قَوْلِهِ هَذَا وَزْنُ هَذَا، وإِن لَمْ يَكُنْ مَا يُوزَنُ، وتأْويله أَنه قَدْ قَامَ فِي النَّفْسِ مُسَاوِيًا لِغَيْرِهِ كَمَا يَقُومُ الوَزْنُ فِي مَرْآةِ الْعَيْنِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الميزانُ الْكِتَابُ الَّذِي فِيهِ أَعمال الخَلْق؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا كُلُّهُ فِي بَابِ اللُّغَةِ وَالِاحْتِجَاجُ سائغٌ إِلا أَن الأَولى أَن يُتَّبَعَ مَا جَاءَ بالأَسانيد الصِّحَاحِ، فإِن جَاءَ فِي الْخَبَرِ أَنه مِيزانٌ لَهُ كِفَّتانِ، مِنْ حَيْثُ يَنْقُلُ أَهلُ الثِّقَة، فَيَنْبَغِي أَن يُقْبل ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً
. قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: قَالَ ابْنُ الأَعرابي الْعَرَبُ تَقُولُ مَا لِفُلَانٍ عِنْدِي وَزْنٌ أَي قَدْرٌ لِخِسَّتِهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: مَعْنَاهُ خِفّةُ مَوَازينهم مِنَ الحَسَنات. وَيُقَالُ: وَزَنَ فلانٌ الدراهمَ وَزْناً بِالْمِيزَانِ، وإِذا كَالَهُ فَقَدْ وَزَنَه أَيضاً. وَيُقَالُ: وَزَنَ الشَّيْءَ إِذا قدَّره، وَوَزَنَ ثَمَرَ النَّخْلِ إِذا خَرَصَه. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ وَسُئِلَ عَنِ السَّلَفِ فِي النَّخْلِ فَقَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يُؤْكَلَ مِنْهُ وَحَتَّى يُوزَنَ، قُلْتُ: وَمَا يُوزَنُ؟ فَقَالَ رَجُلٌ عِنْدَهُ: حَتَّى يُحْزَرَ
؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: جَعَلَ الحَزْر وَزْناً لأَنه تَقْدِيرٌ وخَرْصٌ؛ وَفِي طَرِيقٍ أُخرى:
نَهَى عَنْ بَيْعُ الثِّمَارِ قَبْلَ أَن تُوزَنَ
، وَفِي رِوَايَةٍ:
حَتَّى تُوزَنَ
أَي تُحْزَرَ وتُخْرَصَ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: سَمَّاهُ وَزْناً لأَن الْخَارِصَ يَحْزُرُها ويُقَدِّرُها فَيَكُونُ كَالْوَزْنِ لَهَا، قَالَ: وَوَجْهُ النَّهْيِ أَمران: أَحدهما تَحْصِينُ الأَموال «1» . وَالثَّانِي أَنه إِذا بَاعَهَا قَبْلَ ظُهُورِ الصَّلاح بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَقَبْلَ الخَرْص سَقَطَ حُقُوقُ الْفُقَرَاءِ مِنْهَا، لأَن اللَّهَ تَعَالَى أَوجب إِخراجها وَقْتَ الْحَصَادِ، وَاللَّهُ أَعلم. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ
؛ الْمَعْنَى وإِذا كَالُوا لَهُمْ أَو وَزَنُوا لَهُمْ. يُقَالُ: وَزَنْتُ فُلَانًا ووَزَنْتُ لِفُلَانٍ، وَهَذَا يَزِنُ دِرْهَمًا ودرهمٌ وازِنٌ؛ وَقَالَ قَعْنَبُ بْنُ أُمِّ صَاحِبٍ:
مثْل العَصافير أَحْلاماً ومَقْدُرَةً، ... لَوْ يُوزَنُون بِزِفّ الرِيش مَا وَزَنُوا
جَهْلًا عَلَيْنَا وجُبْناً عَنْ عَدُوِّهِم، ... لبِئْست الخَلَّتانِ: الجَهْلُ والجُبُنُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الَّذِي فِي شِعْرِهِ شِبْهُ الْعَصَافِيرِ. ووازَنْتُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ مُوَازَنَةً ووِزاناً، وَهَذَا يُوازِنُ هَذَا إِذا كَانَ عَلَى زِنَتِه أَو كَانَ مُحاذِيَهُ. وَيُقَالُ: وَزَن المُعْطِي واتَّزَنَ الآخِذُ، كَمَا تَقُولُ: نَقَدَ المُعْطِي وانْتَقَد الآخذُ، وَهُوَ افْتَعَلَ، قَلَبُوا الْوَاوَ تَاءً فأَدغموا. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ
؛ جَرَى عَلَى وَزَنَ، مَنْ قَدّر اللهُ لَا يُجَاوِزُ مَا قدَّره اللَّهُ عَلَيْهِ لَا يَسْتَطِيعُ خَلْقٌ زيادةٌ فِيهِ وَلَا نُقْصَانًا، وَقِيلَ: مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ
أَي مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُوزَنُ نَحْوُ الْحَدِيدِ والرَّصاص وَالنُّحَاسِ والزِّرْنيخ؛ هَذَا قَوْلُ الزَّجَّاجِ، وَفِي النِّهَايَةِ: فَسَّرَ المَوْزونَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحدهما أَن هَذِهِ الْجَوَاهِرَ كلَّها مِمَّا يوزَنُ مِثْلُ الرَّصَاصِ وَالْحَدِيدِ والنُّحاس والثَّمَنَيْنِ، أَعني الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، كأَنه قَصَدَ كُلَّ شَيْءٍ يُوزَنُ وَلَا يُكَالُ، وَقِيلَ: مَعْنَى قَوْلِهِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ
أَنه القَدْرُ الْمَعْلُومُ وَزْنُه وقَدْرُه عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. والمِيزانُ: المِقْدار؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:
قَدْ كُنْتُ قَبْلَ لقائِكُمْ ذَا مِرَّةٍ، ... عِنْدي لِكُلِّ مُخاصِمٍ ميزانُه
وَقَامَ مِيزانُ النَّهَارِ أَي انْتَصَفَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ خَلْقِه وزِنَةَ عَرْشِه
أَي بوَزْن عَرْشِه فِي عَظِمَ قَدْره، مَنْ وَزَنَ يَزِنُ وَزْناً وزِنَةً كوَعَدَ عِدَةً، وأَصل الْكَلِمَةِ الْوَاوُ، وَالْهَاءُ فيها عوض من
__________
(1) . قوله [تحصين الأَموال] وذلك أنها في الغالب لا تأمن العاهة إلا بعد الإدراك وذلك أوان الخرص(13/447)
الْوَاوِ الْمَحْذُوفَةِ مِنْ أَولها. وامرأَة مَوْزونةٌ: قَصِيرَةٌ عَاقِلَةٌ. والوَزْنَةُ: المرأَة الْقَصِيرَةُ. اللَّيْثُ: جَارِيَةٌ مَوْزُونَةٌ فِيهَا قِصَرٌ. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: أَكل فُلَانٌ وَزْمَةً ووَزْنَةً أَي وَجْبةً. وأَوْزانُ العربِ: مَا بَنَتْ عَلَيْهِ أَشعارها، وَاحِدُهَا وَزْنٌ، وَقَدْ وَزَنَ الشِّعْرَ وَزْناً فاتَّزَنَ؛ كلُّ ذَلِكَ عَنْ أَبي إِسحاق. وَهَذَا الْقَوْلُ أَوْزَنُ مِنْ هَذَا أَي أَقوى وأَمكنُ. قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: كَانَ عُمارة
يقرأُ: وَلَا الليلُ سابقُ النهارَ، بِالنَّصْبِ؛ قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: مَا أَرَدْتَ؟ فَقَالَ: سابقٌ النهارَ، فَقُلْتُ: فهَلَّا قَلْتَهُ، قَالَ: لَوْ قُلْتُهُ لَكَانَ أَوْزَنَ.
والمِيزانُ: العَدْلُ. ووازَنَه: عَادَلَهُ وَقَابَلَهُ. وَهُوَ وَزْنَهُ وزِنَتَهُ ووِزانَهُ وبوِزانه أَي قُبَالَتَه. وَقَوْلُهُمْ: هُوَ وَزْنَ الْجَبَلِ أَي نَاحِيَةً مِنْهُ، وَهُوَ زِنَةَ الْجَبَلِ أَي حِذاءَه؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: نُصِبا عَلَى الظَّرْفِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهُوَ وَزْنَ الْجَبَلِ وزِنَتَه أَي حِذاءَه، وَهِيَ أَحد الظُّرُوفِ الَّتِي عَزَلَهَا سِيبَوَيْهِ لِيُفَسِّرَ مَعَانِيَهَا ولأَنها غَرَائِبُ، قَالَ: أَعني وَزْنَ الجبلِ، قَالَ: وَقِيَاسُ مَا كَانَ مِنْ هَذَا النَّحْوِ أَن يَكُونَ مَنْصُوبًا كَمَا ذَكَرْنَاهُ، بِدَلِيلِ مَا أَومأَ إِليه سِيبَوَيْهِ هُنَا، وأَما أَبو عُبَيْدٍ فَقَالَ: هُوَ وِزانُه بِالرَّفْعِ. والوَزْنُ: الْمِثْقَالُ، وَالْجَمْعُ أَوْزانٌ. وَقَالُوا: دِرْهَمٌ وَزْنٌ، فَوَصَفُوهُ بِالْمَصْدَرِ. وَفُلَانٌ أَوْزَنُ بَنِي فلانٍ أَي أَوْجَهُهُمْ. وَرَجُلٌ وَزِينُ الرأْي: أَصيله، وَفِي الصِّحَاحِ: رَزينُه. ووَزَنَ الشيءُ. رَجَحَ؛ وَيُرْوَى بيتُ الأَعشى:
وإِن يُسْتَضافُوا إِلى حُكْمِه، ... يُضافُوا إِلى عادِلٍ قَدْ وَزَنْ
وَقَدْ وَزُنَ وَزَانةً إِذا كَانَ مُتَثَبِّتًا. وَقَالَ أَبو سَعِيدٍ: أَوْزَمَ نفسَه عَلَى الأَمر وأَوْزَنَها إِذَا وَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَيْهِ. والوَزْنُ: الفِدْرة مِنَ التَّمْرِ لَا يَكَادُ الرَّجُلُ يَرْفَعُهَا بِيَدَيْهِ، تَكُونُ ثلثَ الجُلَّةِ مِنْ جِلال هَجَرَ أَو نصْفَها، وَجَمْعُهُ وُزُونٌ؛ حَكَاهُ أَبو حَنِيفَةَ؛ وأَنشد:
وَكُنَّا تَزَوَّدْنا وُزُوناً كَثِيرَةً، ... فأَفْنَيْنَها لَمَّا عَلَوْنا سَبَنْسَبا
والوَزِينُ: الحَنْظَلُ الْمَطْحُونُ، وَفِي الْمُحْكَمِ: الوَزينُ حَبّ الْحَنْظَلِ الْمَطْحُونِ يُبَلُّ بِاللَّبَنِ فَيُؤْكَلُ؛ قَالَ:
إِذا قَلَّ العُثَانُ وَصَارَ، يَوْمًا، ... خَبِيئةَ بَيْتِ ذِي الشَّرَفِ الوَزينُ
أَراد: صَارَ الوَزينُ يَوْمًا خَبِيئَةَ بَيْتِ ذِي الشَّرَفِ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَتَّخِذُ طَعَامًا مِنْ هَبِيدِ الْحَنْظَلِ يَبُلُّونه بِاللَّبَنِ فيأْكلونه وَيُسَمُّونَهُ الوَزينَ. ووَزْنُ سَبْعةٍ: لَقَبٌ. والوَزْنُ: نَجْم يطلُع قَبْلَ سُهَيْل فيُظَنُّ إِياه، وَهُوَ أَحد الكَوْكبين المُحْلِفَيْن. تَقُولُ الْعَرَبُ: حَضارِ والوَزْنُ مُحْلِفانِ، وَهُمَا نَجْمَانِ يطلُعان قَبْلَ سُهَيْلٍ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
أَرَى نارَ لَيْلى بالعَقيقِ كأَنها ... حَضَارِ، إِذا مَا أَقْبَلَتْ، ووَزِينُها
ومَوْزَنٌ، بِالْفَتْحِ: اسْمُ مَوْضِعٍ، وَهُوَ شَاذٌّ مِثْلُ مَوْحَدٍ ومَوْهَبٍ؛ وَقَالَ كُثَيّر:
كأَنَّهُمُ قَصْراً مَصَابيحُ رَاهبٍ، ... بمَوْزَنَ رَوَّى بالسَّلِيط ذُبالُها
«1» هُمُ أَهْلُ أَلواحِ السَّرِير وَيُمْنُهُ ... قَرابينُ أَرْدافٌ لَهَا وشِمالُها
__________
(1) . قوله [روّى بالسليط ذبالها] كذا بالأَصل مضبوطاً كنسخة الصحاح الخط هنا، وفي مادة قصر من الصحاح أَيضاً برفع ذبالها وشمالها، ووقع في مادة قصر من اللسان مايخالف هذا الضبط(13/448)
وَقَالَ كُثَيّرُ عَزَّةَ:
بالخَيْر أَبْلَجُ مِنْ سِقاية راهِبٍ ... تُجْلى بمَوْزَنَ، مُشْرِقاً تِمْثالُها.
وسن: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ
؛ أَي لَا يأْخذه نُعاسٌ وَلَا نَوْمٌ، وتأْويله أَنه لَا يَغْفُل عَنْ تَدْبِيرِ أَمر الْخَلْقِ، تَعَالَى وتَقَدَّسَ. والسِّنَةُ: النُّعَاس مِنْ غَيْرِ نَوْمٍ. وَرَجُلٌ وَسْنانُ ونَعْسانُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. والسِّنَةُ: نُعاسٌ يبدأْ فِي الرأْس، فإِذا صَارَ إِلى الْقَلْبِ فَهُوَ نَوْمٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:
وتُوقِظ الوَسْنانَ
أَي النَّائِمَ الَّذِي لَيْسَ بمُسْتَغْرِقٍ فِي نَوْمِهِ. والوَسَنُ: أَول النَّوْمِ، وَالْهَاءُ فِي السِّنَةِ عِوَضٌ مِنَ الْوَاوِ الْمَحْذُوفِ. ابْنُ سِيدَهْ: السِّنَةُ والوَسْنَةُ والوَسَنُ ثَقْلَةُ النَّوْمِ، وَقِيلَ: النُّعاس، وَهُوَ أَول النَّوْمِ. وَسِنَ يَوْسَنُ وَسَناً، فَهُوَ وَسِنٌ ووَسْنانُ ومِيسانٌ، والأُنثى وَسِنَةٌ ووَسْنَى ومِيسانٌ؛ قَالَ الطِّرْمَّاحُ:
كُلُّ مِكْسالٍ رَقُودِ الضُّحَى، ... وَعْثةٍ، مِيسانِ ليلِ التِّمام
واسْتَوْسَنَ مِثْلُهُ. وامرأَة مِيسان، بِكَسْرِ الْمِيمِ: كأَن بِهَا سِنَةً مِنْ رَزَانَتِها. ووَسِنَ فُلَانٌ إِذا أَخذته سِنَةُ النُّعاس. ووَسِنَ الرجلُ، فَهُوَ وَسِنٌ أَي غُشِيَ عَلَيْهِ مِنْ نَتْنِ الْبِئْرِ مِثْلُ أَسِنَ، وأَوْسَنته البئرُ، وَهِيَ رَكِيَّةٌ مُوسِنَةٌ، عَنْ أَبي زَيْدٍ، يَوْسَنُ فِيهَا الإِنسانُ وَسَناً، وَهُوَ غَشْيٌ يأْخذه. وامرأَة وَسْنَى ووَسْنانةٌ: فَاتِرَةُ الطَّرْفِ، شُبِّهَتْ بالمرأَة الوَسْنَى مِنَ النَّوْمِ؛ وَقَالَ ابْنُ الرِّقاعِ:
وَسْنانُ أَقْصَدَهُ النُّعَاسُ فَرنَّقَتْ ... فِي عَيْنهِ سِنَةٌ، وَلَيْسَ بنائِمِ
فَفَرَّقَ بَيْنَ السِّنَةِ وَالنَّوْمِ، كَمَا تَرَى، ووَسِنَ الرجلُ يَوْسَنُ وَسَناً وسِنَةً إِذا نَامَ نَوْمَةً خَفِيفَةً، فَهُوَ وسِنٌ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: إِذا قَالَتِ الْعَرَبُ امرأَة وَسْنَى فَالْمَعْنَى أَنها كَسْلَى مِنَ النَّعْمة، وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: امرأَة مَوْسُونةٌ، وَهِيَ الكَسْلَى، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: المرأَة الْكَسْلَانَةُ. ورُزِقَ فلانٌ مَا لَمْ يَحْلُمْ بِهِ فِي وسَنِهِ. وتوَسَّنَ فُلَانٌ فُلَانًا إِذا أَتاه عِنْدَ النَّوْمِ، وَقِيلَ: جَاءَهُ حِينَ اخْتَلَطَ بِهِ الوَسَنُ؛ قَالَ الطرمّاحُ:
أَذاك أَم ناشِطٌ تَوَسَّنَهُ ... جَارِي رَذاذٍ، يَسْتَنُّ مُنْجرِدُهْ؟
واوْسَنْ يَا رجلُ لَيْلَتَكَ، والأَلف أَلف وَصْلٍ. وتَوَسَّن المرأَة: أَتاها وَهِيَ نَائِمَةٌ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَن رَجُلًا تَوسَّنَ جَارِيَةً فجَلَدَهُ وهَمَّ بجَلْدها، فَشَهِدُوا أَنها مُكْرَهَةٌ
، أَي تغشَّاها وَهِيَ وَسْنَى قَهْرًا أَي نَائِمَةٌ. وتوَسَّنَ الفحلُ الناقةَ: تسَنَّمَها. وَقَوْلُهُمْ: توَسَّنَها أَي أَتاها وَهِيَ نَائِمَةٌ يُرِيدُونَ بِهِ إِتيان الْفَحْلِ النَّاقَةَ. وَفِي التَّهْذِيبِ: توَسَّنَ النَّاقَةَ إِذا أَتاها بَارِكَةً فَضَرَبَهَا؛ وَقَالَ الشَّاعِرُ يَصِفُ سَحَابًا:
بِكْر توَسَّن بالخَمِيلَةِ عُوناً
اسْتَعَارَ التَّوَسُّنَ لِلسَّحَابِ؛ وَقَوْلُ أَبي دُوَاد:
وغَيْث توَسَّنَ منه الرِّياحُ، ... جُوناً عِشاراً، وعُوناً ثِقالًا
جَعَلَ الرِّياحَ تُلْقِحُ السحابَ، فَضَرَبَ الجُونَ والعُون لَهَا مَثَلًا. والجُونُ: جَمْعُ الجُونةِ، والعُونُ: جَمْعُ العَوَانِ. وَمَا لَهُ هَمٌّ وَلَا وَسَنٌ إِلا ذَاكَ: مِثْلُ مَا لَهُ حَمٌّ وَلَا سَمٌّ. ووَسْنَى: اسْمُ امرأَة؛ قَالَ الرَّاعِي:
أَمِنْ آلِ وَسْنَى، آخرَ الليلِ، زائرُ ... وَوَادِي الغُوَيْر، دُونَنَا، فالسَّواجِرُ؟
ومَيْسانُ، بالفتح: موضع.(13/449)
وشن: الوَشْنُ: مَا ارْتَفَعَ مِنَ الأَرض. وَبَعِيرٌ وَشْنٌ: غَلِيظٌ. والأَوْشَنُ: الَّذِي يُزَيِّنُ الرجلَ «2» . وَيَقْعُدُ مَعَهُ عَلَى مَائِدَتِهِ يأْكل طَعَامَهُ. والوَشْنان: لُغَةٌ فِي الأُشنانِ، وَهُوَ مِنَ الحَمْضِ، وَزَعَمَ يَعْقُوبُ أَن وُشْناناً وأُشْناناً عَلَى الْبَدَلِ. التَّهْذِيبُ: ابْنُ الأَعرابي التَّوَشُّنُ قلة الماء.
وصن: ابْنُ الأَعرابي: الوَصْنَةُ الخِرْقَةُ الصَّغِيرَةُ، والصِّنْوةُ الفَسِيلَةُ، والصَّوْنَةُ العَتِيدةُ، وَاللَّهُ أَعلم.
وضن: وَضَنَ الشيءَ وَضْناً، فَهُوَ مَوْضُونٌ ووضِينٌ: ثَنَى بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ وضاعَفَهُ. وَيُقَالُ: وَضَنَ فلانٌ الحَجر والآجُرَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ إِذا أَشْرَجَه، فَهُوَ مَوْضونٌ. والوَضْنُ: نسْجُ السريرِ وأَشباهه بِالْجَوْهَرِ وَالثِّيَابِ، وَهُوَ مَوْضونٌ. شَمِرٌ: المَوْضُونةُ الدِّرْع الْمَنْسُوجَةُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: دِرْعٌ مَوْضونةٌ مُقارَبَةٌ فِي النَّسْجِ، مِثْلُ مَرْضُونةِ، مُداخَلَةُ الحِلَقِ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ. وَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ لامرأَته: ضِنِيه يَعْنِي متاعَ الْبَيْتِ أَي قَارِبِي بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ، وَقِيلَ الوَضْنُ النَّضْدُ. وَسَرِيرٌ مَوْضونٌ: مضاعَفُ النَّسْجِ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ
؛ المَوْضونةُ: الْمَنْسُوجَةُ أَي مَنْسُوجَةٍ بالدُّرِّ وَالْجَوْهَرِ، بَعْضُهَا مُداخَلٌ فِي بَعْضٍ. وَدِرْعٌ مَوْضونةٌ: مُضَاعَفَةُ النَّسْجِ؛ قَالَ الأَعشى:
وَمِنْ نَسْجِ داودَ مَوْضونَة، ... يُساقُ بِهَا الحَيُّ عِيراً فَعِيرا
والمَوْضونَةُ: الدِّرْعُ الْمَنْسُوجَةُ، وَيُقَالُ: الْمَنْسُوجَةُ بِالْجَوَاهِرِ، تُوضَنُ حِلَقُ الدِّرْعِ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ مُضاعَفةً. والوُضْنَةُ: الكُرْسي الْمَنْسُوجُ. والوَضِينُ: بِطَانٌ عَرِيضٌ مَنْسُوجٌ مِنْ سُيُورٍ أَو شَعَرٍ. التَّهْذِيبُ: إِنما سَمَّتِ الْعَرَبُ وَضِينَ الناقةِ وَضِيناً لأَنه مَنْسُوجٌ؛ قَالَ حُمَيد:
عَلَى مُصْلَخِمٍّ، مَا يَكَادُ جَسِيمُهُ ... يَمُدُّ بِعِطْفَيْهِ الوَضِينَ المُسَمَّما
والمُسَمَّمُ: الْمُزَيَّنُ بالسُّموم، وَهِيَ خَرَز. الْجَوْهَرِيُّ: الوَضِينُ للهَوْدج بِمَنْزِلَةِ البِطانِ للقَتَب، والتَّصْدِير للرَّحْل، والحِزام للسَّرْج، وَهُمَا كالنِّسْع إِلَّا أَنهما مِنَ السُّيُورِ إِذا نُسج نِساجةَ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، وَالْجَمْعُ وُضُنٌ؛ وَقَالَ المُثَقِّب العَبديُّ:
تَقولُ إِذا دَرَأْتُ لَهَا وَضِيني: ... أَهذا دَأْبُهُ أَبداً ودِينِي؟
قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: وَضِينٌ فِي مَوْضِعِ مَوْضونٍ مِثْلُ قَتِيلٍ فِي مَوْضِعِ مَقْتولٍ، تَقُولُ مِنْهُ: وَضَنْتُ النِّسْعَ أَضِنُهُ وَضْناً إِذا نَسَجْتَهُ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السلام: إِنَّكَ لَقَلِقُ الوَضِينِ
؛ الوَضِين: بِطانٌ مَنْسُوجٌ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ يُشَدُّ بِهِ الرَّحْلُ عَلَى الْبَعِيرِ، أَراد أَنه سَرِيعُ الْحَرَكَةِ، يَصِفُهُ بِالْخِفَّةِ وَقِلَّةِ الثَّبَاتِ كَالْحِزَامِ إِذا كَانَ رِخْواً. وَقَالَ ابْنُ جَبَلَةَ: لَا يَكُونُ الوَضينُ إِلا مِنْ جِلْدٍ، وإِن لَمْ يَكُنْ مِنْ جِلْدٍ فَهُوَ غُرْضَةٌ، وَقِيلَ: الوَضِينُ يَصْلُحُ للرَّحْل والهَوْدَجِ، والبِطانُ للقَتَبِ خاصَّةً. ابْنُ الأَعرابي: التَّوَضُّن التَّحَبُّبُ، والتَّوَضُّنُ التَّذَلُّلُ؛ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَنشد أَبو عُبَيْدَةَ شَاهِدًا عَلَى أَن الوَضِينَ بِمَعْنَى المَوْضونِ قَوْلَهُ:
إِليك تَعْدُو قَلِقاً وَضِينُها، ... مُعْتَرِضاً فِي بَطْنِهَا جَنِينُها،
مُخَالِفًا دينَ النَّصارى دِينُها
أَراد دِينَهُ لأَن النَّاقَةَ لَا دِينَ لَهَا، قَالَ: وَهَذِهِ الأَبيات يُرْوَى أَن ابْنَ عُمَرَ أَنشدها لَمَّا انْدَفَع مِنْ جَمْعٍ، وَوَرَدَتْ فِي حَدِيثِهِ، أَراد أَنها قَدْ هَزَلَتْ ودَقَّتْ لِلسَّيْرِ
__________
(2) . قوله [يزين الرجل] كذا بالأصل والمحكم، والذي في القاموس: يأتي الرجل(13/450)
عَلَيْهَا؛
قَالَ ابْنُ الأَثير: أَخرجه الْهَرَوِيُّ وَالزَّمَخْشَرِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وأَخرجه الطَّبَرَانِيُّ فِي الْمُعْجَمِ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبيه أَن رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَفاض مِنْ عَرَفاتٍ وَهُوَ يَقُولُ:
إِلَيْكَ تَعْدُو قَلِقاً وَضِينُها
والمِيضَنَةُ: كالجُوَالِق تُتَّخَذُ مِنْ خُوصٍ، وَالْجَمْعُ مَوَاضين.
وطن: الوَطَنُ: المَنْزِلُ تُقِيمُ بِهِ، وَهُوَ مَوْطِنُ الإِنسان وَمَحَلُّهُ؛ وَقَدْ خَفَّفَهُ رُؤْبَةُ فِي قَوْلِهِ:
أَوْطَنْتُ وَطْناً لَمْ يَكُنْ مِنْ وَطَني، ... لَوْ لَمْ تَكُنْ عاملَها لَمْ أَسْكُنِ
بِهَا، وَلِمَ أَرْجُنْ بِهَا فِي الرُّجَّنِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الَّذِي فِي شِعْرِ رُؤْبَةَ:
كَيْما تَرَى أَهلُ العِراقِ أَنني ... أَوْطَنْتُ أَرضاً لَمْ تَكُنْ مِنْ وَطَني
وَقَدْ ذُكِرَ فِي مَوْضِعِهِ، وَالْجَمْعُ أَوْطان. وأَوْطانُ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ: مَرَابِضُها وأَماكنها الَّتِي تأْوي إِلَيْهَا؛ قَالَ الأَخْطَلُ:
كُرُّوا إِلَى حَرَّتَيْكُمْ تَعْمُرُونَهُمَا، ... كَمَا تَكُرُّ إِلَى أَوْطانها البَقَرُ
ومَوَاطِنُ مكة: مَوَافقها، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ. وَطَنَ بِالْمَكَانِ وأَوْطَنَ أَقام؛ الأَخيرة أَعلى. وأَوْطَنَهُ: اتَّخَذَهُ وَطَناً. يُقَالُ: أَوْطَنَ فلانٌ أَرض كَذَا وَكَذَا أَي اتَّخَذَهَا مَحَلًّا ومَسْكَناً يُقِيمُ فِيهَا. والمِيطانُ: الْمَوْضِعُ الَّذِي يُوَطَّنُ لِتُرْسِلَ مِنْهُ الْخَيْلُ فِي السِّباق، وَهُوَ أَول الْغَايَةِ، والمِيتاء والمِيداء آخِرُ الْغَايَةِ؛ الأَصمعي: هُوَ المَيْدانُ والمِيطانُ، بِفَتْحِ الْمِيمِ مِنَ الأَول وَكَسْرِهَا مِنَ الثَّانِي. وَرَوَى عَمْرٌو عَنْ أَبيه قَالَ: المَيَاطِينُ المَيادين. يُقَالُ: مِنْ أَين مِيطانك أَي غَايَتُكَ.
وَفِي صِفَتِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَانَ لَا يُوطِنُ الأَماكن
أَي لَا يَتَّخِذُ لِنَفْسِهِ مَجْلِسًا يُعْرَفُ بِهِ. والمَوْطِنُ: مَفْعِلٌ مِنْهُ، وَيُسَمَّى بِهِ المَشْهَدُ مِنْ مشَاهد الْحَرْبِ، وَجَمْعُهُ مَوَاطن. والمَوْطِنُ: المَشْهَدُ مِنْ مَشَاهد الْحَرْبِ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ
؛ وَقَالَ طَرَفَةُ:
عَلَى مَوْطِنٍ يَخْشَى الفَتَى عِنْدَهُ الرَّدَى، ... مَتَى تَعْتَرِكْ فِيهِ الفَرائصُ تُرْعَدِ
وأَوطَنْتُ الأَرض ووَطَّنْتُها تَوطِيناً واسْتَوْطَنْتُها أَي اتَّخَذْتُهَا وَطَناً، وَكَذَلِكَ الاتِّطانُ، وَهُوَ افْتِعال مِنْهُ. غَيْرُهُ: أَما المَوَاطِنُ فَكُلُّ مَقام قَامَ بِهِ الإِنسان لأَمر فَهُوَ مَوْطِنٌ لَهُ، كَقَوْلِكَ: إِذَا أَتيت فَوَقَفْتَ فِي تِلْكَ المَوَاطِنِ فادْعُ اللَّهَ لِي ولإِخواني. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه نَهَى عن نَقْرَة الغُراب وأَن يُوطِنَ الرجلُ فِي الْمَكَانِ بِالْمَسْجِدِ كَمَا يُوطِنُ البعيرُ
؛ قِيلَ: مَعْنَاهُ أَن يأْلف الرَّجُلُ مَكَانًا مَعْلُومًا مِنَ الْمَسْجِدِ مَخْصُوصًا بِهِ يُصَلِّي فِيهِ كَالْبَعِيرِ لَا يأْوي مِنْ عَطَنٍ إِلَّا إِلَى مَبْرَكٍ دَمِثٍ قَدْ أَوْطَنَه وَاتَّخَذَهُ مُناخاً، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَن يَبْرُكَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ إِذَا أَراد السجودَ مثلَ بُرُوكِ الْبَعِيرِ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثِ:
أَنه نَهَى عَنِ إِيطَانِ الْمَسَاجِدِ
أَي اتِّخَاذِهَا وَطَناً. وواطنَهُ عَلَى الأَمر: أَضمر فِعْلَهُ مَعَهُ، فَإِنْ أَراد مَعْنًى وَافَقَهُ قَالَ: واطأَه. تَقُولُ: واطنْتُ فُلَانًا عَلَى هَذَا الأَمر إِذَا جَعَلْتُمَا فِي أَنفسكما أَن تَفْعَلَاهُ، وتَوْطِينُ النَّفْسِ عَلَى الشَّيْءِ: كَالتَّمْهِيدِ. ابْنُ سِيدَهْ: وَطَّنَ نفسَهُ عَلَى الشَّيْءِ وَلَهُ فتَوَطَّنَتْ حَمَلَهَا عَلَيْهِ فتحَمَّلَتْ وذَلَّتْ لَهُ، وَقِيلَ: وَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَى الشَّيْءِ وَلَهُ فتَوَطَّنَت حَمَلَهَا عَلَيْهِ؛ قَالَ كُثَيِّرٌ:(13/451)
فقُلْتُ لَهَا: يَا عَزَّ، كلُّ مُصيبةٍ ... إِذَا وُطِّنتْ يَوْمًا لَهَا النَّفْسُ، ذَلَّتِ
وعن: ابْنِ دُرَيْدٍ: الوِعانُ خُطوط فِي الْجِبَالِ شَبِيهَةٌ بالشُؤُون. والوَعْنَةُ: الأَرض الصُّلْبَةُ. والوَعْنُ والوَعْنَةُ: بَيَاضٌ فِي الأَرض لَا يُنْبِتُ شَيْئًا، وَالْجَمْعُ وِعانٌ، وَقِيلَ: الوَعْنةُ بَيَاضٌ تَرَاهُ عَلَى الأَرض تَعْلَمُ أَنه كَانَ وَادِيَ نَمْلٍ لَا يُنْبِتُ شَيْئًا. أَبو عَمْرٍو: قَرْيَةُ النَّمْلِ إِذَا خَرِبَتْ فَانْتَقَلَ النَّمْلُ إِلَى غَيْرِهَا وَبَقِيَتْ آثَارُهُ فَهِيَ الوِعانُ، وَاحِدُهَا وَعْنٌ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
كالوِعان رُسُومُها
وتَوَعَّنَتِ الْغَنَمُ والإِبلُ والدوابُّ، فَهِيَ متَوَعِّنة: بَلَغَتْ غَايَةَ السِّمَنِ، وَقِيلَ: بَدَا فِيهِنَّ السِّمَنُ. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: تَوَعَّنت سَمِنَتْ مِنْ غَيْرِ أَن يَحُدَّ غَايَةً. وَالْغَنَمُ إِذَا سَمِنَتْ أَيام الرَّبِيعِ فَقَدْ تَوَعَّنَتْ. والتَّوْعين: السِّمَنُ. والوَعْنُ: الملجأُ كالوَعْلِ.
وغن: ابْنُ الأَعرابي: التَّوَغنُ الإِقْدامُ فِي الْحَرْبِ، والوَغْنَةُ الجُبُّ «1» . الْوَاسِعُ، قَالَ: والتَّغَوُّنُ الإِصرار على المعاصي.
وفن: جِئْتُ عَلَى وَفَنِهِ أَي أَثره؛ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: وَلَيْسَ بِثَبَتٍ. ابْنُ الأَعرابي: الوَفْنَةُ الْقِلَّةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، والتَّوَفُّنُ النَّقْصُ في كل شيء.
وَقَنَ: التَّهْذِيبُ: أَبو عُبَيْدٍ الأُقْنَةُ والوُقْنَةُ مَوْضِعُ الطَّائِرِ فِي الجَبَلِ، وَالْجَمْعُ الأُقْناتُ والوُقْنات والوُكْنات. ابْنُ بَرِّيٍّ: وُقْنة الطَّائِرِ مَحْضِنُه. ابْنُ الأَعرابي: أَوْقَنَ الرجلُ إِذَا اصْطَادَ الطَّيْرَ مِنْ وُقْنَتِه، وَهِيَ مَحْضِنُه، وَكَذَلِكَ تَوَقَّنَ إِذَا اصْطَادَ الْحَمَامَ مِنْ مَحَاضِنِها في رؤوس الْجِبَالِ. والتَّوَقُّنُ: التَّوَقُّل فِي الْجَبَلِ، وَهُوَ الصُعود فِيهِ.
وَكَنَ: الوَكْنُ، بِالْفَتْحِ: عُشّ الطَّائِرِ، زَادَ الْجَوْهَرِيُّ: فِي جَبَلٍ أَو جِدَارٍ، وَالْجَمْعُ أَوْكُنٌ ووُكُنٌ ووُكْنٌ ووُكونٌ، وَهُوَ الوَكْنَةُ والوِكْنَةُ والوُكْنَةُ والوُكُنَةُ والمَوْكِنُ والمَوْكِنَةُ. ابْنُ الأَعرابي: الوُكْنَةُ مَوْضِعٌ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّائِرُ لِلرَّاحَةِ وَلَا يَثْبُتُ فِيهِ. ابْنُ الأَعرابي: مَوْقَعَةُ الطَّائِرِ أُقْنَتُه، وجمعُها أُقَنٌ، وأُكْنَتُه مَوْضِعُ عُشِّه. قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: هِيَ الأُكْنة والوُكْنَة والوُقْنَة والأُقْنةُ. الأَصمعي: الوَكْرُ والوَكْنُ جَمِيعًا الْمَكَانُ الَّذِي يَدْخُلُ فِيهِ الطَّائِرُ. قَالَ الأَزهري: وَقَدْ يُقَالُ لمَوْقَعَةِ الطَّائِرِ مَوْكِنٌ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
تَرَاهُ كَالْبَازِي انْتَمَى فِي المَوْكِنِ
الأَصمعي: الوَكْنُ مَأْوَى الطَّائِرِ فِي غَيْرِ عُشٍّ. قَالَ أَبو عَمْرٍو: الوُكْنة والأُكْنة، بِالضَّمِّ، مَواقِعُ الطَّيْرِ حَيْثُمَا وَقَعَتْ، وَالْجَمْعُ وُكُنات ووُكَناتٌ ووُكْناتٌ ووُكَنٌ، كَمَا قُلْنَاهُ فِي جَمْعُ رُكْبَةٍ. ووَكَنَ الطائرُ وكْناً ووُكُوناً: دَخَلَ فِي الوَكْنِ. ووَكَنَ وَكْناً ووُكوناً أَيضاً: حَضَنَ البيضَ. ووَكَنَ الطائرُ بيضَه يَكِنُه وَكْناً أَي حَضَنَهُ. وَطَائِرٌ واكِنٌ: يَحْضُنُ بيضَه، وَالْجَمْعُ وُكُونٌ، وهُنَّ وُكُونٌ مَا لَمْ يَخْرُجْنَ مِنَ الوَكْنِ، كَمَا أَنهنّ وُكُورٌ مَا لَمْ يَخْرُجْنَ مِنَ الوَكْر؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
تُذَكِّرُني سَلْمَى، وَقَدْ حِيلَ بَيْنَنَا، ... حَمامٌ عَلَى بيضاتِهنَّ وُكُونُ
والمَوْكِنُ: هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تَكِنُ فِيهِ عَلَى الْبَيْضِ. والوُكْنة: اسْمٌ لِكُلِّ وَكْرٍ وعُشّ، وَالْجَمْعُ الوُكُناتُ وَاسْتَعَارَهُ عَمْرُو بْنُ شاس للنساء فقال:
__________
(1) . قوله [والوغنة الجب] كذا بالأَصل الجب بالجيم، ومثله في التهذيب والتكملة، وفي القاموس: الحب بالحاء المهملة(13/452)
وَمِنْ ظُعنٍ كالدَّوْمِ أَشْرَفَ فَوقَها ... ظِباءُ السُّلَيِّ، وَاكِناتٍ عَلَى الخَمْلِ
أَي جَالِسَاتٍ عَلَى الطَّنَافِسِ الَّتِي وُطِّئتْ بِهَا الْهَوَادِجُ، والسُّلَيُّ: اسْمُ مَوْضِعٍ، وَنَصْبُ وَاكِنَاتٍ عَلَى الْحَالِ. أَبو عَمْرٍو: الوَاكِنُ مِنَ الطَّيْرِ الواقعُ حَيْثُمَا وَقَعَ عَلَى حَائِطٍ أَو عُود أَو شَجر. والتَّوَكُّنُ: حُسْنُ الاتِّكاء فِي الْمَجْلِسِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
قلتُ لَهَا: إيَّاكِ أَن تَوَكَّنِي، ... فِي جِلْسةٍ عنديَ، أَو تَلَبَّني
أَي تَرَبَّعي فِي جِلْسَتِك. وتَوَكَّنَ أَي تَمَكَّنَ. والواكِنُ: الْجَالِسُ؛ وَقَالَ المُمَزَّقُ العَبْدِي:
وهُنَّ عَلَى الرَّجائز واكِناتٌ، ... طَويلاتُ الذوائبِ والقُرُونِ
وَفِي الْحَدِيثِ:
أَقِرُّوا الطَّيْرَ عَلَى وُكُناتِها
؛ الوُكُنات، بِضَمِّ الْكَافِ وَفَتْحِهَا وَسُكُونِهَا: جَمْعُ وُكْنة، بِالسُّكُونِ، وَهِيَ عُشُّ الطَّائِرِ ووَكْرُه، وَقِيلَ: الوَكْنُ مَا كَانَ فِي عُشٍّ، والوَكْرُ مَا كَانَ فِي غَيْرِ عُشٍّ. وسَيْرٌ وَكْنٌ: شَدِيدٌ؛ قَالَ:
إِنِّي سأُودِيك بسَيْرٍ وكَنْ
أَي شَدِيدٍ؛ وَقَالَ شَمِرٌ: لَا أَعرفه.
وَلَنَ: التَّهْذِيبُ فِي أَثناء تَرْجَمَةِ نَوْلٍ: قَالَ ابْنُ الأَعرابي التَّوَلُّنُ رَفْعُ الصِّياح عِنْدَ الْمَصَائِبِ، نَعُوذُ بِمُعَافَاةِ الله من عقوبته.
وَمِنَ: ابْنُ الأَعرابي: التَّمَوُّنُ كَثْرة النَّفَقَةِ عَلَى الْعِيَالِ، والتَّوَمُّن كَثْرَةُ الأَولاد، وَاللَّهُ أَعلم.
وَنَنَ: الوَنُّ: الصَّنْجُ الَّذِي يُضْرَب بالأَصابع، وَهُوَ الوَنَجُ، كِلَاهُمَا دَخيل مُشْتَقٌّ مِنْ كَلَامِ الْعَجَمِ. والوَنُّ: الضِّعْفُ، والله أَعلم.
وَهَنَ: الوَهْن: الضَّعف فِي الْعَمَلِ والأَمر، وَكَذَلِكَ فِي العَظْمِ وَنَحْوَهُ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ
؛ جَاءَ فِي تَفْسِيرِهِ ضَعْفاً عَلَى ضَعْفٍ أَي لَزِمَها بِحَمْلِهَا إِيَّاهُ أَنْ تَضْعُف مَرّةً بَعْدَ مرَّة، وَقِيلَ: وَهْناً عَلَى وَهْنٍ أَي جَهْداً عَلَى جَهْدٍ، والوَهَنُ لُغَةٌ فِيهِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ «1» :
وَمَا إنْ بعَظْمٍ لَهُ مِنْ وَهَنْ
وَقَدْ وَهَنَ ووَهِن، بِالْكَسْرِ، يَهِنُ فِيهِمَا أَي ضَعُف، ووَهَنَه هُوَ وأَوْهَنَه؛ قَالَ جَرِيرٌ:
وَهَنَ الفَرَزْدَقَ، يومَ جَرَّدَ سيفَه، ... قَيْنٌ بِهِ حُمَمٌ وآمٍ أَرْبَعُ «2»
. وَقَالَ:
فَلَئِنْ عَفَوْتُ لأَعْفُوَنْ جَلَلًا، ... وَلَئِنْ سَطَوْتُ لأُوهنَنْ عَظْمِي
ورجُلٌ واهِنٌ فِي الأَمر وَالْعَمَلِ ومَوْهُون فِي العَظْم وَالْبَدَنِ، وَقَدْ وَهَنَ العَظْمُ يَهِنُ وَهْناً وأَوهنَه يُوهِنُه ووَهَّنْته تَوْهيناً. وَفِي حَدِيثِ الطَّوَافِ:
وَقَدْ وَهَنَتْهم حُمَّى يَثْرِب
أَي أَضعفتهم. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السلام: وَلَا واهِناً فِي عَزْمٍ
أَي ضَعِيفًا فِي رأْي، وَيُرْوَى بِالْيَاءِ:
وَلَا واهِياً فِي عَزْمٍ.
وَرَجُلٌ واهِنٌ: ضَعِيفٌ لَا بَطْش عِنْدِهِ، والأُنثى واهِنةٌ، وهُنَّ وُهُنٌ؛ قَالَ قَعْنَب بْنُ أُم صَاحِبٍ:
اللَّائماتُ الفَتى فِي عُمْرهِ سَفَهاً، ... وهُنَّ بَعدُ ضَعيفاتُ القُوَى وُهُنُ
قَالَ: وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ وُهُن جمع وَهُونٍ،
__________
(1) . قوله [قال الشاعر] هو الأَعشى كما في التكملة وصدره:
وما إن على قلبه غمرة
(2) . قوله [وآم أربع] ضبطت آم في المحكم بالجر كما ترى فيكون جمع أمة(13/453)
لأَن تَكْسِيرَ فَعُول عَلَى فُعُل أَشْيَع وأَوسع مِنْ تَكْسِيرِ فاعِلة عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا فاعِلة وفُعُلٌ نَادِرٌ، وَرَجُلٌ مَوْهُون فِي جِسْمِهِ. وامرأَة وهْنانةٌ: فِيهَا فُتُورٌ عِنْدَ الْقِيَامِ وأَناةٌ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
؛ أَي مَا فَتَروا وَمَا جَبُنُوا عَنْ قِتَالِ عدوِّهم. وَيُقَالُ لِلطَّائِرِ إِذَا أُثْقِلَ مِنْ أَكْل الجِيَف فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى النُّهوض: قَدْ توَهَّنَ توَهُّناً؛ قَالَ الْجَعْدِيُّ:
تَوَهَّنَ فيه المَضْرَحِيَّةُ بَعْدَ ما ... رأَينَ نَجِيعاً، مِنْ دَم الجَوْف، أَحْمَرا
والمَضْرَحِيَّةُ: النُّسور هاهنا. أَبو عَمْرٍو: الوَهْنانة مِنَ النِّسَاءِ الكَسْلى عَنِ الْعَمَلِ تَنَعُّماً. أَبو عُبَيْدٍ: الوَهْنانة الَّتِي فِيهَا فَتْرة. الْجَوْهَرِيُّ: وَهَنَ الإِنسانُ ووَهَنَه غيرُه، يتعدَّى وَلَا يتعدَّى. والوَهْنُ مِنَ الإِبل: الكَثِيفُ. والواهِنَةُ: رِيحٌ تأْخذ فِي المَنْكِبَين، وَقِيلَ: فِي الأَخْدَعَين عِنْدَ الكِبَر. والواهِنُ: عِرْق مُسْتبطِنٌ حَبْلَ الْعَاتِقِ إِلَى الْكَتِفِ، وَرُبَّمَا وَجِعَ صاحبُه وعَرَتْه الواهِنة، فَيُقَالُ: هِنِي يَا واهِنةُ، اسْكُنِي يَا واهِنة وَيُقَالُ لِلَّذِي أَصابه وجَعُ الواهِنة مَوْهونٌ، وَقَدْ وُهِنَ؛ قَالَ طَرَفة:
وَإِذَا تَلْسُنُني أَلْسُنُها، ... إنَّني لَسْتُ بمَوْهُونٍ فَقِرْ
يُقَالُ: أَوْهَنه اللهُ، فَهُوَ مَوْهون، كَمَا يُقَالُ: أَحَمَّه اللهُ، فَهُوَ مَحْمُوم، وأَزْكَمه، فَهُوَ مَزْكوم. النَّضِرُ: الواهِنَتانِ عَظْمانِ فِي تَرْقُوَة الْبَعِيرِ، والتَّرْقُوَةُ مِنَ الْبَعِيرِ الواهِنَةُ. وَيُقَالُ: إِنَّهُ لِشَدِيدِ الواهِنَتَيْن أَي شَدِيدِ الصَّدْرِ والمُقَدَّم، وَتُسَمَّى الواهِنَةُ مِنَ الْبَعِيرِ النَّاحِرَةُ لأَنها رُبَّمَا نحَرَت البعيرَ بأَن يُصْرع عَلَيْهَا فَيَنْكَسِرُ، فيُنْحَر الْبَعِيرُ وَلَا تُدْرِكُ ذَكَاتَهُ، وَلِذَلِكَ سُمِّيت ناحِرة. وَيُقَالُ: كَوَيْناه مِنَ الواهِنَة، والواهِنَةُ: الوَجَعُ نَفْسُهُ، وَإِذَا ضَرَبَ عَلَيْهِ عِرْقٌ فِي رأْس مَنكِبه قِيلَ: بِهِ واهِنة، وَإِنَّهُ ليَشْتَكي واهِنَته، والواهِنَتان: أَطراف العِلْباءَيْن فِي فأْس الْقَفَا مِنْ جَانِبَيْهِ، وَقِيلَ: هُمَا ضِلَعان فِي أَصل الْعُنُقِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ واهنةٌ، وَهُمَا أَوَّل جَوَانِحِ الزَّوْر، وَقِيلَ: الواهِنَةُ القُصَيْرَى، وَقِيلَ: هِيَ فَقْرة فِي الْقَفَا. قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: الَّتِي مِنَ الواهِنة القُصَيرَى، وَهِيَ أَعلى الأَضلاع عِنْدَ التَّرْقُوَة؛ وأَنشد:
لَيْسَتْ بِهِ واهِنَةٌ وَلَا نَسَا
وَفِي الصِّحَاحِ: الواهِنَة القُصَيْرَى وَهِيَ أَسفل الأَضلاع. والواهِنَتانِ مِنَ الْفَرَسِ: أَوَّلُ جَوانح الصَّدْرِ. والواهِنَة: العَضُدُ: والواهِنَةُ: الوَهْنُ والضَّعْفُ، يَكُونُ مَصْدَرًا كَالْعَافِيَةِ؛ قَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤَيَّة:
فِي مَنْكِبَيْه وَفِي الأَرْساغِ واهِنةٌ، ... وَفِي مَفاصِله غَمْزٌ مِنَ العَسَمِ
الأَشجعي: الواهِنَةُ مَرَضٌ يأْخذُ فِي عَضُد الرَّجُلِ فتَضْرِبُها جاريةٌ بِكْرٌ بِيَدِهَا سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَرُبَّمَا عُلِّق عَلَيْهَا جِنْسٌ مِنَ الخَرَز يُقَالُ لَهُ خَرَزُ الواهِنة، وَرُبَّمَا ضَرَبَهَا الغلامُ، وَيَقُولُ: يَا واهِنَة تَحَوَّلي بِالْجَارِيَةِ؛ وَهِيَ الَّتِي لَا تأْخذ النساءَ إِنَّمَا تأْخذ الرِّجَالَ. وَرَوَى
الأَزهري عَنْ أَبي أُمامة عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَن رَجُلًا دَخَلَ عَلَيْهِ وَفِي عَضُده حَلْقةٌ مِنْ صُفْرٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: خَاتَمٌ مِنْ صُفْرٍ، فقال: مَا هَذَا الْخَاتَمُ؟ فَقَالَ: هَذَا مِنَ الواهِنة، فَقَالَ: أَمَا إنَّها لَا تَزِيدُك إلَّا وَهْناً.
وَقَالَ خَالِدُ بْنُ جَنْبة: الواهِنةُ عِرْقٌ يأْخذ فِي المَنْكِب وَفِي الْيَدِ كُلِّهَا فيُرْقَى مِنْهَا،(13/454)
وَهِيَ داءٌ يأْخذ الرِّجَالَ دُونَ النِّسَاءِ، وَإِنَّمَا نَهَاهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْهَا لأَنه إِنَّمَا اتَّخَذَهَا عَلَى أَنها تَعْصِمه مِنَ الأَلم فَكَانَتْ عِنْدَهُ فِي مَعْنَى التَّمائم المنهيِّ عَنْهَا. وَرَوَى
الأَزهري أَيضاً عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي عَضُدي حَلْقة مِنْ صُفْر فَقَالَ: مَا هَذِهِ؟ فَقُلْتُ: هِيَ مِنَ الْوَاهِنَةِ، فَقَالَ: أَيَسُرُّك أَن تُوكَلَ إِليها؟ انْبِذْها عَنْكَ.
أَبو نَصْرٍ قَالَ: عِرْقُ الْوَاهِنَةِ فِي العَضُد الفَلِيقُ، وَهُوَ عِرْقٌ يجْري إِلَى نُغْضِ الكتِف، وَهِيَ وَجَعٌ يَقَعُ فِي العَضُد، وَيُقَالُ لَهُ أَيضاً الْجَائِفُ. وَيُقَالُ: كَانَ وَكَانَ وَهْنٌ بِذِي هَنَاتٍ إِذَا قَالَ كَلَامًا بَاطِلًا يَتَعَلَّلُ فِيهِ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي الأَحْوَصِ الجُشَمِيّ: وتَهُنُّ هَذِهِ
مِنْ حَدِيثٍ سَنَذْكُرُهُ فِي هَـ نَ ا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الهَرَويّ عَنِ الأَزهري أَنه أَنكر هَذِهِ اللَّفْظَةَ بِالتَّشْدِيدِ، وَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ
وتَهِنُ هَذِهِ
أَي تُضْعِفُه، مَنْ وَهَنْتُه فَهُوَ مَوْهُون، وَسَنَذْكُرُهُ. والوَهْنُ والمَوْهِنُ: نَحْوٌ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ، وَقِيلَ: هُوَ بَعْدَ سَاعَةٍ مِنْهُ، وَقِيلَ: هُوَ حِينَ يُدْبِر الليلُ، وَقِيلَ: الوَهْنُ سَاعَةٌ تَمْضِي مِنَ اللَّيْلِ. وأَوْهَنَ الرجلُ: صَارَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. وَيُقَالُ: لَقِيتُه مَوْهِناً أَي بَعْدِ وَهْنٍ. والوَهِينُ: بِلُغَةِ مَنْ يَلِي مِصْرَ مِنَ الْعَرَبِ، وَفِي التَّهْذِيبِ: بِلُغَةِ أَهل مِصْرَ، الرَّجُلُ يَكُونُ مَعَ الأَجير فِي الْعَمَلِ يَحُثُّه عَلَى الْعَمَلِ.
وَيَنَ: الوَيْنُ العَيْب؛ عَنْ كُرَاعٍ، وَقَدْ حَكَى ابْنُ الأَعرابي أَنه الْعِنَبُ الأَسود، فَهُوَ عَلَى قَوْلِ كُرَاعٍ عَرَضَ، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الأَعرابي جَوْهَرٌ. والوانةُ: المرأَة الْقَصِيرَةُ، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ، وأَلفه يَاءٌ لِوُجُودِ الوَيْنِ وَعَدَمِ الوَوْن. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الوَيْن العِنب الأَبيض؛ عَنْ ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
كأَنَّه الوَيْنُ إِذَا يُجْنَى الوَيْن
وَقَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: الْوَيْنَةُ الزَّبِيبُ الأَسود، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: الْوَيْنُ العِنب الأَسود، وَالطَّاهِرُ وَالطَّهَارُ العنَب الرَّازِقِيُّ «3» . وَهُوَ الأَبيض، وَكَذَلِكَ المُلَّاحِيُّ، وَاللَّهُ أَعلم.
فصل الياء المثناة تحتها
يَبِنَ: فِي حَدِيثِ
أُسامةَ: قَالَ لَهُ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمَّا أَرسله إِلَى الرُّومِ: أَغِرْ عَلَى أُبْنَى صَباحاً
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هِيَ، بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْقَصْرِ، اسْمُ مَوْضِعٍ مِنْ فِلَسْطين [فَلَسْطين] بَيْنَ عَسْقلانَ والرَّمْلة، وَيُقَالُ لَهَا يُبْنَى بِالْيَاءِ، والله أَعلم.
يَتَنَ: اليَتْنُ: الوِلادُ الْمَنْكُوسُ وَلَدَتْهُ أُمُّه «4» . تَخْرُجَ رِجْلا المولودِ قَبْلَ رأْسه وَيَدَيْهِ، وتُكْرَهُ الولادةُ إِذَا كَانَتْ كَذَلِكَ، وَوَضَعَتْهُ أُمُّه يَتْناً؛ وَقَالَ البَعِيثُ:
لَقىً حَمَلَتْه أُمُّه، وَهِيَ ضَيْفةٌ، ... فَجَاءَتْ بِهِ يَتْنَ الضِّيافةِ أَرْشَما «5»
. ابْنُ خالَوَيْهِ، يَتْنٌ وأَتْنٌ ووَتْنٌ، قَالَ: وَلَا نَظِيرَ لَهُ فِي كَلَامِهِمْ إِلَّا يَفَعٌ وأَيْفَعُ ووَفَعٌ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَيْفَعُ، الْهَمْزَةُ فِيهِ زَائِدَةٌ، وَفِي الأَتْنِ أَصلية فَلَيْسَتْ مِثْلَهُ. وَفِي حَدِيثِ
عَمْرٍو: مَا وَلَدَتْني أُمي يَتْناً.
وَقَدْ أَيْتَنَت الأُمُّ إِذَا جَاءَتْ بِهِ يَتْناً. وَقَدْ أَيْتَنَت المرأَةُ والناقةُ، وَهِيَ مُوتِنٌ ومُوتِنَةٌ وَالْوَلَدُ مَيْتونٌ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وَهَذَا نَادِرٌ وَقِيَاسُهُ مُوتَنٌ. قَالَ عِيسَى بْنُ عُمَرَ: سأَلت ذَا الرُّمَّةِ عَنِ
__________
(3) . قوله [والطاهر والطهار العنب إلخ] لم نجده فيما بأيدينا من الكتب لا بالطاء ولا بالظاء
(4) . قوله: الْوِلَادُ الْمَنْكُوسُ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ؛ هكذا في الأصل، ولعلّ في الكلام سقطاً
(5) . قوله [فَجَاءَتْ بِهِ يَتْنَ الضِّيَافَةِ] كذا في الأَصل هنا، والذي تقدّم للمؤلف في مادة ضيف: فجاءت بيتن للضيافة، وكذا هو في الصحاح في غير موضع(13/455)
مسأَلة، قَالَ أَتعرف اليَتْنَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فمسأَلتك هَذِهِ يَتْنٌ. الأَزهري: قَدْ أَيْتَنَتْ أُمُّه. وَقَالَتْ أُمُّ تَأَبَّطَ شَرّاً: وَاللَّهِ مَا حَمَلْتُه غَيْلًا وَلَا وَضَعْتُه يَتْناً. قَالَ: وَفِيهِ لُغَاتٌ يُقَالُ وَضَعَتْه أُمُّهُ يَتْناً وأَتْناً ووَتْناً. وَفِي حَدِيثِ
ذِي الثُّدَيَّةِ: مُوتَنَ اليدِ
؛ هُوَ مِنْ أَيْتَنَتِ المرأَةُ إِذَا جَاءَتْ بِوَلَدِهَا يَتْناً، فَقُلِبَتِ الْيَاءُ وَاوًا لِضَمَّةِ الْمِيمِ،
وَالْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ مُودَنَ
، بِالدَّالِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِذَا اغْتَسَلَ أَحدكم مِنَ الْجَنَابَةِ فليُنْقِ الميتَنَيْنِ
«1» . ولْيُمِرَّ عَلَى البَرَاجِمِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هِيَ بَوَاطِنُ الأَفخاذ، والبَرَاجم عَكْسُ الأَصابع «2» . قَالَ ابْنُ الأَثير: قَالَ الخطابي لَسْتُ أَعرف هَذَا التأْويل، قَالَ: وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَن تَكُونَ الرِّوَايَةُ بِتَقْدِيمِ التَّاءِ عَلَى الْيَاءِ، وَهُوَ مِنْ أَسماء الدُّبُرِ، يُرِيدُ بِهِ غَسَلَ الْفَرْجَيْنِ؛ وَقَالَ عَبْدُ الْغَافِرِ: يُحْتَمَلُ أَن يَكُونَ المَنْتَنَيْنِ بِنُونٍ قَبْلَ التَّاءِ لأَنهما مَوْضِعُ النَّتْنِ، وَالْمِيمُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ زَائِدَةٌ. وَرُوِيَ عَنِ الأَصمعي قَالَ: اليَتْنُون شَجَرَةٌ تُشْبِهُ الرِّمْثَ وليست به.
يَرَنَ: اليَرُونُ: دِمَاغُ الْفِيلِ، وَقِيلَ هُوَ المَنِيُّ، وَفِي التَّهْذِيبِ: مَاءُ الْفَحْلِ وَهُوَ سُمٌّ، وَقِيلَ: هُوَ كُلُّ سَمّ؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
وأَنْتَ الغَيْثُ يَنْفَعُ مَا يَلِيهِ، ... وأَنْتَ السَّمُّ خالَطَه اليَرُونُ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ:
فأَنت اللَّيْثُ يَمْنَعُ مَا لَدَيْهِ
ويَرْنا: اسْمُ رملة.
يَزَنَ: ذُو يَزَنَ: مَلكٌ مِنْ مُلُوكِ حِمْير تُنْسَبُ إِلَيْهِ الرماحُ اليَزَنِيَّةُ، قَالَ: ويَزَنُ اسْمُ مَوْضِعٍ بِالْيَمَنِ أُضيف إِلَيْهِ ذُو، وَمِثْلُهُ ذُو رُعَيْنٍ وَذُو جَدَنٍ أَي صَاحِبُ رُعَيْنٍ وَصَاحِبُ جَدَن، وَهُمَا قَصْرَانِ. قَالَ ابْنُ جِنِّي: ذُو يَزَنَ غَيْرُ مَصْرُوفٍ، وأَصله يَزْأَنُ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ رُمح يَزْأَنِيٌّ، وأَزْأَنيٌّ، وَقَالُوا أَيضاً أَيْزَنِيٌّ، وَوَزَنَهُ عَيْفَلِيٌّ، وَقَالُوا آزَنِيٌّ وَوَزَنَهُ عافَلِيٌّ؛ قَالَ الْفَرَزْدَقِ:
قَرَيْناهُمُ المَأْثُورةَ البِيضَ كُلَّها، ... يَثُجُّ العُروقَ الأَيْزَنِيُّ المُثَقَّفُ
وَقَالَ عَبْدُ بَنِي الحَسْحاسِ:
فإنْ تَضْحَكِي مِنِّي، فَيَا رُبَّ ليلةٍ ... تَرَكْتُكِ فِيهَا كالقَباءِ مُفَرَّجا
رَفَعْتُ بِرِجْلَيْهَا، وطامَنْتُ رأْسَها، ... وسَبْسَبْتُ فِيهَا اليَزْأَنِيَّ المُحَدْرَجا
قَالَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ: إِنَّمَا سُمِّيَتِ الرِّمَاحُ يَزَنيَّةً لأَن أَوَّل مَنْ عُمِلَتْ لَهُ ذُو يَزَنَ، كَمَا سُمِّيَتِ السِّياطُ أَصْبَحِيَّةً، لأَن أَول مَنْ عُمِلَتْ لَهُ ذُو أَصْبَحَ الحِمْيَرِيُّ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: سأَلت الْخَلِيلَ فَقُلْتُ إِذَا سَمَّيْتَ رَجُلًا بِذِي مَالٍ هَلْ تُغَيِّرُهُ؟ قَالَ: لَا، أَلا تَرَاهُمْ قَالُوا ذُو يَزَنٍ مُنْصَرِفًا فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ؟ وَيُقَالُ: رُمْحٌ يَزَنِيٌّ وأَزَنِيٌّ، مَنْسُوبٌ إِلَى ذِي يَزَنٍ أَحَدِ مُلُوكِ الأَذْواءِ مِنَ الْيَمَنِ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ يَزْأَنِيّ وأَزأَنِيٌّ.
يَسَنَ: رَوَى الأَعمش عَنْ شَقِيقٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ سُهَيْلُ بْنُ سِنَانٍ: يَا أَبا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَياءً تَجِدُ هَذِهِ الْآيَةَ أَم أَلفاً: مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ؟ فَقَالَ عبدُ اللَّهِ: وَقَدْ عَلِمْتَ الْقُرْآنَ كلَّه غَيْرَ هَذِهِ؟ قال: إني أَقرأُ
__________
(1) . قوله [الميتنين] كذا في بعض نسخ النهاية كالأَصل بلا ضبط وفي بعضها بكسر الميم
(2) . قوله [عكس الأَصابع] هو بهذا الضبط في بعض نسخ النهاية وفي بعضها بضم ففتح(13/456)
المُفَصَّل فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ، فَقَالَ عبدُ اللَّهِ: كهَذِّ الشِّعْرِ، قَالَ الشَّيْخُ: أَراد غَيْرَ آسِنٍ أَم ياسنٍ، وَهِيَ لُغَةٌ لِبَعْضِ الْعَرَبِ.
يَسْمَنَ: الياسَمِينُ والياسِمِين: مَعْرُوفٌ.
يَفْنَ: اليَفَنُ: الشَّيْخُ الْكَبِيرُ؛ وَفِي كَلَامِ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَيُّها اليَفَنُ الَّذِي قَدْ لَهَزَهُ القَتِيرُ
؛ اليَفَنُ، بِالتَّحْرِيكِ: الشَّيْخُ الْكَبِيرُ، والقَتِيرُ: الشَّيْبُ؛ وَاسْتَعَارَهُ بَعْضُ الْعَرَبِ لِلثَّوْرِ المُسِنّ فَقَالَ:
يَا ليتَ شَعْرِي هَلْ أَتَى الحِسانا ... أَنِّي اتَّخَذْتُ اليَفَنَيْنِ شَانَا،
السِّلْبَ واللُّومَةَ والعِيانا؟
حَمَلَ السِّلْبَ عَلَى الْمَعْنَى، قَالَ: وَإِنْ شِئْتَ كَانَ بَدَلًا كأَنه قَالَ: إِنِّي اتَّخَذْتُ أَداة اليَفَنَيْنِ أَو شُوَار اليَفَنَيْنِ. أَبو عُبَيْدٍ: اليَفَنُ، بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْفَاءِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ، الْكَبِيرُ؛ قَالَ الأَعشى:
وَمَا إنْ أَرَى الدَّهْرَ فِيمَا مَضَى ... يغادِرُ مِنْ شَارِفٍ أَو يَفَنْ «1»
. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ ابْنُ الْقَطَّاعِ واليَفَنُ الصَّغِيرُ أَيضاً، وَهُوَ مِنَ الأَضداد. ابْنُ الأَعرابي: مِنْ أَسماء الْبَقَرَةِ اليَفَنةُ والعَجوزُ واللِّفْتُ والطَّغْيا. اللَّيْثُ: اليَفَنُ الشَّيْخُ الْفَانِي، قَالَ: وَالْيَاءُ فِيهِ أَصلية، قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ عَلَى تَقْدِيرِ يَفْعَل لأَن الدَّهْرَ فَنَّه وأَبلاه. وَحَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ: اليُفْنُ الثِّيرانُ الجِلَّةُ، وَاحِدُهَا يَفَنٌ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
تَقول لِي مائِلةُ العِطافِ: ... مَا لَك قدْ مُتَّ مِنَ القُحَافِ؟
ذَلِكَ شَوْقُ اليُفْنِ والوِذَافِ، ... ومَضْجَعٌ بِاللَّيْلِ غيرُ دَافِي
ويَفَنُ: مَاءٌ بَيْنَ مِيَاهِ بَنِي نُمَيْرِ بْنِ عَامِرٍ. وَيَفْنَ: مَوْضِعٌ، وَاللَّهُ أَعلم.
يُقْنِ: اليَقِينُ: العِلْم وَإِزَاحَةُ الشَّكِّ وتحقيقُ الأَمر، وَقَدْ أَيْقَنَ يُوقِنُ إِيقَانًا، فَهُوَ مُوقِنٌ، ويَقِنَ يَيْقَن يَقَناً، فَهُوَ يَقنٌ. واليَقِين: نَقيض الشَّكِّ، وَالْعِلْمُ نقيضُ الْجَهْلِ، تَقُولُ عَلِمْتُه يَقيناً. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ
؛ أَضاف الْحَقَّ إِلَى الْيَقِينِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ إِضَافَةِ الشَّيْءِ إِلَى نَفْسِهِ، لأَن الْحَقَّ هُوَ غَيْرُ الْيَقِينِ، إِنَّمَا هُوَ خالصُه وأَصَحُّه، فَجَرَى مَجْرَى إِضَافَةِ الْبَعْضِ إِلَى الْكُلِّ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ
؛ أَي حَتَّى يأْتيك الموتُ، كَمَا قَالَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا، وَقَالَ: مَا دُمْتُ حَيًّا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عبَادَةٌ لِغَيْرِ حَيّ، لأَن مَعْنَاهُ اعْبُدْ ربَّك أَبداً واعْبُدْه إِلَى الْمَمَاتِ، وَإِذَا أَمر بِذَلِكَ فَقَدْ أَمر بالإِقامة عَلَى الْعِبَادَةِ. ويَقِنْتُ الأَمْرَ، بِالْكَسْرِ؛ ابْنُ سِيدَهْ: يَقِنَ الأَمرَ يَقْناً ويَقَناً وأَيْقَنَه وأَيْقَنَ بِهِ وتَيَقَّنه واسْتَيْقَنه واسْتَيْقَن بِهِ وتَيَقَّنْت بالأَمر واسْتَيْقَنْت بِهِ كُلَّهُ بِمَعْنَى وَاحِدٍ، وأَنا عَلَى يَقين مِنْهُ، وَإِنَّمَا صَارَتِ الْيَاءُ وَاوًا فِي قَوْلِكَ مُوقِنٌ لِلضَّمَّةِ قَبْلَهَا، وَإِذَا صَغَّرْته رددتَه إِلَى الأَصل وقلتَ مُيَيْقِنٌ، وَرُبَّمَا عَبَّرُوا بِالظَّنِّ عَنِ اليَقِين وباليَقِين عَنِ الظَّنِّ؛ قَالَ أَبو سِدْرَة الأَسدِيُّ، وَيُقَالُ الهُجَيْمِيُّ:
تَحَسَّبَ هَوّاسٌ، وأَيْقَنَ أَنَّني ... بِهَا مُفْتَدٍ مِنْ واحدٍ لَا أُغامِرُه
يَقُولُ: تَشَمَّمَ الأَسدُ نَاقَتِي يَظُنُّ أَنني أَفتدي بِهَا مِنْهُ
__________
(1) . قوله [من شارف] كذا في الصحاح أيضاً، وقال الصاغاني في التكملة: والرواية من شارخ أي شاب(13/457)
وأَسْتَحْمِي نَفْسِي فأَتركها لَهُ وَلَا أَقتحم الْمَهَالِكَ بِمُقَاتَلَتِهِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ الأَسدُ هَوَّاساً لأَنه يَهُوس الفَريسة أَي يَدُقُّها. وَرَجُلٌ يَقِنٌ ويَقَنٌ: لَا يَسْمَعُ شَيْئًا إِلَّا أَيْقَنَه، كَقَوْلِهِمْ: رَجُلٌ أُذُنٌ. وَرَجُلٌ يَقَنَةٌ، بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْقَافِ وَبِالْهَاءِ: كيَقُنٍ؛ عَنْ كُرَاعٍ، وَرَجُلٌ مِيقَانٌ كَذَلِكَ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، والأُنثى مِيقَانةٌ، بِالْهَاءِ، وَهُوَ أَحد مَا شَذَّ مِنْ هَذَا الضَّرْبِ. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: رَجُلٌ ذُو يَقَنٍ لَا يَسْمَعُ شَيْئًا إِلَّا أَيْقَنَ بِهِ. أَبو زَيْدٍ: رَجُلٌ أُذُنٌ يَقَنٌ، وَهَمَا وَاحِدٍ، وَهُوَ الَّذِي لَا يَسْمَعُ بِشَيْءٍ إِلَّا أَيْقَنَ بِهِ. وَرَجُلٌ يَقَنٌ ويَقَنَةٌ. مِثْلَ أُذُنٍ فِي الْمَعْنَى أَي إِذَا سَمِعَ شَيْئًا أَيْقَنَ بِهِ وَلَمْ يُكَذِّبه. اللَّيْثُ: اليَقَنُ اليَقِينُ؛ وأَنشد قَوْلَ الأَعشى:
وما بالَّذي أَبْصَرَتْه العُيُونُ ... مِنْ قَطْعِ يَأْسٍ، وَلَا منْ يَقَنْ
ابْنُ الأَعرابي: المَوْقُونَةُ الْجَارِيَةُ المَصُونة المُخدَّرة.
يَمُنُّ: اليُمْنُ: البَركةُ؛ وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُهُ فِي الْحَدِيثِ. واليُمْنُ: خِلَافُ الشُّؤم، ضِدَّهُ. يُقَالُ: يُمِنَ، فَهُوَ مَيْمُونٌ، ويَمَنَهُم فَهُوَ يامِنٌ. ابْنُ سِيدَهْ: يَمُنَ الرجلُ يُمْناً ويَمِنَ وتَيَمَّنَ بِهِ واسْتَيْمَن، وإنَّه لمَيْمونٌ عَلَيْهِمْ. وَيُقَالُ: فُلَانٌ يُتَيَمَّنُ برأْيه أَي يُتَبَرَّك بِهِ، وَجَمْعُ المَيْمونِ مَيامِينُ. وَقَدْ يَمَنَه اللهُ يُمْناً، فَهُوَ مَيْمُونٌ، وَاللَّهُ الْيَامِنُ. الْجَوْهَرِيُّ: يُمِن فلانٌ عَلَى قَوْمِهِ، فَهُوَ مَيْمُونٌ إِذا صَارَ مُبارَكاً عَلَيْهِمْ، ويَمَنَهُم، فَهُوَ يامِنٌ، مِثْلَ شُئِمَ وشَأَم. وتَيَمَّنْتُ بِهِ: تَبَرَّكْتُ. والأَيامِنُ: خِلاف الأَشائم؛ قَالَ المُرَقِّش، وَيُرْوَى لخُزَزَ بْنِ لَوْذَانَ.
لَا يَمنَعَنَّكَ، مِنْ بُغَاءِ ... الخَيْرِ، تَعْقَادُ التَّمائم
وكَذَاك لَا شَرٌّ وَلَا ... خَيْرٌ، عَلَى أَحدٍ، بِدَائم
ولَقَدْ غَدَوْتُ، وكنتُ لَا ... أَغْدُو عَلَى وَاقٍ وَحَائِمْ
فإذَا الأَشائِمُ كالأَيامِنِ، ... والأَيامنُ كالأشائم
وقول الكيمت:
ورَأَتْ قُضاعةُ في الأَيامِنِ ... رَأْيَ مَثْبُورٍ وثابِرْ
يَعْنِي فِي انْتِسَابِهَا إِلى اليَمَن، كأَنه جَمَعَ اليَمَنَ عَلَى أَيْمُن ثُمَّ عَلَى أَيَامِنَ مِثْلَ زَمَنٍ وأَزْمُن. وَيُقَالُ: يَمِينٌ وأَيْمُن وأَيمان ويُمُن؛ قَالَ زُهَير:
وحَقّ سلْمَى عَلَى أَركانِها اليُمُنِ
وَرَجُلٌ أَيْمَنُ: مَيْمُونٌ، وَالْجَمْعُ أَيامِنُ. وَيُقَالُ: قَدِمَ فُلَانٌ عَلَى أَيْمَنِ اليُمْن أَي عَلَى اليُمْن. وَفِي الصِّحَاحِ: قَدِمَ فُلَانٌ عَلَى أَيْمَن اليَمِين أَي اليُمْن. والمَيْمنَةُ: اليُمْنِ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ
؛ أَي أَصحاب اليُمْن عَلَى أَنفسهم أَي كَانُوا مَيامِينَ عَلَى أَنفسهم غَيْرَ مَشَائيم، وَجَمْعُ المَيْمَنة مَيَامِنُ. واليَمِينُ: يَمِينُ الإِنسانِ وغيرِه، وَتَصْغِيرُ اليَمِين يُمَيِّن، بِالتَّشْدِيدِ بِلَا هَاءٍ. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثُ:
إِنه كَانَ يُحِبُّ التَّيَمُّنَ فِي جَمِيعِ أَمره مَا اسْتَطَاعَ
؛ التَّيَمُّنُ: الابتداءُ فِي الأَفعال بِالْيَدِ اليُمْنى والرِّجْلِ اليُمْنى وَالْجَانِبِ الأَيمن. وَفِي الْحَدِيثِ:
فأَمرهم أَن يَتَيَامَنُوا عَنِ الغَمِيم
أَي يأْخذوا عَنْهُ يَمِيناً. وَفِي حَدِيثِ
عَدِيّ: فيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّم
؛ أَي عَنْ يَمِينِهِ. ابْنُ سِيدَهْ: اليَمينُ نَقِيضُ(13/458)
الْيَسَارِ، وَالْجَمْعُ أَيْمانُ وأَيْمُنٌ ويَمَائنُ. وَرَوَى
سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنه قَالَ فِي كهيعص: هُوَ كافٍ هادٍ يَمِينٌ عَزِيزٌ صادِقٌ
؛ قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: فجعَل قولَه كَافٍ أَوَّلَ اسْمِ اللَّهِ كافٍ، وجعَلَ الْهَاءَ أَوَّلَ اسْمِهِ هادٍ، وجعلَ الْيَاءَ أَوَّل اسْمِهِ يَمِين مِنْ قَوْلِكَ يَمَنَ اللهُ الإِنسانَ يَمينُه يَمْناً ويُمْناً، فَهُوَ مَيْمون، قَالَ: واليَمِينُ واليامِنُ يَكُونَانِ بِمَعْنَى وَاحِدٍ كَالْقَدِيرِ وَالْقَادِرِ؛ وأَنشد:
بَيْتُكَ فِي اليامِنِ بَيْتُ الأَيْمَنِ
قَالَ: فجعَلَ اسْمَ اليَمِين مُشْتَقًّا مِنَ اليُمْنِ، وَجَعَلَ العَيْنَ عَزِيزًا وَالصَّادَ صَادِقًا، وَاللَّهُ أَعلم. قَالَ الْيَزِيدِيُّ: يَمَنْتُ أَصحابي أَدخلت عَلَيْهِمُ اليَمِينَ، وأَنا أَيْمُنُهم يُمْناً ويُمْنةً ويُمِنْتُ عَلَيْهِمْ وأَنا مَيْمونٌ عَلَيْهِمْ، ويَمَنْتُهُم أَخَذْتُ عَلَى أَيْمانِهم، وأَنا أَيْمَنُهُمْ يَمْناً ويَمْنةً، وَكَذَلِكَ شَأَمْتُهُم. وشأَمْتُهُم: أَخَذتُ عَلَى شَمائلهم، ويَسَرْتُهم: أَخذْتُ عَلَى يَسارهم يَسْراً. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: أَخَذَ فلانٌ يَميناً وأَخذ يَسَارًا، وأَخذَ يَمْنَةً أَو يَسْرَةً. ويامَنَ فُلَانٌ: أَخذَ ذاتَ اليَمِين، وياسَرَ: أَخذَ ذاتَ الشِّمال. ابْنُ السِّكِّيتِ: يامِنْ بأَصحابك وشائِمْ بِهِمْ أَي خُذْ بِهِمْ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَلَا يُقَالُ: تَيامَنْ بِهِمْ وَلَا تَياسَرْ بِهِمْ؛ وَيُقَالُ: أَشْأَمَ الرجلُ وأَيْمَنَ إِذا أَراد اليَمين، ويامَنَ وأَيْمَنَ إِذا أَراد اليَمَنَ. واليَمْنةُ: خلافُ اليَسْرة. وَيُقَالُ: قَعَدَ فُلَانٌ يَمْنَةً. والأَيْمَنُ والمَيْمَنَة: خِلَافُ الأَيْسَر والمَيْسَرة. وَفِي الْحَدِيثِ:
الحَجرُ الأَسودُ يَمينُ اللَّهِ فِي الأَرض
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَذَا كَلَامُ تَمْثِيلٍ وَتَخْيِيلٍ، وأَصله أَن الْمَلِكَ إِذا صَافَحَ رَجُلًا قَبَّلَ الرجلُ يَدَهُ، فكأنَّ الْحَجَرَ الأَسود لله بِمَنْزِلَةِ الْيَمِينِ لِلْمَلِكِ حَيْثُ يُسْتلَم ويُلْثَم. وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ:
وكِلْتا يَدَيْهِ يمينٌ
أَي أَن يَدَيْهِ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى، بِصِفَةِ الْكَمَالِ لَا نَقْصَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لأَن الشِّمَالَ تَنْقُصُ عَنِ الْيَمِينِ، قَالَ: وَكُلُّ مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ مِنْ إِضافة الْيَدِ والأَيدي وَالْيَمِينِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَسماء الْجَوَارِحِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّمَا هُوَ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ وَالِاسْتِعَارَةِ، وَاللَّهُ منزَّه عَنِ التَّشْبِيهِ وَالتَّجْسِيمِ. وَفِي حَدِيثِ
صَاحِبِ الْقُرْآنِ يُعْطَى الملْكَ بِيَمِينه والخُلْدَ بِشَمَالِهِ
أَي يُجْعَلانِ فِي مَلَكَتِه، فَاسْتَعَارَ الْيَمِينَ وَالشِّمَالَ لأَن الأَخذ وَالْقَبْضَ بِهِمَا؛ وأَما قَوْلُهُ:
قَدْ جَرَتِ الطَّيرُ أَيامِنِينا، ... قالتْ وكُنْتُ رجُلًا قَطِينا:
هَذَا لعَمْرُ اللهِ إِسْرائينا
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: عِنْدِي أَنه جَمَعَ يَميناً عَلَى أَيمانٍ، ثُمَّ جَمَعَ أَيْماناً عَلَى أَيامِين، ثُمَّ أَراد وَرَاءَ ذَلِكَ جَمْعًا آخَرَ فَلَمْ يَجِدْ جَمْعًا مِنْ جُمُوعِ التَّكْسِيرِ أَكثر مِنْ هَذَا، لأَن بَابَ أَفاعل وَفَوَاعِلَ وَفَعَائِلَ وَنَحْوَهَا نِهَايَةُ الْجَمْعِ، فَرَجَعَ إِلَى الْجَمْعِ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ كَقَوْلِ الْآخَرِ:
فهُنَّ يَعْلُكْنَ حَدائداتها
لَمّا بلَغ نِهَايَةَ الْجَمْعِ الَّتِي هِيَ حَدَائد فَلَمْ يَجِدْ بَعْدَ ذَلِكَ بِنَاءً مِنْ أَبنية الْجَمْعِ المكسَّر جَمَعه بالأَلف والتاء؛ وكقول الْآخَرِ:
جَذْبَ الصَّرَارِيِّينَ بالكُرور
جَمَع صارِياً عَلَى صُرَّاء، ثُمَّ جَمع صُرَّاء عَلَى صَراريّ، ثُمَّ جَمَعَهُ عَلَى صَرَارِييْنِ، بِالْوَاوِ وَالنُّونِ، قَالَ: وَقَدْ كَانَ يَجِبُ لِهَذَا الرَّاجِزِ أَن يَقُولَ أَيامينينا، لأَن جَمْعَ أَفْعال كَجَمْعِ إفْعال، لَكِنَّ لمَّا أَزمَع أَن يَقُولَ فِي النِّصْفِ الثَّانِي أَو الْبَيْتِ الثَّانِي فَطِينًا، وَوَزْنُهُ فَعَوُلُنْ، أَراد أَن يَبْنِيَ قَوْلَهُ أَيامنينا عَلَى فَعَوُلُنْ أَيضاً(13/459)
لِيُسَوِّيَ بَيْنَ الضَّرْبَيْنِ أَو الْعَرُوضَيْنِ؛ وَنَظِيرُ هَذِهِ التَّسْوِيَةِ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
قَدْ رَوِيَتْ غيرَ الدُّهَيْدِهينا ... قُلَيِّصاتٍ وأُبَيْكِرينا
كَانَ حُكْمُهُ أَن يَقُولَ غَيْرَ الدُّهَيْدِيهينا، لأَن الأَلف فِي دَهْداهٍ رَابِعَةٌ وَحُكْمُ حَرْفَ اللِّينِ إِذَا ثَبَتَ فِي الْوَاحِدِ رَابِعًا أَن يَثْبُتَ فِي الْجَمْعِ يَاءً، كَقَوْلِهِمْ سِرْداح وسَراديح وَقِنْدِيلٌ وَقَنَادِيلُ وبُهْلُول وبَهاليل، لَكِنْ أَراد أَن يَبْنِيَ بَيْنَ «2» . دُهَيْدِهينا وَبَيْنَ أُبَيْكِرينا، فَجَعَلَ الضَّرْبَيْنِ جَمِيعًا أَوِ العَرُوضَيْن فَعُولُن، قَالَ: وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ أَيامنينا جمعَ أَيامِنٍ الَّذِي هُوَ جَمْعُ أَيمُنٍ فَلَا يَكُونُ هُنَالِكَ حَذْفٌ؛ وأَما قَوْلُهُ:
قَالَتْ، وكنتُ رجُلًا فَطِينا
فَإِنْ قَالَتْ هُنَا بِمَعْنَى ظَنَّتْ، فَعَدَّاهُ إِلى مَفْعُولَيْنِ كَمَا تعَدَّى ظَنَّ إِلَى مَفْعُولَيْنِ، وَذَلِكَ فِي لُغَةِ بَنِي سَلِيمٍ؛ حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ عَنِ الْخَطَابِيِّ، وَلَوْ أَراد قَالَتِ الَّتِي لَيْسَتْ فِي مَعْنَى الظَّنِّ لَرَفَعَ، وَلَيْسَ أَحد مِنَ الْعَرَبِ يَنْصِبُ بَقَالَ الَّتِي فِي مَعْنَى ظَنَّ إِلَّا بَنِي سُلَيم، وَهِيَ اليُمْنَى فَلَا تُكَسَّرُ «3» . قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وأَما
قَوْلُ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي حَدِيثِهِ حِينَ ذَكَرَ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ القَشَفِ وَالْفَقْرِ والقِلَّة فِي جَاهِلِيَّتِهِ، وأَنه وأخْتاً لَهُ خَرَجَا يَرْعَيانِ ناضِحاً لَهُمَا، قَالَ: لَقَدْ أَلْبَسَتْنا أُمُّنا نُقْبَتَها وزَوَّدَتْنا بيُمَيْنَتَيها مِنَ الهَبِيدِ كلَّ يومٍ
، فَيُقَالُ: إِنَّهُ أَراد بيُمَيْنَتَيْها تَصْغِيرَ يُمْنَى، فأَبدل مِنَ الْيَاءِ الأُولى تَاءً إِذْ كَانَتْ للتأْنيث؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الَّذِي فِي الْحَدِيثِ
وزوَّدتنا يُمَيْنَتَيْها
مُخَفَّفَةً، وَهِيَ تَصْغِيرُ يَمْنَتَيْن تَثْنِيَةُ يَمْنَة؛ يُقَالُ: أَعطاه يَمْنَة مِنَ الطَّعَامِ أَي أَعطاه الطَّعَامُ بِيَمِينِهِ وَيَدِهِ مَبْسُوطَةٌ. وَيُقَالُ: أَعطى يَمْنَةً ويَسْرَةً إِذَا أَعطاه بِيَدِهِ مَبْسُوطَةً، والأَصل فِي اليَمْنةِ أَن تَكُونَ مَصْدَرًا كاليَسْرَة، ثُمَّ سَمِّي الطَّعَامَ يَمْنَةً لأَنه أُعْطِي يَمْنَةً أَي بِالْيَمِينِ، كَمَا سَمَّوا الحَلِفَ يَميناً لأَنه يَكُونُ بأَخْذِ اليَمين؛ قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ صَغَّر يَميناً تَصْغِيرَ التَّرْخِيمِ، ثُمَّ ثنَّاه، وَقِيلَ: الصَّوَابُ يُمَيِّنَيْها، تَصْغِيرُ يَمِينٍ، قَالَ: وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ أَبي عُبَيْدٍ. قَالَ: وَقَوْلُ الْجَوْهَرِيِّ تَصْغِيرُ يُمْنى صَوَابُهُ أَن يَقُولَ تَصْغِيرُ يُمْنَيَيْن تَثْنِيَةُ يُمْنَى، عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنَ إِبْدَالِ التَّاءِ مِنَ الْيَاءِ الأُولى. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَجْهُ الْكَلَامِ يُمَيِّنَيها، بِالتَّشْدِيدِ، لأَنه تَصْغِيرُ يَمِينٍ، قَالَ: وَتَصْغِيرُ يَمِين يُمَيِّن بِلَا هَاءٍ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَرُوِيَ وزَوَّدتنا بيُمَيْنَيْها، وَقِيَاسُهُ يُمَيِّنَيْها لأَنه تَصْغِيرُ يَمِين، لَكِنْ قَالَ يُمَيْنَيْها عَلَى تَصْغِيرِ التَّرْخِيمِ، وَإِنَّمَا قَالَ يُمَيْنَيْها وَلَمْ يَقُلْ يَدَيْهَا وَلَا كَفَّيْهَا لأَنه لَمْ يَرِدْ أَنها جمعت كفيها ثم أَعطتها بِجَمِيعِ الْكَفَّيْنِ، وَلَكِنَّهُ إِنَّمَا أَراد أَنها أَعطت كُلَّ وَاحِدٍ كَفًّا وَاحِدَةً بِيَمِينِهَا، فَهَاتَانِ يَمِينَانِ؛ قَالَ شَمِرٌ: وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ إِنَّمَا هُوَ يُمَيِّنَيْها، قَالَ: وَهَكَذَا قال يزيد بن هارون؛ قَالَ شَمِرٌ: وَالَّذِي أَخْتَارُهُ بَعْدَ هَذَا يُمَيْنَتَيْها لأَن اليَمْنَةَ إِنما هِيَ فِعْل أَعطى يَمْنةً ويَسْرَة، قَالَ: وَسَمِعْتُ مَنْ لَقِيتُ فِي غطفانَ يَتَكَلَّمُونَ فَيَقُولُونَ إِذَا أهْوَيْتَ بِيَمِينِكَ مَبْسُوطَةً إِلَى طَعَامٍ أَو غَيْرِهِ فأَعطيت بِهَا مَا حَمَلَتْه مَبْسُوطَةً فَإِنَّكَ تَقُولُ أَعطاه يَمْنَةً مِنَ الطَّعَامِ، فَإِنْ أَعطاه بِهَا مَقْبُوضَةً قُلْتَ أَعطاه قَبْضَةً مِنَ الطَّعَامِ، وَإِنْ حَثَى لَهُ بِيَدِهِ فَهِيَ الحَثْيَة والحَفْنَةُ، قَالَ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَالصَّوَابُ عِنْدِي مَا رَوَاهُ أَبو عُبَيْدٍ يُمَيْنَتَيْها، وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا رُوِيَ، وَهُوَ تَصْغِيرُ يَمْنَتَيْها، أَراد
__________
(2) . قوله [يبني بين] كذا في بعض النسخ، ولعل الأَظهر يسوي بين كما سبق
(3) . قوله [وَهِيَ الْيُمْنَى فَلَا تُكَسَّرُ] كذا بالأَصل، فإنه سقط من نسخة الأَصل المعول عليها من هذه المادة نحو الورقتين، ونسختا المحكم والتهذيب اللتان بأيدينا ليس فيهما هذه المادة لنقصهما(13/460)
أَنها أَعطت كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِيَمِينِهَا يَمْنةً، فصَغَّرَ اليَمْنَةَ ثُمَّ ثنَّاها فَقَالَ يُمَيْنَتَيْنِ؛ قَالَ: وَهَذَا أَحسن الْوُجُوهِ مَعَ السَّمَاعِ. وأَيْمَنَ: أَخَذَ يَميناً. ويَمَنَ بِهِ ويامَنَ ويَمَّن وتَيامَنَ: ذَهَبَ بِهِ ذاتَ الْيَمِينِ. وَحَكَى سِيبَوَيْهِ: يَمَنَ يَيْمِنُ أَخذ ذاتَ الْيَمِينِ، قَالَ: وسَلَّمُوا لأَن الْيَاءُ أَخف عَلَيْهِمْ مِنَ الْوَاوِ، وَإِنْ جعلتَ الْيَمِينَ ظَرْفًا لَمْ تَجْمَعْهُ؛ وَقَوْلُ أَبي النَّجْم:
يَبْري لَهَا، مِنْ أَيْمُنٍ وأَشْمُلِ، ... ذُو خِرَقٍ طُلْسٍ وشخصٍ مِذْأَلِ «1»
. يَقُولُ: يَعْرِض لَهَا مِنْ نَاحِيَةِ الْيَمِينِ وَنَاحِيَةِ الشِّمَالِ، وَذَهَبَ إِلَى مَعْنَى أَيْمُنِ الإِبل وأَشْمُلِها فَجَمَعَ لِذَلِكَ؛ وَقَالَ ثَعْلَبَةُ بْنُ صُعَيْر:
فتَذَكَّرَا ثَقَلًا رَثِيداً، بعد ما ... أَلْقَتْ ذُكاءُ يَمِينَها فِي كافِر
يَعْنِي مَالَتْ بأَحد جَانِبَيْهَا إِلَى الْمَغِيبِ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: اليَمينُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى وُجوه، يُقَالُ لِلْيَدِ اليُمْنَى يَمِينٌ. واليَمِينُ: القُوَّة والقُدْرة؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّمّاخ:
رأَيتُ عَرابةَ الأَوْسِيَّ يَسْمُو ... إِلَى الخَيْراتِ، مُنْقَطِعَ القَرينِ
إِذَا مَا رايةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ، ... تَلَقَّاها عَرابَةُ باليَمينِ
أَي بالقوَّة. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ
؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: أَي بالقُدْرة، وَقِيلَ: بِالْيَدِ اليُمْنَى. واليَمِينُ: المَنْزِلة. الأَصمعي: هُوَ عِنْدَنَا باليَمِينِ أَي بِمَنْزِلَةٍ حسَنةٍ؛ قَالَ: وَقَوْلُهُ تلقَّاها عَرابة بِالْيَمِينِ، قِيلَ: أَراد بِالْيَدِ اليُمْنى، وَقِيلَ: أَراد بالقوَّة وَالْحَقِّ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ
؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: هَذَا قَوْلُ الْكُفَّارِ لِلَّذِينِ أَضَلُّوهم أَي كُنْتُمْ تَخْدَعُوننا بأَقوى الأَسباب، فَكُنْتُمْ تأْتوننا مِنْ قِبَلِ الدِّين فتُرُوننا أَن الدينَ والحَقَّ مَا تُضِلُّوننا بِهِ وتُزَيِّنُون لَنَا ضَلَالَتَنَا، كأَنه أَراد تأْتوننا عَنِ المَأْتَى السَّهْل، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ كُنْتُمْ تأْتوننا مِنْ قِبَلِ الشَّهْوة لأَن اليَمِينَ موضعُ الْكَبِدِ، والكبدُ مَظِنَّةُ الشَّهْوَةِ والإِرادةِ، أَلا تَرَى أَن الْقَلْبَ لَا شَيْءَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ لأَنه مِنْ نَاحِيَةِ الشِّمَالِ؟ وَكَذَلِكَ قِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ
؛ قِيلَ فِي قَوْلِهِ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ
: مِنْ قِبَلِ دِينِهِمْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ أَي لأُغْوِيَنَّهم حَتَّى يُكذِّبوا بِمَا تقَدَّم مِنْ أُمور الأُمم السَّالِفَةِ، وَمِنْ خَلْفِهِمْ حَتَّى يُكَذَّبُوا بأَمر الْبَعْثِ، وَعَنْ أَيمانهم وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ لأُضلنَّهم بِمَا يَعْمَلُونَ لأَمْر الكَسْب حَتَّى يُقَالُ فِيهِ ذَلِكَ بِمَا كسَبَتْ يَدَاكَ، وَإِنْ كَانَتِ الْيَدَانِ لَمْ تَجْنِيا شَيْئًا لأَن الْيَدَيْنِ الأَصل فِي التَّصَرُّفِ، فجُعِلتا مَثَلًا لِجَمِيعِ مَا عَمِلَ بِغَيْرِهِمَا. وأَما قَوْلُهُ تَعَالَى: فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ
؛ فَفِيهِ أَقاويل: أَحدها بِيَمِينِهِ، وَقِيلَ بالقوَّة، وَقِيلَ بِيَمِينِهِ الَّتِي حَلَفَ حِينَ قَالَ: وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ. والتَّيَمُّنُ: الْمَوْتُ. يُقَالُ: تَيَمَّنَ فلانٌ تيَمُّناً إِذَا مَاتَ، والأَصل فِيهِ أَنه يُوَسَّدُ يَمينَه إِذَا مَاتَ فِي قَبْرِهِ؛ قَالَ الجَعْدِيّ «2» :
إِذَا مَا رأَيْتَ المَرْءَ عَلْبَى، وجِلْدَه ... كضَرْحٍ قديمٍ، فالتَّيَمُّنُ أَرْوَحُ «3» .
__________
(1) . قوله [يبري لها] في التكملة الرواية: تبري له، على التذكير أي للممدوح، وبعده:
خوالج بأسعد أن أقبل
والرجز للعجاج
(2) . قوله [قال الجعدي] في التكملة: قال أبو سحمة الأَعرابي
(3) . قوله [وجلده] ضبطه في التكملة بالرفع والنصب(13/461)
عَلْبَى: اشْتَدَّ عِلْباؤُه وامْتَدَّ، والضِّرْحُ: الجِلدُ، والتَّيَمُّن: أَن يُوَسَّدَ يمِينَه فِي قَبْرِهِ. ابْنُ سِيدَهْ: التَّيَمُّن أَن يُوضعَ الرَّجُلُ عَلَى جَنْبِهِ الأَيْمن فِي الْقَبْرِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
إِذَا الشيخُ عَلْبى، ثُمَّ أَصبَحَ جِلْدُه ... كرَحْضٍ غَسيلٍ، فالتَّيَمُّنُ أَرْوَحُ «1»
. وأَخذَ يَمْنةً ويَمَناً ويَسْرَةً ويَسَراً أَي ناحيةَ يمينٍ ويَسارٍ. واليَمَنُ: مَا كَانَ عَنْ يَمِينٍ الْقِبْلَةِ مِنْ بِلَادِ الغَوْرِ، النَّسَبُ إِلَيْهِ يَمَنِيٌّ ويَمانٍ، عَلَى نَادِرِ النَّسَبِ، وأَلفه عِوَضٌ مِنَ الْيَاءِ، وَلَا تَدُلُّ عَلَى مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْيَاءُ، إِذْ لَيْسَ حُكْمُ العَقِيب أَن يَدُلَّ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ عَقيبه دَائِبًا، فَإِنْ سَمَّيْتَ رَجُلًا بيَمَنٍ ثُمَّ أَضفت إِلَيْهِ فَعَلَى الْقِيَاسِ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ هَذَا الضَّرْبِ، وَقَدْ خَصُّوا بِالْيَمَنِ مَوْضِعًا وغَلَّبوه عَلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا ذَهَبَ اليَمَنَ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ عَلَى اعْتِقَادِ الْعُمُومِ، وَنَظِيرُهُ الشأْم، وَيَدُلُّ عَلَى أَن اليَمن جِنْسِيٍّ غَيْرِ عِلْمِيٍّ أَنهم قَالُوا فِيهِ اليَمْنة والمَيْمَنة. وأَيْمَنَ القومُ ويَمَّنُوا: أَتَوا اليَمن؛ وَقَوْلُ أَبي كَبِيرٍ الْهُذَلِيِّ:
تَعْوي الذئابُ مِنَ المَخافة حَوْلَه، ... إهْلالَ رَكْبِ اليامِن المُتَطوِّفِ
إِمَّا أَن يَكُونَ عَلَى النَّسَبِ، وإِما أَن يَكُونَ عَلَى الْفِعْلِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَعرف لَهُ فِعْلًا. وَرَجُلٌ أَيْمَنُ: يَصْنَعُ بيُمْناه. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: يَمَنَ ويَمَّنَ جَاءَ عَنْ يَمِينٍ. واليَمِينُ: الحَلِفُ والقَسَمُ، أُنثى، وَالْجُمَعُ أَيْمُنٌ وأَيْمان. وَفِي الْحَدِيثِ:
يَمِينُك عَلَى مَا يُصَدِّقُك بِهِ صاحبُك
أَي يَجِبُ عَلَيْكَ أَن تَحْلِفَ لَهُ عَلَى مَا يُصَدِّقك بِهِ إِذَا حَلَفَتْ لَهُ. الْجَوْهَرِيُّ: وأَيْمُنُ اسْمٌ وُضعَ لِلْقَسَمِ، هَكَذَا بِضَمِّ الْمِيمِ وَالنُّونِ وأَلفه أَلف وَصْلٍ عِنْدَ أَكثر النَّحْوِيِّينَ، وَلَمْ يَجِئْ فِي الأَسماء أَلف وَصْلٍ مَفْتُوحَةً غَيْرِهَا؛ قَالَ: وَقَدْ تَدْخُلُ عَلَيْهِ اللَّامُ لتأْكيد الِابْتِدَاءِ تَقُولُ: لَيْمُنُ اللهِ، فَتَذْهَبُ الأَلف فِي الْوَصْلِ؛ قَالَ نُصَيْبٌ:
فَقَالَ فريقُ القومِ لِمَا نشَدْتُهُمْ: ... نَعَمْ، وفريقٌ: لَيْمُنُ اللهِ مَا نَدْري
وَهُوَ مَرْفُوعٌ بِالِابْتِدَاءِ، وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، وَالتَّقْدِيرُ لَيْمُنُ اللَّهِ قَسَمِي، ولَيْمُنُ اللَّهِ مَا أُقسم بِهِ، وَإِذَا خَاطَبَتْ قُلْتَ لَيْمُنُك. وَفِي حَدِيثِ
عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنه قَالَ: لَيْمُنُك لَئِنْ كُنْتَ ابْتَلَيْتَ لَقَدْ عافَيْتَ، وَلَئِنْ كُنْتَ سَلبْتَ لَقَدْ أَبقَيْتَ
، وَرُبَّمَا حَذَفُوا مِنْهُ النُّونَ قَالُوا: أَيْمُ اللَّهِ وإِيمُ اللَّهِ أَيضاً، بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، وَرُبَّمَا حَذَفُوا مِنْهُ الْيَاءَ، قَالُوا: أَمُ اللهِ، وَرُبَّمَا أَبْقَوُا الْمِيمَ وَحْدَهَا مَضْمُومَةً، قَالُوا: مُ اللهِ، ثُمَّ يكسرونَها لأَنها صَارَتْ حَرْفًا وَاحِدًا فَيُشَبِّهُونَهَا بِالْبَاءِ فَيَقُولُونَ مِ اللهِ، وَرُبَّمَا قَالُوا مُنُ اللَّهِ، بِضَمِّ الْمِيمِ وَالنُّونِ، ومَنَ الله بفتحها، ومِنِ اللَّهِ بِكَسْرِهِمَا؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: أَهل الْكُوفَةِ يَقُولُونَ أَيْمُن جمعُ يَمينِ القَسَمِ، والأَلف فِيهَا أَلف وَصْلٍ تُفْتَحُ وَتُكْسَرُ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَالُوا أَيْمُنُ اللَّهِ وأَيْمُ اللهِ وإيمُنُ اللهِ ومُ اللهِ، فَحَذَفُوا، ومَ اللهِ أُجري مُجْرَى مِ اللهِ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَقَالُوا لَيْمُ اللَّهِ، وَاسْتَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَن أَلفها أَلف وَصْلٍ. قَالَ ابْنُ جِنِّي: أَما أَيْمُن فِي الْقَسَمِ ففُتِحت الْهَمْزَةُ مِنْهَا، وَهِيَ اسْمٌ مِنْ قِبَلِ أَن هَذَا اسْمٌ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ، وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ إِلَّا فِي القسَم وَحْدَهُ، فَلَمَّا ضَارَعَ الْحَرْفَ بِقِلَّةٍ تُمَكِّنُهُ فُتِحَ تَشْبِيهًا بِالْهَمْزَةِ اللَّاحِقَةِ بِحَرْفِ التَّعْرِيفِ، وَلَيْسَ هَذَا فِيهِ إِلَّا دُونَ بِنَاءِ الِاسْمِ لِمُضَارَعَتِهِ الْحَرْفَ، وأَيضاً فَقَدْ حَكَى يُونُسُ إيمُ اللَّهِ، بِالْكَسْرِ، وَقَدْ جَاءَ فِيهِ الْكَسْرُ أَيضاً كَمَا تَرَى، ويؤَكد عِنْدَكَ أَيضاً حال
__________
(1) . لعل هذه رواية أخرى لبيت الجعدي الوارد في الصفحة السابقة(13/462)
هَذَا الِاسْمِ فِي مُضَارَعَتِهِ الْحَرْفَ أَنهم قَدْ تَلَاعَبُوا بِهِ وأَضعفوه، فَقَالُوا مَرَّةً: مُ الله، ومرة: مَ الله، ومرة: مِ الله، فلما حذفوا هذا الحذف الْمُفْرِطَ وأَصاروه مِنْ كَوْنِهِ عَلَى حَرْفٍ إِلَى لَفْظِ الْحُرُوفِ، قَوِيَ شِبْهُ الْحَرْفِ عَلَيْهِ فَفَتَحُوا هَمْزَتَهُ تَشْبِيهًا بِهَمْزَةِ لَامِ التَّعْرِيفِ، وَمِمَّا يُجِيزُهُ الْقِيَاسُ، غَيْرَ أَنه لَمْ يَرِدْ بِهِ الِاسْتِعْمَالُ، ذَكَرَ خَبَرَ لَيْمُن مِنْ قَوْلِهِمْ لَيْمُن اللَّهِ لأَنطلقن، فَهَذَا مبتدأٌ مَحْذُوفُ الْخَبَرِ، وأَصله لَوْ خُرِّج خَبَرُهُ لَيْمُنُ اللَّهِ مَا أُقسم بِهِ لأَنطلقن، فَحَذَفَ الْخَبَرَ وَصَارَ طُولُ الْكَلَامِ بِجَوَابِ الْقَسَمِ عِوَضًا مِنَ الْخَبَرِ. واسْتَيْمَنْتُ الرجلَ: اسْتَحْلَفْتَهُ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. وَقَالَ فِي حَدِيثِ
عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: لَيْمُنُكَ
إِنَّمَا هِيَ يَمينٌ، وَهِيَ كَقَوْلِهِمْ يَمِينُ اللَّهِ كَانُوا يَحْلِفُونَ بِهَا. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: كَانُوا يَحْلِفُونَ بِالْيَمِينِ، يَقُولُونَ يَمِينُ اللَّهِ لَا أَفعل؛ وأَنشد لِامْرِئِ الْقَيْسِ:
فقلتُ: يَمِينُ اللَّهِ أَبْرَحُ قاعِداً، ... وَلَوْ قَطَعُوا رأْسي لَدَيْكِ وأَوْصالي
أَراد: لَا أَبرح، فَحَذَفَ لَا وَهُوَ يُرِيدُهُ؛ ثُمَّ تُجْمَعُ اليمينُ أَيْمُناً كَمَا قَالَ زُهَيْرٌ:
فتُجْمَعُ أَيْمُنٌ مِنَّا ومِنْكُمْ ... بمُقْسَمةٍ، تَمُورُ بِهَا الدِّماءُ
ثُمَّ يَحْلِفُونَ بأيْمُنِ اللَّهِ، فَيَقُولُونَ وأَيْمُنُ اللهِ لأَفْعَلَنَّ كَذَا، وأَيْمُن اللَّهِ لَا أَفعلُ كَذَا، وأَيْمُنُك يَا رَبِّ، إِذَا خَاطَبَ ربَّه، فَعَلَى هَذَا قَالَ عُرْوَةُ لَيْمُنُكَ، قَالَ: هَذَا هُوَ الأَصل فِي أَيْمُن اللَّهِ، ثُمَّ كَثُرَ فِي كَلَامِهِمْ وخفَّ عَلَى أَلسنتهم حَتَّى حَذَفُوا النُّونَ كَمَا حَذَفُوا مِنْ لَمْ يَكُنْ فَقَالُوا: لَمْ يَكُ، وَكَذَلِكَ قَالُوا أَيْمُ اللهِ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ ابْنُ كَيْسَانَ وَابْنُ دَرَسْتُوَيْهِ فَقَالَا: أَلف أَيْمُنٍ أَلفُ قَطْعٍ، وَهُوَ جَمْعُ يَمِينٍ، وَإِنَّمَا خُفِّفَتْ هَمْزَتُهَا وَطُرِحَتْ فِي الْوَصْلِ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِمْ لَهَا؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: لَقَدْ أَحسن أَبو عُبَيْدٍ فِي كُلِّ مَا قَالَ فِي هَذَا الْقَوْلِ، إِلَّا أَنه لَمْ يُفَسِّرْ قَوْلَهُ أَيْمُنك لمَ ضمَّت النُّونُ، قَالَ: وَالْعِلَّةُ فِيهَا كَالْعِلَّةِ فِي قَوْلِهِمْ لَعَمْرُك كأَنه أُضْمِرَ فِيهَا يَمِينٌ ثانٍ، فَقِيلَ وأَيْمُنك، فلأَيْمُنك عَظِيمَةٌ، وَكَذَلِكَ لَعَمْرُك فلَعَمْرُك عَظِيمٌ؛ قَالَ: قَالَ ذَلِكَ الأَحمر وَالْفَرَّاءُ. وَقَالَ أَحمد بْنُ يَحْيَى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ؛ كأَنه قَالَ واللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ. وَقَالَ غَيْرُهُ: الْعَرَبُ تَقُولُ أَيْمُ اللَّهِ وهَيْمُ اللَّهِ، الأَصل أَيْمُنُ اللَّهِ، وَقَلَبَتِ الْهَمْزَةَ هَاءً فَقِيلَ هَيْمُ اللهِ، وَرُبَّمَا اكْتَفَوْا بِالْمِيمِ وَحَذَفُوا سَائِرَ الْحُرُوفِ فَقَالُوا مُ اللَّهِ لِيَفْعَلَنَّ كَذَا، وَهِيَ لُغَاتٌ كُلُّهَا، والأَصل يَمِينُ اللَّهِ وأَيْمُن اللَّهِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: سُمِّيَتِ الْيَمِينُ بِذَلِكَ لأَنهم كَانُوا إِذَا تَحَالَفُوا ضَرَبَ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَمينَه عَلَى يَمِينِ صَاحِبِهِ، وَإِنْ جعلتَ الْيَمِينَ ظَرْفًا لَمْ تَجْمَعْهُ، لأَن الظُّرُوفَ لَا تَكَادُ تُجْمَعُ لأَنها جِهَاتٌ وأَقطار مُخْتَلِفَةُ الأَلفاظ، أَلا تَرَى أَن قُدَّام مُخالفٌ لخَلْفَ واليَمِين مُخَالِفٌ للشِّمال؟ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قِيلَ للحَلِفِ يمينٌ بَاسِمِ يَمِينِ الْيَدِ، وَكَانُوا يَبْسُطُونَ أَيمانهم إِذَا حَلَفُوا وَتَحَالَفُوا وَتَعَاقَدُوا وَتَبَايَعُوا، وَلِذَلِكَ
قَالَ عُمَرُ لأَبي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: ابْسُطْ يَدَك أُبايِعْك.
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذَا صَحِيحٌ، وَإِنْ صَحَّ أَن يَمِينًا مِنْ أَسماء اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَهُوَ الحَلِفُ بِاللَّهِ؛ قَالَ: غَيْرَ أَني لَمْ أَسمع يَمِينًا مِنْ أَسماء اللَّهِ إِلَّا مَا رَوَاهُ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، وَاللَّهُ أَعلم. واليُمْنةَ واليَمْنَةُ: ضربٌ مِنْ بُرود الْيَمَنِ؛ قَالَ: واليُمْنَةَ المُعَصَّبا. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، كُفِّنَ فِي يُمْنة
؛ هِيَ، بِضَمِّ الْيَاءِ، ضَرْبٌ مِنْ بُرُودِ الْيَمَنِ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لأَبي فُرْدُودة يَرْثِي(13/463)
ابنَ عَمَّار:
يَا جَفْنَةً كَإِزَاءِ الحَوْضِ قَدْ كَفَأُوا، ... ومَنْطِقاً مثلَ وَشْيِ اليُمْنَةِ الحِبَرَه
وَقَالَ رَبِيعَةُ الأَسدي:
إنَّ المَودَّةَ والهَوادَةَ بَيْنَنَا ... خلَقٌ، كسَحْقِ اليُمْنَةِ المُنْجابِ
وَفِي هَذِهِ الْقَصِيدَةِ:
إنْ يَقْتُلوكَ، فَقَدْ هَتَكْتَ بُيوتَهم ... بعُتَيْبةَ بنِ الحرثِ بنِ شِهابِ
وَقِيلَ لِنَاحِيَةِ اليَمنِ يَمَنٌ لأَنها تَلِي يَمينَ الْكَعْبَةِ، كَمَا قِيلَ لِنَاحِيَةِ الشأْم شأْمٌ لأَنها عَنْ شِمال الْكَعْبَةِ.
وَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُقْبِلٌ مِنْ تَبُوكَ: الإِيمانُ يَمانٍ وَالْحِكْمَةُ يَمانِيَة
؛ وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: إِنما قَالَ ذَلِكَ لأَن الإِيمان بَدَا مِنْ مَكَّةَ، لأَنها مَوْلِدُ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَبْعَثُهُ ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ. وَيُقَالُ: إِنَّ مَكَّةَ مِنْ أَرض تِهامَةَ، وتِهامَةُ مِنْ أَرض اليَمن، وَمِنْ هَذَا يُقَالُ لِلْكَعْبَةِ يَمَانية، وَلِهَذَا سُمِّيَ مَا وَلِيَ مكةَ مِنْ أَرض الْيَمَنِ وَاتَّصَلَ بِهَا التَّهائمَ، فَمَكَّةُ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ يَمَانية، فَقَالَ: الإِيمانُ يَمَانٍ، عَلَى هَذَا؛ وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرَ: أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ هَذَا الْقَوْلَ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ بتَبُوك، ومكّةُ والمدينةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اليَمن، فأَشار إِلَى نَاحِيَةِ اليَمن، وَهُوَ يُرِيدُ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ أَي هُوَ مِنْ هَذِهِ النَّاحِيَةِ؛ ومثلُ هَذَا قولُ النَّابِغَةِ يذُمُّ يَزِيدَ بْنَ الصَّعِق وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ قِيسٍ:
وكنتَ أَمِينَه لَوْ لَمْ تَخُنْهُ، ... وَلَكِنْ لَا أَمانَةَ لليمَانِي
وَذَلِكَ أَنه كَانَ مِمَّا يَلِي الْيَمَنَ؛ وَقَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ قِيسٍ:
طافَ الخيالُ بِنَا رَكْباً يَمانِينا
فَنَسَبَ نَفْسَهُ إِلَى الْيَمَنِ لأَن الْخَيَالَ طَرَقَه وَهُوَ يَسِيرُ نَاحِيَتَهَا، وَلِهَذَا قَالُوا سُهَيْلٌ اليَمانيّ لأَنه يُرى مِنْ نَاحِيَةِ اليمَنِ. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَذَهَبُ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنه، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنَى بِهَذَا الْقَوْلِ الأَنصارَ لأَنهم يَمانُونَ، وَهُمْ نَصَرُوا الإِسلام والمؤْمنين وآوَوْهُم فنَسب الإِيمانَ إِلَيْهِمْ، قَالَ: وَهُوَ أَحسن الْوُجُوهِ؛ قَالَ: وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ حَدِيثِ
النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنه قَالَ لَمَّا وَفَدَ عَلَيْهِ وفْدُ الْيَمَنِ: أَتاكم أَهلُ اليَمن هُمْ أَلْيَنُ قُلُوبًا وأَرَقُّ أَفْئِدَة، الإِيمانُ يَمانٍ والحكمةُ يَمانِيةٌ.
وَقَوْلُهُمْ: رجلٌ يمانٍ مَنْسُوبٌ إِلَى الْيَمَنِ، كَانَ فِي الأَصل يَمَنِيّ، فَزَادُوا أَلفاً وَحَذَفُوا يَاءَ النِّسْبَةِ، وَكَذَلِكَ قَالُوا رَجُلٌ شَآمٍ، كَانَ فِي الأَصل شأْمِيّ، فَزَادُوا أَلفاً وَحَذَفُوا يَاءَ النِّسْبَةِ، وتِهامَةُ كَانَ فِي الأَصل تَهَمَةَ فَزَادُوا أَلفاً وَقَالُوا تَهامٍ. قَالَ الأَزهري: وَهَذَا قَوْلُ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: اليَمَنُ بلادٌ لِلْعَرَبِ، وَالنِّسْبَةُ إِلَيْهَا يَمَنِيٌّ ويَمانٍ، مُخَفَّفَةٌ، والأَلف عِوَضٌ مِنْ يَاءِ النَّسَبِ فَلَا يَجْتَمِعَانِ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ يَمَانِيٌّ، بِالتَّشْدِيدِ؛ قَالَ أُميَّة بْنُ خَلَفٍ:
يَمانِيّاً يَظَلُّ يَشُدُّ كِيراً، ... ويَنْفُخُ دائِماً لَهَبَ الشُّوَاظِ
وَقَالَ آخَرُ:
ويَهْماء يَسْتافُ الدليلُ تُرابَها، ... وَلَيْسَ بِهَا إِلَّا اليَمانِيُّ مُحْلِفُ
وَقَوْمٌ يَمانية ويَمانُون: مِثْلَ ثَمَانِيَةٌ وَثَمَانُونَ، وامرأَة يَمانية أَيضاً. وأَيْمَن الرجلُ ويَمَّنَ ويامَنَ إِذَا أَتى(13/464)
اليمَنَ، وَكَذَلِكَ إِذَا أَخذ فِي سَيْرِهِ يَمِينًا. يُقَالُ: يامِنْ يَا فلانُ بأَصحابك أَي خُذ بِهِمْ يَمْنةً، وَلَا تَقُلْ تَيامَنْ بِهِمْ، وَالْعَامَّةُ تَقُولُهُ. وتَيَمَّنَ: تنَسَّبَ إِلَى الْيَمَنِ. ويامَنَ القومُ وأَيْمنوا إِذَا أَتَوُا اليَمن. قَالَ ابْنُ الأَنباري: الْعَامَّةُ تَغْلَطُ فِي مَعْنَى تَيامَنَ فَتَظُنُّ أَنه أَخذ عَنْ يَمِينِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَعْنَاهُ عِنْدَ الْعَرَبِ، إِنَّمَا يَقُولُونَ تَيامَنَ إِذَا أَخذ نَاحِيَةَ اليَمن، وتَشاءَمَ إِذَا أَخذ نَاحِيَةَ الشأْم، ويامَنَ إِذَا أَخذ عَنْ يَمِينِهِ، وشاءمَ إِذَا أَخذ عَنْ شِمَالِهِ.
قَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا نشَأَتْ بَحْرِيَّةً ثُمَّ تشاءَمَتْ فَتِلْكَ عَيْنٌ غُدَيْقَةٌ
؛ أَراد إِذَا ابتدأَتِ السَّحَابَةُ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَحْرِ ثُمَّ أَخذت ناحيةَ الشأْم. وَيُقَالُ لِنَاحِيَةِ اليَمَنِ يَمِينٌ ويَمَنٌ، وَإِذَا نَسَبُوا إِلَى الْيَمَنِ قَالُوا يَمانٍ. والتِّيمَنِيُّ: أَبو اليَمن «2» ، وَإِذَا نسَبوا إِلَى التِّيمَنِ قَالُوا تِيمَنِيٌّ. وأَيْمُنُ: اسْمُ رَجُلٍ.
وأُمُّ أَيْمَن: امْرَأَةٌ أَعتقها رسول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهِيَ حاضنةُ أَولاده فزَوَّجَها مِنْ زَيْدٍ فَوُلِدَتْ لَهُ أُسامة.
وأَيْمَنُ: مَوْضِعٌ؛ قَالَ المُسَيَّبُ أَو غَيْرُهُ:
شِرْكاً بماءِ الذَّوْبِ، تَجْمَعُه ... فِي طَوْدِ أَيْمَنَ، مِنْ قُرَى قَسْرِ
يُونِ: اليُونُ اسْمُ مَوْضِعٍ؛ قَالَ الهُذليُّ:
جَلَوْا منْ تِهامٍ أَرْضِنا، وتَبَدَّلوا ... بمكةَ بابَ اليُونِ، والرَّيْطَ بالعَصْبِ
يين: يَيْنٌ: اسْمُ بَلَدٍ؛ عَنْ كُرَاعٍ، قَالَ: لَيْسَ فِي الْكَلَامِ اسْمٌ وَقَعَتْ فِي أَوَّله ياءَان غَيْرُهُ. وَقَالَ ابْنُ جِنِّي: إِنَّمَا هُوَ يَيَنٌ وقرَنه بِدَدَنٍ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: ذَكَرَ ابْنُ جِنِّي فِي سِرِّ الصِّنَاعَةِ أَن يَيَن اسْمُ وادٍ بَيْنَ ضاحِكٍ وضُوَيْحِكٍ جَبَلَيْنِ أَسْفَلَ الفَرْشِ، وَاللَّهُ أَعلم.
__________
(2) . قوله [والتيمني أبو اليمن] هكذا بالأَصل بِكَسْرِ التَّاءِ، وَفِي الصِّحَاحِ والقاموس: والتَّيمني أفق اليمن انتهى. أي بفتحها(13/465)
هـ
حرف الهاء
هـ: الْهَاءُ مِنَ الْحُرُوفِ الْحَلْقِيَّةِ وَهِيَ: الْعَيْنُ وَالْحَاءُ وَالْهَاءُ وَالْخَاءُ وَالْغَيْنُ وَالْهَمْزَةُ، وَهِيَ أَيضاً مِنَ الْحُرُوفِ الْمَهْمُوسَةِ وَهِيَ: الْهَاءُ وَالْحَاءُ وَالْخَاءُ وَالْكَافُ وَالشِّينُ وَالسِّينُ وَالتَّاءُ وَالصَّادُ وَالثَّاءُ وَالْفَاءُ، قَالَ: وَالْمَهْمُوسُ حَرْفٌ لانَ فِي مَخْرجه دُونَ المَجْهور، وَجَرَى مَعَ النَّفَس فَكَانَ دُونَ الْمَجْهُورِ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ.
فصل الألف
أبه: أَبَهَ لَهُ يَأْبَهُ أَبْهاً وأَبِهَ لَهُ وَبِهِ أَبَهاً: فَطِنَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَبِهَ لِلشَّيْءِ أَبَهاً نسِيه ثُمَّ تفطَّنَ لَهُ. وأَبَّهَ الرجلَ: فَطَّنه، وأَبَّهه: نبَّهه؛ كِلَاهُمَا عَنْ كُرَاعٍ، وَالْمَعْنَيَانِ مُتَقَارِبَانِ. الْجَوْهَرِيُّ: مَا أَبَهْتُ للأَمر آبَهُ أَبْهاً، وَيُقَالُ أَيضاً: مَا أَبِهْتُ لَهُ بِالْكَسْرِ آبَهُ أَبَهاً مِثْلَ نَبِهْتُ نَبَهاً. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وآبَهْتُه أَعلمته؛ وأَنشد لأُمية:
إذْ آبَهَتْهم وَلَمْ يَدْرُوا بفاحشةٍ، ... وأَرْغَمَتْهم وَلَمْ يَدْروا بِمَا هَجَعُوا
وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ، رَضِيَ الله عَنْهَا، فِي التعوُّذ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ: أَشَيءٌ أَوْهَمْتُه لَمْ آبَهْ لَهُ أَو شَيءٌ ذَكَّرْتُه إِيَّاهُ
أَي لَا أَدري أَهو شَيْءٌ ذكَرَه النَّبِيُّ وَكُنْتُ غَفَلْتُ عَنْهُ فَلَمْ آبَهْ لَهُ، أَو شيءٌ ذَكَّرْتُه إِيَّاهُ وَكَانَ يَذْكُرُهُ بعدُ. والأُبَّهَة: الْعَظَمَةُ وَالْكِبْرُ. وَرَجُلٌ ذُو أُبَّهَةٍ أَي ذُو كِبْرٍ وَعَظَمَةٍ. وتَأَبَّه فلانٌ عَلَى فُلَانٍ تأَبُّهاً إِذَا تَكَبَّرَ وَرَفَعَ قَدْرَهُ عَنْهُ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِرُؤْبَةَ:
وطامِح مِنْ نَخَوَةِ التَّأَبُّهِ
وَفِي كَلَامِ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: كمْ منْ ذِي أُبَّهَةٍ قَدْ جعَلتُه حَقِيرًا
؛ الأُبَّهةُ، بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيدِ لِلْبَاءِ: الْعَظَمَةُ وَالْبَهَاءُ. وَفِي حَدِيثِ
مُعَاوِيَةَ: إِذَا لَمْ يَكُنِ المَخْزوميُّ ذَا بَأْوٍ وأُبَّهَةٍ لَمْ يُشْبِهْ قَوْمَهُ
؛ يُرِيدُ أَنَّ بَنِي مَخْزُومٍ أَكثرُهم يَكُونُونَ هَكَذَا. وَفِي الْحَدِيثِ:
رُبَّ أَشْعَثَ أَغْبَر ذِي طِمْرَين لَا يُؤبَهُ لَهُ
أَي لَا يُحْتَفَلُ بِهِ لِحَقَارَتِهِ. وَيُقَالُ للأَبَحِّ: أَبَهُّ، وَقَدْ بَهَّ يَبَهُّ أَي بَحَّ يَبَحُّ.
أته: التَّأَتُّهُ مُبْدَلٌ مِنَ التَّعَتُّه.
أره: هَذِهِ تَرْجَمَةٌ لَمْ يُتَرْجِمْ عليها سِوَى ابْنِ الأَثير وأَورد فِيهَا حَدِيثَ
بِلَالٍ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ(13/466)
وَسَلَّمَ، أَمَعَكم شَيْءٌ مِنَ الإِرَةِ
أَي القَدِيد، وَقِيلَ: هُوَ أَن يُغْلَى اللَّحْمُ بِالْخَلِّ ويُحْمَلَ فِي الأَسفار، وسيأْتي هَذَا وَغَيْرُهُ فِي مواضعه.
أقه: الأَقْهُ: القَأْهُ وَهُوَ الطاعَةُ كأَنه مَقْلُوبٌ مِنْهُ.
أله: الإِلَهُ: اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَكُلُّ مَا اتُّخِذَ مِنْ دُونِهِ مَعْبُودًا إلَهٌ عِنْدَ مُتَّخِذِهِ، وَالْجَمْعُ آلِهَةٌ. والآلِهَةُ: الأَصنام، سُمُّوا بِذَلِكَ لِاعْتِقَادِهِمْ أَن الْعِبَادَةَ تَحُقُّ لَهَا، وأَسماؤُهم تَتْبَعُ اعْتِقَادَاتِهِمْ لَا مَا عَلَيْهِ الشَّيْءُ فِي نَفْسِهِ، وَهُوَ بَيِّنُ الإِلَهةِ والأُلْهانيَّةِ: وَفِي حَدِيثِ
وُهَيْب بْنِ الوَرْد: إِذَا وَقَعَ الْعَبْدُ فِي أُلْهانيَّة الرَّبِّ، ومُهَيْمِنِيَّة الصِّدِّيقين، ورَهْبانِيَّةِ الأَبْرار لَمْ يَجِدْ أَحداً يأْخذ بِقَلْبِهِ
أَي لَمْ يَجِدْ أَحداً يُعْجِبُهُ وَلَمْ يُحِبَّ إلَّا اللَّهَ سُبْحَانَهُ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ مأْخوذ مِنْ إلَهٍ، وَتَقْدِيرُهَا فُعْلانِيَّة، بِالضَّمِّ، تَقُولُ إلَهٌ بَيِّنُ الإِلَهيَّة والأُلْهانِيَّة، وأَصله من أَلِهَ يَأْلَهُ إذا تَحَيَّر، يُرِيدُ إِذَا وَقَعَ الْعَبْدُ فِي عَظَمَةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الرُّبُوبِيَّةِ وصَرَفَ وَهْمَه إِلَيْهَا، أَبْغَضَ النَّاسَ حَتَّى لَا يَمِيلُ قَلْبُهُ إِلَى أَحد. الأَزهري: قَالَ اللَّيْثُ بَلَغَنَا أَن اسْمَ اللَّهِ الأَكبر هُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إلَّا هُوَ وَحْدَهُ «1» : قَالَ: وَتَقُولُ الْعَرَبُ للهِ مَا فَعَلْتُ ذَاكَ، يُرِيدُونَ والله ما فعلت. وقال الْخَلِيلُ: اللَّهُ لَا تُطْرَحُ الأَلف مِنْ الِاسْمِ إِنَّمَا هُوَ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ عَلَى التَّمَامِ؛ قَالَ: وَلَيْسَ هُوَ مِنَ الأَسماء الَّتِي يَجُوزُ مِنْهَا اشْتقاق فِعْلٍ كَمَا يَجُوزُ فِي الرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ. وَرَوَى الْمُنْذِرِيُّ عَنْ أَبي الْهَيْثَمِ أَنه سأَله عَنِ اشْتِقَاقِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي اللُّغَةِ فَقَالَ: كَانَ حَقُّهُ إلاهٌ، أُدخلت الأَلف وَاللَّامُ تَعْرِيفًا، فَقِيلَ أَلإِلاهُ، ثُمَّ حَذَفَتِ الْعَرَبُ الْهَمْزَةَ اسْتِثْقَالًا لَهَا، فَلَمَّا تَرَكُوا الْهَمْزَةَ حَوَّلوا كَسْرَتَهَا فِي اللَّامِ الَّتِي هِيَ لَامُ التَّعْرِيفِ، وَذَهَبَتِ الْهَمْزَةُ أَصلًا فَقَالُوا أَلِلاهٌ، فحرَّكوا لَامَ التَّعْرِيفِ الَّتِي لَا تَكُونُ إلَّا سَاكِنَةً، ثُمَّ الْتَقَى لَامَانِ مُتَحَرِّكَتَانِ فأَدغموا الأُولى فِي الثَّانِيَةِ، فَقَالُوا اللَّهُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي
؛ مَعْنَاهُ لكنْ أَنا، ثُمَّ إِنَّ الْعَرَبَ لَمَّا سَمِعُوا اللَّهُمَّ جَرَتْ فِي كَلَامِ الْخَلْقِ تَوَهَّمُوا أَنه إِذَا أُلقيت الأَلف وَاللَّامُ مِنَ اللَّهِ كَانَ الْبَاقِي لَاهُ، فَقَالُوا لاهُمَّ؛ وأَنشد:
لاهُمَّ أَنتَ تَجْبُرُ الكَسِيرَا، ... أَنت وَهَبْتَ جِلَّةً جُرْجُورا
وَيَقُولُونَ: لاهِ أَبوك، يُرِيدُونَ اللَّهِ أَبوك، وَهِيَ لَامُ التَّعَجُّبِ؛ وأَنشد لِذِي الإِصبع:
لاهِ ابنُ عَمِّي ما يَخافُ ... الحادثاتِ مِنَ العواقِبْ
قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: وَقَدْ قَالَتِ الْعَرَبُ بِسْمِ اللَّهِ، بِغَيْرِ مَدَّة اللَّامِ وَحَذْفِ مَدَّة لاهِ؛ وأَنشد:
أَقْبَلَ سَيْلٌ جاءَ مِنْ أَمر اللهْ، ... يَحْرِدْ حَرْدَ الجَنَّةِ المُغِلَّه
وأَنشد:
لَهِنَّكِ مِنْ عَبْسِيَّةٍ لَوسِيمةٌ، ... عَلَى هَنَواتٍ كاذبٍ مَنْ يَقُولُها
إِنَّمَا هُوَ للهِ إنَّكِ، فَحَذَفَ الأَلف وَاللَّامَ فَقَالَ لاهِ: إِنَّكِ، ثُمَّ تَرَكَ هَمْزَةَ إِنَّكِ فَقَالَ لَهِنَّك؛ وَقَالَ الْآخَرُ:
أَبائِنةٌ سُعْدَى، نَعَمْ وتُماضِرُ، ... لَهِنَّا لمَقْضِيٌّ عَلَيْنَا التَّهاجُرُ
يَقُولُ: لاهِ إنَّا، فَحَذَفَ مَدَّةِ لاهِ وَتَرَكَ هَمْزَةَ إِنَّا كَقَوْلِهِ:
لاهِ ابنُ عَمِّكَ والنَّوَى يَعْدُو
__________
(1) . قوله [إلا هو وحده] كذا في الأَصل المعوّل عليه، وفي نسخة التهذيب: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ والله وحده انتهى. ولعله إلا الله وحده(13/467)
وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ لَهِنَّك: أَرادَ لإِنَّك، فَأَبْدَلَ الْهَمْزَةَ هَاءً مِثْلَ هَراقَ الماءَ وأَراق، وأَدخل اللَّامَ فِي إِنَّ لِلْيَمِينِ، وَلِذَلِكَ أَجابها بِاللَّامِ فِي لَوَسِيمَةٌ. قَالَ أَبو زَيْدٍ: قَالَ لِيَ الْكِسَائِيُّ أَلَّفت كِتَابًا فِي مَعَانِي الْقُرْآنِ فَقُلْتُ لَهُ: أَسمعتَ الحمدُ لاهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؟ فَقَالَ: لَا، فَقُلْتُ: اسمَعْها. قَالَ الأَزهري: وَلَا يَجُوزُ فِي الْقُرْآنِ إلَّا الحمدُ للهِ بمدَّةِ اللَّامِ، وإِنما يقرأُ مَا حَكَاهُ أَبو زَيْدٍ الأَعرابُ وَمَنْ لَا يَعْرِفُ سُنَّةَ الْقُرْآنِ. قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: فَاللَّهُ أَصله إلاهٌ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ
. قَالَ: وَلَا يَكُونُ إلَهاً حَتَّى يَكُونَ مَعْبُوداً، وَحَتَّى يكونَ لِعَابِدِهِ خَالِقًا وَرَازِقًا ومُدبِّراً، وَعَلَيْهِ مُقْتَدِرًا فَمَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَيْسَ بِإِلَهٍ، وإِن عُبِدَ ظُلْماً، بَلْ هُوَ مَخْلُوقٌ ومُتَعَبَّد. قَالَ: وأَصل إلَهٍ وِلاهٌ، فَقُلِبَتِ الْوَاوُ هَمْزَةً كَمَا قَالُوا للوِشاح إشاحٌ وللوِجاحِ وَهُوَ السِّتْر إِجاحٌ، وَمَعْنَى ولاهٍ أَن الخَلْقَ يَوْلَهُون إِلَيْهِ فِي حَوَائِجِهِمْ، ويَضْرَعُون إِلَيْهِ فِيمَا يُصِيبُهُمْ، ويَفْزَعون إِلَيْهِ فِي كُلِّ مَا يَنُوبُهُمْ، كَمَا يَوْلَهُ كُلُّ طِفْل إِلَى أُمه. وَقَدْ سَمَّتِ الْعَرَبُ الشَّمْسَ لَمَّا عَبَدُوهَا إلاهَةً. والأُلَهةُ: الشمسُ الحارَّةُ؛ حكي عَنْ ثَعْلَبٍ، والأَلِيهَةُ والأَلاهَةُ والإِلاهَةُ وأُلاهَةُ، كلُّه: الشمسُ اسْمٌ لَهَا؛ الضَّمُّ فِي أَوَّلها عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ قَالَتْ مَيَّةُ بِنْتُ أُمّ عُتْبَة «2» بن الحرث كَمَا قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ:
تروَّحْنا مِنَ اللَّعْباءِ عَصْراً، ... فأَعْجَلْنا الإِلَهةَ أَن تَؤُوبا
«3» . عَلَى مثْل ابْنِ مَيَّة، فانْعَياه، ... تَشُقُّ نَواعِمُ البَشَر الجُيُوبا
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقِيلَ هُوَ لِبِنْتِ عَبْدِ الحرث اليَرْبوعي، وَيُقَالُ لِنَائِحَةِ عُتَيْبة بن الحرث؛ قَالَ: وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ هُوَ لأُمِّ الْبَنِينَ بِنْتِ عُتيبة بن الحرث تَرْثِيهِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَرَوَاهُ ابْنُ الأَعرابي أُلاهَةَ، قَالَ: وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ فأَعجلنا الأَلاهَةَ يُصْرَفُ وَلَا يُصْرَفُ. غَيْرُهُ: وَتَدْخُلُهَا الأَلف وَاللَّامُ وَلَا تَدْخُلُهَا، وَقَدْ جَاءَ عَلَى هَذَا غَيْرُ شَيْءٍ مِنْ دُخُولِ لَامِ الْمَعْرِفَةِ الاسمَ مَرَّة وسُقوطها أُخرى. قَالُوا: لَقِيتُهُ النَّدَرَى وَفِي نَدَرَى، وفَيْنَةً والفَيْنَةَ بَعْدَ الفَيْنة، ونَسْرٌ والنَّسْرُ اسمُ صَنَمٍ، فكأَنهم سَمَّوْها الإِلَهة لِتَعْظِيمِهِمْ لَهَا وَعِبَادَتِهِمْ إِيَّاهَا، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُعَظِّمُونها ويَعْبُدُونها، وَقَدْ أَوْجَدَنا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ حِينَ قَالَ: وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ. ابْنُ سِيدَهْ: والإِلاهَةُ والأُلُوهة والأُلُوهِيَّةُ الْعِبَادَةُ. وَقَدْ قُرِئَ: وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ
،
وقرأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ويَذَرَك وإِلاهَتَك
، بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، أَي وَعِبَادَتَكَ؛ وَهَذِهِ الأَخيرة عِنْدَ ثَعْلَبٍ كأَنها هِيَ الْمُخْتَارَةُ، قَالَ: لأَن فِرْعَوْنَ كَانَ يُعْبَدُ وَلَا يَعْبُدُ، فَهُوَ عَلَى هَذَا ذُو إلاهَةٍ لَا ذُو آلِهة، وَالْقِرَاءَةُ الأُولى أَكثر والقُرّاء عَلَيْهَا. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يُقَوِّي مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ
ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قِرَاءَتِهِ: وَيَذَرَكَ وإِلاهَتَك
، قولُ فِرْعَوْنَ: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى، وَقَوْلُهُ: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي؛ ولهذا قَالَ سُبْحَانَهُ: فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى؛ وَهُوَ الَّذِي أَشار إِليه الْجَوْهَرِيُّ بِقَوْلِهِ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ فِرْعَوْنَ كَانَ يُعْبَدُ.
وَيُقَالُ: إلَه بَيِّنُ الإِلَهةِ والأُلْهانِيَّة. وَكَانَتِ الْعَرَبُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَدْعُونَ مَعْبُودَاتِهِمْ مِنَ الأَوثان والأَصنام آلِهَةً، وَهِيَ
__________
(2) . قوله [أم عتبة] كذا بالأصل عتبة في موضع مكبراً وفي موضعين مصغراً
(3) . قوله [عصراً والإلهة] هكذا رواية التهذيب، ورواية المحكم: قسراً وإلهة(13/468)
جَمْعُ إِلَاهَةٍ؛ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ
، وَهِيَ أَصنام عَبَدَها قَوْمُ فِرْعَوْنَ مَعَهُ. وَاللَّهُ: أَصله إلاهٌ، عَلَى فِعالٍ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، لأَنه مأَلُوه أَي مَعْبُودٌ، كَقَوْلِنَا إمامٌ فِعَالٌ بِمَعْنَى مَفْعول لأَنه مُؤْتَمّ بِهِ، فَلَمَّا أُدخلت عَلَيْهِ الأَلف وَاللَّامُ حُذِفَتِ الْهَمْزَةُ تَخْفِيفًا لِكَثْرَتِهِ فِي الْكَلَامِ، وَلَوْ كَانَتَا عِوَضًا مِنْهَا لَمَا اجْتَمَعَتَا مَعَ المعوَّض مِنْهُ فِي قَوْلِهِمُ الإِلاهُ، وَقُطِعَتِ الْهَمْزَةُ فِي النِّدَاءِ لِلُزُومِهَا تَفْخِيمًا لِهَذَا الِاسْمِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَسَمِعْتُ أَبا عَلِيٍّ النَّحْوِيَّ يَقُولُ إِن الأَلف وَاللَّامَ عِوَضٌ مِنْهَا، قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ اسْتِجَازَتُهُمْ لِقَطْعِ الْهَمْزَةِ الْمَوْصُولَةِ الدَّاخِلَةِ عَلَى لَامِ التَّعْرِيفِ فِي الْقَسَمِ وَالنِّدَاءِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: أَفأَللهِ لَتفْعَلَنّ وَيَا أَللَّهُ اغْفِرْ لِي، أَلا تَرَى أَنها لَوْ كَانَتْ غَيْرَ عِوَضٍ لَمْ تُثْبَتْ كَمَا لَمْ تُثْبَتْ فِي غَيْرِ هَذَا الِاسْمِ؟ قَالَ: وَلَا يَجُوزُ أَيضاً أَن يَكُونَ لِلُزُومِ الْحَرْفِ لأَن ذَلِكَ يُوجِبُ أَن تُقْطَعَ هَمْزَةُ الَّذِي وَالَّتِي، وَلَا يَجُوزُ أَيضاً أَن يكون لأَنها هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ وَإِنْ كَانَتْ مَوْصُولَةً كَمَا لَمْ يَجُزْ فِي ايْمُ اللَّهِ وايْمُن اللَّهِ الَّتِي هِيَ هَمْزَةُ وَصْلٍ، فَإِنَّهَا مَفْتُوحَةٌ، قَالَ: وَلَا يَجُوزُ أَيضاً أَن يَكُونَ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ، لأَن ذَلِكَ يُوجِبُ أَن تُقْطَعَ الْهَمْزَةُ أَيضاً فِي غَيْرِ هَذَا مِمَّا يَكْثُرُ اسْتِعْمَالُهُمْ لَهُ، فَعَلِمْنَا أَن ذَلِكَ لِمَعْنًى اخْتُصَّتْ بِهِ لَيْسَ فِي غَيْرِهَا، وَلَا شَيْءَ أَولى بِذَلِكَ الْمَعْنَى مِنْ أَن يَكُونَ المُعَوَّضَ مِنَ الْحَرْفِ الْمَحْذُوفِ الَّذِي هُوَ الْفَاءُ، وَجَوَّزَ سِيبَوَيْهِ أَن يَكُونَ أَصله لَاهَا عَلَى مَا نَذْكُرُهُ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ عِنْدَ قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ: وَلَوْ كَانَتَا عِوَضًا مِنْهَا لَمَا اجْتَمَعَتَا مَعَ المعوَّض عَنْهُ فِي قَوْلِهِمِ الإِلَهُ، قَالَ: هَذَا رَدٌّ عَلَى أَبي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ لأَنه كَانَ يَجْعَلُ الأَلف وَاللَّامَ فِي اسْمِ الْبَارِي سُبْحَانَهُ عِوَضًا مِنَ الْهَمْزَةِ، وَلَا يَلْزَمُهُ مَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ مِنْ قَوْلِهِمِ الإِلَهُ، لأَن اسْمَ اللَّهِ لَا يَجُوزُ فِيهِ الإِلَهُ، وَلَا يَكُونُ إِلَّا مَحْذُوفَ الْهَمْزَةِ، تَفَرَّد سُبْحَانَهُ بِهَذَا الِاسْمِ لَا يُشْرِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ، فَإِذَا قِيلَ الإِلاه انْطَلَقَ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَعَلَى مَا يُعْبَدُ مِنَ الأَصنام، وَإِذَا قُلْتَ اللَّهُ لَمْ يَنْطَلِقْ إِلَّا عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَلِهَذَا جَازَ أَن يُنَادَى اسْمُ اللَّهِ، وَفِيهِ لَامُ التَّعْرِيفِ وَتُقْطَعُ هَمْزَتُهُ، فَيُقَالُ يَا أَللَّهُ، ولا يجوز يا لإِلهُ عَلَى وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، مَقْطُوعَةً هَمْزَتُهُ وَلَا مَوْصُولَةً، قَالَ: وَقِيلَ فِي اسْمِ الْبَارِي سُبْحَانَهُ إِنَّهُ مأْخوذ من أَلِهَ يَأْلَه إذا تَحَيَّرَ، لأَن الْعُقُولَ تَأْلَهُ فِي عَظَمَتِهِ. وأَلِهَ يَأْلَه أَلَهاً أَي تَحَيَّرَ، وأَصله وَلِهَ يَوْلَهُ وَلَهاً. وَقَدْ أَلِهْتُ عَلَى فُلَانٍ أَي اشْتَدَّ جَزَعِي عَلَيْهِ، مِثْلُ وَلِهْتُ، وَقِيلَ: هُوَ مأْخوذ مَنْ أَلِهَ يَأْلَهُ إِلَى كَذَا أَي لجأَ إِلَيْهِ لأَنه سُبْحَانَهُ المَفْزَعُ الَّذِي يُلْجأُ إِلَيْهِ فِي كُلِّ أَمر؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
أَلِهْتَ إلينا والحَوادِثُ جَمَّةٌ
وقال آخَرُ:
أَلِهْتُ إِلَيْهَا والرَّكائِبُ وُقَّف
والتَّأَلُّهُ: التَّنَسُّك والتَّعَبُّد. والتأْليهُ: التَّعْبيد؛ قَالَ:
لِلَّهِ دَرُّ الغَانِياتِ المُدَّهِ ... سَبَّحْنَ واسْتَرْجَعْنَ مِنْ تأَلُّهِي
ابْنُ سيدة: وقالوا يَا أَلله فقَطَعُوا، قَالَ: حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ، وَهَذَا نَادِرٌ. وَحَكَى ثَعْلَبٌ أَنهم يَقُولُونَ: يَا اللَّهُ، فَيَصِلُونَ وَهُمَا لُغَتَانِ يَعْنِي الْقَطْعَ وَالْوَصْلَ؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
إنِّي إِذَا مَا حَدَثٌ أَلَمَّا ... دَعَوْت: يَا اللَّهُمَّ يَا اللَّهُمَّا
فَإِنَّ الْمِيمَ الْمُشَدَّدَةَ بَدَلٌ مِنْ يَا، فَجَمَعَ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ مِنْهُ؛ وَقَدْ خففها الأَعشى فقال:(13/469)
كحَلْفَةٍ مِنْ أَبي رَباحٍ ... يَسْمَعُها لاهُمَ الكُبارُ «1»
. وَإِنْشَادُ الْعَامَّةِ:
يَسْمَعُها لاهُهُ الكُبارُ
قَالَ: وأَنشده الْكِسَائِيُّ:
يَسْمَعُها اللَّهُ وَاللَّهُ كُبَارُ «2»
. الأَزهري: أَما إِعْرَابُ اللَّهُمَّ فَضَمُّ الْهَاءِ وَفَتْحُ الْمِيمِ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ بَيْنَ النَّحْوِيِّينَ فِي اللَّفْظِ، فأَما الْعِلَّةُ وَالتَّفْسِيرُ فَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ النَّحْوِيُّونَ، فَقَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَى اللَّهُمَّ يَا أَللهُ أُمَّ بِخَيْرٍ، وقال الزَّجَّاجُ: هَذَا إِقْدَامٌ عَظِيمٌ لأَن كُلَّ مَا كَانَ مِنْ هَذَا الْهَمْزِ الَّذِي طُرِحَ فأَكثر الْكَلَامِ الإِتيان بِهِ. يُقَالُ: وَيْلُ أُمِّه ووَيْلُ امِّهِ، والأَكثر إِثْبَاتُ الْهَمْزَةِ، وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ هَذَا الْقَائِلُ لَجَازَ اللَّهُ أُومُمْ واللهُ أُمَّ، وَكَانَ يَجِبُ أَن يُلْزِمَهُ يَا لأَن الْعَرَبَ تَقُولُ يَا أَللَّهُ اغْفِرْ لَنَا، وَلَمْ يَقُلْ أَحد مِنَ الْعَرَبِ إِلَّا اللَّهُمَّ، وَلَمْ يَقُلْ أَحد يَا اللَّهُمَّ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: قُلِ اللَّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
؛ فَهَذَا الْقَوْلُ يَبْطُلُ مِنْ جِهَاتٍ: إِحْدَاهَا أَن يَا لَيْسَتْ فِي الْكَلَامِ، والأُخرى أَن هَذَا الْمَحْذُوفَ لَمْ يُتَكَلَّمْ بِهِ عَلَى أَصله كَمَا تُكُلِّمَ بِمِثْلِهِ، وأَنه لَا يُقَدَّمُ أَمامَ الدُّعاء هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: وَزَعَمَ الْفَرَّاءُ أَن الضَّمَّةَ الَّتِي هِيَ فِي الْهَاءِ ضَمَّةُ الْهَمْزَةِ الَّتِي كَانَتْ فِي أُمَّ وَهَذَا مُحَالٌ أَن يُتْرَكَ الضمُّ الَّذِي هُوَ دَلِيلٌ عَلَى نِدَاءِ الْمُفْرَدِ، وأَن يُجْعَلَ فِي اسْمِ اللَّهِ ضمةُ أُمَّ، هَذَا إِلْحَادٌ فِي اسْمِ اللَّهِ؛ قَالَ: وَزَعَمَ الْفَرَّاءُ أَن قَوْلَنَا هَلُمَّ مِثْلُ ذَلِكَ أَن أَصلها هَلْ أُمَّ، وَإِنَّمَا هِيَ لُمَّ وَهَا التَّنْبِيهُ، قال: وقال الْفَرَّاءُ إِنَّ يَا قَدْ يُقَالُ مَعَ اللَّهُمَّ فَيُقَالُ يَا أَللهم؛ وَاسْتَشْهَدَ بِشِعْرٍ لَا يَكُونُ مِثْلُهُ حُجَّةً:
وَمَا عليكِ أَن تَقُولِي كُلَّما ... صَلَّيْتِ أَو سَبَّحْت: يَا أَللَّهُمَا،
ارْدُدْ عَلَيْنَا شَيْخَنَا مُسَلَّما
قَالَ أَبو إِسْحَاقَ: وَقَالَ الخليل وسيبويه وَجَمِيعُ النَّحْوِيِّينَ الْمَوْثُوقِ بِعِلْمِهِمُ اللَّهُمَّ بِمَعْنَى يَا أَلله، وَإِنَّ الْمِيمَ الْمُشَدَّدَةَ عِوَضٌ مِنْ يَا، لأَنهم لَمْ يَجِدُوا يَا مَعَ هَذِهِ الْمِيمِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَوَجَدُوا اسْمَ اللَّهِ مُسْتَعْمَلًا بِيَا إِذَا لَمْ يَذْكُرُوا الْمِيمَ فِي آخِرِ الْكَلِمَةِ، فَعَلِمُوا أَن الْمِيمَ فِي آخِرِ الْكَلِمَةِ بِمَنْزِلَةِ يَا فِي أَولها، وَالضَّمَّةُ الَّتِي هِيَ فِي الْهَاءِ هِيَ ضَمَّةُ الِاسْمِ الْمُنَادَى الْمُفْرَدِ، وَالْمِيمُ مَفْتُوحَةٌ لِسُكُونِهَا وَسُكُونِ الْمِيمِ قَبْلَهَا؛ الْفَرَّاءُ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ إِذَا طَرَحَ الْمِيمَ يَا أَللَّهُ اغْفِرْ لِي، بِهَمْزَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ يَا اللَّهُ بِغَيْرِ هَمْزٍ، فَمَنْ حَذَفَ الْهَمْزَةَ فَهُوَ عَلَى السَّبِيلِ، لأَنها أَلف وَلَامٌ مِثْلُ لام الحرث مِنَ الأَسماء وأَشباهه، وَمَنْ هَمَزَهَا تَوَهَّمَ الْهَمْزَةَ مِنَ الْحَرْفِ إِذْ كَانَتْ لَا تَسْقُطُ مِنْهُ الْهَمْزَةُ؛ وأَنشد:
مُبارَكٌ هُوَّ وَمَنْ سَمَّاهُ، ... عَلَى اسْمكَ، اللَّهُمَّ يَا أَللهُ
قَالَ: وَكَثُرَتِ اللَّهُمَّ فِي الْكَلَامِ حَتَّى خُفِّفَتْ مِيمُهَا فِي بَعْضِ اللُّغَاتِ. قَالَ الْكِسَائِيُّ: الْعَرَبُ تَقُولُ يَا أَلله اغْفِرْ لِي، ويَلّله اغْفِرْ لِي، قَالَ: وَسَمِعْتُ الْخَلِيلَ يَقُولُ يَكْرَهُونَ أَن يَنْقُصُوا مِنْ هَذَا الِاسْمِ شَيْئًا يَا أَلله أَي لَا يَقُولُونَ يَلَهُ. الزَّجَّاجُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنا
؛ ذَكَرَ سِيبَوَيْهِ أَن اللَّهُمَّ كَالصَّوْتِ وأَنه لَا يُوصَفُ، وأَن رَبَّنَا مَنْصُوبٌ عَلَى نِدَاءٍ آخَرَ؛ الأَزهري:
__________
(1) . قوله [من أبي رباح] كذا بالأَصل بفتح الراء والباء الموحدة ومثله في البيضاوي، إلا أن فيه حلقة بالقاف، والذي في المحكم والتهذيب كحلفة من أبي رياح بكسر الراء وبياء مثناة تحتية، وبالجملة فالبيت رواياته كثيرة
(2) . وقوله:
يَسْمَعُهَا اللَّهُ وَاللَّهُ كُبَارُ
كذا بالأَصل ونسخة من التهذيب(13/470)
وأَنشد قُطْرُب:
إِني إِذا مَا مُعْظَمٌ أَلَمّا ... أَقولُ: يَا اللَّهُمَّ يَا اللَّهُمّا
قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ الْفَرَّاءِ وأَبي الْعَبَّاسِ فِي اللَّهُمَّ إِنه بِمَعْنَى يَا أَلله أُمَّ إِدخالُ الْعَرَبِ يَا عَلَى اللَّهُمَّ؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
أَلا لَا بارَكَ اللهُ فِي سُهَيْلٍ، ... إِذا مَا اللهُ بَارَكَ فِي الرجالِ
إِنما أَراد اللَّهُ فقَصَر ضَرُورَةً. والإِلاهَةُ: الْحَيَّةُ الْعَظِيمَةُ؛ عَنْ ثَعْلَبٍ، وهي الهِلالُ. وإِلاهَةُ: اسْمُ مَوْضِعٍ بِالْجَزِيرَةِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
كَفَى حَزَناً أَن يَرْحَلَ الركبُ غُدْوةً، ... وأُصْبِحَ فِي عُلْيا إِلاهَةَ ثاوِيا
وَكَانَ قَدْ نَهَسته حَيَّةٌ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ بَعْضُ أَهل اللُّغَةِ الرِّوَايَةُ: وأُتْرَكَ فِي عُلْيَا أُلاهَةَ، بِضَمِّ الْهَمْزَةِ، قَالَ: وَهِيَ مَغارَةُ سَمَاوَة كَلْب؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لأَن بِهَا دُفِنَ قَائِلُ هَذَا الْبَيْتِ، وَهُوَ أُفْنُونٌ التَّغْلَبيّ، وَاسْمُهُ صُرَيْمُ بْنُ مَعْشَرٍ «1» ؛ وَقَبْلَهُ:
لَعَمْرُكَ، مَا يَدْري الفَتى كَيْفَ يَتَّقي، ... إِذا هُوَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ اللهُ واقِيَا
أمه: الأَمِيهَة: جُدَرِيّ الْغَنَمِ، وَقِيلَ: هُوَ بَثْرٌ يَخْرُج بِهَا كالجُدَرِيّ أَو الحَصْبَةِ، وَقَدْ أُمِهَتِ الشاةُ تُؤْمَهُ أَمْهاً وأَمِيهَةً؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَذَا قَوْلُ أَبي عُبَيْدَةَ، وَهُوَ خطأٌ لأَن الأَمِيهَةَ اسمٌ لَا مَصْدَرٌ، إِذ لَيْسَتْ فَعِيلة مِنْ أَبنية الْمَصَادِرِ. وَشَاةٌ أَمِيهَةٌ: مأْمُوهَة؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
طَبِيخُ نُحازٍ أَو طَبِيخُ أَمِيهَةٍ ... صَغِيرُ العِظامِ، سَيِءُ القِشْمِ، أَمْلَطُ
يَقُولُ: كَانَتْ أُمُّهُ حَامِلَةً بِهِ وَبِهَا سُعال أَو جُدَرِيّ فَجَاءَتْ بِهِ ضاوِيّاً، والقِشْمُ هُوَ اللَّحْمُ أَو الشَّحْمُ. ابْنُ الأَعرابي: الأَمهُ النِّسْيَانُ، والأَمَهُ الإِقْرارُ، والأَمَهُ الجُدَرِيُّ. قَالَ الزَّجَّاجُ:
وقرأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وادَّكَرَ بعد أَمَهٍ
، قال: والأَمَهُ النسيانُ. وَيُقَالُ: قَدْ أَمِهَ، بِالْكَسْرِ، يَأْمَهُ أَمَهاً؛ هَذَا الصَّحِيحُ بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَكَانَ
أَبو الْهَيْثَمِ يقرأُ: بَعْدَ أَمَهٍ، وَيَقُولُ: بَعْدَ أَمْهٍ خطأٌ.
أَبو عُبَيْدَةَ: أَمِهْتُ الشيءَ فأَنا آمُهُه أَمْهاً إِذا نَسِيتَهُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
أَمِهْتُ، وكنتُ لَا أَنْسَى حَدِيثاً، ... كَذَاكَ الدَّهْرُ يُودِي بالعُقُولِ
قَالَ: وادَّكَرَ بَعْدَ أَمْه؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: هُوَ الإِقرار، وَمَعْنَاهُ أَن يُعَاقَبَ ليُقِرَّ فإِقراره بَاطِلٌ. ابْنُ سِيدَهْ: الأَمَهُ الإِقرار وَالِاعْتِرَافُ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
الزُّهْرِيِّ: مَنِ امْتُحِنَ فِي حَدٍّ فأَمِهَ ثُمَّ تَبَرَّأَ فَلَيْسَتْ عَلَيْهِ عُقُوبَةٌ، فإِن عُوقِبَ فأَمِهَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ حَدٌّ إِلا أَن يَأْمَه مِنْ غَيْرِ عُقُوبَةٍ.
قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَلَمْ أَسمع الأَمَهَ الإِقرارَ إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ؛ وَفِي الصِّحَاحِ: قَالَ هِيَ لُغَةٌ غَيْرُ مَشْهُورَةٍ، قَالَ: وَيُقَالُ أَمَهْتُ إِليه فِي أَمر فأَمَهَ إِليَّ أَي عَهِدْتُ إِليه فعَهِدَ إِليَّ. الْفَرَّاءُ: أُمِهَ الرجلُ، فَهُوَ مَأْموهٌ، وَهُوَ الَّذِي لَيْسَ عَقْلُهُ مَعَهُ.
__________
(1) . قوله [وَاسْمُهُ صُرَيْمُ بْنُ مَعْشَرٍ] أي ابن ذهل بن تيم بن عمرو بن تغلب، سأل كاهناً عن موته فأخبر أنه يموت بمكان يقال له ألاهة، وكان افنون قد سار في رهط إلى الشام فأتوها ثم انصرفوا فضلوا الطريق فاستقبلهم رجل فسألوه عن طريقهم فقال: خذوا كذا وكذا فإذا عنت لكم الألاهة وهي قارة بالسماوة وضح لكم الطريق. فلما سمع افنون ذكر الألاهة تطير وقال لأصحابه: إني ميت، قالوا: ما عليك بأس، قال: لست بارحاً. فنهش حماره ونهق فسقط فقال: إني ميت، قالوا: ما عليك بأس، قال: ولم ركض الحمار؟ فأرسلها مثلًا ثم قال يرثي نفسه وهو يجود بها:
ألا لست في شيء فروحاً معاويا ... ولا المشفقات يتقين الجواريا
فلا خير فيما يكذب المرء نفسه ... وتقواله للشيء يا ليت ذا ليا
لعمرك إلخ. كذا في ياقوت لكن قوله وهي قارة مخالف للأصل في قوله وهي مغارة(13/471)
الْجَوْهَرِيُّ: يُقَالُ فِي الدُّعَاءِ عَلَى الإِنسان آهَةً وأَمِيهَةً. التَّهْذِيبُ: وَقَوْلُهُمْ آهَةً وأَمِيهَةً، الآهَةُ مِنَ التَّأَوُّهِ والأَمِيهَةُ الجُدَري. ابْنُ سِيدَهْ: الأُمَّهَةُ لُغَةٌ فِي الأُمِّ. قَالَ أَبو بَكْرٍ: الْهَاءُ فِي أُمَّهة أَصلية، وَهِيَ فُعَّلَة بِمَنْزِلَةِ تُرَّهَةٍ وأُبَّهةٍ، وَخَصَّ بَعْضُهُمْ بالأُمَّهَةِ مَنْ يَعْقِلُ وبالأُمِّ مَا لَا يَعْقِلُ؛ قَالَ قُصَيٌّ:
عَبْدٌ يُنادِيهِمْ بِهالٍ وَهَبِ، ... أُمَّهَتي خِنْدِفُ، والْياسُ أَبي
حَيْدَرَةٌ خَالِيَ لَقِيطٌ، وعَلِي، ... وحاتِمُ الطائِيُّ وَهّابُ المِئِي
وَقَالَ زُهَيْرٌ فِيمَا لَا يَعْقِلُ:
وإِلَّا فإِنَّا، بالشَّرَبَّةِ فاللِّوَى، ... نُعَقِّرُ أُمّاتِ الرِّباعِ ونَيْسِرُ
وَقَدْ جَاءَتِ الأُمَّهَةُ فِيمَا لَا يَعْقِلُ؛ كُلُّ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ جِنِّي، وَالْجَمْعُ أُمَّهات وأُمّات. التَّهْذِيبُ: وَيُقَالُ فِي جَمْعِ الأُمِّ مِنْ غَيْرِ الْآدَمِيِّينَ أُمَّاتٌ، بِغَيْرِ هَاءٍ؛ قَالَ الرَّاعِي:
كانتْ نَجائِبُ مُنْذِرٍ ومُحَرِّقٍ ... أُمّاتِهِنَّ، وطَرْقُهُنَّ فَحِيلا
وأَما بَناتُ آدَمَ فَالْجَمْعُ أُمَّهاتٌ؛ وَقَوْلُهُ:
وإِنْ مُنِّيتُ أُمّاتِ الرِّباعِ
وَالْقُرْآنُ الْعَزِيزُ نَزَلَ بأُمَّهات، وَهُوَ أَوضح دَلِيلٍ عَلَى أَن الْوَاحِدَةَ أُمَّهَةٌ. وتَأَمَّهَ أُمّاً: اتخدها كأَنه عَلَى أُمَّهَةٍ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا يُقَوِّي كَوْنَ الْهَاءِ أَصلًا، لأَن تَأَمَّهْتُ تَفَعَّلْتُ بِمَنْزِلَةِ تَفَوَّهْتُ وتنَبَّهْت. التَّهْذِيبُ: والأُمّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَصل كُلِّ شَيْءٍ واشْتقاقه مِنَ الأَمِّ، وَزِيدَتِ الْهَاءُ فِي الأُمَّهاتِ لِتَكُونَ فَرْقًا بَيْنَ بَنَاتِ آدَمَ وَسَائِرِ إِناث الْحَيَوَانِ، قَالَ: وَهَذَا الْقَوْلُ أَصح الْقَوْلَيْنِ، قَالَ الأَزهري: وأَما الأُمُّ فَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمُ الأَصل أُمَّةٌ، وَرُبَّمَا قَالُوا أُمَّهةٌ، قَالَ: والأُمَّهةُ أَصل قَوْلِهِمْ أُمٌّ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وأُمَّهَةُ الشَّبابِ كِبْرُه وتِيهُهُ.
أنه: الأَنِيهُ: مِثْلُ الزَّفِير، والآنِهُ كالآنِحِ. وأَنَهَ يَأْنِهُ أَنْهاً وأُنُوهاً: مِثْلُ أَنَح يَأْنِحُ إِذا تَزَحَّرَ مِنْ ثِقَلٍ يَجِدُه، وَالْجَمْعُ أُنَّةٌ مِثْلُ أُنَّحٍ؛ وأَنشد لِرُؤْبَةَ يَصِفُ فَحْلًا.
رَعّابَةٌ يُخْشِي نُفوسَ الأُنَّهِ، ... بِرَجْسِ بَهْباهِ الهَدِيرِ البَهْبَهِ
أَي يَرْعَبُ النُّفوسَ الذينَ يَأْنِهُونَ. ابْنُ سِيدَهْ: الأَنِيهُ الزَّحْرُ عِنْدَ المسأَلة. وَرَجُلٌ آنةٌ: حاسِدٌ. وَيُقَالُ: رَجُلٌ نافِسٌ ونَفِيسٌ وآنِهٌ وَحَاسِدٌ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ مِنْ أَنَهَ يَأْنِهُ وأَنَحَ يَأْنِحُ أَنِيهاً وأَنِيحاً.
أوه: الآهَةُ: الحَصْبَةُ. حَكَى اللِّحْيَانِيُّ عَنْ أَبي خَالِدٍ فِي قَوْلِ النَّاسِ آهَةٌ وماهَةٌ: فالآهَةُ مَا ذَكَرْنَاهُ، والماهَةُ الجُدَرِيُّ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أَلف آهَةٍ وَاوٌ لأَن الْعَيْنَ وَاوًا أَكثر مِنْهَا يَاءً. وآوَّهْ وأَوَّهُ وآووه، بالمدّ وواوينِ، وأَوْهِ، بِكَسْرِ الْهَاءِ خَفِيفَةٌ، وأَوْهَ وآهِ، كُلُّهَا: كَلِمَةٌ مَعْنَاهَا التحزُّن. وأَوْهِ مِنْ فُلَانٍ إِذا اشتدَّ عَلَيْكَ فَقْدُه، وأَنشد الْفَرَّاءُ فِي أَوْهِ:
فأَوْهِ لِذكْراها إِذا مَا ذَكَرتُها، ... وَمِنْ بُعْدِ أَرْضٍ بَيْنَنَا وسماءٍ
وَيُرْوَى: فأَوِّ لِذِكراها، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ، وَيُرْوَى: فآهِ لِذِكْرَاهَا؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِثْلُ هَذَا الْبَيْتِ:
فأَوْهِ عَلَى زِيارَةِ أُمِّ عَمْروٍ ... فكيفَ مَعَ العِدَا، وَمَعَ الوُشاةِ؟(13/472)
وَقَوْلُهُمْ عِنْدَ الشِّكَايَةِ: أَوْهِ مِنْ كَذَا، سَاكِنَةُ الْوَاوِ، إِنما هُوَ تَوَجُّعٌ، وَرُبَّمَا قَلَبُوا الْوَاوَ أَلفاً فَقَالُوا: آهِ مِنْ كَذَا وَرُبَّمَا شَدَّدُوا الْوَاوَ وَكَسَرُوهَا وَسَكَّنُوا الْهَاءَ، قَالُوا: أَوِّهْ مِنْ كَذَا، وَرُبَّمَا حَذَفُوا الْهَاءَ مَعَ التَّشْدِيدِ فَقَالُوا: أَوِّ مِنْ كَذَا، بِلَا مدٍّ. وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: آوَّهْ، بِالْمَدِّ وَالتَّشْدِيدِ وَفَتْحِ الْوَاوِ سَاكِنَةُ الْهَاءِ، لِتَطْوِيلِ الصَّوْتِ بِالشِّكَايَةِ. وَقَدْ وَرَدَ الْحَدِيثُ بأَوْهِ فِي حَدِيثِ
أَبي سَعِيدٍ فَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عِنْدَ ذَلِكَ: أَوْهِ عَيْنُ الرِّبا.
قَالَ ابْنُ الأَثير: أَوْهِ كَلِمَةٌ يَقُولُهَا الرَّجُلُ عِنْدَ الشِّكَايَةِ وَالتَّوَجُّعِ، وَهِيَ سَاكِنَةُ الْوَاوِ مَكْسُورَةُ الْهَاءِ، قَالَ: وَبَعْضُهُمْ يَفْتَحُ الْوَاوَ مَعَ التَّشْدِيدِ، فَيَقُولُ أَوَّهْ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَوَّهْ لفِراخِ محمدٍ مِنْ خَلِيفَةٍ يُسْتَخْلَفُ.
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَرُبَّمَا أَدخلوا فِيهِ التَّاءَ فَقَالُوا أَوَّتاه، يُمَدُّ وَلَا يُمَدُّ. وَقَدْ أَوَّهَ الرجلُ تأْويهاً وتَأَوَّه تأَوُّها إِذا قَالَ أَوَّه، وَالِاسْمُ مِنْهُ الآهَةُ، بِالْمَدِّ، وأَوَّه تأْويهاً. وَمِنْهُ الدُّعَاءُ عَلَى الإِنسان: آهَةً لَهُ وأَوَّةً لَهُ، مشدَّدة الْوَاوِ، قَالَ: وَقَوْلُهُمْ آهَةً وأَمِيهةً هُوَ التَّوَجُّعُ. الأَزهري: آهِ هُوَ حِكَايَةُ المُتَأَهِّه فِي صَوْتِهِ، وَقَدْ يَفْعَلُهُ الإِنسان شَفَقَةً وَجَزَعًا؛ وأَنشد:
آهِ مِنْ تَيَّاكِ آهَا ... تَرَكَتْ قَلْبِي مُتاها
وَقَالَ ابْنُ الأَنباري: آهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وآهٍ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وأَهَّةً مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وأَوَّهْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، بِالتَّشْدِيدِ وَالْقَصْرِ. ابْنُ الْمُظَفَّرِ: أَوَّهَ وأَهَّهَ إِذا تَوَجَّعَ الْحَزِينُ الْكَئِيبُ فَقَالَ آهِ أَو هاهْ عِنْدَ التَّوَجُّعِ، وأَخرج نَفَسه بِهَذَا الصَّوْتِ ليتفرَّج عَنْهُ بَعْضُ مَا بِهِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ تأَوَّهَ آهًا وآهَةً. وَتَكُونُ هاهْ فِي مَوْضِعِ آهِ مِنَ التَّوَجُّعِ؛ قَالَ المُثَقِّبُ العَبْدِي:
إِذا مَا قمتُ أَرْحَلُها بليلٍ، ... تأَوَّهُ آهَةَ الرجلِ الحزينِ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي أَنه وَضَعَ الِاسْمَ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ أَي تأَوَّهَ تأَوُّهَ الرَّجُلِ، قِيلَ: وَيُرْوَى تَهَوَّهُ هاهَةَ الرَّجُلِ الْحَزِينِ. قَالَ: وَبَيَانُ الْقَطْعِ أَحسن، وَيُرْوَى أَهَّةَ مِنْ قَوْلِهِمْ أَهَّ أَي تَوَجُّعٌ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
وإِن تَشَكَّيْتُ أَذَى القُرُوحِ، ... بأَهَّةٍ كأَهَّةِ المَجْرُوحِ
وَرَجُلٌ أَوَّاهٌ: كَثِيرُ الحُزنِ، وَقِيلَ: هُوَ الدَّعَّاءُ إِلى الْخَيْرِ، وَقِيلَ: الْفَقِيهُ، وَقِيلَ: المؤْمن، بِلُغَةِ الْحَبَشَةِ، وَقِيلَ: الرَّحِيمُ الرَّقِيقُ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ
، وَقِيلَ: الأَوّاهُ هُنَا المُتَأَوِّهُ شَفَقاً وفَرَقاً، وَقِيلَ: الْمُتَضَرِّعُ يَقِينًا أَي إِيقاناً بالإِجابة وَلُزُومًا لِلطَّاعَةِ؛ هَذَا قَوْلُ الزَّجَّاجِ، وَقِيلَ: الأَوَّاهُ المُسَبّحُ، وَقِيلَ: هُوَ الْكَثِيرُ الثَّنَاءِ. وَيُقَالُ: الأَوَّاهُ الدَّعَّاءُ. وَرُوِيَ
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنه قَالَ: الأَوَّاهُ الدَّعَّاءُ.
وَقِيلَ: الْكَثِيرُ الْبُكَاءِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
اللَّهُمَّ اجْعَلني مُخْبِتاً أَوَّاهاً مُنِيباً
؛ الأَوَّاهُ: المُتَأَوِّهُ المُتَضَرِّع. الأَزهري: أَبو عمرو ظبية مَوْؤُوهة ومأْووهة، وَذَلِكَ أَنَّ الْغَزَالَ إِذا نَجَا مِنَ الْكَلْبِ أَو السَّهْمِ وَقَفَ وَقْفَةً، ثُمَّ قَالَ أَوْهِ، ثُمَّ عَدا.
أهه: الأَهَّةُ: التَّحَزُّنُ. وَقَدْ أَهَّ أَهّاً وأَهَّةً. وَفِي حَدِيثِ
مُعَاوِيَةَ: أَهّاً أَبا حَفْص
؛ قَالَ: هِيَ كَلِمَةُ تأَسُّفٍ، وَانْتِصَابُهَا عَلَى إِجرائها مُجْرَى الْمَصَادِرِ كأَنه قَالَ أَتَأَسَّفُ تأَسُّفاً، قَالَ: وأَصل الْهَمْزَةِ وَاوٌ، وَتَرْجَمَ ابْنُ الأَثير وَاهٍ. وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ:
مَنِ ابْتُليَ فَصَبر فَواهاً وَاهًا
قِيلَ: مَعْنَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ التَّلَهُّفُ، وَقَدْ تُوضَعُ مَوْضِعَ الإِعجاب بِالشَّيْءِ، يُقَالُ: وَاهًا لَهُ.(13/473)
وَقَدْ تَرِدُ بِمَعْنَى التَّوَجُّع، وَقِيلَ: التوجعُ يُقَالُ فِيهِ آهًا، قَالَ: وَمِنْهُ حَدِيثُ
أَبي الدَّرْدَاءِ مَا أَنكرتم مِنْ زَمَانِكُمْ فِيمَا غَيَّرتُمْ مِنْ أَعمالكم، إِن يَكُنْ خَيْرًا فَوَاهًا وَاهًا، وإِن يَكُنْ شَرّاً فَآهًا آهًا
؛ قَالَ: والأَلف فِيهَا غَيْرُ مَهْمُوزَةٍ، قَالَ: وإِنما ذَكَرْتُهَا فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ لِلَفْظِهَا.
أيه: إِيهِ: كلمةُ اسْتِزادة واسْتِنْطاقٍ، وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْكَسْرِ، وَقَدْ تُنَوَّنُ. تَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذا اسْتَزَدته مِنْ حَدِيثٍ أَو عَمَلٍ: إِيهِ، بِكَسْرِ الْهَاءِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه أَنشد شِعْرَ أُمية بْنِ أَبي الصَّلْتِ فَقَالَ عِنْدَ كُلِّ بَيْتٍ إِيهِ
؛ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: فإِن وَصَلْتَ نوَّنت فَقُلْتَ إِيهٍ حَدِّثْنا، وإِذا قُلْتَ إِيهاً بِالنَّصْبِ فإِنما تأْمره بِالسُّكُوتِ، قَالَ اللَّيْثُ: هِيهِ وهِيهَ، بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ، فِي مَوْضِعِ إِيه وإيهَ. ابْنُ سِيدَهْ: وإِيهِ كَلِمَةُ زَجْرٍ بِمَعْنَى حَسْبُكَ، وتنوَّن فَيُقَالُ إِيهاً. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: إِيهٍ حَدِّثْ؛ وأَنشد لِذِي الرُّمَّةِ:
وَقَفْنا فَقُلْنَا: إِيهِ عَنْ أُمِّ سالِمٍ ... وَمَا بالُ تَكْليم الديارِ البَلاقِع؟
أَراد حدِّثْنا عَنْ أُم سَالِمٍ، فَتَرَكَ التَّنْوِينَ فِي الْوَصْلِ وَاكْتَفَى بِالْوَقْفِ؛ قَالَ الأَصمعي: أَخطأَ ذُو الرُّمَّةِ إِنما كَلَامُ العرب إِيهٍ، وقال يَعْقُوبُ: أَراد إِيهٍ فأَجراه فِي الْوَصْلِ مُجْراه فِي الْوَقْفِ، وَذُو الرُّمَّةِ أَراد التَّنْوِينَ، وإِنما تَرَكَهُ لِلضَّرُورَةِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَالصَّحِيحُ أَن هَذِهِ الأَصوات إِذا عَنَيْتَ بِهَا الْمَعْرِفَةَ لَمْ تُنَوِّنْ، وإِذا عَنَيْتَ بِهَا النَّكِرَةَ نَوَّنْتَ، وإِنما اسْتَزَادَ ذُو الرُّمَّةِ هَذَا الطَّلَل حَدِيثًا مَعْرُوفًا، كأَنه قَالَ حَدِّثْنا الحديثَ أَو خَبِّرْنا الخبرَ؛ وقال بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ: إِذا نَوَّنْتَ فَقُلْتَ إِيهٍ فكأَنك قُلْتَ اسْتِزَادَةً، كأَنك قُلْتَ هاتِ حَدِيثًا مَّا، لأَن التَّنْوِينَ تَنْكِيرٌ، وإِذا قُلْتَ إِيه فَلَمْ تُنَوِّنْ فكأَنك قُلْتَ الِاسْتِزَادَةَ، فَصَارَ التَّنْوِينُ عَلَمَ التَّنْكِيرِ وَتَرْكُهُ عَلَمَ التَّعْرِيفِ؛ وَاسْتَعَارَ الحَذْلَمِيُّ هَذَا للإِبل فَقَالَ:
حَتَّى إِذا قالتْ لَهُ إِيهٍ إِيهْ
وإِن لَمْ يَكُنْ لَهَا نُطْقٌ كأَنَّ لَهَا صَوْتًا يَنْحُو هَذَا النَّحْوِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ أَبو بَكْرٍ السَّرَّاجُ فِي كِتَابِهِ الأُصول فِي بَابِ ضَرُورَةِ الشَّاعِرِ حِينَ أَنشد هَذَا الْبَيْتَ: فَقُلْنَا إِيهِ عَنْ أُم سَالِمٍ، قَالَ: وَهَذَا لَا يُعْرَفُ إِلا مُنَوَّنًا فِي شَيْءٍ مِنَ اللُّغَاتِ، يُرِيدُ أَنه لَا يَكُونُ مَوْصُولًا إِلا مُنَوَّنًا، أَبو زَيْدٍ: تَقُولُ فِي الأَمر إِيهِ افْعَلْ، وَفِي النَّهْيِ: إِيهاً عَنِّي الآنَ وإِيهاً كُفَّ. وَفِي حَدِيثِ
أُصَيْلٍ الخُزَاعِيِّ حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِ الْمَدِينَةَ فَقَالَ لَهُ: كَيْفَ تركتَ مَكَّةَ؟ فَقَالَ: تَرَكْتُهَا وَقَدْ أَحْجَنَ ثُمَامُها وأَعْذَقَ إِذْخِرُها وأَمْشَر سَلَمُها، فَقَالَ: إِيهاً أُصَيْلُ دَع القُلوبَ تَقِرُّ
أَي كُفَّ وَاسْكُتْ. الأَزهري: لَمْ يُنَوِّنْ ذُو الرّمَّةِ فِي قَوْلِهِ إِيهٍ عَنْ أُمِّ سَالِمٍ، قَالَ: لَمْ يُنَوِّنْ وَقَدْ وصَل لأَنه نَوَى الْوَقْفَ، قَالَ: فإِذا أَسْكَتَّهُ وكفَفْتَهُ قلتَ إِيهاً عَنَّا، فإِذا أَغْرَيْتَهُ بِالشَّيْءِ قُلْتَ وَيْهاً يَا فلانُ، فإِذا تَعَجَّبْتَ مِنْ طِيب شَيْءٍ قلتَ وَاهًا مَا أَطْيبهُ وَحُكِيَ أَيضاً عَنِ اللَّيْثِ: إِيهِ وإِيهٍ فِي الِاسْتِزَادَةِ والاسْتنطاق وإِيهِ وإِيهاً فِي الزَّجْر، كَقَوْلِكَ إِيهِ حَسْبُكَ وإِيهاً حَسْبُكَ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَقَدْ تَرِدُ الْمَنْصُوبَةُ بِمَعْنَى التَّصْدِيقِ وَالرِّضَا بِالشَّيْءِ. وَمِنْهُ حَدِيثُ
ابْنِ الزبر لما قيل لَهُ يَا ابْنَ ذاتِ النِّطاقَيْنِ فَقَالَ: إِيهاً والإِلهِ
أَي صدَّقْتُ ورضيتُ بِذَلِكَ، وَيُرْوَى: إِيهِ، بِالْكَسْرِ، أَي زِدْنِي مِنْ هَذِهِ المَنْقَبَةِ، وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ عَنِ الْكِسَائِيِّ: إِيهِ وهِيهِ، عَلَى البَدَلِ، أَي حدِّثْنَا، الْجَوْهَرِيُّ: إِذا أَسكتَّه وكَفَفْتَهُ قلتَ إِيهاً عَنَّا؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ قولَ حَاتِمٍ الطَّائِيِّ:(13/474)
إِيهاً، فِدًى لَكُمُ أُمِّي وَمَا وَلَدَتْ! ... حامُوا عَلَى مَجْدِكُمْ، واكْفُوا مَنِ اتَّكَلا
الْجَوْهَرِيُّ: إِذا أَردتَ التَّبْعِيد قُلْتَ أَيْها، بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، بِمَعْنَى هَيْهاتَ، وأَنشد الْفَرَّاءُ:
ومنْ دونِيَ الأَعْيارُ والقِنْعُ كُلُّهُ، ... وكُتْمانُ أَيْها مَا أَشَتَّ وأَبْعَدَا
والتَّأْيِيهُ: الصَّوْتُ. وَقَدْ أَيَّهْتُ بِهِ تَأْيِيهاً: يَكُونُ بِالنَّاسِ والإِبل. وأَيَّهَ بِالرَّجُلِ والفَرس: صَوَّتَ، وَهُوَ أَن يَقُولَ لَهَا ياهْ ياهْ، كَذَا حَكَاهُ أَبو عُبَيْدٍ، وياهْ ياهْ مِنْ غَيْرِ مَادَّةِ أَيه. والتَّأْيِيهُ: دُعَاءُ الإِبل، وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لرُؤْبَةَ:
بُحُورٌ لَا مَسْقًى وَلَا مُؤَيَّه «2»
وأَيَّهْتُ بالجِمال إِذا صَوَّتَّ بِهَا ودعوتَها. وَفِي حَدِيثِ
أَبي قَيْسٍ الأَوْديِّ: أَن مَلَكَ الْمَوْتِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ إِني أُؤَيِّهُ بِهَا كَمَا يُؤَيَّهُ بِالْخَيْلِ فتُجِيبُني
، يَعْنِي الأَرْواح. قَالَ ابْنُ الأَثير: أَيَّهْتُ بِفُلَانٍ تَأْييهاً إِذا دَعَوْتَهُ وَنَادَيْتَهُ كأَنك قُلْتَ لَهُ يَا أَيها الرَّجُلُ، وَفِي تَرْجَمَةِ عَضْرَسَ:
مُحَرَّجةً حُصًّا كأَنَّ عُيونَهَا، ... إِذا أَيَّهَ القَنَّاصُ بالصَّيْدِ، عَضْرَسُ
أَيَّهَ القانصُ بِالصَّيْدِ: زَجَرَهُ. وأَيْهانِ: بِمَعْنَى هَيْهات كَالتَّثْنِيَةِ «3» ، حَكَاهُ ثَعْلَبٌ. يُقَالُ: أَيْهانِ ذَلِكَ أَي بَعِيدٌ ذَلِكَ. وَقَالَ أَبو عَلِيٍّ: مَعْنَاهُ بَعُدَ ذَلِكَ، فَجَعَلَهُ اسْمَ الْفِعْلِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لأَن مَعْنَاهُ الْأَمْرُ. وأَيْهَا، بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ: بِمَعْنَى هَيْهَاتَ، وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ أَيْهاتَ بمعنى هَيهاتَ.
فصل الباء الموحدة
بأه: مَا بأَهَ لَهُ أَي ما فَطِنَ [فَطَنَ] .
بده: البَدْهُ والبُدْهُ والبَدِيهة والبُداهة «4» : أَوّل كُلِّ شَيْءٍ وَمَا يفجأُ مِنْهُ. الأَزهري: البَدْهُ أَن تَسْتَقْبِلَ الإِنسان بأَمر مُفاجأَةً، وَالِاسْمُ البَدِيهةُ فِي أَول مَا يُفاجأُ بِهِ. وبَدَهَهُ بالأَمر: اسْتَقْبَلَهُ بِهِ. تَقُولُ: بَدَهَهُ أَمرٌ يَبْدَهُه بَدْهاً فجأَه. ابْنُ سِيدَهْ: بَدَهَهُ بالأَمر يَبْدَهُهُ بَدْهاً وبادَهَهُ مُبادَهَةً وبِداهاً فاجأَه، وَتَقُولُ: بادَهَني مُبادَهَةً أَي باغَتَني مُباغَتة؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ للطِّرِمَّاحِ:
وأَجْوِبة كالرَّاعِبيَّةِ وَخْزُها، ... يُبادِهُها شيخُ العِراقَيْنِ أَمْردَا
وَفِي صِفَتِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هابَهُ
أَي مُفاجأَةً وَبَغْتَةً، يَعْنِي مَنْ لَقِيَهُ قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ بِهِ هَابَهُ لِوَقَارِهِ وَسُكُونِهِ، وإِذا جَالَسَهُ وَخَالَطَهُ بَانَ لَهُ حُسْنُ خُلُقِه. وفلانٌ صاحبُ بَدِيهَة: يُصِيبُ الرأْي فِي أَول مَا يُفاجَأُ بِهِ. ابْنُ الأَعرابي: بَدَّه الرجلُ إِذا أَجاب جَوَابًا سَدِيدًا عَلَى الْبَدِيهَةِ. والبُداهة والبَدِيهَةُ: أَوَّل جَرْيِ الْفَرَسِ، تَقُولُ: هُوَ ذُو بَدِيهةٍ وَذُو بُداهَةٍ. الأَزهري: بُدَاهة الْفَرَسِ أَولُ جَرْيِهِ، وعُلالتُه جَرْيٌ بَعْدَ جَرْيٍ؛ قَالَ الأَعشى:
وَلَا نُقاتِلُ بالعِصِيِّ، ... وَلَا نُرامِي بالحِجاره
إِلا بُدَاهَةَ، أَو عُلالَةَ ... سابِحٍ نَهْدِ الجُزَاره
وَلَكَ البَدِيهَةُ أَي لَكَ أَن تَبْدَأَ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأُرى الْهَاءَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ بَدَلًا مِنَ الْهَمْزَةِ. الجوهري:
__________
(2) . 1 قوله «بحور لا مسقى» كذا بالأصل بدون نقط.
(3) . 2 قوله «كالتثنية» أي بكسر النون، زاد المجد كالصاغاني فتح النون أَيضاً.
(4) . قوله [والبداهة] بضم الباء وفتحها كما في القاموس(13/475)
هُمَا يَتَبَادَهانِ بالشِّعْر أَي يَتَجَارَيَانِ، ورجلِ مِبْدَهٌ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
بالدَّرْءِ عَنِّي دَرْءِ كُلِّ عَنْجُهِي، ... وكَيْدِ مَطَّالٍ وخَصْمٍ مِبْدَهِ
بره: البُرْهَة والبَرْهَة جَمِيعًا: الحِينُ الطَّوِيلُ مِنَ الدَّهْرِ، وَقِيلَ: الزمانُ. يُقَالُ: أَقمت عِنْدَهُ بُرْهَةً مِنَ الدَّهْرِ كَقَوْلِكَ أَقمت عِنْدَهُ سَنَةً مِنَ الدَّهْرِ. ابْنُ السِّكِّيتِ: أَقمت عِنْدَهُ بُرْهَةً وبَرْهَةً أَي مدَّة طَوِيلَةً مِنَ الزَّمَانِ. والبَرَهُ: التَّرارةُ. وامرأَة بَرَهْرَهة، فَعَلْعَلة كرِّر فِيهَا الْعَيْنُ وَاللَّامُ: تارَّةٌ تَكَادُ تُرْعَدُ مِنَ الرُّطُوبة، وَقِيلَ: بَيْضَاءُ؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
بَرَهْرَهَةٌ رُؤدَةٌ رَخْصَةٌ، ... كَخُرْعُوبةِ البانةِ المُنْفَطِر
وبَرَهْرَهَتُها: تَرارتُها وبَضَاضَتُها؛ وَتَصْغِيرُ بَرَهْرَهَةٍ بُرَيْهة، وَمَنْ أَتمها قَالَ بُرَيْرهَة، فأَما بُرَيْهِرَهة «1» . فَقَبِيحَةٌ قَلَّمَا يُتَكَلَّمُ بِهَا، وَقِيلَ: البَرَهْرَهة الَّتِي لَهَا بَرِيق مِنْ صَفائها، وَقَالَ غَيْرُهُ: هِيَ الرَّقِيقَةُ الْجِلْدِ كأَنَّ الْمَاءَ يَجْرِي فِيهَا مِنَ النَّعْمة. وَفِي حَدِيثِ الْمَبْعَثِ:
فأَخرج مِنْهُ عَلَقَةً سوداءَ ثُمَّ أَدخل فِيهِ البَرَهْرَهَةَ
؛ قِيلَ: هِيَ سَكِّينَةٌ بَيْضَاءُ جَدِيدَةٌ صَافِيَةٌ، مِنْ قَوْلِهِمُ امرأَة بَرَهْرَهَة كأَنها تُرْعَدُ رُطوبةً، وَرُوِيَ رَهْرَهةً أَي رَحْرَحة وَاسِعَةً؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَدْ أَكثرتُ السُّؤَالَ عَنْهَا فَلَمْ أَجد فِيهَا قَوْلًا يُقْطَعُ بصحَّته، ثُمَّ اخْتَارَ أَنها السِّكِّينُ. ابْنُ الأَعرابي: بَرِهَ الرَّجُلُ إِذا ثابَ جسمُه بَعْدَ تغيُّر مِنْ علَّة. وأَبْرَهَ الرجلُ: غَلَبَ النَّاسَ وأَتى بِالْعَجَائِبِ. والبُرهانُ: بيانُ الْحُجَّةِ واتِّضاحُها. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ*
. الأَزهري: النُّونُ فِي الْبُرْهَانِ لَيْسَتْ بأَصلية عِنْدَ اللَّيْثِ، وأَما قَوْلُهُمْ بَرْهَنَ فلانٌ إِذا جاءَ بالبُرْهان فَهُوَ مولَّد، وَالصَّوَابُ أَن يُقَالَ أَبْرَهَ إِذا جَاءَ بالبُرْهان، كَمَا قَالَ ابْنُ الأَعرابي، إِن صحَّ عَنْهُ، وَهُوَ رِوَايَةُ أَبي عَمْرٍو، وَيَجُوزُ أَن تَكُونَ النُّونُ فِي الْبُرْهَانِ نُونُ جَمْعٍ عَلَى فُعْلان، ثُمَّ جُعِلَت كَالنُّونِ الأَصلية كَمَا جَمَعُوا مَصاداً عَلَى مُصْدانٍ ومَصِيراً عَلَى مُصْرانٍ، ثُمَّ جَمَعُوا مُصْراناً عَلَى مَصارِينَ، عَلَى تَوَهُّمٍ أَنها أَصلية. وأَبْرَهةُ: اسْمُ مَلِك مِنْ مُلُوكِ الْيَمَنِ، وَهُوَ أَبْرَهةُ بن الحرث الرَّائِشُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ ذو المَنارِ. وأَبْرَهةُ ابن الصَّبّاح أَيضاً: مِنْ مُلُوكِ الْيَمَنِ، وَهُوَ أَبو يَكْسُوم مَلِكُ الحَبَشة صَاحِبُ الْفِيلِ الَّذِي ساقَه إِلى الْبَيْتِ الْحَرَامِ فأَهلكه اللَّهُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَالَ طَالِبُ بْنُ أَبي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ:
أَلم تَعْلموا مَا كَانَ فِي حَرْبِ داحِسٍ، ... وجَيْشِ أَبي يَكْسُومَ، إِذ مَلَؤُوا الشِّعْبا؟
وأَنشد الْجَوْهَرِيُّ:
مَنَعْتَ مِنْ أَبْرَهةَ الحَطِيما، ... وكُنْتَ فِيمَا ساءَهُ زَعِيما
الأَصمعي: بَرَهُوتُ على مثال رَهَبُوتٍ بئرٌ بحَضْرَمَوْتَ، يُقَالُ فِيهَا أَرواحُ الكُفَّار. وَفِي الْحَدِيثِ:
خيرُ بئرٍ فِي الأَرض زَمْزَمُ، وشرُّ بئرٍ فِي الأَرض بَرَهُوتُ
، وَيُقَالُ بُرْهُوت مِثَالُ سُبْروت. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: بَرَهُوتٌ عَلَى مِثَالِ رَهَبُوتٍ، قَالَ: صَوَابُهُ بَرَهُوتُ غَيْرُ مَصْرُوفٍ للتأْنيث وَالتَّعْرِيفِ. وَيُقَالُ فِي تَصْغِيرِ إِبْرَاهِيمَ بُرَيْه، وكأَنَّ الْمِيمَ عِنْدَهُ زَائِدَةٌ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ بُرَيْهِيم، وَذَكَرَ ابْنُ الأَثير فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ البُرَةَ حَلْقة تجعل
__________
(1) . قوله [فأما بريهرهة إلخ] كذا في الأَصل والتهذيب(13/476)
فِي أَنف الْبَعِيرِ، وَسَنَذْكُرُهَا نحن في موضعها.
بله: البَلَهُ: الغَفْلة عَنِ الشرّ وأَن لا يُحْسِنَهُ؛ بَلِهَ، بِالْكَسْرِ، بَلَهاً وتَبَلَّه وَهُوَ أَبْلَه وابتُلِهَ كبَلِه؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
إِنَّ الَّذِي يَأْمُل الدُّنْيا لَمُبْتَلَهٌ، ... وكلُّ ذِي أَمَلٍ عَنْهَا سيُشْتَغَلُ «1»
. وَرَجُلٌ أَبْلَه بيِّنُ البَلَهِ والبَلاهةِ، وَهُوَ الَّذِي غَلَبَ عَلَيْهِ سَلَامَةُ الصَّدْرِ وحُسْنُ الظنِّ بِالنَّاسِ لأَنهم أَغفَلوا أَمْرَ دُنْيَاهُمْ فَجَهِلُوا حِذْقَ التَّصَرُّفِ فِيهَا، وأَقبلوا عَلَى آخِرَتِهِمْ فشَغَلوا أَنفسهم بِهَا، فَاسْتَحَقُّوا أَن يَكُونُوا أَكثر أَهل الجنَّة، فأَما الأَبْلَه وَهُوَ الَّذِي لَا عَقْلَ لَهُ فَغَيْرُ مُرادٍ فِي الْحَدِيثِ، وَهُوَ
قَوْلُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَكثرُ أَهلِ الْجَنَّةِ البُلْهُ
، فإِنه عَنَى البُلْهَ فِي أَمر الدُّنْيَا لِقِلَّةِ اهْتِمَامِهِمْ، وَهُمْ أَكياسٌ فِي أَمر الْآخِرَةِ. قَالَ الزِّبْرقانُ بْنُ بَدْرٍ: خيرُ أَولادِنا الأَبْلهُ العَقُولُ؛ يَعْنِي أَنه لشدَّة حَيائِه كالأَبْله، وَهُوَ عَقُول، وَقَدْ بَلِه، بِالْكَسْرِ، وتَبَلَّه. التَّهْذِيبُ: والأَبْلَهُ الَّذِي طُبع عَلَى الْخَيْرِ فَهُوَ غافلٌ عَنِ الشَّرِّ لَا يَعْرِفه؛ وَمِنْهُ:
أَكثرُ أَهل الْجَنَّةِ البُلْه.
وَقَالَ النَّضْرُ: الأَبْلَه الَّذِي هُوَ مَيِّت الدَّاءِ يُرِيدُ أَن شَرَّه ميِّتٌ لَا يَنْبَه لَهُ. وَقَالَ أَحمد بْنُ حَنْبَلٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ اسْتَراح البُلْهُ، قَالَ: هُمُ الْغَافِلُونَ عَنِ الدُّنْيَا وأَهلِها وفَسادِهم وغِلِّهم، فإِذا جاؤُوا إِلى الأَمرِ والنهيِ فَهُمُ العُقَلاء الفُقَهاء، والمرأَة بَلْهاء؛ وأَنشد، ابْنُ شُمَيْلٍ:
ولقَدْ لَهَوْتُ بطِفْلةٍ مَيّالةٍ ... بَلْهاءَ تُطْلِعُني عَلَى أَسْرارِها
أَراد: أَنها غِرٌّ لَا دَهاءَ لَهَا فَهِيَ تُخْبِرني بأَسْرارِها وَلَا تَفْطَن لِمَا فِي ذَلِكَ عَلَيْهَا؛ وأَنشد غَيْرُهُ:
من امرأَةٍ بَلْهاءَ لَمْ تُحْفَظْ وَلَمْ تُضَيَّعِ
يَقُولُ: لَمْ تُحْفَظْ لِعَفافها وَلَمْ تُضَيَّعْ مِمَّا يَقُوتها ويَصُونها، فَهِيَ نَاعِمَةٌ عَفِيفةٌ. والبَلْهاءُ مِنَ النِّسَاءِ: الكريمةُ المَزِيرةُ الغَرِيرةُ المُغَفَّلةُ. والتَّبَالُه: استعمالُ البَلَه. وتَبالَه أَي أَرى مِنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ وَلَيْسَ بِهِ. والأَبْلَه: الرجلُ الأَحمق الَّذِي لَا تَمْيِيزَ لَهُ، وامرأَة بَلْهاء. والتَّبَلُّهُ: تطلُّبُ الضالَّة. والتَّبَلُّه: تَعَسُّفُ الطَّرِيقِ عَلَى غَيْرِ هِدَايَةٍ وَلَا مسأَلة؛ الأَخيرة عَنْ أَبي عَلِيٍّ. قَالَ الأَزهري: وَالْعَرَبُ تَقُولُ فلانٌ يتَبَلَّه تبَلُّهاً إِذا تعَسَّف طَرِيقًا لَا يَهْتَدِي فِيهَا وَلَا يَسْتَقِيمُ عَلَى صَوْبِها؛ وَقَالَ لَبِيدٌ:
عَلِهَتْ تَبَلَّهُ فِي نِهاءِ صُعائدٍ
وَالرِّوَايَةُ الْمَعْرُوفَةُ: عَلِهَتْ تَبَلَّدُ. والبُلَهْنِيَةُ: الرَّخاء وسَعَةُ العَيْش. وَهُوَ فِي بُلَهْنِيةٍ مِنَ الْعَيْشِ أَي سعَةٍ، صَارَتِ الأَلف يَاءً لِكَسْرَةِ مَا قَبْلَهَا، وَالنُّونُ زَائِدَةٌ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ. وَعَيْشٌ أَبْلَهُ: واسعٌ قليلُ الغُمومِ؛ وَيُقَالُ: شابٌّ أَبْلَه لِمَا فِيهِ مِنَ الغَرارة، يُوصَفُ بِهِ كَمَا يوصفُ بالسُّلُوّ والجُنُونِ لِمُضَارَعَتِهِ هَذِهِ الأَسبابَ. قَالَ الأَزهري: الأَبْلَهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى وجوهٍ: يُقَالُ عَيْش أَبْلَه وشبابٌ أَبْلَه إِذا كَانَ نَاعِمًا؛ وَمِنْهُ قَوْلُ رُؤْبَةَ:
إِمّا تَرَيْنِي خَلَقَ المُمَوَّهِ، ... بَرّاقَ أَصْلادِ الجَبينِ الأَجْلَهِ،
بعدَ غُدانِيِّ الشَّبابِ الأَبْلَهِ
يُرِيدُ النَّاعِمَ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَوْلُهُ خَلَقَ المُمَوَّه، يُرِيدُ خَلَقَ الْوَجْهَ الَّذِي قَدْ مُوِّه بِمَاءِ الشَّبَابِ، ومنه أُخذ
__________
(1) . قوله [سيشتغل] كذا بضبط الأَصل والمحكم، وقد نص القاموس على ندور مشتغل بفتح الغين(13/477)
بُلَهْنِيةُ الْعَيْشِ، وَهُوَ نَعْمته وغَفْلَتُه؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِلَقِيط بْنِ يَعْمُر الإِياديّ:
مَا لِي أَراكُمْ نِياماً فِي بُلَهْنِيَةٍ ... لَا تَفْزَعُونَ، وَهَذَا اللَّيْثُ قَدْ جَمَعا؟
وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: نَاقَةٌ بَلْهاء، وَهِيَ الَّتِي لَا تَنْحاشُ مِنْ شَيْءٍ مَكانةً ورَزانةً كأَنها حَمْقاء، وَلَا يُقَالُ جَمَلٌ أَبْلَهُ. ابْنُ سِيدَهْ: البَلْهاء ناقةٌ؛ وإِياها عنَى قيسُ بْنَ عَيْزارة الهُذلي بِقَوْلِهِ:
وَقَالُوا لَنَا: البَلْهاءُ أَوَّلُ سُؤْلةٍ ... وأَغْراسُها، واللهُ عَنِّي يُدافِعُ «2»
. وَفِي الْمَثَلِ: تُحْرِقُك النارُ أَن تَراها بَلْهَ أَن تَصْلاها؛ يَقُولُ تُحْرِقُك النارُ مِنْ بَعيدٍ فدَعْ أَن تدخلَها؛ قَالَ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَجُرُّ بِهَا يجعلُها مَصْدَرًا كأَنه قَالَ تَرْكَ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ سِوَى، وَقَالَ ابْنُ الأَنباري فِي بَلْه ثَلَاثَةُ أَقوال: قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهل اللُّغَةِ بَلْه مَعْنَاهَا عَلَى، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مَنْ خَفَضَ بِهَا جعلَها بِمَنْزِلَةِ عَلَى وَمَا أَشبهها مِنْ حُرُوفِ الْخَفْضِ، وَقَالَ اللَّيْثُ: بَلْه بِمَعْنَى أَجَلْ؛ وأَنشد:
بَلْهَ إِني لَمْ أَخُنْ عَهْدًا، وَلَمْ ... أَقْتَرِفْ ذَنْبًا فتَجْزيني النِّقَمْ
وَفِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ، صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لَا عينٌ رأَتْ وَلَا أُذُنٌ سمعتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قلبِ بَشرٍ بَلْهَ مَا اطَّلَعْتم عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ الأَثير: بَلْهَ مِنْ أَسماء الأَفعال بِمَعْنَى دَعْ واتْرُكْ، تَقُولُ: بَلْهَ زَيْدًا، وَقَدْ تُوضَعُ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ وَتُضَافُ فَتَقُولُ: بَلْهَ زَيدٍ أَي تَرْكَ زَيْدٍ، وَقَوْلُهُ: مَا اطَّلَعْتُمْ عَلَيْهِ يَحْتَمِلُ أَن يَكُونَ مَنْصُوبَ الْمَحَلِّ ومجرورَه عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ، وَالْمَعْنَى دَعْ مَا اطَّلعتم عَلَيْهِ وعَرَفتموه مِنْ نَعِيمِ الْجَنَّةِ وَلَذَّاتِهَا. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: قَالَ الأَحمر وَغَيْرُهُ بَلْه مَعْنَاهُ كَيْفَ مَا اطَّلعتم عَلَيْهِ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: كُفَّ ودَعْ مَا اطَّلعتم عَلَيْهِ، وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ يَصِفُ السُّيُوفَ:
نَصِلُ السيوفَ إِذا قَصُرْنَ بخَطْوِنا ... قَدَماً، ونُلْحِقُها إِذا لَمْ تَلْحَقِ
تَذَرُ الجَماجمَ ضَاحِيًا هاماتُها، ... بَلْهَ الأَكفَّ، كأَنها لَمْ تُخْلَقِ
يَقُولُ: هِيَ تَقطَع الهامَ فدَعِ الأَكفَّ أَي هِيَ أَجدرُ أَن تَقْطعَ الأَكف؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ الأَكف: يُنْشَدُ بِالْخَفْضِ وَالنَّصْبِ، والنصبُ عَلَى مَعْنَى دَعِ الأَكف، وَقَالَ الأَخفش: بَلْهَ هاهنا بِمَنْزِلَةِ الْمَصْدَرِ كَمَا تَقُولُ ضَرْبَ زيدٍ، وَيَجُوزُ نَصْبُ الأَكف عَلَى مَعْنَى دَعِ الأَكف؛ قَالَ ابْنُ هَرْمة:
تَمْشي القَطُوفُ، إِذا غَنَّى الحُداةُ بِهَا، ... مَشْيَ النجيبةِ، بَلْهَ الجِلَّةَ النُّجُبا
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: رَوَاهُ أَبو عَلِيٍّ:
مَشْيَ الجوادِ فَبَلْهَ الجِلَّةَ النُّجُبا
وَقَالَ أَبو زُبَيْدٍ:
حَمّال أَثْقالِ أَهلِ الوُدِّ آوِنةً، ... أُعْطيهمُ الجَهْدَ مِنِّي، بَلْهَ مَا أَسَعُ
أَي أُعطيهم مَا لَا أَجِدُه إِلا بجَهد، وَمَعْنَى بَلْهَ أَي دَعْ مَا أُحيط بِهِ وأَقدر عَلَيْهِ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: بَلْهَ كَلِمَةٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْفَتْحِ مِثْلَ كَيْفَ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: حَقُّهُ أَن يَقُولَ مَبْنِيَّةً عَلَى الْفَتْحِ إِذا نَصَبْتَ مَا بَعْدَهَا فَقُلْتَ بَلْه زَيْدًا كَمَا تَقُولُ رُوَيْدَ زَيْدًا، فإِن قُلْتَ بَلْه زيدٍ بالإِضافة كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الْمَصْدَرِ مُعْرَبَةً، كَقَوْلِهِمْ: رُوَيدَ زيدٍ، قَالَ: وَلَا يَجُوزُ أَن تُقَدِّرَهُ مَعَ الإِضافة
__________
(2) . قوله [البلهاء أول] كذا بالمحكم بالرفع فيهما(13/478)
اسْمًا لِلْفِعْلِ لأَن أَسماء الأَفعال لَا تُضَافُ، وَاللَّهُ تعالى أَعلم.
بنه: هَذِهِ تَرْجَمَةٌ تَرْجَمَهَا ابْنُ الأَثير فِي كِتَابِهِ وَقَالَ: بِنْها، بِكَسْرِ الْبَاءِ وَسُكُونِ النُّونِ، قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى مِصْرَ، باركَ النبيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي عَسَلها؛ قَالَ: وَالنَّاسُ اليَومَ يفتحون الباء.
بهه: الأَبَهُّ: الأَبَحُّ. أَبو عَمْرٍو: بَهَّ إِذا نَبُلَ وَزَادَ فِي جَاهِهِ ومنزلتِه عِنْدَ السُّلْطَانِ، قَالَ: وَيُقَالُ للأَبَحِّ أَبَهُّ. وَقَدْ بَهَّ يَبَهُّ أَي بَحَّ يَبَحُّ. وبَهْ بَهْ: كَلِمَةُ إِعظامٍ كبَخْ بَخْ. قَالَ يَعْقُوبُ: إِنما تُقَالُ عِنْدَ التَّعَجُّبِ مِنَ الشَّيْءِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
مَنْ عَزاني قَالَ: بَهْ بَهْ ... سِنْخُ ذَا أَكْرمُ أَصلِ
وَيُقَالُ لِلشَّيْءِ إِذا عَظُم: بَخْ بَخْ وبَهْ بَهْ. وَفِي الْحَدِيثِ:
بَهْ بَهْ إِنك لضَخْمٌ
؛ قِيلَ: هِيَ بِمَعْنَى بَخْ بَخْ. يُقَالُ: بَخْبَخَ بِهِ وبَهْبَه، غيرَ أَن الْمَوْضِعَ لَا يَحْتَمِلُهُ إِلا عَلَى بُعْد لأَنه قَالَ إِنك لضَخْم كالمُنْكر عَلَيْهِ، وَبَخْ بَخْ لَا تُقَالُ فِي الإِنكار. المُفَضَّلُ الضَّبِّيُّ: يُقَالُ إِن حَوْلَهُ مِنَ الأَصوات البَهْبَهَ أَي الكثيرَ. والبَهْبَهُ: مِنْ هَدير الْفَحْلِ. والبَهْبَهَةُ: الهَدْرُ الرَّفِيعُ؛ قَالَ رُؤْبَةُ يَصِفُ فَحْلًا:
ودونَ نبْح النَّابِحِ المُوَهْوِهِ ... رَعَّابةٌ يُخْشِي نُفوسَ الأُنَّهِ
برَجْسِ بَخْباخ الهَدير البَهْبهِ
وَيُرْوَى: بَهْباهِ الهَدير البَهْبه. الْجَوْهَرِيُّ: البَهْباهُ فِي الْهَدِيرِ مِثْلُ البَخْباخ. ابْنُ الأَعرابي: فِي هَدْره بَهْبَهٌ وبَخْبَخ، وَالْبَعِيرُ يُبَهْبهُ فِي هَديره. ابْنُ سِيدَهْ: والبَهْبَهيُّ الجَسيم الجَريء؛ قَالَ:
لَا تَراهُ فِي حادِثِ الدهْرِ إِلَّا ... وهْوَ يَغْدو بِبَهْبَهِيٍّ جَريم
بوه: البُوهةُ: الرَّجُلُ الضَّعِيفُ الطائشُ؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
أَيا هِنْدُ، لَا تَنْكحِي بُوهةً، ... عَلَيْهِ عَقيقتُه أَحْسَبا
وَقِيلَ: أَراد بالبُوهة الأَحمق. والبُوهة: الرَّجُلُ الأَحمق. وَالْبَوْهَةُ: الرَّجُلُ الضاوِيُّ. والبُوهة: الصُّوفة الْمَنْفُوشَةُ تُعْمَل للدَّواةِ قَبْلَ أَن تُبَلّ. والبُوهة: مَا أَطارته الريحُ مِنَ التُّرَابِ. يُقَالُ: هُوَ أَهون مِنْ صُوفَةٍ فِي بُوهةٍ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَقَوْلُهُمْ صُوفَةٌ فِي بُوهة يُرَادُ بِهَا الهَباء الْمَنْثُورُ الَّذِي يُرى فِي الكَوّة. والبُوهة: الرِّيشة الَّتِي بَيْنَ السَّمَاءِ والأَرض تَلْعَب بِهَا الرياحُ. والبُوهة: السِحْق. يُقَالُ: بُوهةً لَهُ وشُوهةً قَالَ الأَزهري فِي تَرْجَمَةِ شوه: والشُّوهة البُعْد، وَكَذَلِكَ البُوهة. يُقَالُ: شُوهةً وبُوهةً، وَهَذَا يُقَالُ فِي الذَّمِّ. أَبو عَمْرٍو: البَوْه اللَّعن.، يُقَالُ: عَلَى إِبليس بَوْهُ اللَّهِ أَي لَعْنَةُ اللَّهِ. والبُوهة والبُوه: الصَّقْر إِذا سَقَطَ رِيشُهُ. والبُوهة والبُوه: ذَكَر البُوم، وَقِيلَ: البُوه الْكَبِيرُ مِنَ الْبُومِ؛ قَالَ رُؤْبَةُ يَذْكُرُ كِبَره:
كالبُوه تَحْتَ الظُّلَّة المَرْشوشِ
وَقِيلَ: الْبَوْهَةُ والبُوه طَائِرٌ يُشْبِهُ البُومة إِلَّا أَنه أَصغر مِنْهُ، والأُنثى بُوهة. وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: هِيَ البُومة الصَّغِيرَةُ ويُشَبَّه بِهَا الرَّجُلُ الأَحمق، وأَنشد بَيْتَ امْرِئِ الْقَيْسِ:
أَيا هندُ لَا تَنْكحي بُوهةً
والباهُ والباهةُ: النِّكَاحُ، وَقِيلَ: الباهُ الحظُّ مِنَ النِّكَاحِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: والباهُ مِثْلُ الْجَاهِ لُغَةٌ فِي(13/479)
الباءَة، وَهُوَ الْجِمَاعُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن امرأَة مَاتَ عَنْهَا زوجُها فَمَرَّ بِهَا رجلٌ وَقَدْ تزيَّنَتْ لِلْبَاهِ
أَي لِلنِّكَاحِ؛ وَمِثْلُهُ حَدِيثُ
ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنِ استَطاع مِنْكُمُ الباهَ فليتزوجْ، وَمَنْ لَا يَسْتَطيع فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فإِنه لَهُ وِجاءٌ
؛ أَراد مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَن يَتَزَوَّجَ وَلَمْ يُرد بِهِ الْجِمَاعَ، يَدُلُّكُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ وَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، لأَنه إِن لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْجِمَاعِ لَمْ يَحْتَجْ إِلى الصَّوْمِ ليُجْفِر، وإِنما أَراد مَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ جِدَةٌ فيُصْدِقَ الْمَنْكُوحَةَ ويَعُولَها، وَاللَّهُ أَعلم. ابْنُ الأَعرابي: الباءُ والباءةُ والباهُ مَقُولاتٌ كلُّها، فجَعل الْهَاءَ أَصلية فِي الْبَاهِ. ابْنُ سِيدَهْ: وبُهْتُ الشيءَ أَبوه وبِهْتُ أَباه فَطِنْت. يُقَالُ: مَا بُهْتُ لهُ وَمَا بِهْت أَي مَا فَطِنْتُ لَهُ. والمُسْتَباه: الذاهبُ الْعَقْلِ. والمُسْتَباه: الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ أَرض إِلى أُخرى. والمُسْتَباهَة: الشَّجَرَةُ يَقْعَرُها السيلُ فيُنَحّيها مِنْ مَنْبِتها كأَنه مِنْ ذَلِكَ. الأَزهري: جَاءَتْ تَبُوه بَواهاً أَي تَضجُّ، وَاللَّهُ أَعلم.
فصل التاء المثناة فوقها
تبه: التابُوه: لُغَةٌ فِي التَّابُوتِ، أَنصاريّة. قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَقَدْ قُرِئَ بِهَا، قَالَ: وأُراهم غَلِطوا بِالتَّاءِ الأَصلية فإِنه سُمِعَ بعضُهم يَقُولُ قَعَدْنا عَلَى الفُراه، يريدون على الفرات.
تجه: ابْنُ سِيدَهْ: رَوَى أَبو زَيْدٍ تَجِهَ يَتْجَهُ بِمَعْنَى اتَّجَهَ، وَلَيْسَ مِنْ لَفْظِهِ لأَن اتَّجَه مِنْ لَفْظِ الوجْه، وتَجِهَ مِنْ هـ ج ت، وَلَيْسَ مَحْذُوفًا مِنِ اتَّجَه كتَقَى يَتْقِي، إِذ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقِيلَ تَجَهَ. الأَزهري فِي تَرْجَمَةِ هـ ج ت قَالَ: أُهملت وُجُوهه، وأَما تُجاه [تِجاه] فأَصله وُجَاه [وِجَاه] ، قال: وقد اتَّجَهْنا وتَجَهْنا، وأَحال على المعتل. وَفِي حَدِيثِ صَلَاةِ الْخَوْفِ:
وطائفةٌ تُجاهَ العدوّ
أَي مُقابِلَتهم، وَالتَّاءُ فِيهِ بَدَلٌ مِنَ واو وُجاه أَي مما يَلي وُجوهَهم.
تره: التُّرُّهات والتُّرَّهات: الأَباطيل، وَاحِدَتُهَا تُرَّهة، وَهِيَ التُّرَّهُ، بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ، وَهِيَ فِي الأَصل الطُّرُق الصِّغَارُ المُتَشَعِّبة عَنِ الطَّرِيقِ الأَعظم، وَالْجَمْعُ التَّرَارِه، وَقِيلَ: التُّرَّهُ والتُّرَّهة وَاحِدٌ، وَهُوَ الْبَاطِلُ. الأَزهري: التُّرَّهات الْبَوَاطِلُ مِنَ الأُمور؛ وأَنشد لِرُؤْبَةَ:
وحَقَّةٍ ليستْ بقَوْلِ التُّرَّهِ
هِيَ وَاحِدَةُ التُّرَّهات. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ فِي قَوْلِ رُؤْبَةَ لَيْسَتْ بِقَوْلِ التُّرَّه، قَالَ: وَيُقَالُ فِي جَمْعِ تُرَّهَةٍ لِلْبَاطِلِ تُرَّهٌ، قَالَ: وَيُقَالُ هُوَ وَاحِدٌ. الْجَوْهَرِيُّ: التُّرَّهات الطُّرُق الصِّغار غَيْرُ الجادَّة تَتَشعَّب عَنْهَا، الْوَاحِدَةُ تُرَّهة، فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
ذاكَ الَّذِي، وأَبيكَ، يَعْرِفُ مالكٌ، ... والحقُ يَدْفعُ تُرَّهاتِ الباطلِ
واستُعير فِي الْبَاطِلِ فَقِيلَ: التُّرَّهاتُ البَسَابِسُ، والتُّرَّهاتُ الصَّحاصِحُ، وَهُوَ مِنْ أَسماء الْبَاطِلِ، وَرُبَّمَا جَاءَ مُضَافًا، وَقَوْمٌ يَقُولُونَ تُرّهٌ، وَالْجَمْعُ تَراريه؛ وأَنشدوا:
رُدُّوا بَني الأَعْرجِ إِبْلِي مِنْ كَثَبْ ... قَبْلَ التَّراريه، وبُعْدِ المُطَّلَبْ
تفه: تَفِهَ الشيءُ يَتْفَهُ تَفَهاً وتُفوهاً وتَفاهةً: قَلَّ وخَسَّ، فَهُوَ تَفِهٌ وتافِهٌ. وَرَجُلٌ تافِهُ العقْل أَي قليلُه. والتافِهُ: الْحَقِيرُ الْيَسِيرُ، وَقِيلَ: الْخَسِيسُ القليلُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الرُّوَيْبِضة؟ فَقَالَ: الرَّجُلُ التافهُ يَنْطِق فِي أَمر الْعَامَّةِ
؛ قَالَ: التَّافِهُ الْحَقِيرُ الْخَسِيسُ. وَفِي حَدِيثِ(13/480)
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وذَكَرَ الْقُرْآنَ: لَا يَتْفَهُ وَلَا يَتَشانُ
؛ يَتشانُّ: يَبْلَى مِنَ الشَّنّ، وَلَا يَخْلُقُ مِنْ كَثْرَةِ التَّرْداد، مِنَ الشَّنّ، وَهُوَ السِّقاء الخَلَق؛ وَقَوْلُهُ لَا يَتْفَهُ هُوَ مِنَ الشَّيْءِ التَّافِهِ، وَهُوَ الْخَسِيسُ الْحَقِيرُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
كانتِ اليدُ لَا تُقْطَع فِي الشَّيْءِ التافِهِ
؛ وَمِنْهُ قَوْلُ إِبراهيم: تَجُوزُ شَهَادَةُ العبدِ فِي الشَّيْءِ التافِهِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهده قَوْلُ الشَّاعِرِ:
لَا تُنْجِز الوَعْدَ إِنْ وَعَدْت وإِنْ ... أَعْطَيْتَ، أَعْطَيْتَ تَافِهًا نَكِدا
والأَطعمةُ التَّفِهة: الَّتِي لَيْسَ لَهَا طَعْمُ حَلَاوَةٍ أَو حُموضة أَو مَرارة، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ الْخُبْزَ وَاللَّحْمَ مِنْهَا. وتَفِهَ الرجلُ تُفوهاً، فَهُوَ تافِهٌ: حَمُق. والتُّفَةُ: عَناقُ الأَرض، وَهِيَ أَيضاً المرأَة المَحْقُورة، وَالْمَعْرُوفُ فِيهِمَا التُّفَّةُ؛ تَقُولُ الْعَرَبُ: اسْتَغْنَتِ التُّفَّةُ عَنِ الرُّفَّة؛ الرُّفَّة: التِّبْنُ لأَنها تَطْعَم اللحمَ إِذ كَانَتْ سَبُعاً؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ فِي أَنوائه؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَالصَّحِيحُ تُفَةٌ ورُفَةٌ كَمَا ذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ فِي فَصْلِ رَفَّةٍ فإِنه قَالَ: التُّفَة والرُّفَة بِالتَّاءِ الَّتِي يُوقَفُ عَلَيْهَا بِالْهَاءِ، قَالَ: وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ ابْنُ جِنِّي عَنِ ابْنِ دُرَيْدٍ وَغَيْرِهِ. وَيُقَالُ: التُّفَة والرُّفَة، بِالتَّخْفِيفِ، مِثْلُ الثُّبَةِ والقُلَةِ، قَالَ: وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، قَالَ: وَذَكَرَهَا ابْنُ السِّكِّيتِ فِي أَمثاله فَقَالَ أَغنى عَنْ ذَلِكَ مِنَ التُّفَه عَنِ الرُّفَه، بِالتَّخْفِيفِ لَا غَيْرَ وَبِالْهَاءِ الأَصلية؛ وأَنشد ابْنُ فَارِسٍ شَاهِدًا عَلَى تَخْفِيفِ التُّفَة والرُّفَة:
غَنِينا عَنْ وِصالِكُمُ حَدِيثاً، ... كَمَا غَنِيَ التُّفاتُ عَنِ الرُّفاتِ
وأَنشد أَبو حَنِيفَةَ فِي كِتَابِ النَّبَاتِ يَصِفُ ظَليماً:
حَبَسَتْ مَناكِبُه السَّفَا، فكأَنَّه ... رُفَةٌ بأَنْحِيةِ المَداوِس مُسْنَدُ
شبَّه مَا أَضافت الريحُ إِلى مَناكِبه وَهُوَ حَاضِنٌ بَيْضَهُ لَا يَبْرَحُ بِالتِّبْنِ الْمَجْمُوعِ فِي نَاحِيَةِ البَيْدر، وأَنحية: جَمْعُ نَاحِيَةٍ مثْل وَادٍ وأَودية، قَالَ: وَجَمْعُ فَاعِلٍ عَلَى أَفعلة نادر.
تله: التَّلَهُ: الحَيْرة. تَلِه الرجلُ يَتْلَهُ تَلَهاً: حَارَ. وتَتَلَّهَ: جَالَ فِي غَيْرِ ضَيْعة. ورأَيتُه يتَتَلَّه أَي يتَرَدَّدُ مُتَحِيِرًا؛ وأَنشد أَبو سَعِيدٍ بيتَ لَبِيدٍ:
باتتْ تَتَلَّه فِي نِهاءٍ صُعائِدٍ
وَرَوَاهُ غَيْرُهُ: تبَلَّد؛ وَقِيلَ أَصل التَّلَهِ بِمَعْنَى الْحَيْرَةِ الوَلَهُ، قُلِبَتِ الْوَاوُ تَاءً، وَقَدْ وَلِهَ يَوْلَهُ وتَلِهَ يَتْلَهُ، وَقِيلَ: كَانَ فِي الأَصل ائْتَلَهَ يَأْتَلِهُ، فأُدغمت الْوَاوُ فِي التَّاءِ فَقِيلَ اتَّلَهَ يَتَّلِهُ، ثُمَّ حُذِفَتِ التَّاءُ فَقِيلَ تلِهَ يَتْلَهُ، كَمَا قَالُوا تَخِذَ يَتْخَذُ وتَقِيَ يَتْقى، والأَصل فِيهِمَا اتَّخَذَ يَتَّخِذ واتَّقَى يتَّقي، وَقِيلَ: تَلِهَ كَانَ أَصله دَلِهَ. ابْنُ سِيدَهْ: التَّلَهُ لُغَةٌ فِي التَّلَف، والمَتْلَهَة المَتْلَفة. وَفَلَاةٌ مَتْلَهة أَي مَتْلَفة؛ قَالَ الشَّاعِرُ «1» :
بِهِ تَمَطَّتْ غَوْلَ كُلِّ مَتْلَه
يَعْنِي مَتْلَفٍ. الأَزهري فِي النَّوَادِرِ: تَلِهْتُ كَذَا وتَلِهْتُ عَنْهُ أَي ضَلِلْتُه وأُنْسِيتُه.
تمه: تَمِهَ الدُّهْنُ وَاللَّبَنُ وَاللَّحْمُ يَتْمَهُ تَمَهاً وتَماهَةً، فَهُوَ تَمِهٌ: تَغَيَّرَ رِيحُهُ وَطَعْمُهُ، مِثْلُ الزُّهُومة. وتَمِهَ الطعامُ، بِالْكَسْرِ، تَمَهاً: فَسَدَ. والتَّمَه فِي اللَّبَنِ: كالنَّمَسِ فِي الدَّسَمِ. وَشَاةٌ مِتْماةٌ: يَتْمَهُ لَبَنُها أَي يَتَغَيَّرُ سَرِيعًا رَيْثَما يُحْلَبُ. وتَمِهَ وتَهِمَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَبِهِ سميت تِهامَةُ.
__________
(1) . قوله [قال الشاعر] هو رؤبة، وعجزه كما في التكملة:
بِنَا حَرَاجِيجُ الْمَهَارَى النُّفَّهِ
ويروى: ميله من الوله(13/481)
تهته: التَّهْتَهةُ: الْتِواءٌ فِي اللِّسَانِ مِثْلُ اللُّكْنَة. والتَّهاتِهُ: الأَباطيلُ والتُّرَّهاتُ؛ قَالَ القَطامِيّ:
وَلَمْ يَكُنْ مَا ابْتَلَينا مِنْ مَواعِدها ... إِلَّا التَّهاتِهَ، والأُمْنيَّةَ السَّقَما «2»
. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُرْوَى وَلَمْ يَكُنْ مَا ابْتَلَيْنا أَي جَرَّبْنا وخَبَرْنا، وَكَذَا فِي شِعْرِهِ مَا ابْتَلَيْنا، وَكَذَا رَوَاهُ أَبو عُبَيْدٍ فِي بَابِ الْبَاطِلِ مِنَ الْغَرِيبِ المُصَنَّف. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُقَالُ تُهْتِهَ فِي الشَّيْءِ أَي رُدِّدَ فِيهِ. وَيُقَالُ: تُهْتِهَ فلانٌ إِذا رُدِّدَ فِي الْبَاطِلِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ رُؤْبَةَ:
فِي غائلاتِ الْحَائِرِ المُتَهْتَهِ
وَهُوَ الَّذِي رُدِّدَ فِي الأَباطيل. وتُهْ تُهْ: حِكَايَةُ المُتَهْتِهِ. وتُهْ تُهْ: زَجْرٌ لِلْبَعِيرِ ودُعاء لِلْكَلْبِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
عَجِبْتُ لِهَذِهِ نَفَرَتْ بَعيري، ... وأَصْبَحَ كَلْبُنا فَرِحاً يَجُولُ
يُحاذِرُ شَرَّها جَمَلي، وكَلْبي ... يُرَجِّى خيرَها، مَاذَا تَقولُ؟
يَعْنِي بِقَوْلِهِ لِهَذِهِ أَي لِهَذِهِ الْكَلِمَةِ، وَهِيَ تُهْ تُهْ زَجْرٌ لِلْبَعِيرِ يَنْفِرُ مِنْهُ، وَهِيَ دُعَاءٌ للكلب.
توه: التَّوْهُ: لُغَةٌ فِي التِّيهِ، وَهُوَ الهَلاكُ، وَقِيلَ: الذَّهَابُ، وَقَدْ تاهَ يتُوهُ ويَتِيهُ تَوْهاً هَلَك. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وإِنما ذَكَرْتُ هُنَا يتِيهُ وإِن كَانَتْ يَائِيَّةَ اللَّفْظِ لأَن يَاءَهَا وَاوٌ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ مَا أَتْوَهَهُ فِي مَا أَتْيَهه، وَالْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي طاحَ يَطِيحُ، وَسَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ. قَالَ أَبو زَيْدٍ: قَالَ لِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي كِلَابٍ أَلْقَيْتَنِي فِي التُّوهِ، يُرِيدُ التِّيهَ. وتَوّهَ نفسَه: أَهلكها، وَمَا أَتْوَهَه. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: فَتَاهَ يتيهُ، عَلَى هَذَا، فَعِلَ يَفْعِلُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، وفلاةٌ تُوهٌ وَالْجَمْعُ أَتْواهٌ وأَتاويهُ.
تيه: التِّيهُ: الصَّلَفُ والكِبْرُ. وَقَدْ تاهَ يَتِيهُ تَيْهاً: تَكَبَّرَ. وَرَجُلٌ تائِهٌ وتَيّاهٌ وتَيَّهان وَرَجُلٌ تَيْهانٌ وتَيِّهانٌ إِذا كَانَ جَسُوراً يَرْكَبُ رأْسَه فِي الأُمور، وَنَاقَةٌ تَيْهانةٌ؛ وأَنشد:
تَقْدُمُها تَيْهانةٌ جَسُورُ، ... لَا دِعْرِمٌ نامَ وَلَا عَثُورُ
وَتَاهَ فِي الأَرض يَتِيهُ تَوْهاً وتَيْهاً وتِيهاً وتَيَهاناً، والتِّيه أَعَمُّها، أَي ذَهَبَ مُتَحَيِّرًا وضَلَّ، وَهُوَ تَيّاهٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِنك امْرُؤٌ تائِهٌ
أَي مُتَكَبِّرٌ أَو ضالٌّ متحيِّر؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
تاهَتْ بِهِ سَفِينَتُه.
أَبو عُبَيْدٍ: طاحَ يَطِيحُ طَيْحاً وتاهَ يتِيه تَيْهاً وتَيَهاناً، وَمَا أَطْوَحَه وأَتْوَهه وأَطْيَحه وأَتْيَهه، وَقَدْ طَوَّحَ نفسَه وتَوَّهَها. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: رَجُلٌ تَيَّهانٌ إِذا تَاهَ فِي الأَرض، قَالَ: وَلَا يُقَالُ فِي الكِبْر إِلَّا تائِهٌ وتَيّاه، وَبَلَدٌ أَتْيَهُ. والتَّيْهاء: الأَرض الَّتِي لَا يُهْتَدَى فِيهَا. والتَّيْهاءُ: المَضِلَّةُ الْوَاسِعَةُ الَّتِي لَا أَعلام فِيهَا وَلَا جِبَالَ وَلَا إِكامَ. والتِّيه: المَفازَة يُتاهُ فِيهَا، وَالْجَمْعُ أَتْياهٌ وأَتاوِيهُ. وَفَلَاةٌ تَيْهاءُ وأَرض تِيهٌ وتَيْهاء ومَتْيَهة ومُتِيهَةٌ ومَتِيهة ومِتْيَهٌ: مَضِلَّة أَي يَتيه فِيهَا الإِنسانُ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
تِيه أَتاوِيه عَلَى السُّقَّاطِ
وَقَدْ تَيَّهه. وأَرض مُتَيِّهَةٌ؛ وأَنشد:
مُشْتَبِه مُتَيِّه تَيْهاؤُه
__________
(2) . قوله [وَلَمْ يَكُنْ مَا ابْتَلَيْنَا] كذا بالأصل والمحكم والصحاح، والذي في التهذيب: ما اجتنينا، ولعلها وقعت في بعض نسخ من الصحاح كذلك حتى قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ وَيُرْوَى إلخ(13/482)
وأَرض مَتِيهةٌ: مِثَالُ مَعِيشةٍ، وأَصله مَفْعِلَة. وَيُقَالُ: مَكَانٌ مِتْيَهٌ لِلَّذِي يُتَيِّه الإِنسانَ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
يَنْوي اشتِقاقاً فِي الضلالِ المِتْيَهِ
أَبو تُرَابٍ: سَمِعْتُ عَرَّاماً يقول تاهَ بصرُ الرَّجُلِ وتافَ إِذَا نَظَرَ إِلى الشَّيْءِ فِي دَوامٍ، وتافَ عَنِّي بَصرُك، وتاهَ إِذا تَخطَّى. الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ أَتْيَهُ النَّاسِ. وتَيَّه نفسَه وتَوَّه بِمَعْنًى أَي حَيَّرها وطوَّحها، وَالْوَاوُ أَعم. وَمَا أَتْيَهه وأَتْوَهَهُ. والتِّيهُ: حَيْثُ تَاهَ بَنُو إِسرائيل أَي حَارُوا فَلَمْ يَهْتَدُوا لِلْخُرُوجِ مِنْهُ؛ فأَما قَوْلُهُ:
تَقْذِفُه فِي مثلِ غِيطان التِّيهْ، ... فِي كلِّ تِيهٍ جَدْوَلٌ تُؤَتِّيهْ
فإِنما عَنَى التِّيهَ مِنَ الأَرض، أَو جَمْعَ تَيْهاء مِنَ الأَرض، وَلَيْسَ بتِيهِ بَنِي إِسرائيل لأَنه قَدْ قَالَ فِي كُلِّ تِيهٍ، فَذَلِكَ يَدُلُّكَ عَلَى أَنه أَتْياهٌ لَا تِيهٌ وَاحِدٌ، وتِيهُ بَنِي إِسرائيل لَيْسَ أَتْياهاً إِنما هُوَ تِيهٌ، وَاحِدٌ، شبَّه أَجوافَ الإِبل فِي سَعتها بِالتِّيهِ، وَهُوَ الواسعُ مِنَ الأَرض. وتَيَّه الشيءَ: ضَيَّعَه. وتَيْهانُ: اسمٌ.
فصل الثاء المثلثة
ثوه: ابْنُ سِيدَهْ: الثَّاهَةُ اللَّهَاةُ، وَقِيلَ: اللِّثَةُ، قَالَ: وإِنما قَضَيْنَا عَلَى أَن أَلفها وَاوٌ لأَن الْعَيْنَ وَاوًا أَكثر مِنْهَا يَاءً.
فصل الجيم
جبه: الجَبْهة للإِنسان وَغَيْرِهِ، والجَبْهَةُ: مَوْضِعُ السُّجُودِ، وَقِيلَ: هِيَ مُسْتَوَى مَا بَيْنَ الْحَاجِبَيْنِ إِلَى النَّاصِيَةِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَوَجَدْتُ بِخَطِّ عَلِيِّ بْنِ حَمْزَةَ في المُصَنَّف فإِذا انْحَسَر الشعرُ عَنْ حَاجِبَيْ جَبْهَتِه، وَلَا أَدري كَيْفَ هَذَا إِلا أَن يُرِيدَ الْجَانِبَيْنِ. وجَبْهة الْفَرَسِ: مَا تَحْتَ أُذنيه وَفَوْقَ عَيْنَيْهِ، وَجَمْعُهَا جِباهٌ. والجَبَهُ: مصدرُ الأَجْبَهِ، وَهُوَ الْعَرِيضُ الجَبْهةِ، وامرأَة جَبْهاء؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَبِتَصْغِيرِهِ سُمِّيَ جُبَيْهاءُ الأَشْجَعِيُّ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: رَجُلٌ أَجْبَهُ بيِّنُ الجَبَهِ وَاسِعُ الجَبْهَةِ حَسَنُها، وَالِاسْمُ الجَبَهُ، وَقِيلَ: الجَبَهُ شُخوص الجَبْهة. وَفَرَسٌ أَجْبَهُ: شاخصُ الجَبْهة مُرْتَفِعُهَا عَنْ قَصَبة الأَنف. وجَبَهَهُ جَبْهاً: صَكَّ جَبْهته. والجابِهُ: الَّذِي يَلْقَاكَ بِوَجْهِهِ أَو بجَبْهَتِه مِنَ الطَّيْرِ وَالْوَحْشِ، وَهُوَ يُتَشاءَم بِهِ؛ وَاسْتَعَارَ بعضُ الأَغْفال الجَبْهَةَ لِلْقَمَرِ، فَقَالَ أَنشده الأَصمعي:
مِنْ لَدُ مَا ظُهْرٍ إِلى سُحَيْرِ، ... حَتَّى بَدَتْ لِي جَبْهةُ القُمَيْرِ
وجَبْهةُ الْقَوْمِ: سيدُهم، عَلَى المَثل. والجَبْهةُ مِنَ النَّاسِ: الجماعةُ. وَجَاءَتْنَا جَبْهة مِنَ النَّاسِ أَي جَمَاعَةٌ. وجَبَهَ الرجلَ يَجْبَهُه جَبْهاٍ: رَدَّه عَنْ حَاجَتِهِ وَاسْتَقْبَلَهُ بِمَا يَكْرَهُ. وجَبَهْتُ فُلَانًا إِذا اسْتَقْبَلْتَهُ بِكَلَامٍ فِيهِ غِلْظة. وجَبَهْتُه بِالْمَكْرُوهِ إِذا اسْتَقْبَلْتَهُ بِهِ. وَفِي حَدِيثِ حَدِّ الزِّنَا:
أَنه سأَل اليهودَ عَنْهُ فَقَالُوا عَلَيْهِ التَّجْبِيهُ، قَالَ: مَا التَّجْبِيهُ؟ قَالُوا: أَن تُحَمَّم وُجُوهُ الزَّانِيَيْنِ ويُحْمَلا عَلَى بَعِيرٍ أَو حِمَارٍ ويُخالَف بَيْنَ وُجُوهِهِمَا
؛ أَصل التَّجْبِيهِ: أَن يُحْمَلَ اثْنَانِ عَلَى دَابَّةٍ وَيُجْعَلَ قَفَا أَحدهما إِلى قَفَا الْآخَرِ، وَالْقِيَاسُ أَن يُقابَلَ بَيْنَ وُجُوهِهِمَا لأَنه مأْخوذ مِنَ الجَبْهَة. والتَّجْبِيهُ أَيضاً: أَن يُنَكِّسَ رأْسَه، فَيُحْتَمَلُ أَن يَكُونَ الْمَحْمُولُ عَلَى الدَّابَّةِ إِذا فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ نَكَّسَ رأْسَه، فَسُمِّيَ ذَلِكَ الْفِعْلُ تَجْبِيهاً، وَيُحْتَمَلُ أَن يَكُونَ(13/483)
مِنَ الجَبْهِ وَهُوَ الِاسْتِقْبَالُ بِالْمَكْرُوهِ، وأَصله مِنْ إِصابة الجَبْهةِ، مِنْ جَبَهْتُه إِذا أَصبت جَبْهَتَه.
وَقَوْلُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فإِن اللَّهَ قَدْ أَراحكم «1» . مِنَ الجَبْهَةِ والسَّجَّةِ والبَجَّةِ
؛ قِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ: الجَبْهةُ المَذَلَّة؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأُراه مِنْ هَذَا، لأَن مَنِ استُقْبِلَ بِمَا يَكْرَهُ أَدركته مَذَلَّةٌ، قَالَ: حَكَاهُ الْهَرَوِيُّ فِي الْغَرِيبَيْنِ، وَالِاسْمُ الجَبيهَةُ، وَقِيلَ: هُوَ صَنَمٌ كَانَ يُعْبَدُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، قَالَ: والسَّجَّة السَّجاجُ وَهُوَ المَذيقُ مِنَ اللَّبَنِ، والبَجَّةُ الفَصِيدُ الَّذِي كَانَتِ الْعَرَبُ تأْكله مِنَ الدَّمِ يَفْصِدُونه، يَعْنِي أَراحكم مِنْ هَذِهِ الضَّيْقَةِ وَنَقَلَكُمْ إِلى السَّعة. ووَرَدْنا مَاءً لَهُ جَبِيهةٌ إِما كَانَ مِلْحاً فَلَمْ يَنْضَحْ ما لَهم الشُّرْبُ، وإِما كَانَ آجِناً، وإِما كَانَ بَعِيدَ القَعْر غَلِيظًا سَقْيُه شَدِيدًا أَمْرُه. ابْنُ الأَعرابي عَنْ بَعْضِ الأَعراب قَالَ: لِكُلِّ جَابِهٍ جَوْزَة ثُمَّ يؤَذَّن أَي لِكُلِّ مَنْ وَرَدَ عَلَيْنَا سَقْيةٌ ثُمَّ يُمْنَعُ مِنَ الْمَاءِ. يُقَالُ: أَجَزْتُ الرَّجُلَ إِذا سَقَيْتَ إِبله، وأَذَّنْتُ الرجلَ إِذا رَدَدْتَهُ. وَفِي النَّوَادِرِ: اجْتبَهْت مَاءَ كَذَا اجْتِباهاً إِذا أَنكرته وَلَمْ تَسْتَمْرئْه. ابْنُ سِيدَهْ: جَبَهَ الماءَ جَبْهاً وَرَدَه وَلَيْسَتْ عَلَيْهِ قامةٌ وَلَا أَداةٌ لِلِاسْتِقَاءِ. والجَبْهَةُ: الْخَيْلُ، لَا يُفْرَدُ لَهَا وَاحِدٌ. وَفِي حَدِيثِ الزَّكَاةِ:
لَيْسَ فِي الجَبْهَةِ وَلَا فِي النُّخَّة صدقةٌ
؛ قَالَ اللَّيْثُ: الجَبْهة اسْمٌ يَقَعُ عَلَى الْخَيْلِ لَا يُفْرَدُ. قَالَ أَبو سَعِيدٍ: الجَبْهة الرِّجَالُ الَّذِينَ يَسْعَون فِي حَمالةٍ أَو مَغْرَم أَو جَبْر فَقِيرٍ فَلَا يأْتون أَحداً إِلا اسْتَحْيَا مِنْ رَدّهم، وَقِيلَ: لَا يَكَادُ أَحدٌ يَرُدُّهم، فَتَقُولُ الْعَرَبُ فِي الرَّجُلِ الَّذِي يُعْطِي فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحُقُوقِ: رَحِمَ اللَّهُ فُلَانًا فَقَدْ كَانَ يُعْطي فِي الجَبْهة، قَالَ: وَتَفْسِيرُ قَوْلِهِ لَيْسَ فِي الجَبْهَة صَدَقَةٌ، أَن المُصَدِّقَ إِن وَجَدَ فِي أَيْدي هَذِهِ الجَبْهةِ مِنَ الإِبل مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ لَمْ يأْخذ مِنْهَا الصَّدَقَةَ، لأَنهم جَمَعُوهَا لمَغْرم أَو حَمالة. وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبا عَمْرٍو الشَّيْباني يَحْكِيهَا عَنِ الْعَرَبِ، قَالَ: وَهِيَ الجَمَّةُ والبُرْكة. قَالَ ابْنُ الأَثير: قَالَ أَبو سَعِيدٍ قَوْلًا فِيهِ بُعْدٌ وتَعَسُّفٌ. والجَبْهةُ: اسْمُ مَنْزِلَةٍ مِنْ مَنَازِلِ الْقَمَرِ. الأَزهري: الجَبْهَةُ النَّجْمُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ جَبْهة الأَسد وَهِيَ أَربعة أَنجم يَنْزِلُهَا الْقَمَرُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
إِذا رأَيتَ أَنْجُماً مِنَ الأَسَدْ، ... جَبْهَتَه أَو الخَراتَ والكَتَدْ،
بالَ سُهَيْلٌ فِي الفَضِيخ ففَسَدْ
ابْنُ سِيدَهْ: الجَبْهة صَنَمٌ كَانَ يُعبد مِنْ دُونِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَرَجُلٌ جُبَّهٌ كجُبَّإٍ: جَبانٌ. وجَبْهاء وجُبَيْهاءُ: اسْمُ رَجُلٍ. يُقَالُ: جَبْهاء الأَشْجَعِيُّ وجُبَيْهاء الأَشجعيُّ، وَهَكَذَا قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ جَبْهاءُ الأَشْجعيُّ عَلَى لفظ التكبير.
جَرَهَ: سَمِعْتُ جَراهِيةَ الْقَوْمِ: يُرِيدُ كلامَهم وجَلَبتهم وعَلانيتهم دُونَ سِرِّهم. وَيُقَالُ: جَرَّهْتُ الأَمر تَجْريهاً إِذا أَعْلَنته. ولقيتُه جَراهِيةً أَي ظاهِراً؛ قَالَ ابْنُ العَجْلانِ الهُذَليُّ:
وَلَوْلَا ذَا لَلاقَيْت. المَنايا ... جَراهِيةً، وَمَا عَنْهَا مَحِيدُ
وَجَاءَ فِي جَراهِيةٍ مِنْ قَوْمِهِ أَي جَمَاعَةٍ. والجَراهِيةُ: ضِخامُ الْغَنَمِ، وَقِيلَ: جَراهِيةُ الإِبل وَالْغَنَمِ خيارُهما وضِخامُهما وجِلَّتُهما. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: قَالَ الغَنَويُ
__________
(1) . قوله [فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَرَاحَكُمْ إلخ] المعنى قد، أنعم الله عليكم بالتخلص من مذلة الجاهلية وضيقها وأعزكم بالإِسلام ووسع لكم الرزق وأفاء عليكم الأموال فلا تفرطوا في أداء الزكاة وإذا قلنا هي الأصنام فالمعنى تصدقوا شكراً على ما رزقكم الله من الإِسلام وخلع الأنداد: هكذا بهامش النهاية(13/484)
فِي كَلَامِهِ فعَمَد إِلى عِدَّةٍ مِنْ جَراهيةِ إِبله فَبَاعَهَا بدِقالٍ مِنَ الْغَنَمِ؛ دِقال الْغَنَمِ: قِماؤُها وصِغارُها أَجساماً. والجَرْهُ: الشَّرُّ الشَّدِيدُ. والرَّجَهُ: التَّثَبُّتُ بالأَسْنان والتَّزَعْزُعُ.
جَعَهَ: ابْنُ الأَثير: فِي الْحَدِيثِ
أَنه نَهَى عَنْ الجِعَة
، وَهِيَ النَّبِيذُ الْمُتَّخَذُ مِنَ الشَّعِيرِ. والجِعَةُ: مِنَ الأَشربة؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهِيَ عِنْدِي مِنَ الْحُرُوفِ النَّاقِصَةِ فَفَسَّرْتُهُ فِي مُعْتَلِّ العين والجيم.
جَلَهَ: جَلَه الرجلَ جَلْهاً: رَدَّه عَنْ أَمر شَدِيدٍ. والجَلَه: أَشدُّ مِنَ الجَلَح، وَهُوَ ذَهَابُ الشَّعْرِ مِنْ مُقَدَّم الْجَبِينِ، وَقِيلَ: النَزَعُ ثُمَّ الجَلَحُ ثُمَّ الجَلا ثُمَّ الجَلَهُ، وَقَدْ جَلِهَ يَجْلَهُ جَلَهاً، وَهُوَ أَجْلَهُ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
لَمَّا رَأَتْني خَلَقَ المُمَوَّهِ، ... بَرَّاق أَصْلادِ الجَبينِ الأَجْلَهِ،
بعدَ غُدانيِّ الشبابِ الأَبْلَهِ، ... ليتَ المُنى والدَّهْرَ جَرْيُ السُّمَّهِ،
لِلَّهِ دَرُّ الغانِياتِ المُدَّهِ «1»
. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ براقَ، بِالنَّصْبِ، والأَصْلادُ: جَمْعُ صَلْدٍ وَهُوَ الصُّلْبُ؛ عَنْ يَعْقُوبَ، وَزَعَمَ أَن هَاءَ جَلِهَ بَدَلٌ مِنْ حَاءِ جَلِحَ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ لأَن الْهَاءَ قَدْ ثَبَتَتْ فِي تَصَارِيفِ الْكَلِمَةِ، فَلَوْ كَانَ بَدَلًا كَانَ حَرِيّاً أَن لَا يَثْبُتَ فِي جَمِيعِهَا، وإِنما مثَّل جَبِينَهُ بِالْحَجَرِ الصَّلْد لأَنه لَيْسَ فِيهِ شَعْرٌ، كَمَا أَنه لَيْسَ فِي الصَّفا الصَّلْدِ نباتٌ وَلَا شَجَرٌ، وَقِيلَ: الأَجْلَهُ الأَجْلح فِي لُغَةِ بَنِي سَعْدٍ. التَّهْذِيبُ: أَبو عُبَيْدٍ الأَنْزَعُ الَّذِي انْحَسر الشَّعَرُ عَنْ جانبي جَبْهَتِهِ، فإِذا زَادَ قَلِيلًا فَهُوَ أَجْلح، فإِذا بَلَغَ النصْفَ ونحوَه فَهُوَ أَجْلى، ثُمَّ هُوَ أَجْلَهُ. الْجَوْهَرِيُّ: الجَلَه انْحِسَارُ الشَّعْرِ عَنْ مُقَدَّم الرأْس، وَهُوَ ابْتِدَاءُ الصَّلَع مِثْلُ الجَلَح. الْكِسَائِيُّ: ثَوْرٌ أَجْلَهُ لَا قَرْنَ لَهُ مِثْلُ أَجْلَح. والأَجْلَهُ: الضَّخْمُ الجبْهة المتأَخرُ مَنَابِتِ الشَّعْرِ. وَجَلَه العِمامة يَجْلَهُها جَلْهاً: رَفَعَهَا مَعَ طَيِّها عَنْ جَبِينِهِ ومُقَدَّم رأْسه. وجَلَه الشيءَ جَلْهاً: كشَفَه. وجَلَهَ البيتَ جَلْهاً: كَشَفَهُ. وجَلَهَ الْحَصَى عَنِ الْمَوْضِعِ يَجْلَههُ جَلْهاً: نحَّاه عَنْهُ. والجَلِيهَةُ: الْمَوْضِعُ تَجْلَه حَصَاهُ أَي تُنَحَّيه. والجَلِيهَةُ: تَمْرٌ يُنَحَّى نَوَاهُ ويُمْرَسُ بِاللَّبَنِ. ثُمَّ تُسْقاه النِّسَاءُ للسِّمَن. والجَلْهَةُ: مَا اسْتَقْبَلَكَ مِنْ حُرُوفِ الْوَادِي؛ قَالَ الشَّمَّاخ:
كأَنها، وَقَدْ بَدا عُوارِضُ ... بجَلْهةِ الْوَادِي، قَطاً نَواهِضُ
وجَمْعُها جِلاهٌ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
فَعلا فُروعُ الأَيْهُقانِ، وأَطْفَلَتْ، ... بالجَلْهَتَيْنِ، ظِباؤها ونَعامُها
ابْنُ الأَنباري: الجَلْهتان جَانِبَا الْوَادِي، وَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الشَّطَّيْنِ. يُقَالُ: هُمَا جَلْهتاه وعُدْوتاهُ وضِفَّتاه وحَيْزَتاه وشاطِئاه وشَطَّاه. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَخَّرَ أَبا سفيانَ فِي الإِذن وأَدخل غَيْرَهُ مِنَ النَّاسِ قَبْلَهُ، فَقَالَ: مَا كِدْتَ تأْذنُ لِي حَتَّى تأْذنَ لِحِجَارَةِ الجُلْهُمَتَيْن قَبْلي
، فَقَالَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: كلُّ الصَّيْدِ فِي جَوْف الْفَرَا
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: إِنما هُوَ لِحِجَارَةِ الجَلْهَتين. والجَلْهَة: فَمُ الْوَادِي، وَقِيلَ: جَانِبُهُ، زيدت
__________
(1) . قوله [جري السمه] كذا برفع جري بالأصل والتكملة(13/485)
فِيهَا الْمِيمَ كَمَا زِيدَتْ فِي زُرْقُم؛ وأَبو عُبَيْدٍ يَرْوِيهِ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْهَاءِ، وشَمِرٌ يَرْوِيهِ بِضَمِّهِمَا، قَالَ: وَلَمْ أَسمع الجُلْهُمة إِلا فِي هَذَا الْحَدِيثِ. ابْنُ سِيدَهْ: الجَلْهَتان نَاحِيَتَا الْوَادِي وحَرْفاه إِذا كَانَتْ فِيهِمَا صَلَابَةٌ، وَالْجَمْعُ جِلاهٌ. قَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: الجَلْهةُ نَجَواتٌ مِنْ بَطْن الْوَادِي أَشْرَفْنَ عَلَى المَسِيل، فإِذا مَدَّ الْوَادِيَ لَمْ يَعْلُها الْمَاءُ. وَقَوْلُهُ: حَتَّى تأْذن لِحِجَارَةِ الجُلْهُمَتَين؛ الجُلْهُمَة فَمُ الْوَادِي، زِيدَ فِيهَا الْمِيمِ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: الْعَرَبُ تَزِيدُ الْمِيمَ فِي أَحرف مِنْهَا قَوْلُهُمْ قَصْمَلَ الشيءَ إِذا كَسَره وأَصله قَصَل، وجَلْمَط رأْسه وأَصله جَلَطَ، قَالَ: والجُلْهُمَةُ في غير هذا القارةُ الضَّخمة. ابْنُ سِيدَهْ: الجُلْهُمَةُ كالجَلْهَة، زِيدَتِ الْمِيمُ فِيهِ وَغَيَّرَ الْبِنَاءَ مَعَ الزِّيَادَةِ، قَالَ: هَذَا قَوْلُ بَعْضِ اللُّغَوِيِّينَ، وَلَيْسَ بِذَلِكَ المُقْتاس وَالصَّحِيحُ أَنه رُبَاعِيٌّ، وَسَيُذْكَرُ. وفلانٌ ابْنُ جَلْهَمة؛ هَذِهِ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، قَالَ: نُرَى أَنه مِنْ جَلْهَتَي الوادي.
جنه: الجُنَهِيُّ الخَيزُرانُ؛ حَكَاهُ أَبو الْعَبَّاسِ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، وأَنشد لِلْحَزِينِ اللَّيْثِيِّ، وَيُقَالُ هُوَ لِلْفَرَزْدَقِ، يَمْدَحُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ زَيْنَ الْعَابِدِينَ:
فِي كَفِّه جُنَهِيٌّ رِيحُه عَبِقٌ، ... مِنْ كَفِّ أَرْوَعَ، فِي عِرْنِينِه شَمَمُ
وَيُرْوَى: فِي كَفِّهِ خَيْزُرانٌ؛ قَالَ: وَهُوَ العَسَطوسُ أَيضاً.
جهجه: الجَهْجَهَةُ: مِنْ صِيَاحِ الأَبطال فِي الْحَرْبِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدْ جَهْجَهُوا وتَجَهْجَهُوا؛ قَالَ:
فجاءَ دُون الزَّجْرِ والتَّجَهْجُهِ
وجَهْجَهَ بالإِبل: كَهَجْهَجَ. وجَهْجَه بِالسَّبُعِ وَغَيْرِهِ: صَاحَ بِهِ لَيَكُفَّ كهَجْهَجَ مَقْلُوبٌ؛ قَالَ:
جَهْجَهْتُ فارْتَدَّ ارْتِدادَ الأَكْمَه
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ دُرَيْدٍ، وَرَوَاهُ أَبو عُبَيْدٍ: هَرَّجْتُ؛ وَقَالَ آخَرُ:
جَرَّدْتُ سَيْفِي، فَمَا أَدْرِي أَذا لِبَدٍ، ... يَغْشَى المُجَهْجَهَ عَضُّ السَّيْفِ، أَم رَجُلا «2»
. أَبو عَمْرٍو: جَهَّ فلانٌ فُلَانًا إِذا رَدَّه. يُقَالُ: أَتاه فسأَله فَجَهَّهُ وأَوْأَبَهُ وأَصْفَحَه كلُّه إِذا ردَّه رَدّاً قَبِيحًا. وجَهْجَهَ الرجلَ: رَدَّه عَنْ كُلِّ شيء كهَجْهَج. وَفِي بَعْضِ الْحَدِيثِ:
أَن رَجُلًا مِنْ أَسْلَم عَدَا عَلَيْهِ ذئبٌ فانْتَزَعَ شَاةً مِنْ غَنِمِهِ فَجهْجأَه
أَي زبَرَه، وأَراد جَهْجَهَه فأَبدل الْهَاءَ هَمْزَةً لِكَثْرَةِ الهاءَات وَقُرْبِ الْمَخْرَجِ. ويومُ جُهْجوهٍ: يومٌ لِبَنِي تَمِيمٍ مَعْرُوفٌ؛ قَالَ مَالِكُ بْنُ نُوَيْرَة «3» :
وَفِي يومِ جُهْجُوهٍ حَمَيْنا ذِمارَنا، ... بعَقْرِ الصَّفايا، والجوادِ المُرَبَّبِ
وَذَلِكَ أَن عَوْفَ بْنَ حَارِثَةَ «4» . بْنِ سَلِيطٍ الأَصَمَّ ضَرَبَ خَطْمَ فرسِ مَالِكٍ بِالسَّيْفِ وَهُوَ مَرْبُوطٌ بفِناء القُبَّة فنَشِبَ فِي خَطْمه فَقَطَعَ الرَّسَنَ وَجَالَ فِي النَّاسِ، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ جُوهْ جُوهْ، فَسُمِّيَ يوم جُهْجُوهٍ. وَقَالَ أَبو مَنْصُورٍ: الفُرْسُ إِذا اسْتَصْوَبُوا فعلَ إِنسان قَالُوا جُوهْ جُوهْ. ابْنُ سِيدَهْ: وجَهْ جَهْ حِكَايَةُ صَوْتِ الأَبْطال فِي الْحَرْبِ، وجَهْ حِكَايَةُ صَوْتِ الأَبْطال، وجَهْ جَهْ تَسْكِينٌ للأَسد وَالذِّئْبِ وَغَيْرِهِمَا. وَيُقَالُ: تَجَهْجَهْ عَنِّي أَي انْتَهِ. وَفِي حَدِيثِ أَشراط السَّاعَةِ:
__________
(2) . قوله [جردت إلخ] في المحكم هَكَذَا أَنْشَدَهُ ابْنُ دُرَيْدٍ، قال السيرافي المعروف: أوقدت ناري فما أدري إلخ
(3) . قوله [قَالَ مَالِكُ بْنُ نُوَيْرَةَ] كذا في التهذيب، والذي في التكملة: متمم بن نويرة
(4) . قوله [ابن حارثة] كذا بالأصل والتهذيب بالحاء المهملة والمثلثة، والذي في التكملة: ابن جارية بالجيم والمثناة التحتية(13/486)
لَا تَذْهَبُ اللَّيَالِي حَتَّى يَمْلِكَ رجلٌ يُقَالُ لَهُ الجَهْجاه
، كأَنه مُرَكَّبٌ مِنْ هَذَا، وَيُرْوَى الجَهْجَلُ، وَاللَّهُ أَعلم.
جوه: جُهْتُه بشرٍّ وأَجَهْتُه. وَالْجَاهُ: الْمَنْزِلَةُ والقَدْرُ عِنْدَ السُّلْطَانِ، مَقْلُوبٌ عَنْ وَجْهٍ، وإِن كَانَ قَدْ تَغَيَّرَ بِالْقَلْبِ فتَحَوَّلَ مِنْ فَعْلٍ إِلى فَعَلٍ فإِن هَذَا لَا يُسْتَبْعَدُ فِي الْمَقْلُوبِ وَالْمَقْلُوبِ عَنْهُ وَلِذَلِكَ لَمْ يَجْعَلْ أَهل النَّظَرِ مِنَ النَّحْوِيِّينَ وزنَ لاهِ أَبوك فَعْلًا، لِقَوْلِهِمْ لَهْيَ أَبوك، إِنما جَعَلُوهُ فَعَلًا وَقَالُوا إِن الْمَقْلُوبَ قَدْ يَتَغَيَّرُ وَزْنُهُ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَلْبِ. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: أَن الجاهَ لَيْسَ مَنْ وَجُهَ، وإِنما هُوَ مِنْ جُهْتُ، وَلَمْ يُفَسِّرْ مَا جُهْتُ. قَالَ ابْنُ جِنِّي: كَانَ سبيلُ جاهٍ، إِذ قُدِّمَت الْجِيمُ وأُخرت الْوَاوُ، أَن يَكُونَ جَوْه فَتُسَكَّنُ الْوَاوُ كَمَا كَانَتِ الْجِيمُ فِي وَجْه سَاكِنَةٌ، إِلا أَنها حُرِّكَتْ لأَن الْكَلِمَةَ لَمَّا لَحِقَهَا الْقَلْبُ ضَعُفَتْ، فَغَيَّرُوهَا بِتَحْرِيكِ مَا كَانَ سَاكِنًا إِذ صَارَتْ بِالْقَلْبِ قَابِلَةً لِلتَّغَيُّرِ، فَصَارَ التَّقْدِيرُ جَوَهٌ، فَلَمَّا تحرَّكت الْوَاوُ وَقَبْلَهَا فَتْحَةٌ قُلِبَتْ أَلفاً، فَقِيلَ جاهٌ. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ أَيضاً: جاهٌ وجاهَةٌ وجاهْ جاهْ وجاهِ جاهِ وجاهٍ جاهٍ. الْجَوْهَرِيُّ: فُلَانٌ ذُو جَاهٍ وَقَدْ أَوْجَهْتُه أَنا ووَجَّهْتُه أَنا أَي جَعَلْتُهُ وَجِيهاً، وَلَوْ صَغَّرْتَ قُلْتَ جُوَيْهَة. قَالَ أَبو بَكْرٍ: قَوْلُهُمْ لِفُلَانٍ جاهٌ فِيهِمْ أَي مَنْزِلَةٌ وقَدْرٌ، فأَخرت الْوَاوُ مِنْ مَوْضِعِ الْفَاءِ وَجُعِلَتْ فِي مَوْضِعِ الْعَيْنِ، فَصَارَتْ جَوْهاً، ثُمَّ جَعَلُوا الْوَاوَ أَلفاً فَقَالُوا جَاهٌ. وَيُقَالُ: فُلَانٌ أَوْجَهُ مِنْ فُلَانٍ، وَلَا يُقَالُ أَجْوَه. وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِلْبَعِيرِ: جاهِ لَا جُهْتَ «1» . وَهُوَ زَجْرٌ لِلْجَمَلِ خَاصَّةً. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وجُوهْ جُوهْ «2» . ضربٌ مِنْ زَجْرِ الإِبل. الْجَوْهَرِيُّ: جاهِ زَجْرٌ لِلْبَعِيرِ دُونَ النَّاقَةِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْكَسْرِ، وَرُبَّمَا قَالُوا جاهٍ بِالتَّنْوِينِ؛ وأَنشد:
إِذا قُلتُ جاهٍ، لَجَّ حَتَّى تَرُدَّهُ ... قُوَى أَدَمٍ، أَطْرافُها فِي السَّلَاسِلِ
وَيُقَالُ: جاهَهُ بِالْمَكْرُوهِ جَوْهاً أَي جَبَهَهُ.
فصل الحاء المهملة
حيه: حَيْهِ: مِنْ زَجْرِ المِعْزَى؛ عَنْ كُرَاعٍ. وَمَا أَنتَ بحَيْه؛ حَكَاهُ ثَعْلَبٌ وَلَمْ يُفَسِّرْهُ. وَمَا عِنْدَهُ حَيْهٌ وَلَا سَيْهٌ وَلَا حِيهٌ وَلَا سِيهٌ؛ عَنْهُ أَيضاً وَلَمْ يُفَسِّرْهُ، وَالسَّابِقُ أَن مَعْنَاهُ مَا عِنْدَهُ شيء.
فصل الدال المهملة
دبه: الأَزهري عَنِ ابْنِ الأَعرابي: دَبَّهَ الرجلُ إِذا وَقَعَ فِي الدَّبَهِ، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الْكَثِيرُ الرَّمْلِ، ودَبّه إِذا لَزِمَ الدُّبَّهَ، وَهِيَ طَرِيقَةُ الْخَبَرِ. ابْنُ بَرِّيٍّ: يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذا حُمِدَ دَباهِ دَباهِ.
وَفِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ دَبَهٍ، بِفَتْحِ الدَّالِ وَالْبَاءِ الْمُخَفَّفَةِ، بَيْنَ بَدْرٍ والأَصافِرِ، مرَّ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي مَسِيرِهِ إِلى بَدْرٍ.
دجه: الأَزهري عَنِ ابْنِ الأَعرابي: دَجَّهَ الرجلُ إِذا نَامَ فِي الدُّجْيَة، وَهِيَ قُتْرَةُ الصائد.
دره: دَرَه عَلَى القَوم: هَجَم ابْنُ الأَعرابي: دَرَهَ فلانٌ عَلَيْنَا ودَرَأَ إِذا هَجَمَ مِنْ حَيْثُ لَمْ نَحْتَسِبْه. ودارِهاتُ الدَّهْرِ: هَواجِمُه؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
عَزِيرٌ عَليَّ فَقْدُه فَفَقَدْتُه، ... فبانَ وخَلَّى دارِهاتِ النوائبِ
__________
(1) . قوله [لا جهت] أي لا مشيت كذا في التكملة
(2) . قوله [وجوه جوه] كذا بضبط الأصل والمحكم بضم الجيمين وسكون الهاءين وضبط في القاموس بفتح الجيمين وكسر الهاءين(13/487)
دارِهاتُها: هاجماتُها. وَيُقَالُ: إِنه لَذُو تُدْرَإِ وَذُو تُدْرَهٍ إِذا كَانَ هَجَّاماً عَلَى أَعدائه مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُونَ؛ وَقَوْلُ أَبي النَّجْمِ:
سُبِّي الحَماةَ وادْرَهِي عَلَيْهَا
إِنما مَعْنَاهُ: اهْجُمِي عَلَيْهَا وأَقْدِمِي. ودَرَهْتُ عَنِ الْقَوْمِ: دَفَعْتُ عَنْهُمْ مِثْلُ دَرَأْتُ، وَهُوَ مُبْدَلٌ مِنْهُ نَحْوَ هَراقَ الماءَ وأَراقَهُ. الأَزهري: قَالَ اللَّيْثُ أُمِيتَ فِعْلُه إِلا قَوْلُهُمْ رَجُلٌ مِدْرَهُ حَرْبٍ، ومِدْرَهُ الْقَوْمِ هُوَ الدافعُ عَنْهُمْ. ابْنُ سِيدَهْ: المِدْرَه السَّيِّدُ الشَّرِيفُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَنه يَقْوَى عَلَى الأُمور ويَهْجُم عَلَيْهَا، مُشْتَقٌّ مِنْ ذَلِكَ. والمِدْرَهُ: المُقَدَّم فِي اللِّسَانِ وَالْيَدِ عِنْدَ الْخُصُومَةِ وَالْقِتَالِ، وَقِيلَ: هُوَ رأْس الْقَوْمِ وَالدَّافِعُ عَنْهُمْ. وَفِي حَدِيثِ
شَدَّاد بْنِ أَوْسٍ: إِذْ أَقْبَلَ شَيْخٌ مِنْ بَنِي عَامِرٍ هُوَ مِدْرَهُ قومِه
؛ المِدْرَهُ: زَعِيمُ الْقَوْمِ وَخَطِيبُهُمْ وَالْمُتَكَلِّمُ عَنْهُمْ وَالَّذِي يَرْجِعُونَ إِلى رأْيه، وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ، وَالْجَمْعُ المَدارِهُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الأَصبغ:
يَا ابنَ الجَحاجحةِ المَدارِهْ، ... والصابرينَ عَلَى المَكارِهْ
وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: المِدْرَهُ لِسَانُ الْقَوْمِ وَالْمُتَكَلِّمُ عَنْهُمْ؛ وأَنشد غَيْرُهُ:
وأَنتَ فِي الْقَوْمِ أَخُو عِفَّةٍ، ... ومِدْرَهُ القومِ غَداةَ الخِطاب
وَقَالَ لَبِيدٌ:
ومِدْرَه الكتيبةِ الرَّدَاحِ
ودَرَه لِقَوْمِهِ يَدْرَه دَرْهاً: دَفَع. وَهُوَ ذُو تُدْرَهِهم أَي الدافعُ عَنْهُمْ؛ قَالَ:
أَعْطَى، وأَطرافُ العَوالي تَنُوشُه ... مِنَ القومِ، مَا ذُو تُدْرَهِ القومِ مانِعُهْ
وَلَا يُقَالُ: هُوَ تُدْرَهُهُم حَتَّى يُضَافَ إِليه ذُو، وَقِيلَ: الْهَاءُ فِي كُلِّ ذَلِكَ مُبْدَلَةٌ مِنَ الْهَمْزَةِ لأَن الدَّرْءَ الدفعُ، وَهَذَا لَيْسَ بِقَوِيٍّ بَلْ هُمَا أَصلان؛ قَالُوا: دَرَأَ وَدَرَه؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: فَلَمَّا وَجَدْنَا الْهَاءَ فِي كُلِّ ذَلِكَ مُسَاوِيَةً لِلْهَمْزَةِ عَلِمْنَا أَن إِحداهما لَيْسَتْ بَدَلًا مِنَ الأُخرى، وأَنهما لُغَتَانِ. ودَرَهَ القومَ: جَاءَهُمْ مِنْ غَيْرِ أَن يَشْعُروا بِهِ. وسِكِّينٌ دَرَهْرَهَةٌ: مُعْوَجَّةُ الرأْس. وَفِي الْحَدِيثِ فِي الْمَبْعَثِ:
فأَخْرَجَ عَلَقَةً سَوْدَاءَ ثُمَّ أَدخل فِيهِ الدَّرَهْرَهَة
، وَفِي طَرِيقٍ: فَجَاءَهُ الْمَلَكُ بِسِكِّينٍ دَرَهْرَهة؛ قَالَ ابْنُ الأَعرابي: هِيَ الْمُعْوَجَّةُ الرأْس الَّتِي تُسَمِّيهَا الْعَامَّةُ المِنْجَلَ، قَالَ: وأَصلها مِنْ كَلَامِ الْفُرْسِ دَرَهْ، فعرَّبتها الْعَرَبُ بِالزِّيَادَةِ فِيهِ؛ وَفِي رِوَايَةٍ:
البَرَهْرَهَة
، بِالْبَاءِ. الأَزهري: أَبو عَمْرٍو الدَّرَهْرَهةُ المرأَة القاهرةُ لِبَعْلِهَا. قَالَ: والسَّمَرْمَرَة الغُول، قَالَ: وَيُقَالُ للكَوْكَبة الوَقَّادة بِنُورها تَطْلُع مِنَ الأُفُق دَارِئَةً دَرَهْرَهةٌ.
دفه: الأَزهري: أَهمله اللَّيْثُ، وَرَوَى ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي قَالَ: الدافِهُ الْغَرِيبُ؛ قَالَ الأَزهري: كأَنه بِمَعْنَى الدَّاهِفِ والْهادِفِ.
دله: الدَّلْهُ والدَّلَهُ: ذهابُ الفُؤاد مِنْ هَمٍّ أَو نَحْوِهِ كَمَا يَدْلَهُ عَقْلُ الإِنسان مِنْ عِشْقٍ أَو غَيْرِهِ، وَقَدْ دَلَّهَهُ الهَمُّ أَو العِشْقُ فتَدَلَّه. والمرأَةُ تَدَلَّهُ عَلَى وَلَدِهَا إِذا فَقَدَتْه. ودُلِّهَ الرجلُ: حُيِّرَ، ودُلِّهَ عقلُه تَدْلِيهاً. والمُدَلَّهُ: الَّذِي لَا يَحْفَظُ مَا فَعل وَلَا مَا فُعِلَ بِهِ. والتَّدَلُّه: ذهابُ الْعَقْلِ مِنَ الهَوى؛ أَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
مَا السِّنُّ إِلا غَفْلَةُ المُدَلَّهِ
وَيُقَالُ: دَلَّهَهُ الحُبُّ أَي حَيَّره وأَدْهَشَه، ودَلِه(13/488)
هُوَ يَدْلَهُ. ابْنُ سِيدَهْ: ودَلَهَ يَدْلَهُ دُلُوهاً سَلا. والدَّلُوه مِنَ الإِبل: الَّتِي لَا تَكَادُ تَحِنُّ إِلَى إلْفٍ وَلَا وَلَدٍ، وَقَدْ دَلَهَتْ عَنْ إلْفِها وَوَلَدِهَا تَدْلَهُ دُلُوهاً، وَذَهَبَ دَمُه دَلْهاً، بِالتَّسْكِينِ، أَي هَدَراً. أَبو عُبَيْدٍ: رَجُلٌ مُدَلَّه إِذَا كَانَ سَاهِيَ الْقَلْبِ ذَاهِبَ الْعَقْلِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: رَجُلٌ مُتَلَّه ومُدَلَّه بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَرَجُلٌ دَالِهٌ ودالِهَةٌ: ضَعِيفُ النَّفْس. وَفِي حَدِيثِ
رُقَيْقَة: دَلَّهَ عَقْلِي
أَي حَيَّره وأَذْهبه.
دمه: «1» . دَمِهَ يومُنا دَمَهاً، فَهُوَ دَمِهٌ وَدَامِهٌ: اشْتَدَّ حَرُّهُ. والدَّمَهُ: شِدَّةُ حَرِّ الشَّمْسِ. ودَمَهَتْه الشمسُ: صَخَدَتْه. والدَّمَهُ: شِدَّة حَرِّ الرَّمْلِ والرَّمْضاء، وَقَدْ دَمِهَتْ دَمَهاً وادْمَوْمَهَتْ. وَيُقَالُ: ادْمَوْمَه الرملُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
ظَلَّتْ عَلَى شُزُنٍ فِي دَامِهٍ دَمِهٍ، ... كأَنه مِنْ أُوارِ الشمسِ مَرْعُونُ
دهده: دَهْدَهْتُ الْحِجَارَةَ ودَهْدَيْتُها إِذَا دَحْرَجْتَها فتَدَهْدَه الْحَجَرُ وتَدَهْدَى؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
دَهْدَهْنَ جَوْلانَ الحَصَى المُدَهْدَهِ
وَفِي حَدِيثِ الرُّؤْيَا:
فيَتَدَهْدَى الحجرُ فيَتْبَعُه فيأْخُذُه
أَي يَتَدَحْرَجُ. والدَّهْدَهَةُ: قَذْفُك الحجارةَ مِنْ أَعلى إِلَى أَسفل دَحْرجةً؛ وأَنشد:
يُدَهْدِهْنَ الرُّؤوسَ، كَمَا تُدَهْدِي ... حَزاوِرَةٌ، بأَبْطَحِها، الكُرينَا
حَوَّلَ الْهَاءَ الأَخيرة يَاءً لِقُرْبِ شَبَهِهَا بِالْهَاءِ، أَلا تَرَى أَن الْيَاءَ مَدَّةٌ وَالْهَاءَ نَفَسٌ؟ وَمِنْ هُنَاكَ صَارَ مَجْرَى الْيَاءِ وَالْوَاوِ وَالْأَلِفِ وَالْهَاءِ فِي رَوِيِّ الشِّعْرِ شَيْئًا وَاحِدًا نَحْوَ قَوْلِهِ:
لِمَنْ طَلَلٌ كالوَحْيِ عافٍ مَنازلُهْ
فَاللَّامُ هُوَ الرَّوِيُّ، وَالْهَاءُ وَصْلُ الرَّوِيِّ، كَمَا أَنها لَوْ لَمْ تَكُنْ لَمَدَّتِ اللَّامَ حَتَّى تَخْرُجَ مَنْ مَدَّتها وَاوٌ أَو يَاءٌ أَو أَلف لِلْوَصْلِ نَحْوَ مَنَازِلِي وَمَنَازِلَا وَمَنَازِلُو، وَاللَّهُ أَعلم. ابْنُ سِيدَهْ: دَهْدَه الشيءَ فتَدَهْدَه حَدَرَه مِنْ عُلْوٍ إِلَى سُفْلٍ تَدَحْرُجاً. ودَهْدَهَهُ: قَلَب بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ، وَكَذَلِكَ دَهْداهُ دِهْداءً ودَهْداةً، الْيَاءُ بَدَلٌ مِنَ الْهَاءِ لأَنها مَثَلُهَا فِي الْخَفَاءِ، كَمَا أُبدلت هِيَ مِنْهَا فِي قَوْلِهِمْ: ذِهِ أَمَةُ اللَّهِ. الْجَوْهَرِيُّ: دَهْدَهْتُ الْحَجَرَ فَتَدَهْدَه دَحْرَجْتُهُ فَتَدَحْرَجَ؛ وَقَدْ تُبَدَّلُ مِنَ الْهَاءِ يَاءً فَيُقَالُ تَدَهْدَى الْحَجَرُ وَغَيْرُهُ تَدَهْدِياً إِذَا تَدَحْرجَ، ودَهْدَيْتُه أَنا أُدَهْديه دَهْدَاةً ودَهْدَأَةً إِذَا دَحْرَجْتَهُ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
أَدْنَى تَقَاذُفِهِ التقريبُ أَو خَبَبٌ، ... كَمَا تَدَهْدَى مِنَ العَرْضِ الجَلاميدُ
والدُّهْديَةُ: الخُرْءُ الْمُسْتَدِيرُ الَّذِي يُدَهْدِيه الجُعَل. ودُهْدُوَةُ الجعَل «2» . ودُهْدُوَّتُه ودُهْدِيَّتُه، عَلَى الْبَدَلِ، ودُهْدِيَتُه، بِالتَّخْفِيفِ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي: مَا يُدَهْدِيه. ابْنُ بَرِّيٍّ: الدُّهْدُوهَةُ كالدُّحْرُوجَةِ، وَهُوَ مَا يَجْمَعُهُ الْجُعَلُ مِنَ الخُرْء. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَمَا يُدَهْدِهُ الجُعَلُ خَيْرٌ مِنَ الَّذِينَ مَاتُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ
؛ هُوَ مَا يُدَحْرِجُه مِنَ السِّرْجين. وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ:
كَمَا يُدَهْدِهُ الجُعَلُ النَّتْنَ بأَنفه.
الْجَوْهَرِيُّ: الدَّهْدَهانُ الْكَبِيرُ مِنَ الإِبل؛ قَالَ: وأَنشد أَبو زَيْدٍ فِي كِتَابِ حِيلَةٍ ومَحالة للأَغَرِّ:
__________
(1) . قوله [دمه إلخ] قال الأَزهري بعد هذه العبارة: ولم أسمع دمه لغير الليث ولا أعرف الْبَيْتُ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ انتهى. زاد في القاموس كالتكملة: وادمومه الرجل إذا غشي عليه. والدمه أي محركاً لعبة للصبيان
(2) . قوله [ودهدوة الجعل] هذه مخففة الواو آخرها تاء مربوطة كما في التكملة والمحكم لا بالهاء كما وقع في نسخ القاموس الطبع(13/489)
لَنِعْمَ سَاقِي الدَّهْدَهانِ ذِي العَدَدْ، ... الجِلَّة الكُومِ الشِّرَابِ فِي العَضُدْ
الجِلَّةُ: المَسَانُّ مِنَ الإِبل، والكُومُ، جَمْعُ أَكْوَمَ وكَوْماءَ: الْعِظَامُ الأَسْنِمةِ؛ والشِّرَاب: جَمْعُ شَارِبٍ، وعَضُدُ الْحَوْضِ: مِنْ إِزَائِهِ إِلَى مؤَخره. ابْنُ سِيدَهْ: والدَّهْداهُ صِغَارُ الإِبل؛ قَالَ:
قَدْ رَوِيَتْ، غيرَ الدُّهَيْدِهينا، ... قُلَيِّصاتٍ وأُبَيْكِرينا «1»
. جمَع الدَّهْداهَ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ وَحَذَفَ الْيَاءَ مِنَ الدُّهَيْدِيهينا لِلضَّرُورَةِ كَمَا قَالَ:
والبَكَراتِ الفُسَّجَ العَطامِسَا
فَحَذَفَ الْيَاءَ مِنَ الْعَطَامِيسِ، وَهُوَ جَمْعُ عَيْطَمُوسٍ، لِلضَّرُورَةِ؛ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: كأَنه جَمَعَ الدَّهْداهَ عَلَى دَهادِهَ، ثُمَّ صَغَّرَ دَهاده فَقَالَ دُهَيْدِه، ثُمَّ جَمَعَ دَهِيدَهَا بِالْيَاءِ وَالنُّونِ، وَكَذَلِكَ أَبْكُر جَمْعُ بَكْرٍ ثُمَّ صَغَّرَ فَقَالَ أُبَيْكِر، ثُمَّ جَمَعَهُ بِالْيَاءِ وَالنُّونِ. ابْنُ سِيدَهْ: الدَّهْداه والدَّهْدَهانُ والدُّهَيدِهان الْكَثِيرُ مِنَ الإِبل. أَبو الطُّفَيْل: الدَّهْداه الْكَثِيرُ مِنَ الإِبل حَواشيَ كُنَّ أَو جِلَّةً؛ وأَنشد:
إِذَا الأُمُورُ اصْطَكَّتِ الدَّواهي، ... مارَسْنَ ذَا عَقْبٍ وَذَا بُدَاهِ،
يَذُودُ يومَ النَّهَلِ الدَّهْداهِ
أَي النَّهل الْكَثِيرِ. وَيُقَالُ: مَا أَدْري أَيُّ الدَّهْدا هُوَ أَي أَيُّ النَّاسِ، وَيُقَالُ: أَيُّ الدَّهْداءِ هُوَ، بِالْمَدِّ. وَقَوْلُهُمْ: إلَّا دَهٍ، مَعْنَاهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الأَمر الْآنَ فَلَا يَكُونُ بَعْدَ الْآنِ، وَلَا يُدْرَى مَا أَصْلُه؛ قَالَ الجوهري: وإني لأَظنها فارسية، يَقُولُ: إِنْ لَمْ تَضْرِبْه الْآنَ فَلَا تَضْرِبْهُ أَبداً، وأَنشد قَوْلَ رُؤْبَةَ:
فاليومَ قَدْ نَهْنَهَني تَنَهْنُهي ... وقُوَّلٌ: إلَّا دَهٍ فَلَا دَهِ
يُقَالُ: إِنَّهَا فَارِسِيَّةٌ حَكَى قولَ ظِئْرِه. والقُوَّلُ: جَمْعُ قَائِلٍ مِثْلُ رَاكِعٍ ورُكَّعٍ. وَفِي حَدِيثِ الْكَاهِنِ:
إلَّا دَهْ فَلَا دَهْ
؛ هَذَا مَثَلٌ مِنْ أَمثال الْعَرَبِ قَدِيمٌ، مَعْنَاهُ: إِنْ لَمْ تَنَلْه الْآنَ لَمْ تَنَلْهُ أَبداً، وَقِيلَ: أَصله فَارِسِيٌّ معرَّب أَي إِنْ لَمْ تُعْطَ الْآنَ لَمْ تُعْطَ أَبداً. الأَزهري: قَالَ اللَّيْثُ دَهْ كَلِمَةٌ كَانَتِ الْعَرَبُ تَتَكَلَّمُ بِهَا، يَرَى الرجلُ ثأْره فَتَقُولُ لَهُ يَا فُلَانُ إلَّا دَهٍ فَلَا دَهٍ أَي أَنك إِنْ لَمْ تَثْأَرْ بِفُلَانٍ الْآنَ لَمْ تَثْأَرْ بِهِ أَبداً. وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ فِي بَابِ طَلَبِ الْحَاجَةِ يَسْأَلُها فيُمْنَعُها فَيَطْلُبُ غَيْرَهَا: مِنْ أَمثالهم فِي هَذَا: إلَّا دَهٍ فَلَا دَهٍ؛ يُضْرَبُ لِلرَّجُلِ يَقُولُ أُريد كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ قِيلَ لَهُ: لَيْسَ يُمْكِنُ ذَاكَ، قَالَ: فَكَذَا وَكَذَا. وَكَانَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ يُخْبِرُ عَنْ بَعْضِ الكُهّان: أَنه تَنَافَرَ إِلَيْهِ رَجُلَانِ مِنَ الْعَرَبِ فَقَالَا أَخْبِرْنا فِي أَيِّ شيءٍ جِئْناك؟ فَقَالَ: فِي كَذَا وَكَذَا، فَقَالَا: إلَّا دَهٍ أَي انْظُرْ غَيْرَ هَذَا النَّظَرِ، فَقَالَ: إلَّا دَهٍ فَلَا دَهٍ، ثُمَّ أَخبرهما بِهَا. وَقَالَ الأَصمعي فِي مَعْنَى قَوْلِهِ إِلَّا دَهٍ فَلَا دَهٍ: أَيْ إِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا فَلَا يَكُونُ ذَاكَ. وَيُقَالُ: لَا دَهٍ فَلَا دَهٍ، يَقُولُ: لَا أَقبل وَاحِدَةً مِنَ الخَصْلَتين اللَّتَيْنِ تَعْرِضُ. أَبو زَيْدٍ: تَقُولُ إلَّا دَهٍ فَلَا دَهٍ يَا هَذَا، وَذَلِكَ أَن يُوتَر الرجلُ فيلقَى واتِرَه فَيَقُولُ لَهُ بَعْضُ الْقَوْمِ: إِنْ لَمْ تضربه الآن فإنك لا تَضْرِبُهُ؛ قَالَ الأَزهري: هَذَا الْقَوْلُ يَدُلُّ عَلَى أَن دِه فَارِسِيَّةٌ مَعْنَاهَا الضَّرْبُ، تَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَمرته
__________
(1) . قوله [قد رويت غير إلخ] الذي في الصحاح والتهذيب: قد رويت إلا إلخ قال في التكملة الرواية:
قَدْ رَوِيَتْ إِلَّا دُهَيْدِهِينَا ... إلا ثلاثين وأربعينا
أبيكرات وأبيكرينا
قال: والرجز من الأصمعيات(13/490)
بِالضَّرْبِ: دِهْ، قَالَ: رأَيته فِي كِتَابِ أَبي زَيْدٍ بِكَسْرِ الدَّالِ، وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: الْعَرَبُ تَقُولُ إِلَّا دَهٍ فَلَا دَهٍ، يقال لِلرَّجُلِ إِذَا أَشْرف عَلَى قَضَاءِ حَاجَتِهِ مِنْ غَرِيمٍ لَهُ أَو مِنْ ثأْره أَو مِنْ إِكْرَامِ صَدِيقٍ لَهُ إلَّا دَهٍ فَلَا دَهٍ أَي إِنْ لَمْ تَغْتَنِمِ الفُرْصةَ الساعةَ فَلَسْتَ تُصَادِفُهَا أَبداً، وَمِثْلُهُ: بادِرِ الفُرْصة قَبْلَ أَن تَكُونَ الغُصَّة. ابْنُ السِّكِّيتِ: الدُّهْدُرُّ والدُّهْدُنُّ الباطلُ، وكأَنهما كَلِمَتَانِ جُعِلَتَا وَاحِدَةً. أَبو عُبَيْدٍ عَنِ الأَصمعي فِي بَابِ الْبَاطِلِ: دُهْ دُرَّيْن سَعْدَ القَيْن، قَالَ: وَمَعْنَاهُ عِنْدَهُمُ الْبَاطِلُ، وَلَا أَدري مَا أَصله. قَالَ: وأَما أَبو زِيَادٍ فَإِنَّهُ قَالَ لِي يُقَالُ دُهْ دُرَّيْه، بِالْهَاءِ، وَقَالَ، وَقَالَ أَبو الْفَضْلِ: وَجَدْتُ بِخَطِّ أَبي الْهَيْثَمِ دُهْ دُرَّيْن سَعْدَ القَيْن؛ دُهْ مَضْمُومَةُ الدَّالِ، سَعْدَ منصوبُ الدَّالِ، والقَيْن غَيْرُ مُعَرَّبٍ كأَنه مَوْقُوفٌ. ابْنُ السِّكِّيتِ: قَوْلُهُمْ دُهْ دُرّ معرَّب وأَصله دُهْ أَي عَشَرة دُرَّيْن أَوْ دُرّ أَي عَشَرَةُ أَلوان فِي وَاحِدٍ أَو اثْنَيْنِ. قَالَ الأَزهري: قَدْ حَكَيْتُ فِي هَذَيْنِ الْمَثَلَيْنِ مَا سَمِعْتُهُ وَحَفِظْتُهُ لأَهل اللُّغَةِ، وَلَمْ أَجد لَهُمَا فِي عَرَبِيَّةٍ وَلَا عَجَمِيَّةٍ إِلَى هَذِهِ الْغَايَةِ أَصلًا صَحِيحًا، أَعني إِلَّا دَهٍ فَلَا دَهٍ، ودُهْ دُرَّيْن. ابْنُ الأَعرابي: دُهْ زَجْرٌ للإِبل، يُقَالُ فِي زَجْرِهَا دُهْ دُهْ.
دَوَهَ: دَاهَ دَوْهاً: تَحَيَّرَ.
فصل الذال المعجمة
ذمه: ذَمِهَ الرجلُ ذَمَهاً: أَلِمَ دِماغُه مِنْ حَرّ، وَرُبَّمَا قَالُوا ذَمَهَتْه الشَّمْسُ إِذَا آلَمَتْ دِمَاغَهُ. وذَمِهَ يومُنا ذَمَهاً وذَمَهَ: اشْتَدَّ حَرُّه.
فصل الراء المهملة
ربه: الأَزهري عَنِ ابْنِ الأَعرابي: أَرْبَه الرجلُ إِذَا اسْتَغْنَى بِتَعَبٍ شَدِيدٍ، قَالَ الأَزهري: وَلَا أَعرف أَصله.
رجه: ابْنُ الأَعرابي: الجَرَهُ الشَّرُّ الشَّدِيدُ، والرَّجَهُ التَّثَبُّتُ بالأَسْنان والتزعزعُ. وأَرْجَهَ إِذَا أَخَّرَ الأَمر عَنْ وَقْتِهِ، وَكَذَلِكَ أَرْجَأَهُ، كأَنَّ الْهَاءَ مبدلة من الهمزة.
رده: الرَّدْهَةُ: النَّقْرَةُ فِي الْجَبَلِ أَو فِي صَخْرَةٌ يَسْتنْقِعُ فِيهَا الْمَاءُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
لمَنِ الدِّيارُ، بجانبِ الرَّدْهِ، ... قَفْراً مِنَ التَّأْيِيهِ والنَّدْهِ
التَّأْيِيهُ: أَن يُؤَيِّهَ بِالْفَرَسِ إِذَا نَفَرَ فَيَقُولُ إيهِ إيهِ، والنَّدْهُ بالإِبل: أَن يَقُولَ لَهَا هِدَهْ هِدَهْ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ هُنَا:
عَسَلانَ ذِئبِ الرَّدْهَةِ المُسْتَوْرِد
ابْنُ سِيدَهْ: والرَّدْهة أَيضاً حَفِيرةٌ فِي القُفِّ تُحْفَرُ أَو تَكُونُ خِلْقَةً فِيهِ؛ قَالَ طُفَيْل:
كأَنَّ رعالَ الخَيْلِ، لَمَّا تَبادَرَتْ، ... بوادِي جَرادِ الرَّدْهَةِ المُتَصَوِّبِ
وَالْجَمْعُ رَدْهٌ ورِداهٌ. يُقَالُ: قَرِّبِ الحمارَ مِنَ الرَّدْهة، وَلَا تَقُولُ لَهُ: سأْ؛ والرَّدْهةُ: شِبْهُ أَكَمَةٍ خَشِنةٍ كَثِيرَةِ الْحِجَارَةِ، وَالْجَمْعُ رَدَهٌ، بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالدَّالِ؛ هَذَا قَوْلُ أَهل اللُّغَةِ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَالصَّحِيحُ أَنه اسْمٌ لِلْجَمْعِ. الْجَوْهَرِيُّ: وَفِي الْحَدِيثِ
أَنه، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ذَكَر المقتولَ بنَهْروانَ فَقَالَ شيطانُ الرَّدْهةِ.
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ وَفِي الْحَدِيثِ
ذَكَر ذَا الثُّدَيَّةِ فَقَالَ شيطانُ الرَّدْهَة يَحْتَدِرُهُ رَجُلٌ مِنْ بَجِيلَةَ
، رَوَى
الأَزهري بِسَنَدِهِ عَنْ سَعْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ذَكَرَ ذَاكَ الَّذِي قَتَلَ عَليٌّ ذَا الثُّدَيَّةِ فَقَالَ: شيطانُ الرَّدْهَةِ رَاعِي الخيلِ يَحْتَدِرهُ رَجُلٌ مِنْ بَجِيلة
أَي يُسْقِطُه؛ قَالَ: الرَّدْهَة النقْرَة فِي الْجَبَلِ(13/491)
يَسْتَنْقِعُ فِيهَا الْمَاءُ، وَقِيلَ: هِيَ قُلَّةُ الرَّابِيَةِ. قَالَ: وَفِي حَدِيثِهِ أَيضاً
وأَما شيطانُ الرَّدْهَة فَقَدْ كُفِيتُه بصيحةٍ سمعْت لَهَا وَجيب قلبِه
؛ قِيلَ: أَراد بِهِ مُعَاوِيَةَ لَمَّا انْهَزَمَ أَهلُ الشَّامِ يَوْمَ صِفِّينَ وأَخْلَد إِلَى الْمُحَاكَمَةِ، وَقِيلَ: الرَّدْهَة حَجَرٌ مُسْتَنْقَع فِي الْمَاءِ، وجَمْعُه رِدَاهٌ؛ وَقَالَ ابْنُ مُقْبل:
وقافِيةٍ مِثْل وَقْعِ الرِّداهِ ... لم تَتَّرِكْ لمُجِيبٍ مَقالا
وَرُوِيَ عَنِ المُؤَرِّج أَنه قَالَ: الرَّدْهَة الْمَوْرِدُ. والرَّدهة: الصَّخْرَةُ فِي الْمَاءِ، وَهِيَ الأَتانُ. قَالَ والرَّدْهَة أَيضاً ماءُ الثَّلْجِ. والرَّدْهَةُ: الثوبُ الخَلَق المُسَلْسَلُ. وَرَجُلٌ رَدِهٌ: صُلْبٌ مَتِينٌ لَجُوجٌ لَا يُغْلَبُ. قَالَ الأَزهري: لَا أَعرف شَيْئًا مِمَّا رَوَى الْمُؤَرِّجُ، وَهِيَ مَنَاكِيرُ كُلُّهَا. والرُّدَّهُ: تِلالُ القِفافِ؛ وأَنشد لِرُؤْبَةَ:
مِنْ بَعْدِ أَنْضادِ الرِّدَاهِ الرُّدَّهِ «2»
. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: قَوْلُهُ الرِّدَاهِ الرُّدَّهِ مِنْ بَابِ أَعْوامِ السنينِ العُوَّمِ، كأَنهم يُرِيدُونَ الْمُبَالَغَةَ والإِجادَةَ. قَالَ الأَزهري: وَرُبَّمَا جَاءَتِ الرَّدْهَة فِي وَصْفِ بِئْرٍ تُحْفَرُ فِي قُفّ أو تكون خلقة فيه. والرَّدْهَةُ: الْبَيْتُ الْعَظِيمُ الَّذِي لَا يَكُونُ أَعظمُ مِنْهُ؛ قَالَ الأَزهري: وَجَمْعُهَا الرِّداهُ، ورَدَهَتِ المرأَةُ بَيْتَهَا تَرْدَهُه رَدْهاً، قَالَ: وكأَنَّ الأَصل فِيهِ رَدَحَتْ، بِالْحَاءِ، والهاءُ مُبْدَلة مِنْهُ. ورَدَهَ البيتَ يَرْدَهُه رَدْهاً: جَعَلَهُ عَظِيمًا كَبِيرًا. ابْنُ الأَعرابي: رَدَّهَ الرجلُ إِذَا سَادَ القومَ بِشَجَاعَةٍ أَو سَخَاءٍ أَو غيرهما.
رفه: الرَّفاهَةُ والرَّفَاهِيَة والرُّفَهْنِية: رَغَدُ الخِصْبِ ولينُ الْعَيْشِ، وَكَذَلِكَ الرَّفاغِيَةُ والرُّفَغْنِيَةُ والرَّفاغَةُ. رَفُه عيشُه، فَهُوَ رَفِيهٌ ورافِهٌ وأَرْفَهَهم اللهُ ورَفَّهَهُم، ورَفَهْنا نَرْفَه رَفْهاً ورِفْهاً ورُفُوهاً. والرِّفْهُ، بِالْكَسْرِ: أَقْصَرُ الوِرْدِ وأَسْرَعُه، وَهُوَ أَن تَشْرَبَ الإِبلُ الْمَاءَ كُلَّ يَوْمٍ، وَقِيلَ: هُوَ أَن تَرِدَ كُلَّمَا أَرادت. رَفَهَت الإِبلُ، بِالْفَتْحِ، تَرْفَهُ رفْهاً ورُفُوهاً وأَرْفَهها؛ قَالَ غَيْلانُ الرَّبَعِيُّ:
ثُمَّتَ فاظَ مُرْفَهاً فِي إِدْناءْ، ... مُدَاخَلًا فِي طِوَلٍ وإغْماءْ
ورَفَّهَها ورَفَّهَ عَنْهَا: كَذَلِكَ. وأَرْفَهَ القومُ: رَفَهَتْ ماشيتُهم؛ وَاسْتَعَارَ لَبِيدٌ الرِّفْهَ فِي نَخْلٍ نابتةٍ عَلَى الْمَاءِ فَقَالَ:
يَشْرَبْنَ رِفْهاً عِراكاً غَيْرَ صادِيَةٍ، ... فكُلُّها كارِعٌ فِي الْمَاءِ مُغْتَمِرُ
وأَرْفَه المالُ: أَقام قَرِيبًا مِنَ الْمَاءِ فِي الحَوْض واضِعاً فِيهِ. والإِرْفاه: الادِّهانُ والتَّرْجِيلُ كُلَّ يَوْمٍ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَهَى عَنِ الإِرْفاه
؛ هُوَ كَثْرَةُ التَّدَهُّن وَالتَّنَعُّمِ، وَقِيلَ: التَّوَسُّع فِي المَطْعم والمَشْرَب، وَهُوَ مِنَ الرِّفْه وِرْدِ الإِبلِ، وَذَلِكَ أَنها إِذَا وَرَدَتْ كُلَّ يَوْمٍ متى شاءتْ قِيلَ وَرَدَتْ رِفْهاً؛ قَالَهُ الأَصمعي. وَيُقَالُ: قَدْ أَرْفَه القومُ إِذَا فَعَلَت إبلُهم ذَلِكَ، فَهُمْ مُرْفِهُون، فَشَبَّهَ كَثْرَةَ التَّدَهُّنِ وَإِدَامَتَهُ بِهِ. والإِرْفاهُ: التَّنَعُّمُ والدَّعَةُ ومُظاهرةُ الطَّعَامِ عَلَى الطَّعَامِ وَاللِّبَاسِ عَلَى اللِّبَاسِ، فكأَنه نَهَى عَنِ التَّنَعُّمِ والدَّعةِ ولِينِ العَيْشِ لأَنه مِنْ فِعْلِ الْعَجَمِ وأَرباب الدُّنْيَا، وأَمَر بالتَّقَشُّفِ وابْتذال النَّفْسِ. وَقَالَ
__________
(2) . قوله [من بعد إنضاد إلخ] كذا في التهذيب والمحكم، والذي في التكملة:
يَعْدِلُ أَنْضَادَ الْقِفَافِ الرُّدَّهِ ... عَنْهَا وَأَثْبَاجَ الرِّمَالِ الْوُرَّهِ
قال: والردّه مستنقعات الماء والورّه التي لا تتماسك(13/492)
بَعْضُهُمُ: الإِرْفاهُ التَّرَجُّلُ كُلَّ يَوْمٍ. ابْنُ الأَعرابي: وأَرْفَه الرجلُ دَامَ عَلَى أَكل النَّعِيمِ كُلَّ يَوْمٍ وَقَدْ نُهِيَ عَنْهُ. قَالَ الأَزهري: كأَنه أَراد الإِرْفاهَ الَّذِي فَسَّرَهُ أَبو عُبَيْدٍ أَنه كَثْرَةُ التَّدَهُّنِ. وَيُقَالُ: بَيْنِي وبينَك ليلةٌ رافِهَةٌ وثلاثُ لَيَالٍ رَوافِهُ إِذَا كَانَ يُسار فيهنَّ سَيْرًا لَيِّناً. وَرَجُلٌ رافِهٌ أَي وَادِعٌ. وَهُوَ فِي رَفاهَةٍ مِنَ الْعَيْشِ أَي سَعَة، ورَفاهِيةٍ، عَلَى فَعالِيَةٍ، ورُفَهْنِيةٍ، وَهُوَ مُلْحَقٌ بِالْخُمَاسِيِّ بأَلف فِي آخِرِهِ، وَإِنَّمَا صَارَتْ يَاءً لِكَسْرَةِ مَا قَبْلَهَا. ورَفَّهَ عَنِ الرَّجُلِ تَرْفيهاً: رَفَقَ بِهِ. ورَفَّهَ عَنْهُ: كَانَ فِي ضِيقٍ فنَفَّسَ عَنْهُ. ورَفِّهْ عَنْ غَرِيمِكَ تَرْفيهاً أَي نَفِّسْ عَنْهُ. والرُّفَهُ: التِّبْنُ؛ عَنْ كُرَاعٍ، وَالْمَعْرُوفُ الرُّفَةُ. وَفِي الْمَثَلِ: أَغْنَى مِنَ التُّفَةِ عَنِ الرُّفَةِ. يُقَالُ: الرُّفَةُ التِّبْنُ، والتُّفَةُ السبُعُ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى عَناقَ الأَرض لأَنه لَا يَقْتاتُ التِّبْنَ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ حَمْزَةَ الأَصفهاني فِي أَفعلَ مِنْ كَذَا أَغْنَى مِنَ التُّفَةِ عَنِ الرُّفَةِ، بِالتَّخْفِيفِ وَبِالتَّاءِ الَّتِي يُوقَفُ عَلَيْهَا بِالْهَاءِ، قَالَ: والأَصل رُفَهَةٌ وَجَمْعُهَا رُفاتٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ فِي فَصْلِ تَفَهَ. قَالَ الأَزهري: الْعَرَبُ تَقُولُ: إِذَا سَقَطتِ الطَّرْفَةُ قَلَّتْ فِي الأَرْضِ الرَّفَهَةُ؛ قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: الرَّفَهَةُ الرَّحْمة «1» . قَالَ أَبو لَيْلَى: يُقَالُ فُلانٌ رافِهٌ بِفُلَانٍ أَي راحِمٌ لَهُ. وَيُقَالُ: أَمَا تَرْفَهُ فُلَانًا؟ والطَّرْفة: عَيْنَا الأَسَدِ كوكبانِ الجَبهةُ أَمامَها وَهِيَ أَربعة كَوَاكِبَ. وَفِي النَّوَادِرِ: أَرْفِهْ عِنْدِي واسْتَرْفِهْ ورَفِّهْ عِنْدِي ورَوِّحْ عِنْدِي؛ الْمَعْنَى أَقِمْ واسْتَرِحْ واسْتَجِمَّ واسْتَنْفِهْ أَيضاً. وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ: فَلَمَّا رُفِّهَ عَنْهُ
أَي أُزِيلَ وأُزِيحَ عَنْهُ الضِّيقُ والتعبُ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
جَابِرٍ: أَراد أَن يُرَفِّه عَنْهُ
أَي يُنَفِّس ويُخَفِّفَ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ الرجلَ ليَتَكَلَّمُ بالكلمةِ فِي الرَّفاهِيةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ تُرْدِيه بُعْدَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ والأَرض
الرَّفاهِيَةُ: السَّعَة وَالتَّنَعُّمُ أَي أَنه يَنْطِقُ بِالْكَلِمَةِ عَلَى حُسْبانِ أَن سَخَطَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَلْحَقُه إنْ نَطَقَ بِهَا، وأَنه فِي سَعةٍ مِنَ التَّكَلُّمِ بِهَا، وَرُبَّمَا أَوْقَعَتْهُ فِي مَهْلَكةٍ مَدَى عِظَمِها عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مَا بَيْنَ السَّمَاءِ والأَرض. وأَصلُ الرَّفاهية: الخِصْبُ والسَّعَةُ فِي المَعاش. وَفِي حَدِيثِ
سَلْمانَ: وطَيْرُ السماءِ عَلَى أَرْفَهِ خَمَرِ الأَرض تَقَعُ
؛ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لستُ أَدري كَيْفَ رَوَاهُ الأَصَمُّ، بِفَتْحِ الأَلف أَوْ ضَمِّهَا، فَإِنْ كَانَتْ بِالْفَتْحِ فَمَعْنَاهُ عَلَى أَخْصَبِ خَمَرِ الأَرضِ، وَهُوَ مِنَ الرِّفْهِ وَتَكُونُ الْهَاءُ أَصلية، وَإِنْ كَانَتْ بِالضَّمِّ فَمَعْنَاهَا الحَدُّ والعَلَم يُجْعَلُ فَاصِلًا بَيْنَ أَرضين، وَتَكُونُ التَّاءُ للتأْنيث مِثْلُهَا فِي غُرْفَةٍ، وَاللَّهُ أَعلم.
ركه: الرُّكاهةُ: النَّكْهَةُ الطَّيِّبة عِنْدَ الكَهَّةِ؛ عَنِ الهَجَرِيِّ؛ وأَنشد لِكَاهِلٍ:
حُلْوٌ فُكاهَتُه مِسْكٌ رُكاهَتُه، ... فِي كَفِّهِ مِنْ رُقَى الشَّيْطانِ مِفْتاحُ
رمه: رَمِهَ يومُنا رَمَهاً: اشْتَدَّ حَرُّه، وَالزَّايُ أَعلى.
رهره: الرَّهْرَهَةُ: حُسْنُ بَصيص لَوْنِ البَشَرة وأَشْباه ذَلِكَ. وتَرَهْرَه جِسْمُه وَهُوَ رَهْراهٌ ورُهْرُوهٌ: ابْيَضَّ مِنَ النَّعْمَةِ. وَمَاءٌ رَهْراهٌ ورُهْرُوهٌ: صافٍ. وطَسٌّ رَهْرَهَةٌ: صَافِيَةٌ بَرَّاقَةٌ. وَفِي حَدِيثِ المَبْعَثِ:
فشُقَّ عَنْ قَلْبِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجِيءَ بطَسْتٍ رَهْرَهةٍ
:
__________
(1) . قوله [الرفهة الرحمة] وهي بفتح الراء والفاء كما صرح به في التكملة، ثم نقل عن ابن دريد رفه عليّ ترفيهاً أي أنظرني، والرفهان أي كعطشان المستريح، والرفه أي بكسر فسكون صغار النخل(13/493)
قَالَ الْقُتَيْبِيُّ: سأَلت أَبا حَاتِمٍ والأَصمعي عَنْهُ فَلَمْ يَعْرِفَاهُ، قَالَ: وأَظنه بطَسْتٍ رَحْرَحَةٍ، بِالْحَاءِ، وَهِيَ الْوَاسِعَةُ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ إِنَاءٌ رَحْرَحٌ ورَحْراحٌ، فأَبدلوا الْهَاءَ مِنَ الْحَاءِ كَمَا قَالُوا مَدَهْتُ فِي مَدَحْتُ، وَمَا شَاكَلَهُ فِي حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ؛ قَالَ أَبو بَكْرِ بْنُ الأَنباري: هَذَا بعيدٌ جِدّاً لأَن الْهَاءَ لَا تُبْدَلُ مِنَ الْحَاءِ إِلَّا فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي اسْتَعْمَلَتِ الْعَرَبُ فِيهَا ذَلِكَ، وَلَا يُقَاسُ عَلَيْهَا لأَن الَّذِي يُجِيزُ الْقِيَاسَ عَلَيْهَا يُلْزَمُ أَن تُبْدَلَ الْحَاءُ هَاءً فِي قَوْلِهِمْ رَحَلَ الرَّحْلَ، وَفِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ؛ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، وَإِنَّمَا هُوَ دَرَهْرَهة فأَخطأَ الرَّاوِي فأَسقط الدَّالَ. يُقَالُ للكَوْكَبة الوَقَّادَة تَطْلُع مِنَ الأُفُقِ دارِئَةً بِنُورِهَا: دَرَهْرَهة، كأَنه أَراد طَسّاً بَرَّاقةً مُضيئة. وَفِي التَّهْذِيبِ: طَسْتٌ رَحْرَحٌ ورَهْرَةٌ ورَحْراحٌ ورَهْراهٌ إِذَا كَانَ وَاسِعًا قَرِيبَ الْقَعْرِ. قَالَ ابْنُ الأَثير: وَقِيلَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِهِمْ جِسْمٌ رَهْرَهةٌ أَي أَبيض مِنَ النَّعْمة، يُرِيدُ طَسْتاً بَيْضَاءَ مُتَلأْلِئَةً، وَيُرْوَى بَرَهْرَهة، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا. ورَهْرَهَ مائدَتَه إِذَا وَسّعها سَخَاءً وَكَرَمًا. الأَزهري: الرَّهَّةُ الطَّسْتُ الْكَبِيرَةُ. وَالسَّرَابُ يَتَرَهْرَهُ ويَتَرَيَّهُ إِذَا تَتَابَعَ لَمَعانُه. ورَهْرَهَ بالضأْن: مقلوبٌ مِنْ هَرْهَرَ؛ حَكَاهُ يعقوب.
روه: راهَ الشيءُ رَوْهاً: اضْطرب، وَالِاسْمُ الرُّواهُ، يَمَانِيَّةٌ.
ريه: الرَّيْهُ والتَّرَيُّه: جَرْيُ السَّرَابِ عَلَى وَجْهِ الأَرض، وَقِيلَ: مَجِيئُهُ وَذَهَابُهُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
إِذَا جَرى مِنْ آلِهِ المُرَيَّهِ
وَقَوْلُ رُؤْبَةَ:
كأَنَّ رَقْراقَ السَّرابِ الأَمْرَهِ ... يَسْتَنُّ فِي رَيْعانِه المُرَيَّهِ «1»
. كأَنه رُيِّهَ أَو رَيَّهَتْه الهاجرةُ. وتَرَيَّه السرابُ: تَرَيَّعَ. والمُرَيَّهُ المُرَيَّعُ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: يَتَمَيَّعُ هَاهُنَا وَهَاهُنَا لَا يَسْتَقِيمُ لَهُ وَجْهٌ، والله أَعلم.
فصل الزاي
زفه: الأَزهريُّ خَاصَّةً: رَوَى ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي أَنه قَالَ الزَّافِهُ السَّرابُ، والسافِهُ الأَحمق.
زله: زَلِه زَلَهاً: زَمِعَ وطَمِعَ. الأَزهري: الزَّلَهُ مَا يَصِلُ إِلَى النَّفْسِ مِنْ غَمِّ الْحَاجَةِ أَو هَمٍّ مِنْ غَيْرِهَا؛ وأَنشد:
وَقَدْ زَلِهَتْ نفْسي مِنَ الجَهْدِ، وَالَّذِي ... أُطالِبُه شَقْنٌ، وَلَكِنَّهُ نَذْلُ
الشَّقْنُ: الْقَلِيلُ الوَتِحُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. ابْنُ الأَعرابي: الزَّلْهُ التَّحَيُّرُ «2» . والزَّلْهُ نَوْرُ الرَّيْحَانِ وحُسْنُه، والزَّلْهُ الصَّخْرة الَّتِي يَقُومُ عَلَيْهَا الساقي.
زمه: زَمِهَ يومُنا زَمَهاً: اشتدَّ حَرُّه كدَمِهَ.
فصل السين المهملة
سبه: السَّبَهُ: ذَهَابُ الْعَقْلِ مِنَ الهَرَم. وَرَجُلٌ مَسْبُوه ومُسَبَّهٌ وسَباهٍ: مُدَلَّهٌ ذاهبُ الْعَقْلِ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
ومُنْتَخَبٍ كأَنَّ هالَة أُمّه ... سَباهِي الفُؤادِ مَا يَعيش بمعْقُولِ
__________
(1) . قوله [كَأَنَّ رَقْرَاقَ السَّرَابِ الْأَمْرَهِ] روي: عليه رقراق، وروي: يعلوه رقراق، وروي الأمقه بدل الأمره وهما بمعنى واحد
(2) . قوله [الزله التحير إلخ] الزله في هذه الثلاثة بفتح فسكون بخلاف ما قبلها فإنه بالتحريك كما نص عليه المجد والصاغاني(13/494)
هالَةُ هُنَا: الشمسُ. ومُنْتَخَبٌ: حَذِرٌ كأَنه لذَكاء قَلْبِهِ فَزِعٌ، وَيُرْوَى: كأَنَّ هالَة أُمُّهُ أَي هُوَ رَافِعُ رأْسه صُعُداً كأَنه يَطْلُبُ الشَّمْسَ، فكأَنها أُمه. وَرَجُلٌ مَسْبُوهُ الفُؤاد: مِثْلُ مُدَلَّه العَقْلِ، وَهُوَ المُسَبَّهُ أَيضاً؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
قالتْ أُبَيْلى لِي وَلَمْ أُسَبَّهِ: ... مَا السِّنُّ إِلَّا غَفْلَةُ المُدَلَّهِ
أُبَيْلى: اسْمُ امرأَة. قَالَ الْمُفَضَّلُ: السُّباهُ سَكْتَةٌ تأْخذ الإِنسانَ يَذْهَبُ مِنْهَا عقلُه، وَهُوَ مَسْبُوهٌ. وَقَالَ كُرَاعٌ: السُّباهُ، بِضَمِّ السِّينِ، الذاهبُ الْعَقْلِ، وَهُوَ أَيضاً الَّذِي كأَنه مَجْنُونٌ مِنْ نَشاطه. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَالظَّاهِرُ مِنْ هَذَا أَنه غَلِطَ، إِنَّمَا السُّباهُ ذَهَابُ الْعَقْلِ أَو نَشَاطُ الَّذِي كأَنه مَجْنُونٌ. اللِّحْيَانِيُّ: رَجُلٌ مِسَبَّهُ الْعَقْلِ ومُسَمَّهُ الْعَقْلِ أَي ذَاهِبُ الْعَقْلِ. وَرَجُلٌ سَباهِيُّ العَقْل إِذَا كَانَ ضَعِيفَ الْعَقْلِ. وَرَجُلٌ سَبِهٌ وسَباهٌ وسَباهٍ وسباهِيَةٌ: متكبر.
سته: السَّتْهُ والسَّتَهُ والاسْتُ: مَعْرُوفَةٌ، وَهُوَ مِنَ الْمَحْذُوفِ المُجْتَلَبَةِ لَهُ أَلفُ الْوَصْلِ، وَقَدْ يُسْتَعَارُ ذَلِكَ لِلدَّهْرِ؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ثَعْلَبٌ:
إِذَا كَشَفَ اليومُ العَماسُ عَنِ اسْتِهِ، ... فَلَا يَرْتَدي مِثْلي وَلَا يَتَعَمَّمُ
يَجُوزُ أَن تَكُونَ الْهَاءُ فِيهِ رَاجِعَةً إِلَى الْيَوْمِ، وَيَجُوزُ أَن تَكُونَ رَاجِعَةً إِلَى رَجُلٍ مَهْجُوٍّ، وَالْجَمْعُ أَسْتاهٌ، قَالَ عَامِرُ بْنُ عُقَيْل السَّعْدِيُّ وَهُوَ جَاهِلِيٌّ:
رِقابٌ كالمَواجِنِ خاظِياتٌ، ... وأَسْتاهٌ عَلَى الأَكْوارِ كُومُ
خاظياتٌ: غِلاظٌ سِمانٌ. وَيُقَالُ: سَهٌ وسُهٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى بِحَذْفِ الْعَيْنِ؛ قَالَ:
أُدْعُ أُحَيْحاً باسْمِه لَا تَنْسَهْ، ... إنَّ أُحَيْحاً هِيَ صِئْبانُ السَّهْ
الْجَوْهَرِيُّ: والاسْتُ العَجُزُ، وَقَدْ يُرادُ بِهَا حَلْقة الدُّبُرِ، وأَصله سَتَهٌ عَلَى فَعَل، بِالتَّحْرِيكِ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَن جَمْعَهُ أَسْتاه مِثْلَ جَمَل وأَجمال، وَلَا يَجُوزُ أَن يَكُونَ مثل جِزْعٍ وقُفْل اللَّذَيْنِ يُجْمَعَانِ أَيضاً عَلَى أَفعال، لأَنك إِذَا رَدَدْتَ الْهَاءَ الَّتِي هِيَ لَامُ الْفِعْلِ وَحَذَفْتَ الْعَيْنَ قُلْتَ سَهٌ، بِالْفَتْحِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ أَوْسٌ:
شَأَتْكَ قُعَيْنٌ غَثُّها وسَمِينُها، ... وأَنْتَ السَّهُ السُّفْلى، إِذَا دُعِيَت نَصْر
يَقُولُ: أَنْتَ فِيهِمْ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِ مِنَ النَّاسِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
العينُ وِكاءُ السَّهِ
، بِحَذْفِ عَيْنِ الْفِعْلِ؛ وَيُرْوَى:
وِكاءُ السَّتِ
، بِحَذْفِ لَامِ الْفِعْلِ. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ الَّذِي يُسْتَذَلُّ: أَنت الاسْتُ السُّفْلى وأَنت السَّهُ السُّفْلى. وَيُقَالُ لأَرْذالِ النَّاسِ: هَؤُلَاءِ الأَسْتاه، ولأَفاضلهم: هَؤُلَاءِ الأَعْيانُ والوُجوهُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُقَالُ فِيهِ سَتٌ أَيضاً، لُغَةٌ ثَالِثَةٌ؛ قَالَ ابْنُ رُمَيْضٍ العَنْبَرِيّ:
يَسِيلُ عَلَى الحاذَيْنِ والسَّتِ حَيْضُها، ... كَمَا صَبَّ فوقَ الرُّجْمَةِ الدَّمِ ناسِكُ
وَقَالَ أَوس بْنُ مَغْراءَ:
لَا يُمْسِكُ السَّتَ إلَّا رَيْثَ يُرْسِلُها، ... إِذَا أَلَحَّ عَلَى سِيسَائِه العُصُمُ
يَعْنِي إِذَا أَلح عَلَيْهِ بِالْحَبْلِ ضَرطَ. قَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: فِيهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ: سَهٌ وسَتٌ واسْتٌ. والسَّتَهُ: عِظَمُ الاسْتِ. والسَّتَهُ: مَصْدَرُ الأَسْتَهِ، وَهُوَ الضَّخْمُ الاسْتِ. وَرَجُلٌ أَسْتَهُ: عَظِيمُ الاسْتِ بَيِّنُ السَّتَهِ إِذَا كَانَ كَبِيرَ العَجُز، والسُّتاهِيُّ والسُّتْهُم مِثْلُهُ. الْجَوْهَرِيُّ: والمرأَة سَتْهاءُ وسُتْهُمٌ،(13/495)
وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ، وَإِذَا نَسَبْتَ إِلَى الاسْتِ قُلْتَ سَتَهِيٌّ، بِالتَّحْرِيكِ، وَإِنْ شِئْتَ اسْتِيٌّ، تَرَكْتَهُ عَلَى حَالِهِ، وسَتِهٌ أَيضاً، بِكَسْرِ التَّاءِ، كَمَا قَالُوا حَرِحٌ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: رَجُلٌ حَرِحٌ أَي مُلازمٌ للأَحْراحِ، وسَتِهٌ مُلازم للأَسْتاهِ. قَالَ: والسَّيْتَهِيُّ الَّذِي يَتَخَلَّفُ خَلْفَ الْقَوْمِ فَيَنْظُرُ فِي أَسْتاهِهم؛ قَالَتِ الْعَامِرِيَّةُ:
لَقَدْ رأَيتُ رَجُلًا دُهْرِيَّا، ... يَمْشِي وَراءَ القومِ سَيْتَهِيَّا
ودُهْرِيٌّ: مَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي دَهْرٍ بَطْن مِنْ كَلْبٍ. والسَّتِهُ: الطالبُ للاسْتِ، وَهُوَ عَلَى النَّسَبِ، كَمَا يُقَالُ رَجُلٌ حَرِحٌ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: التَّمْثِيلُ لِسِيبَوَيْهِ. ابْنُ سِيدَهْ: رَجُلٌ أَسْتَهُ، وَالْجَمْعُ سُتْهٌ وسُتْهانٌ؛ هَذِهِ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وامرأَة سَتْهاء كَذَلِكَ. وَرَجُلٌ سُتْهُمٌ، والأُنثى سُتْهُمة كَذَلِكَ، الْمِيمُ زَائِدَةٌ. وَيُقَالُ لِلْوَاسِعَةِ مِنَ الدُّبر: سَتْهاء وسُتْهُمٌ، وَتَصْغِيرُ الاسْتِ سُتَيْهَةٌ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: رَجُلٌ سُتْهُم إِذَا كَانَ ضَخْمَ الاسْتِ، وسُتاهِيٌّ مِثْلُهُ، وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ. قَالَ النَّحْوِيُّونَ: أَصل الاسْتِ سَتْهٌ، فَاسْتَثْقَلُوا الْهَاءَ لِسُكُونِ التَّاءِ، فَلَمَّا حَذَفُوا الْهَاءَ سَكَنَتِ السِّينُ فَاحْتِيجَ إِلَى أَلف الْوَصْلِ، كَمَا فُعِلَ بالاسْمِ والابْنِ فَقِيلَ الاسْتُ، قَالَ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ السَّهْ، بِالْهَاءِ، عِنْدَ الْوَقْفِ يَجْعَلُ التَّاءَ هِيَ السَّاقِطَةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهَا هَاءً عِنْدَ الْوَقْفِ وَتَاءً عِنْدَ الإِدراج، فَإِذَا جَمَعُوا أَوْ صَغَّروا رَدُّوا الْكَلِمَةَ إِلَى أَصلها فَقَالُوا فِي الْجَمْعِ أَسْتاهٌ، وَفِي التَّصْغِيرِ سُتَيْهة، وَفِي الْفِعْلِ سَتِهَ يَسْتَهُ فَهُوَ أَسْتَهُ. وَفِي حَدِيثِ المُلاعَنَةِ:
إِنْ جَاءَتْ بِهِ مُسْتَهاً جَعْداً فَهُوَ لِفُلَانٍ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ حَمْشاً فَهُوَ لِزَوْجِهَا
؛ أَراد بالمُسْتَه الضَّخْمَ الأَلْيَتَيْنِ، كأَنه يُقَالُ أُسْتِه فَهُوَ مُسْتَهٌ، كَمَا يُقَالُ أُسْمِنَ فَهُوَ مُسْمَنٌ، وَهُوَ مُفْعَلٌ مِنَ الاسْتِ، قَالَ: ورأَيت رَجُلًا ضَخْمَ الأَرداف كَانَ يُقَالُ لَهُ أَبو الأَسْتاهِ. وَفِي حَدِيثِ
الْبَرَاءِ: مرَّ أَبو سُفْيَانَ ومعاويةُ خَلْفَهُ وَكَانَ رَجُلًا مُسْتَهاً.
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَلِلْعَرَبِ فِي الاسْتِ أَمثالٌ، مِنْهَا مَا رُوِيَ عَنْ أَبي زَيْدٍ: تَقُولُ الْعَرَبُ مَا لَكَ اسْتٌ مَعَ اسْتِكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَدَدٌ وَلَا ثَرْوة مِنْ مَالٍ وَلَا عُدَّة مِنْ رِجَالٍ، تَقُولُ فاسْتُه لَا تُفَارِقُهُ، وَلَيْسَ لَهُ مَعَهَا أُخرى مِنْ رِجَالٍ وَمَالٍ. قَالَ أَبو زَيْدٍ: وَقَالَتِ الْعَرَبُ إِذَا حدّثَ الرجلُ حَدِيثًا فخَلَّط فِيهِ أَحاديث الضَّبُعِ اسْتَها «3» . وَذَلِكَ أَنها تُمَرَّغُ فِي التُّرَابِ ثُمَّ تُقْعِي فَتَتَغَنَّى بِمَا لَا يَفْهَمُهُ أَحد فَذَلِكَ أَحاديثها اسْتَها، وَالْعَرَبُ تَضَعُ الاسْتَ موضعَ الأَصل فَتَقُولُ مَا لَكَ فِي هَذَا الأَمر اسْتٌ وَلَا فَمٌ أَي مَا لَكَ فِيهِ أَصل وَلَا فَرْعٌ؛ قَالَ جَرِيرٌ:
فَمَا لَكُمُ اسْتٌ في العُلالا وَلَا فَمُ
واسْتُ الدَّهْرِ: أَوَّلُ الدَّهْرِ. أَبو عُبَيْدَةَ: يُقَالُ كَانَ ذَلِكَ عَلَى اسْتِ الدَّهْرِ وَعَلَى أُسِّ الدَّهْرِ أَي عَلَى قِدَمِ الدَّهْرِ؛ وأَنشد الإِيادِيُّ لأَبي نُخَيْلَة:
مَا زالَ مَجْنُونًا عَلَى اسْتِ الدَّهْرِ، ... ذَا حُمُقٍ يَنْمِي، وعَقْل يَحْرِي «4»
. أَي لَمْ يَزَلْ مَجْنُونًا دَهْرَهُ كُلَّهُ. وَيُقَالُ: مَا زَالَ فلانٌ عَلَى اسْت الدهرِ مَجْنُونًا أَي لَمْ يَزَلْ يُعْرَفْ بِالْجُنُونِ. وَمِنْ أَمثال الْعَرَبِ فِي عِلْمِ الرجلِ بِمَا يَلِيه دُونَ غَيْرِهِ: اسْتُ البائِن أَعْلَمُ؛ والبائنُ: الحالبُ الَّذِي لَا
__________
(3) . قوله [أحاديث الضبع استها] ضبط في التكملة والتهذيب استها في الموضعين بالنصب
(4) . قوله [ذا حمق] الذي في التهذيب: في بدن، وفي التكملة: في جسد(13/496)
يَلي العُلْبةَ، وَالَّذِي يَلِي العُلْبة يُقَالُ لَهُ المُعَلِّي. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ الَّذِي يُسْتَذلُّ ويُسْتَضْعف: اسْتُ أُمِّك أَضْيَقُ واسْتُكَ أَضْيَقُ مِنْ أَنْ تَفْعَلَ كَذَا وَكَذَا. وَيُقَالُ لِلْقَوْمِ إِذَا استُذِلُّوا واسْتُخِفَّ بِهِمْ: باسْتِ بَنِي فُلانٍ، وَهُوَ شَتْمٌ لِلْعَرَبِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الحُطَيئة:
فبِاسْتِ بَني عَبْسٍ وأَسْتاهِ طَيِءٍ، ... وباسْتِ بَني دُودانَ حَاشَا بَني نَصْرِ «1»
. وسَتَهْتُه أَسْتَهُه سَتْهاً: ضربتُ اسْتَه. وَجَاءَ يَسْتَهُه أَي يَتْبعه مِنْ خَلْفِهِ لَا يُفَارِقُهُ لأَنه يَتْلُو اسْتَه؛ وأَما قَوْلُ الأَخطل:
وأَنتَ مكانُك مِنْ وائلٍ، ... مَكانَ القُرادِ مِنَ اسْتِ الجَملْ
فَهُوَ مَجَازٌ لأَنهم لَا يَقُولُونَ فِي الْكَلَامِ اسْتُ الجَمل. الأَزهري: قَالَ شَمِرٌ فِيمَا قرأْتُ بِخَطِّهِ: الْعَرَبُ تُسَمِّي بَنِي الأَمة بَني اسْتِها؛ قَالَ: وأَقرأَني ابنُ الأَعرابي للأَعشى:
أَسَفَهاً أَوْعَدْتَ يَا ابْنَ اسْتِهَا، ... لَسْتَ عَلَى الأَعْداءِ بالقادِرِ
وَيُقَالُ لِلَّذِي وَلَدَتْهُ أَمَة: يَا ابْنَ اسْتِها، يَعْنُونَ اسْتَ أَمة وَلَدَتْهُ أَنه وُلِدَ مِنِ اسْتِها. وَمِنْ أَمثالهم فِي هَذَا الْمَعْنَى: يَا ابْنَ اسْتِها إِذَا أَحْمَضَتْ حِمارَها. قَالَ المؤرِّجُ: دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَعَلَى رأْسه وَصِيفَةٌ رُوقَةٌ فأَحَدَّ النَّظَر إِلَيْهَا، فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ: أَتُعْجِبُكَ؟ فَقَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لأَمير الْمُؤْمِنِينَ فِيهَا فَقَالَ: أَخبرني بِسَبْعَةِ أَمثال قِيلَتْ فِي الاسْتِ وَهِيَ لَكَ، فَقَالَ الرَّجُلُ: اسْتُ الْبَائِنِ أَعْلَمُ، فَقَالَ: وَاحِدٌ، قَالَ: صَرَّ عَلَيْهِ الغَزْوُ اسْتَهُ، قَالَ: اثْنَانِ، قَالَ: اسْتٌ لَمْ تُعَوَّدِ المِجْمَر، قَالَ: ثَلَاثَةٌ، قَالَ: اسْتُ المَسْؤول أَضْيَقُ، قَالَ: أَربعة، قَالَ: الحُرُّ يُعْطِي والعَبْدُ تَأْلَمُ اسْتُهُ، قَالَ: خَمْسَةٌ، قَالَ الرَّجُلُ: اسْتي أَخْبَثِي، قَالَ: سِتَّةٌ، قَالَ: لَا ماءَكِ أَبْقَيْتِ وَلَا هَنَكِ أَنْقَيْتِ، قَالَ سُلَيْمَانُ: لَيْسَ هَذَا فِي هَذَا، قَالَ: بَلَى أَخذتُ الجارَ بالجارِ كَمَا يأْخذ أَمير الْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ أَوَّل مَنْ أَخذ الْجَارَ بِالْجَارِ، قَالَ: خُذْها لَا بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا قَوْلُهُ: صَرَّ عَلَيْهِ الغَزْوُ اسْتَهُ لأَنه لَا يَقْدِرُ أَن يُجَامِعَ إِذَا غَزَا.
سده: السَّدَهُ والسُّداهُ: شَبِيهٌ بالدَّهَشِ، وقد سُدِهَ.
سفه: السَّفَهُ والسَّفاهُ والسَّفاهة: خِفَّةُ الحِلْم، وَقِيلَ: نَقِيضُ الحِلْم، وأَصله الْخِفَّةُ وَالْحَرَكَةُ، وَقِيلَ: الْجَهْلُ وَهُوَ قَرِيبٌ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ. وَقَدْ سَفِهَ حِلْمَه ورأْيَه ونَفْسَه سَفَهاً وسَفاهاً وسَفاهة: حَمَلَهُ عَلَى السَّفَهِ. قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هَذَا هُوَ الْكَلَامُ الْعَالِي، قَالَ: وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ سَفُه، وَهِيَ قَلِيلَةٌ. وَقَوْلُهُمْ: سَفِهَ نَفْسَهُ وغَبِنَ رَأْيَه وبَطِرَ عَيْشَه وأَلِمَ بَطْنَه ووَفِقَ أَمْرَه ورَشِدَ أَمْرَه، كَانَ الأَصلُ سَفِهَتْ نفسُ زَيْدٍ ورَشِدَ أَمْرُه، فَلَمَّا حُوِّل الْفِعْلُ إِلَى الرَّجُلِ انْتَصَبَ مَا بَعْدَهُ بِوُقُوعِ الْفِعْلِ عَلَيْهِ، لأَنه صَارَ فِي مَعْنَى سَفَّهَ نَفْسَه، بِالتَّشْدِيدِ؛ هَذَا قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ وَالْكِسَائِيِّ، وَيَجُوزُ عِنْدَهُمْ تَقْدِيمُ هَذَا الْمَنْصُوبِ كَمَا يَجُوزُ غلامَه ضَرَبَ زيدٌ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: لَمَّا حُوِّل الفعلُ مِنَ النَّفْسِ إِلَى صَاحِبِهَا خَرَجَ مَا بَعْدَهُ مُفَسِّراً لِيَدُلَّ عَلَى أَن السَّفَه فِيهِ، وَكَانَ حُكْمُهُ أَن يَكُونَ سَفِه زيدٌ نَفْساً، لأَن المُفَسِّر لَا يَكُونُ إِلَّا نَكِرَةً، وَلَكِنَّهُ تُرِكَ عَلَى إِضَافَتِهِ وَنُصِبَ كَنَصْبِ النَّكِرَةِ تَشْبِيهًا بِهَا، وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ تَقْدِيمُهُ لأَن الْمُفَسِّرَ لَا يتقدَّم؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُمْ: ضِقْتُ بِهِ ذَرْعاً وطَبْتُ بِهِ نَفْساً، وَالْمَعْنَى ضَاقَ ذَرْعي بِهِ وَطَابَتْ
__________
(1) . قوله [فباست بني عبس] الذي في الجوهري: بني قيس، لكن صوب الصاغاني الأول(13/497)
نَفْسِي بِهِ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ
؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: اخْتَلَفَ النَّحْوِيُّونَ فِي مَعْنَى سَفِهَ نَفْسه وَانْتِصَابِهِ، فَقَالَ الأَخفش: أَهل التأْويل يَزْعُمُونَ أَن الْمَعْنَى سَفَّه نفسَه؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ: إِلَّا مَنْ سَفِهَ الحقَّ، مَعْنَاهُ مَنْ سَفَّه الحقَّ، وَقَالَ يُونُسُ النَّحْوِيُّ: أُراها لُغَةً ذَهَبَ يُونُسُ إِلَى أَن فَعِلَ لِلْمُبَالَغَةِ كَمَا أَنَّ فَعَّلَ لِلْمُبَالَغَةِ، فَذَهَبَ فِي هَذَا مَذْهَبَ أَهل التأْويل، وَيَجُوزُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ سَفِهْتُ زَيْدًا بِمَعْنَى سَفَّهْتُ زَيْدًا؛ وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: مَعْنَى سَفِهَ نفسَه أَهلك نفسَه وأَوْبَقَها، وَهَذَا غَيْرُ خَارِجٍ مِنْ مَذْهَبِ يُونُسَ وأَهل التأْويل؛ وَقَالَ الْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ: إِنَّ نَفْسَهُ مَنْصُوبٌ عَلَى التَّفْسِيرِ، وَقَالَا: التَّفْسِيرُ فِي النَّكِرَاتِ أَكثر نَحْوَ طِبْتُ بِهِ نَفْساً وقَرِرْتُ بِهِ عَيْنًا، وَقَالَا: إِنَّ أَصل الْفِعْلِ كَانَ لَهَا ثُمَّ حوِّل إِلَى الْفَاعِلِ؛ أَراد أَن قَوْلَهُمْ طِبْتُ بِهِ نَفْسًا مَعْنَاهُ طَابَتْ نَفْسِي بِهِ، فَلَمَّا حُوِّلَ الْفِعْلُ إِلَى صَاحِبِ النَّفْسِ خَرَجَتِ النفسُ مُفَسِّرة، وأَنكر الْبَصْرِيُّونَ هَذَا الْقَوْلَ، وَقَالُوا إِنَّ الْمُفَسِّرَاتِ نَكِرَاتٌ وَلَا يَجُوزُ أَن تُجْعَلَ الْمَعَارِفُ نَكِرَاتٍ، وَقَالَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ: إِنَّ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ
؛ مَعْنَاهُ إِلَّا مَنْ سَفِهَ فِي نَفْسِهِ أَي صَارَ سَفِيهًا، إِلَّا أَن فِي حُذِفَتْ كَمَا حُذِفَتْ حُرُوفَ الْجَرِّ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَا جُناحَ عليكم أَن تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكم؛ المعنى أَن تَسْتَرْضِعُوا لأَولادكم، فَحُذِفَ حَرْفُ الْجَرِّ مِنْ غَيْرِ ظَرْفٍ؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ:
نُغالي اللَّحْمَ للأَضْيافِ نِيّاً، ... ونَبْذُلُه إِذَا نَضِجَ القُدورُ
الْمَعْنَى: نُغَالِي بِاللَّحْمِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْقَوْلُ الْجَيِّدُ عِنْدِي فِي هَذَا أَن سَفِهَ فِي مَوْضِعِ جَهِلَ، وَالْمَعْنَى، وَاللَّهُ أَعلم، إِلَّا مَنْ جَهِل نَفْسَه أَي لَمْ يُفَكِّرْ فِي نَفْسِهِ فَوَضَعَ سَفِهَ فِي مَوْضِعِ جَهِلَ، وعُدِّيَ كَمَا عُدِّيَ، قَالَ: فَهَذَا جَمِيعُ مَا قَالَهُ النَّحْوِيُّونَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، قَالَ: وَمِمَّا يقوِّي قَوْلَ الزَّجَّاجِ الْحَدِيثُ الثابتُ الْمَرْفُوعُ حِينَ
سُئِلَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ الكِبْر فَقَالَ: الكِبْرُ أَن تَسْفَهَ الحَقَّ وتَغْمِطَ الناسَ
، فَجَعَلَ سَفِهَ وَاقِعًا مَعْنَاهُ أَنْ تَجْهَلَ الْحَقَّ فَلَا تَرَاهُ حَقًّا، وَاللَّهُ أَعلم. وَقَالَ بَعْضُ أَهل اللُّغَةِ: أَصلُ السَّفَهِ الخِفَّةُ، وَمَعْنَى السَّفِيهِ الخفيفُ الْعَقْلِ، وَقِيلَ أَي سَفِهَتْ نَفْسُه أَيْ صَارَتْ سَفِيهَةً، وَنُصِبَ نَفْسَهُ عَلَى التَّفْسِيرِ الْمُحَوَّلِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِنَّمَا البَغْيُ مَنْ سَفِهَ الحقَ
أَي مِنْ جَهِلَهُ، وَقِيلَ: مَنْ جَهِلَ نَفْسَهُ، وَفِي الْكَلَامِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ إِنَّمَا الْبَغْيُ فِعْلُ مَنْ سَفِهَ الحقَّ. والسَّفَهُ فِي الأَصل: الخِفَّة والطَّيْشُ. وَيُقَالُ: سَفِهَ فلانٌ رأْيه إِذَا جَهِلَهُ وَكَانَ رأْيه مُضْطَرِبًا لَا اسْتِقَامَةَ لَهُ. والسَّفيه: الْجَاهِلُ. وَرَوَاهُ الزَّمَخْشَرِيُّ:
مِنْ سَفَهِ الحَقِ
، عَلَى أَنه اسْمٌ مُضَافٌ إِلَى الْحَقِّ، قَالَ: وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحدهما على أَن يَكُونَ عَلَى حَذْفِ الْجَارِ وَإِيصَالِ الْفِعْلِ كَانَ الأَصلُ سَفِهَ عَلَى الْحَقِّ، وَالثَّانِي أَن يُضَمَّنَ مَعْنَى فِعْلٍ مُتَعَدٍّ كَجَهِلَ، وَالْمَعْنَى الاستخفاف بالحق وأَن لا يَرَاهُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ الرُّجْحان والرَّزانة. الأَزهري: رَوَى ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي أَنه قَالَ الزّافِهُ السَّرابُ والسافِهُ الأَحمق. ابْنُ سِيدَهْ: سَفِهَ عَلَيْنَا وسَفُهَ جَهِلَ، فَهُوَ سَفِيهٌ، وَالْجَمْعُ سُفَهاء وسِفَاهٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: كَما آمَنَ السُّفَهاءُ
؛ أَي الجُهّال. وَالسَّفِيهُ: الْجَاهِلُ، والأُنثى سَفِيهَةٌ، وَالْجَمْعُ سَفِيهات وسَفائِهُ وسُفَّهٌ وسِفاهٌ. وسَفَّه الرجلَ: جَعَلَهُ سَفِيهًا. وسَفَّهَهُ: نَسَبَهُ إِلَى السَّفَه، وسافَهه مُسافَهة. يُقَالُ: سَفِيه لَمْ يَجِدْ مُسافِهاً. وسَفَّه الجهلُ حِلْمَه: أَطاشه وأَخَفَّه؛ قَالَ:
وَلَا تُسَفِّهُ عِنْدَ الوِرْد عَطْشَتُها ... أَحلامَنا، وشَريبُ السَّوْءِ يَضْطرِمُ
وسَفِهَ نفْسَه: خَسِرَها جَهْلًا. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا(13/498)
تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً. قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: بَلَغَنَا أَنهم النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ الصِّغَارُ لأَنهم جُهّال بِمَوْضِعِ النَّفَقَةِ. قَالَ: وَرُوِيَ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنه قَالَ: النساءُ أَسْفَهُ السُّفهاء.
وَفِي التَّهْذِيبِ: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ
، يَعْنِي المرأَة وَالْوَلَدَ، وَسُمِّيَتْ سَفِيهَةً لِضَعْفِ عَقْلِهَا، ولأَنها لَا تُحْسِنُ سِيَاسَةَ مَالِهَا، وَكَذَلِكَ الأَولاد مَا لَمْ يُؤنَس رُشْدُهم.
وقولُ الْمُشْرِكِينَ لِلنَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتُسَفِّه أَحْلامنا
، مَعْنَاهُ أَتُجَهِّلُ أَحْلامَنا. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً
؛ السَّفِيهُ: الخفيفُ الْعَقْلِ مِنْ قَوْلِهِمْ تَسَفَّهَتِ الرِّياحُ الشيءَ إِذَا اسْتَخَفَّتْهُ فَحَرَّكَتْهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: السَّفِيهُ الْجَاهِلُ وَالضَّعِيفُ الأَحمق؛ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْجَاهِلُ هَاهُنَا هُوَ الْجَاهِلُ بالأَحكام لَا يُحْسِنُ الإِملال وَلَا يَدْرِي كَيْفَ هُوَ، وَلَوْ كَانَ جَاهِلًا فِي أَحواله كُلِّهَا مَا جَازَ لَهُ أَن يُداين؛ وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: مَعْنَاهُ إِنْ كَانَ جَاهِلًا أَو صَغِيرًا. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: السَّفِيهُ الْجَاهِلُ بالإِملال. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا خطأٌ لأَنه قَدْ قَالَ بَعْدَ هَذَا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ. وسَفُه عَلَيْنَا، بِالضَّمِّ، سَفاهاً وسَفاهَةً وسَفِهَ، بِالْكَسْرِ، سَفَهاً، لُغَتَانِ، أَي صَارَ سَفِيهًا، فَإِذَا قَالُوا سَفِهَ نَفْسَه وسَفِهَ رَأْيَه لَمْ يَقُولُوهُ إلَّا بِالْكَسْرِ، لأَن فَعُلَ لَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا. ووادٍ مُسْفَه: مَمْلُوءٌ كأَنه جَازَ الحدَّ فسَفُهَ، فمُسْفَه عَلَى هَذَا مُتَوَهَّم مِنْ بَابٍ أَسْفَهْتُه وَجَدْته سَفِيهًا؛ قَالَ عَدِيُّ بْنُ الرِّقاع:
فَمَا بِهِ بَطْنُ وادٍ غِبَّ نَضْحَتِه، ... وَإِنْ تَراغَبَ، إِلَّا مُسْفَهٌ تَئِقُ
والسَّفَهُ: الخِفَّة. وَثَوْبٌ سَفِيهٌ لَهْلَهٌ سَخِيف. وتَسَفَّهَتِ الرياحُ: اضطَرَبت: وتَسَفَّهت الريحُ الغُصونَ: حرَّكتها وَاسْتَخَفَّتْهَا؛ قَالَ:
مَشَيْنَ كَمَا اهْتَزَّتْ رِماحٌ تَسَفَّهَتْ ... أَعالِيَها مَرُّ الرِّياحِ النَّواسِمِ
وتَسَفَّهَتِ الريحُ الشجرَ أَي مَالَتْ بِهِ. وَنَاقَةٌ سَفِيهة الزِّمامِ إِذَا كَانَتْ خَفِيفَةَ السَّيْرِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ يَصِفُ سَيْفًا:
وأَبْيَضَ مَوْشِيِّ القَمِيصِ نَصَبْتُه ... عَلَى ظَهْرِ مِقْلاتٍ سَفِيهٍ جَديلُها
يَعْنِي خفيفٍ زِمامُها، يُرِيدُ أَن جَدِيلَهَا يَضْطَرِبُ لِاضْطِرَابِ رأْسها. وسافَهَتِ الناقةُ الطريقَ إِذَا خَفَّتْ فِي سَيْرِهَا؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
أَحْدُو مَطِيَّاتٍ وقَوْماً نُعَّسا ... مُسافِهاتٍ مُعْمَلًا مُوَعَّسا
أَراد بالمُعْمَلِ المُوعَّسِ الطريقَ الْمَوْطُوءَ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وأَما قَوْلُ خَلَفِ بْنِ إِسْحاَقَ البَهْرانيّ:
بعَثْنا النَّواعِجَ تَحْتَ الرِّحالْ، ... تَسافَهُ أَشْداقُها فِي اللُّجُمْ
فَإِنَّهُ أَراد أَنها تَترامى بلُغامِها يَمْنةً ويَسْرَة، كَقَوْلِ الجَرْمي:
تَسافَهُ أَشْداقُها باللُّغامْ، ... فتَكْسُو ذَفارِيَها والجُنُوبا
فَهُوَ مِنْ تَسافُهِ الأَشْداق لَا تَسافُهِ الجُدُلِ، وأَما المُبَرّدُ فَجَعَلَهُ مِنْ تَسافُه الجُدُل، والأَول أَظهر. وسَفِه الماءَ يَسْفَهُه سَفْهاً: أَكثر شُرْبَهُ فَلَمْ يَرْوَ، وَاللَّهُ أَسْفَهه إِيَّاهُ. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: سَفِهْتُ الماءَ وسافَهْتُه شَرِبْتَهُ بِغَيْرِ رِفْقٍ. وسَفِهْتُ الشرابَ، بِالْكَسْرِ، إِذَا أَكثرت مِنْهُ فَلَمْ تَرْوَ، وأَسْفَهَكَه اللَّهُ. وسافَهْتُ الدَّنَّ أَو الوَطْبَ: قاعَدْتُه فشَرِبْتُ مِنْهُ سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ. وسافَهْتُ الشرابَ إِذَا أَسرفت(13/499)
فِيهِ؛ قَالَ الشَّمَّاخ:
فَبِتُّ كأَنني سافَهْتُ صِرْفاً ... مُعَتَّقَةً حُمَيَّاها تَدُورُ
الأَزهري: رَجُلٌ ساهِفٌ وسافِهٌ شَدِيدُ الْعَطَشِ. ابْنُ الأَعرابي: طَعَامٌ مَسْهَفَة ومَسْفَهة إِذَا كَانَ يَسْقِي الماءَ كَثِيرًا. وسَفَهْتُ وسَفِهْتُ، كِلَاهُمَا، شُغِلْتُ أَو شَغَلْتُ. وسَفِهْتُ نَصِيبِي: نَسِيتُه؛ عَنْ ثَعْلَبٍ، وتَسَفَّهْتُ فُلَانًا عَنْ مَالِهِ إِذَا خَدَعْتَهُ عَنْهُ. وتَسَفَّهْتُ عَلَيْهِ إِذَا أَسمعته.
سله: سَليهٌ مَليهٌ: لَا طَعْمَ لَهُ، كَقَوْلِكَ سَلِيخٌ مَليخٌ؛ عَنْ ثَعْلَبٍ. الأَزهري: قَالَ شَمِرٌ الأَسْلَهُ الَّذِي يَقُولُ أَفعل فِي الْحَرْبِ وأَفعل، فَإِذَا قَاتَلَ لَمْ يُغْنِ شَيْئًا؛ وأَنشد:
وَمِنْ كلِّ أَسْلَهَ ذِي لُوثَةٍ، ... إِذَا تُسْعَرُ الحَرْبُ لَا يُقْدِمُ
سمه: سَمَه البعيرُ والفرسُ فِي شَوْطه يَسْمَه، بِالْفَتْحِ فِيهِمَا، سُمُوهاً: جَرَى جَرْيًا وَلَمْ يَعْرِفِ الإِعْياءَ، فَهُوَ سامِهٌ، وَالْجَمْعُ سُمَّهٌ؛ وأَنشد لِرُؤْبَةَ:
يَا لَيْتَنا والدَّهْرَ جَرْيَ السُّمَّهِ
أَراد: لَيْتَنَا وَالدَّهْرُ نَجْرِي إِلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ؛ وَهَذَا الْبَيْتُ أَورده الْجَوْهَرِيُّ:
ليتَ المُنى والدّهْرَ جَرْيُ السُّمَّه
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَبَعْدَهُ:
لِلَّهِ دَرُّ الغانياتِ المُدَّهِ
قَالَ: وَيُرْوَى فِي رَجَزِهِ جَرْيُ، بِالرَّفْعِ عَلَى خَبَرِ لَيْتَ، وَمَنْ نصبه فعلى المصدر أَي يَجْرِيَ جَرْيَ السُّمَّه أَي لَيْتَ الدَّهْرَ يَجْرِي بِنَا فِي مُنانا إِلَى غَيْرِ نهاية ينتهي إِليها. والسُّمَّهُ والسُّمَّهى والسُّمَّيْهى، كُلُّهُ: الْبَاطِلُ وَالْكَذِبُ. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: مِنْ أَسْمَاءِ الْبَاطِلِ قَوْلُهُمُ السُّمَّهُ. يُقَالُ: جَرَى فلانٌ جَرْيَ السُّمَّهِ. وَيُقَالُ: ذَهَبَ فِي السُّمَّيْهى أَي فِي الْبَاطِلِ. الْجَوْهَرِيُّ: جَرى فلانٌ السُّمَّهى أَي جَرَى إِلَى غَيْرِ أَمر يَعْرِفُهُ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: إِذَا مَشَتْ هَذِهِ الأُمَّةُ السُّمَّيْهى فَقَدْ تُوُدِّعَ مِنْهَا
؛ هِيَ، بِضَمِّ السِّينِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ: التَّبَخْتُر مِنَ الْكِبْرِ، قَالَ: وَهُوَ فِي غَيْرِ هَذَا الباطلُ وَالْكَذِبِ. الْفَرَّاءُ: وَذَهَبَتْ إِبلُه السُّمَيْهى، عَلَى مِثَالِ وَقَعُوا فِي خُلَيْطى، تَفَرَّقَتْ فِي كُلِّ وَجْهٍ، وَقِيلَ: السُّمَيْهى التَّفَرُّقُ فِي كُلِّ وَجْهٍ مِنْ أَيِّ الْحَيَوَانِ كَانَ. الْفَرَّاءُ: ذَهَبَتْ إبلُه السُّمَّيْهى والعُمَّيْهى والكُمَّيْهى أَي لَا يُدْرَى أَين ذَهَبَتْ. والسُّمَّهى: الهواءُ بَيْنَ السَّمَاءِ والأَرض. اللِّحْيَانِيُّ: يُقَالُ لِلْهَوَاءِ اللُّوحُ والسُّمَّهى والسُّمَّيْهى. النَّضْر: يُقَالُ ذَهَبَ فِي السُّمَّهِ والسُّمَّهى أَي فِي الرِّيحِ وَالْبَاطِلِ. وسَمَّهَ الرجلُ إبلَه: أَهملها، وَهِيَ إِبِلٌ سُمَّهٌ؛ هَذَا قَوْلُ أَبي حَنِيفَةَ، وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ، لأَن سُمَّهٌ لَيْسَ عَلَى سَمَّهَ إِنَّمَا هُوَ عَلَى سَمَهَ. والسُّمَّهُ: أَن يَرْمِيَ الرجلُ إِلى غَيْرِ غَرَضٍ. وَبَقِيَ القومُ سُمَّهاً أَي مُتَلَدِّدين؛ قَالَ ابْنُ الأَعرابي: كَثُرَ عيالُ رجل من طيِء مِنْ بَنَاتٍ وَزَوْجَةٍ فَخَرَجَ بِهِنَّ إِلَى خَيْبر يُعَرِّضُهُنَّ لحُمّاها، فَلَمَّا وَرَدَهَا قَالَ:
قُلْتُ لِحُمَّى خَيْبَرَ: اسْتَعِدِّي ... هَذِي عِيالي، فاجْهَدي وجِدِّي
وباكِري بصَالِبٍ ووِرْدِ، ... أَعانَكِ اللهُ عَلَى ذَا الجُنْدِ
قَالَ: فأَصابته الْحُمَّى فَمَاتَ، وَبَقِيَ عِيَالُهُ سُمَّهاً مُتَلَدِّدينَ.(13/500)
وسَمَه الرجلُ سَمْهاً، فَهُوَ سامِهٌ: دُهِشَ. وَرَجُلٌ سامِهٌ: حَائِرٌ، مِنْ قَوْمٍ سُمَّهٍ. اللِّحْيَانِيُّ: يُقَالُ رَجُلٌ مُسَمَّهُ العَقْل ومُسَبَّهُ العَقْلِ أَي ذَاهِبُ الْعَقْلِ. والسُّمَّهى: مُخاطُ الشَّيْطَانِ. والسُّمَّهَةُ: خُوصٌ يُسَفُّ ثُمَّ يُجْمَعُ، يُجْعَلُ شَبِيهًا بالسُّفْرة.
سنه: السَّنَةُ: واحدةُ السِّنين. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: السَّنَة العامُ مَنْقُوصَةٌ، وَالذَّاهِبُ مِنْهَا يَجُوزُ أَن يَكُونَ هَاءً وَوَاوًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ فِي جَمْعِهَا سَنَهات وسَنَوات، كَمَا أَن عِضَةً كَذَلِكَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ عِضاهٌ وعِضَواتٌ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الدَّلِيلُ عَلَى أَن لَامَ سَنَةٍ وَاوٌ قَوْلُهُمْ سَنَواتٌ؛ قَالَ ابنُ الرِّقاعِ:
عُتِّقَتْ فِي القِلالِ مِنْ بَيْتِ رأْسٍ ... سَنَواتٍ، وَمَا سَبَتْها التِّجارُ
والسَّنةُ مُطْلَقَةً: السنةُ المُجْدِبةُ، أَوْقَعُوا ذَلِكَ عَلَيْهَا إِكباراً لَهَا وَتَشْنِيعًا وَاسْتِطَالَةً. يُقَالُ: أَصابتهم السَّنَةُ، وَالْجَمْعُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ سَنَهاتٌ وسِنُون، كَسَرُوا السِّينَ لِيُعْلَمَ بِذَلِكَ أَنه قَدْ أُخرج عَنْ بَابِهِ إِلَى الْجَمْعِ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ، وقد قالوا سِنيناً؛ أَنشد الْفَارِسِيُّ:
دَعانِيَ مِنْ نَجْدٍ، فإنَّ سِنينَه ... لَعِبْنَ بِنَا شِيباً، وشَيَّبْنَنا مُرْدَا
فَثَبَاتُ نُونِهِ مَعَ الإِضافة يَدُلُّ عَلَى أَنها مُشَبَّهَةٌ بِنُونِ قِنِّسْرين فِيمَنْ قَالَ هَذِهِ قِنِّسْرينُ، وَبَعْضُ الْعَرَبِ يَقُولُ هَذِهِ سِنينٌ، كَمَا تَرَى، ورأَيت سِنيناً فَيُعْرِبُ النُّونَ، وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُهَا نُونَ الْجَمْعِ فَيَقُولُ هَذِهِ سِنُونَ ورأَيت سِنِينَ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ
؛ أَي بالقُحُوط. والسَّنةُ: الأَزْمة، وأَصل السَّنَة سَنْهة بِوَزْنِ جَبْهةٍ، فَحُذِفَتْ لَامُهَا وَنُقِلَتْ حَرَكَتُهَا إِلَى النُّونِ فَبَقِيَتْ سَنَةً، لأَنها مِنْ سَنَهَت النخلةُ وتَسَنَّهَتْ إِذَا أَتى عَلَيْهَا السِّنونَ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: تَسَنَّهَتْ إِذَا أَتى عَلَيْهَا السِّنُونَ. قَالَ ابْنُ الأَثير: وَقِيلَ إِنَّ أَصلها سَنَوَةٌ بِالْوَاوِ، فَحُذِفَتْ كَمَا حُذِفَتِ الْهَاءُ لِقَوْلِهِمْ تَسَنَّيْتُ عِنْدَهُ إِذَا أَقمت عِنْدَهُ سَنةً، وَلِهَذَا يُقَالُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ استأْجرته مُسانَهة ومُساناةً، وَتَصْغِيرُهُ سُنَيْهَة وسُنَيَّة، وتُجْمَعُ سَنَواتٍ وسَنَهاتٍ، فَإِذَا جَمَعْتَهَا جَمْعَ الصِّحَّةِ كَسَرْتَ السِّينَ فَقُلْتَ سِنينَ وسِنُونَ، وَبَعْضُهُمْ بضمها وَيَقُولُ سُنُونَ، بِالضَّمِّ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: سِنينٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، فِي النَّصْبِ وَالرَّفْعِ وَالْجَرِّ، وَيُجْعَلُ الإِعراب عَلَى النُّونِ الأَخيرة، فَإِذَا أَضفتها عَلَى الأَول حَذَفْتَ نُونَ الْجَمْعِ للإِضافة، وَعَلَى الثَّانِي لَا تَحْذِفُهَا فَتَقُولُ سِنِي زيدٍ وسِنِينَ زيدٍ. الْجَوْهَرِيُّ: وأَما مَنْ قَالَ سِنينٌ ومِئِينٌ وَرَفَعَ النُّونَ فَفِي تَقْدِيرِهِ قَوْلَانِ: أَحدهما أَنه فِعْلِينٌ مثلِ غِسْلِينٍ، مَحْذُوفَةً، إِلَّا أَنه جَمْعٌ شاذ، وقد يجئ فِي الْجُمُوعِ مَا لَا نَظِيرَ لَهُ نَحْوَ عِدىً؛ هَذَا قَوْلُ الأَخفش، وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنه فَعِيلٌ، وَإِنَّمَا كَسَرُوا الْفَاءَ لِكَسْرَةِ مَا بَعْدَهَا، وَقَدْ جَاءَ الْجَمْعُ عَلَى فَعِيلٍ نَحْوَ كَلِيبٍ وعَبيدٍ، إِلَّا أَن صَاحِبَ هَذَا الْقَوْلِ يَجْعَلُ النُّونَ فِي آخِرِهِ بَدَلًا مِنَ الْوَاوِ وَفِي الْمِائَةِ بَدَلًا مِنَ الْيَاءِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: سِنين لَيْسَ بِجَمْعِ تَكْسِيرٍ، وَإِنَّمَا هُوَ اسْمٌ مَوْضُوعٌ لِلْجَمْعِ، وَقَوْلُهُ: إِنَّ عِدىً لَا نَظِيرَ لَهُ فِي الْجُمُوعِ، وَهْمٌ لأَن عِدىً نَظِيرُهُ لِحىً وفِرىً وجِرىً، وَإِنَّمَا غَلَّطه قولُهم إِنَّهُ لَمْ يأْت فِعَلٌ صِفَةً إِلَّا عِدىً وَمَكَانًا سِوىً. وقولُه تعالى: ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ
. قَالَ الأَخفش: إِنَّهُ بَدَلٌ مِنْ ثَلَاثٍ وَمِنَ المائة أَي لبثوا ثلثمائة مِنَ السِّنِينَ. قَالَ: فَإِنْ كَانَتِ السِّنُون تَفْسِيرًا لِلْمِائَةِ فَهِيَ جَرٌّ، وَإِنْ كَانَتْ تَفْسِيرًا لِلثَّلَاثِ فَهِيَ نَصْبٌ، والعربُ تَقُولُ تَسَنَّيْتُ عِنْدَهُ وتَسَنَّهْتُ عِنْدَهُ. وَيُقَالُ: هَذِهِ بِلادٌ سِنِينٌ أَي جَدْبةٌ؛ قَالَ الطِّرِمَّاحُ:(13/501)
بمُنْخَرَقٍ تَحِنُّ الرِّيحُ فيهِ ... حَنِينَ الجُلْبِ [الجِلْبِ] في البَلَدِ السِّنينِ
الأَصمعي: أَرضُ بني فلان سَنَةٌ إِذَا كَانَتْ مُجْدِبةً. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وبُعِثَ رائدٌ إِلَى بَلَدٍ فَوَجَدَهُ مُمْحِلًا فَلَمَّا رَجَعَ سُئلَ عَنْهُ فَقَالَ السَّنَةُ، أَراد الجُدُوبة. وَفِي الْحَدِيثِ:
اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى مُضَر بالسَّنة
؛ السَّنَةُ: الجَدْبُ. يُقَالُ: أَخذتهم السنةُ إِذَا أَجْدبوا وأُقحِطُوا، وَهِيَ مِنَ الأَسماء الْغَالِبَةِ نَحْوَ الدَّابَّةِ فِي الْفَرَسِ وَالْمَالِ فِي الإِبل، وَقَدْ خَصُّوهَا بِقَلْبِ لَامِهَا تَاءً فِي أَسْنَتُوا إِذَا أَجْدبوا. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنه كَانَ لَا يُجيز نِكَاحًا عامَ سَنَةٍ
أَي عامَ جَدْبٍ، يَقُولُ: لَعَلَّ الضِّيقَ يَحْمِلُهُمْ عَلَى أَن يُنْكِحُوا غيرَ الأَكْفاء، وَكَذَلِكَ حَدِيثُهُ الْآخَرُ:
كَانَ لَا يَقْطَعُ فِي عَامِ سنةٍ
، يَعْنِي السارقَ. وَفِي حَدِيثِ
طَهْفَة: فأَصابتنا سُنَيَّةٌ حمراءُ
أَي جَدْبٌ شَدِيدٌ، وَهُوَ تَصْغِيرُ تَعْظِيمٍ. وَفِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ عَلَى قُرَيْشٍ:
أَعنِّي عَلَيْهِمْ بسِنينَ كسِني يوسفَ
؛ هِيَ الَّتِي ذَكَرها اللهُ فِي كِتَابِهِ ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ أَي سَبْعُ سِنِينَ فِيهَا قَحْطٌ وجَدْبٌ، والمُعاملة مِنْ وَقْتِهَا مُسانَهةٌ. وسانَهه مُسانَهةً وسِنَاهاً؛ الأَخيرة عَنِ اللِّحْيَانِيِّ: عامَلَه بالسَّنةِ أَو استأْجره لَهَا. وسَانَهتِ النخلةُ، وَهِيَ سَنْهاءُ: حَمَلَتْ سَنَةً وَلَمْ تَحْمِلْ أُخرى؛ فأَما قَوْلُ بَعْضِ الأَنصار، هُوَ سُوَيْد بْنُ الصَّامِتِ:
فلَيْسَتْ بسَنهاء وَلَا رُجَّبِيَّةٍ، ... ولكنْ عَرايا فِي السِّنينِ الجَوائحِ
قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: لَمْ تُصِبْهَا السَّنةُ المُجْدِبة. والسَّنْهاء: الَّتِي أَصابتها السنةُ المُجْدِبةُ، وَقَدْ تَكُونُ النخلةَ الَّتِي حَمَلَتْ عَامًا وَلَمْ تَحْمِلْ آخَرَ، وَقَدْ تَكُونُ الَّتِي أَصابها الجَدْبُ وأَضَرَّ بِهَا فنَفَى ذَلِكَ عَنْهَا. الأَصمعي: إِذَا حَمَلَتِ النَّخْلَةُ سَنَةً وَلَمْ تَحْمِلْ سَنَةً قِيلَ قَدْ عاوَمَتْ وسانَهَتْ. وَقَالَ غَيْرُهُ: يُقَالُ للسَّنَة الَّتِي تَفْعَلُ ذَلِكَ سَنْهاء. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه نَهَى عَنْ بَيْعِ السِّنِينَ
، وَهُوَ أَن يَبِيعَ ثَمَرَةَ نَخْلِهِ لأَكثر مِنْ سَنَةٍ؛ نَهَى عَنْهُ لأَنه غَرَرٌ وبيعُ مَا لَمْ يُخْلَقْ، وَهُوَ مِثْلُ الْحَدِيثِ الْآخَرِ:
أَنه نَهَى عَنِ المُعاومة.
وَفِي حَدِيثِ
حَليمةَ السَّعْدِيةِ: خَرَجْنَا نَلْتَمِسُ الرُّضَعَاء بِمَكَّةَ فِي سنةٍ سَنْهاء
أَي لَا نباتَ بِهَا وَلَا مَطَرَ، وَهِيَ لَفْظَةٌ مَبْنِيَّةٌ مِنْ السَّنةِ كَمَا يُقَالُ لَيْلَةٌ لَيْلاءُ ويومٌ أَيْوَمُ، وَيُرْوَى:
فِي سَنَةٍ شَهْباء.
وأَرضُ بَنِي فُلَانٍ سَنَةٌ أَي مُجْدِبة. أَبو زَيْدٍ: طَعَامٌ سَنِةٌ وسَنٍ إِذَا أَتتْ عَلَيْهِ السِّنُونَ. وسَنِهَ الطعامُ والشرابُ سَنَهاً وتَسَنَّه: تَغَيَّرَ، وَعَلَيْهِ وَجَّهَ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ تَعَالَى: فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ
؛ والتَّسَنُّهُ: التَّكَرُّجُ الَّذِي يَقَعُ عَلَى الخُبْزِ وَالشَّرَابِ وَغَيْرِهِ، تَقُولُ مِنْهُ: خُبْزٌ مُتَسَنِّهٌ. وَفِي الْقُرْآنِ: لَمْ يَتَسَنَّهْ
؛ لَمْ تُغَيِّرْهُ السِّنُونَ، وَمَنْ جَعَلَ حَذْفَ السَّنَةِ وَاوًا قرأَ لَمْ يَتَسنَّ، وَقَالَ سانَيته مُساناة، وإِثبات الْهَاءِ أَصوب. وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَمْ يَتَسَنَّهْ
؛ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِمُرُورِ السِّنِينَ عَلَيْهِ، مأْخوذ مِنَ السَّنَةِ، وَتَكُونُ الْهَاءُ أَصلية مِنْ قَوْلِكَ بِعْتُهُ مُسانهة، تُثْبِتُ وَصْلًا وَوَقْفًا، وَمَنْ وَصَلَهُ بِغَيْرِ هَاءٍ جَعَلَهُ مِنَ المُساناة لأَن لَامَ سَنَةٍ تَعْتَقِبُ عَلَيْهَا الْهَاءُ وَالْوَاوُ، وَتَكُونُ زَائِدَةً صِلَةً بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ؛ فَمَنْ جَعَلَ الْهَاءَ زَائِدَةً جَعَلَ فَعَلْتَ مِنْهُ تَسَنَّيْتَ، أَلا تَرَى أَنك تَجْمَعُ السَّنَةَ سَنَوَاتٍ فَيَكُونُ تَفَعَّلْتُ عَلَى صِحَّةٍ؟ وَمَنْ قَالَ فِي تَصْغِيرِ السَّنَةِ سُنينة، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَلِيلًا، جَازَ أَن يَقُولَ تَسَنَّيْتُ تَفَعَّلْتُ، أُبدلت النُّونُ يَاءً لَمَّا كَثُرَتِ النُّونَاتُ، كَمَا قَالُوا تَظَنَّيْتُ وأَصله الظَّنُّ، وَقَدْ قَالُوا هُوَ مأْخوذ مِنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ*؛(13/502)
يُرِيدُ مُتَغَيِّرًا، فَإِنْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَهُوَ أَيضاً مِمَّا بُدِّلتْ نُونُهُ يَاءً، ونُرَى، وَاللَّهُ أَعلم، أَن مَعْنَاهُ مأْخوذ مِنَ السَّنَة أَي لَمْ تُغَيِّرْهُ السِّنُون. وَرَوَى الأَزهري عَنْ أَبي الْعَبَّاسِ أَحمد بْنِ يَحْيَى فِي قَوْلِهِ لَمْ يَتَسَنَّهْ
، قَالَ: قرأَها أَبو جَعْفَرٍ وشَيْبة ونافعٌ وَعَاصِمٌ بِإِثْبَاتِ الْهَاءِ، إِنْ وَصَلُوا أَو قَطَعُوا، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ، وَوَافَقَهُمْ أَبو عَمْرٍو فِي لَمْ يَتَسَنَّهْ
وَخَالَفَهُمْ فِي اقْتَدِهْ، فَكَانَ يَحْذِفُ الْهَاءَ مِنْهُ فِي الْوَصْلِ وَيُثْبِتُهَا فِي الْوَقْفِ، وَكَانَ الْكِسَائِيُّ يَحْذِفُ الْهَاءَ مِنْهُمَا فِي الْوَصْلِ وَيُثْبِتُهَا فِي الْوَقْفِ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وأَجود ما قيل في أَصل السَّنَةِ سُنَيْهة، عَلَى أَن الأَصل سَنْهَةٌ كَمَا قَالُوا الشَّفَةُ أَصلها شَفْهَة، فَحُذِفَتِ الْهَاءُ، قَالَ: وَنَقَصُوا الْهَاءَ مِنَ السَّنَةِ كَمَا نَقَصُوهَا مِنَ الشَّفَةِ لأَن الْهَاءَ ضَاهَتْ حُرُوفَ اللِّينِ الَّتِي تَنْقُصُ مِنَ الْوَاوِ وَالْيَاءِ والأَلف، مِثْلَ زِنَةٍ وثُبَةٍ وعِزَةٍ وعِضَةٍ، وَالْوَجْهُ فِي الْقِرَاءَةِ لَمْ يَتَسَنَّهْ
، بِإِثْبَاتِ الْهَاءِ فِي الْوَقْفِ والإِدراج، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبي عَمْرٍو، وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ سَنِهَ الطعامُ إِذَا تَغَيَّرَ. وَقَالَ أَبو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ: هُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ حمَإٍ مَسْنُون، فأَبدلوا مَنْ يَتَسَنَّنْ كَمَا قَالُوا تظنَّيْتُ وقَصَّيْتُ أَظفاري.
سنبه: الأَزهري فِي الرُّبَاعِيِّ: مَضَتْ سَنْبَةٌ مِنَ الدَّهْرِ وسَنْبَهةٌ وسَبَّةٌ من الدهر.
سهنسه: حَكَى اللِّحْيَانِيُّ: سِهِنْساهُ [سِهِنْساهِ] ادْخُلْ مَعَنَا، وسِهِنْساهُ [سِهِنْساهِ] اذْهَبْ مَعَنَا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ بَعْدَهُ شَيْءٌ قُلْتَ سِهِنْساهِ قَدْ كَانَ كَذَا وَكَذَا. الْفَرَّاءُ: افْعَلْ هَذَا سِهِنْساهِ وسِهِنْساهُ افْعَلْه آخِرَ كُلِّ شَيْءٍ؛ ثَعْلَبٌ: وَلَا يُقَالُ هَذَا إِلَّا فِي الْمُسْتَقْبَلِ، لَا يُقَالُ فَعَلْتُهُ سِهِنْساهِ وَلَا فَعَلْتُه آثِرَ ذي أَثِيرٍ.
سهه: رُوِيَ
عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنه قَالَ: العَيْنانِ وِكاءُ السَّهِ فَإِذَا نَامَتَا اسْتَطْلَقَ الوِكاءُ
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: السَّهُ حَلْقَةُ الدُّبُرِ، قَالَ الأَزهري: السَّهُ [السَّهْ] مِنَ الْحُرُوفِ الناقصةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي تَرْجَمَةِ سَتَهَ لأَن أَصلها سَتَهٌ، بِوَزْنِ فَرَسٍ، وَجَمْعُهَا أَسْتاه كأَفراس، فَحُذِفَتِ الْهَاءُ وَعُوِّضَ مِنْهَا الْهَمْزَةُ، فَقِيلَ اسْتٌ، فَإِذَا رَدَدْتَ إِلَيْهَا الْهَاءَ وَهِيَ لَامُهَا وَحَذَفْتَ الْعَيْنَ الَّتِي هِيَ التَّاءُ انْحَذَفَتِ الْهَمْزَةُ الَّتِي جيءَ بِهَا عِوَضَ الْهَاءِ، فَتَقُولُ سَهٌ، بِفَتْحِ السِّينِ. وَيُرْوَى فِي الْحَدِيثِ:
وِكاءُ السَّتِ
، بِحَذْفِ الْهَاءِ وإِثبات الْعَيْنِ، وَالْمَشْهُورُ الأَول، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ:
أَن الإِنسان مَهْمَا كَانَ مُسْتَيْقِظًا كَانَتِ اسْتُه كالمشدودةِ المَوْكِيّ عَلَيْهَا، فَإِذَا نَامَ انْحَلَّ وِكاؤُها
، كَنَّى بِهَذَا اللَّفْظِ عَنِ الحَدَثِ وَخُرُوجِ الرِّيحِ، وَهُوَ مِنْ أَحسن الكناياتِ وأَلطفها.
فصل الشين المعجمة
شبه: الشِّبْهُ والشَّبَهُ والشَّبِيهُ: المِثْلُ، وَالْجَمْعُ أَشْباهٌ. وأَشْبَه الشيءُ الشيءَ: مَاثَلَهُ. وَفِي الْمَثَلِ: مَنْ أَشْبَه أَباه فَمَا ظَلَم. وأَشْبَه الرجلُ أُمَّه: وَذَلِكَ إِذَا عَجَزَ وضَعُفَ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
أَصْبَحَ فِيهِ شَبَهٌ مِنْ أُمِّهِ، ... مِنْ عِظَمِ الرأْسِ وَمِنْ خُرْطُمِّهِ أَراد مِنْ خُرْطُمِهِ
فَشُدِّدَ لِلضَّرُورَةِ، وَهِيَ لُغَةٌ فِي الخُرْطُوم، وَبَيْنَهُمَا شَبَه بِالتَّحْرِيكِ، وَالْجَمْعُ مَشَابِهُ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، كَمَا قَالُوا مَحاسِن ومَذاكير. وأَشْبَهْتُ فُلَانًا وشابَهْتُه واشْتَبَه عَلَيَّ وتَشابَه الشيئانِ واشْتَبَها: أَشْبَهَ كلُّ واحدٍ مِنْهُمَا صاحِبَه. وَفِي التَّنْزِيلِ: مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ
. وشَبَّهه إِياه وشَبَّهَه بِهِ مَثَّلَهُ. والمُشْتَبِهاتُ مِنَ الأُمور: المُشْكِلاتُ. والمُتَشابِهاتُ: المُتَماثِلاتُ. وتَشَبَّهَ فلانٌ بِكَذَا. والتَّشْبِيهُ: التَّمْثِيلُ. وَفِي حَدِيثِ
حُذَيْفَةَ:(13/503)
وذَكَر فِتْنَةً فَقَالَ تُشَبَّهُ مُقْبِلَةً وتُبَيِّنُ مُدْبِرَةً
؛ قَالَ شَمِرٌ: مَعْنَاهُ أَن الْفِتْنَةَ إِذَا أَقبلت شَبَّهَتْ عَلَى الْقَوْمِ وأَرَتْهُمْ أَنهم عَلَى الْحَقِّ حَتَّى يَدْخُلُوا فِيهَا ويَرْكَبُوا مِنْهَا مَا لَا يَحِلُّ، فَإِذَا أَدبرت وَانْقَضَتْ بانَ أَمرُها، فعَلِمَ مَنْ دخل فيهاأَنه كَانَ عَلَى الْخَطَأِ. والشُّبْهةُ: الالتباسُ. وأُمورٌ مُشْتَبِهةٌ ومُشَبِّهَةٌ «2» : مُشْكِلَة يُشْبِهُ بعضُها بَعْضًا؛ قَالَ:
واعْلَمْ بأَنَّك فِي زَمانِ ... مُشَبِّهاتٍ هُنَّ هُنَّهْ
وَبَيْنَهُمْ أَشْباهٌ أَي أَشياءُ يتَشابهون فِيهَا. وشَبَّهَ عَلَيْهِ: خَلَّطَ عَلَيْهِ الأَمْرَ حَتَّى اشْتَبه بِغَيْرِهِ. وَفِيهِ مَشابهُ مِنْ فُلَانٍ أَي أَشْباهٌ، وَلَمْ يَقُولُوا فِي وَاحِدَتِهِ مَشْبَهةٌ، وَقَدْ كَانَ قِيَاسُهُ ذَلِكَ، لَكِنَّهُمُ اسْتَغْنَوْا بشَبَهٍ عَنْهُ فَهُوَ مِنْ بَابِ مَلامِح ومَذاكير؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: لَمْ يَسْرِ رجلٌ قَطُّ لَيْلَةً حَتَّى يُصْبِحَ إِلَّا أَصْبَح وَفِي وَجْهِهِ مَشابِهُ مِنْ أُمِّه. وَفِيهِ شُبْهَةٌ مِنْهُ أَي شَبَهٌ. وَفِي حَدِيثِ الدِّياتِ:
دِيَةُ شِبْهِ العَمْدِ أَثْلاثٌ
؛ هُوَ أَن تَرْمِيَ إِنساناً بشيءٍ لَيْسَ مِنْ عَادَتِهِ أَن يَقْتُل مِثْلُه، وَلَيْسَ مِنْ غَرَضِكَ قَتْلُهُ، فيُصادِفَ قَضاءً وقَدَراً فيَقَعَ فِي مَقْتَلٍ فيَقْتُل، فَيَجِبُ فِيهِ الديةُ دُونَ الْقِصَاصِ. وَيُقَالُ: شَبَّهْتُ هَذَا بِهَذَا، وأَشْبَه فلانٌ فُلَانًا. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ
؛ قِيلَ: مَعْنَاهُ يُشْبِهُ بعضُها بَعْضًا. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ
، فَرُوِيَ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنه قَالَ: الْمُتَشَابِهَاتُ الم الر، وَمَا اشْتَبه عَلَى الْيَهُودِ مِنْ هَذِهِ وَنَحْوِهَا.
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذَا لَوْ كَانَ صَحِيحًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ مُسَلَّماً لَهُ، وَلَكِنَّ أَهل الْمَعْرِفَةِ بالأَخبار وَهَّنُوا إسْنادَه، وَكَانَ الْفَرَّاءُ يَذْهَبُ إِلَى مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،
وَرُوِيَ عَنِ الضَّحَّاكِ أَنه قَالَ: الْمُحْكَمَاتُ مَا لَمْ يُنْسَخْ، والمُتَشابِهات مَا قَدْ نُسِخَ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: المُتَشابِهاتُ هِيَ الآياتُ الَّتِي نَزَلَتْ فِي ذِكْرِ الْقِيَامَةِ وَالْبَعْثِ ضَرْبَ قَوْلِه: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ، وضَرْبَ قولِه: وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ؛ فَهَذَا الذي تَشَابَهَ عَلَيْهِمْ، فأَعْلَمهم اللَّهُ الوَجْهَ الَّذِي يَنْبَغِي أَن يَسْتَدِلُّوا بِهِ عَلَى أَن هَذَا المُتَشابِهَ عَلَيْهِمْ كَالظَّاهِرِ لَوْ تَدَبَّرُوه فَقَالَ: وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ، أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ
؛ أَي إِذَا كُنْتُمْ أَقررتم بالإِنشاء وَالِابْتِدَاءِ فَمَا تُنْكِرُونَ مِنَ الْبَعْثِ والنُّشور، وَهَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَهل الْعِلْمِ وَهُوَ بَيِّنٌ وَاضِحٌ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ
؛ أَي أَنهم طَلَبُوا تَأْوِيلَ بَعْثِهِمْ وإِحيائهم فأَعلم اللَّهُ أَن تأْويل ذَلِكَ وَوَقْتَهُ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ؛ يُرِيدُ قِيَامَ السَّاعَةِ وَمَا وُعِدُوا مِنَ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ، وَاللَّهُ أَعلم. وأَما قَوْلُهُ: وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً
، فَإِنَّ أَهل اللُّغَةِ قَالُوا مَعْنَى مُتَشابِهاً
يُشْبِهُ بعضُه بَعْضًا فِي الجَوْدَة والحُسْن، وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ: مُتَشابِهاً
يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا فِي الصُّورَةِ وَيَخْتَلِفُ فِي الطَّعْم، وَدَلِيلُ الْمُفَسِّرِينَ قَوْلُهُ تَعَالَى: هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ؛
__________
(2) . قوله [ومشبهة] كذا ضبط في الأصل والمحكم، وقال المجد: مشبهة كمعظمة(13/504)
لأَن صُورتَه الصورةُ الأُولى، ولكنَّ اختلافَ الطَّعْمِ مَعَ اتِّفَاقِ الصُّورَةِ أَبلغُ وأَغرب عِنْدَ الْخَلْقِ، لَوْ رأَيت تُفَّاحًا فِيهِ طَعْمُ كُلِّ الْفَاكِهَةِ لَكَانَ نِهَايَةً فِي العَجَبِ. وَفِي الْحَدِيثِ فِي صِفَةِ الْقُرْآنِ:
آمِنُوا بمُتَشابهِه واعْمَلُوا بمُحْكَمِه
؛ المُتَشابه: مَا لَمْ يُتَلَقَّ مَعْنَاهُ مِنْ لَفْظِهِ، وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحدهما إِذَا رُدَّ إِلَى المُحْكم عُرف مَعْنَاهُ، وَالْآخَرُ مَا لَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَةِ حَقِيقَتِهِ، فالمُتَتَبِّعُ لَهُ مُبْتَغٍ لِلْفِتْنَةِ لأَنه لَا يَكَادُ يَنْتَهِي إِلَى شَيْءٍ تَسْكُنُ نَفْسُه إِلَيْهِ. وَتَقُولُ: فِي فُلَانٍ شَبَهٌ مِنْ فُلَانٍ، وَهُوَ شِبْهُه وشَبَهُه وشَبِيهُه؛ قَالَ الْعَجَّاجُ يَصِفُ الرَّمْلَ:
وبالفِرِنْدادِ لَهُ أُمْطِيُّ، ... وشَبَهٌ أَمْيَلُ مَيْلانيُ
الأُمْطِيُّ: شَجَرٌ لَهُ عِلْكٌ تَمْضَغُه الأَعراب. وَقَوْلُهُ: وشَبَهٌ، هُوَ اسْمُ شَجَرٍ آخَرَ اسْمُهُ شَبَهٌ، أَمْيَلُ: قَدْ مَالَ، مَيْلانيُّ: مِنَ المَيل. وَيُرْوَى: وسَبَطٌ أَمْيَلُ، وَهُوَ شَجَرٌ مَعْرُوفٌ أَيضاً.
حَيْثُ انْحَنى ذُو اللِّمَّةِ المَحْنِيُ
حَيْثُ انْحَنَى: يَعْنِي هَذَا الشَّبَه. ذُو اللِّمَّةِ: حَيْثُ نَمَّ العُشْبُ؛ وشَبَّهه بلِمَّةِ الرأْس، وَهِيَ الجُمَّة.
فِي بَيْضِ وَدْعانَ بِساطٌ سِيُ
بَيْضُ وَدْعانَ: موضعٌ. أَبو الْعَبَّاسِ عَنِ ابْنِ الأَعرابي: وشَبَّه الشيءُ إِذَا أَشْكَلَ، وشَبَّه إِذَا سَاوَى بَيْنَ شَيْءٍ وَشَيْءٍ، قَالَ: وسأَلته عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً
، فَقَالَ: لَيْسَ مِنَ الاشْتِباهِ المُشْكِل إِنَّمَا هُوَ مِنَ التشابُه الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الِاسْتِوَاءِ. وَقَالَ اللَّيْثُ: المُشْتَبِهاتُ مِنَ الأُمور المُشْكِلاتُ. وَتَقُولُ: شَبَّهْتَ عليَّ يَا فلانُ إِذَا خَلَّطَ عَلَيْكَ. واشْتَبَه الأَمْرُ إِذَا اخْتَلَطَ، واشْتَبه عليَّ الشيءُ. وَتَقُولُ: أَشْبَهَ فلانٌ أَباه وأَنت مِثْلُهُ فِي الشِّبْهِ والشَّبَهِ. وَتَقُولُ: إِنِّي لَفِي شُبْهةٍ مِنْهُ، وحُروفُ الشِّينِ يُقَالُ لَهَا أَشْباهٌ، وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ يكونُ سَواءً فإِنها أَشْباهٌ كَقَوْلِ لَبِيدٍ فِي السَّواري وتَشْبيه قوائمِ النَّاقَةِ بِهَا:
كعُقْرِ الهاجِريِّ، إِذَا ابْتَناهُ، ... بأَشْباهٍ خُذِينَ عَلَى مِثالِ
قَالَ: شَبَّه قَوَائِمَ نَاقَتِهِ بالأَساطين. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وغيرُه يَجْعَلُ الأَشباهَ فِي بَيْتِ لَبِيدٍ الآجُرَّ لأَن لَبِنَها أَشْباهٌ يُشْبِه بعضُها بَعْضًا، وَإِنَّمَا شَبَّه نَاقَتَهُ فِي تَمَامِ خَلْقِها وحَصانةِ جِبِلَّتها بقَصْر مَبْنِيٍّ بِالْآجُرِّ، وجمعُ الشُّبْهةِ شُبَهٌ، وَهُوَ اسْمٌ مِنَ الاشْتِباهِ.
رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: اللَّيَنُ يُشَبَّهُ عَلَيْهِ
«1» . وَمَعْنَاهُ أَن المُرْضِعَة إِذَا أَرْضَعَتْ غُلَامًا فإِنه يَنْزِعُ إِلَى أَخلاقِها فيُشْبِهُها، وَلِذَلِكَ يُختار للرَّضاعِ امرأةٌ حَسَنَةُ الأَخلاقِ صحيحةُ الْجِسْمِ عاقلةٌ غيرُ حَمْقاء. وَفِي الْحَدِيثِ
عَنْ زيادٍ السَّهْمِيّ قَالَ: نَهَى رسولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَن تُسْتَرْضَعَ الحمْقاء فَإِنَّ اللَّبنَ يُشَبَّه.
وَفِي الْحَدِيثِ:
فَإِنَّ اللَّبَنَ يَتَشَبَّهُ.
والشِّبْهُ والشَّبَهُ: النُّحاس يُصْبَغُ فيَصْفَرُّ. وَفِي التَّهْذِيبِ: ضَرْبٌ مِنَ النُّحَاسِ يُلْقى عَلَيْهِ دواءٌ فيَصْفَرُّ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: سُمِّيَ بِهِ لأَنه إِذَا فُعِلَ ذَلِكَ بِهِ أَشْبَه الذهبَ بِلَوْنِهِ، وَالْجَمْعُ أَشْباهٌ، يُقَالُ: كُوزُ شَبَهٍ وشِبْهٍ بِمَعْنًى؛ قَالَ المَرَّارُ:
تَدينُ لمَزْرُورٍ إِلَى جَنْب حَلْقَةٍ، ... مِنَ الشِّبْهِ، سَوَّاها برِفْقٍ طَبِيبُها
أَبو حَنِيفَةَ: الشَّبَهُ شَجَرَةٌ كَثِيرَةُ الشَّوْك تُشْبِهُ
__________
(1) . قوله [اللين يشبه عليه] ضبط يشبه في الأَصل والنهاية بالتثقيل كما ترى، وضبط في التكملة بالتخفيف مبنياً للمفعول(13/505)
السَّمُرَةَ وَلَيْسَتْ بِهَا. والمُشَبَّهُ: المُصْفَرُّ مِنَ النَّصِيِّ. والشَّباهُ: حَبٌّ عَلَى لَوْنِ الحُرْفِ يُشْرَبُ لِلدَّوَاءِ. والشَّبَهانُ: نَبْتٌ يُشْبِهُ الثُّمام، وَيُقَالُ لَهُ الشَّهَبانُ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والشَّبَهانُ والشُّبُهانُ ضَرْبٌ مِنَ العِضاه، وَقِيلَ: هُوَ الثُّمامُ، يَمانية؛ حَكَاهَا ابْنُ دُرَيْدٍ؛ قَالَ رَجُلٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ:
بوادٍ يَمانٍ يُنْبِتُ الشَّثَّ صَدْرُهُ، ... وأَسْفَلُه بالمَرْخِ والشَّبَهانِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ الْبَيْتُ للأَحْوَل اليَشْكُري، وَاسْمُهُ يَعْلى، قَالَ: وَتَقْدِيرُهُ وَيَنْبُتُ أَسفلُه المَرْخَ؛ عَلَى أَن تَكُونَ الْبَاءُ زَائِدَةً، وإِن شِئْتَ قَدَّرْتَه: ويَنْبُتُ أَسفلُه بالمَرْخِ، فَتَكُونُ الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ لَمَّا قَدَّرْتَ الْفِعْلَ ثُلَاثِيًّا. وَفِي الصِّحَاحِ: وَقِيلَ الشَّبَهانُ هُوَ الثُّمامُ مِنَ الرَّيَاحِينِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: والشَّبَهُ كالسَّمُرِ كَثِيرُ الشَّوْكِ.
شده: شَدَهَ رأْسَه شَدْهاً: شَدَخَه. قَالَ ابْنُ جِنِّي: أَما قَوْلُهُمُ السَّدْهُ فِي الشَّدْهِ، وَرَجُلٌ مَسْدُوه فِي مَعْنَى مَشْدُوه، فَيَنْبَغِي أَن تَكُونَ السِّينُ بَدَلًا مِنَ الشِّينِ لأَن الشِّينَ أَعم تَصَرُّفاً. وشُدِهَ الرجلُ شَدَهاً وشُدْهاً: شُغِل: وَقِيلَ: تَحَيَّر، وَالِاسْمُ الشُّداهُ. الأَزهري: شُدِهَ الرجلُ دُهِشَ، فَهُوَ دَهِشٌ ومَشْدُوهٌ شَدَهاً، وَقَدْ أَشْدَهَه كَذَا. أَبو زَيْدٍ: شُدِهَ الرجلُ شَدْهاً «1» . فَهُوَ مَشْدُوهٌ: دُهِشَ، وَالِاسْمُ الشُّدْهُ والشَّدَهُ مِثْلُ البُخْلِ والبَخَلِ، وَهُوَ الشُّغْل لَيْسَ غَيْرَهُ. وَقَالَ: شُدِهَ الرجلُ شُغِلَ لَا غَيْرُ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: لَمْ يَجعَلْ شُدِهَ مِنَ الدَّهَشِ كَمَا يَظُنُّ بَعْضُ النَّاسِ أَنه مَقْلُوبٌ مِنْهُ، وَاللُّغَةُ الْعَالِيَةُ دَهِشَ، عَلَى فَعِلَ، وأَما الشَّدْهُ فَالدَّالُ ساكنة.
شره: الشَّرَهُ: أَسْوَأُ الحِرْصِ، وَهُوَ غَلَبَةُ الحِرْصِ، شَرهَ شَرَهاً فَهُوَ شَرهٌ وشَرْهانُ. وَرَجُلٌ شَرهٌ: شَرْهانُ النَّفْسِ حَريصٌ. والشَّرِهُ والشَّرْهانُ: السريعُ الطَّعْمِ الوَحِيُّ، وَإِنْ كَانَ قليلَ الطَّعْمِ. وَيُقَالُ: شَرِهَ فلانٌ إِلَى الطَّعَامِ يَشْرَهُ شَرَهاً إِذَا اشْتَدَّ حِرْصُه عَلَيْهِ. وسَنة شَرْهاء: مُجْدِبة؛ عَنِ الْفَارِسِيِّ. وقولُهم: هَيا «2» . شَراهِيا، مَعْنَاهُ يَا حيُّ يا قيُّومُ بالعِبْرانِيَّةِ.
شفه: الشَّفَتانِ مِنَ الإِنسان: طَبَقا الفمِ، الواحدةُ شَفةٌ، منقوصةُ لامِ الفعلِ ولامُها هاءٌ، والشَّفةُ أَصلها شَفَهةٌ لأَن تَصْغِيرَهَا شُفَيْهة، وَالْجَمْعُ شِفاه، بِالْهَاءِ، وَإِذَا نسَبْتَ إِلَيْهَا فأَنْت بِالْخِيَارِ، إِن شئتَ تَرَكْتَهَا عَلَى حَالِهَا وقلتَ شفِيٌّ مثال دَمِيٍّ ويَدِيٍّ وعَدِيٍّ، وَإِنْ شِئْتَ شَفَهيٌّ، وَزَعَمَ قَوْمٌ أَن النَّاقِصَ مِنَ الشَّفَةِ وَاوٌ لأَنه يُقَالُ فِي الْجَمْعِ شَفَواتٌ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ، رَحِمَهُ اللَّهُ: الْمَعْرُوفُ فِي جَمْعِ شَفةٍ شِفاهٌ، مكَسَّراً غيرَ مُسَلَّم، وَلَامُهُ هَاءٌ عِنْدَ جَمِيعِ الْبَصْرِيِّينَ، وَلِهَذَا قَالُوا الْحُرُوفَ الشَّفَهِيَّةُ وَلَمْ يَقُولُوا الشَّفَوِيَّة، وَحَكَى الْكِسَائِيُّ إِنَّه لغَلِيظُ الشِّفاهِ كأَنه جعَل كلَّ جزءٍ مِنَ الشَّفة شَفةً ثُمَّ جمَع عَلَى هَذَا. اللَّيْثُ: إِذَا ثَلَّثُوا الشَّفةَ قَالُوا شَفَهات وشَفَوات، وَالْهَاءُ أَقْيَسُ وَالْوَاوُ أَعمُّ، لأَنهم شَبَّهوها بالسَّنَواتِ ونُقْصانُها حَذْفُ هائِها. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ هَذِهِ شَفةٌ فِي الْوَصْلِ، وشَفهٌ بِالْهَاءِ، فَمَنْ قَالَ شَفةٌ قَالَ كَانَتْ في
__________
(1) . قوله [شده الرجل شدهاً إلخ] جاء المصدر محركاً وبضم أو فتح فسكون كما في القاموس وغيره
(2) . قوله [وقولهم هيا إلخ] مثله في التهذيب، والذي في التكملة ما نصه: قال الصاغاني هذا غلط وليس هذا اللفظ من هذا التركيب في شيء أعني تركيب شره، وبعضهم يقول آهيا شراهيا مثل عاهيا وكل ذلك تصحيف وتحريف وإنما هو إهيا بكسر الهمزة وسكون الهاء وأشر بالتحريك وسكون الراء وبعده إهيا مثل الأَول وَهُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ جَلَّ ذكره، ومعنى إهيا أشر إهيا الأَزلي الذي لم يزل، هكذا أقرأنيه حبر من أحبار اليهود بعدن أبين(13/506)
الأَصل شَفَهة فحذِفت الْهَاءُ الأَصلية وأُبْقِيَتْ هاءُ العلامةِ للتأْنيث، ومَنْ قَالَ شَفَه بِالْهَاءِ أَبْقَى الْهَاءَ الأَصلية. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الشَّفَةُ للإِنسان وَقَدْ تُسْتَعار لِلْفَرَسِ قَالَ أَبو دُوَادٍ:
فبِتْنا جُلوساً عَلَى مُهْرِنا، ... نُنَزِّعُ مِنْ شَفَتيْهِ الصَّفارا
الصَّفارُ: يبيسُ البُهْمَى وَلَهُ شوكٌ يَعْلَقُ بجَحافِل الخَيْل، وَاسْتَعَارَ أَبو عُبَيْدٍ الشَّفةَ للدَّلْوِ فَقَالَ: كَبْنُ الدَّلْوِ شَفَتُها، وَقَالَ: إِذَا خُرِزَتِ الدَّلْوُ فَجَاءَتْ الشَّفةُ مَائِلَةً قِيلَ كَذَا، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: فَلَا أَدري أَمِنَ الْعَرَبِ سَمِع هَذَا أَمْ هُوَ تعبيرُ أَشْياخِ أَبي عُبَيْدٍ. وَرَجُلٌ أَشْفَى إِذَا كَانَ لَا تَنْضَمُّ شَفَتاهُ كالأَرْوَقِ قَالَ: وَلَا دليلَ عَلَى صِحَّتِهِ. وَرَجُلٌ شُفاهِيٌّ، بِالضَّمِّ: عظيمُ الشَّفةِ، وَفِي الصِّحَاحِ: غَليظُ الشَّفتَيْن. وشافَهَه: أَدْنَى شَفتَه مِنْ شَفته فكَلَّمَه، وكلَّمه مُشافَهةً، جاؤوا بِالْمَصْدَرِ عَلَى غَيْرِ فِعْله وَلَيْسَ فِي كُلِّ شَيْءٍ قِيلَ مثلُ هَذَا، لَوْ قُلْتَ كَلَّمْتُه مُفاوَهةً لَمْ يَجُزْ إِنَّمَا تَحْكي مِنْ ذَلِكَ مَا سُمِع؛ هَذَا قَوْلُ سِيبَوَيْهِ. الْجَوْهَرِيُّ: المُشافَهةُ المُخاطَبةُ مِنْ فِيكَ إِلَى فِيهِ. والحروفُ الشَّفهِيَّةُ: الْبَاءُ وَالْفَاءُ والميمُ، وَلَا تَقُلْ شَفَوِيَّةٌ، وَفِي التَّهْذِيبِ: وَيُقَالُ لِلْفَاءِ وَالْبَاءِ وَالْمِيمِ شَفَوِيَّةٌ، وشَفَهِيَّةٌ لأَن مَخْرَجَها مِنَ الشَّفة لَيْسَ للِّسانِ فِيهَا عمَلٌ. وَيُقَالُ: مَا سَمِعْتُ مِنْهُ ذَاتَ شَفةٍ أَي مَا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً. وَمَا كَلَّمْتُه ببِنْتِ شَفةٍ أَي بكلمةٍ. وفلانٌ خفيفُ الشَّفَةِ أَي قليلُ السُّؤال للنَّاسِ. وَلَهُ فِي النَّاسِ شَفَةٌ حسَنةٌ أَي ثناءٌ حسَنٌ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: إنَّ شَفةَ الناسِ عَلَيْكَ لحسَنةٌ أَي ثَناءَهم عَلَيْكَ حسَنٌ وذِكْرهم لَكَ، وَلَمْ يَقُلْ شِفاهُ النَّاسِ. ورجلٌ شافِهٌ: عَطْشانُ لَا يَجِد مِنَ الْمَاءِ مَا يَبُلُّ بِهِ شَفتَه؛ قَالَ تَمِيمُ بْنُ مُقبل:
فكمْ وطِئْنا بِهَا مِنْ شافِهٍ بَطَلٍ، ... وكَمْ أَخَذْنا مِن أنفالٍ نُفادِيها
ورجلٌ مشْفوهٌ: يَسْأَله الناسُ كَثِيرًا. وماءٌ مَشْفُوهٌ: كثيرُ الشارِبةِ، وَكَذَلِكَ المالُ والطعامُ. وَرَجُلٌ مَشْفوهٌ إِذَا كثُرَ سؤالُ النَّاسِ إِيَّاهُ حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ، مِثْلُ مَثْمودٍ ومَضْفوفٍ ومَكْثورٍ عَلَيْهِ. وأَصبحْتَ يَا فلانُ مَشْفوهاً مَكْثوراً عَلَيْكَ: تُسْأَلُ وتُكلَّم؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ، رَحِمَهُ اللَّهُ: وَقَدْ يَكُونُ المَشْفوهُ الَّذِي أَفْنَى مالَه عيالُه ومَنْ يَقُوتُه؛ قَالَ الْفَرَزْدَقُ يَصِفُ صَائِدًا:
عَارِي الأَشاجِعِ مَشْفوهٌ، أَخو قَنَصٍ، ... مَا يُطْعِمُ العَينَ نَوْماً غيرَ تَهْوِيمِ
والشَّفْهُ: الشَّغْلُ. يُقَالُ: شَفَهَني عَنْ كَذَا أَي شَغَلني. وَنَحْنُ نَشْفَه عَلَيْكَ المَرْتَع والماءَ أَي نشْغَلُه عَنْكَ أَي هُوَ قَدْرُنا لَا فَضْلَ فِيهِ. وشُفِهَ مَا قِبَلَنا شَفْهاً: شُغِلَ عَنْهُ. وَقَدْ شَفَهني فلانٌ إِذَا أَلَحَّ عَلَيْكَ فِي المسأَلة حَتَّى أَنْفَد مَا عِنْدك. وماءٌ مَشْفوهٌ: بِمَعْنَى مَطْلوب. قَالَ الأَزهري: لَمْ أَسمعه لِغَيْرِ اللَّيْثِ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي قَدْ كثُرَ عَلَيْهِ النَّاسُ كأَنَّهم نزَحُوه بشِفاهِهِم وشَغَلُوه بِهَا عَنْ غَيرِهم. وَقِيلَ: ماءٌ مَشْفوهٌ مَمْنوعٌ مِنْ وِرْدِه لقِلَّتِه. ووَرَدْنا مَاءً مَشْفوهاً: كثيرَ الأَهلِ. وَيُقَالُ: مَا شَفَهْتُ عَلَيْكَ مِنْ خَبرِ فلانٍ شَيْئًا وَمَا أَظنُّ إبِلَك إِلَّا ستَشْفَه عَلَيْنَا الماءَ أَي تَشْغَلُه. وفلانٌ مَشْفوهٌ عنَّا أَي مَشْغول عنَّا مَكْثورٌ عَلَيْهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِذَا صَنَع لأَحَدِكم خادِمُه طَعاماً فليُقْعِدْه مَعَهُ، فَإِنْ كَانَ مَشْفوهاً فليَضَعْ فِي يدِه مِنْهُ أُكْلةً أَو أُكْلَتَين
؛(13/507)
المَشْفوهُ: القليلُ، وأَصله الْمَاءُ الَّذِي كَثُرَتْ عَلَيْهِ الشِّفاه حَتَّى قَلَّ، وَقِيلَ: أَراد فَإِنْ كَانَ مَكْثوراً عَلَيْهِ أَي كَثُرت أَكَلَتُه. وَحَكَى ابْنُ الأَعرابي: شَفَهْتُ نَصيبي، بِالْفَتْحِ، وَلَمْ يُفَسِّرْهُ، وردَّ ثَعْلَبٌ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَقَالَ: وإنما هُوَ سَفِهْتُ أَي نَسِيت.
شقه: فِي الْحَدِيثِ:
نَهَى عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ حَتَّى يُشْقِهَ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: جَاءَ تَفْسِيرُهُ فِي الْحَدِيثِ الإِشْقاه أَن يَحْمَرَّ ويَصْفَرَّ، وَهُوَ مِنْ أَشْقَح يُشْقِح، فأَبدل مِنَ الْحَاءِ هَاءً، وَقَدْ تَقَدَّمَ وَيَجُوزُ فِيهِ التشديد.
شكه: شاكَهَ الشيءَ مُشاكَهةً وشِكاهاً: شابَهَهُ وشاكَله ووافقَه وقارَبه. وَهُمَا يتَشاكَهان أَي يتَشابهانِ. والمُشاكَهةُ المُشابَهةُ والمُقارَبةُ. وَفِي أَمثال الْعَرَبِ قَوْلُهُمْ لِلرَّجُلِ يُفْرِطُ فِي مدْحِ الشَّيْءِ: شاكِهْ أَبا فلانٍ أَي قارِبْ فِي الْمَدْحِ وَلَا تُطْنِبْ، كَمَا يُقَالُ: بِدُونِ ذَا يَنْفَقُ الْحِمَارُ؛ قَالَ زُهَيْرٌ:
عَلَوْنَ بأَنْماطٍ عِتاقٍ وكِلَّةٍ، ... وِرَادٍ حَواشِيها مُشاكِهَةِ الدَّمِ
وأَصل مثَل العربِ: شاكِهْ أَبا فلانٍ، أَنَّ رَجُلًا رأَى آخرَ يَعْرِضُ فَرَسًا لَهُ عَلَى البيع، فقال لَهُ: هَذَا فَرَسُك الَّذِي كنتَ تَصِيدُ عَلَيْهِ الوَحْشَ، فَقَالَ لَهُ: شاكِهْ أَبا فُلَانٍ أَي قارِبْ فِي الْمَدْحِ. وأَشْكَهَ الأَمر: مِثْلُ أَشْكَلَ.
شهه: شَهْ: حِكَايَةُ كلامٍ شِبْه الانْتهار. وشَهْ: طائرٌ شِبْهُ الشَّاهِينِ وَلَيْسَ بِهِ، أَعجميٌّ.
شوه: رَجُلٌ أَشْوَهُ: قبيحُ الوجهِ. يُقَالُ: شاهَ وجْهُه يَشُوه، وَقَدْ شوَّهَه اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَهُوَ مُشَوَّه؛ قَالَ الحُطيْئة:
أَرى ثَمَّ وَجْهاً شَوَّهَ اللهُ خَلْقَه، ... فقُبِّحَ مِنْ وَجْهٍ، وقُبِّحَ حامِلُهْ
شاهَت الوجوهُ تَشُوهُ شَوْهاً: قَبُحَت. وَفِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنه رَمى المُشْرِكينَ يومَ حُنَيْنٍ بكفٍّ مِنْ حَصًى وَقَالَ شاهَت الْوُجُوهُ، فهَزَمَهم اللَّهُ تَعَالَى
؛ أَبو عَمْرٍو: يَعْنِي قَبُحَت الوُجوهُ. وَرَجُلٌ أَشْوَهُ وامرأَة شَوْهاء إِذَا كَانَتْ قَبيحةً، وَالِاسْمُ الشُّوهَة. وَيُقَالُ للخُطْبة الَّتِي لَا يُصَلَّى فِيهَا عَلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: شَوْهاء. وَفِيهِ: قَالَ لِابْنِ صَيّادٍ: شَاهَ الوَجْهُ. وتَشَوَّه لَهُ أَي تنَكَّر لَهُ وتغَوَّل. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه قَالَ لصَفْوان بْنِ المُعَطَّل حِينَ ضرَبَ حَسَّانَ بِالسَّيْفِ: أَتَشَوَّهْتَ عَلَى قَوْمِي أَنْ هَداهُم اللَّهُ للإِسلام
أَي أَتنَكَّرْتَ وتقَبَّحْتَ لَهُمْ، وجعلَ الأَنصارَ قومَه لنُصْرَتِهم إِيَّاهُ. وَإِنَّهُ لَقبيح الشَّوَهِ والشُّوهةِ؛ عَنِ اللِّحْيَانِي، والشَّوْهاءُ: العابِسةُ، وقيل: المَشْؤومَةُ، والإِسمُ مِنْهَا الشَّوَهُ. والشَّوَهُ: مصدرُ الأَشْوَه والشَّوْهاء، وَهُمَا الْقَبِيحَا الوجهِ والخِلْقة. وَكُلُّ شَيْءٍ مِنَ الخَلْق لَا يُوافِق بعضُه بَعْضًا أَشْوَهُ ومُشَوَّه. والمُشَوَّهُ أَيضاً: القبيحُ العَقلِ، وَقَدْ شاهَ يَشُوهُ شَوْهاً وشُوهةً وشَوِهَ شَوَهاً فِيهِمَا. والشُّوهةُ: البُعْدُ، وَكَذَلِكَ البُوهةُ. يُقَالُ: شُوهةً وبُوهةً، وَهَذَا يُقَالُ فِي الذَّمِّ. والشَّوَه: سُرعةُ الإِصابَةِ بِالْعَيْنِ، وَقِيلَ: شدَّةُ الإِصابةِ بِهَا، وَرَجُلٌ أَشْوَه. وشاهَ مالَه: أَصابَه بِعَيْنٍ؛ هَذِهِ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. وتَشَوَّه: رَفَع طَرْفه إِلَيْهِ ليُصِيبَه بِالْعَيْنِ. وَلَا تُشَوِّهْ عليَّ وَلَا تَشَوَّه عَلَيَّ أَي لَا تَقُل مَا أَحْسَنَهُ فتُصِيبَني بِالْعَيْنِ، وخَصَّصه الأَزهري فَرَوَى عَنْ أَبي الْمَكَارِمِ: إِذَا سَمِعْتَني أَتكلم فَلَا تُشَوِّه عَلَيَّ أَي لَا تَقُلْ مَا أَفْصَحَكَ فتُصِيبَني بِالْعَيْنِ. وفلانٌ يتَشوَّهُ أَموالَ الناسِ ليُصيبَها بِالْعَيْنِ. اللَّيْثُ: الأَشْوَهُ السريعُ الإِصابة بِالْعَيْنِ، والمرأَةُ شَوْهاء. أَبو عَمْرٍو: إِنَّ نَفْسَهُ لتَشُوهُ إِلَى كَذَا أَي(13/508)
تَطْمَح إِليه. ابْنُ بُزُرْج: يُقَالُ رَجُلٌ شَيُوهٌ، وَهُوَ أَشْيَهُ الناسِ، وإِنه يَشُوهُه ويَشِيهُه أَي يَعِينُه. اللِّحْيَانِيُّ: شُهْتُ مالَ فلانٍ شَوْهاً إِذا أَصَبْته بعَيْني. وَرَجُلٌ أَشْوَهُ بَيِّنُ الشَّوَهِ وامرأَةٌ شَوْهاءُ إِذا كَانَتْ تُصِيبُ الناسَ بعَيْنها فتَنْفُذُ عَيْنُها. والشائِهُ: الحاسدُ، وَالْجَمْعُ شُوَّهٌ؛ حَكَاهُ اللِّحْيَانِيُّ عَنِ الأَصمعي. وشاهَهُ شَوْهاً: أَفزعه؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، فأَنا أَشُوهُه شَوْهاً. وَفَرَسٌ شَوْهاء، صفةٌ محمودةٌ فِيهَا: طويلةٌ رائِعة مُشْرِفةٌ، وَقِيلَ: هِيَ المُفْرِطةُ رُحْب الشِّدْقَيْنِ والمَنْخَرَيْنِ، وَلَا يُقَالُ فَرَسٌ أَشْوَهُ إِنما هِيَ صِفَةٌ للأُنثى، وَقِيلَ: فَرَسٌ شَوْهاء وَهِيَ الَّتِي فِي رأْسها طُول وَفِي مَنْخَرَيْها وفَمِها سَعةٌ. والشَّوْهاء: القبيحةُ. والشَّوْهاءُ: المَلِيحةُ والشَّوْهاء: الواسِعةُ الْفَمِ. والشَّوْهاء: الصغيرةُ الْفَمِ؛ قَالَ أَبو دُوَادٍ يَصِفُ فَرَسًا:
فهْيَ شَوْهاءُ كالجُوالِق، فُوها ... مُسْتَجافٌ يَضِلُّ فِيهِ الشَّكِيمُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: والشَّوْهاء فرسُ حَاجِبِ بْنِ زُرارة؛ قَالَ بِشْرُ بْنُ أَبي خَازِمٍ:
وأَفْلَتَ حاجِبٌ تحْتَ العَوالي، ... عَلَى الشَّوْهاء، يَجْمَحُ فِي اللِّجام
وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ الزُّبَيْرِ: شَوَّه اللهُ حُلُوقَكمْ
أَي وَسَّعها. وَقِيلَ: الشَّوْهاءُ مِنَ الخَيْل الحَديدةُ الفُؤادِ، وَفِي التَّهْذِيبِ: فَرَسٌ شَوْهاء إِذا كَانَتْ حَديدةَ الْبَصَرِ، وَلَا يُقَالُ لِلذَّكَرِ أَشْوَهُ؛ قَالَ: وَيُقَالُ هُوَ الطَّوِيلُ إِذا جُنِّبَ. والشَّوَهُ: طُولُ العُنُقِ وارتفاعُها وإِشرافُ الرأْسِ، وفرسٌ أَشْوَهُ. والشَّوَهُ: الحُسْنُ. وامرأَة شَوْهاء: حَسنَةٌ، فَهُوَ ضدٌّ؛ قَالَ الشَّاعِرِ:
وبِجارةٍ شَوْهاءَ تَرْقُبُني، ... وحَماً يَظَلُّ بمَنْبِذِ الحِلْسِ
وَرُوِيَ عَنْ مُنْتَجِع بْنِ نَبْهان أَنه قَالَ: امرأَة شَوْهاءُ إِذا كَانَتْ رَائِعَةً حَسَنةً. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ بَيْنا أَنا نائمٌ رأَيتُني فِي الجَنَّة فإِذا امرأَةٌ شَوْهاءُ إِلى جَنْبِ قصرٍ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ؟ قَالُوا: لعُمَرَ.
وَرَجُلٌ شَائِهُ الْبَصَرِ وشاهٍ: حديدُ البصرِ، وَكَذَلِكَ شَاهِي البصرِ. والشاةُ: الْوَاحِدُ مِنَ الْغَنَمِ، يَكُونُ لِلذَّكَرِ، والأُنثى، وَحَكَى سِيبَوَيْهِ عَنِ الْخَلِيلِ: هَذَا شاةٌ بِمَنْزِلَةِ هَذَا رحمةٌ مِنْ رَبِّي، وَقِيلَ: الشاةُ تَكُونُ مِنَ الضأْن والمَعز والظِّباءِ والبَقَر والنعامِ وحُمُرِ الْوَحْشِ؛ قَالَ الأَعشى:
وحانَ انْطِلاقُ الشّاةِ مِنْ حَيْثُ خَيَّما
الْجَوْهَرِيُّ: والشاةُ الثَّوْرُ الوَحْشِيّ، قَالَ: وَلَا يُقَالُ إِلا لِلذَّكَرِ، وَاسْتُشْهِدَ بِقَوْلِ الأَعشى مِنْ حَيْثُ خَيَّما؛ قَالَ: وَرُبَّمَا شَبَّهوا بِهِ المرأَة فأَنثوه كَمَا قَالَ عَنْتَرَةُ:
يَا شاةَ مَا قَنَصٍ لِمَنْ حَلَّتْ لَهُ ... حَرُمَتْ عليَّ، ولَيْتَها لَمْ تَحْرُمِ
فأَنثها؛ وَقَالَ طَرَفَةُ:
مُؤَلَّلتانِ تَعْرِفُ العِتْقَ فِيهِمَا ... كسامِعَتَيْ شاةٍ بحَوْمَلَ مُفْرَدِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِثْلُهُ لِلَبِيدٍ:
أَو أَسْفَع الخَدَّيْنِ شَاةُ إِرانِ
وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ:
تَجُوبُ بيَ الفَلاةَ إِلى سَعيدٍ، ... إِذا مَا الشاةُ فِي الأَرْطاةِ قَالَا
وَالرِّوَايَةُ:
فوَجَّهْتُ القَلُوصَ إِلى سعيدٍ(13/509)
وَرُبَّمَا كُنِيَ بِالشَّاةِ عَنِ المرأَة أَيضاً؛ قَالَ الأَعشى:
فَرمَيْتُ غَفْلَةَ عَيْنِه عَنْ شاتِه، ... فأَصَبْتُ حَبَّةَ قَلْبها وطِحالَها
وَيُقَالُ لِلثَّوْرِ الْوَحْشِيِّ: شاةٌ. الْجَوْهَرِيُّ: تشَوَّهْتُ شَاةً إِذا اصْطَدْته. والشاةُ: أَصلها شاهَةٌ، فَحُذِفَتِ الْهَاءُ الأَصلية وأُثبتت هَاءُ الْعَلَامَةِ الَّتِي تَنْقلِبُ تاءَ فِي الإِدْراج، وَقِيلَ فِي الْجَمْعِ شِيَاهٌ كَمَا قَالُوا مَاءٌ، والأَصل ماهَة وَمَاءَةٌ، وَجَمَعُوهَا مِياهاً. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَالْجَمْعُ شاءٌ، أَصله شاهٌ وشِياهٌ وشِوَاهٌ وأَشاوِهُ وشَوِيٌّ وشِيْهٌ وشَيِّهٌ كسَيِّدٍ، الثلاثةُ اسمٌ لِلْجَمْعِ، وَلَا يُجْمَعُ بالأَلف وَالتَّاءِ كَانَ جِنْسًا أَو مُسَمًّى بِهِ، فأَما شِيْه فَعَلَى التَّوْفِيَةِ، وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ فُعُلًا كأَكَمةٍ وأُكُمٍ شُوُهٌ، ثُمَّ وَقَعَ الإِعلال بالإِسكان، ثُمَّ وَقَعَ الْبَدَلُ لِلْخِفَّةِ كعِيدٍ فِيمَنْ جَعَلَهُ فُعْلًا، وأَما شَوِيٌّ فَيَجُوزُ أَن يَكُونَ أَصله شَوِيهٌ عَلَى التَّوْفِيَةِ، ثُمَّ وَقَعَ الْبَدَلُ لِلْمُجَانَسَةِ لأَن قَبْلَهَا وَاوًا وَيَاءً، وَهُمَا حَرْفَا عِلَّةٍ، وَلِمُشَاكَلَةِ الْهَاءِ الْيَاءَ، أَلا تَرَى أَن الْهَاءَ قَدْ أُبدلت مِنَ الْيَاءِ فِيمَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ مِنْ قَوْلِهِمْ: ذِهْ فِي ذِي؟ وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ شَوِيٌّ عَلَى الْحَذْفِ فِي الْوَاحِدِ وَالزِّيَادَةِ فِي الْجَمْعِ، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ لأْآلٍ فِي التَّغْيِيرِ، إِلَّا أَن شَوِيّاً مُغَيَّرٌ بِالزِّيَادَةِ ولأْآلٌ بِالْحَذْفِ، وأَما شَيِّهٌ فَبيِّنٌ أَنه شَيْوِهٌ، فأُبدلت الْوَاوُ يَاءً لِانْكِسَارِهَا ومجاورَتها الْيَاءَ. غَيْرُهُ: تَصْغِيرُهُ شُوَيْهة، وَالْعَدَدُ شِياهٌ، وَالْجَمْعُ شاءٌ، فإِذا تَرَكُوا هَاءَ التأْنيث مَدُّوا الأَلف، وإِذا قَالُوهَا بِالْهَاءِ قَصَرُوا وَقَالُوا شاةٌ، وَتُجْمَعُ عَلَى الشَّوِيِّ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: الشاءُ والشَّويُّ والشَّيِّهُ واحدٌ؛ وأَنشد:
قالتْ بُهَيَّةُ: لَا يُجاوِرُ رَحْلَنا ... أَهلُ الشَّوِيِّ، وعابَ أَهلُ الجامِلِ «3»
. وَرَجُلٌ كثيرُ الشاةِ وَالْبَعِيرِ: وَهُوَ فِي مَعْنَى الْجَمْعِ لأَن الأَلف وَاللَّامَ لِلْجِنْسِ. قَالَ: وأَصل الشَّاةِ شاهَةٌ لأَن تَصْغِيرَهَا شُوَيْهة. وَذَكَرَ ابْنُ الأَثير فِي تَصْغِيرِهَا شُوَيَّةٌ، فأَما عَيْنُهَا فَوَاوٌ، وإِنما انْقَلَبَتْ فِي شِياهٍ لِكَسْرَةِ الشِّينِ، والجمعُ شِياهٌ بِالْهَاءِ أَدنى فِي الْعَدَدِ، تَقُولُ ثلاثُ شِياهٍ إِلى الْعَشْرِ، فإِذا جاوَزْتَ فَبِالتَّاءِ، فإِذا كَثَّرْتَ قُلْتَ هَذِهِ شاءٌ كَثِيرَةٌ. وَفِي حَدِيثِ
سوادَةَ بنِ الرَّبيع: أَتَيْتُه بأُمِّي فأَمَر لَهَا بشِياهِ غنمٍ.
قَالَ ابْنُ الأَثير: وإِنما أَضافها إِلَى الْغَنَمِ لأَن الْعَرَبَ تُسَمِّي الْبَقَرَةَ الْوَحْشِيَّةَ شَاةً فَمَيَّزَهَا بالإِضافة لِذَلِكَ، وجمعُ الشاءِ شَوِيٌّ. وَفِي حَدِيثِ الصَّدَقَةِ:
وَفِي الشَّوِيِّ فِي كُلِّ أَربعين وَاحِدَةٌ
؛ الشَّوِيُّ: اسْمُ جَمْعٍ لِلشَّاةِ، وَقِيلَ: هُوَ جَمْعٌ لَهَا نَحْوَ كلْبٍ وكَلِيبٍ، ومنه
كتابُه لقَطَنِ بْنِ حَارِثَةَ: وَفِي الشَّوِيِّ الوَرِيِّ مُسِنَّة.
وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ: أَنه سُئِلَ عَنِ المُتْعة أَيُجْزئُ فِيهَا شاةٌ، فَقَالَ: مَا لِي وللشَّوِيِ
أَي الشَّاءِ، وَكَانَ مَذْهَبُهُ أَن الْمُتَمَتِّعِ بِالْعُمْرَةِ إِلى الْحَجِّ تَجِبُ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ. وتَشَوَّه شَاةً: اصْطادَها. وَرَجُلٌ شاوِيٌّ: صاحبُ شَاءٍ؛ قَالَ:
ولَسْتُ بشاويٍّ عَلَيْهِ دَمامَةٌ، ... إِذا مَا غَدَا يَغْدُو بقَوْسٍ وأَسْهُمِ
وأَنشد الْجَوْهَرِيُّ لمُبَشِّرِ بْنِ هُذَيْلٍ الشَّمْخِيِّ:
ورُبَّ خَرْقٍ نازحٍ فَلاتُهُ، ... لَا يَنْفَعُ الشاوِيَّ فِيهَا شاتُهُ
__________
(3) . قوله [لَا يُجَاوِرُ رَحْلَنَا أَهْلُ الشويّ وعاب إلخ] هكذا في الأصل يجاور بالراء، وعاب بالعين المهملة. وفي شرح القاموس: لا يجاوز بالزاي(13/510)
وَلَا حِماراهُ وَلَا عَلاتُهُ، ... إِذا عَلاها اقْتَرَبَتْ وفاتُهُ
وإِن نَسَبْتَ إِليه رَجُلًا قُلْتَ شائيٌّ، وإِن شئتَ شاوِيٌّ، كَمَا تَقُولُ عَطاوِيٌّ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: هُوَ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَن الْهَمْزَةَ لَا تَنْقَلِبُ فِي حَدِّ النَّسَبِ وَاوًا إِلَّا أَن تَكُونَ هَمْزَةَ تأْنيث كَحَمْرَاءَ وَنَحْوِهِ، أَلا تَرَى أَنك تَقُولُ فِي عَطاءٍ عَطائيٌّ؟ فإِن سُمِّيَتْ بشاءٍ فَعَلَى الْقِيَاسِ شائيٌّ لَا غَيْرُ. وأَرض مَشاهَةٌ: كَثِيرَةُ الشَّاءِ، وَقِيلَ: ذاتُ شاءٍ، قَلَّتْ أَم كَثُرَتْ، كَمَا يُقَالُ أَرض مأْبَلةٌ، وإِذا نَسَبْتَ إِلى الشَّاةِ قُلْتَ شاهِيٌّ. التَّهْذِيبُ: إِذا نَسَبُوا إِلى الشَّاءِ قِيلَ رَجُلٌ شاوِيٌّ؛ وأَما قَوْلُ الأَعشى يَذْكُرُ بَعْضَ الحُصُون:
أَقامَ به شاهَبُورَ الجُنودَ ... حَوْلَيْنِ تَضْرِبُ فِيهِ القُدُمْ
فإِنما عَنَى بِذَلِكَ سابُورَ المَلِكَ، إِلا أَنه لَمَّا احْتَاجَ إِلى إِقامة وَزْنِ الشِّعْرِ رَدَّه إِلى أَصله فِي الْفَارِسِيَّةِ، وَجَعَلَ الِاسْمَيْنِ وَاحِدًا وَبَنَاهُ عَلَى الْفَتْحِ مِثْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هَكَذَا رَوَاهُ الْجَوْهَرِيُّ شاهَبُورَ، بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّاعِ: شاهبورُ الجنودِ، بِرَفْعِ الرَّاءِ والإِضافة إِلى الْجُنُودِ، وَالْمَشْهُورُ شاهبورُ الجُنودَ، بِرَفْعِ الرَّاءِ وَنَصْبِ الدَّالِ، أَي أَقام الجنودَ بِهِ حَوْلَيْنِ هَذَا المَلِكُ. والشاهُ، بِهَاءٍ أَصلية: المَلِكُ، وَكَذَلِكَ الشَّاهُ الْمُسْتَعْمَلَةُ فِي الشِّطْرَنْجِ، هِيَ بِالْهَاءِ الأَصلية وَلَيْسَتْ بِالتَّاءِ الَّتِي تُبَدَّلُ مِنْهَا فِي الْوَقْفِ الْهَاءُ لأَن الشَّاةَ لَا تَكُونُ مِنْ أَسماء الْمُلُوكِ. والشاهُ: اللفظةُ الْمُسْتَعْمَلَةُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ يُراد بِهَا المَلِكُ، وَعَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُمْ شَهَنْشاهْ، يُرَادُ بِهِ ملِك الْمُلُوكِ؛ قَالَ الأَعشى:
وكِسْرى شَهَنْشاهُ الَّذِي سارَ مُلْكُه ... لَهُ مَا اشْتَهى راحٌ عَتيقٌ وزَنْبَقُ
قَالَ أَبو سَعِيدٍ السُّكَّرِيُّ فِي تَفْسِيرِ شَهَنْشاه بِالْفَارِسِيَّةِ: إِنه مَلِكُ المُلوك، لأَن الشاهَ المَلِكُ، وأَراد شاهانْ شَاهْ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: انْقَضَى كَلَامُ أَبي سَعِيدٍ، قَالَ: وأَراد بِقَوْلِهِ شاهانْ شاهْ أَن الأَصل كَانَ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّ الأَعشى حَذَفَ الأَلفين مِنْهُ فَبَقِيَ شَهَنْشاه، والله أَعلم.
فصل الصاد المهملة
صهصه: صَهَّ القَوْمَ وصَهْصَهَ بِهِمْ: زَجَرَهُمْ، وَقَدْ قَالُوا صَهْصَيْتُ فأَبدلوا الْيَاءَ مِنَ الْهَاءِ، كَمَا قَالُوا دَهْدَيْتُ فِي دَهْدَهْتُ. وصَهْ: كَلِمَةُ زَجْرٍ لِلسُّكُوتِ؛ قَالَ:
صَهْ لَا تَكَلَّمْ لحَمَّادٍ بداهِيةٍ، ... عَلَيْكَ عَيْنٌ مِنَ الأَجْذاعِ والقَصَبِ
وصَهْ: كَلِمَةٌ بُنِيَتْ عَلَى السُّكُونِ، وَهُوَ اسْمٌ سُمِّيَ بِهِ الْفِعْلُ، وَمَعْنَاهُ اسْكُتْ، تَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذا سَكَّنْته وأَسْكَتَّهُ صَهْ، فإِن وَصَلْتَ نَوَّنْتَ قُلْتَ صَهٍ صَهْ، وَكَذَلِكَ مَهْ، فإِن وَصَلَتْ قُلْتَ مَهٍ مَهْ، وَكَذَلِكَ تَقُولُ لِلشَّيْءِ، إِذا رَضِيَتْهُ بَخْ وبَخٍ بَخْ، وَيُقَالُ: صَهِ، بِالْكَسْرِ، قَالَ ابْنُ جِنِّي: أَما قَوْلُهُمْ صَهٍ إِذا نوَّنت فكأَنك قُلْتَ سُكوتاً، وإِذا لَمْ تُنَوِّنْ فكأَنك قُلْتَ السكوتَ، فَصَارَ التَّنْوِينُ عَلَمَ التَّنْكِيرِ وَتَرْكُهُ عَلَمَ التَّعْرِيفِ؛ وأَنشد اللَّيْثُ:
إِذا قَالَ حادِينا لتَشْبِيهِ نَبْأَةٍ: ... صَهٍ لَمْ يَكُنْ إِلَّا دَوِيُّ المَسامع
قَالَ: وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ موقوفِ الزَّجْر فإِن الْعَرَبَ قَدْ تُنَوِّنُه مَخْفُوضًا، وَمَا كَانَ غيرَ مَوْقُوفٍ فَعَلَى حركةٍ صَرْفُه فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا. وَتُضَاعَفُ صَهْ فَيُقَالُ: صَهْصَهْتُ بِالْقَوْمِ؛ قَالَ الْمُبَرِّدُ: إِن وَصَلْتَ فَقُلْتَ(13/511)
صَهٍ يَا رَجُلُ بِالتَّنْوِينِ فإِنما تُرِيدُ الْفَرْقَ بَيْنَ التَّعْرِيفِ وَالتَّنْكِيرِ لأَن التَّنْوِينَ تَنْكِيرٌ، قَالَ ابْنُ الأَثير: وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ صَه فِي الْحَدِيثِ، وَهِيَ تَكُونُ لِلْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ وَالْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ بِمَعْنَى اسْكُتْ؛ قَالَ: وَهِيَ مِنْ أَسماء الأَفعال، وَتُنَوَّنُ وَلَا تُنَوَّنُ، فَهِيَ لِلتَّنْكِيرِ كأَنك قُلْتَ اسْكُتْ سُكُوتًا، وإِذا لَمْ تُنَوِّنْ فَلِلتَّعْرِيفِ أَي اسْكُتِ السُّكُوتَ الْمَعْرُوفَ مِنْكَ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعلم.
فصل الضاد المعجمة
ضبه: الضَّبْهُ: مَوْضِعٌ؛ وأَنشد ثَعْلَبٌ للحَذْلَمِيِّ:
مَضارِب الضَّبْهِ وذي الشُّجونِ «1» .
فصل الطاء المهملة
طله: ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ بَقِيَتْ مِنْ أَموالهم طُلْهَةٌ أَي بَقِيَّةٌ. وَيُقَالُ: فِي الأَرض طُلْهة مِنْ كَلإٍ وطُلاوَة ومُرَاقَةٌ أَي شَيْءٌ صَالِحٌ مِنْهُ. قَالَ: والطُّلْهُم مِنَ الثيابِ الخِفافُ لَيْسَتْ بجُدُدٍ وَلَا جِيادٍ. وَفِي النَّوَادِرِ: عِشاءٌ أَطْلَهُ وأَدْهَسُ وأَطْلَسُ إِذا بَقِيَ مِنَ العِشاء ساعةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا، فَقَائِلٌ يَقُولُ أَمْسَيْتُ، وَقَائِلٌ يَقُولُ لَا، فَالَّذِي يَقُولُ لَا يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ. وَيُقَالُ: فِي السَّمَاءِ طُلَهٌ وطُلَسٌ، وَهُوَ مَا رَقَّ مِنْ السحاب.
طمه: التَّهْذِيبُ: ابْنُ الأَعرابي المُطَمَّهُ المُطَوَّلُ، والمُمَطَّهُ المُمَدَّد، والمُهَمَّطُ المُظلَّمُ. يقال: هَمَطَ إِذا ظَلَم.
طهطه: فرسٌ طَهْطاهٌ: فَتِيٌّ مُطَهَّمٌ، وَقِيلَ: فَتيٌّ رائعٌ. اللَّيْثُ فِي تَفْسِيرِ
طَهْ
مَجْزُومَةً: إِنها بِالْحَبَشِيَّةِ يَا رَجُلُ، قَالَ: وَمَنْ قَرأَ
طَهَ
فَحَرْفَانِ،
قَالَ: وَبَلَغَنَا أَن مُوسَى لَمَّا سَمِعَ كَلَامَ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ اسْتَفَزَّهُ الْخَوْفُ حَتَّى قَامَ عَلَى أَصابع قَدَمَيْهِ خَوْفًا، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ طَهْ أَي اطْمَئِنَّ.
الْفَرَّاءُ:
طَهَ
حَرْفُ هِجَاءٍ. قَالَ: وَجَاءَ فِي التَّفْسِيرِ
طَهَ
يَا رجلُ يَا إِنسانُ، قَالَ:
وحَدَّثَ قيْسٌ عَنْ عَاصِمٌ عَنْ زِرٍّ قَالَ: قرأَ رَجُلٌ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ طَهْ، فَقَالَ لَهُ عبدُ اللَّهِ: طِهِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَليس أُمِرَ أَن يَطَأَ قَدَمَه؟ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ: هَكَذَا أَقرأَنيها رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: وَكَانَ بَعْضُ القُرّاء يُقَطّعُها
ط هـ
، وَرَوَى الأَزهري عَنْ أَبي حَاتِمٍ قَالَ:
طَهَ
افتتاحُ سُورَةٍ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الكلامَ فخاطبَ النبيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى، وَقَالَ قَتَادَةُ:
طَهَ
بالسُّرْيانية يَا رَجُلُ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةُ:
هِيَ بالنَّبَطِيَّة يَا رَجُلُ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابن عباس
: فصل العين المهملة
عته: التَّعَتُّه: التَّجَنُّنُ والرُّعُونةُ؛ وأَنشد لِرُؤْبَةَ:
بعدَ لَجاجٍ لَا يَكادُ يَنْتَهي ... عَنِ التَّصابي، وَعَنِ التَّعَتُّهِ
وَقِيلَ: التَّعَتُّه الدَّهَشُ، وَقَدْ عُتِهَ الرجلُ عَتْهاً وعُتْهاً وعُتَاهاً. والمَعْتُوه: المَدْهُوشُ مِنْ غَيْرِ مَسِّ جُنُونٍ. والمَعْتُوه والمَخْفُوقُ: المجنونُ، وَقِيلَ: المَعْتُوه الناقصُ الْعَقْلِ. وَرَجُلٌ مُعَتَّهٌ إِذا كَانَ مَجْنُونًا مُضْطَرِبًا فِي خَلْقِه. وَفِي الْحَدِيثِ:
رُفِعَ القَلمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: الصَّبِيِّ وَالنَّائِمِ والمَعْتُوه
؛ قَالَ: هُوَ الْمَجْنُونُ المُصاب بِعَقْلِهِ، وَقَدْ عُتِهَ فَهُوَ مَعْتُوه. وَرَجُلٌ مُعَتَّه إِذا كَانَ عَاقِلًا مُعْتَدِلًا فِي خَلْقِه. وعُتِهَ فلانٌ فِي الْعِلْمِ إِذا أُولِعَ بِهِ وحَرَصَ عَلَيْهِ. وعُتِهَ
__________
(1) . قوله [مضارب الضبه] الذي في المحكم: فضارب بالفاء(13/512)
فلانٌ فِي فُلَانٍ إِذا أُولِعَ بإِيذائه ومُحاكاة كَلَامِهِ، وَهُوَ عَتِيهُهُ، وجمْعُه العُتَهاءُ، وَهُوَ العَتاهةُ والعَتاهِيَة: مَصْدَرُ عُتِهَ مِثْلُ الرَّفاهَةِ والرَّفاهِيَة. والعَتاهَةُ والعَتاهِيَةُ: ضُلَّالُ النَّاسِ مِنَ التَّجَنُّنِ والدَّهَشِ. وَرَجُلٌ مَعْتُوه بيِّنُ العَتَهِ والعُتْهِ: لَا عَقْلَ لَهُ؛ ذَكَرَهُ أَبو عُبَيْدٍ فِي الْمَصَادِرِ الَّتِي لَا تُشْتَق مِنْهَا الأَفعال، وَمَا كَانَ مَعْتُوهاً وَلَقَدْ عُتِهَ عَتْهاً. وتعَتَّه: تَجاهل. وفلانٌ يتَعَتَّهُ لَكَ عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا تأْتيه أَي يَتَغَافَلُ عَنْكَ فِيهِ. والتَّعتُّه: الْمُبَالَغَةُ فِي المَلْبَس والمأْكل. وتعَتَّه فلانٌ فِي كَذَا وتأَرَّبَ إِذا تَنَوَّقَ وبالَغَ. وتعَتَّهَ: تنَظَّف؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
فِي عُتَهِيِّ اللُّبْس والتَّقَيُّنِ «2»
. بَنَى مِنْهُ صِيغَةً على فُعَلِيٍّ كأَنه اسْمٌ مِنْ ذَلِكَ. وَرَجُلٌ عَتاهِيَةٌ: أَحمق. وعَتاهِيَةُ: اسْمٌ. وأَبو العَتاهِيَة: كُنْيَةٌ. وأَبو العَتاهِيَة: الشَّاعِرُ الْمَعْرُوفُ، ذُكِرَ أَنه كَانَ لَهُ وَلَدٌ يُقَالُ لَهُ عَتاهِيَةُ، وَقِيلَ: لَوْ كَانَ الأَمر كَذَلِكَ لَقِيلَ لَهُ أَبو عَتاهية بِغَيْرِ تَعْرِيفٍ، وإِنما هُوَ لَقَبٌ لَهُ لَا كنية، وكنيته أَبو إِسحق، واسمه إِسمعيل بْنُ الْقَاسِمِ، وَلُقِّبَ بِذَلِكَ لأَن المَهْدِيَّ قَالَ لَهُ: أَراك مُتَخلِّطاً مُتَعتِّهاً، وَكَانَ قَدْ تعَتَّه بِجَارِيَةٍ لِلْمَهْدِيِّ واعتُقِلَ بِسَبَبِهَا، وعَرَضَ عَلَيْهَا المهديُّ أَن يزوِّجها لَهُ فأَبت، وَاسْمُ الْجَارِيَةِ عَيْنَةُ، وَقِيلَ: لُقِّبَ بِذَلِكَ لأَنه كَانَ طَوِيلًا مُضْطَرِبًا، وَقِيلَ: لأَنه يُرْمى بالزَّنْدقة. والعَتاهةُ: الضلالُ والحُمْقُ.
عجه: تعَجَّهَ الرجلُ: تَجاهل، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنه بَدَلٌ مِنَ التَّاءِ فِي تعَتَّه. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وإِنما هِيَ لُغَةٌ عَلَى حِدَتِها، إِذ لَا تُبْدَلُ الْجِيمُ مِنَ التَّاءِ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: رأَيت فِي كِتَابِ الْجِيمِ لِابْنِ شُمَيْلٍ: عَجَّهْتُ بَيْنَ فُلَانٍ وَفُلَانٍ، مَعْنَاهُ أَنه أَصابهما بِعَيْنِهِ حَتَّى وَقَعتِ الفُرْقة بَيْنَهُمَا، قَالَ: وَقَالَ أَعرابي أَنْدَرَ اللهُ عيْنَ فلانٍ لَقَدْ عَجَّهَ بيْنَ نَاقَتِي وَوَلَدِهَا. والعُنْجُهِيُّ: ذُو البَأْوِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ رُؤْبَةَ:
بالدَّفْعِ عَنِّي دَرْء كلِّ عُنْجُهِي
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: يُقَالُ فِيهِ عُنْجُهِيَّة وعُنْجُهانِيَّةٌ وعُنْجُهانِيَةٌ، وَهِيَ الكِبْرُ والعَظَمةُ. وَيُقَالُ: العُنْجُهِيَّة الجهلُ والحُمْقُ؛ قَالَ أَبو مُحَمَّدٍ يَحْيَى بنُ الْمُبَارَكِ اليزِيديّ يَهْجُو شَيْبةَ بْنَ الْوَلِيدِ:
عِشْ بجَدٍّ فَلَنْ يَضُرَّكَ نُوكٌ، ... إِنما عَيْشُ منْ تَرَى بالجُدُودِ
عِشْ بجَدٍّ، وكُنْ هَبَنّقَةَ القَيْسِيَّ، ... جَهْلًا، أَو شَيْبةَ بنَ الوَلِيدِ
رُبَّ ذِي أُرْبَةٍ مُقِلٍّ منَ المالِ، ... وَذِي عُنْجُهِيَّةٍ مَجْدُودِ
شَيْبَ يَا شَيْبَ يَا هُنَيَّ بني القَعْقاعِ، ... مَا أَنتَ بالحَلِيمِ الرَّشِيدِ
لَا وَلَا فِيكَ خَصلَةٌ من خِصال الخير ... أَحْرَزْتَها بحلْمٍ وَجُودِ
غيرَ ما أَنَّكَ المُجِيدُ لتَحْبِيرِ ... غِناءٍ، وضَرْبِ دُفٍّ وعُودِ
فعَلى ذَا وذاكَ يَحْتَمِلُ الدَّهْرُ ... مُجِيداً بِهِ، وغيرَ مُجِيدِ
الأَزهري: العُنْجُهُ الْجَافِي مِنَ الرجالِ. يُقَالُ: إِنَّ فِيهِ لَعُنْجُهِيَّةً أَي جَفْوَةً فِي خُشونةِ مَطْعَمِه وأُموره؛ وَقَالَ حسانُ بْنُ ثَابِتٍ:
وَمَنْ عاشَ مَنَّا عاشَ فِي عُنْجُهِيَّةٍ، ... عَلَى شَظَفٍ مِنْ عَيشِه المُتَنَكِّدِ
__________
(2) . قوله [قَالَ رُؤْبَةُ فِي عُتَهِيِّ إلخ] صدره كما في التكملة:
عليّ ديباج الشباب الأَدهن(13/513)
قَالَ: والعُنْجُهُ والعُنْجُهَةُ القُنْفُذَة الضَّخْمة. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: العُنْجُهُ والعُنْجَهُ والعُنْجَهِيُّ كلُّه الْجَافِي مِنَ الرِّجَالِ؛ الْفَتْحُ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
أَدْرَكْتُها قُدَّامَ كُلِّ مِدْرَهِ ... بالدَّفْعِ عَنِّي دَرْءَ كُلِّ عُنْجَهِ
ابْنُ الأَعَرابي: العُنْجُهِيَّةُ خشونة المَطْعَمِ وغيره.
عده: العَيْدَهُ: السَّيِءُ الخُلُقِ مِنَ النَّاسِ والإِبل، وَفِي التَّهْذِيبِ: مِنَ الإِبل وَغَيْرِهِ، قَالَ رُؤْبَةُ:
أَو خافَ صَقْعَ القارِعاتِ الكُدَّهِ، ... وخَبْطَ صِهْمِيمِ اليَدَيْنِ عَيْدَهِ،
أَشْدَقَ يَفْتَرُّ افْتِرارَ الأَفْوَهِ
وَقِيلَ: هُوَ الرَّجُلُ الْجَافِي العزيزُ النَّفْسِ. وَيُقَالُ: فِيهِ عَيْدَهِيَّةٌ وعُنْدُهِيَّةٌ وعُنْجُهِيَّةٌ وعَجْرَفِيَّةٌ وشُمَّخْزَةٌ إِذا كَانَ فِيهِ جَفَاءٌ. وَيُقَالُ: فِيهِ عَيْدَهِيَّةٌ وعَيْدَهَةٌ أَي كِبْرٌ، وَقِيلَ: كِبْرٌ وَسُوءُ خُلُقٍ. وَكُلُّ مَنْ لَا يَنْقَادُ لِلْحَقِّ ويَتَعَظَّمُ فَهُوَ عَيْدَهٌ وعَيْداهٌ؛ وأَنشد بَعْضُهُمْ:
وإِنِّي، عَلى مَا كانَ مِنَ عَيْدَهِيَّتي ... ولُوثَةِ أَعْرابِيَّتي، لأَريبُ
العَيْدَهِيَّةُ: الْجَفَاءُ وَالْغِلَظُ؛ وَقَالَ:
هَيْهاتَ إِلَّا عَلى غَلْباءَ دَوْسَرَةٍ ... تَأْوِي إِلى عَيْدَهٍ، بالرَّحْلِ، مَلْمُومِ
عره: هَذِهِ التَّرْجَمَةُ ذَكَرَهَا ابْنُ الأَثير قَالَ فِي حَدِيثِ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: وَاللَّهِ مَا كَلَّمتُ مَسْعُودَ بْنَ عمروٍ مُنْذُ عَشْر سِنِينَ والليلةَ أُكَلِّمُهُ، فَخَرَجَ فَنَادَاهُ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: عُرْوَةُ، فأَقبلَ مسعود وهو يقول: أَطَرَقْتَ عَراهِيَةً أَم طَرَقْتَ بِداهيةٍ؟ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذَا حَرْفٌ مُشْكِلٌ وَقَدْ كَتَبْتُ فِيهِ إِلَى الأَزهري، وَكَانَ مِنْ جَوَابِهِ أَنه لَمْ يَجِدْهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَالصَّوَابُ عنده عَتاهِيَة، وهي الغفلة والدَّهَشُ، أَي أَطَرَقْتَ غَفْلَةً بِلَا رَوِيَّةٍ أَو دَهَشاً؛ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَقَدْ لاحَ لِي فِي هَذَا شيءٌ وَهُوَ أَن تَكُونَ الكلمةُ مركبة من اسمين: ظاهرٍ ومَكْنِيٍّ، وأَبدل فيهما حرفا وأَصلها إِما مِنَ العَراءِ وَهُوَ وَجْهُ الأَرض، وإِما مِنَ العَرا مَقْصُورًا وَهُوَ الناحية، كأَنه قال أَطَرَقْتَ عَرائي أَي فِنائي زَائِرًا وَضَيْفًا أَم أَصَابَتْكَ داهيةٌ فجئتَ مُسْتَغِيثًا، فَالْهَاءُ الأُولى من عَراهِيَةٍ مبدلةٌ من الْهَمْزَةِ، وَالثَّانِيَةُ هَاءُ السَّكْتِ، زِيدَتْ لِبَيَانِ الْحَرَكَةِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: يَحْتَمِلُ أَن تَكُونَ بِالزَّايِ مصدرَ عَزِهَ يعْزَهُ فَهُوَ عَزِهٌ إِذا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَرَبٌ فِي الطَّرْقِ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ أَطَرَقْتَ بِلَا أَرَبٍ وحاجةٍ أَم أَصابتْكَ داهيةٌ أَحْوَجَتْكَ إِلى الاستغاثةِ.
عزه: رَجُلٌ عِزْهاةٌ وعِنْزَهْوَةٌ وعِزْهاءةٌ وعِزْهىً، مُنَوَّن: لَئِيمٌ، وَهَذِهِ الأَخيرة شَاذَّةٌ لأَن أَلف فِعْلى لَا تَكُونُ للإِلحاق إِلا فِي الأَسماء نَحْوَ مِعْزىً، وإِنما يَجِيءُ هَذَا الْبِنَاءُ صِفَةً وَفِيهِ الْهَاءُ، وَنَظِيرُهُ فِي الشُّذُوذِ مَا حَكَاهُ الْفَارِسِيُّ عَنْ أَحمد بْنِ يَحْيَى مِنْ قَوْلِهِمْ: رَجُلٌ كِيصىً كاصَ طعامَهُ يَكِيصُهُ أَكَلَهُ وحْده. وَرَجُلٌ عِزْهاةٌ وعِزْهاءَةٌ وعِزْهىً وعِزْهٌ وعَزِهٌ وعِزْهِيٌّ وعِزْهاءُ، بِالْمَدِّ؛ عَنِ ابْنِ جِنِّي، قُلِبَتِ الْيَاءُ الزَّائِدَةُ فِيهِ أَلفاً لِوُقُوعِهَا طَرَفاً بَعْدَ أَلف زَائِدَةٍ، ثُمَّ قُلِبَتِ الأَلف هَمْزَةً، وعِنْزَهْوةٌ وعِنْزَهْوٌ؛ عَنِ الْفَارِسِيِّ كلُّه: عازِفٌ عَنِ اللَّهْوِ وَالنِّسَاءِ لَا يَطْرَبُ لِلَّهْوِ وَيَبْعُدُ عَنْهُ؛ قَالَ: وَلَا نَظِيرَ لعِنْزَهْوٍ إِلا أَن تَكُونَ الْعَيْنُ بَدَلًا مِنَ الْهَمْزَةِ عَلَى أَنه مِنَ الزَّهْوِ، وَالَّذِي يَجْمَعُهُمَا الانقباضُ والتأَبِّي، فَيَكُونُ ثانِيَ إِنْقَحْلٍ، وإِن كَانَ سِيبَوَيْهِ لَمْ يَعْرِفْ لإِنْقَحْلٍ ثَانِيًا فِي اسْمٍ وَلَا(13/514)
صِفَةٍ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَيَجُوزُ أَن تَكُونَ هَمْزَةً إِنْزَهْوٍ بَدَلًا مِنْ عَيْنٍ فَيَكُونُ الأَصل عِنْزَهْوِ فِنْعَلْوٌ مِنَ العِزْهاةِ، وَهُوَ الَّذِي لَا يَقْرَبُ النِّسَاءَ، وَالْتِقَاؤُهُمَا أَن فِيهِ انْقِبَاضًا وإِعْراضاً، وَذَلِكَ طَرَفٌ مِنْ أَطراف الزَّهْوِ؛ قَالَ:
إِذا كُنْتَ عِزْهاةً عَنِ اللَّهْوِ والصِّبا، ... فكُنْ حَجَراً مِنْ يابسِ الصَّخْرِ جَلْمَدا
فإِذا حَمَلْتَهُ عَلَى هَذَا لَحِقَ ببابٍ أَوسعَ مِنْ بَابِ إِنْقَحْلٍ، وَهُوَ بَابٌ قِنْدَأْوٍ وسِنْدَأْوٍ وحِنْطَأْوٍ وكِنْثَأْوٍ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: رَجُلٌ عِزْهىً وعِزْهاةٌ وعِزْهٌ وعِنْزَهْوةٌ، وَهُوَ الَّذِي لَا يُحدِّث النِّساءَ وَلَا يُريدُهُنَّ وَلَا يَلْهُو وَفِيهِ غَفْلة؛ وَقَالَ رَبِيعَةُ بْنُ جَحْدَلٍ اللِّحْيَانِيُّ:
فَلَا تَبْعَدنْ، إِمَّا هَلَكْت، فَلَا شَوىً ... ضَئِيلٌ، وَلَا عِزْهًى مِنَ الْقَوْمِ عانِسُ
قَالَ: ورأَيت عِزْهًى مُنَوَّناً. والعِنْزاهُ والعِنْزَهْوَةُ: الكِبْرُ. يُقَالُ: رَجُلٌ فِيهِ عِنْزَهْوَةٌ أَي كِبْرٌ، وَكَذَلِكَ خُنْزُوانةٌ. أَبو مَنْصُورٍ: النُّونُ وَالْوَاوُ وَالْهَاءُ الأَخيرة زَائِدَاتٌ فِيهِ. وَقَالَ اللَّيْثُ: جَمْعُ العِزْهاةِ عِزْهُونَ، تُسْقِطُ مِنْهُ الْهَاءَ والأَلف الْمُمَالَةَ لأَنها زَائِدَةٌ فَلَا تَسْتَخْلِف فَتْحَةً وَلَوْ كَانَتْ أَصليةً مثلَ أَلف مُثَنّىً لاسْتَخْلَفَتْ فَتْحَةً كَقَوْلِكَ مُثَنَّوْنَ، قَالَ: وكُلُّ ياءٍ مُمالةٍ مِثْلُ عِيسى ومُوسى فَهِيَ مَضْمُومَةٌ بِلَا فَتْحَةٍ، تَقُولُ فِي جَمْعِ عِيسَى وَمُوسَى عِيسُونَ ومُوسونَ، وَتَقُولُ فِي جَمْعِ أَعْشى أَعْشَوْنَ ويَحْيى يَحْيَوْنَ، لأَنه عَلَى بِنَاءِ أَفْعَل ويَفْعَل، فَلِذَلِكَ فُتِحَتْ فِي الْجَمْعِ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالْجَمْعُ عَزاهٍ مِثْلُ سِعْلاةٍ وسَعالٍ، وعِزْهُون، بِالضَّمِّ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُقَالُ عِزْهاةٌ لِلرَّجُلِ والمرأَة؛ قَالَ يَزِيدُ بْنُ الحَكَم:
فَحَقّاً أَيْقِني لَا صَبْرَ عنْدي ... عَليْهِ، وأَنْتِ عِزْهاةٌ صَبُورُ
عضه: العَضَهُ والعِضَهُ والعَضِيهةُ: البَهِيتةُ، وَهِيَ الإِفْكُ والبُهْتانُ والنَّمِيمةُ، وجمعُ العِضَهِ عِضاهٌ وعِضاتٌ وعِضُون. وعَضَهَ [عَضِهَ] يَعْضَهُ عَضْهاً وعَضَهاً وعَضِيهةً وأَعْضَهَ: جاءَ بالعَضِيهة. وعَضَهه يَعْضَهُه عَضْهاً وعَضِيهةً: قَالَ فِيهِ مَا لَمْ يَكُنْ. الأَصمعي: العَضْهُ القالةُ الْقَبِيحَةُ. وَرَجُلٌ عاضِهٌ وعَضِهٌ، وَهِيَ العَضيهة. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه قَالَ «1» . إِيَّاكُمْ والعَضْهَ أَتَدْرونَ مَا العَضْه؟ هِيَ النَّميمة
؛ وَقَالَ ابْنُ الأَثير: هِيَ النَّمِيمَةُ القالةُ بَيْنَ النَّاسِ، هَكَذَا رُوِيَ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ، وَالَّذِي جَاءَ فِي كُتُبِ الْغَرِيبِ:
أَلا أُنْبئُكم مَا العِضَةُ
؟ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الضَّادِ. وَفِي حَدِيثٍ آخَر:
إِيِّاكُمْ والعِضَةَ.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَصلها العِضْهَةُ، فِعْلَةٌ مِنَ العَضْه، وَهُوَ البَهْتُ، فَحَذَفَ لَامَهُ كَمَا حُذِفَتْ مِنَ السَّنة والشَّفَة، وَيُجْمَعُ عَلَى عِضِينَ. يُقَالُ: بَيْنَهُمْ عِضَةٌ قبيحةٌ مِنَ العَضِيهةِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَنْ تَعَزَّى بعَزاء الْجَاهِلِيَّةِ فاعْضَهُوه
؛ هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ أَي اشْتِموهُ صَرِيحًا، مِنَ العَضِيهَة البَهْت. وَفِي حَدِيثِ
عُبادةَ بْنِ الصامِتِ فِي البَيْعة: أَخَذَ عَلَيْنَا رسولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَن لَا نُشْرِك بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا نَسْرِقَ وَلَا نَزْنيَ وَلَا يَعْضَهَ بعضُنا بَعْضًا
أَي لَا يَرْمِيَه بالعَضِيهة، وَهِيَ البُهْتانُ والكذبُ، مَعْنَاهُ أَن يَقُولَ فِيهِ مَا لَيْسَ فِيهِ ويَعْضَهَه، وَقَدْ عَضَهَه يَعْضَههُ عَضْهاً. والعَضَهُ: الكذِبُ. وَيُقَالُ: يَا لِلْعضِيهة وَيَا للأَفِيكةِ وَيَا لِلْبَهيتةِ، كُسِرَتْ هَذِهِ اللامُ عَلَى مَعْنَى اعْجَبُوا لِهَذِهِ العَضيهةِ
__________
(1) . قوله [وَفِي الْحَدِيثِ أَنه قَالَ إلخ] عبارة النهاية: أَلَا أُنْبِئُكُمْ مَا الْعِضَةُ؟ هي من النميمة إلخ(13/515)
فإِذا نصبْتَ اللامَ فَمَعْنَاهُ الِاسْتِغَاثَةُ؛ يُقال ذَلِكَ عِنْدَ التعَجُّب مِنِ الإِفْكِ الْعَظِيمُ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ الْكِسَائِيُّ العِضَهُ الكذبُ والبُهْتانْ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ الطُّوسِيُّ هَذَا تَصْحِيفٌ وإِنما الْكَذِبُ العَضْهُ، وَكَذَلِكَ العَضيهةُ، قَالَ وَقَوْلُ الْجَوْهَرِيِّ بعدُ وأَصله عِضَهةٌ، قَالَ: صَوَابُهُ عَضْهة لأَن الْحَرَكَةَ لَا يُقْدَم عَلَيْهَا إِلا بِدَلِيلٍ. والعِضَهُ: السِّحْرُ والكَهانةُ. والعاضِهُ: الساحرُ، والفعلُ كالفعلِ والمصدرُ كالمصدرِ قَالَ:
أَعُوذُ بربي من النَّافِثاتِ ... فِي عِضَهِ العاضِه المُعْضِه
وَيُرْوَى: فِي عُقَدِ العاضِه. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِن اللهَ لعَنَ العاضِهةَ والمُسْتَعْضِهةَ
؛ قِيلَ: هِيَ الساحرةُ والمسْتَسْحِرة، وسُمِّيَ السحرُ عِضَهاً لأَنه كذبٌ وتَخْييلٌ لَا حقيقةَ لَهُ. الأَصمعي وَغَيْرُهُ: العَضْهُ السِّحْرُ، بِلُغَةِ قُرَيْشٍ، وَهُمْ يَقُولُونَ لِلسَّاحِرِ عاضِهٌ. وعَضَهَ الرجلَ يَعْضَهُه عَضْهاً: بَهَتَه وَرَمَاهُ بالبُهْتانِ. وحَيَّةٌ عاضِهٌ وعاضِهةٌ: تقْتُل مِنْ سَاعَتِهَا إِذا نَهَشَتْ، وأَما قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ
؛ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَهلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي اشْتِقَاقِ أَصله وتفسيرِه، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: واحدتُها عِضَةٌ وأَصلها عِضْوَةٌ مِنْ عَضَّيْتُ الشيءَ إِذا فَرَّقْته، جَعَلُوا النُّقْصان الواوَ، الْمَعْنَى أَنهم فَرَّقُوا عن الْمُشْرِكِينَ أَقاوِيلَهم فِي الْقُرْآنِ فَجَعَلُوهُ كذِباً وسِحْراً وشِعْراً وكَهانةً، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ نُقْصانَه الْهَاءَ وَقَالَ: أَصلُ العِضَة عِضْهةٌ، فاستثْقَلُوا الْجَمْعَ بَيْنَ هَاءَيْنِ فَقَالُوا عِضَةٌ، كَمَا قَالُوا شَفَة والأَصل شَفْهَة، وسَنَة وأَصلها سَنْهَة. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: العِضُون فِي كَلَامِ الْعَرَبِ السِّحْرُ، وَذَلِكَ أَنه جَعَلَهُ مِنَ العَضْهِ. والعِضاهُ مِنَ الشَّجَرِ: كُلُّ شَجَرٍ لَهُ شَوْكٌ، وَقِيلَ: العِضاهُ أَعظمُ الشَّجَرِ، وَقِيلَ: هِيَ الخمْطُ، والخَمْطُ كلُّ شجرةٍ ذاتِ شوْكٍ، وَقِيلَ العِضاهُ اسمُ يَقَعُ عَلَى مَا عَظُم مِنْ شَجَرِ الشِوْك وطالَ واشتدَ شَوْكُه، فإِن لَمْ تَكُنْ طَوِيلَةً فَلَيْسَتْ مِنِ العِضاه، وَقِيلَ: عِظامُ الشَّجَرِ كلُّها عِضاهٌ، وإِنما جَمع هَذَا الاسمُ مَا يُسْتظلُّ بِهِ فِيهَا كُلِّهَا؛ وَقَالَ بَعْضُ الرُّوَاةِ: العِضاهُ مِنْ شجرِ الشَّوْكِ كالطَّلْح والعَوْسَجِ مِمَّا لَهُ أَرُومةٌ تَبْقَى عَلَى الشِّتاء، والعِضاهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الشجرُ ذُو الشَّوْك مِمَّا جَلَّ أَو دَقَّ، والأَقاويلُ الأُوَلُ أَشْبَهُ، وَالْوَاحِدَةُ عِضاهةٌ وعِضَهَةٌ وعِضَهٌ وعِضَةٌ، وأَصلها عِضْهةٌ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: فِي عِضَةٍ تُحْذَفُ الهاءُ الأَصليّة كَمَا تُحْذف مِنَ الشَّفَة؛ وَقَالَ:
ومِنْ عِضَةٍ مَا يَنْبُتَنَّ شَكيرُها
قَالَ: ونُقْصانُها الهاءُ لأَنها تُجْمع عَلَى عِضاهٍ مِثْلِ شفاهٍ، فتُرَدُّ الهاءُ فِي الْجَمْعِ وتُصَغَّرُ عَلَى عُضَيْهَة، ويُنْسَب إِليها فَيُقَالُ بَعِيرٌ عِضَهِيٌّ لِلَّذِي يَرْعاها، وبَعِيرٌ عِضاهِيٌّ وإِبلٌ عِضاهِيَّةٌ، وَقَالُوا فِي الْقَلِيلِ عِضُونَ وعِضَوات، فأَبْدَلوا مكانَ الْهَاءِ الواوَ، وَقَالُوا فِي الْجَمْعِ عِضاهٌ؛ هَذَا تَعْلِيلُ أَبي حَنِيفَةَ، وَلَيْسَ بِذَلِكَ الْقَوْلِ، فأَما الَّذِي ذَهَبَ إِليه الْفَارِسِيُّ «1» . فإِنَّ عِضَةً الْمَحْذُوفَةَ يَصْلُحُ أَن تَكُونَ مِنَ الْهَاءِ، وأَن تَكُونَ مِنَ الْوَاوِ، أَما اسْتِدْلَالُهُ عَلَى أَنها تَكُونُ مِنَ الْهَاءِ فَبِمَا نَراه مِنْ تَصَارِيفِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ كَقَوْلِهِمْ عِضاهٌ وإِبلٌ عاضِهةٌ، وأَما اسْتِدْلَالُهُ عَلَى كَوْنِهَا مِنَ الْوَاوِ فَبِقَوْلِهِمْ عِضَوات؛ قَالَ: وأَنشد سِيبَوَيْهِ:
هَذَا طريقٌ يَأْزِمُ المَآزِما، ... وعِضَواتٌ تَقْطَعُ اللَّهازِما
قَالَ: ونظيرُه سَنَة، تَكُونُ مَرَّةً مِنَ الْهَاءِ لقولهم
__________
(1) . قوله [ذهب إليه الفارسي] هكذا في الأصل، وفي المحكم: ذهب إليه سيبويه(13/516)
سانَهْتُ، ومَرَّةً مِنَ الْوَاوِ لِقَوْلِهِمْ سَنَوات، وأَسْنَتُوا لأَن التَّاءَ فِي أَسْنَتُوا، وإِن كَانَتْ بَدَلًا مِنَ الْيَاءِ، فأَصلُها الواوُ إِنَّما انْقَلَبَتْ يَاءً لِلْمُجَاوَزَةِ، وأَما عِضاهٌ فَيَحْتَمِلُ أَن يَكُونَ مِنْ الْجَمْعِ الَّذِي يُفَارِقُ واحدَه بِالْهَاءِ كقَتادةٍ وقَتادٍ، وَيُحْتَمَلُ أَن يَكُونُ مُكَسَّرًا كأَن واحدتَه عِضَهَةٌ، وَالنَّسَبُ إِلى عِضَهٍ عِضَوِيٌّ وعِضَهِيٌّ، فأَما قَوْلُهُمْ عِضاهِيٌّ فإِن كَانَ مَنْسُوبًا إِلى عَضَّةٍ فَهُوَ مِنْ شاذِّ النَّسَبِ، وإِن كَانَ مَنْسُوبًا إِلى العِضاه فَهُوَ مردودٌ إِلى وَاحِدِهَا، وواحدُها عضاهةٌ، وَلَا يَكُونُ مَنْسُوبًا إِلى الْعِضَاهِ الَّذِي هُوَ الْجَمْعُ، لأَن هَذَا الْجَمْعَ وإِن أَشْبَهَ الْوَاحِدَ فَهُوَ فِي مَعْنَاهُ جَمْعٌ، أَلا تَرَى أَن مَنْ أَضافَ إِلى تَمْرٍ فَقَالَ تَمْريّ لَمْ يَنْسُب إِلى تَمْرٍ إِنما نسَبَ إِلى تَمْرةٍ، وَحَذَفَ الْهَاءَ لأَن يَاءَ النَّسَبِ وهاءَ التأْنيث تَتَعاقَبان؟ وَالنَّحْوِيُّونَ يَقُولُونَ: العِضاهُ الَّذِي فِيهِ الشَّوْك، قَالَ: وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كلَّ شجرةٍ عظيمةٍ وكلَّ شَيْءٍ جَازَ البَقْلَ العِضاهَ. وَقَالَ: السَّرْحُ كلُّ شَجَرَةٍ لَا شَوْكَ لَهَا، وَقِيلَ: العِضاه كلُّ شَجَرَةٍ جَازَتِ البُقول كَانَ لَهَا شَوْكٌ أَو لَمْ يَكُنْ، والزَّيْتُونُ مِنِ العِضاه، والنَّخْل مِنِ العِضاه. أَبو زَيْدٍ: العضاهُ يَقَع عَلَى شجرٍ من شجر الشَّوْك، وَلَهُ أَسماءٌ مُخْتَلِفَةٌ يَجْمَعُهَا العِضاهُ، وإِنما العِضاهُ الخالصُ مِنْهُ مَا عَظُمَ واشتدَّ شوكُه. قَالَ: وَمَا صَغُر مِنْ شَجَرِ الشَّوْك فإِنه يُقَالُ لَهُ العِضُّ والشِّرْسُ. قَالَ: والعِضُّ والشِّرْسُ لَا يُدْعَيانِ عِضاهاً. وَفِي الصِّحَاحِ: العِضاه كلُّ شَجَرٍ يَعْظُم وَلَهُ شَوْكٌ؛ أَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِلشَّمَّاخِ:
يُبادِرْنَ العِضاهَ بمُقْنعاتٍ، ... نواجذُهُنَّ كالحِدَإِ الوَقيعِ
وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: خَالِصٌ وَغَيْرُ خالصٍ، فالخالصُ الغَرْفُ والطَّلْحُ والسَّلَم والسِّدْر والسَّيَال والسَّمُر واليَنْبوتُ والعُرْفُطُ والقَتادُ الأَعظمُ والكَنَهْبُلُ والغَرَبُ والعَوْسَجُ، وَمَا لَيْسَ بِخَالِصٍ فالشَّوْحَطُ والنَّبْعُ والشِّرْيانُ والسَّرَاءُ والنَّشَمُ والعُجْرُمُ والعِجْرِمُ والتَّأْلَبُ، فَهَذِهِ تُدْعَى عِضاهَ القِياسِ مِنَ القَوْسِ، وَمَا صَغُرَ مِنْ شَجَرِ الشَّوْكِ فَهُوَ العِضُّ، وَمَا لَيْسَ بعِضٍّ وَلَا عِضاهٍ مِنْ شَجَرِ الشَّوْكِ فالشُّكاعَى والحُلاوَى والحاذُ والكُبُّ والسُّلَّجُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِذا جِئْتُمْ أُحُداً فكُلُوا مِنْ شَجَرِهِ أَو مِنْ عِضاهِه
؛ العِضاهُ: شجرُ أُمِّ غَيْلانَ وكلُّ شَجَرٍ عَظُمَ لَهُ شوكٌ، الواحدَةُ عِضَةٌ، بِالتَّاءِ، وأَصلها عِضْهَةٌ. وعَضِهَتِ الإِبلُ، بِالْكَسْرِ، تَعْضَهُ عَضَها إِذا رَعَتِ العِضاهَ. وأَعْضَهَ القومُ: رَعَتْ إِبلُهم العِضاه وبعيرٌ عاضِهٌ وعَضِهٌ: يَرْعَى الْعِضَاهَ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي عُبَيْدَةَ: حَتَّى إِن شِدْق أَحَدهم بِمَنْزِلَةِ مِشْفَر الْبَعِيرِ العَضِه
؛ هُوَ الَّذِي يَرْعَى الْعِضَاهَ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يَشْتَكِي مِنْ أَكل الْعِضَاهِ، فأَما الَّذِي يأْكل العِضاهَ فَهُوَ العاضِهُ، وَنَاقَةٌ عاضِهَةٌ وعاضِهٌ كَذَلِكَ، وجِمالٌ عَواضِهُ وَبَعِيرٌ عَضِهٌ يَكُونُ الراعِيَ العِضاهَ والشاكِيَ مِنْ أَكلها؛ قَالَ هِمْيانُ بْنُ قُحافَةَ السَّعْدِيّ:
وقَرَّبوا كلَّ جُمالِيٍّ عَضِهْ، ... قَرِيبةٍ نُدْوَتُه مِنْ مَحْمَضِهْ،
أَبْقَى السِّنافُ أَثراً بأَنْهُضِهْ
قَوْلُهُ كلَّ جُمالِيٍّ عَضِه؛ أَراد كُلَّ جُماليَّةٍ وَلَا يَعْني بِهِ الجملَ لأَن الْجُمَلَ لَا يُضَافُ إِلى نَفْسِهِ، وإِنما يُقَالُ فِي النَّاقَةِ جُمالِيَّة تَشْبِيهًا لَهَا بِالْجُمَلِ كَمَا قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
جُمالِيَّةٌ حَرْفٌ سِنادٌ يَشُلُّها
وَلَكِنَّهُ ذكَّره عَلَى لَفْظِ كُلَّ فَقَالَ: كلَّ جُمالِيٍّ عَضِهْ.(13/517)
قَالَ الْفَارِسِيُّ: هَذَا مِنْ مَعْكُوسِ التَّشْبِيهِ، إِنما يُقَالُ فِي الناقةِ جُماليَّة تَشْبِيهًا لَهَا بِالْجُمَلِ لِشِدَّتِهِ وَصَلَابَتِهِ وَفَضْلِهِ فِي ذَلِكَ عَلَى النَّاقَةِ، وَلَكِنَّهُمْ رُبَّمَا عَكَسُوا فَجَعَلُوا الْمُشَبَّهَ بِهِ مُشَبَّهًا وَالْمُشَبَّهَ مُشَبَّهًا بِهِ، وَذَلِكَ لِما يُرِيدُونَ مِنَ اسْتِحْكَامِ الأَمر فِي الشَّبَه، فَهُمْ يَقُولُونَ للناقةِ جُمالِيَّةٌ، ثُمَّ يُشْعِرُونَ بِاسْتِحْكَامِ الشَّبَهِ فَيَقُولُونَ لِلذَّكَرِ جُمالِيٌّ، يَنْسِبُونَهُ إِلى النَّاقَةِ الجُماليَّة، وَلَهُ نَظَائِرُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَكَلَامِ سِيبَوَيْهِ؛ أَما كَلَامُ الْعَرَبِ فَكَقَوْلِ ذِي الرُّمَّةِ:
ورَمْلٍ كأَوْراكِ النساءِ اعْتَسَفْتُه، ... إِذا لَبَّدَتْهُ السارياتُ الرَّكائِكُ
فَشَبَّهَ الرَّمْلَ بأَوراك النِّسَاءِ وَالْمُعْتَادُ عَكْسُ ذَلِكَ، وأَما مِنْ كَلَامِ سِيبَوَيْهِ فَكَقَوْلِهِ فِي بَابِ اسْمِ الْفَاعِلِ: وَقَالُوا هُوَ الضاربُ الرجلَ كَمَا قَالُوا الحَسَنُ الوَجْهَ، قَالَ: ثُمَّ دَارَ فَقَالَ وَقَالُوا هُوَ الحَسَنُ الوَجْهَ كَمَا قَالُوا الضاربُ الرجلَ. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: ناقةٌ عَضِهَةٌ تَكسِرُ عِيدانَ العِضاهِ، وَقَدْ عَضِهَتْ عَضَهاً. وأَرضٌ عَضيهَةٌ: كَثِيرَةُ العِضاهِ، ومُعْضِهَةٌ: ذاتُ عِضاهٍ كمُعِضَّةٍ، وَهِيَ مَذْكُورَةٌ فِي مَوْضِعِهَا: الْجَوْهَرِيُّ: وَتَقُولُ بِعِيرٌ عَضَوِيٌّ وإِبل عَضَوِيَّةٌ بِفَتْحِ الْعَيْنِ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ. وعَضَهْتُ العِضاهَ إِذا قَطَعْتَهَا. وَرَوَى ابْنُ بَرِّيٍّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَمْزَةَ قَالَ: لَا يُقَالُ بَعِيرٌ عاضِهٌ لِلَّذِي يَرْعَى العِضاهَ، وإِنما يُقَالُ لَهُ عَضهٌ، وأَما العاضِهُ فَهُوَ الَّذِي يَشْتَكي عَنْ أَكل العِضاهِ. والتَّعْضِيهُ: قَطْعُ العِضاهِ واحْتِطابُه. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَا عُضِهَتْ عِضاهٌ إِلا بِتَرْكِهَا التَّسْبِيحَ.
وَيُقَالُ: فُلَانٌ يَنْتَجِبُ غَيْرَ عِضاهِه إِذا انْتَحَلَ شِعْرَ غيرِه؛ وَقَالَ:
يَا أيُّها الزاعِمُ أَني أَجْتَلِبْ ... وأَنَّني غَيْرَ عِضاهِي أَنْتَجِبْ
كَذبْتَ إِنَّ شَرَ مَا قيلَ الكَذِبْ
وَكَذَلِكَ: فُلَانٌ يَنْتَجِبُ عِضاهَ فلانٍ أَي أَنه يَنْتحِل شِعْرَه، والانْتِجابُ أَخْذُ النَّجَبِ مِنَ الشَّجَرِ، وَهُوَ قِشْرُهُ؛ وَمِنْ أَمثالهم السَّائِرَةِ:
وَمِنْ عِضَةٍ مَا يَنْبُتَنَّ شَكيرُها
وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِمْ: العَصا مِنَ العُصَيَّةِ؛ وَقَالَ الشَّاعِرُ:
إِذا ماتَ مِنْهُمْ سَيِّدٌ سُرِقَ ابْنُه، ... وَمِنْ عِضَةٍ مَا يَنْبُتَنَّ شَكيرُها
يُرِيدُ: أَن الِابْنَ يُشْبِهُ الأَبَ، فَمَنْ رأَى هَذَا ظَنَّهُ هَذَا، فكأَنّ الابنَ مَسْرُوقٌ، والشكيرُ: مَا يَنْبُتُ فِي أَصْلِ الشجرة:
عفه: رَوَى بَعْضُهُمْ بَيْتَ الشَّنفَرَى:
عُفاهِيَةٌ لَا يُقْصَرُ السِّتْرُ دُونَها، ... وَلَا تُرْتَجَى للبيتِ مَا لَمْ تُبَيّتِ
قِيلَ: العُفاهِيَةُ الضَّخْمَةُ، وَقِيلَ: هِيَ مِثْلُ العُفاهِمَة. يُقَالُ: عَيْش عُفاهِمٌ أَي نَاعِمٌ، وَهَذِهِ انْفَرَدَ بِهَا الأَزهري، وَقَالَ: أَما العُفاهِيَة فَلَا أَعرفها، وأَما العُفاهِمة فَمَعْرُوفَةٌ.
عله: العَلَهُ: خُبْثُ النَّفْس وضَعْفُها، وَهُوَ أَيضاً أَذَى الخُمارِ «2» . والعَلَهُ الشَّرَهُ. والعَلَهُ: الدَّهَشُ والحَيْرة. والعَلِهُ: الَّذِي يتَرَدَّدُ مُتَحَيِّرًا، والمُتَبَلِّدُ مِثْلُهُ؛ أَنشد لَبِيدٌ:
عَلِهَتْ تَبَلَّدُ فِي نِهاء صُعائِدٍ، ... سَبْعاً تُؤاماً كامِلًا أَيَّامُها
وَفِي الصِّحَاحِ: عَلِهَتْ تَرَدَّدُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ:
__________
(2) . قَوْلُهُ [وَهُوَ أَيْضًا أَذَى الْخُمَارِ] كذا بالأصل والتهذيب والمحكم، والذي في التكملة بخط الصاغاني: أدنى الخمار، بدال مهملة فنون، وتبعه المجد(13/518)
وَالصَّوَابُ تَبَلَّدُ. والعَلَهُ أَن يَذْهَبَ وَيَجِيءَ مِنَ الفَزَع. أَبو سَعِيدٍ: رَجُلٌ عَلْهانُ عَلَّانٌ، فالعَلْهانُ الْجَازِعُ، والعَلَّانُ الْجَاهِلُ. وَقَالَ خَالِدُ بْنُ كُلْثُوم: العَلْهاءُ: ثوبانِ يُنْدَفُ فِيهِمَا وَبرٌ الإِبل، يَلْبَسُهما الشجاعُ تَحْتَ الدِّرْعِ يَتَوَقَّى بِهِمَا الطَّعْنَ؛ قَالَ عَمْرُو بْنُ قَمِيئَةَ:
وتَصَدَّى لِتَصْرَعَ البَطَلَ الأَرْوَعَ ... بَيْنَ العَلْهاءِ والسِّرْبالِ
تَصَدَّى: يَعْنِي الْمَنِيَّةُ لَتُصِيبُ الْبَطَلَ الْمُتَحَصِّنَ بِدِرْعِهِ وَثِيَابِهِ. وَفِي التَّهْذِيبِ: قرأْت بِخَطِّ شَمِرٌ فِي كِتَابِهِ فِي السِّلَاحِ: مِنْ أَسماء الدُّرُوعِ العَلْماء، بِالْمِيمِ، وَلَمْ أَسمعه إلَّا فِي بَيْتِ زُهَيْرِ بْنِ جَنابٍ. والعَلَهُ: الحُزْنُ. والعَلَهُ: أَصله الحِدَّة والانْهماك؛ وأَنشد:
وجُرْدٍ يَعْلَهُ الدَّاعي إِليها، ... مَتَى رَكِبَ الفَوارِسُ أَو مَتَى لَا
والعَلَهُ: الجُوعُ. والعَلْهانُ: الْجَائِعُ، والمرأَة عَلْهَى مِثْلُ غَرْثانَ وغَرْثَى أَي شَدِيدُ الْجُوعِ، وَقَدْ عَلِهَ يَعْلَهُ، وَالْجَمْعُ عِلاهٌ وعَلاهَى. وَرَجُلٌ عَلْهانُ: تُنازِعُه نَفْسُهُ إِلَى الشَّيْءِ، وَفِي التَّهْذِيبِ: إِلَى الشَّرِّ، وَالْفِعْلُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ عَلِهَ عَلَهاً فَهُوَ عَلِهٌ. وامرأَة عالِهٌ: طَيَّاشَةٌ. وعَلِهَ عَلَهاً: وَقَعَ فِي مَلامَة. والعَلْهَانُ: الظَّلِيمُ. والعالِهُ: النَّعامَةُ. وَفَرَسٌ عَلْهَى: نَشِيطَةٌ نَزِقَةٌ، وَقِيلَ: نَشِيطَةٌ فِي اللِّجَامِ. والعَلَهانُ: اسْمُ فَرَسِ أَبي مُلَيْلٍ «1» . عبدِ اللَّهِ بْنِ الْحَرِثِ. وعَلْهانُ: اسْمُ رَجُلٍ، قِيلَ: هُوَ مِنْ أَشراف بَنِي تميم.
عمه: العَمَهُ: التَّحَيُّر والتَّرَدُّد؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
مَتى تَعْمَهْ إِلَى عُثْمانَ تَعْمَه ... إِلَى ضَخْم السُّرادِقِ والقِبابِ
أَي تُرَدِّدُ النظرَ، وَقِيلَ: العَمَهُ التَّرَدُّدُ فِي الضَّلَالَةِ وَالتَّحَيُّرِ فِي مُنازعة أَو طَرِيقٍ؛ قَالَ ثَعْلَبٌ: هُوَ أَن لَا يَعْرِفُ الحُجَّة؛ وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هُوَ ترَدُّده لَا يَدْرِي أَين يَتَوَجَّهُ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ
؛ وَمَعْنَى يَعْمَهُونَ: يَتَحَيَّرُونَ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: فأَينَ تَذْهَبُونَ بَلْ كَيْفَ تَعْمَهُون
؟ قَالَ ابْنُ الأَثير: العَمَهُ فِي الْبَصِيرَةِ كَالْعَمَى فِي البصَر. وَرَجُلٌ عَمِهٌ عامِهٌ أَي يتَرَدُّدُ مُتَحيِّراً لَا يَهْتَدِي لِطَرِيقِهِ ومَذْهَبِه، وَالْجَمْعُ عَمِهون وعُمَّهٌ. وَقَدْ عَمِه وعَمَه يَعْمَهُ عَمَهاً وعُمُوهاً وعُمُوهةً وعَمَهاناً إِذَا حادَ عَنِ الْحَقِّ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
ومَهْمَهٍ أَطْرافُه فِي مَهْمَهِ، ... أَعْمَى الهُدَى بالجاهِلينَ العُمهِ
والعَمَهُ فِي الرأْي، والعَمَى فِي البصَر. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَيَكُونُ العَمى عَمى الْقَلْبِ. يُقَالُ: رَجُلٌ عَمٍ إِذَا كَانَ لَا يُبْصِر بِقَلْبِهِ. وأَرض عَمْهاءُ: لَا أَعلامَ بِهَا. وَذَهَبَتْ إبلُهُ العُمَّهَى إِذَا لَمْ يَدْرِ أَينَ ذَهَبَتْ، والعُمَّيْهَى مثله.
عَنْهُ: قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: العِنْهُ نَبْتٌ، واحدتُه عِنْهَةٌ. قَالَ رُؤْبَةُ يَصِفُ الْحِمَارَ:
وسَخِطَ العِنْهَةَ والقَيْصُوما
عنته: ابْنُ دُرَيْدٍ: رَجُلٌ عُنْتُهٌ وعُنْتُهِىٌّ، وَهُوَ المُبالِغُ فِي الأَمرِ إِذَا أَخذَ فيه.
عهه: عَهْ عَهْ: زَجْرٌ للإِبل. وعَهْعَهَ بالإِبل: قَالَ لَهَا عَهْ عَهْ، وَذَلِكَ إِذَا زجَرَها لِتَحْتَبِسَ. وَحَكَى أَبو
__________
(1) . قوله [أبي مليل] كذا في التهذيب والتكملة بلامين مصغراً، والذي في القاموس: مليك آخره كاف(13/519)
مَنْصُورٍ الأَزهري عَنِ الْفَرَّاءِ: عَهْعَهْتُ بالضَّأْنِ عَهْعهَةً إِذَا قُلْتَ لَهَا عَهْ عَهْ، وَهُوَ زَجْرٌ لَهَا. وَحُكِيَ أَيضاً عَنِ ابْنِ بُزُرْج: عِيهَ الزَّرْعُ، فَهُوَ مَعِيهٌ ومَعُوهٌ ومَعْهُوهٌ.
عوه: عَوَّه السَّفْرُ: عَرَّسُوا فَنَامُوا قَلِيلًا. وعَوَّهَ عَلَيْهِمْ: عَرَّجَ وأَقام؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
شَأْزٍ بِمَنْ عَوَّهَ جَدْبِ المُنْطَلَقْ، ... ناءٍ مِنَ التَّصْبِيحِ نائِي المُغْتَبَقْ
قَالَ الأَزهري: سأَلت أَعرابيّاً فَصِيحًا عَنْ قَوْلِ رُؤْبَةَ:
جَدْب المُنَدَّى شَئِزِ المُعَوَّهِ
وَيُرْوَى: جَدْبِ المُلَهَّى، فَقَالَ: أَراد بِهِ المُعَرَّجَ. يُقَالُ: عَرَّجَ وعَوَّجَ وعَوّه بِمَعْنًى وَاحِدٍ. قَالَ اللَّيْثُ: التَّعْوِيهُ وَالتَّعْرِيسُ نَوْمَةٌ خَفِيفَةٌ عِنْدَ وَجْه الصُّبْح، وَقِيلَ: هُوَ النُّزُولُ فِي آخِرِ اللَّيْلِ، قَالَ: وكلُّ مَنِ احْتَبسَ فِي مَكَانٍ فَقَدْ عَوَّهَ. والعاهَةُ: الآفَةُ. وعاهَ الزرعُ والمالُ يَعُوهُ عاهةً وعُؤُوهاً وأَعاهَ: وَقَعَتْ فِيهِمَا عاهةٌ. وَفِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنه نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تَذْهَبَ العاهةُ
أَي الآفةُ الَّتِي تُصِيبُ الزَّرْعَ وَالثِّمَارَ فَتُفْسِدُهَا؛ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ ابْنُ عُمَرَ، وَقِيلَ لِابْنِ عُمَرَ: مَتَى ذَلِكَ؛ فَقَالَ: طُلُوعَ الثُّرَيا. وَقَالَ طَبِيبُ الْعَرَبِ: اضْمَنُوا لِي مَا بَيْنَ مَغِيبِ الثُّرَيا إِلَى طُلوعها أَضْمَنْ لَكُمْ سَائِرَ السَّنَةِ. قَالَ اللَّيْثُ: العاهةُ الْبَلَايَا والآفاتُ أَي فَسَادٌ يُصِيبُ الزَّرْعَ وَنَحْوَهُ مِنْ حَرٍّ أَو عَطَشٍ، وَقَالَ: أَعاهَ الزرعُ إِذَا أَصابته آفَةٌ مِنَ اليَرَقانِ وَنَحْوِهِ فأَفسدَهُ. وأَعاهَ القومُ إِذَا أَصاب زَرْعَهُمْ خَاصَّةً عاهةٌ. وَرَجُلٌ مَعِيهٌ ومَعُوهٌ فِي نَفْسِهِ أَو مَالِهِ: أَصابته عاهةٌ فِيهِمَا. وَيُقَالُ: أَعاهَ الرجلُ وأَعْوَهَ وعاهَ وعَوَّهَ كلُّه إِذَا وَقَعَتِ العاهةُ فِي زَرْعِهِ. وأَعاهَ القومُ وعاهُوا وأَعْوَهُوا: أَصاب ثمارَهم أَو مَاشِيَتَهُمْ أَو إِبِلَهُمْ أَو زَرْعَهُمُ العاهةُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا يُورِدَنَّ ذُو عاهةٍ عَلَى مُصِحّ
أَي لَا يُورِد مَنْ بِإِبِلِهِ آفةٌ مِنْ جَرَبٍ أَو غَيْرِهِ عَلَى مَنْ إبلُه صِحاحٌ، لِئَلَّا يَنْزِلَ بِهَذِهِ مَا نَزَلَ بِتِلْكَ، فيظنَّ المُصِحُّ أَن تِلْكَ أَعْدَتْها فيأْثم. وطعامٌ مَعُوهٌ: أَصابته عاهةٌ. وَطَعَامٌ ذُو مَعْوَهةٍ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، أَي مَنْ أَكله أَصابته عاهةٌ، وعِيهَ المالُ. وَرَجُلٌ عائِهٌ وعاهٍ مثلُ مائِهٍ وماهٍ. ورجلٌ عاهٌ أَيضاً: كَقَوْلِكَ كَبْشٌ صافٌ؛ قَالَ طُفَيْلٌ:
ودارٍ يَظْعَنُ العاهُونَ عَنْهَا ... لِنَبَّتِهِمْ، ويَنْسَوْنَ الذِّماما «1»
. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: العاهُونَ أَصحابُ الرِّيبةِ والخُبْثِ، وَيُقَالُ: عِيهَ الزَّرْعُ وإيفَ فَهُوَ مَعِيهٌ ومَعُوهٌ ومَعْهُوهٌ. وعَوْهِ عَوْهِ: مِنْ دُعاءِ الجحْشِ. وَقَدْ عَوَّهَ الرجلُ إِذَا دَعَا الجَحْشَ ليَلْحَقَ بِهِ فَقَالَ: عَوْهِ عَوْهِ إِذَا دَعَاهُ. وَيُقَالُ: عاهِ عاهِ إِذَا زَجَرْتَ الإِبل لِتَحْتَبِسَ، وَرُبَّمَا قَالُوا عِيهِ عِيهِ، وَيَقُولُونَ عَهْ عَهْ. وَبَنُو عَوْهَى: بَطْنٌ مِنَ الْعَرَبِ بِالشَّامِ. وعاهانُ بْنُ كَعْبٍ: مِنْ شُعَرَائِهِمْ، فَعَلانُ فِيمَنْ جَعَلَهُ مِنْ عَوَهَ، وفاعالٌ فِيمَنْ جَعَلَهُ مِنْ عَهَنَ، وقد ذكر هناك.
عيه: عاهَ المالُ يَعِيهُ: أَصابته الْعَاهَةُ. وعِيهَ الْمَالُ وَالزَّرْعُ وإيفَ، فَهُوَ مَعِيهٌ ومَعُوهٌ ومَعْهُوه. وأَرض مَعْيُوهة: ذاتُ عاهةٍ. وعَيَّهَ بِالرَّجُلِ: صَاحَ بِهِ. وعِيهِ عِيهِ وعاهِ عاهِ: زَجْرٌ للإِبل لتحتبس.
__________
(1) . قوله [لنبتهم] كذا بالأصل بهذا الضبط، والذي في التهذيب لبينهم(13/520)
فصل الغين المعجمة
غره: غَرِهَ بِهِ: كغَرِيَ.
فصل الفاء
فره: فَرُهَ الشيءُ، بِالضَّمِّ، يَفْرُهُ فَرَاهَةً وفَراهِيَةً وَهُوَ فارِهٌ بيِّنُ الفَراهةِ والفُروهةِ؛ قَالَ:
ضَوْرِيَّةٌ أُولِعْتُ باشتِهارِها، ... ناصِلَةُ الحَقْوَينِ مِنْ إزارِها
يُطْرِقُ كلْبُ الحَيِّ مِنْ حِذارِها، ... أَعْطَيْتُ فِيهَا، طائِعاً أَوكارِها،
حَدِيقَةً غَلْباءَ فِي جِدارِها، ... وفَرَساً أُنْثى وعَبْداً فارِها
الْجَوْهَرِيُّ: فارِهٌ نَادِرٌ مِثْلُ حَامِضٍ، وَقِيَاسُهُ فَرِيهٌ وحَمِيضٌ، مِثْلُ صَغُر فَهُوَ صَغِير ومَلُحَ فَهُوَ مَلِيح. وَيُقَالُ للبِرْذَوْنِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ: فارِهٌ بيِّنُ الفُروهةِ والفَراهِيَة والفَراهَةِ؛ وَالْجَمْعُ فُرْهة مِثْلُ صاحِبٍ وصُحْبة، وفُرْهٌ أَيضاً مِثْلُ بَازِلٍ وبُزْلٍ وَحَائِلٌ وحُولٍ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَما فُرْهَة فَاسْمٌ لِلْجَمْعِ، عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، وَلَيْسَ بِجَمْعٍ لأَن فَاعِلًا لَيْسَ مِمَّا يكسَّر عَلَى فُعْلة، قَالَ: وَلَا يُقَالُ لِلْفَرَسِ فارِهٌ إِنَّمَا يُقَالُ فِي الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَالْكَلْبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَفِي التَّهْذِيبِ: يُقَالُ بِرْذَوْنٌ فارِهٌ وَحِمَارٌ فارِهٌ إِذَا كَانَا سَيُورَيْن، وَلَا يُقَالُ لِلْفَرَسِ إِلَّا جَوادٌ، وَيُقَالُ لَهُ رَائِعٌ. وَفِي حَدِيثِ
جُرَيْجٍ: دابَّةٌ فارِهَة
أَي نَشيطة حادَّة قَوِيَّة؛ فأَما قَوْلُ عديِّ بْنِ زَيْدٍ في صِفَةِ فَرَسٍ:
فصافَ يُفَرِّي جُلَّه عَنْ سَراتِه، ... يَبُذُّ الجِيادَ فارِهاً مُتَتايعا
فَزَعَمَ أَبو حَاتِمٍ أَن عَدِيّاً لَمْ يَكُنْ لَهُ بَصَرٌ بِالْخَيْلِ، وَقَدْ خُطِّئَ عَديٌّ فِي ذَلِكَ، والأُنثى فارِهَةٌ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: كَانَ الأَصمعي يُخَطِّئ عدي بْنِ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ:
فنَقَلْنا صَنْعَهُ، حَتَّى شَتا ... فارِهَ البالِ لَجُوجاً فِي السَّنَنْ
قَالَ: لَمْ يَكُنْ لَهُ عِلْمٌ بِالْخَيْلِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: بيتُ عديٍّ الَّذِي كَانَ الأَصمعي يُخَطِّئه فِيهِ هُوَ قَوْلُهُ:
يَبُذُّ الجِيادَ فَارِهًا مُتَتايعا
وَقَوْلُ النَّابِغَةِ:
أَعْطى لفارِهةٍ حُلْوٍ توابِعُها ... مِنَ المَواهب لَا تُعْطى عَلَى حَسَد
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: إِنَّمَا يَعْنِي بِالْفَارِهَةِ القَيْنة وَمَا يَتْبعُها مِنَ المَواهب، والجمعُ فَوارِهُ وفُرُهٌ؛ الأَخيرة نَادِرَةٌ لأَن فاعلة لَيْسَ مِمَّا يُكسَّر عَلَى فُعُلٍ. وَيُقَالُ: أَفْرَهت فُلانةُ إِذَا جاءَت بأَوْلادٍ فُرَّهَةٍ أَي مِلاحٍ. وأَفْرَهَ الرجلُ إِذَا اتَّخَذَ غُلاماً فارِهاً، وَقَالَ: فارِهٌ وفُرْهٌ مِيزَانُهُ نائبٌ ونُوب. قَالَ الأَزهري: وَسَمِعْتُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الْعَرَبِ يَقُولُ: جاريةٌ فارِهةٌ إِذَا كَانَتْ حَسْناءَ مَلِيحَةً. وغلامٌ فارِهٌ: حَسَنُ الْوَجْهِ، وَالْجَمْعُ فُرْه. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي بَابِ نَفقة المَماليك وَالْجَوَارِي: إِذَا كَانَ لهنَّ فَراهةٌ زِيدَ فِي كِسْوَتهنَّ ونفقتِهِنَّ؛ يُرِيدُ بالفَراهة الحُسْنَ والمَلاحةَ. وأَفْرَهَت الناقةُ، فَهِيَ مُفْرِه ومُفْرهة إِذَا كَانَتْ تُنْتَج الفُرْهَ، ومُفَرِّهة أَيضاً؛ قَالَ مَالِكُ بْنُ جَعْدَةَ الثَّعْلَبِيُّ:
فإنَّكَ يومَ تَأْتيني حَريباً، ... تَحِلُّ عَليَّ يَوْمَئِذٍ نُذورُ
تَحِلُّ عَلَى مُفَرِّهَةٍ سِنادٍ، ... عَلَى أَخفافِها عَلَقٌ يمُورُ
ابْنُ سِيدَهْ: نَاقَةٌ مُفْرِهة تَلِد الفُرْهَة؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:(13/521)
ومُفْرِهَةٍ عَنْسٍ قَدَرْتُ لِساقِها، ... فَخَرَّت كَمَا تَتابَعَ الرِّيحُ بالقَفْلِ
وَيُرْوَى: كَمَا تَتايَع. والفارِهُ: الحاذِقُ بِالشَّيْءِ. والفُرُوهَةُ والفَراهةُ والفَراهِيةُ: النَّشاطُ. وفَرِهَ، بِالْكَسْرِ: أَشِرَ وبَطِرَ. وَرَجُلٌ فَرِهٌ: نَشيطٌ أَشِرٌ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ:
وتَنْحِتُون مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَرِهينَ
؛ فَمَنْ قرأَه كَذَلِكَ فَهُوَ منْ هَذَا شَرِهين بَطِرين، وَمَنْ قرأَه فارِهِينَ
فَهُوَ مِنْ فَرُه، بِالضَّمِّ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ عِنْدَ هَذَا الْمَوْضِعِ: قَالَ ابْنُ وَادْعٍ العَوْفي:
لَا أَسْتَكِينُ، إِذَا مَا أَزْمَةٌ أَزَمَتْ، ... وَلَنْ تَراني بخيرٍ فارهَ الطَّلَبِ
قَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَى فارِهِين حاذقِين، قَالَ: والفَرِحُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، بِالْحَاءِ، الأَشِرُ البَطِر. يُقَالُ: لَا تَفْرحْ أَي لَا تَأْشَرْ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ؛ فَالْهَاءُ هَاهُنَا كأَنها أُقِيمت مُقام الْحَاءِ. والفَرَهُ: الفَرَحُ. والفَرِهُ: الفَرِحُ. وَرَجُلٌ فارِهٌ: شديدُ الأَكل؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، قَالَ: وَقَالَ عبدٌ لرجلٍ أَراد أَن يَشْتَرِيَه: لَا تَشْتَرني، آكُلُ فارِهاً وأَمْشِي كَارِهًا.
فطه: فَطِهَ الظهرُ فَطَهاً: كفَزِرَ.
فقه: الفِقْهُ: الْعِلْمُ بِالشَّيْءِ والفهمُ لَهُ، وغلبَ عَلَى عِلْم الدِّينِ لسِيادَتِه وَشَرَفِهِ وفَضْلِه عَلَى سَائِرِ أَنواع الْعِلْمِ كَمَا غَلَبَ النجمُ عَلَى الثُّرَيَّا والعُودُ عَلَى المَنْدَل؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: واشْتِقاقهُ مِنَ الشَّقِّ والفَتْح، وَقَدْ جَعَله العُرْفُ خَاصًّا بِعِلْمِ الشَّرِيعَةِ، شَرَّفَها اللَّهُ تَعَالَى، وتَخْصيصاً بِعِلْمِ الْفُرُوعِ مِنْهَا. قَالَ غَيْرُهُ: والفِقْهُ فِي الأَصل الفَهْم. يُقَالُ: أُوتِيَ فلانٌ فِقْهاً فِي الدِّينِ أَي فَهْماً فِيهِ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ
؛ أَي ليَكونوا عُلَماء بِهِ، وفَقَّهَه اللهُ؛
وَدَعَا النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: اللَّهُمَّ عَلِّمْه الدِّينَ وفَقِّهْه فِي التأْويل
أَي فَهِّمْه تأْويلَه وَمَعْنَاهُ، فَاسْتَجَابَ اللَّهُ دُعاءه، وَكَانَ مِنْ أَعلم النَّاسِ فِي زَمَانِهِ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى. وفَقِه فِقْهاً: بِمَعْنَى عَلِم عِلْماً. ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ فَقُه فَقاهَةً وَهُوَ فَقِيهٌ مِنْ قَوْمٍ فُقَهاءَ، والأُنثى فَقِيهة مِنْ نِسْوةٍ فقائِهَ. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: نِسْوَةٌ فُقَهاء، وَهِيَ نَادِرَةٌ، قَالَ: وَعِنْدِي أَن قَائِلَ فُقَهاء مِنَ الْعَرَبِ لَمْ يَعْتَدَّ بِهَاءِ التأْنيث، وَنَظِيرُهَا نِسْوَةٌ فُقَراء. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَقُه الرَّجُلُ فَقَهاً وفِقْهاً وفَقِه «2» . وفَقِه الشيءَ: عَلِمَه. وفَقَّهَه وأَفْقَهَه: عَلَّمه. وَفِي التَّهْذِيبِ: وأَفْقَهْتُه أَنا أَي بَيَّنْتُ لَهُ تَعَلُّم الفِقْه. ابْنُ سِيدَهْ: وفَقِهَ عَنْهُ، بِالْكَسْرِ، فَهِمَ. وَيُقَالُ: فَقِهَ فلانٌ عَنِّي مَا بَيَّنْتُ لَهُ يَفْقَه فِقْهاً إِذَا فَهِمَه. قَالَ الأَزهري: قَالَ لِي رَجُلٌ مِنْ كِلَابٍ وَهُوَ يَصِف لِي شَيْئًا فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ كَلَامِهِ قَالَ أَفَقِهْتَ؟ يُرِيدُ أَفَهِمْتَ. وَرَجُلٌ فَقُهٌ: فَقِيهٌ، والأُنثى فَقُهةٌ. وَيُقَالُ لِلشَّاهِدِ: كَيْفَ فَقاهَتُك لِمَا أَشْهَدْناك، وَلَا يُقَالُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ. الأَزهري: وأَما فَقُه، بِضَمِّ الْقَافِ، فَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي النُّعُوتِ. يُقَالُ: رَجُلٌ فَقِيهٌ، وَقَدْ فَقُهَ يَفْقُه فَقاهةً إِذَا صارَ فَقيهاً وسادَ الفُقَهاءَ. وَفِي حَدِيثِ
سَلْمان: أَنه نَزَلَ عَلَى نَبَطِيَّةٍ بِالْعِرَاقِ فَقَالَ لَهَا: هَلْ هُنَا مكانٌ نَظيف أُصَلي فِيهِ؟ فَقَالَتْ: طَهِّرْ قَلْبَك وصَلِّ حَيْثُ شِئْتَ، فَقَالَ سَلْمَانُ: فَقِهَتْ
أَي فَهِمَتْ وفَطِنَتْ للحقِّ والمَعْنى الَّذِي أَرادَتْ، وَقَالَ شَمِرٌ: مَعْنَاهُ أَنها فَقِهَتْ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي خاطَبَتْه، وَلَوْ قَالَ فَقُهَتْ كَانَ معناه
__________
(2) . قوله [وفقه] بعد قوله [وفقهاً] كذا بالأَصل. وبالوقوف على عبارة ابن سيدة تعلم أن فقه كعلم ليس من كلام البعض وإن كان لغة في فقه بالضم ولعلها تكررت من النساخ(13/522)
صارَت فَقيهةً. يُقَالُ: فَقِهَ عَنِّي كَلَامِي يَفْقَه أَي فَهِمَ، وَمَا كَانَ فَقيهاً وَلَقَدْ فَقُه وفَقِه. وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: أَعْجَبَنِي فَقاهَتُه أَي فِقْهُه. وَرَجُلٌ فَقيهٌ: عالمٌ. وَكُلُّ عَالِمٍ بِشَيْءٍ فَهُوَ فَقيهٌ؛ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: فُلَانٌ مَا يَفْقَه وَمَا يَنْقَه؛ مَعْنَاهُ لَا يَعْلم وَلَا يَفْهَم. ونَقِهْتُ الحديثَ أَنْقَهُه إِذَا فَهِمْته. وفَقِيه الْعَرَبِ: عالمُ الْعَرَبِ. وتَفَقَّه: تَعاطى الفِقْهَ. وفاقَهْتُه إِذَا باحَثْته فِي الْعِلْمِ. والفِقْهُ: الفِطْنةُ. وَفِي الْمَثَلِ: خيرُ الفِقْه مَا حاضَرْت بِهِ، وشَرُّ الرَّأْي الدَّبَريُّ. وَقَالَ عِيسَى بْنُ عُمَرَ: قَالَ لِي أَعرابي شَهِدْتُ عَلَيْكَ بالفِقهِ أَي الفِطْنةِ. وفَحْلٌ فَقيهٌ: طَبٌّ بالضِّراب حاذِقٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:
لعَنَ اللهُ النائحةَ والمُسْتَفْقِهةَ
؛ هِيَ الَّتِي تُجاوِبُها فِي قَوْلِهَا لأَنها تتَلَقَّفُه وتتَفَهَّمُه فتُجيبها عَنْهُ. ابْنُ بَرِّيٍّ: الفَقْهةُ المَحالةُ فِي نُقْرة الْقَفَا؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
وتَضْرِب الفَقْهةَ حَتَّى تَنْدَلِق
قَالَ: وَهِيَ مقلوبة من الفَهْقة.
فكه: الفاكهةُ: معروفةٌ وأَجْناسُها الفَواكهُ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهَا فَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: كُلُّ شَيْءٍ قَدْ سُمِّيَ مِنَ الثِّمار فِي القُرآن نَحْوُ العِنَب والرُّمّان فَإِنَّا لَا نُسَمِّيه فَاكِهَةً، قَالَ: وَلَوْ حَلَفَ أَن لَا يأْكل فَاكِهَةً فأَكل عِنَبًا ورُمّاناً لَمْ يَحْنَثْ وَلَمْ يكنْ حَانِثًا. وَقَالَ آخَرُونَ: كلُّ الثِّمار فاكهةٌ، وَإِنَّمَا كُرِّرَ فِي الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ
؛ لتَفْضِيل النخلِ والرُّمَّان عَلَى سَائِرِ الْفَوَاكِهِ دُونَهما، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ؛ فَكَرَّرَ هَؤُلَاءِ لِلتَّفْضِيلِ عَلَى النَّبِيِّين وَلَمْ يَخْرُجوا مِنْهُمْ. قَالَ الأَزهري: وَمَا عَلِمْتُ أَحداً مِنَ الْعَرَبِ قَالَ إنَّ النخيلَ والكُرومَ ثِمارُها لَيْسَتْ مِنَ الْفَاكِهَةِ، وَإِنَّمَا شَذَّ قَوْلُ النُّعْمَانِ بْنِ ثَابِتٍ فِي هَذِهِ المسأَلة عَنْ أَقاويل جَمَاعَةِ فُقَهَاءِ الأَمصار لِقِلَّةِ عِلْمِهِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ وعلمِ اللُّغَةِ وتأْويلِ القُرآن الْعَرَبِيِّ المُبين، وَالْعَرَبُ تَذْكُر الأَشياء جُمْلَةً ثُمَّ تَخُصُّ مِنْهَا شَيْئًا بِالتَّسْمِيَةِ تَنْبِيهًا عَلَى فَضْلٍ فِيهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ؛ فَمَنْ قَالَ إِنَّ جِبْريلَ ومِيكالَ لَيْسَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ لإِفْرادِ اللَّهِ عزَّ وَجَلَّ إِيَّاهُمَا بِالتَّسْمِيَةِ بَعْدَ ذِكْر الْمَلَائِكَةِ جُمْلةً فَهُوَ كَافِرٌ، لأَن اللَّهَ تَعَالَى نَصَّ عَلَى ذَلِكَ وبَيَّنه، وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ إِنَّ ثمرَ النخلِ والرُّمانِ لَيْسَ فَاكِهَةً لإِفراد اللَّهِ تَعَالَى إِيَّاهُمَا بِالتَّسْمِيَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الْفَاكِهَةِ جُمْلة فَهُوَ جَاهِلٌ، وَهُوَ خلافُ الْمَعْقُولِ وخلافُ لُغَةِ الْعَرَبِ. ورجلٌ فَكِهٌ: يأْكل الفاكِهةَ، وفاكِهٌ: عِنْدَهُ فَاكِهَةٌ، وكلاهُما عَلَى النَّسَب. أَبو مُعَاذٍ النَّحْوِيُّ: الْفَاكِهُ الَّذِي كَثُرَتْ فاكِهتُه، والفَكِهُ: الَّذِي يَنالُ مِنْ أَعراضِ الناسِ، والفاكهانِيُّ: الَّذِي يَبِيعُ الفاكهةَ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَلَا يُقَالُ لِبَائِعِ الْفَاكِهَةِ فَكَّاه، كَمَا قَالُوا لَبّان ونَبّال، لأَن هَذَا الضَّرْبَ إِنَّمَا هُوَ سَمَاعِيٌّ لَا اطِّراديّ. وفَكَّهَ القومَ بالفاكِهة: أَتاهم بِهَا. وَالْفَاكِهَةُ أَيضاً: الحَلْواءُ عَلَى التَّشْبِيهِ. وفَكَّهَهُم بمُلَح الْكَلَامِ: أَطْرَفَهُم، والاسمُ الفكِيهةُ والفُكاهةُ، بِالضَّمِّ، وَالْمَصْدَرُ الْمُتَوَهَّمُ فِيهِ الْفِعْلُ الفَكاهةُ. الْجَوْهَرِيُّ: الفَكاهةُ، بِالْفَتْحِ، مصدرُ فَكِهَ الرجلُ، بِالْكَسْرِ، فَهُوَ فَكِهٌ إِذَا كَانَ طَيِّبَ النَّفْس مَزّاحاً، والفاكهُ المزّاحُ. وَفِي حَدِيثِ
أَنس: كَانَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ أَفْكَهِ النَّاسِ مَعَ صَبِيٍ
؛ الفاكهُ: المازحُ. وَفِي حَدِيثِ
زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: أَنه كَانَ مِنْ أَفْكَهِ الناسِ إِذَا خَلَا مَعَ أَهله
؛(13/523)
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
أَربعٌ لَيْسَ غِيبَتُهن بغيبةٍ، مِنْهُمُ المُتَفَكِّهون بالأُمَّهات
؛ هُمُ الَّذِينَ يَشْتُمُونَهُنَّ مُمازِحِين. والفُكاهةُ، بِالضَّمِّ: المِزاحُ، وَقِيلَ: الفاكهُ ذُو الفُكاهة كَالتَّامِرِ واللَّابن. والتَّفاكُهُ: التَّمازُحُ. وفاكَهْتُ القومَ مُفاكَهةً بمُلَحِ الكلامِ والمِزاحِ، والمُفاكهَةُ: المُمازحَةُ. وَفِي الْمَثَلِ: لَا تُفاكِه أَمَهْ وَلَا تَبُلْ عَلَى أَكَمَهْ. والفَكِهُ: الطَّيِّبُ النَّفْسِ، وَقَدْ فَكِهَ فَكَهاً. أَبو زَيْدٍ: رَجُلٌ فَكِهٌ وفاكِهٌ وفَيْكَهان، وَهُوَ الطَّيِّبُ النَّفْسِ المزَّاحُ؛ وأَنشد:
إِذَا فَيْكهانٌ ذُو مُلاءٍ ولِمَّةٍ، ... قَلِيلُ الأَذَى، فِيمَا يُرَى الناسُ، مُسْلِمُ
وفاكَهْتُ: مازَحْتُ. وَيُقَالُ للمرأَة: فَكِهةٌ، وَلِلنِّسَاءِ فَكِهات. وتَفَكَّهْتُ بِالشَّيْءِ: تَمَتَّعْتُ بِهِ. وَيُقَالُ: تَرَكْتُ القومَ يتَفَكَّهُون بفلانٍ أَي يَغْتابونه ويتَناولونَ مِنْهُ. والفَكِهُ: الَّذِي يُحَدِّث أَصحابَه ويُضْحِكُهم. وفَكِهَ مِنْ كَذَا وَكَذَا وتفَكَّه: عَجِبَ. تَقُولُ: تفَكَّهْنا مِنْ كَذَا وَكَذَا أَيْ تعَجَّبْنا؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ
؛ أَي تتَعجَّبُونَ مِمَّا نَزَلَ بِكُمْ فِي زَرْعِكم. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ
؛ أَي نَاعِمَيْنِ مُعْجبينَ بِمَا هُمْ فِيهِ، وَمَنْ قرأَ فَكِهينَ يَقُولُ فَرِحِين. والفاكِهُ: النَّاعِمُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ
. والفَكِهُ: المُعْجب. وَحَكَى ابْنُ الأَعرابي: لَوْ سَمِعْتَ حَدِيثَ فُلَانٍ لَمَا فَكِهْتَ لَهُ أَي لَمَا أَعجبك. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ
؛ أَي مُتعجِّبون ناعِمون بِمَا هُمْ فِيهِ. الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي صِفَةِ أَهل الْجَنَّةِ: فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ
، بالأَلف، ويقرأُ فَكِهُون، وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ حَذِرُون وحاذِرُون؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: لَمَّا قُرِئَ بِالْحَرْفَيْنِ فِي صِفَةِ أَهل الْجَنَّةِ عُلِمَ أَن مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ. أَبو عُبَيْدٍ: تَقُولُ الْعَرَبُ لِلرَّجُلِ إِذَا كَانَ يَتَفَكَّه بِالطَّعَامِ أَو بالفاكهةِ أَو بأَعْراضِ النَّاسِ إِنَّ فُلَانًا لَفَكِهٌ بِكَذَا وَكَذَا؛ وأَنشد:
فَكِهٌ إِلَى جَنْبِ الخِوانِ، إِذَا غَدتْ ... نَكْباء تَقْطَعُ ثابتَ الأَطْنابِ
والفَكِهُ: الأَشِرُ البَطِرُ. والفاكِهُ: مِنَ التَّفَكُّهِ. وَقُرِئَ: ونَعْمةٍ كَانُوا فِيهَا فَكِهينَ، أَي أَشِرينَ، وفاكِهِينَ
أَي نَاعِمَيْنِ. التَّهْذِيبُ: أَهل التَّفْسِيرِ يَخْتَارُونَ مَا كَانَ فِي وَصْفِ أَهل الْجَنَّةِ فاكِهِينَ*
، وَمَا فِي وَصْفِ أَهْلِ النَّارِ فَكِهِينَ أَي أَشِرينَ بَطِرين. قَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ فاكِهِينَ
؛ قَالَ: مُعْجبين بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ؛ وَقَالَ الزَّجَّاجُ: قُرِئَ فَكِهينَ وفاكِهِينَ
جَمِيعًا، وَالنَّصْبُ عَلَى الْحَالِ، وَمَعْنَى فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ
أَي مُعْجبين. والتَّفَكُّهُ: التنَدُّمُ. وَفِي التَّنْزِيلِ: فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ
؛ مَعْنَاهُ تَنَدَّمُون، وَكَذَلِكَ تَفَكَّنُون، وَهِيَ لُغَةٌ لِعُكْل. اللِّحْيَانِيُّ: أَزْدُ شَنُوءَة يَقُولُونَ يتَفكَّهُون، وتميمٌ تقولُ يتَفَكَّنُون أَي يتندَّمُون. ابْنُ الأَعرابي: تفَكَّهْتُ وتفَكَّنْتُ أَي تندَّمْت. وأَفْكَهَتِ النَّاقَةُ إِذَا رأَيت فِي لَبَنِهَا خُثورةً شِبْهَ اللِّبَإِ. والمُفْكِه مِنَ الإِبلِ: الَّتِي يُهَراق لَبَنُها عِنْدَ النِّتاج قَبْلَ أَن تَضَعَ، وَالْفِعْلُ كَالْفِعْلِ. وأَفْكَهَت الناقةُ إِذَا دَرَّتْ عِنْدَ أَكل الرَّبِيعِ قَبْلَ أَن تَضَع، فَهِيَ مُفْكِهٌ. قَالَ شَمِرٌ: نَاقَةٌ مُفْكِهةٌ ومُفْكِهٌ، وَذَلِكَ إِذَا أَقْرَبَتْ فاسْتَرْخَى صَلَواها وعَظُمَ ضَرْعُها وَدَنَا نِتاجها؛ قَالَ الأَحْوص:
بَنِي عَمِّنا، لَا تَبْعَثُوا الحَرْبَ، إِنَّنِي ... أَرى الحربَ أَمْسَتْ مُفْكِهاً قَدْ أَصَنَّتِ
قَالَ شَمِرٌ: أَصَنَّت استَرْخى صَلَواها وَدَنَا(13/524)
نِتاجُها؛ وأَنشد:
مُفْكِهة أَدْنَتْ عَلَى رأْسِ الوَلَدْ، ... قَدْ أَقْرَبَتْ نَتْجاً، وحانَ أَنْ تَلِدْ
أَيْ حانَ وِلادُها. قَالَ: وَقَوْمٌ يَجْعَلُونَ المُفْكِهة مُقْرِباً مِنَ الإِبل وَالْخَيْلِ والحُمُر وَالشَّاءِ، وبعضُهم يَجْعَلُهَا حِينَ اسْتَبَانَ حَمَلُهَا، وَقَوْمٌ يَجْعَلُونَ المُفْكِهةَ والدافِعَ سَواء. وفاكهٌ: اسْمٌ. والفاكهُ: ابنُ المُغِيرة المَخْزُوميّ عَمُّ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ. وفُكَيْهةُ: اسْمُ امرأَة، يَجُوزُ أَن يَكُونَ تَصْغِيرُ فَكِهةٍ الَّتِي هِيَ الطَّيِّبةُ النَّفْس الضَّحوكُ، وأَن يَكُونَ تصغيرَ فاكهةٍ مُرَخَّماً؛ أَنشد سِيبَوَيْهِ:
تقولُ إِذَا استَهْلَكْتُ مَالًا لِلَذَّة ... فُكَيْهةُ: هَشَّيْءٌ بكَفَّيْكَ لائِقُ؟
يُرِيدُ: هلْ شيءٌ.
فهه: فَهَّ عَنِ الشَّيْءِ يَفَهُّ فَهّاً: نَسِيَه. وأَفَهَّهُ غيرهُ: أَنْساه. والفَهُّ: الكليلُ اللسانِ العَييُّ عَنْ حَاجَتِهِ، والأُنثى فَهَّةٌ، بِالْهَاءِ. والفَهِيهُ والفَهْفَهُ: كالفَهِّ. وَقَدْ فَهِهْتَ وفَهَهْتَ تَفَهُّ وتَفِهُّ فَهّاً وفَهَهاً وفَهَاهةً أَي عَيِيتَ؛ وفَهَّ العَيِيُّ عَنْ حَاجَتِهِ. الْجَوْهَرِيُّ: الفَهَّةُ والفَهاهةُ العِيُّ. يُقَالُ: سَفِيه فَهِيهٌ، وفَهَّهُ اللَّهُ. وَيُقَالُ: خَرَجَتْ لحاجةٍ فأَفَهَّني عَنْهَا فلانٌ حَتَّى فَهِهْتُ أَي أَنْسانِيها. ابْنُ الأَعرابي: أَفَهَّني عَنْ حَاجَتِي حَتَّى فَهِهْتُ فَهَهاً أَي شَغَلني عَنْهَا حَتَّى نَسِيتُها، ورجلٌ فَهٌّ وفَهِيهٌ؛ وأَنشد:
فَلَمْ تُلْفِني فَهّاً، وَلَمْ تُلْفِ حُجَّتي ... مُلَجْلَجَةً أَبْغي لَهَا مَنْ يُقِيمُها
ابْنُ شُمَيْلٍ: فَهَّ الرجلُ فِي خُطْبَتِه وحُجَّتِه إِذَا لَمْ يُبالِغْ فِيهَا وَلَمْ يَشْفِها، وَقَدْ فَهِهْتَ فِي خُطْبَتِكَ فَهاهةً. قَالَ: وَتَقُولُ أَتَيْتُ فُلَانًا فبَيَّنْتُ لَهُ أَمري كلَّه إِلَّا شَيْئًا فَهِهْتُه أَي نَسِيتُه. وفهْفَهَ إِذَا سَقَطَ مِنْ مرتبةٍ عَالِيَةٍ إِلَى سُفْلٍ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَا سَمِعتُ مِنْكَ فَهَّةً فِي الإِسلام قَبْلَها
، يَعْنِي السَّقْطةَ والجَهْلة ونحوَها. وَفِي حَدِيثِ
أَبي عُبَيْدَةَ بْنِ الجرَّاح: أَنه قَالَ لِعُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حِينَ قَالَ لَهُ يَوْمَ السَّقِيفةِ ابْسُطْ يَدَك أُبايِعْك: مَا رأَيت مِنْك فَهَّةً فِي الإِسلام قَبْلَها، أَتُبايِعُني وفيكمُ الصِّدِّيقُ ثانيَ اثْنَينِ
؟ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الفَهَّة مِثْلُ السَّقْطةِ والجَهْلةِ ونحوِها. يُقَالُ: فَهَّ يَفَهُّ فَهاهةً وفَهِه فَهُوَ فَهٌّ وفَهِيهٌ إِذَا جَاءَتْ مِنْهُ سَقْطةٌ مِنَ العِيِّ وغيره.
فوه: اللَّيْثُ: الفُوهُ أَصلُ بِنَاءِ تأْسِيسِ الفمِ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَمِمَّا يَدُّلُّك عَلَى أَن الأَصل فِي فمٍ وفُو وَفَا وَفِي هاءٌ حُذِفَت مِنْ آخِرِهَا قولُهم لِلرَّجُلِ الكثيرِ الأَكلِ فَيِّهٌ، وامرأَة فَيِّهةٌ. وَرَجُلٌ أَفْوَهُ: عظيمُ الفَم طويلُ الْأَسْنَانِ. ومَحالةٌ فَوْهاء إِذَا طَالَتْ أَسنانها الَّتِي يَجْري الرِّشاءُ فِيهَا. ابْنُ سِيدَهْ: الفاهُ والفُوهُ والفِيهُ والفَمُ سواءٌ، والجمعُ أَفواهٌ. وَقَوْلُهُ عزَّ وَجَلَّ: ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ
؛ وكلُّ قولٍ إِنَّمَا هُوَ بِالْفَمُ، إِنَّمَا الْمَعْنَى لَيْسَ فِيهِ بيانٌ وَلَا بُرْهانٌ، إِنَّمَا هُوَ قولٌ بالفمِ وَلَا مَعْنَى صَحِيحًا تَحْتَه، لأَنهم مُعْتَرِفُونَ بأَنّ اللهَ لَمْ يتَّخِذْ صَاحِبَةً فَكَيْفَ يَزْعُمون أَنَّ لَهُ وَلَدًا؟ أَما كونُه جمعَ فُوهٍ فبَيِّنٌ، وأَما كَوْنُهُ جَمْعَ فِيهٍ فَمِنْ بَابِ ريحٍ وأَرْواحٍ إِذْ لَمْ نسْمَعْ أَفْياهاً؛ وأَما كونُه جمعَ فاهٍ فَإِنَّ الِاشْتِقَاقَ يؤْذن أَن فَاهًا مِنَ الْوَاوِ لِقَوْلِهِمْ مُفَوَّةٌ، وأَما كَوْنُهُ جَمْعَ فَمٍ فلأَنَّ أَصلَ فَمٍ فَوَهٌ، فحُذِفت الْهَاءُ كَمَا حُذِفَتْ مِنْ سَنةٍ فِيمَنْ قَالَ عامَلْتُ مُسانَهةً، وَكَمَا حُذِفت مِنْ شاةٍ وَمِنْ شَفَةٍ وَمِنْ عِضَةٍ وَمِنَ اسْتٍ، وَبَقِيَتِ الْوَاوُ طَرَفًا مُتَحَرِّكَةً فَوَجَبَ إبدالُها أَلفاً لِانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا فَبَقِيَ فًا،(13/525)
وَلَا يَكُونُ الِاسْمُ عَلَى حَرْفَيْنِ أَحدُهما التنوينُ، فأُبْدل مكانَها حرفٌ جَلْدٌ مُشاكِلٌ لَهَا، وَهُوَ الميمُ لأَنهما شَفَهِيَّتان، وَفِي الْمِيمِ هُوِيٌّ فِي الفَمِ يُضارِعُ امتدادَ الواوِ. قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: العربُ تَسْتَثْقِلُ وُقوفاً عَلَى الهاءِ والحاءِ والواوِ والياءِ إِذَا سَكَنَ مَا قبلَها، فتَحْذِفُ هَذِهِ الحروفَ وتُبْقي الاسمَ عَلَى حَرْفَيْنِ كَمَا حَذَفُوا الواوَ مِنْ أَبٍ وأَخٍ وغَدٍ وهَنٍ، والياءَ مِنْ يَدٍ ودَمٍ، والحاءَ مِنْ حِرٍ، والهاءَ مِنْ فُوهٍ وشَفةٍ وشاةٍ، فَلَمَّا حَذَفُوا الهاءَ مِنْ فُوهٍ بَقِيَتِ الْوَاوُ سَاكِنَةً، فَاسْتَثْقَلُوا وُقُوفًا عَلَيْهَا فَحَذَفُوهَا، فَبَقِيَ الِاسْمُ فَاءً وَحْدَهَا فَوَصَلُوهَا بِمِيمٍ ليصيرَ حَرْفَيْنِ، حرفٌ يُبْتَدأُ بِهِ فيُحرَّك، وحرفٌ يُسْكَت عَلَيْهِ فيُسَكَّن، وَإِنَّمَا خَصُّوا الْمِيمَ بِالزِّيَادَةِ لِمَا كَانَ فِي مَسْكَنٍ، والميمُ مِنْ حُرُوفِ الشَّفَتين تَنْطَبِقَانِ بِهَا، وأَما مَا حُكِيَ مِنْ قَوْلِهِمْ أَفْمامٌ فَلَيْسَ بِجَمْعِ فَمٍ، أَنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ مَلامِحَ ومَحاسِنَ، وَيَدُلُّ عَلَى أَن فَماً مفتوحُ الْفَاءِ وُجُودك إِيَّاهَا مَفْتُوحَةً فِي هَذَا اللَّفْظِ، وأَما مَا حَكَى فِيهَا أَبو زَيْدٍ وغيرهُ مِنْ كسْرِ الْفَاءِ وضمِّها فضرْبٌ مِنَ التَّغْيِيرِ لَحِقَ الكلمةَ لإِعْلالِها بِحَذْفِ لامِها وَإِبْدَالِ عيْنِها؛ وأَما قَوْلُ الرَّاجِزِ:
يَا لَيْتَها قَدْ خَرَجَتْ مِنْ فُمِّهِ، ... حَتَّى يَعودَ المُلْك فِي أُسْطُمِّهِ
يُرْوَى بِضَمِّ الْفَاءِ مِنْ فُمِّه، وفتحِها؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: الْقَوْلَ فِي تَشْدِيدِ الْمِيمِ عِنْدِي أَنه لَيْسَ بِلُغَةٍ فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ، أَلا تَرَى أَنك لَا تَجِدُ لِهَذِهِ المُشدَّدةِ الميمِ تصَرُّفاً إِنَّمَا التصرُّفُ كُلُّهُ عَلَى ف وهـ؟ مِنْ ذَلِكَ قولُ اللَّهِ تَعَالَى: يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ
؛ وَقَالَ الشَّاعِرُ:
فَلَا لَغْوٌ وَلَا تأْثِيمَ فِيهَا، ... وَمَا فاهُوا بِهِ أَبداً مُقِيمُ
وَقَالُوا: رجلٌ مُفَوَّه إِذَا أَجادَ القولَ؛ وَمِنْهُ الأَفْوَهُ للواسعِ الفمِ، وَلَمْ نسْمَعْهم قَالُوا أَفْمام وَلَا تفَمَّمت، وَلَا رَجُلٌ أَفَمّ، وَلَا شَيْئًا مِنْ هَذَا النَّحْوِ لَمْ نَذْكُرْهُ، فَدَلَّ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى تصَرُّفِ الْكَلِمَةِ بِالْفَاءِ وَالْوَاوِ وَالْهَاءِ عَلَى أَن التَّشْدِيدَ فِي فَمٍّ لَا أَصل لَهُ فِي نَفْسِ الْمِثَالِ، إِنَّمَا هُوَ عارضٌ لَحِقَ الْكَلِمَةَ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِذَا ثَبَتَ بِمَا ذَكَرْتَه أَن التَّشْدِيدَ فِي فَمٍّ عَارِضٌ لَيْسَ مِنْ نَفْسِ الْكَلِمَةِ، فمِنْ أَيْنَ أَتَى هَذَا التَّشْدِيدُ وَكَيْفَ وجهُ دخولهِ إِيَّاهَا؟ فَالْجَوَابُ أَن أَصل ذَلِكَ أَنهم ثَقَّلوا الميمَ فِي الْوَقْفِ فَقَالُوا فَمّ، كَمَا يَقُولُونَ هَذَا خالِدّ وَهُوَ يَجْعَلّ، ثُمَّ إِنَّهُمْ أَجْرَوُا الْوَصْلَ مُجْرَى الْوَقْفِ فَقَالُوا هَذَا فَمٌّ ورأَيت فَمّاً، كَمَا أَجْرَوُا الوصلَ مُجْرَى الْوَقْفِ فِيمَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ عَنْهُمْ مِنْ قَوْلِهِمْ:
ضَخْمٌ يُحِبُّ الخُلُقَ الأَضْخَمَّا
وَقَوْلِهِمْ أَيضاً:
ببازِلٍ وَجْنَاءَ أَو عَيْهَلِّ، ... كأَنَّ مَهْواها، عَلَى الكَلْكَلِّ،
مَوْقِعُ كَفَّيْ راهِبٍ يُصَلِّي
يُرِيدُ: العَيْهَلَ والكَلْكَلَ. قَالَ ابْنُ جِنِّي: فَهَذَا حُكْمُ تَشْدِيدِ الْمِيمِ عِنْدِي، وَهُوَ أَقوى مِنْ أَن تَجْعَل الكلمةَ مِنْ ذَوَاتِ التَّضْعِيفِ بِمَنْزِلَةِ هَمٍّ وَحَمٍّ، قَالَ: فَإِنْ قُلْتَ فَإِذَا كَانَ أَصلُ فَمٍ عِنْدَكَ فَوَه فَمَا تَقُولُ فِي قَوْلِ الْفَرَزْدَقِ:
هُمَا نَفَثا فِي فيَّ مِنْ فَمَوَيْهِما، ... عَلَى النّابِحِ العاوِي، أَشدَّ رِجام
وَإِذَا كَانَتِ الْمِيمُ بَدَلًا مِنَ الْوَاوَ الَّتِي هِيَ عَيْنٌ فَكَيْفَ جَازَ لَهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا؟ فَالْجَوَابُ: أَن أَبا عليٍّ حَكَى لَنَا عَنْ أَبي بَكْرٍ وأَبي إِسْحَاقَ أَنهما ذَهَبَا إِلَى أَن الشَّاعِرَ جمعَ بَيْنَ العِوَض والمُعَوَّض عَنْهُ، لأَن الْكَلِمَةَ(13/526)
مَجْهورة مَنْقُوصَةٌ، وأَجاز أَبو عَلِيٍّ فِيهَا وَجْهًا آخرَ، وَهُوَ أَن تَكُونَ الواوُ فِي فمَوَيْهِما لَامًا فِي مَوْضِعِ الْهَاءِ مِنْ أَفْواه، وَتَكُونُ الْكَلِمَةُ تَعْتَقِبُ عَلَيْهَا لامانِ هاءٌ مَرَّةٌ وواوٌ أُخرى، فَجَرَى هَذَا مَجْرى سَنةٍ وعِضَةٍ، أَلا تَرَى أَنهما فِي قَوْلِ سِيبَوَيْهِ سَنَوات وأَسْنَتُوا ومُساناة وعِضَوات واوانِ؟ وتَجِدُهما فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ لَيْسَتْ بسَنْهاء وَبَعِيرٌ عاضِهٌ هَاءَيْنِ، وَإِذَا ثَبَتَ بِمَا قدَّمناه أَن عَيْنَ فَمٍ فِي الأَصل واوٌ فَيَنْبَغِي أَن تقْضِيَ بِسُكُونِهَا، لأَن السُّكُونَ هُوَ الأَصل حَتَّى تَقومَ الدلالةُ عَلَى الحركةِ الزَّائِدَةِ. فَإِنْ قُلْتَ: فهلَّا قضَيْتَ بِحَرَكَةِ الْعَيْنِ لِجَمْعِك إِيَّاهُ عَلَى أَفْواهٍ، لأَن أَفْعالًا إِنَّمَا هُوَ فِي الأَمر الْعَامِّ جمعُ فَعَلٍ نَحْوُ بَطَلٍ وأَبْطالٍ وقَدَمٍ وأَقْدامٍ ورَسَنٍ وأَرْسانٍ؟ فَالْجَوَابُ: أَن فَعْلًا مِمَّا عينُه واوٌ بابُه أَيضاً أَفْعال، وَذَلِكَ سَوْطٌ وأَسْواطٌ، وحَوْض وأَحْواض، وطَوْق وأَطْواق، ففَوْهٌ لأَن عينَه واوٌ أَشْبَهُ بِهَذَا مِنْهُ بقَدَمٍ ورَسَنٍ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: والفُوه أَصلُ قولِنا فَم لأَن الْجَمْعَ أَفْواهٌ، إِلَّا أَنهم اسْتَثْقَلُوا اجتماعَ الْهَاءَيْنِ فِي قَوْلِكَ هَذَا فُوهُه بالإِضافة، فَحَذَفُوا مِنْهُ الْهَاءَ فَقَالُوا هَذَا فُوه وفُو زيدٍ ورأَيت فَا زيدٍ، وَإِذَا أَضَفْتَ إِلَى نَفْسِكَ قُلْتَ هَذَا فِيَّ، يَسْتَوِي فِيهِ حالُ الرَّفْعِ والنصبِ والخفضِ، لأَن الواوَ تُقْلَبُ ياءً فتُذْغَم، وَهَذَا إِنَّمَا يُقَالُ فِي الإِضافة، وَرُبَّمَا قَالُوا ذَلِكَ فِي غَيْرِ الإِضافة، وَهُوَ قَلِيلٌ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
خالَطَ، مِنْ سَلْمَى، خياشِيمَ وَفَا ... صَهْباءَ خُرْطوماً عُقاراً قَرْقَفَا
وصَفَ عُذوبةَ ريقِها، يَقُولُ: كأَنها عُقارٌ خالَط خَياشِيمَها وَفَاهَا فكَفَّ عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَما قَوْلُ الشَّاعِرِ أَنشده الْفَرَّاءُ:
يَا حَبَّذَا عَيْنا سُلَيْمَى والفَما
قَالَ الْفَرَّاءُ: أَراد والفَمَانِ يَعْنِي الفمَ والأَنْفَ، فثَنَّاهُما بِلَفْظِ الفمِ للمُجاوَرةِ، وأَجاز أَيضاً أَن يَنْصِبَه عَلَى أَنه مَفْعُولٌ معَه كأَنه قَالَ مَعَ الْفَمِ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَقَدْ يَجُوزُ أَن يُنصَب بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ كأَنه قَالَ وأُحِبُّ الفمَ، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ الفمُ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ إِلَّا أَنه اسْمٌ مقصورٌ بِمَنْزِلَةِ عَصاً، وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فِي تَرْجَمَةِ فمم. وَقَالُوا: فُوك وفُو زيدٍ، فِي حدِّ الإِضافة وَذَلِكَ فِي حَدِّ الرَّفْعِ، وَفَا زيدٍ وَفِي زيدٍ فِي حدِّ النَّصْبِ وَالْجَرِّ، لأَن التَّنْوِينَ قَدْ أُمِنَ هَاهُنَا بِلُزُومِ الإِضافة، وَصَارَتْ كأَنها مِنْ تَمَامِهِ؛ وأَما قَوْلُ الْعَجَّاجِ:
خالطَ مِنْ سَلْمَى خَياشِيمَ وَفَا
فَإِنَّهُ جاءَ بِهِ عَلَى لُغَةِ مَنْ لَمْ يُنَوِّنْ، فَقَدْ أُمِنَ حذْف الأَلف لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ كَمَا أُمِنع فِي شاةٍ وَذَا مالٍ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَقَالُوا كلَّمْتُه فاهُ إِلَى فِيَّ، وَهِيَ مِنَ الأَسماء الْمَوْضُوعَةِ مَوْضِعَ الْمَصَادِرِ وَلَا ينفردُ مِمَّا بَعْدَهُ، وَلَوْ قلتَ كلَّمتُه فاهُ لَمْ يَجُزْ، لأَنك تُخْبِر بقُرْبِك مِنْهُ، وأَنك كلَّمْتَه وَلَا أَحَدَ بَيْنَكَ وبينَه، وَإِنْ شِئْتَ رَفَعْتَ أَي وَهَذِهِ حالُه. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَقَوْلُهُمْ كلَّمتُه فَاهُ إِلَى فِيَّ أَي مُشافِهاً، ونصْبُ فاهٍ عَلَى الْحَالِ، وَإِذَا أَفْرَدُوا لَمْ يَحْتَمِلِ الواوُ التَّنْوِينَ فَحَذَفُوهَا وعوَّضوا مِنَ الهاءِ مِيمًا، قَالُوا هَذَا فمٌ وفَمَانِ وفَمَوان، قال: ولو كان الميمُ عِوَضاً مِنَ الْوَاوِ لَمَا اجْتَمَعَتَا، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الميمُ فِي فَمٍ بدلٌ مِنَ الْوَاوِ، وَلَيْسَتْ عِوَضاً مِنَ الهاءِ كَمَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: وَقَدْ جَاءَ فِي الشِّعْرِ فَماً مَقْصُورٌ مِثْلُ عَصًا، قَالَ: وَعَلَى ذَلِكَ جَاءَ تثنيةُ فَمَوانِ؛ وأَنشد:
يَا حَبَّذا وَجْهُ سُلَيْمى والفَما، ... والجِيدُ والنَّحْرُ وثَدْيٌ قَدْ نَما(13/527)
وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ مَسْعُودٍ: أَقْرَأَنِيها رسولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاهُ إِلَى فِيَ
أَي مُشافَهةً وتَلْقِيناً، وَهُوَ نصبٌ عَلَى الْحَالِ بِتَقْدِيرِ الْمُشْتَقِّ، وَيُقَالُ فِيهِ: كلَّمني فُوهُ إِلَى فِيَّ بِالرَّفْعِ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، قَالَ: وَمِنْ أَمثالهم فِي بَابِ الدُّعَاءِ عَلَى الرجُل الْعَرَبُ تَقُولُ: فاهَا لِفِيك؛ تُرِيدُ فَا الدَّاهِيَةِ، وَهِيَ مِنَ الأَسماء الَّتِي أُجْرِيت مُجْرَى الْمَصْدَرِ الْمَدْعُوِّ بِهَا عَلَى إِضْمَارِ الْفِعْلِ غَيْرِ الْمُسْتَعْمَلِ إظهارهُ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: فاهَا لِفِيك، غَيْرُ مُنَوَّنٍ، إِنَّمَا يُرِيدُ فَا الداهيةِ، وَصَارَ بَدَلًا مِنَ اللَّفْظِ بِقَوْلِهِ دَهاكَ اللهُ، قَالَ: ويَدُلُّك عَلَى أَنه يُريدُ الداهيةَ قَوْلُهُ:
وداهِية مِنْ دَواهي المَنونِ ... يَرْهَبُها الناسُ لَا فَا لَهَا
فَجَعَلَ لِلدَّاهِيَةِ فَمًا، وكأَنه بدلٌ مِنْ قَوْلِهِمْ دَهاكَ اللَّهُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ الخَيْبة لَكَ. وأَصله أَنه يريدُ جَعَل اللهُ بفِيك الأَرضَ، كَمَا يُقَالُ بِفِيكَ الحجرُ، وَبِفِيكَ الأَثْلبُ؛ وَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَلْهُجَيْم:
فقلتُ لَهُ: فاهَا بفِيكَ، فَإِنَّهَا ... قَلوصُ امرئٍ قارِيكَ مَا أَنتَ حاذِرهُ
يَعْنِي يَقْرِيك مِنَ القِرَى، وأَورده الْجَوْهَرِيُّ: فَإِنَّهُ قلوصُ امْرِئٍ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَصَوَابُ إِنْشَادِهِ فَإِنَّهَا، وَالْبَيْتُ لأَبي سِدْرة الأَسَديّ، وَيُقَالُ الهُجَيْميّ. وَحُكِيَ عَنْ شَمِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ الأَعرابي يَقُولُ فَاهًا بفِيك، منوَّناً، أَي أَلْصَقَ اللهُ فاكَ بالأَرضِ، قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ فاهَا لفِيكَ، غَيْرُ مُنوَّن، دُعاء عَلَيْهِ بِكَسْرِ الفَمِ أَي كَسَر اللَّهُ فَمَك. قَالَ: وَقَالَ سيبويه فاهَا لفِيكَ، غيرُ منوَّن، إِنَّمَا يُرِيدُ فَا الداهيةِ وَصَارَ الضميرُ بَدَلًا مِنَ اللَّفْظِ بِالْفِعْلِ، وأُضْمِرَ كَمَا أُضمر للتُّرب والجَنْدَل، وَصَارَ بَدَلًا مِنَ اللَّفْظِ بِقَوْلِهِ دَهاكَ اللَّهُ، وَقَالَ آخَرُ:
لئِنْ مالكٌ أَمْسَى ذَلِيلًا، لَطالَما ... سَعَى للَّتي لَا فَا لَهَا، غَيْرَ آئِبِ
أَراد لَا فَمَ لَهَا وَلَا وَجْه أَي لِلدَّاهِيَةِ؛ وَقَالَ الْآخَرُ:
وَلَا أَقولُ لِذِي قُرْبَى وآصِرةٍ: ... فَاهَا لِفِيكَ عَلَى حالٍ مِنَ العَطَبِ
وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ الصَّغِيرِ الفمِ: فُو جُرَذٍ وفُو دَبَى، يُلَقَّب بِهِ الرَّجُلُ. وَيُقَالُ للمُنْتِن ريحِ الفمِ: فُو فَرَسٍ حَمِرٍ. وَيُقَالُ: لَوْ وَجَدتُ إِلَيْهِ فَا كَرِشٍ أَي لَوْ وَجَدْتُ إِلَيْهِ سَبِيلًا. ابْنُ سِيدَهْ: وَحَكَى ابْنُ الأَعرابي فِي تَثْنِيَةِ الفمِ فَمَانِ وفَمَيانِ وفَموانِ، فأَما فَمانِ فَعَلَى اللَّفْظِ، وأَما فَمَيانِ وفَمَوانِ فَنَادِرٌ؛ قَالَ: وأَما سِيبَوَيْهِ فَقَالَ فِي قَوْلِ الْفَرَزْدَقِ:
هُما نَفَثا فِي فِيَّ مِنْ فَمَوَيْهِما
إِنَّهُ عَلَى الضَّرُورَةِ. والفَوَهُ، بِالتَّحْرِيكِ: سَعَةُ الفمِ وعِظَمُه. والفَوَهُ أَيضاً: خُروجُ الأَسنانِ مِنَ الشَّفَتينِ وطولُها، فَوِهَ يَفْوَهُ فَوَهاً، فَهُوَ أَفْوَهُ، والأُنثى فَوْهاء بيِّنا الفَوَهِ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الخَيْل. وَرَجُلٌ أَفْوَهُ: واسعُ الفمِ؛ قَالَ الرَّاجِزُ يَصِفُ الأَسد:
أَشْدَق يَفْتَرُّ افْتِرارَ الأَفْوَهِ
وَفَرَسٌ فَوْهاءِ شَوْهاء: وَاسِعَةُ الْفَمِ فِي رأْسها طُولٌ. والفَوَهُ فِي بَعْضِ الصِّفَاتِ: خروجُ الثَّنايا العُلْيا وطولُها. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: طُولُ الثَّنَايَا الْعُلْيَا يُقَالُ لَهُ الرَّوَقُ، فأَما الفَوَهُ فَهُوَ طُولُ الأَسنانِ كلِّها. ومَحالةٌ فَوْهاء: طَالَتْ أَسنانُها الَّتِي يَجْري الرِّشاءُ بَيْنَهَا. وَيُقَالُ لِمُحَالَةِ السانِيةِ إِذَا طَالَتْ أَسْنانُها: إِنَّهَا لَفَوْهاءُ بيِّنة الفَوَهِ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:(13/528)
كَبْداء فَوْهاء كجَوْزِ المُقْحَم
وَبِئْرٌ فَوْهاء: واسَعةُ الفمِ. وطَعْنةٌ فَوْهاءُ: واسعةٌ. وفاهَ بِالْكَلَامِ يَفُوهُ: نَطَقَ ولَفَظَ بِهِ؛ وأَنشد لأُمَيَّةَ:
وَمَا فاهُوا بِهِ لَهُمُ مُقيمُ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ يائيَّة وواويَّة. أَبو زَيْدٍ: فاهَ الرَّجُلِ يَفُوه فَوْهاً إِذَا كَانَ مُتكلِّماً. وَقَالُوا: هُوَ فاهٌ بجُوعِه إِذَا أَظْهَرَه وباحَ بِهِ، والأَصل فائِهٌ بجُوعِه فَقِيلَ فاهٌ كَمَا قَالُوا جُرُفٌ هارٌ وهائرٌ. ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَالَ الْفَرَّاءُ رَجُلٌ فاوُوهةٌ يَبُوح بكلِّ مَا فِي نَفْسِهِ وفاهٌ وفاهٍ. وَرَجُلٌ مُفَوَّهٌ: قادرٌ عَلَى المَنْطِق وَالْكَلَامِ، وَكَذَلِكَ فَيِّهٌ. ورجلٌ فَيِّهٌ: جَيِّدُ الكلامِ. وفَوَّهَه اللَّهُ: جعَلَه أَفْوَهَ. وفاهَ بِالْكَلَامِ يَفُوه: لَفَظَ بِهِ. وَيُقَالُ: مَا فُهْتُ بكلمةٍ وَمَا تَفَوَّهْتُ بِمَعْنًى أَي مَا فتَحْتُ فمِي بِكَلِمَةٍ. والمُفَوَّهُ: المِنْطِيقُ. وَرَجُلٌ مُفَوَّهُ يفُوهُ بِهَا. وإِنه لذُو فُوَّهةٍ أَي شديدُ الكلامِ بَسِيطُ اللِّسان. وفاهاهُ إِذَا ناطَقَه وفاخَرَه، وهافاهُ إِذَا مايَلَه إِلَى هَواه. والفَيِّهُ أَيضاً: الجيِّدُ الأَكلِ. وَقِيلَ: الشديدُ الأَكلِ مِنَ النَّاسِ وَغَيْرِهِمْ، فَيْعِل، والأُنثى فَيِّهةٌ كثيرةُ الأَكل. والفَيِّهُ: المُفَوَّهُ المِنْطِيقُ أَيضاً. ابْنُ الأَعرابي: رَجُلٌ فَيِّهٌ ومُفَوَّهٌ إِذَا كَانَ حسَنَ الكلامِ بَلِيغًا فِي كَلَامِهِ. وَفِي حَدِيثِ الأَحْنَفِ: خَشِيت أَن يَكُونَ مُفَوَّهاً أَي بَلِيغًا مِنْطِيقاً، كَأَنَّهُ مأْخوذ مِنَ الفَوَهِ وَهُوَ سَعةُ الفمِ. وَرَجُلٌ فَيِّهٌ ومُسْتَفِيهٌ فِي الطَّعَامِ إِذَا كَانَ أَكُولًا. الْجَوْهَرِيُّ: الفَيِّهُ الأَكولُ، والأَصْلُ فَيْوِهٌ فأُدْغم، وَهُوَ المِنْطيقُ أَيضاً، والمرأَةُ فَيِّهةٌ. واستَفاهَ الرجلُ اسْتِفاهةً واسْتِفاهاً؛ الأَخيرة عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، فَهُوَ مُسْتَفِيهٌ: اشتَدَّ أَكْلُه بَعْدَ قِلَّة، وَقِيلَ: اسْتَفاهَ فِي الطَّعَامِ أَكثَرَ مِنْهُ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي وَلَمْ يخصَّ هَلْ ذَلِكَ بعدَ قلَّةٍ أَم لَا؛ قَالَ أَبو زُبَيْدٍ يَصِفُ شِبْلَيْن:
ثُمَّ اسْتَفاها فلمْ تَقْطَعْ رَضاعَهما ... عن التَّصَبُّب لَا شَعْبٌ وَلَا قَدْعُ
اسْتَفاها: اشتَدَّ أَكْلُهما، والتَّصَبُّبُ: اكْتساءُ اللحمِ للسِّمَنِ بَعْدَ الفِطامِ، والتَّحلُّم مثلُه، والقَدْعُ: أَن تُدْفَعَ عَنِ الأَمر تُريدُه، يُقَالُ: قَدَعْتُه فقُدِعَ قَدْعاً. وَقَدِ اسْتَفاهَ فِي الأَكل وَهُوَ مُسْتَفِيهٌ، وَقَدْ تَكُونُ الاسْتِفاهةُ فِي الشَّرابِ. والمُفَوَّهُ: النَّهِمُ الَّذِي لَا يَشْبَع. وَرَجُلٌ مُفَوَّهٌ ومُسْتَفِيهٌ أَي شديدُ الأَكلِ. وشَدَّ مَا فَوَّهْتَ فِي هَذَا الطَّعَامِ وتفَوَّهْتَ وفُهْتَ أَي شَدَّ مَا أَكَلْتَ. وإِنه لمُفَوَّه ومُسْتَفِيهٌ فِي الْكَلَامِ أَيضاً، وَقَدِ اسْتَفاهَ اسْتِفاهةً فِي الأَكل، وَذَلِكَ إِذَا كُنْتَ قليلَ الطَّعْم ثُمَّ اشتَدَّ أَكْلُك وازْدادَ. وَيُقَالُ: مَا أَشَدَّ فُوَّهَةَ بعيرِك فِي هَذَا الكَلإِ، يُرِيدُونَ أَكْلَه، وَكَذَلِكَ فُوّهة فرَسِك ودابَّتِك، وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُمْ: أَفْواهُها مَجاسُّها؛ الْمَعْنَى أَن جَوْدةَ أَكْلِها تَدُّلك عَلَى سِمَنِها فتُغْنيك عَنْ جَسِّها، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: سَقَى فلانٌ إِبلَه عَلَى أَفْواهِها، إِذَا لَمْ يَكُنْ جَبَى لَهَا الماءَ فِي الْحَوْضِ قَبْلَ ورُودِها، وإِنما نزَعَ عَلَيْهَا الماءَ حِينَ وَرَدَتْ، وَهَذَا كَمَا يُقَالُ: سَقَى إبلَه قَبَلًا. وَيُقَالُ أَيضاً: جَرَّ فلانٌ إبلَه عَلَى أَفْواهِها إِذَا تَرَكَهَا تَرْعَى وتسِير؛ قَالَهُ الأَصمعي؛ وأَنشد:
أَطْلَقَها نِضْوَ بُلَيٍّ طِلْحِ، ... جَرّاً على أَفْواهِها والسُّجْحِ «3» .
__________
(3) . قوله [على أفواهها والسجح] هكذا في الأصل والتهذيب هنا، وتقدم إنشاده في مادة جرر أفواههن السجح(13/529)
بُلَيّ: تَصْغِيرُ بِلْوٍ، وَهُوَ الْبَعِيرُ الَّذِي بَلاه السَّفَرُ، وأَراد بالسُّجْحِ الخراطيمَ الطِّوال. وَمِنْ دُعائِهم: كَبَّهُ اللهُ لِمَنْخِرَيْه وفَمِه؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الْهُذَلِيِّ:
أَصَخْرَ بنَ عبدِ اللَّهِ، مَنْ يَغْوِ سادِراً ... يَقُلْ غَيْرَ شَكٍّ لليَدْينِ وللفَمِ
وفُوَّهةُ السِّكَّةِ والطَّريقِ وَالْوَادِي والنهرِ: فَمُه، وَالْجَمْعُ فُوَّهاتٌ وفَوائِهُ. وفُوهةُ الطريقِ: كفُوَّهَتِه؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. والزَمْ فُوهةَ الطريقِ وفُوَّهَتَه وفَمَه. وَيُقَالُ: قَعَد عَلَى فُوَّهةِ الطَّرِيقِ وفُوَّهةِ النَّهْرِ، وَلَا تَقُلْ فَم النَّهْرِ وَلَا فُوهة، بِالتَّخْفِيفِ، وَالْجَمْعُ أَفْواه عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
يَا عَجَباً للأَفْلقِ الفَليقِ ... صِيدَ عَلَى فُوَّهةِ الطَّريقِ «4»
. ابْنُ الأَعرابي: الفُوَّهةُ مصَبُّ النَّهْرِ فِي الكِظَامةِ، وَهِيَ السِّقاية. الْكِسَائِيُّ: أَفْواهُ الأَزِقَّةِ والأَنْهار وَاحِدَتُهَا فُوَّهةٌ، بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ مِثْلُ حُمَّرة، وَلَا يُقَالُ فَم. اللَّيْثُ: الفُوَّهةُ فمُ النَّهْرِ ورأْسُ الْوَادِي. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَرَجَ فما تفَوَّهَ البَقيعَ قَالَ: السلامُ عَلَيْكُمْ
؛ يُرِيدُ لَمَّا دَخَل فمَ البَقِيعِ، فشَبَّهه بِالْفَمِ لأَنه أَول مَا يُدْخَل إِلَى الجوفِ مِنْهُ. وَيُقَالُ لأَوَّل الزُّقاقِ وَالنَّهْرِ: فُوَّهَتُه، بِضَمِّ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ. وَيُقَالُ: طَلع عَلَيْنَا فُوَّهةُ إبِلك أَي أَوَّلُها بِمَنْزِلَةِ فُوَّهةِ الطَّرِيقِ. وأَفْواهُ الْمَكَانِ: أَوائُله، وأَرْجُلُه أَواخِرُه؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
وَلَوْ قُمْتُ مَا قامَ ابنُ لَيْلى لَقَدْ هَوَتْ ... رِكابي بأَفْواهِ السَّماوةِ والرِّجْلِ
يَقُولُ: لَوْ قُمْتُ مَقامه انْقَطَعَتْ رِكابي: وَقَوْلُهُمْ: إنَّ رَدَّ الفُوَّهَةِ لَشَديدٌ أَي القالةِ، وَهُوَ مِنْ فُهْتُ بِالْكَلَامِ. وَيُقَالُ: هُوَ يَخَافُ فُوَّهَة الناسِ أَي قالتَهم. والفُوهةُ والفُوَّهةُ: تقطيعُ الْمُسْلِمِينَ بَعْضَهُمْ بَعْضًا بالغِيبة. وَيُقَالُ: مَنْ ذَا يُطِيق رَدَّ الفُوَّهةِ. والفُوَّهةُ: الفمُ. أَبو المَكَارم: مَا أحْسَنْتُ شَيْئًا قطُّ كَثَغْرٍ فِي فُوَّهَةِ جاريةٍ حَسْناء أَي مَا صادَفْت شَيْئًا حَسَنًا. وأَفْواهُ الطِّيبِ: نَوافِحُه، واحدُها فُوهٌ. الْجَوْهَرِيُّ: الأَفْواهُ مَا يُعالج بِهِ الطِّيبُ كَمَا أَنَّ التَّوابِلَ مَا تُعالَج بِهِ الأَطْعمة. يُقَالُ: فُوهٌ وأَفْواه مِثْلُ سُوقٍ وأَسْواق، ثُمَّ أفاويهُ وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الأَفْواهُ أَلْوانُ النَّوْرِ وضُروبُه؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
تَرَدَّيْتُ مِنْ أَفْواهِ نَوْرٍ كأَنَّها ... زَرابيُّ، وارْتَجَّتْ عَلَيْهَا الرَّواعِدُ
وَقَالَ مرَّة: الأَفْواهُ مَا أُعِدَّ للطِّيبِ مِنَ الرَّيَاحِينِ، قَالَ: وَقَدْ تَكُونُ الأَفْواه مِنَ الْبُقُولِ؛ قَالَ جَمِيلٌ:
بِهَا قُضُبُ الرَّيْحانِ تَنْدَى وحَنْوَةٌ، ... وَمِنْ كلِّ أَفْواه البُقول بِهَا بَقْلُ
والأَفْواهُ: الأَصْنافُ والأَنواعُ. والفُوَّهةُ: عروقٌ يُصْبَغ بِهَا، وَفِي التَّهْذِيبِ: الفُوَّهُ عروقٌ يُصْبَغُ بِهَا. قَالَ الأَزهري: لَا أَعرف الفُوَّهَ بِهَذَا الْمَعْنَى. والفُوَّهةُ: اللبَنُ مَا دامَ فِيهِ طعمُ الحلاوةِ، وَقَدْ يُقَالُ بِالْقَافِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. والأَفْوه الأَوْدِيُّ: مِنْ شُعَرائهم، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعلم.
فصل القاف
قره: قَرِهَ جِلْدُه قَرَهاً: تَقَشَّرَ أَو اسْوَدَّ مِنْ شدَّةِ الضَّرْب. ابْنُ الأَعرابي: قَرِه الرجُلُ إذا
__________
(4) . قوله [للأَفلق الفليق] هو هكذا بالأَصل(13/530)
تَقَوَّب جِلْدُه مِنْ كَثْرة القُوَباء. والقَرَه فِي الجسَدَ: كالقَلَحِ فِي الأَسْنانِ، وَهُوَ الوَسَخُ، وَقَدْ قَرِه قَرَهاً، وَرَجُلٌ مُتَقَرِّه وأَقْرَهُ، والأُنثى قَرْهاء.
قله: القَلَهُ: لُغَةٌ فِي القَرَه. وقَلَهى وقَلَهِيَّا، كِلَاهُمَا: موضع.
قمه: القَمَهُ: قِلَّةُ الشهوةِ لِلطَّعَامِ كالقَهَمِ، وَقَدْ قَمِهَ وقَمَهَ البعيرُ يَقْمَه قُمُوهاً: رَفَعَ رأْسَه وَلَمْ يَشْرَب الْمَاءَ، لُغَةٌ فِي قَمَح. وقَمهَ الشيءُ، فَهُوَ قامِهٌ: انْغَمَس حِينًا وَارْتَفَعَ أُخرى؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
يَعْدِلُ أَنْضادَ القِفافِ القُمَّهِ
جعَل القُمَّهَ نَعْتًا للقِفافِ لأَنها تَغِيب حِينًا فِي السَّراب ثُمَّ تَظْهَرُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ قَبْلَ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَورده الْجَوْهَرِيُّ:
قَفْقاف أَلْحِي الرَّاعِساتِ القُمَّهِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ قَبْلَهُ:
يَعْدِل أَنْضادَ القِفافِ الرُّدَّهِ ... عَنْهَا، وأَثْباجَ الرِّمالِ الوُرَّهِ
قَالَ: وَالَّذِي فِي رَجَزِ رُؤْبَةَ:
تَرْجافُ أَلْحِي الرَّاعِساتِ القُمَّهِ
أَي تَرْجافُ أَلْحِي هذهِ الإِبلِ، الراعِساتِ أَي الْمُضْطَرِبَاتِ، يَعْدِل أَنْضادَ هَذِهِ القفافِ ويَخْلُفها. وَيُقَالُ: قَمَهَ الشيءَ فِي الْمَاءِ يَقْمَهه إِذَا قَمَسه فارتَفع رأسُه أَحْياناً وانْغَمَرَ أَحياناً فَهُوَ قامِهٌ. وَقَالَ الْمُفَضِّلُ: القامِهُ الَّذِي يَرْكَبُ رَأسَه لَا يَدْرِي أَين يَتَوَجَّهُ. الْجَوْهَرِيُّ: القُمَّهُ مِنَ الإِبل مِثْلَ القُمَّح وَهِيَ الرافعةُ رُؤوسَها إِلَى السَّمَاءِ، الْوَاحِدَةُ قامِهٌ وقامِحٌ. وَقَالَ الأَزهري فِي تَرْجَمَةِ مَقَه: سَرابٌ أَمْقَه؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
فِي الفَيْفِ مِنْ ذاكَ البَعيدِ الأَمْقَهِ
وَهُوَ الَّذِي لَا خَضْراء فِيهِ، وَرَوَاهُ أَبو عَمْرٍو الأَقْمه، قَالَ: وَهُوَ الْبَعِيدُ. يُقَالُ: هُوَ يَتَقَمَّه فِي الأَرض إِذَا ذهَبَ فِيهَا، وَقَالَ الأَصمعي: إِذَا أَقْبَل وأَدْبَر فِيهَا. وَخَرَجَ فُلَانٌ يَتَقَمَّه فِي الأَرض: لَا يَدْرِي أَيْنَ يَذْهَبُ. قَالَ أَبو سَعِيدٍ: ويَتَكَمَّه مِثْلُهُ. وَقَالَ فِي قَوْلِ رُؤْبَةَ القُمَّه: هِيَ القُمَّحُ، وَهِيَ التي رفعت رؤوسها كالقِمَاح الَّتِي لَا تَشْرَبه.
قنزه: رجلٌ قَزٌّ قِنْزَهْوٌ وقِزٌّ قِنْزَهْوٌ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ وَلَمْ يُفَسِّرْ قِنْزهْواً؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأُراه من الأَلفاظ الْمُبَالَغِ بِها، كَمَا قَالُوا: أَصَمّ أَسْلَخُ وأَخْرَسُ أَملسُ، وَقَدْ يَكُونُ قِنْزَهْو ثُلاثِيّاً كقِنْدَأْوٍ.
قهقه: اللَّيْثُ: قَهْ يُحْكَى بِهِ ضَرْبٌ مِنَ الضَّحِك، ثُمَّ يُكَرَّرُ بتَصْريفِ الْحِكَايَةِ فَيُقَالُ: قَهْقَهَ يُقَهْقِه قَهْقَهَةً إِذَا مدَّ وَإِذَا رجَّع. ابْنُ سِيدَهْ: قَهْقَهَ رجَّع فِي ضَحِكه، وَقِيلَ: هُوَ اشتدادُ الضَّحِك، قَالَ: وقَهْ قَهْ حكايةُ الضَّحِك. الْجَوْهَرِيُّ: القَهْقَهَةُ فِي الضَّحِكَ معروفةٌ، وَهُوَ أَن يَقُولَ قَهْ قَهْ. يُقَالُ: قَهَّ وقَهْقَهَ بِمَعْنًى، وَإِذَا خَفَّفَ قِيلَ قَهَّ الضاحِكُ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَقَدْ جَاءَ فِي الشِّعْرِ مُخَفَّفًا؛ قَالَ الرَّاجِزُ يَذْكُر النِّساء:
نَشَأْنَ فِي ظِلِّ النَّعِيمِ الأَرْفَهِ، ... فهُنَّ فِي تَهانُفٍ وَفِي قَهِ
قَالَ: وإِنما خُفِّفَ فِي الْحِكَايَةِ؛ وَإِنِ اضْطَرَّ الشَّاعِرُ إِلَى تَثْقِيلِهِ جازَ لَهُ كَقَوْلِهِ:
ظَلِلْنَ فِي هَزْرَقةٍ وقَهِّ، ... يَهْزَأْنَ مِنْ كلِّ عَبَامٍ فَهِ
وقَرَبٌ مُقَهْقِهٌ: وَهُوَ مِنَ القَهْقَهةِ فِي قَرَبِ الوِرْدِ، مشتقٌّ مِنِ اصْطِدامِ الأَحْمالِ لَعَجَلَة(13/531)
السَّيْرِ كأَنهم تَوَهَّمُوا لجَرْسِ ذَلِكَ جَرْسَ نَغْمةٍ فضاعَفُوه؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وإِنما أَصله المُحَقْحِق، ثُمَّ قِيلَ المُهَقْهِق عَلَى الْبَدَلِ، ثُمَّ قُلِبَ فَقِيلَ المُقَهْقِه. الأَزهري: قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّتِنا الأَصل فِي قَرَبِ الوِرْدِ أَن يُقَالَ قَرَبٌ حَقْحاقٌ، بِالْحَاءِ، ثُمَّ أَبدلوا الْحَاءَ هَاءً فَقَالُوا للحَقْحَقة هَقْهَقة وهَقْهاق، ثُمَّ قَلَبُوا الهَقْهقة فَقَالُوا قَهْقَهة، كَمَا قَالُوا حَجْحَج وجَخْجَخَ إِذَا لَمْ يُبْدِ مَا فِي نَفْسِهِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ والقَهْقَهةُ فِي السَّيْرِ مِثْلُ الهَقْهَقة، مقلوبٌ مِنْهُ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
جَدَّ وَلَا يَحْمَدْنَه أَنْ يَلْحَقا ... أقَبُّ قَهْقاهٌ إِذَا مَا هَقْهَقا
وَقَالَ أَيضاً:
يُصْبِحْنَ بَعْدَ القَرَبِ المُقَهْقِهِ ... بالهَيْفِ مِنْ ذاكَ البَعِيدِ الأَمْقَهِ «1»
. أَنشدهما الأَصمعي، وَقَالَ فِي قَوْلِهِ القَرَبِ المُقَهْقِه: أَراد المُحَقْحِق فَقَلَبَ، وأَصل هَذَا كلِّه مِنْ الحَقْحَقَة، وَهُوَ السيرُ المُتْعِب الشَّدِيدُ، وَإِذَا انْتاطَت المَراعِي عَنِ الْمِيَاهِ حُمِل المالُ وَقْتَ وِرْدِها خِمْساً كَانَ أَو رِبْعاً عَلَى السَّيْرِ الحثيثِ، فَيُقَالُ خِمْسٌ حَقْحاقٌ وقَسْقاس وحَصْحاصٌ، وَكُلُّ هَذَا السيرُ الَّذِي لَيْسَتْ فِيهِ وَتِيرةٌ وَلَا فُتُور، وَإِنَّمَا قَلَبَ رُؤْبَةُ حَقْحَقة فَجَعَلَهَا هَقْهَقة، ثُمَّ جَعَلَ هَقْهَقة قَهْقَهة، فَقَالَ المُقْهْقِه لِاضْطِرَارِهِ إِلَى الْقَافِيَةِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُ هَذَا الرَّجَزِ:
بالفَيْفِ مِنْ ذاكَ الْبَعِيدِ الأَمْقَهِ
وَقَالَ بالفَيْفِ يُرِيدُ القَفْر، والأَمْقَهُ: مثلُ الأَمْرَهِ وَهُوَ الأَبْيَضُ، وأَراد بِهِ القَفْرَ الَّذِي لَا نَبات بِهِ.
قوه: القُوهةُ: اللبَنُ الَّذِي فِيهِ طَعْمُ الْحَلَاوَةِ، وَرَوَاهُ اللَّيْثُ فُوهة، بِالْفَاءِ، وَهُوَ تَصْحِيفٌ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ أَبو عَمْرٍو القُوهةُ اللبَنُ الَّذِي يُلْقَى عَلَيْهِ مِنْ سِقاءٍ رائبٍ شيءٌ ويَرُوبُ؛ قَالَ جَنْدَلٌ:
والحَذْرَ والقُوهةَ والسَّدِيفا
الْجَوْهَرِيُّ: القُوهةُ اللبَنُ إِذَا تغيَّر طعمُه قَلِيلًا وَفِيهِ حَلاوةُ الحَلَبِ: والقُوهِيُّ: ضَرْبٌ مِنَ الثِّيَابِ بِيضٌ، فَارِسِيٌّ. الأَزهري: الثِّياب القُوهِيَّةُ مَعْرُوفَةٌ مَنْسُوبَةٌ إِلَى قُوهِسْتانَ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
مِنَ القَهْزِ والقُوهِيِّ بيضُ المَقانِعِ «2»
. وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لنُصَيْب:
سَوِدْتُ فَلَمْ أَمْلِكْ سَوادي، وتَحْتَه ... قَميصٌ منَ القُوهِيِّ، بِيضٌ بَنائِقُهْ
اللَّيْثُ: القاهِيُّ الرجلُ المُخْصِب فِي رَحْلِه. وَإِنَّهُ لَفِي عَيْشٍ قاهٍ أَي رَفيهٍ بيِّنِ القُهُوَّةِ والقَهْوة، وَهُمْ قاهِيُّون.
قيه: القاهُ: الطاعةُ؛ قَالَ الزَّفَيان:
مَا بالُ عيْنٍ شَوْقُها اسْتَبْكاها ... فِي رَسْمِ دارٍ لَبِسَتْ بِلاها
تاللهِ لَوْلَا النارُ أَن نَصْلاها، ... أَو يَدْعُوَ الناسُ عَلَيْنَا اللهَ،
لمَا سَمِعْنا لأَمِيرٍ قَاهَا
قَالَ الأُمَوي: عرفَتْه بَنُو أَسد. وَمَا لَه عليَّ قاهٌ أَي سُلْطانٌ. والقاهُ: الجاهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن رَجُلًا
__________
(1) . قوله [يصبحن إلخ] في التكملة ويروى: يطلقن قبل بدل يصبحن بعد، وهو أصح وأشهر
(2) . قوله [من القهز إلخ] صدره كما في الصحاح واللسان في مادة قهز:
مِنَ الزُّرْقِ أَوْ صُقْعٍ كأن رؤوسها(13/532)
مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَقِيلَ مِنْ أَهل الْيَمَنِ، قَالَ لِلنَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّا أَهلُ قاهٍ، فَإِذَا كَانَ قاهُ أَحَدِنا دَعا مَنْ يُعِينه فعَمِلُوا لَهُ فأَطعَمَهُم وسَقاهم مِنْ شرابٍ يُقَالُ لَهُ المِزْرُ، فَقَالَ: أَله نَشْوَةٌ؟ قَالَ: نعَمْ، قَالَ: فَلَا تَشْرَبوه
؛ أَبو عُبَيْدٍ: القاهُ سُرْعةُ الإِجابة وحُسْنُ المُعاونة، يَعْنِي أَن بعْضَهم يُعاوِنُ بَعْضًا فِي أَعْمالِهم وأَصلُه الطاعةُ، وَقِيلَ: مَعْنَى الْحَدِيثِ إنَّا أَهلُ طاعةٍ لِمَنْ يَتَمَلَّكُ عَلَيْنَا، وَهِيَ عادَتُنا لَا نَرى خِلافَها، فَإِذَا أَمَرَنا بأَمْرٍ أَو نَهانا عَنْ أَمْرٍ أَطَعْناه، فَإِذَا كَانَ قَاهُ أَحَدِنا أَي ذُو قاهِ أَحَدِنا دَعانا إِلَى مَعُونتِه فأَطْعَمَنا وسَقانا. قَالَ ابْنُ الأَثير: ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْقَافِ وَالْيَاءِ، وَجَعَلَ عَيْنَهُ مُنْقَلِبَةً عَنْ يَاءٍ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ الأَثير إِلَّا فِي قَوَهَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَا لِي عنْدَه جاهٌ وَلَا لِي عَلَيْهِ قاهٌ
أَي طاعةٌ. الأَصمعي: القاهُ والأَقْهُ الطاعةُ. يُقَالُ: أَقاهَ الرجلُ وأَيْقَهَ. الدِّينَوَرِيُّ: إِذَا تَناوَبَ أَهلُ الجَوْخانِ فَاجْتَمَعُوا مَرَّة عِنْدَ هَذَا وَمَرَّةً عِنْدَ هَذَا وتعاوَنُوا عَلَى الدِّياسِ، فَإِنَّ أَهل الْيَمَنِ يسمُّون ذَلِكَ القاهَ. ونَوْبةُ كلِّ رَجُلٍ قاهُهُ، وَذَلِكَ كَالطَّاعَةِ لَهُ عَلَيْهِمْ لأَنه تَناوُبٌ قَدْ أَلْزَمُوه أَنفسهم، فَهُوَ واجبٌ لِبَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ ذَكَرَهَا الْجَوْهَرِيُّ فِي قوه. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَاهَ أَصلُه قَيَهَ، وَهُوَ مَقْلُوبٌ مِنْ يَقَه، بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ اسْتَيْقَه الرجلُ إِذَا أَطاعَ، فَكَانَ صَوَابُهُ أَن يَقُولَ فِي التَّرْجَمَةِ قَيه، وَلَا يَقُولُ قوَه، قَالَ: وَحُجَّةُ الجوهري أَنه يقال الوفْهُ بِمَعْنَى القاهِ، وَهُوَ الطاعةُ، وَقَدْ وَقِهْتُ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنه مِنَ الْوَاوِ؛ وأَما قَوْلُ المُخَبَّل:
ورَدُّوا صُدورَ الخَيْلِ حَتَّى تنَهْنَهُوا ... إِلَى ذِي النُّهَى، واسْتَيْقَهُوا للمُحلِّم «1»
. أَي أَطاعوه، إِلَّا أَنه مَقْلُوبٌ، قدَّمَ الْيَاءَ عَلَى الْقَافِ وَكَانَتِ القافُ قبْلَها، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: جَذَبَ وجَبَذَ، وَيُرْوَى: واسْتَيْدَهوا، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقِيلَ إن الْمَقْلُوبَ هُوَ القاهُ دُونَ اسْتَيْقَهوا. وَيُقَالُ: اسْتَوْدَه واسْتَيْدَه إِذَا انْقادَ وأَطاعَ، وَالْيَاءُ بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ. ابْنُ سِيدَهْ: والقاهُ سُرْعةُ الإِجابةِ فِي الأَكل، قَالَ: وإِنما قَضَيْنا بأَن أَلفَ قَاهٍ ياءٌ لِقَوْلِهِمْ فِي مَعْنَاهُ أَيْقَهَ واسْتَيْقَهَ أَي أَطاعَ، وَمَا جَاءَ مِنْ هَذَا الْبَابِ لَمْ يُقَلْ فِيهِ أَيْقَهَ وَلَا تبيَّنَت فِيهِ الياءُ بوجهٍ حُمِل عَلَى الْوَاوِ. وأَيقَهَ أَي فَهِمَ. يُقَالُ: أَيْقِهْ لِهَذَا أَيِ افْهَمْهُ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعلم.
فصل الكاف
كبه: الأَزهري قَالَ فِي حَدِيثِ
حُذَيْفَةَ: قَالَ لَهُ رجلٌ قَدْ نُعِتَ لَنَا المسيحُ الدجَّال وَهُوَ رجلٌ عريضُ الكَبْهةِ
، أَراد الجَبْهةَ، وأَخرج الْجِيمَ بَيْنَ مَخرجها وَمَخْرَجِ الْكَافِ، وَهِيَ لُغَةُ قومٍ مِنَ الْعَرَبِ، ذَكَرَهَا سِيبَوَيْهِ مَعَ سِتَّةِ أَحرف أُخرى وَقَالَ: إِنَّهَا غَيْرُ مُستحسنة وَلَا كثيرةٌ فِي لُغَةِ مَنْ تُرْضَى عربيَّتُه.
كته: كتَهَه كَتْهاً: ككدَهَهُ.
كده: الكَدْهُ بِالْحَجَرِ ونحوهِ: صَكٌّ يؤَثِّرُ أَثراً شَدِيدًا، وَالْجَمْعُ كُدُوهٌ. وَقَدْ كَدَهَه وكَدَّهَهُ. وكَدَهَ الشيءَ وكَدَّهَهُ: كَسَّره؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
وخافَ صَقْعَ القارعاتِ الكُدَّهِ
وسقطَ مِنَ السَّطْح فتَكَدَّهَ وتَكَدَّحَ أَي تكَسَّر. وكَدَهَ لأَهْلِه كَدْهاً: كسَبَ لَهُمْ فِي مَشقَّةٍ. وكَدَهَ يَكْدَهُ: لُغَةٌ فِي كَدَحَ يَكْدَحُ. يُقَالُ: هُوَ يَكْدَحُ لعِيالهِ ويَكْدَهُ لعيالِه أَي يَكْسِبُ لَهُمْ. وَيُقَالُ: كَدَهَه الهَمُّ يَكْدَهُه كَدْهاً إذا
__________
(1) . قوله [وردوا صدور إلخ] في التكملة ما نصه والرواية: فسدوا نحور القوم، ويروى: فشكوا نحور الخيل(13/533)
أَجْهَدَه؛ قَالَ أُسامة الْهُذَلِيُّ يَصِفُ الحُمُر:
إِذَا نُضِحَتْ بِالْمَاءِ وازْدادَ فَوْرُها، ... نَجا، وَهُوَ مَكْدوهٌ منَ الْغَمِّ ناجِدُ
يَقُولُ: إِذَا عَرِقَت الحُمُر وفارَت بالغَلْي نَجَا العَيْرُ. والناجدُ: الَّذِي قَدْ عَرِقَ. وكَدَهَ رأْسَه بالمُشْط وكَدَّهَه: فَرَقَهُ بِهِ، وَالْحَاءُ فِي كُلِّ ذَلِكَ لُغَةٌ. والكَدْهُ: الغلَبةُ. ورجلٌ مَكْدُوهٌ: مَغْلُوبٌ. وَقَدْ كَهَدَ وأَكْهَدَ وكَدَهَ وأَكْدَهَ كلُّ ذَلِكَ إذا أَجْهَده الدُّؤُوب. وَيُقَالُ: فِي وَجْهِهِ كُدُوهٌ وكُدوحٌ أَي خُموشٌ. وَيُقَالُ: أَصابه شَيْءٌ فكَدَهَ وجْهَه، وبه كَدْهٌ وكُدوهٌ.
كره: الأَزهري: ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الكَرْهَ والكُرْهَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ كِتَابِهِ الْعَزِيزِ، وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي فَتْحِ الْكَافِ وَضَمِّهَا، فَرُوِيَ عَنْ أَحمد بْنِ يَحْيَى أَنه قَالَ قرأَ نَافِعٌ وأَهل الْمَدِينَةِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ
بِالضَّمِّ فِي هَذَا الْحَرْفِ خَاصَّةً، وَسَائِرِ الْقُرْآنِ بِالْفَتْحِ، وَكَانَ عَاصِمٌ يَضُمُّ هَذَا الْحَرْفَ أَيضاً، واللذيْنِ فِي الأَحقاف: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً
، ويقرأُ سائرَهُن بِالْفَتْحِ، وَكَانَ الأَعمشُ وحمزةُ والكسائيُّ يَضُمُّون هَذِهِ الحروفَ الثلاثةَ، وَالَّذِي فِي النِّسَاءِ: لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً
، ثم قرؤوا كلَّ شَيْءٍ سِوَاهَا بِالْفَتْحِ، قَالَ: وَقَالَ بَعْضُ أَصْحابنا نَخْتَارُ مَا عَلَيْهِ أَهل الْحِجَازِ أَن جَمِيعَ مَا فِي الْقُرْآنِ بِالْفَتْحِ إِلَّا الَّذِي فِي الْبَقَرَةِ خَاصَّةً، فَإِنَّ الْقُرَّاءَ أَجمعوا عَلَيْهِ. قَالَ أَحمد بْنُ يَحْيَى: ولا أَعلم بين الأَحْرُف الَّتِي ضمَّها هَؤُلَاءِ وَبَيْنَ الَّتِي فَتَحُوهَا فَرْقاً فِي الْعَرَبِيَّةِ وَلَا فِي سُنَّةٍ تُتَّبع، وَلَا أَرى النَّاسَ اتَّفَقُوا عَلَى الْحَرْفِ الَّذِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ خَاصَّةً إِلَّا أَنه اسْمٌ، وَبَقِيَّةُ الْقُرْآنِ مصادرُ، وَقَدْ أَجمع كَثِيرٌ مِنْ أَهل اللُّغَةِ أَن الكَرْهَ والكُرْهَ لُغتانِ، فبأَيِّ لُغَةٍ وَقَعَ فجائِزٌ، إِلَّا الْفَرَّاءَ فَإِنَّهُ زَعَمَ أَن الكُرْهَ مَا أَكْرهْتَ نَفْسَك عَلَيْهِ، والكَرْه مَا أَكْرَهَكَ غيرُكَ عَلَيْهِ، تَقُولُ: جئْتُكَ كُرْهاً وأَدْخَلْتَني كَرْهاً، وَقَالَ الزَّجَّاجُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ
؛ يُقَالُ كَرِهْتُ الشيءَ كَرْهاً وكُرْهاً وكَراهةً وكَرَاهِيَةً، قَالَ: وَكُلُّ مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ الكرْه فَالْفَتْحُ فِيهِ جَائِزٌ، إِلَّا فِي هَذَا الْحَرْفِ الذي في هذه الْآيَةِ، فَإِنَّ أَبا عُبَيْدٍ ذَكَرَ أَن الْقُرَّاءَ مُجْمِعون عَلَى ضمِّه، قَالَ: وَمَعْنَى كَراهِيَتِهم القِتالَ أَنهم إِنَّمَا كَرِهُوه عَلَى جِنْسِ غِلَظِه عَلَيْهِمْ ومشقَّتِه، لَا أَن الْمُؤْمِنِينَ يَكْرَهُونَ فَرْضَ اللَّهِ، لأَن اللَّهَ تَعَالَى لَا يَفْعَلُ إِلَّا مَا فِيهِ الْحِكْمَةُ وَالصَّلَاحُ. وَقَالَ اللَّيْثُ فِي الكَرْه والكُرْه: إِذَا ضمُّوا أَو خَفَّضُوا قَالُوا كُرْهٌ، وَإِذَا فَتَحُوا قَالُوا كَرْهاً، تَقُولُ: فعلتُه عَلَى كُرْهٍ وَهُوَ كُرْهٌ، وَتَقُولُ: فعلتُه كَرْهاً، قَالَ: والكَرْهُ المكروهُ؛ قَالَ الأَزهري: وَالَّذِي قَالَهُ أَبو الْعَبَّاسِ وَالزَّجَّاجُ فحسَنٌ جَمِيل، وَمَا قَالَهُ اللَّيْثُ فَقَدْ قَالَهُ بَعْضُهُمْ، وَلَيْسَ عِنْدَ النحويِّين بالبَيِّنِ الْوَاضِحِ. الْفَرَّاءُ: الكُرْه، بِالضَّمِّ، المَشقَّةُ. يُقَالُ: قُمْتُ عَلَى كُرْهٍ أَي عَلَى مشقَّةٍ. قَالَ: وَيُقَالُ أَقامني فُلَانٌ عَلَى كَرْهٍ، بِالْفَتْحِ، إِذَا أَكرهك عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ الْفَرَّاءِ قولُه سُبْحَانَهُ: وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً
؛ وَلَمْ يَقْرَأْ أَحد بِضَمِّ الْكَافِ. وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ
؛ وَلَمْ يَقْرَأْ أَحد بِفَتْحِ الْكَافِ فَيَصِيرُ الكَره، بِالْفَتْحِ، فِعْلُ المضْطَرّ، والكُرْه، بِالضَّمِّ، فِعْلُ الْمُخْتَارِ. ابْنُ سِيدَهْ: الكَرْهُ الإِباءُ والمشَقَّةُ تُكَلَّفُها فتَحْتَمِلُها، والكُرْهُ، بِالضَّمِّ، المشقةُ تحْتَمِلُها مِنْ غَيْرِ أَن تُكَلَّفها. يُقَالُ: فعلَ(13/534)
ذَلِكَ كَرْهاً وَعَلَى كُرْهٍ. وَحَكَى يَعْقُوبُ: أَقامَني عَلَى كَرْهٍ وكُرْهٍ، وَقَدْ كَرِهَه كَرْهاً وكُرْهاً وكَراهَةً وكراهِيةً ومَكْرَهاً ومَكْرَهةً؛ قَالَ:
لَيْلَةُ غُمَّى طامِسٌ هِلالُها، ... أَوْغَلْتُها ومُكْرَهٌ إيغالُها
وأَنشد ثَعْلَبٌ:
تَصَيَّدُ بالحُلْوِ الحَلالِ، وَلَا تُرَى ... عَلَى مَكْرَهٍ يَبْدُو بِهَا فيَعيبُ
يَقُولُ: لَا تَتَكَلَّمُ بِمَا يُكْرَه فيَعيبُها. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِسْباغ الوُضوء عَلَى المَكارِه
؛ ابْنُ الأَثير: جَمْعُ مَكْرَهٍ وَهُوَ مَا يَكْرَههُ الإِنسان ويشقُّ عَلَيْهِ. والكُرْهُ، بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ: المَشَقَّةُ؛ الْمَعْنَى أَن يَتَوَضَّأَ مَعَ الْبَرْدِ الشَّدِيدِ والعِلَلِ الَّتِي يَتَأَذَّى مَعَهَا بمسِّ الْمَاءِ، وَمَعَ إعْوازِه والحاجةِ إِلَى طَلَبِهِ والسَّعْي فِي تَحْصِيلِهِ أَو ابْتِياعِه بالثَّمن الْغَالِي وَمَا أَشبه ذَلِكَ مِنْ الأَسْباب الشاقَّة. وَفِي حَدِيثِ
عُبَادَةَ: بايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى المَنْشَطِ والمَكْرَه
؛ يَعْنِي المَحْبوبَ والمَكْروهَ، وَهُمَا مَصْدَرَانِ. وَفِي حَدِيثِ الأُضْحية:
هَذَا يومٌ اللحمُ فِيهِ مكروهٌ
، يَعْنِي أَن طلَبَه فِي هَذَا الْيَوْمِ شاقٌّ. قَالَ ابْنُ الأَثير: كَذَا قَالَ أَبو مُوسَى، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَن هَذَا اليومَ يُكْرَه فِيهِ ذبحُ شاةٍ للَّحم خاصَّة، إِنَّمَا تُذْبَحُ للنُّسُكِ وَلَيْسَ عِنْدِي إِلَّا شاةُ لَحْمٍ لَا تُجْزِي عَنِ النُّسُك، هَكَذَا جَاءَ فِي مُسْلِمٍ اللَّحْمُ فِيهِ مكروهٌ، وَالَّذِي جَاءَ فِي الْبُخَارِيِّ
هَذَا يومٌ يُشْتَهى فِيهِ اللحْمُ
، وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:
خُلِقَ المكروهُ يَوْمَ الثَّلاثاءِ، وخُلِقَ النُّورُ يومَ الأَرْبعاء
؛ أَرادَ بالمَكْرُوهِ هَاهُنَا الشرَّ لِقَوْلِهِ:
وخُلقَ النُّورُ يومَ الأَرْبِعاء
، والنُّورُ خيرٌ، وَإِنَّمَا سُمّيَ الشرُّ مَكْروهاً لأَنه ضدُّ الْمَحْبُوبِ. ابْنُ سِيدَهْ: واسْتَكْرَهَه ككَرِهَهُ. وَفِي الْمَثَلِ: أَساءَ كارهٌ مَا عَمِلَ، وَذَلِكَ أَن رَجُلًا أَكْرَهَه آخرُ عَلَى عملٍ فأَساءَ عملَه، يضربُ هَذَا لِلرَّجُلِ يَطْلُب الْحَاجَةَ فَلَا يُبالِغ فِيهَا؛ وَقَوْلُ الخَثْعَمِيَّة:
رأَيتُ لهمْ سِيماءَ قَوْمٍ كَرِهْتُهم، ... وأَهْلُ الغَضَى قَوْمٌ عليَّ كِرامُ
إِنَّمَا أَراد كَرِهْتُهم لَهَا أَو مِنْ أَجْلِها. وشيءٌ كَرْهٌ: مكروهٌ؛ قَالَ:
وحَمْلَقَتْ حَوْلِيَ حَتَّى احْوَلَّا ... مَأْقانِ كَرْهانِ لَهَا واقْبَلَّا
وَكَذَلِكَ شيءٌ كَريةٌ ومكروهٌ. وأَكْرَهَه عَلَيْهِ فتكارَهَه. وتكَرَّهَ الأَمْرَ: كَرِهَه. وأَكْرهْتُه: حَمَلْتُه عَلَى أَمْرٍ هُوَ لَهُ كارهٌ، وَجَمْعُ الْمَكْرُوهِ مَكارِهُ. وامرأَة مُسْتَكْرِهة: غُصِبَتْ نَفْسَها فأُكْرِهَتْ عَلَى ذَلِكَ. وكَرَّهَ إِلَيْهِ الأَمْرَ تكرِيهاً: صيَّره كَرِيهًا إِلَيْهِ، نَقِيضُ حَبَّبَه إِلَيْهِ، وَمَا كانَ كَرِيهاً وَلَقَدْ كَرُهَ كَراهةً؛ وَعَلَيْهِ توجَّه مَا أَنشده ثَعْلَبٌ مِنْ قَوْلِ الشَّاعِرِ:
حَتَّى اكْتَسَى الرأْسُ قِناعاً أَشْهَبا ... أَمْلَحَ، لَا لَذّاً وَلَا مُحَبَّبا،
أَكْرَهَ جِلْبابٍ لِمَنْ تَجَلْبَبا
إِنَّمَا هُوَ مِنْ كَرُه لَا مِنْ كَرِهْت، لأَن الجِلْبابَ لَيْسَ بكارهٍ، فَإِذَا امْتَنَعَ أَن يُحْمَل عَلَى كَرِهَ إِذِ الكُرْه إِنَّمَا هُوَ لِلْحَيَوَانِ لَمْ يُحْمَلْ إِلَّا عَلَى كَرُهَ الَّذِي هُوَ لِلْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ. وأَمْرٌ كَريهٌ: مَكروهٌ. ووَجْهٌ كَرْهٌ وكَريهٌ: قبيحٌ، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ لأَنه يُكْرَه. وأَتَيْتك كَراهينَ أَنْ تَغْضَبَ أَي كَراهيةَ أَن تَغْضبَ. وَجِئْتُكَ عَلَى كَراهينَ أَي(13/535)
كُرْه؛ قَالَ الحُطَيْئة:
مُصاحبةٍ عَلَى الكَراهينِ فارِكِ «2»
. أَي عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَهِيَ لُغَةٌ. اللِّحْيَانِيُّ: أَتَيْتُك كَراهينَ ذَلِكَ وكَراهيةَ ذَلِكَ بِمَعْنَى وَاحِدٍ. والكَرِيهةُ: النازلةُ والشدَّةُ فِي الحرْبِ، وَكَذَلِكَ كَرائهُ نَوازلُ الدَّهْرِ. وَذُو الكَريهةِ: السَّيْفُ الَّذِي يَمْضِي عَلَى الضَّرائِب الشِّدادِ لَا يَنْبُو عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا. قَالَ الأَصمعي: مِنْ أَسماء السُّيُوفِ ذُو الكَريهة، وَهُوَ الَّذِي يَمْضِي فِي الضَّرَائِبِ. الأَزهري: وَيُقَالُ للأَرض الصُّلْبةِ الْغَلِيظَةِ مِثْلَ القفِّ وَمَا قارَبَهُ كَرْهةٌ. وَرَجُلٌ ذُو مَكْروهةٍ أَي شِدَّةٌ؛ قَالَ:
وَفَارِسٌ فِي غِمار المَوْتِ مُنْغَمِس ... إِذَا تأَلَّى عَلَى مَكْروهة صَدَقا
وَرَجُلٌ كَرْهٌ: مُتَكرِّهٌ. وَجَمَلٌ كَرْهٌ: شَدِيدُ الرأْس؛ وأَنشد:
كَرْه الحَجاجَينِ شَدِيدُ الأَرْآد
والكَرْهاء: أَعْلى النُّقْرة، هُذَليَّة، أَراد نُقْرَة القَفا. والكَرْهاءُ: الوَجْهُ والرّأْسُ أَجْمَع.
كفه: ابْنُ الأَعرابي: الكافِهُ رئيسُ العَسْكَرِ، وَهُوَ الزَّويرُ وَالْعَمُودُ والعِمادُ والعُمْدةُ والعُمْدانُ؛ قَالَ الأَزهري: هَذَا حَرْفٌ غَرِيبٌ.
كمه: الكَمَه فِي التَّفْسِيرِ: العَمَى الَّذِي يُولَدُ بِهِ الإِنسانُ. كَمِهَ بَصَرُهُ، بِالْكَسْرِ، كَمَهاً وَهُوَ أَكْمَه إِذَا اعْتَرَتْهُ ظُلْمَة تَطْمِسُ عَلَيْهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
فَإِنَّهُمَا يُكْمِهانِ الأَبْصارَ
، والأَكْمَهُ: الَّذِي يُولَدُ أَعمى. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ
؛ والفعلُ كالفِعل، وَرُبَّمَا جَاءَ الكَمَه فِي الشِّعْرِ العَمَى الْعَارِضُ؛ قَالَ سُوَيْد:
كَمِهَتْ عَيْناهُ لَمَّا ابْيَضَّتا، ... فهْوَ يَلْحَى نَفْسَه لَمَّا نَزَعْ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ مُسْتعاراً مِنْ قَوْلِهِمْ كَمِهَتِ الشمسُ إِذَا عَلَتْها غُبْرَةٌ فأَظْلَمت، كَمَا تُظْلِمُ العينُ إِذَا عَلَتْها غُبْرَةُ العَمَى، وَيَجُوزُ أَيضاً أَن يَكُونَ مُسْتَعَارًا مِنْ قَوْلِهِمْ كَمهَ الرجلُ إِذَا سُلِبَ عَقْلُه، لأَنّ العينَ بالكَمَهِ يُسْلَبُ نُورُها، وَمَعْنَى الْبَيْتِ أَن الحَسَدَ قَدْ بَيَّضَ عَيْنَيْهِ كَمَا قَالَ رُؤْبَةُ:
بَيَّضَ عَيْنيهِ العَمَى المُعَمِّي
وَذَكَرَ أَهلُ اللُّغَةِ: أَن الكَمَهَ يَكُونُ خِلْقةً وَيَكُونُ حادِثاً بَعْدَ بَصَرٍ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ الثَّانِي فُسِّرَ هَذَا الْبَيْتِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَرُبَّمَا قَالُوا لِلْمَسْلُوبِ العقلِ أَكْمَه؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
هَرَّجْتُ فارْتَدَّ ارْتِدادَ الأَكْمَهِ ... فِي غائلاتِ الحائرِ المُتَهْتِهِ
ابْنُ الأَعرابي: الأَكْمَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِالنَّهَارِ وَلَا يُبْصِرُ بِاللَّيْلِ. وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: الأَكْمَهُ الأَعْمَى الَّذِي لَا يُبْصِرُ فيتحيَّر ويَترَدَّدُ. وَيُقَالُ: إِنَّ الأَكْمَه الَّذِي تَلِدُه أُمُّه أَعمى؛ وأَنشد بَيْتَ رُؤْبَةُ:
هَرَّجتُ فارْتَدَّ ارْتِدادَ الأَكْمَهِ
فوَصَفهُ بالهَرْج، وَذَكَرَ أَنه كالأَكْمَهِ فِي حالِ هَرْجِه. وكَمِهَ النهارُ إِذَا اعْتَرَضتْ فِي شَمْسِه غُبْرَةٌ. وكَمِهَ الرجلُ: تغيَّر لوْنُه. والكامِهُ: الَّذِي يَركبُ رأْسَه لَا يَدْري أَيْنَ يتَوَجَّه. يُقَالُ: خَرَجَ يتَكَمَّهُ فِي الأَرض.
كنه: كُنْهُ كلِّ شيءٍ قَدْرُه ونِهايتُه وغايَتُه. يُقَالُ: اعْرِفْه كُنْهَ المعرفةِ، وَفِي بعض المعاني:
__________
(2) . قوله [مصاحبة إلخ] صدره كما في التكملة:
وبكر فلاها عن نعيم غزيرة(13/536)
كُنْهُ كلِّ شيءٍ وَقْتُه ووَجْهُه. تَقُولُ: بلَغْتُ كُنْهَ هَذَا الأَمر أَي غايَته، وَفَعَلْتُ كَذَا فِي غَيْرِ كُنْهِه؛ وأَنشد:
وإنَّ كلامَ المَرْءِ فِي غَيْرِ كُنْهِه ... لَكالنَبْلِ تَهْوِي لَيْسَ فِيهَا نِصالُها
الْجَوْهَرِيُّ: لَا يُشْتقُّ مِنْهُ فِعْلٌ، وَقَوْلُهُمْ: لَا يَكْتَنِهُه الوصفُ بِمَعْنَى لَا يَبْلغ كُنْهَه، كلامٌ مولَّد. الأَزهري: اكْتَنَهْتُ الأَمرَ اكْتِناهاً إِذَا بلَغْتَ كُنْهَه. ابْنُ الأَعرابي: الكُنْه جَوْهَرُ الشَّيْءِ، والكُنْهُ الوقتُ، تَقُولُ: تَكَلَّم فِي كُنْهِ الأَمر أَي فِي وقْتِه. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَنْ قَتَلَ مُعاهَداً فِي غَيْرِ كُنْهِه
، يَعْنِي مَنْ قَتَلَه فِي غَيْرِ وَقْتِهِ أَو غايةِ أَمره الَّذِي يَجُوزُ فِيهِ قَتْلُهُ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثِ:
لَا تَسْأَلِ المرأَةُ طَلاقَها فِي غَيْرِ كُنْهِه
أَي فِي غَيْرِ أَن تَبْلُغَ مِنَ الأَذَى إِلَى الْغَايَةِ الَّتِي تُعْذَرُ فِي سُؤال الطَّلَاقِ مَعَهَا. والكُنْهُ: نهايةُ الشَّيْءِ وَحَقِيقَتُهُ.
كهكه: الكَهَّةُ: الناقةُ الضخمةُ المُسِنَّة. الأَزهري: نَاقَةٌ كَهَّةٌ وكَهَاةٌ، لُغَتَانِ، وَهِيَ الضَّخْمَةُ المُسنَّة الثَّقِيلَةُ. والكَهَّةُ: العجوزُ أَو النابُ، مَهْزُولَةً كَانَتْ أَو سَمِينَةً. وَقَدْ كَهَّت الناقةُ تَكِهُّ كُهوهاً إِذَا هَرِمَت. ابْنُ الأَعرابي: جَارِيَةٌ كَهْكاهةٌ وهَكْهاكةٌ إِذَا كَانَتْ سَمِينَةً. وكَهَّ الرجلُ: اسْتُنْكِهَ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. الْجَوْهَرِيُّ: وكَهَّ السَّكْرانُ إِذَا اسْتَنْكَهْتَه فكَهَّ فِي وَجْهِك. أَبو عَمْرٍو: يُقَالُ كَهَّ فِي وجْهِي أَي تنفَّسَ، والأَمْرُ مِنْهُ كَهَّ وكِهَّ، وَقَدْ كَهِهْتُ أَكَهُّ وكَهَهْتُ أكِهُّ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن ملَكَ الموتِ قَالَ لِمُوسَى، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَهُوَ يريدُ قبْضَ رُوحِه: كُهَّ فِي وَجْهِي، ففَعل، فقبَضَ رُوحَه
، أَي افْتَحْ فاكَ وتنفَّسْ. يُقَالُ: كَهَّ يَكُهُّ وكُهَّ يَا فُلَانُ أَي أَخْرِجْ نفَسَك، وَيُرْوَى كَهْ، بِهَاءٍ وَاحِدَةٍ مُسكَّنة بِوَزْنِ خَفْ، وَهُوَ مِنْ كاهَ يَكاهُ بِهَذَا الْمَعْنَى. والكَهْكَهةُ: ترديدُ البعيرِ هَدِيرَه، وكَهْكَهَ الأَسدُ فِي زئيرِه كَذَلِكَ، وَفِي التَّهْذِيبِ: كأَنه حكايةُ صوْتِه، والأَسدُ يُكَهْكِه فِي زَئِيرِهِ؛ وأَنشد:
سامٍ عَلَى الزَّأْآرةِ المُكَهْكِه
والكَهْكَهةُ: حِكَايَةُ صوتِ الزَّمْرِ؛ قَالَ:
يَا حَبَّذا كَهْكَهةُ الغَواني، ... وحَبَّذا تَهانُفُ الرَّواني
إلىَّ يومَ رِحْلةِ الأَظْعانِ
والكَهْكَهةُ فِي الضَّحِكِ أَيضاً، وَهُوَ فِي الزَّمْرِ أَعْرَفُ مِنْهُ فِي الضَّحِكِ. وكَهْ كَهْ: حكايةُ الضحِك. وَفِي التَّهْذِيبِ: وكَهْ حكايةُ الكُهَكِه. ورجلٌ كُهاكِهٌ: الَّذِي تَرَاهُ إِذَا نظرتَ إِلَيْهِ كأَنه ضاحكٌ وَلَيْسَ بِضَاحِكٍ. وَفِي الْحَدِيثِ:
كَانَ الحجاجُ قَصِيرًا أَصفرَ كُهاكِهةً
، التَّفْسِيرُ لَشَمِرٍ حَكَاهُ الْهَرَوِيُّ فِي الْغَرِيبَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ مِنْ الكَهْكهةِ القهقهةِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي النِّهَايَةِ:
أَصعرَ كُهاكِهاً
، وَفَسَّرَهُ كَذَلِكَ. وكَهْكَهَ المَقْرُورُ: تنفَّسَ فِي يدِه ليُسخِّنَها بنفَسه مِنْ شِدَّةِ البرْد فَقَالَ كَهْ كَهْ؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:
وكهْكَهَ الصَّرِدُ المَقْرُورُ فِي يدِه، ... واستَدْفأَ الكلْبُ فِي المأْسورِ ذِي الذِّئَبِ
وَهُوَ أَن يتنفَّس فِي يَدِهِ إِذَا خَصِرَت. وَشَيْخٌ كَهْكَمٌ: وَهُوَ الَّذِي يُكَهْكِهُ فِي يَدِهِ؛ قَالَ:
يَا رُبَّ شَيْخٍ، مِنْ لُكَيْزٍ كَهْكَمِ، ... قَلَّصَ عَنْ ذاتِ شَبابٍ حَذْلَمِ
والكَهْكاهةُ مِنَ الرِّجَالِ: المُتَهيِّبُ؛ قَالَ أَبو الْعِيَالِ(13/537)
الْهُذَلِيُّ يَرْثي ابنَ عَمِّهِ عَبْدَ بْنَ زُهْرة:
وَلَا كهْكاهةٌ بَرِمٌ، ... إِذَا مَا اشتَدَّتِ الحِقَبُ
والحِقَبُ: السِّنونَ، واحدَتُها حِقْبةٌ. وَفِي الصِّحَاحِ: وَلَا كَهْكَاءَةٌ «1» . الأَزهري: عَنْ شَمِرٍ: وكَهْكامةٌ، بِالْمِيمِ، مثلُ كَهْكاهةٍ للمُتَهيِّب، قَالَ: وَكَذَلِكَ كَهْكَم، وأَصلُه كَهامٌ فَزِيدَتِ الْكَافُ. والكَهْكاهُ: الضعيفُ. وتَكَهْكَه عنه: ضَعُف.
كوه: كوِهَ كَوَهاً: تحيَّر. وتَكَوَّهَتْ عَلَيْهِ أُمورُه: تفرَّقَت واتَّسَعَت، وَرُبَّمَا قَالُوا كُهْتُه وكِهْتُه فِي مَعْنَى اسْتَنْكَهْتُه. وَفِي الْحَدِيثِ:
فَقَالَ مَلَكُ الْمَوْتِ لِمُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، كُهْ فِي وَجْهِي
، وَرَوَاهُ اللِّحْيَانِيُّ:
كَهْ فِي وجهي
، بالفتح.
كيه: الكَيِّهُ: البَرِمُ بِحِيلته لَا يَتَوَجَّهُ لَهَا، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي لَا مُتَصَرَّفَ لَهُ وَلَا حِيلَة. وكِهْتُ الرجلَ أكِيهُه: اسْتَنْكَهْتُه.
فصل اللام
لثه: اللَّيْثُ: اللَّثاهُ اللُّهاةُ. وَيُقَالُ: هِيَ اللِّثهُ واللَّثهُ مِنَ اللَّثاه لحمٌ عَلَى أُصول الأَسنان. قَالَ الأَزهري: وَالَّذِي عَرَفْته اللِّثاتُ جَمْعُ اللِّثَةِ، واللِّثَةُ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ أَصلها لِثَيَةٌ مِنْ لَثِيَ الشيءُ يَلْثَى إِذَا نَدِيَ وابْتَلَّ، قَالَ: وَلَيْسَ مِنْ بَابِ الْهَاءِ، وَسَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ:
لعَنَ الواشِمةَ
؛ قَالَ نَافِعٌ: الوَشمُ فِي اللِّثةِ، اللِّثَةُ، بِالْكَسْرِ وَالتَّخْفِيفِ، عُمورُ الأَسْنانِ وهي مَغارِزُها.
لطه: ابْنُ الأَعرابي: اللَّطْحُ واللَّطْهُ واحدٌ، وَهُوَ الضَّرْبُ بِبَاطِنِ الْكَفِّ. وَفِي النَّوَادِرِ: هَلْطةٌ مِنْ خَبَرٍ وهَيْطةٌ ولَهْطةٌ ولَعْطةٌ وخبْطةٌ وخَوْطةٌ كلُّه الْخَبَرُ تَسمعه وَلَمْ تَسْتَحِقَّ ولم تُكذِّبْ.
لهله: اللَّهْلَهةُ: الرجوعُ عَنِ الشَّيْءِ. وتَلَهْلَه السرابُ: اضطرَبَ. وبلدٌ لَهْلَهٌ ولُهْلُهٌ: واسعٌ مُسْتوٍ يَضْطَرِبُ فِيهِ السرابُ. واللُّهْلُهُ أَيضاً: اتساعُ الصَّحْرَاءِ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
وخَرْق مَهارِقَ دي لُهْلُهٍ ... أَجَدَّ الأُوامَ بِهِ مَظْمَؤُهْ
أَجَدَّ: جدَّدَ. واللُّهْلُه، بِالضَّمِّ: الأَرضُ الْوَاسِعَةُ يَضْطَرِبُ فِيهَا السَّرَابُ، وَالْجَمْعُ لَهالِهُ؛ وأَنشد شَمِرٌ لِرُؤْبَةَ:
بَعْدَ اهْتضامِ الرَّاغِياتِ النُّكَّهِ، ... ومخْفِقٍ مَنَّ لُهْلُهٍ ولُهْلُهِ،
مِنْ مَهْمَهٍ يَجْتَبْنَه ومَهْمَهِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الرَّاغِيَاتُ النُّكَّهُ أَي الَّتِي ذَهَبَتْ أَصواتها مِنَ الضَّعْفِ؛ قَالَ: وشاهدُ الْجَمْعِ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
وَكَمْ دُونَ لَيْلى مِنْ لَهالِهَ بَيْضُها ... صحيحٌ بمَدْحَى أُمِّه وفَلِيقُ
وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: اللُّهْلُهُ الْوَادِي الْوَاسِعُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: اللَّهالِهُ مَا اسْتَوَى مِنَ الأَرض. الأَصمعي: اللُّهْلُهُ مَا اسْتَوَى مِنَ الأَرض. واللَّهْلَهُ، بِالْفَتْحِ: الثوبُ الرديءُ النَّسْجِ، وَكَذَلِكَ الكلامُ والشِّعْرُ. يُقَالُ: لَهْلَه النسَّاجُ الثوبَ أَي هَلْهَلَه، وَهُوَ مَقْلُوبٌ مِنْهُ. وثوبٌ لَهْلَهٌ، بِالْفَتْحِ لَا غيرُ: رقيقُ النَّسْجِ. واللَّهْلَهةُ: سخافةُ النَّسْجِ. واللُّهْلُهُ: القبيحُ الوجه.
لوه: لاهَ السرابُ لَوْهاً ولَوَهاناً وتَلَوَّه. اضْطَرَبَ وبَرَق، والإِسم اللُّؤُوهةُ. وَيُقَالُ: رأَيتُ لَوْهَ السَّرَابِ أَي بَرِيقَه. وَحُكِيَ عَنْ بعضهم: لاهَ اللهُ
__________
(1) . قوله [وَفِي الصِّحَاحِ وَلَا كَهْكَاءَةٌ] كذا في الأَصل، والذي فيما بأيدينا من نسخ الصحاح: ولا كهكاهة مثل المذكور قبل(13/538)
الخلقَ يَلُوهُهم خلَقَهم، وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ. واللاهةُ: الحيَّةُ؛ عَنْ كُرَاعٍ. واللاتُ: صنمٌ لِثَقِيف، وَكَانَ بِالطَّائِفِ، وَبَعْضُ الْعَرَبِ يَقِفُ عَلَيْهِ بِالتَّاءِ، وَبَعْضُهُمْ بِالْهَاءِ، وأَصله لاهةٌ، وَهِيَ الحيَّة كأَنَّ الصنَمَ سُمِّي بِهَا، ثُمَّ حُذِفَتْ مِنْهُ الْهَاءُ، كَمَا قَالُوا شَاةٌ وأَصلها شَاهَةٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وإِنما قَضَيْنَا بأَن أَلفَ اللاهةِ الَّتِي هِيَ الحيَّةُ واوٌ لأَن العينَ وَاوًا أَكثرُ مِنْهَا يَاءً، وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ:
أفَرَأَيْتُمُ اللَّاتِ والعُزَّى
، بِالتَّاءِ، وَيَقُولُ: هِيَ اللَّاتْ فَيَجْعَلُهَا تَاءً فِي السُّكوت، وَهِيَ اللاتِ، فأَعلَم أَنه جُرَّ فِي مَوْضِعِ الرَّفْعِ، فَهَذَا مثلُ أَمْسِ مَكْسُورٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَهُوَ أَجْودُ مِنْهُ لأَن أَلفَ اللاتِ ولامَه لَا تَسْقُطان وَإِنْ كَانَتَا زَائِدَتَيْنِ، قَالَ: وأَما مَا سَمِعْنَا مِنَ الأَكثر فِي اللاتِ والعُزَّى فِي السُّكُوتِ عَلَيْهَا فاللَّاهْ، لأَنها هاءٌ فَصَارَتْ تَاءً فِي الْوَصْلِ، وَهِيَ فِي تِلْكَ اللُّغَةِ مثلُ كَانَ مِنَ الأَمر كَيْتِ وكَيْتِ، وَكَذَلِكَ هَيْهاتِ فِي لُغَةِ مَنْ كسَر، إِلَّا أَنه يَجُوزُ فِي هَيْهات أَن يَكُونَ جَمَاعَةً وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي اللَّات، لأَن التَّاءَ لَا تُزاد فِي الْجَمَاعَةِ إِلَّا مَعَ الأَلف، وَإِنْ جعلتَ الأَلف وَالتَّاءَ زَائِدَتَيْنِ بَقِيَ الِاسْمُ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٌ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: حقُّ اللاتِ أَن تُذْكَرَ فِي فَصْلِ لُوِيَ لأَن أَصله لَوَيَة مِثْلُ ذَاتٍ مِنْ قَوْلِكَ ذاتُ مالٍ، والتاءُ للتأْنيث، وَهُوَ مِنْ لَوَى عَلَيْهِ يَلْوِي إِذَا عَطَف لأَن الأَصنام يُلْوَى عَلَيْهَا ويُعْكَف. الْجَوْهَرِيُّ: لاهَ يَلِيهُ لَيْهاً تَسَتَّر، وجوَّز سِيبَوَيْهِ أَن يَكُونَ لاهٌ أَصلَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى؛ قَالَ الأَعشى:
كَدَعْوةٍ مِنْ أَبي رَباحٍ ... يَسْمَعُها لاهُه الكُبارُ
أَي إلاهُه، أُدخلت عَلَيْهِ الأَلف وَاللَّامُ فَجَرَى مَجْرَى الِاسْمِ الْعَلَمِ كالعبَّاسِ والحسَن، إِلَّا أَنه خَالَفَ الأَعلام مِنْ حيثُ كَانَ صِفَةً، وَقَوْلُهُمْ: يَا أَلِلَّهِ، بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ، إِنَّمَا جازَ لأَنه يُنْوَى فِيهِ الْوَقْفُ عَلَى حَرْفِ النِّدَاءِ تفخيماً للاسم. وقولهم: لاهُمَّ واللَّهُمَّ، فَالْمِيمُ بَدَلٌ مِنْ حَرْفِ النِّدَاءِ؛ وَرُبَّمَا جُمع بَيْنَ البَدَل والمُبْدَل مِنْهُ فِي ضَرُورَةِ الشَّعْرِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
غَفَرْتَ أَو عذَّبْتَ يَا اللَّهُمَّا
لأَن لِلشَّاعِرَ أَن يُرَدَّ الشَّيْءُ إِلَى أَصله؛ وَقَوْلِ ذِي الإِصْبَع:
لاهِ ابنُ عَمِّكَ، لَا أَفْضَلْتَ فِي حَسَبٍ ... عَنّي، وَلَا أَنْتَ دَيَّانِي فتَخْزُوني
أَراد: للهِ ابنُ عَمِّكَ، فَحَذَفَ لامَ الْجَرِّ واللامَ الَّتِي بَعْدَهَا، وأَما الأَلفُ فَهِيَ مُنْقَلِبَةٌ عَنِ الْيَاءِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ لَهْيَ أَبوكَ، أَلا تَرَى كَيْفَ ظَهَرَتِ الْيَاءُ لَمَّا قُلِبت إِلَى مَوْضِعِ اللَّامِ؟ وأَما لاهُوت فَإِنْ صَحَّ أَنه مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ فَيَكُونُ اشْتِقَاقُهُ مِنْ لاهَ، وَوَزْنُهُ فَعَلُوت مِثْلُ رَغَبُوت ورَحَمُوت، وَلَيْسَ بِمَقْلُوبٍ كَمَا كَانَ الطَّاغُوتُ مقلوباً.
فصل الميم
مته: مَتَهَ الدَّلْوَ يَمْتَهُها مَتْهاً: مَتَحَها. والمَتْهُ والتَّمَتُّه: الأَخْذُ فِي الغَوايةِ والباطلِ. والتَّمَتُّه: التحمُّقُ والاخْتيال، وَقِيلَ: هُوَ أَن لَا يَدْرِيَ أَينَ يَقْصِد وَيَذْهَبُ، وَقِيلَ: هُوَ التمَدُّحُ والتفخُّرُ، وكلُّ مبالغةٍ فِي شَيْءٍ تَمَتُّهٌ، وَقِيلَ: التَّمَتُّهُ أَصله التَّمدُّه، وَهُوَ التمدُّحُ. وَقَدْ تَمتَّهَ إِذَا تمَدَّحَ بِمَا لَيْسَ فِيهِ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
تمَتَّهي مَا شِئْتِ أَنْ تمَتَّهِي، ... فلَسْتِ مِنْ هَوْئِي وَلَا مَا أَشْتَهِي
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: التَّمَتُّه مثلُ التَّعَتُّهِ وَهُوَ المُبالغةُ فِي(13/539)
الشَّيْءِ. وتَماتَه عَنْهُ: تَغافَل. الأَزهري: المَتَهُ التمتُّه فِي البِطالةِ والغَوايةِ والمُجونِ؛ قَالَ رؤْبة:
بالحقِّ والباطلِ والتمتُّهِ «2»
. وَقَالَ الْمُفَضَّلُ: التَّمَتُّهُ طَلَبُ الثَّنَاءِ بِمَا لَيْسَ فِيهِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: والتَّمتُّهُ التباعُدُ. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: كَانَ يُقَالُ التَّمتُّه يُزْري بالأَلِبّاء، وَلَا يتَمتَّهُ ذوُو العُقولِ.
مده: مَدَهَه يَمْدَهُه مَدْهاً: مِثْلَ مَدَحه، وَالْجَمْعُ المُدَّهُ؛ قَالَ رؤْبة:
للهِ دَرُّ الغانِياتِ المُدَّهِ ... سْبَّحْنَ واسْتَرْجَعْنَ مِنْ تأَلُّهي
وَقِيلَ: المَدْه فِي نَعْتِ الهيئةِ والجمالِ، والمَدْحُ فِي كُلِّ شيءٍ. وَقَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحمد: مَدَهْتُه فِي وَجْهِهِ ومدَحْتُه إِذَا كَانَ غَائِبًا، وَقِيلَ: المَدْهُ والمَدْحُ واحدٌ، وَقِيلَ: الهاءُ فِي كُلِّ ذَلِكَ بَدَلٌ مِنَ الْحَاءِ. والمادِهُ: المادِحُ. والتَّمَدُّهُ: التمدُّح. الأَزهري: المَدْهُ يُضارِعُ المَدْحَ. وَفُلَانٌ يتمدَّهُ بِمَا لَيْسَ فِيهِ ويتمَتَّهُ: كأَنه يَطْلُبُ بِذَلِكَ مَدْحَه؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
تمَدَّهِي مَا شئتِ أَن تمَدَّهِي، ... فلسْتِ مِنْ هَوْئي ولا ما أَشتَهي
مره: المَرَهُ: ضدُّ الكَحَلِ. والمُرْهةُ: البياضُ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُ غيرُه، وإِنما قِيلَ لِلْعَيْنِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا كَحَلٌ مَرْهاءُ لِهَذَا الْمَعْنَى. مَرِهَتْ عينُه تَمْرَهُ مَرَهاً إِذا فَسَدَتْ لِتَرْكِ الكُحْلِ. وَهِيَ عينٌ مَرْهاء: خَلَتْ مِنَ الكُحْل. وامرأَة مَرْهاء: لَا تتعهَّدُ عينَيْها بالكُحْل، والرجلُ أَمْرَهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه لَعَنَ المَرْهاءَ
؛ هِيَ الَّتِي لَا تكْتَحِل. والمَرَهُ: مرضٌ فِي الْعَيْنِ لِتَرْكِ الكُحْلِ، وَمِنْهُ حَدِيثِ
عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: خُمْصُ البُطونِ مِنَ الصِّيام مُرْهُ العيونِ مِنَ البكاءِ
، هُوَ جَمْعُ الأَمْرَهِ. وسَرابٌ أَمْرَهُ أَي أَبيض لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ السَّوَادِ؛ قَالَ:
عَلَيْهِ رَقراقُ السَّرابِ الأَمْرَهِ
الأَزهري: المَرَهُ والمُرْهةُ بياضٌ تَكْرَهُه عينُ النَّاظِرِ، وعينٌ مَرْهاء. والمَرْهاءُ مِنَ النِّعاج: الَّتِي لَيْسَ بِهَا شِيَةٌ، وَهِيَ نَعْجَةٌ يَقَقةٌ. والمَرْهاءُ: القليلةُ الشَّجَرِ، سَهْلَةً كَانَتْ أَو حَزْنةً. والمُرْهةُ: حفيرةٌ يَجْتَمِعُ فِيهَا ماءُ السَّمَاءِ. وبنُو مُرْهةَ: بُطَيْنٌ، وَكَذَلِكَ بَنُو مُرَيْهةَ. ومَرْهانُ: اسم.
مزه: المَزْحُ والمَزْهُ واحدٌ. مَزَهَ مَزْهاً: كمَزَحَ؛ قَالَ:
للهِ دَرُّ الغانياتِ المُزَّهِ
وَرَوَاهُ الأَصمعي بِالدَّالِ. الأَزهري: يقال مازَحَه ومازَهَهُ.
مطه: مَطَهَ فِي الأَرض يَمْطَهُ مُطُوهاً: ذهَب.
مقه: المَقَهُ: كالمَهَقِ. امرأَة مَقْهاء، وسَرابٌ أَمْقَهُ كَذَلِكَ؛ قَالَ رؤْبة:
كأَنَّ رَقْراقَ السَّرابِ الأَمْقَهِ ... يَسْتَنُّ فِي رَيْعانِه المُرَيَّهِ
وأَنشد الأَزهري لرؤْبة:
فِي الفَيْفِ مِنْ ذاكَ البَعيدِ الأَمْقَهِ
وَهُوَ الَّذِي لَا خَضْرَاءَ فِيهِ، وَرَوَاهُ أَبو عَمْرٍو: الأَقْمه، قَالَ: وَهُوَ الْبَعِيدُ، وَهَذَا الْبَيْتُ أَورده الْجَوْهَرِيُّ: بالهَيْف مِنْ ذَاكَ الْبَعِيدِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ بالفَيْفِ، يُرِيدُ القَفْرَ. والأَمْقَهُ مثلُ الأَمْرَهِ، وَهُوَ الأَبْيضُ، وأَراد بِهِ القفرَ الَّذِي لَا نَبَاتَ فِيهِ.
__________
(2) . قوله [بالحق إلخ] صدره:
عَنِ التَّصَابِي وَعَنِ التَّعَتُّهِ(13/540)
الْجَوْهَرِيُّ: المَقَهُ مِثْلَ المَرَهِ. الأَزهري: المَهَقُ والمَقَهُ بياضٌ فِي زُرْقة، وامرأَة مَقْهاء. قَالَ: وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ المَقَهُ أَشدُّهما بَيَاضًا. وفلاةٌ مَقْهاء وفَيْفٌ أَمْقَهُ إِذَا ابْيَضَّ مِنَ السَّرَابِ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
إِذَا خَفَقتْ بأَمْقَهَ صَحْصَحانٍ ... رؤوسُ القوْمِ، واعْتَنَقُوا الرِّحالا
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ نَفْطَويه الأَمْقَه هُنَا الأَرضُ الشَّدِيدَةُ الْبَيَاضِ الَّتِي لَا نَبَاتَ بِهَا، والأَمْقَهُ الْمَكَانُ الَّذِي اشْتَدَّتِ الشمسُ عَلَيْهِ حَتَّى كُرِهَ النظرُ إِلَى أَرْضِه؛ وَقَالَ ذَلِكَ فِي قَوْلِ ذِي الرُّمَّةِ:
إِذَا خَفَقَتْ بأَمْقَهَ صَحْصَحانٍ
قَالَ: والمَقْهاءُ الكريهةُ المَنْظَرِ لأَنْ يكونَ المكانُ أَمْقَهَ إِلَّا أَنها بِالنَّهَارِ، وَلَكِنَّ ذَا الرُّمَّةِ قَالَهُ فِي سَيْر اللَّيْلِ، قَالَ: وَقِيلَ المَقَهُ حُمْرة فِي غُبْرة. ابْنُ الأَعرابي: الأَمْقَهُ الأَبْيضُ القبيحُ البياضِ، وَهُوَ الأَمْهَقُ. والمَقْهاء مِنَ النِّساء: الَّتِي تُرَى جُفونُ عَيْنَيْهَا ومَآقِيها مُحْمرَّةً مَعَ قلَّة شعرِ الْحَاجِبَيْنِ. والمَرْهاءُ: المَقْهاءُ؛ قَالَ أَبو عَمْرٍو: هِيَ القبيحةُ البياضِ يُشْبِه بياضُها بياضَ الجِصِّ، وَفِي الْحَدِيثِ:
المِقَةُ مِنَ اللَّهِ والصِّيتُ مِنَ السَّمَاءِ
؛ المِقة: المحبَّة، وَقَدْ وَمِقَ، وَسَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ. وَقَالَ النَّضِرُ: المَقْهاءُ الأَرضُ الَّتِي قَدِ اغْبَرَّتْ مُتونُها وآباطُها وبِراقُها بيضٌ، والمَقَهُ غُبْرةٌ إِلَى الْبَيَاضِ، وَفِي نَبْتِها قِلَّةٌ بَيِّنة المَقَهِ. والأَمْقَهُ مِنَ الرجالِ: الأَحْمرُ أَشْفارِ العينِ، وَقَدْ مَقِهَ مَقَهاً. والأَمْقَهُ مِنَ النَّاسِ: الَّذِي يركبُ رأْسَه لَا يَدْرِي أَين يَتَوَجَّهُ.
مله: رجلٌ مَلِيهٌ ومُمْتَلَهٌ: ذاهبُ الْعَقْلِ «1» . وسَلِيهٌ مَلِيهٌ: لَا طَعم لَهُ، كَقَوْلِهِمْ سَلِيخٌ مَلِيخٌ، وَقِيلَ: مَلِيه إتباع؛ حكاه ثعلب.
مهه: مَهِهْتُ: لِنْتُ. ومَهَّ الإِبِلَ: رَفَقَ بِهَا. وسيرٌ مَهَهٌ ومَهاهٌ: رَفِيقٌ. وكلُّ شيءٍ مَهَهٌ ومَهاهٌ ومَهاهَةٌ مَا النِّساءَ وذِكْرَهُنَّ أَي كلُّ شيءٍ يسيرٌ حسَنٌ إِلَّا النِّساءَ أَي إِلَّا ذِكْرَ النِّسَاءِ، فَنُصِبَ عَلَى هَذَا، والهاءُ مِنْ مَهَهٍ ومَهاهٍ أَصليةٌ ثَابِتَةٌ كَالْهَاءِ مِنْ مِياهٍ وشفاهٍ؛ وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: مَعْنَاهُ كُلُّ شيءٍ قَصْدٌ إلَّا النساءَ، قَالَ: وَقِيلَ كُلُّ شيءٍ باطلٌ إِلَّا النِّسَاءَ وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ فِي الأَجناس: مَا النِّساءَ وذكْرَهُنَّ أَي دَع النِّساءَ وذِكرَهُنَّ. والمَهاهُ: الطراوةُ والحُسْنُ؛ قَالَ:
كفَى حَزَناً أَن لَا مَهاهَ لعَيْشِنا، ... وَلَا عملٌ يَرْضَى بِهِ اللهُ صالِحُ
وَهَذِهِ الهاءُ إِذَا اتَّصَلَتْ بِالْكَلَامِ لَمْ تَصِر تَاءً، وَإِنَّمَا تصيرُ تَاءً إِذَا أَردت بالمَهاةِ البقرةَ. وَفِي الْمَثَلِ: كلُّ شيءٍ مَهَهٌ مَا النِّساءَ وذِكرَهُنَّ أَي أَن الرَّجُلَ يَحْتَمِلُ كلَّ شَيْءٍ حَتَّى يَأْتِيَ ذكْرُ حُرَمِه فيمْتَعِضُ حِينَئِذٍ فَلَا يَحْتَمِلُهُ، وَقَوْلُهُ مَهَهٌ أَي يسيرٌ ومَهاهٌ أَي حسَنٌ، وَنُصِبَ النِّسَاءُ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ أَي مَا خَلا النساءَ، وإِنما أَظهروا التَّضْعِيفَ فِي مَهَه فَرْقًا بَيْنَ فَعَل وفَعْل؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الرِّوَايَةُ بِحَذْفِ خَلَا، وَهُوَ يُرِيدُهَا، قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْجَوْهَرِيِّ. وَرُوِيَ: كلُّ شيءٍ مَهَهٌ إِلَّا حَدِيثَ النِّسَاءُ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: المَهَهُ والمَهاهُ الشيءُ الحقيرُ اليسيرُ، وَقِيلَ: المَهاهُ النَّضارةُ والحُسْنُ، فَعَلَى الأَول أَراد كلُّ شيءٍ يَهُون ويُطْرَح إِلَّا ذكْرَ النِّسَاءِ، وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ الأَمر بِعَكْسِهِ أَي أَن كلَّ ذِكرٍ وحديثٍ حسَنٌ إِلَّا ذِكرَ النِّسَاءِ. وَفِي حَدِيثِ طَلَاقِ
ابْنِ عُمر: قُلْتُ فمَهْ أَرَأَيْت إنْ
__________
(1) . قوله [ممتله ذاهب العقل] ضبط في الأَصل والتكملة والمحكم بفتح اللام وضبط في القاموس بكسرها(13/541)
عَجَزَ واسْتَحْمَقَ
أَي فَمَاذَا لِلِاسْتِفْهَامِ، فَأَبْدَلَ الأَلف. هَاءً لِلْوَقْفِ وَالسَّكْتِ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ:
ثُمَّ مَهْ.
وَلَيْسَ بعَيْشِنا مَهَهٌ ومَهاهٌ أَي حُسْنٌ؛ قال عِمْرانُ ابن حِطّانَ:
فَلَيْسَ لِعَيْشِنا هَذَا مَهاهٌ، ... وَلَيْسَتْ دارُنا هاتَا بدارِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الأَصمعي يَرْوِيهِ مَهاةٌ، وَهُوَ مَقْلُوبٌ مِنَ الْمَاءِ، قَالَ وَوَزْنُهُ فَلَعَة تَقْدِيرُهُ مَهَوة، فَلَمَّا تَحَرَّكَتِ الْوَاوُ قُلِبَتْ أَلفاً؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ:
ثُمَّ أَمْهاهُ عَلَى حَجَرِه
قَالَ: وَقَالَ الأَسود بْنُ يَعْفُرَ:
فَإِذَا وَذَلِكَ لَا مَهاهَ لذكْرِهِ، ... والدهرُ يُعْقِبُ صَالِحًا بفسادِ
ابْنُ بُزُرْج: يُقَالُ مَا فِي ذَلِكَ الأَمر مَهَهٌ وَهُوَ الرَّجاءُ. وَيُقَالُ: مَهِهْتُ مِنْهُ مَهَهاً. وَيُقَالُ: مَا كَانَ لَكَ عِنْدَ ضَرْبِك فُلَانًا مَهَهٌ وَلَا رَوِيَّةٌ. والمَهْمَهُ: المفازةُ الْبَعِيدَةُ، وَالْجَمْعُ المَهامِهُ. والمَهْمَهُ: الخَرْقُ الأَمْلَس الْوَاسِعُ. اللَّيْثُ: المَهْمَهُ الفَلاةُ بعينِها لَا ماءَ بِهَا وَلَا أَنيسَ. وأَرضٌ مَهامِهُ: بعيدةٌ. وَيُقَالُ: المَهْمَهُ البَلْدةُ المُقْفِرَةُ، وَيُقَالُ مَهْمَهَةٌ؛ وأَنشد:
فِي تيهِ مَهْمَهةٍ كأَنَّ صُوَيَّها ... أَيْدي مُخالِعةٍ تكُفُّ وتَنْهَدُ
وَفِي حَدِيثِ
قُسٍّ: ومَهْمَهِ ظِلْمانٍ
، المَهْمَهُ: المفازةُ والبَرِّيَّة القَفْر، وَجَمْعُهَا مَهامِهُ. ومَهْ: زجرٌ ونهيٌ. ومَهْ: كَلِمَةٌ بُنِيت عَلَى السُّكُونِ، وَهُوَ اسْمٌ سُمِّي بِهِ الْفِعْلُ، مَعْنَاهُ اكْفُفْ لأَنه زجرٌ، فَإِنْ وصَلْتَ نوَّنت قُلْتَ مَهٍ مَهْ، وَكَذَلِكَ صَهْ، فَإِنْ وَصَلْتَ قُلْتَ صَهٍ صَهْ. وَفِي الْحَدِيثِ:
فَقَالَتِ الرَّحِمُ مَهْ هَذَا مقامُ العائِذ بِكَ
، وَقِيلَ: هُوَ زجرٌ مَصْرُوفٌ إِلَى الْمُسْتَعَاذِ مِنْهُ، وَهُوَ الْقَاطِعُ، لَا إِلَى الْمُسْتَعَاذِ بِهِ، تبارَك وَتَعَالَى. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذكرُ مَهْ، وَهُوَ اسْمٌ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكُونِ بِمَعْنَى اسْكُتْ. ومَهْمَهَ بِالرَّجُلِ: زَجَره قَالَ لَهُ مَهْ. ومَهْ: كلمةُ زجْر. قَالَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ: أَما قَوْلُهُمْ مهٍ إِذَا نَوَّنْتَ فكأَنك قُلْتَ ازْدِجاراً، وَإِذَا لَمْ تُنوِّنْ فكأَنك قُلْتَ الازْدجارَ، فَصَارَ التَّنْوِينُ علَمَ التَّنْكِيرِ وَتَرْكُهُ علَمَ التعريفِ. ومَهْيَمْ: كلمةٌ مَعْنَاهَا مَا وراءَك. ومَهْما: حرفُ شرطٍ؛ قال سيبوبه: أَرادوا مَا مَا، فَكَرِهُوا أَن يُعيدوا لَفْظًا وَاحِدًا، فأَبدلوا هَاءً مِنَ الأَلف الَّذِي يَكُونُ فِي الأَول لِيَخْتَلِطَ اللَّفْظُ، فَمَا الأُولى هِيَ مَا الجزاءِ، وَمَا الثانيةُ هِيَ الَّتِي تُزَادُ تأْكيداً لِلْجَزَاءِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنه لَيْسَ شيءٌ مِنْ حُرُوفِ الْجَزَاءِ إِلَّا وَمَا تُزادُ فِيهِ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ؛ الأَصل أَن تَثْقَفَنَّهم، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: جَائِزٌ أَن تَكُونَ مَهْ بِمَعْنَى الْكَفِّ كَمَا تَقُولُ مَهْ أَي اكْفُفْ، وَتَكُونُ مَا الثانيةُ لِلشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ كأَنهم قَالُوا اكْفُفْ مَا تأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ، قَالَ: وَالْقَوْلُ الأَول هُوَ الْقَوْلُ. قَالَ أَبو بَكْرٍ فِي مَهْمَا: قَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَى مَهْ كُفَّ، ثُمَّ ابتدأَ مُجازِياً وشارِطاً، فَقَالَ مَا يكنْ مِنَ الأَمر فَإِنِّي فاعلٌ، فَمَهْ فِي قَوْلِهِ مُنْقَطِعٌ مِنْ مَا، وَقَالَ آخَرُونَ فِي مَهْما يكُنْ: مَا يكُنْ فأَرادوا أَن يَزِيدُوا عَلَى مَا الَّتِي هِيَ حرفُ الشَّرْطِ مَا لِلتَّوْكِيدِ، كَمَا زَادُوا عَلَى إنْ مَا؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ، فَزَادَ مَا لِلتَّوْكِيدِ، وكَرِهوا أَن يَقُولُوا مَا مَا لِاتِّفَاقِ اللَّفْظَيْنِ، فأَبدلوا مِنْ أَلِفها هَاءً لِيَخْتَلِفَ اللَّفْظَانِ فَقَالُوا مَهْمَا، قَالَ: وَكَذَلِكَ مَهْمَنْ، أَصله مَنْ مَن؛ وأَنشد الْفَرَّاءُ:
أَماوِيَّ، مَهْمَنْ يَسْتمعْ فِي صَديقِه ... أقاويلَ هَذَا الناسِ، ماوِيَّ، يْندَمِ(13/542)
وَرَوِيَ عَنِ ابْنِ الأَعرابي:
مَهْما ليَ الليلةَ مَهْما لِيَهْ، ... أَوْدَى بِنَعْلَيَّ وسِرْبالِيَهْ
قَالَ: مَهْما لِي وَمَا لِي واحدٌ. وَفِي حَدِيثِ
زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو: مَهْما تُجَشِّمْني تُجَشَّمْتُ
، مَهْمَا حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ الشَّرْطِ الَّتِي يُجازَى بِهَا، تَقُولُ مَهْمَا تَفْعَلْ أَفعل، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ يَجُوزُ أَن تَكُونَ مَهْمَا كَإِذْ ضُمَّت إِلَيْهَا مَا، قَالَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ: مَا فِي قَوْلِهِمْ مَهْما، زَائِدَةٌ وَهِيَ لَازِمَةٌ. أَبو سَعِيدٍ: مَهْمَهْتُه فتَمهْمَه أي كَفَفْتُه فكَفَّ.
موه: الماءُ والماهُ والماءةُ: مَعْرُوفٌ. ابْنُ سِيدَهْ: وَحَكَى بَعْضُهُمُ اسْقِني مًا، مَقْصُورٌ، عَلَى أَن سِيبَوَيْهِ قَدْ نَفَى أَن يَكُونُ اسمٌ عَلَى حَرْفَيْنِ أَحدهما التَّنْوِينُ، وهمزةُ ماءٍ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ هَاءٍ بِدَلَالَةِ ضُروبِ تَصَارِيفِهِ، عَلَى مَا أَذكره الْآنَ مِنْ جَمْعِه وَتَصْغِيرِهِ، فَإِنَّ تَصْغِيرَهُ مُوَيْه، وجمعُ الماءِ أَمواهٌ ومِياهٌ، وَحَكَى ابْنُ جِنِّي فِي جَمْعِهِ أَمْواء؛ قَالَ أَنشدني أَبو عَلِيٍّ:
وبَلْدة قالِصة أَمْواؤُها، ... تَسْتَنُّ فِي رَأْدِ الضُّحَى أَفْياؤُها،
كأَنَّما قَدْ رُفِعَتْ سَماؤُها
أَي مطرُها. وأَصل الْمَاءِ ماهٌ، وَالْوَاحِدَةُ ماهةٌ وماءةٌ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الماءُ الَّذِي يُشْرَب وَالْهَمْزَةُ فِيهِ مُبَدَّلَةٌ مِنَ الْهَاءِ، وَفِي مَوْضِعِ اللَّامِ، وأَصلُه مَوَهٌ، بِالتَّحْرِيكِ، لأَنه يُجْمَعُ عَلَى أَمْواه فِي القِلَّة ومِياهٍ فِي الْكَثْرَةِ مِثْلُ جَمَلٍ وأَجْمالٍ وجِمالٍ، والذاهبُ مِنْهُ الهاءُ، لأَن تَصْغِيرَهُ مُوَيْه، وَإِذَا أَنَّثْتَه قلتَ ماءَة مِثْلُ ماعةٍ. وَفِي الْحَدِيثِ:
كَانَ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، يغْتَسِلُ عِنْدَ مُوَيْهٍ
؛ هُوَ تَصْغِيرُ مَاءٍ. قَالَ ابْنُ الأَثير: أَصل الْمَاءِ مَوَهٌ. وَقَالَ اللَّيْثُ: الماءُ مدَّتُه فِي الأَصل زِيَادَةٌ، وَإِنَّمَا هِيَ خَلَفٌ مِنْ هاءٍ مَحْذُوفَةٍ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَن تصغيرَه مُوَيْهٌ، وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ مَاءَةٌ كَبَنِي تَمِيمٍ يعْنُون الرَّكِيَّةَ بِمَائِهَا، فَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِيها ممدوةً مَاءَةً، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ هَذِهِ ماةٌ مَقْصُورَةٌ، وماءٌ كَثِيرٌ عَلَى قياسِ شَاةٍ وَشَاءَ. وَقَالَ أَبو مَنْصُورٍ: أَصلُ الْمَاءِ ماهٌ بِوَزْنِ قاهٍ، فثَقُلَت الْهَاءُ مَعَ السَّاكِنِ قَبْلَهَا فَقَلَبُوا الْهَاءَ مدَّةً، فَقَالُوا مَاءً كَمَا تَرَى: قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى أَن الأَصل فِيهِ الْهَاءُ قَوْلُهُمْ أَماهَ فلانٌ رَكِيَّتَه، وَقَدْ ماهَتِ الرَّكِيَّةُ، وَهَذِهِ مُوَيْهةٌ عَذْبةٌ، وَيُجْمَعُ مِياهاً. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: يُوقَفُ عَلَى الْمَمْدُودِ بِالْقَصْرِ والمدَّ شَرِبْت مَاءً، قَالَ: وَكَانَ يَجِبُ أَن يَكُونَ فِيهِ ثلاثُ أَلِفاتٍ، قَالَ: وَسَمِعْتُ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ شَرِبَتْ مَيْ يَا هَذَا، وَهَذِهِ بَيْ يَا هَذَا، وَهَذِهِ بَ حَسَنة، فشبَّهوا الممدودَ بِالْمَقْصُورِ والمقصورَ بِالْمَمْدُودِ؛ وأَنشد:
يَا رُبَّ هَيْجا هِيَ خَيْرٌ مِنْ دَعَهْ
فقَصَر، وَهُوَ مَمْدُودٌ، وَشَبَّهَهُ بِالْمَقْصُورِ؛ وسَمَّى ساعدةُ بنُ جُؤَيَّة الدمَ ماءَ اللحمِ فَقَالَ يَهْجُو امرأَة:
شَرُوبٌ لماءِ اللحمِ فِي كلِّ شَتْوةٍ، ... وإِن لَمْ تَجِدْ مَنْ يُنْزِل الدَّرَّ تَحْلُبِ
وَقِيلَ: عَنَى بِهِ المَرَق تَحْسُوه دُونَ عِيالِها، وأَراد: وَإِنْ لَمْ تَجِدْ مَن يَحلُب لَهَا حَلَبتْ هِيَ، وحَلْبُ النِّسَاءِ عارٌ عِنْدَ الْعَرَبِ، والنسبُ إِلَى الْمَاءِ مائِيٌّ، وماوِيٌّ فِي قَوْلِ مَنْ يَقُولُ عَطاوِيّ. وَفِي التَّهْذِيبِ: وَالنِّسْبَةُ إِلَى الْمَاءِ ماهِيٌّ. الْكِسَائِيُّ: وبئرٌ ماهَةٌ ومَيِّهةٌ أَي كثيرةُ الْمَاءِ. والماوِيَّةُ: المِرْآةُ صِفَةٌ غَالِبَةٌ. كأَنها مَنْسُوبَةٌ إِلَى الْمَاءِ لِصَفَائِهَا حَتَّى كأَنَّ الماءَ يَجْرِي فِيهَا، مَنْسُوبَةٌ إِلَى ذَلِكَ، وَالْجَمْعُ ماوِيٌّ؛ قَالَ:
ترَى فِي سَنا الْمَاوِيِّ بالعَصْرِ والضُّحَى ... عَلَى غَفَلاتِ الزَّيْنِ والمُتَجَمّل(13/543)
والماوِيَّةُ: البقرةُ لبياضِها. وماهَتِ الرَّكِيَّةُ تَماهُ وتَموهُ وتَمِيهُ مَوْهاً ومَيْهاً ومُؤُوهاً وماهَةً ومَيْهةً، فَهِيَ مَيِّهةٌ وماهةٌ: ظَهَرَ مَاؤُهَا وَكَثُرَ، ولفظةُ تَمِيه تأْتي بعدَ هَذَا فِي الْيَاءِ هُنَاكَ مِنْ بَابِ بَاعَ يَبِيعُ، وَهُوَ هُنَا مِنْ بَابِ حَسِبَ يَحْسِبُ كطاحَ يَطِيحُ وتاهَ يَتِيهُ، فِي قَوْلِ الْخَلِيلِ، وَقَدْ أَماهَتْها مادَّتُها وماهَتْها. وحَفَر البئرَ حَتَّى أَماهَ وأَمْوَه أَي بَلَغَ الماءَ. وأَماهَ الحافرُ أَي أَنْبَط الماءَ. ومَوَّهَ الموضعُ: صارَ فِيهِ الماءُ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
تَمِيميّة نَجْدِيّة دارُ أَهْلِها ... إِذَا مَوَّهَ الصَّمَّانُ مِن سَبَلِ القَطْرِ
وَقِيلَ: مَوَّهَ الصَّمَّانُ صَارَ مُمَوَّهاً بالبَقْل. وَيُقَالُ: تَمَوَّهَ ثمرُ النَّخْلِ والعنبِ إِذَا امْتلأَ مَاءً وتَهَيّأَ للنُّضْجِ. أَبو سَعِيدٍ: شجرٌ مَوَهِيٌّ إِذَا كانَ مَسْقَوِيَّاً، وَشَجَرٌ جَزَوِيٌّ يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ وَلَا يُسْقَى. ومَوَّهَ فلانٌ حَوْضَه تَمْوِيهاً إِذَا جَعَلَ فِيهِ الماءَ. ومَوَّهَ السحابُ الوَقائعَ. ورجلٌ ماهُ الفُؤادِ وَمَاهِي الفُؤادِ: جَبَانٌ كأَن قَلبه فِي مَاءٍ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
إنَّكَ يَا جَهْضَمُ مَاهِي القلبِ
قَالَ: كَذَا يُنْشِده، والأَصلُ مائِهُ القلبِ لأَنه مِن مُهْتُ. وَرَجُلٌ ماهٌ أَي كثيرُ ماءِ الْقَلْبِ كَقَوْلِكَ رَجُلٌ مالٌ؛ وَقَالَ:
إنَّك يَا جَهْضَمُ ماهُ القلبِ، ... ضَخْمٌ عريضٌ مُجْرَئِشُّ الجَنْبِ
ماهُ القلبِ: بلِيدٌ، والمُجْرئشُّ: المنتفخُ الجَنْبَين. وأَماهَتِ الأَرضُ: كثُر مَاؤُهَا وَظَهَرَ فِيهَا النَّزُّ. وماهَتِ السفينةُ تَماهُ وتَموه وأَماهَتْ: دَخَلَ فِيهَا الماءُ. وَيُقَالُ: أَماهَتِ السفينةُ بِمَعْنَى ماهَتْ. اللِّحْيَانِيُّ: وَيُقَالُ امْهِنِي اسْقِني. ومُهْتُ الرجلَ ومِهْتُه، بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا: سقَيْتُه الماءَ. ومَوَّه القِدْرَ: أَكثر ماءَها. وأَماهَ الرجلَ والسِّكِّينَ وغيرَهما: سَقاهُ الماءَ، وَذَلِكَ حينَ تَسُنُّه بِهِ. وأَمَهْتُ الدواةَ: صَبَبْتُ فِيهَا الْمَاءَ. ابْنُ بُزُرْج: مَوَّهَت السماءُ أَسالَتْ مَاءً كَثِيرًا. وماهَت البئرُ وأَماهت فِي كَثْرَةِ مَائِهَا، وَهِيَ تَماهُ وتَموه إِذَا كثُر مَاؤُهَا. وَيَقُولُونَ فِي حفْر الْبِئْرِ: أَمْهَى وأَماهَ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:
ثُمَّ أَمْهاهُ عَلَى حَجَره
هُوَ مقلوبٌ مِنْ أَماهَه، وَوَزْنُهُ أَفلعه. والمَها: الْحَجَرُ، مَقْلُوبٌ أَيضاً، وكذلكَ الْمَهَا ماءُ الْفَحْلِ فِي رَحِمِ النَّاقَةِ. وأَماهَ الفحلُ إِذَا أَلْقى ماءَه فِي رَحِم الأُنثى. ومَوَّهَ الشيءَ: طَلاهُ بذهبٍ أَو بفضةٍ وَمَا تَحْتَ ذَلِكَ شَبَهٌ أَو نُحاسٌ أَو حديدٌ، وَمِنْهُ التَّمْوِيهُ وَهُوَ التلبيسُ، وَمِنْهُ قِيلَ للمُخادِع: مُمَوِّه. وَقَدْ مَوَّهَ فلانٌ باطِلَه إِذَا زَيَّنه وأَراه فِي صورةِ الْحَقِّ. ابْنُ الأَعرابي: المَيْهُ طِلاءُ السيفِ وغيرِه بِمَاءِ الذَّهَبِ؛ وأَنشد فِي نَعْتِ فَرَسٍ:
كأَنَّه مِيهَ بِهِ ماءُ الذَّهَبْ
اللَّيْثُ: المُوهةُ لونُ الْمَاءِ. يُقَالُ: مَا أَحسن مُوهَةَ وجْهِهِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يُقَالُ وَجْهٌ مُمَوَّهٌ أَي مُزَيَّنٌ بِمَاءِ الشَّباب؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
لَمَّا رَأَتْني خَلَقَ المُمَوَّهِ
والمُوهةُ: تَرَقْرُقُ الْمَاءِ فِي وَجْهِ المرأَة الشَّابَّةِ. ومُوهةُ الشبابِ: حُسْنُه وصَفاؤه. وَيُقَالُ: عَلَيْهِ مُوهةٌ مِنْ حُسْنٍ ومُواهةٌ ومُوَّهةٌ إِذا مُنِحَه. وتَمَوَّهَ المالُ للسِّمَنِ إِذا جَرَى فِي لحُومِه الربيعُ. وتَمَوَّه(13/544)
العنَبُ إِذا جَرَى فيهِ اليَنْعُ وحَسُنَ لَوْنُه. وكلامٌ عَلَيْهِ مُوهةٌ أَي حُسْنٌ وحلاوةٌ، وفلانٌ مُوهةُ أَهلِ بيتِه. ابْنُ سِيدَهْ: وثَوْبُ الْمَاءِ الغِرْسُ الَّذِي يَكُونُ عَلَى الْمَوْلُودِ؛ قَالَ الرَّاعِي:
تَشُقُّ الطَّيْرُ ثَوْبَ الْمَاءِ عَنْهُ، ... بُعَيْدَ حياتِه، إِلا الْوَتِينا
وماهَ الشيءَ بِالشَّيْءِ مَوْهاً: خَلَطَه؛ عَنْ كُرَاعٍ. ومَوَّه عَلَيْهِ الخبرَ إِذا أَخْبَره بِخِلَافِ مَا سَأَلَه عَنْهُ. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ عَنِ الأَسَدِيَّ: آهَة وماهَة، قَالَ: الآهَةُ الحَصْبةُ، والمَاهَةُ الجُدَرِيُّ. وماهٌ: مَوْضِعٌ، يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ. ابْنُ سِيدَهْ: وماهُ مدينةٌ لَا تَنْصرف لِمَكَانِ العُجْمة. وماهُ دِينَارٍ: مَدِينَةٌ أَيضاً، وَهِيَ مِنَ الأَسماء الْمُرَكَّبَةِ. ابْنُ الأَعرابي: الْمَاهُ قصَبُ البلدِ، قَالَ: وَمِنْهُ ضُربَ هَذَا الدينارُ بماهِ البَصْرة وماهِ فارسَ؛ الأَزهري: كأَنه مُعَرَّبٌ. والْمَاهانِ: الدِّينَوَرُ ونَهاوَنْدُ، أَحدُهما ماهُ الكوفةِ، والآخرُ ماهُ البصرةِ. وَفِي حَدِيثِ
الْحَسَنِ: كانَ أَصحابُ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَشْتَرُون السَّمْنَ المائيَ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى مواضعَ تُسَمَّى مَاهً يُعْملُ بِهَا، قَالَ: وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ ماهُ البصرةِ وماهُ الكوفةِ، وَهُوَ اسمٌ للأَماكِن الْمُضَافَةِ إِلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، فقَلَب الهاءَ فِي النَّسَب هَمْزَةً أَو يَاءً، قَالَ: وَلَيْسَتِ اللفظةُ عَرَبِيَّةً. وماوَيْهِ: ماءٌ لَبَنِي العَنْبرِ بِبَطْنِ فَلْج؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
وَرَدْنَ عَلَى ماوَيْه بالأَمْسِ نِسْوةٌ، ... وهُنَّ عَلَى أَزْواجِهنَّ رُبوضُ
وماوِيَّةُ: اسمُ امرأَة؛ قَالَ طَرَفَةُ:
لَا يَكُنْ حُبُّكِ دَاءً قاتِلًا، ... لَيْسَ هَذَا مِنْكِ، ماوِيَّ، بِحُرّ
قَالَ: وتصغيرُها مُوَيّة؛ قَالَ حَاتِمُ طَيِّءٍ يُخَاطِبُ ماوِيَّةَ وَهِيَ امرأَته:
فضارَتْه مُوَيُّ وَلَمْ تَضِرْني، ... وَلَمْ يَعْرَقْ مُوَيّ لَهَا جَبينِي
يَعْنِي الكَلِمةَ العَوْراء. وماهانُ: اسمٌ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: قَالَ ابْنُ جِنِّي لَوْ كَانَ ماهانُ عَرَبِيًّا فَكَانَ مِنْ لَفْظِ هَوَّمَ أَو هَيَّمَ لَكَانَ لَعْفانَ، وَلَوْ كَانَ مِنْ لَفْظِ الوَهْم لَكَانَ لَفْعانَ، وَلَوْ كَانَ مِنْ لَفْظِ هَمَا لَكَانَ عَلْفانَ، وَلَوْ وُجِدَ فِي الْكَلَامِ تَرْكِيبُ وَمَ هَـ فَكَانَ ماهَانُ مِنْ لَفْظِهِ لَكَانَ مِثَالَهُ عَفْلانَ، وَلَوْ كَانَ مِنْ لَفْظِ النَّهْم لَكَانَ لَاعَافًا، وَلَوْ كَانَ مِنْ لَفْظِ المُهَيْمِنِ لَكَانَ عَافَالًا، وَلَوْ كَانَ فِي الْكَلَامِ تَرْكِيبُ مَ نَ هَـ فَكَانَ ماهانُ مِنْهُ لَكَانَ فَالَاعًا، وَلَوْ كَانَ نَ مَ هَـ لَكَانَ عَالَافًا. وماءُ السماءِ: لَقَبُ عَامِرِ بْنِ حَارِثَةَ الأَزْدِيّ، وَهُوَ أَبو عَمْرٍو مُزَيْقِيَا الَّذِي خَرَجَ مِنَ الْيَمَنِ لَمَّا أَحَسَّ بِسَيْلِ العَرِم، فَسُمِّيَ بِذَلِكَ لأَنه كَانَ إِذَا أَجْدَبَ قومُه مانَهُمْ حَتَّى يأْتيهم الخِصْبُ، فَقَالُوا: هُوَ ماءُ السماءِ لأَنه خَلَفٌ مِنْهُ، وَقِيلَ لِوَلَدِهِ: بَنُو مَاءِ السَّمَاءِ، وَهُمْ مُلُوكُ الشأْم؛ قَالَ بَعْضُ الأَنصار:
أَنا ابنُ مُزَيْقِيَا عَمْرو، وجَدِّي ... أَبوه عامرٌ ماءُ السَّمَاءِ
وماءُ السَّمَاءِ أَيضاً: لقَبُ أُمّ المُنْذِر بْنُ إمْرِئِ القَيْس بْنِ عَمْرو بْنِ عَدِيّ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ اللَّخْمِيّ، وَهِيَ ابْنَةُ عَوْفِ بْنِ جُشَمَ مِنَ النَّمِر بْنِ قاسِطٍ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِجَمَالِهَا، وَقِيلَ لِوَلَدِهَا بنُو ماءِ السماءِ، وَهُمْ مُلُوكُ الْعِرَاقِ؛ قَالَ زُهَيْرٌ:
ولازَمْتُ المُلوكَ مِنَ آلِ نَصْرٍ، ... وبعدَهُمُ بَنِي ماءِ السماءِ(13/545)
وَفِي حَدِيثِ
أَبي هُرَيْرَةَ: أُمُّكم هاجَرُ يَا بَنِي ماءِ السَّمَاءِ
؛ يُرِيدُ العربَ لأَنهم كَانُوا يَتَّبعون قَطْرَ السَّمَاءِ فَيَنْزِلُونَ حَيْثُ كَانَ، وأَلفُ الماءِ منقَلبةٌ عَنْ وَاوٍ. وَحَكَى الْكِسَائِيُّ: بَاتَتِ الشَّاءُ ليلَتَها مَاءْ مَاءْ وَمَاهْ مَاهْ، وَهُوَ حِكَايَةُ صوتها.
ميه: ماهَتِ الرَّكِيَّةُ تَمِيهُ مَيْهاً وَمَاهَةً ومِيْهَةً: كَثُرَ مَاؤُهَا، ومِهْتُها أَنا. ومِهْتُ الرجلَ: سَقَيْتُهُ مَاءً، وَبَعْضُ هَذَا مُتَّجِهٌ عَلَى الْوَاوِ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ. المُؤرِّجُ: مَيَّهْتُ السيفَ تَمْييهاً إِذَا وَضَعْتَهُ فِي الشَّمْسِ حَتَّى ذهب ماؤه.
فصل النون
نبه: النُّبْه: القيامُ والانْتِباهُ مِنَ النَّوْمِ، وَقَدْ نَبَّهَهُ وأَنْبَهَهُ مِنَ النَّوْمِ فتَنَبَّه وانْتَبَه، وانْتَبَهَ مِنْ نَوْمِهِ: استَيقَظ، وَالتَّنْبِيهُ مِثْلُهُ؛ قَالَ:
أَنا شَماطِيطُ الَّذِي حُدِّثْتَ بهْ، ... مَتَى أُنَبَّهْ للغَداء أَنْتَبِهْ ثُمَّ أُنَزِّ حَوْلَهُ وأَحْتَبِهْ،
حَتَّى يقالَ سَيِّدٌ، ولستُ بِهْ
وَكَانَ حُكْمُهُ أَن يَقُولَ أَتَنَبَّه لأَنه قَالَ أُنَبَّه، وَمُطَاوِعُ فعَّلَ إِنَّمَا هُوَ تَفَعَّلَ، لَكِنَّ لَمَّا كَانَ أُنَبَّه فِي مَعْنَى أُنْبَه جَاءَ بِالْمُطَاوِعِ عَلَيْهِ، فَافْهَمْ، وَقَوْلُهُ ثُمَّ أُنَزِّ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَنْتَبِهْ، احْتَمَلَ الخَبْنَ فِي قَوْلِهِ زِ حَوْلَهُ، لأَن الأَعرابي الْبَدَوِيَّ لَا يُبَالِي الزِّحافَ، وَلَوْ قَالَ زِي حَوْلَهُ لكَمَلَ الوزنُ وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ زِحافٌ، إِلَّا أَنه مِنْ بَابِ الضَّرُورَةِ، وَلَا يَجُوزُ القطعُ فِي أُنَزِّي فِي بَابِ السَّعَةِ وَالِاخْتِيَارِ لأَن بَعْدَهُ مَجْزُومًا، وَهُوَ قَوْلُهُ وأَحْتَبِهْ، وَمُحَالٌ أَن تَقْطَعَ أَحد الْفِعْلَيْنِ ثُمَّ تَرْجِعَ فِي الْفِعْلِ الثَّانِي إِلَى الْعِطْفِ، لَا يَجُوزُ إنْ تأْتني أُكْرِمُك وأُفْضِلْ عَلَيْكَ بِرَفْعِ أُكْرِمك وَجَزْمِ أُفضل، فَتَفَهَّم. وَفِي حَدِيثِ الْغَازِي:
فَإِنَّ نَوْمَهُ ونَبَهَه خيرٌ كلُّه
؛ النَّبَهُ: الِانْتِبَاهُ مِنَ النَّوْمِ. أَبو زَيْدٍ: نَبِهْتُ للأَمر أَنْبَهُ نَبَهاً فَطِنْتُ، وَهُوَ الأَمر تَنْسَاهُ ثُمَّ تَنْتَبِهُ لَهُ. ونَبَّهَهُ مِنَ الْغَفْلَةِ فانْتَبَه وتَنَبَّهَ: أَيقظه. وتَنَبَّه عَلَى الأَمر: شَعَرَ بِهِ. وَهَذَا الأَمر مَنْبَهَهٌ عَلَى هَذَا أَي مُشْعِرٌ بِهِ، ومَنْبَهَةٌ لَهُ أَي مُشْعِرٌ بِقَدْرِهِ ومُعْلٍ لَهُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ: الْمَالُ مَنْبَهَةٌ لِلْكَرِيمِ، ويُسْتَغْنى بِهِ عَنِ اللَّئِيمِ. ونَبَّهْتُهُ عَلَى الشَّيْءِ: وَقَّفْتُهُ عَلَيْهِ فَتَنَبَّه هُوَ عَلَيْهِ. وَمَا نَبِهَ لَهُ نَبَهاً أَي مَا فَطِنَ، وَالِاسْمُ النُّبْهُ. والنَّبَهُ: الضَّالَّةُ تُوجَدُ عَنْ غَفْلَةٍ لَا عَنْ طَلَبٍ. يُقَالُ: وَجَدْتُ الضَّالَّةَ نَبَهاً عَنْ غَيْرِ طَلَبٍ، وأَضْلَلتُهُ نَبَهاً لَمْ تَعْلَمْ مَتَى ضَلَّ. الأَصمعي: يُقَالُ أَضَلُّوه نَبَهاً لَا يَدْرُونَ مَتَى ضَلَّ حَتَّى انْتَبَهوا لَهُ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ ظَبْياً قَدِ انْحَنى فِي نَوْمِهِ فَشَبَّهَهُ بدُمْلُجٍ قَدِ انْفَصَمَ:
كأَنه دُمْلُجٌ، مِنْ فِضَّةٍ، نَبَهٌ، ... فِي مَلْعَبٍ مِنْ عَذارَى الحَيّ، مَفْصومُ
إِنَّمَا جَعَلَهُ مَفْصُومًا لتَثَنِّيهِ وَانْحِنَائِهِ إِذَا نَامَ، ونَبَهٌ هُنَا بَدَلٌ مِنْ دُمْلُجٍ. وأَضَلَّهُ نَبَهاً: لَمْ يَدْرِ مَتَى ضَلَّ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَهَذَا الْبَيْتُ شَاهِدٌ عَلَى النَّبَهِ الشيءِ المشهورِ، قَالَ: شَبَّه وَلَدَ الظَّبْيَةِ حِينَ انْعَطَفَ لِمَا سَقَتْه أُمُّه فَرَوِيَ بدُمْلُجٍ فضةٍ نبَهٍ أَي بدُملُجٍ أَبيض نَقيٍّ كَمَا كَانَ وَلَدُ الظَّبيةِ كَذَلِكَ، وَقَالَ فِي مَلْعَبٍ مِنْ عَذارَى الْحَيِّ لأَن مَلْعَب الْحَيِّ قَدْ عُدِلَ بِهِ عَنِ الطَّرِيقِ الْمَسْلُوكِ، كَمَا أَن الظَّبْيَةَ قَدْ عَدَلَت بِوَلَدِهَا عَنْ طَرِيقِ الصَّيَّادِ، وَقَوْلُهُ مَفْصوم وَلَمْ يَقُلْ مَقْصوم لأَن الفَصْمَ الصَّدْعُ والقَصْمَ الْكَسْرُ والتَّبَرِّي، وَإِنَّمَا يُرِيدُ أَن الخِشْفَ لَمَّا جمَع رأْسه إِلَى(13/546)
فَخْذِهِ وَاسْتَدَارَ كَانَ كدُمْلُجٍ مَفْصوم أَي مَصْدُوعٍ مِنْ غَيْرِ انْفِرَاجٍ. وأَنْبَه حاجتَه: نَسِيَهَا. قَالَ الأَصمعي: وَسَمِعْتُ مِنْ ثِقَةٍ أَنْبَهْتُ حَاجَتِي نسيتُها، فَهِيَ مُنْبَهَةٌ. وَيُقَالُ لِلْقَوْمِ ذهَب لهمُ الشَّيْءُ لَا يَدْرُونَ مَتى ذهَب: قَدْ أَنْبَهوه إنْباهاً. والنَّبَه: الضَّالَّةُ لَا يُدْرى مَتَى ضَلَّتْ وأَين هِيَ. يُقَالُ: فَقَدْتُ الشَّيْءَ نَبَهاً أَي لَا عِلْمَ لِي كَيْفَ أَضللته؛ قَالَ: وَقَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:
كأَنه دُمْلُجٌ مِنْ فضةٍ نَبَهٌ
وَضَعَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يَقُولَ كأَنه دُمْلُجٌ فُقِدَ نَبَهاً. وَقَالَ شَمِرٌ: النَّبَهُ المَنْسِيُّ المُلْقَى السَّاقِطُ الضالُّ. وَشَيْءٌ نَبَهٌ ونَبِهٌ أَي مَشْهُورٌ. وَرَجُلٌ نَبِيهٌ: شَريف. ونَبُهَ الرجلُ، بِالضَّمِّ: شرُفَ وَاشْتَهَرَ نَباهَةً فَهُوَ نَبِيهٌ ونابِهٌ، وَهُوَ خِلَافُ الْخَامِلِ. ونَبَّهْتُه أَنا: رَفَعْتُهُ مِنَ الْخُمُولِ. يُقَالُ: أَشِيعوا بالكُنى فَإِنَّهَا مَنْبَهَةٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:
فَإِنَّهُ مَنْبَهةٌ لِلْكَرِيمِ
أَي مَشْرَفَةٌ ومَعْلاةٌ مِنَ النَّباهَة. يُقَالُ: نَبُهَ يَنْبُه إِذَا صَارَ نَبِيهاً شَرِيفًا. والنَّباهَةُ: ضِدُّ الخُمُولِ، وَهُوَ نَبَهٌ. وَقَوْمٌ نَبَهٌ كَالْوَاحِدِ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، كأَنه اسْمٌ لِلْجَمْعِ. وَرَجُلٌ نَبَهٌ ونَبِيهٌ إِذَا كَانَ مَعْرُوفًا شَرِيفًا؛ وَمِنْهُ قَوْلُ طَرَفَة يَمْدَحُ رَجُلًا:
كامِلٌ يَجْمَعُ آلاءَ الفَتَى، ... نَبَهٌ سَيِّدُ ساداتٍ خِضَمّ
ونَبَّه بِاسْمِهِ: جَعْلُهُ مَذْكُورًا. وَإِنَّهُ لمَنْبوه الِاسْمِ: معروفُهُ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. وأَمرٌ نابهٌ: عظيمٌ جَلِيلٌ. أَبو زَيْدٍ: نَبِهْتُ للأَمر، بِالْكَسْرِ، أَنْبَهُ نَبَهاً ووَبِهْتُ أَوْبَهُ وبَهاً، وَهُوَ الأَمر تَنْسَاهُ ثُمَّ تتنَبَّهُ لَهُ. ونابِهٌ ونُبَيْهٌ ومُنَبِّه: أَسماء. ونَبْهانُ: أَبو حَيٍّ مِنْ طَيٍّ، وَهُوَ نَبْهانُ بن عمرو.
نجه: النَّجْهُ: استقبالُك الرجلَ بِمَا يَكْرَهُ ورَدُّكَ إِيَّاهُ عَنْ حَاجَتِهِ، وَقِيلَ: هُوَ أَقبح الرَّدِّ؛ أَنشد ثَعْلَبُ:
حَيّاكَ ربُّكَ أَيُّها الوَجْهُ، ... ولغَيْرِكَ البَغْضاءُ والنَّجْهُ
نجَهَهُ يَنْجَهُهُ نَجْهاً وتنَجَّهَهُ: اللَّيْثُ: نجَهْتُ الرجلَ نَجْهاً إِذَا اسْتَقْبَلْتُهُ بِمَا يُنَهْنِهُهُ وَيَكُفُّهُ عَنْكَ فيَنْقدِعُ عَنْكَ. وَفِي الحديث:
بعد ما نَجَهَها عُمر
أَي بَعْدَ مَا رَدَّها وَانْتَهَرَهَا. والنَّجْهُ: الزَّجْرُ والرَّدْعُ. يُقَالُ: انْتَجَهْتُ الرجلَ وتنَجَّهْتُهُ؛ قَالَ رؤْبة:
كَعْكَعْتُه بالرَّجْمِ والتَّنَجُّهِ، ... أَو خَافَ صَقْعَ القارِعاتِ الكُدَّهِ
وَيُرْوَى: كَفْكَفْته؛ يَقُولُ رَدَدْت الْخَصْمَ. وَرَجُلٌ ناجِهٌ إِذَا دَخَلَ بَلَدًا فكَرِهَه. ونجَهَ عَلَى الْقَوْمِ: طَلَع. وَفِي النَّوَادِرِ: فُلَانٌ لَا يَنْجَعُهُ وَلَا يَهْجَؤُهُ وَلَا يَهْجَأُ فِيهِ شَيْءٌ وَلَا يَنْجَهُهُ شَيْءٌ وَلَا يَنْجَه فِيهِ شَيْءٌ، وَذَلِكَ إِذَا كَانَ رَغِيباً مُسْتَوْبِلًا لَا يَشْبَعُ وَلَا يَسْمَنُ عَنْ شَيْءٍ.
نده: النَّدْهُ: الزَّجْرُ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ وَالطَّرْدُ عَنْهُ بالصِّياح. وَقَالَ اللَّيْثُ: النَّدْهُ الزَّجْرُ عَنِ الحَوْض وَعَنْ كُلِّ شَيْءٍ إِذَا طُرِدَتِ الإِبلُ عَنْهُ بِالصِّيَاحِ. وَقَالَ أَبو مَالِكٍ: نَدَهَ الرجلُ يَنْدَهُ نَدْهاً إِذَا صَوَّتَ، ونَدَهْتُ البعيرَ إِذَا زَجَرْتَهُ عَنِ الْحَوْضِ وَغَيْرِهِ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ: لَوْ رأَيت قاتِلَ عُمَرَ فِي الحَرَمِ مَا ندَهْتُهُ
أَي مَا زَجَرْتُهُ. قَالَ ابْنُ الأَثير: والنَّدْهُ الزَّجْرُ بِصَه ومَه. ونَدَهَ الإِبلَ يَنْدَهُها نَدْهاً: سَاقَهَا وَجَمَعَهَا وَلَا يَكُونُ إِلَّا لِلْجَمَاعَةِ مِنْهَا، وَرُبَّمَا اقْتاسُوا مِنْهُ لِلْبَعِيرِ. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا رأَوْهُ جَريئاً عَلَى مَا أَتى أَو المرأَةِ إِحْدَى نَوادِهِ البَكْرِ. والنَّدْهَة(13/547)
والنُّدْهَةُ، بِفَتْحِ النُّونِ وَضَمِّهَا: الْكَثْرَةُ مِنَ الْمَالِ مِنْ صامِتٍ أَو مَاشِيَةٍ؛ وأَنشد قَوْلَ جمِيل:
فكيْفَ، وَلَا تُوفِي دماؤُهمُ دَمِي، ... وَلَا مالُهُمْ ذُو نَدْهَةٍ فيَدُونِي؟
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عِنْدَهُ نَدْهَةٌ مِنْ صامِتٍ وماشيةٍ ونُدْهَةٌ، وَهِيَ الْعِشْرُونَ مِنَ الْغَنَمِ ونحوِها، والمائةُ مِنَ الإِبل أَو قُرَابتُها، والأَلف مِنَ الصَّامِتِ أَو نَحْوِهِ. الأَصمعي: وَكَانَ يُقَالُ للمرأَة فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا طُلِّقَت إذْهَبي فَلَا أَنْدَهُ سَرْبَكِ، فَكَانَتْ تَطْلُقُ، قَالَ: والأَصل فِيهِ أَنه يَقُولُ لَهَا اذْهَبي إِلَى أَهلِك فَإِنِّي لَا أَحفظ عَلَيْكِ مالكِ وَلَا أَرُدُّ إبلَكِ عَنْ مَذْهَبِهَا، وَقَدْ أَهملتها لِتَذْهَبَ حَيْثُ شَاءَتْ؛ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: أَي لَا أَرُدُّ إِبِلَكَ لِتَذْهَبَ حيث شاءت.
نزه: النُّزْهَةُ: مَعْرُوفَةٌ. والتَّنَزُّهُ: التَّبَاعُدُ، والإِسم النُّزْهةُ. ومكانٌ نَزِهٌ ونَزِيهٌ، وَقَدْ نَزِهَ نَزَاهَةً ونَزَاهِيةً، وَقَدْ نَزِهَتِ الأَرضُ، بِالْكَسْرِ وأَرضٌ نَزْهَةٌ ونَزِهَةٌ بَعِيدَةٌ عَذْبَةٌ نَائِيَةٌ مِنَ الأَنْداءِ والمياهِ والغَمَقِ. الْجَوْهَرِيُّ: وَخَرَجْنَا نتَنَزَّهُ فِي الرِّياضِ، وأَصله مِنَ البُعْدِ، وقد نَزِهَتِ الأَرضُ، بالكسر. وَيُقَالُ: ظَلِلْنا مُتَنَزِّهِينَ إِذَا تَبَاعَدُوا عَنِ الْمِيَاهِ. وَهُوَ يتنَزَّهُ عَنِ الشَّيْءِ إِذَا تباعد عَنْهُ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الجابِيَةُ أَرضٌ نَزِهَةٌ
أَي بَعِيدَةٌ عَنِ الوَباء. والجابِيَةُ: قَرْيَةٌ بدمشْقَ. ابْنُ سِيدَهْ: وتنزَّهَ الإِنسانُ خَرَجَ إِلَى الأَرض النَّزِهَةِ، قَالَ: وَالْعَامَّةُ يَضَعُونَ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ ويَغْلَطُونَ فَيَقُولُونَ خَرَجْنَا نتَنزَّهُ إِذَا خَرَجُوا إِلَى الْبَسَاتِينِ فَيَجْعَلُونَ التَّنزُّهَ الخروجَ إِلَى الْبَسَاتِينِ والخُضَر والرِّياض، وَإِنَّمَا التَّنزُّهُ التباعدُ عَنِ الأَرياف وَالْمِيَاهِ حَيْثُ لَا يَكُونُ ماءٌ وَلَا نَدىً وَلَا جَمْعُ ناسٍ، وَذَلِكَ شِقُّ الْبَادِيَةِ، وَمِنْهُ قِيلَ: فلانٌ يتَنَزَّهُ عن الأَقذار ويُنَزِّهُ نفْسَه عَنْهَا أَي يُباعد نَفْسَهُ عَنْهَا؛ وَمِنْهُ قَوْلُ أُسامة بْنُ حَبِيبٍ الْهُذَلِيُّ:
كأَسْحَمَ فَرْدٍ عل حافةٍ، ... يُشَرِّدُ عَنْ كَتِفيْهِ الذُّبابا
أَقَبَّ رَباعٍ بِنُزْهِ الفَلاةِ، ... لَا يَرِدُ الماءَ إِلَّا ائتِيابا
وَيُرْوَى: إِلَّا انْتِيابا، يُرِيدُ مَا تَبَاعَدَ مِنَ الْفَلَاةِ عَنِ الْمِيَاهِ والأَرياف. وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا: صنَعَ رسولُ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شَيْئًا فرَخَّصَ فِيهِ فتَنَزَّهَ عَنْهُ قومٌ
أَي تَرَكُوهُ وأَبعدوا عَنْهُ ولم يَعْمَلوا بالرُّخْصة فِيهِ. وَقَدْ نَزُهَ نَزاهةً وتَنَزَّهَ تنَزُّهاً إِذَا بَعُدَ. وَرَجُلٌ نَزْهُ الخُلُقِ ونَزِهُهُ ونازِهُ النَّفْس: عَفِيفٌ مْتكَرِّمٌ يَحُلُّ وحْدَهُ وَلَا يُخَالِطُ الْبُيُوتَ بِنَفْسِهِ وَلَا مَالِهِ، وَالْجَمْعُ نُزَهاءُ ونَزِهُونَ ونِزَاهٌ، والاسمُ النَّزْهُ والنَّزاهةُ. ونَزَّهَ نفْسَه عَنِ الْقَبِيحِ: نَحّاها. ونزَّهَ الرجلَ: بَاعَدَهُ عَنِ الْقَبِيحِ. والنَّزاهةُ: الْبُعْدُ عَنِ السُّوءِ. وَإِنَّ فُلَانًا لنَزِيهٌ كريمٌ إِذَا كَانَ بَعِيدًا مِنَ اللُّؤْمِ، وَهُوَ نزِيهُ الخُلُقِ. وَفُلَانٌ يتَنزَّهُ عَنْ مَلائمِ الأَخلاق أَي يتَرَفَّعُ عَمَّا يُذَمُّ مِنْهَا. الأَزهري: التَّنَزُّهُ رَفْعُه نفْسَه عَنِ الشَّيْءِ تكَرُّماً وَرَغْبَةً عَنْهُ. والتَّنزِيهُ: تَسْبِيحُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وإبعادُهُ عَمَّا يَقُولُ الْمُشْرِكُونَ. الأَزهري: تَنْزِيهُ اللَّهِ تبعيدُه وتقديسُه عَنِ الأَنداد والأَشباه، وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْفَلَاةِ الَّتِي نأَتْ عَنِ الرِّيفِ وَالْمِيَاهِ نزِيهةٌ لِبُعْدِهَا عَنْ غَمَقِ الْمِيَاهِ وذِبّانِ القُرى وومَدِ الْبِحَارِ وَفَسَادِ الْهَوَاءِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ فَلَا يَمُرُّ بآيةٍ فِيهَا تَنْزِيهُ اللَّهِ إِلَّا نزَّهَهُ
؛ أَصل النُّزْهِ البعدُ، وتَنْزِيهُ اللَّهِ تبعيدُه عَمَّا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ مِنَ النَّقَائِصِ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ فِي تَفْسِيرِ سُبْحَانَ اللَّهِ:(13/548)
هُوَ تَنْزِيهُهُ أَي إِبْعَادُهُ عَنِ السُّوءِ وَتَقْدِيسُهُ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الإِيمانُ نَزِهٌ
أَي بَعِيدٌ عَنِ الْمَعَاصِي. وَفِي حَدِيثِ المُعَذَّبِ فِي قَبْرِهِ:
كَانَ لَا يسْتَنْزِهُ مِنَ الْبَوْلِ
أَي لَا يَسْتبرئ وَلَا يَتَطَهَّرُ وَلَا يَسْتَبْعِدُ مِنْهُ. قَالَ شَمِرٌ: وَيُقَالُ هُمْ قومٌ أَنْزاهٌ أَي يتَنزَّهُونَ عَنِ الْحَرَامِ، الْوَاحِدُ نزِيهٌ مِثْلَ مَلِيءٍ وأَملاءٍ. وَرَجُلٌ نزيهٌ ونَزِهٌ: وَرِعٌ. ابْنُ سِيدَهْ: سَقى إبلَهُ ثُمَّ نَزَهَها نَزْهاً بَاعَدَهَا عَنِ الْمَاءِ. وَهُوَ بنُزْهةٍ عَنِ الْمَاءِ أَي بُعْد. وَفُلَانٌ نزِيهٌ أَي بَعِيدٌ. وتنَزَّهُوا بحُرَمِكْم عَنِ الْقَوْمِ: تَبَاعَدُوا. وَهَذَا مَكَانٌ نزِيهٌ: خَلاء بَعِيدٌ مِنَ النَّاسِ لَيْسَ فِيهِ أَحد فأَنزلوا فِيهِ حُرَمَكُمْ. ونُزْهُ الفَلا: مَا تَبَاعَدَ مِنْهَا عَنِ المياه والأَرياف.
نفه: نَفِهَتْ نفسي: أَعْيَتْ وكَلَّتْ. وَبَعِيرٌ نافِهٌ: كالٌّ مُعْيٍ، وَالْجَمْعُ نُفَّهٌ؛ ونَفَّهَهُ: أَتعبه حَتَّى انْقَطَعَ؛ قَالَ:
ولِلَّيْلِ حَظٌّ مِنْ بُكانا ووَجْدِنا، ... كَمَا نَفَّهَ الهَيْماءَ فِي الذَّوْدِ رَادِعُ
وَيُرْوَى فِي الدُّورِ. وأَنْفَهَ فلانٌ إبلَهُ ونَفَّهَها: أَكَلَّهَا وأَعياها، وَجَمَلٌ مُنَفَّهٌ وناقةٌ مُنَفَّهَةٌ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
رُبَّ هَمّ جَشَمْتُهُ فِي هَواكُمْ، ... وبَعيرٍ مُنَفَّهٍ مَحْسُورِ
وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
فَقَامُوا يَرْحَلْونَ مُنَفَّهَاتٍ، ... كأَنَّ عُيونَهَا نُزُحُ الرَّكيِ
والنافهُ: الكالُّ المُعْيي مِنَ الإِبل وَغَيْرِهَا. وَرَجُلٌ مَنْفُوهٌ: ضَعِيفُ الْفُؤَادِ جبانٌ، وَمَا كَانَ نَافِهًا وَقَدْ نَفَهَ نُفُوهاً ونَفِهَ. والنُّفُوهُ: ذِلَّةٌ بَعْدَ صُعُوبَةٍ. وأَنْفَهَ ناقتَهُ حَتَّى نَفِهَتْ نَفْهاً شَدِيدًا. وَفِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنه قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو حِينَ ذَكَرَ لَهُ قيامَ اللَّيْلِ وصيامَ النَّهَارِ: إِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ هَجَمَتْ عَيْناك ونَفِهَتْ نَفْسُكَ
؛ رَوَاهُ أَبو عُبَيْدٍ نَفِهَتْ، وَالْكَلَامُ، نَفَهَتْ، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَا لُغَتَيْنِ. ابْنُ الأَعرابي: نَفَهَتْ تَنْفَهُ نُفُوهاً ونَفِهَتْ نفسُه إِذَا ضَعُفَتْ وَسَقَطَتْ؛ وأَنشد:
والعَزَبَ المُنَفَّهَ الأُمِّيَّا
وَرَوَى أَصحاب أَبي عُبَيْدٍ عَنْهُ: نَفِهَ يَنْفَهُ، بِكَسْرِ الْفَاءِ مِنْ نَفِهَ، وَفَتْحُهَا مِنْ يَنْفَهُ. قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ
نَفِهَتْ نَفْسُك
أَي أَعيت وكَلَّتْ. وَيُقَالُ للمُعْيي: مُنَفَّهٌ ونافِهٌ، وجمعُ النَّافِهِ نُفَّهٌ؛ وأَنشد أَبو عَمْرٍو لِرُؤْبَةَ:
بِنَا حَرَاجِيجُ المَهَارِي النُّفَّهِ
يَعْنِي المُعْيِيَة، وَاحِدَتُهَا نافِهٌ ونافِهَةٌ، وَالَّذِي يَفْعَلُ ذَلِكَ بِهَا مُنَفِّهٌ، وَقَدْ نَفَّهَ البعيرَ.
نقه: نَقِهَ يَنْقَهُ: مَعْنَاهُ فَهِمَ يَفْهَمُ، فَهُوَ نَقِهٌ سَرِيعُ الفِطْنَةِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
فانْقَهْ إِذًا
أَي افْهَمْ. يُقَالُ: نَقِهْتُ الحديثَ مِثْلُ فَهِمْتُ وفَقِهْتُ، وأَنْقَهَهُ اللَّهُ تَعَالَى. ونَقِهَ الكلامَ، بِالْكَسْرِ، نَقْهاً ونَقَهَهُ، بِالْفَتْحِ، نَقْهاً أَي فَهِمَهُ. ونَقِهْتُ الخبرَ والحديثَ، مَفْتُوحٌ مَكْسُورٌ، نَقْهاً ونُقُوهاً ونَقاهةً ونَقَهاناً وأَنا أَنْقَهُ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: نَقِهَ الرَّجُلُ نَقَهاً واسْتَنْقَهَ فَهِمَ؛ وَيُرْوَى بيتُ المُخَبَّلِ:
إِلَى ذِي النُّهَى واسْتَنْقَهَتْ للمُحَلِّمِ
أَي فَهِمُوهُ؛ حَكَاهُ يَعْقُوبُ، وَالْمَعْرُوفُ: واسْتَيْقَهَتْ. وَرَجُلٌ نَقِهٌ وناقِهٌ: سَرِيعُ الْفَهْمِ، ونَقِهَ الحديثَ ونَقَهَهُ: لَقِنَهُ، وَفُلَانٌ لَا يَفْقَهُ وَلَا يَنْقَهُ. والاسْتِنْقاهُ: الِاسْتِفْهَامُ. وأَنْقِهْ لِي سَمْعَكَ أَي(13/549)
أَرْعِنِيهِ. وَفِي النَّوَادِرِ: انْتَقَهْتُ مِنَ الْحَدِيثِ ونَقِهْتُ وأْتَقَهْتُ أَي اشْتَفَيْتُ. ونَقِهَ مِنْ مَرَضِهِ، بِالْكَسْرِ، ونَقَهَ يَنْقَهُ نَقْهاً ونُقُوهاً فِيهِمَا: أَفاق وَهُوَ فِي عَقِبِ علَّتِهِ. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: نَقَهَ مِنَ الْمَرَضِ يَنْقَهُ، بِالْفَتْحِ، وَرَجُلٌ ناقِهٌ مِنْ قَوْمٍ نُقَّهٍ. الْجَوْهَرِيُّ: نَقِهَ مِنْ مَرَضِهِ، بِالْكَسْرِ، نَقَهاً مثالِ تَعِب تَعَباً، وَكَذَلِكَ نَقَهَ نُقُوهاً مِثْلُ كَلَحَ كُلُوحاً، فَهُوَ ناقِهٌ إِذَا صَحَّ وَهُوَ فِي عَقِبِ عِلَّتِهِ، وَالْجَمْعُ نُقَّهٌ، وَفِي الْحَدِيثِ:
قَالَتْ أُمُّ المُنْذِرِ دَخَلَ عَلَيْنَا رسولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَهُ عَلِيٌّ وَهُوَ ناقِهٌ
؛ هُوَ إِذَا بَرَأَ وأَفاق وَكَانَ قَرِيبَ العَهْدِ بِالْمَرَضِ لَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِ كمالُ صِحَّتِهِ وقُوَّتِهِ.
نكه: النَّكْهَةُ: رِيحُ الْفَمِ. نَكَهَ لَهُ وَعَلَيْهِ يَنْكِهُ ويَنْكَهُ نَكْهاً: تَنَفَّسَ عَلَى أَنفه. ونَكَهَهُ نَكْهاً ونَكِهَهُ واسْتَنْكَهَهُ: شَمَّ رَائِحَةَ فَمِهِ، وَالِاسْمُ النَّكْهَةُ؛ وأَنشد:
نَكِهْتُ مُجالِداً فَوَجَدْتُ مِنْهُ ... كَرِيحِ الكَلْبِ ماتَ حَدِيثَ عَهْدِ
وَهَذَا الْبَيْتُ أَورده الْجَوْهَرِيُّ: نَكِهْتُ مجاهِداً؛ وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ مُجَالِدًا، وَقَدْ رَوَاهُ فِي فَصْلِ نَجَا: نَجَوْتُ مُجَالِدًا. ونَكَهَ هُوَ يَنكِهُ ويَنكَهُ: أَخرج نَفَسَهُ إِلَى أَنفي. ونَكِهْتُه: شَمَمْتُ رِيحَهُ. واسْتَنْكَهْتُ الرجلَ فَنَكَهَ فِي وَجْهِي يَنْكِهُ ويَنْكَهُ نَكْهاً إِذَا أَمره بأَن يَنْكَهَ لِيَعْلَمَ أَشارِبٌ هُوَ أَم غَيْرُ شاربٍ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُهُ قولُ الأُقَيْشِرِ:
يَقُولُونَ لِي: انْكَهْ قَدْ شَرِبْتَ مُدَامَةً ... فَقُلْتُ لَهُمْ: لَا بَلْ أَكَلْتُ سَفَرْجَلا
وَفِي حَدِيثِ شَارِبِ الْخَمْرِ:
اسْتَنْكهُوهُ
أَي شُمُّوا نَكْهَتَهُ ورائحةَ فَمِه هَلْ شرِب الْخَمْرَ أَم لَا. ونُكِهَ الرجلُ: تَغَيَّرَتْ نَكْهَتُهُ مِنَ التُّخَمَةِ. وَيُقَالُ فِي الدُّعَاءِ للإِنسان: هُنِّيتَ وَلَا تُنْكَهْ أَي أَصَبْتَ خَيْراً وَلَا أَصابك الضُّرُّ. والنُّكَّهُ مِنَ الإِبل: الَّتِي ذَهَبَتْ أَصواتها مِنَ الضَّعْفِ، وَهِيَ لُغَةُ تَمِيمٍ فِي النُّقَّهِ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِرُؤْبَةَ:
بَعْدَ اهتِضام الراغِياتِ النُّكَّهِ
نمه: نَمِهَ نَمَهاً، فَهُوَ نَمِةٌ ونامِهٌ: تَحَيَّرَ، يَمَانِيَةٌ.
نهنه: النَّهْنَهَةُ: الكَفُّ. تَقُولُ نَهْنَهْتُ فُلَانًا إِذَا زَجَرْتَهُ فَتَنَهْنَهَ أَي كَفَفْتَهُ فَكفَّ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
نَهْنِهْ دُموعَكَ، إنَّ مَنْ ... يَغْتَرُّ بالحِدْثانِ عاجِزْ
كأَن أَصله مِنَ النَّهْي. وَفِي حَدِيثِ
وَائِلٍ: لَقَدِ ابْتَدَرَها اثْنَا عَشَرَ مَلَكاً فَمَا نَهْنَهَها شيءٌ دُونَ العَرْشِ
أَي مَا مَنَعَهَا وكَفَّها عَنِ الْوُصُولِ إِلَيْهِ. ونَهْنَهَهُ عَنِ الشَّيْءِ: زَجَره؛ قَالَ أَبو جُنْدَبٍ الهُذَليّ:
فَنَهْنَهْتُ أُولى القومِ عَنْهُمْ بِضَرْبَةٍ ... تَنَفَّسَ عَنْهَا كلُّ حشْيانَ مُجْحَر
وَقَدْ تَنَهْنَهَ. ونَهْنَهْتُ السَّبُعَ إِذَا صِحْتَ بِهِ لتَكُفَّه، والأَصل فِي نَهْنَهَ نَهْهَهَ، بِثَلَاثِ هاءَات، وإِنما أَبدلوا مِنَ الْهَاءِ الْوُسْطَى نُونًا لِلْفَرْقِ بَيْنَ فَعْلَلَ وفَعَّلَ، وَزَادُوا النُّونَ مِنْ بَيْنِ الْحُرُوفِ لأَن فِي الْكَلِمَةِ نُونًا. وَثَوْبٌ نَهْنَهٌ: رَقِيقُ النسجِ. الأَحمر: النَّهْنَهُ واللَّهْلَهُ الثوب الرقيق النسج.
نوه: نَاهَ الشيءُ يَنُوهُ: ارْتَفَعَ وَعَلَا؛ عَنِ ابْنِ جِنِّي، فَهُوَ نائِهٌ. ونُهْتُ بِالشَّيْءِ نَوْهاً ونَوَّهْتُ بِهِ ونَوَّهْتُهُ تَنْوِيهاً: رَفَعْتُهُ. ونَوَّهْتُ بِاسْمِهِ: رَفَعْتُ ذكْرَهُ. وناهَ النباتُ: ارْتَفَعَ. وناهَتِ الهامَةُ نَوْهاً: رَفَعَتْ(13/550)
رأْسها ثُمَّ صَرَخَتْ، وهامٌ نُوَّهٌ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
عَلَى إكامِ النائحاتِ النُّوَّهِ
وَإِذَا رفعتَ الصوتَ فَدَعَوْتَ إِنْسَانًا قُلْتَ: نَوَّهْتُ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ: أَنا أَولُ مَنْ نَوَّهَ بالعربِ.
يُقَالُ: نَوَّهَ فلانٌ بِاسْمِهِ، ونَوَّهَ فلانٌ بِفُلَانٍ إِذَا رَفَعَهُ وطَيَّرَ بِهِ وقَوَّاه؛ وَمِنْهُ قَوْلُ أَبي نُخَيْلَةَ لِمَسْلَمَةَ:
ونَوَّهْتَ لِي ذِكْرِي، وَمَا كَانَ خامِلًا، ... ولَكِنَّ بَعْضَ الذِّكْرِ أَنْبَهُ مِنْ بَعْضِ
وَفِي حَدِيثِ
الزُّبَيْرِ: أَنه نَوَّه بِهِ عليٌ
أَي شَهَرَهُ وعَرَّفَهُ. والنَّوَّاهةُ: النَّوَّاحةُ، إِمَّا أَن تَكُونَ مِنَ الإِشادةِ، وَإِمَّا أَن تَكُونَ مِنْ قَوْلِهِمْ ناهَتِ الهامةُ. ونَوَّه بِاسْمِهِ: دَعَاهُ. ونوَّه بِهِ: دَعَاهُ؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:
إِذَا دَعاها الرُّبَعُ المَلْهُوفُ، ... نوَّه مِنْهَا الزاجِلاتُ الجُوفُ
فَسَّرَهُ فَقَالَ: نوَّه مِنْهَا أَي أَجَبْنَهُ بالحَنِين. والنَّوْهةُ: الأَكْلَةُ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، وَهِيَ كالوَجْبَةِ. وناهَتْ نَفْسِي عَنِ الشَّيْءِ تَنُوهُ وتَناهُ نَوْهاً: انْتَهَتْ، وَقِيلَ: نُهْتُ عَنِ الشَّيْءِ أَبَيْتُه وَتَرَكْتُهُ. وَمِنْ كَلَامِهِمْ: إِذَا أَكلنا التَّمْرَ وَشَرِبْنَا الْمَاءَ ناهَتْ أَنفسُنا عَنِ اللَّحْمِ أَي أَبَتْهُ فَتَرَكَتْهُ؛ رَوَاهُ ابْنُ الأَعرابي وَقَالَ: التَّمْرُ وَاللَّبَنُ تَنوهُ النفسُ عَنْهُمَا أَي تَقْوَى عَلَيْهِمَا. وناهَتْ نَفْسِي أَي قَوِيَتْ. الْفَرَّاءُ: أَعطني مَا يَنُوهُني أَي يَسُدُّ خَصاصَتي. وَإِنَّهَا لتأْكل مَا لَا يَنُوهُها أَي لَا يَنْجَعُ فِيهَا. ابْنُ شُمَيْلٍ: ناهَ البقلُ الدوابَّ يَنُوهُها أَي مَجَدَها، وَهُوَ دُونُ الشِّبَعِ، وَلَيْسَ النَّوْهُ إِلَّا فِي أَول النَّبْتِ، فأَما المَجْدُ فَفِي كُلِّ نَبْتٍ؛ وَقَوْلُهُ:
يَنْهُونَ عَنْ أَكْلٍ وَعَنْ شُرْبِ
هُوَ مِثْلُهُ، إِنَّمَا أَراد يَنُوهُون فَقَلَبَ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ. قَالَ الأَزهري: كأَنه جَعَلَ ناهَتْ أَنفسُنا تَنُوه مَقْلُوبًا عَنْ نَهَتْ. قَالَ ابْنُ الأَنباري: مَعْنَى يَنْهُون أَي يَشْرَبُونَ فيَنْتَهُون ويَكْتَفُون؛ قَالَ: وَهُوَ الصَّوَابُ. والنُّوهةُ: قُوَّةُ البَدَن.
نيه: نَفْسٌ ناهَةٌ: مُنْتَهِيةٌ عَنِ الشَّيْءِ، مَقْلُوبٌ مِنْ نَهاةٍ.
فصل الهاء
هده: فِي الْحَدِيثِ:
حَتَّى إِذَا كَانَ بالهَدَةِ «2» بَيْنَ عُسْفانَ وَمَكَّةَ
؛ الهَدَةُ، بِالتَّخْفِيفِ: اسْمُ مَوْضِعٍ بِالْحِجَازِ، وَالنِّسْبَةُ إِلَيْهِ هَدَوِيٌّ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُشَدِّدُ الدَّالَ. فأَما الهَدْأَةُ الَّتِي جَاءَتْ فِي ذِكْرِ قَتْلِ عَاصِمٍ فَقِيلَ: إِنَّهَا غَيْرُ هَذِهِ، وَقِيلَ: هِيَ هِيَ.
هوه: هَهْ: كَلِمَةُ تَذَكُّرٍ وَتَكُونُ بِمَعْنَى التَّحْذِيرِ أَيضاً، وَلَا يُصَرَّفُ مِنْهُ فِعْلٌ لِثِقَلِهِ عَلَى اللِّسَانِ وَقُبْحِهِ فِي الْمَنْطِقِ، إِلَّا أَن يُضْطَرَّ شَاعِرٌ. قَالَ اللَّيْثُ: هَهْ تَذْكِرَةٌ فِي حَالٍ، وتحذيرٌ فِي حَالٍ، فَإِذَا مدَدْتَها وقلتَ هاهْ كَانَتْ وَعِيدًا فِي حَالٍ، وَحِكَايَةً لَضَحِكِ الضَّاحِكِ فِي حَالٍ، تَقُولُ: ضَحِكَ فُلَانٌ فَقَالَ هاهْ هاهْ؛ قَالَ: وَتَكُونُ هاهْ فِي مَوْضِعِ آهْ مِنَ التَّوَجُّعِ مِنْ قَوْلِهِ:
إِذَا مَا قُمْتُ أَرْحَلُها بلَيْلٍ، ... تأَوَّهُ آهَةَ الرجلِ الحَزينِ
وَيُرْوَى:
تَهَوَّهُ هاهَةَ الرجلِ الْحَزِينِ
قَالَ: وَبَيَانُ الْقَطْعِ أَحسن. ابْنُ السِّكِّيتِ: الآهةُ من
__________
(2) . قوله [فِي الْحَدِيثِ حَتَّى إِذَا كان بالهدة] ذكره هنا تبعاً للنهاية، وقد ذكره صاحب القاموس في مادة هدد، وعبارة ياقوت: الهدة، بتخفيف الدال، من الهدى بزيادة هاء(13/551)
التَّأَوُّهِ، وَهُوَ التَّوَجُّعُ. يُقَالُ: تأَوَّهْتُ آهَةً، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي الدُّعَاءِ آهَةً وأَمِيهَةً، وَتَفْسِيرُهُمَا مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ. والهَوْهاءةُ والهَوْهاءُ: الْبِئْرُ الَّتِي لَا مُتَعَلَّقَ بِهَا وَلَا مَوْضِعَ لرِجْلِ نازِلها لبُعْدِ جالَيْها؛ قَالَ:
بهُوَّة هَوْهاءةِ التَّرَجُّلِ
وَرَجُلٌ هَوْهاءٌ وهَوْهاءةٌ وهَوْهاةٌ: ضَعِيفُ الْفُؤَادِ جَبَانٌ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَحَكَى ابْنُ السِّكِّيتِ هوَاهِيةً أَيضاً لِلْجَبَانِ. وَرَجُلٌ هُوهَةٌ، بِالضَّمِّ، أَي جَبَانٌ. وَفِي حَدِيثِ
عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: كنتَ الهَوْهاةَ الهُمَزَةَ
؛ الهَوْهاةُ: الأَحمق. أَبو عُبَيْدٍ: المَوْماةُ والهَوْهاةُ وَاحِدٌ، وَالْجَمْعُ المَوَامي والهَياهي. وتَهَوَّهَ الرجلُ: تفَجَّعَ. والهَواهي: ضَرْبٌ مِنَ السَّيْرِ، وَاحِدَتُهَا هَوْهاةٌ. وَيُقَالُ: إِنَّ النَّاقَةَ لَتَسِير هَواهِيَ مِنَ السَّيْرِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
تَغالَتْ يَدَاهَا بالنَّجاءِ وتَنْتهِي ... هَواهِيَ مِنْ سَيرٍ، وعُرْضَتُها الصَّبرُ
ابْنُ السِّكِّيتِ: رَجُلٌ هَواهِيَةٌ وهَوْهاءةٌ إِذَا كَانَ منْخُوبَ الْفُؤَادِ، وأَصل الْهَوْهَاءَةِ الْبِئْرُ لَا مُتعلَّقَ بِهَا، كَمَا تقدم. ويقال: جَاءَ فُلَانٌ بالهَواهِي أَي بِالتَّخَالِيطِ والأَباطيل. والهَواهِي: اللَّغْوُ مِنَ الْقَوْلِ والأَباطيل؛ قَالَ ابْنُ أَحمر:
وَفِي كُلِّ يومٍ يَدْعُوانِ أَطِبَّةً ... إليَّ، وَمَا يُجْدُونَ إِلَّا هَوَاهِيا
وسمعتُ هَواهِيَةَ القومِ: وَهُوَ مِثْلُ عَزِيف الجِنِّ وَمَا أَشبهه. وَرَجُلٌ هُوهٌ: كهَوْهاءةٍ. وهُوهْ: اسْمٌ لقارَبْتَ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ عِنْدَ التَّوَجُّعِ والتَّلَهُّفِ: هاهْ وهاهِيه؛ وأَنشد الأَصمعي:
قَالَ الغَوَاني: قَدْ زَهاهُ كِبَرُهْ، ... وقُلْنَ: يَا عَمِّ فَمَا أُغَيِّرُهْ،
وقلتُ: هاهٍ لحديثٍ أُكْثِرُهْ
الْهَاءُ فِي أُكْثِرُهُ لِهاهٍ. وَفِي حَدِيثِ عَذَابِ الْقَبْرِ:
هاهْ هاهْ.
قَالَ: هَذِهِ كَلِمَةٌ تُقَالُ فِي الإِيعاد وَفِي حِكَايَةِ الضَّحِكِ، وَقَدْ تُقَالُ لِلتَّوَجُّعِ، فَتَكُونُ الْهَاءُ الأُولى مُبْدَلَةً مِنْ هَمْزَةِ آهْ، وَهُوَ الأَليق بِمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ. يُقَالُ: تأَوَّهَ وتَهَوَّهَ آهَةً وهاهةً.
هيه: هِيهِ وهِيهَ، بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ: «1» . فِي مَوْضِعِ إيهِ وإيهَ. وَفِي حَدِيثِ
أُميَّةَ وأَبي سفيانَ قَالَ: يَا صَخْرُ هِيهٍ، فَقُلْتُ: هِيْهاً
؛ هِيهٍ: بِمَعْنَى إيهٍ فأَبدل مِنَ الْهَمْزَةِ هَاءً، وإيهٍ اسْمٌ سُمِّيَ بِهِ الْفِعْلُ، وَمَعْنَاهُ الأَمر، تَقُولُ لِلرَّجُلِ إيهِ، بِغَيْرِ تَنْوِينٍ، إِذَا اسْتَزَدْتَهُ مِنَ الْحَدِيثِ الْمَعْهُودِ بَيْنَكُمَا، فَإِنْ نوَّنْتَ استزدتَهُ مِنْ حديثٍ مَّا غَيْرِ مَعْهُودٍ، لأَن التَّنْوِينَ لِلتَّنْكِيرِ، فَإِذَا سكَّنْتَهُ وَكَفَفْتَهُ قُلْتَ إِيهًا، بِالنَّصْبِ، فَالْمَعْنَى أَن أُميَّةَ قَالَ لَهُ: زِدْني مِنْ حَدِيثِكَ، فَقَالَ لَهُ أَبو سُفْيَانَ: كُفَّ عَنْ ذَلِكَ. ابْنُ سِيدَهْ: إيهٍ كَلِمَةُ اسْتِزَادَةٍ لِلْكَلَامِ، وهاهْ كَلِمَةُ وعيدٍ، وَهِيَ أَيضاً حكايةُ الضَّحِكِ والنَّوْحِ.
وَرَوَى الأَزهري عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ العُطاسَ ويَكْرَهُ التَّثاؤُبَ، فَإِذَا تَثاءَبَ أَحدُكم فلْيَرُدَّه مَا اسْتَطَاعَ وَلَا يقولَنَّ هاهْ هاهْ، فإنما ذلِكُمُ الشيطانُ يضحكُ مِنْهُ.
وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ الْعُلَمَاءَ الأَتقياء فَقَالَ: أُولئك أَولياءُ اللهِ مِنْ خَلْقِهِ ونُصَحاؤُهُ فِي دِينِه والدُّعاةُ إِلَى أَمره، هاهْ هاهْ شَوْقاً إِلَيْهِمْ.
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَإِنَّمَا قَضَيْتُ عَلَى أَلف هَاهَ أَنها يَاءٌ بِدَلِيلِ قولِهم هِيهِ فِي مَعْنَاهُ. وهَيْهَيْتُ بالإِبل وهاهَيْتُ بِهَا: دعوتها وزجرتها فقلت
__________
(1) . قوله [بالكسر والفتح] أَي كسر الهاء الثانية وفتحها، فأَما الهاء الأَولى فمكسورة فقط كما ضبط كذلك في التكملة والمحكم(13/552)
لها هَا هَا، فَقَلَبْتَ الْيَاءَ أَلفاً لِغَيْرِ عِلَّةٍ إِلَّا طَلَب الْخِفَّةِ، لأَن الْهَاءَ لِخَفَائِهَا كأَنها لَمْ تَحْجُزْ بَيْنَهُمَا، فَالْتَقَى مِثْلانِ. وهاهَيْتُ بالإِبل أَي شايَعْتُ بِهَا. وهاهَيْتُ الْكِلَابَ: زَجَرْتَهَا؛ وَقَالَ:
أَرَى شَعَراتٍ، على حاجبيَّ، ... بِيضاً نَبَتْنَ جَمِيعًا تُؤَامَا
ظَلِلْتُ أُهاهي بِهنَّ الكِلابَ، ... أَحْسِبُهُنَّ صُواراً قِيامَا
فأَما قَوْلُهُ:
قَدْ أَخْصِمُ الخَصْمَ وَآتِي بالرُّبُعْ، ... وأَرْقَعُ الجفنةَ بالهَيْهِ الرَّثِعْ
فَإِنَّ أَبا عَلِيٍّ فَسَّرَهُ بأَنه الَّذِي يُنَحَّى ويُطْرَدُ لِدَنَسِ ثِيَابِهِ فَلَا يُطْعَمُ، يُقَالُ لَهُ هِيَهْ هِيَهْ. وَحَكَى ابْنُ الأَعرابي: أَن الهَيْه هُوَ الَّذِي يُنَحَّى لِدَنَسِ ثِيَابِهِ يُقَالُ لَهُ هَيْه هَيْه؛ وأَنشد الْبَيْتَ:
وأَرْقَعُ الجَفْنَةَ بالهَيْهِ الرَّثِعْ
قَوْلُهُ: آتِي بالرُّبُع أَي بالرُّبْعِ مِنَ الْغَنِيمَةِ، وَمَنْ قَالَ بالرُّبَعِ، فَمَعْنَاهُ أَقتاده وأَسوقه. وَقَوْلُهُ:
وأَرْقَعُ الْجَفْنَةَ بِالْهَيْهِ الرثِع
الرَّثِعُ: الَّذِي لَا يُبَالِي مَا أَكل وَمَا صَنَعَ، فَيَقُولُ أَنا أُدنيه وأُطعمه وَإِنْ كَانَ دَنِسَ الثِّيَابِ؛ وأَنشد الأَزهري هَذَا الْبَيْتَ عن الأَعرابي وَفَسَّرَهُ فَقَالَ: يَقُولُ إِذَا كَانَ خَلَلًا سَددته بِهَذَا، وَقَالَ: الهَيْهُ الَّذِي يُنَحَّى. يُقَالُ: هَيْه هَيْه لِشَيْءٍ يُطْرَدُ وَلَا يُطعَمُ، يَقُولُ: فأَنا أُدنيه وَأُطْعِمُهُ. وهَيَاهٌ: مِنْ أَسماء الشَّيَاطِينِ. وهَيْهاتَ وهَيْهاتِ: كَلِمَةٌ مَعْنَاهَا البُعْدُ، وَقِيلَ: هَيْهاتَ كَلِمَةُ تَبْعِيدٍ؛ قَالَ جريرٌ:
فهَيْهاتَ هَيْهاتَ العَقِيقُ وأَهْلُهُ ... وهَيْهاتَ خِلٌّ بالعَقيقِ نُحاولُهْ
وَالتَّاءُ مَفْتُوحَةٌ مِثْلُ كَيْفَ، وأَصلها هَاءٌ، وَنَاسٌ يَكْسِرُونَهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ بِمَنْزِلَةِ نُونِ التَّثْنِيَةِ؛ قَالَ حُمَيدٌ الأَرْقَطُ يَصِفُ إِبِلًا قَطَعَتْ بِلَادًا حتى صارت في القِفار:
يُصْبِحْنَ بالقَفْزِ أَتاوِيَّاتِ، ... هَيْهاتِ مِنْ مُصْبَحِها هَيْهاتِ
هَيْهاتِ حَجْرٌ مِنْ صُنَيْبِعاتِ
وَقَدْ تُبْدَلُ الْهَاءُ هَمْزَةً فَيُقَالُ أَيهاتَ مِثْلُ هَراقَ وأَراقَ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
أَيْهاتَ مِنْكَ الحياةُ أَيْهاتَا
وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ هَيْهَاتَ فِي الْحَدِيثِ، وَاتَّفَقَ أَهل اللُّغَةِ أَن التَّاءَ مِنْ هَيْهَاتَ لَيْسَتْ بأَصلية، أَصلها هَاءٌ. قَالَ أَبو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: إِذَا وصَلْتَ هَيْهاتَ فَدَعِ التَّاءَ عَلَى حَالِهَا، وَإِذَا وَقَفْتَ فَقُلْ هَيْهات هَيْهاه، قَالَ ذَلِكَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ
. قَالَ: وَقَالَ سِيبَوَيْهِ مَنْ كَسَرَ التَّاءَ فَقَالَ هَيْهاتِ هَيْهاتِ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ عِرْقاتٍ، تَقُولُ اسْتأْصلَ اللَّهُ عِرْقاتِهم، فَمَنْ كَسَرَ التَّاءَ جَعَلَهَا جَمْعًا واحدَتُها عِرْقَةٌ، وواحدَةُ هَيْهاتِ عَلَى ذَلِكَ اللَّفْظِ هَيْهَةٌ، وَمَنْ نَصَبَ التَّاءِ جَعَلَهَا كَلِمَةً وَاحِدَةً، قَالَ: وَيُقَالُ هَيْهاتَ مَا قُلْتَ وهَيْهاتَ لِما قُلْتَ، فمَنْ أَدخل اللَّامَ فَمَعْنَاهُ البُعْدُ لِقَوْلِكَ. ابْنُ الأَنباري: فِي هَيْهاتَ سَبْعُ لغاتٍ: فَمَنْ قَالَ هَيْهاتَ بِفَتْحِ التَّاءِ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ شَبَّه التَّاءَ بِالْهَاءِ وَنَصْبُهَا عَلَى مَذْهَب الأَداةِ، وَمَنْ قَالَ هَيْهاتاً بِالتَّنْوِينِ شَبَّهه بِقَوْلِهِ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ أَي فَقَلِيلًا إيمانُهم، وَمَنْ قَالَ هَيْهاتِ شَبَّهه بحذامِ وقطامِ، وَمَنْ قَالَ هَيْهاتٍ بِالتَّنْوِينِ شَبَّهه بالأَصوات(13/553)
كَقَوْلِهِمْ غاقٍ وطاقٍ، وَمَنْ قَالَ هَيْهاتُ لَكَ بِالرَّفْعِ ذَهَبَ بِهَا إِلَى الْوَصْفِ فَقَالَ هِيَ أَداة والأَدَواتُ معرفةٌ، وَمَنْ رَفَعَهَا ونَوَّنَ شَبَّهَ التَّاءَ بِتَاءِ الْجَمْعِ كَقَوْلِهِ مِنْ عَرَفاتٍ، قَالَ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ أَيْهات فِي اللُّغَاتِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا كُلِّهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيهان، بِالنُّونِ، قَالَ الشَّاعِرُ:
أَيْهانَ منكَ الحياةُ أَيْهانا
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيْها، بِلَا نونٍ، وَمَنْ قَالَ أَيْها حَذَفَ التَّاءَ كَمَا حُذِفَتِ الْيَاءُ مَنْ حاشَى فَقَالُوا حاشَ؛ وأَنشد:
وَمِنْ دُونيَ الأَعراضُ والقِنْعُ كلُّه، ... وكُتْمانُ أَيْهَا مَا أَشَتَّ وأَبْعَدَا
وَهِيَ فِي هَذِهِ اللُّغَاتِ كُلِّهَا مَعْنَاهَا البُعْدُ، وَالْمُسْتَعْمَلُ مِنْهَا اسْتِعْمَالًا عَالِيًا الْفَتْحُ بِلَا تَنْوِينٍ. الْفَرَّاءُ: نَصْبُ هَيْهَاتَ بِمَنْزِلَةِ نَصْبِ رُبَّتَ وثُمَّتَ، والأَصل رُبَّهْ وثُمَّهْ؛ وأَنشد:
ماوِيَّ، يَا رُبَّتَما غارةٍ ... شَعْواءَ، كاللَّذْعَةِ بالمِيسمِ
قَالَ: وَمَنْ كَسَرَ التَّاءَ لَمْ يَجْعَلْهَا هَاءَ تأْنيث، وَجَعَلَهَا بِمَنْزِلَةِ دَراكِ وقَطامِ. أَبو حَيَّانٍ: هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ
، فأَلحق الْهَاءَ الْفَتْحَةَ؛ قَالَ:
هَيْهاتَ مِنْ عَبْلَةَ مَا هَيْهاتا، ... هَيْهاتَ إِلَّا ظَعَناً قَدْ فَاتَا
قَالَ ابْنُ جِنِّي كَانَ أَبو عَلِيٍّ يَقُولُ فِي هَيْهاتَ أَنا أُفْتي مَرَّةً بِكَوْنِهَا اسْمًا سُمِّيَ بِهِ الْفِعْلُ كصَهْ ومَهْ، وأُفْتِي مَرَّةً بِكَوْنِهَا ظَرْفًا عَلَى قَدْرِ مَا يَحْضُرُني فِي الْحَالِ، قَالَ: وَقَالَ مَرَّةً أُخرى إِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ ظَرْفًا فَغَيْرُ مُمْتَنِعٍ أَن تَكُونَ مَعَ ذَلِكَ اسْمًا سُمِّيَ بِهِ الْفِعْلُ كعِنْدَكَ ودونَك. وَقَالَ ابْنُ جِنِّي مَرَّةً: هَيْهاتٍ وهيهاتِ، مَصْرُوفَةٌ وَغَيْرُ مَصْرُوفَةٍ، جَمْعُ هَيْهة، قَالَ: وهَيْهات عِنْدَنَا رُبَاعِيَّةٌ مُكَرَّرَةٌ، فاؤُها ولامُها الأُولى هَاءٌ، وَعَيْنُهَا وَلَامُهَا الثَّانِيَةُ يَاءٌ، فَهِيَ لِذَلِكَ مِنْ بَابِ صِيصِيَةٍ، وعَكسُها يَلْيَلُ ويَهْياهٌ، مَنْ ضَعَّفَ الْيَاءَ بِمَنْزِلَةِ المَرْمَرَة والقَرْقَرَة. ابْنُ سِيدَهْ: أَيْهاتَ لُغَةٌ فِي هَيْهاتَ، كأَنّ الْهَمْزَةُ بَدَلٌ مِنَ الْهَاءِ؛ هَذَا قَوْلُ بَعْضِ أَهل اللُّغَةِ، قَالَ: وَعِنْدِي أَن إِحْدَاهُمَا لَيْسَتْ بَدَلًا مِنَ الأُخرى إِنَّمَا هُمَا لُغَتَانِ. قَالَ الأَخفش: يَجُوزُ فِي هَيْهاتَ أَن يَكُونَ جَمَاعَةً، فَتَكُونُ التَّاءُ الَّتِي فِيهَا تَاءَ الْجَمْعِ الَّتِي للتأْنيث، قَالَ: وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي اللَّاتِ والعُزَّى لأَن لاتَ وكيْتَ لَا يَكُونُ مثلُهما جَماعةً، لأَن التَّاءَ لَا تُزَادُ فِي الْجَمَاعَةِ إِلَّا مَعَ الأَلف، وَإِنْ جَعَلْتَ الأَلف وَالتَّاءَ زَائِدَتَيْنِ بَقِيَ الِاسْمُ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٌ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ عِنْدَ قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ: يَجُوزُ فِي هَيْهاتَ أَن يَكُونَ جَمَاعَةً وَتَكُونُ التاءُ الَّتِي فِيهَا تاءَ الْجَمْعِ، قَالَ: صَوَابُهُ يَجُوزُ فِي هَيْهَاتَ بِكَسْرِ التَّاءِ، وَقَدْ يُنَوَّنُ فَيُقَالُ هَيْهاتٍ وهَيْهاتاً؛ قَالَ الأَحْوَصُ:
تَذكَّرُ أَيَّاماً مَضَيْنَ مِنَ الصِّبَا، ... وهَيْهاتِ هَيْهاتاً إليكَ رُجُوعُها
وَقَوْلُ الْعَجَّاجِ:
هَيْهاتَ من مُنْخرقٍ هَيْهاؤُه
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أَنشده ابْنُ جِنِّيٍّ وَلَمْ يُفَسِّرْهُ، قَالَ: وَلَا أَدري مَا مَعْنَى هَيْهاؤُه. وَقَالَ غَيْرُهُ: مَعْنَاهَا الْبُعْدُ وَالشَّيْءُ الَّذِي لَا يُرْجَى. وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَوْلُهُ هَيْهاؤُه يَدُلُّ عَلَى أَن هَيْهاتَ مِنْ مُضَاعَفِ الأَربعة، وهَيْهاؤه فَاعِلٌ بهَيْهات، كأَنه قَالَ بَعُدَ بُعْدُه، وَمِنْ مُتَعَلِّقَةٍ بِهَيْهَاتِ، وَقَدْ تَكَلَّمَ عَلَيْهِ أَبو عَلِيٍّ فِي أَول الْجُزْءِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنَ التَّذْكَرة. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ:(13/554)
قَالَ أَبو عَلِيٍّ مَنْ فَتَحَ التَّاءَ وَقَفَ عَلَيْهَا بِالْهَاءِ لأَنها فِي اسْمٍ مُفْرَدٍ، وَمَنْ كَسَرَ التَّاءَ وَقَفَ عَلَيْهَا بِالتَّاءِ لأَنها جَمْعٌ لهَيْهاتَ الْمَفْتُوحَةِ، قَالَ: وَهَذَا خِلَافُ مَا حَكَاهُ الْجَوْهَرِيُّ عَنِ الْكِسَائِيِّ، وَهُوَ سَهْوٌ مِنْهُ، وَهَذَا الَّذِي رَدَّهُ ابْنُ بَرِّيٍّ عَلَى الْجَوْهَرِيِّ وَنَسَبَهُ إِلَى السَّهْوِ فِيهِ هُوَ بِعَيْنِهِ فِي الْمُحْكَمِ لِابْنِ سِيدَهْ. الأَزهري فِي أَثناء كَلَامِهِ عَلَى وَهَى: أَبو عَمْرٍو التَّهيِيتُ الصَّوْتُ بِالنَّاسِ. قَالَ أَبو زَيْدٍ: هُوَ أَن تَقُولَ لَهُ يَا هَيَاهِ.
فصل الواو
وبه: الوَبْهُ: الفِطنَةُ. والوَبْهُ أَيضاً: الكِبْرُ. وَبَهَ لِلشَّيْءِ وَبْهاً ووُبُوهاً ووَبَهَ لَه وَبْهاً ووَبَهاً، بِالسُّكُونِ وَالْفَتْحِ: فَطَنَ. الأَزهري: نَبِهْتُ للأَمر أَنْبَهُ نَبَهاً ووَبِهْتُ لَهُ أَوْبَهُ وَبَهاً وأَبَهْتُ آبَهُ أَبْهاً، وَهُوَ الأَمْرُ تَنْساه ثُمَّ تَنْتَبِه لَهُ. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: أَبَهْتُ آبَهُ وبُهْتُ أَبُوه وبِهْتُ أَباه، وَفُلَانٌ لَا يُوبَهُ بِهِ وَلَا يُوبَهُ لَهُ أَي لَا يُبَالى بِهِ. وَفِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ:
رُبَّ أَشْعَثَ أَغْبَر ذِي طِمْرَيْن لَا يُوبَهُ لَهُ لَوْ أَقسم عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ
؛ مَعْنَاهُ لَا يُفْطَنُ لَهُ لِذِلَّتِه وقِلَّةِ مَرآتِه وَلَا يُحْتَفَلُ بِهِ لِحَقارته، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مِنْ الْفَضْلِ فِي دِينِهِ والإِخْباتِ لِرَبِّهِ بِحَيْثُ إِذَا دَعاهُ استجابَ لَهُ دُعاءَه. وَيُقَالُ: أَبَهْتُ لَهُ آبَهُ وأَنت تِيبَهُ، بِكَسْرِ التَّاءِ، مِثْلُ تِيجَلُ أَي تُبالي. ابْنُ السِّكِّيتِ: مَا أَبِهْتُ لَهُ وَمَا أَبَهْتُ لَهُ وَمَا بُهْتُ لَهُ وَمَا وَبَهْت لَهُ وَمَا وَبِهْتُ لَهُ، بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا، وَمَا بَأَهْتُ لَهُ وَمَا بَهَأْتُ لَهُ؛ يُرِيدُ مَا فَطِنْتُ [فَطَنْتُ] لَهُ. وَرُويَ
عَنْ أَبي زَيْدٍ أَنه قَالَ: إِنِّي لآبَهُ بِكَ عَنْ ذَلِكَ الأَمر إِلَى خَيْرٍ مِنْهُ إِذَا رَفَعْتَهُ عَنْ ذَلِكَ.
الْفَرَّاءُ: يُقَالُ جَاءَتْ تَبُوه بَواهاً أَي تَضِجُّ.
وجه: الوَجْهُ: مَعْرُوفٌ، وَالْجَمْعُ الوُجُوه. وَحَكَى الْفَرَّاءُ: حَيِّ الوُجُوهَ وحَيِّ الأُجُوه. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: وَيَفْعَلُونَ ذَلِكَ كَثِيرًا فِي الْوَاوِ إِذَا انْضَمَّتْ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه ذَكَرَ فِتَناً كوُجُوهِ البَقَرِ
أَي يُشْبِه بَعْضُها بَعْضًا لأَن وُجُوهَ الْبَقَرِ تَتَشَابَهُ كَثِيرًا؛ أَراد أَنها فِتَنٌ مُشْتَبِهَةٌ لَا يُدْرَى كَيْفَ يُؤْتَى لَهَا. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَعِنْدِي أَن الْمُرَادَ تأْتي نواطِحَ لِلنَّاسِ وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا نَواطِحُ الدَّهْرِ لِنَوَائِبِهِ. ووَجْهُ كُلِّ شَيْءٍ: مُسْتَقْبَلُه، وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ
. وَفِي حَدِيثِ
أُمّ سَلَمَةَ: أَنها لَمَّا وَعَظَتْ عَائِشَةَ حِينَ خَرَجَتْ إِلَى الْبَصْرَةِ قَالَتْ لَهَا: لَوْ أَن رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَارَضَكِ بِبَعْضِ الفَلَواتِ ناصَّةً قَلُوصاً مِنْ مَنْهَلٍ إِلَى مَنْهَلٍ قَدْ وَجَّهْتِ سدافَتَه وتَرَكْتِ عُهَّيْداهُ
فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ؛ قَوْلُهَا: وَجَّهْتِ سِدافَتَه أَي أَخذتِ وَجْهاً هَتَكْتِ سِتْرَك فِيهِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَزَلْتِ سِدافَتَهُ، وَهِيَ الحجابُ، مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي أُمِرْتِ أَن تَلْزَمِيه وجَعَلْتِها أَمامَكِ. الْقُتَيْبِيُّ: وَيَكُونُ مَعْنَى وَجَّهْتِهَا أَي أَزَلْتِهَا مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي أُمِرْتِ بِلُزُومِهِ وجَعَلْتِهَا أَمامَكِ. والوَجْهُ: المُحَيَّا. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً
؛ أَي اتَّبِع الدِّينَ القَيِّمَ، وأَراد فأَقيموا وُجُوهَكُمْ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ بَعْدَهُ: مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ؛ والمخاطَبُ النبيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمُرَادُ هُوَ والأُمَّةُ، وَالْجَمْعُ أَوْجُهٌ ووُجُوهٌ. قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَقَدْ تَكُونُ الأَوْجُهُ لِلْكَثِيرِ، وَزَعَمَ أَن فِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ أَوْجُهِكُمْ مَكَانَ وُجُوهِكُمْ، أُراه يُرِيدُ قَوْلَهُ تَعَالَى: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ*
. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ
؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: أَراد إِلَّا إيَّاهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
كانَتْ وُجُوهُ بُيُوت(13/555)
أَصحابِهِ شَارِعَةً فِي الْمَسْجِدِ
؛ وَجْهُ البيتِ: الخَدُّ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ بَابُهُ أَي كَانَتْ أَبواب بُيُوتِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ، وَلِذَلِكَ قِيلَ لخَدِّ الْبَيْتِ الَّذِي فِيهِ الْبَابُ وَجْهُ الكَعْبةِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
لتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَو لَيُخالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهكم
؛ أَراد وُجوهَ الْقُلُوبِ، كَحَدِيثِهِ الْآخَرِ:
لَا تَخْتَلِفُوا فتَخْتَلِفَ قُلُوبكم
أَي هَوَاها وإرادَتُها. وَفِي حَدِيثِ
أَبي الدَّرْداءِ: لَا تَفْقَهُ حَتَّى تَرَى لِلْقُرْآنِ وُجُوهاً
أَي تَرَى لَهُ مَعَانيَ يَحْتَمِلُهَا فتَهابَ الإِقْدامَ عَلَيْهِ. ووُجُوهُ الْبَلَدِ: أَشرافُه. وَيُقَالُ: هَذَا وَجْهُ الرأْيِ أَي هُوَ الرأْيُ نَفْسُه. والوَجْه والجِهَةُ بِمَعْنًى، وَالْهَاءُ عِوَضٌ مِنَ الْوَاوِ، وَالِاسْمُ الوِجْهَةُ والوُجْهَةُ، بِكَسْرِ الْوَاوِ وَضَمِّهَا، وَالْوَاوُ تَثْبُتُ فِي الأَسماء كَمَا قَالُوا وِلْدَةٌ، وَإِنَّمَا لَا تَجْتَمِعُ مَعَ الْهَاءِ فِي الْمَصَادِرِ. واتَّجَهَ لَهُ رأْيٌ أَي سَنَحَ، وَهُوَ افْتَعَلَ، صَارَتِ الْوَاوُ يَاءً لِكَسْرَةِ مَا قَبْلَهَا، وأُبدلت مِنْهَا التَّاءُ وأُدغمت ثُمَّ بُنِيَ عَلَيْهِ قَوْلُكَ قَعَدْتُ تُجاهَكَ وتِجَاهَكَ أَي تِلْقاءَك. ووَجْهُ الفَرَسِ: مَا أَقبل عَلَيْكَ مِنَ الرأْس مِنْ دُونِ مَنَابت شَعْرِ الرأْس. وَإِنَّهُ لعَبْدُ الوَجْهِ وحُرُّ الوَجْهِ، وَإِنَّهُ لسَهْلُ الوَجْهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ ظَاهِرَ الوَجْنَةِ. ووَجْهُ النَّهَارِ: أَوَّلُهُ. وَجِئْتُكَ بوَجْهِ نهارٍ أَي بأَوّل نهار. وكان ذلك على وَجْهِ الدهرأَي أَوَّلِهِ؛ وَبِهِ يُفَسِّرُهُ ابْنُ الأَعرابي. وَيُقَالُ: أَتيته بوَجْهِ نهارٍ وشَبابِ نهارٍ وصَدْرِ نهارٍ أَي فِي أَوَّله؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
مَنْ كَانَ مَسْروراً بمَقْتَلِ مالِكٍ، ... فليأْتِ نِسْوَتَنَا بوَجْهِ نهارِ
وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ
؛ صَلَاةُ الصُّبْحِ، وَقِيلَ: هُوَ أَوّل النَّهَارِ. ووَجْهُ النَّجْمِ: مَا بَدَا لَكَ مِنْهُ. ووَجْهُ الْكَلَامِ: السبيلُ الَّذِي تَقْصِدُهُ بِهِ. وجاهاهُ إِذَا فاخَرَهُ. ووُجُوهُ الْقَوْمِ: سَادَتُهُمْ، وَاحِدُهُمْ وَجْهٌ، وَكَذَلِكَ وُجَهَاؤهم، وَاحِدُهُمْ وَجِيهٌ. وصَرَفَ الشيءَ عَنْ وَجْهِهِ أَي سَنَنِهِ. وجِهَةُ الأَمرِ وجَهَتُهُ ووِجْهَتُه ووُجْهَتُهُ: وَجْهُهُ. الْجَوْهَرِيُّ: الِاسْمُ الوِجْهَة والوُجْهة، بِكَسْرِ الْوَاوِ وَضَمِّهَا، وَالْوَاوُ تَثْبُتُ فِي الأَسماء كَمَا قَالُوا وِلْدَةٌ، وَإِنَّمَا لَا تَجْتَمِعُ مَعَ الْهَاءِ فِي المصادرِ. وَمَا لَهُ جِهَةٌ فِي هَذَا الأَمرِ وَلَا وِجْهَةٌ أَي لَا يُبْصِرُ وجْهَ أَمره كَيْفَ يأْتي لَهُ. والجِهَةُ والوِجْهَةُ جَمِيعًا: الموضعُ الَّذِي تَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ وَتَقْصِدُهُ. وضَلَّ وِجْهَةَ أَمْرهِ أَي قَصْدَهُ؛ قَالَ:
نَبَذَ الجِوَارَ وضَلَّ وِجْهَةَ رَوْقِهِ، ... لَمَّا اخْتَلَلْتُ فُؤَادَهُ بالمِطْرَدِ
وَيُرْوَى: هِدْيَةَ رَوْقِهِ. وخَلِّ عَنْ جِهَتِه: يُرِيدُ جِهَةَ الطريقِ. وَقَلْتُ كَذَا عَلَى جِهَةِ كَذَا، وَفَعَلْتُ ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ الْعَدْلِ وَجِهَةِ الْجَوْرِ؛ وَالْجِهَةُ: النَّحْوُ، تَقُولُ كَذَا عَلَى جِهَةِ كَذَا، وَتَقُولُ: رَجُلٌ أَحمر مِنْ جِهَتِهِ الْحُمْرَةُ، وأَسود مِنْ جِهَتِهِ السَّوَادُ. والوِجهةُ والوُجهةُ: القِبلةُ وشِبْهها فِي كُلِّ وُجْهَةٍ أَي فِي كُلِّ وَجْهٍ اسْتَقْبَلْتَهُ وأَخذت فِيهِ. وتَجَهْتُ إِلَيْكَ أَتْجَهُ أَي توجهتُ، لأَن أَصل التَّاءِ فِيهِمَا وَاوٌ. وتوَجَّه إِلَيْهِ: ذَهَبَ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ أَبو زَيْدٍ تَجِهَ الرجلُ يَتْجَهُ تَجَهاً. وَقَالَ الأَصمعي: تَجَهَ، بِالْفَتْحِ؛ وأَنشد أَبو زَيْدٍ لمِرْداسِ بْنِ حُصين:
قَصَرْتُ لَهُ القبيلةَ، إِذْ تَجِهْنا ... وَمَا ضاقَتْ بشَدّته ذِراعي
والأَصمعي يَرْوِيهِ: تَجَهْنا، وَالَّذِي أَراده اتَّجَهْنا، فَحَذَفَ أَلف الْوَصْلِ وَإِحْدَى التَّاءَيْنِ، وقَصَرْتُ:(13/556)
حبَسْتُ. والقبيلةُ: اسْمُ فَرَسِهِ، وَهِيَ مَذْكُورَةٌ فِي مَوْضِعِهَا، وَقِيلَ: الْقَبِيلَةُ اسْمُ فرسٍ؛ أَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لطُفيلٍ:
بناتُ الغُرابِ والوجِيهِ ولاحِقٍ، ... وأَعْوَجَ تَنْمي نِسْبَةَ المُتَنسِّبِ
واتَّجَهَ لَهُ رأْيٌ أَي سَنَحَ، وَهُوَ افْتَعَل، صَارَتِ الْوَاوُ يَاءً لِكَسْرَةِ مَا قَبْلَهَا، وأُبدلت مِنْهَا التَّاءُ وأُدغمت ثُمَّ بُنِيَ عَلَيْهِ قَوْلُكَ قَعَدْتُ تُجاهَكَ وتِجاهَكَ أَي تِلْقاءك. وتَجَهْتُ إِلَيْكَ أَتْجَهُ أَي توجهتُ لأَن أَصل التَّاءِ فِيهِمَا وَاوٌ. ووَجَّه إِلَيْهِ كَذَا: أَرسله، ووجَّهْتُهُ فِي حاجةٍ ووجَّهْتُ وجْهِيَ لِلَّهِ وتوَجَّهْتُ نحوَكَ وَإِلَيْكَ. وَيُقَالُ فِي التَّحْضِيضِ: وَجِّهِ الحَجَرَ وجْهةٌ ما لَهُ وجِهَةٌ مَا لَهُ ووَجْهٌ مَا لَهُ، وَإِنَّمَا رُفِعَ لأَن كُلَّ حَجَرٍ يُرْمى بِهِ فَلَهُ وجْهٌ؛ كُلُّ ذَلِكَ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ وجِّه الحَجَرَ وِجْهةً وجِهةً مَا لَهُ ووَجْهاً مَا لَهُ، فَنُصِبَ بِوُقُوعِ الْفِعْلِ عَلَيْهِ، وَجَعَلَ مَا فَضْلًا، يُرِيدُ وَجِّه الأَمرَ وَجْهَهُ؛ يُضْرَبُ مَثَلًا للأَمر إِذَا لَمْ يَسْتَقِمْ مِنْ جهةٍ أَن يُوَجِّهَ لَهُ تَدْبِيرًا مِنْ جِهةٍ أُخرى، وأَصل هَذَا فِي الحَجَرِ يُوضَعُ فِي الْبِنَاءِ فَلَا يَسْتَقِيمُ، فيُقْلَبُ عَلَى وجْهٍ آخَرَ فَيَسْتَقِيمُ. أَبو عُبَيْدٍ فِي بَابِ الأَمر بِحُسْنِ التَّدْبِيرِ وَالنَّهْيِ عَنِ الخُرْقِ: وَجِّهْ وَجْهَ الحَجَرِ وِجْهةً ما له، وَيُقَالُ: وِجْهة مَا لَهُ، بِالرَّفْعِ، أَي دَبِّرِ الأَمر عَلَى وجْهِه الَّذِي يَنْبَغِي أَن يُوَجَّهَ عَلَيْهِ. وَفِي حُسْنِ التَّدْبِيرِ يُقَالُ: ضَرَبَ وجْهَ الأَمر وعيْنَه. أَبو عُبَيْدَةَ: يُقَالُ وَجِّه الْحَجَرَ جهةٌ مَا لَهُ، يُقَالُ فِي مَوْضِعِ الحَضِّ عَلَى الطَّلَبِ، لأَن كُلَّ حَجَرٍ يُرْمى بِهِ فَلَهُ وجْهٌ، فَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى رَفَعَهُ، وَمَنْ نَصَبَهُ فكأَنه قَالَ وَجِّه الْحَجَرَ جِهَتَه، وَمَا فضْلٌ، وَمَوْضِعُ الْمَثَلِ ضَعْ كلَّ شَيْءٍ مَوْضِعَهُ. ابْنُ الأَعرابي: وَجِّه الْحَجَرَ جِهَةً مَا لَهُ وجهةٌ مَا له ووِجْهةً ما له ووِجهةٌ مَا لَهُ ووَجْهاً مَا لَهُ ووَجْهٌ مَا لَهُ. والمُواجَهَةُ: المُقابلَة. والمُواجَهةُ: اسْتِقْبَالُكَ الرَّجُلَ بِكَلَامٍ أَو وَجْهٍ؛ قَالَهُ اللَّيْثُ. وَهُوَ وُجاهَكَ ووِجاهَكَ وتُجاهَكَ وتِجاهَكَ أَي حِذاءَكَ مِنْ تِلْقاءِ وَجْهِكَ. وَاسْتَعْمَلَ سِيبَوَيْهِ التُّجاهَ اسْمًا وَظَرْفًا. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: داريِ وجاهَ دارِكَ ووَجاهَ دارِكَ ووُجاهَ دَارِكَ، وَتُبَدُلُ التَّاءُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ. وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: وَكَانَ لِعَلِيٍّ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَجْهٌ مِنَ النَّاسِ حياةَ فاطمةَ، رِضوانُ اللَّهِ عَلَيْهَا
، أَي جاهٌ وعِزٌّ فقَدَهما بَعْدَهَا. والوُجاهُ والتُّجاهُ: الوجْهُ الَّذِي تَقْصِدُهُ. وَلَقِيَهُ وِجاهاً ومُواجَهةً: قابَل وجْهَهُ بوجْهِه. وتواجَهَ المنزلانِ وَالرَّجُلَانِ: تَقَابَلَا. والوُجاهُ والتُّجاه: لُغَتَانِ، وَهُمَا مَا اسْتَقْبَلَ شَيْءٌ شَيْئًا، تَقُولُ: دارُ فلانٍ تُجاهَ دَارِ فُلَانٍ. وَفِي حَدِيثِ صَلَاةِ الْخَوْفِ:
وطائفةٌ وُجاهَ الْعَدُوِّ
أَي مُقابَلتَهم وحِذاءَهم، وَتُكْسَرُ الْوَاوُ وَتُضَمُّ؛ وَفِي رِوَايَةٍ:
تُجاهَ العدوِّ
، وَالتَّاءُ بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ مِثْلُهَا فِي تُقاةٍ وتُخَمةٍ، وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ. وَرَجُلٌ ذُو وَجْهينِ إِذَا لَقِيَ بِخِلَافِ مَا فِي قَلْبِهِ. وَتَقُولُ: توجَّهوا إِلَيْكَ ووَجَّهوا، كلٌّ يُقَالُ غَيْرَ أَن قَوْلَكَ وَجَّهوا إِلَيْكَ عَلَى مَعْنَى وَلَّوْا وُجوهَهُم، والتَّوَجُّه الْفِعْلُ اللَّازِمُ. أَبو عُبَيْدٍ: مِنْ أَمثالهم: أَينما أُوَجِّهْ أَلْقَ سَعْداً؛ مَعْنَاهُ أَين أَتَوَجَّه. وقَدَّمَ وتَقَدَّمَ وبَيَّنَ وتبَيَّنَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. والوجْهُ: الجاهُ. وَرَجُلٌ مُوَجَّهٌ ووَجِيهٌ: ذُو جَاهٍ وَقَدْ وَجُهَ وَجاهةً. وأَوْجَهَه: جَعَلَ لَهُ وجْهاً عِنْدَ النَّاسِ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِامْرِئِ الْقَيْسِ:(13/557)
ونادَمْتُ قَيْصَر فِي مُلْكِه، ... فأَوْجَهَني وركِبْتُ البَريدا
وَرَجُلٌ وَجِيهٌ: ذُو وَجاهةٍ. وَقَدْ وَجُه الرجلُ، بِالضَّمِّ: صَارَ وَجِيهاً أَي ذَا جاهٍ وقَدْر. وأَوجَهَه اللَّهُ أَي صَيَّرَه وَجِيهاً. ووجَّهَه السلطانُ وأَوجَهَه: شرَّفَه. وأَوجَهْتُه: صادَفْتُه وَجِيهاً، وكلُّه مِنَ الوَجْهِ؛ قَالَ المُساوِرُ بْنُ هِنْدِ بْنِ قيْس بْنِ زُهَيْر:
وأَرَى الغَواني، بَعْدَ ما أَوْجَهْنَني، ... أَدْبَرْنَ ثُمَّتَ قُلْنَ: شيخٌ أَعْوَرُ
وَرَجُلٌ وَجْهٌ: ذُو جَاهٍ. وكِساءٌ مُوَجَّهٌ أَي ذُو وَجْهَينِ. وأَحْدَبُ مُوَجَّهٌ: لَهُ حَدَبَتانِ مِنْ خَلْفِهِ وأَمامه، عَلَى التَّشْبِيهِ بِذَلِكَ. وَفِي حَدِيثِ
أَهل الْبَيْتِ: لَا يُحِبُّنا الأَحْدَبُ المُوَجَّهُ
؛ حَكَاهُ الْهَرَوِيُّ فِي الْغَرِيبَيْنِ. ووَجَّهَتِ الأَرضَ المَطَرَةُ: صَيَّرتَهْا وَجْهاً وَاحِدًا، كَمَا تَقُولُ: تَرَكَتِ الأَرضَ قَرْواً وَاحِدًا. ووَجَّهَها المطرُ: قَشَرَ وَجْهَها وأَثر فِيهِ كحَرَصَها؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. وَفِي الْمَثَلِ: أَحمق مَا يتَوَجَّهُ أَي لَا يُحْسِنُ أَن يأْتي الْغَائِطَ. ابْنُ سِيدَهْ: فُلَانٌ مَا يتَوَجَّهُ؛ يَعْنِي أَنه إِذَا أَتى الْغَائِطَ جَلَسَ مُسْتَدِبِرَ الرِّيحِ فتأْتيه الرِّيحُ بِرِيحِ خُرْئِه. والتَّوَجُّهُ: الإِقبال وَالِانْهِزَامُ. وتَوَجَّهَ الرجلُ: وَلَّى وكَبِرَ؛ قَالَ أَوْسُ بْنُ حَجَرٍ:
كعَهْدِكِ لَا ظِلُّ الشَّبابِ يُكِنُّني، ... وَلَا يَفَنٌ مِمَّنْ تَوَجَّهَ دالِفُ
وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا كَبِرَ سِنُّهُ: قَدْ تَوَجَّهَ. ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ شَمِطَ ثُمَّ شَاخَ ثُمَّ كَبِرَ ثُمَّ تَوَجَّهَ ثُمَّ دَلَف ثُمَّ دَبَّ ثُمَّ مَجَّ ثُمَّ ثَلَّبَ ثُمَّ الْمَوْتُ. وَعِنْدِي امرأَة قَدْ أَوْجَهَتْ أَي قَعَدَتْ عَنِ الْوِلَادَةِ. وَيُقَالُ: وَجَّهَتِ الريحُ الْحَصَى تَوْجِيهاً إِذَا سَاقَتْهُ؛ وأَنشد:
تُوَجِّهُ أَبْساطَ الحُقُوفِ التَّياهِرِ
وَيُقَالُ: قَادَ فلانٌ فُلَانًا فوَجَّه أَي انْقَادَ وَاتَّبَعَ. وشيءٌ مُوَجَّهٌ إِذَا جُعِلَ عَلَى جِهَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَخْتَلِفُ. اللِّحْيَانِيُّ: نَظَرَ فلانٌ بِوُجَيْهِ سُوءٍ وبجُوهِ سُوءٍ وبِجيهِ سوءٍ. وَقَالَ الأَصمعي: وَجَهْتُ فُلَانًا إِذَا ضَرَبْتَ فِي وجْهِه، فَهُوَ مَوْجوهٌ. وَيُقَالُ: أَتى فُلَانٌ فُلَانًا فأَوْجَهَهُ وأَوْجَأَهُ إِذَا رَدَّهُ. وجُهتُ فُلَانًا بِمَا كَرِهَ فأَنا أَجُوهه إِذَا اسْتَقْبَلْتَهُ بِهِ؛ قَالَهُ الْفَرَّاءُ، وكأَن أَصله مِنَ الوَجْه فقُلِبَ، وَكَذَلِكَ الجاهُ وأَصله الوَجْهُ. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَسَمِعْتُ امرأَة تَقُولُ أَخاف أَن تجُوهَني بأَكثر مِنْ هَذَا أَي تَسْتَقْبِلَنِي. قَالَ شَمِرٌ: أُراه مأْخوذاً مِنَ الوَجْهِ؛ الأَزهري: كأَنه مَقْلُوبٌ. وَيُقَالُ: خَرَجَ الْقَوْمُ فوَجَّهُوا لِلنَّاسِ الطريقَ تَوْجِيهًا إِذَا وَطِئُوه وسَلَكوه حَتَّى اسْتَبَانَ أَثَرُ الطَّرِيقِ لِمَنْ يَسْلُكُهُ. وأَجْهَتِ السماءُ فَهِيَ مُجْهِيَةٌ إِذَا أَصْبَحت، وأَجْهَت لَكَ السَّبيلُ أَي اسْتَبَانَتْ. وبيتٌ أَجْهَى: لَا سِتْرَ عَلَيْهِ. وبيوتٌ جُهْوٌ، بِالْوَاوِ، وعَنْزٌ جَهْواء: لَا يَسْتُرُ ذَنَبُها حَيَاءَهَا. وَهُمْ وِجاهُ أَلْفٍ أَي زُهاءُ أَلفٍ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. ووَجَّهَ النخلةَ: غَرَسَهَا فأَمالها قِبَلَ الشَّمال فأَقامتْها الشَّمالُ. والوَجِيهُ مِنَ الْخَيْلِ: الَّذِي تَخْرُجُ يَدَاهُ مَعًا عِنْدَ النِّتاج، وَاسْمُ ذَلِكَ الْفِعْلِ التَّوْجيهُ. وَيُقَالُ لِلْوَلَدِ إِذَا خَرَجَتْ يَدَاهُ مِنَ الرَّحِمِ أَوّلًا: وَجِيهٌ، وَإِذَا خَرَجَتْ رِجْلَاهُ أَوّلًا: يَتْنٌ. والوجيهُ: فَرَسٌ مِنْ خَيْلِ الْعَرَبِ نَجِيبٌ، سُمِّيَ بِذَلِكَ. والتَّوْجيهُ فِي الْقَوَائِمِ: كالصَّدَفِ إلَّا أَنه دُونَهُ، وَقِيلَ: التَّوْجيهُ مِنَ الفَرَس تَدانِي العُجايَتَيْنِ(13/558)
وتَداني الْحَافِرَيْنِ والْتِواءٌ مِنَ الرُّسْغَيْنِ. وَفِي قَوافي الشِّعْرِ التأْسيس والتَّوْجيهُ والقافيةُ، وَذَلِكَ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ:
كِلِيني لهَمٍّ، يَا أُمَيمَةَ، ناصِبِ
فَالْبَاءُ هِيَ الْقَافِيَةُ، والأَلف الَّتِي قَبْلَ الصَّادِ تأْسيسٌ، والصادُ تَوْجِيهٌ بَيْنَ التأْسيس وَالْقَافِيَةِ، وإِنما قِيلَ لَهُ تَوْجِيهٌ لأَن لَكَ أَن تُغَيِّرَه بأَيِّ حرفٍ شئتَ، وَاسْمُ الْحَرْفِ الدَّخِيلُ. الْجَوْهَرِيُّ: التَّوْجيهُ هُوَ الْحَرْفُ الَّذِي بَيْنَ أَلف التأْسيس وَبَيْنَ الْقَافِيَةِ، قَالَ: وَلَكَ أَن تُغَيِّرَهُ بأَي حَرْفٍ شئتَ كَقَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ: أَنِّي أَفِرّ، مَعَ قَوْلِهِ: جَمِيعًا صُبُرْ، واليومُ قَرّ، وَلِذَلِكَ قِيلَ لَهُ تَوْجيهٌ؛ وَغَيْرُهُ يَقُولُ: التَّوْجِيهُ اسْمٌ لِحَرَكَاتِهِ إِذا كَانَ الرَّوِيُّ مُقَيَّداً. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: التَّوْجيهُ هُوَ حَرَكَةُ الْحَرْفِ الَّذِي قَبْلَ الرويِّ الْمُقَيَّدِ، وَقِيلَ لَهُ تَوْجِيهٌ لأَنه وَجَّهَ الحرفَ الذي قبل الرَّوِيِّ الْمُقَيَّدِ إِليه لَا غَيْرَ، وَلَمْ يَحْدُث عَنْهُ حرفُ لِينٍ كَمَا حَدَثَ عَنِ الرَّسِّ والحَذْوِ والمَجْرَى والنَّفادِ، وأَما الْحَرْفُ الَّذِي بَيْنَ أَلف التأْسيس والرَّوِيِّ فإِنه يُسَمَّى الدَّخيلَ، وسُمِّي دَخِيلًا لِدُخُولِهِ بَيْنَ لَازِمَيْنِ، وَتُسَمَّى حَرَكَتُهُ الإِشباعَ، وَالْخَلِيلُ لَا يُجِيزُ اخْتِلَافَ التَّوْجِيهِ وَيُجِيزُ اخْتِلَافَ الإِشباع، وَيَرَى أَن اخْتِلَافَ التَّوْجِيهِ سِنادٌ، وأَبو الْحَسَنِ بِضِدِّهِ يَرَى اخْتِلَافَ الإِشباع أَفحش مِنَ اخْتِلَافِ التَّوْجِيهِ، إِلا أَنه يَرَى اخْتِلَافَهُمَا، بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ، جَائِزًا، وَيَرَى الْفَتْحَ مَعَ الْكَسْرِ وَالضَّمِّ قَبِيحًا فِي التَّوْجِيهِ والإِشباع، وَالْخَلِيلُ يَسْتَقْبِحُهُ فِي التَّوْجِيهِ أَشدّ مِنَ اسْتِقْبَاحِهِ فِي الإِشباع، وَيَرَاهُ سِناداً بِخِلَافِ الإِشباع، والأَخفش يَجْعَلُ اخْتِلَافَ الإِشباع بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ أَو الْكَسْرِ سِناداً؛ قَالَ: وَحِكَايَةُ الْجَوْهَرِيُّ مُنَاقِضَةٌ لِتَمْثِيلِهِ، لأَنه حَكَى أَن التَّوْجِيهَ الْحَرْفُ الَّذِي بَيْنَ أَلف التأْسيس وَالْقَافِيَةِ، ثُمَّ مثَّله بِمَا لَيْسَ لَهُ أَلف تأْسيس نَحْوَ قَوْلِهِ: أَني أَفرّ، مَعَ قَوْلِهِ: صُبُرْ، واليومُ قَرّ. ابْنُ سِيدَهْ: والتَّوْجِيهُ فِي قَوافي الشِّعْرِ الحرفُ الذي قبل الرَّوِيّ فِي الْقَافِيَةِ الْمُقَيَّدَةِ، وَقِيلَ: هُوَ أَن تَضُمَّهُ وَتَفْتَحَهُ، فإِن كَسَرْتَهُ فَذَلِكَ السِّنادُ؛ هَذَا قَوْلُ أَهل اللُّغَةِ، وَتَحْرِيرُهُ أَن تَقُولَ: إِن التَّوْجيهَ اختلافُ حَرَكَةُ الْحَرْفِ الَّذِي قَبْلَ الرَّوِيِّ الْمُقَيَّدِ كَقَوْلِهِ:
وقاتِمِ الأَعْماقِ خاوِي المُخْتَرَقْ
وَقَوْلُهُ فِيهَا:
أَلَّفَ شَتَّى لَيْسَ بِالرَّاعِي الحَمِقْ
وَقَوْلُهُ مَعَ ذَلِكَ:
سِرّاً وَقَدْ أَوَّنَ تأْوينَ العُقُقْ
قَالَ: وَالتَّوْجِيهُ أَيضاً الَّذِي بَيْنَ حَرْفِ الرَّوِيِّ الْمُطْلَقِ والتأْسيس كَقَوْلِهِ:
أَلا طالَ هَذَا الليلُ وازْوَرَّ جانِبُهْ
فالأَلف تأْسيس، وَالنُّونُ تَوْجِيهٌ، وَالْبَاءُ حَرْفُ الرَّوِيِّ، وَالْهَاءُ صِلَةٌ؛ وَقَالَ الأَخفش: التَّوْجيهُ حَرَكَةُ الْحَرْفِ الَّذِي إِلَى جَنْبِ الرَّوِيّ الْمُقَيَّدِ لَا يَجُوزُ مَعَ الْفَتْحِ غَيْرُهُ نَحْوَ:
قَدْ جَبَرَ الدِّينَ الإِلهُ فجَبَرْ
الْتَزَمَ الْفَتْحَ فِيهَا كُلِّهَا، وَيَجُوزُ مَعَهَا الْكَسْرُ وَالضَّمُّ فِي قَصِيدَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا مثَّلنا. وَقَالَ ابْنُ جِنِّي: أَصله مِنَ التَّوْجِيه، كأَن حَرْفَ الرَّوِيّ مُوَجَّهٌ عِنْدَهُمْ أَي كأَنَّ لَهُ وَجْهَيْنِ: أَحدهما مِنْ قَبْلِهِ، وَالْآخَرُ مِنْ بَعْدِهِ، أَلا تَرَى أَنهم اسْتَكْرَهُوا اخْتِلَافَ الْحَرَكَةِ مِنْ قَبْلِهِ مَا دَامَ مُقَيَّدًا نَحْوَ الحَمِقْ والعُقُقْ والمُخْتَرَقْ؟ كَمَا يَسْتَقْبِحُونَ اخْتِلَافَهَا فِيهِ مَا دَامَ مُطْلَقًا نَحْوَ قَوْلِهِ:(13/559)
عَجْلانَ ذَا زَادٍ وغيرَ مُزَوَّدِ
مَعَ قَوْلِهِ فِيهَا:
وَبِذَاكَ خَبَّرَنا الغرابُ الأَسْوَدُ
وَقَوْلُهُ:
عَنَمٌ يكادُ مِنَ اللَّطافَةِ يُعْقَدُ
فَلِذَلِكَ سُمِّيَتِ الْحَرَكَةُ قَبْلَ الرَّوِيِّ الْمُقَيَّدِ تَوجيهاً، إَعلاماً أَن لِلرَّوِيِّ وَجْهَيْنِ فِي حَالَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَذَلِكَ أَنه إِذا كَانَ مُقَيَّدًا فَلَهُ وَجْهٌ يَتَقَدَّمُهُ، وإِذا كَانَ مُطْلَقًا فَلَهُ وَجْهٌ يتأَخر عَنْهُ، فَجَرَى مَجْرَى الثَّوْبِ المُوَجَّهِ ونحوِه؛ قَالَ: وَهَذَا أَمثل عِنْدِي مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ إِنما سُمِّي تَوْجيهاً لأَنه يَجُوزُ فِيهِ وُجُوهٌ مِنَ اخْتِلَافِ الْحَرَكَاتِ، لأَنه لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لمَا تَشدَّد الْخَلِيلُ فِي اخْتِلَافِ الْحَرَكَاتِ قَبْلَهُ، ولمَا فَحُشَ ذَلِكَ عِنْدَهُ. والوَجِيهَةُ: خَرَزَةٌ، وَقِيلَ: ضَرْبٌ مِنَ الخَرَزِ. وَبَنُو وَجِيهةَ: بطن.
وده: الوَدْهُ: فعلٌ مُمات، وَقَدْ وَدِهَ وَدَهاً. وأَوْدَهَني عن كذا: صَدَّني. اسْتَوْدَهتِ الإِبلُ واسْتَيْدَهَتْ، بِالْوَاوِ وَالْيَاءِ، إِذا اجْتَمَعَتْ وَانْسَاقَتْ، وَمِنْهُ اسْتِيداهُ الخَصْمِ. واسْتَوْدَهَ الخَصْمُ: غُلِبَ وانقادَ ومُلِكَ عَلَيْهِ أَمْرُه، وَكَذَلِكَ اسْتَيْدَهَ، وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ يَائِيَّةٌ وَوَاوِيَّةٌ؛ وأَنشد الأَصمعي لأَبي نُخَيْلَةَ:
حَتَّى اتْلأَبُّوا بعد ما تَبَدُّدِ، ... واسْتَيْدَهُوا للقَرَبِ العَطَوَّدِ
أَي انْقَادُوا وَذَلُّوا، وَهَذَا مَثَلٌ؛ قَالَ المُخَبَّلُ:
ورَدُّوا صُدورَ الخَيْلِ حَتَّى تَنَهْنَهَتْ، ... إِلى ذِي النُّهَى، واسْتَيْدَهُوا للمُحَلِّمِ
يَقُولُ: أَطاعوا الَّذِي كَانَ يأْمرهم بِالْحِلْمِ، وَرُوِيَ: واسْتَيْقَهُوا مِنَ الْقاهِ، وَهُوَ الطَّاعَةُ. والوَدْهاءُ: الحَسَنةُ اللونِ في بياضٍ.
وره: الوَرَهُ: الحُمْقُ فِي كُلِّ عَمَلٍ، وَيُقَالُ: الخُرْقُ فِي الْعَمَلِ. والأَوْرَهُ: الَّذِي تَعْرِفُ وَتُنْكِرُ وَفِيهِ حُمْقٌ وَلِكَلَامِهِ مَخارِجُ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي لَا يَتمالكُ حُمْقاً، وَقَدْ وَرِهَ وَرَهاً. وكَثِيبٌ أَوْرَهُ: لَا يَتمالكُ. وامرأَة وَرْهاءُ: خَرْقاءُ بِالْعَمَلِ. وامرأَة وَرْهاءُ الْيَدَيْنِ: خَرْقاءُ؛ قَالَ:
تَرَنُّمَ وَرْهاءِ الْيَدَيْنِ تَحامَلَتْ ... عَلَى البَعْلِ، يَوْمًا، وَهِيَ مَقَّاءُ ناشِزُ
المَقَّاءُ: الْكَثِيرَةُ الْمَاءِ، وَقَدْ وَرِهَتْ تَوْرَهُ؛ قَالَ الفِنْدُ الزِّمَّانِيُّ يَصِفُ طَعْنَة:
كجَيْبِ الدِّفْنِسِ الوَرْهاءِ ... رِيعَتْ، وهْيَ تَسْتَفْلي
وَيُرْوَى لِامْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ عابِسٍ. وَفِي حَدِيثِ
الأَحْنَفِ: قَالَ لَهُ الحُبابُ وَاللَّهِ إِنك لضَئِيلٌ وإِن أُمَّك لوَرْهاءُ
؛ الوَرَهُ، بِالتَّحْرِيكِ: الخُرْقُ فِي كُلِّ عَمَلٍ، وَقِيلَ: الْحُمْقُ. وَرَجُلٌ أَوْرَهُ إِذا كَانَ أَحمق أَهوج، وَقَدْ وَرِهَ يَوْرَهُ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
جَعْفَرٍ الصَّادِقِ: قَالَ لِرَجُلٍ نَعَمْ يَا أَوْرَهُ
والوُرَّهُ: الرِّمال الَّتِي لَا تتماسكُ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
عَنْهَا وأَثْباج الرِّمالِ الوُرَّهِ
وتَوَرَّهَ فُلَانٌ فِي عَمَلِ هَذَا الشَّيْءَ إِذا لَمْ يَكُنْ لَهُ بِهِ حَذاقةٌ. وَرِيحٌ وَرْهاءُ: فِي هُبوبها خُرْقٌ وعَجْرَفَةٌ. ابْنُ بُزُرْج: الوَرِهَةُ الكثيرةُ الشحمِ، وَرِهَتْ فَهِيَ تَرِهُ مِثْلُ وَرِمَتْ فَهِيَ تَرِمُ. وَسَحَابٌ وَرِهٌ وَسَحَابَةٌ وَرِهَةٌ إِذا كَثُرَ مَطَرُهَا؛ قَالَ الهُذَلِيُّ:(13/560)
جُوفُ رَبابٍ ورِهٍ مُثْقَلِ
وَدَارٌ وارهةٌ: وَاسِعَةٌ. والوَرَهْرَهَةُ: المرأَة الْحَمْقَاءُ. والهَوَرْوَرةُ: الْهَالِكَةُ.
وفه: الوافِهُ: قَيِّمُ البِيعةِ الَّذِي يَقُومُ عَلَى بَيْتِ النَّصَارَى الَّذِي فِيهِ صَلِيبُهُمْ، بِلُغَةِ أَهل الْجَزِيرَةِ، كالواهِفِ، ورُتْبَتُهُ الوَفْهِيَّةُ. وَفِي كِتَابِهِ لأَهل نَجْرانَ: لَا يُحَرَّكُ راهبٌ عَنْ رَهبانيتِهِ، وَلَا يُغَيَّرُ وافِهٌ عَنْ وَفْهِيَّتِهِ، وَلَا قِسِّيسٌ عَنْ قسِّيسِيَّتِهِ. وَجَاءَ فِي بَعْضِ الأَخبار: واقِهٌ، بِالْقَافِ أَيضاً، وَالصَّوَابُ الفاء، ويروى واهِفٌ.
وَقَهَ: الوَقْهُ: الطَّاعَةُ، مَقْلُوبٌ عَنِ الْقاهِ، وَقَدْ وَقِهْتُ وأَيْقَهْتُ واسْتَيْقَهْتُ. وَيُرْوَى: واسْتَيْقَهُوا للمُحَلِّمِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الصَّوَابُ عِنْدِي أَن الْقَاهَ مَقْلُوبٌ مِنَ الوَقْه، بِدَلَالَةِ قَوْلِهِمْ وَقِهْتُ واسْتَيْقَهْتُ، وَمِثْلُ الوَقْهِ والْقاهِ الوجهُ والجاهُ فِي الْقَلْبِ. وَرَوَى
الأَزهري عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: فِي كِتَابِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأَهل نَجْرَانَ: لَا يُحَرَّكُ راهبٌ عَنْ رَهْبانِيَّتهِ، وَلَا واقِهٌ عَنْ وَقاهِيَتِه، وَلَا أُسْقُفٌّ عَنْ أُسْقُفِّيَّتِهِ، شَهِدَ أَبو سُفْيَانَ بنُ حَرْبٍ والأَقرعُ بْنُ حابِسٍ
؛ قَالَ الأَزهري: هَكَذَا رَوَاهُ لَنَا أَبو زَيْدٍ، بِالْقَافِ، وَالصَّوَابُ وافِهٌ عَنْ وَفْهِيَّتهِ؛ كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ بُزُرْج بِالْفَاءِ. وَرَوَاهُ ابْنُ الأَعرابي واهِفٌ، وكأَنه مقلوب.
وَلَهَ: الوَلَهُ: الْحُزْنُ، وَقِيلَ: هُوَ ذِهَابُ الْعَقْلِ وَالتَّحَيُّرِ مِنْ شِدَّةِ الْوَجْدِ أَو الْحُزْنِ أَو الْخَوْفِ. والوَلَهُ: ذِهَابُ الْعَقْلِ لفِقْدانِ الْحَبِيبِ. وَلهَ يَلِه مِثْلُ وَرِم يَرِمُ ويَوْلَهُ عَلَى الْقِيَاسِ، ووَلَه يَلِهُ. الْجَوْهَرِيُّ: وَلِهَ يَوْلَه وَلَهاً وولَهاناً وتَوَلَّه واتَّلَه، وَهُوَ افْتَعَلَ، فأُدغم؛ قَالَ مُلَيْحٌ الْهُذَلِيُّ:
إِذا مَا حَالَ دُونَ كلامِ سُعْدَى ... تَنائي الدارِ، واتَّلَه الغَيُورُ
والوَلَهُ يَكُونُ مِنَ الْحُزْنِ وَالسُّرُورِ مِثْلَ الطَّرَبِ. وَرَجُلٌ وَلْهانُ ووالِهٌ وآلِهٌ، عَلَى الْبَدَلِ: ثَكْلانُ. وامرأَة وَلْهَى ووالهٌ ووالِهَةٌ ومِيلاهٌ: شَدِيدَةُ الْحُزْنِ عَلَى وَلَدِهَا، وَالْجَمْعُ الوُلَّه، وَقَدْ وَلَّهها الحُزْنُ والجَزَعُ وأَوْلَهها؛ قَالَ:
حاملةٌ دَلْوِيَ لَا محمولَهْ، ... مَلأَى مِنَ الْمَاءِ كعينِ المُولَهْ
المُولَهُ: مُفْعَلٌ مِنَ الوَلَهِ، وَكُلُّ أُنثى فَارَقَتْ وَلَدَهَا فَهِيَ والِهٌ؛ قَالَ الأَعشى يَذْكُرُ بَقَرَةً أَكل السِّبَاعُ وَلَدَهَا:
فأَقبلَتْ والِهاً ثَكْلى عَلَى عَجَلٍ، ... كلٌّ دَهَاهَا، وكلٌّ عندَها اجْتَمعا
ابْنُ شُمَيْلٍ: نَاقَةٌ مِيلاهٌ، وَهِيَ الَّتِي فَقدت وَلَدَهَا فَهِيَ تَلِهُ إِليه. يُقَالُ: وَلَهَتْ إِليه تَلِهُ أَي تَحِنُّ إِليه. شَمِرٌ: المِيلاهُ الناقةُ تُرِبُّ بِالْفَحْلِ، فإِذا فَقَدَتْهُ وَلَهَتْ إِليه؛ وَنَاقَةٌ والِهٌ. قَالَ: وَالْجَمَلُ إِذا فَقَدَ أُلَّافَهُ فحنَّ إِليها والِهٌ أَيضاً؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:
وَلِهَتْ نفْسيَ الطَّرُوبُ إِليهم ... وَلَهاً حالَ دُونَ طَعْمِ الطعامِ
ولِهَتْ: حَنَّتْ. وَنَاقَةٌ والِهٌ إِذا اشْتَدَّ وَجْدُها عَلَى وَلَدِهَا. الْجَوْهَرِيُّ: المِيلاهُ الَّتِي مِنْ عَادَتِهَا أَن يَشْتَدَ وجْدُها عَلَى وَلَدِهَا، صَارَتِ الْوَاوُ يَاءً لِكَسْرَةِ مَا قَبْلَهَا؛ قَالَ الْكُمَيْتُ يَصِفُ سَحَابًا:
كأَنَّ المَطافِيلَ المَوالِيهَ وَسْطَه ... يُجاوِبُهُنَّ الخَيْزُرانُ المُثَقَّبُ(13/561)
والتَّوْلِيهُ: أَن يُفَرَّقَ بَيْنَ المرأَة وَوَلَدِهَا، زَادَ التَّهْذِيبُ: فِي الْبَيْعِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا تُوَلَّهُ والدةٌ عَلَى وَلَدِهَا
أَي لَا تُجْعَلُ وَالِهًا، وَذَلِكَ فِي السَّبَايَا، والوَلَهُ يَكُونُ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا، وَبَيْنَ الإِخوة، وَبَيْنَ الرَّجُلِ وَوَلَدِهِ، وَقَدْ وَلِهتْ وأَوْلهها غيرُها، وَقِيلَ فِي تَفْسِيرِ الْحَدِيثِ:
لَا تُوَلَّه وَالِدَةٌ عَلَى وَلَدِهَا
أَي لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فِي الْبَيْعِ، وَكُلُّ أُنثى فَارَقَتْ وَلَدَهَا فَهِيَ والِهٌ. وَفِي حَدِيثِ
نُقَادَةَ الأَسَدِيِّ: غَيْرَ أَن لَا تُوَلِّه ذَاتَ وَلَدٍ عَنْ وَلَدِهَا.
وَفِي حَدِيثِ
الفَرَعَةِ: تُكْفِئُ إِناءَك وتُوَلِّه ناقَتَك
أَي تَجْعَلُها والِهَةً بِذَبْحِكَ وَلَدَهَا، وَقَدْ أَولَهْتُها ووَلَّهْتُها تَوْلِيهاً. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه نَهَى عن التَّوْلِيهِ والتَّبْرِيحِ.
وماءٌ مُولَهٌ ومُوَلَّهٌ: أُرْسلَ فِي الصَّحْرَاءِ فَذَهَبَ؛ وأَنشد الْجَوْهَرِيُّ:
مَلأَى مِنَ الْمَاءِ كعينِ المُولَهْ
وَرَوَاهُ أَبو عَمْرٍو:
تَمْشِي مِنَ الْمَاءِ كَمَشْيِ المُولَهْ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يَعْنِي أَنها دَلْوٌ كَبِيرَةٌ، فَإِذَا رَفَعَهَا مِنَ الْبِئْرِ رَفَعَتْ مَعَهَا الدِّلاءَ الصِّغَار، فَهِيَ أَبداً حَامِلَةٌ لَا مَحْمُولَةٌ لأَن الدلاءَ الصغارَ لَا تَحْمِلُهَا؛ وَقَوْلُ مُليح:
فهنَّ هَيَّجْنَنا، لمَّا بَدَوْنَ لَنا، ... مِثْلَ الغَمامِ جَلَتْهُ الأُلَّهُ الهُوجُ
عَنى الرياحَ لأَنه يُسْمَعُ لَهَا حَنِينٌ كحَنينِ الرِّيَاحِ، وأَراد الوُلَّهَ، فأَبدل مِنَ الْوَاوِ هَمْزَةً لِلضَّمَّةِ. والمِيلاهُ: الرِّيحُ الشَّدِيدَةُ الهُبُوبِ ذاتُ الحَنِين. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: وَزَعَمَ قَوْمٌ مِنْ أَهل اللُّغَةِ أَن الْعَنْكَبُوتَ تسمَّى المُولَه، قَالَ: وَلَيْسَ بثَبْتٍ. والمِيلَه: الفَلاةُ الَّتِي تُوَلِّه الناسَ وتُحَيِّرُهم؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
بِهِ تَمَطَّتْ غَوْلَ كُلِّ مِيلَهِ ... بِنَا حَراجِيجُ المَهاري النُّفَّهِ
أَراد الْبِلَادَ الَّتِي تُوَلِّهُ الإِنسان أَي تُحَيِّرُهُ. والوَلِيهةُ: اسْمُ مَوْضِعٍ. والوَلَهانُ: اسْمُ شَيْطَانٍ يُغْري الإِنسانَ بِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ عِنْدَ الْوُضُوءِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
الوَلَهانُ اسْمُ شَيْطَانِ الماءِ يُولِعَ الناسَ بِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ
؛ وأَما مَا أَنشده الْمَازِنِيُّ:
قَدْ صَبَّحَتْ حَوْضَ قِرىً بَيُّوتا، ... يَلِهْنَ بَرْدَ مائِه سُكُوتا،
نَسْفَ العجوزِ الأَقِطَ المَلْتُوتا
قَالَ: يَلِهْنَ بردَ الْمَاءِ أَي يُسْرِعْنَ إِليه وإِلى شُرْبِهِ ولَهَ الوالِه إِلى وَلَدِهَا حَنِيناً.
وَمِهَ: وَمِهَ النهارُ وَمَهاً: اشْتَدَّ حرُّه. ابْنُ الأَعرابي: الوَمْهةُ الإِذْوابَةُ مِنْ كُلِّ شيءٍ.
وَهْوَهَ: الوَهْوَهَةُ: صِيَاحُ النِّسَاءِ فِي الحُزْنِ. ووَهْوَه الكلبُ فِي صَوْتِهِ إِذا جَزِعَ فردَّده، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ. ووَهْوَهَ العَيْرُ: صَوَّتَ حَوْلَ أُتُنِه شَفَقَةً. وحمارٌ وَهْواهٌ: يَفْعَلُ ذَلِكَ ويُوَهْوِه حَوْلَ عانَتِه؛ قَالَ رؤْبة يَصِفُ حِمَارًا:
مُقْتَدِرُ الضَّيْعَةِ وَهْواهُ الشَّفَقْ
والوَهْوَهةُ: حِكَايَةُ صَوْتِ الفَرَسِ إِذا غَلُظَ، وَهُوَ مَحْمُودٌ، وَقِيلَ: هُوَ الصَّوْتُ الَّذِي يَكُونُ فِي حَلْقِه آخِرَ صَهِيله. وَفَرَسٌ وَهْواهُ الصَّهِيل إِذا كَانَ ذَلِكَ يَصْحَبُ آخِر صَهيلِه. أَبو عُبَيْدَةَ: مِنْ أَصوات الْفَرَسِ الوَهْوهةُ. وَفَرَسٌ مُوَهْوِهٌ: وَهُوَ الَّذِي يَقْطَعُ مِنْ نفَسِه شِبْهَ النَّهْمِ غَيْرَ أَن ذَلِكَ خلقةٌ مِنْهُ لَا يَسْتَعِينُ فِيهِ بحَنْجَرَتِه. قَالَ: والنَّهْمُ خروجُ الصوتِ عَلَى(13/562)
الإِبْعاد؛ وأَنشد بَيْتَ رؤْبة: وَهْواهُ الشَّفَقْ؛ وأَنشد أَيضاً لَهُ:
وَدُونَ نَبْحِ النابحِ المُوَهْوِه
قَالَ أَبو بَكْرٍ النَّحْوِيُّ فِي قَوْلِ رؤْبة وَهْواهُ الشَّفَقْ: يُوَهْوِهُ مِنَ الشَّفقة يُدارِكُ النَّفَس كأَنَّ بِهِ بُهْراً، قَالَ: وَقَوْلُهُ مُقْتَدِر الضَّيْعةِ؛ مَعْنَاهُ أَن ضَيْعة هَذَا المِسْحَلِ فِي هَذِهِ الأُتُنِ لَيْسَ فِي أُتُنٍ كَثِيرَةٍ فتنتشِر عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: كَنَى بالضَّيْعةِ عَنْ أُتُنِه أَي أُتُنُه عَلَى قدرِ نحوٍ مِنْ ثمانٍ أَو عشرٍ فحِفظُها متيسِّر عَلَيْهِ. والوَهْوَهُ والوَهْواهُ مِنَ الْخَيْلِ أَيضاً: النشِيطُ الْحَدِيدُ الَّذِي يَكَادُ يُفْلِتُ عَنْ كُلِّ شيءٍ مِنْ حِرْصِه ونَزَقِه، وَقِيلَ: فَرَسٌ وَهْوَهٌ ووَهْواهٌ إِذا كَانَ حَرِيصًا عَلَى الجَرْي نشِيطاً؛ قَالَ ابْنُ مُقْبلٍ يَصِفُ فَرَسًا يَصِيدُ الْوَحْشَ:
وَصَاحِبِي وَهْوهٌ مُسْتَوْهِلٌ زَعِلٌ، ... يَحُولُ دُونَ حِمارِ الوَحْشِ والعَصَرِ
ووَهْوهَ الأَسدُ فِي زَئيره، فَهُوَ وَهْواهٌ، والوَهْوهُ: الَّذِي يُرْعَدُ مِنَ الامْتِلاء. وَرَجُلٌ وَهْواهٌ: مَنْخُوب الْفُؤَادِ.
ويه: وَيْهِ: إِغْراءٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُنَوِّن فَيَقُولُ وَيْهاً، الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ وَالْجَمْعُ وَالْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وإِذا أَغْرَيْتَه بِالشَّيْءِ قُلْتَ: وَيْهاً يَا فلانُ وَهُوَ تَحْريضٌ كَمَا يُقَالُ: دونَك يَا فلانُ؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:
وَجَاءَتْ حوادثُ، فِي مِثْلِها ... يُقَالُ لمثلِيَ: وَيْهاً فُلُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَوْلُهُ فُلُ يُرِيدُ يَا فُلَانُ، قَالَ: وَمِثْلُهُ قَوْلُ حَاتِمٍ:
وَيْهاً فِدىً لكُمُ أُمِّي وَمَا وَلَدَتْ، ... حامُوا عَلَى مَجْدِكمْ، واكْفُوا مَنِ اتَّكَلا
وَقَالَ الأَعشى
وَيْهاً خُثَيْمٌ إِنه يومٌ ذَكَرْ، ... وزاحَمَ الأَعداءُ بالثَّبْتِ الغَدَرْ
وَقَالَ آخَرُ:
وَيْهاً فِداءً لَكَ يَا فَضالَهْ، ... أَجِرَّهُ الرُّمْحَ وَلَا تُهالَهْ
وَقَالَ قَيْسُ بْنُ زُهَيْرٍ:
فإِذ شَمَّرَتْ لَكَ عَنْ ساقِها، ... فَوَيْهاً رَبيعَ وَلَا تَسْأَمِ
يُرِيدُ ربيعةَ الخيرِ بْنَ قُرْطِ بْنُ سَلَمة بْنِ قُشَيْرٍ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: أَما عَمْرَوَيهِ وَمَا أَشبهها فأَلْزَمُوا آخِرَه شَيْئًا لَمْ يَلْزَمِ الأَعجمية، فَكَمَا تَرَكُوا صَرْفَ الأَعجمية جَعَلُوا ذَا بِمَنْزِلَةِ الصَّوْتِ، لأَنهم رأَوه قَدْ جَمعَ أَمرين فحَطُّوهُ دَرَجَةً عَنْ إِسماعيل وشِبْهِه، وَجَعَلُوهُ فِي النَّكِرَةِ بِمِثَالِ غاقٍ، منوَّنة مَكْسُورَةٍ، فِي كُلِّ مَوْضِعٍ. الْجَوْهَرِيُّ: وسِيَبوَيْه وَنَحْوَهُ اسْمٌ بُنِيَ مَعَ الصَّوْتِ، فَجَعَلَا اسْمًا وَاحَدًا، وَكَسَرُوا آخِرَهُ كَمَا كَسَرُوا غاقٍ لأَنه ضارَعَ الأَصوات، وَفَارَقَ خَمْسَةَ عَشَرَ لأَن آخِرَهُ لَمْ يُضارِعِ الأَصوات فيُنَوَّنُ فِي التَّنْكِيرِ، وَمَنْ قَالَ: هَذَا سيبويهُ ورأَيت سيبويهَ فأَعربه بإِعراب مَا لَا يَنْصَرِفُ ثَنَّاه وجمَعه، فَقَالَ السِّيبَوَيْهانِ والسِّيبَوَيْهُونَ، وأَما مَنْ لَمْ يُعْرِبْهُ فإِنه يَقُولُ فِي التَّثْنِيَةِ ذَوا سيبويهِ، وَكِلَاهُمَا سيبويِهِ، وَيَقُولُ فِي الْجَمْعِ: ذَوُو سِيبويهِ، وَكُلُّهُمْ سيبويهِ. وواهَ: تَلَهُّفٌ وتَلَوّذٌ، وَقِيلَ: اسْتِطَابَةٌ، ويُنَوَّنُ فَيُقَالُ: وَاهًا لفلانٍ؛ قَالَ أَبو النَّجْمِ:
وَاهًا لرَيَّا ثُمَّ وَاهًا واهَا ... يَا لَيْتَ عَيْناها لَنَا وَفَاهَا
«2» . بثمنٍ نُرْضي بِهِ أَباها،
__________
(2) . قوله عيناها: هُوَ عَلَى لُغَةِ مَنْ يعرب المثنى بالحركات(13/563)
فاضتْ دموعُ العينِ مِنْ جَرَّاها ... هِيَ المُنَى لَوْ أَنَّنا نِلْناها
قَالَ ابْنُ جِنِّي: إِذا نوَّنْتَ فكأَنك قُلْتَ اسْتِطَابَةً، وإِذا لَمْ تُنَوِّنْ فكأَنك قُلْتَ الِاسْتِطَابَةَ، فَصَارَ التَّنْوِينُ عَلَمَ التَّنْكِيرِ وتركُهُ عَلَمَ التَّعْرِيفِ؛ وأَنشد الأَزهري:
وهْو إِذا قِيلَ لَهُ ويْهاً كُل، ... فإِنهُ مُواشِكٌ مُسْتَعْجِل
وهْو إِذا قِيلَ لَهُ وَيْهاً فُل، ... فإِنه أَحْجِ بِهِ أَن يَنْكُل
أَي إِذا دُعِيَ لِدَفْعِ عَظِيمَةٍ، فَقِيلَ لَهُ يَا فُلَانُ، نَكَلَ وَلَمْ يُجِبْ، وإِن قِيلَ لَهُ كُلْ أَسرع، وإِذا تَعَجَّبَتْ مِنْ طِيبِ الشَّيْءِ قُلْتَ: وَاهًا لَهُ مَا أَطْيَبَه وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَتَعَجَّبُ بَوَاهًا فَيَقُولُ: وَاهًا لِهَذَا أَي مَا أَحْسَنَه. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَتَقُولُ فِي التَّفْجِيع وَاهًا وواهَ أَيضاً. ووَيْهِ: كَلِمَةٌ تُقَالُ فِي الاستحثاث.
فصل الياء المثناة تحتها
يَدَهَ: اسْتَيْدَهَتِ الإِبلُ: اجْتَمَعَتْ وَانْسَاقَتْ. واسْتَيْدَهَ الخصمُ: غُلِبَ وَانْقَادَ، وَالْكَلِمَةُ يَائِيَّةٌ وَوَاوِيَّةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ؛ واسْتَيْدَهَ الأَمرُ واسْتَنْدَه وايْتَدَه وانْتَدَه إِذا اتْلأَبَّ.
يَقِهِ: أَيْقَهَ الرجلُ واسْتَيْقَهَ: أَطاع وَذَلَّ، وَكَذَلِكَ الْخَيْلُ إِذا انْقَادَتْ؛ قَالَ المُخَبَّلُ:
فرَدُّوا صُدورَ الْخَيْلِ حَتَّى تَنَهْنَهتْ ... إِلى ذِي النُّهَى، واسْتَيقَهَتْ للمُحَلِّمِ
أَي أَطاعوا الَّذِي يأْمرهم بالحِلْمِ، قِيلَ: هُوَ مَقْلُوبٌ لأَنه قَدَّمَ الْيَاءَ عَلَى الْقَافِ وَكَانَتِ الْقَافُ قَبْلَهَا، وَيُرْوَى: واسْتَيْدَهُوا. الأَزهري فِي نَوَادِرِ الأَعراب: فُلَانٌ مُتَّقِهٌ لِفُلَانٍ ومُوتَقِهٌ أَي هائبٌ لَهُ وَمُطِيعٌ. وأَيْقَهَ أَي فَهِمَ. يُقَالُ: أَيْقِهْ لِهَذَا أَي افْهَمْهُ.
يهيه: ياهٍ ياهٍ وياهِ ياهِ: مِنْ دُعَاءِ الإِبل؛ ويَهْيَه بالإِبل يَهْيَهةً ويَهْياهاً: دَعَاهَا بِذَلِكَ وَقَالَ لَهَا ياهِ ياهِ والأَقْيَسُ يِهْياهاً بِالْكَسْرِ. ويَهْ: حِكَايَةُ الدَّاعِي بالإِبل المُيَهْيَهِ بِهَا، يَقُولُ الرَّاعِي لِصَاحِبِهِ مِنْ بَعِيدٍ: ياهٍ ياهٍ، أَقْبِلْ. وَفِي التَّهْذِيبِ: يَقُولُ الرَّجُلُ لِصَاحِبِهِ، وَلَمْ يَخُصَّ الرَّاعِي؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
يُنادِي بِيَهْياهٍ وياهٍ، كأَنه ... صُوَيْتُ الرُّوَيْعِي ضَلَّ بالليلِ صاحبُهْ
وَيُرْوَى: تَلَوَّمَ يَهْياهٍ؛ يَقُولُ: إِنه يُنَادِيهِ يَا هِياهِ ثُمَّ يَسْكُتُ مُنْتَظَرًا الْجَوَابَ عَنْ دَعْوَتِهِ، فإِذا أَبطأَ عَنْهُ قَالَ ياهٍ، قَالَ: وياهِ ياهِ نداءَان، قَالَ: وَبَعْضُ الْعَرَبِ يَقُولُ يَا هَياهِ فَيَنْصِبُ الْهَاءَ الأُولى، وَبَعْضٌ يَكْرَهُ ذَلِكَ وَيَقُولُ هَياهِ مِنْ أَسماء الشَّيَاطِينِ، وَتَقُولُ: يَهْيَهْتُ بِهِ. الأَصمعي: إِذا حَكَوْا صَوْتَ الدَّاعِي قَالُوا يَهْياهٍ، وإِذا حَكَوْا صَوْتَ المُجِيبِ قَالُوا ياهٍ، وَالْفِعْلُ مِنْهُمَا جَمِيعًا يَهْيَهْتُ؛ وَقَالَ فِي تَفْسِيرِ بَيْتِ ذِي الرُّمَّةِ: إِن الدَّاعِيَ سَمِعَ صَوْتًا يَا هَياهٍ، فأَجاب بياهٍ رَجَاءَ أَن يأْتيه الصَّوْتُ ثَانِيَةً، فَهُوَ مُتَلَوِّمٌ بِقَوْلٍ ياهٍ صَوْتًا بِيَا هِياهٍ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الَّذِي أَنشده أَبو عَلِيٍّ لِذِي الرُّمَّةِ:
تَلَوَّمَ يَهْياهٍ إِليها، وَقَدْ مضَى ... مِنَ اللَّيْلِ جَوْزٌ، واسْبَطَرَّتْ كواكِبُهْ
وَقَالَ حِكَايَةً عَنْ أَبي بَكْرٍ: اليَهْياهُ صَوْتُ الرَّاعِي، وَفِي تَلَوَّمَ ضَمِيرُ الرَّاعِي، ويَهياه مَحْمُولٌ عَلَى إِضمار الْقَوْلِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَالَّذِي فِي شِعره فِي رِوَايَةِ أَبي(13/564)
الْعَبَّاسِ الأَحْوَلِ:
تَلَوَّمَ يَهْياهٍ بياهٍ، وَقَدْ بَدَا ... مِنَ اللَّيْلِ جَوْزٌ، واسْبَطَرَّتْ كواكِبُهْ
وَكَذَا أَنشده أَبو الْحَسَنِ الصَّقَلِّي النَّحْوِيُّ وَقَالَ: اليَهْياهُ صَوْتُ المُجِيبِ إِذا قِيلَ لَهُ ياهٍ، وَهُوَ اسْمٌ لاسْتَجِبْ وَالتَّنْوِينُ تَنْوِينُ التَّنْكِيرِ وكأَنَ يَهياه مَقْلُوبُ هَيْهاه، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وأَما عَجُزُ الْبَيْتِ الَّذِي أَنشده الْجَوْهَرِيُّ فَهُوَ لِصَدْرِ بَيْتٍ قَبْلَ الْبَيْتِ الَّذِي يَلِي هَذَا وَهُوَ:
إِذا ازْدَحَمَتْ رَعْياً، دَعَا فَوْقَهُ الصَّدَى ... دُعاءَ الرُّوَيْعِي ضَلَّ بالليلِ صاحِبُهْ
الأَزهري: قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ فِي قَوْلِ ذِي الرُّمَّةِ تَلَوَّم يَهْياهٍ بياهٍ قَالَ: هُوَ حِكَايَةُ الثُّوَباءِ. ابْنُ بُزُرْج: ناسٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ يَقُولُونَ يَا هَيَاهُ أَقْبِلْ وَيَا هَيَاهُ أَقْبِلا وَيَا هَيَاهُ أَقْبِلُوا وَيَا هَيَاهُ أَقْبِلِي وَلِلنِّسَاءِ كَذَلِكَ، وَلُغَةٌ أُخرى يَقُولُونَ لِلرَّجُلِ يَا هَيَاهُ أَقْبِلْ وَيَا هَيَاهان أَقْبِلا وَيَا هَيَاهُونَ أَقبلُوا وللمرأَة يَا هَيَاهَ أَقْبلي فَيَنْصِبُونَهَا كأَنهم خَالَفُوا بِذَلِكَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرَّجُلِ لأَنهم أَرادوا الْهَاءَ فَلَمْ يَدْخُلُوهَا، وَلِلثُّنَّتَيْنِ يَا هَيَاهَتَانِ أَقْبِلا، وَيَا هَيَاهَاتُ «1» . أَقْبِلْنَ. ابْنُ الأَعرابي: يَا هَيَاهُ وَيَا هَيَاهِ وَيَا هَيَاتَ وَيَا هَيَاتِ كُلُّ ذَلِكَ بِفَتْحِ الْهَاءِ. الأَصمعي: الْعَامَّةُ تَقُولُ يَا هِيا، وَهُوَ مولَّد، وَالصَّوَابُ يَا هَياهُ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَيَا هَيا. قَالَ أَبو حَاتِمٍ: أَظن أَصله بِالسُّرْيَانِيَّةِ يَا هَيا شَرَاهِيا، قَالَ: وَكَانَ أَبو عَمْرِو بْنُ العَلاء يَقُولُ: يَا هَيَاهِ أَقْبِلْ وَلَا يَقُولُ لِغَيْرِ الْوَاحِدِ. وَقَالَ: يَهْيَهْتُ بِالرَّجُلِ مِنْ يَا هَيَاهِ. ابْنُ بُزُرْج: وَقَالُوا يَا هِيَا وَيَا هَيَا إِذا كَلَّمْتُهُ مِنْ قريبٍ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعلم.
__________
(1) . قوله [ويا هياهات إلخ] كذا بالأصل والتهذيب، والذي في التكملة: وللجمع يا هياهات إلخ(13/565)
الجزء الرابع عشر
وي
باب الواو والياء من المعتل
واي: الأَزهري: يُقَالُ لِلْيَاءِ وَالْوَاوِ والأَلفِ الأَحرفُ الجُوفُ، وَكَانَ الْخَلِيلُ يسمِّيها الحُروف الضَّعيفةَ الهوائيَّةَ، وسُمِّيتْ جُوفاً لأَنه لَا أَحْيازَ لَهَا فتُنْسَب إِلى أَحْيازها كَسَائِرِ الحُروف الَّتِي لَهَا أَحْياز، إِنَّمَا تخرُج مِنْ هَوَاءِ الجَوف، فسمِّيت مرَّةً جُوفاً وَمَرَّةً هوائيَّة، وسمِّيت ضَعِيفَةً لِانْتِقَالِهَا مِنْ حَالٍ إِلى حَالٍ عِنْدَ التصرُّف بِاعْتِلَالٍ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: جميعُ مَا فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ الأَلف إِمَّا أَن تَكُونَ مُنْقَلِبَةً مِنْ وَاوٍ مَثْلَ دَعَا، أَو مِنْ يَاءٍ مِثْلَ رَمَى، وَكُلُّ مَا فِيهِ مِنَ الْهَمْزَةِ فَهِيَ مُبْدَلَةٌ مِنَ الْيَاءِ أَو مِنَ الْوَاوِ نَحْوَ القَضاء أَصله قَضايٌ، لأَنه مَنْ قَضَيْت، وَنَحْوَ العَزاء أَصله عَزاوٌ، لأَنه مِنْ عَزَوْت. قَالَ: وَنَحْنُ نُشِيرُ فِي الْوَاوِ وَالْيَاءِ إِلى أُصولهما؛ هَذَا تَرْتِيبُ الْجَوْهَرِيِّ فِي صِحَاحِهِ. وأَما ابْنُ سِيدَهْ وغيرهُ فإِنهم جَعَلُوا المُعْتلَّ عَنِ الْوَاوِ بَابًا، والمعتلَّ عَنِ الْيَاءِ بَابًا، فَاحْتَاجُوا فِيمَا هُوَ معتلٌّ عَنِ الْوَاوِ وَالْيَاءِ إِلى أَن ذَكَرُوهُ فِي البابَين، فأَطالوا وكَرَّروا ويقسَّم الشرحُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وأَما الْجَوْهَرِيُّ فإِنه جَعَلَهُ بَابًا وَاحِدًا؛ وَلَقَدْ سَمِعت بعضَ مَنْ يَتنَقَّص الجوهريَّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، يَقُولُ: إِنه لَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ بَابًا وَاحِدًا إِلّا لِجَهْلِهِ بِانْقِلَابِ الأَلف عَنِ الْوَاوِ أَو عَنِ الْيَاءِ، ولقِلَّة عِلْمه بِالتَّصْرِيفِ، ولستُ أَرى الأَمرَ كَذَلِكَ، وَقَدْ رَتَّبناه نَحْنُ فِي كِتَابِنَا كَمَا رَتَّبه الْجَوْهَرِيُّ، لأَنه أَجمع لِلْخَاطِرِ وأَوضح لِلنَّاظِرِ، وَجَعَلْنَاهُ بَابًا وَاحِدًا، وبيَّنَّا فِي كُلِّ تَرْجَمَةٍ عَنِ الأَلف وَمَا انقلبتْ عَنْهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وأَما الأَلف اللَّينة الَّتِي لَيْسَتْ مُتَحَرِّكَةً فَقَدْ أَفرد لَهَا الْجَوْهَرِيُّ بَابًا بَعْدَ هَذَا الْبَابِ فَقَالَ: هَذَا بَابٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَلِفات غَيْرِ مُنْقَلِبات عَنْ شَيْءٍ، فَلِهَذَا أَفردناه، وَنَحْنُ أَيضاً نذكره بعد ذلك.
فصل الألف
أبي: الإِباءُ، بِالْكَسْرِ: مَصْدَرُ قَوْلِكَ أَبَى فُلَانٌ يَأْبَى، بِالْفَتْحِ فِيهِمَا مَعَ خُلُوِّهِ مِنْ حُروف الحَلْق، وَهُوَ شَاذٌّ، أَي امْتَنَعَ؛ أَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِبِشْرِ بْنِ أَبي خَازِمٍ:
يَراه الناسُ أَخضَر مِنْ بَعيدٍ، ... وتَمْنعُه المَرارةُ والإِبَاءُ(14/3)
فَهُوَ آبٍ وأَبيٌّ وأَبَيانٌ، بِالتَّحْرِيكِ؛ قَالَ أَبو المجشِّر، جَاهِلِيٌّ:
وقَبْلك مَا هابَ الرِّجالُ ظُلامَتِي، ... وفَقَّأْتُ عَيْنَ الأَشْوَسِ الأَبَيَانِ
أَبَى الشيءَ يَأْبَاه إِباءً وإِباءَةً: كَرِهَه. قَالَ يَعْقُوبُ: أَبَى يَأْبَى نَادِرٌ، وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: شبَّهوا الأَلف بِالْهَمْزَةِ فِي قَرَأَ يَقْرَأُ. وَقَالَ مرَّة: أَبَى يَأْبَى ضارَعُوا بِهِ حَسِب يَحْسِبُ، فَتَحُوا كَمَا كَسَرُوا، قَالَ: وَقَالُوا يِئْبَى، وَهُوَ شَاذٌّ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحدهما أَنه فَعَلَ يَفْعَلُ، وَمَا كَانَ عَلَى فَعَلَ لَمْ يكسَر أَوله فِي الْمُضَارِعِ، فَكَسَرُوا هَذَا لأَن مُضَارِعَهُ مُشاكِل لِمُضَارِعِ فَعِلَ، فَكَمَا كُسِرَ أَوّل مُضَارِعِ فَعِلَ فِي جَمِيعِ اللُّغَاتِ إِلَّا فِي لُغَةِ أَهل الْحِجَازِ كَذَلِكَ كَسَرُوا يَفْعَلُ هُنَا، وَالْوَجْهُ الثَّانِي مِنَ الشُّذُوذِ أَنهم تَجَوَّزُوا الْكَسْرَ فِي الْيَاءِ مِنْ يِئْبَى، وَلَا يُكْسَر البتَّة إِلا فِي نَحْوِ يَيْجَلُ، واسْتَجازوا هَذَا الشذوذَ فِي يَاءِ يِئْبَى لأَن الشُّذُوذَ قَدْ كَثُرَ فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ. قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَقَدْ قَالُوا أَبَى يَأْبِي؛ أَنشد أَبو زَيْدٍ:
يَا إِبِلي مَا ذامُهُ فَتَأْبِيَهْ، ... ماءٌ رَواءٌ ونَصِيٌّ حَوْلِيَهْ
جَاءَ بِهِ عَلَى وَجْهِ الْقِيَاسِ كأَتَى يَأْتِي. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَدْ كُسِر أَول الْمُضَارِعِ فَقِيلَ تِيبَى؛ وأَنشد:
ماءٌ رَواءٌ ونَصِيٌّ حَوْلِيَهْ، ... هَذَا بأَفْواهِك حَتَّى تِيبِيَهْ
قَالَ الفراء: لم يجئْ عَنِ الْعَرَبِ حَرْف عَلَى فَعَلَ يَفْعَلُ، مَفْتُوحُ الْعَيْنِ فِي الْمَاضِي وَالْغَابِرِ، إِلَّا وَثَانِيهِ أَو ثَالِثُهُ أَحد حُرُوفِ الحَلْق غَيْرَ أَبَى يَأْبَى، فإِنه جَاءَ نَادِرًا، قَالَ: وَزَادَ أَبو عَمْرٍو رَكَنَ يَرْكَنُ، وَخَالَفَهُ الْفَرَّاءُ فَقَالَ: إِنما يُقَالُ رَكَنَ يَرْكُنُ ورَكِنَ يَرْكَنُ. وَقَالَ أَحمد بْنُ يَحْيَى: لَمْ يُسْمَعْ مِنَ الْعَرَبِ فَعَلَ يَفْعَلُ مِمَّا لَيْسَ عَيْنُهُ ولامُه مِنْ حُروف الحَلْق إِلا أَبَى يَأْبَى، وقَلاه يَقْلاه، وغَشى يَغْشى، وشَجا يَشْجى، وَزَادَ الْمُبَرِّدُ: جَبَى يَجْبَى، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذِهِ الأَحرف أَكثر الْعَرَبِ فِيهَا، إِذا تَنَغَّم، عَلَى قَلا يَقْلِي، وغَشِيَ يَغْشَى، وشَجَاه يَشْجُوه، وشَجِيَ يَشْجَى، وجَبَا يَجْبِي. وَرَجُلٌ أَبِيٌّ: ذُو إِباءٍ شَدِيدٍ إِذا كَانَ مُمْتَنِعًا. وَرَجُلٌ أَبَيَانٌ: ذُو إِباءٍ شَدِيدٍ. وَيُقَالُ: تَأَبَّى عَلَيْهِ تَأَبِّياً إِذا امْتَنَعَ عَلَيْهِ. وَرَجُلٌ أَبَّاء إِذا أَبى أَن يُضامَ. وَيُقَالُ: أَخذه أُباءٌ إِذا كَانَ يَأْبى الطَّعَامَ فَلَا يَشْتهيه. وَفِي الْحَدِيثِ كلُّكم فِي الْجَنَّةِ إِلا مَنْ أَبَى وشَرَدَ أَي إِلَّا مَنْ تَرَكَ طَاعَةَ اللَّهِ الَّتِي يَسْتَوْجِبُ بِهَا الْجَنَّةَ، لأَن مَنْ تَرَكَ التسبُّب إِلى شَيْءٍ لَا يُوجَدُ بِغَيْرِهِ فَقَدْ أَبَاهُ. والإِبَاءُ: أَشدُّ الِامْتِنَاعِ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي هُرَيْرَةَ: يَنْزِلُ الْمَهْدِيُّ فَيَبْقَى فِي الأَرض أَربعين، فَقِيلَ: أَربعين سَنَةً؟ فَقَالَ: أَبَيْتَ، فَقِيلَ: شَهْرًا؟ فَقَالَ: أَبَيْتَ، فَقِيلَ: يَوْمًا؟ فَقَالَ: أَبَيْتَ
أَي أَبَيْتَ أَن تَعْرِفَهُ فإِنه غَيْب لَمْ يَردِ الخَبرُ ببَيانه، وإِن رُوِيَ أَبَيْتُ بِالرَّفْعِ فَمَعْنَاهُ أَبَيْتُ أَن أَقول فِي الخبَر مَا لَمْ أَسمعه، وَقَدْ جَاءَ عَنْهُ مِثْلُهُ فِي حَدِيثِ العَدْوى والطِّيَرَةِ؛ وأَبَى فُلَانٌ الماءَ وآبَيْتُه الماءَ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: قَالَ الْفَارِسِيُّ أَبَى زَيْدٌ مِنْ شُرْبِ الْمَاءِ وآبَيْتُه إِبَاءَةً؛ قَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤَيَّةَ:
قَدْ أُوبِيَتْ كلَّ ماءٍ فهْي صادِيةٌ، ... مَهْما تُصِبْ أُفُقاً مِنْ بارقٍ تَشِمِ
والآبِيةُ: الَّتِي تَعافُ الْمَاءَ، وَهِيَ أَيضاً الَّتِي لَا تُرِيدُ العَشاء. وَفِي المَثَل: العاشِيةُ تُهَيِّجُ الآبِيَة أَي إِذا رأَت الآبيةُ الإِبِلَ العَواشي تَبِعَتْها فَرعَتْ مَعَهَا.(14/4)
وماءٌ مَأْبَاةٌ: تَأْباهُ الإِبلُ. وأَخذهُ أُباءٌ مِنَ الطَّعام أَي كَراهِية لَهُ، جَاءُوا بِهِ عَلَى فُعال لأَنه كالدَّاء، والأَدْواء ممَّا يغلِب عَلَيْهَا فُعال، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: يُقَالُ أَخذه أُبَاءٌ، عَلَى فُعال، إِذا جَعَلَ يأْبى الطعامَ. ورجلٌ آبٍ مِنْ قومٍ آبِينَ وأُباةٍ وأُبِيٍّ وأُبَّاء، وَرَجُلٌ أَبِيٌّ مِنْ قَوْمٍ أَبِيِّينَ؛ قَالَ ذُو الإِصْبَعِ العَدْوانيُّ:
إِني أَبِيٌّ، أَبِيٌّ ذُو مُحافَظةٍ، ... وابنُ أَبِيٍّ، أَبِيٍّ مِنْ أَبِيِّينِ
شبَّه نُونَ الْجَمْعِ بِنُونِ الأَصل فَجَرَّها. والأَبِيَّة مِنَ الإِبل: الَّتِي ضُرِبت فَلَمْ تَلْقَح كأَنها أَبَتِ اللَّقاح. وأَبَيْتَ اللَّعْنَ: مِنْ تحيَّات المُلوك فِي الْجَاهِلِيَّةِ، كَانَتِ الْعَرَبُ يُحَيِّي أَحدُهم المَلِك يَقُولُ أَبَيْتَ اللَّعْنَ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ ذِي يَزَن: قَالَ لَهُ عبدُ المطَّلب لَمَّا دَخل عَلَيْهِ أَبَيْتَ اللَّعْن
؛ هَذِهِ مِنْ تَحايا الْمُلُوكِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالدُّعَاءِ لَهُمِ، مَعْنَاهُ أَبَيْتَ أَن تأْتي مِنَ الأُمور مَا تُلْعَنُ عَلَيْهِ وتُذَمُّ بِسَبَبِهِ. وأَبِيتُ مِنَ الطَّعَامِ واللَّبَنِ إِبىً: انْتَهيت عَنْهُ مِنْ غَيْرِ شِبَع. وَرَجُلٌ أَبَيانٌ: يأْبى الطعامَ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يأْبى الدَّنِيَّة، وَالْجَمْعُ إِبْيان؛ عَنْ كُرَاعٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: آبَى الماءُ «2» . أَي امتَنَع فَلَا تَسْتَطِيعُ أَن تنزِل فِيهِ إِلَّا بتَغْرير، وإِن نَزل فِي الرَّكِيَّة ماتِحٌ فأَسِنَ فَقَدْ غَرَّر بِنَفْسِهِ أَي خاطَرَ بِهَا. وأُوبِيَ الفَصِيلُ يُوبَى إِيباءً، وَهُوَ فَصِيلٌ مُوبىً إِذا سَنِقَ لِامْتِلَائِهِ. وأُوبِيَ الفَصِيلُ عَنْ لَبَنِ أُمه أَي اتَّخَم عَنْهُ لَا يَرْضَعها. وأَبِيَ الفَصِيل أَبىً وأُبِيَ: سَنِقَ مِنَ اللَّبَن وأَخذه أُباءٌ. أَبو عَمْرٍو: الأَبِيُّ الفاس مِنَ الإِبل «3» ، والأَبِيُّ المُمْتَنِعةُ مِنَ العَلَف لسَنَقها، والمُمْتَنِعة مِنَ الفَحل لقلَّة هَدَمِها. والأُباءُ: داءٌ يأْخذ العَنْزَ والضَّأْنَ فِي رُءُوسِهَا مِنْ أَن تشُمَّ أَبوال الماعِزَةِ الجَبَليَّة، وَهِيَ الأَرْوَى، أَو تَشْرَبَها أَو تَطأَها فَترِمَ رُءوسها ويأْخُذَها مِنْ ذَلِكَ صُداع وَلَا يَكاد يَبْرأُ. قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الأُباءُ عَرَضٌ يَعْرِض للعُشْب مِنْ أَبوال الأَرْوَى، فإِذا رَعَته المَعَز خاصَّة قَتَلَها، وَكَذَلِكَ إِن بالتْ فِي الْمَاءِ فشرِبتْ مِنْهُ المَعز هلَكت. قَالَ أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ أَبِيَ التَّيْسُ وَهُوَ يَأْبَى أَبىً، مَنْقوص، وتَيْس آبَى بَيّن الأَبَى إِذا شَمَّ بَوْلَ الأَرْوَى فَمَرِضَ مِنْهُ. وَعَنْزُ أَبْواءٌ فِي تُيوس أُبْوٍ وأَعْنُزٍ أُبْوٍ: وَذَلِكَ أَن يَشُمَّ التَّيْس مِنَ المِعْزى الأَهليَّة بَوْلَ الأُرْوِيَّة فِي مَواطنها فيأْخذه مِنْ ذَلِكَ دَاءٌ فِي رأْسه ونُفَّاخ فَيَرِم رَأْسه ويقتُله الدَّاء، فَلَا يَكَادُ يُقْدَر عَلَى أَكل لَحْمِهِ مِنْ مَرارته، وربَّما إِيبَتِ الضأْنُ مِنْ ذَلِكَ، غَيْرَ أَنه قَلَّما يَكُونُ ذَلِكَ فِي الضأْن؛ وَقَالَ ابْنُ أَحْمر لراعي غنم له أَصابها الأُبَاء:
فقلتُ لِكَنَّازٍ: تَدَكَّلْ فإِنه ... أُبىً، لَا أَظنُّ الضأْنَ مِنْهُ نَواجِيا
فَما لَكِ مِنْ أَرْوَى تَعادَيْتِ بِالعَمَى، ... ولاقَيْتِ كَلَّاباً مُطِلًّا ورامِيا
لَا أَظنُّ الضأْن مِنْهُ نَواجِيا أَي مِنْ شدَّته، وَذَلِكَ أَن الضَّأْن لَا يضرُّها الأُبَاء أَن يَقْتُلَها. تَيْسٌ أَبٍ وآبَى وعَنْزٌ أَبِيَةٌ وأَبْوَاء، وَقَدْ أَبِيَ أَبىً. أَبو زِيَادٍ الْكِلَابِيُّ والأَحمر: قَدْ أَخذ الْغَنَمَ الأُبَى، مَقْصُورٌ، وَهُوَ أَن تشرَب أَبوال الأَرْوَى فَيُصِيبُهَا مِنْهُ دَاءٌ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: قَوْلُهُ تشرَب أَبوال الأَرْوَى خَطَأٌ، إِنما هُوَ تَشُمّ كَمَا قُلْنَا، قَالَ: وَكَذَلِكَ سَمِعْتُ الْعَرَبَ. أَبو الْهَيْثَمِ: إِذا شَمَّت
__________
(2) . قوله [آبَى الماء إلى قوله خاطر بها] كذا في الأَصل وشرح القاموس
(3) . قوله [الأَبي الفاس من الإِبل] هكذا في الأَصل بهذه الصورة(14/5)
الماعِزة السُّهْلِيَّة بَوْلَ الماعِزة الجَبَلِيَّة، وَهِيَ الأُرْوِيَّة، أَخذها الصُّداع فَلَا تَكَادُ تَبْرأُ، فَيُقَالُ: قَدْ أَبِيَتْ تَأْبَى أَبىً. وفصيلٌ مُوبىً: وَهُوَ الَّذِي يَسْنَق حَتَّى لَا يَرْضَع، والدَّقَى البَشَمُ مِنْ كَثْرَةِ الرَّضْع «1» ... أُخِذَ البعيرُ أَخَذاً وَهُوَ كَهَيْئَةِ الجُنون، وَكَذَلِكَ الشاةُ تَأْخَذُ أَخَذاً. والأَبَى: مِنْ قَوْلِكَ أَخذه أُبىً إِذا أَبِيَ أَن يأْكل الطَّعَامَ، كَذَلِكَ لَا يَشتهي العَلَف وَلَا يَتَناولُه. والأَبَاءَةُ: البَرديَّة، وَقِيلَ: الأَجَمَة، وَقِيلَ: هِيَ مِنَ الحَلْفاء خاصَّة. قَالَ ابْنُ جِنِّي: كَانَ أَبو بَكْرٍ يشتقُّ الأَباءَةَ مِنْ أَبَيْت، وَذَلِكَ أَن الأَجمة تَمْتَنع وتَأْبَى عَلَى سالِكها، فأَصْلُها عِنْدَهُ أَبَايَةٌ، ثُمَّ عَمِلَ فِيهَا مَا عُمِل فِي عَبايَة وصلايَةٍ وعَظايةٍ حَتَّى صِرْن عَباءةً وصَلاءةً، فِي قَوْلِ مَنْ هَمَزَ، وَمَنْ لَمْ يَهْمِزْ أَخرجهنَّ عَلَى أُصولهنَّ، وَهُوَ الْقِيَاسُ الْقَوِيُّ. قَالَ أَبو الْحَسَنِ: وَكَمَا قِيلَ لَهَا أَجَمَة مِنْ قَوْلِهِمْ أَجِم الطعامَ كَرِهَه. والأَبَاءُ، بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ: القَصَب، وَيُقَالُ: هُوَ أَجَمةُ الحَلْفاءِ والقَصَب خاصَّة؛ قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ الأَنصاريّ يَوْمَ حَفْرِ الخَنْدَق:
مَنْ سَرَّه ضَرْبٌ يُرَعْبِلُ بعضُه بَعْضًا، ... كَمَعْمَعَةِ الأَباءِ المُحْرَقِ،
فَلْيأْتِ مأْسَدةً تُسَنُّ سُيوفُها، ... بَيْنَ المَذادِ، وَبَيْنَ جَزْعِ الخَنْدَقِ «2»
. وَاحِدَتُهُ أَبَاءَةٌ. والأَبَاءَةُ: القِطْعة مِنَ القَصب. وقَلِيبٌ لَا يُؤْبَى؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، أَي لَا يُنْزَح، وَلَا يُقَالُ يُوبَى. ابْنُ السِّكِّيتِ: يُقَالُ فلانٌ بَحْر لَا يُؤْبَى، وَكَذَلِكَ كَلأٌ لَا يُؤْبَى أَي لَا ينْقَطِع مِنْ كَثْرَتِهِ؛ وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: ماءٌ مُؤْبٍ قَلِيلٌ، وَحُكِيَ: عِنْدَنَا مَاءٌ مَا يُؤْبَى أَي مَا يَقِلُّ. وَقَالَ مرَّة: مَاءٌ مُؤْبٍ، وَلَمْ يفسِّره؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: فَلَا أَدْرِي أَعَنَى بِهِ الْقَلِيلَ أَم هُوَ مُفْعَلٌ مِنْ قَوْلِكَ أَبَيْتُ الْمَاءَ. التَّهْذِيبُ: ابْنُ الأَعرابي يُقَالُ لِلْمَاءِ إِذا انْقَطَعَ مَاءٌ مُؤْبىً، وَيُقَالُ: عِنْدَهُ دَراهِمُ لَا تُؤْبَى أَي لَا تَنْقَطع. أَبو عَمْرٍو: آبَى أَي نَقَص؛ رَوَاهُ عَنِ المفضَّل؛ وأَنشد:
وَمَا جُنِّبَتْ خَيْلِي، ولكِنْ وزَعْتُها، ... تُسَرّ بِهَا يَوْمًا فآبَى قَتالُها
قَالَ: نَقَص، وَرَوَاهُ أَبو نَصْرٍ عَنِ الأَصمعي: فأَبَّى قَتالُها.
والأَبُ: أَصله أَبَوٌ، بِالتَّحْرِيكِ، لأَن جَمْعَهُ آباءٌ مِثْلَ قَفاً وأَقفاء، ورَحىً وأَرْحاء، فَالذَّاهِبُ مِنْهُ واوٌ لأَنك تَقُولُ فِي التَّثْنِيَةِ أَبَوَانِ، وَبَعْضُ الْعَرَبِ يَقُولُ أَبَانِ عَلَى النَّقْص، وَفِي الإِضافة أَبَيْكَ، وإِذا جُمِعَتْ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ قُلْتَ أَبُونَ، وَكَذَلِكَ أَخُونَ وحَمُون وهَنُونَ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
فَلَمَّا تَعَرَّفْنَ أَصْواتَنا، ... بَكَيْن وفَدَّيْنَنا بالأَبِينا
قَالَ: وَعَلَى هَذَا قرأَ بَعْضُهُمْ: إلَه أَبِيكَ إِبراهيمَ وإِسماعيلَ وإِسحَاق؛ يريدُ جَمْعَ أَبٍ أَي أَبِينَكَ، فَحَذَفَ النُّونَ للإِضافة؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُ قَوْلِهِمْ أَبانِ فِي تَثْنِيَةِ أَبٍ قَوْلُ تُكْتَمَ بِنْتِ الغَوْثِ:
باعَدَني عَنْ شَتْمِكُمْ أَبانِ، ... عَنْ كُلِّ مَا عَيْبٍ مُهَذَّبانِ
وَقَالَ آخر:
__________
(1) . هكذا بياض في الأَصل بمقدار كلمة
(2) . قوله [تسن] كذا في الأَصل، والذي في معجم ياقوت: تسل(14/6)
فلَمْ أَذْمُمْكَ فَا حَمِرٍ لأَني ... رَأَيتُ أَبَيْكَ لمْ يَزِنا زِبالا
وَقَالَتِ الشَّنْباءُ بِنْتُ زَيْدِ بْنِ عُمارةَ:
نِيطَ بِحِقْوَيْ ماجِدِ الأَبَيْنِ، ... مِنْ مَعْشَرٍ صِيغُوا مِنَ اللُّجَيْنِ
وَقَالَ الفَرَزْدق:
يَا خَلِيلَيَّ اسْقِياني ... أَرْبَعاً بَعْدَ اثْنَتَيْنِ
مِنْ شَرابٍ، كَدَم الجَوفِ ... يُحِرُّ الكُلْيَتَيْنِ
واصْرِفا الكأْسَ عن الجاهِلِ، ... يَحْيى بنِ حُضَيْنِ
لَا يَذُوق اليَوْمَ كأْساً، ... أَو يُفَدَّى بالأَبَيْنِ
قَالَ: وَشَاهِدُ قَوْلِهِمْ أَبُونَ فِي الْجَمْعِ قَوْلُ ناهِضٍ الْكِلَابِيِّ:
أَغَرّ يُفَرِّج الظَّلْماء عَنْهُ، ... يُفَدَّى بالأَعُمِّ وبالأَبِينَا
وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْآخَرِ:
كَرِيم طابتِ الأَعْراقُ مِنْهُ، ... يُفَدَّى بالأَعُمِّ وبالأَبِينَا
وَقَالَ غَيْلانُ بْنُ سَلَمَةَ الثَّقَفيّ:
يَدَعْنَ نِساءكم فِي الدارِ نُوحاً ... يُنَدِّمْنَ البُعولَةَ والأَبِينا
وَقَالَ آخَرُ:
أَبُونَ ثلاثةٌ هَلَكُوا جَمِيعاً، ... فَلَا تَسْأَمْ دُمُوعُكَ أَن تُراقا
والأَبَوَانِ: الأَبُ والأُمُّ. ابْنُ سِيدَهْ: الأَبُ الْوَالِدُ، وَالْجَمْعُ أَبُونَ وآباءٌ وأُبُوٌّ وأُبُوَّةٌ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ؛ وأَنشد للقَنانيِّ يَمْدَحُ الْكِسَائِيَّ:
أَبى الذَّمُّ أَخْلاقَ الكِسائيِّ، وانْتَمى ... لَهُ الذِّرْوة العُلْيا الأُبُوُّ السَّوابِقُ
والأَبَا: لُغَةٌ فِي الأَبِ، وُفِّرَتْ حُروفُه وَلَمْ تحذَف لامُه كَمَا حُذِفَتْ فِي الأَب. يُقَالُ: هَذَا أَباً ورأَيت أَباً وَمَرَرْتُ بِأَباً، كَمَا تَقُولُ: هَذَا قَفاً ورأَيت قَفاً وَمَرَرْتُ بقَفاً، وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَحمد بْنِ يَحْيَى قَالَ: يُقَالُ هَذَا أَبوك وَهَذَا أَباك وَهَذَا أَبُكَ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
سِوَى أَبِكَ الأَدْنى، وأَنَّ محمَّداً ... عَلا كلَّ عالٍ، يَا ابنَ عَمِّ محمَّدِ
فَمَنْ قَالَ هَذَا أَبُوك أَو أَباكَ فتثنيتُه أَبَوان، ومَنْ قَالَ هَذَا أَبُكَ فَتَثْنِيَتُهُ أَبانِ عَلَى اللَّفْظِ، وأَبَوان عَلَى الأَصل. وَيُقَالُ: هُما أَبَوَاه لأَبيه وأُمِّه، وَجَائِزٌ فِي الشِّعْرِ: هُما أَباهُ، وَكَذَلِكَ رأَيت أَبَيْهِ، وَاللُّغَةُ الْعَالِيَةُ رأَيت أَبَوَيه. قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يُجْمَعَ الأَبُ بالنُّونِ فَيُقَالُ: هَؤُلَاءِ أَبُونَكُمْ أَي آبَاؤُكُمِ، وَهُمُ الأَبُونَ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَالْكَلَامُ الجيِّد فِي جَمْعِ الأَبِ هَؤُلَاءِ الآباءُ، بِالْمَدِّ. وَمِنَ الْعَرَبِ مَن يَقُولُ: أُبُوَّتُنا أَكرم الْآبَاءِ، يَجْمَعُونَ الأَب عَلَى فُعولةٍ كَمَا يَقُولُونَ هَؤُلَاءِ عُمُومَتُنا وخُئولَتُنا؛ قَالَ الشَّاعِرُ فِيمَنْ جَمَعَ الأَبَ أَبِين:
أَقْبَلَ يَهْوي مِنْ دُوَيْن الطِّرْبالْ، ... وهْوَ يُفَدَّى بالأَبِينَ والخالْ
وَفِي حَدِيثِ
الأَعرابي الَّذِي جَاءَ يَسأَل عَنْ شَرَائِعِ الإِسْلام: فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: أَفْلَح وأَبيه إِن صدَق
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَذِهِ كَلِمَةٌ(14/7)
جَارِيَةٌ عَلَى أَلْسُن الْعَرَبِ تَسْتَعْمِلُهَا كَثِيرًا فِي خِطابها وتُريد بِهَا التأْكيد، وَقَدْ نَهَى النبيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَن يحلِف الرجلُ بأَبيهِ فَيَحْتَمِلُ أَن يَكُونَ هَذَا القولُ قَبْلَ النَّهْيِ، وَيَحْتَمِلُ أَن يَكُونَ جَرى مِنْهُ عَلَى عَادَةِ الْكَلَامِ الْجَارِي عَلَى الأَلْسُن، وَلَا يَقْصِدُ بِهِ القَسَم كَالْيَمِينِ المعفوِّ عَنْهَا مِنْ قَبيل اللَّغْوِ، أَو أَراد بِهِ توكيدَ الْكَلَامِ لَا الْيَمِينَ، فإِن هَذِهِ اللَّفْظَةَ تَجري فِي كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى ضَرْبَيْن: التَّعْظِيمِ وَهُوَ الْمُرَادُ بالقَسَم المنهِيِّ عَنْهُ، وَالتَّوْكِيدِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
لَعَمْرُ أَبِي الواشِينَ، لَا عَمْرُ غيرهِمْ، ... لَقَدْ كَلَّفَتْني خُطَّةً لَا أُريدُها
فَهَذَا تَوْكيد لَا قَسَم لأَنه لَا يَقْصِد أَن يَحْلِف بأَبي الْوَاشِينَ، وَهُوَ فِي كَلَامِهِمْ كَثِيرٌ؛ وَقَوْلُهُ أَنشده أَبو عَلِيٍّ عَنْ أَبي الْحَسَنِ:
تَقُولُ ابْنَتي لمَّا رَأَتْني شَاحِبًا: ... كأَنَّك فِينا يَا أَباتَ غَرِيبُ
قَالَ ابْنُ جِنِّي: فَهَذَا تأْنيثُ الآبَاء، وسَمَّى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ العَمَّ أَباً فِي قَوْلِهِ: قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ. وأَبَوْتَ وأَبَيْتَ: صِرْتَ أَباً. وأَبَوْتُه إِبَاوَةً: صِرْتُ لَهُ أَباً؛ قَالَ بَخْدَج:
اطْلُب أَبا نَخْلَة مَنْ يأْبُوكا، ... فَقَدْ سَأَلنا عَنْكَ مَنْ يَعْزُوكا
إِلَى أَبٍ، فكلُّهم يَنْفِيكا
التَّهْذِيبُ: ابْنُ السِّكِّيتِ أَبَوْتُ الرجُلَ أَأْبُوه إِذا كنتَ لَهُ أَباً. وَيُقَالُ: مَا لَهُ أَبٌ يَأْبُوه أَي يَغْذوه ويُرَبِّيه، والنِّسْبةُ إِليه أَبَوِيّ. أَبو عُبَيْدٍ: تَأَبَّيْت أَباً أَي تَخذْتُ أَباً وتَأَمَّيْت أُمَّة وتَعَمَّمْت عَمّاً. ابْنُ الأَعرابي: فُلَانٌ يَأْبُوك أَي يَكُونُ لَكَ أَباً؛ وأَنشد لِشَرِيكِ بْنِ حَيَّان العَنْبَري يَهْجو أَبا نُخَيلة:
يَا أَيُّهَذا المدَّعي شَرِيكًا، ... بَيِّنْ لَنا وحَلِّ عَنْ أَبِيكا
إِذا انْتَفى أَو شَكّ حَزْنٌ فِيكا، ... وَقَدْ سَأَلْنا عَنْكَ مَنْ يَعْزُوكا
إِلى أَبٍ، فكلُّهم يَنْفِيكا، ... فاطْلُب أَبا نَخْلة مَنْ يَأْبُوكا،
وادَّعِ فِي فَصِيلَةٍ تُؤْوِيكا
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَن يُحْمَل بَيْتُ الشَّرِيفِ الرَّضِيِّ:
تُزْهى عَلى مَلِك النِّساءِ، ... فلَيْتَ شِعْري مَنْ أَباها؟
أَي مَن كَانَ أَباها. قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يُرِيدَ أَبَوَيْها فَبناه عَلَى لُغَة مَنْ يَقُولُ أَبانِ وأَبُونَ. اللَّيْثُ: يُقَالُ فُلان يَأْبُو هَذَا اليَتِيمَ إِباوةً أَي يَغْذُوه كَمَا يَغْذُو الوالدُ ولَده. وبَيْني وَبَيْنَ فُلَانٍ أُبُوَّة، والأُبُوَّة أَيضاً: الآباءُ مثل العُمومةِ والخُئولةِ؛ وَكَانَ الأَصمعي يَرْوِي قِيلَ أَبي ذُؤَيْبٍ:
لَوْ كانَ مِدْحَةُ حَيٍّ أَنْشَرَتْ أَحَداً، ... أَحْيا أُبُوَّتَكَ الشُّمَّ الأَماديحُ
وَغَيْرُهُ يَرْويه:
أَحْيا أَبَاكُنَّ يَا لَيْلَى الأَماديحُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِثْلُهُ قَوْلُ لَبِيدٍ:
وأَنْبُشُ مِن تحتِ القُبُورِ أُبُوَّةً ... كِراماً، هُمُ شَدُّوا عَليَّ التَّمائما
قَالَ وَقَالَ الكُمَيت:(14/8)
نُعَلِّمُهُمْ بِهَا مَا عَلَّمَتْنا ... أُبُوَّتُنا جَواري، أَوْ صُفُونا «1»
. وتَأَبَّاه: اتَّخَذه أَباً، وَالِاسْمُ الأُبُوَّة؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِشَاعِرٍ:
أَيُوعِدُني الحجَّاج، والحَزْنُ بينَنا، ... وقَبْلَك لَمْ يَسْطِعْ لِيَ القَتْلَ مُصْعَبُ
تَهَدَّدْ رُوَيْداً، لَا أَرى لَكَ طاعَةً، ... وَلَا أَنت ممَّا سَاءَ وَجْهَك مُعْتَبُ
فإِنَّكُمُ والمُلْك، يا أَهْلَ أَيْلَةٍ، ... لَكالمُتأَبِّي، وهْو لَيْسَ لَهُ أَبُ
وَمَا كنتَ أَباً وَلَقَدْ أَبَوْتَ أُبُوَّةً، وَقِيلَ: مَا كنتَ أَباً وَلَقَدْ أَبَيْتَ، وَمَا كنتِ أُمّاً وَلَقَدْ أَمِمْتِ أُمُومةً، وَمَا كنتَ أَخاً وَلَقَدْ أَخَيْتَ وَلَقَدْ أَخَوْتَ، وَمَا كنتِ أُمَّةً وَلَقَدْ أَمَوْتِ. وَيُقَالُ: اسْتَئِبَّ أَبّاً واسْتأْبِبْ أَبّاً وتَأَبَّ أَبّاً واسْتَئِمَّ أُمّاً واسْتأْمِمْ أُمّاً وتأَمَّمْ أُمّاً. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وإِنما شدِّد الأَبُ والفعلُ مِنْهُ، وَهُوَ فِي الأَصل غيرُ مشدَّد، لأَن الأَبَ أَصله أَبَوٌ، فَزَادُوا بَدَلَ الْوَاوِ بَاءً كَمَا قَالُوا قِنٌّ لِلْعَبْدِ، وأَصله قِنْيٌ، وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ قَالَ لليَدِ يَدّ، فشدَّد الدَّالَ لأَن أَصله يَدْيٌ. وَفِي حَدِيثِ
أُم عَطِيَّةَ: كَانَتْ إِذا ذكَرَتْ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ بِأَبَاهُ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: أَصله بِأَبِي هُوَ. يُقَالُ: بَأْبَأْتُ الصَّبيَّ إِذا قلتَ لَهُ بأَبِي أَنت وأُمِّي، فَلَمَّا سُكِّنَتِ الْيَاءُ قُلِبَتْ أَلفاً كَمَا قِيلَ فِي يَا وَيْلتي يَا وَيْلَتَا، وَفِيهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ: بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ بَيْنَ الْبَاءَيْنِ، وَبِقَلْبِ الْهَمْزَةِ يَاءً مَفْتُوحَةً، وبإِبدال الْيَاءِ الأَخيرة أَلفاً، وَهِيَ هَذِهِ وَالْبَاءُ الأُولى فِي بأَبي أَنت وأُمِّي مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ، قِيلَ: هُوَ اسْمٌ فَيَكُونُ مَا بَعْدَهُ مَرْفُوعًا تَقْدِيرُهُ أَنت مَفْدِيٌّ بأَبي وأُمِّي، وَقِيلَ: هُوَ فِعْلٌ وَمَا بَعْدَهُ مَنْصُوبٌ أَي فَدَيْتُك بأَبي وأُمِّي، وَحُذِفَ هَذَا المقدَّر تَخْفِيفًا لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ وعِلْم المُخاطب بِهِ. الْجَوْهَرِيُّ: وَقَوْلُهُمْ يَا أَبَةِ افعلْ، يَجْعَلُونَ علامةَ التأْنيث عِوَضاً مِنْ يَاءِ الإِضافة، كَقَوْلِهِمْ فِي الأُمِّ يَا أُمَّةِ، وتقِف عَلَيْهَا بِالْهَاءِ إِلا فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ فإِنك تَقِفُ عَلَيْهَا بِالتَّاءِ «2» . اتِّباعاً لِلْكِتَابِ، وَقَدْ يَقِفُ بعضُ الْعَرَبِ عَلَى هَاءِ التأْنيث بِالتَّاءِ فَيَقُولُونَ: يَا طَلْحَتْ، وإِنما لَمْ تسْقُط التَّاءُ فِي الوصْل مِنَ الأَب، يَعْنِي فِي قَوْلِهِ يَا أَبَةِ افْعَل، وسَقَطتْ مِنَ الأُمِّ إِذا قلتَ يَا أُمَّ أَقْبِلي، لأَن الأَبَ لمَّا كَانَ عَلَى حَرْفَيْنِ كَانَ كأَنه قَدْ أُخِلَّ بِهِ، فَصَارَتِ الهاءُ لَازِمَةً وَصَارَتِ الياءُ كأَنها بَعْدَهَا. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أُمّ مُنادَى مُرَخَّم، حُذِفَتْ مِنْهُ التَّاءُ، قَالَ: وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مُضَافٌ رُخِّم فِي النِّداء غَيْرَ أُمّ، كَمَا أَنه لَمْ يُرَخَّم نَكِرَةً غَيْرَ صاحِب فِي قَوْلِهِمْ يَا صاحِ، وَقَالُوا فِي النِّدَاءِ يَا أَبةِ، ولَزِموا الحَذْف والعِوَض، قَالَ سِيبَوَيْهِ: وسأَلت الخليلَ، رَحِمَهُ اللَّهُ، عَنْ قَوْلِهِمْ يا أَبَةَ ويا أَبَةِ لَا تفعَل وَيَا أَبَتاه وَيَا أُمَّتاه، فَزَعَمَ أَن هَذِهِ الْهَاءَ مثلُ الْهَاءِ فِي عَمَّة وخالةٍ، قَالَ: ويدلُّك عَلَى أَن الْهَاءَ بِمَنْزِلَةِ الْهَاءِ فِي عَمَّة وخالةٍ أَنك تَقُولُ فِي الوَقْف يَا أَبَهْ، كَمَا تَقُولُ يَا خالَهْ، وَتَقُولُ يَا أَبتاهْ كَمَا تَقُولُ يَا خالَتاهْ، قَالَ: وَإِنَّمَا يُلْزِمُونَ هَذِهِ الْهَاءَ فِي النِّداء إِذا أَضَفْت إِلى نفسِك خاصَّة، كأَنهم جَعَلُوهَا عوَضاً مِنْ حَذْفِ الْيَاءِ، قَالَ: وأَرادوا أَن لَا يُخِلُّوا بِالِاسْمِ حِينَ اجْتَمَعَ فِيهِ حَذْفُ النِّداء، وأَنهم لَا يَكادون يَقُولُونَ يَا أَباهُ، وَصَارَ هَذَا مُحْتَملًا عندهم
__________
(1) . قوله [جواري أو صفونا] هكذا في الأَصل هنا بالجيم، وفي مادة صفن بالحاء
(2) . قوله [تقف عليها بالتاء] عبارة الخطيب: وأما الوقف فوقف ابن كثير وابن عامر بالهاء والباقون بالتاء(14/9)
لِمَا دخَل النِّداءَ مِنَ الْحَذْفِ والتغييرِ، فأَرادوا أَن يُعَوِّضوا هَذَيْنِ الْحَرْفَيْنِ كَمَا يَقُولُونَ أَيْنُق، لمَّا حَذَفُوا الْعَيْنَ جَعَلُوا الْيَاءَ عِوَضاً، فَلَمَّا أَلحقوا الْهَاءَ صيَّروها بِمَنْزِلَةِ الْهَاءِ الَّتِي تلزَم الِاسْمَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، وَاخْتُصَّ النِّدَاءُ بِذَلِكَ لِكَثْرَتِهِ فِي كَلَامِهِمْ كَمَا اختصَّ بيا أَيُّها الرَّجُلُ. وَذَهَبَ أَبو عُثْمَانَ الْمَازِنِيُّ فِي قِرَاءَةِ مَنْ قرأَ يَا أَبَةَ، بِفَتْحِ التَّاءِ، إِلى أَنه أَراد يَا أَبَتَاه فَحَذَفَ الأَلف؛ وَقَوْلُهُ أَنشده يَعْقُوبُ:
تقولُ ابْنَتي لمَّا رأَتْ وَشْكَ رِحْلَتي: ... كأَنك فِينا، يَا أَباتَ، غَريبُ
أَراد: يَا أَبَتَاه، فقدَّم الأَلف وأَخَّر التَّاءَ، وَهُوَ تأْنيث الأَبا، ذَكَرَهُ ابْنُ سِيدَهْ وَالْجَوْهَرِيُّ؛ وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الصَّحِيحُ أَنه ردَّ لامَ الْكَلِمَةِ إِليها لِضَرُورَةِ الشِّعْرِ كَمَا ردَّ الْآخَرُ لامَ دَمٍ فِي قَوْلِهِ:
فإِذا هِيَ بِعِظامٍ ودَمَا
وَكَمَا ردَّ الْآخَرُ إِلى يَدٍ لامَها فِي نَحْوِ قَوْلِهِ:
إِلَّا ذِراعَ البَكْرِ أَو كفَّ اليَدَا
وَقَوْلُهُ أَنشده ثَعْلَبٌ:
فقامَ أَبُو ضَيْفٍ كَرِيمٌ، كأَنه، ... وَقَدْ جَدَّ مِنْ حُسْنِ الفُكاهة، مازِحُ
فَسَّرَهُ فَقَالَ: إِنما قَالَ أَبو ضَيْف لأَنه يَقْرِي الضِّيفان؛ وَقَالَ العُجَير السَّلُولي:
تَرَكْنا أَبا الأَضْياف فِي لَيْلَةِ الصَّبا ... بمَرْوٍ، ومَرْدَى كُلُّ خَصْمٍ يُجادِلُهْ
وَقَدْ يَقْلِبُونَ الْيَاءَ أَلِفاً؛ قَالَتْ دُرْنَى بِنْتُ سَيَّار بْنِ ضَبْرة تَرْثي أَخَوَيْها، وَيُقَالُ هُوَ لعَمْرة الخُثَيْمِيَّة:
هُما أَخَوا فِي الحَرْب مَنْ لَا أَخا لَهُ، ... إِذا خافَ يَوْمًا نَبْوَةً فدَعاهُما
وَقَدْ زَعَمُوا أَنِّي جَزِعْت عَلَيْهِمَا؛ ... وَهَلْ جَزَعٌ إِن قلتُ وا بِأَبا هُما؟
تريد: وا بأَبي هُما. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُرْوَى وابِيَبا هُما، عَلَى إِبدال الْهَمْزَةِ يَاءً لِانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا، وَمَوْضِعُ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ رَفْعٌ عَلَى خبر هُما؛ قَالَ ويدلُّك عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الْآخَرِ:
يَا بِأَبي أَنتَ وَيَا فَوْقَ البِيَبْ
قَالَ أَبو عَلِيٍّ: الْيَاءُ فِي بِيَب مُبْدَلة مِنْ هَمزة بَدَلًا لَازِمًا، قَالَ: وَحَكَى أَبو زَيْدٍ بَيَّبْتُ الرجلَ إِذا قُلْتَ لَهُ بِأَبي، فَهَذَا مِنَ البِيَبِ، قَالَ: وأَنشده ابْنُ السِّكِّيتِ يَا بِيَبا؛ قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ لِيُوَافِقَ لفظُه لفظَ البِيَبِ لأَنه مُشْتَقٌّ مِنْهُ، قَالَ: وَرَوَاهُ أَبو الْعَلَاءِ فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ التِّبْرِيزي: وَيَا فَوْقَ البِئَبْ، بِالْهَمْزِ، قَالَ: وَهُوَ مركَّب مِنْ قَوْلِهِمْ بأَبي، فأَبقى الْهَمْزَةَ لِذَلِكَ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: فَيَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ البِيَب أَن يَقُولَ يَا بِيَبا، بِالْيَاءِ غَيْرَ مَهْمُوزٍ، وَهَذَا الْبَيْتُ أَنشده الْجَاحِظُ مَعَ أَبيات فِي كِتَابِ الْبَيَانِ والتَّبْيين لِآدَمَ مَوْلَى بَلْعَنْبَر يَقُولُهُ لابنٍ لَهُ؛ وَهِيَ:
يَا بِأَبي أَنتَ، وَيَا فَوق البِيَبْ، ... يَا بأَبي خُصْياك مِنْ خُصىً وزُبّ
أَنت المُحَبُّ، وَكَذَا فِعْل المُحِبّ، ... جَنَّبَكَ اللهُ مَعارِيضَ الوَصَبْ
حَتَّى تُفِيدَ وتُداوِي ذَا الجَرَبْ، ... وَذَا الجُنونِ مِنْ سُعالٍ وكَلَبْ
بالجَدْب حَتَّى يَسْتَقِيمَ فِي الحَدَبْ، ... وتَحْمِلَ الشاعِرَ فِي الْيَوْمِ العَصِبْ
عَلَى نَهابيرَ كَثيراتِ التَّعَبْ، ... وإِن أَراد جَدِلًا صَعْبٌ أَرِبْ
الأَرِبُ: العاقِلُ.(14/10)
خُصومةً تَنْقُبُ أَوساطَ الرُّكَبْ
لأَنهم كَانُوا إِذا تخاصَموا جَثَوْا عَلَى الرُّكَبِ.
أَطْلَعْتَه مِنْ رَتَبٍ إِلى رَتَبْ، ... حَتَّى تَرَى الأَبصار أَمثال الشُّهُبْ
يَرمي بِهَا أَشْوَسُ مِلحاحٌ كَلِبْ، ... مُجَرَّب الشَّكَّاتِ مَيْمُونٌ مِذَبّ
وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ:
يَا بِأَبي أَنتَ وَيَا فَوْقَ البِيَبْ
قَالَ: جَعَلُوا الْكَلِمَتَيْنِ كَالْوَاحِدَةِ لِكَثْرَتِهَا فِي الْكَلَامِ، وَقَالَ: يا أَبةِ ويا أَبةَ لُغَتَانِ، فَمن نصَب أَراد النُّدْبة فَحَذَفَ. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ عَنِ الْكِسَائِيِّ: مَا يُدْرى لَهُ مَن أَبٌ وَمَا أَبٌ أَي لَا يُدْرى مَن أَبوه وَمَا أَبوه. وَقَالُوا: لابَ لَكَ يُرِيدُونَ لَا أَبَ لَكَ، فَحَذَفُوا الْهَمْزَةَ البتَّة، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُمْ: وَيْلُمِّه، يُرِيدُونَ وَيْلَ أُمِّه. وَقَالُوا: لَا أَبا لَك؛ قَالَ أَبو عَلِيٍّ: فِيهِ تَقْدِيرَانِ مُخْتَلِفَانِ لِمَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَذَلِكَ أَن ثَبَاتَ الأَلف فِي أَبا مِنْ لَا أَبا لَك دَلِيلُ الإِضافة، فَهَذَا وَجْهٌ، وَوَجْهٌ آخَرُ أَن ثَبَاتَ اللَّامِ وعمَل لَا فِي هَذَا الِاسْمِ يُوجِبُ التَّنْكِيرَ والفَصْلَ، فثَبات الأَلف دليلُ الإِضافة وَالتَّعْرِيفِ، ووجودُ اللامِ دليلُ الفَصْل وَالتَّنْكِيرِ، وَهَذَانِ كَمَا تَراهما مُتَدافِعان، والفرْق بَيْنَهُمَا أَن قَوْلِهِمْ لَا أَبا لَك كَلَامٌ جَرى مَجْرى الْمَثَلِ، وَذَلِكَ أَنك إِذا قُلْتَ هَذَا فإِنك لَا تَنْفي فِي الْحَقِيقَةِ أَباهُ، وإِنما تُخْرِجُه مُخْرَج الدُّعاء عَلَيْهِ أَي أَنت عِنْدِي مِمَّنْ يستحقُّ أَن يُدْعى عَلَيْهِ بِفَقْدِ أَبيه؛ وأَنشد تَوْكِيدًا لَمَّا أَراد مِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلَهُ:
وَيَتْرُكُ أُخرى فَرْدَةً لَا أَخا لَها
وَلَمْ يَقُلْ لَا أُخْتَ لَهَا، وَلَكِنْ لمَّا جَرَى هَذَا الْكَلَامُ عَلَى أَفواهِهم لَا أَبا لَك وَلَا أَخا لَك قِيلَ مَعَ الْمُؤَنَّثِ عَلَى حَدِّ مَا يَكُونُ عَلَيْهِ مَعَ الْمُذَكَّرِ، فَجَرَى هَذَا نَحْوًا مِنْ قَوْلِهِمْ لِكُلِّ أَحد مِنْ ذَكَرٍ وأُنثى أَو اثْنَيْنِ أَو جَمَاعَةٍ: الصَّيْفَ ضَيَّعْتِ اللَّبن، عَلَى التأْنيث لأَنه كَذَا جَرَى أَوَّلَه، وإِذا كَانَ الأَمر كَذَلِكَ عُلِمَ أَن قَوْلَهُمْ لَا أَبا لَك إِنما فِيهِ تَفادي ظاهِره مِنِ اجْتِمَاعِ صُورَتي الفَصْلِ والوَصْلِ وَالتَّعْرِيفِ وَالتَّنْكِيرِ لَفْظًا لَا مَعْنًى، وَيُؤَكَّدُ عِنْدَكَ خُرُوجُ هَذَا الْكَلَامِ مَخْرَجِ الْمَثَلِ كثرتُه فِي الشِّعْرِ وأَنه يُقَالُ لِمَنْ لَهُ أَب وَلِمَنْ لَا أَبَ لَهُ، لأَنه إِذا كَانَ لَا أَبَ لَهُ لَمْ يجُزْ أَن يُدْعى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ فِيهِ لَا مَحالة، أَلا تَرَى أَنك لَا تَقُولُ لِلْفَقِيرِ أَفْقَرَه اللَّهُ؟ فَكَمَا لَا تَقُولُ لِمَنْ لَا أَبَ لَهُ أَفقدك اللَّهُ أَباك كَذَلِكَ تَعْلَمُ أَن قَوْلَهُمْ لِمَنْ لَا أَبَ لَهُ لَا أَبا لَك لَا حَقِيقَةَ لِمَعْنَاهُ مُطابِقة لِلَفْظِهِ، وإِنما هِيَ خَارِجَةٌ مَخْرَج الْمَثَلِ عَلَى مَا فَسَّرَهُ أَبو عَلِيٍّ؛ قَالَ عَنْتَرَةُ:
فاقْنَيْ حَياءَك، لَا أَبَا لَك واعْلَمي ... أَني امْرُؤٌ سأَمُوتُ، إِنْ لَمْ أُقْتَلِ
وَقَالَ المتَلَمِّس:
أَلْقِ الصَّحيفةَ، لَا أَبَا لَك، إِنه ... يُخْشى عَلَيْكَ مِنَ الحِباءِ النِّقْرِسُ
ويدلُّك عَلَى أَن هَذَا لَيْسَ بِحَقِيقَةِ قَوْلِ جَرِيرٍ:
يَا تَيْمُ تَيْمَ عَدِيٍّ، لَا أَبَا لَكُمُ ... لَا يَلْقَيَنَّكُمُ فِي سَوْءَةٍ عُمَرُ
فَهَذَا أَقْوَى دليلٍ عَلَى أَن هَذَا الْقَوْلَ مَثَلٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ، أَلا تَرَى أَنه لَا يَجُوزُ أَن يَكُونَ للتَّيْم كلِّها أَبٌ وَاحِدٌ، وَلَكِنَّكُمْ كُلَّكُمْ أَهل للدُّعاء عَلَيْهِ والإِغلاظ لَهُ؟ وَيُقَالُ: لَا أَبَ لَكَ وَلَا أَبَا لَك، وَهُوَ مَدْح، وَرُبَّمَا قَالُوا لَا أَباكَ لأَن اللَّامَ كالمُقْحَمة؛ قَالَ أَبو حيَّة النُّمَيْري:(14/11)
أَبِالمَوْتِ الَّذِي لَا بُدَّ أَني ... مُلاقٍ، لَا أَبَاكِ تُخَوِّفِيني؟
دَعي مَاذَا علِمْتِ سَأَتَّقِيهِ، ... ولكنْ بالمغيَّب نَبِّئِيني
أَراد: تُخَوِّفِينني، فَحَذَفَ النُّونَ الأَخيرة؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِثْلُهُ مَا أَنشده أَبو الْعَبَّاسِ الْمُبَرِّدُ فِي الْكَامِلِ:
وَقَدْ مَاتَ شَمَّاخٌ وَمَاتَ مُزَرِّدٌ، ... وأَيُّ كَريمٍ، لَا أَبَاكِ يُخَلَّدُ؟
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَشَاهِدُ لَا أَبا لَكِ قَوْلُ الأَجْدَع:
فإِن أَثْقَفْ عُمَيراً لَا أُقِلْهُ، ... وإِن أَثْقَفْ أَباه فَلَا أَبَا لَهْ
قَالَ: وَقَالَ الأَبْرَشُ بَحْزَج «3» . بْنُ حسَّان يَهجُو أَبا نُخَيلة:
إِنْ أَبا نَخْلَة عَبْدٌ مَا لَهُ ... جُولٌ، إِذا مَا التَمَسوا أَجْوالَهُ،
يَدْعو إِلى أُمٍّ وَلَا أَبَا لَهُ
وَقَالَ الأَعْور بْنُ بَراء:
فمَن مُبْلِغٌ عنِّي كُرَيْزاً وناشِئاً، ... بِذاتِ الغَضى، أَن لَا أَبَا لَكُما بِيا؟
وَقَالَ زُفَر بْنُ الْحَرْثِ يَعْتذِر مِنْ هَزيمة انْهَزَمها:
أَرِيني سِلاحي، لَا أَبَا لَكِ إِنَّني ... أَرى الحَرْب لَا تَزْدادُ إِلا تَمادِيا
أَيَذْهَبُ يومٌ واحدٌ، إِنْ أَسَأْتُه، ... بِصالِح أَيّامي، وحُسْن بَلائِيا
وَلَمْ تُرَ مِنِّي زَلَّة، قبلَ هَذِهِ، ... فِراري وتَرْكي صاحِبَيَّ وَرَائِيَا
وَقَدْ يَنْبُت المَرْعى عَلَى دِمَنِ الثَّرى، ... وتَبْقى حَزازاتُ النُّفُوسِ كَمَا هِيا
وَقَالَ جَرِيرٌ لجدِّه الخَطَفَى:
فَأَنْت أَبِي مَا لَمْ تَكُنْ ليَ حاجةٌ، ... فإِن عَرَضَتْ فإِنَّني لَا أَبا لِيا
وَكَانَ الخَطَفَى شَاعِرًا مُجيداً؛ وَمِنْ أَحسن مَا قِيلَ فِي الصَّمْت قَوْلُهُ:
عَجِبْتُ لإِزْراء العَيِيِّ بنفْسِه، ... وَصَمْتِ الَّذِي قَدْ كَانَ بالقَوْلِ أَعْلَما
وَفِي الصَّمْتِ سَتْرٌ لِلْعَييِّ، وإِنما ... صَحِيفةُ لُبِّ المَرْءِ أَن يَتَكَلَّما
وَقَدْ تكرَّر فِي الْحَدِيثِ
لَا أَبا لَك
، وَهُوَ أَكثر مَا يُذْكَرُ فِي المَدْح أَي لَا كافيَ لَكَ غَيْرُ نفسِك، وَقَدْ يُذْكَر فِي مَعْرض الذَّمِّ كَمَا يُقَالُ لَا أُمَّ لكَ؛ قَالَ: وَقَدْ يُذْكَرُ فِي مَعْرض التعجُّب ودَفْعاً للعَيْن كَقَوْلِهِمْ لِلَّهِ دَرُّك، وَقَدْ يُذْكَرُ بِمَعْنَى جِدَّ فِي أَمْرِك وشَمِّر لأَنَّ مَن لَهُ أَبٌ اتَّكَلَ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ شأْنِه، وَقَدْ تُحْذَف اللَّامُ فَيُقَالُ لَا أَباكَ بِمَعْنَاهُ؛ وَسَمِعَ سليمانُ بنُ عَبْدِ الْمَلِكِ رَجُلًا مِنَ الأَعراب فِي سَنَة مُجْدِبة يَقُولُ:
رَبّ العِبادِ، مَا لَنا وَمَا لَكْ؟ ... قَدْ كُنْتَ تَسْقِينا فَمَا بدَا لَكْ؟
أَنْزِلْ عَلَيْنَا الغَيْثَ، لَا أَبَا لَكْ
فَحَمَلَهُ سُلَيْمَانُ أَحْسَن مَحْمَل وَقَالَ: أَشهد أَن لَا أَبَا لَهُ وَلَا صاحِبةَ وَلَا وَلَد. وَفِي الْحَدِيثِ:
لِلَّهِ أَبُوكَ
، قَالَ ابْنُ الأَثير: إِذا أُضِيفَ الشَّيْءُ إِلى عَظِيمٍ شريفٍ اكْتَسى عِظَماً وشَرَفاً كَمَا قِيلَ بَيْتُ اللهِ وناقةُ اللهِ، فإِذا وُجدَ مِنَ الوَلَد مَا يَحْسُن مَوْقِعُه
__________
(3) . قوله [بحزج] كذا في الأَصل هنا وتقدم فيه قريباً: قَالَ بَخْدَجُ اطْلُبْ أَبَا نخلة إلخ. وفي القاموس: بخدج اسم، زاد في اللسان: شاعر(14/12)
ويُحْمَد قِيلَ لِلَّهِ أَبُوكَ، فِي مَعْرض المَدْح والتَّعجب أَي أَبوك لِلَّهِ خَالِصًا حَيْثُ أَنْجَب بِكَ وأَتى بمِثْلِك. قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: إِذا قَالَ الرجلُ لِلرَّجُلِ لَا أُمَّ لَهُ فَمَعْنَاهُ لَيْسَ لَهُ أُمٌّ حرَّة، وَهُوَ شَتْم، وَذَلِكَ أَنَّ بَني الإِماء لَيْسُوا بمرْضِيِّين وَلَا لاحِقِينَ بِبَنِي الأَحرار والأَشراف، وَقِيلَ: مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَا أُمَّ لَك يَقُولُ أَنت لَقِيطٌ لَا تُعْرَف لَكَ أُمّ، قَالَ: وَلَا يَقُولُ الرجُل لصاحِبه لَا أُمّ لَكَ إِلَّا فِي غَضَبِهِ عَلَيْهِ وَتَقْصِيرِهِ بِهِ شاتِماً، وأَما إِذا قَالَ لَا أَبا لَك فَلَمْ يَترك لَهُ مِنَ الشَّتِيمة شَيْئًا، وإِذا أَراد كَرَامَةً قَالَ: لَا أَبا لِشانِيكَ، وَلَا أَبَ لِشانِيكَ، وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: يُقَالُ لَا أَبَ لكَ وَلَا أَبَكَ، بِغَيْرِ لَامٍ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ شُمَيْلٍ: أَنه سأَل الْخَلِيلَ عَنْ قَوْلِ الْعَرَبِ لَا أَبا لَكَ فَقَالَ: مَعْنَاهُ لَا كافيَ لَكَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: مَعْنَاهُ أَنك تَجُرُّنِي أَمرك حَمْدٌ «1» . وَقَالَ الْفَرَّاءُ: قَوْلِهِمْ لَا أَبَا لَك كَلِمَةٌ تَفْصِلُ بِها الْعَرَبُ كلامَها. وأَبو المرأَة: زوجُها؛ عَنِ ابْنِ حَبِيبٍ. وَمِنَ المُكَنَّى بالأَب قَوْلُهُمْ: أَبو الحَرِث كُنْيَةُ الأَسَدِ، أَبو جَعْدَة كُنْية الذِّئْبِ، أَبو حُصَيْنٍ كُنْيةُ الثَّعْلَب، أَبو ضَوْطَرى الأَحْمَقُ، أَبو حاجِب النَّارُ لَا يُنْتَفَع بِهَا، أَبو جُخادِب الجَراد، وأَبو بَراقِش لِطَائِرٍ مُبَرْقَش، وأَبو قَلَمُونَ لثَوْب يَتَلَوَّن أَلْواناً، وأَبو قُبَيْسٍ جبَل بِمَكَّةَ، وأَبو دارِسٍ كُنْية الفَرْج مِنَ الدَّرْس وَهُوَ الحَيْض، وأَبو عَمْرَة كُنْية الجُوع؛ وَقَالَ:
حَلَّ أَبو عَمْرَة وَسْطَ حُجْرَتي
وأَبو مالِكٍ: كُنْية الهَرَم؛ قَالَ:
أَبا مالِك، إِنَّ الغَواني هَجَرْنني ... أَبا مالِكٍ، إِني أَظنُّك دائِبا
وَفِي حَدِيثِ
رُقَيْقَة: هَنِيئاً لَكَ أَبا البَطحاء
إِنَّما سمَّوْه أَبا الْبَطْحَاءِ لأَنهم شَرفُوا بِهِ وعَظُمُوا بِدُعَائِهِ وَهِدَايَتِهِ كَمَا يُقَالُ للمِطْعام أَبو الأَضْياف. وَفِي حَدِيثِ
وَائِلِ بْنِ حُجْر: مِنْ مُحَمَّدٍ رسولِ اللَّهِ إِلى المُهاجِر بن أَبو أُمَيَّة
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: حَقُّه أَن يَقُولَ ابنِ أَبي أُمَيَّة، وَلَكِنَّهُ لاشْتهارِه بالكُنْية وَلَمْ يَكُنْ لَهُ اسْمٌ مَعْرُوفٌ غَيْرُهُ، لَمْ يجرَّ كَمَا قِيلَ عَلِيُّ بْنُ أَبو طَالِبٍ. وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ: قَالَتْ عَنْ حَفْصَةَ وَكَانَتْ بنتَ أَبيها
أَي أَنها شَبِيهَةٌ بِهِ فِي قُوَّة النَّفْسِ وحِدَّة الخلُق والمُبادَرة إِلى الأَشياء. والأَبْواء، بِالْمَدِّ: مَوْضِعٌ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ الأَبْواء، وَهُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْبَاءِ والمدِّ، جَبَل بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَعِنْدَهُ بَلَدٌ ينسَب إِليه. وكَفْرآبِيا: مَوْضِعٌ. وَفِي الْحَدِيثِ: ذِكْر أَبَّى، هِيَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ: بِئْرٌ مِنْ آبَارِ بَنِي قُرَيظة وأَموالهِم يُقَالُ لَهَا بِئْرُ أَبَّى، نَزَلها سيدُنا رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمَّا أَتى بَنِي قُريظة.
أتى: الإِتْيان: المَجيء. أَتَيْته أَتْياً وأُتِيّاً وإِتِيّاً وإِتْيَاناً وإِتْيَانَةً ومَأْتَاةً: جِئْته؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
فاحْتَلْ لنفسِك قَبْلَ أَتْيِ العَسْكَرِ
وَفِي الْحَدِيثِ:
خَيْرُ النِّساء المُواتِيةُ لِزَوْجها
؛ المُواتاةُ: حُسْنُ المُطاوعةِ والمُوافقةِ، وأَصلُها الهمزُ فخفِّف وكثُر حَتَّى صَارَ يُقَالُ بِالْوَاوِ الخالِصة؛ قَالَ: وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ. وَقَالَ اللَّيْثُ: يُقَالُ أَتاني فُلَانٌ أَتْياً وأَتْيَةً وَاحِدَةً وإِتْياناً، قَالَ: وَلَا تَقُلْ إِتْيَانَة وَاحِدَةً إِلَّا فِي اضْطِرَارِ شِعْرٍ قَبِيحٍ، لأَن المَصادر كلَّها إِذا جُعِلَتْ وَاحِدَةً رُدَّتْ إِلى بِنَاءِ فَعْلة، وذلك
__________
(1) . قوله [وَقَالَ غَيْرُهُ مَعْنَاهُ أَنَّكَ تجرني أمرك حمد] هكذا في الأَصل(14/13)
إِذا كَانَ الفِعْل مِنْهَا عَلَى فَعَلَ أَو فَعِلَ، فإِذا أُدْخِلَتْ فِي الفِعْل زياداتٌ فَوْقَ ذَلِكَ أُدْخِلَت فِيهَا زِيَادَتُهَا فِي الواحِدة كَقَوْلِكَ إِقْبالةً وَاحِدَةً، وَمِثْلُ تَفَعَّلَ تَفْعِلةً وَاحِدَةً وأَشباه ذَلِكَ، وَذَلِكَ فِي الشَّيْءِ الَّذِي يحسُن أَن تَقُولَ فَعْلة وَاحِدَةٌ وإِلَّا فَلَا؛ وَقَالَ:
إِني، وأَتْيَ ابنِ غَلَّاقٍ لِيَقْرِيَني، ... كغابِطِ الكَلْبِ يَبْغي الطِّرقَ فِي الذنَبِ
وَقَالَ ابْنُ خالَوَيه: يُقَالُ مَا أَتَيْتَنا حَتَّى اسْتَأْتَيْناك. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى
؛ قَالُوا: مَعْنَاهُ حَيْثُ كَانَ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ حَيْثُ كَانَ الساحِرُ يجِب أَن يُقْتل، وَكَذَلِكَ مَذْهَبُ أَهل الفِقْه فِي السَّحَرة؛ وَقَوْلِهِ:
تِ لي آلَ زيد فابدُهم لِي جَمَاعَةً، ... وسَلْ آلَ زيدٍ أَيُّ شَيْءٍ يَضِيرُها
قَالَ ابْنُ جِنِّي: حُكِيَ أَن بَعْضَ الْعَرَبِ يَقُولُ فِي الأَمر مِنْ أَتى: تِ زَيْدًا، فَيُحْذَفُ الْهَمْزَةُ تَخْفِيفًا كَمَا حُذِفَتْ مِنْ خُذْ وكُلْ ومُرْ. وقُرئ: يومَ تَأْتِ، بِحَذْفِ الْيَاءِ كَمَا قَالُوا لَا أَدْرِ، وَهِيَ لُغَةُ هُذيل؛ وأَما قَوْلُ قَيْس بْنِ زُهَير العَبْسيّ:
أَلمْ يَأْتِيكَ، والأَنْباءُ تَنْمِي، ... بِمَا لاقَتْ لَبُون بَنِي زِياد؟
فإِنما أَثبت الْيَاءَ وَلَمْ يَحْذِفْهَا لِلْجَزْمِ ضَرُورَةً، وردَّه إِلى أَصله. قَالَ الْمَازِنِيُّ: وَيَجُوزُ فِي الشِّعْرِ أَن تَقُولَ زَيْدٌ يرْمِيُك، بِرَفْعِ الْيَاءِ، ويَغْزُوُك، بِرَفْعِ الْوَاوِ، وَهَذَا قاضيٌ، بِالتَّنْوِينِ، فتُجْري الحرْفَ المُعْتَلَّ مُجرى الْحَرْفِ الصَّحِيحِ مِنْ جَمِيعِ الوُجوه فِي الأَسماء والأَفعال جَمِيعًا لأَنه الأَصل. والمِيتاءُ والمِيداءُ، مَمْدودانِ: آخِرُ الْغَايَةِ حَيْثُ يَنْتَهِي إِليه جَرْيُ الْخَيْلِ. والمِيتَاءُ: الطَّرِيقُ العامِرُ، ومجتَمَع الطَّرِيقِ أَيضاً مِيتَاء وَمِيدَاءُ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لحُميد الأَرْقَط:
إِذا انْضَزَّ مِيتَاءُ الطَّرِيقِ عَلَيْهِمَا، ... مَضَتْ قُدُماً بَرِحَ الْحِزَامُ زَهُوقُ «1»
. وَفِي حَدِيثِ اللُّقطة:
مَا وجَدْتَ فِي طريقٍ ميتاءٍ فعَرِّفْه سَنَةً
، أَي طريقٍ مَسْلوكٍ، وَهُوَ مفْعال مِنَ الإِتْيَان، وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ. وَيُقَالُ: بَنَى القومُ بُيوتَهم عَلَى ميتاءٍ وَاحِدٍ ومِيداءٍ واحدٍ. وَدَارِي بمِيتاء دارِ فلانٍ ومِيداءْ دارِ فُلان أَي تِلْقاءَ دارِه. وَطَرِيقٌ مِئْتاءٌ: عامِرٌ؛ هَكَذَا رَوَاهُ ثَعْلَبٌ بِهَمْزِ الْيَاءِ مِنْ مِئْتاءٍ، قَالَ: وَهُوَ مِفْعال مِنْ أَتيت أَي يأْتيه الناسُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَوْلَا أَنه وَعدٌ حقٌّ وقولٌ صِدْقٌ وطريقٌ مِيتاءٌ لَحَزِنّا عَلَيْكَ أَكثر مَا حَزِنّا
؛ أَراد أَنه طريقٌ مَسْلُوكٌ يَسْلُكه كلُّ أَحدٍ، وَهُوَ مِفْعال مِنَ الإِتْيَان، فإِن قُلْتَ طَرِيقٌ مَأْتِيٌّ فَهُوَ مفْعول مِنْ أَتَيْته. قَالَ اللَّهُ عزَّ وَجَلَّ: إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا
؛ كأَنه قَالَ آتِياً، كَمَا قَالَ: حِجاباً مَسْتُوراً أَي سَاتِرًا لأَن مَا أَتيته فَقَدْ أَتاك؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَقَدْ يَكُونُ مَفْعُولًا لأَنَّ مَا أَتاك مِنْ أَمر اللَّهِ فَقَدْ أَتَيْته أَنتَ، قَالَ: وإِنما شُدِّد لأَن وَاوَ مَفعولٍ انقلَبت يَاءً لِكَسْرَةِ مَا قَبْلَهَا فأُدغمت فِي الْيَاءُ الَّتِي هِيَ لامُ الْفِعْلِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَكَذَا رُوِيَ طريقٌ مِيتاءٌ، بِغَيْرِ هَمْزٍ، إِلا أَن الْمُرَادَ الْهَمْزُ، وَرَوَاهُ أَبو عُبَيْدٍ فِي الْمُصَنَّفِ بِغَيْرِ هَمْزٍ، فِيعالًا لأَن فِيعالًا مِنْ أَبْنِية المَصادر، ومِيتاء لَيْسَ مَصْدَرًا إِنما هُوَ صفةٌ فَالصَّحِيحُ فِيهِ إِذن مَا رَوَاهُ ثَعْلَبٌ وَفَسَّرَهُ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ كَانَ لَنَا أَن نَقُولَ إِن أَبا عبيد
__________
(1) . قوله [إذا انضز إلخ] هكذا في الأَصل هنا، وتقدم في مادتي ميت وميد ببعض تغيير(14/14)
أَراد الْهَمْزَ فَتَرَكَهُ إِلا أَنه عَقَد الْبَابَ بفِعْلاء فَفَضَحَ ذَاتَهُ وأَبان هَناتَه. وفي التنزيل العزيز: يْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً
؛ قَالَ أَبو إِسحاق: مَعْنَاهُ يُرْجِعُكم إِلى نَفْسه، وأَتَى الأَمرَ مِنْ مَأْتَاهُ ومَأْتَاتِه أَي مِنْ جهتِه وَوَجْهه الَّذِي يُؤْتَى مِنْهُ، كَمَا تَقُولُ: مَا أَحسَنَ مَعْناةَ هَذَا الْكَلَامِ، تُريد مَعْنَاهُ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
وحاجةٍ كنتُ على صُماتِها [صِماتِها] ... أَتَيْتُها وحْدِيَ مِنْ مَأْتَاتها
وآتَى إِليه الشيءَ: ساقَه. والأَتِيُّ: النَّهَرُ يَسوقه الرَّجُلُ إِلى أَرْضه، وَقِيلَ: هُوَ المَفْتَح، وكلُّ مَسيل سَهَّلْته لماءٍ أَتِيٌّ، وَهُوَ الأُتِيُّ؛ حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ، وَقِيلَ: الأُتِيُّ جمعٌ. وأَتَّى لأَرْضِه أَتِيّاً: ساقَه؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي لأَبي مُحَمَّدٍ الفَقْعسيّ:
تَقْذِفهُ فِي مِثْلِ غِيطان التِّيهْ، ... فِي كلِّ تِيهٍ جَدْول تُؤَتِّيهْ
شبَّه أَجْوافها فِي سَعَتها بالتِّيهِ، وَهُوَ الواسِعُ مِنَ الأَرض. الأَصمعي: كلُّ جَدْوَلِ ماءٍ أَتِيّ؛ وَقَالَ الرَّاجِزُ:
ليُمْخَضَنْ جَوْفُكِ بالدُّليِّ، ... حَتَّى تَعُودي أَقْطَعَ الأَتِيِ
قَالَ: وَكَانَ يَنْبَغِي «2» . أَن يَقُولَ قَطْعاً قَطعاء الأَتيِّ لأَنه يُخاطب الرَّكِيَّة أَو الْبِئْرَ، وَلَكِنَّهُ أَراد حَتَّى تَعُودي مَاءً أَقْطَع الأَتيّ، وَكَانَ يَسْتَقِي ويَرْتجِز بِهَذَا الرِّجْزِ عَلَى رأْس الْبِئْرِ. وأَتَّى لِلْمَاءِ: وَجَّه لَهُ مَجْرىً. وَيُقَالُ: أَتِّ لِهَذَا الْمَاءِ فتُهَيِّئَ لَهُ طَرِيقَهُ. وَفِي حَدِيثِ
ظَبْيان فِي صِفة دِيار ثَمُود قَالَ: وأَتَّوْا جَداوِلَها
أَي سَهَّلوا طُرُق المِياه إِليها. يُقَالُ: أَتَّيْت الْمَاءَ إِذا أَصْلَحْت مَجْراه حَتَّى يَجْرِي إِلى مَقارِّه. وَفِي حَدِيثِ بَعْضِهِمْ:
أَنه رأَى رَجُلًا يُؤَتِّي الماءَ فِي الأَرض
أَي يُطَرِّق، كأَنه جَعَلَهُ يأْتي إِليها أَي يَجيءُ. والأَتِيُّ والإِتاءُ: مَا يَقَعُ فِي النَّهَرِ «3» . مِنْ خَشَبٍ أَو ورَقٍ، والجمعُ آتَاءٌ وأُتيٌّ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنَ الإِتْيان. وسَيْل أَتِيٌّ وأَتَاوِيٌّ: لَا يُدْرى مِنْ أَيْن أَتى؛ وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: أَي أَتى ولُبِّس مَطَرُه عَلَيْنَا؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
كأَنه، والهَوْل عَسْكَرِيّ، ... سَيْلٌ أَتِيٌّ مَدَّه أَتِيّ
وَمِنْهُ قولُ المرأَة الَّتِي هَجَت الأَنْصارَ، وحَبَّذا هَذَا الهِجاءُ:
أَطَعْتُمْ أَتَاوِيَّ مِنْ غَيْرِكُمْ، ... فَلَا مِنْ مُرادٍ وَلَا مَذْحِجِ
أَرادت بالأَتَاوِيِّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقَتَلَها بعضُ الصَّحَابَةِ فأُهْدِرَ دَمُها، وَقِيلَ: بَلِ السَّيل مُشَبَّه بِالرَّجُلِ لأَنه غريبٌ مِثْلُهُ؛ قَالَ:
لَا يُعْدَلُنَّ أَتَاوِيُّون تَضْرِبُهم ... نَكْباءُ صِرٌّ بأَصحاب المُحِلَّاتِ
قَالَ الْفَارِسِيُّ: وَيُرْوَى لَا يَعْدِلَنَّ أَتَاوِيُّون، فَحَذَفَ الْمَفْعُولَ، وأَراد: لَا يَعْدِلَنَّ أَتاويُّون شأْنُهم كَذَا أَنْفُسَهم.
ورُوي أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سأَل عَاصِمَ بْنَ عَدِيّ الأَنْصاري عَنْ ثَابِتِ بْنِ الدحْداح وتُوُفِّيَ، فَقَالَ: هَلْ تَعْلَمُونَ لَهُ نَسَباً فيكم؟ فقال:
__________
(2) . قوله [وكان ينبغي إلخ] هذه عبارة التهذيب وليست فيه لفظة قطعاً
(3) . قوله [والأَتِيّ والإِتَاء مَا يَقَعُ في النهر] هكذا ضبط في الأَصل، وعبارة القاموس وشرحه: والأَتَى كرضا، وضبطه بعض كعدي، والأَتَاء كسماء، وضبطه بعض ككساء: مَا يَقَعُ فِي النَّهَرِ مِنْ خَشَبٍ أَوْ وَرَقٍ(14/15)
لَا، إِنما هُوَ أَتِيٌّ فِينَا، قَالَ: فقَضَى رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِيرَاثِهِ لِابْنِ أُختِه
؛ قَالَ الأَصمعي: إِنما هُوَ أَتِيٌّ فِينَا؛ الأَتِيُّ الرَّجُلُ يَكُونُ فِي الْقَوْمِ لَيْسَ مِنْهُمْ، وَلِهَذَا قِيلَ لِلسَّيْلِ الَّذِي يأْتي مِنْ بلَد قَدْ مُطر فِيهِ إِلى بَلَدٍ لَمْ يُمْطر فِيهِ أَتِيٌّ. وَيُقَالُ: أَتَّيْت لِلسَّيْلِ فأَنا أُؤَتِّيه إِذا سهَّلْت سَبِيلَهُ مِنْ مَوْضِعٍ إِلى مَوْضِعٍ ليخرُج إِليه، وأَصل هَذَا مِنَ الغُرْبة، أَي هُوَ غَريبٌ؛ يُقَالُ: رَجُلٌ أَتِيٌّ وأَتاوِيٌّ أَي غريبٌ. يُقَالُ: جَاءَنَا أَتَاوِيٌّ إِذا كَانَ غَرِيبًا فِي غَيْرِ بِلَادِهِ. وَمِنْهُ حَدِيثُ
عُثْمَانَ حِينَ أَرسل سَلِيطَ بْنَ سَلِيطٍ وعبدَ الرحمن ابن عتَّاب إِلى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلام فَقَالَ: ائْتِيَاه فتَنَكَّرا لَهُ وَقُولَا إِنَّا رجُلان أَتَاوِيَّان وَقَدْ صَنَع اللَّهُ مَا تَرَى فَمَا تأْمُر؟ فَقَالَا لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: لَسْتُما بأَتاوِيَّيْن وَلَكِنَّكُمَا فُلَانٌ وَفُلَانٌ أَرسلكما أَميرُ الْمُؤْمِنِينَ
؛ قَالَ الْكِسَائِيُّ: الأَتَاوِيُّ، بِالْفَتْحِ، الْغَرِيبُ الَّذِي هُوَ فِي غَيْرِ وَطَنِهِ أَي غَرِيبًا، ونِسْوة أَتَاوِيَّات «1» ؛ وأَنشد هُوَ وأَبو الجرَّاح لِحُمَيْدٍ الأَرْقَط:
يُصْبِحْنَ بالقَفْرِ أَتَاوِيَّاتِ ... مُعْتَرِضات غَيْرِ عُرْضِيَّاتِ
أَي غَرِيبَةٍ مِنْ صَواحبها لِتَقَدُّمِهِنَّ وسَبْقِهِنَّ، ومُعْتَرِضات أَي نشِيطة لَمْ يُكْسِلْهُنَّ السَّفَرُ، غَيْرِ عُرْضِيَّات أَي مِنْ غَيْرِ صُعُوبة بَلْ ذَلِكَ النَّشاط مِنْ شِيَمِهِنَّ. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الْحَدِيثُ يُرْوَى بِالضَّمِّ، قَالَ: وَكَلَامُ الْعَرَبِ بِالْفَتْحِ. وَيُقَالُ: جَاءَنَا سَيْلٌ أَتِيٌّ وأَتَاوِيٌّ إِذا جَاءَكَ وَلَمْ يُصِبْكَ مَطَره. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ
؛ أَي قرُب ودَنا إِتْيانُه. وَمِنْ أَمثالهم: مَأْتِيٌّ أَنت أَيها السَّوادُ أَو السُّوَيْدُ، أَي لَا بُدَّ لَكَ مِنْ هَذَا الأَمر. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذا دَنا مِنْهُ عدوُّه: أُتِيتَ أَيُّها الرجلُ. وأَتِيَّةُ الجُرْحِ وآتِيَتُه: مادَّتُه وَمَا يأْتي مِنْهُ؛ عَنْ أَبي عَلِيٍّ، لأَنها تأْتِيه مِنْ مَصَبِّها. وأَتَى عَلَيْهِ الدَّهْرُ: أَهلَكَه، عَلَى الْمَثَلِ. ابْنُ شُمَيْلٍ: أَتَى عَلَى فُلَانٍ أَتْوٌ أَي مَوْتٍ أَو بَلاء أَصابه؛ يُقَالُ: إِن أَتى عليَّ أَتْوٌ فَغُلَامِي حُرٌّ أَي إِن مُتُّ. والأَتْوُ: المَرَض الشَّدِيدُ أَو كسرُ يَدٍ أَو رِجْلٍ أَو موتٌ. وَيُقَالُ: أُتيَ عَلَى يَدِ فُلَانٍ إِذا هَلَكَ لَهُ مالٌ؛ وَقَالَ الحُطَيئة:
أَخُو المَرْء يُؤْتَى دُونَهُ ثُمَّ يُتَّقَى ... بِزُبِّ اللِّحَى جُرْدِ الخُصى كالجَمامِحِ
قَوْلُهُ أَخو الْمَرْءِ أَي أَخُو الْمَقْتُولِ الَّذِي يَرْضى مِنْ دِيَةِ أَخيه بِتُيوس، يَعْنِي لَا خَيْرَ فِيمَا يُؤتى دُونَهُ أَي يُقْتَلُ ثُمَّ يُتَّقَى بتُيوس زُبِّ اللّحَى أَي طَوِيلَةِ اللِّحَى. وَيُقَالُ: يُؤْتَى دُونَهُ أَي يُذهب بِهِ ويُغلَب عَلَيْهِ؛ وَقَالَ:
أَتَى دُونَ حُلْوِ العَيْش حَتَّى أَمرَّه ... نُكُوبٌ، عَلَى آثارِهن نُكُوبُ
أَي ذهَب بحُلْو العَيْشِ. وَيُقَالُ: أُتِيَ فُلَانٌ إِذا أَطلَّ عَلَيْهِ العدوُّ. وَقَدْ أُتِيتَ يَا فُلَانُ إِذا أُنْذِر عَدُوًّا أَشرفَ عَلَيْهِ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ
؛ أَي هَدَم بُنْيانَهم وقلَع بُنْيانهم مِنْ قَواعِدِه وأَساسه فهدَمه عَلَيْهِمْ حَتَّى أَهلكهم. وَفِي حَدِيثِ
أَبي هُرَيْرَةَ فِي العَدَوِيِّ: إِني قُلْتُ أُتِيتَ
أَي دُهِيتَ وتغَيَّر عَلَيْكَ حِسُّك فتَوَهَّمْت مَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ صَحِيحًا. وأَتَى الأَمْرَ والذَّنْبَ: فعَلَه. واسْتأْتَتِ النَّاقَةُ اسْتِئتاءً، مَهْمُوزٌ، أَي ضَبِعَتْ وأَرادت الفَحْل. وَيُقَالُ: فَرَسٌ أَتيٌّ ومُسْتَأْتٍ
__________
(1) . قوله [أَيْ غَرِيبًا وَنِسْوَةٌ أَتَاوِيَّات] هكذا في الأَصل، ولعله ورجال أَتَاوِيُّون أَي غرباء ونسوة إلخ. وعبارة الصحاح: والأَتَاوِيّ الغريب، ونسوة إلخ(14/16)
ومُؤَتَّى ومُسْتَأْتِي، بِغَيْرِ هَاءٍ، إِذا أَوْدَقَت. والإِيتاءُ: الإِعْطاء. آتَى يُؤَاتِي إِيتَاءً وآتاهُ إِيتاءً أَي أَعطاه. وَيُقَالُ: لِفُلَانٍ أَتْوٌ أَي عَطاء. وآتَاه الشَّيْءَ أَي أَعطاه إِيَّاه. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ
؛ أَراد وأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ شَيْئًا، قَالَ: وَلَيْسَ قولُ مَنْ قَالَ إِنَّ مَعْنَاهُ أُوتِيَتْ كُلَّ شَيْءٍ يَحْسُن، لأَن بِلْقِيس لَمْ تُؤتَ كُلَّ شَيْءٍ، أَلا ترَى إِلى قَوْلِ سُلَيْمَانَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِها؟
فَلَوْ كَانَتْ بِلْقِيسُ أُوتِيَتْ كلَّ شَيْءٍ لأُوتِيَتْ جُنُودًا تُقاتلُ بِهَا جُنُودَ سُلَيْمَانَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَو الإِسلامَ لأَنها إِنما أَسْلمت بَعْدَ ذَلِكَ مَعَ سُلَيْمَانَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ. وآتَاه: جَازَاهُ. وَرَجُلٌ مِيتاءٌ: مُجازٍ مِعْطاء. وَقَدْ
قُرِئَ: وإِن كَانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِهَا وآتَيْنا بِهَا
؛ فأَتَيْنا جِئنا، وآتَيْنا أَعْطَينا، وَقِيلَ: جازَيْنا، فإِن كَانَ آتَيْنا أَعْطَيْنا فَهُوَ أَفْعَلْنا، وإِن كَانَ جازَيْنا فَهُوَ فاعَلْنا. الْجَوْهَرِيُّ: آتاهُ أَتَى بِهِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: آتِنا غَداءَنا
أَي ائْتِنا بِهِ. وَتَقُولُ: هاتِ، مَعْنَاهُ آتِ عَلَى فاعِل، فَدَخَلَتِ الْهَاءُ عَلَى الأَلف. وَمَا أَحسنَ أَتْيَ يَدَي النَّاقَةِ أَي رَجْع يدَيْها فِي سَيْرِها. وَمَا أَحسن أَتْوَ يَدَيِ النَّاقَةِ أَيضاً، وَقَدْ أَتَتْ أَتْواً. وآتَاهُ عَلَى الأَمْرِ: طاوَعَه. والمُؤَاتَاةُ: حُسْنُ المُطاوَعةِ. وآتَيْتُه عَلَى ذَلِكَ الأَمْر مُؤَاتَاةً إِذا وافَقْته وطاوَعْته. والعامَّة تَقُولُ: وَاتَيْتُه، قَالَ: وَلَا تَقُلْ وَاتَيْته إِلا فِي لُغَةٍ لأَهل اليَمن، وَمِثْلُهُ آسَيْت وآكَلْت وآمَرْت، وإِنما جَعَلُوهَا وَاوًا عَلَى تَخْفِيفِ الْهَمْزَةِ فِي يُواكِل ويُوامِر وَنَحْوَ ذَلِكَ. وتَأَتَّى لَهُ الشيءُ: تَهَيَّأَ. وَقَالَ الأَصمعي: تَأَتَّى فُلَانٌ لِحَاجَتِهِ إِذا تَرَفَّق لَهَا وأَتاها مِنْ وَجْهها، وتَأَتَّى للقِيام. والتَّأَتِّي: التَّهَيُّؤُ لِلْقِيَامِ؛ قَالَ الأَعْشى:
إِذا هِي تَأَتَّى قَرِيبُ القِيام، ... تَهادَى كَمَا قَدْ رأَيْتَ البَهِيرا «1»
. وَيُقَالُ: جَاءَ فُلَانٌ يَتَأَتَّى أَي يتعرَّض لمَعْروفِك. وأَتَّيْتُ الماءَ تَأْتِيَةً وتَأَتِّياً أَي سَهَّلت سَبيله ليخرُج إِلى مَوْضِعٍ. وأَتَّاه اللَّهُ: هَيَّأَه. وَيُقَالُ: تَأَتَّى لفُلان أَمرُه، وَقَدْ أَتَّاه اللَّهُ تَأْتِيَةً. وَرَجُلٌ أَتِيٌّ: نافِذٌ يتأَتَّى للأُمور.
وَيُقَالُ: أَتَوْتُه أَتْواً، لُغَةٌ فِي أَتَيْتُه؛ قَالَ خَالِدُ بْنُ زُهَيْرٍ:
يَا قَوْمِ، مَا لِي وأَبا ذُؤيْبِ، ... كُنْتُ إِذا أَتَوْتُه مِنْ غَيْبِ
يَشُمُّ عِطْفِي ويَبُزُّ ثَوْبي، ... كأَنني أَرَبْته بِرَيْبِ
وأَتَوْتُه أَتْوَةً وَاحِدَةً. والأَتْوُ: الاسْتِقامة فِي السير والسرْعةُ. وما زال كلامُه عَلَى أَتْوٍ واحدٍ أَي طريقةٍ وَاحِدَةٍ؛ حَكَى ابْنُ الأَعرابي: خطَب الأَميرُ فَمَا زَالَ عَلَى أَتْوٍ واحدٍ. وَفِي حَدِيثِ
الزُّبير: كُنَّا نَرْمِي الأَتْوَ والأَتْوَيْن
أَي الدفْعةَ والدفْعتين، مِنَ الأَتْوِ العَدْوِ، يُرِيدُ رَمْيَ السِّهام عَنِ القِسِيِّ بَعْدَ صَلَاةِ المَغْرب. وأَتَوْتُه آتُوه أَتْواً وإِتَاوَةً: رَشَوْتُه؛ كَذَلِكَ حَكَاهُ أَبو عُبَيْدٍ، جَعَلَ الإِتَاوَة مَصْدَرًا. والإِتَاوةُ: الرِّشْوةُ والخَراجُ؛ قَالَ حُنَيّ بْنُ جَابِرٍ التَّغْلبيّ:
ففِي كلِّ أَسْواقِ العِراقِ إِتَاوَةٌ، ... وَفِي كلِّ مَا باعَ امْرُؤٌ مَكْسُ دِرْهَمِ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَما أَبو عُبَيْدٍ فأَنشد هَذَا الْبَيْتَ عَلَى الإَتاوَةِ الَّتِي هِيَ الْمَصْدَرُ، قَالَ: ويقوِّيه قَوْلُهُ مَكْسُ دِرْهَم، لأَنه عَطْفُ عرَض عَلَى عرَض. وكلُّ مَا
__________
(1) . قوله [إذا هي تَأَتَّى إلخ] تقدم في مادة بهر بلفظ:
إِذَا مَا تَأَتَّى تُرِيدُ القيام(14/17)
أُخِذ بكُرْهٍ أَو قُسِمَ عَلَى موضعٍ مِنَ الجِبايةِ وغيرِها إِتَاوَةٌ، وَخَصَّ بَعْضُهُمْ بِهِ الرِّشْوةَ عَلَى الْمَاءِ، وَجَمْعُهَا أُتىً نَادِرٌ مِثْلَ عُرْوَةٍ وعُرىً؛ قَالَ الطِّرِمَّاح:
لَنَا العَضُدُ الشُّدَّى عَلَى الناسِ، والأُتَى ... عَلَى كلِّ حافٍ فِي مَعَدٍّ وناعِلِ
وَقَدْ كُسِّر عَلَى أَتَاوَى؛ وَقَوْلُ الجَعْدِيّ:
فَلا تَنْتَهِي أَضْغانُ قَوْمِيَ بَيْنَهُمْ ... وَسَوأَتُهم، حَتَّى يَصِيروا مَوالِيا
مَوالِيَ حِلْفٍ، لَا مَوالِي قَرابةٍ، ... ولكنْ قَطِيناً يَسأَلون الأَتَاوِيَا
أَي هُمْ خدَم يسأَلون الخَراج، وَهُوَ الإِتَاوَةُ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وإِنما كَانَ قِياسُه أَن يَقُولَ أَتاوى كَقَوْلِنَا فِي عِلاوةٍ وهِراوَةٍ عَلاوى وهَراوى، غَيْرَ أَن هَذَا الشَّاعِرَ سلَك طَرِيقًا أُخرى غَيْرَ هَذِهِ، وَذَلِكَ أَنه لَمَّا كسَّر إِتاوةً حَدَّثَ فِي مِثَالِ التَّكْسِيرِ همزةٌ بَعْدَ أَلِفه بَدَلًا مِنْ أَلف فِعالةٍ كَهَمْزَةِ رَسائل وكَنائن، فَصَارَ التَّقْدِيرُ بِهِ إِلَى إِتاءٍ، ثُمَّ تُبْدَلُ مِنْ كَسْرَةِ الْهَمْزَةِ فَتْحَةً لأَنها عارِضة فِي الْجَمْعِ وَاللَّامُ مُعْتلَّة كَبَابِ مَطايا وعَطايا فَيَصِيرُ إِلى أَتاأَى، ثُمَّ تُبْدِل مِنَ الْهَمْزَةِ وَاوًا لظُهورها لَامًا فِي الْوَاحِدِ فَتَقُولُ أَتَاوى كعَلاوى، وَكَذَلِكَ تَقُولُ الْعَرَبُ فِي تَكْسِيرِ إِتاوَةٍ أَتَاوَى، غَيْرَ أَن هَذَا الشَّاعِرَ لَوْ فعلَ ذَلِكَ لأَفسد قافِيَتَه، لكنَّه احْتَاجَ إِلى إِقرار الْهَمْزَةِ بِحَالِهَا لتصِحَّ بعدَها الياءُ الَّتِي هِيَ رَوِيُّ القافيةِ كَمَا مَعها مِنَ القَوافي الَّتِي هِيَ الرَّوابيا والأَدانِيا وَنَحْوَ ذَلِكَ، ليَزول لفظُ الْهَمْزَةِ، إِذا كَانَتِ العادةُ فِي هَذِهِ الْهَمْزَةِ أَن تُعَلَّ وتُغَيَّر إِذا كَانَتِ اللَّامُ معتلَّة، فرأَى إِبْدال هَمْزَةِ إِتاءٍ وَاوًا ليَزُول لفظُ الهمزةِ الَّتِي مِنْ عَادَتِهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَن تُعَلَّ وَلَا تصحَّ لِمَا ذَكَرْنَا، فَصَارَ الأَتاوِيا؛ وقولُ الطِّرِمَّاح:
وأَهْل الأُتَى اللَّاتي عَلَى عَهْدِ تُبَّعٍ، ... عَلَى كلِّ ذِي مالٍ غَرِيبٌ وعاهِن
فُسِّر فَقِيلَ: الأُتَى جَمْعُ إِتَاوَةٍ، قَالَ: وأُراه عَلَى حَذْفِ الزَّائِدِ فَيَكُونُ مِنْ باب رِشْوَة ورُشيً. والإِتَاءُ: الغَلَّةُ وحَمْلُ النخلِ، تَقُولُ مِنْهُ: أَتَتِ الشَّجَرَةُ وَالنَّخْلَةُ تَأْتُو أَتْواً وإِتاءً، بِالْكَسْرِ؛ عَنْ كُراع: طَلَعَ ثَمَرَهَا، وَقِيلَ: بَدا صَلاحُها، وَقِيلَ: كَثُرَ حَمْلُها، وَالِاسْمُ الإِتَاوَةُ. والإِتَاءُ: مَا يَخْرُجُ مِنْ إِكالِ الشَّجَرِ؛ قَالَ عبدُ اللَّهِ بْنُ رَواحة الأَنصاري:
هُنالِك لَا أُبالي نَخْلَ بَعْلٍ ... وَلَا سَقْيٍ، وإِن عَظُمَ الإِتَاءُ
عَنى بهنالِك موضعَ الْجِهَادِ أَي أَستشهد فأُرْزَق عِنْدَ اللَّهِ فَلَا أُبالي نَخْلًا وَلَا زَرْعًا؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْآخَرِ:
وبَعْضُ القَوْلِ لَيْسَ لَهُ عِناجٌ، ... كمخْضِ الْمَاءِ لَيْسَ لَهُ إِتاءُ
المُرادُ بالإِتاء هُنَا: الزُّبْد. وإِتاءُ النَّخْلَةِ: رَيْعُها وزَكاؤها وَكَثْرَةُ ثَمَرِها، وَكَذَلِكَ إِتَاءُ الزَّرْعِ رَيْعه، وَقَدْ أَتَت النخلةُ وآتَتْ إِيتَاءً وإِتَاءً. وَقَالَ الأَصمعي: الإِتَاءُ مَا خَرَجَ مِنَ الأَرض مِنَ الثَّمَرِ وَغَيْرِهِ. وَفِي حَدِيثِ بَعْضِهِمْ:
كَمْ إِتَاءُ أَرضِك
أَي رَيْعُها وحاصلُها، كأَنه مِنَ الإِتَاوَةِ، وَهُوَ الخَراجُ. وَيُقَالُ لِلسِّقَاءِ إِذا مُخِض وَجَاءَ بالزُّبْد: قَدْ جَاءَ أَتْوُه. والإِتاءُ: النَّماءُ. وأَتَتِ الماشيةُ إِتَاءً: نَمَتْ، وَاللَّهُ أَعلم.
أثا: أَثَوْتُ الرجلَ وأَثَيْتُه وأَثَوْتُ بِهِ وأَثَيْتُ بِهِ وَعَلَيْهِ أَثْواً وأَثْياً وإِثاوَةً: وشَيْتُ بِهِ وسَعَيْتُ(14/18)
عِنْدَ السُّلْطَانِ، وَقِيلَ: وَشَيْتُ بِهِ عِنْدَ مَنْ كَانَ، مِنْ غَيْرِ أَن يُخَصَّ بِهِ السلطانُ، وَالْمَصْدَرُ الأَثْوُ والأَثْيُ والإِثَاوَةُ والإِثَايَة، وَمِنُهُ سُمِيِّتِ الأُثَايَةُ «1» . الْمَوْضِعُ الْمَعْرُوفُ بِطَرِيقِ الجُحْفةِ إِلى مَكَّةَ، وَهِيَ فُعالةٌ مِنْهُ، وَبَعْضُهُمْ يَكْسِرُ هَمْزَتَهَا. أَبو زَيْدٍ: أَثَيْتُ بِهِ آثِي إِثَاوَةً إِذا أَخبرْتَ بعُيُوبه الناسَ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي الْحَرْثِ الأَزْديّ وَغَرِيمِهِ: لآتِيَنَّ عَلِيّاً فلآثِيَنَّ بِكَ
أَي لأَشِيَنَّ بِكَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
انْطَلَقْتُ إِلى عُمَرَ آثِي عَلَى أَبي مُوسَى الأَشعري.
الْجَوْهَرِيُّ: أَثَا بِه يَأْثُو ويَأْثِي أَيضاً أَي وَشى بِهِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: ذُو نَيْرَبٍ آثِ؛ هَكَذَا أَورده الْجَوْهَرِيُّ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ صَوَابُهُ:
وَلَا أَكون لَكُمْ ذَا نَيْرَبٍ آثِ
قَالَ: وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْآخَرِ:
وإِنّ امْرَأً يَأْثُو بِسادة قَوْمهِ ... حَريٌّ، لعَمْري، أَن يُذَمَّ ويُشْتَما
قَالَ: وَقَالَ آخَرُ:
ولَسْتُ، إِذا وَلَّى الصَّديقُ بِوُدِّهِ، ... بمُنْطَلِق آثُو عَلَيْهِ وأَكْذِبُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: والمُؤْتَثِي الَّذِي يُكْثِر الأَكلَ فيعطَش ولا يَرْوى.
أحا: «2» . أَحُو أَحُو: كَلِمَةٌ تُقَالُ لِلْكَبْشِ إِذا أُمِر بالسفاد.
أحيا: ابْنُ الأَثير: أَحْيا، بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْحَاءِ وَيَاءٌ تَحْتَهَا نُقْطَتَانِ، مَاءٌ بِالْحِجَازِ كَانَتْ بِهِ غَزْوة عُبيدة بن الحرث بنِ عَبْدِ المُطَّلب، ويأْتي ذكره في حيا.
أخا: الأَخُ مِنَ النسَب: مَعْرُوفٌ، وَقَدْ يَكُونُ الصديقَ والصاحِبَ، والأَخا، مَقْصُورٌ، والأَخْوُ لُغَتَانِ فيهِ حَكَاهُمَا ابْنُ الأَعرابي؛ وأَنشد لخُليجٍ الأَعْيَويّ:
قَدْ قلتُ يَوْمًا، والرِّكابُ كأَنها ... قَوارِبُ طَيْرٍ حَانَ مِنْهَا وُرُودُها
لأَخْوَيْنِ كَانَا خيرَ أَخْوَيْن شِيمةً، ... وأَسرَعه فِي حَاجَةٍ لِي أُريدُها
حمَل أَسْرَعه عَلَى مَعْنَى خَيْرَ أَخْوَين وأَسرَعه كَقَوْلِهِ:
شَرّ يَوْمَيْها وأَغْواهُ لَهَا
وَهَذَا نادرٌ. وأَما كُرَاعٌ فَقَالَ: أَخْو، بِسُكُونِ الْخَاءِ، وَتَثْنِيَتِهِ أَخَوَان، بِفَتْحِ الْخَاءِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَدري كَيْفَ هَذَا. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ عِنْدَ قَوْلِهِ تَقُولُ فِي التَّثْنِيَةِ أَخَوَان. قَالَ: ويَجيء فِي الشِّعْرِ أَخْوَان، وأَنشد بَيْتَ خُلَيْج أَيضاً:
لأَخْوَيْن كَانَا خيرَ أَخْوَين
. التَّهْذِيبُ: الأَخُ الْوَاحِدُ، وَالِاثْنَانِ أَخَوَان، وَالْجَمْعُ إِخْوَان وإِخْوَة. الْجَوْهَرِيُّ: الأَخُ أَصله أَخَوٌ، بِالتَّحْرِيكِ، لأَنه جُمِع عَلَى آخَاءٍ مِثْلُ آبَاءٍ، وَالذَّاهِبُ مِنْهُ واوٌ لأَنك تَقُولُ فِي التَّثْنِيَةِ أَخَوَان، وَبَعْضُ الْعَرَبِ يَقُولُ أَخَانِ، عَلَى النقْص، وَيُجْمَعُ أَيضاً عَلَى إِخْوَان مِثْلُ خَرَب وخِرْبان، وَعَلَى إِخْوَةٍ وأُخْوَةٍ؛ عَنِ الْفَرَّاءِ. وَقَدْ يُتَّسَع فِيهِ فيُراد بِهِ الِاثْنَانِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ
؛ وَهَذَا كَقَوْلِكَ إِنَّا فَعَلْنَا وَنَحْنُ فَعَلْنَا وأَنتُما اثْنَانِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَحَكَى سِيبَوَيْهِ لَا أَخا، فاعْلَمْ، لكَ، فَقَوْلُهُ فاعْلم اعْتِرَاضٌ بَيْنَ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إِليه، كذا
__________
(1) . قوله [ومنه سميت الأُثَايَة] عبارة القاموس: وأثَايَة، بالضم ويثلث، موضع بين الحرمين فيه مسجد نبوي أو بئر دون العرج عليها مَسْجِدٌ لِلنَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
(2) . قوله [أحَا إلخ] هكذا في الأَصل بالحاء، وعبارة القاموس وشرحه: أجي أجي كذا في النسخ بالجيم وهو غلط، والصواب بالحاء وقد أهمله الجوهري، وهو دعاء للنعجة، يائي، والذي في اللسان: أَحُو أَحُو كَلِمَةٌ تُقَالُ لِلْكَبْشِ إِذَا أُمِرَ بِالسِّفَادِ وهو عن [ابن الدقيش] فعلى هذا هو واوي(14/19)
الظَّاهِرُ، وأَجاز أَبو عَلِيٍّ أَن يَكُونَ لَكَ خَبَرًا وَيَكُونَ أَخا مَقْصُورًا تَامًّا غَيْرَ مُضَافٍ كَقَوْلِكَ لَا عَصا لَكَ، وَالْجَمْعُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ أَخُونَ وآخَاءٌ وإِخْوَانٌ وأُخْوَان وإِخْوَة وأُخْوَة، بِالضَّمِّ؛ هَذَا قَوْلُ أَهل اللُّغَةِ، فأَما سِيبَوَيْهِ فالْأُخْوَة، بِالضَّمِّ، عِنْدَهُ اسْمٌ لِلْجَمْعِ وَلَيْسَ بِجَمْع، لأَن فَعْلًا لَيْسَ مِمَّا يكسَّر عَلَى فُعْلة، وَيَدُلُّ عَلَى أَن أَخاً فَعَلَ مَفْتُوحَةَ الْعَيْنِ جَمْعُهُمْ إِيَّاها عَلَى أَفْعال نَحْوُ آخَاء؛ حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ عَنْ يُونُسَ؛ وأَنشد أَبو عَلِيٍّ:
وَجَدْتُم بَنيكُم دُونَنا، إِذْ نُسِبْتُمُ، ... وأَيٌّ بَني الآخَاء تَنْبُو مَناسِبُهْ؟
وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ فِي جَمْعِهِ أُخُوَّة، قَالَ: وَعِنْدِي أَنه أُخُوّ على مثال فُعُول، ثُمَّ لَحِقَتِ الْهَاءُ لتأْنيث الْجَمْعِ كالبُعُولةِ والفُحُولةِ. وَلَا يُقَالُ أَخُو وأَبو إِلّا مُضافاً، تَقُولُ: هَذَا أَخُوك وأَبُوك وَمَرَرْتُ بأَخِيك وأَبيك ورأَيت أَخَاكَ وأَباكَ، وَكَذَلِكَ حَموك وهَنُوك وفُوك وَذُو مَالٍ، فَهَذِهِ السِّتَّةُ الأَسماء لَا تَكُونُ موحَّدة إِلَّا مُضَافَةً، وإِعرابُها فِي الْوَاوِ وَالْيَاءِ والأَلِف لأَن الْوَاوَ فِيهَا وإِن كَانَتْ مِنْ نفْس الْكَلِمَةِ فَفِيهَا دَلِيلٌ عَلَى الرَّفْعِ، وَفِي الْيَاءِ دَلِيلٌ عَلَى الْخَفْضِ، وَفِي الأَلف دَلِيلٌ عَلَى النصْب؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ عِنْدَ قَوْلِهِ لَا تَكُونُ موحَّدة إِلّا مُضَافَةً وإِعرابُها فِي الْوَاوِ وَالْيَاءِ والأَلِف، قَالَ: وَيَجُوزُ أَن لَا تُضَافَ وتُعْرب بالحرَكات نَحْوُ هَذَا أَبٌ وأَخٌ وحَمٌ وفَمٌ مَا خَلَا قَوْلَهُمْ ذُو مالٍ فإِنه لَا يَكُونُ إِلَّا مُضَافًا، وأَما قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ
، فإِنَّ الجمع هاهنا مَوْضُوعٌ موضِع الِاثْنَيْنِ لأَن الِاثْنَيْنِ يُوجِبان لَهَا السدُس. والنسبةُ إِلى الأَخِ أَخَوِيّ، وَكَذَلِكَ إِلى الأُخْت لأَنك تَقُولُ أَخَوَات، وَكَانَ يُونُسُ يَقُولُ أُخْتِيّ، وَلَيْسَ بِقِيَاسٍ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِ
؛ يَعْنِي بإِخْوَانهم الشَّيَاطِينَ لأَن الْكُفَّارَ إِخوانُ الشَّيَاطِينِ. وَقَوْلُهُ: فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ*
أَي قَدْ دَرَأَ عَنْهُمْ إِيمانُهم وتوبتُهم إِثْمَ كُفْرهم ونَكْثِهم العُهودَ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً*
؛ وَنَحْوَهُ قَالَ الزَّجَّاجُ، قِيلَ فِي الأَنبياء أَخوهم وإِن كَانُوا كَفَرة، لأَنه إِنما يَعْنِي أَنه قَدْ أَتاهم بشَر مِثْلُهُمْ مِنْ وَلَد أَبيهم آدَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهُوَ أَحَجُّ، وَجَائِزٌ أَن يَكُونَ أَخاهم لأَنه مِنْ قَوْمِهِمْ فَيَكُونَ أَفْهَم لَهُمْ بأَنْ يأْخذوه عَنْ رجُل مِنْهُمْ. وَقَوْلُهُمْ: فُلَانٌ أَخُو كُرْبةٍ وأَخُو لَزْبةٍ وَمَا أَشبه ذَلِكَ أَي صَاحِبُهَا. وَقَوْلُهُمْ: إِخْوان العَزاء وإِخْوَان العَمل وَمَا أَشبه ذَلِكَ إِنما يُرِيدُونَ أَصحابه ومُلازِمِيه، وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَعْنوا بِهِ أَنهم إِخْوانه أَي إِخْوَتُه الَّذِينَ وُلِدُوا مَعَهُ، وإِن لَمْ يُولَد العَزاء وَلَا العمَل وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الأَغْراض، غَيْرُ أَنَّا لَمْ نَسْمَعْهُمْ يَقُولُونَ إِخْوة العَزاء وَلَا إِخْوة العمَل وَلَا غَيْرَهُمَا، إِنما هُوَ إِخْوَان، وَلَوْ قَالُوهُ لجَاز، وَكُلُّ ذَلِكَ عَلَى المثَل؛ قَالَ لَبِيدٌ:
إِنَّما يَنْجَحُ إِخْوَان العَمَلْ
يَعْنِي مَنْ دَأَبَ وتحرَّك وَلَمْ يُقِمْ؛ قَالَ الرَّاعِي:
عَلَى الشَّوْقِ إِخْوَان العَزاء هَيُوجُ
أَي الَّذِينَ يَصْبِرُون فَلَا يَجْزَعون وَلَا يَخْشعون وَالَّذِينَ هُمْ أَشِقَّاء العمَل والعَزاء. وَقَالُوا: الرُّمْح أَخوك وَرُبَّمَا خانَك. وأَكثرُ مَا يُسْتَعْمَلُ الإِخْوَانُ فِي الأَصْدِقاء والإِخْوَةُ فِي الوِلادة، وَقَدْ جُمِعَ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ، قَالَ عَقِيلُ بْنُ عُلَّفَة المُرِّيّ:
وَكَانَ بَنُو فَزارةَ شَرَّ قَوْمٍ، ... وكُنْتُ لَهُمْ كَشَرِّ بَني الأَخِينا
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَصَوَابُهُ:(14/20)
وكانَ بَنُو فَزارة شرَّ عَمّ
قَالَ: وَمِثْلُهُ قَوْلُ العبَّاس بْنِ مِرْداس السُّلَمِيِّ:
فقُلْنا: أَسْلموا، إِنَّا أَخُوكُمْ، ... فَقَدْ سَلِمَتْ مِنَ الإِحَنِ الصُّدورُ
التَّهْذِيبُ: هُمُ الإِخْوَةُ إِذا كَانُوا لأَبٍ، وَهُمُ الإِخْوَان إِذا لَمْ يَكُونُوا لأَب. قَالَ أَبو حَاتِمٍ: قَالَ أَهلُ البَصْرة أَجمعون الإِخْوَة فِي النسَب، والإِخْوَان فِي الصَّدَاقَةِ. تَقُولُ: قَالَ رَجُلٌ مِنْ إِخْوَانِي وأَصْدِقَائِي، فإِذا كَانَ أَخاه فِي النسَب قَالُوا إِخْوَتِي، قَالَ: وَهَذَا غلَط، يُقَالُ للأَصْدِقاء وَغَيْرِ الأَصْدِقاء إِخْوَة وإِخْوَان. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ
، وَلَمْ يعنِ النَّسَبَ، وَقَالَ: أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ
، وَهَذَا فِي النسَب، وَقَالَ: فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ
. والأُخْتُ: أُنثى الأَخِ، صِيغةٌ عَلَى غَيْرِ بِنَاءِ الْمُذَكَّرِ، وَالتَّاءُ بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ، وَزْنُهَا فَعَلَة فَنَقَلُوهَا إِلى فُعْل وأَلحَقَتْها التاءُ المُبْدَلة مِنْ لامِها بِوَزْنِ فُعْل، فَقَالُوا أُخْت، وَلَيْسَتِ التَّاءُ فِيهَا بِعَلَامَةِ تأْنيث كَمَا ظنَّ مَنْ لَا خِبْرَة لَهُ بِهَذَا الشأْن، وَذَلِكَ لِسُكُونِ مَا قَبْلَهَا؛ هَذَا مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقَدْ نصَّ عَلَيْهِ فِي بَابِ مَا لَا يَنْصَرِفُ فَقَالَ: لَوْ سمَّيت بِهَا رَجُلًا لصَرَفْتها مَعْرِفة، وَلَوْ كَانَتْ للتأْنيث لَمَا انْصَرَفَ الِاسْمُ، عَلَى أَن سِيبَوَيْهِ قَدْ تسمَّح فِي بَعْضِ أَلفاظه فِي الْكِتَابِ فَقَالَ هِيَ عَلَامَةُ تأْنيث، وإِنما ذَلِكَ تجوُّز مِنْهُ فِي اللَّفْظِ لأَنه أَرْسَلَه غُفْلًا، وَقَدْ قيَّده فِي بَابِ مَا لَا يَنْصَرِفُ، والأَخْذُ بِقَوْلِهِ الْمُعَلَّلِ أَقْوى مِنَ الأَخْذ بِقَوْلِهِ الغُفْل المُرْسَل، وَوَجْهُ تجوُّزه أَنه لمَّا كَانَتِ التَّاءُ لَا تبدَل مِنَ الْوَاوِ فِيهَا إِلا مَعَ الْمُؤَنَّثِ صَارَتْ كأَنها عَلَامَةُ تأْنيث، وأَعني بِالصِّيغَةِ فِيهَا بِنَاءَهَا عَلَى فُعْل وأَصلها فَعَل، وإِبدال الْوَاوِ فِيهَا لَازِمٌ لأَنَّ هَذَا عَمَلٌ اخْتَصَّ بِهِ الْمُؤَنَّثُ، وَالْجَمْعُ أَخَوَات. اللَّيْثُ: تَاءُ الأُخْت أَصلُها هَاءُ التأْنيث. قَالَ الْخَلِيلُ: تأْنيث الأَخِ أُخْت، وَتَاؤُهَا هَاءٌ، وأُخْتَان وأَخَوَات، قَالَ: والأَخُ كَانَ تأْسِيس أَصل بِنَائِهِ عَلَى فَعَل بِثَلَاثِ متحرِّكات، وَكَذَلِكَ الأَب، فَاسْتَثْقَلُوا ذَلِكَ وأَلْقَوُا الْوَاوَ، وَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَشياء: حَرْف وصَرْف وصَوْت، فربَّما أَلْقَوُا الْوَاوَ وَالْيَاءَ بِصَرْفِهَا فأَبْقَوْا مِنْهَا الصوْت فاعتَمد الصوْت عَلَى حَرَكَةِ مَا قَبْلَهُ، فإِن كَانَتِ الْحَرَكَةُ فَتْحَةً صَارَ الصَّوْتُ مِنْهَا أَلفاً لَيِّنة، وإِن كَانَتْ ضمَّة صَارَ مَعَهَا وَاوًا ليِّنَة، وإِن كَانَتْ كَسْرَةً صَارَ مَعَهَا يَاءً لَيِّنة، فاعتَمد صوْتُ واوِ الأَخِ عَلَى فَتْحَةِ الْخَاءِ فَصَارَ مَعَهَا أَلِفاً لَيِّنة أَخَا وَكَذَلِكَ أَبا، فأَما الأَلف الليِّنة فِي مَوْضِعِ الْفَتْحِ كَقَوْلِكَ أَخا وَكَذَلِكَ أَبا كأَلف رَبا وغَزا وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ أَبا، ثُمَّ أَلْقَوا الأَلف اسْتِخْفَافًا لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِمْ وَبَقِيَتِ الْخَاءُ عَلَى حَرَكَتِهَا فجَرَتْ عَلَى وُجوه النَّحْوِ لقِصَر الِاسْمِ، فإِذا لَمْ يُضِيفُوه قَوَّوْهُ بِالتَّنْوِينِ، وإِذا أَضافوا لَمْ يَحْسُن التَّنْوِينُ فِي الإِضافة فَقَوَّوْهُ بالمدِّ فَقَالُوا أَخو وأَخي وأَخا، تَقُولُ أَخُوك أَخُو صِدْقٍ وأَخُوك أَخٌ صالحٌ، فإِذا ثَنَّوْا قَالُوا أَخَوَان وأَبَوان لأَن الِاسْمَ متحرِّك الحَشْو، فَلَمْ تَصِرْ حركتُه خَلَفاً مِنَ الْوَاوِ الساقِط كَمَا صَارَتْ حركةُ الدالِ مِنَ اليَدِ وَحَرَكَةُ الْمِيمِ مِنَ الدَّمِ فَقَالُوا دَمان ويَدان؛ وَقَدْ جَاءَ فِي الشِّعْرِ دَمَيان كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
فلَوْ أَنَّا عَلَى حَجَرٍ ذُبِحْنا، ... جَرى الدَّمَيان بالخَبَر اليَقِينِ
وإِنما قَالَ الدَّمَيان عَلَى الدَّمَا كَقَوْلِكَ دَمِيَ وَجْهُ فُلَانٍ أَشَدَّ الدَّما فحرَّك الحَشْو، وَكَذَلِكَ قَالُوا أَخَوَان. وَقَالَ اللَّيْثُ: الأُخْت كَانَ حدُّها أَخَةً، فَصَارَ الإِعراب عَلَى الْهَاءِ وَالْخَاءِ فِي مَوْضِعِ رفْع،(14/21)
وَلَكِنَّهَا انْفَتَحَتْ بِحال هَاءِ التأْنيث فاعتَمدتْ عَلَيْهِ لأَنها لَا تَعْتَمِدُ إِلا عَلَى حَرْف متحرِّك بِالْفَتْحَةِ وأُسكنت الْخَاءُ فحوِّل صَرْفُها عَلَى الأَلف، وصارتِ الْهَاءُ تَاءً كأَنها مِنْ أَصل الْكَلِمَةِ ووقعَ الإِعرابُ عَلَى التَّاءِ وأُلزمت الضمةُ الَّتِي كَانَتْ فِي الْخَاءِ الأَلفَ، وَكَذَلِكَ نحوُ ذَلِكَ، فافْهَمْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الأَخُ كَانَ فِي الأَصل أَخْوٌ، فَحُذِفَتِ الواوُ لأَنَّها وقعَتْ طَرَفاً وحرِّكت الخاءُ، وَكَذَلِكَ الأَبُ كَانَ فِي الأَصل أَبْوٌ، وأمَّا الأُخْتُ فَهِيَ فِي الأَصل أَخْوة، فحذِفت الْوَاوُ كَمَا حُذِفَتْ مِنَ الأَخِ، وجُعِلتِ الهاءُ تَاءً فنُقلَتْ ضمَّة الْوَاوِ الْمَحْذُوفَةِ إِلى الأَلف فَقِيلَ أُخْت، والواوُ أُختُ الضمَّة. وَقَالَ بعضُ النحويِّين: سُمِّي الأَخُ أَخاً لأَنَّ قَصْده قَصْد أَخيه، وأَصله مِنْ وَخَى أَي قَصَد فَقُلِبَتِ الْوَاوُ هَمْزَةً. قَالَ الْمُبَرِّدُ: الأَبُ والأَخُ ذَهَبَ مِنْهُمَا الواوُ، تَقُولُ فِي التَّثْنِيَةِ أَبَوانِ وأَخَوَانِ، وَلَمْ يسَكِّنوا أَوائلهما لئلَّا تدخُل أَلفُ الوَصْل وَهِيَ هَمْزَةٌ عَلَى الْهَمْزَةِ الَّتِي فِي أَوائلهما كَمَا فَعَلُوا فِي الابْنِ والاسْمِ اللَّذَيْنِ بُنِيا عَلَى سُكُونِ أَوائلهما فَدَخَلَتْهما أَلفُ الوَصْل. الْجَوْهَرِيُّ: وأُخْت بَيِّنة الأُخُوَّة، وإِنما قَالُوا أُخْت، بِالضَّمِّ، لِيَدُلَّ عَلَى أَن الذاهِبَ مِنْهُ واوٌ، وصحَّ ذَلِكَ فِيهَا دُونَ الأَخِ لأَجل التَّاءِ الَّتِي ثَبَتَتْ فِي الوَصْل والوَقف كالاسْم الثُّلَاثِيِّ. وَقَالُوا: رَماه اللَّهُ بلَيْلةٍ لَا أُخْتَ لَهَا، وَهِيَ لَيْلَةُ يَموت. وآخَى الرجلَ مُؤَاخَاةً وإِخَاءً ووِخَاءً. والعامَّة تَقُولُ وَاخَاهُ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: حَكَى أَبو عُبَيْدٍ فِي الغَرِيب المصنَّف وَرَوَاهُ عَنِ الزَّيْدِيِّين آخَيْتَ ووَاخَيْتَ وآسَيْتَ ووَاسَيْتَ وآكَلْتَ ووَاكَلْتَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مِنْ جِهة القِياس هُوَ حَمْل الْمَاضِي عَلَى المُسْتقبل إِذ كَانُوا يَقُولُونَ يُوَاخِي، بِقَلْبِ الْهَمْزَةِ وَاوًا عَلَى التَّخْفِيفِ، وَقِيلَ: إِنَّ وَاخَاهُ لُغَةٌ ضَعِيفَةٌ، وَقِيلَ: هِيَ بَدَلٌ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَرَى الوِخَاءَ عَلَيْهَا وَالِاسْمُ الأُخُوَّة، تَقُولُ: بَيْنِي وَبَيْنَهُ أُخُوَّة وإِخاءٌ، وَتَقُولُ: آخَيْتُه عَلَى مِثَالِ فاعَلْته، قَالَ: ولغة طيِء وَاخَيْته. وَتَقُولُ: هَذَا رَجُلٌ مِنْ آخَائِي بِوَزْنِ أَفْعالي أَي مِنْ إِخواني. وَمَا كنتَ أَخاً وَلَقَدْ تَأَخَّيْت وآخَيْت وأَخَوْت تَأْخُو أُخُوَّة وتَآخَيا، عَلَى تفاعَلا، وتأَخَّيْت أَخاً أَي اتَّخَذْت أَخاً. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، آخَى بَيْنَ المُهاجرين والأَنصار
أَي أَلَّف بَيْنَهُمْ بأُخُوَّةِ الإِسلامِ والإِيمانِ. اللَّيْثُ: الإِخاءُ المُؤَاخاةُ والتأَخِّي، والأُخُوَّة قَرابة الأَخِ، والتَّأَخِّي اتّخاذُ الإِخْوان. وَفِي صِفَةِ أَبي بَكْرٍ:
لَوْ كنتُ مُتَّخِذاً خَلِيلًا لاتَّخَذت أَبا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنْ خُوَّة الإِسلام
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: كَذَا جاءَ فِي رِوَايَةٍ، وهِي لُغَةٌ فِي الأُخُوَّة. وأَخَوْت عَشَرَةً أَي كُنْتُ لَهُمْ أَخاً. وتَأَخَّى الرجلَ: اتَّخذه أَخاً أَو دَعَاهُ أَخاً. وَلَا أَخا لَك بِفُلَانٍ أَي لَيْسَ لَكَ بأَخٍ؛ قَالَ النَّابغة:
وأَبْلِغْ بَنِي ذُبيان أَنْ لَا أَخا لَهُمْ ... بعبْسٍ، إِذا حَلُّوا الدِّماخَ فأَظْلَما
وَقَوْلُهُ:
أَلا بَكَّرَ النَّاعِي بأَوْسِ بْنِ خالدٍ، ... أَخِي الشَّتْوَةِ الغَرَّاء والزَّمَن المَحْلِ
وَقَوْلُ الْآخَرِ:
أَلا هَلَك ابنُ قُرَّان الحَمِيدُ، ... أَبو عَمْرٍو أَخُو الجُلَّى يَزِيدُ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: قَدْ يَجُوزُ أَن يَعْنِيَا بالأَخ هُنَا الَّذِي يَكْفِيهما ويُعِينُ عَلَيْهِمَا فيَعودُ إِلى مَعْنَى الصُّحْبة، وَقَدْ يَكُونُ أَنهما يَفْعَلان فِيهِمَا الفِعْل الحسَن(14/22)
فَيُكْسِبانه الثَّنَاءَ والحَمْد فكأَنه لِذَلِكَ أَخٌ لَهُمَا؛ وَقَوْلُهُ:
والخَمْرُ ليستْ مِنْ أَخيك ولكنْ ... قَدْ تَغُرُّ بآمِنِ الحِلْمِ
فَسَّره ابْنُ الأَعرابي فَقَالَ: مَعْنَاهُ أنَّها ليستْ بمحابيَتِك فتكفَّ عَنْكَ بَأْسَها، ولكنَّها تَنْمِي فِي رأْسِك، قَالَ: وَعِنْدِي أَن أَخيك هاهنا جَمْعُ أَخ لأَنَّ التَّبعِيض يَقْتَضِي ذَلِكَ، قَالَ: وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الأَخُ هاهنا وَاحِدًا يُعْنى بِهِ الجمعُ كَمَا يَقَعُ الصديقُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ. قَالَ تَعَالَى: وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً يُبَصَّرُونَهُمْ؛ وَقَالَ:
دَعْها فَمَا النَّحْوِيّ مِنْ صَدِيقِها
وَيُقَالُ: تركتهُ بأَخِي الخيَر أَيْ تركتهُ بِشَرّ. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ عَنْ أَبي الدِّينار وأَبي زِياد: القومُ بأَخِي الشَّرِّ أَيْ بِشَرّ. وتأَخَّيْتُ الشيءَ: مِثْلُ تحَرَّيْتُه. الأَصمعي فِي قَوْلِهِ: لَا أُكَلِّمُه إِلَّا أَخا السِّرار أَيْ مِثْلَ السِّرار. وَيُقَالُ: لَقِيَ فُلَانٌ أَخا الْمَوْتِ أَي مِثْلَ الْمَوْتِ؛ وأَنشد:
لقَدْ عَلِقَتْ كَفِّي عَسِيباً بِكَزَّةٍ ... صَلا آرِزٍ لاقَى أَخَا الموتِ جاذِبُهْ
وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
عَشِيَّة جاوَزْنا حَماةَ، وسَيْرُنا ... أَخُو الجَهْدِ لَا يُلْوِي عَلَى مَن تَعذَّرا
أَيْ سَيرنُا جاهِدٌ. والأَرْزُ: الضِّيقُ والاكْتِناز. يُقَالُ: دخَلْت الْمَسْجِدَ فَكَانَ مأْرَزاً أَي غَاصًّا بأَهْلِه؛ هَذَا كُلُّهُ مِنْ ذَوَاتِ الأَلف، وَمِنْ ذَوَاتِ الْيَاءِ الأَخِيَة والأَخِيَّةُ، والآخِيَّة، بِالْمَدِّ وَالتَّشْدِيدِ، وَاحِدَةُ الأَوَاخِي: عُودٌ يُعَرَّض فِي الْحَائِطِ ويُدْفَن طَرَفاه فِيهِ وَيَصِيرُ وسَطه كالعُروة تُشدُّ إِلَيْهِ الدابَّة؛ وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: هُوَ أَنْ يُدْفَن طَرَفا قِطْعَة مِنَ الحَبْل فِي الأَرض وَفِيهِ عُصَيَّة أَوْ حُجَيْر وَيَظْهَرُ مِنْهُ مِثْلُ عُرْوَةٍ تُشدُّ إِلَيْهِ الدَّابَّةُ، وَقِيلَ: هُوَ حَبْل يُدْفن فِي الأَرض ويَبْرُزُ طَرَفه فيشَدُّ بِهِ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: سَمِعْتُ بعضَ الْعَرَبِ يَقُولُ للحبْل الَّذِي يُدْفَن فِي الأَرض مَثْنِيّاً ويَبْرُز طَرفاه الْآخَرَانِ شِبْهَ حَلْقَةٍ وَتُشَدُّ بِهِ الدَّابَّةُ آخِيَةٌ. وَقَالَ أَعرابي لِآخَرَ: أَخِّ لِي آخِيَّة أَربُط إِلَيْهَا مُهْرِي؛ وَإِنَّمَا تُؤَخَّى الآخِيَّةُ فِي سُهولةِ الأَرَضِين لأَنها أَرْفق بالخَيل مِنَ الأَوتاد النَّاشِزَةِ عَنِ الأَرض، وَهِيَ أَثبت فِي الأَرض السَّهْلة مِنَ الوَتِد. وَيُقَالُ للأَخِيَّة: الإِدْرَوْنُ، وَالْجَمْعُ الأَدارِين. وَفِي الْحَدِيثِ
عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِي: مَثَلُ الْمُؤْمِنِ والإِيمان كمثَل الفَرس في آخِيَّتِه يحول ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى آخِيَّته، وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَسْهو ثُمَّ يرجع إلى الإِيمان
؛ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنه يبعُد عَنْ رَبِّه بالذُّنوب، وأَصلُ إِيمَانِهِ ثَابِتٌ، وَالْجَمْعُ أَخَايَا وأَوَاخِيُّ مُشَدَّدًا؛ والأَخَايَا عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ مِثْلُ خَطِيّة وخَطايا وعِلَّتُها كعلَّتِها. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الأَخِيَّة العُرْوة تُشَدُّ بِهَا الدَّابَّةُ مَثْنِيَّةً فِي الأَرض. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا تَجْعَلوا ظهورَكم كأَخَايَا الدوابِ
، يَعْنِي فِي الصَّلَاةِ، أَيْ لَا تُقَوِّسُوها فِي الصَّلَاةِ حَتَّى تَصِيرَ كَهَذِهِ العُرى. ولفُلان عِنْدَ الأَمير آخِيَّةٌ ثَابِتَةٌ، وَالْفِعْلُ أَخَّيْت آخِيَّة تَأْخِيَةً. قَالَ: وتأَخَّيْتُ أَنَا اشتقاقُه مِنْ آخِيَّة العُود، وَهِيَ فِي تَقْدِيرِ الْفِعْلِ فاعُولة، قَالَ: وَيُقَالُ آخِيَةٌ، بِالتَّخْفِيفِ، وَيُقَالُ: آخَى فُلَانٌ فِي فُلان آخِيَة فكَفَرَها إِذَا اصْطَنَعه وأَسدى إِلَيْهِ؛ وَقَالَ الكُمَيْت:
سَتَلْقَوْن مَا آخِيّكُمْ فِي عَدُوِّكُم ... عَلَيْكُمْ، إِذَا مَا الحَرْبُ ثارَ عَكُوبُها
مَا: صِلَةٌ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَا بِمَعْنَى أَيْ كأَنه(14/23)
قَالَ سَتَلْقَوْن أيُّ شَيْءٍ آخِيُّكم فِي عَدوِّكم. وَقَدْ أَخَّيْتُ للدابَّة تَأْخِيَة وتَأَخَّيْتُ الآخِيَّةَ. والأَخِيَّة لَا غَيْرُ: الطُّنُب. والأَخِيَّة أَيضاً: الحُرْمة والذِّمَّة، تَقُولُ: لِفُلَانٍ أَوَاخِيُّ وأَسْبابٌ تُرْعى. وَفِي حَدِيثِ
عُمر: أَنه قَالَ لِلْعَبَّاسِ أَنت أَخِيَّةُ آباءِ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
؛ أَراد بالأَخِيَّةِ البَقِيَّةَ؛ يُقَالُ: لَهُ عِنْدِي أَخِيَّة أَيْ ماتَّةٌ قَوِيَّةٌ ووَسِيلةٌ قَريبة، كَأَنَّهُ أَرَادَ: أَنت الَّذِي يُسْتَنَدُ إِلَيْهِ مِنْ أَصْل رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويُتَمَسَّك بِهِ. وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمر: يَتَأَخَّى مُناخَ رَسُولِ اللَّهِ
أَيْ يَتَحَرَّى ويَقْصِد، وَيُقَالُ فِيهِ بِالْوَاوِ أَيْضًا، وَهُوَ الأَكثر. وَفِي حَدِيثِ السُّجُودِ:
الرَّجُلُ يُؤَخِّي والمرأَة تَحْتَفِزُ
؛ أَخَّى الرجلُ إِذَا جَلَسَ عَلَى قَدَمه اليُسرى ونَصَبَ اليُمْنى؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا جَاءَ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْغَرِيبِ فِي حَرْفِ الْهَمْزَةِ، قَالَ: وَالرِّوَايَةُ الْمَعْرُوفَةُ إِنَّمَا هُوَ الرَّجُلُ يُخَوِّي والمرأَة تَحْتَفِزُ. والتَّخْوِيَةُ: أَن يُجافي بطنَه عن الأَرض ويَرْفَعَها.
أدا: أَدا اللَّبَنُ أُدُوّاً وأَدَى أُدِيّاً: خَثُرَ لِيَرُوبَ؛ عَنْ كُرَاعٍ، يَائِيَّةٌ وَوَاوِيَّةٌ. ابْنُ بُزُرْج: أَدا اللَّبَنُ أُدُوّاً، مُثقَّل، يَأْدُو، وَهُوَ اللَّبَنُ بَيْنَ اللَّبَنَيْنِ لَيْسَ بالحامِض وَلَا بالحُلْو. وَقَدْ أَدَتِ الثمرةُ تَأْدُو أُدُوّاً، وهو اليُنُوعُ والنُّضْجُ. وأَدَوْتُ اللَّبَن أَدْواً: مَخَضْتُه. وأَدى السِّقاءُ يَأْدِي أُدِيّاً: أَمْكن ليُمْخَضَ. وأَدَوْتُ فِي مَشْيِي آدُو أَدْواً، وَهُوَ مَشْيٌ بَيْنَ المَشْيَيْنِ لَيْسَ بالسَّريع وَلَا البَطِيء. وأَدَوْت أَدْواً إِذَا خَتَلْت. وأَدا السَّبُعُ للغزال يَأْدُوا أَدْواً: خَتَلَه ليَأْكُله، وأَدَوْتُ لَهُ وأَدَوْتهُ كَذَلِكَ؛ قَالَ:
حَنَتْني حانِياتُ الدَّهْر، حَتَّى ... كَأَنِّي خاتلٌ يَأْدُو لِصَيدِ
أَبُو زَيْدٍ وَغَيْرُهُ: أَدَوْتُ له آدُوا لَهُ أَدْواً إِذَا خَتَلْته؛ وأَنشد:
أَدَوْتُ لَهُ لآخُذَهُ؛ ... فَهَيْهاتَ الفَتى حَذِرا
نَصَبَ حَذِراً بفِعْلٍ مُضْمَر أَيْ لَا يَزَالُ حَذِراً؛ قَالَ: وَيَجُوزُ نَصْبُهُ عَلَى الْحَالِ لأَن الْكَلَامَ تَمَّ بِقَوْلِهِ هَيْهَاتَ كأَنه قَالَ بَعُدَ عَنِّي وَهُوَ حَذِر، وَهُوَ مِثْلُ دَأَى يَدْأَي سَوَاءٌ بِمَعْنَاهُ. وَيُقَالُ: الذِّئْبُ يَأْدُو للغَزال أَيْ يَخْتِلُه ليأْكُلَه؛ قَالَ: وَالذِّئْبُ يَأْدُو للغَزال يأْكُلُهْ الْجَوْهَرِيُّ: أَدَوْتُ لَهُ وأَدَيْتُ أَيْ خَتَلْتُه؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:
تَئِطُّ ويَأْدُوها الإِفالُ، مُرِبَّةً ... بأَوطانها مِنْ مُطْرَفاتِ الحَمائل
قَالَ: يَأْدُوها يَخْتِلُها عَنْ ضُرُوعِها، ومُرِبَّة أَي قُلُوبُهَا مُرِبَّة بِالْمَوَاضِعِ الَّتِي تَنْزِعُ إِلَيْهَا، ومُطْرَفات: أُطْرِفوها غَنيمةً مِنْ غَيْرِهِمْ، والحمَائل: المحتَمَلة إِلَيْهِمُ المأْخوذة مِنْ غَيْرِهِمْ، والإِدَاوَةُ: المَطْهَرة. ابْنُ سِيدَهْ وَغَيْرُهُ: الإِدَاوَةُ لِلْمَاءِ وَجَمْعُهَا أَدَاوَى مِثْلُ المَطايا؛ وأَنشد:
يَحْمِلْنَ قُدَّامَ الجَآجِئ ... فِي أَدَاوَى كالمَطاهِر
يَصِف القَطا واسْتِقاءَها لفِراخِها فِي حَواصلها؛ وَأَنْشَدَ الْجَوْهَرِيُّ:
إِذَا الأَدَاوَى ماؤُها تَصَبْصَبا
وَكَانَ قِيَاسُهُ أَدَائِيَ مِثْلُ رِسالة ورَسائِل، فتَجَنَّبُوه(14/24)
وَفَعَلُوا بِهِ مَا فَعَلُوا بالمَطايا وَالْخَطَايَا فَجَعَلُوا فَعائل فَعالى، وأَبدلوا هُنَا الْوَاوَ لِيَدُلَّ عَلَى أَنه قَدْ كَانَتْ فِي الْوَاحِدَةِ وَاوٌ ظَاهِرَةٌ فَقَالُوا أَدَاوَى، فَهَذِهِ الْوَاوُ بَدَلٌ مِنَ الأَلف الزَّائِدَةِ فِي إداوَة، والأَلف الَّتِي فِي آخِرِ الأَدَاوَى بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ الَّتِي فِي إداوَة، وأَلزموا الْوَاوَ هاهنا كَمَا أَلزموا الْيَاءَ فِي مَطايا، وَقِيلَ: إِنَّمَا تَكُونُ إِدَاوَةً إِذَا كَانَتْ مِنْ جِلْدَيْنِ قُوبِلَ أَحدهما بِالْآخَرِ. وَفِي حَدِيثِ
الْمُغِيرَةِ: فأَخَذْتُ الإِدَاوَة وخَرَجْتُ مَعَهُ
؛ الإِدَاوَةُ، بِالْكَسْرِ: إِنَاءٌ صَغِيرٌ مِنْ جِلْدٍ يُتَّخَذُ لِلْمَاءِ كالسَّطِيحة ونحوها. وإدَاوَة الشيء وأَدَاوَته: آلَتُه. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ عَنِ الْكِسَائِيِّ أَن الْعَرَبَ تَقُولُ: أَخَذَ هَداته أَيْ أَداته، عَلَى الْبَدَلِ. وأَخَذَ لِلدَّهْرِ أَدَاتَه: مِنَ العُدَّة. وَقَدْ تَآدَى القومُ تَآدِياً إِذَا أَخذوا العدَّة الَّتِي تُقَوِّيهم عَلَى الدَّهْرِ وَغَيْرِهِ. اللَّيْثُ: أَلِفُ الأَدَاةِ وَاوٌ لأَن جَمْعَهَا أَدَوَاتٌ. وَلِكُلِّ ذِي حِرْفة أَدَاةٌ: وَهِيَ آلَتُه الَّتِي تُقيم حِرْفَتَهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا تَشْرَبوا إِلَّا من ذي إِدَاء
، الإِدَاةُ بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ: الوِكاءُ وَهُوَ شِدادُ السِّقاء. وأَدَاةُ الحَرْبِ: سِلاحُها. ابْنُ السِّكِّيتِ: آدَيْتُ للسَّفَر فأَنا مُؤْدٍ لَهُ إِذَا كُنْتَ متهيِّئاً لَهُ. وَنَحْنُ عَلَى أَدِيّ للصَّلاة أَي تَهَيُّؤٍ. وآدَى الرجلُ أَيْضًا أَيْ قَويَ فَهُوَ مُؤْدٍ، بِالْهَمْزِ، أَيْ شاكِ السِّلاح؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
مُؤْدين يَحْمِينَ السَّبيل السَّابلا
وَرَجُلٌ مُؤدٍ: ذُو أَداةٍ، ومُؤدٍ: شاكٍ فِي السِّلَاحِ، وَقِيلَ: كاملُ أَداةِ السِّلَاحِ. وآدَى الرَّجُلُ، فَهُوَ مُؤْدٍ إِذَا كَانَ شاكَ السِّلَاحِ، وَهُوَ مِنَ الأَداة. وتَآدَى أَي أَخذ لِلدَّهْرِ أَداةً؛ قَالَ الأَسود بْنُ يَعْفُر:
مَا بَعْدَ زَيدٍ فِي فَتاةٍ فُرِّقُوا ... قَتْلًا وسَبْياً بَعْدَ حُسْنِ تَآدِي
وتَخَيَّروا الأَرضَ الفَضاء لِعِزِّهم، ... ويَزيدُ رافِدُهم عَلَى الرُّفَّادِ
قَوْلُهُ: بَعْدَ حُسْنِ تَآدِي أَيْ بَعْدَ قُوَّة. وتَآدَيْتُ للأَمر: أَخذت لَهُ أَداتَه. ابْنُ بُزُرْج: يُقَالُ هَلْ تَآدَيْتُم لِذَلِكَ الأَمر أَيْ هَلْ تأَهَّبْتم. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: هُوَ مأْخوذ مِنَ الأَداة، وأَما مُودٍ بِلَا هَمْزٍ فَهُوَ مِنْ أَوْدى أَي هَلَك؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
إِنِّي سَأُوديك بسَيْرٍ وَكْنِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقِيلَ تَآدى تَفاعَل من الآدِ، وَهِيَ القُوَّة، وأَراد الأَسود بْنَ يَعْفُر بِزَيْدٍ زَيْدَ بْنَ مَالِكِ بْنِ حَنْظَلة، وَكَانَ الْمُنْذِرُ خَطَبَ إِلَيْهِمُ امرأَة فأَبوا أَن يُزَوِّجُوهُ إِيَّاهَا فَغَزَاهُمْ وَقَتَلَ مِنْهُمْ. وَيُقَالُ: أَخَذْت لِذَلِكَ الأَمر أَديَّه أَيْ أُهْبَتَه. الْجَوْهَرِيُّ: الأَدَاةُ الْآلَةُ، وَالْجَمْعُ الأَدَوَات. وآدَاهُ عَلَى كَذَا يُؤْدِيهِ إيداءً: قَوَّاه عَلَيْهِ وأَعانَه. ومَنْ يُؤْدِيني عَلَى فُلَانٍ أَيْ مَنْ يُعِينني عَلَيْهِ؛ شَاهِدُهُ قَوْلُ الطِّرِمَّاح بْنِ حَكِيمٍ:
فيُؤْدِيهِم عَليَّ فَتاءُ سِنِّي، ... حَنانَكَ رَبَّنا، يَا ذَا الحَنان
وَفِي الْحَدِيثِ:
يَخْرجُ مِنْ قِبَل المَشْرق جَيْش آدَى شَيءٍ وأَعَدُّهُ، أَمِيرُهُم رَجُلٌ طُوالٌ
، أَي أَقْوَى شَيْءٍ. يُقَالُ: آدِنِي عَلَيْهِ، بِالْمَدِّ، أَيْ قَوِّني. وَرَجُلٌ مُؤْدٍ: تامُّ السِّلَاحِ كاملُ أَداةِ الْحَرْبِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
ابْنِ مَسْعُودٍ: أَرأَيْتَ رَجُلًا خرَج مُؤْدِياً نَشِيطاً؟
وَفِي حَدِيثِ
الأَسود بْنِ يَزِيدَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وإنَّا لَجَمِيعٌ حَذِرُونَ، قَالَ: مُقْوُون مُؤْدُون
أَي كَامِلُو أَداة الحَرْب. وأَهل الْحِجَازِ يَقُولُونَ آدَيْتُه عَلَى أَفْعَلْته أَيْ أَعَنْته. وآدَانِي السلطانُ عَلَيْهِ: أَعْداني. واسْتأْدَيْته عَلَيْهِ: اسْتَعْدَيته. وآدَيْته(14/25)
عَلَيْهِ: أَعَنْتُه، كُلُّهُ مِنْهُ. الأَزهري: أَهْلُ الْحِجَازِ يَقُولُونَ اسْتأْدَيت السلطانَ عَلَى فُلَانٍ أَيِ اسْتَعْدَيَتْ فآدَانِي عَلَيْهِ أَيْ أَعْداني وأَعانَني. وَفِي حَدِيثِ هِجْرة الحَبَشة قَالَ:
وَاللَّهِ لأَسْتَأْدِيَنَّه عَلَيْكُمْ
أَي لأَسْتعدِيَنَّه، فأَبدل الْهَمْزَةَ مِنَ الْعَيْنِ لأَنهما مِنْ مَخْرَجٍ وَاحِدٍ، يُرِيدُ لأَشْكُوَنَّ إِلَيْهِ فِعْلَكُم بِي لِيُعْدِيَني عَلَيْكُمْ ويُنْصِفَني مِنْكُمْ. وَفِي تَرْجَمَةِ عَدَا: تَقُولُ اسْتَأْداه، بِالْهَمْزِ، فَآدَاهُ أَيْ فأَعانه وقَوَّاه. وآدَيْتُ لِلسَّفَرِ فأَنا مُؤْدٍ لَهُ إِذَا كُنْتَ مُتَهَيِّئًا لَهُ. وَفِي الْمُحْكَمِ: اسْتعدَدْت لَهُ وأَخذت أَداتَه. والأَدِيُّ: السَّفَر مِنْ ذَلِكَ؛ قَالَ:
وحَرْفٍ لَا تَزالُ عَلَى أَدِيّ ... مُسَلَّمَةِ العُرُوق مِنَ الخُمال
وأُدَيَّة «3» . أَبو مِرْداس الحَرُورِيُّ: إِمَّا أَن يَكُونَ تَصْغِيرَ أَدْوَة وَهِيَ الخَدْعَة، هَذَا قَوْلُ ابْنِ الأَعرابي، وَإِمَّا أَن يَكُونَ تَصْغِيرَ أَداة. وَيُقَالُ: تَآدَى القومُ تَآدِياً وتَعادَوْا تَعادِياً أَي تَتابَعُوا مَوْتًا. وغَنَمٌ أَدِيَّةٌ عَلَى فَعِيلة أَي قَلِيلَةٌ. الأَصمعي: الأَدِيَّة تَقْدِيرُ عَدِيَّة مِنَ الإِبل الْقَلِيلَةِ العَدَد. أَبو عَمْرٍو: الاداءُ «4» . الخَوُّ مِنَ الرَّمْلِ، وَهُوَ الْوَاسِعُ مِنَ الرَّمْلِ، وَجَمْعُهُ أَيْدِيَةٌ. والإِدَةُ: زَماعُ الأَمر واجْتماعُه؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
وَبَاتُوا جَمِيعًا سالمِينَ، وأَمْرُهُم ... عَلَى إدَةٍ، حَتَّى إِذَا الناسُ أَصْبَحوا
وأَدَّى الشيءَ: أَوْصَلهُ، وَالِاسْمُ الأَداءُ. وَهُوَ آدَى للأَمانة مِنْهُ، بِمَدِّ الأَلف، والعامةُ قَدْ لَهِجوا بِالْخَطَأِ فَقَالُوا فُلَانٌ أَدَّى للأَمانة، وَهُوَ لَحْنٌ غَيْرُ جَائِزٍ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: مَا عَلِمْتُ أَحداً مِنَ النَّحْوِيِّينَ أَجاز آدَى لأَن أَفْعَل فِي بَابِ التَّعَجُّبِ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي الثُّلَاثِيِّ، وَلَا يُقَالُ أَدَى بِالتَّخْفِيفِ بِمَعْنَى أَدَّى بِالتَّشْدِيدِ، وَوَجْهُ الْكَلَامِ أَن يُقَالَ: فُلَانٌ أَحْسَنُ أَدَاءً. وأَدَّى دَيْنَه تَأْدِيَةً أَي قَضاه، وَالِاسْمُ الأَدَاء. وَيُقَالُ: تَأَدَّيْتُ إِلَى فُلَانٍ مِنْ حقِّه إِذَا أَدَّيْتَه وقَضَيْته. وَيُقَالُ: لَا يَتَأَدَّى عَبْدٌ إِلَى اللَّهِ مِنْ حقوقه كما يَجِبُ. وتقول لِلرَّجُلِ: مَا أَدري كَيْفَ أَتَأَدَّى إِلَيْكَ مِنْ حَقّ مَا أَوليتني. وَيُقَالُ: أَدَّى فُلَانٌ مَا عَلَيْهِ أَدَاءً وتَأْدِيةً. وتَأَدَّى إِلَيْهِ الخَبرُ أَي انْتَهى. وَيُقَالُ: اسْتَأْدَاه مَالًا إِذَا صادَرَه واسْتَخْرَجَ مِنْهُ. وأَما قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ
؛ فَهُوَ مِنْ قَوْلِ مُوسَى لِذَوِي فِرْعَوْنَ، مَعْنَاهُ سَلِّموا إليَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، كَمَا قَالَ: فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ أَي أَطْلِقْهم مِنْ عَذَابِكَ، وَقِيلَ: نَصَبَ عِبادَ اللَّهِ لأَنه مُنَادًى مُضَافٌ، وَمَعْنَاهُ أَدُّوا إليَّ مَا أَمركم اللَّهُ بِهِ يَا عِبَادَ اللَّهِ فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَن يَكُونَ أَدُّوا إِلَيَ
بِمَعْنَى اسْتَمِعُوا إليَّ، كأَنه يَقُولُ أَدُّوا إليَّ سَمْعَكُمْ أُبَلِّغكم رِسَالَةَ رَبِّكُمْ؛ قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ قَوْلُ أَبي المُثَلَّم الهُذَلي:
سَبَعْتَ رِجالًا فأَهْلَكْتَهُم، ... فأَدِّ إِلَى بَعضِهم واقْرِضِ
أَراد بِقَوْلِهِ أَدِّ إِلَى بَعْضِهِمْ أَي اسْتَمِعْ إِلَى بَعْضٍ مَنْ سَبَعْت لِتَسَمَّعَ مِنْهُ كأَنه قَالَ أدِّ سَمْعَك إِلَيْهِ. وَهُوَ بإدَائِه أَي بِإِزَائِهِ، طَائِيَّةٌ. وإناءٌ أَدِيٌّ: صَغِيرٌ، وسِقاءٌ أَدِيٌّ: بَينَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، ومالٌ أَدِيٌّ وَمَتَاعٌ أَدِيٌّ، كِلَاهُمَا: قَلِيلٌ. ورجلٌ أَدِيٌّ: خَفِيفٌ مشمِّر. وقَطَع اللَّهُ أَدَيْه أَي يَدَيه. وَثَوْبٌ أَدِيٌّ ويَدِيٌ
__________
(3) . أُدَيَّة هي أم مرداس وقيل جدته
(4) . قوله [أبو عمرو الاداء] كذا في الأَصل من غير ضبط لأَوله. وقوله [وجمعه أيدية] هكذا في الأَصل أيضاً ولعله محرف عن آدية، بالمد، مثل آنية(14/26)
إِذَا كَانَ وَاسِعًا. وأَدَى الشيءُ: كَثُر. وآدَاهُ مالُه: كَثُرَ عَلَيْهِ فَغلَبَه؛ قَالَ:
إِذَا آدَاكَ مالُكَ فامْتَهِنْه ... لِجادِيه، وإنْ قَرِعَ المُراحُ
وآدَى القومُ وتَآدَوْا: كَثُروا بالموضع وأَخصبوا.
أذي: الأَذَى: كُلُّ مَا تأَذَّيْتَ بِهِ. آذَاه يُؤذِيه أَذىً وأَذَاةً وأَذِيَّةً وتَأَذَّيْت بِهِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ آذَانِي إيذَاءً، فأَما أَذىً فَمَصْدَرُ أَذِيَ أَذىً، وَكَذَلِكَ أَذَاة وأَذِيَّة. يُقَالُ: أَذِيْت بِالشَّيْءِ آذَى أَذىً وأَذَاةً وأَذِيَّةً فأَنا أَذٍ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
لقَدْ أَذُوا بِكَ وَدُّوا لَوْ تُفارِقُهُم، ... أَذَى الهَراسةِ بَيْنَ النَّعلِ والقَدَم
وَقَالَ آخَرُ:
وَإِذَا أَذِيتُ ببَلْدَةٍ فارَقْتُها، ... وَلَا أُقيم بغَيرِ دَارِ مُقام
ابْنُ سِيدَهْ: أَذِيَ بِهِ أَذىً وتَأَذَّى؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:
تَأَذِّيَ العَوْدِ اشْتكى أَنْ يُرْكَبا
وَالِاسْمُ الأَذِيَّةُ والأَذَاة؛ أَنشد سِيبَوَيْهِ:
وَلَا تَشْتُم المَوْلى وتَبْلُغْ أَذَاتَهُ، ... فإنَّك إِنْ تَفْعَلْ تُسَفَّهْ وتَجْهَل
وَفِي حَدِيثِ العَقيقة:
أَمِيطوا عَنْهُ الأَذَى
، يُرِيدُ الشَّعْرَ وَالنَّجَاسَةَ وَمَا يَخْرُجُ عَلَى رأْس الصَّبِيِّ حِينَ يُولَدُ يُحْلَق عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَدْناها إماطةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ
، وَهُوَ مَا يؤْذِي فِيهَا كَالشَّوْكِ وَالْحَجَرِ وَالنَّجَاسَةِ وَنَحْوِهَا. وَفِي الْحَدِيثِ:
كلُّ مُؤْذٍ فِي النَّارِ
، وَهُوَ وَعِيدٌ لِمَنْ يُؤْذِي النَّاسَ فِي الدُّنْيَا بِعُقُوبَةِ النَّارِ فِي الْآخِرَةِ، وَقِيلَ: أَراد كُلَّ مُؤْذٍ مِنَ السِّبَاعِ وَالْهَوَامِّ يُجْعَل فِي النَّارِ عُقُوبَةً لأَهلها. التَّهْذِيبُ: وَرَجُلٌ أَذِيٌّ إِذَا كَانَ شَدِيدَ التأَذِّي، فِعْلٌ لَهُ لازمٌ، وبَعيرٌ أَذِيٌّ. وَفِي الصِّحَاحِ: بَعيرٌ أَذٍ عَلَى فَعِلٍ، وَنَاقَةٌ أَذِيَةٌ: لَا تَسْتَقِرُّ فِي مَكَانٍ مِنْ غَيْرِ وَجَعٍ وَلَكِنْ خِلْقَةً كأَنها تَشْكُو أَذىً. والأَذِيُّ مِنَ النَّاسِ وَغَيْرِهِمْ: كالأَذِي؛ قَالَ:
يُصاحِبُ الشَّيطانَ مَنْ يُصاحِبُه، ... فَهْوَ أَذِيٌّ حَمَّةٌ مَصاوِبُه «1»
. وَقَدْ يَكُونُ الأَذِيٌّ الْمُؤْذِي. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَدَعْ أَذاهُمْ
؛ تأْويلُه أَذى الْمُنَافِقِينَ لَا تُجازِهِمْ عَلَيْهِ إِلَى أَن تُؤْمَرَ فِيهِمْ بأَمر. وَقَدْ آذَيْتُه إِيذَاءً وأَذِيَّةً، وَقَدْ تَأَذَّيْتُ بِهِ تَأَذِّياً، وأَذِيتُ آذَى أَذىً، وآذَى الرجلُ: فَعَل الأَذى؛ وَمِنْهُ
قَوْلُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِلَّذِي تَخَطَّى رِقاب النَّاسِ يَوْم الجُمُعَة: رأَيْتُك آذَيْتَ وآتَيْتَ.
والآذِيُّ: المَوْجُ؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ يَصِفُ مَطَرًا:
ثَجَّ، حَتَّى ضَاقَ عَنْ آذِيِّه ... عَرْضُ خِيمٍ فحِفاف فَيُسُر
ابْنُ شُمَيْلٍ: آذِيُّ الْمَاءِ الأَطباق الَّتِي تَرَاهَا تَرْفَعُهَا مِنْ مَتْنهِ الريحُ دونَ المَوْج. والآذِيُّ: المَوْجُ؛ قَالَ المُغِيرة بْنُ حَبْناء:
إِذَا رَمى آذِيُّهُ بالطِّمِّ، ... تَرى الرِّجالَ حَوْلَه كالصُّمِّ،
مِنْ مُطْرِقٍ ومُنْصِتٍ مُرِمِ
الْجَوْهَرِيُّ: الآذِيُّ مَوْجُ الْبَحْرِ، وَالْجَمْعُ الأَوَاذِيُّ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ للعَجّاج:
طَحْطَحَهُ آذِيُّ بَحْرٍ مُتْأَقِ
وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وإذ
__________
(1) . قوله [حمة] كذا في الأَصل بالحاء المهملة مرموزاً لها بعلامة الإِهمال(14/27)
أَخَذَ رَبُّك مِنْ بَني آدَمَ مِنْ ظُهورهم ذُرِّيَّاتِهم، قَالَ: كأَنَّهم الذَّرُّ فِي آذِيِّ الْمَاءِ.
الآذِيُّ، بِالْمَدِّ وَالتَّشْدِيدِ: المَوْجُ الشَّدِيدُ. وَفِي
خُطْبَة عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: تَلْتَطِمُ أَوَاذِيُّ مَوْجِها.
وَإِذَا وإذْ: ظَرْفان مِنَ الزَّمَانِ، فَإِذَا لِمَا يأْتي، وإذْ لِمَا مَضَى وَهِيَ مَحْذُوفَةٌ من إذا.
أري: الأَصمعي: أَرَتِ القِدْرُ تَأْرِي أَرْياً إِذَا احْتَرَقَتْ ولَصِقَ بِهَا الشَّيْءُ، وأَرَتِ القِدْرُ تَأْرِي أَرْياً، وَهُوَ مَا يَلْصَق بِهَا مِنَ الطَّعَامِ. وَقَدْ أَرَتِ القِدْرُ أَرْياً: لَزِقَ بأَسفلها شَيْءٌ مِنَ الِاحْتِرَاقِ مِثْلُ شاطَتْ؛ وَفِي الْمُحْكَمِ: لَزِقَ بأَسفلها شِبْهُ الجُلْبَة السَّوْدَاءِ، وَذَلِكَ إِذَا لَمْ يُسَطْ مَا فِيهَا أَوْ لَمْ يُصَبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ. والأَرْيُ: مَا لَزِقَ بأَسفلها وبقِي فِيهِ مِنْ ذَلِكَ؛ المصدرُ وَالِاسْمُ فِيهِ سواءٌ. وأَرْيُ القِدْرِ: مَا الْتَزَقَ بِجَوَانِبِهَا مِنَ الحَرَق. ابْنُ الأَعرابي: قُرارَة القِدر وكُدادتُها وأَرْيُها. والأَرْيُ: العَسَلُ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
بأَشْهَبَ مِنْ أَبكارِ مُزْن سَحابةٍ، ... وأَرْيِ دَبُورٍ شارَهُ النَّحْلَ عاسلُ
وعَمَلُ النَّحْلِ أَرْيٌ أَيضاً؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لأَبي ذُؤَيْبٍ:
جَوارِسُها تَأْري الشُّعُوفَ
تَأْري: تُعَسِّل، قَالَ: هَكَذَا رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ وَرَوَى غَيْرُهُ تَأْوي. وَقَدْ أَرَتِ النَّحْلُ تَأْرِي أَرْياً وتَأَرَّتْ وأْتَرَتْ: عَمِلَت العَسَل؛ قَالَ الطِّرِمَّاحُ فِي صِفَةِ دَبْر الْعَسَلِ:
إِذَا مَا تَأَرَّتْ بالخَليِّ، بَنَتْ بِهِ ... شَريجَيْنِ مِمّا تَأْتَرِي وتُتِيعُ «1»
. شَرِيجَيْن: ضَرْبَيْنِ يَعْنِي مِنَ الشَّهْدِ وَالْعَسَلِ. وتَأْتَرِي: تُعَسِّلُ، وتُتِيعُ أَي تَقِيءُ العسلَ. والْتِزاقُ الأَرْي بالعَسَّالة ائْتِراؤه، وَقِيلَ: الأَرْيُ مَا تَجْمَعُهُ مِنَ الْعَسَلِ فِي أَجوافِها ثُمَّ تَلْفِظه، وَقِيلَ: الأَرْيُ عَمَلُ النَّحْلِ، وَهُوَ أَيضاً مَا التَزَقَ مِنَ الْعَسَلِ فِي جَوَانِبِ العَسَّالة، وَقِيلَ: عَسَلُها حِينَ تَرْمي بِهِ مِنْ أَفواهها؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:
إِذَا الصُّدورُ أَظْهَرَتْ أَرْيَ المِئَر
إِنَّمَا هُوَ مُسْتَعَارٌ مِنْ ذَلِكَ، يَعْنِي مَا جَمَعَتْ فِي أَجوافها مِنَ الْغَيْظِ كَمَا تَفْعَلُ النَّحْلُ إِذَا جمَعَتْ فِي أَفواهها العَسَل ثُمَّ مَجَّتْه. وَيُقَالُ للَّبَنِ إِذَا لَصِق وَضَرهُ بالإِناء: قَدْ أَرِيَ، وَهُوَ الأَرْيُ مِثْلُ الرَّمْي. والتَّأَرِّي: جَمْع الرَّجُلِ لِبَنِيه الطَّعامَ. وأَرَتِ الريحُ الماءَ: صَبَّته شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ. وأَرْيُ السماءِ مَا أَرَتْه الرِّيحُ تَأْرِيه أَرْياً فصَبَّته شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، وَقِيلَ: أَرْيُ الرِّيحِ عَمَلُها وسَوْقُها السحابَ؛ قَالَ زُهَيْرٌ:
يَشِمْنَ بُرُوقَها، ويَرُشُّ أَرْيَ الْجَنُوب، ... عَلَى حَواجِبها، العَماءُ
قَالَ اللَّيْثُ: أَرادَ مَا وَقَعَ مِنَ النَّدى والطَّلِّ عَلَى الشَّجَرِ والعُشْب فَلَمْ يَزَلْ يَلْزَقُ بعضهُ بِبَعْضٍ ويَكْثُرُ، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وأَرْيُ الجَنوبِ مَا اسْتَدَرَّتْه الجَنوبُ مِنَ الغَمام إِذَا مَطَرَت. وأَرْيُ السَّحَابِ: دِرَّتُه، قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: أَصل الأَرْيِ العَمَل. وأَرْيُ النَّدى: مَا وَقَعَ مِنْهُ عَلَى الشَّجَرِ والعُشْب فالتزَق وكَثُر. والأَرْيُ: لُطاخةُ مَا تأْكله. وتَأَرَّى عَنْهُ: تَخَلَّف. وتَأَرَّى بِالْمَكَانِ وأْتَرَى: احْتَبَس. وأَرَتِ الدابَّةُ مَرْبَطَها
__________
(1) . قوله [إذا ما تأرت] كذا في الأَصل بالراء، وفي التكملة بالواو(14/28)
ومَعْلَفَها أَرْياً: لَزِمَتْه. والأَرِيُّ والآرِي: الأَخِيَّةُ. وأَرَّيْتُ لَهَا: عَمِلْتُ لَهَا آرِيّاً. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ فِي قَوْلِهِمْ للمَعْلَف آرِيٌّ قَالَ: هَذَا مِمَّا يَضَعُهُ النَّاسُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَإِنَّمَا الآرِيُّ مَحْبِس الدَّابَّةِ، وَهِيَ الأَواري والأَواخِي، وَاحِدَتُهَا آخِيَّةٌ، وآرِيٌّ إِنَّمَا هُوَ مِنَ الْفِعْلِ فاعُولٌ. وتَأَرَّى بِالْمَكَانِ إِذَا تَحَبَّس؛ وَمِنْهُ قَوْلُ أَعشى باهِلة:
لَا يَتَأَرَّى لِمَا فِي القِدْرِ يَرْقُبُه، ... وَلَا يَعَضُّ عَلَى شُرْسُوفهِ الصَّفَر «2»
. وَقَالَ آخَرُ:
لَا يَتَأَرَّوْنَ فِي المَضِيق، وإنْ ... نادَى مُنادٍ كَيْ يَنْزِلوا، نَزَلوا
يَقُولُ: لَا يَجْمَعون الطَّعَامَ فِي الضِّيقة؛ وَقَالَ الْعَجَّاجُ:
واعْتَادَ أَرباضاً لَهَا آرِيُّ ... مِنْ مَعْدِن الصِّيرانِ عُدْمُليُ
قَالَ: اعْتادَها أَتاها ورَجَع إِلَيْهَا، والأَرْباضُ: جَمْعُ رَبَضٍ وَهُوَ المأْوى، وَقَوْلُهُ لَهَا آرِيٌّ أَي لَهَا آخِيَّةٌ مِنْ مَكانِس الْبَقَرِ لَا تَزُولُ، وَلَهَا أَصل ثَابِتٌ فِي سُكُونِ الْوَحْشِ بِهَا، يَعْنِي الكِناس. قَالَ: وَقَدْ تُسَمَّى الآخِيَّة أَيضاً آرِيّاً، وَهُوَ حَبَلٌ تُشَدُّ بِهِ الدَّابَّةُ فِي مَحْبِسها؛ وأَنشد ابْنُ السِّكِّيتِ للمُثَقِّب الْعَبْدِيِّ يَصِفُ فَرَسًا:
داوَيْتُه بالمحْض، حتَّى شَتا ... يَجْتَذِبُ الآرِيَّ بالمِرْوَد
أَيْ مَعَ المِرْوَدِ، وأَرادَ بآرِيِّه الرَّكاسَةَ المدفونةَ تَحْتَ الأَرض المُثْبتةَ فِيهَا تُشَدُّ الدابةُ مِنْ عُرْوَتها الْبَارِزَةِ فَلَا تَقْلَعُها لِثَبَاتِهَا فِي الأَرض؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَهُوَ فِي التَّقْدِيرِ فاعُولٌ، وَالْجَمْعُ الأَوَارِي، يُخَفَّفُ وَيُشَدَّدُ. تَقُولُ مِنْهُ: أَرَّيْتُ لِلدَّابَّةِ تَأْرِيَةً، وَالدَّابَّةُ تَأْرِي إِلَى الدابَّة إِذَا انْضَمَّتْ إِلَيْهَا وأَلِفَتْ مَعَهَا مَعْلَفاً وَاحِدًا، وآرَيْتُها أَنا؛ وَقَوْلُ لَبِيَدٍ يَصِفُ نَاقَتَهُ:
تَسْلُبُ الكانِسَ لَمْ يُوأَرْ بِهَا ... شُعْبَة السَّاقِ، إِذَا الظِّلُّ عَقَل
قَالَ اللَّيْثُ: لَمْ يُوأَرْ بِهَا أَي لَمْ يُذْعَرْ، وَيُرْوَى لَمْ يُورأْ بِهَا أَي لَمْ يُشْعَرْ بِهَا، قَالَ: وَهُوَ مَقْلُوبٌ مِنْ أَرَيْتُه أَي أَعلمته، قَالَ: وَوَزْنُهُ الْآنَ لَمْ يُلْفَعْ، وَيُرْوَى لَمْ يُورَا، عَلَى تَخْفِيفِ الْهَمْزَةِ، وَيُرْوَى لَمْ يُؤْرَ بِهَا، بِوَزْنِ لَمْ يُعْرَ، مِنَ الأَرْي أَيْ لَمْ يَلْصَق بِصَدْرِهِ الفَزَعُ، وَمِنْهُ قِيلَ: إِنَّ فِي صَدْرِكَ عَليَّ لأَرْياً أَي لَطْخاً مِنْ حِقْد، وَقَدْ أَرَى عليَّ صَدْرُه. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَرَوَى السِّيرَافِيُّ لَمْ يُؤْرَ مِنْ أُوَار الشَّمْسِ، وأَصله لَمْ يُوأَرْ، وَمَعْنَاهُ لَمْ يُذْعَرْ أَي لَمْ يُصِبْه حَرُّ الذُّعْر. وَقَالُوا: أَرِيَ الصَّدْرُ أَرْياً، وَهُوَ مَا يَثْبُتُ فِي الصَّدْرِ مِنَ الضِّغْن. وأَرِيَ صدرُه، بِالْكَسْرِ، أَي وَغِر. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أَرَى صَدْرُه عليَّ أَرْياً وأَرِيَ اغْتَاظَ؛ وَقَوْلُ الرَّاعِي:
لهَا بَدَنٌ عاسٍ ونارٌ كَرِيمَةٌ ... بمُعْتَلَجِ الآرِيِّ، بَيْنَ الصَّرائم
قِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ: الآرِيُّ مَا كَانَ بَيْنَ السَّهْل والحَزْن، وَقِيلَ: مُعْتَلَج الآَرِيّ اسمُ أَرض. وتَأَرَّى: تَحَزّن «3» . وأَرَّى الشيءَ: أَثبته ومَكَّنه. وَفِي الْحَدِيثِ:
اللَّهُمَّ أَرِّ مَا بَيْنَهم
أَي ثَبِّت الوُدَّ ومَكِّنْه، يَدْعُو لِلرَّجُلِ وامرأَته. وَرَوَى
أَبو عُبَيْدَةَ: أَن رجلًا شكا
__________
(2) . قوله [لا يَتَأَرَّى البيت] قال الصاغاني: هكذا وقع في أكثر كتب اللغة وأخذ بعضهم عن بعض، والرواية:
لَا يَتَأَرَّى لِمَا فِي القدر يرقبه ... وَلَا يَزَالُ أَمَامَ الْقَوْمِ يقتفر
لَا يَغْمِزُ السَّاقَ مِنْ أين ولا نصب ... وَلَا يَعَضُّ عَلَى شُرْسُوفِهِ الصفر
(3) . قوله [وتَأَرَّى تحزن] هكذا في الأَصل ولم نجده في كتب اللغة التي بأَيدينا(14/29)
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، امرأَته فَقَالَ اللَّهُمَّ أَرِّ بَيْنَهما
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: يَعْنِي أَثبت بَيْنَهُمَا؛ وأَنشد لأَعشى بَاهِلَةَ:
لَا يَتَأَرَّى لِمَا فِي القِدْرِ يَرْقُبُه
الْبَيْتَ. يَقُولُ: لَا يَتَلَبَّث وَلَا يَتَحَبَّس. وَرَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ:
أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَعَا بِهَذَا الدُّعَاءِ لِعَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ
، وَرَوَى
ابْنُ الأَثير أَنه دَعَا لامرأَة كَانَتْ تَفْرَك زَوْجها فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَرِّ بَيْنَهُمَا
، أَي أَلِّف وأَثبت الوُدَّ بَيْنَهُمَا، مِنْ قَوْلِهِمْ الدَّابَّةُ تَأْرِي لِلدَّابَّةِ إِذَا انضمَّت إِلَيْهَا وأَلِفَت مَعَهَا مَعْلَفاً وَاحِدًا، وآرَيْتُها أَنا، وَرَوَاهُ
ابْنُ الأَنباري: اللَّهُمَّ أَرِّ كلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صاحبَه
أَي احْبِسْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ حَتَّى لَا يَنْصَرِفَ قَلْبُهُ إِلَى غَيْرِهِ، مِنْ قَوْلِهِمْ تَأَرَّيْت بِالْمَكَانِ إِذَا احْتَبَسْت فِيهِ، وَبِهِ سمِّيت الآخِيَّة آرِيّاً لأَنها تَمْنَعُ الدَّوَابَّ عَنِ الِانْفِلَاتِ، وَسُمِّيَ المَعْلَف آرِيّاً مَجَازًا، قَالَ: وَالصَّوَابُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَن يُقَالَ اللَّهُمَّ أَرِّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، فَإِنْ صَحَّتِ الرِّوَايَةُ بِحَذْفِ عَلَى فَيَكُونُ كَقَوْلِهِمْ تَعَلَّقْتُ بِفُلَانٍ وتَعَلَّقتُ فُلَانًا؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
أَبي بَكْرٍ: أَنه دَفَعَ إِلَيْهِ سَيْفًا لِيَقْتُلَ بِهِ رَجُلًا فاسْتَثْبَتَه فَقَالَ: أَرِّ
أَي مَكِّن وثَبِّتْ يَدِي مِنَ السَّيْفِ، وَرُوِيَ: أَرِ مُخَفَّفَةً، مِنَ الرؤْية كأَنه يَقُولُ أَرِني بِمَعْنَى أَعْطِني. الْجَوْهَرِيُّ: تَأَرَّيْت بِالْمَكَانِ أَقمت بِهِ؛ وأَنشد بَيْتَ أَعشى بَاهِلَةَ أَيضاً:
لَا يَتأَرَّى لِمَا فِي القِدْر يَرْقُبُه
وَقَالَ فِي تَفْسِيرِهِ: أَي لَا يَتَحَبَّس عَلَى إِدْرَاكِ القِدْر ليأْكل. قَالَ أَبو زَيْدٍ: يَتَأَرَّى يَتَحَرَّى؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ للحُطيئة:
وَلَا تَأَرَّى لِمَا فِي القِدْرِ يَرْقُبه، ... وَلَا يَقُومُ بأَعْلى الْفَجْرِ يَنْتَطِق
قَالَ: وأَرَّيْت أَيضاً وَإِلَى مَتى أَنت مُؤَرّ بِهِ. وأَرَّيْتُه: اسْتَرْشَدَني فغَشَشْته. وأَرَّى النارَ: عَظَّمَها ورَفَعَها. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: أَرَّاها جَعَل لَهَا إرَةً، قَالَ: وَهَذَا لَا يَصِحُّ إِلَّا أَن يَكُونَ مَقْلُوبًا مِنْ وَأَرْتُ، إمَّا مستعمَلة، وَإِمَّا متوهَّمة. أَبو زَيْدٍ: أَرَّيْتُ النارَ تَأْرِيَةً ونَمَّيتها تَنْمِيَةً وذكَّيْتها تَذْكِيَةً إِذَا رَفَعْتها. يُقَالُ: أَرِّ نارَك. والإِرَةُ: مَوْضِعُ النَّارِ، وأَصله إرْيٌ، وَالْهَاءُ عِوَضٌ مِنَ الْيَاءِ، وَالْجَمْعُ إرُونَ مِثْلُ عِزُون؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُهُ لِكَعْبٍ أَو لِزُهَيْرٍ:
يُثِرْنَ التُّرابَ عَلَى وَجْهِه، ... كلَوْنِ الدَّواجِن فَوْقَ الإِرِينا
قَالَ: وَقَدْ تُجْمَعُ الإِرَةُ إِرَات، قَالَ: والإِرَةُ عِنْدَ الْجَوْهَرِيِّ محذوفةُ اللَّامِ بِدَلِيلِ جَمْعِهَا عَلَى إرِين وكَوْنِ الْفِعْلِ مَحْذُوفَ اللَّامِ. يُقَالُ: أَرِّ لِنارِك أَي اجْعَل لَهَا إرَةً، قَالَ: وَقَدْ تأْتي الإِرَةُ مِثْلَ عِدَة مَحْذُوفَةِ الْوَاوِ، تَقُولُ: وَأَرْتُ إرَةً. وَآذَانِي أَرْيُ القِدْرِ والنَّارِ أَي حَرُّهُما؛ وأَنشد ثَعْلَبٌ:
إِذَا الصُّدورُ أَظْهَرَتْ أَرْيَ المِئَر
أَي حَرَّ العَداوَة. والإِرَةُ أَيضاً: شَحْم السَّنامِ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
وَعْدٌ كَشَحْمِ الإِرَةِ المُسَرْهَد
الْجَوْهَرِيُّ: أَرَّيْتُ النارَ تَأْرِيَةً أَي ذَكّيتها؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هُوَ تَصْحِيفٌ وَإِنَّمَا هُوَ أَرَّثْتها، وَاسْمُ مَا تُلْقِيهِ عَلَيْهَا الأُرْثَة. وأَرِّ نارَك وأَرِّ لِنَارِكَ أَي اجْعَل لَهَا إرَةً، وَهِيَ حُفْرة تَكُونُ فِي وَسَطِ النَّارِ يَكُونُ فِيهَا مُعْظَمُ الجَمْر. وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنه قَالَ: أَرِّ نارَك افْتَحْ وَسَطَهَا لِيَتَّسِعَ الْمَوْضِعُ لِلْجَمْرِ، وَاسْمُ الشَّيْءِ الَّذِي تُلْقِيهِ عَلَيْهَا مِنْ بَعَر أَو حَطَب(14/30)
الذُّكْية. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: أَحسب أَبا زَيْدٍ جَعَل أَرَّيْت النَّارَ مِنْ وَرَّيْتَها، فَقَلَبَ الْوَاوَ هَمْزَةً، كَمَا قَالُوا أكَّدْت الْيَمِينَ ووَكَّدْتها وأَرَّثْت النَّارَ ووَرَّثْتها. وَقَالُوا مِنَ الإِرَة وَهِيَ الْحُفْرَةُ الَّتِي تُوقَدُ فِيهَا النَّارُ: إرَةٌ بَيّنة الإِرْوَة، وَقَدْ أَرَوْتها آرُوها، ومِنْ آرِيِّ الدَّابَّةِ أَرَّيْت تَأْرِيَةً. قَالَ: والآرِيُّ مَا حُفِر لَهُ وأُدْخِل فِي الأَرض، وَهِيَ الآرِيَّة والرَّكاسَة. وَفِي حَدِيثِ
بِلَالٍ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمعَكم شيءٌ مِنَ الإِرَة
أَي القدِيد؛ وَقِيلَ: هُوَ أَن يُغْلَى اللحمُ بِالْخَلِّ وَيُحْمَلَ فِي الأَسفار. وَفِي حَدِيثِ
بريدةَ: أَنه أَهْدى لِرَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إرَةً
أَي لَحْمًا مَطْبُوخًا فِي كَرِشٍ. وَفِي الْحَدِيثِ:
ذُبِحَت لِرَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شاةٌ ثُمَّ صُنِعَتْ فِي الإِرَة
؛ الإِرَةُ: حُفْرَةٌ تُوقَدُ فِيهَا النَّارُ، وَقِيلَ: هِيَ الْحُفْرَةُ الَّتِي حَوْلَهَا الأَثافيُّ. يُقَالُ: وَأَرْتُ إرَةً، وَقِيلَ: الإِرَةُ النارُ نَفْسُها، وأَصل الإِرَة إرْيٌ، بِوَزْنِ عِلْم، وَالْهَاءُ عِوَضٌ مِنَ الْيَاءِ. وَفِي حَدِيثِ
زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ: ذَبَحْنَا شَاةً وَصَنَعْنَاهَا فِي الإِرَة حَتَّى إِذَا نَضِجت جَعَلْنَاهَا فِي سُفْرَتنا.
وأَرَّيْت عَنِ الشَّيْءِ: مِثْلُ وَرَّيْت عَنْهُ. وَبِئْرُ ذِي أَرْوانَ: اسْمُ بِئْرٍ، بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ. وَفِي حَدِيثِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّخَعي: لو كان رأْيُ الناس مثْلَ رَأْيك مَا أُدِّيَ الأَرْيَانُ.
قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ الخَراجُ والإِتاوة، وَهُوَ اسْمٌ وَاحِدٌ كَالشَّيْطَانِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الأَشبه بِكَلَامِ الْعَرَبِ أَن يَكُونَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْبَاءِ الْمُعْجَمَةِ بِوَاحِدَةٍ، وَهُوَ الزِّيَادَةُ عَنِ الْحَقِّ، يُقَالُ فِيهِ أُرْبان وعُرْبان، قَالَ: فَإِنْ كَانَتِ الْيَاءُ مُعْجَمَةً بِاثْنَتَيْنِ فَهُوَ مِنَ التَّأْرِيَة لأَنه شَيْءٌ قُرِّرَ عَلَى الناس وأُلْزِموه.
أزا: الأَزْوُ: الضِّيق؛ عَنْ كُرَاعٍ. وأَزَيْتُ إِلَيْهِ أَزْياً وأُزِيّاً: انْضَمَمْتُ. وآزَانِي هُوَ: ضَمَّني؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
تَغْرِفُ مِنْ ذِي غَيِّثٍ وتُوزي
وأَزَى يَأْزِي أَزْياً وأُزِيّاً: انْقَبَضَ وَاجْتَمَعَ. ورَجُل مُتَآزِي الخَلْق ومُتَآزِف الخَلْق إِذَا تَدانى بعضهُ إِلَى بَعْضٍ. وأَزى الظِّلُّ أُزِيّاً: قَلَص وتَقَبَّض وَدَنَا بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ، فَهُوَ آزٍ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رِبْعي الأَسدي:
وغَلَّسَتْ والظِّلُّ آزٍ مَا زَحَلْ، ... وحاضِرُ الْمَاءِ هَجُودٌ ومُصَلّ
وأَنشد لِكُثَيِّرٍ الْمُحَارِبِيِّ:
وَنَابِحَةٍ كَلَّفْتُها العِيسَ، بَعْدَ ما ... أَزى الظِّلُّ والحِرباءُ مُوفٍ عَلَى جِذْل «1»
. ابنُ بُزُرْج: أَزَى الظِّلُّ يَأْزُو ويَأْزِي ويَأْزَى؛ وأَنشد:
الظِّلُّ آزٍ والسُّقاةُ تَنْتَحي
وَقَالَ أَبو النَّجْمِ:
إِذَا زَاءٍ مَحْلُوقاً أَكَبَّ برأْسه، ... وأَبْصَرْته يَأْزِي إليَّ ويَزْحَل
أَي يَنْقَبِضُ لَكَ ويَنْضَمُّ. اللَّيْثُ: أَزَى الشيءُ بعضهُ إِلَى بَعْضٍ يَأْزِي، نَحْوُ اكْتِنَازِ اللَّحْمِ وَمَا انضَمَّ مِنْ نَحْوِهِ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
عَضّ السِّفار فَهُوَ آزٍ زِيَمهُ
وَهُوَ يومٌ أَزٍ إِذَا كَانَ يَغُمُّ الأَنفاسَ ويُضَيِّقها لشدَّة الحر؛ قال الباهلي:
__________
(1) . قوله [ونابحة] هكذا في الأَصل من غير نقط، وفي شرح القاموس: نائحة، بالنون والهمز والمهملة، ولعلها نابخة بالنون والباء والمعجمة وهي الأَرض البعيدة. وقوله بعد [إذا زاء محلوقاً إلى قوله الليث] هو كذلك في الأَصل وشرح القاموس(14/31)
ظَلَّ لَهَا يَوْمٌ مِنَ الشِّعْرى أَزِي، ... نَعُوذُ مِنْهُ بِزرانِيقِ الرَّكي
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يُقَالُ يَوْمٌ آزٍ وأَزٍ مِثْلُ آسِنٍ وأَسِنٍ أَي ضَيِّق قَلِيلُ الْخَيْرِ؛ قَالَ عِمَارَةُ:
هَذَا الزَّمانُ مُوَلٍّ خَيْرُه آزِي
وأَزَى مالُه: نَقَصَ. وأَزَى لَهُ أَزْياً: أَتاه لِيَخْتِلَه. اللَّيْثُ: أَزَيْتُ لِفُلَانٍ آزِي لَهُ أَزْياً إِذَا أَتَيته مِنْ وَجْهِ مَأْمَنِه لِتَخْتِله. وَيُقَالُ: هُوَ بإِزَاء فُلَانٍ أَي بِحِذائه مَمْدُودَانِ. وَقَدْ آزَيْتُه إِذَا حاذَيْتَه، وَلَا تَقُلْ وازَيْتُه. وقعَدَ إِزَاءَه أَي قُبالَتَه. وآزَاه: قابَلَه. وَفِي الْحَدِيثِ:
اخْتَلَفَ مَنْ كَانَ قَبْلنا ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقةً نَجا مِنْهَا ثَلاثٌ وَهَلَكَ سائرُها.
وفِرْقةٌ آزَتِ الملُوكَ فقاتَلَتْهم عَلَى دِين اللَّهِ أَي قاوَمَتْهم، مِنْ آزَيْتُه إِذَا حاذَيْتَه. يُقَالُ: فُلَانٌ إزَاءٌ لِفُلَانٍ إِذَا كَانَ مُقاوماً لَهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
فرَفَع يَدَيْهِ حَتَّى آزَتَا شَحْمة أُذُنيه
أَي حاذَتا. والإِزَاءُ: المُحاذاةُ والمُقابَلة؛ قَالَ: وَيُقَالُ فِيهِ وَازَتا. وَفِي حَدِيثِ صَلَاةِ الْخَوْفِ:
فَوَازَيْنا العَدوَّ
أَي قَابَلْنَاهُمْ، وأَنكر الْجَوْهَرِيُّ أَن يُقَالَ وَازَيْنا. وتَآزَى القَوْمُ: دَنا بعضُهم إِلَى بَعْضٍ؛ قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هُوَ فِي الْجُلُوسِ خَاصَّةً؛ وأَنشد:
لَمَّا تَآزَيْنا إِلَى دِفْءِ الكُنُفْ
وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِشَاعِرٍ:
وإنْ أَزَى مالُه لَمْ يَأْزِ نائِلُه، ... وإنْ أَصابَ غِنًى لَمْ يُلْفَ غَضْبانا «1»
. وَالثَّوْبُ يَأْزِي إِذَا غُسِل، والشَّمْسُ أُزِيّاً: دَنَتْ للمَغيب. والإِزَاء: سَبَبُ الْعَيْشِ، وَقِيلَ: هُوَ مَا سُبِّبَ مِنْ رَغَدِه وفَضْلِه. وإنَّه لإِزَاءُ مالٍ إِذَا كَانَ يُحْسِنُ رِعْيَته ويَقُومُ عَلَيْهِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
ولَكِني جُعِلْت إِزَاءَ مالٍ، ... فأَمْنَع بَعْدَ ذَلِكَ أَو أُنِيل
قَالَ ابْنُ جِنِّي: هُوَ فِعالٌ مِنْ أَزَى الشيءُ يأْزِي إِذَا تَقَبَّض وَاجْتَمَعَ، فَكَذَلِكَ هَذَا الرَّاعِي يَشُحُّ عَلَيْهَا وَيَمْنَعُ مِنْ تَسَرُّبِها، وَكَذَلِكَ الأُنثى بِغَيْرِ هَاءٍ؛ قَالَ حُمَيْدٌ يَصِفُ امرأَة تَقُومُ بِمَعَاشِهَا:
إِزَاءُ مَعاشٍ لَا يَزالُ نِطاقُها ... شَديداً، وَفِيهَا سَوْرةٌ وَهِيَ قاعِدُ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي الْمُحْكَمِ:
إِزَاءُ مَعاشٍ مَا تَحُلُّ إزارَها ... مِنَ الكَيْس، فِيهَا سَوْرَةٌ وهْي قَاعِدُ
وَفُلَانٌ إزَاءُ فُلَانٍ إِذَا كَانَ قِرْناً لَهُ يُقاوِمه. وإِزَاءُ الحَرْب: مُقِيمُها؛ قَالَ زُهَيْرٌ يَمْدَحُ قَوْمًا:
تَجِدْهُمْ عَلَى مَا خَيَّلَتْ هُمْ إِزَاءَها، ... وَإِنْ أَفْسَدَ المالَ الجماعاتُ والأَزْلُ
أَي تَجِدُهُمُ الَّذِينَ يَقُومُونَ بِهَا. وكلُّ مَنْ جُعِل قَيِّماً بأَمر فَهُوَ إِزَاؤه؛ وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ الخَطِيم:
ثَأَرْتُ عَدِيّاً والخَطِيمَ، فَلَمْ أُضِعْ ... وَصِيَّةَ أَقوامٍ جُعِلْتُ إِزَاءَها
أَي جُعِلْتُ القَيِّم بِهَا. وإنِّه لَإِزَاءُ خَيْرٍ وَشَرٍّ أَي صَاحِبُهُ. وَهُمْ إِزَاءٌ لِقَوْمِهِمْ أَي يُصْلِحُون أَمرهم؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:
لقدْ عَلِمَ الشَّعْبُ أَنَّا لَهُمْ ... إِزَاءٌ، وأَنَّا لهُم مَعْقِلُ
__________
(1) . قوله [وإن أَزَى ماله إلخ] كذا وقع هذا البيت هنا في الأَصل، ومحله كما صنع شارح القاموس بعد قوله فيما تقدم: وأَزَى ماله نقص، فلعله هنا مؤخر من تقديم(14/32)
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الْبَيْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمٍ. وَبَنُو فُلَانٍ إِزَاءُ بَنِي فُلَانٍ أَي أَقْرانُهم. وآزَى عَلَى صَنِيعه إِيزَاءً: أَفْضَلَ وأَضْعَفَ عَلَيْهِ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
تَغْرِفُ مِنْ ذِي غَيِّثٍ وتُوزِي
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَكَذَا رُوِيَ وتُوزي، بِالتَّخْفِيفِ، عَلَى أَن هَذَا الشِّعْرَ كُلَّهُ غَيْرُ مُرْدَفٍ أَي تُفْضِل عَلَيْهِ. والإِزَاءُ: مَصَبُّ الْمَاءِ فِي الْحَوْضِ؛ وأَنشد الأَصمعي:
مَا بَيْنَ صُنْبُور إِلَى إِزَاء
وَقِيلَ: هُوَ جَمْعُ مَا بَيْنَ الْحَوْضِ إِلَى مَهْوى الرَّكِيَّة مِنَ الطَّيّ، وَقِيلَ: هُوَ حَجَرٌ أَوْ جُلَّةٌ أَو جِلْدٌ يُوضَعُ عَلَيْهِ. وأَزَّيْته تَأَزِّياً «2» . وتَأْزِيَةً، الأَخيرة نَادِرَةٌ، وآزَيْتُه: جَعَلْتُ لَهُ إِزَاءً. قَالَ أَبو زَيْدٍ: آزَيْتُ الحوضَ إِيزَاءً عَلَى أَفْعَلْت، وأَزَّيْتُ الْحَوْضَ تَأْزِيَةً وتَوزِيئاً: جَعَلْتُ لَهُ إِزَاءً، وَهُوَ أَن يُوضَعَ عَلَى فَمِهِ حَجَر أَوْ جُلَّةٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ. قَالَ أَبو زَيْدٍ: هُوَ صَخْرَةٌ أَو مَا جَعَلْت وِقايةً عَلَى مَصَبِّ الْمَاءِ حِينَ يُفَرَّغ الْمَاءُ؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
فَرَماها فِي مَرابِضِها ... بإزاءِ الحَوْضِ أَوْ عُقُرِه «3»
. وآزَاهُ: صَبَّ الماءَ مِنْ إِزَائِهِ. وآزَى فِيهِ: صَبَّ عَلَى إِزَائِهِ. وآزَاه أَيضاً: أَصلح إِزَاءَهُ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
يُعْجِزُ عَنْ إَيزَائِه ومَدْرِه
مَدْرُه إِصْلَاحُهُ بالمَدَر. وَنَاقَةٌ آزِيَةٌ وأَزِيَةٌ، عَلَى فَعِلة، كِلَاهُمَا عَلَى النَّسب: تَشْرَبُ مِنَ الإِزاء. ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ لِلنَّاقَةِ الَّتِي لَا تَرِدُ النَّضِيحَ حَتَّى يَخْلُوَ لَهَا الأَزْيَةُ، والآزِيةُ عَلَى فَاعِلَةٍ، والأَزْيَة عَلَى فَعْلة «4» ، والقَذُور. وَيُقَالُ لِلنَّاقَةِ إِذَا لَمْ تَشْرَبْ إِلَّا مِنَ الإِزاء: أَزِيَة، وَإِذَا لَمْ تَشْرَبْ إِلَّا مِنَ العُقْر: عَقِرَة. وَيُقَالُ للقَيِّم بالأَمر: هُوَ إِزَاؤه؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
يَا جَفْنَةً كإِزَاء الحَوْضِ قد كَفَؤُوا، ... ومَنْطِقاً مِثْلَ وَشْي اليُمْنَةِ الحِبَرَه
وَقَالَ خُفاف بْنُ نُدْبة:
كأنَّ مَحَافِينَ السِّباعِ حَفَّاضُهُ، ... لِتَعْريسِها جَنْبَ الإِزَاء المُمَزَّق
«5» . مُعَرَّسُ رَكْبٍ قافِلين بصَرَّةٍ ... صِرادٍ، إِذَا مَا نارُهم لَمْ تُخَرَّق
وَفِي
قِصَّةِ مُوسَى، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: أَنه وَقَفَ بإِزَاءِ الحوْض
، وَهُوَ مَصَبُّ الدَّلْو، وعُقْرُه مُؤَخَّرُه؛ وأَما قَوْلُ الشَّاعِرِ فِي صِفَةِ الْحَوْضِ:
إِزَاؤه كالظَّرِبانِ المُوفي
فَإِنَّمَا عَنى بِهِ القيِّم؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ حَدَّثَنِي أَبو العَمَيْثَل الأَعرابي وَقَدْ رَوَى عَنْهُ الأَصمعي قَالَ: سأَلني الأَصمعي عَنْ قَوْلِ الرَّاجِزِ فِي وَصْفِ مَاءٍ:
إِزَاؤه كالظَّرِبانِ المُوفي
فَقَالَ: كَيْفَ يُشَبِّه مَصَبَّ الْمَاءِ بالظَّرِبان؟ فَقُلْتُ لَهُ: مَا عِنْدَكَ فِيهِ؟ فَقَالَ لِي: إِنَّمَا أَراد المُسْتَقِيَ، مِنْ قَوْلِكَ فُلَانٌ إِزَاءُ مَالٍ إِذَا قَامَ بِهِ وولِيَه، وشبَّهه
__________
(2) . قوله [وأَزَّيْته تَأَزِّياً إلخ] هكذا في الأَصل. وعبارة القاموس وشرحه: تأزى الحوضَ جعل له إزاء كأَزَّاه تَأْزِيَة: عن الجوهري، وهو نادر
(3) . قوله [مرابضها] كذا في الأَصل، والذي في ديوان إمرئ القيس وتقدم في ترجمة عقر: فرائصها
(4) . قوله [والأَزْيَة على فعلة] كذا في الأَصل مضبوطاً والذي نقله صاحب التكملة عن ابن الأَعرابي آزِيَة وأَزية بالمد والقصر فقط
(5) . قوله
كَأَنَّ مَحَافِينَ السِّبَاعِ حَفَّاضُهُ
كذا في الأَصل محافين بالنون، وفي شرح القاموس: محافير بالراء، ولفظ حفاضه غير مضبوط في الأَصل، وهكذا هو في شرح القاموس ولعله حفافه أو نحو ذلك(14/33)
بالظَّرِبانِ لدَفَر رَائِحَتِهِ وعَرَقِه؛ وبالظَّرِبانِ يُضْرَبُ الْمَثَلُ فِي النَّتْن. وأَزَوْتُ الرجلَ وآزَيْته فَهُوَ مَأْزُوٌّ ومُؤزىً أَي جَهَدته فَهُوَ مَجْهُود؛ قَالَ الطِّرِمَّاح:
وقَدْ باتَ يَأْزُوه نَدىً وصَقِيعُ
أَي يَجْهَده ويُشْئِزه. أَبو عَمْرٍو: تَأَزَّى القِدْحُ إِذَا أَصاب الرَّمِيَّة فاهْتَزَّ فِيهَا. وتَأَزَّى فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ إِذَا هَابَهُ. وَرَوَى ابْنُ السِّكِّيتِ قَالَ: قَالَ أَبو حَازِمٍ العُكْلي جَاءَ رَجُلٌ إِلَى حَلْقَةِ يُونُسَ فأَنشدَنا هَذِهِ الْقَصِيدَةَ فاستحسنها أَصحابه؛ وهي:
أُزِّيَ مُسْتَهْنئٌ فِي الْبَدِيءِ، ... فَيَرْمَأُ فِيهِ وَلَا يَبْذَؤُه
وعِنْدي زُؤازِيَةٌ وَأْبةٌ، ... تُزَأْزِئُ بالدَّات مَا تَهْجَؤُه «1»
. قَالَ: أُزِّيَ جُعلَ فِي مَكَانٍ صَلَح. والمُسْتَهْنئُ. المُسْتعطي؛ أَراد أَن الَّذِي جَاءَ يَطْلُبُ خَيري أَجْعلهُ فِي البَديء أَي فِي أَوَّل مَنْ يَجِيءُ، فيَرْمَأُ: يُقِيمُ فِيهِ، وَلَا يَبْذَؤُه أَي لَا يَكْرَهه، وزُؤَازِيَةٌ: قِدْرٌ ضَخْمة وَكَذَلِكَ الوَأْبَةُ، تُزَأْزِئُ أَي تَضُمُّ، والدات: اللَّحْمُ والوَدَك، مَا تَهْجَؤُه أَي ما تأْكله.
أسا: الأَسا، مَفْتُوحٌ مَقْصُورٌ: المُداواة والعِلاج، وَهُوَ الحُزْنُ أَيضاً. وأَسا الجُرْحَ أَسْواً وأَساً: دَاوَاهُ. والأَسُوُّ والإِسَاءُ، جَمِيعًا: الدَّوَاءُ، وَالْجَمْعُ آسِيَة؛ قَالَ الْحُطَيْئَةُ فِي الإِساء بِمَعْنَى الدَّوَاءِ:
هُمُ الآسُونَ أُمَّ الرَّأْس لَمَّا ... تَواكَلَها الأَطِبَّةُ والإِساءُ
والإِسَاءُ، مَمْدُودٌ مَكْسُورٌ: الدَّوَاءُ بِعَيْنِهِ، وَإِنْ شِئْتَ كَانَ جَمْعًا لِلْآسِي، وَهُوَ المُعالِجُ كَمَا تَقُولُ رَاعٍ ورِعاءٌ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ الإِسَاء فِي بَيْتِ الْحُطَيْئَةِ لَا يَكُونُ إِلَّا الدَّوَاءَ لَا غَيْرُ. ابْنُ السِّكِّيتِ: جَاءَ فُلَانٌ يَلْتَمِس لجراحِه أَسُوّاً، يَعْنِي دَوَاءً يأْسُو بِهِ جُرْحَه. والأَسْوُ: الْمَصْدَرُ. والأَسُوُّ، عَلَى فَعُول: دَوَاءٌ تَأْسُو بِهِ الجُرْح. وَقَدْ أَسَوْتُ الجُرح آسُوه أَسْواً أَي دَاوَيْتُهُ، فَهُوَ مَأْسُوٌّ وأَسِيٌّ أَيضاً، عَلَى فَعِيل. وَيُقَالُ: هَذَا الأَمرُ لَا يُؤْسى كَلْمُه. وأَهل الْبَادِيَةِ يُسَمُّونَ الخاتِنَة آسِيةً كِنَايَةً. وَفِي حَدِيثِ
قَيْلة: اسْتَرْجَع وَقَالَ رَبِّ أُسني لِمَا أَمضَيْت وأَعِنِّي عَلَى مَا أَبْقَيْت
؛ أُسْني، بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ، أَي عَوِّضْني. والأَوْس: العَوْضُ، وَيُرْوَى: آسِني؛ فَمَعْنَاهُ عَزِّني وصَبِّرْني؛ وأَما قَوْلُ الأَعشى:
عِنْدَه البِرُّ والتُّقى وأَسا الشَّقِّ ... وحَمْلٌ لمُضْلِع الأَثْقال
أَرَادَ: وَعِنْدَهُ أَسْوُ الشَّقِّ، فَجَعَلَ الْوَاوَ أَلفاً مَقْصُورَةً، قَالَ: وَمِثْلُ الأَسْوِ والأَسا اللَّغْوُ واللَّغا، وَهُوَ الشَّيْءُ الخَسيس وَالْآسِي: الطَّبِيب، وَالْجَمْعُ أُسَاةٌ وإِسَاء. قَالَ كُرَاعٌ: لَيْسَ فِي الْكَلَامِ مَا يَعتَقِب عَلَيْهِ فُعلة وفِعالٌ إِلَّا هَذَا، وَقَوْلُهُمْ رُعاةٌ ورِعاءٌ فِي جَمْعِ رَاعٍ. والأَسِيُّ: المَأْسُوُّ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
وصَبَّ عَلَيْهَا الطِّيبَ حَتَّى كأَنَّها ... أَسِيٌّ عَلَى أُمِّ الدِّماغ حَجِيجُ
وحَجِيجٌ: مِنْ قَوْلِهِمْ حَجَّه الطبيبُ فَهُوَ مَحْجُوجٌ. وحَجِيجٌ إِذَا سَبر شَجَّتَه؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِثْلُهُ قول الآخر: «2» .
__________
(1) . قوله [بالدات] كذا بالأصل بالتاء المثناة بدون همز، ولعلها بالدأث بالمثلثة مهموزاً
(2) . قوله [ومثله قول الآخر إلخ] أورد في المغني هذا البيت بلفظ
أَسِيّ إِنَّنِي مِنْ ذَاكَ إنه
وقال الدسوقي: أسيت حزنت، وأَسِيّ حزين، وإنه بمعنى نعم، والهاء للسكت أو إِن الناسخة والخبر محذوف(14/34)
وقائلةٍ: أَسِيتَ فقُلْتُ: جَيْرٍ ... أَسِيٌّ، إنَّني مِنْ ذاكَ إِنِّي
وأَسا بَيْنَهُمْ أَسْواً: أَصْلَح. وَيُقَالُ: أَسَوْتُ الجُرْحَ فأَنا آسُوه أَسْواً إِذَا دَاوَيْتَهُ وأَصلحته. وَقَالَ المُؤَرِّج: كان جَزْءُ بن الحرث مِنْ حُكَمَاءِ الْعَرَبِ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ المُؤَسِّي لأَنه كَانَ يُؤَسِّي بَيْنَ النَّاسِ أَي يُصْلِح بَيْنَهُمْ ويَعْدِل. وأَسِيتُ عَلَيْهِ أَسىً: حَزِنْت. وأَسِيَ عَلَى مُصِيبَتِهِ، بِالْكَسْرِ، يَأْسَى أَسًى، مَقْصُورٌ، إِذَا حَزِن. وَرَجُلٌ آسٍ وأَسْيَانُ: حَزِينٌ. وَرَجُلٌ أَسْوَان: حَزِينٌ، وأَتْبَعوه فَقَالُوا: أَسْوَان أَتْوان؛ وأَنشد الأَصمعي لِرَجُلٍ مِنَ الهُذَلِيِّين:
مَاذَا هُنالِكَ مِنْ أَسْوَانَ مُكْتَئِبٍ، ... وساهِفٍ ثَمِل فِي صَعْدةٍ حِطَمِ
وَقَالَ آخَرُ:
أَسْوَانُ أَنْتَ لأَنَّ الحَيَّ مَوْعِدُهم ... أُسْوَانُ، كلُّ عَذابٍ دُونَ عَيْذاب
وَفِي حَدِيثِ
أُبيّ بْنِ كَعْبٍ: وَاللَّهِ مَا عَلَيْهِم آسَى وَلَكِنْ آسَى عَلَى مَنْ أَضَلُّوا
؛ الأَسى، مَفْتُوحًا مَقْصُورًا: الحُزْن، وَهُوَ آسٍ، وامرأَة آسِيَةٌ وأَسْيَا، وَالْجَمْعُ أَسْيَانُون وأَسْيَانَات «1» . وأَسْيَيَات وأَسَايَا. وأَسِيتُ لِفُلَانٍ أَي حَزِنْت لَهُ. وسَآنِي الشيءُ: حَزَنَني؛ حَكَاهُ يَعْقُوبُ فِي الْمَقْلُوبِ وأَنشد بيت الحرث بْنِ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيِّ:
مرَّ الحُمُولُ فَمَا سَأَوْنَك نَقْرةً، ... وَلَقَدْ أَراكَ تُساءُ بالأَظْعان
والأُسْوَةُ والإِسْوَةُ: القُدْوة. وَيُقَالُ: ائْتَسِ بِهِ أَيِ اقتدِ بِهِ وكُنْ مِثْلَهُ. اللَّيْثُ: فُلَانٌ يَأْتَسِي بِفُلَانٍ أَي يَرْضَى لِنَفْسِهِ مَا رَضِيَهُ ويَقْتَدِي بِهِ وَكَانَ فِي مِثْلِ حَالِهِ. وَالْقَوْمُ أُسْوَةٌ فِي هَذَا الأَمر أَي حالُهم فِيهِ وَاحِدَةٌ. والتَّأَسِّي فِي الأُمور: الأُسْوة، وَكَذَلِكَ المُؤَاساة. والتَّأْسِيَة: التَّعْزِيَةُ. أسَّيْته تَأْسِيةً أَي عَزَّيته. وأَسَّاه فَتَأَسَّى: عَزَّاه فتَعزَّى. وتَأَسَّى بِهِ أَي تعزَّى بِهِ. وَقَالَ الْهَرَوِيُّ: تَأَسَّى بِهِ اتَّبَعَ فِعْلَهُ وَاقْتَدَى بِهِ. ويقال: أَسَوْتُ فلاناً بفلان إِذَا جَعَلْته أُسْوته؛ وَمِنْهُ قَوْلُ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لأَبي مُوسَى: آسِ بَيْنَ النَّاسِ فِي وَجْهك ومَجْلِسك وعَدْلِك
أَي سَوِّ بَينَهم واجْعل كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إسْوة خَصْمه. وتَآسَوْا أَي آسَى بعضُهم بَعْضًا؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
وإنَّ الأُلَى بالطَّفِّ مِنْ آلِ هاشمٍ ... تَآسَوْا، فسَنُّوا للكِرامِ التَّآسِيا
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَهَذَا الْبَيْتُ تَمَثَّل بِهِ مُصْعَب يَوْمَ قُتِل. وتَآسَوْا فِيهِ: مِنَ المُؤَاساة كَمَا ذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ، لَا مِنَ التَّأَسِّي كَمَا ذَكَرَ الْمُبَرِّدُ، فَقَالَ: تَآسَوْا بِمَعْنَى تَأَسَّوْا، وتَأَسَّوْا بِمَعْنَى تَعَزَّوا. وَلِي فِي فُلَانٍ أُسْوَة وإسْوَة أَي قُدْوَة. وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ الأُسْوَة والإِسْوَة والمُوَاسَاة فِي الْحَدِيثِ، وَهُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّهَا القُدْوة. والمُوَاسَاة: الْمُشَارَكَةُ والمُساهَمة فِي الْمَعَاشِ وَالرِّزْقِ؛ وأَصلها الْهَمْزَةُ فَقُلِبَتْ وَاوًا تَخْفِيفًا. وَفِي حَدِيثِ الحُدَيْبِيةَ:
إِنَّ الْمُشْرِكِينَ وَاسَوْنا للصُّلْح
؛ جَاءَ عَلَى التَّخْفِيفِ، وَعَلَى الأَصل جَاءَ الْحَدِيثُ الْآخَرُ:
مَا أَحَدٌ عِنْدِي أَعْظَمُ يَداً مِنْ أَبي بَكْرٍ آسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ.
وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السلام: آسِ بَيْنَهم فِي اللَّحْظَة والنَّظْرة.
وآسَيْت فُلَانًا بِمُصِيبَتِهِ إِذَا عَزَّيته، وَذَلِكَ إِذَا ضَربْت له الأُسَا، وَهُوَ أَن تَقُولَ لَهُ مَا لَك تَحْزَن. وَفُلَانٌ
__________
(1) . قوله [وأَسْيَانَات] كذا في الأَصل وهو جمع أَسْيَانَة ولم يذكره وقد ذكره في القاموس(14/35)
إسْوَتُك أَي أَصابه مَا أَصابك فصَبَر فَتأَسَّ بِهِ، وواحد الأُسَا والإِسَا أُسْوَة وإِسْوَة. وَهُوَ إِسْوَتُك أَي أَنت مِثْلُهُ وَهُوَ مِثْلُكَ. وأْتَسَى بِهِ: جَعَله أُسْوة. وَفِي الْمَثَلِ: لَا تَأْتَسِ بِمَنْ لَيْسَ لَكَ بأُسْوَة. وأَسْوَيْته: جَعَلْتُ لَهُ أُسْوة؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، فَإِنْ كَانَ أَسْوَيْت مِنَ الأُسْوة كَمَا زَعَمَ فَوَزْنُهُ فَعْلَيْتُ كَدَرْبَيْتُ وجَعْبَيْتُ. وآسَاهُ بمالِه: أنالَه مِنْهُ وجَعَله فِيهِ أُسْوة، وَقِيلَ: لَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ إِلَّا مِنْ كَفافٍ، فَإِنْ كَانَ مِنْ فَضْلةٍ فَلَيْسَ بمؤَاساة. قَالَ أَبو بَكْرٍ: فِي قَوْلِهِمْ مَا يُؤَاسِي فُلَانٌ فُلَانًا فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقوال؛ قَالَ الْمُفَضَّلُ بْنُ مُحَمَّدٍ مَعْنَاهُ مَا يُشارِك فُلَانٌ فُلَانًا، والمُؤَاسَاة الْمُشَارَكَةُ؛ وأَنشد:
فإنْ يَكُ عَبْدُ اللَّهِ آسَى ابْنَ أُمِّه، ... وآبَ بأَسْلابِ الكَمِيِّ المُغاوِر
وَقَالَ المُؤَرِّج: مَا يُؤَاسِيه مَا يُصِيبه بِخَيْرٍ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ آسِ فلانا بخير أَي أَصِبْه، وَقِيلَ: مَا يُؤَاسِيه مِنْ مَوَدَّته وَلَا قَرَابَتِهِ شَيْئًا مأْخوذ مِنَ الأَوْسِ وهو العَوْض، قَالَ: وَكَانَ فِي الأَصل مَا يُؤَاوِسُه، فقدَّموا السِّينَ وَهِيَ لَامُ الْفِعْلِ، وأَخروا الْوَاوَ وَهِيَ عَيْنُ الْفِعْلِ، فَصَارَ يؤَاسِوهُ، فَصَارَتِ الْوَاوُ يَاءً لِتَحَرُّكِهَا وَانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا، وَهَذَا مِنَ الْمَقْلُوبِ، قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ غَيْرَ مَقْلُوبٍ فَيَكُونَ يُفاعِل مِنْ أَسَوْت الجُرْح. وَرَوَى الْمُنْذِرِيُّ عَنْ أَبي طَالِبٍ أَنه قَالَ فِي المُؤَاسَاة وَاشْتِقَاقِهَا إِنَّ فِيهَا قَوْلَيْنِ: أَحدهما أَنها مِنْ آسَى يُؤَاسِي مِنَ الأُسْوَة وَهِيَ القُدْوة، وَقِيلَ إِنَّهَا مِنْ أَسَاه يَأْسُوه إِذَا عَالَجَهُ وَدَاوَاهُ، وَقِيلَ إنها من آسَ يَؤُوس إِذَا عَاضَ، فأَخَّر الْهَمْزَةَ ولَيَّنهاو لكلّ مَقَالٌ. وَيُقَالُ: هُوَ يُؤَاسِي فِي مَالِهِ أَي يساوِي. وَيُقَالُ: رَحِم اللهُ رَجُلًا أَعْطى مِنْ فَضْلٍ وآسَى مِنْ كَفافٍ، مِنْ هَذَا. الْجَوْهَرِيُّ: آسَيْتُه بِمَالِي مُؤَاسَاةً أَي جَعَلْتُهُ أُسْوتي فِيهِ، ووَاسَيْتُه لُغَةٌ ضَعِيفَةٌ. والأُسْوَة والإِسْوَة، بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ: لُغَتَانِ، وَهُوَ مَا يَأْتَسِي بِهِ الحَزينُ أَي يَتَعَزَّى بِهِ، وجمعها أُساً وإساً؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لحُرَيْث بْنِ زَيْدِ الْخَيْلِ:
ولَوْلا الأُسى [الإِسى] مَا عِشتُ فِي النَّاسِ سَاعَةً، ... ولكِنْ إِذَا مَا شئْتُ جاوَبَني مِثْلي
ثُمَّ سُمِّي الصَّبْرُ أُساً. وَأْتَسَى بِهِ أَي اقْتَدَى بِهِ. وَيُقَالُ: لَا تَأْتَسِ بِمَنْ لَيْسَ لَكَ بأُسْوَة أَي لَا تَقْتَدِ بِمَنْ لَيْسَ لَكَ بِقُدْوَةٍ. والآَسِيَة: الْبِنَاءُ المُحْكَم. والآسِيَة: الدِّعامة وَالسَّارِيَةُ، وَالْجَمْعُ الأَوَاسِي؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
فإنْ تَكُ قَدْ وَدَّعْتَ، غيرَ مُذَمَّمٍ، ... أَواسِيَ مُلْكٍ أَثْبَتَتها الأَوائلُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَدْ تُشَدَّدُ أَوَاسِيّ للأَساطين فَيَكُونُ جَمْعًا لآسِيّ، وَوَزْنُهُ فاعُولٌ مِثْلُ آرِيّ وأوارِيّ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
فَشَيَّدَ آسِيّاً فَيَا حُسْنَ مَا عَمَر
قَالَ: وَلَا يَجُوزُ أَن يَكُونَ آسِيٌّ فاعِيلًا لأَنه لَمْ يأْت مِنْهُ غَيْرُ آمِين. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ مَسْعُودٍ: يُوشِك أَن تَرْمِيَ الأَرضُ بأَفلاذ كبدها أَمثال الأَوَاسِي
؛ هي السَّواري والأَساطينُ، وَقِيلَ: هِيَ الأَصل، وَاحِدَتُهَا آسِيَة لأَنها تُصْلِحُ السَّقْفَ وتُقيمه، مِنْ أَسَوْت بَيْنَ الْقَوْمِ إِذَا أَصلحت. وَفِي حَدِيثِ عَابِدِ بَنِي إِسْرَائِيلَ:
أَنه أوْثَق نَفسه إِلَى آسِيَةٍ مِنْ أَوَاسِي المَسْجِد.
وأَسَيْتُ لَهُ مِنَ اللَّحْمِ خَاصَّةً أَسْياً: أَبقيت لَهُ. والآسِيَةُ، بِوَزْنِ فَاعِلَةٍ: مَا أُسِّسَ مِنْ بُنْيَانٍ فأُحْكِم، أَصله مِنْ ساريةٍ وَغَيْرِهَا. والآسِيَّة: بَقِيَّةُ الدَّارِ وخُرْثيُّ الْمَتَاعِ. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: الآسِيُّ خُرْثِيُّ الدَّارِ وآثارُها مِنْ نَحْوِ قِطْعة القَصْعة والرَّماد والبَعَر؛(14/36)
قَالِ الرَّاجِزُ:
هَلْ تَعْرِف الأَطْلالَ بالحويِّ ... «1» . لم يَبْقَ مِنْ آسِيِّها العامِيِ
غَيرُ رَمادِ الدَّارِ والأُثْفِيِ
وَقَالُوا: كُلُوا فَلَمْ نُؤَسِّ لَكُم، مُشَدَّدٌ، أَي لَمْ نَتَعَمَّدكم بِهَذَا الطَّعَامِ. وَحَكَى بَعْضُهُمْ: فَلَمْ يُؤَسَّ أَي لَمْ تُتَعمَّدوا بِهِ. وآسِيَةُ: امرأَة فِرْعَوْنَ. والآسِي: مَاءٌ بِعَيْنِهِ؛ قَالَ الرَّاعِي:
أَلَمْ يُتْرَكْ نِساءُ بَنِي زُهَيْرٍ، ... عَلَى الآسِي، يُحَلِّقْنَ القُرُونا؟
أشي: أَشى الكلامَ أَشْياً: اخْتَلَقَه. وأَشِيَ إِلَيْهِ أَشْياً: اضْطُرَّ. والأَشَاءُ، بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ: صِغار النَّخْل، وَقِيلَ: النَّخْلُ عامَّةً، وَاحِدَتُهُ أَشَاءَةٌ، وَالْهَمْزَةُ فِيهِ مُنْقَلِبَةٌ مِنَ الْيَاءِ لأَن تَصْغِيرَهَا أُشَيٌّ، وَذَهَبُ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنه مِنْ بَابِ أَجَأَ، وَهُوَ مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه انْطَلَقَ إِلَى البَراز فَقَالَ لِرَجُلٍ كَانَ مَعَهُ ائتِ هاتَيْنِ الأَشَاءَتَيْنِ فقُلْ لَهُمَا حَتَّى تَجْتَمِعَا فَاجْتَمَعَتَا فقَضى حاجتَه
، هُوَ مِنْ ذَلِكَ. وَوَادِي الأَشاءَيْنِ «2» : مَوْضِعٌ؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:
لِتَجْرِ المَنِيَّةُ بَعْدَ امْرِئٍ، ... بِوَادِي أَشَاءَيْنِ، أَذْلالَها
وَوَادِي أُشَيّ وأَشِيّ: مَوْضِعٌ؛ قَالَ زيادُ بنُ حَمْد، وَيُقَالُ زِيَادُ بْنُ مُنْقِدٍ:
يَا حَبَّذا، حِينَ تُمْسي الرِّيحُ بارِدَةً، ... وَادِي أُشَيٍّ وفِتِيانٌ بِهِ هُضُمُ
وَيُقَالُ لَهَا أَيضاً: الأَشاءَة؛ قَالَ أَيضاً فِيهَا:
يَا لَيْتَ شِعْريَ عنْ جَنْبَيْ مُكَشَّحَةٍ، ... وحَيْثُ يُبْنى مِن الحِنَّاءَةِ الأُطُمُ
عَنِ الأَشَاءَة هَلْ زالَتْ مَخارِمُها؟ ... وهَلْ تَغَيَّرَ مِنْ آرامِها إرَمُ؟
وجَنَّةٍ مَا يَذُمُّ الدَّهْرَ حاضِرُها، ... جَبَّارُها بالنَّدى والحَمْلِ مُحْتَزِمُ
وأَورد الْجَوْهَرِيُّ هَذِهِ الأَبيات مستشهداً بها عَلَى أَن تَصْغِيرَ أَشاء أُشَيٌّ، ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ كَانَتِ الْهَمْزَةُ أَصلية لَقَالَ أُشَيْءٌ، وَهُوَ وَادٍ بِالْيَمَامَةِ فِيهِ نَخِيلٌ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: لَامُ أَشَاءَة عِنْدَ سِيبَوَيْهِ هَمْزَةٌ، قَالَ: أَما أُشَيّ فِي هَذَا الْبَيْتِ فَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنه تَصْغِيرُ أَشاء لأَنه اسْمُ مَوْضِعٍ. وَقَدِ ائْتَشَى العَظْمُ إِذَا بَرَأَ مِنْ كَسْرٍ كَانَ بِهِ؛ هَكَذَا أَقرأَه أَبو سَعِيدٍ فِي المصنَّف؛ وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: هَذَا قَوْلُ الأَصمعي، وَرَوَى أَبو عمرو والفراء: انْتَشَى العَظْمُ، بِالنُّونِ. وَإِشَاءٌ: جَبَلٌ؛ قَالَ الرَّاعِي:
وساقَ النِّعاجَ الخُنْسَ بَيْني وبَيْنَها، ... برَعْنِ إِشَاءٍ، كلُّ ذِي جُدَدٍ قَهْد
أصا: الأَصاةُ: الرَّزانة كالحَصاة. وَقَالُوا: مَا لَهُ حَصاةٌ وَلَا أَصاةٌ أَي رأْيٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ. ابْنُ الأَعرابي: أَصى الرجلُ إِذَا عَقَلَ بَعْدَ رُعُونة. وَيُقَالُ: إنَّه لَذُو حَصاةِ وأَصَاةٍ أَي ذُو عَقْلٍ ورأْي؛ قَالَ طَرَفَةُ:
وإنَّ لِسانَ المَرْءِ، مَا لَمْ تَكُنْ لَهُ ... أَصَاةٌ، عَلَى عَوْرَاتِهِ، لَدَلِيلُ
والآصِيَةُ: طَعَامٌ مِثْلُ الحَسا يُصْنَعُ بِالتَّمْرِ؛ قَالَ:
يَا رَبَّنا لَا تُبْقِيَنَّ عاصِيَه، ... فِي كلِّ يَوْمٍ هِيَ لِي مُنَاصِيَه
تُسامِرُ اللَّيلَ وتُضْحي شاصِيَه،
__________
(1) . قوله [بالحوي] هكذا في الأَصل من غير ضبط ولا نقط لما قبل الواو، وفي معجم ياقوت مواضع بالمعجمة والمهملة والجيم (2) . قوله [ووادي الأَشَاءَيْنِ] هكذا ضبط في الأَصل بلفظ التثنية، وتقدم في ترجمة أشر أشائن وهو الذي في القاموس في ترجمة أشا، والذي سبق في ترجمة زهف أَشَائِينَ بزنة الجمع(14/37)
مِثْلُ الهَجِينِ الأَحْمرِ الجُراصِيه، ... والإِثْر والصَّرْب مَعًا كالآصِيَه
عاصِيَةُ: اسْمُ امرأَته، ومُناصِيَة أَي تَجُرُّ نَاصِيَتِي عِنْدَ الْقِتَالِ. والشَّاصِيَةُ: الَّتِي تَرْفَع رِجْلَيْهَا، والجُراصِيَة: العَظيمُ مِنَ الرِّجَالِ، شَبَّهَهَا بالجُراصِيَة لعِظَم خَلْقها، وَقَوْلُهُ: والإِثْرُ والصَّرْب؛ الإِثْرُ: خُلاصة السَّمْن، والصَّرْب: اللَّبَنُ الْحَامِضُ، يُرِيدُ أَنهما مَوْجُودَانِ عِنْدَهَا كالآصِيَة الَّتِي لَا تَخْلو مِنْهَا، وأَراد أَنها مُنَعَّمَة. التَّهْذِيبُ: ابْنُ آصَى طَائِرٌ شِبْهُ الباشَق إِلَّا أَنه أَطول جَنَاحًا وَهُوَ الحِدَأُ، وَيُسَمِّيهِ أَهل الْعِرَاقِ ابْنَ آصَى، وَقَضَى ابنُ سِيدَهْ لِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ أَنها مِنْ مُعْتَلِّ الْيَاءِ، قَالَ: لأَن اللَّامَ يَاءٌ أَكثرُ مِنْهَا وَاوًا.
أضا: الأَضَاةُ: الغَدير. ابْنُ سِيدَهْ: الأَضَاةُ الْمَاءُ المُسْتَنْقِعُ مِنْ سَيْلٍ أَو غَيْرِهِ، وَالْجَمْعُ أَضَوَاتٌ، وأَضاً، مَقْصُورٌ، مِثْلُ قَناةٍ وقَناً، وإِضاءٌ، بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ، وإضُونَ كَمَا يُقَالُ سَنَةٌ وسِنُونَ؛ فأَضاةٌ وأَضاً كحصاةٍ وحَصىً، وأَضَاةٌ وإضَاءٌ كرَحَبَةٍ ورِحاب ورَقَبَةٍ ورِقاب؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ فِي جَمْعِهِ عَلَى إضِينَ للطِّرِمَّاح:
محافِرُها كأَسْرِيَةِ الإِضِينا
وَزَعَمَ أَبو عُبَيْدٍ أَن أَضاً جَمْعُ أَضَاةٍ، وإِضَاء جَمْعُ أَضاً؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا غَيْرُ قَوِيٍّ لأَنه إِنَّمَا يُقْضى عَلَى الشَّيْءِ أَنه جَمْع جمعٍ إِذَا لَمْ يُوجَدُ مِنْ ذَلِكَ بدٌّ، فأَما إِذَا وَجَدْنَا مِنْهُ بُدًّا فَلَا، وَنَحْنُ نَجِدُ الْآنَ مَنْدوحةً مِنْ جَمْعِ الْجَمْعِ، فَإِنَّ نَظِيرَ أَضَاة وإِضَاء مَا قَدَّمناه مِنْ رَقَبة ورِقاب ورَحَبَة ورِحاب فَلَا ضَرُورَةَ بِنَا إِلَى جَمْعِ الْجَمْعِ، وَهَذَا غَيْرُ مصنُوع فِيهِ لأَبي عُبَيْدٍ، إِنَّمَا ذَلِكَ لِسِيبَوَيْهِ والأَخفش؛ وَقَوْلُ النَّابِغَةِ فِي صِفَةِ الدُّرُوعِ:
عُلِينَ بكِدْيَوْن وأُبْطِنَّ كُرَّةً، ... فَهُنَّ إضَاءٌ صافِياتُ الغَلائل
أَراد: مِثْلَ إضَاء كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ؛ أَراد مِثْلَ أُمهاتهم؛ قَالَ: وَقَدْ يَجُوزُ أَن يُرِيدَ فهُنَّ وِضَاء أَي حِسانٌ نِقاءٌ، ثُمَّ أَبدل الْهَمْزَةَ مِنَ الْوَاوِ كَمَا قَالُوا إِسَادٌ فِي وِسَادٍ وَإِشَاحٌ فِي وِشاح وَإِعَاءٌ فِي وِعاء. قَالَ أَبو الْحَسَنِ: هَذَا الَّذِي حَكَيْتُهُ مِنْ حَمْل أَضَاة عَلَى الْوَاوِ بِدَلِيلِ أَضَوات حكايَةُ جَمِيعِ أَهل اللُّغَةِ، وَقَدْ حَمَلَهُ سِيبَوَيْهِ عَلَى الْيَاءِ، قَالَ: وَلَا وَجْهَ لَهُ عِنْدِي البَتَّة لِقَوْلِهِمْ أَضَوات وَعَدَمِ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنه مِنَ الْيَاءِ، قَالَ: وَالَّذِي أُوَجِّه كَلَامَهُ عَلَيْهِ أَن تَكُونَ أَضَاة فَلْعة مِنْ قَوْلِهِمْ آضَ يَئِيضُ، عَلَى الْقَلْبِ، لأَن بَعْضَ الغَدير يَرْجِعُ إِلَى بَعْضٍ وَلَا سِيَّمَا إِذَا صَفَّقَته الرِّيحُ، وَهَذَا كَمَا سُمِّيَ رَجْعاً لتراجُعه عِنْدَ اصْطِفَاقِ الرِّيَاحِ؛ وَقَوْلُ أَبي النَّجْمِ:
وَرَدْتُه ببازِلٍ نَهَّاضِ، ... وِرْدَ القَطا مَطائطَ الإِياضِ
إِنَّمَا قَلَبَ أَضاة قَبْلَ الْجَمْعِ، ثُمَّ جَمَعَه عَلَى فِعال، وَقَالُوا: أَراد الإِضاء وَهُوَ الغُدْران فقَلَب. التَّهْذِيبُ: الأَضاة غَدير صَغِيرٌ، وَهُوَ مَسِيلُ الْمَاءِ «3» . إِلَى الغَدير المتصلُ بالغَدير، وَثَلَاثُ أَضَواتٍ. وَيُقَالُ: أَضَيَات مِثْلُ حَصَيات. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: لَامُ أَضَاة وَاوٌ، وَحَكَى ابْنُ جِنِّي فِي جَمْعِهَا أَضَوَات، وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن جِبْرِيلَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَتى النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، عِنْدَ أَضَاة بَنِي غِفارٍ
؛ الأَضَاة، بِوَزْنِ الحَصاة: الغَدير، وَجَمْعُهَا أَضاً وإِضَاء كأَكَم وإكام.
أغي: جَاءَ مِنْهُ أَغْيٌ فِي قَوْلِ حَيَّان بْنِ جُلْبة الْمُحَارِبِيِّ:
فسارُوا بغَيْثٍ فِيهِ أَغْيٌ فَغُرَّبٌ، ... فَذُو بَقَرٍ فشَابَةٌ فالذَّرائِحُ
__________
(3) . قوله [وهو مسيل الماء إلخ] عبارة التهذيب: وهو مسيل الماء المتصل بالغدير(14/38)
قَالَ أَبو عَلِيٍّ فِي التَّذْكِرة: أَغْيٌ ضَرْبٌ مِنَ النَّبَاتِ؛ قَالَ أَبو زَيْدٍ: وَجَمَعُهُ أَغْيَاء، قَالَ أَبو عَلِيٍّ: وَذَلِكَ غَلَطٌ إِلَّا أَن يَكُونَ مَقْلُوبَ الْفَاءِ إِلَى موضع اللام.
أفا: النَّضْرُ: الأَفَى القِطَعُ مِنَ الغَيْم وَهِيَ الفِرَق يَجِئْنَ قِطَعاً كَمَا هِيَ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: الْوَاحِدَةُ أَفَاةٌ، وَيُقَالُ هَفاة أَيضاً. أَبو زَيْدٍ: الهَفاة وَجَمْعُهَا الهَفا نحوٌ مِنَ الرِّهْمة، المَطَرِ الضَّعِيفِ. الْعَنْبَرِيُّ: أَفاً وأَفَاةٌ، النَّضْرُ: هِيَ الهَفاة والأَفَاة.
أقا: الإِقاةُ: شَجَرَةٌ؛ قَالَ؛ وَعَسَى «1» . أَنْ يَكُونَ لَهُ وَجْهٌ آخَرُ مِنَ التَّصْرِيفِ لَا نَعْلَمُهُ. الأَزهري: الإِقَاء شَجَرَةٌ؛ قَالَ اللَّيْثُ: وَلَا أَعرفه. ابْنُ الأَعرابي: قَأَى: إِذَا أَقرَّ لِخَصْمِهِ بِحَقّ وذَلَّ، وأَقَى إِذَا كَرِه الطعامَ وَالشَّرَابَ لِعِلَّة، وَاللَّهُ أَعلم.
أكا: ابْنُ الأَعرابي: أَكَى إِذَا اسْتَوثَق مِنْ غَرِيمه بِالشُّهُودِ. النِّهَايَةُ: وَفِي الْحَدِيثِ
لَا تَشرَبوا إلَّا مِنْ ذي إِكَاء
؛ الإِكاءُ والوِكاءُ: شِدادُ السِّقاء.
ألا: أَلا يَأْلُو أَلْواً وأُلُوّاً وأُلِيّاً وإِلِيّاً وأَلَّى يُؤَلِّي تَأْلِيَةً وأْتَلَى: قَصَّر وأَبطأَ؛ قَالَ:
وإنَّ كَنائِني لَنِساءُ صِدْقٍ، ... فَما أَلَّى بَنِيَّ ولا أَساؤوا
وَقَالَ الْجَعْدِيُّ:
وأَشْمَطَ عُرْيانٍ يُشَدُّ كِتافُه، ... يُلامُ عَلَى جَهْدِ القِتالِ وَمَا ائْتَلَى
أَبو عَمْرٍو: يُقَالُ هُو مُؤَلٍّ أَيْ مُقَصِّر؛ قَالَ:
مُؤَلّ فِي زِيارَتها مُلِيم
وَيُقَالُ لِلْكَلْبِ إِذَا قَصَّر عَنْ صَيْدِهِ: أَلَّى، وكذلك البازِي؛ وقال الرَّاجِزُ:
جَاءَتْ بِهِ مُرَمَّداً مَا مُلَّا، ... مَا نِيَّ آلٍ خَمَّ حِينَ أَلَّا
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ ثَعْلَبٌ فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ الزَّجَّاجِيُّ فِي أَماليه سأَلني بَعْضُ أَصحابنا عَنْ هَذَا الْبَيْتِ فَلَمْ أَدْرِ مَا أَقول، فصِرْت إِلَى ابْنِ الأَعرابي ففَسَّره لِي فَقَالَ: هَذَا يَصِفُ قُرْصاً خَبَزته امرأَته فَلَمْ تُنْضِجه، فَقَالَ جَاءَتْ بِهِ مُرَمَّداً أَي مُلَوَّثاً بِالرَّمَادِ، مَا مُلَّ أَي لَمْ يُمَلَّ فِي الجَمْر وَالرَّمَادِ الْحَارِّ، وَقَوْلُهُ: مَا نِيَّ، قَالَ: مَا زَائِدَةٌ كأَنه قَالَ نِيَّ الآلِ، والآلُ: وَجْهُه، يَعْنِي وَجْهَ القُرْصِ، وَقَوْلُهُ: خَمَّ أَي تَغَيَّر، حِينَ أَلَّى أَي أَبطأَ فِي النُّضْج؛ وَقَوْلُ طُفَيل:
فَنَحْنُ مَنَعْنا يَوْمَ حَرْسٍ نِساءَكم، ... غَدَاةَ دَعانا عامِرٌ غَيْرَ مُعْتَلِي
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: إِنَّمَا أَراد غَيْرَ مُؤْتَلي، فأَبدل الْعَيْنَ مِنَ الْهَمْزَةِ؛ وَقَوْلُ أَبي سَهْو الهُذلي:
القَوْمُ أَعْلَمُ لَو ثَقِفْنا مالِكاً ... لاصْطافَ نِسْوَتُه، وهنَّ أَوَالِي
أَراد: لأَقَمْنَ صَيْفَهُنَّ مُقَصِّرات لَا يَجْهَدْنَ كلَّ الجَهْدِ فِي الْحُزْنِ عَلَيْهِ لِيَأْسِهِنَّ عَنْهُ. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ عَنِ الْكِسَائِيِّ: أقْبَل يَضْرِبُهُ لَا يَأْلُ، مَضْمُومَةَ اللَّامِ دُونَ وَاوٍ، وَنَظِيرُهُ مَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ مِنْ قَوْلِهِمْ: لَا أَدْرِ، وَالِاسْمُ الأَلِيَّة؛ وَمِنْهُ الْمَثَلُ: إلَّا حَظِيَّه فَلَا أَلِيَّه؛ أَي إِنْ لَمْ أَحْظَ فَلَا أَزالُ أَطلب ذَلِكَ وأَتَعَمَّلُ لَهُ وأُجْهِد نَفْسي فِيهِ، وأَصله فِي المرأَة تَصْلَف عِنْدَ زَوْجِهَا، تَقُولُ: إِنْ أَخْطَأَتْك الحُظْوة فِيمَا تَطْلُبُ فَلَا تَأْلُ أَن تَتَودَّدَ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّكَ تُدْرِكُ بَعْضَ مَا تُرِيدُ. وَمَا أَلَوْتُ ذَلِكَ أَي مَا استطعته.
__________
(1) . قوله [شجرة قال وعسى إلخ] هكذا في الأَصل(14/39)
وَمَا أَلَوْتُ أَن أَفعله أَلْواً وو أُلُوّاً أَي مَا تركْت. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: أَتاني فُلَانٌ فِي حَاجَةٍ فَمَا أَلَوْتُ رَدَّه أَي مَا اسْتَطَعْتُ، وأَتاني فِي حَاجَةٍ فأَلَوْت فِيهَا أَي اجْتَهَدْتُ. قَالَ أَبو حَاتِمٍ: قَالَ الأَصمعي يُقَالُ مَا أَلَوْت جَهْداً أَي لَمْ أَدَع جَهْداً، قَالَ: وَالْعَامَّةُ تَقُولُ مَا آلُوكَ جَهْداً، وهو خطأ. ويقال أَيضاً: مَا أَلَوْته أَي لَمْ أَسْتَطِعْه وَلَمْ أُطِقْه. ابْنُ الأَعرابي فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: لَا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا
؛ أَي لَا يُقَصِّرون فِي فَسَادِكُمْ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَا مِنْ وَالٍ إلَّا وَلَهُ بِطانَتانِ: بِطانةٌ تأْمره بِالْمَعْرُوفِ وتَنْهاه عَنِ المُنْكَر، وبِطانةٌ لَا تَأْلُوه خَبالًا
، أَي لَا تُقَصِّر فِي إِفْسَادِ حَالِهِ. وَفِي حَدِيثِ زَوَاجِ عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ:
قَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لفاطمة، عليها السَّلَامُ: مَا يُبْكِيكِ فَمَا أَلَوْتُكِ ونَفْسِي وَقَدْ أَصَبْتُ لكِ خَيرَ أَهْلي
أَي مَا قَصَّرْت فِي أَمرك وأَمري حَيْثُ اخترتُ لكِ عَلِيّاً زَوْجًا. وَفُلَانٌ لَا يَأْلُو خَيْرًا أَي لَا يَدَعُه وَلَا يَزَالُ يَفْعَلُهُ. وَفِي حَدِيثِ
الْحَسَنِ: أُغَيْلِمَةٌ حَيَارَى تَفاقَدُوا مَا يَأْلَ لَهُمْ «1» . أَن يَفْقَهوا.
يُقَالُ: يَالَ لَهُ أَن يَفْعَلَ كَذَا يَوْلًا وأَيالَ لَهُ إِيَالَةً أَي آنَ لَهُ وانْبَغَى. وَمِثْلُهُ قَوْلُهُمْ: نَوْلُك أَن تَفْعَلَ كَذَا ونَوالُكَ أَن تَفْعَله أَي انْبَغَى لَكَ. أَبو الْهَيْثَمِ: الأَلْوُ مِنَ الأَضداد، يُقَالُ أَلا يَأْلُو إِذَا فَتَرَ وضَعُف، وَكَذَلِكَ أَلَّى وأْتَلَى. قَالَ: وأَلا وأَلَّى وتَأَلَّى إِذَا اجْتَهَدَ؛ وأَنشد:
ونحْنُ جِياعٌ أَيَّ أَلْوٍ تَأَلَّتِ
مَعْنَاهُ أَيَّ جَهْدٍ جَهَدَتْ. أَبو عُبَيْدٍ عَنْ أَبي عَمْرٍو: أَلَّيْتُ أَي أَبْطأْت؛ قَالَ: وسأَلني الْقَاسِمُ بْنُ مَعْن عَنْ بَيْتِ الرَّبِيعِ بْنِ ضَبُع الفَزارِي:
وَمَا أَلَّى بَنِيّ وما أَساؤوا
فقلت: أَبطؤوا، فَقَالَ: مَا تَدَعُ شَيْئًا، وَهُوَ فَعَّلْت مَنْ أَلَوْت أَي أَبْطأْت؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: هُوَ مِنَ الأُلُوِّ وَهُوَ التَّقْصِيرُ؛ وأَنشد ابْنُ جِنِّي فِي أَلَوْت بِمَعْنَى اسْتَطَعْتُ لأَبي العِيال الهُذَلي:
جَهْراء لَا تَأْلُو، إِذَا هِيَ أَظْهَرَتْ ... بَصَراً، وَلَا مِنْ عَيْلةٍ تُغْنِيني
أَي لَا تُطِيق. يُقَالُ: هُوَ يَأْلُو هَذَا الأَمر أَي يُطِيقه ويَقْوَى عَلَيْهِ. وَيُقَالُ: إِنِّي لَا آلُوكَ نُصْحاً أَي لَا أَفْتُر وَلَا أُقَصِّر. الجوهري: فُلَانٌ لَا يَأْلُوك نصْحاً فَهُوَ آلٍ، والمرأَة آلِيَةٌ، وَجَمْعُهَا أَوَالٍ. والأُلْوَة والأَلْوَة والإِلْوَة والأَلِيَّة عَلَى فعِيلة والأَلِيَّا، كلُّه: الْيَمِينُ، وَالْجَمْعُ أَلايَا؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
قَلِيلُ الأَلايَا حافظٌ لِيَمينِه، ... وإنْ سَبَقَتْ مِنْهُ الأَلِيَّةُ بَرَّتِ
وَرَوَاهُ ابْنُ خَالَوَيْهِ: قَلِيلُ الإِلاء، يُرِيدُ الإِيلاءَ فَحَذَفَ الْيَاءَ، وَالْفِعْلُ آلَى يُؤْلي إِيلَاءً: حَلَفَ، وتأَلَّى يَتأَلَّى تأَلِّياً وأْتَلَى يَأْتَلِي ائْتِلاءً. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ
«2» ؛ وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: لَا يَأْتَلِ هُوَ مِنْ أَلَوْتُ أَي قَصَّرْت؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الائْتِلاءُ الحَلِفُ،
وقرأَ بَعْضُ أَهل الْمَدِينَةِ: وَلَا يَتَأَلَ
، وَهِيَ مُخَالَفَةٌ لِلْكِتَابِ مِنْ تَأَلَّيْت، وَذَلِكَ أَن أَبا بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حَلَف أَن لَا يُنْفِقَ عَلَى مِسْطَح بْنِ أُثَاثَةَ وَقَرَابَتِهِ الَّذِينَ ذَكَرُوا عَائِشَةَ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهَا، فأَنزل اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ، وَعَادَ أَبو بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِلَى الإِنفاق عَلَيْهِمْ. وَقَدْ تَأَلَّيْتُ وأْتَلَيْت وآلَيْتُ عَلَى الشَّيْءِ وآلَيْتُه، عَلَى حَذْفِ الْحَرْفِ: أَقْسَمْت. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَنْ يَتَأَلَّ على الله
__________
(1) . قوله [ما يأل لهم إلى قوله وأيال له إيالة] كذا في الأَصل وفي ترجمة يأل من النهاية
(2) . الآية(14/40)
يُكْذِبْه
؛ أَي مَن حَكَم عليه وخَلَف كَقَوْلِكَ: وَاللَّهِ لَيُدْخِلَنَّ اللَّهُ فُلَانًا النارَ، ويُنْجِحَنَّ اللهُ سَعْيَ فُلَانٍ. وَفِي الْحَدِيثِ:
وَيْلٌ للمُتَأَلِّينَ مِنْ أُمَّتي
؛ يَعْنِي الَّذِينَ يَحْكُمون عَلَى اللَّهِ وَيَقُولُونَ فُلَانٌ فِي الْجَنَّةِ وَفُلَانٌ فِي النَّارِ؛ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ:
مَنِ المُتَأَلِّي عَلَى اللَّهِ.
وَفِي حَدِيثِ
أَنس بْنِ مَالِكٍ: أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، آلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا
أَي حَلَفَ لَا يدْخُل عَلَيْهِنَّ، وَإِنَّمَا عَدَّاهُ بِمِن حَمْلًا عَلَى الْمَعْنَى، وَهُوَ الِامْتِنَاعُ مِنَ الدُّخُولِ، وَهُوَ يَتَعَدَّى بِمِنْ، وللإِيلاء فِي الْفِقْهِ أَحكام تَخُصُّهُ لَا يُسَمَّى إِيلَاءً دُونَهَا. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السلام: لَيْسَ فِي الإِصلاح إيلاءٌ
أَي أَن الإِيلاء إِنَّمَا يَكُونُ فِي الضِّرار وَالْغَضَبِ لَا فِي النَّفْعِ وَالرِّضَا. وَفِي حَدِيثِ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ:
لَا دَرَيْتَ وَلَا ائْتَلَيْتَ
، وَالْمُحَدِّثُونَ يَرْوُونَهُ:
لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَيْتَ
، وَالصَّوَابُ الأَول. ابن سيدة: وقالوا لَا دَرَيْتَ وَلَا ائْتَلَيتَ، عَلَى افْتعَلْتَ، مِنْ قَوْلِكَ مَا أَلَوْتُ هَذَا أَي مَا اسْتَطَعْتُهُ أَي وَلَا اسْتَطَعْتَ. وَيُقَالُ: أَلَوْته وأْتَلَيْتُه وأَلَّيْتُه بِمَعْنَى اسْتَطَعْتُهُ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثِ:
مَنْ صامَ الدَّهْرَ لَا صَامَ وَلَا أَلَّى
أَي وَلَا اسْتَطَاعَ الصِّيَامَ، وَهُوَ فَعَّلَ مِنْهُ كأَنه دَعا عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ إِخْبَارًا أَي لَمْ يَصُمْ وَلَمْ يُقَصِّر، مِنْ أَلَوْت إِذَا قَصَّرت. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: رَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ فِرَاسٍ وَلَا آلَ بِوَزْنِ عالَ، وَفُسِّرَ بِمَعْنَى وَلَا رجَع، قَالَ: والصوابُ أَلَّى مُشَدَّدًا وَمُخَفَّفًا. يُقَالُ: أَلا الرجلُ وأَلَّى إِذَا قَصَّر وَتَرَكَ الجُهْد. وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ الأَعرابي: الأَلْوُ الِاسْتِطَاعَةُ وَالتَّقْصِيرُ والجُهْدُ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُهُ تعالى: وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ
؛ أَي لَا يُقَصِّر فِي إِئْتَاءِ أُولي الْقُرْبَى، وَقِيلَ: وَلَا يَحْلِفُ لأَن الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي حَلِفِ أَبي بَكْرٍ أَن لا يُنْفِقَ على مِسْطَح، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ لَا دَرَيْت وَلَا ائْتَلَيْت: كأَنه قَالَ لَا دَرَيْت وَلَا اسْتَطَعْتَ أَن تَدْري؛ وأَنشد:
فَمَنْ يَبتَغي مَسْعاةَ قَوْمِي فَلْيَرُمْ ... صُعوداً إِلَى الجَوْزاء، هَلْ هُوَ مُؤْتَلي
قَالَ الفراء: ائْتَلَيْت افْتَعَلْتُ مِنْ أَلَوْت أَيْ قَصَّرت. وَيَقُولُ: لَا دَرَيْت وَلَا قَصَّرت فِي الطَّلَبِ لِيَكُونَ أَشقى لَكَ؛ وأَنشد «1» :
وَمَا المرْءُ، مَا دَامَتْ حُشاشَةُ نَفْسِهِ، ... بمُدْرِك أَطرافِ الخُطُوب وَلَا آلِي
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: وَلَا أَلَيْت، إِتْبَاعٌ لَدَرَيْت، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: وَلَا أَتْلَيْت أَي لَا أَتْلَتْ إبلُك. ابْنُ الأَعرابي: الأَلْوُ التَّقْصِيرُ، والأَلْوُ الْمَنْعُ، والأَلْوُ الِاجْتِهَادُ، والأَلْوُ الِاسْتِطَاعَةُ، والأَلْو العَطِيَّة؛ وأَنشد:
أَخالِدُ، لَا آلُوكَ إلَّا مُهَنَّداً، ... وجِلْدَ أَبي عِجْلٍ وَثيقَ القَبائل
أَي لَا أُعطيك إِلَّا سَيْفًا وتُرْساً مِنْ جِلْدِ ثَوْرٍ، وَقِيلَ لأَعرابي وَمَعَهُ بَعِيرٌ: أَنِخْه، فَقَالَ: لَا آلُوه. وأَلاه يَأْلُوه أَلْواً: اسْتَطَاعَهُ؛ قَالَ العَرْجي:
خُطُوطاً إِلَى اللَّذَّات أَجْرَرْتُ مِقْوَدي، ... كإجْرارِك الحَبْلَ الجَوادَ المُحَلِّلا
إِذَا قادَهُ السُّوَّاسُ لَا يَمْلِكُونه، ... وكانَ الَّذِي يَأْلُونَ قَوْلًا لَهُ: هَلا
أَي يَسْتَطِيعُونَ. وَقَدْ ذَكَرَ فِي الأَفعال أَلَوْتُ أَلْواً. والأَلُوَّةُ: الغَلْوَة والسَّبْقة. والأَلُوَّة والأُلُوَّة، بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّهَا وَالتَّشْدِيدِ، لُغَتَانِ: العُودُ الَّذِي يُتَبَخَّر بِهِ، فَارِسِيٌّ معرَّبٌ، وَالْجَمْعُ أَلاوِيَة،
__________
(1) . إمرؤ القيس(14/41)
دَخَلَتِ الْهَاءُ للإِشعار بِالْعُجْمَةِ؛ أُنشد اللِّحْيَانِيُّ:
بِساقَيْنِ ساقَيْ ذِي قِضِين تَحُشُّها [تَحِشُّها] ... بأَعْوادِ رَنْدٍ أَو أَلاوِيَةً شُقْرا «1»
. ذُو قِضين: مَوْضِعٌ. وَسَاقَاهَا جَبَلاها. وَفِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم، فِي صِفَةِ أَهل الْجَنَّةِ: ومَجامِرُهم الأَلُوَّة غَيْرَ مُطَرَّاة
؛ قَالَ الأَصمعي: هُوَ العُود الَّذِي يُتَبَخَّر بِهِ، قَالَ وأُراها كَلِمَةً فَارِسِيَّةً عُرِّبت. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ: أَنه كَانَ يَسْتَجمر بالأَلُوَّة غيرَ مُطَرَّاة.
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: الأَلُوَّة الْعُودُ، وَلَيْسَتْ بِعَرَبِيَّةٍ وَلَا فَارِسِيَّةٍ، قَالَ: وأُراها هِنْدِيَّةً. وَحُكِيَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ قَالَ: يُقَالُ لِضَرْبٍ مِنَ العُود أَلُوَّة وأُلُوَّةٌ ولِيَّة ولُوَّة، وَيُجْمَعُ أَلُوَّةٌ أَلاوِيَةً؛ قَالَ حَسَّانُ:
أَلا دَفَنْتُم رسولَ اللهِ فِي سَفَطٍ، ... مِنَ الأَلُوَّة والكافُورِ، مَنْضُودِ
وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:
فجاءتْ بِكافورٍ وعُود أَلُوَّةٍ ... شَآمِيَة، تُذْكى عَلَيْهَا المَجامِرُ
ومَرَّ أَعرابي بِالنَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُدْفَن فَقَالَ:
أَلا جَعَلْتُم رسولَ اللهِ فِي سَفَطٍ، ... مِنَ الأَلُوَّةِ، أَحْوى مُلْبَساً ذَهَبا
وَشَاهِدُ لِيَّة فِي قَوْلِ الرَّاجِزِ:
لَا يَصْطَلي لَيْلَةَ رِيح صَرْصَرٍ ... إلَّا بِعُود لِيَّةٍ، أَو مِجْمَر
وَلَا آتِيكَ أَلْوَة أَبي هُبَيْرة؛ أَبو هُبَيْرَة هَذَا: هُوَ سَعْدُ بْنُ زَيْدِ مَناة بْنِ تَمِيمٍ، وَقَالَ ثَعْلَبٌ: لَا آتِيكَ أَلْوَةَ بنَ هُبيرة؛ نَصبَ أَلْوَة نَصْبَ الظُّرُوفِ، وَهَذَا مِنِ اتِّسَاعِهِمْ لأَنهم أَقاموا اسْمَ الرَّجُلِ مُقام الدَّهر. والأَلْيَة، بِالْفَتْحِ: العَجِيزة لِلنَّاسِ وَغَيْرِهِمْ، أَلْيَة الشَّاةِ وأَلْيَة الإِنسان وَهِيَ أَلْيَة النَّعْجَةِ، مَفْتُوحَةُ الأَلف، وَفِي حَدِيثٍ:
كَانُوا يَجْتَبُّون أَلَيَاتِ الغَنَم أَحياءً
؛ جَمْعُ أَلْية وَهِيَ طَرَف الشَّاةِ، والجَبُّ الْقَطْعُ، وَقِيلَ: هُوَ مَا رَكِبَ العَجُزَ مِنَ اللَّحْمِ وَالشَّحْمِ، وَالْجَمْعُ أَلَيات وأَلايا؛ الأَخيرة عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: إنَّه لذُو أَلَياتٍ، كأَنه جَعَلَ كُلَّ جُزْءٍ أَلْيةً ثُمَّ جَمَعَ عَلَى هَذَا، وَلَا تَقُلْ لِيَّة وَلَا إلْية فَإِنَّهُمَا خطأٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا تقومُ الساعةُ حَتَّى تَضْطرِبَ أَلَيَاتُ نِساء دَوْسٍ عَلَى ذِي الخَلَصة
؛ ذُو الخَلَصَة: بيتٌ كَانَ فِيهِ صَنَمٌ لدَوْسٍ يُسَمَّى الخَلَصة، أَراد: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَرْجِعَ دَوْسٌ عَنِ الإِسلام فَتَطُوفَ نِسَاؤُهُمْ بِذِي الخَلَصة وتَضْطَرِبَ أَعجازُهُنَّ فِي طَوَافِهِنَّ كَمَا كُنَّ يَفْعَلْنَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. وكَبْشٌ أَلَيان، بِالتَّحْرِيكِ، وأَلْيَان وأَلىً وآلٍ وكباشٌ ونِعاجٌ أُلْيٌ مِثْلُ عُمْي، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وكِباش أَلْيَانَات، وَقَالُوا فِي جَمْعِ آلٍ أُلْيٌ، فَإِمَّا أَن يَكُونَ جُمِع عَلَى أَصله الْغَالِبِ عَلَيْهِ لأَن هَذَا الضَّرْبَ يأْتي عَلَى أَفْعَل كأَعْجَز وأَسْته فَجَمَعُوا فَاعِلًا عَلَى فُعْلٍ لِيُعْلَمَ أَن الْمُرَادَ بِهِ أَفْعَل، وَإِمَّا أَن يَكُونَ جُمِع نَفْسُ آلٍ لَا يُذْهَب بِهِ إِلَى الدَّلَالَةِ عَلَى آلَى، وَلَكِنَّهُ يَكُونُ كبازِلٍ وبُزْلٍ وعائذٍ وعُوذٍ. وَنَعْجَةٌ أَلْيَانَةٌ وأَلْيا، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ والمرأَة مِنْ رِجالٍ أُلْيٍ وَنِسَاءٍ أُلْيٍ وأَلْيَانَات وأَلاءٍ؛ قَالَ أَبو إِسْحَاقَ: رَجُلٌ آلٍ وامرأَة عَجزاء وَلَا يُقَالُ أَلْياءُ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وبعضهم يقوله؛
__________
(1) . قوله [أو أَلاوِيَة شقرا] كذا في الأَصل مضبوطاً بالنصب ورسم ألف بعد شقر وضم شينها، وكذا في ترجمة قضى من التهذيب وفي شرح القاموس(14/42)
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ غَلِطَ أَبو عُبَيْدٍ فِي ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الَّذِي يَقُولُ المرأَة أَلْيَاء هُوَ الْيَزِيدِيُّ؛ حَكَاهُ عَنْهُ أَبو عُبَيْدٍ فِي نُعُوتِ خَلْق الإِنسان. الْجَوْهَرِيُّ: وَرَجُلٌ آلَى أَي عَظِيمُ الأَلْيَة. وَقَدْ أَلِيَ الرجلُ، بِالْكَسْرِ، يَأْلَى أَلىً. قَالَ أَبو زَيْدٍ: هُمَا أَلْيَانِ للأَلْيَتَيْن فإِذا أَفردت الْوَاحِدَةَ قُلْتَ أَلْيَة؛ وأَنشد:
كأَنَّما عَطِيَّةُ بنُ كَعْبِ ... ظَعِينةٌ واقِفَةٌ فِي رَكْبِ،
تَرْتَجُّ أَلْيَاهُ ارْتِجاجَ الوَطْبِ
وَكَذَلِكَ هُمَا خُصْيانِ، الْوَاحِدَةُ خُصْيَة. وَبَائِعُهُ أَلَّاء، عَلَى فَعَّال. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَدْ جَاءَ أَلْيَتان؛ قَالَ عَنْتَرَةُ:
مَتَى مَا تَلْقَني فَرْدَيْنِ تَرْجُفْ ... رَوانِفُ أَلْيَتَيْك وتُسْتَطارا
واللِّيَّة، بِغَيْرِ هَمْزٍ، لَهَا مَعنيان؛ قَالَ ابْنُ الأَعرابي: اللِّيَّة قَرَابَةُ الرَّجُلِ وَخَاصَّتُهُ؛ وأَنشد:
فَمَنْ يَعْصِبْ بِلِيَّتهِ اغْتِراراً، ... فإِنَّك قَدْ مَلأْتَ يَداً وشامَا
يَعْصِبْ: يَلْوِي مِنْ عَصَبَ الشَّيْءَ، وأَراد بِالْيَدِ اليَمَن؛ يقول: مَنْ أَعْطى أَهل قَرَابَتِهِ أَحياناً خُصُوصًا فإِنك تُعْطِي أَهل اليَمَن وَالشَّامِ. واللِّيَّة أَيضاً: الْعُودُ الَّذِي يُسْتَجْمَر بِهِ وَهِيَ الأَلُوَّة. وَيُقَالُ: لأَى إِذا أَبطأَ، وأَلَا إِذا تَكَبَّر؛ قَالَ الأَزهري: أَلَا إِذا تَكبَّر حَرْفٌ غَرِيبٌ لَمْ أَسمعه لِغَيْرِ ابن الأَعرابي، وقال أَيضاً: الأَلِيُّ الرَّجُلُ الْكَثِيرُ الأَيْمان. وأَلْيَة الْحَافِرِ: مُؤخَّره. وأَلْيَة القَدَم: مَا وقَع عَلَيْهِ الوَطءُ مِنَ البَخَصَة الَّتِي تَحْتَ الخِنْصَر. وأَلْيَةُ الإِبهام: ضَرَّتُها وَهِيَ اللَّحْمة الَّتِي فِي أَصلها، والضرَّة الَّتِي تُقَابِلُهَا. وَفِي الْحَدِيثِ:
فَتَفَلَ فِي عَيْنِ عليٍّ ومسَحَها بأَلْيَة إِبْهامه
؛ أَلْيَة الإِبهام: أَصلُها، وأَصلُ الخِنْصَر الضَّرَّة. وَفِي حَدِيثِ
البَراء: السُّجود عَلَى أَلْيَتَي الكَفِ
؛ أَراد أَلْية الإِبهام وضَرَّة الخِنْصر، فَغَلَّب كالعُمَرَيْن والقَمَرَيْن. وأَلْيَةُ الساقِ: حَماتُها؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَذَا قَوْلُ الْفَارِسِيِّ. اللَّيْثُ: أَلْيَة الخِنْصَر اللَّحْمة الَّتِي تَحْتَهَا، وَهِيَ أَلْية الْيَدِ، وأَلْيَة الكَفِّ هِيَ اللَّحْمة الَّتِي فِي أَصل الإِبهام، وَفِيهَا الضَّرَّة وهي اللَّحْمة التي في الخِنْصَر إِلى الكُرْسُوع، وَالْجَمْعُ الضَّرائر. والأَلْيَة: الشَّحْمَةُ. وَرَجُلٌ أَلَّاءٌ: يَبِيعُ الأَلْيَة، يَعْنِي الشَّحْم. والأَلْيَة: المَجاعة؛ عَنْ كُرَاعٍ. التَّهْذِيبُ: فِي البَقَرة الْوَحْشِيَّةِ لآةٌ وأَلاةٌ بِوَزْنِ لَعاة وعَلاة. ابْنُ الأَعرابي: الإِلْيَة، بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، القِبَلُ. وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ:
لَا يُقام الرجلُ مِنْ مَجْلِسه حَتَّى يَقُومَ مِنْ إِلْيَة نَفْسِهِ
أَي مِنْ قِبَل نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَن يُزْعَج أَو يُقام، وَهَمْزَتُهَا مَكْسُورَةٌ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَقَالَ غَيْرُهُ قَامَ فُلَانٌ مِنْ ذِي إِلْيَةٍ أَي مِنْ تِلْقاء نَفْسِهِ. وَرُوِيَ
عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنه كَانَ يَقُومُ لَهُ الرجلُ مِنْ لِيَةِ نَفْسِهِ
، بِلَا أَلف؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: كأَنه اسْمٌ مِنْ وَلِيَ يَلي مِثْلَ الشِّية مِنْ وَشَى يَشِي، وَمَنْ قَالَ إِلْيَة فأَصلها وِلْية، فَقُلِبَتِ الْوَاوُ هَمْزَةً؛ وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ:
كَانَ يَقُومُ لَهُ الرَّجُلُ مِنْ إِلْيَتِه فَمَا يَجْلِس فِي مَجْلِسِهِ.
وَالْآلَاءُ: النِّعَمُ وَاحِدُهَا أَلىً، بِالْفَتْحِ، وإِلْيٌ وإِلىً؛ وقال الْجَوْهَرِيُّ: قَدْ تُكْسَرُ وَتُكْتَبُ بِالْيَاءِ مِثَالَ مِعىً وأَمْعاء؛ وَقَوْلُ الأَعشى:
أَبْيض لَا يَرْهَبُ الهُزالَ، وَلَا ... يَقْطَع رِحْماً، وَلَا يَخُونُ إِلا
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: يَجُوزُ أَن يَكُونَ إِلا هُنَا وَاحِدَ آلَاءِ(14/43)
اللهِ، ويخُون: يَكْفُر، مُخفَّفاً مِنَ الإِلِّ «2» . الَّذِي هُوَ العَهْد. وَفِي الْحَدِيثِ:
تَفَكَّروا فِي آلَاءِ اللَّهِ وَلَا تَتَفَّكروا فِي اللَّهِ.
وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: حَتَّى أَوْرَى قَبَساً لقابِسِ آلَاءِ اللَّهِ
؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
هُمُ الملوكُ وأَبْناءُ المُلُوكِ، لَهُمْ ... فَضْلٌ عَلَى النَّاسِ فِي الْآلَاءِ والنِّعَم
قَالَ ابْنُ الأَنباري: إِلا كان في الأَصل وِلَا، وأَلا كَانَ فِي الأَصل وَلَا. والأَلاء، بِالْفَتْحِ: شَجَر حَسَنُ المَنْظَر مُرُّ الطَّعْم؛ قَالَ بِشْرُ بْنُ أَبي خَازِمٍ:
فإِنَّكُمُ ومَدْحَكُمُ بُجَيراً ... أَبا لَجَأٍ كَمَا امْتُدِح الأَلاءُ
وأرْضٌ مَأْلَأَةٌ كَثِيرَةُ الأَلاء. والأَلاء: شَجَرٌ مِنْ شَجَرِ الرَّمْلِ دَائِمُ الْخُضْرَةِ أَبداً يُؤْكَلُ مَا دَامَ رَطْباً فإِذا عَسا امْتَنَع ودُبغ بِهِ، وَاحِدَتُهُ أَلاءة؛ حَكَى ذَلِكَ أَبو حَنِيفَةَ، قَالَ: وَيُجْمَعُ أَيضاً أَلاءَات، وَرُبَّمَا قُصِر الأَلَا؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
يَخْضَرُّ مَا اخضَرَّ الأَلا والآسُ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي أَنه إِنما قَصَرَ ضَرُورَةً. وَقَدْ تَكُونُ الأَلاءَات جَمْعًا، حَكَاهُ أَبو حَنِيفَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْهَمْزِ. وسِقاءٌ مَأْلِيٌّ ومَأْلُوٌّ: دُبِغ بالأَلاء؛ عَنْهُ أَيضاً. وإِلْيَاءُ: مدينة بين الْمَقْدِسِ. وإِلِيَّا: اسْمُ رَجُلٍ. والمِئلاة، بِالْهَمْزِ، عَلَى وَزْنِ المِعْلاة «3» : خِرْقَة تُمْسِكها المرأَة عِنْدَ النَّوح، وَالْجَمْعُ المَآلِي. وَفِي حَدِيثِ
عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: إِني وَاللَّهِ مَا تَأَبَّطَتْني الإِماء وَلَا حَمَلَتني البَغايا فِي غُبَّرات المَآلِي
؛ المَآلِي: جَمْعُ مِئْلاة بِوَزْنِ سِعْلاة، وَهِيَ هَاهُنَا خِرْقَةُ الْحَائِضِ أَيضاً «4» . يُقَالُ: آلَتِ المرأَةُ إِيلاءً إِذا اتَّخَذَتْ مِئْلاةً، وَمِيمُهَا زَائِدَةٌ، نَفَى عَنْ نَفْسِهِ الجَمْع بَيْنَ سُبَّتَيْن: أَن يَكُونَ لِزَنْيةٍ، وأَن يَكُونَ مَحْمُولًا فِي بَقِية حَيْضَةٍ؛ وقال لَبِيدٌ يَصِفُ سَحَابًا:
كأَنَّ مُصَفَّحاتٍ فِي ذُراه، ... وأَنْواحاً عَلَيْهِنَّ المَآلِي
المُصَفَّحاتُ: السيوفُ، وتَصْفِيحُها: تَعْريضُها، وَمَنْ رَوَاهُ مُصَفِّحات، بِكَسْرِ الْفَاءِ، فَهِيَ النِّساء؛ شَبَّه لَمْعَ البَرْق بتَصْفِيح النِّسَاءِ إِذا صَفَّقْنَ بأَيديهن.
أما: الأَمَةُ: المَمْلوكةُ خِلاف الحُرَّة. وَفِي التَّهْذِيبِ: الأَمَة المرأَة ذَاتُ العُبُودة، وَقَدْ أَقَرَّت بالأُمُوَّة. تَقُولُ الْعَرَبُ فِي الدُّعَاءِ عَلَى الإِنسان: رَماه اللَّهُ مِنْ كُلِّ أَمَةٍ بحَجَر؛ حَكَاهُ ابْنُ الأَعرابي؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأُراهُ «5» . مِنْ كُلِّ أَمْتٍ بحَجر، وَجَمْعُ الأَمَة أَمَوَاتٌ وإِمَاءٌ وآمٍ وإِمْوَانٌ وأُمْوَانٌ؛ كِلَاهُمَا عَلَى طَرْحِ الزَّائِدِ، وَنَظِيرُهُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ أَخٌ وإِخْوانٌ: قَالَ الشَّاعِرُ:
أَنا ابنُ أَسْماءَ أَعْمامي لَهَا وأَبي، ... إِذا تَرامى بَنُو الإِمْوَانِ بِالْعَارِ
وَقَالَ القَتَّالُ الكِلابي:
أَما الإِمَاءُ فَلَا يَدْعُونَني وَلَداً، ... إِذا تَرامى بَنُو الإِمْوَانِ بِالْعَارِ
وَيُرْوَى: بَنُو الأُمْوَانِ؛ رَوَاهُ اللِّحْيَانِيُّ؛ وقال
__________
(2) . قوله [مخففاً من الإل] هكذا في الأصل، ولعله سقط من الناسخ صدر العبارة وهو: ويجوز أن يكون إلخ أو نحو ذلك
(3) . قوله [المعلاة] كذا في الأصل ونسختين من الصحاح بكسر الميم بعدها مهملة والذي في مادة علا: المعلاة بفتح الميم، فلعلها محرفة عن المقلاة بالقاف
(4) . قوله [وَهِيَ هَاهُنَا خِرْقَةُ الْحَائِضِ أيضاً] عبارة النهاية: وَهِيَ هَاهُنَا خِرْقَةُ الْحَائِضِ وهي خرقة النائحة أيضاً
(5) . قَوْلُهُ [قَالَ ابْنُ سِيدَهْ وَأُرَاهُ إلخ] يناسبه ما في مجمع الأمثال: رَمَاهُ اللَّهُ مِنْ كُلِّ أكمة بحجر(14/44)
الشَّاعِرُ فِي آمٍ:
مَحَلَّةُ سَوْءٍ أَهْلَكَ الدَّهْرُ أَهْلَها، ... فَلَمْ يَبْقَ فِيهَا غَيْرُ آمٍ خَوالِفِ
وقال السُّلَيْك:
يَا صاحِبَيَّ، أَلا لَا حَيَّ بِالْوَادِي ... إِلا عبيدٌ وآمٍ بَيْنَ أَذْواد
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ مَعْديكرب:
وكُنْتُمْ أَعْبُداً أَوْلادَ غَيْلٍ، ... بَني آمٍ مَرَنَّ عَلَى السِّفاد
وقال آخَرُ:
تَرَكْتُ الطيرَ حاجِلَةً عَلَيْهِ، ... كَمَا تَرْدي إِلى العُرُشاتِ آمِ «1»
. وأَنشد الأَزهري لِلْكُمَيْتِ:
تَمْشِي بها رُبْدُ النَّعام ... تَماشِيَ الآمِ الزَّوافِر
قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: الْآمِ جَمْعُ الأَمَة كالنَّخْلة والنَّخْل والبَقْلَة والبَقْل، قال: وأَصل الأَمَة أَمْوَة، حَذَفُوا لَامَهَا لَمَّا كَانَتْ مِنْ حُرُوفِ اللِّينِ، فَلَمَّا جَمَعُوهَا عَلَى مِثَالِ نَخْلَة ونَخْل لَزِمَهم أَن يَقُولُوا أَمَة وأَمٌ، فَكَرِهُوا
أَن يَجْعَلُوهَا عَلَى حَرْفَيْنِ، وَكَرِهُوا أَن يَرُدُّوا الْوَاوَ الْمَحْذُوفَةَ لَمَّا كَانَتْ آخِرَ الِاسْمِ، يَسْتَثْقِلُونَ السُّكُوتَ عَلَى الْوَاوِ فَقَدَّمُوا الْوَاوَ فَجَعَلُوهَا أَلفاً فِيمَا بين الأَلف والميم. وقال اللَّيْثُ: تَقُولُ ثَلَاثُ آمٍ، وَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ أَفْعُل، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: لَمْ يَزد اللَّيْثُ عَلَى هَذَا، قَالَ: وأُراه ذَهَبَ إِلى أَنه كَانَ فِي الأَصل ثَلَاثٌ أَمْوُيٍ، قَالَ: وَالَّذِي حَكَاهُ لِيَ الْمُنْذِرِيُّ أَصح وأَقيس، لأَني لَمْ أَرَ فِي بَابِ الْقَلْبِ حَرْفَيْنِ حُوِّلا، وأُراه جُمِعَ عَلَى أَفْعُل، عَلَى أَن الأَلف الأُولى مِنْ آمٍ أَلف أَفْعُل، والأَلف الثَّانِيَةُ فَاءُ أَفعل، وَحَذَفُوا الْوَاوَ مِنْ آمُوٍ، فَانْكَسَرَتِ الْمِيمُ كَمَا يُقَالُ فِي جَمْعِ جِرْوٍ ثَلَاثَةُ أَجْرٍ، وَهُوَ فِي الأَصل ثَلَاثَةُ أَجْرُوٍ، فَلَمَّا حُذِفَتِ الْوَاوُ جُرَّت الرَّاءُ، قَالَ: وَالَّذِي قَالَهُ أَبو الْهَيْثَمِ قَوْلٌ حَسَنٌ، قَالَ: وقال الْمُبَرِّدُ أَصل أَمَة فَعَلة، مُتَحَرِّكَةَ الْعَيْنِ، قَالَ: وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الأَسماء عَلَى حَرْفَيْنِ إِلَّا وَقَدْ سَقَطَ مِنْهُ حَرْفٌ، يُسْتَدَل عَلَيْهِ بِجَمْعِهِ أَو بِتَثْنِيَتِهِ أَو بِفِعْلٍ إِنْ كَانَ مُشْتَقًّا مِنْهُ لأَن أَقلَّ الأُصول ثَلَاثَةُ أَحرف، فأَمَةٌ الذَّاهِبُ مِنْهُ وَاوٌ لِقَوْلِهِمْ أُمْوَانٌ. قَالَ: وأَمَةٌ فَعَلة مُتَحَرِّكَةٌ يُقَالُ فِي جَمْعِهَا آمٍ، وَوَزْنُ هَذَا أَفْعُل كَمَا يُقَالُ أَكَمَة وآكُم، وَلَا يَكُونُ فَعْلة عَلَى أَفْعُل، ثُمَّ قَالُوا إِمْوَانٌ كَمَا قَالُوا إِخْوان. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَحَمَلَ سِيبَوَيْهِ أَمَة عَلَى أَنها فَعَلة لِقَوْلِهِمْ فِي تَكْسِيرِهَا آمٍ كَقَوْلِهِمْ أَكَمة وآكُم قَالَ ابْنُ جِنِّي: الْقَوْلُ فِيهِ عِنْدِي أَن حَرَكَةَ الْعَيْنِ قَدْ عاقَبَتْ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ تَاءَ التأْنيث، وَذَلِكَ فِي الأَدواء نَحْوَ رَمِثَ رَمَثاً وحَبِطَ حَبَطاً، فإِذا أَلحقوا التَّاءَ أَسكنوا الْعَيْنَ فَقَالُوا حَقِلَ حَقْلَةً ومَغِلَ مَغْلَةً، فَقَدْ تَرَى إِلى مُعاقبة حَرَكَةِ الْعَيْنِ تاءَ التأْنيث، وَمِنْ ثَمَّ قَوْلُهُمْ جَفْنَة وجَفَنات وقَصْعَة وقَصَعَات، لَمَّا حَذَفُوا التَّاءَ حَرَّكوا الْعَيْنَ، فَلَمَّا تَعَاقَبَتِ التاءُ وَحَرَكَةُ الْعَيْنِ جَرَتا فِي ذَلِكَ مَجْرى الضِّدين الْمُتَعَاقِبَيْنِ، فَلَمَّا اجْتَمَعَا فِي فَعَلة تَرافَعا أَحكامَهما، فأَسقطت التاءُ حُكْمَ الْحَرَكَةِ وأَسقطت الحركةُ حكمَ التَّاءِ، وَآلَ الأَمر بِالْمِثَالِ إِلى أَن صارَ كأَنه فَعْلٌ، وفَعْلٌ بابٌ تَكْسِيرِهِ أَفْعُل. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: أَصل أَمَة أَمَوَة، بِالتَّحْرِيكِ، لأَنه يُجْمع عَلَى آمٍ، وَهُوَ أَفْعُل مِثْلُ أَيْنُق. قَالَ:
__________
(1) . قوله [العرشات] هكذا في الأصل وشرح القاموس بالمعجمة بعد الراء، ولعله بالمهملة جمع عرس طعام الوليمة كما في القاموس. وتردي: تحجل، من ردت الجارية رفعت إحدى رجليها ومشت على الأُخرى تلعب(14/45)
وَلَا يُجْمَعُ فَعْلة بِالتَّسْكِينِ عَلَى ذَلِكَ. التَّهْذِيبُ: قَالَ ابْنُ كَيْسَانَ يُقَالُ جاءَتْني أَمَةُ اللَّهِ، فإِذا ثنَّيت قُلْتَ جاءَتني أَمَتَا اللَّهِ، وَفِي الْجَمْعِ عَلَى التَّكْسِيرِ جاءَني إِماءُ اللَّهِ وأُمْوَانُ اللَّهِ وأَمَوَاتُ اللَّهِ، وَيَجُوزُ أَمَاتُ اللَّهِ عَلَى النَّقْصِ. وَيُقَالُ: هُنَّ آمٌ لِزَيْدٍ، ورأَيت آمِياً لِزَيْدٍ، ومرَرْت بآمٍ لِزَيْدٍ، فإِذا كَثُرت فَهِيَ الإِمَاء والإِمْوَان والأُمْوَان. وَيُقَالُ: اسْتَأْمِ أَمَةً غَيْرَ أَمَتِك، بِتَسْكِينِ الْهَمْزَةِ، أَي اتَّخِذ، وتَأَمَّيْتُ أَمةً. ابْنُ سِيدَهْ: وتَأَمَّى أَمَةً اتَّخَذها، وأَمَّاها جعلَها أَمَة. وأَمَتِ المرأَةُ وأَمِيَتْ وأَمُوَتْ؛ الأَخيرة عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، أُمُوَّة: صَارَتْ أَمَةً. وقال مُرَّة: مَا كَانَتْ أَمَةً وَلَقَدْ أَمُوَت أُمُوَّة. وَمَا كُنْتِ أَمَةً وَلَقَدْ تَأَمَّيْتِ وأَمِيتِ أُمُوَّة. الْجَوْهَرِيُّ: وتَأَمَّيتُ أَمَةً أَي اتَّخَذت أَمَة؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
يَرْضَوْن بالتَّعْبِيدِ والتَّآمِي
وَلَقَدْ أَمَوْتِ أُمُوَّة. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَتَقُولُ هُوَ يَأْتَمِي بِزَيْدٍ أَي يَأْتَمُّ بِهِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
نَزُورُ امْرأً، أَمّا الإِلَه فَيَتَّقي، ... وأَمّا بفِعْل الصَّالحِينَ فَيَأْتَمِي
وَالنِّسْبَةُ إِليها أَمَوِيٌّ، بِالْفَتْحِ، وَتَصْغِيرُهَا أُمَيَّة. وبَنو أُمَيَّة: بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَالنِّسْبَةُ إِليهم أُمَوِيٌّ، بِالضَّمِّ، وَرُبَّمَا فَتَحوا. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَالنَّسَبُ إِليه أُمَوِيٌّ عَلَى الْقِيَاسِ، وَعَلَى غَيْرِ الْقِيَاسِ أَمَوِيٌّ. وَحَكَى سِيبَوَيْهِ: أُمَيِّيٌّ عَلَى الأَصل، أَجروه مُجْرى نُمَيْريّ وعُقَيْلّي، وَلَيْسَ أُمَيِّيٌّ بأَكثر فِي كَلَامِهِمْ، إِنما يَقُولُهَا بَعْضُهُمْ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ فِي النِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ أُمَيِّيٌّ، يَجْمَعُ بَيْنَ أَربع ياءَات، قَالَ: وَهُوَ فِي الأَصل اسْمُ رَجُلٍ، وَهُمَا أُمَيَّتانِ: الأَكبر والأَصغر، ابْنَا عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ منافٍ، أَولاد عَلَّةٍ؛ فمِنْ أُمَيَّة الكُبْرى أَبو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ والعَنابِسُ والأَعْياصُ، وأُمَيَّة الصُّغْرى هُمْ ثَلَاثَةُ إِخوة لأُم اسْمُهَا عَبْلَة، يُقَالُ هُمُ العَبَلات، بِالتَّحْرِيكِ. وأَنشد الْجَوْهَرِيُّ هَذَا الْبَيْتَ للأَحْوَص «1» . وأَفرد عَجُزَهُ:
أَيْما إِلى جنة أَيما إِلى نار
قَالَ: وَقَدْ تُكْسَرُ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَصَوَابُهُ إِيما، بِالْكَسْرِ، لأَن الأَصل إِما، فأَما أَيْما فالأَصل فِيهِ أَمّا، وَذَلِكَ فِي مِثْلِ قَوْلِكَ أَمّا زَيْدٌ فَمُنْطَلِقٌ، بِخِلَافِ إِمّا الَّتِي فِي الْعَطْفِ فإِنها مَكْسُورَةٌ لَا غَيْرُ. وَبَنُو أَمَة: بَطْنٌ مِنْ بَنِي نَصْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ. قَالَ: وأَمَا، بِالْفَتْحِ، كَلِمَةٌ مَعْنَاهَا الِاسْتِفْتَاحُ بِمَنْزِلَةِ أَلا، وَمَعْنَاهُمَا حَقًّا، وَلِذَلِكَ أَجاز سِيبَوَيْهِ أَمَا إِنَّه مُنْطَلِقٌ وأَمَا أَنَّهُ، فَالْكَسْرُ عَلَى أَلا إِنَّه، وَالْفَتْحُ حَقًّا أَنَّه. وَحَكَى بَعْضُهُمْ: هَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَ كَذَا أَي أَما وَاللَّهِ، فَالْهَاءُ بَدَلٌ مِنَ الْهَمْزَةِ. وأَمَّا أَمَا الَّتِي لِلِاسْتِفْهَامِ فَمُرَكَّبَةٌ مِنْ مَا النَّافِيَةِ وأَلف الِاسْتِفْهَامِ. الأَزهري: قَالَ اللَّيْثُ أَمَا اسْتِفْهَامُ جَحُودٍ كَقَوْلِكَ أَمَا تَسْتَحِي مِنَ اللَّهِ، قَالَ: وَتَكُونُ أَمَا تأْكيداً لِلْكَلَامِ وَالْيَمِينِ كَقَوْلِكَ أَمَا إِنَّه لرجلٌ كَرِيمٌ، وَفِي الْيَمِينِ كَقَوْلِكَ: أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ سَهِرْتُ لَكَ لَيْلَةً لأَدَعَنَّكَ نَادِمًا، أَمَا لَوْ عَلِمْتُ بِمَكَانِكَ لأُزعجنك مِنْهُ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ، قَالَ: الْعَرَبُ تَجْعَلُ مَا صِلَةً فِيمَا يُنْوَى بِهِ الْجَزَاءُ كأَنه مِنْ خَطِيئَاتِهِمْ مَا أُغْرِقُوا، قَالَ: وَكَذَلِكَ رأَيتها فِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ وتأْخيرها دَلِيلٌ عَلَى مَذْهَبِ الْجَزَاءِ، وَمِثْلُهَا فِي مصحفه:
__________
(1) . قوله [وَأَنْشَدَ الْجَوْهَرِيُّ هَذَا الْبَيْتَ للأحوص] الذي في التكملة: أن البيت ليس للأحوص بل لسعد بن قرط بن سيار الجذامي يهجو أمه(14/46)
أَيَّ الأَجَلَيْنِ مَا قَضَيْتُ
؛ أَلا تَرَى أَنك تَقُولُ حَيْثُما تَكُنْ أَكن ومهْما تَقُلْ أَقُلْ؟ قَالَ الْفَرَّاءُ: قَالَ الْكِسَائِيُّ فِي بَابِ أَمَّا وإِمَّا: إِذَا كُنْتَ آمِرًا أَو نَاهِيًا أَو مُخْبِرًا فَهُوَ أَمّا مَفْتُوحَةً، وإِذا كُنْتَ مُشْتَرِطًا أَو شَاكًّا أَو مُخَيِّراً أَو مُخْتَارًا فَهِيَ إِمَّا، بِكَسْرِ الأَلف؛ قَالَ: وَتَقُولُ مِنْ ذَلِكَ فِي الأَول أَمَّا اللهَ فاعْبُدْه وأَمَّا الْخَمْرُ فَلَا تشرَبْها وأَمَّا زَيْدٌ فَقَدْ خَرَجَ، قَالَ: وَتَقُولُ فِي النَّوْعِ الثَّانِي إِذا كُنْتَ مُشْتَرِطًا إِمَّا تَشْتُمَنَّ فإِنه يَحْلُم عَنْكَ، وَتَقُولُ فِي الشَّكِّ: لَا أَدري مَنْ قَامَ إِمَّا زَيْدٌ وإِمَّا عَمْرٌو، وَتَقُولُ فِي التَّخْيِيرِ: تَعَلَّمْ إِمَّا الْفِقْهَ وإِمَّا النَّحْوَ، وَتَقُولُ فِي المختار: لي دار بالكوفة فأَنا خَارِجٌ إِليها، فإِمَّا أَن أَسكنها، وإِمَّا أَنْ أَبيعها؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَجْعَلُ إِمَّا بِمَعْنَى أَمّا الشُّرْطِيَّةِ؛ قَالَ: وأَنشدني الْكِسَائِيُّ لِصَاحِبِ هَذِهِ اللُّغَةِ إِلَّا أَنه أَبْدَلَ إِحدى الْمِيمَيْنِ يَاءً:
يَا لَيْتَما أُمَّنا شَالَتْ نَعامتُها، ... إِيما إلى جنة إِيما إِلى نَارِ
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَقَوْلُهُمْ إِيما وأَيْما يُرِيدُونَ أَمّا، فَيُبْدِلُونَ مِنْ إِحدى الْمِيمَيْنِ يَاءً. وقال الْمُبَرِّدُ: إِذا أَتيت بإِمّا وأَمَّا فَافْتَحْهَا مَعَ الأَسماء وَاكْسِرْهَا مَعَ الأَفعال؛ وأَنشد:
إِمَّا أَقَمْتَ وأَمّا أَنت ذَا سَفَرٍ، ... فاللهُ يَحْفَظُ مَا تأْتي وَمَا تَذَرُ
كُسِرَتْ إِمّا أَقمتَ مَعَ الْفِعْلِ، وَفُتِحَتْ وأَمّا أَنت لأَنها وَلِيَت الاسم؛ وقال:
أَبا خُراشة أَمَّا أَنتَ ذَا نَفَرٍ
الْمَعْنَى: إِذا كُنْتَ ذَا نَفَر؛ قَالَ: قَالَهُ ابْنُ كَيْسان. قَالَ: وقال الزَّجَّاجُ إِمّا الَّتِي لِلتَّخْيِيرِ شُبِّهَتْ بأَن الَّتِي ضُمَّتْ إِليها مَا مِثْلَ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً
؛ كُتِبَتْ بالأَلف لِمَا وَصَفْنَا، وَكَذَلِكَ أَلا كُتِبَتْ بالأَلف لأَنها لَوْ كَانَتْ بِالْيَاءِ لأَشبهت إِلى، قَالَ: قَالَ الْبَصْرِيُّونَ أَمَّا هِيَ أَن الْمَفْتُوحَةُ ضُمَّتْ إِليها مَا عِوَضًا مِنَ الْفِعْلِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ إِذ، الْمَعْنَى إِذ كُنْتَ قَائِمًا فإِني قَائِمٌ مَعَكَ؛ وَيُنْشِدُونَ:
أَبا خُرَاشَةَ أَمَّا كُنْتَ ذَا نَفَرٍ
قَالُوا: فإِن وَلِيَ هَذِهِ الْفِعْلُ كُسِرَتْ فَقِيلَ إِمَّا انطلقتَ انطلقتُ مَعَكَ؛ وأَنشد:
إِمَّا أَقمت وأَمَّا أَنت مُرْتَحِلًا
فَكَسَرَ الأُولى وَفَتَحَ الثَّانِيَةَ، فإِن وَلِيَ هَذِهِ الْمَكْسُورَةَ فِعْلٌ مُسْتَقْبَلٌ أَحدثت فِيهِ النُّونَ فَقُلْتَ إِمَّا تذهبنَّ فإِني مَعَكَ، فإِن حَذَفْتَ النُّونَ جَزَمْتَ فَقُلْتَ إِمَّا يأْكلْك الذئب فلا أَبكيك. وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً
، قَالَ: إِمَّا هَاهُنَا جَزَاءٌ أَي إِن شُكْرٌ وإِن كُفْرٌ. قَالَ: وَتَكُونُ عَلَى إِما الَّتِي فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ
، فكأَنه قَالَ خَلَقْنَاهُ شَقِيًّا أَو سَعِيدًا. الْجَوْهَرِيُّ: وإِمَّا، بِالْكَسْرِ وَالتَّشْدِيدِ، حَرْفُ عَطْفٍ بِمَنْزِلَةِ أَو فِي جَمِيعِ أَحوالها إِلا فِي وَجْهٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنك تَبْتَدِئُ بأَو مُتَيَقِّنًا ثُمَّ يُدْرِكُكَ الشَّكُّ، وإِمَّا تَبْتَدِئُ بِهَا شَاكًّا وَلَا بُدَّ مِنْ تَكْرِيرِهَا. تَقُولُ: جَاءَنِي إِمَّا زَيْدٌ وإِمَّا عَمْرٌو؛ وَقَوْلُ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ:
إِمَّا تَرَيْ رأْسي تَغَيَّر لونُه ... شَمَطاً فأَصْبَح كالثَّغام المُمْحِل «2»
. يُرِيدُ: إِنْ تَرَيْ رأْسي، وَمَا زَائِدَةٌ؛ قَالَ: وَلَيْسَ مِنْ إِمّا الَّتِي تَقْتَضِي التَّكْرِيرَ فِي شَيْءٍ وَذَلِكَ في المجازاة
__________
(2) . قوله [الممحل] كذا في الأصل، والذي في الصحاح: كالثغام المخلس، ولم يعز البيت لأحد(14/47)
تَقُولُ: إِمَّا تأْتني أُكرمْك. قَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً
. وَقَوْلُهُمْ: أَمَّا، بِالْفَتْحِ، فَهُوَ لِافْتِتَاحِ الْكَلَامِ وَلَا بُدَّ مِنَ الْفَاءِ فِي جَوَابِهِ تَقُولُ: أَمَّا عَبْدُ اللَّهِ فَقَائِمٌ، قَالَ: وإِنما احْتِيجَ إِلى الْفَاءِ فِي جَوَابِهِ لأَن فِيهِ تَأْوِيلَ الْجَزَاءِ كأَنك قُلْتَ مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ فَعَبْدُ اللَّهِ قَائِمٌ. قَالَ: وأَمَا، مُخَفَّفٌ، تَحْقِيقٌ لِلْكَلَامِ الَّذِي يَتْلُوهُ، تَقُولُ: أَمَا إِنَّ زَيْدًا عَاقِلٌ، يَعْنِي أَنه عَاقِلٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا عَلَى الْمَجَازِ. وَتَقُولُ: أَمَا والله قد ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا. الْجَوْهَرِيُّ: أَمَتِ السِّنَّوْرُ تَأْمُو أُمَاءً أَي صَاحَتْ، وَكَذَلِكَ مَاءَتْ تَمُوءُ مُواء.
أني: أَنَى الشيءُ يَأْنِي أَنْياً وإِنىً وأَنىً «1» ، وَهُوَ أَنِيٌّ. حَانَ وأَدْرك، وخَصَّ بَعْضُهُمْ بِهِ النَّبَاتَ. الْفَرَّاءُ: يُقَالُ أَلمْ يَأْنِ وأَ لَم يَئِنْ لك وأَ لم يَنَلْ لكَ وأَ لم يُنِلْ لَكَ، وأَجْوَدُهُنَّ مَا نَزَلْ بِهِ الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ، يَعْنِي قَوْلَهُ: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا
؛ هُوَ مِنْ أَنَى يَأْنِي وآنَ لَكَ يَئين. وَيُقَالُ: أَنَى لَكَ أَن تَفْعَلَ كَذَا ونالَ لَكَ وأَنالَ لَكَ وَآنَ لَكَ، كُلٌّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: وَمَعْنَاهَا كُلِّهَا حانَ لَكَ يَحين. وَفِي حَدِيثِ الْهِجْرَةِ:
هَلْ أَنَى الرحيلُ
أَي حانَ وقتُه، وَفِي رِوَايَةٍ:
هَلْ آنَ الرحيلُ
أَي قَرُبَ. ابْنُ الأَنباري: الأَنَى مِنْ بُلُوغِ الشَّيْءِ مُنْتَهَاهُ، مَقْصُورٌ يُكْتَبُ بِالْيَاءِ، وَقَدْ أَنَى يَأْنِي؛ وَقَالَ:
.......... بيَوْمٍ ... أَنَى ولِكُلِّ حاملةٍ تَمامُ
أَي أَدرك وَبَلَغَ. وإِنَى الشَّيْءِ: بلوغُه وإِدراكه. وَقَدْ أَنَى الشيءُ يَأْنِي إِنىً، وَقَدْ آنَ أَوانُك وأَيْنُك وإِينُكَ. وَيُقَالُ مِنَ الأَين: آنَ يَئِين أَيْناً. والإِناءُ، مَمْدُودٌ: وَاحِدُ الآنِيَة مَعْرُوفٌ مِثْلُ رِدَاءٍ وأَردية، وَجَمْعُهُ آنِيَةٌ، وَجَمْعُ الآنِيَة الأَوَانِي، عَلَى فَوَاعِلَ جَمْعِ فَاعِلَةٍ، مِثْلَ سِقاء وأَسْقِية وأَساقٍ. والإِناءُ: الَّذِي يَرْتَفِقُ بِهِ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ ذَلِكَ لأَنه قَدْ بَلَغَ أَن يُعْتَمل بِمَا يعانَى بِهِ مِنْ طَبْخٍ أَو خَرْز أَو نِجَارَةٍ، وَالْجَمْعُ آنِيَةٌ وأَوانٍ؛ الأَخيرة جَمْعُ الْجَمْعِ مِثْلُ أَسقية وأَساق، والأَلف فِي آنِيَة مُبْدَلَةٌ مِنَ الْهَمْزَةِ وَلَيْسَتْ بِمُخَفَّفَةٍ عَنْهَا لِانْقِلَابِهَا فِي التَّكْسِيرِ وَاوًا، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَحُكِمَ عَلَيْهِ دُونَ الْبَدَلِ لأَن الْقَلْبَ قِيَاسِيٌّ وَالْبَدَلَ مَوْقُوفٌ. وأَنَى الماءُ: سَخُنَ وَبَلَغَ فِي الْحَرَارَةِ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ
؛ قِيلَ: هُوَ الَّذِي قَدِ انْتَهَى فِي الْحَرَارَةِ. وَيُقَالُ: أَنَى الحميمُ أَي انْتَهَى حَرُّهُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: حَمِيمٍ آنٍ
. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ
؛ أَي مُتَنَاهِيَةٍ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْجَوَاهِرِ. وبَلَغ الشيءُ إِناه وأَناه أَي غَايَتَهُ. وَفِي التَّنْزِيلِ: غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ
؛ أَي غَيْرَ مُنْتَظَرِينَ نُضْجَه وإِدراكَه وَبُلُوغَهُ. تَقُولُ: أَنَى يَأْنِي إِذا نَضِجَ. وَفِي حَدِيثِ الْحِجَابِ:
غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ
؛ الإِنَى، بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْقَصْرِ: النُّضْج.
والأَناةُ والأَنَى: الحِلم وَالْوَقَارُ. وأَنِيَ وتَأَنَّى واسْتَأْنَى: تَثبَّت. وَرَجُلٌ آنٍ عَلَى فَاعِلٍ أَي كَثِيرُ الأَناة وَالْحِلْمِ. وأَنَى أُنِيّاً فَهُوَ أَنِيٌّ: تأَخر وأَبطأَ. وآنَى: كأَنَى. وَفِي الْحَدِيثِ
فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ: قَالَ لِرَجُلٍ جَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ رأَيتك آنَيْتَ وآذَيْتَ
؛ قَالَ الأَصمعي: آنَيْتَ أَي أَخرت الْمَجِيءَ وأَبطأْت، وآذَيْتَ أَي آذَيت النَّاسَ بِتَخَطِّيكَ؛ وَمِنْهُ قِيلَ لِلْمُتَمَكِّثِ فِي الأُمور مُتَأَنٍّ. ابْنُ الأَعرابي: تَأَنَّى إِذا رَفَق. وآنَيْت وأَنَّيْت
__________
(1) . قوله [وأَنىً] هذه الثالثة بالفتح والقصر في الأصل، والذي في القاموس ضبطه بالمد واعترضه شارحه وصوب القصر(14/48)
بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَفِي حَدِيثِ غَزْوَةِ حُنَيْنٍ:
اخْتَارُوا إِحدى الطَّائِفَتَيْنِ إِمَّا الْمَالَ وإِمّا السَّبْيَ وَقَدْ كُنْتُ استَأْنَيْتُ بِكُمْ
أَي انْتَظَرْتُ وتربَّصت؛ يُقَالُ: آنَيْت وأَنَّيْت وتأَنَّيْت واسْتَأْنَيْتُ. اللَّيْثُ: يُقَالُ اسْتَأْنَيتُ بِفُلَانٍ أَي لَمْ أُعْجِله. وَيُقَالُ: اسْتَأْنِ فِي أَمرك أَي لَا تَعْجَل؛ وأَنشد:
اسْتَأْنِ تَظْفَرْ فِي أُمورِك كُلِّهَا، ... وإِذا عَزَمْتَ عَلَى الهَوى فتوَكَّلِ
والأَنَاة: التُّؤَدة. وَيُقَالُ: لَا تُؤْنِ فُرْصَتَك أَي لَا تُؤَخِّرْهَا إِذا أَمْكَنَتْك. وَكُلُّ شَيْءٍ أَخَّرته فَقَدْ آنَيْتَه. الْجَوْهَرِيُّ: آنَاه يُؤنِيه إِينَاء أَي أَخَّره وحَبَسه وأَبطأَه؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:
ومَرْضوفةٍ لَمْ تُؤْنِ فِي الطَّبْخِ طاهِياً ... عَجِلْتُ إِلى مُحْوَرِّها، حِينَ غَرْغَرا
وتَأَنَّى فِي الأَمر أَي تَرَفَّق وتَنَظَّرَ. واسْتَأْنَى بِهِ أَي انْتَظَرَ بِهِ؛ يُقَالُ: اسْتُؤْنِيَ بِهِ حَوْلًا. وَيُقَالُ: تَأَنَّيْتُكَ حَتَّى لَا أَناة بِي، وَالِاسْمُ الأَنَاة مِثْلَ قَنَاةٍ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ شَاهِدُهُ:
الرِّفْقُ يُمْنٌ والأَنَاةُ سَعادةٌ
وآنَيْتُ الشيءَ: أَخَّرته، وَالِاسْمُ مِنْهُ الأَنَاء عَلَى فَعَال، بِالْفَتْحِ؛ قَالَ الْحُطَيْئَةُ:
وآنَيْتُ العَشاءَ إِلى سُهَيْلٍ، ... أَو الشِّعْرى، فَطَالَ بِيَ الأَنَاء
التَّهْذِيبُ: قَالَ أَبو بَكْرٍ فِي قَوْلِهِمْ تَأَنَّيْتُ الرَّجُلَ أَي انْتَظَرْتُهُ وتأَخرت فِي أَمره وَلَمْ أَعْجَل. وَيُقَالُ: إِنَّ خَبَر فُلَانٍ لَبَطيءٌ أَنِيٌّ؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
ثُمَّ احْتَمَلْنَ أَنِيّاً بَعْدَ تَضْحِيَةٍ، ... مِثْل المَخارِيف مِنْ جَيْلانَ أَو هَجَر «1»
. اللَّيْثُ: أَنَى الشيءُ يَأْنِي أُنِيّاً إِذا تأَخر عَنْ وَقْتِهِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
والزادُ لَا آنٍ وَلَا قَفارُ
أَي لَا بَطِيءٌ وَلَا جَشِبٌ غَيْرُ مأْدوم؛ وَمِنْ هَذَا يُقَالُ: تَأَنَّى فُلَانٌ يَتَأَنَّى، وَهُوَ مُتَأَنٍّ إِذا تَمَكَّث وَتَثَبَّتَ وَانْتَظَرَ. والأَنَى: مِنَ الأَناة والتُّؤَدة؛ قَالَ الْعَجَّاجُ فَجَعَلَهُ الأَناء:
طَالَ الأَناءُ وَزايَل الحَقّ الأَشر
وَهِيَ الأَناة. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: الإِنَى مِنَ السَّاعَاتِ وَمِنْ بُلُوغِ الشَّيْءِ مُنْتَهَاهُ، مَقْصُورٌ يُكْتَبُ بِالْيَاءِ وَيُفْتَحُ فَيُمَدُّ؛ وأَنشد بَيْتَ الحطيئة:
وآنَيْتُ العَشاءَ إِلى سُهَيْل
وَرَوَاهُ أَبو سَعِيدٍ: وأَنَّيْت، بِتَشْدِيدِ النُّونِ. وَيُقَالُ: أَنَّيْتُ الطعامَ فِي النَّارِ إِذا أَطلت مُكْثَهُ، وأَنَّيْت فِي الشَّيْءِ إِذا قَصَّرت فِيهِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَنِيَ عَنِ الْقَوْمِ وأَنَى الطعامُ عَنَّا إِنىً شَدِيدًا والصَّلاةُ أُنِيّاً، كُلُّ ذَلِكَ: أَبطأَ. وأَنَى يَأْنِي ويَأْنى أَنْياً فَهُوَ أَنِيٌّ إِذا رَفَقَ. والأَنْيُ والإِنْيُ: الوَهْنُ أَو السَّاعَةُ مِنَ اللَّيْلِ، وَقِيلَ: السَّاعَةُ مِنْهُ أَيَّ سَاعَةٍ كَانَتْ. وَحَكَى الْفَارِسِيُّ عَنْ ثَعْلَبٍ: إِنْوٌ، فِي هَذَا الْمَعْنَى، قَالَ: وَهُوَ مِنْ بَابِ أَشاوِي، وَقِيلَ: الإِنَى النَّهَارُ كُلُّهُ، وَالْجَمْعُ آنَاءٌ وأُنِيّ؛ قَالَ:
يَا لَيْتَ لِي مِثْلَ شَرِيبي مِنْ نُمِيْ، ... وهْوَ شَرِيبُ الصِّدْقِ ضَحَّاكُ الأُنِيْ
يَقُولُ: فِي أَيّ سَاعَةٍ جِئْتُهُ وَجَدْتُهُ يَضْحَكُ. والإِنْيُ: وَاحِدُ آنَاء اللَّيْلِ وَهِيَ سَاعَاتُهُ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ
؛ قَالَ أَهل اللُّغَةِ مِنْهُمُ الزَّجَّاجُ: آنَاءُ اللَّيْلِ سَاعَاتُهُ، وَاحِدُهَا إِنْيٌ وإِنىً، فَمَنْ قَالَ إِنْيٌ
__________
(1) . قوله [قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ ثُمَّ احتملن ... ] أورده ياقوت في جيلان بالجيم، ونسبه لتميم بن أبي، وقال أنيّ تصغير إنى واحد آناء الليل(14/49)
فَهُوَ مِثْلُ نِحْيٍ وأَنحاء، وَمَنْ قَالَ إِنىً فَهُوَ مِثْلُ مِعىً وأَمْعاء؛ قَالَ الْهُذَلِيُّ المتنخِّل:
السَّالِكُ الثَّغْرِ مَخْشِيّاً مَوارِدُه، ... بكُلِّ إِنْيٍ قَضاه الليلُ يَنْتَعِلُ
قَالَ الأَزهري: كَذَا رَوَاهُ ابْنُ الأَنباري؛ وأَنشده الْجَوْهَرِيُّ:
حُلْو وَمُرٌّ، كعَطْفِ القِدْحِ مِرَّتُه، ... فِي كُلِّ إِنْيٍ قَضاه الليلُ يَنْتَعِلُ
وَنَسَبَهُ أَيضاً لِلْمُتَنَخِّلِ، فإِما أَن يَكُونَ هُوَ الْبَيْتَ بِعَيْنِهِ أَو آخَرَ مِنْ قَصِيدَةٍ أُخرى. وَقَالَ ابْنُ الأَنباري: وَاحِدُ آناء الليل عَلَى ثَلَاثَةِ أَوجه: إِنْي بِسُكُونِ النُّونِ، وإِنىً بِكَسْرِ الأَلف، وأَنىً بِفَتْحِ الأَلف؛ وَقَوْلُهُ:
فَوَرَدَتْ قبلَ إِنَى صِحابها
يُرْوَى: إِنَى وأَنَى، وَقَالَهُ الأَصمعي. وَقَالَ الأَخفش: وَاحِدُ الْآنَاءِ إِنْوٌ؛ يُقَالُ: مَضَى إِنْيانِ مِنَ اللَّيْلِ وإِنْوانِ؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي فِي الإِنَى:
أَتَمَّتْ حملَها فِي نِصْفِ شَهْرٍ، ... وحَمْلُ الحاملاتِ إِنىً طويلُ
ومَضَى إِنْوٌ مِنَ اللَّيْلِ أَي وَقْتٌ، لُغَةٌ فِي إنْي. قَالَ أَبو عَلِيٍّ: وَهَذَا كَقَوْلِهِمْ جَبَوْت الْخَرَاجَ جِباوة، أُبدلت الْوَاوُ مِنَ الْيَاءِ. وَحَكَى الْفَارِسِيُّ: أَتيته آيِنَةً بَعْدَ آيِنَةٍ أَي تَارَةً بَعْدَ تَارَةٍ؛ كَذَا حَكَاهُ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأُراه بَنَى مِنَ الإِنَى فَاعِلَةً وَرَوَى:
وآيِنَةً يَخْرُجْنَ مَنْ غَامَرٍ ضَحْل
وَالْمَعْرُوفُ آوِنَة. وَقَالَ عُرْوَةُ فِي وَصِيَّةٍ لِبَنِيهِ: يَا بَنيّ إِذا رأَيتم خَلَّةً رَائِعَةً مِنْ رَجُلٍ فَلَا تَقْطَعُوا إِنَاتَكم «1» . وإِن كَانَ النَّاسُ رَجُلَ سَوءٍ؛ أَي رَجَاءَكُمْ؛ وَقَوْلُ السِّلْمِيَّةِ أَنشده يَعْقُوبُ:
عَن الأَمر الَّذِي يُؤْنِيكَ عَنْهُ، ... وعَن أَهْلِ النَّصِيحة وَالْوِدَادِ
قَالَ: أَرادت يُنْئِيك مِنَ النَّأْي، وَهُوَ الْبُعْدُ، فَقُدِّمَتِ الْهَمْزَةُ قَبْلَ النُّونِ. الأَصمعي: الأَناةُ مِنَ النِّسَاءِ الَّتِي فِيهَا فُتُورٌ عَنِ الْقِيَامِ وتأَنٍّ؛ قَالَ أَبو حيَّة النُّمَيْرِيُّ:
رَمَتْه أَناةٌ، مِنْ رَبيعةِ عامرٍ، ... نَؤُومُ الضُّحَى فِي مَأْتَمٍ أَيِّ مَأْتَم
والوَهْنانةُ نَحْوُهَا. اللَّيْثُ: يُقَالُ للمرأَة الْمُبَارَكَةِ الْحَلِيمَةِ المُواتِية أَناة، وَالْجَمْعُ أَنْوَاتٌ. قَالَ: وَقَالَ أَهل الْكُوفَةِ إِنما هِيَ الوَناة، مِنَ الضَّعْفِ، فَهَمَزُوا الْوَاوَ؛ وَقَالَ أَبو الدُّقَيْش: هِيَ الْمُبَارَكَةُ، وَقِيلَ: امرأَة أَناة أَي رَزِينة لَا تَصْخَبُ وَلَا تُفْحِش؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
أَناةٌ كأَنَّ المِسْكَ تَحْتَ ثيابِها، ... ورِيحَ خُزامَى الطَّلِّ فِي دَمِثِ الرَّمْل
قَالَ سِيبَوَيْهِ: أَصله وَناةٌ مِثْلَ أَحَد وَوَحَد، مِنَ الوَنَى. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَر رَجُلًا أَن يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ مِنْ جُلَيْبِيبٍ، فَقَالَ حَتَّى أُشاورَ أُمَّها، فَلَمَّا ذَكَرَهُ لَهَا قَالَتْ: حَلْقَى، أَلِجُلَيْبيبٍ؟ إِنِيْه، لَا لَعَمْرُ اللهِ
ذَكَرَهُ ابْنُ الأَثير فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ وَقَالَ: قَدِ اخْتُلِفَ فِي ضَبْطِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَرُوِيَتْ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالنُّونِ وَسُكُونِ الْيَاءِ وَبَعْدَهَا هَاءٌ، وَمَعْنَاهَا أَنها لَفْظَةٌ تَسْتَعْمِلُهَا الْعَرَبُ فِي الإِنكار، يَقُولُ الْقَائِلُ: جَاءَ زَيْدٌ، فَتَقُولُ أَنت: أَزَيْدُنِيه وأَ زَيْدٌ إِنِيه، كأَنك اسْتَبْعَدْتَ مَجِيئَهُ. وَحَكَى سِيبَوَيْهِ: أَنه قِيلَ لأَعرابي سَكَنَ البَلَدَ: أَتخرج إِذا أَخصبت الْبَادِيَةُ؟ فَقَالَ: أَنا إِنيه؟ يعني
__________
(1) . قوله [إِنَاتكم] كذا ضبط بالكسر في الأصل، وبه صرح شارح القاموس(14/50)
أَتقولون لِي هَذَا الْقَوْلَ وأَنا مَعْرُوفٌ بِهَذَا الْفِعْلِ؟ كأَنه أَنكر اسْتِفْهَامَهُمْ إِياه، وَرُوِيَتْ أَيضاً بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وبعدها باء سَاكِنَةٌ، ثُمَّ نُونٌ مَفْتُوحَةٌ، وَتَقْدِيرُهَا أَلِجُلَيْبيبٍ ابْنَتي؟ فأَسقطت الْيَاءَ وَوَقَفَتْ عَلَيْهَا بِالْهَاءِ؛ قَالَ أَبو مُوسَى، وَهُوَ فِي مُسْنَدِ أَحمد بْنِ حَنْبَلٍ بِخَطِّ أَبي الْحَسَنِ بْنِ الفُراتِ، وَخَطُّهُ حُجَّةٌ: وَهُوَ هَكَذَا مُعْجَمٌ مُقَيَّد فِي مَوَاضِعَ، قَالَ: وَيَجُوزُ أَن لَا يَكُونَ قَدْ حَذَفَ الْيَاءَ وإِنما هِيَ ابْنَةٌ نَكِرَةً أَي أَتُزَوِّجُ جُلَيْبِيباً ببنتٍ، يَعْنِي أَنه لَا يَصْلُحُ أَن يُزَوَّجَ بِبِنْتٍ، إِنما يُزَوَّجُ مثلُه بأَمة اسْتِنْقَاصًا لَهُ؛ قَالَ: وَقَدْ رُوِيَتْ مِثْلُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ بِزِيَادَةِ أَلف وَلَامٍ لِلتَّعْرِيفِ أَي أَلجليبيبٍ الابْنةُ، وَرُوِيَتْ أَلجليبيبٍ الأَمَةُ؟ تُرِيدُ الْجَارِيَةَ كِنَايَةً عَنْ بِنْتِهَا، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ أُمَيَّةُ أَو آمِنَةُ عَلَى أَنه اسم البنت.
أها: أَها: حِكَايَةُ صوتِ الضَّحِك؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
أَهَا أَهَا عِنْدَ زادِ القَوْمِ ضِحْكَتُهم، ... وأَنتُمُ كُشُفٌ، عِنْدَ الوغَى، خُورُ
أوا: أَوَيْتُ مَنْزلي وإِلى مَنْزِلِي أُوِيّاً وإِوِيّاً وأَوَّيْتُ وتأَوَّيْتُ وأْتَوَيْتُ، كُلُّهُ: عُدْتُ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
بصَبُوحِ صافِيةٍ وجَدْتُ كرِينَةً ... بِمُوَتَّرٍ تَأْتَى لَهُ إِبْهامُها
إِنما أَراد تَأْتَوِي لَهُ أَي تَفْتَعِلُ مِنْ أَوَيْتُ إِليه أَي عُدْتُ، إِلا أَنه قَلَبَ الْوَاوَ أَلفاً وَحُذِفَتِ الْيَاءُ الَّتِي هِيَ لَامُ الْفِعْلِ؛ وَقَوْلُ أَبي كَبِيرٍ:
وعُراضةُ السِّيَتَيْنِ تُوبِعَ بَرْيُها، ... تَأْوِي طَوائفُها لعَجسٍ عَبْهَرِ
استعارَ الأُوِيّ للقِسِيّ، وإِنما ذَلِكَ لِلْحَيَوَانِ. وأَوَيْتُ الرَّجُلَ إِليَّ وآوَيْتُه، فأَما أَبو عُبَيْدٍ فَقَالَ أَوَيْته وآوَيْتُه، وأَوَيْتُ إِلى فُلَانٍ، مقصورٌ لَا غَيْرُ. الأَزهري: تَقُولُ الْعَرَبُ أَوَى فلانٌ إِلى مَنْزِلِهِ يَأْوِي أُوِيّاً، عَلَى فُعول، وإِواءً؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ
. وآوَيْتُه أَنا إِيوَاءً، هَذَا الْكَلَامُ الْجَيِّدُ. قَالَ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ أَوَيْتُ فُلَانًا إِذا أَنزلته بِكَ. وأَويْتُ الإِبل: بِمَعْنَى آوَيْتُها. أَبو عُبَيْدٍ: يُقَالُ أَوَيْتُه، بِالْقَصْرِ، عَلَى فَعَلْته، وآوَيْتُه، بِالْمَدِّ، عَلَى أَفْعَلْته بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وأَنكر أَبو الْهَيْثَمِ أَن تَقُولَ أَوَيْتُ، بِقَصْرِ الأَلف، بِمَعْنَى آوَيْتُ، قَالَ: وَيُقَالُ أَوَيْتُ فُلَانًا بِمَعْنَى أَوَيْتُ إِليه. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَلَمْ يَعْرِفْ أَبو الْهَيْثَمِ، رَحِمَهُ اللَّهُ، هَذِهِ اللُّغَةَ، قَالَ: وَهِيَ صَحِيحَةٌ، قَالَ: وَسَمِعْتُ أَعرابيّاً فَصِيحًا مِنْ بَنِي نُمَير كَانَ استُرْعِيَ إِبلًا جُرْباً، فَلَمَّا أَراحَها مَلَثَ الظَّلامِ نَحَّاها عَنْ مَأْوَى الإِبلِ الصِّحاحِ ونادَى عريفَ الْحَيِّ فَقَالَ: أَلا أَيْنَ آوِي هَذِهِ الإِبلَ المُوَقَّسَة؟ وَلَمْ يَقُلْ أُووِي. وَفِي حَدِيثِ البَيْعة
أَنه قَالَ للأَنصار: أُبايعكم عَلَى أَن تُؤْوُوني وَتَنْصُرُونِي
أَي تَضُمُّونِي إِليكم وتَحُوطوني بَيْنَكُمْ. يُقَالُ: أَوَى وآوَى بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَالْمَقْصُورُ مِنْهُمَا لَازِمٌ وَمُتَعَدٍّ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ: لَا قَطْع فِي ثَمَرٍ حَتَّى يَأْوِيَهُ الجَرِينُ أَى يَضُمه البَيْدَرُ وَيَجْمَعَهُ. وَرَوَى الرواةُ عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنه قَالَ:
لَا يَأْوِي الضالةَ إِلا ضالٌ
؛ قَالَ الأَزهري: هَكَذَا رَوَاهُ فُصَحَاءُ الْمُحَدِّثِينَ بِالْيَاءِ، قَالَ: وَهُوَ عِنْدِي صَحِيحٌ لَا ارْتِيَابَ فِيهِ كَمَا رَوَاهُ أَبو عُبَيْدٍ عَنِ أَصحابه؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَذَا كُلُّهُ مِنْ أَوَى يَأْوي. يُقَالُ: أَوَيْتُ إِلى الْمَنْزِلِ وأَوَيْتُ غَيْرِي وآوَيْتُه، وأَنكر بَعْضُهُمُ الْمَقْصُورَ الْمُتَعَدِّيَ، وَقَالَ الأَزهري: هِيَ لُغَةٌ فَصِيحَةٌ؛ وَمِنَ الْمَقْصُورِ اللَّازِمِ الحديثُ الآخر:
أَما أَحدُهم فأَوَى إِلى اللَّهِ
أَي رَجَعَ إِليه، وَمِنَ الْمَمْدُودِ حديثُ الدعاء:
الحمد لله الَّذِي كَفَانَا وآوَانا
؛(14/51)
أَي ردَّنا إِلى مأْوىً لَنَا وَلَمْ يَجْعَلْنَا مُنْتَشِرِينَ كالبهائم، والمَأْوَى: المنزلُ: وقال الأَزهري: سَمِعْتُ الفصيحَ مِنْ بَنِي كِلَابٍ يَقُولُ لمأْوَى الإِبلِ مَأْوَاة، بِالْهَاءِ. الْجَوْهَرِيُّ: مَأْوِي الإِبل، بِكَسْرِ الْوَاوِ، لُغَةٌ فِي مَأْوَى الإِبل خَاصَّةً، وَهُوَ شَاذٌّ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي مأْقي الْعَيْنِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: ذُكِرَ لِي أَنَّ بَعْضَ الْعَرَبِ يُسَمِّي مأْوَى الإِبل مَأْوِي، بِكَسْرِ الْوَاوِ، قَالَ: وَهُوَ نَادِرٌ، لَمْ يَجِئْ فِي ذَوَاتِ الْيَاءِ وَالْوَاوِ مَفْعِلٌ، بِكَسْرِ الْعَيْنِ، إِلا حَرْفَيْنِ: مَأْقي الْعَيْنِ، ومَأْوِي الإِبل، وَهُمَا نَادِرَانِ، وَاللُّغَةُ الْعَالِيَةُ فِيهِمَا مَأْوَى ومُوق وماقٌ، ويُجْمَع الْآوِي مِثْلَ الْعَاوِي أُوِيّاً بِوَزْنِ عُوِيّاً؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الْعَجَّاجِ:
فَخَفَّ والجَنادِلُ الثُّوِيُّ، ... كَمَا يُداني الحِدَأُ الأُوِيُ
شَبَّهَ الأَثافي واجتماعَها بحدإِ انْضَمَّتْ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى
؛ جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ: أَنها جَنَّةٌ تَصِيرُ إِليها أَرواح الشُّهَدَاءِ. وأَوَّيْتُ الرجلَ كآوَيْته؛ قَالَ الْهُذَلِيُّ:
قَدْ حالَ دونَ دَريسَيْهِ مُؤَوِّيةٌ ... مِسْعٌ، لَهَا بِعضاهِ الأَرضِ تَهْزيزُ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَكَذَا رَوَاهُ يَعْقُوبُ، وَالصَّحِيحُ مؤوِّبةٌ، وَقَدْ رَوَى يَعْقُوبُ مُؤَوِّبَةٌ أَيضاً ثُمَّ قَالَ: إِنها رِوَايَةٌ أُخرى. والمَأْوَى والمَأْوَاة: المكانُ، وَهُوَ المَأْوِي. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: المَأْوَى كُلُّ مَكَانٍ يأْوي إِليه شَيْءٌ لَيْلًا أَو نَهَارًا. وجَنَّةُ الْمَأْوى
: قِيلَ جَنَّةُ المَبيت. وتَأَوَّت الطَّيْرُ تَأَوِّياً: تَجَمَّعَتْ بعضُها إِلى بَعْضٍ، فَهِيَ مُتَأَوِّيَة ومُتَأَوِّياتٌ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَيَجُوزُ تَآوَتْ بِوَزْنِ تَعاوَتْ عَلَى تَفاعَلَتْ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وهُنَّ أُوِيٌّ جَمْعُ آوٍ مِثْلُ باكٍ وبُكِيٍّ، واستعمله الحرثُ بْنُ حِلِّزة فِي غَيْرِ الطَّيْرِ فَقَالَ:
فتَأَوَّتْ لَهُ قَراضِبةٌ مِنْ ... كلِّ حَيٍّ، كأَنَّهم أَلْقاءُ
وَطَيْرٌ أُوِيٌّ: مُتَأَوِّياتٌ كأَنه عَلَى حَذْفِ الزَّائِدِ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وقرأْت فِي نَوَادِرِ الأَعراب تَأَوَّى الجُرْحُ وأَوَى وتَآوَى وآوَى إِذا تَقَارَبَ لِلْبُرْءِ. التَّهْذِيبُ: وَرَوَى ابْنُ شُمَيْلٍ عَنِ الْعَرَبِ أَوَّيتُ بِالْخَيْلِ تَأْوِيَةً إِذا دَعَوْتَهَا آوُوه لتَريعَ إِلى صَوْتِك؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
فِي حاضِر لَجِبٍ قاسٍ صَواهِلُهُ، ... يُقَالُ لِلْخَيْلِ فِي أَسْلافِه: آوُو
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ دُعَاءِ الْعَرَبِ خَيْلَهَا، قَالَ: وَكُنْتُ فِي الْبَادِيَةِ مَعَ غُلَامٍ عَرَبِيٍّ يَوْمًا مِنَ الأَيام فِي خَيْلٍ نُنَدِّيها عَلَى الْمَاءِ، وَهِيَ مُهَجِّرة تَرُودُ فِي جَناب الحِلَّة، فَهَبَّتْ رِيحٌ ذَاتُ إِعْصار وجَفَلَتِ الخيلُ وركبت رؤوسَها، فَنَادَى رَجُلٌ مِنْ بَنِي مُضَرّس الْغُلَامَ الَّذِي كَانَ مَعِي وَقَالَ لَهُ: أَلا وأَهِبْ بِهَا ثُمَّ أَوِّ بِهَا تَرِعْ إِلى صَوْتِكَ، فَرَفَعَ الْغُلَامُ صَوْتَهُ وَقَالَ: هابْ هابْ، ثُمَّ قَالَ: آوْ فراعَتِ الخيلُ إِلى صَوْتِهِ؛ وَمِنْ هَذَا قَوْلُ عَدِيِّ بْنِ الرِّقاع يَصِفُ الْخَيْلَ:
هُنَّ عُجْمٌ، وَقَدْ عَلِمْنَ من القَوْلِ: ... هَبي واقْدُمي وآوُو وَقُومِي
وَيُقَالُ لِلْخَيْلِ: هَبي وَهَابِي واقْدُمي واقْدمي، كُلُّهَا لُغَاتٌ، وَرُبَّمَا قِيلَ لَهَا مِنْ بَعِيدٍ: آيْ، بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ. يُقَالُ: أَوَّيْتُ بِهَا فتأَوَّتْ تَأَوِّياً إِذا انْضَمَّ بعضُها إِلى بَعْضٍ كَمَا يَتَأَوَّى الناسُ؛ وأَنشد بَيْتَ ابْنِ حلِّزة:(14/52)
فتَأَوَّتْ له قَرَاضِبَةٌ مِنْ ... كُلِّ حيٍّ، كأَنهم أَلقاءُ
وإِذا أَمرتَ مِنْ أَوَى يَأْوِي قَلْتَ: ائْوِ إِلى فُلَانٍ أَي انضمَّ إِليه، وأَوِّ لِفُلَانٍ أَي ارْحمه، والافتعالُ مِنْهُمَا ائْتَوَى يَأْتَوِي. وأَوَى إِليه أَوْيَةً وأَيَّةً ومَأْوِيَةً ومَأْوَاةً: رَقَّ ورَثى لَهُ؛ قَالَ زُهَيْرٌ:
بانَ الخَلِيطُ وَلَمْ يَأْوُوا لمنْ تَرَكُوا «2»
. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يُخَوِّي فِي سُجُودِهِ حَتَّى كُنَّا نَأْوِي لَهُ
؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: مَعْنَى قوله
كنا نَأْوِي لَهُ
بِمَنْزِلَةِ قَوْلِكَ كُنَّا نَرْثي لَهُ ونُشْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ شدَّة إِقلاله بَطْنَه عَنِ الأَرض ومَدِّه ضَبُعَيْه عَنْ جَنْبَيه. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ:
كَانَ يُصَلِّي حَتَّى كنتُ آوِي لَهُ
أَي أَرِقُّ لَهُ وأَرثي. وَفِي حَدِيثِ
الْمُغِيرَةِ: لَا تَأْوِي مِنْ قلَّة
أَي لَا تَرْحَمُ زَوْجَهَا وَلَا تَرِقُّ لَهُ عِنْدَ الإِعدام؛ وَقَوْلُهُ:
أَراني، وَلَا كُفْرانَ لِلَّهِ، أَيَّةً ... لنَفْسِي، لَقَدْ طالَبْتُ غيرَ مُنِيلِ
فإِنه أَراد أَوَيْتُ لِنَفْسِي أَيَّةً أَي رَحِمْتُهَا ورَقَقْتُ لَهَا؛ وَهُوَ اعْتِرَاضٌ وقولُه: وَلَا كُفْرَانَ لِلَّهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا كُفْرَانَ لِلَّهِ، قَالَ أَي غَيْرِ مُقْلَق مِنَ الفَزَع، أَراد لَا أَكفر لِلَّهِ أَيَّةً لِنَفْسِي، نَصَبَهُ لأَنه مَفْعُولٌ لَهُ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: أَوَيْت لِفُلَانٍ أَوْيَةً وأَيَّةً، تُقْلَبُ الْوَاوُ يَاءً لِسُكُونِ مَا قَبْلَهَا وَتُدْغَمُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ لِاجْتِمَاعِهَا مَعَ الْيَاءِ وَسَبْقِهَا بِالسُّكُونِ. واسْتَأْوَيْتُه أَي اسْتَرحمته استِيواءً؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
عَلَى أَمْرِ مَنْ لَمْ يُشْوِني ضُرُّ أَمْرِه، ... وَلَوْ أَنِّيَ اسْتَأْوَيْتُه مَا أَوَى لِيَا
وأَما حَدِيثُ
وَهْبٍ: إِن اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ إِني أَوَيْتُ عَلَى نَفْسِي أَن أَذْكُرَ مَنْ ذَكَرَنِي
، قَالَ ابْنُ الأَثير: قَالَ الْقُتَيْبِيُّ هَذَا غَلَطٌ إِلا أَن يَكُونَ مِنَ الْمَقْلُوبِ، وَالصَّحِيحُ وَأَيْتُ عَلَى نَفْسِي مِنَ الوَأْي الوَعْدِ، يَقُولُ: جَعَلْتُهُ وَعْداً عَلَى نَفْسِي. وَذَكَرَ ابْنُ الأَثير فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ حَدِيثُ الرُّؤْيَا:
فاسْتَأَى لَهَا
؛ قَالَ: بِوَزْنِ اسْتَقى، ورُوي: فاسْتاء لَهَا، بِوَزْنِ اسْتاق، قَالَ: وَكِلَاهُمَا مِنَ المَساءَة أَي ساءَتْه، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي تَرْجَمَةِ سوأَ؛ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ اسْتالَها بِوَزْنٍ اخْتارَها فَجَعَلَ اللَّامَ مِنَ الأَصل، أَخذه مِنَ التأْويل أَي طَلَبَ تأْويلَها، قَالَ: وَالصَّحِيحُ الأَول. أَبو عَمْرٍو: الأُوَّة الدَّاهِيَةُ، بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ. قَالَ: وَيُقَالُ مَا هِيَ إِلا أُوَّةٌ مِنَ الأُوَوِ يَا فَتَى أَي داهيةٌ مِنَ الدَّوَاهِي؛ قَالَ: وَهَذَا مِنْ أَغرب مَا جَاءَ عَنْهُمْ حَتَّى جَعَلُوا الْوَاوَ كَالْحَرْفِ الصَّحِيحِ فِي مَوْضِعِ الإِعراب فَقَالُوا الأُوَوُ، بِالْوَاوِ الصَّحِيحَةِ، قَالَ: وَالْقِيَاسُ فِي ذَلِكَ الأُوَى مِثَالُ قُوّة وقُوىً، وَلَكِنْ حُكِيَ هَذَا الْحَرْفُ مَحْفُوظًا عَنِ الْعَرَبِ. قَالَ الْمَازِنِيُّ: آوَّةٌ مِنَ الْفِعْلِ فاعلةٌ، قَالَ: وأَصله آوِوَةٌ فأُدغمت الْوَاوُ فِي الْوَاوِ وشُدّت، وَقَالَ أَبو حَاتِمٍ: هُوَ مِنَ الْفِعْلِ فَعْلةٌ بِمَعْنَى أَوَّة، زِيدَتْ هَذِهِ الأَلف كَمَا قَالُوا ضَربَ حاقَّ رأْسه، فَزَادُوا هَذِهِ الأَلف؛ وَلَيْسَ آوَّه بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ الشَّاعِرِ:
تأَوَّه آهةَ الرجلِ الحَزينِ
لأَن الْهَاءَ فِي آوَّه زَائِدَةٌ وَفِي تأَوَّه أَصلية، أَلا تَرَى أَنهم يَقُولُونَ آوَّتًا، فَيَقْلِبُونَ الْهَاءَ تَاءً؟ قَالَ أَبو حَاتِمٍ: وَقَوْمٌ مِنَ الأَعراب يَقُولُونَ آوُوه، بِوَزْنِ عاوُوه، وَهُوَ مِنَ الْفِعْلِ فاعُولٌ، وَالْهَاءُ فِيهِ أَصلية. ابْنُ سِيدَهْ: أَوَّ لَهُ كَقَوْلِكَ أَوْلى لَهُ، وَيُقَالُ لَهُ أَوِّ مِنْ كَذَا، عَلَى مَعْنَى التَّحَزُّنِ، عَلَى مِثَالِ قَوِّ، وَهُوَ مِنْ مُضَاعَفِ الْوَاوِ؛ قَالَ:
__________
(2) . عجزالبيت:
وَزَوَّدُوكَ اشْتِيَاقًا أَيَّةً سَلَكُوا(14/53)
فأَوِّ لِذِكراها، إِذا مَا ذَكَرْتُها، ... وَمِنْ بُعْدِ أَرضٍ دُونَنا وَسَمَاءِ
قَالَ الْفَرَّاءُ: أَنشدنيه ابْنُ الْجَرَّاحِ:
فأَوْه مِن الذِّكْرَى إِذا مَا ذكرتُها
قَالَ: وَيَجُوزُ فِي الْكَلَامِ مَنْ قَالَ أَوْهِ، مَقْصُورًا، أَن يَقُولَ فِي يَتَفَعَّل يَتأَوَّى وَلَا يَقُولُهَا بِالْهَاءِ. وَقَالَ أَبو طَالِبٍ: قَوْلُ الْعَامَّةِ آوَّهْ، مَمْدُودٌ، خطأٌ إِنما هُوَ أَوَّهْ مِنْ كَذَا وأَوْهِ مِنْهُ، بِقَصْرِ الأَلف. الأَزهري: إِذا قَالَ الرَّجُلُ أَوَّهْ مِنْ كَذَا رَدّ عَلَيْهِ الآخرُ عَلَيْكَ أَوْهَتُك، وَقِيلَ: أَوَّه فِعْلَةٌ، هَاؤُهَا للتأْنيث لأَنهم يَقُولُونَ سَمِعْتُ أَوَّتَك فَيَجْعَلُونَهَا تَاءً؛ وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّيْثُ أَوَّهْ بِمَنْزِلَةِ فَعْلَةٍ أَوَّةً لَكَ. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ أَوْهِ عَلَى زَيْدٍ، كَسَرُوا الْهَاءَ وَبَيَّنُوهَا. وَقَالُوا: أَوَّتا عَلَيْكَ، بِالتَّاءِ، وَهُوَ التهلف عَلَى الشَّيْءِ، عَزِيزًا كَانَ أَو هَيِّنًا. قَالَ النَّحْوِيُّونَ: إِذا جَعَلْتَ أَوّاً اسْمًا ثقلتَ وَاوَهَا فَقُلْتَ أَوٌّ حَسَنَةٌ، وَتَقُولُ دَعِ الأَوَّ جَانِبًا، تَقُولُ ذَلِكَ لِمَنْ يَسْتَعْمِلُ فِي كَلَامِهِ افْعَلْ كَذَا أَو كَذَا، وَكَذَلِكَ تُثَقِّلُ لَوّاً إِذا جَعَلْتَهُ اسْمًا؛ وَقَالَ أَبو زُبَيْدٍ:
إِنَّ لَيْتاً وإِنَّ لَوّاً عَناءُ
وَقَوْلُ الْعَرَبِ: أَوِّ مِنْ كَذَا، بِوَاوٍ ثَقِيلَةٍ، هُوَ بِمَعْنَى تَشَكِّي مشقَّةٍ أَو همٍّ أَو حُزْنٍ. وأَوْ: حَرْفُ عَطْفٍ. وأَو: تَكُونُ لِلشَّكِّ وَالتَّخْيِيرِ، وَتَكُونُ اخْتِيَارًا. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: أَو حَرْفٌ إِذا دَخَلَ الْخَبَرَ دلَّ عَلَى الشَّكِّ والإِبهام، وإِذا دَخَلَ الأَمر وَالنَّهْيَ دَلَّ عَلَى التَّخْيِيرِ والإِباحة، فأَما الشَّكُّ فَقَوْلُكَ: رأَيت زَيْدًا أَو عَمْرًا، والإِبهام كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ؛ وَالتَّخْيِيرُ كَقَوْلِكَ: كُلِ السَّمَكَ أَو اشْرَبِ اللَّبَنَ أَي لَا تَجْمَعْ بَيْنَهُمَا، والإِباحة كَقَوْلِكَ: جَالِسِ الْحَسَنَ أَو ابْنَ سِيرِينَ، وَقَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى إِلى أَن، تَقُولُ: لأَضربنه أَو يتوبَ، وَتَكُونُ بِمَعْنَى بَلْ فِي تَوَسُّعِ الْكَلَامِ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
بَدَتْ مِثْلَ قَرْنِ الشمسِ فِي رَوْنَقِ الضُّحَى ... وصُورَتِها، أَو أَنتِ فِي العَينِ أَمْلَحُ
يُرِيدُ: بَلْ أَنت. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ؛ قَالَ ثَعْلَبٌ: قَالَ الْفَرَّاءُ بَلْ يَزِيدُونَ، قَالَ: كَذَلِكَ جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ مَعَ صِحَّتِهِ فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ إِلى مِائَةِ أَلف عِنْدَ النَّاسِ أَو يَزِيدُونَ عِنْدَ النَّاسِ، وَقِيلَ: أَو يَزِيدُونَ عِنْدَكُمْ فَيَجْعَلُ مَعْنَاهَا لِلْمُخَاطَبِينَ أَي هُمْ أَصحاب شارَةٍ وزِيٍّ وَجَمَالٍ رَائِعٍ، فإِذا رَآهُمُ النَّاسُ قَالُوا هَؤُلَاءِ مِائَتَا أَلف. وَقَالَ أَبو الْعَبَّاسِ الْمُبَرِّدِ: إِلى مِائَةِ أَلْفٍ فَهُمْ فَرْضُه الَّذِي عَلَيْهِ أَن يؤَدّيه؛ وَقَوْلُهُ أَوْ يَزِيدُونَ، يَقُولُ: فإِن زَادُوا بالأَولاد قَبْلَ أَن يُسْلموا فادْعُ الأَولاد أَيضاً فَيَكُونُ دُعَاؤُكَ للأَولاد نَافِلَةً لَكَ لَا يَكُونُ فَرْضًا؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَو فِي قَوْلِهِ أَوْ يَزِيدُونَ للإِبهام، عَلَى حَدِّ قَوْلِ الشَّاعِرِ:
وهَلْ أَنا إِلَّا مِنْ ربيعةَ أَو مُضَرْ
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وأَرسلناه إِلى جَمْعٍ لَوْ رأَيتموهم لَقُلْتُمْ هُمْ مِائَةُ أَلف أَو يَزِيدُونَ، فَهَذَا الشَّكُّ إِنما دَخَلَ الْكَلَامَ عَلَى حِكَايَةِ قَوْلِ الْمَخْلُوقِينَ لأَن الْخَالِقَ جَلَّ جَلَالُهُ لَا يَعْتَرِضُهُ الشَّكُّ فِي شَيْءٍ مِنْ خَبَرِهِ، وَهَذَا أَلطف مِمَّا يُقَدَّرُ فِيهِ. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ أَوْ يَزِيدُونَ: إِنما هِيَ وَيَزِيدُونَ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا؛ قَالَ: تَقْدِيرُهُ وأَن نَفْعَلَ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وأَما قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِي آيَةِ الطَّهَارَةِ: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ(14/54)
النِّساءَ* «1» أَما الأَول فِي قَوْلِهِ: أَوْ عَلى سَفَرٍ*، فَهُوَ تَخْيِيرٌ، وأَما قَوْلُهُ: أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ*، فَهُوَ بِمَعْنَى الْوَاوِ الَّتِي تُسَمَّى حَالًا؛ الْمَعْنَى: وَجَاءَ أَحد مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَي فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَلَا يَجُوزُ أَن يَكُونَ تَخْيِيرًا، وأَما قَوْلُهُ: أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ*، فَهِيَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى مَا قَبْلَهَا بِمَعْنَاهَا؛ وأَما قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً؛ فإِن الزَّجَّاجَ قَالَ: أَو هاهنا أَوكد مِنَ الْوَاوِ، لأَن الْوَاوَ إِذا قلتَ لَا تُطِعْ زَيْدًا وَعَمْرًا فأَطاع أَحدهما كَانَ غَيْرَ عَاصٍ، لأَنه أَمره أَن لَا يُطِيعَ الِاثْنَيْنِ، فإِذا قَالَ: وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً، فأَوْ قَدْ دَلَّتْ عَلَى أَنّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَهل أَن يُعْصَى. وَتَكُونُ بِمَعْنَى حَتَّى، تَقُولُ: لأَضربنك أَو تقومَ، وَبِمَعْنَى إِلَّا أَنْ، تَقُولُ: لأَضربنَّك أَو تَسْبقَني أَي إِلا أَن تَسْبِقَنِي. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَو إِذا كَانَتْ بِمَعْنَى حَتَّى فَهُوَ كَمَا تَقُولُ لَا أَزالُ مُلَازِمُكَ أَو تُعْطِينِي «2» . وإِلا أَن تُعْطِينِي؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ؛ مَعْنَاهُ حَتَّى يَتُوبَ عَلَيْهِمْ وإِلا أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:
يُحاوِلُ مُلْكاً أَو يَموتَ فيُعْذَرا
مَعْنَاهُ: إِلا أَن يَمُوتَ. قَالَ: وأَما الشَّكُّ فَهُوَ كَقَوْلِكَ خَرَجَ زَيْدٌ أَو عَمْرٌو، وَتَكُونُ بِمَعْنَى الْوَاوِ؛ قَالَ الْكِسَائِيُّ وَحْدَهُ: وَتَكُونُ شَرْطًا؛ أَنشد أَبو زَيْدٍ فِيمَنْ جَعَلَهَا بِمَعْنَى الْوَاوِ:
وقَدْ زَعَمَتْ لَيْلَى بأَنِّيَ فاجِرٌ؛ ... لِنَفْسِي تُقاها أَو عَليها فُجُورُها
مَعْنَاهُ: وَعَلَيْهَا فُجُورُهَا؛ وأَنشد الْفَرَّاءُ:
إِنَّ بِهَا أَكْتَلَ أَوْ رِزامَا، ... خُوَيْرِبانِ يَنقُفَان الْهامَا «3»
. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ: أَو مِنْ حُرُوفِ الْعَطْفِ وَلَهَا ثَلَاثَةُ مَعَانٍ: تَكُونُ لأَحد أَمرين عِنْدَ شَكِّ الْمُتَكَلِّمِ أَو قَصْدِهِ أَحدهما، وَذَلِكَ كَقَوْلِكَ أَتيت زَيْدًا أَو عَمْرًا، وَجَاءَنِي رَجُلٌ أَو امرأَة، فَهَذَا شَكٌّ، وأَما إِذا قَصَدَ أَحدهما فَكَقَوْلِكَ كُلِ السمَكَ أَو اشربِ اللبنَ أَي لَا تَجْمَعْهُمَا وَلَكِنِ اخْتَر أَيَّهما شِئْتَ، وأَعطني دِينَارًا أَو اكْسُني ثَوْبًا، وَتَكُونُ بِمَعْنَى الإِباحة كَقَوْلِكَ: ائْتِ الْمَسْجِدَ أَو السُّوقَ أَي قَدْ أَذنت لَكَ فِي هَذَا الضَّرْبِ مِنَ الناس «4» ، فإِن نَهَيْتَهُ عَنْ هَذَا قُلْتَ: لَا تُجَالِسْ زَيْدًا أَو عَمْرًا أَي لَا تُجَالِسْ هَذَا الضَّرْبَ مِنَ النَّاسِ، وَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً؛ أَي لَا تُطِعْ أَحداً مِنْهُمَا، فَافْهَمْهُ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: أَوَلَمْ يَرَوْا*، أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ؛ إِنها وَاوٌ مُفْرَدَةٌ دَخَلَتْ عَلَيْهَا أَلف الِاسْتِفْهَامِ كَمَا دَخَلَتْ عَلَى الْفَاءِ وَثُمَّ وَلَا. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ إِنه لِفُلَانٍ أَو مَا تنحد فرطه ولآتِينك أَو مَا تنحد فرطه «5» . أَي لَآتِيَنَّكَ حَقًّا، وَهُوَ تَوْكِيدٌ. وابنُ آوَى: معرفةٌ، دُوَيبَّةٌ، وَلَا يُفْصَلُ آوَى مِنِ ابْنِ. الْجَوْهَرِيُّ: ابْنُ آوَى يُسَمَّى بِالْفَارِسِيَّةِ شَغَالْ، وَالْجَمْعُ بناتُ آوَى، وآوَى لَا يَنْصَرِفُ لأَنه أَفعل وَهُوَ مَعْرِفَةٌ. التَّهْذِيبُ: الْوَاوَا صِيَاحُ العِلَّوْض، وَهُوَ ابْنُ آوَى، إِذا جَاعَ. قَالَ اللَّيْثُ: ابْنُ آوَى لَا يُصْرَفُ عَلَى حَالٍ وَيُحْمَلُ عَلَى أَفْعَلَ مِثْلَ أَفْعَى وَنَحْوَهَا، وَيُقَالُ فِي جَمْعِهِ بَنَاتُ آوَى، كَمَا يُقَالُ بناتُ
__________
(1) . الآية
(2) . لعل هنا سقطاً من الناسخ، وأصله: معناه حتى تعطيني وإلا إلخ
(3) . قوله [خويربان] هكذا بالأصل هنا مرفوعاً بالألف كالتكملة وأنشده في غير موضع كالصحاح خويربين بالياء وهو المشهور
(4) . قوله [ائْتِ الْمَسْجِدَ أَوِ السُّوقَ أَيْ قَدْ أَذَنْتُ لَكَ فِي هَذَا الضَّرْبِ مِنَ الناس] هكذا في الأصل
(5) . قوله [أَوْ مَا تنحد فرطه إلخ] كذا بالأصل بدون نقط(14/55)
نَعْش وبناتُ أَوْبَرَ، وَكَذَلِكَ يُقَالُ بناتُ لَبُون فِي جَمْعِ ابْنِ لِبَوْنٍ ذَكَرٍ. وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: إِنما قِيلَ فِي الْجَمْعِ بَنَاتٌ لتأْنيث الْجَمَاعَةِ كَمَا يُقَالُ لِلْفَرَسِ إِنه مِنْ بَنَاتِ أَعْوَجَ، وَالْجَمَلُ إِنه مِنْ بَنَاتِ داعِرٍ، وَلِذَلِكَ قَالُوا رأَيت جِمَالًا يَتَهادَرْنَ وَبَنَاتِ لِبَوْنٍ يَتَوَقَّصْنَ وبناتِ آوَى يَعْوينَ كَمَا يُقَالُ لِلنِّسَاءِ، وإِن كَانَتْ هَذِهِ الأَشياء ذكوراً.
أيا: أَيّ: حَرْفُ اسْتِفْهَامٍ عَمَّا يَعْقِلُ وَمَا لَا يَعْقِلُ، وَقَوْلُهُ:
وأَسماء، مَا أَسْماءُ ليلةَ أَدْلَجَتْ ... إِليَّ، وأَصْحابي بأَيَّ وأَيْنَما
فإِنه جَعَلَ أَيّ اسْمًا لِلْجِهَةِ، فَلَمَّا اجْتَمَعَ فِيهِ التَّعْرِيفُ والتأْنيث مَنَعَهُ الصَّرْفَ، وأَما أَينما فَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ؛ وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ:
تَنَظَّرْتُ نَصْراً والسِّماكَيْنِ أَيْهُما ... عَليَّ مِنَ الغَيْثِ اسْتَهَلَّتْ مواطِرُهْ
إِنما أَراد أَيُّهما، فَاضْطَرَّ فَحَذَفَ كَمَا حَذَفَ الْآخَرُ فِي قَوْلِهِ:
بَكى، بعَيْنَيك، واكفُ القَطْرِ ... ابنَ الحَواري العاليَ الذِّكْرِ
إِنما أَراد: ابْنُ الْحَوَارِيِّ، فَحَذَفَ الأَخيرة مِنْ يَاءَيِ النَّسَبِ اضْطِرَارًا. وَقَالُوا: لأَضربن أَيُّهم أَفضلُ؛ أَيُّ مَبْنِيَّةٌ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَعْمَلْ فِيهَا الفعلُ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: وسأَلت الْخَلِيلَ عَنْ أَيِّي وأَيُّك كَانَ شَرًّا فأَخزاه اللَّهُ فَقَالَ: هَذَا كَقَوْلِكَ أَخزى اللَّهُ الكاذبَ مِنِّي وَمِنْكَ، إِنما يُرِيدُ منَّا فإِنما أَراد أَيُّنا كَانَ شَرّاً، إِلا أَنهما لَمْ يَشْتَرِكَا فِي أَيٍّ، وَلَكِنَّهُمَا أَخْلَصاهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ التَّهْذِيبُ: قَالَ سِيبَوَيْهِ سأَلت الْخَلِيلَ عَنْ قَوْلِهِ:
فأَيِّي مَا وأَيُّكَ كَانَ شَرّاً، ... فسِيقَ إِلى المقامَةِ لَا يَراها
فَقَالَ: هَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ الرَّجُلِ الكاذبُ مِنِّي وَمِنْكَ فِعْلُ اللَّهِ بِهِ؛ وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنما يُرِيدُ أَنك شرٌّ وَلَكِنَّهُ دَعَا عَلَيْهِ بِلَفْظٍ هُوَ أَحسن مِنَ التَّصْرِيحِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ؛ وأَنشد المُفَضَّلُ:
لَقَدْ عَلِم الأَقوامُ أَيِّي وأَيُّكُمْ ... بَني عامِرٍ، أَوْفى وَفاءً وأَظْلَمُ
مَعْنَاهُ: عَلِمُوا أَني أَوْفى وَفاءً وأَنتم أَظلم، قَالَ: وَقَوْلُهُ فأَيي مَا وأَيك، أَيّ مَوْضِعُ رفع لأَنه اسم مكان، وأَيك نُسِّقَ عَلَيْهِ، وَشَرًّا خَبَرُهَا، قَالَ: وَقَوْلُهُ:
فَسِيقَ إِلى الْمَقَامَةِ لَا يَرَاهَا
أَي عَمِيَ، دُعَاءٌ عَلَيْهِ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي ذَرٍّ أَنه قَالَ لِفُلَانٍ: أَشهد أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ إِني أَو إِياك فرعونُ هَذِهِ الأُمة
؛ يُرِيدُ أَنك فرعونُ هَذِهِ الأُمة، وَلَكِنَّهُ أَلقاه إِليه تَعْرِيضًا لَا تَصَرِيحًا، وَهَذَا كَمَا تَقُولُ أَحدُنا كاذبٌ وأَنت تَعْلَمُ أَنك صَادِقٌ وَلَكِنَّكَ تُعَرِّضُ بِهِ. أَبو زَيْدٍ: صَحِبه اللَّهُ أَيَّا مَا تَوَجَّهَ؛ يُرِيدُ أَينما تَوَجَّهَ. التَّهْذِيبُ: رُوِيَ عَنْ أَحمد بْنِ يَحْيَى وَالْمُبَرِّدِ قَالَا: لأَيّ ثَلَاثَةُ أُصول: تَكُونُ اسْتِفْهَامًا، وَتَكُونُ تَعَجُّبًا، وَتَكُونُ شَرْطًا؛ وأَنشد:
أَيّاً فَعَلْتَ، فإِنني لَكَ كاشِحٌ، ... وَعَلَى انْتِقاصِك فِي الحَياةِ وأَزْدَدِ
قَالَا جزَمَ قَوْلَهُ: وأَزْدَد عَلَى النَّسَقِ عَلَى مَوْضِعِ الْفَاءِ الَّتِي فِي فإِنني، كأَنه قَالَ: أَيّاً تفعلْ أُبْغِضْكَ وأَزْدَدْ؛ قَالَا: وَهُوَ مِثْلُ مَعْنَى قِرَاءَةِ مَنْ قرأَ: فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ، فَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ إِن تُؤَخِّرْنِي أَصَّدَّق وأَكن، قَالَا: وإِذا كَانَتْ أَيٌّ اسْتِفْهَامًا لَمْ يَعْمَلْ فِيهَا(14/56)
الْفِعْلُ الَّذِي قَبْلَهَا، وإِنما يَرْفَعُهَا أَو يَنْصِبُهَا مَا بَعْدَهَا. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً
؛ قَالَ الْمُبَرِّدُ: فأَيٌّ رُفِعَ، وأَحصى رُفِعَ بِخَبَرِ الِابْتِدَاءِ. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: أَيٌّ رافعهُ أَحصى، وَقَالَا: عَمِلَ الْفِعْلُ فِي الْمَعْنَى لَا فِي اللَّفْظِ كأَنه قَالَ لِنَعْلَمَ أَيّاً مِنْ أَيٍّ، ولنَعْلم أَحَدَ هَذَيْنِ، قَالَا: وأَما الْمَنْصُوبَةُ بِمَا بَعْدَهَا فَقَوْلُهُ: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ
؛ نَصَبَ أَيّاً بِيَنْقَلِبُونَ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَيٌّ إِذا أَوْقَعْتَ الْفِعْلَ الْمُتَقَدِّمَ عَلَيْهَا خَرَجَتْ مِنْ مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ، وَذَلِكَ إِن أَردته جَائِزٌ، يَقُولُونَ لأَضْربنَّ أَيُّهم يَقُولُ ذَلِكَ، لأَن الضَّرْبَ عَلَى اسْمٍ يأْتي بَعْدَ ذَلِكَ اسْتِفْهَامٌ، وَذَلِكَ أَن الضرب لا يقع اننين «1» . قَالَ: وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا
؛ مَنْ نَصَبَ أَيّاً أَوقع عَلَيْهَا النَّزْعَ وَلَيْسَ بِاسْتِفْهَامٍ كأَنه قَالَ لَنَسْتَخْرِجَنَّ الْعَاتِي الَّذِي هُوَ أَشدّ، ثُمَّ فَسَّرَ الْفَرَّاءُ وَجْهَ الرَّفْعِ وَعَلَيْهِ الْقُرَّاءُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِ ثَعْلَبٍ وَالْمُبَرِّدِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: وأَيّ إِذا كَانَتْ جَزَاءً فَهِيَ عَلَى مَذْهَبِ الَّذِي قَالَ وإِذا كَانَ أَيّ تَعَجُّبًا لَمْ يُجَازَ بِهَا لأَن التَّعَجُّبَ لَا يُجَازَى بِهِ، وَهُوَ كَقَوْلِكَ أَيُّ رَجُلٍ زيدٌ وأَيُّ جاريةٍ زينبُ، قَالَ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ أَيّ وأَيّانِ وأَيُّونَ، إِذا أَفردوا أَيّاً ثَنَّوْها وَجَمَعُوهَا وأَنثوها فَقَالُوا أَيّة وأَيَّتَان وأَيّاتٌ، وإِذا أَضافوها إِلى ظاهرٍ أَفردوها وذكَّروها فَقَالُوا أَيّ الرَّجُلَيْنِ وأَيّ المرأَتين وأَيّ الرِّجَالِ وأَيّ النِّسَاءِ، وإِذا أَضافوا إِلَى المَكْنِيّ الْمُؤَنَّثِ ذكَّروا وأَنَّثوا فَقَالُوا أَيُّهما وأَيَّتهما للمرأَتين، وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: أَيًّا مَا تَدْعُوا
؛ وَقَالَ زُهَيْرٌ فِي لُغَةِ مَنْ أَنَّث:
وزَوَّدُوك اشْتياقاً أَيَّةً سَلَكوا
أَراد: أَيَّةَ وُجْهةٍ سَلَكُوا، فأَنثها حِينَ لَمْ يُضِفْهَا، قَالَ: وَلَوْ قُلْتَ أَيّاً سَلَكُوا بِمَعْنَى أَيَّ وَجْه سَلَكُوا كَانَ جَائِزًا. وَيَقُولُ لَكَ قَائِلٌ: رأَيتُ ظَبْياً، فَتُجِيبُهُ: أَيّاً، وَيَقُولُ: رأَيت ظَبْيَيْنِ، فَتَقُولُ: أَيَّين، وَيَقُولُ: رأَيت ظِباءً، فَتَقُولُ: أَيَّات، وَيَقُولُ: رأَيت ظَبْيَةً، فَتَقُولُ: أَيَّةً. قَالَ: وإِذا سأَلت الرَّجُلَ عَنْ قَبِيلَتِهِ قُلْتَ المَيِّيُّ، وإِذا سأَلته عَنْ كَوْرَتِهِ قُلْتَ الأَيِّيُّ، وَتَقُولُ مَيِّيٌّ أَنت وأَيِّيٌّ أَنت، بِيَاءَيْنِ شَدِيدَتَيْنِ. وَحَكَى الْفَرَّاءُ عَنِ الْعَرَبِ فِي لُغَيَّة لَهُمْ: أَيُّهم مَا أَدرك يَرْكَبُ عَلَى أَيّهم يُرِيدُ. وَقَالَ اللَّيْثُ: أَيَّانَ هِيَ بِمَنْزِلَةِ مَتَى، قَالَ: ويُخْتَلَف فِي نُونِهَا فَيُقَالُ أَصلية، وَيُقَالُ زَائِدَةٌ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَصل أَيَّانَ أَيَّ أَوانٍ، فَخَفَّفُوا الْيَاءَ مِنْ أَيّ وَتَرَكُوا هَمْزَةَ أَوان، فَالْتَقَتْ يَاءٌ سَاكِنَةٌ بَعْدَهَا وَاوٌ، فأُدغمت الْوَاوُ فِي الْيَاءِ؛ حَكَاهُ عَنِ الْكِسَائِيِّ، قَالَ: وأَما قَوْلُهُمْ فِي النِّدَاءِ أَيُّها الرَّجُلُ وأَيَّتُها المرأَة وأَيُّها النَّاسُ فإِن الزَّجَّاجَ قَالَ: أَيُّ اسْمٌ مُبْهَمٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ مِنْ أَيها الرَّجُلُ لأَنه مُنَادَى مُفْرَدٌ، وَالرَّجُلُ صِفَةٌ لأَيّ لَازِمَةٌ، تَقُولُ يَا أَيها الرَّجُلُ أَقبل، وَلَا يَجُوزُ يَا الرَّجُلُ، لأَن يَا تَنْبِيهٌ بِمَنْزِلَةِ التَّعْرِيفِ فِي الرَّجُلِ فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ يَا وَبَيْنَ الأَلف وَاللَّامِ فَتَصِلُ إِلى الأَلف وَاللَّامِ بأَيّ، وَهَا لَازِمَةٌ لأَيّ لِلتَّنْبِيهِ، وَهِيَ عِوَضٌ مِنَ الإِضافة فِي أَيّ، لأَن أَصل أَيّ أَن تَكُونَ مُضَافَةً إِلى الِاسْتِفْهَامِ وَالْخَبَرِ، والمُنادى فِي الْحَقِيقَةِ الرجلُ، وأَيّ وُصْلَة إِليه، وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: إِذا قُلْتَ يَا أَيُّها الرَّجُلُ، فَيَا نِدَاءٌ، وأَيّ اسْمُ مُنَادَى، وَهَا تَنْبِيهٌ، وَالرَّجُلُ صِفَةٌ، قَالُوا ووُصِلَتْ أَيّ بِالتَّنْبِيهِ فَصَارَا اسْمًا تَامًّا لأَن أَيًّا وَمَا وَمَنْ وَالَّذِي أَسماء نَاقِصَةٌ لَا تَتِمُّ إِلا بِالصِّلَاتِ، وَيُقَالُ الرَّجُلُ تَفْسِيرٌ لِمَنْ نُودِيَ. وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: سأَلت الْمُبَرِّدَ عن أَيْ مفتوحة
__________
(1) . قوله [لأَن الضرب إلخ] كذا بالأصل(14/57)
سَاكِنَةً مَا يَكُونُ بَعْدَهَا فَقَالَ: يَكُونُ الَّذِي بَعْدَهَا بَدَلًا، وَيَكُونُ مستأْنفاً وَيَكُونُ مَنْصُوبًا؛ قَالَ: وسأَلت أَحمد بْنَ يَحْيَى فَقَالَ: يَكُونُ مَا بَعْدَهَا مُتَرْجِماً، وَيَكُونُ نَصْبًا بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ، تَقُولُ: جَاءَنِي أَخوك أَي زَيْدٌ ورأَيت أَخاك أَي زَيْدًا وَمَرَرْتُ بأَخيك أَي زَيْدٍ. وَيُقَالُ: جَاءَنِي أَخوك فَيَجُوزُ فِيهِ أَيْ زيدٌ وأَيْ زيداً، ومررت بأَخيك فَيَجُوزُ فِيهِ أَي زيدٍ أَي زيداً أَي زيدٌ. وَيُقَالُ: رأَيت أَخاك أَي زَيْدًا، وَيَجُوزُ أَي زيدٌ. وَقَالَ اللَّيْثُ: إِيْ يمينٌ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌ
؛ وَالْمَعْنَى إِي وَاللَّهِ؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌ
، الْمَعْنَى نَعَمْ وَرَبِّي، قَالَ: وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الصَّحِيحُ، وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ
إِي واللهِ
وَهِيَ بِمَعْنَى نَعَمْ، إِلا أَنها تَخْتَصُّ بِالْمَجِيءِ مَعَ الْقَسَمِ إِيجاباً لِمَا سَبَقَهُ مِنَ الِاسْتِعْلَامِ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَقَالُوا كَأَيِّنْ رَجُلًا قَدْ رأَيت، زَعَمَ ذَلِكَ يُونُسُ، وكأَيِّنْ قَدْ أَتاني رَجُلًا، إِلا أَن أَكثر الْعَرَبِ إِنما يَتَكَلَّمُونَ مَعَ مِنْ، قَالَ: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ*
، قَالَ: وَمَعْنَى كأَيِّن رُبَّ، وقال: وإِن حُذِفَتْ مِنْ فَهُوَ عَرَبِيٌّ؛ وَقَالَ الْخَلِيلُ: إِن جَرَّها أَحدٌ مِنَ الْعَرَبِ فَعَسَى أَن يَجُرَّهَا بإِضمار مِنْ، كَمَا جَازَ ذَلِكَ فِي كَمْ، قَالَ: وَقَالَ الْخَلِيلُ كَأَيِّنْ عَمِلَتْ فِيمَا بَعْدَهَا كَعَمَلِ أَفضلهم فِي رَجُلٍ فَصَارَ أَيّ بِمَنْزِلَةِ التَّنْوِينِ، كَمَا كَانَ هُمْ مِنْ قَوْلِهِمْ أَفضلهم بِمَنْزِلَةِ التَّنْوِينِ، قَالَ: وإِنما تَجِيءُ الْكَافُ لِلتَّشْبِيهِ فَتَصِيرُ هِيَ وَمَا بَعْدَهَا بِمَنْزِلَةِ شَيْءٍ وَاحِدٍ، وكَائِنْ بِزِنَةٍ كاعِنْ مُغَيَّرٌ مِنْ قَوْلِهِمْ كأَيِّنْ. قَالَ ابْنُ جِنِّي: إِن سأَل سَائِلٌ فَقَالَ مَا تَقُولُ فِي كائِنْ هَذِهِ وَكَيْفَ حَالُهَا وَهَلْ هِيَ مُرَكَّبَةٌ أَو بَسِيطَةٌ؟ فَالْجَوَابُ إِنها مُرَكَّبَةٌ، قَالَ: وَالَّذِي عَلَّقْتُه عَنْ أَبي عَلِيٍّ أَن أَصلها كأَيِّنْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ*
؛ ثُمَّ إِن الْعَرَبَ تَصَرَّفَتْ فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهَا إِياها، فَقَدَّمَتِ الْيَاءَ الْمُشَدَّدَةَ وأَخرت الْهَمْزَةَ كَمَا فَعَلَتْ ذَلِكَ فِي عِدّة مَوَاضِعَ نَحْوَ قِسِيّ وأَشْياء فِي قَوْلِ الْخَلِيلِ، وشاكٍ ولاثٍ وَنَحْوُهُمَا فِي قَوْلِ الْجَمَاعَةِ، وجاءٍ وَبَابِهِ فِي قَوْلِ الْخَلِيلِ أَيضاً وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَصَارَ التَّقْدِيرُ فِيمَا بَعْدُ كَيِّئٌ، ثُمَّ إِنهم حذفوا الياء التانية تَخْفِيفًا كَمَا حَذَفُوهَا فِي نَحْوِ مَيِّت وهَيِّن ولَيِّن فَقَالُوا مَيْت وهَيْن ولَيْن، فَصَارَ التَّقْدِيرُ كَيْئٌ، ثُمَّ إِنهم قَلَبُوا الْيَاءَ أَلفاً لِانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا كَمَا قَلَبُوا فِي طَائِيٍّ وحارِيٍّ وآيةٍ فِي قَوْلِ الْخَلِيلِ أَيضاً، فَصَارَتْ كَائِنْ. وَفِيَ كَأَيِّنْ لُغَاتٌ: يُقَالُ كأَيِّنْ وكَائِنْ وكَأْيٌ، بِوَزْنِ رَميٍ، وكإٍ بِوَزْنِ عَمٍ؛ حَكَى ذَلِكَ أَحمد بْنُ يَحْيَى، فَمَنْ قَالَ كأَيِّنْ فَهِيَ أَيٌّ دَخَلَتْ عَلَيْهَا الْكَافُ، وَمَنْ قَالَ كَائِنْ فَقَدْ بيَّنَّا أَمره، وَمَنْ قَالَ كَأْيٌ بِوَزْنِ رَمْي فأَشبه مَا فِيهِ أَنه لَمَّا أَصاره التَّغْيِيرُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا إِلى كَيْءٍ قَدَّمَ الْهَمْزَةَ وأَخر الْيَاءَ وَلَمْ يَقْلِبِ الياءَ أَلفاً، وحَسَّنَ ذَلِكَ ضَعْف هَذِهِ الْكَلِمَةِ وَمَا اعْتَوَرَها مِنَ الْحَذْفِ وَالتَّغْيِيرِ، وَمَنْ قَالَ كَإٍ بِوَزْنِ عَمٍ فَإِنَّهُ حَذَفَ الْيَاءَ مِنْ كَيْءٍ تَخْفِيفًا أَيضاً، فإِن قُلْتَ: إِن هذا إِجحاب بِالْكَلِمَةِ لأَنه حَذْفٌ بَعْدَ حَذْفٍ فَلَيْسَ ذَلِكَ بأَكثر مِنْ مَصِيرِهِمْ بأَيْمُن اللَّهِ إِلى مُنُ اللهِ ومِ اللَّهِ، فإِذا كَثُرَ اسْتِعْمَالُ الْحَذْفِ حَسُنَ فِيهِ مَا لَا يَحْسُنُ فِي غَيْرِهِ مِنَ التَّغْيِيرِ وَالْحَذْفِ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ*
؛ فَالْكَافُ زَائِدَةٌ كَزِيَادَتِهَا فِي كَذَا وَكَذَا، وإِذا كَانَتْ زَائِدَةً فَلَيْسَتْ مُتَعَلِّقَةً بفعل ولا بمعنى فِعْلٍ. وَتَكُونُ أَيٌّ جَزَاءً، وَتَكُونُ بِمَعْنَى الَّذِي، والأُنثى مِنْ كُلِّ ذَلِكَ أَيَّة، وَرُبَّمَا قِيلَ أَيُّهن منطلقةٌ، يُرِيدُ أَيَّتهن؛ وأَيّ: اسْتِفْهَامٌ فِيهِ مَعْنَى التَّعَجُّبِ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ صِفَةً لِلنَّكِرَةِ وَحَالًا لِلْمَعْرِفَةِ نَحْوَ مَا أَنشده(14/58)
سِيبَوَيْهِ لِلرَّاعِي:
فأَوْمَأْتُ إِيمَاءً خَفيّاً لحَبْتَرٍ، ... وَلِلَّهِ عَيْنا حَبْتَرٍ أَيَّما فَتى
أَي أَيَّما فَتىً هُوَ، يَتَعَجَّبُ مِنِ اكْتِفَائِهِ وَشِدَّةِ غَنائه. وأَيّ: اسْمٌ صِيغَ لِيُتَوَصَّلَ بِهِ إِلى نِدَاءِ مَا دَخَلَتْهُ الأَلف وَاللَّامُ كَقَوْلِكَ يَا أَيُّها الرَّجُلُ وَيَا أَيُّها الرَّجُلَانِ وَيَا أَيُّها الرِّجَالُ، وَيَا أَيَّتها المرأَة وَيَا أَيَّتها المرأَتان وَيَا أَيَّتها النِّسْوَةُ وَيَا أَيُّها المرأَة وَيَا أَيُّها المرأَتان وَيَا أَيُّها النِّسْوَةُ. وأَما قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ
؛ فَقَدْ يَكُونُ عَلَى قَوْلِكَ يَا أَيها المرأَة وَيَا أَيها النِّسْوَةُ، وأَما ثَعْلَبٌ فَقَالَ: إِنما خَاطَبَ النَّمْلَ بِيَا أَيها لأَنه جَعَلَهُمْ كَالنَّاسِ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ
كَمَا تَقُولُ لِلنَّاسِ يَا أَيها النَّاسُ، وَلَمْ يَقُلِ ادْخُلِي لأَنها كَالنَّاسِ فِي الْمُخَاطَبَةِ، وأَما قَوْلُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا*
، فَيَا أَيُّ نِدَاءٌ مُفْرَدٌ مُبْهَمٌ وَالَّذِينَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ صِفَةً لأَيها، هَذَا مَذْهَبُ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ، وأَما مَذْهَبُ الأَخفش فَالَّذِينَ صِلَةٌ لأَيّ، وَمَوْضِعُ الَّذِينَ رَفْعٌ بإِضمار الذِّكْرِ الْعَائِدِ عَلَى أَيّ، كأَنه عَلَى مَذْهَبِ الأَخفش بِمَنْزِلَةِ قَوْلِكَ يَا مَنِ الذين أَي يَا مَنْ هُمُ الَّذِينَ وَهَا لَازِمَةٌ لأَيّ عِوَضًا مِمَّا حُذِفَ مِنْهَا للإِضافة وَزِيَادَةً فِي التَّنْبِيهِ، وأَجاز الْمَازِنِيُّ نَصْبَ صِفَةِ أَيّ فِي قَوْلِكَ يَا أَيها الرجلَ أَقبل، وَهَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ، وأَيّ فِي غَيْرِ النِّدَاءِ لَا يَكُونُ فِيهَا هَا، وَيُحْذَفُ مَعَهَا الذِّكْرُ الْعَائِدُ عَلَيْهَا، تَقُولُ: اضْرِبْ أَيُّهم أَفضل وأَيَّهم أَفضل، تُرِيدُ اضْرِبْ أَيَّهم هُوَ أَفضلُ. الْجَوْهَرِيُّ: أَيٌّ اسْمٌ مُعْرَبٌ يُسْتَفْهَمُ بِهَا ويُجازَى بِهَا فِيمَنْ يَعْقِلُ وَمَا لَا يَعْقِلُ، تَقُولُ أَيُّهم أَخوك، وأَيُّهم يكْرمني أُكْرِمْه، وَهُوَ مَعْرِفَةٌ للإِضافة، وَقَدْ تُتْرَكُ الإِضافة وَفِيهِ مَعْنَاهَا، وَقَدْ تَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي فَتَحْتَاجُ إِلى صِلَةٍ، تَقُولُ أَيُّهم فِي الدَّارِ أَخوك؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
إِذا مَا أَتيتَ بَنِي مالكٍ، ... فَسَلِّمْ عَلَى أَيُّهم أَفضلُ
قَالَ: وَيُقَالُ لَا يَعْرِفُ أَيّاً مِنْ أَيٍّ إِذا كَانَ أَحمق؛ وأَما قَوْلُ الشَّاعِرِ:
إِذا مَا قيلَ أَيُّهمُ لأَيٍّ، ... تَشابَهَتِ العِبِدَّى والصَّمِيمُ
فَتَقْدِيرُهُ: إِذا قِيلَ أَيُّهم لأَيٍّ يَنْتَسِبُ، فَحَذَفَ الْفِعْلَ لِفَهْمِ الْمَعْنَى، وَقَدْ يَكُونُ نَعْتًا، تَقُولُ: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ أَيِّ رجلٍ وأَيِّما رجلٍ، وَمَرَرْتُ بامرأَة أَيَّةِ امرأَة وبامرأَتين أَيَّتِما امرأَتين، وَهَذِهِ امرأَةٌ أَيَّةُ امرأَةٍ وأَيَّتُما امرأَتين، وَمَا زَائِدَةٌ. وَتَقُولُ: هَذَا زَيْدٌ أَيَّما رَجُلٍ، فَتَنْصِبُ أَيّاً عَلَى الْحَالِ، وَهَذِهِ أَمةُ اللَّهِ أَيَّتَما جاريةٍ. وَتَقُولُ: أَيُّ امرأَة جَاءَتْكَ وَجَاءَكَ، وأَيَّةُ امرأَةٍ جَاءَتْكَ، وَمَرَرْتُ بِجَارِيَةٍ أَيِّ جاريةٍ، وَجِئْتُكَ بمُلاءةٍ أَيِّ مُلاءَةٍ وأَيَّةِ مُلاءَةٍ، كُلٌّ جَائِزٌ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ
. وأَيٌّ: قَدْ يُتَعَجَّبُ بِهَا؛ قَالَ جَمِيلٌ:
بُثَيْنَ، الْزَمِي لَا، إِنَّ لَا، إِنْ لَزِمْتِهِ ... عَلَى كَثْرَةِ الواشِينَ، أَيُّ مَعُونِ
قَالَ الْفَرَّاءُ: أَيٌّ يَعْمَلُ فِيهِ مَا بَعْدَهُ وَلَا يَعْمَلُ فِيهِ مَا قَبْلُهُ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى
؛ فَرُفِعَ، وَفِيهِ أَيضاً: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ
؛ فَنَصَبَهُ بِمَا بَعْدَهُ؛ وأَما قَوْلُ الشَّاعِرِ:
تَصِيحُ بِنَا حَنِيفَةُ، إِذْ رأَتْنا، ... وأَيَّ الأَرْضِ تَذْهَبُ للصِّياحِ
فإِنما نَصَبَهُ لِنَزْعِ الْخَافِضِ، يُرِيدُ إِلَى أَيِّ الأَرض. قَالَ الْكِسَائِيُّ: تَقُولُ لأَضْرِبَنّ أَيُّهم فِي الدَّارِ، وَلَا يَجُوزُ أَن تَقُولَ ضَرَبْتُ أَيُّهم فِي الدَّارِ، فَفَرَّقَ بَيْنَ الْوَاقِعِ والمُنْتَظَرِ، قَالَ: وإِذا نادَيت اسْمًا فِيهِ الأَلف(14/59)
وَاللَّامُ أَدخلت بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَرْفِ النِّدَاءِ أَيُّها، فَتَقُولُ يَا أَيها الرَّجُلُ وَيَا أَيتها المرأَة، فأَيّ اسْمٌ مُبْهَمٌ مُفْرَدٌ مَعْرِفَةٌ بِالنِّدَاءِ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ، وَهَا حَرْفُ تَنْبِيهٍ، وَهِيَ عِوَضٌ مِمَّا كَانَتْ أَيّ تُضَافُ إِليه، وَتَرْفَعُ الرَّجُلَ لأَنه صِفَةُ أَيّ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ عِنْدَ قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ وإِذا نَادَيْتَ اسْمًا فِيهِ الأَلف وَاللَّامُ أَدخلت بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَرْفِ النِّدَاءِ أَيها، قَالَ: أَيُّ وُصْلة إِلى نِدَاءِ مَا فِيهِ الأَلف وَاللَّامُ فِي قَوْلِكَ يَا أَيها الرَّجُلُ، كَمَا كَانَتْ إِيَّا وُصْلَة الْمُضْمَرِ فِي إِيَّاهُ وَإِيَّاكَ فِي قَوْلِ مَنْ جَعَلَ إيَّا اسْمًا ظَاهِرًا مُضَافًا، عَلَى نَحْوِ مَا سُمِعَ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الْعَرَبِ: إِذا بَلَغَ الرَّجُلُ السِّتِّينَ فإِيَّاه وإِيَّا الشَّوابِّ؛ قَالَ: وَعَلَيْهِ قَوْلُ أَبي عُيَيْنَة:
فَدَعني وإِيَّا خالدٍ، ... لأُقَطِّعَنَّ عُرَى نِياطِهْ
وَقَالَ أَيضاً:
فَدَعني وإِيَّا خالدٍ بعدَ ساعةٍ، ... سَيَحْمِلُه شِعْرِي عَلَى الأَشْقَرِ الأَغَرّ
وَفِي حَدِيثِ
كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: فَتَخَلَّفْنا أَيَّتُها الثَّلَاثَةُ
؛ يُرِيدُ تَخَلُّفَهم عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ وتأَخُّر تَوْبَتِهِمْ. قَالَ: وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ تُقَالُ فِي الِاخْتِصَاصِ وَتَخْتَصُّ بالمُخْبر عَنْ نَفْسِهِ والمُخاطَب، تَقُولُ أَما أَنا فأَفعل كَذَا أَيُّها الرجلُ، يَعْنِي نَفْسَهُ، فَمَعْنَى قَوْلِ كَعْبٍ أَيَّتُها الثَّلَاثَةُ أَي الْمَخْصُوصِينَ بِالتَّخَلُّفِ. وَقَدْ يُحْكَى بأَيٍّ النكراتُ مَا يَعْقِلُ وَمَا لَا يَعْقِلُ، وَيُسْتَفْهَمُ بِهَا، وإِذا اسْتَفْهَمْتَ بِهَا عَنْ نَكِرَةٍ أَعربتها بإِعراب الِاسْمِ الَّذِي هُوَ اسْتِثبات عَنْهُ، فإِذا قِيلَ لَكَ: مرَّ بِي رَجُلٌ، قلتَ أَيٌّ يا فتى؟ تُعْرِبُهَا فِي الْوَصْلِ وَتُشِيرُ إِلى الإِعراب فِي الْوَقْفِ، فإِن قَالَ: رأَيت رَجُلًا، قُلْتَ: أَيّاً يَا فَتَى؟ تُعْرِبُ وَتُنَوِّنُ إِذا وَصَلْتَ وَتَقِفُ عَلَى الأَلف فَتَقُولُ أَيَّا، وإِذا قَالَ: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ، قلتَ: أَيٍّ يَا فَتَى؟ تُعْرِبُ وَتُنَوِّنُ، تَحْكِي كَلَامَهُ فِي الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْجَرِّ فِي حَالِ الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ فِي الْوَصْلِ فَقَطْ، فأَما فِي الْوَقْفِ فإِنه يُوقَفُ عَلَيْهِ فِي الرَّفْعِ وَالْجَرِّ بِالسُّكُونِ لَا غَيْرَ، وإِنما يَتْبَعُهُ فِي الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ إِذا ثَنَاهُ وَجَمَعَهُ، وَتَقُولُ فِي التَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ والتأْنيث كَمَا قِيلَ فِي مَنْ، إِذا قَالَ: جَاءَنِي رِجَالٌ، قلتَ: أَيُّونْ، سَاكِنَةُ النُّونِ، وأَيِّينْ فِي النَّصْبِ وَالْجَرِّ، وأَيَّهْ لِلْمُؤَنَّثِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ أَيُّونَ بِفَتْحِ النُّونِ، وأَيِّينَ بِفَتْحِ النُّونِ أَيضاً، وَلَا يَجُوزُ سُكُونُ النُّونِ إِلا فِي الْوَقْفِ خَاصَّةً، وإِنما يَجُوزُ ذَلِكَ فِي مَنْ خَاصَّةً، تَقُولُ مَنُونْ ومَنِينْ، بالإِسكان لَا غَيْرَ. قَالَ: فإِن وَصَلْتَ قلتَ أَيَّة يَا هَذَا وأَيَّات يَا هَذَا، نوَّنتَ، فإِن كَانَ الاستثباتُ عَنْ مَعْرِفَةٍ رفعتَ أَيّاً لَا غَيْرَ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَا يُحْكَى فِي الْمَعْرِفَةِ لَيْسَ فِي أَيٍّ مَعَ الْمَعْرِفَةِ إِلا الرَّفْعُ، وَقَدْ يَدْخُلُ عَلَى أَيّ الْكَافُ فَتُنْقَلُ إِلى تَكْثِيرِ الْعَدَدِ بِمَعْنَى كَمْ فِي الْخَبَرِ وَيُكْتَبُ تَنْوِينُهُ نُونًا، وَفِيهِ لُغَتَانِ: كَائِنْ مِثْلَ كاعِنْ، وكَأَيِّنْ مِثْلَ كعَيِّنْ، تَقُولُ: كَأَيِّنْ رَجُلًا لَقَيْتُ، تَنْصِبُ مَا بَعْدَ كأَيِّنْ عَلَى التَّمْيِيزِ، وَتَقُولُ أَيضاً: كَأَيِّنْ مِنْ رَجُلٍ لَقَيْتُ، وإِدخال مِنْ بَعْدَ كأَيِّنْ أَكثر مِنَ النَّصْبِ بِهَا وأَجود، وبكأَيِّنْ تَبِيعُ هَذَا الثَّوْبَ؟ أَي بِكُمْ تَبِيعُ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
وكَائِنْ ذَعَرْنا مِن مَهاةٍ ورامِحٍ، ... بِلادُ الوَرَى لَيْسَتْ لَهُ بِبلادِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَورد الْجَوْهَرِيُّ هَذَا شَاهِدًا عَلَى كَائِنْ بِمَعْنَى كَمْ، وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ جِنِّي قَالَ لَا تُسْتَعْمَلُ الوَرَى إِلا فِي النَّفْيِ، قَالَ: وإِنما حَسُنَ لِذِي الرُّمَّةِ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْوَاجِبِ حَيْثُ كَانَ مَنْفِيًّا فِي الْمَعْنَى لأَن ضَمِيرَهُ مَنْفِيٌّ، فكأَنه قَالَ: لَيْسَتْ لَهُ بِلَادُ الْوَرَى بِبِلَادٍ.(14/60)
وأَيَا: مِنْ حُرُوفِ النِّدَاءِ يُنادَى بِهَا الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ، تَقُولُ أَيَا زيدُ أَقْبِل. وأَيْ، مِثَالُ كَيْ: حرفٌ يُنادَى بِهَا الْقَرِيبُ دُونَ الْبَعِيدِ، تَقُولُ أَيْ زيدُ أَقبل، وَهِيَ أَيضاً كَلِمَةٌ تَتَقَدَّمُ التَّفْسِيرَ، تَقُولُ أَيْ كَذَا بِمَعْنَى يُرِيدُ كَذَا، كَمَا أَن إِي بِالْكَسْرِ كَلِمَةٌ تَتَقَدَّمُ الْقَسَمَ، مَعْنَاهَا بَلَى، تَقُولُ إِي وَرَبِّي وإِي وَاللَّهِ. غَيْرُهُ أَيَا حَرْفُ نِدَاءٍ، وَتُبْدَلُ الْهَاءُ مِنَ الْهَمْزَةِ فَيُقَالُ: هَيَا؛ قَالَ:
فانْصَرَفَتْ، وَهِيَ حَصانٌ مُغْضَبَهْ، ... ورَفَعَتْ بصوتِها: هَيَا أَبَهْ
قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: يُرِيدُ أَيَا أَبَهْ، ثُمَّ أَبدل الْهَمْزَةَ هَاءً، قَالَ: وَهَذَا صَحِيحٌ لأَن أَيَا فِي النِّدَاءِ أَكثر مِنْ هَيَا، قَالَ: وَمِنْ خَفِيفِهِ أَيْ مَعْنَاهُ العبارةُ، وَيَكُونُ حَرْفَ نِدَاءٍ. وإِيْ: بِمَعْنَى نَعَمْ وَتُوصَلُ بِالْيَمِينِ، فَيُقَالُ إِي وَاللَّهِ، وَتُبْدَلُ مِنْهَا هَاءٌ فَيُقَالُ هِي. والآيَةُ: العَلامَةُ، وَزْنُهَا فَعَلَةٌ فِي قَوْلِ الْخَلِيلِ، وَذَهَبَ غَيْرُهُ إِلى أَن أَصلها أَيَّةٌ فَعْلَةٌ فَقُلِبَتِ الْيَاءُ أَلفاً لِانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا، وَهَذَا قَلْبٌ شَاذٌّ كَمَا قَلَبُوهَا فِي حارِيّ وطائِيٍّ إِلا أَن ذَلِكَ قَلِيلٌ غَيْرُ مَقِيسٍ عَلَيْهِ، وَالْجُمَعُ آيَاتٌ وآيٌ، وآياءٌ جمعُ الْجَمْعِ نادرٌ؛ قَالَ:
لَمْ يُبْقِ هَذَا الدَّهْر، مِنْ آيَائِه، ... غيرَ أَثافِيهِ وأَرْمِدائِه
وأَصل آيَة أَوَيَةٌ، بِفَتْحِ الْوَاوِ، وَمَوْضِعُ الْعَيْنِ وَاوٌ، وَالنِّسْبَةُ إِليه أَوَوِيّ، وَقِيلَ: أَصلها فَاعِلَةٌ فَذَهَبَتْ مِنْهَا اللَّامُ أَو الْعَيْنُ تَخْفِيفًا، وَلَوْ جَاءَتْ تَامَّةً لَكَانَتْ آيِيَةً. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ
؛ قَالَ الزَّجَاجُ: مَعْنَاهُ نُرِيهِمُ الآيَات الَّتِي تَدُلُّ عَلَى التَّوْحِيدِ فِي الْآفَاقِ أَي آثارَ مَنْ مَضَى قَبْلَهُمْ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، فِي كُلِّ الْبِلَادِ وَفِي أَنفسهم مِنْ أَنهم كَانُوا نُطَفاً ثُمَّ عَلَقاً ثُمَّ مُضَغاً ثُمَّ عِظَامًا كُسِيَتْ لَحْمًا، ثُمَّ نُقِلُوا إِلى التَّمْيِيزِ وَالْعَقْلِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَن الَّذِي فَعَلَهُ وَاحِدٌ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، تَبَارَكَ وَتَقَدَّسَ. وتَأَيَّا الشيءَ: تَعَمَّد آيَتَهُ أَي شَخْصَه. وآيَة الرَّجُلِ: شَخْصُه. ابْنُ السِّكِّيتِ وَغَيْرُهُ: يُقَالُ تآيَيْتُه، عَلَى تَفاعَلْتُه، وتَأَيَّيْتُه إِذا تَعَمَّدَتْ آيَته أَي شَخْصَهُ وَقَصَدْتَهُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
الحُصْنُ أَدْنَى، لَوْ تَأَيَّيْتِهِ، ... مِنْ حَثْيِكِ التُّرْبَ عَلَى الراكبِ
يُرْوَى بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هَذَا الْبَيْتُ لامرأَة تُخَاطِبُ ابْنَتَهَا وَقَدْ قَالَتْ لَهَا:
يَا أُمَّتي، أَبْصَرَني راكبٌ ... يَسيرُ فِي مُسْحَنْفِرٍ لاحِبِ
مَا زِلْتُ أَحْثُو التُّرْبَ فِي وَجْهِه ... عَمْداً، وأَحْمِي حَوزةَ الغائِبِ
فَقَالَتْ لَهَا أُمها:
الحُصْنُ أَدنى، لَوْ تَأَيَّيْته، ... مِنْ حَثْيِك التُّرْبَ عَلَى الراكبِ
قَالَ: وَشَاهِدُ تَآيَيْتُه قَوْلُ لَقيط بْنِ مَعْمَر الإِياديّ:
أَبْناء قَوْمٍ تَآيَوْكُمْ عَلَى حَنَقٍ، ... لَا يَشْعُرونَ أَضرَّ اللهُ أَم نَفَعَا
وَقَالَ لَبِيدٌ:
فَتَآيَا، بطَرِيرٍ مُرْهَفٍ، ... حُفْرَةَ المَحْزِمِ مِنْهُ، فَسَعَلْ
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
يُخْرجون الرَّسُولَ وإِيَّاكم
؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: لَمْ أَسمع فِي تَفْسِيرِ إِيَّا وَاشْتِقَاقِهِ شَيْئًا، قَالَ: وَالَّذِي أَظنه، وَلَا أَحقُّه، أَنه مأْخوذ مِنْ قَوْلِهِ تَآيَيْته عَلَى تَفَاعَلْتُهُ أَي تَعَمَّدْتُ آيَتَهُ وَشَخْصَهُ، وكأَنَّ إِيَّا اسْمٌ(14/61)
مِنْهُ عَلَى فِعْلى، مِثْلَ الذِّكْرى مِنْ ذَكَرْتُ، فَكَانَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ إِيَّاك أَردتُ أَي قَصَدْتُ قَصْدَكَ وَشَخْصَكَ، قَالَ: وَالصَّحِيحُ أَن الأَمر مبهم يكنى به عن الْمَنْصُوبِ. وأَيَّا آيَةً: وَضَعَ عَلَامَةً. وَخَرَجَ الْقَوْمُ بآيَتهم أَي بجماعتهم لم يَدععوا وَرَاءَهُمْ شَيْئًا؛ قَالَ بُرْج بْنُ مُسْهِر الطَّائِيُّ:
خَرَجْنا مِنَ النَّقْبَين، لَا حَيَّ مِثْلُنا، ... بآيَتنا نُزْجِي اللِّقاحَ المَطافِلا
والآيَةُ: مِنَ التَّنْزِيلِ وَمِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ؛ قَالَ أَبو بَكْرٍ: سُمِّيَتِ الآيَة مِنَ الْقُرْآنِ آيَةً لأَنها عَلَامَةٌ لِانْقِطَاعِ كَلَامٍ مِنْ كَلَامٍ. وَيُقَالُ: سُمِّيَتِ الآيَة آيَةً لأَنها جَمَاعَةٌ مِنْ حُرُوفِ الْقُرْآنِ. وَآيَاتُ اللَّهِ: عَجَائِبُهُ. وَقَالَ ابْنُ حَمْزَةَ: الآيَة مِنَ الْقُرْآنِ كأَنها الْعَلَامَةُ الَّتِي يُفْضَى مِنْهَا إِلى غَيْرِهَا كأَعلام الطَّرِيقِ الْمَنْصُوبَةِ لِلْهِدَايَةِ كَمَا قَالَ:
إِذا مَضَى عَلَمٌ مِنْهَا بَدَا عَلَم
والآيَة: الْعَلَامَةُ. وَفِي حَدِيثِ
عُثْمَانَ: أَحَلَّتْهما آيَةٌ وَحرَّمَتْهُما آيَة
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: الآيَة المُحِلَّةُ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ؛ والآيَة الْمُحَرِّمَةُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ؛ والآيَة: العِبْرَة، وَجَمْعُهَا آيٌ. الْفَرَّاءُ فِي كِتَابِ الْمَصَادِرِ: الآيَة مِنَ الآيَات والعبَر، سُمِّيَتْ آيَةٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى: لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ
؛ أَي أُمور وعِبَرٌ مُخْتَلِفَةٌ، وإِنما تَرَكَتِ الْعَرَبُ هَمْزَتَهَا كَمَا يَهْمِزُونَ كُلَّ مَا جَاءَتْ بَعْدَ أَلف سَاكِنَةٍ لأَنها كَانَتْ فِيمَا يُرَى فِي الأَصل أَيَّة، فَثَقُلَ عَلَيْهِمُ التَّشْدِيدُ فأَبدلوه أَلفاً لِانْفِتَاحِ مَا قَبْلَ التَّشْدِيدِ، كَمَا قَالُوا أَيْما لِمَعْنَى أَمَّا، قَالَ: وَكَانَ الْكِسَائِيُّ يَقُولُ إِنه فَاعِلَةٌ مَنْقُوصَةٌ؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ مَا صَغَّرَهَا إِيَيَّة، بِكَسْرِ الأَلف؛ قَالَ: وسأَلته عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ صغَّروا عَاتِكَةَ وَفَاطِمَةَ عُتَيْكة وفُطَيْمة، فَالْآيَةُ مِثْلُهُمَا، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: لَيْسَ كَذَلِكَ لأَن الْعَرَبَ لَا تُصَغِّرُ فَاعِلَةَ عَلَى فُعَيْلة إِلا أَن يَكُونَ اسْمًا فِي مَذْهَبِ فُلانَة فَيَقُولُونَ هَذِهِ فُطَيْمة قَدْ جَاءَتْ إِذا كَانَ اسْمًا، فإِذا قُلْتَ هَذِهِ فُطَيْمة ابْنِها يَعْنِي فاطِمتَه مِنَ الرِّضَاعِ لَمْ يَجُزْ، وَكَذَلِكَ صُلَيْح تَصْغِيرًا لِرَجُلٍ اسْمُهُ صَالِحٌ، وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ كَيْفَ بِنْتُك قَالَ صُوَيْلِح وَلَمْ يجِز صُلَيْح لأَنه لَيْسَ بِاسْمٍ، قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ آيَة فَاعِلَةٌ صُيِّرَتْ يَاؤُهَا الأُولى أَلفاً كَمَا فُعِلَ بِحَاجَةٍ وقامَة، والأَصل حَائِجَةٌ وَقَائِمَةٌ. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَذَلِكَ خطأٌ لأَن هَذَا يَكُونُ فِي أَولاد الثَّلَاثَةِ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالُوا لَقِيلَ فِي نَواة وحَياة نايَة وحايَة، قَالَ: وَهَذَا فَاسِدٌ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً
، وَلَمْ يَقُلْ آيَتَيْن لأَن الْمَعْنَى فِيهِمَا مَعْنَى آيَةٍ وَاحِدَةٍ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: لأَن قصتهما واحدة، وقال أَبو مَنْصُورٍ: لأَن الآيَة فِيهِمَا مَعًا آيةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْوِلَادَةُ دُونَ الْفَحْلِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَوْ قِيلَ آيَتَيْنِ لَجَازَ لأَنه قَدْ كَانَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَكَرٍ وَلَا أُنثى مِنْ أَنها ولَدَتْ مِنْ غَيْرِ فَحْلٍ، ولأَن عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، رُوحُ اللَّهِ أَلقاه فِي مَرْيَمَ وَلَمْ يَكُنْ هَذَا فِي وَلدٍ قَطُّ، وَقَالُوا: افْعَلْهُ بآيَة كَذَا كَمَا تَقُولُ بِعَلَامَةِ كَذَا وأَمارته؛ وَهِيَ مِنَ الأَسماء الْمُضَافَةِ إِلى الأَفعال كَقَوْلِهِ:
بآيَة تُقْدِمُون الخَيْلَ شُعْثاً، ... كأَنَّ، عَلَى سَنابِكِها، مُداما
وَعَيْنُ الآيَة يَاءٌ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
لَمْ يُبْقِ هَذَا الدهرُ مِنْ آيَائِه
فَظُهُورُ الْعَيْنِ فِي آيَائِهِ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الْعَيْنِ يَاءً، وَذَلِكَ أَن وَزْنَ آيَاء أَفعال، وَلَوْ كَانَتِ الْعَيْنُ وَاوًا لَقَالَ آوَائِهِ،(14/62)
إِذْ لَا مَانِعَ مِنْ ظُهُورِ الْوَاوِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: قَالَ سِيبَوَيْهِ مَوْضِعُ الْعَيْنِ مِنَ الآيَة وَاوٌ لأَن مَا كَانَ مَوْضعَ الْعَيْنِ مِنْهُ واوٌ وَاللَّامُ يَاءٌ أَكثر مِمَّا مَوْضِعُ الْعَيْنِ وَاللَّامِ مِنْهُ ياءَان، مِثْلَ شَوَيْتُ أَكثر مِنْ حَيِيت، قَالَ: وَتَكُونُ النِّسْبَةُ إِلَيْهِ أوَوِيٌّ؛ قال الفراء: هي من الْفِعْلِ فَاعِلَةٌ، وَإِنَّمَا ذَهَبَتْ مِنْهُ اللَّامُ، وَلَوْ جَاءَتْ تَامَّةً لَجَاءَتْ آييَة، وَلَكِنَّهَا خُففت، وَجَمْعُ الآيَة آيٌ وآيَايٌ وآيَاتٌ؛ وأَنشد أَبو زَيْدٍ:
لَمْ يُبْقِ هَذَا الدَّهْرُ مِنْ آيَايه
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: لَمْ يذكر سِيبَوَيْهِ أَن عَيْنَ آيَةٍ وَاوٌ كَمَا ذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ، وَإِنَّمَا قَالَ أَصلها أَيّة، فأُبدلت الْيَاءُ السَّاكِنَةُ أَلفا؛ وَحُكِيَ عَنِ الْخَلِيلِ أَن وَزْنَهَا فَعَلة، وأَجاز فِي النَّسَبِ إِلَى آيَةٍ آييٌ وآئِيٌّ وآوِيٌّ، قَالَ: فأَما أَوَوِيٌّ فَلَمْ يَقُلْهُ أَحد عَلِمْتُهُ غَيْرُ الْجَوْهَرِيِّ. وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ أَيضا عِنْدَ قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ فِي جَمْعِ الْآيَةِ آيَاي، قَالَ: صَوَابُهُ آيَاء، بِالْهَمْزِ، لأَن الْيَاءَ إِذَا وَقَعَتْ طَرَفًا بَعْدَ أَلف زَائِدَةٍ قُلِبَتْ هَمْزَةً، وَهُوَ جَمْعُ آيٍ لَا آيةٍ. وتَأَيَّا أَي توقَّف وتَمَكَّث، تَقْدِيرُهُ تَعَيَّا. وَيُقَالُ: قَدْ تَأَيَّيْت عَلَى تَفَعَّلت أَي تَلَبَّثت وتَحَبَّست. وَيُقَالُ: لَيْسَ مَنْزِلُكُمْ بِدَارٍ تَئِيَّةٍ أَي بِمَنْزِلَةِ تَلَبُّثٍ وتَحَبُّس؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:
قِفْ بالدِّيارِ وُقوفَ زائرْ، ... وتَأَيَّ، إنَّك غَيْرُ صاغرْ
وَقَالَ الحُويْدِرة:
ومُناخِ غَيْرِ تَئِيَّةٍ عَرَّسْتُه، ... قَمِنٍ مِنَ الحِدْثانِ نَابِي المَضْجَع
والتَّأَيِّي: التَّنَظُّر والتُّؤَدة. يُقَالُ: تَأَيَّا الرجلُ يَتَأَيَّا تَأَيِّياً إِذَا تأَنى فِي الأَمر؛ قَالَ لَبِيدُ:
وتأيَّيْتُ عَلَيْهِ ثَانِيًا، ... يَتَّقِيني بتَلِيلٍ ذِي خُصَل
أَي انْصَرَفَتْ عَلَى تُؤَدةٍ مُتَأَنيَّا؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: مَعْنَى قَوْلِهِ وتَأَيَّيْت عَلَيْهِ أَي تَثَبَّتُّ وتمكَّثت، وأَنا عَلَيْهِ يَعْنِي عَلَى فَرَسِهِ. وتَأَيَّا عَلَيْهِ: انْصَرَفَ فِي تُؤَدَةٍ. وَمَوْضِعٌ مَأْيِيُّ الكلإِ أَي وَخِيمه. وإِيَا الشَّمْسِ وأَيَاؤها: نُورُهَا وَضَوْءُهَا وَحُسْنُهَا، وَكَذَلِكَ إيَاتها وأَيَاتُها، وَجَمْعُهَا آيَاء وإِيَاء كأكَمة وَإِكَامٌ؛ وأَنشد الْكِسَائِيُّ لِشَاعِرٍ:
سَقَتْه إيَاةُ الشَّمْسِ، إلَّا لثاتِهِ ... أُسِفَّ، وَلَمْ تَكْدِمْ عَلَيْهِ بإثْمِد «2»
. قَالَ الأَزهري: يُقَالُ الأَيَاء، مَفْتُوحُ الأَول بِالْمَدِّ، والإِيَا، مَكْسُورُ الأَول بِالْقَصْرِ، وإيَاةٌ، كُلُّهُ واحدٌ: شُعَاعُ الشَّمْسِ وَضَوْءُهَا؛ قَالَ: وَلَمْ أَسمع لَهَا فِعْلًا، وَسَنَذْكُرُهُ فِي الأَلف اللَّيِّنَةِ أَيضاً. وإِيَا النَّبَاتِ وأَيَاؤه: حُسْنُهُ وزَهْره، عَلَى التَّشْبِيهِ. وأَيَايَا وأَيَايَهْ ويَايَهْ، الأَخيرة عَلَى حَذْفِ الْفَاءِ: زَجْرٌ للإِبل، وَقَدْ أَيَّا بِهَا. اللَّيْثُ: يُقَالُ أَيَّيْتُ بالإِبل أُأَيِّي بِهَا تَأْيِيةً إِذَا زَجَرْتُهَا تَقُولُ لَهَا أَيَا أَيَا؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
إِذَا قَالَ حادِينا، ... أَيَا يَا اتَّقَيْنهُ بمثْلِ الذُّرى مُطْلَنْفِئات العَرائِك
فصل الباء الموحدة
بأي: البَأْواءُ، يُمَدُّ وَيُقْصَرُ: وَهِيَ العَظَمة، والبَأْوُ مِثْلُهُ، وبَأَى عَلَيْهِمْ يَبْأَى بَأْواً، مِثَالَ بَعى يَبْعى بَعْواً: فَخَرَ. والبَأْوُ: الكِبْرُ وَالْفَخْرُ. بَأَيْتُ عليهم أَبْأَى: فَخَرْتَ عَلَيْهِمْ، لُغَةٌ فِي بَأَوْتُ على
__________
(2) . البيت للبيد(14/63)
الْقَوْمِ أَبْأَى بَأْواً؛ حَكَاهُ اللِّحْيَانِيُّ فِي بَابِ مَحَيْتُ ومَحَوْتُ وأَخواتها؛ قَالَ حَاتِمٌ:
وَمَا زادَنا بَأْواً عَلَى ذِي قَرابةٍ ... غِنانا، وَلَا أَزْرى بأَحْسابنا الفَقْرُ
وبأَى نَفْسَه: رَفَعَهَا وفَخَر بِهَا. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ: فبَأَوْتُ بِنَفْسِي وَلَمْ أَرْضَ بِالْهَوَانِ.
وَفِيهِ بَأْوٌ؛ قَالَ يَعْقُوبُ: وَلَا يُقَالُ بَأْوَاء، قَالَ: وَقَدْ رَوَى الْفُقَهَاءُ فِي طَلْحَةَ بَأْوَاءُ. وَقَالَ الأَخفش: البَأْوُ فِي الْقَوَافِي كُلُّ قَافِيَةٍ تَامَّةُ الْبِنَاءِ سَلِيمَةٌ مِنَ الْفَسَادِ، فَإِذَا جَاءَ ذَلِكَ فِي الشِّعْرِ الْمَجْزُوءِ لَمْ يُسَمُّوهُ بَأْواً وَإِنْ كَانَتْ قَافِيَتُهُ قَدْ تمَّت؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: كُلُّ هَذَا قَوْلُ الأَخفش، قَالَ: سَمِعْنَاهُ مِنَ الْعَرَبِ وَلَيْسَ مِمَّا سَمَّاهُ الْخَلِيلُ، قَالَ: وَإِنَّمَا تُؤْخَذُ الأَسماء عَنِ الْعَرَبِ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: لَمَّا كَانَ أَصل البَأْوِ الْفَخْرَ نَحْوَ قَوْلِهِ:
فإنْ تَبْأَى ببَيْتِكَ مَنْ مَعَدّ، ... يَقُلْ تَصْديقَكَ العُلَماءُ جَيْرِ
لَمْ يُوقَعْ عَلَى مَا كَانَ مِنَ الشِّعْرِ مَجْزُوءًا لأَن جَزْأَه عِلَّةٌ وَعَيْبٌ لَحِقَهُ، وَذَلِكَ ضِدُّ الْفَخْرِ وَالتَّطَاوُلِ؛ وَقَوْلُهُ: فَإِنَّ تبأَى مَفَاعِيلُنْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَأَوْتُ أَبؤُو مِثْلَ أَبْعو، قَالَ: وَلَيْسَتْ بِجَيِّدَةٍ. وَالنَّاقَةُ تَبْأَى: تَجْهَدُ فِي عَدْوِهَا؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:
أَقولُ والعِيس تَبَا بِوَهْد
فَسَّرَهُ فَقَالَ: أَراد تَبْأَى أَي تَجْهَدُ فِي عَدْوها، وَقِيلَ: تَتسامى وتَتَعالى، فأَلقى حَرَكَةَ الْهَمْزَةِ عَلَى السَّاكِنِ الَّذِي قَبْلَهَا. وبَأَيْتُ الشَّيْءَ: جَمَعْتُهُ وأَصلحته؛ قَالَ:
فَهِيَ تُبَئِّي زادَهم وتَبْكُلُ
وأَبْأَيْتُ الأَديم وأَبْأَيْتُ فِيهِ: جَعَلْتُ فِيهِ الدِّبَاغَ؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ. ابْنُ الأَعرابي: تَأَبَّى أَي شَقَّ شَيْئًا. وَيُقَالُ: بَأَى بِهِ بِوَزْنِ بَعى بِهِ إِذَا شَقَّ بِهِ. وَحَكَى الْفَرَّاءُ: بَاءَ بِوَزْنِ بَاعَ إِذَا تَكَبَّرَ، كأَنه مَقْلُوبٌ مَنْ بأَى كَمَا قَالُوا راءَ ورأَى.
بتا: بَتَا بِالْمَكَانِ بَتْواً: أَقام، وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْهَمْزِ. وبَتَا بَتْواً أَفصحُ.
بثا: الْفَرَّاءُ: بَثَا إِذَا عَرِقَ، الْبَاءُ قَبْلَ الثَّاءِ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: ورأَيت فِي دِيَارِ بَنِي سَعْدٍ بالستارَيْنِ عينَ مَاءٍ تَسْقي نَخْلًا رَيْناً «3» . يُقَالُ لَهُ بَثَاءٌ، فَتَوَهَّمْتُ أَنه سُمِّيَ بِهَذَا الِاسْمِ لأَنه قَلِيلُ رَشْحٍ، فكأَنه عَرَقٌ يَسِيلُ. وبَثَا بِهِ عِنْدَ السُّلْطَانِ يَبْثُو سَيَّعَهُ «4» ، وأَرض بَثَاءٌ: سَهْلَةٌ؛ قَالَ:
بأَرضٍ بَثَاءٍ نصيفِيَّةٍ، ... تَمَنَّى بِهَا الرِّمْثُ والحَيْهَلُ
وَالْبَيْتُ فِي التَّهْذِيبِ:
لِمَيْثٍ بَثَاءٍ تَبَطَّنْتُه، ... دَمِيثٍ بِهِ الرِّمْثُ والحَيْهَلُ
والحَيْهَلُ: جَمْعُ حَيْهَلةٍ، وَهُوَ نَبْتٌ؛ وَهَذَا الْبَيْتُ أَورده ابْنُ بَرِّيٍّ فِي أَماليه وَنَسَبَهُ لحُمَيْدِ بْنِ ثَوْرٍ وأَنشده:
بمَيْثٍ بَثاء نَصِيفِيَّةٍ، ... دَمِيثٍ بِهَا الرِّمْثُ والحَيْهَلُ
فَإِمَّا أَن يَكُونَ هُوَ أَو غَيْرُهُ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: أَرى بَثَاءً الماءَ الَّذِي فِي دِيَارِ بَنِي سَعْدٍ أُخذ مِنْ هَذَا، وَهُوَ عَيْنٌ جَارِيَةٌ تَسْقِي نَخْلًا رَيْنًا فِي بَلَدِ سَهْل طَيِّبٍ عَذاةٍ. وبَثَاءٌ: مَوْضِعٌ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: قَضَيْنَا عَلَيْهِ بِالْوَاوِ لِوُجُودِ بَ ثَ وَ، وَعَدَمِ بَ ثَ يَ. والبَثَاءُ: أَرض سَهْلَةٌ؛ وَيُقَالُ: بَلْ هِيَ أَرض بِعَيْنِهَا مِنْ بِلَادِ
__________
(3) . قوله [نخلًا ريناً] كذا بالأصل براء فتحتية، والذي في ياقوت: رينة، بزيادة هاء تأنيث
(4) . قوله [سيعه] هكذا في الأصل بهذا الرسم ولعلها محرفة عن سعى به(14/64)
بَنِي سُلَيم؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ يَصِفُ عِيرًا تحملتْ:
رَفَعتُ لَهَا طَرفي، وَقَدْ حَالَ دُونها ... رجالٌ وخَيلٌ بالبَثَاء تُغِيرُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وأَنشد الْمُفَضَّلُ:
بنَفْسي ماءُ عَبْشَمْسِ بنِ سَعْدٍ، ... غَداةَ بَثَاءَ، إذْ عَرَفُوا اليَقِينا
والبَثَاءُ: الْكَثِيرُ الشَّحم. والبَثِيُّ: الكثيرُ المدحِ للناسِ «1» ؛ قَالَ شَمِرٌ وَقَوْلُ أَبي عَمْرٍو:
لَمّا رأَيتُ البَطَلَ المُعاوِرا، ... قُرَّةَ، يَمشِي بِالْبَثَاءِ حاسِرا
قَالَ: البَثَاءُ الْمَكَانُ السَّهْلُ. والبِثى، بِكَسْرِ الْبَاءِ: الرَّمَادُ، وَاحِدَتُهَا بِثَةٌ مثلُ عِزَةٍ وعِزىً؛ قَالَ الطِّرِمَّاحُ:
خَلا أَنَّ كُلْفاً بِتَخْريجها ... سَفاسِقَ، حَولَ بِثىً، جانِحَه
أَراد بالكُلف الأَثافي الْمُسْوَدَّةَ، وَتَخْرِيجُهَا: اخْتِلَافُ أَلوانها، وَقَوْلُهُ حَوْلَ بِثىً، أَراد حَوْلَ رَمَادٍ. الْفَرَّاءُ: هُوَ الرّمْدِدُ، والبِثَى يُكْتَبُ بِالْيَاءِ، والصِّنى والصِّناءُ والضِّبحُ والأُسُّ بقيتُه وأَثره.
بجا: بجَاء: قَبِيلَةٌ، والبَجَاوِيَّاتُ مِنَ النُّوقِ مَنْسُوبَةٌ إِلَيْهَا. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ الرَّبَعِيُّ البَجَاوِيَّات مَنْسُوبَةٌ إِلَى بَجاوَةَ «2» ، قَبِيلَةٌ، يُطارِدونَ عَلَيْهَا كَمَا يُطارَدُ عَلَى الْخَيْلِ، قَالَ: وَذَكَرَ القَزَّازُ بُجاوَةَ وبِجاوَةَ، بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ، وَلَمْ يُذَكِرِ الْفَتْحُ؛ وَفِي شِعْرِ الطِّرِمَّاحِ بُجَاوِيَّةٌ، بِضَمِّ الْبَاءِ، مَنْسُوبٌ إِلَى بُجَاوَةَ مَوْضِعٌ مِنْ بِلَادِ النُّوبةِ وَهُوَ:
بُجَاوِيَّة لَمْ تسْتَدرْ حَوْلَ مَثْبِرٍ، ... وَلَمْ يَتَخَوَّنْ درَّها ضَبُّ آفِن
وَفِي الْحَدِيثِ:
كانَ أَسْلَمُ مَوْلَى عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بَجَاوِيّاً
؛ هُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى بَجَاوَة جِنْسٍ مِنَ السُّودان، وَقِيلَ: هِيَ أَرض بِهَا السُّودانُ.
بخا: البَخْو: الرِّخْوُ. وَثَمَرَةٌ بَخْوَة: خَاوِيَةٌ، يَمَانِيَّةٌ. والبَخْوُ: الرُّطَبُ الرَّدِيءُ، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، الْوَاحِدَةُ بَخْوَة، وَاللَّهُ أَعلم.
بدا: بَدا الشيءُ يَبْدُو بَدْواً وبُدُوّاً وبَداءً وبَداً؛ الأَخيرة عَنْ سِيبَوَيْهِ: ظَهَرَ. وأَبْدَيْته أَنا: أَظهرته. وبُدَاوَةُ الأَمر: أَوَّلُ مَا يَبْدُو مِنْهُ؛ هَذِهِ عَنِ اللِّحْيَانِيُّ، وَقَدْ ذُكِرَ عامةُ ذَلِكَ فِي الْهَمْزَةِ. وبَادِي الرأْي: ظاهرُه؛ عَنْ ثَعْلَبٍ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْهَمْزِ. وأَنت بَادِيَ الرأْي تَفْعَلُ كَذَا، حَكَاهُ اللِّحْيَانِيُّ بِغَيْرِ هَمْزٍ، وَمَعْنَاهُ أَنت فِيمَا بَدَا مِنَ الرأْي وَظَهَرَ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَا نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ
؛ أَي فِي ظَاهِرِ الرأْي، قرأَ أَبو عَمْرٍو وحده بَادِىءَ الرأْي، بِالْهَمْزِ، وَسَائِرُ الْقُرَّاءِ قرؤوا بادِيَ، بِغَيْرِ هَمْزٍ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: لَا يُهْمَزُ بادِيَ الرأْي لأَن الْمَعْنَى فِيمَا يَظْهَرُ لَنَا ويَبْدُو، وَلَوْ أَراد ابْتِدَاءَ الرأْي فهَمَز كَانَ صَوَابًا؛ وأَنشد:
أَضْحَى لِخالي شَبَهِي بادِي بَدِي، ... وَصَارَ للفَحْلِ لِساني ويَدِي
أَراد بِهِ: ظَاهِرِي فِي الشَّبَهِ لِخَالِي. قَالَ الزَّجَّاجُ: نَصَبَ بَادِيَ الرأْي عَلَى اتَّبَعُوكَ فِي ظَاهِرِ الرأْي وباطنُهم عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ اتَّبَعُوكَ فِي ظَاهِرِ الرأْي وَلَمْ يَتَدَبَّرُوا مَا قلتَ وَلَمْ يُفَكِّرُوا فِيهِ؛ وَتَفْسِيرُ قَوْلِهِ:
أَضحى لِخَالِي شَبَهِي بَادِي بَدِي
__________
(1) . قوله [والبَثَاء الْكَثِيرُ الشَّحْمِ والبَثِيّ الكثير المدح للناس] عبارة القاموس: والبَثِيّ كعليّ الكثير المدح للناس والكثير الحشم
(2) . قوله [منسوبة إلى بَجَاوَة] أي بفتح الباء كما في التكملة(14/65)
مَعْنَاهُ: خَرَجْتُ عَنْ شَرْخ الشَّبَابِ إِلَى حَدِّ الكُهُولة الَّتِي مَعَهَا الرأْيُ والحِجا، فَصِرْتُ كَالْفُحُولَةِ الَّتِي بِهَا يَقَعُ الِاخْتِيَارُ وَلَهَا بِالْفَضْلِ تَكْثُرُ الأَوصاف؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: مَنْ هَمَزَهُ جَعَلَهُ مِنْ بَدَأْتُ مَعْنَاهُ أَوَّلَ الرَّأْيِ. وبَادَى فلانٌ بِالْعَدَاوَةِ أَي جَاهَرَ بِهَا، وتَبَادَوْا بِالْعَدَاوَةِ أَي جاهَرُوا بِهَا. وبَدَا لَهُ فِي الأَمر بَدْواً وبَداً وبَدَاءً؛ قَالَ الشَّمَّاخ:
لَعَلَّك، والمَوْعُودُ حقٌّ لِقَاؤُهُ، ... بَدَا لكَ فِي تِلْكَ القَلُوص بَداءُ «1»
. وَقَالَ سِيبَوَيْهِ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ
؛ أَراد بَدَا لَهُمْ بَداءٌ وَقَالُوا لَيَسْجُنُنَّهُ، ذَهَبَ إِلَى أَن مَوْضِعَ لَيَسْجُنُنَّهُ لَا يَكُونُ فاعلَ بَدَا لأَنه جُمْلَةٌ وَالْفَاعِلُ لَا يَكُونُ جُمْلَةً. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَمِنْ هَذَا أَخذ مَا يَكْتُبُهُ الْكَاتِبُ فِي أَعقاب الكُتُب. وبَداءَاتُ عَوارِضك، عَلَى فَعَالاتٍ، وَاحِدَتُهَا بَدَاءَةٌ بِوَزْنِ فَعَالَة: تَأْنِيثُ بَدَاءٍ أَي مَا يَبْدُو مِنْ عَوَارِضِكَ؛ قَالَ: وَهَذَا مِثْلُ السَّمَاءة لِمَا سَمَا وعَلاك مِنْ سَقْفٍ أَو غَيْرِهِ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ سَمَاوَةٌ، قَالَ: وَلَوْ قِيلَ بَدَوَاتٌ فِي بَدَآت الحَوائج كَانَ جَائِزًا. وَقَالَ أَبو بَكْرٍ فِي قَوْلِهِمْ أَبو البَدَوَاتِ، قَالَ: مَعْنَاهُ أَبو الْآرَاءِ الَّتِي تَظْهَرُ لَهُ، قَالَ: وَوَاحِدَةُ البَدَوَات بَدَاةٌ، يُقَالُ بَدَاة وبَدَوات كَمَا يُقَالُ قَطاة وقَطَوات، قَالَ: وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَمْدَحُ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ فَيَقُولُونَ لِلرَّجُلِ الْحَازِمِ ذُو بَدَوَات أَي ذُو آرَاءٍ تَظْهَرُ لَهُ فَيَخْتَارُ بَعْضًا ويُسْقطُ بَعْضًا؛ أَنشد الْفَرَّاءُ:
مِنْ أَمْرِ ذِي بَدَوَاتٍ مَا يَزالُ لَهُ ... بَزْلاءُ، يَعْيا بِهَا الجَثَّامةُ اللُّبَدُ
قَالَ: وبَدا لِي بَدَاءٌ أَي تَغَيَّر رأْيي عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ. وَيُقَالُ: بَدَا لِي مِنْ أَمرك بَداءٌ أَي ظَهَرَ لِي. وَفِي حَدِيثِ
سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَع: خَرَجْتُ أَنا وربَاحٌ مَوْلَى رسول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعِي فرسُ أَبي طَلْحَةَ أُبَدِّيه مَعَ الإِبل
أَي أُبْرزُه مَعَهَا إِلَى مَوْضِعِ الكَلإِ. وَكُلُّ شَيْءٍ أَظهرته فَقَدْ أَبْدَيْته وبَدَّيته؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
أَنه أَمر أَن يُبَادِيَ الناسَ بأَمره
أَي يُظْهِرَهُ لَهُمْ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
مَنْ يُبْدِ لَنَا صَفْحَتَه نُقِمْ عَلَيْهِ كتابَ اللَّهِ
أَي مَنْ يُظْهِرُ لَنَا فِعْلَهُ الَّذِي كَانَ يُخْفِيهِ أَقمنا عَلَيْهِ الْحَدَّ. وَفِي حَدِيثِ الأَقْرع والأَبْرص والأَعمى:
بَدَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَن يَبْتَلِيَهُمْ
أَي قَضَى بِذَلِكَ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَهُوَ مَعْنَى البَداء هَاهُنَا لأَن الْقَضَاءَ سَابِقٌ، والبَدَاءُ اسْتِصْوَابُ شَيْءٍ عُلم بَعْدَ أَن لَمْ يُعْلم، وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ غَيْرُ جَائِزٍ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: بَدَا لِي بَدَاءٌ أَي ظَهَرَ لِي رأْيٌ آخَرُ؛ وأَنشد:
لَوْ عَلَى العَهْدِ لَمْ يَخُنه لَدُمْنا، ... ثُمَّ لَمْ يَبْدُ لِي سِوَاهُ بَدَاءُ
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَبَدَا لَهُ فِي الأَمر بَدَاءً، مَمْدُودَةً، أَي نشأَ لَهُ فِيهِ رأْيٌ، وَهُوَ ذُو بَدَواتٍ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ بَداءٌ، بِالرَّفْعِ، لأَنه الْفَاعِلُ وَتَفْسِيرُهُ بنَشَأَ لَهُ فِيهِ رأْيٌ يَدُلُّكَ عَلَى ذَلِكَ؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
لعَلَّكَ، والموعودُ حَقٌّ لِقاؤه، ... بَدَا لَكَ فِي تِلْكَ القَلُوصِ بَدَاءُ
وبَدَاني بِكَذَا يَبْدوني: كَبَدأَني. وافعَل ذَلِكَ بادِيَ بَدٍ وبَادِيَ بَدِيّ، غَيْرَ مَهْمُوزٍ؛ قَالَ:
وَقَدْ عَلَتْني ذُرْأَةٌ بَادِي بَدِي
وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْهَمْزَةِ، وَحَكَى سِيبَوَيْهِ: بادِيَ بَدَا، وَقَالَ: لَا يُنَوَّنُ وَلَا يَمْنَعُ القياسُ تنوينَه. وقال
__________
(1) . في نسخة: وفاؤه(14/66)
الْفَرَّاءُ: يُقَالُ افعلْ هَذَا بَادِيَ بَدِيّ كَقَوْلِكَ أَوَّل شَيْءٍ، وَكَذَلِكَ بَدْأَةَ ذِي بَدِيّ، قَالَ: وَمِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ بادِيَ بَدِيّ بِهَذَا الْمَعْنَى إِلَّا أَنه لَمْ يُهْمَزْ، الْجَوْهَرِيُّ: افعلْ ذَلِكَ بادِيَ بَدٍ وبَادِيَ بَدِيٍّ أَي أَوَّلًا، قَالَ: وأَصله الْهَمْزُ وَإِنَّمَا تُرِكَ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ؛ وَرُبَّمَا جَعَلُوهُ اسْمًا لِلدَّاهِيَةِ كَمَا قَالَ أَبو نُخَيلة:
وَقَدْ عَلَتْني ذُرْأَةٌ بَادِي بَدِي، ... ورَيْثَةٌ تَنْهَضُ بالتَّشَدُّدِ،
وَصَارَ للفَحْلِ لِسَانِي ويدِي
قَالَ: وَهُمَا اسْمَانِ جُعِلَا اسْمًا وَاحِدًا مِثْلَ معديكرب وَقَالِي قَلا. وَفِي حَدِيثِ
سَعْدِ بْنِ أَبي وقاص: قَالَ يَوْمَ الشُّورَى الْحَمْدُ لِلَّهِ بَدِيّاً
؛ البَدِيُّ، بِالتَّشْدِيدِ: الأَول؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: افْعَلْ هَذَا بَادِيَ بَدِيّ أَي أَوَّل كُلِّ شَيْءٍ. وبَدِئْتُ بِالشَّيْءِ وبَدِيتُ: ابْتَدَأْتُ، وَهِيَ لُغَةُ الأَنصار؛ قَالَ ابْنُ رواحَةَ:
باسمِ الإِله وَبِهِ بَدِينَا، ... وَلَوْ عَبَدْنا غيرَه شَقِينا،
وحَبَّذا رَبّاً وحُبَّ دِينا
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ لَيْسَ أَحد يَقُولُ بَدِيتُ بِمَعْنَى بَدَأْتُ إِلَّا الأَنصار، وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ بَدَيْتُ وبَدَأْتُ، لَمَّا خُفِّفَتِ الْهَمْزَةُ كُسِرَتِ الدَّالُ فَانْقَلَبَتِ الْهَمْزَةُ يَاءً، قَالَ: وَلَيْسَ هُوَ مِنْ بَنَاتِ الْيَاءِ. وَيُقَالُ: أَبْدَيْتَ فِي مَنْطِقِكَ أَي جُرْتَ مِثْلَ أَعْدَيْت؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ فِي الْحَدِيثِ:
السُّلْطانُ ذُو عَدَوان وَذُو بَدَوانٍ
، بِالتَّحْرِيكِ فِيهِمَا، أَي لَا يَزَالُ يَبْدُو لَهُ رأْيٌ جَدِيدٌ، وأَهل الْمَدِينَةِ يَقُولُونَ بَدَيْنَا بِمَعْنَى بَدأْنا. والبَدْوُ والبَادِيَةُ والبَدَاةُ والبَدَاوَة والبِدَاوَةُ: خِلَافُ الحَضَرِ، وَالنَّسَبُ إِلَيْهِ بَدَوِيٌّ، نَادِرٌ، وبَدَاوِيّ وبِدَاوِيٌّ، وَهُوَ عَلَى الْقِيَاسِ لأَنه حِينَئِذٍ مَنْسُوبٌ إِلَى البَدَاوَة والبِدَاوَة؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهُ «1» ..... لَا يَعْرِفُونَ غَيْرَ بَدَوِيّ، فَإِنْ قُلْتَ إِنَّ البَدَاوِيّ قَدْ يَكُونُ مَنْسُوبًا إِلَى البَدْوِ والبَادِيَةِ فَيَكُونُ نَادِرًا، قِيلَ: إِذَا أَمكن فِي الشَّيْءِ الْمَنْسُوبِ أَن يَكُونَ قِيَاسًا وَشَاذَّا كَانَ حَمْلُهُ عَلَى الْقِيَاسِ أَولى لأَن الْقِيَاسَ أَشيع وأَوسع. وبَدَا القومُ بَدْواً أَي خَرَجُوا إِلَى بَادِيَتِهِمْ مِثْلَ قَتَلَ قَتْلًا. ابْنُ سِيدَهْ: وبَدَا القومُ بَدَاءً خَرَجُوا إِلَى الْبَادِيَةِ، وَقِيلَ لِلْبَادِيَةِ بَادِيَةٌ لِبُرُوزِهَا وَظُهُورِهَا؛ وَقِيلَ للبَرِّيَّة بَادِيَة لأَنها ظَاهِرَةٌ بَارِزَةٌ، وَقَدْ بَدَوْتُ أَنا وأَبْدَيْتُ غَيْرِي. وَكُلُّ شَيْءٍ أَظهرته فَقَدْ أَبْدَيْتَه. وَيُقَالُ: بَدَا لِي شيءٌ أَي ظَهَرَ. وَقَالَ اللَّيْثُ: الْبَادِيَةُ اسْمٌ للأَرض الَّتِي لَا حَضَر فِيهَا، وَإِذَا خَرَجَ الناسُ مِنَ الحَضَر إِلَى الْمَرَاعِي فِي الصَّحارِي قِيلَ: قَدْ بَدَوْا، والإِسم البَدْوُ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: البَادِيَة خِلَافُ الْحَاضِرَةِ، وَالْحَاضِرَةُ الْقَوْمُ الَّذِينَ يَحْضُرون المياهَ وَيَنْزِلُونَ عَلَيْهَا فِي حَمْراء الْقَيْظِ، فَإِذَا بَرَدَ الزَّمَانُ ظَعَنُوا عَنْ أَعْدادِ الْمِيَاهِ وبَدَوْا طَلَبًا للقُرْب مِنَ الكَلإِ، فَالْقَوْمُ حينئذ بَادِيَةٌ بعد ما كَانُوا حَاضِرَةً، وَهِيَ مَبَادِيهِم جَمْعُ مَبْدًى، وَهِيَ المَناجِع ضِدُّ المَحاضر، وَيُقَالُ لِهَذِهِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَبْتَدِي إِلَيْهَا البادُونَ بَادِيَة أَيضاً، وَهِيَ البَوَادِي، وَالْقَوْمُ أَيضاً بَوَادٍ جَمْعُ بَادِيَةٍ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَنْ بَدَا جَفَا
أَي مَنْ نَزَلَ الْبَادِيَةَ صَارَ فِيهِ جَفاءُ الأَعرابِ. وتَبَدَّى الرجلُ: أَقام بِالْبَادِيَةِ. وتَبَادَى: تَشَبَّه بأَهل الْبَادِيَةِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا تَجُوزُ شهادةُ بَدَوِيّ عَلَى صَاحِبِ قَرْية
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: إِنَّمَا كُرِهَ شَهَادَةُ البَدَوِيّ لِمَا فِيهِ مِنَ الجَفاء فِي الدِّينِ والجَهالة بأَحكام الشَّرْعِ، ولأَنهم فِي الْغَالِبِ لَا يَضْبِطُون الشهادةَ عَلَى وَجْهِها، قال: وإليه
__________
(1) . كذا بياض في جميع الأَصول المعتمدة بأيدينا(14/67)
ذَهَبَ مَالِكٌ، والناسُ عَلَى خِلَافِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
كَانَ إِذَا اهْتَمَّ لشيءٍ بَدَا
أَي خَرَجَ إِلَى البَدْوِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: يُشْبِهُ أَن يَكُونَ يَفْعَل ذَلِكَ ليَبْعُدَ عن الناس ويَخْلُوا بِنَفْسِهِ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
أَنه كَانَ يَبْدُو إِلَى هَذِهِ التِّلاع.
والمَبْدَى: خِلَافُ المَحْضر. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه أَراد البَدَاوَةَ مَرَّةً
أَي الخروجَ إِلَى الْبَادِيَةِ، وَتُفْتَحُ بَاؤُهَا وَتُكْسَرُ. وَقَوْلُهُ فِي الدُّعَاءِ:
فإنَّ جارَ البَادِي يَتَحَوَّلُ
؛ قَالَ: هُوَ الَّذِي يَكُونُ فِي الْبَادِيَةِ ومَسْكنه المَضارِبُ وَالْخِيَامُ، وَهُوَ غَيْرُ مُقِيمٍ فِي مَوْضِعِهِ بِخِلَافِ جارِ المُقامِ فِي المُدُن، وَيُرْوَى النادِي بِالنُّونِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا يَبِعْ حاضِرٌ لبَادٍ
، وَهُوَ مَذْكُورٌ مُسْتَوْفى فِي حَضَرَ. وَقَوْلُهُ فِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ
؛ أَي إِذَا جاءَت الْجُنُودُ والأَحْزاب وَدُّوا أَنهم فِي الْبَادِيَةِ؛ وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: إِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي رَبِيعِهِمْ، وإلَّا فَهُمْ حُضَّارٌ عَلَى مِيَاهِهِمْ. وقوم بُدَّا وبُدَّاءٌ: بادونَ؛ قَالَ:
بحَضَرِيّ شاقَه بُدَّاؤُه، ... لَمْ تُلْهه السُّوقُ وَلَا كلاؤُه
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: فأَما قَوْلُ ابْنِ أَحمر:
جَزَى اللهُ قَوْمِي بالأُبُلَّةِ نُصْرَةً، ... وبَدْواً لَهُمْ حَوْلَ الفِراضِ وحُضَّرَا
فَقَدْ يَكُونُ اسْمًا لِجَمْعِ بَادٍ كَرَاكِبٍ ورَكْبٍ، قَالَ: وَقَدْ يَجُوزُ أَن يُعْنى بِهِ البَدَاوَة الَّتِي هِيَ خِلَافُ الحَضارة كأَنه قَالَ وأَهْلَ بَدْوٍ. قَالَ الأَصمعي: هِيَ البِدَاوة والحَضارة بِكَسْرِ الْبَاءِ وَفَتْحِ الْحَاءِ؛ وأَنشد:
فمَن تكُنِ الحَضارةُ أَعْجَبَتْه، ... فأَيَّ رجالِ بَادِيَةٍ تَرانا؟
وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: هِيَ البَدَاوَة والحِضارة، بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِ الْحَاءِ. وَالْبَدَاوَةُ: الإِقامة فِي الْبَادِيَةِ، تُفْتَحُ وَتُكْسَرُ، وَهِيَ خِلَافُ الحِضارة. قَالَ ثَعْلَبٌ: لَا أَعرف البَدَاوَة، بِالْفَتْحِ، إِلَّا عَنْ أَبي زَيْدٍ وَحْدَهُ، وَالنِّسْبَةُ إِلَيْهَا بَدَاوِيّ. أَبو حَنِيفَةَ: بَدْوَتا الْوَادِي جَانِبَاهُ. وَالْبِئْرُ البَدِيُّ: الَّتِي حَفَرَهَا فَحُفِرَتْ حَديثَةً وَلَيْسَتْ بعاديَّة، وَتُرِكَ فِيهَا الْهَمْزُ فِي أَكثر كَلَامِهِمْ. والبَدَا، مَقْصُورٌ: مَا يَخْرُجُ مِنْ دُبُرِ الرَّجُلِ؛ وبَدَا الرجلُ: أَنْجَى فَظَهَرَ ذَلِكَ مِنْهُ. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا تغَوَّط وأَحدث: قَدْ أَبْدَى، فَهُوَ مُبْدٍ، لأَنه إِذَا أَحدث بَرَزَ مِنَ الْبُيُوتِ وَهُوَ مُتَبَرِّز أَيضاً. والبَدَا مَفْصِلُ الإِنسان، وَجَمْعُهُ أَبْدَاءٌ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْهَمْزِ. أَبو عَمْرٍو: الأَبْدَاءُ المَفاصِل، وَاحِدُهَا بَداً، مَقْصُورٌ، وَهُوَ أَيضاً بِدْءٌ، مهموز، تقديره بِدْعٌ، وَجَمْعُهُ بُدُوءٌ عَلَى وَزْنِ بُدُوع. والبَدَا: السَّيِّدُ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْهَمْزِ. والبَدِيُّ ووادِي البَدِيِّ: مَوْضِعَانِ. غَيْرُهُ: والبَدِيُّ اسْمُ وَادٍ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
جَعَلْنَ جراجَ القُرْنَتَيْن وَعَالِجًا ... يَمِينًا، ونَكَّبْنَ البَدِيَّ شَمائلا
وبَدْوَةُ: ماءٌ لَبَنِي العَجْلانِ. قَالَ: وَبَدَا اسْمُ مَوْضِعٍ. يُقَالُ: بَيْنَ شَغْبٍ وبَداً، مَقْصُورٌ يُكْتَبُ بالأَلف؛ قَالَ كثيِّر:
وأَنْتِ الَّتِي حَبَّبتِ شَغباً إِلَى ... بَداً إليَّ، وأَوطاني بلادٌ سِوَاهُمَا
وَيُرْوَى: بَدَا، غَيْرَ مُنَوَّنٍ. وَفِي الْحَدِيثِ ذُكِرَ بَدَا بِفَتْحِ الْبَاءِ وَتَخْفِيفِ الدَّالِ: مَوْضِعٌ بِالشَّامِ قُرْبَ وَادِي القُرَى، كَانَ بِهِ مَنْزِلُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ(14/68)
وأَولاده، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. والبَدِيُّ: الْعَجَبُ؛ وأَنشد:
عَجِبَتْ جارَتي لشَيْبٍ عَلاني، ... عَمْرَكِ اللهُ هَلْ رأَيتِ بَدِيَّا؟
بذا: البَذاء، بِالْمَدِّ: الفُحْش. وَفُلَانٌ بَذِيُّ اللِّسَانِ، والمرأَة بَذِيَّةٌ، بَذُوَ بَذَاءً فَهُوَ بَذِيّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْهَمْزِ، وبَذَوْتُ عَلَى الْقَوْمِ وأَبْذَيْتُهم وأَبْذَيْتُ عَلَيْهِمْ: مِنَ البَذاءِ وَهُوَ الْكَلَامُ الْقَبِيحُ؛ وأَنشد الأَصمعي لِعَمْرِو بْنِ جَميلٍ الأَسَدِيّ:
مِثْلُ الشُّيَيْخ المُقْذَحِرِّ البَاذِي، ... أَوفَى عَلَى رَباوَةٍ يُبَاذِي
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَفِي الْمُصَنَّفِ بَذَوْتُ عَلَى الْقَوْمِ وأَبْذَيْتهم؛ قَالَ آخَرُ:
أُبْذي إِذَا بُوذِيتُ مِنْ كَلْبٍ ذَكَرْ
وَقَدْ بَذُوَ الرجلُ يَبْذُو بَذاءً، وأَصله بَذَاءَةً فحذِفت الْهَاءُ لأَن مَصَادِرَ الْمَضْمُومِ إِنَّمَا هِيَ بِالْهَاءِ، مِثْلَ خَطُبَ خَطابة وصَلُب صَلابة، وَقَدْ تُحْذَفُ مِثْلُ جَمُل جَمالًا، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ بَذَاوَةً، بِالْوَاوِ، لأَنه مَنْ بَذُوَ، فأَما بَذَاءَة بِالْهَمْزِ فَإِنَّهَا مَصْدَرُ بَذُؤَ، بِالْهَمْزِ، وَهُمَا لُغَتَانِ. وباذَأْتُه وبَاذَيْتُه أَي سافَهْتُه. وَفِي الْحَدِيثِ:
البَذاءُ مِنَ الجَفاء
؛ البَذَاءُ، بِالْمَدِّ: الْفُحْشُ فِي الْقَوْلِ. وَفِي حَدِيثِ
فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ: بَذَتْ عَلَى أَحمائها وَكَانَ فِي لِسَانِهَا بعضُ البَذَاءِ
؛ قَالَ: وَقَدْ يُقَالُ فِي هَذَا الهمزُ وَلَيْسَ بِالْكَثِيرِ. وبَذَا الرجلُ إِذَا سَاءَ خُلقه. وبَذْوَةُ: اسْمُ فَرَسٍ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
لَا أُسْلِمُ الدهرَ رأْسَ بَذْوَةَ، أَو ... تلْقَى رجالٌ كأَنها الخُشُبُ
وَقَالَ غَيْرُهُ: بَذْوَةُ فَرَسُ عَبَّاد بْنِ خَلَف، وَفِي الصِّحَاحِ: بَذْوُ اسْمُ فرسِ أَبي سِراج؛ قَالَ فِيهِ:
إنَّ الجِيادَ عَلَى العِلَّاتِ مُتْعَبَةٌ، ... فإنْ ظلمناكَ بَذْوُ الْيَوْمِ فاظَّلِمِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَالصَّوَابُ بَذْوَةُ اسْمُ فَرَسِ أَبي سُواج، قَالَ: وَهُوَ أَبو سُواج الضَّبِّيُّ، قَالَ: وَصَوَابُ إِنْشَادِ الْبَيْتِ: فَإِنْ ظلمناكِ بَذْوَ، بِكَسْرِ الْكَافِ، لأَنه يُخَاطِبُ فَرَسًا أُنثى وَفَتْحُ الْوَاوِ عَلَى التَّرْخِيمِ وَإِثْبَاتِ الْيَاءِ فِي آخِرِهِ فاظَّلِمِي؛ ورأَيت حَاشِيَةً فِي أَمالي ابْنِ بَرِّيٍّ مَنْسُوبَةً إِلَى مُعْجَمِ الشُّعَرَاءِ للمَرْزُبانيِّ قَالَ: أَبو سُواج الضَّبِّيُّ اسْمُهُ الأَبيض، وَقِيلَ: اسْمُهُ عَبَّاد بْنُ خَلَفٍ أَحد بَنِي عَبْدِ مَناة بْنِ بَكْرِ بْنِ سَعْدٍ جَاهِلِيٌّ، قَالَ: سابقَ صُرَدَ بْنَ حَمْزَةَ بْنِ شَدَّادٍ اليربوعيَّ وَهُوَ عَمُّ مَالِكٍ ومُتَمِّمٍ ابْنِي نُوَيْرَة الْيَرْبُوعِيُّ، فَسَبَقَ أَبو سُواج عَلَى فَرَسٍ لَهُ تُسَمَّى بَذْوَة، وفرسُ صُرَدَ يُقَالُ لَهُ القَطيبُ، فَقَالَ سُواج فِي ذَلِكَ:
أَلم ترَ أَنَّ بَذْوَةَ إذْ جَرَيْنا، ... وجَدَّ الجِدُّ منَّا والقَطِيبا،
كأَنَّ قَطِيبَهم يَتْلُو عُقاباً، ... عَلَى الصَّلْعاءِ، وَازِمَةً طَلُوبا
الوَزِيمُ: قِطَعُ اللَّحْمِ. والوازِمةُ: الْفَاعِلَةُ للشَّيء، فشَريَ الشَّرُّ بَيْنَهُمَا إِلَى أَن احْتَالَ أَبو سُواج عَلَى صُرَدَ فَسَقَاهُ مَنيَّ عَبْدِه فانتفَخَ وَمَاتَ؛ وَقَالَ أَبو سُواج فِي ذَلِكَ:
حَأحِىءْ بيَرْبُوعَ إِلَى المَنِيِّ، ... حَأْحَأَةً بالشارِقِ الحصيِ
فِي بَطْنه حاريه الصبيِّ، ... وشَيْخِها أَشْمَطَ حَنْظَليِّ «2» .
__________
(2) . قوله [حاريه الصبي] كذ بالأصل بدون نقط(14/69)
فَبَنُو يَرْبُوعَ يُعَيَّرُونَ بِذَلِكَ، وَقَالَتِ الشُّعَرَاءُ فِيهِ فأَكثروا، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الأَخطل:
تَعِيبُ الخَمْرَ، وَهِيَ شرابُ كِسْرَى، ... ويشرَبُ قومُك العَجَبَ العَجِيبا
مَنيّ العبدِ، عَبْدِ أَبي سُواجٍ، ... أَحَقُّ مِنَ المُدامَةِ أَن تَعِيبا
بري: بَرَى العُودَ والقَلم والقِدْحَ وَغَيْرَهَا يَبْرِيه بَرْياً: نَحَتَه. وابْتَرَاه: كبَراه، قَالَ طَرَفة:
مِنْ خُطوبٍ، حَدَثَتْ أَمْثالُها، ... تَبْتَرِي عُودَ القَوِيِّ المُسْتَمِرّ
وَقَدِ انْبَرَى. وَقَوْمٌ يَقُولُونَ: هُوَ يَبْرُو القَلم، وَهُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ هُوَ يَقْلُو البُرَّ، قال: برو
بَرَوْتُ العُود والقلم برو
بَرْواً لُغَةٌ فِي بَرَيْتُ، وَالْيَاءُ أَعلى. والمِبْرَاةُ: الْحَدِيدَةُ الَّتِي يُبْرَى بِهَا، قَالَ الشَّاعِرُ:
وأَنتَ فِي كَفِّكَ المِبْرَاةُ والسَّفَنُ
والسَّفَنُ: مَا يُنْحَتُ بِهِ الشَّيْءُ، وَمِثْلُهُ قول جَنْدَل الطُّهَوِيِّ:
إِذ صَعِد الدَّهرُ إِلَى عِفْرَاتِه، ... فاجْتاحها بِشَفْرَتَيْ مِبرَاتِه
وَسَهْمٌ بَرِيٌّ: مَبْرِيٌّ، وَقِيلَ: هُوَ الْكَامِلُ البَرْيِ. التَّهْذِيبُ: البَرِيُّ السَّهْمُ المَبْرِيّ الَّذِي قَدْ أُتِمَّ بَرْيه وَلَمْ يُرَشْ وَلَمْ يُنْصَلْ، والقِدْحُ أَولَ مَا يُقْطَع يُسَمَّى قِطْعاً، ثُمَّ يُبْرَى فَيُسَمَّى بَرِيّاً، فإِذا قُوِّمَ وأَبى لَهُ أَن يُراشَ وأَن يُنْصَل فَهُوَ القِدْحُ، فَإِذَا رِيشَ ورُكّبَ نَصْلُه صَارَ سَهْماً. وَفِي حَدِيثِ
أَبي جُحَيْفة: أَبْرِي النَّبلَ وأَرِيشُها
أَي أَنْحَتها وأُصلحها وأَعمل لَهَا رِيشًا لِتَصِيرَ سِهَامًا يُرْمَى بِهَا. والبَرَّاءَةُ والمِبْرَاةُ: السِّكِّينُ تُبْرى بِهَا القَوْسُ، عَنْ أَبي حَنِيفَةَ. وبَرى يَبْري بَرْياً إِذا نَحَتَ، وَمَا وَقَعَ مِمَّا نُحِتَ فَهُوَ بُرَايَة. والبُرَايَة: النَّحاتة وَمَا بَرَيْتَ مِنَ العُود. ابْنُ سِيدَهْ: والبُرَاء النُّحاتة، قَالَ أَبُو كَبِيرٍ الْهُذَلِيُّ:
ذَهَبَتْ بَشَاشَتُه وأَصْبَحَ واضِحاً، ... حَرِقَ المَفارِقِ كالبُرَاءِ الأَعْفر
أَيِ الأَبيضِ. والبُرَايَة: كالبُرَاء. قَالَ ابْنُ جِنِّي: هَمْزَةُ البُرَاء مِنَ الْيَاءِ لِقَوْلِهِمْ فِي تأْنيثه البُرَايَةُ، وَقَدْ كَانَ قِيَاسُهُ، إذ كَانَ لَهُ مُذَكَّرٌ، أَن يُهْمَزَ فِي حَالِ تأْنيثه فَيُقَالُ بُراءَة، أَلا تَرَاهُمْ لما جاؤوا بِوَاحِدِ العَظاء وَالْعَبَاءِ عَلَى مُذَكَّرِهِ قَالُوا عَظَاءَة وعَبَاءة، فَهَمَزُوا لَمَّا بَنَوُا المؤنثَ عَلَى مُذَكَّرِهِ وَقَدْ جَاءَ نحوَ البُرَاءِ والبُرَايَةِ غَيْرُ شَيْءٍ، قَالُوا الشَّقَاءُ والشَّقَاوَة وَلَمْ يَقُولُوا الشَّقاءَة، وَقَالُوا ناوِيَةٌ بَيِّنَةُ النَّواءِ وَلَمْ يَقُولُوا النَّواءَةِ، وَكَذَلِكَ الرَّجاءُ والرَّجَاوَة، وَفِي هَذَا وَنَحْوَهُ دَلَالَةٌ عَلَى أَن ضَرْبًا مِنَ الْمُؤَنَّثِ قَدْ يُرْتَجَلُ غيرَ مُحتَذًى بِهِ نَظِيرُهُ مِنَ الْمُذَكَّرِ، فَجَرَتِ البُراية مَجْرى التَّرْقُوَةِ وَمَا لَا نَظِيرَ لَهُ مِنَ الْمُذَكَّرِ فِي لَفْظٍ وَلَا وَزْنٍ. وَهُوَ مِنْ بُرَايَتِهم أَي خُشارَتِهم. ومَطَر ذُو بُرَايَة: يَبْرِي الأَرض ويَقْشِرُها. والبُرَايَة: الْقُوَّةُ. وَدَابَّةٌ ذَاتُ بُرَايَة أَي ذَاتُ قُوَّةٍ عَلَى السَّيْرِ، وَقِيلَ: هِيَ قَوِيَّةٌ عِنْدَ بَرْي السَّيْرِ إِياها. الْجَوْهَرِيُّ: يُقَالُ لِلْبَعِيرِ إِذا كَانَ بَاقِيًا عَلَى السَّيْرِ إِنه ذُو بُرَايَة، وَهُوَ الشَّحْمُ وَاللَّحْمُ. وَنَاقَةٌ ذَاتُ بُرَايَة أَي شَحْمٍ وَلَحْمٍ، وَقِيلَ: ذَاتُ بُرَايَة أَيْ بَقاء عَلَى السَّيْرِ. وَبَعِيرٌ ذُو بُرَايَة أَي باقٍ عَلَى السَّيْرِ فَقَطْ، قَالَ الأَعْلَم الهُذَليّ:
عَلَى حَتِّ البُرَايَةِ زَمْخَزِيِّ السَّواعِدِ، ... ظَلَّ فِي شَرْيٍ طِوالِ
يَصِفُ ظَلِيماً. قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ بُرَايَتُهُما(14/70)
بَقِيَّةُ بدَنَهِما وَقُوَّتِهِمَا. وبَرَاه السفَر يَبْرِيهِ بَرْياً: هَزَلَهُ، عَنْهُ أَيضاً، قَالَ الأَعشى:
بأَدْمَاءَ حُرْجُوجٍ بَرَيتُ سَنَامَها ... بِسَيْرِي عليها، بعد ما كَانَ تامِكا
وبَرَيْتُ الْبَعِيرَ إِذا حَسَرْتَهُ وأَذهبت لَحْمَهُ. وَفِي حَدِيثِ
حَلِيمَةَ السَّعْدِيَّة: أَنها خَرَجَتْ فِي سَنَةٍ حَمْرَاء قَدْ بَرَتِ المالَ
أَي هَزَلَتِ الإِبلَ وأَخذتْ مِنْ لَحْمِهَا، مِنَ البَرْيِ القَطْعِ، وَالْمَالُ فِي كَلَامِهِمْ أَكثر مَا يُطْلِقُونَهُ عَلَى الإِبل. والبُرَةُ: الخَلْخال، حَكَّاهُ ابْنُ سِيدَهْ فِيمَا يُكْتَبُ بِالْيَاءِ، وَالْجَمْعُ بُرَاتٌ وبُرًى وبُرِينَ وبِرِينَ. والبُرَة: الحَلْقَة فِي أَنف الْبَعِيرِ، وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هِيَ الْحَلْقَةُ مِنْ صُفْرٍ أَو غَيْرِهِ تُجْعَلُ فِي لَحْمِ أَنف الْبَعِيرِ، وَقَالَ الأَصمعي: تُجْعَلُ فِي أَحد جَانِبَيِ المَنْخَرين، وَالْجَمْعُ كَالْجَمْعِ عَلَى مَا يَطْرُدُ فِي هَذَا النَّحْوِ. وَحَكَى أَبو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ فِي الإِيضاح: برو
بَرْوَة وبُرًى، وَفَسَّرَهَا بِنَحْوِ ذَلِكَ، وَهَذَا نَادِرٌ. وبُرَةٌ برو
مَبْرُوَّة أَي مَعْمُولَةٌ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: قَالَ أَبو عَلِيٍّ أَصل البُرَة بَرْوَةٌ لأَنها جُمِعَتْ عَلَى بُرًى مِثْلَ قَرْيةٍ وقُرًى. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ، رَحِمَهُ اللَّهُ: لَمْ يَحْكِ برو
بَرْوَةً فِي بُرَةٍ غَيْرَ سِيبَوَيْهِ، وَجَمْعُهَا بُرًى، وَنَظِيرُهَا قَرْية وقُرًى، وَلَمْ يَقُلْ أَبو عَلِيٍّ إِن أَصل بُرَةٍ بَرْوَةٌ لأَن أَوّل بُرَةٍ مَضْمُومٌ وأَول بَرْوَة مَفْتُوحٌ، وَإِنَّمَا اسْتَدَلَّ عَلَى أَن لَامَ بُرَةٍ وَاوٌ بقولهم برو
بَرْوَة لُغَةً فِي بُرَة. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ: أَهدى النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جَمَلًا كَانَ لأَبي جَهْلٍ فِي أَنفه بُرَةٌ مِنْ فِضَّةٍ، يَغِيظ بذلك المشركين.
وبرو
بَرَوْتُ النَّاقَةَ وأَبْرَيْتُها: جَعَلْتُ فِي أَنفها بُرَةً، حَكَى الأَول ابْنُ جِنِّي. وَنَاقَةٌ مُبْرَاة: فِي أَنفها بُرَةٌ، وَهِيَ حَلْقة مِنْ فِضَّةٍ أَو صُفْر تُجْعَلُ فِي أَنفها إِذَا كَانَتْ دَقِيقَةً معطوفةَ الطَّرَفَيْنِ، قَالَ: وَرُبَّمَا كَانَتِ البُرَةُ مِنْ شَعَرٍ فَهِيَ الخُزَامَةُ، قَالَ النَّابِغَةُ الجَعْديُّ:
فَقَرَّبْتُ مُبْرَاةً، تَخالُ ضُلُوعَها ... مِنَ المَاسِخِيَّاتِ القِسِيّ المُوَتَّرا
وَفِي حَدِيثِ
سَلَمَةَ بْنِ سُحَيْم: إِن صَاحِبًا لَنَا رَكِبَ نَاقَةً لَيْسَتْ بِمُبْرَاةٍ فَسَقَطَ فَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: غَرَّرَ بِنَفْسِهِ
، أَي لَيْسَ فِي أَنفها بُرَة. يُقَالُ: أَبْرَيْتُ الناقةَ فَهِيَ مُبْرَاة. الْجَوْهَرِيُّ: وَقَدْ خَشَشْتُ الناقةَ وعَرَنْتُها وخَزَمْتُها وزَمَمْتُها وخَطَمْتُها وأَبْرَيْتُها، هَذِهِ وَحْدُهَا بالأَلف، إِذَا جعلتَ فِي أَنفها البُرة. وكلُّ حَلْقة مِنْ سِوار وقُرْط وخَلْخال وَمَا أَشبهها بُرَةٌ، وَقَالَ:
وقَعْقَعْنَ الخَلاخِلَ والبُرِينَا
والبَرى: التُّراب. يُقَالُ فِي الدُّعَاءِ عَلَى الإِنسان: بفِيهِ البَرَى، كَمَا يُقَالُ بفِيه الترابُ. وَفِي الدُّعَاءِ: بفِيهِ البَرَى وحُمَّى خَيْبَرا وشَرُّ مَا يُرى فإِنه خَيْسَرى، زَادُوا الأَلف فِي خَيْبَرَ لِمَا يُؤْثِرُونَهُ مِنَ السَّجْعِ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي مَوْضِعِهِ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَدَدَ الثرَى والوَرَى والبَرَى
، البَرَى: الترابُ. الْجَوْهَرِيُّ: البَرِيَّة الخلْقُ، وأَصله الْهَمْزُ، وَالْجَمْعُ البَرَايا والبَرِيَّاتُ، تَقُولُ مِنْهُ: برو
بَرَاه الله برو
يَبْرُوه برو
بَرْواً أَي خلَقه. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الدَّلِيلُ عَلَى أَن أَصل البَرِيَّةِ الهمزُ قَوْلُهُمُ البَرِيئَةُ، بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَةِ، حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ وَغَيْرُهُ لُغَةً فِيهَا. وَقَالَ غَيْرُهُ: البَرِيَّة الْخَلْقُ، بِلَا هَمْزٍ، إِن أُخذت مِنَ البَرَى وَهُوَ التُّرَابُ فأَصله غَيْرُ الْهَمْزِ، وأَنشد لمُدْرِكِ بْنِ حِصْنٍ الأَسَدِيّ:
مَاذَا ابْتَغَتْ حُبَّى إِلَى حَلِّ العُرى، ... حَسِبْتنِي قَدْ جِئْتُ مِنْ وادِي القُرَى،(14/71)
بفِيك، مِنْ سارٍ إِلى القومِ، البَرَى
أَي التُّرَابُ. والبَرَى والوَرَى وَاحِدٌ. يُقَالُ: هُوَ خَيْرُ الوَرَى والبَرَى أَي خَيْرُ البَرِيَّة، والبَرِيَّةُ الخَلْق، وَالْوَاوُ تُبْدَلُ مِنَ الْبَاءِ، يُقَالُ: باللَّه لَا أَفعل، ثُمَّ قَالُوا واللَّه لَا أَفعل، وَقَالَ: الْجَالِبُ لِهَذِهِ الْبَاءِ فِي الْيَمِينِ باللَّه مَا فَعَلْتُ إِضمار أَحلف يُرِيدُ أَحلف باللَّه، قَالَ: وَإِذَا قُلْتَ واللَّه لَا أَفعل ذَاكَ ثُمَّ كَنَيْتَ عَنِ اللَّه قُلْتَ بِهِ لَا أَفعل ذَلِكَ، فتركتَ الْوَاوَ ورجعتَ إِلَى الْبَاءِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
قَالَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّه، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَا خَيْرَ البَرِيَّةِ
، البَرِيَّةُ: الْخَلْقُ. تقول: برو
بَرَاهُ اللَّه برو
يَبْرُوه برو
بَرْواً أَي خَلَقَهُ اللَّه، ويُجْمَعُ عَلَى البَرَايا والبَرِيَّات مِنَ البَرَى التُّرَابِ، هَذَا إِذا لَمْ يُهْمَزْ، وَمَنْ ذَهَبَ إِلى أَن أَصله الْهَمْزُ أَخذه مِنْ بَرَأَ اللَّه الْخَلْقَ يَبْرَؤُهم أَي خَلَقهم ثُمَّ تَرَكَ فِيهَا الْهَمْزَ تَخْفِيفًا. قَالَ ابْنُ الأَثير: وَلَمْ تُسْتَعْمَلْ مَهْمُوزَةً. وبَرَى لَهُ يَبْرِي بَرْياً وانْبَرَى: عَرَضَ لَهُ. وَبَارَاهُ: عارَضَه. وبَارَيْتُ فُلَانًا مُبَارَاة إِذا كُنْتَ تَفْعَلُ مِثْلَ مَا يَفْعَلُ. وَفُلَانٌ يُبَارِي الريحَ سَخاءً، وَفُلَانٌ يُبارِي فُلَانًا أَي يُعَارِضُهُ وَيَفْعَلُ مِثْلَ فَعَلَهُ، وَهُمَا يَتَبَارَيَانِ. وانْبَرَى لَهُ أَي اعتَرَض لَهُ. وَيُقَالُ: تَبَرَّيْتُ لِفُلَانٍ إِذا تَعَرَّضْتُ لَهُ، وتَبَرَّيْتُهم مِثْلَهُ. وبَرَيْتُ الناقةَ حَتَّى حَسَرْتُها فأَنا أَبْرِيها بَرْياً مِثْلَ بَرْيِ الْقَلَمِ، وبَرَى لَهُ يَبْرِي بَرْياً إِذا عَارَضَهُ وَصَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعَ، وَمِثْلَهُ انْبَرَى لَهُ. وَهُمَا يَتَبَارِيَان إِذا صَنَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِثْلَ مَا صَنَعَ صَاحِبَهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
نَهَى عَنْ طَعَامِ المُتَبَارِيَيْن أَن يُؤْكَلَ
، هُمَا الْمُتَعَارِضَانِ بِفِعْلِهِمَا ليُعَجِّزَ أَحدُهما الْآخَرَ بِصَنِيعِهِ، وإِنما كَرَّهَهُ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمُبَاهَاةِ وَالرِّيَاءِ، وَمِنْهُ شِعْرُ حَسَّانَ:
يُبَارِينَ الأَعِنَّةَ مُصْعِداتٍ، ... عَلَى أَكْتافِها الأَسَلُ الظِّمَاءُ
المُبَارَاة: المُجاراة وَالْمُسَابَقَةُ أَي يُعَارِضْنَها فِي الجَذْب لِقُوَّةِ نفوسها وقوة رؤوسها وعَلْكِ حَدائدها، وَيَجُوزُ أَن يُرِيدَ مُشابَهَتَها لَهَا فِي اللِّين وسُرعة الِانْقِيَادِ. وتَبَرَّى معروفَهُ ولمعروفِهِ تَبَرِّياً: اعْتَرَضَ لَهُ، قَالَ خَوَّاتُ بْنُ جُبَيْر وَنَسَبَهُ ابْنُ بَرِّيٍّ إِلَى أَبي الطَّمَحان:
وأَهْلَةِ وُدٍّ قَدْ تَبَرَّيْتُ وُدَّهُمْ، ... وأَبْلَيْتُهم في الحَمْدِ جُهْدِي ونائِلي
والبارِيُّ والبَارِياءُ: الْحَصِيرُ الْمَنْسُوجُ، وَقِيلَ الطَّرِيقُ، فَارِسِيٌّ مُعَرِّبٌ. وبَرَى: اسْمُ مَوْضِعٍ، قَالَ تأَبط شَرًّا:
ولَمَّا سَمِعْتُ العُوصَ تَرْغُو، تَنَفَّرَتْ ... عَصافيرُ رأْسِي مِنْ بَرَىً فعَوائنا
بزا: بَزْوُ الشَّيْءِ: عِدْلُه. يُقَالُ: أَخذت مِنْهُ بَزْوَ كَذَا وَكَذَا أَي عِدْلَ ذَلِكَ وَنَحْوَ ذَلِكَ. والبَازِي: وَاحِدُ البُزَاةِ الَّتِي تَصِيدُ، ضَربٌ مِنَ الصُّقور. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ الْوَزِيرُ بازٍ وبازٌ وبَأْزٌ وبازِيّ عَلَى حَدِّ كُرْسِيٍّ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَالْجَمْعُ بَوَازٍ وبُزَاةٌ. وبَزَا يَبْزُو: تَطاوَلَ وتَأَنَّسَ، وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ جِنِّي: إِنْ الْبَازَ فَلْعٌ مِنْهُ. التَّهْذِيبُ: والبَازِي يَبْزُو فِي تَطاوُله وتأَنُّسِه. والبَزاءُ: انْحِنَاءُ الظَّهْرِ عِنْدَ العَجُزِ فِي أَصل القَطَنِ، وَقِيلَ: هُوَ إشرافُ وَسَطِ الظَّهْرِ عَلَى الاسْتِ، وَقِيلَ: هُوَ خُرُوجُ الصَّدْرِ وَدُخُولُ الظَّهْرِ، وَقِيلَ: هُوَ أَن يتأَخر العَجُز ويخرُج. بَزِيَ وبَزَا يَبْزُو، وَهُوَ أَبْزَى، والأُنثى بَزْوَاء: لِلَّذِي خَرَجَ صَدْرُهُ وَدَخَلَ ظَهْرُهُ؛ قَالَ كثيِّر:(14/72)
رَأَتْني كأَشْلاء اللِّحامِ وبَعْلُها، ... مِنَ الحَيِّ، أَبْزى مُنْحَنٍ مُتَباطِنُ
وَرُبَّمَا قِيلَ: هُوَ أَبْزَى أَبْزَخ كَالْعَجُوزِ البَزَواءِ والبَزْخاء الَّتِي إِذَا مَشَتْ كأَنها رَاكِعَةٌ وَقَدْ بَزِيَتْ بَزىً؛ وأَنشد:
بَزْوَاءُ مُقْبِلةً بَزْخاءُ مُدْبِرَةً، ... كأَنَّ فَقْحَتَها زِقٌّ بِهِ قارُ
والبَزْوَاءُ مِنَ النِّسَاءِ: الَّتِي تُخْرِجُ عجيزتَها لِيَرَاهَا النَّاسُ. وأَبْزَى الرجلُ يُبْزِي إبْزَاءً إِذَا رَفَعَ عَجُزَه، وتَبَازَى مِثْلُهُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَشَاهِدُ الأَبْزَى قَوْلُ الرَّاجِزِ:
أَقْعَس أَبْزَى فِي اسْتِه تأْخيرُ
وَفِي حَدِيثِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَير: لَا تُبَازِ كتَبَازِي المرأَةِ
؛ التَّبَازي أَن تُحَرِّكَ العَجُز فِي الْمَشْيِ، وَهُوَ مِنَ البَزَاء خُرُوجُ الصَّدْرِ وَدُخُولِ الظَّهْرِ، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ فِيمَا قِيلَ: لَا تَنْحَنِ لكل أَحد. وتَبَازَى: اسْتَعْمَلَ البَزاءَ؛ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَسَّانَ:
سَائِلَا مَيَّةَ هَلْ نَبَّهْتُها، ... آخِرَ الليلِ، بعَرْدٍ ذِي عُجَرْ فتَبَازَتْ،
فتَبَازَخْتُ لَهَا، ... جِلْسةَ الجازِرِ يَسْتَنْجِي الوَتَرْ
وتَبَازَتْ أَي رَفَعَتْ مُؤَخِّرها. التَّهْذِيبُ: أَما البَزَاءُ فكأَنَّ العَجُز خَرَجَ حَتَّى أَشرف عَلَى مؤَخر الْفَخْذَيْنِ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: والبَزَا أَن يَسْتَقْدِم الظهرُ ويستأْخر العَجُزُ فَتَرَاهُ لَا يَقْدِرُ أَن يُقِيمَ ظَهْرَهُ. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: البَزَا أَن تُقْبِلَ العَجيزة. وَقَدْ تَبَازَى إِذَا أَخرج عَجِيزَتَهُ والتَّبَزِّي: أَن يستأْخر الْعَجُزُ وَيَسْتَقْدِمَ الصَّدْرُ. وأَبْزَى الرجلُ: رَفَعَ مُؤخَّرَه؛ وأَنشد اللَّيْثُ:
لَوْ كَانَ عَيناك كَسَيْلِ الرَّاوِيَهْ، ... إِذًا لأَبْزَيت بمَنْ أَبْزَى بِيَهْ
أَبو عَبِيدٍ: الإِبْزَاءُ أَن يَرْفَعَ الرجلُ مُؤَخَّرَهُ. يُقَالُ: أَبْزَى يُبْزِي. والتَّبَازِي: سعَةُ الخَطْو. وتَبَازَى الرَّجُلُ: تكثَّر بِمَا لَيْسَ عِنْدَهُ. ابْنُ الأَعرابي: البَزَا الصَّلَفُ. وبَزَاه بَزْواً وأَبْزَى بِهِ: قَهَرَه وبَطَش بِهِ؛ قَالَ:
جارِي ومَوْلايَ لَا يُبْزَى حَرِيمُهُما، ... وصاحبِي مِنْ دَواعِي الشَّرِّ مُصْطَخِبُ
وأَما قَوْلُ أَبي طَالِبٍ يُعَاتِبُ قُرَيْشًا فِي أَمر سَيِّدِنَا رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَمْدَحُهُ:
كذَبْتُم، وحَقِّ اللهِ، يُبْزَى محمدٌ ... وَلَمَّا نُطاعِنْ دُونه ونُناضِل
قَالَ شَمِرٌ: مَعْنَاهُ يُقْهَر ويُسْتَذَلّ؛ قَالَ: وَهَذَا مِنْ بَابِ ضَرَرْتُه وأَضْرَرْتُ بِهِ، وَقَوْلُهُ يُبْزَى أَي يُقْهر وَيُغْلَبُ، وأَراد لَا يُبْزَى فَحَذْفَ لَا مِنْ جَوَابِ الْقِسْمِ وَهِيَ مُرَادُهُ أَي لَا يُقْهَرُ وَلَمْ نُقاتل عَنْهُ ونُدافع. ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ البُزَةُ الفأْر والذَّكَرُ أَيضاً. والبَزْوُ: الغَلَبةُ والقَهْرُ، وَمِنْهُ سُمِّي البَازِي؛ قَالَ الأَزهري: قَالَهُ المؤرج؛ وَقَالَ الجَعْديّ:
فَمَا بَزِيَتْ مِنْ عُصْبَةٍ عامِرِيَّةٍ ... شَهِدْنا لَهَا، حتَّى تَفُوزَ وتَغْلِبا
أَي مَا غَلَبَتْ. وأَبْزَى فُلَانٌ بِفُلَانٍ إِذَا غَلبه وَقَهَرَهُ. وَهُوَ مُبْزٍ بِهَذَا الأَمر أَي قويٌّ عَلَيْهِ ضَابِطٌ لَهُ. وبُزِيَ بِالْقَوْمِ: غُلِبُوا. وبَزَوْتُ فُلَانًا: قَهَرْتُهُ. والبَزَوَانُ، بِالتَّحْرِيكِ: الوَثْبُ. وبَزْوَانُ، بِالتَّسْكِينِ: اسْمُ رَجُلٍ. والبَزْوَاء: اسْمُ أَرض؛ قَالَ كثيِّر عَزَّةَ:(14/73)
لَا بَأْس بالبَزْوَاءِ أَرْضاً لَوْ أنَّها ... تُطَهَّرُ مِنْ آثارِهم فَتَطِيبُ
ابْنُ بَرِّيٍّ: البَزْوَاء، فِي شِعْرِ كُثَيِّرٍ: صَحْرَاءُ بَيْنَ غَيْقَةَ وَالْجَارِ شَدِيدَةُ الْحَرِّ؛ وَقَالَ الرَّاجِزُ:
لَوْلَا الأَماصِيخُ وحَبُّ العِشْرِقِ، ... لَمُتّ بالبَزْوَاء مَوْتَ الخِرْنِقِ
وَقَالَ الرَّاجِزُ:
لَا يَقْطَعُ البَزْوَاءَ إِلَّا المِقْحَدُ، ... أَو ناقةٌ سَنامُها مُسَرْهَدُ
بسا: التَّهْذِيبُ: ابْنُ الأَعرابي البَسِيَّةُ المرأَة الآنِسَة بِزَوْجِهَا.
بشا: التَّهْذِيبُ: ابْنُ الأَعرابي بَشَا إِذَا حَسُنَ خُلُقُه.
بصا: مَا فِي الرَّماد بَصْوَةٌ أَي شَرَرَة وَلَا جَمْرَة. وبَصْوَة: اسْمُ مَوْضِعٍ؛ قَالَ أَوس بْنُ حُجْر:
مِن ماءِ بَصْوَةَ يَوْمًا وَهُوَ مَجْهورُ
الْفَرَّاءُ: بَصَا إِذَا اسْتَقْصَى عَلَى غَرِيمِهِ. أَبو عَمْرٍو: البِصَاءُ أَن يَسْتَقْصِي الخِصاءَ، يُقَالُ مِنْهُ: خَصِيٌّ بَصِيٌّ. وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: خَصِيٌّ بَصِيٌّ؛ حَكَاهُ اللِّحْيَانِيُّ وَلَمْ يُفَسِّرْ بَصِيّاً، قَالَ: وأُراه إِتْبَاعًا. وَقَالَ: خَصاه اللهُ وبَصاه ولَصاه.
بضا: ابْنُ الأَعرابي: بَضَا إذا أَقام بالمكان.
بطا: حَكَى سِيبَوَيْهِ البِطْيَةَ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا عِلْمَ لِي بِمَوْضِعِهَا إِلَّا أَن يَكُونَ أَبْطَيْت لُغَةً فِي أَبْطَأْتُ كاحْبَنْطَيْتُ فِي احْبَنْطَأْتُ، فَتَكُونُ هَذِهِ صِيغَةَ الْحَالِ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْبَدَلِ لأَن ذَلِكَ نَادِرٌ. والبَاطِيَةُ: إِنَاءٌ قِيلَ هُوَ معرَّب، وَهُوَ النَّاجُودُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
قَرَّبُوا عُوداً وبَاطِيَةً، ... فَبِذا أَدْرَكْتُ حَاجَتِيَهْ
وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: البَاطِيَةُ النَّاجُودُ؛ قَالَ: وأَنشد أَبو حَنِيفَةَ:
إِنَّمَا لِقْحَتُنا بَاطِيَةٌ ... جَوْنَةٌ يَتْبَعُها بِرْزِينُها
التَّهْذِيبُ: البَاطِيةُ مِنَ الزُّجَاجِ عَظِيمَةٌ تُمْلأ مِنَ الشَّرَابِ وَتُوضَعُ بَيْنَ الشَّرْبِ يَغْرِفُونَ مِنْهَا ويَشرَبون، إِذَا وُضِعَ فِيهَا القَدَحُ سَحَّتْ بِهِ ورَقَصَتْ مِنْ عِظَمِها وَكَثْرَةِ مَا فِيهَا مِنَ الشَّرَابِ؛ وَإِيَّاهَا أَراد حَسَّان بِقَوْلِهِ:
بزُجاجةٍ رَقَصَتْ بِمَا فِي قَعْرِها، ... رَقْص القَلُوصِ براكبٍ مُسْتَعْجِلِ
بظا: بَظا لَحْمُه يَبْظُو: كَثُرَ وتراكَبَ واكْتَنَزَ. ولَحْمُه خَظَا بَظَا: إتباعٌ، وأَصله فَعَلٌ. ابْنُ الأَعرابي: البَظَا اللَّحَماتُ المُتراكِبات. الْفَرَّاءُ: خَظا لَحْمُه وبَظَا، بِغَيْرِ هَمْزٍ، إِذَا اكْتَنَزَ، يَخظُو ويَبْظُو. وَقَالَ غَيْرُهُ: بَظَا لَحَمَهُ يَبْظُو بَظْواً؛ وأَنشد غَيْرُهُ للأَغلب:
خَاظِي البَضِيعِ لَحْمهُ خَظَا بَظَا
قَالَ: جَعَلَ بَظا صِلَةً لَخَظَا، كَقَوْلِهِمْ: تَبّاً تَلْباً، وَهُوَ تَوْكِيدٌ لما قبله. وحَظِيَتِ المرأَةُ عِنْدَ زَوْجِها وبَظِيَتْ: إتباعٌ لَهُ لأَنه لَيْسَ فِي الْكَلَامِ ب ظ ي.
بعا: البَعْوُ: العاريَّةُ. واسْتَبْعَى مِنْهُ الشَّيْءَ: اسْتَعارَه. واسْتَبْعَى يَسْتَبْعِي: اسْتعار؛ قَالَ الكُمَيْت:
قَدْ كادَها خالِدٌ مُسْتَبْعِياً حُمُراً، ... بالوَكْتِ، تَجْرِي إِلَى الغاياتِ والهَضَبِ
والهَضَب: جَرْيٌ ضَعِيفٌ. والوَكْتُ: القَرْمَطة فِي الْمَشْيِ، وَكَتَ يَكِتُ وَكْتاً. كادَها: أَرادها. قَالَ الأَصمعي: البَعْوُ أَن يَسْتعير الرجلُ(14/74)
مِنْ صَاحِبِهِ الكلبَ فيَصِيدَ بِهِ. وَيُقَالُ: أَبْعِنِي فرَسَك أَي أَعِرْنيه. وأَبْعَاه فرَساً: أَخْبَلَه. والمُسْتَبْعِي: الرجلُ يأْتي الرجلَ وَعِنْدَهُ فَرَسٌ فَيَقُولُ: أَعطنيه حَتَّى أُسابقَ عَلَيْهِ. وبَعَاه بَعْواً: أَصاب مِنْهُ وقَمَرَه، والمَبْعَاةُ مفْعَلَةٌ مِنْهُ؛ قَالَ:
صَحا القَلْبُ بَعْدَ الإِلْفِ، وارتَدَّ شأْوُه، ... ورَدَّتْ عَلَيْهِ مَا بَعَتْه تُماضِرُ
وَقَالَ رَاشِدُ بْنُ عَبْدِ رَبِّه:
سائلْ بَني السيِّدِ، إنْ لاقَيْتَ جَمْعَهُمُ: ... مَا بالُ سَلْمَى وَمَا مَبْعَاةُ مِئْشارِ؟
مِئشار: اسْمُ فَرَسِهِ. والبَعْوُ: الجِناية والجُرْم. وَقَدْ بَعَا إِذَا جَنَى. يُقَالُ: بَعَا يَبْعُو ويَبْعَى. وبَعَى الذَّنْبَ يَبْعَاه ويَبْعُوه بَعْواً: اجْترَمه وَاكْتَسَبَهُ؛ قَالَ عَوْفُ بْنُ الأَحْوَص الجَعْفري:
وإبْسالي بَنِيَّ بغَيْرِ بَعْوٍ ... جَرَمْناه، وَلَا بِدَمٍ مُراقِ
وَفِي الصِّحَاحِ: بِغَيْرِ جُرْم بَعَوْناه؛ وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الْبَيْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَحْوَصِ. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: بَعَوْتُ عَلَيْهِمْ شَرّاً سُقْتُه واجْتَرَمْتُه، قَالَ: وَلَمْ أَسمعه فِي الْخَيْرِ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: بَعَوْتُه بعَيْنٍ أَصَبْتُه. وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ فِي تَرْجَمَةِ بَعِيَ بالياء: بعي
بَعَيْت بعي
أَبْعِي مِثْلَ اجْتَرَمْتُ وجَنَيْتُ؛ حَكَاهُ كُرَاعٌ، قَالَ: والأَعرف الواو.
بغا: بَغَى الشيءَ بَغْواً: نَظَر إِلَيْهِ كَيْفَ هُوَ. والبَغْوُ: مَا يَخْرُجُ مِنْ زَهْرةِ القَتادِ الأَعْظَمِ الْحِجَازِيِّ، وَكَذَلِكَ مَا يَخْرُجُ مِنْ زَهْرَة العُرْفُط والسَّلَم. والبَغْوَةُ: الطَّلْعة حِينَ تَنْشَقُّ فَتَخْرُجُ بَيْضَاءَ رَطْبَةً. والبَغْوة: الثَّمَرَةُ قَبْلَ أَن تَنْضَج؛ وَفِي التَّهْذِيبِ: قَبْلَ أَن يَسْتَحْكِم يُبْسُها، وَالْجَمْعُ بَغْوٌ، وَخَصَّ أَبو حَنِيفَةَ بالبَغْوِ مَرَّةً البُسرَ إِذَا كَبِرَ شَيْئًا، وَقِيلَ: البَغْوَة التمْرة الَّتِي اسْوَدَّ جوفُها وَهِيَ مُرْطِبة. والبَغْوَة: ثمرةُ العِضاه، وَكَذَلِكَ البَرَمَةُ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: البَغْوُ والبَغْوَة كُلُّ شَجَرٍ غَضّ ثَمرهُ أَخْضَر صَغِيرٌ لَمْ يَبْلُغْ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنه مرَّ بِرَجُلٍ يَقْطَعُ سَمُراً بِالْبَادِيَةِ فَقَالَ: رَعَيْتَ بَغْوَتَها وبَرَمَتَها وحُبْلَتها وبَلَّتها وفَتْلَتَها ثُمَّ تَقْطَعُها
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: قَالَ الْقُتَيْبِيُّ
يَرْوِيهِ أَصحاب الْحَدِيثِ مَعْوَتَها
، قَالَ: وَذَلِكَ غَلَطٌ لأَن المَعْوَةَ البُسْرَة الَّتِي جَرَى فِيهَا الإِرْطابُ، قَالَ: وَالصَّوَابُ بَغْوَتَها، وَهِيَ ثَمَرَةُ السَّمُرِ أَوَّلَ مَا تَخْرُجُ، ثُمَّ تَصِيرُ بَعْدَ ذَلِكَ بَرَمَةً ثُمَّ بَلَّة ثُمَّ فَتْلة. والبُغَةُ: مَا بَيْنَ الرُّبَع والهُبَع؛ وَقَالَ قُطْرُبٌ: هُوَ البُعَّة، بِالْعَيْنِ الْمُشَدَّدَةِ، وَغَلَّطُوهُ فِي ذَلِكَ. وبَغَى الشيءَ مَا كَانَ خَيْرًا أَو شَرًّا يَبْغِيه بُغاءً وبُغىً؛ الأَخيرة عَنِ اللِّحْيَانِيِّ والأُولى أَعرف: طَلَبَه؛ وأَنشد غَيْرُهُ:
فَلَا أَحْبِسَنْكُم عَنْ بُغَى الخَيْر، إِنني ... سَقَطْتُ عَلَى ضِرْغامةٍ، وَهُوَ آكِلي
وبَغَى ضالَّته، وَكَذَلِكَ كُلُّ طَلِبَة، بُغَاءً، بِالضَّمِّ وَالْمَدِّ؛ وأَنشد الْجَوْهَرِيُّ:
لَا يَمْنَعَنَّك مِنْ بُغاءِ ... الخَيْرِ تَعْقادُ التَّمائم
وبُغَايَةً أَيضاً. يُقَالُ: فَرِّقوا لِهَذِهِ الإِبلِ بُغْيَاناً يُضِبُّون لَهَا أَي يتفرَّقون فِي طَلَبِهَا. وَفِي حَدِيثِ
سُراقة والهِجْرةِ: انْطَلِقوا بُغْيَاناً
أَي نَاشِدِينَ وَطَالِبِينَ، جَمْعُ بَاغٍ كَرَاعٍ ورُعْيان. وَفِي حَدِيثِ
أَبي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي الْهِجْرَةِ: لَقِيَهُمَا رَجُلٌ بكُراعِ الغَمِيم فَقَالَ: مَنْ أَنتم؟ فَقَالَ أَبو بَكْرٍ:(14/75)
باغٍ وهادٍ
؛ عَرَّضَ بِبُغاء الإِبل وَهِدَايَةِ الطَّرِيقِ، وَهُوَ يُرِيدُ طلبَ الدِّينِ والهدايةَ مِنَ الضَّلَالَةِ. وابْتَغَاه وتَبَغَّاه واسْتَبْغَاه، كُلُّ ذَلِكَ: طَلَبُهُ؛ قال ساعدة ابن جُؤيَّة الهُذَلي:
ولكنَّما أَهلي بوادٍ، أَنِيسُه ... سِباعٌ تَبَغَّى الناسَ مَثْنى ومَوْحَدا
وَقَالَ:
أَلا مَنْ بَيَّنَ الأَخَوَيْنِ، ... أُمُّهما هِيَ الثَّكْلَى
تُسائلُ مَنْ رَأَى ابْنَيْها، ... وتَسْتَبْغِي فَمَا تُبْغَى
جَاءَ بِهِمَا بَعْدَ حَرْفِ اللِّينِ «3» . المعوَّض مِمَّا حَذَفَ، وبَيَّنَ بِمَعْنَى تَبَيَّنَ، والاسم البُغْيَةُ. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: بَغَى الخَيْرَ بُغْيَةً وبِغْيَةً، فَجَعَلَهُمَا مَصْدَرَيْنِ. وَيُقَالُ: بَغَيْتُ الْمَالَ مِنْ مَبْغاتِه كَمَا تَقُولُ أَتيت الأَمر مِنْ مَأتاته، يُرِيدُ المَأْتَى والمَبْغَى. وَفُلَانٌ ذُو بُغَايَة لِلْكَسْبِ إِذَا كَانَ يَبغِي ذَلِكَ. وارْتَدَّتْ عَلَى فُلَانٍ بُغْيَتُه أَي طَلِبَتُه، وَذَلِكَ إِذَا لَمْ يَجِدْ مَا طَلَب. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: بَغَى الرجلُ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ وكلَّ مَا يَطْلُبُهُ بُغَاءً وبِغْيَة وبِغىً، مَقْصُورٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بُغْيَةً وبُغىً. والبُغْيَةُ: الْحَاجَةُ. الأَصمعي: بَغَى الرجلُ حَاجَتَهُ أَو ضَالَّتَهُ يَبْغِيها بُغَاءً وبُغْيَةً وبُغَايةً إِذَا طَلَبَهَا؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
بُغَايَةً إِنَّمَا تَبْغي الصِّحَابَ من ... الفِتْيانِ فِي مِثْلِهِ الشُّمُّ الأَناجِيجُ «4»
. والبَغِيَّةُ: الطَّلِبَةُ، وَكَذَلِكَ البِغْيَة. يُقَالُ: بَغِيَّتي عِنْدَكَ وبِغْيَتِي عِنْدَكَ. وَيُقَالُ: أَبْغِنِي شَيْئًا أَي أَعطني وأَبْغِ لِي شَيْئًا. وَيُقَالُ: اسْتَبْغَيْتُ الْقَوْمَ فَبَغَوْا لِي وبَغَوْني أَي طَلَبوا لِي. والبِغْيَة والبُغْيَةُ والبَغِيَّةُ: مَا ابْتُغِي. والبَغِيَّةُ: الضَّالَّةُ المَبْغِيَّة. والبَاغِي: الَّذِي يَطْلُبُ الشَّيْءَ الضالَّ، وَجَمْعُهُ بُغَاة وبُغْيَانٌ؛ قَالَ ابْنُ أَحمر:
أَو بَاغِيَان لبُعْرانٍ لَنَا رَقصَتْ، ... كَيْ لَا تُحِسُّون مِنْ بُعْرانِنا أَثَرَا
قَالُوا: أَراد كَيْفَ لَا تُحِسُّونَ. والبِغْية والبُغْية: الْحَاجَةُ المَبْغِيَّة، بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ، يُقَالُ: مَا لِي فِي بَنِي فُلَانٍ بِغْيَة وبُغْيَة أَي حَاجَةٌ، فالبِغْيَة مِثْلُ الجلْسة الَّتِي تَبْغِيها، والبُغْيَة الْحَاجَةُ نَفْسُهَا؛ عَنِ الأَصمعي. وأَبْغَاه الشيءَ: طَلَبَهُ لَهُ أَو أَعانه عَلَى طَلَبِهِ، وَقِيلَ: بَغَاه الشيءَ طَلَبَهُ لَهُ، وأَبْغَاه إِيَّاهُ أَعانه عَلَيْهِ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: اسْتَبْغَى القومَ فَبَغَوْه وبَغَوْا لَهُ أَي طَلَبُوا لَهُ. والبَاغِي: الطالِبُ، وَالْجَمْعُ بُغَاة وبُغْيَانٌ. وبَغَيْتُك الشيءَ: طَلَبْتُهُ لَكَ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
وَكَمْ آمِلٍ مِنْ ذِي غِنىً وقَرابةٍ ... لِتَبْغِيَه خَيْرًا، وَلَيْسَ بفاعِل
وأَبْغَيْتُك الشيءَ: جَعَلْتُكَ لَهُ طَالِبًا. وَقَوْلُهُمْ: يَنْبَغِي لَكَ أَن تَفْعَلَ كَذَا فَهُوَ مِنْ أَفعال الْمُطَاوَعَةِ، تَقُولُ: بَغَيْتُه فانْبَغَى، كَمَا تَقُولُ: كَسَرْتُهُ فَانْكَسَرَ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ
؛ أَي يَبْغُون لَكُمْ، مَحْذُوفُ اللَّامِ؛ وَقَالَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ:
إِذَا مَا نُتِجْنا أَرْبَعاً عامَ كَفْأَةٍ، ... بَغَاها خَناسيراً فأَهْلَكَ أَرْبعا
أَي بَغَى لَهَا خَناسير، وَهِيَ الدَّوَاهِي، وَمَعْنَى بَغَى
__________
(3) . قوله [جَاءَ بِهِمَا بَعْدَ حَرْفِ اللين إلخ] كذا بالأصل، والذي في المحكم: بغير حرف إلخ
(4) . قوله [الأناجيج] كذا في الأصل والتهذيب(14/76)
هَاهُنَا طَلَب. الأَصمعي: وَيُقَالُ ابْغِنِي كَذَا وَكَذَا أَي اطْلُبْهُ لِي، وَمَعْنَى ابْغِنِي وابْغِ لِي سَوَاءٌ، وَإِذَا قَالَ أَبْغِنِي كَذَا وَكَذَا فَمَعْنَاهُ أَعِنِّي عَلَى بُغائه وَاطْلُبْهُ مَعِي. وَفِي الْحَدِيثِ:
ابْغِنِي أَحجاراً أَسْتَطبْ بِهَا.
يُقَالُ: ابْغِنِي كَذَا بِهَمْزَةِ الْوَصْلِ أَي اطْلُبْ لِي. وأَبْغِنِي بِهَمْزَةِ الْقَطْعِ أَي أَعِنِّي عَلَى الطَّلَبِ. وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
ابْغُونِي حَديدةً أَسْتَطِبْ بِهَا
، بِهَمْزِ الْوَصْلِ وَالْقَطْعِ؛ هو مِنْ بَغَى يَبْغِي بُغاءً إِذَا طَلَبَ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنه خَرَجَ فِي بُغَاء إِبِلٍ
؛ جَعَلُوا البُغَاء عَلَى زِنَةِ الأَدْواء كالعُطاس والزُّكام تَشْبِيهًا لِشَغْلِ قَلْبِ الطَّالِبِ بِالدَّاءِ. الْكِسَائِيُّ: أَبْغَيْتُك الشيءَ إِذَا أَردت أَنك أَعنته عَلَى طَلَبِهِ، فَإِذَا أَردت أَنك فَعَلْتَ ذَلِكَ لَهُ قُلْتَ قَدْ بَغَيْتُك، وَكَذَلِكَ أعْكَمْتُك أَو أَحْمَلْتُك. وعَكَمْتُك العِكْم أَي فَعَلْتُهُ لك. وقوله: يَبْغُونَها عِوَجاً*
؛ أَي يَبْغُون لِلسَّبِيلِ عِوَجًا، فَالْمَفْعُولُ الأَول مَنْصُوبٌ بِإِسْقَاطِ الْخَافِضِ؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُ الأَعشى:
حَتَّى إِذَا ذَرَّ قَرْنُ الشَّمْسِ صَبَّحها ... ذُؤالُ نَبْهانَ، يَبْغِي صَحْبَه المُتَعا
أَي يَبْغِي لِصَحْبِهِ الزادَ؛ وَقَالَ واقِدُ بْنُ الغِطرِيف:
لَئِنْ لَبَنُ المِعْزَى بِمَاءِ مُوَيْسِلٍ ... بَغَانِيَ دَاءً، إِنَّنِي لَسَقِيمُ
وَقَالَ السَّاجِعُ: أَرْسِل العُراضاتِ أَثَراً يَبْغِينك مَعْمَراً أَي يَبْغِينَ مَعْمَرًا. يُقَالُ: بَغَيتُ الشيءَ طَلَبْتُهُ، وأَبْغَيْتُك فَرساً أَجْنَبْتُك إِيَّاهُ، وأَبْغَيْتُك خَيْرًا أَعنتك عَلَيْهِ. الزَّجَّاجُ: يُقَالُ انْبَغَى لِفُلَانٍ أَن يَفْعَلَ كَذَا أَي صَلَحَ لَهُ أَن يَفْعَلَ كَذَا، وكأَنه قَالَ طَلَبَ فِعْلَ كَذَا فانْطَلَبَ لَهُ أَي طَاوَعَهُ، وَلَكِنَّهُمُ اجْتزَؤوا بِقَوْلِهِمُ انْبَغَى. وانْبَغَى الشيءُ: تَيَسَّرَ وَتَسَهَّلَ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ
؛ أَي مَا يَتَسَهَّلُ لَهُ ذَلِكَ لأَنا لَمْ نُعَلِّمْهُ الشِّعْرَ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: وَمَا يَنْبَغِي لَهُ وَمَا يَصْلُح لَهُ. وَإِنَّهُ لذُو بُغَايَةٍ أَي كَسُوبٌ. والبِغْيَةُ فِي الْوَلَدِ: نقِيضُ الرِّشْدَةِ. وبَغَتِ الأَمة تَبْغِي بَغْياً وبَاغَتْ مُبَاغَاة وبِغَاء، بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ، وَهِيَ بَغِيٌّ وبَغُوٌّ: عَهَرَتْ وزَنَتْ، وَقِيلَ: البَغِيُّ الأَمَةُ، فَاجِرَةً كَانَتْ أَو غَيْرَ فَاجِرَةٍ، وَقِيلَ: البَغِيُّ أَيضاً الْفَاجِرَةُ، حُرَّةً كَانَتْ أَو أَمة. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا
؛ أَي مَا كَانَتْ فَاجِرَةً مِثْلَ قَوْلِهِمْ ملْحَفَة جَدِيدٌ؛ عَنِ الأَخفش، وأُم مَرْيَمَ حرَّة لَا مَحَالَةَ، وَلِذَلِكَ عمَّ ثعلبٌ بالبِغَاء فَقَالَ: بَغَتِ المرأَةُ، فَلَمْ يَخُصَّ أَمة وَلَا حُرَّةً. وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: البَغَايا الإِماءُ لأَنهنَّ كنَّ يَفْجُرْنَ. يُقَالُ: قَامَتْ على رؤُوسهم البَغَايَا، يَعْنِي الإِماءَ، الْوَاحِدَةُ بَغِيٌّ، وَالْجَمْعُ بِغَايَا. وَقَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: البِغَاءُ مَصْدَرُ بَغَتِ المرأَة بِغاءً زَنَت، والبِغَاء مَصْدَرُ بَاغَتْ بِغَاءً إِذَا زَنَتْ، والبِغَاءُ جَمْعُ بَغِيّ وَلَا يُقَالُ بَغِيَّة؛ قَالَ الأَعشى:
يَهَبُ الْجِلَّةَ الجَراجِرَ، كالبُسْتانِ، ... تَحْنو لدَرْدَقٍ أَطفالِ
والبَغَايا يَرْكُضْنَ أَكْسِيةَ الإِضْرِيجِ ... والشَّرْعَبيَّ ذَا الأَذْيالِ
أَراد: ويَهَبُ البَغَايَا لأَن الْحُرَّةَ لَا تُوهَبُ، ثُمَّ كَثُرَ فِي كَلَامِهِمْ حَتَّى عَمُّوا بِهِ الْفَوَاجِرَ، إِمَاءً كُنَّ أَو حَرَائِرَ. وَخَرَجَتِ المرأَة تُبَاغِي أَي تُزاني. وبَاغَتِ المرأَة تُبَاغِي بِغَاءً إِذَا فَجَرَتْ. وبَغَتِ المرأَةُ تَبْغِي بِغَاء إِذَا فَجرَت. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ
؛ والبِغاء: الفُجُور، قَالَ: وَلَا يُرَادُ بِهِ الشَّتْمُ، وَإِنْ سُمِّينَ بِذَلِكَ فِي(14/77)
الأَصل لِفُجُورِهِنَّ. قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَلَا يُقَالُ رِجْلٌ بَغِيّ. وَفِي الْحَدِيثِ:
امرأَة بَغِيّ دَخَلَتِ الْجَنَّةَ فِي كَلْب
، أَي فَاجِرَةٌ، وَيُقَالُ للأَمة بَغِيٌّ وَإِنْ لَمْ يُرَدْ بِهِ الذَّم، وَإِنْ كَانَ فِي الأَصل ذَمًّا، وَجَعَلُوا البِغَاء عَلَى زِنَةِ الْعُيُوبِ كالحِرانِ والشِّرادِ لأَن الزِّنَا عَيْبٌ. والبِغْيَةُ: نَقِيضُ الرِّشْدةِ فِي الْوَلَدِ؛ يُقَالُ: هُوَ ابْنُ بِغْيَةٍ؛ وأَنشد:
لدَى رِشْدَةٍ مِنْ أُمِّه أَو بَغِيَّةٍ، ... فيَغلِبُها فَحْلٌ، عَلَى النَّسْلِ، مُنْجِب
قَالَ الأَزهري: وَكَلَامُ الْعَرَبِ هُوَ ابْنُ غَيَّة وَابْنُ زَنيَة وَابْنُ رَشْدَةٍ، وَقَدْ قِيلَ: زِنْيةٍ ورِشْدةٍ، وَالْفَتْحُ أَفصح اللُّغَتَيْنِ، وأَما غَيَّة فَلَا يَجُوزُ فِيهِ غَيْرُ الْفَتْحِ. قَالَ: وأَما ابْنُ بِغْيَة فَلَمْ أَجده لِغَيْرِ اللَّيْثِ، قَالَ: وَلَا أُبْعِدُه عَنِ الصَّوَابِ. والبَغِيَّةُ: الطليعةُ الَّتِي تَكُونُ قَبْلَ ورودِ الجَيْش؛ قَالَ طُفَيل:
فأَلْوَتْ بَغَاياهُم بِنَا، وتباشَرَتْ ... إِلَى عُرْضِ جَيْشٍ، غَيرَ أَنْ لَمْ يُكَتَّبِ
أَلْوَتْ أَي أَشارت. يَقُولُ: ظَنُّوا أَنَّا عِيرٌ فَتَبَاشَرُوا فَلَمْ يَشْعُروا إِلَّا بِالْغَارَةِ، وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا الْبَيْتَ عَلَى الإِماء أَدَلُّ مِنْهُ عَلَى الطَّلائع؛ وَقَالَ النَّابِغَةُ فِي البَغَايا الطَّلائع:
عَلَى إثْرِ الأَدِلَّةِ والبَغَايا، ... وخَفْقِ الناجِياتِ مِنَ الشآمِ
وَيُقَالُ: جَاءَتْ بَغِيَّةُ الْقَوْمِ وشَيِّفَتُهم أَي طَلِيعَتُهم. والبَغْيُ: التَّعَدِّي. وبَغَى الرجلُ عَلَيْنَا بَغْياً: عَدَل عَنِ الْحَقِّ وَاسْتَطَالَ. الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِ
قَالَ، البَغْي الإِستطالة عَلَى النَّاسِ؛ وَقَالَ الأَزهري: مَعْنَاهُ الْكِبَرُ، والبَغْي الظُّلْم وَالْفَسَادُ، والبَغْيُ مُعْظَمُ الأَمر. الأَزهري: وَقَوْلُهُ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ*
، قِيلَ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوجه: قَالَ بَعْضُهُمْ: فَمَنِ اضْطُرَّ جَائِعًا غَيْرَ باغٍ أَكْلَها تَلَذُّذًا وَلَا عَادٍ وَلَا مجاوزٍ مَا يَدْفَع بِهِ عَنْ نَفْسِهِ الجُوعَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: غَيْرَ باغٍ*
غَيْرَ طَالِبٍ مُجَاوَزَةَ قَدَرِ حَاجَتِهِ وغيرَ مُقَصِّر عَمَّا يُقيم حالَه، وَقِيلَ: غَيْرَ بَاغٍ عَلَى الإِمام وَغَيْرَ مُتَعدّ عَلَى أُمّته. قَالَ: وَمَعْنَى البَغْي قصدُ الْفَسَادِ. وَيُقَالُ: فُلَانٌ يَبْغِي عَلَى النَّاسِ إِذَا ظَلَمَهُمْ وَطَلَبَ أَذاهم. والفِئَةُ البَاغِيَةُ: هِيَ الظَّالِمَةُ الْخَارِجَةُ عَنْ طَاعَةِ الإِمام الْعَادِلِ.
وَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لعَمَّار: وَيْحَ ابنِ سُمَيَّة تَقْتله الفئةُ البَاغِيَة
وَفِي التَّنْزِيلِ: فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا
؛ أَيْ إِنْ أَطَعْنكم لَا يَبْقَى لَكُمْ عَلَيْهِنَّ طريقٌ إِلَّا أَن يَكُونَ بَغْياً وجَوْراً، وأَصلُ البَغْي مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ: قَالَ لِرَجُلٍ أَنا أُبغضك، قَالَ: لِمَ؟ قَالَ: لأَنك تَبْغِي فِي أَذانِكَ
؛ أَراد التَّطْرِيبَ فِيهِ، وَالتَّمْدِيدَ مِنْ تجاوُز الْحَدِّ. وبَغَى عَلَيْهِ يَبْغِي بَغْياً: عَلَا عَلَيْهِ وَظَلَمَهُ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ
. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ عَنِ الْكِسَائِيِّ: مَا لِي وللبَغِ بعضُكم على بعض؛ أَراد وللبَغْي وَلَمْ يُعَلِّلْهُ؛ قَالَ: وَعِنْدِي أَنه اسْتَثْقَلَ كَسْرَةَ الإِعراب عَلَى الْيَاءِ فَحَذَفَهَا وأَلقى حَرَكَتَهَا عَلَى السَّاكِنِ قَبْلَهَا. وَقَوْمُ بُغاء «5» . وتَبَاغَوْا: بَغَى بعضُهم عَلَى بَعْضٍ؛ عَنْ ثَعْلَبٍ. وبَغَى الْوَالِي: ظَلَمَ. وكلُّ مُجَاوَزَةٍ وَإِفْرَاطٍ عَلَى الْمِقْدَارِ الَّذِي هُوَ حَدُّ الشَّيْءِ بَغْيٌ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: بَغَى عَلَى أَخيه بَغْياً حَسَدَهُ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ
، وفيه:
__________
(5) . قوله [وقوم بُغَاء] كذا بالأصل بهمز آخره بهذا الضبط ومثله في المحكم، وسيأتي عن التهذيب بغاة بالهاء بدل الهمز وهو المطابق للقاموس(14/78)
وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ
. والبَغْيُ: أَصله الْحَسَدُ، ثُمَّ سُمِّيَ الظُّلْمُ بَغْياً لأَن الْحَاسِدَ يَظْلِمُ الْمَحْسُودَ جُهْدَه إراغَةَ زوالِ نعمةِ اللَّهِ عَلَيْهِ عَنْهُ. وبَغَى بَغْياً: كَذَب. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَبانا مَا نَبْغِي هذِهِ بِضاعَتُنا
؛ يَجُوزُ أَن يَكُونَ
مَا نَبْتَغِي
أَي مَا نَطْلُبُ، فَمَا عَلَى هَذَا اسْتِفْهَامٌ، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مَا نكْذب وَلَا نَظْلِم فَمَا عَلَى هَذَا جَحْد. وبَغَى فِي مِشْيته بَغْياً: اخْتال وأَسرع. الْجَوْهَرِيُّ: والبَغْيُ اخْتِيَالٌ ومَرَحٌ فِي الفَرس. غَيْرُهُ: والبَغْيُ فِي عَدْوِ الْفَرَسِ اختيالٌ ومَرَح. بَغَى بَغْياً: مَرِحَ وَاخْتَالَ، وَإِنَّهُ ليَبْغِي فِي عَدْوِه. قَالَ الْخَلِيلُ: وَلَا يُقَالُ فَرَسٌ باغٍ. والبَغْيُ: الْكَثِيرُ مِنَ المَطَر. وبَغَتِ السَّمَاءُ: اشْتَدَّ مَطَرُهَا؛ حَكَاهُ أَبو عُبَيْدٍ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: دَفَعْنا بَغْيَ السَّمَاءِ عَنَّا أَي شدَّتَها ومُعْظَم مَطَرِهَا، وَفِي التَّهْذِيبِ: دَفَعْنا بَغْيَ السَّمَاءِ خَلفَنا. وبَغَى الجُرحُ يَبْغِي بَغْياً: فَسَدَ وأَمَدَّ ووَرِمَ وتَرامَى إِلَى فَسَادٍ. وبَرِئَ جُرْحُه عَلَى بَغْي إِذَا برئَ وَفِيهِ شَيْءٌ مِنْ نَغَلٍ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي سَلَمة: أَقام شَهْرًا يُدَاوِي جُرْحَه فَدَمَلَ عَلَى بَغْي وَلَا يَدْري بِهِ
أَي عَلَى فَسَادٍ. وجَمَل باغٍ: لَا يُلْقِح؛ عَنْ كُرَاعٍ. وبَغَى الشيءَ بَغْياً: نَظَرَ إِلَيْهِ كَيْفَ هُوَ. وبَغَاه بَغْياً: رَقبَه وانتَظره؛ عَنْهُ أَيضاً. وَمَا يَنْبَغِي لَكَ أَن تَفْعَل وَمَا يَبْتَغِي أَي لَا نَوْلُكَ. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: مَا انْبَغَى لَكَ أَن تَفْعَلَ هَذَا وَمَا ابْتَغَى أَي مَا يَنْبَغِي. وَقَالُوا: إِنَّكَ لَعَالَمٌ وَلَا تُباغَ أَي لَا تُصَبْ بِالْعَيْنِ، وأَنتما عَالِمَانِ وَلَا تُباغَيا، وأَنتم عُلَمَاءُ وَلَا تُباغَوْا. وَيُقَالُ للمرأَة الْجَمِيلَةِ: إِنَّكِ لَجَمِيلَةٌ وَلَا تُباغَيْ، وَلِلنِّسَاءِ: وَلَا تُباغَيْنَ. وَقَالَ: وَاللَّهِ مَا نُبَالِي أَن تُباغَي أَي مَا نُبَالِي أَن تُصِيبَكَ الْعَيْنُ. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: الْعَرَبُ تَقُولُ إِنَّهُ لَكَرِيمٌ وَلَا يُباغَهْ، وَإِنَّهُمَا لَكَرِيمَانِ وَلَا يُباغَيا، وَإِنَّهُمْ لَكِرَامٌ وَلَا يُبَاغَوْا، وَمَعْنَاهُ الدُّعَاءُ لَهُ أَي لَا يُبْغَى عَلَيْهِ؛ قَالَ: وَبَعْضُهُمْ لَا يَجْعَلُهُ عَلَى الدُّعَاءِ فَيَقُولُ لَا يُباغَى وَلَا يُبَاغَيَان وَلَا يُبَاغَون أَي لَيْسَ يُبَاغِيَهُ أَحد، قَالَ: وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ لَا يُباغُ وَلَا يُباغان وَلَا يُباغُونَ. قَالَ الأَزهري: وَهَذَا مِنَ البَوْغِ، والأَول مِنَ البَغْي، وكأَنه جَاءَ مَقْلُوبًا. وَحَكَى الْكِسَائِيُّ: إِنَّكَ لَعَالِمٌ وَلَا تُبَغْ، قَالَ: وَقَالَ بَعْضُ الأَعراب مَنْ هَذَا المَبُوغُ عَلَيْهِ؟ وَقَالَ آخَرُ: مَن هَذَا المَبيغُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: وَمَعْنَاهُ لَا يُحْسَدُ. وَيُقَالُ: إِنَّهُ لَكَرِيمٌ وَلَا يُباغُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
إِما تَكَرّمْ إنْ أَصَبْتَ كَريمةً، ... فَلَقَدْ أَراك، وَلَا تُباغُ، لَئِيما
وَفِي التَّثْنِيَةِ: لَا يُباغانِ، وَلَا يُبَاغُونَ، وَالْقِيَاسُ أَن يُقَالَ فِي الْوَاحِدِ عَلَى الدُّعَاءِ وَلَا يُبَغْ، وَلَكِنَّهُمْ أَبوا إلَّا أَن يَقُولُوا وَلَا يُباغْ. وَفِي حَدِيثِ
النَّخَعِي: أَن إِبْرَاهِيمَ بْنَ المُهاجِر جُعِلَ عَلَى بَيْتِ الوَرِقِ فَقَالَ النَّخَعِيُّ مَا بُغِي لَهُ
أَي مَا خِير لَهُ.
بقي: فِي أَسماء اللَّهِ الْحُسْنَى البَاقِي: هُوَ الَّذِي لَا يَنْتَهِي تَقْدِيرُ وجوده فِي الِاسْتِقْبَالِ إِلَى آخِرَ يَنْتَهِي إِلَيْهِ، وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بأَنه أَبديّ الْوُجُودِ. والبَقَاء: ضِدُّ الفَناء، بَقِيَ الشيءُ يَبْقَى بَقَاءً وبَقَى بَقْياً، الأَخيرةُ لُغَةُ بَلْحَرْثِ بْنِ كَعْبٍ، وأَبْقَاه وبَقَّاه وتَبَقَّاه واسْتَبْقَاه، وَالِاسْمُ البَقْيَا والبُقْيَا. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَرى ثَعْلَبًا قَدْ حَكَى البُقْوَى، بِالْوَاوِ وَضَمِّ الْبَاءِ. والبَقْوَى والبَقْيا: اسْمَانِ يُوضَعَانِ مَوْضِعَ الإِبْقاء، إِنْ قِيلَ: لِمَ قَلَبَتِ الْعَرَبُ لَامَ فَعْلَى إِذَا كَانَتِ اسْمًا وَكَانَ لَامُهَا يَاءً وَاوًا حَتَّى قَالُوا البَقْوَى وَمَا أَشبه ذَلِكَ نَحْوَ التَّقْوَى والعَوَّى «1» ؟ فَالْجَوَابُ: أَنهم إِنَّمَا فَعَلُوا ذلك في فَعْلى
__________
(1) . قوله [العوَّى] هكذا في الأصل والمحكم(14/79)
لأَنهم قَدْ قَلَبُوا لَامَ الفُعْلَى، إِذَا كَانَتِ اسْمًا وَكَانَتْ لَامُهَا وَاوًا، يَاءً طَلَبًا لِلْخِفَّةِ، وَذَلِكَ نَحْوَ الدُّنْيا والعُلْيا والقُصْيا، وَهِيَ مِنْ دَنَوْتُ وعَلَوْتُ وقَصَوْت، فَلَمَّا قَلَبُوا الْوَاوَ يَاءً فِي هَذَا وَفِي غَيْرِهِ مِمَّا يَطُولُ تَعْدَادُهُ عوَّضوا الْوَاوَ مِنْ غَلَبَةِ الْيَاءِ عَلَيْهَا فِي أَكثر الْمَوَاضِعِ بأَن قَلَبُوهَا فِي نَحْوِ البَقْوَى والثَّنْوَى وَاوًا، لِيَكُونَ ذَلِكَ ضَرْبًا مِنَ التَّعْوِيضِ وَمِنَ التَّكَافُؤِ بَيْنَهُمَا. وبَقيَ الرجلُ زَمَانًا طَوِيلًا أَي عَاشَ وأَبقاه اللَّهُ. اللَّيْثُ: تَقُولُ الْعَرَبُ «1» . نَشَدْتُك اللَّهَ والبُقْيَا؛ هُوَ الإِبقاء مِثْلُ الرَّعْوى والرُّعْيا مِنَ الإِرْعاء عَلَى الشَّيْءِ، وَهُوَ الإِبْقاء عَلَيْهِ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِلْعَدُوِّ إِذَا غَلَبَ: البَقِيَّةَ أَي أَبْقُوا عَلَيْنَا وَلَا تستأْصلونا؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الأَعشى:
قَالُوا البَقِيَّة والخَطِّيُّ يأْخُذُهم
وَفِي حَدِيثِ
النَّجَاشِيِّ وَالْهِجْرَةِ: وَكَانَ أَبْقَى الرَّجُلَيْنِ فِينَا
أَي أَكثر إِبْقَاءً عَلَى قَوْمِهِ، وَيُرْوَى بِالتَّاءِ مِنَ التُّقى. والبَاقِيَةُ تُوضَعُ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ. وَيُقَالُ: مَا بَقِيَتْ مِنْهُمْ بَاقِيَةٌ وَلَا وَقاهم اللَّهُ مِنْ واقِيَة. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ
؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: يُرِيدُ مِنْ بَقاء. وَيُقَالُ: هَلْ تَرَى مِنْهُمْ بَاقِياً، كُلُّ ذَلِكَ فِي الْعَرَبِيَّةِ جَائِزٌ حَسَنٌ، وبَقِيَ مِنَ الشَّيْءِ بَقِيَّةٌ. وأَبْقَيْتُ عَلَى فُلَانٍ إِذَا أَرْعَيْتَ عَلَيْهِ ورَحِمْتَه. يُقَالُ: لَا أَبْقَى اللهُ عَلَيْكَ إِنْ أَبْقَيْتَ عليَّ، وَالِاسْمُ البُقْيَا؛ قَالَ اللَّعِين:
سَأَقْضِي بَيْنَ كَلْبِ بَني كُلَيْبٍ، ... وبَيْنَ القَيْنِ قَيْنِ بَني عِقَالِ
فإنَّ الكلبَ مَطْعَمُه خَبيثٌ، ... وإنَّ القَيْنَ يَعْمَلُ فِي سِفَالِ
فَمَا بُقْيَا عَلَيَّ ترَكْتُماني، ... ولكنْ خِفْتُما صَرَدَ النِّبالِ
وَكَذَلِكَ البَقْوى، بِفَتْحِ الْبَاءِ. وَيُقَالُ: البُقْيَا والبَقْوَى كالفُتْيا والفَتْوَى؛ قَالَ أَبو القَمْقام الأَسَدِيُّ:
أُذَكِّرُ بالبَقْوَى عَلَى مَا أَصابَني، ... وبَقْوَايَ أَنِّي جاهِدٌ غَير مُؤتَلي
واسْتَبْقَيتُ مِنَ الشَّيْءِ أَي تَرَكْتُ بَعْضَهُ. واسْتَبْقَاه: اسْتَحْياه، وطيِءٌ تَقُولُ بَقَى وبَقَتْ مَكَانَ بَقِيَ وبَقِيَتْ، وَكَذَلِكَ أَخواتها مِنَ الْمُعْتَلِّ؛ قَالَ البَولاني:
تَسْتَوْقِدُ النَّبْلَ بالحَضِيضِ، وتَصْطادُ ... نُفُوساً بُنَتْ عَلَى الكَرَمِ
أَي بُنِيَتْ، يَعْنِي إِذَا أَخطأَ يُورِي النارَ. والبَقِيَّةُ: كالبَقْوَى. والبَقِيَّة أَيضاً: مَا بَقِيَ مِنَ الشَّيْءِ. وَقَوْلُهُ تعالى: بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ
. قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ الحالُ الَّتِي تَبْقَى لَكُمْ مِنَ الْخَيْرِ خَيْرٌ لَكُمْ، وَقِيلَ: طَاعَةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: يَا قَوْمِ مَا أُبْقِيَ لَكُمْ مِنَ الْحَلَالِ خَيْرٌ لَكُمْ، قَالَ: وَيُقَالُ مُرَاقَبَةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ. اللَّيْثُ: والبَاقِي حَاصِلُ الخَراج وَنَحْوُهُ، وَلُغَةُ طَيِّءٍ بَقَى يَبْقَى، وَكَذَلِكَ لُغَتُهُمْ فِي كُلِّ يَاءٍ انْكَسَرَ مَا قَبْلَهَا، يَجْعَلُونَهَا أَلفاً نَحْوَ بَقَى ورَضَى وفَنَى؛ وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً*
؛ قِيلَ: الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ*
الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَقِيلَ هِيَ الأَعمال الصَّالِحَةُ كُلُّهَا، وَقِيلَ: هِيَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكبر. قَالَ: وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ*
، وَاللَّهُ أَعلم، كُلُّ عَمَلٍ صَالِحٍ يَبْقَى ثَوَابُهُ. والمُبْقِياتُ مِنَ الْخَيْلِ: الَّتِي يَبْقَى جَريُها بعد
__________
(1) . قوله [الليث تقول العرب إلخ] هذه عبارة التهذيب وقد سقط منها جملة في كلام المصنف ونصها: تَقُولُ الْعَرَبُ نَشَدْتُكَ اللَّهَ والبُقْيَا وهي البقية، أَبُو عُبَيْدٍ عَنِ الْكِسَائِيِّ قال: البَقْوَى والبُقْيَا هي الإِبقاء مثل الرعوى إلخ(14/80)
انْقِطَاعِ جَرْي الْخَيْلِ؛ قَالَ الكَلْحَبَةُ اليَرْبُوعِيُّ:
فأَدْرَكَ إبْقَاءَ العَرادَةِ ظَلْعُها، ... وَقَدْ جَعَلَتْنِي مِنْ حزِيمةَ إصْبَعا
وَفِي التَّهْذِيبِ: المُبْقِيَاتُ مِنَ الْخَيْلِ هِيَ الَّتِي تُبْقِي بعضَ جَريها تَدَّخِره. والمُبْقِيَاتُ: الأَماكن الَّتِي تُبقِي مَا فِيهَا مِنْ مَنَاقِعِ الْمَاءِ وَلَا تَشْرَبُهُ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
فَلَمَّا رَأَى الرَّائي الثُّرَيَّا بسُدْفَةٍ، ... ونَشَّتْ نِطافُ المُبْقِيَاتِ الْوَقَائِعِ
واسْتَبْقَى الرجلَ وأَبْقَى عَلَيْهِ: وَجَبَ عَلَيْهِ قَتْلٌ فَعَفَا عَنْهُ. وأَبْقيْتُ مَا بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ: لَمْ أُبالغ فِي إِفْسَادِهِ، وَالِاسْمُ البَقِيَّةُ؛ قَالَ:
إنْ تُذْنِبُوا ثُمَّ تأْتِيني بَقِيَّتُكم، ... فَمَا عليَّ بذَنْبٍ منكمُ فَوْتُ
أَي إِبْقَاؤُكُمْ: وَيُقَالُ: اسْتَبْقَيْتُ فُلَانًا إِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ قَتْلٌ فَعَفَوْتُ عَنْهُ. وَإِذَا أَعطيت شَيْئًا وحَبَسْتَ بعضَه قُلْتَ: اسْتَبْقَيْتُ بعضَهُ. واسْتَبْقَيْتُ فُلَانًا: فِي مَعْنَى الْعَفْوِ عَنْ زَلَلِهِ واسْتِبْقاء مودَّته؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
ولَسْتَ بمُسْتَبْقٍ أَخاً لَا تَلُمُّه ... عَلَى شَعَثٍ، أَيُّ الرجالِ المُهَذَّبُ؟
وَفِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ:
لَا تُبْقِي عَلَى مَنْ يَضْرَعُ إِلَيْهَا
، يَعْنِي النَّارَ. يُقَالُ: أَبْقَيْت عَلَيْهِ أُبْقِي إبْقَاءً إِذَا رَحِمْتَهُ وأَشفقت عَلَيْهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
تَبَقَّهْ وتوَقَّهْ
؛ هُوَ أَمر مِنَ الْبَقَاءِ والوِقاء، وَالْهَاءُ فِيهِمَا لِلسَّكْتِ، أَي اسْتَبْق النفسَ وَلَا تُعَرِّضْها للهَلاك وَتَحَرَّزْ مِنَ الْآفَاتِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ
؛ مَعْنَاهُ أُولو تَمْيِيزٍ، وَيَجُوزُ أُولوا بَقِيَّة أُولو طَاعَةٍ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: فُسِّرَ بأَنه الإِبقاء وَفُسِّرَ بأَنه الفَهْم، وَمَعْنَى البَقِيَّة إِذَا قُلْتَ فُلَانٌ بَقِيَّة فَمَعْنَاهُ فِيهِ فَضْل فيما يُمْدَحُ بِهِ، وَجَمْعُ البَقِيَّة بَقَايَا. وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ: أُولو بَقِيَّة مِنْ دِينِ قَوْمٍ لَهُمْ بَقِيَّة إِذَا كَانَتْ بِهِمْ مُسْكَة وَفِيهِمْ خَيْرٌ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: البَقِيَّة اسْمٌ مِنَ الإِبْقاء كأَنه أَراد، وَاللَّهُ أَعلم، فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ قَوْمٌ أُولوا إِبْقَاءٍ عَلَى أَنفسهم لِتَمَسُّكِهِمْ بِالدِّينِ الْمَرْضِيِّ، وَنُصِبَ إِلَّا قَلِيلًا لأَن الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ فَلَوْلَا كَانَ فَمَا كَانَ، وَانْتِصَابُ قَلِيلًا عَلَى الِانْقِطَاعِ مِنَ الأَول. والبُقْيَا أَيضاً: الإِبْقاءُ؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ثَعْلَبٌ:
فَلَوْلَا اتِّقاءُ اللَّهِ بُقْيايَ فِيكُمَا، ... لَلُمْتُكما لَوْماً أَحَرَّ مِنَ الجَمْرِ
أَراد بُقْيَايَ عَلَيْكُمَا، فأَبدل فِي مَكانَ عَلَى، وأَبدل بُقْيايَ مِنِ اتِّقَاءُ اللَّهِ. وبَقَاهُ بَقْياً: انْتَظَرَهُ ورَصَدَه، وَقِيلَ: هُوَ نَظَرُكَ إِلَيْهِ؛ قَالَ الكُمَيْت وَقِيلَ هُوَ لِكُثَيِّرٍ:
فَمَا زلْتُ أَبْقِي الظُّعْنَ، حَتَّى كأَنها ... أَواقِي سَدىً تَغْتالهُنَّ الحَوائِكُ
يَقُولُ: شَبَّهْتُ الأَظْعَان فِي تَبَاعُدِهَا عَنْ عَيْنِي وَدُخُولِهَا فِي السَّرَابِ بِالْغَزْلِ الَّذِي تُسْديه الحائكةُ فَيَتَنَاقَصُ أَوَّلًا فأَوّلًا. وبَقَيْتُه أَي نظرت إليها وَتَرَقَّبْتُهُ. وبَقِيَّةُ اللَّهِ: انتظارُ ثَوَابِهِ؛ وَبِهِ فَسَّرَ أَبو عَلِيٍّ قوله: بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ
، لأَنه إنما يَنْتَظِرُ ثَوَابَهُ مَنْ آمَنَ به. وبَقِيَّةُ: اسْمٌ. وَفِي حَدِيثِ
مُعَاذٍ: بَقَيْنا رسولَ الله وَقَدْ تأَخر لِصَلَاةِ العَتَمة
، وَفِي نُسْخَةٍ:
بَقَيْنا رسولَ الله فِي شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى خَشينا فوتَ الفَلاح
أَي انْتَظَرْنَاهُ. وبَقَّيْتُه، بِالتَّشْدِيدِ، وأَبْقَيْتُهُ وتَبَقَّيْتُه كُلُّهُ بِمَعْنًى. وَقَالَ الأَحمر فِي بَقَيْنا: انْتَظَرْنَا وَتَبَصَّرْنَا؛ يُقَالُ مِنْهُ: بَقَيْتُ الرجلَ أَبْقِيه بَقْياً أَي انْتَظَرْتُهُ ورَقَبْتُه؛(14/81)
وأَنشد الأَحمر:
فهُنَّ يَعْلُكْنَ حَدائداتِها، ... جُنْحُ النَّواصِي نَحْوَ أَلْوِياتِها،
كالطَّير تَبقي مُتَداوِماتِها
يَعْنِي تَنْظُرُ إِلَيْهَا. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَصَلَاةُ اللَّيْلِ: فبَقَيْتُ كَيْفَ يُصَلِّي النَّبِيُّ، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ
، وَفِي رِوَايَةٍ:
كَرَاهَةَ أَن يَرَى أَني كُنْتُ أَبْقِيه
أَي أَنْظُره وأَرْصُده. اللحياني: بَقَيْتُه وبقو
بَقَوْتُه نَظَرْتُ إِلَيْهِ، وَفِي الْمُحْكَمِ: بقو
بَقَاه بعينه بقو
بَقَاوَةً نَظَرَ إِلَيْهِ؛ عَنِ اللحياني. وبقو
بَقَوْتُ الشيءَ: انْتَظَرْتُهُ، لُغَةٌ فِي بَقَيْتُ، وَالْيَاءُ أَعلى. وَقَالُوا: بقو
ابْقُهْ بقو
بَقْوَتَك مالَك وبقو
بَقَاوَتَك مالَك أَي احْفَظْهُ حفْظَك مالَك.
بكا: البُكَاء يُقْصَرُ وَيُمَدُّ؛ قاله الْفَرَّاءُ وَغَيْرُهُ، إِذَا مَدَدْتَ أَردتَ الصوتَ الَّذِي يَكُونُ مَعَ الْبُكَاءِ، وَإِذَا قَصرت أَردتَ الدُّمُوعَ وَخُرُوجَهَا؛ قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، وَزَعَمَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنه لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ وأَنشده أَبو زَيْدٍ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فِي أَبيات:
بَكَتْ عَيْنِي، وحقَّ لَهَا بُكاها، ... وَمَا يُغْني البُكاءُ وَلَا العَويلُ
عَلَى أَسَد الإِلهِ غَداةَ قَالُوا: ... أَحَمْزَةُ ذَاكُمُ الرجلُ القتيلُ؟
أُصِيبَ الْمُسْلِمُونَ بِهِ جَمِيعًا ... هُنَاكَ، وَقَدْ أُصيب بِهِ الرسولُ
أَبا يَعْلى لَكَ الأَركانُ هُدَّتْ، ... وأَنتَ الماجدُ البَرُّ الوصولُ
عَلَيْكَ سلامُ رَبِّكَ فِي جِنانٍ، ... مُخالطُها نَعيمٌ لَا يزولُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَهَذِهِ مِنْ قَصِيدَةٍ ذَكَرَهَا النَّحَّاسُ فِي طَبَقَاتِ الشُّعَرَاءِ، قَالَ: وَالصَّحِيحُ أَنها لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ؛ وَقَالَتِ الْخَنْسَاءُ فِي البُكَاء الْمَمْدُودِ تَرْثِي أَخاها:
دَفَعْتُ بِكَ الخُطوبَ وأَنت حيٌّ، ... فَمَنْ ذَا يَدْفَعُ الخَطْبَ الجَليلا؟
إِذَا قَبُحَ البُكاء عَلَى قَتيل، ... رأَيتُ بُكَاءَك الحَسَنَ الْجَمِيلَا
وَفِي الْحَدِيثِ:
فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا بُكَاءً فَتَبَاكَوْا
أَي تَكَلَّفُوا البُكاء، وَقَدْ بَكَى يَبْكِي بُكَاءً وبُكىً؛ قَالَ الْخَلِيلُ: مَنْ قَصَرَهُ ذَهَبَ بِهِ إِلَى مَعْنَى الْحُزْنِ، وَمَنْ مَدَّهُ ذَهَبَ بِهِ إِلَى مَعْنَى الصَّوْتِ، فَلَمْ يبالِ الخليلُ اختلافَ الْحَرَكَةِ التي بين باء الْبُكَا وَبَيْنَ حَاءِ الْحُزْنِ، لأَن ذَلِكَ الخَطَر يَسِيرٌ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ:، وَهَذَا هُوَ الَّذِي جَرَّأَ سِيبَوَيْهِ عَلَى أَن قَالَ وَقَالُوا النَّضْرُ، كَمَا قَالُوا الحَسَنُ، غَيْرَ أَن هَذَا مسكَّن الأَوسط، إِلَّا أَن سِيبَوَيْهِ زَادَ عَلَى الْخَلِيلِ لأَن الْخَلِيلَ مَثَّلَ حَرَكَةً بِحَرَكَةٍ وَإِنِ اخْتَلَفَتَا، وَسِيبَوَيْهِ مَثَّلَ سَاكِنَ الأَوسط بِمُتَحَرِّكِ الأَوسط، وَلَا مَحَالَةَ أَن الْحَرَكَةَ أَشبه بِالْحَرَكَةِ وَإِنِ اخْتَلَفَتَا مِنَ السَّاكِنِ بِالْمُتَحَرِّكِ، فَقَصَّرَ سِيبَوَيْهِ عَنِ الْخَلِيلِ، وحُقَّ لَهُ ذَلِكَ، إِذِ الْخَلِيلُ فَاقِدُ النَّظِيرِ وَعَادِمُ الْمَثِيلِ؛ وَقَوْلُ طَرَفَةَ:
وَمَا زَالَ عَنِّي مَا كَنَنْتُ يَشُوقُني، ... وَمَا قُلْتُ حَتَّى ارْفَضَّتِ العينُ بَاكِيَا
فَإِنَّهُ ذكَّر بَاكِيًا وَهِيَ خَبَرٌ عَنِ الْعَيْنِ، وَالْعَيْنُ أُنثى، لأَنه أَراد حَتَّى ارْفَضَّتِ الْعَيْنُ ذَاتَ بُكَاءٍ، وَإِنْ كَانَ أَكثر ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا كَانَ مَعْنَى فَاعِلٍ لَا مَعْنَى مَفْعُولٍ، فَافْهَمْ، وَقَدْ يَجُوزُ أَن يُذَكَّرَ عَلَى إِرَادَةِ الْعُضْوِ، وَمِثْلُ هَذَا يَتَّسِعُ فِيهِ الْقَوْلُ؛ وَمَثْلُهُ قَوْلِ الأَعشى:
أَرَى رَجُلًا مِنْهُمْ أَسِيفاً، كأَنما ... يَضُمُّ إِلَى كَشْحَيْهِ كَفّاً مُخَضَّبا(14/82)
أَي ذاتَ خِضَابٍ، أَو عَلَى إِرَادَةِ الْعُضْوِ كَمَا تَقَدَّمَ؛ قَالَ: وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ مُخَضَّبًا حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ الَّذِي فِي يَضُمُّ. وبَكَيْتُه وبَكَيْتُ عَلَيْهِ بِمَعْنًى. قَالَ الأَصمعي: بَكَيْتُ الرجلَ وبَكَّيْتُه، بِالتَّشْدِيدِ، كِلَاهُمَا إِذَا بَكَيْتَ عَلَيْهِ، وأَبْكَيْته إِذَا صَنَعْتُ بِهِ مَا يُبْكِيه، قَالَ الشَّاعِرُ:
الشمسُ طَالِعَةٌ، ليستْ بكاسفةٍ، ... تُبْكي عليكَ نُجومَ اللَّيْلِ والقَمرا «2»
. واسْتَبْكَيْتُه وأَبْكَيْتُه بمعنى. والتِّبْكَاء: البُكاء؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: قَالَ بَعْضُ نِسَاءِ الأَعراب فِي تأْخيذ الرِّجَالِ أَخَّذتُه فِي دُبَّاء مُمَلأٍ مِنَ الْمَاءِ مُعَلَّقٍ بتِرْشاء فَلَا يَزَلْ فِي تِمْشاء وعينُه فِي تِبْكاء، ثُمَّ فَسَّرَهُ فَقَالَ: التِّرشاءُ الحَبْلُ، والتِّمْشاء المَشيُ، والتِّبْكَاءُ البُكاء، وَكَانَ حُكْمُ هَذَا أَن يَقُولَ تَمْشاء وتَبْكاء لأَنهما مِنَ الْمَصَادِرِ الْمَبْنِيَّةِ لِلتَّكْثِيرِ كالتَّهْذار فِي الهَذْر والتَّلْعاب فِي اللَّعب، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَصَادِرِ الَّتِي حَكَاهَا سِيبَوَيْهِ، وَهَذِهِ الأُخْذَة قَدْ يَجُوزُ أَن تَكُونَ كُلُّهَا شِعْرًا، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مِنْ مَنْهوك الْمُنْسَرِحِ؛ وَبَيْتُهُ:
صَبْراً بَنِي عَبْد الدارْ
وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: التَّبْكَاء، بِالْفَتْحِ، كَثْرَةُ البُكاء؛ وأَنشد:
وأَقْرَحَ عَيْنَيَّ تَبْكَاؤُه، ... وأَحدَثَ فِي السَّمْعِ مِنِّي صَمَمْ
وباكَيْتُ فُلَانًا فَبَكَيْتُه إِذَا كنتَ أَكثرَ بُكاءً مِنْهُ. وتَبَاكَى: تَكَلَّف البُكاءَ. والبَكِيُّ: الْكَثِيرُ البُكاء، عَلَى فَعِيلٍ. وَرَجُلٌ بَاكٍ، وَالْجَمْعُ بُكَاة وبُكِيٌّ، عَلَى فُعُول مِثْلَ جَالِسٍ وجُلُوس، إِلَّا أَنهم قَلَبُوا الْوَاوَ يَاءً. وأَبْكَى الرجلَ: صَنَع بِهِ مَا يُبْكيه. وبَكَّاه عَلَى الفَقيدِ: هَيَّجه لِلْبُكَاءِ عَلَيْهِ وَدَعَاهُ إِلَيْهِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ
صَفيَّةُ قُومي وَلَا تَقْعُدِي، ... وبَكِّي النساءَ عَلَى حَمْزه
وَيُرْوَى: وَلَا تَعْجزي، هَكَذَا رُوِيَ بالإِسكان، فَالزَّايُ عَلَى هَذَا هُوَ الرَّوِيُّ لَا الْهَاءُ لأَنها هَاءُ تَأْنِيثٍ، وَهَاءُ التأْنيث لَا تَكُونُ رَوِيًّا، وَمَنْ رَوَاهُ مُطْلَقًا قَالَ: عَلَى حَمْزَةَ، جَعَلَ التَّاءَ هِيَ الرَّوِيَّ وَاعْتَقَدَهَا تَاءً لَا هَاءً لأَن التَّاءَ تَكُونُ رَوِيًّا، وَالْهَاءُ لَا تَكُونُ الْبَتَّةَ رَوِيًّا. وبَكَاه بُكاءً وبَكَّاه، كِلَاهُمَا: بَكَى عَلَيْهِ وَرَثَاهُ؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ثَعْلَبٌ:
وكنتُ مَتَى أَرى زِقّاً صَريعاً، ... يُناحُ عَلَى جَنازَتِه، بَكَيْتُ
فَسَّرَهُ فَقَالَ: أَراد غَنَّيْتُ، فَجَعَلَ الْبُكَاءَ بِمَنْزِلَةِ الغِناء، وَاسْتَجَازَ ذَلِكَ لأَن البُكَاء كَثِيرًا مَا يَصْحَبه الصَّوْتُ كَمَا يَصْحَبُ الصَّوْتُ الْغِنَاءَ. والبَكَى، مَقْصُورٌ: نَبْتٌ أَو شَجَرٌ، وَاحِدَتُهُ بَكاة. قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: البَكَاة مثلُ البَشامة لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إِلَّا عِنْدَ الْعَالِمِ بِهِمَا، وَهُمَا كَثِيرًا مَا تَنْبُتَانِ مَعًا، وَإِذَا قُطِعَتِ البَكاة هُريقت لَبَنًا أَبيض؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَضَيْنَا عَلَى أَلف البُكَى بِالْيَاءِ لأَنها لَامٌ لِوُجُودِ ب ك ي وَعَدَمُ ب ك و، والله أَعلم.
بلا: بَلَوْتُ الرجلَ بَلْواً وبَلاءً وابْتَلَيْته: اخْتَبَرْته، وبَلاهُ يَبْلُوه بَلْواً إِذَا جَرَّبَه واخْتَبَره. وَفِي حَدِيثِ
حُذَيْفَةَ: لَا أُبْلِي أَحداً بَعْدَك أَبداً. وَقَدِ ابْتَلَيْتُه فأَبْلاني
أَي اسْتَخْبَرْتُه فأَخْبَرني. وَفِي حَدِيثِ
أُم سَلَمَةَ: إنَّ مِنْ أَصْحابي مَنْ لَا يَراني بَعدَ أَن فارَقَني، فَقَالَ لَهَا عُمَرُ: بِاللَّهِ أَمِنْهم أَنا؟ قَالَتْ: لَا وَلَنْ أُبْلِيَ أَحداً بعدَكَ
أَي لا
__________
(2) . رواية ديوان جرير: تُبْكِي عليك أَي الشمس، ونصب نجوم الليل والقمر بكاسفة(14/83)
أُخبِر بعدَك أَحداً، وأَصله مِنْ قَوْلِهِمْ أَبْلَيْتُ فُلاناً يَمِينًا إِذَا حلفتَ لَهُ بِيَمِينٍ طَيَّبْتَ بِهَا نَفْسَهُ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: أَبْلَى بِمَعْنَى أَخْبَر. وابْتَلاه اللَّهُ: امْتَحَنَه، وَالِاسْمُ البَلْوَى والبِلْوَةُ والبِلْيَةُ والبَلِيَّةُ والبَلاءُ، وبُلِيَ بِالشَّيْءِ بَلاءً وابْتُلِيَ؛ والبَلاءُ يَكُونُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ. يُقَالُ: ابْتَلَيْته بَلَاءً حَسَنًا وبَلاءً سيِّئاً، وَاللَّهُ تَعَالَى يُبْلي العبدَ بَلاءً حَسَنًا ويُبْلِيه بَلَاءً سيِّئاً، نسأَل اللَّهَ تَعَالَى الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ، وَالْجَمْعُ البَلايا، صَرَفُوا فَعائِلَ إِلَى فَعالى كَمَا قِيلَ فِي إِدَاوَةٍ. التَّهْذِيبُ: بَلاه يَبْلُوه بَلْواً، إِذَا ابتَلاه اللَّهُ ببَلاء، يُقَالُ: ابْتَلاه اللَّهُ ببَلاء. وَفِي الْحَدِيثِ:
اللَّهُمَّ لَا تُبْلِنَا إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحسن
، وَالِاسْمُ البَلاء، أَي لَا تَمْتَحِنَّا. وَيُقَالُ: أَبْلاه اللَّهُ يُبْلِيه إبْلاءً حَسَنًا إِذَا صَنَعَ بِهِ صُنْعاً جَمِيلًا. وبَلاه اللهُ بَلاء وابْتَلاه أَي اختَبره. والتَّبَالِي: الِاخْتِبَارُ. والبَلاء: الِاخْتِبَارُ، يَكُونُ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ. وَفِي كِتَابِ هِرَقْلَ: فَمَشى قَيْصر إِلَى إيلِياء لمَّا أَبْلاهُ اللَّهُ. قَالَ الْقُتَيْبِيُّ: يُقَالُ مِنَ الْخَيْرِ أَبْلَيْته إبْلاءً، وَمِنَ الشَّرِّ بَلَوْته أَبْلُوه بَلاءً، قَالَ: وَالْمَعْرُوفُ أَن الِابْتِلَاءَ يَكُونُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ مَعًا مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ فِعْلَيْهِمَا؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً
؛ قَالَ: وَإِنَّمَا مَشَى قَيْصَرُ شُكْرًا لِانْدِفَاعِ فَارِسَ عَنْهُ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: والبَلاء الإِنعام؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ مَا فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ
؛ أَي إِنْعَامٌ بَيِّن. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَنْ أُبْلِيَ فَذَكَرَ فَقَد شَكَرَ
؛ الإِبلاء: الإِنعام والإِحسان. يُقَالُ: بَلَوْت الرجلَ وأَبْلَيْت عندَه بَلاء حَسَنًا. وَفِي حَدِيثِ
كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: مَا عَلِمْتُ أَحداً أَبْلاه اللَّهُ أَحسنَ مِمَّا أَبْلاني
، والبَلاءُ الِاسْمُ، ممدودٌ. يُقَالُ: أَبْلاه اللهُ بَلاءً حَسَنًا وأَبْلَيْته مَعْرُوفًا؛ قَالَ زُهَيْرٌ:
جَزَى اللهُ بالإِحسانِ مَا فَعَلا بِكُمْ، ... وأَبْلاهما خيرَ البَلاء الَّذي يَبْلُو
أَي صَنَع بِهِمَا خيرَ الصَّنِيع الَّذِي يَبْلُو بِهِ عبادَه. وَيُقَالُ: بُلِيَ فلانٌ وابْتُلِيَ إِذَا امْتُحِنَ. والبَلْوَى: اسْمٌ مِنْ بَلاه اللَّهُ يَبْلُوه. وَفِي حَدِيثِ
حُذَيْفَةَ: أَنه أُقِيمَتِ الصلاةُ فَتَدافَعوها فَتَقدَّمَ حُذَيْفَةُ فَلَمَّا سَلَّم مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ: لتَبْتَلُنَّ لَها إِمَامًا أَو لَتُصَلُّنَّ وُحْداناً
؛ قَالَ شَمِرٌ: قَوْلُهُ
لتَبْتَلُنَّ لَهَا إِمَامًا
يَقُولُ لتَخْتارُنَّ، وأَصله مِنَ الابْتِلاء الِاخْتِبَارُ مِنْ بَلاه يَبْلُوه، وابْتَلاه أَي جَرَّبه؛ قَالَ: وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ فِي الْبَاءِ وَالتَّاءِ وَاللَّامِ وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ وَهُوَ أَشْبَهُ. وَنَزَلَتْ بَلاءِ عَلَى الْكُفَّارِ مِثْلُ قَطامِ: يَعْنِي البلاءَ. وأَبْلَيْت فُلَانًا عُذراً أَي بَيَّنت وَجْهَ الْعُذْرِ لأُزيل عَنِّي اللَّوْمَ. وأَبْلاه عُذراً: أَدَّاه إِلَيْهِ فَقَبِلَهُ، وَكَذَلِكَ أَبْلاه جُهْدَه ونائِلَه. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِنَّمَا النذْرُ مَا ابْتُلِيَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ
أَي أُريد بِهِ وجههُ وقُصِدَ بِهِ. وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ:
أَبْلِ اللَّهَ تَعَالَى عُذْراً فِي بِرِّها
أَي أَعْطِه وأَبْلِغ العُذرَ فِيهَا إِلَيْهِ؛ الْمَعْنَى أَحسن فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللَّهِ بِبِرِّكَ إِيَّاهَا. وَفِي حَدِيثِ
سَعْدٍ يَوْمَ بَدْرٍ: عَسَى أَن يُعْطَى هَذَا مَن لَا يُبْلِي بَلائي
أَي لا يعملُ مثلَ عَمَلِي فِي الْحَرْبِ، كأَنه يُرِيدُ أَفعل فِعْلًا أُخْتَبَر بِهِ فِيهِ وَيَظْهَرُ بِهِ خَيْرِي وَشَرِّي. ابْنُ الأَعرابي: وَيُقَالُ أَبْلَى فُلَانٌ إِذَا اجْتَهَدَ فِي صِفَةِ حَرْبٍ أَو كَرَمٍ. يُقَالُ: أَبْلَى ذَلِكَ اليومَ بَلاءً حَسَنًا، قَالَ: وَمِثْلُهُ بَالَى يُبَالِي مُبَالاةً؛ وأَنشد:
مَا لِي أَراكَ قَائِمًا تُبَالِي، ... وأَنتَ قَدْ قُمْتَ مِنَ الهُزالِ؟(14/84)
قَالَ: سَمِعَهُ وَهُوَ يَقُولُ أَكلْنا وشربْنا وفعَلْنا، يُعَدِّد المكارمَ وَهُوَ فِي ذَلِكَ كَاذِبٌ؛ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: مَعْنَاهُ تُبَالِي تَنْظُرُ أَيهم أَحسن بَالًا وأَنت هَالِكٌ. قَالَ: وَيُقَالُ بَالَى فلانٌ فُلَانًا مُبَالاةً إِذَا فاخَرَه، وبَالاهُ يُبَالِيهِ إِذَا ناقَصَه، وبَالَى بِالشَّيْءِ يُبَالِي بِهِ إِذَا اهْتَمَّ بِهِ، وَقِيلَ: اشتقاقُ بَالَيْتُ مِنَ البَالِ بالِ النفسِ، وَهُوَ الاكْتِراثُ؛ وَمِنْهُ أَيضاً: لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِي ذَلِكَ الأَمر أَي لَمْ يُكْرِثْني. ورجلٌ بِلْوُ شَرٍّ وبِلْيُ خَيرٍ أَي قَوِيٌّ عَلَيْهِ مُبْتَلًى بِهِ. وَإِنَّهُ لَبِلْوٌ وبِلْيٌ مِنْ أَبْلاءِ المالِ أَي قَيِّمٌ عَلَيْهِ. وَيُقَالُ لِلرَّاعِي الحسنِ الرِّعْيَة: إِنَّهُ لَبِلْوٌ مِنْ أَبْلائها، وحِبْلٌ مِنْ أَحْبالِها، وعِسْلٌ مِنْ أَعسالها، وزِرٌّ مِنْ أَزرارِها؛ قَالَ عُمَرُ بْنُ لَجَإ:
فصادَفَتْ أَعْصَلَ مِنْ أَبْلائِها، ... يُعْجِبُه النَّزْعُ عَلَى ظَمَائِهَا
قُلِبَتِ الْوَاوُ فِي كُلِّ ذَلِكَ يَاءً لِلْكَسْرَةِ وَضُعِّفَ الْحَاجِزُ فَصَارَتِ الْكَسْرَةُ كأَنها بَاشَرَتِ الْوَاوَ. وَفُلَانٌ بِلْيُ أَسفارٍ إِذَا كَانَ قَدْ بَلاهُ السَّفَرُ والهَمُّ وَنَحْوُهُمَا. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَجَعَلَ ابْنُ جِنِّي الْيَاءَ فِي هَذَا بَدَلًا مِنَ الْوَاوِ لِضَعْفِ حَجْزِ اللَّامِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي قَوْلِهِ فُلَانٌ مِنْ عِلْيَةِ النَّاسِ. وبَلِيَ الثوبُ يَبْلَى بِلًى وبَلاء وأَبْلاه هُوَ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
والمَرْءُ يُبْلِيهِ بَلاءَ السِّربالْ ... كرُّ اللَّيَالِي وانْتِقالُ الأَحوالْ
أَراد: إِبْلَاءَ السِّرْبَالِ، أَو أَراد: فيَبْلى بَلاء السِّربال، إِذَا فَتَحتَ الْبَاءَ مَدَدْتَ وَإِذَا كَسرْتَ قَصَرْتَ، وَمِثْلُهُ القِرى والقَراءُ والصِّلى والصَّلاءُ. وبَلَّاه: كأَبْلاهُ؛ قَالَ العُجَير السَّلُولِيُّ:
وقائِلَةٍ: هَذَا العُجَيْرُ تَقَلَّبَتْ ... بِهِ أَبْطُنٌ بَلَّيْنَهُ وظُهور
رَأَتْني تجاذَبْتُ الغَداةَ، ومَن يَكُنْ ... فَتًى عامَ عامَ الْمَاءِ، فَهْوَ كَبير
وَقَالَ ابْنُ أَحمر:
لَبِسْتُ أَبي حَتَّى تَبَلَّيْتُ عُمْرَه، ... وبَلَّيْتُ أَعْمامِي وبَلَّيْتُ خالِيا
يُرِيدُ أَي عِشْتُ الْمُدَّةَ الَّتِي عَاشَهَا أَبي، وَقِيلَ: عامَرتُه طُول حَيَاتِي، وأَبْلَيْتُ الثَّوبَ. يُقَالُ للمُجِدِّ: أَبْلِ ويُخْلِفُ اللَّهُ، وبَلَّاهُ السَّفَرُ وبَلَّى عَلَيْهِ وأَبْلاه؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي؛
قَلُوصانِ عَوْجاوانِ، بَلَّى عَليهِما ... دُؤوبُ السُّرَى، ثُمَّ اقْتِداحُ الهَواجِر
وناقَةٌ بِلْوُ سفرٍ، بِكَسْرِ الْبَاءِ: أَبلاها السَّفَرُ، وَفِي الْمُحْكَمِ: قَدْ بَلَّاها السَّفَرُ، وبِلْيُ سَفَر وبِلْوُ شَرّ وبِلْيُ شَرٍّ ورَذِيَّةُ سَفَرٍ ورَذِيُّ سَفَر ورَذاةُ سَفَرٍ، وَيُجْمَعُ رَذِيَّات، وَنَاقَةٌ بَلِيَّة: يَمُوتُ صَاحِبُهَا فَيُحْفَرُ لَدَيْهَا حُفْرَةٌ وَتُشَدُّ رأْسها إِلَى خلْفها وتُبْلَى أَي تُتْرَكُ هُنَاكَ لَا تُعْلَفُ وَلَا تُسْقَى حَتَّى تَمُوتَ جُوعًا وَعَطَشًا. كَانُوا يَزْعُمُونَ أَن النَّاسَ يُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رُكْبَانًا عَلَى الْبَلَايَا، أَو مُشاة إِذَا لَمْ تُعْكَس مَطاياهم عَلَى قُبُورِهِمْ، قُلْتُ: فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنهم كَانُوا يَرَوْنَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْبَعْثَ وَالْحَشْرَ بالأَجساد، تَقُولُ مِنْهُ: بَلَّيتُ وأَبْلَيْت؛ قَالَ الطِّرِمَّاحُ:
مَنازِل لَا تَرَى الأَنْصابَ فِيهَا، ... وَلَا حُفَرَ المُبَلِّي لِلمَنون
أَي أَنها مَنَازِلُ أَهل الإِسلام دُونَ الْجَاهِلِيَّةِ. وَفِي حَدِيثِ
عَبْدِ الرَّزَّاقِ: كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَعْقِرُون عندَ الْقَبْرِ بَقَرة أَو نَاقَةً أَو شَاةً ويُسمُّون العَقِيرَة البَلِيَّة، كَانَ إِذَا مَاتَ لَهُمْ مَنْ يَعِزّ عَلَيْهِمْ أَخذوا نَاقَةً فَعَقَلُوهَا عِنْدَ قَبْرِهِ فَلَا تُعْلَفُ وَلَا تُسْقَى إِلَى أَن تَمُوتَ، وَرُبَّمَا(14/85)
حَفَرُوا لَهَا حَفِيرَةً وَتَرَكُوهَا فِيهَا إِلَى أَن تَمُوتَ.
وبَلِيَّة: بِمَعْنَى مُبْلاةٍ أَو مُبَلَّاة، وَكَذَلِكَ الرَّذِيَّة بِمَعْنَى مُرَذَّاة، فعِيلة بِمَعْنَى مُفْعَلة، وجمعُ البَلِيَّةِ الناقةِ بَلايا، وَكَانَ أَهل الْجَاهِلِيَّةِ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ. وَيُقَالُ: قَامَتْ مُبَلِّيات فُلَانٍ يَنُحْنَ عَلَيْهِ، وَهُنَّ النِّسَاءُ اللَّوَاتِي يَقُمْنَ حَوْلَ رَاحِلَتِهِ فيَنُحْنَ إِذَا مَاتَ أَو قُتل؛ وَقَالَ أَبو زُبيد:
كالبَلايا رُؤُوسُها فِي الوَلايا، ... مانِحاتِ السَّمومِ حُرَّ الخُدود
الْمُحْكَمُ: نَاقَةٌ بِلْوُ سَفَرٍ قَدْ بَلَاهَا السَّفَرُ، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ وَالْبَعِيرُ، وَالْجَمْعُ أَبلاءٌ؛ وأَنشد الأَصمعي لجَندَل بْنِ الْمُثَنَّى:
ومَنْهَلٍ مِنَ الأَنيس نَاءِ، ... شَبيهِ لَوْنِ الأَرْضِ بالسَّماءِ،
داوَيْتُه بِرُجَّعٍ أَبْلاءِ
ابْنُ الأَعرابي: البَلِيُّ والبَلِيَّةُ والبَلايا الَّتِي قَدْ أَعْيت وَصَارَتْ نِضْواً هَالِكًا. وَيُقَالُ: نَاقَتُكَ بِلْوُ سَفَرٍ إِذَا أَبلاها السَّفَرُ. الْمُحْكَمُ: والبَلِيَّة النَّاقَةُ أَو الدَّابَّةُ الَّتِي كَانَتْ تُعْقَلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، تُشدّ عِنْدَ قَبْرِ صَاحِبِهَا لَا تُعْلَفُ وَلَا تُسْقَى حَتَّى تَمُوتَ، كَانُوا يَقُولُونَ إِنَّ صَاحِبَهَا يُحْشَرُ عَلَيْهَا؛ قَالَ غَيْلان بْنُ الرَّبعِي:
باتَتْ وباتُوا، كَبَلايا الأَبْلَاءْ، ... مُطْلَنْفِئِينَ عِندَها كالأَطْلاءْ
يَصِفُ حَلْبة قَادَهَا أَصحابها إِلَى الْغَايَةِ، وَقَدْ بُلِيت. وأَبْلَيْت الرجلَ: أَحلفته. وابْتَلَى هُوَ: استَحْلف واستَعْرَف؛ قَالَ:
تُبَغّي أَباها فِي الرِّفاقِ وتَبْتَلي، ... وأَوْدَى بِهِ فِي لُجَّةِ البَحرِ تمسَحُ
أَي تسأَلهم أَن يَحْلِفُوا لَهَا، وَتَقُولَ لَهُمْ: نَاشَدْتُكُمُ اللَّهَ هَلْ تَعْرِفُونَ لأَبي خَبَرًا؟ وأَبْلى الرجلَ: حَلَف لَهُ؛ قَالَ:
وَإِنِّي لأُبْلِي الناسَ فِي حُبّ غَيْرها، ... فأَمَّا عَلَى جُمْلٍ فإنَي لَا أُبْلِي
أَي أَحلف لِلنَّاسِ إِذَا قَالُوا هَلْ تُحِبُّ غَيْرَهَا أَني لَا أُحب غَيْرَهَا، فأَما عَلَيْهَا فَإِنِّي لَا أَحلف؛ قَالَ أَبو سَعِيدٍ: قَوْلُهُ تَبْتَلِي فِي الْبَيْتِ الأَول تَخْتَبِرُ، والابْتِلاء الِاخْتِبَارُ بِيَمِينٍ كَانَ أَو غَيْرِهَا. وأَبْلَيْت فُلَانًا يَمِينًا إِبْلاءً إِذَا حَلَفْتَ لَهُ فطيَّبت بِهَا نَفْسَهُ، وَقَوْلُ أَوس بْنِ حَجَر:
كأَنَّ جديدَ الأَرضِ، يُبْلِيكَ عنهُمُ، ... تَقِيُّ اليَمينِ، بعدَ عَهْدكَ، حالِفُ
أَي يَحْلِفُ لَكَ؛ التَّهْذِيبُ: يَقُولُ كأَن جَدِيدَ أَرض هَذِهِ الدَّارِ وَهُوَ وَجْهُهَا لِمَا عَفَا مِنْ رُسُومِهَا وامَّحَى مِنْ آثَارِهَا حالفٌ تَقِيّ الْيَمِينِ، يَحْلِفُ لَكَ أَنه مَا حَلَّ بِهَذِهِ الدَّارِ أَحد لِدُروس مَعَاهِدِهَا وَمَعَالِمِهَا. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ فِي قَوْلِهِ يُبْلِيكَ عَنْهُمْ: أَراد كأَنّ جَدِيدَ الأَرض فِي حَالِ إِبْلائه إِيَّاكَ أَي تَطْيِيبِهِ إِيَّاكَ حالفٌ تَقِيُّ الْيَمِينِ. وَيُقَالُ: أَبْلى اللَّهَ فلانٌ إِذَا حَلَفَ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
فَأَوْجِع الجَنْبَ وأَعْرِ الظَّهْرا، ... أَو يُبْلِيَ اللَّهُ يَميناً صَبْرا
وَيُقَالُ: ابتَلَيْت أَي استَحْلَفتُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
تُسائِلُ أَسْماءُ الرِّفاقَ وتَبْتَلي، ... ومنْ دُونِ مَا يَهْوَيْنَ بابٌ وحاجبُ
أَبو بَكْرٍ: البِلاءُ هُوَ أَن يَقُولَ لَا أُبَالي مَا صَنَعْتُ مُبالاةً وبِلاءً، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ بَليَ الثوبُ. وَمِنْ كَلَامِ الْحَسَنِ:
لَمْ يُبَالِهِمُ اللهُ بَالَةً.
وَقَوْلُهُمْ: لَا أُبَالِيه لَا أَكْتَرِثُ لَهُ. وَيُقَالُ: مَا أُبَاليهِ بَالَةً وبَالًا؛ قَالَ ابْنُ أَحمر:(14/86)
أَغَدْواً واعَدَ الحَيّ الزِّيالا، ... وشَوْقاً لَا يُبَالِي العَيْنَ بَالا
وبِلاءً ومُبَالاةً وَلَمْ أُبَالِ وَلَمْ أُبَلْ، عَلَى الْقَصْرِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
وتَبْقَى حُثالَةٌ لَا يُبَالِيهمُ اللهُ بَالَةً
، وَفِي رِوَايَةٍ:
لَا يُبَالِي بِهِمْ بَالَةً
أَي لَا يَرْفَعُ لَهُمْ قَدْرًا وَلَا يُقِيمُ لَهُمْ وَزْنًا، وأَصل بَالَةً بَالِيَةً مِثْلَ عَافَاهُ عَافِيَةً، فَحَذَفُوا الْيَاءَ مِنْهَا تَخْفِيفًا كَمَا حَذَفُوا مِنْ لَمْ أُبَلْ. يُقَالُ: مَا بَالَيْته وَمَا بَالَيْت بِهِ أَي لَمْ أَكترث بِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
هَؤُلَاءِ فِي الْجَنَّةِ وَلَا أُبَالِي وَهَؤُلَاءِ فِي النَّارِ وَلَا أُبَالِي
؛ وَحَكَى الأَزهري عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ: أَن مَعْنَاهُ لَا أَكره. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ: مَا أُبَالِيه بَالَةً. وَحَدِيثُ الرَّجُلِ مَعَ عَمَله وأَهلِه ومالِهِ قَالَ: هُوَ أَقَلُّهم بِهِ بَالَةً
أَي مُبَالَاةً. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: فَإِذَا قَالُوا لَمْ أُبَلْ حَذَفُوا الأَلف تَخْفِيفًا لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ كَمَا حَذَفُوا الْيَاءَ مِنْ قَوْلِهِمْ لَا أَدْر، كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ بِالْمَصْدَرِ فَيَقُولُونَ مَا أُبَالِيه بَالَةً، والأَصل فِيهِ بَالِيَةً. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: لَمْ يُحْذَفِ الأَلف مِنْ قَوْلِهِمْ لَمْ أُبَل تَخْفِيفًا، وَإِنَّمَا حُذِفَتْ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ. ابْنُ سِيدَهْ: قَالَ سِيبَوَيْهِ وسأَلت الْخَلِيلَ عَنْ قَوْلِهِمْ لَمْ أُبَلْ فَقَالَ: هِيَ مِنْ بَالَيْتُ، وَلَكِنَّهُمْ لَمَّا أَسكنوا اللَّامَ حَذَفُوا الأَلف لِئَلَّا يَلْتَقِيَ سَاكِنَانِ، وَإِنَّمَا فَعَلُوا ذَلِكَ بِالْجَزْمِ لأَنه مَوْضِعُ حَذْفٍ، فَلَمَّا حَذَفُوا الْيَاءَ الَّتِي هِيَ مِنْ نَفْسِ الْحَرْفِ بَعْدَ اللَّامِ صَارَتْ عِنْدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ نُونِ يَكُنْ حَيْثُ أُسكنت، فَإِسْكَانُ اللَّامِ هُنَا بِمَنْزِلَةِ حَذْفِ النُّونِ مِنْ يَكُنْ، وَإِنَّمَا فَعَلُوا هَذَا بِهَذَيْنِ حَيْثُ كَثُرَ فِي كَلَامِهِمْ حَذْفُ النُّونِ وَالْحَرَكَاتِ، وَذَلِكَ نَحْوُ مُذْ وُلِدَ وَقَدْ عُلِمَ، وَإِنَّمَا الأَصل مُنْذُ وَلِدْنَ وَقَدْ عَلِمَ، وَهَذَا مِنَ الشَّوَاذِّ وَلَيْسَ مِمَّا يُقَاسُ عَلَيْهِ وَيَطَّرِدُ، وَزَعَمَ أَن نَاسًا مِنَ الْعَرَبِ يَقُولُونَ لَمْ أُبَلِهِ، لَا يَزِيدُونَ عَلَى حَذْفِ الأَلف كَمَا حَذَفُوا عُلَبِطاً، حَيْثُ كَثُرَ الْحَذْفُ فِي كَلَامِهِمْ كَمَا حَذَفُوا أَلف احمَرَّ وأَلف عُلَبِطٍ وَوَاوَ غَدٍ، وَكَذَلِكَ فَعَلُوا بِقَوْلِهِمْ بَلِيَّة كأَنها بَالِيَةٌ بِمَنْزِلَةِ الْعَافِيَةِ، وَلَمْ يَحْذِفُوا لَا أُبَالِي لأَن الْحَذْفَ لَا يَقْوَى هُنَا وَلَا يَلْزَمُهُ حَذْفٌ، كَمَا أَنهم إِذَا قَالُوا لَمْ يَكُنِ الرَّجُلُ فَكَانَتْ فِي مَوْضِعِ تَحَرُّكٍ لَمْ تُحْذَفْ، وَجَعَلُوا الأَلف تَثْبُتُ مَعَ الْحَرَكَةِ، أَلا تَرَى أَنها لَا تُحْذَفُ فِي أُبالي فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْجَزْمِ، وَإِنَّمَا تُحْذَفُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تُحْذَفُ مِنْهُ الْحَرَكَةُ؟ وَهُوَ بِذِي بِلِّيٍّ وبَلَّى وبُلَّى وبِلَّى وبَلِيٍّ وبِلِيَّانٍ وبَلَيانٍ، بِفَتْحِ الْبَاءِ وَاللَّامِ إِذَا بَعُدَ عَنْكَ حَتَّى لَا تَعْرِفَ مَوْضِعَهُ. وَقَالَ ابْنُ جِنِّي: قَوْلُهُمْ أَتى عَلَى ذِي بِلِيَّانَ غَيْرُ مَصْرُوفٍ وَهُوَ عَلَمُ الْبُعْدِ. وَفِي حَدِيثِ
خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ: أَنه قَالَ إِنَّ عُمَرَ اسْتَعْمَلَنِي عَلَى الشَّامِ وَهُوَ لَهُ مُهِمٌّ، فَلَمَّا أَلْقَى الشامُ بَوانِيَهُ وَصَارَ ثَنِيَّهُ «3» . عَزَلَنِي وَاسْتَعْمَلَ غَيْرِي، فَقَالَ رَجُلٌ: هَذَا وَاللَّهِ الفِتْنةُ؛ فَقَالَ خَالِدٌ: أَما وابنُ الْخَطَّابِ حيٌّ فَلَا، وَلَكِنَّ ذَاكَ إِذَا كَانَ النَّاسُ بِذِي بِلِّيٍّ وذِي بَلَّى
؛ قَوْلُهُ:
أَلْقَى الشامُ بَوَانِيَهُ وَصَارَ ثَنِيَّهُ
أَي قَرَّ قَرارُهُ واطْمَأَنَّ أَمرُه،. وأَما قَوْلُهُ إِذَا كَانَ النَّاسُ بِذِي بِلِّيٍّ فَإِنَّ أَبا عُبَيْدٍ قَالَ: أَراد تَفَرُّقَ النَّاسِ وأَن يَكُونُوا طَوَائِفَ وَفِرَقًا مِنْ غَيْرِ إِمَامٍ يَجْمَعُهُمْ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ بَعُدَ عَنْكَ حَتَّى لَا تَعْرِفَ مَوْضِعَهُ فَهُوَ بِذِي بِلِّيٍّ، وَهُوَ مِنْ بَلَّ فِي الأَرض إِذَا ذَهَبَ، أَراد ضَيَاعَ أُمور النَّاسِ بَعْدَهُ، وَفِيهِ لُغَةٌ أُخرى: بِذِي بِلِّيان؛ قَالَ: وَكَانَ الْكِسَائِيُّ يُنْشِدُ هَذَا الْبَيْتَ فِي رَجُلٍ يُطِيلُ النَّوْمَ:
تَنامُ ويَذْهبُ الأَقْوامُ حَتَّى ... يُقالَ: أَتَوْا على ذي بِلِّيانِ
يَعْنِي أَنه أَطال النَّوْمَ وَمَضَى أَصحابه فِي سَفَرِهِمْ حتى
__________
(3) . قوله [وصار ثنيه] كذا بالأصل(14/87)
صَارُوا إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا يَعْرِفُ مَكَانَهُمْ مِنْ طُولِ نَوْمِهِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَصَرَفَهُ عَلَى مَذْهَبِهِ. ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ فُلَانٌ بِذِي بَلِيٍّ وَذِي بِلِّيَانٍ إِذَا كَانَ ضَائِعًا بَعِيدًا عَنْ أَهله. وتَبْلى وبَلِيٌّ: اسْمَا قَبِيلَتَيْنِ. وبَلِيٌّ: حَيٌّ مِنَ الْيَمَنِ، وَالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ بَلَوِيٌّ. الْجَوْهَرِيُّ: بَلِيٌّ، عَلَى فَعِيلٍ، قَبِيلَةٌ مِنْ قُضَاعَةَ، وَالنِّسْبَةُ إِلَيْهِمْ بَلَوِيّ. والأَبْلاءُ: مَوْضِعٌ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ اسْمٌ عَلَى أَفعال إِلَّا الأَبواء والأَنْبار والأَبْلاء. وبَلَى: جَوَابُ اسْتِفْهَامٍ فِيهِ حَرْفُ نَفْيٍ كَقَوْلِكَ أَلم تَفْعَلْ كَذَا؟ فَيَقُولُ: بَلَى. وبَلَى: جَوَابُ اسْتِفْهَامٍ مَعْقُودٍ بِالْجَحْدِ، وَقِيلَ: يَكُونُ جَوَابًا لِلْكَلَامِ الَّذِي فِيهِ الْجَحْدُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى
. التَّهْذِيبُ: وَإِنَّمَا صَارَتْ بَلَى تَتَّصِلُ بِالْجَحْدِ لأَنها رُجُوعٌ عَنِ الْجَحْدِ إِلَى التَّحْقِيقِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ بَلْ، وَبَلْ سَبِيلُهَا أَن تأَتي بَعْدَ الْجَحْدِ كَقَوْلِكَ: مَا قَامَ أَخوك بَلْ أَبوك، وَمَا أَكرمت أَخاك بَلْ أَباك، قَالَ: وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ أَلا تَقُومَ؟ فَقَالَ لَهُ: بَلَى، أَراد بَلْ أَقوم، فزادوا الأَلف على بَلْ لِيَحْسُنَ السُّكُوتُ عَلَيْهَا، لأَنه لَوْ قَالَ بَلْ كَانَ يَتَوَقَّعُ كَلَامًا بَعْدَ بل، فزادوا الأَلف ليزول عَنِ المخاطَب هَذَا التَّوَهُّمُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً، ثُمَّ قَالَ: بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً
؛ وَالْمَعْنَى بَلْ مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً؛ وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: بَلْ حُكْمُهَا الِاسْتِدْرَاكُ أَينما وَقَعَتْ فِي جَحْدٍ أَو إِيجَابٍ، قَالَ: وبَلَى يَكُونُ إِيجَابًا لِلْمَنْفِيِّ لَا غَيْرُ. الْفَرَّاءُ قَالَ: بَل تأْتي لِمَعْنَيَيْنِ: تَكُونُ إِضْرَابًا عَنِ الأَول وَإِيجَابًا لِلثَّانِي كَقَوْلِكَ عِنْدِي لَهُ دِينَارٌ لَا بَلْ دِينَارَانِ، وَالْمَعْنَى الْآخَرُ أَنها تُوجِبُ مَا قَبْلَهَا وَتُوجِبُ مَا بَعْدَهَا وَهَذَا يُسَمَّى الاستدراك لأَنه أَراده فنسيه ثُمَّ اسْتَدْرَكَهُ. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ بَلْ وَاللَّهِ لَا آتِيكَ وبَنْ وَاللَّهِ، يَجْعَلُونَ اللَّامَ فِيهَا نُونًا؛ قَالَ: وَهِيَ لُغَةُ بَنِي سَعْدٍ وَلُغَةُ كَلْبٍ، قَالَ: وَسَمِعْتُ الْبَاهِلِيِّينَ يَقُولُونَ لَا بَنْ بِمَعْنَى لَا بَلْ. ابْنُ سِيدَهْ: وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي
؛ جَاءَ بِبَلَى الَّتِي هِيَ مَعْقُودَةٌ بِالْجَحْدِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْكَلَامِ لَفْظُ جَحْدٍ، لأَن قَوْلَهُ تَعَالَى: لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدانِي؛ فِي قُوَّةِ الْجَحْدِ كأَنه قَالَ مَا هُدِيتُ، فَقِيلَ بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي
؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْوَاوِ لأَن الْوَاوَ أَظهر هُنَا مِنَ الْيَاءِ، فَحُمِلَتْ مَا لَمْ تَظْهَرْ فِيهِ عَلَى مَا ظَهَرَتْ فِيهِ؛ قَالَ: وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الإِمالة جَائِزَةٌ فِي بَلَى، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَهُوَ مِنَ الْيَاءِ. وَقَالَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ: إِنَّمَا جَازَتِ الإِمالة فِي بَلَى لأَنها شَابَهَتْ بِتَمَامِ الْكَلَامِ وَاسْتِقْلَالِهِ بِهَا وَغَنَائِهَا عَمَّا بَعْدَهَا الأَسماء الْمُسْتَقْبَلَةَ بأَنفسها، فَمِنْ حَيْثُ جَازَتْ إِمَالَةُ الأَسماء جَازَتْ أَيضاً إِمَالَةُ بَلَى، أَلا تَرَى أَنك تَقُولُ فِي جَوَابِ مَنْ قَالَ أَلم تَفْعَلْ كَذَا وَكَذَا: بَلَى، فَلَا تَحْتَاجُ لِكَوْنِهَا جَوَابًا مُسْتَقِلًّا إِلَى شَيْءٍ بَعْدَهَا، فَلَمَّا قَامَتْ بِنَفْسِهَا وَقَوِيَتْ لَحِقَتْ فِي الْقُوَّةِ بالأَسماء فِي جَوَازِ إِمَالَتِهَا كَمَا أُميل أنَّى وَمَتَى. الْجَوْهَرِيُّ: بَلَى جَوَابٌ لِلتَّحْقِيقِ يُوجِبُ مَا يُقَالُ لَكَ لأَنها تَرْكٌ لِلنَّفْيِ، وَهِيَ حَرْفٌ لأَنها نَقِيضَةُ لَا، قَالَ سِيبَوَيْهِ: لَيْسَ بَلَى وَنَعَمْ اسْمَيْنِ، وَقَالَ: بَلْ مخففٌ حرفٌ، يُعْطَفُ بِهَا الْحَرْفُ الثَّانِي عَلَى الأَول فَيَلْزَمُهُ مِثْلُ إِعْرَابِهِ، وَهُوَ الإِضراب عَنِ الأَول لِلثَّانِي، كَقَوْلِكَ: مَا جَاءَنِي زَيْدٌ بَلْ عَمْرٌو، وَمَا رأَيت زَيْدًا بَلْ عَمْرًا، وَجَاءَنِي أَخوك بَلْ أَبوك، تَعْطِفُ بِهَا بَعْدَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ جَمِيعًا؛ وَرُبَّمَا وَضَعُوهُ مَوْضِعَ رُبَّ كَقَوْلِ الرَّاجِزِ:
بَلْ مَهْمَهٍ قَطَعْتُ بَعْدَ مَهْمَهِ
يَعْنِي رُبَّ مَهْمَهٍ، كَمَا يُوضَعُ الْحَرْفُ مَوْضِعَ غَيْرِهِ اتِّسَاعًا؛ وَقَالَ آخَرُ:(14/88)
بَلْ جَوْز تَيْهاءَ كظَهْرِ الحَجَفَتْ
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ
؛ قَالَ الأَخفش عَنْ بَعْضِهِمْ: إِنَّ بَلْ هاهنا بِمَعْنَى إِنَّ، فَلِذَلِكَ صَارَ الْقَسَمُ عَلَيْهَا؛ قَالَ: وَرُبَّمَا اسْتَعْمَلَتْهُ الْعَرَبُ فِي قَطْعِ كلام واستئناف آخر فينشد الرَّجُلُ مِنْهُمُ الشِّعْرَ فَيَقُولُ:
بَلْ مَا هاجَ أَحزاناً وشَجْواً قَدْ شَجَا
وَيَقُولُ:
بَلْ وبَلْدَةٍ مَا الإِنسُ منْ آهالِها
بني: بَنَا فِي الشَّرَفِ يَبْنُو؛ وعلى هذا تُؤُوِّلَ قَوْلُ الْحَطِيئَةِ:
أُولَئِكَ قومٌ إنْ بَنَوا أَحْسنُوا البُنا
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: قَالُوا إِنَّهُ جمعُ بُنْوَة أَو بِنْوَة؛ قَالَ الأَصمعي: أَنشدت أَعرابيّاً هَذَا الْبَيْتَ أَحسنوا البِنا، فَقَالَ: أَي بُنا أَحسنوا البُنَا، أَراد بالأَول أَي بُنَيّ. والابنُ: الْوَلَدُ، وَلَامُهُ فِي الأَصل مُنْقَلِبَةٌ عَنْ وَاوٍ عِنْدَ بَعْضِهِمْ كأَنه مِنْ هَذَا. وَقَالَ فِي مُعْتَلِّ الْيَاءِ: الابْنُ الْوَلَدُ، فَعَلٌ مَحْذُوفَةُ اللَّامِ مُجْتَلَبٌ لَهَا أَلف الْوَصْلِ، قَالَ: وَإِنَّمَا قَضَى أَنه مِنَ الْيَاءِ لأَن بَنَى يَبْنِي أَكثر فِي كَلَامِهِمْ مَنْ يَبْنُو، وَالْجَمْعُ أَبْنَاء. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: أَبْنَاءُ أَبْنَائِهِم. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والأُنثى ابْنَة وبِنْتٌ؛ الأَخيرة عَلَى غَيْرِ بِنَاءِ مُذَكَّرِهَا، ولامِ بِنْت وَاوٌ، وَالتَّاءُ بَدَلٌ مِنْهَا؛ قَالَ أَبو حَنِيفَةَ؛ أَصله بِنْوَة وَوَزْنُهَا فعلٌ، فأُلحقتها التاءُ الْمُبْدَلَةُ مِنْ لَامِهَا بِوَزْنِ حِلْسٍ فَقَالُوا بِنْتٌ، وَلَيْسَتِ التَّاءُ فِيهَا بِعَلَامَةِ تأَنيث كَمَا ظَنَّ مَنْ لَا خِبْرَة لَهُ بِهَذَا اللِّسَانِ، وَذَلِكَ لِسُكُونِ مَا قَبْلَهَا، هَذَا مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي بَابِ مَا لَا يَنْصَرِفُ فَقَالَ: لَوْ سَمَّيْتَ بِهَا رَجُلًا لَصَرَفْتَهَا مَعْرِفَةً، وَلَوْ كَانَتْ للتأْنيث لَمَا انْصَرَفَ الِاسْمُ، عَلَى أَن سِيبَوَيْهِ قَدْ تسمَّح فِي بَعْضِ أَلفاظه فِي الْكِتَابِ فَقَالَ فِي بِنْت: هِيَ عَلَامَةُ تأْنيث، وَإِنَّمَا ذَلِكَ تَجَوُّزٌ مِنْهُ فِي اللَّفْظِ لأَنه أَرسله غُفْلًا، وَقَدْ قَيَّدَهُ وَعَلَّلَهُ فِي بَابِ مَا لَا يَنْصَرِفُ، والأَخذ بِقَوْلِهِ المُعَلَّل أَقوى مِنَ الْقَوْلِ بِقَوْلِهِ المُغْفَل المُرْسَل، ووَجهُ تجوُّزه أَنه لَمَّا كَانَتِ التَّاءُ لَا تُبْدَلُ مِنَ الْوَاوِ فِيهَا إِلَّا مَعَ الْمُؤَنَّثِ صَارَتْ كأَنها عَلَامَةُ تأْنيث، قَالَ: وأَعني بِالصِّيغَةِ فِيهَا بِنَاءَهَا عَلَى فِعْل وأَصلها فَعَلٌ بِدَلَالَةِ تَكْسِيرِهِمْ إِيَّاهَا عَلَى أَفعال، وإبدالُ الْوَاوِ فِيهَا لازمٌ لأَنه عَمَلٌ اخْتَصَّ بِهِ الْمُؤَنَّثُ، وَيَدُلُّ أَيضاً عَلَى ذَلِكَ إِقَامَتُهُمْ إِيَّاهُ مَقَامَ الْعَلَامَةِ الصَّرِيحَةِ وتعاقُبُها فِيهَا عَلَى الْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ، وَذَلِكَ نَحْوُ ابْنَةٍ وبِنْتٍ، فَالصِّيغَةُ فِي بِنْتٍ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْهَاءِ فِي ابنةٍ، فَكَمَا أَن الْهَاءَ عَلَامَةُ تأْنيث فَكَذَلِكَ صِيغَةُ بنتٍ عَلَامَةُ تأْنيثها، وَلَيْسَتْ بِنْتٌ مِنِ ابْنَةٍ كصَعب مِنْ صَعْبة، إِنَّمَا نظيرُ صَعْبَةٍ مِنْ صَعُبَ ابنَةٌ مِنِ ابْنٍ، وَلَا دَلَالَةَ لَكَ فِي البُنُوَّة عَلَى أَن الذَّاهِبَ مِنْ بِنْت وَاوٌ، لَكِنَّ إِبْدَالَ التَّاءِ مِنْ حَرْفِ الْعِلَّةِ يَدُلُّ عَلَى أَنه مِنَ الْوَاوِ، لأَن إِبْدَالَ التَّاءِ مِنَ الْوَاوِ أَضعف مِنْ إِبْدَالِهَا مِنَ الْيَاءِ. وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: قَالَ سِيبَوَيْهِ وأَلحقوا ابْناً الْهَاءَ فَقَالُوا ابْنَة، قَالَ: وأَما بِنْتٌ فَلَيْسَ عَلَى ابْنٍ، وَإِنَّمَا هِيَ صِيغَةٌ عَلَى حِدَةٍ، أَلحقوها الْيَاءَ للإِلحاق ثُمَّ أَبدلوا التَّاءَ مِنْهَا، وَقِيلَ: إِنَّهَا مُبدلة مِنْ وَاوٍ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَإِنَّمَا بِنْتٌ كعِدْل، وَالنِّسَبُ إِلَى بِنْت بَنَوِيٌّ، وَقَالَ يُونُسُ: بِنْتِيٌّ وأُخْتِيٌّ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهُوَ مَرْدُودٌ عِنْدَ سِيبَوَيْهَ. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: الْعَرَبُ تَقُولُ هَذِهِ بِنْت فُلَانٍ وَهَذِهِ ابْنَةُ فُلَانٍ، بِتَاءٍ ثَابِتَةٍ فِي الْوَقْفِ وَالْوَصْلِ، وَهُمَا لُغَتَانِ جَيِّدَتَانِ، قَالَ: وَمَنْ قَالَ إِبْنَةٌ فَهُوَ خطأٌ وَلَحْنٌ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: لَا تَقُلِ إِبْنَة لأَن الأَلف(14/89)
إِنَّمَا اجْتُلِبَتْ لِسُكُونِ الْبَاءِ، فَإِذَا حَرَّكْتَهَا سَقَطَتْ، والجمعُ بَنَاتٌ لَا غَيْرَ. قَالَ الزَّجَّاجُ: ابْنٌ كَانَ فِي الأَصل بِنْوٌ أَو بَنَوٌ، والأَلف أَلف وَصْلٍ فِي الابْن، يُقَالُ ابْنٌ بيِّنُ البُنُوَّة، قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَن يَكُونَ أَصله بَنَياً، قَالَ: وَالَّذِينَ قَالُوا بَنُونَ كأَنهم جَمَعُوا بَنَياً بَنُونَ، وأَبْنَاء جمْعَ فِعْل أَو فَعَل، قَالَ: وبِنْت تَدُلُّ عَلَى أَنه يَسْتَقِيمُ أَن يَكُونَ فِعْلًا، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ فَعَلًا، نُقِلَتْ إِلَى فعْلٍ كَمَا نُقِلَتْ أُخْت مَنْ فَعَل إِلَى فُعْلٍ، فأَما بَنَاتٌ فَلَيْسَ بِجَمْعِ بِنْتٍ عَلَى لَفْظِهَا، إِنَّمَا رُدَّتْ إِلَى أَصلها فَجُمَعَتْ بَناتٍ، عَلَى أَن أَصل بِنْت فَعَلة مِمَّا حُذِفَتْ لَامُهُ. قَالَ: والأَخفش يَخْتَارُ أَن يَكُونَ الْمَحْذُوفُ مِنَ ابْن الْوَاوَ، قَالَ: لأَنه أَكثر مَا يُحْذَفُ لِثِقَلِهِ وَالْيَاءُ تُحْذَفُ أَيضاً لأَنها تُثْقِلُ، قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَن يَدًا قَدْ أَجمعوا عَلَى أَن الْمَحْذُوفَ مِنْهُ الْيَاءُ، وَلَهُمْ دَلِيلٌ قَاطِعٌ مَعَ الإِجماع يُقَالُ يَدَيْتُ إِلَيْهِ يَداً، ودمٌ مَحْذُوفٌ مِنْهُ الْيَاءُ، والبُنُوَّة لَيْسَ بِشَاهِدٍ قَاطِعٍ لِلْوَاوِ لأَنهم يَقُولُونَ الفُتُوَّة وَالتَّثْنِيَةُ فِتْيَانُ، فَابْنٌ يَجُوزُ أَن يَكُونَ الْمَحْذُوفُ مِنْهُ الْوَاوَ أَو الْيَاءَ، وَهُمَا عِنْدَنَا مُتَسَاوِيَانِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالِابْنُ أَصله بَنَوٌ، وَالذَّاهِبُ مِنْهُ وَاوٌ كَمَا ذَهَبَ مِنْ أَبٍ وأَخ لأَنك تَقُولُ فِي مُؤَنَّثِهِ بنتٌ وأُخت، وَلَمْ نَرَ هَذِهِ الْهَاءَ تَلْحَقُ مُؤَنَّثًا إِلَّا وَمُذَكَّرَهُ مَحْذُوفُ الْوَاوِ، يَدُلُّكَ عَلَى ذَلِكَ أَخَوات وَهَنَوَاتٌ فِيمَنْ رَدَّ، وَتَقْدِيرُهُ مِنَ الْفِعْلِ فَعَلٌ، بِالتَّحْرِيكِ، لأَن جَمْعَهُ أَبناء مِثْلَ جَمَلٍ وأَجمال، وَلَا يَجُوزُ أَن يَكُونَ فِعْلًا أَو فُعْلًا اللَّذَيْنِ جَمَعَهُمَا أَيضاً أَفعال مِثْلَ جِذْع وقُفْل، لأَنك تَقُولُ فِي جَمْعِهِ بَنُون، بِفَتْحِ الْبَاءِ، وَلَا يَجُوزُ أَيضاً أَن يَكُونَ فَعْلًا، سَاكِنَةَ الْعَيْنِ، لأَن الْبَابَ فِي جَمْعِهِ إِنَّمَا هُوَ أَفْعُل مِثْلُ كَلْب وأَكْلُب أَو فُعُولٌ مِثْلُ فَلْس وفُلوس. وَحَكَى الْفَرَّاءُ عَنِ الْعَرَبِ: هَذَا مِنَ ابْنَاوَاتِ الشِّعْبِ، وَهُمْ حَيٌّ مِنْ كَلْب. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ
؛ كَنَّى ببَنَاتِه عَنْ نِسَائِهِمْ، وَنِسَاءُ أُمةِ كُلِّ نَبِيٍّ بِمَنْزِلَةِ بَنَاتِهِ وأَزواجُه بِمَنْزِلَةِ أُمهاتهم؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَذَا قَوْلُ الزَّجَّاجِ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَقَالُوا ابْنُمٌ، فَزَادُوا الْمِيمَ كَمَا زِيدَتْ فِي فُسْحُمٍ ودِلْقِمٍ، وكأَنها فِي ابْنُمٍ أَمثَلُ قَلِيلًا لأَن الِاسْمَ مَحْذُوفُ اللَّامِ، فكأَنها عِوَضٌ مِنْهَا، وَلَيْسَ فِي فُسْحُمٍ وَنَحْوِهِ حَذْفٌ؛ فأَما قَوْلُ رُؤْبَةَ:
بُكاءَ ثَكْلى فَقَدَتْ حَميما، ... فهي تَرَنَّى بأَبا وابْنَاما
فَإِنَّمَا أَراد: وابْنِيما، لَكِنْ حَكَى نُدْبَتها، واحتُمِل الْجَمْعُ بَيْنَ الْيَاءِ والأَلف هاهنا لأَنه أَراد الْحِكَايَةَ، كأَنَّ النَّادِبَةَ آثَرَتْ وَا ابْنا عَلَى وَا ابْني، لأَن الأَلف هاهنا أَمْتَع نَدْبًا وأَمَدُّ لِلصَّوْتِ، إِذْ فِي الأَلف مِنْ ذَلِكَ مَا لَيْسَ فِي الْيَاءِ، وَلِذَلِكَ قَالَ بأَبا وَلَمْ يَقُلْ بأَبي، وَالْحِكَايَةُ قَدْ يُحْتَمل فِيهَا مَا لَا يُحْتَمَلُ فِي غَيْرِهَا، أَلا تَرَى أَنهم قَدْ قَالُوا مَن زَيْدًا فِي جَوَابِ مَنْ قَالَ رأَيت زَيْدًا، ومَنْ زيدٍ فِي جَوَابِ مَنْ قَالَ مَرَرْتُ بِزَيْدٍ؟ وَيُرْوَى:
فَهِيَ تُنادي بأَبي وابْنِيما
فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَهُوَ على وجه وَمَا فِي كُلِّ ذَلِكَ زَائِدَةٌ، وَجَمْعُ البِنْتِ بَناتٌ، وَجَمْعُ الابْن أَبْنَاء، وَقَالُوا فِي تَصْغِيرِهِ أُبَيْنُون؛ قَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: أَنشدني ابْنُ الأَعرابي لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي يَرْبُوعٍ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هُوَ السَّفَّاحُ بْنُ بُكير الْيَرْبُوعِيُّ:
مَنْ يَكُ لَا ساءَ، فَقَدْ ساءَني ... تَرْكُ أُبَيْنِيك إِلَى غَيْرِ رَاعٍ(14/90)
إِلَى أَبي طَلحةَ، أَو واقدٍ ... عُمْرِي فَاعْلَمِي لِلضَّيَاعِ «1»
. قَالَ: أُبَيْنِي تَصْغِيرُ بَنِينَ، كأَنَّ وَاحِدَهُ إِبْنٌ مَقْطُوعُ الأَلف، فَصَغَّرَهُ فَقَالَ أُبين، ثُمَّ جَمَعَهُ فَقَالَ أُبَيْنُون؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ عِنْدَ قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ كأَنَّ وَاحِدَهُ إِبْنٌ، قَالَ: صَوَابُهُ كأَنَّ وَاحِدَهُ أَبْنى مِثْلِ أَعْمَى لِيَصِحَّ فِيهِ أَنه مُعْتَلُّ اللَّامِ، وأَن وَاوَهُ لَامٌ لَا نُونٌ بِدَلِيلِ البُنُوَّة، أَو أَبْنٍ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ عَلَى مَيْلِ الْفَرَّاءِ أَنه مِثْلُ أَجْرٍ، وأَصله أَبْنِوٌ، قَالَ: وَقَوْلُهُ فَصَغَّرَهُ فَقَالَ أُبَيْنٌ إِنَّمَا يَجِيءُ تَصْغِيرُهُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ أُبَيْنٍ مِثْلُ أُعَيْمٍ. وَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أُبَيْنى لَا تَرْمُوا جَمْرة العَقَبة حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ.
قَالَ ابْنُ الأَثير: الْهَمْزَةُ زَائِدَةٌ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي صِيغَتِهَا وَمَعْنَاهَا، فَقِيلَ إِنَّهُ تَصْغِيرٌ أَبْنى كأَعْمَى وأُعَيْمٍ، وَهُوَ اسْمٌ مُفْرَدٌ يَدُلُّ عَلَى الْجَمْعِ، وَقِيلَ: إِنَّ ابْناً يُجْمَعُ عَلَى أَبْنَا مَقْصُورًا وَمَمْدُودًا، وَقِيلَ: هُوَ تَصْغِيرُ ابْنٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ. وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: هُوَ تَصْغِيرُ بَنِيَّ جَمْعُ ابْنٍ مُضَافًا إِلَى النَّفْسِ، قَالَ: وَهَذَا يُوجِبُ أَن يَكُونَ صِيغَةُ اللَّفْظَةِ فِي الْحَدِيثِ أُبَيْنِيَّ بِوَزْنِ سُرَيْجيّ، وَهَذِهِ التَّقْدِيرَاتُ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ «2» . وَالِاسْمُ البُنُوَّةُ. قَالَ اللَّيْثُ: البُنُوَّةُ مَصْدَرُ الِابْنِ. يُقَالُ: ابْنٌ بَيّنُ البُنُوَّة. وَيُقَالُ: تَبَنَّيْتُه أَي ادَّعيت بُنُوَّتَه. وتَبَنَّاه: اتَّخَذَهُ ابْنًا. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: تَبَنَّى بِهِ يُرِيدُ تَبَنَّاه. وَفِي حَدِيثِ
أَبي حُذَيْفَةَ: أَنه تَبَنَّى سَالِمًا
أَي اتَّخَذَهُ ابْنًا، وَهُوَ تَفَعُّلٌ مِنْ الابْن، وَالنِّسْبَةُ إِلَى الأَبْنَاء بَنَوِيٌّ وأَبْنَاوِيٌّ نَحْوُ الأَعرابيِّ، يُنْسَبُ إِلَى الأَعراب، وَالتَّصْغِيرُ بُنَيٌّ. قَالَ الْفَرَّاءُ: يَا بُنَيِّ وَيَا بُنَيَّ لُغَتَانِ مِثْلُ يَا أَبتِ وَيَا أبَتَ، وَتَصْغِيرُ أَبْنَاء أُبَيْنَاء، وَإِنْ شِئْتَ أُبَيْنُونَ عَلَى غَيْرِ مُكَبَّرِهِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالنِّسْبَةُ إِلَى ابْنٍ بَنَوِيّ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ ابْنِيّ، قَالَ: وَكَذَلِكَ إِذَا نَسَبْتَ إِلَى أَبْنَاء فَارِسَ قُلْتَ بَنَوِيّ، قَالَ: وأَما قَوْلُهُمْ أَبْنَاوِيّ فَإِنَّمَا هُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى أَبْنَاء سَعْدٍ لأَنه جَعَلَ اسْمًا لِلْحَيِّ أَو لِلْقَبِيلَةِ، كَمَا قَالُوا مَدايِنِيٌّ جَعَلُوهُ اسْمًا لِلْبَلَدِ، قَالَ: وَكَذَلِكَ إِذَا نَسَبْتَ إِلَى بِنْت أَو إِلَى بُنَيَّاتِ الطَّريق قُلْتَ بَنَوِيّ لأَن أَلف الْوَصْلِ عِوَضٌ مِنَ الْوَاوِ، فَإِذَا حَذَفْتَهَا فَلَا بُدَّ مِنْ رَدِّ الْوَاوِ. وَيُقَالُ: رأَيت بَنَاتَك، بِالْفَتْحِ، ويُجرونه مُجْرَى التَّاءِ الأَصلية. وبُنَيَّاتُ الطَّرِيقِ: هِيَ الطُّرُق الصِّغَارُ تَتَشَعَّبُ مِنَ الجادَّة، وَهِيَ التُّرَّهاتُ. والأَبْنَاء: قَوْمٌ مِنْ أَبناء فَارِسَ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وأَبْنَاء فَارِسَ قَوْمٌ مِنْ أَولادهم ارْتَهَنَتْهُمُ الْعَرَبُ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ: ارْتُهِنُوا بِالْيَمَنِ وَغَلَبَ عَلَيْهِمُ اسْمُ الأَبْنَاء كَغَلَبَةِ الأَنصار، والنسب إليهم على ذَلِكَ أَبْنَاوِيٌّ فِي لُغَةِ بَنِي سَعْدٍ، كَذَلِكَ حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ عَنْهُمْ، قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبو الْخَطَّابِ أَن نَاسًا مِنَ الْعَرَبِ يَقُولُونَ فِي الإِضافة إِلَيْهِ بَنَوِيٌّ، يَرُدُّونه إِلَى الْوَاحِدِ، فَهَذَا عَلَى أَن لَا يَكُونَ اسْمًا لِلْحَيِّ، وَالِاسْمُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ البُنُوَّةُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
وَكَانَ مِنَ الأَبْنَاء
، قَالَ: الأَبْنَاء فِي الأَصل جَمْعُ ابْنٍ. وَيُقَالُ لأَولاد فَارِسَ الأَبْنَاء، وَهُمُ الَّذِينَ أَرسلهم كِسرى مَعَ سَيْفِ بنِ ذيِ يَزَنَ، لَمَّا جَاءَ يَسْتَنْجِدُهُمْ عَلَى الحَبَشة، فَنَصَرُوهُ وَمَلَكُوا الْيَمَنَ وتَدَيَّرُوها وَتَزَوَّجُوا فِي الْعَرَبِ فَقِيلَ لأَولادهم الأَبْنَاء، وَغَلَبَ عَلَيْهِمْ هَذَا الِاسْمُ لأَن أُمهاتهم مِنْ غَيْرِ جِنْسِ آبَائِهِمْ. وللأَب والابْن والبِنْت أَسماء كَثِيرَةٌ تُضَافُ إِلَيْهَا، وعَدَّدَ الأَزهري مِنْهَا أَشياء كَثِيرَةً فَقَالَ ما يعرف
__________
(1) . قوله [عمري فاعلمي إلخ] كذا بالأصل بهذه الصورة، ولم نجده في كتب اللغة التي بأيدينا
(2) . قوله: وَهَذِهِ التَّقْدِيرَاتُ عَلَى اخْتِلَافِ الروايات، يشعر أن في الكلام سقطاً(14/91)
ب الابْن: قَالَ ابْنُ الأَعرابي ابْنُ الطِّينِ آدمُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وابْنُ مِلاطٍ العَضُدُ، وابْنُ مُخدِّشٍ رأْسُ الكَتِفِ، وَيُقَالُ إِنَّهُ النُّغْضُ أَيضاً، وابْنُ النَّعامة عَظْمُ الساقِ، وابْنُ النَّعامة عِرْق فِي الرِّجْل، وابْنُ النَّعامة مَحَجَّة الطَّرِيقِ، وابْنُ النَّعامة الفرَس الْفَارَّةُ، وابْنُ النَّعامة السَّاقِي الَّذِي يَكُونُ عَلَى رأْس الْبِئْرِ، وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ الْعَالِمِ: هُوَ ابْنُ بَجْدَتِها وابْنُ بُعْثُطِها وابْنُ سُرْسُورها وابْنُ ثَراها وابْنُ مَدينتها وابْنُ زَوْمَلَتِها أَي الْعَالِمُ بِهَا، وابْنُ زَوْمَلَة أَيضاً ابْنُ أَمة، وابْنُ نُفَيْلَة ابْنُ أَمة، وابْنُ تامُورها الْعَالِمُ بِهَا، وابْنُ الفأْرة الدِّرْصُ، وابْنُ السِّنَّورِ الدِّرْصُ أَيضاً، وابْنُ الناقةِ البابُوس، قَالَ: ذَكَرَهُ ابْنُ أَحْمَرَ فِي شِعْرِهِ، وابْنُ الخَلَّة ابْنُ مَخاضٍ، وابْنُ عِرْسٍ السُّرْعُوبُ، وابْنُ الجَرادةِ السِّرْو، وابْنُ اللَّيلِ اللِّصُّ، وابْنُ الطَّرِيقِ اللِّصُّ أَيْضًا، وابْنُ غَبْراء اللِّصُّ أَيضاً؛ وَقِيلَ فِي قَوْلِ طَرَفَةَ:
رأَيْتُ بَنِي غَبْراءَ لَا يُنْكِرُونَني
إِنَّ بَنِي غَبْراء اسْمٌ للصَّعاليك الَّذِينَ لَا مَالَ لَهُمْ سُمُّوا بَنِي غَبْراء للزُوقهم بغَبْراء الأَرض، وَهُوَ تُرَابُهَا، أَراد أَنه مَشْهُورٌ عِنْدَ الْفُقَرَاءِ والأَغنياء، وقيل: بَنُو غبراء هم الرُّفْقَةُ يَتَناهَدُون فِي السَّفَرِ، وَابْنُ إلاهَةَ وأَلاهَةَ ضَوْءُ الشَّمْسِ، وَهُوَ الضِّحُّ، وَابْنُ المُزْنةِ الهلالُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
رأَيتُ ابْنَ مُزْنَتِها جانِحَا
وابْنُ الكَرَوانِ الليلُ، وابْنُ الحُبارَى النهارُ، وابْنُ تُمَّرةَ طَائِرٌ، وَيُقَالُ التُّمَّرةِ، وابْنُ الأَرضِ الغَديرُ، وابْنُ طامِرٍ البُرْغُوث، وابْنُ طامِرٍ الخَسِيسُ مِنَ النَّاسِ، وابْنُ هَيَّانَ وابْنُ بَيَّانَ وابْنُ هَيٍّ وابْنُ بَيٍّ كُلُّه الخَسِيسُ مِنَ النَّاسِ، وابْنُ النَّخْلَةِ الدَّنيء «1» . وابْنُ البَحْنَة السَّوْط، والبَحْنة النَّخْلَةُ الطَّوِيلَةُ، وابْنُ الأَسد الشَّيْعُ والحَفْصُ، وابْنُ القِرْد الحَوْدَلُ والرُّبَّاحُ، وابْنُ البَراء أَوَّلُ يَوْمٍ مِنَ الشَّهْرِ، وابْنُ المازِنِ النَّمْل، وابْنُ الْغُرَابِ البُجُّ، وابْنُ الفَوالي الجانُّ، يَعْنِي الحيةَ، وابْنُ القاوِيَّةِ فَرْخُ الْحَمَامِ، وابْنُ الفاسِياء القَرَنْبَى، وابْنُ الْحَرَامِ السَّلَا، وابْنُ الكَرْمِ القِطْفُ، وابْنُ المَسَرَّة غُصْنُ الرَّيْحَانِ، وابْنُ جَلا السَّيِّدُ، وابْنُ دأْيةَ الغُراب، وابْنُ أَوْبَرَ الكَمْأةُ، وابْنُ قِتْرةَ الحَيَّة، وابْنُ ذُكاءَ الصُّبْح، وابْنُ فَرْتَنَى وابْنُ تُرْنَى ابْنُ البَغِيَّةِ، وابْنُ أَحْذارٍ الرجلُ الحَذِرُ، وابْنُ أَقْوالٍ الرجُل الْكَثِيرُ الْكَلَامِ، وابْنُ الفَلاةِ الحِرباءُ، وابْنُ الطَّودِ الحَجَر، وابْنُ جَمِير الليلةُ الَّتِي لَا يُرى فِيهَا الهِلالُ، وابْنُ آوَى سَبُعٌ، وابْنُ مخاضٍ وابْنُ لَبُونٍ مِنْ أَولادِ الإِبل. وَيُقَالُ للسِّقاء: ابْنُ الأَدِيم، فَإِذَا كَانَ أَكبر فَهُوَ ابْنُ أَدِيمَين وابْنُ ثلاثةِ آدِمَةٍ. وَرُوِيَ عَنْ أَبي الهَيْثَم أَنَّهُ قَالَ: يُقَالُ هَذَا ابْنُكَ، وَيُزَادُ فِيهِ الْمِيمُ فَيُقَالُ هَذَا ابْنُمك، فَإِذَا زِيدَتِ الْمِيمُ فِيهِ أُعرب مِنْ مَكَانَيْنِ فَقِيلَ هَذَا ابْنُمُكَ، فَضُمَّتِ النُّونُ وَالْمِيمُ، وأُعرب بِضَمِّ النُّونِ وَضَمِّ الْمِيمِ، وَمَرَرْتُ بابْنِمِك ورأَيت ابْنَمَك، تَتْبَعُ النُّونُ الْمِيمَ فِي الإِعراب، والأَلف مَكْسُورَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْرِبُهُ مِنْ مَكَانٍ وَاحِدٍ فَيُعْرِبُ الْمِيمَ لأَنها صَارَتْ آخِرَ الِاسْمِ، وَيَدَعُ النُّونَ مَفْتُوحَةً عَلَى كُلِّ حَالٍ فَيَقُولُ هَذَا ابْنَمُكَ، ومررت بابْنَمِك، ورأَيت ابْنَمَكَ، وَهَذَا ابْنَمُ زيدٍ، وَمَرَرْتُ بابْنَمِ زيدٍ، ورأَيت ابْنَمَ زيدٍ؛ وأَنشد لحسان:
__________
(1) . قوله [وابن النخلة الدنيء] وقوله فيما بعد [وابن الحرام السلا] كذا بالأصل(14/92)
وَلَدْنا بَني العَنقاءِ وابْنَيْ مُحَرِّقٍ، ... فأَكْرِم بِنَا خَالًا، وأَكْرِم بِنَا ابْنَمَا
وَزِيَادَةُ الْمِيمِ فِيهِ كَمَا زَادُوهَا فِي شَدْقَمٍ وزُرْقُمٍ وشَجْعَمٍ لِنَوْعٍ مِنَ الْحَيَّاتِ؛ وأَما قَوْلُ الشَّاعِرِ:
وَلَمْ يَحْمِ أَنْفاً عِنْدَ عِرْسٍ وَلَا ابْنِمِ
فَإِنَّهُ يُرِيدُ الِابْنَ، وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ. وَيُقَالُ فِيمَا يُعْرَفُ ببَنَات: بَنَاتُ الدَّمِ بَنَات أَحْمَرَ، وبَنَاتُ المُسْنَدِ صُروفُ الدَّهْر، وبَنَاتُ مِعًى البَعَرُ، وبَنَاتُ اللَّبَن مَا صَغُرَ مِنْهَا، وبَنَاتُ النَّقا هِيَ الحُلْكة تُشبَّهُ بِهنَّ بَنانُ العَذارَى؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
بَنَاتُ النَّقا تَخْفَى مِراراً وتَظْهَرُ
وبَنَات مَخْرٍ وبَنَاتُ بَخْرٍ سحائبُ يأْتين قُبُلَ الصَّيْفِ مُنْتَصباتٍ، وبَنَاتُ غَيرٍ الكَذِبُ، وبَنَاتُ بِئْسَ الدَّوَاهِي، وَكَذَلِكَ بَنَاتُ طَبَقٍ وبَنَاتُ بَرْحٍ وبَنَاتُ أَوْدَكَ وابْنَةُ الجَبَل الصَّدَى، وبَنَاتُ أَعْنَقَ النساءُ، وَيُقَالُ: خَيْلٌ نُسِبَتْ إِلَى فَحل يُقَالُ لَهُ أَعنَقُ، وبَنَاتُ صَهَّالٍ الخَيلُ، وبَنَات شَحَّاجٍ البِغالُ، وبَنَاتُ الأَخْدَرِيّ الأُتُنُ، وبَنَاتُ نَعْش مِنَ الْكَوَاكِبِ الشَّمالِيَّة، وبَنَاتُ الأَرض الأَنهارُ الصِّغارُ، وبَنَاتُ المُنى اللَّيْلُ، وبَنَاتُ الصَّدْر الهُموم، وبَنَاتُ المِثالِ النِّساء، والمِثالُ الفِراش، وبَنَاتُ طارِقٍ بَنَاتُ المُلوك، وبَنَات الدَّوِّ حَمِيرُ الوَحْشِ، وَهِيَ بَنَاتُ صَعْدَة أَيضاً، وبَنَاتُ عُرْجُونٍ الشَّماريخُ، وبَنَاتُ عُرْهُونٍ الفُطُرُ، وبِنْتُ الأَرضِ وابْنُ الأَرْضِ ضَرْبٌ مِنَ البَقْلِ، والبَنَاتُ التَّماثيلُ الَّتِي تَلْعَبُ بِهَا الجَواري. وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: كُنْتُ أَلعب مَعَ الْجَوَارِي بالبَنَاتِ
أَي التَّمَاثِيلِ الَّتِي تَلْعَبُ بِهَا الصَّبَايَا. وذُكِرَ لِرُؤْبَةَ رجلٌ فَقَالَ: كَانَ إحدَى بَنَاتِ مَساجد الله، كأَنه جَعَلَهُ حَصاةً مِنْ حَصَى الْمَسْجِدِ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنه سأَل رَجُلًا قَدِمَ مِنَ الثَّغْر فَقَالَ: هَلْ شَرِبَ الجيشُ فِي البُنَيَّاتِ الصِّغار؟ قال: لا، إن الْقَوْمَ لَيُؤْتَوْنَ بالإِناء فيَتَداولونه حَتَّى يَشْرَبُوهُ كلُّهم
؛ البُنَيَّاتُ هاهنا: الأَقْداح الصِّغار، وبَنَاتُ الليلِ الهُمومُ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:
تَظَلُّ بَنَاتُ الليلِ حَوْليَ عُكَّفاً ... عُكُوفَ البَواكي، بينَهُنَّ قَتِيلُ
وَقَوْلُ أُمَيَّة بْنُ أَبي عَائِذٍ الهُذَليّ:
فسَبَتْ بَنَاتِ القَلْبِ، فَهِيَ رَهائِنٌ ... بِخِبائِها كالطَّيْر فِي الأَقْفاصِ
إِنَّمَا عَنَى بِبَنَاتِهِ طَوَائِفَهُ؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:
يَا سَعْدُ يَا ابْنَ عمَلي يَا سَعْدُ
أَراد: مَنْ يَعْملُ عَمَلي أَو مِثْلَ عمَلي، قَالَ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ الرِّفْقُ بُنَيُّ الحِلْمِ أَي مِثْلِهِ. والبَنْيُ: نَقيضُ الهَدْم، بَنَى البَنَّاءُ البِناءَ بَنْياً وبِنَاءً وبِنًى، مَقْصُورٌ، وبُنْيَاناً وبِنْيَةً وبِنَايَةً وابْتَنَاه وبَنَّاه؛ قَالَ:
وأَصْغَر مِنْ قَعْبِ الوَليدِ، تَرَى بِهِ ... بُيوتاً مُبَنَّاةً وأَودِيةً خُضْرا
يَعْنِي الْعَيْنُ، وَقَوْلُ الأَعْوَرِ الشَّنِّيِّ فِي صِفَةِ بَعِيرٍ أَكراه:
لَمَّا رَأَيْتُ مَحْمِلَيْهِ أَنَّا ... مُخَدَّرَيْنِ، كِدْتُ أَن أُجَنَّا
قَرَّبْتُ مِثْلَ العَلَمِ المُبَنَّى
شَبَّهَ الْبَعِيرَ بالعَلَمِ لعِظَمِه وضِخَمِه؛ وعَنى بالعَلَمِ(14/93)
القَصْرَ، يَعْنِي أَنه شَبَّهَهُ بِالْقَصْرِ المَبْنيّ المُشيَّدِ كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ:
كَرأْسِ الفَدَنِ المُؤْيَدِ
والبِناءُ: المَبْنيُّ، وَالْجَمْعُ أَبْنِيَةٌ، وأَبْنِيَاتٌ جمعُ الْجَمْعِ، وَاسْتَعْمَلَ أَبو حَنِيفَةَ البِنَاءَ فِي السُّفُنِ فَقَالَ يَصِفُ لَوْحًا يَجْعَلُهُ أَصحاب الْمَرَاكِبِ فِي بِنَاءِ السُّفُن: وَإِنَّهُ أَصلُ البِنَاء فِيمَا لَا يُنَمَّى كَالْحَجَرِ وَالطِّينِ وَنَحْوِهِ. والبَنَّاءُ: مُدَبِّرُ البُنْيان وَصَانِعُهُ، فأَما قَوْلُهُمْ فِي الْمَثَلِ: أَبْنَاؤُها أَجْناؤُها، فَزَعَمَ أَبو عُبَيْدٍ أَن أَبْنَاءً جَمْعُ بَانٍ كشاهدٍ وأَشهاد، وَكَذَلِكَ أَجْناؤُها جَمْعُ جانٍ. والبِنْيَةُ والبُنْيَةُ: مَا بَنَيْتَهُ، وَهُوَ البِنَى والبُنَى؛ وأَنشد الْفَارِسِيُّ عَنْ أَبي الْحَسَنِ:
أُولئك قومٌ، إِنْ بَنَوْا أَحْسَنُوا البُنَى، ... وَإِنْ عاهَدُوا أَوْفَوْا، وَإِنْ عَقَدُوا شَدُّوا
وَيُرْوَى: أَحْسَنُوا البِنَى؛ قَالَ أَبو إِسْحَاقَ: إِنَّمَا أَراد بالبِنَى جَمْعُ بِنْيَةٍ، وَإِنْ أَراد البِناءَ الَّذِي هُوَ مَمْدُودٌ جَازَ قَصْرُهُ فِي الشِّعْرِ، وَقَدْ تَكُونُ البِنايةُ فِي الشَّرَف، وَالْفِعْلُ كَالْفِعْلِ؛ قَالَ يَزيدُ بْنُ الحَكَم:
والناسُ مُبْتَنيانِ: مَحْمودُ ... البِنَايَةِ، أَو ذَمِيمُ
وَقَالَ لَبِيدٌ:
فبَنَى لَنَا بَيْتاً رَفِيعًا سَمْكُه، ... فَسَما إِلَيْهِ كَهْلُها وغُلامُها
ابْنُ الأَعرابي: البِنَى الأَبْنِيةُ مِنَ المَدَر أَو الصُّوفِ، وَكَذَلِكَ البِنَى مِنَ الكَرَم؛ وأَنشد بَيْتَ الْحُطَيْئَةُ:
أُولئك قَوْمٌ إِنْ بَنَوا أَحسنوا البِنَى
وَقَالَ غَيْرُهُ: يُقَالُ بِنْيَةٌ، وَهِيَ مِثْلُ رِشْوَةٍ ورِشاً كأَنَّ البِنْيَةَ الْهَيْئَةُ الَّتِي بُنِيَ عَلَيْهَا مِثْلَ المِشْيَة والرِّكْبةِ. وبَنَى فلانٌ بَيتاً بِنَاءً وبَنَّى، مَقْصُورًا، شُدِّدَ لِلْكَثْرَةِ. وابْتَنَى دَارًا وبَنَى بِمَعْنًى. والبُنْيَانُ: الحائطُ. الْجَوْهَرِيُّ: والبُنَى، بِالضَّمِّ مَقْصُورٌ، مِثْلَ البِنَى. يُقَالُ: بُنْيَةٌ وبُنًى وبِنْيَةٌ وبِنًى، بِكَسْرِ الْبَاءِ مَقْصُورٌ، مِثْلَ جِزْيةٍ وجِزًى، وَفُلَانٌ صَحِيحُ البِنْيَةِ أَي الفِطْرة. وأَبنَيْتُ الرجلَ: أَعطيتُه بِناءً أَو مَا يَبْتَني بِهِ داره؛ وقولُ البَوْلانيِّ:
يَسْتَوقِدُ النَّبْلَ بالحَضِيضِ، ويَصْطادُ ... نُفوساً بُنَتْ عَلَى الكرَمِ
أَي بُنِيَتْ، يَعْنِي إِذَا أَخطأَ يُورِي النارَ. التَّهْذِيبُ: أَبْنَيْتُ فُلَانًا بَيْتاً إِذَا أَعطيته بَيْتًا يَبْنِيه أَو جَعَلْتَهُ يَبْني بَيْتًا؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
لَوْ وصَلَ الغيثُ أَبْنَيْنَ امْرَأً، ... كَانَتْ لَهُ قُبَّةٌ سَحْقَ بِجادْ
قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: قَوْلُهُ لَوْ وَصَلَ الْغَيْثُ أَي لَوِ اتَّصَلَ الْغَيْثُ لأَبنَيْنَ امْرَأً سَحْقَ بجادٍ بَعْدَ أَن كَانَتْ لَهُ قُبَّةٌ، يَقُولُ: يُغِرْنَ عَلَيْهِ فيُخَرِّبْنَه فَيَتَّخِذُ بِنَاءً مِنْ سَحْقِ بِجادٍ بَعْدَ أَن كَانَتْ لَهُ قُبَّةٌ. وَقَالَ غَيْرُهُ يَصِفُ الْخَيْلَ فَيَقُولُ: لَوْ سَمَّنَها الغيثُ بِمَا يُنْبِتُ لَهَا لأَغَرْتُ بِهَا عَلَى ذَوِي القِبابِ فأَخذت قِبابَهم حَتَّى تَكُونَ البُجُدُ لَهُمْ أَبْنيةً بَعْدَهَا. والبِناءُ: يَكُونُ مِنَ الخِباء، وَالْجَمْعُ أَبْنِيَةٌ. والبِنَاءُ: لُزُومُ آخِرِ الْكَلِمَةِ ضَرْبًا وَاحِدًا مِنَ السُّكُونِ أَو الْحَرَكَةِ لَا لِشَيْءٍ أَحدث ذَلِكَ مِنَ الْعَوَامِلِ، وكأَنهم إِنَّمَا سَمَّوْهُ بِنَاءً لأَنه لَمَّا لَزِمَ ضَرْبًا وَاحِدًا فَلَمْ يَتَغَيَّرْ تَغَيُّرَ الإِعراب، سُمِّيَ بِنَاءً مِنْ حَيْثُ كَانَ الْبِنَاءُ لَازِمًا مَوْضِعًا لَا يَزُولُ مِنْ مَكَانٍ إِلَى غَيْرِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ سَائِرُ الْآلَاتِ الْمَنْقُولَةِ الْمُبْتَذَلَةِ كالخَيْمة والمِظَلَّة والفُسْطاطِ والسُّرادِقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَعَلَى أَنه مُذْ أُوقِع عَلَى هَذَا الضَّرْبِ مِنَ الْمُسْتَعْمِلَاتِ المُزالة مِنْ(14/94)
مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ لفظُ الْبَنَّاءِ تَشْبِيهًا بِذَلِكَ مِنْ حَيْثُ كَانَ مَسْكُونًا وَحَاجِزًا وَمِظَلًّا بِالْبِنَاءِ مِنَ الْآجُرِّ وَالطِّينِ وَالْجِصِّ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ فِي المَثَل: إنَّ المِعْزى تُبْهي وَلَا تُبْنِي أَي لَا تُعْطِي مِنَ الثَّلَّة مَا يُبْنى مِنْهَا بَيْتٌ، الْمَعْنَى أَنها لَا ثَلَّة لَهَا حَتَّى تُتَّخذ مِنْهَا الأَبنيةُ أَي لَا تُجْعَلُ منها الأَبنية لأَن أَبينة الْعَرَبِ طِرافٌ وأَخْبيَةٌ، فالطِّرافُ مَنْ أَدَم، والخِباءُ مِنْ صُوفٍ أَو أَدَمٍ وَلَا يَكُونُ مِنْ شَعَر، وَقِيلَ: الْمَعْنَى أَنها تَخْرِق الْبُيُوتَ بوَثْبِها عَلَيْهَا وَلَا تُعينُ عَلَى الأَبنيةِ، ومِعزَى الأَعراب جُرْدٌ لَا يطُول شَعْرُهَا فيُغْزَلَ، وأَما مِعْزَى بِلَادِ الصَّرْدِ وأَهل الرِّيفِ فَإِنَّهَا تَكُونُ وَافِيَةَ الشُّعور والأَكْرادُ يُسَوُّون بيوتَهم مِنْ شَعْرِهَا. وَفِي حَدِيثِ الِاعْتِكَافِ:
فأَمَر بِبِنَائِهِ فقُوِّضَ
؛ البِنَاءُ وَاحِدُ الأَبْنِيَة، وَهِيَ الْبُيُوتُ الَّتِي تُسْكُنُهَا الْعَرَبُ فِي الصَّحْرَاءِ، فَمِنْهَا الطِّراف والخِباء والبِنَاءُ والقُبَّة المِضْرَبُ. وَفِي حَدِيثِ
سُلَيْمَانَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: مَنْ هَدَمَ بِنَاءَ ربِّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَهُوَ مَلْعُونٌ
، يَعْنِي مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ حَقٍّ لأَن الْجِسْمَ بُنْيانٌ خَلَقَهُ اللَّهُ وركَّبه. والبَنِيَّةُ، عَلَى فَعِيلة: الكعْبة لِشَرَفِهَا إِذْ هِيَ أَشرف مبْنِيٍّ. يُقَالُ: لَا وربِّ هَذِهِ البَنِيَّة مَا كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَفِي حَدِيثِ
الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرورٍ: رأَيتُ أَن لَا أَجْعَلَ هَذِهِ البَنِيَّة مِنِّي بظَهْرٍ
؛ يُرِيدُ الْكَعْبَةَ، وَكَانَتْ تُدْعَى بَنِيَّةَ إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، لأَنه بَنَاهَا، وَقَدْ كَثُرَ قَسَمُهم بِرَبِّ هَذِهِ البَنِيَّة. وبَنَى الرجلَ: اصْطَنَعَه؛ قَالَ بَعْضُ المُوَلَّدين:
يَبْنِي الرجالَ، وغيرهُ يَبْنِي القُرَى، ... شَتَّانَ بَيْنِ قُرًى وبينَ رِجالِ
وَكَذَلِكَ ابْتَنَاه. وبَنَى الطعامُ لَحْمَه يَبْنِيه بِنَاءً: أَنْبَتَه وعَظُمَ مِنَ الأَكل؛ وأَنشد:
بَنَى السَّوِيقُ لَحْمَها واللَّتُّ، ... كَمَا بَنَى بُخْتَ العِراقِ القَتُ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَنشد ثَعْلَبٌ:
مُظاهِرة شَحْماً عَتِيقاً وعُوطَطاً، ... فَقَدْ بَنَيا لَحْمًا لَهَا مُتَبَانِيا
وَرَوَاهُ سِيبَوَيْهِ: أَنْبَتا.
وَرَوَى شَمِر: أَن مُخَنثاً قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبي أُمَيَّةَ: إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الطائفَ فَلَا تُفْلِتَنَّ مِنْكَ باديةُ بنتُ غَيْلانَ، فَإِنَّهَا إِذَا جلستْ تَبَنَّتْ، وَإِذَا تَكَلَّمَتْ تَغَنَّتْ، وَإِذَا اضْطَجَعَتْ تَمنَّتْ، وبَيْنَ رجلَيها مثلُ الإِناء المُكْفَإ
، يَعْنِي ضِخَمَ رَكَبِها ونُهُودَه كأَنه إِنَاءٌ مَكْبُوبٌ، فَإِذَا قَعَدَتْ فَرَّجَتْ رِجْلَيْهَا لضِخَم رَكَبِها؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَيُحْتَمَلُ أَن يَكُونَ قَوْلُ الْمُخَنَّثِ إِذَا قَعَدَتْ تَبَنَّتْ أَي صَارَتْ كالمَبْناةِ مِنْ سِمَنِهَا وَعَظَمِهَا، مِنْ قَوْلِهِمْ: بَنَى لَحْمَ فُلَانٍ طعامُه إِذَا سمَّنه وعَظَّمه؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: كأَنه شَبَّهَهَا بالقُبَّة مِنَ الأَدَم، وَهِيَ المَبْنَاة، لِسَمْنِهَا وَكَثْرَةِ لَحْمِهَا، وَقِيلَ: شَبَّهَهَا بأَنها إِذَا ضُرِبَتْ وطُنِّبَت انْفَرَجَتْ، وَكَذَلِكَ هَذِهِ إِذَا قَعَدَتْ تَرَبَّعَتْ وَفَرَشَتْ رِجْلَيْهَا. وتَبَنَّى السَّنامُ: سَمِنَ؛ قَالَ يَزِيدُ بْنُ الأَعْوَر الشَّنِّيُّ:
مُسْتَجمِلًا أَعْرَفَ قَدْ تَبَنَّى
وَقَوْلُ الأَخفش فِي كِتَابِ الْقَوَافِي: أَما غُلامي إِذَا أَردتَ الإِضافة مَعَ غلامٍ فِي غَيْرِ الإِضافة فَلَيْسَ بِإِيطَاءٍ، لأَن هَذِهِ الْيَاءَ أَلزمت الْمِيمَ الْكَسْرَةَ وَصَيَّرَتْهُ إِلَى أَن يُبْنَى عَلَيْهِ، وقولُك لِرَجُلٍ لَيْسَ هَذَا الْكَسْرُ الَّذِي فِيهِ بِبَنَّاءٍ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ؛ الْمُعْتَبَرُ الْآنَ فِي بَابِ غُلَامِي(14/95)
مَعَ غُلَامٍ هُوَ ثَلَاثَةُ أَشياء: وَهُوَ أَن غُلَامَ نَكِرَةٌ وَغُلَامِي مَعْرِفَةٌ، وأَيضاً فَإِنَّ فِي لَفْظِ غُلَامِي يَاءً ثَابِتَةً وَلَيْسَ غُلَامٌ بِلَا يَاءٍ كَذَلِكَ، وَالثَّالِثُ أَن كَسْرَةَ غُلَامِيَ بَنَّاءٌ عِنْدَهُ كَمَا ذَكَرَ وَكَسْرَةُ مِيمِ مَرَرْتُ بِغُلَامٍ إِعْرَابٌ لَا بِنَاءٌ، وَإِذَا جَازَ رَجُلٌ مَعَ رَجُلٍ وأَحدهما مَعْرِفَةٌ وَالْآخَرُ نَكِرَةٌ لَيْسَ بَيْنَهُمَا أَكثر مِنْ هَذَا، فَمَا اجْتَمَعَ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَشياء مِنَ الْخِلَافِ أَجْدَرُ بِالْجَوَازِ، قَالَ: وَعَلَى أَن أَبا الْحَسَنِ الأَخفش قَدْ يُمْكِنُ أَن يَكُونَ أَراد بِقَوْلِهِ إِنَّ حَرَكَةَ مِيمِ غُلَامِي بَنَّاءٌ أَنه قَدِ اقْتُصِر بِالْمِيمِ عَلَى الْكَسْرَةِ، وَمَنَعَتِ اختلافَ الْحَرَكَاتِ الَّتِي تَكُونُ مَعَ غَيْرِ الْيَاءِ نَحْوُ غُلَامِهِ وَغُلَامِكَ، وَلَا يُرِيدُ الْبَنَّاءَ الَّذِي يُعاقب الإِعرابَ نَحْوَ حَيْثُ وأَين وَأَمْسَ. والمِبْنَاة والمَبْنَاةُ: كَهَيْئَةِ السِّتْرِ والنِّطْعِ. والمَبْنَاة والمِبْنَاة أَيضاً: العَيْبةُ.
وَقَالَ شُرَيْحُ بْنُ هَانِئٍ: سأَلت عَائِشَةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنْ صَلَاةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: لم يكن من الصلاةِ شيءٌ أَحْرَى أَن يُؤَخِّرَهَا مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ، قَالَتْ: وَمَا رأَيته مُتَّقِياً الأَرض بِشَيْءٍ قَطُّ إِلَّا أَني أَذكرُ يومَ مطَرٍ فإنَّا بَسَطْنا لَهُ بِنَاءً
؛ قَالَ شَمِرٌ: قَوْلُهُ بِنَاءً أَي نِطَعاً، وَهُوَ مُتَّصل بِالْحَدِيثِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا جَاءَ تَفْسِيرُهُ فِي الْحَدِيثِ، وَيُقَالُ لَهُ المَبْنَاةُ والمِبْنَاة أَيضاً. وَقَالَ أَبو عَدْنان: يُقَالُ للبيتِ هَذَا بِناءُ آخِرَتِهِ؛ عَنِ الْهُوَازِنِيِّ، قَالَ: المَبْنَاةُ مِنْ أَدَم كَهَيْئَةِ الْقُبَّةِ تَجْعَلُهَا المرأَة فِي كِسْر بَيْتِهَا فَتَسْكُنُ فِيهَا، وَعَسَى أَن يَكُونَ لَهَا غَنَمٌ فَتَقْتَصِرُ بِهَا دُونَ الْغَنَمِ لِنَفْسِهَا وَثِيَابِهَا، وَلَهَا إِزَارٌ فِي وَسَطِ الْبَيْتِ مِنْ دَاخِلٍ يُكِنُّها مِنَ الحرِّ وَمِنْ واكِفِ الْمَطَرِ فَلَا تُبَلَّلُ هِيَ وثيابُها؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي لِلنَّابِغَةِ:
عَلَى ظَهْرِ مَبْنَاةٍ جديدٍ سُيُورُها، ... يَطُوفُ بِهَا وَسْطَ اللَّطِيمَة بائعُ
قَالَ: المَبْنَاة قُبَّةٌ مِنْ أَدَم. وَقَالَ الأَصمعي: المَبْنَاة حَصِيرٌ أَو نُطْعٌ يَبْسُطُهُ التَّاجِرُ عَلَى بَيْعِهِ، وَكَانُوا يَجْعَلُونَ الحُصُرَ عَلَى الأَنْطاع يَطُوفُونَ بِهَا، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ مَبْنَاة لأَنها تُتَّخَذُ مَنْ أَدم يُوصَلُ بعضُها بِبَعْضٍ؛ وَقَالَ جَرِيرٌ:
رَجَعَتْ وُفُودُهُمُ بتَيْمٍ بعدَ ما ... خَرَزُوا المَبَانِيَ فِي بَني زَدْهامِ
وأَبْنَيْتُه بَيْتاً أَي أَعطيته مَا يَبْني بَيْتاً. والبانِيَةُ مِنَ القِسِيّ: الَّتِي لَصِقَ وتَرُها بكَبدها حَتَّى كَادَ يَنْقَطِعُ وَتَرُهَا فِي بَطْنِهَا مِنْ لُصُوقِهِ بِهَا، وَهُوَ عَيْبٌ، وَهِيَ البَانَاةُ، طائِيَّةٌ. غَيْرُهُ: وقوسٌ بَانِيَةٌ بَنَتْ عَلَى وَتَرِهَا إِذَا لَصِقَتْ بِهِ حَتَّى يَكَادَ يَنْقَطِعُ. وقوسٌ بَانَاةٌ: فَجَّاءُ، وَهِيَ الَّتِي يَنْتَحِي عَنْهَا الْوَتَرُ. وَرَجُلٌ بَانَاةٌ: مُنحنٍ عَلَى وَتَرِهِ عِنْدَ الرَّمْي؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
عارِضٍ زَوْراءَ مِنْ نَشَمٍ، ... غَيْرَ بَانَاةٍ عَلَى وَتَرِهْ
وأَما البَائِنَةُ فَهِيَ الَّتِي بانَتْ عَنْ وتَرها، وَكِلَاهُمَا عَيْبٌ. والبَوَانِي: أَضْلاعُ الزَّوْرِ. والبَوَانِي: قوائمُ النَّاقَةِ. وأَلْقَى بَوَانِيَه: أَقام بِالْمَكَانِ واطمأَنَّ وَثَبَتَ كأَلْقى عَصَاهُ وأَلْقى أَرْواقَه، والأَرواق جَمْعُ رَوْقِ الْبَيْتِ، وَهُوَ رِواقُه. والبَوَانِي: عِظامُ الصَّدْر؛ قَالَ الْعَجَّاجُ بْنُ رُؤْبَةَ:
فإنْ يكنْ أَمْسَى شَبابي قَدْ حَسَرْ، ... وفَتَرَتْ مِنِّي البَوَانِي وفَتَر
وَفِي حَدِيثِ
خَالِدٍ: فَلَمَّا أَلقى الشامُ بَوانِيَهُ عَزَلَني(14/96)
واستَعْمَلَ غَيْرِي
، أَي خَيرَه وَمَا فِيهِ مِنَ السَّعةِ والنَّعْمةِ. قَالَ ابْنُ الأَثير: والبَوَانِي فِي الأَصل أَضلاعُ الصَّدْر، وَقِيلَ: الأَكتافُ والقوائمُ، الْوَاحِدَةُ بَانِيَةٌ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَلْقَت السماءُ بَرْكَ بَوَانِيها
؛ يُرِيدُ مَا فِيهَا مِنَ الْمَطَرِ، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ
أَلقى الشامُ بَوَانِيَه
، قَالَ: فَإِنَّ ابْنَ حَبْلَةَ «2» . رَوَاهُ هَكَذَا عَنْ أَبي عُبَيْدٍ، بِالنُّونِ قَبْلَ الْيَاءِ، وَلَوْ قِيلَ بَوائنه، الْيَاءُ قَبْلَ النُّونِ، كَانَ جَائِزًا. والبَوَائِنُ جَمْعُ البُوانِ، وَهُوَ اسْمُ كُلِّ عَمُودٍ فِي الْبَيْتِ مَا خَلا وَسَط الْبَيْتِ الَّذِي لَهُ ثَلَاثُ طَرائق. وبَنَيْتُ عَنْ حالِ الرّكِيَّة: نَحَّيْتُ الرِّشاء عَنْهُ لِئَلَّا يَقَعَ الترابُ عَلَى الْحَافِرِ. والبَانِي: العَرُوس الَّذِي يَبْني عَلَى أَهله؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
يَلُوحُ كأَنه مِصْباحُ بَانِي
وبَنَى فلانٌ عَلَى أَهله بِناءً، وَلَا يُقَالُ بأَهله، هَذَا قَوْلُ أَهل اللُّغَةِ، وَحَكَى ابْنُ جِنِّيٍّ: بَنَى فُلَانٌ بأَهله وابْتَنَى بِهَا، عَدَّاهما جَمِيعًا بِالْبَاءِ. وَقَدْ زَفَّها وازْدَفَّها، قَالَ: وَالْعَامَّةُ تَقُولُ بَنَى بأَهله، وَهُوَ خطأٌ، وَلَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، وكأَنَّ الأَصلَ فِيهِ أَن الدَّاخِلَ بأَهله كَانَ يَضْرِبُ عَلَيْهَا قُبَّةً لَيْلَةَ دُخُولِهِ لِيَدْخُلَ بِهَا فِيهَا فَيُقَالُ: بَنَى الرجلُ عَلَى أَهله، فَقِيلَ لِكُلِّ دَاخِلٍ بأَهله بَانٍ، وَقَدْ وَرَدَ بَنَى بأَهله فِي شِعْرِ جِرَانِ العَوْدِ قَالَ:
بَنَيْتُ بِهَا قَبْلَ المِحَاقِ بليلةٍ، ... فكانَ مِحَاقاً كُلُّه ذَلِكَ الشَّهْرُ
قَالَ ابْنُ الأَثير: وَقَدْ جاءَ بَنَى بأَهله فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الْحَدِيثِ وَغَيْرِ الْحَدِيثِ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: لَا يُقَالُ بَنَى بأَهله؛ وعادَ فَاسْتَعْمَلَهُ فِي كِتَابِهِ. وَفِي حَدِيثِ
أَنس: كَانَ أَوَّلُ مَا أُنْزِلَ مِنَ الْحِجَابِ فِي مُبْتَنى رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِزَيْنَبَ
؛ الابْتِنَاءُ والبِنَاء: الدخولُ بالزَّوْجةِ، والمُبْتَنَى هاهنا يُراد بِهِ الابْتِناءُ فأَقامه مُقَام الْمَصْدَرِ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَتَى تُبْنِيني
أَي تُدْخِلُني عَلَى زَوْجَتِي؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: حَقِيقَتُهُ مَتَى تَجْعَلُنِي أَبْتَنِي بِزَوْجَتِي. قَالَ الشَّيْخُ أَبو مُحَمَّدِ بْنُ بَرِّيٍّ: وجاريةٌ بَنَاةُ اللَّحْمِ أَي مَبْنِيَّةُ اللَّحْمِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
سَبَتْه مُعْصِرٌ، مِنْ حَضْرَمَوْتٍ، ... بَنَاةُ اللحمِ جَمَّاءُ العِظامِ
ورأَيت حَاشِيَةً هُنَا قَالَ: بَنَاةُ اللَّحْمِ فِي هَذَا الْبَيْتِ بِمَعْنَى طَيِّبةُ الرِّيحِ أَي طَيِّبَةُ رَائِحَةِ اللَّحْمِ؛ قَالَ: وَهَذَا مِنْ أَوهام الشَّيْخِ ابْنُ بَرِّيٍّ، رَحِمَهُ اللَّهُ. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ:
مِنْ بَنَى فِي دِيارِ العَجَمِ يَعْمَلُ نَيْرُوزَهُمْ ومَهْرَجَانَهم حُشِرَ مَعَهُمْ
؛ قَالَ أَبو مُوسَى: هَكَذَا رَوَاهُ بَعْضُهُمْ، وَالصَّوَابُ تَنَأ أَي أَقام، وسيأْتي ذكره.
بها: البَهْوُ: البيتُ المُقدَّمُ أَمام الْبُيُوتِ. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ:
تَنْتَقِلُ الْعَرَبُ بأبْهَائِها إِلَى ذِي الخَلَصَةِ
أَي بِبُيُوتِهَا، وَهُوَ جَمْعُ البَهْوِ البَيْتِ المعروفِ. والبَهْوُ: كِناسٌ وَاسْعٌ يَتَّخِذُهُ الثَّوْرُ فِي أَصل الأَرْطى، وَالْجُمَعُ أَبْهَاء وبُهِيٌّ وبِهِيٌّ وبُهُوٌّ. وبَهَّى البَهْوَ: عَمِلَهُ؛ قَالَ:
أَجْوَف بَهَّى بَهْوَهُ فاستَوْسَعَا
وَقَالَ:
رَأَيتُه فِي كلِّ بَهْوٍ دامِجَا
والبَهْوُ مِنْ كُلِّ حَامِلٍ: مَقْبَلُ الوَلد «3» . بَيْنَ الوركين.
__________
(2) . قوله [ابن حبلة] هو هكذا في الأصل
(3) . قوله [مقبل الولد إلخ] كذا بالأصل بهذا الضبط وباء موحدة ومثله في المحكم، والذي في القاموس والتهذيب والتكملة: مقيل، بمثناة تحتية بعد القاف، بوزن كريم(14/97)
والبَهْوُ: الْوَاسِعُ مِنَ الأَرض الَّذِي لَيْسَ فِيهِ جِبَالٌ بَيْنَ نَشْزَيْنِ، وكلُّ هَوَاءٍ أَو فَجْوَةٍ فَهُوَ عِنْدَ الْعَرَبِ بَهْوٌ؛ وَقَالَ ابْنُ أَحمر:
بَهْوٌ تَلاقَتْ بهِ الآرامُ والبَقَرُ
والبَهْوُ: أَماكنُ البَقَر؛ وأَنشد لأَبي الغَرِيب النَّصْرِيّ:
إِذَا حَدَوْتَ الذَّيْذَجانَ الدارِجا، ... رأَيتَه فِي كلِّ بَهْوٍ دامِجَا
الذَّيْذَجَانُ: الإِبل تَحْمِلُ التِّجَارَةَ، والدَّامِجُ الدَّاخِلُ. وَنَاقَةٌ بَهْوَةُ الجَنْبَيْن: وَاسِعَةُ الْجَنْبَيْنِ؛ وَقَالَ جَنْدَلٌ:
عَلَى ضُلُوع بَهْوَةِ المَنافِجِ
وَقَالَ الرَّاعِي:
كَأَنَّ رَيْطَة حَبَّارٍ، إِذَا طُوِيَتْ، ... بَهْوُ الشَّراسِيفِ مِنْهَا، حِينَ تَنْخَضِدُ
شَبَّه مَا تَكَسَّرَ مِنْ عُكَنِها وانطِواءَه برَيْطَةِ حَبّارٍ. والبَهْوُ: مَا بَيْنَ الشَّراسِيفِ، وَهِيَ مَقَاطُّ الأَضْلاع. وبَهْوُ الصَّدْرِ: جَوْفُهُ مِنَ الإِنسان وَمِنْ كُلِّ دَابَّةٍ؛ قَالَ:
إِذَا الكاتِماتُ الرَّبْوِ أَضْحَتْ كَوَابِياً، ... تَنَفَّسَ فِي بَهْوٍ مِنَ الصَّدْرِ واسِع
يُرِيدُ الْخَيْلَ التي لا تَكَادُ تَرْبُو، يَقُولُ: فَقَدْ رَبَتْ مِنْ شِدَّةِ السَّيْرِ وَلَمْ يَكْبُ هَذَا وَلَا رَبَا وَلَكِنِ اتَّسَعَ جَوْفُه فَاحْتُمِلَ، وَقِيلَ: بَهْوُ الصَّدْرِ فُرْجَةُ مَا بَيْنَ الثَّدْيَيْنِ وَالنَّحْرِ، وَالْجَمْعُ أَبْهَاءٌ وأَبْهٍ وبُهِيٌّ وبِهِيٌّ. الأَصمعي: أَصل البَهْوِ السَّعَةُ. يُقَالُ: هُوَ فِي بَهْوٍ مِنْ عَيْش أَي فِي سَعَةٍ. وبَهِيَ البيتُ يَبْهَى بَهَاءً: انْخَرَقَ وتَعَطَّلَ. وَبَيْتٌ بَاهٍ إِذَا كَانَ قَلِيلَ الْمَتَاعِ، وأَبْهَاه: خَرَّقَه؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: إِنَّ المِعْزَى تُبْهي وَلَا تُبْني، وَهُوَ تُفْعِل مِنَ البَهْوِ، وذلك أَنها تَصْعَدُ عَلَى الأَخْبِيَة وَفَوْقَ الْبُيُوتِ مِنَ الصُّوفِ فَتَخْرِقُهَا، فَتَتَّسِعُ الفواصلُ وَيَتَبَاعَدُ مَا بَيْنَهَا حَتَّى يَكُونَ فِي سَعَةِ البَهْوِ وَلَا يُقْدَرُ عَلَى سُكْنَاهَا، وَهِيَ مَعَ هَذَا لَيْسَ لَهَا ثَلَّةٌ تُغْزَلُ لأَن الْخِيَامَ لَا تَكُونُ مِنْ أَشعارها، إِنَّمَا الأَبنيةُ مِنَ الْوَبَرِ وَالصُّوفِ؛ قَالَ أَبو زَيْدٍ: وَمَعْنَى لَا تُبْني لَا تُتَّخذ مِنْهَا أَبنيةٌ، يَقُولُ لأَنها إِذَا أَمكنتك مِنْ أَصوافها فَقَدْ أَبْنَتْ. وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ فِيمَا رَدَّ عَلَى أَبي عُبَيْدٍ: رأَيت بُيُوتَ الأَعراب فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَوَاضِعِ مسوَّاة مِنْ شَعْرِ المِعْزَى، ثُمَّ قَالَ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ لَا تُبْني أَي لَا تُعِينُ عَلَى الْبِنَاءِ. الأَزهري: وَالْمِعْزَى فِي بَادِيَةِ الْعَرَبِ ضَرْبَانِ: ضَرْبٌ مِنْهَا جُرْدٌ لَا شَعْرَ عَلَيْهَا مِثْلُ مِعْزَى الْحِجَازِ والغَوْرِ وَالْمَعْزَى الَّتِي تَرْعَى نُجُودَ البلادِ الْبَعِيدَةِ مِنَ الرِّيفِ كَذَلِكَ، وَمِنْهَا ضَرْبٌ يأْلف الرِّيفَ ويَرُحْنَ حَوَالَيِ القُرَى الْكَثِيرَةِ الْمِيَاهِ يُطُولُ شَعْرُهَا مِثْلُ مِعْزَى الأَكراد بِنَاحِيَةِ الْجَبَلِ وَنَوَاحِي خُراسانَ، وكأَنَّ المَثل لِبَادِيَةِ الْحِجَازِ وعاليةِ نَجْدٍ فَيَصِحُّ مَا قَالَهُ. أَبو زَيْدٍ: أَبو عَمْرٍو البَهْوُ بَيْتٌ مِنْ بُيُوتِ الأَعراب، وَجَمْعُهُ أَبْهَاءٌ. والبَاهِي مِنَ الْبُيُوتِ: الْخَالِي المُعَطَّلُ وَقَدْ أَبْهَاه. وبيتٌ بَاهٍ أَي خالٍ لَا شيءَ فِيهِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ: قَالَ رَجُلٌ أَبْهُوا الخيلَ فَقَدَ وضَعَتِ الحربُ أَوزارَها، فَقَالَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَزَالُونَ تُقَاتِلُونَ عَلَيْهَا الْكُفَّارَ حَتَّى يُقاتل بقيَّتُكم الدجالَ
؛ قَوْلُهُ
أَبْهُوا الخيلَ
أَي عَطِّلُوها مِنَ الْغَزْوِ فَلَا يُغْزَى عَلَيْهَا. وَكُلُّ شَيْءٍ عَطَّلْته فَقَدْ أَبْهَيْتَه؛ وَقِيلَ: أَي عَرُّوها وَلَا تَرْكَبُوها فَمَا بَقِيتم تَحْتَاجُونَ إِلَى الْغَزْوِ، مِنْ أَبْهَى البيتَ إِذَا تَرَكَهُ غَيْرَ مَسْكُونٍ،(14/98)
وَقِيلَ: إِنَّمَا أَراد وَسِّعُوا لَهَا فِي العَلَف وأَريحوها لَا عَطّلُوها مِنَ الْغَزْوِ، قَالَ: والأَول الْوَجْهُ لأَن تَمَامَ الْحَدِيثِ:
فَقَالَ لَا تَزَالُونَ تُقَاتِلُونَ الْكُفَّارَ حَتَّى يُقَاتِلَ بَقِيَّتُكُمُ الدَّجَّالَ.
وأَبْهَيْتُ الإِناءَ: فَرَّغْته. وَفِي الْحَدِيثِ:
قَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الخيلُ فِي نَوَاصِيهَا الخيرُ
أَي لَا تُعَطَّلُ، قَالَ: وَإِنَّمَا قَالَ أَبْهُوا الخيلَ رجلٌ مِنْ أَصحابه. والبَهَاء: المَنْظَر الحَسَنُ الرَّائِعُ الْمَالِئُ لِلْعَيْنِ. والبَهِيُّ: الشَّيْءُ ذُو البَهاء مِمَّا يملأُ العينَ رَوْعُه وحُسْنه. والبَهَاءُ: الحُسْن، وَقَدْ بَهِيَ الرجلُ، بِالْكَسْرِ، يَبْهَى ويَبْهُو بَهَاءً وَبَهَاءَةً فَهُوَ بَاهٍ، وبَهُوَ، بِالضَّمِّ، بَهَاءً فَهُوَ بَهِيٌّ، والأُنثى بَهِيَّة مِنْ نِسْوَةٍ بَهِيَّات وبَهَايا. وبَهِيَ بَهَاءً: كَبَهُوَ فَهُوَ بَهٍ كعَمٍ مَنْ قَوْمٍ أَبْهِيَاءَ مِثْلَ عَمٍ مَنْ قَوْمٍ أَعْمِياء. ومَرَةٌ بَهِيَّة: كعَمِيَّة. وقالوا: امرأَة بُهْيَا، فجاؤوا بِهَا عَلَى غَيْرِ بِنَاءِ الْمُذَكَّرِ، وَلَا يَجُوزُ أَن يَكُونَ تأْنيثَ قَوْلِنَا هَذَا الأَبْهَى، لأَنه لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقِيلَ فِي الأُنثى البُهْيا، فَلَزِمَتْهَا الأَلف وَاللَّامُ لأَن اللَّامَ عَقِيبُ مِنْ فِي قَوْلِكَ أَفْعَلُ مِنْ كَذَا، غَيْرَ أَنه قَدْ جَاءَ هَذَا نَادِرًا، وَلَهُ أَخوات حَكَاهَا ابْنُ الأَعرابي عَنْ حُنَيفِ الحَناتِم، قَالَ: وَكَانَ مِنْ آبَلِ الناسِ أَي أَعْلَمِهم برِعْيةِ الإِبل وبأَحوالها: الرَّمْكاءُ بُهْيَا، والحَمْراء صُبْرَى، والخَوَّارةُ غُزْرَى، والصهْباءُ سُرْعَى، وَفِي الإِبل أُخْرَى، إِنْ كَانَتْ عِنْدَ غَيْرِي لَمْ أَشترها، وَإِنْ كَانَتْ عِنْدِي لَمْ أَبعها، حَمْراءُ بنتُ دَهماءَ وقَلَّما تَجِدُهَا، أَي لَا أَبيعها مِنْ نَفاسَتها عِنْدِي، وَإِنْ كَانَتْ عِنْدَ غَيْرِي لَمْ أَشترها لأَنه لَا يَبِيعُهَا إِلَّا بغَلاءٍ، فَقَالَ بُهْيَا وصُبْرَى وغُزْرَى وسُرْعَى بِغَيْرِ أَلف وَلَامٍ، وَهُوَ نَادِرٌ؛ وَقَالَ أَبو الْحَسَنِ الأَخفش فِي كِتَابِ الْمَسَائِلِ: إِنَّ حَذْفَ الأَلف وَاللَّامِ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ جَائِزٌ فِي الشِّعْرِ، وَلَيْسَتِ الْيَاءُ فِي بُهْيَا وَضْعًا، إِنَّمَا هِيَ الْيَاءُ الَّتِي فِي الأَبْهَى، وَتِلْكَ الْيَاءُ وَاوٌ فِي وَضْعِهَا وَإِنَّمَا قَلَبْتُهَا إِلَى الْيَاءِ لِمُجَاوَزَتِهَا الثَّلَاثَةَ، أَلا تَرَى أَنك إِذَا ثَنَّيْتَ الأَبْهَى قُلْتَ الأَبْهَيَانِ؟ فَلَوْلَا الْمُجَاوَزَةُ لَصَحَّتِ الْوَاوُ وَلَمْ تَنْقَلِبْ إِلَى الْيَاءِ عَلَى مَا قَدْ أَحكمته صِنَاعَةُ الإِعراب. الأَزهري: قَوْلُهُ بُهْيَا أَراد البَهِيَّة الرَّائِعَةَ، وَهِيَ تأَنيث الأَبْهَى. والرُّمْكَةُ فِي الإِبل: أَن تَشْتَدَّ كُمْتَتُها حَتَّى يَدْخُلَهَا سوادٌ، بَعير أَرْمَكُ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: إِنَّ هَذَا لَ بُهْيَايَ أَي مِمَّا أتَباهَى بِهِ؛ حَكَى ذَلِكَ ابْنُ السِّكِّيتِ عَنْ أَبي عَمْرٍو. وبَاهَانِي فَبَهَوْتُه أَي صِرْتُ أَبْهَى مِنْهُ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. وبَهِيَ بِهِ يَبْهَى بَهْياً: أَنِسَ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْهَمْزِ. وبَاهَانِي فَبَهَيْتُه أَيضاً أَي صِرْتُ أَبْهَى مِنْهُ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ أَيْضًا. أَبو سَعِيدٍ: ابتَهَأْتُ بالشيء إذا أَنِسْتَ به وأَحببت قُرْبَه؛ قال الأَعشى:
وَفِي الحَيِّ مَن يَهْوَى هَوانا ويَبْتَهِي، ... وآخرُ قد أَبْدَى الكآبَة مُغْضَبا
والمُبَاهَاةُ: المُفاخرة. وتَبَاهَوا أَي تَفَاخَرُوا. أَبو عَمْرٍو: بَاهَاه إِذَا فَاخَرَهُ، وهَابَاه إِذَا صَايَحَهُ «1» . وَفِي حَدِيثِ عَرَفَةَ:
يُباهِي بِهِمُ الملائكةَ
؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
مِنْ أَشراط السَّاعَةِ أَن يَتباهَى الناسُ فِي الْمَسَاجِدِ.
وبُهَيَّةُ: امرأَةٌ، الأَخْلَقُ أَن تَكُونَ تَصْغِيرُ بَهِيَّة كَمَا قَالُوا فِي المرأَة حُسَيْنَةُ فَسَمَّوْهَا بِتَصْغِيرِ الحَسَنة؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
قالتْ بُهَيَّةُ: لَا تُجاورُ أَهْلَنا ... أَهْل الشَّوِيِّ، وغابَ أَهلُ الجامِلِ
أَبُهَيَّ، إنَّ العَنْزَ تَمْنَعُ رَبَّها ... مِنْ أَن يُبَيِّتَ جارَه بالحابِلِ «2» .
__________
(1) . قوله [صايحه] كَذَا فِي التَّهْذِيبِ، وَفِي بعض الأَصول: صالحه
(2) . قوله [بالحابل] بالباء الموحدة كما في الأصل والمحكم، والذي في معجم ياقوت: الحائل، بالهمز، اسم لعدة مواضع(14/99)
الْحَابِلُ: أَرض؛ عَنْ ثَعْلَبٍ. وأَما الْبَهَاءُ النَّاقَةُ الَّتِي تستأْنس بِالْحَالِبِ فَمِنْ بَابِ الْهَمْزِ. وَفِي حَدِيثِ
أُم مَعْبَدٍ وصِفَتِها لِلنَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، وَأَنَّهُ حَلَبَ عَنزاً لَهَا حَائِلًا فِي قَدَح فدَرّت حَتَّى ملأَت القَدَح وعَلاه البَهاءُ
، وَفِي رِوَايَةٍ:
فحَلب فِيهِ ثَجّاً حَتَّى عَلَاهُ البهاءُ
؛ أَرادَت بِهَاءَ اللَّبَنِ وَهُوَ وَبيصُ رَغْوته؛ قَالَ: وبهاءُ اللَّبَنِ مَمْدُودٌ غَيْرُ مَهْمُوزٍ لأَنه مِنَ البَهْي، والله أَعلم.
بوا: البَوُّ، غَيْرُ مَهْمُوزٍ: الحُوار، وَقِيلَ: جِلْدُهُ يُحْشَى تِبْناً أَو ثُماماً أَو حَشِيشًا لتَعْطِف عَلَيْهِ النَّاقَةُ إِذَا مَاتَ وَلَدُهَا، ثُمَّ يُقَرَّبُ إِلَى أُم الْفَصِيلِ لتَرْأَمَهُ فتَدِرَّ عَلَيْهِ. والبَوُّ أَيضاً: وَلَدُ النَّاقَةِ؛ قَالَ:
فَمَا أُمُّ بَوٍّ هالكٍ بتَنُوفَةٍ، ... إِذَا ذكَرَتْه آخِرَ الليلِ حَنَّتِ
وأَنشد الْجَوْهَرِيُّ لِلْكُمَيْتِ:
مُدْرَجة كالبَوِّ بَيْنَ الظِّئْرَيْن
وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِجَرِيرٍ:
سَوْق الروائمِ بَوّاً بينَ أَظْآرِ
ابْنُ الأَعرابي: البَوِّيُّ الرَّجُلُ الأَحمقُ، والرَّمادُ بَوُّ الأَثافي، عَلَى التَّمْثِيلِ. وبَوَّى: مَوْضِعٌ؛ قَالَ أَبو بَكْرٍ: أَحسبه غَيْرَ مَمْدُودٍ، يَجُوزُ أَن يَكُونَ فَعَّلًا كبَقَّم، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ فَعْلَى، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ جَازَ أَن يَكُونَ مِنْ بَابِ تَقْوَى، أَعني أَن الْوَاوَ قُلِبَتْ فِيهَا عَنِ الْيَاءِ، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مِنْ بَابِ قُوّة. والأَبْواءُ: مَوْضِعٌ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ اسْمٌ مفرد عل مِثَالِ الْجَمْعِ غَيْرُهُ وَغَيْرُ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الأَنْبار والأَبْلاء، وَإِنْ جَاءَ فَإِنَّمَا يَجِيءُ فِي اسْمِ الْمَوَاضِعِ لأَن شَوَاذَّهَا كَثِيرَةٌ، وَمَا سِوَى هَذِهِ فَإِنَّمَا يأَتي جَمْعًا أَو صِفَةً كَقَوْلِهِمْ قِدْرٌ أَعْشارٌ وثَوْبٌ أَخلاقٌ وأَسْمالٌ وسَراوِيلُ أَسْماطٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ. الْجَوْهَرِيُّ: والبَوْباةُ المَفازة مِثْلَ المَوْماةِ؛ قَالَ ابْنُ السَّرَّاجِ: أَصله مَوْمَوَةٌ عَلَى فَعْلَلةٍ. والبَوْباةُ: مَوْضِعٌ بِعَيْنِهِ.
بيي: حَيَّاكَ اللهُ وبَيَّاكَ، قِيلَ: حَيَّاكَ مَلَّكَكَ، وَقِيلَ: أَبقاكَ، وَيُقَالُ: اعْتَمدك بالمُلْك، وَقِيلَ: أَصْلَحك، وَقِيلَ: قَرَّبَكَ؛ الأَخيرة حَكَاهَا الأَصمعي عَنِ الأَحمر. وَقَالَ أَبو مَالِكٍ أَيضاً: بَيَّاكَ قَرَّبَك؛ وأَنشد:
بَيَّا لَهُمْ، إِذْ نَزَلُوا، الطَّعامَا ... الكِبْدَ والمَلْحاءَ والسَّنامَا
وَقَالَ الأَصمعي: مَعْنَى حَيَّاكَ اللهُ وبَيَّاكَ أَي أَضحكك. وَفِي الْحَدِيثِ
عَنْ آدَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَنه اسْتَحْرَمَ بَعْدَ قَتْلِ ابْنِهِ مائةَ سَنَةٍ فَلَمْ يَضْحَكْ حَتَّى جَاءَهُ جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: حَيَّاكَ اللهُ وبَيَّاكَ فَقَالَ: وَمَا بَيَّاكَ؟ قِيلَ: أَضْحكَك
؛ رَوَاهُ بِإِسْنَادٍ لَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَقِيلَ: عجَّلَ لكَ مَا تُحِبُّ، قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: بَعْضُ النَّاسِ يَقُولُ إِنَّهُ إِتْبَاعٌ، قَالَ: وَهُوَ عِنْدِي عَلَى مَا جَاءَ تَفْسِيرُهُ فِي الْحَدِيثِ أَنه لَيْسَ بِإِتْبَاعٍ، وَذَلِكَ أَن الإِتباع لَا يَكَادُ يَكُونُ بِالْوَاوِ، وَهَذَا بِالْوَاوِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْعَبَّاسِ فِي زَمْزَمَ: إِنِّي لَا أُحِلُّها لِمُغْتَسِلٍ وَهِيَ لشاربٍ حِلُّ وبِلٌّ. وَقَالَ الأَحمر: بَيَّاكَ اللهُ مَعْنَاهُ بَوَّأَك مَنْزِلًا، إلَّا أَنها لَمَّا جَاءَتْ مَعَ حَيَّاكَ تُرِكَتْ هَمْزَتُهَا وحُوِّلَتْ وَاوُهَا يَاءً أَي أَسكنك مَنْزِلًا فِي الْجَنَّةِ وهَيَّأَكَ لَهُ. قَالَ سَلَمَةُ بْنُ عَاصِمٍ: حَكَيْتُ لِلْفِرَاءِ قولَ خَلَفٍ فَقَالَ: مَا أَحسنَ مَا قَالَ وَقِيلَ: يُقَالُ بَيَّاكَ لِازْدِوَاجِ الْكَلَامِ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: بَيَّاكَ قَصَدَكَ واعتَمَدَك بالمُلْكِ وَالتَّحِيَّةِ، مِنْ(14/100)
تَبَيَّيْتُ الشيءَ: تَعَمَّدْتُه؛ وأَنشد:
لَمَّا تَبَيَّيْنا أَخا تَمِيمِ، ... أَعْطى عَطاءَ اللَّحِزِ اللَّئيمِ
قَالَ: وَهَذِهِ الأَبيات تَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ مَعًا؛ وَقَالَ أَبو مُحَمَّدٍ الفَقْعَسِيّ:
باتَتْ تَبَيَّا حَوْضَها عُكُوفا ... مِثْلَ الصُّفُوفِ لاقَتِ الصُّفُوفَا،
وأَنْتِ لَا تُغْنِينَ عَنِّي فُوفا
أَي تَعْتَمِدُ حَوْضَها؛ وَقَالَ آخَرُ:
وعَسْعَسٌ، نِعْمَ الفَتى، تَبَيَّاهْ ... مِنَّا يَزيدٌ وأَبو مُحَيَّاهْ
قَالَ ابْنُ الأَثير: أَبو مُحَيَّاةٍ كُنْيَةُ رَجُلٍ، وَاسْمُهُ يَحْيَى بْنُ يَعْلَى. وَقِيلَ: بَيَّاك جاءَ بكَ. وَهُوَ هَيُّ بنُ بَيٍّ وهَيّانُ بنُ بَيَّانَ أَي لَا يُعْرَفُ أَصله وَلَا فَصْلُهُ، وَفِي الصِّحَاحِ: إِذَا لَمْ يُعْرَفْ هُوَ وَلَا أَبوه؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ يَصِفُ حَرْبًا مُهْلِكَةً:
فأَقْعَصَتْهُم وحَكَّتْ بَرْكَها بِهِمُ، ... وأَعْطَتِ النَّهْبَ هَيَّانَ بنَ بَيَّانِ
الْجَوْهَرِيُّ: وَيُقَالُ مَا أَدري أَيّ هَيِّ بنِ بَيٍّ هُوَ أَي أَيُّ النَّاسِ هُوَ. ابْنُ الأَعرابي: البَيُّ الْخَسِيسُ مِنَ الرِّجَالِ، وَكَذَلِكَ ابْنُ بَيّان وَابْنُ هَيّان، كُلُّهُ الْخَسِيسُ مِنَ النَّاسِ وَنَحْوُ ذَلِكَ. قَالَ اللَّيْثُ: هَيُّ بنُ بَيٍّ وهَيّان بْنُ بَيّانَ. وَيُقَالُ: إنَّ هَيَّ بنَ بَيٍّ مِنْ وَلَدِ آدَمَ ذَهَبَ فِي الأَرض لمَّا تَفَرَّقَ سَائِرُ وَلَدِ آدَمَ فَلَمْ يُحَسَّ مِنْهُ عَين وَلَا أَثر وَفُقِدَ. وَيُقَالُ: بَيَّنْتُ الشَّيْءَ وبَيَّيْتُه إِذَا أَوضحته. والتَّبْييُ: التبيين من قرب.
فصل التاء المثناة فوقها
تأي: ابْنُ الأَعرابي: تَأَى، بِوَزْنِ تَعَى إِذَا سَبَقَ، يَتْأَى. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: هُوَ بِمَنْزِلَةٍ شَأَى يَشْأَى إِذَا سَبق، وَاللَّهُ أَعلم.
تبا: ابْنُ الأَعرابي: تَبَا إِذَا غَزَا وَغَنِمَ وسَبَى.
تتا: تَتْوا الفُسَيْلَة «1» : ذُؤَابَتاها؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الْغُلَامِ النَّاشِدُ لِلْعَنْزِ: وكأَنَّ زَنَمَتَيْها تَتْوا فُسَيْلة، والله أَعلم.
تثا: ابْنُ بَرِّيٍّ: التَّثاةُ وَاحِدَةُ التَّثا، وَهِيَ قُشُورُ التَّمْر.
تري: التَّهْذِيبُ خَاصَّةً: ابْنُ الأَعرابي تَرَى يَتْرِي إِذَا تَراخَى فِي العَمَلِ فعَمِلَ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ. أَبو عُبِيدٍ: التَّرِيَّة «2» . فِي بَقِيَّة حيضِ المرأَة أَقلُّ مِنَ الصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ وأَخْفَى، تَرَاهَا المرأَة عِنْدَ طُهْرِهَا فَتَعْلَمُ أَنها قَدْ طَهُرَتْ مِنْ حَيْضِهَا؛ قَالَ شَمِرٌ: وَلَا تَكُونُ التَّرِيَّة إِلَّا بَعْدَ الِاغْتِسَالِ، فأَما مَا كَانَ فِي أَيام الْحَيْضِ فَلَيْسَ بِتَرِيَّةٍ. وَذَكَرَ ابْنُ سِيدَهْ التَّرِيَّة فِي رأَى، وَهُوَ بَابُهَا لأَن التَّاءَ فِيهَا زَائِدَةٌ، وَهِيَ مِنَ الرُّؤْيَةِ.
تسا: ابْنُ الأَعرابي: سَاتاهُ إِذَا لَعِبَ مَعَهُ الشَّفَلَّقَةَ، وتاسَاهُ إِذَا آذاهُ واسَتَخَفَّ به، والله أَعلم.
تشا: ابْنُ الأَعرابي: تَشَا إِذَا زَجَر الحمارَ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: كأَنَّه قَالَ له تُشُؤْ تُشُؤْ.
تطا: الأَزهري: أَهمله اللَّيْثُ ابْنُ الأَعرابي: تَطَا إذا ظَلَم.
تعا: انْفَرَدَ الأَزهري بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ، وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ تَعَا إِذَا عَدَا وثَعا إِذَا قَذَف. قَالَ: والتُّعَى
__________
(1) . قوله [تتوا الفسيلة] هو هكذا في الأصل بصيغة التصغير، والذي في القاموس تتوا القلنسوة؛ وصوب شارحه ما في اللسان
(2) . قوله [الترية] بكسر الراء مخففة ومشددة كما في النهاية(14/101)
فِي الْحِفْظِ الحَسَن. وَقَالَ فِي التَّرْجَمَةِ أَيضاً: والتَّاعِي اللِّبَأُ الْمُسْتَرْخِي، والثَّاعِي الْقَاذِفُ. وَحُكِيَ عَنِ الْفَرَّاءِ: الأَتْعاءُ سَاعَاتُ اللَّيْلِ، والثُّعَى القَذْف.
تغا: قَالَ اللَّيْثَ: تَغَتِ الجارِية الضَّحِكَ إِذَا أَرادت أَنْ تُخْفيه وَيُغَالِبُهَا؛ قَالَ الأَزهري: إِنَّمَا هُوَ حِكَايَةُ صَوْتِ الضَّحِكِ: تِغٍ تِغٍ وتِغْ تِغْ، وَقَدْ مَضَى تَفْسِيرُهُ فِي حَرْفِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ. ابْنُ بَرِّيٍّ: تَغَت الْجَارِيَةُ تِغاً سَتَرَتْ ضَحِكَها فَغَالَبَهَا. وتَغَا الإِنسانُ: هَلَكَ.
تفا: التُّفَةُ: عَناقُ الأَرض، وَهُوَ سَبُع لَا يَقْتَاتُ التِّبْنَ إِنَّمَا يَقْتَاتُ اللَّحْمَ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهُوَ مِنَ الْوَاوِ لأَنا وَجَدْنَا ت وف، وَهُوَ قَوْلُهُمْ: مَا فِي أَمرهم تَوِيفَة «1» . وَلَمْ نَجِدْ ت ي ف، فَإِنَّ أَبا عَلِيٍّ يَسْتَدِلُّ عَلَى الْمَقْلُوبِ بِالْمَقْلُوبِ، أَلا تَرَاهُ اسْتَدَلَّ عَلَى أَن لَامَ أُثْفِيَّة وَاوٌ بِقَوْلِهِمْ وَثَفَ، وَالْوَاوُ فِي وَثَفَ فَاءٌ.
تقي: ابْنُ بَرِّيٍّ: تَقَى اللَّهَ تَقْياً خَافَهُ. وَالتَّاءُ مُبْدَلَةٌ مِنْ وَاوٍ تَرْجَمَ عَلَيْهَا ابْنُ بَرِّيٍّ، وسيأَتي ذِكْرُهَا فِي وَقِيَ فِي مكانها.
تلا: تَلَوْتُه أَتلُوه وتَلَوْتُ عَنْهُ تُلُوّاً، كِلَاهُمَا: خَذَلته وَتَرَكْتُهُ. وتَلا عَنِّي يَتْلُو تُلُوّاً إِذَا تَرَكَكَ وتخلَّف عَنْكَ، وَكَذَلِكَ خَذَل يَخْذُل خُذُولًا. وتَلَوْته تُلُوّاً: تَبِعْتُهُ. يُقَالُ: مَا زِلْتُ أَتْلُوه حَتَّى أَتْلَيْته أَي تَقَدَّمْته وَصَارَ خَلْفِي. وأَتْلَيْته أَي سَبَقْتُهُ. فأَما قِرَاءَةُ الْكِسَائِيِّ تَلَيها فأَمالَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْوَاوِ، فَإِنَّمَا قرأَ بِهِ لأَنها جاءَت مَعَ مَا يَجُوزُ أَن يُمَالَ، وَهُوَ يَغْشَيها وبَنَيها، وَقِيلَ: مَعْنَى تَلَاهَا حِينَ اسْتَدَارَ فَتَلَا الشمسَ الضياءُ والنورُ. وتَتَالَت الأُمورُ: تَلَا بعضُها بَعْضًا. وأَتْلَيْتُه إِيَّاهُ: أَتبَعْتُه. واسْتَتْلاك الشيءَ: دَعَاكَ إِلَى تُلُوِّه؛ وَقَالَ:
قَدْ جَعَلَتْ دَلْوِيَ تَسْتَتْلِيني، ... وَلَا أُريدُ تَبَعَ القَرِينِ
ابْنُ الأَعرابي: استَتْلَيْت فُلَانًا أَي انْتَظَرْتُهُ، واسْتَتْلَيْته جَعَلْتُهُ يَتْلوني. وَالْعَرَبُ تُسَمِّي المُراسِلَ فِي الْغَنَاءِ وَالْعَمَلِ المُتالي، والمُتالي الَّذِي يُرَاسِلُ المُغَني بصَوْتٍ رَفيعٍ؛ قَالَ الأَخطل:
صَلْت الجَبينِ، كأَنَّ رَجْعَ صَهِيلِه ... زجْرُ المُحاوِلِ، أَو غِناءُ مُتالِ
قَالَ: والتَّلِيُّ الْكَثِيرُ الأَيْمان. والتَّلِيُّ: الكثيرُ المالِ. وَجَاءَتِ الخيلُ تَتالِياً أَي مُتَتابِعَة. ورجلٌ تَلُوٌّ، عَلَى مِثَالِ عَدُوّ: لَا يَزَالُ مُتَّبِعاً؛ حَكَاهُ ابْنُ الأَعرابي، وَلَمْ يَذْكُرْ يَعْقُوبُ ذَلِكَ فِي الأَشياء الَّتِي حَصَرَهَا كَحَسُوٍّ وفَسُوٍّ. وتَلا إِذَا اتَّبع، فَهُوَ تالٍ أَي تابعٌ. ابْنُ الأَعرابي: تَلا اتَّبَع، وتَلا إِذَا تخلَّف، وتَلا إِذَا اشْتَرى تِلْواً، وَهُوَ وَلد البَغْل. وَيُقَالُ لِوَلَدِ الْبَغْلِ تِلْو؛ وَقَالَ الأَصمعي فِي قَوْلِ ذِي الرُّمَّةِ:
لَحِقْنا فَراجَعْنا الحُمول، وإنَّما ... تَتَلَّى دِبَابَ الوادِعات المَراجع «2»
. قَالَ: تَتَلّى تَتَبَّع. وتِلْوُ الشَّيْءِ: الَّذِي يَتلُوه. وَهَذَا تِلْوُ هَذَا أَي تَبَعُه. ووَقَع كَذَا تَلِيَّةَ كَذَا أَي عَقِبَه. وَنَاقَةٌ مُتْلٍ ومُتْلِية: يَتْلوها وَلدُها أَي يَتْبَعُهَا. والمُتْلية والمُتْلي: الَّتِي تُنْتَج فِي آخِرِ النِّتَاجِ لأَنها تَبَعٌ للمُبَكِّرة، وَقِيلَ: المُتْلِية المؤخِّرة للإِنتاج، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ. والمُتْلي: الَّتِي يَتْلوها ولدُها، وَقَدْ يُسْتَعَارُ الإِتلاء فِي الْوَحْشِ؛
__________
(1) . قوله [تويفة] ضبط في الأَصل هنا كسفينة وكذلك في مادة ت وف
(2) . قوله [تتلى دباب إلخ] هو هكذا في الأصل(14/102)
قَالَ الرَّاعِي أَنشده سِيبَوَيْهِ:
لَهَا بحَقِيلٍ فالنُّمَيْرَةِ مَنْزِلٌ، ... تَرَى الوَحْشَ عُوذَاتٍ بِهِ ومَتالِيَا
والمَتالي: الأُمَّهات إِذا تَلَاهَا الأَولاد، الْوَاحِدَةُ مُتْلٍ ومُتْلِية. وَقَالَ البَاهلي: المَتالي الإِبل الَّتِي قَدْ نُتج بَعْضُهَا وَبَعْضُهَا لَمْ يُنْتَجْ؛ وأَنشد:
وكلُّ شَماليٍّ، كأَنَّ رَبابَه ... مَتالي مَهِيبٍ، مِنْ بَني السِّيدِ، أَوْرَدا
قَالَ: نَعَمُ بَني السِّيدِ سُودٌ، فَشَبَّهَ السَّحَابَ بِهَا وَشَبَّهَ صَوْتَ الرَّعْدِ بحَنِين هَذِهِ المَتالي؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُ أَبي ذُؤَيْبٍ:
فَبِتُّ إِخالُه دُهْماً خِلاجَا
أَي اخْتُلِجَتْ عَنْهَا أَولادُها فَهِيَ تَحِنُّ إِليها. ابْنُ جِنِّي: وَقِيلَ المُتْلِية الَّتِي أَثْقَلَتْ فانقلَب رأْسُ جَنِينِهَا إِلى نَاحِيَةِ الذَنَبِ والحَياء، وَهَذَا لَا يُوَافِقُ الِاشْتِقَاقَ. والتِّلْوُ: وَلَدُ الشَّاةِ حِينَ يُفطم مِنْ أُمّه وَيَتْلُوهَا، وَالْجَمْعُ أَتْلاءٌ. والأُنثى تِلْوَةٌ، وَقِيلَ: إِذا خَرَجَتِ العَناق مِنْ حدِّ الإِجْفار فَهِيَ تِلوة حَتَّى تَتِمَّ لَهَا سَنَةٌ فتُجْذِع، وَذَلِكَ لأَنها تَتْبَعُ أُمّها. والتِّلْوُ: ولدُ الْحِمَارِ لِاتِّبَاعِهِ أُمّه. النَّضْرُ: التِّلْوة مِنْ أَولاد المِعْزَى والضأْن الَّتِي قَدِ اسْتَكْرَشَتْ وشَدَنَت، الذكرُ تِلْوٌ. وتِلْو النَّاقَةِ: وَلَدُهَا الَّذِي يَتْلُوهَا. والتِّلو مِنَ الْغَنَمِ: الَّتِي تُنتَج قَبْلَ الصَّفَرِيَّة. وأَتْلاه اللَّهُ أَطفالًا أَي أَتْبَعَه أَولاداً. وأَتْلت الناقةُ إِذا تَلَاهَا وَلَدُهَا؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: لَا دَرَيْتَ وَلَا أَتْلَيْتَ، يَدْعُو عَلَيْهِ بأَن لَا تُتْلِيَ إِبله أَي لَا يَكُونُ لَهَا أَولاد؛ عَنْ يُونُسَ. وتَلَّى الرجلُ صلاتَه: أَتْبَعَ المكتوبةَ التطوُّعَ. وَيُقَالُ: تَلَّى فُلَانٌ صَلَاتَهُ المكتوبةَ بالتطوُّع أَي أَتبَعها؛ وَقَالَ البَعِيثُ
عَلَى ظَهْرِ عادِيٍّ، كأَنَّ أُرُومَهُ ... رجالٌ، يُتَلُّون الصلاةَ، قيامُ
وَهَذَا الْبَيْتُ اسْتُشْهِدَ بِهِ عَلَى رَجُلٍ مُتَلٍّ مُنْتَصِبٍ فِي الصَّلَاةِ، وخطَّأَ أَبو مَنْصُورٍ مَنِ اسْتَشْهَدَ بِهِ هُنَاكَ وَقَالَ: إِنما هُوَ مِنْ تَلَّى يُتَلِّي إِذا أَتْبَع الصلاةَ الصلاةَ، قَالَ: وَيَكُونُ تَلَا وتلَّى بِمَعْنَى تَبِعَ. يُقَالُ: تَلَّى الفَريضة إِذا أَتبعها النفلَ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ: أَفْتِنا فِي دابَّة تَرْعى الشجَر وتشربُ الماءَ فِي كَرِشٍ لَمْ تُثْغَر، قَالَ تِلْكَ عِنْدَنَا الفَطِيمُ والتَّوْلَة والجَذَعَةُ
؛ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَكَذَا رُوِيَ، قَالَ: وإِنما هُوَ التِّلْوَةُ. يُقَالُ للجَدْي إِذا فُطِم وتَبِع أُمَّه تِلْوٌ، والأُنثى تِلْوةٌ، والأُمّهات حِينَئِذٍ المَتالي، فَتَكُونُ هَذِهِ الْكَلِمَاتُ مِنْ هَذَا الْبَابُ لَا مِنْ بَابِ تَوَلَ. والتَّوالي: الأَعْجاز لِاتِّبَاعِهَا الصدورَ. وَتَوَالِي الخيلِ: مآخيرُها مِنْ ذَلِكَ، وَقِيلَ: تَوالي الفرسِ ذَنَبُهُ ورجْلاه. يُقَالُ: إِنه لَخَبيثُ التَّوالي وسريعُ التَّوالي وَكُلُّهُ مِنْ ذَلِكَ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: ليسَ هَوادِي الخَيْل كالتَّوالي؛ فهَوادِيها أَعناقها، وَتَوَالِيهَا مَآخِرُهَا. وتَوالي كلِّ شَيْءٍ: آخِرُهُ. وتالياتُ النُّجُومِ: أُخراها. وَيُقَالُ: لَيْسَ تَوالي الخيلِ كالهَوادِي وَلَا عُفْرُ اللَّيَالِي كالدَّآدِي؛ وَعُفْرُهَا: بَيْضُهَا. وتَوالي الظُّعُنِ: أَواخرها، وَتَوَالِي الإِبل كَذَلِكَ. وَتَوَالِي النجومِ: أَواخرها. وتَلَوَّى: ضَرْبٌ مِنَ السُّفُنِ، فَعَوَّلٌ مِنَ التُّلُوِّ لأَنه يَتْبَعُ السَّفِينَةَ الْعُظْمَى؛ حَكَاهُ أَبو عَلِيٍّ فِي التَّذْكِرَةِ. وتَتَلَّى الشيءَ: تَتبَّعَه. والتُّلاوَةُ والتَّلِيَّة: بقِيَّة الشَّيْءِ عَامَّةً، كأَنه يُتَتَبَّع حَتَّى لَمْ يبقَ إِلا أَقلُّه، وَخَصَّ بَعْضُهُمْ بِهِ بقيةَ الدَّيْن والحاجةِ، قَالَ: تَتَلّى بَقَّى بَقِيَّةً مِنْ دَيْنه. وتَلِيَتْ عَلَيْهِ تُلاوَةٌ وتَلىً، مَقْصُورٌ: بَقِيت. وأَتْلَيْتُها عِنْدَهُ: أَبْقَيْتُها.(14/103)
وأَتْلَيْت عَلَيْكَ مِنْ حَقِّي تُلاوةً أَي بَقِيَّةً. وَقَدْ تَتَلَّيْت حَقِّي عِنْدَهُ أَي تَرَكْتُ مِنْهُ بَقِيَّةً. وتَتَلَّيت حَقِّي إِذا تتبعتَه حَتَّى اسْتَوْفَيْتَهُ؛ وَقَالَ الأَصمعي: هِيَ التَّلِيَّة. وَقَدْ تَلِيَت لِي مِنْ حَقِّي تَلِيَّةٌ وتُلاوَةٌ تَتْلى أَي بَقِيَت بَقِيَّة. وأَتْلَيْت حَقِّي عِنْدَهُ إِذا أَبْقَيْت مِنْهُ بَقِيَّةً. وَفِي حَدِيثِ
أَبي حَدْرَد: مَا أَصبحتُ أُتلِيها وَلَا أَقْدِرُ عَلَيْهَا.
يُقَالُ: أَتْلَيْت حَقِّي عِنْدَهُ أَي أَبْقَيْت مِنْهُ بَقِيَّةً. وأَتْلَيْتُه: أَحَلْته. وتَلِيَتْ لَهُ تَلِيَّة مِنْ حَقِّهِ وتُلاوة أَي بقِيَت لَهُ بَقِيَّة. وتَلِيَ فُلَانٌ بَعْدَ قَوْمِهِ أَي بَقِيَ. وتَلا إِذا تأَخر. وَالتَّوَالِي: مَا تأَخر. وَيُقَالُ: مَا زِلْتُ أَتلوه حَتَّى أَتْلَيْتُه أَي حَتَّى أَخَّرته؛ وأَنشد:
رَكْضَ المَذاكِي، وتَلا الحَوْليُ
أَي تأَخَّر. وتَليَ مِنَ الشَّهْرِ كَذَا تَلًى: بَقِي. وتلَّى الرجلُ، بِالتَّشْدِيدِ، إِذا كَانَ بِآخِرِ رَمَقٍ. وتَلَّى أَيضاً: قَضى نَخْبه أَي نَذْرَه؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. وتَتَلَّى إِذا جَمَع مَالًا كَثِيرًا. وتَلَوْت الْقُرْآنَ تِلاوَةً: قرأْته، وَعَمَّ بِهِ بَعْضُهُمْ كُلَّ كَلَامٍ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:
واسْتَمَعُوا قَوْلًا بِهِ يُكْوَى النَّطِفْ، ... يَكادُ مَنْ يُتْلى عَلَيْهِ يُجْتأَفْ
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَالتَّالِياتِ ذِكْراً
؛ قِيلَ: هُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَجَائِزٌ أَن يَكُونُوا الْمَلَائِكَةَ وَغَيْرَهُمْ مِمَّنْ يَتْلُو ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى. اللَّيْثُ: تَلا يَتْلُو تِلاوَة يَعْنِي قرأَ قِرَاءَةً. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ
؛ مَعْنَاهُ يَتّبعونه حَقَّ اتِّبَاعِهِ وَيَعْمَلُونَ بِهِ حَقَّ عَمَلِهِ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ
؛ قَالَ عَطَاءٌ: عَلَى مَا تُحَدِّثُ وتَقُصُّ، وَقِيلَ: مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ كَقَوْلِكَ فُلَانٌ يَتْلُو كِتَابَ اللَّهِ أَي يَقْرَؤُهُ وَيَتَكَلَّمُ بِهِ. قَالَ:
وقرأَ بَعْضُهُمْ مَا تُتَلِّي الشَّيَاطِينُ
«3» . وَفُلَانٌ يَتْلو فُلَانًا أَي يَحْكِيهِ ويَتْبَع فِعْلَهُ. وَهُوَ يُتْلِي بَقِيَّة حَاجَتِهِ أَي يَقْتَضِيها وَيَتَعهَّدها. وَفِي الْحَدِيثِ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ:
إِن الْمُنَافِقَ إِذا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ سُئِلَ عَنْ مُحَمَّدٍ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا جَاءَ بِهِ فَيَقُولُ لَا أدْرِي، فَيُقَالُ لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَيْتَ وَلَا اهْتَدَيْتَ
؛ قِيلَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ
وَلَا تَلَيْتَ
: وَلَا تَلَوْتَ أَي لَا قرأْتَ وَلَا دَرَسْت، مِنْ تَلا يَتْلُو، فَقَالُوا تَلَيْتَ بِالْيَاءِ ليُعاقَبَ بِهَا الياءُ فِي دَرَيْتَ، كَمَا قَالُوا: إِني لآتِيهِ بالغَدَايا والعَشايا، وَتُجْمَعُ الْغَدَاةُ غَدَوات، فَقِيلَ: الغَدايا مِنْ أَجل العَشايا لِيَزْدَوِجَ الْكَلَامُ؛ قَالَ: وَكَانَ يُونُسُ يَقُولُ إِنما هُوَ وَلَا أَتْلَيْتَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، مَعْنَاهُ أَن لَا تُتْلِيَ إِبلُه أَيْ لَا يَكُونُ لَهَا أَولاد تَتْلُوهَا؛ وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنما هُوَ لا دَرَيْتَ ولا اتَّلَيْتَ عَلَى افْتَعلت مِنْ أَلَوْتَ أَي أَطقت وَاسْتَطَعْتَ، فكأَنه قَالَ لَا دَرَيْت وَلَا اسْتَطَعْتَ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: والمحدِّثون يَرْوُونَ هَذَا الْحَدِيثَ
وَلَا تَلَيْتَ
، وَالصَّوَابُ وَلَا ائْتَلَيْتَ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا قرأْت أَي لَا تَلَوْتَ فَقَلَبُوا الْوَاوَ يَاءً لِيَزْدَوِجَ الْكَلَامُ مَعَ دَرَيْتَ. والتَّلاءُ: الذِّمَّة. وأَتْلَيْتُه: أَعطيته التَّلاءَ أَي أَعطيته الذِّمَّةَ. وأَتْلَيْتُه ذِمَّةً أَي أَعطيته إِياها. والتَّلاءُ: الجِوارُ. والتَّلاءُ: السَّهْمُ يَكْتُبُ عَلَيْهِ المُتْلي اسمَه وَيُعْطِيهِ لِلرَّجُلِ، فإِذا صَارَ إِلى قَبِيلَةٍ أَراهم ذَلِكَ السَّهْمَ وَجَازَ فَلَمْ يُؤْذَ. وأَتْلَيْتُه سَهَمًا: أَعطيتُه إِياه ليَسْتَجِيزَ بِهِ؛ وَكُلُّ ذَلِكَ فَسَّرَ بِهِ ثَعْلَبٌ قَوْلَ زُهَيْرٍ:
جِوارٌ شاهدٌ عدلٌ عَليكم، ... وسِيَّانِ الكَفَالةُ والتَّلاءُ
__________
(3) . قوله [ما تتلي الشياطين] هو هكذا بهذا الضبط في الأصل(14/104)
وَقَالَ ابْنُ الأَنباري: التَّلاءُ الضَّمان. يُقَالُ: أَتْلَيْتُ فُلَانًا إِذا أَعطيتَه شَيْئًا يأْمَنُ بِهِ مِثْلُ سَهْمٍ أَو نَعْلٍ. وَيُقَالُ: تَلَوْا وأَتْلَوْا إِذا أَعطَوْا ذمَّتهم؛ قَالَ الْفَرَزْدَقُ:
يَعُدُّون لِلْجَارِ التَّلاءَ، إِذا تَلَوْا، ... عَلَى أَيِّ أَفْتار البَرية يَمَّما
وإِنه لَتَلُوُّ المِقْدار أَي رَفِيعه. والتَّلاءُ: الحَوالة. وَقَدْ أَتْلَيْت فُلَانًا عَلَى فُلَانٍ أَي أَحَلْته عَلَيْهِ؛ وأَنشد الْبَاهِلِيُّ هَذَا الْبَيْتَ:
إِذا خُضْر الأَصمِّ رَمَيْتَ فِيهَا ... بمُسْتَتْلٍ عَلَى الأَدْنَيْن باغِ
أَراد بخُضْر الأَصم دَآدِيَ لَيالي شَهْرِ رَجَبٍ، والمُسْتَتْلِي: مِنَ التُّلاوة وَهُوَ الحَوالة أَي أَن يَجْنِيَ عَلَيْكَ ويُحيل عَلَيْكَ فتُؤخذ بِجِنَايَتِهِ، وَالْبَاغِي: هُوَ الْخَادِمُ الْجَانِي عَلَى الأَدْنَينَ مِنْ قَرَابَتِهِ. وأَتْلَيْتُه أَي أَحلته مِنَ الْحَوَالَةِ.
تنا: التِّنَاوَةُ: تَرْكُ الْمُذَاكَرَةِ. وَفِي حَدِيثِ
قَتَادَةَ: كَانَ حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ فأَضرَّت بِهِ التِّنَاوةُ.
وَقَالَ الأَصمعي: هِيَ التِّنَايَة، بِالْيَاءِ، فإِما أَن تَكُونَ عَلَى الْمُعَاقَبَةِ، وإِما أَن تَكُونَ لُغَةً؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: التِّنَايَة الفِلاحة وَالزِّرَاعَةُ؛ يُرِيدُ أَنه تَرْكُ الْمُذَاكَرَةِ وَمُجَالَسَةِ الْعُلَمَاءِ، وَكَانَ نَزَلَ قَرْيَةً عَلَى طَرِيقِ الأَهواز، وَيُرْوَى النِّباوة، بِالنُّونِ وَالْبَاءِ، أَي الشَّرَفِ. والأَتْنَاءُ: الأَقران. والأَتْنَاءُ الأَقْدام.
توا: التَّوُّ: الفَرْد. وَفِي الْحَدِيثِ:
الاسْتِجْمارُ تَوٌّ وَالسَّعْيُ تَوٌّ وَالطَّوَافُ تَوٌّ
؛ التَّوُّ: الْفَرْدُ، يُرِيدُ أَنه يَرْمِي الْجِمَارَ فِي الْحَجِّ فَرْداً، وَهِيَ سَبْعُ حَصَيَاتٍ، وَيَطُوفُ سَبْعًا وَيَسْعَى سَبْعًا، وَقِيلَ: أَراد بِفَرْدِيَّةِ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ أَن الْوَاجِبَ مِنْهُمَا مرَّة وَاحِدَةٌ لَا تُثَنَّى وَلَا تُكرَّر، سَوَاءٌ كَانَ الْمُحْرِمُ مُفرِداً أَو قَارِنًا، وَقِيلَ: أَراد بِالِاسْتِجْمَارِ الِاسْتِنْجَاءَ، والسنَّة أَن يستنجيَ بثلاثٍ، والأَول أَولى لِاقْتِرَانِهِ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ. وأَلْف تَوٌّ: تامٌّ فَرْدٌ. والتَّوُّ: الحَبْلُ يُفتل طَاقَةً وَاحِدَةً لَا يُجعل لَهُ قُوىً مُبْرَمة، وَالْجَمْعُ أَتْوَاء. وَجَاءَ تَوّاً أَي فَرْداً، وَقِيلَ: هُوَ إِذا جَاءَ قَاصِدًا لَا يُعَرِّجه شَيْءٌ، فإِن أَقام بِبَعْضِ الطَّرِيقِ فَلَيْسَ بِتَوٍّ؛ هَذَا قَوْلُ أَبي عُبَيْدٍ. وأَتْوَى الرجلُ إِذا جَاءَ تَوّاً وحْده، وأَزْوَى إِذا جَاءَ مَعَهُ آخرُ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِكُلِّ مُفرَد تَوٌّ، وَلِكُلِّ زَوْجٍ زَوٌّ. وَيُقَالُ: وَجَّهَ فُلَانٌ مِنْ خَيْله بأَلْفٍ تَوٍّ، والتَّوُّ: أَلف مِنَ الْخَيْلِ، يَعْنِي بأَلف رَجُلٍ أَي بأَلف وَاحِدٍ. وَتَقُولُ: مَضَتْ تَوَّةٌ مِنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَي سَاعَةٌ؛ قَالَ مُلَيح:
فَفاضَتْ دُموعي تَوَّةً ثُمَّ لَمْ تَفِضْ ... عَليَّ، وَقَدْ كَادَتْ لَهَا الْعَيْنُ تَمْرَحُ
وَفِي حَدِيثِ
الشَّعْبِيِّ: فَمَا مَضَتْ إِلَّا تَوَّةٌ حَتَّى قَامَ الأَحَنفُ مِنْ مَجْلِسِهِ
أَي سَاعَةٌ وَاحِدَةٌ. والتَّوَّة: السَّاعَةُ مِنَ الزَّمَانِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن الِاسْتِنْجَاءَ بِتَوٍّ
أَي بِفَرْدٍ وَوِتْرٍ مِنَ الْحِجَارَةِ وأَنها لَا تُشفع، وإِذا عَقَدْتَ عَقْدًا بِإِدَارَةٍ لِرِبَاطٍ مَرَّةً قُلْتَ: عَقَدْتُهُ بتَوٍّ واحدٍ؛ وأَنشد:
جَارِيَةٌ لَيْسَتْ مِنَ الوَخْشَنِّ، ... لَا تعقِدُ المِنْطَقَ بالمَتْنَنِ
إِلَّا بِتَوٍّ واحدٍ أَو تَنِ
أَي نِصْفِ تَوٍّ، وَالنُّونُ فِي تَنٍّ زَائِدَةٌ، والأَصل فِيهَا تَا خَفَّفَهَا مِنْ تَوٍّ، فإِن قُلْتَ عَلَى أَصلها تَوْ خَفِيفَةً مِثْلَ لَوْ جَازَ، غَيْرَ أَن الِاسْمَ إِذا جَاءَتْ فِي آخِرِهِ وَاوٌ بَعْدَ فَتْحَةٍ حُمِلَتْ عَلَى الأَلف، وإِنما يَحْسُنُ(14/105)
فِي لَوْ لأَنها حَرْفُ أَداة وَلَيْسَتْ بِاسْمٍ، وَلَوْ حَذَفْتَ مِنْ يَوْمٍ الْمِيمَ وَحْدَهَا وَتَرَكْتَ الْوَاوَ وَالْيَاءَ، وأَنت تُرِيدُ إِسكان الْوَاوِ، ثُمَّ تَجْعَلُ ذَلِكَ اسْمًا تُجْرِيهِ بِالتَّنْوِينِ وَغَيْرِ التَّنْوِينِ فِي لُغَةِ مَنْ يَقُولُ هَذَا حَا حَا مَرْفُوعًا، لَقُلْتَ فِي مَحْذُوفِ يَوْمٍ يَوْ، وَكَذَلِكَ لَوْمٌ وَلَوْحٌ، وَمَنْعُهُمْ أَن يَقُولُوا فِي لَوْلا لأَن لَوْ أُسست هَكَذَا وَلَمْ تُجْعَلِ اسْمًا كَاللَّوْحِ، وإِذا أَردت نِدَاءً قُلْتَ يَا لَوُّ أَقبل فِيمَنْ يَقُولُ يَا حارُ لأَن نعتَه باللَّوِّ بِالتَّشْدِيدِ تَقْوِيَةٌ لِلَوْ، وَلَوْ كَانَ اسْمُهُ حَوًّا ثُمَّ أَردت حَذْفَ أَحد الْوَاوَيْنِ مِنْهُ قُلْتَ يَا حَا أَقبل، بَقِيَتِ الْوَاوُ أَلفاً بَعْدَ الْفَتْحَةِ، وَلَيْسَ فِي جَمِيعِ الأَشياء وَاوٌ مُعَلَّقَةٌ بَعْدَ فَتْحَةٍ إِلَّا أَن يُجْعَلَ اسْمًا. والتَّوُّ: الْفَارِغُ مِنْ شُغْلِ الدُّنْيَا وَشُغْلِ الْآخِرَةِ. والتَّوُّ: البِناء الْمَنْصُوبُ؛ قَالَ الأَخطل يَصِفُ تسنُّمَ الْقَبْرِ ولَحْدَه:
وَقَدْ كُنتُ فِيمَا قَدْ بَنى ليَ حافِري ... أَعاليَهُ تَوّاً وأَسْفَلَه لَحْدَا
جَاءَ فِي الشِّعْرِ دَحْلًا، وَهُوَ بِمَعْنَى لَحْدٍ، فأَدَّاه ابْنُ الأَعرابي بِالْمَعْنَى. والتَّوَى، مَقْصُورٌ: الْهَلَاكُ، وَفِي الصِّحَاحِ: هَلَاكُ الْمَالِ. والتَّوَى: ذَهَابُ مَالٍ لَا يُرْجى، وأَتْوَاه غيرهُ. تَوِيَ الْمَالُ، بِالْكَسْرِ، يَتْوَى تَوىً، فَهُوَ تَوٍ: ذَهَبَ فَلَمْ يَرُجْ، وَحَكَى الْفَارِسِيُّ أَن طَيّئاً تَقُولُ تَوَى. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأُراه عَلَى مَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ مِنْ قَوْلِهِمْ بَقَى ورَضَى ونَهَى. وأَتْوَاه اللَّهُ: أَذهبه. وأَتْوَى فلانٌ مالَه: ذَهَبَ بِهِ. وَهَذَا مَالٌ تَوٍ، عَلَى فَعِلٍ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي بَكْرٍ، وَقَدْ ذَكَرَ مَنْ يُدْعَى مِنْ أَبواب الْجَنَّةِ فَقَالَ: ذَلِكَ الَّذِي لَا تَوَى عَلَيْهِ
أَي لَا ضَياع وَلَا خَسارة، وَهُوَ مِنَ التَّوَى الْهَلَاكِ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: الشُّحّ مَتْوَاةٌ، تَقُولُ: إِذا مَنَعْتَ الْمَالَ مِنْ حَقِّهِ أَذهبه اللَّهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ. والتَّوِيُّ: الْمُقِيمُ؛ قَالَ:
إِذا صَوَّتَ الأَصداءُ يَوْمًا أَجابها ... صَدًى، وتَوِيٌّ بالفَلاة غَريبُ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَكَذَا أَنشده ابْنُ الأَعرابي، قَالَ: وَالثَّاءُ أَعرف. والتِّوَاء مِنْ سِماتِ الإِبل: وَسْمٌ كَهَيْئَةِ الصَّلِيبِ طَوِيلٌ يأْخذ الخَدَّ كلَّه؛ عَنِ ابْنِ حَبِيبٍ مِنْ تَذْكِرَةِ أَبي عَلِيٍّ. النَّضْرُ: التِّوَاءُ سِمَة فِي الفَخِذِ وَالْعُنُقِ، فأَما فِي الْعُنُقِ فأَن يُبْدَأَ بِهِ مِنَ اللِّهْزِمة ويُحْدَر حِذاء الْعُنُقِ خَطّاً مِنْ هَذَا الْجَانِبِ وخَطّاً مِنْ هَذَا الْجَانِبِ ثُمَّ يُجْمَعُ بَيْنَ طَرَفَيْهِمَا مِنْ أَسفلَ لَا مِنْ فوقُ، وإِذا كَانَ فِي الْفَخْذِ فَهُوَ خَطٌّ فِي عَرْضِها، يُقَالُ مِنْهُ بَعِيرٌ مَتْوِيٌّ، وَقَدْ تَوَيْتُه تَيّاً، وإِبل متواةٌ، وَبَعِيرٌ بِهِ تِواءٌ وتِوَاءَانِ وَثَلَاثَةُ أَتْوِيَةٍ. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: التِّوَاءُ يَكُونُ فِي مَوْضِعِ اللَّحاظ إِلَّا أَنه مُنْخَفِضٌ يُعْطَف إِلى نَاحِيَةِ الْخَدِّ قَلِيلًا، وَيَكُونُ فِي بَاطِنِ الخد كالتُّؤْثُورِ. قال: والأُثْرةُ والتُّؤْثُور فِي بَاطِنِ الْخَدِّ، وَاللَّهُ أَعلم.
تيا: تِي وَتَا: تأْنيث ذَا، وتَيّا تَصْغِيرُهُ، وَكَذَلِكَ ذَيَّا تصغير ذِهْ وذِهي وهذه.
فصل الثاء المثلثة
ثأي: الثَّأْيُ والثَّأَى جَمِيعًا: الإِفساد كلُّه، وَقِيلَ: هِيَ الْجِرَاحَاتُ وَالْقَتْلُ وَنَحْوُهُ مِنَ الإِفساد. وأَثْأَى فِيهِمْ: قَتَلَ وَجَرَحَ. والثَّأْي والثَّأَى: خَرْمُ خُرَزِ الأَدِيم. وَقَالَ ابْنُ جِنِّي: هُوَ أَن تَغْلُظَ الإِشْفَى ويَدِقَّ السَّيْرُ، وَقَدْ ثَئِيَ يَثْأَى وثَأَى يَثْأَى وأَثْأَيْته أَنا؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
وَفْراءَ غَرْفِيَّةٍ أَثْأَى خَوارِزَها ... مُشَلْشَلٌ ضَيَّعَتْه بَيْنَها الكُتَبُ(14/106)
وثَأَيْتُ الخَرْزَ إِذا خَرَمته. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: أَثْأَيْتُ الخَرْزَ إِثْآأً خَرَمْته، وَقَدْ ثَئِيَ الخَرْزُ يَثْأَى ثَأىً شَدِيدًا. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ الْجَوْهَرِيُّ ثَئِيَ الخَرْز يَثْأَى؛ قَالَ: وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ ثَأَى الخَرْزُ، بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، قَالَ: وَحَكَى كُرَاعٌ عَنِ الْكِسَائِيِّ ثَأَى الخَرْزُ يَثْأَى، وَذَلِكَ أَن يَتَخَرَّمَ حَتَّى تَصِيرَ خَرْزَتان فِي مَوْضِعٍ، وَقِيلَ: هُمَا لُغَتَانِ، قَالَ: وأَنكر ابْنُ حَمْزَةَ فَتْحَ الْهَمْزَةِ. وأَثْأَيْتُ فِي الْقَوْمِ إِثْآءً أَي جَرَحْتَ فِيهِمْ، وَهُوَ الثَّأَى؛ قَالَ:
يَا لَك مِنْ عَيْثٍ ومِنْ إِثْآءِ ... يُعْقِبُ بالقَتلِ وبالسِّباءِ
والثَّأَى: الخَرْمُ والفَتْق؛ قَالَ جَرِيرٌ:
هُوَ الوافِدُ المَيْمونُ والرَّاتِقُ الثَّأَى، ... إِذا النَّعْلُ يَوْمًا بالعَشِيرَةِ زَلَّتِ
وَقَالَ اللَّيْثُ: إِذا وَقَعَ بَيْنَ الْقَوْمِ جِرَاحَاتٌ قِيلَ عَظُم الثَّأَى بَيْنَهُمْ، قَالَ: وَيَجُوزُ لِلشَّاعِرِ أَن يَقْلِبَ مَدَّ الثَّأَى حَتَّى تَصِيرَ الْهَمْزَةُ بَعْدَ الأَلف كَقَوْلِهِ:
إِذا مَا ثَاءَ فِي مَعَدٍّ
قَالَ: وَمِثْلُهُ رَآهُ ورَاءَهُ بِوَزْنِ رَعاه وراعَه ونَأَى ونَاءَ؛ قَالَ:
نِعْمَ أَخو الهَيْجاء فِي الْيَوْمِ اليَمِي
أَراد أَن يَقُولَ اليَوِمِ فقلَب. والثَّأْوَة: بَقِيَّةُ قَلِيلٍ مِنْ كَثِيرٍ، قَالَ: والثَّأْوَة الْمَهْزُولَةُ مِنَ الْغَنَمِ وَهِيَ الشَّاةُ الْمَهْزُولَةُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
تُغَذْرِمُها فِي ثَأْوَةٍ مِنْ شياهِهِ، ... فَلَا بُورِكَتْ تِلْكَ الشِّياهُ القَلائِلُ
الْهَاءُ فِي قَوْلِهِ تُغَذْرِمُها لِلْيَمِينِ الَّتِي كَانَ أَقسم بِهَا، وَمَعْنَى تُغَذْرِمُها أَي حَلَفْتُ بِهَا مجازِفاً غَيْرَ مُسْتَثْبِتٍ فِيهَا، والغُذارِمُ: مَا أُخذ مِنَ الْمَالِ جِزافاً. ابْنُ الأَنباري: الثَّأَى الأَمر الْعَظِيمُ يَقَعُ بَيْنَ الْقَوْمِ؛ قَالَ: وأَصله مِنْ أَثْأَيْت الخَرْزَ؛ وأَنشد:
ورأْب الثَّأَى والصَّبْر عندَ الموَاطِن
وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ تَصِفُ أَباها، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: ورَأَبَ الثَّأَى
أَي أَصْلح الْفَسَادَ. وأَصل الثَّأَى: خَرْم مَوَاضِعِ الخَرْز وَفَسَادُهُ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ:
رَأَبَ اللهُ بِهِ الثَّأَى.
والثُّؤَى: جَمع ثُؤْيَةٍ وَهِيَ خِرَق تُجْمَعُ كالكُبَّة عَلَى وتِدِ المَخْض لِئَلَّا يَنْخَرِقُ السِّقَاءُ عِنْدَ الْمَخْضِ. ابْنُ الأَعرابي: الثَّأَى أَن يجمع بين رؤوس ثَلَاثِ شَجَرَاتٍ أَو شَجَرَتَيْنِ، ثُمَّ يُلْقى عَلَيْهَا ثوبٌ فَيُستَظَلَّ به.
ثبا: الثُّبَةُ: العُصْبَة مِنَ الفُرسان، وَالْجَمْعُ ثُبَاتٌ وثُبُونَ وثِبُونَ، عَلَى حَدِّ مَا يَطْرُدُ فِي هَذَا النَّوْعِ، وَتَصْغِيرُهَا ثُبَيَّة. والثُّبَةُ والأُثْبِيَّة: الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ، وأَصلها ثُبَيٌ، وَالْجَمْعُ أَثَابِيّ وأَثَابِيَةٌ، الْهَاءُ فِيهَا بَدَلٌ مِنَ الْيَاءِ الأَخيرة؛ قَالَ حُمَيد الأَرقط:
كأَنه يومَ الرِّهان المُحْتَضَرْ، ... وَقَدْ بَدَا أَوَّلُ شَخْصٍ يُنْتَظَرْ
دُونَ أَثَابِيَّ مِنَ الْخَيْلِ زُمَرْ، ... ضَارٍ غَدا يَنْفُضُ صِئْبان المَدَرْ «1»
. أَي بازٍ ضارٍ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَشَاهِدُ الثُّبَة الْجَمَاعَةُ قَوْلُ زُهَيْرٍ:
وَقَدْ أَغْدُو عَلَى ثُبَةٍ كِرامٍ ... نَشاوى، وَاجِدِينَ لِما نَشَاءُ
قَالَ ابْنُ جِنِّي: الذَّاهِبُ مِنْ ثُبَة وَاوٌ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بأَن أَكثر مَا حُذِفَتْ لَامُهُ إِنما هُوَ مِنَ الْوَاوِ نَحْوَ
__________
(1) . قوله [صئبان المدر] هكذا في الأصل، والذي في الأساس: صئبان المطر(14/107)
أَب وأَخ وسَنَة وعِضَة، فَهَذَا أَكثر مِمَّا حُذِفَتْ لَامُهُ يَاءً، وَقَدْ تَكُونُ يَاءً عَلَى مَا ذُكِرَ «1» . قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الِاخْتِيَارُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ أَن ثُبَة مِنَ الْوَاوِ، وأَصلها ثُبْوة حَمْلًا عَلَى أَخواتها لأَن أَكثر هَذِهِ الأَسماء الثُّنَائِيَّةِ أَن تَكُونَ لَامُهَا وَاوًا نَحْوَ عِزَة وعِضَة، وَلِقَوْلِهِمْ ثَبَوْت لَهُ خَيْرًا بَعْدَ خَيْرٍ أَو شَرًّا إِذا وَجَّهْتَهُ إِليه، كَمَا تَقُولُ جَاءَتِ الْخَيْلُ ثُبَاتٍ أَي قِطْعَةً بَعْدَ قِطْعَةٍ. وثَبَّيْت الجيشَ إِذا جَعَلْتَهُ ثُبَة ثُبَة، وَلَيْسَ فِي ثَبَّيْت دَلِيلٌ أَكثر مِنْ أَن لَامَهُ حَرْفُ عِلَّةٍ. قَالَ: وأَثَابِيُّ لَيْسَ جَمْعَ ثُبَة، وإِنما هُوَ جَمْعُ أُثْبِيَّة، وأُثْبِيَّة فِي مَعْنَى ثُبَة؛ حَكَاهَا ابْنُ جِنِّي فِي الْمُصَنَّفِ. وثَبَّيْتُ الشَّيْءَ: جَمَعْتُهُ ثُبَة ثُبَة؛ قَالَ:
هَلْ يَصْلُح السيفُ بِغَيْرِ غِمْدِ؟ ... فَثَبِّ مَا سَلَّفتَه مِنْ شُكْدِ
أَي فأَضف إِليه غَيْرَهُ واجْمَعْه. وثُبَة الْحَوْضِ: وَسَطُهُ، يَجُوزُ أَن يَكُونَ مِنْ ثَبَّيت أَي جَمَعْتُ، وَذَلِكَ أَن الْمَاءَ إِنما تَجْمَعُهُ مِنَ الْحَوْضِ فِي وَسَطِهِ، وَجَعَلَهَا أَبو إِسحاق مِنْ ثَابَ الْمَاءُ يَثُوب، وَاسْتُدِلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ فِي تَصْغِيرِهَا ثُوَيْبَة. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: والثُّبَة وَسَطُ الْحَوْضِ الَّذِي يَثُوب إِليه الْمَاءُ، وَالْهَاءُ هَاهُنَا عِوَضٌ مِنَ الْوَاوِ الذَّاهِبَةِ مِنْ وَسَطِهِ لأَن أَصله ثُوَب، كَمَا قَالُوا أَقام إِقامة وأَصله إِقواماً، فعوَّضوا الْهَاءَ مِنَ الْوَاوِ الذَّاهِبَةِ مِنْ عَيْنِ الْفِعْلِ؛ وَقَوْلُهُ:
كَمْ ليَ مِنْ ذِي تُدْرَإِ مِذَبِّ، ... أَشْوَسَ، أَبَّاءٍ عَلَى المُثَبِّي
أَراد الَّذِي يَعْذُله وَيَكْثُرُ لَوْمُهُ وَيَجْمَعُ لَهُ العَذْل مِنْ هُنَا وَهُنَا. وثَبَّيت الرجلَ: مَدَحْتُهُ وأَثْنَيْت عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ إِذا مَدَحْتَهُ دَفْعَةً بَعْدَ دَفْعَةٍ. والثَّبِيُّ: الْكَثِيرُ «2» . الْمَدْحِ لِلنَّاسِ، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ لأَنه جَمْع لِمَحَاسِنِهِ وحَشْد لِمَنَاقِبِهِ. والتَّثْبِيَة: الثَّنَاءُ عَلَى الرَّجُلِ فِي حَيَاتِهِ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
يُثَبِّي ثَناءً مِنْ كريمٍ، وقَوْلُه: ... أَلا انْعم عَلَى حُسنِ التَّحِيّة واشْرَبِ
والتَّثْبِيَة: الدَّوَامُ عَلَى الشَّيْءِ. وثَبَّيْت عَلَى الشَّيْءِ تَثْبِيَةً أَي دُمْت عَلَيْهِ. والتَّثْبِيَة: أَن تَفْعَلَ مِثْلَ فِعْلِ أَبيك ولزومُ طَرِيقِهِ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي قَوْلَ لَبِيدٍ:
أُثَبِّي فِي الْبِلَادِ بِذِكْرِ قَيْسٍ، ... وَوَدُّوا لَوْ تَسُوخُ بِنَا البلادُ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَدري مَا وَجْهُ ذَلِكَ، قَالَ: وَعِنْدِي أَن أُثَبِّي هَاهُنَا أُثْني. وثَبَّيت المالَ: حَفِظْتُهُ؛ عَنْ كُرَاعٍ؛ وَقَوْلُ الزِّمَّاني أَنشده ابْنُ الأَعرابي:
تَرَكْتُ الخيلَ من آثار ... رُمْحِي فِي الثُّبَى الْعَالِي
تَفادَى، كتفَادِي الوَحْشِ ... مِنْ أَغْضَفَ رِئْبالِ
قَالَ: الثُّبَى الْعَالِي مِنْ مَجَالِسِ الأَشراف، وَهَذَا غَرِيبٌ نَادِرٌ لَمْ أَسمعه إِلَّا فِي شِعْرِ الفِنْد. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَضَيْنَا عَلَى مَا لَمْ تَظْهَرْ فِيهِ الْيَاءُ مِنْ هَذَا الْبَابِ بِالْيَاءِ لأَنها لَامٌ، وَجَعَلَ ابْنُ جِنِّي هَذَا الْبَابِ كُلِّهِ مِنَ الْوَاوِ، وَاحْتَجَّ بأَن مَا ذَهَبَ لَامُهُ إِنما هُوَ مِنَ الْوَاوِ نَحْوَ أَب وغَدٍ وأَخٍ وهَنٍ فِي الْوَاوِ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: التَّثْبِيَة إِصلاح الشَّيْءِ وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ؛ وَقَالَ الجعدي:
__________
(1) . قوله: فهذا أكثر إلخ؛ هكذا في الأَصل
(2) . قوله [والثَّبِيُّ الكثير إلخ] كذا بالأصل، وذكره شارح القاموس فيما استدركه، فقال: والثَّبِيُّ كغَنِيّ الكثير إلخ ولكن لم نجد ما يؤيده في المواد التي بأيدينا(14/108)
يُثَبُّون أَرْحاماً وَمَا يَجْفِلُونها، ... وأَخْلاقَ وُدٍّ ذَهَّبَتْها المَذاهِبُ «3»
. قَالَ: يُثَبُّون يُعَظِّمون يَجْعَلُونَهَا ثُبَةً. يُقَالُ: ثَبِّ معروفَك أَي أَتِمَّه وَزِدْ عَلَيْهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: أَنا أَعرفه تَثْبِيَةً أَي أَعرفه مَعْرِفَةً أُعْجمها ولا أَستيقنها.
ثتي: الثَّتَى والحَتا: سَوِيق المُقْل؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. والثَّتَى: حُطام التِّبْنِ. والثَّتَى: دُقاق التِّبْنِ أَو حُسافَة التَّمْرِ. وَكُلُّ شَيْءٍ حَشَوْتَ بِهِ غِرارة مِمَّا دَقّ فَهُوَ الثَّتَى؛ وأَنشد:
كأَنه غِرارةٌ مَلأَى ثَتَى
وَيُرْوَى: مَلأَى حَتَا. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الثَّتَاةُ والثَّتَى قِشْرُ التَّمْرِ ورديئه.
ثدي: الثَّدْي: ثدْي المرأَة، وَفِي الْمُحْكَمِ وَغَيْرِهِ: الثَّدْي مَعْرُوفٌ، يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، وَهُوَ للمرأَة وَالرَّجُلِ أَيضاً، وَجَمْعُهُ أَثْدٍ وثُدِيّ، عَلَى فُعول، وثِدِيّ أَيضاً، بِكَسْرِ الثَّاءِ لِمَا بَعْدَهَا مِنَ الْكَسْرِ؛ فأَما قَوْلُهُ:
وأَصْبَحَت النِّساءُ مُسَلِّباتٍ، ... لهُنَّ الويلُ يَمْدُدْنَ الثُّدِينا
فإِنه كَالْغَلَطِ، وَقَدْ يَجُوزُ أَن يُرِيدَ الثُّدِيَّا فأَبدل النُّونَ مِنَ الْيَاءِ لِلْقَافِيَةِ. وَذُو الثُّدَيَّة: رَجُلٌ، أَدخلوا الْهَاءَ فِي الثُّدَيَّة هَاهُنَا، وَهُوَ تَصْغِيرُ ثَدْي. وأَما حَدِيثُ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِي الْخَوَارِجِ: فِي ذِي الثُّدَيَّة الْمَقْتُولِ بِالنَّهْرَوَانِ
، فإِن أَبا عُبَيْدٍ حَكَى عَنِ الْفَرَّاءِ أَنه قَالَ إِنما قِيلَ ذُو الثُّدَيَّة بِالْهَاءِ هِيَ تَصْغِيرُ ثَدْي؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: ذُو الثُّدَيَّة لَقَبُ رَجُلٍ اسْمُهُ ثُرْمُلة، فَمَنْ قَالَ فِي الثَّدْي إِنه مُذَكَّرٌ يَقُولُ إِنما أَدخلوا الْهَاءَ فِي التَّصْغِيرِ لأَن مَعْنَاهُ الْيَدُ، وَذَلِكَ أَن يَدَهُ كَانَتْ قَصِيرَةً مِقْدَارِ الثَّدْي، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنهم يَقُولُونَ فِيهِ ذُو اليُدَيَّة وَذُو الثُّدَيَّة جَمِيعًا، وإِنما أُدخل فِيهِ الْهَاءُ، وَقِيلَ: ذُو الثُّدَيَّة وإِن كَانَ الثَّدْي مُذَكَّرًا لأَنها كأَنها بَقِيَّةُ ثَدْي قَدْ ذَهَبَ أَكثره، فَقَلَّلَهَا كَمَا يُقَالُ لُحَيْمة وشُحَيْمة، فأَنَّثها عَلَى هَذَا التأْويل، وَقِيلَ: كأَنه أَراد قِطْعَةً مِنْ ثَدْي، وَقِيلَ: هُوَ تَصْغِيرُ الثَّنْدُوَة، بِحَذْفِ النُّونِ، لأَنها مِنْ تَرْكِيبِ الثَّدْي وَانْقِلَابُ الْيَاءِ فِيهَا وَاوًا لِضَمَّةِ مَا قَبْلَهَا، وَلَمْ يَضُرَّ ارْتِكَابُ الْوَزْنِ الشَّاذِّ لِظُهُورِ الِاشْتِقَاقِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ عَنْ بَعْضِهِمْ: إِنما هُوَ ذُو اليُدَيَّة، قَالَ: وَلَا أُرى الأَصل كَانَ إِلَّا هَذَا، وَلَكِنَّ الأَحاديث تَتَابَعَتْ بِالثَّاءِ. وامرأَة ثَدْيَاء: عَظِيمَةُ الثَّدْيين، وَهِيَ فَعَلَاءُ لَا أَفَعلَ لَهَا لأَن هَذَا لَا يَكُونُ فِي الرِّجَالِ، وَلَا يُقَالُ رَجُلٌ أَثْدَى. وَيُقَالُ: ثَدِيَ يَثْدَى إِذا ابتلَّ. وَقَدْ ثَداهُ يَثْدُوه ويَثْدِيه إِذا بَلَّه. وثَدَّاه إِذا غَذَّاه. والثُّدَّاء، مِثْلُ المُكَّاء: نَبْتٌ، وَقِيلَ: نَبْتٌ فِي الْبَادِيَةِ يُقَالُ لَهُ المُصاص والمُصَّاخ، وَعَلَى أَصله قُشُورٌ كَثِيرَةٌ تَتَّقِد بِهَا النَّارُ، الْوَاحِدَةُ ثُدَّاءة؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَيُقَالُ لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ بهراه دايزاد «4» ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِرَاجِزٍ:
كأَنَّما ثُدَّاؤه المَخْروفُ، ... وَقَدْ رَمَى أَنصافَه الجُفُوفُ،
رَكْبٌ أَرادوا حِلَّةً وُقُوف
شَبَّهَ أَعلاه وَقَدْ جَفَّ بِالرَّكْبِ، وَشَبَّهَ أَسافله الخُضْر بالإِبل لِخُضْرَتِهَا. وثَدِيَت الأَرضُ: كسَدِيَت؛
__________
(3) . قوله [ذهبتها المذاهب] كذا في الأصل، والذي في التكملة: ذهبته الذواهب
(4) . قوله [بهراه دايزاد] هكذا هو في الأصل(14/109)
حَكَاهَا يَعْقُوبُ وَزَعَمَ أَنها بَدَلٌ مِنْ سِينِ سَدِيَتْ، قَالَ: وَهَذَا لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ، قَالَ: ثُمَّ قَلَبُوا فَقَالُوا ثَدِئتْ، مَهْمُوزٌ مِنَ الثَّأَد، وَهُوَ الثَّرَى؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا مِنْهُ سَهْوٌ وَاخْتِلَاطٌ وإِن كَانَ إِنما حَكَاهُ عَنِ الْجَرْمِيِّ، وأَبو عُمَرَ يَجِلُّ عَنْ هَذَا الَّذِي حَكَاهُ يَعْقُوبُ إِلا أَن يَعْنيَ بِالْجَرْمِيِّ غَيْرَهُ. قَالَ ثَعْلَبٌ: الثَّنْدُوَة، بِفَتْحِ أَولها غَيْرُ مَهْمُوزٍ، مِثَالُ التَّرْقُوَة والعَرْقُوَة عَلَى فَعْلُوَة، وَهِيَ مَغْرِز الثَّدْي، فإِذا ضَمَمْتَ هَمَزْتَ وَهِيَ فُعْلُلَة، قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: وَكَانَ رؤبة يهمز الثُّنْدُؤَة وسِئَة الْقَوْسِ، قَالَ: وَالْعَرَبُ لَا تَهْمِزُ وَاحِدًا مِنْهُمَا، وَفِي الْمُعْتَلِّ بالأَلف: الثَّدْوَاءُ معروف موضع.
ثرا: الثَّرْوَة: كَثْرَةُ العَدَد مِنَ النَّاسِ وَالْمَالِ. يُقَالُ: ثَرْوَة رجالٍ وثَرْوَة مالٍ، والفَرْوة كالثَّرْوة فَاؤُهُ بَدَلٌ مِنَ الثَّاءِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا بَعْدَ لُوطٍ إِلا فِي ثَرْوَةٍ مِنْ قَوْمِهِ
؛ الثَّرْوَة: الْعَدَدُ الْكَثِيرُ: وإِنما خَصَّ لُوطًا لِقَوْلِهِ: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ. وثَرْوَةٌ مِنْ رِجَالٍ وثَرْوَة مِنْ مَالٍ أَي كَثِيرٌ؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ
وثَرْوَةٌ مِنْ رِجَالٍ لَوْ رأَيْتَهمُ، ... لَقُلْتَ: إِحْدَى حِراجِ الجَرّ مِنْ أُقُر
مِنَّا بِبادِيةِ الأَعْرابِ كِرْكِرةٌ، إِلى كَراكِرَ بالأَمصارِ والحَضَر
وَيُرْوَى: وثَوْرةٌ مِنْ رِجَالٍ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ ثَوْرَة مِنْ رِجَالٍ وثَرْوَةٌ بِمَعْنَى عَدَدٍ كَثِيرٍ، وثَرْوَة مِنْ مَالٍ لَا غَيْرَ. وَيُقَالُ: هَذَا مَثْرَاةٌ لِلْمَالِ أَي مَكْثَرة. وَفِي حَدِيثِ صِلَةِ الرَّحِمِ:
هِيَ مَثْرَاةٌ فِي الْمَالِ مَنْسَأَةٌ فِي الأَثَر
؛ مَثْرَاة: مَفْعَلة مِنَ الثَّرَاء الْكَثْرَةُ. والثَّرَاءُ: الْمَالُ الْكَثِيرُ؛ قَالَ حَاتِمٌ:
وَقَدْ عَلِمَ الأَقْوَامُ لَوْ أَنَّ حاتِماً ... أَراد ثَرَاءَ المالِ، كَانَ لَهُ وَفْرُ
والثَّرَاء: كَثْرَةُ الْمَالِ؛ قَالَ عَلْقَمَةُ:
يُرِدْنَ ثَرَاءَ المالِ حيثُ عَلِمْنَه، ... وشرْخُ الشَّبابِ عندَهُنَّ عجيبُ
أَبو عَمْرٍو: ثَرَا اللهُ القومَ أَي كَثَّرَهم. وثَرَا القومُ ثَراءً: كَثُروا ونَمَوْا. وثَرَا وأَثْرَى وأَفْرى: كثُرَ مالُه. وَفِي حَدِيثِ
إِسماعيل، عَلَيْهِ السَّلَامُ: قَالَ لأَخيه إِسحاق إِنك أَثْرَيْتَ وأَمْشَيْتَ
أَي كثُر ثَراؤُك، وَهُوَ الْمَالُ، وكثُرت ماشيتُك. الأَصمعي: ثَرَا القومُ يَثْرُون إِذا كَثُرُوا ونَمَوْا، وأَثْرَوْا يُثْرُون إِذا كثُرت أَموالهم. وَقَالُوا: لَا يُثْرِينا العَدُوُّ أَي لَا يَكْثُرُ قَوْلُهُ فِينَا. وثَرَا المالُ نفسُه يَثْرُوا إِذا كثُر. وثَرَوْنا القومَ أَي كُنَّا أَكثر مِنْهُمْ. وَالْمَالُ الثَّرِي، مِثْلُ عَمٍ خَفِيفٌ: الْكَثِيرُ. وَالْمَالُ الثَّرِيُّ، عَلَى فَعِيلٍ: وَهُوَ الْكَثِيرُ. وَفِي حَدِيثِ
أُم زَرْعٍ: وأَراحَ عليَّ نَعَماً ثَرِيّاً
أَي كَثِيرًا؛ وَمِنْهُ سُمِّيَ الرَّجُلُ ثَرْوَانَ، والمرأَة ثُرَيَّا، وَهُوَ تَصْغِيرُ ثَرْوَى. ابْنُ سِيدَهْ: مَالٌ ثَرِيّ كَثِيرٌ. وَرَجُلٌ ثَرِيّ وأَثْرَى: كَثِيرُ الْمَالِ. والثَّرِيّ: الْكَثِيرُ الْعَدَدِ؛ قَالَ المَأْثُور المُحاربي جَاهِلِيٌّ:
فَقَدْ كُنْتَ يَغْشاكَ الثَّرِيُّ، ويَتَّقِي ... أَذاك، ويَرْجُو نَفْعَك المُتَضَعْضِع
وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِآخَرَ:
سَتَمْنَعُني مِنْهُمْ رِماحٌ ثَرِيَّةٌ، ... وغَلْصَمةٌ تَزْوَرُّ مِنْهَا الغَلاصِمُ
وأَثْرَى الرجلُ: كَثُرت أَمواله؛ قَالَ الْكُمَيْتُ يَمْدَحُ بَنِي أُمية:(14/110)
لَكُمْ مَسْجِدا اللَّهِ المَزُورانِ، والحَصَى ... لَكُمْ قِبْصُه مِنْ بَيْنِ أَثْرَى وأَقْتَرا
أَراد: مِنْ بَيْنِ مَنْ أَثْرَى وَمَنْ أَقتر أَي مِنْ بَيْنِ مُثْرٍ ومُقْترٍ، وَيُقَالُ: ثَرِيَ الرجلُ يَثْرَى ثَراً وثَرَاءً، مَمْدُودٌ، وَهُوَ ثَرِيٌّ إِذا كَثُر مَالُهُ، وَكَذَلِكَ أَثْرَى فَهُوَ مُثْرٍ. ابْنُ السِّكِّيتِ: يُقَالُ إِنه لَذو ثَرَاء وثَرْوَة، يُرَادُ إِنه لَذُو عَدد وَكَثْرَةِ مَالٍ. وأَثْرَى الرجلُ وَهُوَ فَوْقَ الِاسْتِغْنَاءِ. ابْنُ الأَعرابي: إِن فُلَانًا لَقَرِيب الثَّرَى بَعِيد النَّبَط لِلَّذِي يَعِدُ وَلَا وَفَاءَ لَهُ. وثَرَيْتُ بِفُلَانٍ فأَنا بِهِ ثَرٍ وثَريءٌ وثَرِيٌّ أَي غَنِيٌّ عَنِ النَّاسِ بِهِ. والثَّرَى: التُّرَابُ النَّدِيٌّ، وَقِيلَ: هُوَ التُّرَابُ الذي إِذا بُلَّ لم يَصِرْ طِينًا لَازِبًا. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَما تَحْتَ الثَّرى
؛ جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ: أَنه مَا تَحْتَ الأَرض، وَتَثْنِيَتُهُ ثَرَيانِ وثَرَوانِ؛ الأَخيرة عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وَالْجَمْعُ أَثْرَاء. وثَرىً مَثْرِيٌّ: بَالَغُوا بِلَفْظِ الْمَفْعُولِ كَمَا بَالَغُوا بِلَفْظِ الْفَاعِلِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وإِنما قُلْنَا هَذَا لأَنه لَا فِعْلَ لَهُ فَنَحْمِلُ مَثْرِيَّه عَلَيْهِ. وثَرِيَتِ الأَرضُ ثَرىً، فَهِيَ ثَرِيَّةٌ: نَدِيَتْ ولانَتْ بَعْدَ الجُدُوبة واليُبْس، وأَثْرَتْ: كثُرَ ثَراها. وأَثْرَى الْمَطَرُ: بلَّ الثَّرَى. وَفِي الْحَدِيثِ:
فإِذا كَلْبٌ يأْكل الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ
أَي التُّرَابَ النَّدِيَّ. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: أَرض ثَرِيَّةٌ إِذا اعْتَدَلَ ثَراها، فإِذا أَردت أَنها اعْتَقَدَت ثَرىً قُلْتَ أَثْرَتْ. وأَرض ثَرِيَّة وثَرْيَاء أَي ذَاتُ ثَرَىً ونَدىً. وثَرَّى فُلَانٌ الترابَ والسَّويقَ إِذا بَلَّه. وَيُقَالُ: ثَرِّ هَذَا المكانَ ثُمَّ قِفْ عَلَيْهِ أَي بُلَّهُ. وأَرض مُثْرِيَةٌ إِذا لَمْ يجِفَّ ترابُها. وَفِي الْحَدِيثِ:
فأُتِي بِالسَّوِيقِ فأَمر بِهِ فَثُرِّيَ
أَي بُلَّ بِالْمَاءِ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السلام: أَنا أَعلم بِجَعْفَرٍ أَنه إِن عَلِمَ ثَرَّاه مَرَّةً وَاحِدَةً ثُمَّ أَطْعَمه
أَي بَلَّه وأَطعمه الناسَ. وَفِي حَدِيثِ خُبْزِ الشَّعِيرِ:
فَيَطِيرُ مِنْهُ مَا طَارَ وَمَا بَقِيَ ثَرَّيْناه.
وثَرِيتُ بِفُلَانٍ فأَنا ثَرِيّ بِهِ أَي غَنِيٌّ عَنِ النَّاسِ بِهِ، وَرُوِيَ
عَنْ جَرِيرٍ أَنه قَالَ: إِني لأَكره الرَّحَى «1» . مَخَافَةَ أَن تَسْتَفْرِعَنِي وَإِنِّي لأَراه كَآثَارِ الْخَيْلِ فِي الْيَوْمِ الثَّرِيّ.
أَبو عُبَيْدٍ: الثَّرْيَاء عَلَى فَعْلاء الثَّرَى؛ وأَنشد:
لَمْ يُبْقِ هَذَا الدَّهْرُ مِنْ ثَرْيَائِه ... غيرَ أَثافِيهِ وأَرْمِدائه
وأَما حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ: أَنه كَانَ يُقْعِي ويُثَرِّي فِي الصَّلَاةِ
، فَمَعْنَاهُ أَنه كَانَ يَضَعُ يَدَيْهِ بالأَرض بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَلَا تُفَارِقَانِ الأَرض حَتَّى يُعِيدَ السُّجُودَ الثَّانِيَ، وَهُوَ مِنَ الثَّرَى التُّرَابُ لأَنهم أَكثر مَا كَانُوا يُصَلُّونَ عَلَى وَجْهِ الأَرض بِغَيْرِ حَاجِزٍ، وَهَكَذَا يَفْعَلُ مَنْ أَقْعَى؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ هَذَا حِينَ كَبِرت سنُّه فِي تَطَوُّعِهِ، والسُّنَّة رَفْعُ الْيَدَيْنِ عَنِ الأَرض بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ. وثَرَّى التُّرْبة: بَلَّها. وثَرَّيْتُ الْمَوْضِعَ تَثْرِيةً إِذا رَشَشته بِالْمَاءِ. وثَرَّى الأَقِط والسَّوِيق: صَبَّ عَلَيْهِ مَاءً ثُمَّ لَتَّه بِهِ. وَكُلُّ مَا نَدَّيته فَقَدْ ثَرَّيته. والثَّرَى: النَّدَى. وَفِي حَدِيثِ
مُوسَى وَالْخَضِرِ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ: فَبَيْنَا هُوَ فِي مَكَانٍ ثَرْيَانَ
؛ يُقَالُ: مَكَانٌ ثَرْيَانُ وأَرض ثَرْيَا إِذا كَانَ فِي تُرَابِهَا بَلَلٌ ونَدىً. والْتَقَى الثَّرَيانِ: وَذَلِكَ أَن يَجِيءَ الْمَطَرُ فيرسَخَ فِي الأَرض حَتَّى يَلْتَقِيَ هُوَ وَنَدَى الأَرض. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: لَبِس رَجُلٌ فَرْوًا دُونَ قَمِيصٍ فَقِيلَ التَقَى الثَّرَيَانِ، يَعْنِي شَعْرَ الْعَانَةِ ووَبَرَ الفَرْوِ. وَبَدَا ثَرَى الْمَاءِ مِنَ الْفَرَسِ: وَذَلِكَ حِينَ يَنْدَى بالعَرَق؛ قَالَ طُفَيل الغَنَويّ:
__________
(1) . قوله [إني لأكره الرحى إلخ] كذا بالأصل(14/111)
يُذَدْنَ ذِيادَ الحامِساتِ، وَقَدْ بَدَا ... ثَرَى الماءِ مِنْ أَعطافِها المُتَحلِّب
يُرِيدُ العَرَق. وَيُقَالُ: إِني لأَرَى ثَرَى الْغَضَبِ فِي وَجْهِ فُلَانٍ أَي أَثَرَه؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
وإِني لَتَرَّاكُ الضَّغينةِ قَدْ أَرى ... ثَرَاها مِنَ المَوْلى، وَلَا أَسْتَثيرُها
وَيُقَالُ: ثَرِيتُ بِكَ أَي فَرِحت بِكَ وسُرِرت. وَيُقَالُ ثِرِيتُ بِكَ، بِكَسْرِ الثَّاءِ، أَي كَثُرْتُ بِكَ، قَالَ كثيِّر:
وإِني لأَكْمِي الناسَ مَا تَعِدِينَني ... مِنَ البُخْلِ أَن يَثْرَى بذلِك كاشِحُ
أَي يَفْرَح بذلِك وَيَشْمَتُ؛ وَهَذَا الْبَيْتُ أَورده ابْنُ بَرِّيٍّ:
وإِني لأَكمي النَّاسَ مَا أَنا مُضْمِرٌ، ... مَخَافَةَ أَن يَثْرَى بِذَلِكَ كَاشِحُ
ابْنُ السِّكِّيتِ: ثَرِيَ بِذَلِكَ يَثْرَى بِهِ إِذا فَرِحَ وسُرَّ. وَقَوْلُهُمْ: مَا بَيْنِي وَبَيْنَ فُلَانٍ مُثْرٍ أَي أَنه لَمْ يَنْقَطِعْ، وَهُوَ مَثَل، وأَصل ذَلِكَ أَن يَقُولَ لَمْ يَيْبَس الثَّرَى بَيْنِي وَبَيْنَهُ، كَمَا
قَالَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: بُلُّوا أَرحامكم وَلَوْ بِالسَّلَامِ
؛ قَالَ جَرِيرٌ:
فَلَا تُوبِسُوا بَيْني وَبَيْنَكُمُ الثَّرَى، ... فإِنَّ الَّذِي بَيْنِي وبينكُم مُثْرِي
وَالْعَرَبُ تَقُولُ: شَهْرٌ ثَرَى وشهرٌ ترَى وشهرٌ مَرْعى وشهرٌ اسْتَوى أَي تُمْطِرُ أَوّلًا ثُمَّ يَطْلُعُ النَّبَاتُ فَتَرَاهُ ثُمَّ يَطول فَتَرْعَاهُ النَّعَم، وَهُوَ فِي الْمُحْكَمِ، فأَمّا قَوْلُهُمْ ثَرَى فَهُوَ أَوّل مَا يَكُونُ الْمَطَرُ فَيَرْسُخُ فِي الأَرض. وتبتلُّ التُّربة وتَلين فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ ثَرَى، وَالْمَعْنَى شَهْرٌ ذُو ثَرىً، فَحَذَفُوا الْمُضَافَ، وَقَوْلُهُمْ وَشَهْرٌ تَرَى أَي أَن النَّبْتَ يُنْقَف فيه حتى ترى رؤوسه، فأَرادوا شَهْرًا تَرَى فِيهِ رؤوس النَّبَاتِ فَحَذَفُوا، وَهُوَ مِنْ بَابِ كُلَّه لَمْ أَصنع، وأَما قَوْلُهُمْ مَرْعَى فَهُوَ إِذا طَالَ بِقَدْرِ مَا يُمَكِّنُ النَّعَم أَن تَرْعَاهُ ثُمَّ يَسْتَوِي النَّبَاتُ ويَكْتَهِل فِي الرَّابِعِ فَذَلِكَ وَجْهُ قَوْلِهِمُ اسْتَوَى. وَفُلَانٌ قَرِيبُ الثَّرَى أَي الْخَيْرِ. والثَّرْوَانُ: الغَزِير، وَبِهِ سُمِّيَ الرَّجُلُ ثَرْوَان والمرأَة ثُرَيَّا، وَهِيَ تَصْغِيرُ ثَرْوَى. والثُّرَيَّا: مِنَ الْكَوَاكِبِ، سُمِّيَتْ لِغَزَارَةِ نَوْئها، وَقِيلَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ كَوَاكِبِهَا مَعَ صِغَرِ مَرْآتها، فكأَنها كَثِيرَةُ الْعَدَدِ بالإِضافة إِلى ضِيقِ الْمَحَلِّ، لَا يُتَكَلَّمُ بِهِ إِلا مُصَغَّرًا، وَهُوَ تَصْغِيرٌ عَلَى جِهَةِ التَّكْبِيرِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه قَالَ لِلْعَبَّاسِ يَمْلِك مِنْ وَلَدِكَ بِعَدَدِ الثُّرَيَّا
؛ الثُّرَيَّا: النَّجْمُ الْمَعْرُوفُ. وَيُقَالُ: إِن خِلَالَ أَنجم الثُّريا الظَّاهِرَةِ كَوَاكِبُ خَفِيَّةٌ كَثِيرَةُ الْعَدَدِ والثَّرْوةُ: لَيْلَةٌ يَلْتَقِي الْقَمَرُ والثُّرَيَّا. والثُّرَيَّا مِنَ السُّرُج: عَلَى التَّشْبِيهِ بالثُّريا مِنَ النُّجُومِ. والثُّريَّا: اسْمُ امرأَة مِنْ أُميّة الصُّغْرَى شَبَّب بِهَا عُمَرُ بْنُ أَبي رَبِيعَةَ. والثُّرَيّا: مَاءٌ مَعْرُوفٌ. وأَبو ثَرْوَان: رَجُلٌ مِنْ رُوَاةِ الشِّعْرِ. وأَثْرَى: اسْمُ مَوْضِعٍ؛ قَالَ الأَغلب العِجْلي:
فَمَا تُرْبُ أَثْرَى، لَوْ جَمَعْت ترابَها، ... بأَكثرَ مِنْ حَيَّيْ نِزارٍ عَلَى العَدِّ
ثطا: الثَّطَا: إِفراط الحُمْق. يُقَالُ: رَجُلٌ بَيِّنُ الثَّطَا والثَّطَاةِ. وثَطِيَ ثَطاً: حَمُق. وثَطَا الصبيُّ: بِمَعْنَى خَطَا؛ وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَرَّ بامرأَة سَوْدَاءَ تُرْقِص صَبِيًّا لَهَا وَهِيَ تَقُولُ:
ذُؤال، يَا ابْنَ القَرْم، يَا ذُؤاله ... يَمْشِي الثَّطَا، ويَجْلِسُ الهَبَنْقَعَهْ(14/112)
فَقَالَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَا تَقُولِي ذُؤال فإِنه شَرُّ السِّبَاعِ
، أَرادت أَنه يَمْشِي مَشْيَ الحَمْقَى كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ لَا يَتَكَلَّمُ إِلا بالحُمْق. وَيُقَالُ: هُوَ يَمْشِي الثَّطَا أَي يَخْطُو كَمَا يَخْطُو الصَّبِيُّ أَوَّل مَا يَدْرُج. والهَبَنْقَعَةُ: الأَحمق. وَذُؤَالٌ: تَرْخِيمُ ذُؤَالَةَ، وَهُوَ الذِّئْبُ. والقَرْمُ: السَّيِّد. وَقَدْ رُوِيَ:
فُلَانٌ مِنْ ثَطَاتِه لَا يَعْرِف قَطاتَه مِنْ لَطاته
، والأَعْرفُ فُلَانٌ مِنْ لَطاته، والقَطاةُ: مَوْضِعُ الرَّدِيفِ مِنَ الدَّابَّةِ، واللطاةُ: غُرَّة الْفَرَسِ؛ أَراد أَنه لَا يَعْرِفُ مِنْ حُمْقه مقدَّم الْفَرَسِ مِنْ مُؤَخَّرِهِ، قَالَ: وَيُقَالُ إِن أَصل الثَّطا مِنَ الثَّأْطة، وَهِيَ الحَمْأَة. والثُّطَى: العناكب، والله أَعلم.
ثعا: الثَّعْوُ: ضَرْبٌ مِنَ التَّمْر. وَقِيلَ: هُوَ مَا عَظُمَ مِنْهُ، وَقِيلَ: هُوَ مَا لَانَ مِنَ البُسْر؛ حَكَاهُ أَبو حَنِيفَةَ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والأَعرف النَّعْوُ.
ثغا: الثُّغاءُ: صوتُ الشَّاءِ والمَعَز وَمَا شَاكَلَهَا، وَفِي الْمُحْكَمِ: الثُّغَاءُ صَوْتُ الْغَنَمِ والظِّباء عِنْدَ الْوِلَادَةِ وَغَيْرِهَا. وَقَدْ ثَغَا يَثْغُو وثَغَتْ تَثْغُو ثُغَاءً أَي صَاحَتْ. والثَّاغِيَة: الشَّاةُ. وَمَا لَهُ ثَاغٍ وَلَا راغٍ وَلَا ثَاغِيَة وَلَا راغِيَة؛ الثَّاغِيَة الشَّاةُ والراغِيَة النَّاقَةُ أَي مَا لَهُ شَاةٌ وَلَا بَعِيرٌ. وَتَقُولُ: سَمِعْتُ ثَاغِيَةَ الشَّاءِ أَي ثُغاءها، اسمٌ عَلَى فاعلَة، وَكَذَلِكَ سَمِعْتُ راغِية الإِبل وَصَوَاهِلَ الْخَيْلِ. وَفِي حَدِيثِ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا:
لَا تجيءُ بِشاة لَهَا ثُغَاءٌ
؛ الثُّغاءُ: صِيَاحُ الْغَنَمِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
جَابِرٍ: عَمَدْتُ إِلى عَنْزٍ لأَذْبَحَها فثَغَتْ فسَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثَغْوَتَها فَقَالَ لَا تَقْطَعْ دَرّاً وَلَا نَسْلًا
؛ الثَّغْوة:؛ المرَّة مِنَ الثُّغاء. وأَتيته فَمَا أَثْغَى وَلَا أَرْغى أَي مَا أَعطاني شَاةً تَثْغُو وَلَا بَعِيرًا يَرْغُو. وَيُقَالُ: أَثْغَى شَاتَهُ وأَرْغَى بعِيره إِذا حَمَلَهُمَا عَلَى الثُّغاء والرُّغاء. وما بِالدَّارِ ثاغٍ وَلَا راغٍ أَي أَحد. وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ فِي الْمُعْتَلِّ بِالْيَاءِ: الثَّغْيَة الْجُوعُ وإِقْفار الحَيّ.
ثفا: ثَفَوْتُه: كُنْتُ مَعَهُ عَلَى إِثره. وثَفَاه يَثْفِيه: تَبِعَه. وَجَاءَ يَثْفُوه أَي يَتْبَعه. قَالَ أَبو زَيْدٍ: تَأَثَّفَكَ الأَعداء أَي اتَّبعوك وأَلَحُّوا عَلَيْكَ وَلَمْ يَزَالُوا بِكَ يُغْرُونَك بِي «2» . أَبو زَيْدٍ: خامَرَ الرجلُ الْمَكَانَ إِذا لَمْ يَبْرَحْه، وَكَذَلِكَ تأَثَّفَه. ابْنُ بَرِّيٍّ: يُقَالُ ثَفَاه يَثْفُوه إِذا جَاءَ فِي إِثره؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
يُبادِرُ الآثارَ أَن يؤوبا، ... وحاجِبَ الجَوْنَة أَنْ يَغِيبا
بمُكْرَباتٍ قُعِّبَتْ تَقْعِيبا، ... كالذِّئْبِ يَثْفُو طَمَعاً قَرِيبَا
والأُثْفِيَّة: مَا يُوضَعُ عَلَيْهِ القِدْر، تَقْدِيرُهُ أُفْعُولة، وَالْجُمَعُ أَثَافِيُّ وأَثَاثِيُّ؛ الأَخيرة عَنْ يَعْقُوبَ، قَالَ: وَالثَّاءُ بَدَلٌ مِنَ الْفَاءِ، وَقَالَ فِي جَمْعِ الأَثَافِي: إِن شِئْتَ خَفَّفْتَ؛ وَشَاهِدُ التَّخْفِيفِ قَوْلُ الرَّاجِزِ:
يَا دارَ هِنْدٍ عَفَت إِلَّا أَثَافِيها، ... بينَ الطَّوِيِّ، فصاراتٍ، فَوادِيها
وَقَالَ آخَرُ:
كأَنَّ، وَقَدْ أَتَى حَوْلٌ جدِيدٌ، ... أَثَافِيَها حَماماتٌ مُثُولُ
وَفِي حَدِيثِ
جَابِرٍ: والبُرْمَة بَيْنَ الأَثَافِيِ
، وَقَدْ تُخَفَّفُ الياءُ فِي الْجَمْعِ، وَهِيَ الْحِجَارَةُ الَّتِي تُنْصَبُ وَتُجْعَلُ الْقِدْرُ عَلَيْهَا، وَالْهَمْزَةُ فِيهَا زَائِدَةٌ. وثَفَّى الْقِدْرَ وأَثْفَاها: جَعَلَهَا عَلَى الأَثافي. وثَفَّيْتُها: وَضَعْتُهَا عَلَى الأَثافي. وأَثَّفْت القِدْرَ أَي جَعَلْتُ لَهَا أَثافيَّ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الْكُمَيْتِ:
وَما اسْتُنْزِلَتْ فِي غَيرِنا قِدْرُ جارِنا، ... وَلَا ثُفِّيَتْ إِلا بِنَا، حينَ تُنْصَب
__________
(2) . كأَنه ينظر بقوله هذا إلى قَوْلُ النَّابِغَةِ: لَا تقْذِفَنّي ... في الصفحة التالية(14/113)
وَقَالَ آخَرُ:
وذاكَ صَنِيعٌ لَمْ تُثَفَّ لَهُ قِدْرِي
وَقَوْلُ حُطامٍ الْمُجَاشِعِيِّ:
لَمْ يَبْقَ مِنْ آيٍ بِهَا يُحَلَّيْنْ ... غَيرُ خِطامٍ ورَمادٍ كِنْفَيْنْ
وصالِياتٍ كَكَما يُؤَثْفَيْنْ
جَاءَ بِهِ عَلَى الأَصل ضَرُورَةً وَلَوْلَا ذَلِكَ لَقَالَ يُثْفَيْن؛ قَالَ الأَزهري: أَراد يُثْفَيْنَ مِنْ أَثْفَى يُثْفِي، فَلَمَّا اضطرَّه بِنَاءُ الشِّعْرِ رَدَّهُ إِلى الأَصل فَقَالَ يُؤَثْفَيْن، لأَنك إِذا قُلْتَ أَفْعل يُفْعِل علمتَ أَنه كَانَ فِي الأَصل يُؤَفْعِل؛ فَحُذِفَتِ الْهَمْزَةُ لِثِقَلِهَا كَمَا حَذَفُوا أَلف رأَيت مِنْ أَرى، وَكَانَ فِي الأَصل أَرْأَى، فَكَذَلِكَ مِنْ يَرَى وتَرَى ونَرَى، الأَصل فِيهَا يَرْأَى وتَرْأَى ونَرْأَى، فإِذا جَازَ طَرْحُ هَمْزَتِهَا، وَهِيَ أَصلية، كَانَتْ هَمْزَةُ يُؤَفْعِلُ أَولى بِجَوَازِ الطَّرْحِ لأَنها لَيْسَتْ مِنْ بِنَاءِ الْكَلِمَةِ فِي الأَصل؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ:
كُرات غُلامٍ مِنْ كِساءٍ مُؤَرْنَبِ
وَوَجْهُ الْكَلَامِ: مُرْنَب، فَرَدَّهُ إِلى الأَصل. وَيُقَالُ: رَجُلٌ مُؤَنْمَل إِذا كَانَ غَلِيظَ الأَنامل، وإِنما أَجمعوا عَلَى حَذْفِ هَمْزَةِ يُؤَفْعِل اسْتِثْقَالًا لِلْهَمْزَةِ لأَنها كالتقَيُّؤِ، ولأَن فِي ضَمَّةِ الْيَاءِ بَيَانًا وَفَصْلًا بَيْنَ غَابِرِ فِعْل فَعَلَ وأَفْعَل، فَالْيَاءُ مِنْ غَابِرِ فعَل مَفْتُوحَةٌ، وَهِيَ مِنْ غَابِرِ أَفْعل مَضْمُومَةٌ، فأَمنوا اللَّبْسَ وَاسْتَحْسَنُوا تَرْكَ الْهَمْزَةِ إِلا فِي ضَرُورَةِ شِعْرٍ أَو كَلَامٍ نَادِرٍ. وَرَمَاهُ اللَّهُ بِثَالِثَةِ الأَثَافِي: يَعْنِي الْجَبَلَ لأَنه يَجْعَلُ صَخْرَتَانِ إِلى جَانِبِهِ وَيُنْصَبُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمَا الْقِدْرُ، فَمَعْنَاهُ رَمَاهُ اللَّهُ بِمَا لَا يَقُومُ لَهُ. الأَصمعي: مِنْ أَمثالهم فِي رَمْي الرَّجُلِ صَاحِبَهُ بالمعْضِلات: رَمَاهُ اللَّهُ بِثَالِثَةِ الأَثَافِي؛ قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: ثَالِثَةُ الأَثَافِي الْقِطْعَةُ مِنَ الْجَبَلِ يُجْعَلُ إِلى جَانِبِهَا اثْنَتَانِ، فَتَكُونُ الْقِطْعَةُ مُتَّصِلَةً بِالْجَبَلِ؛ قَالَ خُفافْ بْنُ نُدْبَة:
وإِنَّ قَصِيدَةً شَنْعاءَ مِنِّي، ... إِذا حَضَرَت، كثالثةِ الأَثَافِي
وَقَالَ أَبو سَعِيدٍ: مَعْنَى قَوْلِهِمْ رَمَاهُ اللَّهُ بِثَالِثَةِ الأَثَافِي أَي رَمَاهُ بِالشَّرِّ كُلّه فَجَعَلَهُ أُثْفِية بَعْدَ أُثْفِية حَتَّى إِذا رُمي بِالثَّالِثَةِ لَمْ يَتْرُكْ مِنْهَا غَايَةً؛ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ عَلْقَمَةَ:
بَلْ كُلُّ قَوْمٍ، وإِن عزُّوا وإِن كَرُمُوا، ... عَرِيفُهم بأَثَافِي الشَّرِّ مَرْجوم
أَلا تَرَاهُ قَدْ جَمَعَهَا لَهُ؟ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: والأُثْفِيَّة حَجَرٌ مِثْلُ رأْس الإِنسان، وَجَمْعُهَا أَثَافِيُّ، بِالتَّشْدِيدِ، قَالَ: وَيَجُوزُ التَّخْفِيفُ، وتُنصب الْقُدُورُ عَلَيْهَا، وَمَا كَانَ مِنْ حَدِيدٍ ذِي ثَلَاثِ قَوَائِمَ فإِنه يُسَمَّى المِنْصَب، وَلَا يُسَمَّى أُثْفِيّة. وَيُقَالُ: أَثْفَيْت القِدْرَ وثَفَّيْتُها إِذا وَضَعْتَهَا عَلَى الأَثافي، والأُثْفِيَّة: أُفْعُولة مِنْ ثَفَّيْت، كَمَا يُقَالُ أُدْحِيّة لِمَبيض النَّعَامِ مِنْ دَحَيْت. وَقَالَ اللَّيْثُ: الأُثْفِيَّة فُعْلوية مِنْ أَثّفْت، قَالَ: وَمَنْ جَعَلَهَا كَذَلِكَ قَالَ أَثَّفْت الْقِدْرَ، فَهِيَ مُؤَثَّفة، وَقَالَ آثَفْت الْقِدْرَ فَهِيَ مُؤْثَفَة؛ قَالَ النَّابِغَةِ:
لَا تَقْذِفَنِّي برُكْنٍ لَا كِفاءَ لَهُ، ... وَلَوْ تَأَثَّفَك الأَعْداءُ بالرِّفْدِ
وَقَوْلُهُ: وَلَوْ تأَثَّفَك الأَعْداء أَي تَرَافَدُوا حَوْلَكَ مُتضافرِين عليَّ وأَنت النارُ بَيْنَهُمْ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَقَوْلُ النَّابِغَةِ:
وَلَوْ تأَثَّفَك الأَعْداءُ بالرِّفَدِ
قَالَ: لَيْسَ عِنْدِي مِنَ الأُثْفِيَة فِي شَيْءٍ، وإِنما هُوَ مِنْ قَوْلِكَ أَثَفْت الرَّجُلَ آثِفُه إِذا تَبِعْته، والآثِفُ التَّابِعُ. وَقَالَ النَّحْوِيُّونَ: قِدْر مُثْفاة مِنْ أَثْفَيْت.(14/114)
والمُثَفَّاة «1» . المرأَة الَّتِي لِزَوْجِهَا امرأَتان سِوَاهَا، شُبِّهَتْ بأَثافي الْقِدْرِ. وثُفِّيَت المرأَة إِذا كَانَ لِزَوْجِهَا امرأَتان سِوَاهَا وَهِيَ ثالثتهما، شُبِّهْنَ بأَثافي الْقِدْرِ؛ وَقِيلَ: المُثَفَّاة المرأَة الَّتِي يَمُوتُ لَهَا الأَزواج كَثِيرًا، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ المُثَفَّى، وَقِيلَ: المُثَفَّاة الَّتِي مَاتَ لَهَا ثَلَاثَةُ أَزواج. والمُثَفَّى: الَّذِي مَاتَ لَهُ ثَلَاثُ نِسْوَةٍ. الْجَوْهَرِيُّ: والمُثَفِّيَة الَّتِي مَاتَ لَهَا ثَلَاثَةُ أَزواج، وَالرَّجُلُ مُثَفٍّ. والمُثَفَّاة: سِمَةٌ كالأَثافي. وأُثَيْفِيَات: مَوْضِعٌ، وَقِيلَ: أُثَيْفِيات أَجْبل صِغَارٌ شُبِّهَتْ بأَثافي الْقِدْرِ؛ قَالَ الرَّاعِي:
دَعَوْن قُلوبَنا بأُثَيْفِيَاتٍ، ... فأَلْحَقْنا قَلائِصَ يَعْتَلِينا
وَقَوْلُهُمْ: بَقِيَتْ مِنْ فُلَانٍ أُثْفِيَة خَشْناء أَي بَقِيَ منهم عدد كثير.
ثلا: التَّهْذِيبِ: ابْنُ الأَعرابي ثَلا إِذا سَافَرَ، قَالَ: والثَّلِيُّ الكثير المال.
ثني: ثَنَى الشيءَ ثَنْياً: ردَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ، وَقَدْ تَثَنَّى وانْثَنَى. وأَثْنَاؤُه ومَثَانِيه: قُواه وَطَاقَاتُهُ، وَاحِدُهَا ثِنْي ومَثْنَاة ومِثْنَاة؛ عَنْ ثَعْلَبٍ. وأَثْنَاء الحَيَّة: مَطاوِيها إِذا تَحَوَّتْ. وثِنْي الْحَيَّةِ: انْثِنَاؤُها، وَهُوَ أَيضاً مَا تَعَوَّج مِنْهَا إِذا تَثَنَّتْ، وَالْجَمْعُ أَثْنَاء؛ وَاسْتَعَارَهُ غَيْلَانُ الرَّبَعِي لِلَّيْلِ فَقَالَ:
حَتَّى إِذا شَقَّ بَهِيمَ الظَّلْماءْ، ... وساقَ لَيْلًا مُرْجَحِنَّ الأَثْنَاءْ
وَهُوَ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ اسْمٌ. وَفِي صِفَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
ليسَ بِالطَّوِيلِ المُتَثَنِي
؛ هُوَ الذَّاهِبُ طُولًا، وأَكثر مَا يُسْتَعْمَلُ فِي طَوِيلٍ لَا عَرْض لَهُ. وأَثْنَاء الوادِي: مَعاطِفُه وأَجْراعُه. والثِّنْي مِنَ الْوَادِي وَالْجَبَلِ: مُنْقَطَعُه. ومَثَانِي الْوَادِي ومَحانِيهِ: مَعاطِفُه. وتَثَنَّى فِي مِشيته. والثِّنْي: وَاحِدُ أَثْنَاء الشَّيْءِ أَي تَضَاعِيفُهُ؛ تَقُولُ: أَنفذت كَذَا ثِنْيَ كِتَابِي أَي فِي طَيّه. وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ تَصِفُ أَباها، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: فأَخذ بطَرَفَيْه ورَبَّقَ لكُمْ أَثْنَاءَه
أَي مَا انْثَنَى مِنْهُ، وَاحِدُهَا ثِنْيٌ، وَهِيَ مَعَاطِفُ الثَّوْبِ وَتَضَاعِيفُهُ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي هُرَيْرَةَ: كَانَ يَثْنِيه عَلَيْهِ أَثْنَاءً مِنْ سَعَتِه
، يَعْنِي ثَوْبَهُ. وثَنَيْت الشَّيْءَ ثَنْياً: عَطَفْتُهُ. وثَنَاه أَي كَفَّه. وَيُقَالُ: جَاءَ ثَانِياً مِنْ عِنانه. وثَنَيْته أَيضاً: صَرَفته عَنْ حَاجَتِهِ، وَكَذَلِكَ إِذا صِرْتَ لَهُ ثَانِيًا. وثَنَّيْته تَثْنِيَةً أَي جَعَلْتُهُ اثْنَيْنِ. وأَثْنَاءُ الوِشاح: مَا انْثنَى مِنْهُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
تَعَرُّض أَثْنَاء الوِشاح المُفَصَّل «2»
. وَقَوْلُهُ:
فإِن عُدَّ مِنْ مَجْدٍ قديمٍ لِمَعْشَر، ... فَقَوْمي بِهِمْ تُثْنَى هُناك الأَصابع
يَعْنِي أَنهم الْخِيَارُ الْمَعْدُودُونَ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، لأَن الْخِيَارَ لَا يَكْثُرُونَ. وَشَاةٌ ثانِيَةٌ بَيِّنة الثِّنْي: تَثْني عُنُقَهَا لِغَيْرِ عِلَّةٍ. وثَنَى رِجْلَه عَنْ دَابَّتِهِ: ضَمَّهَا إِلى فَخْذِهِ فَنَزَلَ، وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذا نَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ. اللَّيْثُ: إِذا أَراد الرَّجُلُ وَجْهًا فَصَرَفْتَهُ عَنْ وَجْهِهِ قُلْتَ ثَنَيْته ثَنْياً. وَيُقَالُ: فُلَانٌ لَا يُثْنَى عَنْ قِرْنِه وَلَا عَنْ وجْهه، قَالَ: وإِذا فَعَلَ الرَّجُلُ أَمراً ثُمَّ ضَمَّ إِليه أَمراً آخَرَ قِيلَ ثَنَّى بالأَمر الثَّانِي يُثَنِّي تَثْنِية. وَفِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ:
مَنْ قَالَ عَقِيبَ الصَّلَاةِ وَهُوَ ثانٍ رِجْلَه
أَي عاطفٌ رِجْلَهُ فِي التَّشَهُّدِ قَبْلَ أَن ينهَض. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ:
مَنْ قَالَ قَبْلَ أَن يَثْنِيَ رِجْلَه
؛ قَالَ ابن
__________
(1) . قوله [والمُثَفَّاة إلخ] هكذا بضبط الأَصل فيه وفيما بعده والتكملة والصحاح وكذا في الأَساس، والذي في القاموس: المِثفاة بكسر الميم
(2) . البيت لإمرئ القيس من معلقته(14/115)
الأَثير: وَهَذَا ضِدُّ الأَول فِي اللَّفْظِ وَمِثْلُهُ فِي الْمَعْنَى، لأَنه أَراد قَبْلَ أَن يَصْرِفَ رَجْلَهُ عَنْ حَالَتِهَا الَّتِي هِيَ عَلَيْهَا فِي التَّشَهُّدِ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ
؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: نَزَلَتْ فِي بَعْضِ مَنْ كَانَ يلقى النبي، صلى الله عليه وسلم، بِمَا يُحِبُّ ويَنْطَوِي لَهُ عَلَى الْعَدَاوَةِ والبُغْض، فَذَلِكَ الثَّنْيُ الإِخْفاءُ؛ وَقَالَ الزَّجَّاجُ: يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ
أَي يُسِرُّونَ عَدَاوَةَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وَقَالَ غَيْرُهُ: يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ
يُجِنُّون ويَطْوُون مَا فِيهَا وَيَسْتُرُونَهُ اسْتِخْفَاءً مِنَ اللَّهِ بِذَلِكَ. وَرُوِيَ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنه قرأَ: أَلا إِنَّهم تَثْنَوْني صُدُورُهُمْ، قَالَ: وَهُوَ فِي الْعَرَبِيَّةِ تَنْثَني
، وَهُوَ مِنَ الفِعل افعَوْعَلْت. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وأَصله مِنْ ثَنَيت الشَّيْءَ إِذا حَنَيْته وعَطَفته وَطَوَيْتَهُ. وانْثَنَى أَي انْعطف، وَكَذَلِكَ اثْنَوْنَى عَلَى افْعَوْعَل. واثْنَوْنَى صَدْرُهُ عَلَى الْبَغْضَاءِ أَي انْحَنَى وَانْطَوَى. وَكُلُّ شَيْءٍ عَطَفْتَهُ فَقَدْ ثَنَيْتَهُ. قَالَ: وَسَمِعْتُ أَعرابيّاً يَقُولُ لِرَاعِي إِبل أَوردها الماءَ جُمْلَةً فَنَادَاهُ: أَلا واثْنِ وُجوهَها عَنِ الْمَاءِ ثُمَّ أَرْسِل مِنْها رِسْلًا رِسْلًا أَي قَطِيعًا، وأَراد بِقَوْلِهِ اثْنِ وُجوهها أَي اصْرِفْ وُجُوهَهَا عَنِ الْمَاءِ كَيْلَا تَزْدَحِمَ عَلَى الْحَوْضِ فَتَهْدِمَهُ. وَيُقَالُ لِلْفَارِسِ إِذا ثَنَى عُنُقَ دَابَّتِهِ عِنْدَ شدَّة حُضْرِه: جَاءَ ثَانِيَ العِنان. وَيُقَالُ لِلْفَرَسِ نَفْسُهُ: جَاءَ سَابِقًا ثَانِياً إِذا جَاءَ وَقَدْ ثَنَى عُنُقَهُ نَشاطاً لأَنه إِذا أَعيا مَدَّ عنقه، وإِذا لم يجئ وَلَمْ يَجْهَد وَجَاءَ سيرُه عَفْواً غَيْرَ مَجْهُودٍ ثَنَى عُنُقَهُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
ومَن يَفْخَرْ بِمِثْلِ أَبي وجَدِّي، ... يَجِئْ قَبْلَ السَّوَابِقِ، وهْو ثَانِي
أَي يجئ كَالْفَرَسِ السَّابِقِ الَّذِي قَدْ ثَنى عُنُقَهُ، وَيَجُوزُ أَن يَجْعَلَهُ كَالْفَارِسِ الَّذِي سَبَقَ فرسُه الْخَيْلَ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ قَدْ ثَنى مِنْ عُنُقِهِ. والاثْنان: ضِعْفُ الْوَاحِدِ. فأَما قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ، فَمِنَ التَّطَوُّعِ المُشامِ لِلتَّوْكِيدِ، وَذَلِكَ أَنه قَدْ غَنِيَ بِقَوْلِهِ إِلَهَيْن عَنِ اثْنَيْنِ، وإِنما فَائِدَتُهُ التَّوْكِيدُ وَالتَّشْدِيدُ؛ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى؛ أَكد بِقَوْلِهِ الْأُخْرى، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ، فَقَدْ عُلِمَ بِقَوْلِهِ نَفْخَةٌ أَنها وَاحِدَةٌ فأَكد بِقَوْلِهِ واحِدَةٌ، وَالْمُؤَنَّثُ الثِّنْتان، تَاؤُهُ مُبْدَلَةٌ مِنْ يَاءٍ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنه مِنَ الْيَاءِ أَنه مِنْ ثَنيْت لأَن الِاثْنَيْنِ قَدْ ثُنِّيَ أَحدهما إِلى صَاحِبِهِ، وأَصله ثَنَيٌ، يَدُلُّكَ عَلَى ذَلِكَ جَمْعُهُمْ إِياه عَلَى أَثْناء بِمَنْزِلَةِ أَبناء وآخاءٍ، فَنَقَلُوهُ مِنْ فَعَلٍ إِلى فِعْلٍ كَمَا فَعَلُوا ذَلِكَ فِي بِنْتٍ، وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ تَاءٌ مُبْدَلَةٌ مِنَ الْيَاءِ فِي غَيْرِ افْتَعَلَ إِلا مَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ مِنْ قَوْلِهِمْ أَسْنَتُوا، وَمَا حَكَاهُ أَبو عَلِيٍّ مِنْ قَوْلِهِمْ ثِنْتَان، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ
؛ إِنما الْفَائِدَةُ فِي قَوْلِهِ اثْنَتَيْنِ بَعْدَ قَوْلِهِ كانَتَا تَجَرُّدُهُمَا مِنْ مَعْنَى الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ، وإِلا فَقَدْ عُلِمَ أَن الأَلف فِي كانَتَا وَغَيْرِهَا مِنَ الأَفعال عَلَامَةُ التَّثْنِيَةِ. وَيُقَالُ: فُلَانٌ ثَانِيَ اثْنَين أَي هُوَ أَحدهما، مُضَافٌ، وَلَا يُقَالُ هُوَ ثانٍ اثْنَين، بِالتَّنْوِينِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مُشْبَعًا فِي تَرْجَمَةِ ثَلَثَ. وَقَوْلُهُمْ: هَذَا ثَانِي اثْنَين أَي هُوَ أَحد اثْنَيْنِ، وَكَذَلِكَ ثالثُ ثلاثةٍ مُضَافٌ إِلى الْعَشَرَةِ، وَلَا يُنَوَّن، فإِن اخْتَلَفَا فأَنت بِالْخِيَارِ، إِن شِئْتَ أَضفت، وإِن شِئْتَ نَوَّنْتَ وَقُلْتَ هَذَا ثَانِي وَاحِدٍ وثانٍ وَاحِدًا، الْمَعْنَى هَذَا ثَنَّى وَاحِدًا، وَكَذَلِكَ ثالثُ اثْنَيْنِ وثالثٌ اثْنَيْنِ، وَالْعَدَدُ مَنْصُوبٌ مَا بَيْنَ أَحد عَشَرَ إِلى تِسْعَةَ عَشَرَ فِي الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْخَفْضِ إِلا اثْنَيْ عَشَرَ فإِنك تُعْرِبُهُ عَلَى هِجَاءَيْنِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ عِنْدَ قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ وَالْعَدَدُ مَنْصُوبٌ مَا بَيْنَ أَحد عَشَرَ إِلى تِسْعَةَ عَشَرَ،(14/116)
قَالَ: صَوَابُهُ أَن يَقُولَ وَالْعَدَدُ مَفْتُوحٌ، قَالَ: وَتَقُولُ لِلْمُؤَنَّثِ اثْنَتَانِ، وإِن شِئْتَ ثِنْتَان لأَن الأَلف إِنما اجْتُلِبَتْ لِسُكُونِ الثَّاءِ فَلَمَّا تَحَرَّكَتْ سَقَطَتْ. وَلَوْ سُمِّيَ رَجُلٌ باثْنَيْن أَو باثْنَي عَشَرَ لَقُلْتَ فِي النِّسْبَةِ إِليه ثَنَوِيٌّ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ فِي ابْنٍ بَنَوِيٌّ، واثْنِيٌّ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ ابْنِيٌّ؛ وأَما قَوْلُ الشَّاعِرِ:
كأَنَّ خُصْيَيْه مِنَ التَّدَلْدُلِ ... ظَرْفُ عجوزٍ فِيهِ ثِنْتا حَنْظَلِ
أَراد أَن يَقُولَ: فِيهِ حَنْظَلَتَانِ، فأَخرج الاثْنَين مَخْرَجَ سَائِرِ الأَعداد لِلضَّرُورَةِ وأَضافه إِلى مَا بَعْدَهُ، وأَراد ثِنْتان مِنْ حَنْظَلٍ كَمَا يُقَالُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وأَربعة دَرَاهِمَ، وَكَانَ حَقُّهُ فِي الأَصل أَن يَقُولَ اثْنَا دَرَاهِمَ وَاثْنَتَا نِسْوَةٍ، إِلَّا أَنهم اقْتَصَرُوا بِقَوْلِهِمْ دِرْهَمَانِ وامرأَتان عَنْ إِضافتهما إِلى مَا بَعْدَهُمَا.
وَرَوَى شِمْرٌ بإِسناد لَهُ يَبْلُغُ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ أَنه سأَل النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ الإِمارة فَقَالَ: أَوَّلها مَلامة وثِناؤُها نَدامة وثِلاثُها عذابٌ يومَ الْقِيَامَةِ إِلَّا مَنْ عَدَل
؛ قَالَ شِمْرٌ: ثِناؤها أَي ثَانِيهَا، وثِلاثها أَي ثَالِثُهَا. قَالَ: وأَما ثُناءُ وثُلاثُ فَمَصْرُوفَانِ عَنْ ثَلَاثَةٍ ثَلَاثَةٍ وَاثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، وَكَذَلِكَ رُباعُ ومَثْنَى؛ وأَنشد:
وَلَقَدْ قَتَلْتُكُمُ ثُناءَ ومَوْحَداً، ... وتركتُ مُرَّةَ مثلَ أَمْسِ الدَّابِرِ
وَقَالَ آخَرُ:
أُحاد ومَثْنَى أَضْعَفَتْها صَواهِلُه
اللَّيْثُ: اثْنَان اسْمَانِ لَا يُفْرَدَانِ قَرِينَانِ، لَا يُقَالُ لأَحدهما اثْنٌ كَمَا أَن الثَّلَاثَةَ أَسماء مُقْتَرِنَةٌ لَا تُفَرَّقُ، وَيُقَالُ فِي التأْنيث اثْنَتان وَلَا يُفْرَدَانِ، والأَلف فِي اثْنَيْنِ أَلف وَصْلٍ، وَرُبَّمَا قَالُوا اثْنتان كَمَا قَالُوا هِيَ ابْنَةُ فُلَانٍ وَهِيَ بِنْتُهُ، والأَلف فِي الِابْنَةِ أَلف وَصْلٍ لَا تَظْهَرُ فِي اللَّفْظِ، والأَصل فِيهِمَا ثَنَيٌ، والأَلف فِي اثْنَتَيْن أَلف وَصْلٍ أَيضاً، فإِذا كَانَتْ هَذِهِ الأَلف مَقْطُوعَةً فِي الشِّعْرِ فَهُوَ شَاذٌّ كَمَا قَالَ قَيْسُ بْنُ الخَطِيم:
إِذا جاوَزَ الإِثْنَيْن سِرٌّ، فإِنه ... بِنثٍّ وتَكْثيرِ الوُشاةِ قَمِينُ
غَيْرُهُ: واثْنَان مِنْ عَدَدِ الْمُذَكَّرِ، واثْنَتَان لِلْمُؤَنَّثِ، وَفِي المؤَنث لُغَةٌ أُخرى ثِنْتَان بِحَذْفِ الأَلف، وَلَوْ جَازَ أَن يُفْرَدَ لَكَانَ وَاحِدُهُ اثْنٍ مِثْلَ ابْنٍ وَابْنَةٍ وأَلفه أَلف وَصْلٍ، وَقَدْ قَطَعَهَا الشَّاعِرُ عَلَى التَّوَهُّمِ فَقَالَ:
أَلا لَا أَرى إِثْنَيْنِ أَحْسنَ شِيمةً، ... عَلَى حدثانِ الدهرِ، مِنِّي ومنْ جُمْل
والثَّنْي: ضَمُّ وَاحِدٍ إِلى وَاحِدٍ، والثِّنْيُ الِاسْمُ، وَيُقَالُ: ثِنْيُ الثَّوْبِ لِمَا كُفَّ مِنْ أَطرافه، وأَصل الثَّنْي الكَفّ. وثَنَّى الشيءَ: جَعَلَهُ اثْنَيْنِ، واثَّنَى افْتَعَلَ مِنْهُ، أَصله اثْتنَى فَقُلِبَتِ الثَّاءُ تَاءً لأَن التَّاءَ آخَتِ الثَّاءَ فِي الْهَمْسِ ثُمَّ أُدغمت فِيهَا؛ قَالَ:
بَدا بِأَبي ثُمَّ اتَّنى بأَبي أَبي، ... وثَلَّثَ بالأَدْنَيْنَ ثَقْف المَحالب «3»
. هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الِاسْتِعْمَالِ وَالْقَوِيُّ فِي الْقِيَاسِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْلِبُ تَاءَ افْتَعَلَ ثَاءً فَيَجْعَلُهَا مَنْ لَفْظِ الْفَاءِ قَبْلَهَا فَيَقُولُ اثَّنَى واثَّرَدَ واثَّأَرَ، كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ فِي ادَّكر اذَّكر وَفِي اصْطَلحوا اصَّلحوا. وَهَذَا ثَانِي هَذَا أَي الَّذِي شَفَعَهُ. وَلَا يُقَالُ ثَنَيْته إِلَّا أَن أَبا زَيْدٍ قَالَ: هو واحد ف اثْنِه أَي كُنْ لَهُ ثَانِيًا. وَحَكَى ابْنُ الأَعرابي أَيضاً: فُلَانٌ لَا يَثْنِي وَلَا يَثْلِثُ أَي هُوَ رَجُلٌ كَبِيرٌ فإِذا أَراد النُّهوض لَمْ يَقْدِرْ فِي مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ وَلَا فِي الثَّالِثَةِ. وشَرِبْتُ اثْنَا القَدَح وشرِبت اثْنَيْ هَذَا القَدَح أَي اثْنَيْنِ مِثلَه، وَكَذَلِكَ
__________
(3) . قوله [ثقف المحالب] هو هكذا بالأَصل(14/117)
شَرِبْتُ اثْنَيْ مُدِّ الْبَصْرَةِ، واثْنَيْن بِمدِّ الْبَصْرَةِ. وثَنَّيْتُ الشَّيْءَ: جَعَلْتُهُ اثْنَيْنِ. وَجَاءَ الْقَوْمُ مَثْنَى مَثْنَى أَي اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ. وَجَاءَ الْقَوْمُ مَثْنَى وثُلاثَ غَيْرَ مَصْرُوفَاتٍ لِمَا تَقَدَّمَ فِي ث ل ث، وَكَذَلِكَ النِّسْوَةُ وَسَائِرُ الأَنواع، أَي اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ وَثِنْتَيْنِ ثِنْتَيْنِ. وَفِي حَدِيثِ الصَّلَاةِ
صَلَاةُ اللَّيْلِ: مَثْنَى مَثْنَى
أَي رَكْعَتَانِ رَكْعَتَانِ بِتَشَهُّدٍ وَتَسْلِيمٍ، فَهِيَ ثُنَائِيَة لَا رُباعية. ومَثْنَى: مَعْدُولٌ مِنِ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:
فَمَا حَلَبَتْ إِلَّا الثَّلاثة والثُّنَى، ... ولا قَيَّلَتْ إِلَّا قريبا مَقالُها
قَالَ: أَراد بِالثَّلَاثَةِ الثَّلَاثَةُ مِنَ الْآنِيَةِ، وبالثُّنَى الِاثْنَيْنِ؛ وَقَوْلُ كُثَيِّرِ عِزَّةَ:
ذكرتَ عَطاياه، وليْستْ بحُجَّة ... عليكَ، وَلَكِنْ حُجَّةٌ لَكَ فَاثْنِني
قِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ: أَعطني مَرَّةً ثَانِيَةً وَلَمْ أَره فِي غَيْرِ هَذَا الشِّعْرِ. والاثْنَانِ: مِنْ أَيام الأُسبوع لأَن الأَول عِنْدَهُمُ الأَحد، وَالْجَمْعُ أَثْنَاء، وَحَكَى مُطَرِّزٌ عَنْ ثَعْلَبٍ أَثَانِين، ويومُ الإِثْنَيْن لَا يُثَنى وَلَا يُجْمَعُ لأَنه مُثَنَّى، فإِن أَحببت أَن تَجْمَعَهُ كأَنه صِفَةُ الْوَاحِدِ، وَفِي نُسْخَةٍ كأَن لَفْظَه مبنيٌّ لِلْوَاحِدِ، قُلْتَ أَثَانِين، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَثَانِين لَيْسَ بِمَسْمُوعٍ وإِنما هُوَ مِنْ قَوْلِ الْفَرَّاءِ وقِياسِه، قَالَ: وَهُوَ بَعِيدٌ فِي الْقِيَاسِ؛ قَالَ: وَالْمَسْمُوعُ فِي جَمْعِ الاثْنَيْن أَثْنَاء عَلَى مَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ، قَالَ: وَحَكَى السِّيرَافِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ الْعَرَبِ أَنَّ فُلَانًا لَيَصُومَ الأَثْنَاء وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ لَيَصُومَ الثُّنِيَّ عَلَى فُعول مِثْلَ ثُدِيٍّ، وَحَكَى سِيبَوَيْهِ عَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ الْيَوْمَ الثِّنَى، قَالَ: وأَما قَوْلُهُمُ اليومُ الإثْنانِ، فإِنما هُوَ اسْمُ الْيَوْمِ، وإِنما أَوقعته الْعَرَبُ عَلَى قَوْلِكَ اليومُ يَوْمَانِ واليومُ خمسةَ عشرَ مِنَ الشَّهْرِ، وَلَا يُثَنَّى، وَالَّذِينَ قَالُوا اثْنَيْ جَعَلُوا بِهِ عَلَى الاثْن، وإِن لَمْ يُتَكلم بِهِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الثُّلَاثَاءِ والأَربعاء يَعْنِي أَنه صَارَ اسْمًا غَالِبًا؛ قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَقَدْ قَالُوا فِي الشِّعْرِ يَوْمَ إِثْنَيْن بِغَيْرِ لَامٍ؛ وأَنشد لأَبي صَخْرٍ الْهُذَلِيِّ:
أَرائحٌ أَنت يومَ إِثْنَيْنِ أَمْ غَادِي، ... ولمْ تُسَلِّمْ عَلَى رَيْحانَةِ الوادي؟
قال: وَكَانَ أَبو زِيَادٍ يَقُولُ مَضى الإثْنَانِ بِمَا فِيهِ، فيوحِّد ويذكِّر، وَكَذَا يَفْعل فِي سَائِرِ أَيام الأُسبوع كُلِّهَا، وَكَانَ يؤنِّث الْجُمُعَةَ، وَكَانَ أَبو الجَرَّاح يَقُولُ: مَضَى السَّبْتُ بِمَا فِيهِ، وَمَضَى الأَحد بِمَا فِيهِ، وَمَضَى الإثْنانِ بِمَا فِيهِمَا، وَمَضَى الثُّلَاثَاءُ بِمَا فِيهِنَّ، وَمَضَى الأَربعاء بِمَا فِيهِنَّ، وَمَضَى الْخَمِيسُ بِمَا فِيهِنَّ، وَمَضَتِ الْجُمُعَةُ بِمَا فِيهَا، كَانَ يُخْرِجُهَا مُخْرج الْعَدَدِ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: اللَّامُ فِي الإثْنَيْنِ غَيْرُ زَائِدَةٍ وإِن لَمْ تَكُنِ الِاثْنَانِ صِفَةً؛ قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: إِنما أَجازوا دُخُولَ اللَّامِ عَلَيْهِ لأَن فِيهِ تَقْدِيرَ الْوَصْفِ، أَلا تَرَى أَن مَعْنَاهُ الْيَوْمُ الثَّانِي؟ وَكَذَلِكَ أَيضاً اللَّامُ فِي الأَحد وَالثُّلَاثَاءِ والأَربعاء وَنَحْوِهَا لأَن تَقْدِيرَهَا الْوَاحِدُ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ وَالْخَامِسُ وَالْجَامِعُ وَالسَّابِتُ، وَالسَّبْتُ الْقَطْعُ، وَقِيلَ: إِنما سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَن اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والأَرض فِي سِتَّةِ أَيام أَولها الأَحد وَآخِرُهَا الْجُمُعَةُ، فأَصبحت يَوْمَ السَّبْتِ مُنْسَبِتَةً أَي قَدْ تَمَّتْ وَانْقَطَعَ الْعَمَلُ فِيهَا، وَقِيلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَن الْيَهُودَ كَانُوا يَنْقَطِعُونَ فِيهِ عَنْ تَصَرُّفِهِمْ، فَفِي كِلَا الْقَوْلَيْنِ مَعْنَى الصِّفَةِ مَوْجُودٌ. وَحَكَى ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي: لَا تَكُنِ اثْنَوِيّاً أَي مِمَّنْ يَصُومُ الِاثْنَيْنِ وَحْدَهُ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ(14/118)
الْعَظِيمَ؛ المَثَانِي مِنَ الْقُرْآنِ: مَا ثُنِّيَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، وَقِيلَ: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ، وَهِيَ سَبْعُ آيَاتٍ، قِيلَ لَهَا مَثَانٍ لأَنها يُثْنى بِهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ رَكَعَاتِ الصَّلَاةِ وَتُعَادُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؛ قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: سُمِّيَتْ آيَاتُ الْحَمْدِ مَثَانِي، وَاحِدَتُهَا مَثْنَاة، وَهِيَ سَبْعُ آيَاتٍ؛ وَقَالَ ثَعْلَبٌ: لأَنها تُثَنَّى مَعَ كُلِّ سُورَةٍ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي، ... وكلَّ خيرٍ صالحٍ أَعطاني،
رَبِّ مَثَانِي الآيِ وَالْقُرْآنِ
وَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ فِي ذِكْرِ الْفَاتِحَةِ:
هِيَ السَّبْعُ المَثَانِي
، وَقِيلَ: المَثَانِي سُوَر أَوَّلها الْبَقَرَةُ وَآخِرُهَا بَرَاءَةُ، وَقِيلَ: مَا كَانَ دُونَ المِئِين؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: كأَن المِئِين جُعِلَتْ مبادِيَ وَالَّتِي تَلِيهَا مَثَانِي، وَقِيلَ: هِيَ الْقُرْآنُ كُلُّهُ؛ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ:
مَنْ للقَوافي بعدَ حَسَّانَ وابْنِه؟ ... ومَنْ للمَثَانِي بعدَ زَيْدِ بنِ ثابتِ؟
قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ، وَاللَّهُ أَعلم، مِنَ المَثَانِي مِمَّا أُثْني بِهِ عَلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وتقدَّس لأَن فِيهَا حَمْدَ اللَّهِ وتوحيدَه وَذِكْرَ مُلْكه يومَ الدِّينِ، الْمَعْنَى؛ وَلَقَدْ آتَيناك سَبْعَ آيَاتٍ مِنْ جُمْلَةِ الْآيَاتِ الَّتِي يُثْنَى بِهَا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَآتَيْنَاكَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ
؛ أَي مُكَرَّرًا أَي كُرِّرَ فِيهِ الثوابُ والعقابُ؛ وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: المَثَانِي مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ثَلَاثَةُ أَشياء، سَمَّى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الْقُرْآنَ كُلَّهُ مَثَانِيَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ
؛ وسَمَّى فاتحةَ الْكِتَابِ مَثَانِي فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ
؛ قَالَ: وَسُمِّيَ الْقُرْآنُ مَثَانِي لأَن الأَنْباء والقِصَصَ ثُنِّيَتْ فِيهِ، وَيُسَمَّى جَمِيعُ الْقُرْآنِ مَثَانِيَ أَيضاً لِاقْتِرَانِ آيَةِ الرَّحْمَةِ بِآيَةِ الْعَذَابِ. قَالَ الأَزهري: قرأْت بِخَطِّ شَمِرٍ قَالَ
رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّف عَنْ أَصحاب عَبْدِ اللَّهِ أَن المَثَانِي سِتٌّ وَعِشْرُونَ سُورَةً وَهِيَ: سُورَةُ الْحَجِّ، وَالْقَصَصِ، وَالنَّمْلِ، وَالنُّورِ، والأَنفال، وَمَرْيَمَ، وَالْعَنْكَبُوتِ، وَالرُّومِ، وَيس، وَالْفُرْقَانِ، وَالْحِجْرِ، وَالرَّعْدِ، وَسَبَأٍ، وَالْمَلَائِكَةِ، وإِبراهيم، وَص، وَمُحَمَّدٍ، وَلُقْمَانَ، والغُرَف، وَالْمُؤْمِنِ، والزُّخرف، وَالسَّجْدَةِ، والأَحقاف، والجاثِيَة، وَالدُّخَانِ
، فَهَذِهِ هِيَ المَثَانِي عِنْدَ أَصحاب عَبْدِ اللَّهِ، وَهَكَذَا وَجَدْتُهَا فِي النُّسَخِ الَّتِي نُقِلَتْ مِنْهَا خَمْسًا وَعِشْرِينَ، وَالظَّاهِرُ أَن السَّادِسَةَ وَالْعِشْرِينَ هِيَ سُورَةُ الْفَاتِحَةِ، فإِما أَن أَسقطها النُّسَّاخُ وإِمّا أَن يَكُونَ غَنيَ عَنْ ذِكْرِهَا بِمَا قدَّمه مِنْ ذَلِكَ وإِما أَن يَكُونَ غَيْرَ ذَلِكَ؛ وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: المَثَانِي مِنْ سُوَرِ الْقُرْآنِ كُلُّ سُورَةٍ دُونَ الطُّوَلِ وَدُونَ المِئِين وَفَوْقَ المُفَصَّلِ؛
رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعُثْمَانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَالْمُفَصَّلُ يَلِي المَثَانِي، والمَثَانِي مَا دُونَ المِئِين
، وإِنما قِيلَ لِمَا ولِيَ المِئِينَ مِنَ السُّوَر مَثَانٍ لأَن الْمِئِينَ كأَنها مَبادٍ وَهَذِهِ مَثَانٍ، وأَما
قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: مِنْ أَشراط السَّاعَةِ أَن توضَعَ الأَخْيار وتُرْفَعَ الأَشْرارُ وأَن يُقْرَأَ فِيهِمْ بالمَثْنَاةِ على رؤوس الناسِ لَيْسَ أَحَدٌ يُغَيّرُها، قِيلَ: وَمَا المَثْنَاة؟ قَالَ: مَا اسْتُكْتِبَ مِنْ غَيْرِ كِتَابِ اللَّهِ كأَنه جَعَلَ مَا اسْتُكتب مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَبْدَأً وَهَذَا مَثْنىً
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: سأَلتُ رَجُلًا مِنْ أَهل العِلم بالكُتُبِ الأُوَلِ قَدْ عرَفها وقرأَها عَنِ المَثْنَاة فَقَالَ إِن الأَحْبار والرُّهْبان مِنْ بَنِي إِسرائيل مِنْ بَعْدِ مُوسَى(14/119)
وَضَعُوا كِتَابًا فِيمَا بَيْنَهُمْ عَلَى مَا أَرادوا مِنْ غَيْرِ كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ المَثْنَاة؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وإِنما كَرِهَ عَبْدُ اللَّهِ الأَخْذَ عَنْ أَهل الْكِتَابِ، وَقَدْ كَانَتْ عِنْدَهُ كُتُبٌ وَقَعَتْ إِليه يَوْمَ اليَرْمُوكِ مِنْهُمْ، فأَظنه قَالَ هَذَا لِمَعْرِفَتِهِ بِمَا فِيهَا، وَلَمْ يُرِدِ النَّهْيَ عَنْ حَدِيثِ رسول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسُنَّتِه وَكَيْفَ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ مِنْ أَكثر الصَّحَابَةِ حَدِيثًا عَنْهُ؟ وَفِي الصِّحَاحِ فِي تَفْسِيرِ المَثْنَاةِ قَالَ: هِيَ التي تُسَمَّى بالفارسية دُو بَيْتي، وهو الغِناءُ؛ قال: وأَبو عُبَيْدَةَ يَذْهَبُ فِي تأْويله إِلى غَيْرِ هَذَا. والمَثاني مِنْ أَوْتارِ العُود: الَّذِي بَعْدَ الأَوّل، وَاحِدُهَا مَثْنىً. اللِّحْيَانِيُّ: التَّثْنِيَةُ أَن يَفُوزَ قِدْحُ رَجُلٍ مِنْهُمْ فيَنجُو ويَغْنَم فيَطْلُبَ إِليهم أَن يُعِيدُوه عَلَى خِطارٍ، والأَول أَقْيَسُ «1» . وأَقْرَبُ إِلى الِاشْتِقَاقِ، وَقِيلَ: هُوَ مَا اسْتُكْتِبَ مِنْ غَيْرِ كِتَابِ اللَّهِ. ومَثْنَى الأَيادِي: أَن يُعِيدَ معروفَه مَرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا، وَقِيلَ: هُوَ أَن يأْخذَ القِسْمَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، وَقِيلَ: هُوَ الأَنْصِباءُ الَّتِي كانت تُفْصَلُ مِنَ الجَزُور، وَفِي التَّهْذِيبِ: مِنْ جَزُورِ المَيْسِر، فَكَانَ الرجلُ الجَوادُ يَشْرِيها فَيُطْعِمُها الأَبْرامَ، وَهُمُ الَّذِينَ لَا يَيْسِرون؛ هَذَا قَوْلُ أَبي عُبَيْدٍ: وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: مَثْنَى الأَيادِي أَن يَأْخُذَ القِسْمَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
يُنْبِيك ذُو عِرْضِهمْ عَنِّي وعالِمُهُمْ، ... وَلَيْسَ جاهلُ أَمْر مِثْلَ مَنْ عَلِمَا
إِني أُتَمِّمُ أَيْسارِي وأَمْنَحُهُمْ ... مَثْنَى الأَيادِي، وأَكْسُو الجَفْنَة الأُدُما
والمَثْنَى: زِمامُ النَّاقَةِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
تُلاعِبُ مَثْنَى حَضْرَمِيٍّ، كأَنَّهُ ... تَعَمُّجُ شَيْطانٍ بذِي خِرْوَعٍ قَفْرِ
والثِّنْيُ مِنَ النُّوقِ: الَّتِي وَضَعَتْ بَطْنَيْنِ، وثِنْيُها وَلَدُهَا، وَكَذَلِكَ المرأَة، وَلَا يُقَالُ ثِلْثٌ وَلَا فوقَ ذَلِكَ. وَنَاقَةٌ ثِنْيٌ إِذا وَلَدَتِ اثْنَيْنِ، وَفِي التَّهْذِيبِ: إِذا وَلَدَتْ بَطْنَيْنِ، وَقِيلَ: إِذا وَلَدَتْ بَطْنًا وَاحِدًا، والأَول أَقيس، وَجَمْعُهَا ثُنَاءٌ؛ عَنْ سِيبَوَيْهِ، جَعَلَهُ كظِئْرٍ وظُؤارٍ؛ وَاسْتَعَارَهُ لَبِيدٌ للمرأَة فَقَالَ:
لياليَ تحتَ الخِدْرِ ثِنْي مُصِيفَة ... مِنَ الأُدْم، تَرْتادُ الشُّرُوج القَوابِلا
وَالْجَمْعُ أَثْنَاء؛ قَالَ:
قامَ إِلى حَمْراءَ مِنْ أَثْنَائِها
قَالَ أَبو رِياش: وَلَا يُقَالُ بَعْدَ هَذَا شَيْءٌ مُشْتَقًّا؛ التَّهْذِيبِ: وَوَلَدُهَا الثَّانِي ثِنْيُها؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَالَّذِي سَمِعْتُهُ مِنَ الْعَرَبِ يَقُولُونَ لِلنَّاقَةِ إِذا وَلَدَتْ أَول وَلَدٍ تَلِدُهُ فَهِيَ بِكْر، وَوَلَدها أَيضاً بِكْرُها، فإِذا وَلَدَتِ الْوَلَدَ الثَّانِيَ فَهِيَ ثِنْيٌ، وَوَلَدُهَا الثَّانِي ثِنْيها، قَالَ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. وَقَالَ فِي شَرْحِ بَيْتِ لَبِيدٍ: قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ المُصِيفة الَّتِي تَلِدُ وَلَدًا وَقَدْ أَسنَّت، وَالرَّجُلُ كَذَلِكَ مُصِيف وَوَلَدُهُ صَيْفِيّ، وأَرْبَعَ الرجلُ وَوَلَدُهُ رِبْعِيُّون. والثَّوَانِي: القُرون الَّتِي بَعْدَ الأَوائل. والثِّنَى، بِالْكَسْرِ وَالْقَصْرِ: الأَمر يُعَادُ مَرَّتَيْنِ وأَن يُفْعَلَ الشيءَ مَرَّتَيْنِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُقَالُ ثِنىً وثُنىً وطِوىً وطُوىً وَقَوْمٌ عِداً وعُداً وَمَكَانٌ سِوىً وسُوىً. والثِّنَى فِي الصّدَقة: أَن تُؤْخَذَ فِي الْعَامِ مَرَّتَيْنِ.
وَيُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنه قَالَ: لَا ثِنَى فِي الصَّدَقَةِ
، مَقْصُورٌ، يَعْنِي لَا تُؤْخَذُ الصَّدَقَةُ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ؛ وَقَالَ الأَصمعي والكسائي، وأَنشد أَحدهما لِكَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ وَكَانَتِ امرأَته لَامَتْهُ في بَكْرٍ نحره:
__________
(1) . قوله [والأَول أقيس إلخ] أي من معاني المثناة في الحديث(14/120)
أَفي جَنْبِ بَكْرٍ قَطَّعَتْني مَلامَةً؟ ... لَعَمْري لَقَدْ كانَتْ مَلامَتُها ثِنَى
أَي لَيْسَ بأَوّل لومِها فَقَدْ فَعَلَتْهُ قَبْلَ هَذَا، وَهَذَا ثِنىً بَعْدَهُ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِثْلُهُ قَوْلُ عَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ:
أَعاذِلُ، إِنَّ اللَّوْمَ، فِي غَيْرِ كُنْهِهِ، ... عَليَّ ثِنىً مِنْ غَيِّكِ المُتَرَدِّد
قَالَ أَبو سَعِيدٍ: لَسْنَا نُنْكِرُ أَن الثِّنَى إِعادة الشَّيْءِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ وجهَ الْكَلَامِ وَلَا مَعْنَى الْحَدِيثِ، وَمَعْنَاهُ أَن يَتَصَدَّقَ الرَّجُلُ عَلَى آخَرَ بِصَدَقَةٍ ثُمَّ يَبْدُو لَهُ فَيُرِيدُ أَن يستردَّها، فَيُقَالُ لَا ثِنَى فِي الصَّدَقَةِ أَي لَا رُجُوعَ فِيهَا، فَيَقُولُ المُتَصَدِّقُ بِهَا عَلَيْهِ لَيْسَ لَكَ عليَّ عُصْرَةُ الْوَالِدِ أَي لَيْسَ لَكَ رُجُوعٌ كَرُجُوعِ الْوَالِدِ فِيمَا يُعطي وَلَده؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَقَوْلُهُ فِي الصَّدَقَةِ أَي فِي أَخذ الصَّدَقَةِ، فَحَذَفَ الْمُضَافَ، قَالَ: وَيَجُوزُ أَن تَكُونَ الصَّدَقَةُ بِمَعْنَى التَّصْدِيقِ، وَهُوَ أَخذ الصَّدَقَةِ كَالزَّكَاةِ وَالذَّكَاةُ بِمَعْنَى التَّزْكِيَةِ وَالتَّذْكِيَةِ، فَلَا يُحْتَاجُ إِلى حَذْفِ مُضَافٍ. والثِّنَى: هُوَ أَن تُؤْخَذَ نَاقَتَانِ فِي الصَّدَقَةِ مَكَانَ وَاحِدَةٍ. والمَثْناة والمِثْناة: حَبْلٌ مِنْ صُوفٍ أَو شَعْرٍ، وَقِيلَ: هُوَ الْحَبْلُ مِنْ أَيّ شَيْءٍ كَانَ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: المَثْناة، بِالْفَتْحِ، الْحَبْلُ. الْجَوْهَرِيُّ: الثِّنَاية حَبْلٌ مِنْ شَعْرٍ أَو صُوفٍ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
أَنا سُحَيْمٌ، ومَعِي مِدرايَهْ ... أَعْدَدْتُها لِفَتْكِ ذِي الدوايَهْ،
والحَجَرَ الأَخْشَنَ والثِّنايَهْ
قَالَ: وأَما الثِّنَاءُ، مَمْدُودٌ، فَعِقَالُ الْبَعِيرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ حَبْلٍ مَثْنيٍّ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ ثِنْيَيْه فَهُوَ ثِناءٌ لَوْ أُفرد؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: إِنما لَمْ يُفْرَدْ لَهُ وَاحِدٌ لأَنه حَبْلٌ وَاحِدٌ تُشَدُّ بأَحد طَرَفَيْهِ الْيَدُ وَبِالطَّرَفِ الْآخَرِ الأُخرى، فَهُمَا كَالْوَاحِدِ. وَعَقَلْتُ الْبَعِيرَ بِثنايَيْن، غَيْرُ مَهْمُوزٍ، لأَنه لَا وَاحِدَ لَهُ إِذا عَقَلْتَ يَدَيْهِ جَمِيعًا بِحَبْلٍ أَو بِطَرَفَيْ حَبْلٍ، وإِنما لَمْ يُهْمَزْ لأَنه لَفْظٌ جَاءَ مُثَنّىً لَا يُفْرَدُ وَاحِدُهُ فَيُقَالُ ثِنَاء، فَتُرِكَتِ الْيَاءُ عَلَى الأَصل كَمَا قَالُوا فِي مِذْرَوَيْن، لأَن أَصل الْهَمْزَةِ فِي ثِنَاءٍ لَوْ أُفْرد ياءٌ، لأَنه مِنْ ثَنَيْتُ، وَلَوْ أُفرد وَاحِدُهُ لَقِيلَ ثِنَاءَان كَمَا تَقُولُ كِسَاءَانِ وَرِدَاءَانِ. وَفِي حَدِيثِ
عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: رأَيت ابْنَ عُمَرَ يَنْحَرُ بَدَنَتَهُ وَهِيَ بَارِكَةٌ مَثْنِيَّة بِثِنايَيْن
، يَعْنِي مَعْقُولَةٌ بِعِقالين، وَيُسَمَّى ذَلِكَ الْحَبْلُ الثِّنَايَة؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وإِنما لَمْ يَقُولُوا ثِنَاءَيْن، بِالْهَمْزِ، حَمْلًا عَلَى نَظَائِرِهِ لأَنه حَبْلٌ وَاحِدٌ يشد بأَحد طرفيه يد، وَبِطَرَفِهِ الثَّانِي أُخرى، فَهُمَا كَالْوَاحِدِ، وإِن جَاءَ بِلَفْظِ اثْنَيْنِ فَلَا يُفْرَدُ لَهُ وَاحِدٌ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: سأَلت الْخَلِيلَ عَنِ الثِّنَايَيْن فَقَالَ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ النِّهَايَةِ لأَن الزِّيَادَةَ فِي آخِرِهِ لَا تُفَارِقُهُ فأَشبهت الْهَاءَ، وَمِنْ ثم قالوا مذروان، فجاؤوا بِهِ عَلَى الأَصل لأَن الزِّيَادَةَ فِيهِ لَا تُفَارِقُهُ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: وسأَلت الْخَلِيلَ، رَحِمَهُ اللَّهُ، عَنْ قَوْلِهِمْ عَقَلْته بِثِنايَيْن وهِنايَيْن لِمَ لَمْ يَهْمِزُوا؟ فَقَالَ: تَرَكُوا ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يُفْرد الواحدُ. وَقَالَ ابْنُ جِنِّي: لَوْ كَانَتْ يَاءُ التَّثْنِيَةُ إِعراباً أَو دَلِيلَ إِعراب لَوَجَبَ أَن تُقْلَبَ الْيَاءُ الَّتِي بَعْدَ الأَلف هَمْزَةً فَيُقَالُ عَقَلْتُهُ بِثِناءَيْن، وَذَلِكَ لأَنها يَاءٌ وَقَعَتْ طَرَفًا بَعْدَ أَلف زَائِدَةٍ فَجَرَى مَجْرَى يَاءِ رِداءٍ ورِماءٍ وظِباءٍ. وعَقَلْتُه بِثِنْيَيْنِ إِذا عَقَلْت يَدًا وَاحِدَةً بعُقْدتين. الأَصمعي: يُقَالُ عَقَلْتُ البعيرَ بثِنَايَيْنِ، يُظهرون الْيَاءَ بَعْدَ الأَلف وَهِيَ الْمَدَّةُ الَّتِي كَانَتْ فِيهَا، وَلَوْ مَدَّ مادٌّ لَكَانَ صَوَابًا كَقَوْلِكَ كِسَاءٌ وَكِسَاوَانِ وَكِسَاءَانِ. قَالَ: وَوَاحِدُ الثِّنَايَيْنِ ثِناءٌ مِثْلُ كِسَاءٍ(14/121)
مَمْدُودٌ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: أَغفل اللَّيْثُ الْعِلَّةَ فِي الثِّنَايَيْنِ وأَجاز مَا لَمْ يُجِزْهُ النَّحْوِيُّونَ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ عِنْدَ قَوْلِ الْخَلِيلِ تَرَكُوا الْهَمْزَةَ فِي الثِّنَايَيْن حَيْثُ لَمْ يُفْرِدُوا الْوَاحِدَ، قَالَ: هَذَا خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ اللَّيْثُ فِي كِتَابِهِ لأَنه أَجاز أَن يُقَالَ لِوَاحِدِ الثِّنَايَيْن ثِناء، وَالْخَلِيلُ يَقُولُ لَمْ يَهْمِزُوا الثِّنايَيْنِ لأَنهم لَا يُفْرِدُونَ الْوَاحِدَ مِنْهُمَا، وَرَوَى هَذَا شِمْرٌ لِسِيبَوَيْهِ. وَقَالَ شِمْرٌ: قَالَ أَبو زَيْدٍ يُقَالُ عَقَلْتُ الْبَعِيرَ بثِنَايَيْن إِذا عَقَلْتَ يَدَيْهِ بِطَرَفَيْ حَبْلٍ، قَالَ: وَعَقَلْتُهُ بثِنْيَيْنِ إِذا عَقَلَهُ يَدًا وَاحِدَةً بِعُقْدَتَيْنِ. قَالَ شِمْرٌ: وَقَالَ الْفَرَّاءُ لَمْ يَهْمِزُوا ثِنَايَيْن لأَن وَاحِدَهُ لَا يُفْرَدُ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَالْبَصْرِيُّونَ وَالْكُوفِيُّونَ اتَّفَقُوا عَلَى تَرْكِ الْهَمْزِ فِي الثِنَايَيْن وعلى أَن لا يُفْرِدُوا الْوَاحِدَ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَالْحَبْلُ يُقَالُ لَهُ الثِّنَايةُ، قَالَ: وإِنما قَالُوا ثِنايَيْن وَلَمْ يَقُولُوا ثِنايتَيْنِ لأَنه حَبْلٌ وَاحِدٌ يُشَدُّ بأَحد طَرَفَيْهِ يَدُ الْبَعِيرِ وَبِالطَّرَفِ الْآخَرِ اليدُ الأُخْرى، فَيُقَالُ ثَنَيْتُ الْبَعِيرَ بثِنايَيْنِ كأَنَّ الثِّنَايَيْن كَالْوَاحِدِ وإِن جَاءَ بِلَفْظِ اثْنَيْنِ وَلَا يُفْرَدُ لَهُ وَاحِدٌ، وَمِثْلُهُ المِذْرَوانِ طَرَفَا الأَلْيَتَيْنِ، جُعِلَ وَاحِدًا، وَلَوْ كَانَا اثْنَيْنِ لَقِيلَ مِذْرَيان، وأَما العِقَالُ الواحدُ فإِنه لَا يُقَالُ لَهُ ثِنايَةٌ، وإِنما الثِّنَايَة الْحَبْلُ الطَّوِيلُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ زُهَيْرٍ يَصِفُ السَّانيةَ وشدَّ قِتْبِها عَلَيْهَا:
تَمْطُو الرِّشاءَ، فَتُجْرِي فِي ثِنَايَتها، ... مِنَ المَحالَةِ، ثَقْباً رَائِدًا قَلِقَا
والثِّنَايَة هَاهُنَا: حَبْلٌ يُشَدُّ طَرَفَاهُ فِي قِتْب السَّانِيَةِ وَيُشَدُّ طَرَفُ الرِّشاء فِي مَثْناته، وَكَذَلِكَ الْحَبَلُ إِذا عُقِلَ بِطَرَفَيْهِ يَدُ الْبَعِيرِ ثِنَايَةٌ أَيضاً. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: فِي ثِنَايَتها أَي فِي حَبْلِهَا، مَعْنَاهُ وَعَلَيْهَا ثِنَايَتُهَا. وَقَالَ أَبو سَعِيدٍ: الثِّنَاية عُودٌ يُجْمَعُ بِهِ طَرَفَا المِيلين مِنْ فَوْقِ المَحَالة وَمِنْ تَحْتِهَا أُخرى مِثْلُهَا، قَالَ: والمَحَالة والبَكَرَة تَدُورُ بَيْنَ الثّنَايَتَيْن. وثِنْيَا الْحَبْلِ: طَرَفَاهُ، وَاحِدُهَمَا ثِنْيٌ. وثِنْيُ الْحَبْلِ مَا ثَنَيْتَ؛ وَقَالَ طَرَفَةُ:
لَعَمْرُك، إِنَّ الموتَ مَا أَخْطَأَ الفَتَى ... لَكالطِّوَلِ المُرْخى، وثِنْياه فِي الْيَدِ
يَعْنِي الْفَتَى لَا بُدَّ لَهُ مِنَ الْمَوْتِ وإِن أُنْسِئ فِي أَجله، كَمَا أَن الدَّابَّةَ وإِن طُوّل لَهُ طِوَلُه وأُرْخِي لَهُ فِيهِ حَتَّى يَرُود فِي مَرتَعه وَيَجِيءَ وَيَذْهَبَ فإِنه غَيْرُ مُنْفَلِتٍ لإِحراز طَرَفِ الطِّوَل إِياه، وأَراد بِثِنْيَيه الطَّرَفَ المَثْنِيَّ فِي رُسْغه، فَلَمَّا انْثَنَى جَعَلَهُ ثِنْيين لأَنه عُقِدَ بِعُقْدَتَيْنِ، وَقِيلَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ طَرَفَةَ: يَقُولُ إِن الْمَوْتَ، وإِن أَخطأَ الْفَتَى، فإِن مَصِيرَهُ إِليه كَمَا أَن الْفَرَسَ، وإِن أُرْخِي لَهُ طِوَلُه، فإِن مَصِيرَهُ إِلى أَن يَثْنيه صَاحِبُهُ إِذ طَرَفُهُ بِيَدِهِ. وَيُقَالُ: رَبَّق فُلَانٌ أَثْنَاء الْحَبْلِ إِذا جَعَلَ وَسَطَهُ أَرْباقاً أَي نُشَقاً لِلشَّاءِ يُنْشَق فِي أَعناق البَهْمِ. والثِّنَى مِنَ الرِّجَالِ: بَعْدَ السَّيِّد، وَهُوَ الثُّنْيان؛ قَالَ أَوس بْنُ مَغْراء:
تَرَى ثِنانا إِذا مَا جَاءَ بَدْأَهُمُ، ... وبَدْؤُهُمْ إِن أَتانا كَانَ ثُنْيَانا
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ: ثُنْيَانُنا إِن أَتاهم؛ يَقُولُ: الثَّانِي منَّا فِي الرِّيَاسَةِ يَكُونُ فِي غَيْرِنَا سَابِقًا فِي السُّودد، وَالْكَامِلُ فِي السُّودد مِنْ غَيْرِنَا ثِنىً فِي السُّودُدِ عِنْدَنَا لِفَضْلِنَا عَلَى غَيْرِنَا. والثُّنْيَان، بِالضَّمِّ: الَّذِي يَكُونُ دُونَ السَّيِّدِ فِي الْمَرْتَبَةِ، وَالْجَمْعُ ثِنْيَةٌ؛ قَالَ الأَعشى:
طَوِيلُ اليدَيْنِ رَهْطُه غيرُ ثِنْيَةٍ، ... أَشَمُّ كَرِيمٌ جارُه لَا يُرَهَّقُ
وَفُلَانٌ ثِنْيَة أَهل بَيْتِهِ أَي أَرذلهم. أَبو عُبَيْدٍ: يُقَالُ(14/122)
لِلَّذِي يَجِيءُ ثَانِيًا فِي السُّودد وَلَا يَجِيءُ أَولًا ثُنىً، مَقْصُورٌ، وثُنْيَانٌ وثِنْيٌ، كُلُّ ذَلِكَ يُقَالُ. وَفِي حَدِيثِ الْحُدَيْبِيةِ:
يَكُونُ لَهُمْ بَدْءُ الفُجور وثِنَاه
أَي أَوَّله وَآخِرُهُ. والثَّنِيَّة: وَاحِدَةُ الثَّنَايَا مِنَ السِّن. الْمُحْكَمِ: الثَّنِيَّة مِنَ الأَضراس أولُ مَا فِي الْفَمِ. غَيْرُهُ: وثَنَايَا الإِنسان فِي فَمِهِ الأَربعُ الَّتِي فِي مُقَدَّمِ فِيهِ: ثِنْتَانِ مِنْ فَوْقُ، وثِنْتَانِ مِنْ أَسفل. ابْنُ سِيدَهْ: وللإِنسان والخُفِّ والسَّبُع ثَنِيَّتَان مِنْ فوقُ وثَنِيَّتَان مِنْ أَسفلَ. والثَّنِيُّ مِنَ الإِبل: الَّذِي يُلْقي ثَنِيَّته، وَذَلِكَ فِي السَّادِسَةِ، وَمِنَ الْغَنَمِ الدَّاخِلِ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ، تَيْساً كَانَ أَو كَبْشاً. التَّهْذِيبِ: الْبَعِيرُ إِذَا اسْتَكْمَلَ الْخَامِسَةَ وَطَعَنَ السَّادِسَةَ فَهُوَ ثَنِيٌّ، وَهُوَ أَدنى مَا يَجُوزُ مِنْ سنِّ الإِبل فِي الأَضاحي، وَكَذَلِكَ مِنَ الْبَقَرِ والمِعْزى «2» ، فَأَمَّا الضَّأْنُ فَيَجُوزُ مِنْهَا الجَذَعُ فِي الأَضاحي، وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْبَعِيرُ ثَنِيّاً لأَنه أَلقى ثَنيَّته. الْجَوْهَرِيُّ: الثَّنِيّ الَّذِي يُلْقِي ثَنِيَّته، وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي الظِّلْف وَالْحَافِرِ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ، وَفِي الخُفّ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ. وَقِيلَ لابْنةِ الخُسِّ: هَلْ يُلْقِحُ الثَّنِيُّ؟ فَقَالَتْ: وإلْقاحُه أَنِيٌّ أَي بَطِيءٌ، والأُنْثى ثَنِيَّةٌ، وَالْجَمْعُ ثَنِيَّاتٌ، وَالْجَمْعُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ ثِنَاء وثُنَاء وثُنْيَانٌ. وَحَكَى سِيبَوَيْهِ ثُن. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: لَيْسَ قَبْلَ الثَّنيّ اسْمٌ يُسَمَّى وَلَا بَعْدَ الْبَازِلِ اسْمٌ يُسَمَّى. وأَثْنَى البعيرُ: صَارَ ثَنِيّاً، وَقِيلَ: كُلُّ مَا سَقَطَتْ ثَنِيّته مِنْ غَيْرِ الإِنسان ثَنِيٌّ، وَالظَّبْيُ ثَنِيٌّ بَعْدَ الإِجذاع وَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَمُوتَ. وأَثْنَى أَي أَلْقى ثَنِيّته. وَفِي حَدِيثِ الأُضحية:
أَنه أَمَرَ بالثَّنِيَّة مِنَ المَعَز
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: الثَّنِيَّة مِنَ الْغَنَمِ مَا دَخَلَ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ، وَمِنَ الْبَقَرِ كَذَلِكَ، وَمِنَ الإِبل فِي السَّادِسَةِ، وَالذَّكَرُ ثَنِيٌّ، وَعَلَى مَذْهَبِ أَحمد بْنِ حَنْبَلٍ مَا دَخَلَ مِنَ المَعَز فِي الثَّانِيَةِ، وَمِنَ الْبَقَرِ فِي الثَّالِثَةِ. ابْنُ الأَعرابي: فِي الْفَرَسِ إِذَا استَتَمَّ الثَّالِثَةَ وَدَخَلَ فِي الرَّابِعَةِ ثَنِيٌّ، فَإِذَا أَثْنَى أَلقى رَوَاضِعَهُ، فَيُقَالُ أَثْنَى وأَدْرَم للإِثْنَاء، قَالَ: وَإِذَا أَثْنَى سَقَطَتْ رَوَاضِعُهُ وَنَبَتَ مَكَانَهَا سِنٌّ، فَنَبَاتُ تِلْكَ السِّنِّ هُوَ الإِثْنَاء، ثُمَّ يَسْقُطُ الَّذِي يَلِيهِ عِنْدَ إِرْبَاعِهِ. والثَّنِيُّ مِنَ الْغَنَمِ: الَّذِي اسْتَكْمَلَ الثَّانِيَةَ وَدَخَلَ فِي الثَّالِثَةِ، ثُمَّ ثَنِيٌّ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ مِثْلَ الشَّاةِ سَوَاءً. والثَّنِيَّة: طَرِيقُ الْعَقَبَةِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: فُلَانٌ طَلَّاع الثَّنَايَا إِذَا كَانَ سَامِيًا لِمَعَالِي الأُمور كَمَا يُقَالُ طَلَّاع أَنْجُدٍ، والثَّنِيَّة: الطَّرِيقَةُ فِي الْجَبَلِ كالنَّقْب، وَقِيلَ: هِيَ العَقَبة، وَقِيلَ: هِيَ الْجَبَلُ نَفْسَهُ. ومَثَانِي الدَّابَّةِ: رُكْبَتَاهُ ومَرْفِقاه؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
ويَخْدِي عَلَى صُمّ صِلابٍ مَلاطِسٍ، ... شَديداتِ عَقْدٍ لَيِّناتِ مَثَانِي
أَي لَيْسَتْ بجاسِيَة. أَبو عَمْرٍو: الثَّنَايَا العِقاب. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: والعِقاب جِبَالٌ طِوالٌ بعَرْضِ الطَّرِيقِ، فَالطَّرِيقُ تَأْخُذُ فِيهَا، وَكُلُّ عَقَبة مَسْلُوكَةٍ ثَنِيَّةٌ، وَجَمْعُهَا ثَنَايَا، وَهِيَ المَدارِج أَيضاً؛ وَمِنْهُ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ ذِي البِجادَيْن المُزَني:
تَعَرَّضِي مَدارِجاً، وَسُومِي، ... تعَرُّضَ الجَوْزاء للنُّجوم
يُخَاطِبُ نَاقَةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ دَلِيلَهُ بِرُكُوبِهِ، وَالتَّعَرُّضُ فِيهَا: أَنْ يَتَيامَن الساندُ فِيهَا مرَّة ويَتَياسَر أُخْرَى لِيَكُونَ أَيسر عَلَيْهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَنْ يَصْعَدْ ثَنِيَّة المُرارِ حُطَّ عنه
__________
(2) . قوله [وَكَذَلِكَ مِنَ الْبَقَرِ وَالْمِعْزَى] كذا بالأصل، وكتب عليه بالهامش: كذا وجدت انتهى. وهو مخالف لما في القاموس والمصباح والصحاح ولما سيأتي له عن النهاية(14/123)
مَا حُطَّ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ
؛ الثَّنِيَّة فِي الْجَبَلِ: كَالْعَقَبَةِ فِيهِ، وَقِيلَ: هِيَ الطَّرِيقُ الْعَالِي فِيهِ، وَقِيلَ: أَعلى المَسِيل فِي رأْسه، والمُرار، بِالضَّمِّ: مَوْضِعٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ مِنْ طَرِيقِ الحُدَيْبية، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُهُ بِالْفَتْحِ، وَإِنَّمَا حَثَّهم عَلَى صُعُودِهَا لأَنها عَقَبة شاقَّة، وَصَلُوا إِلَيْهَا لَيْلًا حِينَ أَرادوا مَكَّةَ سَنَةَ الْحُدَيْبِيَةِ فرغَّبهم فِي صُعُودِهَا، وَالَّذِي حُطَّ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ هُوَ ذُنُوبُهُمْ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ؛ وَفِي خُطْبَةِ الحجَّاج:
أَنا ابنُ جَلا وطَلَّاع الثَّنَايا
هِيَ جَمْعُ ثَنِيَّة، أَراد أَنه جَلْدٌ يَرْتَكِبُ الأُمور الْعِظَامَ. والثَّنَاءُ: مَا تَصِفُ بِهِ الإِنسانَ مِنْ مَدْح أَو ذَمٍّ، وَخَصَّ بَعْضُهُمْ بِهِ الْمَدْحَ، وَقَدْ أَثْنَيْتُ عَلَيْهِ؛ وَقَوْلُ أَبِي المُثلَّم الْهُذَلِيِّ:
يَا صَخْرُ، أَو كُنْتَ تُثْنِي أَنَّ سَيْفَكَ مَشْقُوقُ ... الخُشَيْبةِ، لَا نابٍ وَلَا عَصِلُ
مَعْنَاهُ تَمْتَدِحُ وَتَفْتَخِرُ، فَحَذَفَ وأَوصل. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ الَّذِي يُبْدَأُ بِذِكْرِهِ فِي مَسْعاةٍ أَوْ مَحْمَدة أَو عِلْمٍ: فُلَانٌ بِهِ تُثْنَى الْخَنَاصِرُ أَي تُحْنَى فِي أَوَّل مَنْ يُعَدّ ويُذْكر، وأَثْنَى عَلَيْهِ خَيْرًا، وَالِاسْمُ الثَّنَاء. الْمُظَفَّرُ: الثَّنَاءُ، مَمْدُودٌ، تَعَمُّدُك لتُثْنيَ عَلَى إِنْسَانٍ بحسَن أَو قَبِيحٍ. وَقَدْ طَارَ ثَنَاءُ فُلَانٍ أَي ذَهَبَ فِي النَّاسِ، وَالْفِعْلُ أَثْنَى فُلَانٌ «1» عَلَى اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ عَلَى الْمَخْلُوقِ يُثْنِي إِثْنَاء أَو ثَنَاءً يُسْتَعْمَلُ فِي الْقَبِيحِ مِنَ الْذِّكْرِ فِي الْمَخْلُوقِينَ وَضِدِّهِ. ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ أَثْنَى إِذَا قَالَ خَيْرًا أَو شَرًّا، وانْثَنَى إِذَا اغْتَابَ. وثِنَاء الدَّارِ: فِناؤها. قَالَ ابْنُ جِنِّي: ثِنَاء الدَّارِ وفِناؤها أَصْلانِ لأَن الثِّنَاء مِن ثَنَى يَثْنِي، لأَن هُنَاكَ تَنْثَني عَنِ الِانْبِسَاطِ لِمَجِيءِ آخِرِهَا وَاسْتِقْصَاءِ حُدُودِهَا، وفِناؤها مِنْ فَنِيَ يَفْنَى لأَنك إِذَا تَنَاهَيْتَ إِلَى أَقصى حُدُودِهَا فَنِيَتْ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: فَإِنْ قُلْتَ هَلَّا جَعَلْتَ إِجْمَاعَهُمْ عَلَى أَفْنِيَة، بِالْفَاءِ، دَلَالَةً عَلَى أَن الثَّاءَ فِي ثِنَاء بَدَلٌ مِنْ فَاءِ فِنَاءٍ، كَمَا زَعَمْتَ أَن فَاءَ جَدَف بَدَلٌ مِنْ ثَاءِ جَدَث لإِجماعهم عَلَى أَجْداث بِالثَّاءِ، فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وُجُودُنَا لِثِناء مِنَ الِاشْتِقَاقِ مَا وَجَدْنَاهُ لِفِناء، أَلا تَرَى أَن الْفِعْلَ يَتَصَرَّفُ مِنْهُمَا جَمِيعًا؟ ولَسْنا نَعْلَمُ لِجَدَفٍ بِالْفَاءِ تَصَرُّفَ جَدَثٍ، فَلِذَلِكَ قَضَيْنَا بأَن الْفَاءَ بَدَلٌ مِنَ الثَّاءِ، وَجَعَلَهُ أَبو عُبَيْدٍ فِي الْمُبْدَلِ. واسْتَثْنَيْتُ الشيءَ مِنَ الشَّيْءِ: حاشَيْتُه. والثَّنِيَّة: مَا اسْتُثْني.
وَرُوِيَ عَنْ كَعْبٍ أَنه قَالَ: الشُّهداء ثَنِيَّةُ اللَّهِ فِي الأَرض
، يَعْنِي مَن اسْتَثْناه مِنَ الصَّعْقة الأُولى، تأوَّل قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ؛ فَالَّذِينَ استَثْناهم اللَّهُ عِنْدَ كَعْبٍ مِنَ الصَّعْق الشُّهَدَاءَ لأَنهم أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، فَإِذَا نُفِخ فِي الصُّورِ وصَعِقَ الخَلْقُ عِنْدَ النَّفْخَةِ الأُولى لَمْ يُصْعَقوا، فكأَنهم مُسْتَثْنَوْنَ مِنَ الصَّعِقين، وَهَذَا مَعْنَى كَلَامِ كَعْبٍ، وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرْوِيهِ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ أَيضاً. والثَّنِيَّة: النَّخْلَةُ الْمُسْتَثْنَاةُ مِنَ المُساوَمَة. وحَلْفَةٌ غَيْرُ ذَاتِ مَثْنَوِيَّة أَي غَيْرُ مُحَلَّلة. يُقَالُ: حَلَف فُلَانٌ يَمِينًا لَيْسَ فِيهَا ثُنْيا وَلَا ثَنْوَى «2» . وَلَا ثَنِيَّة وَلَا مَثْنَوِيَّةٌ وَلَا اسْتِثْنَاءٌ، كُلُّهُ وَاحِدٌ، وَأَصْلُ هَذَا كُلُّهُ مِنَ الثَّنْي والكَفِّ والرَّدّ لأَن
__________
(1) . قوله [والفعل أثنى فلان] كذا بالأصل ولعل هنا سقطاً من الناسخ وأصل الكلام: والفعل أثنى وأثنى فلان إلخ
(2) . قوله [لَيْسَ فِيهَا ثُنْيَا وَلَا ثَنْوَى] أي بالضم مع الياء والفتح مع الواو كما في الصحاح والمصباح وضبط في القاموس بالضم، وقال شارحه: كالرجعى(14/124)
الْحَالِفَ إِذَا قَالَ وَاللَّهِ لَا أَفعل كَذَا وَكَذَا إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ غَيْرَه فَقَدْ رَدَّ مَا قَالَهُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ غَيْرَهُ. والثِّنْوة: الِاسْتِثْنَاءُ. والثُّنْيَانُ، بِالضَّمِّ: الِاسْمُ مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ، وَكَذَلِكَ الثَّنْوَى، بِالْفَتْحِ. والثُّنْيَا والثُّنْوَى: مَا اسْتَثْنَيْتَهُ، قُلِبَتْ يَاؤُهُ وَاوًا لِلتَّصْرِيفِ وَتَعْوِيضِ الْوَاوِ مِنْ كَثْرَةِ دُخُولِ الْيَاءِ عَلَيْهَا، والفرقِ أَيضاً بَيْنَ الِاسْمِ وَالصِّفَةِ. والثُّنْيا الْمَنْهِيُّ عَنْهَا فِي الْبَيْعِ: أَن يُسْتَثْنَى مِنْهُ شَيْءٌ مَجْهُولٌ فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ، وَذَلِكَ إِذَا بَاعَ جَزُورًا بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَاسْتَثْنَى رأْسه وأَطرافه، فَإِنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:
نَهَى عَنْ الثُّنْيا إِلَّا أَن تُعْلَمَ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هِيَ أَن يُسْتَثْنَى فِي عَقْدِ الْبَيْعِ شَيْءٌ مَجْهُولٌ فَيُفْسِدُهُ، وَقِيلَ: هُوَ أَن يُبَاعَ شَيْءٌ جُزَافًا فَلَا يَجُوزُ أَن يُسْتَثْنَى مِنْهُ شَيْءٌ قلَّ أَو كَثُرَ، قَالَ: وَتَكُونُ الثُّنْيَا فِي الْمُزَارَعَةِ أَن يُسْتثنى بَعْدَ النِّصْفِ أَو الثُّلُثِ كَيْلٌ مَعْلُومٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَنْ أَعتق أَوْ طلَّق ثُمَّ اسْتَثْنَى فَلَهُ ثُنْيَاءُ
أَي مَنْ شَرَطَ فِي ذَلِكَ شَرْطًا أَو عَلَّقَهُ عَلَى شَيْءٍ فَلَهُ مَا شَرَطَ أَو اسْتَثْنَى مِنْهُ، مِثْلَ أَن يَقُولَ طَلَّقْتُهَا ثَلَاثًا إِلَّا وَاحِدَةً أَو أَعتقتهم إِلَّا فُلَانًا، والثُّنْيا مِنَ الجَزور: الرأْس وَالْقَوَائِمُ، سُمِّيَتْ ثُنْيا لأَن الْبَائِعَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ يَسْتَثْنِيهَا إِذَا بَاعَ الْجَزُورَ فَسُمِّيَتْ لِلِاسْتِثْنَاءِ الثُّنْيا. وَفِي الْحَدِيثِ:
كَانَ لِرَجُلٍ نَاقَةٌ نَجِيبَةٌ فَمَرِضَتْ فَبَاعَهَا مِنْ رَجُلٍ وَاشْتَرَطَ ثُنْيَاها
؛ أَراد قَوَائِمَهَا ورأْسها؛ وَنَاقَةٌ مذكَّرة الثُّنْيا؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ثَعْلَبٌ:
مذَكَّرة الثُّنْيا مُسانَدة القَرَى، ... جُمالِيَّة تَخْتبُّ ثُمَّ تُنِيبُ
فَسَّرَهُ فَقَالَ: يَصِفُ النَّاقَةَ أَنها غَلِيظَةُ الْقَوَائِمِ كأَنها قَوَائِمُ الْجَمَلِ لِغِلَظِهَا. مذكَّرة الثُّنْيا: يَعْنِي أَن رأْسها وَقَوَائِمَهَا تُشْبِهُ خَلْق الذِّكارة، لَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا شَيْئًا. والثَّنِيَّة: كالثُّنْيا. وَمَضَى ثِنْيٌ مِنَ اللَّيْلِ أَي سَاعَةٌ؛ حُكِيَ عَنْ ثَعْلَبٍ: والثُنُون «1» : الجمع العظيم.
ثها: ابْنُ الأَعرابي: ثَها إِذَا حَمُق، وهَثا إِذَا احْمَرَّ وَجْهُهُ، وثاهَاه إِذَا قاوَلَه، وهاثاهُ إِذَا مازَحه ومايَلَه.
ثوا: الثَّواءُ: طولُ المُقام، ثَوَى يَثْوي ثَواءً وثَوَيْتُ بِالْمَكَانِ وثَوَيْته ثَواءً وثُوِيّاً مِثْلُ مَضَى يَمْضِي مَضاءً ومُضِيّاً؛ الأَخيرة عَنْ سِيبَوَيْهِ، وأَثْوَيْت بِهِ: أَطلت الإِقامة بِهِ. وأَثْوَيْته أَنا وثَوَّيْته؛ الأَخيرة عَنْ كُرَاعٍ: أَلزمته الثَّواء فِيهِ. وثَوَى بِالْمَكَانِ: نَزَلَ فِيهِ، وَبِهِ سُمِّي الْمَنْزِلُ مَثْوىً. والمَثْوى: الْمَوْضِعُ الَّذِي يُقام بِهِ، وَجَمْعُهُ المَثَاوِي. ومَثْوَى الرَّجُلِ: مَنْزِلُهُ. والمَثْوَى: مَصْدَرُ ثَوَيْت أَثْوِي ثَواءً ومَثْوىً. وَفِي كِتَابِ أَهل نَجْران: وَعَلَى نَجْران مَثْوَى رُسُلي أَي مسكَنُهم مُدَّةَ مُقامهم ونُزُلهم. والمَثْوَى: المَنْزل. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن رُمْح النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ اسْمُهُ المُثْوِيَ
؛ سُمِّيَ بِهِ لأَنه يُثْبِت المطعونَ بِهِ، مِنَ الثَّوَاء الإِقامة. وأَثْوَيت بِالْمَكَانِ: لُغَةٌ فِي ثَوَيْت؛ قَالَ الأَعشى:
أَثْوَى وقَصَّرَ ليلَه لِيُزَوَّدا، ... ومَضَى وأَخْلَفَ مِن قُتَيْلَة مَوْعِدا
وأَثْوَيْت غَيْرِي: يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى، وثَوَّيْت غَيْرِي تَثْوِيَة. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ
؛ قَالَ أَبو عَلِيٍّ: المَثْوَى عِنْدِي فِي الْآيَةِ اسْمٌ لِلْمَصْدَرِ دُونَ الْمَكَانِ لِحُصُولِ الْحَالِ فِي الْكَلَامِ مُعْمَلًا فِيهَا، أَلا تَرَى أَنه لَا يَخْلُو مِنْ أَن يَكُونَ مَوْضِعًا أَو مَصْدَرًا؟ فَلَا يَجُوزُ أَن يَكُونَ مَوْضِعًا لأَن اسْمَ الْمَوْضِعِ لَا يَعْمَلُ عَمَلَ الْفِعْلِ لأَنه لَا مَعْنَى لِلْفِعْلِ فِيهِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ
__________
(1) . قوله [والثُنُون إلخ] هكذا في الأصل(14/125)
مَوْضِعًا ثَبَتَ أَنه مَصْدَرٌ، وَالْمَعْنَى النَّارُ ذَاتُ إِقَامَتِكُمْ أَي النَّارُ ذَاتُ إِقَامَتِكُمْ فِيهَا خَالِدِينَ أَي هُمْ أَهل أَن يُقِيمُوا فِيهَا ويَثْوُوا خَالِدِينَ. قَالَ ثَعْلَبٌ: وَفِي الْحَدِيثِ
عَنْ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَصْلِحُوا مَثَاوِيَكُم وأَخِيفُوا الهَوامَّ قَبْلَ أَن تُخِيفَكُمْ وَلَا تُلِثُّوا بدَار مَعْجَزةٍ
؛ قَالَ: المَثَاوِي هُنَا المَنازل جَمْعُ مَثْوىً، والهَوامّ الْحَيَّاتُ وَالْعَقَارِبُ،
وَلَا تُلِثُّوا
أَي لَا تُقِيمُوا، والمَعْجَزَة والمَعْجِزَة الْعَجْزُ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ
؛ أَي إِنَّهُ تَوَلَّاني فِي طُولِ مُقامي. وَيُقَالُ لِلْغَرِيبِ إِذَا لَزِمَ بَلْدَةً: هُوَ ثَاوِيها. وأَثْوَانِي الرَّجُلُ: أَضافَني. يُقَالُ: أَنْزَلَني الرَّجُلُ فأَثْوَانِي ثَواءً حَسَناً. وَرَبُّ الْبَيْتِ: أَبو مَثْوَاه؛ أَبو عُبَيْدٍ عَنْ أَبي عُبَيْدَةَ أَنه أَنشده قَوْلَ الأَعشى:
أَثْوَى وقصَّر لَيْلَهُ ليزوَّدا
قَالَ شِمْرٌ: أَثْوَى عَنْ غَيْرِ اسْتِفْهَامٍ وَإِنَّمَا يُرِيدُ الْخَبَرَ، قَالَ: وَرَوَاهُ ابْنُ الأَعرابي أَثَوَى عَلَى الِاسْتِفْهَامِ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَالرِّوَايَتَانِ تَدُلَّانِ عَلَى أَن ثَوَى وأَثْوَى مَعْنَاهُمَا أَقام. وأَبو مَثْوَى الرجلِ: صَاحِبُ مَنْزِلِهِ. وأُمُّ مَثْوَاه: صَاحِبَةُ مَنْزِلِهِ. ابْنُ سِيدَهْ: أَبو المَثْوَى رَبُّ الْبَيْتِ، وأُمُّ المَثْوَى رَبَّتُه. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنه كُتِبَ إِلَيْهِ فِي رَجُلٍ قِيلَ لَهُ مَتَى عهدُك بِالنِّسَاءِ؟ قَالَ: البارحةُ، قِيلَ: بِمَنْ؟ قَالَ: بأُمِّ مَثْوَايَ
أَي ربَّةِ الْمَنْزِلِ الَّذِي بَاتَ فِيهِ، وَلَمْ يُرِدْ زَوْجَتَهُ لأَن تَمَامَ الْحَدِيثِ:
فَقِيلَ لَهُ أَما عَرَفْتَ أَن اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ الزِّنَا؟ فَقَالَ: لَا.
وأَبو مَثْوَاك: ضيفُك الَّذِي تُضِيفُه. والثَّوِيُّ: بَيْتٌ فِي جَوْفِ بَيْتٍ. والثَّوِيُّ: الْبَيْتُ المهيأُ لِلضَّيْفِ. والثَّوِيُّ، عَلَى فَعِيل: الضَّيْفُ نَفْسُهُ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي هُرَيْرَةَ: أَن رَجُلًا قَالَ تَثَوَّيْتُه
أَي تَضَيَّفْتُه. والثَّوِيُّ: الْمُجَاوِرُ فِي الْحَرَمَيْنِ. والثَّوِيُّ: الصَّبور فِي الْمُغَازِي المُجَمَّر وَهُوَ الْمَحْبُوسُ. والثَّوِيُّ أَيضاً: الأَسير؛ عَنْ ثَعْلَبٍ، وَكُلُّ هَذَا مِنَ الثَّواء. وثُوِيَ الرَّجُلُ: قُبِرَ لأَن ذَلِكَ ثَواءٌ لَا أَطول مِنْهُ؛ وَقَوْلُ أَبي كَبِيرٍ الْهُذَلِيِّ:
نَغْدُو فَنَتْرُكُ فِي المَزاحِفِ مَنْ ثَوَى، ... ونُمِرُّ فِي العَرَقاتِ مَنْ لَمْ نَقْتُل «2»
. أَراد بِقَوْلِهِ مَنْ ثَوَى أَي مَنْ قُتِل فأَقام هُنَالِكَ. وَيُقَالُ لِلْمَقْتُولِ: قَدْ ثَوَى. ابْنُ بَرِّيٍّ: ثَوَى أَقام فِي قَبْرِهِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
حَتى ظَنَّني القَوْمُ ثَاوِيا
وثَوَى: هَلَكَ؛ قَالَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ:
فَمَنْ للقَوافي شَانَها مَنْ يحُوكُها، ... إِذَا مَا ثَوَى كَعْبٌ وفَوَّزَ جَرْولُ؟
وَقَالَ الْكُمَيْتُ:
وَمَا ضَرَّها أَنَّ كَعْباً ثَوَى، ... وفَوَّزَ مِنْ بَعْدِه جَرْوَلُ
وَقَالَ دُكَيْنٌ:
فإنْ ثَوَى ثَوَى النَّدَى فِي لَحْدِه
وَقَالَتِ الْخَنْسَاءُ:
فقُدْنَ لمَّا ثَوَى نَهْباً وأَسْلابَا
ابْنُ الأَعرابي: الثُّوَى قُمَاشُ الْبَيْتِ، وَاحِدَتُهَا ثُوَّةٌ مِثْلَ صُوَّةٍ وصُوىً وهُوَّةٍ وهُوىً. أَبو عَمْرٍو: يُقَالُ لِلْخِرْقَةِ الَّتِي تُبَلُّ وَتُجْعَلُ عَلَى السِّقَاءِ إِذَا مُخِضَ لئَلَّا يَنْقَطِعَ الثُّوَّة والثَّايَةُ. والثَّوِيَّة: حِجَارَةٌ تُرْفَعُ بِاللَّيْلِ فَتَكُونُ عَلَامَةً لِلرَّاعِي إِذَا رَجَعَ إِلَى الْغَنَمِ لَيْلًا يَهْتَدِي بِهَا، وَهِيَ أَيضاً أَخفض عَلَمٍ يَكُونُ بقدر قِعْدة
__________
(2) . قوله [ونمرّ إلخ] أنشده في عرق:
وَنُقِرُّ فِي الْعَرَقَاتِ مَنْ لَمْ يقتل(14/126)
الإِنسان؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَن أَلف ثَايَةَ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ وَاوٍ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْكِتَابِ يَذْهَبُ إِلَى أَنها عَنْ يَاءٍ؛ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: هَذِهِ ثَايَة الْغَنَمِ وثَايَة الإِبل مأْواها وَهِيَ عَازِبَةٌ أَو مأْواها حَوْلَ الْبُيُوتِ. الْجَوْهَرِيُّ: والثَّوِيَّةُ مأْوَى الْغَنَمِ، وَكَذَلِكَ الثَّايَة، غَيْرُ مَهْمُوزٍ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: والثِّيَّة لُغَةٌ فِي الثَّايَة. ابْنُ سِيدَهْ: الثُّوَّة كالصُّوَّة ارْتِفَاعٌ وغِلَظ، وَرُبَّمَا نُصِبَتْ فَوْقَهَا الْحِجَارَةُ ليُهْتَدَى بِهَا. والثُّوَّة: خِرْقَةٌ تُوضَعُ تَحْتَ الوَطْب إِذَا مُخِضَ لِتَقِيَه الأَرض. والثُّوَّة والثُّوِيُّ كِلْتَاهُمَا: خِرَق كَهَيْئَةِ الكُبَّة عَلَى الْوَتَدِ يُمْخض عَلَيْهَا السِّقَاءُ لِئَلَّا يَنْخَرِقَ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَإِنَّمَا جَعَلْنَا الثَّوِيَّة من ث وو لِقَوْلِهِمْ فِي مَعْنَاهَا ثُوَّة كقُوَّة، وَنَظِيرُهُ فِي ضَمِّ أَوَّله مَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ مِنْ قَوْلِهِمُ السُّدُوس. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: والثُّوَّة خِرْقَةٌ أَو صُوفَةٌ تُلَف عَلَى رأَس الْوَتَدِ يُوضَعُ عَلَيْهَا السِّقَاءُ وَيُمْخَضُ وِقَايَةً لَهُ، وَجَمْعُهَا ثُوىً؛ قَالَ الطرِمّاح:
رِفَاقًا تنادِي بالنُّزول كأنَّها ... بَقايا الثُّوَى، وَسْط الدِّيار المُطَرَّح
والثَّايَة والثَّاوَة، غَيْرُ مَهْمُوزٍ، والثَّوِيَّة: مأْوى الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَرى الثَّاوَة مَقْلُوبَةً عَنِ الثَّايةِ، والثايَة مَأْوَى الإِبل، وَهِيَ عَازِبَةٌ أَو حَوْلَ الْبُيُوتِ. والثَّايَة أَيضاً: أَن تُجْمَعَ شَجَرَتَانِ أَو ثَلَاثٍ فيُلْقَى عَلَيْهَا ثَوْبٌ فيُسْتَظَلَّ بِهِ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، وَجَمْعُ الثَّايَة ثَايٌ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. والثُّوَيَّة: مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنَ الْكُوفَةِ. وَفِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ الثُّوَيَّة؛ هِيَ بِضَمِّ الثَّاءِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ، وَيُقَالُ بِفَتْحِ الثَّاءِ وَكَسْرِ الْوَاوِ: مَوْضِعٌ بِالْكُوفَةِ بِهِ قَبْرُ أَبي مُوسَى الأَشعري وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ. والثَّاء: حَرْفُ هِجَاءٍ، وَإِنَّمَا قَضَيْنَا عَلَى أَلفه بأَنها وَاوٌ لأَنها عَيْنٌ. وَقَافِيَةٌ ثاوِيَّةٌ: عَلَى حَرْفِ الثَّاءِ، والله أَعلم.
فصل الجيم
جأي: جَأَى الشيءَ جَأْياً: سَتَرَه. وجَأَيْت سِرَّه أَيضاً: كَتَمْته. وكلُّ شيءٍ غَطَّيْته أَو كَتَمْتَهُ فَقَدْ جأَيْته. وجأو
جَأَوْتُ السرَّ: كَتَمْتُهُ. وَسَمِعَ سِرًّا فَمَا جَآهُ جَأْياً أَي مَا كَتَمَهُ. وسِقاءٌ لَا يَجْأَى الماءَ أَي لَا يَحْبِسُهُ. وَمَا يَجْأَى سِقاؤك شَيْئًا أَي مَا يَحْبِسُ الْمَاءَ. وجَأَى إِذَا مَنَعَ. وَالرَّاعِي لَا يَجْأَى الغَنَم أَي لَا يَحْفَظُهَا فَهِيَ تَفَرَّقُ عَلَيْهِ. وأَحْمَقُ مَا يَجْأَى مَرْغَه أَي لَا يَحْبِسُ لُعابَهُ وَلَا يَرُدُّه. وجَأَى السقاءَ: رَقَعَه، وجأو
جَأَوْتُه كذلك، واسم الرقعة جأو
الجِئْوَةُ. وكَتِيبَة جأو
جَأْوَاءُ بَيِّنة الجَأَى: وَهِيَ الَّتِي يَعْلُوهَا لَوْنُ السَّوَادِ لِكَثْرَةِ الدُّرُوعِ. وجَأَى الثوبَ جَأْياً: خاطَه وأَصلحه؛ عَنْ كُرَاعٍ. وَقَدْ جَأَى عَلَى الشَّيْءِ جَأْياً إِذَا عَضَّ عَلَيْهِ. أَبو عُبَيْدَةٍ: أَجِئْ عَلَيْكَ هَذَا أَي غَطِّه؛ قَالَ لَبِيدٌ «1» :
حَواسِرَ لَا يُجِئْنَ عَلَى الخِدامِ
أَي لَا يَسْتُرن. وَيُقَالُ: أَجِئْ عليك ثَوْبَك. وجأو
الجِئاوَة مِثْلُ الجِعاوَة: وِعَاءُ الْقِدْرِ أَو شَيْءٌ يُوضَعُ عَلَيْهِ مِنْ جَلْدٍ أَو خَصَفَة، وجمعها جأو
جِئاءٌ مِثْلُ جِرَاحَةٍ وجِراح؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هَذَا قَوْلُ الأَصمعي، وَكَانَ أَبو عَمْرٍو يَقُولُ الجِياءُ والجِواءُ يَعْنِي بِذَلِكَ الوِعاء أَيضاً. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ: لأَنْ أَطَّلِيَ بِجِواءِ قِدْرٍ أَحبُّ إليَّ مِنْ أَنْ أَطَّلِيَ بِالزَّعْفَرَانِ.
وأَما الْخِرْقَةُ الَّتِي يُنزل بِهَا الْقِدْرُ عَنِ الأَثافي فَهِيَ الجِعالُ:. ابن بري: يقال جأو
جَأَوْت
__________
(1) . قوله [قال لبيد] صدره كما في التكملة:
إذا بكر النساء مردّفات(14/127)
القِدْر جَعَلْتُ لَهَا جِئاوَةً. وجَأَيْت القِدْرَ وجأَيْت الثوبَ جَمِيعُ ذَلِكَ بِالْوَاوِ وَالْيَاءِ. الجوهري: جأو
الجُؤْوَةُ مِثْلُ الجُعْوَةِ لَوْنٌ مِنْ أَلوان الْخَيْلِ والإِبل، وَهِيَ حُمْرَةٌ تَضْرِبُ إِلَى السَّوَادِ، يقال: فرس جأو
أَجْأَى، والأُنثى جأو
جَأْوَاءُ، وَقَدْ جَئِيَ الْفَرَسُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قول دريد:
جأو بِجَأْواءَ جَوْنٍ، كَلَوْنِ السَّمَاءْ، ... تَرُدُّ الحديدَ فَلِيلٍا كَلِيلَا
قَالَ الأَصمعي: جأَى البعيرُ وَجأو
اجْأَوَى مثل ارْعَوَى جأو
يَجْأَوِي مثل يَرْعَوِي جأو
اجْئِوَاءً مَثْلُ ارْعِواءً فَجَئِيَ وجأو
اجْأَوَّى مِثْلُ شَهِبَ واشْهَبَّ. وَفِي حَدِيثِ يأْجوج ومأْجوج:
وتَجْأَى الأَرضُ مِنْ نَتْنِهِمْ حينَ يَمُوتُونَ.
قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا رُوِيَ مَهْمُوزًا، قِيلَ: لَعَلَّهُ لُغَةٌ فِي قَوْلِهِمْ جَوِيَ الماءُ يَجْوَى إِذَا أَنْتَنَ أَي تُنْتِنُ الأَرض مِنْ جِيَفِهِمْ، قَالَ: وَإِنْ كَانَ الْهَمْزُ فِيهِ مَحْفُوظًا فَيَحْتَمِلُ أَن يَكُونَ مِنْ قَوْلِهِمْ كَتيبة جأو
جَأْوَاءُ بَيِّنةُ الجَأَى، وَهِيَ الَّتِي يَعْلُوهَا لَوْنُ السَّوَادِ لِكَثْرَةِ الدُّرُوعِ، أَو مِنْ قَوْلِهِمْ سِقاءٌ لَا يَجْأَى شَيْئًا أَي لَا يُمْسِكُهُ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَن الأَرض تَقْذِفُ صَدِيدَهُمْ وَجِيَفَهُمْ فَلَا تَشْرَبُهُ وَلَا تُمْسِكُهَا، كَمَا لَا يَحْبِسُ هَذَا السِّقَاءُ الْمَاءَ، أَو مِنْ قَوْلِهِمْ سَمِعْتُ سِرًّا فَمَا جَأَيْتُه أَي مَا كتَمْته، يَعْنِي أَن الأَرض يَسْتَتِرُ وَجْهُهَا مِنْ كَثْرَةِ جِيَفِهِمْ؛ وَفِي حَدِيثِ
عَاتِكَةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ:
حَلَفْتُ لَئِنْ عُدْتُمْ لَنَصْطَلِمَنَّكُمْ ... جأو بِجَأْوَاءَ، تُرْدِي حافَتَيْهِ المَقَانِبُ
أَي بِجَيْشٍ عَظِيمٍ تَجْتَمِعُ مَقانِبُه مِنْ أَطرافه وَنَوَاحِيهِ. ابن حمزة: جأو
جِئَاوَةُ بَطْنٌ مِنَ الْعَرَبِ، وَهُمْ إِخْوَةُ بَاهِلَةَ. ابْنُ بَرِّيٍّ: والجِيَاءُ والجِوَاءُ مَقْلُوبَانِ، قُلِبَتِ الْعَيْنُ إِلَى مَكَانِ اللَّامِ وَاللَّامُ إِلَى مَكَانِ الْعَيْنِ، فمنْ قَالَ جَأَيْتُ قَالَ الجِياءُ، وَمَنْ قَالَ جَأَوْت قَالَ الجِوَاء. ابْنُ سِيدَهْ: وجَاءَ يَجُوءُ لُغَةٌ فِي يَجِيءُ، وَحَكَى سِيبَوَيْهِ أَنا أَجُوءُك وأُنْبُؤُك عَلَى الْمُضَارَعَةِ، قَالَ: وَمِثْلُهُ هُوَ مُنْحُدُر مِنَ الْجَبَلِ عَلَى الإِتباع، قَالَ حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ. وجاءٌ: اسْمُ رَجُلٍ؛ قَالَ أَبو دُواد الرُّؤَاسِيُّ:
ظَلَّتْ يُحابِرُ تُدْعَى وَسْطَ أَرْحُلِنَا، ... والمُسْتَمِيتُونَ منْ جاءٍ ومِنْ حَكَمِ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَإِنَّمَا أَثبته فِي هَذَا الْبَابِ وَإِنْ كَانَتْ مَادَّتُهُ فِي الْيَاءِ أَكثر لأَن الْوَاوَ عَيْنًا أَكثر مِنَ الياء، والله أَعلم.
جبي: جَبَى الخراجَ وَالْمَاءَ والحوضَ يَجْبَاهُ ويَجْبِيه: جَمَعَه. وجَبَى يَجْبَى مِمَّا جَاءَ نَادِرًا: مِثْلُ أَبى يَأْبى، وَذَلِكَ أَنهم شَبَّهُوا الأَلف فِي آخِرِهِ بِالْهَمْزَةِ فِي قَرَأَ يَقْرَأُ وهَدَأَ يَهْدَأُ، قَالَ: وَقَدْ قَالُوا يَجْبَى، والمصدر جبو
جِبْوَةً وجِبْيَة؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وجِباً وجَباً وجبو
جِبَاوةٌ وجِبَايَةٌ نَادِرٌ. وَفِي حَدِيثِ
سَعْدٍ: يُبْطِئُ فِي جِبْوَتهِ
؛ جبو
الجِبْوَة والجِبْيَة: الْحَالَةُ مِنْ جَبْيِ الْخَرَاجِ واسْتِيفائه. وجَبَيْتُ الخراجَ جِبَاية وجبو
جَبَوْته جبو
جِبَاوَة؛ الأَخير نَادِرٌ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: قَالَ سِيبَوَيْهِ أَدخلوا الْوَاوَ عَلَى الْيَاءِ لِكَثْرَةِ دُخُولِ الْيَاءِ عَلَيْهَا ولأَن لِلْوَاوِ خَاصَّةً كَمَا أَن لِلْيَاءِ خَاصَّةً؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: يُهْمَزُ وَلَا يُهْمَزُ، قَالَ: وأَصله الْهَمْزُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: جَبَيْت الْخَرَاجَ وجبو
جَبَوْته لَا أَصل لَهُ فِي الْهَمْزِ سَمَاعًا وَقِيَاسًا، أَما السَّمَاعُ فَلِكَوْنِهِ لَمْ يُسْمَعْ فِيهِ الْهَمْزُ، وأَما الْقِيَاسُ فلأَنه مِنْ جَبَيْت أَي جَمَعْتُ وحَصَّلت، وَمِنْهُ جَبَيْت الماء في الحوض وجبو
جَبَوْته، والجَابِي: الذي يجمع المال للإِبل، وجبو
الجَبَاوَةُ اسْمُ الْمَاءِ الْمَجْمُوعِ. ابْنُ سِيدَهْ فِي جَبَيْت الْخَرَاجَ: جَبَيْته(14/128)
مِنَ الْقَوْمِ وجَبَيْتُه الْقَوْمَ؛ قَالَ النَّابِغَةُ الْجَعْدِيُّ:
دَنَانِيرُ نَجْبِيها العِبادَ، وغَلَّة ... عَلَى الأَزْدِ مِن جاهِ امْرِئٍ قَدْ تَمَهَّلا
وَفِي حَدِيثِ
أَبي هُرَيْرَةَ: كَيْفَ أَنتم إِذَا لَمْ تَجْتَبوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَماً
؛ الاجْتِبَاءُ، افتِعال مِنَ الجِبَايَة: وَهُوَ اسْتِخْرَاجُ الأَموال من مَظانها. وجبو
الجِبْوَة وجبو
الجُبْوَة والجِبَا والجَبَا وجبو
الجِبَاوَة: مَا جمعتَ فِي الْحَوْضِ مِنَ الْمَاءِ. والجِبَا والجَبَا: ما حول البئر والجَبا: مَا حَوْلَ الْحَوْضِ، يُكْتَبُ بالأَلف. وَفِي حَدِيثِ الْحُدَيْبِيَةِ:
فَقَعَدَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى جَباها فَسَقَيْنا واسْتَقَيْنا
؛ الجَبَا، بِالْفَتْحِ وَالْقَصْرِ: مَا حَوْلَ الْبِئْرِ. والجِبَا، بِالْكَسْرِ مَقْصُورٌ: مَا جَمَعْتُ فِيهِ مِنَ الْمَاءِ. الْجَوْهَرِيُّ: والجِبا، بِالْكَسْرِ مَقْصُورٌ، الْمَاءُ الْمَجْمُوعُ للإِبل، وكذلك جبو
الجِبْوَة وجبو
الجِبَاوَة. الْجَوْهَرِيُّ: الجَبا، بِالْفَتْحِ مَقْصُورٌ، نَثِيلة الْبِئْرِ وَهِيَ تُرَابُهَا الَّذِي حَوْلَهَا تَرَاهَا مِنْ بَعِيدٍ؛ وَمِنْهُ: امرأةٌ جَبْأَى عَلَى فَعْلى مِثَالُ وَحْمَى إِذَا كَانَتْ قَائِمَةَ الثَّدْيَيْن؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَوْلُهُ جَبْأَى الَّتِي طَلَعَ ثديُها لَيْسَ مِنَ الجَبا الْمُعْتَلِّ اللَّامِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ جَبَأَ عَلَيْنَا فُلَانٌ أَي طَلَعَ، فَحَقُّهُ أَن يُذْكَرَ فِي بَابِ الْهَمْزِ؛ قَالَ: وكأَنّ الْجَوْهَرِيَّ يَرَى الجَبَا الترابَ أَصله الْهَمْزُ فَتَرَكَتِ الْعَرَبُ هَمَزَهُ، فَلِهَذَا ذَكَرَ جَبْأَى مَعَ الجَبَا، فَيَكُونُ الجَبَا مَا حَوْلَ الْبِئْرِ مِنَ التُّرَابِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِمُ الجَبْأَة مَا حَوْلَ السُّرَّةِ مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ. وجَبَى الماءَ فِي الْحَوْضِ يَجْبِيه جَبْياً وجَباً وجِباً: جَمَعَه. قَالَ شَمِرٌ: جَبَيْت الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ أَجْبي جَبْياً وجبو
جَبَوْت جبو
أَجْبُو جبو
جَبْواً وجِبَايَةً وجبو
جِبَاوةً أَي جَمَعْتُهُ. أَبو مَنْصُورٍ: الجِبا مَا جُمع فِي الْحَوْضِ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي يُسْتَقَى مِنَ الْبِئْرِ، قَالَ ابْنُ الأَنباري: هُوَ جَمْعُ جِبْية. والجَبا، بِالْفَتْحِ: الْحَوْضُ الَّذِي يُجْبَى فِيهِ الماءُ، وَقِيلَ: مَقام السَّاقِي عَلَى الطَّيِّ، وَالْجَمْعُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ أَجْبَاءٌ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: الجَبَا أَن يَتَقَدَّمَ السَّاقِي للإِبل قَبْلَ وُرُودِهَا بِيَوْمٍ فيَجْبِيَ لَهَا الماءَ فِي الْحَوْضِ ثُمَّ يوردَها مِنَ الْغَدِ؛ وأَنشد:
بالرَّيْثِ مَا أَرْوَيْتها لَا بالعَجَلْ، ... وبالجَبَا أرْوَيْتها لَا بالقَبَلْ
يَقُولُ: إِنَّهَا إِبِلٌ كَثِيرَةٌ يُبطئون بِسَقْيِهَا فتُبْطئ فَيَبْطُؤُ ريُّها لِكَثْرَتِهَا فَتَبْقَى عَامَّةَ نَهَارِهَا تَشْرَبُ وَإِذَا كَانَتْ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِ إِلَى العشر صب على رؤوسها. قَالَ: وَحَكَى سِيبَوَيْهِ جَبَا يَجْبَى، وَهِيَ عِنْدُهُ ضَعِيفَةٌ والجَبَا: مَحْفَر الْبِئْرِ. والجَبَا: شَفَة الْبِئْرِ؛ عَنْ أَبي لَيْلَى. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الجَبَا، بِالْفَتْحِ، الْحَوْضُ والجِبَا، بِالْكَسْرِ، الْمَاءُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الأَخطل:
حَتَّى وَرَدْنَ جِبَا الكُلابِ نِهالا
وَقَالَ آخَرُ:
حَتَّى إِذَا أَشرَفَ فِي جوفِ جَبَا
وَقَالَ مُضَرِّس فَجَمَعَهُ:
فأَلْقَتْ عَصا التَّسْيار عَنْهَا، وخَيَّمت ... بأَجْباءِ عَذْبِ الْمَاءِ بيضٍ مَحافِرُهْ
والجَابِيَة: الْحَوْضُ الَّذِي يُجْبَى فِيهِ الْمَاءُ للإِبل. والجابِيَة: الْحَوْضُ الضَّخْم؛ قَالَ الأَعشى:
تَرُوحُ عَلَى آلِ المُحَلَّق جَفْنَةٌ، ... كجابِيَة الشَّيْخِ العِراقيِّ تَفْهَقُ
خَصَّ الْعِرَاقِيَّ لِجَهْلِهِ بِالْمِيَاهِ لأَنه حَضَرِيّ، فَإِذَا وَجَدَهَا مَلأَ جابيتَه، وأَعدَّها وَلَمْ يدرِ مَتَى يَجِدُ الْمِيَاهَ، وأَما(14/129)
الْبَدَوِيُّ فَهُوَ عَالِمٌ بِالْمِيَاهِ فَهُوَ لَا يُبَالِي أَن لَا يُعِدَّها؛ وَيُرْوَى: كَجَابِيَةِ السَّيْح، وَهُوَ الْمَاءُ الْجَارِي، وَالْجَمْعُ الجَوَابِي؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَجِفانٍ كَالْجَوابِ
. والجَبَايا: الرَّكايا الَّتِي تُحْفر وتُنْصب فِيهَا قُضبان الكَرْم؛ حَكَاهَا أَبو حَنِيفَةَ؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:
وذاتِ جَباً كَثِيرِ الوِرْدِ قَفْرٍ، ... وَلَا تُسْقَى الحَوائِمُ مِنْ جَباها
فَسَّرَهُ فَقَالَ: عَنَى هَاهُنَا الشرابَ «1» ، وجَبَا: رَجَعَ؛ قَالَ يَصِفُ الْحِمَارَ:
حَتَّى إِذَا أَشْرَفَ في جَوْفٍ جَبَا
يَقُولُ: إِذَا أَشرف فِي هَذَا الْوَادِي رَجَعَ، وَرَوَاهُ ثَعْلَبٌ: فِي جوفِ جَبَا، بالإِضافة، وغَلَّط مَنْ رَوَاهُ فِي جوفٍ جَبَا، بِالتَّنْوِينِ، وَهِيَ تُكْتَبُ بالأَلف وَالْيَاءِ. وجَبَّى الرجلُ: وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ فِي الصَّلَاةِ أَو عَلَى الأَرض، وَهُوَ أَيضاً انْكبابه عَلَى وَجْهِهِ؛ قَالَ:
يَكْرَعُ فِيهَا فيَعُبُّ عَبّا، ... مُجَبِّياً فِي مَائِهَا مُنْكَبّا
وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنَّ وَفْدَ ثَقِيفٍ اشْتَرَطوا عَلَى رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَن يُعْشَروا وَلَا يُحْشَروا وَلَا يُجَبُّوا، فَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَكُمْ ذَلِكَ وَلَا خَيْرَ فِي دِينٍ لَا رُكُوعَ فِيهِ
؛ أَصل التَّجْبِيةَ أَن يَقُومَ الإِنسان قِيَامَ الرَّاكِعِ، وَقِيلَ: هُوَ السُّجُودُ؛ قَالَ شَمِرٌ: لَا يُجَبُّوا أَي لَا يَرْكعوا فِي صَلَاتِهِمْ وَلَا يَسْجُدُوا كَمَا يَفْعَلُ الْمُسْلِمُونَ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ جَبَّى فُلَانٌ تَجْبِيَةً إِذَا أَكَبَّ عَلَى وَجْهِهِ بارِكاً أَو وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ مُنْحَنِيًا وَهُوَ قَائِمٌ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنه ذَكَرَ القيامةَ والنفخَ فِي الصُّور قَالَ فَيَقُومُونَ فيُجَبُّون تَجْبِيَةَ رجلٍ واحدٍ قِيَامًا لِرَبِّ الْعَالَمِينَ
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: التَّجْبِيَة تَكُونُ فِي حَالَيْنِ: إِحْدَاهُمَا أَن يَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَهُوَ قَائِمٌ وَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي فِي الْحَدِيثِ، أَلا تَرَاهُ قَالَ قِيَامًا لِرَبِّ الْعَالَمِينَ؟ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنْ يَنْكَبَّ عَلَى وَجْهِهِ بارِكاً، وَهُوَ كَالسُّجُودِ، وَهَذَا الوجهُ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ النَّاسِ، وَقَدْ حَمَلَهُ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى قَوْلِهِ فيخرُّون سُجَّداً لِرَبِّ الْعَالَمِينَ فَجَعَلَ السُّجُودَ هُوَ التَّجْبِيَة؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: والتَّجْبِيَة أَن يَقُومَ الإِنسان قِيَامَ الرَّاكِعِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ لَا يُجَبُّونَ أَنهم لَا يُصَلُّونَ، وَلَفْظُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِقَوْلِهِ فِي جَوَابِهِمْ:
وَلَا خيرَ فِي دِينٍ لَيْسَ فِيهِ رُكُوعٌ
، فَسَمَّى الصَّلَاةَ رُكُوعًا لأَنه بَعْضُهَا.
وَسُئِلَ جَابِرٌ عَنِ اشْتِرَاطِ ثَقيف أَن لَا صَدَقَةَ عَلَيْهَا وَلَا جِهَادَ فَقَالَ: عَلِمَ أَنهم سيَصَّدَّقون وَيُجَاهِدُونَ إِذَا أَسلموا، وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُمْ فِي تَرْكِ الصَّلَاةِ لأَن وَقْتَهَا حَاضِرٌ مُتَكَرِّرٌ بِخِلَافِ وَقْتِ الزَّكَاةِ وَالْجِهَادِ
؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
عَبْدِ اللَّهِ أَنه «2» . ذَكَرَ الْقِيَامَةَ قَالَ: ويُجَبُّون تَجْبِيَةَ رجُل وَاحِدٍ قِيَامًا لِرَبِّ الْعَالَمِينَ.
وَفِي حَدِيثِ الرُّؤْيَا:
فَإِذَا أَنا بِتَلّ أَسود عَلَيْهِ قَوْمٌ مُجَبُّون يُنْفَخُ فِي أَدبارِهم بِالنَّارِ.
وَفِي حَدِيثِ
جَابِرٍ: كَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ إِذَا نكَحَ الرجلُ امرأَته مُجَبِّيَةً جَاءَ الولدُ أَحْوَل
، أَي مُنْكَبَّةً عَلَى وَجْهِهَا تَشْبِيهًا بِهَيْئَةِ السُّجُودِ. واجْتَبَاه أَي اصْطفاه. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه اجْتَبَاه لِنَفْسِهِ
أَي اخْتَارَهُ وَاصْطَفَاهُ. ابْنُ سِيدَهْ: واجْتَبَى الشيءَ اخْتَارَهُ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَها
؛ قَالَ: مَعْنَاهُ عِنْدَ ثَعْلَبٍ جِئْتَ بِهَا مِنْ نَفْسِكَ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَاهُ هَلَّا اجْتَبَيْتَها هَلَّا اخْتَلَقْتَها وافْتَعَلْتها مِنْ قِبَل
__________
(1) . قوله [الشراب] هو في الأصل بالشين المعجمة، وفي التهذيب بالسين المهملة
(2) . قوله [وَمِنْهُ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ إلخ] هكذا في النسخ التي بأيدينا(14/130)
نَفْسِكَ، وَهُوَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ جَائِزٌ أَن يَقُولَ لَقَدِ اخْتَارَ لَكَ الشيءَ واجْتَبَاه وارْتَجَله. وَقَوْلُهُ: وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ
؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ وَكَذَلِكَ يَخْتَارُكَ وَيَصْطَفِيكَ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ جَبَيْت الشيءَ إِذَا خَلَّصْتَهُ لِنَفْسِكَ، وَمِنْهُ: جَبَيْت الماءَ فِي الْحَوْضِ. قَالَ الأَزهري: وجِبَايَةُ الْخَرَاجِ جَمْعُهُ وَتَحْصِيلُهُ مأْخوذ مِنْ هَذَا. وَفِي حَدِيثِ
وَائِلِ بْنِ حُجْر قَالَ: كَتَبَ لِي رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا جَلَبَ وَلَا جَنَبَ وَلَا شِغارَ وَلَا وِرَاطَ وَمَنْ أَجْبَى فَقَدْ أَرْبَى
؛ قِيلَ: أَصله الْهَمْزُ، وَفَسَّرَ
مَنْ أَجْبَى
أَي مَنْ عَيَّنَ فَقَدْ أَرْبَى، قَالَ: وَهُوَ حَسَنٌ. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الإِجباء بَيْعُ الْحَرْثِ وَالزَّرْعِ قَبْلَ أَن يَبْدُوَ صَلَاحُهُ، وَقِيلَ: هُوَ أَن يُغَيِّب إبِلَهُ عَنِ المصَدِّق، مِنْ أَجْبَأْتُهُ إِذَا وارَيْته؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: والأَصل فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ الْهَمْزُ، وَلَكِنَّهُ رُوِيَ غَيْرَ مَهْمُوزٍ، فَإِمَّا أَن يَكُونَ تَحْرِيفًا مِنَ الرَّاوِي، أَو يَكُونَ تَرَكَ الْهَمْزَ لِلِازْدِوَاجِ بأَرْبَى، وَقِيلَ: أَراد بالإِجْباء العِينَة وَهُوَ أَن يَبِيعَ مِنْ رَجُلٍ سِلْعة بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجل مَعْلُومٍ، ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ بِالنَّقْدِ بأَقل مِنَ الثَّمَنِ الَّذِي بَاعَهَا بِهِ.
وَرُوِيَ عَنْ ثَعْلَبٍ أَنه سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ مَنْ أَجْبَى فَقَدْ أَرْبَى قَالَ: لَا خُلْفَ بَيْنَنَا أَنه مَنْ بَاعَ زَرْعًا قَبْلَ أَن يُدْرِك كَذَا
، قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: فَقِيلَ لَهُ قَالَ بَعْضُهُمْ أَخطأَ أَبو عُبَيْدٍ فِي هَذَا، مِنْ أَين كَانَ زَرْعٌ أَيام النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: هَذَا أَحمق أَبو عُبَيْدٍ تَكَلَّمَ بهذا على رؤُوس الخَلْق وَتَكَلَّمَ بِهِ بَعْدَ الْخَلْقِ مِنْ سَنَةِ ثمانَ عَشْرَة إِلَى يَوْمِنَا هَذَا لَمْ يُرَدَّ عَلَيْهِ. والإِجْبَاءُ: بَيْعُ الزَّرْعِ قَبْلَ أَن يَبْدُوَ صَلَاحُهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْهَمْزِ. والجَابِيَة: جَمَاعَةُ الْقَوْمِ؛ قَالَ حُمَيْدُ بْنُ ثَوْرٍ الْهِلَالِيُّ:
أَنْتُم بجَابِيَة المُلُوك، وأَهْلُنا ... بالجَوِّ جِيرَتُنا صُدَاء وحِمْيَرُ
وَالْجَابِي: الجَراد الَّذِي يَجْبي كلَّ شيءٍ يأكُلُه؛ قَالَ عَبْدُ مَنَافِ بنُ رِبْعِيّ الْهُذَلِيُّ:
صابُوا بستَّةِ أَبْياتٍ وأَرْبعة، ... حَتَّى كأَنَّ عَلَيْهِمْ جَابِياً لُبَدَا
وَيُرْوَى بِالْهَمْزِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. التَّهْذِيبُ: سُمِّيَ الجرادُ الجَابِيَ لطُلوعِه. ابْنُ الأَعرابي: الْعَرَبُ تَقُولُ إِذَا جَاءَتِ السَّنَةُ جَاءَ مَعَهَا الجَابِي والجاني، ف الجَابِي الْجَرَادُ، وَالْجَانِي الذِّئْبُ «1» ، لَمْ يهمزهما. والجَابِيَة: مَدِينَةٌ بِالشَّامِ، وبابُ الجَابِيَة بِدِمَشْقَ، وَإِنَّمَا قَضَى بأَن هَذِهِ مِنَ الْيَاءِ لِظُهُورِ الْيَاءِ وأَنها لَامٌ، وَاللَّامُ يَاءٌ أَكثر مِنْهَا وَاوًا. والجَبَا مَوْضِعٌ. وفَرْشُ الجَبَا: مَوْضِعٌ؛ قَالَ كُثَيِّرُ عَزَّةَ:
أَهاجَكَ بَرْقٌ آخرَ الليلِ واصِبُ ... تَضَمَّنَهُ فَرْشُ الجَبَا فالمَسارِبُ؟
ابْنُ الأَثير فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ: وَفِي حَدِيثِ
خَدِيجَةَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَيْتٌ فِي الجنَّة مِنْ قَصَب؟ قَالَ: هُوَ بيتٌ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ مجَوَّفة مُجَبَّاةٍ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: فَسَّرَهُ ابْنُ وَهْبٍ فَقَالَ مجوَّفة، قَالَ: وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا لَا يستتِمّ إِلَّا أَن يُجْعَلَ مِنَ الْمَقْلُوبِ فَتَكُونُ مجوَّبة مِنَ الجَوْب، وَهُوَ القَطْع، وَقِيلَ: مِنَ الجَوْب، وَهُوَ نَقِير يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَاءُ، والله أَعلم.
جثا: جَثَا يَجْثُو ويَجْثِي جُثُوّاً وجُثِيّاً، عَلَى فُعُولٍ فِيهِمَا: جَلَسَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ لِلْخُصُومَةِ وَنَحْوِهَا. وَيُقَالُ: جَثَا فُلَانٌ عَلَى رُكْبَتَيْهِ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
إنَّا أُناسٌ مَعَدِّيُّونَ عادَتُنا، ... عنْدَ الصِّياحِ، جُثِيُّ المَوْتِ للرُّكَبِ
قَالَ: أَراد جُثِيُّ الرُّكَب لِلْمَوْتِ فقلب. وأَجْثَاه
__________
(1) . قوله [والجاني الذئب] هو هكذا في الأَصل وشرح القاموس(14/131)
غيرُه. وقوْمٌ جُثِيٌّ وجِثِيٌّ وقومٌ جُثىً أَيضاً: مِثْلُ جَلَسَ جُلُوسًا وَقَوْمٌ جُلوسٌ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا
، وجِثِيّاً أَيضاً، بِكَسْرِ الْجِيمِ، لِمَا بَعْدَهَا مِنَ الْكَسْرِ. وجَاثَيْتُ رُكْبَتِي إِلَى رُكْبَتِهِ وتَجَاثَوْا عَلَى الرُّكَب. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ: إِنَّ النَّاسَ يَصِيرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جُثىً كلُّ أُمَّةٍ تَتْبع نبيَّها
أَي جَمَاعَةً، وَتُرْوَى هَذِهِ اللَّفْظَةُ جُثِيٌّ، بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ، جَمْعُ جاثٍ وَهُوَ الَّذِي يَجْلِسُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ؛ وَمِنْهُ حديث
علي، رصوان اللَّهِ عَلَيْهِ: أَنا أَوّلُ مَنْ يَجْثُو للخُصومة بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ تَجَاثَوْا فِي الْخُصُومَةِ مُجَاثَاةً وجِثَاءً، وَهُمَا مِنَ الْمَصَادِرِ الْآتِيَةِ عَلَى غَيْرِ أَفعالها. وَقَدْ جَثَا جَثْواً وجُثُوّاً، كجَذَا جَذْواً وجُذُوّاً، إِذَا قَامَ عَلَى أَطراف أَصابعه، وعدَّه أَبو عُبَيْدَةَ فِي الْبَدَلِ، وأَما ابْنُ جِنِّيٍّ فَقَالَ: لَيْسَ أَحد الْحَرْفَيْنِ بَدَلًا مِنْ صَاحِبِهِ بَلْ هُمَا لُغَتَانِ. والجَاثِي: الْقَاعِدُ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً
؛ قَالَ مُجَاهِدٌ: مُستوفِزينَ عَلَى الرُّكَب. قَالَ أَبو مُعَاذٍ: المُسْتَوْفِزُ الَّذِي رَفَعَ أَلْيَتَيه وَوَضَعَ رُكْبَتَيْهِ؛ وَقَالَ عَدِيٌّ يَمْدَحُ النُّعْمَانَ:
عَالِمٌ بِالَّذِي يكونُ، نَقِيُّ الصدر، ... عَفٌّ عَلَى جُثاه نَحُور
قِيلَ: أَراد يَنْحَرُ النُّسُكَ عَلَى جُثَى آبائِهِ أَي عَلَى قُبُورِهِمْ، وَقِيلَ: الجُثَى صَنَم كَانَ يُذْبح لَهُ. والجُثْوَة والجَثْوَة والجِثْوَة، ثَلَاثُ لُغَاتٍ: حِجَارَةٌ مِنْ تُرَابٍ مُتَجَمِّعٍ كَالْقَبْرِ، وَقِيلَ: هِيَ الْحِجَارَةُ الْمَجْمُوعَةُ. والجِثْوة: الْقَبْرُ سُمِّيَ بِذَلِكَ، وَقِيلَ: هِيَ الرَّبْوة الصَّغِيرَةُ، وَقِيلَ: هِيَ الكُومةُ مِنَ التُّرَابِ. التَّهْذِيبُ: الجُثَى أَتْربة مَجْمُوعَةٌ، وَاحِدَتُهَا جُثْوَة. وَفِي حَدِيثِ
عَامِرٍ: رأَيت قُبُورَ الشُّهَدَاءِ جُثىً
يَعْنِي أَتْربة مَجْمُوعَةً. وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ:
فَإِذَا لَمْ نَجِدْ حَجَرًا جَمَعْنَا جُثْوَةً مِنْ تُرَابٍ
، وَيَجْمَعُ الْجَمِيعَ جُثىً، بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ. وجِثَى الحَرَم: مَا اجْتَمَعَ فِيهِ مِنْ حِجَارَةِ الجِمار «1» . وَفِي الْحَدِيثِ:
مَنْ دَعا دُعاءَ الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ مِنْ جُثَى جَهَنَّمَ.
وَفِي الْحَدِيثِ:
مَنْ دَعا يَا لَفُلانٍ فَإِنَّمَا يَدْعُو إِلَى جُثَى النَّارِ
؛ هِيَ جَمْعُ جُثْوَة، بِالضَّمِّ، وَهِيَ الشَّيْءُ الْمَجْمُوعُ. وَفِي حَدِيثِ إِتْيَانِ المرأَة مُجَبِّيةً رَوَاهُ بَعْضُهُمْ
مُجَثَّاة
، كأَنه أَراد قَدْ جُثِّيَت فَهِيَ مُجَثَّاة أَي حُمِلت عَلَى أَن تَجْثُوَ عَلَى رُكْبَتَيْهَا. وَفِي الْحَدِيثِ:
فُلَانٌ مِنْ جُثَى جَهَنَّمَ
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: لَهُ مَعْنَيَانِ أَحدهما أَنه مِمَّنْ يَجْثُو عَلَى الرُّكَبِ فِيهَا، وَالْآخَرُ أَنه مِنْ جَمَاعَاتِ أَهل جَهَنَّمَ عَلَى رِوَايَةِ
مَنْ رَوَى جُثىً
، بِالتَّخْفِيفِ،
وَمَنْ رَوَاهُ مِنْ جُثِيِّ جَهَنَّمَ
، بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ، فَهُوَ جَمْعُ الجَاثِي. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا
؛ وَقَالَ طَرَفَةُ فِي جَمْعِ الجُثْوَة يَصِفُ قَبْرَيْ أَخوين غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ:
تَرَى جُثْوَتَيْن مِنْ تُرابٍ، عَلَيهما ... صَفَائِحُ صُمٌّ مِنْ صفيحٍ مُصَمَّدِ
مُوَصَّد. وجُثْوَة كُلِّ إِنْسَانٍ: جَسَدُهُ: والجُثْوَة: الْبَدَنُ وَالْوَسَطُ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وَمِنْهُ قَوْلُ دغْفَل الذُّهْلي: والعَنْبَرُ جُثْوَتُها، يَعْنِي بَدَنَ عَمْرِو بْنِ تمِيم ووَسَطَها. ابْنُ شُمَيْلٍ: يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِنَّهُ لعظيمُ الجُثْوَةِ والجُثَّةِ. وجُثْوَة الرَّجُلِ: جسدُه، وَالْجَمْعُ الجُثَى؛ وأَنشد:
يَومَ تَرَى جُثْوَتَه فِي الأَقْبُرِ
قَالَ: وَالْقَبْرُ جُثْوَة، وَمَا ارْتَفَعَ مِنَ الأَرض نحو
__________
(1) . قوله [مَا اجْتَمَعَ فِيهِ مِنْ حجارة الجمار] هذه عبارة الجوهري، وقال الصاغاني في التكملة: الصواب من الحجارة التي توضع على حدود الحرم أو الأنصاب التي تذبح عليها الذبائح(14/132)
ارْتِفَاعِ الْقَبْرِ جُثْوَة. والجُثْوة: التُّرَابُ الْمُجْتَمِعُ. والجَثْوَة والجِثْوَة والجُثْوَة: لُغَةٌ فِي الجَذْوة والجِذْوة والجُذْوة. الْفَرَّاءُ: جَذْوة مِنَ النَّارِ وجَثْوة، وَزَعَمَ يَعْقُوبُ أَن الثَّاءَ هُنَا بَدَلٌ مِنَ الذَّالِ. وَسُورَةُ الجَاثِيَة: الَّتِي تَلِي الدُّخَانَ.
جحا: جَحَا بِالْمَكَانِ يَجْحُو: أَقام بِهِ كحَجَا. وحَيَّا اللَّهُ جَحْوَتَك أَي طلعتَك. وجَحْوانُ: اسْمُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسد؛ قَالَ الأَسود بْنُ يَعْفُرَ:
وقَبْلِيَ مَاتَ الخالِدانِ كِلاهُما: ... عَمِيدُ بَني جَحْوانَ، وابنُ المُضَلَّلِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ صَوَابُ إِنْشَادِهِ:
فَقَبْلِيَ مَاتَ الْخَالِدَانِ
بِالْفَاءِ لأَنه جَوَابُ الشَّرْطِ فِي الْبَيْتِ الَّذِي قَبْلَهُ:
فَإِنْ يكُ يَوْمي قَد دَنا، وإخالُه، ... كَوَارِدَةٍ يَوْمًا إِلَى ظِمْءِ مَنْهَلِ
ابْنُ الأَعرابي: الجَاحِي الحَسَن الصَّلَاةِ، والجَاحِي المُثاقِفُ، والجَائِحُ الجَراد. واجْتاحَ الشيءَ واجْتَحَاه: استأَصَله. الْجَوْهَرِيُّ: اجْتَحَاه قَلْبُ اجْتَاحه. رَوَى الأَزهري عَنِ الْفَرَّاءِ أَنه قَالَ فِي كَلَامٍ: تَجَاحَيَا الأَمْوالَ، فقَلَب يُرِيدُ اجْتَاحَا، وَهُوَ مِنْ أَولاد الثَّلَاثَةِ فِي الأَصل. ابْنُ الأَعرابي: جَحَا إِذَا خَطَا. والجَحْوَةُ: الخَطْوة الْوَاحِدَةُ. وجُحَا: اسمُ رَجُلٍ؛ قَالَ الأَخفش: لَا يَنْصَرِفُ لأَنه مِثْلُ عُمَرَ. قَالَ الأَزهري: إِذَا سَمَّيْتَ رَجُلًا بِجُحا فأَلْحِقْه بِبَابِ زُفَرَ، وجُحَا معدولٌ مِنْ جَحَا يَجْحُو إِذَا خَطَا. الأَزهري: بَنُو جَحْوَانَ قَبِيلَةٌ.
جخا: الجَخْوُ: سَعَة الجِلْدِ، رَجُلٌ أَجْخَى وامرأَةٌ جَخْوَاءُ. أَبو تُرَابٍ: سَمِعْتُ مُدْرِكًا يَقُولُ رَجُلٌ أَجْخَى وأَجْخَرُ إِذَا كَانَ قَلِيلَ لَحْمِ الْفَخِذَيْنِ وَفِيهِمَا تَخاذُلٌ مِنَ الْعِظَامِ وتَفَاحُجٌ. وجَخَّى الليلُ: مالَ فَذَهَبَ. وجَخَّى الليلُ تَجْخِيَة إِذَا أَدْبر. والتَّجْخِيَة: المَيْلُ. وجَخَّت النجومُ: مَالَتْ، وَعَمَّ أَبو عُبَيْدَةَ بِهِ جَمِيعَ الْمَيْلِ. وجَخَا بِرِجْلِهِ: كَخَجَا؛ حَكَاهُمَا ابْنُ دُرَيْدٍ مَعًا. وجَخَوْت الكُوز فَتَجَخَّى: كَبَبْتُهُ فَانْكَبَّ؛ هَذِهِ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
حُذَيْفَةَ حِينَ وَصَفَ الْقُلُوبَ فَقَالَ: وقلبٌ مُرْبَدٌّ كالكُوزِ مُجَخِّياً، وأَمالَ كفَّه
، أَي مَائِلًا؛ والمُجَخِّي: المائِل عَنِ الِاسْتِقَامَةِ وَالِاعْتِدَالِ، فَشَبَّهَ القلبَ الَّذِي لَا يَعِي خَيْرًا بِالْكُوزِ الْمَائِلِ الَّذِي لَا يَثْبُتُ فِيهِ شَيْءٌ لأَن الْكُوزَ إِذَا مَالَ انْصَبَّ مَا فِيهِ؛ وأَنشد أَبو عُبَيْدٍ:
كَفَى سَوْأَةً أَن لَا تزالَ مُجَخِّياً ... إِلَى سَوْأَةٍ وَفْراءَ، فِي استِكَ عُودُها
وَيُقَالُ: جَخَّى إِلَى السَّوْأَةِ أَي مَالَ إِلَيْهَا. وَيُقَالُ لِلشَّيْخِ إِذَا حَنَاهُ الْكِبَرُ: قَدْ جَخَّى وجَخَّى الشَّيْخُ: انْحنى؛ وَقَالَ آخَرُ:
لَا خَيْرَ فِي الشَّيْخِ إِذَا مَا جَخَّا، ... وسَالَ غَرْبُ عَيْنِه ولَخَّا
وَكَانَ أَكْلًا قَاعِدًا وشَخَّا، ... تحتَ رُواقِ الْبَيْتِ يَغْشَى الذُّخَّا
وانْثَنَتِ الرِّجل فَصَارَتْ فَخَّا، ... وصارَ وَصْلُ الغَانِياتِ أَخَّا
وَيُرْوَى:
لَا خيرَ فِي الشَّيْخِ إِذَا مَا اجْلَخَّا
وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه كَانَ إِذَا سَجَدَ جَخَّى فِي سُجُودِهِ
أَي خَوَّى ومَدَّ ضَبُعَيْهِ وتجافَى عَنِ الأَرض. وَقَدْ(14/133)
جَخَّ وجَخَّى إِذَا خَوَّى فِي سُجُودِهِ، وَهُوَ أَن يَرْفَعَ ظَهْرَهُ حَتَّى يُقلَّ بَطْنَهُ عَنِ الأَرض. وَيُقَالُ: جَخَّى إِذَا فَتَح عَضُديه فِي السُّجُودِ، وَهُوَ مِثْلُ جَخَّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. أَبو عَمْرٍو: جَخَّى عَلَى المِجْمَر وتَجَخَّى وجَبَّى وتَجَبَّى وتَشَذَّى إذا تَبَخَّر.
جدا: الجَدَا، مَقْصُورٌ: المَطَرُ الْعَامُّ. وغيثٌ جَداً: لَا يُعرف أَقصاه، وَكَذَلِكَ سماءٌ جَداً؛ تَقُولُ الْعَرَبُ: هَذِهِ سماءٌ جَدًا مَا لَهَا خَلَفٌ، ذكَّروه لأَن الجَدَا فِي قُوَّةِ الْمَصْدَرِ. ومَطَرٌ جَدًا أَي عَامٌّ. وَيُقَالُ: أَصابنا جَداً أَي مَطَرٌ عَامٌّ. وَيُقَالُ: إِنَّهَا لسماءٌ جَداً مَا لَهَا خَلَفٌ أَي وَاسِعٌ عَامٌّ. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ: إِنَّ خَيْرَهُ لَجَداً عَلَى النَّاسِ أَي عَامٌّ وَاسِعٌ. ابْنُ السِّكِّيتِ: الجَدَا يُكْتَبُ بِالْيَاءِ والأَلف. وَفِي حَدِيثِ الِاسْتِسْقَاءِ:
اللَّهُمَّ اسْقِنا غَيْثاً غَدَقاً وجَداً طَبَقاً
، وَمِنْهُ أُخِذ جَدَا العَطِيّةِ والجَدْوَى؛ وَمِنْهُ شِعْرُ خُفاف بْنُ نُدْبة السُّلَمي يَمْدَحُ الصِّدِّيقَ:
ليسَ لشَيءٍ غيرِ تَقْوَى جَداً، ... وكلُّ خَلْقٍ عُمْرُه للفَنَا
هُوَ مِنْ أَجْدَى عَلَيْهِ يُجْدِي إِذَا أَعطاه. والجَدَا، مَقْصُورٌ: الجَدْوَى وَهُمَا الْعَطِيَّةُ، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ، وَتَثْنِيَتُهُ جَدَوان وجَدَيان؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: كِلَاهُمَا عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، فَجَدوانِ عَلَى الْقِيَاسِ، وجَدَيانِ عَلَى المُعاقبة. وخَيْرُه جَدًا عَلَى النَّاسِ: وَاسِعٌ. والجَدْوى: الْعَطِيَّةُ كالجَدَا، وَقَدْ جَدَا عَلَيْهِ يَجْدُو جَداً. وأَجْدَى فُلَانٌ أَي أَعطى. وأَجْدَاه أَي أَعطاه الجَدْوَى. وأَجْدَى أَيضاً أَي أَصاب الجَدْوَى، وَقَوْمٌ جُدَاةٌ ومُجْتَدُون، وَفُلَانٌ قَلِيلُ الجَدَا عَلَى قَوْمِهِ. وَيُقَالُ: مَا أَصَبْتُ مِنْ فُلَانٍ جَدْوَى قَطُّ أَي عَطِيَّةً؛ وَقَوْلُ أَبي الْعِيَالِ:
بَخِلَتْ فُطَيْمةُ بالَّذِي تُولِينِي ... إلَّا الكلامَ، وقَلَّمَا تُجْدِينِي
أَراد تُجْدي عَلَيّ فَحَذَفَ حَرْفَ الْجَرِّ وأَوصل. وَرَجُلٌ جادٍ: سائِل عافٍ طالبٌ للجَدْوَى؛ أَنشد الْفَارِسِيُّ عَنْ أَحمد بْنِ يَحْيَى:
إِلَيْهِ تَلْجَأُ الهَضَّاءُ طُرّاً، ... فلَيْسَ بِقائِلٍ هُجْراً لِجَادِ
وَكَذَلِكَ مُجْتَدٍ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
لأُنْبِئْت أَنَّا نَجْتَدِي الحَمْدَ، إنَّمَا ... تَكَلَّفُهُ مِن النُّفوسِ خِيارُها
أَي تطلُب الْحَمْدَ؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:
إنِّي لَيَحْمَدُنِي الخَلِيلُ إِذَا اجْتَدَى ... مَالِي، ويَكْرَهُني ذَووُ الأَضْغَانِ
والجَادِي: السائلُ العافِي؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ:
أَما عَلِمْتَ أَنَّني مِنْ أُسْرَهْ ... لَا يَطْعَمُ الجَادِي لَدَيْهِم تَمْرَهْ؟
وَيُقَالُ: جَدَوْتُه سأَلته وأَعطيته، وَهُوَ مِنَ الأَضداد؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
جَدَوتُ أُناساً مُوسِرينَ فَمَا جَدَوْا، ... أَلا اللهَ فاجْدُوهُ إِذَا كُنتَ جَادِيَا
وجَدَوْته جَدْواً وأَجْدَيْته واسْتَجْدَيْته، كلُّه بِمَعْنَى: أَتيته أَسأَله حَاجَةً وَطَلَبْتُ جَدْواه؛ قَالَ أَبو النَّجْمِ:
جِئْنا نُحَيِّيكَ ونَسْتَجْدِيكا ... مِن نائِل اللهِ الّذِي يُعْطِيكَا
وَفِي حَدِيثِ
زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنه كَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ يَسْتَعْطِفُهُ(14/134)
لأَهل الْمَدِينَةِ وَيَشْكُو إِلَيْهِ انْقِطَاعَ أَعْطِيَتهم والمِيرَةِ عَنْهُمْ وَقَالَ فِيهِ: وَقَدْ عَرَفوا أَنَّه لَيْسَ عندَ مَرْوان مالٌ يُجَادُونَهُ عَلَيه
؛ المُجادَاةُ: مُفَاعَلَةٌ مِنْ جَدَا واجْتَدَى واسْتَجْدَى إِذَا سأَل، مَعْنَاهُ لَيْسَ عِنْدَهُ مَالٌ يُسَائِلُونَهُ عَلَيْهِ؛ وَقَوْلُ أَبي حَاتِمٍ:
أَلا أَيُّهَذَا المُجْتَدِينا بِشَتْمِهِ، ... تأَمَّلْ رُوَيْداً، إنَّني مَنْ تَعَرَّفُ
لَمْ يُفَسِّرْهُ ابْنُ الأَعرابي؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي أَنه أَراد أَيُّهذا الَّذِي يَسْتَقْضِينَا حَاجَةً أَو يسأَلنا وَهُوَ فِي خِلَالِ ذَلِكَ يَعِيبُنا وَيَشْتُمُنَا. وَيُقَالُ: فُلَانٌ يَجْتَدِي فُلَانًا ويَجْدُوه أَي يسأَله. والسُّؤَّالُ الطَّالِبُونَ يُقَالُ لَهُمُ المُجْتَدُون. وجَدَيته: طَلَبْتُ جَدْواه، لُغَةٌ فِي جَدَوْتُه. والجَداءُ: الغَنَاءُ، مَمْدُودٌ. وَمَا يُجْدي عَنْكَ هَذَا أَي مَا يُغْني. وَمَا يُجْدِي عليَّ شَيْئًا أَي مَا يُغْني. وَفُلَانٌ قَلِيلُ الجَدَاءِ عَنْكَ أَي قَلِيلُ الغَنَاء والنفْعِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُهُ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ العَجْلانِ:
لَقَلَّ جَدَاء عَلَى مَالِكٍ، ... إِذَا الحَرْب شبَّتْ بِأَجْذالِها
وَيُقَالُ مِنْهُ: قلَّمَا يُجْدي فُلَانٌ عَنْكَ أَي قَلَّمَا يُغْنِي. والجُدَاءُ، مَمْدُودٌ: مَبْلَغُ حِسَابِ الضَّرْبِ، ثلاثةٌ فِي اثْنَيْنِ جُداءُ ذَلِكَ سِتَّةٌ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: والجُدَاءُ مَبْلَغُ حِسَابِ الضَّرْبِ كَقَوْلِكَ ثَلَاثَةٌ فِي ثلاثة جُداؤُها تسعة. ولا يأْتيك جَدَا الدَّهْرِ أَي آخرَه. وَيُقَالُ: جَدَا الدَّهْرِ أَي يَدَ الدَّهْرِ أَي أَبَداً. والجَدْيُ: الذَّكَرُ مِنْ أَولاد المَعَز، وَالْجَمْعُ أَجْدٍ وجِدَاءٌ، وَلَا تَقُلِ الجَدَايا، وَلَا الجِدَى، بِكَسْرِ الْجِيمِ، وَإِذَا أَجْذَع الجَدْي والعَناقُ يُسَمَّى عَريضاً وعَتُوداً. وَيُقَالُ للجَدْيِ: إمَّرٌ وإمَّرة وهِلَّعٌ وهِلَّعة. قَالَ: والعُطْعُط الجَدْيُ. وَنَجْمٌ فِي السَّمَاءِ يُقَالُ لَهُ الجَدْيُ قَرِيبٌ مِنَ القُطْب تُعْرَفُ بِهِ القِبْلة، والبُرْجُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الجَدْي بِلِزْقِ الدَّلْو وَهُوَ غَيْرُ جَدْيِ الْقُطْبِ. ابْنُ سِيدَهْ: والجَدْي مِنَ النُّجُومِ جَدْيانِ: أَحدهما الَّذِي يَدُورُ مَعَ بَنَاتِ نَعْشٍ، وَالْآخَرُ الَّذِي بِلِزْقِ الدَّلْوِ، وَهُوَ مِنَ الْبُرُوجِ، وَلَا تَعْرِفُهُ الْعَرَبُ، وَكِلَاهُمَا عَلَى التَّشْبِيهِ بالجَدْي فِي مَرآة الْعَيْنِ. والجَدَايَةُ والجِدَايَةُ جَمِيعًا: الذَّكَرُ والأُنثى مِنْ أَولاد الظِّباء إِذَا بَلَغَ سِتَّةَ أَشهر أَو سَبْعَةً وعَدَا وتشدَّد، وَخَصَّ بَعْضُهُمْ بِهِ الذَّكَرَ مِنْهَا. غَيْرُهُ: الجِدَايَةُ بِمَنْزِلَةِ العَناق مِنَ الْغَنَمِ، قَالَ جِرانُ العَوْد وَاسْمُهُ عَامِرُ بْنُ الْحَرْثِ:
لَقَدْ صَبَحْت حَمَلَ بْنَ كُوزِ ... عُلالةً مِنْ وَكَرَى أَبُوزِ
تُريحُ، بَعْدَ النَّفَسِ المَحْفُوزِ، ... إراحةَ الجِدَايَةِ [الجَدَايَةِ] النَّفُوزِ
وَفِي الْحَدِيثِ:
أُتِيَ رسولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بجَدَايا وضَغابِيسَ
؛ هِيَ جَمْعُ جَدَايَة مِنْ أَولاد الظِّباء. وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ:
فَجَاءَهُ بجَدْيٍ وجَدَايَة.
والجَدْيَةُ والجَدِيَّةُ: الْقِطْعَةُ مِنَ الْكِسَاءِ الْمَحْشُوَّةُ تَحْتَ دَفَّتَي السَّرْجِ وظَلِفَةِ الرَّحْل، وَهُمَا جَدِيَّتانِ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالْجَمْعُ جَداً وجَدَياتٌ، بِالتَّحْرِيكِ، قَالَ: وَكَذَلِكَ الجَدِيَّةُ، عَلَى فَعِيلَةٍ وَالْجَمْعُ الجَدَايا. قَالَ: وَلَا تَقُلْ جَدِيدَةٌ وَالْعَامَّةُ تَقُولُهُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ عِنْدَ قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ وَالْجَمْعُ جَداً قَالَ: صَوَابُهُ وَالْجَمْعُ جَدْيٌ مِثْلُ هَدْيةٍ وهَدْيٍ وشَرْيةٍ وشَرْيٍ؛ وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: قَالَ سِيبَوَيْهِ جَمْعُ الجَدْيَةِ(14/135)
جَدَيات، قَالَ: وَلَمْ يكسِّرُوا الجَدْيَة عَلَى الأَكثر اسْتِغْنَاءً بِجَمْعِ السَّلَامَةِ إِذْ جَازَ أَن يَعْنُوا الكثيرَ، يَعْنِي أَن فعْلة قَدْ تُجْمع فَعَلاتٍ يُعْنَى بِهِ الأَكثر كَمَا أَنشد لحَسّانَ:
لَنَا الجَفَناتُ
وجَدَّى الرَّحْلَ: جَعَلَ لَهُ جَدْيَةً، وَقَدْ جَدَّيْنا قَتَبَنا بجَدِيَّةٍ. وَفِي حَدِيثِ
مَرْوَانَ: أَنه رَمَى طَلْحةَ بْنَ عُبَيْد اللَّهِ يَوْمَ الجَمَل بِسَهْمٍ فَشَكَّ فَخِذَهُ إِلَى جَدْيَةِ السَّرْجِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ
أَبي أَيوب: أُتِيَ بِدَابَّةٍ سَرْجُها نُمُور فنَزَع الصُّفَّةَ
يَعْنِي المِيثَرَةَ، فَقِيلَ: الجَدَياتُ نُمُور، فَقَالَ: إِنَّمَا يُنْهَى عَنِ الصُّفَّةِ. والجَدِيَّة: لَوْنُ الوَجْه، يُقَالُ: اصْفَرَّتْ جَدِيَّةُ وَجْهِهِ؛ وأَنشد:
تَخالُ جَدِيَّةَ الأَبْطالِ فِيهَا، ... غَداةَ الرَّوْعِ، جَادِيّاً مَدُوفا
والجَادِيُّ: الزَّعْفَرَانُ. وجَادِيَةُ: قَرْيَةٌ بِالشَّامِ يَنْبُتُ بِهَا الزَّعْفَرَانُ، فَلِذَلِكَ قَالُوا جادِيٌّ. والجَدِيَّةُ مِنَ الدَّم: مَا لَصِقَ بالجَسد، والبَصِيرَةُ: مَا كَانَ عَلَى الأَرض. وَتَقُولُ: هَذِهِ بَصِيرةٌ مِنْ دَم وجَدِيَّة مِنْ دَمٍ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: الجَدِيَّة الدَّمُ السَّائِلُ، فأَما البَصِيرة فَإِنَّهُ مَا لَمْ يَسِلْ. وأَجْدَى الجُرْحُ: سَالَتْ مِنْهُ جَدِيَّةٌ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
وإنْ أَجْدَى أَظلَّاها ومَرَّتْ، ... لمَنْهَبِها، عَقامٌ خَنْشَلِيلُ «2»
. وَقَالَ عَبَّاسُ بنُ مِرْداسٍ:
سُيول الجَدِيَّةِ جَادَتْ، ... مُراشاة كُلِّ قَتِيل قَتِيلا
«3» . سُلَيْمٌ وَمَنْ ذَا مِثْلُهُمْ، ... إِذَا مَا ذَوُو الفَضْل عَدُّوا الفُضُولا
مُرَاشَاةُ أَي يُعْطِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِنَ الرِّشْوَةِ، مأْخوذ مِنْ جَدِيَّة وجَدِيَّات لأَنه مِنْ بَابِ النَّاقِصِ مِثْلُ هَدِيَّة وهَدِيّات، أَراد جَدِيَّة الدَّمِ. والجَدِيَّة أَيضاً: طَرِيقَةٌ مِنَ الدَّمِ، وَالْجَمْعُ جَدَايا. وَفِي حَدِيثِ
سَعْدٍ قَالَ: رَمَيْتُ يَوْمَ بَدْرٍ سُهَيْلَ بنَ عَمْرٍو فَقَطَعْتُ نَسَاهُ فانْثَعَبَت جَدِيَّة الدَّمِ
؛ هِيَ أَول دَفْعَةٍ مِنَ الدَّمِ، وَرَوَاهُ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَانْبَعَثَ جَدِيَّة الدَّمِ؛ قِيلَ: هِيَ الطَّرِيقَةُ مِنَ الدَّمِ تُتَّبع ليُقْتَفَى أَثَرُها. والجَادِي: الْجَرَادُ لأَنه يَجْدِي كُلَّ شَيْءٍ أَي يأْكله؛ قَالَ عَبْدُ مَنَافٍ الْهُذَلِيُّ:
صَابوا بِسِتَّةِ أَبْياتٍ ووَاحِدَة، ... حتَّى كأَنَّ عَلَيها جادِياً لُبَدا
وجَدْوى: اسْمُ امْرَأَةٍ؛ قَالَ ابْنُ أَحمر:
شَطَّ المَزارُ بِجَدْوَى وانْتَهَى الأَمَلُ
جذا: جَذا الشيءُ يَجْذُو جَذْواً وجُذُوّاً وأَجْذَى، لُغَتَانِ كِلَاهُمَا: ثَبَتَ قَائِمًا، وَقِيلَ: الجَاذِي كالجَاثي. الْجَوْهَرِيُّ: الجَاذِي المُقْعِي مُنْتَصِبَ الْقَدَمَيْنِ وَهُوَ عَلَى أَطراف أَصابعه؛ قَالَ النُّعْمَانُ بْنُ نَضْلة الْعَدَوِيُّ وَكَانَ عُمَرُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، اسْتَعْمَلَهُ عَلَى مَيْسان:
فَمنْ مُبْلغُ الحَسْناءِ أَنَّ خلِيلَها، ... بِمَيْسانَ، يُسْقَى فِي قِلال وحَنْتَمِ؟
إِذَا شِئْتُ غَنَّتْني دَهاقِينُ قَرْيةٍ، ... وصَنَّاجةٌ تَجْذُو عَلَى كُلِّ مَنْسِم
__________
(2) . قوله [لمنهبها] هكذا في الأصل والمحكم هنا، وأنشده في مادة عقم لمنهلها تبعاً للمحكم أيضاً (3) . قوله [سيول الجَدِيَّة إلخ] هذان البيتان هكذا في الأَصل، وكذا قوله بعد [مَأْخُوذٌ مِنْ جَدِيَّة وجَدِيَّات](14/136)
فإنْ كُنْتَ نَدْماني فبالأَكْبَر اسْقِني، ... ولا تَسْقِنِي بالأَصْفَرِ المُتَثَلِّمِ
لعلَّ أَميرَ المؤمنينَ يسوءُهُ ... تَنادُمُنا فِي الجَوْسَقِ المُتَهَدِّمِ
فَلَمَّا سَمِعَ عُمَرُ ذَلِكَ قَالَ: إِي وَاللَّهُ يسوءني وأَعز لك وَيُرْوَى:
وصنَّاجة تَجْذُو عَلَى حَرْفِ مَنسِم
وَقَالَ ثَعْلَبٌ: الجُذُوُّ على أَطرف الأَصابع والجُثُوُّ عَلَى الرُّكَب. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: الجَاذِي عَلَى قَدَمَيْهِ، وَالْجَاثِي عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وأَما الْفَرَّاءُ فَإِنَّهُ جَعَلَهُمَا وَاحِدًا. الأَصمعي: جثَوْت وجَذَوْت وَهُوَ الْقِيَامُ عَلَى أَطراف الأَصابع، وَقِيلَ: الجَاذِي الْقَائِمُ عَلَى أَطراف الأَصابع؛ وقال أَبو دواد يَصِفُ الْخَيْلَ:
جَاذِيات عَلَى السَّنَابِكِ قد أَنْحَلَهُنَّ ... الإِسْراجُ والإِلْجَامُ
وَالْجَمْعُ جِذاءٌ مِثْلُ نائِم ونِيام؛ قَالَ المَرَّار:
أَعَانٍ غَرِيبٌ أَم أَمِيرٌ بأَرْضها، ... وحَوْلِيَ أَعْدَاءٌ جِذَاءٌ خُصُومُها؟
وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: جَذَا وجَثَا لُغَتَانِ، وأَجْذَى وجَذَا بِمَعْنَى إِذَا ثَبَتَ قَائِمًا. وَكُلُّ مَنْ ثَبَتَ عَلَى شَيْءٍ فَقَدْ جَذَا عَلَيْهِ؛ قَالَ عَمْرُو بْنُ جَمِيلٍ الأَسدي:
لَمْ يُبْقِ مِنْهَا سَبَلُ الرَّذاذِ ... غيرَ أَثافي مِرْجَلٍ جَوَاذِ
وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ: ف جَذَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ
أَي جَثا. قَالَ ابْنُ الأَثير: إِلَّا أَنه بِالذَّالِ أَدلُّ عَلَى اللُّزُومِ وَالثُّبُوتِ مِنْهُ بِالثَّاءِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُقَالُ جَذَا مِثْلُ جَثا، واجْذَوَى مَثَلُ ارْعَوَى فَهُوَ مُجْذَوٍ؛ قَالَ يَزِيدُ بْنُ الحَكَم:
نَدَاكَ عَنِ المَوْلى ونَصْرُكَ عاتِمٌ، ... وأَنتَ لهُ بالظُّلْمِ والفُحْشِ مُجْذَوي
قَالَ ابْنُ جِنِّي: لَيْسَتِ الثَّاءُ بَدَلًا مِنَ الذَّالِ بَلْ هُمَا لُغَتَانِ. وَفِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كالخامَةِ مِنَ الزَّرْعِ تُفَيِّئُها الريحُ مَرَّةً هُنَاكَ وَمَرَّةً هُنَا، ومثَلُ الْكَافِرِ كالأَرْزَة المُجْذِيَةِ عَلَى وَجْهِ الأَرض حَتَّى يكونَ انْجِعافُها بمَرَّةٍ
، أَي الثَّابِتَةُ المُنْتَصِبة؛ يُقَالُ: جَذَتْ تَجْذو وأَجْذَتْ تُجْذي، والخامَةُ مِنَ الزَّرْعِ: الطَّاقَةُ مِنْهُ، وتُفَيِّئُها: تَجِيءُ بِهَا وتَذْهب، والأَرْزَةُ: شَجَرَةُ الصَّنَوْبر، وَقِيلَ: هُوَ العَرْعَر، والانْجِعافُ: الانْقِلاعُ والسقوطُ، والمُجْذِيَة: الثَّابِتَةُ عَلَى الأَرض. قَالَ الأَزهري: الإِجْذاء فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَازِمٌ، يُقَالُ: أَجْذَى الشيءُ يُجْذي وجَذَا يَجْذُو جُذُوّاً إِذَا انْتَصَبَ وَاسْتَقَامَ، واجْذَوْذَى اجْذِيذاءً مِثْلُهُ. والمُجْذَوْذِي: الَّذِي يُلَازِمُ الرَّحْلَ وَالْمَنْزِلَ لَا يُفَارِقُهُ؛ وأَنشد لأَبي الْغَرِيبِ النصْري:
أَلسْتَ بمُجْذَوذٍ عَلَى الرَّحْلِ دائِبٍ؟ ... فَمَا لَكَ، إِلَّا مَا رُزِقْتَ، نَصيبُ
وَفِي حَدِيثِ
فَضالة: دخلتُ عَلَى عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوان وَقَدْ جَذَا مِنْخَرَاهُ وشَخَصَت عَيْناه فعَرَفْنا مِنْهُ الْمَوْتَ
، أَي انْتَصبَ وامتَدَّ. وتَجَذَّيْتُ يَوْمِي أَجمعَ أَي دَأَبْتُ. وأَجْذَى الحجرَ: أَشاله، والحجَرُ مُجْذىً. والتَّجَاذِي فِي إشالةِ الْحَجَرِ: مِثْلُ التَّجاثي. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَرَّ بقومٍ يُجْذُونَ حجَراً
أَي يُشِيلونه وَيَرْفَعُونَهُ،
وَيُرْوَى: وهُمْ يَتَجَاذَوْنَ مِهْراساً
؛ المِهْراس: الْحَجَرُ الْعَظِيمُ الَّذِي يُمْتَحَن بِرَفْعِهِ قُوَّةُ(14/137)
الرَّجُلِ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ: مَرَّ بقومٍ يتَجاذَبُون حجَراً
،
وَيُرْوَى يُجْذُون
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الإِجْذاءُ إِشَالَةُ الْحَجَرِ لتُعرف بِهِ شدَّةُ الرَّجُلِ، يُقَالُ: هُمْ يُجْذُون حَجَرًا ويَتَجَاذَوْنه. أَبو عُبَيْدٍ: الإِجْذاء فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَاقِعٌ؛ وأَما قَوْلُ الرَّاعِي يَصِفُ نَاقَةً صُلْبة:
وبازِل كعَلاةِ القَيْنِ دَوْسَرَةٍ، ... لَمْ يُجْذِ مِرْفَقُها فِي الدَّفِّ منْ زَوَرِ
فَإِنَّهُ أَراد لَمْ يَتَبَاعَدْ مِنْ جَنْبِهِ مُنْتَصِبًا مِنْ زَوَرٍ وَلَكِنْ خِلْقةً. وأَجْذَى طرْفَه: نصَبَه وَرَمَى بِهِ أَمامه؛ قَالَ أَبو كَبِيرٍ الْهُذَلِيُّ:
صَدْيان أَجْذَى الطَّرْفَ فِي مَلْمومة، ... لوْنُ السَّحابِ بِهَا كَلَوْنِ الأَعْبَل
وتَجاذَوْهُ: ترابَعوه ليَرْفَعوه. وجَذَا القُرادُ فِي جَنْب الْبَعِيرِ جُذُوّاً: لَصِق بِهِ وَلَزِمَهُ. وَرَجُلٌ مُجْذَوْذٍ: مُتَذلِّل؛ عَنِ الهَجَريِّ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَإِذَا صحَّت اللَّفْظَةُ عَنِ الْعَرَبِيِّ فَهُوَ عِنْدِي مِنْ هَذَا كأَنه لَصِقَ بالأَرض لِذُلِّه. ومِجْذَاء الطَّائِرِ: مِنْقارُه؛ وَقَوْلُ أَبي النَّجْمِ يَصِفُ ظَلِيمًا:
ومَرَّة بالحَدِّ مِنْ مِجْذَائِهِ «1»
. قَالَ: المِجْذَاءُ مِنقارُه، وأَراد أَنه يَنْزِعُ أُصول الْحَشِيشِ بِمِنْقَارِهِ؛ قَالَ ابْنُ الأَنباري، المِجْذَاءُ عُودٌ يُضرب بِهِ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
ومَهْمَهٍ لِلرَّكْبِ ذِي انْجِياذِ، ... وَذِي تَبارِيحَ وَذِي اجْلِوَّاذِ
«2» . لَيْسَ بذِي عِدّ وَلَا إخَاذِ، ... غَلَّسْتُ قَبْلَ الأَعْقَدِ الشَّمّاذِ
قَالَ: لَا أَدري انْجِيَاذٌ أَم انْجِبَاذٌ. وَفِي النَّوَادِرِ: أَكلنا طَعَامًا فجَاذَى بينَنا وَوَالَى وتابَع أَي قَتَلَ بعْضَنا عَلَى إثْر بعضٍ. وَيُقَالُ: جَذَيْتُه عنه وأَجْذَيْتُه عَنْهُ أَي منَعْته؛ وَقَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ يَصِفُ جِمَالًا:
عَلَى كلِّ مَوَّارٍ أَفانينُ سَيْرِه، ... شُؤُوٌّ لأَبْواعِ الجَوَاذِي الرَّواتِكِ
قِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ: الجَوَاذِي السِّراعُ اللَّواتي لَا يَنْبَسِطن مِنْ سُرْعتهن. وَقَالَ أَبو لَيْلَى: الجَوَاذِي الَّتِي تَجْذُو فِي سَيْرِهَا كأَنها تَقْلَع السيرَ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَعرف جَذَا أَسرع وَلَا جَذَا أَقْلَع. وَقَالَ الأَصمعي: الجَواذِي الإِبلُ السِّراع اللَّاتِي لَا يَنْبَسِطْنَ فِي سَيْرِهِنَّ وَلَكِنْ يَجْذُون ويَنْتَصِبْنَ. والجِذْوَة والجَذْوة والجُذْوَة: القَبَسة مِنَ النَّارِ، وَقِيلَ: هِيَ الجَمْرة، وَالْجَمْعُ جِذاً وجُذاً، وَحَكَى الْفَارِسِيُّ جِذَاءٌ، مَمْدُودَةً، وَهُوَ عِنْدَهُ جَمْعُ جَذْوَة فيُطابقُ الجمعَ الغالِبَ عَلَى هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْآحَادِ. أَبو عُبَيْدٍ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ
؛ الجِذْوَة مِثْلُ الجِذْمَةِ وَهِيَ الْقِطْعَةُ الْغَلِيظَةُ مِنَ الْخَشَبِ لَيْسَ فِيهَا لَهَبٌ. وَفِي الصِّحَاحِ: كأنَّ فِيهَا نَارًا وَلَمْ يَكُنْ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ
أَي قِطْعَةٌ مِنَ الْجَمْرِ، قَالَ: وَهِيَ بِلُغَةِ جَمِيعِ الْعَرَبِ. وَقَالَ أَبو سَعِيدٍ: الجَذْوَة عُودٌ غَلِيظٌ يَكُونُ أَحدُ رأْسَيْه جَمْرةً والشهابُ دُونَهَا فِي الدِّقَّةِ. قَالَ: والشُّعْلة مَا كَانَ فِي سِرَاجٍ أَوْ فِي فَتِيلَةٍ. ابْنُ السِّكِّيتِ: جِذْوَة مِنَ النَّارِ وجِذًى وَهُوَ الْعُودُ الْغَلِيظُ يُؤْخَذُ فِيهِ نَارٌ. وَيُقَالُ لأَصل الشَّجَرَةِ: جِذْيَة وجَذَاة. الأَصمعي: جِذْمُ كُلِّ شَيْءٍ وجِذْيُه أَصله. والجِذَاءُ: أُصولُ
__________
(1) . قوله [ومرة بالحد إلخ] عجزه كما في التكملة:
عن ذبح التلع وعنصلائه
وذبح كصرد، والتلع بفتح فسكون، وعنصلائه بضم العين والصاد
(2) . قوله [ومهمه إلخ] هكذا في الأصل وانظر الشاهد فيه(14/138)
الشَّجَرِ العظامُ العادِيَّةُ الَّتِي بَلِيَ أَعلاها وبَقِيَ أَسفلُها؛ قَالَ تَمِيمُ بْنُ مُقْبل:
باتَتْ حَوَاطِبُ ليْلى يَلْتَمِسْنَ لَهَا ... جَزْلَ الجِذَا غَيرَ خَوَّارٍ وَلَا دَعِرِ
وَاحِدَتُهُ جَذَاةٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: قَالَ أَبو حَنِيفَةَ لَيْسَ هَذَا بِمَعْرُوفٍ وَقَدْ وَهِمَ أَبو حَنِيفَةَ لأَن ابْنَ مُقْبِلٍ قَدْ أَثبته وهُوَ مَنْ هُوَ. وَقَالَ مرَّة: الجَذَاةُ مِنَ النَّبْتِ لَمْ أَسمع لَهَا بتَحْلِيَةٍ، قَالَ: وَجَمْعُهَا جِذَاءٌ؛ وأَنشد لِابْنِ أَحمر:
وَضَعْنَ بِذِي الجَذَاةِ فُضُولَ رَيْطٍ، ... لِكَيْما يَخْتَدِرْنَ ويَرْتَدِينا
وَيُرْوَى: لِكَيْمَا يَجْتَذِينَ. ابْنُ السِّكِّيتِ: وَنَبْتٌ يُقَالُ لَهُ الجَذَاةُ، يُقَالُ: هَذِهِ جَذَاة كَمَا تَرَى، قَالَ: فَإِنْ أَلقيت مِنْهَا الْهَاءَ فَهُوَ مَقْصُورٌ يُكْتَبُ بِالْيَاءِ لأَن أَوله مَكْسُورٌ. وَالْحِجَى: الْعَقْلُ، يُكْتَبُ بِالْيَاءِ لأَن أَوله مَكْسُورٌ. واللِّثَى: جَمْعُ لِثَةٍ، يُكْتَبُ بِالْيَاءِ. قَالَ: والقِضَة تُجْمَعُ القِضِين والقِضُون، وَإِذَا جَمَعْتَهُ عَلَى مِثَالِ البُرَى قُلْتَ القُضَى. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: والجِذَاءُ، بِالْكَسْرِ، جَمْعُ جَذَاةٍ اسْمُ بِنْتٍ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
يَدَيْت عَلَى ابنِ حَسْحاسِ بنِ وَهْبٍ، ... بأَسفلِ ذِي الجَذَاةِ، يَدَ الكَرِيمِ
رأَيت فِي بَعْضِ حَوَاشِي نُسْخَةٍ مِنْ نُسَخِ أَمالي ابْنِ بَرِّيٍّ بِخَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ قَالَ: هَذَا الشَّاعِرُ عَامِرُ بْنُ مُؤَالِهٍ «1» ، وَاسْمُهُ مَعْقِلٌ، وحَسْحاس هُوَ حَسْحاس بن وهْبِ ابنِ أَعْيا بْنِ طَرِيف الأَسَدِي. والجَاذِيَةُ: النَّاقَةُ الَّتِي لَا تَلْبَثُ إِذَا نُتجت أَن تَغْرِزَ أَي يقِلَّ لبنُها. اللَّيْثُ: رَجُلٌ جاذٍ وامرأَة جَاذِيَة بَيِّنُ الجُذُوِّ وَهُوَ قَصِيرُ الْبَاعِ؛ وأَنشد لِسَهْمِ بْنِ حَنْظَلَةَ أَحد بَنِي ضُبَيْعة بْنِ غَنِيِّ بْنِ أَعْصُر:
إِنَّ الخِلافةَ لَمْ تكنْ مَقصورة، ... أَبَداً، عَلَى جَاذِي اليَدَيْنِ مُجَذَّرِ
يُرِيدُ: قَصِيرُهُمَا، وَفِي الصِّحَاحِ: مُبَخَّل. الْكِسَائِيُّ: إِذَا حَمَلَ وَلَدُ النَّاقَةِ فِي سَنَامِهِ شَحْمًا قِيلَ أَجْذَى، فَهُوَ مُجْذٍ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُهُ قَوْلُ الْخَنْسَاءِ:
يُجْذِينَ نَيّاً وَلَا يُجْذِينَ قِرْدانا
يُجْذِينَ الأَوَّلُ مِنَ السِّمَنِ، ويُجْذِين الثَّانِي مِنَ التَّعَلُّقِ. يُقَالُ: جَذَى القُراد بالجَمَل تَعَلَّقَ. والجَذَاةُ: موضع.
جَرَا: الجِرْوُ والجرْوةُ: الصَّغِيرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى مِنَ الحَنْظل وَالْبِطِّيخِ والقِثَّاء والرُّمان وَالْخِيَارِ والباذِنجان، وَقِيلَ: هُوَ مَا اسْتَدَارَ مِنْ ثِمَارِ الأَشجار كَالْحَنْظَلِ وَنَحْوِهِ، وَالْجَمْعُ أَجْرٍ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أُهْديَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قِناعٌ مِنْ رُطَبٍ وأَجْرٍ زُغْبٍ
؛ يَعْنِي شَعارِيرَ القِثَّاء. وَفِي حَدِيثٍ آخِرَ:
أَنه، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أُتِيَ بقِناع جِرْوٍ
، وَالْجَمْعُ الْكَثِيرُ جِراءٌ، وأَراد بِقَوْلِهِ أَجْرٍ زُغْبٍ صغارَ القِثَّاء المُزْغِب الَّذِي زِئبَرُه عَلَيْهِ؛ شُبِّهت بأَجْرِي السِّبَاعِ وَالْكِلَابِ لِرُطُوبَتِهَا، والقِناع: الطَّبَقُ. وأَجْرَتِ الشجرةُ: صَارَ فِيهَا الجِراءُ. الأَصمعي: إِذَا أَخرج الحنظلُ ثَمَرَهُ فَصِغَارُهُ الجِرَاءُ، وَاحِدُهَا جِرْوٌ، وَيُقَالُ لِشَجَرَتِهِ قَدْ أَجْرَتْ. وجِرْوُ الْكَلْبِ والأَسد وَالسِّبَاعِ وجَرْوُه وجُرْوُه كَذَلِكَ، وَالْجَمْعُ أَجْرٍ وأَجْرِيَةٌ؛ هَذِهِ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وَهِيَ نَادِرَةٌ، وأَجْرَاءٌ وجِرَاءٌ، والأُنثى جِرْوَة. وكَلْبة مُجْرٍ ومُجْرِيَة ذَاتُ جِرْوٍ وَكَذَلِكَ السَّبُعة أَي مَعَهَا جِرَاؤُها؛ وَقَالَ الْهُذَلِيُّ:
__________
(1) . قوله [ابن مؤاله إلخ] هكذا في الأصل(14/139)
وتَجُرُّ مُجْرِيةٌ لَها ... لَحْمَى إِلَى أَجْرٍ حَواشِبْ
أَراد بالمُجْرِيَة هاهنا ضَبُعاً ذَاتَ أَولاد صِغَارٍ، شَبَّهَهَا بِالْكَلْبَةِ المُجْرِية؛ وأَنشد الْجَوْهَرِيُّ للجُمَيْحِ الأَسَدِيّ وَاسْمُهُ مُنْقِذ:
أَمَّا إِذَا حَرَدَتْ حَرْدِي، فَمُجْرِيَةٌ ... ضَبْطاءُ، تَسْكُنُ غِيلًا غَيْرَ مَقْرُوبِ
الْجَوْهَرِيُّ فِي جَمْعِهِ عَلَى أَجْرٍ قَالَ: أَصله أَجْرُوٌ عَلَى أَفْعُلٍ، قَالَ: وَجَمْعُ الجِرَاء أَجْرِيَةٌ. والجِرْوُ: وِعاءُ بِزْرِ الكَعابير، وَفِي الْمُحْكَمِ: بِزر الكعابير التي في رؤوس العِيدان. والجِرْوَة: النَّفْسُ. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا وَطَّنَ نَفْسَه عَلَى أَمرٍ: ضَرَب لِذَلِكَ الأَمرِ جِرْوَتَه أَي صَبَر لَه ووَطَّنَ عَلَيْهِ، وضَرَب جِرْوَةَ نَفْسه كَذَلِكَ؛ قَالَ الْفَرَزْدَقُ:
فضَرَبْتُ جِرْوَتها وقُلْتُ لَهَا: اصْبِري، ... وشَدَدتُ فِي ضَنْكِ المُقامِ إزَارِي
وَيُقَالُ: ضَرَبْتُ جِرْوَتي عَنْهُ وَضَرَبْتُ جِرْوَتي عَلَيْهِ أَي صَبَرْتُ عَنْهُ وَصَبَرْتُ عَلَيْهِ. وَيُقَالُ: أَلقى فُلَانٌ جِرْوَته إِذَا صَبَر عَلَى الأَمر. وَقَوْلُهُمْ: ضَرَبَ عَلَيْهِ جِرْوَته أَي وطَّن نَفْسَهُ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ أَبو عَمْرٍو يُقَالُ ضَرَبْتُ عَنْ ذَلِكَ الأَمر جِرْوَتي أَي اطْمأَنَّت نَفْسِي؛ وأَنشد:
ضَرَبْتُ بأَكْنافِ اللِّوَى عَنْكِ جِرْوَتي، ... وعُلِّقْتُ أُخْرى لَا تَخُونُ المُواصِلا
والجِرْوَة: الثَّمَرَةُ أَوَّلَ مَا تَنْبُت غَضَّةً؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ. والجُرَاوِيُّ: ماءٌ؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:
أَلَا لَا أَرَى ماءَ الجُرَاوِيِّ شافِياً ... صَدَايَ، وَإِنْ رَوَّى غَلِيلَ الرَّكائِب
وجِرْوٌ وجُرَيٌّ وجُرَيَّةُ: أَسماء: وَبَنُو جِرْوَة: بطنٌ مِنَ الْعَرَبِ، وَكَانَ رَبِيعَةُ بْنِ عَبْدِ العُزَّى بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ يُقَالُ لَهُ جِرْوُ البَطْحاءِ. وجِرْوَةُ: اسْمُ فَرَسِ شدّادٍ العَبْسيّ أَبي عَنْتَرَةَ؛ قَالَ شَدَّادٌ:
فَمنْ يَكُ سَائِلًا عَنِّي، فإنِّي ... وجِرْوَة لَا تَرُودُ وَلَا تُعارُ
وجِرْوَةُ أَيضاً: فَرَسُ أَبي قَتَادَةَ شَهِدَ عَلَيْهِ يَوْمَ السَّرْحِ.
وجَرَى الماءُ والدمُ وَنَحْوُهُ جَرْياً وجَرْيَةً وجَرَيَاناً، وَإِنَّهُ لحَسَنُ الجِرْيَةِ، وأَجْرَاه هُوَ وأَجْرَيْته أَنا. يُقَالُ: مَا أَشدَّ جِرْيَةَ هَذَا الْمَاءِ، بِالْكَسْرِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
وأَمسك اللَّهُ جِرْيَةَ الْمَاءِ
؛ هِيَ، بِالْكَسْرِ: حَالَةَ الْجَرَيَانِ؛ وَمِنْهُ: وعالَ قَلَمُ زَكَرِيَّا الجِرْيَةَ. وجَرَتِ الأَقْلامُ مَعَ جِرْيَةِ الْمَاءِ، كلُّ هَذَا بِالْكَسْرِ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ: إِذَا أَجْرَيْتَ الماءَ عَلَى الماءِ أَجْزَأَ عَنْكَ
؛ يُرِيدُ إِذَا صَبَبْتَ الْمَاءَ عَلَى الْبَوْلِ فَقَدْ طَهُر المحلُّ وَلَا حَاجَةَ بِكَ إِلَى غَسْلِهِ ودَلْكه. وجَرَى الفرسُ وغيرُه جَرْياً وجِراءً: أَجْراه؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
يُقَرِّبُه للمُسْتضيفِ، إِذَا دَعا، ... جِرَاءٌ وشَدٌّ، كالحَرِيقِ، ضَرِيجُ
أَراد جرْيَ هَذَا الرَّجُلِ إِلَى الحَرْب، وَلَا يَعْني فَرَساً لأَن هُذَيْلًا إنَّما همْ عَراجِلَةٌ رَجّالة. والإِجْرِيّا: ضَرْبٌ مِنَ الجَرْيِ؛ قَالَ:
غَمْرُ الأَجَارِيِّ مِسَحّاً مِهْرَجا
وَقَالَ رُؤْبَةُ:
غَمْرُ الأَجارِيِّ كَرِيم السِّنْحِ، ... أَبْلَج لَمْ يُولَدْ بِنَجْمِ الشُّحِ
أَراد السِّنْخَ، فأَبدل الْخَاءَ حَاءً. وجَرَت الشمسُ وسائرُ النجومِ: سَارَتْ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ.(14/140)
والجَارِيَة: الشَّمْسُ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لجَرْيِها مِنَ القُطر إِلَى القُطْر. التَّهْذِيبُ: والجَارِيَةُ عَيْنُ الشَّمْسِ فِي السَّمَاءِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها
. والجَارِيَةُ: الرِّيحُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
فَيَوْماً تَراني فِي الفَرِيقِ مُعَقَّلًا، ... وَيَوْمًا أُباري فِي الرِّيَاحِ الجَوَارِيَا
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوارِ الْكُنَّسِ
؛ يَعْنِي النجومَ. وجَرَتِ السفينةُ جَرْياً كَذَلِكَ. والجَارِيَةُ: السَّفِينَةُ، صِفَةٌ غَالِبَةٌ. وَفِي التَّنْزِيلِ: حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ
، وَفِيهِ: وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ
، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها
؛ هُمَا مَصْدَرَانِ مِنْ أُجْرِيَتِ السفينةُ وأُرْسِيَتْ، ومَجْرَاها ومَرْساها، بِالْفَتْحِ، مِنْ جَرَتِ السفينةُ ورَسَتْ؛ وَقَوْلُ لَبِيدٍ:
وغَنِيتُ سَبْتًا قَبْلَ مَجْرَى داحِسٍ، ... لَوْ كَانَ للنفسِ اللَّجُوجِ خُلُودُ
ومَجْرَى داحِسٍ كَذَلِكَ. اللَّيْثُ: الخَيْلُ تَجْرِي والرِّياح تَجْرِي والشمسُ تَجْرِي جَرْياً إِلَّا الْمَاءَ فَإِنَّهُ يَجْرِي جِرْيَةً، والجِرَاء لِلْخَيْلِ خَاصَّةً؛ وأَنشد:
غَمْر الجِرَاء إِذَا قَصَرْتَ عِنانَهُ
وَفَرَسٌ ذُو أَجَارِيَّ أَي ذُو فُنون فِي الجَرْيِ. وجَارَاه مُجَارَاةً وجِرَاءً أَي جَرَى مَعَهُ، وجَارَاه فِي الْحَدِيثِ وتَجَارَوْا فِيهِ. وَفِي حَدِيثِ الرِّيَاءِ:
مَنْ طَلَبَ العِلْمَ ليُجَارِيَ بِهِ العُلَماءَ
أَي يَجْري مَعَهُمْ فِي المُناظرة والجِدال ليُظْهِرَ عِلْمَهُ إِلَى النَّاسِ رِيَاءً وسُمْعةً. وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
تَتَجَارَى بِهِمُ الأَهْواءُ كَمَا يَتَجارَى الكَلَبُ بصاحِبهِ
أَي يَتَواقَعُون فِي الأَهْواء الْفَاسِدَةِ ويَتَدَاعَوْنَ فِيهَا، تَشْبِيهًا بِجَرْيِ الْفَرَسِ؛ والكَلَب، بِالتَّحْرِيكِ: دَاءٌ مَعْرُوفٌ يَعْرِضُ للكَلْب فَمَنْ عَضَّه قَتَله. ابْنُ سِيدَهْ: قَالَ الأَخفش والمَجْرَى فِي الشِّعْرِ حَرَكَةُ حَرْفِ الرَّوِيِّ فتْحَتُه وضَمَّتُه وكَسْرتُه، وَلَيْسَ فِي الرَّوِيِّ الْمُقَيَّدِ مَجْرىً لأَنه لَا حَرَكَةَ فِيهِ فَتُسَمَّى مَجْرىً، وَإِنَّمَا سُمِّيَ ذَلِكَ مَجْرىً لأَنه مَوْضِعُ جَرْيِ حَرَكَاتِ الإِعراب وَالْبِنَاءِ. والمَجَارِي: أَواخِرُ الكَلِم، وَذَلِكَ لأَن حَرَكَاتِ الإِعراب وَالْبِنَاءِ إِنَّمَا تَكُونُ هُنَالِكَ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَن الصَّوْتَ يَبْتَدِئُ بالجَرَيان فِي حُرُوفِ الْوَصْلِ مِنْهُ، أَلَا تَرَى أَنك إِذَا قُلْتَ:
قَتِيلان لَمْ يَعْلم لَنَا الناسُ مَصْرَعا
فَالْفَتْحَةُ فِي الْعَيْنِ هِيَ ابْتِدَاءُ جَرَيَانِ الصَّوْتِ فِي الأَلف؛ وَكَذَلِكَ قَوْلُكَ:
يَا دارَ مَيَّةَ بالعَلْياءِ فالسَّندِ
تَجِدُ كَسْرَةَ الدَّالِ هِيَ ابْتِدَاءُ جَرَيَانِ الصَّوْتِ فِي الْيَاءِ؛ وَكَذَا قَوْلُهُ:
هُرَيْرةَ ودِّعْها وإنْ لامَ لائِمُ
تَجِدُ ضَمَّةَ الْمِيمِ مِنْهَا ابتداءَ جَرَيانِ الصَّوْتِ فِي الْوَاوِ؛ قَالَ: فأَما قَوْلُ سِيبَوَيْهِ هَذَا بَابُ مَجارِي أَواخر الكَلِم مِنَ الْعَرَبِيَّةِ، وَهِيَ تَجْرِي عَلَى ثَمَانِيَةِ مَجارٍ، فَلَمْ يَقْصُر المَجَارِيَ هُنَا عَلَى الْحَرَكَاتِ فَقَطْ كَمَا قَصَر الْعَرُوضِيُّونَ المَجْرَى فِي الْقَافِيَةِ عَلَى حَرَكَةِ حَرْفِ الرَّوِيِّ دُونَ سُكُونِهِ، لكنْ غَرَضُ صَاحِبِ الْكِتَابِ فِي قَوْلِهِ مَجَارِي أَواخر الْكَلِمِ أَي أَحوال أَواخر الْكَلِمِ وأَحكامها والصُّوَرِ الَّتِي تَتَشَكَّلُ لَهَا، فَإِذَا كَانَتْ أَحوالًا وأَحكاماً فسكونُ السَّاكِنِ حَالٌ لَهُ، كَمَا أَن حَرَكَةَ الْمُتَحَرِّكِ حَالٌ لَهُ أَيضاً، فَمِنْ هُنَا سَقَط تَعَقُّبُ مَنْ تَتَبَّعه فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَقَالَ: كَيْفَ ذَكَرَ الْوَقْفَ وَالسُّكُونَ فِي المَجَارِي، وَإِنَّمَا المَجَارِي فِيمَا ظَنَّه الحركاتُ، وَسَبَبُ(14/141)
ذَلِكَ خَفاءُ غَرَضِ صَاحِبِ الْكِتَابِ عَلَيْهِ، قَالَ: وَكَيْفَ يَجُوزُ أَن يُسَلط الظنُّ عَلَى أَقل أَتباع سِيبَوَيْهِ فِيمَا يَلْطُفُ عَنْ هَذَا الجليّ الواضح فضلًا عنه نفسِه فِيهِ؟ أَفتراه يُرِيدُ الْحَرَكَةَ وَيَذْكُرُ السُّكُونَ؟ هَذِهِ غَباوة مِمَّنْ أَوردها وَضَعْفُ نَظَرٍ وَطَرِيقَةٌ دَلَّ عَلَى سُلُوكِهِ إِيَّاهَا، قَالَ: أَوَلَمْ يَسْمَعْ هَذَا الْمُتَتَبِّعُ بِهَذَا الْقَدْرِ قولَ الْكَافَّةِ أَنت تَجْرِي عِنْدِي مَجْرَى فُلَانٍ وَهَذَا جارٍ مَجْرَى هَذَا؟ فَهَلْ يُرَادُ بِذَلِكَ أَنت تَتَحَرَّكُ عِنْدِي بِحَرَكَتِهِ، أَو يُرَادُ صُورَتُكَ عِنْدِي صُورَتُهُ، وحالُك فِي نَفْسِي ومُعْتَقَدِي حالُه؟ والجَارِيَة: عينُ كُلِّ حَيَوَانٍ. والجَارِيَة: النِّعْمَةُ مِنَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
الأَرْزاق جَارِيَةٌ والأَعطياتُ دارَّة مُتَّصِلَةٌ
؛ قَالَ شِمْرٌ: هُمَا وَاحِدٌ يَقُولُ هُوَ دَائِمٌ. يُقَالُ: جَرَى لَهُ ذَلِكَ الشيءُ ودَرَّ لَهُ بِمَعْنَى دَامَ لَهُ؛ وَقَالَ ابنُ حَازِمٍ يَصِفُ امرأَة:
غَذَاها فارِضٌ يَجْرِي عَلَيْهَا، ... ومَحْضٌ حينَ يَنْبَعِثُ العِشارُ
قَالَ ابْنُ الأَعرابي: وَمِنْهُ قَوْلُكَ أَجْرَيْتُ عَلَيْهِ كَذَا أَي أَدَمْتُ لَهُ. والجِرَايَةُ: الجارِي مِنَ الْوَظَائِفِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ إِذَا ماتَ الإِنسانُ انْقَطَعَ عَمَلُه إِلَّا مِنْ ثلاثٍ صَدَقةٍ جَارِيَةٍ
أَي دارَّة مُتَّصِلَةٍ كالوُقُوفِ المُرْصَدَةِ لأَبواب البِرِّ. والإِجْرِيَّا والإِجْرِيَّاءُ: الوَجْهُ الَّذِي تأَخذ فِيهِ وتَجْرِي عَلَيْهِ؛ قَالَ لَبِيدٌ يَصِفُ الثَّوْرَ:
ووَلَّى، كنَصْلِ السَّيْفِ، يَبْرُقُ مَتْنُه ... عَلَى كلِّ إجْرِيَّا يَشُقُّ الخَمائلا
وَقَالُوا: الكَرَمُ مِنْ إجْرِيَّاهُ وَمِنْ إِجْرِيَّائِه أَي مِنْ طَبيعته؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وَذَلِكَ لأَنه إِذَا كَانَ الشَّيْءُ مِنْ طَبْعِهِ جَرَى إِلَيْهِ وجَرَنَ عَلَيْهِ. والإِجْرِيَّا، بِالْكَسْرِ: الجَرْيُ وَالْعَادَةُ مِمَّا تأْخذ فِيهِ؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:
ووَلَّى بإجْرِيَّا وِلافٍ كأَنه، ... عَلَى الشَّرَفِ الأَقْصَى، يُساطُ ويُكْلَبُ
وَقَالَ أَيضاً:
عَلَى تِلْكَ إِجْرِيَّايَ، وَهِيَ ضَريبَتي، ... وَلَوْ أَجْلَبُوا طُرّاً عَلَيَّ وأَحْلَبُوا
وَقَوْلُهُمْ: فعلتُ ذَلِكَ مِنْ جَرَاكَ ومن جَرَائِكَ أَي مِنْ أَجلك لُغَةٌ فِي جَرَّاكَ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ أَبي النَّجْمِ:
فاضَتْ دُمُوعُ العينِ مِنْ جَرَّاها
وَلَا تَقُلْ مَجْراكَ. والجَرِيُّ: الوكيلُ: الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ وَالْمُؤَنَّثُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. وَيُقَالُ: جَرِيٌّ بَيِّنُ الجَرَايَةِ والجِرَايَةِ. وجَرَّى جَرِيّاً: وكَّلَه. قَالَ أَبو حَاتِمٍ: وَقَدْ يُقَالُ للأُنثى جَرِيَّة، بِالْهَاءِ، وَهِيَ قَلِيلَةٌ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالْجَمْعُ أَجْرِياءُ. والجَرِيُّ: الرَّسُولُ، وَقَدْ أَجْرَاه فِي حَاجَتِهِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُهُ قَوْلُ الشَّمَّاخِ:
تقَطَّعُ بَيْنَنَا الحاجاتُ، إلَّا ... حَوائجَ يُحْتَمَلْنَ مَعَ الجَرِيّ
وَفِي حَدِيثِ
أُم إِسْمَاعِيلَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: فأَرْسَلُوا جَرِيّاً
أَي رَسُولًا. والجَرِيُّ: الخادِمُ أَيضاً؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
إِذَا المُعْشِياتُ مَنَعْنَ الصَّبُوحَ، ... حَثَّ جَرِيُّكَ بالمُحْصَنِ
قَالَ: المُحْصَنُ: المُدَّخَرُ للجَدْب. والجَرِيُّ: الأَجير؛ عَنْ كُرَاعٍ. ابْنُ السِّكِّيتِ: إنِّي جَرَّيْتُ جَرِيّاً واسْتَجْرَيْتُ أَي وَكَّلْتُ وَكِيلًا. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنتَ الجَفْنةُ الغَرّاء، فَقَالَ قُولوا بقَوْلكم وَلَا(14/142)
يَستَجرِيَنَّكُم الشيطانُ
أَي لَا يَسْتَغْلِبَنَّكُم؛ كَانَتِ الْعَرَبُ تَدْعُو السيدَ المِطْعامَ جَفْنةً لإِطعامه فِيهَا، وَجَعَلُوهَا غَرَّاءَ لِمَا فِيهَا مِنْ وَضَحِ السَّنامِ، وَقَوْلُهُ وَلَا يَسْتَجْرِيَنَّكم مِنَ الجَرِيِّ، وَهُوَ الْوَكِيلُ. تَقُولُ: جَرَّيْتُ جَرِيّاً واسْتَجْرَيْتُ جَرِيّاً أَي اتَّخَذْتُ وَكِيلًا؛ يَقُولُ: تَكَلَّموا بِمَا يَحْضُركم مِنَ الْقَوْلِ وَلَا تتَنَطَّعُوا وَلَا تَسْجَعُوا وَلَا تَتَكَلَّفُوا كأَنكم وُكَلَاءُ الشَّيْطَانِ ورُسُلُه كأَنما تَنْطِقُونَ عَنْ لِسَانِهِ؛ قَالَ الأَزهري: وَهَذَا قَوْلُ الْقُتَيْبِيِّ وَلَمْ أَر الْقَوْمَ سَجَعُوا فِي كَلَامِهِمْ فَنَهَاهُمْ عَنْهَا، وَلَكِنَّهُمْ مَدَحُوا فكَرِهَ لَهُمُ الهَرْفَ فِي المَدْحِ فَنَهَاهُمْ عَنْهُ، وَكَانَ ذَلِكَ تأْديباً لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ مِنَ الَّذِينَ يَمْدَحُونَ النَّاسَ فِي وُجُوهِهِمْ، وَمَعْنَى لَا يَسْتَجْرِيَنَّكم أَي لَا يَسْتتبعنكم فَيَتَّخِذَكُمْ جَرِيَّه ووكِيلَه، وَسُمِّيَ الوكيلُ جَرِيّاً لأَنه يَجْري مَجْرَى مُوَكِّله. والجَرِيُّ: الضامنُ، وأَما الجَرِيءُ المِقْدامُ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْهَمْزِ. والجارِيَةُ: الفَتِيَّةُ مِنَ النِّسَاءِ بيِّنةُ الجَرَايَة والجَرَاءِ والجَرَى والجِرَاء والجَرَائِيَةِ؛ الأَخيرة عَنِ ابْنِ الأَعرابي. أَبو زَيْدٍ: جَارِيَةٌ بَيِّنَة الجَرَايَةِ والجَرَاء، وجَرِيّ بيِّنُ الجَرَايَةِ؛ وأَنشد الأَعشى:
والبِيضُ قَدْ عَنَسَتْ وطالَ جِرَاؤُها، ... ونَشَأْنَ فِي قِنٍّ وَفِي أَذْوادِ
وَيُرْوَى بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُ إِنشاده والبيضِ، بالخفضِ، عَطَفَ عَلَى الشَّرْبِ فِي قَوْلِهِ قَبْلَهُ:
وَلَقَدْ أُرَجِّلُ لِمَّتي بعَشِيَّةٍ ... للشَّرْبِ، قَبْلَ سَنابِك المُرْتادِ
أَي أَتزين للشَّرْبِ وللبِيضِ. وَقَوْلُهُمْ: كَانَ ذَلِكَ فِي أَيام جَرَائها، بِالْفَتْحِ، أَي صِباها. والجِرِّيُّ: ضَرْبٌ مِنَ السَّمَكِ. والجِرِّيَّة: الحَوْصَلة، وَمَنْ جَعَلَهُمَا ثُنَائِيَيْنِ فَهُمَا فِعْلِيٌّ وفِعْلِيَّة، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ. الْفَرَّاءُ: يُقَالُ أَلْقِه فِي جِرِّيَّتِكَ، وَهِيَ الحَوْصلة. أَبو زَيْدٍ: هِيَ القِرِّيَّةُ والجِرِّيَّةُ والنَّوْطَةُ لِحَوْصَلَةِ الطَّائِرِ؛ هَكَذَا رَوَاهُ ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ نَجْدَةَ بِغَيْرِ هَمْزٍ، وأَما ابنُ هَانِئٍ: فإِنه الجرِيئَةُ، مَهْمُوزٌ، لأَبي زيد.
جَزِيَ: الجَزاءُ: المُكافأَة عَلَى الشَّيْءِ، جَزَاه بِهِ وَعَلَيْهِ جَزَاءً وجَازَاه مُجَازَاةً وجِزَاءً؛ وَقَوْلُ الحُطَيْئة:
منْ يَفْعَلِ الخَيْرَ لَا يَعْدَمْ جَوَازِيَهُ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: قَالَ ابْنُ جِنِّي: ظَاهِرُ هَذَا أَن تَكُونَ جَوَازِيَه جَمْعُ جازٍ أَي لَا يَعْدَم جَزاءً عَلَيْهِ، وجَازَ أَن يُجْمَع جَزَاءٌ عَلَى جَوَازٍ لِمُشَابَهَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ لِلْمَصْدَرِ، فَكَمَا جُمِعَ سَيْلٌ عَلَى سَوائِل كَذَلِكَ يَجُوزُ أَن يَكُونَ جَوَازِيَهُ جَمْعَ جَزَاءٍ. واجْتَزَاه: طَلبَ مِنْهُ الجَزاء؛ قَالَ:
يَجْزُونَ بالقَرْضِ إِذا مَا يُجْتَزَى
والجَازِيَةُ: الجَزاءُ، اسْمٌ لِلْمَصْدَرِ كالعافِية. أَبو الْهَيْثَمِ: الجَزَاءُ يَكُونُ ثَوَابًا وَيَكُونُ عِقَابًا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ، قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ
؛ قَالَ: مَعْنَاهُ فَمَا عُقُوبته إِنْ بَانَ كَذِبُكم بأَنه لَمْ يَسْرِقْ أَي مَا عُقُوبة السَّرِقِ عِنْدَكُمْ إِن ظَهَر عَلَيْهِ؟ قَالُوا: جَزَاءُ السَّرِقِ عِنْدَنَا مَنْ وُجِدَ فِي رَحْله أَي الْمَوْجُودُ فِي رَحْلِهِ كأَنه قَالَ جَزاء السَّرِقِ عِنْدَنَا اسْتِرْقَاقُ السارِقِ الَّذِي يُوجَدُ فِي رَحْله سُنَّة، وَكَانَتْ سُنَّةَ آلِ يَعْقُوبَ. ثُمَّ وَكَّده فَقَالَ فَهُوَ جَزاؤُهُ
. وَسُئِلَ أَبو الْعَبَّاسِ عَنْ جَزَيْته وجازَيْته فَقَالَ: قَالَ الْفَرَّاءُ لَا يَكُونُ جَزَيْتُه إِلَّا فِي الْخَيْرِ وجَازَيْته يَكُونُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، قَالَ: وَغَيْرُهُ يُجِيزُ(14/143)
جَزَيْتُه فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وجَازَيْتُه فِي الشَّرّ. وَيُقَالُ: هَذَا حَسْبُك مِنْ فُلَانٍ وجَازِيكَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَهَذَا رجلٌ جَازِيكَ مِنْ رَجُلٍ أَي حَسْبُك؛ وأَما قَوْلُهُ:
جَزَتْكَ عَنِّي الجَوَازِي
فَمَعْنَاهُ جَزتْكَ جَوَازِي أَفعالِك الْمَحْمُودَةِ. والجَوَازِي: مَعْنَاهُ الجَزاء، جَمْعُ الجَازِية مَصْدَرٌ عَلَى فاعِلةٍ، كَقَوْلِكَ سَمِعْتُ رَوَاغِيَ الإِبل وثَوَاغِيَ الشاءِ؛ قَالَ أَبو ذؤَيب:
فإِنْ كنتَ تَشْكُو مِنْ خَليلٍ مَخانَةً، ... فَتِلْكَ الجَوَازِي عُقْبُها ونَصِيرُها
أَي جُزِيتَ كَمَا فعَلْتَ، وَذَلِكَ لأَنه اتَّهَمه فِي خليلتِه؛ قَالَ القُطاميُّ:
وَمَا دَهْري يُمَنِّيني ولكنْ ... جَزَتْكُمْ، يَا بَني جُشَمَ، الجَوَازِي
أَي جَزَتْكُم جَوازي حُقُوقكم وذِمامِكم وَلَا مِنَّةَ لِي عَلَيْكُمْ. الْجَوْهَرِيُّ: جَزَيْتُه بِمَا صنَعَ جَزاءً وجَازَيْتُه بِمَعْنًى. وَيُقَالُ: جَازَيْتُه ف جَزَيْتُه أَي غَلَبْتُه. التَّهْذِيبُ: وَيُقَالُ فلانٌ ذُو جَزَاءٍ وَذُو غَناءٍ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها
؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: ذَهَبَ الأَخفش إِلى أَن الْبَاءَ فِيهَا زَائِدَةٌ، قَالَ: وَتَقْدِيرُهَا عِنْدَهُ جَزاءُ سَيِّئَةٍ مثلُها، وإِنما اسْتَدَلَّ عَلَى هَذَا بِقَوْلِهِ: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها
؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَهَذَا مَذْهَبٌ حَسَنٌ وَاسْتِدْلَالٌ صَحِيحٌ إِلا أَن الْآيَةَ قَدْ تَحْتَمِلُ مَعَ صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ تأْويلين آخَرَيْنِ: أَحدهما أَن تَكُونَ الْبَاءُ مَعَ مَا بَعْدَهَا هُوَ الْخَبَرُ، كأَنه قَالَ جزاءُ سَيِّئَةٍ كائنٌ بِمِثْلِهَا، كَمَا تَقُولُ إِنما أَنا بِكَ أَي كائنٌ مَوْجُودٌ بِكَ، وَذَلِكَ إِذا صَغَّرت نَفْسَكَ لَهُ؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُكَ: تَوَكُّلِي عَلَيْكَ وإِصغائي إِليك وتوَجُّهي نحوَك، فَتُخْبِرُ عَنِ المبتدإِ بِالظَّرْفِ الَّذِي فِعْلُ ذَلِكَ الْمَصْدَرِ يتَناوَلُه نَحْوَ قَوْلِكَ: تَوَكَّلْتُ عَلَيْكَ وأَصغيت إِليك وَتَوَجَّهْتُ نَحْوَكَ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الظروفَ فِي هَذَا وَنَحْوِهِ أَخبار عَنِ الْمَصَادِرِ قَبْلَهَا تَقَدُّمها عَلَيْهَا، وَلَوْ كَانَتِ الْمَصَادِرُ قَبْلَهَا وَاصِلَةً إِليها وَمُتَنَاوِلَةً لَهَا لَكَانَتْ مِنْ صِلَاتِهَا، وَمَعْلُومٌ اسْتِحَالَةُ تقدُّم الصِّلة أَو شيءٍ مِنْهَا عَلَى الْمَوْصُولِ، وتقدُّمُها نحوُ قَوْلِكَ عَلَيْكَ اعْتِمَادِي وإِليك تَوَجُّهِي وَبِكَ اسْتِعَانَتِي، قَالَ: وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَن تَكُونَ الْبَاءُ فِي بِمِثْلِهَا مُتَعَلِّقَةً بِنَفْسِ الْجَزَاءِ، وَيَكُونُ الْجَزَاءُ مُرْتَفِعًا بِالِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، كأَنه جزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا كَائِنٌ أَو وَاقِعٌ. التَّهْذِيبُ: والجَزاء القَضاء. وجَزَى هَذَا الأَمرُ أَي قَضَى؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاتَّقُوا يَوْماً لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً*
؛ يَعُودُ عَلَى الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ذَكَرَهُمَا مَرَّةً بِالْهَاءِ وَمَرَّةً بِالصِّفَةِ، فَيَجُوزُ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ: لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً*
، وتُضْمِرُ الصفةَ ثُمَّ تُظْهرها فَتَقُولُ لَا تَجْزي فِيهِ نفسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا، قَالَ: وَكَانَ الْكِسَائِيُّ لَا يُجِيزُ إِضمار الصِّفَةِ فِي الصِّلَةِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبي الْعَبَّاسِ إِضمارُ الْهَاءِ والصفةِ واحدٌ عِنْدَ الْفَرَّاءِ تَجْزي وتَجْزِي فِيهِ إِذا كَانَ الْمَعْنَى وَاحِدًا؛ قَالَ: وَالْكِسَائِيُّ يُضْمِرُ الْهَاءَ، وَالْبَصْرِيُّونَ يُضْمِرُونَ الصِّفَةَ؛ وَقَالَ أَبو إِسحاق: مَعْنَى لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً*
أَي لَا تَجْزي فِيهِ، وَقِيلَ: لَا تَجْزيه، وَحَذْفُ فِي هاهنا سائغٌ لأَن فِي مَعَ الظُّرُوفِ مَحْذُوفَةٌ. وَقَدْ تَقُولُ: أَتيتُك اليومَ وأَتيتُك فِي الْيَوْمِ، فإِذا أَضمرت قلتَ أَتيتك فِيهِ، وَيَجُوزُ أَن تَقُولَ أَتَيْتُكه؛ وأَنشد:
وَيَوْمًا شَهِدْناه سُلَيْماً وعامِراً ... قَليلًا، سِوَى الطَّعْنِ النِّهَالِ، نَوافِلُهْ
أَراد: شَهِدْنَا فِيهِ. قَالَ الأَزهري: وَمَعْنَى قَوْلِهِ لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً*
، يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا(14/144)
تَقْضِي فِيهِ نفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا يُقَالُ: جَزَيْتُ فُلَانًا حَقَّه أَي قَضَيْتُهُ. وأَمرت فُلَانًا يَتَجَازَى دَيْني أَي يَتَقَاضَاهُ. وتَجازَيْتُ دَيْني عَلَى فُلَانٍ إِذا تقاضَيْتَه. والمُتَجازي: المُتَقاضي. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن رَجُلًا كَانَ يُدايِنُ النَّاسَ، وَكَانَ لَهُ كاتبٌ ومُتَجازٍ
، وَهُوَ المُتَقاضي. يُقَالُ: تَجَازَيْتُ دَيْني عَلَيْهِ أَي تقاضَيْته. وَفَسَّرَ أَبو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ قَوْلَهُ تَعَالَى: لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً*
، فَقَالَ: مَعْنَاهُ لَا تُغْني، فَعَلَى هَذَا يَصِحُّ أَجْزَيْتُك عَنْهُ أَي أَغنيتك. وتَجَازَى دَيْنَه: تَقَاضَاهُ. وَفِي صَلَاةِ الْحَائِضِ:
قَدْ كُنَّ نساءُ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَحِضْنَ أَفأَمَرَهُنَّ أَن يَجْزِينَ
أَي يَقْضين؟ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: جَزَاه اللَّهُ خَيْرًا أَي أَعطاه جَزاءَ مَا أَسْلَف مِنَ طَاعَتِهِ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ: إِذا أَجْرَيْتَ الماءَ عَلَى الماءِ جَزَى عَنْكَ
، وَرُوِيَ بِالْهَمْزِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
الصومُ لِي وأَنا أَجْزِي بِهِ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: أَكثَرَ الناسُ فِي تأْويل هَذَا الْحَدِيثِ وأَنه لِمَ خَصَّ الصومَ والجَزاءَ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ عَزَّ وَجَلَّ، وإِن كَانَتِ العباداتُ كُلُّهَا لَهُ وجَزاؤها مِنْهُ؟ وَذَكَرُوا فِيهِ وُجُوهاً مدارُها كُلُّهَا عَلَى أَن الصَّوْمَ سرٌّ بَيْنَ اللَّهِ وَالْعَبْدِ، لَا يَطَّلِع عَلَيْهِ سِوَاهُ، فَلَا يَكُونُ الْعَبْدُ صَائِمًا حَقِيقَةً إِلَّا وَهُوَ مُخْلِصٌ فِي الطَّاعَةِ، وَهَذَا وإِن كَانَ كَمَا قَالُوا، فإِن غَيْرَ الصَّوْمِ مِنَ الْعِبَادَاتِ يُشَارِكُهُ فِي سِرِّ الطَّاعَةِ كَالصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ، أَو فِي ثَوْبٍ نَجِسٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الأَسرار الْمُقْتَرِنَةِ بِالْعِبَادَاتِ الَّتِي لَا يَعْرِفُهَا إِلَّا اللَّهُ وَصَاحِبُهَا؛ قَالَ: وأَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي تأْويل هَذَا الْحَدِيثِ أَن جَمِيعَ الْعِبَادَاتِ الَّتِي يُتقرب بِهَا إِلى اللَّهِ مِنْ صَلَاةٍ وَحَجٍّ وَصَدَقَةٍ واعتِكاف وتَبَتُّلٍ ودعاءٍ وقُرْبان وهَدْي وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنواع الْعِبَادَاتِ قَدْ عَبَدَ الْمُشْرِكُونَ بِهَا مَا كَانُوا يَتَّخِذُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنداداً، وَلَمْ يُسْمَع أَن طَائِفَةً مِنْ طَوَائِفِ الْمُشْرِكِينَ وأَرباب النِّحَلِ فِي الأَزمان الْمُتَقَدِّمَةِ عَبَدَتْ آلِهَتَهَا بِالصَّوْمِ وَلَا تقرَّبت إِليها بِهِ، وَلَا عُرِفَ الصَّوْمُ فِي الْعِبَادَاتِ إِلَّا مِنْ جِهَةِ الشَّرَائِعِ، فَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ عزَّ وَجَلَّ: الصومُ لِي وأَنا أَجْزي بِهِ أَي لَمْ يُشَارِكْنِي فِيهِ أَحد وَلَا عُبِدَ بِهِ غَيْرِي، فأَنا حِينَئِذٍ أَجْزي بِهِ وأَتولى الْجَزَاءَ عَلَيْهِ بِنَفْسِي، لَا أَكِلُه إِلى أَحد مِنْ مَلَك مُقَرَّب أَو غَيْرِهِ عَلَى قَدْرِ اخْتِصَاصِهِ بِي؛ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُكَرَّمِ: قَدْ قِيلَ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ أَقاويل كُلُّهَا تُسْتَحْسَنُ، فَمَا أَدري لِمَ خَصَّ ابْنُ الأَثير هَذَا بِالِاسْتِحْسَانِ دُونَهَا، وسأَذكر الأَقاويل هُنَا لِيُعْلَمَ أَن كُلَّهَا حَسَنٌ: فَمِنْهَا أَنه أَضافه إِلى نَفْسِهِ تَشْرِيفًا وَتَخْصِيصًا كإِضافة الْمَسْجِدِ وَالْكَعْبَةِ تَنْبِيهًا عَلَى شَرَفِهِ لأَنك إِذا قُلْتَ بَيْتُ اللَّهِ، بَيَّنْتَ بِذَلِكَ شَرَفَهُ عَلَى الْبُيُوتِ، وَهَذَا هُوَ مِنَ الْقَوْلِ الَّذِي اسْتَحْسَنَهُ ابْنُ الأَثير، وَمِنْهَا الصَّوْمُ لِي أَي لَا يَعْلَمُهُ غَيْرِي لأَن كُلَّ طَاعَةٍ لَا يَقْدِرُ الْمَرْءُ أَن يُخْفِيَهَا، وإِن أَخفاها عَنِ النَّاسِ لَمْ يُخْفِهَا عَنِ الْمَلَائِكَةِ، وَالصَّوْمُ يُمْكِنُ أَن يَنْوِيَهُ وَلَا يَعْلَمُ بِهِ بَشَرٌ وَلَا مَلَكٌ، كَمَا
رُوِيَ أَن بَعْضَ الصَّالِحِينَ أَقام صَائِمًا أَربعين سَنَةً لَا يَعْلَمُ بِهِ أَحد، وَكَانَ يأْخذ الْخُبْزَ مِنْ بَيْتِهِ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ فِي طَرِيقِهِ، فَيَعْتَقِدُ أَهل سُوقِهِ أَنه أَكل فِي بَيْتِهِ، وَيَعْتَقِدُ أَهل بَيْتِهِ أَنه أَكل فِي سُوقِهِ
، وَمِنْهَا الصَّوْمُ لِي أَي أَن الصَّوْمَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ مَلَائِكَتِي، فإِن الْعَبْدَ فِي حَالِ صَوْمِهِ مَلَكٌ لأَنه يَذْكُر وَلَا يأْكل وَلَا يَشْرَبُ وَلَا يَقْضِي شَهْوَةً، وَمِنْهَا، وَهُوَ أَحسنها، أَن الصَّوْمَ لِي أَي أَن الصَّوْمَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِي، لأَنه سُبْحَانَهُ لَا يَطْعَم، فَالصَّائِمُ عَلَى صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الرَّبِّ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي أَعمال الْجَوَارِحِ إِلَّا فِي الصَّوْمِ وأَعمال الْقُلُوبِ كَثِيرَةٌ كَالْعِلْمِ والإِرادة، وَمِنْهَا الصَّوْمُ لِي أَي أَن كُلَّ عَمَلٍ قَدْ أَعلمتكم مِقْدَارَ ثَوَابِهِ إِلَّا الصَّوْمَ فإِني انْفَرَدْتُ بِعِلْمِ ثَوَابِهِ لَا أُطلع عَلَيْهِ أَحداً، وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ مُفَسَّرًا فِي حَدِيثِ(14/145)
أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضاعَفُ الحسنةُ عَشْرَ أَمثالها إِلى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا الصَّوْمَ فإِنه لِي وأَنا أَجْزي بِهِ، يَدَعُ شهوتَه وَطَعَامَهُ مِنْ أَجلي
، فَقَدْ بيَّن فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَن ثَوَابَ الصِّيَامِ أَكثر مِنْ ثَوَابِ غَيْرِهِ مِنَ الأَعمال فَقَالَ
وأَنا أَجْزِي بِهِ
، وَمَا أَحال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُجَازَاةَ عَنْهُ عَلَى نَفْسِهِ إِلَّا وَهُوَ عَظِيمٌ، وَمِنْهَا الصَّوْمُ لِي أَي يَقْمَعُ عدوِّي، وَهُوَ الشَّيْطَانَ لأَن سَبِيلَ الشَّيْطَانِ إِلى الْعَبْدِ عِنْدَ قَضَاءِ الشَّهَوَاتِ، فإِذا تَرَكَهَا بَقِيَ الشَّيْطَانُ لَا حِيلَةَ لَهُ، وَمِنْهَا، وَهُوَ أَحسنها، أَن مَعْنَى قَوْلِهِ الصَّوْمُ لِي أَنه قَدْ
رُوِيَ فِي بَعْضِ الْآثَارِ أَن الْعَبْدَ يأْتي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتِهِ، ويأْتي قَدْ ضرَب هَذَا وشَتَم هَذَا وغَصَب هَذَا فَتُدْفَعُ حَسَنَاتُهُ لِغُرَمَائِهِ إِلَّا حَسَنَاتِ الصِّيَامِ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: الصَّوْمُ لِي لَيْسَ لَكُمْ إِليه سَبِيلٌ.
ابْنُ سِيدَهْ: وجَزَى الشيءُ يَجْزِي كَفَى، وجَزَى عَنْكَ الشيءُ قضَى، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لأَبي بُرْدة بْنِ نِيَارٍ حِينَ ضَحَّى بالجَذَعة: تَجْزِي عَنْكَ وَلَا تَجْزِي عَنْ أَحد بعدَك
أَي تَقْضِي؛ قَالَ الأَصمعي: هُوَ مأْخوذ مِنْ قَوْلِكَ قَدْ جَزَى عَنِّي هَذَا الأَمرُ يَجْزِي عَنِّي، وَلَا هَمْزَ فِيهِ، قَالَ: وَمَعْنَاهُ لَا تَقْضِي عَنْ أَحد بَعْدَكَ. وَيُقَالُ: جَزَتْ عَنْكَ شاةٌ أَي قَضَتْ، وَبَنُو تَمِيمٍ يَقُولُونَ أَجْزَأَتْ عَنْكَ شاةٌ بِالْهَمْزِ أَي قَضَت. وَقَالَ الزَّجَّاجُ فِي كِتَابِ فَعَلْتُ وأَفْعَلْتُ: أَجْزَيْتُ عَنْ فُلَانٍ إِذا قمتَ مَقامه. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: جَزَيْتُ عَنْكَ فُلَانًا كافأْته، وجَزَتْ عَنْكَ شاةٌ وأَجْزَتْ بِمَعْنًى. قَالَ: وتأْتي جَزَى بِمَعْنَى أَغْنَى. وَيُقَالُ: جَزَيْتُ فُلَانًا بِمَا صَنَعَ جَزَاءً، وقَضَيْت فُلَانًا قَرْضَه، وجَزَيْتُه قرضَه. وَتَقُولُ: إِن وضعتَ صدقَتك فِي آلِ فُلَانٍ جَزَتْ عَنْكَ وَهِيَ جَازِيَة عَنْكَ. قَالَ الأَزهري: وَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ يَقُولُ أَجْزَى بِمَعْنَى قَضَى. ابْنُ الأَعرابي: يَجْزِي قليلٌ مِنْ كَثِيرٍ ويَجْزِي هَذَا مِنْ هَذَا أَي كلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقُومُ مَقَامَ صَاحِبِهِ. وأَجْزَى الشيءُ عَنِ الشَّيْءِ: قَامَ مَقَامَهُ وَلَمْ يَكْفِ. وَيُقَالُ: اللحمُ السَّمِينُ أَجْزَى مِنَ الْمَهْزُولِ؛ وَمِنْهُ يُقَالُ: مَا يُجْزِينِي هَذَا الثوبُ أَي مَا يَكْفِينِي. وَيُقَالُ: هَذِهِ إِبلٌ مَجَازٍ يَا هَذَا أَي تَكْفِي، الجَملُ الْوَاحِدُ مُجْزٍ. وَفُلَانٌ بَارِعٌ مَجْزىً لأَمره أَي كَافٍ أَمره؛ وَرَوَى ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي أَنه أَنشده لِبَعْضِ بَنِي عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ:
ونَحْنُ قَتَلْنا بالمَخارِقِ فَارِسًا، ... جَزاءَ العُطاسِ، لَا يَمُوتُ المُعاقِب
قَالَ: يَقُولُ عَجَّلْنَا إِدراك الثَّأْر كَقَدْرٍ مَا بَيْنَ التَّشْمِيتِ والعُطاس، والمُعاقِبُ الَّذِي أَدرك ثَأْره، لَا يَمُوتُ المُعاقِب لأَنه لَا يَمُوتُ ذِكْرُ ذَلِكَ بَعْدَ موته، لَا يَمُوت مَنْ أَثْأَرَ أَي لَا يَمُوت ذِكْرُهُ. وأَجْزَى عَنْهُ مُجْزَى فُلَانٍ ومُجْزاته ومَجْزَاه ومَجْزَاته؛ الأَخيرة عَلَى تَوَهُّمِ طَرْحِ الزَّائِدِ أَعني لُغَةً فِي أَجْزَأَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
البَقَرَةُ تُجْزِي عَنْ سَبْعَةٍ
، بِضَمِّ التَّاءِ؛ عَنْ ثَعْلَبٍ، أَي تَكُونُ جَزَاءً عَنْ سَبْعَةٍ. ورجلٌ ذُو جَزَاءٍ أَي غَناء، تَكُونُ مِنَ اللُّغَتَيْنِ جَمِيعًا. والجِزْيَةُ: خَراجُ الأَرض، وَالْجَمْعُ جِزىً وجِزْيٌ. وَقَالَ أَبو عَلِيٍّ: الجِزَى والجِزْيُ وَاحِدٌ كالمِعَى والمِعْيِ لِوَاحِدِ الأَمْعاء، والإِلَى والإِلْيِ لِوَاحِدِ الآلاءِ، وَالْجَمْعُ جِزاءٌ؛ قَالَ أَبو كَبِيرٍ:
وإِذا الكُماةُ تَعاوَرُوا طَعْنَ الكُلَى، ... تَذَرُ البِكارةَ فِي الجِزَاءِ المُضْعَفِ
وجِزْيَةُ الذِّمِّي مِنْهُ. الْجَوْهَرِيُّ: والجِزْيَةُ مَا يُؤْخَذُ(14/146)
مِنْ أَهل الذِّمَّةِ، وَالْجَمْعُ الجِزَى مِثْلُ لِحْيةٍ ولِحىً. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ الجِزْيَة فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنِ الْمَالِ الَّذِي يَعْقِد الكتابيُّ عَلَيْهِ الذِّمَّةَ، وَهِيَ فِعْلَةٌ مِنَ الجَزاء كأَنها جَزَتْ عَنْ قتلِه؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
لَيْسَ عَلَى مُسْلِمٍ جِزْيَة
؛ أَراد أَن الذِّمِّيَّ إِذا أَسلم وَقَدْ مَرَّ بعضُ الْحَوْلِ لَمْ يُطالَبْ مِنَ الجِزْية بِحِصَّةِ مَا مَضَى مِنَ السَّنة؛ وَقِيلَ: أَراد أَن الذِّمِّيَّ إِذا أَسلم وَكَانَ فِي يَدِهِ أَرض صُولح عَلَيْهَا بِخَرَاجٍ، تُوضَعُ عَنْ رَقَبَتِهِ الجِزْيةُ وَعَنْ أَرضه الْخَرَاجُ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
مَنْ أَخَذ أَرضاً بِجِزْيَتِها أَراد بِهِ الْخَرَاجَ الَّذِي يُؤَدَّى عَنْهَا، كأَنه لَازِمٌ لِصَاحِبِ الأَرض كَمَا تَلْزَم الجِزْيَةُ الذميَ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير؛ هَكَذَا قَالَ أَبو عُبَيْدٍ هُوَ أَن يُسْلِمَ وَلَهُ أَرض خَرَاجٍ، فتُرْفَعُ عَنْهُ جِزْيَةُ رأْسه وتُتْرَكُ عَلَيْهِ أَرضُه يُؤَدِّي عَنْهَا الخراجَ؛ وَمِنْهُ حَدِيثِ
عَلِيٍّ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ: أَن دِهْقاناً أَسْلَم عَلَى عَهْدِه فَقَالَ لَهُ: إِن قُمْتَ فِي أَرضك رَفَعْنَا الجِزْيَةَ عَنْ رأْسك وأَخذناها مِنْ أَرضك، وإِن تَحَوَّلْتَ عَنْهَا فَنَحْنُ أَحق بِهَا.
وَحَدِيثُ
ابْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنه اشْتَرَى مِنْ دهْقان أَرضاً عَلَى أَن يَكْفِيَه جِزْيَتَها
؛ قِيلَ: اشترَى هاهنا بِمَعْنَى اكْتَرَى؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَفِيهِ بُعْدٌ لأَنه غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي اللُّغَةِ، قَالَ: وَقَالَ القُتَيْبي إِن كَانَ مَحْفُوظًا، وإِلا فَأَرى أَنه اشْتَرَى مِنْهُ الأَرضَ قَبْلَ أَن يُؤَدِّيَ جِزْيَتَها لِلسَّنَةِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا البيعُ فَضَمَّنَهُ أَن يَقُومَ بخَراجها. وأَجْزَى السِّكِّينَ: لُغَةٌ فِي أَجْزَأَها جَعَلَ لَهَا جُزْأَةً؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَدري كَيْفَ ذَلِكَ لأَن قِيَاسَ هَذَا إِنما هُوَ أَجْزَأَ، اللَّهُمَّ إِلا أَن يَكُونَ نادراً.
جَسَا: جَسَا: ضِدُّ لَطُفَ، وجَسَا الرجلُ جَسْواً وجُسُوّاً: صَلُبَ. ويَدٌ جَاسِيَةٌ: يَابِسَةُ الْعِظَامِ قَلِيلَةُ اللَّحْمِ. وجَسِيَتِ اليَدُ وغيرُها جُسُوّاً وجَسَاً: يَبِسَتْ. وجَسَا الشيخُ جُسُوّاً: بَلَغَ غَايَةَ السِّنِّ. وجَسا الماءُ: جَمُدَ. ودابَّةٌ جَاسِيَةُ الْقَوَائِمِ: يابستُها. ورِماحٌ جاسِيَةٌ: كَزَّةٌ صُلْبة، وَقَدْ ذُكِرَ بَعْضُ ذَلِكَ فِي بَابِ الْهَمْزِ. والجَيْسُوانُ، بِضَمِّ السِّينِ: جِنْسٌ مِنَ النَّخْلِ لَهُ بُسْرٌ جَيِّدٌ، وَاحِدَتُهُ جَيْسُوانَةٌ؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ. وَقَالَ مُرَّةُ: سُمِّيَ الجَيْسُوانَ لطُول شَماريخه، شُبِّه بالذَّوائب، قَالَ: والذَّوائبُ بالفارسية كَيْسُوان.
جَشَا: الجَشْوُ: القَوْسُ الْخَفِيفَةُ، لُغَةٌ فِي الجَشءِ، وَالْجَمْعُ جَشَواتٌ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: كَلَّمته فاجْتَشَى نَصِيحتي أَي رَدَّها.
جَعَا: الجَعْوُ: الطِّينُ. يُقَالُ: جَعَّ فلانٌ فُلَانًا إِذا رَمَاهُ بالجَعْوِ وَهُوَ الطِّينُ. والجَعْوُ: الاسْتُ. والجَعْوُ: مَا جُمِعَ مِنْ بَعَرٍ أَو غَيْرِهِ فجُعِلَ كُثْوةً أَو كُثْبةً، تَقُولُ مِنْهُ: جَعَا جَعْواً، وَمِنْهُ اشْتِقَاقُ الجِعْوَةِ لِكَوْنِهَا تَجْمَعُ الناسَ عَلَى شُرْبها. والجِعْوُ: الجِعَةُ: وَالْفَتْحُ أَكثر، نَبِيذُ الشَّعِيرِ. وَفِي الْحَدِيثِ
عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: نَهَى رسولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ الجِعَةِ.
وَفِي الْحَدِيثِ:
الجِعَةُ شرابٌ يُتَّخَذُ مِنَ الشَّعِيرِ وَالْحِنْطَةِ حَتَّى يُسْكِرَ.
وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الجِعَةُ مِنَ الأَشربة وَهُوَ نَبِيذُ الشَّعِيرِ. وجَعوْتَ جِعَةً: نَبَذْتُها.
جَفَا: جَفَا الشيءُ يَجْفُو جَفَاءً وتَجَافَى: لَمْ يَلْزَمْ مكانَه، كالسَّرْجِ يَجْفُو عَنِ الظَّهْر وكالجَنْب يَجْفُو عَنِ الفِراشِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
إِنَّ جَنْبي عَنِ الفِراش لَنابِ، ... كتَجَافِي الأَسَرِّ فَوْقَ الظِّرابِ
والحُجَّةُ فِي أَن الجَفَاءَ يَكُونُ لَازِمًا مِثْلَ تَجَافَى قولُ(14/147)
الْعَجَّاجِ يَصِفُ ثَوْرًا وَحْشِيًّا:
وشَجَرَ الهُدَّابَ عَنْه فَجَفَا
يَقُولُ: رَفَعَ هُدْب الأَرْطى بقَرْنه حَتَّى تَجَافَى عَنْهُ. وأَجْفَيْتُه أَنا: أَنزلته عَنْ مَكَانِهِ؛ قَالَ:
تَمُدُّ بالأَعْناق أَو تَلْوِيها ... وتَشْتَكي لَوْ أَنَّنا نُشْكِيها
مَسَّ حَوايانا فَلم نُجْفِيها
أَي فلَمَّا نَرْفَعُ الحَوِيَّة عَنْ ظَهْرِهَا. وجَفَا جنْبُه عَنِ الْفِرَاشِ وتَجَافَى: نَبَا عَنْهُ وَلَمْ يَطْمَئِنَّ عَلَيْهِ. وجَافَيْت جَنْبي عَنِ الْفِرَاشِ فتَجَافَى، وأَجْفَيْت القَتَب عَنْ ظَهْرِ الْبَعِيرِ فَجَفَا، وجَفَا السرجُ عَنْ ظَهْرِ الْفَرَسِ وأَجْفَيْته أَنا إِذا رَفَعْتَهُ عَنْهُ، وجَافَاه عَنْهُ فتَجَافَى. وتَجَافَى جَنْبُه عَنِ الْفِرَاشِ أَي نَبَا، واسْتَجْفَاه أَي عَدَّهُ جَافِيًا. وَفِي التَّنْزِيلِ: تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ
؛ قِيلَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: إِنهم كَانُوا يُصَلُّونَ فِي اللَّيْلِ، وَقِيلَ: كَانُوا لَا يَنَامُونَ عَنْ صَلَاةِ العَتَمة، وَقِيلَ: كَانُوا يُصَلُّونَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ صلاةِ المغربِ والعشاءِ الأَخيرةِ تَطَوُّعاً. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ، دَلِيلٌ عَلَى أَنها الصَّلَاةُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ لأَنه عملٌ يَسْتَسِرُّ الإِنسان بِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه كَانَ يُجَافِي عَضُدَيْه عَنْ جَنْبَيْهِ فِي السُّجُودِ
أَي يُبَاعِدُهُمَا. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِذا سَجَدْتَ فَ تَجَافَ
، وَهُوَ مِنَ الجَفَاءِ البُعْدِ عَنِ الشَّيْءِ، جَفَاهُ إِذا بَعُدَ عَنْهُ، وأَجْفَاه إِذا أَبعده؛ ومنه الحديث:
اقْرَؤُوا الْقُرْآنَ وَلَا تَجْفُوا عَنْهُ
أَي تُعَاهَدُوهُ وَلَا تَبْعُدُوا عَنْ تِلَاوَتِهِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وجَفَا الشيءُ عَلَيْهِ ثَقُل، لَمَّا كَانَ فِي مَعْنَاهُ، وَكَانَ ثَقُل يَتَعَدَّى بِعَلَى، عدَّوْه بِعَلَى أَيضاً، وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ، والجَفَا يُقْصَرُ وَيُمَدُّ خِلَافَ البِرّ نَقِيضَ الصِّلَةِ، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ الأَزهري: الجَفَاء مَمْدُودٌ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ، وَمَا عَلِمْتُ أَحداً أَجاز فِيهِ الْقَصْرَ، وَقَدْ جَفَاه جَفْواً وجَفَاءً. وَفِي الْحَدِيثِ:
غَيْرَ الْغَالي فيه والْجَافِي
؛ الجَفَاءُ: تَرْكُ الصِّلَةِ وَالْبِرِّ؛ فأَما قَوْلُهُ:
مَا أَنا بِالْجَافِي وَلَا المَجْفِيِ
فإِن الْفَرَّاءَ قَالَ: بَنَاهُ عَلَى جُفِيَ، فَلَمَّا انْقَلَبَتِ الْوَاوُ يَاءً فِيمَا لَمْ يسمَّ فَاعِلُهُ بُنِيَ الْمَفْعُولُ عَلَيْهِ؛ وأَنشد سِيبَوَيْهِ لِلشَّاعِرِ:
وقَدْ عَلِمَتْ عِرْسِي مُلَيْكَةُ أَنَّني ... أَنا الليثُ مَعْدِيّاً عَلَيْهِ وعادِيَا
وَفِي الْحَدِيثِ
عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحياءُ مِنَ الإِيمان والإِيمانُ فِي الْجَنَّةِ والبَذَاءُ مِنَ الجَفَاء والجَفَاءُ في النَّارِ
؛ البَذاء، بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ: الفُحْش مِنَ الْقَوْلِ. وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ:
مَنْ بَدَا جَفَا
، بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، خَرَجَ إِلى الْبَادِيَةِ، أَي مَنْ سَكَنَ الْبَادِيَةَ غلُظ طَبْعُهُ لِقِلَّةِ مُخَالَطَةِ النَّاسِ، والجَفَاءُ غِلَظ الطَّبْعِ. اللَّيْثُ: الجَفْوة أَلْزَم فِي تَرْكِ الصِّلَة مِنَ الجَفاءِ لأَن الجَفاء يَكُونُ فِي فَعَلاته إِذا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَلَقٌ وَلَا لَبَقٌ. قَالَ الأَزهري: يُقَالُ جَفَوْته جَفْوَة مَرَّةً وَاحِدَةً، وَجَفَاءً كَثِيرًا، مَصْدَرٌ عَامٌّ، والجَفَاء يَكُونُ فِي الخِلْقة والخُلُق؛ يُقَالُ: رَجُلٌ جافِي الخِلْقة وجافِي الخُلُق إِذا كَانَ كَزّاً غليظَ العِشْرة والخُرْقِ فِي الْمُعَامَلَةِ والتحامُلِ عِنْدَ الْغَضَبِ والسَّوْرةِ عَلَى الْجَلِيسِ. وَفِي صِفَتِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
لَيْسَ بالجَافِي المُهِين
أَي لَيْسَ بِالْغَلِيظِ الخِلْقة وَلَا الطَّبْعِ أَو لَيْسَ بِالَّذِي يَجْفُو أَصحابه، وَالْمُهِينُ يُرْوَى بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا، فَالضَّمُّ عَلَى الْفَاعِلِ مِنْ أَهان أَي لَا يُهِينُ مَنْ صَحِبَهُ، وَالْفَتْحُ عَلَى(14/148)
الْمَفْعُولِ مِنَ المَهانة والحَقارة، وَهُوَ مَهِين أَي حَقِيرٌ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا تَزْهَدَنَّ فِي جَفَاءِ الحِقْوِ
أَي لَا تَزْهَدْ فِي غِلَظِ الإِزار، وَهُوَ حثٌّ عَلَى تَرْكِ التَّنَعُّمِ. وَفِي حَدِيثِ حُنَيْنٍ:
خَرَجَ جُفَاءٌ مِنَ الناسِ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ، قَالُوا: وَمَعْنَاهُ سَرَعانُ النَّاسِ وأَوائِلُهم، تَشْبِيهًا بجُفَاء السَّيْلِ وَهُوَ مَا يَقْذِفُهُ مِنَ الزَّبَدِ وَالْوَسَخِ وَنَحْوِهِمَا. وجَفَيْت البَقْلَ واجْتَفَيْته: اقْتَلَعْتُهُ مِنْ أُصوله كجَفأَه واجْتَفأَه. ابْنُ السِّكِّيتِ: يُقَالُ جَفَوْته، فَهُوَ مَجْفُوّ، قَالَ: وَلَا يُقَالُ جَفَيْت، وَقَدْ جَاءَ فِي الشِّعْرِ مَجْفِيّ؛ وأَنشد:
مَا أَنا بالجَافِي وَلَا المَجْفِيِ
وَفُلَانٌ ظاهرُ الجِفْوَة، بِالْكَسْرِ، أَي ظَاهِرُ الجَفاء. أَبو عَمْرٍو: الجُفَايَة السَّفِينَةُ الْفَارِغَةُ، فإِذا كَانَتْ مَشْحُونَةً فَهِيَ غامِدٌ وآمِدٌ وغامِدة وآمِدة. وجَفَا مالَه: لَمْ يُلازمه. وَرَجُلٌ فِيهِ جَفْوَة وجِفْوَة وإِنه لَبَيِّن الجِفْوَة، بِالْكَسْرِ، فإِذا كَانَ هُوَ المَجْفُوّ قِيلَ بِهِ جَفْوَة. وقولُ المِعْزَى حِينَ قِيلَ لَهَا مَا تَصْنَعِينَ فِي اللَّيْلَةِ المَطِيرة فَقَالَتْ: الشَّعْر دُقاقٌ والجِلْدُ رُقاق والذَّنَبُ جُفَاءٌ وَلَا صَبْر بِي عَنِ البَيْت؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: لَمْ يُفَسِّرِ اللِّحْيَانِيُّ جُفَاء، قَالَ: وَعِنْدِي أَنه مِنَ النُّبُوِّ وَالتَّبَاعُدِ وَقِلَّةِ اللُّزُوق. وأَجْفَى الماشيةَ، فَهِيَ مُجْفَاة: أَتعبها وَلَمْ يَدَعْها تأْكل، وَلَا عَلَفها قبلَ ذَلِكَ، وَذَلِكَ إِذا سَاقَهَا سَوْقًا شديداً.
جَلَا: جَلا القومُ عَنْ أَوطانهم يَجْلُون وأَجْلَوْا إِذا خَرَجُوا مِنْ بَلَدٍ إِلى بَلَدٍ. وَفِي حَدِيثِ الْحَوْضِ:
يَرِدُ عليَّ رَهْط مِنْ أَصحابي فيُجْلَوْن عَنِ الْحَوْضِ
؛ هَكَذَا رُوِيَ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ أَي يُنْفَوْن ويُطْردون، وَالرِّوَايَةُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْهَمْزِ. وَيُقَالُ: اسْتُعْمِل فُلَانٌ عَلَى الجَالِيَة والجَالَةِ. والجَلاءُ، مَمْدُودٌ: مَصْدَرُ جَلا عَنْ وَطَنِهِ. وَيُقَالُ: أَجْلاهم السُّلْطَانُ فأَجْلَوْا أَي أَخرجهم فَخَرَجُوا. والجَلاءُ: الْخُرُوجُ عَنِ الْبَلَدِ. وَقَدْ جَلَوْا عَنْ أَوطانهم وجَلَوْتُهم أَنا، يَتَعَدَّى، وَلَا يَتَعَدَّى. وَيُقَالُ أَيضاً: أَجْلَوْا عَنِ الْبَلَدِ وأَجْلَيْتهم أَنا، كِلَاهُمَا بالأَلف؛ وَقِيلَ لأَهل الذِّمَّةِ الجَالِيَة لأَن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَجلاهم عَنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَمر النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، فيهم، فسُمُّوا جَالِيَة وَلَزِمَهُمْ هَذَا الِاسْمُ أَين حَلُّوا، ثُمَّ لَزِمَ كلَّ مَنْ لَزِمَتْهُ الجزيةُ مِنْ أَهل الْكِتَابِ بِكُلِّ بَلَدٍ، وإِن لَمْ يُجْلَوْا عَنْ أَوطانهم. والجَالِيَة: الَّذِينَ جَلَوْا عَنْ أَوْطانهم. وَيُقَالُ: اسْتُعْمِل فُلَانٌ عَلَى الجَالِيَة أَي عَلَى جِزْية أَهل الذِّمَّةِ. والجَالَةُ: مِثْلُ الجَالِية. وَفِي حَدِيثِ العَقَبة:
وإِنكم تُبايِعون مُحَمَّدًا عَلَى أَن تُحارِبوا الْعَرَبَ وَالْعَجَمَ مُجْلِيةً
أَي حَرْباً مُجْلِية مُخْرِجة عَنِ الدَّارِ وَالْمَالِ. وَمِنْهُ حَدِيثُ
أَبي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنه خيَّر وَفْدَ بُزاخَة بينَ الحَرْبِ المُجْلِيَة والسِّلْم المُخْزِيَةِ.
وَمِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ: اخْتاروا فَإِمَّا حَرْبٌ مُجْلِيَة وإِمَّا سِلْم مُخْزِية أَي إِمَّا حَرْب تُخْرِجُكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَو سِلْمٌ تُخْزيكم وتُذِلُّكم. ابْنُ سِيدَهْ: جَلا القومُ عَنِ الْمَوْضِعِ وَمِنْهُ جَلْواً وجَلاءً وأَجْلَوْا: تفرَّقوا، وفَرَق أَبو زَيْدٍ بَيْنَهُمَا فَقَالَ: جَلَوا مِنَ الْخَوْفِ وأَجْلَوْا مِنَ الجَدْب، وأَجْلاهم هُوَ وجَلَّاهم لُغَةٌ وَكَذَلِكَ اجْتَلاهم؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ يَصِفُ النَّحْلَ وَالْعَاسِلَ:
فلَمّا جَلاها بالأُيامِ، تَحَيَّزَت ... ثُباتٍ عَلَيْهَا ذُلُّها واكْتِئابُها
وَيُرْوَى: اجْتَلاها، يَعْنِي العاسلَ جَلَا النحلَ عَنْ مَوَاضِعِهَا(14/149)
بالأُيام، وَهُوَ الدُّخان، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ تحَيَّرت أَي تحيَّرت النَّحْلُ بِمَا عَراها مِنَ الدُّخَانِ. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: جَلا النحلَ يَجْلُوها جَلاءً إِذا دَخَّنَ عَلَيْهَا لاشْتِيارِ الْعَسَلِ. وجَلْوَة النحلِ: طَرْدُها بالدُّخان. ابْنُ الأَعرابي: جَلاهُ عَنْ وَطَنِهِ فجَلا أَي طَرَدَهُ فَهَرَبَ. قَالَ: وجَلا إِذا عَلا، وجَلا إِذا اكتَحَل، وجَلا الأَمرَ وجَلَّاه وجَلَّى عَنْهُ كشَفه وأَظهره، وَقَدِ انْجَلَى وتَجَلَّى. وأَمرٌ جَلِيٌّ: وَاضِحٌ؛ تَقُولُ: اجْلُ لِي هَذَا الأَمرَ أَي أَوضحه. والجَلاءُ، مَمْدُودٌ: الأَمر البَيِّنُ الْوَاضِحُ. والجَلاءُ، بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ: الأَمرُ الجَلِيُّ، وَتَقُولُ مِنْهُ: جَلا لِيَ الخبرُ أَي وَضَح؛ وَقَالَ زُهَيْرٌ:
فإِنَّ الحقَّ مَقْطَعُه ثَلاثٌ: ... يَمِينٌ أَو نِفارٌ أَو جَلاءُ «2»
. أَراد الْبَيِّنَةَ وَالشُّهُودَ، وَقِيلَ: أَراد الإِقرار، وَاللَّهُ تَعَالَى يُجَلِّي الساعةَ أَي يُظْهِرُهَا. قَالَ سُبْحَانَهُ: لَا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ
. وَيُقَالُ: أَخْبرني عَنْ جَلِيَّةِ الأَمر أَي حَقِيقَتِهِ؛ وَقَالَ النَّابِغَةُ:
وآبَ مُضِلُّوه بعَيْنٍ جَلِيَّةٍ، ... وغُودِرَ بالجَوْلانِ حَزْمٌ ونائِلُ
يَقُولُ: كَذَّبُوا بِخَبَرِ مَوْتِهِ أَولَ مَا جَاءَ فجاءَ دَافِنُوهُ بِخَبَرِ مَا عَايَنُوهُ. والجَلِيُّ: نَقِيضُ الخَفِيِّ. والجَلِيَّة: الْخَبَرُ الْيَقِينُ. ابْنُ بَرِّيٍّ: والجَلِيَّة البَصِيرة، يُقَالُ عينٌ جَلِيَّة؛ قَالَ أَبو دواد:
بَلْ تَأَمَّلْ، وأَنت أَبْصَرُ مِنِّي، ... قَصْدَ دَيْرِ السَّوادِ عَينٌ جَلِيَّهْ
وجَلَوْت أَي أَوضحت وكشَفْتُ. وجَلَّى الشيءَ أَي كَشَفَهُ. وَهُوَ يُجَلِّي عَنْ نَفْسِهِ أَي يُعَبِّرُ عَنْ ضَمِيرِهِ. وتَجَلَّى الشيءُ أَي تكشَّف. وَفِي حَدِيثِ
كَعْبِ بْنِ مالك: ف جَلا رسولُ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِلنَّاسِ أَمرَهم ليتَأَهَّبوا
أَي كَشَفَ وأَوضح. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ: إِن رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ قَدْ رَفَعَ لِيَ الدُّنيا وأَنا أَنظر إِليها جِلِّيَاناً مِنَ اللَّهِ
أَي إِظْهاراً وكَشْفاً، وَهُوَ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ. وجِلاءُ السَّيْفِ، مَمْدُودٌ بِكَسْرِ الْجِيمِ، وجَلا الصيقلُ السيفَ والمِرآةَ ونحوَهُما جَلْواً وجِلاءً صَقَلَهما. واجْتَلاه لِنَفْسِهِ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
يَجْتَلِي نُقَبَ النِّصالِ
وجَلا عينَه بالكُحْل جَلْواً وجَلاءً، والجَلا والجَلاءُ والجِلاءُ: الإِثْمِدُ. ابْنُ السِّكِّيتِ: الجَلا كُحْلٌ يَجْلو الْبَصَرَ، وَكِتَابَتُهُ بالأَلف. وَيُقَالُ: جَلَوْتُ بَصَرِي بِالْكُحْلِ جَلْواً. وَفِي حَدِيثِ
أُم سَلَمَةَ: أَنها كَرِهَتْ للمُحِدِّ أَن تكْتَحِل بالجِلاء
، هُوَ، بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ، الإِثمد، وَقِيلَ: هُوَ، بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ وَالْقَصْرِ، ضَرْبٌ مِنَ الْكُحْلِ. ابْنُ سِيدَهْ: والجَلاءُ والجِلاءُ الْكُحْلُ لأَنه يَجْلُو الْعَيْنَ؛ قَالَ الْمُتَنَخِّلُ الْهُذَلِيُّ:
وأَكْحُلْكَ بالصابِ أَو بالجَلا، ... ففَقِّحْ لِذَلِكَ أَو غَمِّض
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الْبَيْتُ لأَبي المُثَلَّم، قَالَ: وَالَّذِي ذَكَرَهُ النَّحَّاسُ وَابْنُ وَلاد الجَلا، بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْقَصْرِ، وأَنشد هَذَا الْبَيْتَ، وَذَكَرَ الْمُهَلَّبِيُّ فِيهِ الْمَدَّ وَفَتْحَ الْجِيمِ، وأَنشد الْبَيْتَ.
وَرُوِيَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنس قَالَ: قرأَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا
، قَالَ: وَضَعَ إِبهامه عَلَى قَرِيبٍ مِنْ طَرَفِ أُنْمُلَة خِنْصَرِه فساخَ الْجَبَلُ، قَالَ حَمَّادٌ: قُلْتُ لِثَابِتٍ تَقُولُ هَذَا؟ فَقَالَ: يَقُولُهُ رسول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَقُولُهُ أَنس وأَنا أَكْتُمه
وَقَالَ الزَّجَّاجُ:
__________
(2) . قوله [أو جَلاء] كذا أورده كالجوهري بفتح الجيم، وقال الصاغاني: الرواية بالكسر لا غير، من المجالاة(14/150)
تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ
أَي ظَهَرَ وبانَ، قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ أَهل السُّنة وَالْجَمَاعَةِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: تَجَلَّى بَدَا لِلْجَبَلِ نُور العَرْش. وَالْمَاشِطَةُ تَجْلُو العَرُوس، وجَلا العروسَ عَلَى بَعْلها جَلْوة وجِلْوة وجُلوة وجِلاءً واجْتَلاها وجَلَّاها، وَقَدْ جُلِيت عَلَى زَوْجِهَا واجْتَلاها زَوْجُهَا أَي نَظر إِليها. وتَجلَّيت الشيءَ: نَظَرْتُ إِليه. وجَلَّاها زوجُها وَصِيفَةً: أَعطاها إِياها فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وجِلْوَتُها مَا أَعطاها، وَقِيلَ: هُوَ مَا أَعطاها مِنْ غُرَّةٍ أَو دَرَاهِمَ. الأَصمعي: يُقَالُ جَلا فُلَانٌ امرأَته وَصِيفَةً حِينَ اجْتَلَاهَا إِذا أَعطاها عِنْدَ جَلْوَتها. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ سِيرِينَ: أَنه كَرِهَ أَن يَجْلِيَ امرأَته شَيْئًا لَا يَفِيَ بِهِ.
وَيُقَالُ: مَا جِلْوَتُها، بِالْكَسْرِ، فَيُقَالُ: كَذَا وَكَذَا. وَمَا جِلاءُ فُلَانٍ أَي بأَيِّ شيءٍ يُخَاطَبُ مِنَ الأَسماء والأَلقاب فيُعظَّم بِهِ. واجْتَلَى الشيءَ: نَظَرَ إِليه. وجَلَّى بِبَصَرِهِ: رَمى. والبازِي يُجَلِّي إِذا آنَسَ الصيدَ فَرَفَعَ طرْفَه ورأْسَه. وجَلَّى بِبَصَرِهِ تَجْلِيَةً إِذا رَمَى بِهِ كَمَا يَنْظُرُ الصَّقْرُ إِلى الصَّيْدِ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
فانْتَضَلْنا وَابْنُ سَلْمَى قاعِدٌ، ... كعَتيقِ الطَّيْرِ يُغْضِي ويُجَلّ
أَي ويُجَلِّي. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: ابْنُ سَلْمى هُوَ النُّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ. قَالَ ابْنُ حَمْزَةَ: التَّجَلِّي فِي الصَّقْرِ أَن يُغْمِضَ عَيْنَهُ ثُمَّ يَفْتَحَهَا لِيَكُونَ أَبصر لَهُ، فالتَّجَلِّي هُوَ النَّظَرُ؛ وأَنشد لِرُؤْبَةَ:
جَلَّى بصيرُ العَيْنِ لَمْ يُكَلِّلِ، ... فانْقَضَّ يَهْوي مِنْ بَعيدِ المَخْتَلِ
وَيُقَوِّي قولَ ابْنَ حَمْزَةَ بَيْتُ لَبِيدٍ الْمُتَقَدِّمُ. وجَلَّى الْبَازِي تجَلِّياً وتَجْلِيَةً: رَفَعَ رأْسه ثُمَّ نَظَرَ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
نَظَرْتُ كَمَا جَلَّى، عَلَى رأْسِ رَهْوَةٍ، ... مِنَ الطيرِ، أَقْنَى ينفُضُ الطَّلَّ أَوْرَقُ
وَجَبْهَةٌ جَلْوَاءُ: وَاسِعَةٌ. والسماءُ جَلْوَاءُ أَي مُصْحِية مِثْلُ جَهْواء. وَلَيْلَةٌ جَلْوَاءُ: مُصْحِية مُضِيئة. والجَلا، بِالْقَصْرِ: انْحسار مُقَدَّمِ الشعرِ، كِتَابَتُهُ بالأَلف، مِثْلُ الجَلَهِ، وَقِيلَ: هُوَ دُونَ الصَّلَعِ، وَقِيلَ: هُوَ أَن يَبْلُغَ انْحِسَارُ الشَّعْرِ نصفَ الرأْسِ، وَقَدْ جَلِيَ جَلًا وَهُوَ أَجْلَى. وَفِي صِفَةِ
الْمَهْدِيِّ: أَنه أَجْلَى الجَبْهَةِ
؛ الأَجْلَى: الْخَفِيفُ شَعْرِ مَا بَيْنَ النَّزَعتين مِنَ الصُّدغين وَالَّذِي انْحَسَرَ الشَّعْرُ عَنْ جَبْهَتِهِ. وَفِي حَدِيثِ
قَتَادَةَ فِي صِفَةِ الدَّجَّالِ: أَنه أَجْلَى الجَبْهةِ
، وَقِيلَ: الأَجْلَى الحسنُ الوجهِ الأَنْزَعُ. أَبو عُبَيْدٍ: إِذا انْحَسَرَ الشَّعْرُ عَنْ نِصْفِ الرأْس وَنَحْوِهِ فَهُوَ أَجْلى؛ وأَنشد:
مَعَ الجَلا ولائِحِ القَتِيرِ
وَقَدْ جَلِيَ يَجْلَى جَلًا، تَقُولُ مِنْهُ: رَجُلٌ أَجْلَى بيِّنُ الجَلا. والمَجالِي: مقاديمُ الرأْس، وَهِيَ مَوَاضِعُ الصَّلَع؛ قَالَ أَبو مُحَمَّدٍ الْفَقْعَسِيُّ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رِبْعيّ:
رَأَيْنَ شَيْخًا ذَرِئَتْ مَجالِيهْ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُ إِنشاده: أَراه شَيْخًا، لأَن قَبْلَهُ:
قَالَتْ سُليْمى: إِنني لَا أَبْغِيهْ، ... أَراهُ شَيْخًا ذَرِئَتْ مَجَالِيهْ،
يَقْلي الغَواني والغَواني تَقْلِيهْ
وَقَالَ الفراءُ: الْوَاحِدُ مَجْلىً وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ الجَلا، وَهُوَ ابْتِدَاءُ الصَّلع إِذا ذَهَبَ شَعْرُ رأْسه إِلى نِصْفِهِ. الأَصمعي: جالَيْتُه بالأَمر وجالَحْته إِذا جَاهَرْتَهُ؛ وأَنشد:
مُجالَحة لَيْسَ المُجالاةُ كالدَّمَسْ(14/151)
والمَجَالِي: مَا يُرَى مِنَ الرأْس إِذا اسْتَقْبَلَ الْوَجْهَ، وَهُوَ مَوْضِعُ الجَلَى. وتَجَالَيْنا أَي انْكَشَفَ حَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا لِصَاحِبِهِ. وابنُ جَلا: الواضحُ الأَمْرِ. واجْتَلَيْتُ الْعِمَامَةَ عَنْ رأْسي إِذا رَفَعْتَهَا مَعَ طَيِّها عَنْ جَبِينك. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذا كَانَ عَلَى الشَّرَفِ لَا يَخْفَى مكانُه: هُوَ ابنُ جَلا؛ وَقَالَ القُلاخ:
أَنا القُلاخُ بنُ جَنابِ بن جَلا
وجَلا: اسْمُ رَجُلٍ، سُمِّيَ بِالْفِعْلِ الْمَاضِي. ابْنُ سِيدَهْ: وابنُ جَلا اللَّيْثِيُّ، سُمِّي بِذَلِكَ لِوُضُوحِ أَمره؛ قَالَ سُحَيْم بْنُ وَثِيل:
أَنا ابنُ جَلا وطَلَّاعُ الثَّنايا، ... مَتى أَضَعِ العِمامةَ تَعْرِفُوني
قَالَ: هَكَذَا أَنشده ثَعْلَبٌ، وطلَّاعُ الثَّنَايَا، بِالرَّفْعِ، عَلَى أَنه مِنْ صِفَتِهِ لَا مِنْ صِفَةِ الأَب كأَنه قَالَ وأَنا طلَّاع الثَّنَايَا، وَكَانَ ابنُ جَلا هَذَا صاحبَ فَتْك يطلعُ فِي الْغَارَاتِ مِنْ ثَنِيَّة الْجَبَلِ عَلَى أَهلها، وَقَوْلُهُ:
مَتى أَضع العمامة تعرفوني
قَالَ ثَعْلَبٌ: الْعِمَامَةُ تُلْبَسُ فِي الْحَرْبِ وَتُوضَعُ فِي السَّلْم. قَالَ عِيسَى بْنُ عُمَرَ: إِذا سُمِّيَ الرَّجُلُ بقَتَلَ وضرَبَ ونحوهما إِنه لَا يُصْرَفُ، وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْبَيْتِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: يَحْتَمِلُ هَذَا الْبَيْتُ وَجْهًا آخَرَ، وَهُوَ أَنه لَمْ ينوِّنه لأَنه أَراد الْحِكَايَةَ، كأَنه قَالَ: أَنا ابنُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ جَلَا الأُمور وكشَفَها فَلِذَلِكَ لَمْ يَصْرِفْهُ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَوْلُهُ لَمْ يُنَوِّنْهُ لأَنه فِعْلٌ وَفَاعِلٌ؛ وَقَدِ اسْتَشْهَدَ الْحَجَّاجُ بِقَوْلِهِ:
أَنا ابنُ جَلا وطلَّاعُ الثَّنايا
أَي أَنا الظَّاهِرُ الَّذِي لَا يَخْفَى وَكُلُّ أَحد يَعْرِفُنِي. وَيُقَالُ لِلسَّيِّدِ: ابنُ جَلا. وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: جَلا فِعْلٌ مَاضٍ، كأَنه بِمَعْنَى جَلا الأُمورَ أَي أَوضحها، وَكَشَفَهَا؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْآخَرِ:
أَنا القُلاخُ بنُ جَنابِ بنِ جَلا، ... أَبو خَناثِيرَ أَقُود الجَمَلا
وَابْنُ أَجْلَى: كابنِ جَلا. يُقَالُ: هُوَ ابْنُ جَلا وَابْنُ أَجْلَى؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
لاقَوْا بِه الحجاجَ والإِصْحارا، ... بِهِ ابْنُ أَجْلَى وافَقَ الإِسْفارا
لَاقَوْا بِهِ أَي بِذَلِكَ الْمَكَانِ. وَقَوْلُهُ الإِصْحارَ: وَجَدوه مُصْحِراً. ووَجَدُوا بِهِ ابنَ أَجْلَى: كَمَا تَقُولُ لَقِيتُ بِهِ الأَسَدَ. والإِسْفارُ: الصُّبْح. وَابْنُ أَجْلَى: الأَسدُ، وَقِيلَ: ابْنُ أَجْلَى الصُّبْحُ، فِي بَيْتِ الْعَجَّاجِ. وَمَا أَقمت عِنْدَهُ إِلَّا جَلاءَ يومٍ وَاحِدٍ أَي بياضَه؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
مَا ليَ إِنْ أَقْصَيْتَني مِنْ مقْعدِ، ... وَلَا بهَذِي الأَرْضِ مِنْ تَجَلُّدِ،
إِلَّا جَلاءَ اليومِ أَو ضُحَى غَدِ
وأَجْلَى اللَّهُ عَنْكَ أَي كشَفَ؛ يُقَالُ ذَلِكَ لِلْمَرِيضِ. يُقَالُ لِلْمَرِيضِ: جَلا اللَّهُ عَنْهُ المرضَ أَي كشَفَه. وأَجْلَى يعْدُو: أَسْرَعَ بعضَ الإِسْراع. وانْجَلَى الغَمُّ، وجَلَوْتُ عَنِّي هَمِّي جَلْواً إِذا أَذهبته. وجَلَوْتُ السيفَ
جِلاءً، بِالْكَسْرِ، أَي صَقَلْتُ. وجَلَوْتُ العروسَ جِلاءً وجَلْوَةً واجْتَلَيْتُها بِمَعْنًى إِذا نَظَرْتَ إِليها مَجْلُوّةً. وانْجَلَى الظلامُ إِذا انْكَشَفَ. وانْجَلَى عَنْهُ الهَمُّ: انْكَشَفَ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها
؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: إِذا جَلَّى الظُّلمةَ فَجَازَتِ الْكِنَايَةُ عَنِ الظُّلْمة وَلَمْ تُذْكَرْ فِي أَوله لأَن مَعْنَاهَا مَعْرُوفٌ، أَلا تَرَى أَنك تَقُولُ: أَصْبَحتْ باردَةً وأَمْسَتْ عَرِيَّةً وهَبَّتْ شَمالًا؟ فكُني عَنْ(14/152)
مُؤَنَّثاتٍ لَمْ يَجْرِ لهنَّ ذِكْرٌ لأَن مَعْنَاهُنَّ مَعْرُوفٌ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: إِذا جَلَّاها
إِذا بيَّنَ الشمسَ لأَنها تتَبين إِذا انْبَسَطَ النَّهَارُ. اللَّيْثُ: أَجْلَيْتُ عَنْهُ الهمَّ إِذا فرَّجت عَنْهُ، وانْجَلَتْ عَنْهُ الهمومُ كَمَا تَنْجَلِي الظُّلْمَةُ. وأَجْلَوْا عَنِ الْقَتِيلِ لَا غَيْرُ أَي انْفَرَجُوا. وَفِي حَدِيثِ الْكُسُوفِ:
حَتَّى تَجَلَّتِ الشَّمْسُ
أَي انْكَشَفَتْ وَخَرَجَتْ مِنَ الْكُسُوفِ، يُقَالُ: تَجَلَّتْ وانْجَلَتْ. وَفِي حَدِيثِ الْكُسُوفِ أَيضاً:
فقُمْت حَتَّى تجَلَّانيَ الغَشْيُ
أَي غَطَّاني وغشَّاني، وأَصله تَجَلْلَنِي، فأُبدلت إِحدى اللَّامين أَلفاً مِثْلَ تَظَنَّى وتمَطَّى فِي تظنَّن وتمطَّط، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مَعْنَى تَجَلَّاني الغشيُ ذَهَبَ بقوَّتي وَصَبْرِي مِنَ الجَلاءِ، أَو ظَهَر بِي وبانَ عليَّ. وتَجَلَّى فلانٌ مكانَ كَذَا إِذا عَلاه، والأَصل تجَلَّله؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
فَلَمَّا تَجَلَّى قَرْعُها القاعَ سَمْعَه، ... وبانَ لَهُ وسْطَ الأَشاءِ انْغِلالُها «1»
. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: التَّجَلِّي النظرُ بالإِشْراف. وَقَالَ غَيْرُهُ: التَّجَلِّي التَّجَلُّل أَي تَجَلَّل قَرْعُها سَمْعَه فِي الْقَاعِ؛ وَرَوَاهُ ابْنُ الأَعرابي:
تحَلَّى قَرْعُها القاعَ سَمْعَهُ
وأَجْلَى: مَوْضِعٌ بَيْنَ فَلْجة وَمَطْلَعِ الشَّمْسِ، فِيهِ هُضَيْبات حُمْر، وَهِيَ تُنْبِتُ النَّصِيَّ والصِّلِّيانَ. وجَلْوَى، مَقْصُورٌ: قَرْيَةٌ. وجَلْوَى: فَرَسُ خُفاف بْنِ نُدْبة؛ قَالَ:
وقَفْتُ لَهَا جَلْوَى، وَقَدْ قَامَ صُحْبتي، ... لأَبْنِيَ مَجْداً، أَو لأَثْأَرَ هالِكا
وجَلْوَى أَيضاً: فَرَسُ قِرْواشِ بْنِ عَوْفٍ. وجَلْوَى أَيضاً: فَرَسٌ لِبَنِي عَامِرٍ. قَالَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ: وجَلْوَى فَرَسٌ كَانَتْ لِبَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ يَرْبُوع، وَهُوَ ابْنُ ذِي العِقالِ، قَالَ: وَلَهُ حَدِيثٌ طَوِيلٌ فِي حَرْبِ غَطَفَانَ؛ وَقَوْلُ الْمُتَلَمِّسِ:
يَكُونُ نَذِيرٌ مِنْ وَرَائِيَ جُنَّةً، ... ويَنْصُرُنِي منْهُمْ جُلَيّ وأَحْمَسُ «2»
. قَالَ: هُمَا بَطْنَانِ في ضُبَيْعة.
جمي: الجَمَا والجُمَا: نُتوءٌ ووَرَمٌ فِي الْبَدَنِ. الْفَرَّاءُ: جُمَاءُ كلِّ شَيْءٍ حَزْرُه وَهُوَ مِقْدَارُهُ. وجَمَاءُ الشَّيْءِ وجُمَاؤه: شخصُه وحَجْمُه؛ قَالَ:
يَا أُمَّ سَلْمَى، عَجِّلي بخُرْسِ، ... وخُبْزةٍ مِثْلِ جُمَاءِ التُّرْسِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْآخَرِ يَرْثِي رَجُلًا:
جَعَلْتُ وِسادَهُ إِحْدَى يَدَيْهِ، ... وفَوْقَ جُمَائِه خَشَباتِ ضَالِ
وَيُرْوَى: وتَحْتَ جُمَائِه؛ قَالَ ابْنُ حَمْزَةَ: وَهُوَ غَلَطٌ لأَن الْمَيِّتَ إِنما يُجْعَلُ الْخَشَبُ فَوْقَهُ لَا تَحْتَهُ. قَالَ أَبو بَكْرٍ: يُقَالُ جَمَاءُ التُّرْسِ وجُمَاؤُه، وَهُوَ اجْتِمَاعُهُ ونُتُوءُه. وجُمَاءُ الشَّيْءِ: قَدْرُه. أَبو عَمْرٍو: الجُمَاء شَخْصُ الشَّيْءِ تَرَاهُ مِنْ تَحْتِ الثَّوْبِ؛ وَقَالَ:
فَيَا عَجَباً للحُبِّ دَاءً فَلَا يُرَى ... لَهُ تحتَ أَثوابِ المُحِبِّ جُمَاءُ
الْجَوْهَرِيُّ: الجَمَاءُ والجَمَاءَةُ الشخصُ. ابْنُ السِّكِّيتِ: تَجَمَّى القومُ إِذا اجْتَمَعَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ، وَقَدْ تَجَمَّوْا عَلَيْهِ. ابْنُ بُزُرْجَ: جَمَاءُ كُلِّ شَيْءٍ اجتماعُه وحَركته؛ وأَنشد:
وبَظْر قَدْ تَفَلَّقَ عَنْ شَفِيرٍ، ... كأَنَّ جَمَاءَهُ قَرْنا عَتُودِ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهُوَ مِنْ ذَوَاتِ الْيَاءِ، لأَن انقلاب
__________
(1) . قوله [وبان له] كذا بالأصل والتهذيب والذي في التكملة: وحال له
(2) . قوله [جليّ] هو بهذا الضبط في الأصل(14/153)
الأَلف عَنِ الْيَاءِ طَرَفًا أَكثر مِنِ انْقِلَابِهَا عَنِ الواو، والله أَعلم.
جني: جَنَى الذنْبَ عَلَيْهِ جِنايةً: جَرَّه، قَالَ أَبو حَيَّةَ النُّميري:
وإِنَّ دَماً، لَوْ تَعْلَمِينَ، جَنَيْتُه ... عَلَى الحَيِّ، جَانِي مِثْلِه غَيْرُ سَالِمٍ
وَرَجُلٌ جَانٍ مِنْ قَوْمٍ جُنَاة وجُنَّاء، الأَخيرة عَنْ سِيبَوَيْهِ، فأَما قَوْلُهُمْ فِي الْمَثَلِ: أَبناؤُها أَجْناؤُها، فَزَعَمَ أَبو عُبَيْدٍ أَن أَبناءً جَمْعُ بانٍ وأَجْنَاءً جَمْعُ جَانٍ كَشَاهِدٍ وأَشهاد وَصَاحِبٍ وأَصحاب. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأُراهم لَمْ يُكَسِّرُوا بَانِيًا عَلَى أَبناء وَلَا جَانِياً عَلَى أَجْنَاء إِلَّا فِي هَذَا الْمَثَلِ، الْمَعْنَى أَن الَّذِي جَنَى وهَدَم هَذِهِ الدَّارَ هُوَ الَّذِي كَانَ بَنَاهَا بِغَيْرِ تَدْبِيرٍ فَاحْتَاجَ إِلَى نَقْضِ مَا عَمِلَ وإِفساده، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وأَنا أَظن أَن أَصل الْمَثَلِ جُنَاتُها بُناتُها، لأَن فَاعِلًا لَا يُجْمَعُ عَلَى أَفعال، وأَما الأَشهاد والأَصحاب فإِنما هُمَا جَمْعُ شَهْدٍ وصَحْب، إِلَّا أَن يَكُونَ هَذَا مِنَ النَّوَادِرِ لأَنه يَجِيءُ فِي الأَمثال مَا لَا يَجِيءُ فِي غَيْرِهَا، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: لَيْسَ المثلُ كَمَا ظَنَّهُ الْجَوْهَرِيُّ مِنْ قَوْلِهِ جُنَاتها بُناتُها، بَلِ الْمَثَلُ كَمَا نَقَل، لَا خِلَافَ بَيْنِ أَحد مِنْ أَهل اللُّغَةِ فِيهِ، قَالَ: وَقَوْلُهُ إِن أَشهاداً وأَصحاباً جَمْعُ شَهْدٍ وَصَحْبٍ سَهْوٌ مِنْهُ لأَن فَعْلًا لَا يُجْمَعُ عَلَى أَفعال إِلَّا شَاذًا، قَالَ: وَمَذْهَبُ الْبَصْرِيِّينَ أَن أَشهاداً وأَصحاباً وأَطياراً جَمْعُ شَاهِدٍ وَصَاحِبٍ وَطَائِرٍ، فَإِنْ قِيلَ: فإِن فَعْلًا إِذا كَانَتْ عَيْنُهُ وَاوًا أَو يَاءً جَازِ جَمْعُهُ عَلَى أَفعال نَحْوَ شَيْخٍ وأَشياخ وحَوْض وأَحواض، فَهَلَّا كَانَ أَطيار جَمْعًا لِطَيْرٍ؟ فَالْجَوَابُ فِي ذَلِكَ أَن طَيْرًا لِلْكَثِيرِ وأَطياراً لِلْقَلِيلِ، أَلا تَرَاكَ تَقُولُ ثَلَاثَةُ أَطيار؟ وَلَوْ كَانَ أَطيار فِي هَذَا جَمْعًا لطَيْر الَّذِي هُوَ جَمْعٌ لَكَانَ الْمَعْنَى ثَلَاثَةُ جُموع مِنَ الطَّيْرِ، وَلَمْ يُرَد ذَلِكَ، قَالَ: وَهَذَا المَثَل يُضْرَبُ لِمَنْ عَمِلَ شَيْئًا بِغَيْرِ رَوِيَّة فأَخطأَ فِيهِ ثُمَّ اسْتَدْرَكه فنَقَضَ مَا عَمِلَهُ، وأَصله أَن بَعْضَ مُلُوكِ الْيَمَنِ غَزا واسْتَخْلَف ابْنَتَه فبَنَتْ بمَشُورة قَوْمٍ بُنْياناً كَرِهَهُ أَبوها، فَلَمَّا قَدِمَ أَمر المُشيرين بِبِنَائِهِ أَن يَهْدموه، وَالْمَعْنَى أَن الَّذِينَ جَنَوْا عَلَى هَذِهِ الدَّارِ بالهَدْم هُمُ الَّذِينَ كَانُوا بَنَوْها، فَالَّذِي جَنَى تَلافَى مَا جَنَى، وَالْمَدِينَةُ الَّتِي هُدِمَتِ اسْمُهَا بَرَاقِشُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي فَصْلِ بَرْقَشَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا يَجْنِي جَانٍ إِلَّا عَلَى نَفْسِه
، الجِنَايَةُ: الذَّنْبُ والجُرْم وَمَا يَفْعَلُهُ الإِنسان مِمَّا يُوجِبُ عَلَيْهِ الْعِقَابَ أَو الْقِصَّاصَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْمَعْنَى أَنه لَا يُطالَبُ بِجِنَايَةِ غَيْرِهِ مِنْ أَقاربه وأَباعده، فَإِذَا جَنَى أَحدُهم جِنَايَةً لَا يُطالَب بِهَا الْآخَرُ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى *. وجَنَى فلانٌ عَلَى نَفْسِهِ إِذا جَرَّ جَرِيرَةً يَجْنِي جِنَايَةً عَلَى قَوْمِهِ. وتَجَنَّى فلانٌ عَلَى فُلَانٍ ذَنْبًا إِذا تَقَوَّلَه عَلَيْهِ وَهُوَ بَرِيء. وتَجَنَّى عَلَيْهِ وجَانَى: ادَّعى عَلَيْهِ جِنَايَةً. شَمِرٌ: جَنَيْتُ لَكَ وَعَلَيْكَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
جَانِيك مَنْ يَجْنِي عَلَيْكَ، وقَدْ ... تُعْدِي الصِّحاحَ فتَجْرَبُ الجُرْبُ
أَبو عُبَيْدٍ: قَوْلُهُمْ جَانِيكَ مَنْ يَجْنِي عَلَيْكَ يُضْرَبُ مَثَلًا لِلرَّجُلِ يُعاقَب بِجِنَايَةٍ وَلَا يُؤْخَذُ غَيْرُهُ بِذَنْبِهِ، إِنما يَجْنِيك مَن جِنايتُه رَاجِعَةٌ إِلَيْكَ، وَذَلِكَ أَن الإِخوة يَجْنُون عَلَى الرَّجُلِ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: وَقَدْ تُعْدِي الصحاحَ الجُرْبُ. وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ فِي قَوْلِهِمْ جَانِيكَ مَنْ يَجْنِي عَلَيْكَ: يُرَادُ بِهِ الجانِي لَكَ الخَيْرَ مَنْ يَجْني عَلَيْكَ الشَّرَّ، وأَنشد:
جانِيكَ مَنْ يَجْنِي عَلَيْكَ، وَقَدْ ... تُعْدي الصِّحاحَ مَباركُ الجُرْبِ(14/154)
والتَّجَنّي: مِثْلُ التَّجَرُّمِ وَهُوَ أَن يدَّعي عَلَيْكَ ذَنْبًا لَمْ تَفْعَلْهُ. وجَنَيْتُ الثَّمَرةَ أَجْنِيها جَنًى واجْتَنَيْتُها بِمَعْنًى، ابْنُ سِيدَهْ: جَنَى الثَّمرة وَنَحْوَهَا وتَجَنَّاها كلُّ ذَلِكَ تَناولها مِنْ شَجَرَتِهَا، قَالَ الشَّاعِرُ:
إِذا دُعِيَتْ بِمَا فِي البَيْتِ قالتْ: ... تَجَنَّ مِنِ الجِذَالِ وَمَا جنيتُ
قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: هَذَا شَاعِرٌ نَزَلَ بِقَوْمٍ فقَرَوْهُ صَمْغاً وَلَمْ يأْتوه بِهِ، وَلَكِنْ دَلُّوه عَلَى مَوْضِعِهِ وَقَالُوا اذْهَبْ فاجْنِه، فَقَالَ هَذَا البيتَ يَذُمُّ بِهِ أُمَّ مَثْواه، وَاسْتَعَارَهُ أَبو ذُؤَيْبٍ للشَّرَف فَقَالَ:
وَكِلَاهُمَا قَدْ عاشَ عِيشةَ ماجِدٍ، ... وجَنَى العَلاءَ، لَوْ انَّ شَيْئًا يَنْفَعُ
وَيُرْوَى: وجَنَى العُلَى لَوْ أَنَّ. وجَنَاها لَهُ وجَنَاه إِياها. أَبو عُبَيْدٍ: جَنَيْتُ فُلَانًا جَنًى أَي جنَيْتُ لَهُ، قَالَ:
وَلَقَدْ جَنَيْتُكَ أَكْمُؤاً وعَساقِلًا، ... وَلَقَدْ نَهَيْتُك عَنْ بَناتِ الأَوْبَرِ
وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن أَمير الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبي طَالِبٍ، كَرَّمَ اللَّه وَجْهَهُ، دَخَلَ بَيْتَ الْمَالِ فَقَالَ يَا حَمْراءُ وَيَا بيضاءُ احْمَرِّي وابْيَضِّي وغُرِّي غَيْرِي
: هَذَا جَنايَ وخِيارُه فيهْ، ... إِذ كُلُّ جَانٍ يَدُه إِلَى فِيهْ
قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: يُضْرَبُ هَذَا مَثَلًا لِلرَّجُلِ يُؤثِر صَاحِبَهُ بِخِيَارِ مَا عِنْدَهُ. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَذَكَرَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ أَن الْمَثَلَ لِعَمْرِو بْنِ عَدِيٍّ اللَّخْمِيِّ ابْنِ أُخت جَذِيمةَ، وَهُوَ أَوَّل مَنْ قَالَهُ، وأَن جَذِيمة نَزَلَ مَنْزِلًا وأَمر النَّاسَ أَن يَجْتَنُوا لَهُ الكَمْأَةَ فَكَانَ بَعْضُهُمْ يَسْتَأْثر بِخَيْرِ مَا يَجِدُ ويأْكل طَيّبَها، وعَمْرٌو يأْتيه بِخَيْرِ مَا يَجِدُ وَلَا يأْكل مِنْهَا شَيْئًا، فَلَمَّا أَتَى بِهَا خَالَه جَذِيمةَ قَالَ:
هَذَا جَنَايَ وخِيارُه فيهْ، ... إِذ كُلُّ جَانٍ يَدُه إِلى فِيهْ
وأَراد عَلِيٍّ، رِضْوَانُ اللَّه عَلَيْهِ، بِقَوْلِ ذَلِكَ أَنه لَمْ يَتَلَطَّخْ بِشَيْءٍ مِنْ فَيْء الْمُسْلِمِينَ بَلْ وَضَعه مَوَاضِعَهُ. والجَنَى: مَا يُجْنَى مِنَ الشَّجَرِ، وَيُرْوَى:
هَذَا جَنَايَ وَهِجَانُهُ فِيهْ
أَي خِيارُه. وَيُقَالُ: أَتانا بجَنَاةٍ طَيِّبةٍ لِكُلِّ مَا يُجْتَنَى، ويُجْمعُ الجَنَى عَلَى أَجْنٍ مِثْلَ عَصاً وأَعْصٍ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أُهْدِيَ لَهُ أَجْنٍ زُغْبٌ
، يُرِيدُ القِثَّاءَ الغَضَّ، هَكَذَا جَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، وَالْمَشْهُورُ أَجْرٍ، بِالرَّاءِ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ. ابْنُ سِيدَهْ: والجَنَى كُلُّ مَا جُنِيَ حَتَّى القُطْنُ والكَمْأَةُ، واحدتُهُ جَنَاةٌ، وَقِيلَ: الجَنَاةُ كالجَنَى، قَالَ: فَهُوَ عَلَى هَذَا مِنْ بَابِ حُقٍّ وحُقَّةٍ، وَقَدْ يُجْمَعُ الجَنَى عَلَى أَجْناءٍ، قَالَتِ امرأَة مِنَ الْعَرَبِ:
لأَجْنَاءُ العِضاهِ أَقَلُّ عَارًا ... مِنَ الجُوفانِ، يَلْفَحه السَّعِيرُ
وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ:
كأَنَّ جَنِيَّةً مِنْ بَيْتِ رَأْسٍ، ... يَكُونُ مِزَاجها عَسَلٌ وماءُ
عَلَى أَنْيابِها، أَوْ طَعْمَ غَضٍّ ... مِنَ التُّفَّاحِ، عَصَّرها الجَناءُ
قَالَ: وَقَدْ يُجْمَعُ عَلَى أَجْنٍ مِثْلَ جَبَلٍ وأَجْبُلٍ. والجَنَى: الكَلأُ. والجَنَى: الكَمْأَةُ. وأَجْنَتِ الأَرضُ: كَثُرَ جَناها، وَهُوَ الكَلأُ والكَمْأَةُ(14/155)
وَنَحْوُ ذَلِكَ. وأَجْنَى الثمَرُ أَي أَدْرَكَ ثَمَرَهُ. وأَجْنَتِ الشجَرَةُ إِذا صَارَ لَهَا جَنًى يُجْنَى فيُؤكل، قَالَ الشَّاعِرُ:
أَجْنَى لَهُ باللِّوَى شَرْيٌ وتَنُّومُ
وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ أَجْنَى: صَارَ لَهُ التَّنُّومُ والآءُ جَنًى يأْكله، قَالَ: وَهُوَ أَصح. والجَنِيُّ: الثَّمر المُجْتَنَى مَا دَامَ طَرِيًّا. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا
. والجَنَى: الرُّطَبُ والعَسَلُ، وأَنشد الْفَرَّاءُ:
هُزِّي إِليكِ الجِذْعَ يُجْنِيكِ الجَنَى
وَيُقَالُ للعَسل إِذا اشْتِيرَ جَنًى، وَكُلُّ ثَمَرٍ يُجْتَنَى فَهُوَ جَنًى، مَقْصُورٌ. والاجْتِناءُ: أَخْذُك إِياه، وَهُوَ جَنًى مَا دَامَ رَطْباً. وَيُقَالُ لِكُلِّ شَيْءٍ أُخِذَ مِنْ شَجَرِهِ: قَدْ جُنِيَ واجْتُنِيَ، قَالَ الرَّاجِزُ يَذْكُرُ الكَمْأَةَ:
جَنَيْتُه مِنْ مُجْتَنًى عَويص
وَقَالَ الْآخَرُ:
إِنكَ لَا تَجْنِي مِنَ الشَّوْكِ العِنَبْ
وَيُقَالُ لِلتَّمْرِ إِذا صُرِمَ: جَنِيٌّ. وَتَمُرُّ جَنِيٌّ عَلَى فَعِيلٍ حِينَ جُنِيَ، وَفِي تَرْجَمَةِ جَنَى:
حَبُّ الجَنَى مِنْ شُرَّعٍ نُزُولِ
قَالَ: الجَنَى الْعِنَبُ، وشُرَّع نُزُولٌ: يُرِيدُ بِهِ مَا شَرَعَ مِنَ الكَرْم فِي الْمَاءِ. ابْنُ سِيدَهْ: واجْتَنَيْنا ماءَ مطَرٍ، حَكَاهُ ابْنُ الأَعرابي، قَالَ: وَهُوَ مِنْ جَيّدِ كَلَامِ الْعَرَبِ، وَلَمْ يُفَسِّرْهُ، وَعِنْدِي أَنه أَراد: وَرَدْناه فشَرِبْناه أَو سَقَيْناه رِكابَنا، قَالَ: ووجْهُ اسْتِجَادَةِ ابْنِ الأَعرابي لَهُ أَنه مِنْ فَصِيحِ كَلَامِ الْعَرَبِ. والجَنَى: الوَدَعُ كأَنه جُنِيَ مِنَ الْبَحْرِ. والجَنَى: الذَّهَب وَقَدْ جَناه، قَالَ فِي صِفَةِ ذَهَبٍ:
صَبِيحةَ دِيمَةٍ يَجْنِيه جَانِي
أَي يَجْمَعُهُ مِنْ مَعْدِنِهِ. ابْنُ الأَعرابي: الجَانِي اللَّقَّاح، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: يَعْنِي الَّذِي يُلْقِحُ النَّخِيَل. والجَانِي: الكاسِبُ. ورجلٌ أَجْنَى كأَجْنَأَ بَيِّنُ الجَنَى، والأُنثى جَنْوَى، وَالْهَمْزُ أَعرف. وَفِي حَدِيثِ
أَبي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: أَنه رَأَى أَبا ذَرٍّ، رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، فدَعاه فجَنَى عَلَيْهِ فسَارَّه
، جَنَى عَلَيْهِ: أَكَبَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: هُوَ مَهْمُوزٌ، والأَصل فِيهِ الْهَمْزُ مِنْ جَنَأَ يَجْنَأُ إِذا مَالَ عَلَيْهِ وعَطَفَ ثُمَّ خُفِّفَ، وَهُوَ لُغَةٌ فِي أَجْنَأَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ، قَالَ ابْنُ الأَثير: وَلَوْ رُوِيَتْ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ بِمَعْنَى أَكَبَّ عَلَيْهِ لَكَانَ أَشبه.
جها: الجُهْوَةُ: الاسْتُ «3» . وَلَا تُسَمَّى بِذَلِكَ إِلا أَن تَكُونَ مَكْشُوفَةً؛ قَالَ:
وتَدْفَعُ الشَّيْخَ فتَبْدو جُهْوَتُهْ
واسْتٌ جَهْوَا أَي مَكْشُوفَةٌ، يُمَدُّ وَيُقْصَرُ، وَقِيلَ: هِيَ اسْمٌ لَهَا كالجُهْوةِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ الجُهْوَةُ مَوْضِعُ الدُّبر مِنَ الإِنسان، قَالَ: تَقُولُ الْعَرَبُ قَبَح اللهُ جُهْوَتَهُ. وَمِنْ كَلَامِهِمُ الَّذِي يَضَعُونَهُ عَلَى أَلسنة الْبَهَائِمِ قَالُوا: يَا عَنْزُ جَاءَ القُرُّ قَالَتْ: يَا وَيْلِي ذَنَبٌ أَلْوَى واسْتٌ جَهْوَا؛ قَالَ: حَكَاهُ أَبو زَيْدٍ فِي كِتَابِ الغنم. وسأَلته ف أَجْهَى عَلَيَّ أَي لَمْ يُعْطِنِي شَيْئًا. وأَجْهَتْ عَلَى زَوْجِهَا فَلَمْ تَحْمِلْ وأَوجَهَتْ. وجَهَّى الشَّجةَ: وسَّعها. وأَجْهَتِ السماءُ: انكشفتْ وأَصْحَتْ وانْقَشَع عَنْهَا الْغَيْمُ. وَالسَّمَاءُ جَهْوَاءُ أَي مُصْحِيَةٌ.
__________
(3) . قوله [الجُهْوَة الاست إلخ] ضبطت الجهوة في هذا وما بعده بضم الجيم في الأصل والمحكم، وضبطت في القاموس كالتهذيب بفتحها(14/156)
وأَجْهَيْنا نَحْنُ أَي أَجْهَتْ لَنَا السَّمَاءُ، كِلَاهُمَا بالأَلف. وأَجْهَتْ إِلينا السماءُ: انكشفتْ. وأَجْهَتِ الطريقُ: انكشفتْ ووَضَحَتْ، وأَجْهَيْتُها أَنا. وأَجْهَى البيتَ: كشَفَه. وبَيْتٌ أَجْهَى بَيِّنُ الجَهَا ومُجْهىً: مَكْشُوفٌ بِلَا سَقْفٍ وَلَا سِتْر، وَقَدْ جَهِيَ جَهاً. وأَجْهَى لَكَ الأَمرُ والطريقُ إِذا وَضَحَ. وجَهِيَ البيتُ، بِالْكَسْرِ، أَي خَرِبَ، فَهُوَ جَاهٍ. وخِباءٌ مُجْهٍ: لَا سِتْرَ عَلَيْهِ. وَبُيُوتٌ جُهْوٌ، بِالْوَاوِ، وَعَنْزٌ جَهْوَاء: لَا يَسْتُر ذَنَبُها حَياءَها. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: الجَهْوَةُ الدُّبر. وَقَالَتْ أُم حَاتِمٍ الْعَنْزِيَّةُ «1» : الجَهَّاءُ والمُجْهِيَةُ الأَرض الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَجَرٌ. وأَرض جَهَّاءُ: سواءٌ لَيْسَ بِهَا شَيْءٌ. وأَجْهَى الرجلُ: ظَهَر وبَرَزَ.
جوا: الجَوُّ: الهَواء؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
والشمسُ حَيْرَى لَهَا فِي الجَوِّ تَدْوِيمُ
وَقَالَ أَيضاً:
وظَلَّ للأَعْيَسِ المُزْجِي نَوَاهِضَه، ... فِي نَفْنَفِ الجَوِّ، تَصْوِيبٌ وتَصْعِيدُ
وَيُرْوَى: فِي نَفْنَفِ اللُّوحِ. والجَوُّ: مَا بَيْنَ السَّمَاءِ والأَرض. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ: ثُمَّ فتَقَ الأَجْوَاءَ وشَقَّ الأَرْجاءَ
؛ جَمْعُ جَوٍّ وَهُوَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ والأَرض. وجَوُّ السَّمَاءِ: الْهَوَاءُ الَّذِي بَيْنَ السَّمَاءِ والأَرض. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ
؛ قَالَ قَتَادَةُ: فِي جَوِّ السَّماءِ
فِي كَبِدِ السَّمَاءِ، وَيُقَالُ كُبَيْداء السَّمَاءِ. وجَوُّ الْمَاءِ: حَيْثُ يُحْفَر لَهُ؛ قَالَ:
تُراحُ إِلى جَوِّ الحِياضِ وتَنْتَمي
والجُوَّة: الْقِطْعَةُ مِنَ الأَرض فِيهَا غِلَظ. والجُوَّةُ: نُقْرة. ابْنُ سِيدَهْ: والجَوُّ والجَوَّة الْمُنْخَفِضُ مِنَ الأَرض؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
يَجْري بِجَوَّتِه مَوْجُ السَّرابِ، كأَنْضاحِ ... الخزاعى جازت رَنْقَها الرِّيحُ «2»
وَالْجَمْعُ جِوَاءٌ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
إِنْ صابَ مَيْثًا أُتْئِقَتْ جِوَاؤُه
قَالَ الأَزهري: الجِوَاءُ جَمْعُ الجَوِّ؛ قَالَ زُهَيْرٌ:
عَفَا، مِنْ آلِ فاطِمة، الجِوَاءُ
وَيُقَالُ: أَراد بالجِوَاء مَوْضِعًا بِعَيْنِهِ. وَفِي حَدِيثِ
سُلَيْمَانَ: إِنَّ لكلِّ امرِئٍ جَوَّانِيّاً وبَرَّانِيّاً فَمَنْ أَصلحَ جَوَّانِيَّهُ أَصلحَ اللَّهُ بَرَّانِيَّهُ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: أَي بَاطِنًا وَظَاهِرًا وَسِرًّا وَعَلَانِيَةً، وَعَنَى بجَوَّانِيَّه سرَّه وببرَّانِيَّه عَلانِيَتَه، وَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلى جَوِّ الْبَيْتِ وَهُوَ دَاخِلُهُ، وَزِيَادَةُ الأَلف وَالنُّونِ للتأْكيد. وجَوُّ كلِّ شيءٍ: بَطْنُه وَدَاخِلُهُ، وَهُوَ الجَوَّةُ أَيضاً؛ وأَنشد بَيْتَ أَبي ذُؤَيْبٍ:
يَجْرِى بِجَوَّتِه مَوْجُ الفُراتِ، كأَنْضاحِ ... الخُزاعى حازَتْ رَنْقَه الرِّيحُ
قَالَ: وجَوَّته بطنُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ؛ وَقَالَ آخَرُ:
لَيْسَتْ تَرَى حَوْلَها شَخْصًا، وراكِبُها ... نَشْوانُ فِي جَوَّةِ الباغُوتِ، مَخْمُورُ
والجَوَى: الحُرْقة وشدَّة الوَجْدِ مِنْ عِشْقٍ أَو حُزْن، تَقُولُ مِنْهُ: جَوِيَ الرَّجُلُ، بِالْكَسْرِ، فَهُوَ جَوٍ مِثْلُ دَوٍ؛ وَمِنْهُ قِيلَ لِلْمَاءِ الْمُتَغَيِّرِ المُنْتِن: جَوٍ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
ثُمَّ كَانَ المِزاجُ ماءَ سَحَاب، ... لَا جَوٍ آجِنٌ وَلَا مَطْروقُ
__________
(1) . قوله [أم حاتم العنزية] كذا بالأصل، والذي في التهذيب: أم جابر العنبرية
(2) . قوله [كأنضاح الخزاعى] هكذا في الأصل والتهذيب.(14/157)
والآجِنُ: المتغيِّر أَيضاً إِلَّا أَنه دُونَ الجَوِي فِي النَّتْن. والجَوِي: الْمَاءُ المُنْتنِ. وَفِي حَدِيثِ يأْجوج ومأْجوج:
فتَجْوَى الأَرضُ مِنْ نَتْنِهِم
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: تُنْتِن، وَيُرْوَى بِالْهَمْزِ وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَفِي حَدِيثِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ: كَانَ الْقَاسِمُ لَا يدخُل منْزِلَه إِلَّا تَأَوَّهَ، قلْتُ: يَا أَبَتِ، مَا أَخْرَجَ هَذَا مِنْكَ إِلَّا جَوىً
، يُرِيدُ إِلا دَاءُ الجَوْف، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مِنَ الجَوَى شِدَّةِ الوَجْدِ مِنْ عِشْقٍ أَو حُزْنٍ ابْنُ سِيدَهْ: الجَوَى الهَوَى الْبَاطِنُ، والجَوَى السُّلُّ [السِّلُ] وتطاوُل الْمَرَضِ. والجَوَى، مَقْصُورٌ: كُلُّ داءٍ يأْخذ فِي الْبَاطِنِ لَا يُسْتَمْرَأُ مَعَهُ الطَّعَامُ، وَقِيلَ: هُوَ داءٌ يأْخذ فِي الصَّدْرِ، جَوِيَ جَوىً، فَهُوَ جَوٍ وجَوىً، وصْفٌ بِالْمَصْدَرِ، وامرأَة جَوِيَةٌ. وجَوِىَ الشيءَ جَوىً واجْتَوَاه: كَرِهَهُ؛ قَالَ:
فقدْ جعَلَتْ أَكبادُنا تَجْتَوِيكُمُ، ... كَمَا تَجْتَوِي سُوقُ العِضاهِ الكَرازِما
وجَوِيَ الأَرضَ جَوىً واجْتَوَاها: لَمْ تُوَافِقْهُ. وأَرض جَوِيَةٌ وجَوِيَّةٌ غَيْرُ مُوَافِقَةٍ. وَتَقُولُ: جَوِيَتْ نَفْسِي إِذا لَمْ يُوافِقْكَ البلدُ. واجْتَوَيْتُ البلَدَ إِذا كرهتَ المُقامَ فيه وإِن كُنْتَ فِي نِعْمة. وَفِي حَدِيثِ العُرَنِيِّينَ:
ف اجْتَوَوُا المدينةَ
أَي أَصابهم الجَوَى، وَهُوَ الْمَرَضُ وداءُ الجَوْف إِذا تَطاوَلَ، وَذَلِكَ إِذا لَمْ يُوَافِقْهُمْ هواؤُها واسْتَوْخَمُوها. واجْتَوَيْتُ البلدَ إِذا كرهتَ المُقام فِيهِ وإِن كُنْتَ فِي نِعْمة. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن وفْد عُرَيْنَة قَدِمُوا الْمَدِينَةَ فاجْتَوَوْها.
أَبو زَيْدٍ: اجْتَوَيْت البلادَ إِذا كَرِهْتَهَا وإِن كَانَتْ مُوَافِقَةً لَكَ فِي بَدَنِكَ؛ وَقَالَ فِي نَوَادِرِهِ: الاجْتِوَاءُ النِّزاع إِلى الْوَطَنِ وكراهةُ الْمَكَانِ الَّذِي أَنت فِيهِ وإِن كُنْتَ فِي نِعْمة، قَالَ: وإِن لَمْ تَكُنْ نازِعاً إِلى وَطَنِكَ فإِنك مُجْتَوٍ أَيضاً. قَالَ: وَيَكُونُ الاجْتِواءُ أَيضاً أَن لا تسْتَمْرِئَ الطعامَ بالأَرض وَلَا الشرابَ، غيرَ أَنك إِذا أَحببت المُقام بِهَا وَلَمْ يوافِقْك طعامُها وَلَا شرابُها فأَنت مُسْتَوْبِلٌ ولستَ بمُجْتَوٍ؛ قَالَ الأَزهري: جَعَلَ أَبو زَيْدٍ الاجْتِوَاء عَلَى وَجْهَيْنِ. ابْنُ بُزُرْج: يُقَالُ لِلَّذِي يَجْتَوِي الْبِلَادَ بِهِ اجْتِوَاءٌ وجَوىً، مَنْقُوصٌ، وجِيَةٌ. قَالَ: وحَقَّروا الجِيَة جُيَيَّة. ابْنُ السكين: رَجُلٌ جَوِي الجَوْفِ وامرأَة جَوِيَة أَي دَوِي الجَوْفِ. وجَوِيَ الطعامَ جَوىً واجْتَواه واسْتَجْوَاه: كرِهَه وَلَمْ يُوَافِقْهُ، وَقَدْ جَوِيَتْ نَفْسِي مِنْهُ وَعَنْهُ؛ قَالَ زُهَيْرٌ:
بَشِمْتُ بِنَيِّها فجَوِيتُ عنْها، ... وعِنْدي، لَوْ أَشاءُ، لَهَا دَوَاءُ
أَبو زَيْدٍ: جَوِيَتْ نَفْسِي جَوىً إِذا لَمْ تُوَافِقْكَ الْبِلَادُ. والجُوَّةُ: مِثْلُ الحُوَّةِ، وَهُوَ لَوْنٌ كالسُّمرة وصَدَإِ الْحَدِيدِ. والجِوَاءُ: خِياطَة حياءِ النَّاقَةِ. والجِواءُ: البطنُ مِنَ الأَرض. والجِوَاء. الْوَاسِعُ مِنَ الأَوْدية. والجِواءُ: مَوْضِعٌ بالصَّمّان؛ قَالَ الرَّاجِزُ يَصِفُ مَطَرًا وَسَيْلًا:
يَمْعَسُ بِالْمَاءِ الجِواءَ مَعْسا، ... وغَرَّقَ الصَّمّانَ مَاءً قَلْسا
والجِواءُ الفُرْجَةُ بَيْنَ بُيوت الْقَوْمِ. والجِواءُ: مَوْضِعٌ. والجِواءُ والجِواءَةُ والجِيَاء والجِيَاءة والجِيَاوَة، عَلَى الْقَلْبِ: مَا تُوضَعُ عَلَيْهِ القِدْرُ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، رَضِيَ الله عَنْهُ: لأَنْ أَطَّلِيَ بجِواء قِدْرٍ أَحبُّ إِليَّ مِنْ أَن أَطَّلِيَ بزَعْفران
؛ الجِواء: وِعاءُ القِدْر أَو شيءٌ تُوضَعُ عَلَيْهِ مِنْ جِلْد أَو خَصَفَةٍ، وَجَمْعُهَا أَجْوِيَةٌ، وَقِيلَ: هِيَ الجِئَاءُ، مَهْمُوزَةٌ، وَجَمْعُهَا أَجْئِئَةٌ، وَيُقَالُ لَهَا الجِيَاءُ بِلَا هَمْزٍ، وَيُرْوَى بِجِئَاوَةٍ مِثْلُ جِعَاوة.(14/158)
وجِيَاوَةُ: بَطْنٌ مِنْ باهِلَة. وجاوَى بالإِبل: دَعَاهَا إِلى الْمَاءِ وَهِيَ بَعِيدَةٌ مِنْهُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
جَاوَى بِهَا فهاجَها جَوْجَاتُه
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَيْسَتْ جَاوَى بِهَا مِنْ لَفْظِ الجَوْجاةِ إِنما هِيَ فِي مَعْنَاهَا، قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ جَاوَى بِهَا من ج وو. وجوٌّ: اسْمُ الْيَمَامَةِ كأَنها سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ الأَزهري: كَانَتِ اليَمامة جَوّاً؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
أَخْلَق الدَّهْرُ بِجَوٍّ طَلَلا
قَالَ الأَزهري: الجَوُّ مَا اتَّسَعَ مِنَ الأَرض واطْمَأَنَّ وبَرَزَ، قَالَ: وَفِي بِلَادِ الْعَرَبِ أَجْوِيَة كَثِيرَةٌ كُلُّ جَوٍّ مِنْهَا يُعْرَفُ بِمَا نُسِبَ إِليه. فَمِنْهَا جَوُّ غِطْرِيف وَهُوَ فِيمَا بَيْنَ السِّتارَيْن وَبَيْنَ الْجَمَاجِمِ «3» ، وَمِنْهَا جَوُّ الخُزامَى، وَمِنْهَا جَوُّ الأَحْساء، وَمِنْهَا جَوُّ اليَمامة؛ وَقَالَ طَرَفة:
خَلا لَكِ الجَوُّ فَبِيضِي واصْفِري
قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الجَوُّ فِي بَيْتِ طَرَفة هَذَا هُوَ مَا اتَّسع مِنَ الأَوْدية. والجَوُّ: اسْمُ بَلَدٍ، وَهُوَ اليَمامة يَمامةُ زَرْقاءَ. وَيُقَالُ: جَوٌّ مُكْلِئٌ أَي كَثِيرُ الكلإِ، وَهَذَا جَوٌّ مُمْرِعٌ. قَالَ الأَزهري: دَخَلْتُ مَعَ أَعرابي دَحْلًا بالخَلْصاءِ، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلى الْمَاءِ قَالَ: هَذَا جَوٌّ مِنَ الْمَاءِ لَا يُوقف عَلَى أَقصاه. اللَّيْثُ: الجِوَاءُ مَوْضِعٌ، قَالَ: والفُرْجَةُ الَّتِي بَيْنَ مَحِلَّة الْقَوْمِ وَسَطَ الْبُيُوتِ تُسَمَّى جِوَاءً. يُقَالُ: نَزَلْنَا فِي جِوَاءِ بَنِي فُلَانٍ؛ وَقَوْلِ أَبي ذُؤَيْبٍ:
ثُمَّ انْتَهَى بَصَرِي عَنْهُم، وقَدْ بَلَغُوا ... بَطْنَ المَخِيمِ، فقالُوا الجَوَّ أَو راحُوا
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: المَخِيمُ والجَوُّ مَوْضِعَانِ، فإِذا كَانَ ذَلِكَ فَقَدْ وضَعَ الخاصَّ مَوْضِعَ الْعَامِ كَقَوْلِنَا ذَهَبْتُ الشامَ؛ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: كَانَ ذَلِكَ اسْمًا لَهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ؛ وَقَالَ الأَعشى:
فاسْتَنْزلوا أَهْلَ جَوٍّ مِنْ مَنازِلِهِم، ... وهَدّمُوا شاخِصَ البُنْيانِ فَاتَّضَعا
وجَوُّ الْبَيْتِ: داخِلُه، شَامِيَّةٌ. والجُوَّة، بِالضَّمِّ: الرُّقْعَة فِي السِّقاء، وَقَدْ جَوَّاهُ وجَوَّيْته تَجْوِيَة إِذا رَقَعْته. والجَوْجاةُ: الصوتُ بالإِبِل، أَصلُها جَوْجَوَةٌ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
جاوَى بِهَا فَهاجَها جَوْجَاتُه
ابْنُ الأَعرابي: الجَوُّ الآخِرةُ.
جيا: الجِيَّة، بِغَيْرِ هَمْزٍ: الْمَوْضِعُ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَاءُ كالجِيئَةِ، وَقِيلَ: هِيَ الركيَّة المُنْتِنَة. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: الجِيَّة الماءُ المُسْتَنْقِعُ فِي الْمَوْضِعِ، غَيْرُ مَهْمُوزٍ، يُشَدَّدُ وَلَا يُشَدَّدُ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الجِيَّة، بِكَسْرِ الْجِيمِ، فِعْلَة مِنَ الجَوِّ، وَهُوَ مَا انْخَفَضَ مِنَ الأَرض، وَجَمْعُهَا جِيٌّ؛ قَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤَيَّةَ:
مِنْ فَوْقِهِ شَعَفٌ قُرٌّ، وأَسْفَلُه ... جِيٌّ تَنَطَّقُ بالظَّيَّانِ والعَتَمِ «4»
. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنَّه مَرَّ بنَهْرٍ جَاوَرَ جِيَّةً مُنْتِنَةً
؛ الجِيَّة، بِالْكَسْرِ غَيْرُ مَهْمُوزٍ: مجتَمَع الْمَاءِ فِي هَبْطَةٍ، وَقِيلَ: أَصلها الْهَمْزُ، وَقَدْ تُخَفَّفُ الْيَاءُ. وَفِي حَدِيثِ
نافِعِ بنِ جُبَيرِ بنِ مُطْعِمٍ: وترَكُوكَ بينَ قَرْنِها والْجِيَّة
؛ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الجِيَّةُ بِوَزْنِ النِّيَّة، والجَيَّةُ بِوَزْنِ المَرَّة، مُسْتَنْقَعُ الماءِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي الجِئَة: هُوَ الَّذِي تَسِيلُ إِليه الْمِيَاهُ؛ قَالَ شمر:
__________
(3) . قوله [وبين الجماجم] كذا بالأصل والتهذيب، والذي في التكملة: وبين الشواجن
(4) . قوله [من فوقه شعف] هكذا في الأصل هنا، وتقدّم في مادة عتم:
من فوقه شعب ...(14/159)
يُقَالُ لَهُ جِيَّة وجَيْأَةٌ وكُلٌّ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ. وَفِي نَوَادِرِ الأَعراب: قِيَّةٌ مِنْ ماءٍ «1» . وجِيَّةٌ مِنْ مَاءٍ أَي ماءٌ ناقعٌ خَبِيثٌ، إِمّا مِلْحٌ وإِمّا مَخْلُوطٌ بِبَوْلٍ. والجِياءُ: وعاءُ الْقِدْرِ، وَهِيَ الجِئاوَةُ: وَقَوْلُ الأَعرابي فِي أَبي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ:
فَكانَ مَا جادَ لِي، لَا جادَ عَنْ سَعَةٍ، ... ثلاثَةٌ زائفاتٌ ضَرْبُ جَيَّاتِ «2»
. يَعْنِي مِنْ ضَرب جَيٍّ، وَهُوَ اسْمُ مَدِينَةِ أَصبهان، معرَّب؛ وَكَانَ ذُو الرُّمَّةِ وَرَدَهَا فَقَالَ:
نَظَرْتُ ورَائِي نَظْرَة الشَّوْق، بَعْدَ ما ... بَدَا الجَوُّ مِن جِيٍّ لَنَا والدَّسَاكر
وَفِي الْحَدِيثِ ذِكرُ جِيٍّ، بِكَسْرِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ، وادٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ. وجايانِي مُجَايَاةً: قابَلَني، وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: جَايَاني الرجلُ من قُرْبٍ قَابلني. ومرَّ بي مُجَايَاةً، غَيْرُ مَهْمُوزٍ، أَي مُقابلةً. وجِيَاوَةُ: حَيٌّ مِنْ قَيْس قَدْ دَرَجُوا وَلَا يُعْرَفُون، والله أَعلم.
فصل الحاء المهملة
حبا: حَبَا الشيءُ: دَنا؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
وأَحْوَى، كأَيْمِ الضَّالِ أَطْرَقَ بعدَ ما ... حَبَا تَحْتَ فَيْنانٍ، مِنَ الظِّلِّ، وارفِ
وحَبَوْتُ للخَمْسِين: دَنَوْتُ لَهَا. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: دنوتُ مِنْهَا. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: حَبَاهَا وحَبَا لَها أَي دَنا لَها. وَيُقَالُ: إِنه لَحَابِي الشَّراسِيف أَي مُشْرِفُ الجَنْبَيْنِ. وحَبَتِ الشَّراسِيفُ حَبْواً: طالتْ وتَدانَتْ. وحَبَتِ الأَضْلاعُ إِلى الصُّلْب: اتَّصَلَتْ ودَنَتْ. وحَبَا المَسِيلُ: دَنَا بَعْضُه إِلَى بَعْضٍ. الأَزهري: يُقَالُ حَبَتِ الأَضْلاعُ وَهُوَ اتِّصالُها؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
حَابِي الحُيودِ فارِضُ الحُنْجُورِ
يعني اتصالَ رؤوس الأَضلاع بَعْضِهَا بِبَعْضٍ؛ وَقَالَ أَيضاً:
حَابِي حُيُودِ الزَّوْرِ دَوْسَرِيُ
وَيُقَالُ للمَسايِل إِذا اتَّصلَ بعضُها إِلى بَعْضٍ: حَبَا بعضُها إِلى بَعْضٍ؛ وأَنشد:
تَحْبُو إِلى أَصْلابه أَمْعاؤُه
قَالَ أَبو الدُّقَيْش: تَحْبُو هَاهُنَا تَتَّصل، قَالَ: والمِعَى كُلُّ مِذْنَبٍ بقَرار الحَضيض؛ وأَنشد:
كأَنَّ، بَيْنَ المِرْطِ والشُّفُوفِ، ... رَمْلًا حَبَا مِنْ عَقَدِ العَزِيفِ
والعَزيف: مِنْ رِمَالِ بَنِي سَعْدٍ. وحَبَا الرملُ يَحْبُو حَبْواً أَي أَشَرَفَ مُعْتَرِضاً، فَهُوَ حَابٍ. والحَبْوُ: اتِّساعُ الرَّمْل. وَرَجُلٌ حَابِي المَنْكِبَيْن: مُرْتَفعُهما إِلى العُنُق، وَكَذَلِكَ الْبَعِيرُ. وَقَدِ احْتَبَى بِثَوْبِهِ احْتِبَاءً، والاحْتِبَاءُ بِالثَّوْبِ: الاشتمالُ، وَالِاسْمُ الحِبْوَةُ «3» . والحُبْوَةُ والحِبْيَةُ؛ وَقَوْلُ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤَيَّة:
أَرْيُ الجَوارِسِ فِي ذُؤابةِ مُشْرِفٍ، ... فِيهِ النُّسُورُ كَمَا تَحَبَّى المَوْكِبُ
يَقُولُ: اسْتَدَارَتِ النُّسورُ فيه كأَنهم رَكْبٌ
__________
(1) . قوله [قية من ماء] هكذا في الأصل والتهذيب
(2) . قوله [ثلاثة زائفات إلخ] كذا أَنشده الجوهري، وقال الصاغاني وتبعه المجد: هو تصحيف قبيح وزاده قبحاً تفسيره إياه وإضافة الضرب إلى جيات مع أن القافية مرفوعة، وصواب إنشاده:
دَرَاهِمُ زَائِفَاتٌ ضَرْبَجِيَّاتُ
قَالَ: والضربجيّ الزائف
(3) . قوله [والاسم الحبوة إلخ] ضبطت الأولى في الأصل كالصحاح بكسر الحاء، وفي القاموس بفتحها كما هو مقتضى إطلاقه(14/160)
مُحْتَبُونَ. والحِبْوَة والحُبْوَة: الثوبُ الَّذِي يُحْتَبَى بِهِ، وَجَمْعُهَا حِبىً، مَكْسُورُ الأَول؛ عَنْ يَعْقُوبَ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وحُبىً أَيضاً عَنْ يَعْقُوبَ ذَكَرَهُمَا مَعًا فِي إِصلاحه؛ قَالَ: ويُرْوَى بيتُ الْفَرَزْدَقِ وَهُوَ:
وَمَا حُلَّ مِنْ جَهْلٍ حُبَى حُلَمائنا، ... وَلَا قائلُ المعروفِ فِينَا يُعَنَّفُ
بِالْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، فَمَنْ كَسَر كَانَ مِثْلَ سِدْرة وسِدَرٍ وَمَنْ ضَمَّ فَمِثْلُ غُرْفَةٍ وغُرَف. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه نَهَى عَنِ الاحْتِباء فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ
؛ ابْنُ الأَثير: هُوَ أَن يَضُمَّ الإِنسانُ رِجْلَيْهِ إِلى بَطْنِهِ بِثَوْبٍ يَجْمَعُهُمَا بِهِ مَعَ ظَهْرِهِ ويَشُدُّه عَلَيْهَا، قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ الاحْتِبَاء بِالْيَدَيْنِ عِوَضَ الثَّوْبِ، وإِنما نَهَى عَنْهُ لأَنه إِذا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إِلا ثَوْبٌ وَاحِدٌ رُبَّمَا تَحَرَّكَ أَو زَالَ الثَّوْبُ فَتَبْدُو عَوْرَتُهُ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
الاحْتِبَاءُ حِيطَانُ العَرب
أَي لَيْسَ فِي الْبَرَارِيِّ حِيطانٌ، فإِذا أَرادوا أَن يَسْتَنِدُوا احْتَبَوْا لأَن الاحْتِبَاء يَمْنَعُهُمْ مِنَ السُّقوط وَيَصِيرُ لَهُمْ كَالْجِدَارِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
نُهِيَ عَنْ الحَبْوَةِ يومَ الْجُمُعَةَ والإِمامُ يَخْطُبُ لأَن الاحْتِبَاءَ يَجْلُب النومَ وَلَا يَسْمَعُ الخُطْبَةَ ويُعَرِّضُ طهارتَه لِلِانْتِقَاضِ.
وَفِي حَدِيثِ
سَعْدٍ: نَبَطِيٌّ فِي حِبْوَتِه
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ، وَالْمَشْهُورُ بِالْجِيمِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: الحِبَا حِيطَانُ الْعَرَبِ، وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ، وَقَدِ احْتَبَى بِيَدِهِ احْتِبَاءً. الْجَوْهَرِيُّ: احْتَبَى الرجلُ إِذا جَمَع ظَهْرَهُ وَسَاقَيْهِ بِعِمَامَتِهِ، وَقَدْ يَحْتَبِي بِيَدَيْهِ. يُقَالُ: حَلَّ حِبْوَته وحُبْوَتَه. وَفِي حَدِيثِ
الأَحْنف: وَقِيلَ لَهُ فِي الْحَرْبِ أَين الحِلْمُ؟ فَقَالَ: عِنْدَ الحُبَى
؛ أَراد أَن الْحِلْمَ يَحْسُن فِي السِّلْم لَا فِي الْحَرْبِ. والحَابِيةُ: رَمْلَةٌ مُرْتَفِعَةٌ مُشْرِفة مُنْبتة. والحَابِي: نَبْتٌ سُمِّيَ بِهِ لِحُبُوّه وعُلُوِّه. وحَبَا حُبُوّاً: مَشَى عَلَى يَدَيْهِ وَبَطْنِهِ. وحَبَا الصَّبِيُّ حَبْواً: مَشَى عَلَى اسْتِه وأَشرف بِصَدْرِهِ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ إِذا زَحَفَ؛ قَالَ عَمْرُو بْنُ شَقِيقٍ:
لَوْلَا السِّفَارُ وبُعْدُه مِنْ مَهْمَهٍ، ... لَتَركْتُها تَحْبُو عَلَى العُرْقُوبِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: رَوَاهُ ابْنُ الْقَطَّاعِ: وبُعْدُ خَرْقٍ مَهْمَهٍ، وبُعْدُه مِنْ مَهْمَهٍ. اللَّيْثُ: الصَّبِيُّ يَحْبُو قَبْلَ أَن يَقُومَ، وَالْبَعِيرُ المَعْقُول يَحْبُو فَيَزْحَفُ حَبْواً. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي العَتَمةِ وَالْفَجْرِ لأَتوهما وَلَوْ حَبْواً
؛ الحَبْوُ: أَن يَمْشِيَ عَلَى يَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ أَو اسْتِهِ. وحَبَا البعيرُ إِذا بَرَك وزَحَفَ مِنَ الإِعْياء. والحَبِيُّ: السحابُ الَّذِي يُشرِفُ مِنَ الأُفُق عَلَى الأَرض، فَعِيل، وَقِيلَ: هُوَ السَّحَابُ الَّذِي بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ؛ قَالَ:
يُضِيءُ حَبِيّاً فِي شَمارخ بيضِ
قِيلَ لَهُ حَبِيٌّ مِنْ حَبَا كَمَا يُقَالُ لَهُ سَحاب مِنْ سَحَب أَهدابه، وَقَدْ جَاءَ بِكِلَيْهِمَا شعرُ الْعَرَبِ؛ قَالَتِ امرأَة:
وأَقْبلَ يَزْحَفُ زَحْفَ الكَبِير، ... سِياقَ الرِّعاءِ البِطَاء العِشَارَا
وَقَالَ أَوسٌ:
دانٍ مُسِفٌّ فُوَيْقَ الأَرضِ هَيْدَبُه، ... يَكادُ يَدْفَعُهُ مَنْ قامَ بالرَّاحِ
وَقَالَتْ صَبِيَّةٌ مِنْهُمْ لأَبيها فَتَجَاوَزَتْ ذَلِكَ:
أَناخَ بذِي بَقَرٍ بَرْكَهُ، ... كأَنَّ عَلَى عَضُدَيْه كِتافا
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: والحَبِيُّ مِنَ السَّحاب الَّذِي يَعْترِض اعتراضَ الْجَبَلِ قَبْلَ أَن يُطَبِّقَ السماءَ؛ قَالَ(14/161)
امْرُؤُ الْقَيْسِ:
أَصاحِ، تَرَى بَرْقاً أُرِيكَ وَمِيضَه، ... كَلَمْعِ اليَدَيْنِ فِي حَبِيٍّ مُكَلَّلِ
قَالَ: والحَبَا مِثْلُ العَصا مثْلُه، وَيُقَالُ: سُمِّيَ لدنُوِّه مِنَ الأَرض. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يَعْنِي مِثْلَ الحَبِيِّ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ يَصِفُ جَعبة السِّهَامِ:
هِيَ ابْنةُ حَوْبٍ أُمُّ تِسعين آزَرَتْ ... أَخاً ثِقةً يَمْرِي حَبَاها ذَوائِبُه
والحَبِيُّ: سَحَابٌ فَوْقَ سَحَابٍ. والحَبْوُ: امْتِلَاءُ السَّحَابِ بِالْمَاءِ. وكلُّ دانٍ فَهُوَ حَابٍ. وَفِي الْحَدِيثِ حَدِيثِ
وَهْبٍ: كأَنه الجبلُ الحَابِي
، يَعْنِي الثقيلَ المُشْرِفَ. والحَبِيُّ مِنَ السَّحَابِ: المُتَراكِمُ. وحَبَا البعيرُ حَبْواً: كُلِّفَ تَسَنُّمَ صَعْبِ الرَّمْلِ فأَشرَف بِصَدْرِهِ ثُمَّ زحَف؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
أَوْدَيْتَ إِن لَمْ تَحْبُ حَبْوَ المُعْتَنِك
وَمَا جَاءَ إِلَّا حَبْواً أَي زَحْفاً. وَيُقَالُ مَا نَجا فُلَانٌ إِلا حَبْواً. والحَابِي مِنَ السِّهام: الَّذِي يَزْحَف إِلى الهَدَف إِذا رُمِيَ بِهِ. الْجَوْهَرِيُّ: حَبَا السهمُ إِذا زَلَجَ عَلَى الأَرض ثُمَّ أَصاب الهَدَف. وَيُقَالُ: رَمَى ف أَحْبَى أَي وَقَعَ سهمُه دُونَ الغرَض ثُمَّ تَقافَزَ حَتَّى يُصِيبَ الْغَرَضَ. وَفِي حَدِيثِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ: إِنَّ حَابِياً خيرٌ مِنْ زاهِقٍ.
قَالَ الْقُتَيْبِيُّ: الحَابِي مِنَ السِّهَامِ هُوَ الَّذِي يَقَعُ دُونَ الهَدَف ثُمَّ يَزْحَفُ إِليه عَلَى الأَرض، يُقَالُ: حَبَا يَحْبُو، وإِن أَصاب الرُّقْعة فَهُوَ خازِقٌ وخاسِق، فإِن جَاوَزَ الهدَف وَوَقَعَ خلْفه فَهُوَ زاهِقٌ؛ أَراد أَن الحابِيَ، وإِن كَانَ ضَعِيفًا وَقَدْ أَصاب الهدَف، خَيْرٌ مِنَ الزَّاهِقِ الَّذِي جازَه بشدَّة مَرِّه وَقُوَّتِهِ وَلَمْ يُصِبِ الهدَف؛ ضرَب السَّهْمَيْنِ مَثَلًا لِوالِيَيْن أَحدهما يَنَالُ الْحَقَّ أَو بعضَه وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَالْآخَرُ يَجُوزُ الحقَّ ويَبْعد، عَنْهُ وَهُوَ. قويٌّ. وحَبَا المالُ حَبْواً: رَزَمَ فَلَمْ يَتَحَرَّك هُزالًا. وحَبَت السفينةُ: جَرَتْ. وحَبَا لَهُ الشيءُ، فَهُوَ حَابٍ وحَبِيٌّ: اعْتَرَضَ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ يَصِفُ قُرْقُوراً:
فَهْوَ إِذا حَبَا لَهُ حَبِيُ
فَمَعْنَى إِذا حَبَا لَهُ حَبِيٌّ: اعترضَ لَهُ مَوْجٌ. والحِبَاءُ: مَا يَحْبُو بِهِ الرجلُ صاحَبه وَيُكْرِمُهُ بِهِ. والحِبَاءُ: مِنَ الاحْتِبَاءِ؛ وَيُقَالُ فِيهِ الحُباءُ، بِضَمِّ الْحَاءِ، حَكَاهُمَا الْكِسَائِيُّ، جَاءَ بِهِمَا فِي بَابِ الْمَمْدُودِ. وحَبَا الرجلَ حَبْوةً أَي أَعطاه. ابْنُ سِيدَهْ: وحَبَا الرجُلَ حَبْواً أَعطاهُ، والاسم الحَبْوَة والحِبْوَة [الحُبْوَة] والحِبَاءُ، وَجَعَلَ اللِّحْيَانِيُّ جَمِيعَ ذَلِكَ مَصَادِرَ؛ وَقِيلَ: الحِبَاءُ العَطاء بِلَا مَنٍّ وَلَا جَزاءٍ، وَقِيلَ: حَبَاه أَعطاه ومَنَعَه؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي لَمْ يَحْكِهِ غَيْرُهُ. وَتَقُولُ: حَبَوْته أَحْبُوه حِباءً، وَمِنْهُ اشتُقّت المُحَابَاة، وحَابَيْتُه فِي الْبَيْعِ مُحَابَاة، والحِبَاءُ: الْعَطَاءُ؛ قَالَ الْفَرَزْدَقُ:
خالِي الذَّي اغْتَصَبَ المُلُوكَ نُفُوسَهُم، ... وإِلَيْه كَانَ حِبَاءُ جَفْنَةَ يُنْقَلُ
وَفِي حَدِيثِ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ:
أَلا أَمْنَحُكَ أَلا أَحْبُوكَ؟
حَبَاه كَذَا إِذا أَعطاه. ابْنُ سِيدَهْ: حَبَا مَا حَوْله يَحْبُوه حَماهُ وَمَنَعَهُ؛ قَالَ ابْنُ أَحمر:
ورَاحَتِ الشَّوْلُ ولَمْ يَحْبُها ... فَحْلٌ، وَلَمْ يَعْتَسَّ فِيهَا مُدِرّ «1»
. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: لَمْ يَحْبُها لم يتلفت إِليها أَي أَنَّهُ شُغِل بِنَفْسِهِ، وَلَوْلَا شُغْلُهُ بِنَفْسِهِ لحازَها وَلَمْ يُفَارِقْهَا؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَكَذَلِكَ حَبَّى مَا حَوْله تَحْبِيَة.
__________
(1) . قوله [وَلَمْ يَعْتَسَّ فِيهَا مُدِرْ] أي لم يطف فيها حالب يحلبها انتهى تهذيب(14/162)
وحابَى الرجلَ حِباءً: نَصَرَهُ واخْتَصَّه ومالَ إِليه؛ قَالَ:
اصْبِرْ يزيدُ، فقدْ فارَقْتَ ذَا ثِقَةٍ، ... واشْكُر حِباءَ الَّذِي بالمُلْكِ حَابَاكا
وَجَعَلَ المُهَلْهِلُ مَهْرَ المرأَةِ حِباءً فَقَالَ:
أَنكَحَها فقدُها الأَراقِمَ فِي ... جَنْبٍ، وَكَانَ الحِباءُ منْ أَدَمِ
أَراد أَنهم لَمْ يَكُونُوا أَرباب نَعَمٍ فيُمْهِروها الإِبِلَ وَجَعَلَهُمْ دَبَّاغِين للأَدَمِ. وَرَجُلٌ أَحْبَى: ضَبِسٌ شِرِّيرٌ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
والدَّهْرُ أَحْبَى لَا يَزالُ أَلَمُهْ ... تَدُقُّ أَرْكانَ الجِبال ثُلَمُهْ
وحَبا جُعَيْرانَ: نَبَاتٌ. وحُبَيٌّ والحُبَيَّا: مَوْضِعَانِ؛ قَالَ الرَّاعِي:
جَعلْنا حُبَيّاً باليَمِينِ، ونَكَّبَتْ ... كُبَيْساً لوِرْدٍ مِنْ ضَئِيدَةَ باكِرِ
وَقَالَ الْقَطَامِيُّ:
مِنْ عَنْ يَمينِ الحُبَيّا نَظْرةٌ قبَلُ
وَكَذَلِكَ حُبَيَّات؛ قَالَ عُمر بْنُ أَبي رَبِيعَةَ:
أَلمْ تَسل الأَطْلالَ والمُتَرَبَّعا، ... ببَطْنِ حُبَيَّاتٍ، دَوارِسَ بَلْقَعا
الأَزهري: قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ فُلَانٌ يَحْبُو قَصَاهُم ويَحُوطُ قَصاهُمْ بِمَعْنًى؛ وأَنشد:
أَفْرِغْ لِجُوفٍ وِرْدُها أَفْرادُ ... عَباهِلٍ عَبْهَلَها الوُرَّادُ
يَحْبُو قَصاها مُخْدَرٌ [مُخْدِرٌ] سِنادُ، ... أَحْمَرُ مِنْ ضِئْضِئِها مَيّادُ
سِنادٌ: مُشْرف، ومَيَّاد: يجيء ويذهب.
حتا: حَتَا حَتْواً: عَدا عَدْواً شَدِيدًا. وحَتا هُدْبَ الكساءِ حَتْواً: كفَّه. وحَتَيْتُ الثوبَ وأَحْتَيْته وأَحْتأْته إِذا خِطْتَه، وَقِيلَ: فتَلْتَه فَتْلَ الأَكْسِية. شَمِرٌ: حاشِيَةُ الثوبِ طُرَّته مَعَ الطُّولِ، وصِنْفَتُه ناحِيتُه الَّتِي تَلِي الهُدْبَ. يُقَالُ: احْتُ صِنْفَةَ هَذَا الكِساء، وَهُوَ أَن يُفتل كَمَا يُفْتَلُ الكساءُ القُوْمَسِيُّ. والحَتْيُ: الفتْلُ. قَالَ اللَّيْثُ: الحَتْوُ كَفُّكَ هُدْب الْكِسَاءِ مُلْزَقاً بِهِ، تَقُولُ: حَتَوْتُه أَحْتُوه حَتْواً، قَالَ: وَفِي لغة حَتأْتُه حَتْأً. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: حتَوْتُ هُدْب الْكِسَاءِ حَتْواً إِذا كفَفْتَه مُلْزَقاً بِهِ، يُهْمز وَلَا يُهْمز؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:
ونَهْبٍ كجُمَّاعِ الثُّرَيَّا حَوَيْتُه ... غِشَاشاً بمُحْتاتِ الصِّفاقَينِ خَيْفَقِ
المُحْتاتُ: المُوَثَّقُ الخَلْقِ، وإِنما أَراد مُحْتتِياً فَقَلَبَ مَوْضِعَ اللَّامِ إِلى الْعَيْنِ، وإِلا فَلَا مَادَّةَ لَهُ يُشْتَقُّ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ زَعَمَ ابْنِ الأَعرابي أَنه مَنْ قَوْلِكَ حتَوْتُ الْكِسَاءَ، إِلا أَنه لَمْ يُنَبِّهْ عَلَى الْقَلْبِ، وَالْكَلِمَةُ وَاوِيَّةٌ وَيَائِيَّةٌ. والحَتِيُّ، عَلَى فَعِيل: سَوِيقُ المُقْلِ، وَقِيلَ: رَدِيئُهُ، وَقِيلَ: يَابِسُهُ؛ قَالَ الْهُذَلِيِّ:
لَا دَرَّ دَرِّيَ إِنْ أَطْعَمْتُ نازِلَكُمْ ... قِرْفَ الحَتِيِّ، وعِنْدي البُرُّ مَكْنُوزُ
وأَنشد الأَزهري:
أَخذتُ لهُمْ سَلْفَيْ حَتِيٍّ وبُرْنُساً، ... وسَحْقَ سَراوِيلٍ وجَرْدَ شَلِيلِ
وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: أَنه أَعطى أَبا رَافِعٍ حَتِيّاً وعُكَّة سَمْنٍ
؛ الحَتِيُّ: سَوِيقُ المُقْلٍ. وَحَدِيثُهُ الْآخَرُ:
فأَتيته بمِزْوَدٍ مَخْتُومٍ فإِذا فِيهِ(14/163)
حَتِيٌّ.
وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الحَتِيُّ مَا حُتَّ عَنِ المُقْل إِذا أَدْرَكَ فأُكِل، وَقِيلَ: الحَتِيُّ قِشرُ الشَّهدِ؛ عَنْ ثَعْلَبٍ؛ وأَنشد:
وأَتَتْهُ بِزَغْدَبٍ وحَتِيٍّ، ... بَعْدَ طِرْمٍ وتامِكٍ وثُمَالِ
والحَتِيُّ: مَتَاعُ الْبَيْتِ، وَهُوَ أَيضاً عَرَق الزَّبِيل وكِفافُه الَّذِي فِي شَفَتِه. الأَزهري: الحَتِيُّ الدِّمْنُ، والحَتِيُّ فِي الْغَزْلِ، والحَتِيُّ ثُفْلُ التَّمْرِ وَقُشُورُهُ. والحَاتِي: الْكَثِيرُ الشُّرْب. وَذَكَرَ الأَزهري فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ حتَّى قَالَ: حَتَّى مُشدَّدة، تُكْتَبُ بِالْيَاءِ وَلَا تُمال فِي اللَّفْظِ، وَتَكُونُ غَايَةً مَعْنَاهَا إِلى مَعَ الأَسماء، وإِذا كَانَتْ مَعَ الأَفعال فَمَعْنَاهَا إِلى أَن، وَلِذَلِكَ نَصَبُوا بِهَا الغابِرَ، قَالَ: وَقَالَ أَبو زَيْدٍ سَمِعْتُ الْعَرَبَ تَقُولُ جَلَسْتُ عِنْدَهُ عَتَّى الليلِ، يُرِيدُونَ حَتَّى اللَّيْلِ فيقلبون الحاء عيناً.
حثا: ابْنُ سِيدَهْ: حَثَا عَلَيْهِ الترابَ حَثْواً هَالَهُ، وَالْيَاءُ أَعلى. الأَزهري: حَثَوْتُ الترابَ وحثي
حَثَيْتُ حَثْواً وحثي
حَثْياً، وحَثَا الترابُ نفسُه وَغَيْرُهُ يَحْثُو ويَحْثَى؛ الأَخيرة نَادِرَةٌ، وَنَظِيرُهُ جَبا يَجْبَى وقَلا يَقْلَى. وقد حثي
حَثَى عليه الترابَ حثي
حَثْياً واحْتَثَاه وحثي
حَثَى عَلَيْهِ الترابُ نفسُه وَحَثَى
حَثَى الترابَ في وجهه حثي
حَثْياً: رَمَاهُ. الْجَوْهَرِيُّ: حَثَا فِي وَجْهِهِ التُّرَابَ يَحْثُو ويَحْثِي حَثْواً وحَثْياً وتَحْثاءً. والحَثَى: التُّرَابُ المَحْثُوُّ أَو الْحَاثِي، وَتَثْنِيَتُهُ حَثَوَان وحَثَيَان. وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: الحَثَى الترابُ المَحْثِيُّ. وَفِي حَدِيثِ
الْعَبَّاسِ وَمَوْتِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ودفنِه: وإِنْ يكنْ ما تقول يا ابنَ الْخَطَّابِ حَقّاً فإِنه لنْ يَعْجِزَ أَن يَحْثُوَ عَنْهُ
أَي يرميَ عَنْ نَفْسِهِ الترابَ ترابَ القبرِ ويقُومَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
احْثُوا فِي وُجُوهِ المَدَّاحِين الترابَ
أَي ارْمُوا؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: يُرِيدُ بِهِ الخَيْبة وأَن لَا يُعْطَوْا عَلَيْهِ شَيْئًا، قَالَ: وَمِنْهُمْ مَنْ يُجْرِيهِ عَلَى ظَاهِرِهِ فَيَرْمِي فِيهَا التُّرَابَ. الأَزهري: حَثَوْت عَلَيْهِ الترابَ وحَثَيتُ حَثْواً وحَثْياً؛ وأَنشد:
الحُصْنُ أَدْنَى، لَوْ تَآيَيْتِه، ... مِنْ حَثْيِكِ التُّرْبَ عَلَى الرَّاكِبِ
الحُصْن: حَصانة المرأَة وعِفَّتها. لو تآييتِه أَي قصدْتِه. وَيُقَالُ لِلتُّرَابِ: الحَثَى. وَمِنْ أَمثال الْعَرَبِ: يَا لَيْتَنِي المَحْثِيُّ عَلَيْهِ؛ قَالَ: هُوَ رَجُلٌ كَانَ قَاعِدًا إِلى امرأَة فأَقبل وَصِيلٌ لَهَا، فَلَمَّا رأَته حَثَتْ فِي وَجْهِهِ التُّرَابَ تَرْئِيَةً لجَلِيسِها بأَن لَا يدنُوَ مِنْهَا فَيطَّلِعَ عَلَى أَمرهما؛ يُقَالُ ذَلِكَ عِنْدَ تَمَنِّي منزلةِ مَنْ تُخْفَى لَهُ الكرامةُ وتُظْهَر لَهُ الإِهانة. والحَثْيُ: مَا رَفَعْتَ بِهِ يَدَيْكَ. وَفِي حَدِيثِ الْغُسْلِ:
كَانَ يَحْثِي عَلَى رأْسه ثَلاثَ حَثَياتٍ
أَي ثَلَاثَ غُرَفٍ بِيَدَيْهِ، وَاحِدَتُهَا حَثْيَة. وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ وَزَيْنَبَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: فَتقاوَلَتا حَتَّى اسْتَحْثَتَا
؛ هُوَ اسْتَفْعَل مِنَ الحَثْيِ، وَالْمُرَادُ أَن كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا رَمَتْ فِي وَجْهِ صَاحِبَتِهَا التُّرَابَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
ثَلَاثُ حَثَيَاتٍ مِنْ حَثَيَات رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ مُبَالَغَةٌ فِي الْكَثْرَةِ وإِلا فَلَا كَفَّ ثَمَّ وَلَا حَثْيَ، جَلَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ وَعَزَّ. وأَرض حَثْواء: كَثِيرَةُ التُّرَابِ. وحَثَوْت لَهُ إِذا أَعطيته شَيْئًا يَسِيرًا. والحَثَى، مَقْصُورٌ: حُطام التِّبْن؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. والحَثَى أَيضاً: دُقاق التِّبْن، وَقِيلَ: هُوَ التِّبْن المُعْتَزَل عَنِ الْحَبِّ، وَقِيلَ أَيضاً: التِّبْنُ خَاصَّةً؛ قَالَ:
تسأَلُني عَنْ زَوْجِها أَيُّ فَتَى ... خَبٌّ جَرُوزٌ، وإِذا جاعَ بَكى
ويأْكُلُ التمرَ وَلَا يُلقِي النَّوَى، ... كأَنه غِرارةٌ ملأَى حَثَا(14/164)
وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فإِذا حَصير بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ الذَّهَبُ مَنْثوراً نَثْرَ الحَثَى
؛ هُوَ، بِالْفَتْحِ وَالْقَصْرِ: دُقاق التِّبْنِ، وَالْوَاحِدَةُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ حَثَاة. والحَثَى: قُشُورُ التَّمْرِ، يُكْتَبُ بِالْيَاءِ والأَلف، وَهُوَ جَمْعُ حَثَاة، وَكَذَلِكَ الثَّتَا، وَهُوَ جَمْعُ ثَتَاة: قشورُ التمرِ ورديئُه. والحاثِيَاءُ: تُرَابُ جُحْر اليَرْبوع الَّذِي يَحْثُوه بِرِجْلِهِ، وَقِيلَ: الحَاثِياءُ جُحْرٌ مِنْ جِحَرة الْيَرْبُوعِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَالْجَمْعُ حَوَاثٍ. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: الحَاثِياءُ تُرَابٌ يُخْرِجُهُ الْيَرْبُوعُ مِنْ نافِقائِهِ، بُني عَلَى فاعِلاءَ. والحَثَاة: أَن يُؤْكَلَ الْخُبْزُ بِلَا أُدْمٍ؛ عَنْ كُرَاعٍ بِالْوَاوِ وَالْيَاءِ لأَن لَامَهَا تَحْتَمِلُهُمَا مَعًا؛ كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ:
حجا: الحِجَا، مَقْصُورٌ: الْعَقْلُ والفِطْنة؛ وأَنشد اللَّيْثُ للأَعشى:
إِذْ هِيَ مِثْلُ الغُصْنِ مَيَّالَةٌ ... تَرُوقُ عَيْنَيْ ذِي الحِجَا الزائِر
وَالْجَمْعُ أَحْجاءٌ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
ليَوْم مِنَ الأَيَّام شَبَّهَ طُولَهُ ... ذَوُو الرَّأْي والأَحْجَاءِ مُنْقَلِعَ الصَّخْرِ
وَكَلِمَةٌ مُحْجِيَةٌ: مُخَالِفَةُ الْمَعْنَى لِلَّفْظِ، وَهِيَ الأُحْجِيَّةُ والأُحْجُوَّة، وَقَدْ حاجَيْتُه مُحَاجَاةً وحِجاءً: فاطَنْتُه فَحَجَوْتُه. وَبَيْنَهُمَا أُحْجِيَّة يَتَحَاجَوْنَ بِهَا، وأُدْعِيَّةٌ فِي مَعْنَاهَا. وَقَالَ الأَزهري: حاجَيْتُه فَحَجَوْتُه إِذا أَلقيتَ عَلَيْهِ كَلِمَةً مُحْجِيَةً مخالفةَ الْمَعْنَى لِلَّفْظِ، والجَواري يَتَحَاجَيْنَ. وَتَقُولُ الجاريةُ للأُخْرَى: حُجَيَّاكِ مَا كَانَ كَذَا وَكَذَا. والأُحْجِيَّة: اسْمُ المُحاجاة، وَفِي لُغَةٍ أُحْجُوَّة. قَالَ الأَزهري: وَالْيَاءُ أَحسن. والأُحْجِيَّة والحُجَيَّا: هِيَ لُعْبة وأُغْلُوطة يَتَعاطاها الناسُ بَيْنَهُمْ، وَهِيَ مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِمْ أَخْرِجْ مَا فِي يَدِي وَلَكَ كَذَا. الأَزهري: والحَجْوَى أَيضاً اسْمُ المُحاجاة؛ وَقَالَتِ ابنةُ الخُسِّ:
قَالَتْ قالَةً أُخْتِي ... وحَجْوَاها لَهَا عَقْلُ:
تَرَى الفِتْيانَ كالنَّخْلِ، ... وَمَا يُدْريك مَا الدَّخْلُ؟
وَتَقُولُ: أَنا حُجَيَّاك فِي هَذَا أَي مَنْ يُحاجِيكَ. واحْتَجَى هُوَ: أَصاب مَا حاجَيْتَه بِهِ؛ قَالَ:
فنَاصِيَتي وراحِلَتي ورَحْلي، ... ونِسْعا ناقَتي لِمَنِ احْتَجَاها
وَهُمْ يَتَحاجَوْنَ بِكَذَا. وَهِيَ الحَجْوَى. والحُجَيَّا: تَصْغِيرُ الحَجْوى. وحُجَيَّاك مَا كَذَا أَي أُحاجِيكَ. وفلان يأْتينا ب الأَحَاجِي أَي بالأَغاليط. وَفُلَانٌ لَا يَحْجُو السِّرَّ أَي لَا يَحْفَظُهُ. أَبو زَيْدٍ: حَجَا سِرَّه يَحْجُوه إِذا كَتَمَهُ. وَفِي نَوَادِرِ الأَعراب: لَا مُحَاجَاةَ عِنْدِي فِي كَذَا وَلَا مُكافأَة أَي لَا كِتْمان لَهُ وَلَا سَتْر عِنْدِي. وَيُقَالُ لِلرَّاعِي إِذا ضَيَّعَ غَنَمَهُ فتفرَّقت: مَا يَحْجُو فلانٌ غَنَمه وَلَا إِبِلَه. وسِقاء لَا يَحْجُو الماءَ: لَا يُمْسِكُهُ. ورَاعٍ لَا يَحْجُو إِبله أَي لَا يَحْفَظُهَا، وَالْمَصْدَرُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ الحَجْو، وَاشْتِقَاقُهُ مِمَّا تَقَدَّمَ؛ وَقَوْلُ الْكُمَيْتِ:
هَجَوْتُكُمْ فَتَحَجَّوْا مَا أَقُول لَكُمْ ... بالظّنِّ، إِنكُمُ مِنْ جارَةِ الْجَارِ
قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: قَوْلُهُ فَتَحَجَّوْا أَي تفَطَّنوا لَهُ وازْكَنُوا، وَقَوْلُهُ مِنْ جَارَةِ الْجَارِ أَراد: إِن أُمَّكم وَلَدَتْكُمْ مِنْ دُبُرِهَا لَا مِنْ قُبُلِهَا؛ أَراد: إِن آبَاءَكُمْ يأْتون(14/165)
النِّسَاءَ فِي مَحاشِّهِنَّ، قَالَ: هُوَ مِنَ الحِجَى العقلِ وَالْفِطْنَةِ، قَالَ: وَالدُّبُرُ مُؤَنَّثَةٌ والقُبل مُذَكَّرٌ، فَلِذَلِكَ قَالَ جَارَةَ الْجَارِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَن بَاتَ عَلَى ظَهر بيتٍ لَيْسَ عليهِ حَجاً [حِجاً] فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمّة
؛ هَكَذَا رَوَاهُ الخطَّابي فِي مَعالِمِ السُّنن، وَقَالَ: إِنه يُرْوَى بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا، وَمَعْنَاهُ فِيهِمَا مَعْنَى السِّتر، فَمَنْ قَالَ بِالْكَسْرِ شَبَّهَهُ بِالْحِجَى الْعَقْلِ لأَنه يَمْنَعُ الإِنسان مِنَ الْفَسَادِ وَيَحْفَظُهُ مِنَ التَّعَرُّضِ لِلْهَلَاكِ، فَشَبَّهَ السِّتْرَ الَّذِي يَكُونُ عَلَى السَّطْحِ الْمَانِعِ للإِنسان مِنَ التردِّي وَالسُّقُوطِ بِالْعَقْلِ الْمَانِعِ لَهُ مِنْ أَفعال السُّوءِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلى التَّرَدِّي، وَمَنْ رَوَاهُ بِالْفَتْحِ فَقَدْ ذَهَبَ إِلى النَّاحِيَةِ وَالطَّرَفِ. وأَحْجاء الشَّيْءِ: نَوَاحِيهِ، وَاحِدُهَا حَجاً. وَفِي حَدِيثِ المسأَلة:
حَتَّى يقولَ ثلاثةٌ مِنْ ذَوِي الحِجَى قَدْ أَصابَتْ فُلَانًا فاقةٌ فحَلَّت لَهُ المسأَلة
، أَي مِنْ ذَوِي الْعَقْلِ. والحَجا: النَّاحِيَةُ. وأَحْجَاءُ البلادِ: نَواحيها وأَطرافُها؛ قَالَ ابْنُ مُقْبل:
لَا تُحْرِزُ المَرْءَ أَحْجَاءُ البلادِ، وَلَا ... تُبْنَى لَهُ فِي السماواتِ السلالِيمُ
وَيُرْوَى: أَعْناءُ. وحَجَا الشَّيْءِ: حَرْفُه؛ قَالَ:
وكأَنَّ نَخْلًا فِي مُطَيْطةَ ثاوِياً، ... والكِمْعُ بَيْنَ قَرارِها وحَجَاها
وَنَسَبَ ابْنُ بَرِّيٍّ هَذَا الْبَيْتَ لِابْنِ الرِّقَاع مُسْتَشْهِدًا بِهِ عَلَى قَوْلِهِ: والحَجَا مَا أَشرف مِنَ الأَرض. وحَجَا الْوَادِي: مُنْعَرَجُهُ. والحَجَا: الملجأُ، وَقِيلَ: الْجَانِبُ، وَالْجَمْعُ أَحْجَاء. اللِّحْيَانِيُّ: مَا لَهُ مَلْجأ وَلَا مَحْجَى بِمَعْنًى وَاحِدٍ. قَالَ أَبو زَيْدٍ: إِنه لَ حَجِيٌّ إِلى بَنِي فُلَانٍ أَي لاجئٌ إِليهم. وتَحَجَّيت الشيءَ: تعمَّدته؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
فَجَاءَتْ بأَغْباش تَحَجَّى شَرِيعَةً ... تِلاداً عَلَيْهَا رَمْيُها واحْتِبالُها
قَالَ: تَحَجَّى تَقْصِدُ حَجاهُ، وَهَذَا الْبَيْتُ أَورده الْجَوْهَرِيُّ: فجاءَ بأَغْباشٍ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَصَوَابُهُ بِالتَّاءِ لأَنه يَصِفُ حَمِيرَ وَحْشٍ، وتِلاداً أَي قَدِيمَةً، عَلَيْهَا أَي عَلَى هَذِهِ الشَّرِيعَةِ مَا بَيْنَ رامٍ ومُحْتَبِل؛ وَفِي التَّهْذِيبِ للأَخطل:
حَجَوْنا بَنِي النُّعمان، إِذْ عَصَّ مُلْكُهُمْ، ... وقَبْلَ بَني النُّعْمانِ حارَبَنا عَمْرُو
قَالَ: الَّذِي فَسَّرَهُ حَجَوْنا قَصَدْنَا وَاعْتَمَدْنَا. وتَحَجَّيت الشيءَ: تَعَمَّدْتُهُ. وحَجَوْت بِالْمَكَانِ: أَقمت بِهِ، وَكَذَلِكَ تحَجَّيْت بِهِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وحَجا بِالْمَكَانِ حَجْواً وتَحَجَّى أَقام فَثَبَتَ؛ وأَنشد الْفَارِسِيُّ لعُمارة بْنِ أَيمن الرَّيَّانِيِّ «2» .
حَيْثُ تَحَجَّى مُطْرِقٌ بالفالِقِ
وَكُلُّ ذَلِكَ مِنَ التَّمَسُّكِ وَالِاحْتِبَاسِ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
فهُنَّ يَعْكُفْنَ بِهِ، إِذا حَجَا، ... عكْفَ النَّبِيطِ يَلْعبونَ الفَنْزَجا
التَّهْذِيبُ عَنِ الْفَرَّاءِ: حَجِئْت بِالشَّيْءِ وتَحَجَّيْت بِهِ، يُهْمَزُ وَلَا يُهْمَزُ، تَمَسَّكْتُ وَلَزِمْتُ؛ وأَنشد بَيْتَ ابْنِ أَحمر:
أَصَمَّ دُعاءُ عاذِلَتي تحَجَّى ... بآخِرِنا، وتَنْسَى أَوَّلِينا
أَي تمسَّكُ بِهِ وتَلْزَمه، قَالَ: وَهُوَ يَحْجُو بِهِ؛ وأَنشد لِلْعَجَّاجِ:
فهُنَّ يَعْكُفْنَ بِهِ إِذا حَجَا
أَي إِذا أَقام بِهِ؛ قَالَ: وَمِنْهُ قَوْلُ عَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ:
أَطَفَّ لأَنْفِه المُوسَى قَصِيرٌ، ... وَكَانَ بأَنْفِه حَجِئاً ضَنِينا
قَالَ شَمِرٌ: تَحَجَّيْت تَمَسَّكْتُ جَيِّدًا. ابْنُ الأَعرابي: الحَجْوُ
__________
(2) . قوله [ابن أيمن الرياني] هكذا في الأَصل(14/166)
الْوُقُوفُ، حَجَا إِذا وَقَفَ؛ وَقَالَ: وحَجَا مَعْدُولٌ مِنْ جَحا إِذا وَقَفَ. وحَجِيت بِالشَّيْءِ، بِالْكَسْرِ، أَي أُولِعْت بِهِ وَلَزِمْتُهُ، يُهْمَزُ وَلَا يُهْمَزُ، وَكَذَلِكَ تَحَجَّيت بِهِ؛ وأَنشد بَيْتَ ابْنِ أَحمر:
أَصمَّ دُعاءُ عَاذِلَتِي تَحَجَّى
يُقَالُ: تحَجَّيْت بِهَذَا الْمَكَانِ أَي سَبَقْتُكُمْ إِليه وَلَزِمْتُهُ قَبْلَكُمْ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَصمَّ دعاءُ عَاذِلَتِي أَي جَعَلَهَا اللَّهُ لَا تَدْعو إِلا أَصَمَّ. وَقَوْلُهُ: تَحَجَّى أَي تَسْبِقُ إِليهم باللَّوم وتدعُ الأَولين. وحَجَا الفحلُ الشُّوَّل يَحْجُو: هدَر فعرفَت هَدِيرَهُ فَانْصَرَفَتْ إِليه. وحَجَا بِهِ حَجْواً وتَحَجَّى، كِلَاهُمَا: ضَنَّ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الرَّجُلُ حَجْوة. وحَجَا الرَّجُلُ لِلْقَوْمِ كَذَا وَكَذَا أَي حَزَاهُمْ وَظَنَّهُمْ كَذَلِكَ. وإِني أَحْجُو بِهِ خَيْرًا أَي أَظن. الأَزهري: يُقَالُ تَحَجَّى فُلَانٌ بِظَنِّهِ إِذا ظَنَّ شَيْئًا فَادَّعَاهُ ظَانًّا وَلَمْ يَسْتَيْقِنْهُ؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:
تَحَجَّى أَبوها مَنْ أَبوهُم فصادَفُوا ... سِواهُ، ومَنْ يَجْهَلْ أَباهُ فقدْ جَهِلْ
وَيُقَالُ: حَجَوْتُ فُلَانًا بِكَذَا إِذا ظَنَنْتَهُ بِهِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
قَدْ كنتُ أَحْجُو أَبا عَمْروٍ أَخاً ثِقةً، ... حَتَّى أَلَمَّتْ بِنَا يَوْماً مُلِمَّاتُ
الْكِسَائِيُّ: مَا حَجَوْتُ مِنْهُ شَيْئًا وَمَا هَجَوْتُ مِنْهُ شَيْئًا أَي مَا حفِظت مِنْهُ شَيْئًا. وحَجَتِ الريحُ السَّفِينَةَ: سَاقَتْهَا. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَقْبَلت سفينةٌ فحَجَتْها الريحُ إِلى مَوْضِعِ كَذَا
أَي سَاقَتْهَا وَرَمَتْ بِهَا إِليه. وَفِي التَّهْذِيبِ: تحجَّيتكم إِلى هَذَا الْمَكَانِ أَي سَبَقْتُكُمْ إِليه. ابْنُ سِيدَهْ: والحَجْوة الحَدَقة. اللَّيْثُ: الحَجْوة هِيَ الجَحْمة يَعْنِي الحَدَقة. قَالَ الأَزهري: لَا أَدري هِيَ الجَحْوة أَو الحَجْوة لِلْحَدَقَةِ. ابْنُ سِيدَهْ: هُوَ حَجٍ أَنْ يفعلَ كَذَا وحَجِيٌّ وحَجاً أَي خَلِيقٌ حَرِيٌّ بِهِ، فَمَنْ قَالَ حَجٍ وحَجِيٌّ ثنَّى وجمَعَ وأَنَّث فَقَالَ حَجِيانِ وحَجُونَ وحَجِيَة وحَجِيتانِ وحَجِياتٌ وَكَذَلِكَ حَجِيٌّ فِي كُلِّ ذَلِكَ، وَمَنْ قَالَ حَجاً لَمْ يثنِّ وَلَا جَمَعَ وَلَا أَنث كَمَا قُلْنَا فِي قَمَن بَلْ كُلُّ ذَلِكَ عَلَى لَفْظِ الْوَاحِدِ، وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: لَا يُقَالُ حَجًى. وإِنه لمَحْجَاةٌ أَن يَفْعَلَ أَي مَقْمَنةٌ؛ قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ بَلْ كُلُّ ذَلِكَ عَلَى لَفْظِ وَاحِدٍ. وَفِي التَّهْذِيبِ: هُوَ حَجٍ وَمَا أَحْجَاه بِذَلِكَ وأَحْراه؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
كَرَّ بأَحْجَى مانِعٍ أَنْ يَمْنَعا
وأَحْجِ بِهِ أَي أَحْرِ بِهِ، وأَحْجِ بِهِ أَي مَا أَخْلَقَه بِذَلِكَ وأَخْلِقْ بِهِ، وَهُوَ مِنَ التَّعَجُّبِ الَّذِي لَا فِعْلَ لَهُ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لمَخْرُوعِ بْنِ رَقِيعٍ:
وَنَحْنُ أَحْجَى الناسِ أَنْ نَذُبَّا ... عنْ حُرْمةٍ، إِذا الحَدِيثُ عَبَّا،
والقائِدون الخيلَ جُرْداً قُبّا
وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ صَيَّادٍ: مَا كَانَ فِي أَنفُسْنا أَحْجَى أَنْ يَكُونَ هُوَ مُذْ ماتَ
، يَعْنِي الدجالَ، أَحْجَى بِمَعْنَى أَجْدَر وأَولى وأَحق، مِنْ قَوْلِهِمْ حَجَا بِالْمَكَانِ إِذا أَقام بِهِ وَثَبَتَ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ مَسْعُودٍ: إِنَّكم، معاشرَ هَمْدانَ، مِنْ أَحْجَى حَيٍّ بِالْكُوفَةِ
أَي أَولى وأَحقّ، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مِنْ أَعْقَلِ حيٍّ بِهَا. والحِجاءُ، مَمْدُودٌ: الزَّمْزَمة، وَهُوَ مِنْ شِعار المَجُوس؛ قَالَ:
زَمْزَمة المَجُوسِ فِي حِجائِها
قَالَ
ابْنُ الأَعرابي فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ عَنْ رَجُلٍ قَالَ: رأَيت علْجاً يومَ القادِسِيَّة قَدْ تكَنَّى وتَحَجَّى فقَتلْته
؛(14/167)
قَالَ ثَعْلَبٌ: سأَلت ابْنَ الأَعرابي عَنْ تَحَجَّى فَقَالَ مَعْنَاهُ زَمْزَمَ، قَالَ: وكأَنهما لُغَتَانِ إِذا فتَحتَ الْحَاءَ قَصَرْتَ وإِذا كَسَرْتَهَا مَدَدْتَ، وَمِثْلُهُ الصَّلا والصِّلاءُ والأَيا والإِياءُ لِلضَّوْءِ؛ قَالَ: وتكَنَّى لَزِمَ الكِنَّ؛ وَقَالَ ابْنُ الأَثير فِي تَفْسِيرِ الْحَدِيثِ: قِيلَ هُوَ مِنَ الحَجَاة السِّتر. واحْتَجَاه إِذا كتَمَه. والحَجَاةُ: نُفَّاخة الْمَاءِ مِنْ قَطْرٍ أَو غَيْرِهِ؛ قَالَ:
أُقْلِّبُ طَرْفي فِي الفَوارِسِ لَا أَرَى ... حِزَاقاً، وعَيْنِي كالحَجَاةِ مِنَ القَطْرِ «3»
. وَرُبَّمَا سَمَّوُا الْغَدِيرَ نَفْسَهُ حَجَاةً، وَالْجَمْعُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ حَجًى، مَقْصُورٌ، وحُجِيٌّ. الأَزهري: الحَجَاةُ فُقَّاعة تَرْتَفِعُ فَوْقَ الْمَاءِ كأَنها قَارُورَةٌ، وَالْجَمْعُ الحَجَوات. وَفِي حَدِيثِ
عَمْرٍو: قَالَ لِمُعَاوِيَةَ فإِنَّ أَمرَك كالجُعْدُبَة أَو كالحَجَاةِ فِي الضَّعْفِ
؛ الحَجَاة، بِالْفَتْحِ: نُفَّاخات الْمَاءِ. واستَحْجَى اللحمُ: تَغَيَّرَ رِيحُهُ مِنْ عَارِضٍ يُصِيبُ البعيرَ أَو الشَّاةَ أَو ما اللحمُ مِنْهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنَّ عُمر طَافَ بِنَاقَةٍ قَدِ انْكَسَرَتْ فَقَالَ وَاللَّهِ مَا هِيَ بِمُغِدٍّ فيَسْتَحْجِيَ لَحْمُها
، هُوَ مِنْ ذَلِكَ؛ والمُغِدُّ: النَّاقَةُ الَّتِي أَخذتها الغُدَّة وَهِيَ الطَّاعُونُ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: حَمَلْنَا هَذَا عَلَى الْيَاءِ لأَنا لَا نَعْرِفُ مِنْ أَي شَيْءٍ انْقَلَبَتْ أَلفه فَجَعَلْنَاهُ مِنَ الأَغلب عَلَيْهِ وَهُوَ الْيَاءُ، وَبِذَلِكَ أَوصانا أَبو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ. وأَحْجَاءٌ: اسْمُ مَوْضِعٍ؛ قَالَ الرَّاعِي:
قَوالِص أَطْرافِ المُسُوحِ كأَنَّها، ... برِجْلَةِ أَحْجَاءٍ، نَعامٌ نَوافِرُ
حدا: حَدَا الإِبِلَ وحَدَا بِها يَحْدُو حَدْواً وحُدَاءً [حِدَاءً] ، مَمْدُودٌ: زَجَرَها خَلْفَها وساقَها. وتَحَادَتْ هِيَ: حَدَا بعضُها بَعْضًا؛ قَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤَيَّةَ:
أَرِقْتُ لَهُ حتَّى إِذا مَا عُرُوضُه ... تَحَادَتْ وهاجَتْها بُرُوق تُطِيرُها
ورجلٌ حَادٍ وحَدَّاءٌ؛ قَالَ:
وكانَ حَدَّاءً قُراقِرِيَّا
الْجَوْهَرِيُّ: الحَدْوُ سَوْقُ الإِبِل والغِناء لَهَا. وَيُقَالُ للشَّمالِ حَدْوَاءُ لأَنها تَحْدُو السحابَ أَي تَسوقُه؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
حَدْوَاءُ جاءتْ مِنْ جبالِ الطُّورِ ... تُزْجِي أَراعِيلَ الجَهَامِ الخُورِ
وَبَيْنَهُمْ أُحْدِيّة وأُحْدُوَّة أَي نَوْعٌ مِنَ الحُدَاء يحْدُونَ بِهِ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. وحَدَا الشيءَ يَحْدُوه حَدْواً واحْتَدَاه: تَبِعَهُ؛ الأَخيرة عَنْ أَبي حَنِيفَةَ؛ وأَنشد:
حَتَّى احْتَدَاه سَنَنَ الدَّبُورِ
وحَدِيَ بِالْمَكَانِ حَداً: لَزِمَهُ فَلَمْ يَبْرَحْه. أَبو عَمْرٍو: الحَادِي الْمُتَعَمِّدُ لِلشَّيْءِ. يُقَالُ: حَدَاه وتَحَدَّاه وتَحَرَّاه بِمَعْنًى وَاحِدٍ، قَالَ: وَمِنْهُ قَوْلُ مُجَاهِدٍ: كنتُ أَتَحَدَّى القُرَّاءَ فأَقْرَأُ أَي أَتعَمَّدهم. وَهُوَ حُدَيَّا الناسِ أَي يَتَحَدَّاهم ويَتَعَمَّدهم. الْجَوْهَرِيُّ: تَحَدَّيْتُ فُلَانًا إِذا بارَيْته فِي فِعْلٍ ونازَعْته الغَلَبةَ. ابْنُ سِيدَهْ: وتحَدَّى الرجلَ تعمَّدَه، وتَحَدَّاه: بَارَاهُ ونَازَعه الغَلَبَةَ، وَهِيَ الحُدَيَّا. وأَنا حُدَيَّاك فِي هَذَا الأَمر أَي ابْرُزْ لِي فِيهِ؛ قَالَ عَمْرُو بْنُ كُلْثُومٍ:
حُدَيَّا الناسِ كلِّهِمِ جَمِيعاً، ... مُقارَعَةً بَنِيهمْ عَنْ بَنِينَا
وَفِي التَّهْذِيبِ تَقُولُ: أَنا حُدَيَّاكَ بِهَذَا الأَمر أَي ابْرُزْ لِي وَحْدك وجارِنِي؛ وأَنشد:
حُدَيَّا الناسِ كُلِّهِمُو جَميعاً ... لِنَغْلِبَ فِي الخُطُوب الأَوَّلِينَا
__________
(3) . قوله [حزاقاً وعيني إلخ] كذا بالأَصل تبعاً للمحكم، والذي في التهذيب:
وعيناي فيها كالحَجَاة ...(14/168)
وحُدَيَّا النَّاسِ: واحدُهم؛ عَنْ كُرَاعٍ. الأَزهري: يُقَالُ لَا يَقُومُ «1» . بِهَذَا الأَمر إِلا ابْنُ إِحْدَاهما، وَرُبَّمَا قِيلَ لِلْحِمَارِ إِذا قَدَّمَ آتُنَه حادٍ. وحَدَا العَيْرُ أُتُنَه أَي تَبِعَهَا؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
كأَنَّه حينَ يرمِي خَلْفَهُنَّ بِه ... حَادِي ثَلاثٍ منَ الحُقْبِ السَّماحِيجِ «2»
. التَّهْذِيبُ: يُقَالُ للعَيْرِ حَادِي ثَلاثٍ وحَادِي ثَمَانٍ إِذا قَدَّم أَمامَه عِدَّة مِنْ أُتُنِهِ. وحَدَا الريشُ السَّهم: تَبِعَهُ. والحَوَادِي: الأَرْجُل لأَنها تَتْلُو الأَيدي؛ قَالَ:
طِوالُ الأَيادي والحَوَادِي، كأَنَّها ... سَمَاحِيجُ قُبٌّ طارَ عَنْها نُسالُها
وَلَا أَفْعَله مَا حَدَا الليلُ النهارَ أَي مَا تَبِعَهُ. التَّهْذِيبُ: الهَوَادِي أَوَّلُ كلِّ شيءٍ، والحَوَادِي أَواخِرُ كلِّ شيءٍ. وَرَوَى الأَصمعي قَالَ: يُقَالُ لَكَ هُدَيَّا هَذَا وحُدَيَّا هَذَا وشَرْوَاه وشَكلُه كُلُّه واحِد. الْجَوْهَرِيُّ: قَوْلُهُمْ حَادِي عَشَر مَقْلُوبٌ مِنْ وَاحِدٍ لأَن تقديرَ واحدٍ فاعلٌ فأَخَّروا الْفَاءَ، وَهِيَ الْوَاوُ، فَقُلِبَتْ يَاءً لِانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا، وَقَدَّمَ الْعَيْنَ فَصَارَ تَقْدِيرُهُ عَالِفٌ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ: لَا بَأْسَ بِقَتْلِ الحِدَوْ والأَفْعَوْ
؛ هِيَ لُغَةٌ فِي الْوَقْفِ عَلَى مَا آخِرُهُ أَلف، تُقْلَبُ الأَلف وَاوًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْلِبُهَا يَاءً، يُخَفَّفُ وَيُشَدَّدُ. والحِدَوُ: هُوَ الحِدَأُ، جَمْعُ حِدَأَةٍ وَهِيَ الطَّائِرُ الْمَعْرُوفُ، فَلَمَّا سَكَّنَ الْهَمْزَ لِلْوَقْفِ صَارَتْ أَلفاً فَقَلَبَهَا وَاوًا؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
لُقْمَانَ: إِنْ أَرَ مَطْمَعِي فَ حِدَوٌّ تَلَمَّعُ
أَي تَخْتَطِفُ الشيءَ فِي انْقِضاضِها، وَقَدْ أَجْرَى الوصلَ مُجْرَى الْوَقْفِ فقَلَب وشدَّد، وَقِيلَ: أَهلُ مَكَّةَ يسمُّون الحِدَأَ حِدَوّاً بِالتَّشْدِيدِ. وَفِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ:
تَحْدُونِي عَلَيْهَا خَلَّةٌ واحِدَةٌ
أَي تبعَثُني وتَسُوقُني عَلَيْهَا خَصْلة وَاحِدَةٌ، وَهُوَ مِنْ حَدْوِ الإِبل فإِنه مِنْ أَكبر الأَشياء عَلَى سَوْقِها وبَعْثها. وبَنُو حادٍ: قَبِيلَةٌ مِنَ الْعَرَبِ. وحَدْوَاء: مَوْضِعٌ بِنَجْدٍ. وحَدَوْدَى: موضع.
حَذَا: حَذَا النعلَ حَذْواً وحِذَاءً: قدَّرها وقَطَعها. وَفِي التَّهْذِيبِ: قَطَعَهَا عَلَى مِثالٍ. وَرَجُلٌ حَذَّاءٌ: جَيّد الحَذْوِ. يُقَالُ: هُوَ جَيّدُ الحِذَاءِ أَي جَيِّد القَدِّ. وَفِي الْمَثَلِ: مَنْ يَكُنْ حَذَّاءً تَجُدْ نَعْلاهُ. وحَذَوْت النَّعلَ بالنَّعْلِ والقُذَّةَ بالقُذَّةِ: قَدَّرْتُهُما عَلَيْهِمَا. وَفِي الْمَثَلِ: حَذْوَ القُذَّةِ بالقُذَّةِ. وحَذَا الجِلْدَ يَحْذُوه إِذا قَوَّرَهُ، وإِذا قُلْتَ حَذَى الجِلْدَ يَحْذِيهِ فهُو أَن يَجْرَحَه جَرْحاً. وحَذَى أُذنه يَحْذِيها إِذا قَطَعَ مِنْهَا شَيْئًا. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَذْوَ النَّعْلِ بالنَّعْلِ
؛ الحَذْو: التَّقْدِيرُ وَالْقَطْعُ، أَي تَعْمَلُونَ مِثْلَ أَعمالهم كَمَا تُقْطَع إِحدى النَّعْلَيْنِ عَلَى قَدْرِ الأُخرى. والحِذَاءُ: النَّعْلُ. واحْتَذَى: انْتَعَل؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
يَا لَيْتَ لِي نَعْلَيْنِ مِنْ جِلْدِ الضَّبُعْ، ... وشُرُكاً مِنِ اسْتِهَا لَا تَنْقَطِعْ،
كُلَّ الحِذَاءِ يَحْتَذِي الحافِي الوَقِعْ
وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ رأَيتُك تَحْتَذِي السِّبْتَ
أَي تَجْعَلُه نَعْلَك. احْتَذَى يَحْتَذِي إِذا انْتَعل؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
أَبي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ
__________
(1) . قوله [لا يقوم إلخ] هذه عبارة التهذيب والتكملة، وتمامها: يقول لا يقوم به إلا كِرِيمُ الْآبَاءِ والأَمهات مِنَ الرجال والإِبل
(2) . قوله [حادي ثلاث] كذا في الصحاح، وقال في التكملة: الرواية حادي ثمان لا غير(14/169)
اللَّهُ عَنْهُ، يَصِفُ جَعْفَرِ بْنِ أَبي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: خَيْرُ مَنِ احْتَذَى النِّعالَ.
والحِذَاء: مَا يَطَأُ عَلَيْهِ الْبَعِيرُ مِنْ خُفِّه والفرسُ مِنْ حافِرِه يُشَبَّه بِذَلِكَ. وحَذانِي فُلَانٌ نَعْلًا وأَحْذَانِي: أَعطانيها، وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ أَحْذَانِي. الأَزهري: وحَذَا لَهُ نَعْلًا وحَذَاه نَعْلًا إِذا حَمَله عَلَى نَعْل. الأَصمعي: حَذَانِي فُلَانٌ نَعْلًا، وَلَا يُقَالُ أَحْذَانِي؛ وأَنشد للهذلي:
حَذَانِي، بعدَ ما خذِمَتْ نِعالي، ... دُبَيَّةُ، إِنَّه نِعْمَ الخَلِيلُ
بِمَوْرِكَتَيْنِ مِنْ صَلَوَيْ مِشَبٍّ، ... مِن الثِّيرانِ عَقْدُهُما جَمِيلُ
الْجَوْهَرِيُّ: وَتَقُولُ اسْتَحْذَيْته فأَحْذَانِي. وَرَجُلٌ حَاذٍ: عَلَيْهِ حِذَاءٌ.
وَقَوْلُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي ضَالَّةِ الإِبِل: مَعَها حِذاؤُها وسِقاؤُها
؛ عَنَى بالحِذَاء أَخْفافَها، وبالسِّقاء يُرِيدُ أَنها تَقْوى عَلَى وُرُودِ الْمِيَاهِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: الحِذَاء، بِالْمَدِّ، النَّعْل؛ أَراد أَنها تَقْوَى عَلَى الْمَشْيِ وَقَطْعِ الأَرض وَعَلَى قَصْدِ الْمِيَاهِ وَوُرُودِهَا ورَعْيِ الشَّجَرِ وَالِامْتِنَاعِ عَنِ السِّبَاعِ الْمُفْتَرِسَةِ، شَبَّهَهَا بِمَنْ كَانَ مَعَهُ حِذَاء وسِقاء فِي سَفَرِهِ، قَالَ: وَهَكَذَا مَا كَانَ فِي مَعْنَى الإِبل مِنَ الْخَيْلِ وَالْبَقَرِ وَالْحَمِيرِ. وَفِي حَدِيثِ
جِهَازِ [جَهَازِ] فَاطِمَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَحَدُ فِراشَيْها مَحْشُوٌّ بحُذْوَةِ الحَذَّائِين
؛ الحُذْوَةُ والحُذَاوَةُ: مَا يَسْقُطُ «1» . مِنَ الجُلُودِ حِينَ تُبْشَرُ وتُقْطَعُ مِمَّا يُرْمَى به ويَبْقَى. والحَذَّاؤُونَ: جَمْعُ حَذَّاءٍ، وَهُوَ صانعُ النِّعالِ. والمِحْذَى: الشَّفْرَةُ الَّتِي يُحْذَى بِهَا. وَفِي حَدِيثِ
نَوْفٍ: إِنَّ الهُدْهُدَ ذَهَبَ إِلى خَازِنِ الْبَحْرِ فَاسْتَعَارَ مِنْهُ الحِذْيَةَ فَجَاءَ بِهَا فأَلْقاها عَلَى الزُجاجة فَفَلَقَها
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: قِيلَ هِيَ الأَلْماسُ «2» الذيْ يَحْذِي الحجارةَ أَي يَقْطَعُها ويَثْقب الْجَوْهَرَ. وَدَابَّةٌ حَسَن الحِذاءِ أَي حَسَنُ القَدّ. وحَذَا حَذْوَه: فَعَل فِعْلَهُ، وَهُوَ مِنْهُ. التَّهْذِيبُ: يُقَالُ فُلَانٌ يَحْتَذِي عَلَى مِثَالِ فُلان إِذا اقْتَدَى بِهِ فِي أَمره. وَيُقَالُ حاذَيْتُ مَوْضِعًا إِذا صرْتَ بحِذائه. وحَاذَى الشيءَ: وَازَاهُ. وحَذَوْتُه: قَعَدْتُ بحِذائِه. شَمِرٌ: يُقَالُ أَتَيْتُ عَلَى أَرض قَدْ حُذِيَ بَقْلُها عَلَى أَفواه غَنَمِهَا، فإِذا حُذِيَ عَلَى أَفواهها فَقَدْ شَبِعَتْ مِنْهُ مَا شَاءَتْ، وَهُوَ أَن يَكُونَ حَذْوَ أَفواهها لَا يُجاوزها. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ: ذاتُ عِرْقٍ حَذْوَ قَرَنٍ
؛ الحَذْوُ والحِذَاءُ: الإِزاءُ والمُقابِل أَي أَنها مُحاذِيَتُها، وذاتُ عِرْق مِيقاتُ أَهل الْعِرَاقِ، وقَرَنٌ ميقاتُ أَهل نَجْدٍ، وَمَسَافَتُهُمَا مِنَ الْحَرَمِ سَوَاءٌ. والحِذاءُ: الإِزاءُ. الْجَوْهَرِيُّ: وحِذاءُ الشَّيْءِ إِزاؤُه. ابْنُ سِيدَهْ: والحَذْوُ مِنْ أَجزاءِ الْقَافِيَةِ حركةُ الْحَرْفِ الَّذِي قَبْلَ الرِّدْفِ، يَجُوزُ ضَمَّتُهُ مَعَ كَسْرَتِهِ وَلَا يَجُوزُ مَعَ الْفَتْحِ غيرُه نَحْوُ ضَمَّةِ قُول مَعَ كَسْرَةِ قِيل، وَفَتْحَةِ قَوْل مَعَ فَتْحَةِ قَيْل، وَلَا يَجُوزُ بَيْعٌ مَعَ بِيع؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: إِذا كَانَتِ الدَّلَالَةُ قَدْ قَامَتْ عَلَى أَن أَصل الرِّدْفِ إِنما هُوَ الأَلف ثُمَّ حُمِلَتِ الْوَاوُ وَالْيَاءُ فِيهِ عَلَيْهِمَا، وَكَانَتِ الأَلف أَعني الْمَدَّةَ الَّتِي يُرْدَفُ بِهَا لَا تَكُونُ إِلا تَابِعَةً لِلْفَتْحَةِ وصِلَةً لَهَا ومُحْتَذاةً عَلَى جِنْسِهَا، لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ أَن تُسَمَّى الْحَرَكَةُ قَبْلَ الرِّدْف حَذْواً أَي سبيلُ حَرْفِ الرَّويِّ أَن يَحْتَذِيَ الحركةَ قَبْلَهُ فتأْتي الأَلف بَعْدَ الْفَتْحَةِ وَالْيَاءِ بَعْدَ الْكَسْرَةِ وَالْوَاوِ بَعْدَ الضَّمَّةِ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: فَفِي هَذِهِ السِّمَةِ مِنَ الْخَلِيلِ، رَحِمَهُ اللَّهُ، دَلَالَةٌ عَلَى أَن الرِّدْفَ بِالْوَاوِ وَالْيَاءِ الْمَفْتُوحِ
__________
(1) . قوله [الحُذْوَة والحُذَاوَة مَا يَسْقُطُ إلخ] كلاهما بضم الحاء مضبوطاً بالأَصل ونسختين صحيحتين من نهاية ابن الأَثير
(2) . قوله [الأَلماس] هو هكذا بأل في الأَصل والنهاية، وفي القاموس: ولا تقل الأَلماس، وانظر ما تقدَّم في مادة م وس.(14/170)
مَا قَبْلَهَا لَا تَمَكُّنَ لَهُ كَتَمكُّن مَا تَبِعَ مِنَ الرَّوِيّ حركةَ مَا قَبْلَهُ. يُقَالُ: هُوَ حِذاءَكَ وحِذْوَتَكَ وحِذَتَكَ ومُحاذَاكَ، وَدَارِي حَذْوَةَ دَارِكَ وحَذْوَتُها وحَذَتُها «1» . وحَذْوَها وحَذْوُها أَي إِزاءها؛ قَالَ:
مَا تَدْلُكُ الشمسُ إِلَّا حَذْوَ مَنْكِبِه ... فِي حَوْمةٍ دُونَها الهاماتُ والقَصَرُ
وَيُقَالُ: اجلسْ حِذَةَ فلانٍ أَي بِحِذائِه. الْجَوْهَرِيُّ: حَذَوْتُه قعدتُ بِحِذَائِهِ. وَجَاءَ الرَّجُلَانِ حِذْيَتَيْنِ أَي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلى جَنْبِ صَاحِبِهِ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَجَاءَ الرجلانِ حِذَتَيْن أَي جَمِيعًا، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجَنْبِ صَاحِبِهِ. وحَاذَى المكانَ: صَارَ بحِذائِه، وفلانٌ بحِذَاءِ فُلَانٍ. وَيُقَالُ: حُذ بحِذَاء هَذِهِ الشَّجَرَةِ أَي صِرْ بحِذَائها؛ قَالَ الكُمَيْت:
مَذانِبُ لَا تَسْتَنْبِتُ العُودَ فِي الثَّرَى، ... وَلَا يَتَحَاذَى الحائِمُونَ فِصالَها
يُرِيدُ بالمَذانِب مَذانبَ الفِتَنِ أَي هَذِهِ المَذانِبُ لَا تُنْبتُ كمَذَانِبِ الرِّيَاضِ وَلَا يَقْتسمُ السَّفْرُ فِيهَا الماءَ، وَلَكِنَّهَا مَذانِبُ شَرٍّ وفِتْنةٍ. وَيُقَالُ: تَحَاذَى القومُ الماءَ فِيمَا بَيْنَهُمْ إِذا اقْتَسموه مِثْلَ التَّصافُنِ. والحِذْوَةُ مِنَ اللَّحْمِ: كالحِذْية. وَقَالَ: الحِذْيةُ مِنَ اللَّحْمِ مَا قُطع طُولًا، وَقِيلَ: هِيَ الْقِطْعَةُ الصَّغِيرَةُ. الأَصمعي: أَعطيته حِذْيَةً مِنْ لَحْمٍ وحُذَّةً وفِلْذَةً كلُّ هَذَا إِذا قُطِعَ طُولًا. وَفِي حَدِيثِ الإِسراء:
يَعْمدونَ إِلى عُرْضِ جَنْبِ أَحدِهم فيَحْذُونَ مِنْهُ الحُذْوَةَ مِنَ اللَّحْمِ
أَي يَقْطَعُونَ مِنْهُ القِطْعة. وَفِي حَدِيثِ مَسِّ الذَّكَرِ:
إِنما هُوَ حِذْيةٌ مِنْكَ
أَي قِطْعةٌ؛ قِيلَ: هِيَ بِالْكَسْرِ مَا قُطع مِنَ اللحْمِ طُولًا. وَمِنْهُ الحديثُ:
إِنما فَاطِمَةُ حِذْيَةٌ مِنِّي يَقْبضني مَا يَقْبِضُهَا.
وحَذَاهُ حَذْواً: أَعطاه. والحِذْوَة والحَذِيَّةُ والحُذْيا والحُذَيَّا: العطيَّة، وَالْكَلِمَةُ يَائِيَّةٌ بِدَلِيلِ الحِذْيَةِ، وَوَاوِيَّةٌ بِدَلِيلِ الحِذْوَة. وَفِي التَّهْذِيبِ: أَحْذَاهُ يُحْذِيه إِحْذَاءً وحِذْيَةً وحذْياً، مَقْصُورَةً، وحِذْوَةً إِذا أَعطاه. وأَحْذَيْتُه مِنَ الْغَنِيمَةِ أُحْذِيه: أَعطيته مِنْهَا، وَالِاسْمُ الحَذِيَّة والحِذْوَةُ والحُذْيا. وأَحْذَى الرجلَ: أَعطاه مِمَّا أَصاب، وَالِاسْمُ الحِذْيَةُ. والحَذِيَّةُ والحُذْيا والحُذَيَّا: وَهِيَ القِسْمة مِنَ الْغَنِيمَةِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: والحُذَيَّا مِثْلُ الثُّرَيَّا مَا أَعطى الرجلُ لِصَاحِبِهِ مِنْ غَنِيمَةٍ أَو جَائِزَةٍ. وَمِنْهُ المَثَلُ: بينَ الحُذَيَّا وَبَيْنَ الخُلْسةِ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَخَذَه بَيْنَ الحُذَيَّا والخُلْسة أَي بَيْنَ الهِبةِ والاسْتِلابِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ وَشَاهِدُ الحِذْوَةِ بِمَعْنَى الحُذَيَّا قَوْلُ أَبي ذُؤَيْبٍ:
وقائلةٍ: مَا كانَ حِذْوَةَ بَعْلِها، ... غَداتَئِذٍ، مِنْ شَاءِ قَرْدٍ وكاهِلِ
قَرْدٌ وكاهل: قَبِيلَتَانِ مِنْ هُذَيْل، وَهَذَا الْبَيْتُ أَوْرَدَهُ ابْنُ سِيدَهْ عَلَى مَا صوَّرته. قَالَ ابْنُ جِنِّي: لَامُ الحِذْيَةِ وَاوٌ لِقَوْلِ أَبي ذُؤَيْبٍ، وأَنشد الْبَيْتَ. وحُذْيَايَ مِنْ هَذَا الشَّيْءِ أَي أَعطني. والحُذَيَّا: هَديَّةُ البِشارة. وَيُقَالُ: أَحْذانِي مِنَ الحُذْيا أَي أَعطاني مِمَّا أَصاب شَيْئًا. وأَحْذَاهُ حُذْيا أَي وهَبَها لَهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ مَثَلُ الدَّاريِّ، إِن لَمْ يُحْذِكَ مِنْ عِطْرِه عَلِقَكَ مِنْ رِيحه
أَي إِن لَمْ يُعْطِكَ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: فيُداوِينَ الجَرْحَى ويُحْذَيْنَ مِنَ الْغَنِيمَةِ
أَي يُعْطَيْنَ. وَفِي حَدِيثِ
الهَزْهازِ: مَا أَصَبْتَ مِنْ عُمَر؟ قلتُ: الحُذْيا.
اللِّحْيَانِيُّ: أَحْذَيْتُ الرجلَ طَعْنَةً أَي طَعنتُه. ابن
__________
(1) . قوله [وحذتها] برفع التاء ونصبها كما في القاموس(14/171)
سِيدَهْ: وحَذَى اللبنُ اللسانَ والخَلُّ فَاهُ يَحْذِيه حَذْيَاً قَرَصه، وَكَذَلِكَ النبيذُ وَنَحْوُهُ، وَهَذَا شَرَابٌ يَحْذِي اللِّسَانَ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وحَذَا الشرابُ اللسانَ يَحْذُوه حَذْواً قَرَصه، لُغَةٌ فِي حَذَاه يَحْذِيه؛ حَكَاهَا أَبو حَنِيفَةَ، قَالَ: وَالْمَعْرُوفُ حَذَى يَحْذِي. وحَذَى الإِهابَ حَذْياً: أَكثر فِيهِ مِنَ التَخْرِيق. وحَذَا يَدَهُ بِالسِّكِّينِ حَذْياً: قَطَعَهَا، وَفِي التَّهْذِيبِ: فَهُوَ يَحْذِيها إِذا حَزَّها، وحَذَيْتُ يَدَه بِالسِّكِّينِ. وحَذَتِ الشَّفْرَةُ النعلَ: قَطَعَتْهَا. وحَذَاه بِلِسَانِهِ: قَطَعَهُ عَلَى المَثَل. وَرَجُلٌ مِحْذَاءٌ: يَحْذِي الناسَ. وحَذِيَت الشاةُ تَحْذَى حَذىً، مَقْصُورٌ: فَهُوَ أَن يَنْقَطِعَ سَلاها فِي بَطْنها فتَشْتَكي. ابنُ الفَرَج: حَذَوْتُ التُّراب فِي وُجُوهِهِمْ وحَثَوْتُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَبَدَّ يَده إِلى الأَرض عِنْدَ انْكِشَافِ الْمُسْلِمِينَ، يومَ حُنَيْن، فأَخذ مِنْهَا قَبْضَةً مِنْ تُرابٍ فَحَذَا بِهَا فِي وُجُوهِ الْمُشْرِكِينَ فَمَا زَالَ حَدُّهم كَلِيلًا
أَي حَثَى؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: أَي حَثَى عَلَى الإِبدال أَو هُمَا لُغَتَانِ. والحَذِيَّةُ: اسْمُ هَضْبة؛ قَالَ أَبو قِلابةَ:
يَئِسْتُ مِنَ الحَذِيَّةِ أُمَّ عَمْروٍ، ... غَداةَ إِذ انْتَحَوْنِي بالجنَابِ
حري: حَرَى الشيءُ يَحْرِي حَرْياً: نَقَصَ، وأَحْرَاه الزمانُ. اللَّيْثُ: الحَرْيُ النُّقصان بَعْدَ الزِّيَادَةِ. يُقَالُ: إِنه يَحْرِي كَمَا يَحْرِي القمرُ حَرْياً يَنْقُصُ الأَوّل مِنْهُ فالأَول؛ وأَنشد شَمِرٌ:
مَا زَالَ مَجْنُوناً عَلَى اسْتِ الدَّهْرِ، ... فِي بَدَنٍ يَنْمِي وعَقْلٍ يَحْرِي
وَفِي
حَدِيثِ وَفَاةِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَمَا زَالَ جِسْمُه يَحْرِي
أَي يَنْقُص. وَمِنْهُ حَدِيثِ
الصِّديق، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَمَا زَالَ جِسْمُه يَحْرِي بَعْدَ وفاةِ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى لَحِقَ بِهِ.
وَفِي حَدِيثِ
عَمْرِو بْنِ عَبْسَة: فإِذا رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُسْتَخْفِياً حِراءٌ عَلَيْهِ قومُه
أَي غِضَابٌ ذَوُو هَمٍّ وغَمٍّ قَدِ انْتَقَصَهم أَمْرُه وعِيلَ صَبْرُهم بِهِ حَتَّى أَثَّر فِي أَجْسامهم. والحَارِيَةُ: الأَفْعى الَّتِي قَدْ كبِرتْ ونَقَص جِسْمُهَا مِنَ الكِبَر وَلَمْ يَبْقَ إِلا رأْسُها ونَفَسُها وسَمُّها، والذَّكر حارٍ؛ قَالَ:
أَو حارِياً مِنَ القُتَيْراتِ الأُوَلْ، ... أَبْتَرَ قِيدَ الشِّبرِ طُولًا أَو أَقَلّ
وأَنشد شَمِرٌ:
انْعَتْ عَلَى الجَوْفاءِ فِي الصُّبْح الفَضِحْ ... حوَيْرِياً مثلَ قَضِيبِ المُجْتَدِحْ
والحَراة: الساحةُ والعَقْوَةُ والناحيةُ، وَكَذَلِكَ الحَرَا، مَقْصُورٌ. يُقَالُ: اذْهَبْ فَلَا أَرَيَنَّكَ بِحَرَايَ وحَرَاتِي. وَيُقَالُ: لَا تَطُرْ حَرَانا أَي لَا تَقْرَبْ مَا حَوْلَنَا. وَفِي حَدِيثِ
رَجُلٍ مِنْ جُهَينة: لَمْ يَكُنْ زَيْدُ بنُ خَالِدٍ يَقْرَبه بِحَراهُ سُخْطاً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
؛ الحَرَا، بِالْفَتْحِ وَالْقَصْرِ: جَنابُ الرَّجُلِ. والحَرَا والحَرَاةُ: ناحيةُ الشيء. والحَرَا: مَوْضِعُ البَيْض؛ قَالَ:
بَيْضَةٌ ذادَ هَيْقُها عَنْ حَرَاها ... كُلَّ طارٍ عَلَيْهِ أَن يَطْراها
هُوَ الأُفْحُوصُ والأُدْحِيُّ، وَالْجَمْعُ أَحْرَاء. والحَرَا: الكِناسُ. التَّهْذِيبُ: الحَرَا كُلُّ مَوْضِعٍ لظَبْيٍ يأْوِي إِليه. الأَزهري: قَالَ اللَّيْثُ فِي تَفْسِيرِ الحَرَا إِنه مَبِيضُ النَّعام أَو مأْوَى الظَّبْي، وَهُوَ باطل، والحَرَا عِنْدَ الْعَرَبِ مَا رَوَاهُ أَبو عُبَيْدٍ عَنِ(14/172)
الأَصمعي: الحَرَا جَنابُ الرَّجُلِ وَمَا حَوْلَهُ، يُقَالُ: لَا تَقْرَبَنَّ حَرَانا. وَيُقَالُ: نَزَلَ بحَرَاهُ وعَرَاهُ إِذا نَزَلَ بِسَاحَتِهِ. وحَرَا مَبِيضِ النَّعامِ: ما حَوْله، وكذلك حَرَا كِناسِ الظَّبْي مَا حَوْله. والحَرَا: موضعُ بَيْضِ اليَمامة. والحَرَا والحَرَاة: الصوتُ والجَلَبة وصوتُ التِهاب النَّارِ وحَفيفُ الشَّجَرِ، وخَصَّ ابْنُ الأَعرابي بِهِ مَرَّةً صوتَ الطَّيْرِ. وحَرَاةُ النَّارِ، مقصورٌ: الْتِهَابُهَا؛ ذَكَرَهُ جَمَاعَةُ اللُّغَوِيِّينَ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ هَذَا تَصْحِيفٌ وإِنما هُوَ الخَوَاة، بِالْخَاءِ وَالْوَاوِ، قَالَ: وَكَذَا قَالَ أَبو عُبَيْدٍ الخَوَاة بِالْخَاءِ وَالْوَاوِ. والحَرَى: الخَلِيقُ كَقَوْلِكَ بالحَرَى أَن يَكُونَ ذَلِكَ، وإِنه لَحَرىً بِكَذَا وحَرٍ وحَرِيٌّ، فَمَنْ قَالَ حَرىً لَمْ يُغَيِّرْهُ عَنْ لَفْظِهِ فِيمَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدِ وسَوَّى بَيْنَ الجِنْسين، أَعني الْمُذَكَّرَ وَالْمُؤَنَّثَ، لأَنه مَصْدَرٌ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
وهُنَّ حَرىً أَن لَا يُثِبْنَكَ نَقْرَةً، ... وأَنتَ حَرىً بالنارِ حينَ تُثِيبُ
وَمَنْ قَالَ حَرٍ وحَرِيٌّ ثَنَّى وَجَمَعَ وأَنث فَقَالَ: حَرِيانِ وحَرُونَ وحَرِيَة وحَرِيَتانِ وحَرِياتٌ وحَرِيَّانِ وحَرِيُّونَ وحَرِيَّة وحَرِيَّتانِ وحَرِيَّاتٌ. وَفِي التَّهْذِيبِ: وَهُمْ أَحْرِياء بِذَلِكَ وهُنَّ حَرَايَا وأَنتم أَحْرَاءٌ، جَمْعُ حَرٍ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَقَدْ يَجُوزُ أَن تُثَنِّيَ مَا لَا تَجْمَعُ لأَن الْكِسَائِيَّ حُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ أَنهم يُثَنُّونَ مَا لَا يَجْمَعُونَ فَيَقُولُ إِنهما لحَرَيانِ أَن يَفْعَلَا؛ وَكَذَلِكَ رُوِيَ بيتُ عَوْفِ بْنُ الأَحْوصِ الجَعْفَرِي:
أَوْدَى بَنِيَّ فَما بِرَحْلِي مِنْهُمُ ... إِلا غُلاما بَيَّةٍ ضَنَيانِ
بِالْفَتْحِ، كَذَا أَنشده أَبو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ وَصَرَّحَ بأَنه مَفْتُوحٌ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ شاهدُ حَرِيّ قولُ لَبِيدٍ:
مِنْ حَياةٍ قَدْ سَئِمْنا طُولَها، ... وحَرِيٌّ طُولُ عَيْشٍ أَن يُمَلّ
وَفِي الْحَدِيثِ:
إِن هَذَا لَحرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَن يَنْكِحَ.
يُقَالُ: فُلَانٌ حَرِيٌّ بِكَذَا وحَرىً بِكَذَا وحَرٍ بِكَذَا وبالحَرَى أَن يَكُونَ كَذَا أَي جَديرٌ وخَلِيقٌ. ويُحَدِّثُ الرجلُ الرجلَ فيقولُ: بالحَرَى أَن يَكُونَ، وإِنه لمَحْرىً أَن يَفْعَلَ ذَلِكَ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. وإِنه لمَحْراة أَن يفعلَ، وَلَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ وَلَا يُؤَنَّثُ كَقَوْلِكَ مَخْلَقة ومَقْمَنة. وَهَذَا الأَمر مَحْراةٌ لِذَلِكَ أَي مَقْمنة مِثْلُ مَحْجَاة. وَمَا أَحْرَاه: مِثْلُ مَا أَحْجاه، وأَحْرِ بِهِ: مِثْل أَحْجِ بِهِ؛ قَالَ:
ومُسْتَبْدِلٍ مِنْ بَعْدِ غَضْيَا صُرَيْمَةً، ... فأَحْرِ بِهِ لطُولِ فَقْرٍ وأَحْرِيَا
أَي وأَحْرِيَنْ، وَمَا أَحْراهُ بِهِ؛ وَقَالَ الشَّاعِرُ:
فإِن كنتَ تُوعِدُنا بالهِجاء، ... فأَحْرِ بمَنْ رامَنا أَن يَخِيبَا
وَقَوْلُهُمْ فِي الرَّجُلِ إِذا بَلَغَ الْخَمْسِينَ حَرىً؛ قَالَ ثَعْلَبٌ: مَعْنَاهُ هُوَ حَرىً أَن يَنالَ الخيرَ كُلَّهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِذا كَانَ الرجلُ يَدْعُو فِي شَبِيبَتِه ثُمَّ أَصابه أَمرٌ بعدَ ما كَبِرَ فبالحَرَى أَن يُسْتجابَ لَهُ.
وَمِنْ أَحْرِ بِهِ اشْتُقَّ التَّحَرِّي فِي الأَشياء وَنَحْوِهَا، وَهُوَ طَلَبُ مَا هُوَ أَحْرَى بِالِاسْتِعْمَالِ فِي غَالِبِ الظَّنِّ، كَمَا اشْتُقَّ التَّقَمُّن مِنَ القَمِين. وَفُلَانٌ يتَحَرَّى الأَمرَ أَي يتَوَخّاه ويَقْصِده. والتَّحَرِّي: قصْدُ الأَوْلى والأَحَقِّ، مأْخوذ مِنَ الحَرَى وَهُوَ الخَليقُ، والتَّوَخِّي مِثْلُهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
تحَرَّوْا ليلةَ القَدْرِ فِي العَشْرِ(14/173)
الأَواخِر
أَي تعَمَّدوا طَلَبَهَا فِيهَا. والتَّحَرِّي: القَصْدُ والاجتهادُ فِي الطَّلَبِ والعزمُ عَلَى تَخْصِيصِ الشَّيْءِ بِالْفِعْلِ وَالْقَوْلِ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
لَا تَتَحَرَّوْا بِالصَّلَاةِ طلوعَ الشمسِ وغروبَها.
وتحَرَّى فلانٌ بِالْمَكَانِ أَي تمكَّث. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً
؛ أَي توَخَّوْا وعَمَدُوا، عَنْ أَبي عُبَيْدٍ؛ وأَنشد لِامْرِئِ الْقَيْسِ:
دِيمةٌ هَطْلاء فِيهَا وطَفٌ، ... طَبَقُ الأَرضِ تحَرَّى وتَدُرْ [تَدِرْ]
وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: مَا رأَيتُ مِنْ حَرَاتِه وحَرَاه، لَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا. وحَرَى أَن يَكُونَ ذَاكَ: فِي مَعْنَى عسَى. وتَحَرَّى ذَلِكَ: تعَمَّده. وحِرَاء، بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ: جَبَلٌ بِمَكَّةَ مَعْرُوفٌ، يُذَكَّرُ ويؤَنث. قَالَ سِيبَوَيْهِ: مِنْهُمْ مَنْ يَصْرِفُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَصْرِفُهُ يَجْعَلُهُ اسْمًا لِلْبُقْعَةِ؛ وأَنشد:
ورُبَّ وَجْهٍ مِن حِرَاءٍ مُنْحَن
وأَنشد أَيضاً:
ستَعْلم أَيَّنا خَيْرًا قَدِيمًا، ... وأَعْظَمَنا ببَطْنِ حِرَاءَ نَارَا
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هَكَذَا أَنشده سِيبَوَيْهِ. قَالَ: وَهُوَ لِجَرِيرٍ؛ وأَنشده الْجَوْهَرِيُّ:
أَلَسْنا أَكرَمَ الثَّقَلَيْنِ طُرّاً، ... وأَعْظَمَهم ببطْن حِراءَ نَارَا
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: لَمْ يَصْرِفْهُ لأَنه ذَهَبَ بِهِ إِلى الْبَلْدَةِ الَّتِي هُوَ بِهَا. وَفِي الْحَدِيثِ:
كَانَ يتَحَنَّثُ بحِراءٍ
، هُوَ بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ مَكَّةَ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: كَثِيرٌ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ يَغْلَطون فِيهِ فيفْتَحون حَاءَهُ ويَقْصُرونه ويُميلونه، وَلَا تَجُوزُ إِمالته لأَن الرَّاءَ قَبْلَ الأَلف مَفْتُوحَةٌ، كَمَا لَا تَجُوزُ إِمالة رَاشِدٍ وَرَافِعٍ.
ابْنُ سِيدَهْ: الحَرْوَةُ حُرْقةٌ يَجِدُها الرجلُ فِي حَلْقه وصَدْره ورأْسه مِنَ الغَيْظ والوَجَع. والحَرْوَة: الرَّائِحَةُ الْكَرِيهَةُ مَعَ حِدَّةٍ فِي الخَياشِيم. والحَرْوَةُ والحَرَاوَةُ: حَرَافةٌ تَكُونُ فِي طَعْم نَحْوِ الخَرْدل وَمَا أَشبهه حَتَّى يقالُ: لِهَذَا الكُحْل حَرَاوَة ومَضاضَة فِي الْعَيْنِ. النَّضْرُ: الفُلْفُل لَهُ حَرَاوَة، بِالْوَاوِ، وحَرَارة، بِالرَّاءِ. يُقَالُ: إِني لأَجد لِهَذَا الطَّعَامِ حَرْوَة وحَرَاوة أَي حَرارة، وَذَلِكَ مِنْ حَرافةِ شَيْءٍ يؤْكل. قَالَ الأَزهري: ذَكَرَ اللَّيْثُ الحِرَّ فِي الْمُعْتَلِّ هَاهُنَا، وبابُ الْمُضَاعَفِ أَولى بِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي تَرْجَمَةِ حَرِحٍ وَفِي تَرْجَمَةِ رَحَا. يُقَالُ: رَحَاه إِذا عَظَّمه، وحَرَاه إِذا أَضاقَه، والله أعلم.
حزا: التَّحَزِّي: التَّكَهُّنُ. حَزَى حَزْياً وتَحَزَّى تكَهَّنَ؛ قَالَ رؤْبة:
لَا يأْخُذُ التَّأْفِيكُ والتَّحَزِّي ... فِينَا، وَلَا قوْلُ العِدَى ذُو الأَزِّ
والحَازِي: الَّذِي يَنْظُرُ فِي الأَعضاء وَفِي خِيلانِ الوجْهِ يتَكَهَّنُ. ابْنُ شُمَيْلٍ: الحَازِي أَقَلُّ عِلْمًا مِنَ الطَّارِقِ، والطارقُ يَكَادُ أَنْ يَكُونَ كاهِناً، والحَازِي يَقُولُ بظَنٍّ وخَوْف، والعائِفُ الْعَالِمُ بالأُمور، وَلَا يُسْتَعافُ إِلا مَنْ عَلِمَ وجَرَّبَ وعرَفَ، والعَرّافُ الَّذِي يَشُمُّ الأَرض فَيَعْرِفُ مَواقِعَ الْمِيَاهِ ويعْرِفُ بأَيِّ بَلَدٍ هُوَ وَيَقُولُ دَواءُ الَّذِي بِفُلَانٍ كَذَا وَكَذَا، وَرَجُلٌ عَرّافٌ وعائِفٌ وَعِنْدَهُ عِرَافة وعِيافَةٌ بالأُمور. وَقَالَ اللَّيْثُ: الحَازِي الكاهِنُ، حَزَا يَحْزُو ويَحْزِي ويَتَحَزَّى؛ وأَنشد:
وَمَنْ تَحَزَّى عاطِساً أَوطَرَقا
وَقَالَ:
وحَازِيَةٍ مَلْبُونَةٍ ومُنَجِّسٍ، ... وطارقةٍ فِي طَرْقِها لَمْ تُسَدِّدِ(14/174)
وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: حَزَا حَزْواً وتَحَزَّى تكَهَّنَ، وحَزَا الطيرَ حَزْواً: زَجَرَها، قَالَ: وَالْكَلِمَةُ يَائِيَّةٌ وَوَاوِيَّةٌ. وحَزَى النخلَ حَزْياً: خَرَصه. وحَزَى الطيرَ حَزْياً: زَجَرَها. الأَزهري عَنِ الأَصمعي: حَزَيْتُ الشَّيْءَ أَحْزِيه إِذا خَرَصتَه وحَزَوْتُ، لُغَتَانِ مِنَ الحازِي، وَمِنْهُ حَزَيْتُ الطيرَ إِنما هُوَ الخَرْصُ. وَيُقَالُ لِخَارِصِ النَّخْلِ حَازٍ، وَلِلَّذِي يَنْظُرُ فِي النُّجُومِ حَزَّاءٌ، لأَنه يَنْظُرُ فِي النُّجُومِ وأَحكامها بِظَنِّهِ وَتَقْدِيرِهِ فَرُبَّمَا أَصاب. أَبو زَيْدٍ: حَزَوْنا الطيرَ نَحْزُوها حَزْواً زَجَرْناها زَجْراً. قَالَ: وَهُوَ عِنْدَهُمْ أَن يَنْغِقَ الغُرابُ مستقبِلَ رَجُلٍ وَهُوَ يُرِيدُ حَاجَةً فَيَقُولُ هُوَ خَيْرٌ فَيَخْرُجُ، أَو يَنْغِقَ مُسْتدْبِرَه فَيَقُولُ هَذَا شَرٌّ فَلَا يَخْرُجُ، وإِن سَنَح لَهُ شَيْءٌ عَنْ يَمِينِهِ تيَمَّنَ بِهِ، أَو سَنَح عَنْ يَسَارِهِ تشاءَم بِهِ، فَهُوَ الحَزْوُ والزَّجْرُ. وَفِي حَدِيثِ
هِرَقل: كَانَ حَزَّاء
؛ الحَزَّاءُ والحَازِي: الَّذِي يَحْزُرُ الأَشياء ويقَدِّرُها بِظَنِّهِ. يُقَالُ: حَزَوْتُ الشيءَ أَحْزُوه وأَحْزِيه. وَفِي الْحَدِيثِ:
كَانَ لفرعونَ حازٍ
أَي كاهِنٌ. وحَزَاه السَّرابُ يَحْزِيه حَزْياً: رَفَعه؛ وأَنشد:
فَلَمَّا حَزَاهُنَّ السَّرابُ بعَيْنِه ... عَلَى البِيدِ، أَذْرَى عَبرَةً وتتَبَّعا
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: حَزَا السَّرابُ الشخصَ يَحْزُوه ويَحْزِيه إِذا رَفَعَهُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ وحَزَا الْآلُ؛ وَرَوَى الأَزهري عَنِ ابْنِ الأَعرابي قَالَ: إِذا رُفِعَ لَهُ شَخْصُ الشَّيْءِ فَقَدْ حُزِيَ، وأَنشد: فَلَمَّا حَزَاهُنَّ السرابُ «2» . والحَزَا والحَزَاءُ جَمِيعًا: نبتٌ يشبِه الكَرَفْس، وَهُوَ مِنْ أَحْرار البُقول، وَلِرِيحِهِ خَمْطَةٌ، تَزْعُمُ الأَعراب أَن الْجِنَّ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا يَكُونُ فِيهِ الحَزاءُ، وَالنَّاسُ يَشْرَبون ماءَه مِنَ الرِّيح ويُعَلَّقُ عَلَى الصِّبْيَانِ إِذا خُشِيَ عَلَى أَحدهم أَن يَكُونَ بِهِ شَيْءٍ. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الحَزَا نوعانِ أَحدهما مَا تَقَدَّمَ، وَالثَّانِي شَجَرَةٌ تَرْتَفِعُ عَلَى سَاقٍ مقدارَ ذِرَاعَيْنِ أَو أَقلّ، وَلَهَا وَرَقَةٌ طَوِيلَةٌ مُدْمَجة دقيقةُ الأَطراف عَلَى خِلْقَة أَكِمَّةِ الزَّرْع قَبْلَ أَن تتَفَقَّأ، وَلَهَا بَرَمَة مِثْلُ بَرَمَةِ السَّلَمَةِ وطولُ ورَقها كَطُولِ الإِصْبَع، وَهِيَ شَدِيدَةُ الخُضْرة، وَتَزْدَادُ عَلَى المَحْلِ خُضْرَةً، وَهِيَ لَا يَرْعاها شَيْءٌ، فإِن غَلِطَ بِهَا الْبَعِيرُ فَذَاقَهَا فِي أَضعاف العُشْب قتَلَتْه عَلَى الْمَكَانِ، الْوَاحِدَةُ حَزَاةٌ وحَزَاءَةٌ. وَفِي حَدِيثِ بَعْضِهِمْ:
الحَزاة يَشْرَبُهَا أَكايِسُ النِّسَاءِ للطُّشَّةِ
؛ الحَزَاة: نَبْتٌ بِالْبَادِيَةِ يُشْبِهُ الكَرَفْس إِلا أَنه أَعظم وَرَقًا مِنْهُ، والحَزَا جِنسٌ لَهَا، والطُّشَّةُ الزُّكامُ، وَفِي رِوَايَةٍ:
يَشْترِيها أَكايسُ النِّسَاءِ للخافِيَةِ والإِقْلاتِ
؛ الخافِيَةُ: الجِنُّ، والإِقلاتُ: مَوْتُ الوَلد، كأَنهم كَانُوا يَرَوْنَ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ الْجِنِّ، فإِذا تَبَخَّرْنَ بِهِ منَعَهُنَّ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ شَمِرٌ: تَقُولُ ريحُ حَزَاء فالنَّجاء؛ قَالَ: هُوَ نباتٌ ذَفِرٌ يُتَدَخَّنُ بِهِ للأَرْواح، يُشْبه الكَرَفْسَ وَهُوَ أَعظم مِنْهُ، فَيُقَالُ: اهْرُبْ إِن هَذَا ريحُ شرٍّ. قَالَ: وَدَخَلَ عَمْرو بْنُ الحَكَم النَّهْدِيُّ عَلَى يَزِيدَ بْنِ المُهَلَّب وَهُوَ فِي الْحَبْسِ، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: أَبا خَالِدٍ ريحُ حَزَاء فالنَّجاء، لَا تَكُنْ فَريسةً للأَسَدِ اللَّابِدِ، أَي أَن هَذَا تَباشِيرُ شَرٍّ، وَمَا يَجِيءُ بَعْدَ هَذَا شرٌّ مِنْهُ. وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: الحَزَاء مَمْدُودٌ لَا يُقْصَرُ. وَقَالَ شَمِرٌ: الحَزَاء يُمَدُّ وَيُقْصَرُ. الأَزهري: يُقَالُ أَحْزَى يُحْزي إِحْزَاءً إِذا هابَ؛ وأَنشد:
ونفْسِي أَرادَتْ هَجْرَ ليْلى فَلَمْ تُطِقْ ... لَهَا الهَجْرَ هابَتْه، وأَحْزَى جَنِينُها
وَقَالَ أَبو ذؤَيب:
__________
(2) . البيت(14/175)
كعُوذِ المُعَطَّعفِ أَحْزَى لَهَا ... بمَصْدَرِه الماءَ رَأْمٌ رَدِي
أَي رَجَع لَهَا رَأْمٌ أَي ولدٌ رديءٌ هالكٌ ضعيفٌ. والعُوذُ: الحديثةُ الْعَهْدِ بالنَّتاج. والمُحْزَوْزي: المُنْتَصِبُ، وَقِيلَ: هُوَ القَلِقُ، وَقِيلَ: المُنْكسر. وحُزْوَى والحَزْوَاءُ وحَزَوْزَى: مَوَاضِعُ. وحُزْوَى: جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ الدَّهْناء؛ قَالَ الأَزهري: وَقَدْ نَزَلَتْ بِهِ. وحُزْوَى، بِالضَّمِّ: اسْمُ عُجْمةٍ مِنْ عُجَمِ الدَّهْناء، وَهِيَ جُمْهور عَظِيمٌ يَعْلو تِلْكَ الجماهيرَ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
نَبَتْ عيناكَ عَنْ طَللٍ بحُزْوَى، ... عَفَتْه الريحُ وامْتُنِحَ القِطارَا
وَالنِّسْبَةُ إِليها حُزَاوِيٌّ؛ وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
حُزَاوِيَّةٌ أَو عَوْهَجٌ مَعْقِلِيَّةٌ ... تَرُودُ بأَعْطافِ الرِّمالِ الحَزَاورِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ حُزاويةٍ بِالْخَفْضِ؛ وَكَذَلِكَ مَا بَعْدَهُ لأَن قَبْلَهُ:
كأَنَّ عُرَى المَرْجانِ مِنْهَا تعلَّقَتْ ... عَلَى أُمِّ خِشْفٍ مِنْ ظِباءِ المَشاقِر
قَالَ: وَقَوْلُهُ الحَزَاور صَوَابُهُ الحَرَائِر وَهِيَ كَرَائِمُ الرِّمال، وأَما الحَزَاورُ فَهِيَ الرَّوابي الصِّغارُ، الْوَاحِدَةُ حَزْوَرَةٌ.
حسا: حَسَا الطائرُ الماءَ يَحْسُو حَسْواً: وَهُوَ كالشُّرْب للإِنسان، والحَسْوُ الفِعْل، وَلَا يُقَالُ لِلطَّائِرِ شَرِبَ، وحَسا الشيءَ حَسْواً وتحَسَّاهُ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: التَّحَسِّي عَمَلٌ فِي مُهْلةٍ. واحْتَسَاه: كتَحَسَّاه. وَقَدْ يَكُونُ الاحْتِسَاءُ فِي النَّوْمِ وتَقَصِّي سَيْرِ الإِبلِ، يُقَالُ: احْتَسَى سيرَ الْفَرَسِ وَالْجَمَلِ والناقةِ؛ قَالَ:
إِذا احْتَسى يَوْمَ هَجِيرٍ هائِف ... غُرُورَ عِيدِيّاتها الخَوانِف
وهُنَّ يَطْوِينَ عَلَى التَّكالِف ... بالسَّيْفِ أَحْياناً وبالتَّقاذُف
جَمَعَ بَيْنَ الْكَسْرِ وَالضَّمِّ، وَهَذَا الَّذِي يُسَمِّيهِ أَصحاب الْقَوَافِي السِّنَادَ فِي قَوْلِ الأَخفش، وَاسْمُ مَا يُتَحَسَّى الحَسِيَّةُ والحَسَاءُ، مَمْدُودٌ، والحَسْوُ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأُرَى ابْنُ الأَعرابي حَكَى فِي الِاسْمِ أَيضاً الحَسْوَ عَلَى لَفْظِ الْمَصْدَرِ، والحَسَا، مَقْصُورٌ، عَلَى مِثَالِ القَفا، قَالَ: وَلَسْتُ مِنْهُمَا عَلَى ثِقَةٍ، والحُسْوَةُ، كُلُّهُ: الشَّيْءُ الْقَلِيلُ مِنْهُ. والحُسْوةُ: مِلْءُ الفَمِ. وَيُقَالُ: اتَّخِذُوا لَنَا حَسِيَّةً؛ فأَما قَوْلُهُ أَنشده ابْنُ جِنِّي لِبَعْضِ الرُّجَّاز:
وحُسَّد أَوْشَلْتُ مِن حِظاظِها ... عَلَى أَحَاسِي الغَيْظِ واكْتِظاظِها
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: عِنْدِي أَنه جَمَعَ حَسَاءٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَقَدْ يَكُونُ جَمَعَ أُحْسِيَّةٍ وأُحْسُوَّةٍ كأُهْجِيَّةٍ وأُهْجُوَّة، قَالَ: غَيْرَ أَني لَمْ أَسمعه وَلَا رأَيته إِلا فِي هَذَا الشِّعْرِ. والحَسْوة: الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ، وَقِيلَ: الحَسْوة والحُسْوَة لُغَتَانِ، وَهَذَانَ الْمِثَالَانِ يَعْتَقِبَانِ عَلَى هَذَا الضَّرْبِ كَثِيرًا كالنَّغْبة والنُّغْبة والجَرْعة والجُرْعة، وَفَرَّقَ يُونُسُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْمِثَالَيْنِ فَقَالَ: الفَعْلة للفِعْل والفُعْلة لِلِاسْمِ، وَجَمْعُ الحُسْوَة حُسىً، وحَسَوْت المَرَق حَسْواً. وَرَجُلٌ حَسُوٌّ: كثير التَّحَسِّي. ويوم ك حَسْوِ الطَّيْرِ أَي قَصِيرٌ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: نِمتُ نَوْمةً كحَسْوِ الطَّيْرِ إِذا نَامَ نَوْمًا قَلِيلًا. والحَسُوُّ عَلَى فَعُول: طَعَامٌ مَعْرُوفٌ، وَكَذَلِكَ الحَساءُ، بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ، تَقُولُ: شَرِبْتَ حَسَاءً وحَسُوّاً. ابْنُ السِّكِّيتِ: حَسَوْتُ شَرِبْتُ حَسُوّاً وحَسَاءً، وَشَرِبْتُ(14/176)
مَشُوّاً ومَشَاءً، وأَحْسَيْتُه المَرَق فحَسَاه واحْتَسَاه بِمَعْنًى، وتحَسَّاه فِي مُهْلة. وَفِي الْحَدِيثِ ذكْرُ الحَسَاءِ، بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ، هُوَ طبيخٌ يُتَّخذ مِنْ دقيقٍ وماءٍ ودُهْنٍ، وَقَدْ يُحَلَّى وَيَكُونُ رَقِيقًا يُحْسَى. وَقَالَ شَمِرٌ: يُقَالُ جَعَلْتُ لَهُ حَسْواً وحَساءً وحَسِيَّةً إِذا طَبَخَ لَهُ الشيءَ الرقيقَ يتَحَسَّاه إِذا اشْتَكَى صَدْرَه، وَيُجْمَعُ الحَسَا حِساءً وأَحْساءً. قَالَ أَبو ذُبْيان بْنُ الرَّعْبل: إِنَّ أَبْغَضَ الشُّيوخ إِليَّ الحَسُوُّ الفَسُوُّ الأَقْلَحُ الأَمْلَحُ؛ الحَسُوُّ: الشَّروبُ. وَقَدْ حَسَوْتُ حَسْوَةً وَاحِدَةً. وَفِي الإِناء حُسْوَةٌ، بِالضَّمِّ، أَي قَدْرُ مَا يُحْسَى مَرَّةً. ابْنُ السِّكِّيتِ: حَسَوْتُ حَسْوةً وَاحِدَةً، والحُسْوَةُ مِلْءُ الْفَمِ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: حَسْوَة وحُسْوَة وغَرْفة وغُرْفة بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَكَانَ يُقَالُ لأَبي جُدْعانَ حَاسِي الذَّهَب لأَنه كَانَ لَهُ إِناءٌ مِنْ ذَهَبٍ يَحْسُو مِنْهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَا أَسْكَرَ مِنْهُ الفَرَقُ فالحُسْوَةُ حَرَامٌ
؛ الحُسْوةُ، بِالضَّمِّ: الجُرْعة بِقَدْرِ مَا يُحْسى مرَّة وَاحِدَةً، وَبِالْفَتْحِ الْمَرَّةُ. ابْنُ سِيدَهْ: الحِسْيُ سَهْلٌ مِنَ الأَرض يَسْتنقع فِيهِ الْمَاءُ، وَقِيلَ: هُوَ غَلْظٌ فَوْقَهُ رَمْلٌ يَجْتَمِعُ فِيهِ مَاءُ السَّمَاءِ، فَكُلَّمَا نزَحْتَ دَلْواً جَمَّتْ أُخرى. وَحَكَى الْفَارِسِيُّ عَنْ أَحمد بْنِ يَحْيَى حِسْيٌ وحِسًى، وَلَا نَظِيرَ لَهُمَا إِلَّا مِعْي ومِعىً، وإِنْيٌ مِنَ اللَّيْلِ وإِنًى. وَحَكَى ابْنُ الأَعرابي فِي حِسْيٍ حَساً، بِفَتْحِ الْحَاءِ عَلَى مِثَالِ قَفاً، وَالْجَمْعُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ أَحْساءٌ وحِساءٌ. واحْتَسَى حِسْياً: احْتَفره، وَقِيلَ: الاحْتِسَاءُ نَبْثُ الترابِ لِخُرُوجِ الْمَاءِ. قَالَ الأَزهري: وَسَمِعْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ يَقُولُ احْتَسَيْنَا حِسْياً أَي أَنْبَطْنا ماءَ حِسْيٍ. والحِسْيُ: الْمَاءُ الْقَلِيلُ. واحْتَسَى مَا فِي نَفْسِهِ: اخْتَبرَه؛ قَالَ:
يقُولُ نِساءٌ يَحْتَسِينَ مَوَدَّتي ... لِيَعْلَمْنَ مَا أُخْفي، ويَعلَمْن مَا أُبْدي
الأَزهري: وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ هَلِ احْتَسَيْتَ مِنْ فُلَانٍ شَيْئًا؟ عَلَى مَعْنَى هَلْ وجَدْتَ. والحَسَى وَذُو الحُسَى، مَقْصُورَانِ: مَوْضِعَانِ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
عَفَا ذُو حُسًى مِنْ فَرْتَنَا فالفَوارِع
وحِسْيٌ: مَوْضِعٌ. قَالَ ثَعْلَبٌ: إِذا ذَكَر كثيرٌ غَيْقةَ فَمَعَهَا حِسَاءٌ، وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: فَمَعَهَا حَسْنَى. والحِسْي: الرَّمْلُ الْمُتَرَاكِمُ أَسفله جَبَلٌ صَلْدٌ، فإِذا مُطِرَ الرَّمْلُ نَشِفَ ماءُ الْمَطَرِ، فإِذا انْتَهى إِلى الْجَبَلِ الَّذِي أَسْفلَه أَمْسَكَ الماءَ وَمَنَعَ الرملُ حَرَّ الشمسِ أَن يُنَشِّفَ الْمَاءَ، فإِذا اشْتَدَّ الحرُّ نُبِثَ وجْهُ الرملِ عَنْ ذَلِكَ الْمَاءِ فنَبَع بَارِدًا عَذْبًا؛ قَالَ الأَزهري: وَقَدْ رأَيت بِالْبَادِيَةِ أَحْساءً كَثِيرَةً عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ، مِنْهَا أَحْسَاءُ بَنِي سَعْدٍ بِحِذَاءِ هَجَرَ وقُرَاها، قَالَ: وَهِيَ اليومَ دارُ القَرامطة وَبِهَا مَنَازِلُهُمْ، وَمِنْهَا أَحْسَاءُ خِرْشافٍ، وأَحْسَاءُ القَطِيف، وبحذَاء الْحَاجِرِ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ أَحْسَاءٌ فِي وادٍ مُتَطامِن ذِي رَمْلٍ، إِذا رَوِيَتْ فِي الشِّتَاءِ مِنَ السُّيول الْكَثِيرَةِ الأَمطار لَمْ يَنْقَطِعْ ماءُ أَحْسَائها فِي القَيْظ. الْجَوْهَرِيُّ: الحِسْيُ، بِالْكَسْرِ، مَا تُنَشِّفه الأَرض مِنَ الرَّمْلِ، فإِذا صَارَ إِلى صَلابةٍ أَمْسكَتْه فتَحْفِرُ عَنْهُ الرملَ فتَسْتَخْرجه، وَهُوَ الاحْتِسَاءُ، وَجَمْعُ الحِسْيِ الأَحْسَاء، وَهِيَ الكِرَارُ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي التَّيِّهان: ذَهَبَ يَسْتَعْذِب لَنَا الماءَ مِنْ حِسْيِ بَنِي حارثةَ
؛ الحِسْيُ بِالْكَسْرِ وَسُكُونِ السِّينِ وَجَمْعُهُ أَحْسَاء: حَفِيرة قَرِيبَةُ القَعْر، قِيلَ إِنه لَا يَكُونُ إِلا فِي أَرض أَسفلها حِجَارَةٌ وَفَوْقَهَا رَمْلٌ، فإِذا أُمْطِرَتْ نَشَّفه الرَّمْلُ، فإِذا(14/177)
انْتَهَى إِلى الْحِجَارَةِ أَمْسكَتْه؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
أَنهم شَرِبوا مِنْ مَاءِ الحِسْيِ.
وحَسِيتُ الخَبَر، بِالْكَسْرِ: مِثْلُ حَسِسْتُ؛ قَالَ أَبو زُبَيْدٍ الطَّائِيُّ:
سِوَى أَنَّ العِتَاقَ مِنَ المَطايا ... حَسِينَ بِهِ، فهُنّ إِليه شُوسُ
وأَحْسَيْتُ الخَبر مِثْلُهُ؛ قَالَ أَبو نُخَيْلةَ:
لَمَّا احْتَسَى مُنْحَدِرٌ مِنْ مُصْعِدِ ... أَنَّ الحَيا مُغْلَوْلِبٌ، لَمْ يَجْحَدِ
احْتَسَى أَي اسْتَخْبَر فأُخْبِر أَن الخِصْبَ فاشٍ، والمُنْحدِر: الَّذِي يأْتي القُرَى، والمُصْعِدُ: الَّذِي يأْتي إِلى مَكَّةَ. وَفِي حَدِيثِ
عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ: فهَجَمْتُ عَلَى رَجُلَيْنِ فقلتُ هَلْ حَسْتُما مِنْ شَيْءٍ
؟ قَالَ ابْنُ الأَثير: قَالَ الخطابي كَذَا وَرَدَ وإِنما هُوَ هَلْ حَسِيتُما؟ يُقَالُ: حَسِيتُ الخَبر، بِالْكَسْرِ، أَي عَلِمْتُهُ، وأَحَسْتُ الْخَبَرَ، وحَسِسْتُ بِالْخَبَرِ، وأَحْسَسْتُ بِهِ، كأَنَّ الأَصلَ فِيهِ حَسِسْتُ فأَبْدلوا مِنْ إِحدى السِّينَيْنِ يَاءً، وَقِيلَ: هُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ ظَلْتُ ومَسْتُ فِي ظَلِلْتُ ومَسِسْتُ فِي حَذْفِ أَحد الْمِثْلَيْنِ، وَرُوِيَ بَيْتُ أَبي زُبَيْدٍ أَحَسْنَ بِهِ. والحِسَاء: مَوْضِعٌ؛ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَواحَةَ الأَنصاريُّ يُخاطب ناقَته حِينَ تَوَجَّهَ إِلى مُوتَةَ مِنْ أَرض الشأْم:
إِذا بَلَّغْتِني وحَمَلْتِ رَحْلِي ... مَسِيرةَ أَرْبَعٍ، بعدَ الحِسَاء
حشا: الحَشَى: مَا دُون الحِجابِ مِمَّا فِي البَطْن كُلّه مِنَ الكَبِد والطِّحال والكَرِش وَمَا تَبعَ ذَلِكَ حَشًى كُلُّه. والحَشَى: ظَاهِرُ الْبَطْنِ وَهُوَ الحِضْنُ؛ وأَنشد فِي صِفَةِ امرأَة:
هَضِيم الحَشَى مَا الشمسُ فِي يومِ دَجْنِها
وَيُقَالُ: هُوَ لَطيفُ الحَشَى إِذا كَانَ أَهْيَفَ ضامِرَ الخَصْر. وَتَقُولُ: حَشَوْتُه سَهْمًا إِذا أَصبتَ حَشَاه، وَقِيلَ: الحَشَى مَا بَيْنَ ضِلَعِ الخَلْف الَّتِي فِي آخِرِ الجَنْبِ إِلى الوَرِك. ابْنُ السِّكِّيتِ: الحَشَى مَا بَيْنَ آخِرِ الأَضْلاع إِلى رأْس الوَرِك. قَالَ الأَزهري: وَالشَّافِعِيُّ سَمَّى ذَلِكَ كُلَّهُ حِشْوَةً، قَالَ: وَنَحْوَ ذَلِكَ حَفِظْتُهُ عَنِ الْعَرَبِ، تَقُولُ لِجَمِيعِ مَا فِي الْبَطْنِ حِشْوَة، مَا عَدَا الشَّحْمَ فإِنه لَيْسَ مِنَ الحِشْوة، وإِذا ثَنَّيْتَ قُلْتَ حَشَيانِ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الحَشَى مَا اضْطَمَّت عَلَيْهِ الضُّلُوعُ؛ وقولُ المُعَطَّل الْهُذَلِيِّ:
يَقُولُ الَّذِي أَمْسَى إِلى الحَزْنِ أَهْلُه: ... بأَيّ الحَشَى أَمْسَى الخَلِيطُ المُبايِنُ؟
يَعْنِي الناحيةَ. التَّهْذِيبُ: إِذا اشْتَكَى الرجلُ حَشَاه ونَساه فَهُوَ حَشٍ ونَسٍ، وَالْجَمْعُ أَحْشَاءٌ. الْجَوْهَرِيُّ: حِشْوَةُ الْبَطْنِ وحُشْوته، بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ، أَمعاؤُه. وَفِي حَدِيثِ المَبْعَثِ:
ثُمَّ شَقَّا بَطْني وأَخْرَجا حِشْوَتي
؛ الحُشْوَةُ، بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ: الأَمعاء. وَفِي
مَقْتل عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُبَيْر: إِنْ حُشْوَتَه خَرَجَت.
الأَصمعي: الحُشْوَة مَوْضِعُ الطَّعَامِ وَفِيهِ الأَحْشَاءُ والأَقْصابُ. وَقَالَ الأَصمعي: أَسفلُ مَوَاضِعِ الطَّعَامِ الَّذِي يُؤدِّي إِلى المَذْهَب المَحْشَاةُ، بِنَصْبِ الْمِيمِ، وَالْجَمْعُ المَحَاشِي، وَهِيَ المَبْعَرُ مِنَ الدَّوَابِّ، وَقَالَ:
إِياكم وإِتْيانَ النساءِ فِي مَحَاشِيهنَّ فإِنَّ كُلَّ مَحْشَاةٍ حَرامٌ.
وَفِي الْحَدِيثِ:
مَحَاشِي النِّسَاءِ حرامٌ.
قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ، وَهِيَ جَمْعُ مَحْشَاة لأَسفل مَوَاضِعِ الطَّعَامِ مِنَ الأَمْعاء فكَنَى بِهِ عَنِ الأَدْبار؛ قَالَ: وَيَجُوزُ أَن تَكُونَ المَحَاشِي جَمْعَ المِحْشَى، بِالْكَسْرِ، وَهِيَ العُظَّامَة الَّتِي تُعَظِّم بِهَا المرأَة عَجيزتها فكَنَى بِهَا عَنِ الأَدْبار.(14/178)
والكُلْيتانِ فِي أَسفل الْبَطْنِ بَيْنَهُمَا المَثانة، ومكانُ الْبَوْلِ فِي المَثانة، والمَرْبَضُ تَحْتَ السُّرَّة، وَفِيهِ الصِّفَاقُ، والصِّفاقُ جِلْدَةُ الْبَطْنِ الباطنةُ كُلُّهَا، والجلدُ الأَسفل الَّذِي إِذا انْخَرَقَ كَانَ رَقِيقًا، والمَأْنَةُ مَا غَلُظَ تَحْتَ السُّرَّة «3» . والحَشَى: الرَّبْوُ؛ قَالَ الشَّمَّاخ:
تُلاعِبُني، إِذا مَا شِئْتُ، خَوْدٌ، ... عَلَى الأَنْماطِ، ذاتُ حَشًى قَطِيعِ
وَيُرْوَى: خَوْدٍ، عَلَى أَن يُجْعَلَ مِنْ نَعْتِ بَهْكنةٍ فِي قَوْلِهِ:
وَلَوْ أَنِّي أَشاءُ كَنَنْتُ نَفْسِي ... إِلى بَيْضاءَ، بَهْكَنةٍ شَمُوعِ
أَي ذَاتُ نَفَس مُنْقَطِعٍ من سِمَنها، وقَطِيعٍ نعتٌ لحَشًى. وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَرَجَ مِنْ بَيْتِهَا وَمَضَى إِلى البَقِيع فتَبِعَتْهُ تَظُنُّ أَنه دَخَلَ بعضَ حُجَرِ نِسَائِهِ، فَلَمَّا أَحَسَّ بسَوادِها قصَدَ قَصْدَه فعَدَتْ فعَدَا عَلَى أَثرها فَلَمْ يُدْرِكْها إِلا وَهِيَ فِي جَوْفِ حُجْرَتِها، فَدَنَا مِنْهَا وَقَدْ وَقَع عَلَيْهَا البُهْرُ والرَّبْوُ فَقَالَ لَهَا: مَا لِي أَراكِ حَشْيَا «4» . رابيَةً
أَي مَا لَكِ قَدْ وقعَ عَلَيْكِ الحَشَى، وَهُوَ الرَّبْوُ والبُهْرُ والنَّهِيجُ الَّذِي يَعْرِض للمُسْرِع فِي مِشْيَته والمُحْتَدِّ فِي كَلَامِهِ مِنَ ارْتِفَاعِ النَّفَس وتَواتُره، وَقِيلَ: أَصله مِنْ إِصابة الرَّبْوِ حَشاه. ابْنُ سِيدَهْ: وَرَجُلٌ حَشٍ وحَشْيَانُ مِنَ الرَّبْوِ، وَقَدْ حَشِيَ، بِالْكَسْرِ؛ قَالَ أَبو جُنْدُبٍ الْهُذَلِيُّ:
فنَهْنَهْتُ أُولى القَوْمِ عَنْهُمْ بضَرْبةٍ، ... تنَفَّسَ مِنْهَا كلُّ حَشْيَانَ مُجْحَرِ
والأُنثى حَشِيَةٌ وحَشْيا، عَلَى فَعْلى، وَقَدْ حَشِيا حَشًى. وأَرْنب مُحَشِّيَة الكِلابِ أَي تَعْدُو الكلابُ خَلْفَهَا حَتَّى تَنْبَهِرَ. والمِحْشَى: العُظَّامة تُعَظِّم بِهَا المرأَة عَجِيزتَها؛ وَقَالَ:
جُمّاً غَنيَّاتٍ عَنِ المَحَاشِي
والحَشِيَّةُ: مِرْفَقة أَو مِصْدَغة أَو نحوُها تُعَظِّم بِهَا المرأَة بدنَها أَو عَجِيزَتَهَا لتُظَنَّ مُبَدَّنةً أَو عَجْزاء، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:
إِذا مَا الزُّلُّ ضاعَفْنَ الحَشَايَا، ... كَفاها أَن يُلاثَ بِهَا الإِزارُ
ابْنُ سِيدَهْ: واحْتَشَتِ المرأَةُ الحَشِيَّةَ واحْتَشَتْ بِهَا كِلَاهُمَا لَبِسَتْهَا؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
لَا تَحْتَشِي إِلا الصَّميمَ الصَّادِقَا
يَعْنِي أَنها تَلْبَسُ الحَشَايا لأَن عِظَمَ عَجِيزَتِهَا يُغْنيها عَنْ ذَلِكَ؛ وأَنشد فِي التَّعدِّي بِالْبَاءِ:
كَانَتْ إِذا الزُّلُّ احْتَشَيْنَ بالنُّقَبْ، ... تُلْقِي الحَشايا مَا لَها فِيهَا أَرَبْ
الأَزهري: الحَشِيَّةُ رِفاعةُ المرأَة، وَهُوَ مَا تَضَعُهُ عَلَى عَجِيزَتِهَا تُعَظِّمُها بِهِ. يُقَالُ: تحَشَّتِ المرأَةُ تحَشِّياً، فَهِيَ مُتَحَشِّيةٌ. والاحْتِشَاءُ: الامتلاءُ، تَقُولُ: مَا احْتَشَيْتُ فِي مَعْنَى امْتلأْتُ. واحْتَشَتِ المُسْتحاضةُ: حَشَتْ نفْسَها بالمَفارِم وَنَحْوِهَا، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ ذُو الإِبْرِدَةِ. التَّهْذِيبُ: والاحْتِشَاءُ احْتِشَاءُ الرَّجُلِ ذِي الإِبْرِدَةِ، والمُسْتحاضة تحْتَشِي بالكُرْسُفِ.
قَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، لامرأَةٍ: احْتَشِي كُرْسُفاً
، وَهُوَ الْقُطْنُ تحْشُو بِهِ فَرْجَهَا. وَفِي الصِّحَاحِ: وَالْحَائِضُ تَحْتَشِي بالكُرْسُفِ لِتَحْبِسَ الدَّمَ. وفي حديث المُسْتحاضةِ:
__________
(3) . قوله: والكليتان إلى ... تحت السرة؛ هكذا في الأَصل، ولا رابط له بما سبق من الكلام
(4) . قوله [مَا لِي أَرَاكِ حَشْيَا] كذا بالقصر في الأَصل والنهاية فهو فعلى كسكرى لا بالمد كما وقع في نسخ القاموس(14/179)
أَمرها أَن تَغْتَسِلَ فإِن رأَت شَيْئًا احْتَشَتْ
أَي اسْتَدْخَلَتْ شَيْئًا يَمْنَعُ الدَّمَ مِنَ الْقُطْنِ؛ قَالَ الأَزهري: وَبِهِ سُمِّيَ القُطْنُ الحَشْوَ لأَنه تُحْشَى بِهِ الفُرُش وَغَيْرُهَا. ابْنُ سِيدَهْ: وحَشَا الوِسادة والفراشَ وَغَيْرَهُمَا يَحْشُوها حَشْواً ملأَها، وَاسْمُ ذَلِكَ الشَّيْءِ الحَشْوُ، عَلَى لَفْظِ الْمَصْدَرِ. والحَشِيَّةُ: الفِراشُ المَحْشُوُّ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ: مَنْ يَعْذِرُني مِنْ هؤلاءِ الضَّياطِرةِ يتَخَلَّفُ أَحدُهم يتَقَلَّبُ عَلَى حَشايَاهُ
أَي عَلَى فَرْشِه، واحدَتُها حَشِيَّة، بِالتَّشْدِيدِ. وَمِنْهُ حَدِيثُ
عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: لَيْسَ أَخو الْحَرْبِ مَنْ يَضَعُ خُورَ الحَشَايا عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ.
وحَشْوُ الرَّجُلِ: نفْسُه عَلَى المَثل، وَقَدْ حُشِيَ بِهَا وحُشِيَها؛ وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ الحَكَم الثَّقَفِيُّ:
وَمَا بَرِحَتْ نفْسٌ لَجُوجٌ حُشِيتَها ... تُذِيبُكَ حَتَّى قِيلَ: هَلْ أَنتَ مُكْتَوي؟
وحُشِيَ الرجلُ غَيْظًا وكِبْراً كِلَاهُمَا عَلَى المَثَل؛ قَالَ المَرَّارُ:
وحَشَوْتُ الغَيْظَ فِي أَضْلاعِه، ... فَهْوَ يَمْشِي حَظَلاناً كالنَّقِرْ
وأَنشد ثَعْلَبٌ:
وَلَا تَأْنَفا أَنْ تَسْأَلا وتُسَلِّما، ... فَمَا حُشِيَ الإِنسانُ شَرّاً مِنَ الكِبْرِ
ابْنُ سِيدَهْ: وحُشْوَة الشاةِ وحِشْوَتُها جَوْفُها، وَقِيلَ: حِشْوة الْبَطْنِ وحُشْوَتُه مَا فِيهِ مِنْ كَبِدٍ وَطِحَالٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. والمَحْشَى: مَوْضِعُ الطَّعَامِ. والحَشَا: مَا فِي الْبَطْنِ، وَتَثْنِيَتُهُ حَشَوانِ، وَهُوَ مِنْ ذَوَاتِ الْوَاوِ وَالْيَاءِ لأَنه مِمَّا يُثَنَّى بِالْيَاءِ وَالْوَاوِ، وَالْجَمْعُ أَحْشَاءٌ. وحَشَوْتُه: أَصَبْتُ حَشاه. وحَشْوُ الْبَيْتِ مِنَ الشِّعْر: أَجزاؤُه غَيْرُ عَرُوضِهِ وَضَرْبِهِ، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ. والحَشْوُ مِنَ الْكَلَامِ: الفَضْلُ الَّذِي لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ هُوَ مِنَ النَّاسِ. وحُشْوَةُ النَّاسِ: رُذالَتُهم. وَحَكَى اللَّحْيَانِيُّ: مَا أَكثر حِشْوَةَ أَرْضِكم وحُشْوَتها أَي حَشْوَها وَمَا فِيهَا مِنَ الدَّغَل. وَفُلَانٌ مِنْ حِشْوَة بَنِي فُلَانٍ، بِالْكَسْرِ، أَي مِنْ رُذالهم. وحَشْوُ الإِبل وحَاشِيَتُها: صِغارها، وَكَذَلِكَ حَوَاشِيها، وَاحِدَتُهَا حَاشِيَةٌ، وَقِيلَ: صِغارها الَّتِي لَا كِبار فِيهَا، وَكَذَلِكَ مِنَ النَّاسِ. والحَاشِيَتانِ: ابنُ المَخاض وَابْنُ اللَّبُون. يُقَالُ: أَرْسَلَ بَنُو فُلَانٍ رَائِدًا فانْتَهى إِلى أَرض قَدْ شَبِعَتْ حاشِيَتاها. وَفِي حَدِيثِ الزَّكَاةِ:
خُذْ مِنْ حَوَاشِي أَموالهم
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هِيَ صِغارُ الإِبل كَابْنِ المَخاض وَابْنِ اللَّبُون، وَاحِدَتُهَا حَاشِيَةٌ. وحَاشِيَةُ كُلِّ شيءٍ: جَانِبُهُ وطَرَفُه، وَهُوَ كَالْحَدِيثِ الْآخَرِ:
اتَّقِ كرائمَ أَمْوالهم.
وحَشِيَ السِّقاءُ حَشًى: صَارَ لَهُ مِنَ اللَّبَن شِبْهُ الجِلْدِ مِنْ بَاطِنٍ فلَصِقَ بِالْجِلْدِ فَلَا يَعْدَمُ أَن يُنْتِنَ فيُرْوِحَ. وأَرضٌ حَشَاةٌ: سَوْداء لَا خَيْرَ فِيهَا. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وأَرض حَشَاةٌ قَلِيلَةُ الْخَيْرِ سوداءُ. والحَشِيُّ مِنَ النَّبْتِ: مَا فسَد أَصله وعَفِنَ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
كأَنَّ صَوْتَ شَخْبِها، إِذا هَما، ... صَوتُ أَفاعٍ فِي حَشِيٍّ أَعْشَما
وَيُرْوَى: فِي خَشِيٍّ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْآخَرِ:
وإِنَّ عِندي، إِن رَكِبْتُ مِسْحَلي، ... سَمَّ ذَراريحَ رِطابٍ وحَشِي
أَراد: وحَشِيٍّ فَخَفَّفَ الْمُشَدَّدَ. وتَحَشَّى فِي بَنِي فُلَانٍ إِذا اضْطَمُّوا عَلَيْهِ وآوَوْهُ. وَجَاءَ فِي حاشِيَتهِ أَي فِي قَوْمِهِ الَّذِينَ فِي حَشاه. وَهَؤُلَاءِ حاشِيَتُه أَي أَهله(14/180)
وخاصَّتُه. وَهَؤُلَاءِ حَاشِيَته، بِالنَّصْبِ، أَي فِي نَاحِيَتِهِ وظِلِّه. وأَتَيْتُه فَمَا أَجَلَّني وَلَا أَحْشَانِي أَي فَمَا أَعطاني جَليلة وَلَا حاشِيةً. وحَاشِيَتَا الثَّوْبِ: جَانِبَاهُ اللَّذَانِ لَا هُدْبَ فِيهِمَا، وَفِي التَّهْذِيبِ: حاشِيَتا الثَّوْبِ جَنَبَتاه الطَّوِيلَتَانِ فِي طَرَفَيْهِمَا الهُدْبُ. وحَاشِيَةُ السَّراب: كُلُّ نَاحِيَةٍ مِنْهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه كَانَ يُصَلِّي فِي حَاشِيَةِ المَقامِ
أَي جَانِبِهِ وطَرَفه، تَشْبِيهًا بحاشِيَة الثَّوْبِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
مُعاوية: لَوْ كنتُ مِنْ أَهل الْبَادِيَةِ لنزلتُ مِنَ الكَلإِ الحَاشِيَةَ.
وعَيْشٌ رقيقُ الحَوَاشِي أَي ناعِمٌ فِي دَعَةٍ. والمَحَاشِي: أَكْسية خَشِنة تَحْلِقُ الجَسدَ، وَاحِدَتُهَا مِحْشَاةٌ؛ وَقَوْلُ النَّابِغَةِ الذُّبياني:
إِجْمَعْ مِحَاشَكَ يَا يَزِيدُ، فإِنني ... أَعْدَدْتُ يَرْبُوعاً لَكُمْ وتَمِيما
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ مِنْ الحَشْوِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَوْلُهُ فِي المِحَاشِ إِنه مِنَ الحَشْوِ غَلَطٌ قَبِيحٌ، وإِنما هُوَ مِنَ المَحْش وَهُوَ الحَرْقُ، وَقَدْ فَسَّرَ هَذِهِ اللَّفْظَةَ فِي فَصْلِ مَحَشَ فَقَالَ: المِحاشُ قَوْمٌ اجْتَمَعُوا مِنْ قَبَائِلَ وتحالَفُوا عِنْدَ النَّارِ. قَالَ الأَزهري: المَحَاشُ كأَنه مَفْعَلٌ مِنَ الحَوْشِ، وَهُمْ قَوْمٌ لَفِيف أُشابَةٌ. وأَنشد بَيْتَ النَّابِغَةِ: جَمِّعْ مَحاشَك يَا يَزِيدُ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: غَلِطَ اللَّيْثُ فِي هَذَا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحدهما فَتْحُهُ الْمِيمَ وَجَعْلُهُ إِياه مَفْعَلًا مِنَ الحَوْش، وَالْوَجْهُ الثَّانِي مَا قَالَ فِي تَفْسِيرِهِ وَالصَّوَابُ المِحاشُ، بِكَسْرِ الْمِيمِ، قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ أَبو عُبَيْدٍ وَابْنُ الأَعرابي: إِنما هُوَ جَمِّعْ مِحاشَكَ، بِكَسْرِ الْمِيمِ، جَعَلُوهُ من مَحَشَتْه أَي أَحرقته لَا مِنَ الحَوْش، وَقَدْ فُسِّر فِي مَوْضِعِهِ الصَّحِيحِ أَنهم يَتَحَالَفُونَ عِنْدَ النَّارِ، وأَما المَحاشُ، بِفَتْحِ الْمِيمِ، فَهُوَ أَثاثُ الْبَيْتِ وأَصله مِنَ الحَوْش، وَهُوَ جَمْع الشَّيْءِ وضَمُّه؛ قَالَ: وَلَا يُقَالُ للفِيفِ النَّاسِ مَحاشٌ. والحَشِيُّ، عَلَى فَعِيل: اليابِسُ؛ وأَنشد الْعَجَّاجُ:
والهَدَب النَّاعِمُ والحَشِيّ
يُرْوَى بِالْحَاءِ وَالْخَاءِ جَمِيعًا. وحَاشَى: مِنْ حُرُوفِ الِاسْتِثْنَاءِ تَجُرُّ مَا بَعْدَهَا كَمَا تَجُرُّ حَتَّى مَا بَعْدَهَا. وحاشَيْتُ مِنَ الْقَوْمِ فُلَانًا: استَثنيْت. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: شَتمْتُهم وَمَا حاشَيْتُ مِنْهُمْ أَحداً وَمَا تَحَشَّيْتُ وَمَا حَاشَيْتُ أَي مَا قَلْتُ حَاشَى لِفُلَانٍ وَمَا اسْتَثْنَيْتُ مِنْهُمْ أَحداً. وحَاشَى للهِ وحَاشَ للهِ أَي بَرَاءةً لِلَّهِ ومَعاذاً لِلَّهِ؛ قَالَ الْفَارِسِيُّ: حُذِفَتْ مِنْهُ اللَّامُ كَمَا قَالُوا وَلَوْ تَرَ مَا أَهل مَكَّةَ، وَذَلِكَ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ. الأَزهري: حاشَ لِلَّهِ كَانَ فِي الأَصل حاشَى لِلَّهِ، فكَثُر فِي الْكَلَامِ وَحُذِفَتِ الْيَاءُ وَجُعِلَ اسْمًا، وإِن كَانَ فِي الأَصل فِعْلًا، وَهُوَ حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ الِاسْتِثْنَاءِ مِثْلُ عَدَا وخَلا، وَلِذَلِكَ خَفَضُوا بحَاشَى كَمَا خُفِضَ بِهِمَا، لأَنهما جُعِلَا حَرْفَيْنِ وإِن كَانَا فِي الأَصل فِعْلَيْنِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ*
؛ هُوَ مِنْ حاشَيْتُ أُحَاشِي. قَالَ ابْنُ الأَنباري: مَعْنَى حَاشَى فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَعْزِلُ فُلَانًا مِنْ وَصْفِ الْقَوْمِ بالحَشَى وأَعْزِلُه بِنَاحِيَةٍ وَلَا أُدْخِله فِي جُمْلتهم، وَمَعْنَى الحَشَى الناحيةُ؛ وأَنشد أَبو بَكْرٍ فِي الحَشَى النَّاحِيَةِ بَيْتَ المُعَطَّل الْهُذَلِيِّ:
بأَيِّ الحَشَى أَمْسى الحَبيبُ المُبايِنُ
وَقَالَ آخَرُ:
حَاشَى أَبي مَرْوان، إِنَّ بِهِ ... ضَنّاً عَنِ المَلْحاةِ والشَّتْمِ
وَقَالَ آخَرُ «5» :
وَلَا أُحاشِي من الأَقْوامِ من أَحَدِ
وَيُقَالُ: حَاشَى لِفُلَانٍ وحَاشَى فُلاناً وحَاشَى فلانٍ
__________
(5) . هو النابغة وصدر البيت:
وَلَا أَرَى فَاعِلًا فِي الناس يشبهُه(14/181)
وحَشَى فلانٍ؛ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ أَبي رَبِيعَةَ:
مَن رامَها، حَاشَى النَّبيِّ وأَهْلِه ... فِي الفَخْرِ، غَطْمَطَه هُنَاكَ المُزْبِدُ
وأَنشد الْفَرَّاءُ:
حَشا رَهْطِ النبيِّ، فإِنَّ منهمْ ... بُحوراً لَا تُكَدِّرُها الدِّلاءُ
فَمَنْ قَالَ حاشَى لِفُلَانٍ خَفْضَهُ بِاللَّامِ الزَّائِدَةِ، وَمَنْ قَالَ حَاشَى فُلَانًا أَضْمَر فِي حاشَى مَرْفُوعًا ونصَب فُلَانًا بحاشَى، وَالتَّقْدِيرُ حاشَى فِعْلُهم فُلَانًا، وَمَنْ قَالَ حَاشَى فُلَانٍ خفَض بإِضمار اللَّامِ لِطُولِ صُحبتها حاشَى، وَيَجُوزُ أَن يَخَفِضَهُ بِحَاشَى لأَن حَاشَى لَمَّا خَلَتْ مِنَ الصَّاحِبِ أَشبهت الِاسْمَ فأُضيفت إِلى مَا بَعْدَهَا، وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ حاشَ لِفُلَانٍ فَيُسْقِطُ الأَلف، وَقَدْ قُرِئَ فِي الْقُرْآنِ بِالْوَجْهَيْنِ. وَقَالَ أَبو إِسحاق فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ*
؛ اشْتُقَّ مِنْ قَوْلِكَ كنتُ فِي حَشَا فُلَانٍ أَي فِي نَاحِيَةِ فُلَانٍ، وَالْمَعْنَى فِي حَاشَ لِلَّهِ بَراءةً لِلَّهِ مِنْ هَذَا، وإِذا قُلْتَ حَاشَى لِزَيْدٍ هَذَا مِنَ التَّنَحِّي، وَالْمَعْنَى قَدْ تنَحَّى زيدٌ مِنْ هَذَا وتَباعَدَ عَنْهُ كَمَا تَقُولُ تنَحَّى مِنَ النَّاحِيَةِ، كَذَلِكَ تَحَاشَى مِنْ حاشيةِ الشَّيْءِ، وَهُوَ ناحيتُه. وَقَالَ أَبو بَكْرِ بنُ الأَنْباري فِي قَوْلِهِمْ حَاشَى فُلَانًا: مَعْنَاهُ قَدِ استثنيتُه وأَخرجته فَلَمْ أُدخله فِي جُمْلَةِ الْمَذْكُورِينَ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: جعَلَه مِنْ حَشَى الشيءِ وَهُوَ نَاحِيَتُهُ؛ وأَنشد الْبَاهِلِيُّ فِي الْمَعَانِي:
وَلَا يَتَحَشَّى الفَحْلُ إِنْ أَعْرَضَتْ بِهِ، ... وَلَا يَمْنَعُ المِرْباعَ مِنْهَا فَصِيلُها «1»
. قَالَ: لَا يَتَحَشَّى لَا يُبالي مَنْ حَاشَى. الْجَوْهَرِيُّ: يُقَالُ حَاشَاكَ وحَاشَى لكَ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. وحَاشَى: كَلِمَةٌ يُسْتَثْنَى بِهَا، وَقَدْ تَكُونُ حَرْفًا، وَقَدْ تَكُونُ فِعْلًا، فإِن جَعَلْتَهَا فِعْلًا نَصَبْتَ بِهَا فَقُلْتَ ضَرَبْتُهُمْ حَاشَى زَيْدًا، وإِن جَعَلْتَهَا حَرْفًا خَفَضْتَ بِهَا، وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: لَا تَكُونُ إِلا حَرْفَ جَرٍّ لأَنها لَوْ كَانَتْ فِعْلًا لَجَازَ أَن تَكُونَ صِلَةً لِمَا كَمَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي خَلَا، فَلَمَّا امْتَنَعَ أَن يُقَالَ جَاءَنِي الْقَوْمُ مَا حَاشَى زَيْدًا دَلَّتْ أَنها لَيْسَتْ بِفِعْلٍ. وَقَالَ المُبرد: حَاشَى قَدْ تَكُونُ فِعْلًا؛ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِ النَّابِغَةِ:
وَلَا أَرى فاعِلًا فِي النَّاسِ يُشْبِهُه، ... وَمَا أُحَاشِي مِنَ الأَقْوام مِنْ أَحَدِ
فتصرُّفه يَدُلُّ عَلَى أَنه فِعْلٌ، ولأَنه يُقَالُ حَاشَى لزيدٍ، فَحَرْفُ الْجَرِّ لَا يَجُوزُ أَن يَدْخُلَ عَلَى حَرْفِ الْجَرِّ، ولأَن الْحَذْفَ يَدْخُلُهَا كَقَوْلِهِمْ حَاشَ لزيدٍ، وَالْحَذْفُ إِنما يَقَعُ فِي الأَسماء والأَفعال دُونَ الْحُرُوفِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ عِنْدَ قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ قَالَ سِيبَوَيْهِ حَاشَى لَا تَكُونُ إِلا حَرْفَ جَرٍّ قَالَ: شَاهِدُهُ قَوْلُ سَبْرة بْنِ عَمْرٍو الأَسَدي:
حَاشَى أَبي ثَوْبانَ، إِنَّ بِهِ ... ضَنّاً عَنِ المَلْحاة والشَّتْمِ
قَالَ: وَهُوَ مَنْسُوبٌ فِي المُفَضَّلِيّاتِ للجُمَيْح الأَسَدي، وَاسْمُهُ مُنْقِذُ بْنُ الطَّمّاح؛ وَقَالَ الأُقَيْشِر:
فِي فِتْيةٍ جعَلوا الصليبَ إِلَهَهُمْ، ... حَاشَايَ، إِني مُسْلِمٌ مَعْذُورُ
الْمَعْذُورُ: المَخْتُون، وحَاشَى فِي الْبَيْتِ حَرْفُ جَرٍّ، قَالَ: وَلَوْ كَانَتْ فِعْلًا لَقُلْتَ حَاشَانِي. ابْنُ الأَعرابي: تَحَشَّيْتُ مِنْ فلان أَي تَذَمَّمْتُ؛ وَقَالَ الأَخطل:
لَوْلَا التَّحَشِّي مِنْ رِياحٍ رَمَيْتُها ... بكَالِمةِ الأَنْيابِ، باقٍ وُسُومُها
التَّهْذِيبُ: وَتَقُولُ: انْحَشَى صوتٌ فِي صوتٍ وانْحَشَى حَرْفٌ فِي حَرْف. والحَشَى: مَوْضِعٌ؛ قَالَ:
__________
(1) . قوله [ولا يتحشى الفحل إلخ] كذا بضبط التكملة(14/182)
إنَّ بأَجْزاعِ البُرَيْراءِ، فالحَشَى، ... فَوَكْدٍ إِلَى النَّقْعَيْنِ مِنْ وَبِعَانِ «1» .
حصي: الحَصَى: صِغارُ الْحِجَارَةِ، الواحدةُ مِنْهُ حَصَاة. ابْنُ سِيدَهْ: الحَصَاة مِنَ الْحِجَارَةِ مَعْرُوفَةٌ، وَجَمْعُهَا حَصَياتٌ وحَصىً وحُصِيٌّ وحِصِيٌّ؛ وَقَوْلُ أَبي ذؤَيب يَصِفُ طَعْنَةً:
مُصَحْصِحَة تَنْفِي الحَصَى عَنْ طَرِيقِها، ... يُطَيِّر أَحْشاء الرَّعيبِ انْثِرَارُها
يَقُولُ: هِيَ شَدِيدَةُ السَّيَلان حَتَّى إِنَّهُ لَوْ كَانَ هُنَالِكَ حَصىً لَدَفَعَتْهُ. وحَصَيْتُه بالحَصَى أَحْصِيه أَي رَمْيَتُهُ. وحَصَيْتُه ضَرَبْتُهُ بالحَصَى. ابْنُ شُمَيْلٍ: الحَصَى مَا حَذَفْتَ بِهِ حَذْفاً، وَهُوَ مَا كَانَ مثلَ بَعَرِ الْغَنَمِ. وَقَالَ أَبو أَسلم: العظيمُ مثلُ بَعَرِ الْبَعِيرِ مِنَ الحَصَى، قَالَ: وَقَالَ أَبو زَيْدٍ حَصَاةٌ وحُصِيّ وحِصِيّ مِثْلُ قَناة وقُنِيّ وقِنِيّ ونَواة ونُوِيّ ودَواة ودُوِيّ، قَالَ: هَكَذَا قَيَّدَهُ شَمِرٌ بِخَطِّهِ، قَالَ: وَقَالَ غَيْرُهُ تَقُولُ حَصَاة وحَصىً بِفَتْحِ أَوله، وَكَذَلِكَ قَناةٌ وقَنىً ونَواةٌ ونَوىً مِثْلَ ثَمَرة وثَمَر؛ قَالَ: وَقَالَ غَيْرُهُ تَقُولُ نَهَرٌ حَصَوِيٌّ أَي كَثِيرُ الحَصَى، وأَرض مَحْصَاة وحَصِيَةٌ كَثِيرَةُ الحَصَى، وَقَدْ حَصِيَتْ تَحْصَى. وَفِي الْحَدِيثِ:
نَهَى عَنْ بَيْعِ الحَصَاة
، قَالَ: هُوَ أَن يَقُولَ الْمُشْتَرِي أَو الْبَائِعُ إِذَا نَبَذْتُ الحَصَاةَ إِلَيْكَ فَقَدْ وَجَب البيعُ، وَقِيلَ: هُوَ أَن يَقُولَ بِعْتُك مِنَ السِّلَع مَا تَقَعُ عَلَيْهِ حَصاتُك إِذَا رَمَيْتَ بِهَا، أَو بِعْتُك مِنَ الأَرض إِلَى حيثُ تَنْتَهي حَصاتُك، والكُلُّ فَاسِدٌ لأَنه مِنْ بُيُوعِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَكُلُّهَا غَرَرٌ لِمَا فِيهَا مِنَ الجَهالة. والحَصَاةُ: داءٌ يَقع بالمَثانة وَهُوَ أَن يَخْثُرَ البولُ فيشتدَّ حَتَّى يَصِيرَ كالحَصاة، وَقَدْ حُصِيَ الرجلُ فَهُوَ مَحْصِيٌّ. وحَصاةُ القَسْمِ: الحِجارةُ الَّتِي يَتَصافَنُون عَلَيْهَا الْمَاءَ. والحَصَى: العددُ الْكَثِيرُ، تَشْبِيهًا بالحَصَى مِنَ الْحِجَارَةِ فِي الْكَثْرَةِ؛ قَالَ الأَعشى يُفَضِّلُ عَامِرًا عَلَى عَلْقمة:
ولَسْتَ بالأَكثرِ مِنْهُمْ حَصىً، ... وَإِنَّمَا العِزَّةُ للْكَاثِرِ
وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
وَقَدْ عَلِمَ الأَقْوامُ أَنك سَيِّدٌ، ... وأَنك منْ دارٍ شَديدٍ حَصَاتُها
وَقَوْلُهُمْ: نَحْنُ أَكثر مِنْهُمْ حَصىً أَي عَدَداً. والحَصْوُ: المَنْع؛ قَالَ بَشِيرٌ الفَرِيرِيُّ:
أَلا تَخافُ اللهَ إِذْ حَصَوْتَنِي ... حَقِّي بِلَا ذَنْبٍ، وإذْ عَنَّيْتَنِي؟
ابْنُ الأَعرابي: الحَصْوُ هُوَ المَغَسُ فِي البَطْن. والحَصَاةُ: العَقْل والرَّزانَةُ. يُقَالُ: هُوَ ثَابِتُ الحَصَاةِ إِذَا كَانَ عَاقِلًا. وَفُلَانٌ ذُو حَصَاةٍ وأَصاةٍ أَي عقلٍ ورَأْيٍ؛ قَالَ كَعْبُ بْنُ سَعْد الغَنَوي:
وأَعْلَم عِلْماً، لَيْسَ بالظَّنِّ، أَنَّه ... إذا ذَلَّ مَوْلَى المَرْءِ، فهُوَ ذَلِيلُ
وأَنَّ لِسانَ المَرْءِ، مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ... حَصَاةٌ، عَلَى عَوْراتِهِ، لَدَلِيلُ
وَنَسَبَهُ الأَزهري إِلَى طَرَفة، يَقُولُ: إِذَا لَمْ يَكُنِ مَعَ اللِّسَانِ عَقْلٌ يحجُزه عَنْ بَسْطِه فِيمَا لَا يُحَبُّ دلَّ اللِّسَانُ عَلَى عَيْبِهِ بِمَا يَلْفِظ بِهِ مِنْ عُورِ الْكَلَامِ. وَمَا لَهُ حَصَاة وَلَا أَصَاة أَي رأْي يُرْجَع إِلَيْهِ. وَقَالَ الأَصمعي فِي مَعْنَاهُ: هُوَ إِذَا كَانَ حَازِمًا كَتُوماً عَلَى نَفْسِهِ يحفَظ
__________
(1) . قوله [إن بأجزاع إلخ] كذا بالأَصل والتهذيب، والذي في موضعين من ياقوت: فإن بخلص فالبريراء إلخ أي بفتح الخاء المعجمة وسكون اللام(14/183)
سرَّه، قَالَ: والحَصَاة العَقْل، وَهِيَ فَعَلة مِنْ أَحْصَيْت. وَفُلَانٌ حَصِيٌّ وحَصِيفٌ ومُسْتَحْصٍ إذا كَانَ شَدِيدَ الْعَقْلِ. وَفُلَانٌ ذُو حَصىً أَي ذُو عدَدٍ، بِغَيْرِ هاءٍ؛ قَالَ: وَهُوَ مِنَ الإِحْصاء لَا مِنْ حَصَى الْحِجَارَةِ. وحَصَاةُ اللِّسانِ: ذَرابَتُه. وَفِي الْحَدِيثِ:
وَهَلْ يَكُبُّ الناسَ عَلَى مَناخِرِهِم فِي جَهَنَّم إلَّا حَصَا أَلْسِنَتِهِمْ؟
قَالَ الأَزهري: الْمَعْرُوفُ فِي الْحَدِيثِ وَالرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ
إلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِم
، وَقَدْ ذُكِرَ فِي مَوْضِعِهِ، وأَما الحَصَاة فَهُوَ الْعَقْلُ نفسهُ. قَالَ ابْنُ الأَثير: حَصَا أَلْسِنَتِهِم جمعُ حَصاةِ اللِّسانِ وَهِيَ ذَرابَتُه. والحَصَاةُ: القِطْعة مِنَ المِسْك. الْجَوْهَرِيُّ: حَصَاةُ المِسْك قِطْعَةٌ صُلْبة تُوجَدُ فِي فأْرة المِسْك. قَالَ اللَّيْثُ: يُقَالُ لِكُلِّ قِطْعَةٍ مِنَ المِسْك حَصَاة. وَفِي أَسماء اللَّهِ تَعَالَى: المُحْصِي؛ هُوَ الَّذِي أَحْصَى كلَّ شيءٍ بِعِلْمِه فَلَا يَفُوته دَقيق مِنْهَا وَلَا جَليل. والإِحْصَاءُ: العَدُّ والحِفْظ. وأَحْصَى الشيءَ: أَحاطَ بِهِ. وَفِي التَّنْزِيلِ: وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً
؛ الأَزهري: أَيْ أَحاط عِلْمُهُ سُبْحَانَهُ بِاسْتِيفَاءِ عَدَدِ كلِّ شَيْءٍ. وأَحْصَيْت الشيءَ: عَدَدته؛ قَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤَيَّةَ:
فَوَرَّك لَيْثاً أَخْلَصَ القَيْنُ أَثْرَه، ... وحاشِكةً يُحْصِي الشِّمالَ نَذيرُها
قِيلَ: يُحْصِي فِي الشِّمال يؤثِّر فِيهَا. الأَزهري: وَقَالَ الفراءُ فِي قَوْلِهِ: عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ
، قَالَ: عَلِمَ أَن لَنْ تَحفَظوا مَوَاقِيتَ اللَّيْلِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: عَلِمَ أَن لَنْ تُحْصُوه أَي لَنْ تُطيقوه. قَالَ الأَزهري: وأَما
قَوْلُ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ لِلَّهِ تَعَالَى تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مَنْ أَحْصَاها دخَل الجنةَ
، فَمَعْنَاهُ عِنْدِي، وَاللَّهُ أَعلم، مَنْ أَحصاها علْماً وَإِيمَانًا بِهَا وَيَقِينًا بأَنها صِفَاتُ اللَّهِ عزَّ وَجَلَّ، وَلَمْ يُرِد الإِحْصاءَ الَّذِي هُوَ العَدُّ. قَالَ: والحَصَاةُ العَدُّ اسْمٌ مِنَ الإِحصاء؛ قَالَ أَبو زُبَيْد:
يَبْلُغُ الجُهْد ذَا الحَصَاة مِنَ القَوْمِ، ... ومنْ يُلْفَ واهِناً فَهْو مُودِ
وَقَالَ ابْنُ الأَثير فِي قَوْلِهِ
مَنْ أَحْصَاها دَخَلَ الْجَنَّةَ
: قِيلَ مَنْ أَحْصَاها مَنْ حَفِظَها عَنْ ظَهْرِ قَلْبِهِ، وَقِيلَ: مَنِ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وأَحاديث رَسُولِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمْ يُعِدَّهَا لَهُمْ إلَّا مَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ وَتَكَلَّمُوا فِيهَا، وَقِيلَ: أَراد مَنْ أَطاقَ الْعَمَلَ بِمُقْتَضَاهَا مثلُ مَنْ يعلَمُ أَنَّهُ سَمِيعٌ بَصِيرٌ فيَكُفُّ سَمْعَه ولسَانَه عمَّا لَا يجوزُ لَهُ، وَكَذَلِكَ فِي بَاقِي الأَسماء، وَقِيلَ: أَراد مَنْ أَخْطَرَ بِباله عِنْدَ ذِكْرِهَا مَعْنَاهَا وَتَفَكَّرَ فِي مَدْلُولِهَا معظِّماً لمسمَّاها، وَمُقَدِّسًا مُعْتَبِرًا بِمَعَانِيهَا وَمُتَدَبِّرًا رَاغِبًا فِيهَا وَرَاهِبًا، قَالَ: وَبِالْجُمْلَةِ فَفِي كُلِّ اسْمٍ يُجْريه عَلَى لِسَانِهِ يُخْطِر بِبَالِهِ الْوَصْفَ الدالَّ عَلَيْهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا أُحْصِي ثَناءً عَلَيْكَ
أَيْ لَا أُحْصِي نِعَمَك والثناءَ بِهَا عَلَيْكَ وَلَا أَبْلغُ الواجِب مِنْهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَكُلَّ الْقُرْآنِ أَحْصَيْتَ
أَي حَفِظْت. وَقَوْلُهُ للمرأَة: أَحْصِيها أَي احْفَظِيها. وَفِي الْحَدِيثِ:
اسْتَقِيمُوا ولَنْ تُحْصُوا واعْلَموا أَنَّ خيرَ أَعمالِكُم الصَّلاةُ
أَي اسْتَقِيموا فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى لَا تَمِيلوا وَلَنْ تُطِيقوا الاسْتقامة مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ
؛ أَي لَنْ تُطِيقوا عَدَّه وضَبْطَه.
حضا: حَضَا النارَ حَضْواً: حَرَّك الجَمْرَ بعد ما يَهْمُد، وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْهَمْزِ.
حطا: لَمْ يَذْكُرْهُ الْجَوْهَرِيُّ وَلَا رأَيته فِي الْمُحْكَمِ، قَالَ الأَزهري عَنِ ابْنِ الأَعرابي: الحَطْوُ تَحْريكك(14/184)