَ بِآخَرَ، وَتَعَلَّقَ الثَّانِي بِثَالِثٍ والثالثُ برابع فوَقَعُوا أَربعَتُهم فِيهَا فخدَشَهم الأَسد فَمَاتُوا، فَقَالَ: عَلَى حافِرِها الدّيةُ: للأَول رُبْعُهَا، وَلِلثَّانِي ثَلَاثَةُ أَرباعها، وَلِلثَّالِثِ نِصْفُهَا، وَلِلرَّابِعِ جَمِيعُ الدِّيَةِ، فأُخْبِرَ النبيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأَجاز قَضَاءَهُ
؛ الزُّبْيةُ: حُفَيْرَةٌ تُحْفَر للأَسَدِ والصَّيْدِ ويُغَطَّى رأْسُها بِمَا يَسْتُرُهَا لِيَقَع فِيهَا، قَالَ: وَقَدْ رُوِي الحُكم فِيهَا بِغَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ. والزَّابِيانِ: نَهَرانِ بِنَاحِيَةِ الفُرات، وَقِيلَ: فِي سافِلة الفُرات، وَيُسَمَّى مَا حَولَهما «2» . مِنَ الأَنهار الزَّوَابِي: وَرُبَّمَا حَذَفُوا الْيَاءَ فَقَالُوا الزّابانِ والزَّابُ كَمَا قَالُوا فِي الْبَازِي بازٌ. والأُزْبِيُّ: السُّرْعةُ والنَّشاطُ فِي السَّيْرِ، عَلَى أُفْعول. وَاسْتُثْقِلَ التَّشْدِيدُ عَلَى الْوَاوِ، وَقِيلَ: الأُزْبِيُ
__________
(2) . قوله [ويسمى ما حولهما إلخ] عبارة التكملة: وربما سموهما مع ما حواليهما من الأنهار الزَّوَابِي(14/353)
العَجَبُ مِنَ السَّيْرِ والنَّشاط؛ قَالَ مَنْظُورُ بْنُ حَبَّةَ:
بِشَمَجَى المَشْيِ عَجُولِ الوَثْبِ، ... أَرْأَمْتُها الأَنْساعَ قَبْلَ السَّقْبِ،
حَتَّى أَتَى أُزْبِيُّها بالأَدْبِ
والأُزبِيُّ: ضَرْبٌ مِنْ سَيْرِ الإِبل. والأَزَابِيُّ: ضُروب مُخْتَلِفَةٌ مِنَ السَّير، وَاحِدُهَا أُزْبِيٌّ. وَحَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ عَنِ ابْنِ جِنِّي قَالَ: مَرَّ بِنَا فُلَانٌ وَلَهُ أَزَابِيُّ منكرة أَي عَدْوٌ شَدِيدٌ، وَهُوَ مُشْتَقٌ مِنَ الزُّبْية. والأُزْبِيُّ: الصَّوْت؛ قَالَ صَخْرُ الْغَيِّ:
كأَنَّ أُزْبِيَّها، إِذا رُدِمَتْ، ... هَزْمُ بُغاةٍ فِي إِثْرِ مَا فَقَدُوا
وزَبَى الشّيءَ يَزْبِيهِ: ساقَه؛ قال:
تِلْكَ اسْتَفِدْها، وأَعْطِ الحُكْمَ والِيَهَا، ... فَإِنَّها بَعْضُ مَا تَزْبِي لَكَ الرَّقِمُ
وَفِي حَدِيثِ
كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: جَرَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجل مُحاوَرةٌ قَالَ كَعْبٌ: فَقُلْتُ لَهُ كَلِمةً أُزْبِيهِ بِهَا
أَي أُزْعِجُه وأُقْلِقُه، مِنْ قَوْلِهِمْ أَزْبَيْتُ الشَّيءَ أُزْبِيه إِذا حَمَلْتَه، وَيُقَالُ فِيهِ زَبَيْتُه لأَن الشَّيءَ إِذا حُمِل أُزْعِجَ وأُزِيلَ عَنْ مَكَانِهِ. وزَبَى الشَّيءَ: حَمَلَهُ: قَالَ الْكُمَيْتُ:
أَهَمْدانُ مَهْلًا لَا تُصَبِّحْ بُيُوتَكُمْ، ... بِجَهْلِكُمُ، أُمُّ الدُّهَيْمِ وَمَا تَزْبي
يُضرب الدُّهَيْمُ وَمَا تَزْبِي للدّاهِية إِذا عَظُمَت وتَفَاقَمَتْ. وزَبَيْتُ الشَّيءَ أَزْبِيه زَبْياً: حَمَلْتُه. وازْدَبَاهُ: كزَباه. وتَزَابَى عَنْهُ: تَكَبَّر؛ هَذِهِ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ قَالَ: وأَنشدني الْمُفَضَّلُ:
يَا إِبِلي مَا ذامُه فَتِيبَيْهْ ... «1» . ماءٌ رواءٌ ونَصِيٌّ حَوْلَيْهْ،
هَذا بأَفْواهِك حتَّى تَأْبَيْهْ، ... حَتَّى تُرُوحِي أُصُلًا تَزَابَيْهْ
تَزَابيَ العانةِ فَوْقَ الزَّازَيْهْ
قَالَ: تَزابَيْه تَرَفَّعي عَنْهُ تَكَبُّرًا أَي تكَبَّرِين عَنْهُ فَلَا تُريدينَه وَلَا تَعْرِضِينَ لَهُ لأَنكِ قَدْ سَمِنْتِ، وَقَوْلُهُ: فَوْقُ الزَّازَيْهْ المكانُ الْمُرْتَفِعُ، أَراد عَلَى الزَّيْزاءَةِ فغيَّره. والتَّزَابِي أَيضاً: مِشْيَةٌ فِيهَا تَمَدُّد وبُطْءٌ؛ قَالَ رؤْبة:
إِذَا تَزَابَى مِشيةً أَزائِبَا
أَراد بالأَزائِبِ الأَزَابِيَّ، وَهُوَ النَّشاطُ. وَيُقَالُ: أَزَبَتْه أَزْبَةٌ وأَزَمَتْه أَزْمة أَي سَنَة. وَيُقَالُ: لَقِيتُ مِنْهُ الأَزَابِيَّ؛ واحدُها أُزْبِيٌّ، وَهُوَ الشرُّ والأَمرُ الْعَظِيمُ.
زجا: زَجَا الشَّيءُ يَزْجُو زَجْواً وزُجُوّاً وزَجاءً: تَيَسَّر واسْتقام. وزَجَا الخرَاجُ يَزْجُو زَجَاءً: هُوَ تيَسُّر جِبايتِه. والتَّزْجِيَةُ: دَفْعُ الشَّيْءِ كَمَا تُزَجِّي البَقَرةُ ولَدَها أَي تَسُوقُه؛ وأَنشد:
وصاحِبٍ ذِي غِمْرةٍ داجَيْتُهُ، ... زَجَّيْتُه بالقَوْلِ وازْدَجَيْتُه
وَيُقَالُ: أَزْجَيْتُ الشيءَ إِزْجاءً أَي دافَعْت بِقَلِيلِهِ. ويقال: أَزْجَيْتُ أَيامي وزَجَّيْتُها أَي دافَعْتها بقُوتٍ قَلِيلٍ. قَالَ الأَزهري: وَسَمِعْتُ أَعرابيّاً مِنْ بَنِي فَزَارَةَ يَقُولُ أَنتم معاشِرَ الحاضِرَة قَبِلْتُم دُنْياكُم بِقُبْلانٍ «2» . وَنَحْنُ نُزَجِّيها زَجَاةً أَي نَتَبَلَّغ بِقَلِيلِ القُوت فنَجْتَزِئُ بِهِ. وَيُقَالُ: زَجَّيْت الشَّيءَ تَزْجِيةً إِذا دفَعته بِرِفْقٍ يُقَالُ: كَيْفَ تُزَجِّي الأَيَّامَ
__________
(1) . قوله [يا إبلي إلخ] هكذا ضبطت القوافي في التهذيب والتكملة والصحاح، ووقع لنا ضبطه في عدة مواضع من اللسان تبعاً للأَصل بخلاف ما هنا
(2) . قوله [قبلتم دنياكم بقبلان] هكذا في الأَصل، وضبط في التهذيب بهذا الضبط(14/354)
أَي كَيْفَ تُدافِعُها؟ وَرَجُلٌ مُزَجٍّ أَي مُزَلِّج. وتَزَجَّيت بِكَذَا: اكْتَفَيْتُ بِهِ؛ وَقَالَ:
تَزَجَّ مِنْ دُنْياكَ بالبَلاغِ
وزَجَّى الشيءَ وأَزجاه: ساقَه ودَفَعه. والرِّيحُ تُزجِي السَّحابَ أَي تَسُوقُه سَوْقاً رَفِيقًا. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحاباً
؛ وَقَالَ الأَعشى:
إِلى ذَوْدَة الوَهَّابِ أُزْجِي مَطِيَّتي، ... أُرَجِّي عَطاءً فاضِلًا مِنْ نَوالِكا «1»
. وَقِيلَ: زَجَّاهُ وأَزْجَاهُ ساقَه سَوْقاً لَيِّناً؛ وَبِهِ فسَّر بعضُهم قولَ النَّابغة:
تُزْجِي الشَّمالُ عَلَيْهِ جامِدَ البَرَد
وأَزْجَيْتُ الإِبلَ: سُقْتها؛ قَالَ ابْنُ الرِّقاعِ:
تُزْجِي أَغَنَّ، كأَنَّ إِبْرةَ رَوْقِه ... قَلَمٌ أَصابَ مِن الدَّواةِ مِدادَها
ورجُل مِزْجَاءٌ للمَطِيّ: كَثِيرُ الإِزجاءِ لَهَا يُزْجيها وَيُرْسِلُهَا؛ قَالَ:
وإِنِّي لَمِزْجاءُ المَطِيِّ عَلَى الوَجَى، ... وإِنِّي لَتَرَّاكُ الفِراشِ المُمَهَّدِ
وَفِي الْحَدِيثِ:
كَانَ يَتخلَّف فِي السير ف يُزْجِي الضَّعيف
أَي يَسُوقُه لِيُلْحِقه بالرِّفاق. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا زالَتْ تُزْجِينِي حَتَّى دخلتُ عَلَيْهِ
أَي تَسُوقُني وتَدْفَعُني. وَفِي حَدِيثِ
جَابِرٍ: أَعْيا ناضِحِي فجَعَلْت أُزْجيه
أَي أَسُوقُه. والزَّجَاءُ: النَّفاذُ فِي الأَمر. يُقَالُ: فُلَانٌ أَزْجَى بِهَذَا الأَمر مِنْ فُلَانٍ أَي أَشَدُّ نَفاذاً فِيهِ مِنْهُ. والمُزْجَى: القَلِيل. وبضاعةٌ مُزْجَاةٌ: قَلِيلَةٌ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ
؛ وَقَالَ ثَعْلَبٌ: بِضاعةٌ مُزجَاةٌ فِيهَا إِغْماضٌ لَمْ يَتِمَّ صلاحُها، وَقِيلَ: يَسِيرَةٌ قَلِيلَةٌ؛ وأَنشد:
وَحَاجَةٍ غيرْ مُزْجَاةٍ مِنَ الحاجِ
وَرُوِيَ
عَنْ أَبي صَالِحٍ فِي قَوْلِهِ مُزْجَاةٍ قَالَ: كَانَتْ حَبَّةَ الخضراءِ والصَّنوْبَرِ
، وَقَالَ إِبراهيم النخعي: ما أُراها إِلَّا الْقَلِيلَةَ، وَقِيلَ: كَانَتْ مَتاعَ الأَعراب الصُّوفَ والسَّمْنَ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هِيَ دَرَاهِمُ سَوْء؛ وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هِيَ الناقِصةُ، وَقَالَ عَطَاءٌ: قَلِيلٌ يَزْجُو خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ لَا يَزْجُو. وقوله: تَصَدَّقْ عَلَيْنا؛ أَي بفَضْلِ مَا بَيْنَ الجَيِّد والرَّدِيء. وَيُقَالُ: هَذَا أَمر قَدْ زَجَوْنا عَلَيْهِ نَزْجُو. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا تَزْجُو صلاةٌ لَا يُقْرأُ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ
، هُوَ مِنْ أَزْجَيتُ الشَّيءَ فَزَحا إِذا رَوَّجْته فَراجَ وتيسَّر، الْمَعْنَى لَا تُجزِئ وتصحُّ صلاةٌ إِلَّا بِالْفَاتِحَةِ. وضَحِكَ حَتَّى زَجَا أَي انقَطع ضَحِكُه. والمُزَجَّى مِنْ كُلِّ شَيْءٍ: الَّذِي لَيْسَ بِتامِّ الشَّرف وَلَا غَيْرُهُ مِنَ الخِلال الْمَحْمُودَةِ؛ قَالَ:
فذاكَ الفَتى، كلُّ الفَتى، كانَ بَيْنه ... وبينَ المُزَجَّى نَفْنَفٌ مُتَباعِدُ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: الْحِكَايَةُ عَنِ ابْنِ الأَعرابي والإِنشاد لِغَيْرِهِ، وَقِيلَ: إِنَّ المُزَجَّى هُنَا كَانَ ابْنَ عَمٍّ لأُهْبانَ هَذَا الْمَرْثِيِّ، وَقَدْ قِيلَ: إِنه المَسْبُوق إِلى الكَرَم عَلَى كُرْهٍ.
زخا: الزَّوَاخِي: مَوَاضِعُ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَزَعَمَ قَوْمٌ أَن فِي شِعْرِ هُذَيْلٍ رُحَيّات وَفَسَّرُوهُ بأَنه مَوْضِعٌ، قَالَ: وَهَذَا تَصْحِيفٌ إِنما هُوَ زُخَيّات، بِالزَّايِ وَالْخَاءِ.
__________
(1) . قوله [إلى ذودة إلخ] هكذا في الأَصل، والذي في المحكم إلى هوذة(14/355)
زدا: الزَّدْوُ: كالسَّدْوِ؛ وَفِي التَّهْذِيبِ: لُغَةٌ فِي السَّدْوِ، وَهُوَ مِنْ لَعِب الصِّبْيَانِ بِالْجَوْزِ. والمِزْدَاة: مَوْضِعُ ذَلِكَ وَالْغَالِبُ عَلَيْهِ الزَّايُ يَسْدُونه فِي الحَفِيرة. وزَدا الصَّبِيُّ الجَوْزَ وبالجَوْزِ يَزْدُو زَدْواً أَي لَعِب ورَمَى بِهِ فِي الحَفِيرة، وَتِلْكَ الْحَفِيرَةُ هِيَ المِزْدَاةُ. يُقَالُ: أَبْعِدِ المَدَى وازْدُهْ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ يَعْقُوبُ الزَّدَى الزِّيَادَةُ مِنْ قَوْلِكَ أَزْدَى عَلَى كَذَا أَي زادَ عَلَيْهِ؛ قَالَ كُثَيِّرٌ:
لَهُ عَهْدُ وُدٍّ لَمْ يُكَدَّرْ، يَزِينُه ... زَدَى قَوْلِ مَعْروفٍ حديثٍ ومُزْمِنِ
أَبو عُبَيْدٍ: الزَّدْو لُغَةً فِي السَّدْو، وَهُوَ مَدُّ اليَدِ نحوَ الشَّيْءِ كَمَا تَسْدُو الإِبلُ فِي سَيْرِها بأَيْدِيها.
زري: زَرَيْتُ عَلَيْهِ وزَرَى عَلَيْهِ، بِالْفَتْحِ، زَرْياً وزِرَايةً ومَزْرِيةً ومَزْراةً وزَرَياناً: عَابَهُ وعاتَبه؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
يَا أَيُّها الزَّارِي عَلَى عُمَرٍ، ... قَدْ قُلْتَ فِيهِ غَيْرَ مَا تَعْلَمْ
وتَزَرَّيْتُ عَلَيْهِ إِذَا عتَبْتَ عَلَيْهِ وَقَالَ الشَّاعِرُ:
وإِنِّي عَلَى لَيْلَى لَزارٍ، وإِنَّنِي ... عَلَى ذاكَ، فِيمَا بَيْنَنَا، مُسْتَدِيمُها
أَي عاتِبٌ ساخِطٌ غَيْرُ راضٍ. وزَرَى عَلَيْهِ عَمَلَه إِذا عابَه وعَنَّفَه. قَالَ اللَّيْثُ: وإِذا أَدخل عَلَى أَخيه عَيْبًا فَقَدْ أَزْرَى بِهِ وَهُوَ مُزْرىً بِهِ. ابْنُ الأَعرابي: زَارَى فُلانٌ فُلَانًا إِذا عاتَبَه. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَزْرَى عَلَيْهِ قَلِيلَةٌ. وأَزْرَى بِهِ، بالأَلف، إِزْرَاءً: قَصَّرَ بِهِ وحَقَّرَه وهَوَّنه. وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: الزَّارِي عَلَى الإِنسان الَّذِي لَا يَعُدُّه شَيْئًا ويُنْكِر عَلَيْهِ فِعْلَه. والإِزْرَاء: التَّهاوُن بِالشَّيْءِ. يُقَالُ: أَزْرَيْت بِهِ إِذا قَصَّرْتَ بِهِ وتَهاوَنْتَ. وازْدَرَيْته أَي حَقَّرته. وَفِي الْحَدِيثِ:
فَهُوَ أَجْدَرُ أَن لَا تُزْدَرَى نِعْمةُ اللهِ عَلَيْكُم
؛ الازْدِرَاء: الاحْتِقارُ والانْتِقاصُ والعَيْبُ، وَهُوَ افْتِعالٌ مَنْ زَرَيْت عَلَيْهِ زِرَايةً إِذا عِبْتَه، قَالَ: وأَصل ازْدَرَيْتُ ازْتَرَيْتُ، وَهُوَ افْتَعَلْتُ مِنْهُ، فقُلِبت التَّاءُ دَالًا لأَجل الزَّايِ، وأَزْرَى بِعِلْمِي وزَرَى؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: حَكَاهُ اللِّحْيَانِيِّ وَلَمْ يُفَسِّرْهُ، قَالَ: وَعِنْدِي أَنه قَصَّرَ بِهِ. وأَزْرَى بِهِ: أَدْخَلَ عليه أَمْراً يُريد أَن يُلَبِّسَ عَلَيْهِ. ورَجل مِزْراءٌ: يُزْرِي عَلَى النَّاسِ. وسِقاءٌ زَرِيٌّ: بَيْنَ الصَّغِيرِ والكبير.
زعا: ابْنُ الأَعرابي: زَعا إِذا عَدَل، وسعَى إِذا هَرَبَ، وقَعا إِذا ذَلَّ، وفَعا إِذا فَتَّتَ شَيْئًا، وتعى إِذا عدا.
زغا: الزَّغَاوَةُ: جِنْسٌ مِنَ السُّودان، والنّسْبةُ إِليهم زَغَاوِيٌّ، ابْنُ الأَعرابي: الزُّغَى رَائِحَةُ الحَبَشيّ. والزُّغَى: القَصْد «1» . ابْنُ سِيدَهْ: زُغَاوَةُ قَبِيلَةٌ مِنَ السُّودَانِ؛ حَكَاهَا أَبو حَنِيفَةَ؛ وأَنشد:
أَحَمُّ زُغَاوِي النِّجارِ، كأَنَّما ... يُلاثُ بِلِيتَيْه نُحاسٌ وحِمْحِمُ
زفي: الزَّفَيَانُ: شِدَّةُ هُبوب الريحِ، والرِّيحُ تَزْفِي الغُبارَ والسَّحابَ وكلَّ شَيْءٍ إِذا رفَعَتْه وطَرَدَتْه عَلَى وَجْهِ الأَرض كَمَا تَزْفِي الأَمْواجُ السَّفِينةَ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
يَزْفِيهِ، والمُفَزَّعُ المَزْفِيُّ، ... مِنَ الجَنُوبِ سَنَنٌ رَمْلِيُ
وزَفَتِ الرِّيحُ السَّحابَ والتُّرابَ ونَحْوَهما زَفْياً
__________
(1) . قوله [والزُّغَى القصد] كذا بالأصل هنا، والذي في التهذيب: والغزى بتقديم الغين مضمومة، والذي فيما بأيدينا من مادة غزو: الغزو القصد(14/356)
وزَفَيَاناً: طَرَدَتْه واسْتَخَفَّتْه. والزَّفَيَانُ: الخِفّةُ، وَبِهِ سُمِّي الرَّجُلُ وَجَعَلَهُ سِيبَوَيْهِ صِفَةً؛ وَقَوْلُهُ:
كالحِدإِ الزَّافِي أَمامَ الرَّعْدِ
إِنما هُوَ الْخَفِيفُ السَّرِيعُ. وزَفَتِ القَوْسُ زَفَياناً: صوَّتت. وزَفَاه السَّرابُ يَزْفِيه: رَفَعَه كزَهاهُ. يُقَالُ: زَفَى السَّرابُ الآلَ يَزْفِيه وزَهاهُ وحَزاه إِذا رَفَعَه؛ وأَنشد
وتَحْتَ رَحْلِي زَفَيانٌ مَيْلَعُ
وناقةٌ زَفيانٌ: سَرِيعةٌ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرُ:
يَا لَيْتَ شِعْري، والمُنَى لَا تَنْفَعُ، ... هَلْ أَغْدُوَنْ يَوْماً، وأَمْري مُجْمَعُ،
وَتَحْتَ رَحْلَيْ زَفَيان مَيْلَعُ؟
وَقَوْسٌ زَفَيانٌ: سَرِيعةُ الإِرسال للسَّهم. وزَفَى الظَّلِيمُ زَفْياً إِذا نَشر جَنَاحَيْهِ. قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: الزَّفَيانُ يَكُونُ مِيزَانُهُ فَعَيالٌ فيُصْرَفُ فِي حالَيْهِ مِن زَفَنَ إِذا نَزا، قَالَ: وإِذا أَخذته مِنَ الزَّفْيِ، وَهُوَ تَحْرِيكُ الرِّيحِ لِلْقَصَبِ وَالتُّرَابِ، فَاصْرِفْهُ فِي النَّكِرَةِ وَامْنَعْهُ الصَّرْفَ فِي الْمَعْرِفَةِ، وَهُوَ فَعَلانُ حِينَئِذٍ. ابْنُ الأَعرابي: أَزْفَى إِذا نقَل شَيْئًا مِنْ مَكَانٍ إِلى مَكَانٍ، وَمِنْهُ أَزْفَيْتُ العَرُوسَ إِذا نَقَلْتَها مِنْ بَيْتِ أَبَوَيْها إِلي بيتِ زَوْجِها. قَالَ أَبو سَعِيدٍ: هُوَ يَزْفِي بِنَفْسِه أَي يَجُود بِهَا. وزَفَيَانُ: اسْمُ شاعر أَو لَقَبُه.
زقا: الزَّقْوُ وزقي
الزَّقْيُ: مَصْدَرُ زَقا الدِّيكُ والطائرُ والمُكَّاء والصَّدَى والهامةُ ونحوُها يَزْقُو وزقي
يَزْقِي زَقْواً وزُقاء وزُقُوّاً وزقي
زَقْياً وزُقِيّاً وزِقِيّاً صاحَ، وَكَذَلِكَ الصبيُّ إِذا اشتدَّ بُكاؤه وَقَدْ أَزْقاه هُوَ، وكلُّ صائحٍ زاقٍ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
فهْوَ يَزْقُو مِثْلَ مَا يَزْقُو الضُّوَعْ
وَقَدْ تَعَدَّوْا ذَلِكَ إِلى مَا لَا يُحِسُّ فَقَالُوا: زَقَتِ البَكرةُ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
وعَلَقٌ يَزْقُو زُقاء الهامَهْ
العَلَقُ: الحَبْلُ المُعَلَّق بِالْبَكَرَةِ، وَقِيلَ: الحَبْل الَّذِي فِي أَعلاها، قَالَ: لَمَّا كَانَتِ الهامةُ مُعَلَّقَةً فِي الحَبْل جُعِل الزُّقاء لَهَا، وإِنما الزُّقاء فِي الْحَقِيقَةِ لِلْبَكَرَةِ؛ قَالَ بَعْضُ الأَغفال يَصِفُ رَاهِبَةً:
تَضْربُ بالنَّاقُوسِ وَسْطَ الدَّيْر، ... قَبْلَ الدّجاجِ وزُقاء الطَّيْر
أَراد: قَبْلَ صُراخ الدَّجَاجِ وزُقاء الطَّيْرِ لِيَصِحَّ لَهُ عَطْفُ العَرَض عَلَى العَرَض، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: فُلَانٌ أَثقل مِنَ الزَّوَاقِي، وَهِيَ الدِّيَكةُ تَزْقُو وَقْتَ السَّحَر فَتُفَرِّق بَيْنَ المُتحابِّين، لأَنهم كَانُوا يَسْمُرون فإِذا صَاحَتِ الدِّيَكة تفرَّقوا. وَفِي حَدِيثِ
هِشَامٍ: أَنْتَ أَثْقَلُ مِنَ الزَّواقِي
؛ هِيَ الدِّيَكةُ، وَاحِدُهَا زاقٍ، يُرِيدُ أَنها إِذا زَقَت سَحَراً تَفَرَّقَ السُّمَّار والأَحبابُ، وَيُرْوَى:
أَثْقَلُ مِنَ الزَّاوُوق
، وإِذا قَالُوا أَثْقَلُ مِنَ الزَّاوُوق فَهُوَ الزِّئْبَقُ. وأَزْقَى الشيءَ: جَعَلَهُ يَزْقُو؛ قَالَ:
فإِن تَكُ هامةٌ بَهراةَ تَزْقُو، ... فَقَدَ أَزْقَيْت بالمَرْوَيْنِ هاما
وزقي
الزَّقْيَةُ: الصَّيْحةُ. وَرُوِيَ
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنه كَانَ يَقْرَأُ: إِن كانت إِلَّا زقي
زَقْيَةً وَاحِدَةً
، فِي مَوْضِعٍ صيحةً. ويقال: زقي
أَزْقَيْت هامةَ فُلَانٍ أَي قَتَلْتُهُ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
فإِن تكُ هامةٌ بَهراةَ تَزْقُو
وَيُقَالُ: زَقَوْتَ يَا ديكُ وزقي
زَقَيْتَ.(14/357)
وزقي
زَقْيَةُ: مَوْضِعٌ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
يَقُولُوا قَدْ رَأَيْنا خيرَ طِرْفٍ ... زقي بزَقْيَةَ، لَا يُهَدُّ وَلَا يَخِيبُ
زكا: الزَّكاء، مَمْدُودُ: النَّماء والرَّيْعُ، زَكَا يَزْكو زَكاء وزُكُوّاً. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: المالُ تنقُصه النَّفقة والعِلم يَزْكُو عَلَى الإِنْفاقِ
، فَاسْتَعَارَ لَهُ الزَّكاء وإِن لَمْ يَكُ ذَا جِرْمٍ، وَقَدْ زَكَّاه اللهُ وأَزْكَاه. والزَّكاء: مَا أَخرجه اللَّهُ مِنَ الثَّمَرِ. وأَرضٌ زَكِيَّةٌ: طيِّبةٌ سَمِينَةٌ؛ حَكَاهُ أَبو حَنِيفَةَ. زَكَا، والزَّرع يَزْكو زَكاء، مَمْدُودٌ، أَي نَمَا. وأَزْكَاه اللَّهُ، وكلُّ شَيْءٍ يَزْدَادُ ويَنْمي فَهُوَ يَزْكُو زَكَاء وَتَقُولُ: هَذَا الأَمر لَا يَزْكُو بِفُلَانٍ زَكاء أَي لَا يَلِيقُ بِهِ؛ وأَنشد:
والمالُ يَزْكو بِكَ مُسْتَكْبراً، ... يَخْتال قَدْ أَشرق للناظرِ «2»
. ابْنُ الأَنْباري فِي قَوْلُهُ تَعَالَى: وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً
؛ مَعْنَاهُ وَفَعَلْنَا ذَلِكَ رحمةً لأَبويه وتَزْكِيةً لَهُ؛ قَالَ الأَزهري: أَقام الِاسْمَ مُقامَ الْمَصْدَرِ الْحَقِيقِيِّ. والزَّكَاةُ: الصلاحُ. وَرَجُلٌ تقيٌّ زَكِيٌّ أَي زاكٍ مِنْ قَوْمٍ أَتْقياء أَزْكِياء، وَقَدْ زَكا زَكاء وزُكُوّاً وزَكِيَ وتَزَكَّى، وزَكَّاه الله، وزَكَّى نفسَه تَزْكِيةً: مدَحها. وَفِي حَدِيثِ
زينبَ: كَانَ اسمُها بَرَّةَ فغَّيره وَقَالَ تُزَكِّي نفسَها.
وزَكَّى الرَّجُلُ نفسَه إِذا وَصَفَهَا وأَثنى عَلَيْهَا. والزَّكَاةُ: زَكاةُ الْمَالِ مَعْرُوفَةٌ، وَهُوَ تَطْهِيرُهُ، وَالْفِعْلُ مِنْهُ زَكَّى يُزَكِّي تَزْكِيةً إِذا أَدّى عَنْ مَالِهِ زَكاته غَيْرُهُ: الزَّكاة مَا أَخرجته من مالك لتهطره بِهِ، وَقَدْ زَكَّى المالَ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَتُزَكِّيهِمْ بِها
؛ قَالُوا: تُطهِّرُهم بِهَا. قَالَ أَبو عَلِيٍّ: الزَّكَاةُ صفوةُ الشَّيْءِ. وزَكَّاه إِذا أَخذ زَكاتَه. وتَزَكَّى أَي تصدَّق. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ
؛ قَالَ بعضُهم: الَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ مُؤْتُون، وَقَالَ آخَرُونَ: الَّذِينَ هُمْ لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ فاعِلُون، وقال تَعَالَى: خَيْراً مِنْهُ زَكاةً
؛ أَي خَيْرًا مِنْهُ عَمَلًا صَالِحًا، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: زَكاةً
صَلَاحًا، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً
؛ قَالَ: صَلَاحًا. أَبو زَيْدٍ النَّحْوِيُّ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ
؛ وَقُرِئَ مَا زَكَّى مِنْكُمْ، فَمَنْ قرأَ مَا زَكى
فَمَعْنَاهُ مَا صَلَحَ مِنْكُمْ، وَمَنْ قرأَ مَا زَكَّى فَمَعْنَاهُ مَا أَصلح، وَلكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ
أَي يُصلح، وَقِيلَ لِمَا يُخْرَج مِنَ الْمَالِ لِلْمَسَاكِينِ مِنْ حُقُوقِهِمْ زَكاةٌ لأَنه تطهيرٌ لِلْمَالِ وتَثْميرٌ وإِصْلاحٌ وَنَمَاءٌ، كُلُّ ذَلِكَ قِيلَ، وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ الزَّكاةِ والتَّزْكِيةِ فِي الْحَدِيثِ، قَالَ: وأَصل الزَّكَاةِ فِي اللُّغَةِ الطَّهَارَةُ والنَّماء والبَركةُ والمَدْح وَكُلُّهُ قَدِ اسْتُعْمِلَ فِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ، وَوَزْنُهَا فَعَلةٌ كالصَّدَقة، فَلَمَّا تحرَّكت الْوَاوُ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا انْقَلَبَتْ أَلفاً، وَهِيَ مِنَ الأَسماء الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ المُخْرَج وَالْفِعْلِ، فَيُطْلَقُ عَلَى الْعَيْنِ وَهِيَ الطَّائِفَةُ مِنَ الْمَالِ المُزَكَّى بِهَا، وَعَلَى المَعنى وَهِيَ التَّزْكِيَة؛ قَالَ: وَمِنَ الْجَهْلِ بِهَذَا الْبَيَانِ أَتى مَنْ ظَلَمَ نفسَه بِالطَّعْنِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ
؛ ذَاهِبًا إِلى الْعَيْنِ، وإِنما الْمُرَادُ الْمَعْنَى الذي هو التَّزْكِيةُ، ف الزَّكاة طُهرةٌ للأَموال وزَكاةُ الفِطْرِ طهرةٌ للأَبدان. وَفِي حَدِيثِ
الْبَاقِرِ أَنه قَالَ: زَكاةُ الأَرض يُبْسُها
، يُرِيدُ طَهارَتَها مِنَ النَّجَاسَةِ كَالْبَوْلِ وأَشباهه بأَن يَجِفَّ وَيَذْهَبَ أَثرُه. والزَّكا، مَقْصُورٌ: الشَّفْعُ مِنَ العدد. الجوهري:
__________
(2) . قوله [أشرق] كذا في الأصل بالقاف، وفي التهذيب بالفاء(14/358)
وزَكاً الشَّفْعُ. يُقَالُ: خَسًا أَو زَكاً، وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِلْفَرْدِ خَساً وَلِلزَّوْجَيْنِ اثْنَيْنِ زَكاً، وَقِيلَ لَهُمَا زَكاً لأَن اثْنَيْنِ أَزْكَى مِنْ وَاحِدٍ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
عَنْ قبْضِ مَنْ لَاقَى أَخاسٍ أَمْ زَكا
ابْنُ السِّكِّيتِ: الأَخاسي جَمْعُ خَساً، وَهُوَ الْفَرْدُ. اللِّحْيَانِيُّ: زَكِيَ الرَّجُلُ يَزْكَى وزَكا يَزْكو زُكوّاً وزَكاءً، وَقَدْ زَكَوْتَ وزَكِيتَ أَي صِرْتَ زَاكِيًا. ابْنُ الأَنباري: الزَّكاءُ الزِّيادة مِنْ قَوْلِكَ زَكا يَزْكو زَكَاءً، وَهَذَا مَمْدُودٌ، وَزَكًا، مقصورٌ: الزَّوْجَانِ، وَيَجُوزُ خَساً وَزَكًا بالإِجْراء، وَمَنْ لَمْ يُجْرِهما جَعَلَهُمَا بِمَنْزِلَةِ مَثْنى وثُلاثَ ورُباعَ، وَمَنْ أَجراهما جَعَلَهُمَا نَكِرَتَيْنِ. وَقَالَ أَحمد بْنُ عُبَيْدٍ: خَسا وزَكا لَا ينوَّنان وَلَا تَدَخُلُهُمَا الأَلف وَاللَّامُ لأَنهما عَلَى مَذْهَبِ فَعَل مِثْلُ وَهَى وعَفا؛ وأَنشد لِلْكُمَيْتِ:
لَادَى خَسا أَو زَكا مِنْ سِنِيك ... إِلَى أَربعٍ فَيَقُولُ انْتِظَارَا «1»
. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: يُكْتَبُ خَسا بالأَلف لأَنه مِنْ خَسأَ، مَهْمُوزٌ، وَزَكَا يُكْتَبُ بالأَلف لأَنه مِنْ يَزْكُو، وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِلزَّوْجِ زَكاً وَلِلْفَرْدِ خَساً فَتُلْحِقُهُ بِبَابِ فَتًى، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ زَكا وخَسا فَيُلْحِقُهُ بِبَابِ زُفَرَ. وَيُقَالُ: هُوَ يُخَسِّي ويُزَكِّي إِذَا قَبَضَ عَلَى شَيْءٍ فِي كَفِّهِ وَقَالَ أَزَكا أَم خَسا، وَهُوَ مَهْمُوزٌ. الأَصمعي: رَجُلٌ زُكأَةٌ أَي مُوسِرٌ. اللِّحْيَانِيُّ: إِنَّهُ لمَلِيءٌ زُكأَةٌ أَي حَاضِرُ النَّقْد عاجِله. وَيُقَالُ: قَدْ زَكأَه إِذَا عجَّل نَقْدَهُ. وَفِي حَدِيثِ
مُعَاوِيَةَ أَنه قدِم الْمَدِينَةَ بِمَالٍ فَسَأَلَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ فَقِيلَ إِنَّهُ بِمَكَّةَ فأَزْكى المالَ وَمَضَى، فلحِق الْحَسَنَ فَقَالَ: قدِمْتُ بِمَالٍ فَلَمَّا بَلَغَنِي شُخُوصُك أَزْكَيْتُه، وَهَا هُوَ ذَا
؛ قَالَ: كأَنه يُرِيدُ أَوْعَيْتُه. وزَكا الرجلُ يَزْكو زُكوّاً: تَنَعَّم وَكَانَ فِي خِصْب. وزَكِيَ يَزْكى: عَطِشَ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أَثبته في الواو لعدم ز ك ي وَوُجُودِ ز ك و؛ قَالَهُ ثَعْلَبٌ؛ وأَنشد:
كصاحِبِ الخَمْرِ يَزْكى كُلَّما نَفِدَتْ ... عَنْهُ، وإنْ ذاقَ شِرْباً هَشَّ لِلعَلَلِ
زنا: الزِّنا يُمَدُّ وَيُقْصَرُ، زَنَى الرجلُ يَزْني زِنىً، مقصور، وزناءً مَمْدُودٌ، وَكَذَلِكَ المرأَة. وَزَانَى مُزاناةً وزَنَّى: كَزَنى؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الأَعشى:
إمَّا نِكاحاً وإِمَّا أُزَنّ
يُرِيدُ: أُزَنِّي، وَحَكَى ذَلِكَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ لِلشِّعْرِ. وَزَانَى مُزاناةً وزِناء، بِالْمَدِّ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وَكَذَلِكَ المرأَة أَيضاً؛ وأَنشد:
أَما الزِّنَاءُ فإنِّي لستُ قارِبَه، ... والمالُ بَيْني وبَيْنَ الخَمْرِ نصْفانِ
والمرأَة تُزانِي مُزاناةً وزِناء أَي تُباغِي. قَالَ اللحياني: الزِّنى، مقصور، لُغَةِ أَهل الْحِجَازِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى
، بِالْقَصْرِ، وَالنِّسْبَةُ إِلَى الْمَقْصُورِ زِنَوِيٌّ، وَالزِّنَاءُ مَمْدُودٌ لُغَةُ بَنِي تَمِيمٍ، وَفِي الصِّحَاحِ: الْمَدُّ لأَهل نَجْدٍ؛ قَالَ الْفَرَزْدَقُ:
أَبا حاضِرٍ، مَنْ يَزْنِ يُعْرَفْ زِناؤُه، ... ومَنْ يَشْرَبِ الخُرْطُوم يُصْبِحْ مُسَكَّرا
وَمِثْلُهُ لِلْجَعْدِيِّ:
كَانَتْ فَرِيضة مَا تقولُ، كَمَا ... كانَ الزِّناء فَريضةَ الرَّجْم
وَالنِّسْبَةُ إِلَى الْمَمْدُودِ زِنائِيٌّ. وزَنَّاهُ تزْنِيةً: نسبه
__________
(1) . قوله [لادى] وضع له في الأصل علامة وقفة ولم نجده في غيره، والرسم قابل أن يكون لأدّى، من التأدية فاللام مفتوحة، ولأَن يكون أدنى من الدنوّ فاللام مكسورة(14/359)
إِلَى الزِّنا وَقَالَ لَهُ يَا زَانِي. وَفِي الْحَدِيثِ: ذِكر قُسْطَنْطِينيَّةَ الزَّانِيَةِ، يُرِيدُ الزَّانِيَ أَهلُها كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً؛ أَي ظَالِمَةَ الأَهْل. وَقَدْ زَانَى المرأَة مُزاناةً وَزِنَاءً. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: قِيلَ لابنةِ الخُسِّ مَا أَزْناكِ؟ قَالَتْ: قُرْبُ الوِسادِ وطُولُ السِّوادِ؛ فكأَنَّ قَوْلَهُ مَا أَزْناكِ مَا حَمَلَكِ عَلَى الزِّنا، قَالَ: وَلَمْ يُسْمَعْ هَذَا إِلَّا فِي حَدِيثِ ابنةِ الخُسِّ. وَهُوَ ابنُ زَنْيةٍ وزِنْيةٍ، وَالْفَتْحُ أَعلى، أَي ابْنُ زِناً، وَهُوَ نقِيضُ قَوْلِكَ لِرِشدةٍ ورَشْدة. قَالَ الْفَرَّاءُ فِي كِتَابِ الْمَصَادِرِ: هُوَ لِغَيَّةٍ ولِزَنْيةٍ وَهُوَ لغَيْر رَشْدةٍ، كلُّه بِالْفَتْحِ. قَالَ: وَقَالَ الْكِسَائِيُّ ويجوز رَشْدة [رِشْدة] وزَنْية [زِنْية] ، بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ، فأَما غَيَّة فَهُوَ بِالْفَتْحِ لَا غَيْرَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه وَفَدَ عَلَيْهِ مَالِكُ بْنُ ثَعْلَبَةَ فَقَالَ مَنْ أَنتم؟ فَقَالُوا: نحن بنو الزَّنْية [الزِّنْية] فَقَالَ: بَلْ أَنتم بَنُو الرِّشْدةِ.
والزنْية، بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ: آخِرُ وَلدِ الرَّجُلِ والمرأَة كالعجْزة، وبنو مَلِكٍ يُسَمَّوْنَ بَني الزَّنْية والزِّنْية لِذَلِكَ، وَإِنَّمَا قَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ، صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ،
بَلْ أَنتم بَنُو الرِّشْدةِ
نَفْياً لَهُمْ عَمَّا يُوهِمُهُ لَفْظُ الزنْية مِنَ الزِّنا، والرَّشْدةُ أَفصح اللُّغَتَيْنِ. وَيُقَالُ لِلْوَلَدِ إِذَا كَانَ مِنْ زِناً: هُوَ لِزَنْية. وَقَدْ زَنَّاه. مِنَ التَّزْنِية أَي قَذَفَه. وَفِي الْمَثَلِ:
لَا حِصْنُها حِصْنٌ وَلَا الزِّنا زِنا
قَالَ أَبو زَيْدٍ: يُضْرَبُ مَثَلًا لِلَّذِي يكُفُّ عَنِ الخَيْر ثُمَّ يُفَرِّط فِيهِ وَلَا يَدومُ عَلَى طَرِيقَةٍ. وتسمَّى القِرْدة زنَّاءةً، والزَّناءُ: القصيرُ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
وتُولِجُ فِي الظِّلِّ الزَّناءِ رؤُوسها، ... وتَحْسِبُها هِيماً، وهُنَّ صَحائحُ
وأَصل الزَّناء الضيقُ، وَمِنْهُ الْحَدِيثِ:
لَا يُصَلِّيَنَّ أَحدُكم وَهُوَ زَناءٌ
أَي مُدافِعٌ للِبَوْل؛ وَعَلَيْهِ قَوْلُ الأَخطل:
وَإِذَا بَصُرْتَ إِلَى زَناءٍ قَعْرُها ... غَبْراءَ مُظْلِمَةٍ مِنَ الأَحْفارِ
وزَنا الموضعُ يَزْنُو: ضَاقَ، لُغَةٌ فِي يَزْنأُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
كَانَ النبيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَا يُحِبُّ مِنَ الدُّنْيا إِلَّا أَزْنَأَها
أَي أَضيقها. ووِعاءٌ زَنِيٌّ: ضيِّق؛ كَذَا رَوَاهُ ابْنُ الأَعرابي بِغَيْرِ هَمْزٍ. والزَّنْءُ: الزُّنُوُّ فِي الجَبَل. وزَنَّى عَلَيْهِ: ضَيَّق؛ قال:
لاهُمَّ، إنَّ الحَرِثَ بنَ جَبَلَهْ. ... زَنَّى عَلَى أَبِيهِ ثُمَّ قَتَلَهْ
قَالَ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَن هَمْزَةَ الزَّنَاءِ ياءٌ. وبَنُو زِنْيَة: حَيٌّ.
زها: الزَّهْوُ: الكِبْرُ والتِّيهُ والفَخْرُ والعَظَمَةُ؛ قَالَ أَبو المُثَلَّمِ الْهُذَلِيُّ:
مَتى مَا أَشَأْ غَيْر زَهْوِ المُلُوكِ، ... أَجْعَلْكَ رَهْطاً عَلَى حُيَّضِ
وَرَجُلٌ مَزْهُوٌّ بِنَفْسِهِ أَي مُعْجَبٌ. وبفُلان زَهْوٌ أَي كِبْرٌ؛ وَلَا يُقَالُ زَها. وزُهِيَ فُلانٌ فَهُوَ مَزْهُوٌّ إِذَا أُعْجِبَ بِنَفْسِهِ وتَكَبَّر. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ زُهِيَ عَلَى لَفْظِ مَا لَمْ يُسَمَّ فاعلُه، جَزَمَ بِهِ أَبو زَيْدٍ وأَحمد بْنُ يَحْيَى، وَحَكَى ابْنُ السِّكِّيتِ: زُهِيتُ وزَهَوْتُ. وَلِلْعَرَبِ أَحرف لَا يَتَكَلَّمُونَ بِهَا إِلَّا عَلَى سَبِيلِ المَفْعول بِهِ وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ مِثْلَ زُهِيَ الرجُلُ وعُنِيَ بالأَمْر ونُتِجَتِ الشاةُ وَالنَّاقَةُ وأَشباهها، فَإِذَا أَمَرْت بِهِ قُلْتَ: لِتُزْهَ يَا رجلُ، وَكَذَلِكَ الأَمْر مِنْ كُلِّ فِعْل لَمْ يُسمّ فَاعِلُهُ لأَنك إِذَا(14/360)
أَمَرْتَ مِنْهُ فَإِنَّمَا تأْمر فِي التَّحْصِيلِ غَيْرَ الَّذِي تُخاطِبه أَن يُوقِع بِهِ، وأَمْرُ الغائبِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِاللَّامِ كَقَوْلِكَ ليَقُمْ زَيد، قَالَ: وَفِيهِ لُغَةٌ أُخرى حَكَاهَا ابْنُ دُرَيْدٍ زَها يَزْهُو زَهْواً أَي تَكَبَّر، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: مَا أَزْهاهُ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ زُهِيَ لأَن مَا لَمْ يُسم فَاعِلُهُ لَا يُتَعَجَّبُ مِنْهُ. قَالَ الأَحمر النَّحْوِيُّ يَهْجُو العُتْبِيَّ والفَيْضَ بْنَ عَبْدِ الْحَمِيدِ:
لَنَا صاحِبٌ مُولَعٌ بالخِلافْ، ... كثيرُ الخَطاء قليلُ الصَّوابْ
أَلَجُّ لَجَاجًا مِنَ الخُنْفُساءْ، ... وأَزْهى، إِذَا مَا مَشى، منْ غُرابْ
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: قُلْتُ لأَعرابي مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ مَا مَعْنَى زُهِيَ الرجلُ؟ قَالَ: أُعجِبَ بنفسِه، فَقُلْتُ: أَتقول زَهى إِذَا افْتَخَر؟ قَالَ: أَمّا نَحْنُ فَلَا نَتَكَلَّمُ بِهِ. وَقَالَ خَالِدُ بْنُ جَنبة: زَها فُلَانٌ إِذَا أُعجب بِنَفْسِهِ. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: زَهاه الكِبْر وَلَا يُقَالُ زَها الرَّجل وَلَا أَزْهيتُه ولكنْ زَهَوْتُه. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَنِ اتَّخَذَ الخَيْلَ زُهاءً ونِواءً عَلَى أَهْل الإِسْلام فَهِيَ عَلَيْهِ وِزْرٌ
؛ الزُّهاء، بِالْمَدِّ، والزَّهْوُ الكِبْرُ والفَخْر. يُقَالُ: زُهِيَ الرَّجُلُ، فَهُوَ مَزْهُوٌّ، هَكَذَا يتكلَّم بِهِ عَلَى سَبِيلِ الْمَفْعُولِ وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظر إِلَى الْعَامِلِ المَزْهُوِّ
؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عنها: إن جَارِيَتِي تُزْهَى أَن تَلْبَسَه فِي الْبَيْتِ
أَي تَتَرَفَّعُ عَنْهُ وَلَا تَرْضاه، تَعْنِي درْعاً كَانَ لَهَا؛ وأَما مَا أَنشده ابْنُ الأَعرابي مِنْ قَوْلِ الشَّاعِرِ:
جَزَى اللهُ البَراقِعَ مِنْ ثِيابٍ، ... عَنِ الفِتْيانِ، شَرّاً مَا بَقِينا
يُوارِينَ الحِسانَ فَلَا نَراهُم، ... ويَزْهَيْنَ القِباحَ فيَزْدَهِينا
فَإِنَّمَا حُكْمه ويَزْهُونَ القِباحَ لأَنه قَدْ حُكِيَ زَهَوْتُه، فَلَا مَعْنَى ليَزْهَيْنَ لأَنه لَمْ يَجِئْ زَهَيْته، وَهَكَذَا أَنشده ثَعْلَبٌ ويَزْهُون. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ وَهِمَ ابْنُ الأَعرابي فِي الرِّوَايَةِ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يَكُونَ زَهَيْتُه لُغَةً فِي زَهَوْتُه، قَالَ: وَلَمْ تُرْوَ لَنَا عَنْ أَحد. وَمِنْ كَلَامِهِمْ: هِيَ أَزْهَى مِن غُرابٍ، وَفِي الْمَثَلِ المعروفِ: زَهْوَ الغُرابِ، بِالنَّصْبِ، أَي زُهِيتَ زَهْوَ الغرابِ: وَقَالَ ثَعْلَبٌ فِي النَّوَادِرِ: زُهِيَ الرَّجُلُ وَمَا أَزْهاهُ فوضَعُوا التَّعَجُّبَ عَلَى صِيغَةِ الْمَفْعُولِ، قَالَ: وَهَذَا شاذٌّ إِنَّمَا يَقع التَّعَجُّبُ مِنْ صِيغَةِ فِعْلِ الْفَاعِلِ، قَالَ: وَلَهَا نَظَائِرُ قَدْ حَكَاهَا سِيبَوَيْهِ وَقَالَ: رجُلٌ إنْزَهْوٌ وامرأَة إنْزَهْوَةٌ وَقَوْمٌ إنْزَهْوُون ذَوو زَهْوٍ، ذَهَبُوا إِلَى أَن الأَلف وَالنُّونَ زَائِدَتَانِ كَزِيَادَتِهِمَا فِي إنْقَحْلٍ، وَذَلِكَ إِذَا كَانُوا ذَوِي كِبْر. والزَّهْو: الكَذِب والباطلُ؛ قَالَ ابْنُ أَحمر:
وَلَا تَقُولَنَّ زَهْواً مَا تُخَبِّرُني، ... لَمْ يَتْرُكِ الشَّيْبُ لِي زَهْواً، وَلَا العَوَرُ «1»
. الزَّهْو: الكِبْرُ. والزَّهْوُ: الظُّلْمُ. والزَّهْو: الاسْتِخْفافُ: وزَها فُلَانًا كلامُك زَهْواً وازْدهاه فازْدَهَى: اسْتَخَفَّه فَخَفَّ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: فُلَانٌ لَا يُزْدَهَى بخَديعَة. وازْدَهَيْت فُلَانًا أَي تَهاوَنْت بِهِ. وازْدَهَى فُلَانٌ فُلَانًا إِذَا اسْتَخَفَّه. وَقَالَ الْيَزِيدِيُّ: ازْدَهاهُ وازْدَفاهُ إِذَا اسْتَخَفَّه. وزَهاهُ وازْدَهاهُ: اسْتَخَفَّه وَتَهَاوَنَ بِهِ؛ قَالَ عُمَرُ بْنُ أَبي رَبِيعَةَ:
فَلَمَّا تَواقَفْنا وسَلَّمْتُ أَقْبَلَتْ ... وجُوهٌ، زَهاها الحُسْنُ أَنْ تَتَقَنَّعا
__________
(1) . قوله [ولا العور] أنشده في الصحاح: ولا الكبر، وقال في التكملة، والرواية: ولا العور(14/361)
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ وَيُرْوَى:
وَلَمَّا تَنَازَعْنا الحَديثَ وأَشْرَقَت
قَالَ: وَمِثْلُهُ قَوْلُ الأَخطل:
يَا قاتَلَ اللهُ وصْلَ الغانِيات، إِذَا ... أَيْقَنَّ أَنَّك مِمَّنْ قَدْ زَها الكِبَرُ
وازْدَهاهُ الطَّرَب والوَعيدُ: اسْتَخَفَّه. وَرَجُلٌ مُزْدَهىً: أَخَذَتْه خِفَّةٌ مِنَ الزَّهْوِ أَو غَيْرِهِ. وازْدَهاهُ عَلَى الأَمْرِ: أَجْبَرَه. وزَها السَّرابُ الشيءَ يَزْهاهُ: رَفَعَه، بالأَلف لَا غَيْرَ. وَالسَّرَابُ يَزْهى القُور والحُمُول: كأَنه يَرْفَعُها؛ وزَهَت الأَمْواجُ السَّفِينَةَ كَذَلِكَ. وزَهَت الريحُ أَي هَبَّت؛ قَالَ عُبَيْدٌ:
ولَنِعْم أَيْسارُ الجَزورِ إِذَا زَهَتْ ... رِيحُ الشِّتَا، وتَأَلَّفَ الجِيرانُ
وزَهَت الريحُ النباتَ تَزْهاهُ: هَزَّتْه غِبَّ النَّدَى؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
فأَرْسَلَها رَهْواً رِعالًا، كأَنَّها ... جَرادٌ زَهَتْه رِيحُ نَجْدٍ فأَتْهَمَا
قَالَ: رَهْواً هُنَا أَي سِرَاعاً، والرَّهْوُ مِنَ الأَضداد. وزَهَتْه: ساقَتْه. والريحُ تَزْهَى النباتَ إِذَا هَزَّتْه بَعْدَ غِبِّ المَطَر؛ قَالَ أَبو النَّجْمِ:
فِي أُقْحُوانٍ بَلَّهُ طَلُّ الضُّحَى، ... ثُمَّ زَهَتْهُ ريحُ غَيمٍ فَازْدَهَى
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: ورُبَّما قَالُوا زَهَت الريحُ الشَّجَر تَزْهاه إِذَا هَزَّتْه. والزَّهْوُ: النَّبات الناضرُ والمَنْظَرُ الحَسَن. يُقَالُ: زُهِيَ الشيءُ لِعَيْنِكَ. والزَّهْوُ: نَوْرُ النَّبْتِ وزَهْرُهُ وإشْراقُه يَكُونُ للْعَرَضِ والجَوْهَرِ. وزَها النَّبْتُ يَزْهَى زَهْواً وزُهُوّاً وزَهَاءً حَسُنَ. والزَّهْوُ: البُسْرُ المُلَوَّنُ، يُقَالُ: إِذَا ظَهَرت الحُمْرة وَالصُّفْرَةُ فِي النَّخْل فَقَدْ ظَهَرَ فِيهِ الزَّهْوُ. والزَّهْوُ والزُّهْوُ: البُسْرُ إِذَا ظَهَرَت فِيهِ الحُمْرة، وَقِيلَ: إِذَا لَوَّنَ، وَاحِدَتُهُ زَهْوة؛ وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: زُهْوٌ، وَهِيَ لُغَةُ أَهل الْحِجَازِ بالضَّمِّ جمعُ زَهْوٍ، كَقَوْلِكَ فَرَسٌ وَرْدٌ وأَفراس وُرْدٌ، فأُجْرِيَ الِاسْمُ فِي التَّكْسير مُجْرَى الصِّفَةِ. وأَزْهَى النَّخْلُ وزَهَا زُهُوّاً: تلوَّن بِحُمْرَةٍ وصُفْرةٍ. وَرَوَى
أَنس بْنِ مَالِكٍ أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَهَى عَنِ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَزْهو، قِيلَ لأَنس: وَمَا زَهْوُه؟ قَالَ: أَن يَحْمَرَّ أَو يَصْفَرَّ
، وَفِي رِوَايَةِ
ابْنِ عُمَرَ: نهَى عَنْ بَيْع النَّخْلِ حَتَّى يُزْهِيَ.
ابْنُ الأَعرابي: زَها النبتُ يَزْهُو إِذَا نَبَت ثَمَرُه، وأَزْهَى يُزْهِي إِذَا احْمَرَّ أَو اصْفَرَّ، وَقِيلَ: هُمَا بِمَعْنَى الِاحْمِرَارِ وَالِاصْفِرَارِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَر يَزْهو وَمِنْهُمْ مَن أَنكر يُزْهِي. وزَهَا النَّبْتُ: طالَ واكْتَهَلَ؛ وأَنشد:
أَرَى الحُبَّ يَزْهَى لِي سَلامَةَ، كالَّذِي ... زَهَى الطلُّ نَوْراً واجَهَتْه المَشارِقُ
يُرِيدُ: يزيدُها حُسْنًا فِي عَيْني. أَبو الْخَطَّابِ قَالَ: لَا يُقَالُ لِلنَّخْلِ إلَّا يُزْهَى، وَهُوَ أَن يَحْمَرَّ أَو يَصْفَرَّ، قَالَ: وَلَا يُقَالُ يَزْهُو، والإِزْهَاءُ أَنْ يَحْمَرَّ أَو يَصْفَرَّ. وَقَالَ الأَصمعي: إِذَا ظَهَرت فِيهِ الحُمْرة قِيلَ أَزْهَى. ابْنُ بُزُرج: قَالُوا زُها الدُّنْيا زِينَتُها وإيناقُها، قَالَ: وَمِثْلُهُ فِي الْمَعْنَى قَوْلُهُمْ ورَهَجُها. وَقَالَ: مَا لِرَأْيِكَ بُذْمٌ وَلَا فَرِيق «2» . أَي صَرِيمَة. وَقَالُوا: طَعامٌ طيِّبُ الخَلْف أَي طَيّب آخِرِ الطَّعْمِ. وَقَالَ خَالِدُ بْنُ جَنَبَةَ: زُهِيَ لَنَا حَمْل النَّخْلِ فنَحْسِبُه
__________
(2) . قوله [ولا فريق] هكذا في الأصل(14/362)
أَكثَرَ مِمَّا هُوَ. الأَصمعي: إِذَا ظَهَرتْ فِي النَّخْل الحُمْرة قِيلَ أَزْهَى يُزْهِي: ابْنُ الأَعرابي: زَهَا البُسْر وأَزْهَى وزَهَّى وشَقَّحَ وأَشْقَحَ وأَفْضَحَ لَا غَيْرُ. أَبو زَيْدٍ: زَكا الزَّرْعُ وَزَها إِذَا نَما. خَالِدُ ابْنُ جَنَبَةَ: الزَّهْوُ مِنَ البُسْرِ حِينَ يَصْفَرُّ ويحمرُّ وَيَحِلُّ جَرْمُه، قَالَ: وجَرْمه للشِّرَاء والبَيْع، قَالَ: وأَحْسَنُ مَا يَكُونُ النخلُ إِذْ ذَاكَ؛ الأَزهري: جَرْمه خَرْصُه لِلْبَيْعِ. وزَها بِالسَّيْفِ: لمَعَ بِهِ. وزَهَا السراجَ: أَضاءَه. وزَهَا هُوَ نفسُه. وزُهاءُ الشيءِ وزِهَاؤُه: قَدْرُه، يُقَالُ: هُمْ زُهَاءُ مائِةٍ وزِهاءُ مِائةٍ أَي قَدْرُهَا. وهُم قومٌ ذَوُو زُهاءٍ أَي ذَوُو عَدَدٍ كَثِيرٍ؛ وأَنشد:
تَقَلَّدْتَ إبْريقاً، وعَلَّقْتَ جَعْبة ... لِتُهْلِكَ حَيّاً ذَا زُهاءٍ وجَامِلِ
الإِبريق: السَّيْفُ، وَيُقَالُ قَوْسٌ فِيهَا تَلَامِيعُ. وزُهاءُ الشَّيْءِ: شخصُه. وزَهَوْت فُلَانًا بِكَذَا أَزْهاهُ أَي حَزَرْته. وزَهَوْته بِالْخَشَبَةِ: ضربتُه بِهَا. وَكَمْ زُهَاؤُهم أَي قدرُهم وحزْرُهم؛ وأَنشد لِلْعَجَّاجِ؛
كأَنما زُهَاؤُهم لِمَنْ جَهَرْ
وقولُهم: زُهَاءُ مائَة أَي قَدْرُ مائةٍ. وَفِي حَدِيثٍ:
قِيلَ لَهُ كَمْ كَانُوا؟ قَالَ: زُهَاءَ ثلَاثمائة
أَي قَدْرَ ثَلَاثِمِائَةٍ، مِنْ زَهَوْت القومَ إِذَا حَزَرْتَهم. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِذَا سَمِعتم بناسٍ يأْتون مِنْ قِبَلِ المَشرق أُولِي زُهاءٍ يَعجَبُ النَّاسُ مِنْ زيِّهِمْ فَقَدْ أَظَلَّت الساعةُ
؛ قَوْلُهُ أُولي زُهَاءٍ أُولي عددٍ كثيرٍ. وزَهَوْتُ الشيءَ إِذَا خَرَصْتَه وعلِمتَ مَا زُهاؤُه. والزُّهَاءُ: الشخصُ، وَاحِدُهُ كجمعِه. وَمِنْهُ قَوْلُ بَعْضِ الرُّوّاد: مَداحي سَيْل وزُهَاءُ لَيْلٍ، يَصِفُ نَبَاتًا أَي شخصُه كَشَخْصِ اللَّيْلِ فِي سوادِه وكَثْرِته؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
دُهْماً كأَن الليلَ فِي زُهائِها
زُهاؤُها: شُخوصُها يَصِفُ نَخْلًا يَعْنِي أَن اجْتِمَاعَهَا يُري شُخوصَها سُودًا كَاللَّيْلِ. وزَهَتِ الإِبلُ تَزْهو زَهْواً: شربَت الماءَ ثُمَّ سَارَتْ بَعْدَ الوِرْد لَيْلَةً أَو أَكثر وَلَمْ تَرْعَ حَوْلَ الْمَاءِ، وزَهَوْتُها أَنا زَهْواً، يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى. وزَهَتْ زَهْواً: مرَّت فِي طَلَبِ المَرْعى بَعْدَ أَن شرِبت وَلَمْ تَرْعَ حَوْلَ الْمَاءِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
وأَنتِ استعرتِ الظَّبيَ جِيدًا ومُقْلَةً، ... مِنَ المُؤلِفات الزَّهْوَ، غيرِ الأَوارِك
وزَهَا المُرَوِّحُ المِرْوَحة وزَهَّاها إِذَا حَرَّكها؛ وَقَالَ مزاحمٌ يَصِفُ ذَنَبَ الْبَعِيرِ:
كمِرْوَحَةِ الدَّارِيّ ظَلَّ يَكُرُّها، ... بكَفِّ المُزَهِّي سَكْرَةَ الرِّيحِ عُودُها
ف المُزَهِّي: المُحَرِّك؛ يَقُولُ: هَذِهِ الْمِرْوَحَةُ بكفِّ المُزَهِّي المحرِّك لسُكونِ الرِّيحِ. والزَّاهِيَةُ مِنَ الإِبل: الَّتِي لَا تَرْعى الحَمْض. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: الإِبلُ إبلانِ: إبلٌ زَاهِيَة زالَّة الأَحْناك لَا تقرَب العِضاهَ وَهِيَ الزَّوَاهِي، وإبلٌ عاضِهةٌ تَرْعى العِضاهَ وَهِيَ أَحْمَدُها وَخَيْرُهَا، وأَما الزَّاهِيَة الزَّالَّةُ الأَحْناك فَهِيَ صَاحِبَةُ الحَمْضِ وَلَا يُشْبِعها دُون الحَمْضِ شَيْءٌ. وزَهَتِ الشاةُ تَزْهُو زُهاءً وزُهُوّاً: أَضْرَعت ودَنا وِلادُها. وأَزْهَى النخلُ وزَها: طالَ، وزَهَا النَّبْتُ: غَلا وَعَلَا، وزَهَا الْغُلَامُ: شَبَّ؛ هَذِهِ الثَّلَاثُ عَنِ ابْنِ الأَعرابي.
زوي: الزَّيُّ: مَصْدَرُ زَوى الشيءَ يَزْوِيه زَيّاً وزُوِيّاً فانْزَوَى، نَحَّاه فتَنَحَّى. وزَوَاهُ: قَبَضَهُ. وزَوَيْت الشيءَ: جَمَعْتُهُ وقبضته. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى زَوَى لِيَ الأَرضَ فأُريتُ مشارقَها ومغاربَها
؛ زُوِيَتْ لِيَ الأَرض: جُمِعَت؛ وَمِنْهُ دُعاءُ السَّفَرِ:(14/363)
وازْوِ لَنا الْبَعِيدَ
أَي اجْمَعْه واطْوِه. وزَوى مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ فانْزَوى: جمَعه فَاجْتَمَعَ وَقَبَضَهُ؛ قَالَ الأَعشى:
يَزيدُ، يغُضُّ الطَّرْفَ عِنْدِي، كأَنما ... زَوى بَيْنَ عَيْنَيْهِ عليَّ المَحاجِمُ
«1» . فَلَا يَنْبَسِطْ مِنْ بَيْنِ عَيْنَيْكَ مَا انْزَوَى، ... وَلَا تَلْقَني إلَّا وأَنفُك راغِمُ
وانْزَوى الْقَوْمُ بعضُهم إِلَى بَعْضٍ إِذَا تدانوْا وتضامُّوا. والزَّاوِيَة: وَاحِدَةُ الزَّوَايا. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ: كَانَ لَهُ أَرْضٌ زَوَتْها أَرضٌ أُخرى
أَي قرُبت مِنْهَا فضيَّقتْها، وَقِيلَ: أَحاطت بِهَا. وانْزَوَت الجِلدة فِي النَّارِ: تَقَبَّضَت واجتمعَت. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِنَّ المسجدِ ل يَنْزَوِي مِنَ النُّخامة كَمَا تَنْزَوي الْجِلْدَةُ فِي النَّارِ
أَي ينضمُّ ويتقبَّضُ، وَقِيلَ: أَراد أَهْلَ الْمَسْجِدِ وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
أَعطاني رَيحانَتَيْن وزَوَى عَنِّي وَاحِدَةً.
وَفِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ:
وَمَا زَوَيْتَ عَنِّي
أَي صرفتَه عَنِّي وقبضْتَه. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ إِنَّ الإِيمان بدأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بدأَ، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ إِذَا فَسَدَ الناسُ وَالَّذِي نَفْسُ أَبي الْقَاسِمِ بِيَدِهِ لَيُزْوَأَنَّ الإِيمانُ بَيْنَ هَذَيْنِ المَسْجِدَيْن كَمَا تأْرِزُ الْحَيَّةُ فِي جُحْرِهَا
قَالَ شَمِرٌ: لَمْ أَسمعْ زَوَأت بالهمز، والصواب ل يُزْوَيَنَّ أَي ليُجْمعنَّ وليُضَمَّنَّ، مِنْ زَوَيت الشَّيْءَ إِذَا جَمَعْتَهُ، وَكَذَلِكَ ليَأْرِزَنَّ أَي ليَنْضَمَّنَّ. قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: كلُّ شَيْءٍ تَامٍّ فَهُوَ مربَّع كَالْبَيْتِ والأَرض وَالدَّارِ وَالْبِسَاطِ لَهُ حُدُودٌ أَربع، فَإِذَا نقصَت مِنْهَا ناحيةٌ فَهُوَ أَزْوَرُ مُزَوّىً، قَالَ: وأَما الزَّوْءُ، بِالْهَمْزِ، فَإِنَّ الأَصمعي يَقُولُ زَوْءُ المَنِيّة مَا يَحْدُثُ مِنْ هَلَاكِ الْمَنِيَّةِ، والزَّوْءُ: الهَلاك. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: زَوُّ المِنيَّة أَحْداثُها؛ هَكَذَا عبَّر بِالْوَاحِدِ عَنِ الْجَمْعِ؛ قَالَ:
مِنِ ابْنِ مامَةَ كَعْبٍ ثُمَّ عَيَّ بِهِ ... زَوُّ المِنيَّة، إلا حَرَّة [حِرَّة] وقَدى
وَهَذَا الْبَيْتُ أَوْرَدَهُ الأَزهري والجوهري مُسْتَشْهِدًا بِهِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الأَعرابي الزوُّ الْقَدَرُ، يُقَالُ: قُضِي عَلَيْنَا وقُدِّرَ وحُمَّ وزُيَّ وزِيَّ؛ وَصُورَةُ إِيرَادِهِ:
وَلَا ابنُ مامَةَ كَعْب حِينَ عَيَّ بِهِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرْنَاهُ أَولًا.
مِنِ ابنِ مامَةَ كعبٍ ثُمَّ عيَّ بِهِ
. قَالَ: وَالْبَيْتُ لِمَامَة الإِيادي أَبي كَعْبٍ، كَذَا ذَكَرَهُ السِّيرَافِيُّ، وَقَبْلَهُ:
مَا كَانَ مِنْ سُوقَةٍ أَسْقَى عَلَى ظَمإٍ ... خَمْراً بماءٍ، إِذَا ناجُودُها بَرَدا
وَقَوْلُهُ: وَقِدًى مِثْلُ جَمَزَى أَي تتوقَّد؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ أَيضاً للأَسود بْنِ يَعْفُر:
فَيَا لَهَفَ نَفْسِي عَلَى مالِكٍ ... وَهَلْ يَنْفَعُ اللهفُ زَوَّ القَدَرْ؟
وأَنشد أَيضاً لمُتَمِّم بْنِ نُوَيْرة:
أَفبعدَ مَنْ ولدتْ بُسَيْبَة أَشْتَكي ... زَوَّ المَنِيَّة، أَو أُرى أَتَوَجَّع؟ «2»
. وَيُرْوَى: زَوَّ الْحَوَادِثِ، وَرَوَاهُ ابْنُ الأَعرابي بِغَيْرِ هَمْزٍ، وَهَمَزَهُ الأَصمعي. وزَوَاهُم الدَّهرُ أَي ذَهَبَ بِهِمْ؛ قَالَ بِشْرٌ:
فَقَدْ كَانَتْ لَنَا، ولهُنَّ حَتَّى ... زَوَتْها الحربُ، أَيامٌ قِصارُ
قَالَ: زَوَتها رَدَّتها. وَقَدْ زَوَوْهم أَي رَدُّوهم. وزَوَى اللهُ عَنِّي الشرَّ أَي صَرَفه. وزَوَيْت الشَّيْءَ
__________
(1) . قوله [عندي] في الصحاح: دوني
(2) . قوله [بسيبة] هكذا في الأصل(14/364)
عَنْ فُلَانٍ أَي نحَّيته. وَفِي حَدِيثِ
أَبي هُرَيْرَةَ أَن رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ إِذَا أَراد سَفَرًا أَمال براحِلَتِه ومدَّ إصْبَعَه وَقَالَ اللَّهُمَّ أَنتَ الصاحبُ فِي السَّفَرِ والخَلِيفَةُ فِي الأَهْلِ، اللَّهُمَّ اصْحَبْنا بنُصْحٍ واقْلِبْنا بذِمَّة، اللَّهُمَّ زَوِّ لَنا الأَرضَ وهَوِّنْ عَلَيْنَا السفَرَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعوذُ بكَ مِنْ وَعْثاء السَّفَر وكَآبةِ المُنْقَلَبِ.
ابْنُ الأَعرابي: زَوَى إِذَا عَدَلَ كَقَوْلِكَ زَوَى عَنْهُ كَذَا أَي عَدَلَه وصَرَفَه عَنْهُ، وزَوَى إِذَا قَبَض، وزَوَى جمَع، ومصدَرُه كلُّه الزَّيُّ. وَقَالَ: الزُّوِيُّ العدولُ مِنْ شَيْءٍ إِلَى شَيْءٍ، والزَّيُّ فِي حالِ التَّنْحيَة وَفِي حَالِ القَبْض. وَرُوِيَ
عَنْ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنه قَالَ لِلنَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَجِبْت لِمَا زَوَى اللهُ عنكَ مِنَ الدُّنْيَا
؛ قَالَ الْحَرْبِيُّ: مَعْنَاهُ لِمَا نُحِّيَ عنكَ وبُوعِدَ مِنْكَ، وَفِي حَدِيثِ
أُمّ مَعْبَدٍ:
فَيَا لِقُصَيٍّ، مَا زَوَى اللهُ عنكُم؟
الْمَعْنَى: أَيُّ شيءٍ نَحَّى اللهُ عَنْكُمْ مِنَ الْخَيْرِ والفَضْل، وَكَذَلِكَ
قَوْلُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَعطاني رَبِّي اثْنَتَيْنِ وزَوَى عنِّي وَاحِدَةً
أَي نَحَّاها وَلَمْ يُجِبْني إِلَيْهَا. وزَوَى عَنْهُ سِرَّهُ: طَوَاهُ. وزَاوِيَة الْبَيْتِ: رُكْنُه، وَالْجَمْعُ الزَّوَايا، وتَزَوَّى صَارَ فِيهَا. وَتَقُولُ: زَوَى فُلَانٌ المالَ عَنْ وارِثِه زَيّاً. والزَّوُّ: القَرِينانِ مِنَ السُّفُنِ وغيرِها. وَجَاءَ زَوًّا إِذَا جَاءَ هُوَ وصاحِبُه، وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِكُلِّ مفرَدٍ تَوٌّ وَلِكُلِّ زوجٍ زَوٌّ. وأَزْوَى الرجلُ إِذَا جَاءَ وَمَعَهُ آخَرُ. وزَوْزَيْته وزَوْزَيْت بِهِ إِذَا طَرَدْته. اللَّيْثُ: الزَّوْزاةُ شِبْهُ الطَّرْدِ والشَّلِّ، تَقُولُ: زَوْزَى بِهِ. أَبو عُبْيَدٍ: الزَّوْزاةُ مصدرُ قَوْلِكَ زَوْزَى الرجلُ يُزَوْزِي زَوْزاةً، وَهُوَ أَن ينصِب ظهْرَه ويُسْرع ويُقارِبَ الخَطْوَ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُ رُؤْبَةَ:
ناجٍ وَقَدْ زَوْزَى بِنَا زِيزاءَه
وَقَالَ آخَرُ:
مُزَوْزِياً لَمّا رَآهَا زَوْزَتِ
يَعْنِي نَعَامَةً ورَأْلَها، يَقُولُ: إِذَا رَآهَا أَسْرَعَتْ أَسْرَع مَعَهَا. وزَوْزَى: نصَبَ ظَهْرَه وقارَب خَطْوَه فِي سُرْعة. واسْتَوْزَى كزَوْزَى؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
ذَعَرْتُ بِهِ العَيْرَ مُسْتَوْزِياً، ... شَكِيرُ جَحافِلِه قَدْ كَتِنْ
وَقَوْلُ ابْنِ كَثْوة أَنشده ابْنُ جِنِّي:
وَلَّى نَعامُ بَني صَفْوانَ زَوْزَأَةً، ... لمَّا رأَى أَسداً فِي الغابِ قَدْ وَثَبا
إِنَّمَا أَراد زَوْزاةً، فأَبدل الهمزةَ مِنَ الأَلف اضْطِرَارًا. وَرَجُلٌ زُوازٍ وزُوازِيَة وزَوَنْزَى: قصيرٌ غَليظٌ؛ وَفِي التَّهْذِيبِ: غَلِيظٌ إِلَى القِصَر مَا هُوَ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
وبَعْلُها زَوَنَّكٌ زَوَنْزَى
وَقَالَ آخَرُ:
إِذَا الزَّوَنْزَى منهُم ذُو البُرْدَيْن ... رَماهُ سَوَّارُ الكَرَى فِي العَيْنَين
والزَّوَنْزَى: الَّذِي يَرى لنفْسِه مَا لَا يَراهُ غيرُه لَهُ. وَقَالَ: رجلٌ زَوَنْزَى ذُو أُبَّهَةٍ وكِبْرٍ، وَحَكَى ابْنُ جِنِّي: زَوَزَّى، وَقَالَ: هُوَ فَعَلَّل مِنْ مُضاعَفِ الْوَاوِ. أَبو تُرَابٍ: زَوَّرْتُ الكلامَ وزَوّيْتُه أَي هَيَّأْتُه فِي نَفْسِي. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ الله عنه: كنْتُ زَوَّيْتُ فِي نفْسي كَلَامًا
أَي جَمَعت وَالرِّوَايَةُ زَوَّرْتُ، بِالرَّاءِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي مَوْضِعِهِ. والزَّاوِيَة: مَوْضِعٌ بِالْبَصْرَةِ.(14/365)
والزَّايُ: حَرْفُ هِجَاءٍ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: يَنْبَغِي أَن تَكُونَ مُنْقَلِبَةً عَنْ وَاوٍ ولامُه ياءٌ، فَهُوَ مِنْ لَفْظِ زَوَيْت إِلَّا أَن عَيْنَهُ اعتلَّت وَسَلِمَتْ لَامُهُ، وَلَحِقَ بِبَابِ غايٍ وطايٍ ورايٍ وثايٍ وآيٍ فِي الشُّذُوذِ، لِاعْتِلَالِ عَيْنِهِ وَصِحَّةِ لَامِهِ، واعتلالُها أَنها مَتَى أُعربت فَقِيلَ هَذِهِ زايٌ حسَنة، وكتَبْت زَايًا صَغِيرَةً أَو نَحْوَ ذَلِكَ فَإِنَّهَا بَعْدَ ذَلِكَ مُلْحَقَةٌ فِي الإِعلال بِبَابِ رايٍ وَغَايٍ، لأَنه مَا دَامَ حرفَ هجاءٍ فأَلِفه غَيْرُ مُنْقلبة، قَالَ: وَلِهَذَا كَانَ عِنْدِي قولُهم فِي التَّهجِّي زَايٌ أَحْسَن مِنْ غايٍ وطايٍ لأَنه مَا دَامَ حَرْفًا فَهُوَ غيرُ مُتصرّف، وأَلِفُه غيرُ مَقْضِيّ عَلَيْهَا بِانْقِلَابٍ، وغايٌ وبابُه يتَصرف بالانْقلاب، وإعلالُ العينِ وتصحيحُ اللامِ جارٍ عَلَيْهِ مَعْروفٌ فِيهِ، وَلَوِ اشْتَقَقْت مِنْهَا فعَّلْت لقُلْت زَوَّيْت، قَالَ: وَهَذَا مَذْهَبُ أَبي عَلِيٍّ، وَمَنْ أَمالَها قَالَ زَيَّيْت زَايًا، فَإِنْ كسَّرْتها عَلَى أَفْعالٍ قلتَ أَزْوَاءٌ، وَعَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ أَزْيَاء، إِنْ صَحَّت إمالتُها، وَإِنْ كسَّرتَها عَلَى أَفْعُلٍ قُلْتَ أَزْوٍ وأَزْيٍ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ. وَقَالَ اللَّيْثُ: الزَّايُ وَالزَّاءُ لُغَتَانِ، وأَلفها تَرْجِعُ فِي التَّصْرِيفِ إِلَى الْيَاءِ وَتَصْغِيرُهَا زُيَيَّةٌ. وَيُقَالُ: زَوَّيْت زَايًا فِي لُغَةِ مَنْ يَقُولُ الزَّايَ، وَمَنْ قَالَ الزَّاءَ قَالَ زَيَّيْت كَمَا يُقَالُ يَيَّيْت يَاءً، ونظير زَوَّيْت كَوَّفْت كافاً. الْجَوْهَرِيُّ: الزَّايُ حرفٌ يُمَدُّ ويُقْصَرُ وَلَا يُكْتَبُ إِلَّا بياءٍ بَعْدَ الأَلف؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَوْلُهُ يُقْصَرُ أَي يُقَالُ زَيْ مِثْلُ كَيْ، ويُمَدُّ فيقال زَاي بالأَلف، وَتَقُولُ: هِيَ زايٌ فزَيِّها.
وَقَالَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: نُنْشِزُها، قَالَ: هِيَ زَايٌ فزَيِّها
أَي اقْرَأْها بِالزَّايِ. والزِّيُّ: اللِّباسُ والهَيْئَة، وأَصله زِوْيٌ، تَقُولُ مِنْهُ: زَيَّيْته، وَالْقِيَاسُ زَوَّيْتُه. وَيُقَالُ: الزِّيُّ الشارَةُ والهَيْئَةُ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
مَا أَنا بالبَصْرة بالبَصْرِيِّ، ... وَلَا شبِيه زِيُّهُم بِزِيِّي
وَقُرِئَ قَوْلُهُ تَعَالَى: هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وزِيّاً
؛ بِالزَّايِ وَالرَّاءِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: مَنْ قَرأ وزِيّاً فالزِّيُّ الْهَيْئَةُ والمَنْظر، وَالْعَرَبُ تَقُولُ قَدْ زَيَّيْتُ الجاريةَ أَي زَيَّنتُها وهَيَّأْتها. وَقَالَ اللَّيْثُ: يُقَالُ تَزَيَّا فُلَانٌ بزِيّ حَسَنٍ، وَقَدْ زَيَّيْته تَزِيَّةً. قَالَ ابْنُ بُزُرْج: قَالُوا مِنَ الزِّيِّ ازْدَيَيْت، افْتَعَلْت، وتَفَعَّلْت تَزَيَّيْت، وفَعِلْت زَيِيت مثلُ رَضِيت، قَالَ: وَالْعَرَبُ لَا تَقُولُ فِيهَا فَعِلْت إِلَّا شاذَّةً؛ قَالَ حَكِيمٌ الدِّيلي:
فلَمّا رَآنِي زَوَى وَجْهَهُ، ... وقَرَّبَ مِنْ حاجِبٍ حاجِبا
فَلَا بَرِحَ الزِّيُّ منْ وجْهِه، ... وَلَا زالَ رائِدُه جادِبا
الأُمَويّ: قِدْرٌ زُوَازِيَةٌ وَهِيَ الَّتِي تَضُمُّ الجَزُورَ. الأَصمعي: يُقَالُ قِدْرٌ زُوَزِيَةٌ وزُوَازِيَةٌ مِثَالُ عُلَبِطَةٍ وعُلابِطَةٍ للعَظِيمة الَّتِي تضُمُّ الجَزُور. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الَّذِي ذَكَرَهُ أَبو عُبَيْدٍ والقَزّازُ زُؤَزِئَةٌ، بهمزَتَين. الْجَوْهَرِيُّ: وزَوٌّ اسمُ جَبل بِالْعِرَاقِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: لَيْسَ بِالْعِرَاقِ جَبَلٌ يُسَمَّى زَوّاً، وَإِنَّمَا هُوَ سَمِعَ فِي شِعْرِ الْبُحْتُرِيِّ قَوْلَه يَمْدَحُ المُعْتَزَّ بِاللَّهِ حِينَ جَمَعَ مَرْكَبَيْنِ وشَحَنَهُما بالحَطَبِ وأَوْقَد فِيهِمَا نَاراً، ويُسمَّى ذَلِكَ بِالْعِرَاقِ زَوّاً فِي عِيدِ الفُرْسِ يُسَمَّى الصِّدْقَ «1» . فَقَالَ: وَلَا جَبَلًا كالزَّوِّ.
__________
(1) . قوله [الصدق] هكذا في الأَصل، وفي القاموس في سذق: السذق، محركة، ليلة الوقود، معرّب سذه(14/366)
زيا: الزِّيُّ: الهَيْئة مِنَ النَّاسِ، وَالْجَمْعُ أَزْياءٌ، وَقَدْ تَزَيَّا الرَّجلُ وزَيَّيْته تَزِيَّةً، وَجَعَلَهُ ابْنُ جِنِّي مِنْ زَوَى، وأَصله عِنْدَهُ تَزَوْيا فَقُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً لِتَقَدُّمِهَا بِالسُّكُونِ وأُدغمت وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قبلها. والزَّيُّ والزَّايُ: حَرْفُ سكونٍ، وَهُوَ حَرْفٌ مَهْمُوسٌ يَكُونُ أَصلًا وَبَدَلًا؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
يخُطُّ لامَ أَلِفٍ مَوْصولِ، ... والزَّيَّ والرَّا أَيَّمَا تَهْلِيلِ
قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُول زَيْ بمَنْزِلة كَيْ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ زَاي فيجعَلُها بزِنَةِ وَاوٍ، فَهِيَ عَلَى هَذَا مِنْ زَوَى؛ قَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: مِنْ قَالَ زَيْ وأَجْراها مُجْرى كَيْ فَإِنَّهُ لَوِ اشتقَّ مِنْهَا فَعَلْت كمَّلَها اسْمًا فَزَادَ عَلَى الْيَاءِ يَاءً أُخرى، كَمَا أَنه إِذَا سمَّى رجُلًا بكَيْ ثَقَّل الياءَ فَقَالَ هَذَا كَيٌّ، فَكَذَلِكَ تَقُولُ أَيضاً زَيٌّ، ثُمَّ تَقُولُ زَيَّيْت كَمَا تَقُولُ مِنْ حَيْت «2» حَيَّيْت؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: فَإِنْ قُلْتَ إِذَا كَانَتِ الياءُ مِنْ زَيْ فِي مَوْضِعِ الْعَيْنِ فَهلَّا زَعَمْت أَن الأَلف مِنْ زَايٍ ياءٌ لِوُجُودِكَ الْعَيْنَ مِنْ زَيْ يَاءً؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ ارْتِكَابَ هَذَا خطأٌ مِنْ قِبَل أَنك لَوْ ذَهَبْتَ إِلَى هَذَا لَحَكَمْتَ بأَنَّ زَيْ محذوفةٌ مِنْ زايٍ، وَالْحَذْفُ ضَرْبٌ مِنَ التَّصَرُّفِ، وَهَذِهِ الْحُرُوفُ جَوَامِدُ لَا تَصَرُّفَ فِي شيءٍ مِنْهَا، وأَيضاً فَلَوْ كَانَتِ الأَلف مِنْ زَايٍ هِيَ الْيَاءُ فِي زِيٍّ لَكَانَتْ مُنْقَلِبَةً، وَالِانْقِلَابُ فِي الْحُرُوفِ مفقود غير موجود.
فصل السين المهملة
سأي: سَأَيْت الثوبَ والجلدَ أَسْآهُ سَأْياً: مَدَدْته فانشقَّ، وسَأَوْته كَذَلِكَ. والسَّأْيُ: داءٌ فِي طَرَف خِلْفِ النَّاقَةِ. وسِئَةُ الْقَوْسِ وسُؤَتُها: طَرَفها الْمَعْطُوفُ المُعَرْقَب. وأَسْأَيْت القوسَ: جَعَلْت لَهَا سِئَة، وَجَمْعُ سِئَةٍ سِئات؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
قياسُ نَبْعٍ عاجَ مِن سِئَاتها
وَتَرْكُ الْهَمْزِ فِي سِئَةِ الْقَوْسِ أَعْلى، وَهُوَ الأَكثر. قَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: لَمْ يَهْمِزْهَا إِلَّا رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجَّاجِ.
والسَّأْوُ: الوَطَن؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
كأَنَّنِي مِنْ هَوَى خَرْقاءَ مُطَّرَفٌ ... دَامِي الأَظَلِّ، بَعِيدُ السَّأْوِ مَهْيُوم
والسَّأْوُ: الهِمَّة. يُقَالُ: فُلَانٌ بَعيد السَّأوِ أَي بَعِيدُ الهِمَّةِ، وأَنشد أَيضاً بَيْتَ ذِي الرُّمَّةِ. قَالَ: وَفَسَّرَهُ فَقَالَ يَعني هَمَّه الَّذِي تُنازِعُه نفسُه إِلَيْهِ، وَيُرْوَى هَذَا الْبَيْتُ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ مِنَ الشَّأْوِ، وَهُوَ الْغَايَةُ والسَّأْوُ بُعدُ الهَمِّ والنِّزاع، يُقَالُ: إنكَ لذُو سَأْوٍ بَعِيدٍ أَي لَبَعيد الهَمِّ. والسَّأْوُ: النِّيَّة والطِّيَّة. وسَأَوْتُ بَيْنَ الْقَوْمِ سَأواً أَي أَفْسَدت. وَسَآهُ الأَمْرُ: كَساءَه، مَقْلُوبٌ عَنْ ساءَه؛ حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ؛ وأَنشد لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ:
لَقَدْ لَقِيَت قُرَيْظَة مَا سَآها، ... وحَلَّ بدارِها ذُلٌّ ذَليل
وأَكْرَهُ مسائِيَكَ، قَالَ: وَإِنَّمَا جُمِعَت المَساءَة ثُمَّ قُلِبت فكأَنه جَمْعُ مَسْآة مِثْلُ مَسْعاة. وَيُقَالُ: سَأَوته بمعنى سُؤْته.
سبي: السَّبْيُ والسِّباءُ: الأَسْر مَعْرُوفٌ. سَبَى العدوَّ وغيرَه سَبْياً وسِباءً إِذَا أَسَرَه، فَهُوَ سَبِيٌّ، وَكَذَلِكَ الأُنثى بِغَيْرِ هاءٍ مِنْ نِسْوة سَبايا. الْجَوْهَرِيُّ: السَّبِيَّة المرأَةُ تُسْبى. ابْنُ الأَعرابي: سَبَى غَيْرُ مَهْمُوزٍ إِذَا مَلَك، وسَبَى إِذَا تمَتَّع بِجَارِيَتِهِ شَبابَها كلَّه، وسَبَى إِذَا استَخْفَى، واسْتَبَاهُ كَسَباه.
__________
(2) . قوله [من حيت] هكذا في الأَصل.(14/367)
والسَّبْيُ: المَسْبِيُّ، وَالْجَمْعُ سُبِيٌّ؛ قَالَ:
وأَفَأْنا السُّبِيَّ مِنْ كلِّ حَيّ، ... وأَقَمْنا كَراكِراً وكُروشَا
والسِّبَاءُ والسَّبْيُ: الِاسْمُ. وتَسَابَى القومُ إِذَا سَبَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا. يُقَالُ: هؤُلاء سَبْيٌ كَثِيرٌ، وَقَدْ سَبَيْتهم سَبْياً وسِباءً، وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ السَّبْيِ والسَّبِيَّة والسَّبايا، ف السَّبْيُ: النَّهْبُ وأَخْذُ الناسِ عَبيداً وَإِمَاءً، والسَّبِيَّة: المرأَة المَنْهوبة، فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: إنَّ الليلَ لَطويلٌ «1» وَلَا أُسْبَ لَهُ وَلَا أُسْبِيَ لَهُ؛ الأَخيرة عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، قَالَ: وَمَعْنَاهُ الدُّعاءُ أَي أَنه كالسَّبيِ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: لَيْسَ لَهُ هَمٌّ فأَكون كالسَّبيِ لَهُ، وجُزِمَ عَلَى مَذْهَبِ الدُّعَاءِ، وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: لَا أُسْبَ لَهُ لَا أَكونُ سَبْياً لبَلائِه. وسَبَى الخَمْرَ يَسْبِيها سَبْياً وسِباءً واسْتَبَاها: حَمَلَها مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ وجاءَ بِهَا مِنْ أَرض إِلَى أَرض، فَهِيَ سَبِيَّة؛ قَالَ أَبو ذؤَيب:
فَمَا إنْ رَحيقٌ سَبَتْها التِّجارُ ... مِنْ أَذْرِعاتٍ فَوادِي جَدَرْ
وأَما إِذَا اشْتَرَيْتَها لتَشْربَها فتقولُ: سَبَأْت بِالْهَمْزِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْهَمْزِ؛ وأَما قَوْلُ أَبي ذُؤَيب:
فَمَا الرَّاحُ راحُ الشَّامِ جاءَت سَبِيَّة
وَمَا أَشبهه، فَإِنْ لَمْ تَهْمِزْ كَانَ الْمَعْنَى فِيهِ الجَلْبَ، وَإِنْ هَمَزْتَ كَانَ الْمَعْنَى فِيهِ الشِّراءَ. وسَبَيْت قلْبَه واسْتَبَيْته: فَتَنْته، والجاريةُ تَسْبِي قَلْبَ الفَتى وتَسْتَبِيهِ، والمرأَةُ تَسْبِي قلبَ الرجلِ. وَفِي نَوَادِرِ الأَعراب: تَسَبَّى فُلَانٌ لِفُلَانٍ ففَعل بِهِ كَذَا يَعْنِي التَّحَبُّبَ والاستِمالةَ، والسَّبْيُ يَقَعُ عَلَى النِّسَاءِ خاصَّة، إمَّا لأَنَّهنَّ يَسْبِينَ الأَفْئدَةَ، وإمَّا لأَنَّهنَّ يُسْبَيْنَ فيُمْلَكْنَ وَلَا يُقَالُ ذَلِكَ لِلرِّجَالِ. وَيُقَالُ: سَبَى طيبُهُ «2» إِذَا طابَ مِلْكُه وحَلَّ. وسَبَاه اللَّهُ يَسْبِيه سَبْياً: لَعَنَه وغَرَّبَه وأَبْعَدَه اللَّهُ كَمَا تَقُولُ لَعَنَهُ اللهُ. وَيُقَالُ: مَا لَه سَبَاهُ اللَّهُ أَي غَرَّبه، وسَبَاهُ إِذَا لَعَنَهُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:
فَقَالَتْ: سَبَاكَ اللهُ إنَّكَ فاضِحي
أَي أَبْعَدَك وغَرَّبك؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الْآخَرِ:
يَفُضُّ الطَّلْحَ والشِّرْيانَ هَضّاً، ... وعُودَ النَّبْعِ مُجْتَلَباً سَبِيَّا
وَمِنْهُ السَّبْيُ لأَنه يُغَرَّب عَنْ وَطَنِه، وَالْمَعْنَى متَقارِب لأَن اللَّعْن إبْعاد. شَمِرٌ: يُقَالُ سَلَّط اللهُ عَلَيكَ مَنْ يَسْبِيكَ وَيَكُونُ أَخَذَكَ اللَّهُ. وجَاءَ السيلُ بعُودٍ سَبِيٍّ إِذَا احْتَمَلَه مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ، وَقِيلَ: جَاءَ بِهِ مِنْ مكانٍ غَرِيبٍ فكأَنه غَرِيب؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ يَصِفُ يَرَاعًا:
سَبِيٌّ مِنْ يَرَاعَتِهِ نَفَاه ... أَتِيٌّ مَدَّهُ صُحَرٌ ولُوبُ
ابْنُ الأَعرابي: السَّبَاءُ العُودُ الَّذِي تَحْمِلُه مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ، قَالَ: وَمِنْهُ السِّبَا، يُمَدُّ ويُقْصر. والسَّابِيَاءُ: الماءُ الكثيرُ الَّذِي يَخْرُجُ عَلَى رَأْسِ الوَلَدِ لأَن الشيءَ قَدْ يُسَمَّى بِمَا يَكُونُ مِنه. والسَّابِيَاءُ: ترابٌ رَقِيقٌ يُخْرِجُه اليَرْبُوع مِنْ جُحْرِه، يُشَبَّه بِسَابِيَاء الناقَةِ لرِقَّتِه؛ وَقَالَ أَبو الْعَبَّاسِ الْمُبَرِّدِ: هُوَ مِنْ جِحَرَتِهِ «3» . قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ
__________
(1) . قوله [إن الليل لطويل إلخ] عبارة الأَساس: ويقولون طال عليَّ الليل وَلَا أُسْبَ لَهُ وَلَا أُسْبِيَ له، دعاء لنفسه بأن لا يقاسي فيه من الشدة ما يكون بسببه مثل المسبي لليل
(2) . قوله [سبى طيبه] هكذا في الأَصل.
(3) . قوله [هو من جحرته] أي هو بعض جحرته، وسيأتي بيان المقام بعد(14/368)
رُدّ ذَلِكَ عَلَيْهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
تِسْعَةُ أعْشِرَاءِ البَرَكة فِي التِّجَارَةِ وعشرٌ فِي السَّابِياءِ
، وَالْجَمْعُ السَّوَابِي؛ يُرِيدُ بِالْحَدِيثِ النّتاجَ فِي الْمَوَاشِي وكثْرَتَها. يُقَالُ: إِنَّ لِبَنِي فُلَانٍ سَابِيَاءَ أَي مَوَاشِيَ كَثِيرَةً، وَهِيَ فِي الأَصل الْجِلْدَةُ الَّتِي يَخْرُجُ فِيهَا الْوَلَدُ، وَقِيلَ: هِيَ المَشِيمة. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ لِظَبْيانَ مَا مَالُكَ؟ قَالَ: عَطائي أَلْفان، قَالَ: اتّخِذْ مِنْ هَذا الحَرْث والسَّابِيَاءَ قبلَ أَن تَلِيَكِ غِلْمَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ لَا تَعُدُّ العَطاءَ معَهُم مَالًا
؛ يُرِيدُ الزِّراعة والنِّتاجَ. وَقَالَ الأَصمعي والأَحمر: السَّابِيَاءُ هُوَ الماءُ الَّذِي يَخْرُج عَلَى رَأْسِ الولَدِ إِذَا وُلِد، وَقِيلَ: السَّابِيَاءُ المَشِيمة الَّتِي تَخْرُج مَعَ الْوَلَدِ، وَقَالَ هُشَيم: مَعَنَى السَّابِيَاء فِي الْحَدِيثِ النِّتَاجُ. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الأَصل فِي السَّابِيَاء مَا قَالَ الأَصمعي، وَالْمَعْنَى يَرْجِعُ إِلَى مَا قَالَ هُشَيْم. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: إِنَّهُ قِيلَ لِلنِّتَاجِ السَّابِيَاءُ لِمَا يخرُج منَ الْمَاءِ عِنْدَ النِّتَاجِ عَلَى رَأْس الْمَوْلُودِ. وَقَالَ اللَّيْثُ: إِذَا كَثُرَ نَسلُ الغَنَم سُمِّيَت السَّابِيَاءَ فيقعُ اسمُ السَّابِيَاءِ عَلَى الْمَالِ الْكَثِيرِ وَالْعَدَدِ الْكَثِيرِ؛ وأَنشد:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ بَنِي السَّابِياء، ... إِذَا قارَعُوا نَهْنَهُوا الجُهَّلا؟
وَبَنُو فُلَانٍ تَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَابِيَاءُ مِنْ مَالِهِم. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ إِنَّهُ لَذُو سابِياءَ، وَهِيَ الإِبلُ وَكَثْرَةُ الْمَالِ وَالرِّجَالِ. وَقَالَ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْبَيْتِ: إِنَّهُ وَصَفَهُمْ بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ. والسَّبِيُّ: جِلْد الحَيّة الَّذِي تَسْلُخُه؛ قَالَ كُثَيِّرٌ:
يُجَرِّدُ سِرْبالًا عَلَيه، كأَنَّه ... سَبِيُّ هِلالٍ لَمْ تُفَتّق بنَائِقُهْ
وَفِي رِوَايَةٍ: لَمْ تُقَطَّعْ شَرانِقُهْ، وأَراد بالشَّرانِقِ مَا انْسَلَخَ مِنْ جِلْدِهِ. والإِسْبَة «1» . والإِسْبَاءَةُ: الطَّرِيقَةُ مِنَ الدَّمِ. والأَسابيُّ: الطُّرق مِنَ الدَّمِ. وأَسَابيُّ الدِّمَاءِ: طَرائِقُها؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
فقامَ يَجُرُّ مِنْ عَجَلٍ، إلَيْنا ... أَسَابِيَّ النُّعاسِ مَعَ الإِزارِ
وَقَالَ سَلامة بْنُ جَنْدَل يَذْكُرُ الْخَيْلَ:
والعادِياتِ أَسَابِيُّ الدِّماءِ بِهَا، ... كأَنَّ أَعْناقَها أنْصابُ تَرْجيبِ
وَفِي رِوَايَةٍ: أَسابِيُّ الدِّياتِ؛ قَوْلُهُ: أَنصاب يُحْتَمَلُ أَن يُرِيدَ بِهِ جَمعَ النُّصُب الَّذِي كَانُوا يَعْبُدُونَهُ ويُرَجِّبُونَ لَهُ العَتائِرَ، وَيُحْتَمَلُ أَن يُرِيدَ بِهِ مَا نُصِبَ مِنَ العُود والنَّخْلة الرُّجَبِيَّة، وَقِيلَ: واحدتُها أُسْبِيَّة. والإِسْبَاءَة أَيضاً: خيطٌ مِنَ الشَّعر مُمْتَدٌّ. وأَسَابِيُّ الطَّرِيقِ: شَوْكُه. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: والسَّابِيَاءُ أَيضاً بيتُ اليَرْبُوع فِيمَا ذَكَرَهُ أَبو الْعَبَّاسِ الْمُبَرِّدُ، قَالَ: وَهُوَ مُسْتَعَارٌ مِنَ السَّابِيَاءِ الَّذِي يخرُج فِيهِ الْمَوْلُودُ، وَهُوَ جُلَيْدَة رَقِيقَةٌ لأَن الْيَرْبُوعَ لَا يُنْفِذُه بَلْ يُبْقِي مِنْهُ هَنَةً لَا تَنْفُذ، قَالَ: وَهَذَا مِمَّا غَلَّط الناسُ فِيهِ قَدِيماً أَبا الْعَبَّاسِ وعَلِمُوا مِنْ أَينَ أُتِيَ فِيهِ، وَهُوَ أَنَّ الفَرّاء ذَكَرَ بعدَ جِحَرَة اليَرْبوع السَّابِياءَ فِي كِتَابِ الْمَقْصُورِ وَالْمَمْدُودِ فظَنَّ أَن الْفَرَّاءَ جَعَل السَّابِيَاءَ مِنْهَا وَلَمْ يُرِدْ ذَلِكَ؛ قَالَ: وأَيضاً فَلَيْسَ السَّابِيَاء الَّذِي يخرُج فِيهِ الْمَوْلُودُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ الغِرْس، وأَما السَّابِياءُ فَرِجْرِجَة فِيهَا مَاءٌ وَلَوْ كَانَ فِيهَا المولودُ لَغَرَّقَه الماءُ. وسَبَى الماءَ: حَفَر حَتَّى أَدركه؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
__________
(1) . قوله [والإِسْبَة إلخ] هكذا في الأصل(14/369)
حَتَّى اسْتفاضَ الماءُ يَسْبِيه السَّابْ
وسَبَأُ: حيٌّ مِنَ اليَمَن، يُجْعَل اسْمًا للحَيِّ فيُصرفُ، وَاسْمًا للقَبيلة فَلَا يُصْرف. وَقَالُوا للمُتَفَرِّقينَ: ذَهَبُوا أَيْدِي سَبَأَ وأَيادِي سَبَأَ أَي مُتَفَرِّقينَ، وَهُمَا اسْمَانِ جُعِلا اسْمًا وَاحِدًا مِثْلَ مَعديكرب، وَهُوَ مَصْرُوفٌ لأَنه لَا يقع إلا حالا، أَضَفْتَ أَو لَمْ تُضِفْ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَشَاهِدُ الإِضافة قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:
فَيَا لَكِ مِنْ دارٍ تَحَمَّلَ أَهْلُها ... أيادِي سَبَا بَعْدِي، وطالَ اجْتِنابُها
قَالَ: وَقَوْلُهُ، وَهُوَ مَصْرُوفٌ لأَنه لَا يقع إلا حالا أَضفت أَو لَمْ تُضِفْ، كَلَامٌ مُتَنَاقِضٌ، لأَنه إِذَا لَمْ تُضِفْه فَهُوَ مُرَكَّبٌ، وَإِذَا كَانَ مُرَكباً لَمْ ينَوّن وَكَانَ مَبْنِيًّا عِنْدَ سِيبَوَيْهِ مِثْلَ شَغَرَ بَغَرَ وبَيْتَ بَيْتَ مِنَ الأَسماء الْمُرَكَّبَةِ الْمَبْنِيَّةِ مِثْلَ خَمْسةَ عَشَر، وليس بمَنْزِلَة مَعْدِيكَرِبَ لأَن هَذَا الصِّنْفَ مِنَ الْمُرَكَّبِ المُعْرَب، فَإِنْ جَعَلْتَهُ مثلَ مَعْدِيكَرِبَ وحَضْرَمَوْت فَهُوَ مُعْرَب إِلَّا أَنه غَيْرُ مَصْرُوفٍ لِلتَّرْكِيبِ وَالتَّعْرِيفِ، قَالَ: وَقَوْلُهُ أَيضاً فِي إِيجَابِ صَرْفِهِ إِنَّهُ حَالٌ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لأَن الاسْمَين جَمِيعًا فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَلَيْسَ كَوْنُ الِاسْمِ الْمُرَكَّبِ إِذَا جُعِلَ حَالًا مِمَّا يُوجِبُ لَهُ الصَّرْفَ. الأَزهري: والسّبِيَّة اسمُ رَمْلَةٍ بالدَّهناء. والسَّبِيَّة: دُرَّة يُخْرِجُها الغَوَّاص مِنَ الْبَحْرِ؛ وَقَالَ مُزَاحِمٌ:
بَدَتْ حُسَّراً لَمْ تَحْتَجِبْ، أَو سَبِيَّة ... مِنَ الْبَحْرِ، بَزَّ القُفْلَ عَنْهَا مُفِيدُها
ستي: سَدى الثَّوْبَ يَسْديه وسَتاه يَسْتِيه؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
عَلَى عَلاةِ الأَمَةِ العَطُورِ ... تُصْبِحُ بَعْدَ العَرَق المَعْصُورِ
«1» كَدْراءَ مثلَ كُدْرَةِ اليَعْفُورِ، ... يَقُولُ قطْرَاها لقطْرٍ سِيري
ويدُها للرِّجْلِ مِنْهَا سُوري، ... بِهَذِهِ اسْتي، وَبِهَذِي نِيري
وَيُقَالُ: مَا أَنت بلُحْمةٍ وَلَا سَداةٍ وَلَا سَتاةٍ؛ يُضْرَبُ لِمَنْ لَا يضُر وَلَا يَنْفَعُ. الأَصمعي: الأُسْديُّ والأُسْتِيُّ سَدَى الثَّوْبِ. ابْنُ شُمَيْلٍ: أَسْتَى وأَسْدى ضدُّ أَلحَمَ. أَبو الْهَيْثَمِ: الأُسْتِيُّ الثَّوْبُ المُسَدَّى، وَقَالَ غَيْرُهُ: الأُسْتِيُّ الَّذِي يُسَمِّيهِ النَّسَّاجون السَّتى وَهُوَ الَّذِي يُرْفع ثُمَّ تُدْخل الخيوطُ بَيْنَ الخيوطِ، وَذَلِكَ الأُسْتِيُّ والنِّيرُ؛ وَقَوْلُ الحطَيْئة:
مُسْتَهْلِكُ الوِرْدِ كالأُسْتِيِّ إِذْ جعلتْ
قَالَ: وَهَذَا مِثْلُ قولِ الرَّاعِي:
كَأَنَّهُ مُسْحَلٌ بالنِّيرِ مَنْشُورُ
وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: أَسْتَيْتُ الثوبَ بسَتاهُ وأَسْدَيْتُه؛ وَقَالَ الحُطَيئة يَذْكُرُ طَرِيقًا:
مُسْتَهْلِكُ الوِرْدِ، كالأُسْتِيّ، قَدْ جَعلتْ ... أَيدي المَطيِّ بِهِ عادِيَّةً رُكُبا
وَقَالَ الشَّمَّاخُ:
عَلَى أَن للْمَيْلاءِ أَطْلالَ دِمْنةٍ، ... بأسْقُفَ تُسْتِيها الصَّبا وتُنِيرُها
وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: السَّتَى والأُسْتِيُّ خِلَافُ لُحْمةِ الثَّوْبِ كالسَّدى والأُسْديّ. وسَتَيْته: كسَديْتُه، أَلف كُلِّ ذَلِكَ ياءٌ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: السَّتى، قصرٌ، لُغَةٌ فِي سَدى الثَّوْبِ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
رُبَّ خَلِيلٍ لِي مَليحٍ رِدْيَتُهْ، ... عَلَيْهِ سِرْبالٌ شديدٌ صُفْرَتُهْ،
__________
(1) . قوله [العطور] هكذا في الأصل، ولعله العظور بالظاء المعجمة.(14/370)
سَتاهُ قزٌّ وحريرٌ لُحْمتُهْ
أَبو زَيْدٍ: سَتاةُ الثوبِ وسَداةُ الثَّوْبِ بِمَعْنًى. أَبو عُبَيْدَةَ: اسْتاتَتِ الناقةُ اسْتِيتَاءً إذا اسْتَرْخَت من الضّبعة؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَلَيْسَ هَذَا مِنْ هَذَا الْفَصْلِ، وحقُّه أَن يُذْكر فِي فَصْلِ أَتى لأَن وَزْنَهُ اسْتَفْعَلت، والأَصل فِيهِ الْهَمْزُ فَتُرِكَ الْهَمْزُ، ويقوِّي أَنه مِنْ أَتى رِوَايَةُ مَنْ رَوَى الْهَمْزَ فِيهَا فَقَالَ اسْتأْتَت استِئتاءً، قَالَ: وَلَوْ كَانَ افتَعلَت مِنَ السَّتى لَقَالَ فِي فِعْلِهَا استَتَتِ الناقةُ وَفِي مَصْدَرِهَا اسْتِتاءً. وَالسَّتَى والسَّدى: الْبَلَحُ. ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ سَتَى وسَدى لِلْبَعِيرِ إِذَا أَسرع، قَالَ: وَقَدْ مَضَى تَفْسِيرُ الاسْتِ فِي بَابِ الْهَاءِ وبيَّن عِلَلَها. ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ ساتاهُ إِذَا لَعِبَ مَعَهُ الشّفَلّقَة، وتاساهُ إِذَا آذَاهُ واسْتَخَفّ به.
سجا: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى
؛ مَعْنَاهُ سَكَن وَدَامَ؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: إِذَا أَظلم ورَكَد فِي طُوله كَمَا يُقَالُ بحرٌ ساجٍ وَلَيْلٌ ساجٍ إِذَا رَكَدَ وأَظلم، وَمَعْنَى رَكَدَ سَكَنَ. ابْنُ الأَعرابي: سَجا امْتَدَّ بظلامِهِ، وَمِنْهُ الْبَحْرُ السَّاجِي؛ قَالَ الأَعشى:
فَمَا ذَنْبُنا أَن جاشَ بحرُ ابْنُ عَمِّكُمْ، ... وبحرُك ساجٍ لَا يُوَارِي الدَّعامِصا؟
وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: وَلَا لَيْلٍ داجٍ وَلَا بحْر سَاجٍ
أَي سَاكِنٍ. الزَّجَّاجُ: سَجا سَكَنَ؛ وأَنشد لِلْحَارِثِيِّ:
يَا حبَّذا القمراءُ والليلُ السَّاجْ، ... وطُرُقٌ مثلُ مُلاء النَّسَّاجْ
وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِآخَرَ:
أَلا اسْلَمي اليومَ، ذاتَ الطَّوْقِ والعاجِ، ... والجِيدِ والنَّظَرِ المُسْتأْنِسِ السَّاجي
مَعْمَرٌ: وَاللَّيْلِ إِذا سَجى
إِذَا سَكن بالناسِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: إِذَا لَبِسَ الناسَ إِذَا جاءَ. الأَصمعي: سُجُوّ اللَّيْلِ تَغْطِيَتُهُ لِلنَّهَارِ مِثْلَ مَا يُسَجَّى الرَّجُلُ بِالثَّوْبِ. وسَجا البحرُ وأَسْجَى إِذَا سكَنَ. وسَجا الليلُ وغيرُه يَسْجُو سُجُوّاً وسَجْواً: سكَن وَدَامَ. وليلةٌ ساجِيَةٌ إِذَا كَانَتْ ساكِنَة البرْدِ والرِّيحِ والسَّحاب غَيْرُ مُظْلِمَة. وسَجا البحرُ سَجْواً: سكَن تموُّجُه. وامرأَةٌ سَاجِيَةٌ: فاتِرَة الطَّرْفِ. اللَّيْثُ: عينٌ سَاجِيَةٌ: فاتِرَةُ النَّظَرِ، يَعْتَري الحُسْنَ فِي النِّسَاءِ «1» . وامرأَةٌ سَجْوَاءُ الطّرْفِ وساجِيَةُ الطَّرْفِ: فاتِرة الطّرفِ ساكِنَته. وطرْفٌ ساجٍ أَي ساكِنٌ. وَنَاقَةٌ سَجْوَاءُ: ساكنِةٌ عِنْدَ الحَلْبِ؛ قَالَ:
فَمَا بَرِحَتْ سَجْوَاءَ حَتَّى كأَنما ... تُغادِرُ، بالزِّيزاءِ، بُرْساً مُقَطَّعا
شَبَّهَ مَا تساقطَ مِنَ اللَّبَنِ عَنِ الإِناء بِهِ، وَقِيلَ ناقةٌ سَجْوَاءُ مطمئنَّة الوبَر. وَنَاقَةٌ سَجْوَاءُ إِذَا حُلِبَت سَكَنَت، وَكَذَلِكَ السَّجْواءُ فِي النَّظَرِ والطرْفِ. وشاةٌ سَجْوَاءُ: مُطَمْئِنَةُ الصُّوفِ. وسَجَّى الميتَ: غَطّاه. وسَجَّيْت الْمَيِّتَ تَسْجِيَةً إِذَا مدَدْت عَلَيْهِ ثَوْبًا. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَمَّا مَاتَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، سُجِّيَ ببُرْدِ حِبَرَةٍ
أَي غُطِّيَ. والمتَسَجِّي: المتغطِّي مِنَ اللَّيْلِ السَّاجِي لأَنه يغطِّي بِظَلَامِهِ وَسُكُونِهِ. وَفِي حَدِيثِ
مُوسَى وَالْخَضِرِ، عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: فرأَى رَجُلًا مُسَجّىً بِثَوْبٍ.
ابْنُ الأَعرابي: سَجا يَسْجُو سَجْواً وسَجَّى يُسَجِّي وأَسْجَى يُسْجِي كُلُّهُ: غطَّى شَيْئًا مَا. والتَّسْجِيَةُ: أَن يُسَجَّى الميتُ بِثَوْبٍ أَيْ يُغَطَّى بِهِ؛ وَأَنْشَدَ فِي صِفَةِ الرِّيحِ:
وَإِنْ سَجَت أَعْقَبَها صَباها
__________
(1) . قوله: يَعْتَرِي الْحُسْنَ فِي النِّسَاءِ؛ هكذا في الأَصل(14/371)
أَي سَكَنَتْ. أَبو زَيْدٍ: أَتانا بِطَعَامٍ فَمَا سَاجَيْناه أَي مَا مَسِسْناه. وَيُقَالُ: هَلْ تُسَاجِي ضَيْعةً؟ أَي هَلْ تُعالِجُها؟ والسَّجِيَّة: الطَّبِيعَةُ والخُلقُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
كانَ خُلُقُه سَجِيَّةً
أَي طَبِيعَةً مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ. ابْنُ بُزُرج: مَا كَانَتْ البِئرُ سَجْوَاء وَلَقَدْ أَسْجَتْ، وَكَذَلِكَ الناقةُ أَسْجَتْ فِي الغَزارة فِي اللَّبنِ، وَمَا كَانَتِ البئرُ عَضُوضاً وَلَقَدْ أَعَضَّتْ. وسَجَا: مَوْضِعٌ: أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
قَدْ لَحِقَتْ أُمُّ جَميلٍ بسَجَا، ... خَوْدٌ تُرَوِّي بالخَلوقِ الدُّمْلُجا
وَقِيلَ: سَجَا، بِالسِّينِ وَالْجِيمِ، اسْمُ بئرٍ ذَكَرَهَا الأَزهري فِي تَرْجَمَةِ شَحَا. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وسَجَا اسْمُ ماءَةٍ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
سَاقِي سَجا يَمِيدُ مَيْدَ المَخْمُورْ، ... ليسَ عَلَيْهَا عاجزٌ بمَعْذُورْ،
ولا أَخو جَلادَةٍ بمَذْكُورْ «2» .
سحا: سَحَوْتُ الطِّينَ عَنْ وجْهِ الأَرض وسَحَيْته إِذَا جَرَفْته. وسَحَا الطِّينَ بالمِسْحاة عَنِ الأَرض يَسْحُوه ويَسْحِيه ويَسْحاه سَحْواً وسَحْياً: قَشَره، وأَنا أَسْحَاه وأَسْحُوه وأَسْحِيه، ثلاثُ لُغَاتٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَبو زَيْدٍ أَسْحِيه. والمِسْحَاة الْآلَةُ الَّتِي يُسْحَى بِهَا. ومُتَّخِذ المَسَاحِي السَحَّاءُ، وحِرْفَتُه السِّحَايَةُ؛ وَاسْتَعَارَهُ رُؤْبَةُ لِحَوَافِرِ الحُمُر فَقَالَ:
سَوَّى مَسَاحِيهِنَّ تَقْطِيطَ الحُقَقْ
فسمَّى سَنابكَ الحُمُر مَساحِيَ لأَنها يُسْحَى بِهَا الأَرضُ. والمِسْحَاة: المِجْرَفة إِلَّا أَنها مِنْ حَدِيدٍ، وَفِي حَدِيثِ خَيْبَرَ:
فَخَرَجُوا بمسَاحِيهِم
؛ المَسَاحِي جَمْعُ مِسْحَاة وَهِيَ المِجرفة مِنَ الْحَدِيدِ، وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ لأَنه مِنَ السَّحْو الكَشْف والإِزالة. وسَحَى القِرْطاس والشَّحْمَ واسْتَحَى اللحمَ: قَشَرة؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. وكلُّ مَا قُشِرَ عن شيء سِحايَةٌ. وسَحْوُ الشَّحمِ عَنِ الإِهاب: قَشْرُه، وَمَا قُشِرَ عَنْهُ سِحاءَة كسِحاءَةِ النَّواةِ وسِحاءَة الْقِرْطَاسِ. والسَّحا والسَّحاة والسِّحاءَةُ والسِّحاية: مَا انْقَشَر مِنَ الشَّيْءِ كسِحاءَةِ النَّواة وَالْقِرْطَاسِ. وسيلٌ ساحِيةٌ: يَقْشِرُ كلُّ شَيْءٍ ويجرُفه، الْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأُرى اللِّحْيَانِيُّ حَكَى سَحَيْت الجَمْرَ جَرَفْته، وَالْمَعْرُوفَ سخَيْت بِالْخَاءِ. وَمَا فِي السَّمَاءِ سِحاءَةٌ مِنْ سَحَابٍ أَي قِشْرة عَلَى التَّشْبِيهِ أَي غَيمٌ رَقِيقٌ. وسِحايَة القِرْطاس وسِحَاءته، مَمْدُودٌ، وسَحاتُه: مَا أُخِذَ مِنْهُ؛ الأَخيرة عَنِ اللِّحْيَانِيُّ. وسَحا مِنَ القِرْطاس: أَخذ مِنْهُ شَيْئًا. وسَحَا القِرْطاسَ سَحْواً وسَحّاه: أَخذ مِنْهُ سِحاءَةً أَو شدَّة بِهَا. وسَحا الكتابَ وسَحَّاهُ وأَسْحَاه: شَدَّه بسِحاءة، يُقَالُ مِنْهُ سَحَوْته وسَحَيْته، وَاسْمُ تِلْكَ الْقِشْرَةِ سِحَايَة وسِحاءَةٌ وسَحَاةٌ. وسَحَّيْت الْكِتَابَ تَسْحِيَة: لشدِّه بِالسَّحَّاءَةِ، وَيُقَالُ بالسِّحاية. الْجَوْهَرِيُّ: وسِحاءُ الْكِتَابِ، مَكْسُورٌ مَمْدُودٌ، الْوَاحِدَةُ سِحاءَة، وَالْجَمْعُ أَسحِيةٌ. وسَحَوْت القِرطاسَ وسَحَيْته أَسْحاهُ إِذَا قَشَرْته. وأَسْحَى الرجلُ إِذَا كَثُرَتْ عِنْدَهُ الأَسْحِيةُ. وَإِذَا شَدَدْت الكتابَ بسِحاءَةٍ قُلْتُ: سَحَّيته تَسْحِية، بِالتَّشْدِيدِ، وسَحَيْته أَيضاً، بِالتَّخْفِيفِ. وانْسَحَت اللِّيطة عَنِ السَّهم: زَالَتْ عَنْهُ. والأُسْحِيَّة: كلُّ قِشْرة تَكُونُ عَلَى مَضائِغِ اللَّحْمِ مِنَ الجِلْدِ. وسِحاءة أُمِّ الرأْس: الَّتِي يَكُونُ فِيهَا الدِّمَاغُ. وسحاةُ كلِّ شَيْءٍ أَيضاً: قِشرُه، وَالْجَمْعُ سَحاً.
__________
(2) . قوله [المخمور] هكذا في الأصل، وفي ياقوت: المحمور، وفسره بأنه الذي قد أصابه الحمر، بالتحريك، وهو داء يصيب الخيل من أكل الشعير. وقوله [بمعذور] هكذا في الأصل أيضاً، والذي في ياقوت بمذعور(14/372)
وَفِي حَدِيثِ
أمِّ حَكِيمٍ: أَتَتْه بكَتِفٍ تَسْحَاها
أَي تَقْشِرُها وتكشِطُ عَنْهَا اللَّحم؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
فَإِذَا عُرْضُ وَجهِه، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مُنْسَحٍ
أَي مُنْقَشِرٌ. وسَحى شعرَه واسْتَحَاه: حَلَقَه حَتَّى كأَنه قَشَرَه. واسْتَحَى اللحمَ: قَشَرَه، أُخِذَ مِنْ سِحاءة الْقِرْطَاسِ، عَنِ ابْنِ الأَعرابي. وسِحَاءَتَا اللِّسَانِ: ناحِيَتاه. ورجلٌ أُسْحُوان: جميلٌ طويلٌ. والأُسْحُوان، بِالضَّمِّ: الكثيرُ الأَكل. والسَّحَاءَة والسَّحَاءُ مِنَ الْفَرَسِ: عِرْقٌ فِي أَسفل لسانه. والسَّاحِيَة: المَطْرة الَّتِي تَقْشِر الأَرض وَهِيَ الْمَطَرَةُ الشَّدِيدَةُ الوَقْع؛ وأَنشد:
بساحِيَةٍ وأَتْبَعَها طِلالا
والسِّحَاء: نبتٌ تأْكله النَّحلُ فَيَطِيبُ عسلُها عَلَيْهِ، وَاحِدَتُهُ سِحَاءَة. وَكَتَبَ الْحَجَّاجُ إِلَى عاملٍ لَهُ: أنِ ابْعثْ إِلَيَّ بعَسلٍ مِنْ عَسلِ النَّدْغِ والسِّحاء أَخضَر فِي الإِناء؛ النَّدْغُ والنِّدْغُ: بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ: السَّعتر البَرِّي، وَقِيلَ: شَجَرَةٌ خَضْرَاءُ لَهَا ثَمَرَةٌ بيضاءُ. والسِّحَاء، بِالْمَدِّ وَالْكَسْرِ: شَجَرَةٌ صَغِيرَةٌ مِثْلَ الْكَفِّ لَهَا شَوْكٌ وَزَهْرَةٌ حَمْرَاءُ فِي بَيَاضٍ تُسمَّى زَهرتها البَهْرَمة، قَالَ: وَإِنَّمَا خصَّ هَذَيْنِ النَّبْتَيْنِ لأَن النحلَ إِذَا أَكلتهما طَابَ عسلُها وجادَ. والسَّحَاة، بِفَتْحِ السِّينِ وَبِالْقَصْرِ: شَجَرَةٌ شاكةٌ وَثَمَرَتُهَا بيضاءُ، وَهِيَ عُشبة مِنْ عُشب الرَّبِيعِ مَا دَامَتْ خَضْرَاءَ، فَإِذَا يَبِسَتْ فِي الْقَيْظِ فَهِيَ شَجَرَةٌ، وَقِيلَ: السِّحَاءُ والسَّحَاةُ نبتٌ يأْكله الضَّبُّ. وضبٌّ سَاحٍ حابِلٌ إِذَا رَعى السِّحاءَ والحُبْلَة. والسَّحَاة: الخُفّاشُ، وَهِيَ السَّحَا والسِّحَاء، إِذَا فُتِحَ قُصِرَ، وَإِذَا كُسِرَ مُدَّ. الْجَوْهَرِيُّ: السَّحَا الخُفّاشُ، الْوَاحِدَةُ سَحَاةٌ، مفتوحانِ مَقْصُورَانِ؛ عَنِ النَّضْرِ إبن شُمَيْلٍ. وسَحَوْت الجَمْر إِذَا جَرَفْته، وَالْمَعْرُوفُ سَخَوْت، بِالْخَاءِ. والسَّحَاة: النَّاحِيَةُ كالساحةِ؛ يُقَالُ: لَا أَرَيَنَّك بسَحْسَحي وسَحَاتي؛ وأَما قَوْلُ أَبي زُبَيْد:
كأَنَّ أَوْبَ مَسَاحِي القومِ، فَوْقَهُمُ، ... طَيرٌ تَعِيفُ عَلَى جُونٍ مَزاحِيفِ
شبَّه رَجْع أَيدي القوم بالمَسَاحِي المُعْوَجَّة الَّتِي يُقَالُ لَهَا بِالْفَارِسِيَّةِ كَنَنْد فِي حَفْرَ قبرِ عُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بِطَيْرٍ تَعِيف عَلَى جُونٍ مَزاحِيف؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَالَّذِي فِي شِعْرِ أَبي زُبيد:
كأَنَّهُنَّ بأَيدي الْقَوْمِ فِي كَبَدٍ
سخا: السَّخَاوَة والسَّخَاءُ: الجُودُ. والسَّخِيُّ: الجَوَادُ، وَالْجَمْعُ أَسْخِيَاء وسُخَواءُ؛ الأَخيرة عَنِ اللحياني وابن الأَعرابي، وامرأَة سَخِيَّة مِنْ نِسْوة سَخِيّاتٍ وسَخَايا، وَقَدْ سَخَا يَسْخَى ويَسْخُو سَخَاءً. وسَخِيَ يَسْخَى سَخاً وسُخُوَّةً. وسَخُوَ الرجلُ يَسْخُو سَخاءً وسُخُوّاً وسَخاوَةً أَي صَارَ سَخِيّاً، وأَما اللِّحْيَانِيُّ فَقَالَ: سَخَا يَسْخُو سَخَاءً، مَمْدُودٌ، وسُخُوّاً، وسَخِيَ سَخَاءً، مَمْدُودٌ أَيضاً، وسُخُوَّةً. وسَخَّى نفْسَه عَنْهُ وبنَفْسِه: تَرَكَهُ. وسَخَّيْتُ نَفْسِي عَنْهُ: تَركته وَلَمْ تُنَازِعْنِي نَفْسِي إِلَيْهِ. وَفُلَانٌ يتَسَخَّى عَلَى أَصحابه أَي يتكَلّف السَّخاء، وَإِنَّهُ لسَخِيُّ النَّفْس عَنْهُ. الْجَوْهَرِيُّ: وَقَوْلُ عَمْرُو بْنُ كُلْثوم:
مُشَعْشَعَةً، كأَنَّ الحُصَّ فِيهَا، ... إِذَا مَا الماءُ خالَطَها سَخِينا
أَي جُدْنا بأَموالِنا. قَالَ: وَقَوْلُ مَنْ قَالَ سَخِينا، مِنَ السُّخُونةِ، نصبٌ عَلَى الْحَالِ، فَلَيْسَ بشيءٍ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ ابْنُ الْقِطَاعِ الصَّوَابُ مَا أَنكره الْجَوْهَرِيُّ مِنْ ذَلِكَ. وَيُقَالُ: إِنَّ السَّخاء مأْخوذ مِنَ السَّخْو،(14/373)
وَهُوَ الموضِعُ الَّذِي يُوَسَّعُ تَحْتَ القِدْرِ لِيَتَمَكَّنَ الوَقُودُ لأَنّ الصدرَ أَيضاً يتّسِعُ للعَطيَّة، قَالَ: قَالَ ذَلِكَ أَبو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ. وسَخَوْت النارَ وسَخا النارَ يَسْخُوها ويَسْخَاها سَخْواً وسَخْياً: جعَلَ لَهَا مَذْهباً تَحْتَ القِدْر، وَذَلِكَ إِذَا أَوْقَدْتَ فاجتمعَ الجَمْرُ والرَّمادُ ففَرَّجْتَه. أَبو عَمْرٍو: سَخَوْت النارَ أَسْخُوها سَخْواً وسَخِيتها أَسْخَاها سَخْياً مِثَالُ لَبِثْتُ أَلْبَثُ لَبْثاً. الغَنَوي: سَخَى النارَ وصَخاها إِذَا فتَحَ عيْنَها. وسَخَا القِدْرَ سَخْواً وسَخَاها سَخْياً: جعلَ للنارِ تَحْتَهَا مَذْهَباً. وسَخى القِدْرَ سَخْياً: فرَّجَ الجَمرَ تَحْتَهَا، وسَخَاها سَخْواً أَيضاً: نَحَّى الجَمرَ مِنْ تَحْتِهَا. وَيُقَالُ: اسْخَ نارَكَ أَيِ اجعلْ لَهَا مَكَانًا تُوقد عَلَيْهِ؛ قَالَ:
ويُرْزِمُ أَن يَرَى المَعْجُونَ يُلْقى ... بسَخْيِ النارِ، إرْزامَ الفَصيلِ
وَيُرْوَى:
بسَخْوِ النَّارِ، إرْزامَ الفَصيل
أَي بمَسْخى النارِ فوضَعَ المصدرَ مَوْضِعَ الِاسْمِ، ويُرْزِمُ أَي يُصَوِّتُ؛ يَصِفُ رجُلًا نَهِماً إِذَا رأَى الدَّقِيقَ المَعْجونَ يُلْقى عَلَى سَخْي النارِ أَي موضعِ إيقادِها يُرْزِمُ إرْزامَ الفَصيل. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَفِي كِتَابِ الأَفعال سَخَوْت النارَ وسخَيْتها وسَخِيتها وأَسْخَيْتها بِمَعْنًى. والسَّخاةُ: بَقْلة رَبيعيَّة، وَالْجُمَعُ سَخاً؛ وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: السَّخَاءَةُ بَقلة ترْتَفِعُ عَلَى ساقٍ لَهَا كهيئةِ السُّنْبُلة، وَفِيهَا حَبٌّ كَحَبِّ اليَنْبُوت ولُبابُ حَبِّها دَوَاءٌ لِلْجُرُوحِ، قَالَ: وَقَدْ يُقَالُ لَهَا الصَّخاءَة أَيضاً، بِالصَّادِّ مَمْدُودٌ، وَجَمْعُ السَّخَاءَة سخاءٌ، وَهَمْزَةُ السَّخاءَةِ ياءٌ لأَنها لامٌ، وَاللَّامُ يَاءٌ أَكثر مِنْهَا وَاوًا. وسَخا يَسْخُو سَخْواً: سَكَنَ مِنْ حَرَكَتِهِ. والسَّخاويُّ: الأَرضُ اللَّيِّنة الترابِ مَعَ بُعدٍ، واحدتُه سَخاوِيَّةٌ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: كَذَا قَالَ أَبو عُبَيْدٍ الأَرض، وَالصَّوَابُ الأَرَضون. وَقِيلَ: سَخَاوِيُّها سَعَتُها؛ وَمَكَانٌ سَخاوِيٌّ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: السَّخَاوِيُّ مِنَ الأَرض الواسِعة الْبَعِيدَةُ الأَطراف، والسَّخَاوِيُّ مَا بَعُد غَوْلُه؛ وأَنشد:
تَنْضُو المَطِيُّ، إِذَا جَفَّتْ ثَمِيلتُها، ... فِي مهْمَهٍ ذِي سَخَاوِيٍّ وغيطانِ
والسَّخْوَاءُ: الأَرض السَّهْلة الْوَاسِعَةُ، وَالْجَمْعُ السَّخَاوِي والسَّخَاوَى مِثْلَ الصَّحاري والصَّحارى؛ وَقَالَ النَّابِغَةُ الذُّبْيَانِيُّ:
أَتاني وعِيدٌ، والتَّنائِفُ بينَنا ... سخاوِيُّها، والغائِطُ المُتَصوِّبُ
أَبو عَمْرٍو: السَّخَاوِيُّ مِنَ الأَرض الَّتِي لَا شَيْءَ فِيهَا، وَهِيَ سَخَاوِيَّة؛ وَقَالَ الْجَعْدِيُّ:
سَخَاوِيُّ يَطْفُو آلُها ثُمَّ يَرْسُبُ
والسَّخا، مقصورٌ: ظَلْعٌ يصيبُ البعيرَ أَو الفصيلَ بأَنْ يَثِب بالحِمْل الثَّقِيلِ فتَعترِضَ الريحُ بَيْنَ الجِلد والكَتِفِ. يُقَالُ: سَخِيَ البعيرُ، بِالْكَسْرِ، يَسْخى سَخاً، فَهُوَ سَخٍ، مَقْصُورٌ مِثْلَ عَمٍ؛ حكاه يعقوب.
سدا: السَّدْوُ: مَدُّ اليَدِ نحوَ الشَّيْءِ كَمَا تَسْدُو الإِبلُ فِي سيرِها بأَيديها وَكَمَا يَسدو الصِّبيانُ إِذَا لعِبُوا بالجَوْزِ فرَمَوْا بِهِ فِي الحَفيرة، والزَّدْوُ لُغَةٌ كَمَا قَالُوا للأَسْدِ أَزْدٌ، وللسَّرَّادِ زَرّادٌ. وسَدا يَدَيْهِ سَدْواً واسْتَدَى: مَدّ بِهِمَا؛ قَالَ:
سَدَى بيدَيه ثُمَّ أَجَّ بسَيره، ... كأَجِّ الظَّلِيمِ مِنْ قَنِيصٍ وكالِب
وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:(14/374)
ناجٍ يُغَنِّيهنَّ بالإِبْعاطِ، ... إِذَا استَدَى نَوَّهْنَ بالسِّياطِ
يَقُولُ: إِذَا سَدا هَذَا الْبَعِيرُ حَملَ سَدْوُه هَؤُلَاءِ القومَ عَلَى أَن يَضْرِبُوا إبلَهم فكأَنهنّ نوَّهْنَ بالسِّياطِ لَمَّا حمَلْنَهم عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ ثَعْلَبٌ: الرِّوَايَةُ يُعَنِّيهنَّ «1» . وَقَوْلُهُ:
يَا رَبِّ سَلِّم سَدْوَهُنّ اللَّيلهْ، ... وَلَيْلَةً أُخرى، وكلَّ ليلهْ
إِنَّمَا أَراد سَلِّمْهُنَّ وقَوّهِنَّ، لَكِنْ أَوْقعَ الفعلَ عَلَى السَّدْوِ لأَنّ السَّدْوَ إِذَا سَلِمَ فَقَدْ سَلِمَ السَّادي. الْجَوْهَرِيُّ: وسَدَت الناقةُ تَسْدُو، وَهُوَ تَذَرُّعُها فِي المَشيِ واتساعُ خَطْوِها، يُقَالُ: مَا أَحسن سَدْوَ رِجلَيها وأَتْوَ يَدَيْها قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ السّدْوُ السَّيرُ اللَّيِّن؛ قَالَ القُطامي:
وكلُّ ذَلِكَ مِنْهَا كلَّما رَفَقتْ، ... مِنها المُكَرِّي، وَمِنْهَا اللَّيِّنُ السَّادِي
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَوْلُ الْجَوْهَرِيِّ وَهُوَ تَذَرُّعها فِي الْمَشْيِ واتساعُ خَطْوِهَا لَيْسَ فِيهِ طَعْنٌ لأَن السَّدْوَ اتساعُ خَطْوِ النَّاقَةِ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مَعَ رِفْقٍ، أَلا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ مِنْهَا المُكَرِّي يريد البطيءَ منها، وَمِنْهَا السَّادِي الَّذِي فِيهِ اتساعُ خطْوٍ مَعَ لينٍ. وَنَاقَةٌ سَدُوٌّ: تَمُدُّ يَدَيْهَا فِي سَدْوِها وتَطْرَحُهما؛ قَالَ وأَنشد:
مائِرَةُ الرِّجْلِ سَدُوٌّ باليَدِ
ونوقٌ سَوَادٍ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي أَيديَ الإِبلِ السَّوَادِيَ لِسَدْوِها بِهَا ثُمَّ صَارَ ذَلِكَ اسْمًا لَهَا؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
كأَنّا عَلَى حُقْبٍ خِفافٍ، إِذَا خَدَتْ ... سَوادِيهِما بالواخِداتِ الرَّواحِلِ
أَراد إِذَا خَدَتْ أَيديها وأَرجُلُها. أَبو عَمْرٍو: السَّادِيُّ وَالزَّادِيُّ الحَسَن السَّير مِنَ الإِبل؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
يتْبَعنَ سَدْوَ رَسْلَةٍ تَبَدَّحُ «2»
. أَي تَمُدُّ ضَبْعَيْها. والسَّدْوُ: رُكُوبُ الرَّأْسِ فِي السَّيرِ يَكُونُ فِي الإِبلِ والخيلِ. وسَدْوُ الصِّبيانِ بالجَوْزِ واستِداؤُهُم: لعِبُهُمُ بِهِ. وسَدا الصَّبيُّ بِالْجَوْزَةِ: رَمَاهَا مِنْ علوٍ إِلَى سُفْلٍ. وسَدا سَدْوَ كَذَا: نَحا نحْوَه. وَفُلَانٌ يَسْدُو سَدْوَ كَذَا: يَنْحُو نَحْوَه. وَخَطَبَ الأَمير فَمَا زَالَ عَلَى سَدْوٍ واحدٍ أَي عَلَى نَحْوٍ واحدٍ مِنَ السَّجْع؛ حَكَاهُ ابْنُ الأَعرابي؛ وَقَوْلُ سَاعِدَةُ بْنُ جَؤَيَّةَ الْهُذَلِيُّ يَصِفُ سَحَابًا:
سادٍ تَجرّمَ فِي البَضِيعِ ثمانِياً، ... يُلْوي بعَيْقاتِ الْبِحَارِ ويُجْنَب
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: قِيلَ مَعْنَى سادٍ هُنا مُهْمَلٌ لَا يُرَدُّ عَنْ شُرْبٍ، وَقِيلَ: هُوَ مِنَ الإِسْآدِ الَّذِي هُوَ سيرُ اللَّيْلِ كُلِّهِ، قَالَ: وَهَذَا لَا يَجُوزُ إِلَّا أَن يَكُونَ عَلَى الْقَلْبِ كأَنه سائدٌ أَي ذُو إسْآد، ثم قلب فقيل سادِئ ثُمَّ أَبدل الْهَمْزَ إَبْدَالًا صحيحا فقال سادِي، ثم أعلَّه كَمَا أُعِلَّ قاضٍ ورامٍ. وتَسَدَّى الشيءَ: رَكِبَه وعلاهُ؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
بسَرْوِ حِمْيَرَ أَبْوالُ البغالِ بِهِ، ... أَنّى تَسَدّيْتِ وهْناً ذَلِكَ البِينا
والسَّدى الْمَعْرُوفُ: خِلَافُ لُحْمة الثَّوْبِ، وَقِيلَ: أَسفله، وَقِيلَ: مَا مُدَّ مِنْهُ، وَاحِدَتُهُ سَداةٌ. والأُسْدِيُّ: كالسَّدى سَدى الثَّوْبَ، وَقَدْ سدَّاه لِغَيْرِهِ وتسَدَّاه لنفسِه، وَهُمَا سَدَيانِ، وَالْجَمْعُ أسْدِيَةٌ؛ تَقُولُ مِنْهُ: أَسْدَيْتُ الثوبَ وأَسْتَيْته. وسَدى
__________
(1) . قوله [وَقَالَ ثَعْلَبٌ الرِّوَايَةُ يُعَنِّيهِنَّ] هكذا في الأصل هنا وتقدم لنا في مادة بعط في اللسان كالمحكم نسبة رواية الغين لثعلب
(2) . قوله [سدو رسلة] تقدم في مادة بدح: شدو، بالشين المعجمة، والصواب ما هنا(14/375)
الثوبَ يَسْدِيه وسَتاهُ يَسْتيه. وَيُقَالُ: مَا أَنت بلُحْمة وَلَا سَداةٍ وَلَا سَتاةٍ؛ يُضرَب مَثَلًا لِمَنْ لَا يَضُر وَلَا يَنْفَعُ؛ وأَنشد شِمْرٌ:
فَمَا تأْتُوا يكنْ حَسَنًا جَمِيلَا، ... وَمَا تَسْدُوا لِمَكْرُمةٍ تُنيرُوا
يَقُولُ: إِذَا فَعَلْتُمْ أَمراً أَبْرَمْتُموه. الأَصمعي: الأُسْديُّ والأُسْتيُّ سَدى الثوب. وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: أَسْدَيتُ الثَّوْبَ بسَداهُ؛ وَقَالَ الشَّاعِرُ:
إِذَا أَنا أَسْدَيْتُ السَّداةَ، فأَلْحِما، ... ونِيرا فإنِّي سَوْفَ أَكْفِيكُما الدَّمَا
وَإِذَا نَسَج إنسانٌ كَلَامًا أَو أَمراً بَيْنَ قومٍ قِيلَ: سَدَّى بَيْنَهُمْ. والحائكُ يُسْدِي الثوبَ ويَتَسَدَّى لِنَفْسِهِ، وأَما التَّسْدِيَة فَهِيَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ مَا أَشبه هَذَا؛ قَالَ رُؤْبَةُ يَصِفُ السَّرَابَ:
كَفَلْكَةِ الطَّاوي أَدارَ الشّهْرَقا، ... أَرسل غَزْلًا وتَسَدَّى خَشْتَقا
وأَسْدَى بَيْنَهُمْ حَدِيثًا: نَسَجَه، وَهُوَ عَلَى الْمَثَلِ. والسَّدى: الشهْدُ يُسَدِّيه النَّحْلُ، عَلَى الْمَثَلِ أَيضاً. والسَّدَى: نَدى اللَّيْلِ، وَهُوَ حياةُ الزَّرْعِ؛ قَالَ الْكُمَيْتُ وَجَعَلَهُ مَثَلًا لِلْجُودِ:
فأَنت النَّدى فِيمَا يَنُوبُك والسَّدَى، ... إِذَا الخَوْدُ عَدَّتْ عُقْبَةَ القِدْر مالَهَا
وسَدِيَت الأَرضُ إِذَا كثُر نَداها، مِنَ السَّمَاءِ كَانَ أَو مِنَ الأَرض، فَهِيَ سَدِيَةٌ على فَعِلَة. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَحُكِيَ بَعْضِ أَهل اللُّغَةِ أَن رَجُلًا أَتى إِلَى الأَصمعي فَقَالَ لَهُ: زَعَمَ أَبو زَيْدٍ أَن النَّدى مَا كَانَ فِي الأَرض والسَّدى مَا سَقَطَ مِنَ السَّمَاءِ، فغضب الأَصمعي وقال: مايَصْنع بِقَوْلِ الشَّاعِرِ:
وَلَقَدْ أَتيتُ البيتَ يُخْشى أَهلُه، ... بَعْدَ الهُدُوِّ، وبعد ما سَقَطَ النَّدى
أَفتَراه يسقُط مِنَ الأَرض إِلَى السَّمَاءِ؟ وسَدِيَت الليلةُ فَهِيَ سَدِيَةٌ إِذَا كَثُرَ نَداها؛ وأَنشد:
يَمْسُدُها القَفْرُ وليلٌ سَدي
والسَّدى: هُوَ النَّدى الْقَائِمُ، وقلَّما يُوصَفُ بِهِ النهارُ فيقال يومٌ سَدٍ، إنما يوصَف بِهِ الليلُ، وَقِيلَ: السَّدَى والنَّدى واحدٌ. ومكانٌ سَدٍ: كنَدٍ؛ وأَنشد الْمَازِنِيُّ لرؤبة:
ناجٍ يُعَنِّيهِنّ بالإِبعاطِ، ... والماءُ نَضَّاحٌ مِنَ الآباطِ،
إِذَا اسْتَدَى نَوَّهْنَ بالسِّياطِ
قَالَ: الإِبْعاط والإِفراط واحدٌ، إِذَا استَدَى إِذَا عَرِقَ، وَهُوَ مِنَ السَّدَى وَهُوَ النَّدى، نَوَّهْنَ: كأَنهن يَدْعُون بِهِ ليُضْرَبْن، وَالْمَعْنَى أَنهن يكلَّفْنَ مِنْ أَصحابهن ذَلِكَ لأَن هَذَا الفرسَ يَسْبِقُهُنَّ فيَضْرب أَصحابُ الْخَيْلِ خَيْلَهم لِتَلْحَقَهُ. والسَّدَى: المعروفُ، وَقَدْ أَسْدَى إِلَيْهِ سَدىً وسَدَّاه عَلَيْهِ. أَبُو عَمْرٍو: أَزْدى إِذَا اصْطَنع مَعْرُوفًا، وأَسْدَى إِذَا أَصْلح بَيْنَ اثْنَيْنِ، وأَصدى إِذَا مَاتَ، وأَصْدى إناءَه إِذَا مَلأَه «3» . وَفِي الْحَدِيثِ:
مَنْ أَسْدَى إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فكافِئُوه
، أَسْدَى وأَوْلى وأَعْطَى بِمَعْنًى. يُقَالُ: أَسْدَيْت إِلَيْهِ مَعْرُوفًا أُسْدِيَ إسْداءً. شِمْرٌ: السَّدى والسَّداءُ، ممدودٌ، الْبَلَحُ بلُغة أَهل الْمَدِينَةِ، وَقِيلَ: السَّدَى الْبَلَحُ الأَخْضَر، وَقِيلَ: الْبَلَحُ الأَخضر بِشَمَارِيخِهِ، يُمَدُّ ويُقْصَر، يمانيةٌ، وَاحِدَتُهُ سَداةٌ وسَداءَةٌ. وبلحٌ سَدٍ مِثَالُ عَمٍ: مُسْتَرْخي الثَّفارِيق نَدٍ. وَقَدْ سَدِيَ البلحُ، بِالْكَسْرِ، وأَسدى، وَالْوَاحِدَةُ سَدِيةٌ
__________
(3) . قوله [وَأَصْدَى إِنَاءَهُ إِذَا ملأَه] هكذا في الأصل(14/376)
والثُّفْروق قِمَعُ البُسْرَة. وكلُّ رطبٍ نَدٍ فَهُوَ سَدٍ؛ حَكَاهُ أَبو حَنِيفَةَ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
مُكَمِّمٌ جبَّارُها والجَعْلُ، ... يَنْحَتُّ منهنَّ السَّدى والحَصْلُ
وأَسْدَى النَّخْلُ إِذَا سَدي بُسْره. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَحُكِيَ ابْنُ الأَعرابي المَدَّ فِي السَّداء البلحِ، قَالَ: وَكَذَلِكَ حَكَاهُ أَبو حَنِيفَةَ؛ وأَنشد:
وجارةٍ لِي لَا يُخافُ داؤُها، ... عَظيمة جُمّتُها فَنَّاؤُها
يَعْجَلُ قَبْلَ بُسْرهِا سَداؤُها، ... فجارةُ السَّوءِ لَهَا فِداؤُها
وَقِيلَ: إِنَّ الرِّوَايَةَ فَنْواؤُها، وَالْقِيَاسُ فَنَّاؤُها. وَيُقَالُ: طلبْت أَمْراً ف أَسْدَيْتُه أَي أَصَبْتُه، وَإِنْ لَمْ تَصُبْهُ قُلْتُ أعْمَسْته. والسُّدى والسَّدى: الْمُهْمَلُ، الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ فِيهِ سَوَاءٌ. يقال: إبلٌ سُدًى أَي مُهْمَلَةٌ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: سَدًى. وأَسْدَيْتُها: أَهْمَلْتها؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِلَبِيدٍ:
فَلَمْ أُسْدِ مَا أَرْعَى، وتَبْلٌ رَدَدْتُه، ... فأَنْجَحْتُ بَعْدَ اللَّهِ مِنْ خيرِ مَطْلَبِ
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً
؛ أَيْ يُترك مُهْمَلًا غَيْرَ مأْمور وَغَيْرَ مَنْهيّ، وَقَدْ أَسْدَاه. وأَسْدَيْتُ إبِلي إسْدَاء إِذَا أَهْمَلْتها، وَالِاسْمُ السُّدَى. وَيُقَالُ: تَسَدَّى فُلَانٌ الأَمرَ إِذَا عَلَاهُ وقَهَرَه، وتَسَدَّى فُلَانٌ فُلَانًا إِذَا أَخذه مِنْ فَوْقِه. وتَسَدَّى الرَّجُلُ جاريِتَه إِذَا عَلَاهَا؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
أَنَّى تَسَدَّيتِ وهْناً ذَلِكَ البِينا
يَصِفُ جَارِيَةً طَرَقَهُ خَيَالَهَا مِنْ بُعْدٍ فَقَالَ لَهَا: كَيْفَ علَوْت بَعْدَ وهْنٍ مِنَ اللَّيْلِ ذَلِكَ البَلَد؟ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِثْلُهُ قَوْلُ جَرِيرٍ:
وَمَا ابنُ حِنَّاءَةَ بالرَّثّ الوانْ، ... بوم تَسَدَّى الحَكَمُ بنُ مَرْوانْ «1»
. وتَسَدَّاه أَي عَلاه؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
فَلَمَّا دَنَوْتُ تَسَدَّيْتُها، ... فَثَوْباً لَبِسْتُ وثَوْباً أَجُر
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الْمَعْرُوفُ سُدًى، بِالضَّمِّ؛ قَالَ حُميد بْنُ ثَوْرٍ يَصِفُ إِبِلَهُ:
فَجَاءَ بِهَا الوُرَّادُ يَسْعَوْنَ حَوْلَها ... سُدًى، بيْنَ قَرْقارِ الهَدير وأعْجَما
وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه كَتَب لِيَهُودِ تَيْماءَ أَنَّ لَهُمُ الذِّمَّة وَعَلَيْهِمِ الجِزْيةَ بِلا عَدَاء النهارُ مَدى والليلُ سُدَى
؛ السُّدى: التَّخْلِيَةُ، والمَدَى: الْغَايَةُ؛ أَراد أَنّ لَهُمْ ذَلِكَ أَبداً مَا دامَ الليلُ والنهارُ. والسَّادِي: السادِسُ فِي بَعْضِ اللُّغَاتِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
إِذَا مَا عُدَّ أَربعةٌ فِسالٌ، ... فَزَوْجُكِ خامسٌ وحَمُوكِ سادِي
أَراد السادسَ فأبدَل مِنَ السِّينِ يَاءً كَمَا فُسّرَ فِي سِتّ. وَالسَّادِيُّ: الَّذِي يَبِيتُ حَيْثُ أَمْسَى؛ وأَنشد:
باتَ عَلَى الخَلِّ وَمَا باتَتْ سُدَى
وَقَالَ:
ويَأْمَنُ سادِينَا ويَنْساحُ سَرْحُنا، ... إِذَا أَزَلَ السادِي وَهيت المطَالع «2» .
سرا: السَّرْوُ: المُروءَةُ والشَّرَفُ. سَرُوَ يَسْرُو سَراوَةً وسَرْواً أَي صَارَ سَرِيّاً؛ الأَخيرة عن
__________
(1) . قوله [وما ابن حناءة إلخ] أورده في الأَساس بلفظ: وما أبو ضمرة
(2) . قوله [وهيت المطالع] هكذا في الأصل(14/377)
سيبويه واللحياني. الْجَوْهَرِيُّ: السَّروُ سَخاءٌ فِي مُرُوءَةٍ. وسَرَا يَسْرو سَرْواً وسَرِيَ، بِالْكَسْرِ، يَسْرَى سَرًى وسَرَاءً وسَرْواً إِذَا شَرُفَ، وَلَمْ يَحْكِ اللِّحْيَانِيُّ مَصْدَرَ سَرَا إِلَّا مَمْدُودًا. الْجَوْهَرِيُّ: يُقَالُ سَرَا يَسْرُو وسَرِيَ، بِالْكَسْرِ، يَسْرَى سَرْواً فِيهِمَا وسَرُوَ يَسْرُو سَرَاوةً أَيْ صارَ سَريّاً. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: فِي سَرَا ثَلَاثَ لُغَاتٍ فَعَلَ وفَعِلَ وفَعُلَ، وَكَذَلِكَ سَخِي وسَخا وسَخُوَ، وَمِنَ الصَّحِيحِ كَمَل وكَدَر وخَثَر، فِي كُلٍّ مِنْهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ. وَرَجُلٌ سَريٌّ مِنْ قوم أَسْرِياءَ وسُرَوَاءَ؛ كلاهما عن اللحياني. والسَّرَاةُ: اسْمٌ لِلْجَمْعِ، وَلَيْسَ بِجَمْعٍ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، قَالَ: وَدَلِيلُ ذلك قولهم سَرَواتٌ؛ قال الشَّاعِرُ:
تَلْقَى السَّرِيَّ مِنَ الرِّجَالِ بِنفسه، ... وابنُ السَّرِيِّ، إِذَا سَرَا، أَسْراهُما
أَي أَشْرَفُهما. وَقَوْلُهُمْ: قومٌ سَرَاةٌ جمعُ سَرِيٍّ، جَاءَ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ أَن يُجْمَع فَعِيلٌ عَلَى فَعَلَة، قَالَ: وَلَا يُعرَف غَيْرُهُ، وَالْقِيَاسُ سُرَاةٌ مِثْلَ قُضاةٍ ورُعاةٍ وعُراةٍ، وَقِيلَ: جَمعه سَرَاةٌ، بِالْفَتْحِ، عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، قَالَ: وَقَدْ تُضَمُّ السِّينُ، وَالِاسْمَ مِنْهُ السَّرْو. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنه مَرَّ بالنَّخَع فَقَالَ أَرَى السَّرْوَ فِيكُمْ متَرَبّعاً
أَي أَرى الشَّرَف فِيكُمْ مُتَمَكِّناً. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: مَوْضُوعُ سَرَاةٍ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ اسمٌ مفردٌ لِلْجَمْعِ كنَفَرٍ وَلَيْسَ بِجَمْعٍ مكَسَّر، وَقَدْ جمِعَ فَعِيلٌ الْمُعْتَلُّ عَلَى فُعَلاءَ فِي لَفْظَتَيْن: وَهُمَا تَقيٌّ وتُقَواء، وسَريٌّ وسُرَوَاء وأَسْرِيَاء «1» . قال: حكى ذلك السِّيرافي تَفْسِيرِ فَعِيلٍ مِنَ الصِّفَاتِ فِي بَابِ تَكْسِيرِ مَا كَانَ مِنَ الصِّفَاتِ عِدَّتَهُ أَربعةُ أَحرف. أَبو الْعَبَّاسِ: السَّرِيُّ الرَّفيع فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَمَعْنَى سَرُوَ الرجلُ يَسْرُو أَي ارْتَفَع يَرْتَفِع، فَهُوَ رَفِيعٌ، مأْخوذ مِنْ سَرَاةِ كلِّ شَيْءٍ مَا ارْتَفَع مِنْهُ وعَلا، وجمعُ السَّراةِ سَرَواتٌ. وتَسَرَّى أَي تَكَلَّف السَّرْوَ. وتَسَرَّى الجاريةَ أَيضاً: مِنَ السُّرّيَّة، وَقَالَ يَعْقُوبُ: أَصله تَسَرَّر مِنَ السُّرور، فأَبدلوا مِنْ إِحْدَى الرَّاءَاتِ يَاءً كَمَا قَالُوا تقضَّى مَنْ تَقَضّضَ. وَفِي الْحَدِيثِ حَدِيثُ
أُمّ زَرْعٍ: فَنَكَحْتُ بعدَهُ سَرِيّاً
أَي نَفِيساً شَريفاً، وَقِيلَ: سَخِياً ذَا مُرُوءَة؛ وَيُرْوَى هَذَا الْبَيْتُ:
أَتَوْا نارِي فَقُلْتُ: مَنُونَ؟ قَالُوا: ... سَرَاةُ الجِنِّ، قلتُ: عِمُوا ظَلامَا
وَيُرْوَى: سُراةُ، وَقَدْ وَرَدَ هَذَا الْبَيْتُ بِمَعْنًى آخَرَ، وَسَنَذْكُرُهُ فِي أَثناء هَذِهِ التَّرْجَمَةِ. ورجلٌ مَسْرَوَانٌ وامرأَة مَسْرَوانَةٌ: سَرِيّانِ؛ عَنْ أَبي العَمَيْثل الأَعرابي. وامرأَة سَريَّة مِنْ نِسْوة سَرِيَّات وسَرَايا. وسَرَاةُ المالِ: خِيارُه، الْوَاحِدُ سَرِيٌّ. يُقَالُ: بعيرٌ سَرِيٌّ وَنَاقَةٌ سَرِيَّة؛ وَقَالَ:
مِنْ سَرَاةِ الهِجانِ، صَلَّبَها العُضُّ ... ورِعْيُ الحِمَى وطُولُ الحِيالِ
واسْتَرَيْتُ الشيءَ واسْتَرْتُهُ، الأَخيرةُ عَلَى القَلبِ: اخْترْته؛ قَالَ الأَعشى:
فَقَدَ أَطَّبِي الكاعِبَ المُسْتَراةَ ... منْ خِدْرِها، وأُشِيعُ القِمارَا
وَفِي رِوَايَةٍ:
وَقَدْ أُخْرِجُ الكاعِبَ المُسْتَراةَ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: اسْتَرَيْته اخْتَرْته سَرِيّاً. وَمِنْهُ قَوْلُ سجَعَة الْعَرَبِ وذكَرَ ضروبَ الأَزْنادِ فَقَالَ: وَمَنِ اقْتدَح المَرْخَ والعَفارْ فَقَدِ اخْتارَ واسْتَارْ. وأَخَذْت سَرَاتَه أَي خِيارَه. واسْتَرَيْت الإِبلَ
__________
(1) . قوله [وأسرياء] هكذا في الأَصل(14/378)
والغَنَمَ والناسَ: اخْتَرْتهم، وَهِيَ سَرِيُّ إبِلِهِ وسَراةُ مالِهِ. واسْتَرَى الموتُ بَنِي فُلَانٍ أَيِ اخْتارَ سَراتَهم. وتَسَرَّيْته: أَخَذْت أَسراه؛ قَالَ حُمَيْدُ بْنُ ثَوْرٍ:
لَقَدْ تَسَرَّيْت إِذَا الْهَمُّ وَلَجْ، ... واجْتَمَع الهَمُّ هُموماً واعْتَلَجْ،
جُنادِفَ المِرْفَقِ مَبْنِيَّ الثَّبَجْ
والسَّرِيُّ: المُخْتار. والسُّرْوَة والسِّرْوَة؛ الأَخيرة عَنْ كُرَاعٍ: سَهْم صَغِيرٌ قَصِيرٌ، وَقِيلَ: سَهْمٌ عَرِيضُ النَّصْلِ طويلُهُ، وَقِيلَ: هُوَ المُدَوَّر المُدَمْلَك الَّذِي لَا عَرْض لَهُ، فأَما العَريضُ الطَّوِيلُ فَهُوَ المِعْبَلَة. والسِّرْية: نصلٌ صَغِيرٌ قَصير مُدَوَّر مُدَمْلَك لَا عَرْض لَهُ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ تَكُونَ هَذِهِ الْيَاءُ وَاوًا لأَنهم قَالُوا السِّرْوة فَقَلَبُوهَا يَاءً لِقُرْبِهَا مِنَ الْكَسْرَةِ. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: السِّرْوة والسُّرْوة أَدقُّ مَا يَكُونُ مِنْ نِصَالِ السِّهَامِ يَدْخُلُ فِي الدُّرُوعِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: السِّرْوة نصلٌ كأَنه مِخْيَط أَو مِسَلَّة، وَالْجَمْعُ السِّرَاء؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ الْقَزَّازُ وَالْجَمْعُ سِرىً وسُرىً؛ قَالَ النَّمِرُ:
وَقَدْ رَمَى بِسُراهُ اليومَ مُعْتَمِداً ... فِي المَنْكِبَيْنِ، وَفِي الساقَيْن والرَّقَبَهْ
وَقَالَ آخَرُ:
كَيْفَ تَراهُنَّ بِذي أُراطِ، ... وهُنَّ أَمثالُ السُّرَى المِراطِ؟
ابْنُ الأَعرابي: السُّرى نِصالٌ دِقاقٌ، وَيُقَالُ قِصارٌ يُرْمى بِهَا الهَدَفُ. وَقَالَ الأَسدي: السِّرْوَةُ تُدْعَى الدِّرْعِيَّة، وَذَلِكَ أَنها تَدْخُلُ فِي الدِّرْعِ ونصالُها مُنْسَلكَة كالمِخْيطِ؛ وَقَالَ ابْنُ أَبي الحُقَيقِ يَصِفُ الدُّرُوعَ:
تَنْفي السُّرى، وجِيادَ النَّبْل تَتْرُكُهُ ... مِنْ بَيْن مُنْقَصِفٍ كَسْراً ومَفْلُولِ
وَفِي حَدِيثِ
أَبي ذَرٍّ: كانَ إِذَا الْتاثَتْ راحِلَة أَحدِنا طَعَن بالسِّرْوةَ فِي ضَبْعِها
، يَعْنِي فِي ضَبْع النَّاقة؛ السِّرْية والسِّرْوة: وَهِيَ النِّصال الصِّغَارُ، والسُّرْوَة أَيضاً. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنَّ الوَليدَ بنَ المُغيرة مَرَّ بِهِ فأَشار إِلَى قَدَمِه فأَصابَتْه سِرْوَةٌ فجَعَلَ يَضْرِبُ سَاقَهُ حتَّى ماتَ.
وسَرَاةُ كُلِّ شيءٍ: أَعْلاه وظَهْرُه ووسَطه؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِحُمَيْدٍ بْنِ ثَوْرٍ:
سَراةَ الضُّحى، مَا رِمْنَ حتَّى تَفَصَّدَتْ ... جِباهُ العَذارى زَعْفَراناً وعَنْدَما
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
فَمَسَحَ سَراةَ البَعِير وذِفْراهُ.
وسَرَاةُ النهارِ وغيرهِ: ارْتِفاعُه، وَقِيلَ: وَسَطُه؛ قَالَ البُرَيق الْهُذَلِيُّ:
مُقِيماً عِندَ قَبْر أَبي سِباعٍ سَراةَ ... الليلِ، عندَكَ، والنَّهارِ
فَجَعَلَ لِلَّيْلِ سَراةً، وَالْجَمْعُ سَرَوَات، وَلَا يكَسَّر. التهذيب: وسَرَاةُ النهارِ وقتُ ارتِفاعِ الشَّمْسِ فِي السَّمَاءِ. يُقَالُ: أَتَيْته سَرَاةَ الضُّحى وسَرَاةَ النَّهَارِ. وسَرَاةُ الطَّرِيقِ: مَتْنُه ومُعْظَمُه. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَيْسَ لِلنِّسَاءِ سَرَوَاتُ الطَّريق
، يَعْنِي ظُهورَ الطَّرِيقِ ومُعظَمَه ووَسَطَه ولكِنَّهنَّ يَمْشِينَ فِي الجَوانِبِ. وسَرَاة الْفَرَسِ: أَعلى مَتْنِه؛ وَقَوْلُهُ:
صَرِيفٌ ثمَّ تَكْلِيفُ الفَيافي، ... كأَنَّ سَرَاةَ جِلَّتِها الشُّفُوفُ
أَراد: كأَنَّ سَرَوَاتِهِنَّ الشُّفوفُ فوضَعَ الواحدَ موضِعَ الجَمْع؛ أَلا تَرَاهُ قَالَ قَبْلَ هَذَا:(14/379)
وقوفٌ فوقَ عِيسٍ قَدْ أُمِلَّتْ، ... براهُنَّ الإِناخَةُ والوَجيفُ
وسَرا ثَوْبَه عَنْهُ سَرْواً وسَرَّاه: نَزَعه، التَّشْدِيدُ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ؛ قَالَ بَعْضُ الأَغفال:
حَتَّى إِذَا أَنْفُ العُجَيْرِ جَلَّى ... بُرْقُعَه، وَلَمْ يُسَرِّ الجُلَّا
وسَرَى متاعَه يَسْرِي: أَلْقاه عَنْ ظَهْرِ دابَّته. وسَرَى عَنْهُ الثوبَ سَرْياً: كَشَفه، وَالْوَاوُ أَعلى، وَكَذَلِكَ سَرى الجُلَّ عَنْ ظَهْر الفَرَس؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:
فَسَرَوْنا عَنْهُ الجلالَ، كَمَا سُلَّ ... لِبَيْعِ اللَّطِيمَة الدَّخْدارُ
والسَّرِيُّ: النَّهْر؛ عَنْ ثَعْلَبٍ، وَقِيلَ: الجَدْول، وَقِيلَ: النَّهْر الصَّغِيرُ كالجَدْول يَجْرِي إِلَى النَّخْل، وَالْجَمْعُ أَسْرِيَة وسُرْيانٌ؛ حَكَاهَا سِيبَوَيْهِ مِثْلَ أَجْرِبة وجُرْبانٍ، قَالَ: وَلَمْ يُسْمع فِيهِ بأَسْرِياءَ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا
؛ رُوِيَ
عَنِ الْحَسَنِ أَنه كَانَ يَقُولُ: كَانَ وَاللَّهِ سَرِيّاً مِنَ الرِّجَالِ
، يَعْنِي عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقِيلَ لَهُ: أَنَّ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُسَمِّي النَّهْرَ سَرِيّاً، فَرَجَعَ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ. وَرُوِيَ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنه قَالَ: السَّرِيُّ الجَدْول
، وَهُوَ قَوْلُ أَهل اللُّغَةِ. وأَنشد أَبو عُبَيْدٍ قَوْلَ لَبِيَدٍ يَصِفُ نَخْلًا نَابِتًا عَلَى مَاءِ النَّهْرِ:
سُحُقٌ يُمَتِّعُها الصَّفا وسَرِيُّهُ، ... عُمٌّ نَواعِمُ، بَيْنَهُنَّ كُرومُ
وَفِي حَدِيثِ
مَالِكِ بْنِ أَنس: يَشتَرطُ صاحبُ الأَرضِ على المُساقي خَمَّ العَيْنِ وسَرْوَ الشِّرْبِ
؛ قَالَ الْقُتَيْبِيُّ: يُرِيدُ تَنْقِيةَ أَنْهارِ الشِّرْبِ وسَواقيه، وَهُوَ مِنْ قَوْلِكَ سَرَوْت الشَّيْءَ إِذَا نَزَعْته، قَالَ: وسأَلت الْحِجَازِيِّينَ عَنْهُ فَقَالُوا: هِيَ تَنْقِية الشَّرَبات. والشَّرَبة: كالحَوْض فِي أَصل النَّخْلة مِنْهُ تَشْرب، قَالَ: وأَحسِبه مِنْ سَرَوْت الشَّيْءَ إِذَا نَزَعْته وكَشَفْت عَنْهُ، وخَمُّ العَيْنِ: كَسْحُها. والسَّراةُ: الظَّهْرُ؛ قَالَ:
شَوْقَبٌ شَرْحَبٌ كأَنَّ قَناةً ... حَمَلَتْه، وَفِي السَّراةِ دُمُوجُ
وَالْجَمْعُ سَرَوات، وَلَا يُكَسَّر. وسُرِّيَ عَنْهُ: تَجلَّى هَمُّه. وانْسَرَى عَنْهُ الهَمُّ: انْكَشف، وسُرِّيَ عَنْهُ مِثْلُهُ. والسَّرْوُ: مَا ارْتَفع مِنَ الْوَادِي وانْحَدَر عَنْ غَلْظِ الجَبَل، وَقِيلَ: السَّرْوُ مِنَ الجَبَل مَا ارْتَفَع عَنْ مَوْضِعِ السَّيلْ وانْحَدَر عَنْ غَلْظ الجبَل. وَفِي الْحَدِيثِ:
سَرْوُ حِمْيَر، وَهُوَ النَّعْفُ والخَيْفُ
، وَقِيلَ: سَرْوُ حِمْيَر مَحَلَّتها. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لئِنْ بَقِيت إِلَى قابِلٍ ليَأْتِيَنَّ الراعِيَ بِسَرْو حِمْيَر حَقُّه لَمْ يَعْرَقْ جَبِينهُ فِيهِ
، وَفِي رِوَايَةٍ:
ليَأْتِيَنَّ الراعِيَ بسَرَوَات حمْيَرَ
، وَالْمَعْرُوفُ فِي وَاحِدَةِ سَرَواتٍ سَراة. وسَراة الطريقِ: ظَهْرهُ ومُعْظَمهُ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
رِياحِ بنِ الحرثِ: فصَعِدوا سَرْواً
أَي مُنْحَدراً مِنَ الجَبل. والسَّرْوُ: شَجَرٌ، وَاحِدَتُهُ سَرْوَة. والسَّرَاءُ: شَجَرٌ، وَاحِدَتُهُ سَرَاءة؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
رَآهَا فُؤَادي أُمَّ خِشْفٍ خَلا لَهَا، ... بقُور الوِراقَيْن، السَّرَاءُ المُصَنَّفُ
قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: هُوَ مِنَ كِبار الشَّجَرِ يَنْبُتُ فِي الْجِبَالِ، وَرُبَّمَا اتُّخِذَ مِنْهَا القِسِيُّ العَرَبيَّة. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: وتُتَّخذ القِسِيُّ مِنَ السَّراءِ، وَهُوَ مِنْ عُتْقِ الْعِيدَانِ وشَجَرِ الجِبال؛ قَالَ لَبِيدٌ:(14/380)
تَشِينُ صِحاحَ البِيدِ كُلَّ عَشِيَّةٍ، ... بعُودِ السَّراء، عِنْدَ بابٍ مُحَجَّب
يَقُولُ: إِنَّهُمْ حَضَرُوا بَابَ الْمَلِكِ وَهُمْ مُتنَكِّبو قسِيِّهِمْ فَتَفَاخَرُوا، فَكُلَّمَا ذَكَرَ مِنْهُمْ رَجُلٌ مأْثَرة خَطَّ لَهَا فِي الأَرض خَطًّا، فأَيّهم وُجِدَ أَكثر خُطوطاً كَانَ أَكْثَرَ مآثِرَ فَذَلِكَ شَيْنُهم صِحَاحَ البِيد. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: والسَّراءُ ضَرْب من شَجر القِسِيِّ، الْوَاحِدَةُ سَراءَةٌ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: السَّراءُ، بِالْفَتْحِ مَمْدُودٌ، شَجَرٌ تُتَّخذ مِنْهُ الْقِسِيُّ؛ قَالَ زُهَيْرٌ يصفُ وَحْشاً:
ثلاثٌ كأَقْواسِ السَّراء، وناشِطٌ ... قَدِ انحَصَّ، مِنْ لَسِّ الغَمِير، جحافِلُهْ
والسَّرْوةُ: دودَةٌ تَقَعُ فِي النَّبَاتِ فتأْكلُه، وَالْجَمْعُ سَرْوٌ. وأَرضٌ مَسْرُوَّة: مِنَ السَّرْوةِ. والسِّرْوُ: الجَرادُ أَولَ مَا يَنْبُتُ حِينَ يخرُجُ مِنْ بَيْضِه. الْجَوْهَرِيُّ: والسِّرْوةُ الجَرادة أولَ مَا تكونُ وَهِيَ دُودَةٌ، وأَصله الْهَمْزُ، والسِّرْيَةُ لُغَةٌ فِيهَا. وأَرض مَسْرُوَّة ذاتُ سِرْوةٍ، وَقَدْ أَنكر عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ السِّرْوةَ فِي الجَرادة وَقَالَ: إِنَّمَا هِيَ السِّرْأَةُ، بِالْهَمْزِ لَا غيرُ، مَنْ سَرَأَت الجرادةُ سَرْأً إِذَا بَاضَتْ. وَيُقَالُ: جَرادةٌ سَرُوٌّ، وَالْجُمَعُ سِرَاءٌ. وسَراةُ اليَمَنِ: مَعْرُوفَةٌ، وَالْجَمْعُ سَرَوَات؛ حَكَاهُ ابْنُ سِيدَهْ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ فَقَالَ: وبالسَّرَاة شَجَرُ جَوْزٍ لَا يُرَبَّى. والسُّرَى: سَيرُ الليلِ عامَّتهِ، وَقِيلَ: السُّرَى سيرُ الليلِ كلِّه، تُذَكِّرهُ الْعَرَبُ وتؤَنِّثهُ، قَالَ: وَلَمْ يَعْرِفِ اللِّحْيَانِيُّ إِلَّا التأْنيث؛ وَقَوْلُ لَبِيدٌ:
قلتُ: هَجِّدْنا فَقَدْ طَالَ السُّرَى، ... وقَدَرْنا إنْ خَنى الليلِ غَفَل
قَدْ يَكُونَ عَلَى لُغَةِ مَنْ ذكَّر، قَالَ: وَقَدْ يَجُوزُ أَن يُريد طالَتِ السُّرَى فحذَفَ عَلَامَةَ التأْنيث لأَنه لَيْسَ بِمُؤَنَّثٍ حَقِيقِيٍّ، وَقَدْ سَرَى سُرىً وسَرْيَةً وسُرْيَةً فَهُوَ سارٍ؛ قَالَ:
أَتَوْا نَارِي فقلْتُ: مَنُونَ؟ قَالُوا: ... سُرَاةُ الجِنِّ، قلتُ: عِمُوا صَباحا
وسَرَيْت سُرىً ومَسْرىً وأَسْرَيْت بِمَعْنَى إِذَا سِرْت لَيْلًا، بالأَلف لُغَةُ أَهل الْحِجَازِ، وجاءَ القرآنُ العزيزُ بِهِمَا جَمِيعًا. وَيُقَالُ: سَرَيْنا سَرْيةً وَاحِدَةً، وَالِاسْمُ السُّرْيةُ، بِالضَّمِّ، والسُّرَى وأَسْراهُ وأَسْرَى بِهِ. وَفِي الْمَثَلِ: ذَهَبُوا إسْراءَ قُنْفُذَةٍ، وَذَلِكَ أَنَّ القُنْفُذَ يَسْرِي ليلَه كلَّه لَا يَنَامُ؛ قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ:
حَيِّ النَّضِيرَةَ رَبَّةَ الخِدْرِ، ... أَسْرَتْ إليكَ وَلَمْ تكُنْ تُسْري «2»
. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: رأَيت بِخَطِّ الْوَزِيرِ ابْنِ الْمَغْرِبِيِّ: حَيِّ النصِيرة؛ وَقَالَ النَّابِغَةُ:
أَسْرَتْ إليهِ مِنَ الجَوْزاءِ سارِيَةٌ
وَيُرْوَى: سَرَت؛ وَقَالَ لَبِيدٌ:
فباتَ وأَسْرَى القومُ آخرَ ليْلِهِمْ، ... وَمَا كَانَ وقَّافاً بغيرِ مُعَصَّرِ «3»
. وَفِي حَدِيثِ
جَابِرٍ قَالَ لَهُ: مَا السُّرَى يَا جابِرُ
؛ السُّرَى: السَّيرُ بِاللَّيْلِ، أَراد مَا أَوْجبَ مَجيئَك فِي هَذَا الْوَقْتِ. واسْتَرَى كأَسْرَى؛ قَالَ الْهُذَلِيُّ:
وخَفُّوا فأَمّا الجامِلُ الجَوْنُ فاسْترَى ... بلَيلٍ، وأَمّا الحَيُّ بعدُ، فأَصْبَحُوا
وأَنشد ابْنُ الأَعرابي قولَ كُثَيِّرٍ:
أَرُوحُ وأَغْدُو مِنْ هَواكِ وأَسْتَرِي، ... وَفِي النَّفْسِ مِمَّا قَدْ عَلِمْتِ عَلاقِمُ
__________
(2) . عجز البيت:
تُزجي الشمالُ عليه وابل البَرَد
(3) . قوله
وَمَا كَانَ وَقَّافًا بِغَيْرٍ معصر
هكذا في الأَصل، وتقدم في مادة عصر: بدار معصر(14/381)
وَقَدْ سَرَى بِهِ وأَسْرَى. والسَّرَّاءُ: الكثِيرُ السُّرى بالليلِ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا
، وَفِيهِ أَيضاً: وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ
، فنزَل الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ بِاللُّغَتَيْنِ. وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ عَنْ أَصحابه: سَرَيْت بالليل وأَسْرَيْت، فَجَاءَ بِاللُّغَتَيْنِ. وَقَالَ أَبو إِسْحَاقَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ
، قَالَ: مَعْنَاهُ سَيَّرَ عَبْدَه. يُقَالُ: أَسْرَيْت وسَرَيْت إذا سِرْتَ ليلًا. وأَسْراهُ وأَسْرَى بِهِ: مثلُ أَخَذَ الخِطامَ وأَخَذَ بالخِطامِ، وَإِنَّمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا
، وَإِنْ كَانَ السُّرَى لَا يَكُونُ إِلَّا بِاللَّيْلِ للتأْكيد، كَقَوْلِهِمْ: سِرْت أَمسِ نَهَارًا والبارِحةَ لَيْلًا. والسِّرايَةُ: سُرَى اللَّيْلِ، وَهُوَ مَصْدَرٌ، ويَقلّ فِي الْمَصَادِرِ أَن تَجِيءَ عَلَى هَذَا الْبِنَاءِ لأَنه مِنْ أَبنية الْجَمْعِ، يَدُلُّ عَلَى صِحَّةٍ ذَلِكَ أَنَّ بَعْضَ الْعَرَبِ يُؤَنِّثُ السُّرَى والهُدى، وَهُمْ بَنُو أَسد، توهُّماً أَنهما جمعُ سُرْيَةٍ وهُدْيَةٍ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُ هَذَا أَي تأْنيث السُّرى قَوْلُ جرير:
هُمُ رَجَعُوها بعدَ ما طالتِ السُّرى ... عَواناً، ورَدُّوا حُمْرةَ الكَيْنِ أَسْودا
وَقَالَ أَبو إِسْحَاقَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ
؛ مَعْنَى يَسْرِ يَمْضِي، قَالَ: سَرى يَسْري إِذَا مَضى، قَالَ: وَحُذِفَتِ الْيَاءُ مِنْ يَسْرِي لأَنها رأْس آيَةٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ قَوْلُهُ: وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ
، إِذَا يُسْرى فِيهِ كَمَا قَالُوا لَيْلٌ نائمٌ أَي يُنامُ فِيهِ. وَقَالَ: فَإِذَا عَزَم الأَمرُ أَي عُزِمَ عليه. والسارية من السحاب: التي تجيءُ لَيْلًا، وَفِي مَكَانٍ آخَرَ: السارِية السَّحَابَةِ الَّتِي تَسْري لَيْلًا، وَجَمْعُهَا السَّوَارِي؛ وَمِنْهُ قَوْلُ النَّابِغَةِ:
سَرَتْ عَلَيْهِ، مِنَ الجَوْزاءِ، ... سارِيَةٌ تُزْجِي الشَّمالُ عَلَيْهِ جامِدَ البرَد
ابْنُ سِيدَهْ: والسَّارِيَة السَّحَابَةُ الَّتِي بَيْنَ الغادِيَة وَالرَّائِحَةِ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: السَّارِيَة المَطْرة الَّتِي تَكُونُ بِاللَّيْلِ؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
رأَيتُكَ تَغْشَى السَّارِياتِ، وَلَمْ تَكُنْ ... لتَرْكَبَ إلَّا ذَا الرّسُوم المُوقَّعا
قِيلَ: يعني ب السَّارِيَات الحُمُرَ لأَنها تَرْعى لَيْلًا وتَنَفَّسُ وَلَا تُقِرُّ بِاللَّيْلِ، وتَغْشى أَي تُرْكَبُ؛ هَذَا قَوْلُ ابْنِ الأَعرابي؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي أَنه عَنَى بغِشْيانِها نِكاحَها، لأَن الْبَيْتَ لِلْفَرَزْدَقِ يَهْجُو جَرِيرًا وكأَنه يَعِيبُهُ بِذَلِكَ؛ وَاسْتَعَارَ بعضُهم السُّرى للدَّواهي والحُرُوبِ والهُمُومِ فَقَالَ فِي صِفَةِ الحرب أَنشده ثعلب للحرث بْنِ وَعْلَةَ:
ولكنَّها تَسْري، إِذَا نَامَ أَهلُها، ... فتأْتي عَلَى مَا لَيْسَ يَخْطُر فِي الوَهْمِ
وَفِي حَدِيثِ
مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالسَبْعِينَ مِنْ قَوْمِهِ: ثُمَّ تَبْرُزُونَ صَبيحَةَ سارِيةٍ
أَيْ صَبيحةَ ليلةٍ فِيهَا مَطَر. والسَّارِيَة: السَّحَابَةُ تُمْطِر لَيْلًا، فاعِلة مِنَ السُّرى سَيرِ الليلِ، وَهِيَ مِنَ الصِّفَاتِ الْغَالِبَةِ؛ وَمِنْهُ قَوْلَ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ:
تَنْفي الرِّيَاحُ القَذَى عَنْهُ، وأَفْرَطَه، ... مِنْ صَوْبِ ساريةٍ، بيضٌ يَعالِيلُ
وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ فِي الحَساء إِنَّهُ يَرْتُو فؤادَ الحَزِين ويَسْرُو عَنْ فُؤَادِ السَّقيم
؛ قَالَ الأَصمعي: يَرْتو بِمَعْنَى يَشُدُّه ويقوِّيه، وَأَمَّا يَسْرُو فَمَعْنَاهُ يكشِفُ عَنْ فؤادِه الأَلم ويُزيلُه، وَلِهَذَا قِيلَ سَرَوْت الثَّوْبَ وَغَيْرَهُ عَنِّي سَرْواً وسَرَيتُه وسَرَّيته إِذَا أَلقَيته عَنْكَ ونَضَوْتَه؛ قَالَ ابْنُ هَرِمَةَ:
سَرَى ثوْبَه عَنْكَ الصِّبا المُتَخايلُ، ... ووَدَّعَ لِلْبَينِ الخَلِيطُ المُزايِلُ(14/382)
أَي كشَف. وسَرَوْت عنيِ دِرْعِي، بِالْوَاوِ لَا غَيْرَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
فَإِذَا مَطرَتْ يَعْنِي السَّحابةَ سُرِّي عَنْهُ
أَي كُشِف عَنْهُ الخَوْفُ، وَقَدْ تكرَّر ذِكْرُ هَذِهِ اللَّفْظَةُ فِي الْحَدِيثِ، وخاصَّةً فِي ذِكْرِ نُزول الوَحْي عَلَيْهِ، وكلُّها بِمَعْنَى الكشْفِ والإِزالة. والسَّرِيَّةُ: مَا بَيْنَ خَمْسَةِ أَنفسٍ إِلَى ثَلَاثِمِائَةٍ، وَقِيلَ: هِيَ مِنَ الْخَيْلِ نَحْوُ أَربِعمائةٍ، ولامُها ياءٌ. والسَّرِيَّة: قِطْعَةٌ مِنَ الْجَيْشِ؛ يقال: خيرُ السَّريا أَرْبعُمائةِ رجلٍ. التَّهْذِيبِ: وأَما السَّرِيَّة مِنْ سَرايا الجيوشِ فَإِنَّهَا فَعِيلة بِمَعْنَى فاعِلَة، سُمِّيت سريَّةً لأَنها تَسْري لَيْلًا فِي خُفْيةٍ لئلَّا يَنْذَرَ بِهِمُ العدوُّ فيَحْذَروا أَو يَمْتَنِعُوا. يُقَالُ: سرَّى قائِدُ الجيشِ سَرِيَّةً إِلَى العدوِّ إِذَا جرَّدَها وَبَعَثَهَا إِلَيْهِمْ، وَهُوَ التَّسْرِيةُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
يَردُّ مُتَسَرِّيهِم عَلَى قاعدِهم
؛ المُتَسَرِّي: الَّذِي يَخْرُجُ فِي السَّرِيَّة وَهِيَ طَائِفَةٌ مِنَ الْجَيْشِ يبلُغ أَقصاها أَربعمائةٍ، وجمعُها السَّرايا، سُمُّوا بِذَلِكَ لأَنهم يَكُونُونَ خُلاصة الْعَسْكَرِ وخِيارَهم مِنَ الشَّيْءِ السَّرِيِّ النَّفيس، وَقِيلَ: سُمُّوا بِذَلِكَ لأَنهم يُنَفَّذون سِرًّا وخُفْيةً، وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ لأَن لَامَ السِّر راءٌ وَهَذِهِ ياءٌ، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَن الإِمامَ أَو أَمير الجيشِ يبعثُهم وَهُوَ خارجٌ إِلَى بِلَادِ العدوِّ، فَإِذَا غنِموا شَيْئًا كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْجَيْشِ عامَّة لأَنهم رِدْءٌ لَهُمْ وفِئَةٌ، فأَما إِذَا بَعَثَهُمْ وَهُوَ مُقِيمٌ فَإِنَّ الْقَاعِدِينَ مَعَهُ لَا يُشارِكونهم فِي المغْنَم، وَإِنْ كَانَ جَعَلَ لَهُمْ نَفَلًا مِنَ الغنِيمة لَمْ يَشْرَكْهم غيرُهم فِي شَيْءٍ مِنْهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ مَعًا. وَفِي حَدِيثِ
سعدٍ: لا يَسِيرُ ب السَّرِيَّة
أَي لَا يَخرُج بنفسهِ مَعَ السَّرِيَّة فِي الغَزْوِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا يَسير فِينَا بالسِّيرَةَ النَّفيسة؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
أَنه قَالَ لأَصحابه يَوْمَ أُحُدٍ اليومَ تُسَرَّوْنَ
أَيْ يُقتل سَريُّكُمْ، فقُتِل حمزَةُ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَمَّا حَضَرَ بَنِي شيبانَ وكلَّم سَرَاتَهم وَمِنْهُمُ المُثَنَّى بنُ حارِثَة
أَي أشرافَهم. قَالَ: وَيُجْمَعُ السَّراةُ عَلَى سَرَوات؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
الأَنصار: افتَرَقَ ملَؤُهُم وقُتِلَت سَرَوَاتُهم
أَي أَشْرافُهم. وسَرَى عرقُ الشَّجَرة يَسْرِي فِي الأَرض سَرْياً: دَبَّ تَحْتَ الأَرض. والسَّارِيَةُ: الأُسْطُوانَة، وَقِيلَ: أُسْطُوانة مِنْ حِجارة أَو آجُرٍّ، وَجَمْعُهَا السَّوَارِي. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه نَهَى أَن يُصَلَّى بَيْنَ السَّوَارِي
؛ يُرِيدُ إِذَا كَانَ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ لأَجل انْقِطَاعِ الصَّفِّ. أَبو عَمْرٍو: يُقَالُ هُوَ يُسَرِّي العَرَق عَنْ نفْسِه إِذَا كَانَ يَنْضَحُه؛ وأَنشد:
يَنْضَحْنَ ماءَ البدنِ المُسَرَّى
وَيُقَالُ: فُلَانٌ يُسَارِي إبِلَ جارِه إِذَا طَرَقَها ليَحْتلِبَها دُونَ صاحِبِها؛ قَالَ أَبو وَجْزَةَ:
فَإِنِّي، لَا وأُمِّكَ، لَا أُسَارِي ... لِقاحَ الجارِ، مَا سَمَر السَّمِيرُ
والسَّرَاةُ: جَبَلٌ بناحِية الطَّائِفِ. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: الطَّوْدُ الجَبل المُشْرف عَلَى عرَفَة يَنْقاد إلى صَنْعاءَ يقال لَهُ السَّرَاةُ، فأَوَّله سَرَاة ثَقيفٍ ثُمَّ سَراةُ فَهمٍ وعدْوانَ ثُمَّ الأَزْدِ ثُمَّ الحَرَّةِ آخِرُ ذَلِكَ. الْجَوْهَرِيُّ: وَإِسْرَائِيلُ اسمٌ، وَيُقَالُ: هُوَ مُضَافٍ إِلَى إِيلٍ، قَالَ الأَخفش: هُوَ يُهْمز وَلَا يُهْمَزُ، قَالَ: وَيُقَالُ فِي لغةٍ إِسْرَائِينَ، بِالنُّونِ، كَمَا قَالُوا جِبْرِينُ وَإِسْمَاعِينُ، وَاللَّهُ أَعلم.
سطا: السَّطْوُ: الْقَهْرُ بِالْبَطْشِ. والسَّطْوة: المرَّة الْوَاحِدَةُ، وَالْجَمْعُ السَّطَوات. وسَطا عَلَيْهِ وَبِهِ سَطْواً وسَطْوةً: صالَ، وسَطا الفحلُ كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا
؛ فَسَّرَهُ ثَعْلَبٌ فَقَالَ: مَعْنَاهُ يبْسُطون أَيديَهُم إِلَيْنَا؛ قَالَ(14/383)
الْفَرَّاءُ: يَعْنِي أَهل مَكَّةَ كَانُوا إِذَا سَمِعُوا الرَّجُلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَتْلُو الْقُرْآنَ كَادُوا يَبْطِشُونَ بِهِ. ابْنُ شُمَيْلٍ: فُلَانٌ يسْطُو عَلَى فُلَانٍ أَي يَتَطَاوَلُ عَلَيْهِ. ابْنُ بَرِّيٍّ: سَطا عَلَيْهِ وأَسْطَى عَلَيْهِ؛ قَالَ أَوس:
ففاؤُوا وَلَوْ أَسْطَوْا عَلَى أُمِّ بعضِهم، ... أَصاخَ فَلَمْ يَنْطِقْ، وَلَمْ يَتكلَّمِ
وأَميرٌ ذُو سَطْوةٍ، والسَّطْوةُ: شِدَّةُ البَطْش، وَإِنَّمَا سُمِّي الفرَس ساطِياً لأَنه يَسْطو عَلَى سائِر الْخَيْلِ وَيَقُومُ عَلَى رجليه ويسْطُو بِيَدَيْهِ، وَالْفَحْلُ يَسْطو عَلَى طَرُوقَته. وَيُقَالُ: اتَّقِ سَطْوَتَه أَي أَخْذَتَه. ابْنُ الأَعرابي: سَاطَى فلان وفلاناً إِذَا شدَّد عَلَيْهِ، وَطَاسَاهُ إِذَا رفَقَ بِهِ. أَبو سعيدٍ: سَطا الرَّجُلُ المرأَة وسَطَأَها إِذَا وطِئَها. وسَطا الماءُ: كثُر. وسَطا الرَّاعِي عَلَى النَّاقَةِ وَالْفَرَسِ سَطْواً وسُطُوّاً: أَدخل يدهَ فِي رَحِمِها فَاسْتَخْرَجَ ماءَ الْفَحْلِ مِنْهَا، وَذَلِكَ إِذَا نَزا عَلَيْهَا فحلٌ لئِيمٌ أَو كَانَ الماءُ فَاسِدًا لَا يُلْقَحُ عَنْهُ، وَإِذَا لَمْ يخرُج لَمْ تَلْقَح النَّاقَةُ. أَبو زَيْدٍ: السَّطْوُ أَن يُدْخِلَ الرجلُ اليدَ فِي الرَّحم فيستخرِجَ الْوَلَدَ، والمَسْطُ أَن يُدْخِل اليدَ فِي الرَّحِمِ فَيُسْتَخْرَجَ الوَثْرَ، وَهُوَ ماءُ الْفَحْلِ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
إِنْ كنتَ مِنْ أَمرِك فِي مَسْماسِ، ... فاسْطُ عَلَى أُمِّكَ سَطْوَ الْمَاسِيِّ
قَالَ اللَّيْثُ: وَقَدْ يُسْطَى عَلَى المرأَة إِذَا نشِبَ ولدُها فِي بَطْنِهَا ميِّتاً فيُسْتَخْرَج. وسَطا عَلَى الْحَامِلِ وساطَ، مقلوبٌ، إِذَا أَخرج ولدَها. أَبو عَمْرٍو: السَّاطِي الَّذِي يَغْتَلِم فيخرجُ مِنْ إبلٍ إِلَى إبلٍ؛ وَقَالَ زِيَادُ الطَّمَّاحي:
قامَ إِلَى عذْراءَ بالغُطاطِ، ... يَمْشي بمثْلِ قائِمِ الفُسْطاطِ
بمُكْفَهِرِّ اللَّوْنِ ذِي حَطاطِ، ... هامَتُه مثلُ الفَنِيقِ السَّاطِي
قَالَ الأَصمعي: السَّاطِي مِنَ الْخَيْلِ البعيدُ الشَّحْوَة، وَهِيَ الخَطوة. وسَطا الفرسُ أَيْ أَبْعَدَ الخَطْوَ. وفرسٌ ساطٍ: يَسْطُو عَلَى الْخَيْلِ. وسَطا عَلَى المَرأَة: أَخْرجَ الوَلدَ مَيِّتاً. ابْنُ شُمَيْلٍ: الأَيْدِي السَّواطِي الَّتِي تَتَناوَلُ الشَّيءَ؛ وأَنشد:
تَلَذُّ بأَخْذِها الأَيْدي السَّواطِي «1»
. وَحَكَى أَبو عُبيد السَّطْو فِي المرأَةِ قَالَ: وَفِي حَدِيثِ
الحَسَن، رَحِمَهُ اللَّهُ، لَا بأْسَ أَن يَسْطُوَ الرَّجُلُ عَلَى المرأَةِ إِذَا لَمْ تُوجَدِ امرأَةٌ تُعالِجُها وخِيفَ عَلَيها
، يَعْنِي إِذَا نَشِبَ وَلَدُها فِي بَطْنها ميِّتاً فلَهُ معَ عدَمِ القابلَة أَن يُدخِلَ يَدَه فِي فَرْجِهَا ويَسْتَخْرِج الوَلَدَ، وَذَلِكَ الفِعلُ السَّطْوُ، وأَصله القَهْرُ والبَطْشُ. وفرسٌ سَاطٍ: بعيدُ الشَّحْوة، وَقِيلَ: هُوَ الرَّافِعُ ذَنَبَه فِي عَدْوِه، وَهُوَ مَحْمود، وَقَدْ سَطَا يَسْطُو سَطْواً؛ وقال رؤْبة:
عَمّ اليَدَيْنِ بالجِرَاءِ سَاطِي «2»
. وَقَالَ الشَّاعِرُ:
وأَقْدَر مُشْرِف الصَّهَواتِ سَاطٍ، ... كُمَيْت لَا أَحَقّ وَلَا شَئِيتُ
وسَطَا سَطْواً: عاقَب، وَقِيلَ: سَطَا الفَرَسُ سَطْواً ركِبَ رأْسَه في السَّيْر.
سعا: ابْنُ سِيدَهْ: مَضَى سَعْوٌ مِنَ اللَّيْلِ وسِعْوٌ وسِعْواءُ وسُعْواءُ، مَمْدُودٌ، وسَعْوَةٌ وسِعْوَةٌ أَي قِطْعَةٌ. قَالَ ابْنُ بُزُرْجَ: السِّعْواءُ مُذكَّر، وقال
__________
(1) . قوله [تلذ إلخ] هو عجز بيت وصدره كما في الأَساس:
ركود فِي الْإِنَاءِ لَهَا حُمَيَّا
(2) . قوله [عم اليدين إلخ] هو هكذا في الأَصل، ولعله غمر(14/384)
بَعْضُهُمْ: السِّعْوَاءُ فوقَ الساعَة مِنَ الليلِ، وَكَذَلِكَ السِّعْوَاءُ مِنَ النَّهَارِ. وَيُقَالُ: كُنَّا عندَه سِعْوَاتٍ مِنَ اللَّيْلِ «1» . والنهارِ. ابْنُ الأَعرابي: السِّعْوة السَّاعَةُ مِنَ الليلِ، والأَسْعاءُ ساعاتُ اللَّيْلِ، والسَّعْو الشَّمَع فِي بَعْضِ اللُّغَاتِ، والسَّعْوة الشَّمعة. وَيُقَالُ للمرأَة البَذِيَّة الجالِعة: سِعْوَةٌ وعِلْقَةٌ وسِلْقَةٌ.
والسَّعْيُ: عدْوٌ دُونَ الشَّدِّ، سَعَى يَسْعَى سَعْياً. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِذَا أَتيتم الصَّلاةَ فَلَا تَأْتُوها وأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ وَلَكِنِ ائْتُوها وعَلَيكُمُ السَّكِينَة، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فأَتِمُّوا
؛ ف السَّعْيُ هُنَا العَدْوُ. سَعَى إِذَا عَدَا، وسَعَى إِذَا مَشَى، وسَعَى إِذَا عَمِلَ، وسَعَى إِذَا قَصَد، وَإِذَا كَانَ بِمَعْنَى المُضِيِّ عُدِّيَ بِإِلَى، وَإِذَا كَانَ بِمَعْنَى العَمَل عُدِّي بِاللَّامِ. والسَّعيُ: القَصْدُ، وَبِذَلِكَ فُسِّرَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ
؛ وليسَ مِنَ السَّعْي الَّذِي هُوَ العَدْوُ،
وقرأَ ابْنُ مَسْعُودٍ: فامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللهِ
، وَقَالَ: لَوْ كانَتْ مِنَ السَّعْي لَسَعَيْتُ حَتَّى يَسْقُط رِدَائِي. قَالَ الزَّجَّاجُ: السَّعْيُ والذَّهابُ بِمَعْنًى واحدٍ لأَنّك تقولُ لِلرَّجُلِ هُوَ يَسْعَى فِي الأَرض، وَلَيْسَ هَذَا باشْتِدادٍ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: أَصلُ السَّعْيِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ التصرُّف فِي كُلِّ عَمَلٍ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا مَا سَعى
؛ مَعْنَاهُ إلَّا مَا عَمِلَ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ
، فاقْصِدُوا. والسَّعْيُ: الكَسْبُ، وكلُّ عملٍ مِنْ خَيْرٍ أَو شَرٍّ سَعْي، والفعلُ كالفِعْلِ. وَفِي التَّنْزِيلِ: لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى
. وسَعَى لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ: عَمِلَ لَهُمْ وكَسَبَ. وأَسْعَى غيرهَ: جَعَلَه يَسْعَى؛ وَقَدْ رُوِيَ بيتُ أَبي خِراش:
أَبْلِغْ عَلِيّاً، أَطالَ اللهُ ذُلَّهُمُ ... أَنَّ البُكَيْرَ الَّذِي أَسْعَوْا بِهِ هَمَلُ
أَسْعَوْا وأَشْعَوْا. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ
؛ أَي أَدْرَك مَعَه العَمَل، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَطاقَ أَنْ يُعِينَه عَلَى عَمَله، قَالَ: وَكَانَ إسماعيلُ يومئذٍ ابْنَ ثَلَاثَ عشْرةَ سَنَةٍ؛ قال الزَّجَّاجُ: يُقَالُ إِنَّهُ قَدْ بَلَغ فِي ذَلِكَ الوقتِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةٍ وَلَمْ يُسَمِّه. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، فِي ذَمّ الدُّنْيَا: مَنْ سَاعَاهَا فاتَتْهُ
أَي سابَقَها، وَهِيَ مُفاعَلَة مِنَ السَّعُيِ كأَنها تَسْعَى ذاهِبةً عَنْهُ وَهُوَ يَسْعَى مُجِدّاً فِي طَلَبِها فكلٌّ مِنْهُمَا يطلُبُ الغَلَبة فِي السَّعْي. والسَّعاةُ: التَّصَرُّفُ، ونَظير السَّعاةِ فِي الكلامِ النَّجاة مِنْ نجَا يَنْجُو، والفَلاةُ مَنْ فَلاهُ يَفْلُوه إِذَا قَطَعَه عَنِ الرَّضَاعِ، وعَصاهُ يَعْصُوه عَصاةً، والغَراةُ مِنْ قَوْلِكَ غَرِيتُ بِهِ أَي أُولِعْتُ بِهِ غَراةً، وفَعَلْت ذَلِكَ رَجاةَ كَذَا وَكَذَا، وتَرَكْت الأَمرَ خَشاةَ الإِثْمِ، وأَغْرَيْتُه إغْراءً وغَراةً، وأَذِيَ أَذىً وأَذَاةً، وَغَدِيتُ غُدْوَةً «2» . وغَداةً؛ حَكَى الأَزهري ذَلِكَ كلَّه عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ. والسَّعْيُ يَكُونُ فِي الصلاحِ وَيَكُونُ فِي الْفَسَادِ؛ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً؛ نصبَ قَوْلَهُ فَسَادًا لأَنه مفعولٌ لَهُ أَراد يَسْعَوْن فِي الأَرضِ لِلْفَسَادِ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تُسَمِّي أَصحابَ الحَمالاتِ لِحَقْنِ الدِّماءِ وإطْفاءِ النَّائِرةِ سُعاةً لسَعْيِهِم فِي صَلاحِ ذاتِ البَيْنِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ زُهَيْرٌ:
سَعَى ساعِيَا غَيظِ بنِ مُرَّةَ، بعد ما ... تَبَزَّلَ مَا بَيْنَ العَشيرَةِ بالدَّمِ
__________
(1) . قوله [سعوات من الليل إلخ] هكذا في نسخ اللسان التي بأَيدينا، وفي بعض الأَصول سعواوات
(2) . قوله [وغديت غدوة إلخ] هكذا في الأَصل(14/385)
أَي سَعَيَا فِي الصلحِ وجمعِ مَا تَحَمَّلا مِنْ دِياتِ القَتْلى، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي مَآثِرَ أَهلِ الشَّرَف وَالْفَضْلِ مَساعِيَ، واحدتُها مَسْعاةٌ لسَعْيِهِم فِيهَا كأَنها مَكاسِبُهُم وأَعمالُهم الَّتِي أَعْنَوْا فِيهَا أَنفسَهم، والسَّعاةُ اسمٌ مِنْ ذَلِكَ. وَمِنْ أَمثال الْعَرَبِ: شَغَلَتْ سَعاتي جَدْوايَ؛ قَالَ أَبو عُبَيْد: يُضْرَب هَذَا مَثَلًا لِلرَّجُلِ تكونُ شِيمَتُه الكَرَم غَيْرَ أَنه مُعْدِمٌ، يَقُولُ: شَغَلَتْني أُمُوري عَنِ الناسِ والإِفْضالِ عَلَيْهِمْ. والمَسْعاةُ: المَكْرُمَة والمَعْلاةُ فِي أَنْواعِ المَجْدِ والجُودِ. سَاعاهُ فسَعاهُ يَسْعِيهِ أَيْ كَانَ أَسْعَى مِنْهُ. وَمِنْ أَمثالهم فِي هَذَا: بالساعِدِ تَبْطِشُ اليَدُ. وَقَالَ الأَزهري: كأَنه أَرادَ ب السَّعاةِ الكَسْبَ عَلَى نفسهِ والتَّصَرُّفَ فِي معاشهِ؛ وَمِنْهُ قولُهم: المَرْءُ يَسْعى لِغارَيْه أَي يَكْسِبُ لبَطْنِهِ وفَرْجِهِ. وَيُقَالُ لِعامِل الصَّدَقاتِ ساعٍ، وجَمْعُه سُعاةٌ. وسَعى المُصَدِّقُ يَسْعَى سِعايةً إِذَا عَمِلَ عَلَى الصَّدقاتِ وأَخذها مِنْ أَغْنِيائِها وَرَدَّهَا فِي فُقَرائِها. وسَعَى سِعايةً أَيضاً: مَشى لأَخْذِ الصَّدَقَةِ فقَبَضَها مِنَ المُصَدِّق. والسُّعاةُ: وُلاةُ الصَّدَقَةِ؛ قَالَ عَمْرُو بْنُ العَدَّاء الكَلْبي:
سَعَى عِقالًا فلَمْ يَتْرُكْ لَنَا سَبَداً، ... فكَيْفَ لَوْ قَدْ سَعَى عَمْروٌ عِقالَينِ؟
وَفِي حَدِيثِ
وَائِلِ بْنِ حُجْر: إنَّ وائِلًا يُسْتَسْعَى ويَتَرَفَّلُ عَلَى الأَقْوالِ
أَي يُسْتَعْمَلُ عَلَى الصَّدَقَاتِ ويَتَولَّى اسْتِخْراجَها مِنْ أَرْبابها، وَبِهِ سُمِّيَ عامِلُ الزكاةِ الساعِيَ. وَمِنْهُ قولهُ: ولَتُدْرَكَنَّ القِلاصُ فَلَا يُسْعَى عَلَيْهَا أَي تُتْرَكُ زكاتُها فَلَا يَكُونُ لَهَا ساعٍ. وسَعَى عَلَيْهَا: كعَمِل عَلَيْهَا. وَالسَّاعِي: الَّذِي يقومُ بأَمرِ أَصحابهِ عِنْدَ السُّلْطانِ، والجمعُ السُّعاةُ. قَالَ: وَيُقَالُ إِنَّهُ ليَقوم أَهلَه أَي يقومُ بأَمرِهِم. وَيُقَالُ: فُلَانٌ يَسْعَى عَلَى عِياله أَي يَتَصَرَّف لَهُمْ، كَمَا قَالَ الشاعرْ:
أَسْعَى عَلى جُلِّ بَنِي مالِكٍ، ... كُلُّ امْرِئٍ فِي شَأْنهِ سَاعِي
وسَعَى بِهِ سِعايَةً إِلَى الوَالي: وَشَى. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّه قَالَ: السَّاعِي لغَيْرِ رِشْدَةٍ
؛ أَراد ب السَّاعِي الَّذِي يَسْعَى بِصَاحِبِهِ إِلَى سُلطانهِ فيَمْحَلُ بِهِ ليُؤْذِيَه أَي أَنَّه ليسَ ثابتَ النَّسَبِ مِنْ أَبيه الَّذِي يَنْتَمِي إِلَيْهِ وَلَا هُوَ وَلَدُ حَلالٍ. وَفِي حَدِيثِ
كَعْبٍ: السَّاعِي مُثَلِّثٌ
؛ تأْويلُه أَنه يُهْلِك ثلاثةَ نَفَرٍ بسِعايتهِ: أَحَدُهم المَسْعِيُّ بِهِ، وَالثَّانِي السُّلْطانُ الَّذِي سَعَى بصاحبهِ إِلَيْهِ حَتَّى أَهْلَكَه، وَالثَّالِثُ هُوَ السَّاعِي نفسهُ، سُمِّيَ مُثَلِّثاً لإِهْلاكهِ ثلاثَةَ نَفَرٍ، وَمِمَّا يُحَقّق ذَلِكَ الخبرُ الثَّابِتُ
عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنه قَالَ: لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَتَّاتٌ
، فالقَتَّاتُ والساعِي والماحِلُ واحدٌ. واسْتَسْعَى العبْدَ: كَلَّفَه مِنَ العَمَل مَا يُؤَدِّي بِهِ عَنْ نَفْسهِ إِذَا أُعْتِقَ بَعضهُ لِيعْتِقَ بِهِ مَا بَقِيَ، والسِّعايَةُ مَا كُلِّفَ مِنْ ذلِك. وسَعَى المُكاتَبُ فِي عِتْقِ رَقَبَتهِ سِعايَةً واسْتَسْعَيْت العَبْدَ فِي قِيمَته. وَفِي حَدِيثِ العِتْقِ:
إِذَا أُعْتِقَ بعضُ العَبْدِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مالٌ اسْتُسْعِيَ غيرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ
؛ اسْتِسْعاءُ العَبْدِ إِذَا عَتَقَ بَعْضهُ ورَقَّ بعضهُ هُوَ أَنْ يَسْعَى فِي فَكاكِ مَا بَقي مِنْ رِقِّه فيَعْمَلَ ويكسِبَ ويَصْرِفَ ثَمَنه إِلَى مَوْلَاهُ، فسُمِّي تصرُّفه فِي كَسْبه سِعايِةً، وغيرَ مَشْقوق عَلَيْهِ أَي لَا يكلِّفهُ فَوْقَ طاقَتهِ؛ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ اسْتُسْعِيَ العبدُ لسَيّده أَي يَسْتَخْدِمُه مالِكُ باقِيه بقَدْرِ مَا فِيهِ مِنَ الرِّقِّ وَلَا يُحَمِّلُه مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ. وَقَالَ الخطَّابي: قَوْلُهُ اسْتُسْعِيَ غيرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ لَا يُثْبِتُه أَكثر أَهل النَّقْل مُسْنَداً عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،(14/386)
وَيَزْعُمُونَ أَنه مِنْ قَوْلِ قَتَادَةَ. وسَعَتِ الأَمَة: بَغَتْ. وسَاعَى الأَمَةَ: طَلَبَها لِلْبِغَاء، وعَمّ ثعلبٌ بِهِ الأَمة وَالْحُرَّةَ؛ وأَنشد للأَعشى:
ومِثْلِكِ خَوْدٍ بادِنٍ قَدْ طَلَبْتُها، ... وساعَيْتُ مَعْصِيّاً إِلَيْهَا وُشاتُها
قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: المُساعاةُ مُساعاةُ الأَمَة إِذَا سَاعَى بِهَا مالِكُها فضَرَب عَلَيْهَا ضَريبَةً تُؤَدِّيها بالزِّنا، وَقِيلَ: لَا تَكُونُ المُساعاةُ إلَّا فِي الإِماء، وخُصِّصْنَ بالمُساعاةِ دونَ الحرائِر لأَنُهنَّ كنَّ يَسْعَيْنَ عَلَى مَواليهِنَّ فيَكْسِبْنَ لَهُمْ بضَرائِب كَانَتْ عليهِنَّ. ونقول: زَنى الرجلُ وعَهَرَ، فَهَذَا قَدْ يَكُونُ بالحُرَّةِ والأَمَة، وَلَا تَكُونُ المُساعاةُ إِلَّا فِي الإِماءِ خاصَّة. وَفِي الْحَدِيثِ:
إماءٌ ساعَيْنَ فِي الجاهِليَّةِ
؛ وأُتِيَ عُمَرُ بِرَجُلٍ سَاعَى أَمَةً.
وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا مُساعاةَ فِي الإِسْلامِ، وَمَنْ سَاعَى فِي الجاهِلِيَّةِ فَقَدْ لَحِقَ بِعَصَبَتهِ
؛ المُساعاةُ: الزِّنا. يُقَالُ: ساعَت الأَمَةُ إِذَا فَجَرَت، وَسَاعَاهَا فُلَانٌ إِذَا فَجَرَ بِهَا، وَهُوَ مُفاعَلَةٌ مِنَ السَّعْيِ، كأَنَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْعى لصاحِبه فِي حُصُولِ غَرَضهِ، فأَبْطَلَ الإِسلامُ، شرَّفه اللَّهُ، ذلِك وَلَمْ يُلْحِقِ النَّسبَ بِهَا، وعَفا عَمَّا كَانَ مِنْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِمَّنْ أُلحِقَ بِهَا. وَفِي حَدِيثِ
عمرَ: أَنه أُتِيَ فِي نساءٍ أَو إماءٍ ساعَيْنَ فِي الجاهِلِيَّة فأَمَرَ بأَوْلادِهِنَّ أَنْ يُقَوَّموا عَلَى آبَائِهِمْ وَلَا يُسْتَرَقُّوا
؛ مَعْنَى التَّقْوِيمِ أَن تَكُونَ قيمَتُهم عَلَى الزانينَ لمِوالي الإِماء وَيَكُونُوا أَحراراً لاحِقي الأَنْسابِ بآبائِهِم الزُّناةِ؛ وكانَ عُمَرُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يُلْحِقُ أَولادَ الجاهِليَّة بِمَنِ ادَّعاهُمْ فِي الإِسْلامِ عَلَى شَرْطِ التَّقويم، وَإِذَا كَانَ الوَطْءُ والدَّعْوى جَمِيعًا فِي الإِسلام فدَعْواهُ باطِلَة والوَلَد مملوكٌ لأَنه عاهِرٌ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وأَهلُ الْعِلْمِ مِنَ الأَئِمَّة عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ وَلِهَذَا أَنكروا بأَجمَعِهم عَلَى مُعاوية فِي اسْتِلْحَاقِهِ زِيَادًا، وَكَانَ الوَطْءُ فِي الجاهِلية والدَّعْوى فِي الإِسلام. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: أَخبرني الأَصمعي أَنه سَمِعَ ابْنَ عَوْنٍ يَذكُر هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ:
إِنَّ المُساعاةَ لَا تكونُ فِي الحَرائِرِ إِنَّمَا تَكُونُ فِي الإِماء
؛ قَالَ الأَزهري: مِنْ هُنا أُخِذ اسْتِسْعاءُ العَبْدِ إِذَا عَتَقَ بَعْضُهُ ورَقَّ بَعْضُه، وَذَلِكَ أَنه يَسْعى فِي فَكاكِ مَا رَقَّ مِنْ رَقَبَتهِ فيعمَلُ فِيهِ ويَتَصَرَّف فِي كسْبهِ حَتَّى يَعْتِق، وَيُسَمَّى تَصَرُّفُهُ فِي كَسبه سعايَةً لأَنه يَعْمل فِيهِ؛ وَمِنْهُ يُقَالُ: اسْتُسْعِيَ العَبْدُ فِي رَقَبَتهِ وسُوعِيَ في غَلَّتهِ، ف المُسْتَسْعى الَّذِي يُعْتِقُه مالكُه عِنْدَ مَوْتهِ وليسَ لَهُ مالٌ غيرهُ فيَعْتِقُ ثُلُثُه ويُسْتَسْعى فِي ثُلُثَيْ رَقَبَتِهِ، والمُساعاة: أَنْ يُساعِيَه فِي حياتهِ فِي ضريبَتهِ. وَسَاعِي اليَهود والنَّصارى: هُوَ رئيسُهُم الَّذِي يَصْدرون عَنْ رَأْيِهِ وَلَا يَقْضونَ أَمْراً دونَه، وَهُوَ الَّذِي ذكَرَه حُذَيْفَةُ فِي الأَمانَةِ فَقَالَ: إِنْ كَانَ يَهودِيّاً أَوْ نَصْرانِيّاً لَيَرُدّنَّهُ عَلَيَّ ساعيهِ، وَقِيلَ: أَراد ب السَّاعي الوالِيَ عَلَيْهِ مِنَ المُسْلِمينَ وَهُوَ العامِل، يَقُولُ يُنْصِفُني مِنْهُ. وَكُلُّ مَنْ وليَ أَمر قَوْمٍ فَهُوَ ساعٍ عَلَيْهِمْ، وأَكثر مَا يُقال فِي وُلاةِ الصَّدَقة. يُقَالُ سَعى علَيها أَي عَمِلَ عَليها. وسَعْيَا، مَقْصُورٌ: اسْمُ مَوْضع؛ أَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لأُخْتِ عمروٍ ذِي الكَلْب تَرْثِيهِ مِنْ قَصِيدَةٍ أَوَّلُهَا:
كُلُّ امْرئٍ بِطُوَالِ العَيْشِ مَكْذوبُ، ... وكلُّ مَنْ غالَبَ الأَيّامَ مَغْلوبُ
أَبْلِغْ بَني كاهِلٍ عَنّي مُغَلْغَلَةً، ... والقَوْمُ مِنْ دونِهِم سَعْيَا ومَرْكُوبُ
قَالَ ابْنُ جِنِّي: سَعْيَا مِنَ الشَّاذِّ عِنْدِي عَنْ قياسِ(14/387)
نَظَائِرِهِ وَقِيَاسُهُ سَعْوى، وَذَلِكَ أَن فَعْلى إِذَا كَانَتِ اسْمًا مِمَّا لامُه ياءٌ فإنَّ ياءَهُ تُقلَب وَاوًا لِلْفَرْقِ بَيْنَ الِاسْمِ وَالصِّفَةِ، وَذَلِكَ نَحْوَ الشَّرْوَى والبَقْوى والتَّقْوى، فسَعْيَا إِذًا شاذَّةٌ فِي خُروجِها عَنِ الأَصل كَمَا شَذَّت القُصْوى وحُزْوى. وَقَوْلُهُمْ: خُذِ الحُلْوى وأَعْطِهِ المُرّى، عَلَى أَنه قَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ سَعْيَا فَعْلَلًا مِنْ سَعَيْت إلَّا أَنَّه لَمْ يَصْرِفه لأَنه علَّقه عَلَى المَوْضِع عَلَماً مؤنَّثاً. وسَعْيَا: لغةٌ فِي شَعْيَا. وَهُوَ اسمُ نَبِيٍّ مِنْ أَنبِياء بَني إِسْرَائِيلَ.
سفا: السَّفَا: الخِفَّةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَهُوَ الجَهْلُ. والسَّفَا، مَقصورٌ: خِفَّة شَعَر الناصِيَة، زَادَ الْجَوْهَرِيُّ: فِي الخَيْل، وَلَيْسَ بمَحْمود، وَقِيلَ: قِصَرُها وقِلَّتُها. يُقَالُ: ناصِيَةٌ فِيهَا سَفاً. وفرسٌ أَسْفى إِذَا كَانَ خَفيفَ الناصِيَة؛ وأَنشد أَبو عُبَيْدٍ لِسَلَامَةَ بْنِ جَنْدَلٍ:
لَيْسَ بأَسْفى وَلَا أَقْنى وَلَا سَغِلٍ، ... يُسْقى دَواءَ قَفِيِّ السَّكْنِ مَرْبوبِ
والأُنْثى سَفْواء. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: هُوَ السَّفاءُ، مَمْدُودٌ؛ وأَنشد:
قلائِصُ فِي أَلْبانِهِنّ سَفاءُ
أَي فِي عُقُولِهِنَّ خِفَّةٌ، اسْتَعَارَهُ لِلَّبَنٍ أَي فِيهِ خِفَّةٌ. ابْنُ الأَعرابي: سَفا إِذَا ضَعُفَ عَقْلُه، وسَفا إِذَا خَفَّ رُوحُه، وسَفا إِذَا تَعَبَّد وَتَوَاضَعَ لِلَّهِ، وسِفا إِذَا رَقَّ شَعْرهُ وجَلِحَ، لُغة طَيّءٍ. الْجَوْهَرِيُّ: الأَصمعي الأَسْفى مِنَ الْخَيْلِ الْقَلِيلُ الناصيَة، والأَسْفى مِنَ البغالِ السريعُ؛ قَالَ: وَلَا يُقَالُ لشيءٍ أَسْفى لخِفَّةِ ناصِيتهِ إِلَّا لِلْفَرَسِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الصَّحِيحُ عَنِ الأَصمعي أَنه قَالَ: الأَسْفَى مِنَ الْخَيْلِ الخفيفُ النَّاصِيَةِ، وَلَا يُقَالُ للأُنثى سَفْواءُ. والسَّفْواءُ فِي البغالِ: السَّرِيعَةُ، وَلَا يُقَالُ للذكرِ أَسْفَى. قَالَ: وَقَوْلُ الْجَوْهَرِيِّ فِي حِكَايَتِهِ عَنِ الأَصمعي الأَسْفى مِنَ البغالِ السريعُ لَيْسَ بصحيحٍ؛ قَالَ: وَمِمَّا يَشْهَدُ بأَنه يُقَالُ لِلْفَرَسِ الْخَفِيفَةِ الناصيةِ سفواءُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
بَلْ ذَاتُ أكْروُمَةٍ تَكَنَّفها الأَحْجارُ، ... مَشْهورةٌ مَواسِمُها
لَيْسَتْ بشامِيَّةِ النِّحاسِ، وَلَا ... سَفْواءَ مَضْبُوحةٍ مَعاصِمُها
وبَغْلَةٌ سَفْواءُ: خفيفةٌ سريعةٌ مُقْتَدرة الخَلْقِ مُلَزَّزَة الظَّهْرِ، وَكَذَلِكَ الأَتانُ الوَحْشِيَّة؛ قَالَ دُكَينُ بنُ رَجاءٍ الفُقَيْمي فِي عُمَرَ بنِ هُبَيرة، وَكَانَ عَلَى بغلةٍ مُعْتَجِراً ببُرْدٍ رفيعٍ، فَقَالَ عَلَى الْبَدِيهَةِ:
جَاءَتْ بِهِ، مُعْتَجِراً ببُرْدِهِ، ... سَفْواءُ تَرْدي بنَسِيجِ وَحْدِهِ
مُسْتَقْبِلًا حَدَّ الصَّبا بحَدِّهِ، ... كالسَّيْفِ سُلَّ نَصْلُه مِنْ غِمْدِه
خَيْرَ أَميرٍ جاءَ مِنْ مَعَدِّه، ... مِنْ قَبْلِه أَو رافِدٍ مِنْ بَعْدِه
فكلُّ قيسٍ قادِحٌ مِنْ زَنْدِه، ... يَرْجُونَ رَفْعَ جَدِّهِم بجَدِّه
فإنْ ثَوَى ثوَى النَّدى فِي لَحْدِه، ... واخْتَشَعَتْ أُمَّتُه لِفَقْدهِ
قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ سَفْواءُ فِي الْبَيْتِ: إِنَّهَا الْخَفِيفَةُ النَّاصِيَةِ، وَذَلِكَ مِمَّا تُمْدَح بِهِ الْبِغَالُ، وأَنكر هَذَا الأَصمعي وَقَالَ: سَفْواء هُنَا بِمَعْنَى سَرِيعَةٌ لَا غَيْرُ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: ويُسْتَحَبُّ السَّفا فِي الْبِغَالِ وَيُكْرَهُ فِي الْخَيْلِ. والأَسْفى: الَّذِي تَنْزِعهُ شَعْرةٌ بيضاءُ كُمَيْتاً كَانَ أَو غيرَ ذَلِكَ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي،(14/388)
وخَصَّ مَرَّةً بِهِ السَّفا الَّذِي هُوَ بياضُ الشَّعَرِ الأَدْهم والأَشْقَرِ، والصِّفة كالصِّفة فِي الذَّكَرِ والأُنثى. وسَفا فِي مَشْيهِ وطَيَرانهِ يَسْفُو سُفُوّاً: أَسرَع. وسَفَت الريحُ التُّرابَ تَسْفِيه سَفْياً: ذَرَتْه، وَقِيلَ: حمَلَتْه فَهُوَ سَفِيٌّ، وتَسْفي الوَرَق اليبسَ سَفْياً. وتُرابٌ سافٍ: مَسْفِيٌّ، عَلَى النَّسَبِ أَو يَكُونُ فَاعِلًا فِي مَعْنَى مفعولٍ. وَحَكَى ابْنُ الأَعرابي: سَفَتِ الريحُ وأَسْفَتْ فَلَمْ يُعَدِّ وَاحِدًا مِنْهُمَا. والسافِياءُ: الريحُ الَّتِي تَحْمِلُ تُرَابًا كَثِيرًا عَلَى وَجْهِ الأَرض تَهْجُمُه عَلَى النَّاسِ؛ قَالَ أَبو دُواد:
ونُؤْي أَضَرَّ بِهِ السافِياء، ... كدَرْسٍ مِنَ النُّونِ حينَ امَّحَى
قَالَ: والسَّفى هُوَ اسمُ كلِّ مَا سَفَتِ الريحُ مِنْ كلِّ مَا ذَكَرْتُ. وَيُقَالُ: السافِياءُ الترابُ يذهَبُ مَعَ الرِّيحِ، وَقِيلَ: السافِياءُ الغُبارُ فَقَطْ. أَبو عَمْرٍو: السَّفَى اسمُ الترابِ وإنْ لَمْ تَسْفِه الرِّيحُ، والسَّفاةُ أَخصُّ مِنْهُ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
فَلَا تَلْمِسِ الأَفْعى يَداكَ تُرِيدُها، ... ودَعْها إِذَا مَا غَيَّبَتها سَفاتُها
وَفِي حَدِيثِ
كَعْبٍ: قَالَ لأَبي عُثْمَانَ النَّهْدي إِلَى جانِبِكم جبلٌ مُشْرِفٌ عَلَى البَصْرَة يُقالُ لَهُ سَنامٌ، قَالَ: نَعَم، قَالَ: فَهَلْ إِلَى جانِبِه ماءٌ كثيرُ السَّافِي؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَا يَرِدهُ الدَّجّالُ مِنْ مِياهِ العَرب
؛ السَّافِي: الريحُ الَّتِي تَسْفي الترابَ، وَقِيلَ للتُّراب الَّذِي تَسْفِيه الريحُ أَيضاً: سافٍ أَي مَسْفِيٌّ كماءٍ دافقٍ أَي مدفوقٍ، والماءُ السَّافِي الَّذِي ذكَرَه هُوَ سَفَوانُ، وَهُوَ عَلَى مَرْحَلة مِنْ بَابِ المِرْبَد بالبَصْرة. قَالَ غَيْرُهُ: سَفَوانُ، بِالتَّحْرِيكِ، مَوْضِعٌ قُرْبَ البَصْرة؛ قَالَ نافعُ بنُ لَقِيطٍ، وَقِيلَ هُوَ لمَنْظُورِ بنِ مَرْثَدٍ:
جَارِيَةٌ بسَفَوانَ دارُها، ... تَمْشي الهُوَيْنا ساقِطاً خِمارُها،
قَدْ أَعْصَرتْ، أَو قَدْ دَنا إعْصارُها
والسَّفى: الترابُ، وخصَّ ابْنُ الأَعرابي بِهِ الترابَ. المُخْرَج مِنَ البئرِ أَو القَبْر؛ أَنشد ثَعْلَبٌ لِكُثَيِّرٍ:
وحالَ السَّفى بَيْنِي وبينَك والعِدا، ... ورَهْنُ السَّفا غَمْرُ النَّقيبَةِ ماجِدُ
قَالَ: السَّفى هَنَا ترابُ الْقَبْرِ، والعِدَا الْحِجَارَةُ والصُّخور تُجْعَلُ عَلَى الْقَبْرِ؛ وَقَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ الْهُذَلِيُّ يَصِفُ القَبْرَ وحُفَّاره:
وَقَدْ أَرْسَلوا فُرّاطَهُم، فتَأَثَّلوا ... قَلِيباً سَفاهَا كالإِماءِ القَواعِدِ
قَوْلُهُ: سَفاها الهاءُ فِيهِ لِلْقَلِيبِ، أَراد أَيضاً ترابَ الْقَبْرِ شبَّهه بالإِماء القَواعِد، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَن الأَمة تَقْعُدُ مُسْتَوْفِزَةً لِلْعَمَلِ، وَالْحُرَّةُ تَقْعُدُ مطمئنَّة متربِّعة، وَقِيلَ: شبَّه التُّرَابَ فِي لِينِهِ بالإِماء الْقَوَاعِدِ، وهُنَّ اللَّواتي قعدنَ عَنِ الوَلَد فاجتَمَع عليهِنّ ذِلَّة الرِّق والقُعودِ فلِنَّ وذَلَلْن، واحدتُه سَفاةٌ. ابْنُ السِّكِّيت: السَّفى جمعُ سَفاةٍ، وَهِيَ ترابُ القُبورِ والبئرِ. والسَّفى: مَا سَفَتِ الريحُ عليكَ مِنَ التُّرَابِ، وفِعْلُ الرِّيحِ السَّفْيُ. والسَّوافي مِنَ الرِّياحِ: اللَّواتي يَسْفِين الترابَ. والسَّفى: السَّحاب. والسَّفى: شَوْكُ البُهْمَى والسُّنْبُلِ وكلِّ شَيْءٍ لَهُ شَوْك، وَقَالَ ثَعْلَبٌ: هِيَ أَطراف البُهْمَى، وَالْوَاحِدَةُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ سَفاة. وأَسْفَتِ البُهْمَى: سَقَط سَفاها. وسَفِيَ الرجلُ سَفىً: مِثْلُ سَفِهَ سَفَهاً وسَفاءً مثلُ سَفِهَ سَفاهاً؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:(14/389)
لَهَا مَنْطِقٌ لَا هِذْرِيانٌ طَمى بِهِ ... سَفاءٌ، وَلَا بَادِي الجَفاءِ جَشيبُ
والسَّفِيُّ: كالسَّفيه. وأَسْفى الرجلُ إِذَا أَخَذَ السَّفى، وَهُوَ شَوْكُ البُهْمى، وأَسْفى إِذَا نَقَل السَّفى، وَهُوَ التُّرابُ، وأَسْفى إِذَا صارَ سَفِيّاً أَي سَفيهاً. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: يُقَالُ للسَّفيه سَفِيٌّ بَيِّنُ السَّفاء، مَمْدُودٌ. وسافاهُ مُسَافَاةً وسِفاءً إِذَا سافَهَه؛ وَقَالَ:
إنْ كنتَ سافِيَّ أَخا تَميمِ، ... فَجِيءْ بِعِلْجَيْنِ ذَوَيْ وَزيمِ
بِفارِسّيٍ وأَخٍ للرُّومِ، ... كِلاهما كالجَمَلِ المَخْزومِ
وَيُرْوَى: المَحْجوم؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُرْوَى:
إِنْ سَرَّكَ الرِّيُّ أَخا تَميمِ
والوَزيمُ: اكْتِنازُ اللَّحْم. وأَسْفى الزرعُ إِذَا خَشُنَ أَطْرافُ سُنْبُلهِ. والسَّفاءُ، بالمدِّ: الطَّيْشُ والخِفَّة. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: السَّفاءُ مِنَ السَّفى كالشَّقاء مِنَ الشَّقى؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
فَيا بُعْدَ ذَاكَ الوَصْلِ، إنْ لَمْ تُدانِهِ ... قَلائِصُ، فِي آباطِهِنَّ سَفاءُ
وأَسْفاهُ الأَمْرُ: حَمَلَهُ عَلَى الطَّيْشِ والخِفَّةِ؛ وأَنشد لِعَمْرِو بْنِ قَميئة:
يَا رُبَّ من أَسْفاهُ أَحْلامُهُ، ... إنْ قيلَ يَوماً: إنَّ عَمْراً سَكورْ
أَي أَطاشَه حلْمُه فغَرَّه وجَرّأَه. وأَسْفى الرجلُ بصاحِبهِ: أَساءَ إِلَيْهِ ولعلَّه مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ الطَّيْش والخِفَّة؛ قَالَ ذُو الرُّمة:
عَفَتْ، وعُهودُها مُتَقادِماتٌ، ... وَقَدْ يُسْفِي بِك العَهْدُ القديمُ
كَذَا رَوَاهُ أَبو عَمْرٍو يُسْفي بِكَ، وغيرهُ يَروْيه يَبْقى لَكَ. والسَّفاءُ: انْقِطاعُ لَبَنِ الناقةِ؛ قَالَ:
وَمَا هِيَ إلَّا أَنْ تُقَرِّبَ وَصْلَها ... قَلائِصُ، فِي أَلبانِهِنَّ سَفاءُ
وسِفْيانُ وسَفْيانُ وسُفْيانُ: اسمُ رَجُلٍ، يُكْسر ويفتح ويضم.
سقي: السَّقْيُ: مَعْرُوفٌ، وَالِاسْمُ السُّقْيا، بِالضَّمِّ، وسَقاهُ اللهُ الغيثَ وأَسْقاهُ؛ وَقَدْ جَمَعَهما لَبيدٌ فِي قَوْلِهِ:
سَقَى قَوْمي بَنِي مَجْدٍ، وأَسْقَى ... نُمَيْراً والقبائِلَ مِنْ هِلالِ
وَيُقَالُ: سَقَيْته لشَفَتِه، وأَسْقَيْته لِماشيَتهِ وأَرْضِهِ، والاسْمُ السِّقْيُ، بِالْكَسْرِ، والجمعُ الأَسْقِيَةُ. قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ يَصِفُ مُشْتارَ عَسَل:
فجاءَ بمَزْجٍ لَمْ يَرَ الناسُ مِثْلَهُ، ... هُوَ الضَّحْكُ، إلَّا أَنه عَمَلُ النَّحْلِ
يَمانيةٍ أَجْبى لَهَا مَظَّ مائِدٍ، ... وآلِ قُراسٍ صَوْبُ أَسْقِيَةٍ كُحْلِ
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هَذَا قَوْلُ الأَصمعي؛ وَيَرْوِيهِ أَبو عُبَيْدَةَ:
صوبُ أَرْمِيَةٍ كُحْلِ
وَهُمَا بِمَعْنًى. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: والمَزْجُ العَسَل والضَّحْكُ الثَّغْرُ، شبَّه العَسَل بِهِ فِي بياضهِ، ويمانِيةٍ يريدُ بِهِ العَسَلَ، والمَظُّ رمّانُ البَرِّ، والأَسْقِيةُ جَمْعُ سِقْيٍ وَهِيَ السَّحابة، وكُحْلٍ: سودٍ أَي سحائبَ سودٍ؛ يَقُولُ: أَجْبى نَبْتَ هَذَا الموضِعِ صَوْبُ هَذِهِ السَّحَائِبِ. ابْنُ سِيدَهْ: سَقاهُ سَقْياً وسَقَّاهُ وأَسْقَاه، وَقِيلَ: سَقاه بالشَّفَة وأَسْقَاهُ(14/390)
دَلَّهُ عَلَى موضعِ الْمَاءِ. سيبويه: سَقَاهُ وأَسْقَاهُ جَعَل لَهُ مَاءً أَوْ سِقْياً فسَقاه ككسَاه، وأَسْقَى كأَلْبَس. أَبو الْحَسَنِ يذهَبُ إِلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ فَعَلْت وأَفْعَلْت، وأَنَّ أَفْعَلْت غيرُ مَنْقولَة مِنْ فَعَلْت لضَرْب مِنَ المَعاني كنَقْل أَدخلت. والسَّقْيُ: مصدرُ سَقَيْتُ سَقْياً، وَفِي الدُّعَاءِ:
سَقْياً لَهُ ورَعْياً وسَقَّاهُ ورَعّاه
: قَالَ لَهُ سَقْياً ورَعْياً. وسَقَّيْت فُلَانًا وأَسْقَيْته إِذَا قُلت لَهُ سَقاكَ اللهُ؛ قَالَ ذُو الرُّمة:
وقَفْتُ، عَلَى رَبْعٍ لِمَيَّةَ، ناقَتي، ... فَمَا زِلْتُ أُسْقي رَبْعَها وأُخاطِبُهْ
وأُسْقِيهِ حَتَّى كادَ، ممَّا أُبِثُّه، ... تُكَلِّمُني أَحْجارُهُ ومَلاعِبُهْ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَالْمَعْرُوفُ فِي شِعْرِهِ:
فَمَا زِلْتُ أَبْكي عندهَ وأُخاطِبُهْ
والسِّقْيُ: مَا أَسْقاهُ إيّاهُ. والسِّقْيُ: الحَظّ مِنَ الشُّرْبِ. يُقَالُ: كَمْ سِقْيُ أَرْضِكَ أَي كَمْ حَظُّها مِنَ الشُّرْبِ؟ وأَنشد أَبو عُبَيْدٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ:
هُنالِكَ لَا أُبالي نَخْلَ سِقْيٍ، ... وَلَا بَعْلٍ، وإنْ عَظُمَ الأَتاءُ
وَيُقَالُ: سَقْيٌ وسِقْيٌ، ف السَّقْيُ بِالْفَتْحِ الفعْل، والسِّقْيُ بِالْكَسْرِ الشِّرْب، وَقَدْ أَسْقاه عَلَى رَكِيَّته. وأَسْقَاهُ نَهْرًا: جَعَلَهُ لَهُ سِقْياً. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي تَميم قَالَ لَهُ يَا أَمير المؤْمنين أَسْقِني شَبَكَةً عَلَى ظَهْرِ جَلّال
؛ الشَّبَكة: بِئارٌ مُجْتَمِعة، أَي أَجْعِلْها لِي سِقْياً وأَقْطِعْنيها تَكُونُ لِي خاصَّة. التَّهْذِيبِ: وأَسْقَيْتُ فُلَانًا رَكِيَّتي إِذَا جَعَلْتها لَهُ، وأَسْقَيْتُه جَدْولًا مِنْ نَهْري إِذَا جَعَلْت لَهُ مِنْهُ مَسْقىً وأَشْعَبْتَ لَهُ مِنْهُ. وسَقَّيْته الماءَ: شُدِّدَ لِلْكَثْرَةِ. وتَسَاقَى القَوْمُ: سَقى كلُّ واحدٍ صاحِبَه بِجِمام الإِناءِ الَّذِي يَسْقيان فِيهِ؛ قَالَ طَرَفة بْنُ الْعَبْدِ:
وتَسَاقَى القَوْمُ كأْساً مُرَّةً، ... وَعَلَى الخَيْلِ دِماءٌ كالشَّقِرْ
وَقَوْلُ الْمُتَنَخِّلِ الْهُذَلِيِّ:
مُجَدَّلٌ يَتَسَقَّى جِلْدُهُ دَمَه، ... كَمَا تَقَطَّر جِذعُ الدَّومَةِ القُطُلُ
أَي يتَشَرَّبه، وَيُرْوَى: يَتَكَسَّى مِنَ الكِسْوة؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُ إِنْشَادِهِ مُجَدَّلًا لأَن قَبْلَهُ:
التَّارِكِ القِرْنِ مُصْفَرّاً أَنامِلُهُ، ... كأَنَّهُ منْ عُقارٍ قَهْوَةٍ ثَمِلُ
وَفِي الْحَدِيثِ:
أَعْجَلْتُهم أَنْ يَشْربوا سِقْيَهُم
؛ هُوَ بِالْكَسْرِ اسْمٌ للشّيْءِ المُسْتَقى. والمِسْقاة والمَسْقاة والسِّقاية: موضعُ السَّقْي. وَفِي حَدِيثِ
عُثْمَانَ: أَبلَغْتُ الرَّاتِعَ مَسْقَاتَهُ
؛ المَسْقَاةُ، بِالْفَتْحِ: مَوْضِعُ الشُّرْب، وَقِيلَ: هُوَ بِالْكَسْرِ آلةُ الشُّرْب، وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: «3» . أَراد أَنه جَمَعَ لَهُ بَيْنَ الأَكل والشُّرْبِ، ضَرَبَهَ مَثَلًا لرِفْقِه برَعِيَّتهِ، وَلِأَنَّ لَهُمْ فِي السِّيَاسَةِ كَمَنْ خَلَّى المالَ يَرْعى حَيْثُ شَاءَ ثُمَّ يُبلِغُه الوِرْد فِي رِفْقٍ، وَمَنْ كَسَرَ الْمِيمَ جَعَلَهَا كَالْآلَةِ الَّتِي هِيَ مِسْقَاةُ الدِّيكِ. والمَسْقَى: وقتُ السَّقْيِ. والمِسْقَاةُ: مَا يُتَّخذ للجِرار والكيزان تُعَلَّق عليه. والسَّاقِيَة مِنْ سَوَاقِي الزَّرع: نُهَيْر صغيرٌ. الأَصمعي: السَّقِيُّ والرَّمِيُّ، عَلَى فَعِيلٍ، سَحابَتان عَظِيمَتَا القَطْر شَدِيدتا الْوَقْعِ، وَالْجَمْعُ أَسْقِيَةٌ. والسِّقَايَةُ: الإِناءُ يُسْقى به. وقال ثعلب:
__________
(3) . قوله [قال ابن الأَثير إلخ] عبارة النهاية: يريد أنه رفق بِرَعِيَّتِهِ وَلِأَنَّ لَهُمْ فِي السِّيَاسَةِ كَمَنْ خَلَّى الْمَالَ إلخ(14/391)
السِّقَايَةُ هُوَ الصَّاعُ والصُّواع بِعَيْنِهِ. والسِّقَايَةُ: الْمَوْضِعُ الَّذِي يُتَّخذ فِيهِ الشَّراب فِي الْمَوَاسِمِ وَغَيْرِهَا. والسِّقَايَة فِي الْقُرْآنِ: الصُّواع الَّذِي كَانَ يَشْرَب فِيهِ الملِك، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ
، وَكَانَ إِنَاءً مِنْ فِضَّةٍ كَانُوا يَكيلون الطَّعَامَ بِهِ. وَيُقَالُ لِلْبَيْتِ الَّذِي يُتَّخذ مَجْمَعاً لِلْمَاءِ ويُسْقى مِنْهُ الناسُ: السِّقاية. وسِقاية الحاجِّ: سَقْيُهم الشَّرَابَ. وَفِي حَدِيثِ
مُعَاوِيَةَ. أَنه باعَ سِقايةً مِنْ ذَهَبٍ بأَكثر من وزْنِها
؛ السِّقَايةُ: إناءٌ يُشرب فِيهِ. وسِقاية الْمَاءِ: مَعْرُوفَةٌ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ
؛ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً
؛ الْعَرَبُ تَقُولُ لِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ بُطُونِ الأَنعام وَمِنَ السَّمَاءِ أَو نهَر يَجْري لِقَوْمٍ أَسْقَيْت، فَإِذَا سَقاكَ مَاءً لشَفَتِك قَالُوا سَقاهُ وَلَمْ يَقُولُوا أَسْقاهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً
، وَقَالَ: وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ
؛ وَرُبَّمَا قَالُوا لِما فِي بُطُونِ الأَنْعام ولِماءِ السَّمَاءِ سَقَى وأَسْقَى كَمَا قَالَ لَبِيدٌ:
سَقَى قَوْمِي بَني مَجْدٍ، وأَسْقَى ... نُمَيْراً والقَبائِلَ مِنْ هِلالِ
وَقَالَ اللَّيْثُ: الإِسْقاءُ مِنْ قَوْلِكَ أَسْقَيْتُ فُلَانًا نهَراً أَو مَاءً إِذَا جَعَلْتَ لَهُ سِقْياً. وَفِي الْقُرْآنِ: وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً
؛ مِنْ سَقى ونُسْقِيَهُ
مِنْ أَسْقى، وَهُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. أَبو زَيْدٍ: اللَّهُمَّ أَسْقِنا إسْقاءً إرْواءً. وَفِي الْحَدِيثِ:
كلُّ مأْثَرةٍ مِنْ مآثِر الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قدميَّ إِلَّا سِقايةَ الحاجِّ وسِدانةَ الْبَيْتِ
، هِيَ مَا كَانَتْ قُرَيْشُ تَسْقِيه الحُجَّاج مِنَ الزَّبيب المُنْبُوذِ فِي الْمَاءِ، وكانَ يَلِيهَا العباسُ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ والإِسلام. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه تَفَلَ فِي فمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ وَقَالَ: أَرجو أَن تَكُونَ سِقاءً
أَي لَا تعطَش. والسِّقاءُ: جلدُ السَّخْلة إذ أَجْذَعَ وَلَا يَكُونُ إلَّا لِلْمَاءِ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
يَجُبْن بِنَا عَرْضَ الفَلاةِ وَمَا لَنَا ... عليهنَّ، إلَّا وخْدَهُنَّ، سِقاءُ
الوَخْدُ: سَيْرٌ سهلٌ أَي لَا نَحْتَاجُ إِلَى سِقاءٍ لِلْمَاءِ لأَنهنّ يَرِدْنَ بِنَا الماءَ وقتَ حاجتِنا إِلَيْهِ وَقَبْلَ ذَلِكَ، وَالْجَمْعُ أَسْقِيَةٌ وأَسْقِيَات، وأَسَاقٍ جَمْعُ الْجَمْعِ. وأَسْقَاهُ سِقاءً: وهَبَه لَهُ. وأَسْقاهُ إِهَابًا: أَعطاه إيَّاه ليَدْبُغَه ويتَّخِذ مِنْهُ سِقاءً. وَقَالَ
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رَضِيَ الله عَنْهُ، لِلَّذِي اسْتَفْتاه فِي ظَبْيٍ رَمَاهُ فَقَتَلَهُ وَهُوَ مُحْرِم فَقَالَ: خُذْ شَاةً مِنَ الْغَنَمِ فتصدَّقْ بلحمِها وأَسْقِ إهابَها
أَي أَعْطِ إِهَابَهَا مَن يتخذهُ سِقاءً. ابْنُ السِّكِّيتِ: السِّقاءُ يَكُونُ للَّبن وَالْمَاءِ، وَالْجَمْعُ الْقَلِيلُ أَسْقِيَةٌ وأَسْقِياتٌ؛ قَالَ أَبو النَّجْمِ:
ضُرُوعُها بالدَّوِّ أَسْقِيَاتُهُ
وَالْكَثِيرُ أَساقٍ، والوَطْبُ للبَنِ خاصَّة، والنِّحْيُ للسَّمن، والقِرْبَةُ للماءِ، والسِّقَاءُ ظَرْفُ الماءِ مِنَ الْجِلْدِ، ويُجمع عَلَى أَسْقِيةٍ، وَقِيلَ: السِّقاءُ القِرْبةُ لِلْمَاءِ واللَّبَن. ورجلٌ ساقٍ مِنْ قَوْمِ سُقَّاءٍ وسَقَّائِينَ «1» . والأُنثى سَقَّاءَة وسَقَّايَة، الهمْزُ عَلَى التَّذْكِيرِ والياءُ عَلَى التأْنيث: كشقاءٍ وشَقاوةٍ؛ وَفِي الْمَثَلِ:
اسقِ رَقاشِ إِنَّهَا سَقَّايهْ
وَيُرْوَى: سَقَّاءَهْ وسَقَّايَةٌ عَلَى التَّكْثِيرِ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، وَهَذَا الْمَثَلُ يُضْرَبُ لِلْمُحْسِنِ أَي أَحْسِنوا إِلَيْهِ لإِحْسانهِ؛ عن أَبي عبيد.
__________
(1) . قوله [مِنْ قَوْمِ سُقَّاء وسَقَّائِين] هكذا في الأَصل، وهي عبارة المحكم ونصه: وَرَجُلٌ سَاقٍ مِنْ قَوْمِ سُقًّى، أي بضم السين وتشديد القاف منوناً. وسُقَّاء، بضم السين وتشديد القاف. وسَقَّاء، بالفتح والتشديد، على التكثير من قوم سَقَّائِين(14/392)
واسْتَقَى الرجلَ واسْتَسْقَاه: طَلب مِنْهُ السَّقْيَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
خَرَجَ يَسْتَسْقِي فَقَلَبَ رِداءَه
؛ وَتَكَرَّرَ ذِكْرُ الاسْتِسْقَاء فِي الْحَدِيثِ، وَهُوَ اسْتِفْعال مِنْ طَلب السُّقْيا أَي إنْزال الغَيْثِ عَلَى البلادِ والعِبادِ. يُقَالُ: اسْتَسْقَى وسَقَى اللهُ عبادَه الغَيْثَ وأَسْقَاهم، وَالِاسْمُ السُّقْيَا بِالضَّمِّ. واسْتَسْقَيْت فُلَانًا إِذَا طَلَبْتَ مِنْهُ أَن يَسقِيَك. واستَقَى مِنَ النهَر والبئرِ والرَّكِيَّة والدَّحْل اسْتِقَاءً: أَخذ مِنْ مَائِهَا. وأَسْقَيْت في القِرْبة وسَقَيْتُ فِيهَا أَيضاً؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
وَمَا شَنَّتا خَرْقاءَ واهِيتَا الكُلى ... سَقَى فِيهِمَا ساقٍ، ولمَّا تَبَلّلا،
بأَضْيَعَ مِنْ عَيْنَيْكَ لِلدَّمْعِ، كُلَّمَا ... تعرّفْتَ دَارًا، أَو توهَّمتَ منزِلا
وَهَذَا الشِّعْرُ أَنشده الْجَوْهَرِيُّ:
وَمَا شَنَّتا خَرْقاءَ واهٍ كُلاهُما، ... سَقَى فِيهِمَا مستعجِلٌ لَمْ تَبلّلا
وَالصَّوَابُ مَا أَوْرَدْنَاهُ. وَقَوْلُ الْقَائِلِ: فَجَعَلُوا المُرّان أَرْشِيةَ المَوْت فاستَقَوْا بِهَا أَرواحَهُم، إِنَّمَا استعارَه وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ ماءٌ وَلَا رِشاءٌ وَلَا استِقاءٌ. وتَسَقَّى الشيءُ: قَبِلَ السَّقْيَ، وَقِيلَ: ثَرِيَ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ للمَرّار الفَقْعَسي:
هَنِيئًا لخُوطٍ مِنْ بَشامٍ تَرُفُّه، ... إِلَى بَرَدٍ، شُهْدٌ بهنَّ مَشُوبُ
بِمَا قَدْ تَسَقَّى مِنْ سُلافٍ، وضَمَّهُ ... بَنانٌ، كهُدَّابِ الدِّمَقْسِ، خَضيبُ
وزرعٌ سِقْيٌ، ونخلٌ سِقْيٌ: لِلَّذِي لَا يَعِيشُ بالأَعْذاءِ إِنَّمَا يُسقى، والسَّقْيُ الْمَصْدَرُ. وَزَرْعٌ سِقيٌ: يُسْقى بِالْمَاءِ، والمَسقَوِيُّ: كالسِّقْي؛ حَكَاهُ أَبو عُبَيْدٍ، كأَنه نسبَه إِلَى مَسْقىً كَمرْمىً، وَلَا يَكُونُ مَنْسُوبًا إِلَى مَسقيٍّ لأَنه لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لكانَ مَسْقيٌّ، وَقَدْ صَرَّحَ سِيبَوَيْهِ بِذَلِكَ. وَزَرْعٌ مَسْقَوِيٌّ إِذَا كَانَ يُسقى، ومَظْمَئِيٌّ إِذَا كَانَ عِذْياً، قَالَ ذَلِكَ أَبو عُبَيْدٍ وأَنكره أَبو سَعِيدٍ. الْجَوْهَرِيُّ: المَسْقَوِيُّ مِنَ الزَّرْعِ مَا يُسقى بالسَّيْح، والمَظْمَئيُّ مَا تَسقِيه السَّمَاءُ، وَهُوَ بِالْفَاءِ تَصْحِيفٌ. وَفِي حَدِيثِ
مُعَاذٍ فِي الْخَرَاجِ: وَإِنْ كَانَ نَشْرُ أَرضٍ يُسلِمُ عَلَيْهَا صاحِبُها فإنهُ يُخْرِجُ مِنْهَا مَا أُعطي نَشْرُها رُبْعَ المَسْقَوِيِّ وَعُشْرَ المَظْمَئِيِ
، المَسْقَوِيُّ، بِالْفَتْحِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ، مِنَ الزَّرْعِ: مَا يُسقى بالسَّيْح، والمَظْمَئيُّ: مَا تَسْقِيهِ السماءُ، وَهُمَا فِي الأَصل مَصْدَرَا أَسقى وأَظْمأَ أَو سَقى وظمِئَ مَنْسُوبًا إِلَيْهِمَا. والسَّقِيُّ: المَسْقِيُّ. والسَّقِيُّ: البَرْدِيُّ، وَاحِدَتُهُ سَقِيَّةٌ، وَهِيَ لَا يفوتُها الماءُ، وسمِّيَ بِذَلِكَ لنَباته فِي الْمَاءِ أَو قَرِيبًا مِنْهُ؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
وكَشْح لطِيف كالجَديلِ مُخَصَّر، ... وَسَاقٍ كأُنبُوب السَّقِيِّ المُذَلَّلِ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَراد بالأُنبُوبِ أُنبُوبَ الْقَصَبِ النَّابِتِ بَيْنَ ظَهرانَيْ نَخْلٍ مَسْقِيٍّ، فكأَنه قَالَ كأُنبوب النَّخْلِ السَّقِيِّ أَي كَقَصَبِ النَّخْلِ، أَضافه إِلَيْهِ لأَنه نبَت بَيْنَ ظَهْرانَيه، وَقِيلَ: السَّقِيُّ البرْديٌّ الناعمُ، وأَصله العُنْقَرُ يشبَّه بِهِ ساقُ الْجَارِيَةِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
عَلَى خَبَندى قصبٍ مَمْكورِ، ... كعُنْقُران الحائِر المسْكُورِ
وَالْوَاحِدَةُ سَقِيَّةٌ؛ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَجْلان النَّهدي:
جَدِيدَةُ سِرْبالِ الشَّبابِ، كأَنها ... سَقِيَّةُ بَردِيٍّ نَمَتْها غُيولُها
والسَّقِيُّ أَيضاً: النَّخْلُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه كَانَ إِمَامَ قَوْمِهِ فمرَّ فَتًى بناضِحِه يريدُ سَقِيّاً
، وَفِي رِوَايَةٍ:(14/393)
يريد سَقِيَّة
؛ السَّقِيُّ والسَّقِيَّةُ: النَّخْلُ الَّذِي يُسقى بالسَّواني أَي الدَّوَالِي. والسَّقْيُ والسِّقْيُ: ماءٌ يَقَعُ فِي الْبَطْنِ، وأَنكر بَعْضُهُمُ الْكَسْرَ. وَقَدْ سَقَى بطنُه واسْتَسْقَى وأَسْقَاه اللَّهُ. والسِّقْيُ: ماءٌ أَصفر يَقَعُ فِي الْبَطْنِ. يُقَالُ: سَقَى بطنُه يَسْقِي سَقْياً. أَبو زَيْدٍ: استَسْقَى بطنُه اسْتِسْقَاءً أَيِ اجْتَمَعَ فِيهِ ماءٌ أَصفر، وَالِاسْمُ السِّقْيُ، بِالْكَسْرِ. وَقَالَ شَمِرٌ: السَّقْيُ الْمَصْدَرُ، والسِّقْيُ الِاسْمُ، وَهُوَ السَّلى كَمَا قَالُوا رَعْيٌ ورِعْيٌ. وَفِي حَدِيثِ
عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: أَنه سُقِيَ بطنُه ثَلَاثِينَ سَنَةً.
يُقَالُ: سُقِيَ بطنُه وسَقَى بطنُه واسْتَسْقَى بطنُه أَي حَصَلَ فِيهِ الْمَاءِ الأَصفر. وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: السِّقْيُ الماءُ الَّذِي يَكُونُ فِي المَشِيمَة يَخْرُجُ عَلَى رأْس الْوَلَدِ. والسِّقْيُ: جِلْدَةٌ فِيهَا ماءٌ أَصفر تنشَقُّ عَنْ رأْس الْوَلَدِ عِنْدَ خُرُوجِهِ. التَّهْذِيبِ: والسِّقْيُ مَا يَكُونُ فِي نفافيخَ بِيضٍ فِي شَحْمِ الْبَطْنِ. وسَقَى العِرْقُ: أَمَدَّ فَلَمْ يَنْقَطِعْ. وأَسْقَى الرجلَ إسْقَاءً: اغتابَه؛ قَالَ ابْنُ أَحمر:
وَلَا عِلم لِي مَا نَوْطةٌ مُسْتَكِنَّةٌ، ... وَلَا أَيُّ مَنْ فارَقْتُ أَسْقَى سِقَائِيَا
قَالَ شَمِرٌ: لَا أَعرف قَوْلَ أَبي عُبَيْدٍ أَسْقَى سِقائياً بِمَعْنَى اغتَبْتُه؛ قَالَ: وَسَمِعْتُ ابْنَ الأَعرابي يَقُولُ مَعْنَاهُ لَا أَدري مَنْ أَوعى فِيَّ الدَّاءَ. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ سَقَى زيدٌ عَمْرًا وأَسْقَاهُ إِذَا اغْتَابَهُ غَيْبةً خَبِيثَةً. الْجَوْهَرِيُّ: أَسْقَيْته إِذَا عِبْته واغتبْته. وسُقِيَ قلبُه عداوةً: أُشْرِب. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا كرِّر عَلَيْهِ مَا يكرهُه مراراً: سُقِّيَ قلبُه بالعدواة تَسْقِيَةً. وسَقَى الثوبَ وسَقَّاهُ: أَشربه صِبغاً. وَيُقَالُ لِلثَّوْبِ إِذَا صَبَغْتَهُ: سَقَيته مَنّاً مِنْ عُصْفُرٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ. واسْتَقَى الرجلُ واسْتَسْقَى: تَقَيَّأَ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
وكنتَ مِنْ دَائِكٍ ذَا أَقْلاسِ، ... فاسْتَسْقِيَنْ بِثَمَرِ القَسْقاسِ
والمُسَاقَاة فِي النَّخِيلِ وَالْكُرُومِ عَلَى الثُّلُثِ والرُّبُع وَمَا أَشبهه. يُقَالُ: سَاقَى فلانٌ فُلَانًا نخلَه أَوْ كرْمَه إِذَا دَفَعَهُ إِلَيْهِ وَاسْتَعْمَلَهُ فِيهِ عَلَى أَن يَعْمُرَه ويَسقِيَه ويقومَ بِمَصْلَحَتِهِ مِنَ الإِبارِ وَغَيْرِهِ، فَمَا أَخرج اللَّهُ مِنْهُ فَلِلْعَامِلِ سهمٌ مِنْ كَذَا وَكَذَا سَهْماً مِمَّا تُغِلُّه، وَالْبَاقِي لمالِكِ النَّخْلِ، وأَهل الْعِرَاقِ يُسَمُّونَها المُعاملة. وَفِي حَدِيثِ الْحَجِّ:
وَهُوَ قائلٌ السُّقْيا
؛ السُّقْيَا: منزلٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، قِيلَ هِيَ عَلَى يَوْمَيْنِ مِنَ الْمَدِينَةِ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
أَنه كَانَ يَسْتَعذِبُ الماءَ مِنْ بُيُوتِ السُّقْيَا.
سكا: ابْنُ الأَعرابي: سَاكَاهُ إِذَا ضيَّق عَلَيْهِ فِي الْمُطَالَبَةِ، وسَكَا إِذَا صغُر جسمه.
سلا: سَلاهُ وسَلا عَنْهُ وسَلِيَه سَلْواً وسُلُوّاً وسُلِيّاً وسِلِيّاً وسُلْوَاناً: نَسِيَه، وأَسْلاهُ عَنْهُ وسَلَّاه فتَسَلَّى؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
عَلَى أَن الْفَتَى الخُثَمِيَّ سَلَّى، ... بنَصْل السيفِ، غَيْبة مَنْ يَغِيب
أَراد عَنْ غَيْبة مَنْ يَغِيب فَحَذَفَ وأَوْصل، وَهِيَ السَّلْوة. الأَصمعي: سَلَوْتُ عَنْهُ فأَنا أَسْلُو سُلُوّاً وسَلِيتُ عَنْهُ أَسْلَى سُلِيّاً بِمَعْنَى سَلَوْت؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
مسْلم لَا أَنْساك مَا حَييتُ، ... لَوْ أَشرَبُ السُّلْوان مَا سَلِيتُ،
مَا بِي غِنىً عَنْكَ وَإِنْ غَنِيتُ
الْجَوْهَرِيُّ: وسَلَّاني مِنْ همِّي تَسْلِيَةً وأَسْلاني أَي كشَفَه عَنِّي. وانْسَلَى عَنِّي الهَمُّ وتَسَلَّى بِمَعْنًى أَي انكشَف. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: مَعْنَى سَلَوْت إِذَا نَسِيَ(14/394)
ذكْره وذَهِلَ عَنْهُ. وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: سَلِيتُ فُلَانًا أَي أَبْغَضْته وتركْته. وَحَكَى مُحَمَّدُ بْنُ حَيَّانَ قَالَ: حضرْت الأَصمعي ونُصَيْرُ بنُ أَبي نُصَيرٍ يَعْرِض عَلَيْهِ بالرَّيِّ فأَجرى هَذَا الْبَيْتَ فِيمَا عَرَضَ عَلَيْهِ فَقَالَ لنُصَير: مَا السُّلْوَانُ؟ فَقَالَ: يُقَالُ إِنَّهُ خَرَزةٌ تُسْحَق ويُشرَب ماؤُها فيورِث شارِبَه سَلْوةً، فَقَالَ: اسكُتْ لَا يَسخَرْ مِنْكَ هَؤُلَاءِ، إِنَّمَا السُّلْوَانُ مَصْدَرُ قَوْلِكَ سَلَوْت أَسْلُو سُلْوَاناً، فَقَالَ: لَوْ أَشْرب السُلْوان أَي السُّلُوَّ شُرْباً مَا سَلَوْتُ. وَيُقَالُ: أَسْلاني عَنْكَ كَذَا وَكَذَا وسَلَّانِي. أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ مَا سَلِيتُ أَن أَقولَ ذَلِكَ أَي لَمْ أَنْسَ وَلَكِنْ ترَكْتهُ عَمْداً، وَلَا يُقَالُ سَلِيتُ أَن أَقوله إلَّا فِي مَعْنَى مَا سَلِيت أَن أَقوله. ابْنُ الأَعرابي: السُّلْوَانَة خَرزَةٌ للبُغْضِ بَعْدَ المَحبَّة. ابْنُ سِيدَهْ: والسَّلْوَة والسُّلْوَانة، بِالضَّمِّ، كِلَاهُمَا خَرَزة شَفَّافَة إِذَا دَفَنْتها فِي الرَّمْلِ ثُمَّ بَحَثْت عَنْهَا رأَيْتها سَوْدَاءَ يُسْقاها الإِنسانُ فتُسْلِيه. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: السُّلْوَانَةُ والسُّلْوَانُ خَرَزة شفَّافة إِذَا دفَنْتها فِي الرَّمْلِ ثُمَّ بَحَثْت عَنْهَا تُؤَخِّذُ بِهَا النِّساءُ الرجالَ. وَقَالَ أَبو عَمْرٍو السَّعْدي: السُّلْوَانة خَرَزة تُسْحَق ويُشْرَبُ ماؤُها فيَسْلُو شارِبُ ذَلِكَ الماءِ عَنْ حُبِّ مَنِ ابْتُلِيَ بحُبِّه. والسُّلْوَانُ: مَا يُشْرَبُ فيُسَلِّي. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: السُّلْوَانُ والسُّلْوَانَةُ شيءٌ يُسْقاهُ العاشِقُ ليَسْلُوَ عَنِ المرأَة. قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ أَن يُؤْخَذَ مِنْ ترابِ قَبرِ مَيِّتٍ فيُذَرَّ عَلَى الْمَاءِ فيُسْقاهُ العاشِقُ ليَسْلوَ عَنِ المرأَة فيَموتَ حُبُّه؛ وأَنشد:
يَا لَيتَ أَنَّ لِقَلْبي مَنْ يُعَلِّلُه، ... أَو ساقِياً فسَقاني عنكِ سُلْوَانا
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: السُّلْوانة بِالْهَاءِ حصاةٌ يُسْقَى عَلَيْهَا العاشِقُ الماءَ فيَسْلُو؛ وأَنشد:
شَرِبْتُ عَلَى سُلْوَانةٍ ماءَ مُزْنَةٍ، ... فَلَا وَجَدِيدِ العَيْشِ، يَا مَيُّ، مَا أَسْلُو
الْجَوْهَرِيُّ: السُّلْوَانَة، بِالضَّمِّ، خَرَزَةٌ كَانُوا يَقُولُونَ إِذَا صُبَّ عَلَيْهَا ماءُ المطَرِ فشَرِبه العاشِقُ سَلا، وَاسْمُ ذَلِكَ الْمَاءِ السُّلْوَانُ. قَالَ الأَصمعي: يَقُولُ الرجلُ لِصَاحِبِهِ سَقَيْتَنِي سَلْوَةً وسُلْواناً أَيْ طَيَّبْتَ نَفْسِي عَنْكَ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
جعَلْتُ لعَرّافِ اليَمامةِ حُكْمَهُ، ... وعَرّافِ نجْدٍ إنْ هُما شَفَياني
فَمَا ترَكا مِنْ رُقْيَةٍ يَعْلَمانِها ... وَلَا سَلْوَةٍ إِلَّا بِهَا سَقَياني
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: السُّلْوَان دواءٌ يُسْقاهُ الحزِينُ فيَسْلو والأَطِبَّاءُ يُسَمُّونه المُفَرِّحَ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى
؛ السَّلْوَى: طائِرٌ، وَقِيلَ: طائرٌ أَبيضُ مثلُ السُّمانَى، واحدتُه سَلْوَاةٌ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
كَمَا انْتَفَضَ السَّلْوَاةُ مِنْ بَلَلِ القَطْرِ
قَالَ الأَخفش: لَمْ أَسمعْ لَهُ بواحدٍ؛ قَالَ: وَهُوَ شَبيه أَن يكونَ واحِدهُ سَلْوى مِثْلَ جَماعتهِ، كَمَا قَالُوا دِفْلَى للواحِدِ والجماعةِ. وَفِي التَّهْذِيبِ: السَّلْوَى طائرٌ، وَهُوَ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ الْعَسَلُ. قَالَ أَبو بَكْرٍ: قَالَ الْمُفَسِّرُونَ المَنُّ التَّرَنْجَبِينُ والسَّلْوى السُّمَانَى، قَالَ: والسَّلْوَى عِنْدَ الْعَرَبِ العَسل؛ وأَنشد:
لوْ أُطْعِمُوا المَنَّ والسَّلْوى مَكانَهمُ، ... مَا أَبْصَرَ الناسُ طُعْماً فيهِمُ نَجَعا
وَيُقَالُ: هُوَ فِي سَلْوَة مِنَ العَيْش أَي فِي رَخاءٍ وغَفْلة؛ قَالَ الرَّاعِي:
أَخْو سَلْوَة مَسَّى بِهِ الليلُ أَمْلَحُ(14/395)
ابْنُ السِّكِّيتِ: السُّلْوة والسَّلْوة رَخاءُ الْعَيْشِ. ابْنُ سِيدَهْ: والسَّلْوى العَسل؛ قَالَ خَالِدُ بْنُ زُهَيْرٍ:
وقاسَمَها باللهِ جَهْداً لأَنْتُمُ ... أَلَذُّ مِنَ السَّلْوى، إِذَا مَا نَشُورُها
أَي نأْخُذُها مِنْ خَلِيَّتِها، يَعْنِي العسلَ؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: أَخْطأَ خَالِدٌ إِنَّمَا السَّلْوَى طائرٌ. قَالَ الْفَارِسِيُّ: السَّلوى كُلُّ مَا سَلّاكَ، وَقِيلَ لِلْعَسَلِ سَلْوَى لأَنه يُسْلِيك بحلاوتهِ وتأَتِّيه عَنْ غَيْرِهِ مما تَلْحَقُك فيه مَؤُونَة الطَّبْخ وغيرهِ مِنْ أَنواع الصِّناعة، يَرُدُّ بِذَلِكَ عَلَى أَبي إِسْحَاقَ. وبنُو مُسْلِيَة: حيٌّ مِنْ بَلْحرِثِ بْنِ كَعْبٍ بَطْنٌ. والسُّلِيُّ والسُّلَيُّ: وَادٍ؛ قَالَ الأَعشى:
وكأَنما تَبِعَ الصِّوارَ بشَخْصِها ... عَجْزاءُ، تَرْزُقُ بالسُّلِيِّ عِيالَها
وَيُرْوَى: بالسُّلَيِّ، وَكِتَابُهُ بالأَلف «2» . والسَّلَى: الْجِلْدَةُ الرَّقِيقَةُ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا الوَلد، يَكُونُ ذَلِكَ لِلنَّاسِ وَالْخَيْلِ والإِبلِ، وَالْجَمْعُ أَسْلاءٌ. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: السَّلَى لِفافَةُ الوَلد مِنَ الدَّوابِّ والإِبل، وَهُوَ مِنَ النَّاسِ المَشِيمةُ. وسَلَيْتُ النَّاقَةَ أَي أَخذْت سَلاها. ابْنُ السِّكِّيتِ: السَّلَى سَلى الشاةِ، يُكْتبُ بِالْيَاءِ، وَإِذَا وصَفْت قُلْتَ شاةٌ سَلْيَاء. وسَلِيَتِ الشاةُ: تدَلَّى ذَلِكَ مِنْهَا، وَهِيَ إِنْ نُزِعتْ عَنْ وجهِ الفصِيل ساعةَ يُولَد، وَإِلَّا قتَلتْه، وَكَذَلِكَ إذا انقَطَع السَّلى فِي البَطْنِ، فَإِذَا خرجَ السَّلى سَلِمت النَّاقَةُ وسَلِمَ الوَلد، وَإِنِ انْقطعَ فِي بطنِها هَلَكتْ وهَلَك الوَلد. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن المُشْرِكين جاؤُوا بسَلَى جَزُورٍ قطَرَحُوه عَلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُصلِّي
؛ قِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ: السَّلَى الجِلدُ الرقيقُ الَّذِي يَخرُجُ فِيهِ الوَلد مِنْ بطْنِ أُمِّه مَلْفوفاً فِيهِ، وَقِيلَ: هُوَ فِي الْمَاشِيَةِ السَّلَى، وَفِي الناسِ المَشِيمة، والأَوَّل أَشْبَه لأَنّ المَشِيمة تخرُج بَعْدَ الوَلد وَلَا يَكُونُ الْوَلَدُ فِيهَا حِينَ يَخْرُجُ. وَفِي المَثل: وقَع القومُ فِي سَلَى جَمَلٍ، وَوَقَعَ فِي سَلَى جَمَلٍ أَي فِي أَمرٍ لَا مَخْرَج لَهُ لأَن الجَمل لَا سَلى لَهُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ للناقةِ، وَهَذَا كَقَوْلِهِمْ: أَعَزُّ مِنَ الأَبْلَقِ العَقوقِ، وبَيْضِ الأَنُوق؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لجَحْل بْنِ نَضْلَةَ: «3» .
لمَّا رأَتْ ماءَ السَّلَى مَشْروُبَها، ... والفَرْثَ يُعْصَرُ فِي الإِناءِ، أَرَنَّتِ
قَالَ: وَمِثْلُ هَذَا الشِّعْرِ فِي الْعَرُوضِ قَوْلُ ابْنِ الخَرِعِ:
يَا قُرَّةَ بنَ هُبَيْرةَ بْنِ قُشَيِّرٍ، ... يَا سَيِّدَ السَّلَماتِ، إنكَ تَظْلمُ
وسَلِيَتِ الشاةُ سَلىً، فَهِيَ سَلْيَاءُ: انقطعَ سَلاها. وسَلاها سَلْياً: نزَعَ سَلاها. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: سَلَيْت النَّاقَةَ مَدَدْتُ سَلاها بَعْدَ الرَّحم. وفي التهذيب: سَلَيْت الناقة أَخذْت سَلاها وأَخْرَجْته. الْجَوْهَرِيُّ: وسَلَّيْت النَّاقَةَ أُسَلِّيها تَسْلِية إِذَا نزَعْت سَلاها فَهِيَ سَلْيَاءُ؛ وَقَوْلُهُ:
الآكِل الأَسْلاءِ، لَا ... يَحْفِلُ ضَوْءَ القَمَرِ
لَيْسَ بالسَّلَى الَّذِي تَقَدَّمَ ذكرهُ وَإِنَّمَا كَنَى بِهِ عَنِ الأَفعال الْخَسِيسَةِ لخِسَّة السَّلَى، وَقَوْلُهُ: لَا يَحْفِلُ ضَوءَ القمرِ أَي لَا يُبالي الشُّهَرَ لأَن الْقَمَرَ يَفْضَح المُكْتَتَم. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا يَدْخُلَنّ رجلٌ عَلَى مُغِيبَةٍ يقولُ مَا سَلَيْتُمُ العامَ وَمَا نَتَجْتُمُ الْعَامَ
أَي مَا أَخَذْتُم منْ سَلَى ماشِيَتِكم
__________
(2) . قوله [وكتابه بالأَلف] هكذا في الأَصل
(3) . قوله [ابن نضلة] هكذا في الأَصل، وفي القاموس: وجحل بن حنظلة شاعر(14/396)
وَمَا وُلِدَ لَكُمْ؟ وَقِيلَ: يَحْتَمِلُ أَن يَكُونَ أَصله مَا سَلأْتُمْ، بِالْهَمْزِ، مِنَ السِّلاءِ وَهُوَ السَّمْنُ، فَتُرِكَ الْهَمْزُ فَصَارَتْ أَلِفاً ثُمَّ قُلبت الأَلفُ يَاءً. وَيُقَالُ للأَمْرِ إِذَا فاتَ: قدِ انْقَطَعَ السَّلَى؛ يُضْرب مَثَلًا للأَمْر يَفُوتُ وينقطِع. الْجَوْهَرِيُّ: يُقَالُ انْقَطَعَ السَّلَى فِي الْبَطْنِ إِذَا ذَهَبَت الْحِيلَةُ، كَمَا يُقَالُ: بَلَغَ السِّكِّينُ العظمَ. وَيُقَالُ: هُوَ فِي سَلْوَةٍ مِنَ الْعَيْشِ أَي فِي رَغَد؛ عَنْ أَبي زَيْدٍ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَمْرٍو: وَتَكُونُ لَكُمْ سَلْوَةٌ مِنَ الْعَيْشِ
أَي نَعْمة وَرَفَاهِيَةٌ ورَغَد يُسَلّيكم عَنِ الهَمِّ. والسُّلَيُّ: وادٍ بِالْقُرْبِ مِنَ النِّباجِ فِيهِ طَلْحٌ لِبَنِي عَبْسٍ؛ قَالَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ فِي بَابِ الْمَرَاثِي مِنَ الْحَمَاسَةِ:
لعَمْرُك مَا خَشِيتُ عَلَى أُبَيٍّ ... مَصارِعَ بَيْنَ قَوٍّ فالسُّلَيِ
وَلَكِنِّي خَشِيتُ عَلَى أُبَيٍّ ... جَرِيرَةَ رُمْحِه فِي كلِّ حيِ
سما: السُّمُوُّ: الارْتِفاعُ والعُلُوُّ، تقول منه: سَمَوْتُ وسَمَيْتُ مِثْلَ عَلَوْت وعَلَيْت وسَلَوْت وسَلَيْت؛ عَنْ ثَعْلَبٍ. وسَمَا الشيءُ يَسْمُو سُمُوّاً، فَهُوَ سامٍ: ارْتَفَع. وسَمَا بِهِ وأَسْماهُ: أَعلاهُ. وَيُقَالُ للحَسيب وَلِلشَّرِيفِ: قَدْ سَما. وَإِذَا رَفَعْتَ بَصَرك إِلَى الشَّيْءِ قُلْتَ: سَما إِلَيْهِ بَصَرِي، وَإِذَا رُفِعَ لَكَ شيءٌ مِنْ بعيدٍ فاسْتَبَنْتَه قُلْتُ: سَما لِي شيءٌ. وسَما لِي شخصُ فُلَانٍ: ارْتَفَع حَتَّى اسْتَثْبَتّه. وسَمَا بصرُه: عَلَا. وَتَقُولُ: رَدَدْت مِنْ سَامِي طَرْفه إِذَا قَصَّرْتَ إِلَيْهِ نفسَه وأَزَلْت نَخْوته. وَيُقَالُ: ذَهَبَ صيتُه فِي النَّاسِ وسُمَاهُ أَيْ صَوْتُهُ فِي الْخَيْرِ لَا فِي الشَّرِّ؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ثَعْلَبٌ:
إِلَى جِذْمِ مالٍ قَدْ نَهَكْنا سَوامَه، ... وأَخْلاقُنا فِيهِ سَوامٍ طَوامِحُ
فَسَّرَهُ فَقَالَ: سَوامٍ تَسْمُو إِلَى كَرائِمِها فتَنْحَرُها للأَضيْاف. وساماهُ: عَالَاهُ. وَفُلَانٌ لَا يُسامَى وَقَدْ عَلَا مَنْ ساماهُ. وتَسامَوْا أَي تَبارَوْا. وَفِي حَدِيثِ
أُمِّ مَعْبَدٍ: وَإِنْ صَمَتَ سَما وعلاهُ البَهاءُ
أَي ارْتَفَع وَعَلَا عَلَى جُلَسائه. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ زِمْلٍ: رَجُل طُوال إِذَا تَكَلَّمَ يَسْمُو
أَي يَعْلُو برأْسِه وَيَدَيْهِ إِذَا تكلمَ. وَفُلَانٌ يَسْمُو إِلَى المَعالِي إِذَا تَطاوَلَ إليها. وفي حديث
عَائِشَةَ الَّذِي رُوِيَ فِي أَهلِ الإِفْكِ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي نِساءِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، امرأَةٌ تُسَامِيها غيرُ زَيْنَبَ فَعَصَمها اللَّهُ تَعَالَى
، وَمَعْنَى تُسَامِيها أَي تُبارِيها وتُفاخِرُها. وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: المُسَامَاةُ المُفاخَرَةُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
قَالَتْ زينبُ يَا رسولَ اللَّهِ أَحْمِي سَمْعي وبَصَري وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسامِينِي مِنْهُنَّ
أَي تُعاليني وتفاخِرُني، وَهِيَ مُفاعَلة مِنَ السُّمُوّ أَي تُطاوِلُنِي فِي الحُظْوة عِنْدَهُ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
أَهلِ أُحُدٍ: أَنهم خرَجُوا بسيُوفِهم يَتَسَامَوْنَ كأَنهمُ الفُحول
أي يَتبارَوْنَ ويَتفاخَرُون، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ يَتداعَوْن بأَسمائهم؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ثَعْلَبٌ:
باتَ ابنُ أَدْماءَ يُساوِي الأَنْدَرا، ... سامَى طَعامَ الحَيِّ حينَ نَوَّرا
فَسَّرَهُ فَقَالَ: سامَى ارتَفع وصَعِد؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي أَنه أَراد كلَّما سَما الزرعُ بِالنَّبَاتِ سَمَا هُوَ إِلَيْهِ حَتَّى أَدرَك فحَصده وسرَقه؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ثَعْلَبٌ:
فارْفَعْ يَدَيْك ثُم سامِ الحَنْجَرا
فَسَّرَهُ فَقَالَ: سامِ الحَنْجَر ارْفَعْ يدَيْك إِلَى حَلْقهِ. وسماءُ كلِّ شَيْءٍ: أَعلاهُ، مذكَّر. والسَّماءُ: سقفُ(14/397)
كلِّ شَيْءٍ وكلِّ بيتٍ. والسمواتُ السبعُ سمَاءٌ، والسمواتُ السبْع: أَطباقُ الأَرَضِينَ، وتُجْمَع سَماءً وسَمَواتٍ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: السَّمَاءُ فِي اللُّغَةِ يُقَالُ لِكُلِّ مَا ارتَفع وعَلا قَدْ سَما يَسْمُو. وكلُّ سقفٍ فَهُوَ سَماءٌ، وَمِنْ هَذَا قِيلَ لِلسَّحَابِ السماءُ لأَنها عاليةٌ، والسَّمَاءُ: كلُّ ما عَلاكَ فأَظَلَّكَ؛ وَمِنْهُ قِيلَ لسَقْفِ الْبَيْتِ سَمَاءٌ. والسَّمَاءُ الَّتِي تُظِلُّ الأَرضَ أُنثى عِنْدَ الْعَرَبِ لأَنها جمعُ سَماءةٍ، وَسَبَقَ الجمعُ الوُحْدانَ فِيهَا. والسماءةُ: أَصلُها سَماوةٌ، وَإِذَا ذُكِّرَت السماءُ عَنَوْا بِهِ السقفَ. وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ
؛ وَلَمْ يَقُلْ مُنْفَطِرة. الْجَوْهَرِيُّ: السماءُ تذكَّر وتؤنَّث أَيضاً؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ فِي التَّذْكِيرِ:
فلَوْ رفَعَ السَّمَاءُ إِلَيْهِ قَوْماً، ... لَحِقْنا بالسَّمَاءِ مَعَ السَّحابِ
وَقَالَ آخَرُ:
وقالَتْ سَماءُ البَيْتِ فَوْقَك مُخْلقٌ، ... ولَمَّا تَيَسَّرَ اجْتِلاءُ الرَّكائب «1»
. وَالْجَمْعُ أَسْمِيَةٌ وسُمِيٌّ وسَموَاتٌ وسَمَاءٌ؛ وقولُ أُمَيَّةَ بنِ أَبي الصَّلْتِ:
لَهُ مَا رأَتْ عَيْنُ البَصِير، وفَوْقَه ... سَماءُ الإِلَهِ فَوْقَ سَبْعِ سَمائِيا «2»
. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: جَمعَه عَلَى فَعائل كَمَا تُجْمَعُ سَحابة عَلَى سَحَائِبَ، ثُمَّ ردَّه إِلَى الأَصل وَلَمْ يُنَوِّنْ كَمَا يُنَوَّنُ جوارٍ، ثُمَّ نصَبَ الْيَاءَ الأَخيرةَ لأَنه جَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ الصَّحِيحِ الَّذِي لَا يَنْصَرف كَمَا تَقُولُ مَرَرْتُ بصحائفَ، وَقَدْ بَسَطَ ابْنُ سِيدَهِ القولَ فِي ذَلِكَ وَقَالَ: قَالَ أَبو عَلِيٍّ جَاءَ هَذَا خَارِجًا عَنِ الأَصل الَّذِي عَلَيْهِ الِاسْتِعْمَالُ مِنْ ثَلَاثَةُ أَوجه: أَحدها أَن يَكُونَ جمَعَ سَمَاءً عَلَى فَعَائِلَ، حَيْثُ كَانَ وَاحِدًا مؤَنَّثاً فكأَنَّ الشاعرَ شَبَّهه بشِمالٍ وشَمائل وعَجُوز وعَجائز وَنَحْوَ هَذِهِ الآحادِ المؤنَّثة الَّتِي كُسّرت عَلَى فَعائل، حَيْثُ كَانَ وَاحِدًا مُؤَنَّثًا، والجمعُ المستعملُ فِيهِ فُعولٌ دُونَ فَعائل كَمَا قَالُوا عَناقٌ وعُنوقٌ، فجمْعُه عَلَى فُعول إِذَا كَانَ عَلَى مِثالِ عَناقٍ فِي التأْنيثِ هُوَ الْمُسْتَعْمَلُ، فَجَاءَ بِهِ هَذَا الشَّاعِرُ فِي سَمَائِيَا عَلَى غَيْرِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَالْآخَرُ أَنه قَالَ سَمائي، وَكَانَ الْقِيَاسُ الَّذِي غَلَبَ عَلَيْهِ الِاسْتِعْمَالُ سَمايا فَجَاءَ بِهِ هَذَا الشَّاعِرُ لَمَّا اضطرَّ عَلَى الْقِيَاسِ الْمَتْرُوكِ، فَقَالَ سَمائي عَلَى وَزْنِ سَحائبَ، فوقعَت فِي الطرَف ياءٌ مكسورٌ مَا قَبْلَهَا فَلَزِمَ أَن تُقلَب أَلفاً إذ قُلِبَت فِيمَا لَيْسَ فِيهِ حرفُ اعتِلالٍ فِي هَذَا الْجَمْعِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُمْ مَداري وَحُرُوفُ الِاعْتِلَالِ فِي سَمائي أَكثر مِنْهَا فِي مَداري، فَإِذَا قُلِبت فِي مَداري وَجَبَ أَن تَلْزَمَ هَذَا الضرب فيقال سماءَا «3» .... الْهَمْزَةُ بَيْنَ أَلفين وَهِيَ قَرِيبَةٌ مِنَ الأَلف، فَتَجْتَمِعُ حُرُوفٌ مُتَشَابِهَةٌ يُسْتَثقَلُ اجتماعُهُنَّ كَمَا كُره اجتماعُ الْمِثْلَيْنِ والمُتقاربَي المَخارج فأُدْغِما، فأُبدِل مِنَ الْهَمْزَةِ ياءٌ فَصَارَ سَمايا، وَهَذَا الإِبدال إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْهَمْزَةِ إِذَا كَانَتِ معترِضَة فِي الْجَمْعِ مِثْلَ جَمْعِ سَماءٍ ومَطِيَّةٍ ورَكِيَّةٍ، فَكَانَ جَمْعَ سَماءٍ إِذَا جُمع مكسَّراً عَلَى فَعَائِلَ أَن يَكُونَ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ نَحْوِ مَطايا ورَكايا، لَكِنَّ هَذَا الْقَائِلَ جَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لامُهُ صَحِيحٌ، وَثَبَتَتْ قبلَه فِي الْجَمْعِ الْهَمْزَةُ فَقَالَ سَماءٍ كَمَا قَالَ جوارٍ، فَهَذَا وجهٌ آخرُ مِنَ الإِخراج عَنِ الأَصل المستعمَل والردِّ إِلَى القِياس المَتروكِ الاستعمالِ، ثُمَّ حرَّك الياءَ بِالْفَتْحِ فِي مَوْضِعِ الْجَرِّ كَمَا تُحَرَّكُ مِنْ جَوارٍ ومَوالٍ فَصَارَ مِثْلَ مَواليَ؛ وَقَوْلُهُ:
__________
(1) . عجز البيت مختلّ الوزن
(2) . قوله [سبع سمائيا] قال الصاغاني، الرواية: فوق ست سمائيا والسابعة هي التي فوق الست
(3) . بياض بأصله(14/398)
أَبِيتُ عَلَى مَعاريَ واضِحاتٍ
فَهَذَا أَيضاً وَجْهٌ ثَالِثٌ مِنَ الإِخراج عَنِ الأَصل الْمُسْتَعْمَلِ، وَإِنَّمَا لَمْ يأْتِ بِالْجَمْعِ فِي وَجْهِهِ، أَعني أَن يقولَ فَوْقَ سَبْعِ سَمايا لأَنه كَانَ يَصِيرُ إِلَى الضَّرْبِ الثَّالِثِ مِنَ الطَّوِيلِ، وَإِنَّمَا مَبْنى هَذَا الشِّعرِ عَلَى الضَّرْبِ الثَّانِي الَّذِي هُوَ مَفاعِلن، لَا عَلَى الثَّالِثِ الَّذِي هُوَ فَعُولُنْ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ*
؛ قَالَ أَبو إِسْحَاقَ: لفظُه لفظُ الْوَاحِدُ ومعناهُ مَعنى الْجَمْعِ، قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ
، فَيَجِبُ أَن تَكُونَ السَّماءُ جَمْعًا كَالسَّمَوَاتِ كأَن الواحدَ سَماءَةٌ وسَماوَة، وَزَعَمَ الأَخفش أَن السماءَ جائزٌ أَن يَكُونَ وَاحِدًا كَمَا تقولُ كثُر الدينارُ وَالدِّرْهَمُ بأَيْدي النَّاسِ. وَالسَّمَاءُ: السَّحابُ. والسماءُ: المطرُ، مذكَّر. يُقَالُ: مَا زِلنا نَطأُ السماءَ حَتَّى أَتَيْناكُم أَي الْمَطَرَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤنِّثُه وَإِنْ كَانَ بمَعنى الْمَطَرِ كَمَا تذكَّر السماءُ وَإِنْ كَانَتْ مؤَنَّثة، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ
؛ قَالَ مُعَوِّدُ الحُكماءِ معاويةُ بنُ مالِكٍ:
إِذَا سَقَط السماءُ بأَرضِ قوْمٍ ... رعَيْناه، وَإِنْ كَانُوا غِضابا «1»
. وسُمِّيَ مُعَوِّدَ الحُكَماء لِقَوْلِهِ فِي هَذِهِ الْقَصِيدَةِ:
أُعَوِّدُ مِثْلَها الحُكَماءَ بعْدي، ... إِذَا مَا الحقُّ فِي الحدَثانِ نَابَا
وَيُجْمَعُ عَلَى أَسْمِيَة، وسُمِيّ عَلَى فُعُولٍ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
تَلُفُّه الأَرْواحُ والسُّمِيُّ ... فِي دِفْءِ أَرْطاةٍ، لَهَا حَنيُ
وَهَذَا الرَّجَزُ أَورده الْجَوْهَرِيُّ:
تلُفُّه الرِّياحُ والسُّمِيُ
وَالصَّوَابُ مَا أَوردناه؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ للطرمَّاح:
ومَحاهُ تَهْطالُ أَسمِيَةٍ، ... كلَّ يومٍ وليلةٍ تَرِدُهْ
ويُسَمَّى العشبُ أَيضاً سَماءً لأَنه يَكُونُ عَنِ السَّمَاء الَّذِي هُوَ الْمَطَرُ، كَمَا سَمَّوا النَّبَاتَ نَدًى لأَنه يَكُونُ عَنِ النَّدى الَّذِي هُوَ الْمَطَرُ، ويسمَّى الشحمُ نَدًى لأَنه يَكُونُ عَنِ النَّبَاتِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
فَلَمَّا رأَى أَن السماءَ سَماؤُهم، ... أَتى خُطَّةً كَانَ الخُضُوع نَكيرها
أَي رأَى أَن العُشبَ عُشبُهم فَخَضَعَ لَهُمْ لِيَرْعَى إبِلَه فِيهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
صَلَّى بِنَا إثْرَ سَماءٍ مِنَ اللَّيْلِ
أَي إثْر مطرٍ، وسُمِّيَ الْمَطَرُ سَماءً لأَنه يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ. وَقَالُوا: هاجَتْ بِهِمْ سَماء جَوْد، فأَنَّثوه لتعَلُّقِه بِالسَّمَاءِ الَّتِي تُظِلُّ الأَرض. والسَّمَاءُ أَيضاً: المطَرة الْجَدِيدَةُ «2» . يُقَالُ: أَصابتهم سَماءٌ وسُمِيٌّ كثيرةٌ وثلاثُ سُمِيّ، وَقَالَ: الْجَمْعُ الكثيرُ سُمِيٌّ. والسماءُ: ظَهْرُ الفَرس لعُلُوِّه؛ وَقَالَ طُفَيْل الغَنَوي:
وأَحْمَر كالدِّيباجِ، أَما سَماؤُه ... فرَيَّا، وأَما أَرْضُه فمُحُول
وسَمَاءُ النَّعْلِ: أَعلاها الَّتِي تَقَعُ عَلَيْهَا الْقَدَمُ. وسَمَاوَةُ البيتِ: سَقْفُه؛ وَقَالَ عَلْقَمَةُ:
سَمَاوَتُه مِنْ أَتْحَمِيٍّ مُعَصَّب
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُ إِنْشَادِهِ بِكَمَالِهِ:
سَمَاوتُه أَسمالُ بُرْدٍ مُحَبَّرٍ، ... وصَهْوَتُه مِنْ أَتْحَمِيٍّ مُعَصَّب
قَالَ: وَالْبَيْتُ لِطُفَيْلٍ. وسَمَاءُ الْبَيْتِ: رُواقُه، وَهِيَ
__________
(1) . وفي رواية: إذا نَزَلَ السماءُ.. إلخ
(2) . قوله [الجديدة] هكذا في الأصل، وفي القاموس: الجيدة(14/399)
الشُّقة الَّتِي دونَ العُليا، أُنثى وَقَدْ تذكَّر. وسَماوَتُه: كسمائِه. وسَماوةُ كلِّ شيءٍ: شخْصُه وطلْعتُه، وَالْجَمْعُ مِنْ كلِّ ذَلِكَ سَماءٌ وسَماوٌ، وَحَكَى الأَخيرة الكسائيُّ غيرَ مُعْتَلَّة؛ وأَنشد ذُو الرُّمَّةِ:
وأَقسَمَ سَيَّارٌ مَعَ الرَّكْبِ لَمْ يَدَعْ ... تَراوُحُ حافاتِ السَّمَاوِ لَهُ صَدْرا
هَكَذَا أَنشده بِتَصْحِيحِ الْوَاوِ. واسْتَمَاهُ: نَظَرَ إِلَى سَماوَتِه. وسَماوَةُ الهِلالِ: شَخْصه إِذَا ارْتَفَع عَنِ الأُفُق شَيْئًا؛ وأَنشد لِلْعَجَّاجِ:
ناجٍ طَواهُ الأَيْنُ هَمّاً وجَفا ... طَيَّ اللَّيَالِي زُلَفاً فزُلَفا،
سَماوةَ الهلالِ حَتَّى احقَوْقَفا
والصائدُ يَسْمُو الوحشَ ويَسْتَمِيها: يَتَعَيَّن شخوصَها ويطلُبُها. والسُّمَاةُ: الصَّيادُونَ، صِفَةٌ غَالِبَةٌ مِثْلَ الرُّماةِ، وَقِيلَ: صَيَّادُو النهارِ خاصَّة؛ وأَنشد سِيبَوَيْهِ:
وجَدَّاء لَا يُرْجى بِهَا ذُو قرابةٍ ... لعَطْفٍ، وَلَا يَخْشى السُّماةَ رَبيبُها
والسُّماةُ: جمعُ سامٍ. والسَّامي: هُوَ الَّذِي يلبَسُ جَوْرَبَيْ شعَرٍ ويعدُو خلْف الصيدِ نِصْفَ النهارِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
أَتَتْ سِدْرَةً منْ سِدْرِ حِرْمِلَ فابْتَنَتْ ... بِه بَيْتَها، فَلا تُحَاذِرُ سامِيَا «1»
. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والسُّماةُ الصَّيَّادُون المُتَجَوْرِبُونَ، واحِدُهُم سَامٍ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:
ولَيسَ بهَا ريحٌ ولكِنْ ودِيقَةٌ، ... قليلٌ بهَا السَّامِي يُهِلُّ ويَنْقع «2»
. والاسْتِمَاءُ أَيضاً: أَن يَتَجَوْرَبَ الصائِدُ لصَيْدِ الظِّباء، وَذَلِكَ فِي الحَرّ. واسْتَمَاهُ: اسْتَعارَ مِنْهُ جَوْرَباً لِذَلِكَ. واسْمُ الجَوْرَبِ: المِسْماةُ، وَهُوَ يَلْبَسُه الصيَّادُ لِيَقِيَهُ حرَّ الرَّمْضاءِ إِذَا أَراد أَن يَتَرَبَّصَ الظباءَ نصفَ النَّهَارِ. وَقَدْ سَمَوْا واسْتَمَوْا إِذَا خَرَجُوا للصَّيْدِ. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: اسْتَمَانَا أَصادنَا. اسْتَمَى: تَصَيَّد؛ وأَنشد ثَعْلَبٌ:
عَوَى ثمَّ نَادَى هَلْ أَحَصْتُمْ قِلاصَنَا، ... وُسِمْنَ عَلَى الأَفْخاذِ بالأَمْسِ أَرْبَعَا
غُلامٌ أَضَلَّتْه النُّبُوحُ، فَلَمْ يَجِدْ ... لَهُ بَيْنَ خَبْتٍ والهَباءَةِ أَجْمَعَا
أُناساً سِوانا، فاسْتَمَانَا فَلَا تَرَى ... أَخا دَلَجٍ أَهْدَى بلَيْلٍ وأَسْمَعا
أَي يطْلُب الصيَّادُ الظِّبَاءَ «3» . فِي غيرانِهنَّ عندَ مَطْلَعِ سُهَيْلٍ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، يَعْنِي بالغِيرانِ الكُنُسَ. وَإِذَا خَرَجَ القومُ للصيدِ فِي قِفارِ الأَرضِ وصَحارِيها قُلْتُ: سَمَوْا وهُم السُّماةُ أَي الصَّيادون. أَبو عبيد: خَرَجَ فلانٌ يَسْتَمِي الوَحْشَ أَي يَطْلُبها. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وغلَّط ثَعْلَبٌ مَنْ يَقُولُ خَرَجَ فلانٌ يَسْتَمي إِذَا خَرَجَ لِلصَّيْدِ، قَالَ: وَإِنَّمَا يَسْتَمِي مِنَ المِسْمَاةِ، وَهُوَ الجَوْرَب مِنَ الصُّوف يَلْبَسُه الصَّائِدُ ويخرُج إِلَى الظِّبَاءِ نصْفَ النَّهار فتخرُج مِنْ أَكْنِسَتِهَا ويَلُدُّها حَتَّى تَقِفَ فيأْخذَها. والقُرُومُ السَّوَامِي: الفُحول الرافعة رؤُوسها. وسَمَا الْفَحْلُ سَماوةً: تَطاولَ عَلَى شُوَّلِهِ وسطَا، وسَماوَتُه شَخصه؛ وأَنشد:
__________
(1) . قوله [حرمل] هو هكذا بهذا الضبط في الأَصل، ولعله حومل أو جومل
(2) . قوله [قليل إلخ] تقدم في مادة هلل بلفظ يظل
(3) . قوله [أَيْ يَطْلُبُ الصَّيَّادُ الظِّبَاءَ إلخ] هكذا في الأَصل بعد الأَبيات ويظهر أنه ليس تفسيراً لاستمانا الذي في البيت. وعبارة القاموس مع شرحه: واسْتَمَى الصياد الظباء إذا طلبها من غيرانها عِنْدَ مَطْلَعِ سُهَيْلٍ: عَنِ ابْنُ الأَعرابي(14/400)
كأَنَّ عَلَى أَشْباتِهَا، حِينَ آنَسَتْ ... سَمَاوَتُهُ، قِيًّا مِنَ الطَّيْرِ وُقَّعَا «1»
. وإنَّ أَمامي مَا أُسامِي إِذَا خِفْتَ مِنْ أَمَامِكَ أَمراً مَا؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي أَنَّ مَعْنَاهُ لَا أُطِيقُ مُسامَاتَه وَلَا مُطاوَلَته. والسَّماوَةُ: ماءٌ بالبَادِية. وأَسْمَى الرجلُ إِذَا أَتَى السَّماوة أَو أَخذ ناحِيَتَها، وَكَانَتْ أُمُّ النعمانِ سُمِّيَتْ بِهَا فَكَانَ اسْمُها ماءَ السَّمَاوَةِ فسمَّتْها العَرَبُ ماءَ السَّماءِ. وَفِي حَدِيثِ
هاجَرَ: تلْكَ أُمُّكُمْ يَا بَني ماءِ السَّماء؛ قَالَ: يُرِيدُ العَرَب لأَنَّهُمْ يَعِيشُونَ بماءِ المَطَرِ ويَتْبَعُون مَساقِطَ المَطَرِ.
والسَّماوَةُ: موضِع بالبادِية ناحِيةَ العواصِمِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: كَانَتْ أُمُّ النُّعْمانِ تُسَمَّى مَاءَ السَّماء. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: ماءُ السَّماءِ أُمُّ بَني مَاءِ السماءِ لَمْ يَكُنِ اسْمُهَا غَيْرَ ذَلِكَ. والبَكْرَةُ مِنَ الإِبل تُسْتَمَى بَعْدَ أَربع عشرةَ لَيْلَةً أَو بَعْدَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ أَي تُخْتَبرُ أَلاقِحٌ هِيَ أَم لَا؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: حَكَاهُ ابْنُ الأَعرابي، وأَنكر ذَلِكَ ثَعْلَبٌ وَقَالَ: إِنَّمَا هِيَ تُسْتَمْنَى مِنَ المُنْية، وَهِيَ العدَّة الَّتِي تَعْرِفُ بِانْتِهَائِهَا أَلاقح هِيَ أَم لَا. وَاسْمُ الشيءِ وسَمُه وسِمُه وسُمُه وسَماهُ: علامَتُه. التَّهْذِيبِ: والإِسم أَلفُه أَلفُ وصلٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّك إِذَا صَغَّرْت الإِسمَ قُلْتَ سُمَيٌّ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: هذا اسمٌ مَوْصُولٌ وَهَذَا أُسْمٌ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَى قَوْلِنَا اسمٌ هُوَ مُشْتَق مِنَ السُّموِّ وَهُوَ الرِّفْعَة، قَالَ: والأَصل فِيهِ سِمْوٌ مثلُ قِنْوٍ وأَقْناءٍ. الْجَوْهَرِيُّ: والاسمُ مُشْتَقٌّ مِنْ سَموْتُ لأَنه تَنْويهٌ ورِفْعَةٌ، وتقديرُه إفْعٌ، وَالذَّاهِبُ مِنْهُ الْوَاوُ لأَنَّ جمعَه أَسْمَاءٌ وَتَصْغِيرَهُ سُمَيٌّ، واخْتُلف فِي تَقْدِيرِ أَصله فَقَالَ بَعْضُهُمْ: فِعْلٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فُعْلٌ، وأَسْمَاءٌ يكونُ جَمْعاً لِهَذَا الوَزْن، وَهُوَ مثلُ جِذْعٍ وأَجْذاع وقُفْل وأَقْفال، وَهَذَا لَا يُدْرَي صِيغتهُ إلَّا بالسمعِ، وَفِيهِ أَربعُ لُغاتٍ: اسْمٌ واسْمٌ، بالضم، وسِمٌ وسُمٌ؛ ويُنْشَد:
واللهُ أَسْماكَ سُماً مُبارَكَا، ... آثَرَكَ اللهُ بِهِ إيثارَكا
وَقَالَ آخَرُ:
وعامُنا أَعْجَبَنا مُقَدَّمُهْ، ... يُدْعَى أَبا السَّمْحِ وقِرْضابٌ سِمُه [سُمُه] ،
مُبْتَرِكاً لكلِّ عَظْمٍ يَلْحُمُهْ
سُمُه وسِمُه، بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ جَمِيعًا، وأَلِفُه أَلفُ وصْلٍ، وَرُبَّمَا جَعَلَها الشَّاعِرُ أَلِفَ قَطْعٍ لِلضَّرُورَةِ كَقَوْلِ الأَحْوص:
وَمَا أَنا بالمَخْسُوسِ في جِذْمِ مالِكٍ، ... ولا مَنْ تَسَمَّى ثُمَّ يَلْتَزِمُ الإِسْما
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وأَنشد أَبو زَيْدٍ لِرَجُلٍ مِنْ كَلْب:
أَرْسَلَ فِيهَا بازِلًا يُقَرِّمُهْ، ... وهْوَ بِهَا يَنْحُو طَريقاً يَعْلَمُهْ،
باسْمِ الَّذِي في كل سُورةٍ سِمُهْ
وَإِذَا نَسَبْت إِلَى الِاسْمِ قُلْتَ سِمَوِيّ وسُمَوِيّ، وإنْ شِئْتَ اسْمِيٌّ، تَرَكْته عَلَى حَالِهِ، وجَمعُ الأَسْماءِ أَسامٍ، وقال أَبو الْعَبَّاسِ: الاسْمُ رَسْمٌ وسِمَة تُوضَعُ عَلَى الشَّيْءِ تُعرف بِهِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والاسمُ اللفظُ الموضوعُ عَلَى الجوهَرِ أَو العَرَض لتَفْصِل بِهِ بعضَه مِنْ بعضٍ كقولِك مُبْتَدِئاً اسمُ هَذَا كَذَا، وَإِنْ شئتَ قُلْتَ اسْمُ هَذَا كَذَا، وَكَذَلِكَ سِمُه وسُمُه. قَالَ اللحياني: اسْمُه فلان،
__________
(1) . قوله [كأن على أشباتها إلخ] هو هكذا في الأَصل(14/401)
كلامُ الْعَرَبِ. وحُكِيَ عَنْ بَنِي عَمْرو بْنِ تَميمٍ: اسْمه فُلَانٌ، بِالضَّمِّ، وَقَالَ: الضمُّ فِي قُضاعة كثيرٌ، وأَما سِمٌ فَعَلَى لُغَةِ مَنْ قَالَ اسمٌ، بِالْكَسْرِ، فطرحَ الأَلف وأَلقى حَرَكَتها عَلَى السِّينِ أَيضاً؛ قَالَ الْكِسَائِيُّ عَنْ بَنِي قُضاعة:
باسْمِ الَّذِي فِي كلِّ سورةٍ سُمُهْ
بِالضَّمِّ، وأُنْشِد عَنْ غَيْرِ قُضاعة سِمُهْ، بِالْكَسْرِ. قَالَ أَبو إِسْحَاقَ: إِنَّمَا جُعِلَ الاسمُ تَنْوِيهاً بالدَّلالةِ عَلَى الْمَعْنَى لأَنَّ الْمَعْنَى تَحْتَ الاسْمِ. التَّهْذِيبُ: وَمَنْ قَالَ إنَّ اسْماً مأْخوذٌ مِنْ وَسَمْت فَهُوَ غَلَطٌ، لأَنه لَوْ كَانَ اسمٌ مِنْ سِمْتُهُ لَكَانَ تصغيرُهُ وسَيْماً مثلَ تَصْغير عِدَةٍ وَصِلَةٍ وَمَا أَشبههما، وَالْجَمْعُ أَسْماءٌ. وَفِي التَّنْزِيلِ: وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها
؛ قِيلَ: مَعْنَاهُ علَّمَ آدمَ أَسْماءَ جميعِ الْمَخْلُوقَاتِ بِجَمِيعِ اللُّغَاتِ العربيةِ وَالْفَارِسِيَّةِ والسُّرْيانِيَّة والعِبْرانيَّة والروميَّة وغيرِ ذَلِكَ مِنْ سائرِ اللُّغَاتِ، فَكَانَ آدمُ، عَلَى نبيِّنا محمدٍ وَعَلَيْهِ أَفضل الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، وولدُه يتكَلَّمون بِهَا، ثُمَّ إنَّ ولدَه تفرَّقوا فِي الدُّنْيَا وعَلِقَ كلٌّ مِنْهُمْ بِلُغَةٍ مِنْ تِلْكَ اللُّغَاتِ، ثُمَّ ضَلَّت عَنْهُ مَا سِواها لبُعْدِ عَهْدِهم بِهَا، وَجَمْعُ الأَسْمَاءِ أَساميُّ وأَسَامٍ؛ قَالَ:
وَلَنَا أَسَامٍ مَا تَلِيقُ بغَيْرِنا، ... ومَشاهِدٌ تَهْتَلُّ حِينَ تَرانا
وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ فِي جمعِ الِاسْمِ أَسْمَاوَاتٌ، وَحَكَى لَهُ الْكِسَائِيُّ عَنْ بعضهم: سأَلتُك ب أَسماواتِ اللَّهِ، وَحَكَى الْفَرَّاءُ: أُعِيذُكَ ب أَسماواتِ اللَّهِ، وأَشْبَه ذَلِكَ أَن تكونَ أَسماواتٌ جَمْعَ أَسماءٍ وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لَهُ. وَفِي حَدِيثِ
شُريح: أَقتَضِي ما لي مُسَمّىً
أَي بَاسِمِي، وَقَدْ سَمَّيْته فلاناً وأَسْمَيته إِيَّاهُ، وأَسْمَيته وسَمَّيته بِهِ. الْجَوْهَرِيُّ: سَمَّيت فُلَانًا زَيْدًا وسَمَّيْته بزيدٍ بِمَعْنًى، وأَسْمَيته مثلُه فتسَمَّى بِهِ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: الأَصل الْبَاءُ لأَنه كَقَوْلِكِ عرَّفْته بِهَذِهِ الْعَلَامَةِ وأَوضحته بِهَا؛ قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: يُقَالُ سَمَّيته فُلَانًا وَهُوَ الْكَلَامُ، وَقَالَ: يُقَالُ أَسْمَيته فُلَانًا؛ وأَنشد:
واللهُ أَسْماكَ سُماً مُبارَكا
وَحَكَى ثَعْلَبٌ: سَمَّوْته، لَمْ يَحْكِها غيرُه. وَسُئِلَ أَبو الْعَبَّاسِ عَنْ الاسمِ: أَهُو المُسَمَّى أَو غيرُ المُسمى؟ فَقَالَ: قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ الاسمُ هُوَ المُسَمَّى، وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: الِاسْمُ غَيْرُ المُسَمَّى، فَقِيلَ لَهُ: فَمَا قولُك؟ قَالَ: لَيْسَ لِي فِيهِ قَوْلٌ. قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: السُّمَا، مَقْصُورٌ، سُمَا الرجلِ: بُعْدُ ذهابِ اسْمِه؛ وأَنشد:
فدَعْ عنكَ ذِكْرَ اللَّهْوِ، واعْمِدْ بمِدْحةٍ ... لِخَيْرِ مَعَدٍّ كُلِّها حيْثُما انْتَمَى
لأْعْظَمِها قَدْراً، وأَكْرَمِها أَباً، ... وأَحْسَنِها، وجْهاً، وأَعْلَنِها سُمَا
يَعْنِي الصِّيتَ؛ قَالَ وَيُرْوَى:
لأَوْضَحِها وجْهاً، وأَكْرَمِها أَباً، ... وأَسْمَحِها كَفّاً، وأَبعَدِها سُمَا
قَالَ: والأَول أَصح؛ وَقَالَ آخَرُ:
أَنا الحُبابُ الَّذِي يَكْفي سُمِي نَسَبي، ... إِذَا القَمِيصُ تَعدَّى وَسْمَه النَّسَبُ
وَفِي الْحَدِيثِ:
لَمَّا نزَلَتْ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ*
، قَالَ: اجْعَلُوها فِي رُكوعِكم
، قَالَ: الاسمُ هَاهُنَا صلةٌ وزيادةٌ بِدَلِيلِ أَنه كَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ سبحانَ رَبيَ الْعَظِيمِ فحُذف الاسمُ، قَالَ: وَعَلَى هَذَا قَوْلُ مَنْ زَعم أَن الاسمَ هُوَ المُسَمَّى، وَمَنْ قَالَ إِنَّهُ غيرُه لَمْ يَجْعَلْه صِلةً. وسَمِيُّكَ: المُسمَّى باسْمِك، تَقُولُ هُوَ سَمِيُّ فُلَانٍ إِذَا وافَق اسمُه اسمَه كَمَا تَقُولُ هُوَ(14/402)
كَنِيُّه. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا
؛ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمْ يُسَمَّ قبلَه أَحدٌ بيَحْيى، وَقِيلَ: مَعْنَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا
أَي نَظِيراً ومِثلًا، وَقِيلَ: سُمِّيَ بيَحْيى لأَنه حَيِيَ بالعِلْمِ والحكْمة. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا
؛ أَي نَظِيراً يستَحِقُّ مثلَ اسمِه، وَيُقَالُ مُسامِياً يُسامِيه؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَيُقَالُ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ مِثْلًا؛ وَجَاءَ أَيضاً: لَمْ يُسَمَّ بالرَّحْمنِ إِلَّا اللهُ، وتأْويلُه، وَاللَّهُ أَعلم، هلْ تعلمُ سَمِيّاً يستَحِق أَن يُقَالَ لَهُ خالِقٌ وقادِرٌ وعالِمٌ لِما كَانَ وَيَكُونُ، فَكَذَلِكَ لَيْسَ إِلَّا مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ؛ قَالَ:
وكمْ مِنْ سَمِيٍّ ليسَ مِثْلَ سَمِيِّهِ ... مِنَ الدَّهرِ، إِلَّا اعْتادَ عَيْنيَّ واشِلُ
وَقَوْلُهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: سَمُّوا وسَمِّتوا ودَنُّوا
أَي كُلَّما أَكَلْتُم بينَ لُقْمَتين فسَمُّوا اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ. وَقَدْ تَسَمَّى بِهِ، وتَسَمَّى بِبَنِي فُلَانٍ: والاهُمُ النَّسَبَ. وَالسَّمَاءُ: فرَسُ صَخْرٍ أَخي الْخَنْسَاءِ؛ وسُمْيٌ: اسْمُ بَلَدٍ؛ قَالَ الْهُذَلِيُّ:
تَرَكْنا ضُبْعَ سُمْيَ إِذَا اسْتباءَتْ، ... كأَنَّ عَجِيجَهُنَّ عَجِيجُ نِيبِ
وَيُرْوَى إِذَا اسسات «1» : وَقَالَ ابْنُ جِنِّي: لَا أَعرفُ فِي الْكَلَامِ س م ي غَيْرَ هَذِهِ، قَالَ: عَلَى أَنه قَدْ يَجُوزُ أَن يكونَ مِنْ سَمَوْت ثُمَّ لَحِقه التَّغْييرُ للعَلَمِية كَحَيْوَةَ. وماسَى فلانٌ فُلَانًا إِذَا سَخِرَ مِنْهُ، وَسَامَاهُ إِذَا فاخَرَه، وَاللَّهُ أَعلم.
سنا: سَنَت النارُ تَسْنُو سَناءً: عَلا ضَوْءُها. والسَّنا، مقصورٌ: ضوءُ النارِ والبرْقِ، وَفِي التَّهْذِيبِ: السَّنا، مقصورٌ، حَدُّ مُنْتَهى ضوْءِ البرْقِ. وَقَدْ أَسْنَى البرْقُ إِذَا دَخلَ سَناهُ عليكَ بيتَك أَو وقَع عَلَى الأَرض أَو طَارَ فِي السَّحابِ. قَالَ أَبو زَيْدٍ: سَنا البرْق ضَوْءُه مِنْ غَيْرِ أَن ترَى البرْقَ أَو تَرَى مَخرَجَه فِي موْضِعه، فَإِنَّمَا يَكُونُ السَّنا بِاللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ وَرُبَّمَا كَانَ فِي غَيْرِ سَحابٍ. ابْنُ السِّكِّيتِ: السَّنَاءُ مِنَ الْمَجْدِ وَالشَّرَفِ، مَمْدُودٌ. والسَّنا: سَنَا البرقِ، وَهُوَ ضوْءُه، يُكْتَبُ بالأَلف وَيُثَنَّى سَنَوَان وَلَمْ يَعرفِ الأَصمعي لَهُ فِعْلًا. والسَّنَا، بِالْقَصْرِ: الضَّوْءُ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ
؛ وأَنشد سِيبَوَيْهِ:
أَلم ترَ أَنِّي وابنَ أَسْوَدَ، لَيْلَةً، ... لَنَسْري إِلَى نارَينِ يَعْلُو سَنَاهُما
وسَنَا البرْقُ: أَضاءَ؛ قَالَ تميمُ بنُ مُقبل:
لِجَوْنِ شَآمِ كُلَّمَا قُلْتُ قَدْ وَنَى ... سَنَا، والقَواري الخُضْرُ فِي الدَّجْنِ جُنَّحُ
وأَسْنَى النارَ: رَفَعَ سَناها. واسْتَنَاها: نَظَر إِلَى سَناها؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
ومُسْتَنْبَحٍ، يَعْوي الصَّدى لِعُوائِه، ... تنَوَّرَ نَارِي فاسْتَنَاها وأَوْمَضا
أَوْمَضَ: نظَرَ إِلَى وَمِيضِها. وسَنَا البرْقُ: سطَع. وسَنَا إِلَى مَعالي الأُمُورِ سَناءً: ارْتَفَعَ. وسَنُوَ فِي حَسَبه سَناءً، فَهُوَ سَنِيٌّ: ارْتَفَعَ. وَيُقَالُ: إِنَّ فُلَانًا لسَنِيُّ الحَسَب، وَقَدْ سَنُوَ يَسْنُو سَنَاءً، مَمْدُودٌ. والسَّنَاءُ مِنَ الرِّفْعة، مَمْدُودٌ. والسَّنِيُّ: الرَّفيعُ. وأَسْناهُ أَي رَفَعه؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
وهُمْ قومٌ كِرامُ الحَيِّ طُرًّا، ... لَهُمْ حَوْلٌ إِذَا ذُكِرَ السَّنَاءُ
وَفِي الْحَدِيثِ:
بَشِّرْ أُمَّتي بالسَّناء
أَي بِارْتِفَاعِ الْمَنْزِلَةِ وَالْقَدْرِ عِنْدَ اللَّهِ. وَقَدْ سَنِيَ يَسْنَى سَناءً أَي ارتفَع،
__________
(1) . قوله [اسسات] هي هكذا بهذه الصورة في الأصل(14/403)
وأَما قِرَاءَةُ
مَنْ قرأَ: يكادُ سَناءُ بَرْقِه
، مَمْدُودٌ، فَلَيْسَ السَّناءُ مَمْدُودًا لُغَةً فِي السَّنا الْمَقْصُورِ، وَلَكِنْ إِنَّمَا عَنَى بِهِ ارتفاعَ الْبَرْقِ ولُمُوعَه صُعُداً كَمَا قَالُوا بَرْق رافِع. وسَنَّاه أَي فتَحه وسَهَّله؛ وَقَالَ:
وأَعْلَم عِلْماً، لَيْسَ بِالظَّنِّ، أَنه ... إِذَا اللهُ سَنَّى عَقْدَ شيءٍ تيَسَّرا
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هَذَا البيت أَنشده أَبو الْقَاسِمِ الزَّجَّاجِيُّ فِي أَماليه:
فَلَا تَيْأَسا واسْتَغْوِرَا اللهَ، إِنَّهُ ... إِذَا اللهُ سَنَّى عَقْدَ شيءٍ تيَسَّرا
مَعْنَى قَوْلِهِ: استَغْوِرَا اللهَ اطْلُبَا مِنْهُ الغِيرةَ، وَهِيَ المِيرةُ؛ وَفِي حَدِيثِ
مُعَاوِيَةَ أَنه أَنشد:
إِذَا اللهُ سَنَّى عَقْدَ شيءٍ تيَسَّرا
يُقَالُ: سَنَّيْتُ الشيءَ إِذَا فَتَحْتَهُ وسهَّلْته. وتَسَنَّى لِي كَذَا أَي تيَسَّر وتأَتَّى. وتَسَنَّى الشيءَ: عَلَاهُ؛ قال ابن أَحمر:
تربى لَهَا وهْوَ مَسْرُورٌ لغَفْلَتِها ... طَوراً، وَطَوْرًا تَسَنَّاه فتَعْتَكِرُ «1»
. وتَسَنَّى البعيرُ الناقةَ إِذَا تسَدَّاها وقاعَ عَلَيْهَا لِيَضْرِبَهَا. الْفَرَّاءُ: يُقَالُ تَسَنَّى أَي تغَيَّر. قَالَ أَبو عَمْرٍو: لَمْ يتَسَنَّ لَمْ يَتَغَيَّرْ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ*؛ أَي متغير، فأَبدل مِنْ إِحْدَى النُّونَاتِ يَاءً مِثْلَ تقَضَّى مِنْ تقَضَّضَ. والمُسَنَّاةُ: العَرِمُ. وسَنا سُنُوّاً وسِنَايَةً وسِنَاوَةً: سَقى. والسَّانِيَةُ: الغرْبُ وأَداته. والسَّانِيَة: النَّاضِحَةُ، وَهِيَ النَّاقَةُ الَّتِي يُسْتَقى عَلَيْهَا. وَفِي الْمَثَلِ: سَيْرُ السَّوَانِي سَفَرٌ لَا ينقطِع. اللَّيْثُ: السَّانِيَة، وَجَمْعُهَا السَّوَانِي، مَا يُسقى عَلَيْهِ الزَّرْعُ وَالْحَيَوَانُ مِنْ بَعِيرٍ وَغَيْرِهِ. وَقَدْ سَنَتِ السَّانِيَةُ تَسْنُو سُنُوّاً إِذَا اسْتَقت وسِنايةً وسِناوةً. وسَنَتِ الناقةُ تَسْنُو إِذَا سَقَتِ الأَرض، وَالسَّحَابَةُ تَسْنُو الأَرضَ، والقومُ يَسْنُون لأَنفسهم إِذَا اسْتَقَوْا، ويَسْتَنُون إِذَا سَنَوْا لأَنفسهم؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
بأَيِّ غَرْبٍ إذْ غَرفْنا نَسْتَنِي
وسَنِيَتِ الدابةُ وغيرُها تَسْنَى إِذَا سُقِي عَلَيْهَا الْمَاءُ. أَبو زَيْدٍ: سَنَتِ السماءُ تَسْنُو سُنُوّاً إِذَا مطَرَت. وسَنَوْتُ الدَّلْوَ سِنَاوَةً إِذَا جَرَرْتَها مِنَ الْبِئْرِ. أَبو عُبَيْدٍ: السَّانِي المُسْتَقي، وَقَدْ سَنَا يَسْنُو، وجمْعُ السَّانِي سُنَاةٌ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
كأَنَّ دُمُوعَه غَرْبا سُنَاةٍ، ... يُحِيلونَ السِّجالَ عَلَى السِّجال
جعلَ السُّنَاةَ الرجالَ الَّذِينَ يَسْقُون بالسَّواني ويُقْبِلون بِالْغُرُوبِ فيُحِيلونها أَي يَدْفُقُون مَاءَهَا. وَيُقَالُ: هَذِهِ رَكِيَّة مَسْنَوِيَّة إِذَا كَانَتْ بَعِيدَةَ الرِّشاء لَا يُسْتَقى مِنْهَا إِلَّا بِالسَّانِيَةِ مِنَ الإِبل، والسَّانِيَة تَقَعُ عَلَى الجَمل وَالنَّاقَةِ بِالْهَاءِ، وَالسَّانِي، بِغَيْرِ هاءٍ، يَقَعُ عَلَى الجَمل وَالْبَقَرِ والرَّجُلِ، وَرُبَّمَا جَعَلُوا السَّانِيَة مَصْدَرًا عَلَى فَاعِلَةٍ بِمَعْنَى الاسْتِقاء؛ وأَنشد الْفَرَّاءُ:
يَا مَرْحباهُ بحِمارٍ ناهِيَهْ، ... إِذَا دَنا قَرَّبْتُه للسَّانِيَهْ
الْفَرَّاءُ: يُقَالُ سَنَاها الغيثُ يَسْنُوها فَهِيَ مَسْنُوَّةٌ ومَسْنِيَّةٌ، يَعْنِي سَقَاهَا، قَلَبُوا الواوَ يَاءً كَمَا قَلَبُوهَا فِي قِنْية. وَفِي حَدِيثِ الزَّكَاةِ:
مَا سُقِيَ بالسَّوَانِي فَفِيهِ نِصْفُ العُشْر
؛ السَّوَانِي: جَمْعُ سَانِيَةٍ وَهِيَ النَّاقَةُ الَّتِي يُسْتقى عَلَيْهَا؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
البعيرِ الَّذِي شَكَا إِلَيْهِ فَقَالَ أَهلُه: إِنَّا كُنَّا نَسْنُو عَلَيْهِ
أَي نستَقي؛ وَمِنْهُ حديث
__________
(1) . قوله [تربى إلخ] هو هكذا في الأصل بدون نقط ولا شكل(14/404)
فَاطِمَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: لَقَدْ سَنَوْتُ حَتَّى اشتكَيْتُ صَدْرِي.
وَفِي حَدِيثِ
الْعَزْلِ: إنَّ لِي جَارِيَةً هِيَ خادِمُنا وسانِيَتُنا فِي النَّخْلِ
، كأَنها كَانَتْ تَسْقِي لَهُمْ نخْلَهُم عِوَضَ الْبَعِيرِ. والمَسْنَوِيَّةُ: البئرُ الَّتِي يُسْنى مِنْهَا، واسْتَنَى لنفسِه، وَالسَّحَابُ يَسْنُو الْمَطَرَ، وسَنَتِ السحابةُ بِالْمَطَرِ تَسْنُو وتَسْنِي. وأَرضٌ مَسْنُوَّةٌ ومَسْنِيَّةٌ: مَسْقِيَّة، وَلَمْ يَعْرِفْ سِيبَوَيْهِ سَنيْتُها، وأَما مَسْنِيَّةٌ عِنْدَهُ فَعَلَى يَسْنوها، وَإِنَّمَا قَلَبُوا الواوَ يَاءً لخِفَّتِها وقُرْبِها مِنَ الطَّرَف، وشُبِّهَت بمَسْنِيٍّ كَمَا جَعَلُوا عَظاءةً بِمَنْزِلَةِ عَظاءٍ. وسَانَاه: رَاضَاهُ. أَبو عَمْرٍو: سَانَيْتُ الرجلَ راضيْتُه وَدَارَيْتُهُ وأَحسنت مُعَاشَرَتَهُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ لَبِيدٍ:
وسَانَيْتُ مِنْ ذِي بَهْجةٍ ورَقَيْتُه، ... عَلَيْهِ السُّموطُ عائصٍ، مُتَعصِّب
وأَنشد الْجَوْهَرِيُّ هَذَا الْبَيْتَ عابسٍ مُتعصِّب. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ ابْنُ الْقَطَّاعِ مُتعصب بِالتَّاجِ، وَقِيلَ: يُعَصَّب برأْسِه أَمرُ الرَّعِيَّةِ، قَالَ: وَالَّذِي رَوَاهُ ابْنُ السِّكِّيتِ فِي الأَلفاظ فِي بَابِ المُساهَلة مُتغَضِّب، قَالَ: وَكَذَلِكَ أَنشده أَبو عُبَيْدٍ فِي بَابِ المُداراةِ. والمُسَانَاةُ: الملاينةُ فِي المُطالَبة. والمُسَانَاةُ: المُصانَعَة، وَهِيَ المُداراة، وَكَذَلِكَ المُصاداة والمُداجاةُ. الْفَرَّاءُ: يقال: أَخذتُه ب سِنَايَته وصِنايَتِه أَي أَخذه كلَّه. والسَّنَةُ إِذَا قُلْته بِالْهَاءِ وجعَلْت نقصانَه الْوَاوَ، فَهُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، تَقُولُ: أَسْنَى القومُ يُسْنُونَ إسْنَاءً إِذَا لَبِثوا فِي موضعٍ سنَةً، وأَسْنَتُوا إِذَا أَصابتهم الجُدوبةُ، تُقلب الواوُ تَاءً لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا؛ وَقَالَ الْمَازِنِيُّ: هَذَا شاذٌّ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: التاءُ فِي أَسْنَتُوا بدلٌ مِنَ الْيَاءِ الَّتِي كَانَتْ فِي الأَصل وَاوًا ليكونَ الفِعْلُ رُباعِيّاً، والسَّنَةُ مِنَ الزَّمَن مِنَ الْوَاوِ وَمِنَ الْهَاءِ، وَتَصْرِيفُهَا مَذْكُورٌ فِي حَرْفِ الْهَاءِ، وَالْجَمْعُ سَنَواتٌ وسِنُونَ وسَنَهاتٌ، وسِنُونَ مَذْكُورٌ فِي الْهَاءِ، وتعليلُ جمعِها بِالْوَاوِ والنونِ هُنَاكَ. وأَصابتهم السَّنَةُ: يَعْنُونَ بِهِ السَّنَة المُجْدِبة، وَعَلَى هَذَا قَالُوا أَسْنَتُوا فأَبدَلوا التاءَ مِنَ الياءِ الَّتِي أَصلُها الواوُ، وَلَا يُستعمل ذَلِكَ إِلَّا فِي الجَدْبِ وضِدِّ الخِصْب. وأَرضٌ سَنَةٌ: مُجْدِبةٌ، عَلَى التَّشْبِيهِ بالسَّنَةِ مِنَ الزَّمَانِ، وجمعُها سِنُونَ. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: أَرضٌ سِنُونَ، كأَنهم جَعَلُوا كُلَّ جزءٍ مِنْهَا أَرضاً سَنَةً ثُمَّ جمعُوه عَلَى هَذَا. وأَسْنَى القومُ: أَتَى عَلَيْهِمُ العامُ. وساناهُ مُسَانَاةً وسِنَاءً: استأْجَرَه السَّنَة، وعامَلَه مُسَانَاةً، واستأْجره مُسَانَاةً كَقَوْلِهِ مُسانَهَةً. التَّهْذِيبُ: المُسَانَاةُ المُسانَهةُ، وَهُوَ الأَجَلُ إِلَى سَنَةٍ. وأَصابتهم السَّنَة السَّنْواءُ: الشديدةُ. وأَرضٌ سَنْهاءُ وسَنواءُ إِذَا أَصابتها السَّنَةُ. والسَّنا: نبتٌ يُتَداوى بِهِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والسَّنا والسَّناءُ نبتٌ يُكتَحَلُ بِهِ، يمدُّ وَيُقْصَرُ، وَاحِدَتُهُ سَنَاةٌ وسَنَاءَةٌ؛ الأَخيرة قِياسٌ لَا سَماع؛ وَقَوْلُ النَّابِغَةِ الْجَعْدِيِّ:
كأَنَّ تَبَسُّمَها مَوْهِناً ... سَنا المِسْكِ، حينَ تُحِسُّ النُّعامى
قَالَ: يَجُوزُ أَن يَكُونَ السَّنا هَاهُنَا هَذَا النَّباتَ كأَنه خَالَطَ الْمِسْكَ، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مِنَ السَّنا الَّذِي هُوَ الضَّوْءُ لأَنَّ الفَوْحَ انْتِشارٌ أَيضاً، وَهَذَا كَمَا قَالُوا سَطَعَت رائِحتُه أَي فاحَت، وَيُرْوَى كأَنَّ تَنَسُّمَها، وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: السَّنا شُجَيْرَةٌ مِنَ الأَغْلاث تُخْلَط بالحِنَّاء فتكونُ شِباباً لَهُ وتُقَوِّي لَوْنَه وتُسَوِّدُه، وَلَهُ حِمْلٌ أَبيضُ إِذَا يَبِس فحركَتْه الريحُ سَمِعْتَ لَهُ زَجَلًا؛ قَالَ حُمَيْدُ بْنُ ثَوْرٍ:(14/405)
صَوْتُ السَّنَا هَبَّتْ بِهِ عُلْوِيَّةٌ، ... هَزَّتْ أَعالِيَهُ بِسَهْبٍ مُقْفِرِ
وتَثْنِيَتُه سَنَيانِ، وَيُقَالُ سَنَوانِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
عَلَيْكُمْ ب السَّنَا والسَّنُّوتِ
، وَهُوَ مَقْصُورٌ، هُوَ هَذَا النَّبْتُ، وَبَعْضُهُمْ يَرْوِيهِ بِالْمَدِّ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: السَّنُّوتُ العَسل، والسَّنُّوت الكمُّون، والسَّنُّوتُ الشِّبِثُّ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهُوَ السَّنُّوت، بِفَتْحِ السِّينِ. وَفِي الْحَدِيثِ
عَنْ أُمِّ خالدٍ بنتِ خَالِدٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أُتِيَ بِثِيَابٍ فِيهَا خَمِيصة سَوْداء فَقَالَ: ائْتُوني بأُمِّ خالدٍ، قَالَتْ: فأُتِيَ بِي رسولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَحْمُولَةً وأَنا صغيرَةٌ فأَخَذَ الخَمِيصَةَ بِيَدِهِ ثُمَّ أَلْبَسَنِيها، ثُمَّ قَالَ أَبْلي وأَخْلِقِي، ثُمَّ نَظَر إِلَى عَلمٍ فِيهَا أَصْفَرَ وأَخْضَرَ فَجَعَلَ يَقُولُ يَا أمَّ خالدٍ سَنَا سَنَا
؛ قِيلَ: سَنَا بالحَبَشِيَّةِ حَسَنٌ، وَهِيَ لغةٌ، وتُخَفَّفُ نونُها وتشددُ، وَفِي رِوَايَةٍ:
سَنَهْ سَنَهْ
، وَفِي رِوَايَةٍ أُخرى:
سَناهْ سَناهْ
، مخفَّفاً ومشدَّداً فِيهِمَا؛ وَقَوْلُ العجاج يصف شبابه بعد ما كَبِرَ وأَصْباهُ النِّساءُ:
وقَدْ يُسامِي جِنَّهُنَّ جِنِّي ... فِي غَيْطَلاتٍ مِنْ دُجى الدُّجُنِ
بمَنطقٍ لوْ أَنَّني أُسَنِّي ... حَيَّاتِ هَضْبٍ جِئْن، أَوْ لوَ أنِّي
أَرْقِي بِهِ الأَرْوِي دَنَوْنَ منِّي، ... مُلاوَةٌ مُلِّيتُها، كأَنِّي
ضارِبُ صَنْجَيْ نَشْوَةٍ، مُغَنِّي ... شَرْبٍ بِبَيْسانَ مِنَ الأُرْدُنِّ،
بَيْنَ خَوابي قَرْقَفٍ ودَنِ
قَوْلُهُ: لَوْ أَنَّني أُسَنِّي أَي أَستَخْرج الحيَّات فأَرْقِيها وأَرفُقُ بِهَا حَتَّى تَخْرُجَ إليَّ؛ يُقَالُ: سَنَّيْتُ وسَانَيْتُ. وسَنَيْتُ البابَ وسَنَوْته إِذَا فَتَحْتَهُ. والمُسَنَّاة: ضَفيرةٌ تُبْنى لِلسَّيْلِ لترُدَّ الْمَاءَ، سُمّيت مُسَنَّاةً لأَن فِيهَا مفاتحَ لِلْمَاءِ بِقَدْرِ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِمَّا لَا يَغْلِب، مأْخوذٌ مِنْ قَوْلِكَ سَنَّيْت الشيءَ والأَمر إِذَا فَتَحْت وَجْهَهُ. ابْنُ الأَعرابي: تَسَنَّى الرجلُ إِذَا تسَهَّل فِي أُموره؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
وَقَدْ تَسَنَّيْتُ لَهُ كلَّ التَّسَنِّي
وَكَذَلِكَ تَسَنَّيْتُ فُلَانًا إِذَا تَرَضَّيْته.
سها: السَّهْوُ والسَّهْوةُ: نِسْيانُ الشَّيْءِ وَالْغَفْلَةُ عَنْهُ وذَهابُ الْقَلْبِ عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ، سَهَا يَسْهُو سَهْواً وسُهُوّاً، فَهُوَ سَاهٍ وسَهْوَانُ، وإنَّهُ لسَاهٍ بَيِّنُ السَّهْوِ والسُّهُوِّ. وَفِي الْمَثَلِ: إِنَّ المُوَصَّيْنَ بَنُو سَهْوَانَ؛ قَالَ زِرُّ بنُ أَوْفى الفُقَيْمي يَصِفُ إبِلًا:
لَمْ يَثْنِها عَنْ هَمِّها قَيْدانِ، ... وَلَا المُوَصَّوْنِ مِنَ الرُّعْيانِ،
إنَّ المُوَصَّيْنَ بَنُو سَهْوانِ
أَي أَنَّ الَّذِينَ يُوصَّوْنَ بَنُو مَنْ يَسْهُو عَنِ الْحَاجَةِ فأَنت لَا تُوصَّى لأَنك لَا تَسْهُو، وَذَلِكَ إِذَا وَصَّيْت ثِقةً عِنْدَ الْحَاجَةِ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: مَعْنَاهُ أَنك لَا تَحْتَاجُ إِلَى أَن تُوَصِّيَ إِلَّا مَنْ كَانَ غافِلًا ساهِياً. والسَّهْوُ فِي الصَّلَاةِ: الْغَفْلَةُ عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا، سَهَا الرجلُ فِي صلاتِه. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَهَا فِي الصَّلَاةِ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: السَّهْوُ فِي الشَّيْءِ تَرْكُه عَنْ غَيْرِ عِلْمٍ، والسَّهْوُ عَنْهُ تَرْكُه مَعَ العِلْم، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ
. أَبو عَمْرٍو: سَاهَاهُ غافَلَه، وهاساهُ إِذَا سَخِرَ مِنْهُ. ومَشْيٌ سَهْوٌ: ليِّنٌ. والسَّهْوَة مِنَ الإِبل: اللَّيِّنة السَّيْر الوَطِيئة؛ قَالَ زُهَيْرٌ:(14/406)
تُهَوِّنُ بُعْدَ الأَرضِ عَنِّي فَريدةٌ، ... كِنازُ البَضِيعِ، سَهْوةُ المَشْيِ، بازِلُ
وَهِيَ اللَّيِّنة السَّيْرِ لَا تُتْعِبُ راكِبها كأَنها تُسَاهِيهِ، وعَدَّى الشَّاعِرُ تُهَوِّنُ بِعَنِّي لأَنَّ فِيهِ معْنى تخَفِّفُ وتُسَكِّنُ. وجمَلٌ سهْوٌ بيِّن السَّهَاوَةِ: وطِيءٌ. وَيُقَالُ: بعيرٌ ساهٍ راهٍ، وجِمالٌ سَواهٍ رَواهٍ لَواهٍ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
آتِيكَ بِهِ غَداً سهْواً رَهْواً
أَي ليِّناً ساكِناً. وَفِي الْحَدِيثِ:
وإنَّ عَمَلَ أَهلِ النارِ سَهْلةٌ بسَهوةٍ
؛ السَّهْوةُ الأَرضُ اللَّيِّنة التُّرْبة، شَبَّه الْمَعْصِيَةَ فِي سُهولتِها عَلَى مُرْتَكِبِها بالأَرض السَّهْلةِ الَّتِي لَا حُزُونة فِيهَا، وَقِيلَ: كلُّ ليِّنٍ سَهْوٌ، والأُنثى سَهْوَةٌ. والسَّهْو: السُّكونُ واللِّينُ، وَالْجَمْعُ سِهاءٌ مثلُ دَلْوٍ ودِلاءٍ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
تَناوَحَتِ الرِّياحُ لِفَقْد عَمروٍ، ... وكانتْ قَبْلَ مَهْلَكِه سِهاءَا
أَي سَاكِنَةً ليِّنة. الأَزهري: والأَساهِيُّ والأَساهيج ضُروبٌ مُخْتَلِفَةٌ مِنْ سَيْرِ الإِبل، وبَغْلةٌ سَهْوَةُ السَّيْرِ، وَكَذَلِكَ الناقةُ، وَلَا يُقَالُ لِلْبَغْلِ سَهْوٌ. وَرُوِيَ
عَنْ سلْمان أَنه قَالَ: يُوشِكُ أَن يَكْثُرَ أَهلُها، يَعْنِي الْكُوفَةَ، فتَمْلأَ مَا بَيْنَ النَّهْرين حَتَّى يغْدُوَ الرجلُ عَلَى البَغْلةِ السَّهْوَة فَلَا يُدْرِكَ أَقْصاها
؛ السَّهْوَة: الليِّنة السَّيْرِ لَا تُتْعِبُ راكِبَها. وَيُقَالُ: افعلْ ذَلِكَ سَهْواً رَهْواً أَي عَفواً بِلا تقَاض. والسَّهْوُ: السَّهْلُ مِنَ النَّاسِ والأُمور والحوائجِ. وماءٌ سَهْوٌ: سَهْلٌ، يَعْنِي سَهْلًا فِي الحَلْقِ. وقَوْسٌ سَهْوَةٌ: مُواتِيَةٌ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
قَلِيلُ نِصاب المالِ إلَّا سِهامَهُ، ... وإلَّا زَجُوماً سَهْوَةً فِي الأَصابِع
التَّهْذِيبَ: المُعَرَّسُ الَّذِي عُمِلَ لَهُ عَرْسٌ، وَهُوَ الحائِطُ يُجْعَل بَيْنَ حائِطَي الْبَيْتِ لَا يُبلَغ بِهِ أَقصاهُ، ثُمَّ يُجْعَل الْجَائِزُ مِنْ طرَف العَرْسِ الدَّاخِلِ إِلَى أَقصى الْبَيْتِ، ويُسَقَّفُ الْبَيْتُ كلُّه، فَمَا كَانَ بَيْنَ الحائطَين فَهُوَ السَّهْوَة، وَمَا كَانَ تَحْتَ الْجَائِزِ فَهُوَ المُخْدَع؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: السَّهْوَةُ حائطٌ صغيرٌ يُبنى بَيْنَ حائطَي الْبَيْتِ ويُجعَلُ السقفُ عَلَى الْجَمِيعِ، فَمَا كَانَ وسَط الْبَيْتِ فَهُوَ سَهْوَةٌ، وَمَا كَانَ داخِلَه فَهُوَ المُخْدَع، وَقِيلَ: هِيَ صُفَّة بَيْنَ بَيْتَيْنِ أَو مُخْدَع بَيْنَ بَيْتَيْنِ تَسْتَترُ بِهَا سُقاةُ الإِبل مِنَ الحرِّ، وَقِيلَ: هِيَ كالصُّفَّة بَيْنَ يَدَي الْبَيْتِ، وَقِيلَ: هِيَ شَبيهٌ بالرَّفِّ والطاقِ يُوضَعُ فِيهِ الشيءُ، وَقِيلَ: هِيَ بَيْتٌ صغيرٌ منحَدِرٌ فِي الأَرض سَمْكُه مرتَفِعٌ فِي السَّمَاءِ شبيهٌ بالخِزانة الصَّغِيرَةِ يَكُونُ فِيهَا المَتاعُ، وَذَكَرَ أَبو عُبَيْدٍ أَنه سمِعَه مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ أَهل الْيَمَنِ، وَقِيلَ: هِيَ أَربعةُ أَعوادٍ أَو ثلاثةٌ يعارَضُ بعضُها عَلَى بعضٍ، ثُمَّ يوضعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ الأَمتعة. والسَّهْوَة: الكُنْدُوجُ. والسَّهْوَة: الرَّوْشَنُ. والسَّهْوَة: الكَوَّةُ بَيْنَ الداريْن. ابْنُ الأَعرابي: السَّهْوة الجَحَلةُ أَو مِثْلُ الحجلةِ. والسَّهْوَةُ: بيتٌ عَلَى الماءِ يستَظِلُّون بِهِ تَنْصِبه الأَعراب. أَبو لَيْلَى: السَّهْوَة سُتْرَةٌ تَكُونُ قدَّامَ فِناء البيتِ، رُبَّمَا أَحاطت بِالْبَيْتِ شِبهَ سورٍ حوْلَ الْبَيْتِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ وَفِي الْبَيْتِ سَهْوَةٌ عَلَيْهَا سِترٌ
، هُوَ مِنْ ذَلِكَ، وَقِيلَ: هُوَ شبيهٌ بالرَّفِّ أَو الطاقِ يُوضَعُ فِيهِ الشيءُ. والسَّهْوَة: الصخرةُ، طائِيَّةٌ، لَا يُسَمُّونَ بِذَلِكَ غَيْرَ الصَّخْرَةِ، وَخَصَّصَهُ فِي التَّهْذِيبِ فَقَالَ: الصَّخْرَةُ الَّتِي يَقُومُ عَلَيْهَا السَّاقِي، وَجَمْعُ ذَلِكَ كلِّه سِهَاءٌ. والمُسَاهَاة: حُسْن المُخالقة والعِشرة؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
حُلْو المُسَاهَاة وَإِنْ عَادَى أَمَرّ(14/407)
وحُلْو المُسَاهَاة أَي المُياسَرة والمُساهَلةِ. والمُسَاهَاةُ فِي العِشْرة: تَرْكُ الاستِقصاءِ. والسَّهْوَاءُ: سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ وصَدْرٌ مِنْهُ. وحَمَلتِ المرأَةُ سَهْواً إِذَا حَبِلَت عَلَى حَيْضٍ. وَعَلَيْهِ مِنَ الْمَالِ مَا لَا يُسْهَى وَمَا لَا يُنهى أَي مَا لَا تُبلغ غايَتُه، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَي لَا يُعَدُّ كَثْرة، وَقِيلَ: مَعْنَى لَا يُسْهى لَا يُحْزَرُ، وذهبَت تميمُ فَمَا تُسْهَى وَلَا تُنْهى أَي لَا تُذْكَر. والسُّها: كُوَيكِبٌ صَغِيرٌ خَفِيُّ الضَّوء فِي بَنَاتِ نَعْش الْكُبْرَى، وَالنَّاسُ يَمْتَحِنون بِهِ أَبصارَهم، يُقَالُ: إِنَّهُ الَّذِي يُسَمَّى أَسْلَم مَعَ الكوكبِ الأَوسط مِنْ بَنَاتِ نعْشٍ؛ وَفِي الْمَثَلِ:
أُرِيها السُّها وتُرِيني الْقَمَرَ
وأَرْطاةُ بْنُ سُهَيَّة: مِنْ فُرْسانِهم وَشُعَرَائِهِمْ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا نحمِلُه عَلَى الْيَاءِ لِعَدَمِ س هـ ي. والأَسَاهِيُّ: الأَلوانُ، لَا وَاحِدَ لَهَا؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
إِذَا الْقَوْمُ قَالُوا: لَا عَرامَةَ عِنْدَهَا، ... فسارُوا لقُوا مِنْهَا أَسَاهِيَّ عُرَّما
سوا: سَوَاءُ الشَّيْءِ مثلُه، والجمعُ أَسْوَاءٌ؛ أَنشد اللِّحْيَانِيُّ:
تَرى القومَ أَسْوَاءً، إِذَا جَلَسوا مَعًا، ... وَفِي القومِ زَيْفٌ مثلُ زَيْفِ الدراهمِ
وأَنشد ابنُ بَرِّيٍّ لرافِع بْنِ هُرَيْمٍ:
هَلَّا كوَصْلِ ابْنِ عَمَّارٍ تُواصِلُني، ... لَيْسَ الرِّجالُ، وَإِنْ سُوُّوا، بأَسْواءٍ
وَقَالَ آخَرُ:
الناسُ أَسْواءٌ وشتَّى فِي الشِّيَمْ
وَقَالَ جِرانُ العَوْدِ فِي صِفَةِ النِّسَاءِ:
ولسنَ بأَسْوَاءٍ، فمنهنَّ روْضةٌ ... تَهِيجُ الرِّياحُ غيرَها لَا تُصَوِّحُ
وَفِي تَرْجَمَةِ عددَ: هَذَا عِدُّه وعديدُه وسِيُّه أَي مِثْلُهُ. وسِوَى الشيءِ: نفسُه؛ وَقَالَ الأَعشى:
تَجانَفُ عَنْ خلِّ اليمامةِ ناقَتي، ... وَمَا عَدَلتْ مِنْ أَهلها بِسِوائِكا «2»
. ولِسِوائِكا، يريدُ بِكَ نفسِك؛ وَقَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
أَرَدّاً، وَقَدْ كَانَ المَزارُ سِواهُما ... عَلَى دُبُرٍ مِنْ صادِرٍ قَدْ تَبَدَّدا «3»
. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ فِي قَوْلِهِ وَقَدْ كَانَ المزادُ سِواهُما أَي وَقَعَ المَزادُ عَلَى المزادِ وَعَلَى سِواهِما أَخطَأَهُما، يَصِفُ مَزادَتَيْنِ إِذَا تَنَحَّى المزارُ عَنْهُمَا اسْتَرْخَتَا، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِمَا لَرَفَعَهُمَا وَقَلَّ اضْطِرَابُهُمَا قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وسِوى، بِالْقَصْرِ، يَكُونُ بِمَعْنَيَيْنِ: يَكُونُ بِمَعْنَى نَفْسِ الشَّيْءِ، وَيَكُونُ بِمَعْنَى غيرٍ. ابْنُ سِيدَهْ: وسَواسِيَةٌ وسَواسٍ وسَواسِوَةٌ؛ الأَخيرة نَادِرَةٌ، كلُّها أَسماءُ جمعٍ، قَالَ: وَقَالَ أَبو عَلِيٍّ أَما قَوْلُهُمْ سَواسِوَة فَالْقَوْلُ فِيهِ عِنْدِي أَنه مِنْ بَابِ ذَلاذِلَ، وَهُوَ جمعُ سَوَاءٍ مِنْ غَيْرِ لفظِه، قَالَ: وَقَدْ قَالُوا سَواسِيَةٌ، قَالَ: فَالْيَاءُ فِي سَواسِيَة مُنْقلبة عَنِ الْوَاوِ، ونظيرُه مِنَ الْيَاءِ صَياصٍ جَمْعُ صِيصَةٍ، وَإِنَّمَا صَحَّت الواوُ فِيمَنْ قَالَ سَواسِوَة لأَنها لَامُ أَصل وأَن الْيَاءَ فِيمَنْ قَالَ سَواسِيَةٌ مُنْقلِبة عَنْهَا، وَقَدْ يَكُونُ السَّواءُ جَمْعًا. وَحَكَى ابْنُ السِّكِّيتِ فِي بَابِ رُذالِ الناسِ فِي الأَلفاظ: قَالَ أَبو عَمْرٍو يُقَالُ هُمْ سَواسِيَة إِذَا استَوَوْا فِي اللُّؤْم والخِسَّةِ والشَّر؛ وأَنشد:
__________
(2) . قوله [تجانف عن خل إلخ] سيأتي في هذه المادة إنشاده بلفظ:
تَجَانَفُ عَنْ جَوِّ الْيَمَامَةِ ناقتي
(3) . قوله [أردّاً إلى قوله وقل اضطرابهما] هكذا هذه العبارة بحروفها في الأصل، ووضع عليه بالهامش علامة وقفة(14/408)
وَكَيْفَ تُرَجِّيها، وَقَدْ حَالَ دُونَها ... سَواسِيَةٌ لَا يغْفِرُونَ لَهَا ذَنْبا؟
وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِشَاعِرٍ:
سُودٌ سَوَاسِيَةٌ، كأَن أُنُوفَهُمْ ... بَعْرٌ يُنَظِّمُه الوليدُ بمَلْعَبِ
وأَنشد أَيضاً لِذِي الرُّمَّةِ:
لَوْلَا بَنُو ذُهْلٍ لقَرَّبْتُ منكُم، ... إِلَى السَّوطِ، أَشْياخاً سَواسِيَةً مُرْدا
يقول لضربتكم وحلقت رؤُوسَكم ولِحاكم. قَالَ الْفَرَّاءُ: يُقَالُ هُمْ سَواسِيَةٌ وسَواسٍ وسُؤَاسِيَةٌ؛ قَالَ كُثَيِّرٌ:
سَوَاسٍ، كأَسْنانِ الحِمارِ فَمَا تَرى، ... لِذي شَيبَةٍ مِنْهُمْ على ناشِيءٍ، فَضْلا
وَقَالَ آخَرُ:
سَبَيْنا مِنْكُمُ سَبْعينَ خَوْداً ... سَوَاسٍ، لَمْ يُفَضَّ لَهَا خِتامُ
التَّهْذِيبُ: وَمِنْ أَمثالِهم سَوَاسِيَة كأَسْنان الحِمارِ؛ وَقَالَ آخَرُ:
شَبابُهُمُ وشِيبُهُمُ سَواءٌ، ... سَواسِيَةٌ كأَسْنانِ الحِمارِ
قَالَ: وَهَذَا مِثْلُ قولِهم فِي الْحَدِيثِ
لَا يزالُ الناسُ بخَيْرٍ مَا تَبايَنوا
، وَفِي رِوَايَةٍ:
مَا تَفاضَلوا، فَإِذَا تَسَاوَوْا هَلكوا
، وأَصل هَذَا أَن الخَيْرَ فِي النادِرِ مِنَ الناسِ، فَإِذَا اسْتَوَى النَّاسُ فِي الشَّرِّ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ ذُو خَيْرٍ كَانُوا مِنَ الهَلْكى؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: مَعْنَاهُ أَنهم إِنَّمَا يَتَسَاوَوْن إِذَا رَضُوا بالنَّقْصِ وَتَرَكُوا التَّنافُس فِي طَلب الْفَضَائِلِ ودَرْكِ المَعالي، قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ خَاصًّا فِي الجَهْل، وَذَلِكَ أَن الناسَ لَا يَتساوَوْنَ فِي العِلْمِ وَإِنَّمَا يَتساوَوْن إِذَا كَانُوا جُهّالًا، وَقِيلَ: أَراد ب التَّساوي التحزُّبَ والتفرُّقَ وأَن لَا يَجْتَمِعُوا فِي إمامٍ ويَدَّعِيَ كلُّ واحدٍ مِنْهُمْ الحَقَّ لِنَفْسِه فَيَنْفَرِدَ برأْيِه. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: يُقَالُ هُمْ سَوَاسِيَة يَسْتَوون فِي الشرِّ، قَالَ: وَلَا أَقول فِي الخيرِ، وَلَيْسَ لَهُ واحدٌ. وَحُكِيَ عَنْ أَبي القَمْقامِ سَواسِيَة، أَراد سَواء ثُمَّ قَالَ سِيَة؛ ورُوِي عَنْ أَبي عَمْرٍو بْنِ العلاءِ أَنه قَالَ: مَا أَشدَّ مَا هَجَا القائلُ وَهُوَ الْفَرَزْدَقُ:
سَواسِيَةٌ كأَسْنانِ الحِمارِ
وَذَلِكَ أَن أَسنانَ الحمارِ مُسْتوية؛ وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
وأَمْثَلُ أَخْلاقِ إمْرِئِ القَيْسِ أَنَّها ... صِلابٌ، عَلَى عَضِّ الهَوانِ، جُلودُها
لَهُمْ مجْلِسٌ صُهْبُ السِّبالِ أَذِلَّةٌ، ... سَوَاسِيَةٌ أَحْرارُها وعَبِيدُها
وَيُقَالُ: أَلآمٌ سَوَاسِيَة وأَرْآدٌ سَوَاسِيَة. وَيُقَالُ: هُوَ لِئْمُه ورِئْدُهُ أَي مِثْلُه، والجمعُ أَلآمٌ وأَرْآدٌ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ
؛ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ يعلَم مَا غابَ وَمَا شَهِدَ، والظاهرَ
فِي الطُّرُقاتِ، والمُسْتَخْفِيَ في الظُّلُماتِ، والجاهِرَ فِي نُطْقِه، والمُضْمِرَ فِي نفْسِه، عَلِمَ اللَّهِ بِهِمْ جَمِيعًا سَوَاءٌ. وسواءٌ تطلُبُ اثْنَيْنَ، تَقُولُ: سَواءٌ زيدٌ وعمْروٌ فِي مَعْنَى ذَوا سَواءٍ زيدٌ وعمروٌ، لأَن سَوَاءً مصدرٌ فَلَا يَجُوزُ أَن يُرْفع مَا بعْدها إلَّا عَلَى الحَذْفِ، تقولُ عَدْلٌ زيدٌ وعمروٌ، وَالْمَعْنَى ذَوا عَدْلٍ زيدٌ وعمروٌ، لأَن الْمَصَادِرَ لَيْسَتْ كأَسْماء الفاعلينَ وَإِنَّمَا يَرْفَعُ الأَسْماءَ أَوصافُها؛ فأَما إِذَا رَفَعَتْهَا الْمَصَادِرُ فَهِيَ عَلَى الْحَذْفِ كَمَا قَالَتِ الْخَنْسَاءُ:(14/409)
تَرْتَعُ مَا غَفَلَتْ، حَتَّى إِذَا ادَّكَرَتْ، ... فإنَّما هِيَ إقْبالٌ وإدْبارُ
أَي ذاتُ إقْبالٍ وإدْبار؛ هَذَا قَوْلُ الزَّجَّاجِ، فأَمّا سِيبَوَيْهِ فجَعلها الإِقبالَة والإِدبارَة عَلَى سَعةِ الْكَلَامِ. وتَساوَتِ الأُمورُ واسْتَوَتْ وسَاوَيْتُ بَيْنَهُمَا أَي سَوَّيْتُ. واسْتَوَى الشَّيْئَانِ وتَسَاوَيَا: تَماثَلا. وسَوَّيْتُه بِهِ وسَاوَيْتُ بَيْنَهُمَا وسَوَّيْتُ وسَاوَيْتُ الشيءَ وسَاوَيْتُ بِهِ وأَسْوَيْتُه بِهِ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد اللِّحْيَانِيُّ لِلْقَنَانِيِّ أَبي الحَجْناء:
فإنَّ الَّذِي يُسْويكَ، يَوْماً، بوِاحِدٍ ... مِنَ الناسِ، أَعْمى القَلْبِ أَعْمى بَصائرهْ
اللَّيْثُ: الاسْتِوَاءُ فِعْلٌ لازِمٌ مِنْ قَوْلِكَ سَوَّيْتُه فاسْتَوى. وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: الْعَرَبُ تَقُولُ اسْتَوَى الشيءُ مَعَ كَذَا وَكَذَا وَبِكَذَا إِلَّا قولَهم للغلامِ إِذَا تَمَّ شَبابُه قَدِ اسْتَوَى. قَالَ: وَيُقَالُ اسْتَوَى الماءُ والخَشَبةَ أَي مَعِ الخَشَبةِ، الواوُ بِمَعْنَى مَعْ هَاهُنَا. وَقَالَ اللَّيْثُ: يُقَالُ فِي الْبَيْعِ لَا يُسَاوِي أَي لَا يَكُونُ هَذَا مَعَ هَذَا الثَّمَنِ سيَّيْنِ. الْفَرَّاءُ: يُقَالُ لَا يُساوي الثوبُ وغيرُه كَذَا وَكَذَا، ولَمْ يعْرفْ يَسْوَى؛ وَقَالَ اللَّيْثُ: يَسْوَى نَادِرَةٌ، وَلَا يُقَالُ مِنْهُ سَوِيَ وَلَا سَوى، كَمَا أَنَّ نَكْراءَ جاءَت نَادِرَةً وَلَا يُقَالُ لِذَكَرِها أَنْكَرُ، وَيَقُولُونَ نَكِرَ وَلَا يَقُولُونَ يَنْكَرُ؛ قَالَ الأَزهري: وقولُ الْفَرَّاءِ صحيحٌ، وَقَوْلُهُمْ لَا يَسْوَى أَحسِبُه لغةَ أَهلِ الْحِجَازِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ: وأَما لَا يُسْوى فَلَيْسَ بِعَرَبِيٍّ صَحِيحٍ. وَهَذَا لَا يُساوِي هَذَا أَي لَا يعادِلُه. وَيُقَالُ: سَاوَيْتُ هَذَا بذاكَ إِذَا رَفَعْته حَتَّى بلَغ قَدْره ومَبْلَغه. وَقَالَ اللَّهُ عزَّ وَجَلَّ: حَتَّى إِذا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ
؛ أَي سَوَّى بَيْنَهُمَا حِينَ رفَع السَّدَّ بينَهُما. وَيُقَالُ: سَاوَى الشيءُ الشيءَ إِذَا عادَلَه. وساوَيْتُ بينَ الشَّيْئَيْنِ إِذَا عَدَّلْتَ بينِهما وسَوَّيْت. وَيُقَالُ: فلانٌ وَفُلَانٌ سَوَاءٌ أَي مُتَساويان، وقَوْمٌ سَوَاءٌ لأَنه مَصْدَرٌ لَا يثَنى وَلَا يُجْمَعُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَيْسُوا سَواءً
؛ أَي لَيْسوا مُسْتَوينَ. الْجَوْهَرِيُّ: وَهُمَا فِي هَذَا الأَمرِ سَوَاءٌ، وَإِنْ شئتَ سَوَاءَانِ، وَهُمْ سَوَاءٌ لِلْجَمْعِ، وَهُمْ أَسْوَاءٌ، وَهُمْ سَواسِيَةٌ أَي أَشباهٌ مثلُ يمانِيةٍ عَلَى غيرِ قياسٍ؛ قَالَ الأَخفش: وَوَزْنُهُ فَعَلْفِلَةُ «4» ، ذهَب عَنْهَا الحَرْفُ الثَّالِثُ وأَصله الياءُ، قَالَ: فأَمَّا سَوَاسِيَة فإنَّ سَوَاءً فَعالٌ وسِيَةٌ يَجُوزُ أَن يَكُونَ فِعَةً أَو فِعْلَةً «5» ، إِلَّا أَنَّ فِعَةً أَقيس لأَن أَكثر مَا يُلْقونَ موضِعَ اللَّامِ، وانْقَلَبَتِ الواوُ فِي سِيَة يَاءً لِكَسْرَةِ مَا قَبْلَهَا لأَن أَصله سِوْيَة، وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: سَواسِيَةٌ جمعٌ لِوَاحِدٍ لَمْ يُنْطَقْ بِهِ، وَهُوَ سَوْساةٌ، قَالَ: وَوَزْنُهُ فَعْلَلةٌ مِثْلُ مَوْماةٍ، وأَصلهُ سَوْسَوَة فَسَوَاسِيَةٌ عَلَى هَذَا فَعالِلَةٌ كلمةٌ وَاحِدَةٌ، وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ سَواسِوَة لُغَةً فِي سَواسِيَة، قَالَ: وَقَوْلُ الأَخفش لَيْسَ بشيءٍ؛ قَالَ: وشاهِدُ تَثْنية سواءٍ قولُ قَيْسِ ابن مُعاذ:
أَيا رَبِّ، إنْ لَمْ تَقْسِمِ الحُبَّ بَيْننا ... سَواءَيْنِ، فاجْعَلْني عَلَى حُبِّها جَلْدا
وَقَالَ آخَرُ:
تَعالَيْ نُسَمِّطْ حُبَّ دعْدٍ ونَغْتَدي ... سَوَاءَيْنِ، والمَرْعى بأُمِّ دَرِينِ
وَيُقَالُ للأَرض الْمُجْدِبَةِ: أُمُّ دَرِينٍ. وإذا قلتَ
__________
(4) . قوله [فعلفلة] وهكذا في الأصل ونسخة قديمة من الصحاح وشرح القاموس، وفي نسخة من الصحاح المطبوع: فعافلة
(5) . قوله [وَسِيَةٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فعة أو فعلة] هكذا في الأصل ونسخة الصحاح الخط وشرح القاموس أيضاً، وفي نسخة الصحاح المطبوعة: فعة أو فلة(14/410)
سَوَاءٌ علَيَّ احْتَجْتَ أَن تُتَرْجِم عَنْهُ بشَيْئَيْن، تَقُولُ: سَوَاءٌ سأَلْتَني أَو سَكَتَّ عنِّي، وسَوَاءٌ أَحَرَمْتَني أَم أَعْطَيْتَني؛ وَإِذَا لحِقَ الرجلُ قِرْنَه فِي عِلْم أَو شَجاعَةٍ قِيلَ: سَاوَاهُ. وَقَالَ ابْنُ بزُرْج: يُقَالُ لئنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ وأَنا سِوَاكَ ليَأتِيَنَّكَ مِنِّي مَا تَكْرَهُ؛ يُرِيدُ وأَنا بأَرْضٍ سِوى أَرْضِكَ. وَيُقَالُ: رجلٌ سَواءُ البَطْنِ إِذَا كَانَ بَطْنُه مُسْتَوِياً مَعَ الصَّدْرِ، ورجلٌ سَوَاءُ القَدَمِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا أَخْمَصٌ، ف سواءٌ فِي هَذَا المَعنى بمعْنى المُسْتَوِي. وَفِي
صِفَة النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنه كَانَ سَوَاءَ البَطْنِ والصَّدْرِ
؛ أَرادَ الواصِفُ أَنّ بَطْنَه كَانَ غَيْرَ مُسْتَفِيضٍ فَهُوَ مُساوٍ لصَدْرِه، وأَنَّ صَدْرَه عَرِيضٌ فَهُوَ مُسَاوٍ لبَطْنِهِ، وَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ لَا ينْبُو أَحَدُهُما عَنِ الآخرِ. وسَواءُ الشَّيءِ: وسَطُه لاسْتِواءِ المسافةِ إلَيْه مِنَ الأَطْرافِ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ
؛ أَي نَعْدِلُكُمْ فنَجْعَلُكمْ سَواءً فِي العِبادة. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: والسِّيُّ المِثْلُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وأَصله سِوْيٌ؛ وَقَالَ:
حَدِيدُ النَّابِ لَيْسَ لكُمْ بِسِيٍ
وسَوَّيْتُ الشيءَ فاسْتَوَى، وهُما عَلَى سَوِيَّةٍ مِنْ هَذَا الأَمر أَيْ عَلَى سَواء. وقَسَمْت الشيءَ بينَهُما بالسَّوِيَّة. وسِيَّانِ بِمَعْنَى سَواءٍ. يُقَالُ: هُما سِيَّانِ، وهُمْ أَسْوَاءٌ؛ قَالَ: وَقَدْ يُقَالُ هُمْ سِيٌّ كَمَا يُقَالُ هُمْ سَواءٌ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
وهُمُ سِيٌّ، إِذَا مَا نُسِبُوا، ... فِي سَناء المَجْدِ مِنْ عَبْدِ مَنافْ
والسِّيَّان: المِثْلان. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهُمَا سَواءَانِ وسِيَّان مِثْلان، والواحِدُ سِيٌّ؛ قَالَ الحُطَيْئَة:
فإيَّاكُمْ وحَيَّةَ بَطْنِ وادٍ ... هَمُوزَ النَّابِ، ليْسَ لَكُمْ بِسِيِ
يُرِيدُ تَعظِيمه. وَفِي حَدِيثِ
جُبَيْر بنِ مُطْعِمٍ: قَالَ لَهُ النبيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّما بنُو هاشِمٍ وَبَنُو المُطّلِبِ سِيٌّ واحِدٌ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا رَوَاهُ يَحْيَى بنُ مَعِين أَي مِثْلٌ وسَواءٌ، قَالَ: وَالرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ
شَيءٌ وَاحِدٌ
، بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ. وَقَوْلُهُمْ: لَا سِيَّما كَلِمَةٌ يُسْتَثْنى بِهَا وَهُوَ سِيٌّ ضُمَّ إليْه مَا، والإِسمُ الَّذِي بَعْدَ مَا لَكَ فِيهِ وَجْهَانِ: إنْ شِئْتَ جَعَلْتَ مَا بِمَنْزِلَةِ الَّذِي وأَضْمَرْت ابْتِداءً ورَفَعْتَ الإِسمَ الَّذِي تَذْكُرُه بخَبرِ الإِبْتداء، تَقُولُ: جاءَني القَومُ وَلَا سيِّما أَخُوكَ أَي وَلَا سِيَّ الَّذِي هُوَ أَخُوك، وَإِنْ شِئْتَ جَرَرْتَ مَا بعْدَه عَلَى أَن تَجْعَل مَا زائِدةً وتجُرَّ الإِسم بِسيٍّ لأَنَّ مَعْنَى سِيٍّ مَعْنَى مِثْلٍ؛ ويُنشدُ قولُ امْرِئِ الْقَيْسِ:
أَلا رُبَّ يومٍ لكَ مِنْهُنَّ صالِحٍ، ... وَلَا سِيَّما يومٍ [يومٌ] بِدَارةِ جُلْجُلِ
مَجْرُورًا وَمَرْفُوعًا، فَمَنْ رَوَاهُ وَلَا سيَّمَا يومٍ أَراد وَمَا مِثْلُ يومٍ وما صِلةٌ، وَمَنْ رَوَاهُ يومٌ أَراد وَلَا سِيَّ الَّذِي هُوَ يَوْمٌ. أَبو زَيْدٍ عَنِ الْعَرَبِ: إنَّ فُلَانًا عالمٌ وَلَا سِيَّما أَخوه، قال: وما صلَةٌ ونصبُ سِيَّما بِلا الجَحْدِ وما زَائِدَةٌ، كأَنك قُلْتَ وَلَا سِيَّ يَوْمٍ، وَتَقُولُ: اضْرِبْنَ القومَ وَلَا سِيَّما أَخيك أَي وَلَا مثْلَ ضَرْبةِ أَخيك، وَإِنْ قُلْتَ وَلَا سِيَّما أَخوك أَي وَلَا مِثْلَ الَّذِي هُوَ أَخوك، تَجْعَلُ مَا بِمَعْنَى الَّذِي وَتُضْمِرُ هُوَ وَتَجْعَلُهُ ابْتِدَاءً وأَخوك خَبَرُهُ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: قَوْلُهُمْ لَا سِيَّما زيدٍ أَي لَا مثْلَ زَيْدٍ وما لَغْوٌ، وَقَالَ: لَا سِيَّما زيدٌ كَقَوْلِكَ دَعْ مَا زَيْدٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَثَلًا مَا بَعُوضَةً. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: مَا هُوَ(14/411)
لكَ بسِيٍّ أَي بِنَظِيرٍ، وَمَا هُمْ لَكَ بأَسْواءٍ، وَكَذَلِكَ الْمُؤَنَّثُ مَا هيَ لكَ بِسِيٍّ، قَالَ: يَقُولُونَ لَا سِيَّ لِمَا فُلانٌ [فُلانٍ] وَلَا سِيَّكَ مَا فُلانٌ وَلَا سِيَّ لِمَنْ فَعَل ذَلِكَ وَلَا سِيَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ وَمَا هُنَّ لَكَ بأَسْواءٍ؛ وَقَوْلُ أَبي ذُؤَيْبٍ:
وَكَانَ سِيَّيْن أَن لَا يَسْرَحُوا نَعَماً، ... أَو يَسْرَحُوه بِهَا واغْبَرَّتِ السُّوحُ
مَعْنَاهُ أَن لَا يَسْرَحُوا نعَمَاً وأَن يَسْرَحُوه بِهَا، لأَن سَواءً وسِيَّانِ لَا يُسْتَعْمَلَانِ إِلَّا بِالْوَاوِ فَوَضَعَ أَبو ذُؤَيْبٍ أَو هَاهُنَا مَوْضِعَ الْوَاوِ؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْآخَرِ:
فسِيَّان حَرْبٌ أَو تَبُوءَ بِمِثْلِهِ، ... وَقَدْ يَقْبَلُ الضَّيمَ الذَّليلُ المسَيَّرُ «1»
. أَي فَسِيَّانِ حربٌ وبَواؤكم بِمِثْلِهِ، وَإِنَّمَا حَمَلَ أَبا ذُؤَيْبٍ عَلَى أَن قَالَ أَو يَسْرَحوه بِهَا كراهيةُ الخَبْن فِي مُسْتَفْعِلِنْ، وَلَوْ قَالَ ويَسْرَحُوه لَكَانَ الْجُزْءُ مَخْبُونًا. قَالَ الأَخفش: قَوْلُهُمْ إِنَّ فُلَانًا كَرِيمٌ وَلَا سِيّما إِنْ أَتيته قَاعِدًا، فَإِنَّ مَا هَاهُنَا زَائِدَةٌ لَا تَكُونُ مِنَ الأَصل، وَحُذِفَ هُنَا الإِضمار وَصَارَ مَا عِوَضًا مِنْهَا كأَنه قَالَ وَلَا مِثْله إِنْ أَتيته قَاعِدًا. ابْنُ سِيدَهْ: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ سَواءٍ والعَدَمُ وسُوىً [سِوىً] والعَدَمُ أَي وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ سَواءٌ. وَحَكَى سِيبَوَيْهِ: سَواء هُوَ والعَدَمُ. وَقَالُوا: هَذَا دِرْهَمٌ سَواءً وسَوَاءٌ، النَّصْبُ عَلَى الْمَصْدَرِ كأَنك قُلْتَ اسْتِوَاءً، وَالرَّفْعُ عَلَى الصِّفَةِ كَأَنَّكَ قُلْتَ مُسْتَوٍ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ
، قَالَ:
وَقَدْ قُرِئَ سَواءٍ
عَلَى الصِّفَةِ. والسَّوِيَّةُ والسَّوَاءُ: العَدْل والنَّصَفة؛ قَالَ تَعَالَى: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ
؛ أَي عَدْلٍ؛ قَالَ زُهَيْرٌ:
أَرُوني خُطَّةً لَا عَيْبَ فِيهَا، ... يُسَوِّي بَيْننا فِيها السَّواءُ
وَقَالَ تَعَالَى: فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ
؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ الضَّبّي:
أَتَسْأَلُني السَّوِيَّة وسْطَ زَيْدٍ؟ ... أَلا إنَّ السَّوِيَّةَ أَنْ تُضامُوا
وسَواءُ الشيءِ وسِوَاهُ وسُوَاهُ؛ الأَخيرتان عَنِ اللِّحْيَانِيِّ: وَسَطُهُ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فِي سَواءِ الْجَحِيمِ
؛ وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ:
يَا ويْحَ أَصحابِ النَّبيِّ ورَهْطِهِ، ... بعَدَ المُغَيَّبِ فِي سَواءِ المُلْحَدِ
وَفِي حَدِيثِ
أَبي بكرٍ والنسَّابةِ: أَمْكَنْتَ مِن سَواء الثُّغْرَة
أَي وَسَطِ ثُغْرَةِ النَّحْرِ. وَمِنْهُ حَدِيثُ
ابْنِ مَسْعُودٍ: يُوضَعُ الصِّراطُ عَلَى سَواءِ جَهَنَّمَ.
وَفِي حَدِيثِ
قُسٍّ: فَإِذَا أَنا بهَضْبةٍ فِي تَسْوَائِها
أَي فِي الْمَوْضِعِ المُستوي مِنْهَا، وَالتَّاءُ زَائِدَةٌ للتَّفْعال. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَانَ يَقُولُ حَبَّذا أَرضُ الْكُوفَةِ أَرضٌ سَواءٌ سَهْلة
أَي مُستوية. يُقَالُ: مَكَانٌ سَواءٌ أَي مُتَوسِّطٌ بَيْنَ المكانَين، وَإِنْ كسَرْت السينَ فَهِيَ الأَرض الَّتِي تُرابُها كالرَّملِ. وسَواءُ الشَّيْءِ: غيرُه؛ وأَنشد الْجَوْهَرِيُّ للأَعشى:
تَجانَفُ عَنْ جَوِّ اليَمامةِ نَاقَتِي، ... وما عَدَلَتْ عن أَهلِها لسَوَائِكا
وَفِي الْحَدِيثِ:
سأَلْتُ رَبي أَن لَا يُسَلِّطَ عَلَى أُمَّتي عَدُوّاً مِن سَواءِ أَنفسِهم فيسْتَبِيحَ بيْضتَهم
أَي مِنْ غَيْرِ أَهل دِينِهِمْ؛ سَواءٌ، بِالْفَتْحِ والمدِّ: مِثْلُ سِوَى بالقصرِ والكسرِ كالقِلا والقَلاء، وسُوىً [سِوىً] فِي مَعْنَى غَيْرٍ. أَبو عبيد: سُوى [سِوى] الشيءِ غيرُه كَقَوْلِكَ رأَيتُ سُواكَ [سِواكَ] ، وأَما سِيبَوَيْهِ فَقَالَ سِوىً وسَواءٌ ظرفان،
__________
(1) . قوله [أو تبوء إلخ] هكذا في الأصل، وانظر هل الرواية تبوء بالإفراد أو تبوءوا بالجمع ليوافق التفسير بعده(14/412)
وَإِنَّمَا اسْتُعْمِلَ سَواءٌ اسْمًا فِي الشِّعْرِ كَقَوْلِهِ:
وَلَا يَنْطِقُ الفحشاءَ مَنْ كَانَ منهمُ، ... إِذَا جَلَسُوا مِنَّا وَلَا مِنْ سَوائِنا
وَكَقَوْلِ الأَعشى:
وَمَا عَدَلَتْ عَنْ أَهلِها لِسَوَائِكا
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: سواءٌ الْمَمْدُودَةٌ الَّتِي بِمَعْنَى غيرٍ هِيَ ظرْفُ مَكَانٍ بِمَعْنَى بَدَلٍ؛ كَقَوْلِ الْجَعْدِيِّ:
لَوَى اللهُ علْمَ الغيبِ عَمَّنْ سَوَاءَهُ، ... ويَعْلَمُ مِنْهُ مَا مَضَى وتأَخَّرا
وَقَالَ يَزِيدُ بنُ الحَكَم:
همُ البُحورُ وتَلْقى مَنْ سَوَاءَهُم، ... مِمَّنْ يُسَوَّدُ، أثْماداً وأَوْشالا
قَالَ: وسِوَى مِنَ الظُّرُوفِ الَّتِي لَيْسَتْ بمُتَمَكِّنةٍ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
سَقاكِ اللهُ يَا سَلْمى سَقاكِ، ... ودارَكِ باللِّوَى دارَ الأَرَاكِ
أَمَا والرَّاقِصات بكلِّ فَجٍّ، ... ومَنْ صَلَّى بنَعْمانِ الأَراكِ
لَقَدْ أَضْمَرْتُ حُبَّكِ فِي فُؤَادِي، ... وَمَا أَضْمَرْتُ حُبًّا مِن سِواكِ
أَطَعْتِ الآمِرِيك بقَطْع حَبْلِي، ... مُرِيهِمْ فِي أَحِبَّتهم بذاكِ،
فإنْ هُمْ طاوَعُوكِ فطاوِعِيهم، ... وإنْ عاصَوْكِ فاعْصِي مَنْ عَصاكِ
ابْنُ السِّكِّيتِ: سَواءٌ، مَمْدُودٌ، بِمَعْنَى وسَط. وَحَكَى الأَصمعي عَنْ عِيسَى بْنِ عُمَر: انْقَطَع سَوَائِي أَي وَسَطي، قَالَ: وسِوىً وسُوىً بِمَعْنَى غيرٍ كَقَوْلِكَ سَواءٌ. قَالَ الأَخفش: سِوىً وسُوىً إِذَا كَانَ بِمَعْنَى غيرٍ أَو بِمَعْنَى العدلِ يَكُونُ فِيهِ ثلاثُ لغاتٍ: إِنْ ضمَمْتَ السِّينَ أَو كسَرْت قَصرْتَ فِيهِمَا جَمِيعًا، وإنْ فتحتَ مَددْتَ، تَقُولُ مَكَانٌ سِوىً وسُوىً وسَواءٌ أَي عَدْلٌ ووَسَطٌ فِيمَا بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ؛ قَالَ مُوسَى بْنُ جَابِرٍ:
وجَدْنا أَبانا كَانَ حَلَّ ببَلْدَةٍ ... سِوىً بَيْنَ قَيْسٍ، قَيْسِ عَيْلانَ، والفِزْرِ
وَتَقُولُ: مَرَرْتُ برجُلٍ سِواكَ وسُواكَ وسَوائِكَ أَي غَيْرِكَ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَلَمْ يأْت سواءٌ مكسورَ السِّينِ مَمْدُودًا إِلَّا فِي قَوْلِهِمْ: هُوَ فِي سِوَاء رأْسِه وسِيِّ رأْسِه إِذَا كَانَ فِي نَعْمة وخِصْبٍ، قَالَ: فَيَكُونُ سِواءٌ عَلَى هَذَا مصدَر ساوَى. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وسِيٌّ بِمَعْنَى سَواءٍ، قَالَ: وَقَوْلُهُمْ فلانٌ فِي سِيِّ رأسِه وَفِي سَوَاء رأْسِه كلُّه مِنْ هَذَا الْفَصْلِ، وَذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي فَصْلٍ سَيا وفسَّره فَقَالَ: قَالَ الْفَرَّاءُ يُقَالُ هُوَ فِي سِيِّ رأْسه وَفِي سَواء رأْسه إِذَا كَانَ فِي النَّعمة. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَقَدْ يفسرُ سِيّ رأْسه عَدَدَ شَعرَه مِنَ الْخَيْرِ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
كأَنه خاضِبٌ، بالسِّيِّ مَرْتَعُه، ... أَبو ثَلاثينَ أَمْسَى وَهُوَ مُنْقَلِبُ «2»
. وَمَكَانٌ سِوىً وسُوىً: مُعْلَمٌ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَكَانًا سِوىً، وسُوىً
؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: وأَكثر كَلَامِ الْعَرَبِ بِالْفَتْحِ إِذَا كَانَ فِي مَعْنَى نَصَفٍ وعَدْلٍ فتَحوه ومَدُّوه، والكسْرُ والضمُّ معَ القَصْر عَرَبيّانِ، وَقَدْ قُرِئَ بِهِمَا. قَالَ اللَّيْثُ: تصغيرُ سَواءٍ الممدودِ سُوَيٌّ. وَقَالَ أَبو إِسْحَاقَ: مَكاناً سُوىً
ويُقْرَأُ بِالضَّمِّ، وَمَعْنَاهُ مَنْصَفاً أَي مَكَانًا يَكُونُ للنَّصَفِ فِيمَا بينَنا وَبَيْنَكَ، وَقَدْ جَاءَ فِي اللُّغَةِ سَواءٌ بهذا المعنى،
__________
(2) . قوله [كأنه خاضب إلخ] قال الصاغاني الرواية: أذاك أم خاضب إلخ. يعني أذاك الثور الذي وصفته يشبه ناقتي في سرعتها أم ظليم هذه صفته(14/413)
تَقُولُ هَذَا مَكَانٌ سَواءٌ أَي مُتَوَسِّطٌ بَيْنَ الْمَكَانَيْنِ، وَلَكِنْ لَمْ يُقْرَأْ إِلَّا بالقَصْر سِوىً وسُوىً. وَلَا يُساوِي الثوبُ وغيرُه شَيْئًا وَلَا يُقَالُ يَسْوَى، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَذَا قَوْلِ أَبي عُبَيْدٍ، قَالَ: وَقَدْ حَكَاهُ أَبو عُبَيْدَةَ. واستَوى الشيءُ: اعْتَدَلَ، وَالِاسْمُ السَّوَاءُ، يُقَالُ: سَوَاءٌ عَليَّ قمتَ أَو قعدتَ. واسْتَوَى الرجلُ: بَلَغَ أَشُدَّه، وَقِيلَ: بَلَغَ أَربعين سَنَةً. وَقَوْلُهُ عزَّ وَجَلَّ: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ
؛ كَمَا تَقُولُ: قَدْ بلغَ الأَميرُ مِنْ بَلَدِ كَذَا وَكَذَا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى بَلَدِ كَذَا، مَعْنَاهُ قَصَد بالاسْتِواء إِلَيْهِ، وَقِيلَ: اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ صَعِدَ أَمره إِلَيْهَا، وَفَسَّرَهُ ثَعْلَبٌ فَقَالَ: أَقْبَلَ إِلَيْهَا، وَقِيلَ: اسْتَوْلى. الْجَوْهَرِيُّ: اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ أَي قَصَدَ، واسْتَوى أَي اسْتَوْلى وظَهَر؛ وَقَالَ:
قَدِ اسْتَوى بِشْرٌ عَلَى العِرَاق، ... مِنْ غَيرِ سَيْفٍ ودَمٍ مُهْراق
الْفَرَّاءُ: الاسْتِوَاء فِي كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحدهما أَن يَسْتَوِي الرجلُ وَيَنْتَهِيَ شبابُه وقوَّته، أَو يَسْتَوِي عَنِ اعْوِجَاجٍ، فَهَذَانَ وَجْهَانِ، وَوَجْهٌ ثَالِثُ أَن تَقُولَ: كَانَ فُلَانٌ مُقْبِلًا عَلَى فُلَانَةٍ ثُمَّ استَوَى عليَّ وإليَّ يُشاتِمُني، عَلَى مَعْنَى أَقبل إليَّ وعلىَّ، فَهَذَا قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ*
؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ صعِدَ، وَهَذَا كَقَوْلِكَ لِلرَّجُلِ: كَانَ قَائِمًا فاسْتَوَى قَاعِدًا، وَكَانَ قَاعِدًا فاسْتَوَى قَائِمًا، قَالَ: وكلٌّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ جَائِزٌ. وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ أَي صعِد أَمره إِلَى السَّمَاءِ. وَقَالَ أَحمد بْنُ يَحْيَى فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى
؛ قَالَ الاسْتِوَاءُ الإِقبال عَلَى الشَّيْءِ، وَقَالَ الأَخفش: اسْتَوَى أَي عَلَا، تَقُولُ: استَوَيْتُ فَوْقَ الدَّابَّةِ وَعَلَى ظَهْرِ الْبَيْتِ أَي علَوْتُه. واسْتَوَى عَلَى ظَهْرِ دَابَّتِهِ أَي استَقَرَّ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ*
؛ عمَدَ وَقَصَدَ إِلَى السَّمَاءِ، كَمَا تَقُولُ: فَرغ الأَميرُ مِنْ بَلَدِ كَذَا وَكَذَا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى بَلَدِ كَذَا وَكَذَا، مَعْنَاهُ قَصَدَ بِالِاسْتِوَاءِ إِلَيْهِ. قَالَ دَاوُدُ بنُ عَلِيٍّ الأَصبهاني: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ الأَعرابي فأَتاه رجلٌ فَقَالَ: مَا مَعْنَى قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى
؟ فَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: هُوَ عَلَى عَرْشِهِ كَمَا أَخْبَرَ، فَقَالَ: يَا أَبا عبدِ اللَّهِ إِنَّمَا مَعْنَاهُ استَوْلى، فَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: مَا يُدْرِيك؟ الْعَرَبُ لَا تَقُولُ استَوْلى عَلَى الشَّيْءِ حَتَّى يَكُونَ لَهُ مُضادٌّ فأَيهما غَلَب فَقَدِ اسْتَوْلى؛ أَما سَمِعْتَ قَوْلَ النَّابِغَةِ:
إلَّا لمِثْلِكَ، أَو مَن أَنت سابِقُه ... سبْقَ الجوادِ، إِذَا اسْتَوْلى عَلَى الأَمَدِ
وَسُئِلَ مَالِكُ بْنُ أَنس: اسْتَوَى كَيْفَ اسْتَوَى؟ فَقَالَ: الكيفُ غَيْرُ معقولٍ، والاستِواءُ غَيْرُ مَجْهول، والإِيمانُ بِهِ واجبٌ، والسؤالُ عَنْهُ بِدْعةٌ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى
؛ قِيلَ: إِنَّ مَعْنَى اسْتَوَى هَاهُنَا بَلَغَ الأَربعين. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَكَلَامُ الْعَرَبِ أَن المجتمِعَ من الرجالِ والمُسْتَوِي الَّذِي تَمَّ شَبابُه، وَذَلِكَ إِذَا تمَّتْ ثَمَانٌ وعشرونَ سَنَةً فَيَكُونُ مجتمِعاً ومُسْتَوِياً إِلَى أَن يَتِمَّ لَهُ ثلاثٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً، ثُمَّ يَدْخُلُ فِي حدِّ الكهولةِ، وَيُحْتَمَلُ أَن يَكُونَ بلوغُ الأَربعين غايةَ الاستِواء وكمالِ الْعَقْلِ. ومكانٌ سَوِيٌّ وسِيٌّ: مُسْتَوٍ. وأَرضٌ سِيٌّ: مسْتَوِية؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
رَهاء بَساط الأَرضِ سِيّ مَخُوفة
والسِّيُّ: الْمَكَانُ المُسْتَوِي؛ وَقَالَ آخَرُ:(14/414)
بأَرض وَدْعانَ بِساطٌ سِيٌ
أَي سَواءٌ مستقيمٌ. وسَوَّى الشيءَ وأَسْوَاهُ: جعلَه سَوِيّاً. وَهَذَا الْمَكَانُ أَسْوَى هَذِهِ الأَمكنةِ أَي أَشدُّها اسْتِواءً، حَكَاهُ أَبو حَنِيفَةَ. وأَرض سَواءٌ: مُسْتَويةٌ. ودارٌ سَواءٌ: مُسْتَويةُ المَرافِق. وثوبٌ سَواءٌ: مسْتَوٍ عرضُه وطولُه وطبقاتُه، وَلَا يُقَالُ جملٌ سَوَاءٌ وَلَا حمارٌ سَوَاءٌ وَلَا رجلٌ سَوَاءٌ. واسْتَوَتْ بِهِ الأَرضُ وتَسَوَّتْ وسُوِّيَتْ عَلَيْهِ، كلُّه: هَلك فِيهَا. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ
؛ فَسَّرَهُ ثَعْلَبٌ فَقَالَ: مَعْنَاهُ يَصيرُون كَالتُّرَابِ، وَقِيلَ: لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ
أَي تَسْتَوي بِهِمْ؛ وَقَوْلُهُ:
طَالَ عَلَى رَسْم مَهْدَدٍ أَبَدُهْ، ... وعَفا واسْتَوَى بِهِ بَلَدُهْ «1»
. فَسَّرَهُ ثَعْلَبٌ فَقَالَ: اسْتَوَى بِهِ بلدُه صَارَ كلُّه حَدَباً، وَهَذَا الْبَيْتُ مختلِفُ الوزنِ فالمِصراعُ الأَول مِنَ الْمُنْسَرِحِ «2» . وَالثَّانِي مِنَ الْخَفِيفِ. ورجلٌ سَوِيُّ الخَلْق والأُنثى سَوِيَّةٌ أَي مُسْتَوٍ. وَقَدِ اسْتَوَى إِذَا كَانَ خَلْقُه وولدُه سَوَاءٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَذَا لَفْظُ أَبي عُبَيْدٍ، قَالَ: وَالصَّوَابُ كَانَ خَلْقُه وخَلْق وَلَدِهِ أَو كَانَ هُوَ وولدُه. الْفَرَّاءُ: أَسْوَى الرجلُ إِذَا كَانَ خَلْق ولدِه سَوِيّاً وخَلْقُه أَيضاً، واسْتَوَى مِنِ اعوِجاجٍ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: بَشَراً سَوِيًّا
، وَقَالَ: ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا
؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: لَمَّا قَالَ زَكَرِيَّا لِرَبِّهِ اجْعَلْ لِي آيَةً أَي علامَةً أَعلم بِهَا وقوعَ مَا بُشِّرْتُ بِهِ قَالَ: آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا
؛ أَي تُمْنَع الكلامَ وأَنت سَوِيٌّ لَا أَخرسُ فتعلَم بِذَلِكَ أَن اللَّهَ قَدْ وهبَ لَكَ الوَلدَ، قال: وسَوِيّاً منصوبٌ عَلَى الحالِ، قَالَ: وأَما قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا
؛ يَعْنِي جبريلَ تمثَّل لمرْيمَ وَهِيَ فِي غُرْفةٍ مُغْلَقٍ بابُها عَلَيْهَا محجوبةٌ عَنِ الخَلْقِ فتمثَّل لَهَا فِي صُورَةِ خَلْقِ بَشَرٍ سَويّ، فَقَالَتْ لَهُ: إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا
؛ قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: السَّوِيُّ فَعيلٌ فِي مَعْنَى مُفْتَعلٍ أَي مُسْتَوٍ، قَالَ: والمُستَوِي التامُّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الَّذِي قَدْ بَلَغَ الْغَايَةَ فِي شبابِه وتمامِ خَلْقِه وعقلِه. واسْتَوَى الرَّجُلُ إِذَا انْتَهَى شَبابه، قَالَ: وَلَا يُقَالُ فِي شيءٍ مِنَ الأَشياء اسْتَوَى بنفسِه حَتَّى يُضَمَّ إِلَى غيرِه فَيُقَالَ: اسْتَوَى فلانٌ وفلانٌ، إلَّا فِي مَعْنَى بلوغِ الرَّجُلِ النهايةَ فَيُقَالُ: اسْتَوَى، قَالَ: وَاجْتَمَعَ مثلُه. وَيُقَالُ: هُمَا عَلَى سَوِيَّةٍ مِنَ الأَمر أَي عَلَى سَواءٍ أَي استِواءٍ. والسَّوِيَّة: قتَبٌ عجميٌّ لِلْبَعِيرِ، وَالْجَمْعُ السَّوَايَا. الْفَرَّاءُ: السَّايَةُ فَعْلةٌ مِنَ التَّسْوِيَةِ. وقولُ الناسِ: ضَرَبَ لِي سَايَةً أَي هيّأَ لِي كَلِمَةً سَوَّاها عليَّ ليَخْدَعَني. وَيُقَالُ: كيف أَمْسَيْتُم؟ فيقولون: مُسْؤُونَ، بِالْهَمْزِ، صَالِحُونَ، وَقِيلَ لِقَوْمٍ: كَيْفَ أَصبحتم؟ قَالُوا: مُسْوِينَ صَالِحِينَ. الْجَوْهَرِيُّ: يُقَالُ كَيْفَ أَصبحتم فيقولون: مُسْؤُون صَالِحُونَ أَي أَن أَولادَنا وَمَوَاشِيَنَا سويَّةٌ صَالِحَةٌ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ أَسْوَى نَسِيَ «3» ، وأَسْوَى صلِعَ، وأَسْوَى بِمَعْنَى أَساءَ، وأَسْوَى اسْتَقَامَ. وَيُقَالُ: أَسْوَى الْقَوْمُ فِي السَّقْي، وأَسْوَى الرجلُ أَحدث، وأَسْوَى خَزِيَ، وأَسْوَى فِي المرأَة أَوعب، وأَسْوَى حَرْفًا مِنَ الْقُرْآنِ أَو آيةً أَسْقطَ.
__________
(1) . قوله [مهدد] هو هكذا في الأصل وشرح القاموس
(2) . قوله [فَالْمِصْرَاعُ الأَول مِنَ الْمُنْسَرِحِ] أي بحسب ظاهره، وإلا فهو من الخفيف المخزوم بالزاي بحرفين أول المصراع وهما طا وحينئذ فلا يكون مختلفاً
(3) . قوله [أسوى نسي إلى قوله أَسْوَى الْقَوْمُ فِي السَّقْيِ] هذه العبارة هكذا في الأصل(14/415)
وَرُوِيَ
عَنْ أَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَميّ أَنه قَالَ: مَا رأَيت أَحداً أَقرأَ مِنْ عَلِيٍّ، صلَّيْنا خَلْفَه فأَسْوَى بَرْزخاً ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فقرأَه، ثُمَّ عَادَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ انْتَهَى إِلَيْهِ
، قَالَ الْكِسَائِيُّ: أَسْوَى بِمَعْنَى أَسْقَط وأَغفَل. يُقَالُ: أَسْوَيْتُ الشيءَ إِذَا تركتَه وأَغفَلْتَه؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: كَذَا حَكَاهُ أَبو عُبَيْدٍ، وأَنا أُرى أَن أَصل هَذَا الْحَرْفِ مَهْمُوزٍ، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: أُرى قَوْلَ أَبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
أَسْوَى بَرْزَخًا
بِمَعْنَى أَسقَط، أَصلُه مِنْ قَوْلِهِمْ أَسْوَى إِذَا أَحدث وأَصلُه مِنَ السَّوْأَةِ، وَهِيَ الدُّبُر، فتُرِكَ الهمزُ فِي الْفِعْلِ؛ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُكَرَّمِ: رحمَ اللَّهُ الكسائيَّ فَإِنَّهُ ذكَرَ أَنَّ أَسْوَى بِمَعْنَى أَسْقَطَ وَلَمْ يَذْكُر لِذَلِكَ أَصلًا وَلَا تَعْليلًا، وَلَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لأَبي منصورٍ، سامَحَه اللَّهُ، أَن يَقْتدِي بالكِسائي وَلَا يذكُرَ لِهَذِهِ اللَّفْظَة أَصلًا وَلَا اشتِقاقاً، وَلَيْسَ ذَلِكَ بأَوَّل هَفَواتِه وَقِلَّةِ مُبَالَاتِهِ بنُطْقه، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَرْجَمَةٍ ع م ر مَا يُقاربُ هَذَا، وَقَدْ أَجادَ ابنُ الأَثير الْعِبَارَةَ أَيضاً فِي هَذَا فَقَالَ: الإِسْوَاءُ فِي القراءَةِ والحسابِ كالإِشْواءِ فِي الرَّمْيِ أَي أَسْقَطَ وأَغْفَل، والبَرْزَخُ مَا بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ؛ قَالَ الْهَرَوِيُّ: وَيَجُوزُ أَشْوَى، بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، بِمَعْنَى أَسقط، وَالرِّوَايَةُ بِالسِّينِ. وأَسْوَى إِذَا بَرِصَ، وأَسْوَى إِذَا عُوفيَ بَعْدَ عِلةٍ. وَيُقَالُ: نَزَلْنا فِي كَلإٍ سِيٍّ، وأَنْبط مَاءً سِيّاً أَي كَثِيرًا وَاسِعًا. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ
؛ قَالَ أَي نَجْعَلَها مُسْتَوِيةً كخُفِّ الْبَعِيرِ وَنَحْوِهِ وَنَرْفَعَ مَنَافِعَهُ بالأَصابع «1» . وسَواءُ الجَبَلِ: ذرْوَتُه، وسَواءُ النهارِ: مُنْتَصَفُه، وليلةُ السَّواء: لَيلةُ أَربعَ عَشْرَة، وَقَالَ الأَصمعي: ليلةُ السَّوَاءِ، ممدودٌ، ليلةُ ثلاثَ عشْرةَ وَفِيهَا يَسْتَوِي الْقَمَرُ، وَهُمْ فِي هَذَا الأَمر عَلَى سَوِيّةٍ أَي اسْتِواءٍ. والسَّوِيَّةُ: كِساء يُحْشَى بثُمامٍ أَو لِيفٍ أَو نحوِه ثُمَّ يُجعلُ عَلَى ظهْرِ البعيرِ، وَهُوَ مِن مَراكبِ الإِماء وأَهلِ الحاجةِ، وَقِيلَ: السَّوِيَّةُ كِساءٌ يُحَوَّى حَوْلَ سَنام البعيرِ ثُمَّ يُرْكَبُ. الْجَوْهَرِيُّ: السَّوِيَّةُ كِساءٌ مَحْشُوٌّ بثُمامٍ ونحوِه كالبَرْذَعة؛ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَنَمة الضَّبيّ، والصَّحيحُ أَنه لِسَلَامِ بْنِ عَوِيَّةَ الضَّبيّ:
فازْجُرْ حِمارَكَ لَا تُنْزَعْ سَوِيَّتُهُ، ... إِذًا يُرَدُّ وقَيْدُ العَيْرِ مَكْرُوبُ
قَالَ: والجَمع سَوايَا، وَكَذَلِكَ الَّذِي يُجْعَل عَلَى ظَهْرِ الإِبِل إِلَّا أَنه كالحَلْقَةِ لأَجل السَّنَامِ، ويُسَمَّى الحَوِيَّةَ. وسِوَى الشَّيءِ: قَصْدُه: وقَصَدْتُ سِوَى فُلانٍ أَي قَصَدْتُ قَصْدُه؛ وَقَالَ:
ولأَصْرِفَنَّ، سِوَى حُذَيْفَة، مِدْحَتي، ... لِفَتى العَشِيِّ وفارِسِ الأَحْزابِ
وَقَالُوا: عَقْلُكَ سِواكَ أَي عَزَبَ عنكَ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد لِلْحَطِيئَةِ:
لَنْ يَعْدَمُوا رَابِحًا مِنْ إرْثِ مَجْدِهِم، ... وَلَا يَبِيتُ سِوَاهُم حِلْمُهُم عَزَبَا
وأَما قَوْلُهُ تَعَالَى: فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ*
؛ فإنَّ سَلَمَة رُوِيَ عَنِ الفراءِ أَنه قَالَ سَواءَ السَّبِيلِ*
قَصْدُ السَّبيلِ، وَقَدْ يكونُ سَواءٌ عَلَى مذهبِ غيرٍ كَقَوْلِكَ أَتَيْتُ سَواءَكَ، فَتَمُدُّ. ووقَع فلانٌ فِي سِيِّ رأْسِه وسَوَاءِ رأْسِه أَي هُوَ مَغْمُورٌ في النِّعْمَةِ،
__________
(1) . قوله [ونرفع منافعه بالأَصابع] عبارة الخطيب: وقال ابن عباس وأكثر المفسرين عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ أي نجعل أصابع يديه ورجليه شيئاً واحداً كخف البعير فلا يمكنه أن يعمل بها شيئاً ولكنا فرقنا أصابعه حتى يعمل بها ما شاء(14/416)
وَقِيلَ: فِي عددِ شَعْرِ رأْسِه، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ النِّعْمَةَ سَاوَتْ رأْسَه أَي كثُرَتْ عَلَيْهِ، ووقَعَ مِنَ النِّعمة فِي سِواءِ رأْسِه، بِكَسْرِ السِّينِ؛ عَنِ الْكِسَائِيِّ؛ قَالَ ثَعْلَبٌ: وَهُوَ الْقِيَاسُ كأَنَّ النِّعمة ساوَتْ رأْسَه مُساواةً وسِواءً. والسِّيُّ: الفَلاةُ. ابْنُ الأَعرابي: سَوَّى إِذَا اسْتَوَى، وسَوَّى إِذَا حَسُنَ. وَسِوَى: مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ. والسِّيُّ: مَوْضِعٌ أَمْلَسُ بالبادِية. وسايةُ: وادٍ عَظِيمٌ بِهِ أَكثرُ مِنْ سَبْعِينَ نهْراً تَجْرِي تَنْزِلُه مُزَيْنَةُ وسُلَيْمٌ. وسايةُ أَيضاً: وَادِي أَمَجٍ وأَهل أَمَجٍ خُزاعَة؛ وقولُ أَبي ذؤَيب يَصِفُ الحمارَ والأُتُن:
فافْتَنَّهُنَّ مِنَ السَّوَاء وماؤهُ ... بَثْرٌ، وعانَدَهُ طريقٌ مَهْيَعُ
قِيلَ: السَّوَاء هَاهُنَا موضعٌ بعَيْنِه، وَقِيلَ: السَّوَاءُ الأَكَمَة أَيَّةً كَانَتْ، وَقِيلَ: الحَرَّةُ، وَقِيلَ: رأْس الحَرَّةِ. وسُوَيَّةُ: امرأَةٌ؛ وَقَوْلُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ:
للهِ دَرُّ رافِعٍ أَنَّى اهْتَدَى، ... فَوَّزَ مِنْ قُراقِرٍ إِلَى سُوَى
خِمْساً، إِذَا سارَ بِهِ الجِبْسُ بَكَى ... عِنْدَ الصَّباحِ يَحْمَدُ القَومُ السُّرَى،
وتَنْجلي عَنهُم غَيَاباتُ الكَرَى
قُراقِرٌ وسُوىً: ماءَانِ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِابْنِ مُفَرَّغٍ.
فدَيْرُ سُوىً فسَاتِيدَ فَبُصْرَى
سيا: سِيَةُ القَوْسِ، طَرَفُ قابِها، وَقِيلَ: رأْسُها، وَقِيلَ: مَا اعْوَجَّ مِنْ رأْسِها، وَهُوَ بعدَ الطَّائِفِ، والنَّسَبُ إِلَيْهِ سِيَوِيٌّ. الأَصمعي: سِيةُ القَوْسِ مَا عُطِفَ مِنْ طَرَفَيْها، وَلَهَا سِيَتَان، وَفِي السِّيَة الكُظْرُ وَهُوَ الفَرْضُ الَّذِي فِيهِ الوَتَرُ، وَكَانَ رؤبة ابن الْعَجَّاجِ يَهْمِزُ سِئَةَ القَوْسِ وسائرُ العَرب لَا يهمِزونها، والجمعَ سِيَاتٌ، وَالْهَاءُ عوضٌ مِنَ الْوَاوِ المحذوفةِ كعِدَةٍ، وَفِي الْحَدِيثِ:
وَفِي يدِه قَوْسٌ آخِذٌ بِسِيَتِها
؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
أَبي سُفْيَانَ: فَانْثَنَتْ عَلَيَّ سِيَتَاها
، يَعْنِي سِيَتَيِ القَوْسِ. والسِّيةُ: عِرِّيسَةُ الأَسَد. والسَّايَةُ: الطَّرِيقُ؛ عَنْ أَبي عَلِيٍّ، وَحُكِيَ: ضَرَب عَلَيه سَايَتَه، وَهُوَ ثِقَله عَلَى مَا جاءَ فِي وَزْنِ آيةٍ. والسِّيُّ، غيرُ مهموزٍ بِكَسْرِ السِّينِ: أَرض فِي بِلَادِ العَرَب مَعْروف؛ قَالَ زُهَيْرٌ:
بالسِّيِّ تَنُّومٌ وآءُ
فصل الشين المعجمة
شأي: الشَّأْوُ: الطَّلَقُ والشَّوْطُ. والشَّأْوُ: الغَايةُ والأَمَدُ، وَفِي الْحَدِيثِ:
فَطَلَبْتُه أرْفَعُ فَرَسِي شَأواً وأَسِيرُ شَأْواً
؛ الشّأْوُ: الشَّوْطُ والمَدَى؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: قَالَ لِخَالِدِ بْنِ صفوانَ صاحبِ ابنِ الزُّبَيْر وَقَدْ ذكَرَ سُنَّة العُمَرَيْن فَقَالَ تَرَكْتُمَا سُنَّتَهُما شَأْواً بَعيداً
، وَفِي رِوَايَةٍ: شَأْواً مُغَرَّباً ومُغَرِّباً، والمُغَرَّبُ والمُغَرِّبُ البَعِيدُ، وَيُرِيدُ بِقَوْلِهِ تَرَكْتُما خَالِدًا وابْنَ الزُّبَيْر. والشَّأْوُ: السَّبْقُ، شَأَوْتُ القَوْمَ شَأْواً: سَبَقْتُهم. وشَأَيْتُ القَوْمَ شَأْياً: سبَقْتُهم؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
فَكانَ تَنادِينَا وعَقْدَ عِذَارِه، ... وقالَ صِحابي: قَدْ شأَوْنَكَ فاطْلُبِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الْوَاوُ هاهنا بِمَعْنَى مَعْ أَي مَعَ عَقْدِ عِذَارِهِ، فأَغْنَتْ عَنِ الخَبَر عَلَى حدِّ قَوْلِهِمْ كُلُ(14/417)
رجلٍ وضَيْعَتَه؛ وأَنشد أَبو الْقَاسِمِ الزَّجَّاجِيُّ:
شَأَتْكَ المَنازِلُ بالأَبْرَقِ ... دَوارِسَ كالوَحْيِ فِي المُهْرَقِ
أَي أَعْجَلَتْك مِنْ خَرابها إِذْ صارَتْ كالخَطِّ فِي الصَّحِيفَةِ. وشَآني الشيءُ شَأْواً: أَعْجَبَني، وَقِيلَ حزَنَنِي؛ قَالَ الحَرِثُ بْنِ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيِّ:
مَرَّ الحُمُولُ فَمَا شَأَوْنَكَ نَقْرَةً، ... ولَقَدْ أَراكَ تُشاءُ بالأَظْعانِ
وَقِيلَ: شآنِي طَرَّبَنِي، وَقِيلَ: شاقَنِي؛ قَالَ سَاعِدَةُ:
حتَّى شَآها كَلِيلٌ، مَوْهِناً، عَمِلٌ؛ ... باتَتْ طِراباً، وباتَ اللَّيْل لَمْ يَنَمِ
شَآها أَي شاقَها وطَرَّبَها بِوَزْنِ شَعاها. الأَصمعي: شَآنِي الأَمْرُ مثلُ شَعاني، وَشَاءَنِي مِثْلُ شاعَنِي إِذَا حَزَنَك، وَقَدْ جَاءَ الحَرِثُ بنُ خالد في بَيْتِهِ بِاللُّغَتَيْنِ جَمِيعًا. وشُؤْتُه أَشُوءُهُ أَي أَعْجَبْتُه. وَيُقَالُ: شُؤتُ بِهِ أَي أُعْجِبْتُ بِهِ. ابْنُ سِيدَهْ: وشَآني الشيءُ شَأْياً حَزَنَني وشاقَني؛ قَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ:
لَمْ أُغَمِّضْ لَهُ وشَأْيي بِهِ مَّا، ... ذاكَ أَنِّي بصَوْبِهِ مَسْرورُ
وَيُقَالُ: عَدا الفَرَسُ شَأْواً أَو شَأْوَيْنِ أَي طَلَقاً أَو طَلَقَيْن. وشَآهُ يَشْآهُ شَأْواً إِذَا سَبَقَه. وَيُقَالُ: تَشَاءَى مَا بَيْنَهُمْ بِوَزْنِ تَشاعى أَي تَباعَدَ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّة يَمْدَحُ بِلالَ بنَ أَبي بُرْدَة:
أَبوكَ تَلافى الدِّينَ والناسَ بَعْدَ ما ... تَشاءَوْا، وبَيْتُ الدِّينِ مُنْقَطِعُ الكِسْرِ
فشَدَّ إصارَ الدِّينِ، أَيّامَ أَذْرُحٍ، ... ورَدَّ حُرُوبًا قَدْ لَقِحْنَ إِلَى عُقْرِ
ابْنُ سِيدَهْ: وشَاءَنِي الشيءُ سبَقَني. وشَاءَني: حَزنَني، مقْلوبٌ مِنْ شَآنِي، قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ مقلوبٌ مِنْهُ أَنه لَا مصدَرَ لَهُ، لَمْ يَقُولُوا شاءَني شَوْءاً كَمَا قَالُوا شَآني شَأْواً، وأَما ابْنُ الأَعرابي فَقَالَ: هُمَا لُغَتَانِ، لأَنه لَمْ يَكُنْ نحوِيّاً فيَضْبِط مثلَ هذا؛ وقال الحَرِثُ بنُ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيُّ فَجَاءَ بِهِمَا:
مَرَّ الحُمولُ فَمَا شَأَوْنَكَ نَقْرَةً، ... ولَقَدْ أَراكَ تُشاءُ بالأَظْعانِ
تَحْتَ الخُدورِ، وَمَا لَهُنَّ بَشاشَةٌ، ... أُصُلًا، خَوارِجَ مِنْ قَفا نَعْمانِ
يَقُولُ: مَرَّت الحُمول وَهِيَ الإِبل عَلَيْهَا النساءُ فَمَا هَيَّجْنَ شَوْقَك، وكنتَ قَبْلَ ذَلِكَ يهيجُ وجْدُك بهِنَّ إِذَا عايَنْتَ الحُمولَ، والأَظْعانُ: الهَوادِجُ وَفِيهَا النِّساءُ، والأُصُلُ: جَمْعُ أَصيلٍ، ونَعْمانُ: مَوْضِعٌ معروفٌ، وَالْبَشَاشَةُ: السُّرورُ والابْتِهاج؛ يُرِيدُ أَنه لَمْ يَبْتَهِجْ بهِنَّ إِذْ مَرَرن عَلَيْهِ لأَنه قَدْ فَارَقَ شبابَه وعَزَفَتْ نفْسُه عَنِ اللَّهْوِ فَلَمْ يَبْتَهِجْ لمُرورِهِنَّ بِهِ، وَقَوْلُهُ: وَمَا شأَوْنَكَ نَقْرَةً أَي لَمْ يُحرِّكْنَ مِن قَلْبِكَ أَدْنى شيءٍ. وشُؤْتُ بالرَّجُلِ شَوْءاً: سُرِرْتُ. وشَاءَني الشيءُ يَشُوءُني ويَشِيئُنِي: شاقَني، مَقْلوبٌ مِنْ شَآنِي؛ حَكَاهُ يَعْقُوبُ؛ وأَنشد:
لَقَدْ شاءَنا القومُ السِّراعُ فأَوعَبوا
أَراد: شَآنَا، والدليلُ عَلَى أَنه مقلوبٌ أَنه لَا مَصْدَرَ لَهُ. وشاءاهُ عَلَى فاعَلَه أَي سَابَقَهُ. وشاءَه: مِثْلُ شآهُ عَلَى القلبِ أَي سَبَقَه. ورجلٌ شيِّئانٌ بوزنِ شَيِّعان: بعيدُ النظرِ، ويُنْعَتُ بِهِ الْفَرَسُ، وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَن يَكُونَ مَقْلُوبًا مِنَ شَأَى الَّذِي هُوَ سَبَقَ لأَن نَظَرَهُ يَسْبِقُ نَظَر غَيْرِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَن يَكُونَ مِنَ مادَّةٍ عَلَى حِيالِها كَشَاءَنِي الَّذِي هُوَ سَرَّني؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:(14/418)
مُخْتَتِياً لِشَيِّئانٍ مِرْجَمِ
وشيءٌ مُتَشَاءٍ: مختلِفٌ؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ثَعْلَبٌ:
لَعَمْري لَقَدْ أَبْقَتْ وقيعةُ راهِطٍ، ... لِمَرْوانَ، صَدْعاً بَيِّناً مُتَشائِيا
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: لَمْ يُفَسِّره. واشْتَأَى: اسْتَمَع. أَبو عُبَيْدٍ: اشْتأَيْتُ اسْتَمَعْت؛ وأَنشد لِلشَّمَّاخِ:
وحُرَّتَيْنِ هِجانٍ لَيْسَ بَيْنَهُما، ... إِذَا هُما اشْتأَتا لِلسَّمْعِ، تَهْميلُ «2»
. واشْتَأَى: اسْتَمَع، وَقَالَ المُفَضَّل: سَبَقَ. ابْنُ الأَعرابي: الشَّأَى الفسادُ مثلُ الثَّأَى، قَالَ: والشَّأَى التَّفْريقُ. يُقَالُ: تَشاءَى القَوْمُ إِذَا تَفَرَّقوا. التَّهْذِيبِ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ أَيضاً: وَمِنْ أَمثالهم شرٌّ مَا أَشاءَكَ إِلَى مُخَّةِ عُرْقوبٍ، وشَرٌّ مَا أَجاءَكَ أَي أَلجَأَكَ. وَقَدْ أُشِئْتُ إِلَى فُلانٍ وأُجِئْتُ إِلَيْهِ أَي أُلْجِئْتُ إِلَيْهِ. اللَّيْثُ: المَشِيئَة مصدرُ شاءَ يَشاءُ مَشيئَةً: وشَأْوُ الناقةِ: بَعْرُها، وَالسِّينُ أَعلى. اللَّيْثُ: شَأْوُ الناقةِ زِمامُها وشَأْوُها بَعْرُها؛ قَالَ الشَّمَّاخُ يَصِفُ عَيْراً وأَتانه:
إِذَا طَرَحا شَأْواً بأَرْضٍ، هَوى لَهُ ... مُقَرَّضُ أَطْرافِ الذِّراعَيْنِ أَفْلَجُ
وَقَالَ الأَصمعي: أَصْلُ الشَّأْوِ زَبيلٌ مِنْ تُرابٍ يُخْرَجُ مِنَ البِئْر، وَيُقَالُ للزَّبيلِ المِشْآة، فَشَبَّه مَا يُلْقيهِ الحِمارُ والأَتانُ مِنْ رَوْثِهِما بِهِ؛ وَقَالَ الشَّمَّاخُ فِي الشأْوِ بِمَعْنَى الزِّمام:
مَا إِنْ يَزالُ لَهَا شَأْوٌ يُقَوِّمُها، ... مُجَرّبٌ مثلُ طُوطِ العِرْقِ، مَجْدولُ
وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا تَرَكَ الشيءَ ونَأَى عَنْهُ: ترَكَه شَأْواً مُغَرَّباً [مُغَرِّباً] ، وهَيْهاتَ ذَلِكَ شَأْوٌ مُغَرَّبٌ [مُغَرِّبٌ] ؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:
أَعَهْدَكَ مِنْ أُولى الشَّبيبَةِ تَطْلُبُ ... عَلَى دُبُرٍ، هَيْهاتَ شَأْوٌ مُغَرِّبُ
وَقَالَ الْمَازِنِيُّ فِي قَوْلِهِ:
يُصْبِحْنَ، بَعْدَ الطَّلَقِ التَّجْريدِ، ... شَوائِياً للسَّائِقِ الغِرِّيدِ
التَّجْرِيدُ: الْمُتَجَرِّدُ الْمَاضِي، والشَّوَائِي: الشَّوائِقُ، وقول الحرث بْنِ خَالِدٍ:
فِما شَأَوْنَكَ نَقْرَةً
أَي مَا شُقْنَكَ وَلَقَدْ نَراك وأَنتَ تَشْتاق إلَيْهِن فَقَدَ كَبِرْتَ وصِرْتَ لَا يَشُقْنَك إِذَا مَرَرْنَ. والشَّأْوُ: مَا أُخْرِجَ مِنْ تُرابِ البِئْرِ بمِثْل المِشْآةِ. وشَأَوْتُ البِئرَ شَأْواً: نَقَّيْتُها وأَخْرَجْت تُرابَها، واسمُ ذَلِكَ التُّرَابِ الشَّأْوُ أَيضاً. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: شَأَوْتُ البِئْرَ أَخْرَجْت مِنْهَا شَأْواً أَوْ شَأْوَيْن مِنْ تُرَابٍ. والمِشْآةُ: الشيءُ الَّذِي تُخْرِجهُ بِهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: المِشْآةُ الزَّبيلُ يُخرَجُ بِهِ تُراب الْبِئْرِ، وَهُوَ عَلَى وَزْنِ المِشْعاةِ، والجَمْع المَشائي؛ قَالَ:
لَوْلَا الإِلَهُ مَا سَكنَّا خَضَّما، ... وَلَا ظَلِلْنا بالمَشَائِي قُيَّما
وقُيَّمٌ: جَمْعُ قائمٍ مِثْلُ صُيَّمٍ، قَالَ: وَقِيَاسُهُ قُوَّم وصُوَّم. وشَأَوْتُ مِنَ الْبِئْرِ إِذَا نزَعْتَ مِنْهَا التُّراب. اللِّحْيَانِيُّ: إِنَّهُ لَبَعيدُ الشَّأْوِ أَيِ الهِمَّة، والمعْرُوفُ السين.
شبا: شَباةُ كُلِّ شيءٍ: حدُّ طَرَفِهِ، وَقِيلَ حَدُّهُ. وحَدُّ كلِّ شيءٍ شَباتهُ، والجمْعُ شَبَواتٌ وشَباً. وشَبا النَّعْلِ: جانِبا أَسَلَتِها. والشَّبا: البَرَدُ؛
__________
(2) . قوله [تهميل] هكذا في نسخة بيدنا غير معول عليها، وفي شرح القاموس: تسهيل(14/419)
قَالَ الطرِمّاح:
ليلَة هاجَتْ جُمادِيَّة، ... ذَاتُ صِرٍّ جِرْبياء البَشامْ
«1» . ورْدَة أَدْلَجَ صِنَّبْرُها، ... تحتَ شَفَّانِ شَباً ذِي سِجامْ
ورَدة حَمْراء أَي السَّنة الشَّدِيدَةُ، والشَّبَا: البَرَدُ، وسِجام: مَطر. وَفِي حَدِيثِ
وائِل بنِ حُجْرٍ: أَنه كَتَبَ لأَقْيالِ شَبْوَةَ بِمَا كَانَ لَهُمْ فِيهَا مِنْ مِلْكٍ
؛ شَبْوَةُ: اسمُ الناحِيةِ الَّتِي كَانُوا بِهَا مِنَ اليَمَن وحَضْرَمَوتَ، وَفِيهِ: فَمَا فَلُّوا لَهُ شَباةً؛ الشَّباةُ: طَرَفُ السَّيْفِ وحَدُّه، وجَمْعُها شَباً. والشَّباةُ: العَقْرَبُ حِينَ تَلِدُها أُمُّها، وَقِيلَ: هِيَ العَقربُ الصَّفْراءُ، وَجَمْعُهَا شَبَوات. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: والنَّحْوِيُّون يَقُولُونَ شَبْوَةُ العَقْرَبُ، مَعْرِفَةٌ لَا تَنْصَرِفُ وَلَا تَدْخُلُهَا الأَلف وَاللَّامُ، وَقِيلَ: شَبْوَةُ هِيَ العَقْرَبُ مَا كانتْ، غيرُ مُجْراةٍ؛ قَالَ:
قدْ جَعَلتْ شَبْوَةُ تَزْبَئِرُّ، ... تَكْسُو اسْتَها لحْماً وتَقْشَعِرُّ
وَيُرْوَى: وتَقْمَطِرُّ؛ يَقُولُ: إِذَا لدَغَتْ صَارَ اسْتُها فِي لَحْم الناسِ فَذَلِكَ اللحْم كِسوَةٌ لَهَا. ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي: مِنْ أَسماءِ العَقْرَبِ الشَّوْشَبُ والفِرْضِخُ وتَمْرَة «2» ، لَا تَنْصَرفُ؛ قَالَ: وشَباةُ العَقْرب إبْرَتُها. والشَّبْوُ: الأَذى. وجاريةٌ شَبْوَةٌ: جَرِيئَةٌ كَثِيرَةُ الْحَرَكَةِ فاحشةٌ. وأَشْبى الرجلُ: وُلِدَ لهُ ولدٌ كَيِّسٌ ذَكِيٌّ؛ قَالَ ابْنُ هرْمَة:
هُمُو نبَتُوا فَرْعاً بكُلِّ شَرارَةٍ ... حَرامٍ، فأَشْبَى فَرْعُها وأُرُومُها
ورجلٌ مُشْبىً إِذَا وُلِدَ لَهُ وَلدٌ ذكِيٌّ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: كَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ الأَعرابي مُشْبىً عَلَى صِيغَةِ الْمَفْعُولِ، ورَدَّ ذَلِكَ ثَعْلَبٌ فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ مُشْبٍ، قَالَ: وَهُوَ الْقِيَاسُ وَالْمَعْلُومُ. الْيَزِيدِيُّ: المُشْبي الَّذِي يُولد لَهُ وَلدٌ ذكيٌّ، وَقَدْ أَشْبى؛ وأَنشد شمِر قَوْلُ ذِي الإِصْبَع العَدَواني:
وهُمْ إنْ وَلَدُوا أَشْبَوْا ... بِسِرِّ الحسَبِ المَحْضِ
قَالَ: وأَشْبى إِذَا جاءَ بوَلدٍ مِثْلَ شَبا الحدِيد. ابْنُ الأَعرابي: رجلٌ مُشْبٍ وَلَد الكِرام. والمُشْبي: المُشْفِقُ، وَهُوَ المُشْبِلُ. وأَشْبَى فُلاناً وَلدُه أَي أَشْبَهُوه؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لعِمْرانَ بنِ حَطَّانَ يصف رَجُلًا مِنَ الخوارِج وأَنَّ أُمَّه قَدْ أَنْجَبَتْ بولادَته:
قَدْ أَنْجَبَتْهُ وأَشْبَتْه وأَعْجَبَها، ... لَوْ كَانَ يُعجِبُها الإِنجابُ والحَبَلُ
قَالَ أَبو عَمْرٍو: الإِشْباءُ الإِعْطاء؛ وأَنشد لِلْقُشَيْرِيِّ:
إنَّ الطرِمَّاحَ الَّذِي دَرْبَيْتِ ... دَحاكِ، حَتَّى انْصَعْتِ قدْ أَمْنَيْتِ
فكُلَّ خَيْرٍ أَنْتِ قَدْ أَشْبَيْتِ، ... تُوبي منَ الخِطْءِ فَقَدْ أَشْصَيْتِ
وَقَالَ ثَعْلَبٌ: أَشْبَى أَشْفَقَ؛ وأَنشد لِرُؤْبَةَ:
يُشْبي عليَّ والكَرِيمُ يُشْبِي
وامرأَة مُشْبِيَةٌ عَلَى ولدِها: كمُشْبِلة. والمُشْبَى: المُكْرَمُ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. والإِشْبَاءُ: الدفْعُ.
__________
(1) . قوله [البشام] هكذا في الأَصل المعتمد بيدنا هنا، وفي مادة ج م د من اللسان: النسام، وفي التهذيب في مادة ج م د: السنام
(2) . قوله [وتمرة] هكذا في الأَصل والتهذيب(14/420)
وأَشْبَيْتُ الرجلَ: رفعْتُه وأَكْرَمْتُه. وأَشْبَتِ الشَّجَرة: ارْتَفَعت. وَيُقَالُ: أَشْبَى زيدٌ عَمْرًا إِذَا أَلْقاه فِي بئرٍ أَو فِيمَا يَكْرَهُ؛ وأَنشد:
إعْلَوَّطا عمْراً ليُشْبِياهُ، ... فِي كلِّ سُوءٍ، ويُدَرْبِياهُ
الْفَرَّاءُ: شَبا وجهُه إِذَا أَضاء بَعْدَ تَغَيُّرٍ. وأَشْبَى الرجلُ: «1» . طَالَ والتَفَّ مِنَ النَّعْمَة والغُضُوضَةِ. والشَّبَا: الطُّحْلُب، يَمَانِيَةٌ. وشَبْوَة: موضعٌ؛ قَالَ بِشْرُ بْنُ أَبي خَازِمٍ:
أَلا ظَعَنَ الخَلِيطُ غَداةَ رِيعُوا ... بشَبْوَةَ، والمَطِيُّ بِهَا خُضُوعُ
والشَّبَا: وادٍ مِنْ أَوْدية الْمَدِينَةِ فِيهِ عينٌ لِبَنِي جَعْفَرِ بْنِ إبراهيمَ مِنْ بَنِي جعفرِ بنِ أَبي طالبٍ، رضوانُ اللَّهِ عليهم.
شتا: ابْنُ السِّكِّيتِ: السَّنة عِنْدَ الْعَرَبِ اسمٌ لاثْنَي عشَر شَهْرًا؛ ثُمَّ قَسَّمُوا السَّنة فَجَعَلُوهَا نِصْفَيْنِ: سِتَّةَ أَشهر وستة أَشهر، فبدؤوا بأَوَّل السَّنَةِ أَول الشِّتَاءِ لأَنه ذكَرٌ وَالصَّيْفُ أُنثى، ثُمَّ جَعَلُوا الشِّتَاءَ نِصْفَيْنِ: فالشَّتَويُّ أَوَّله وَالرَّبِيعُ آخِرُهُ، فَصَارَ الشَّتْويُّ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَالرَّبِيعُ ثَلَاثَةَ أَشهر، وَجَعَلُوا الصَّيْفَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ والقَيْظ ثَلَاثَةَ أَشهر، فَذَلِكَ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا. غَيْرُهُ: الشِّتَاءُ مَعْرُوفٌ أَحد أَرباعِ السَّنَةِ، وَهِيَ الشَّتْوة، وَقِيلَ: الشِّتاءُ جَمْعُ شَتْوةٍ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وجمعُ الشِّتاء أَشْتِية. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الشِّتاءُ اسمٌ مُفْرَدٌ لَا جمعٌ بِمَنْزِلَةِ الصَّيْفِ لأَنه أَحد الْفُصُولِ الأَربعة، ويدلُّك عَلَى ذَلِكَ قولُ أَهلِ اللُّغَةِ أَشْتَيْنَا دخَلْنا فِي الشِّتاء، وأَصَفْنا دخَلْنا فِي الصَّيْفِ، وأَما الشَّتْوةَ فَإِنَّمَا هِيَ مَصْدَرُ شَتَا بِالْمَكَانِ شَتْواً وشَتْوةً لِلْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ، كَمَا تقولُ: صافَ بِالْمَكَانِ صَيْفاً وصَيْفةً وَاحِدَةً، وَالنِّسْبَةُ إِلَى الشتَاء شَتْويٌّ، عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ. وَفِي الصِّحَاحِ: النِّسْبَةُ إِلَيْهَا شَتْويٌّ وشَتَويٌّ مِثْلُ خَرْفيٍّ وخَرَفِيٍّ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونُوا نسَبوا إِلَى الشَّتْوَة ورَفضوا النَّسب إِلَى الشِّتاء، وَهُوَ المَشْتَى والمَشْتاةُ، وَقَدْ شَتا الشِّتاءُ يَشْتُو، ويومٌ شاتٍ مثلُ يومٍ صَائِفٍ، وغداةٌ شاتيةٌ كَذَلِكَ. وأَشْتَوْا: دَخلوا فِي الشِّتاء، فَإِنْ أَقامُوهُ فِي مَوْضِعٍ قِيلَ: شَتَوْا؛ قَالَ طَرَفة:
حيْثُما قاظُوا بنَجْدٍ، وشَتَوْا ... عِنْدَ ذاتِ الطَّلْحِ مِنْ ثِنْيَي وُقُرْ
وتَشَتَّى المكانَ: أَقامَ بِهِ فِي الشَّتْوةِ. تَقُولُ الْعَرَبُ: مَنْ قاظَ الشَّرَفَ وتَرَبَّعَ الحَزْنَ وتَشَتَّى الصَّمّانَ فَقَدْ أَصابَ المَرْعى. وَيُقَالُ: شَتَوْنا الصَّمّانَ أَي أَقَمْنا بِهَا فِي الشِّتاء. وتَشَتَّيْنا الصَّمّان أَي رَعَيْناها فِي الشِّتاء. وَهَذِهِ مَشاتِينا ومَصايِفُنا ومَرابِعُنا أَي منَازِلُنا فِي الشِّتاء والصَّيْف والرَّبيعِ. وشَتَوْتُ بموضِع كَذَا وتَشَتَّيْتُ: أَقمتُ بِهِ الشِّتاءَ. وَهَذَا الَّذِي يُشَتِّيني أَي يَكْفِيني لِشِتائي؛ وَقَالَ يَصِفُ بَتّاً لَهُ:
مَنْ يَكُ ذَا بَتٍّ فَهَذَا بَتِّي، ... مُقَيِّظٌ مُصَيِّفٌ مُشَتِّي،
تَخِذْتُه مِن نَعَجاتٍ سِتِ
وَحَكَى أَبو زَيْدٍ: تَشَتَّيْنا مِنَ الشِّتاء كتَصيَّفْنا مِنَ الصَّيفِ. والمُشْتِي، بِتَخْفِيفِ التَّاءِ، مِنَ الإِبل: المُرْبِعُ، والفَصيلُ شَتْوِيٌّ وشَتَوِيٌّ وشَتِيٌّ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. وَفِي الصِّحَاحِ: الشَّتِيُّ عَلَى فَعِيلٍ، والشَّتَوِيُّ مطَر الشِّتَاءِ، والشَّتِيُّ مطَرُ الشتاءِ، وَفِي التَّهْذِيبِ: المَطَر الَّذِي يَقَعُ فِي الشِّتاء؛ قَالَ النَّمِرُ بْنُ توْلَبٍ
__________
(1) . قوله [وأَشْبَى الرجل] هكذا في الأَصل، وفي المحكم: وأَشْبَى الشجر(14/421)
يَصِفُ رَوْضَةً:
عَزَبَتْ وباكَرَها الشَّتِيُّ بدِيمَةٍ ... وَطْفاءَ، تَمْلَؤُها إِلَى أَصْبارِها
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: والشَّتْوِيُّ منسوبٌ إِلَى الشَّتْوَةِ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
كأَنَّ النَّدى الشَّتْوِيَّ يَرْفَضُّ ماؤُهُ ... عَلَى أَشْنَبِ الأَنْيابِ، مُتَّسِقِ الثَّغْرِ
وعامَلَه مُشَاتَاةً: مِنَ الشِّتاءِ. غيرهُ: وعامَله مُشاتاةً وشِتاءً، وشِتاءً هاهنا منصوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ لَا عَلَى الظَّرْف. وشَتا القومُ يَشْتُون: أَجْدَبوا فِي الشِّتاءِ خاصَّة، قَالَ:
تَمَنَّى ابنُ كُوزٍ، والسَّفاهَةُ كاسْمِها، ... ليَنْكِحَ فِينا، إنْ شَتَوْنا، لَيالِيا
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: والعربُ تسمِّي القَحْطَ شِتاءً لأَنَّ المَجاعاتِ أَكثرُ مَا تُصِيبهُم فِي الشِّتاء البارِدِ؛ وَقَالَ الحُطَيْئة وَجَعَلَ الشتاءَ قَحْطاً:
إِذَا نَزَلَ الشِّتاءُ بدارِ قَوْمٍ، ... تَجَنَّبَ جارَ بَيْتِهِمُ الشِّتاءُ
أَراد بالشتاءِ المَجاعَةَ. وَفِي حَدِيثِ
أُمِّ مَعْبَدٍ حينَ قَصَّتْ أَمْرَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَارًّا بِهَا قَالَتْ: والناسُ مُرْمِلُون مُشْتُون
؛ المُشْتِي: الَّذِي أصابتْهُ المَجاعَة، والأَصلُ فِي المُشْتِي الداخلُ فِي الشِّتاء كالمُرْبِعِ والمُصْيِفِ الداخِل فِي الرَّبِيعِ والصيَّفِ، والعربُ تجعلُ الشِّتاءَ مَجاعةً لأَن الناسَ يلْتَزِمونَ فِيهِ البُيوتَ وَلَا يَخرُجون للانْتِجاعِ، وأَرادتْ أُمُّ مَعْبَدٍ أَن الناسَ كَانُوا فِي أَزْمةٍ وَمَجَاعَةٍ وقِلَّةِ لَبَنٍ. قَالَ ابْنُ الأَثير: وَالرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ مُسْنِتِينَ، بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ قَبْلَ التَّاءِ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ. وَيُقَالُ: أَشْتَى القومُ فَهُمْ مُشْتُونَ إِذَا أَصابَتْهُم مَجاعةٌ. ابْنُ الأَعرابي: الشَّتا المَوْضِعُ الخَشِنُ. والشَّثا، بِالثَّاءِ: صَدْرُ الْوَادِي. ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ أَبو عمرو الشَّتْيَانُ جَمَاعَةُ الجَرادِ والخَيل والرُّكْبانِ؛ وأَنشد لِعَنْتَرَةَ الطَّائِيِّ:
وخَيْلٍ كشَتْيَانِ الجَرادِ، وزَعْتُها ... بطَعْنٍ عَلَى اللَّبّاتِ ذِي نَفَحانِ
شثا: ابْنُ الأَعرابي: الشَّثا، بالثاء، صَدرُ الوادي.
شجا: الشَّجْوُ: الهَمُّ والحُزْنُ، وَقَدْ شَجاني يَشْجُوني شَجْواً إِذَا حَزَنَه، وأَشْجَاني، وَقِيلَ: شَجَانِي طَرَّبَني وهَيَّجَني. التَّهْذِيبُ: شَجَانِي تَذَكُّرُ إلفِي أَي طَرَّبَني وهَيَّجَني. وشَجَاهُ الغِناءُ إِذَا هَيَّجَ أَحزانَه وشَوَّقَه. اللَّيْثُ: شَجَاهُ الهَمُّ، وَفِي لُغَةٍ أَشْجَاهُ؛ وأَنشد:
إنِّي أَتاني خَبَرٌ فأَشْجانْ، ... أَنَّ الغُواةَ قَتَلُوا ابنَ عَفّانْ
وَيُقَالُ: بَكَى شَجْوَه، ودَعَت الحَمامةُ شَجْوَها. وأَشْجاني: حَزَنَني وأَغْضَبني. وأَشْجَيْتُ الرجُلَ: أوْقَعْتهُ فِي حَزَنٍ. وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ تصِفُ أَباها، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَتْ: شَجِيُّ النشِيجِ
؛ الشَّجْوُ: الحُزْنُ، والنَّشِيجُ: الصَّوتُ الَّذِي يترَدَّدُ فِي الحَلْقِ. وأَشْجاهُ: حَزَنَه. الْجَوْهَرِيُّ: أَشْجاهُ يُشْجِيهِ إشْجاءً إِذَا أَغَصَّه «1» ، تَقُولُ مِنْهُمَا جَمِيعًا: شَجِيَ، بِالْكَسْرِ. وأَشْجَاكَ قِرْنُك: قَهَركَ وغَلَبَك حَتَّى شَجِيتَ بِهِ شَجاً؛ وَمِثْلُهُ أَشْجَانِي العُودُ فِي الحَلْقِ حَتَّى شَجِيتُ بِهِ شَجاً، وأَشْجَاهُ العَظْمُ إِذَا اعْتَرَض فِي حَلْقهِ. والشَّجَا: مَا اعْتَرَض فِي حَلْقِ الإِنسانِ والدابَّةِ مِنْ عَظْمٍ أَو عُودٍ أَو
__________
(1) . قوله [أغصه] هكذا في الأَصل، وفي المحكم: أغضبه(14/422)
غَيْرِهِمَا؛ وأَنشد:
ويَرَاني كالشَّجا فِي حَلْقِهِ، ... عَسِراً مَخْرَجُه مَا يُنْتَزَعْ
وَقَدْ شَجِيَ بِهِ، بِالْكَسْرِ، يَشْجى شَجاً؛ قال المُسَيَّب بْنُ زَيْدِ مَناةَ:
لَا تُنْكِرُوا القَتْلَ، وَقَدْ سُبِينا، ... فِي حَلْقِكم عَظْمٌ، وَقَدْ شَجِينا
أَراد فِي حُلُوقِكم؛ وَقَوْلُ عديِّ بْنِ الرِّقَاعِ:
فَإِذَا تَجَلْجَلَ فِي الفُؤادِ خَيالُها، ... شَرِقَ الجُفُونُ بعَبْرَةٍ تَشْجاها
يَجُوزُ أَن يَكُونَ أَراد تَشْجَى بِهَا فحذَفَ وعَدَّى، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ عَدَّى تَشْجَى نفْسَها دونَ واسِطةٍ، والأَوَّل أَعْرَف. وأَشْجَيْتُ فُلَانًا عنِّي: إِمَّا غريمٌ، وَإِمَّا رجُلٌ سأَلك فأَعْطَيتَه شَيْئًا أَرْضَيْتَه بِهِ فذَهب فَقَدْ أَشْجَيْتَه. وَيُقَالُ للغَرِيمِ: شَجِيَ عنِّي يَشْجَى أَيْ ذَهَب. وأَشْجَاه الشيءُ: أَغصَّه. ورجلٌ شَجٍ أَي حَزِينٌ، وامرأَةٌ شَجِيَةٌ، عَلَى فَعِلَةٍ، ورجلٌ شجٍ. وَفِي مثَلٍ لِلْعَرَبِ: ويلٌ للشَّجِي مِنَ الخَلِي، وَقَدْ تُشدد ياءُ الشَّجي فِيمَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْعَيْنِ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والأَول أَعرف. الْجَوْهَرِيُّ: قَالَ الْمُبَرِّدُ ياءُ الخَليِّ مشددةٌ وياءُ الشَّجي مُخَفَّفَةٌ، قَالَ: وَقَدْ شدِّد فِي الشِّعْرِ؛ وأَنشد:
نامَ الخَلِيُّون عَنْ ليلِ الشَّجِيِّينا، ... شَأْنُ السُّلاةِ سِوى شأْنِ المُحِبِّينا
قَالَ: فَإِنْ جعَلْت الشَّجيَّ فَعِيلًا مِنْ شَجاهُ الحُزنُ فَهُوَ مَشْجُوٌّ وشَجِيٌّ، بِالتَّشْدِيدِ لَا غَيْرُ، قَالَ: وَالنِّسْبَةُ إِلَى شَجٍ شَجَوِيٌّ، بِفَتْحِ الْجِيمِ كَمَا فُتِحت مِيمُ نَمِرٍ، فَانْقَلَبَتِ الْيَاءُ أَلفاً ثُمَّ قلبتَها وَاوًا، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ أَبو جَعْفَرٍ أَحمد بْنُ عُبَيْدٍ الْمَعْرُوفُ بأَبي عَصيدَة الصَّوَابُ ويلُ الشَّجِيِّ من الخَليِّ، بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ، وأَما الشَّجِي، بِالتَّخْفِيفِ، فَهُوَ الَّذِي أَصابَه الشَّجا وَهُوَ الغَصَصُ، وأَما الحزينُ فَهُوَ الشَّجِيُّ، بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ، قَالَ: وَلَوْ كَانَ المثلُ ويلُ الشَّجِي بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ لَكَانَ ينْبغي أَنْ يُقَالَ مِنَ المُسِيغِ، لأَن الإِساغَة ضدُّ الشَّجا كَمَا أَن الفَرح ضدُّ الحُزنِ، قَالَ: وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ ويلُ الشَّجي من الخَلي، وَهُوَ غَلَطٌ مِمَّنْ رَوَاهُ، وَصَوَابُهُ الشَّجيّ، بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ؛ وَعَلَيْهِ قَوْلُ أَبي الأَسود الدؤَلي:
ويلُ الشَّجيِّ مِنَ الخَليِّ، فَإِنَّهُ ... نَصِبُ الفُؤاد لشَجْوهِ مَغْمُومُ
قَالَ: وَمِنْهُ قَوْلُ أَبي دُوَادٍ:
مَن لعَينٍ بدَمْعِها مَوْلِيَّهْ، ... ولنَفْسٍ مِمَّا عَنَاهَا شَجِيَّهْ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا مِنْ جِهَةِ السَّمَاعِ وَجَبَ أَن يُنْظَر توْجِيهُه مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ، قَالَ: وَوَجْهُهُ أَن يَكُونَ المفعولَ مِنْ شَجَوْتُه أَشْجُوه، فَهُوَ مَشْجُوٌّ وشَجيٌّ، كَمَا تَقُولُ جرَحْته فَهُوَ مَجْروحٌ وجريحٌ، وأَما شَجٍ، بِالتَّخْفِيفِ، فَهُوَ اسمُ الْفَاعِلِ مِنْ شَجِيَ يَشْجى، فَهُوَ شَجٍ؛ قَالَ أَبو زَيْدٍ: الشَّجِي الْمَشْغُولُ والخَلي الفارِغُ. ابْنُ السِّكِّيتِ: الشَّجِي، مَقْصُورٌ، والخَليُّ مَمْدُودٌ؛ التَّهْذِيبُ: هُوَ الَّذِي شَجِيَ بعَظْمٍ غَصَّ بِهِ حلْقه. يُقَالُ: شَجِيَ يَشْجَى شَجاً فَهُوَ شَجٍ كَمَا تَرَى، وَكَذَلِكَ الَّذِي شَجِيَ بالهمِّ فَلَمْ يَجِدْ مَخْرَجًا مِنْهُ وَالَّذِي شَجِيَ بقِرْنهِ فَلَمْ يُقاوِمْه، وكلُّ ذَلِكَ مَقْصُورٌ. قَالَ الأَزهري: وَهَذَا هُوَ الْكَلَامُ الْفَصِيحُ فَإِنْ تجامَلَ إنسانٌ ومدَّ الشَّجِيَّ فَلَهُ مخارجُ مِنْ جِهَةِ الْعَرَبِيَّةِ تُسَوِّغُ لَهُ مذْهَبَه، وَهُوَ أَن تجعلَ الشَّجِيَّ بِمَعْنَى المَشْجُوِّ فَعِيلًا مِنْ شَجَاه يَشْجُوه،(14/423)
وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَن الْعَرَبَ تمدُّ فَعِلًا بياءٍ فَتَقُولُ فُلَانٌ قَمِنٌ لِكَذَا وقَمِين لِكَذَا، وسَمِجٌ وسَمِيجٌ، وَفُلَانٌ كرٍ وكرِيٌّ لِلنَّائِمِ؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:
مَتَّى تَبِتْ ببَطْنِ وادٍ أَو تَقِلْ، ... تترُكْ بِهِ مثلَ الكَرِيِّ المُنجَدِلْ
وَقَالَ الْمُتَنَخِّلُ:
وَمَا إِنْ صوتُ نائحَةٍ شَجِيُ
فشدَّ الياءَ، وَالْكَلَامُ صوتٌ شَجٍ، وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ أَن الْعَرَبَ توازِنُ اللَّفْظَ بِاللَّفْظِ ازْدِواجاً، كَقَوْلِهِمْ إِنِّي لَآتِيُهُ بالغَدايا والعَشايا، وَإِنَّمَا تُجْمَع الغَداةُ غَدَواتٍ فَقَالُوا غَدايا لازْدِواجهِ بالعَشايا، وَيُقَالُ لَهُ مَا ساءَه وناءَهُ، والأَصل أَناءَه، وَكَذَلِكَ وازَنُوا الشَّجِيَّ بالخَليِّ، وَقِيلَ: مَعْنَى قَوْلِهِمْ ويلٌ للشَّجِيّ مِنَ الخَليّ وَيْلٌ لِلْمَهْمُومِ مِنَ الفارِغِ، قَالَ: وشَجِيَ إِذَا غصَّ. أَبو الْعَبَّاسِ فِي الْفَصِيحِ عَنِ الأَصمعي: ويلٌ للشَّجِيّ مِنَ الخَليِّ، بِتَثْقِيلِ الْيَاءِ فِيهِمَا؛ وأَنشد:
ويلُ الشَّجِيّ مِنَ الخَليّ، فَإِنَّهُ ... نَصِبُ الفُؤاد، بحُزْنهِ مَهْمومُ
والشَّجْوُ: الْحَاجَةُ. ومَفازَةٌ شَجْوَاءُ: صعبَةُ المَسْلَكِ مَهْمَةٌ. أَبو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: جَمَّشَ فَتًى مِنَ الْعَرَبِ حَضَرِيَّةً فتَشَاجَتْ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهَا: واللهِ مَا لكِ مُلأَةُ الحُسْنِ وَلَا عَمودهُ وَلَا بُرْنُسهُ فَمَا هَذَا الامتِناعُ؟ قَالَ: مُلأَتُه بياضهُ، وعَمودهُ طُولُه، وبُرْنُسهُ شَعَرَهُ، تشاجَت أَي تَمنَّعَت وتحازَنَت، فقالت: وا حَزَنا حينَ يَتَعَرَّضُ جِلْفٌ لِمثلي قَالَ عَمْرُو بْنُ بَحْرٍ: قُلْتُ لِابْنِ دَبُوقاءَ أَيُّ شيءٍ أَولُ التَّشَاجِي؟ قَالَ: التَّباهُرُ والقَرْمَطة فِي الْمَشْيِ. قَالَ: وَتُوصَفُ مِشْية المرأَة بمِشْية القَطاةِ لتَقارُب الخَطْوة؛ قال:
يَتَمَشَّيْنَ كما تَمْشي ... قَطاً، أَو بَقَرات
والشَّجَوْجَى: الطويلُ الظَّهْرِ القصيرُ الرِّجْلِ، وَقِيلَ: هُوَ المُفْرِطُ الطولِ الضَّخْمُ العِظامِ، وَقِيلَ: هُوَ الطويلُ التامُّ، وَقِيلَ: هُوَ الطويلُ الرِّجْلَينِ مثلُ الخَجَوْجى، وَفِي الْمُحْكَمِ: يُمَدُّ ويُقْصَر. وفَرَسٌ شَجَوْجىً ضَخْمٌ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
وَكُلُّ شَجَوْجىً قُصَّ أَسفلُ ذَيْلِهِ، ... فشَمَّرَ عَنْ نَهْدٍ مَراكِلُه عَبْل
وريحٌ شَجَوْجىً وشَجَوْجاةٌ: دائمةُ الهُبوب. والشَّجَوْجَى: العَقْعَق، والأُنثى شَجَوْجَاةٌ. وَفِي حَدِيثِ
الْحَجَّاجِ: أَن رُفْقَةً ماتَتْ ب الشَّجِي
؛ هُوَ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْيَاءِ مَنزِلٌ فِي طَرِيقِ مَكَّةُ، شَرَّفها اللَّهُ تَعَالَى.
شحا: شَحا فاهُ يَشْحُوه ويَشْحَاه شَحْواً: فتَحه. وشَحا فُوهُ يَشْحُو: انفَتَحَ، يَتعدَّى وَلَا يتَعدَّى. ابْنُ الأَعرابي: شَحا فاهُ وشَحا فُوهُ وأَشْحَى فاهُ وشَحَّى فُوه، وَلَا يُقَالُ أَشْحى فُوهُ. وَيُقَالُ: شَحا فاهُ يَشْحاهُ شَحْياً فتَحه، وَهُوَ بِالْوَاوِ أَعرف. واللجامُ يَشْحَى فمَ الْفَرَسِ شَحْياً؛ وأَنشد:
كأَن فَاهَا، واللِّجامُ شاحِيهْ، ... جَنْبا غَبِيطٍ سَلِسٍ نَواحِيهْ
وَجَاءَتِ الخيلُ شَوَاحِيَ وشَاحِيَاتٍ: فاتِحاتٍ أَفواهَها. وشَحا الرجلُ يَشْحُو شَحْواً: باعَد مَا بينَ خُطاهُ. والشَّحْوةُ: الخَطْوةُ. وَيُقَالُ لِلْفَرَسِ إِذَا كَانَ واسِعَ الذَّرْعِ: إِنَّهُ لرَغِيب الشَّحْوةِ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، ذكرَ فِتْنةً فَقَالَ لعمّارٍ: واللهِ لتَشْحُوَنَّ فِيهَا شَحْواً لَا يُدْرِكُك الرجلُ السريعُ
؛ الشَّحْوُ: سَعَةُ الخَطْوِ، يُرِيدُ(14/424)
بِذَلِكَ تَسْعى فِيهَا وتتَقَدَّم؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
كَعْبٍ يَصِفُ فِتْنَةً قَالَ: ويَكونُ فِيهَا فَتىً مِنْ قُرَيْشٍ يَشْحُو فِيهَا شَحْواً كَثيراً
أَي يُمْعِنُ فِيهَا ويتَوسَّعُ. وَيُقَالُ: ناقةٌ شَحْوى أَي واسِعَةُ الخَطْو؛ وَمِنْهُ:
أَنه كَانَ لِلنَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَسٌ يُقَالُ لَهَا الشَّحَاءُ
كَذَا رُوي بالمدِّ وفُسِّرَ بالواسِعِ الخَطْوَة. وفرسٌ رَغِيبُ الشَّحْوَةِ كثيرُ الأَخْذِ مِنَ الأَرض بخَطْوِه وفرسٌ بعيدُ الشَّحْوةِ أَي بعِيدُ الخَطْو. وجاءَنا شَاحِياً أَي فِي غَيْرِ حَاجَةٍ، وشَاحِياً خاطِياً مِنَ الخَطْوة. وبئْرٌ واسِعة الشَّحْوَة وضَيِّقَتُها أَي الفَمِ. وتَشَحَّى الرجلُ فِي السَّوْمِ: اسْتامَ بسِلْعَته وتَباعَدَ عَنِ الحقِّ. أَبو سَعِيدٍ: تَشَحَّى فُلَانٌ عَلَى فُلَانٍ إِذَا بَسَط لسانَهُ فِيهِ، وأَصله التَّوَسُّع فِي كلِّ شيءٍ. وشَحَاةُ: ماءٌ، وَكَذَلِكَ شَحا؛ قَالَ:
سَاقِي شَحا يميلُ مَيْلَ السَّكْرانْ
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّمَا هُوَ وَشْحى، فَاحْتَاجَ الشَّاعِرُ فغَيَّره. الأَزهري: الْفَرَّاءُ شَحا ماءَةٌ لِبَعْضِ الْعَرَبِ، يُكْتَب بِالْيَاءِ وَإِنْ شئتَ بالأَلف، لأَنه يُقَالُ شَحَوْت وشحَيْت وَلَا تُجْرِيها، تَقُولُ هَذِهِ شَحى، فَاعْلَمْ. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: سَجا، بِالسِّينِ وَالْجِيمِ، اسْمُ بئرٍ، قَالَ: وماءَةٌ أُخرى يُقَالُ لَهَا وَشْحى، بِفَتْحِ الْوَاوِ وَتَسْكِينِ الشِّينِ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
صَبَّحْنَ مِنْ وَشْحى قَلِيباً سُكَّا
وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَحى اسْمُ بئرٍ؛ وأَنشد:
سَاقِي شَحى يَميل مَيْلَ المَخْمُورْ
قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ الْفَرَّاءِ، قَالَ: وَقَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ سُميت شَحى لأَنها كفَمٍ مَشْحُوٍّ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وأَما ابْنُ الأَعرابي فَقَالَ: هِيَ سَجا بِالسِّينِ وَالْجِيمِ، قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقَوْلُ الْفَرَّاءِ غَلَطٌ. وأَشْحى: اسْمُ مَوْضِعٌ؛ قَالَ مَعْنُ بْنُ أَوس:
قعْرِيَّة أَكَلَتْ أَشْحَى، ومَدْفَعُه ... أَكْنافُ أَشْحى، ولم تُعْقَلْ بأَقْيادِ «2» .
شخا: ابْنُ الأَعرابي: الخَشا الزَّرْعُ الأَسْودُ مِنَ البَرْد، قَالَ: والشَّخا السَّبَخةُ، وَاللَّهُ أَعلم.
شدا: الشَّدْوُ: كلُّ شيءٍ قليلٍ مِنْ كثيرٍ. شَدا مِنَ العِلْمِ والغِناءِ وَغَيْرِهِمَا شَيْئًا شَدْواً: أَحْسَنَ مِنْهُ طَرَفاً، وشَدا بِصَوْتِهِ شَدْواً: مَدَّه بغِناءٍ أَو غَيْرِهِ. وشدَوْتُ الإِبِل شَدْواً: سُقْتُها. ابْنُ الأَعرابي: الشَّادِي المُغَنِّي، والشَّادِي الَّذِي تعَلَّم شَيْئًا مِنَ العِلْم والأَدَبِ والغِناءِ ونحوِ ذَلِكَ أَي أَخَذ طَرَفاً مِنْهُ، كأَنه سَاقَهُ وجَمَعَه. وشَدَوْتُ إِذَا أَنْشَدْتَ بَيْتًا أَو بَيْتَيْنِ تمُدُّ بِهِمَا صوتَك كالغِناءِ. وَيُقَالُ للمغنِّي الشَّادِي. وَقَدْ شَدا شِعْراً أَو غِناءً إِذَا غَنَّى أَو ترَنَّم بِهِ. وَيُقَالُ: شَدَوْتُ مِنْهُ بعضَ الْمَعْرِفَةِ إِذَا لَمْ تَعْرِفْهُ مَعْرِفَةً جيِّدة؛ قَالَ الأَخطل:
فهُنَّ يَشْدُونَ مِنِّي بعضَ مَعْرِفةٍ، ... وهُنَّ بالوَصْلِ لَا بُخْلٌ وَلَا جُودُ
عَهِدْنَه شَابًّا حَسَناً ثُمَّ رأَيْنَه بَعْدَ كِبَرهِ فأَنكَرْنَ مَعْرِفَتَهُ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وأَصل هَذَا مِنَ الشَّدا وَهُوَ البقيَّة؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:
فَلَوْ كانَ فِي ليْلى شَداً منْ خُصُومَةٍ
أَي بَقيَّةٌ؛ قَالَ أَبو بَكْرٍ: الشَّدَا حَدُّ كلِّ شيءٍ يكتَبُ بالأَلف، قَالَ: والشَّدا مِنَ الأَذى؛ وأَنشد:
فَلَوْ كَانَ فِي لَيْلى شَداً مِنْ خُصومَةٍ، ... لَلَوَّيْتُ أَعْناقَ المَطِيِّ المَلاوِيا
__________
(2) . قوله [قعرية إلخ] هكذا في الأَصل والمحكم(14/425)
وَقَالَ: المَلاوي جمعُ مَلْوىً، قَالَ: وَهُوَ مَصْدَرٌ، أَنشده الْفَرَّاءُ شَذا، بالذالِ، وأَنشده غَيْرُهُ بِالدَّالِ، وأَكثر النَّاسِ عَلَى أَنه بِالدَّالِ، وَهُوَ الحَدُّ، وأَورده ابْنُ بَرِّيٍّ بِالدَّالِ شَاهِدًا عَلَى قَوْلِهِ الشَّدا طَرَفٌ مِنَ الشيءِ، قَالَ: وَمِنْهُ قولُ المجْنُون، وَقَالَ ابْنُ خالَوَيْه: الشَّدا البقيةُ، وأَنشد هَذَا الْبَيْتَ. ابْنُ الأَعرابي: شَدا إِذَا قَوِيَ فِي بَدَنهِ، وشَدا إِذَا أَبْقى بَقِيَّةً، وَشَدَا تعلَّم شَيْئًا مِنْ خصومةٍ أَو عِلْمٍ. وَيُقَالُ لِلْمَرِيضِ إِذَا أَشْفى عَلَى الموتِ: لَمْ يَبق مِنْهُ إلَّا شَداً؛ قَالَ مُصْبِحُ بْنُ منظورٍ الأَسَدي:
وَلَوْ أَنَّ لَيْلى أَرْسَلَتْ، بشفاعةٍ، ... مِنَ الودِّ شَيْئًا، لَمْ نَجِدْ مَا نَزِيدُها
وَمَا تَسْتَزيد الْآنَ منْ حَجْمِ أَعْظُمٍ، ... ونَفْسٍ شَداً لمْ يَبْقَ إلَّا شَدِيدُها
وشدَوْتُ الرجلَ فُلَانًا: شَبَّهْته إيِّاه. والشَّدا: بَقِيَّةُ الشيءِ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
وارْتَحَلَ الشيبُ شَداً كالفَلِ
والشَّدا أَيضاً: الشيءُ القلِيلُ، والمْعْنَيان مُقْتَرِبان. وشَدَوَانُ: مَوْضِعٌ؛ قَالَ:
فَلَيْتَ لَنَا، مِنْ ماءِ زَمْزَم، شَرْبةً ... مُبَرَّدَةً باتَتْ عَلَى شَدَوَانِ
شذا: شَذا كلِّ شيءٍ: حَدُّه. والشَّذاةُ: الحِدَّةُ، وَجَمْعُهَا شَذَواتٌ وشَذاً. التَّهْذِيبُ فِي تَرْجَمَةِ شَدا بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ: قَالَ أَبو بَكْرٍ الشَّدا حَدُّ كلِّ شَيْءٍ، يُكْتَبُ بالأَلف. قَالَ: والشَّذا مِنَ الأَذى؛ وأَنشد:
فلوْ كَانَ فِي ليْلى شَذاً مِنْ خُصومَةٍ، ... للوَّيْتُ أَعْناقَ المطِيِّ المَلاويا
وأَنشده الْفَرَّاءُ شَداً، بِالدَّالِ، وأَنشده غَيْرُهُ شَذاً، بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، وأَكثر النَّاسِ عَلَى الدَّالِ، وَهُوَ الحدُّ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُ أَوس:
أَقولُ فأَمَّا المُنْكَراتِ فأَتَّقي، ... وأَمَّا الشَّذا، عَنِّي، المُلِمَّ فأَشْذِبُ
وَقَالَ أَسماء بْنُ خَارِجَةَ:
يَا ضَلَّ سَعْيُكَ مَا صَنَعْتَ بِمَا ... جَمَّعْتَ مِنْ شُبّ إِلَى دُبّ؟
فاعْمِدْ إِلَى أَهْلِ الوَقِير، فَما ... يَخْشى شَذَاك مُقَرْقَمُ الإِزْبِ
وضَرِمَ شَذَاهُ: اشتَدَّ جُوعُه، يُقَالُ ذَلِكَ للجائِعِ؛ قَالَ الطرِمَّاح:
يَظَلُّ غُرابُها ضَرِماً شَذَاهُ، ... شَجٍ لخُصومَة الذِّئْبِ الشَّنُونِ
والشَّذا، مقصورٌ: الأَذى والشرُّ. والشَّذَاةُ: ذُبابٌ، وَقِيلَ: ذبابٌ أَزْرقُ عظيمٌ يَقَعُ عَلَى الدَّوَابِّ فيُؤْذِيها، والجَمع شَذاً، مَقْصُورٌ، وَقِيلَ: هُوَ ذُبابٌ يَعَضُّ الإِبلَ، وَقِيلَ: الشَّذا ذُبابُ الكلْب، وَقِيلَ: كُلُّ ذُبابٍ شَذاً؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِيَزِيدَ بْنِ الْحَكَمِ يَصِفُ قَدَاحًا:
يَقِيهَا الشَّذا بالنَّجوِ طَوراً، وَتَارَةً ... يُقَلِّبها فِي كفِّه ويَذوقُ
يَقُولُ: لَا يَتْرُكُ الذُّبَابَ يسقُطُ عَلَيْهَا؛ وَقَالَ آخَرُ:
عَرْكَ الجِمالِ جُنُوبَهنَّ مِنَ الشَّذا
قَالَ: وَقَدْ يَقَعُ هَذَا الذُّبابُ عَلَى الْبَعِيرِ، الْوَاحِدَةُ شَذَاةٌ. وأَشْذَى الرجلُ: آذَى، وَمِنْهُ قِيلَ لِلرَّجُلِ: آذيْتَ وأَشْذيْتَ. ابْنُ الأَعرابي: شَذا إِذَا آذَى، وشَذا إِذَا تطيَّبَ بالشَّذْوِ وَهُوَ المِسْكُ، وَيُقَالُ:(14/426)
هُوَ رَائِحَةُ الْمِسْكِ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السلام: أَوْصَيْتُهم بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ كفِّ الأَذى وَصَرْفِ الشَّذَا
؛ هُوَ بِالْقَصْرِ الشَّرُّ والأَذى. وَكُلُّ شيءٍ يُؤْذي فَهُوَ شَذاً؛ وأَنشد:
حَكَّ الجِمال جُنوبَهنَّ من الشَّذَا
وَيُقَالُ: إِنِّي لأَخشى شَذَاة فُلَانٍ أَي شَرَّه. وَقَالَ اللَّيْثُ: شَذَاتهُ شدَّتهُ وجَرْأَته. والشَّذَاةُ: بَقِيَّةُ القوَّة والشِّدَّة؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
فاطِمَ رُدِّي لِي شَذاً مِنْ نَفْسي، ... وَمَا صَريمُ الأَمر مثلُ اللَّبْسِ
والشَّذا: كِسَر الْعُودِ الصِّغَارِ، مِنْهُ. والشَّذَا: كِسَر الْعُودِ الَّذِي يُتَطيَّب بِهِ. والشَّذَا: شِدَّةُ ذكاءِ الرِّيحِ الطَّيِّبة، وَقِيلَ: شِدَّة ذكاءِ الرِّيحِ؛ قَالَ ابْنُ الإِطْنابة:
إِذَا مَا مَشَتْ نَادَى بِمَا فِي ثِيابها ... ذكيُّ الشَّذا، والمَنْدَليُّ المُطَيَّرُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُقَالُ البيتُ للعُجَير السَّلولي، وَيُرْوَى: إِذَا اتَّكأَتْ. قَالَ: وَقَالَ ابْنُ ولَّاد الشَّذا المِسك فِي بَيْتِ العُجَير. والشَّذا: المِسْك؛ عَنِ ابْنِ جِنِّي، وَهُوَ الشَّذْوُ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
إِنَّ لَكَ الفَضلَ عَلَى صُحْبَتي، ... والمِسكُ قَدْ يَسْتَصحِبُ الرَّامِكا
حَتَّى يظلَّ الشَّذْوُ، مِنْ لوْنهِ، ... أَسْودَ مَضْنوناً بِهِ حالِكا
وَقَالَ الأَصمعي: الشَّذا مِنَ الطِّيبِ يكتَبُ بالأَلف؛ وأَنشد:
ذكيُّ الشَّذا والمندليُّ المطيَّرُ
قَالَ: وَقَالَ أَبو عَمْرٍو بْنُ الْعَلَاءِ الشَّذْوُ لونُ المِسك؛ وأَنشد:
حَتَّى يظلَّ الشَّذْوُ مِنْ لونهِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: والشِّذْيُ، بِكَسْرِ الشِّينِ، لونُ الْمِسْكِ؛ عَنْ أَبي عَمْرٍو وَعِيسَى بْنِ عُمَرَ؛ وأَنشد:
حَتَّى يظلَّ الشِّذْيُ مِنْ لوْنهِ
قَالَ: وَذَكَرَهُ ابْنُ ولَّادٍ بِفَتْحِ الشِّينِ وغُلِّط فِيهِ، وَصَحَّحَ ابْنُ حَمْزَةَ كَسْرَ الشِّينِ. والشَّذَا: الْجَرَبُ. والشَّذَاةُ: القطْعة مِنَ الملحِ، وَالْجَمْعُ شَذاً. والشَّذَا: شجرٌ ينبُت بالسَّراةِ يُتَّخذ مِنْهُ المَساوِيك وَلَهُ صمغٌ. والشَّذا: ضربٌ مِنَ السُّفن؛ عَنِ الزَّجَّاجِيِّ، الْوَاحِدَةُ شَذَاةٌ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: هَذَا مَعْرُوفٌ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِعَرَبِيٍّ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الشَّذَاةُ ضرْبٌ مِنَ السُّفُن، والجمع شَذَواتٌ.
شري: شَرى الشيءَ يَشْرِيه شِرىً وشِرَاءً واشْتَرَاه سَواءٌ، وشَرَاهُ واشْتَرَاهُ: باعَه. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ
، وَقَالَ تَعَالَى: وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ
؛ أَي بَاعُوهُ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى *؛ قَالَ أَبو إِسْحَاقَ: لَيْسَ هُنَا شِراءٌ وَلَا بيعٌ وَلَكِنْ رغَبتُهم فِيهِ بتَمَسُّكِهم بِهِ كرَغْبة المُشْتري بِمَالِهِ مَا يَرغَبُ فِيهِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِكُلِّ مَنْ تَرك شَيْئًا وتمسَّكَ بِغَيْرِهِ قَدِ اشْتراهُ. الْجَوْهَرِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ*
؛ أَصلُه اشْتَرَيُوا فاسْتُثقِلت الضَّمَّةُ عَلَى الْيَاءِ فَحُذِفَتْ، فَاجْتَمَعَ سَاكِنَانِ الْيَاءُ وَالْوَاوُ، فَحُذِفَتِ الْيَاءُ وحُرِّكت الْوَاوُ بحركتِها لَمَّا اسْتَقبَلها سَاكِنٌ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الصَّحِيحُ فِي تَعْلِيلِهِ أَن الْيَاءَ لَمَّا تَحَرَّكَتْ فِي اشْتَرَيُوا وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا قُلِبَتْ أَلفاً ثُمَّ حذِفت لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، قَالَ: ويجمَع الشِّرَى عَلَى أَشْرِيَةٍ، وَهُوَ شَاذٌّ، لأَن فِعَلًا لَا يُجْمَعُ عَلَى أَفعِلَة. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يَجُوزُ أَن يَكُونَ أَشْرِيَةٌ جمعاً للممدود كَمَا قَالُوا أَقْفِية فِي جَمْعِ قَفاً لأَن مِنْهُمْ مَنْ(14/427)
يمُدُّه. وشاراهُ مُشاراةً وشِراءً: بايَعه، وَقِيلَ: شَارَاهُ مِنَ الشِّراءِ وَالْبَيْعِ جَمِيعًا وَعَلَى هَذَا وجَّه بَعْضُهُمْ مَدَّ الشِّراءِ. أَبو زَيْدٍ: شَرَيْتُ بعْتُ، وشَرَيتُ أَي اشْتَرَيْتُ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ
؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: بئْسَما باعُوا بِهِ أَنفسَهم، وَلِلْعَرَبِ فِي شَرَوْا واشْتَرَوْا مَذْهبان: فالأَكثر مِنْهُمَا أَن يَكُونَ شَرَوا باعُوا، واشْتَرَوا ابْتاعوا، وَرُبَّمَا جعلُوهما بمَعنى بَاعُوا. الْجَوْهَرِيُّ: الشِّرَاءُ يمَدُّ ويُقْصَر. شَرَيْتُ الشيءَ أَشْرِيه شِرَاءً إِذَا بعْتَه وَإِذَا اشْتَرَيْتَه أَيضاً، وَهُوَ مِنَ الأَضداد؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُ الشِّرَاء بِالْمَدِّ قَوْلُهُمْ فِي الْمَثَلِ: لَا تَغْتَرَّ بالحُرَّة عامَ هِدائِها وَلَا بالأَمَةِ عامَ شِرائِها؛ قَالَ: وشاهِدُ شَرَيتُ بِمَعْنَى بعتُ قَوْلُ يَزِيدَ بْنِ مُفَرِّغ:
شَرَيْتُ بُرْداً، وَلَوْلَا مَا تكَنَّفَني ... مِنَ الحَوادِث، مَا فارَقْتُه أَبدا
وَقَالَ أَيضاً:
وشَرَيْتُ بُرْداً لَيتَني، ... مِنْ بَعدِ بُرْدٍ، كنتُ هامَهْ
وَفِي حَدِيثِ
الزُّبَيْرِ قَالَ لابْنهِ عَبْدِ اللَّهِ: واللهِ لَا أَشْرِي عَملي بشيءٍ وللدُّنيا أَهوَنُ عَلَيَّ مِنْ منحةٍ ساحَّةٍ
؛ لَا أَشْرِي أَي لَا أَبيعُ. وشَرْوى الشَّيْءِ: مثلُه، واوُه مُبْدَلةٌ مِنَ الْيَاءِ لأَن الشيءَ إِنَّمَا يُشْرى بمثلهِ وَلَكِنَّهَا قُلِبَت يَاءً كَمَا قُلِبت فِي تَقْوَى وَنَحْوِهَا. أَبو سَعِيدٍ: يُقَالُ هَذَا شَرْوَاه وشَرِيُّه أَي مِثْلُه؛ وأَنشد:
وتَرَى هالِكاً يَقُول: أَلا تبصر ... فِي مالِكٍ لِهَذَا شَرِيَّا؟
وَكَانَ شُرَيْحٌ يُضَمِّنُ القَصَّارَ شَرْوَاهُ أَي مِثْلَ الثَّوبِ الَّذِي أَخَذه وأَهْلَكَه؛ وَمِنْهُ حَدِيثِ
عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: ادْفَعُوا شَرْوَاها مِنَ الْغَنَمِ
أَي مِثْلَها. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي الصَّدَقَةِ: فَلَا يأْخذ إلَّا تِلْكَ السِّنَّ مِن شَرْوَى إبلِه أَو قيمةَ عَدْلٍ
أَي مِنْ مِثْلِ إبلهِ. وَفِي حَدِيثِ
شُرَيْحٍ: قَضَى فِي رجلٍ نَزَع فِي قَوْسِ رجلٍ فكسَرها فَقَالَ لَهُ شَرْوَاها.
وَفِي حَدِيثِ
النَّخَعِيِّ فِي الرجلِ يبيعُ الرجلَ وَيَشْتَرِطُ الخَلاصَ قَالَ: لَهُ الشَّرْوَى
أَي المِثْلُ. وَفِي حَدِيثِ
أُمِّ زرعٍ قَالَ: فَنَكَحْتُ بَعْدَهُ رَجُلًا سَرِيّاً رَكِبَ شَرِيّاً وأَخذَ خَطِّيّاً وأَراحَ عليَّ نَعَماً ثَريّاً
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: أَرادت بقولِها رَكِبَ شَرِيّاً أَي فَرَسًا يَسْتَشْرِي فِي سيرهِ أَي يَلِجُّ ويَمْضِي ويَجِدُّ فِيهِ بِلَا فُتورٍ وَلَا انكسارٍ، وَمِنْ هَذَا يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا لَجَّ فِي الأَمر: قَدْ شَريَ فِيهِ واسْتَشْرى؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: مَعْنَاهُ جادُّ الجَرْي. يُقَالُ: شَرِيَ الرجلُ فِي غَضَبِهِ واسْتَشْرَى وأَجَدَّ أَي جَدَّ. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: رَكِبَ شَرِيّاً أَيْ فرَساً خِياراً فَائِقًا. وشَرَى المالِ وشَرَاتُه: خيارهُ. والشَّرَى بِمَنْزِلَةِ الشَّوَى: وَهُمَا رُذالُ الْمَالِ، فَهُوَ حَرْفٌ مِنَ الأَضداد. وأَشْرَاءُ الحَرَمِ: نواحِيه، والواحِد شَرىً، مَقْصُورٌ. وشَرَى الفُراتِ: ناحيتهُ؛ قَالَ الْقُطَامِيُّ:
لُعِنَ الكَواعِبُ بَعْدَ يومَ وصَلْتَني ... بِشَرَى الفُراتِ، وبَعْدَ يَوْمِ الجَوْسَقِ
وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ الْمُسَيَّبِ: قَالَ لرجلٍ انْزِلْ أَشْرَاءَ الحَرَمِ
أَي نواحيَه وجَوانِبَه، الواحدُ شَرىً. وشَرِيَ زِمامُ الناقةِ: اضطَربَ. وَيُقَالُ لزِمامِ النَّاقَةِ إِذَا تتابَعَتْ حَرَكَاتُهُ لِتَحْرِيكِهَا رأْسَها فِي عَدْوِها: قَدْ شَرِيَ زمامُها يَشْرَى شَرىً إِذَا كثُر اضطرابهُ. وشَرِيَ الشرُّ بَيْنَهُمْ شَرىً: اسْتَطارَ. وشَرِيَ(14/428)
الْبَرْقُ، بِالْكَسْرِ، شَرىً: لَمَع وتتابَع لمَعانُه، وَقِيلَ: اسْتَطارَ وتَفَرَّق فِي وَجْهِ الغَيْمِ؛ قَالَ:
أَصاحِ تَرَى البَرْقَ لَمْ يغْتَمِضْ، ... يَمُوتُ فُواقاً، ويَشْرَى فُواقَا
وَكَذَلِكَ اسْتَشْرَى؛ وَمِنْهُ يُقَالُ للرجلِ إِذَا تمَادَى فِي غَيِّهِ وفسادِه: شَرِيَ يَشْرَى شَرىً. واسْتَشْرَى فُلانٌ فِي الشَّرِّ إِذَا لَجَّ فِيهِ. والمُشاراةُ: المُلاجَّةُ، يُقَالُ: هُوَ يُشَارِي فُلَانًا أَيْ يُلاجُّه. وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ فِي صِفَةِ أَبيها، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: ثمَّ اسْتَشْرَى فِي دِينه
أَيْ لَجَّ وتَمادَى وجَدَّ وقَوِيَ واهْتَمَّ بِهِ، وَقِيلَ: هُوَ مِنْ شَرِيَ البرقُ واسْتَشْرَى إِذَا تتابَع لمَعانهُ. وَيُقَالُ: شَرِيَتْ عينُه بالدَّمْعِ إِذَا لَجَّت وتابَعَت الهَمَلان. وشَرِيَ فلانٌ غَضَباً، وشَرِيَ الرَّجُلُ شَرىً واسْتَشْرَى: غَضِبَ ولَجَّ فِي الأَمْرِ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِابْنِ أَحمر:
باتَتْ عَلَيه ليلةٌ عَرْشِيَّةٌ ... شَرِيَت، وباتَ عَلى نَقاً مُتَهَدِّمِ
شَرِيَتْ: لَجَّتْ، وعَرْشِيَّةٌ: مَنْسُوبَةٌ إِلَى عَرْشِ السِّماكِ، ومُتَهَدِّم: مُتهافِت لَا يَتماسك. والشُّراة: الخَوارِجُ، سُمُّوا بِذَلِكَ لأَنَّهم غَضِبُوا ولَجُّوا، وأَمّا هُمْ فَقَالُوا نَحْنُ الشُّراةُ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ
، أَي يَبِيعُها ويبذُلُها فِي الْجِهَادِ وثَمَنُها الْجَنَّةُ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ
؛ وَلِذَلِكَ قَالَ قَطَرِيُّ بْنُ الفُجاءَة وَهُوَ خارجيٌّ:
رأَتْ فِئةً باعُوا الإِلهَ نفوسَهُم ... بِجَنَّاتِ عَدْنٍ، عِندَهُ، ونَعِيمِ
التَّهْذِيبِ: الشُّرَاةُ الخَوارِجُ، سَمَّوْا أَنفسهم شُرَاةً لأَنهم أَرَادُوا أَنَّهُمْ باعُوا أَنفسهم لِلَّهِ، وَقِيلَ: سُموا بِذَلِكَ لِقَوْلِهِمْ إنَّا شَرَيْنا أَنفسنا فِي طاعةِ اللَّهِ أَي بِعْنَاهَا بِالْجَنَّةِ حِينَ فارَقْنا الأَئِمَّةَ الجائِرة، وَالْوَاحِدُ شارٍ، وَيُقَالُ مِنْهُ: تَشَرَّى الرجلُ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ: أنه جَمَعَ بَنِيهِ حِينَ أَشْرَى أَهلُ المدينةِ مَعَ ابنِ الزُّبَيْر وخَلَعُوا بَيْعَةَ يزيدَ
أَي صَارُوا كالشُّراةِ فِي فِعْلِهم، وهُم الخَوارجُ، وخُروجِهم عَنْ طاعةِ الإِمامِ؛ قَالَ: وَإِنَّمَا لزمَهم هَذَا اللقَبُ لأَنهم زَعَمُوا أَنهم شَرَوْا دُنْياهم بالآخرَة أَي باعُوها. وشَرَى نفسَه شِرىً إِذَا باعَها؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
فلَئِنْ فَرَرْتُ مِن المَنِيَّةِ والشِّرَى
والشِّرَى: يَكُونُ بَيْعًا واشْتِراءً. والشارِي: المُشْتَرِي. وَالشَّارِي: البائِعُ. ابْنُ الأَعرابي: الشِّرَاءُ، ممدودٌ ويُقْصَر فَيُقَالُ الشَّرَا، قَالَ: أَهلُ نجدٍ يقصُرونه وأَهل تهامَة يَمُدُّونه، قَالَ: وشَرَيْت بِنَفْسِي لِلْقَوْمِ إِذَا تَقَدَّمْتُ بَيْنَ أَيديهم إِلَى عَدُوِّهم فقاتَلْتَهم أَو إِلَى السُّلْطَانِ فَتَكَلَّمْت عَنْهُمْ. وَقَدْ شَرَى بِنَفْسِهِ إِذَا جَعَل نَفْسَهُ جُنَّةً لَهُمْ. شَمِرٌ: أَشْرَيْتُ الرجلَ والشَّيءَ واشْتَرَيْتُه أَي اخْتَرْتُه. وَرُوِيَ بَيْتُ الأَعشى: شَرَاة الهِجانِ. وَقَالَ اللَّيْثُ: شَرَاةُ أَرضٌ والنِسبة إِلَيْهَا شَرَوِيّ، قَالَ أَبو تُرَابٍ: سَمِعْتُ السُّلَمِيَّ يَقُولُ أَشْرَيْتُ بَيْنَ القومِ وأَغْرَيْتُ وأَشْرَيْتهُ بِهِ فَشَرِيَ مثلُ أَغْرَيْتهُ بِهِ فغَرِيَ. وشَرِيَ الفَرَسُ فِي سَيْره واسْتَشْرَى أَي لَجَّ، فَهُوَ فَرَسٌ شَرِيٌّ، عَلَى فَعِيلٍ. ابْنُ سِيدَهْ: وفَرَسٌ شَرِيٌّ يَسْتَشْرِي فِي جَرْيِهِ أَي يَلِجُّ. وشَارَاهُ مُشَارَاةً: لاجَّهُ. وَفِي حَدِيثِ
السَّائِبِ: كَانَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شَريكي فَكَانَ خَيْرَ شَريكٍ لَا يُشارِي وَلَا يُمارِي وَلَا يُدارِي
؛ المُشَارَاةُ: المُلاجَّةُ،(14/429)
وَقِيلَ: لَا يُشَارِي مِنَ الشَّرِّ أَي لَا يُشارِرُ، فَقَلَبَ إِحْدَى الراءَيْن يَاءً؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: والأَول الْوَجْهُ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ:
لَا تُشارِ أَخاك
فِي إِحْدَى الروايتينِ، وَقَالَ ثَعْلَبٌ فِي قَوْلِهِ لَا يُشَارِي: لَا يَستَشْري مِنَ الشَّرِّ، وَلَا يُمارِي: لَا يُدافِعُ عَنِ الحقِّ وَلَا يُرَدِّدُ الكلامَ؛ قَالَ:
وَإِنِّي لأَسْتَبْقِي ابنَ عَمِّي، وأَتَّقي ... مُشَاراتَه كَيْ مَا يَرِيعَ ويَعْقِلا
قَالَ ثَعْلَبٌ: سأَلت ابْنَ الأَعرابي عَنْ قَوْلِهِ
لَا يُشَارِي وَلَا يُمارِي وَلَا يُدارِي
، قَالَ: لَا يُشَارِي مِنَ الشَّرِّ، قَالَ: وَلَا يُماري لَا يُخَاصِمُ فِي شيءٍ لَيْسَتْ لَهُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ، وَلَا يُداري أَي لَا يَدْفَعُ ذَا الحَقِّ عَنْ حَقِّه؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ثَعْلَبٌ:
إِذَا أُوقِدَتْ نارٌ لَوى جِلْدَ أَنْفِه، ... إِلَى النارِ، يَسْتَشْرِي ذَرى كلِّ حاطِبِ
ابْنُ سِيدَهْ: لَمْ يُفَسِّرْ يَسْتَشْرِي إِلَّا أَن يَكُونَ يَلِجُّ فِي تأَمُّله. وَيُقَالُ: لَحاه اللَّهُ وشَراهُ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: شَراهُ اللَّهُ وأَوْرَمَه وعَظاهُ وأَرْغَمَه. والشَّرَى: شيءٌ يخرُجُ عَلَى الجَسَد أَحمَرُ كهيئةِ الدَّرَاهِمِ، وَقِيلَ: هُوَ شِبْهُ البَثْر يَخْرُجُ فِي الْجَسَدِ. وَقَدْ شَرِيَ شَرىً، فَهُوَ شَرٍ عَلَى فَعِلٍ، وشَرِيَ جلْدُه شَرىً، قَالَ: والشَّرى خُراج صِغَارٌ لَهَا لَذْعٌ شَدِيدٌ. وتَشَرَّى القومُ: تَفَرَّقوا. واستَشْرَتْ بَيْنَهُمُ الأُمورُ: عظُمت وتفاقَمَتْ. وَفِي الْحَدِيثِ:
حَتَّى شَرِيَ أَمرُهما
أَي عظُم «3» . وتَفاقَمَ ولَجُّوا فِيهِ. وفَعَلَ بِهِ مَا شَرَاهُ أَي ساءَه. وإبِلٌ شَرَاةٌ كسَراةٍ أَي خِيارٌ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
يَذُبُّ القَضايا عَنْ شَرَاةٍ كأَنَّها ... جَماهيرُ تَحْتَ المُدْجِناتِ الهَواضِبِ
والشَّرَى: النَّاحِيَةُ، وخَصَّ بعضُهم بِهِ نَاحِيَةَ النَّهْرِ، وَقَدْ يُمَدُّ، والقَصر أَعْلى، وَالْجَمْعُ أَشْرَاءٌ. وأَشْرَاه ناحيةَ كَذَا: أَمالَهُ؛ قَالَ:
اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّا فِي تَلَفُّتِنا، ... يومَ الفِراقِ، إِلَى أَحْبابِنا صورُ
وأَنَّني حَوْثُما يُشْرِي الهَوى بَصَري، ... مِنْ حيثُ مَا سَلَكوا، أَثْني فأَنْظورُ «4»
. يُرِيدُ أَنظُرُ فأَشْبَع ضَمَّة الظَّاءِ فنشَأَت عَنْهَا وَاوٌ. والشَّرى: الطريقُ، مقصورٌ، وَالْجَمْعُ كَالْجَمْعِ. والشَّرْيُ، بِالتَّسْكِينِ: الحَنْظَلُ، وَقِيلَ: شجرُ الْحَنْظَلِ؛ وَقِيلَ: ورقُه، وَاحِدَتُهُ شَرْيَةٌ؛ قَالَ رؤْبة:
فِي الزَّرْبِ لَوْ يَمْضُغُ شَرْياً مَا بَصَقْ
وَيُقَالُ: فِي فُلَانٍ طَعْمانِ أَرْيٌ وشَرْيٌ، قَالَ: والشَّرْيُ شَجَرُ الْحَنْظَلِ؛ قَالَ الأَعلم الْهُذَلِيُّ:
عَلَى حَتِّ البُرايةِ زَمْخَرِيِّ السَّواعِدِ، ... ظَلَّ فِي شَرْيٍ طِوالِ
وَفِي حَدِيثِ
أَنس فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ، قَالَ: هُوَ الشَّرْيان
؛ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الشَّرْيانُ والشَّرْيُ الْحَنْظَلُ، قَالَ: ونحوهُما الرَّهْوانُ والرَّهْوُ للمطمئِنِّ مِنَ الأَرض، الْوَاحِدَةُ شَرْيَةٌ. وَفِي حَدِيثِ
لَقيط: أَشْرَفْتُ عَلَيْهَا وَهِيَ شَرْيَة وَاحِدَةٌ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا رَوَاهُ بَعْضُهُمْ، أَراد أَنَّ الأَرض اخْضَرَّتْ بالنَّبات فكأَنها حَنْظَلَةٌ وَاحِدَةٌ، قَالَ: وَالرِّوَايَةُ
شَرْبَة
، بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ. وقال أَبو حنيفة:
__________
(3) . قوله [حَتَّى شَرِيَ أَمْرُهُمَا أَيْ عظم إلخ] عبارة النهاية: ومنه حديث المبعث
فشَرِيَ الأَمر بينه وبين الكفار حين سب الهتم
أَيْ عَظُمَ وَتَفَاقَمَ وَلَجُّوا فيه، والحديث الآخر
حتى شَرِيَ أمرهما
وحديث أم زرع إلخ
(4) . قوله حوثما: لغة في حيثما(14/430)
يُقَالُ لمِثْلِ مَا كَانَ مِنْ شَجَرِ القِثَّاءِ والبِطِّيخِ شَرْيٌ، كَمَا يُقَالُ لشَجَرِ الْحَنْظَلِ، وَقَدْ أَشْرَتِ الشجرةُ واسْتَشْرَتْ. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الشَّرْيَة النَّخْلَةُ الَّتِي تنبُت مِنَ النَّواةِ. وتَزَوَّجَ فِي شَرِيَّةِ نِساءٍ أَي فِي نِساءٍ يَلِدْنَ الإِناثَ. والشَّرْيانُ والشِّرْيانُ، بِفَتْحِ الشِّينِ وَكَسْرِهَا: شجرٌ مِنْ عِضاه الْجِبَالِ يُعْمَلُ مِنْهُ القِسِيُّ، وَاحِدَتُهُ شِرْيَانَةٌ. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: نَبات الشِّرْيانِ نباتُ السِّدْر يَسْنو كَمَا يَسْنو السِّدْر ويَتَّسِعُ، وَلَهُ أَيضاً نَبِقَةٌ صَفْراءُ حُلْوَةٌ، قَالَ: وَقَالَ أَبو زيادٍ تُصْنَعُ القياسُ مِنَ الشِّرْيانِ، قَالَ: وقَوْسُ الشِّرْيانِ جَيِّدَةٌ إِلَّا أَنها سَوداءُ مُشْرَبَةٌ حُمْرةً، وَهُوَ مِنْ عُتْقِ العيدانِ وَزَعَمُوا أَن عُودَهُ لَا يَكادُ يَعْوَجُّ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِذِي الرُّمَّةِ:
وَفِي الشِّمالِ مِنَ الشِّرْيانِ مُطْعَمَةٌ ... كَبْداءُ، فِي عودِها عَطْفٌ وتَقْويمُ
وَقَالَ الْآخَرُ:
سَياحِفَ فِي الشِّرْيانِ يَأْمُلُ نَفْعَها ... صِحابي، وَأَوْلَى حَدَّها مَنْ تَعَرَّما
الْمُبَرِّدُ: النَّبْعُ والشَّوْحَطُ والشِّرْيانُ شجرةٌ واحدةٌ، ولكِنَّها تَخْتَلِف أَسْماؤُها وتَكْرُم بِمَنابِتِها، فَمَا كَانَ مِنْهَا فِي قُلَّة جبَلٍ فَهُوَ النَّبْعُ، وَمَا كَانَ فِي سَفْحِهِ فَهُوَ الشِّرْيان، وَمَا كَانَ فِي الحَضيضِ فهُو الشَّوْحَطُ. والشِّرْيَانَاتُ: عروقٌ دقاقٌ فِي جَسَدِ الإِنسان وغَيره. والشَّرْيَانُ والشِّرْيَانُ، بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ: وَاحِدُ الشَّرَايِين، وَهِيَ العُروقُ النَّابضَة ومَنْبِتُها مِنَ القَلْبِ. ابْنُ الأَعرابي: الشِّرْيَان الشَّقُّ، وَهُوَ الثَّتُّ، وَجَمْعُهُ ثُتُوتٌ وَهُوَ الشَّقُّ فِي الصَّخْرة. وأَشْرَى حوضَه: مَلأَه وأَشْرَى جِفانَه إِذَا مَلأَها، وَقِيلَ: مَلأَها للضِّيفانِ؛ وأَنشد أَبو عَمْرٍو:
نَكُبُّ العِشارَ لأَذْقانِها، ... ونُشْرِي الجِفانَ ونَقْري النَّزيلا
والشَّرَى: موضعٌ تُنْسب إِلَيْهِ الأُسْدُ، يُقَالُ للشُّجْعانِ: مَا هُمْ إِلَّا أُسودُ الشَّرى؛ قَالَ بَعْضُهُمْ: شَرى مَوْضِعٌ بِعَيْنهِ تأْوي إِلَيْهِ الأُسْدُ، وَقِيلَ: هُوَ شَرى الفُراتِ وناحِيَتُه، وَبِهِ غِياضٌ وآجامٌ ومَأْسَدَةٌ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
أُسودُ شَرىً لاقتْ أُسودَ خفِيَّةٍ
. والشَّرى: طريقٌ فِي سَلْمى كَثِيرُ الأُسْدِ. والشَّرَاةُ: موضِع. وشِرْيَانُ: وادٍ؛ قَالَتْ أُخت عَمْرٍو ذِي الْكَلْبِ:
بأَنَّ ذَا الكَلْبِ عَمْرًا خيرَهم حسَباً، ... ببَطْنِ شِرْيَانَ، يَعْويِ عِنْده الذِّيبُ
وشَرَاءٌ، وشَرَاءِ كَحذامِ: موضعٌ؛ قَالَ النَّمِرُ بْنُ تَوْلَبٍ:
تأَبَّدَ مِنْ أَطْلالِ جَمْرَةَ مَأْسَلُ، ... فَقَدْ أَقْفَرَت مِنْهَا شَرَاءٌ فيَذْبُلُ «1»
. وَفِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ الشَّرَاةِ؛ هُوَ بِفَتْحِ الشِّينِ جَبَلٌ شامخٌ من دون عُسْفانَ، وصُقْعٌ بِالشَّامِ قَرِيبٌ مِنْ دِمَشْق، كَانَ يَسْكُنُهُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ وأَولاده إِلَى أَن أَتتهم الخلافة. ابن سيدة: وشَرَاوَةُ موضعٌ قَرِيبٌ مِنْ تِرْيَمَ دونَ مَدْين؛ قَالَ كُثَيِّرُ عَزَّةَ:
تَرامى بِنا مِنْهَا، بحَزْنِ شَرَاوَةٍ ... مفَوِّزَةٍ، أَيْدٍ إلَيْك وأَرْجُلُ
وشَرَوْرَى: اسْمُ جَبَلٍ فِي الْبَادِيَةِ، وَهُوَ فَعَوْعَل، وفي
__________
(1) . قوله [أطلال جمرة] هو بالجيم في المحكم(14/431)
الْمُحْكَمِ: شَرَوْرَى جَبَلٌ، قَالَ: كَذَا حَكَاهُ أَبو عُبَيْدٍ، وَكَانَ قِيَاسُهُ أَن يَقُولَ هَضْبة أَو أَرض لأَنه لَمْ يُنَوِّنْهُ أَحد مِنَ الْعَرَبِ، وَلَوْ كَانَ اسْمَ جَبَلٍ لَنَوَّنَهُ لأَنه لَا شَيْءَ يَمْنَعُهُ مِنَ الصَّرْفِ.
شسا: التَّهْذِيبُ فِي الْمُعْتَلِّ: ابْنُ الأَعرابي الشَّسَا البُسْرُ اليابس.
ششا: ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي: الشَّشَا الشِّيصُ.
شصا: الْفَرَّاءُ: الشُّصُوُّ مِنَ العَيْن مِثْلُ الشُّخُوصِ. يُقَالُ: شَصَا بصَرهُ، فَهُوَ يَشْصُو شُصُوّاً. وشَصَتْ عينُه شُصُوّاً: شَخَصَت حَتَّى كأَنه ينظرُ إِلَيْكَ وَإِلَى آخَرَ؛ قَالَ:
يَا رُبَّ مُهْرٍ شَاصِ، ... ورَبْرَبٍ خِماصِ،
يَنْظُرْنَ مِن خَصاصِ، ... بأَعْيُنٍ شَواصِ،
كفِلَقِ الرَّصاصِ
وشَصا بصَرُه يَشْصُو شُصُوّاً: شَخَص. وأَشْصَاه صاحِبُه: رفَعَه. وشَصَا الإِنسانُ وغيرُه شُصُوّاً: قُطِعَت قَوائِمُه فارْتَفعتْ مَفاصِلُه، قَالَ: والشَّاصِي الَّذِي إِذَا قُطِعتْ قوائمهُ ارْتَفعتْ مفاصِلُه أَبداً. اللِّحْيَانِيُّ: شَصَا الميِّتُ يَشْصُو شُصُوّاً انْتَفخَ وارْتَفعت يداهُ ورِجْلاه، فَهُوَ شاصٍ، وَكَذَلِكَ القرْبة إِذَا مُلِئتْ مَاءً، والزِّقُّ إِذَا مُلِئَ خَمْراً ونحوَها مِنَ السَّيّال فارْتفَعتْ قوائِمهُ وشالَتْ؛ قَالَ:
وطَعْنٍ كفَم الزِّقِّ ... شَصا، والزِّقُّ مَلآنُ
وَيُقَالُ للزِّقاقِ المَمْلوءَةِ الشائِلةِ القَوائِمِ والقِرَبِ إِذَا كَانَتْ مَمْلوءَةً أَو نُفِخَ فِيهَا فارْتَفعتْ قوائِمُها: شاصِيَةٌ، وَالْجَمْعُ شَواصٍ وشاصِياتٌ؛ أَنشد أَبو عَمْرٍو:
يَا رَبَّنا لَا تُخْفِضَنَّ عاصِيَهْ ... سَريعةَ المَشْي، طَيُورَ الناصِيَةْ
«1» . تَخافُها أَهلُ البُيوتِ القاصِيَهْ، ... تُسامرُ القوْمَ وتُضْحي شاصِيَهْ
مِثْلَ الهَجينِ الأَحْمَرِ الجُراصِيَهْ، ... والإِثْرُ والصَّرْبُ مَعًا كالآصِيَهْ
وَقَالَ الأَخطل يَصِفُ زُقَاقَ خَمْرٍ:
أَناخُوا، فَجَرُّوا شاصِياتٍ كأَنها ... رِجالٌ مِنَ السُّودانِ لَمْ يتَسَرْبَلُوا
قَالَ: وَكَذَلِكَ القِرَب والزِّقاقُ إِذَا كَانَتْ مَمْلوءَةً أَوْ نُفِخَ فِيهَا فارتفعتْ قوائِمُها وشالَتْ. وكلُّ مَا ارْتَفعَ فَقَدْ شَصَا. اللِّحْيَانِيُّ: يُقَالُ لِلْمَيِّتِ إِذَا انْتَفَخَ فَارْتَفَعَتْ يداهُ ورجلاهُ: قَدْ شَصَى يَشْصِي «2» . شُصِيّاً، فَهُوَ شَاصٍ؛ حَكَاهُ عَنِ الْكِسَائِيِّ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَالْمَعْرُوفُ يَشْصُو. الْمُحْكَمُ: شَصا برِجْلِه شُصِيّاً رفَعها. الأَزهري: وَيُقَالُ للشَّاصِي شاظٍ، بِالظَّاءِ، وَقَدْ شَظَى يَشْظي شُظِيّاً. اللِّحْيَانِيُّ: شَطَى وشَظَى مثلُ ذَلِكَ «3» . وَمِنْ أَمثال الْعَرَبِ: إِذَا ارْجَحَنَّ شاصِياً فارْفَعْ يَدا مَعْنَاهُ إِذَا أَلْقَى الرجُلُ لكَ نفْسَه وغَلَبْتَه فرَفَعَ رِجْلَيْهِ فاكْفُفْ يَدَك عَنْهُ، قَالَ: وَمَعْنَاهُ إذا
__________
(1) . قوله [لا تخفضن] هكذا في الأَصل، وتقدم لنا في مادة أصي: لا تبقينّ
(2) . قوله [قد شصى يشصي إلخ] ضبط في المحكم والتهذيب والصحاح من باب رمى، وفي القاموس شَصِيَ كرضي، قال شارحه: وقد ضبط الفعل مثل رمى يرمي عَلَى مَا هُوَ فِي النسخ وصحح عليه فقول المصنف كرضي محل تأْمل
(3) . قوله [اللِّحْيَانِيُّ شَطَى وَشَظَى مِثْلُ ذلك] ضبطهما في القاموس كرضي، وكتب عليهما شارحه بأنهما من حد رمى(14/432)
سقَطَ ورفعَ رِجْليه فاكْفُفْ عَنْهُ. اللَّيْثُ: شَصَت السَّحابةُ تَشْصُو إِذَا ارْتفعت فِي نُشُوئِها، وشَصا السَّحَابُ. ابْنُ الأَعرابي: الشَّصْوُ السِّواكُ، والشَّصْوُ الشِّدَّةُ. والشَّاصِلَّى مِثْلُ الباقِلَّى «1» . نبتٌ إِذَا شَدَّدْت قَصَرْت، وَإِذَا خفَّفْتَ مددْتَ، وَيُقَالُ له بالفارسية وكْرَاوَنْد.
شطي: شَطَى: أَرضٌ، وَقِيلَ: شَطَى اسمُ قَرْيةٍ بناحيةِ مِصْرَ تُنسَبُ إِلَيْهَا الثيابُ الشَّطَوِيَّة، وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
تَجَلَّل بالشَّطِيِّ والحِبَراتِ
يُرِيدُ الشَّطَويَّ. غَيْرُهُ: الشَّطَوِيَّة ضرْبٌ مِنْ ثِيَابِ الكَتان تُصْنعُ فِي شَطَى، وَفِي التَّهْذِيبِ: يُعْمَلُ بأَرض يُقَالُ لَهَا الشَّطَاةُ؛ قَالَ: وأَلف شَطَى ياءٌ لِكَوْنِهَا لَامًا، واللامُ يَاءٌ أَكثرُ مِنْهَا وَاوًا. وَفِي النَّوَادِرِ: مَا شَطَّيْنا هَذَا الطَّعَامَ أَي مَا رَزَأْنا مِنْهُ شَيْئًا. وَقَدْ شَطَّيْنا الجَزُورَ أَي سَلَخْناه وفَرَّقْنا لَحْمَه.
شظي: شَظَى الميِّتُ يَشْظِي شَظْياً، وَفِي التَّهْذِيبِ شُظِيّاً: انْتَفَخَ فارْتفَعتْ يَداهُ ورجْلاهُ كشَصا؛ حَكَاهُ اللِّحْيَانِيُّ. الأَصمعي: شَظَى السِّقاءُ يَشْظِي شُظِيّاً مثلُ شَصى، وذلك إِذَا مُلِئَ فارْتفَعتْ قَوائِمُه. والشَّظَاةُ: عُظَيْمٌ لازقٌ بالوَظيفِ، وَفِي الْمُحْكَمِ: بالرُّكْبةِ، وجمعُها شَظىً، وَقِيلَ: الشَّظَى عَصَبٌ صغارٌ فِي الوَظِيفِ، وَقِيلَ: الشَّظَى عُظَيْمٌ لازقٌ بالذِّراعِ، فَإِذَا زَالَ قِيلَ شَظِيَتْ عَصَبُ الدَّابَّةِ. أَبو عُبَيْدَةَ: في رؤُوسِ المِرْفَقْينِ إبْرَةٌ، وَهِيَ شَظِيَّةٌ لاصِقَةٌ بالذِّراعِ ليستْ مِنْهَا؛ قَالَ: والشَّظَى عظمٌ لاصِقٌ بالرُّكْبةِ، فَإِذَا شَخَصَ قِيلَ شَظِيَ الفرَسُ، وتَحَرُّكُ الشَّظَى كانتِشارِ العَصَب غيرَ أَنَّ الفرَسَ لانتِشارِ العَصَبِ أَشدُّ احْتِمالًا مِنْهُ لتَحَرُّكِ الشَّظَى، وَكَذَلِكَ قَالَ الأَصمعي. ابْنُ الأَعرابي: الشَّظَى عَصَبةٌ دقِيقةٌ بَيْنَ عَصَبَتي الوَظيف، وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ عُظَيْمٌ دقِيقٌ إذا زَالَ عَنْ موضعِهِ شَظِيَ الفَرسُ. وشَظِيَ الفرَسُ شَظىً، فَهُوَ شَظٍ: فُلِقَ شَظاهُ. والشَّظَى: انْشِقاقُ العَصَبِ؛ قَالَ إمرؤُ الْقَيْسِ:
وَلَمْ أَشْهَدِ الخَيْلَ المُغِيرَةَ بالضُّحى ... عَلَى هَيْكَلٍ نَهْدِ الجُزَارَةِ جَوَّالِ
سَلِيمِ الشَّظَى، عَبْلِ الشَّوى، شَنِجِ النَّسا، ... لَهُ حَجباتٌ مُشْرِفاتٌ عَلَى الفالِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِثْلُهُ للأَغلبَ العِجلي:
لَيْسَ بِذِي واهِنَةٍ وَلَا شَظَى
الأَصمعي: الشَّظَى عُظَيْمُ مُلزَقٌ بالذِّراعِ، فَإِذَا تحَرَّكَ مِنْ موضعِهِ قِيلَ قَدْ شَظِيَ الفرَسُ، بِالْكَسْرِ، وَقَدْ تَشَظَّى وشَظَّاهُ هُوَ. والشَّظِيَّة: عَظْمُ الساقِ، وكلُّ فِلْقَةٍ مِنْ شيءٍ شَظِيَّةٌ. والشَّظِيَّة: شِقّة مِنْ خَشبٍ أَو قَصَبٍ أَو قِضّةٍ أَو عَظْمٍ. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا أَرادَ أَن يَخْلُق لإِبْلِيسَ نَسْلًا وزَوْجةً، أَلقى عَلَيْهِ الغَضَبَ فطارَتْ مِنْهُ شَظِيّةٌ مِنْ نارٍ فخَلقَ مِنْهَا امرأَتَه
؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
ابْنِ عباسٍ: فطارَتْ مِنْهُ شَظِيّةٌ ووَقعَتْ مِنْهُ أُخرى مِنْ شِدَّةِ الغَضَب.
والشَّظِيَّة: القوسُ. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الشّظِيَّةُ القَوسُ لأَنَّ خشبَها شَظِيَتْ أَي فُلِقَتْ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: فأَما مَا أَنشده ابْنُ الأَعرابي مِنَ قوله:
__________
(1) . قوله [والشَّاصِلَّى مثل الباقلى] هكذا في الأَصل والصحاح، وفي القاموس: والشَّاصِلَّى بضم الصاد وفتح اللام المشددة(14/433)
مَهاها السِّنانُ اليَعْمَليُّ فأَشْرَفَتْ ... سَناسِنُ مِنْهَا، والشَّظِيُّ لُزُوقُ
قَالَ: فَإِنَّهُ قَدْ زَعَمَ أَن الشَّظِيَّ جَمْعُ شَظىً، قَالَ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ لأَن فَعَلًا لَيْسَ مِمَّا يُكسَّر عَلَى فَعِيلٍ إلَّا أَن يَكُونَ اسْمًا لِلْجَمْعِ فَيَكُونَ مِنْ بَابِ كلِيبٍ وعَبيدٍ، وأَيضاً فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ الشَّظِيُّ جَمْعَ شَظىً والشَّظى لَا مَحَالَةَ جَمْعُ شَظاةٍ، فَإِنَّمَا الشَّظيُّ جمعُ جمعٍ وَلَيْسَ بِجَمْعٍ، وَقَدْ بيَّنَّا أَنه لَيْسَ كلُّ جَمْعٍ يُجمعُ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَالَّذِي عِنْدِي أَن الشَّظِيَّ جَمْعُ شَظِيَّةٍ الَّتِي هِيَ عظمُ الساقِ كَمَا أَن رَكِيّاً جَمْعُ رَكِيَّةٍ. وتَشَظَّى الشيءُ: تفَرَّقَ وتشَقَّق وتَطايَر شَظَايا؛ قَالَ:
يَا مَنْ رأَى لِي بُنَيَّ اللَّذَيْن هُمَا ... كالدُّرَّتَيْن تَشَظَّى عَنْهُمَا الصَّدَفُ
وشَظَّاهُ هُوَ، وتَشَظَّى القومُ: تفَرَّقوا، قَالَ:
فصَدّه، عَنْ لعْلَعٍ وبارِقِ، ... ضرْبٌ يُشَظِّيهمْ عَلَى الخَنادقِ
أَي يفرِّقُهم ويَشُقُّ جمعَهم. وشَظَّيْتُ القومَ تَشْظِيَةً أَي فرَّقتُهم فتشَظَّوْا أَي تفرَّقُوا. وشَظِيَ القومُ إِذَا تفَرَّقُوا. والشَّظَى مِنَ النَّاسِ: المَوالي والتِّباعُ. وشَظَى القومِ: خلافُ صمِيمِهِمْ، وَهُمُ الأَتْباعُ والدُّخلاءُ عَلَيْهِمْ بالحِلْف؛ وقال هَوْبَرٌ الْحَارِثِيُّ:
أَلا هَلْ أَتى التَّيْمَ بنَ عبدِ مَناءَةٍ، ... عَلَى الشَّنْءِ فِيمَا بَيْنَنَا، ابنِ تمِيمِ
بمَصْرَعِنا النُّعمانَ، يومَ تأَلَّبَتْ ... عَلَيْنَا تميمٌ مِنْ شَظىً وصَميمِ
تَزَوَّد منَّا بَيْنَ أُذْنَيهِ طَعنةً، ... دَعَتْه إِلَى هَابِي الترابِ عَقيمِ
قَوْلُهُ: بمَصْرعِنا النُّعمانَ فِي مَوْضِعِ الْفَاعِلِ بأَتى فِي الْبَيْتِ قبلَه، والباءُ زائدةٌ؛ وَمِثْلُهُ قولُ امْرِئِ الْقَيْسِ:
أَلا هَلْ أَتاها، والحوادثُ جَمَّةٌ، ... بأَن إمرأَ القيسِ بنَ تَملِكَ بَيْقَرا؟
قَالَ: وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْآخَرِ:
أَلمْ يأْتيكَ، والأَنباءُ تَنْمي، ... بِمَا لاقتْ لَبُونُ بَنِي زيادِ؟
والشَّظَى: جبلٌ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:
أَلمْ ترَ عُصْمَ رُؤوس الشَّظَى، ... إِذَا جاءَ قانِصُها تجْلبُ؟
وَهُوَ الشَّظاءُ أَيضاً، ممدودٌ؛ قَالَ عَنْتَرَةُ
كمُدِلَّةٍ عَجْزاءَ تَلْحَمُ ناهِضاً، ... فِي الوَكْرِ، مَوْقِعُها الشَّظاءُ الأَرْفعُ
وأَما الْحَدِيثُ
الَّذِي جَاءَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: تعَجَّبَ رَبُّك مِنْ راعٍ فِي شَظِيَّة يؤذِّنُ ويقيمُ الصَّلَاةَ يخافُ مِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لعَبدي وأَدخلتهُ الجنة
؛ ف الشَّظِيَّةُ: فِنْديرةٌ مِنْ فَناديرِ الجبالِ، وهي قطعةٌ من رؤُوسها؛ عَنِ الأَزهري، قَالَ: وَهِيَ الشِّنْظِيةُ أَيضاً، وَقِيلَ: الشَّظِيَّةُ قِطعَةٌ مرتفعةٌ فِي رأْس الْجَبَلِ. والشَّظِيَّةُ: الفِلْقةُ مِنَ الْعَصَا ونحوِها، وَالْجَمْعُ الشَّظَايا، وَهُوَ مِنَ التَّشَظِّي التَّشَعُّبِ والتَّشَقُّقِ؛ ومنه الحديث:
ف انْشَظَت رَباعيةُ رسوِل اللَّهِ، صَلَّى الله عليه وسلم
، أَي انْكَسَرَتْ. التَّهْذِيبِ: شَوَاظِي الْجِبَالِ وشَنَاظِيها هِيَ الكِسَر مِنْ رؤوس الْجِبَالِ كأَنها شُرَفُ الْمَسْجِدِ، وَقَالَ: كأَنها شَظِيَّةٌ انشَظَتْ ولم تَنْقَسِمْ أَيِ انْكَسَرَتْ(14/434)
وَلَمْ تنْفرِجْ. والشَّظِيَّة مِنَ الْجَبَلِ: قِطْعةٌ قُطِعَت مِنْهُ مِثْلُ الدَّارِ وَمِثْلُ الْبَيْتِ، وجمعُها شَظَايا، وأَصغر مِنْهَا وأَكبر كَمَا تَكُونُ. النَّضْرُ: الشَّظَى الدَّبْرَةُ عَلَى إثرِ الدِّبْرةِ فِي المزْرَعة حَتَّى تبلُغَ أَقْصاها، الواحِدُ شَظىً بدِبارِها، والجماعةُ الأَشْظِيةُ، قَالَ: والشَّظَى رُبَّمَا كَانَتْ عشْر دَبَراتٍ، يُرْوى ذَلِكَ عَنِ الشافعي.
شعا: أَشْعى القومُ الغارةَ إشْعاءً: أَشْعَلُوها. وغارةٌ شَعْوَاءُ: فاشِيةٌ مُتَفَرِّقَةٌ؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:
ماوِيَّ يَا رُبَّتَما غارةٍ ... شَعْوَاءَ كاللَّذْعة بالمِيسَمِ
وَقَالَ ابْنُ قَيْسِ الرُّقَيَّاتِ:
كَيْفَ نَوْمِي عَلَى الْفِرَاشِ، وَلَمَّا ... تَشْمَلِ الشامَ غارةٌ شَعْواءُ
تُذْهِلُ الشَّيخَ عَنْ بَنِيهِ، وتُبْدي، ... عَنْ خِدامِ، العَقِيلةُ العَذْراءُ
الْعَقِيلَةُ: فَاعِلَةٌ لتُبْدي، وَحَذَفَ التَّنْوِينَ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ لِلضَّرُورَةِ «1» . وشعِيَت الغارةُ تَشْعَى شَعاً إِذَا انتَشَرت، فَهِيَ شَعْواءُ، كَمَا يُقَالُ عَشِيَتِ المرأَة تَعْشى عَشاً فَهِيَ عَشْواء. وَالشَّاعِي: البعيدُ. والشَّعْوُ: انتِفاشُ الشَّعَر. والشُّعَى: خُصَلُ الشَعَر المُشْعانِّ. والشَّعْوَانَة: الجُمَّة مِنَ الشَّعَر المُشعانِّ. وَشَجَرَةٌ شَعْواءُ: مُنْتَشِرة الأَغصانِ. وأَشْعى بِهِ: اهْتَمَّ؛ قَالَ أَبو خِرَاشٍ:
أَبْلِغْ علِيّاً، أَذَلَّ اللَّهُ سَعْيَهُمُ ... أَنَّ البُكَيْرَ الَّذِي أَشْعَوْا بِهِ هَمَلُ
قَالَ ابْنُ جِنِّي: هُوَ مِنْ قولِهم غارةٌ شَعْواءُ، ورُوِي: أَسْعَوْا بِهِ، بِالسِّينِ غَيْرِ مُعْجَمَةٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. الأَصمعي: جَاءَتِ الخيلُ شَوَاعِيَ وشَوائِعَ أَي مُتَفَرِّقَةً؛ وأَنشد للأَجْدع بْنِ مَالِكٍ:
وكأَن صَرْعَيْها كِعابُ مُقامِرٍ ... ضُرِبَتْ عَلَى شُزُنٍ، فهنَّ شَواعي
أَراد: شَوائِعَ، فقلَبه؛ الشَّزَن: النَّاحِيَةُ والجانبُ الْمُرْتَفِعُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ وكأَن صَرْعاها، قَالَ: والمشهورُ فِي شِعْرِه عَقْراها، يَصِفُ خَيْلًا عُقِرت وصُرِعَت، يَقُولُ: عَقْرى هَذِهِ الخَيْلِ يَقَعُ بعضُها عَلَى جنْبه وبَعْضُها عَلَى ظَهْره كَمَا يقعُ كعبُ المُقامر مَرَّة عَلَى ظهْره ومرَّة عَلَى جنْبهِ، فَهِيَ ككِعاب المُقامِر بَعْضُها عَلَى ظهْرٍ وبعضُها عَلَى جنْبٍ وبعضُها عَلَى حرْفٍ. والشَّعْواءُ: اسمُ نَاقَةِ العَجَّاج؛ قَالَ:
لَمْ تَرْهَبِ الشَّعْوَاءُ أَن تُناصا
شغا: الشَّغا: اخْتِلافُ الأَسْنانِ، وَقِيلَ: اخْتِلَافُ نِبْتَة الأَسْنان بالطُّول والقِصَر والدُّخُول والخُروج. وشَغَتْ سِنُّه شُغُوّاً وشَغِيَتْ شَغىً ورجلٌ أَشْغَى وامرأَة شَغْوَاءُ وشَغْيَاءُ مُعاقَبَةٌ، حجازيَّة، وَالْجَمْعُ شُغْوٌ. والسِّنُّ الشَّاغِيَةُ: هِيَ الزائِدَةُ عَلَى الأَسنان، وَهِيَ المُخالفة لنِبْتَة غَيْرِهَا مِنَ الأَسْنان، وَقَدْ شَغِيَ يَشْغى شَغاً، مقصورٌ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الشَّغا اختِلاف نِبْتَة الأَسْنانِ وليسَ الزِّيَادَة كَمَا ذكرَه الْجَوْهَرِيُّ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَر: أَنَّ رَجُلًا مِنْ تَمِيمٍ شَكا إِلَيْهِ الْحَاجَةَ فَمارَهُ فَقَالَ: بعدَ حَوْلٍ لأُلِمَّنَّ بعُمَر، وَكَانَ شاغِيَ السِّنِّ فَقَالَ: مَا أُرى عُمَر إلَّا سيَعرفُني، فعالَجَها حَتَّى قلعَها
؛ الشَّاغِيةُ مِنَ الأَسنان: الَّتِي تخالِفُ نِبْتَتُها نِبْتَة أَخَواتِها، وَقِيلَ: هُوَ خُرُوجُ الثَّنيَّتَيْن، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي تَقَعُ أَسنانُه العُليا تحتَ رؤوس السُّفْلى، قال ابن
__________
(1) . يريد حذف التنوين من خدام(14/435)
الأَثير: والأَوَّل أَصحّ، وَيُرْوَى: شاغِنَ، بِالنُّونِ، وَهُوَ تَصْحِيفٌ. وَفِي حَدِيثِ
عُثْمَانَ: جِيء إِلَيْهِ بعامِر بْنِ قيْسٍ «1» . فرأَى شَيْخًا أَشْغى
؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
كَعْبٍ: تكونُ فتْنَةٌ ينهَضُ فِيهَا رجلٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَشْغَى
، وَفِي رِوَايَةٍ:
لَهُ سِنٌّ شاغِيةٌ.
والشَّغْواءُ: العُقابُ، قِيلَ لَهَا ذَلِكَ لفَضْلٍ فِي مِنْقَارِهَا الأَعلى عَلَى الأَسفل، وَقِيلَ: سُمِّيت بِذَلِكَ لتَعَقُّفٍ فِي مِنْقارها؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
شَغْوَاءُ تُوطِنُ بَيْنَ الشِّيقِ والنِّيق
وَقَالَ أَبو كَاهِلٍ اليشكُري يُشَبِّهُ ناقَتَه بالعُقاب:
كأَنَّ رِجْلي عَلَى شَغْوَاءَ حادِرَةٍ ... ظَمْياءَ، قَدْ بُلَّ مِنْ طَلّ خَوافِيها
سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِانْعِطَافِ مِنْقَارِهَا الأَعلى. والتَّشْغِيَةُ: تَقطِيرُ البَوْل، والاسمُ الشَّغَى. الأَزهري: الشَّغْيَة أَن يقْطُر البَوْلُ قَلِيلًا قَلِيلًا. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ: أَنَّه ضرَبَ امرأَةً حَتَّى أَشَاغَتْ ببَوْلها
، هَكَذَا يُرْوَى وَإِنَّمَا هُوَ أَشْغَتْ. والإِشْغَاءُ: أَن يقْطُر البَوْلُ قَلِيلًا قَلِيلًا. وأَشْغَى فلانٌ رأْيَه إِذَا فرَّقَه؛ وَقَالَ:
أَبْلِغْ عَلِيّاً، أَطال اللهُ ذُلَّهُمُ ... أَنَّ البُكَيْرَ الَّذِي أَشْغَوْا بِهِ هَمَلُ
وبُكَيْرٌ: اسْمُ رَجُلٍ قَتلُوه، هَمَلٌ: غير صحيح.
شفي: الشِّفَاء: دواءٌ معروفٌ، وَهُوَ مَا يُبرئُ مِنَ السَّقَم، والجمعُ أَشْفِيَةٌ، وأَشَافٍ جمعُ الجْمع، وَالْفِعْلُ شَفاه اللَّهُ مِنْ مَرَضهِ شِفاءً، ممدودٌ. واسْتَشْفَى فلانٌ: طلبَ الشِّفاء. وأَشْفَيْتُ فُلَانًا إِذَا وهَبتَ لَهُ شِفاءً مِنَ الدَّوَاءِ. وَيُقَالُ: شِفَاءُ العِيِّ السؤَالُ. أَبو عَمْرٍو: أَشْفَى زَيْدٌ عَمْرًا إِذَا وَصَفَ لَهُ دَوَاءً يَكُونُ شِفاؤه فِيهِ، وأَشْفَى إِذَا أَعْطى شَيْئًا مَا؛ وأَنشد:
وَلَا تُشْفِي أَباها، لوْ أَتاها ... فَقِيرًا فِي مبَاءَتِها صِماما
وأَشْفَيْتُك الشيءَ أَي أَعطيْتُكَه تَستَشْفي بِهِ. وشَفَاه بِلِسَانِهِ: أَبْرأَهُ. وشَفَاهُ وأَشْفَاهُ: طَلَبَ لَهُ الشِّفاءَ. وأَشْفِنِي عَسَلًا: اجْعَلْه لِي شِفاءً. وَيُقَالُ: أَشْفَاهُ اللهُ عسَلًا إِذَا جَعَلَهُ لَهُ شِفاءً؛ حَكَاهُ أَبو عُبَيْدَةَ. واسْتَشْفَى: طَلَبَ الشِّفاءَ، واسْتَشْفَى: نَالَ الشِّفاء. والشَّفَى: حرْفُ الشيءِ وحَدُّه، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ
؛ وَالِاثْنَانِ شَفَوان. وشَفَى كلِّ شَيْءٍ: حَرْفُه؛ قَالَ تَعَالَى: وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ
؛ قَالَ الأَخفش: لمَّا لَمْ تَجُزْ فِيهِ الإِمالةُ عُرِفَ أَنه مِنَ الْوَاوِ لأَنَّ الإِمالة مِنَ الْيَاءِ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السلام: نازلٌ بِ شَفا «2» . جُرُفٍ هارٍ
أَي جانِبه، وَالْجَمْعُ أَشْفَاءٌ؛ وَقَالَ رُؤْبَةُ يَصِفُ قَوْسًا شَبَّه عِطْفَها بعِطْفِ الْهِلَالِ:
كأَنَّها فِي كَفِّه تَحْتَ الرَّوْقْ ... «3» . وفْقُ هِلالٍ بينَ ليْلٍ وأُفُقْ،
أَمسى شَفىً أَو خَطُّهُ يومَ المَحَقْ
الشَّفَى: حَرْفُ كلِّ شَيْءٍ، أَراد أَنَّ قوْسَه كأَنَّها خَطُّ هلالٍ يَوْمَ المَحَق. وأَشْفَى عَلَى الشَّيْءِ: أَشرفَ عَلَيْهِ، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ. وَيُقَالُ: أَشْفَى عَلَى الْهَلَاكِ إِذَا أَشرفَ عليه. وفي الحديث:
ف أَشْفَوْا عَلَى المرْج
أَي أَشرَفُوا، وأَشْفَوْا عَلَى الموتِ. وأَشَافَ عَلَى الشَّيْءِ وأَشْفَى أَي أَشرَفَ عليه. وشفو
شَفَت الشمس شفو
تَشْفُو: قارَبَت الغُروب،
__________
(1) . قوله [بعامر بن قيس] في بعض نسخ التهذيب: بِعَامِرِ بْنِ عَبْدِ قَيْسٍ
(2) . في النهاية: بشفى بدل بشفا
(3) . قوله [تحت الروق إلخ] هكذا في الأَصل(14/436)
وَالْكَلِمَةُ واوِيَّة ويائيَّة. وَشَفَى الهلالُ: طَلعَ، وشَفَى الشخصُ: ظَهَرَ؛ هَاتَانِ عَنِ الْجَوْهَرِيِّ. ابْنُ السِّكِّيتِ: الشَّفَى مقصورٌ بقيَّةُ الهلالِ وبقيةُ الْبَصَرِ وَبَقِيَّةُ النَّهَارِ وَمَا أَشبهه؛ وَقَالَ الْعَجَّاجُ:
ومَرْبَإٍ عالٍ لِمَنْ تَشَرَّفا، ... أَشْرَفْتُه بِلَا شَفَى أَو بِشَفَى
قَوْلُهُ بِلَا شَفَى أَي وَقَدْ غابَتِ الشمسُ، أَو ب شَفَى أَيْ أَو قدْ بَقِيَتْ مِنْهَا بقِيَّةٌ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِثْلُهُ قَوْلُ أَبي النَّجْمِ:
كالشِّعْرَيَيْن لاحَتا بعْدَ الشَّفَى
شبَّه عَيْنَيْ أَسَدٍ فِي حُمْرَتِهِما بالشِّعْرَيَيْن بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لأَنَّهما تَحْمَرَّان فِي أَوَّل الليلِ؛ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: يُقَالُ لِلرَّجُلِ عِنْدَ موتهِ وَلِلْقَمَرِ عِنْدَ امِّحاقِه وَلِلشَّمْسِ عِنْدَ غُرُوبِهَا مَا بَقِيَ مِنْهُ إِلَّا شَفىً أَي قليلٌ. وَفِي الْحَدِيثِ
عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ مَا كَانَتِ المُتْعة إلَّا رَحْمةً رَحِمَ اللهُ بِهَا أُمَّة محمدٍ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَوْلَا نَهْيُه عَنْهَا مَا احْتَاجَ إِلَى الزِّنا أَحَدٌ إلَّا شَفىً
أَي إلَّا قليلٌ مِنَ النَّاسِ؛ قَالَ: وَاللَّهِ لكَأَنِّي أَسمَعُ قَوْلَهُ إلَّا شَفىً؛ عَطَاءٌ القائلُ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذَا الْحَدِيثُ يدلُّ عَلَى أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ عَلِمَ أَنَّ النبيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَهَى عَنِ المُتْعة فَرَجَعَ إِلَى تَحْرِيمِها بعد ما كَانَ بَاحَ بإحْلالِها، وَقَوْلُهُ: إلَّا شَفىً أَي إلَّا خَطِيئةً مِنَ النَّاسِ قَلِيلَةً لَا يَجدونَ شَيْئًا يَسْتَحِلُّون بِهِ الفُروج، مِنْ قَوْلِهِمْ غابتِ الشمسُ إِلَّا شَفىً أَي قَلِيلًا مِنْ ضَوْئِها عِنْدَ غُرُوبِهَا. قَالَ الأَزهري: قَوْلُهُ إِلَّا شَفىً أَي إِلَّا أَنْ يُشْفيَ، يَعْنِي يُشْرِفَ عَلَى الزِّنا وَلَا يُواقِعَه، فأَقام الاسمَ وَهُوَ الشَّفَى مُقامَ المصدرِ الْحَقِيقِيِّ، وَهُوَ الإِشفاءُ عَلَى الشَّيْءَ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ زِمْلٍ: ف أَشْفَوْا عَلَى المَرْجِ
أَي أَشرَفُوا عليه ولا يَكادُ يقالُ أَشْفَى إِلَّا فِي الشَّرِّ. وَمِنْهُ حَدِيثُ
سَعدٍ: مَرِضْتُ مَرَضاً أَشْفَيْتُ مِنْهُ عَلَى الْمَوْتِ.
وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ: لَا تَنْظُروا إِلَى صَلَاةِ أَحدٍ وَلَا إِلَى صِيامِه وَلَكِنِ انْظُرُوا إِلَى وَرَعه إِذَا أَشْفَى
أَي إِذَا أَشرَف عَلَى الدُّنيا وأَقبَلَتْ عَلَيْهِ، وَفِي حَدِيثِهِ الْآخَرِ:
إِذَا اؤْتُمِنَ أَدَّى وَإِذَا أَشْفَى وَرِع
أَي إِذَا أَشرف عَلَى شيءٍ توَرَّعَ عَنْهُ، وَقِيلَ: أَراد المَعْصِية والخِيانة. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن رجُلًا أَصابَ مِنْ مَغْنَمٍ ذَهَباً فأَتى بِهِ النبيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يدْعُو لَهُ فِيهِ فَقَالَ: مَا شَفَّى فلانٌ أَفضلُ مِمَّا شَفَّيْتَ تَعَلَّمَ خَمسَ آياتٍ
؛ أَراد: مَا ازْدادَ ورَبِحَ بتَعلُّمِه الْآيَاتِ الخمسَ أَفضلُ مِمَّا اسْتَزَدْتَ ورَبِحْتَ مِنْ هَذَا الذَّهَبِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَلَعَلَّهُ مِنْ بَابِ الإِبْدالِ فإنَّ الشَّفَّ الزيادةُ والرِّبْحُ، فكأَنّ أَصلَه شَفّفَ فأُبْدِلت إِحْدَى الفاءَات يَاءً، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: دَسَّاها، فِي دَسَّسَها، وتقَضَّى الْبَازِي فِي تقَضَّضَ، وَمَا بقِيَ مِنَ الشَّمْسِ والقَمَرِ إِلَّا شَفىً أَي قليلٌ. وشَفَتِ الشمسُ تَشْفِي وشَفِيَتْ شَفىً: غَرَبَتْ، وَفِي التَّهْذِيبِ: غابَتْ إِلَّا قَلِيلًا، وأَتيتهُ بشَفىً مِنْ ضَوْءِ الشمسِ؛ وأَنشد:
وَمَا نِيلُ مِصْرٍ قُبَيْلَ الشَّفَى، ... إِذَا نفَحَتْ رِيحُه النافِحَهْ
أَي قُبَيْلَ غروبِ الشَّمْسِ. وَلَمَّا أَمرَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَسّانَ بهِجاءِ كُفارِ قُرَيْشٍ ففَعَلَ قَالَ: شَفَى واشْتَفَى؛ أَراد أَنه شَفَى المْؤمنين واشْتَفَى بنفْسهِ أَي اخْتَصَّ بالشِّفاءِ، وَهُوَ مِنَ الشِّفاءِ البُرْءِ مِنَ الْمَرَضِ، يُقَالُ: شَفاهُ اللَّهُ يَشْفِيه، واشْتَفَى افتَعَل مِنْهُ، فنقَله مِنْ شِفاءِ الأَجسامِ إِلَى شِفاء القُلُوبِ والنُّفُوس. واشْتَفَيْتُ بِكَذَا وتَشَفَّيْتُ(14/437)
مِنْ غَيْظي. وَفِي حَدِيثِ الملْدُوغِ:
فشَفَوْا لَهُ بكلِّ شيءٍ
أَي عالَجُوهُ بكلِّ مَا يُشْتَفَى بِهِ، فوَضَعَ الشِّفاءَ مَوْضِعَ العِلاجِ والمُداواة. والإِشْفَى: المِثْقَب؛ حَكَى ثَعْلَبٌ عَنِ الْعَرَبِ: إنْ لاطَمْتَه لاطَمْتَ الإِشْفَى، وَلَمْ يُفَسِّرْهُ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي أَنه إِنَّمَا ذهَب إِلَى حِدَّتهِ لأَن الإِنسانَ لَوْ لاطَمَ الإِشْفَى لَكَانَ ذَلِكَ عَلَيْهِ لَا لَهُ. والإِشْفَى: الَّذِي للأَساكِفة، قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: الإِشْفَى مَا كَانَ للأَساقي والمَزاود والقِرَبِ وأَشباهِها، وَهُوَ مَقْصُورٌ، والمِخْصَفُ للنِّعالِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ:
فحاصَ مَا بينَ الشِّراكِ والقَدَمْ، ... وَخْزَة إشْفَى فِي عُطُوفٍ مِنْ أَدَمْ
وَقَوْلُهُ أَنشده الْفَارِسِيُّ:
مِئبَرةُ العُرْقُوبِ إشْفَى المِرْفَقِ
عَنَى أَنَّ مِرْفَقَها حديدٌ كالإِشْفَى، وَإِنْ كَانَ الجَوْهَر يَقْتَضِي وَصْفًا مَا فَإِنَّ العَرَب رُبما أَقامتْ ذَلِكَ الجَوْهَر مُقامَ تِلْكَ الصِّفةِ.
يقولُ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَيَا طَغامَ الأَحلامِ
، لأَنَّ الطَّغامةَ ضعيفةٌ فكأَنه قَالَ: يَا ضِعافَ الأَحلام؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أَلِفُ الإِشْفَى ياءٌ لوجُود ش ف ي وَعَدَمُ ش ف ومع أَنها لامٌ. التَّهْذِيبُ: الإِشْفَى السِّرادُ الَّذِي يُخْرَزُ بِهِ، وَجَمْعُهُ الأَشَافِي. ابْنُ الأَعرابي: أَشْفَى إِذَا سَارَ فِي شَفَى الْقَمَرِ، وَهُوَ آخرُ اللَّيْلِ، وأَشْفَى إِذَا أَشرف عَلَى وصِيَّةٍ أَو وَديعةٍ. وشُفَيَّة: اسْمُ رَكِيّة مَعْرُوفَةٌ. وَفِي الْحَدِيثِ ذَكَرَ شُفَيّة، وَهِيَ بِضَمِّ الشِّينِ مُصَغَّرَةٌ: بِئْرٌ قَدِيمَةٌ بِمَكَّةَ حَفَرَتْهَا بَنُو أَسد. التَّهْذِيبِ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ: الليث شفو
الشَّفَةُ نُقْصانُها واوٌ، تَقُولُ شفو
شَفَةٌ وثلاثُ شفو
شَفَواتٍ، قَالَ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ نُقْصانُها هاءٌ وتُجْمَعُ عَلَى شِفاهٍ، والمُشافهة مُفاعَلة مِنْهُ. الْخَلِيلُ: الباءُ والميمُ شفو
شَفَوِيّتانِ، نسَبهُما إِلَى الشَّفَة، قَالَ: وَسَمِعْتُ بَعْضَ الْعَرَبِ يَقُولُ أَخْبَرَني فلانٌ خَبَراً اشْتَفَيْتُ بِهِ أَي انتَفَعْتُ بصحَّته وصدْقِه. وَيَقُولُ القائلُ مِنْهُمْ: تشَفَّيْتُ مِنْ فلانٍ إِذَا أَنْكَى فِي عَدُوِّه نِكايةً تَسُرُّه.
شقا: الشَّقاءُ والشَّقَاوَةُ، بِالْفَتْحِ: ضدُّ السَّعَادَةِ، يُمَدُّ ويُقْصَرُ، شَقِيَ يَشَقَى شَقاً وشَقاءً وشَقَاوةً وشَقْوةً وشِقْوَةً. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا
؛ وَهِيَ قِرَاءَةُ عَاصِمٍ وأَهل الْمَدِينَةِ؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: وَهِيَ كثيرةٌ فِي الْكَلَامِ،
وقرأَ ابْنُ مَسْعُودٍ شَقاوَتُنا
؛ وأَنشد أَبو ثَرْوَانَ:
كُلِّفَ مِنْ عَنائهِ وشِقْوَتِهْ ... بِنتَ ثَمَانِيَ عَشْرَةٍ مِنْ حِجَّتِهْ
وقرأَ قَتَادَةُ: شِقاوتُنا
، بِالْكَسْرِ، وَهِيَ لُغَةٌ، قَالَ: وَإِنَّمَا جَاءَ بِالْوَاوِ لأَنه بُنِي عَلَى التأْنيث فِي أَوَّلِ أَحواله، وَكَذَلِكَ النهايةُ فَلَمْ تَكُنِ الْيَاءُ وَالْوَاوُ حَرْفَيْ إِعْرَابٍ، وَلَوْ بُنِيَ عَلَى التَّذْكِيرِ لَكَانَ مَهْمُوزًا كَقَوْلِهِمْ عَظاءةٌ وعَباءَةٌ وصَلاءَة، وَهَذَا أُعِلَّ قبلَ دُخولِ الْهَاءِ، تَقُولُ: شَقِيَ الرجلُ، انْقَلَبَتِ الواوُ يَاءً لِكَسْرَةِ مَا قبلَها، ويَشْقَى انقَلبتْ فِي الْمُضَارِعِ أَلِفاً لِفَتْحَةِ مَا قبلَها، ثُمَّ تقولُ يَشْقَيانِ فيكونانِ كَالْمَاضِي. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا
؛ أَراد: كنتُ مُسْتَجابَ الدَّعْوة، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ أَراد مَنْ دَعاكَ مخلِصاً فَقَدْ وَحَّدَكَ وعَبَدَك فَلَمْ أَكنْ بعِبادَتِكَ شَقِيّاً؛ هَذَا قولُ الزَّجَّاجِ. وشَاقَاهُ ف شَقَاهُ: كَانَ أَشَدَّ شَقَاءً مِنْهُ. وَيُقَالُ: شَاقَانِي فُلَانٌ فشَقَوْته أَشْقُوه أَي غَلَبْته فِيهِ. وأَشْقَاه(14/438)
اللهُ، فَهُوَ شَقِيٌّ بيِّنُ الشِّقْوَة، بِالْكَسْرِ، وفتحُه لُغَةٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:
الشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي بطْنِ أُمِّه
، وَقَدْ تكَرَّرَ ذِكْرُ الشَّقِيِّ والشَّقَاءِ والأَشقِياء فِي الْحَدِيثِ، وَهُوَ ضِدُّ السَّعِيد والسُّعداءِ والسَّعادةِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ قَدَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي أَصْلِ خِلْقَته أَن يَكُونَ شَقِيّاً فَهُوَ الشَّقِيُّ عَلَى الْحَقِيقَةِ، لَا مَنْ عَرَض لَهُ الشَّقاء بعدَ ذَلِكَ، وَهُوَ إِشارة إِلى شَقاءِ الْآخِرَةِ لَا الدُّنْيَا. وشَاقَيْت فلاناً مُشَاقَاةً إِذا عاشَرْتَه وعاشَرَك. والشَّقَاءُ: الشِّدةُ والعُسْرةُ. وشَاقَيْته أَي صابَرْته؛ وَقَالَ الرَّاجِزُ:
إِذا يُشاقي الصَّابِراتِ لَمْ يَرِثْ، ... يكادُ مِنْ ضَعْف القُوى لَا يَنْبَعِثْ
يَعْنِي جَمَلًا يصابرُ الجِمالَ مَشْياً. وَيُقَالُ: شَاقَيْتُ ذَلِكَ الأَمر بِمَعْنَى عانيْتُه. والمُشَاقَاةُ: المُعالَجة فِي الحرْب وَغَيْرِهَا. والمُشَاقَاةُ: المُعاناةُ: والمُمارسَةُ. والشَّاقي: حَيْدٌ مِنَ الجَبل طويلٌ لَا يُسْتَطاع ارْتِقاؤُه، والجمْعُ شُقْيَانٌ. وشَقَا نابُ البَعِيرِ يَشْقَى شَقْياً: طَلع وظَهَر كشَقَأَ.
شكا: شَكَا الرجلُ أَمْرَه يَشْكُو شَكْواً، عَلَى فَعْلًا، وشَكْوى عَلَى فَعْلى، وشَكاةً وشَكاوَةً وشِكَايَةً عَلَى حَدّ القَلْب كعَلايةٍ، إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ عَلمٌ فَهُوَ أَقْبَلُ للتَّغْيير؛ السِّيرَافِيُّ: إِنما قُلِبت واوُه يَاءً لأَن أَكثر مصادِرِ فِعالَةٍ مِنَ المُعْتَلّ إِنما هُوَ مِنْ قِسْمِ الياءِ نَحْوُ الجِراية والوِلايَة والوِصايَة، فحُمِلت الشِّكايَةُ عَلَيْهِ لِقلَّة ذَلِكَ فِي الْوَاوِ. وتَشَكَّى واشْتَكَى: كشَكا. وتَشَاكَى القومُ: شَكا بعضُهُم إِلى بَعْضٍ. وشَكَوْتُ فُلَانًا أَشْكوه شَكْوى وشِكايَةً وشَكِيَّةً وشَكاةً إِذَا أَخْبَرْتَ عَنْهُ بسُوءِ فِعْلِه بِكَ، فَهُوَ مَشْكُوٌّ ومَشْكِيٌّ والاسْم الشَّكْوَى. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الشِّكَايَة والشَّكِيَّة إِظْهارُ مَا يَصِفُك بِهِ غيرُك مِنَ المَكْرُوهِ، والاشْتِكَاءُ إِظْهارُ مَا بِكَ مِنْ مَكْروهٍ أَو مَرَضٍ ونحوِه. وأَشْكَيْتُ فُلَانًا إِذا فَعَلْتَ بِهِ فِعْلًا أَحْوَجه إِلى أَن يَشْكُوك، وأَشْكَيْتُه أَيضاً إِذا أَعْتَبْته مِنْ شَكْواهُ ونَزَعْتَ عَنْ شَكاته وأَزْلْتَه عمَّا يَشْكُوه، وَهُوَ مِنَ الأَضْداد. وَفِي الْحَدِيثِ:
شَكَوْنا إِلى رَسُولِ اللَّهِ؛ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَرَّ الرَّمْضاءِ فَلَمْ يُشْكِنا
أَي شَكَوْا إِليْه حرَّ الشَّمْسِ وَمَا يُصِيبُ أَقْدامَهُم مِنْهُ إِذا خَرجوا إِلى صَلاةِ الظُّهْرِ، وسأَلوه تأْخِيرَها قَلِيلًا فَلَمْ يُشْكِهِمْ أَي لَمْ يُجِبْهُم إِلى ذَلِكَ وَلَمْ يُزِلْ شَكْواهم. وَيُقَالُ: أَشْكَيْت الرجُلَ إِذا أَزَلْت شَكْواه وإِذا حمَلْته عَلَى الشَّكْوى؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَهَذَا الْحَدِيثُ يُذْكَرُ فِي مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ لأَجْلِ قَوْلِ أَبي إِسْحَاقَ أَحد رُواته: قِيلَ لَهُ فِي تَعْجيلِها فَقَالَ نعَم، والفُقَهاء يَذْكرونه فِي السُّجودِ، فإِنَّهم كَانُوا يَضَعون أَطْرافَ ثِيابهم تَحْتَ جباهِهِم فِي السُّجُودِ مِنْ شِدَّة الْحَرِّ، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ، وأَنَّهم لمَّا شَكَوْا إِلَيْهِ مَا يَجِدُونَهُ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَفْسَحْ لَهُمْ أَن يَسْجُدوا عَلَى طَرَف ثِيابِهِمْ. واشْتَكَيْته: مثلُ شَكَوْته. وَفِي حَدِيثِ
ضَبَّةَ بنِ مِحْصَنٍ قَالَ: شَاكَيْتُ أَبا مُوسى فِي بَعْض مَا يُشَاكِي الرجلُ أَميرَه
؛ هُوَ فاعَلْت مِنَ الشَّكْوَى، وَهُوَ أَن تُخْبر عَنْ مَكْرُوهٍ أَصابَك. والشَّكْوُ والشَّكْوى والشَّكَاةُ والشَّكَاءُ كُلُّه: المَرَض. قَالَ أَبو الْمُجِيبِ لِابْنِ عمِّه: مَا شَكَاتُك يا ابن حَكيمٍ؟ قَالَ لَهُ: انتِهاءُ المُدّةِ وانْقضاءُ العِدَّةِ. اللَّيْثُ: الشَّكْوُ الاشْتِكاءُ، تَقُولُ: شَكَا يَشْكُو شَكاةً، يُسْتَعْمَل فِي المَوْجِدَةِ والمرَض. وَيُقَالُ: هُوَ شاكٍ مَرِيضٌ. اللَّيْثُ: الشَّكْوُ المرَضُ نفسُه؛ وأَنشد:(14/439)
أَخي إِنْ تَشَكَّى مِنْ أَذىً كنتُ طِبَّهُ، ... وإِن كَانَ ذاكَ الشَّكْوُ بِي فأَخِي طِبِّي
واشْتَكى عُضواً مِنْ أَعضائه وتَشَكَّى بِمَعْنًى. وَفِي حَدِيثِ
عَمْرِو بْنِ حُرَيْث: دَخَلَ عَلَى الْحَسَنِ فِي شَكْوٍ لَهُ
؛ هُوَ المرضُ، وَقَدْ شَكا المرضَ شَكْواً وشَكَاةً وشَكْوى وتَشَكَّى واشْتَكى. قَالَ بَعْضُهُمْ: الشَّاكِي والشَّكِيُّ الَّذِي يمْرَضُ أَقلَّ المرَض وأَهْوَنه. والشَّكِي: الَّذِي يَشْتَكي. والشَّكِيُّ: المشكُوُّ. وأَشْكَى الرجلَ: أَتى إِليه مَا يَشْكو فِيهِ بِهِ. وأَشْكَاهُ: نزَع لَهُ مِنْ شِكايتِه وأَعْتَبَه: قَالَ الرَّاجِزُ يصفُ إِبلًا قَدْ أَتْعَبها السَّيْرُ، فَهِيَ تَلْوي أَعناقها تَارَةً وتَمُدُّها أُخْرى وتَشْتَكي إِلينا فَلَا نُشْكيها، وشَكْواها مَا غَلَبها مِنْ سُوء الحالِ والهُزال فَيَقُومُ مقامَ كلامِها، قَالَ:
تَمُدُّ بالأَعْناق أَو تَثْنيها، ... وتَشْتكي لَوْ أَنَّنا نُشْكِيها،
مَسَّ حَوايا قَلَّما نُجْفيها
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وللإِشْكَاء مَعْنَيَانِ آخَرَانِ: قَالَ أَبو زَيْدٍ شَكَانِي فلانٌ فأَشْكَيْتُه إِذا شَكاكَ فزِدْتَه أَذىً وشكْوى، وَقَالَ الْفَرَّاءُ أَشْكَى إِذا صادَفَ حَبيبَه يشكُو؛ وَرَوَى بعضُهم قولَ ذِي الرُّمَّة يَصِفُ الرِّبْعَ وَوُقُوفَهُ عَلَيْهِ:
وأُشكِيه، حَتَّى كَادَ مِمَّا أُبِثُّه ... تُكَلِّمني أَحجارُه وملاعِبُهْ
قَالُوا: مَعْنَى أُشْكِيه أَي أُبِثُّه شَكْواي وَمَا أُكابدُه مِنَ الشَّوْق إِلى الظاعِنِين عَنِ الرَّبْعِ حِينَ شَوَّقَتْني معاهِدُهُم فِيهِ إِليهم. وأَشْكَى فُلَانًا مِنْ فلانٍ: أَخذَ لَهُ مِنْهُ مَا يَرْضى. وَفِي حَدِيثِ
خَبَّاب بْنِ الأَرَتِّ: شَكَوْنَا إِلى رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الرَّمْضاءَ فَمَا أَشْكَانا
أَي مَا أَذِنَ لَنَا فِي التخلُّف عَنْ صَلَاةِ الظَّهيرة وقتَ الرَّمْضاء. قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: أَشْكَيْتُ الرَّجُلَ أَي أَتَيْتُ إِليه مَا يشْكوني، وأَشْكَيْتُه إِذا شَكا إِليكَ فرَجَعْت لَهُ مِنْ شِكايتِه إِيَّاكَ إِلى مَا يُحِبُّ. ابْنُ سِيدَهْ: وَهُوَ يُشْكَى بِكَذَا أَي يُتَّهَمُ ويُزَنُّ؛ حَكَاهُ يعقوبُ فِي الأَلْفاظِ؛ وأَنشد:
قَالَتْ لَهُ بَيْضاءُ مِنْ أَهلِ مَلَلْ، ... رَقْرَاقَةُ العَيْنين تُشْكَى بالغَزَلْ
وَقَالَ مُزاحِم:
خلِيلَيَّ، هَلْ بادٍ بِهِ الشَّيْبُ إِن بَكَى، ... وَقَدْ كَانَ يُشْكى بالعَزاء مَلُول
والشَّكِيّ أَيضاً: المُوجِع؛ وَقَوْلُ الطِّرِمَّاح بْنِ عَدِيٍّ:
أَنا الطَّرِمَّاحُ وعَمِّي حاتِمُ، ... وسْمي شَكِيٌّ وَلِسَانِي عارِمُ،
كالبَحر حينَ تَنْكَدُ الهَزائِمُ
وسْمي: مِنَ السِّمَةِ، وشَكِيٌّ: موجِعٌ، والهزائمُ: البئارُ الْكَثِيرَةُ الماءِ، وَسْمِي شَكِيٌّ أَي يُشْكى لذْعُه وإِحْراقُه. التَّهْذِيبُ: سَلَمَةٌ يُقَالُ بِهِ شَكأٌ شديدٌ تَقَشُّرٌ. وَقَدْ شَكِئَتْ أَصابعُه، وَهُوَ التَّقَشُّر بَيْنَ اللحمِ والأَظفارِ شَبيهٌ بالتشققِ. ويقالُ لِلْبَعِيرِ إِذَا أَتعبَه السَّير فمدَّ عنُقَه وَكَثُرَ أَنِينُه: قَدْ شَكا؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ:
شَكَا إِليَّ جَمَلِي طولَ السُّرى، ... صَبْرًا جُمَيْلي، فكِلانا مُبْتَلى
أَبو مَنْصُورٍ: الشَّكَاةُ تُوضع مَوْضِعَ العَيب والذَّمِّ؛(14/440)
وعيَّر رجلٌ عَبْدِ اللَّهِ بنَ الزُّبَيرِ بأُمِّه فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ «4» :
وَتِلْكَ شَكاةٌ ظاهرٌ عَنْكَ عارُها
أَراد: أَن تعييرَه إِيَّاه بأَن أُمَّه كَانَتْ ذَاتَ النطاقَين لَيْسَ بعارٍ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ ظاهرٌ عَنْكَ عارُها أَي نابٍ، أَراد أَن هَذَا لَيْسَ عَارًا يَلزَق بِهِ وأَنه يُفتَخر بِذَلِكَ، لأَنها إِنما سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطاقَين لأَنه كَانَ لَهَا نِطاقانِ تحْمِلُ فِي أَحدهما الزَّادَ إِلى أَبيها وَهُوَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي الغارِ، وَكَانَتْ تَنْتَطِق بِالنِّطَاقِ الْآخَرِ، وَهِيَ أَسماءُ بنتُ أَبي بكرٍ الصديقِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. الْجَوْهَرِيُّ: ورجلٌ شَاكِي السِّلَاحِ إِذا كَانَ ذَا شَوْكةٍ وحدٍّ فِي سِلَاحِهِ؛ قَالَ الأَخفش: هُوَ مقلوبٌ مِنْ شَائِكٍ، قَالَ: والشَّكِيُّ فِي السلاحِ مُعَرَّبٌ، وَهُوَ بالتُّركيَّة بش. ابْنُ سِيدَهْ: كُلُّ كَوَّةٍ لَيْسَتْ بنافِذةٍ مِشْكاةٌ. ابْنُ جِنِّي: أَلف مِشْكاةٍ منقلِبة عَنْ وَاوٍ، بِدَلِيلِ أَن الْعَرَبَ قَدْ تنْحو بِهَا مَنْحاة الْوَاوِ كَمَا يَفْعَلُونَ بِالصَّلَاةِ. التَّهْذِيبِ: وَقَوْلُهُ تَعَالَى: كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ
؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: هِيَ الكَوَّةُ، وَقِيلَ: هِيَ بِلُغَةِ الْحَبَشِ، قَالَ: والمِشْكَاةُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، قَالَ: ومثلُها، وإِن كَانَ لِغَيْرِ الكَوَّةِ، الشَّكْوَةُ، وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ، وَهِيَ الزُّقَيْقُ الصغيرُ أَولَ مَا يُعمَل مثلُه؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: أَراد، وَاللَّهُ أَعلم، بالمِشْكَاة قصَبة الزُّجَاجَةِ الَّتِي يُسْتَصبح فِيهَا، وَهِيَ موضِع الفَتيلة، شُبّهت بالمِشْكَاة وَهِيَ الكَوَّة الَّتِي لَيْسَتْ بنافِذَة. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: سلِّ شاكيَ فلانٍ أَي طَيِّب نفسَه وعزِّه عَمَّا عَرَاهُ. وَيُقَالُ: سلَّيت شَاكِيَ أَرض كَذَا وَكَذَا أَي تركتُها فَلَمْ أَقرَبْها. وَكُلُّ شَيْءٍ كفَفْت عَنْهُ فَقَدْ سلَّيتَ شاكِيَه. وَفِي حَدِيثِ
النَّجَاشِيِّ: إِنما يخرجُ مِنْ مِشْكاةٍ واحدةٍ
؛ المشْكاةُ: الكَوَّةُ غَيْرُ النافذةِ، وَقِيلَ: هِيَ الْحَدِيدَةُ الَّتِي يعلَّق عَلَيْهَا القِنديلُ، أَراد أَن الْقُرْآنَ والإِنجيل كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى، وأَنهما مِنْ شيءٍ واحدٍ. والشَّكْوةُ: جلدُ الرَّضِيعِ وَهُوَ لِلَّبنِ، فإِذا كَانَ جلدَ الجَذَعِ فَمَا فوقَه سمِّي وَطْباً. وَفِي حَدِيثِ
عَبْدِ اللَّهِ بنِ عَمْرٍو: كَانَ لَهُ شَكْوةٌ يَنْقَعُ فِيهَا زَبيباً
، قَالَ: هِيَ وعاءٌ كالدَّلوِ أَو القِرْبَة الصَّغِيرَةِ، وجمعُها شُكىً. ابْنُ سِيدَهْ: الشَّكْوة مَسْكُ السَّخْلَة مَا دامَ يَرْضَعُ، فإِذا فُطِم فمَسْكُه البَدْرةُ، فإِذا أَجْذَع فمَسْكُه السِّقاءُ، وَقِيلَ: هُوَ وِعاءٌ مِنْ أَدَمٍ يُبَرَّدُ فِيهِ الماءُ ويُحبَس فِيهِ اللَّبَنُ، وَالْجَمْعُ شَكَواتٌ وشِكاءٌ. وَقَوْلُ الرَّائِدِ: وشكَّتِ النساءُ أَي اتَّخذت الشِّكاءَ، وَقَالَ ثَعْلَبٌ: إِنما هُوَ تَشَكَّت النساءُ أَي اتخذْن الشِّكاءَ لِمَخْضِ اللَّبَنِ لأَنه قليلٌ، يَعْنِي أَن الشَّكْوةَ صغيرةٌ فَلَا يُمْخَضُ فِيهَا إِلا القليلُ، مِنَ اللَّبَنِ. وَفِي حَدِيثِ
الْحَجَّاجِ: تَشَكَّى النساءُ
أَي اتخذْن الشُّكى للَّبنِ. وشَكَّى وتَشَكَّى واشْتَكَى إِذا اتخذَ شَكْوةً. أَبو يَحْيَى بنُ كُناسة: تَقُولُ الْعَرَبُ فِي طُلُوعِ الثُّرَيَّا بالغَدَواتِ فِي الصَّيْفِ:
طلَع النَّجمُ غُدَيَّهْ، ... ابتَغى الرَّاعي شُكيَّهْ
والشُّكَيَّة: تَصْغِيرُ الشَّكْوة، وَذَلِكَ أَن الثُّرَيّا إِذا طَلَعت هَذَا الْوَقْتَ هَبَّت البوارِحُ ورَمِضَت الأَرض وعَطِشَت الرُّعيان، فَاحْتَاجُوا إِلى شِكاءٍ يَسْتقُون فِيهَا لشفاهِهِم، ويحقِنُون اللُّبَيْنة فِي بعضِها لِيَشْرَبُوهَا قارِصةً. يُقَالُ: شَكَّى الراعي وتشَكَّى
__________
(4) . قوله [بِأُمِّهِ فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ إلخ] هكذا في الأصل، وعبارة التهذيب: وَعَيَّرَ رَجُلٌ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِأُمِّهِ فَقَالَ يا ابن ذات النطاقين فتمثل بقول الهذلي: وتلك شكاة إلخ(14/441)
إِذا اتَّخَذَ الشَّكْوةَ؛ وَقَالَ الشَّاعِرُ:
وَحَتَّى رأَيتُ العَنزَ تَشْرى، وشَكَّتِ الأَيامي، ... وأَضْحى الرِّئْمُ بالدَّوِّ طاوِيا
العَنزُ تَشْرى للخِصْب سِمَناً وَنَشَاطًا، وَقَوْلُهُ: أَضحى الرِّئْمُ طاوِياً أَي طَوى عنُقه مِنَ الشِّبَع فرَبَضَ، وَقَوْلُهُ: شَكَّت الأَيامى أَي كثُرَ الرُّسْلُ حَتَّى صَارَتِ الأَيِّمُ يفضلُ لَهَا لبنٌ تَحْقِنُه فِي شَكْوتِها. واشْتَكَى أَي اتَّخَذَ شَكْوةً. والشَّكْوُ: الحَمَلُ الصغير «1» . وبَنو شَكْوٍ: بَطْنٌ؛ التَّهْذِيبُ: وَقِيلَ فِي قَوْلِ ذِي الرُّمَّةِ:
عَلَى مُسْتَظِلَّات العُيونِ سَواهِمٍ ... شُوَيْكِيَةٍ، يَكْسُو بُراها لُغامُها
قِيلَ: شُوَيْكِيَةٌ، بِغَيْرِ هَمْزٍ، إِبلٌ منسوبةٌ.
شلا: الشِّلْوُ والشَّلا: الجِلدُ والجسَد مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وكلُّ مَسْلُوخَةٍ أُكِلَ مِنْهَا شيءٌ فبَقِيَّتُها شِلْوٌ وشَلًا؛ وأَنشد الرَّاعِي:
فادْفعْ مظالمَ عيَّلت أَبْناءَنا ... عَنّا، وأَنْقِذْ شِلْوَنا المأْكُولا
وَفِي حَدِيثِ
أَبي رجاءٍ: لَمَّا بلغَنا أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَخذ فِي الْقَتْلِ هربْنا فاسْتَثَرْنا شِلْوَ أَرنبٍ دَفِينًا.
وَيُجْمَعُ الشِّلْوُ عَلَى أَشْلٍ وأَشْلاءٍ؛ فَمِنْ أَشْلٍ حَدِيثُ
بكارٍ: أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، مَرَّ بقومٍ يَنالون مِنَ الثَّعْدِ والحُلْقان وأَشْلٍ مِنْ لَحْمٍ
أَي قطَع مِنَ اللَّحْمِ، ووزنُه أَفعُلٌ كأَضرُسٍ، فحُذفت الضَّمَّةُ وَالْوَاوُ اسْتِثْقَالًا وأُلحِق بالمنْقوص كَمَا فُعل بِدَلْوٍ وأَدْل؛ وَمِنْ أَشْلاءٍ حَدِيثِ
عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: وأَشْلاءً جَامِعَةً لأَعْضائها.
والشِّلْو والشَّلا: العُضْو مِنْ أَعضاء اللَّحْمِ. وَفِي الحديث:
ائتني ب شِلوها الأَيَمن
أَي بعُضوِها الأَيَمنِ، إِما يدِها أَو رجلِها، والجمعُ أَشْلاءٌ، ممدودٌ.. وأَشْلاءُ الإِنسان: أَعضاؤُه بعدَ البِلى والتفَرُّق. وَفِي حَدِيثِ
أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ: أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُ فِي القَوْسِ الَّتِي أَهْداها لَهُ الطُّفَيْلُ بنُ عَمْروٍ الدَّوْسِي عَلَى إِقرائِه إِيَّاه القُرآن: تَقَلَّدها شِلْوَةً مِنْ جهنَّم
؛ وَيُرْوَى:
شِلْواً مِنْ جَهَنَّم
أَي قِطْعَةً مِنْهَا، وَمِنْهُ قِيلَ للعُضْوِ شِلْوٌ لأَنه طائِفةٌ مِنَ الجَسَد. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنه سَأَلَ جُبَيْرَ بنَ مُطْعِمٍ عَنِ النُّعْمانِ بنِ المنْذِر أَنه مِنْ ولَدِ مَنْ هُوَ؟ فَقَالَ: كَانَ مِنْ أَشْلاء قَنَصِ بنِ مَعدٍّ
؛ أَراد أَنه مِنْ بَقايا أَولادِه، وكأَنَّه مِنَ الشِّلْوِ القِطْعة مِنَ اللحمِ لأَنَّها بقِيَّة مِنْهُ. وَبَنُو فلانٍ أَشْلاءٌ فِي بَنِي فُلانٍ أَي بَقايا فِيهِمْ. وأَشْلاءُ اللِّجَامِ: حَدائِدُه بِلا سُيُورٍ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أُراهُ عَلَى التَّشْبِيهِ بالعُضْوِ مِنَ اللَّحْمِ؛ قَالَ كُثَيِّرُ عَزَّةَ:
رَأَتْني كأَشْلاءِ اللِّجامِ، وبَعْلُها ... منَ القَوْمِ أَبْزَى مُنْحَنٍ مُتَطامِنُ
وَيُرْوَى: عاجِنٌ مُتَباطِنُ، وَيُرْوَى: وزَوْجُها مِنَ المَلْءِ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
رَمَى الإِدْلاجُ أَيْسَرَ مِرْفَقَيْهَا ... بأَشْعَثَ مِثْلِ أَشْلاءِ اللِّجامِ
والمُشَلَّى مِنَ الرِّجالِ: الخَفِيفُ اللَّحْمِ. وبَقِيَتْ لَهُ شَلِيَّةٌ مِنَ المَالِ أَي قَلِيلٌ، وكلُّه مِن الشِّلْوِ. أَبو زَيْدٍ: ذَهَبَتْ ماشِيَةُ فُلانِ وبَقِيَتْ لَهُ شَلِيَّةٌ، وجمعُها شَلايَا، وَلَا يقالُ إِلَّا فِي المَالِ. وأَصْلُ الشِّلْوِ: بَقِيَّةُ الشَّيءِ. ابْنُ الأَنباري: شَلايَا،
__________
(1) . قوله [الحمل الصغير] هكذا بالحاء المهملة في الأصل والمحكم، وفي القاموس بالجيم(14/442)
مقصورٌ، بَقايَا مِنْ أَمْوالِهم، والواحِدَةُ شَلِيَّة. ابْنُ الأَعرابي: الشَّلا بقِيَّةُ المَالِ. والشَّلِيُّ: بَقَايَا كُلِّ شَيْءٍ. وشَلا إِذا سارَ، وشَلا إِذا رَفَع شَيْئًا. وَقَالَ بَنُو عامرٍ لمَّا قَتَلوا بَني تَميمٍ يومَ جَبَلة: لَمْ يبقَ منهمْ إِلَّا شِلْوٌ أَي بَقِيَّة، فَغَزَوْهُم يومَ ذِي لَجَب فَقَتَلَتْهم تَمِيمٌ؛ وَقَالَ أَوسُ بنُ حَجَرٍ فِي ذَلِكَ:
فَقُلْتُمُ: ذَاكَ شِلْوٌ سَوْفَ نَأْكُلُه ... فكَيْفَ أَكْلُكُمُ الشِّلْوَ الَّذِي تَرَكُوا؟
واشْتَلَى الرجلُ: اسْتَنْقَذَ شِلْوَه واسْتَرْجَعَه. وَفِي الْحَدِيثِ:
اللِّصُّ إِذا قُطِعَ سَبَقَتْهُ يَدُه إِلى النَّارِ، فإِن تَابَ اشْتَلاها
، وَفِي نُسْخَةٍ:
اسْتَشْلاها
أَي اسْتَنْقَذَها واسْتَخْرَجها، وَمَعْنَى سَبْقِهَا أَنَّه بالسَّرِقَةِ اسْتَوْجَبَ النارَ، فكانَتْ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَدخُلُ النارَ، فإِذا قُطِعَتْ سَبَقَتْه إلَيْها لأَنَّها قَدْ فارَقَتْه، فَإِذَا تابَ اسْتَنْقَذَ بِنْيَتَه حَتَّى يَدَهُ. واشْتَلَى الرجلُ فُلَانًا أَي أَنْقَذَ شِلْوَه؛ وأَنشد:
إِنَّ سُلَيْمانَ، اشْتَلانَا، ابنَ عَلي
أَي أَنْقَذَ شِلْوَنَا أَي عُضْوَنا. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، قَالَ فِي الوَرِكِ ظَاهِرُه نَساً وباطِنُه شَلًا
؛ يُرِيدُ لَا لَحْمَ عَلَى باطِنِه كأَنَّه اشْتُلِيَ مَا فِيهِ مِنَ اللَّحْمِ أَي أُخذ. التَّهْذِيبُ: أَشْلَيْتُ الكَلْبَ وقَرْقَسْتُ بِهِ إِذا دَعَوْتَه. وأَشْلَى الشَّاةَ والكَلْبَ واسْتَشْلاهُما: دَعاهُما بأَسْمائِهِما. وأَشْلَى دَابَّتَه: أَراها المِخْلاة لتَأْتِيَه. قَالَ ثَعْلَبٌ: وقولُ الناسِ أَشليتُ الكَلْبَ عَلَى الصيَّدِ خَطَأٌ، وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: أَشْلَيْتُ الكَلْبَ دَعَوْته، وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: يُقَالُ أَوسَدْتُ الكَلْبَ بالصَّيْدِ وأَسَّدْتُه إِذا أَغْرَيْته بِهِ، وَلَا يُقالُ أَشْلَيْته، إِنما الإِشْلاءُ الدُّعاءُ. يُقَالُ: أَشْلْيتُ الشاةَ والنَّاقَةَ إِذا دَعَوْتَهُما بأَسمائِهِما لتَحْلُبَهُما؛ قَالَ الرَّاعِي:
وإِنْ بَرَكَتْ مِنْها عَجَاساءُ جِلَّةٌ ... بِمَحْنِيَةٍ، أَشْلى العِفاسَ وبَرْوَعَا
وَهُمَا اسْمَا نَاقَتَيْهِ؛ وَقَالَ الْآخَرُ:
أَشْلَيْتُ عَنْزِي ومَسَحْت قَعْبي، ... ثُمَّ تَهَيَّأْتُ لِشُرْبٍ قَأْبِ
وَقَوْلُ زِيَادٍ الأَعجم:
أَتَيْنا أَبا عَمْروٍ فَأَشْلى كِلابَهُ ... عَلَيْنَا، فكِدْنا بَيْنَ بَيْتَيهِ نُؤْكَلُ
وَيُرْوَى: فأَغْرَى كِلابَه. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: المشهورُ فِي أَشْلَيتُ الكَلْب أَنَّه دَعَوْته، قَالَ: وَقَالَ ابْنُ دَرَسْتَوَيْهِ مَنْ قَالَ أَشْلَيْت الكَلْبَ عَلَى الصَّيدِ فإِنَّما مَعناهُ دَعَوْته فأَرْسَلْته عَلَى الصَّيْد، لَكِنْ حَذَفَ فأَرْسَلْته تَخْفِيفًا وَاخْتِصَارًا، وَلَيْسَ حذفُ مِثْلِ هَذَا الِاخْتِصَارِ بخطإٍ، وَنَفْسُ أَشْلَيْت إِنما هُوَ أَفْعَلْت مِنَ الشِّلْوِ، فَهُوَ يقتضِي الدُّعاءَ إِلى الشِّلْوِ ضَرورةً. والشِّلوُ منَ الحَيَوانِ: جِلْدُه وجَسَدُه، وأَشْلاؤُهُ أَعْضاؤُه. وأَنكَرَ أَوْسَدْت وَقَالَ: إِنما هُوَ مِنَ الوِسَادَةِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: انْقَضَى كَلَامُ ابْنِ دَرَسْتَوَيْهِ وَقَدْ ثبَتَ صِحَّةُ أَشْلَيْت الكَلْبَ بِمَعْنَى أَغْرَيْته، مِنْ أَنَّ إِشْلاءَ الكَلْب إِنَّما هُوَ مأْخوذٌ مِنَ الشِّلْوِ، وأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّسْلِيطُ عَلَى أَشْلاءِ الصيدِ وَهِيَ أَعْضاؤُه. قَالَ: ورأَيت بخَطِّ الْوَزِيرِ ابنِ المَغْرِبي فِي بعضِ تَصانِيفِه يَذْكُرُ أَنه قَدْ أَجاز الكسائيُّ أَشْلَيْت الْكَلْبَ عَلَى الصيدِ بِمَعْنَى أَغْرَيْتُه، قَالَ: لأَنه يُدعَى ثُمَّ يُوسَدُ فوُضِع موضِعَهُ، قَالَ: وَهَذَا القولُ الَّذِي حكاهُ عَنِ الْكِسَائِيِّ(14/443)
هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي أَشار إِليه ابنُ دَرَسْتَوَيْه فِي تَصْحِيحِ كَوْنِ الإِشْلاءِ بِمَعْنَى الإِغْراءِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِذا أَشْلَيْتَ كَلْبَكَ عَلَى الصيدِ، فغُلِّطَ وَلَمْ يَغْلَطْ؛ قَالَ: وَقَدْ جاءَ ذَلِكَ فِي أَشعارِ الفُصَحَاء، مِنْهُ بيتُ زيادٍ الَّذِي أَنشده الْجَوْهَرِيُّ؛ وَمِنْهُ مَا أَنشده أَبو هلالٍ الْعَسْكَرِيُّ:
أَلا أَيُّها المُشْلِي عَلَيَّ كِلابَهُ، ... وَلِي غَيْرَ أَنْ لَمْ أُشْلِهِنَّ كِلابُ
وَمِثْلُهُ مَا أَنشده حبيبُ بنُ أَوْسٍ فِي بَابِ المُلَحِ مِنَ الحَمَاسَةِ:
وإِنَّا لنَجْفُو الضَّيْفَ مِنْ غيرِ عُسْرَةٍ، ... مَخافَةَ أَن يَضْرَى بِنا فيعُودُ
ونُشْلِي عَلَيْهِ الكَلْبَ عِندَ مَحَلِّه، ... ونُبْدِي لَهُ الحِرْمانَ ثُمَّ نَزِيدُ
وَمِثْلُهُ للفَرَزْدَق يَهْجُو جَرِيرًا:
تُشْلِي كِلابَكَ، والأَذْنابُ شائلةٌ، ... عَلَى قُرُومِ عِظامِ الهَامِ والقَصَرِ
فَقَوْلُهُ: عَلَى قُرومِ يَشْهَدُ بأَنَّ الإِشْلاءَ بِمَعْنَى الإِغْراءِ، لأَنَّ عَلَى إِنما يكونُ مَعَ أَغْرَيْتُ وأَشْلَيْتُ إِذا كَانَتْ بِمَعْنَاهَا، وإِذا قلتَ أَشْلَيْتُ بِمَعْنَى دعَوْت لَمْ تحْتَجْ إِلى ذِكْر عَلَى. وَفِي حَدِيثِ
مطرِّف بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: وجَدْتُ العَبْدَ بينَ اللهِ وَبَيْنَ الشيطانِ فإِنِ اسْتَشْلاهُ ربُّه نَجّاه، وإِنْ خَلَّاه والشيطانَ هَلَكَ.
أَبو عُبَيْدٍ: اسْتَشْلاهُ أَي استَنْقَذَهُ مِنَ الهَلَكة وأَخَذَه، وَكَذَلِكَ اشْتَلاه؛ وَمِنْهُ قَوْلُ حُميد الأَرْقط:
قَدِ اشْتَلانا عَفْوُه وكَرَمُهْ
أَي استنقذَنا، وَقِيلَ: هُوَ مِنَ الدُّعَاءِ؛ قَالَ حَاتِمُ طيءٍ يذكرُ نَاقَةً دَعَاهَا فأَقْبلتْ إِليه:
أَشْلَيْتُها باسْمِ المُراحِ فأَقبَلَتْ ... رَتَكاً، وكانتْ قبلَ ذَلِكَ تَرْسُفُ
قَالَ: فأَراد مطرِّف أَن اللَّهَ إِنْ أَغاثَ عبْدَه ودَعاه فأَنقذَه مِنَ الهَلكة فَقَدْ نَجَا، وَذَلِكَ الاسْتِشلاءُ؛ وَقَالَ القُطامي يمدحُ رجُلًا:
قتَلْتَ كَلْباً وبَكْراً واشْتَليْتَ بِنَا، ... فقدْ أَرَدْتَ بأَنْ يَسْتَجْمِعَ الْوَادِي
وَقَوْلُهُ: اشْتَليْت واستشْلَيت سواءٌ فِي الْمَعْنَى، وكلُّ منْ دعَوْتَه فَقَدَ أَشْلَيْتَه، وكلُّ مَنْ دعَوْتَه حَتَّى تُخْرِجَه وتُنَجِّيَهُ مِنَ الضِّيق أَو مِنَ الهَلكة أَو مِنْ موضِعٍ أَو مكانٍ فَقَدَ استَشْليتَه واشْتَليتَه، وأَنشد بَيْتَ القُطامي.
شما: التَّهْذِيبُ: ابْنُ الأَعرابي قَالَ شَما إِذا عَلا أَمْرُه، قَالَ: والشَّما الشَّمَع، والله أَعلم.
شنا: شَنُوَّةُ: لُغَةٌ فِي شَنُوءَة، وَالنَّسَبُ إِليه شَنَوِيٌّ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلِهَذَا قَضَيْنَا نحنُ أَنَّ قَلْبَ الْهَمْزَةِ وَاوًا فِي شَنُوَّة مِنْ قَوْلِهِمْ أَزْد شَنُوَّة بدَلٌ لَا قِيَاسٌ، لأَنه لَوْ كَانَ تَخْفِيفًا قِياسِيّاً لَمْ يَثْبُتْ فِي النَّسَبِ وَاوًا، فإِن جَعَلْتَ تَخْفِيفَ شَنُوَّة قِياسِيّاً قُلْتَ فِي النَّسَبِ إِليه شَنَئِيٌّ عَلَى مِثَالِ شَنَعِيٍّ، لأَنك كأَنك إِنما نسبتَ إِلى شَنُوءة، فتفَطَّنْ إِن يُسِّرَ لَكَ ذَلِكَ، قَالَ: وَلَوْلَا اعتقادُنا أَنه بدَل لَمَا أَفرَدْنا لَهُ بَابًا ولَوَسِعَتْه تَرْجَمَةُ شَنَأَ في حرف الهمزة. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: رجلٌ مَشْنِيٌّ ومَشْنُوٌّ أَي مُبْغَض، لُغَةٌ فِي مَشْنُوءِ؛ وأَنشد:
أَلا يَا غُرابَ البَينِ مِمَّ تَصيحُ؟ ... فصَوْتُكَ مَشْنُوٌّ إِليَّ قَبيحُ(14/444)
فمَشْنِيٌّ يَدُلُّ عَلَى أَنه لَمْ يُرِدْ فِي مَشْنُوٍّ الهمْزَ بَلْ قَدْ أَلحقَه بمَرْضُوٍّ ومَرْضِيٍّ ومَدْعُوٍّ ومَدْعِيٍّ.
شنظي: التَّهْذِيبُ فِي الرُّبَاعِيِّ: قَالَ أَبو السَّميدَعِ امرأَةٌ شِنْظِيانٌ عِنْظِيانٌ إِذا كَانَتْ سيِّئةَ الخُلُق.
شها: شَهِيتُ الشَّيْءَ، بِالْكَسْرِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
وأَشْعَثَ يَشْهَى النَّومَ قلتُ لَهُ: ارْتَحِلْ، ... إِذا مَا النُّجُومُ أَعْرَضَتْ واسْبكَّرَتِ
وشَهِيَ الشيءَ وشَهاهُ يَشْهاهُ شَهْوَةً واشْتَهَاهُ وتَشَهَّاهُ: أَحَبَّه ورَغِب فِيهِ. قَالَ الأَزهري: يُقَالُ شَهِيَ يَشْهَى وشَهَا يَشْهُو إِذا اشْتَهَى، وَقَالَ: قَالَ ذَلِكَ أَبو زَيْدٍ. والتَّشَهِّي: اقتِراحُ شَهْوةٍ بَعْدَ شَهْوةٍ، يُقَالُ: تَشَهَّتِ المرأَةُ عَلَى زوجِها فأَشْهَاها أَي أَطْلَبها شَهَواتِها. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ
؛ أَي يَرْغَبُون فِيهِ مِنَ الرُّجُوعِ إِلى الدُّنْيَا. غَيْرُهُ: الشَّهْوةُ مَعْرُوفَةٌ. وطعامٌ شَهِيٌّ أَي مُشْتَهىً. وتَشَهَّيْتُ عَلَى فُلَانٍ كَذَا. وَهَذَا شيءٌ يُشَهِّي الطعامَ أَي يحمِلُ عَلَى اشْتِهائِه، ورجلٌ شَهِيٌّ وشَهْوَانُ وشَهْوَانِيٌّ وامرأَةٌ شَهْوَى وَمَا أَشْهَاهَا وأَشْهَانِي لَهَا، قَالَ سِيبَوَيْهِ: هَذَا عَلَى مَعْنَيَين لأَنك إِذا قُلْتَ مَا أَشْهَاهَا إِليَّ فإِنما تُخْبِرُ أَنها مُتَشَهَّاةٌ، وكأَنه عَلَى شُهِيَ، وإِن لَمْ يُتَكْلَّمْ بِهِ فَقُلْتُ مَا أَشْهَاهَا كَقَوْلِكَ مَا أَحْظاها، وإِذا قلتَ مَا أَشْهَانِي فإِنما تُخْبرُ أَنك شَاهٍ. وأَشْهَاهُ: أَعطاه مَا يَشْتَهِي، وأَنا إِليه شَهْوانُ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
فهِيَ شَهْوَى وَهُوَ شَهْوَانِيُ
وقومٌ شَهَاوَى أَي ذَووُ شَهْوةٍ شديدةٍ للأَكل. وَفِي حَدِيثِ
رَابِعَةَ: يَا شَهْوَانِيُ
يُقَالُ: رجلٌ شَهْوَانُ وشَهْوَانِيٌّ إِذا كَانَ شديدَ الشَّهْوةِ، والجمعُ شَهَاوَى كسَكارى. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخافُ عَلَيْكُمُ الرِّياءُ والشَّهْوَةُ الخفيَّة
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: ذَهَبَ بِهَا بعضُ النَّاسِ إِلى شَهْوةِ النِّساءِ وغيرِها مِنَ الشهَواتِ، قَالَ: وَعِنْدِي أَنه لَيْسَ بمخصوصٍ بشيءٍ وَاحِدٍ، وَلَكِنَّهُ فِي كُلِّ شيءٍ مِنَ الْمَعَاصِي يُضْمِرُه صَاحِبُهُ ويُصِرُّ عَلَيْهِ، فإِنما هُوَ الإِصرارُ وإِنْ لَمْ يَعْمَلْه، وَقَالَ غيرُ أَبي عُبيد: هُوَ أَن يَرى جَارِيَةً حَسناءَ فيغُضَّ طرْفَه ثُمَّ ينظُرَ إِليها بِقَلْبِهِ كَمَا كَانَ ينظُر بعينِه، وَقِيلَ: هُوَ أَنْ ينظُر إِلى ذاتِ مَحْرَمٍ لَهُ حَسناءَ، وَيَقُولُ فِي نفسِه: ليْتَها لَمْ تَحْرُم عليَّ. أَبو سَعِيدٍ: الشَّهْوَةُ الخفِيَّة مِنَ الْفَوَاحِشِ مَا لَا يحِلُّ مِمَّا يَسْتَخْفي بِهِ الإِنسانُ، إِذا فعَلَه أَخفاهُ وكَرِهَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ الناسُ؛ قَالَ الأَزهري: والقولُ مَا قَالَهُ أَبو عُبَيْدٍ فِي الشهوةِ الخفِيَّة، غَيْرَ أَني أَستَحْسِنُ أَنْ أَنْصِبَ قَوْلَهُ والشَّهوةَ الخفِيَّةَ، وأَجعل الواوَ بِمَعْنَى مَعْ كأَنه قَالَ: أَخْوفُ مَا أَخافُ عليكمُ الرياءُ مَعَ الشَّهوةِ الخفِيَّةِ لِلْمَعَاصِي، فكأَنه يُرائي الناسَ بتَرْكِه المَعاصِيَ، والشهوةُ لَهَا فِي قلبِه مُخْفاةٌ، وإِذا استَخْفَى بِهَا عَمِلَها، وَقِيلَ: الرياءُ مَا كَانَ ظَاهِرًا مِنَ الْعَمَلِ، والشهوةُ الخفِيَّة حُبُّ اطِّلاعِ الناسِ عَلَى العملِ. ابْنُ الأَعرابي: شَاهَاهُ فِي إِصابةِ العينِ وهاشاهُ إِذا مازَحَه. ورجلٌ شَاهِي البصرِ: قَلْبُ شائِه البَصرِ أَي حديدُ البصرِ. ومُوسَى شَهَواتٍ: شَاعِرٌ مَعْرُوفٌ.
شوا: ناقةٌ شَوْشاةٌ مثلُ المَوْماةِ وشَوْشاءُ: سَرِيعَةٌ؛ فأَما قَوْلُ أَبي الأَسود:
عَلَى ذاتِ لَوْثٍ أَو بأَهْوَجَ شَوْشَوٍ، ... صَنيعٍ نَبِيلٍ يَمْلأُ الرَّحْلَ كاهِلُهْ
فَقَدْ يَجُوزُ أَن يُريدَ شَوْشَويٍّ كأَحْمَر وأَحمريٍّ.(14/445)
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: والشَّوْشَاةُ المرأَة الكثيرةُ الْحَدِيثِ؛ قَالَ ابْنُ أَحمر:
لَيْسَتْ بشَوْشَاةِ الحَدِيثِ، وَلا ... فُتُقٍ مُغالِبَة عَلَى الأَمْرِ
والشَّيُّ: مَصْدَرُ شَوَيْتُ، والشِّوَاءُ الاسمُ. وشَوَى اللَّحْمَ شَيًّا فانْشَوَى واشْتَوَى، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَلَا تَقُلِ اشْتَوَى؛ وَقَالَ:
قَدِ انْشَوَى شِوَاؤُنا المُرَعْبَلُ، ... فاقْتَرِبُوا إِلى الغَداء فَكُلُوا
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وأَجَازَ سِيبَوَيْهِ أَنْ يُقَالَ شَوَيْتُ اللَّحْم فانْشَوَى واشْتَوَى؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ يَصِفُ كَمْأَةً جَناها:
أَجْني البِكَار الحُوَّ مِنْ أَكْمِيها، ... تَمْلأُ ثِنْتاها يَدَيْ طَاهِيها،
قَادِرُها رَاضٍ ومُشْتَوِيهَا
وَهُوَ الشِّواءُ والشَّويُّ؛ حَكَاهُ ثَعْلَبٌ؛ وأَنشد:
ومُحْسِبَةٍ قَدْ أَخْطَأَ الحَقُّ غَيْرَها، ... تَنَفَّسَ عَنْها حَيْنُها فَهْيَ كالشَّوِي
وَتَفْسِيرُ هَذَا الْبَيْتِ مَذْكُورٌ فِي تَرْجَمَةِ حَسَبَ، والقطْعَةُ مِنْهُ شِوَاءةٌ؛ وأَنشد:
وانْصِبْ لَنا الدَّهْمَاءَ، طَاهِي، وعَجِّلَنْ ... لَنا بِشِواةٍ مُرْمَعِلٍّ ذُؤُوبُها
واشْتَوَى القَوْمُ: اتَّخَذُوا شِواءً؛ وَقَالَ لَبِيدٌ:
وغُلامٍ أَرْسَلَتْه أُمُّه ... بأَلُوكٍ، فَبَذَلْنا مَا سَأَلْ
أَو نَهَتْه فأَتَاهُ رِزْقُه، ... فَاشْتَوَى لَيْلةَ رِيحٍ واجْتَمَلْ
وشَوَّاهُمْ وأَشْواهُمْ: أَطْعَمَهُم شِواءً. وأَشْواهُ لَحْماً: أَطْعَمَه إِيَّاه. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: شَوَّى القَوْمَ وأَشْوَاهُمْ أَعْطاهُمْ لَحْمًا طرِيّاً يَشْتَوُونَ مِنْهُ، تَقُولُ: أَشْوَيْتُ أَصْحابِي إِشْواءً إِذا أَطْعَمْتَهُم شِواءً، وَكَذَلِكَ شَوَّيْتُهُم تَشْوِيَةً، واشْتَوَيْنا لَحْمًا فِي حَالِ الخُصوصِ، وَحَكَى الْكِسَائِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ: الشُّوَاء يريدُ الشِّوَاءَ؛ وأَنشد:
ويخْرجُ لِلْقَوْم الشُّوَاء يَجُرُّه، ... بأَقْصَى عَصَاهُ، مُنْضَجاً أَو مُلَهْوَجَا
قَالَ أَبو بَكْرٍ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ نَضِجَ الشُّوَاءُ، بِضَمِّ الشِّينِ، يُرِيدُونَ الشِّواء. والشُّوَايَةُ: القِطْعةُ مِنَ اللحْمِ، وَقِيلَ: شُوَايَة الشاةِ مَا قَطَعَه الجازِرُ مِنْ أَطْرافِها. والشُّوَايَةُ، بِالضَّمِّ: الشيءُ الصغيرُ مِنَ الْكَبِيرِ كالقِطْعةِ مِنَ الشَّاةِ. وتَعَشَّى فلانٌ ف أَشْوَى مِنْ عَشائِه أَي أَبْقَى مِنْهُ بِقيَّةً. وَيُقَالُ: مَا بَقِي مِنَ الشاةِ إِلَّا شُوَايَةٌ. وشُوَايَةُ الخُبْز: القُرْصُ مِنْهُ. وأَشْوَى القَمْحُ: أَفْرَكَ وصلَحَ أَنْ يُشْوَى، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ ذَلِكَ فِي تَسْخينِ الماءِ؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:
بِتْنا عُذُوباً، وباتَ البَقُّ يَلْسِبُنا، ... نَشْوِي القَراحَ، كأَنْ لَا حَيَّ فِي الوَادِي
نَشْوِي القَراحَ أَي نُسَخِّنُ الماءَ فنَشْرَبُهُ لأَنه إِذا لَمْ يُسَخَّنْ قَتَل مِنَ البَرْدِ أَو آذَى، وَذَلِكَ إِذا شُرِبَ عَلَى غيرِ ثُفْلٍ أَو غِذَاءٍ. ابْنُ الأَعرابي: شَوَيْتُ الماءَ إِذا سَخَّنْتَه. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا تَنْقُضِ الحائِضُ شَعَرَها إِذا أَصابَ الماءُ شَوَى رأْسِها
أَي جِلْدَه. والشَّوَاةُ: جِلْدَةُ الرأْسِ؛ وقولُ أَبي ذُؤَيْب:
عَلَى إِثْرِ أُخْرَى قَبْلَها قَدْ أَتتْ لَهَا ... إِليكَ، فجاءتْ مُقْشَعِرّاً شَوَاتُها(14/446)
أَراد: المَآلِكَ الَّتِي هِيَ الرسائلُ، فاستَعار لَهَا الشَّواةَ وَلَا شَواةَ لَهَا فِي الْحَقِيقَةِ، وإِنما الشَّوَى للحَيَوان، وَقِيلَ: هِيَ القائمةُ، وَالْجَمْعُ شَوىً، وَقِيلَ: الشَّوَى اليَدانِ والرِّجْلانِ، وَقِيلَ: اليَدانِ والرِّجْلانِ والرأْسُ مِنَ الآدمِيِّينَ وكُلُّ مَا لَيْسَ مَقْتَلًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الشَّوَى جَمَاعَةُ الأَطرافِ. وشَوَى الفَرَسِ: قَوَائِمُه. يُقالُ: عَبْلُ الشَّوَى، وَلَا يكونُ هَذَا للرَّأْسِ لأَنهم وصَفُوا الخَيْلَ بأَسالَةِ الخَدَّيْنِ وعِتْقِ الوَجْهِ، وَهُوَ رِقَّتُه؛ وَقَوْلُ اِلْهُذَلِيِّ:
إِذا هِيَ قامَتْ تَقْشَعِرُّ شَوَاتُها، ... وتُشْرِفُ بَيْنُ اللِّيتِ مِنْهَا إِلى الصُّقْلِ
أَراد ظاهِرَ الجِلدِ كُلُّهُ، ويدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ بَيْنُ اللّيتِ مِنْهَا إِلى الصُّقْلِ أَي مِنْ أَصلِ الأُذُنِ إِلى الخاصِرَة. ورَماهُ ف أَشْوَاهُ أَي أَصابَ شَواهُ وَلَمْ يُصِبْ مَقْتَلَه؛ قَالَ الْهُذَلِيُّ:
فإِنَّ مِنَ القَوْل الَّتِي لَا شَوَى لَهَا، ... إِذا زَلَّ عَنْ ظَهْرِ اللسانِ انْفلاتُها
يَقُولُ: إِنَّ مِنَ القَوْل كَلِمَةً لَا تُشْوِي ولكنْ تَقْتُلُ، والاسمُ مِنْهُ الشَّوَى؛ قَالَ عَمْرو ذُو الكَلْب: فَقُلْتُ:
خُذْهَا لَا شَوىً وَلَا شَرَمْ
ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ مَن أَخْطَأَ غَرَضاً، وإِن لَمْ يَكُنْ لَهُ شَوىً وَلَا مَقْتَلٌ. الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: كَلَّا إِنَّها لَظى نَزَّاعَةً لِلشَّوى
؛ قَالَ: الشَّوَى اليَدَانِ والرِّجْلانِ وأَطْرافُ الأَصابع وقِحْفُ الرَّأْسِ، وجِلْدَةُ الرَّأْسِ يُقَالُ لَهَا شَوَاةٌ، وَمَا كَانَ غيرَ مَقْتَلٍ فَهُوَ شَوىً؛ وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الشَّوَى جَمْعُ الشَّوَاةِ وَهِيَ جِلْدَةُ الرَّأْسِ؛ وأَنشد:
قَالَتْ قُتَيْلَةُ: مَا لَهُ ... قَدْ جُلِّلَتْ شَيْباً شَوَاتُهْ؟
قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: أَنشدها أَبو الْخَطَّابِ الأَخفش أَبا عمرو ابن العلاءِ فَقَالَ لَهُ: صحَّفتَ، إِنما هُوَ سراتُه أَي نَوَاحِيهِ، فَسَكَتَ أَبو الخطَّاب الأَخْفَش ثُمَّ قَالَ لَنَا: بَلْ هُوَ صَحَّفَ، إِنما هُوَ شَوَاتُه؛ وَقَوْلُهُ أَنشده أَبو العَمَيْثَل الأَعرابي:
كَأَنّ لَدَى مَيْسُورها متْنَ حَيَّةٍ تَحَرَّكَ ... مُشْوَاهَا، ومَاتَ ضَرِيبُها
فسَّره فَقَالَ: المُشْوَى الَّذِي أَخْطَأَه الحَجَر، وَذَكَرَ زِمامَ ناقَةٍ شَبَّه مَا كَانَ مُعَلَّقاً مِنْهُ بِالَّذِي لَمْ يُصِبْهُ الحَجرُ مِنَ الحيَّة فَهُوَ حَيٌّ، وشبَّه مَا كَانَ بالأَرض غَيْرَ مُتَحَرِّكٍ بِمَا أَصابه الْحَجَرُ مِنْهَا فَهُوَ ميِّتٌ. والشَّوِيَّةُ والشَّوَى: المَقْتلُ؛ عَنْ ثَعْلَبٍ. والشَّوَى: الهَيِّنُ مِنَ الأَمر. وَفِي حَدِيثِ
مُجَاهِدٍ: كُلُّ مَا أَصابَ الصائمُ شَوىً إِلَّا الغِيبةَ والكَذِبَ فَهِيَ لَهُ كالمقْتَل
؛ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: الشَّوَى هُوَ الشيءُ اليَسيرُ الهَيِّن، قَالَ: وَهَذَا وجهُه، وإِياه أَراد مجاهدٌ، ولكنِ الأَصلُ فِي الشَّوى الأَطْراف، وأَراد أَن الشَّوى لَيْسَ بمَقْتلٍ، وأَن كلَّ شيءٍ أَصابَه الصَّائِمُ لَا يُبْطِل صوْمَه فَيَكُونُ كالمَقتل لَهُ، إِلا الغِيبةَ والكَذِبَ فإِنهما يُبْطِلان الصَّوْم فَهُمَا كالمَقتل لَهُ؛ وقولُ أُسامة الهُذَلي:
تاللهِ مَا حُبِّي عَلِيّاً بشَوَى
أَي لَيْسَ حُبِّي إِياه خَطَأً بَلْ هُوَ صوابٌ. والشُّوَايَةُ والشِّوَايَةُ «2» : البَقِية مِنَ المالِ أَو الْقَوْمِ الهَلْكى. والشَّوِيَّةُ: بقيَّةُ قومٍ هَلَكوا، وَالْجَمْعُ شَوَايا؛ وقال:
__________
(2) . قوله [والشواية] هي مثلثة كما في القاموس(14/447)
فهمْ شَرُّ الشَّوَايا مِنْ ثُمودٍ، ... وعَوْفٌ شَرُّ مُنْتَعِلٍ وحافِ
وأَشْوَى مِنَ الشيءِ: أَبقى، وَالِاسْمُ الشَّوَى؛ قَالَ الْهُذَلِيُّ:
فإِنَّ مِنَ القولِ الَّتِي لَا شَوَى لَهَا، ... إِذا ذلَّ عَنْ ظهرِ اللسانِ انفِلاتُها
يَعْنِي لَا إِبْقاءَ لَهَا، وَقَالَ غيرُه: لَا خطأَ لَهَا؛ وَقَالَ الْكُمَيْتُ:
أَجِيبوا رُقَى الْآسِي النِّطاسيِّ، واحْذَروا ... مُطَفِّئةَ الرَّضْفِ الَّتِي لَا شَوَى لَهَا
أَي لَا بُرْءَ لَهَا. والإِشْوَاءُ: يُوضَعُ مَوضِع الإِبْقاءِ حَتَّى قَالَ بعضُهم تعشَّى فلانٌ ف أَشْوَى عن عَشائِه أَي أَبْقى بَعْضًا، وأَنشد بَيْتَ الْكُمَيْتِ؛ وَقَالَ أَبو مَنْصُورٍ: هَذَا كلُّه مِنْ إِشْوَاءِ الرَّامِي وَذَلِكَ إِذا رَمى فأَصابَ الأَطْرافَ وَلَمْ يصِبِ المقْتل، فيوضَع الإِشْواءُ مَوْضِعَ الخَطإِ وَالشَّيْءِ الهَيِّن؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ للبُرَيْق الهُذلي:
وكنتُ، إِذا الأَيامُ أَحْدَثنَ هالِكاً، ... أَقولُ شَوىً، مَا لَمْ يُصِبْنَ صَمِيمِي
وَفِي حَدِيثِ
عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: كَانَ يَرى أَن السهمَ إِذا أَخطأَه فَقَدْ أَشْوَى
؛ يقال: رَمى ف أَشْوَى إِذا لَمْ يُصِبِ المقتلَ. قَالَ أَبو بَكْرٍ: الشَّوَى جلدةُ الرأْس. والشَّوَى: إِخْطاءُ المقْتل. والشَّوَى: اليدانِ والرِجلان. والشَّوَى: رُذالُ المالِ. ويقالُ: كلُّ شيءٍ شَوىً أَي هَيِّنٌ مَا سَلِمَ لَكَ دينُك. والشَّوَى: رُذالُ الإِبل وَالْغَنَمِ، وصغارُها شَوىً؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
أَكَلْنا الشَّوَى، حَتَّى إِذا لَمْ نَدَعْ شَوىً، ... أَشَرْنا إِلى خَيراتِها بالأَصابعِ
وللسَّيفُ أَحْرى أَن تُباشِرَ حَدَّهُ ... مِنَ الجُوعِ، لَا يُثَنَّى عَلَيْهِ الْمَضَاجِعُ «1»
. يَقُولُ: إِنه نحرَ نَاقَةً فِي حَطْمَةٍ أَصابَتْهم، وَهِيَ السَّنة المُجْدِبة، يقولُ: نحْرُ الناقةِ خيرٌ مِنَ الجوعِ وأَحْرى، وَفِي تُباشِر ضميرُ النَّاقَةِ. وشِوايَةُ الإِبلِ والغَنَم وشَوَايَتُهُما رَدِيئُهما؛ كلْتاهُما عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. وأَشْوَى الرجلُ وشَوْشَى وشَوْشَمَ «2» . وأَشرى إِذا اقْتَنى النَّقَزَ مِنْ رَدِيءِ المالِ، والشَّاةُ: الَّتِي يُصْعَدُ بِهَا النَّخْل فَهُوَ المِصْعادُ، وَهُوَ الشَّوَائِي «3» ، قَالَ: وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ التَّبَلْيا، وَهُوَ الكَرُّ بِالْعَرَبِيَّةِ. والشَّاوِي: صاحبُ الشاءِ؛ وَقَالَ مُبَشِّرُ بْنُ هُذَيْلٍ الشمخي:
بل رُبَّ خَرْقٍ نازِحٍ فَلاتُهُ ... لَا يَنْفَعُ الشَّاوِيَّ فِيهَا شَاتُه،
وَلَا حِماراهُ وَلَا عَلاقُ
والشَّوِيُّ: جَمْعُ شاةٍ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
إِذا الشَّوِيُّ كَثُرت مواجهْ، ... وكانَ مِنْ تحْتِ الكُلى مناتِجُهْ «4»
. أَي تموتُ الْغَنَمُ مِنْ شِدَّةِ الجَدْبِ فتُشقُّ بُطونُها وتُخْرَجُ مِنْهَا أَولادُها. وَفِي حَدِيثِ
الصدَقة: وَفِي الشَّوِيِّ فِي كلِّ أَرْبَعينَ واحدةٌ
؛ الشَّوِيُّ: اسمُ جمعٍ للشَّاةِ، وَقِيلَ: هُوَ جمعٌ لها نحو كَلْب وكَلِيبٍ؛ وَمِنْهُ
كتابُه لقَطَن بْنِ حَارِثَةَ: وَفِي الشَّوِيِّ الوريِّ مُسِنَّةٌ.
وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ: أَنه سُئِل عَنِ المُتعة أَتَجْزي فِيهَا شاةٌ؟ فَقَالَ: مَا لِي وللشَّوِيِ
أَي الشَّاءِ، وَكَانَ مذهَبُه أَن المُتَمَتِّع بالعُمْرة إِلى الحجِّ تجِبُ عَلَيْهِ بدنَة. وجاءَ بالعِيِّ والشَّيِّ: إِتْباعٌ، واوُ الشَّيِّ مُدْغَمة فِي يائِها. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وإِنما قُلْنَا إِن واوَها مدغَمة
__________
(1) . قوله [من الجوع إلى آخر البيت] هو هكذا في الأصل
(2) . قوله [وشوشى وشوشم] هكذا في الأصل والتهذيب
(3) . قوله [وهو الشوائي] وقوله [التبليا] هما هكذا في الأصل
(4) . قوله [نواتجه] هكذا في الأصل(14/448)
فِي يائِها لِمَا يُذْكَرُ من قولِه شَوِيٌّ، وعَيِيٌّ وشَوِيٌّ وشَيِيٌّ مُعاقبَة، وَمَا أَعْياه وأَشْوَاهُ وأَشْياهُ. الْكِسَائِيُّ: يُقَالُ فُلَانٌ عَيِيٌّ شَيِيٌّ إِتباعٌ لَهُ، وبعضُهم يَقُولُ شَوِيٌّ، يُقَالُ: هُوَ عَوِيٌّ شَوِيٌّ. وَفِي حَدِيثِ
ابنِ عُمَر: أَنه قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا الْغُلَامَ الَّذِي لَمْ يجتمعْ شَوَى رأْسِه
، يريد شؤونَه.
شيا: أَبو عُبَيْدٍ عَنِ الأَحمر: يَا فيَّ مَالِي وَيَا شَيَّ مَالِي وَيَا هَيَّ مَالِي؛ مَعْنَاهُ كُلُّهُ الأَسفُ والتلهفُ والحزنُ. الْكِسَائِيُّ: يَا فَيَّ مَالِي وَيَا هَيَّ مَالِي لَا يُهْمَزَانِ، وَيَا شَيَّ مَالِي وَيَا شَيْءَ مَالِي يُهمز وَلَا يُهْمَزُ، وَمَا فِي كُلِّهَا فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، تأْويله يَا عَجَباً مَالِي وَمَعْنَاهُ التلهُّف والأَسى. قَالَ الْفَرَّاءُ: قَالَ الْكِسَائِيُّ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَتَعَجَّبُ بشَيَّ وهَيَّ وفَيَّ، وَمِنْهُمْ مَنْ يزيدُ مَا فَيَقُولُ يَا شَيَّما وَيَا هَيَّما وَيَا فَيَّما أَي مَا أَحسن هَذَا. وَجَاءَ بالعِيِّ والشِّيِّ، وَاوُ الشِّيِّ مُدْغَمَةٌ فِي يائِها. وَفُلَانٌ عَيِيٌّ شَيِيٌّ، وَيُقَالُ عَوِيٌّ شَوِيٌّ. الأَصمعي: الأَيْدَعُ والشَّيَّانُ دَمُ الأَخوينِ، وَهُوَ فَعْلانُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ شَاهِدُهُ مَا أَنشده الأَصمعي:
مِلاطٌ، تَرى الذِّئبانَ فِيهِ كأَنه ... مَطِينٌ بثأْطٍ قَدْ أُمِير بشَيَّان
المِلاط: الكَتِف، والذِّئبانُ: الوَبَر الَّذِي يَكُونُ عَلَيْهِ، والثَّأْطُ: الحَمْأَةُ الرَّقِيقَةُ، والشَّيَّانُ: البعيدُ النَّظَر.
فصل الصاد المهملة
صأي: الصَّئِيُّ، عَلَى فعيلٍ: صَوْتُ الفَرْخ. صَأَى الطَّائرُ والفَرْخُ والفأْرُ والخِنْزيرُ والسِّنَّوْرُ والكلبُ والفِيلُ بِوَزْنِ صَعَى يَصْأَى صَئِيّاً وصِئِيّاً وتَصَاءَى أَي صاحَ، وَكَذَلِكَ اليَرْبُوعُ؛ وأَنشد أَبو صَفْوَانَ لِلْعَجَّاجِ:
لَهُنَّ فِي شَباتِه صَئِيُ
وَقَالَ جَرِيرٌ:
لَحَى اللهُ الفَرَزدقَ حينَ يَصْأَى ... صَئِيَّ الكلْبِ، بَصْبَص للعِظالِ
وأَصْأَيْتُه أَنا. وَيُقَالُ لِلْكَلْبَةِ: صَئِيٌّ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لأَنها تَصْأَى أَي تُصَوِّت. ابْنُ الأَعرابي: فِي الْمَثَلِ جَاءَ بِمَا صَأَى وصَمَت، يَعْنِي جَاءَ بِالشَّاءِ والإِبلِ، وَمَا صَمَتَ بالذهبِ والفِضة، وَقِيلَ: أَي جَاءَ بِالْمَالِ الْكَثِيرِ أَي بالناطِق والصامِت، وَيُقَالُ أَيضاً: جَاءَ بِمَا صاءَ وصَمَتَ وَهُوَ مقلوبٌ مَنْ صأَى. الأَصمعي: الصَّائِي كلُّ مالٍ مِنَ الحَيَوان مِثْلَ الرقيقِ والدَّوابِّ، والصامِتُ مثلُ الأَثوابِ والوَرِقِ، وسُمِّي صامِتاً لأَنه لَا رُوحَ لَهُ. وَيُقَالُ: صاءَ يَصِيءُ مِثْلَ صاعَ يَصيعُ، وصَأَى يَصْأَى مثلُ صَعَى يَصْعى صَاحَ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
مَا لِي إِذا أَنْزِعُها صَأَيْتُ؟ ... أَكِبَرٌ غَيَّرَني أَمْ بَيْتُ؟
قَالَ الْفَرَّاءُ: والعَقْرَب أَيضاً تَصْئِي، وَفِي الْمَثَلِ: تَلْدَغُ العقرَبُ وتَصْئِي، وَالْوَاوُ لِلْحَالِ؛ حَكَاهُ الأَصمعي فِي كِتَابِ الفَرْقِ. والصَّآةُ مثلُ الصَّعاةِ: الماءُ الَّذِي يَكُونُ عَلَى رأْسِ الوَلد، وَقَالَ الأَحمر: هُوَ الصَّاءَةُ، بِوَزْنِ الصَّاعَةِ «1» . ماءٌ ثخِينٌ يَخْرُجُ مَعَ الوَلد.
صبا: الصَّبْوَة: جَهْلَة الفُتُوَّةِ واللَّهْوِ مِنَ الغَزَل، وَمِنْهُ التَّصابي والصِّبا. صَبا صَبْواً وصُبُوّاً وصِبىً
__________
(1) . قوله [وقال الأحمر الصاءة بوزن الصاعة إلخ] هكذا في الأصل، وعبارة التهذيب: أَبُو عُبَيْدٍ عَنِ الْأَحْمَرِ الصَّآة بوزن الصعاة مَاءٌ ثَخِينٌ يَخْرُجُ مَعَ الولد. ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ: الصاءة بوزن الصاعة إلخ(14/449)
وصَباءً. والصِّبْوَة: جَمْعُ الصَّبيِّ، والصِّبْيةُ لُغَةٌ، وَالْمَصْدَرُ الصِّبا. يُقَالُ: رأَيتُه فِي صِباهُ أَي فِي صِغَرِه. وَقَالَ غَيْرُهُ: رأَيتُه فِي صَبائِه أَي فِي صِغَره. والصَّبِيُّ: مِنْ لَدُنْ يُولَد إِلى أَنْ يُفْطَم، وَالْجَمْعُ أَصْبِيَةٌ وصِبْوةٌ وصِبْيَةٌ «1» . وصَبْيَةٌ وصِبْوانٌ وصُبْوانٌ وصِبْيانٌ، قَلَبُوا الْوَاوَ فِيهَا يَاءً لِلْكَسْرَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَلَمْ يعتدُّوا بِالسَّاكِنِ حاجِزاً حَصيناً لضَعْفِه بِالسُّكُونِ، وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونُوا آثَرُوا الياءَ لخِفَّتها وأَنهم لَمْ يُراعوا قرْبَ الْكَسْرَةِ، والأَول أَحسنُ، وأَما قَوْلُ بَعْضِهِمْ صُبْيانٌ، بِضَمِّ الصَّادِ وَالْيَاءِ فَفِيهِ مِنَ النَّظَرِ أَنه ضمَّ الصَّادَ بَعْدَ أَن قُلِبَت الواوُ يَاءً فِي لُغَةِ مَنْ كَسَر فَقَالَ صُبيان، فَلَمَّا قُلِبَت الواوُ يَاءً لِلْكَسْرَةِ وَضُمَّتِ الصَّادُ بَعْدَ ذَلِكَ أُقِرَّت الياءُ بِحَالِهَا الَّتِي هِيَ عَلَيْهَا فِي لُغَةِ مَنْ كَسر، وَتَصْغِيرُ صِبْيَة أُصَيْبِيَةٌ، وَتَصْغِيرُ أَصْبِيَة صُبَيَّة، كِلَاهُمَا عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ؛ هَذَا قَوْلُ سِيبَوَيْهِ؛ وأَنشد لِرُؤْبَةَ:
صُبَيَّةً عَلَى الدُّخَانِ رُمْكا، ... مَا إِنْ عَدا أَكْبَرُهم أَنْ زَكَّا
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي أَنَّ صُبَيَّة تَصْغِيرُ صِبْيَةٍ، وأُصَيْبِيَة تصغيرُ أَصْبِيَة، لِيَكُونَ كلُّ شيءٍ مِنْهُمَا عَلَى بِنَاءِ مُكَبَّره. والصَبِيُّ: الغلامُ، وَالْجَمْعُ صِبْيَة وصِبْيَانٌ، وَهُوَ مِنَ الْوَاوِ، قَالَ: وَلَمْ يَقُولُوا أَصْبِيَة اسْتِغْنَاءً بصِبْيةٍ كَمَا لَمْ يَقُولُوا أَغْلِمَة اسْتِغْنَاءً بِغلْمة، وَتَصْغِيرُ صِبْيَةٍ صُبَيَّةٌ فِي الْقِيَاسِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه رأَى حَسَناً يَلْعَبُ مَعَ صِبْوةٍ فِي السِّكَّة
؛ الصِّبْوة والصِّبْيَة: جمعُ صَبِيٍّ، وَالْوَاوُ هُوَ الْقِيَاسُ وإِن كَانَتِ الياءُ أَكثر اسْتِعْمَالًا. وَفِي حَدِيثِ
أُمِّ سَلَمَة: لمَّا خَطبها رسولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ إِني امرأَةٌ مُصْبِيةٌ مُوتِمَةٌ
أَي ذاتُ صِبْيانٍ وأَيتامٍ، وَقَدْ جَاءَ فِي الشِّعْرِ أُصَيْبِيَة كأَنه تصغيرُ أَصْبِيَةٍ، قَالَ الشَّاعِرُ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ الْحَجَّاجِ التَّغْلِبِيِّ:
ارْحَمْ أُصَيْبِيَتي الَّذِينَ كأَنهمْ ... حِجْلى، تَدَرَّجُ فِي الشَّرَبَّةِ، وُقَّعُ
وَيُقَالُ: صَبِيٌّ بيِّنُ الصِّبَا والصَّبَاءِ، إِذا فَتَحْتَ الصَّادَ مدَدْت، وإِذا كسَرْت قصَرْت؛ قَالَ سُوَيْدُ بْنُ كُراع:
فهلْ يُعْذَرَنْ ذُو شَيْبَةٍ بصَبَائِه؟ ... وهلْ يُحمَدَنْ بالصَّبرِ، إِنْ كَانَ يَصبِرُ؟
وَالْجَارِيَةُ صَبِيَّةٌ، وَالْجَمْعُ صَبَايا مثلُ مَطِيَّةٍ ومَطايا. وصَبِيَ صِباً: فَعَلَ فِعْلَ الصِّبْيانِ. وأَصْبَتِ المرأَة، فَهِيَ مُصْبٍ إِذا كَانَ لَهَا ولدٌ صَبيٌّ أَو ولدٌ ذكرٌ أَو أُنثى. وامرأَةٌ مُصْبِيَةٌ، بِالْهَاءِ: ذاتُ صِبْيةٍ. التَّهْذِيبِ: امرأَةٌ مُصْبٍ، بِلَا هاءٍ، مَعَهَا صَبيٌّ. ابْنُ شُمَيْلٍ: يُقَالُ لِلْجَارِيَةِ صَبِيَّة وصبيٌّ، وصَبايا لِلْجَمَاعَةِ، والصِّبْيانُ للغِلْمان. والصِّبا مِنَ الشَّوْق يُقَالُ مِنْهُ: تَصابَى وصَبا يصْبُو صَبْوةً وصُبُوّاً أَي مالَ إِلى الْجَهْلِ والفُتوَّةِ. وَفِي حَدِيثِ الفِتنِ:
لَتَعُودُنَّ فِيهَا أَساوِدَ صُبّىً
؛ هِيَ جمعُ صابٍ كغازٍ وغُزّىً، وَهُمُ الَّذِينَ يَصْبُون إِلى الْفِتْنَةِ أَي يَمِيلُونَ إِليها، وَقِيلَ: إِنما هُوَ صُبّاءٌ جَمْعُ صابِئٍ بِالْهَمْزِ كشاهِدٍ وشُهَّادٍ، وَيُرْوَى: صُبّ، وَذُكِرَ فِي مَوْضِعِهِ. وَفِي حَدِيثِ
هَوازِنَ: قَالَ دُرَيد بنُ الصِّمَّة ثُمَّ الْقَ الصُّبَّى عَلَى مُتُونِ الْخَيْلِ
أَي الَّذِينَ يَشْتَهُون الحَرْبَ وَيَمِيلُونَ إِليها ويحبُّون التقدُّم فِيهَا والبِراز. وَيُقَالُ: صَبا إِلى اللَّهْوِ صَباً وصُبُوّاً وصَبْوةً؛ قَالَ زيدُ بنُ ضَبَّة:
__________
(1) . قوله [وصبية] هي مثلثة كما في القاموس. وقوله [صبوان وصبيان] هما بالكسر والضم كما في القاموس(14/450)
إِلى هنْدٍ صَبا قَلْبي، ... وهِنْدٌ مِثْلُها يُصْبِي
وَفِي حَدِيثُ
الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: واللهِ مَا تَرَكَ ذَهَباً وَلَا فِضَّةً وَلَا شَيْئًا يُصْبَى إِليه.
وَفِي الْحَدِيثِ:
وشابٌّ لَيْسَتْ لَهُ صَبْوةٌ
أَي مَيْلٌ إِلى الهَوَى، وَهِيَ المَرَّةُ مِنْهُ. وَفِي حَدِيثِ
النَّخَعِيِّ: كَانَ يُعْجِبُهم أَن يَكُونَ للغلامِ إِذا نشَأَ صَبْوَةٌ
، وَذَلِكَ لأَنه إِذا تَابَ وارْعَوَى كَانَ أَشدّ لِاجْتِهَادِهِ فِي الطَّاعَةِ وأَكثرَ لنَدَمِه عَلَى مَا فَرَط مِنْهُ، وأَبْعَدَ لَهُ مِنْ أَنْ يُعْجَبَ بعمَله أَو يتَّكِلَ عَلَيْهِ. وأَصْبَتْه الجاريةُ وصَبِيَ صَباءً مثلُ سَمِعَ سَماعاً أَي لَعِبَ مَعَ الصِّبْيانِ. وصَبا إِليه صَبْوةً وصُبُوّاً: حَنَّ. وَكَانَتْ قريشٌ تُسَمي أَصحاب النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صُباةً. وأَصْبَتْه المرأَةُ وتَصَبَّتْه: شاقَتْه ودَعَتْه إِلى الصِّبا فحَنَّ لَهَا وصَبا إِليها. وصَبِيَ: مالَ، وَكَذَلِكَ صَبَتْ إِليه وصَبِيَتْ، وتَصَبَّاها هُوَ: دَعاها إِلى مِثْل ذَلِكَ، وتَصَبَّاها أَيضاً: خدَعها وفَتَنها؛ أَنشد ابْنِ الأَعرابي:
لعَمْرُك لَا أَدْنُو لأَمْر دَنِيَّةٍ، ... وَلَا أَتَصَبَّى آصراتِ خَليلِ
قَالَ ثَعْلَبٌ: لَا أَتَصَبَّى لَا أَطْلُب خديعَة حُرْمَة خَليلٍ وَلَا أَدْعوها إِلى الصِّبا، والآصِراتُ: المُمْسِكاتُ الثَّوابتُ كإِصارِ البَيْتِ، وَهُوَ الحبْلُ مِنْ حِبَالِ الخِباءِ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ فِي خَبَرِ يُوسُفَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَ
؛ قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: صَبا فُلان إِلى فُلَانَةَ وصَبا لَهَا يَصْبُو صَباً مَنْقُوصٌ وصَبْوَةً أَي مالَ إِليها. قَالَ: وصَبا يَصْبُو، فَهُوَ صابٍ وصَبِيٌّ مِثْلَ قادرٍ وقَديرٍ، قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِذا قَالُوا صَبِيٌّ فَهُوَ بِمَعْنَى فَعول، وَهُوَ الْكَثِيرُ الإِتْيان للصِّبا، قَالَ: وَهَذَا خطأٌ، لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقَالُوا صَبُوٌّ، كما قَالُوا دَعُوٌّ وسَمُوٌ ولَهُوٌّ فِي ذَوَاتِ الْوَاوِ، وأَما البكِيُّ فَهُوَ بِمَعْنَى فَعُولٍ أَي كَثِيرُ البُكاء لأَن أَصْله بَكُويٌ؛ وأَنشد:
وإِنَّما يأْتي الصِّبَا الصَّبِيُ
وَيُقَالُ: أَصْبَى فُلَانٌ عِرْس فُلَانٍ إِذا اسْتَمالها. وصَبَتِ النَّخْلةُ تَصْبُو: مالتْ إِلى الفُحَّال الْبَعِيدِ مِنْهَا. وصَبَت الراعِيَةُ تَصْبُو صُبُوّاً: أَمالتْ رأْسَها فوضعَتْه فِي المرْعى. وَصَابَى رُمْحَه: أَماله للطَّعن بِهِ؛ قَالَ النَّابِغَةُ الْجَعْدِيُّ:
مُصَابِينَ خِرْصانَ الوَشِيجِ كأَنَّنا، ... لأَعدائِنا، نُكْبٌ، إِذا الطعنُ أَفقَرا
وصَابَى رُمْحَهُ إِذا صَدَّر سِنانه إِلى الأَرض للطَّعن بِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا يُصَبِّي رأْسَه فِي الرُّكُوعِ
أَي لَا يخفِضُه كَثِيرًا وَلَا يُميلُه إِلى الأَرضِ، مِنْ صَبا إِلى الشَّيْءِ يَصبُو إِذا مالَ، وصَبَّى رأْسه، شُدِّد لِلتَّكْثِيرِ، وَقِيلَ: هُوَ مَهْمُوزٌ مِنْ صَبأَ إِذا خَرَجَ مِنْ دِين إِلى دِينٍ. قَالَ الأَزهري: الصَّوَابُ لَا يُصَوِّبُ، وَيُرْوَى لَا يَصُبُّ. والصَّبا: ريحٌ مَعْرُوفَةٌ تُقابل الدَّبُور. الصِّحَاحُ: الصَّبا ريحٌ ومَهَبُّها المُسْتَوِي أَن تَهُبَّ مِنْ مَوْضِعِ مَطْلَعِ الشَّمْسِ إِذا اسْتَوى الليلُ والنهارُ ونيِّحتُها الدَّبُور. الْمُحْكَمُ: والصَّبا رِيحٌ تَسْتَقبلُ البيتَ، قِيلَ: لأَنَّها تحِنُّ إِلى الْبَيْتَ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: مَهَبُّ الصَّبا مِنْ مطْلع الثُّرَيَّا إِلى بَنَاتِ نَعْش، مِنْ تَذْكِرَةِ أَبي عَلِيٍّ، تَكُونُ اسْمًا وصِفة، وتَثْنيته صَبَوانِ وصَبَيانِ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وَالْجَمْعُ صَبَواتٌ وأَصْباءٌ. وَقَدْ صَبَت الرِّيحُ تَصْبُو صُبُوّاً وصَباً.(14/451)
وصُبِيَ القومُ: أَصابَتْهُمُ الصَّبا، وأَصْبَوْا: دَخَلُوا فِي الصَّبا، وتزعمُ العَرَب أَنَّ الدَّبُور تُزْعِج السَّحاب وتُشْخِصُه فِي الْهَوَاءِ ثُمَّ تسوقُه، فإِذا عَلَا كشَفَتْ عَنْهُ وَاسْتَقْبَلَتْهُ الصَّبا فوزَّعت بعضَه عَلَى بَعْضٍ حَتَّى يصيرَ كِسْفاً وَاحِدًا، والجَنُوبُ تُلْحِقُ روادفَه بِهِ وتُمِدُّه مِنَ المَدد، والشَّمالُ تمزِّقُ السَّحاب. والصَّابِيَة: النُّكَيْباءُ الَّتِي تَجْرِي بَيْنَ الصَّبا والشَّمال. والصَّبِيُّ: ناظرُ العَين، وعَزاه كراعٌ إِلى الْعَامَّةِ. والصَّبِيَّان: جانِبا الرَّحْل. والصَّبِيَّان، عَلَى فَعِيلَانِ: طَرَفا اللَّحْيَين للبَعِير وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: هُمَا الحرْفان المُنْحنِيان مِنْ وسَط اللَّحْيَين مِنْ ظاهِرهِما؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
تُغَنِّيه، مِنْ بَيْنِ الصَّبِيَّيْن، أُبْنَةٌ ... نَهُومٌ، إِذا مَا ارْتَدَّ فيها سَحِيلُها
الأُبْنَةُ هاهنا: غَلْصَمَتُه. وَقَالَ شَمِرٌ: الصَّبِيَّان مُلْتَقى اللَّحْيَين الأَسْفَلين. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: الصَّبِيَّان مَا دَقَّ مِنْ أَسافِلِ اللَّحْيَين، قَالَ: والرَّأْدانِ هُما أَعْلى اللحْيَين عِنْدَ الماضغتَين، وَيُقَالُ الرُّؤْدانِ أَيضاً؛ وَقَالَ أَبو صَدَقَةَ الْعِجْلِيُّ يَصِفُ فَرَسًا:
عارٍ منَ اللَّحْم صَبِيَّا اللَّحيَيْنْ، ... مُؤَلَّلُ الأُذْن أَسِيلُ الخَدَّيْنْ
وَقِيلَ: الصَّبِيُّ رأْس العَظْم الَّذِي هُوَ أَسْفلُ مِنْ شَحمَة الأُذنِ بِنَحْوِ من ثَلَاثِ أَصابعَ مَضْمُومة. والصَّبِيُّ مِنَ السَّيف: مَا دُون الظُّبَةِ قَلِيلًا. وصَبيُّ السيَّف: حَدُّه، وَقِيلَ: عَيْرُه الناتئُ فِي وَسَطِه، وَكَذَلِكَ السِّنانُ. والصَّبِيُّ: رأْسُ القَدم. التَّهْذِيبِ: الصَّبِيُّ مِنَ القَدم مَا بَيْنَ حِمارتِها إِلى الأَصابِع. وصَابَى سيفَه: جَعَلَهُ فِي غِمْده مَقلوباً، وَكَذَلِكَ صَابَيْتُه أَنا. وإِذا أَغْمَد الرجلُ سَيفاً مَقْلُوبًا قِيلَ: قَدْ صَابَى سَيفَه يُصَابِيه؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لعِمْران بْنِ حَطَّان يَصِفُ رَجُلًا:
لَمْ تُلْهِه أَوْبَةٌ عَنْ رَمْيِ أَسْهُمِه، ... وسَيْفه لَا مُصَابَاةٌ وَلَا عَطَل
وصَابَيْتُ الرُّمح: أَمَلْتُه للطَّعْن. وصَابَى البيتَ: أَنْشَده فَلَمْ يُقِمْه. وصَابَى الْكَلَامَ: لَمْ يُجْرِه عَلَى وَجْهِهِ. وَيُقَالُ: صَابَى البعيرُ مشافِره إِذا قَلَبَهَا عِنْدَ الشُّرب؛ وَقَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ يَذْكُرُ إِبلًا:
يُصَابِينَها، وَهِيَ مَثْنِيَّةٌ ... كَثَنْي السُّبُوت حُذينَ المِثالا
وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: صَابَيْنَا عَنِ الحَمْض عدَلْنا.
صتا: صَتَا يَصْتُو صَتْواً: مشى مَشْياً فيه وثْبٌ.
صحا: الصَّحْوُ: ذهابُ الغَيْم، يومٌ صَحْوٌ وسَماءٌ صَحْوٌ، واليومُ صَاحٍ. وَقَدْ أَصْحَيَا وأَصْحَيْنَا أَي أَصْحَتْ لَنَا السَّمَاءُ. وأَصْحَتِ السماءُ، فَهِيَ مُصْحِيَةٌ: انْقَشَع عَنْهَا الغَيْم، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: فَهِيَ صَحْوٌ قَالَ: وَلَا تَقُلْ مُصْحِيَةٌ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يُقَالُ أَصْحَتِ السَّمَاءُ، فَهِيَ مُصْحِيَةٌ، وَيُقَالُ: يومٌ مُصْحٍ. وَصَحَا السَّكْرانُ لَا غَيْرُ. قَالَ: وأَما العاذِلة فَيُقَالُ فِيهَا أَصْحَت وصَحَتْ، فيُشبَّه ذهابُ العَقْل عنْها تَارَةً بِذَهَابِ الغَيم وَتَارَةً بِذَهَابِ السُّكْر، وأَما الإِفاقة عَنِ الحُبِّ فَلَمْ يُسمَع فِيهِ إِلَّا صَحَا مِثْلَ السُّكْر؛ قَالَ جَرِيرٌ:
أَتَصحُو أَم فؤَادُكَ غيرُ صاحِ؟
وَيُقَالُ: صَحْوان مثلُ سكْران؛ قَالَ الرحَّال وَهُوَ عَمْرُو بْنُ النُّعْمَانِ بنِ الْبَرَاءِ:
بَانَ الخَليطُ، وَلَمْ أَكُنْ صَحْوَانا ... دَنفاً بزَيْنَبَ، لَوْ تُريدُ هَوانا(14/452)
والصَّحْوُ: ارْتِفاعُ النهارِ؛ قَالَ سُوَيْد:
تَمْنَحُ المِرْآةَ وَجْهاً واضِحاً، ... مثلَ قَرْنِ الشَّمْسِ فِي الصَّحْوِ ارْتَفَعْ
والصَّحْوُ: ذَهابُ السُّكْرِ وتَرْكُ الصِّبا والباطلِ. يُقَالُ: صَحَا قلبهُ. وصَحا السكرانُ مِنْ سُكْرِه يَصْحُو صَحْواً وصُحُوّاً، فَهُوَ صاحٍ، وأَصْحَى: ذَهَب سُكْرُه، وَكَذَلِكَ المُشْتاقُ؛ قَالَ:
صُحُوَّ ناشِي الشَّوْقِ مُسْتَبِلِ
وَالْعَرَبُ تَقُولُ: ذَهَبَ بَيْنَ الصَّحْوِ والسَّكْرَةِ أَي بَيْنَ أَنْ يَعْقِلَ وَلَا يَعْقِلَ. ابْنُ بُزُرْج: مِنْ أَمثالهم يريدُ أَن يأْخذَها بَيْنَ السَّكْرَةِ والصَّحْوَةِ، مَثلٌ لطالبِ الأَمْرِ يَتجاهَلُ وَهُوَ يَعْلَمُ. والمِصْحَاة: جامٌ يُشْرَبُ فِيهِ. وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: المِصْحَاة إناءٌ، قَالَ: وَلَا أَدرِي مِنْ أَيِّ شيءٍ هُوَ؛ قَالَ الأَعشى:
بكَأْسٍ وإبْرِيقٍ كأَنّ شَرابَهُ، ... إِذَا صُبَّ فِي المِصْحَاةِ، خالَطَ بَقَّمَا
وَقِيلَ: هُوَ الطاسُ. ابْنُ الأَعرابي: المِصْحَاةُ الكَأْسُ، وَقِيلَ: هُوَ القَدَح مِنَ الفِضةِ؛ واحْتَجَّ بِقَوْلِ أَوْسٍ:
إِذَا سُلّ مِن جَفْنٍ تَأَكَّلَ أَثْرُه، ... عَلَى مِثل مِصْحَاةِ اللُّجَين، تأَكُّلا
قَالَ: شَبَّهَ نَقاءَ حَديدة السيفِ بنَقاءِ الفِضةِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: المِصْحَاةُ إناءٌ مِن فِضةٍ قَدْ صَحَا مِنَ الأَدْناسِ والأَكْدارِ لِنقاءِ الفِضةِ؛ وَفِي النِّهَايَةِ فِي تَرْجَمَة مَصَحَ: دَخَلَتْ عَلَيْهِ أُم حَبيبةَ وَهُوَ مَحْضُورٌ كأَنَّ وجهَه مِصحاةٌ.
صَخَا: اللَّيْثُ: صَخِيَ الثوبُ يَصْخَى صَخاً، فَهُوَ صَخٍ، اتَّسَخَ ودَرِنَ، وَالِاسْمُ الصَّخَاوةُ، وَرُبَّمَا جُعِلَتِ الواوُ يَاءً لأَنه بُنِيَ عَلَى فَعِلَ يَفْعَل؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: لَمْ أَسْمَعْه لغيرِ اللَّيْثِ. والصَّخَاءَةُ: بَقْلَة تَرْتَفِعُ عَلَى ساقٍ لَهَا كهيئةِ السُّنْبُلَةِ، فِيهَا حَبٌّ كحَب اليَنْبُوت، ولُباب حَبِّها دواءٌ للجُروح، والسين فيها أَعلَى.
صدي: الصَّدَى: شدَّةُ العَطَشِ، وَقِيلَ: هُوَ العطشُ مَا كَانَ، صَدِيَ يَصْدَى صَدىً، فَهُوَ صَدٍ وصادٍ وصَدْيانُ، والأُنْثَى صَدْيا؛ وَشَاهِدُ صادٍ قَوْلُ الْقُطَامِيِّ:
فهُنَّ يَنْبِذْنَ مِن قَوْلٍ يُصِبْنَ بِهِ ... مَواقِعَ الْمَاءِ مِنْ ذِي الغُلَّةِ الصادِي
وَالْجَمْعُ صِداءٌ. وَرَجُلٌ مِصْدَاءٌ: كثيرُ العَطَشِ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. وكأْسٌ مُصْدَاةٌ: كَثِيرَةُ الْمَاءِ، وَهِيَ ضِدُّ المُعْرَقَةِ الَّتِي هِيَ القليلةُ الماءِ. والصَّوَادِي النَّخْلُ الَّتِي لَا تَشْرَبُ الماءَ؛ قَالَ المَرّار:
بناتُ بناتِها وبناتُ أُخْرَى ... صَوَادٍ مَا صَدِينَ، وقَدْ رَوِينا
صَدِينَ أَي عَطِشْنَ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَالَ أَبو عَمْرٍو الصَّوادي الَّتِي بَلَغَتْ عُرُوقُها الماءَ فَلَا تَحْتاجُ إِلَى سَقْيٍ. وَفِي الْحَدِيثِ:
لتَرِدُنّ يومَ القيامةِ صَوَادِيَ
أَي عِطاشاً، وَقِيلَ: الصَّوَادِي النَّخْلُ الطِّوالُ مِنْهَا وَمِنْ غيرِها؛ قَالَ ذُو الرُّمَّة:
مَا هِجْنَ، إذْ بَكَرْنَ بالأَحْمالِ، ... مِثْلَ صَوَادِي النَّخْلِ والسَّيالِ
وَاحِدَتُهَا صَادِيَةٌ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
صَوَادِياً لَا تُمْكِنُ اللُّصُوصَا
والصَّدى: جَسَدُ الإِنْسَانِ بعدَ مَوْتِهِ. والصَّدَى: الدِّماغُ نَفْسُه، وحَشْوُ الرَّأْسِ، يُقَالُ: صَدَعَ(14/453)
اللهُ صَدَاهُ. والصَّدَى: موضِعُ السَّمْعِ مِنَ الرَّأْسِ. والصَّدَى: طائِرٌ يَصِيحُ فِي هامَةِ المَقْتُولِ إِذَا لَمْ يُثْأَرْ بِهِ، وَقِيلَ: هُوَ طائِرٌ يَخْرُجُ مِنْ رَأْسِهِ إِذَا بَلِيَ، ويُدْعَى الهامَةَ، وَإِنَّمَا كَانَ يزعُم ذَلِكَ أَهلُ الجاهِلية. والصَّدَى: الصَّوْت. والصَّدَى: مَا يُجِيبُكَ مِنْ صَوْتِ الجَبَلِ ونحوهِ بمِثْلِ صَوْتِكَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً
؛ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: التَّصْدِيَة مِنَ الصَّدَى، وَهُوَ الصَّوْتُ الَّذِي يَرُدُّهُ عليكَ الجَبَلُ، قَالَ: والمُكاءُ والتَّصْديَة لَيْسَا بصَلاةٍ، وَلَكِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَخبر أَنهم جَعَلُوا مكانَ الصَّلاةِ الَّتي أُمِروا بِهَا الْمُكَاءَ والتَّصْدِيَة؛ قَالَ: وَهَذَا كقولِكَ رَفَدَنِي فلانٌ ضَرْباً وحرْماناً أَي جَعل هَذَيْن مكانَ الرِّفْدِ والعَطاءِ كَقَوْلِ الْفَرَزْدَقِ:
قَرَيْناهُمُ المَأَثُورَةَ البِيضَ قَبْلَها، ... يَثُجُّ القُرونَ الأَيْزَنِيُّ المُثَقَّف «2»
. أَي جَعَلْنا لَهُمْ بدَلَ القِرَى السُّيوفَ والأَسِنَّة. والتَّصْدِيَة: ضَرْبُكَ يَداً عَلَى يَدٍ لتُسْمِعَ ذَلِكَ إِنْسَانًا، وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِ مُكاءً وتَصْدِيَة. صَدَّى: قيلَ أَصْلُه صَدَّدَ لأَنَّه يقابِلُ فِي التَّصْفِيقِ صَدُّ هَذَا صَدَّ الآخَرِ أَي وجْهاهُما وجْهُ الكَفِّ يقابِلُ وَجْهَ الكَفِّ الأُخْرَى. قَالَ أَبو العَبَّاسِ رِوَايَةً عَنِ المُبَرِّدِ «3» . الصَّدَى عَلَى سِتَّةِ أَوجه، أَحدها مَا يَبْقَى مِنَ المَيّتِ فِي قَبْرِه وَهُوَ جُثَّتهُ؛ قَالَ النَّمِر بنُ تَوْلَبٍ:
أَعاذِلُ، إنْ يُصْبِحْ صَدَايَ بقَفْرَةٍ ... بَعِيداً نَآنِي ناصِرِي وقرِيبي
ف صَدَاهُ: بَدَنهُ وجُثَّتهُ، وَقَوْلُهُ: نَآنِي أَي نَأَى عَنِّي، قَالَ: والصَّدَى الثَّانِي حُشْوةُ الرأْسِ يُقَالُ لَهَا الهَامَةُ والصَّدَى، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَقولُ: إنَّ عِظامَ المَوْتَى تَصِيرُ هامَةً فتَطِيرُ، وَكَانَ أَبو عُبَيْدَةَ يَقُولُ: إِنَّهُمْ كَانُوا يسَمون ذَلِكَ الطَّائِرَ الَّذِي يخرُجُ مِنْ هَامَةِ المَيِّتِ إِذَا بَلِيَ الصَّدَى، وجَمْعُه أَصْدَاءٌ؛ قَالَ أَبو دُوَادَ:
سُلِّطَ المَوْتُ والمَنُونُ عَلَيْهِم، ... فلَهُمْ فِي صَدَى المَقابِرِ هَامُ
وَقَالَ لَبِيدٌ:
فَلَيْسَ الناسُ بَعْدَك فِي نَقِيرٍ، ... ولَيْسُوا غَيْرَ أصْدَاءٍ وهامِ
وَالثَّالِثُ الصَّدَى الذَّكَر مِنَ البُومِ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَقُولُ: إِذَا قُتلَ قَتِيلٌ فَلَمْ يُدْرَكْ بِهِ الثَّأْرُ خَرجَ مِنْ رَأْسِه طائِرٌ كالبُومَة وهي الهامَة والذَّكر الصَّدَى، فَيَصِيحُ عَلَى قَبْرِه: اسْقُونِي اسْقُونِي فَإِنْ قُتِل قاتِلُه كَفَّ عَنْ صِياحهِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ «4» . أَضْرِبْكَ حَتَّى تَقولَ الهَامَةُ: اسْقُونِي وَالرَّابِعُ الصَّدَى مَا يرجِع عَلَيْكَ مِنْ صوتِ الْجَبَلِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:
صمَّ صَدَاها وعَفا رَسْمُها، ... واسْتَعْجَمَتْ عَنْ منطِقِ السَّائل
وَرَوَى ابْنُ أَخي الأَصمعي عَنْ عَمِّهِ قَالَ: الْعَرَبُ تَقُولُ الصَّدى فِي الهامةَ، والسَّمْعُ فِي الدِّماغ. يُقَالُ: أَصمَّ اللهُ صَداهُ، مِنْ هَذَا، وَقِيلَ: بَلْ أَصمَّ اللهَ صَدَاه، مِنْ صَدَى الصوتِ الَّذِي يُجِيبُ صَوْتَ المُنادي؛ وَقَالَ رُؤْبَةُ فِي تَصْدِيقِ مَنْ يقول الصَّدَى الدِّماغ:
__________
(2) . قوله [القرون] هكذا في الأَصل هنا، والذي في التهذيب هنا واللسان في مادة يزن: يثج العروق
(3) . قوله [رواية عن المبرد] هكذا في الأَصل، وفي التهذيب: وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمُبَرِّدِ
(4) . هو أبو الإِصبع العدواني، وصدر البيت:
يا عمرو وإن لم تدع شتمي ومنقصتي(14/454)
لِهامِهِم أَرُضُّه وأَنقَخُ ... أُمَّ الصَّدى عَنِ الصَّدى وأَصْمَخُ
وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: والصَّدَى أَيضاً العَطش. يُقَالُ: صَدِيَ الرجلُ يَصْدَى صَدىً، فَهُوَ صَدٍ وصَدْيانُ؛ وأَنشد «1» :
ستعلمُ، إِنْ مُتنا صَدىً، أَيُّنا الصَّدِي
وَقَالَ غَيْرُهُ: الصَّدَى العَطَشُ الشديدُ. وَيُقَالُ: إِنَّهُ لَا يشتدُّ العطشُ حَتَّى ييبَسَ الدماغُ، وَلِذَلِكَ تنشَقُّ جلدةُ جَبهةِ مَنْ يموتُ عَطَشًا، وَيُقَالُ: امرأَة صَدْيا وصادِيَةٌ. والصَّدَى السادسُ قولُهُم: فُلَانٌ صَدَى مَالٍ إِذَا كَانَ رَفِيقًا بسِياسِتها «2» ؛ وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: يُقَالُ فلانٌ صَدَى مالٍ إِذَا كَانَ عَالِمًا بِهَا وبمَصلحَتِها، ومثلُه هُوَ إزاءُ مالٍ، وإنه ل صَدَى مالٍ أَي عالِمٌ بمصلحتهِ، وخصَّ بَعْضُهُمْ بِهِ الْعَالِمَ بمصلحةِ الإِبل فَقَالَ: إِنَّهُ لصَدَى إبلٍ. وَقَالَ: وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا مَاتَ وهَلَك صمَّ صَدَاه، وَفِي الدُّعَاءِ عَلَيْهِ: أَصَمَّ اللَّهُ صَدَاه أَي أَهْلكه، وأَصلهُ الصَّوْتُ يَرُدُّه عَلَيْكَ الْجَبَلُ إِذَا صِحْتَ أَو المكانُ المُرْتَفِعُ الْعَالِي، فَإِذَا مَاتَ الرَّجُلُ فَإِنَّهُ لَا يُسْمَع وَلَا يُصَوِّت فيَرُدَّ عَلَيْهِ الْجَبَلُ، فكأَن مَعْنَى قَوْلِهِ صَمَّ صَداهُ أَي مَاتَ حَتَّى لَا يُسْمع صوتهُ وَلَا يجابُ، وَهُوَ إِذَا ماتَ لَمْ يَسْمَع الصَّدى مِنْهُ شَيْئًا فيُجيبَه؛ وَقَدْ أَصْدَى الْجَبَلُ. وَفِي حَدِيثِ
الْحَجَّاجِ: قَالَ لأَنَسٍ أَصَمَّ اللَّهُ صَدَاكَ
أَي أَهْلَكك الصَّدَى: الصَّوْتُ الَّذِي يسمَعُه المُصَوِّتُ عقَيبَ صِياحهِ رَاجِعًا إِلَيْهِ مِنَ الجَبلِ والبِناءِ المُرْتَفِع، ثُمَّ اسْتُعِيرَ لِلْهَلَاكِ لأَنه إِنَّمَا يُجَابُ الحَيُّ، فَإِذَا هلكَ الرجلُ صَمَّ صَدَاه كأَنه لَا يَسْمَعُ شَيْئًا فيُجيبَ عَنْهُ؛ ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي أَنه أَنشده لسَدوسِ بْنِ ضِبابٍ:
إِنِّي إِلَى كلِّ أَيْسارٍ ونادِبَةٍ ... أَدْعُو حُبَيْشاً، كَمَا تُدْعى ابْنَةُ الجَبلِ
أَيْ أُنَوِّهُ بِهِ كَمَا يُنَوَّه بابْنة الجَبل، وَقِيلَ: ابنةُ الجَبل هِيَ الحَيَّة، وَقِيلَ: هِيَ الدَّاهِيَةُ؛ وأَنشد:
إِنْ تَدْعهُ مَوْهِناً يَعْجَلْ بجابَتِهِ ... عارِي الأَشاجِعِ، يَسْعى غَيْرَ مُشْتمِل
يَقُولُ: يَعْجَل حُبَيْشٌ بجابَتهِ كَمَا يَعْجَلُ الصَّدى وَهُوَ صوتُ الجَبل. أَبو عُبَيْدٍ: والصَّدى الرجلُ اللّطِيفُ الجَسَدِ؛ قَالَ شَمِرٌ: رَوَى أَبو عُبَيْدٍ هَذَا الحَرْفَ غيرَ مهموزٍ، قَالَ: وأُراهُ مَهْمُوزًا كأَنَّ الصَّدأَ لغةٌ فِي الصَّدَعِ، وَهُوَ اللَّطِيفُ الجِسْمِ، قَالَ: وَمِنْهُ مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ
صَدَأٌ مِنْ حديدٍ
فِي ذِكْرِ عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ. والصَّدى: ذكرُ البُومِ والهامُ، والجمعُ أَصْداءٌ؛ قَالَ يَزِيدُ بْنُ الحَكَم:
بكلِّ يَفاعٍ بُومُها تُسْمِعُ الصَّدى ... دُعاءً، مَتَى مَا تُسْمِعِ الهامَ تَنْأَجِ
تَنْأَج: تَصِيحُ، قَالَ: وجمعهُ صَدَوَات؛ قَالَ يَزِيدُ بْنُ الصَّعِق:
فلنْ تَنْفَكَّ قُنْبُلَة ورَجْلٌ ... إليكمْ، مَا دَعا الصَّدَواتِ بُومُ
قَالَ: والياءُ فِيهِ أَعرَفُ. والتَّصْدِيَةُ: التَّصْفِيقُ. وصَدَّى الرَّجُلُ: صَفَّقَ بِيَدَيْهِ، وَهُوَ مِنْ مُحَوَّل التَّضْعِيف. والمُصَادَاةُ: المُعارَضَة. وتصَدَّى للرجلِ: تَعَرَّض لَهُ وتَضَرَّعَ، وَهُوَ الَّذِي يَسْتَشْرِفهُ نَاظِرًا إِلَيْهِ. وَفِي حَدِيثِ
أَنسٍ فِي غَزْوَةِ حنينٍ: فَجَعَلَ الرَّجُلُ يتَصدَّى لرسولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ليَأْمُرَه بقَتْلِه
؛ التَّصَدِّي: التَّعَرُّض للشيءِ. وتَصَدَّى للأَمر: رَفع رأْسَه إِلَيْهِ. والصَّدَى: فعلُ المُتَصَدِّي. والصَّدَاةُ: فعلُ المُتَصَدِّي، وَهُوَ الَّذِي يَرْفعُ رأْسَه وصَدْرَه يتصَدَّى لِلشَّيْءِ يَنْظُرُ
__________
(1) . البيت لطرفة من معلقته
(2) . المراد بالمال هنا الإِبل، ولذلك أنث الضمير العائد إليها(14/455)
إِلَيْهِ؛ وأَنشد لِلطِّرِمَّاحِ:
لَهَا كلَّما صاحتْ صَدَاةٌ ورَكْدَةٌ «1»
. يَصِفُ هَامَّةً إِذَا صاحتْ تَصَدَّتْ مرَّةً وركَدَت أُخْرى. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: مَنْ قرأَ صَادِ بالكسرِ فَلَهُ وجهانِ: أَحدهما أَنه هجاءٌ موقوفٌ فكُسِرَ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَالثَّانِي أَنه أَمرٌ مِنَ المُصاداةِ عَلَى مَعْنَى صَادِ القرآنَ بعَملِك أَي قابِلْه. يُقَالُ: صادَيْتُه أَي قابَلْتُه وعادَلْتُه، قَالَ: وَالْقِرَاءَةُ صادْ بسكونِ الدَّالِ، وَهِيَ أَكثرُ الْقِرَاءَةِ لأَن الصادَ مِنْ حُروفِ الهِجاء وَتَقْدِيرُ سكونِ الوقْفِ عَلَيْهَا، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ الصادِقُ اللهُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ القَسَم، وَقِيلَ: ص اسْمُ السورةِ وَلَا يَنْصَرِف. أَبو عَمْرٍو: وصادَيْت الرجلَ وداجَيْتُه ودارَيْتُه وساتَرْتُه بِمَعْنًى وَاحِدٍ؛ قَالَ ابْنُ أَحمر يَصِفُ قُدُورًا:
ودُهْمٍ تُصَادِيها الوَلائِدُ جِلَّةٍ، ... إِذَا جَهِلَت أَجْوافُها لَمْ تَحَلَّمِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قولُ الشَّاعِرِ:
صادِ ذَا الظَّعْن إلى غِرَّتِهِ، ... وإذا دَرَّتْ لَبونٌ فاحْتَلِبْ «2»
. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ: ذَكَر أَبا بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، كَانَ وَاللَّهِ بَرّاً تَقِيّاً لَا يُصادى غَرْبُه
أَي تُدارى حدَّثُه وتُسَكَّنُ، والغَرْبُ الحِدَّةُ، وَفِي رِوَايَةٍ:
كَانَ يُصَادى مِنْهُ غَرْبٌ
، بِحَذْفِ النَّفْيِ، قَالَ: وَهُوَ الأَشْبَه لأَن أَبا بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَتْ فِيهِ حِدَّةٌ يَسيرة؛ قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ فِي المُصَادَاةِ: قَالَ أَهلُ الكوفَة هِيَ المداراةُ، وَقَالَ الأَصمعيْ: هِيَ الْعِنَايَةُ بِالشَّيْءِ، وَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ وَقَدْ نتَجَ نَاقَةً لَهُ فَقَالَ لَمَّا مَخَضَتْ: بتُّ أُصادِيها طولَ لَيْلَى، وَذَلِكَ أَنه كَرِه أَن يَعْقِلَها فيُعَنِّتَها أَو يَدَعَها فتَفْرَقَ أَي تَنِدَّ فِي الأَرض فيأْكُلَ الذئبُ ولدَها، فَذَلِكَ مُصاداتهُ إِيَّاهَا، وَكَذَلِكَ الرَّاعِي يُصادِي إبِلَه إِذَا عَطِشَتْ قَبْلَ تمامِ ظِمْئِها يمنعُها عَنِ القَرَب؛ وَقَالَ كُثَيِّرٌ:
أَيا عَزُّ، صَادِي القَلْبَ حَتَّى يَوَدَّني ... فؤادُكِ، أَو رُدِّي علَيَّ فؤادِيا
وَقِيلَ فِي قَوْلِهِمْ فُلانٌ يَتصَدَّى لفلانٍ: إِنَّهُ مأْخُوذٌ مِنِ اتِّباعهِ صَداه أَي صَوْتَه؛ وَمِنْهُ قَوْلٌ آخَرُ مأْخوذ مِنَ الصَّدَدِ فقُلِبَتْ إِحْدَى الدَّالَاتِ يَاءً فِي يتَصدَّى، وَقِيلَ فِي حَدِيثِ
ابنِ عباسٍ إِنَّهُ كَانَ يُصادَى مِنْهُ غَرْبٌ
أَي أَصدقاؤُهُ كَانُوا يَحْتَملون حدَّتَهُ؛ قَوْلُهُ يُصَادَى أَي يُدارَى. والمُصاداةُ والمُوالاةُ والمُداجاةُ والمُداراةُ والمُراماةُ كلُّ هَذَا فِي مَعْنَى المُداراةِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى
؛ أَي تتَعَرَّض، يُقَالُ: تَصَدَّى لَهُ أَي تَعَرَّضَ لَهُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
مِنَ المُتَصَدِّياتِ بغيرِ سُوءٍ، ... تسِيلُ، إِذَا مَشتْ، سَيْلَ الحُبابِ
يَعْنِي الحَيَّةَ، والأَصلُ فِيهِ الصَّدَد وَهُوَ القُرْب، وأَصله يتصَدَّدُ فقُلِبتْ إِحْدَى الدَّالَاتِ يَاءً. وكلُّ مَا صَارَ قُبالَتَك فَهُوَ صَدَدُك. أَبو عُبَيْدٍ عَنِ العَدَبَّسِ: الصَّدَى هُوَ الجُدْجُدُ الَّذِي يَصِرُّ بِاللَّيْلِ أَيضاً، قَالَ: والجُنْدُبُ أَصغر مِنَ الصَّدَى يَكُونُ فِي البَراري؛ قَالَ: والصَّدَى هُوَ هَذَا الطائرُ الَّذِي يَصِرُّ بِاللَّيْلِ ويَقْفِز قَفَزاناً ويَطِيرُ، والناسُ يَرَوْنَه الجُنْدُبَ، وإنما هو الصَّدَى.
__________
(1) . قوله [كلما صاحت إلخ] هكذا في الأَصل، وفي التكملة: كلما ريعت إلخ
(2) . قوله [الظعن] هو بالظاء المعجمة في الأَصل، وفي بعض النسخ بالطاء المهملة(14/456)
وصَادَى الأَمرَ وصادَ الأَمرَ «3» . دَبَّرَهُ. وصَادَاهُ: دَاراهُ ولايَنَه. وصدو
الصَّدْوُ: سُمٌّ تُسْقاهُ النِّصالُ مثلُ دَمِ الأَسْودِ. وصُداءٌ: حَيٌّ مِنَ الْيَمَنِ؛ قَالَ:
فقُلْتُم: تعالَ يا يَزي بنَ مُحَرِّقٍ، ... فقلتُ لَكُمْ: إِنِّي حَلِيفُ صُداءِ
والنَّسَبُ إِلَيْهِ صُداوِيٌّ «4» . عَلَى غَيْرِ قياس.
صري: صَرَى الشيءَ صَرْياً: قَطَعَه ودَفَعه؛ قَالَ ذُو الرُّمة:
فوَدَّعْنَ مُشْتاقاً أَصَبْنَ فُؤادَهُ، ... هَواهُنَّ، إِنْ لَمْ يَصْرِهِ اللهُ، قاتِلُهْ
وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ إنَّ آخِرَ مَنْ يَدْخُلُ الجنَّةَ لرَجُلٌ يَمْشِي عَلَى الصِّرَاطِ فيَنْكَبُّ مَرَّةً ويمشي مَرَّةً وتَسْفَعُه النارُ، فَإِذَا جَاوَزَ الصراطَ تُرْفَع لَهُ شَجرةٌ فَيَقُولُ يَا ربِّ أَدْنِني مِنْهَا؛ فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَي عَبْدِي مَا يَصْرِيك مِنِّي؟
قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: قَوْلُهُ مَا يَصْرِيكَ مَا يَقطَعُ مَسْأَلتَك عَنِّي ويَمْنَعُك مِنْ سُؤَالِي. يُقَالُ: صَرَيْتُ الشيءَ إِذَا قطَعْته ومنَعْته. وَيُقَالُ: صَرَى اللهُ عنكَ شرَّ فلانٍ أَي دَفَعه؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِلطِّرِمَّاحِ:
وَلَوْ أَنَّ الظعائِنَ عُجْنَ يَوْمًا ... عليَّ ببَطْنِ ذِي نَفْرٍ، صَرانِي «5»
. أَي دَفعَ عَنِّي وَوَقَانِي. وصَرَيْتهُ: منَعْتُه؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
لَيْسَ الفُؤادُ بِراءٍ أَرْضَها أَبداً، ... وَلَيْسَ صارِيَهُ مِنْ ذِكرِها صارِ
وصَرَيْتُ مَا بَيْنَهُمْ صَرْياً أَي فَصَلْتُ. يُقَالُ: اخْتَصَمنا إِلَى الحاكم ف صَرَى مَا بينَنا أَي قَطَعَ مَا بينَنا وفَصَلَ. وصَرَيْتُ الماءَ إِذَا اسْتَقَيْتَ ثُمَّ قَطَعْتَ. والصَّارِي: الحافِظُ. وصَراهُ اللَّهُ: وَقَاهُ، وَقِيلَ: حَفِظَه، وَقِيلَ: نَجَّاه وكَفاهُ، وكلُّ ذَلِكَ قريبٌ بعضهُ مِنْ بعضٍ. وصَرَى أَيضاً: نَجَّى؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
صَرَى الفَحْلَ مِنِّي أَنْ ضَئِيلٌ سَنامُه، ... وَلَمْ يَصْرِ ذاتَ النَّيِّ مِنْهَا بُرُوعُها
وصَرَى مَا بينَنا يَصْرِي صَرْياً: أَصْلَحَ. والصَّرَى والصِّرَى: الماءُ الَّذِي طالَ اسْتِنقاعه؛ وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: إِذَا طَالَ مُكْثُه وتغَيَّر، وَقَدْ صَرِيَ الماءُ بِالْكَسْرِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:
صَرىً آجِنٌ يَزْوي لَهُ المَرْءُ وجْهَه، ... إِذَا ذاقَه ظَمْآنُ فِي شَهْرِ ناجِرِ
وأَنشد لِذِي الرُّمَّةِ أَيضاً:
وَمَاءٍ صَرىً عَافِي الثَّنايا كأَنه، ... مِنَ الأَجْنِ، أَبْوالُ المَخاضِ الضَّوارِبِ
ونُطْفةٌ صَراةٌ: مُتَغيِّرَة. وصَرَى فُلانٌ الماءَ فِي ظَهْرِه زَماناً صَرْياً: حَبَسه بامْتِساكه عَنِ النِّكَاحِ، وَقِيلَ جَمَعه. ونُطْفةٌ صَرَاةٌ: صَرَاها صاحِبُها فِي ظَهْرهِ زَمَانًا؛ قَالَ الأَغلب الْعِجْلِيُّ:
رُبَّ غُلامٍ قَدْ صَرَى فِي فِقْرَتِهْ ... ماءَ الشَّبابِ، عُنْفُوانَ سَنْبَتِهْ،
أَنْعَظَ حَتَّى اشتَدَّ سَمُّ سُمَّتِهْ
__________
(3) . قوله [وصَادَى الأَمر وَصَادَ الأَمر] هكذا في الأَصل
(4) . قوله [صُدَاوِي] هكذا في بعض النسخ، وهو موافق لما في المحكم هنا وللسان في مادة صدأ، وفي بعضها صدائي وهو موافق لما في القاموس
(5) . قوله [ذي نفر] هكذا في الأَصل بهذا الضبط، ولعله ذي بقر(14/457)
وَيُرْوَى: رأَتْ غُلَامًا، وَقِيلَ: صَرَى أَي اجْتَمع، والأَصل صَرِيَ، فَقُلِبَتِ الياءُ أَلفاً كَمَا يُقَالُ بَقَى فِي بَقِيَ. المُنْتَجع: الصَّرْيانُ مِنَ الرِّجَالِ والدوابِّ الَّذِي قَدِ اجْتَمع الماءُ فِي ظَهْرهِ؛ وأَنشد:
فَهُوَ مِصَكُّ صَمَيان صَرْيان
أَبو عَمْرٍو: ماءٌ صَرىً وصِرىً، وَقَدْ صَرِيَ يَصْرَى. والصَّرَى: اللَّبَنُ الَّذِي قَدْ بَقِيَ فتَغَيَّرَ طَعْمهُ، وَقِيلَ: هُوَ بقيَّةُ اللَّبَنِ، وَقَدْ صَرِيَ صَرىً، فَهُوَ صَرٍ، كَالْمَاءِ. وصَرِيَتِ الناقةُ صَرىً وأَصْرَتْ: تَحَفَّل لبَنُها فِي ضَرْعِها؛ وأَنشد:
مَنْ للجَعافِرِ يَا قوْمي، فَقَدْ صَرِيَتْ، ... وَقَدْ يُساقُ لذاتِ الصَّرْيةِ الحَلَبُ
اللَّيْثُ: صَرِيَ اللَّبَنُ يَصْرَى فِي الضَّرْعِ إِذَا لَمْ يُحْلَبْ ففَسَدَ طَعْمُهُ، وَهُوَ لَبَنٌ صَرىً. وَفِي حَدِيثِ
أَبي مُوسَى: أَنَّ رَجُلًا اسْتَفْتاه فَقَالَ: امرأَتي صَرِيَ لبَنُها فِي ثَدْيها فدَعَتْ جارِيةً لَهَا فمَصَّته، فَقَالَ: حَرُمَت عليكَ
، أَي اجْتَمَع فِي ثدْيِها حَتَّى فسَدَ طَعْمُه، وتحْريمُها عَلَى رأْيِ مَنْ يَرَى أَنَّ إرْضاع الْكَبِيرِ يُحَرِّم. وصَرَيْتُ الناقةَ وغيرَها مِنْ ذواتِ اللَّبنِ وصَرَّيْتُها وأَصْرَيتها: حفَّلْتها. وناقةٌ صَرْيَاءُ: مُحَفَّلة، وجمعُها صَرَايا عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ. وَفِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِنْ اشْتَرَى مُصَرَّاة فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَينِ، إِنْ شاءَ رَدَّها ورَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تمرٍ
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: المُصَرّاة هِيَ الناقةُ أَو البَقرة أَو الشَّاةُ يُصَرَّى اللبنُ فِي ضَرْعِها أَي يُجْمَعُ ويُحْبَسُ، يُقَالُ مِنْهُ: صَرَيْتُ الماءَ وصَرَّيْتُه. وَقَالَ ابْنُ بُزُرْجَ: صَرَتِ الناقةُ تَصْرِي مِنَ الصَّرْيِ، وَهُوَ جَمْعِ اللبنِ فِي الضَّرْعِ: وصَرَّيْت الشَّاةَ تَصْرِيةً إِذَا لَمْ تَحْلُبْها أَياماً حَتَّى يجتمعَ اللَّبَنُ فِي ضَرْعِها، والشاةُ مُصَرَّاة. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُقَالُ ناقةٌ صَرْياءُ وصَرِيَّة؛ وأَنشد أَبو عَمْرو لمُغَلِّس الأَسَدِيِّ:
لَيَاليَ لَمْ تُنْتَجْ عُذامٌ خَلِيَّةً، ... تُسَوِّقُ صَرْيَا فِي مُقَلَّدَةٍ صُهْبِ «1»
. قَالَ: وَقَالَ ابْنُ خالَويَه الصَّرْية اجتماعُ اللبنِ، وَقَدْ تُكْسَر الصادُ، وَالْفَتْحُ أَجْوَدُ. وَرَوَى ابْنُ بَرِّيٍّ قَالَ: ذَكَرَ الشَّافِعِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، المُصَرَّاةَ وَفَسَّرَهَا أَنها الَّتِي تُصَرُّ أَخلافُها وَلَا تحْلَبُ أَياماً حَتَّى يجتمعَ اللبنُ فِي ضَرْعِها، فَإِذَا حَلَبَها الْمُشْتَرِي اسْتغْزرَها. قَالَ: وَقَالَ الأَزهري جائزٌ أَن تكونَ سُمِّيَتْ مُصَرَّاةً مِنْ صَرِّ أَخلافِها كَمَا ذَكَرَ، إلَّا أَنهم لَمَّا اجتَمع لَهُمْ فِي الْكَلِمَةِ ثلاثُ راءَاتٍ قُلِبَتْ إِحْدَاهَا يَاءً كَمَا قَالُوا تَظَنَّيْتُ فِي تَظنَّنْتُ، ومثلهُ تَقَضَّى البازِي فِي تَقَضَّضَ، والتَّصَدِّي فِي تَصَدَّدَ، وكثيرٌ مِنْ أَمثالِ ذَلِكَ أَبْدلوا مِنْ أَحدِ الأَحرفِ المكرَّرةِ يَاءً كَرَاهِيَةً لاجتماعِ الأَمثالِ، قَالَ: وَجَائِزٌ أَن تَكُونَ سمِّيتْ مُصَرَّاةً مِنَ الصَّرْيِ، وَهُوَ الْجَمْعُ كَمَا سَبق، قَالَ: وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الأَكثرون، وَقَدْ تَكَرَّرَتْ هَذِهِ اللفظةُ فِي أَحاديث مِنْهَا
قَوْلُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تصرُّوا الإِبِلَ والغَنَم
، فَإِنْ كَانَ مِنَ الصَّرِّ فَهُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّ الصَّادِ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الصَّرْيِ فَيَكُونُ بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الصَّادِ، وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهُ لأَنه خِداعٌ وغِشٌّ. ابْنُ الأَعرابي: قِيلَ لابْنَةِ الخُسِّ أَيُّ الطعَامِ أَثْقَلُ؟ فَقَالَتْ: بَيْضُ نَعامْ وصَرَى عامٍ بعدَ عامْ أَي نَاقَةٌ تُغَرِّزُها عَامًا بعدَ عامٍ؛ الصَّرَى اللَّبَنُ يُتْرَكُ فِي ضَرْعِ النَّاقَةِ فَلَا يُحتَلَبُ فَيصِيرُ مِلْحاً ذَا رِياحٍ. وردَّ أَبو الْهَيْثَمِ عَلَى ابْنِ الأَعرابي قَوْلَهُ صَرَى عامٍ بعدَ عامٍ، وَقَالَ:
__________
(1) . قوله [ليالي إلخ] هذا البيت هو هكذا بهذا الضبط في الأَصل(14/458)
كَيْفَ يكونُ هَذَا والناقَةُ إنَّما تُحْلَب ستَّةَ أَشهُرٍ أَو سَبْعَةَ أَشْهُرٍ فِي كلامٍ طَويلٍ قَدْ وَهِمَ فِي أَكْثَرِه؛ قَالَ الأَزهري: وَالَّذِي قَالَهُ ابْنُ الأَعرابي صحيحٌ، قَالَ: ورأَيتُ العَرَب يَحْلُبُونَ النَّاقَةَ مِنْ يومِ تُنْتَجُ سَنَةً إِذَا لَمْ يَحْمِلُوا الفَحْلَ عَلَيْها كِشافاً، ثُمَّ يُغَرِّزُونَها بعدَ تمامِ السَّنَةِ ليَبْقَى طِرْقُها، وَإِذَا غَرَّزُوها وَلَمْ يَحْتَلِبُوها وَكَانَتِ السَّنَةُ مُخْصِبَةً تَرادَّ اللبنُ فِي ضَرْعِها فَخَثُرَ وخَبُثَ طَعْمُه فَامَّسَح، قَالَ: وَلَقَدْ حَلَبْتُ لَيلَةً مِنَ اللَّيالي نَاقَةً مُغَرَّزَة فَلَمْ يَتَهيأْ لِي شربُ صَرَاهَا لِخُبْثِ طَعْمِهِ ودَفَقْتُه، وَإِنَّمَا أَرادتِ ابنَةُ الخُسِّ بقولِها صَرَى عامٍ بَعْدَ عامٍ لَبَنَ عامٍ اسْتَقْبَلَتْه بَعْدَ انْقِضاءِ عامٍ نُتِجَتْ فِيهِ، وَلَمْ يَعْرِف أَبو الْهَيْثَمِ مُرادَها وَلَمْ يَفْهم مِنْهُ مَا فَهِمَه ابْنُ الأَعرابي، فطفِقَ يَرُدُّ عَلَى مَنْ عَرَفَه بتَطْويلٍ لَا مَعْنَى فِيهِ. وصَرَى بَوْله صَرْياً إِذَا قَطَعَه. وصَرِيَ فلانٌ فِي يدِ فلانٍ إِذَا بَقِيَ فِي يَدِهِ رَهْناً مَحْبوساً؛ قَالَ رؤْبة:
رَهْنَ الحَرُورِيِّينَ قَدْ صَرَيتُ
والصَّرى: مَا اجْتَمع مِنَ الدَّمْعِ، وَاحِدَتُهُ صَراةٌ. وصَرِيَ الدَّمْعُ إِذَا اجْتَمع فَلَمْ يَجْرِ؛ وَقَالَتْ خَنْساء:
فَلَمْ أَمْلِكْ، غَداةَ نَعِيِّ صَخْرٍ، ... سَوابِقَ عَبْرةٍ حُلِبَتْ صَرَاها
ابْنُ الأَعرابي: صَرَى يَصْرِي إِذَا قَطَع، وصَرَى يَصْرِي إِذَا عَطَفَ، وصَرَى يَصْرِي إِذَا تقدَّم، وصَرَى يَصْرِي إِذَا تأَخَّرَ، وصَرَى يَصْرِي إِذَا عَلا، وصَرَى يَصْرِي إِذَا سَفَلَ، وصَرَى يَصْرِي إِذَا أَنْجَى إنْساناً مِنْ هَلَكةٍ وأَغاثَهُ؛ وأَنشد:
أَصْبَحْتُ لَحْمَ ضِباعِ الأَرضِ مُقْتَسَماً ... بَيْنَ الفَراعِلِ، إنْ لَمْ يَصْرِني الصَّارِي
وَقَالَ آخَرُ فِي صَرَى إِذَا سَفَل:
والناشِياتِ الماشياتِ الخَيْزَرَى
وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه مَسَحَ بيدهِ النَّصْلَ الَّذِي بَقِيَ فِي لَبَّةِ رافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وتَفَلَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَصْرِ
أَيْ لَمْ يَجْمَع المِدَّةَ. وَفِي حَدِيثِ عَرْضِ نَفْسِه عَلَى الْقَبَائِلِ:
وَإِنَّمَا نَزَلْنَا الصَّرَيَيْنِ اليَمامةَ والسَّمامة
؛ هُمَا تثنيةُ صَرًى، وَيُرْوَى الصِّيرَيْن، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ. وكلُّ ماءٍ مُجْتَمِعٍ صَرىً، وَمِنْهُ الصَّرَاةُ؛ وَقَالَ:
كعُنُق الْآرَامِ أَوْفى أَو صَرَى «1»
. قَالَ: أَوْفى عَلا، وصَرَى سَفَلَ؛ وأَنشد فِي عَطَفَ:
وصَرَيْنَ بالأَعْناقِ فِي مَجْدُولةٍ، ... وَصَلَ الصَّوانِعُ نِصفَهُنَّ جَدِيدَا
قَالَ ابْنُ بُزُرْجَ: صَرَتِ النَّاقةُ عُنُقَها إِذَا رَفَعَتْه مِنْ ثِقَلِ الوِقْرِ؛ وأَنشد:
والعِيسُ بيْنَ خاضِعٍ وصارِي
والصَّراة: نهرٌ مَعْرُوفٌ، وَقِيلَ: هُوَ نَهْرٌ بِالْعِرَاقِ، وَهِيَ الْعُظْمَى وَالصُّغْرَى. والصَّرَاية: نَقِيعُ ماءِ الحَنْظَلِ. الأَصمعي: إِذَا اصْفَرَّ الحَنْظَلُ فَهُوَ الصَّراءُ، ممدودٌ؛ وَرُوِيَ قَوْلَ إمرئِ الْقَيْسِ:
كأَنَّ سَراتَه لَدَى البَيْتِ قَائِمًا ... مَداكُ عَرُوسٍ، أَو صَرَايةُ حَنْظَلِ «2» .
__________
(1) . قوله [كعنق الآرام إلى قوله وصرى سفل] هكذا في الأَصل. ومحل هذه العبارة بعد قوله: والناشيات الماشيات الخيزرى
(2) . صدر البيت مختلّ الوزن، ورواية المعلقة: كأنَّ على المتنين منه، إذا انتحى، مداكَ عروسٍ أَوْ صَلايةَ حَنظلِ(14/459)
والصَّرَاية: الحَنْظَلَةُ إِذَا اصْفَرَّتْ، وجَمْعها صَراءٌ وصَرَايا. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: أَنشد أَبو مَحْضَة أَبياتاً ثُمَّ قَالَ هَذِهِ بِصَراهُنَّ وبِطَراهُنَّ؛ قَالَ أَبو تُرَابٍ: وسأَلت الحُصَيْنيَّ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: هَذِهِ الأَبيات بِطَرَاوَتِهِنَّ وصَرَاوَتِهِنَّ أَي بِجِدَّتِهِنَّ وغَضاضَتِهِنَّ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
قُرْقُورُ ساجٍ، ساجُه مَصْليُّ ... بالقَيْرِ والضَّباب زَنْبَرِيُ
رَفَّعَ مِنْ جِلالِهِ الدَّارِيُّ، ... ومَدَّهُ، إذْ عَدلَ الخَليُّ،
جَلٌّ وأَشْطانٌ وصرَّارِيُّ، ... ودَقَلٌ أَجْرَدُ شَوْذَبِيُ
وَقَالَ سُلَيْك بنُ السُّلَكة:
كأَنَّ مفالِق الْهَامَاتِ مِنهُمْ ... صَراياتٌ تهادَتْها الْجَوَارِي
قَالَ بَعْضُهُمْ: الصِّرايَةُ نقِيعُ الحَنظل. وَفِي نَوَادِرِ الأَعراب: الناقةُ فِي فِخاذِها، وَقَدْ أَفْخَذتْ، يَعْنِي فِي إلْبائِها، وَكَذَلِكَ هِيَ فِي إحْداثها وصَراها. والصَّرى: أَن تحْمِل الناقةُ اثْنَي عَشَرَ شَهْرًا فتُلْبئَ فَذَلِكَ الصَّرى، وَهَذَا الصَّرى غَيْرُ مَا قَالَهُ ابْنُ الأَعرابي، فالصَّرى وَجْهَانِ. والصَّاريَةُ مِنَ الرَّكايا: البَعِيدَة العَهْد بِالْمَاءِ فَقَدَ أَجَنَت وعَرْمَضَتْ. والصَّاري: الملّاحُ، وَجَمْعُهُ صُرٌّ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَفِي الْمُحْكَمِ: وَالْجَمْعُ صُرَّاءٌ، وصَرارِيُّ وصَرارِيُّون كِلَاهُمَا جَمْعُ الْجَمْعِ؛ قَالَ:
جذْبُ الصَّراريِّين بالكُرُور
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنّ الصَّرارِيَّ وَاحِدٌ فِي تَرْجمة صَرر؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
خَشِي الصَّرارِي صَوْلةً ... منهُ، فَعَاذُوا بالكلاكِلْ
وَصَارِي السَّفِينة: الخَشَبة المُعترضةُ فِي وَسَطِها. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ الزُّبَيْر وَبِنَاءِ الْبَيْتِ: فأَمرَ بصَوارٍ فنُصِبَتْ حوْل الكَعبة
؛ هِيَ جَمْعُ الصَّاري وهُو ذَقَلُ السَّفِينَةِ الَّذِي يُنصَبُ فِي وَسَطِها قَائِمًا ويكُون عَلَيْهِ الشِّراعُ. وَفِي حَدِيثِ الإِسراء فِي فَرْض الصَّلَاةِ:
علِمْتُ أَنَّها فَرْضُ اللَّهِ صِرَّى
أَي حَتْمٌ واجبٌ، وَقِيلَ: هِيَ مُشتَقَّة مِنْ صَرَى إِذَا قَطَع، وَقِيلَ: مِنْ أَصْرَرْت على الشيء إذا لزمنه، فَإِنْ كَانَ هَذَا فَهُوَ مِنْ الصَّاد والرَّاءِ المُشَدَّدة. وَقَالَ أَبو مُوسَى: هُوَ صِرِّيٌّ بِوَزْنِ جِنِّيٍّ، وصِرِّيُّ العَزْم ثابتُه ومُستَقِرُّه، قَالَ: وَمِنَ الأَول حَدِيثُ
أَبي سَمَّال الأَسَدي وقد ضَلَّت ناقَتُه فَقَالَ: أَيْمُنكَ لئِنْ لَمْ ترُدَّها عليَّ لَا عَبَدْتُك فأَصابها وَقَدْ تَعلَّق زمامُها بعَوْسجة فأَخذها وَقَالَ: علِمَ ربَّي أَنَّها مِنِّي صِرَّى
أَي عَزِيمَةٌ قاطعةٌ ويمينٌ لازمَة. التَّهْذِيبُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ، قَالَ: فَسَّرُوهُ كلُّهم فصُرْهُنَّ أَمِلْهُنَّ، قَالَ: وأَما فصِرْهُنَّ، بِالْكَسْرِ، فَإِنَّهُ فُسِّر بِمَعْنَى قَطِّعْهُنَّ، قَالَ: وَلَمْ نَجِدْ قَطِّعْهُنَّ مَعْرُوفَةً، قَالَ: وأُراها إِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ مِنْ صَرَيْتُ أَصْري أَي قطَعْت، فقُدِّمَتْ ياؤُها وَقُلِبَ، وَقِيلَ: صِرْتُ أَصِير كَمَا قَالُوا عَثَيْت أَعْثي وعِثْت أَعيثُ بِالْعَيْنِ، مِنْ قَوْلِكَ عِثْتُ فِي الأَرض أَي أَفسَدْت.
صعا: فِي حَدِيثِ
أُمِّ سُلَيْم: قَالَ لَهَا مَا لِي أَرى ابنَكِ خاثرَ النفْس؟ قَالَتْ: مَاتَتْ صَعْوَته
؛ الصَّعْوَةُ: صِغارُ الْعَصَافِيرِ، وَقِيلَ: هُوَ طائرٌ أَصغرُ مِنَ الْعُصْفُورِ وَهُوَ أَحمر الرأْس، وجمعُه صِعاءٌ عَلَى لَفْظِ سِقاءٍ وَيُقَالُ: صَعْوَةٌ واحدةٌ وصَعْوٌ كثيرٌ، والأُنثى(14/460)
صَعْوة، وَالْجَمْعُ صَعَواتٌ. ابْنُ الأَعرابي: صعَا إِذَا دَقَّ، وصَعَا إِذَا صَغُر؛ قَالَ الأَزهري: كأَنه ذهَبَ إِلَى الصَّعْوة وَهُوَ طائِرٌ لطيفٌ وَجَمْعُهُ صِعاءٌ، قَالَ: والأَصْعاء جَمْعُ الصَّعْو طائرٌ صغيرٌ. وَيُقَالُ: الصَّعْوُ والوصْع وَاحِدٌ، كَمَا يُقَالُ جَبَذَ وجذَبَ.
صغا: صَغا إِلَيْهِ يَصْغَى ويَصْغُو صَغْواً وصُغُوّاً وصَغاً: مَالَ، وَكَذَلِكَ صَغِيَ، بِالْكَسْرِ، يَصْغى صَغىً وصُغِيّاً. ابْنُ سِيدَهْ فِي مُعْتَلِّ الْيَاءِ: صَغَى صَغْياً مالَ. قَالَ شَمِرٌ: صَغَوْتُ وصَغَيْتُ وصَغِيتُ وأَكثرهُ صَغَيْت. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: صَغَيْت إِلَى الشَّيْءِ أَصْغَى صُغِيّاً إِذَا مِلت، وصَغَوْت أَصْغُو صُغُوّاً. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ
؛ أَي ولِتَمِيل. وصَغْوه مَعَكَ وصِغْوه وصَغاهُ أَي مَيْلُه معَك. وصَاغِيَةُ الرَّجُلِ: الَّذِينَ يميلونَ إِلَيْهِ ويأْتونه ويَطْلُبون مَا عِنْدَهُ ويَغْشَوْنَه؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: أَكرِموا فُلَانًا فِي صاغيَتِه؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأُراهُم إِنَّمَا أَنَّثُوا عَلَى مَعْنَى الْجَمَاعَةِ، وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: الصَّاغِيَة كلُّ مَنْ أَلمَّ بالرجلِ مِنْ أَهلهِ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَوْف: كاتَبْتُ أُمَيَّة بنَ خَلَف أَن يَحْفَظَني فِي صاغِيَتي بمكة وأَحْفَظه فِي صاغِيَته بِالْمَدِينَةِ
؛ هُمْ خاصَّة الإِنسان وَالْمَائِلُونَ إِلَيْهِ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: كَانَ إِذَا خَلَا مَعَ صَاغِيَته وزافِرتهِ انْبَسط
، والصَّغَا كِتَابَتُهُ بالأَلف. وصَغَا الرجلُ إِذَا مَالَ عَلَى أَحدِ شِقَّيْه أَو انْحَنى فِي قَوْسِهِ، وصغَا عَلَى الْقَوْمِ صَغاً إِذَا كَانَ هَوَاهُ مَعَ غَيْرِهِمْ. وَصَغَا إِلَيْهِ سمْعي يَصْغُو صُغُوّاً وصَغِيَ يَصْغى صَغًا: مَالَ. وأَصْغَى إِلَيْهِ رأْسَه وسَمْعه: أَماله. وأَصْغَيْتُ إِلَى فلانٍ إِذَا مِلْت بسَمْعك نحوَه؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ شَاهِدًا عَلَى الإِصْغاء بالسمْع لِشَاعِرٍ:
تَرى السَّفِيه بِهِ عَنْ كُلِّ مَكرُمَةٍ ... زَيْغٌ، وَفِي إِلَى التَّشْبِيهِ إصغاءُ «1»
. وَقَالَ بعضُهم: صَغَوْت إِلَيْهِ برأْسي أَصْغَى صَغْواً وصَغاً وأَصْغَيْتُ. وأَصْغَتِ الناقةُ تُصْغِي إِذَا أَمالتْ رأْسَها إِلَى الرجلِ كأَنها تَسْتَمع شَيْئًا حِينَ يَشُدُّ عَلَيْهَا الرحْل؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ نَاقَتَهُ:
تُصْغِي إِذَا شَدَّها بالكُورِ جانِحَةً، ... حَتَّى إِذَا مَا استَوى فِي غَرْزِها تَثِبُ
وأَصْغَى الإِناءَ: أَماله وحَرَفَه عَلَى جَنْبه ليَجَتمِع مَا فِيهِ، وأَصْغَاهُ: نقَصَه. يُقَالُ: فُلَانٌ مُصْغىً إناؤُه إِذَا نُقِصَ حَقُّه. وَيُقَالُ: أَصْغَى فُلان إناءَ فُلانٍ إِذَا أَماله ونقَصَه مِنْ حظِّه، وَكَذَلِكَ أَصْغَى حظَّه إِذَا نقَصَه؛ قَالَ النَّمِرُ بْنُ تَوْلبٍ:
وإنَّ ابْنَ أُخْتِ القومِ مُصْغىً إناؤُه، ... إِذَا لَمْ يزاحِمْ خالَه بأَبٍ جَلْدِ
وَفِي حَدِيثِ الهرَّة:
كَانَ يُصْغِي لَهَا الإِناءَ
أَيْ يُميلُه ليَسْهُل عَلَيْهَا الشربُ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
ينفخُ فِي الصُّور فَلَا يسمَعُه أَحدٌ إِلَّا أَصْغى لِيتاً
أَيْ أَمال صَفْحَة عُنقهِ إِلَيْهِ. وَقَالُوا: الصَّبيُّ أَعلمُ بمُصْغَى خدِّه أَيْ هُوَ أَعْلَمُ إِلَى مَنْ يلجأُ أَوْ حيثُ يَنْفعُه. والصَّغا: مَيَلٌ فِي الحَنَك فِي إِحْدَى الشَّفَتين، صَغا يَصْغُو صُغُوّاً وصَغِيَ يَصْغَى صَغاً، فَهُوَ أَصْغَى، والأُنْثى صَغْواءُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
قِراعٌ تَكْلَحُ الرَّوْقاءُ مِنْهُ، ... ويعْتَدِلُ الصَّغا مِنْهُ سَوِيَّا
وقوله أنشده ثعلب:
__________
(1) . قوله [وفي إلى التشبيه] هكذا في الأصول، ولعلها: وفيه إلى التسفيه(14/461)
لَمْ يَبْقَ إِلَّا كلُّ صَغْواءَ صَغْوَةٍ ... بصَحْراء تِيهٍ، بَيْنَ أَرْضَيْنِ مَجْهَلِ
لَمْ يُفَسِّرْهُ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي أَنه يَعْنِي القَطاةَ. والصَّغْوَاءُ: الَّتِي مالَ حَنَكُها وأَحدُ مِنْقارَيْها، فأَمّا صَغْوةٌ فَعَلَى الْمُبَالَغَةِ، كَمَا تَقُولُ لَيْلٌ لائِلٌ، وَإِنِ اختَلَف البِناءَانِ، وَقَدْ يَجُوزُ أَن يُرِيدَ صَغِيَّةً فخَفَّفَ فردَّ الواوَ لِعَدَمِ الْكَسْرَةِ، عَلَى أَن هَذَا البابَ الحكمُ فِيهِ أَن تَبْقَى الياءُ عَلَى حالِها لأَن الْكَسْرَةَ فِي الحرفِ الَّذِي قَبْلَها مَنْوِيَّةٌ. وصَغَتِ الشمسُ والنجومُ تَصْغُو صُغُوّاً: مالَتْ للغُروبِ، وَيُقَالُ للشمسِ حِينَئِذٍ صَغْواءُ، وَقَدْ يتَقاربُ مَا بَيْنَ الْوَاوِ وَالْيَاءِ فِي أَكثرِ هَذَا الْبَابِ، قَالَ: ورأَيتُ الشمسَ صَغْوَاءَ؛ يريدُ حِينَ مالَتْ؛ وأَنشد:
صَغْواءَ قَدْ مالَتْ ولَمَّا تَفْعَلِ
وَقَالَ الأَعْشَى:
تَرَى عينَها صَغْوَاءَ فِي جَنْبِ مُوقِها، ... تُراقِبُ كَفِّي والقَطِيعَ المُحَرَّمَا
قَالَ الْفَرَّاءُ: ويقالُ للقَمَرِ إِذَا دَنا للغُروبِ صَغَا، وأَصْغَى إِذَا دَنَا. وصِغْوُ المِغْرَفَةِ: جَوْفُها. وصِغْوُ البئرِ: ناحِيَتُها. وصِغْوُ الدَّلْوِ: مَا تَثَنَّى مِنْ جَوانِبِه؛ قَالَ ذُو الرمَّة:
فَجَاءَتْ بمُدٍّ نِصفُه الدِّمْنُ آجِنٌ، ... كَماء السَّلَى فِي صِغْوِها يَتَرَقْرَقُ
ابْنُ الأَعرابي: صِغْوُ المِقْدَحَةِ جَوْفُها. وَيُقَالُ: هُوَ فِي صِغْوِ كفّهِ أَي فِي جَوْفِها. والأَصَاغِي: بَلَدٌ؛ قَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤَيَّة:
لَهُنَّ بِمَا يَبْنَ الأَصَاغِي ومَنْصَحٍ ... تَعَاوٍ، كَمَا عَجَّ الحَجِيجُ المُلَبِّدُ «2» .
صَفَا: الصَّفْوُ والصَّفَاءُ، مَمْدودٌ: نَقِيضُ الكَدَرِ، صفَا الشيءُ والشَّرابُ يَصْفُو صَفاءً وصُفُوّاً، وصَفْوُهُ وصَفْوَتُه وصِفْوَتُه وصُفْوَتُه: مَا صَفَا مِنْهُ، وصَفَّيْتُه أَنَا تَصْفِيَةً. وصَفْوَةُ كُلِّ شيءٍ: خالِصُهُ مِنْ صَفْوَةِ المالِ وصَفْوَةِ الإِخَاء. الْكِسَائِيُّ: هُوَ صُفْوَةُ المَاءِ وصِفْوَةُ الماءِ، وَكَذَلِكَ المالُ. وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: يُقَالُ لَهُ صَفْوَةُ مالِي وصِفْوَةُ مالِي وصُفْوَة مالِي، فَإِذَا نَزَعُوا الهاءَ قَالُوا لَهُ صَفْوُ مالِي، بِالْفَتْحِ لَا غَيْرُ. وَفِي حَدِيثِ
عَوفِ بْنِ مَالِكٍ: لَهُمْ صِفْوَةُ أَمْرِهِمْ
؛ الصِّفْوةُ، بالكَسْرِ: خِيارُ الشَّيْءِ وخُلاصَتُه وَمَا صَفَا مِنْهُ، فَإِذَا حُذِفَتِ الْهَاءُ فُتِحْتَ الصَّادُ، وَهُوَ صَفْوُ الإِهالَة لَا غيرُ. والصَّفَاءُ: مَصْدَرُ الشيءِ الصَّافِي. وَإِذَا أَخَذَ صَفْوَ ماءٍ مِنْ غدِيرٍ قَالَ: اسْتَصْفَيْتُ صَفْوَةً. وصَفَوْتُ القِدْرَ إِذَا أَخَذْتَ صَفْوَتَها. والمِصْفَاةُ: الرَّاوُوقُ. وَفِي الإِناءِ صِفْوَةٌ مِن مَاءٍ أَوْ خَمْرٍ أَي قَلِيلٌ. وصَفَا الجَوُّ: لَمْ تَكُنْ فِيهِ لُطْخَةُ غَيْمٍ. ويومٌ صافٍ وصَفْوانُ إِذَا كَانَ صَافِيَ الشَّمْس لَا غَيْمَ فِيهِ وَلَا كَدَرَ وَهُوَ شدِيدُ البَرْدِ. وقولُ أَبي فَقْعَسٍ فِي صِفَةِ كَلإٍ: خَضِعٌ مَضِغٌ صافٍ رَتِعٌ؛ أَراد أَنَّه نَقِيٌّ مِنَ الأَغْثَاءِ والنَّبْتِ الَّذِي لَا خَيْرَ فِيهِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَهُوَ مِنَ هَذَا الْبَابِ، وَقَدِ يَكُونُ صَافٍ مَقْلُوبًا مِنْ صائِفٍ أَي أَنه نَبْتٌ صَيْفِيٌّ فقُلِبَ، فَإِذَا كَانَ هَذَا فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ ص ي ف. أَبو عُبَيْدٍ: الصَّفِيُّ مِنَ الْغَنِيمَةِ مَا اخْتارَه الرَّئِيسُ مِنَ المَغْنَمِ واصْطَفاه لنَفْسِه قبلَ القسْمَةِ منْ فَرسٍ أَو سيفٍ أَو غَيْرِهِ، وَهُوَ الصَّفِيَّةُ أَيضاً، وجَمْعُه صَفَايا؛ وأَنشد لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَنَمة يُخَاطِبُ بِسْطامَ بنَ قَيْسٍ:
لَكَ المِرْباعُ فِيها والصَّفَايا، ... وحُكْمُكَ والنَّشِيطَةُ والفُضولُ
__________
(2) . قوله [الملبد] تقدم لنا في مادة نصح: الحجيج المبلد؛ والصواب ما هنا(14/462)
وَفِي الْحَدِيثِ:
إنْ أَعْطَيْتُمُ الخُمُس وسهمَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والصَّفِيَّ فأَنْتُم آمِنُونَ
؛ قَالَ الشَّعْبِيُّ: الصَّفِيُّ عِلْقٌ تَخَيَّرَهُ رسولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، منَ المَغْنم، كانَ مِنْهُ صَفِيَّةُ بنتُ حُيَيٍّ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
عَائِشَةَ: كَانَتْ صَفِيَّةُ مِنَ الصَّفَايا
، تَعْني صَفِيَّة بنْتَ حُيَيٍّ كانتْ مِنْ غَنيمَةِ خَيْبَرَ. واسْتَصْفَيْتُ الشَّيْءَ إِذَا اسْتَخْلَصْتَه.
وَمَنْ قرأَ: فاذكُروا اسمَ اللهِ عَلَيْها صَوافِيَ
، بِالْيَاءِ، فَتفسيرهُ أَنَّها خالصَة لِلَّهِ تَعَالَى يذْهَب بِهَا إِلَى جَمْعِ صافِيَة؛ وَمِنْهُ قِيلَ للضِّيَاع الَّتِي يَسْتَخْلِصُها السلطانُ لِخَاصَّتِهِ: الصَّوَافِي. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ وَالْعَبَّاسِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنهما دَخَلا عَلَى عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وهُما يَخْتَصِمان فِي الصَّوافِي الَّتِي أَفاءَ اللهُ عَلَى رسولِه، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ أَموال بَني النَّضِير
؛ الصَّوَافِي: الأَمْلاكُ والأَرض الَّتِي جَلا عَنْها أَهْلُها أَو ماتُوا وَلَا وارِثَ لَها، وَاحِدَتُهَا صَافِيَةٌ. واسْتَصْفَى صَفْوَ الشَّيْءِ: أَخَذَه. وصَفَا الشيءَ: أَخَذَ صَفْوَه؛ قَالَ الأَسْودُ بْنُ يَعْفُرَ:
بَهَالِيلُ لَا تَصْفُو الإِمَاءُ قُدُورَهُمْ، ... إِذَا النَّجْمُ وافَاهُمْ عِشاءً بشَمْأَلِ
وَقَوْلُ كُثَيِّرِ عَزَّةَ:
كأَنَّ مَغارِزَ الأَنْيابِ منْها، ... إِذَا مَا الصُّبْحُ نَوَّرَ لانْفِلاقِ،
صَلِيتُ غَمامَةٍ بجَناةِ نَحْلٍ، ... صَفَاةِ اللَّوْنِ طَيِّبَةِ المَذَاقِ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ:؛ قِيلَ في تفسير صَفاةُ اللَّوْنِ صَافِيةٌ، قَالَ: وَهُوَ عِنْدِي فَعِلَةٌ عَلَى النَّسَب كأَنه صَفِيَةٌ، قُلِب إِلَى صَفَاةٍ، كَمَا قِيلَ ناصَاةٌ وباناةٌ. واسْتَصْفَى الشيءَ واصْطَفاه: اختارَهُ. اللَّيْثُ: الصَّفَاءُ مُصَافَاةُ المَوَدَّةِ والإِخاءِ. والاصْطِفَاءُ: الاخْتِيارُ، افْتِعالٌ مِنَ الصَّفْوَةِ. وَمِنْهُ: النبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صَفْوَةُ اللَّهِ منْ خَلْقِه ومُصْطَفاةُ، والأَنْبِياءُ المُصْطَفَوْنَ، وهم من المُطْطَفَين إِذَا اخْتِيرُوا، وهُمُ المُصْطَفُون إِذَا اخْتَارُوا، وَهَذَا بِضَمِّ الْفَاءِ. وصَفِيُّ الإِنْسانِ: أَخُوهُ الَّذِي يُصافِيه الإِخاءَ. والصَّفِيُّ: المُصافِي. وأَصْفَيْتُه الوُدَّ: أَخْلَصْته وصَافيتُه. وتَصافَيْنا: تخالَصْنا. وصَافَى الرجلَ: صَدَقَهُ الإِخاءَ. وصَفِيُّكَ: الَّذِي يُصافِيكَ. والصَّفِيُّ: الخالِصُ مِنْ كلِّ شيءٍ. واصْطَفَاه: أَخذَه صَفِيًّا؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
عَشِيَّةَ قامتْ بالفِناء كأَنها ... عَقيلَةُ نَهْبٍ تُصْطَفى وتَغُوجُ
وَفِي الْحَدِيثِ:
إِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضى لعبدهِ المُؤمِن إِذَا ذَهَبَ بصَفِيِّه مِنْ أَهلِ الأَرض فصَبَر واحْتَسَب بثَوابٍ دونَ الجنةِ
؛ صَفِيُّ الرجلِ: الَّذِي يصافِيهِ الوُدَّ ويُخْلِصُه لَهُ، فَعِيلٌ بِمَعْنَى فاعلٍ أَو مَفْعُولٍ. وَفِي الْحَدِيثِ:
كَسانِيه صَفِيِّي عُمَرُ
أَي صَدِيقِي. وناقةٌ صَفِيٌّ أَي غَزيرةٌ كثيرةُ اللبنِ، والجمعُ صَفايا؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَلَا يُجمَع بالأَلف وَالتَّاءِ لأَن الْهَاءَ لَمْ تَدْخُلْه فِي حَدِّ الإِفرادِ، وَقَدْ صَفُوَتْ وصَفَتْ. وَفِي حَدِيثِ
عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ: تَسْبِيحةٌ فِي طَلَب حاجَةٍ خيرٌ مِنْ لَقُوحٍ صَفِيّ فِي عامِ لَزْبَةٍ
، هِيَ النَّاقَةُ الغزيرَةُ، وَكَذَلِكَ الشَّاةُ. وَيُقَالُ: مَا كَانَتِ الناقةُ والشاةُ صَفِيّاً وَلَقَدْ صَفَتْ تَصْفُو، وَكَذَلِكَ الإِبلُ. وَبَنُو فلانٍ مُصْفُونَ إِذَا كَانَتْ غنمُهُمْ صَفايا، والنَّخْلة كَذَلِكَ. ونَخْلةٌ صَفِيٌّ: كثيرةُ الحَمْل، وَالْجَمْعُ الصَّفَايا. وَيُقَالُ: أَصْفَيْتُ فُلَانًا بِكَذَا وَكَذَا إِذَا(14/463)
آثرْتَه بِهِ. الأَصمعي: الصَّفْواءُ والصَّفْوانُ والصَّفا، مَقْصُورٌ، كلُّه واحدٌ؛ وأَنشد لِامْرِئِ الْقَيْسِ:
كُمَيتٌ يَزِلُّ اللِّبْدُ عَنْ حالِ مَتْنِه، ... كَمَا زَلَّتِ الصَّفْواءُ بالمُتَنَزَّلِ «1»
. ابْنُ السِّكِّيتِ: الصَّفا العريضُ مِنَ الحِجارَةِ الأَمْلَسُ، جَمْعُ صَفاةٍ يكتَبُ بالأَلف، فَإِذَا ثُنِّي قِيلَ صَفَوانِ، وَهُوَ الصَّفْواءُ أَيضاً؛ وَمِنْهُ الصَّفا والمروةُ، وَهُمَا جَبَلانِ بَيْنَ بَطْحاء مَكَّة والمَسْجِد، وَفِي الْحَدِيثِ ذِكرُهما. والصَّفا: اسْمُ أَحد جبلَي المَسْعى. والصَّفا: موضِعٌ بِمَكَّةَ. والصَّفاةُ: صخْرةٌ مَلْساءُ. يُقَالُ فِي المَثَل: مَا تَنْدى صفَاتُه. وَفِي حَدِيثِ
مُعَاوِيَةَ: يَضْرِبُ صَفاتَها بمِعْوَلِه
، هُوَ تمثيلٌ أَي اجْتَهد عَلَيْهِ وبالغَ فِي امْتحانهِ واخْتِباره؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
لَا تُقْرَعُ لهمْ صَفاةٌ
أَي لَا يَنالهم أَحدٌ بسُوءٍ. ابْنُ سِيدَهْ: الصَّفاةُ الحَجر الصَّلْدُ الضَّخْمُ الَّذِي لَا يُنبِتُ شَيْئًا، وجمعُ الصَّفاة صَفَواتٌ وصَفاً، مَقْصُورٌ، وَجَمْعُ الْجَمْعِ أَصْفاءٌ وصُفِيٌّ وصِفيٌّ؛ قَالَ الأَخيل:
كأَن مَتْنَيْهِ، مِنَ النَّفِيِّ، ... مواقعُ الطَّيْر عَلَى الصُّفِيِ
كَذَا أَنشده مَتْنَيْهِ؛ وَالصَّحِيحُ مَتْنَيَّ كَمَا أَنشده ابْنُ دُرَيْدٍ لأَن بَعْدَهُ:
مِنْ طُولِ إشْرافي عَلَى الطَّويِ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَإِنَّمَا حَكَمنا بأَن أَصْفاءً وصُفيّاً إِنَّمَا هُوَ جَمْعُ صَفاً لَا جَمْعُ صَفاةٍ لأَن فَعَلةً لَا تُكَسَّر عَلَى فُعُولٍ، إِنَّمَا ذَلِكَ لفَعْلة كبَدْرَةٍ وبُدورٍ، وَكَذَلِكَ أَصْفاءٌ جمعُ صَفاً لَا صَفاةٍ لأَن فَعَلةً لَا تُجْمَعُ عَلَى أَفْعالٍ. وَهُوَ الصَّفْواءُ: كالشَّجْراءِ، واحدتُها صَفاةٌ، وَكَذَلِكَ الصَّفْوانُ واحدَته صَفوانةٌ. وَفِي التَّنْزِيلِ: كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ
؛ قَالَ أَوس بْنُ حَجَرٍ:
عَلَى ظَهْرِ صَفْوانٍ كأَن مُتُونَه ... عُلِلْنَ بدُهْنٍ يُزْلِقُ المُتَنَزِّلا
وَفِي حَدِيثِ الوحْي:
كأَنها سِلْسلَةٌ عَلَى صَفْوانٍ.
وأَصْفَى الحافِرُ: بلَغ الصَّفا فارْتَدَع. وأَصْفَى الشاعرُ: انقطَع شِعْرُه وَلَمْ يقلْ شِعْراً. ابْنُ الأَعرابي: أَصْفَى الرجلُ إِذَا أَنْفَدَت النساءُ ماءَ صُلْبهِ. وأَصْفَى الرجلُ مِنَ المالِ والأَدَبِ أَيْ خَلَا. وأَصْفَى الأَمِيرُ دارَ فلانٍ؛ واسْتَصْفَى مالَه إِذَا أَخذه كلَّه. وأَصْفَتِ الدَّجاجةُ إصْفَاءً: انْقطَع بيضُها. والصَّفَا: اسْمُ نهرٍ بعيْنهِ؛ قَالَ لَبِيدٌ يَصِفُ نَخْلًا:
سُحُقٌ يُمَتِّعُها الصَّفَا وسَرِيُّهُ، ... عُمٌّ نَواعِمُ، بينهنَّ كرومُ
وَبِالْبَحْرَيْنِ نهرٌ يَتَخَلَّجُ مِنْ عينِ مُحَلِّمٍ يُقَالُ لَهُ الصَّفا، مقصورٌ. وصَفِيٌّ: اسْمُ أَبِي قَيْسِ بْنِ الأَسْلَتِ السُّلَمي. وصَفْوَانُ: اسم.
صكا: ابْنُ الأَعرابي: صَكا إذا لزِمَ الشيءَ.
صلَا: الصَّلاةُ: الرُّكوعُ والسُّجودُ. فأَما
قولُه، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا صَلاةَ لجارِ المَسْجِد إِلَّا فِي المسْجِد
، فَإِنَّهُ أَراد لَا صلاةَ فاضِلَةٌ أَو كامِلةٌ، وَالْجَمْعُ صَلَوَات. والصلاةُ: الدُّعاءُ والاستغفارُ؛ قَالَ الأَعشى:
وصَهْباءَ طافَ يَهُودِيُّها ... وأَبْرَزَها، وَعَلَيْهَا خَتَمْ
وقابَلَها الرِّيحُ فِي دَنِّها، ... وَصَلَّى عَلَى دَنِّها وارْتَسَمْ
قَالَ: دَعا لَهَا أَن لَا تَحْمَضَ وَلَا تفسُدَ. والصَّلاةُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى: الرَّحمة؛ قَالَ عَدِيُّ بْنُ الرَّقَّاعِ:
__________
(1) . وفي رواية أخرى: يُزِلُّ اللِّبدَ. والمُتَنزِّل بدل والمُتنزَّل(14/464)
صَلَّى الإِلَهُ عَلَى امْرِئٍ ودَّعْتُه، ... وأَتمَّ نِعْمَتَه عَلَيْهِ وزادَها
وَقَالَ الرَّاعِي:
صَلَّى عَلَى عَزَّةَ الرَّحْمَنُ وابْنَتِها ... لَيْلَى، وَصَلَّى عَلَى جاراتِها الأُخَر
وصلاةُ اللَّهِ عَلَى رَسُولِهِ: رحْمَتُه لَهُ وحُسْنُ ثنائِه عَلَيْهِ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ أَبي أَوْفى أَنه قَالَ: أَعطاني أَبي صَدَقة مالهِ فأَتيتُ بِهَا رسولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبي أَوْفى
؛ قَالَ الأَزهري: هَذِهِ الصَّلاةُ عِنْدِي الرَّحْمة؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً
؛ ف الصَّلاةُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ دُعاءٌ واسْتِغْفارٌ، وَمِنَ اللَّهِ رحمةٌ، وَبِهِ سُمِّيَت الصلاةُ لِما فِيهَا مِنَ الدُّعاءِ والاسْتِغْفارِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
التحيَّاتُ لِلَّهِ والصَّلَوَات
؛ قَالَ أَبو بَكْرٍ: الصَّلَوَاتُ مَعْنَاهَا التَّرَحُّم. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ
؛ أَي يتَرَحَّمُون. وَقَوْلُهُ:
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبي أَوْفى
أَي تَرَحَّم عَلَيْهِمْ، وتكونُ الصَّلاةُ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ. وَفِي الْحَدِيثِ
قَوْلُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا دُعيَ أَحدُكُم إِلَى طَعامٍ فليُجِبْ، فَإِنْ كَانَ مُفْطِراً فليَطْعَمْ، وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فليُصَلّ
؛ قَوْلُهُ: ف لْيُصَلّ يَعْني فلْيَدْعُ لأَرْبابِ الطَّعامِ بالبركةِ والخيرِ، والصَّائمُ إِذَا أُكِلَ عِنْدَهُ الطَّعامُ صَلَّت عَلَيْهِ الملائكةُ؛ وَمِنْهُ
قَوْلُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ صَلَّى عليَّ صَلاةً صَلَّت عَلَيْهِ الملائكةُ عَشْراً.
وكلُّ داعٍ فَهُوَ مُصَلّ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الأَعشى:
عليكِ مثلَ الَّذِي صَلَّيْتِ فاغتَمِضِي ... نوْماً، فَإِنَّ لِجَنْبِ المرءِ مُضْطَجَعا
مَعْنَاهُ أَنه يأْمُرُها بِأَنْ تَدْعُوَ لَهُ مثلَ دعائِها أَي تُعيد الدعاءَ لَهُ، وَيُرْوَى: عليكِ مثلُ الَّذِي صَلَّيت، فَهُوَ ردٌّ عَلَيْهَا أَي عَلَيْكِ مثلُ دُعائِكِ أَي يَنالُكِ مِنَ الخيرِ مثلُ الَّذِي أَرَدْتِ بِي ودَعَوْتِ بِهِ لِي. أَبو الْعَبَّاسِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ
؛ ف يُصَلِّي يَرْحَمُ، وملائكتُه يَدْعون لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ. وَمِنَ الصَّلَاةِ بِمَعْنَى الِاسْتِغْفَارِ حَدِيثُ
سودَةَ: أَنها قَالَتْ يَا رسولَ اللَّهِ، إِذَا مُتْنا صَلَّى لَنَا عثمانُ بنُ مَظْعون حَتَّى تأْتِينا، فَقَالَ لَهَا: إِنَّ الموتَ أَشدُّ مِمَّا تُقَدِّرينَ
؛ قَالَ شَمِرٌ: قَوْلُهَا صَلَّى لَنَا أَي اسْتَغْفَرَ لَنَا عِنْدَ رَبِّهِ، وَكَانَ عثمانُ ماتَ حِينَ قَالَتْ سودَةُ ذَلِكَ. وأَما قَوْلُهُ تَعَالَى: أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ
؛ فَمَعْنَى الصَّلَوَات هاهنا الثناءُ عَلَيْهِمْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ وَقَالَ الشَّاعِرُ:
صَلَّى، عَلَى يَحْيَى وأَشْياعِه، ... ربٌّ كريمٌ وشفِيعٌ مطاعْ
مَعْنَاهُ ترحَّم اللَّهُ عَلَيْهِ عَلَى الدعاءِ لَا عَلَى الخبرِ. ابْنُ الأَعرابي: الصَّلاةُ مِنَ اللهِ رحمةٌ، وَمِنَ الْمَخْلُوقِينَ الملائكةِ والإِنْسِ والجِنِّ: القيامُ والركوعُ والسجودُ والدعاءُ والتسبيحُ؛ والصلاةُ مِنَ الطَّيرِ والهَوَامِّ التَّسْبِيحُ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الأَصلُ فِي الصَّلاةِ اللُّزوم. يُقَالُ: قَدْ صَلِيَ واصْطَلَى إِذَا لَزِمَ، وَمِنْ هَذَا مَنْ يُصْلَى فِي النَّارِ أَي يُلْزَم النارَ. وَقَالَ أَهلُ اللُّغَةِ فِي الصَّلَاةِ: إِنَّهَا مِنَ الصَّلَوَيْنِ، وَهُمَا مُكْتَنِفا الذَّنَبِ مِنَ النَّاقَةِ وَغَيْرِهَا، وأَوَّلُ مَوْصِلِ الْفَخِذَيْنِ مِنَ الإِنسانِ فكأَنهما فِي الْحَقِيقَةِ مُكْتَنِفا العُصْعُصِ؛ قَالَ الأَزهري: والقولُ عِنْدِي هُوَ الأَوّل، إِنَّمَا الصلاةُ لُزومُ مَا فرَضَ اللهُ تَعَالَى، والصلاةُ مِنْ أَعظم الفَرْض الَّذِي أُمِرَ بلُزومِه. والصلاةُ: واحدةُ الصَّلَواتِ المَفْروضةِ، وَهُوَ اسمٌ يوضَعُ مَوْضِعَ(14/465)
المَصْدر، تَقُولُ: صَلَّيْتُ صَلَاةً وَلَا تَقُلْ تَصْلِيةً، وصلَّيْتُ عَلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ الأَثير: وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذكرُ الصَّلاةِ، وَهِيَ العبادةُ المخصوصةُ، وأَصلُها الدعاءُ في اللغة فسُمِّيت بِبَعْضِ أَجزائِها، وَقِيلَ: أَصلُها فِي اللُّغَةِ التَّعْظِيمُ، وسُمِّيت الصلاةُ الْمَخْصُوصَةُ صَلَاةً لما فيها من تعظيم الرَّبِّ تَعَالَى وَتَقَدُّسٍ. وَقَوْلُهُ فِي التَّشَهُّدِ: الصلواتُ لِلَّهِ أَي الأَدْعِية الَّتِي يُرادُ بِهَا تعظيمُ اللهِ هُوَ مُسَتحِقُّها لَا تَلِيقُ بأَحدٍ سِوَاهُ. وأَما قَوْلُنَا: اللَّهُمَّ صلِّ عَلَى محمدٍ، فَمَعْنَاهُ عَظِّمْه فِي الدُّنيا بإعلاءِ ذِكرِهِ وإظْهارِ دعْوَتِه وإبقاءِ شَريعتِه، وَفِي الْآخِرَةِ بتَشْفِيعهِ فِي أُمَّتهِ وتضعيفِ أَجْرهِ ومَثُوبَتهِ؛ وَقِيلَ: الْمَعْنَى لمَّا أَمَرَنا اللهُ سُبْحَانَهُ بِالصَّلَاةِ عليه ولم نَبْلُغ قَدْرَ الواجبِ مِنْ ذَلِكَ أَحَلْناهُ عَلَى اللهِ وَقُلْنَا: اللَّهُمَّ صلِّ أَنتَ عَلَى محمدٍ، لأَنك أَعْلَمُ بِمَا يَليق بِهِ، وَهَذَا الدعاءُ قَدِ اختُلِفَ فِيهِ هَلْ يجوزُ إطلاقُه عَلَى غَيْرِ النبيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَم لَا، وَالصَّحِيحُ أَنه خاصٌّ لَهُ وَلَا يُقَالُ لِغَيْرِهِ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: الصَّلاةُ الَّتِي بِمَعْنَى التَّعْظِيمِ وَالتَّكْرِيمِ لَا تُقال لِغَيْرِهِ، وَالَّتِي بِمَعْنَى الدُّعَاءِ وَالتَّبْرِيكِ تقالُ لِغَيْرِهِ؛ وَمِنْهُ:
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبي أَوْفَى
أَي تَرَحَّم وبَرِّك، وَقِيلَ فِيهِ: إنَّ هَذَا خاصٌّ لَهُ، وَلَكِنَّهُ هُوَ آثَرَ بِهِ غيرَه؛ وأَما سِواه فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَن يَخُصَّ بِهِ أَحداً. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَنْ صَلَّى عليَّ صَلَاةً صَلَّتْ عَلَيْهِ الملائكةُ عَشْرًا
أَي دَعَتْ لَهُ وبَرَّكَتْ. وَفِي الْحَدِيثِ:
الصائمُ إِذَا أُكِلَ عندَه الطعامُ صَلَّتْ عَلَيْهِ الملائكةُ.
وصَلوات اليهودِ: كَنائِسُهم. وَفِي التَّنْزِيلِ: لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ
؛ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ كَنائِسُ الْيَهُودِ أَي مَواضِعُ الصَّلواتِ، وأَصلُها بالعِبْرانِيَّة صَلُوتا.
وقُرئَتْ وصُلُوتٌ ومساجِدُ
، قَالَ: وَقِيلَ إِنَّهَا مواضِعُ صَلواتِ الصابِئِين، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَهُدِّمَتْ مواضعُ الصلواتِ فأُقِيمت الصلواتُ مقامَها، كما قال: وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ؛ أَيْ حُبَّ العجلِ؛ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَهْدِيمُ الصَّلَوات تَعْطِيلُها، وَقِيلَ: الصلاةُ بيْتٌ لأَهْلِ الكتابِ يُصَلُّون فِيهِ. وَقَالَ ابْنُ الأَنباري: عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ أَي رَحَماتٌ، قَالَ: ونَسَقَ الرَّحمة عَلَى الصَّلَوَاتِ لاختلافِ اللَّفظَين. وقوله: وصَلَواتُ الرَّسُولِ أَي ودَعَواته. والصَّلا: وسَطُ الظَّهرِ مِنَ الإِنسانِ وَمِنْ كلِّ ذِي أَرْبَعٍ، وَقِيلَ: هُوَ مَا انْحَدَر مِنَ الوَرِكَيْنِ، وَقِيلَ: هِيَ الفُرْجَةُ بَيْنَ الجاعِرَةِ والذَّنَب، وَقِيلَ: هُوَ مَا عَنْ يَمِينِ الذَّنَبِ وشِمالِه، والجمعُ صَلَواتٌ وأَصْلاءٌ الأُولى مِمَّا جُمِعَ مِنَ المُذَكَّر بالأَلف وَالتَّاءِ. والمُصَلِّي مِنَ الخَيْل: الَّذِي يَجِيءُ بعدَ السابقِ لأَن رأْسَه يَلِي صَلا المتقدِّم وَهُوَ تَالِي السَّابِقِ، وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: إِنَّمَا سُمِّيَ مُصَلِّياً لأَنه يَجِيءُ ورأْسُه عَلَى صَلا السابقِ، وَهُوَ مأْخوذ مِنَ الصِّلَوَيْن لَا مَحالة، وَهُمَا مُكْتَنِفا ذَنَبِ الفَرَس، فكأَنه يأْتي ورأْسُه مَعَ ذَلِكَ المكانِ. يُقَالُ: صَلَّى الفَرَسُ إِذَا جَاءَ مُصَلِّياً. وصَلَوْتُ الظَّهْرَ: ضَرَبْتُ صَلاه أَو أَصَبْتُه بِشَيْءٍ سَهْمٍ أَو غيرهِ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ قَالَ: وَهِيَ هُذَلِيَّة. وَيُقَالُ: أَصْلَتِ الناقةُ فَهِيَ مُصْلِيةٌ إِذَا وَقَعَ ولدُها فِي صَلاها وقَرُبَ نَتاجُها. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ أَنه قَالَ: سَبَقَ رسولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصَلَّى أَبو بَكْرٍ وثَلَّث عُمَر وخَبَطَتْنا فِتْنةٌ فَمَا شَاءَ اللَّهُ
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وأَصلُ هَذَا فِي الخيلِ فالسابقُ الأَولُ، والمُصَلِّي الثَّانِي، قِيلَ لَهُ مُصَلٍّ لأَنه يكونُ عِنْدَ صَلا(14/466)
الأَوّلِ، وصَلاهُ جانِبا ذَنَبِه عَنْ يمينهِ وشمالهِ، ثُمَّ يَتْلُوه الثالثُ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَلَمْ أَسمَعْ فِي سوابقِ الخيلِ مِمَّنْ يوثَقُ بعِلْمِه اسْمًا لشيءٍ مِنْهَا إِلَّا الثانيَ والسُّكَيْتَ، وَمَا سِوى ذَلِكَ إِنَّمَا يُقَالُ الثالثُ وَالرَّابِعُ وَكَذَلِكَ إِلَى التَّاسِعِ. قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: المُصَلِّي فِي كَلَامِ العربِ السابقُ المُتَقدِّمُ؛ قَالَ: وَهُوَ مُشَبَّهٌ بالمُصَلِّي مِنَ الخيلِ، وَهُوَ السابقُ الثَّانِي، قَالَ: وَيُقَالُ للسابقِ الأَولِ مِنَ الخيلِ المُجَلِّي، وَلِلثَّانِي المُصَلِّي، وَلِلثَّالِثِ المُسَلِّي، وَلِلرَّابِعِ التَّالِي، وللخامس المُرْتاحُ، وللسادس العاطفُ، وَلِلسَّابِعِ الحَظِيُّ، وَلِلثَّامِنِ المُؤَمَّلُ، وللتاسعِ اللَّطِيمُ، وللعاشِرِ السُّكَيْت، وَهُوَ آخرُ السُّبَّق جَاءَ بِهِ فِي تَفْسِيرِ قولِهِم رَجُلٌ مُصَلٍّ. وصَلاءَةُ: اسْمٌ. وصَلاءَة بنُ عَمْروٍ النُّمَيْرِي: أَحدُ القَلْعيْنِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: القَلْعان لَقَبَانِ لرَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي نُمَيْرٍ، وَهُمَا صَلاءَة وشُرَيْحٌ ابنَا عَمْرِو بنِ خُوَيْلِفَةَ بنِ عبدِ اللَّهِ بْنِ الحَرِث ابن نُمَيْر. وصَلَى اللَّحْمَ وغيرَهُ يَصْليهِ صَلْياً: شَواهُ، وصَلَيْتهُ صَلْياً مثالُ رَمَيْتُه رَمْياً وأَنا أَصْلِيهِ صَلْياً إِذَا فَعَلْت ذَلِكَ وأَنْت تُريد أَنْ تَشْويَه، فَإِذَا أَرَدْت أَنَّك تُلْقِيه فِيهَا إلْقاءً كأَنَّكَ تُريدُ الإِحْراقَ قلتَ أَصْلَيْته، بالأَلف، إصْلاءً، وَكَذَلِكَ صَلَّيْتُه أُصَلِّيه تَصْلِيةً. التَّهْذِيبُ: صَلَيْتُ اللَّحْمَ، بالتَّخفيفِ، عَلَى وَجْهِ الصَلاحِ مَعْنَاهُ شَوَيْته، فأَمَّا أَصْلَيْتُه وصَلَّيْتُه فَعَلَى وجْهِ الفَسادِ والإِحْراق؛ وَمِنْهُ قوله: فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا
، وَقَوْلُهُ: وَيَصْلى سَعِيراً
. والصِّلاءُ، بالمدِّ والكَسْرِ: الشِّواءُ لأَنَّه يُصْلَى بالنَّارِ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ: لَوْ شِئْتُ لَدَعَوْتُ بصِلاءٍ
؛ هُوَ بالكَسْرِ والمَدِّ الشِّوَاءُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنَّ النبيَّ، صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أُتِيَ بشَاةٍ مَصْلِيَّةٍ
؛ قَالَ الْكِسَائِيُّ: المَصْلِيَّةُ المَشْوِيَّةُ، فأَمَّا إِذَا أَحْرَقْتَه وأَبْقَيْتَه فِي النارِ قُلْتَ صَلَّيْته، بِالتَّشْدِيدِ، وأَصْلَيْته. وصَلَى اللحْمَ فِي النَّارِ وأَصْلاه وصَلَّاهُ: أَلْقاهُ لِلإِحْراقِ؛ قَالَ:
أَلا يَا اسْلَمِي يَا هِنْدُ، هِنْدَ بَني بَدْرِ، ... تَحِيَّةَ مَنْ صَلَّى فُؤَادَكِ بالجَمْرِ
أَرادَ أَنَّه قَتَل قومَها فَأَحْرق فُؤَادَهَا بالحُزْنِ عَلَيهم. وصَلِيَ بالنارِ وصَلِيَها صَلْياً وصُلِيّاً وصِلِيّاً وصَلىً وصِلاءً واصْطَلَى بِهَا وتَصَلَّاهَا: قَاسَى حَرَّها، وَكَذَلِكَ الأَمرُ الشَّديدُ؛ قَالَ أَبو زُبَيْد:
فَقَدْ تَصَلَّيْت حَرَّ حَرْبِهِم، ... كَما تَصَلَّى المَقْرُورُ مِنْ قَرَسِ
وفُلان لَا يُصْطَلَى بنارِه إِذَا كانَ شُجاعاً لَا يُطاق. وَفِي حَدِيثِ السَّقِيفَة:
أَنا الَّذِي لَا يُصْطَلَى بنارِهِ
؛ الاصْطِلاءُ افْتِعالٌ مِنْ صَلا النارِ والتَّسَخُّنِ بِهَا أَيْ أَنَا الَّذِي لَا يُتَعَرَّضُ لحَرْبِي. وأَصْلاهُ النارَ: أَدْخَلَه إيَّاها وأَثْواهُ فِيهَا، وصَلاهُ النارَ وَفِي النَّارِ وَعَلَى النَّار صَلْياً وصُلِيّاً وصِلِيّاً وصُلِّيَ فلانٌ النَّارَ تَصْلِيَةً. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا
. وَيُرْوَى
عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنه قَرَأَ: ويُصَلَّى سَعِيراً
، وَكَانَ الكسائيُّ يقرَأُ بِهِ، وَهَذَا ليسَ مِنَ الشَّيِّ إِنَّمَا هُوَ مِنْ إلْقائِكَ إيَّاهُ فِيهَا؛ وَقَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
يُخَيَّلُ فِيها ذُو وسُومٍ كأَنَّمَا ... يُطَلَّى بِجِصٍّ، أَو يُصَلَّى فَيُضْيَحُ
ومَنْ خَفَّفَ فَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ: صَلِيَ فلانٌ بِالنَّارِ يَصْلَى صُلِيّاً احْتَرَق. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: هُمْ أَوْلى(14/467)
بِها صِلِيًّا؛ وَقَالَ الْعَجَّاجُ: قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ، وَصَوَابُهُ الزَّفَيَانُ:
تَاللهِ لَولا النارُ أَنْ نَصْلاها، ... أَو يَدْعُوَ الناسُ عَلَيْنَا اللهَ،
لَمَا سَمِعْنَا لأَمِيرٍ قَاهَا
وصَلِيتُ النارَ أَي قاسَيْتُ حَرَّها. اصْلَوْها أَي قاسُوا حَرَّها، وَهِيَ الصَّلا والصِّلاءُ مِثْلُ الأَيَا والإِيَاءِ للضِّياء، إِذَا كَسَرْتَ مَدَدْت، وَإِذَا فَتَحْت قَصَرْت؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
وقَاتَلَ كَلْب الحَيِّ عَنْ نَارِ أَهْلِهِ ... لِيَرْبِضَ فيهَا، والصَّلا مُتَكَنَّفُ
وَيُقَالُ: صَلَيْتُ الرَّجُلَ نَارًا إِذَا أَدْخَلْتَه النارَ وجَعَلْتَه يَصْلاهَا، فَإِنْ أَلْقَيْتَه فِيهَا إلْقاءً كأَنَّكَ تُرِيدُ الإِحْراقَ قُلت أَصْلَيْته، بالأَلف، وصَلَّيْته تَصْلِيَةً. والصِّلاءُ والصَّلَى: اسمٌ للوَقُودِ، تقول: صَلَى النارِ، وَقِيلَ: هُما النارُ. وصَلَّى يَدَهُ بالنارِ: سَخَّنَها؛ قَالَ:
أَتانا فَلَمْ نَفْرَح بطَلْعَةِ وجْهِهِ ... طُروقاً، وصَلَّى كَفَّ أَشْعَثَ سَاغِبِ
واصْطَلَى بِهَا: اسْتَدْفَأَ. وَفِي التَّنْزِيلِ: لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ*
؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: جاءَ فِي التَّفْسِيرِ أَنهم كَانُوا فِي شِتاءٍ فَلِذَلِكَ احتاجَ إِلَى الاصْطِلاءِ. وصَلَّى العَصَا عَلَى النارِ وتَصَلَّاها: لَوَّحَها وأَدارَها عَلَى النارِ ليُقَوِّمَها ويُلَيِّنَها. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَطْيَبُ مُضْغَةٍ صَيْحانِيَّةٌ مَصْلِيَّةٌ قَدْ صُلِيَتْ فِي الشمسِ وشُمِّسَتْ
، وَيُرْوَى بِالْبَاءِ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ. وَفِي حَدِيثِ
حُذَيْفَة: فرأَيْتُ أَبا سُفْيانَ يَصْلِي ظَهْرَه بِالنَّارِ
أَي يُدْفِئُهُ. وقِدْحٌ مُصَلّىً: مَضْبوحٌ؛ قَالَ قَيْسُ بْنُ زُهَيْرٍ:
فَلا تَعْجَلْ بأَمْرِكَ واسْتَدِمْهُ، ... فمَا صَلَّى عَصاهُ كَمُسْتَدِيمِ
والمِصْلاةُ: شَرَكٌ يُنْصَب للصَّيْد. وَفِي حَدِيثِ أَهلِ الشَّام:
إنَّ للِشيْطانِ مَصَالِيَ وفُخُوخاً
؛ والمَصَالِي شَبِيهَةٌ بالشَّرَك تُنْصَبُ للطَّيْرِ وَغَيْرِهَا؛ قَالَ ذَلِكَ أَبو عُبَيْدٍ يَعْنِي مَا يَصِيدُ بِهِ الناسَ مِنَ الْآفَاتِ الَّتِي يَسْتَفِزُّهُم بِهَا مِن زِينَةِ الدُّنيا وشَهَواتِها، واحِدَتُها مِصْلاة. وَيُقَالُ: صَلِيَ بالأَمْرِ وَقَدْ صَلِيتُ بِهِ أَصْلَى بِهِ إِذَا قَاسَيْت حَرَّه وشِدَّتَه وتَعَبَه؛ قَالَ الطُّهَوِي:
وَلَا تَبْلَى بَسالَتُهُمْ، وإنْ هُمْ ... صَلُوا بالحَرْبِ حِيناً بَعْدَ حِينِ
وصَلَيْتُ لِفُلانٍ، بالتَّخفِيفِ، مثالُ رَمَيْت: وَذَلِكَ إِذَا عَمِلْتَ لَه فِي أَمْرٍ تُرِيدُ أَن تَمْحَلَ بِهِ وتُوقِعَه فِي هَلَكة، والأَصلُ فِي هَذَا مِنَ المَصَالِي وَهِيَ الأَشْراكُ تُنْصَب للطَّيْرِ وَغَيْرِهَا. وصَلَيْتُه وصَلَيْتُ لَهُ: مَحَلْتُ بِهِ وأَوْقَعْتُه فِي هَلَكَةٍ من ذلك. والصَّلايَةُ والصَّلاءَةُ: مُدُقُّ الطِّيبِ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: إِنَّمَا هُمِزَت وَلَمْ يَكُ حَرْفُ الْعِلَّةِ فِيهَا طرَفاً لأَنهم جاؤوا بالواحِدِ عَلَى قَوْلِهِمْ فِي الجمعِ صَلاءٌ، مَهْمُوزَةً، كَمَا قَالُوا مَسْنِيَّة ومَرْضِيّة حينَ جاءَت عَلَى مَسْنِيٍّ ومَرْضِيٍّ، وأَما مَنْ قَالَ صلايَة فَإِنَّهُ لَمْ يَجِئْ بِالْوَاحِدِ عَلَى صَلاءٍ. أَبو عَمْرٍو: الصَّلاية كلُّ حَجَرٍ عَرِيضٍ يُدَقُّ عَلَيْهِ عِطْرٌ أَو هَبِيدٌ. الْفَرَّاءُ: تُجْمَعُ الصَّلاءَة صُلِيّاً وصِلِيّاً، والسَّماءُ سُمِيّاً وسِمِيّاً؛ وأَنشد:
أَشْعَث ممَّا نَاطَح الصُّلِيَّا [الصِّلِيَّا](14/468)
يَعْنِي الوَتِد. ويُجْمَعُ خِثْيُ البَقَر عَلَى خُثِيٍّ وخِثِيٍّ. والصَّلايَةُ: الفِهْرُ؛ قَالَ أُمَيَّة يَصِفُ السَّمَاءَ:
سَراة صَلايةٍ خَلْقاء صِيغَتْ ... تُزِلُّ الشمسَ، لَيْسَ لَهَا رِئابُ «2»
. قَالَ: وإنما قَالَ إمرؤُ الْقَيْسِ:
مَداكُ عروسٍ أَوْ صَلايةُ حنْظلِ
فأَضافه إِلَيْهِ لأَنه يُفَلَّق بِهِ إِذَا يَبِسَ. ابْنُ شُمَيْلٍ: الصَّلايَة سَرِيحَةٌ خَشِنةٌ غَلِيظةٌ مِنَ القُفِّ، والصَّلا مَا عَنْ يَمِينِ الذَّنَب وشِماله، وهُما صَلَوان. وأَصْلتِ الفَرسُ إِذَا اسْتَرْخى صَلَواها، وَذَلِكَ إِذَا قرُبَ نتاجُها. وصَلَيْتُ الظَّهْرَ: ضَرَبْت صَلاه أَو أَصَبْته، نادرٌ، وَإِنَّمَا حُكْمُه صَلَوْته كَمَا تَقُولُ هُذَيل. اللَّيْثُ: الصِّلِّيانُ نبْتٌ؛ قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ عَلَى تَقْدِيرِ فِعِّلان، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فِعْلِيان، فَمَنْ قَالَ فِعْلِيان قَالَ هَذِهِ أَرضٌ مَصْلاةٌ وَهُوَ نبْتٌ لَهُ سنَمَة عَظِيمَةٌ كأَنها رأْسُ القَصَبة إِذَا خَرَجَتْ أَذْنابُها تجْذِبُها الإِبل، وَالْعَرَبُ تُسمِّيه خُبزَة الإِبل، وَقَالَ غَيْرُهُ: مِنْ أَمثال الْعَرَبِ فِي اليمينِ إِذَا أَقدَمَ عَلَيْهَا الرجُلُ ليقتَطِعَ بِهَا مالَ الرجُلِ: جَذَّها جَذَّ العَيْر الصِّلِّيَانَة، وَذَلِكَ أَنَّ لَهَا جِعْثِنَةً في الأَرض، فإذا كَدَمها العَيْر اقتلعها بجِعْثِنتها. وَفِي حَدِيثِ
كَعْبٍ: إنَّ اللَّهَ بارَكَ لدَوابِّ المُجاهدين فِي صِلِّيان أَرض الرُّوم كَمَا بَارَكَ لَهَا فِي شَعِيرِ سُوريَة
؛ مَعْنَاهُ أَيْ يقومُ لخيلِهم مقامَ الشَّعِيرُ، وسُورية هي بالشام.
صما: الصَّمَيَانُ مِنَ الرِّجال: الشديدُ المُحْتَنَك السِّنِّ. والصَّمَيان: الشجاعُ الصادقُ الحَمْلَة، وَالْجَمْعُ صِمْيان؛ عَنْ كُرَاعٍ. قَالَ أَبو إِسْحَاقَ: أَصل الصَّمَيان فِي اللُّغَةِ السُّرْعَةُ والخِفَّةُ. ابْنُ الأَعرابي: الصَّمَيانُ الجَريءُ عَلَى الْمَعَاصِي. قَالَ ابْنُ بُزُرْج: يُقَالُ لَا صَمْياء لَهُ وَلَا عَمْياء مِنْ ذَلِكَ متروكَتان كَذَلِكَ إِذَا أَكَبَّ عَلَى أَمر فَلَمْ يُقلِع عَنْهُ. ورجُلٌ صَمَيان: جريءٌ شُجَاعٌ. والصَّمَيانُ، بالتَّحريك: التلفُّتُ والوَثْبُ. ورجُلٌ صَمَيانٌ إِذَا كَانَ ذَا توثُّب عَلَى النَّاسِ. وأَصْمَى الفرَسُ عَلَى لِجَامِهِ إِذَا عضَّ عَلَيْهِ ومَضى؛ وأَنشد:
أَصْمَى عَلَى فأْس اللِّجام، وقُرْبُه ... بِالْمَاءِ يقطُر تَارَةً ويسيلُ
وانْصَمَى عَلَيْهِ أَي انْصَبَّ؛ قَالَ جَرِيرٌ:
إنِّي انْصَمَيْتُ مِنَ السَّمَاءِ عليكُمُ ... حَتَّى اختَطَفْتُك، يا فرزْدَقُ، مِنْ عَل
وَيُرْوَى: انْصَببْتُ. وأَصْمَيت الصَّيْدَ إِذَا رمَيْتَه فقتَلْتَه وأَنت تَرَاهُ. وأَصْمَى الرَّميَّة: أَنفذَها. وَرُوِيَ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنه سُئل عَنِ الرجُل يَرْمي الصَّيْدَ فَيَجِدُهُ مَقْتُولًا فَقَالَ: كُلْ مَا أَصْمَيْت وَدَعْ مَا أَنْمَيْت
؛ قَالَ أَبو إِسْحَاقَ: الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ كُلْ مَا أَصْمَيْت أَي مَا أَصابَه السهمُ وأَنت تَرَاهُ فأَسْرع فِي الْمَوْتِ فرأَيَته، وَلَا مَحَالَةَ أَنه مَاتَ برَمْيك، وأَصله مِنَ الصَّمَيَان وَهُوَ السُّرعة والخِفَّة. وصَمى الصيدُ يَصْمِي إِذَا مَاتَ وأَنت تَرَاهُ. والإِصْمَاءُ: أَنْ تقتُلَ الصيدَ مَكَانَهُ، وَمَعْنَاهُ سرعةُ إزْهاق الرُّوحِ مِنْ قَوْلِهِمْ للمُسْرِع صَمَيانٌ، والإِنْماءُ أَن تُصِيبَ إصابَةً غَيْرَ قاتلةٍ فِي الْحَالِ. يُقَالُ: أَنْمَيْت الرَّمِيَّة ونَمَتْ بنَفْسها، وَمَعْنَاهُ إِذَا صدْت بِكلْب أَو بسهْم أَو غَيْرِهِمَا فَمَاتَ وأَنت تَرَاهُ غَيْرَ غَائِبٍ عَنْكَ فكُلْ مِنْهُ،
__________
(2) . قوله [ليس لها رئاب] هكذا في الأَصل والصحاح، وقال في التكملة الرواية: تُزِلُّ الشَّمْسَ، لَيْسَ لَهَا إياب(14/469)
وَمَا أَصَبْته ثُمَّ غَابَ عَنْكَ فَمَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا تأْكله فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَمات بِصَيْدِكَ أَم بعارضٍ آخَرَ. وانْصَمَى عَلَيْهِ: انْقضَّ وأَقبل نَحْوَهُ. وَقَالَ شَمِرٌ: يُقَالُ صَمَاه الأَمْرُ أَي حلَّ بِهِ يَصْمِيه صَمْياً؛ وَقَالَ عِمْرَانُ بْنُ حِطَّان:
وقاضِي المَوت يعْلمُ مَا عَلَيْهِ، ... إِذَا مَا متُّ مِنْهُ مَا صَماني
أَيْ مَا حلَّ بِي. ورجلٌ صَمَيان: ينْصمي عَلَى النَّاسِ بالأَذى. وصَامَى مَنِيَّته وأَصْمَاها: ذَاقَهَا. والانْصِمَاء: الإِقبالُ نَحْوَ الشَّيْءِ كَمَا ينْصَمي البازي إذا انْقضَّ.
صنا: الصِّنا والصِّناءُ: الوَسَخُ، وَقِيلَ: الرَّمادُ؛ قَالَ ثَعْلَبٌ: يمدُّ ويُقْصَرُ ويُكْتَب بِالْيَاءِ والأَلف، وَكِتَابُهُ بالأَلف أَجود. وَيُقَالُ: تَصَنَّى فُلَانٌ إِذَا قعَد عِنْدَ القِدْر مِنْ شرهِه يُكَبِّبُ ويَشْوي حَتَّى يُصيبَه الصِّناء. وَفِي حَدِيثِ
أَبي قلابَة قَالَ: إِذَا طَالَ صِناءُ الْمَيِّتِ نُقِّيَ بالأُشْنانِ إن شاؤُوا
«1» ؛ قَالَ الأَزهري: أَي درَنُه ووَسَخُه، قَالَ: وَرُوِيَ ضِناء، بِالضَّادِ، وَالصَّوَابُ صِناء، بِالصَّادِ، وَهُوَ وسَخُ النَّارِ وَالرَّمَادِ. الفراء: أَخَذْتُ الشيءَ ب صِنايَته أَي أَخذْتُهُ بجمِيعِه، والسينُ لغةٌ. أَبو عَمْرٍو: الصُّنَيُّ شِعبٌ صَغِيرٌ يسيلُ فِيهِ الْمَاءُ بَيْنَ جَبَلَيْنِ، وَقِيلَ: الصُّنَيُّ حِسْيٌ صَغِيرٌ لَا يَرِدُهُ أَحدٌ وَلَا يُؤْبه لَهُ، وَهُوَ تَصْغِيرٌ صَنْوٍ قَالَتْ لَيْلَى الأَخْيَلِيَّة:
أَنابغَ، لَمْ تَنْبَغْ وَلَمْ تَكُ أَوَّلا، ... وكُنْتَ صُنَيّاً بَيْنَ صُدَّينِ مَجْهَلا
وَيُقَالُ: هُوَ شقٌّ فِي الجَبل. ابْنُ الأَعرابي: الصَّانِي اللازِمُ للخِدْمَة، والنَّاصي المُعَرْبِدُ. والصَّنْوُ: الغَوْرُ «2» . الخَسِيسُ بَيْنَ الجبَلين؛ قَالَ: والصَّنْوُ الماءُ القلِيلُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ. والصَّنْوُ: الْحَجَرُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ، وَجَمْعُهَا كلِّها صُنُوٌّ. والصِّنْوُ: الأَخ الشَّقِيقُ والعمُّ والابنُ، وَالْجَمْعُ أَصْنَاءٌ وصِنْوانٌ، والأُنْثى صِنْوة. وَفِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ، صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ: عمُّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبيه
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: مَعْنَاهُ أَن أَصلهُما واحدٌ، قَالَ: وأَصل الصِّنْو إِنَّمَا هُوَ فِي النَّخْل. قَالَ شَمِرٌ: يُقَالُ فُلانٌ صِنْوُ فُلَانٍ أَي أَخوه، وَلَا يسمَّى صِنْواً حَتَّى يَكُونَ مَعَهُ آخَرُ، فَهُمَا حِينَئِذٍ صِنْوانِ، وكلُّ واحدٍ مِنْهُمَا صِنْو صاحِبه. وَفِي حَدِيثِ:
العَبَّاسُ صِنْوُ أَبي
، وَفِي رِوَايَةٍ:
صِنْوِي.
والصِّنْوُ: المِثلُ، وَأَصْلُهُ أَنْ تَطَّلِعَ نخلتانِ مِنْ عِرْق وَاحِدٍ، يُرِيدُ أَنَّ أَصل العبَّاس وأَصلَ أَبي واحدٌ، وَهُوَ مثلُ أَبي أَوْ مِثْلي، وَجَمْعُهُ صِنْوانٌ، وَإِذَا كَانَتْ نَخْلَتَانِ أَوْ ثلاثٌ أَوِ أَكثرُ أَصلها واحد فكل وَاحِدٌ مِنْهَا صِنْوٌ، وَالِاثْنَانِ صِنْوَان، وَالْجَمْعُ صِنْوانٌ، بِرَفْعِ النُّونِ، وَحَكَى الزَّجَّاجِيُّ فِيهِ صُنْوٌ، بِضَمِّ الصَّادِ، وَقَدْ يُقَالُ لِسَائِرِ الشَّجر إِذَا تَشَابَهَ، والجمعُ كَالْجَمْعِ. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: إِذَا نَبَتَتِ الشَّجَرَتَانِ مِنْ أَصل وَاحِدٍ فَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا صِنْو الأُخرى. وركِيَّتان صِنْوان: مُتَجَاوِرَتَانِ إِذَا تَقَارَبَتَا ونَبَعتا مِنْ عَين واحدةٍ.
وَرُوِيَ عَنِ البَراءِ بْنِ عازِبٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ
؛ قَالَ الصِّنْوانُ المُجْتَمِعُ وغيرُ الصِّنْوانِ المُتفرِّقُ، وَقَالَ: الصِّنْوانُ النَّخلاتُ أَصْلُهُنَّ واحدٌ، قَالَ: والصِّنْوانُ النَّخلتان والثلاثُ والخمسُ والستُّ أَصلُهنَّ واحدٌ وفروعُهنَّ شتىَّ، وغيرُ صِنْوانٍ الفارِدَةُ
؛ وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: هاتان نخلتانِ صِنْوانِ
__________
(1) . قوله [إن شاؤوا] هكذا في الأَصل، وليست في النهاية
(2) . قوله [الغور] هكذا في الأَصل، والذي في القاموس والتهذيب: العود(14/470)
ونَخِيلٌ صِنْوانٌ وأَصْناءٌ، وَيُقَالُ لِلِاثْنَيْنِ قِنْوانِ وصِنْوانِ، وَلِلْجَمَاعَةِ قِنْوانٌ وصِنْوانٌ. الْفَرَّاءُ: الأَصْناءُ الأَمْثالُ والأَنْصاءُ السَّابِقُونَ. ابْنُ الأَعرابي: الصِّنْوةُ الفَسِيلةُ. ابْنُ بُزْرُجَ: يُقَالُ للحَفَرِ المُعَطَّل صِنْوٌ، وجمعُه صِنْوانٌ. وَيُقَالُ إِذَا احْتَفَر: قدِ اصْطَنَى.
صها: صَهْوَةُ كُلِّ شيءٍ: أَعْلاهُ؛ وأَنشد بَيْتَ عارِقٍ:
فأَقْسَمْتُ لَا أَحْتَلُّ إِلَّا بصَهْوَةٍ ... حَرامٍ عليَّ رَمْلُه وشَقائِقُهْ «3»
. وَهِيَ منَ الفَرَسِ موضِعُ اللِّبْدِ من ظَهْرِه، وَقِيلَ: مَقْعَدُ الفارِسِ وَقِيلَ: هِيَ مَا أَسْهَلَ مِنْ سَرَاةِ الفَرَسِ مِنْ ناحِيتيْها كِلْتَيْهِما، والصَّهْوَةُ: مُؤَخَّر السَّنامِ، وَقِيلَ: هِيَ الرَّادِفة تَراها فوْقَ العَجُزِ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ نَاقَةً:
إِلَى صَهْوَةٍ تَتْلُو مَحالًا كأَنها ... صَفاً دَلَّصَتْهُ طَحْمَةُ السَّيْلِ أَخْلَقُ
وَالْجَمْعُ صَهَواتٌ وصِهاءٌ. الْجَوْهَرِيُّ: أَعْلى كلِّ جَبلٍ صَهْوَتُهُ. والصِّهَاءُ: مَنابِعُ الماءِ، الْوَاحِدَةُ صَهْوةٌ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
تَظَلَّلُ فِيهِنَّ أَبْصارُها، ... كَمَا ظَلَّل الصَّخْر مَاءَ الصِّهاءْ
والصَّهْوةُ: مَا يُتَّخَذُ فوقَ الرَّوابي مِنَ البُروُج فِي أَعاليها، والجمعُ صُهًى نادِرٌ، وَفِي التَّهْذِيبِ: والصَّهَواتُ؛ وأَنشد:
أَزْنَأَني الحُبُّ في صُهَى تَلَفٍ، ... ماكنتُ لَوْلَا الرَّبابُ أَزْنَؤُها
والصَّهْوةُ: مكانٌ مُتَطامِنٌ مِنَ الأَرض تأْوي إِلَيْهِ ضَوَالُّ الإِبِل: والصَّهَواتُ: أَوْساطُ المَتْنَيْنِ إِلَى القَطاةِ. وهاصاهُ: كسَرَ صُلْبَه. وصَاهَاه: رَكِبَ صَهْوَتَه. والصَّهْوة: كالغارِ فِي الجَبل يكونُ فِيهِ الماءُ، وَقَدْ يكونُ فِيهِ ماءُ المَطَر، والجمعُ صِهاءٌ. وصَهَا الجُرْحُ، بِالْفَتْحِ، يَصْهى صَهْياً: نَدِيَ. وَقَالَ الْخَلِيلُ: صَهِيَ الجُرْحُ، بِالْكَسْرِ. وأَصْهَى الصَّبيَّ: دَهَنه بالسَّمْنِ ووضَعه فِي الشَّمْسِ مِنْ مرضٍ يُصِيبهُ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وحَمَلْناهُ عَلَى الواوِ لأَنّا لَا نَجِدُ هـ ص ي. ابْنُ الأَعرابي: تَيْسٌ ذُو صَهَواتٍ إِذَا كَانَ سَمِينًا؛ وأَنشد:
ذَا صَهَواتٍ يَرْتَعِي الأَدْلاسا، ... كأَنَّ فوقَ ظَهْرِه أَحْلاسا،
مِنْ شَحْمِه ولَحْمِهِ دِحاسا
والدَّلْسُ: أَرضٌ أَنْبَتتْ بعدَ ما أُكِلَتْ. وصَها إِذَا كَثُرَ مالهُ. الأَصمعي: إِذَا أَصابَ الإِنسانَ جُرْحٌ فجعَلَ يَنْدَى قيلَ صَها يَصْهى. وصِهْيَوْنُ: هِيَ الرُّوم، وَقِيلَ: هِيَ بيتُ المَقْدِس؛ وأَنشد:
وإنْ أَجْلَبَتْ صِهْيَوْنُ يَوْمًا عليكُما، ... فإنَّ رَحى الحَرْبِ الدَّلوك رَحاكُما
صَوِّي: الصُّوَّةُ: جَماعةُ السِّباعِ؛ عَنْ كُرَاعٍ. والصُّوَّة: حَجَرٌ يكونُ عَلَامَةً فِي الطَّرِيقِ، والجمْع صُوًى، وأَصْوَاء جمعُ الجمعِ؛ قَالَ:
قَدْ أَغْتَدي والطَّيرُ فوقَ الأَصْوا
وأَنشد أَبو زَيْدٍ:
ومِن ذاتِ أَصْوَاءٍ سُهُوب كأَنها ... مَزاحِفُ هَزْلَى، بينَها مُتَباعَدُ
__________
(3) . قوله [حرام علي] هكذا في الأَصل، وفي الصحاح: عليك(14/471)
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَدْ جَاءَ فُعْلَةٌ عَلَى أَفعالٍ كَمَا قَالَ:
وعُقْبة الأَعْقابِ فِي الشَّهْرِ الأَصَمّ
قَالَ: وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ أَصْوَاءٌ جمعَ صُوىً مثلَ رُبَعٍ وأَرباعٍ، وَقِيلَ: الصُّوَى والأَصْواءُ الأَعلامُ المَنْصُوبة المُرْتَفِعة فِي غَلْظٍ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي هُرَيْرَةَ: إنَّ للإِسلامِ صُوًى ومَناراً كمَنارِ الطريقِ
، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْقُبُورِ أَصْواءٌ. قَالَ أَبو عَمْرٍو: الصُّوَى أَعْلامٌ مِنْ حجارةٍ منصوبةٌ فِي الفَيافي والمَفازةِ المجهولةِ يُسْتدَلُّ بِهَا عَلَى الطَّرِيقِ وَعَلَى طَرَفيها، أَراد أَنَّ للإِسلام طَرائقَ وأَعْلاماً يُهْتَدَى بِهَا؛ وَقَالَ الأَصمعي: الصُّوَى مَا غَلُظَ مِنَ الأَرض وَارْتَفَعَ وَلَمْ يَبْلُغ أَن يَكُونَ جَبَلًا؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وقولُ أَبي عَمْرٍو أَعْجَبُ إليَّ وَهُوَ أَشْبَهُ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ؛ وَقَالَ لَبِيدٌ:
ثُمَّ أَصْدَرْناهما فِي وارِدٍ ... صادِرِ، وَهْمٍ صُواهُ قَدْ مثَلْ «1»
. وَقَالَ أَبو النَّجْمِ:
وبينَ أَعلامِ الصُّوَى المَوائِلِ
ابْنُ الأَعرابي: أَخْفَضُ الأَعلامِ الثَّايَةُ، وَهِيَ بلُغة بَنِي أَسَدٍ بقَدْرِ قِعْدَةِ الرجلِ، فَإِذَا ارْتفعَتْ عَنْ ذَلِكَ فَهِيَ صُوَّة. قَالَ يعقوبُ: والعَلَم مَا نُصِبَ مِنَ الْحِجَارَةِ ليُسْتدَلَّ بِهِ عَلَى الطريقِ، والعَلَمُ الجبلُ. وَفِي حَدِيثِ
لَقيط: فيَخْرُجون مِن الأَصْواءِ فيَنْظُرون إِلَيْهِ سَاعَةً
، قال القُتيبي: يعني ب الأَصْواءِ القُبورَ، وأَصلُها الأَعلامُ، شَبَّه القبورَ بِهَا، وَهِيَ أَيضاً الصُّوَى، وَهِيَ الْآرَامُ، وَاحِدُهَا أَرَمٌ وإرَمٌ وأَرَميٌّ وإرَميٌّ وأَيْرَميٌّ ويَرَميٌّ أَيضاً. وَفِي حَدِيثِ
أَبي هُرَيْرَةَ: فَتَخْرُجُونَ مِنَ الأَصْواءِ فتَنْظُرُون إِلَيْهِ
؛ الأَصْوَاءُ: القُبورُ. وَالصَّاوِي: اليابِسُ. الأَصمعي فِي الشَّاءِ: إِذَا أَيْبَس أَرْبابُها أَلْبانَها عَمْداً لِيَكُونَ أَسْمَنَ لَهَا فَذَلِكَ التَّصْوِيَةُ وَقَدْ صَوَّيْناها، يُقَالُ: صَوَّيْتها فصَوَتْ. ابْنُ الأَعرابي: التَّصْوِيَة فِي الإِناثِ أَن تُبَقَّى أَلبانُها فِي ضُروعِها لِيَكُونَ أَشدَّ لَهَا فِي العامِ المُقْبِلِ. وصَوَّيْت النَّاقَةَ: حَفَّلْتُها لتَسْمَنَ، وَقِيلَ: أَيْبَسْتُ لَبنَها، وَإِنَّمَا يُفْعَلُ ذَلِكَ ليكونَ أَسْمَنَ لَهَا؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:
إِذَا الدِّعْرِمُ الدِّفْناسُ صَوَّى لِقاحَه، ... فإنَّ لَنَا ذَوْداً عِظامَ المَحالِبِ
قَالَ: وناقةٌ مُصَوَّاةٌ ومُصَرّاة ومُحَفَّلَةٌ بِمَعْنًى واحدٍ. وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ:
التَّصْوِيَةُ خِلابَةٌ
، وكذلك التَّصْرِية. وصَوَّيْت الغَنمَ: أَيْبَسْتُ لَبنَها عَمْداً لِيَكُونَ أَسْمَنَ لَهَا مثلُه فِي الإِبِل، والاسمُ مِنْ كلِّ ذَلِكَ الصَّوَى، وقيل: الصَّوى أَنْ تترُكَها فَلَا تَحْلُبَها؛ قَالَ:
يَجْمع للرِّعاءِ فِي ثَلاثٍ: ... طُولَ الصَّوَى، وقِلَّةَ الإِرْغاثِ
والتَّصْوِيَةُ مثلُ التَّصْرِيَةِ: وَهُوَ أَنْ تُتْرَكَ الشاةُ أَيّاماً لَا تُحْلَب. والخِلابَةُ: الخِدَاعُ. وضَرْعٌ صاوٍ إِذَا ضَمَرَ وذَهَبَ لَبَنُه؛ قَالَ أَبو ذُؤَيب:
مُتَفَلِّق أَنْساؤُها عَنْ قَانِئٍ ... كالقُرْطِ صَاوٍ، غُبْرهُ لَا يُرْضَعُ
أَرادَ بالقانِيءِ ضَرْعَها، وَهُوَ الأَحْمَر لأَنه ضَمَر وارْتَفعَ لَبَنُه. التَّهْذِيبُ: الصَّوَى أنْ تُغَرَّز الناقةُ فيَذْهَبَ لَبَنُها؛ قَالَ الرَّاعِي:
فَطَأْطَأْتُ عَيْني، هلْ أَرَى مِنْ سَمِينة ... تَدارَك مِنها نَيّ عامَيْنِ والصَّوَى؟
__________
(1) . قوله [قد مثل] هكذا في الأَصل هنا، وتقدم في مادة مثل: صواه كالمثل؛ وشرحه هناك نقلًا عن ابن سيدة(14/472)
قَالَ: وَيَكُونُ الصَّوَى بِمَعْنَى الشَّحْمِ والسِّمَنِ. الأَحمر: هُوَ الصَّاءَةُ بِوَزْنِ الصَّاعَة ماءٌ ثَخِين يَخْرُج مَعَ الوَلَد. وَقَالَ العَدَبَّس الكِنَاني: التَّصْوِيَة للْفُحولِ مِنَ الإِبِلِ أَن لَا يُحْمَل عَلَيْهِ وَلَا يُعْقَد فِيهِ حبلٌ لِيَكُونَ أَنْشَطَ لَهُ فِي الضِّرَاب وأَقْوَى؛ قَالَ الْفَقْعَسِيُّ يَصِفُ الرَّاعِيَ والإِبل:
صَوَّى لَهَا ذَا كِدْنةٍ جُلْذِيَّا، ... أَخْيَفَ كانَتْ أُمُّه صَفِيَّا
وصَوَّيْتُ الفَحْلَ مِنْ ذَلِكَ، وَقِيلَ: إِنَّما أَصل ذَلِكَ فِي الإِناثِ تُغَرَّزُ فَلَا تُحْلَب لتَسْمَن وَلَا تَضْعُفَ فَجَعَله الفَقْعَسي للفَحْل أَي تُرِكَ مِنَ العملِ وعُلِفَ حَتَّى رَجَعَت نفسُه إِليه وسَمِنَ. وصَوَّيْتُ لإِبلي فَحْلًا إِذا اخْتَرْتَه ورَبَّيْتَه للفِحْلة. اللَّيْثُ: الصَّاوِي مِنَ النَّخِيلِ اليابِسُ، وَقَدْ صَوَتِ النخلةُ تَصْوِي صُوِيّاً. قَالَ ابْنُ الأَنباري: الصَّوَى فِي النَّخْلَةِ مقصورٌ يُكْتَبُ بِالْيَاءِ، وَقَدْ صَوِيَت النخلَة، فَهِيَ صَاوِيَة إِذا عَطِشَت وضَمَرَتْ ويَبِسَتْ، قَالَ: وَقَدْ صَوِيَ النَّخْلُ وصَوَّى النَّخْلُ، قَالَ الأَزهري: وَهَذَا أَصَحُّ مِمَّا قالَ اللَّيْثُ، وَكَذَلِكَ غيرُ النَّخْلِ مِنَ الشَّجَر، وَقَدْ يكُونُ فِي الحَيَوانِ أَيضاً؛ قَالَ سَاعِدَةُ يَصِفُ بَقَر وَحْشٍ:
قَدْ أُوبِيَتْ كُلَّ مَاءٍ فَهْي صَاوِيَةٌ، ... مَهْمَا تُصِبْ أُفُقاً مِنْ بارِقٍ تَشِمِ
والصَّوُّ: الفارِغُ. وأَصْوَى إِذا جَفَّ. والصُّوَّةُ: مُخْتَلَفُ الرِّيحِ؛ قَالَ إمرؤُ القَيس:
وهَبَّتْ لَهُ ريحٌ، بِمُخْتَلَفِ الصُّوَى، ... صَباً وشمالٌ فِي مَنَازِلِ قُفَّالِ
ابْنُ الأَعرابي: الصَّوَى السُّنْبُلُ الفارِغُ والقُنْبُعُ غِلافُهُ؛ الأَزهري فِي تَرْجَمَةِ صَعْنَبَ:
تحسبُ باللَّيْل صُوىً مُصَعْنَبَا
قَالَ: الصُّوَى الحجارةُ المَجْمُوعَة، الواحدَة صُوَّة. ابْنُ الأَعرابي: الصُّوَّةُ صَوْتُ الصَّدَى، بِالصَّادِ. التَّهْذِيبُ فِي تَرْجَمَةِ ضَوَى: سَمِعْتُ ضَوَّةَ القَوْمِ وعَوَّتَهُم أَي أَصْوَاتَهُم، وَرَوِيَ عَنِ ابْنِ الأَعرابي الصَّوَّة والعَوَّة بِالصَّادِ. وذاتُ الصُّوَى: مَوْضِعٌ؛ قَالَ الرَّاعِي:
تَضَمَّنَهُم، وارْتَدَّتِ العَيْنُ دُونَهُم، ... بذاتِ الصَوَى مِنْ ذِي التَّنَانِير، ماهِرُ
صيا: الصَّيَّةُ: مَا يَخْرُجُ مِنْ رَحِمِ الشَّاةِ بعدَ الوِلادة. قَالَ ابْنُ أَحمر: الصَّاءَةُ بِوَزْنِ الصَّاعَةِ، والصَّآةُ بِوَزْنِ الصَّعَاةِ، والصَّيْأةُ بِوَزْنِ الصَّيْعَةِ، والصَّيَّةُ الماءُ الَّذِي يكونُ فِي المَشِيمَةِ؛ وأَنشد شَمِرٌ:
عَلَى الرِّجْلَيْنِ صَاءٍ كالخُراجِ
قَالَ: وبِعْتُ النَّاقَةَ ب صَيَّتِها أَي بِحِدْثانِ نَتاجِها. والصِّيَّةُ: أُنْثَى الطَّائِرِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الهَامُ. والصَّياصِي: شَوْكُ النَّسَّاجِينَ، واحِدَتُه صِيصِيةٌ، وَقِيلَ: صِيصِيَةُ الحَائِك الَّذِي يَخُطُّ بِهِ الثَّوْبَ وتُدْعَى المِخَطَّ. أَبو الْهَيْثَمِ: الصيِّصِيَّة حَفٌّ صَغِيرٌ مِنْ قُرُونِ الظِّبَاءِ تَنْسُجُ بِهِ المَرْأَةُ؛ قَالَ دُرَيْدُ بنُ الصِّمَّة:
فجِئْتُ إِلَيْه، والرِّماحُ تَنُوشُه ... كوَقْعِ الصَّيَاصِي فِي النَّسِيجِ المُمَدَّدِ
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ
حِينَ ذَكَر الفِتْنَة فَقَالَ: كَأَنَّها صَياصِي البَقَرِ
؛ قَالَ أَبو بَكْرٍ: شبَّه الفِتْنة بقُرونِ(14/473)
البَقَرِ لشِدَّتِها وصُعوبَةِ الأَمْرِ فِيهَا. وَالْعَرَبُ تَقُول: فِتْنَةٌ صَمَّاءُ إِذا كانَتْ هَائِلَةً عَظِيمَةً. وَفِي حَدِيثِ
أَبي هُرَيْرَةَ: أَصحابُ الدَّجَّالِ شَوَارِبُهُمْ ك الصَّيَاصِي
يَعْني قُرونَ البَقَرِ، يريدُ أَنَّهم أَطَالُوا شَوَارِبَهُم وفَتَلُوها فصارَتْ كأَنَّها قُرُونُ بَقَرٍ. والصَّيَاصِي: القُرَى، وَقِيلَ: الحُصُونُ. وَفِي التَّنْزِيلِ: وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ
؛ قال الفراءُ: مِنْ حُصُونهم، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الصَّيَاصِي كلُّ مَا يُمْتَنَعُ بِهِ، وَهِيَ الحُصُونُ، وَقِيلَ: القُصُور لأَنَّه يُتَحَصَّنُ بِهَا. وصِيصِيَّة الثَّوْرِ: قَرْنه لاحْتِصانِه بِهِ مِن عَدُوِّه؛ قَالَ النَّابغة الجَعْدِي، وَقِيلَ سُحَيْمٌ عبدُ بَنِي الحَسْحاسِ:
فَأَصْبَحَتِ الثِّيرَانُ غَرْقَى، وأَصْبَحَتْ ... نِساءُ تَمِيمٍ يَلْتَقِطْنِ الصَّيَاصِيَا
ذَهَبَ إِلى أَنَّ رجالَ تَمِيمٍ نسَّاجُون فنِساؤُهم يَلْتَقِطْنَ لهُم الصيَّاصِيَ ليَحْفِزوا بِهَا الغَزْل. وصِيصِيَّة الدِّيكِ: مِخْلَبانِ فِي ساقَيْه، وَقِيلَ: صيصِيَّةُ الدِّيكِ وغيرِه مِنَ الطَّيْرِ الإِصْبَع الزائِدةُ الَّتِي فِي مُؤَخَّرِ رِجْلِه، وَقِيلَ: صيصِيَّة الدِّيكِ شَوْكَتُه لأَنه يَتَحَصَّنُ بها.
فصل الضاد المعجمة
ضأي: ابْنُ الأَعرابي: ضأَى الرَّجُلُ إِذا دَقَّ جِسمُه.
ضبا: ضَبَتْهُ الشمسُ والنارُ تَضْبُوهُ ضَبْياً وضَبْواً: لَفَحَتْه ولَوَّحَتْه وغَيَّرَتْه، وَكَذَلِكَ ضَبَحَتْه ضَبْحاً. وضَبَتْه النَّارُ ضَبْواً: أَحْرَقَتْه وشَوَتْهُ، وبعضُ أَهلِ اليَمَن يُسَمُّونَ خُبْزَة المَلَّةِ مَضْباةً «1» . مِنْ هَذَا؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَدري كيفَ ذَلِكَ إِلَّا أَن تُسَمَّى بَاسْمِ المَوْضِعِ. وأَضْبَى الرجلُ عَلَى مَا فِي يَدَيْهِ: أَمْسَك، لغةٌ فِي أَضْبَأَ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. وأَضْبَى بِهِمُ السَّفَر: أَخْلَفَهُم مَا رَجَوْا فِيهِ مِنْ رِبْحٍ ومَنْفَعةٍ؛ عَنِ الهَجَري؛ وأَنشد:
لَا يَشْكُرونَ إِذا كنَّا بمَيْسَرَةٍ، ... وَلَا يَكُفُّونَ إِنْ أَضْبَى بِنَا السَّفَر
الْكِسَائِيُّ: أَضْبَيْتُ عَلَى الشَّيْءِ أَشْرَفْتُ عَلَيْهِ أَنْ أَظْفَرَ بِهِ. والضَّابي: الرَّمادُ. وأَضْبَى يُضْبِي إِذا رَفَع؛ قَالَ رؤْبة:
تَرَى قَناتي كقَناة الأضْهابْ ... يُعْمِلُها الطَّاهِي، ويُضْبِيها الضَّابْ
يُضْبيها أَي يَرْفَعُها عَنِ النارِ كَيْ لَا تَحْتَرِقَ، والضّابْ: يُرِيدُ الضّابِيَ، وَهُوَ الرافِعُ، وَالطَّاهِي هُنَا: المُقَوِّم للقِسِيِّ والرِّماحِ عَلَى النّارِ.
ضجا: ضَجَا بالمكانِ: أَقامَ؛ حَكَاهُ ابْنُ دريدٍ؛ قَالَ: وليس بثَبتٍ.
ضحا: الضَّحْوُ والضَّحْوَةُ والضَّحِيَّةُ عَلَى مِثَالِ العَشِيَّة: ارْتِفاعُ النَّهَارِ: أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
رَقُود ضَحِيَّاتٍ كأَنَّ لِسانَهُ، ... إِذا واجَهَ السُّفّارَ، مِكْحالُ أَرْمَدا
والضُّحى: فُوَيْقَ ذَلِكَ أُنْثى وتَصْغيرُها بغَيْر هاءٍ لِئَلَّا يَلْتَبِسَ بتَصْغير ضَحْوَةٍ. والضَّحاءُ، ممدودٌ، إِذا امْتَدَّ النهارُ وكرَبَ أَن يَنْتَصِفَ؛ قَالَ رؤْبة:
هَابِي العَشِيِّ دَيْسَق ضَحاؤُه
وَقَالَ آخَرُ:
عَلَيْهِ مِنْ نَسْجِ الضُّحى شُفوفُ
__________
(1) . قوله [مضباة] بفتح الميم كما في المحكم، وفي القاموس بضم الميم(14/474)
شَبَّه السَّرابَ بالسُّتور الْبِيضِ، وَقِيلَ: الضُّحى مِنْ طلوعِ الشَّمْسِ إِلى أَنْ يَرْتَفِعَ النهارُ وتَبْيَضَّ الشَّمْسُ جِدًّا، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ الضَّحاءُ إِلى قَريب مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَالشَّمْسِ وَضُحاها
؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: ضُحاها نَهارُها، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى
؛ هُوَ النهارُ كُلُّه؛ قَالَ الزَّجاج: وَضُحاها
وضِيائها، وَقَالَ فِي قَوْلِهِ وَالضُّحى
: والنهارِ، وَقِيلَ: ساعةٌ مِنْ سَاعَاتِ النَّهَارِ. والضُّحى: حينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ فَيَصْفو ضَوْءُها. والضَّحاء، بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ، إِذا ارْتَفَعَ النَّهارُ واشْتَدَّ وَقْعُ الشَّمْسِ، وَقِيلَ: هُو إِذا عَلَتِ الشَّمْسُ إِلى رُبْعِ السَّماءِ فَما بَعْدَه. والضَّحاء: ارْتِفاعُ الشَّمْس الأَعلى. والضُّحى، مَقْصُورَةٌ مؤَنثة: وَذَلِكَ حينَ تُشْرِقُ الشَّمْسُ. وَفِي حَدِيثِ
بِلَالٍ: فَلَقَدْ رأَيْتُهم يَتَرَوَّحون فِي الضَّحاء
أَي قَرِيبًا مِنْ نِصْفِ النهارِ، فأَمّا الضَّحْوة فَهُوَ ارتفاعُ أَول النَّهارِ، والضُّحى، بالضَّمّ وَالْقَصْرِ، فَوْقَه، وَبِهِ سُمِّيَتْ صَلَاةُ الضُّحى. غَيْرُهُ: ضَحْوَةُ النَّهارِ بعدَ طُلوعِ الشَّمْس ثُمَ بَعْدَهُ الضُّحى، وَهِيَ حينَ تُشْرِقُ الشمسُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَدْ يقالُ ضَحْوٌ لُغَةً فِي الضُّحى؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
طَرِبْتَ وهاجَتْكَ الحَمامُ السَّواجِعُ، ... تَميلُ بِهَا ضَحْواً غُصونٌ يَوانِعُ
قَالَ: فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَن يَكُونَ ضُحَيٌّ تصغيرَ ضَحْو. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الضُّحى مَقْصُورَةٌ تؤَنث وَتُذَكَّرُ، فَمَنْ أَنث ذَهَبَ إِلى أَنها جَمْعُ ضَحْوَةٍ، وَمَنْ ذكَّر ذَهَبَ إِلى أَنه اسمٌ عَلَى فُعَلٍ مِثْلُ صُرَدٍ ونُغَرٍ، وَهُوَ ظرْف غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مثلُ سَحَر، تقول: لقِيتُه ضُحًى وضُحَى، إِذا أَرَدْتَ بِهِ ضُحى يَوْمِكَ لَمْ تُنَوِّنْه؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: ضُحىً مصروفٌ عَلَى كلِّ حالٍ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: ثُمَّ بَعْدَهُ الضَّحاءُ ممدودٌ مذكَّرٌ وَهُوَ عَنْدَ ارتِفاعِ النِّهَارِ الأَعلى، تَقُولُ مِنْهُ: أَقَمْتُ بِالْمَكَانِ حَتَّى أَضْحَيْت كَمَا تَقُولُ مِنَ الصَّبَاح أَصْبَحْت. وَمِنْهُ قَوْلُ
عُمَرَ، رَضِيَ الله عنه: أَضْحُوا بصَلاةِ الضُّحى
أَي صَلُّوها لِوَقْتهِا وَلَا تُؤَخِّروها إِلى ارْتِفاعِ الضُّحى. وَيُقَالُ: أَضْحَيْتُ بصَلاةِ الضُّحى أَي صَلَّيْتُها فِي ذَلِكَ الوقتِ. والضَّحاءُ أَيضاً: الغَداءُ، وَهُوَ الطَّعامُ الَّذِي يُتَغَدَّى بِهِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَنه يُؤْكلُ فِي الضَّحاءِ، تَقُولُ: هُمْ يَتَضَحَّوْن أَي يَتَغَدَّوْنَ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُ الْجَعْدِيِّ:
أَعْجَلَها أَقْدُحي الضَّحَاءَ ضُحًى، ... وَهِيَ تُناصي ذَوائِبَ السَّلَمِ
وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ الحَكم:
بِها الصَّوْنُ: إِلَّا شَوطَها مِنْ غَداتِها ... لتَمْرينها، ثُمَّ الصَّبوحُ ضَحَاؤُها
وَفِي حَدِيثِ
سَلَمَة بْنِ الأَكْوَعِ: بَيْنا نحنُ نَتَضَحَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
، أَي نَتَغَدَّى، والأَصلُ فِيهِ أَن العرَبَ كَانُوا يَسيرونَ فِي ظَعْنِهِمْ فإِذا مَرُّوا بِبُقْعَةٍ مِنَ الأَرض فِيهَا كَلأٌ وعُشْبٌ قَالَ قائِلُهم: أَلا ضَحُّوا رُوَيْداً أَي ارْفُقوا بالإِبلِ حَتَّى تَتَضَحَّى أَي تَنالَ مِنْ هَذَا المَرْعى، ثُمَّ وُضِعَتِ التَّضْحِيَة مكانَ الرِّفْقِ لتَصِلَ الإِبل إِلى المَنْزِل وَقَدْ شَبِعَتْ، ثُمَّ اتُّسِعَ فِيهِ حَتَّى قِيلَ لكُلِّ مَنْ أَكَلَ وقتَ الضُّحى هُوَ يتَضَحَّى أَي يأَكُلُ فِي هَذَا الوقْتِ كَمَا يُقَالُ يَتَغَدَّى ويتعشَّى فِي الغَداء والعَشاء. وضَحَّيْتُ فُلَانًا أُضَحِّيه تَضْحِيَةً أَي غَدَّيْتُه؛ وأَنشد لِذِي الرُّمَّةِ:
تَرى الثَّوْرَ يَمْشي، راجِعاً مِنْ ضَحائِهِ ... بِهَا، مِثْلَ مَشْيِ الهِبْرِزِيّ المُسَرْوَلِ(14/475)
الهِبْرِزِيُّ: الْمَاضِي فِي أَمْرِه؛ مِنْ ضَحَائِه أَي منْ غَدائِه مِنَ المَرْعى وقتَ الغَداءِ إِذ ارْتَفَع النهارُ. وَرَجُلٌ ضَحْيَانٌ إِذا كانَ يأْكُلُ فِي الضُّحى. وامرأَةٌ ضَحْيانَةٌ مِثْلُ غَدْيانٍ وغَدْيانَةٍ. وَيُقَالُ: هَذَا يُضَاحِينا ضَحِيَّةَ كلِّ يومٍ إِذا أَتاهُم كلَّ غَداةٍ. وضَحّى الرجلُ: تَغَدَّى بالضُّحى؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
ضَحَّيْتُ حَتَّى أَظْهَرَتْ بمَلْحوبْ، ... وحَكَّتِ السَّاقَ بِبَطْنِ العُرْقوبْ
يَقُولُ: ضَحَّيْت لكَثْرَةِ أَكْلِها أَي تغَدَّيْت تِلْكَ الساعةَ انتِظاراً لَهَا، والاسمُ الضَّحاءُ عَلَى مِثالِ الغَداءِ والعَشاء، وَهُوَ ممدودٌ مذَكَّر. والضَّاحِيةُ مِنَ الإِبلِ والغَنَمِ: الَّتِي تَشْرَبُ ضُحى. وتَضَحَّتِ الإِبلُ: أَكَلَتْ فِي الضُّحى، وضَحَّيتُها أَنا. وَفِي الْمَثَلِ: ضَحِّ وَلَا تَغْتَرَّ، وَلَا يُقَالُ ذَلِكَ للإِنسان؛ هَذَا قولُ الأَصْمعي وَجَعَلَهُ غيرُه فِي الناسِ والإِبلِ، وَقِيلَ: ضَحَّيْتُها غَذَّيْتُها أَيَّ وقْتٍ كَانَ، والأَعْرَف أَنه فِي الضُّحى. وضَحَّى فُلَانٌ غنَمه أَي رَعَاهَا بالضُّحى. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَيُقَالُ ضَحَّتِ الإِبلُ الماءَ ضُحىً إِذا وَردَتْ ضُحىً؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: فإِن أَرادوا أَنها رَعَتْ ضُحىً قَالُوا تَضَحَّت الإِبلُ تَتَضَحَّى تَضَحِّياً. والمُضَحِّي: الَّذِي يُضَحّي إِبله. وَقَدْ تُسَمّى الشمسُ ضُحًى لظُهورِها فِي ذَلِكَ الوَقْتِ. وأَتَيْتُك ضَحْوَةً أَي ضُحىً، لَا تُسْتَعْمَل إِلا ظَرْفًا إِذا عنَيْتَها مِنْ يومِك، وَكَذَلِكَ جميعُ الأَوْقاتِ إِذا عَنَيْتَها مِنْ يومِك أَو لَيْلَتِكَ، فإِن لَمْ تَعْنِ ذَلِكَ صَرَّفْتَها بِوُجُوهِ الإِعْراب وأَجْرَيْتها مُجْرى سائرِ الأَسْماء. والضَّحِيَّة: لغةٌ فِي الضَّحْوَةِ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، كَمَا أَنَّ الغَدِيَّة لغةٌ فِي الغَداةِ، وسيأْتي ذكرُ الغَدِيَّة. وضَاحَاهُ: أَتاه ضُحًى. وضَاحَيْتُه: أَتيتُه ضَحاءً. وفلانٌ يُضَاحِينا ضَحْوَ كُلِّ يومٍ أَي يأْتِينا. وضَحَّيْنا بَنِي فلانٍ: أَتيناهمْ ضُحًى مُغيرينَ عَلَيْهِمْ؛ وَقَالَ:
أَراني، إِذا ناكَبْتُ قوْماً عَداوَةً ... فضحَّيْتُهم، أَنِّي عَلَى الناسِ قادِرُ
وأَضْحَيْنا: صِرْنا فِي الضُّحى وبلغْناها، وأَضْحَى يفعلُ ذَلِكَ أَي صَارَ فاعِلًا لَهُ فِي وقتِ الضُّحى كَمَا تَقُولُ ظَلَّ، وَقِيلَ: إِذا فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ أَولِ النهارِ، وأَضْحَى فِي الغُدُوِّ إِذا أَخَّرَه. وضَحَّى بالشاةِ: ذَبَحها ضُحى النَّحْر، هَذَا هُوَ الأَصل، وَقَدْ تُسْتَعمَل التَّضْحِيةُ فِي جَمِيعِ أَوقات أَيام النَّحْر. وضَحَّى بشاةٍ مِنَ الأُضْحِيةِ وَهِيَ شاةٌ تُذْبَحُ يومَ الأَضْحى. والضَّحِيَّة: مَا ضَحَّيْت بِهِ، وَهِيَ الأَضْحاةُ، وَجَمْعُهَا أَضْحًى يذكَّر ويؤَنَّث، فَمَنْ ذكَّر ذهَبَ إِلى اليومِ؛ قَالَ أَبو الغُولِ الطُّهَوي «2» .
رَأَيْتُكمُ بَنِي الخَذْواءِ لَمَّا ... دَنا الأَضْحَى وصَلَّلَتِ اللِّحامُ،
تَولَّيْتُم بوِدِّكُمُ وقُلْتُمْ: ... لَعَكٌّ منكَ أَقْرَبُ أَو جُذَامُ
وأَضْحىً: جَمْعُ أَضْحَاةٍ مُنَوَّناً، ومثلُه أَرْطىً جمعُ أَرْطاةٍ؛ وشاهِدُ التأْنيث قَوْلُ الْآخَرِ:
يَا قاسِمَ الخَيراتِ يَا مَأْوى الكَرَمْ، ... قَدْ جاءَتِ الأَضْحى وَمَا لي من غَنَمْ
__________
(2) . قوله [أبو الغول الطهوي] قال في التكملة الشعر لأبي الغول النهشلي لا الطهوي، وقوله: لَعَكٌّ مِنْكَ أَقْرَبُ أَوْ جذام قال في التكملة: هكذا وقع فِي نَوَادِرِ أَبِي زَيْدٍ، والرواية: أعك منك أقرب أم جذام بالهمزة لا باللام(14/476)
وَقَالَ:
أَلا لَيْتَ شِعْري هلْ تَعودَنَّ بعدَها ... عَلَى النَّاسِ أَضْحَى تجْمَعُ الناسَ، أَو فِطْرُ
قَالَ يَعْقُوبُ: يُسَمَّى اليومُ أَضْحىً بِجَمْعِ الأَضْحَاةِ الَّتِي هِيَ الشَّاةُ، والإِضْحِيَّة والأُضْحِيَّة كالضَّحِيَّة. ابْنُ الأَعرابي: الضَّحِيَّة الشاةُ الَّتِي تُذْبَحُ ضَحْوَةً مِثْلُ غَدِيَّةٍ وعَشِيَّة، وَفِي الضَّحِيَّة أَربعُ لغاتٍ: أُضْحِيَّةٌ وإِضْحِيَّةٌ وَالْجَمْعُ أَضَاحيُّ، وضَحِيَّةٌ عَلَى فَعِيلة، وَالْجَمْعُ ضَحايا، وأَضْحَاةٌ، وَالْجَمْعُ أَضْحىً كَمَا يُقَالُ أَرْطاةٌ وأَرْطىً، وَبِهَا سُمِّيَ يومُ الأَضْحى. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِن عَلَى كُلِّ أَهلِ بيْتٍ أَضْحاةً كلَّ عامٍ
أَي أُضحية؛ وأَما قولُ حَسَّان بْنِ ثَابِتٍ يَرْثي عثمانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
ضَحَّوْا بأَشْمَطَ، عُنوانُ السُّجودِ بِهِ، ... يُقَطِّعُ اللَّيلَ تسْبِيحاً وقُرْآنا
فإِنه اسْتَعارَهُ وأَرادَ قِراءةً. وضَحَا الرَّجُلُ ضَحْواً وضُحُوّاً وضُحِيّاً: بَرَز لِلشَّمْسِ. وضَحا الرَّجُلُ وضَحِيَ يَضْحى فِي اللُّغَتَيْنِ مَعًا ضُحُوّاً وضُحِيّاً: أَصابَتْه الشمسُ. وَفِي التَّهْذِيبِ: قَالَ شِمْرٌ ضَحِيَ يَضْحى ضُحِيّاً وضَحا يَضْحُو ضُحُوّاً، وَعَنِ اللَّيْثِ ضَحِيَ الرجلُ يَضْحى ضَحاً إِذا أَصابَهُ حَرُّ الشَّمْسِ. قَالَ اللَّهُ تعالى: وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى
؛ قَالَ: لَا يُؤْذِيك حَرُّ الشَّمْسِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: لَا تَضْحى
لَا تُصِيبُك شمسٌ مؤْذِيَةٌ، قَالَ: وَفِي بَعْضِ التَّفْسِيرِ وَلَا تَضْحى لَا تَعْرَق؛ قَالَ الأَزهري: والأَول أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ؛ وأَنشد:
رَأَتْ رَجُلًا، أَمَّا إِذا الشَّمْسُ عارضَتْ ... فيَضْحَى، وأَمَّا بالعَشيِّ فَيَخْصَرُ
وضَحِيتُ، بِالْكَسْرِ، ضَحىً: عَرِقتُ. ابْنُ عَرَفَةَ: يُقَالُ لِكُلِّ مَنْ كَانَ بارِزاً فِي غيرِ مَا يُظِلُّه ويُكِنُّه إِنه لضاحٍ؛ ضَحِيتُ لِلشَّمْسِ أَي بَرَزْت لَهَا، وضَحَيْتُ لِلشَّمْسِ لغةٌ. وَفِي الْحَدِيثِ
عَنْ عَائِشَةَ: فَلَمْ يَرُعْني إِلا وَرَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ ضَحا
أَي ظَهَر؛ قَالَ شِمْرٌ: قَالَ بعضُ الكلابيِّينَ الضَّاحِي الَّذِي بَرَزَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وغَدا فلانٌ ضَحِياً وغَدا ضاحِياً وَذَلِكَ قُرْبَ طُلوعِ الشَّمْسِ شَيْئًا، وَلَا يزالُ يقالُ غَدا ضاحِياً مَا لَمْ تَكُنْ قائلةٌ. وَقَالَ بعضُهم: الْغَادِي أَن يَغْدُوَ بَعْدَ صلاةِ الغَداةِ، وَالضَّاحِي إِذا اسْتَعْلَت عَلَيْهِ الشَّمْسُ. وَقَالَ بَعْضُ الكِلابيِّينَ: بَيْنَ الْغَادِي وَالضَّاحِي قَدْرُ فُواقِ ناقةٍ؛ وَقَالَ القُطامي:
مُسْتَبْطئُوني، وَمَا كَانَتْ أَناتُهُمُ ... إِلا كَمَا لبثَ الضَّاحِي عَنِ الْغَادِي «1»
. وضَحَيْتُ لِلشَّمْسِ وضَحِيتُ أَضْحَى مِنْهُمَا جَمِيعًا. والمَضْحَاةُ: الأَرض البارزةُ الَّتِي لَا تكادُ الشَّمْسُ تَغِيبُ عَنْهَا، تَقُولُ: عليكَ بمَضْحَاةِ الْجَبَلِ. وضَحَا الطَّرِيقُ يَضْحُو ضُحُوّاً: بَدا وظَهَر وبَرَزَ. وضاحِيةُ كلِّ شَيْءٍ: مَا بَرَزَ مِنْهُ. وضَحَا الشَّيءُ وأَضْحَيْتُه أَنا أَي أَظْهَرْتُه. وضَواحي الإِنسان: مَا بَرَزَ مِنْهُ لِلشَّمْسِ كالمَنْكِبَيْن والكَتِفَيْنِ. ابْنُ بَرِّيٍّ: والضَّوَاحِي مِنَ الإِنسان كَتِفاهُ ومَتْناه؛ وَقِيلَ: إِن الأَصمعي دَخَلَ عَلَى سَعِيدِ بْنِ سَلْمٍ وَكَانَ ولدُ سعيدٍ يَترَدَّدُ إِليه ابْنُ الأَعرابي فَقَالَ لَهُ الأَصمعيُّ: أَنشد عمَّك مِمَّا رَوَاهُ أُستاذُكَ، فأَنشد:
رَأَتْ نِضْوَ أَسْفارٍ، أُمَيْمَةُ، قاعِداً ... عَلَى نِضْوِ أَسفارٍ، فَجُنَّ جُنُونُها
فَقَالَتْ مِنَ أَيِّ الناسِ أَنتَ، وَمَنْ تكنْ؟ ... فإِنكَ رَاعِي ثَلَّةٍ لَا يَزِينُها
__________
(1) . قوله [مستبطئوني] هكذا في الأصل، وفي التهذيب: مستبطئون(14/477)
فقلتُ لَهَا: لَيْسَ الشُّحوبُ عَلَى الفَتى ... بعارٍ، وَلَا خَيرُ الرجالِ سَمِينُها
عليكِ براعِي ثَلَّةٍ مُسْلَحِبَّةٍ، ... يرُوحُ عَلَيْهِ مَحْضُها وحَقِينُها
«1» . سَمينِ الضَّواحِي لَمْ تُؤَرِّقْه لَيْلَةً، ... وأَنْعَمَ، أَبْكارُ الهمومِ وعُونُها
الضَّوَاحِي: مَا بَدا مِنْ جَسَدِه، وَمَعْنَاهُ لَمْ تُؤَرِّقْه لَيْلَةً أَبكارُ الهمومِ وعُونُها، وأَنْعَمَ أَي وزادَ عَلَى هَذِهِ الصِّفةِ. وضَحِيتُ لِلشَّمْسِ ضَحَاءً، ممدودٌ، إِذا بَرَزْت، وضَحَيت، بِالْفَتْحِ، مثلُه، والمُسْتَقْبَلُ أَضْحَى فِي اللُّغَتَيْنِ جَمِيعًا. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، رأَى رَجُلًا مُحْرِماً قَدِ استَظَلَّ فَقَالَ أَضْحِ لِمَنْ أَحْرَمْتَ لَهُ
أَي اظْهَرْ واعْتَزِلِ الكِنَّ والظِّلَّ؛ هَكَذَا يَرْويه المُحَدِّثون، بِفَتْحِ الأَلف وَكَسْرِ الْحَاءِ، مِنْ أَضْحَيْت؛ وَقَالَ الأَصمعي: إِنما هُوَ اضْحَ لِمَن أَحْرَمْتَ لَهُ، بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْحَاءِ، مِنْ ضَحِيتُ أَضْحَى، لأَنه إِنما أَمَرَهُ بِالْبُرُوزِ لِلشَّمْسِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى
والضَّحْيانُ مِنْ كُلِّ شيءٍ: البارِزُ للشمسِ؛ قَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤَيَّة:
وَلَوْ أَنَّ الَّذِي تَتْقَى عَلَيْهِ ... بضَحْيانٍ أَشَمَّ بِهِ الوُعُولُ
قَالَ ابْنُ جِنِّي: كَانَ الْقِيَاسُ فِي ضَحْيانٍ ضَحْوانٌ لأَنه مِنَ الضَّحْوة، أَلا تَراهُ بارِزاً ظاهِراً، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الضَّحْوةِ إِلا أَنه اسْتُخِفَّ بِالْيَاءِ، والأُنْثى ضَحْيانَةٌ؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:
يَكْفيك، جهلَ الأَحْمَقِ المُسْتَجْهَلِ، ... ضَحْيانَةٌ مِنْ عَقَداتِ السَّلْسَلِ
فسَّره فَقَالَ: ضَحْيَانَةٌ عَصاً نَبَتَتْ فِي الشَّمْسِ حَتَّى طَبَخَتْها وأَنْضَجَتْها، فَهِيَ أَشدُّ مَا يكونُ، وَهِيَ مِنَ الطَّلْحِ، وسَلْسَلٌ: حَبْلٌ مِنَ الدَّهْناءِ، وَيُقَالُ سَلاسِلٌ وشجَرُه طَلحٌ، فإِذا كَانَتْ ضَحْيانَةً وَكَانَتْ مِنْ طَلْحٍ ذَهَبَتْ فِي الشِّدَّةِ كلَّ مَذْهَبٍ؛ وشَدَّ مَا ضَحَيْت وضَحَوْت للشمسِ والريحِ وغيرِهِما، وَتَمِيمٌ تَقول: ضَحَوْتُ لِلشَّمْسِ أَضْحُو. وَفِي حَدِيثِ الاسْتِسْقاء:
اللَّهُمَّ ضَاحَتْ بِلادُنا واغْبَرَّتْ أَرْضُنا
أَي بَرَزَتْ لِلشَّمْسِ وظَهَرَت بِعدمِ النَّباتِ فِيهَا، وَهِيَ فَاعَلَتْ مِنْ ضَحَى مثلُ رامَتْ مِنْ رَمَى، وأَصلُها ضاحَيَتْ؛ الْمَعْنَى أَنَّ السَّنَة أَحْرَقَت النباتَ فَبَرَزَت الأَرض لِلشَّمْسِ. واسْتَضْحَى لِلشَّمْسِ: بَرَزَ لَهَا وقَعَدَ عِنْدَهَا فِي الشِّتاءِ خاصَّة. وضَواحِي الرجُلِ: مَا ضَحَا مِنْهُ للشمسِ وبَرَز كالمَنْكِبَيْنِ والكَتِفَيْنِ. وضَحَا الشيءُ يَضْحُو فَهُوَ ضاحٍ أَي بَرَزَ. والضَّاحِي مِنْ كلِّ شيءٍ: البارِزُ الظاهِرُ الَّذِي لَا يَسْتُرُه مِنْكَ حائِطٌ وَلَا غيرُه. وضَواحِي كلِّ شيءٍ: نَواحيهِ البارِزَةُ للشمسِ. والضَّوَاحِي مِنَ النَّخْلِ: مَا كَانَ خارِجَ السُّورِ، صِفةٌ غَالِبَةٌ لأَنها تَضْحَى للشمسِ.
وَفِي كتابِ النبيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأُكَيْدِرِ بنِ عبدِ المَلِكِ: لكُمُ الضامِنَةُ مِنَ النَّخْلِ ولَنا الضَّاحِيَة مِنَ البَعْلِ
؛ يَعْنِي بالضَّامِنَةِ مَا أَطَافَ بِهِ سُورُ المَدينَةِ، والضَّاحِيَة الظَّاهِرَةُ البارِزَة مِنَ النَّخيلِ الخارِجَة مِنَ العِمارَةِ الَّتِي لَا حَائِلَ دونَها، والبَعْل النَّخْل الراسِخُ عُروقُه فِي الأَرض، والضامِنَة مَا تَضَمَّنها الحدائِقُ والأَمْصار وأُحِيطَ عَلَيْهَا. وَفِي الْحَدِيثِ:
قَالَ لأَبِي ذَرٍّ إِنِّي أَخافُ عليكَ مِنْ هَذِهِ الضَّاحِيَةِ
أَي الناحِيَةِ البارِزَة. والضَّوَاحِي مِنَ الشَّجَرِ: القَلِيلةُ الوَرَق الَّتِي تَبْرُزُ
__________
(1) . قوله [محضها] هكذا في بعض الأصول، وفي بعضها: مخضها، بالخاء(14/478)
عِيدانُها لِلشَّمْسِ. قَالَ شِمْرٌ: كلُّ مَا ظَهَر وبَرَزَ فَقَدْ ضَحَا. وَيُقَالُ: خَرَجَ الرجلُ مِنْ مَنْزِله فضَحَا لِي. والشَّجَرة الضَّاحِيَة: البارِزَةُ للشمسِ؛ وأَنشد لِابْنِ الدُّمَيْنَة يَصِفُ القَوْس:
وخُوطٍ مِنْ فُروعِ النَّبْعِ ضاحِ، ... لَها فِي كَفِّ أَعْسَرَ كالضُّباحِ
الضَّاحِي: عُودُها الَّذِي نَبَت فِي غَيْرِ ظِلٍّ وَلَا فِي ماءٍ فَهُوَ أَصْلَبُ لَهُ وأَجْوَدُ. وَيُقَالُ للبادِيَةِ الضَّاحِيَةُ. وَيُقَالُ: وَلِيَ فُلانٌ عَلَى ضاحيَةِ مِصْرَ، وباعَ فلانٌ ضاحيَةَ أَرْضٍ إِذَا بَاعَ أَرضاً، لَيْسَ عَلَيْهَا حائِطٌ، وباعَ فلانٌ حَائِطًا وحَديقةً إِذَا باعَ أَرضاً عَلَيْهَا حَائِطٌ. وضَواحِي الحَوْض: نَوَاحِيه، وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ واويَّة وَيَائِيَّةٌ. وضَواحِي الرُّومِ: مَا ظَهَر مِنْ بِلادِهم وبَرَزَ. وضاحِيَةُ كلِّ شيءٍ: ناحيتُه البارزَة. يُقَالُ: هُمْ يَنْزِلُون الضَّواحي. ومكانٌ ضاحٍ أَي بارِزٌ، قَالَ: والقُلَّة الضَّحْيَانَةُ فِي قَوْلِ تأبَّط شَرًّا هِيَ البارِزة للشَّمْسِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَبَيْتُ تأَبَّط شَرّاً هُوَ قَوْلُهُ:
وقُلَّةٍ، كسِنانِ الرُّمْحِ، بارِزةٍ ... ضَحْيانَةٍ فِي شُهُورِ الصَّيْفِ مِحْرَاقِ
بادَرْتُ قُنَّتَها صَحْبِي، وَمَا كَسِلُوا ... حَتَّى نَمَيْتُ إِلَيْهَا بَعْدَ إشراقِ
المحراقُ: الشديدةُ الْحَرِّ: وَيُقَالُ: فَعَل ذَلِكَ الأَمرَ ضاحِيَةً أَي عَلانِيَة؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
عَمِّي الَّذِي مَنَعَ الدينارَ ضاحِيَةً، ... دِينارَ نَخَّةِ كَلْبٍ، وَهْوَ مَشْهودُ
وفَعَلْت الأَمْرَ ضاحِيةً أَي ظَاهِرًا بَيّناً؛ وَقَالَ النَّابِغَةُ:
فَقَدْ جَزَتْكُمْ بَنو ذُبْيانَ ضَاحِيَةً ... حَقّاً يَقِيناً، ولمَّا يَأْتِنا الصَّدَرُ
وأَما قَوْلُهُ فِي الْبَيْتِ:
عَمِّي الَّذِي مَنَع الدِّينارَ ضَاحِيَةً
فَمَعْنَاهُ أَنه مَنعه نَهَارًا جِهاراً أَي جاهرَ بالمَنْعِ؛ وَقَالَ لَبِيدٌ:
فَهَرَقْنا لَهما فِي داثِرٍ، ... لضَوَاحِيه نَشِيشٌ بالبَلَلْ
وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنه رَأَى عَمْرو بنَ حُرَيْثٍ فَقَالَ إِلَى أَيْنَ؟ قَالَ: إِلَى الشامِ، قَالَ: أَما إنَّها ضاحِيَةُ قَوْمِكَ
أَي ناحِيَتُهم. وَفِي حَدِيثِ
أَبي هُرَيْرَةَ: وضاحِيَةُ مُضَرَ مُخالِفونَ لِرَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
، أَي أَهلُ الْبَادِيَةِ مِنْهُمْ، وجمعُ الضَّاحِيَة ضَوَاحٍ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
أَنس: قَالَ لَهُ البَصْرَةُ إحْدَى المُؤتَفِكاتِ فانْزِلْ فِي ضَواحِيها
؛ وَمِنْهُ قِيلَ: قُرَيْشُ الضَّوَاحِي أَي النازِلونَ بظَواهر مَكَّةَ. وليلةٌ ضَحْيَاءُ وضَحيَا وضَحْيانٌ وضَحْيَانَةٌ وإضْحِيَانٌ وإضْحِيانَةٌ، بِالْكَسْرِ: مضِيئَةٌ لَا غَيْمَ فِيهَا، وَقِيلَ: مُقْمِرَة، وخَص بعضُهم بِهِ الليلَة الَّتِي يكونُ القَمَر فِيهَا مِنْ أَوَّلِها إِلَى آخِرِها. وَفِي حَدِيثِ
إِسْلَامِ أَبي ذَرٍّ: فِي ليلةٍ إضْحِيَانٍ
أَي مُقْمِرَةٍ، والأَلف وَالنُّونُ زَائِدَتَانِ. ويومٌ إضْحِيانٌ: مُضِيءٌ لَا غَيْم فِيهِ، وَكَذَلِكَ قَمَر ضَحْيانٌ؛ قَالَ:
مَاذَا تُلاقِينَ بسَهْب إنسانْ ... مِنَ الجَعالاتِ بِهِ والعرْفانْ،
مِنْ ظُلُماتٍ وسِرَاجٍ ضَحْيَانْ
وقَمَرٌ إضْحِيانٌ كضَحْيانٍ. ويومٌ ضَحْيَانٌ أَي(14/479)
طَلْقٌ. وسِراجٌ ضَحْيَانٌ: مُضِيءٌ. ومَفازةٌ ضَاحِيَة الظِّلالِ: لَيْسَ فِيهَا شجرٌ يُسْتَظَلُّ بِهِ. وَلَيْسَ لِكَلَامِهِ ضُحىً أَي بيانٌ وظُهور. وضَحَّى عَنِ الأَمر: بَيَّنه وأَظهره؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، وَحُكِيَ أَيضاً: أَضْحِ لِي عَنْ أَمْرِكَ، بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، أَي أَوْضِح وأَظْهِر. وأَضْحى الشيءَ: أَظْهَرَه وأَبْداهُ؛ قَالَ الرَّاعِي:
حَفَرْنَ عُرُوقَها حَتَّى أَجَنَّتْ ... مَقاتِلَها، وأَضْحَين القُرُونا
والمُضَحِّي: المُبيِّنُ عَنِ الأَمْرِ الخفِيّ؛ يُقَالُ: ضَحِّ لِي عَنْ أَمرِكَ وأَضْحِ لِي عَنْ أَمرِك. وضَحَّى عَنِ الشَّيْءِ: رَفَقَ بِهِ. وضَحِّ رُوَيْداً أَي لَا تَعْجَلْ؛ وَقَالَ زيدُ الخيلِ الطَّائِيُّ:
فَلَوْ أَنَّ نَصْراً أَصْلَحَتْ ذاتَ بيْنها، ... لضَحَّتْ رُوَيْداً عَنْ مَطالِبِها عَمْرُو
ونصرٌ وعَمْروٌ: ابْنا قُعَينٍ، وَهُمَا بَطْنَانِ مِنْ بَنِي أَسدٍ. وَفِي
كِتَابِ عَلِيٍّ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: أَلا ضَحِّ رُوَيداً فَقَدْ بلَغْتَ المَدَى
أَي اصبِرْ قَلِيلًا. قال الأَزهري: والعربُ قَدْ تَضَع التَّضحِيةَ موضِع الرِّفْقِ والتَّأَني فِي الأَمرِ، وأَصلُه أَنهم فِي البادِية يَسيِرُون يومَ ظَعْنِهمْ، فَإِذَا مرُّوا بلُمْعَة مِنَ الكَلإِ قَالَ قائِدُهم: أَلا ضَحُّوا رُوَيْداً، فيدَعُونَها تُضَحِّي وتَجْتَرُّ، ثُمَّ وضَعُوا التَّضْحِيَة موضِعَ الرِّفْقِ لِرفْقِهمْ بحَمولتِهِم ومالِهم فِي ضَحائِها وَمَا لَها مِنَ الرِّفقِ فِي تَضْحِيتِها وبُلوغها مَثْواها وَقَدْ شَبِعتْ؛ وأَما بَيْتُ زَيْدِ الْخَيْلِ فَقَوْلُ ابْنُ الأَعرابي فِي قَوْلِهِ:
لَضَحَّتْ رُوَيداً عَنْ مَطالِبِها عَمْرو
بِمَعْنَى أَوْضَحتْ وبَيَّنتْ حَسَنٌ. والعربُ تضَعُ التَّضحِية موْضِعَ الرِّفْقِ والتُّؤَدَةِ لرِفْقِهم بالمالِ فِي ضَحائِها كَيْ تُوافيَ المَنْزِلَ وَقَدْ شَبِعتْ وضاحٍ: موضِعٌ؛ قَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤَيَّةَ:
أَضَرَّ بِهِ ضاحٍ فَنَبْطا أُسَالَةٍ، ... فمَرٌّ فأَعْلَى حَوْزِها فخُصورُها
قَالَ: أَضَرَّ بِهِ ضاحٍ وَإِنْ كَانَ الْمَكَانُ لَا يَدْنُو لأَن كلَّ مَا دَنا مِنْكَ فَقَدْ دَنَوْت مِنْهُ. والأَضْحَى مِنَ الخيلِ: الأَشْهَبُ، والأُنثى ضَحْياءُ. قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: لَا يُقَالُ للفَرَس إِذَا كَانَ أَبْيَضَ أَبيضُ، وَلَكِنْ يُقَالُ لَهُ أَضْحى، قَالَ: والضُّحى مِنْهُ مأْخوذٌ لأَنهم لَا يُصَلُّون حَتَّى تَطْلُعَ الشمسُ. أَبو عُبَيْدٍ: فَرَسٌ أَضْحى إِذَا كَانَ أَبْيَضَ، وَلَا يُقَالُ فرسٌ أَبيضُ، وَإِذَا اشْتَدَّ بياضُه قَالُوا أَبْيَض قرْطاسيٌّ. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: أُنْشِدْتُ بيتَ شِعرٍ لَيْسَ فِيهِ حَلاوَةٌ وَلَا ضَحىً أَي لَيْسَ بِضاحٍ، قَالَ أَبو مَالِكٍ: وَلَا ضَحَاءٌ. وَبَنُو ضَحْيانَ: بطنٌ. وعامرٌ الضَّحْيانُ: مَعْرُوفٌ؛ الْجَوْهَرِيُّ: وعامرٌ الضَّحْيانُ رَجُلٌ مِنَ النَّمِرِ بنِ قاسِطٍ، وَهُوَ عامرُ بْنُ سعدِ بْنِ الخزرجِ بْنُ تَيْمِ اللَّهِ بنِ النَّمِرِ بنِ قاسِطٍ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَنه كَانَ يَقْعُدُ لقومِه فِي الضَّحاء يَقْضِي بَيْنَهُمْ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيَجُوزُ عامرُ الضَّحْيانِ، بالإِضافة، مِثلَ ثابتِ قُطْنَة وسَعيدِ كُرْزٍ. وفارسُ الضَّحْياء، ممدودٌ: مِنْ فرْسانِهم. والضَّحْياءُ: فَرَسُ عَمْرِو بنِ عامرِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عامرِ بنِ صَعْصَةَ وَهُوَ فارسُ الضَّحْياء؛ قَالَ خِداشُ بنُ زُهَيْرٍ «2» . بنِ ربيعةَ بنِ عَمْروِ بْنِ عامرٍ،
__________
(2) . قوله [قَالَ خِدَاشُ بْنُ زُهَيْرٍ] إلى قوله:
أَبِي فَارِسُ الضَّحْيَاءِ يَوْمَ هبالة
البيت هكذا في الأصل، قال في التكملة والرواية: فارس الحوّاء، وهي فرس أبي ذي الرمة، والبيت لذي الرمة. وقوله [وَالضَّحْيَاءُ فَرَسُ عَمْرِو بْنِ عامر] صحيح والشاهد عليها بَيْتَ خِدَاشِ بْنِ زُهَيْرٍ:
أَبِي فَارِسُ الضَّحْيَاءِ عَمْرُو بن عامر
البيت الثاني(14/480)
وعَمْروٌ جدُّه فارسُ الضَّحْياء:
أَبي فارِسُ الضَّحْياءِ يومَ هُبالَةٍ، ... إذِ الخَيلُ، فِي القَتْلى مِنَ القومِ، تَعْثُرُ
وَهُوَ الْقَائِلُ أَيضاً:
أَبي فارسُ الضَّحياءِ، عَمْروُ بنُ عامرٍ، ... أَبَى الذَّمَّ واخْتارَ الوَفاءِ عَلَى الغَدْرِ
وضَحْياءُ: موضعٌ؛ قَالَ أَبو صَخْرٍ الهُذَلي:
عَفَتْ ذاتُ عِرْقٍ عُصْلُها فَرِئامُها ... فضَحْياؤُها وَحْشٌ قَدِ أجْلَى سَوامُها
والضَّواحِي: السمواتُ؛ وأَما قَوْلُ جَرِيرٍ يَمْدَحُ عَبْدَ الْمَلِكِ:
فَمَا شَجَراتُ عِيصِكَ، فِي قُرَيْشٍ، ... بِعَشّاتِ الفُروعِ وَلَا ضَواحِ
فَإِنَّمَا أَراد أَنها لَيْسَتْ فِي نواحٍ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: أَراد جريرٌ ب الضَّواحِي فِي بيتِه قُرَيْشَ الظَّواهِرِ، وَهُمُ الَّذِينَ لَا يَنْزِلُونَ شِعْبَ مَكَّةَ وبَطْحاءها، أَراد جَرِيرٌ أَنَّ عبدَ الْمَلِكِ مِنْ قُرَيْش الأَباطِحِ لَا مِن قُرَيْش الظَّواهِرِ، وقُرَيش الأَباطِح أَشْرف وأَكْرَمُ مِنْ قُرَيش الظَّواهِر لأَن البَطْحاوِيِّينَ مِنْ قُرَيشٍ حاضِرَةٌ وهُمْ قُطَّانُ الحَرَمِ، والظِّواهِرُ أَعْرابُ باديةٍ. وضَاحِيَة كلِّ بَلَدٍ: ناحِيتُها البارِزة. وَيُقَالُ: هَؤُلَاءِ ينزِلُون الباطنةَ، وَهَؤُلَاءِ ينزِلُون الضَّواحِيَ. وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ فِي شَرْحِ بيتِ جَرِيرٍ: العَشَّةُ الدَّقِيقةُ والضَّواحي الْبَادِيَةُ العِيدانِ لَا وَرَقَ عَلَيْهَا. النِّهَايَةُ فِي الْحَدِيثِ:
وَرَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي الضِّحِّ والرِّيحِ
؛ أَراد كَثْرَةَ الخَيلِ والجَيْشِ. يُقَالُ: جَاءَ فلانٌ بالضِّحِّ والرِّيحِ، وأَصلُ الضِّحِّ ضِحْيٌ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي بَكْرٍ: إِذَا نَضَبَ عُمْرُه وضَحَا ظِلُّه
أَي إِذَا مَاتَ. يُقَالُ للرجُل إِذَا مَاتَ وبَطَلَ: ضَحَا ظِلُّه. يُقَالُ: ضَحَا الظِّلُ إِذَا صَارَ شَمْساً، وَإِذَا صَارَ ظِلُّ الإِنسان شَمساً فقدْ بَطَلَ صاحِبُه وماتَ. ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا ماتَ ضَحا ظِلُّه لأَنه إِذَا مَاتَ صَارَ لَا ظِلَّ لَهُ. وَفِي الدُّعَاءِ: لَا أَضْحَى اللَّهُ ظِلَّكَ؛ مَعْنَاهُ لَا أَماتَكَ اللهُ حَتَّى يَذْهَب ظِلُّ شَخْصِكَ. وشجرةٌ ضاحِيةُ الظّلِّ أَي لَا ظِلِّ لَهَا لأَنها عَشَّةٌ دقيقةُ الأَغصانِ؛ قَالَ الأَزهري: وبيتُ جَريرٍ مَعْنَاهُ جَيِّدٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
وفَخَّمَ سَيْرَنا مِنْ قُورِ حِسْمَى ... مَرُوتِ الرِّعْي ضاحِيةِ الظِّلالِ
يَقُولُ: رِعْيُها مَرُوتٌ لَا نَباتَ فِيهِ، وظِلالُها ضاحيةٌ أَي لَيْسَ لَهَا ظِلٌّ لِقِلَّةِ شَجَرِها. أَبو عُبَيْدٍ: فَرَسٌ ضَاحِي العِجانِ يوصفُ بِهِ المُحَبَّبُ يُمْدَحُ بِهِ، وضاحِيَةُ كلِّ بَلَدٍ: ناحِيَتُها، والجَوُّ باطِنُها. يُقَالُ: هَؤُلَاءِ يَنْزِلُونَ الباطِنةَ وَهَؤُلَاءِ يَنْزِلُونَ الضَّوَاحِيَ. وضَوَاحِي الأَرضِ: الَّتِي لَمْ يُحَطْ عَلَيْهَا. قَالَ الأَصمعي: ويُسْتَحبُّ منَ الفرَس أَن يَضْحَى عِجانُه أَي يظهرَ.
ضخا: الضَّاخِيةُ: الداهية:
ضدا: ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ أَبو زِيَادٍ ضَداً جبلٌ؛ وأَنشد الأَعور بْنُ بَراء:
رَفَعْتُ عَلَيْهِ السَّوْطَ لَمَّا بَدا ضَداً، ... وَزَالَ زَوِيلا أَجْلَدٍ عن شِمالِيا «1» .
__________
(1) . قوله [زويلا أجلد] هكذا في الأصل(14/481)
ضرا: ضَرِيَ بِهِ ضَراً وضَراوَةً: لهِجَ، وَقَدْ ضَرِيتُ بِهَذَا الأَمر أَضْرَى ضَراوَةً. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِنَّ للإِسلام ضَراوَةً
أَي عَادَةً ولَهجاً بِهِ لَا يُصْبَرُ عَنْهُ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إياكُمْ وَهَذِهِ المَجازِرَ فَإِنَّ لَهَا ضَرَاوَةً كضَراوَةِ الخمرِ.
وَقَدْ ضَرَّاه بِذَلِكَ الأَمرِ. وسِقاءٌ ضارٍ باللَّبَنِ: يَعْتُقُ فِيهِ ويَجُودُ طَعْمُه، وجَرَّةٌ ضارِيَةٌ بالخَلِّ والنَّبيذِ. وضَرِيَ النَّبِيذُ يَضْرى إِذَا اشْتَدَّ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: الضَّارِي مِنَ الآنِيَةِ الَّذِي ضُرِّي بِالْخَمْرِ، فَإِذَا جُعِلَ فِيهِ النَّبيذُ صَارَ مُسْكِراً، وأَصلُه مِنَ الضَّرَاوَةِ وَهِيَ الدُّرْبَةُ والعادةُ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، كَرَّمَ الله وَجْهَهُ: أَنه نَهَى عَنِ الشُّرْبِ فِي الإِناء الضَّارِي
؛ هُوَ الَّذِي ضُرِّيَ بِالْخَمْرِ وعُوِّدَ بِهَا، فَإِذَا جُعِلَ فِيهِ العَصيرُ صَارَ مُسْكراً، وَقِيلَ فِيهِ مَعْنًى غَيْرُ ذَلِكَ. أَبو زَيْدٍ: لذِمْتُ بِهِ لَذَماً وضَرِيتُ بِهِ ضَرىً ودَرِبْتُ بِهِ دَرَباً، والضَّرَاوَةُ: الْعَادَةُ. يُقَالُ: ضَرِيَ الشيءُ بِالشَّيْءِ إِذَا اعْتادَه فَلَا يَكادُ يَصْبرُ عَنْهُ. وضَرِيَ الكلْبُ بالصَّيْدِ إِذَا تَطَعَّم بلَحْمِه ودَمِه. والإِناءُ الضَّارِي بالشَّراب والبيتُ الضَّارِي باللَّحْم مِنْ كَثْرَةِ الاعْتيادِ حَتَّى يَبْقى فِيهِ ريحُه. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ: أَنَّ للَّحْم ضَراوَةً كضَرَاوَةِ الخمرِ
، أَي أَن لَهُ عَادَةً يَنزِعُ إِلَيْهَا كعادةِ الخمرِ وأَراد أَن لَهُ عَادَةً طَلَّابَةً لأَكْله كعادةِ الخمرِ مع شارِبِها، ذلك أَن مَنِ اعْتَادَ الخمرَ وشُرْبَها أَسْرَفَ فِي النَّفَقة حِرْصاً عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ مِنِ اعْتادَ اللحمَ وأَكلَه لَمْ يَكَدْ يَصْبِرُ عَنْهُ فَدَخَلَ فِي بَابِ المُسْرفِ فِي نفَقَته، وَقَدْ نَهى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنِ الإِسْراف. وكلْبٌ ضَارٍ بالصَّيْدِ، وَقَدْ ضَرِيَ ضَراً وضِراءً وضَراءً؛ الأَخيرةِ عَنْ أَبي زَيْدٍ، إِذَا اعْتادَ الصَّيْدَ. والضِّرْوُ: الكلبُ الضَّارِي، وَالْجَمْعُ ضِرَاءٌ وأَضْرٍ مِثْلُ ذئبٍ وأَذْؤُبٍ وذئابٍ؛ قَالَ ابْنُ أَحمر:
حَتَّى إِذَا ذَرَّ قَرْنُ الشمسِ صَبَّحَه ... أَضْرِي ابنِ قُرَّانَ باتَ الوْحشَ والعَزَبَا
أَراد: باتَ وحْشاً وعَزباً؛ وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
مُقَزَّعٌ أَطْلَسُ الأَطْمارِ ليسَ لَهُ ... إلَّا الضَّراءَ، وإلَّا صَيْدَها، نَشَبُ
وَفِي الْحَدِيثِ:
مَنِ اقْتَنى كلْباً إِلَّا كلبَ ماشِيَةٍ أَو ضَارٍ
أَي كَلْبًا مُعَوَّداً بالصيْد. يُقَالُ: ضَرِيَ الكلْبُ وأَضْرَاهُ صاحِبُه أَي عَوَّده وأَغراهُ بِهِ، ويُجْمع عَلَى ضَوارٍ. والمَواشي الضَّارِيَة: المُعتادَةُ لِرَعْي زُرُوع الناسِ. وَيُقَالُ: كلبٌ ضارٍ وكلبةٌ ضارِيةٌ، وَفِي الْحَدِيثِ:
إِنَّ قَيْسًا ضِراءُ اللهِ
؛ هُوَ بِالْكَسْرِ جَمْعُ ضِرْوٍ، وَهُوَ مِنَ السِّباع مَا ضَرِيَ بالصَّيْدِ ولَهِجَ بالفَرائِس؛ الْمَعْنَى أَنهم شُجْعان تَشْبيهاً بالسِّباعِ الضَّارية فِي شَجاعَتها. والضِّرْوُ، بالكَسْر: الضَّاري مِنْ أَوْلادِ الكِلابِ، والأُنثى ضِرْوَةٌ. وَقَدْ ضَرِيَ الكلبُ بالصَّيْدِ ضَرَاوَةً أَي تَعَوَّد، وأَضْرَاهُ صاحِبُه أَي عَوَّده، وأَضْرَاهُ بِهِ أَي أَغراهُ، وَكَذَلِكَ التَّضْرِيَة؛ قَالَ زُهَيْرٌ:
مَتَّى تَبْعثُوها تَبْعَثُوها ذَمِيمَةً، ... وتَضْرَى، إِذَا ضَرَّيْتُموها، فتَضْرَم
والضِّرْوُ مِنَ الجُذامِ: اللَّطْخُ مِنْهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن أَبا بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَكلَ مَعَ رجلٍ بِهِ ضِرْوٌ مِنْ جُذامٍ
أَي لطْخٌ، وَهُوَ مِنَ الضَّراوَة كأَن الداءَ ضَرِيَ بِهِ؛ حَكَاهُ الهَرَويُّ فِي الغَريبَيْن؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: رُوِيَ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ، فالكسرُ يُرِيدُ أنَه دَاءٌ قَدْ ضَرِيَ بِهِ لَا يُفارِقُه، والفتحُ مِنْ ضَرَا الجُرحُ يَضْرُو ضَرْواً إِذَا لَمْ يَنْقَطِعْ سَيَلانُه أَي بِهِ(14/482)
قُرْحَة ذاتُ ضَرْوٍ. والضِّرْوُ والضَّرْوُ: شجرٌ طَيِّبُ الرِّيحِ يُسْتاكُ ويُجْعَل ورَقُه فِي العِطْرِ؛ قَالَ النَّابِغَةُ الجعْدي:
تَسْتَنُّ بالضِّروْ مِنْ بَراقِشَ، أَوْ ... هَيْلانَ، أَو ناضِرٍ منَ العُتُمِ
وَيُرْوَى: أَو ضامِرٍ مِنَ العُتُم، بَراقِشُ وهَيْلانُ: مَوْضَعانِ، وَقِيلَ: هُمَا وادِيانِ باليَمَن كَانَا للأُمم السَّالِفَةِ. والضِّرْوُ: المَحْلَب، وَيُقَالُ: حَبَّةُ الخَضْراء؛ وأَنشد:
هَنِيئاً لعُودِ الضِّرْوِ شَهْدٌ يَنالُه ... عَلَى خَضِراتٍ، ماؤُهُنَّ رَفِيفُ
أَي لَهُ بَرِيقٌ؛ أَرَادَ عُودَ سِواكٍ مِنْ شجَرةِ الضَّرْوِ إِذَا اسْتاكَتْ بِهِ الجارِيَةُ. قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: وأَكثَرُ مَنابِتِ الضِّرْوِ باليَمنِ، وَقِيلَ: الضِّرْوُ البُطْمُ نفسُه. ابْنُ الأَعرابي: الضَّرْوُ والبُطْمُ الحبَّة الخَضْراءُ؛ قَالَ جارِية بْنُ بَدْرٍ:
وكأَن ماءَ الضَّرْوِ فِي أَنْيابِها، ... والزَّنْجَبيلَ عَلَى سُلافٍ سَلْسَلِ
قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الضِّرْوُ مِنْ شَجَرِ الجِبالِ، وَهِيَ مِثْلُ شَجَر البَلُّوطِ العَظيمِ، لَهُ عَناقِيدُ كعَناقِيدِ البُطْمِ غيرَ أَنه أَكبرُ حَبًّا ويُطْبَخُ ورَقُه حَتَّى يَنْضَجَ، فَإِذَا نَضِجَ صُفِّيَ ورَقُه ورُدَّ الماءُ إِلَى النارِ فَيَعْقِدُ وَيَصِيرُ كالقُبَّيطى، يُتداوى بِهِ مِنْ خُشُونةِ الصَّدرِ وَوَجَعِ الحلْقِ. الْجَوْهَرِيُّ: الضِّرْوُ، بِالْكَسْرِ، صَمْغُ شَجَرةٍ تُدْعى الكَمْكامَ تُجْلَبُ مِنَ اليَمَن. واضْرَوْرَى الرجلُ «1» . اضْرِيراءً: انتَفَخَ بطْنُه مِنَ الطَّعامِ واتَّخَمَ. والضَّرَاءُ: أَرضٌ مستويةٌ فِيهَا السِّباعُ ونُبَذٌ مِنَ الشَّجَرِ. والضَّرَاء: البَرازُ والفَضاءُ، وَيُقَالُ: أَرضٌ مُسْتَويةٌ فِيهَا شَجَرٌ فَإِذَا كَانَتْ فِي هَبْطةٍ فَهِيَ غَيْضَةٌ. ابْنُ شُمَيْلٍ: الضَّرَاءُ المُسْتَوي مِنَ الأَرضِ، يُقَالُ: لأَمْشِيَنَّ لَكَ الضَّرَاءَ، قَالَ: وَلَا يُقَالُ أَرضٌ ضَراءٌ وَلَا مكانٌ ضَرَاءٌ. قَالَ: ونَزَلنا ب ضَرَاءٍ من الأَرض مِنَ الأَرض أَي بأَرضٍ مُسْتوية. وفي حديث
مَعْدِيكرِبَ: مَشَوْا فِي الضَّراءِ
؛ والضَّرَاءُ، بِالْفَتْحِ والمدِّ: الشجرُ المُلْتَفُّ فِي الوَادي. يُقَالُ: تَوارَى الصَّيْدُ مِنْهُ فِي ضَرَاءٍ. وفلانٌ يَمْشِي الضَّراءَ إِذَا مَشَى مُسْتَخْفِياً فِيمَا يُوارِي مِنَ الشَّجَر. واسْتَضْرَيتُ للصَّيدِ إِذَا خَتَلْتَه مِنْ حيثُ لَا يعلمَ. والضَّراءُ: مَا وَارَاكَ مِنَ الشَّجَرِ وغيرِهِ، وَهُوَ أَيضاً المشيُ فِيمَا يُوارِيكَ عَمَّنْ تَكِيدُه وتَخْتِلُه. يُقَالُ: فلانٌ لَا يُدَبُّ لَهُ الضَّرَاءُ؛ قَالَ بشْرُ بْنُ أَبي خَازِمٍ.
عَطَفْنا لَهُمْ عَطْفَ الضَّرُوسِ منَ المَلا ... بشَهْباءَ، لَا يَمْشِي الضَّرَاءَ رَقِيبُها
وَيُقَالُ للرجلُ إِذَا خَتَل صاحِبَه ومَكَرَ بِهِ: هُوَ يَدِبُّ لَهُ الضَّرَاءَ ويَمْشِي لَهُ الخَمَرَ؛ وَيُقَالُ: لَا أَمْشِي لَهُ الضَّراءَ وَلَا الخَمَرَ أَي أُجاهِرُهُ وَلَا أُخاتِلُه. والضَّراءُ: الاسْتِخْفاءُ. ويقال: ما وَارَاك مِنْ أَرضٍ فَهُوَ الضَّراءُ، وَمَا وَاراك مِنْ شجرٍ فَهُوَ الخَمَر. وَهُوَ يَدِبُّ لَهُ الضَّراءَ إِذَا كَانَ يَخْتِلُه. ابْنُ شُمَيْلٍ: مَا وَارَاك مِنْ شَيْءٍ وادَّارَأْتَ بِهِ فَهُوَ خَمَر، الوَهدة خَمَر والأَكَمَة خَمَر وَالْجَبَلُ خَمَر والشجرُ خَمَرٌ، وَمَا وَارَاكَ فَهُوَ خَمَر. أَبو زَيْدٍ: مكانٌ خَمِرٌ إِذَا كَانَ يُغَطِّي كلَّ شَيْءٍ ويُوارِيه. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَمْشونَ الخَفاءَ ويَدِبُّون
__________
(1) . قوله [واضْرَوْرَى الرجل إلخ] قال الصاغاني في التكملة: هو تصحيف، والصواب اظرورى بالظاء المعجمة. وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي مَوْضِعِهِ على الصحة، ويحوز بالطاء المهملة أيضاً(14/483)
الضَّرَاءَ
، هُوَ، بِالْفَتْحِ وَتَخْفِيفِ الرَّاء والمدِّ: الشجرُ المُلْتَفُّ يريدُ بِهِ المَكْرَ والخَدِيعَةَ. والعِرْقُ الضَّارِي: السَّائلُ؛ قَالَ الأَخطل يَصِفُ خَمْرًا بُزِلَت:
لمَّا أَتَوْها بِمِصْباحٍ ومِبْزَلِهم، ... سارتْ إِلَيْهِمْ سُؤُورَ الأَبْجَلِ الضَّارِي
والمِبْزَلُ عندَ الخَمّارِينَ: هِيَ حَدِيدةٌ تُغْرَزُ فِي زِقِّ الخَمْرِ إِذَا حَضَر الْمُشْتَرِي لِيَكُونَ أُنْموذَجاً للشَّراب وَيَشْتَرِيَهُ حِينَئِذٍ، ويُستَعْمل فِي الحَضَر فِي أَسْقِيَةِ الْمَاءِ وأَوْعِيَتِه، يُعالَج بشيءٍ لَهُ لَوْلَبٌ كُلَّمَا أُدِيرَ خَرَج الماءُ، فَإِذَا أَرادوا حَبْسَه رَدُّوه إِلَى مَوْضِعِه فيَحْتَبِسُ الماءُ فَكَذَلِكَ المِبْزَل؛ وَقَالَ حُمَيْدٌ:
نَزِيفٌ تَرَى رَدْعَ العَبِيرِ بجَيْبِها، ... كَمَا ضَرَّجَ الضَّارِي النَّزِيف المُكَلَّمَا
أَي المَجْرُوحَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الضَّارِي السائِلُ بالدَّمِ مِنْ ضَرَا يَضْرُو، وَقِيلَ: الضَّارِي العِرْقُ الَّذِي اعْتادَ الفَصْدَ، فَإِذَا حانَ حِينُه وفُصِدَ كَانَ أَسرعَ لِخُرُوجِ دَمِه، قَالَ: وَكِلَاهُمَا صحيحٌ جَيِّدٌ، وَقَدْ ضَرَا العِرْقُ. والضَّرِيُّ: كالضَّارِي؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
لَهَا، إِذَا مَا هَدَرَتْ، أَتِيُّ ... ممَّا ضَرَا العِرْقُ بِهِ الضَّرِيُ
وعِرْقٌ ضَرِيٌّ: لَا يكادُ يَنْقَطِعُ دَمُه. الأَصمعي: ضَرَا العِرْقُ يَضْرُو ضَرْواً، فَهُوَ ضارٍ إِذَا نَزا مِنْهُ الدَّمُ واهتَزَّ ونَعَر بالدَّمِ. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: ضَرَى يَضْرِي إِذَا سَالَ وجَرَى، قَالَ:
ونَهَى عليٌّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ الشُّرْبِ فِي الإِناء الضَّارِي
، قَالَ: مَعْنَاهُ السائِلُ لأَنه يُنَغِّصُ الشُّرْبَ إِلَى شارِبهِ. ابْنُ السِّكِّيتِ: الشَّرَفُ كَبِدُ نَجْدٍ، وَكَانَتْ منازِلَ الملُوك مِنْ بَنِي آكِلِ المُرارِ، وَفِيهَا اليومَ حِمَى ضَرِيَّةَ. وَفِي حَدِيثِ
عُثْمَانَ: كَانَ الحِمَى حِمَى ضَرِيَّةَ عَلَى عَهْدِه ستَّةَ أَمْيالٍ
، وضَرِيَّةُ: امرأَةٌ سُمِّي المَوضع بِهَا، وَهُوَ بأَرْضِ نَجْدٍ. قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: وضَرِيَّة بِئرٌ؛ وَقَالَ الشَّاعِرُ:
فأَسْقَاني ضَرِيَّةَ خَيْرَ بِئْرٍ ... تَمُجّ الماءَ والحَبَّ التُّؤَامَا
وَفِي الشَّرَفِ الرَّبَذَة. وضَرِيَّةُ: مَوْضِعٌ؛ قَالَ نُصَيْب:
أَلا يَا عُقابَ الوَكْرِ، وَكْرِ ضَرِيَّةٍ، ... سُقِيتِ الغَوادِي مِنْ عُقاب ومِنْ وَكْرِ
وضَرِيَّةُ: قَرْيَةٌ لبَني كلابٍ عَلَى طَرِيق البَصرة إِلَى مَكَّة، وَهِيَ إلى مَكَّة أَقْرَب.
ضعا: الضَّعَةُ: شَجَرٌ بالبادِية، قِيلَ: هُوَ مِثلُ الثُّمامِ، وَفِي التَّهْذِيبِ: مثلُ الْكِمَامِ «1» ، وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: هُو شَجَرٌ أَوْ نَبْتٌ، وَلَا تكسَر الضَّادُ، وَالْجَمْعُ ضَعَوات؛ قَالَ جَرِيرٌ يَهْجُو البَعِيث:
قَدْ غَبَرَتْ أُمُّ البَعِيث حِجَجَا، ... عَلَى الشَّوايَا، مَا تَحُفُّ هَوْدَجَا
فَوَلَدَتْ أَعْثَى ضَرُوطاً عَنْثَجا، ... كأَنَّه ذِيخٌ إِذَا تَنَفِّجَا
مُتّخِذاً فِي ضَعَواتٍ تَوْلَجَا
التَّوْلَجُ والدَّوْلَج: الكِناسُ، تَاؤُه بدلٌ مِنْ
__________
(1) . قوله [وَفِي التَّهْذِيبِ مِثْلُ الْكِمَامِ] هكذا في الأصل، والذي في نسخة التهذيب التي بيدنا: مثل الثمام، بالثاء، فلعل النسخة التي وقعت للمؤلف بالكاف(14/484)
واوٍ، وَدَالُهُ بَدَلٌ مِنْ تاءٍ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: العَنْثَجُ الثَّقيلُ الأَحْمَق. ورأَيت فِي أَمالي ابْنِ بَرِّيٍّ فِي أَصل النُّسْخَةِ مَا صُورَتُهُ: انقَضى كلامُ الشَّيْخِ، وَقَدْ أَنشد هَذِهِ الأَبيات فِي بَابِ الْجِيمِ إِلَّا الْبَيْتَ الأَخير، قَالَ: وَعَلَى هَذَا يَجِبُ أَن يَكُونَ بعده مُتَّخِذٌ بِالرَّفْعِ لأَنه مِنْ صِفَةِ الذِّيخِ، وأَنشدها أَيضاً بِاخْتِلَافِ بَعْضِ أَلفاظها، فأَنشد هُنَاكَ عَنْثَجا بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ مَفْتُوحَةً وَهُنَا غُنْثُجا بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ مَضْمُومَةً، وَكِلَاهُمَا لَمْ يَذْكُرَهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي فَصْلِ الْعَيْنِ وَالْغَيْنِ، قَالَ: وَلَا نَبَّهَ عَلَيْهِمَا الشَّيْخُ أَيضاً، وَمَا عَلِمْت هَذَا مِنْ كَلَامِ مَنْ هُو لكِنّي نَقَلْته عَلَى صُورَتِهِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: والنِّسْبةُ إِلَيْهَا ضعويٌّ. قَالَ الأَزهري: الضَّعَة كَانَتْ فِي الأَصل ضَعْوَةً، نُقِصَ مِنْهَا الْوَاوُ، أَلَا تَرَاهُم جَمَعُوها ضَعَواتٍ؟ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وأَصْلُها ضَعَوٌ وَالْهَاءُ عِوَض مِنَ الْوَاوِ الذاهِبَةِ مِنْ أَوَّلهِ، وَقَدْ ذُكِرَتْ فِي فَصْل وَضَع. ابْنُ الأَعرابي: ضَعَا إِذا اخْتَبَأَ، وطَعا، بِالطَّاءِ، إِذَا ذَلَّ، وطَعا إِذَا تَباعَد أَيضاً. قَالَ الأَزهري فِي قَوْلِهِ ضَعا إِذَا اخْتَبَأَ: وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إِذَا اسْتَتَرَ، مأْخُوذٌ مِنَ الضَّعْوَةِ كأَنَّه اتخَذَ فِيهَا تَوْلَجاً أَي سَرَباً فَدَخَلَ فِيهِ مُسْتَتِرًا. ابْنُ الأَعرابي: الأَضْعاءُ السِّفَلُ.
ضغا: الضَّغْوُ: الاسْتِخْذاءُ. ضَغَا يَضْغُو ضُغُوّاً وأَضْغَاه هُوَ إضْغَاءً وضَغَّاه، وضَغَا الذِّئْبُ والسِّنَّوْرُ والثَّعْلَبُ يَضْغُو ضَغْواً وضُغَاءً: صَوَّتَ وصَاحَ، وَكَذَلِكَ الكَلْبُ والحَيَّةُ، ثُمَّ كثُر حَتَّى قيلَ للإِنسانِ إِذَا ضُرِب فاسْتَغاثَ. وَفِي حَدِيثِ
حُذيفة فِي قِصَّةِ قومِ لُوطٍ: فأَلْوَى بِهَا حَتَّى سَمِعَ أَهلُ السَّمَاءِ ضُغَاءَ كِلابِهِمْ
، وَفِي رِوَايَةٍ:
حَتَّى سَمِعَتِ الملائكةُ ضَوَاغِي كِلابها
، جمعُ ضاغِيَةٍ وَهِيَ الصَّائِحَةُ، وَيُقَالُ: ضُغاءٌ لِصَوْتِ كلِّ ذلِيلٍ مَقْهورٍ. والضُّغَاءُ: صوتُ الذَّلِيلِ إِذَا شُقَّ عَلَيْهِ. وَيُقَالُ: رأَيت صِبْياناً يَتَضَاغَوْنَ إِذَا تَباكَوْا. وَفِي الْحَدِيثِ:
قَالَ لِعَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنْ أَولاد الْمُشْرِكِينَ: إنْ شئِتِ دَعَوْتُ اللهَ أَن يُسْمِعَكِ تَضَاغِيَهم فِي النارِ
أَي صِياحَهُم وبُكاءَهم. وضَغَا يَضْغُو ضَغْواً إِذَا صاحَ وضَجَّ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
ولكِنِّي أُكْرِمُكَ أَن تَضْغُوَ هَذِهِ الصِّبْيةُ عِنْدَ رأْسِك بُكْرَةً وعَشِيّاً.
وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ:
وصِبْيَتِي يَتَضَاغَوْن حَوْلي.
وضَغَا المُقامرُ ضَغْواً إِذَا خانَ وَلَمْ يَعْدِلْ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: لَا أَعْرِفُ قائلَه، وَلَعَلَّهُ صَغا بِالصَّادِ. وَجَاءَنَا بثَرِيدةٍ تَضَاغَى أَي تتراجَعُ مِنَ الدَّسَمِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَلِفُها واوٌ لِوُجُودِ ض غ وو عدم ض غ ي.
ضفا: ضَفَا مالُه يَضْفُو ضَفْواً وضُفُوّاً: كَثُرَ. وضَفَا الشَّعَرُ والصُّوفُ يَضْفُو ضَفْواً وضُفُوّاً: كَثُرَ وطالَ. والضَّفْوُ: السَّعة والخَيْر؛ قَالَ أَبو ذؤَيب وَنَسَبَهُ الْجَوْهَرِيُّ للأَخطل وَغَلَّطَهُ ابْنُ بَرِّيٍّ فِي ذَلِكَ وَقَالَ هُوَ لأَبي ذؤَيب:
إِذَا الهَدَفُ المِعْزالُ صَوَّبَ رأْسَه، ... وأَعْجَبَه ضَفْوٌ مِنَ الثَّلَّةِ الخُطْلِ «2»
. وشَعَرٌ ضافٍ وذَنَبٌ ضافٍ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
بضافٍ فُوَيْقَ الأَرضِ لَيْسَ بأَعْزَلِ «3»
. والضَّفْوُ: السُّبُوغُ. ضَفَا الشيءُ يَضْفُو. وفَرَسٌ ضَافِي السَّبِيبِ: سابِغُه. وثَوْبٌ ضَافٍ أَي سابِغٌ؛ قَالَ بِشْرٌ:
لَياليَ لَا أُطاوِعُ مَنْ نَهاني، ... ويَضْفُو تحتَ كَعْبَيَّ الإِزارُ
__________
(2) . قوله [المعزال] هو باللام في الأصل والتهذيب والصحاح، وقال الصاغاني: الرواية المعزاب
(3) . هذا البيت من معلقة إمرئ القيس وصدره:
ضَليعٍ، إِذا استدبرتَه، سَدَّ فرجَه(14/485)
ورجلٌ ضَافِي الرأْسِ. كثيرُ شَعَرِ الرأْسِ، وفلانٌ ضَافِي الفَضْلِ عَلَى المَثَلِ. ودِيمةٌ ضَافِيَة وَهِيَ تَضْفُو ضَفْواً: تُخْصِبُ مِنْهَا الأَرضُ. وَهُوَ فِي ضَفْوٍ مِنْ عَيْشه وضَفْوةٍ مِنْ عيشِه أَي سَعةٍ. وضَفا الماءُ يَضْفُو: فاضَ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
وماكِدٍ تَمْأَدُه مِنْ بَحْرِه ... يَضْفُو، ويُبْدي تَارَةً عَنْ قَعْرِه
تَمْأَدُه أَي تأْخُذُه فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ؛ يَقُولُ: يَمْتَلِئُ فتَشْرَبُ الإِبلُ ماءَه حَتَّى يَظْهَرَ قَعْرُهُ. وضَفَا الحَوْضُ يَضْفُو إِذَا فاضَ مِنِ امتِلائِه. والضَّفا: جانِبُ الشَّيْءِ، وَهُمَا ضَفَواهُ أَي جانِباهُ.
ضقا: التَّهْذِيبَ: ابْنُ الأَعرابي ضَقَا الرجلُ إِذَا افتَقَرَ.
ضلا: التَّهْذِيبَ: ضَلا إِذَا هَلَكَ.
ضمي: ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي: ضَمى إِذَا ظَلَمَ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: كأَنه مقلوبٌ مِنْ ضامَ، قَالَ: وَكَذَلِكَ بَضَى إِذَا أَقام، مقلوب من باضَ.
ضنا: الضَّنَى: السَّقِيمُ الَّذِي قَدْ طالَ مَرَضُه وثَبَتَ فِيهِ، بعضُهم لَا يُثَنِّيه وَلَا يَجْمَعُه، يَذْهَبُ بِهِ مذْهَب الْمَصْدَرِ، وَبَعْضُهُمْ يُثنيه وَيَجْمَعُهُ؛ قَالَ عَوْفُ بْنُ الأَحوص الْجَعْفَرِيِّ «1» :
أَوْدَى بَنِيَّ، فَمَا بِرحْلي مِنهُمُ ... إلَّا غُلاما بِيئَةٍ ضَنَيانِ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَكَذَا أَنشده أَبو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ، بِفَتْحِ النُّونِ، وَقَدْ ضَنِيَ ضَنىً، فَهُوَ ضَنٍ. وأَضْنَاهُ المرضُ أَي أَثْقَلَه. والضَّنَى: المرضُ. ضَنِيَ الرجلُ، بِالْكَسْرِ، يَضْنَى ضَنىً شَدِيدًا إِذَا كَانَ به مرضٌ مُخامرٌ، ظُنَّ أَنه قَدْ بَرَأَ نُكِسَ. الْفَرَّاءُ: الْعَرَبُ تَقُولُ رجلٌ ضَنىً وَقَوْمٌ دنَفٌ وضَنىً لأَنه مَصْدَرٌ، كَقَوْلِهِمْ قَوْمٌ زَوْرٌ وعَدْل وصَوْم. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: رجلٌ ضَنىً وامرأَة ضَنىً، وَهُوَ المُضْنَى مِنَ الْمَرَضِ؛ وَقَالَ:
إِذَا ارْعَوَى عادَ إِلَى جَهْلِه، ... كَذِي الضَّنَى عادَ إِلَى نُكْسِه
الْجَوْهَرِيُّ: رجلٌ ضَنىً وضَنٍ مثلُ حَرىً وحَرٍ. يُقَالُ: تَرَكْته ضَنىً وضَنِياً، فَإِذَا قُلْتَ ضَنىً اسْتَوى فِيهِ المُذَكَّر والمُؤنَّث وَالْجَمْعُ لأَنه مَصْدَرٌ فِي الأَصل، وَإِذَا كسرتَ النونَ ثنَّيْت وجمَعْت كَمَا قُلْناه فِي حَرٍ. وَيُقَالُ: تَضَنَّى الرجلُ إِذَا تمارَضَ، وأَضْنَى إِذَا لَزِمَ الفِراشَ مِنَ الضَّنَى. وَفِي الْحَدِيثِ فِي الحُدودِ:
إِنَّ مَرِيضًا اشْتَكَى حَتَّى أَضْنَى
أَي أَصابه الضَّنى، وَهُوَ شِدَّةُ المَرض، حَتَّى نَحَلَ جِسمُه. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا تَضْطَنِي عَنِّي
أَي لَا تَبْخَلي بانْبِساطك إليَّ، وَهُوَ افْتِعالٌ مِنَ الضَّنَى المرضِ، والطاءُ بدلٌ مِنَ التَّاءِ. وَيُقَالُ: رجلٌ ضَنٍ ورجُلانِ ضَنِيانِ وامرأَة ضَنِيَةٌ وقومٌ أَضْناءٌ. والمُضانَاةُ: المُعاناة: وضنَت المرأَةُ تَضْني ضَنىً وضَناءً، مَمْدُودٌ: كَثُرَ ولَدُها، يُهْمَزُ وَلَا يُهمز؛ وَقَالَ غَيْرُهُ: ضَنَت المرأَةُ تَضْنُو وتَضْني ضَنىً إِذَا كثُرَ ولَدُها، وَهِيَ الضَانِيَة، وَقِيلَ: ضَنَت وضَنَأَتْ وأَضْنأَتْ إِذَا كثُرَ أَولادُها. أَبو عَمْرٍو: الضَّنْءُ الوَلَدُ، مهموزٌ ساكِنُ النونِ، وَقَدْ يُقَالُ الضِّنءُ. قَالَ أَبو المُفَضَّل: أعرابيٌّ مِنْ بَنِي سَلامة مِنْ بَنِي أَسَد قَالَ الضَّنْءُ الوَلَد والضِّنْءُ الأَصل؛ قال الشاعر:
__________
(1) . قوله [عَوْفُ بْنُ الأَحوص الْجَعْفَرِيُّ] هكذا في الأصل، وفي المحكم: ابن الأَخوص الجعدي(14/486)
ومِيراث ابنِ آجَرَ حيثُ أَلْقَى ... بأَصْلِ الضِّنْءِ ضِئْضِئه الأَصيل «1»
. ابْنُ الأَعرابي: الضُّنَى الأَولاد. أَبو عَمْرٍو: الضَّنْو والضِّنْو الوَلَد، بِفَتْحِ الضَّادِ وَكَسْرِهَا بِلَا هَمْز. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ: قَالَ لَهُ أَعرابيٌّ إنِّي أَعْطَيْتُ بعضَ بَنِيَّ نَاقَةً حَياتَه وَإِنَّهَا أَضْنَتْ واضْطَرَبَتْ، فَقَالَ هِيَ لَهُ حَياتَه ومَوْتَه
؛ قَالَ الهَرَوي والخطَّابي: هَكَذَا رُوِيَ وَالصَّوَابُ ضَنَتْ أَي كثُر أَولادُها، يُقَالُ: امرأَةٌ ماشِيةٌ وضَانِيَةٌ، وَقَدْ مَشَتْ وضَنَتْ أَي كَثُرَ أَولادها. والضِّنَى، بِالْكَسْرِ: الأَوجاعُ المُخِيفة.
ضها: اللَّيْثُ: المُضَاهَاةُ مشاكَلَة الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ، وَرُبَّمَا هَمَزُوا فِيهِ. وضَاهَيتُ الرجلَ: شاكَلْتُه، وَقِيلَ: عارَضْتُه. وَفُلَانٌ ضَهِيُّ فلانٍ أَي نظيرُه وشَبيهُه، عَلَى فَعِيلٍ. قَالَ اللَّهُ تعالى:
يُضاهُونَ قوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ
؛ قَالَ الْفَرَّاءُ:
يُضَاهُون
أَي يُضارعونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِقولِهم اللَّات والعُزَّى، قَالَ: وَبَعْضُ الْعَرَبِ يَهْمِزُ فيقول يُضاهِؤُنَ، وَقَدْ قرأَ بِهَا عَاصِمٌ؛ وَقَالَ أَبو إِسْحَاقَ: مَعْنَى
[يُضَاهُون] قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا
أَيْ يُشَابِهُونَ فِي قَوْلِهِمْ هَذَا قولَ مَنْ تقدَّم مِنْ كَفَرتهم أَي إِنَّمَا قَالُوهُ اتِّبَاعًا لَهُمْ، قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ؛ أَي قَبِلُوا مِنْهُمْ أَنَّ المسيحَ والعُزَيْرَ ابْنا اللَّهِ، قَالَ: واشْتِقاقُه مِنْ قَوْلِهِمُ امرأَةٌ ضَهْيَأٌ، وَهِيَ الَّتِي لَا يَظْهَرُ لَهَا ثدْيٌ وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي لَا تَحِيضُ، فكأَنها رجُلٌ شَبَهاً، قَالَ: وضَهْيَأٌ فَعْلأٌ، الهمزةُ زائدةٌ كَمَا زِيدَت فِي شَمْألٍ وَفِي غِرْقِئ البَيْضِ، قَالَ: وَلَا نَعْلَم الهمزةَ زِيدَتْ غَيْرَ أَوَّلٍ إِلَّا فِي هَذِهِ الأَسماء، قَالَ: وَيَجُوزُ أَن تَكُونَ الضَّهْيَأُ بِوَزْنِ الضَّهْيَعِ فَعْيَلًا، وَإِنْ كَانَتْ لَا نَظِيرَ لَهَا فِي الْكَلَامِ فَقَدْ قَالُوا كنَهْبَل وَلَا نَظِيرَ لَهُ. والضَّهْيَأُ: الَّتِي لَمْ تَحِضْ قَطُّ، وَقَدْ ضَهِيَتْ تَضْهَى ضَهىً، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: الضَّهْيَأُ والضَّهْيَاءُ عَلَى فَعْلاء مِنَ النِّساء الَّتِي لَا تَحِيضُ ولايَنْبُتُ ثَدْياها وَلَا تَحْمِل، وَقِيلَ: الَّتِي لَا تَلِدُ وإنْ حاضَتْ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: الضَّهْيَأُ الَّتِي لَا يَنْبُتُ ثَدْياهَا، فَإِذَا كَانَتْ كَذَا فَهِيَ لَا تَحِيضُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الضَّهْيَاءُ، مَمْدودٌ، الَّتِي لَا تحيضُ وَهِيَ حُبْلَى. قَالَ ابنُ جنِّي: امرأَةٌ ضَهْيَأةٌ وزنُها فعلأَةٌ لِقَوْلِهِمْ فِي مَعْنَاهَا ضَهْياءُ، وأَجاز أَبو إِسْحَاقَ فِي هَمْزَةِ ضَهْيَأَة أَن تَكُونَ أَصلًا وَتَكُونَ الياءُ هِيَ الزائِدَةَ، فعَلَى هَذَا تَكُونُ الكَلِمَة فَعْيَلَةً، وذَهَبَ فِي ذَلِكَ مَذْهَباً مِنْ الِاشْتِقَاقِ حَسَناً لَوْلَا شيءٌ اعتَرَضه، وَذَلِكَ أَنه قَالَ يُقَالُ ضاهَيْتُ زَيْدًا وضَاهَأْتُ زَيْدًا، بِالْيَاءِ وَالْهَمْزَةِ، قَالَ: والضَّهْيَأَةُ هِيَ الَّتِي لَا تَحِيضُ، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي لَا ثَدْيَ لَهَا، قَالَ: فَيَكُونُ «2» . ضَهيَأَة فَعْيَلَة مِنْ ضَاهأْت بالهَمْز، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: قَالَ ابْنُ جِنِّي هَذَا الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ مِنْ الاشتِقاق مَعْنًى حَسَنٌ، وَلَيْسَ يَعْتَرِضُ قولَه شيءٌ إِلَّا أَنه لَيْسَ فِي الكَلام فَعْيَلٌ، بِفَتْحِ الفاء، إنما هو فِعْيَلٌ بِكَسْرِهَا نَحْوُ حِذْيَمٍ وطِرْيَمٍ وغِرْيمٍ وغِرْيَنٍ وَلَمْ يأْت الْفَتْحُ فِي هَذَا الفَنِّ ثَبْتاً إِنَّمَا حَكَاهُ قومٌ شَاذًّا؛ والجمعُ ضُهْيٌ، ضَهِيَتْ ضَهىً. وَقَالَتِ إمرأَة لِلْحَجَّاجِ فِي ابْنِها وَهُوَ محبوسٌ: إنِّي أَنا الضَّهْيَاءُ الذَّنَّاءُ؛ ف الضَّهْيَاءُ هُنَا: الَّتِي لَا تَلِدُ وإنْ حاضَتْ،
__________
(1) . قوله [حيث ألقى] هكذا في الأصل، وفي التهذيب: حيث ألقت
(2) . قوله [هِيَ الَّتِي لَا ثَدْيَ لها قال فيكون إلخ] هكذا في النسخ التي بأيدينا، وعبارة المحكم: هِيَ الَّتِي لَا ثَدْيَ لها، قال: وفي هذين معنى المضاهأة لأَنها قد ضاهأت الرجال بأنها لا تحيض كما ضاهأتهم بأنها لَا ثَدْيَ لَهَا، قَالَ فيكون إلخ(14/487)
والذَّنَّاءُ المُسْتَحاضَة؛
وروُي أَن عِدَّةً مِنَ الشُّعَرَاءِ دَخَلُوا عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ فَقَالَ أَجيزوا:
وضَهْياءَ مِنْ سِرَّ المَهارِي نَجِيبةٍ ... جَلَسْتُ عَلَيْها، ثُمَّ قلتُ لَهَا إخِ
فَقَالَ الرَّاعِي:
لِتَهْجَعَ واسْتَبْقَيْتُها، ثُمَّ قَلَّصَتْ ... بِسُمْرٍ خِفافِ الوَطْءِ وارِيَةِ المُخِ
قَالَ عَلِيُّ بنُ حَمْزَةَ: الضَّهْيَاءُ الَّتِي لَا ثَدْيَ لَها، وأَما الَّتِي لَا تَحِيضُ فَهِيَ الضَّهْيَأَةُ؛ وأَنشد:
ضَهْيَأَة أَو عاقِر جَمَادُ
وَقِيلَ: إِنَّهَا فِي كِلْتا اللُّغَتَيْنِ الَّتِي لَا ثَدْي لَهَا وَالَّتِي لَا تحِيضُ. والضَّهْيَاءُ مِنَ النُّوقِ: الَّتِي لَا تَضْبَعُ وَلَمْ تَحْمِلْ قطُّ، وَمِنَ النساءِ الَّتِي لَا تَحِيضُ. وَحَكَى أَبو عَمْرٍو: امرأَة ضَهْيَاةٌ وضَهْيَاهٌ، بِالتَّاءِ والهاءِ، وَهِيَ الَّتِي لَا تَطْمِث، قَالَ: وَهَذَا يَقْتَضِي أَن يَكُونَ الضَّهْيا مَقْصُورًا؛ وَقَالَ غَيْرُهُ: الضَّهْواءُ مِنَ النسَاءِ الَّتِي لَمْ تَنْهُد، وَقِيلَ: الَّتِي لَا تَحِيضُ وَلَا ثَدْيَ لَهَا. والضَّهْيا، مقصورٌ: الأَرضُ الَّتِي لَا تُنْبِتُ، وَقِيلَ: هُوَ شجرٌ عِضاهِيٌّ لَهُ بَرَمَةٌ وعُلَّفَةٌ، وَهِيَ كثيرةُ الشَّوْكِ، وعُلَّفُها أَحْمَرُ شدِيد الحُمْرة وورَقُها مثلُ ورَقِ السَّمرُ. الْجَوْهَرِيُّ: الضَّهْيَاءُ، ممدودٌ، شجَرٌ، وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: واحِدَتُه ضَهْياءَةٌ. أَبو زَيْدٍ: الضَّهْيَأُ بِوَزْنِ الضَّهْيَعِ، مَهْمُوزٌ مَقْصُورٌ، مثلُ السيَّالِ وجَناتُهُما واحِدٌ فِي سِنْفَةٍ، وَهِيَ ذاتُ شَوْكٍ ضعيفٍ ومنَبِتُها الأَوْدِيةُ والجبالُ. وَيُقَالُ: أَضْهَى فُلان إِذَا رَعَى إبِله الضَّهْيَأَ، وَهُوَ نَبَاتٌ مَلْبَنَة مَسْمَنَة. التَّهْذِيبِ: أَبو عَمْرٍو الضَّهْوَةُ برْكَةُ الْمَاءِ، والجَمع أَضْهاءٌ. ابْنُ بُزُرْجَ: ضَهْيَأَ فلانٌ أَمْرَه إِذَا مَرَّضَه وَلَمْ يَصْرِمْهُ. الأُمَوي: ضَاهَأْتُ الرجلَ رَفَقْتُ بِهِ. خَالِدُ بْنُ جَنْبَة: المُضَاهَاةُ المُتابَعة. يُقَالُ: فلانٌ يُضَاهِي فُلَانًا أَي يُتَابِعُه. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَشدّ الناسِ عَذاباً يومَ القيامَة الَّذِينَ يُضَاهُونَ خَلْقَ اللهِ
أَي يُعارِضُون بِمَا يَعْملون خَلْقَ اللَّهِ تَعَالَى، أَرادَ المُصَوِّرينَ، وَكَذَلِكَ مَعْنَى
قولِ عُمَر لكَعْب ضَاهَيْتَ اليَهُوديَّةَ
أَي عارَضْتَها وشابَهْتَها. وضُهَاءٌ: مَوضِعٌ؛ قَالَ الْهُذَلِيُّ:
لَعَمْرُكَ مَا إنْ ذُو ضُهاءٍ بِهَيِّنٍ ... عَلَيَّ، وَمَا أَعْطَيْتُه سَيْبَ نائِلِي
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَضَيْنا أَنَّ همزَةَ ضُهاءٍ ياءٌ لِكَوْنِهَا لَامًا مَعَ وجودنا لضَهْيَإٍ وضَهْياءَ.
ضوا: الضَّوَّةُ والعَوَّةُ: الصوتُ والجَلَبَةُ. أَبو زَيْدٍ والأَصمعي مَعًا: سمِعتُ ضَوَّةَ القَوْمِ وعَوَّتَهُمْ أَي أَصْواتَهُم. وَرَوِيَ عَنِ ابْنِ الأَعرابي: الصَّوَّة والعَوَّة بِالصَّادِ، وَقَالَ: الصَّوَّةُ الصَّدَى والعَوَّةُ الصِّياحُ فكأَنهما لغتانِ. والضَّوَّةُ مِنَ الأَرضِ: كالصُّوَّةِ، وَلَيْسَ بِثَبتٍ. والضَّوْضَاةُ والضَّوْضَاءُ: أَصْواتُ النَّاسِ وجَلَبَتُهُمْ، وَقِيلَ الأَصْوات المُخْتَلِطَة والجَلَبة. وَفِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ ذَكَر رؤْيتَه النارَ وأَنه رأَى فِيهَا قَوْمًا: إِذَا أَتاهم لَهَبُها ضَوْضَوْا
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: يَعْنِي ضجُّوا وَصَاحُوا، والمصدرُ مِنْهُ الضَّوْضَاءُ؛ قَالَ الحَرِثُ بنُ حِلِّزةَ:
أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ عِشَاءً، فَلَمَّا ... أصْبَحُوا، أَصْبَحَتْ لَهُمْ ضَوْضَاءُ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وعِندي أَنَّ ضَوْضاء هَاهُنَا فَعْلاء،(14/488)
ضَوْضَيْتُ ضَوْضاةً وضِيضَاءً. التَّهْذِيبِ: الضَّأْضَاءُ صوتُ الناسِ، وَهُوَ الضَّوْضاءُ. وَيُقَالُ: ضَوْضَوْا، بِلَا هَمْزٍ، وضَوْضَيْتُ، أَبْدَلوا مِنَ الواوِ يَاءً. ورجلٌ ضُواضِيَةٌ: داهِيَةٌ مُنْكَرٌ.
والضَّوَى: دقَّةُ العَظْمِ وقلَّةُ الجِسْمِ خِلْقَةً، وَقِيلَ: الضَّوَى الهُزالُ، ضَوِيَ ضَوىً؛ وَقَالَ ذُو الرُّمَّة يَصِفُ الزَّنْدَيْنِ الزَّنْدَ والزَّنْدَةَ حينَ يُقْدَح مِنْهُمَا:
أَخُوها أَبُوها، والضَّوَى لَا يَضِيرُها، ... وساقُ أَبِيعها أُمّها عُقِرَتْ عَقْرَا
يصِفُهما بأَنهما مِنْ شَجَرة واحِدَة، وَقَوْلُهُ: وسَاقُ أَبِيها أُمّها يُرِيدُ أَنَّ ساقَ الغُصْنِ «1» . الَّذِي قُطِعَتْ مِنه أَبوها الغُصْنُ وأُمُّها ساقُه، وغلامٌ ضاوِيٌّ، وَكَذَلِكَ غيرُ الإِنْسانِ مِنْ أَنواعِ الحَيوانِ، وَمَا أَدْرِي مَا أَضْوَاهُ. وأَضْوَى الرجلُ: وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ ضَاوِيٌّ وَكَذَلِكَ المرأَةُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
اغْتَرِبُوا لَا تُضْوُوا
أَي تَزَوَّجُوا فِي البِعَادِ الأَنْسابِ لَا فِي الأَقَارِبِ لِئَلَّا تَضْوَى أَوْلادُكُمْ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ انْكِحُوا فِي الغَرائِبِ دُونَ القَرائِبِ، فإِنَّ ولَد الغَرِيبَةِ أَنْجَبُ وأَقْوَى، وولَد القَرَائِبِ أَضْعَفُ وأَضْوَى؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
فَتىً لَمْ تَلِدهُ بِنْتُ عَمٍّ قَرِيبَةٌ ... فَيَضْوَى، وقَدْ يَضْوَى رَدِيدُ القَرَائِبِ «2»
. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ تَزَوَّجُوا فِي الأَجْنَبِيَّاتِ وَلَا تَتَزَوَّجُوا فِي العُمُومَةِ وَذَلِكَ أَنَّ العربَ تَزعمُ أَنَّ ولدَ الرجلِ مِنْ قَرابَتِه يَجِيءُ ضَاوِيّاً نَحِيفاً، غيرَ أَنَّه يَجِيءُ كَرِيمًا عَلَى طَبْع قَوْمِه؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
ذَاكَ عُبَيْدٌ قَدْ أَصابَ مَيَّا، ... يَا لَيْتَه أَلْقَحَها صَبِيَّا
فَحَمَلَتْ فَولَدَتْ ضَاوِيَّا
وَقَالَ الشَّاعِرُ:
تَنَحَّيْتُها للنَّسْلِ، وَهْيَ غَرِيبَةٌ، ... فَجاءَتْ بِهِ كالبَدْرِ خِرْقاً مُعَمَّمَا
وَمَعْنَى لَا تُضْوُوا أَي لَا تَأْتُوا بأَوْلادٍ ضَاوِينَ أَي ضُعفَاءَ، الواحِدُ ضَاوٍ، وَمِنْهُ: لَا تَنْكِحُوا القَرابَةَ القَرِيبَة فإِنَّ الوَلَد يُخْلَقُ ضَاوِيّاً. الأَزهري: الضَّوَى مَقصورٌ مصدَرُ الضَّاوِي، ويُمَدُّ فَيُقَالُ ضَاوِيٌّ عَلَى فاعُولٍ إِذا كانَ نحِيفاً قليلَ الجِسْمِ، والفِعْلُ ضَوِيَ، بِالْكَسْرِ، يَضْوَى ضَوىً، فَهُوَ ضَاوٍ، وَهُوَ الَّذِي يُولَدُ بَيْنَ الأَخِ والأُخْتِ وبينَ ذَوِي مَحْرَمٍ، وأَنشدَ بيتَ ذِي الرُّمة. وسُئِلَ شَمِرٌ عَنِ الضَّاوِي فَقَالَ: جَاءَ مُشَدَّداً، وَقَالَ: رجلٌ ضَاوِيٌّ بَيِّنُ الضاوِيَّةِ، وَفِيهِ ضاوِيَّة، وَجَارِيَةٌ ضاوِيَّة، وَقَالَ: جاءَ عَنِ الْفَرَّاءِ أَنَّه قَالَ ضَاوِيٌّ ضعِيفٌ فاسِدٌ، عَلَى فاعُولٍ مِثْلُ سَاكُوتٍ، قَالَ: وَتَقُولُ الْعَرَبُ مِنَ الضَّاوِي مِنَ الهُزال ضَوِيَ يَضْوَى ضَوىً، وَهُوَ الَّذِي خَرَجَ ضَعِيفاً. ابْنُ الأَعرابي: وأَضْوَتِ المرأَةُ، وَهُوَ الضَّوَى، ورجلٌ ضاوٍ إِذا كَانَ ضَعِيفًا، وَهُوَ الحَارِضُ. وَقَالَ الأَصمعي: المُودَنُ الَّذِي يولدُ ضَاويّاً. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: وَاحِدُ الضواوِيِّ ضاوِيٌّ، وَوَاحِدُ العَواوِير عاوِرٌ «3» . وأَضْوَيْت الأَمْرَ إِذا أَضْعَفْتَه ولَمْ تُحْكِمْهُ.
__________
(1) . قوله [يُرِيدُ أَنَّ سَاقَ الْغُصْنِ إلخ] هذه العبارة في الأَصول
(2) . قوله [القرائب] هكذا في الأَصل المعتمد والتهذيب والأَساس، وتقدم لنا في مادة ردد: الغرائب: بالغين، كما في بعض الأُصول هنا
(3) . قوله [واحد العواوير عاور] هكذا في الأُصول، وفي القاموس أن العواوير جمع عوّار، كرمان(14/489)
وأَضْوَاهُ حَقَّه إِذا نَقَصَه إِيَّاهُ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. وضَوَى إِليه ضَيّاً وضُوِيّاً: انْضَمَّ ولَجَأَ. وضَوَيْتُ إِليه، بِالْفَتْحِ، أَضْوِي ضُوِيّاً إِذا أَوَيْت إِليه وانْضَمَمْت. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَمَّا هَبَطَ مِنْ ثَنِيَّةِ الأَرَاكِ يومَ حُنَيْنٍ ضَوَى إِليه الْمُسْلِمُونَ
أَي مالُوا، وَقَدِ انْضَوَى إِليه. وَيُقَالُ: ضَواهُ إِليه وأَضْوَاه. وضَوَى إِليَّ مِنْهُ خَيْرٌ ضَيّاً وضُوِيّاً. وضَوَى إِلَيْنَا خَبَرُه: أَتانا لَيْلًا. والضَّاوِي: الطَّارِقُ. ابنُ بُزُرج: يُقَالُ ضَوَى الرجلُ إِلَيْنا أَشَدَّ المَضْوِيَة أَي أَوَى إِلَينا، كالمَأْوِيَةِ مِنْ أَوَيْت. وَيُقَالُ: ضَوَيْت إِلَى فُلَانٍ أَي ملْت، وضَوَى إِلينا أَوَى إِلينا، وَقَالَ بَعْضُ الْعَرَبِ: ضَوَى إِلينا البارحةَ رجلٌ فأَعْلَمَنا كَذَا وَكَذَا أَي أَوَى إِلينا، وَقَدْ أَضْواهُ الليلُ إِلينا فغَبَقْناه، وَهُوَ يَضْوِي إِلينا ضَيّاً. والضَّواةُ: غُدَّةٌ تَحْتَ شَحْمةِ الأُذُنِ فَوْقَ النَّكَفةِ، وَقَدْ ضُوِيَتِ الإِبِلُ. والضَّواةُ: ورَمٌ يَكُونُ فِي حلوقِ الإِبلِ وغيرِها، والجمعُ ضَوًى. التَّهْذِيبِ: الضَّوى ورَمٌ يُصِيبُ البعيرَ فِي رأْسِه يَغْلِبُ عَلَى عَيْنَيْه ويَصْعُبُ لِذَلِكَ خَطْمُه فَيُقَالُ بعيرٌ مَضْوِيٌّ، وَرُبَّمَا اعْتَرَى الشِّدْقَ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: هِيَ الضَّوَاةُ عِنْدَ العَرَب تُشْبِهُ الغُدَّةَ. والسِّلْعةُ ضَوَاةٌ أَيضاً، وكلُّ ورَمٍ صُلْبٍ ضَواةٌ. يُقَالُ: بِالْبَعِيرِ ضَواةٌ أَي سِلْعة، وكلُّ سِلْعةٍ فِي البَدَنِ ضَواةٌ؛ قَالَ مُزَرِّد:
قَذِيفة شَيْطانٍ رَجيمٍ رَمَى بِهَا، ... فَصَارَتْ ضَواةً فِي لَهازِمِ ضِرْزِمِ
والضَّواةُ: هَنَةٌ تخرُجُ مِنْ حَياءِ الناقةِ قبلَ خُروج الوَلد، وَفِي التَّهْذِيبِ: قبلَ أَن يُزايِلَها ولدُها كأَنها مَثانةُ البَولِ، قَالَ الشَّاعِرُ يَصِفُ حَوْصَلة قطاةٍ:
لَها كضَواةِ النابِ شُدَّ بِلا عُرىً ... وَلَا خَرْزِ كَفٍّ، بينَ نَحْرٍ ومَذْبَحِ
والضَّاوِيُّ: اسمُ فَرَسٍ كَانَ لِغَنيٍّ؛ وأَنشد شَمِرٌ:
غَداةَ صَبَّحْنا بِطِرْفٍ أَعْوَجِي ... مِنْ نَسَبِ الضَّاوِيِّ، ضاوِيِّ غَني.(14/490)
الجزء الخامس عشر
وي
فصل الطاء المهملة
طآ: الطآةُ مثلُ الطَّعاةِ: الحَمْأَةُ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: كَذَا قرأْتُه عَلَى أَبي سَعِيدٍ فِي المُصَنَّف. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ الأَحمر الطاءَةُ مثلُ الطاعَةِ الحَمْأَةُ، والطَّآةُ مَقْلوبَةٌ مِنَ الطَّاءَةِ مِثْلُ الصَّآةِ مقلوبةٌ مِنَ الصَّاءَةِ، وَهِيَ مَا يَخْرُجُ مِنَ القَذَى مَعَ المَشِيمة. وَقَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: الطُّؤاةُ الزُّناة. وَمَا بِالدَّارِ طُوئِيٌّ مِثَالُ طُوعِيٍّ وطُؤْوِيٌّ أَيْ مَا بِهَا أَحَدٌ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
وبَلْدَة ليسَ بِها طُوئِيُّ، ... وَلَا خَلا الجِنَّ بِها إِنْسِيُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: طُوئِيٌّ عَلَى أَصله، بِتَقْدِيمِ الْوَاوِ عَلَى الْهَمْزَةِ، لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ لأَن آخِرَهُ هَمْزَةٌ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مِنْ هَذَا الْبَابِ طُؤْوِيٌّ، الْهَمْزَةُ قَبْلَ الواوِ، عَلَى لُغَةِ تَمِيمٍ. قَالَ: وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ الكِلابيون يَقُولُونَ:
وبَلْدَةٍ ليسَ بها طُوئِيُ
الْوَاوُ قَبْلَ الْهَمْزَةِ، وتميمٌ تجعلُ الْهَمْزَةَ قَبْلَ الْوَاوِ فتقولُ طُؤْوِيٌّ.
طبي: طَبَيْته عَنِ الأَمر: صَرَفْتَه. وطَبَى فُلَانٌ فُلَانًا يَطْبيه عَنْ رَأْيه وأَمْرِه. وكلُّ شيءٍ صَرَفَ شَيْئًا عَنْ شيءٍ فقَدْ طَبَاهُ عَنْهُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
لَا يَطَّبيني العَمَلُ المُفَدَّى «4»
أَي لَا يَسْتَميلُني. وطَبَيته إِلَيْنَا طَبْياً وأَطْبَيْته: دَعَوْته، وَقِيلَ: دَعَوْتُه دُعاءً لَطِيفًا، وَقِيلَ: طَبَيْته قُدْته؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ؛ وأَنشد بَيْتَ ذِي الرُّمَّةِ:
لَياليَ اللَّهوُ يَطْبِيني فأَتبَعُه، ... كأَنَّني ضارِبٌ فِي غَمْرةٍ لَعِبُ
ويروى: طبو
يَطْبُوني أَي يَقُودُني. وطَباهُ طبو
يَطْبُوه ويَطْبِيه إِذَا دَعاه؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: يَقُولُ ذُو الرُّمَّةِ يَدْعُوني اللَّهوُ فأَتْبَعُه، قَالَ: وَكَذَلِكَ اطَّباهُ عَلَى افْتَعَلَه. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّ مُصْعَباً اطَّبَى القُلوب حَتَّى مَا تَعْدِلُ بِهِ
أَي تَحَبَّب إِلَى قُلُوب النَّاس وقَرَّبَها مِنْهُ. يقال: طَباهُ طبو
يَطْبُوه
__________
(4) . قوله [المفدى] هكذا في الأصل المعتمد عليه، وفي التهذيب: المقذى، بالقاف والذال المعجمة.(15/3)
ويَطْبِيه إِذَا دَعاهُ وصَرَفَه إِلَيْهِ واختارَه لنَفْسِه، واطَّباه يَطَّبِيه افْتَعَلَ مِنْهُ، فقُلِبَت التاءُ طَاءً وأُدْغِمَت. والطَّباةُ: الأَحْمَقُ. والطُّبْيُ والطِّبْيُ: حَلَماتُ الضَّرْع الَّتِي فِيهَا اللَّبَنُ مِنَ الخُفِّ والظِّلْفِ والحافرِ والسِّباع، وَقِيلَ: هُوَ لذَواتِ الحافِرِ والسِّباعِ، كالثَّدْي لِلْمَرْأَةِ وكالضَّرْعِ لِغَيْرها، وَالْجَمْعُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ أَطْباءٌ. الأَصمعي: يُقَالُ للسِّباعِ كُلِّهَا طِبْيٌ [طُبْيٌ] وأَطْبَاءٌ، وَذَوَاتُ الحافِرِ كُلُّها مِثْلُها، قَالَ: والخُفّ والظِّلْف خِلْفٌ وأَخلافٌ. التَّهْذِيبِ: والطُّبْيُ الْوَاحِدُ مِنْ أَطْباءِ الضَّرْع، وكلُّ شَيء لَا ضَرْع لَهُ، مثلُ الكَلْبَة، فَلَها أَطْباءٌ. وَفِي حَدِيثِ الضَّحَايا:
وَلَا المُصْطَلَمَة أَطْباؤُها
أَيِ المَقْطُوعَة الضُّرُوعِ. قَالَ ابْنُ الأَثير: وَقِيلَ يُقَالُ لِمَوْضع الأَخْلافِ مِنَ الخَيْلِ والسِّباعِ أَطْبَاءٌ كَمَا يُقَالُ فِي ذَواتِ الخُفِّ والظِّلْفِ خِلْفٌ وضَرْعٌ. وَفِي حَدِيثِ
ذِي الثُّدَيَّة: كأَنَّ إحْدَى يَدَيه طُبْيُ شاةٍ.
وَفِي المَثَل: جاوَزَ الْحِزَامُ الطُّبْيَين. وَفِي حَدِيثِ
عُثْمَانَ: قَدْ بَلغ السيْلُ الزُّبى وجاوَزَ الحِزامُ الطُّبْيَيْن
؛ قَالَ: هَذَا كِنَايَةٌ عَنِ الْمُبَالَغَةِ فِي تَجاوُزِ حَدِّ الشَّرِّ والأَذى لأَن الْحِزَامَ إِذَا انْتَهَى إِلَى الطُّبْيَيْنِ فَقَدِ انْتَهى إِلَى أَبعد غاياتِه، فكيفَ إِذَا جَاوَزَه؟ وَاسْتَعَارَهُ الحسينُ بْنُ مُطَيْر للمطَر عَلَى التَّشْبِيهِ فَقَالَ:
كَثُرَتْ ككَثْرَة وَبْلِهِ أَطْبَاؤه، ... فإذا تَجَلَّتْ فاضَتِ الأَطْباءُ «1»
وخِلْفٌ طَبِيٌّ مُجَيَّبٌ. وَيُقَالُ: أَطْبَى بنُو فلانٍ فُلَانًا إِذَا خالُّوه وقَبِلُوه. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ خالُّوه ثُمَّ قَتَلوه. وَقَوْلُهُ خالُّوه مِنَ الخُلَّة، وَهِيَ المَحَبَّة. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي زِيَادٍ الْكِلَابِيِّ قَالَ: شاةٌ طبو
طَبْوَاءُ إِذَا انْصَبَّ خِلْفاها نحو الأَرض وطالا.
طثا: الطَّثْيَة: شجرةٌ تَسْمُو نحوَ القامةِ شَوِكَةٌ مِنْ أَصلها إِلَى أَعْلاها، شوكُها غالبٌ لوَرَقِها، ووَرَقُها صِغارٌ، وَلَهَا نُوَيْرةٌ بَيْضَاءُ يَجْرُسُها النَّحْلُ، وَجَمْعُهَا طَثْيٌ؛ حَكَاهُ أَبو حَنِيفَةَ. ابْنُ الأَعرابي: طَثَا إذا لعِبَ بالقُلَةِ. والطُّثَى: الخَشَبات الصِّغارُ.
طحا: طَحَاه طَحْواً وطُحُوّاً: بَسَطَهُ. وطَحَى الشَّيْءَ يَطْحِيه طَحْياً: بَسَطَه أَيضاً. الأَزهري: الطَّحْو كالدَّحْو، وَهُوَ البَسْطُ، وَفِيهِ لُغَتَانِ طَحَا يَطْحُو وطَحَى يَطْحَى. والطَّاحِي: المُنْبَسِطُ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَالْأَرْضِ وَما طَحاها
؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: طَحَاها ودَحاها واحدٌ، قَالَ شَمِرٌ: مَعْنَاهُ ومَنْ دَحاها فأَبدَل الطاءَ مِنَ الدَّالِ، قَالَ: ودَحاها وسَّعَها. وطَحَوْته مثلُ دَحَوْته أَي بَسَطْته. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَما قِراءَة
الكِسائي طَحِيَها
بالإِمالَة، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَواتِ الواوِ، فَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ لأَنّها جاءتْ مَعَ مَا يَجُوزُ أَن يُمال، وَهُوَ يَغْشاها وبَناها، عَلَى أَنهم قَدْ قَالُوا مِظَلَّة مَطْحِيَّة، فَلَوْلَا أَنَّ الْكِسَائِيَّ أَمال تَلاها مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها، لقُلْنا إِنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى قَوْلِهِمْ مِظَلَّة مَطْحِيَّة ومِظَلَّة مَطْحُوَّة: عَظِيمَةٌ. ابْنُ سِيدَهْ: ومِظَلَّة طاحِيةٌ وَمَطْحِيَّةٌ عَظيمةٌ، وَقَدْ طَحاها طحْواً وطَحْياً. أَبُو زَيْدٍ: يُقَالُ لِلْبَيْتِ الْعَظِيمِ: مِظَلَّةٌ مَطْحُوَّةٌ ومَطْحِيَّة وَطَاحِيَةٌ، وَهُوَ الضخْمُ. وضَربَه ضرْباً طَحَا مِنْهُ أَي امْتَدَّ. وطَحَا بِهِ قَلْبُه وهَمُّه يَطْحَى طَحْواً: ذَهَبَ بِهِ فِي مذهبٍ بعيدٍ، مأْخوذٌ مِنْ ذَلِكَ. وطَحَا بِكَ قَلْبُكَ يَطْحى طَحياً: ذَهَبَ. قَالَ: وأَقبَل التَّيْسُ فِي طَحْيَائه
__________
(1) . قوله [تجلت] هكذا في الأصل.(15/4)
أَي هِبَابِه. وطَحَا يَطْحُو طُحُوّاً: بعُدَ؛ عَنِ ابْنِ دُريدٍ. والقومُ يَطْحَى بعضُهم بَعْضًا أَي يَدفَع. وَيُقَالُ: مَا أَدْرِي أَينَ طَحَا، مِنْ طَحَا الرجلُ إِذَا ذَهَبَ فِي الأَرضِ. والطَّحَا مقصورٌ: المُنْبَسِطُ مِنَ الأَرض. والطَّحْيُ مِنَ الناسِ: الرُّذالُ. والمُدوِّمَةُ الطَّواحي: هِيَ النُّسورُ تَسْتديرُ حولَ القَتْلى. ابْنُ شُمَيْلٍ: المُطَحِّي اللازِقُ بالأَرض. رَأَيْتُهُ مُطَحِّياً أَي مُنْبَطِحاً. والبَقْلة المُطَحِّيَة: النابتَةُ عَلَى وَجْهِ الأَرضِ قَدْ افْتَرَشَتْها. وَقَالَ الأَصمعي فِيمَا رَوى عَنْهُ أَبُو عُبَيْدٍ: إِذَا ضرَبَه حَتَّى يَمْتَدَّ مِنَ الضَّرْبَةِ عَلَى الأَرضِ قِيلَ طَحَا مِنْهَا؛ وأَنشد لصَخْر الغَيّ:
وخَفِّضْ عَليكَ القَولَ، واعْلَم بأَنَّني ... منَ الأَنَسِ الطَّاحِي عليكَ العَرَمْرَمِ
وضَرَبَه ضرْبةً طَحا مِنْهَا أَي امْتَدَّ؛ وَقَالَ:
لَهُ عَسْكَرٌ طاحِي الضِّفَافِ عَرَمْرَم
وَمِنْهُ قِيلَ طَحَا بِهِ قلْبُه أَي ذَهَبَ بِهِ فِي كلِّ مَذْهَبٍ؛ قَالَ عَلْقَمة بنُ عَبدَة:
طَحَا بكَ قلبٌ، فِي الحِسانِ طَرُوبُ، ... بُعَيْدَ الشَّبابِ، عَصْرَ حانَ مَشيبُ
قَالَ الْفَرَّاءُ: شَرِبَ حَتَّى طَحَّى، يريدُ مَدَّ رِجْلَيْهِ؛ قَالَ: وطَحَّى البعيرُ إِلَى الأَرض إِمّا خِلاءً وَإِمَّا هُزالًا أَي لَزِقَ بِهَا. وَقَدْ طَحَّى الرجلُ إِلَى الأَرض إِذَا مَا دَعَوْه فِي نَصْرٍ أَو معروفٍ فلمْ يأْتِهِم، كلُّ ذَلِكَ بِالتَّشْدِيدِ؛ قَالَ الأَصمعي: كأَنه رَدَّ قَوْلَهُ بِالتَّخْفِيفِ «1» والطاحِي: الْجَمْعُ العظيمُ. والطائحُ: الهالكُ، وطَحا إِذَا مَدَّ الشيءَ، وطَحا إِذَا هَلَكَ. وطَحَوْته إِذَا بَطَحْته وصَرَعْته فطَحَّى: انْبَطَح انْبِطَاحًا. والطَّاحِي: المُمْتَدُّ. وطحَيْتُ أَي اضْطَجَعت. وفَرَسٌ طاحٍ أَي مُشْرِفٌ. وَقَالَ بعضُ الْعَرَبِ فِي يمينٍ لَهُ: لَا والقمرِ الطَّاحِي أَي المُرْتَفِعِ. والطُّحَيُّ: موضعٌ؛ قَالَ مُلَيْح:
فأَضْحَى بأَجْزاعِ الطُّحَيِّ، كأَنه ... فَكِيكُ أُسارَى فُكَّ عَنْهُ السلاسِلُ
وطاحيةُ: أَبو بَطْنٍ مِنَ الأَزْدِ، من ذلك.
طخا: طَخا الليلُ طَخْواً وطُخُوّاً: أَظْلَم. والطَّخْوةُ: السَّحابةُ الرَّقيقة. وَلَيْلَةٌ طَخْوَاءُ: مُظلِمة. والطَّخْيَةُ والطُّخْيَةُ؛ عَنْ كراعٍ: الظُّلْمَة. وليلةٌ طَخْياءُ: شديدةُ الظُّلْمَة قَدْ وارَى السَّحابُ قَمَرَها. وليالٍ طاخياتٌ عَلَى الْفِعْلِ أَو عَلَى النَّسَبِ إِذ فاعلاتٌ لَا يكونُ جَمْعَ فَعْلاءَ. وظلامٌ طاخٍ. والطَّخْيَاءُ: ظُلمةُ الليلِ، ممدودٌ، وَفِي الصِّحَاحِ: اللَّيْلَةُ المُظلِمةُ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
فِي لَيْلةٍ صَرَّةٍ [صِرَّةٍ] طَخْيَاءَ داجِيَةٍ ... مَا تُبْصِرُ العينُ فِيهَا كَفَّ مُلْتَمِسِ
قَالَ: وطَخا ليلُنا طَخْواً وطُخُوّاً أَظلم. والطَّخَاءُ والطَّهاءُ والطَّخافُ، بِالْمَدِّ: السَّحابُ الرقيقُ المرتفعُ؛ يُقَالُ: مَا فِي السَّمَاءِ طَخَاءٌ أَي سَحَابٌ وظُلْمَة، واحدتُه طَخاءة. وكلُّ شيءٍ أُلْبِسَ شَيْئًا طَخاء. وَعَلَى قَلْبِهِ طَخاءٌ وطَخاءَةٌ أَي غَشْيَةٌ وكَرْبٌ، وَيُقَالُ: وجَدتُ عَلَى قَلْبِي طَخاءً مِنْ ذَلِكَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِذَا وجَدَ أَحَدُكم عَلَى قَلْبِهِ طَخاءً فليأْكل السَّفَرْجَلَ
؛ الطَّخَاءُ: ثقلٌ وغِشاءٌ وغَشْيٌ، وأَصل الطَّخَاء والطَّخْيَة الظُّلْمة والغَيم.
__________
(1) . قوله [قَالَ الأَصمعي كَأَنَّهُ رَدَّ قوله بالتخفيف] هكذا في الأصل وعبارة التهذيب، قلت كأنه (يعني الفراء) عارض بهذا الكلام ما قال الأَصمعي في طحا بالتخفيف.(15/5)
وَفِي الْحَدِيثِ:
إنَّ للقلبِ طَخاءً كطَخاء الْقَمَرِ
أَي شَيْئًا يَغْشاه كَمَا يُغْشَى القمرُ. والطَّخْيَةُ: السَّحابةُ الرَّقِيقَةُ. اللِّحْيَانِيُّ: مَا فِي السَّمَاءِ طُخْيَةٌ، بِالضَّمِّ، أَي شيءٌ مِنْ سَحابٍ، قَالَ: وَهُوَ مِثْلُ الطُّخْرُورِ. التَّهْذِيبِ: الطَّخَاءَةُ والطَّهاءةُ مِنَ الغَيْمِ كلُّ قطعةٍ مستدِيرةٍ تَسُدُّ ضَوْءَ القَمر وتُغَطِّي نُورَهُ، وَيُقَالُ لَهَا الطَّخْيَةُ، وَهُوَ مَا رقَّ وَانْفَرَدَ، ويُجْمَع عَلَى الطِّخاء والطِّهاءِ. والطَّخْيَةُ: الأَحْمَق، وَالْجَمْعُ الطَّخْيُون. وتكلَّم فلانٌ بكلمةٍ طَخْيَاءَ: لَا تُفْهم. وطاخِيةُ، فِيمَا ذُكرَ عَنِ الضَّحَّاك: اسمُ النَّملة الَّتِي أَخْبَر اللَّهُ عَنْهَا أَنها كلَّمَت سُلَيْمَانَ، عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
طدي: الْجَوْهَرِيُّ: عادةٌ طادِيَةٌ أَي ثابتةٌ قديمةٌ، وَيُقَالُ: هُوَ مَقْلُوبٌ مِنْ واطِدة؛ قَالَ الْقَطَامِيُّ:
مَا اعْتادَ حُبُّ سُلَيْمَى حينَ مُعْتادِ، ... وما تَقَضَّى بَواقِي دِينِها الطادِي
أَي مَا اعْتادني حِينَ اعتيادٍ، والدينُ: الدَّأْبُ والعادة.
طرا: طَرا طُرُوّاً: أَتى مِنْ مكانٍ بعيدٍ، وَقَالُوا الطَّرَا والثرَى، فالطَّرَا كلُّ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ جِبِلَّة الأَرضِ؛ وَقِيلَ الطَّرَا مَا لَا يُحْصى عَدَدُه مِنْ صُنُوف الْخَلْقِ. اللَّيْثُ: الطَّرَا يُكَثَّرُ بِهِ عَدَدُ الشَّيْءِ. يُقَالُ: هُمْ أَكْثَرُ مِنَ الطَّرَا والثرَى، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الطَّرَا فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ كلُّ شيءٍ مِنَ الخَلْق لَا يُحْصَى عَدَدُه وأَصنافُه، وَفِي أَحَدِ القَولَيْن كلُّ شيءٍ عَلَى وَجْهِ الأَرض مِمَّا لَيْسَ مِنْ جِبِلَّة الأَرض مِنَ التُّرابِ والحَصْباءِ وَنَحْوِهِ فَهُوَ الطَّرَا. وشيءٌ طَرِيٌّ أَي غَضٌّ بيِّنُ الطَّراوَةِ، وَقَالَ قُطْرُبٌ: طَرُوَ اللحْمُ وطَرِيَ ولَحْمٌ طَرِيٌّ، غيرُ مهموزٍ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. ابْنُ سِيدَهْ: طَرُوَ الشيءُ يَطْرُو وطَرِيَ طَراوَةً وطَراءً وطَراءَةً وطَراةً مِثْلُ حَصاةٍ، فَهُوَ طَرِيٌّ. وطَرَّاهُ: جَعَلَهُ طَرِيَّاً؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:
قُلْت لطاهِينا المُطَرِّي للْعَمَلْ: ... عَجِّلْ لَنا هَذَا وأَلْحِقْنا بِذَا الْ
«1» بالشَّحْم إِنَّا قَدْ أَجِمْناهُ بَجَلْ
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْهَمْزِ. وأَطْرَى الرجلَ: أَحسَن الثَّنَاءَ عَلَيْهِ. وأَطْرَى فُلَانٌ فُلاناً إِذَا مَدَحَه بِمَا لَيْسَ فِيهِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثِ
النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تُطْرُوني كَمَا أَطْرَتِ النصارَى المسِيحَ فإِنَّما أَنا عَبْدٌ وَلَكِنْ قُولُوا عبدُ اللَّهِ ورَسُولُه
؛ وَذَلِكَ أَنَّهم مَدَحُوه بِمَا لَيْسَ فِيهِ فَقَالُوا: هُوَ ثالثُ ثَلاثةٍ وَإِنَّهُ ابنُ اللَّهِ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ شِرْكهم وكُفرِهِم. وأَطْرَى إِذَا زَادَ فِي الثَّنَاءِ. والإِطراءُ: مُجاوَزَةُ الحَدِّ فِي المَدْحِ والكَذِبُ فِيهِ. وَيُقَالُ: فُلَانٌ مُطَرًّى فِي نَفْسه أَي مُتَحَيِّرٌ. والطَّرِيُّ: الغريبُ. وطَرَى إِذَا أَتَى، وطَرَى إِذَا مَضى، وطَرَى إِذَا تَجَدَّدَ، وطَرِيَ يَطْرَى إِذا أَقبَل، «2» وطَرِيَ يَطْرَى إِذَا مَرّ. أَبو عَمْرٍو: يُقَالُ رجلٌ طارِيٌّ وطُورانيٌّ وطُورِيٌّ وطُخْرورٌ وطُمْرورٌ أَي غَرِيبٌ، وَيُقَالُ للغُربَاء الطُّرَّاءُ، وهم الذين يأتون مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ، وَيُقَالُ: لكلِّ شيءٍ أُطْرُوانِيَّةٌ يَعْني الشَّبابَ. وطَرَّى الطِّيبَ: فَتَقَه بأَخْلاطٍ وخَلَّصه،
__________
(1) . قوله [بذا ال بالشحم] هكذا في الأصول بإعادة الباء في الشحم.
(2) . قوله [وَطَرِيَ يَطْرَى إِذَا أَقْبَلَ] ضبطه في القاموس كرَضِيَ، وفي التكملة والتهذيب كرَمَى.(15/6)
وَكَذَلِكَ طَرَّى الطعامَ. والمُطَرَّاةُ: ضربٌ مِنَ الطِّيب؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: يُقَالُ لِلأَلُوَّة مُطَرَّاةٌ إِذَا طُرِّيَتْ بطِيبٍ أَو عَنْبرٍ أَو غَيرِه، وطرَّيْتُ الثَّوْبَ تَطْرِيَةً. أَبو زَيْدٍ: أَطْرَيْتُ العَسَل إِطْرَاءً وأَعْقَدْتُه وأَخْتَرْتُه سَواءٌ. وغِسْلَة مُطَرَّاةٌ أَي مُرَبَّاةٌ بالأَفاوِيه يُغْسَلُ بِهَا الرأسُ أَوِ اليَدُ، وَكَذَلِكَ العُودُ المُطَرَّى المُرَبَّى مِنْهُ مثلُ المُطيَّرِ يُتَبَخَّرُ بِهِ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ: أَنه كَانَ يَسْتَجْمِرُ بالأَلُوَّةِ
: هُوَ العُودُ «1» والمُطَرَّاةُ الَّتِي يُعْمَلُ عَلَيْهَا أَلوانُ الطيبِ غَيْرِهَا كالعَنْبرِ والمِسْكِ وَالْكَافُورِ. والإِطْرِيَةُ، بِكَسْرِ الْهَمْزِ مِثْلُ الهِبْرِيَةِ: ضربٌ مِنَ الطَّعامِ، وَيُقَالُ لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ لاخْشَهْ. قَالَ شَمِرٌ: الإِطْرِيَةُ شيءٌ يُعْمَلُ مِثْلُ النَّشاسْتَجْ المُتَلَبِّقة؛ وَقَالَ اللَّيْثُ: هُوَ طَعامٌ يتَّخِذُه أَهلُ الشامِ ليسَ لَهُ واحدٌ، قَالَ: وَبَعْضُهُمْ يَكْسِرُ الْهَمْزَةَ فيقولُ إِطْرِيَة بِوَزْنِ زِبْنِيةٍ، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَكَسْرُهَا هُوَ الصَّوَابُ وفتحُها لحنٌ عندَهُم؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أَلِفُها واوٌ، وإِنما قَضَيْنا بِذَلِكَ لِوُجُودِ ط ر وو عدم ط ر ي، قَالَ: وَلَا يُلْتَفَتُ إِلى مَا تَقْلِبه الْكَسْرَةُ فإِنَّ ذَلِكَ غيرُ حُجَّة. واطْرَوْرَى الرَّجُلُ: اتَّخَمَ وانْتَفَخَ جَوْفُهُ. أَبو عَمْرٍو: إِذا انْتَفَخَ بَطنُ الرجلِ قِيلَ اطْرَوْرَى اطْرِيرَاءً. وَقَالَ شَمِرٌ: اطْرَوْرَى، بالطاءِ، لَا أَدْرِي مَا هُوَ، قَالَ: وَهُوَ عِنْدِي بالظاءِ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَقَدْ رَوَى أَبو الْعَبَّاسِ عَنِ ابْنِ الأَعرابي أَنه قَالَ ظَرِيَ بطنُ الرَّجُلِ إِذا لَمْ يَتمالَكْ لِيناً؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَالصَّوَابُ اظْرَوْرَى، بِالظَّاءِ، كَمَا قَالَ شَمِرٌ. والطِّريَّانُ: الطَّبَقُ. وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: الطِّرِيَّان الَّذِي يُؤْكلُ عَلَيْهِ، قَالَ: وقَع فِي بَعْضِ نُسَخِ كِتَابِ يَعْقُوبَ مخفَّفَ الراءِ مشَدَّد الْيَاءِ عَلَى فِعِلَّان كالفِرِكَّانِ والعِرِفَّانِ، وَوَقَعَ فِي النُّسَخِ الجِيلِيَّة مِنْهُ الطِّرِّيَانُ، مُشَدَّدَ الرَّاءِ مخفَّف الْيَاءِ. وَفِي الْحَدِيثِ
عَنْ أَبي أُمامة قَالَ: بَيْنا رسولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يأْكلُ قَدِيداً عَلَى طِرِّيانٍ جَالِسًا عَلَى قَدَمَيْهِ
؛ قَالَ شَمِرٌ: قَالَ الْفَرَّاءُ هُوَ الطِّرِّيَانُ الَّذِي تُسَمِّيه الناسُ الطِّرْيَانَ؛ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: هُوَ الطِّرِيَّانُ الَّذِي يُؤْكَلُ عَلَيْهِ، جَاءَ بِهِ فِي حروفٍ شُدِّدَتْ فِيهَا الْيَاءُ مِثْلُ الباريِّ والبَخاتيِّ والسَّراريِّ.
طسي: طَسَتْ نَفْسُه طَسْياً وطَسِيَتْ: تَغَيَّرَتْ مِنْ أَكلِ الدَّسَمِ وعَرَضَ لَهُ ثِقَلٌ مِنْ ذَلِكَ ورأَيته مُتَكَرِّهاً لِذَلِكَ، وَهُوَ أَيضاً بالهمزِ. وطَسا طَسْياً: شرِبَ اللَّبَنَ حتى يُخَثِّرَهُ.
طشا: تَطَشَّى المريضُ: بَرِئَ. وَفِي نوادِرِ الأَعراب: رجلٌ طِشَّةٌ، وَتَصْغِيرُهُ طُشَيَّة إِذا كَانَ ضعِيفاً. وَيُقَالُ: الطُّشَّة أُمُّ الصِّبْيانِ. وَرَجُلٌ مَطْشِيٌّ ومَطْشُوٌّ.
طعا: حَكَى الأَزهري عَنِ ابْنِ الأَعرابي: طَعَا إِذا تَباعَد. غَيْرُهُ: طَعَا إِذا ذَلَّ. أَبو عَمْرٍو: الطاعِي بِمَعْنَى الطائِعِ إِذا ذَلَّ. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: الإِطْعاءُ: الطَّاعَةُ.
طغي: الأَزهري: اللَّيْثُ الطُّغْيانُ وطغو
الطُّغْوانُ لغةٌ فِيهِ، والطَّغْوَى بِالْفَتْحِ مثلُه، والفِعْل طغو
طَغَوْت وطَغَيْت، وَالِاسْمُ الطَّغْوَى. ابْنُ سِيدَهْ: طَغَى يَطْغى طَغْياً وطغو
يَطْغُو طُغْياناً جاوَزَ القَدْرَ وَارْتَفَعَ وغَلا فِي الكُفْرِ. وَفِي حَدِيثِ
وَهْبٍ: إِنَّ لِلْعِلْم طُغْياناً كطُغْيانِ المَالِ
أَي يَحْمِل صاحِبَه عَلَى التَّرَخُّص بِمَا اشْتَبَه مِنْهُ إِلى مَا لَا يَحِلُّ لَهُ، ويَتَرَفَّع بِهِ عَلَى مَنْ دُونَه، وَلَا يُعْطي حَقَّه بالعَمَلِ بِهِ كَمَا يَفْعَلُ
__________
(1) . قوله: [هو العود أي الْعُودُ الَّذِي يُتَبَخَّرُ بِهِ] . ورواية هذا الحديث في
النهاية: أَنَّهُ كانَ يستجمرُ بالأَلُوَّةِ غيرَ مُطَرَّاة.(15/7)