لَا يَرْفَعُ الطَّرْفَ، إِلَّا مَا تَخَوَّنَهُ ... دَاعٍ، يُنادِيهِ باسمِ الْمَاءِ، مَبْغُومُ
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: لَيْسَ مَعْنَى قَوْلِهِ إِلَّا مَا تَخَوَّنه حُجَّةً لِمَا احْتَجَّ لَهُ، إِنَّمَا مَعْنَاهُ إِلَّا مَا تَعَهَّده، قَالَ: كَذَا رَوَى أَبو عُبَيْدٍ عَنِ الأَصمعي أَنه قَالَ: التَّخَوُّنُ التَّعَهُّدُ، وَإِنَّمَا وصفَ وَلَدَ ظَبْيةٍ أَوْدَعتْه خَمراً، وَهِيَ تَرْتَع بالقُرْب مِنْهُ، وَتَتَعَهَّدُهُ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ، وتُؤنسه ببُغامِها، وَقَوْلُهُ بِاسْمِ الْمَاءِ، الماءُ حِكَايَةُ دُعَائِهَا إِيَّاهُ، وَقَالَ دَاعٍ يُنَادِيهِ فذكَّره لأَنه ذَهَبَ بِهِ إِلَى الصَّوْتِ وَالنِّدَاءِ. وتَخَوَّنه وخَوَّنه وخَوَّن مِنْهُ: نقَصه. يُقَالُ: تَخَوَّنني فلانٌ حَقِّي إِذَا تنَقَّصَك؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
لَا بَلْ هُوَ الشَّوْقُ مِنْ دارٍ تخَوَّنَها ... مَرّاً سَحابٌ، ومَرّاً بارِحٌ تَرِبُ
وَقَالَ لَبِيدٌ يَصِفُ نَاقَةً:
عُذَافِرَةٌ تُقَمِّصُ بالرُّدَافَى، ... تَخَوَّنَها نُزولي وارْتِحالي.
أَي تنَقَّص لحمَها وشَحْمَها. والرُّدَافَى: جمعُ رَدِيفٍ، قَالَ وَمِثْلُهُ لعبْدَةَ بْنِ الطَّبيب:
عَنْ قانِئٍ لَمْ تُخَوِّنْه الأَحاليلُ
وَفِي قَصِيدِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ:
لَمْ تُخَوِّنْه الأَحاليلُ
وخَوَّنه وتخَوَّنه: تعَهَّدَه. يُقَالُ: الحُمَّى تخَوَّنُه أَي تعَهَّدُه؛ وأَنشد بَيْتَ ذِي الرُّمَّةِ:
لَا يَنْعَشُ الطَّرْفَ إِلا مَا تَخَوَّنَه.
يَقُولُ: الْغَزَالُ ناعِسٌ لَا يَرْفَعُ طَرْفَهُ إِلَّا أَن تجيءَ أُمه وَهِيَ الْمُتَعَهِّدَةُ لَهُ. وَيُقَالُ: إِلَّا مَا تنَقَّصَ نومَه دُعاءُ أُمِّه لَهُ. والخَوَّانُ: مِنْ أَسماء الأَسد. وَيُقَالُ: تخَوَّنته الدُّهورُ وتخَوَّفَتْه أَي تنَقَّصَتْه. والتَّخوُّن لَهُ مَعْنَيَانِ: أَحدهما التَّنقُّصُ، وَالْآخَرُ التَّعُهُّدُ، وَمَنْ جَعَلَهُ تَعَهُّداً جَعَلَ النُّونَ مُبْدَلَةً مِنَ اللَّامِ، يُقَالُ: تخَوَّنه وتخَوَّله بِمَعْنًى وَاحِدٍ. والخَوْنُ: فَتْرة فِي النَّظَرِ، يُقَالُ للأَسد خائنُ الْعَيْنِ، مِنْ ذَلِكَ، وَبِهِ سُمِّيَ الأَسد خَوَّاناً. وخائِنةُ الأَعْيُنِ: مَا تُسارِقُ مِنَ النَّظَرِ إِلى مَا لَا يَحِلُّ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ
؛ وَقَالَ ثَعْلَبٌ: مَعْنَاهُ أَن يَنْظُرَ نَظْرَةً بِرِيبَةٍ وَهُوَ نَحْوُ ذَلِكَ، وَقِيلَ: أَراد يَعْلَمُ خيانةَ الأَعين، فأَخرج الْمَصْدَرَ عَلَى فَاعِلَةٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً؛ أَي لَغْواً، وَمِثْلُهُ: سمعتُ راغِيَةَ الإِبل وثاغِيَةَ الشاءِ أَي رُغاءها وثُغاءها، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، وَمَعْنَى الْآيَةِ أَن النَّاظِرَ إِذَا نَظَرَ إِلَى مَا لَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إِلَيْهِ نَظَرَ خيانةٍ يُسِرُّها مُسَارَقَةً عَلِمَهَا اللَّهُ، لأَنه إِذَا نَظَرَ أَول نَظْرَةٍ غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ خِيَانَةً غيرُ آثِمٍ وَلَا خَائِنٍ، فإِن أَعاد النَّظَرَ ونيتُه الْخِيَانَةُ فَهُوَ خَائِنُ النَّظَرِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَا كَانَ لنبيٍّ أَن تكونَ لَهُ خائنةُ الأَعْيُن
أَي يُضْمِرُ فِي نَفْسِهِ غيرَ مَا يُظْهِرُهُ، فإِذا كَفَّ لِسَانَهُ وأَومأَ بِعَيْنِهِ فَقَدْ خَانَ، وَإِذَا كَانَ ظُهُورُ تِلْكَ الْحَالَةِ مِنْ قِبَل الْعَيْنِ سُمِّيَتْ خائِنَةَ الْعَيْنِ، وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ
؛ أَي مَا يَخُونون فِيهِ مِنْ مُسارقة النَّظَرِ إِلَى مَا لَا يَحِلُّ. والخائِنةُ: بِمَعْنَى الْخِيَانَةِ، وَهِيَ مِنَ الْمَصَادِرِ الَّتِي جَاءَتْ عَلَى لَفْظِ الْفَاعِلَةِ كَالْعَاقِبَةِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه رَدَّ شهادَةَ الْخَائِنِ وَالْخَائِنَةِ
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: لَا نُرَاهُ خَصَّ بِهِ الخِيانةَ فِي أَمانات النَّاسِ دُونَ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ وأْتمنهم عَلَيْهِ، فإِنه قَدْ سَمَّى ذَلِكَ أَمانة فَقَالَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ
؛ فَمَنْ ضَيَّع شَيْئًا مِمَّا أَمر اللَّهُ بِهِ أَو رَكِبَ شَيْئًا مِمَّا نَهى عَنْهُ فَلَيْسَ يَنْبَغِي أَن يَكُونَ عَدْلًا.(13/145)
والخُوانُ والخِوَانُ: الَّذِي يُؤْكل عَلَيْهِ، مُعَرَّبٌ، وَالْجَمْعُ أَخْوِنة فِي الْقَلِيلِ، وَفِي الْكَثِيرِ خُونٌ. قَالَ عدِيٌّ: لِخُونٍ مَأْدُوبةٍ وزَمير؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: لَمْ يُحَرِّكُوا الْوَاوَ كَرَاهَةَ الضَّمَّةِ قَبْلَهَا وَالضَّمَّةُ فِيهَا. والإِخْوَانُ: كالخِوانِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: ونظيرُ خُوَانٍ وخُونٍ بِوانٌ وبُونٌ، وَلَا ثَالِثَ لَهُمَا، قَالَ: وأَما عَوَانٌ وعُونٌ فإِنه مَفْتُوحُ الأَول، وَقَدْ قِيلَ بُوانٌ، بِضَمِّ الْبَاءِ. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ بَرِّيٍّ فِي تَرْجَمَةِ بَوَنَ أَن مثلهما إِوَانٌ وأُوانٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْقَوْلَ هَاهُنَا. اللَّيْثُ: الخِوَان الْمَائِدَةُ، مُعرَّبة. وَفِي حَدِيثِ الدَّابَّةِ:
حَتَّى إِن أَهلَ الخِوَانِ لَيَجْتَمِعُونَ فَيَقُولُ هَذَا يَا مؤْمن وَهَذَا يَا كَافِرُ
، وجاءَ فِي رِوَايَةٍ:
الإِخوان
، بِهَمْزَةٍ، وَهِيَ لُغَةٌ فِيهِ. وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ
أَبي سَعِيدٍ: فإِذا أَنا بأَخاوِينَ عَلَيْهَا لُحومٌ مُنْتِنَةٌ
، هِيَ جَمْعُ خِوَانٍ وَهُوَ مَا يُوضَعُ عَلَيْهِ الطعامُ عِنْدَ الأَكل؛ وبالإِخوَانِ فسِّر قَوْلُ الشَّاعِرِ:
ومَنْحَرِ مِئْناثٍ تَجُرُّ حُوارَها، ... ومَوْضِع إِخوانٍ إِلى جَنْبِ إِخوانِ
. عَنْ أَبي عُبَيْدٍ. والخَوَّانةُ: الاسْتُ. وَالْعَرَبُ تُسَمِّي رَبِيعًا الأَوَّلَ: خَوَّاناً وخُوَّاناً؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
وَفِي النِّصْفِ مِنْ خَوَّانَ وَدَّ عَدُوُّنا ... بأَنَّه فِي أَمْعاءِ حُوتٍ لَدَى البَحْرِ «1»
. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَجَمْعُهُ أَخْوِنة، قَالَ: وَلَا أَدري كَيْفَ هَذَا. وخَيْوَانُ: بَلَدٌ بِالْيَمَنِ لَيْسَ فَعْلانَ لأَنه لَيْسَ فِي الْكَلَامِ اسْمٌ عَيْنُهُ يَاءٌ وَلَامُهُ وَاوٌ، وَتُرِكَ صَرْفُهُ لأَنه اسْمٌ لِلْبُقْعَةِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَذَا تَعْلِيلُ الْفَارِسِيِّ، فأَما رجاءُ بنُ حَيْوَة فَقَدْ يَكُونُ مَقْلُوبًا عَنْ حيَّةٍ فِيمَنْ جَعَلَ حَيَّةً مِنْ ح وي، وَهُوَ رأْي أَبي حَاتِمٍ، ويُعَضِّدُه رَجُلٌ حَوَّاء وحاوٍ لِلَّذِي عَمَلُه جَمْعُ الحَيّاتِ، وَكَذَلِكَ يُعَضِّدُه أَرض مَحْواة، فأَما مَحْياةٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى فمُعاقِبَةٌ إِيثاراً لِلْيَاءِ، أَو مَقْلُوبٌ عَنْ مَحْوَاة، فَلَمَّا نُقِلَتْ حَيَّةُ إِلَى الْعَلَمِيَّةِ خُصَّت الْعَلَمِيَّةُ بِإِخْرَاجِهَا عَلَى الأَصل بَعْدَ الْقَلْبِ، وسَهَّلَ ذَلِكَ لَهُمُ القلبُ، إذْ لَوْ أَعَلُّوا بَعْدَ الْقَلْبِ، والقَلْبُ علةٌ، لَتَوَالَى الإِعْلالانِ. وَقَدْ قِيلَ عَنِ الْفَارِسِيِّ: إِن حَيَّة مِنْ ح ي ي، وإِن حَوَّاءَ مِنْ بَابِ لَأْآءٍ، وَقَدْ يَكُونُ حَيْوَة فَيْعِلَة مِنْ حَوَى يَحْوِي حَيْوِيَةً، ثُمَّ قُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً لِلْكَسْرَةِ فَاجْتَمَعَتْ ثَلَاثُ يَاءَاتٍ، وَمِثْلُهُ حَيْيِيَة فَحُذِفَتِ الْيَاءُ الأَخيرة فَبَقِيَ حَيَّة، ثُمَّ أُخرجت عَلَى الأَصل فَقِيلَ حَيْوَة، فَإِذَا كَانَ حَيْوَةُ مُتَوَجِّهاً عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ فَقَدْ تَأَدَّى ضمانُ الْفَارِسِيِّ أَنه لَيْسَ فِي الْكَلَامِ شَيْءٌ عَيْنُهُ يَاءٌ وَلَامُهُ وَاوٌ الْبَتَّةَ. والخَانُ: الحانُوتُ أَو صَاحِبُ الحانوتِ، فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ، وَقِيلَ: الخانُ الَّذِي للتِّجارِ.
فصل الدال المهملة
دبن: الدِّبْنُ: حَظِيرة مِنْ قَصَب تُعْمَلُ للغَنَم، فإِن كَانَتْ مِنْ خَشَبٍ فَهِيَ زَرْب، وإِن كَانَتْ مِنْ حِجارة فَهِيَ صِيرَة، وكلٌّ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ. وَفِي حَدِيثِ
جُندب بْنِ عَامِرٍ: أَنه كَانَ يُصَلِّي فِي الدِّبْن
، والدِّبْن فَارِسِيٌّ معرَّب. ابْنُ الأَعرابي: الدُّبْنة اللُّقْمة الْكَبِيرَةُ، وَهِيَ الدُّبْلة أَيضاً، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَوْلُ ابْنُ أَحمر:
خَلُّوا طَرِيقَ الدَّيْدَبُونِ، فَقَد ... فَاتَ الصِّبا، وتَفَاوت البُجر
دَيْدَبُون فَيْعَلُول، الْيَاءُ زائِدة، قال: وهذا
__________
(1) . قوله: بأنه؛ هكذا في الأَصل، دون إشباع حركة الضمير(13/146)
فِي الرُّبَاعِيِّ مثلُ كَوْكب ودَيْدَن وسَيْسَبان وقَيْقَبَان، قَالَ: وَمِثْلُ الأَول الزَّيْزَفُون، وَزْنُهُ فَيْعَلول، وَالْيَاءُ زَائِدَةٌ، والدَّيْدَبُون: اللَّهْوُ. وَيُقَالُ: الدَّيدَبُون هُنَا الباطل، والله أَعلم.
دثن: دثَّن الطائرُ يُدَثِّن تَدْثِيناً إِذَا طَارَ وأَسْرَع السُّقوطَ فِي مواضِعَ مُتقارِبة وواترَ ذَلِكَ. ودَثَّن فِي الشَّجرة: اتَّخَذَ فِيهَا عُشّاً. والدَّثِينة: الدَّفِينَةُ؛ عَنْ ثَعْلَبٍ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأُراه عَلَى الْبَدَلِ. والدَّثِينَة والدَّفينَة: مَنْزِلٌ لِبَنِي سُلَيم، وَحَكَاهُ يَعْقُوبُ فِي الْمُبْدَلِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
وَنَحْنُ تَرَكْنا بالدَّثينة حاضِراً، ... لآلِ سُلَيْمٍ، هَامَّةً غيرَ نَائِمٍ
. الْجَوْهَرِيُّ: الدَّثينة مَوْضِعٌ، وَهُوَ مَاءٌ لِبَنِي سَيَّارِ بْنِ عَمْرٍو؛ قَالَ النَّابِغَةُ الذُّبْيَانِيُّ:
وَعَلَى الرُّمَيْثةِ مِنْ سُكَينٍ حاضرٌ، ... وَعَلَى الدَّثِينةِ مِنْ بَني سَيّار
. وَيُقَالُ: إِنَّهَا كَانَتْ تُسَمَّى فِي الْجَاهِلِيَّةِ الدَّفينة ثُمَّ تطيَّروا مِنْهَا فسمَّوْها الدَّثينة؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الَّذِي أَنشده الْجَوْهَرِيُّ:
وَعَلَى الدُّمَيْنة مِنْ سُكَين
قَالَ: وَهُوَ بِخَطِّ ثَعْلَبٍ:
وَعَلَى الرُّمَيْثة مِنْ سُكَين
. وَفِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ الدَّثينة، وَهِيَ بِكَسْرِ الثَّاءِ وَسُكُونِ الْيَاءِ، نَاحِيَةٌ قُرْبَ عَدَن، لَهَا ذِكْرٌ فِي حَدِيثِ أَبي سَبرة النَّخَعِيِّ. وَفِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ
غَزْوَةِ داثِن
، وَهِيَ نَاحِيَةٌ مِنْ غَزّة الشَّامِ، أَوقع بِهَا الْمُسْلِمُونَ بِالرُّومِ، وَهِيَ أَول حَرْبٍ جَرَتْ بَيْنَهُمْ.
دجن: الدَّجْنُ: ظلُّ الْغَيْمِ فِي الْيَوْمِ المَطير. ابْنُ سِيدَهْ: الدَّجْن إِلباسُ الغَيم الأَرضَ، وَقِيلَ: هُوَ إِلْباسُه أَقطارَ السَّمَاءِ، وَالْجَمْعُ أَدْجان ودُجون ودِجان؛ قَالَ أَبو صَخْرٍ الْهُذَلِيُّ:
وَلَذَائِذُ مَعْسولة فِي رِيقةٍ، ... وصِباً لَنَا كدِجانِ يومٍ ماطرِ
. وَقَدْ أَدْجَن يومُنا وادْجَوْجن، فَهُوَ مُدْجن إِذا أَضَبَّ فأَظلم. وأَدْجَنوا: دَخَلُوا فِي الدَّجْن؛ حَكَاهَا الْفَارِسِيُّ. ابْنُ الأَعرابي: دَجَن يومُنا يَدْجُن، بِالضَّمِّ، دَجْناً ودُجوناً ودَغَن، وَيَوْمُ ذُو دُجُنَّة ودُغُنَّة. وَيَوْمٌ دَجْنٌ إِذا كَانَ ذَا مَطَرٍ، وَيَوْمٌ دَغْنٌ إِذا كَانَ ذَا غَيم بِلَا مَطَرٍ. والدَّجْن: الْمَطَرُ الْكَثِيرُ. وأَدْجَنت السَّمَاءُ: دَامَ مَطَرُهَا؛ قَالَ لَبِيدٌ:
مِنْ كلِّ ساريةٍ وغادٍ مُدْجِنٍ، ... وعَشِيّةٍ مُتَجاوِبٍ إِرْزامُها.
وأَدْجَن الْمَطَرُ: دَامَ فَلَمْ يُقْلع أَياماً، وأَدجَنت عَلَيْهِ الْحُمَّى كَذَلِكَ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. والدُّجُنَّة مِنَ الْغَيْمِ: المُطَبّقُ تَطْبِيقًا، الرَّيان المُظْلم الَّذِي لَيْسَ فِيهِ مَطَرٌ. يُقَالُ: يومُ دَجْنٍ ويومُ دُجُنَّة، بِالتَّشْدِيدِ، وَكَذَلِكَ اللَّيْلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ بِالْوَصْفِ والإِضافة. والدُّجْنة: الظُّلمة، وَجَمْعُهَا دُجُن «2» . مَثّل بِهِ سِيبَوَيْهِ وَفَسَّرَهُ السِّيرَافِيُّ، وَزَادَ الْجَوْهَرِيُّ فِي جَمْعِهِ دُجُنّات. وَفِي حَدِيثِ
قُسٍّ: يَجْلو دُجُنَّات الدَّياجي والبُهَم
؛ الدُّجُنَّات: جَمْعُ دُجُنَّة، وَهِيَ الظُّلْمَةُ. وَالدَّيَاجِيُّ: اللَّيَالِي المُظلمة، وَالْفِعْلُ مِنْهُ ادْجَوْجَن؛ وأَنشد:
لِيَسْقِ ابنةَ العَمْريّ سَلْمَى، وإِن نأَت ... كِثافُ العُلى دَاجِي الدُّجُنَّةِ رائِحُ «3» .
__________
(2) . قوله [وجمعها دجن] بضمتين في المحكم، وضبط في الصحاح بضم ففتح، ونبه عليهما شارح القاموس
(3) . قوله [داجي الدجنة] الذي في التهذيب: واهي الداجنة(13/147)
وَالدَّاجِنَةُ: المطَرةُ المُطبقة نَحْوُ الدِّيمة؛ وَقَدْ جَاءَ فِي الشِّعْرِ الدُّجُون، قَالَ:
حَتَّى إِذا انجَلى دُجى الدُّجونِ
. وَلَيْلَةٌ مِدْجانٌ: مُظلِمة. ودَجَن بَالْمَكَانِ يَدْجُن دُجوناً: أَقام بِهِ وأَلِفَه. ابْنُ الأَعرابي: أَدْجَنَ، مِثْلُهُ، أَقام فِي بَيْتِهِ، ودَجَن فِي بَيْتِهِ إِذا لَزِمه، وَبِهِ سُمِّيَتْ دَواجن البُيوت، وَهِيَ مَا أَلِف البيتَ مِنَ الشاءِ وَغَيْرِهَا، الْوَاحِدَةُ داجِنة؛ قَالَ ابْنُ أُمّ قُعْنُبٍ يَهْجُو قَوْمًا:
رأْسُ الخَنا منهُمُ والكفْر خامِسهُمْ، ... وحِشْوةٌ منهُمُ فِي اللُّؤمِ قَدْ دَجَنوا
. والمُداجَنَة: حُسْن الْمُخَالَطَةِ. وَسَحَابَةٌ داجِنة وَمُدْجِنَةٌ وَقَدْ دَجَنتْ تَدْجُن وأَدجنَت؛ ابْنُ سِيدَهْ: دَجَنَت الناقةُ والشاةُ تَدْجُن دُجوناً، وَهِيَ داجِن، لزِمتا البُيوت، وَجَمْعُهَا دَواجِن؛ قَالَ الْهُذَلِيُّ:
رِجالٌ بَرَتْنا الحرْبُ، حَتَّى كأَننا ... جِذالُ حِكاكٍ لوَّحَتْها الدَّواجِن
وَذَلِكَ لأَن الإِبل الجرِبة تُحْبَس فِي الْمَنْزِلِ لِئَلَّا تسرَح فِي الإِبل فتُعْدِيها، فَهِيَ تحْتَكّ بأَصل يُنْصَبُ لَهَا لتُشْفى بِهِ فِي المَبْرك، وإِنما أَرادَ أَن نَارَ الْحَرْبِ قَدْ لوَّحَتْنا، فبِنا مِنْهَا مَا بِهَذَا الجِذْل مِنْ آثَارِ الإِبل الجرْبى. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَعَنَ اللهُ مَن مَثَّل بِدَوَاجِنِهِ
؛ هِيَ جَمْعٌ داجِن وَهِيَ الشَّاةُ الَّتِي تَعلِفها الناسُ فِي مَنَازِلِهِمْ، والمُثْلة بِهَا أَن يَجْدَعها ويخصِيَها. وَالْمُدَاجَنَةُ: حُسن الْمُخَالَطَةِ، قَالَ: وَقَدْ تَقَعُ عَلَى غَيْرِ الشَّاءِ مِنْ كُلِّ مَا يأْلف البيوتَ مِنَ الطَّيْرِ وَغَيْرِهَا. وَفِي حَدِيثِ الإِفك:
تَدخُل الداجنُ فتأْكل عجينَها.
والدَّجون مِنَ الشَّاءِ: الَّتِي لَا تَمْنَعُ ضرْعَها سِخالَ غَيْرِهَا، وَقَدْ دَجَنتْ عَلَى البَهْم تدجُنُ دُجوناً ودِجاناً. وَفِي حَدِيثِ
عِمْرَانَ بْنِ حُصين: كَانَتِ العَضْباءُ داجِناً لَا تُمْنَع مِنْ حَوْض وَلَا نَبْتٍ
؛ هِيَ نَاقَةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَلْبٌ دَجُون: آلِفٌ للبُيوت. اللَّيْثُ: كَلْبٌ داجِن قَدْ أَلِف البيتَ. الْجَوْهَرِيُّ: شاةٌ دَاجِنٌ وراجِن إِذا أَلِفت الْبُيُوتَ واستأْنست، قَالَ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُهَا بِالْهَاءِ، وَكَذَلِكَ غَيْرُ الشَّاةِ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
حَتَّى إِذا يَئِس الرُّماةُ، وأَرسَلوا ... غُضُفاً دَواجِنَ قافِلًا أَعصامُها
. أَراد بِهِ كِلَابَ الصَّيْدِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَشَاةٌ مِدْجان تأْلف البَهْم وتحِبُّها. وَنَاقَةٌ مَدْجُونة: عُوِّدت السِّناوة أَي دُجِنت للسِّناوة، وجمَل دَجون وَدَاجِنٌ كَذَلِكَ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ لِهِمْيَانَ بْنَ قُحَافَةَ:
يُحْسِنُ فِي مَنْحاتِه الهَمالِجا، ... يُدْعى هَلُمَّ داجِناً مُدامِجا
. والدُّجْنة فِي أَلوان الإِبل: أَقبَحُ السَّوَادِ. يُقَالُ: بَعِيرٌ أَدْجَنُ وَنَاقَةٌ دَجْناء. والدَّواجن مِنَ الحَمام: كَالدَّوَاجِنِ مِنَ الشَّاءِ والإِبل. والدُّجون: الأَلَفانُ. والدَّجَّانة: الإِبل الَّتِي تحْمل الْمَتَاعَ، وَهُوَ اسْمٌ كالجَبَّانة. اللَّيْثُ: الدَّيْدَجانُ الإِبل تَحْمِلُ التِّجَارَةَ. وَالْمُدَاجَنَةُ: كالمُداهنة. ودُجَيْنة: اسْمُ امرأَة. وأَبو دُجانة: كُنْيَةُ سِماك بْنِ خَرَشة الأَنصاريّ، وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ اللَّهَ مَسَح ظهرَ آدمَ بدَجْناء
«1» . هو بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ اسْمُ مَوْضِعٍ، ويروى بالحاء المهملة.
دحن: الدَّحِنُ: الخِبُّ [الخَبُ] الْخَبِيثِ كالدَّحِل، وَقِيلَ: الدَّاهِي، وَقِيلَ: الدَّحِن الْمُسْتَرْخِي الْبَطْنَ، وَقِيلَ: الْعَظِيمَةُ، وَقِيلَ: الدَّحِن والدِّحَنُّ السَّمِينُ الْمُنْدَلِقُ
__________
(1) . قوله [بدجناء] ضبط في النهاية بفتح فسكون، وفي القاموس: ودجنا، بالضم أَو بالكسر وقد يمدّ، وقوله [ويروى بالحاء] عليه اقتصر ياقوت وضبطه بفتح فسكون كالمحكم وسيأْتي قريباً(13/148)
الْبَطْنِ الْقَصِيرُ، وَالْفِعْلُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ دَحِن يَدْحَن دَحَناً. والدِّحَنَّة والدِّحْوَنَّة: كالدَّحِن؛ وأَنشد الأَزهري:
دِحْوَنَّة مُكَرْدَسٌ بَلَنْدَحُ، ... إِذا يُرادُ شَدُّه يُكَرْمِحُ.
وَيُرْوَى: يُكَرْدِح. والكَرْمَحة والكَرْدَحة والكَرْبَحة بِمَعْنًى: وَهُوَ عدْو الْقَصِيرِ يُقَرْمِط، والمُكَرْدَسُ: الملَزَّز الخَلْق، وَالْبَلَنْدَحُ: الْقَصِيرُ السَّمِينُ، وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِحُمَيْدٍ بْنِ ثَوْرٍ فِي الدَّحِنِ:
تَبْرِي لَكِيكَ الدَّحِن المِخْراجِ
. وَبَعِيرٌ دِحِنَّة ودِحْوَنَّة: عَرِيضٌ، وَكَذَلِكَ النَّاقَةُ والمرأَة؛ عَنْ أَبي زَيْدٍ. الأَزهري: قِيلَ لِابْنَةِ الخُسّ أَيُّ الإِبل خَيْر؟ فَقَالَتْ: خَيْرُ الإِبل الدِّحِنَّة الدِّحَنَّة الطوِيلُ الذِّرَاعُ القصيرُ الكُراع، وَقَلَّمَا تَجِدَنَّه. قَالَ: وَقَالَ اللَّيْثُ الدِّحِنَّة الْكَثِيرُ اللحْم الغليظُ. قَالَ الأَزهري: يُقَالُ نَاقَةٌ دِحَنَّة ودِحِنَّة، بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا، فَمَنْ كَسَرَهَا فَهُوَ عَلَى مِثَالِ امرأَة عِفِرّة وضِبِرَّة، وَمَنْ فَتَحَ فَهُوَ عَلَى مِثَالِ رَجُلٍ عِكَبّ وامرأَة عِكَبَّة إِذا كَانَا جَافِيَيِ الخَلْق. وَنَاقَةٌ دِفَقّة: سَرِيعَةٌ؛ وأَنشد ابْنُ السِّكِّيتِ:
أَلا ارْحَلوا دِعْكِنةً دِحِنَّة [دِحَنَّة] ، ... بما ارتعَى مُزْهِية مُغِنّة. وَيُرْوَى «1»
. أَلا ارْحَلوا ذَا عُكْنة أَي تَعَكَّن الشحْمُ عَلَيْهَا، قَالَ: وَهَذَا أَجود. والدِّحَنَّة: الأَرض المرتفِعة؛ عَنْ أَبي مَالِكٍ يَمَانِيَةٌ. والدَّيْحانُ: الْجَرَادُ، فَيْعال؛ عَنْ كُرَاعٍ. ودَحْنا: اسْمُ أَرض. وَرُوِيَ عَنْ
سَعِيدٍ أَنه قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى آدمَ مِنْ دَحْناءَ ومسَح ظهرَه بِنَعْمانِ السَّحابِ، وَهُوَ بَيْنَ الطَّائِفِ وَمَكَّةَ
، وَيُرْوَى بِالْجِيمِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
دخن: الدُّخْن: الجَاوَرْس، وَفِي الْمُحْكَمِ: حَبُّ الجاوَرْس، وَاحِدَتُهُ دُخْنَة. والدُّخَان: العُثانُ، دُخَانُ النَّارِ مَعْرُوفٌ، وَجَمْعُهُ أَدْخِنة ودَواخِن ودَواخِينُ، وَمِثْلُ دُخَان ودواخِن عُثان وعواثِن، ودَواخِن عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
كأَنَّ الغُبارَ، الَّذِي غادَرَتْ ... ضُحَيَّا، دَواخِنُ مَنْ تَنْضُبِ
وَدَخَنَ الدُّخانُ دُخوناً إِذا سطَع. ودَخَنتِ النارُ تَدْخُن وتَدْخِن «2» . دُخاناً ودُخُوناً: ارْتَفَعَ دُخانها، وادَّخَنت مِثْلُهُ عَلَى افْتَعلت. ودَخِنَت تَدْخَن دَخَناً: أُلقِي عَلَيْهَا حَطَبٌ فأُفْسِدت حَتَّى هَاجَ لِذَلِكَ دُخان شَدِيدٌ، وَكَذَلِكَ دَخِن الطعامُ وَاللَّحْمُ وَغَيْرُهُ دَخَناً، فَهُوَ دَخِن إِذا أَصابه الدُّخَانُ فِي حَالِ شَيّه أَو طَبْخِهِ حَتَّى تَغْلبَ رائحتُه عَلَى طَعْمِهِ، ودَخِن الطَّبِيخُ إِذا تَدخّنت الْقِدْرُ. وَشَرَابٌ دَخِن: مُتَغَيِّرُ الرَّائِحَةِ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
وفِتْيان صِدْقٍ قَدْ غَدَوْتُ عليهِمُ ... بِلَا دَخِن، وَلَا رَجِيع مُجَنَّبِ
. فالمُجَنَّب: الَّذِي جَنَّبَه النَّاسُ. والمُجَنَّب: الَّذِي بَاتَ فِي الْبَاطِيَةِ. والدَّخَن أَيضاً: الدُّخان؛ قَالَ الأَعشى:
تُبارِي الزِّجاجَ، مَغَاوِيرُهَا ... شَماطِيط فِي رهَج كالدَّخَن
. وَلَيْلَةٌ دَخْنانة: كأَنما تَغَشّاها دُخان مِنْ شِدَّةِ حَرّها. وَيَوْمٌ دَخْنان: سَخْنان. وقوله عز وجل:
__________
(1) . قوله [ويروى إِلخ] فسره في التهذيب فقال: أَي جملًا ذا عكن من الشحم، قَالَ: وَهُوَ أَشبه لأَنه وصفه بنعت الذكر فقال ارتعى
(2) . قوله [تدخن وتدخن] ضبط في الأَصل والصحاح من حد ضرب ونصر، وفي القاموس دخنت النار كمنع ونصر(13/149)
يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ
؛ أَي بِجَدْب بَيّن. يُقَالُ: إِن الجائعَ كَانَ يَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ دُخَانًا مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ، وَيُقَالُ: بَلْ قِيلَ لِلْجُوعِ دُخان ليُبْس الأَرض فِي الجَدْب وَارْتِفَاعِ الغُبار، فَشَبَّهَ غُبْرتها بِالدُّخَانِ؛ وَمِنْهُ قِيلَ لِسَنَةِ المَجاعة: غَبْراء، وَجُوعٌ أَغْبَر. وَرُبَّمَا وَضَعَتِ الْعَرَبُ الدُّخان مَوْضِعَ الشَّرِّ إِذا عَلَا فَيَقُولُونَ: كَانَ بَيْنَنَا أَمر ارْتفَعَ لَهُ دُخَانٌ، وَقَدْ قِيلَ: إِن الدُّخَانَ قَدْ مَضَى. والدُّخْنة: كالذَّريرة يُدخَّن بِهَا البيوتُ. وَفِي الْمُحْكَمِ: الدُّخنة بَخُور يُدَخَّن بِهِ الثيابُ أَو الْبَيْتُ، وَقَدْ تَدَخَّن بِهَا ودَخَّن غيرَه؛ قَالَ:
آلَيْت لَا أَدْفِن قَتْلاكُمُ، ... فَدَخِّنوا المَرْءَ وسِرْباله.
والدَّواخِن: الكُوَى الَّتِي تُتَّخَذُ عَلَى الأَتُّونات والمَقالِي. التَّهْذِيبُ: الداخِنة كُوًى فِيهَا إِرْدَبَّات تُتَّخَذُ عَلَى الْمَقَالِي والأَتُّونات؛ وأَنشد «1» .
كمِثْل الدَّواخِن فَوْقَ الإِرينا
ودَخَن الغُبارُ دُخوناً: سَطَعَ وَارْتَفَعَ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
اسْتَلْحَمَ الوَحْشَ عَلَى أَكْسائِها ... أَهْوجُ مِحضيرٌ، إِذا النَّقْعُ دَخَنْ
. أَي سَطَعَ. والدَّخَن: الكُدُورة إِلى السَّوَادِ. والدُّخْنة مِنْ لَوْنِ الأَدْخَن: كُدْرة فِي سَوَادٍ كالدُّخان دَخِن دَخَناً، وَهُوَ أَدْخَن. وَكَبْشٌ أَدْخَن وَشَاةٌ دَخْناء بَيِّنَةُ الدَّخَن؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
مَرْتٌ كظَهْر الصَّرْصَران الأَدْخَنِ
. قَالَ: صَرْصَران سَمَكٌ بِحَرِيٌّ. وَلَيْلَةٌ دَخْنانة: شَدِيدَةُ الْحَرِّ وَالْغَمِّ. وَيَوْمٌ دَخْنانٌ: سَخْنانٌ. والدَّخَن: الحِقْد. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه ذَكَرَ فتْنَةً فَقَالَ: دَخَنُها مِنْ تَحْت قَدَمَيْ رَجُلٍ مِنْ أَهل بَيْتِي
؛ يَعْنِي ظُهُورَهَا وإِثارتها، شَبَّهَهَا بِالدُّخَانِ الْمُرْتَفِعِ. والدَّخَن، بِالتَّحْرِيكِ: مَصْدَرُ دَخِنَت النَّارُ تَدْخَن إِذا أُلْقِي عَلَيْهَا حَطَبٌ رَطْب وكثُر دُخَانُهَا. وَفِي حَدِيثِ الْفِتْنَةِ:
هُدْنةٌ عَلَى دَخَنٍ وجماعةٌ عَلَى أَقْذاء
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: قَوْلُهُ هُدْنة عَلَى دَخَن تَفْسِيرُهُ فِي الْحَدِيثِ لَا تَرْجِعُ قلوبُ قَوْمٍ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ أَي لَا يَصْفو بعضُها لِبَعْضٍ وَلَا ينْصَعُ حُبّها كَالْكُدُورَةِ الَّتِي فِي لَوْنِ الدابَّة، وَقِيلَ: هُدْنة عَلَى دَخَن أَي سُكُونٍ لِعلَّة لَا لِلصُّلْحِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: شَبَّهَهَا بِدُخَانِ الحَطب الرَّطْب لِمَا بَيْنَهُمْ مِنَ الْفَسَادِ الْبَاطِنِ تَحْتَ الصَّلاح الظَّاهِرِ، وأَصل الدَّخَن أَن يَكُونَ فِي لَوْن الدَّابَّةِ أَو الثَّوْبِ كُدْرة إِلى سَوَادٍ؛ قَالَ المعطَّل الْهُذَلِيُّ يَصِفُ سَيْفًا:
لَيْنٌ حُسامٌ لَا يُلِيقُ ضَرِيبةً، ... فِي مَتْنه دَخَنٌ وأَثْرٌ أَحلَسُ
. قَوْلُهُ: دَخَن يَعْنِي كُدورة إِلى السَّوَادِ؛ قَالَ: وَلَا أَحسبه إِلا مِنَ الدُّخان، وَهَذَا شَبِيهٌ بِلَوْنِ الْحَدِيدِ، قَالَ: فوجْهه أَنه يَقُولُ تَكُونُ الْقُلُوبُ هَكَذَا لَا يَصْفو بعضُها لِبَعْضٍ وَلَا يَنْصَع حُبها كَمَا كَانَتْ، وإِن لَمْ تَكُنْ فِيهِمْ فِتْنَةٌ، وَقِيلَ: الدَّخَن فِرِنْدُ السَّيْفِ فِي قَوْلِ الْهُذَلِيِّ. وَقَالَ شَمِرٌ: يُقَالُ للرجُل إِذا كَانَ خَبِيثَ الخُلُق إِنه لدَخِن الخُلُق؛ وَقَالَ قَعْنَب:
وَقَدْ عَلِمْتُ عَلَى أَنِي أُعاشِرُهم، ... لَا نَفْتأُ الدَّهْرَ إِلَّا بَيْنَنَا دَخَنُ
. ودَخِن خُلُقُه دَخَناً، فَهُوَ دَخِن وداخِن: ساءَ وفسَد وخَبُث. وَرَجُلٌ دَخِن الحسَب والدِّين
__________
(1) . قوله [وأَنشد إِلخ] الذي في التكملة: وأَنشد لِكَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ: يثرن الغبار على وجهه كلون الدواخن(13/150)
وَالْعَقْلِ: متغيرهُنَّ. والدُّخْنَان: ضرْب مِنَ الْعَصَافِيرِ. وأَبو دُخْنة: طَائِرٌ يُشْبِه لَوْنُهُ لونَ القُبّرة. وَابْنَا دُخانٍ: غَنِيّ وباهِلةُ؛ وأَنشد ابْنَ بَرِّيٍّ للأَخطل:
تَعُوذُ نساؤُهُمْ بابْنَيْ دُخانٍ، ... وَلَوْلَا ذَاكَ أُبْنَ مَعَ الرِّفاقِ
. قَالَ: يُرِيدُ غَنِيًّا وباهلةَ؛ قَالَ: وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ يَهْجُو الأَصمَّ الْبَاهِلِيَّ:
أَأَجْعَل دارِماً كابْنَيْ دُخانٍ، ... وَكَانَا فِي الغَنيمةِ كالرِّكاب
. التَّهْذِيبُ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ لغَنيّ وَبَاهِلَةَ بَنُو دُخان؛ قَالَ الطرمَّاح:
يَا عَجَباً ليَشْكُرَ إِذ أَعدَّت، ... لتنصُرَهم، رُواةَ بَني دُخانِ
. وَقِيلَ: سُمُّوا بِهِ لأَنهم دَخَّنوا عَلَى قَوْمٍ فِي غَارٍ فقتلُوهم، وَحَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ أَنهم إِنما سُمُّوا بِذَلِكَ لأَنه غَزاهم ملِك مِنَ الْيَمَنِ، فَدَخَلَ هُوَ وأَصحابُه فِي كَهْفٍ، فنَذِرت بِهِمْ غَنِيٌّ وباهلةُ فأَخذوا بابَ الْكَهْفِ ودخَّنوا عَلَيْهِمْ حَتَّى مَاتُوا، قَالَ: وَيُقَالُ ابْنَا دُخَانٍ جبَلا غَنِيٍّ وَبَاهِلَةَ. ابْنُ بَرِّيٍّ: أَبو دُخْنَةَ طَائِرٌ يُشْبه لَوْنُهُ لونَ القُبّرة.
دخشن: ابْنُ سِيدَهْ: رَجُلٌ دَخْشَن غَلِيظٌ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَيُقَالُ الدَّخْشَم. التَّهذيب: الْفَرَّاءُ الدَّخْشَن الحَدَبَةُ «1» . وأَنشد:
حُدْبٌ حَدابيرُ مِنَ الدَّخْشَنِّ، ... تَرَكْنَ راعِيهِنَّ مثلَ الشَّنِّ.
قَالَ: والدَّخْشَن فِي الْكَلَامِ لَا ينوَّن، وَالشَّاعِرُ ثقَّل نونَه لحاجته إِليه.
ددن: الدَّدانُ مِنَ السُّيُوفِ: نَحْوُ الكَهامِ. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: هُوَ الَّذِي يُقْطَع بِهِ الشَّجَرُ، وَهَذَا عِنْدَ غَيْرِهِ إِنما هُوَ المِعْضَد. وَسَيْفٌ كَهَامٌ ودَدَانٌ بِمَعْنًى وَاحِدٍ: لَا يَمْضِي؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لطُفَيْل:
لَوْ كنتَ سَيْفاً كَانَ أَثْرُك جُعْرةً، ... وكنتَ دَدَاناً لَا يُغَيِّرك الصَّقلُ
. والدَّدَانُ: الرجُل الَّذِي لَا غَنَاءَ عِنْدَهِ، وَنَسَبَ ابْنُ بَرِّيٍّ هَذَا الْقَوْلَ لِلْفَرَّاءِ قَالَ: لَمْ يَجِئ مَا عَيْنُهُ وفاؤُه مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ إِلَّا دَدَن وَدَدَانُ، قَالَ: وَذَكَرَ غَيْرُهُ البَبْر، وَقِيلَ: البَبْر أَعجميّ، وَقِيلَ: عَرَبِيٌّ وَافَقَ الأَعجمي، وَقَدْ جَاءَ مَعَ الْفَصْلِ نَحْوَ كَوْكَب وسَوْسَن ودَيْدَن وسَيْسَبان، والدَّدَن والدَّدُ مَحْذُوفٌ مِنَ الدَّدَن، والدَّدا محوَّل عَنِ الدَّدَن، والدَّيْدَن كُلُّهُ «2» . اللَّهْو وَاللَّعِبُ، اعْتَقَبت النونُ وحرفُ الْعِلَّةِ عَلَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ لَامًا كَمَا اعْتَقَبَتِ الْهَاءُ وَالْوَاوُ فِي سِنَةٍ لَامًا وَكَمَا اعْتَقَبَتْ فِي عِضاه؛ قَالَ ابْنُ الأَعرابي: هُوَ اللَّهْوُ. والدَّيْدَبُون، وَهُوَ ددٌ ودَداً ودَيْدٌ ودَيَدانٌ ودَدَنٌ كُلُّهَا لغاتٌ صَحِيحَةٌ. وَفِي الْحَدِيثِ
عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَنا مِنْ ددٍ وَلَا الدَّدُ منِّي
، وَفِي رِوَايَةٍ:
مَا أَنا مِنْ دَداً وَلَا دَداً منِّي
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير فِي تَفْسِيرِ الْحَدِيثِ: الدَّدُ اللَّهْوُ وَاللَّعِبُ، وَهِيَ مَحْذُوفَةُ اللَّامِ، وَقَدِ اسْتُعْمِلَتْ مُتَمَّمَة عَلَى ضَرْبَيْنِ:
__________
(1) . قوله [الحدبة] بحاء ودال مهملتين مفتوحتين كما في الأَصل والتهذيب والصاغاني ونسخة القاموس التي شرح عليها السيد مرتضى وهو المطابق للبيت، لأَن الحدبة واحدة الحدب محركاً: نبات أَو هو النصيّ. فما في نسخ القاموس الطبع: الخدبة، بكسر الخاء المعجمة وَفَتْحِ الدَّالِّ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ الموحدة خطأ
(2) . قوله [والديدن كله إِلخ] كذا بالأَصل مضبوطاً، وفي القاموس: الديدان، محركة(13/151)
دَداً كنَدًى، ودَدَن كبَدَن، قَالَ: وَلَا يَخْلُو الْمَحْذُوفُ مِنْ أَن يَكُونَ ياءَ كَقَوْلِهِمْ يَدٌ فِي يَدْيٍ، أَو نُونًا كَقَوْلِهِمْ لَدُ فِي لَدُنْ، وَمَعْنَى تَنْكِيرِ الدَّدَ فِي الأُولى الشِّياعُ والاستغراقُ، وأَن لَا يَبْقَى شيءٌ مِنْهُ إِلّا وَهُوَ منزَّه عَنْهُ أَي مَا أَنا فِي شيءٍ مِنَ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ، وتعريفُه فِي الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ لأَنه صَارَ مَعْهُودًا بِالذِّكْرِ كأَنه قَالَ: وَلَا ذَلِكَ النوعُ منِّي، وإِنما لَمْ يقُل وَلَا هُوَ منِّي لأَنَّ الصَّرِيحَ آكَدُ وأَبلغ، وَقِيلَ: اللَّامُ فِي الدَّدِ لِاسْتِغْرَاقِ جِنْسِ اللَّعِبِ أَي وَلَا جِنْسُ اللعب مني، سواء كان الَّذِي قُلْتُهُ أَو غيرَه مِنْ أَنواع اللهوِ وَاللَّعِبِ، قَالَ: وَاخْتَارَ الزَّمَخْشَرِيُّ الأَول وَقَالَ: لَيْسَ يَحْسُن أَن يَكُونَ لِتَعْرِيفِ الْجِنْسِ وَيَخْرُجُ عَنِ الْتِئَامِهِ، وَالْكَلَامُ جُمْلَتَانِ، وَفِي الْمَوْضِعَيْنِ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: مَا أَنا مِنْ أَهلِ دَدٍ وَلَا الدَّدُ مِنْ أَشغالي، وَقَالَ الأَحمر: فِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ، يُقَالُ لِلَّهْوِ ددٌ مِثْلُ يَدٍ، ودَداً مِثْلُ قَفًا وَعَصًا، ودَدَنٌ مِثْلُ حَزَن؛ وأَنشد لِعَدِيٍّ:
أَيُّها القَلْبُ تَعَلَّلْ بدَدَنْ، ... إِنَّ هَمِّي فِي سَماعٍ وأَذَنْ
. وَقَالَ الأَعشى:
أَتَرْحَلُ مِنْ لَيْلَى، ولَمَّا تَزوّدِ، ... وكنتَ كَمَنْ قَضى اللُّبانةَ مِنْ دَدِ.
ورأَيت بِخَطِّ الشَّيخ رَضِيِّ الدِّينِ الشَّاطبي اللُّغَوِيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي بَعْضِ الأُصول: دَدّ، بِتَشْدِيدِ الدَّالِ، قَالَ: وَهُوَ نَادِرٌ ذَكَرَهُ أَبو عُمَرَ الْمَطْرَزِيُّ؛ قَالَ أَبو مُحَمَّدِ بْنُ السَّيِّدِ: وَلَا أَعلم أَحداً حَكَاهُ غَيْرَهُ، قَالَ أَبو عَلِيٍّ: وَنَظِيرُ دَدَنٍ ودَداً ودَدٍ فِي اسْتِعْمَالِ اللَّامِ تَارَةً نُونًا، وَتَارَةً حَرْفَ عِلَّةٍ، وَتَارَةً مَحْذُوفَةً لدُنْ ولَداً ولَدُ، كلُّ ذَلِكَ يُقَالُ؛ وَقَالَ الأَزهري فِي تَرْجَمَةِ دَعَبَ: قَالَ الطرمَّاح:
واستَطْرَقَتْ ظُعْنُهمْ. لمَّا احزأَلَّ بِهِمْ، ... مَعَ الضُّحَى، ناشِطٌ من داعِبات دَدِ «3»
قَالَ: يَعْنِي اللَّواتي يَمْزَحْن ويَلْعَبْن ويُدأْدِدْن بأَصابعهنَّ والدَّدُ: هُوَ الضرْب بالأَصابع فِي اللَّعِبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِي هَذَا البيتَ:
مِنْ داعِبٍ دَدِدِ
يَجْعَلُهُ نَعْتًا لِلدَّاعِبِ ويَكْسَعُه بِدَالٍ أُخرى لِيَتِمّ النَّعْتُ، لأَنَّ النَّعت لَا يَتَمَكَّنُ حَتَّى يَصِيرَ ثَلَاثَةَ أَحرف، فإِذا اشْتقوا مِنْهُ فِعْلًا أَدخلوا بَيْنَ الأُوليين هَمْزَةً لِئَلَّا تَتَوَالَى الدَّالَاتُ فَتَثْقُلَ فَيَقُولُونَ: دأْدَدَ يُدَأْدِدُ دأْددة؛ قَالَ: وَعَلَى قِيَاسِهِ قَوْلُ رُؤْبَةَ:
يَعُدّ زأْراً وهَدِيراً زَغْدَبا، ... بَعْبَعَة مَرّاً، ومَرّاً بَأْبَبَا «4»
وإِنما حَكَى خَرَسًا شَبَّهَ بِبَبٍ فَلَمْ يَسْتَقِمْ فِي التَّصْرِيفِ إِلَّا كَذَلِكَ «5» وَقَالَ آخَرُ يَصِفُ فَحْلًا:
يَسوقُها أَعْيَسُ هدَّارٌ بببْ، ... إِذا دَعاها أَقْبَلَتْ لَا تَتَّئِبْ
. والدَّيْدنُ: الدأْب وَالْعَادَةُ، وَهِيَ الدَّيْدانُ؛ عَنِ ابْنِ جِنِّي؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
وَلَا يَزال عندَهُمْ حَفَّانُهُ، ... دَيْدانُهُمْ ذَاكَ، وَذَا دَيْدانُهُ
. والدَّيْدَبُونُ: اللَّهْوُ؛ قَالَ ابْنُ أَحمر:
خَلُّوا طَريقَ الدَّيْدَبُونِ، فَقَدْ ... فَاتَ الصِّبا، وتَفاوَتَ البُجْر.
__________
(3) . قوله [مع الضحى ناشط] كذا بالأَصل، وفي القاموس في مادَّة ددد: آل الضحى ناشطٌ.
(4) . قوله [يعد] كذا بالأَصل مضبوطاً، والذي في شرح القاموس في مادة زغدب ونسبه للعجاج: يمد زأَراً.
(5) . قوله: وإِنما حكى إِلخ هكذا في الأَصل، والكلام غامض ولعل فيه سقطاً.(13/152)
وَفِي النِّهَايَةِ: وَفِي الْحَدِيثِ
خَرَجْت لَيْلَةً أَطُوف فإِذا أَنا بامرأَة تَقُولُ كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ عُدْتُ فوجدتُها ودَيْدانُها أَن تقولَ ذَلِكَ
؛ الدَّيْدانُ والدَّيْدَنُ والدِّين: الْعَادَةُ، تَقُولُ: مَا زَالَ ذَلِكَ دَيدَنَه ودَيدَانه ودِينَه ودأْبَه وعادَتَه وسَدَمه وهِجِّيرَه وهِجِّيراه واهْجِيراه ودُرابَتَه، قَالَ: وَهَذَا غَرِيبٌ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَدَدَ اسْمُ رَجُلٍ؛ قَالَ:
مَا لِدَدٍ مَا لِدَدٍ ما لَهْ.
دذن: الدَّاذِينُ: مَناورُ مِنْ خَشَب الأَرْز يُسْتَصبح بِهَا، وَهُوَ يُتَّخَذُ بِبِلَادِ الْعَرَبِ مِنْ شَجَرِ المَظّ، وَاللَّهُ أَعلم.
درن: الدَّرَنُ: الوسَخ، وَقِيلَ: تَلَطُّخُ الْوَسَخِ. وَفِي الْمَثَلِ: مَا كَانَ إِلا كَدَرَنٍ بكَفِّي، يَعْنِي دَرَناً كَانَ بإِحدى يَدَيْهِ فَمَسْحَهَا بالأُخرى، يُضْرَبُ ذَلِكَ لِلشَّيْءِ العَجِل. وَقَدْ دَرِنَ الثوبُ، بِالْكَسْرِ، دَرَناً فَهُوَ دَرِن وأَدْرَنُ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
إِن امْرُؤٌ دَغْمَرَ لَوْنَ الأَدْرَنِ، ... سَلمت عِرْضاً ثَوبُه لَمْ يَدْكَنِ «1»
وأَدْرَنَه صاحبُه. وَفِي حَدِيثِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ:
تُذْهِبُ الخَطايا كَمَا يُذهب الماءُ الدَّرَنَ
أَي الوسخَ. وَفِي حَدِيثِ الزَّكَاةِ:
وَلَمْ يُعطِ الهَرِمة وَلَا الدَّرِنة
أَي الْجَرْبَاءَ، وأَصله مِنَ الْوَسَخِ. وَرَجُلٌ مِدْرانٌ: كَثِيرُ الدَّرَن؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
مَدارِينُ إِن جاعُوا، وأَذْعَرُ مَن مَشى، ... إِذا الرَّوْضةُ الخضْراءُ ذَبّ غَدِيرُها
. ذَبَّ: جَفّ فِي آخِرِ الجَزْءِ، والأُنثى مِدْرانٌ، بِغَيْرِ هَاءٍ؛ قَالَ الفرزدق:
تَرَكُوا لتَغْلِبَ، إِذ رَأَوْا أَرماحَهُمْ، ... بِأَرابَ كُلَّ لَئِيمَةٍ مِدْرانِ
. والدَّرينُ والدُّرانة: يَبيسُ الحشِيش وَكُلُّ حُطام مِنْ حَمْض أَو شَجَرٍ أَو أَحرار الْبُقُولِ وَذُكُورِهَا إِذا قَدُمَ، فَهُوَ دَرِين؛ قَالَ أَوس بْنُ مَغْراءِ السَّعدي:
وَلَمْ يَجِدِ السَّوامُ لَدَى المَراعِي ... مَساماً يُرْتَجَى، إِلا الدَّرِينا
. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: الدَّرِين النَّبْتُ الَّذِي أَتى عَلَيْهِ سَنَةٌ ثُمَّ جَفَّ، واليَبيسُ الْحَوْلِيُّ هُوَ الدَرِين. وَيُقَالُ: مَا فِي الأَرض مِنَ الْيَبِيسِ إِلا الدُّرانة. الْجَوْهَرِيُّ: الدَّرين حُطام المَرْعى إِذا قَدُم، وَهُوَ مَا بَلِيَ مِنَ الْحَشِيشِ، وقلَّما تَنْتَفِعُ بِهِ الإِبلُ؛ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ كُلْثُومٍ:
وَنَحْنُ الحابِسُون بذِي أُراطَى، ... تسَفُّ الجِلَّةُ الخُورُ الدَّرِينا
. وأَدْرَنَت الإِبلُ: رَعَتِ الدَّرِين، وَذَلِكَ فِي الْجَدَبِ. وَحَطَبٌ مُدْرِنٌ: يَابِسٌ. وَفِي حَدِيثِ
جَرِيرٍ: وإِذا سَقَطَ كَانَ دَرِيناً
؛ الدَّرِينُ حُطام الْمَرْعَى إِذا تَنَاثَرَ وَسَقَطَ عَلَى الأَرض. وَيُقَالُ للأَرض الْمُجْدِبَةِ: أُمُّ دَرِين؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
تعالَيْ نُسَمِّطْ حُبَّ دَعْدٍ ونَغْتدي ... سَواءَيْن، والمَرْعى بأُمّ دَرِينِ
. يَقُولُ: تعالَيْ نلزَم حُبَّنا، وإِن ضَاقَ الْعَيْشُ. وإِدْرَوْن الدَّابَّةِ: آريُّه. وَرَجَعَ الْفَرَسُ إِلى إِدْرَوْنه أَي آرِيِّهِ. والإِدْرَوْنُ: المَعْلَف. والإِدْرَوْن: الأَصل؛ قَالَ القُلاخ:
وَمِثْلُ عَتَّابٍ رَدَدْنَاهُ إِلى ... إِدْرَوْنه ولُؤم أَصِّه على
__________
(1) . قوله [ثوبه لم يدكن] كذا في الأَصل هنا وفي مادة دكن، وتقدم في مادة دغمر: لونه لم يدكن.(13/153)
أَلرّغْم مَوْطوءَ الْحَصَى مُذَلَّلا «1»
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَمَنْ جَعَلَ الْهَمْزَ فِي إِدرون فَاءَ الْمِثَالِ فَهِيَ رُبَاعِيَّةٌ مِثْلَ فِرْعون وبِرْذون، وَخَصَّ بَعْضُهُمْ بالإِدْرَوْن الْخَبِيثَ مِنَ الأُصول، فَذَهَبَ أَن اشْتِقَاقَهُ مِنَ الدَّرَن؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقِيلَ: الإِدْرَوْن الدَّرَن، قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا مَعْرُوفًا. ورجَع إِلى إِدْرَوْنه أَي وطَنه؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: مُلْحَقُ بِجِرْدَحْل وحِنْزَقْر، وَذَلِكَ أَن الْوَاوَ الَّتِي فِيهَا لَيْسَتْ مَدًّا لأَنَّ مَا قَبْلَهَا مَفْتُوحٌ، فَشَابَهَتِ الأُصول بِذَلِكَ فأُلحقت بِهَا. ابْنُ الأَعرابي: فُلَانٌ إِدْرَوْن شَرّ وطِمِرُّ شَرٍّ إِذا كَانَ نِهَايَةً فِي الشَّرِّ. والدَّرَان: الثَّعْلَبُ. وأَهل الْكُوفَةِ يُسمون الأَحمق دُرَيْنَة. ودُرَّانة: مِنْ أَسماء النِّسَاءِ، وَهُوَ فُعْلانة. قَالَ الأَزهري: النُّونُ فِي الدُّرّانة إِن كَانَتْ أَصلية فَهِيَ فُعْلالة مِنَ الدَّرَن، وإِن كَانَتْ غَيْرَ أَصلية فَهِيَ فُعْلانة مِنَ الدُّرّ أَو الدَّرّ، كَمَا قَالُوا قُرّان مِنَ الْقُرَى وَمِنَ القَرين. ودَرْنا ودُرْنا، بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ: مَوْضِعٌ زَعَمُوا أَنه بِنَاحِيَةِ الْيَمَامَةِ؛ قَالَ الأَعشى:
حَلَّ أَهلي ما بَيْن دُرْنا فبادُولى ... ، وحَلَّتْ عُلْوِيّةً بالسِّخالِ
. وَقَالَ أَيضاً:
فقلْتُ للشَّرْب فِي دُرْنا، وَقَدْ ثَمِلُوا: ... شِيمُوا، وكيفَ يَشِيمُ الشارِبُ الثَّمِلُ؟
وَرُوِيَ دَرْنا، بِالْفَتْحِ، وَالرَّجُلُ دُرْنِيّ والمرأَة دُرْنيَّة؛ وَقَالَ:
وإِن طَحَنَتْ دُرْنِيّةٌ لِعيالِها، ... تَطَبْطَب ثَدْياها فطارَ طَحِينُها
. ودارِينُ: مَوْضِعٌ أَيضاً، قَالَ النَّابِغَةُ الْجَعْدِيُّ:
أُلْقِيَ فِيهِ فِلْجانِ من مِسْك دارِينَ، ... وفِلْجٌ مِنْ فُلْفُلٍ ضَرِمِ
. الْجَوْهَرِيُّ: ودارِينُ اسمُ فُرْضة بالبحرَيْن يُنْسَبُ إِليها المِسك، يُقَالُ: مسكُ دارينَ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
مَسائحُ فَوْدَيْ رأْسِه مُسْبِغِلّةٌ، ... جَرى مِسْكُ دارِينَ الأَحَمُّ خِلالَها
. والنِّسْبةُ إِليها دارِيٌّ؛ قَالَ الْفَرَزْدَقُ:
كأَنَّ تَرِيكةً مِنْ ماءِ مُزْنٍ، ... ودارِيَّ الذَّكيِّ مِنَ المُدامِ
وَقَالَ كُثَيِّر:
أُفِيدَ عَلَيْهَا المِسْكُ، حَتَّى كأَنَّها ... لَطِيمةُ دارِيٍّ تَفَتَّق فارُها «2» .
دربن: الدَّرْبان والدِّرْبانُ والدُّرْبانُ: البوّابُ، فَارِسِيَّةٌ؛ عَنْ كُرَاعٍ. والدَّرابنة: الْبَوَّابُونَ، فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ؛ قَالَ الْمُثَقَّبُ الْعَبْدِيِّ يَصِفُ نَاقَةً:
فأَبْقَى باطِلي والجِدُّ مِنْهَا، ... كدُكّانِ الدَّرابِنةِ المَطينِ
. وَقِيلَ الدَّرَابِنَةُ التُّجار، وَقِيلَ: جَمْعُ الدِّرْبان، قَالَ: ودِرْبان قِيَاسُهُ عَلَى طَرِيقَةِ كَلَامِ الْعَرَبِ أَن يَكُونَ وَزْنُهُ فَعْلان [فِعْلان] ، وَنُونُهُ زَائِدَةٌ، وَلَا يَكُونُ أَصلًا لأَنه لَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ فعْلال إِلا مضاعفاً.
درحمن: ابْنُ بَرِّيٍّ: الدُّرَحْمِينُ، بِالْحَاءِ غَيْرِ الْمُعْجَمَةِ، الرَّجُلُ الثَّقِيلُ؛ عَنِ الطُّوسِيِّ، وَقَالَ أَبو الطِّيبِ: هُوَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ لَا غَيْرُ، قَالَ: وَقَالَ قَوْمٌ الرَّجُلُ الدَّاهِيَةُ يُقَالُ فِيهِ دُرَخْمين، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وأَما الرَّجُلُ الثَّقِيلُ فبالحاء لا غير.
__________
(1) . قوله [موطوء الحصى] الذي في التهذيب: موطوء الحمى. وقد قطع همزة الرغم مراعاة للوزن.
(2) . قوله [أفيد] كذا بالأَصل مضبوطاً، وأَنشده شارح القاموس: فيد، وهو الموافق لما قالوا في مادة فيد، وإِن كان عليه مخروماً.(13/154)
درخبن: التَّهْذِيبُ: أَبو مَالِكٍ الدُّرَخْبيل والدُّرَخْبين الداهية.
درخمن: الدُّرَخْمين، بِوَزْنِ شُرَحْبيل: مِنْ أَسماء الدَّاهِيَةِ كالدُّرَخْميل؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
أَنعَتُ مِنْ حَيّاتِ بُهْلٍ كُشُحينْ، ... صِلَّ صَفًا دَاهِيَةً دُرَخْمِينْ «1»
. وأَنشد ابْنُ الأَعرابي: فَقَالَ:
تاحَ لَهُ أَعرَفُ ضَافِي العُثْنُون، ... فزَلَّ عَنْ داهيةٍ دُرَخْمِين،
حَتْف الحُبارَيات والكَراوِين.
والدُّرَخْمين: الضَّخْمُ مِنَ الإِبل؛ عَنِ السِّيرَافِيِّ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
أَنعَتُ عَيْرَ عانةٍ دُرَخْمين.
درقن: الدُّرَّاقِنُ: الخَوْخ الشَّامِيُّ. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الدُّرّاقِنُ الْخَوْخُ بِلُغَةِ أَهل الشَّامِ.
دشن: داشِنٌ: مُعَرَّبٌ، مِنَ الدَّشْن، وَهُوَ كَلَامٌ عِرَاقِيٍّ، وَلَيْسَ مِنْ كَلَامِ أَهل الْبَادِيَةِ كأَنهم يَعْنُونَ بِهِ الثَّوْبَ الْجَدِيدَ الَّذِي لَمْ يُلبس، أَو الدَّارَ الْجَدِيدَةَ الَّتِي لَمْ تُسْكَنْ وَلَا اسْتُعْمِلَتْ. ابْنُ شُمَيْلٍ: الداشِن والبُرْكة كِلَاهُمَا الدَّسْتارانُ، وَيُقَالُ: بُرْكة الطحان.
دعن: الدَّعْن: سَعَف يُضَمُّ بَعْضِهِ إِلى بَعْضٍ ويُرَمَّلُ بالشَّريط وَيُبْسَطُ عَلَيْهِ التَّمْرُ، أَزْديّة. وَقَالَ أَبو عَمْرٍو فِي تَفْسِيرِ شِعْرِ ابْنِ مُقبل: أُدْعِنَت الناقةُ وأُدعن الْجَمَلُ إِذا أُطيل رُكُوبُهُ حَتَّى يَهْلِك، رَوَاهُ بِالدَّالِ والنون.
دعكن: الدِّعْكِنةُ: النَّاقَةُ الصُّلْبَةُ الشَّدِيدَةُ، وَقِيلَ: السَّمِينَةُ؛ وأَنشد:
أَلا ارْحَلُوا دِعْكِنةً دِحَنَّهْ، ... بما ارْتَعى مُزْهِيةً مُغِنَّهْ
. الأَزهري قَالَ: وَفِي النَّوَادِرِ رَجُلٌ دَعْكَنٌ دَمِثٌ حَسَنُ الخُلق. وبِرْذون دَعْكَنٌ قَرودٌ أَلْيَسُ بَيِّن اللَّيَس إِذا كان ذلولًا.
دغن: دَغَنَ يومُنا: كدَجَن؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، قَالَ: وإِنه لَيَوْمٌ ذُو دُغُنَّة كدُجُنَّة. ودُغَيْنة: الأَحمق، مَعْرِفَةٌ، ودُغَيْنة: اسْمُ امرأَة. اللَّيْثُ: يُقَالُ للأَحمق دُغَة ودُغَيْنة، وَيُقَالُ: إِنها كَانَتِ امرأَة حمقاء.
دفن: الدَّفْن: السَّتْر والمُواراة، دَفَنه [دَفِنه] يَدْفِنُه دَفْناً وادَّفَنه فاندَفَن وتَدَفَّن فَهُوَ مَدْفون ودَفِين. والدِّفْن والدَّفينُ: الْمَدْفُونُ، وَالْجَمْعُ أَدفان ودُفَناء. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: امرأَة دَفين ودَفينة مِنْ نِسوة دَفْنى ودَفائِن. وركيَّةٌ دَفين: مُنْدفِنة، وَكَذَلِكَ مِدْفان، كأَنَّ الدَّفْن مِنْ فعْلها. وَرَكِيَّةٌ دَفين ودِفان إِذا انْدَفَنَ بعضُها، وَرَكَايَا دُفُن؛ قَالَ لَبِيدٌ:
سُدُماً، قَلِيلًا عَهْدُه بأَنِيسه، ... مِنْ بَيْن أَصفَرَ ناصِعٍ ودِفان
. والمِدْفان والدِّفْن: الرَّكِيّة أَو الْحَوْضُ أَو المَنْهل يَنْدَفِنُ، وَالْجَمْعُ دِفان ودُفُن. وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ تَصِفُ أَباها، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: واجْتَهَرَ دُفُن الرَّواءِ
؛ الدُّفُن: جَمْعُ دَفين وَهُوَ الشَّيْءُ الْمَدْفُونُ. وأَرض دَفْنٌ: مَدْفونة، وَالْجَمْعُ أَيضاً دُفُن، وَمَاءٌ دِفان كَذَلِكَ. والدَّفْن والدِّفْنُ: بِئْرٌ أَو حَوْضٌ أَو مَنهل سَفَت الرِّيحُ فِيهِ التُّرَابَ حَتَّى ادَّفَن؛ وأَنشد:
دَفْن وَطامٍ مَاؤُهُ كالجِرْيال.
وادَّفن الشيءُ، عَلَى افْتَعَلَ، وَانْدَفَنَ بِمَعْنًى. وَدَاءٌ دَفين: لَا يُعْلم بِهِ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السلام:
__________
(1) . قوله [أَنعت إِلخ] كذا بالأَصل والصحاح مضبوطاً، والذي في معجم ياقوت: بهلكجين، بالضم ثم الفتح وسكون اللام وفتح الكاف وكسر الجيم وياء ساكنة ونون: موضع(13/155)
قُمْ عَنِ الشَّمْسِ فإِنها تُظهِر الداءَ الدَّفِينَ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ الدَّاءُ المستَتر الَّذِي قهَرته الطبيعةُ، يَقُولُ: الشَّمْسُ تُعينُه عَلَى الطَّبِيعَةِ وتُظهِره بحرِّها، ودَفَن الميِّتَ وَارَاهُ، هَذَا الأَصل، ثُمَّ قَالُوا: دَفَن سِرَّه أَي كتمه. والدَّفينة: الشَّيْءُ تَدْفِنه؛ حَكَاهَا ثَعْلَبٌ. والمِدْفن: السِّقاء الخَلَق. والمِدْفان: السِّقَاءُ الْبَالِي وَالْمَنْهَلُ الدَّفِينُ أَيضاً، وَهُوَ مِدْفان: بِمَنْزِلَةِ المَدْفون. والمِدْفان والدَّفون مِنَ الإِبل وَالنَّاسِ: الذاهبُ عَلَى وَجْهِهِ فِي غَيْرِ حَاجَةٍ كَالْآبِقِ، وَقِيلَ: الدَّفون مِنَ الإِبل الَّتِي تَكُونُ وسَطهن إِذا وردَت، وَقَدْ دَفَنَتْ تَدْفِن دَفْناً. ابْنُ شُمَيْلٍ: نَاقَةٌ دَفون إِذا كَانَتْ تَغِيبُ عَنِ الإِبل وَتَرْكَبُ رأْسها وَحْدَهَا، وَقَدِ ادَّفَنت نَاقَتُكُمْ. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: حَسَب دَفونٌ إِذا لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا، وَرَجُلٌ دَفون. الْجَوْهَرِيُّ: نَاقَةٌ دَفون إِذا كَانَ مِنْ عَادَتِهَا أَن تَكُونَ فِي وَسَطِ الإِبل، والتَّدافن: التَّكاتُم. يُقَالُ فِي الْحَدِيثِ:
لَوْ تكاشَفْتم مَا تَدافَنْتم
أَي لَوْ تكَشَّف عيبُ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ. وَبَقَرَةٌ دافِنة الجِذْم: وَهِيَ الَّتِي انسحَقت أَضراسُها مِنَ الْهَرَمِ. الأَصمعي: رَجُلٌ دَفين الْمُرُوءَةِ، ودَفْنُ الْمُرُوءَةِ إِذا لَمْ يَكُنْ لَهُ مُرُوءَةٌ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
يُباري الرِّيحَ لَيْسَ بِجانِبِيٍّ، ... وَلَا دَفْنٌ مُروءَتُه لَئيم
. والادِّفانُ: إِباقُ العَبد. وادَّفن العَبْدُ: أَبَق قَبْلَ أَن ينتهي به إِلى الْمِصْرِ الَّذِي يُباع فِيهِ، فإِن أَبَق مِنَ الْمِصْرِ فَهُوَ الإِباقُ، وَقِيلَ: الادِّفانُ أَن يَرُوغَ مِنْ مَوالِيه الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ، وَقِيلَ: هُوَ أَن لَا يَغِيبَ مِنَ الْمِصْرِ فِي غَيْبَتِهِ، وَعَبْدٌ دَفون: فَعُول لِذَلِكَ. وَفِي حَدِيثِ
شُريح: أَنه كَانَ لَا يَرُدّ العبدَ مِنَ الادِّفان وَيَرُدُّهُ مِنَ الإِباق الباتِ
، وَفَسَّرَهُ أَبو زَيْدٍ وأَبو عُبَيْدَةَ بِمَا قَدَّمْنَاهُ قَبْلَ الْحَدِيثِ، وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: رَوَى يَزِيدُ بْنُ هَرُونَ بِسَنَدِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُرَيْح قَالَ يَزِيدُ: الادِّفانُ أَن يأْبَق الْعَبْدُ قَبْلَ أَن يُنتهى به إِلى الْمِصْرِ الَّذِي يُبَاعُ فِيهِ، فإِن أَبق مِنَ الْمِصْرِ فَهُوَ الإِباق الَّذِي يُرَدُّ مِنْهُ فِي الحُكم، وإِن لَمْ يَغِب عَنِ الْمِصْرِ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: والقولُ مَا قَالَهُ أَبو زَيْدٍ وأَبو عُبَيْدَةَ وَالْحَكَمُ عَلَى ذَلِكَ، لأَنه إِذا غَابَ عَنْ مَوَالِيهِ فِي الْمِصْرِ اليومَ وَالْيَوْمَيْنِ فَلَيْسَ بإِباقٍ باتٍّ، قَالَ: وَلَسْتُ أَدري مَا أَوْحَشَ أَبا عُبَيْدٍ مِنْ هَذَا، وَهُوَ الصَّوَابُ؛ وَقَالَ ابْنُ الأَثير فِي تَفْسِيرِ الْحَدِيثِ: الادِّفانُ هُوَ أَن يَخْتفي العبدُ عَنْ مَوَالِيهِ اليومَ واليومَيْن وَلَا يَغيبَ عَنِ الْمِصْرِ، وَهُوَ افْتِعَالٌ مِنَ الدَّفْن لأَنه يَدْفِن نفْسه فِي الْبَلَدِ أَي يكتُمُها، والإِباقُ هُوَ أَن يَهْرُب مِنَ المِصْر، وَالْبَاتُّ الْقَاطِعِ الَّذِي لَا شُبْهة فِيهِ. وَالدَّاءُ الدَّفِين: الَّذِي يظْهَر بَعْدَ الْخَفَاءِ وَيَفْشُو مِنْهُ شَرّ وعَرٌّ. وَحَكَى ابْنُ الأَعرابي: دَاءٌ دَفِن، وَهُوَ نَادِرٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأُراه عَلَى النَّسَبِ كَرَجُلٍ نَهِر؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي للمُهاصر بْنِ الْمَحَلِّ وَوَقَفَ عَلَى عِيسَى بْنِ مُوسَى بِالْكُوفَةِ وَهُوَ يَكْتُبُ الزَّمْنى:
إِن يَكْتبوا الزَّمْنى، فإِنِّي لَطَمِنْ ... مِنْ ظاهِر الدَّاء، وداءٍ مُسْتَكِنْ
وَلَا يَكادُ يَبْرَأُ الدَّاءُ الدَّفِنْ
. والدَّاء الدَّفين: الَّذِي لَا يُعلم بِهِ حَتَّى يَظْهَرَ مِنْهُ شَرّ وعَرّ. وَالدَّفَائِنُ: الْكُنُوزُ، وَاحِدَتُهَا دَفِينة. والدَّفَنِيُّ: ضَرْبٌ مِنَ الثِّيَابِ، وَقِيلَ مِنَ الثِّيَابِ المُخَطَّطة؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ للأَعشى:
الواطِئينَ عَلَى صُدورِ نِعَالِهِمْ، ... يَمْشُونَ فِي الدَّفَنِيِّ والأَبْرادِ
. والدَّفِينُ: مَوْضِعٌ؛ قَالَ الحَذْلَميّ:
إِلى نُقاوى أَمْعَزِ الدَّفِين.(13/156)
والدَّفِينة والدَّثِينةُ: مَنْزِلٌ لِبَنِي سُلَيْمٍ. والدَّفافين: خَشَبُ السَّفِينَةِ، وَاحِدُهَا دُفَّان؛ عَنْ أَبي عَمْرٍو. ودَوْفَن: اسْمٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَدْري أَرجل أَم مَوْضِعٌ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
وعَلِمتُ أَني قَدْ مُنِيتُ بِنئْطِلٍ، ... إِذ قِيلَ كَانَ منَ الِ دَوْفَنَ قُمَّسُ
. قَالَ: فإِن كَانَ رَجُلًا فَعَسَى أَن يَكُونَ أَعجَمياً فَلَمْ يَصْرفْه، أَو لَعَلَّ الشَّاعِرَ احْتَاجَ إِلى تَرْكِ صَرفه فَلَمْ يَصْرِفه، فإِنه رأْيٌ لِبَعْضِ النَّحويين، وإِن كَانَ عَنَى قَبِيلَةً أَو امرأَة أَو بُقْعة فَحُكْمُهُ أَن لَا يَنْصَرِفَ وَهَذَا بَيِّنٌ وَاضِحٌ.
دقن: الدِّقْدانُ والدِّيقان: أَثافي القدر.
دكن: الدَّكْن والدَّكَن والدُّكْنة: لَوْنُ الأَدْكن كَلَوْنِ الخَزِّ الَّذِي يضربُ إِلى الغُبرة بَيْنَ الْحُمْرَةِ وَالسَّوَادِ، وَفِي الصِّحَاحِ: يَضْرِبُ إِلى السَّوَادِ، دَكِن يَدْكَن دَكَناً وأَدْكَن وَهُوَ أَدْكَنُ؛ قَالَ رُؤْبَةُ يُخَاطِبُ بِلَالَ بْنَ أَبي بُرْدة:
فَاللَّهُ يَجْزِيكَ جَزاءَ المُحْسِنِ، ... عن الشرِيف والضعِيفِ الأَوْهَنِ
سَلمتَ عِرْضًا ثوبُه لَمْ يَدْكَن، ... وَصَافِيًا غَمْرَ الحِبا لَمْ يَدْمَنِ
والشيءُ أَدْكَنُ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
أُغْلي السِّباءَ بِكُلِّ أَدْكَنَ عاتِقٍ، ... أَو جَوْنةٍ فُدِحَت وفُضّ خِتامُها «2»
. يَعْنِي زِقّاً قَدْ صَلَح وَجَادَ فِي لَوْنِهِ وَرَائِحَتِهِ لعِتْقه. وَفِي حَدِيثِ
فَاطِمَةَ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهَا: أَنّها أَوْقَدت القِدْرَ حَتَّى دَكِنَت ثِيابُها
؛ دَكِن الثوبُ إِذا اتَّسَخَ واغبرَّ لونُه يَدْكَنُ دَكَناً؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
أُم خَالِدٍ فِي الْقَمِيصِ: حَتَّى دَكِن
؛ وَفِي قَصِيدَةٍ مُدح بِهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللَّهِ «3» . صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
عليٌّ لَهُ فضلانِ: فضلُ قرابةٍ، ... وفضْلٌ بنَصْلِ السَّيْفِ والسُّمُرِ الدُّكْلِ
. قَالَ: الدُّكْل والدُّكْن وَاحِدٌ، يريدُ لونَ الرِّمَاحِ. ودَكَن المتاعَ يَدْكُنه دَكْناً ودَكَّنه: نَضّد بعضَه عَلَى بَعْضٍ؛ وَمِنْهُ الدُّكان مُشْتَقٌّ مِنْ ذَلِكَ؛ قَالَ: وَهُوَ عِنْدَ أَبي الْحَسَنِ مُشْتَقٌّ مِنَ الدَّكَّاء، وَهِيَ الأَرض المُنبسطة، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ، والدُّكّان فُعّال، وَالْفِعْلُ التَّدْكِين. الْجَوْهَرِيُّ: الدُّكَّان وَاحِدُ الدَّكَاكِينِ، وَهِيَ الْحَوَانِيتُ، فَارِسِيٌّ معرَّب. وَفِي حَدِيثِ
أَبي هُرَيْرَةَ: فبَنَيْنا لَهُ دُكَّاناً مِنْ طِينٍ يَجْلِسُ عَلَيْهِ
؛ الدُّكَّان: الدّكَّة المبنِيَّة لِلْجُلُوسِ عَلَيْهَا، قَالَ: وَالنُّونُ مُخْتَلَفٌ فِيهَا، فَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعلُها أَصلًا، وَمِنْهُمْ مَن يَجْعَلُهَا زَائِدَةً. ودَكَّن الدُّكَّانَ: عَمِله. وَثَرِيدَةٌ دَكْناء: وَهِيَ الَّتِي عَلَيْهَا مِنَ الأَبزار، مَا دَكَّنها مِنَ الفُلْفُل وَغَيْرِهِ. والدُّكَيْناء، مَمْدُودٌ: دُوَيْبَّة مِنْ أَحناش الأَرض. ودُكَيْن ودَوْكَن: اسمان.
دلن: دَلان: مِنْ أَسماء الْعَرَبِ، وَقَدْ أُميت أَصل بنائه.
دمن: دِمْنةُ الدَّارِ: أَثَرُها. والدِّمْنة: آثارُ النَّاسِ وَمَا سَوَّدوا، وَقِيلَ: مَا سَوَّدوا مِنْ آثَارِ البَعَر وَغَيْرِهِ، وَالْجَمْعُ دِمَن، عَلَى بَابِهِ، ودِمْنٌ، الأَخيرة كسِدْرة وسِدْر. والدِّمْن: البَعَر. ودَمَّنتِ الماشيةُ المكانَ: بَعَرت فِيهِ وَبَالَتْ. ودَمَّن الشاءُ الْمَاءَ، هَذَا مِنَ البَعَر؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ بَقَرَةً وَحْشِيَّةً:
__________
(2) . قوله [فدحت] بالحاء المهملة في الأَصل والصحاح، ولعلها بالخاء المعجمة أَو الدال مبدلة من التاء المثناة من فوق
(3) . قوله [مدح بها سيدنا إِلخ] الذي في النهاية: مدح بها أَصحاب النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم(13/157)
إِذا مَا عَلاها راكِبُ الصّيْفِ لَمْ يَزَلْ ... يَرَى نَعْجةً فِي مَرْتَع، فيُثيرُها
مُوَلَّعةً خَنْساءَ ليْستْ بنعْجة، ... يُدَمِّن أَجْوافَ المِياه وَقِيرُها
. ودَمّن القومُ الموضعَ: سَوَّدُوهُ وأَثَّروا فِيهِ بالدِّمْن؛ قَالَ عَبيد بْنُ الأَبرص:
مَنْزِلٌ دَمّنه آباؤُنا المُورثُون ... المَجْدَ فِي أُولى اللَّيالي
. وَالْمَاءُ مُتَدَمِّن إِذا سقَطَت فِيهِ أَبعار الغَنَم والإِبل. والدِّمْن: مَا تَلَبَّد مِنَ السِّرقِينِ وَصَارَ كِرْساً عَلَى وَجْهِ الأَرض. والدِّمْنة: الْمَوْضِعُ الَّذِي يَلْتبدُ فِيهِ السِّرقِين، وَكَذَلِكَ مَا اخْتَلَطَ مِنَ الْبَعْرِ وَالطِّينِ عِنْدَ الْحَوْضِ فتَلَبَّد. الصِّحَاحُ: الدِّمْن البَعر؛ قَالَ لَبِيدٌ:
راسِخُ الدِّمْن عَلَى أَعضادِه، ... ثَلَمَتْه كُلُّ رِيحٍ وسَبَلْ
. ودمَنْتُ الأَرضَ: مِثْلُ دَمَلْتها، وَقِيلَ: الدِّمْن اسْمٌ لِلْجِنْسِ مِثْلُ السِّدْر اسْمٌ لِلْجِنْسِ. والدِّمَن: جَمْعُ دِمْنة، ودِمْنٌ «1» . وَيُقَالُ: فُلَانٌ دِمْنُ مالٍ كَمَا يُقَالُ إِزاءُ مالٍ. والدِّمْنة: الْمَوْضِعُ الْقَرِيبُ مِنَ الدَّارِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِيّاكم وخَضْراءَ الدِّمَن، قِيلَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: المرأَة الْحَسْنَاءُ فِي المَنْبت السُّوء
؛ شَبَّهَ المرأَة بِمَا يَنْبُتُ فِي الدِّمَن مِنَ الكلأِ يُرى لَهُ غَضارة وَهُوَ وَبيء المرْعى مُنْتِن الأَصل؛ قَالَ زُفَر بْنُ الْحَرْثِ:
وَقَدْ يَنْبُت المَرْعى عَلَى دِمَن الثَّرَى، ... وتَبْقى حَزازاتُ النُّفوسِ كَمَا هيَا
والدِّمْنة: الْحِقْدُ المُدَمِّن لِلصَّدْرِ، وَالْجَمْعُ دِمن، وَقِيلَ: لَا يَكُونُ الْحِقْدُ دِمْنة حَتَّى يأْتي عَلَيْهِ الدَّهْرُ وَقَدْ دَمِن عَلَيْهِ. وَقَدْ دَمِنَت قلوبُهم، بِالْكَسْرِ، ودَمِنْت عَلَى فُلَانٍ أَي ضَغِنْت؛ وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ فِي تَفْسِيرِ الْحَدِيثِ: أَراد فسادَ النَّسَب إِذا خِيفَ أَن تَكُونَ لِغَيْرِ رِشْدة، وإِنما جَعَلَهَا خَضْرَاءَ الدِّمَن تَشْبِيهًا بِالْبَقْلَةِ النَّاضِرَةِ فِي دِمْنَةِ الْبَعَرِ، وأَصل الدِّمْن مَا تُدَمِّنه الإِبل وَالْغَنَمُ مِنْ أَبعارها وأَبوالها أَي تُلَبِّده فِي مَرَابِضِهَا، فَرُبَّمَا نَبَتَ فِيهَا النباتُ الْحَسَنُ النَّضِير، وأَصله مِنْ دِمْنة، يقول: فَمَنظَرُها أَنيق حَسَنٌ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
فيَنْبُتون نباتَ الدِّمْن فِي السَّيْلِ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ، بِكَسْرِ الدَّالِ وَسُكُونِ الْمِيمِ، يُرِيدُ الْبَعْرَ لِسُرْعَةِ مَا يَنْبُتُ فِيهِ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثِ:
فأَتينا عَلَى جُدْجُد مُتَدَمِّن
أَي بِئْرٍ حَوْلَهَا الدِّمْنة. وَفِي حَدِيثِ
النَّخَعِيِّ: كَانَ لَا يَرَى بأْساً بِالصَّلَاةِ فِي دِمْنة الْغَنَمِ.
والدِّمنة: بَقِيَّةُ الْمَاءِ فِي الْحَوْضِ، وَجَمْعُهَا دِمْن؛ قَالَ عَلْقَمَةُ بْنُ عَبْدَة:
تُرادى عَلَى دِمْن الحِياضِ، فإِن تَعَفْ ... فإِنّ المُنَدَّى رِحْلَةٌ فَرُكوبُ
. والدَّمْن والدَّمان: عَفَن النَّخْلَةِ وسوادُها، وَقِيلَ: هُوَ أَن يُنسِغَ النَّخْلُ عَنْ عَفَن وَسَوَادٍ. الأَصمعي: إِذا أَنْسَغَت النَّخْلَةُ عَنْ عَفَنٍ وَسَوَادٍ قِيلَ قَدْ أَصابه الدَّمَان، بِالْفَتْحِ. وَقَالَ ابْنُ أَبي الزِّناد: هُوَ الأَدَمانُ. وَقَالَ شِمْرٌ: الصَّحِيحُ إِذا انْشَقَّت النخلةُ عَنْ عَفَنٍ لَا أَنْسَغَت، قَالَ: والإِنْساغ أَن تُقْطَع الشجرةُ ثُمَّ تَنْبت بَعْدَ ذَلِكَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
كَانُوا يَتَبايَعُون الثِّمَار قَبْلَ أَن يَبْدُو صَلاحُها، فإِذا جَاءَ التَّقَاضِي قَالُوا أَصاب الثمرَ الدَّمانُ
؛ هُوَ بِالْفَتْحِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ فَسَادُ الثَّمَرِ وعفَنُه قَبْلَ إِدراكه حَتَّى يَسْوَدَّ، مِنَ الدِّمْن وَهُوَ السِّرْقِينُ. وَيُقَالُ: إِذا أَطلعت النَّخْلَةُ عَنْ عَفَن وَسَوَادٍ قِيلَ أَصابها الدَّمانُ، وَيُقَالُ: الدَّمال أَيضاً، بِاللَّامِ وفتح الدال بمعناه؛ ابن الأَثير: كذا
__________
(1) . قوله [ودمن] بالرفع عطف على والدمن(13/158)
قَيَّدَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ بِالْفَتْحِ، قَالَ: وَالَّذِي جَاءَ فِي غَرِيبِ الْخَطَّابِيِّ بِالضَّمِّ، قَالَ: وكأَنه أَشبه لأَن مَا كَانَ مِنْ الأَدواء وَالْعَاهَاتِ فَهُوَ بِالضَّمِّ كالسُّعال والنُّحاز والزُّكام. وَقَدْ جَاءَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: القُشام والمُراض، وَهُمَا مِنْ آفَاتِ الثَّمَرَةِ، وَلَا خِلَافَ فِي ضمِّهما، وَقِيلَ: هُمَا لُغَتَانِ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَيُرْوَى الدَّمار، بِالرَّاءِ، قَالَ: وَلَا مَعْنَى لَهُ. والدَّمان: الرَّماد. والدَّمان: السّرْجين. والدَّمان: الَّذِي يُسَرقِنُ الأَرضَ أَي يَدْبِلها ويَزْبِلُها. وأَدْمَن الشرابَ وغيرَه: لَمْ يُقْلِعْ عَنْهُ؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ثَعْلَبٌ:
فَقُلنا: أَمِن قبَرْ خَرَجْتَ سَكَنْتَه؟ ... لكَ الوَيْلُ أَم أَدْمَنْتَ جُحْرَ الثَّعالب؟
مَعْنَاهُ: لزمتَه وأَدْمَنْت سُكناه، وكأَنه أَراد أَدْمنْت سُكنى جُحْر الثَّعَالِبِ لأَن الإِدْمان لَا يَقَعُ إِلا عَلَى الأَعراض. وَيُقَالُ: فُلَانٌ يُدْمِنُ الشُّرب وَالْخَمْرَ إِذا لزِم شُرْبَهَا. يُقَالُ: فُلَانٌ يُدْمِنُ كَذَا أَي يُديمه. ومُدْمِن الْخَمْرِ الَّذِي لَا يُقْلع عَنْ شُرْبِهَا. يُقَالُ: فُلَانٌ مُدْمن خَمْرٍ أَي مُداومُ شربِها. قَالَ الأَزهري: وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ دَمْنِ الْبَعْرِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مُدْمِن الْخَمْرِ كَعَابِدِ الوثَن
؛ هُوَ الَّذِي يُعاقِر شُرْبَهَا وَيُلَازِمُهُ وَلَا يَنْفَكُّ عَنْهُ، وَهَذَا تَغْلِيظٌ فِي أَمرها وتحريمِهِ. وَيُقَالُ: دَمَّن فُلَانٌ فِناءَ فُلَانٍ تَدْمِيناً إِذا غَشِيَهُ وَلَزِمَهُ؛ قَالَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ:
أَرْعى الأَمانةَ لَا أَخُونُ وَلَا أُرى، ... أَبداً، أُدَمِّن عَرْصَة الإِخْوانِ «1»
ودَمَّن الرجلَ: رخَّص لَهُ؛ عَنْ كُرَاعٍ. والمُدَمَّن: أَرض. ودَمُّون؛ بِالتَّشْدِيدِ: مَوْضِعٌ، وَقِيلَ: أَرض؛ حَكَاهُ ابْنُ دُرَيْدٍ؛ وأَنشد لإمرئ الْقَيْسِ:
تَطاولَ الليلُ عَلَيْنَا دَمُّونْ، ... دَمُّون إِنَّا مَعشَرٌ يمانُونْ،
وإِنَّنا لأَهْلِنا مُحِبُّونْ
. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الدُّمَيْنة: من شعرائهم.
دنن: الدَّنّ: مَا عَظُم مِنَ الرَّواقِيد، وَهُوَ كَهَيْئَةِ الحُبّ إِلا أَنه أَطول مُسْتَوي الصَّنْعة فِي أَسفله كَهَيْئَةِ قَوْنَس الْبَيْضَةِ، وَالْجَمْعُ الدِّنان وَهِيَ الحِباب، وَقِيلَ: الدَّنُّ أَصغر مِنَ الحُبّ، لَهُ عُسْعُس فَلَا يَقْعُدُ إِلا أَن يُحْفَر لَهُ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: الدَّنُّ عَرَبِيٌّ صَحِيحٌ؛ وأَنشد:
وقابلَها الرِّيحُ فِي دَنِّها، ... وصلَّى عَلَى دَنِّها وارْتَسَمْ
. وَجَمْعُهُ دِنان. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُقَالُ للدَّنِّ الإِقنيز، عَرَبِيَّةٌ. والدَّنَن: انحناءٌ فِي الظَّهْرِ، وَهُوَ فِي العُنُق والصَّدر دُنُوٌّ وتطأْطُؤ وتطامُن مِنْ أَصلها خِلْقَةً؛ رَجُلٌ أَدَنُّ وامرأَة دَنَّاء، وَكَذَلِكَ الدابَّة وَكُلُّ ذِي أَربع. وَكَانَ الأَصمعيّ يَقُولُ: لَمْ يَسْبِق أَدَنّ قَطُّ إِلا أَدَنَّ بَنِي يَرْبوع. أَبو الْهَيْثَمِ: الأَدَنُّ مِنَ الدَّوَابِّ الَّذِي يَدَاهُ قَصِيرَتَانِ وعنقُه قَرِيبٌ مِنَ الأَرض؛ وأَنشد:
بَرَّحَ بالصِّينيّ طُولُ المَنِّ، ... وسَيْرُ كلِّ راكبٍ أَدَنِّ،
مُعْتَرضٍ مِثْلَ اعتراضِ الطُّنّ
. الطُّنّ: العِلاوة الَّتِي تَكُونُ فَوْقَ العِدْلين؛ وَقَالَ الرَّاجِزُ:
لَا دَنَنٌ فِيهِ وَلَا إِخْطافُ
والإِخْطاف: صِغَر الْجَوْفِ، وَهُوَ شَرُّ عُيُوب الْخَيْلِ. ابْنُ الأَعرابي: الأَدَنّ الَّذِي كأَن صُلْبَه
__________
(1) . قوله [عرصة الإِخوان] كذا بالأَصل والتهذيب، والذي في التكملة: عرصة الخوَّان.(13/159)
دَنّ؛ وأَنشد:
قَدْ خَطِئَتْ أُمُّ خُثَيْمٍ بأَدَنْ، ... بناتِئ الجَبْهة مَفْسُوءِ القَطَنْ
. قَالَ: والفَسأُ دُخول الصُّلْبِ، والفَقَأ خُرُوجُ الصدْر. وَيُقَالُ: دَنُّ وأَدْنَنُ وأَدَنُّ ودِنَّانٌ ودِنَنَةٌ. أَبو زَيْدٍ: الأَدَنُّ الْبَعِيرُ المائِل قُدُماً وَفِي يَدَيْهِ قِصَرٌ، وَهُوَ الدَّنَن. وَفَرَسٌ أَدَنّ بيِّن الدَّنَن: قَصِيرُ الْيَدَيْنِ؛ قَالَ الأَصمعي: وَمِنْ أَسوإِ الْعُيُوبِ الدَّنَنُ فِي كُلِّ ذِي أَربع، وَهُوَ دُنُوّ الصَّدْرِ مِنَ الأَرض. وَرَجُلٌ أَدَنُّ أَي مُنْحني الظَّهْرِ. وَبَيْتٌ أَدَنّ أَي مُتَطَامِنٌ. والدَّنِين والدِّنْدِن والدَّنْدنة: صَوْتُ الذُّبَابِ وَالنَّحْلِ وَالزَّنَابِيرِ وَنَحْوِهَا مِنْ هَيْنَمة الْكَلَامِ الَّذِي لَا يُفهم؛ وأَنشد:
كدَنْدنةِ النَّحلِ فِي الخَشْرَمِ
. الْجَوْهَرِيُّ: الدَّنْدَنة أَن تَسْمَعَ مِنَ الرَّجُلِ نَغْمة وَلَا تَفْهَمَ مَا يَقُولُ، وَقِيلَ: الدَّنْدنة الْكَلَامُ الْخَفِيُّ.
وسأَل النبي، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، رَجُلًا: مَا تَقُولُ فِي التَّشَهُّدِ؟ قَالَ: أَسأَل اللَّهَ الْجَنَّةَ وأَعُوذُ بِهِ مِنَ النَّارِ، فأَمَّا دَنْدنتك ودَنْدَنةُ مُعَاذٍ فَلَا نُحْسِنُهَا، فَقَالَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: حَوْلَهُمَا نُدَنْدِن
، وَرُوِيَ:
عَنْهُمَا نُدَنْدِن.
وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الدَّنْدنة أَن يَتكلَّم الرَّجُلُ بِالْكَلَامِ تَسْمَعُ نَغْمته وَلَا تَفْهَمُهُ عَنْهُ لأَنه يُخْفيه، والهَيْنمة نَحْوٌ مِنْهَا؛ وَقَالَ ابْنُ الأَثير: وَهُوَ الدَّنْدنة أَرفع مِنَ الهيْنمة قَلِيلًا، وَالضَّمِيرُ فِي حولَهما لِلْجَنَّةِ وَالنَّارِ أَي فِي طَلَبِهِمَا نُدَنْدن، وَمِنْهُ: دَنْدَن إِذا اخْتَلَفَ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ مَجِيئًا وذَهاباً، وأَمّا
عَنْهُمَا نُدَنْدِن
فَمَعْنَاهُ أَن دَنْدَنتنا صَادِرَةٌ عَنْهُمَا وَكَائِنَةٌ بِسَبَبِهِمَا. شِمْرٌ: طَنْطَن طَنْطَنة ودَنْدن دَنْدَنة بِمَعْنًى وَاحِدٍ؛ وأَنشد:
نُدَنْدِن مِثْلَ دَنْدَنةِ الذُّباب
. وَقَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ فِي قَوْلِهِ حَوْلَهُمَا نُدَنْدِنُ: أَي نَدُورُ. يُقَالُ: نُدَنْدِنُ حَوْلَ الْمَاءِ ونَحُوم ونُرَهْسِم. والدَّندنة: الصَّوْتُ وَالْكَلَامُ الَّذِي لَا يُفْهَمُ، وَكَذَلِكَ الدِّنْدان مِثْلُ الدَّنْدنة؛ وَقَالَ رُؤْبَةُ:
وللبَعوضِ فَوْقَنَا دِنْدانُ
قَالَ الأَصمعي: يَحْتَمِلُ أَن يكونَ مِنَ الصَّوْتِ وَمِنَ الدَّوَران. والدِّنْدِن، بِالْكَسْرِ: مَا بَلِي وَاسْوَدَّ مِنَ النَّبَاتِ وَالشَّجَرِ، وَخَصَّ بِهِ بعضُهم حُطام البُهْمَى إِذا اسْوَدَّ وقَدُم، وَقِيلَ: هِيَ أُصول الشَّجَرِ الْبَالِي؛ قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ:
المالُ يَغْشَى أُناساً لَا طباخَ لهُم، ... كالسَّيْل يَغْشَى أُصولَ الدِّنْدِن الْبَالِي
. الأَصمعي: إِذا اسْودَّ الْيَبِيسُ مِنَ القِدَم فَهُوَ الدِّنْدِن؛ وأَنشد:
مِثْلُ الدِّنْدِن الْبَالِي
. والدِّنْدِن: أُصول الشَّجَرِ. ابْنُ الْفَرَجِ: أَدَنَّ الرجلُ بِالْمَكَانِ إِدْناناً وأَبَنَّ إِبْناناً إِذا أَقام، وَمِثْلُهُ مِمَّا تَعَاقَبَ فِيهِ الْبَاءِ وَالدَّالُ انْدَرَى وانْبَرَى بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: قَالَ أَبو عَمْرٍو الدِّنْدِن الصِّلِّيان المُحِيل، تَمِيمِيَّةٌ ثَابِتَةٌ. والدَّنَنُ اسْمُ بَلَدٍ بِعَيْنِهِ.
دهن: الدُّهْن: مَعْرُوفٌ. دَهَن رأْسه وَغَيْرَهُ يَدْهُنه دَهْناً: بلَّه، وَالِاسْمُ الدُّهْن، وَالْجَمْعُ أَدْهان ودِهان. وَفِي حَدِيثِ
سَمُرة: فيخرجُون مِنْهُ كأَنما دُهنوا بالدِّهان
؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
قَتَادَةَ بنِ مَلْحان: كُنْتُ إِذا رأَيته كأَنَّ عَلَى وَجْهِهِ الدِّهانَ.
والدُّهْنة: الطَّائِفَةُ مِنَ الدُّهْن؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:(13/160)
فَمَا رِيحُ رَيْحانٍ بِمِسْكٍ بعنبرٍ، ... برَنْدٍ بكافورٍ بدُهْنةِ بانِ،
بأَطيبَ مِنْ رَيَّا حَبِيبِي لَوْ أَنَّنِي ... وجدتُ حَبِيبِي خَالِيًا بمكانِ
. وَقَدِ ادَّهَن بالدُّهْن. وَيُقَالُ: دَهَنْتُه بالدِّهان أَدْهُنه وتَدَهّن هُوَ وادَّهن أَيضاً، عَلَى افْتعل، إِذا تَطَلَّى بالدُّهن. التَّهْذِيبُ: الدُّهن الِاسْمُ، والدَّهْن الْفِعْلُ المُجاوِز، والادِّهان الْفِعْلُ اللَّازِمُ، والدَّهَّان: الَّذِي يَبِيعُ الدُّهن. وَفِي حَدِيثِ هِرَقْلَ:
وإِلى جَانِبِهِ صورةٌ تُشبِهه إِلَّا أَنه مُدْهانّ الرأْس
أَي دَهِين الشَّعْرِ كالمُصْفارّ والمُحْمارّ. والمُدْهُن، بِالضَّمِّ لَا غَيْرُ: آلَةُ الدُّهْن، وَهُوَ أَحد مَا شَذَّ مِنْ هَذَا الضَّرْبُ عَلَى مُفْعُل مِمَّا يُستعمَل مِنَ الأَدوات، وَالْجَمْعُ مَداهن. اللَّيْثُ: المُدْهُن كَانَ فِي الأَصل مِدْهناً، فَلَمَّا كَثُرَ فِي الْكَلَامِ ضَمُّوهُ. قَالَ الْفَرَّاءُ: مَا كَانَ عَلَى مِفْعل ومِفْعلة مِمَّا يُعْتَمل بِهِ فَهُوَ مَكْسُورُ الْمِيمِ نَحْوَ مِخْرَز ومِقْطَع ومِسَلّ ومِخَدة، إِلا أَحرفاً جَاءَتْ نَوَادِرَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَالْعَيْنِ وَهِيَ: مُدْهُن ومُسْعُط ومُنْخُل ومُكْحُل ومُنْضُل، وَالْقِيَاسُ مِدْهَن ومِنْخَل ومِسْعَط ومِكْحَل. وتَمَدْهن الرَّجُلُ إِذا أَخذ مُدْهُناً. ولِحْية دَهِين: مَدْهونة. والدَّهْن والدُّهن مِنَ الْمَطَرِ: قدرُ مَا يَبُلّ وجهَ الأَرض، وَالْجَمْعُ دِهان. ودَهَن المطرُ الأَرضَ: بلَّها بَلًّا يَسِيرًا. اللَّيْثُ: الأَدْهان الأَمطار اللَّيِّنة، وَاحِدُهَا دُهْن. أَبو زَيْدٍ: الدِّهَان الأَمْطار الضَّعِيفَةُ، وَاحِدُهَا دُهْن، بِالضَّمِّ. يُقَالُ: دهَنَها وَلْيُها، فَهِيَ مَدْهُونة. وَقَوْمٌ مُدَهَّنون، بِتَشْدِيدِ الْهَاءِ: عَلَيْهِمْ آثَارُ النِّعَم. اللَّيْثُ: رَجُلٌ دَهِين ضَعِيفٌ. وَيُقَالُ: أَتيت بأَمر دَهِين؛ قَالَ ابْنُ عَرَادة:
لِيَنْتَزعُوا تُراثَ بَنِي تَمِيم، ... لَقَدْ ظَنُّوا بِنَا ظَنًّا دَهِينا
والدَّهين مِنَ الإِبل: النَّاقَةُ البَكيئة الْقَلِيلَةُ اللَّبَنِ الَّتِي يُمْرَى ضرعُها فَلَا يَدِرّ قَطرةً، وَالْجَمْعُ دُهُن؛ قَالَ الْحُطَيْئَةُ يَهْجُو أُمه:
جَزاكِ اللهُ شَرًّا مِنْ عجوزٍ، ... ولَقَّاكِ العُقوقَ مِنَ الَبنينِ
لِسانُكِ مِبْرَدٌ لَا عَيْبَ فِيهِ، ... ودَرُّكِ دَرُّ جاذبةٍ دَهينِ «2»
. وأَنشد الأَزهري لِلْمُثَقَّبِ:
تَسُدُّ، بمَضْرَحيِّ اللَّوْنِ جَثْلٍ، ... خَوايَةَ فرْج مِقْلاتٍ دَهينِ
. وَقَدْ دَهُنت ودهَنَت تَدْهُن دَهانة. وَفَحْلٌ دَهِين: لَا يَكاد يُلْقِح أَصلًا كأَنَّ ذَلِكَ لقلَّة مَائِهِ، وإِذا أَلقَح فِي أَول قَرْعِه فَهُوَ قَبِيس. والمُدْهُن: نُقْرَةٌ فِي الْجَبَلِ يَسْتَنْقِع فِيهَا الْمَاءُ، وَفِي الْمُحْكَمِ: والمُدْهُن مُسْتَنْقَع الْمَاءِ، وَقِيلَ: هُوَ كُلُّ مَوْضِعٍ حَفَرَهُ سَيْلٌ أَو مَاءٌ واكفٌ فِي حَجَر. وَمِنْهُ حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ «3» .
نَشِفَ المُدْهُن وَيَبِسَ الجِعْثِن
؛ هُوَ نُقْرَةٌ فِي الْجَبَلِ يَستنقِع فِيهَا الْمَاءُ ويَجتمع فِيهَا الْمَطَرُ. أَبو عَمْرٍو: المَداهن نُقَر في رؤوس الْجِبَالِ يَسْتَنْقِعُ فِيهَا الْمَاءُ، وَاحِدُهَا مُدْهُن؛ قَالَ أَوس:
يُقَلِّبُ قَيْدوداً كأَنَّ سَراتَها ... صَفَا مُدْهُنٍ، قَدْ زَلَّقته الزَّحالِفُ
وَفِي الْحَدِيثِ:
كأَنَّ وجهَه مُدْهُنة
؛ هِيَ تأْنيث المُدْهُن، شَبَّهَ وجهَه لإِشْراق السُّرُورِ عَلَيْهِ بِصَفَاءِ الْمَاءِ الْمُجْتَمِعِ فِي الْحَجَرِ؛ قَالَ ابن الأَثير: والمُدْهُن
__________
(2) . قوله [مِبْرَدٌ لَا عَيْبَ فِيهِ] قال الصاغاني: الرواية مبرد لم يبق شيئاً
(3) . قوله [ومنه حديث الزهري] تبع فيه الجوهري، وقال الصاغاني: الصواب النهدي، بالنون والدال، وهو طهفة بن زهير(13/161)
أَيضاً والمُدْهُنة مَا يُجْعَلُ فِيهِ الدُّهن فَيَكُونُ قَدْ شبَّهه بِصَفَاءِ الدُّهْن، قَالَ: وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ نُسَخِ مُسْلِمٍ: كأَنَّ وجهَه مُذْهبَة، بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي مَوْضِعِهِ. والمُداهَنة والإِدْهانُ: المُصانَعة واللِّين، وَقِيلَ: المُداهَنة إِظهارُ خِلَافِ مَا يُضمِر. والإِدْهانُ: الغِش. ودَهَن الرجلُ إِذا نَافَقَ. ودَهَن غلامَه إِذا ضَرَبَهُ، ودهَنه بِالْعَصَا يَدْهُنه دَهْناً: ضَرَبَهُ بِهَا، وَهَذَا كَمَا يُقَالُ مسَحَه بِالْعَصَا وَبِالسَّيْفِ إِذا ضَرَبَهُ برِفْق. الْجَوْهَرِيُّ: والمُداهَنة والإِدْهان كالمُصانعة. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ
. وَقَالَ قَوْمٌ: داهَنت بِمَعْنَى وَارَيْتَ، وأَدْهَنت بِمَعْنَى غَشَشْت. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ
، ودُّوا لَوْ تَكْفُر فَيَكْفُرُونَ، وَقَالَ فِي قَوْلِهِ: أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ
؛ أَي مُكَذِّبون، وَيُقَالُ: كَافِرُونَ. وَقَوْلُهُ: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ
، وَدُّوا لَوْ تَلِينُ فِي دِينك فيَلِينون. وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: الإِدْهان المُقاربَة فِي الْكَلَامِ والتَّليين فِي الْقَوْلِ، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ
؛ أَي ودُّوا لَوْ تُصانِعهم فِي الدِّين فيُصانِعوك. اللَّيْثُ: الإِدْهان اللِّين. والمُداهِن: المُصانع؛ قَالَ زُهَيْرٌ:
وَفِي الحِلْمِ إِدْهان، وَفِي العَفْوِ دُرْبةٌ، ... وَفِي الصِّدْق مَنْجَاةٌ مِنَ الشَّرِّ، فاصْدُقِ
. وَقَالَ أَبو بَكْرٍ الأَنباري: أَصل الإِدْهان الإِبْقاء؛ يُقَالُ: لَا تُدْهِنْ عَلَيْهِ أَي لَا تُبْقِ عَلَيْهِ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: يُقَالُ مَا أَدهنت إِلا عَلَى نَفْسِكَ أَي مَا أَبقيت، بِالدَّالِ. وَيُقَالُ: مَا أَرْهَيت ذَلِكَ أَي مَا تَرَكْتَهُ سَاكِنًا، والإِرهاء: الإِسكان. وَقَالَ بَعْضُ أَهل اللُّغَةِ: مَعْنَى داهَن وأَدْهن أَي أَظهر خِلَافَ مَا أَضمر، فكأَنه بيَّن الْكَذِبَ عَلَى نَفْسِهِ. والدِّهان: الْجِلْدُ الأَحمر، وَقِيلَ: الأَملس، وَقِيلَ: الطَّرِيقُ الأَملس، وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ
، قَالَ: شبَّهها فِي اخْتِلَافِ أَلوانها بالدُّهن واختلافِ أَلوانه، قَالَ: وَيُقَالُ الدِّهان الأَديم الأَحمر أَي صَارَتْ حَمْرَاءَ كالأَديم، مِنْ قَوْلِهِمْ فَرَسٌ وَرْدٌ، والأُنثى وَرْدَةٌ؛ قَالَ رُؤْبَةُ يَصِفُ شَبَابَهُ وَحُمْرَةَ لَوْنِهِ فِيمَا مَضَى مِنْ عُمُرِهِ:
كغُصْنِ بانٍ عُودُه سَرَعْرَعُ، ... كأَنَّ وَرْداً مِنْ دِهانٍ يُمْرَعُ
لوْني، وَلَوْ هَبَّتْ عَقِيمٌ تَسْفَعُ
. أَي يَكْثُرُ دُهْنُهُ، يَقُولُ: كأَنَّ لَوْنَهُ يُعْلى بالدُّهن لِصَفَائِهِ؛ قَالَ الأَعشى:
وأَجْرَدَ مِنْ فُحول الخيلِ طرْفٍ، ... كأَنَّ عَلَى شواكِلِه دِهانا
. وَقَالَ لَبِيدٌ:
وكلُّ مُدَمّاةٍ كُمَيْتٍ، كأَنها ... سَلِيمُ دِهانٍ فِي طِرَاف مُطَنَّب
. غَيْرُهُ: الدِّهانُ فِي الْقُرْآنِ الأَديمُ الأَحمر الصِّرفُ. وَقَالَ أَبو إِسحق فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ
؛ تتلوَّنُ مِنَ الفَزَع الأَكبر كَمَا تتلوَّن الدِّهانُ المختلفةُ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ؛ أَي كَالزَّيْتِ الَّذِي قَدْ أُغلي؛ وَقَالَ مِسْكينٌ الدَّارميُّ:
ومُخاصِمٍ قاوَمْتُ فِي كَبَدٍ ... مِثْل الدِّهان، فكانَ لِيَ العُذْرُ
. يَعْنِي أَنه قاوَمَ هَذَا المُخاصِمَ فِي مكانٍ مُزِلّ يَزْلَقُ عَنْهُ مَنْ قَامَ بِهِ، فَثَبَتَ هُوَ وزلِقَ خَصْمُه وَلَمْ يَثْبُتْ. والدِّهانُ: الطَّرِيقُ الأَملس هَاهُنَا، والعُذْرُ فِي بَيْتِ مِسْكِينٍ الدَّارِمِيِّ: النُّجْح، وَقِيلَ: الدِّهَانُ الطَّوِيلُ الأَملس.(13/162)
والدَّهْناء: الفَلاة. والدَّهْناء: موضعٌ كلُّه رَمْلٌ، وَقِيلَ: الدَّهْنَاءُ مَوْضِعٌ مِنْ بِلَادِ بَنِي تَمِيمٍ مَسِيرة ثَلَاثَةِ أَيام لَا مَاءَ فِيهِ، يُمَدُّ ويقصَر؛ قَالَ:
لسْتَ عَلَى أُمك بالدَّهْنا تَدِلّ
أَنشده ابْنُ الأَعرابي، يُضْرَبُ لِلْمُتَسَخِّطِ عَلَى مَنْ لَا يُبالى بِتَسَخُّطِهِ؛ وأَنشد غَيْرُهُ:
ثُمَّ مالَتْ لجانِبِ الدَّهْناءِ
. وَقَالَ جَرِيرٌ:
نارٌ تُصَعْصِعُ بالدَّهْنا قَطاً جُونا
وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
لأَكْثِبَة الدَّهْنا جَميعاً ومالِيَا
. وَالنِّسْبَةُ إِليها دَهْناوِيٌّ، وَهِيَ سَبْعَةُ أَجبل فِي عَرْضِها، بَيْنَ كُلِّ جَبَلَيْنِ شَقِيقَةٌ، وَطُولُهَا مِنْ حَزْنِ يَنْسُوعةَ إِلى رَمْلِ يَبْرِينَ، وَهِيَ قَلِيلَةُ الْمَاءِ كَثِيرَةُ الكلإِ لَيْسَ فِي بلادِ الْعَرَبِ مَرْبَعٌ مثلُها، وإِذا أَخصبت رَبَعت العربُ «1» . جَمْعَاءُ. وَفِي حَدِيثِ
صَفِيَّة ودُحَيْبَةَ: إِنما هَذِهِ الدَّهْنا مُقَيَّدُ الجمَل
؛ هُوَ الْمَوْضِعُ الْمَعْرُوفُ بِبِلَادِ تَمِيمٍ. والدَّهْناء، مَمْدُودٌ: عُشْبة حَمْرَاءُ لَهَا وَرَقٌ عِراض يُدْبَغُ بِهِ. والدِّهْنُ: شجرةُ سَوْءٍ كالدِّفْلى؛ قَالَ أَبو وَجْزَة:
وحَدَّثَ الدِّهْنُ والدِّفْلى خَبيرَكُمُ، ... وسالَ تَحْتَكُمْ سَيْلٌ فَمَا نَشِفا
. وَبَنُو دُهْن وَبَنُو داهنٍ: حَيّانِ. ودُهْنٌ: حيٌّ مِنَ الْيَمَنِ يُنْسَبُ إِليهم عَمَّارُ الدُّهْنيُّ. والدَّهْناء: بنتُ مِسْحَل أَحد بني مَالِكِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زيدِ مَناةَ بْنِ تَمِيمٍ، وَهِيَ امرأَة الْعَجَّاجِ؛ وَكَانَ قَدْ عُنِّن عَنْهَا فَقَالَ فِيهَا:
أَظَنَّتِ الدَّهْنا وظَنَّ مِسْحَلُ ... أَن الأَميرَ بالقضاءِ يَعْجَلُ
«2» . عَنْ كَسَلاتي، والحِصانُ يَكْسَلُ ... عَنِ السِّفادِ، وَهُوَ طِرْفٌ هَيْكَلُ؟
دهدن: الدُّهْدُنُّ، بِالضَّمِّ: مَعْنَاهُ الْبَاطِلُ؛ قَالَ:
لأَجْعَلَنْ لابنةِ عَمْروٍ فَنَّا، ... حَتَّى يَكُونَ مَهْرُها دُهْدُنَّا
. وَيُرْوَى لِابْنَةِ عَثْمٍ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الدُّهْدُنُّ كَلَامٌ لَيْسَ لَهُ فِعْلٌ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَرُبَّمَا قَالُوا دُهْدُرٌّ، بِالرَّاءِ. وَفِي الْمَثَلِ: دُهْدُرَّيْن وسَعْدُ القَيْن «3» . يضرب للكذاب.
دهقن: التَّدَهْقُنُ: التَّكَيُّسُ: قَالَ سِيبَوَيْهِ: سأَلته، يَعْنِي الْخَلِيلَ، عن دُهْقان [دِهْقان] فَقَالَ: إِن سَمَّيْتَهُ مِنَ التَّدَهْقُن فَهُوَ مَصْرُوفٌ، وَقَدْ قَالَ سِيبَوَيْهِ: إِنك إِن جَعَلْتَ دِهْقاناً مِنَ الدَّهْق لَمْ تَصْرِفْهُ لأَنه فَعْلَانُ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: إِن جَعَلْتَ النُّونَ أَصلية، مِنْ قَوْلِهِمْ تَدَهْقَنَ الرجلُ وَلَهُ دَهْقَنةُ موضِع كَذَا، صرَفْتَه لأَنه فِعْلال. والدِّهْقان والدُّهقان: التَّاجِرُ، فَارِسِيٌّ معرَّب، وَهُمُ الدَّهاقنة والدَّهاقين؛ قَالَ:
إِذا شِئْتُ غَنَّتْني دَهاقِينُ قَرْية، ... وصَنّاجَةٌ تَجْذُو عَلَى كلِّ مَنْسِمِ
. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: دِهْقان ودُهْقان مِثْلُ قِرْطاس وقُرْطاس، قَالَ: ودِهْقانُ فِي بَيْتِ الأَعشى عَرَبِيٌّ، وَهُوَ اسم واد؛ قال:
__________
(1) . قوله [ربعت العرب إِلخ] زاد الأَزهري: لسعتها وكثرة شجرها، وهي عذاة مكرمة نزهة من سكنها لم يعرف الحمى لطيب تربتها وهوائها
(2) . قوله [أَظنت إِلخ] قال الصاغاني: الإِنشاد مختل، والرواية بعد قوله يعجل:
كلا ولم يقض القضاء الفيصل ... وإِن كسلت فالحصان يَكْسَلُ
عَنِ السِّفَادِ وَهُوَ طرف يؤكل ... عند الرواق مقرب مجلل
(3) . قوله [وسعد القين] كذا بالأَصل والصحاح بواو العطف، وفي القاموس وموضع آخر من اللسان بحذفها(13/163)
فظَلَّ يَغْشى لِوَى الدِّهْقانِ مُنْصَلِتاً، ... كالفارِسِيِّ تَمَشَّى، وَهُوَ مُنْتَطِقُ
والدُّهْقان والدِّهْقان: الْقَوِيُّ عَلَى التَّصَرُّفِ مَعَ حِدَّة، والأُنثى دِهْقانة، وَالِاسْمُ الدَّهْقَنةُ. اللَّيْثُ: الدَّهْقنة الِاسْمُ مِنَ الدِّهْقانِ، وَهُوَ نَبزٌ. ودُهْقِنَ الرجلُ: جُعِلَ دِهْقاناً؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
دُهْقِنَ بِالتَّاجِ وبالتَّسْويرِ
. ولِوَى الدِّهْقانِ: مَوْضِعٌ بِنَجْدٍ. الأَزهري: وَبِالْبَادِيَةِ رَمَلَةٌ تُعْرَفُ بلِوَى دِهْقان؛ قَالَ الرَّاعِي يَصِفُ ثَوْرًا:
فظَلَّ يَعْلو لِوَى دِهْقانَ مُعْترِضاً ... يَرْدي، وأَظْلافُه خُضْرٌ مِنَ الزَّهَرِ
ودَهْقَنَ الطعامَ: أَلانَه؛ عَنْ أَبي عُبَيْدٍ. الأَصمعي: الدَّهْمَقةُ والدَّهْقَنة سَوَاءٌ، وَالْمَعْنَى فِيهِمَا سَوَاءٌ لأَن لِينَ الطَّعَامِ من الدَّهْقنة.
دَوَنَ: دُونُ: نقيضُ فوقَ، وَهُوَ تَقْصِيرٌ عَنِ الْغَايَةِ، وَيَكُونُ ظَرْفًا. والدُّونُ: الْحَقِيرُ الْخَسِيسُ؛ وَقَالَ:
إِذا مَا عَلا المرءُ رامَ العَلاء، ... ويَقْنَع بالدُّونِ مَن كَانَ دُونا
وَلَا يُشْتَقُّ مِنْهُ فِعْلٌ. وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ مِنْهُ: دانَ يَدُونُ دَوْناً وأُدِين إِدانةً؛ وَيُرْوَى قولُ عَدِيٍّ فِي قَوْلِهِ:
أَنْسَلَ الذِّرْعانَ غَرْبٌ جَذِمٌ، ... وعَلا الرَّبْرَبَ أَزْمٌ لَمْ يُدَنْ
. وَغَيْرُهُ يَرْوِيهِ: لَمْ يُدَنّ، بِتَشْدِيدِ النُّونِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، مِنْ دَنَّى يُدَنِّي أَي ضَعُفَ، وَقَوْلُهُ: أَنسل الذِّرْعانَ جَمْعُ ذَرَعٍ، وَهُوَ وَلَدُ الْبَقَرَةِ الْوَحْشِيَّةِ؛ يَقُولُ: جَرْيُ هَذَا الْفَرَسِ وحِدَّتُه خَلَّف أَولادَ الْبَقَرَةِ خلْفَه وَقَدْ عَلَا الرَّبْرَبَ شَدٌّ لَيْسَ فِيهِ تَقْصِيرٌ. وَيُقَالُ: هَذَا دُونَ ذَلِكَ أَي أَقرب مِنْهُ. ابْنُ سِيدَهْ: دونُ كَلِمَةٌ فِي مَعْنَى التَّحْقِيرِ وَالتَّقْرِيبِ، يَكُونُ ظَرْفًا فَيُنْصَبُ، وَيَكُونُ اسْمًا فَيَدْخُلُ حَرْفُ الْجَرِّ عَلَيْهِ فَيُقَالُ: هَذَا دُونَكَ وَهَذَا مِنْ دُونِكَ، وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ:
ووجَدَ مِنْ دُونهم امرأَتين
؛ أَنشد سِيبَوَيْهِ:
لَا يَحْمِلُ الفارسَ إِلّا المَلْبُونْ، ... أَلمحْضُ مِنْ أَمامِه وَمِنْ دُونْ
. قَالَ: وإِنما قُلْنَا فِيهِ إِنه إِنما أَراد مِنْ دُونِهِ لِقَوْلِهِ مِنْ أَمامه فأَضاف، فَكَذَلِكَ نَوَى إِضافة دُونَ؛ وأَنشد فِي مِثْلِ هَذَا لِلْجَعْدِيِّ:
لَهَا فَرَطٌ يكونُ، وَلَا تَراهُ، ... أَماماً مِنْ مُعَرَّسِنا ودُونا
. التَّهْذِيبُ: وَيُقَالُ هَذَا دُونَ ذَلِكَ فِي التَّقْرِيبِ وَالتَّحْقِيرِ، فَالتَّحْقِيرُ مِنْهُ مَرْفُوعٌ، وَالتَّقْرِيبُ مَنْصُوبٌ لأَنه صِفَةٌ. وَيُقَالُ: دُونُك زيدٌ فِي الْمَنْزِلَةِ وَالْقُرْبِ والبُعْد؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: فأَما مَا أَنشده ابْنُ جِنِّي مِنْ قَوْلِ بَعْضِ المولَّدين:
وقامَتْ إِليه خَدْلَةُ السَّاقِ، أَعْلَقَتْ ... بِهِ مِنْهُ مَسْمُوماً دُوَيْنَةَ حاجِبِهْ
. قَالَ: فإِني لَا أَعرف دُونَ تُؤَنَّثُ بِالْهَاءِ بِعَلَامَةِ تأْنيث وَلَا بِغَيْرِ عَلَامَةٍ، أَلا تَرَى أَن النَّحْوِيِّينَ كُلَّهُمْ قَالُوا الظُّرُوفُ كُلُّهَا مُذَكَّرَةٌ إِلا قُدّام وَوَرَاءَ؟ قَالَ: فَلَا أَدري مَا الَّذِي صَغَّرَهُ هَذَا الشَّاعِرُ، اللَّهُمَّ إِلا أَن يَكُونَ قَدْ قَالُوا هُوَ دُوَيْنُه، فإِن كَانَ كَذَلِكَ فَقَوْلُهُ دُوَيْنَةَ حَاجِبِهْ حَسُنَ عَلَى وَجْهِهِ؛ وأَدخل الأَخفش عَلَيْهِ الباءَ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ فِي الْقَوَافِي، وَقَدْ ذَكَرَ أَعرابيّاً أَنشده شِعْرًا مُكْفَأً: فَرَدَدْنَاهُ عَلَيْهِ وَعَلَى نَفَرٍ مِنْ أَصحابه فِيهِمْ مَن ليْسَ بدُونِه، فأَدخل عَلَيْهِ الْبَاءَ كَمَا تَرَى، وَقَدْ قَالُوا: مِنْ دُونُ، يُرِيدُونَ مِنْ دُونِه، وَقَدْ قَالُوا: دُونك فِي الشَّرَفِ وَالْحَسَبِ وَنَحْوُ ذَلِكَ؛ قَالَ(13/164)
سِيبَوَيْهِ: هُوَ عَلَى الْمَثَلِ كَمَا قَالُوا إِنه لصُلْبُ الْقَنَاةِ وإِنه لَمِنْ شَجَرَةٍ صَالِحَةٍ، قَالَ: وَلَا يُسْتَعْمَلُ مَرْفُوعًا فِي حَالِ الإِضافة. وأَما قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ
؛ فإِنه أَراد وَمِنَّا قَوْمٌ دُونَ ذَلِكَ فَحَذَفَ الْمَوْصُوفَ. وَثَوْبٌ دُونٌ: رَدِيٌّ. ورجل دُونٌ: ليس بلاحق. وَهُوَ مِنْ دُونِ الناسِ والمتاعِ أَي مِنْ مُقارِبِهِما. غَيْرُهُ: وَيُقَالُ هَذَا رَجُلٌ مِنْ دُونٍ، وَلَا يُقَالُ رجلٌ دونٌ، لَمْ يَتَكَلَّمُوا بِهِ وَلَمْ يَقُولُوا فِيهِ مَا أَدْوَنَه، وَلَمْ يُصَرَّف فعلُه كَمَا يُقَالُ رَجُلٌ نَذْلٌ بيِّنُ النَّذَالة. وَفِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ: وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ
، بِالنَّصْبِ وَالْمَوْضِعُ مَوْضِعُ رَفْعٍ، وَذَلِكَ أَن الْعَادَةَ فِي دُونَ أَن يَكُونَ ظَرْفًا وَلِذَلِكَ نَصَبُوهُ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: التَّدَوُّنُ الغنَى التَّامُّ. اللِّحْيَانِيُّ: يُقَالُ رَضِيتُ مِنْ فُلَانٍ بمَقْصِر أَي بأَمر دُونَ ذَلِكَ. وَيُقَالُ: أَكثر كَلَامِ الْعَرَبِ أَنت رَجُلٌ مِنْ دُونٍ وَهَذَا شَيْءٌ مِنْ دُونٍ، يَقُولُونَهَا مَعَ مِن. وَيُقَالُ: لَوْلَا أَنك مِنْ دُونٍ لَمْ تَرْضَ بِذَا، وَقَدْ يُقَالُ بِغَيْرِ مِنْ. ابْنُ سِيدَهْ: وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ أَيضاً رَضِيتُ مِنْ فُلَانٍ بأَمر مِنْ دُونٍ، وَقَالَ ابْنُ جِنِّي: فِي شيءٍ دُونٍ، ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ الْمَوْسُومِ بِالْمُعَرَّبِ، وَكَذَلِكَ أَقَلُّ الأَمرين وأَدْوَنُهما، فَاسْتُعْمِلَ مِنْهُ أَفعل وَهَذَا بَعِيدٌ، لأَنه لَيْسَ لَهُ فِعْلٌ فَتَكُونُ هَذِهِ الصِّيغَةُ مَبْنِيَّةً مِنْهُ، وإِنما تُصَاغُ هَذِهِ الصِّيغَةُ مِنَ الأَفعال كَقَوْلِكَ أَوْضَعُ مِنْهُ وأَرْفَعُ مِنْهُ، غَيْرَ أَنه قَدْ جَاءَ مِنْ هَذَا شَيْءٌ ذَكَرَهُ سِيبَوَيْهِ وَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: أَحْنَكُ الشاتَيْنِ وأَحْنَكُ الْبَعِيرَيْنِ، كَمَا قَالُوا: آكَلُ الشاتَيْنِ كأَنهم قَالُوا حَنَك وَنَحْوَ ذلك، فإِنما جاؤُوا بأَفعل عَلَى نَحْوِ هَذَا وَلَمْ يَتَكَلَّمُوا بِالْفِعْلِ، وَقَالُوا: آبَلُ النَّاسِ، بِمَنْزِلَةِ آبَلُ مِنْهُ لأَن مَا جَازَ فِيهِ أَفعل جَازَ فِيهِ هَذَا، وَمَا لَمْ يَجُزْ فِيهِ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ فِيهِ هَذَا، وَهَذِهِ الأَشياء الَّتِي لَيْسَ لَهَا فِعْلٌ لَيْسَ الْقِيَاسُ أَن يُقَالَ فِيهَا أَفعل مِنْهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَقَدْ قَالُوا: فُلَانٌ آبَلُ مِنْهُ كَمَا قَالُوا أَحْنَكُ الشَّاتَيْنِ. اللَّيْثُ: يُقَالُ زيدٌ دُونَك أَي هُوَ أَحسن مِنْكَ فِي الحَسَب، وَكَذَلِكَ الدُّونُ يَكُونُ صِفَةً وَيَكُونُ نَعْتًا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى وَلَا يُشْتَقُّ مِنْهُ فِعْلٌ. ابْنُ سِيدَهْ: وادْنُ دُونَك أَي قَرِيبًا «1» . قَالَ جَرِيرٌ:
أَعَيّاشُ، قَدْ ذاقَ القُيونُ مَراسَتي ... وأَوقدتُ نَارِي، فادْنُ دُونَكَ فَاصْطَلِي
. قَالَ: وَدُونَ بِمَعْنَى خَلْفَ وَقُدَّامَ. ودُونك الشيءَ وَدُونَكَ بِهِ أَي خُذْهُ. وَيُقَالُ فِي الإِغراء بِالشَّيْءِ: دُونَكه. قَالَتْ تَمِيمٌ لِلْحَجَّاجِ: أَقْبِرْنا صَالِحًا، وَقَدْ كَانَ صَلَبه، فَقَالَ: دُونَكُموه. التَّهْذِيبُ: ابْنُ الأَعرابي يُقَالُ ادْنُ دُونك أَي اقترِبْ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
مِثْل الَّذِي بالغَيْلِ يَغْزُو مُخْمَداً، ... يَزْدادُ قُرْباً دُونه أَن يُوعَدا
. مُخْمد: سَاكِنٌ قَدْ وَطَّن نَفْسَهُ عَلَى الأَمر؛ يَقُولُ: لَا يَرُدُّه الوعيدُ فَهُوَ يتقدَّم أَمامه يَغشى الزَّجْرَ؛ وَقَالَ زُهَيْرُ بْنُ خَبَّاب:
وإِن عِفْتَ هَذَا، فادْنُ دُونَكَ، إِنني ... قليلُ الغِرار، والشَّرِيجُ شِعاري
. الغِرار: النَّوْمُ، وَالشَّرِيجُ: الْقَوْسُ؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
تُريكَ القَذى مِنْ دُونها، وَهِيَ دُونه، ... إِذا ذاقَها مَنْ ذاقَها يَتَمَطَّقُ
. فَسَّرَهُ فَقَالَ: تُريك هَذِهِ الخمرُ مِنْ دُونِهَا أَي مِنْ وَرَائِهَا، وَالْخَمْرُ دُونَ الْقَذَى إِليك، وَلَيْسَ ثَمَّ قَذًى وَلَكِنَّ هَذَا تَشْبِيهٌ؛ يَقُولُ: لَوْ كَانَ أَسفلها قَذًى لرأَيته. وَقَالَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ: لدُونَ تِسْعَةُ معانٍ: تَكُونُ بِمَعْنَى قَبْل وَبِمَعْنَى أَمامَ وَبِمَعْنَى وَرَاءَ وَبِمَعْنَى تَحْتَ وَبِمَعْنَى فَوْقَ وَبِمَعْنَى السَّاقِطِ مِنَ النَّاسِ وَغَيْرِهِمْ وبمعنى الشريف
__________
(1) . قوله [أَي قريباً] عبارة القاموس: أَي اقترب مني(13/165)
وَبِمَعْنَى الأَمر وَبِمَعْنَى الْوَعِيدِ وَبِمَعْنَى الإِغراء، فأَما دُونَ بِمَعْنَى قَبْلَ فَكَقَوْلِكَ: دُون النَّهْرِ قِتال ودُون قَتْلِ الأَسد أَهوال أَي قَبْلَ أَن تَصِلَ إِلى ذَلِكَ. ودُونَ بِمَعْنَى وَرَاءَ كَقَوْلِكَ: هَذَا أَمير عَلَى مَا دُون جَيحونَ أَي عَلَى مَا وراءَه. وَالْوَعِيدُ كَقَوْلِكَ: دُونك صِرَاعِي وَدُونَكَ فتَمرَّسْ بِي. وَفِي الأَمر: دُونَكَ الدرهمَ أَي خُذْهُ. وَفِي الإِغراء: دُونَكَ زَيْدًا أَي الزمْ زَيْدًا فِي حِفْظِهِ. وَبِمَعْنَى تَحْتَ كَقَوْلِكَ: دونَ قَدَمِك خَدُّ عَدُوِّكَ أَي تَحْتَ قَدَمِكَ. وَبِمَعْنَى فَوْقَ كَقَوْلِكَ: إِن فُلَانًا لَشَرِيفٌ، فَيُجِيبُ آخَرُ فَيَقُولُ: ودُون ذَلِكَ أَي فَوْقَ ذَلِكَ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: دُونَ تَكُونُ بِمَعْنَى عَلَى، وَتَكُونُ بِمَعْنَى عَلَّ، وَتَكُونُ بِمَعْنَى بَعْد، وَتَكُونُ بِمَعْنَى عِنْدَ، وَتَكُونُ إِغراء، وَتَكُونُ بِمَعْنَى أَقلّ مِنْ ذَا وأَنقص مِنْ ذَا، ودُونُ تَكُونُ خَسِيسًا. وَقَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذلِكَ
؛ دُونَ الغَوْص، يُرِيدُ سِوَى الغَوْص مِنَ الْبِنَاءِ؛ وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ فِي قَوْلِهِ:
يَزيدُ يَغُضُّ الطَّرفَ دُوني
. أَي يُنَكِّسُه فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ مِنَ الْمَكَانِ. يُقَالُ: ادْنُ دُونَكَ أَي اقترِبْ مِنِّي فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ. والطَّرفُ: تَحْرِيكُ جُفُونِ الْعَيْنَيْنِ بِالنَّظَرِ، يُقَالُ لِسُرْعَةٍ مِنَ الطَّرف واللمْح. أَبو حَاتِمٍ عَنِ الأَصمعي: يُقَالُ يَكْفِينِي دُونُ هَذَا، لأَنه اسْمٌ. والدِّيوانُ: مُجْتَمع الصُّحُفِ؛ أَبو عُبَيْدَةَ: هُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ؛ ابْنُ السِّكِّيتِ: هُوَ بِالْكَسْرِ لَا غَيْرُ، الْكِسَائِيُّ: بِالْفَتْحِ لُغَةٌ مولَّدة وَقَدْ حَكَاهَا سِيبَوَيْهِ وَقَالَ: إِنما صحَّت الْوَاوُ فِي دِيوان، وإِن كَانَتْ بَعْدَ الْيَاءِ وَلَمْ تَعْتَلَّ كَمَا اعْتَلَّتْ فِي سَيِّدٍ، لأَن الْيَاءَ فِي دِيوَانٍ غَيْرُ لَازِمَةٍ، وإِنما هُوَ فِعّال مِنْ دَوَّنْتُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: دُوَيْوِينٌ، فَدَلَّ ذَلِكَ أَنه فِعَّال وأَنك إِنما أَبدلت الْوَاوَ بَعْدَ ذَلِكَ، قَالَ: وَمَنْ قَالَ دَيْوان فَهُوَ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ بَيْطار، وإِنما لَمْ تُقْلَبِ الْوَاوُ فِي دِيوَانٍ يَاءً، وإِن كَانَتْ قَبْلَهَا يَاءٌ سَاكِنَةٌ، مِنْ قِبَل أَن الْيَاءَ غَيْرُ مُلَازِمَةٍ، وإِنما أُبدلت مِنَ الْوَاوِ تَخْفِيفًا، أَلا تَرَاهُمْ قَالُوا دَوَاوِينُ لَمَّا زَالَتِ الْكَسْرَةُ مِنْ قِبَل الْوَاوِ؟ عَلَى أَن بَعْضَهُمْ قَدْ قَالَ دَياوِينُ، فأَقرّ الْيَاءَ بِحَالِهَا، وإِن كَانَتِ الْكَسْرَةُ قَدْ زَالَتْ مِنْ قِبَلها، وأَجرى غَيْرُ اللَّازِمِ مُجْرَى اللَّازِم، وَقَدْ كَانَ سَبِيلُهُ إِذا أَجراها مَجْرَى الْيَاءِ اللَّازِمَةِ أَن يَقُولَ دِيّانٌ، إِلا أَنه كَرِهَ تَضْعِيفَ الْيَاءِ كَمَا كَرِهَ الْوَاوَ فِي دَياوِين؛ قَالَ:
عَداني أَن أَزورَكِ، أُمَّ عَمروٍ، ... دَياوِينٌ تُنَفَّقُ بالمِدادِ
. الْجَوْهَرِيُّ: الدِّيوانُ أَصله دِوَّانٌ، فعُوِّض مِنْ إِحدى الْوَاوَيْنِ يَاءٌ لأَنه يُجْمَعُ عَلَى دَواوينَ، وَلَوْ كَانَتِ الْيَاءُ أَصلية لَقَالُوا دَياوين، وَقَدْ دُوِّنت الدَّواوينُ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَحُكِيَ ابْنُ دُرَيْدٍ وَابْنُ جِنِّي أَنه يُقَالُ دَياوين. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا يَجْمَعهم ديوانُ حافظٍ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ الدَّفْتَرُ الَّذِي يُكْتَبُ فِيهِ أَسماء الْجَيْشِ وأَهلُ الْعَطَاءِ. وأَول مَنْ دَوَّنَ الدِّيوان عُمَرُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ. ابْنُ بَرِّيٍّ: وَدِيوَانٌ اسم كلب؛ قال الرَّاجِزُ:
أَعْدَدْتُ دِيوَانًا لدِرْباسِ الحَمِتْ، ... مَتَى يُعايِنْ شَخْصَه لَا يَنْفَلِتْ
. ودِرْباس أَيضاً: كَلْبٌ أَي أَعددت كَلْبِي لِكَلْبِ جِيرَانِي الَّذِي يُؤْذِينِي في الحَمْتِ.
دَيَنَ: الدَّيّانُ: مِنْ أَسماء اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، مَعْنَاهُ الحكَم الْقَاضِي.
وَسُئِلَ بَعْضُ السَّلَفِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبي طَالِبٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: كَانَ دَيّانَ هَذِهِ الأُمة بَعْدَ نَبِيِّهَا
أَي قَاضِيهَا وَحَاكِمَهَا. والدَّيَّانُ: القَهَّار، وَمِنْهُ قَوْلُ ذِي الإِصبع العَدْواني(13/166)
:
لاهِ ابنُ عَمِّك، لَا أَفضَلْتَ فِي حسَب ... فِينَا، وَلَا أَنتَ دَيَّاني فتَخْزُوني!
أَي لَسْتَ بِقَاهِرٍ لِي فتَسوس أَمري. والدَّيّانُ: اللَّه عَزَّ وَجَلَّ. والدَّيَّانُ: القَهَّارُ، وَقِيلَ: الْحَاكِمُ وَالْقَاضِي، وَهُوَ فَعَّال مِنْ دَانَ الناسَ أَي قهَرَهم عَلَى الطَّاعَةِ. يُقَالُ: دِنْتُهم فَدَانُوا أَي قهَرْتهم فأَطاعوا، وَمِنْهُ شِعْرُ الأَعشى الحِرْمازيّ يُخَاطِبُ سَيِّدَنَا رسول الله، صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
يَا سيِّدَ الناسِ ودَيَّانَ العَرَبْ
وَفِي حَدِيثِ
أَبي طَالِبٍ: قَالَ لَهُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: أُريد مِنْ قُرَيْشٍ كَلِمَةً تَدينُ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ
أَي تُطِيعُهُمْ وَتَخْضَعُ لَهُمْ. والدَّينُ: وَاحِدُ الدُّيون، مَعْرُوفٌ. وكلُّ شَيْءٍ غَيْرُ حَاضِرٍ دَينٌ، وَالْجَمْعُ أَدْيُن مِثْلَ أَعْيُن ودُيونٌ، قَالَ ثَعْلَبٌةُ بْنُ عُبَيد يَصِفُ النَّخْلَ:
تُضَمَّنُ حاجاتِ العِيالِ وضَيْفهمْ، ... ومَهْمَا تُضَمَّنْ مِنْ دُيُونِهِمُ تَقْضِي
يَعْنِي بالدُّيون مَا يُنالُ مِنْ جنَاها، وإِن لَمْ يَكُنْ دَيناً عَلَى النَّخْل، كَقَوْلِ الأَنصاري:
أَدِينُ، وَمَا دَيْنِي عَلَيْكُمْ بِمَغْرَمٍ، ... ولكنْ عَلَى الشُّمِّ الجِلادِ القَراوِحِ
ابْنُ الأَعرابي: دِنْت وأَنا أَدِينُ إِذا أَخذت دَيناً، وأَنشد أَيضاً قَوْلَ الأَنصاري:
أَدين وَمَا دَيْنِي عَلَيْكُمْ بِمَغْرَمٍ
قَالَ ابْنُ الأَعرابي: القَراوِحُ مِنَ النَّخِيلِ الَّتِي لَا تُبالي الزمانَ، وَكَذَلِكَ مِنَ الإِبل، قَالَ: وَهِيَ الَّتِي لَا كَرَبَ لَهَا مِنَ النَّخِيلِ، ودِنْتُ الرجلَ: أَقْرَضْتُه فَهُوَ مَدِينٌ ومَدْيون. ابْنُ سِيدَهْ: دِنْتُ الرجلَ وأَدَنْته أَعطيته الدَّيْنَ إِلى أَجل، قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
أَدَانَ، وأَنْبأَه الأَوّلُونَ ... بأَنَّ المُدانَ مَلِيٌّ وفِيّ
الأَوّلون: الناسُ الأَوَّلون والمَشْيَخَة، وَقِيلَ: دِنْتُه أَقْرَضْتُه، وأَدَنْتُه اسْتَقْرَضته مِنْهُ. ودانَ هُوَ: أَخَذَ الدَّيْنَ. وَرَجُلٌ دائنٌ ومَدِينٌ ومَدْيُون، الأَخيرة تَمِيمِيَّةٌ، ومُدانٌ: عَلَيْهِ الدينُ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ دَيْنٌ كَثِيرٌ. الْجَوْهَرِيُّ: رَجُلٌ مَدْيونٌ كَثُرَ مَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ، وَقَالَ:
وناهَزُوا البَيْعَ مِنْ تُرْعِيَّةٍ رَهِقٍ ... مُسْتأْرَبٍ، عَضَّه السلطانُ، مَدْيونِ
ومِدْيانٌ إِذا كَانَ عَادَتُهُ أَن يأْخذ بالدَّيْن وَيَسْتَقْرِضَ. وأَدَان فلانٌ إِدانَةً إِذا بَاعَ مِنَ الْقَوْمِ إِلى أَجل فَصَارَ لَهُ عَلَيْهِمْ دَيْنٌ، تَقُولُ مِنْهُ: أَدِنِّي عَشرةَ دَرَاهِمَ، وأَنشد بَيْتَ أَبي ذُؤَيْبٍ:
بأَن الْمُدَانَ مليٌّ وَفِيُّ
والمَدينُ: الَّذِي يَبِيعُ بِدَيْنٍ. وادَّانَ واسْتَدان وأَدانَ: اسْتَقْرض وأَخذ بِدَيْنٍ، وَهُوَ افْتَعَلَ، وَمِنْهُ قَوْلُ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فادَّانَ مُعْرِضاً
أَي اسْتَدَانَ، وَهُوَ الَّذِي يَعْتَرِضُ الناسَ ويَسْتدين مِمَّنْ أَمكنه. وتَدايَنُوا: تَبَايَعُوا بِالدَّيْنِ. واسْتَدانوا: اسْتَقْرَضُوا. اللَّيْثُ: أَدَانَ الرجلُ، فَهُوَ مُدِين أَي مُسْتَدِينٌ، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذَا خطأٌ عِنْدِي، قَالَ: وَقَدْ حَكَاهُ شَمِر لِبَعْضِهِمْ وأَظنه أَخذه عَنْهُ. وأَدَانَ: مَعْنَاهُ أَنه بَاعَ بدَيْن أَو صَارَ لَهُ عَلَى النَّاسِ دَيْنٌ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ الله عنه: إِن فُلَانًا يَدِينُ وَلَا مَالَ لَهُ.
يُقَالُ: دَانَ واسْتَدانَ وادَّانَ، مشدَّداً، إِذا أَخذ الدَّيْنَ وَاقْتَرَضَ، فإِذا أَعطى الدَّيْنَ قِيلَ أَدَانَ مُخَفَّفًا. وَفِي حَدِيثِهِ الْآخَرِ عَنْ
أُسَيْفِع جُهَيْنة: فادَّانَ(13/167)
مُعْرِضاً
أَي اسْتَدَانَ مُعْرِضًا عَنِ الْوَفَاءِ. واسْتَدانه: طَلَبَ مِنْهُ الدَّيْنَ. وَاسْتَدَانَهُ: اسْتَقْرَضَ مِنْهُ، قَالَ الشَّاعِرُ:
فإِنْ يَكُ، يَا جَناحُ، عَلَيَّ دَيْنٌ، ... فعِمْرانُ بنُ موسَى يَسْتَدِينُ
ودِنْتُه: أَعطيته الدينَ. ودِنْتُه: اسْتَقْرَضْتُ مِنْهُ. ودَان فلانٌ يَدِينُ دَيْنًا: اسْتَقْرَضَ وَصَارَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَهُوَ دَائِنٌ، وأَنشد الأَحمر للعُجَيْر السَّلُولي:
نَدِينُ ويَقْضي اللَّهُ عَنَّا، وَقَدْ نَرَى ... مَصارِعَ قومٍ، لَا يَدِينُون، ضُيَّعا
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ ضُيَّع، بِالْخَفْضِ عَلَى الصِّفَةِ لِقَوْمٍ، وَقَبْلَهُ:
فعِدْ صاحِبَ اللَّحَّامِ سَيْفًا تَبيعُه، ... وزِدْ دِرْهَمًا فوقَ المُغالِينَ واخْنَعِ
وتداينَ القومُ وادَّايَنُوا: أَخَذُوا بالدَّين، وَالِاسْمُ الدِّينَةُ. قَالَ أَبو زَيْدٍ: جِئْتُ أَطلب الدِّينَةَ، قَالَ: هُوَ اسْمُ الدَّيْن. وَمَا أَكثر دِينَتَه أَي دَيْنه. الشَّيْبَانِيُّ: أَدَانَ الرجلُ إِذا صَارَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ. ابْنُ سِيدَهْ: وأَدَانَ فُلَانٌ النَّاسَ أَعطاهم الدَّيْنَ وأَقرضهم، وَبِهِ فَسَّرَ بِهِ بَعْضُهُمْ قَوْلَ أَبي ذُؤَيْبٍ:
أَدانَ، وأَنبأَه الأَولون ... بِأَنَّ المُدانَ مَلِيٌّ وَفِيُّ
وَقَالَ شِمْرٌ فِي قَوْلِهِمْ يَدِينُ الرجلُ أَمره: أَي يَمْلِكُ، وأَنشد بَيْتَ أَبي ذُؤَيْبٍ أَيضاً. وأَدَنْتُ الرجلَ إِذا أَقرضته. وَقَدِ ادَّانَ إِذا صَارَ عَلَيْهِ دَيْنٌ. والقَرْضُ: أَن يَقْتَرِضَ الإِنسان دَرَاهِمَ أَو دَنَانِيرَ أَو حَبًّا أَو تَمْرًا أَو زَبِيبًا أَو مَا أَشبه ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ لأَجل لأَن الأَجل فِيهِ بَاطِلٌ. وَقَالَ شِمْرٌ: ادَّانَ الرجلُ إِذا كَثُرَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، وأَنشد:
أَنَدَّانُ أَم نَعْتانُ، أَم يَنْبَرِي لَنا ... فَتًى مِثْلُ نَصْلِ السيفِ هُزَّتْ مَضارِبُه
نَعْتانُ أَي نأْخذ العِينة. وَرَجُلٌ مِدْيان: يُقْرِضُ الناسَ، وَكَذَلِكَ الأُنثى بِغَيْرِ هَاءٍ، وَجَمْعُهُمَا جَمِيعًا مَدايِينُ. ابْنُ بَرِّيٍّ: وَحَكَى ابْنُ خَالَوَيْهِ أَن بَعْضَ أَهل اللُّغَةِ يَجْعَلُ المِدْيانَ الَّذِي يُقْرِضُ الناسَ، وَالْفِعْلُ مِنْهُ أَدَانَ بِمَعْنَى أَقْرَضَ، قَالَ: وَهَذَا غَرِيبٌ. ودَايَنْتُ فُلَانًا إِذا أَقْرَضته وأَقرضك، قَالَ رُؤْبَةُ:
دَايَنْتُ أَرْوَى، والدُّيونُ تُقْضَى، ... فماطَلَتْ بَعْضًا وأَدَّتْ بَعْضا
وداينتُ فُلَانًا إِذا عَامَلْتَهُ فأَعطيتَ دَيْنًا وأَخذتَ بدَين، وتدايَنَّا كَمَا تَقُولُ قاتَله وتَقاتَلْنا. وَبِعْتُهُ بدِينَةٍ أَي بتأْخير، والدِّينَةُ جَمْعُهَا دِيَنٌ، قَالَ رِداءُ بْنُ مَنْظُورٍ:
فإِن تُمْسِ قَدْ عالَ عَنْ شَأْنِها ... شُؤُونٌ، فَقَدْ طالَ مِنْهَا الدِّيَنْ
أَي دَيْنٌ عَلَى دَين. والمُدَّانُ: الَّذِي لَا يَزَالُ عَلَيْهِ دَين، قَالَ: والمِدْيانُ إِن شِئْتَ جَعَلْتَهُ الَّذِي يُقْرض كَثِيرًا، وإِن شِئْتَ جَعَلْتَهُ الَّذِي يَسْتَقْرِضُ كَثِيرًا. وَفِي الْحَدِيثِ:
ثلاثةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهم، مِنْهُمُ المِدْيانُ الَّذِي يُريد الأَدَاءَ
، المِدْيانُ: الْكَثِيرُ الدِّينِ الَّذِي عَلَيْهِ الدُّيُونُ، وَهُوَ مِفْعال مِنَ الدَّين لِلْمُبَالَغَةِ. قَالَ: وَالدَّائِنُ الَّذِي يَسْتَدِينُ، وَالدَّائِنُ الَّذِي يُجْري الدَّين. وتَدَيَّن الرجلُ إِذا اسْتَدَانَ، وأَنشد:
تُعَيِّرني بالدَّين قَوْمِي، وإِنما ... تَدَيَّنْتُ فِي أَشياءَ تُكْسِبُهم حَمْدا
وَيُقَالُ: رأَيت بِفُلَانٍ دِينَةً إِذا رأَي بِهِ سَبَبَ الْمَوْتِ. وَيُقَالُ: رَمَاهُ اللَّه بدَينهِ أَي بِالْمَوْتِ لأَنه دَين عَلَى كُلِّ أَحد.(13/168)
والدِّين: الْجَزَاءُ والمُكافأَة. ودِنْتُه بفعلِه دَيْناً: جَزَيته، وَقِيلَ الدَّيْنُ الْمَصْدَرُ، والدِّين الِاسْمُ، قَالَ:
دِينَ هَذَا القلبُ مِنْ نُعْمٍ ... بِسَقَامٍ لَيْسَ كالسُّقْمِ
ودَايَنه مُداينةً ودِيَاناً كَذَلِكَ أَيضاً. ويومُ الدِّينِ: يومُ الْجَزَاءِ. وَفِي الْمَثَلِ: كَمَا تَدِينُ تُدان أَي كَمَا تُجازي تُجازَى أَي تُجازَى بِفِعْلِكَ وَبِحَسْبِ مَا عَمِلْتَ، وَقِيلَ: كَمَا تَفْعَل يُفعَل بِكَ، قَالَ خُوَيلد بْنُ نَوْفل الْكِلَابِيُّ لِلْحَرْثِ بْنُ أَبي شَمِرٍ الغَسَّاني، وَكَانَ اغْتَصَبَهُ ابنتَه:
يَا أَيُّها المَلِك المَخوفُ، أَما تَرَى ... لَيْلًا وصُبحاً كيفَ يَخْتَلِفان؟
هَلْ تَسْتَطِيعُ الشمسَ أَن تأْتي بِهَا ... لَيْلًا، وَهَلْ لَك بالمَلِيكِ يَدانِ؟
يَا حارِ، أَيْقِنْ أَنَّ مُلْكَكَ زائلٌ، ... واعْلَمْ بأَنَّ كَمَا تَدِينُ تُدانُ «2»
أَي تُجْزَى بِمَا تَفْعَلُ. ودانَه دَيْناً أَي جَازَاهُ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّا لَمَدِينُونَ
، أَي مَجْزِيُّون مُحاسَبون، وَمِنْهُ الدَّيَّانُ فِي صِفَةِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ. وَفِي حَدِيثِ
سَلْمان: إِن اللَّه ليَدِين للجمَّاء مِنْ ذاتِ القَرْن
أَي يَقْتَصُّ ويَجْزي. والدِّين: الْجَزَاءُ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَمْرٍو: لَا تَسُبُّوا السلطانَ فإِن كَانَ لَا بُدَّ فَقُولُوا اللَّهُمَّ دِنْهم كَمَا يَدينُونا
أَي اجْزِهم بِمَا يُعامِلونا بِهِ. والدِّين الحسابُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ
، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ مَالِكِ يَوْمِ الْجَزَاءِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ*
، أَي ذَلِكَ الحسابُ الصَّحِيحُ وَالْعَدَدُ الْمُسْتَوِي. والدِّين الطَّاعَةُ. وَقَدْ دِنْته ودِنْتُ لَهُ أَي أَطعته، قَالَ عَمْرُو بْنُ كُلْثُومٍ:
وأَياماً لَنَا غُرّاً كِراماً ... عَصَيْنا المَلْكَ فِيهَا أَن نَدِينا
وَيُرْوَى:
وأَيامٍ لَنَا وَلَهُمْ طِوالٍ
والجمعُ الأَدْيانُ. يُقَالُ: دَانَ بِكَذَا دِيانة، وتَدَيَّنَ بِهِ فَهُوَ دَيِّنٌ ومُتَدَيِّنٌ. ودَيَّنْتُ الرجلَ تَدْيِيناً إِذا وَكَلْتَهُ إِلى دِينه. والدِّين: الإِسلام، وَقَدْ دِنْتُ بِهِ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: محبةُ العلماءِ دِينٌ يُدانُ بِهِ.
والدِّينُ: الْعَادَةُ والشأْن، تَقُولُ الْعَرَبُ: مَا زالَ ذَلِكَ دِيني ودَيْدَني أَي عَادَتِي، قَالَ المُثَقِّبُ العَبْدي يَذْكُرُ نَاقَتَهُ:
تقولُ إِذا دَرَأْتُ لَهَا وَضِيني: ... أَهذا دِينُه أَبَداً ودِيني
وَرُوِيَ قَوْلُهُ:
دِينَ هَذَا الْقَلْبُ مِنْ نُعْمٍ
يُرِيدُ يَا دِينَهُ أَي يَا عَادَتَهُ، وَالْجَمْعُ أَدْيان. والدِّينَةُ: كالدِّين، قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
أَلا يَا عَناء القلبِ مِنْ أُمِّ عامِرٍ، ... ودِينَتَه مِنْ حُبِّ مَنْ لَا يُجاوِرُ
ودِينَ: عُوِّد، وَقِيلَ: لَا فِعْلَ لَهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
الكيِّس مَنْ دانَ نَفْسَه وعَمِل لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، والأَحْمَقُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَه هَوَاهَا وتَمَنَّى عَلَى اللَّه
، قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: قَوْلُهُ
دَانَ نَفْسَهُ
أَي أَذلها وَاسْتَعْبَدَهَا، وَقِيلَ: حَاسَبَهَا. يُقَالُ: دِنْتُ القومَ أَدِينُهم إِذا فَعَلْتَ ذَلِكَ بِهِمْ، قَالَ الأَعشى يَمْدَحُ رَجُلًا:
هُوَ دانَ الرَّبابَ إِذْ كَرِهُوا الدَّينَ، ... دِراكاً بغَزْوةٍ وصيالِ
ثُمَّ دَانَتْ بعدُ الرَّبابُ، وَكَانَتْ ... كعذابٍ عُقُوبَةُ الأَقوالِ
قَالَ: هُوَ دانَ الربابَ يَعْنِي أَذلها، ثُمَّ قَالَ: ثُمَّ دانت
__________
(2) . 1 في هذا البيت إِقواء.(13/169)
بعدُ الربابُ أَي ذَلَّتْ لَهُ وأَطاعته، والدِّينُ لِلَّهِ مِنْ هَذَا إِنما هُوَ طَاعَتُهُ وَالتَّعَبُّدُ لَهُ. وَدَانَهُ دِيناً أَي أَذله وَاسْتَعْبَدَهُ. يُقَالُ: دِنْتُه فَدَانَ. وَقَوْمٌ دِينٌ أَي دَائِنُونَ، وَقَالَ:
وَكَانَ الناسُ، إِلا نَحْنُ، دِينا
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: مَا كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ
، قَالَ قَتَادَةُ: فِي قَضَاءِ الْمَلِكِ. ابْنُ الأَعرابي: دانَ الرجلُ إِذا عَزَّ، ودانَ إِذا ذَلَّ، وَدَانَ إِذا أَطاع، ودانَ إِذا عَصَى، وَدَانَ إِذا اعْتادَ خَيْرًا أَو شَرًّا، ودانَ إِذا أَصابه الدِّينُ، وَهُوَ دَاءٌ، وأَنشد:
يَا دِينَ قلبِكَ مِنْ سَلْمى وَقَدْ دِينَا
قَالَ: وَقَالَ الْمُفَضَّلُ مَعْنَاهُ يَا داءَ قَلْبِكَ الْقَدِيمِ. ودِنْتُ الرَّجُلَ: خَدَمْتُهُ وأَحسنت إِليه. والدِّينُ: الذُّلُّ. والمَدِينُ: الْعَبْدُ. والمَدِينةُ: الأَمة الْمَمْلُوكَةُ كأنَهما أَذَلهما العملُ، قَالَ الأَخطل:
رَبَتْ، ورَبا فِي حَجْرِها ابنُ مَدِينةٍ ... يَظَلُّ عَلَى مِسْحاتِه يَتَرَكَّلُ
وَيُرْوَى: فِي كَرْمها ابْنُ مَدِينَةٍ، قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: أَي ابْنُ أَمة، وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: مَعْنَى ابْنِ مَدِينَةٍ عَالِمٌ بِهَا كَقَوْلِهِمْ هَذَا ابْنُ بَجْدَتها. وقوله تَعَالَى: إِنَّا لَمَدِينُونَ
، أَي مَمْلُوكُونَ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَها
، قَالَ الْفَرَّاءُ: غيرَ مَدِينِينَ أَي غَيْرَ مَمْلُوكِينَ، قَالَ: وَسَمِعْتُ غَيْرَ مَجْزِيِّين، وَقَالَ أَبو إِسحق: مَعْنَاهُ هلَّا تَرْجِعُون الروحَ إِن كُنْتُمْ غَيْرَ مَمْلُوكِينَ مُدَبَّرين. وَقَوْلُهُ: إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* أَن لَكُمْ فِي الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ قُدْرَةً، وهذا كقوله: قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. ودِنْتُه أَدِينُه دَيْناً: سُسْته. ودِنْتُه: مَلَكْتُه. ودُيّنْته أَي مُلِّكته. ودَيَّنْتُه القومَ: وَلَّيْتُهُ سياسَتهم، قَالَ الحُطَيْئة:
لَقَدْ دُيِّنْتِ أَمْرَ بَنيكِ، حَتَّى ... تَرَكْتِهِم أَدَقَّ مِنَ الطَّحِينِ
يَعْنِي مُلِّكْتِ، وَيُرْوَى: سُوّسْتِ، يُخَاطِبُ أُمه، وَنَاسٌ يَقُولُونَ: وَمِنْهُ سُمِّيَ الْمِصْرُ مَدِينةً. والدَّيَّان: السَّائِسُ، وأَنشد بَيْتَ ذِي الإِصبع العَدْواني:
لاهِ ابنُ عَمِّكَ، لَا أَفْضَلْتَ فِي حَسَبٍ ... يَوْمًا، وَلَا أَنْتَ دَيَّاني فتَخْزُوني!
قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: أَي وَلَا أَنت مَالِكُ أَمري فَتَسُوسُني. ودِنْتُ الرجلَ: حَمَلْتُهُ عَلَى مَا يَكْرَهُ. ودَيَّنْتُ الرَّجُلَ تَدْييناً إِذا وَكَلْتَهُ إِلَى دِينِهِ. والدِّينُ: الحالُ. قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: سأَلت أَعرابيّاً عَنْ شَيْءٍ فَقَالَ: لَوْ لَقِيتَنِي عَلَى دِينٍ غَيْرِ هَذِهِ لأَخبرتك. والدِّين: مَا يَتَدَيَّنُ بِهِ الرَّجُلُ. والدِّينُ: السُّلْطَانُ. والدِّين: الوَرَعُ. والدِّين: الْقَهْرُ. والدِّينُ: الْمَعْصِيَةُ. وَالدِّينُ: الطَّاعَةُ. وَفِي حَدِيثِ الْخَوَارِجِ:
يَمْرُقُون مِنَ الدِّين مُروقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّة
، يُرِيدُ أَن دُخُولَهُمْ فِي الإِسلام ثُمَّ خُرُوجُهُمْ مِنْهُ لَمْ يَتَمَسَّكُوا مِنْهُ بِشَيْءٍ كَالسَّهْمِ الَّذِي دَخَلَ فِي الرَّمِيَّةِ ثُمَّ نَفَذ فِيهَا وَخَرَجَ مِنْهَا وَلَمْ يَعْلَقْ بِهِ مِنْهَا شَيْءٌ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَدْ أَجمع عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَن الْخَوَارِجَ عَلَى ضَلَالَتِهِمْ فِرْقَةٌ مِنْ فِرَقِ المسلمِين وأَجازوا مُنَاكَحَتَهُمْ وأَكل ذَبَائِحِهِمْ وَقَبُولَ شَهَادَتِهِمْ،
وَسُئِلَ عَنْهُمْ عَلِيِّ بْنِ أَبي طَالِبٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقِيلَ: أَكفَّارٌ هُمْ؟ قَالَ: مِنَ الِكُفْرِ فَرُّوا، قِيلَ: أَفمنافقون هُمْ؟ قَالَ: إِن الْمُنَافِقِينَ لَا يَذْكُرُونَ اللَّه إِلَّا قَلِيلًا، وَهَؤُلَاءِ يَذْكُرُونَ اللَّه بُكرة وأَصيلًا، فَقِيلَ: مَا هُمْ؟ قَالَ: قَوْمٌ أَصابتهم فِتْنَةٌ فعَمُوا وصَمُّوا.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يَعْنِي قَوْلُهُ، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
يَمْرُقُون مِنَ الدِّينِ
، أَراد بِالدِّينِ الطَّاعَةَ أَي أَنهم يَخْرُجُونَ مِنْ طَاعَةِ الإِمام المُفْتَرَضِ الطَّاعَةِ وَيَنْسَلِخُونَ مِنْهَا، واللَّه أَعلم.(13/170)
ودَيَّنَ الرجلَ فِي الْقَضَاءِ وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّه: صَدَّقه. ابْنُ الأَعرابي: دَيَّنْتُ الْحَالِفَ أَي نَوَّيته فِيمَا حَلَفَ، وَهُوَ التَّدْيين. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ:
أَنه، عَلَيْهِ السَّلَامُ، كَانَ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ
، قَالَ ابْنُ الأَثير: لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الشِّرْكَ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ، وإِنما أَراد أَنه كَانَ عَلَى مَا بَقِيَ فِيهِمْ مِنْ إِرث إِبراهيم، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مِنَ الْحَجِّ وَالنِّكَاحِ وَالْمِيرَاثِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحكام الإِيمان، وَقِيلَ: هُوَ مِنَ الدِّين العادةِ يُرِيدُ بِهِ أَخلاقهم مِنَ الْكَرَمِ وَالشَّجَاعَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَفِي حَدِيثِ الْحَجِّ:
كَانَتْ قريشٌ وَمَنْ دَانَ بِدِينِهِمْ
أَي اتَّبَعَهُمْ فِي دِينهم وَوَافَقَهُمْ عَلَيْهِ وَاتَّخَذَ دِينهم لَهُ دِيناً وَعِبَادَةً. وَفِي حَدِيثِ دُعاء السَّفَرِ:
أَستَوْدِعُ اللَّهَ دِينَك وأَمانتك
، جَعَلَ دِينَهُ وأَمانته مِنَ الْوَدَائِعِ لأَن السَّفَرَ يُصِيبُ الإِنسانَ فِيهِ المشقةُ وَالْخَوْفُ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لإِهمال بَعْضِ أُمور الدِّينِ فَدَعَا لَهُ بالمَعُونة وَالتَّوْفِيقِ، وأَما الأَمانة هَاهُنَا فَيُرِيدُ بِهَا أَهل الرَّجُلِ وَمَالَهُ وَمَنْ يُخْلِفُه عَنْ سَفَرِهِ. والدِّين: الدَّاءُ، عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وأَنشد:
يَا دِينَ قلبِك مِنْ سَلْمى وَقَدْ دِينا
قَالَ: يَا دِينَ قَلْبِكَ يَا عَادَةَ قَلْبِكَ، «3» وَقَدْ دِينَ أَي حُمِل عَلَى مَا يَكْرَهُ، وَقَالَ اللَّيْثُ: مَعْنَاهُ وَقَدْ عُوِّد. اللَّيْثُ: الدِّينُ مِنَ الأَمطار مَا تَعَاهَدَ مَوْضِعًا لَا يَزَالُ يرُبُّ بِهِ وَيُصِيبُهُ، وأَنشد: مَعْهُودٌ ودِين، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: هَذَا خَطَأٌ، وَالْبَيْتُ لِلطِّرِمَّاحِ، وَهُوَ:
عَقائلُ رملةٍ نازَعْنَ مِنْهَا ... دُفُوفَ أَقاحِ مَعْهُودٍ ودِينِ
أَراد: دُفُوفَ رَمْلٍ أَوْ كُثُبَ أَقاحِ معهودٍ أَي مَمْطُورٍ أَصابه عَهْد مِنَ الْمَطَرِ بَعْدَ مَطَرٍ، وَقَوْلُهُ وَدِينٍ أَي مَوْدُون مَبْلُولٍ مِنْ وَدَنْتُه أَدِنُه ودْناً إِذا بَلَلْتَهُ، وَالْوَاوُ فَاءُ الْفِعْلِ، وَهِيَ أَصلية وَلَيْسَتْ بِوَاوِ الْعَطْفِ، وَلَا يُعْرَفُ الدِّين فِي بَابِ الأَمْطار، وَهَذَا تَصْحِيفٌ مِنَ اللَّيْثِ أَو مِمَّنْ زَادَهُ فِي كِتَابِهِ. وَفِي حَدِيثِ مَكْحُولٍ:
الدَّين بَيْنَ يَدَيِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، والعُشْر بَيْنَ يَدَيِ الدَّينِ فِي الزَّرْعِ والإِبل وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ
، قَالَ ابْنُ الأَثير: يَعْنِي أَن الزَّكَاةَ تُقَدَّمُ عَلَى الدَّين، والدَّين يُقَدَّمُ عَلَى الْمِيرَاثِ. والدَّيَّانُ بْنُ قَطَنٍ الْحَارِثِيِّ: مِنْ شُرَفَائِهِمْ، فأَما قَوْلُ مُسْهِرِ بْنِ عَمْرٍو الضَّبِّيِّ:
هَا إِنَّ ذَا ظالِمُ الدَّيَّانُ مُتَّكِئاً ... عَلَى أَسِرَّتِه، يَسْقِي الْكَوَانِينَا
فإِنه شَبَّهَ ظَالِمًا هَذَا بالدَّيان بْنِ قَطَنِ بْنِ زِيَادٍ الْحَارِثِيِّ، وَهُوَ عَبْدُ المُدانِ، فِي نَخْوتِه، وَلَيْسَ ظَالِمٌ هُوَ الدَّيَّان بِعَيْنِهِ. وَبَنُو الدَّيَّانِ: بَطْنٌ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أُرَاهُ نَسَبُوا إِلى هَذَا، قَالَ السَّمَوْأَلُ بْنُ عادِيا أَو غَيْرُهُ:
فَإِنَّ بَنِي الدَّيَّانِ قُطْبٌ لقومِهِمْ، ... تَدُورُ رحاهْم حَولَهُمْ وتَجُولُ
فصل الذال المعجمة
ذأن: الذُّؤْنُونُ والعُرْجُون والطُّرْثُوث مِنْ جِنْسٍ: وَهُوَ مِمَّا يَنْبُتُ فِي الشِّتَاءِ، فإِذا سَخُنَ النَّهَارُ فَسَدَ وَذَهَبَ. غَيْرُهُ: الذُّؤْنون نَبْتٌ يَنْبُتُ فِي أُصول الأَرْطى والرِّمْثِ والأَلاء، تنشقُّ عَنْهُ الأَرض فَيَخْرُجُ مِثْلَ سَوَاعِدِ الرِّجَالِ لَا وَرَقَ لَهُ، وَهُوَ أَسْحَمُ وأَغْبَر، وَطَرَفُهُ مُحَدَّد كَهَيْئَةِ الكَمَرة، وَلَهُ أَكمام كأَكمام الباقِلى وَثَمَرَةٌ صَفْرَاءُ فِي أَعلاه، وَقِيلَ: هُوَ نَبَاتٌ يُنْبِتُ أَمثال الْعَرَاجِينِ مِنْ نَبَاتِ الفُطْرِ، وَالْجَمْعُ الذَّآنِينُ. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الذَّآنين هَنَواتٌ مِنَ الفُقُوع تَخْرُجُ مِنْ تَحْتِ الأَرض كأَنَّها العَمَدُ الضِّخَام وَلَا يأْكلها شَيْءٌ، إِلا أَنها تُعْلَفُها الإِبلُ فِي السَّنَةِ
__________
(3) . 1 قوله" يا عادة قلبك" كذا بالأصل، والمناسب يا داء قلبك وإن فسر الدين في البيت بالعادة أيضاً.(13/171)
وتأْكلها المِعْزى وَتَسْمَنُ عَلَيْهَا، وَلَهَا أَرُومة، وَهِيَ تُتَّخَذُ للأَدوية وَلَا يأْكلها إِلَّا الْجَائِعُ لِمَرَارَتِهَا. وَقَالَ مَرَّةً: الذَّآنِينُ تَنْبُتُ فِي أُصول الشَّجَرِ أَشبه شَيْءٍ بالهِلْيَوْن، إِلَّا أَنه أَعظم مِنْهُ وأَضخم، لَيْسَ لَهُ وَرَقٌ وَلَهُ بُرْعُومة تتورَّد ثُمَّ تَنْقَلِبُ إِلَى الصُّفْرَةِ. والذُّؤْنون: مَاءٌ كُلُّهُ وَهُوَ أَبيض إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهُ مِنْ تِلْكَ البُرْعُومة، وَلَا يأْكله شَيْءٌ، إِلَّا أَنه إِذَا أَسْنَتَ النَّاسُ، فَلَمْ يَكُنْ بِهَا «1» . شَيْءٌ، أَغنى، وَاحِدَتُهُ ذُؤْنُونة. وذَأْنَنَتِ الأَرضُ: أَنبتت الذَّآنِينَ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. وَخَرَجُوا يَتَذأْنَنُون أَي يَطْلُبُونَ الذَّآنِين ويأْخذونها؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:
كُلُّ الطعامِ يأْكلُ الطَّائِيونا: ... الحَمَضِيضَ الرَّطْب والذآنِينا
. قَالَ الأَزهري: وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَهْمِزُ فَيَقُولُ ذُونون، وذَوانين الْجَمْعُ. ابْنُ شُمَيْلٍ: الذُّؤْنُون أَسمر اللَّوْنِ مُدَمْلَكٌ لَهُ وَرَقٌ لَازِقٌ بِهِ، وَهُوَ طَوِيلٌ مِثْلُ الطُّرْثُوث، تَمِهٌ لَا طَعْمَ لَهُ، لَيْسَ بِحُلْوٍ وَلَا مُرٍّ، لَا يأْكله إِلَّا الْغَنَمُ، يَنْبُتُ فِي سُهُولِ الأَرض، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: ذُونون لَا رِمْثَ لَهُ، وطُرْثوث لَا أَرطاة؛ يُقَالُ هَذَا لِلْقَوْمِ إِذَا كَانَتْ لَهُمْ نَجْدَة وَفَضْلٌ فَهَلَكُوا وَتَغَيَّرَتْ حَالُهُمْ، فَيُقَالُ: ذآنينُ لَا رِمْثَ لَهَا وطَراثيثُ لَا أَرْطى أَي قَدِ استُؤْصِلوا فَلَمْ تَبْقَ لَهُمْ بَقِيَّةٌ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هُوَ هِلْيَوْنُ الْبَرِّ؛ وأَنشد لِلرَّاجِزِ يَصِفُ نَفْسَهُ بالرَّخاوة واللِّينِ:
كأَنني، وقَدَمي تَهِيثُ، ... ذُؤْنونُ سَوْءٍ رأْسُه نَكِيثُ
. قَوْلُهُ: تَهِيثُ أَي تَهِيثُ الترابَ مِثْلُ هَاثَ لَهُ بِالْعَطَاءِ، ونَكِيثٌ: مُتَشَعِّثٌ؛ وَقَالَ آخَرُ:
غَداةَ تَوَلَّيْتُمْ كأَنَّ سيوفَكم ... ذَآنينُ فِي أَعناقِكم لَمْ تُسَلَّلِ
وَفِي حَدِيثِ
حُذَيْفَةَ: قَالَ لجُنْدُب بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: كَيْفَ تَصْنَعُ إِذَا أَتاك مِنَ النَّاسِ مثلُ الوَتِد أَو مِثْلُ الذُّؤْنون يَقُولُ اتَّبِعْني وَلَا أَتبعك؟
الذُّؤْنون: نَبْتٌ طَوِيلٌ ضَعِيفٌ لَهُ رأْس مُدوَّر، وَرُبَّمَا أَكله الأَعراب، قَالَ: وَهُوَ مِنْ ذأَنَه إِذَا حَقَّرَه وضَعَّف شأْنَه، شَبَّهَهُ بِهِ لِصِغَرِهِ وَحَدَاثَةِ سِنِّهِ، وَهُوَ يَدْعُو الْمَشَايِخَ إِلَى اتِّبَاعِهِ، أَي مَا تَصْنَعُ إِذَا أَتاك رَجُلٌ ضَالٌّ، وَهُوَ فِي نَحَافَةِ جِسْمِهِ كالوَتِد أَو الذُّؤْنون لكدِّه نفسَه بِالْعِبَادَةِ يَخْدَعُكَ بِذَلِكَ وَيْسَتَتْبِعُكَ.
ذبن: ابْنُ الأَعرابي: الذُّبْنةُ ذُبُولُ الشَّفَتَيْنِ مِنَ الْعَطَشِ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: والأَصل الذُّبْلة فَقُلِبَتِ اللَّامُ نُونًا.
ذعن: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ
؛ قَالَ ابْنُ الأَعرابي: مُذْعِنين مُقِرِّينَ خاضعين، وقال أَبو إسحق: جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ مُسْرِعِينَ، قَالَ: والإِذعان فِي اللُّغَةِ الإِسراع مَعَ الطَّاعَةِ، تَقُولُ: أَذعَن لِي بِحَقِّي، مَعْنَاهُ طاوَعَني لِمَا كُنْتُ أَلتمسه مِنْهُ وَصَارَ يُسْرع إِلَيْهِ؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مُذْعِنين مُطِيعِينَ غَيْرَ مُسْتَكْرَهِينَ، وَقِيلَ: مُذْعِنِينَ مُنْقَادِينَ. وأَذْعَنَ لِي بِحَقِّي: أَقرّ، وَكَذَلِكَ أَمْعَنَ بِهِ أَي أَقرّ طَائِعًا غَيْرَ مُسْتَكْرَهٍ. والإِذعان: الِانْقِيَادُ. وأَذعَنَ الرجلُ: انْقَادَ وسَلِس، وَبِنَاؤُهُ ذَعِن يَذْعَن ذَعَناً. وأَذْعَن لَهُ أَي خَضَعَ وَذَلَّ. وَنَاقَةٌ مِذْعان: سَلِسةُ الرأْس منقادة لقائدها.
ذقن: الْجَوْهَرِيُّ: ذَقَنُ الإِنسان مُجْتَمع لَحْيَيْه. ابْنُ سِيدَهْ: الذَّقَن والذِّقْنُ مُجْتَمَعُ اللَّحْيَين مِنْ أَسفلهما؛ قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هُوَ مُذَكَّرٌ لَا غَيْرَ، قَالَ: وَفِي الْمَثَلِ: مُثْقَلٌ اسْتَعَانَ بذَقَنِه وذِقْنِه؛ يُقَالُ هَذَا لِمَنْ يَسْتَعِينُ بِمَنْ لَا دَفْعَ عِنْدَهُ وَبِمَنْ هُوَ أَذل مِنْهُ، وَقِيلَ: يُقَالُ لِلرَّجُلِ الذَّلِيلِ يَسْتَعِينُ بِرَجُلٍ آخَرَ مِثْلِهِ، وأَصله
__________
(1) . الضمير في بها يعود إلى السنة المنويَّة(13/172)
أَن الْبَعِيرَ يُحْمَلُ عَلَيْهِ الْحِمْلُ الثَّقِيلُ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى النُّهُوضِ، فَيَعْتَمِدُ بذَقَنه عَلَى الأَرض، وصحَّفه الأَثرَمُ عَلِيُّ بْنُ الْمُغِيرَةِ بِحَضْرَةِ يَعْقُوبَ فَقَالَ: مُثْقَلٌ اسْتَعَانَ بدَفَّيْه، فَقَالَ لَهُ يَعْقُوبُ: هَذَا تَصْحِيفٌ إِنَّمَا هُوَ اسْتَعَانَ بذَقَنه، فَقَالَ لَهُ الأَثرم: إِنَّهُ يُرِيدُ الرِّيَاسَةَ بِسُرْعَةٍ ثُمَّ دَخَلَ بَيْتَهُ، وَالْجَمْعُ أَذقان. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً
؛ وَاسْتَعَارَهُ امْرُؤُ الْقَيْسِ لِلشَّجَرِ وَوَصَفَ سَحَابًا فَقَالَ:
وأَضْحَى يَسُحُّ الماءَ عن كُلِّ فِيقةٍ، ... يَكُبُّ عَلَى الأَذقانِ دَوْحَ الكَنَهْبل
. والذَّاقِنةُ: مَا تَحْتَ الذَّقَن، وَقِيلَ: الذَّاقِنة رأْس الْحُلْقُومِ. وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ
عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: تُوفي رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَيْنَ سَحْري ونَحْري وحاقِنَتي وذاقِنَتي
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الذَّاقِنَةُ طَرَفُ الْحُلْقُومِ، وَقِيلَ: الذاقِنة الذَّقَنُ، وَقِيلَ: مَا يَنَالُهُ الذَّقَنُ مِنَ الصَّدْرِ. ابْنُ سِيدَهْ: الحاقِنة الترْقُوة، وَقِيلَ: أَسفل الْبَطْنِ مِمَّا يَلِي السرَّة، قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: قَالَ أَبو زَيْدٍ وَفِي الْمَثَلِ لأُلْحِقَنَّ حَواقِنك بذَواقِنك، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ للأَصمعي فَقَالَ: هِيَ الحاقِنة وَالذَّاقِنَةُ، قَالَ: وَلَمْ أَره وَقَفَ مِنْهُمَا عَلَى حَدٍّ مَعْلُومٍ، فأَما أَبو عَمْرٍو فإِنه قَالَ: الذَّاقِنَةُ طرفُ الْحُلْقُومِ النَّاتِئِ، وَقَالَ ابْنُ جَبَلة: قَالَ غَيْرُهُ الذاقِنة الذَّقَنُ. وذَقَنَ الرجلُ: وَضَعَ يَدَهُ تَحْتَ ذَقْنِهِ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ الله عَنْهُ: أَن عِمْرَانَ بْنَ سَوادة قَالَ لَهُ: أَربع خِصَالٍ عاتَبَتْكَ عَلَيْهَا رَعيَّتُك، فَوَضَعَ عُودَ الدِّرَّة ثُمَّ ذقَن عَلَيْهَا وَقَالَ: هاتِ
وَفِي رِوَايَةٍ:
فذَقَن بِسَوْطِهِ يَسْتَمِعُ.
يُقَالُ: ذقَنَ عَلَى يَدِهِ وَعَلَى عَصَاهُ، بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ، إِذَا وَضَعَهُ تَحْتَ ذَقَنِه واتكأَ عَلَيْهِ. وذَقَنه يَذْقنُه ذَقْناً: أَصاب ذقنَه، فَهُوَ مَذْقون. وذقَنْتُه بِالْعَصَا ذَقْناً: ضَرَبْتُهُ بِهَا. وذَقَنَه ذَقْناً: قفَدَه. والذَّقون مِنَ الإِبل الَّتِي تُميل ذقَنَها إِلَى الأَرض تَسْتَعِينُ بِذَلِكَ عَلَى السَّيْرِ، وَقِيلَ: هِيَ السَّرِيعَةُ، وَالْجَمْعُ ذُقُنٌ؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
قَدْ صَرَّحَ السيرُ عَنْ كُتمانَ، وابتُذِلت ... وَقْعُ المَحاجِنِ بالمَهْريَّة الذُّقُنِ
. أَي ابْتُذلتِ المهْرية الذُّقُن بِوَقْعِ الْمَحَاجِنِ فِيهَا نَضْرِبُهَا بِهَا، فَقَلَبَ وأَنث الوَقع حَيْثُ كَانَ مِنْ سَبَبِ الْمَحَاجِنِ. والذاقِنة: كالذَّقون؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
أَحْدَثْتُ لِلَّهِ شُكْراً، وَهِيَ ذاقِنةٌ، ... كأَنها تحتَ رَحْلي مِسْحَلٌ نَعِرُ
. وذَقِنَت الدَّلوُ، بِالْكَسْرِ، ذَقَناً، فَهِيَ ذَقِنة: مَالَتْ شَفَتُها. وَدَلْوٌ ذَقَنَى: مَائِلَةُ الشَّفَةِ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
أَنْعَتُ دَلواً ذَقَنَى مَا تَعْتَدِلْ.
وَدَلْوٌ ذَقون مِنْ ذَلِكَ. الأَصمعي: إِذَا خَرَزْتَ الدَّلْوَ فَجَاءَتْ شَفَتُهَا مَائِلَةً قِيلَ ذَقَنَتْ تَذْقَن ذَقَناً. وَنَاقَةٌ ذَقون: تُرْخي ذقَنها فِي السَّيْرِ، وَفِي التَّهْذِيبِ: تُحَرِّكُ رأْسها إِذَا سَارَتْ. وامرأَة ذَقناء: مُلْتَوِيَةُ الْجِهَازِ. وَفِي نَوَادِرِ الْعَرَبِ: ذاقَنَني فلانٌ ولاقَنَني ولاغَذَني أَي لازَّني وَضَايَقَنِي. والذِّقْنُ: الشَّيْخ. وذِقانُ: جبل.
ذنن: ذَنَّ الشيءُ يَذِنُّ ذَنيناً: سَالَ. والذَّنِينُ والذُّنانُ: الْمُخَاطُ الرَّقِيقُ الَّذِي يَسِيلُ مِنَ الأَنف، وَقِيلَ: هُوَ الْمُخَاطُ مَا كَانَ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وَقِيلَ: هُوَ الْمَاءُ الرَّقِيقُ الَّذِي يَسِيلُ مِنَ الأَنف، عَنْهُ أَيضاً؛ وَقَالَ مَرَّةً: هُوَ كُلُّ مَا سَالَ مِنَ الأَنف. وذَنَّ أَنفُه يَذِنُّ إِذَا سَالَ، وَقَدْ ذَنِنتَ يَا رَجُلُ تَذَنُّ ذَنناً وذَنَنْتُ أَذِنُّ ذنَناً، وَرَجُلٌ أَذَنُّ وامرأَة ذَنَّاء. والأَذَنُّ أَيضاً: الَّذِي يَسِيلُ مُنْخَرَاهُ جَمِيعًا، وَالْفِعْلُ(13/173)
كَالْفِعْلِ وَالْمَصْدَرُ كَالْمَصْدَرِ، وَالَّذِي يَسِيلُ مِنْهُ الذَّنينُ. ابْنُ الأَعرابي: التَّذْنينُ سَيَلَانُ الذَّنين، والذُّنانى شِبْهُ الْمُخَاطِ يَقَعُ مِنْ أُنوف الإِبل؛ وَقَالَ كُرَاعٌ: إِنَّمَا هُوَ الذُّنانى، وَقَالَ قَوْمٌ لَا يُوثَقُ بِهِمْ: إِنَّمَا هُوَ الزُّنانى. والذَّنَنُ: سَيَلان الْعَيْنِ. والذَّنَّاء: المرأَة لَا يَنْقَطِعُ حَيْضُهَا، وامرأَة ذَنَّاء مِنْ ذَلِكَ. وأَصل الذَّنين فِي الأَنف إِذَا سَالَ. وَمِنْهُ قَوْلُ المرأَة لِلْحَجَّاجِ تَشْفَع لَهُ فِي أَن يُعْفيَ ابْنَهَا مِنَ الْغَزْوِ: إِنَّنِي أَنا الذَّنَّاءُ أَو الضَّهْياءُ. والذَّنينُ: مَاءُ الْفَحْلِ وَالْحِمَارِ وَالرَّجُلِ؛ قَالَ الشَّمَّاخُ يَصِفُ عَيراً وأُتُنَه:
تُواثِل مِنْ مِصَكٍّ أَنْصَبَتْهُ ... حَوالِبُ أَسْهَرَتْهُ بالذَّنِينِ.
هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ، وَيُرْوَى: حوالبُ أَسْهَرَيهِ، وَهَذَا الْبَيْتُ أَورده الْجَوْهَرِيُّ مُسْتَشْهِدًا بِهِ عَلَى الذَّنِين الْمُخَاطُ يسيلُ مِنَ الأَنف، وَقَالَ: الأَسهَران عِرْقانِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وتُوائِلُ أَي تَنْجُو أَي تَعْدُو هَذِهِ الأَتانُ الحاملُ هَرَباً مِنْ حِمَارٍ شَدِيدٍ مُغْتَلِم، لأَن الْحَامِلَ تَمْنَعُ الْفَحْلَ، وحَوالِبُ: مَا يَتَحَلَّبُ إِلَى ذَكَرِهِ مِنَ الْمَنِيِّ، والأَسْهَرانِ: عِرْقَانِ يَجْرِي فِيهِمَا مَاءُ الْفَحْلِ، وَيُقَالُ هُمَا الأَبْلَدُ والأَبْلجُ، وذَنَّ يَذِنُّ ذَنِيناً إِذَا سَالَ. الأَصمعي: هُوَ يَذِنُّ فِي مِشْيَتِهِ ذَنيناً إِذَا كَانَ يَمْشِي مِشْيَة ضَعِيفَةً؛ وأَنشد لِابْنِ أَحمر:
وإنَّ الموتَ أَدْنَى مِنْ خَيالٍ، ... ودُونَ العَيْشِ تَهْواداً ذَنِينا.
أَي لَمْ يَرفُقْ بِنَفْسِهِ. والذُّنانةُ: بَقِيَّةُ الشَّيْءِ الْهَالِكِ الضَّعِيفِ وَإِنَّ فُلَانًا ليَذِنّ إِذَا كَانَ ضَعِيفًا هَالِكًا هَرَماً أَو مَرَضاً. وَفُلَانٌ يُذانّ فَلَانًا عَلَى حَاجَةٍ يَطْلُبُهَا مِنْهُ أَي يَطْلُبُ إِلَيْهِ ويسأَله إِيَّاهَا. والذُّنانة، بِالنُّونِ وَالضَّمِّ: بَقِيَّةُ الدَّيْن أَو العِدَةِ لأَن الذُّبانةَ، بِالْبَاءِ، بَقِيَّةُ شيءٍ صَحِيحٍ، والذُّنانةُ، بِالنُّونِ، لَا تَكُونُ إِلَّا بَقِيَّةَ شَيْءٍ ضَعِيفٍ هَالِكٍ يَذِنُّها شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ فِي الطَّعَامِ ذُنَيْناء، مَمْدُودٌ، وَلَمْ يُفَسِّرْهُ إِلَّا أَنه عَدَله بالمُرَيْراء، وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الطَّعَامِ فَيُرْمَى بِهِ. والذُّنْذُنُ: لُغَةٌ في الذُّلْذُلِ، وهو أَسفل الْقَمِيصِ الطَّوِيلِ: وَقِيلَ: نُونُهَا بَدَلٌ مِنْ لَامِهَا. وذَناذِنُ الْقَمِيصِ: أَسافِلُه مِثْلُ ذَلاذِله، وَاحِدُهَا ذُنْذُن وذُلْذُل؛ رَوَاهُ عَنْ أَبي عَمْرٍو، وَذَكَرَ فِي هَذَا الْمَكَانِ فِي الثُّنَائِيِّ الْمُضَاعَفِ: الذَّآنِين نَبْتٌ، وَاحِدُهَا ذُؤْنُونٌ؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:
كُلُّ الطعامِ يأْكلُ الطائِيُّونا: ... الحَمَصِيصَ الرّطْبَ والذَّآنِينا
. قَالَ: وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَهْمِزُ فَيَقُولُ ذُونُون وذَوانين للجمع.
ذهن: الذِّهْنُ: الْفَهْمُ وَالْعَقْلُ. والذِّهْن أَيضاً: حِفْظُ الْقَلْبِ، وَجَمْعُهُمَا أَذْهان. تَقُولُ: اجْعَلْ ذِهْنَك إِلَى كَذَا وَكَذَا. وَرَجُلٌ ذَهِنٌ وذِهْنٌ كِلَاهُمَا عَلَى النَّسَبِ، وكأَنَّ ذِهْناً مُغيَّر مِنْ ذَهِنٍ. وَفِي النَّوَادِرِ: ذَهِنْتُ كَذَا وَكَذَا أَي فَهِمْتُهُ. وذَهَنتُ عَنْ كَذَا: فَهِمْتُ عَنْهُ. وَيُقَالُ: ذَهَنَني عَنْ كَذَا وأَذْهَنَني واسْتَذْهَنَني أَي أَنساني وأَلهاني عَنِ الذِّكْرِ. الْجَوْهَرِيُّ: الذَّهَنُ مِثْلُ الذِّهْنِ، وَهُوَ الفِطْنة وَالْحِفْظُ. وفلانُ يُذاهِنُ النَّاسَ أَي يُفاطنهم. وذاهَنَني فذَهَنْتُه أَي كُنْتُ أَجْوَدَ مِنْهُ ذِهْناً. والذِّهْنُ أَيضاً: القوَّة؛ قَالَ أَوس بْنُ حَجَر:
أَنُوءُ بِرجْلٍ بِهَا ذِهْنُها ... وأَعْيَتْ بِهَا أُخْتُها الغابِرَه
والغابرة هنا: الباقية.(13/174)
ذون: الْكِسَائِيُّ فِي الذَّآنين: مِنْهُمْ مَنْ لَا يَهْمِزُ فَيَقُولُ ذُونُون وذَوَانين لِلْجَمْعِ، قَالَ: والذُّونون فِي هَيْئَةِ الهِلْيَوْن مَسْمُوعٌ مِنَ الْعَرَبِ. ابْنُ الأَعرابي: التَّذَوُّن النَّعْمة، والذَّانُ والذَّيْنُ العيب.
ذين: الذَّيْنُ والذَّانُ: الْعَيْبُ. وذَامَه وذَانه وذابَه إِذَا عَابَهُ. وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: هُوَ الذَّيْمُ والذَّامُ والذانُ والذابُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ؛ وَقَالَ قَيْسُ بْنُ الخَطيم الأَنصاري:
أَجَدَّ بعَمْرَةَ غُنْيانُها، ... فتَهْجُر أَم شأْنُنا شأْنُها؟
ردَدْنا الكَتِيبةَ مَفلولةً، ... بِهَا أَفْنُها وَبِهَا ذَانُها.
وَقَالَ كِنازٌ الجَرْميّ:
رَدَدْنا الكتيبةَ مَفْلولةً، ... بِهَا أَفْنُها وَبِهَا ذابُها
ولستُ، إِذَا كنتُ فِي جانبٍ، ... أَذُمُّ العَشيرةَ، أَغْتابُها
ولكنْ أُطاوِعُ ساداتِها، ... وَلَا أَتَعَلَّمُ أَلْقابَها.
وَفِي شِعْرِهِ إقواءٌ فِي الْمَرْفُوعِ وَالْمَنْصُوبِ. والمُذانُ: لُغَةٌ فِي المُذال.
فصل الراء
رأن: ابْنُ بَرِّيٍّ: الأُرانَى نَبْتٌ، والبُوصُ ثَمَرُهُ، والقُرْزُحُ حَبُّه، هَكَذَا وَجَدْتُ فِي كِتَابِ ابْنِ بَرِّيٍّ، وَذَكَرَ فِي تَرْجَمَةِ أَرن: الأَرانيةُ نَبْتٌ مِنَ الحَمْض لَا يَطُولُ سَاقُهُ، والأُرانَى جَناةُ الضَّعَة وغير ذلك.
ربن: الرَّبُونُ والأُربونُ والأُرْبانُ: العَرَبُونُ، وَكَرِهَهَا بَعْضُهُمْ. وأَرْبَنه: أَعطاه الأُرْبونَ، وَهُوَ دَخِيلٌ، وَهُوَ نَحْوُ عُرْبون؛ وأَما قَوْلُ رُؤْبَةَ:
مُسَرْوَل فِي آلِه مُرَبَّن
ومُرَوْبَن، فإِنما هُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ؛ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: وأَحسبه الَّذِي يسمَّى الرَّانَ. التَّهْذِيبُ: أَبو عَمْرٍو المُرْتَبِنُ الْمُرْتَفِعُ فَوْقَ الْمَكَانِ، قَالَ: والمُرْتَبِئُ مِثْلُهُ؛ وَقَالَ الشَّاعِرُ:
ومُرْتَبِنٍ فوقَ الهِضابِ لفَجْرةٍ ... سَمَوْتُ إِلَيْهِ بالسِّنانِ فأَدْبرَا
ورُبّان كُلِّ شَيْءٍ: مُعْظَمُهُ وَجَمَاعَتُهُ، وأَخذتُه برُبّانِه ورِبّانِه. ورُبّانُ السَّفِينَةِ: الَّذِي يُجْرِيها، وَيُجْمَعُ رَبِابِين؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وأَظنه دخيلًا.
رتن: الرَّتْنُ: الْخَلْطُ، وَمِنْهُ المُرَتَّنَةُ. ابْنُ سِيدَهْ: الرَّتْنُ خَلْطُ الْعَجِينِ بِالشَّحْمِ، والمُرَتَّنَةُ الخُبْزَة المُشَحَّمَة، وَنَسَبُ الأَزهري هَذَا الْقَوْلَ إِلَى اللَّيْثِ وَقَالَ: حَرَصْتُ عَلَى أَن أَجِدَ هَذَا الحرفَ لِغَيْرِ اللَّيْثِ فَلَمْ أَجِدْ لَهُ أَصلًا، قَالَ: وَلَا آمَنُ أَن يَكُونَ الصَّوَابُ المُرَثَّنة، بِالثَّاءِ، مِنَ الرَّثَانِ وَهِيَ الأَمطار الْخَفِيفَةُ فكأَنَّ تَرْثِينَها تَرْوِيَتُها بالدَّسمِ.
رثن: الرَّثَانُ: قِطَار الْمَطَرِ يَفْصِلُ بَيْنَهَا سكونٌ. وَقَالَ ابْنُ هَانِي: الرَّثَانُ مِنَ الأَمطار القِطار الْمُتَتَابِعَةُ يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ سَاعَاتٌ، أَقَلُّ مَا بَيْنَهُنَّ سَاعَةٌ وأَكثر مَا بَيْنَهُنَّ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ. وأَرض مُرَثَّنَةٌ تَرْثِيناً ومُرَثَّمَة ومُثَرَّدةٌ كُلُّ ذَلِكَ إِذَا أَصابها مَطَرٌ ضَعِيفٌ. وَفِي نَوَادِرِ الأَعراب: أَرض مَرْثُونة أَصابتها رَثْنَة أَي مَرْكُوكة، وأَصابها رَثَانٌ ورِثامٌ، وَقَدْ رُثِّنَتِ الأَرضُ تَرْثِيناً؛ عَنْ كُرَاعٍ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَالْقِيَاسُ رُثِنَتْ كطُلَّتْ وبُغِشَتْ ورُثِنَتْ «2» . وطُشَّتْ وَمَا أَشبه ذَلِكَ. الأَزهري: قَالَ بَعْضُ مَنْ لَا أَعتمده:
__________
(2) . قوله [ورثنت] هكذا في الأَصل، ولعلها ورشت(13/175)
تَرَثَّنَتِ المرأَةُ إِذَا طَلَتْ وجهها بغُمْرة.
رثعن: ارْثَعَنَّ المطرُ: كثرَ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ «1» .:
كأَنه بعدَ رياحٍ تَدْهَمُه، ... ومُرْثَعِنَّاتِ الدُّجُون تَثِمُهْ.
الأَزهري: المُرْثَعِنُّ مِنَ الْمَطَرِ المُسْتَرْسِل السَّائِلُ؛ قَالَ: وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ فِي قَوْلِ النَّابِغَةِ:
وكُلُّ مُلِثٍّ مُكْفَهِرٍّ سحابُه، ... كَمِيش التَّوالي، مُرْثَعِنِّ الأَسافِلِ.
قَالَ: مُرْثَعنّ مُتَسَاقِطٍ لَيْسَ بِسَرِيحٍ، وَبِذَلِكَ يُوصَفُ الْغَيْثُ. وارْثَعَنَّ الْمَطَرُ إِذَا ثَبَتَ وجادَ، وَهُوَ يَرْثَعِنُّ ارْثِعْنَاناً. والمُرْثَعِنُّ: السَّيْلُ الْغَالِبُ. والمُرْثَعِنُّ: الرَّجُلُ الضَّعِيفُ الْمُسْتَرْخِي. وارْثَعَنَّ: اسْتَرْخَى. وَكُلُّ مُسْتَرْخٍ مُتَسَاقِطٍ مُرْثَعِنّ. وَيُقَالُ: جَاءَ فُلَانٌ مُرْثَعِنّاً ساقطَ الأَكتاف أَي مُسْتَرْخِيًا. والارْثِعْنانُ: الِاسْتِرْخَاءُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُهُ قَوْلُ أَبي الأَسود العِجْلي:
لَمَّا رَآهُ جَسْرباً مُجِنّاً، ... أَقْصَرَ عَنْ حَسْناء وارْثَعَنَّا
. والمُرْثَعِنُّ مِنَ الرِّجَالِ: الَّذِي لَا يَمضي على هَوْلٍ.
رجن: رَجَنَ بِالْمَكَانِ، وَفِي نُسْخَةٍ: رَجَنَ الرجلُ بِالْمَكَانِ يَرْجُن رُجوناً إِذَا أَقام بِهِ. والرَّاجِنُ: الْآلِفُ مِنَ الطَّيْرِ وَغَيْرِهِ مِثْلُ الداجِنِ. وَشَاةٌ راجنٌ: مُقِيمَةٌ فِي الْبُيُوتِ، وَكَذَلِكَ النَّاقَةُ. رَجَنَتْ تَرْجُن رُجُوناً وأَرْجَنَتْ ورَجَنها هُوَ يَرْجُنها رَجْناً: حَبَسَهَا عَنِ الْمَرْعَى عَلَى غَيْرِ عَلَف، فإِن أَمسكها عَلَى عَلَفٍ قِيلَ رَجَّنها تَرْجيناً. ورَجَنَ الدابَّة يَرْجُنها رَجْناً، فَهِيَ مَرْجُونَةٌ إِذَا حَبَسَهَا وأَساء عَلَفَهَا حَتَّى تُهْزَل، ورَجَنَتْ هِيَ بِنَفْسِهَا رُجُوناً، يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى. ابْنُ شُمَيْلٍ: رَجَنَ القومُ رِكابَهم، ورَجَنَ فلانٌ رَاحِلَتَهُ رَجْناً شَدِيدًا فِي الدَّارِ وَهُوَ أَن يَحْبِسَهَا مُناخَةً لَا يَعْلِفُهَا، ورَجَنَ البعيرُ فِي النَّوى والبِزْرِ رُجُوناً، ورُجُونُه اعْتلافُه. الْفَرَّاءُ: رَجَنَت الإِبل ورَجِنَت أَيضاً بِالْكَسْرِ وَهِيَ رَاجِنَةٌ، الْجَوْهَرِيُّ: وَقَدْ رَجَنتُها أَنا وأَرْجَنْتُها إِذَا حَبَسْتَهَا لِتَعْلِفَهَا وَلَمْ تُسَرّحْها. وارْتَجَنَ الزُّبْدُ: طُبِخَ فَلَمْ يَصْفُ وَفَسَدَ. وارْتَجَنت الزُّبْدَةُ: تَفَرَّقَتْ فِي المِمْخَض. اللِّحْيَانِيُّ: رَجَن فِي الطَّعَامِ ورَمَكَ إِذَا لَمْ يَعَفْ مِنْهُ شَيْئًا. ورَجَنَ البعيرُ فِي العَلَف رُجوناً إِذَا لَمْ يَعَفْ مِنْهُ شَيْئًا، وَكَذَلِكَ الشَّاةُ وَغَيْرِهَا. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنه كَتَبَ فِي الصَّدَقَةِ إِلَى بَعْضِ عُمَّاله كِتَابًا فِيهِ: وَلَا تَحْبس الناسَ أَوَّلهم عَلَى آخِرِهِمْ فإِن الرَّجْنَ لِلْمَاشِيَةِ عَلَيْهَا شديدٌ وَلَهَا مُهْلِكٌ
؛ مِنَ الرَّجْنِ: الإِقامة بالمكانِ. ورَجَنْتُ الرجلَ أَرْجُنه رَجْناً إِذَا اسْتَحْيَيْتَ مِنْهُ؛ وَهَذَا مِنْ نَوَادِرِ أَبي زَيْدٍ. وارْتَجَنَ عَلَيْهِمْ أَمرهم: اخْتَلَطَ، أُخذ مِنَ ارْتِجانِ الزُّبْد إِذَا طُبِخ فَلَمْ يَصْفُ وَفَسَدَ، وأَصله مِنَ ارْتِجانِ الإِذْوَابة، وَهِيَ الزُّبْدَةُ تَخْرُجُ مِنَ السِّقَاءِ مُخْتَلِطَةً بِالرَّائِبِ الْخَاثِرِ فَتُوضَعُ عَلَى النَّارِ، فإِذا غَلَى ظَهَرَ الرائبُ مُخْتَلِطًا بِالسَّمْنِ فَذَلِكَ الارْتِجانُ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَإِيَّاهُ عَنَى بِشْرُ بْنُ أَبي خَازِمٍ بِقَوْلِهِ:
فَكُنْتُمْ كذاتِ القِدْرِ لَمْ تَدْرِ، ... إذْ غَلَتْ، أَتُنْزِلُها مَذْمُومَةً أَم تُذِيبُها؟
وَهُمْ فِي مَرْجُونة أَي اخْتِلَاطٍ لَا يَدْرُونَ أَيقيمون أَم يَظْعَنُونَ. والرَّجَّانَةُ: الإِبل الَّتِي تَحْمِلُ المَتاعَ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَعرف لَهُ فِعْلًا، وَعِنْدِي أَنه اسم كالجَبَّانة.
رجحن: ارْجَحَنَّ الشيءُ: اهْتَزَّ. وارْجَحَنَّ: وَقَعَ بِمَرَّةٍ. وارْجَحَنَّ: مالَ؛ قال:
__________
(1) . قوله [ذو الرمة] الذي في المحكم: قال رؤبة(13/176)
وشَرَاب خُسْرَوانيّ إِذَا ... ذَاقَهُ الشيخُ تَغَنَّى وارْجَحَنّ
وَفِي الْمَثَلِ: إِذَا ارْجَحَنَّ شاصِياً فارْفَعْ يَداً أَي إِذَا مَالَ رَافِعًا وَسَقَطَ وَرَفَعَ رِجْلَيْهِ، يَعْنِي إِذَا خَضَعَ لَكَ فاكْفُفْ عَنْهُ. الأَصمعي: المُرْجَحِنُّ الْمَائِلُ؛ قَالَ الأَزهري: وأَنشدتني أَعرابية بفَيْدَ:
أَيا أُخْتَ عَدَّ، أَيا شبيهةَ كَرْمةٍ ... جَرَى السيلُ فِي قُرْيانِها فارْجَحَنَّت
أَراد أَنها أُوقِرَتْ حَتَّى مَالَتْ مِنْ كَثْرَةِ حَمْلِهَا. وَيُقَالُ: أَنا فِي هَذَا الأَمر مُرْجَحِنٌّ لَا أَدري أَيَّ فَنَّيْه أَركب وأَيَّ صَرْعَيْه وصَرْفَيْه ورُوقَيْه أَركب. وَيُقَالُ: فُلَانٌ فِي دُنْيا مُرْجَحِنَّة أَي وَاسِعَةٍ كَثِيرَةٍ. وامرأَة مُرْجَحِنَّة إِذَا كَانَتْ سَمِينَةً، فإِذا مَشَتْ تَفَيَّأَتْ فِي مِشْيتها. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: فِي حُجُراتِ القُدُس مُرْجَحِنِّين
؛ مِنَ ارْجَحَنَّ الشيءُ إِذَا مَالَ مِنْ ثِقَله وتحرَّك؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي صِفَةِ السَّحَابِ: وارْجَحَنَّ بَعْدَ تَبَسُّقٍ
أَي ثَقُل وَمَالَ بَعْدَ علُوِّه، وَهَذَا الْحَرْفُ أَورده ابْنُ سِيدَهْ والأَزهري وَالْجَوْهَرِيُّ جَمِيعُهُمْ فِي حَرْفِ النُّونِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وأَورده الْجَوْهَرِيُّ فِي حَرْفِ النُّونِ عَلَى أَنَّ النُّونَ أَصلية، قَالَ: وَغَيْرُهُ يَجْعَلُهَا زَائِدَةً مَنْ رَجَحَ الشَّيْءُ يَرْجَحُ إِذَا ثَقُلَ. وَجَيْشٌ مُرْجَحِنٌّ ورَحًى مُرْجَحِنَّة: ثَقِيلَةٌ؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
إِذَا رَجَفَتْ فيهِ رَحًى مُرْجَحِنَّةٌ، ... تَبَعَّجَ ثَجَّاجاً غَزِيرَ الحَوافِلِ
. وَلَيْلٌ مُرْجَحِنٌّ: ثَقِيلٌ وَاسِعٌ. وارْجَحَنَّ السرابُ: ارْتَفَعَ؛ قَالَ الأَعشى:
تَدُرُّ عَلَى أَسْوُقِ المُمْتَرِينْ ... رَكَضْنا إِذَا ما السَّرابُ ارْجَحَنّ.
رجعن: ارْجَعَنَّ أَي انْبَسَطَ. وارْجَعَنَّ كارْجَحَنَّ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: ضَرَبَهُ فارْجَعَنَّ أَي اضْطَجَعَ وأَلقى بِنَفْسِهِ. وَفِي الْمَثَلِ: إِذَا ارْجَعَنَّ شاصِياً فَارْفَعْ يَدًا؛ يُقَالُ ذَلِكَ لِلرَّجُلِ يُقَاتِلُ الرَّجُلَ، يَقُولُ: إِذَا غَلَبْتَهُ فَاضْطَجَعَ وَوَقَعَ وَرَفَعَ رِجْلَيْهِ فكُفِّ يدَك عَنْهُ؛ وأَنشد اللِّحْيَانِيُّ:
فَلَمَّا ارْجَعَنُّوا واسْتَرَيْنا خيارَهُمْ، ... وصارُوا جَمِيعًا فِي الحَديدِ مُكَلَّدا
. أَي فَلَمَّا اضْطَجَعُوا وغُلِبوا، وَحَمَلَ مُكَلَّدًا عَلَى لَفْظِ جَمِيعٍ لأَن لَفْظَهُ مُفْرَدٌ، وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى وَاحِدًا. الأَصمعي: اجَرَعَنَّ وارْجَعَنَّ واجْرَعبَّ واجْلَعَبَّ إِذَا صُرِعَ وامتدَّ عَلَى وَجْهِ الأَرض. وَيُقَالُ: ضَرَبْنَاهُمْ بقحازِننا فارْجَعَنُّوا أَي بعِصِيّنا.
ردن: الرُّدْنُ، بِالضَّمِّ: أَصل الكُمّ. يُقَالُ: قَمِيصٌ وَاسِعُ الرُّدْن. ابْنُ سِيدَهْ: الرُّدْن مُقَدَّمُ كُمِّ الْقَمِيصِ، وَقِيلَ: هُوَ أَسفله، وَقِيلَ: هُوَ الْكُمُّ كُلُّهُ، وَالْجَمْعُ أَرْدانٌ وأَرْدِنَة. وأَرْدَنْتُ القميصَ ورَدّنْته تَرْديناً: جَعَلْتُ لَهُ رُدْناً، وَفِي الْمُحْكَمِ: جَعَلْتُ لَهُ أَرْداناً؛ قَالَ قَيْسُ بْنُ الخَطِيم الأَنصاري:
وعَمْرَةُ مِنْ سَرَواتِ النِّساءِ ... تَنْفَحُ بالمسكِ أَرْدانُها
والأَرْدَنُ: ضَرْبٌ مِنَ الْخَزِّ الأَحمر. والرَّدَنُ، بِالتَّحْرِيكِ: القَزّ، وَقِيلَ: الخَزّ، وَقِيلَ: الْحَرِيرُ؛ قَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ:
وَلَقَدْ أَلْهُو ببِكْرٍ شادِنٍ، ... مَسُّها أَلْيَنُ من مسِّ الرَّدَنْ
. وَقَالَ الأَعشى:
يَشُقُّ الأُمورَ ويَجْتابُها، ... كشقِّ القَرارِيّ ثَوْبَ الرَّدَنْ(13/177)
الْقَرَارِيُّ: الْخَيَّاطُ. وَقَالَ اللَّيْثُ فِي تَفْسِيرِ الْبَيْتِ: الرَّدَنُ الْخَزُّ الأَصفر، والرَّدَنُ الْغَزْلُ يُفْتَلُ إِلَى قُدَّامٍ، وَقِيلَ: هُوَ الْغَزْلُ الْمَنْكُوسُ. وَثَوْبٌ مَرْدُونٌ: مَنْسُوجٌ بِالْغَزْلِ المَرْدُونِ. والمِرْدَنُ: المِغْزَلُ الَّذِي يَغْزِلُ بِهِ الرَّدَنُ. والمُرْدِنُ: المُظْلم. وَلَيْلٌ مُرْدِنٌ: مُظْلِمٌ. وعَرَقٌ مُرْدِنٌ ومَرْدُون: قَدْ نَمَّسَ الجسدَ كُلَّهُ؛ وأَما قَوْلُ أَبي دُواد:
أَسْأَدَتْ لَيْلَةً وَيَوْمًا، فَلَمَّا ... دخَلَتْ فِي مُسَرْبَخٍ مَرْدُونِ
فَإِنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: أَراد بِالْمَرْدُونِ المَرْدومَ، فأَبدل مِنَ الْمِيمِ نُونًا. والمُسَرْبَخ: الْوَاسِعُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: المَرْدُونُ الْمَوْصُولُ. وَقَالَ شَمِرٌ: المَرْدُونُ الْمَنْسُوجُ، قَالَ: والرَّدَنُ الْغَزْلُ، أَراد بِقَوْلِهِ فِي مُسَرْبِخِ مَرْدُونِ الأَرض الَّتِي فِيهَا السَّرَابُ، وَقِيلَ: الرَّدَنُ الْغَزْلُ الَّذِي لَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ. وأَرْدَنَتِ الحُمَّى: مِثْلُ أَرْدَمَتْ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: رَدِنَ جلدُه، بِالْكَسْرِ، يَرْدَنُ رَدَناً إِذَا تَقَبَّضَ وَتَشَنَّجَ. وَجَمَلٌ رادِنيّ؛ جَعْدُ الوَبر كَرِيمٌ جَمِيلٌ يَضْرِبُ إِلَى السَّوَادِ قَلِيلًا. والرَّادِنيّ أَيضاً مِنَ الإِبل: الشديدُ الْحُمْرَةِ؛ قَالَ الأَصمعي: وَلَا أَدري إِلَى أَي شَيْءٍ نُسِبَ، قَالَ أَبو الْحَسَنِ: وَقَدْ يَكُونُ مِنْ بَابِ قُمْرِيّ وبُخْتِيّ فَلَا يَكُونُ مَنْسُوبًا إِلَى شَيْءٍ. الأَصمعي وَغَيْرُهُ: إِذَا خَالَطَ حُمْرةَ الْبَعِيرِ صفرةٌ كالوَرْسِ قِيلَ أَحمر رادِنيّ وبعير رَادِنِيٌّ، وَنَاقَةٌ رادِنيّة إِذَا خَالَطَتْ حُمْرَتُهَا صُفْرَةً كَالْوَرْسِ. وَيُقَالُ لِلشَّيْءِ إِذَا خَالَطَ حُمْرَتَهُ صُفْرَةٌ: أَحمرُ رادِنيّ. والرَّدَنُ: الغِرْسُ الَّذِي يَخْرُجُ مَعَ الْوَلَدُ فِي بَطْنِ أُمه. تَقُولُ الْعَرَبُ: هَذَا مِدْرَعُ الرَّدَنِ. ورَدَنْتُ المَتاعَ رَدْناً: نَضَدْتُه. والرَّدْنُ: صوتُ وَقْع السِّلَاحِ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ. وأَرْمَكُ رادِنيّ: بالَغُوا بِهِ كَمَا قَالُوا أَبيضُ ناصِعٌ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. ورُدَيْنة: اسْمُ امرأَة، والرِّماحُ الرُّدَيْنِيَّةُ مَنْسُوبَةٌ إِلَيْهَا. الْجَوْهَرِيُّ: القناةُ الرُّدَيْنيَّة وَالرُّمْحُ الرُّدَيْنيُّ زَعَمُوا أَنه مَنْسُوبٌ إِلَى امرأَة السَّمْهَرِيّ، تُسَمَّى رُدَيْنة، وَكَانَا يُقَوِّمانِ القَنا بخَطِّ هَجَرَ. قَالَ: وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ خَطِّيَّة رُدْنٌ وَرِمَاحٌ لُدْنٌ. والرَّادِنُ: الزَّعْفَرَانُ؛ وَيُنْشِدُ للأَغلب:
وأَخَذَتْ مِنْ رَادِنٍ وكُرْكُمِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُ إِنْشَادِهِ بِالْفَاءِ؛ وَهُوَ:
فبَصُرَتْ بعَزَبٍ مُلأَّمِ، ... فأَخَذَتْ مِنْ رادِنٍ وكُرْكُمِ
ابْنُ السِّكِّيتِ: الأُرْدُنُّ النُّعاس الْغَالِبُ، بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيدِ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَلَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ فِعْلٌ. ونَعْسَةٌ أُرْدُنّ: شَدِيدَةٌ؛ قَالَ أَبّاقٌ الدُّبيري:
قَدْ أَخْذَتْني نَعْسَةٌ أُرْدُنُّ، ... ومَوْهَبٌ مُبْزٍ بِهَا مُصِنُ
. قَوْلُهُ: مُبز أَي قَوِيٍّ عَلَيْهَا؛ يَقُولُ: إِنَّ مَوْهَباً صَبُورٌ عَلَى دَفْعِ النَّوْمِ وَإِنْ كَانَ شَدِيدَ النُّعَاسِ؛ قَالَ: وَبِهِ سُمِّيَ الأُرْدُنُّ البلدُ. والأُرْدُنُّ: أَحد أَجناد الشَّامِ، وَبَعْضُهُمْ يُخَفِّفُهَا. التَّهْذِيبِ: الأُرْدُنّ أَرض بِالشَّامِ.
الْجَوْهَرِيُّ: الأُرْدُن اسْمُ نَهْرٍ وكُورةٍ بأَعلى الشَّامِ، والله أَعلم.
رذن: رَاذانُ: مَوْضِعٌ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
وَقَدْ عَلِمَتْ خيلٌ بِراذانَ أَنني ... شَدَدْتُ، وَلَمْ يَشْدُدْ مِنَ الْقَوْمِ فارِسُ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: فإِن قُلْتَ كَيْفَ تَكُونُ نُونُهُ أَصلًا وَهُوَ فِي هَذَا الشِّعْرِ الَّذِي أَنشدته غَيْرُ مَصْرُوفٍ؟ قِيلَ: قَدْ يَجُوزُ أَن يُعْنى بِهِ البُقْعة فَلَا يَصْرِفُهُ، وَقَدْ يَجُوزُ(13/178)
أَن تَكُونَ نُونُهُ زَائِدَةً، فإِن كَانَ ذَلِكَ فَهُوَ مِنَ باب رَوَذَ أَو رَيَ ذَ إِما فَعَلاناً أَو فَعْلاناً رَوَذان أَو رَوْذان، ثُمَّ اعْتَلَّ اعْتِلَالًا شَاذًّا.
رزن: الرَّزينُ: الثَّقِيلُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. وَرَجُلٌ رَزِينٌ: سَاكِنٌ، وَقِيلَ: أَصيل الرأْي، وَقَدْ رَزُنَ رَزَانة ورُزوناً. ورَزَن الشيءَ يَرْزُنه رَزْناً: رازَ ثِقَله وَرَفَعَهُ لِيَنْظُرَ مَا ثِقَلُه مِنْ خِفَّتِهِ. وَشَيْءٌ رَزِين أَي ثَقِيلٌ، وَقِيلَ: رَزَنَ الْحَجَرَ رَزناً أَقَلَّه مِنَ الأَرض. وَيُقَالُ: شَيْءٌ رَزِين، وَقَدْ رَزَنْتُه بِيَدِي إِذَا ثقَلْته. وامرأَة رَزانٌ إِذَا كَانَتْ ذَاتَ ثباتٍ ووَقارٍ وعفافٍ وَكَانَتْ رَزِينة فِي مَجْلِسِهَا؛ قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَمْدَحُ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا:
حَصانٌ رَزانٌ لَا تُزَنُّ بريبةٍ، ... وتُصْبِحُ غَرْثى مِنْ لُحُومِ الغوافِل
. والرَّزانةُ فِي الأَصل: الثِّقَلُ. والرَّزْن والرِّزْنُ: أَكمة تُمْسِكُ الْمَاءَ، وَقِيلَ: نُقَرٌ فِي حَجَر أَو غَلْظٍ فِي الأَرض، وَقِيلَ: هُوَ مَكَانٌ مُرْتَفِعٌ يَكُونُ فِيهِ الْمَاءُ، وَالْجَمْعُ أَرْزانٌ ورُزونٌ ورِزانٌ؛ قَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤَيَّة يَصِفُ بَقَرَ الْوَحْشِ:
ظلَّتْ صَوافِنَ بالأَرْزانِ صادِيَةً، ... فِي ماحِقٍ مِنْ نهارِ الصيفِ مُحْتَرِقِ «1»
. وَقَالَ حُمَيْدٌ الأَرْقَطُ:
أَحْقَبَ مِيفاءٍ عَلَى الرُّزُونِ، ... حَدَّ الربيعِ أَرِنٍ أَرُونِ
لَا خَطِل الرَّجْعِ، وَلَا قَرُونِ ... لاحِقِ بَطْنٍ بقَرًى سَمينِ
. وَقَالَ ابْنُ حَمْزَةَ: هُوَ الرِّزْنُ، بِالْكَسْرِ لَا غَيْرُ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَبَيْتُ سَاعِدَةَ مِمَّا يَدُلُّ أَنه رِزْنٌ، لأَن فَعْلًا لَا يُجْمَعُ عَلَى أَفعال إِلَّا قَلِيلًا. وَقَدْ تَرَزَّن الرَّجُلُ فِي مَجْلِسِهِ إِذَا تَوَقَّر فِيهِ. والرَّزانة: الْوَقَارُ، وَقَدْ رَزُنَ الرَّجُلُ، بِالضَّمِّ، فَهُوَ رَزِين أَي وَقُور. والرِّزانُ: مَنَاقِعُ الْمَاءِ، وَاحِدَتُهَا رِزْنة، بِالْكَسْرِ. والرُّزُونُ: بَقَايَا السَّيْلِ فِي الأَجْرافِ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ: حَتَّى إذا حُزَّتْ مِيَاهُ رُزُونِه. الأَصمعي: الرُّزُون أَماكن مُرْتَفِعَةٌ يَكُونُ فِيهَا الْمَاءُ، وَاحِدُهَا رَزْنٌ. وَيُقَالُ: الرَّزْنُ الْمَكَانُ الصُّلْبُ، وَقِيلَ: الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ، وَقِيلَ الْمَكَانُ الصُّلْبُ وَفِيهِ طُمأْنينة تَمْسِكُ الْمَاءَ؛ وَقَالَ أَبو ذؤَيب فِي الرُّزُونِ أَيضاً:
حَتَّى إذا حُزَّت مياهُ رُزُونِه، ... وبأَيِّ حَزِّ مَلاوَةٍ يَتَقَطَّعُ
والرَّزْنُ: مَكَانٌ مُشْرِفٌ غَلِيظٌ إِلَى جَنْبِهِ، وَيَكُونُ مُنْفَرِدًا وَحْدُهُ، ويَقُود عَلَى وَجْهِ الأَرض للدَّعْوَةِ حِجَارَةً لَيْسَ فِيهَا مِنَ الطِّينِ شَيْءٌ لَا يُنْبِتُ، وَظَهْرُهُ مُسْتَوٍ. والرَّوْزَنة: الكُوَّة، وَفِي الْمُحْكَمِ: الْخَرْقُ فِي أَعلى السقْف. التَّهْذِيبِ: يُقَالُ للكُوَّة النَّافِذَةِ الرَّوْزَن، قَالَ: وأَحسبه معرَّباً، وَهِيَ الرَّوَازِن تَكَلَّمَتْ بِهَا الْعَرَبُ. اللَّيْثُ: الأَرْزَن شَجَرٌ صُلْب تُتَّخَذُ مِنْهُ عِصِيٌّ صُلْبة؛ وأَنشد:
ونَبْعَة تَكْسِر صُلْبَ الأَرْزَن
وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:
إنِّي وجَدِّك مَا أَقْضِي الغَرِيمَ، وإِنْ ... حانَ القَضاءُ، وَلَا رَقَّتْ لَهُ كَبدِي
إلَّا عَصَا أَرْزَنٍ طَارَتْ بُرَايَتُها، ... تَنُوءُ ضرْبَتُها بالكَفّ والعَضُدِ.
__________
(1) . قوله [محترق] الذي في مادة محق من الصحاح محتدم(13/179)
وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِشَاعِرٍ:
أَعْدَدْتُ للضِّيفانِ كلْباً ضارِياً ... عِنْدِي، وفَضْلَ هِراوَةٍ مِنْ أَرْزَنِ
ومَعاذِراً كَذِبًا، ووجْهاً باسِراً، ... وتَشَكّياً عَضَّ الزمانِ الأَلْزَنِ.
رسن: الرَّسَنُ: الْحَبْلُ. والرَّسَنُ: مَا كَانَ مِنَ الأَزِمَّة عَلَى الأَنف، وَالْجَمْعُ أَرْسانٌ وأَرْسُنٌ، فأَما سِيبَوَيْهِ فَقَالَ: لَمْ يكسَّر عَلَى غَيْرِ أَفعال. وَفِي الْمَثَلِ: مَرَّ الصَّعاليكُ بأَرْسان الْخَيْلِ؛ يُضْرَبُ للأَمرْ يُسرع وَيَتَتَابَعُ. وَقَدْ رَسَنَ الدابَّة وَالْفَرَسَ وَالنَّاقَةَ يرْسِنُها ويَرْسُنُها رَسْناً وأَرْسَنَها، وَقِيلَ: رَسَنَها شدَّها، وأَرْسَنَها جَعَلَ لَهَا رَسَناً، وحَزَمْتُه: شَدَدْتُ حِزامه، وأَحْزَمْته: جَعَلْتُ لَهُ حِزاماً، ورَسَنت الْفَرَسَ، فَهُوَ مَرْسُون، وأَرْسَنْته أَيضاً إِذَا شَدَدْتُهُ بالرَّسَنِ؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
هَرِيتٌ قَصِيرُ عِذَارِ اللِّجَامْ، ... أَسِيلٌ طَوِيلُ عِذارِ الرَّسَن
. قَوْلُهُ: قَصِيرٌ عِذَارُ اللِّجَامِ، يُرِيدُ أَن مَشَقَّ شِدْقَيه مُسْتَطِيلٌ، وَإِذَا طَالَ الشَّق قَصُر عِذَارُ اللِّجَامِ، وَلَمْ يَصِفْهُ بِقُصْرِ الْخَدِّ وَإِنَّمَا وَصَفَهُ بِطُولِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: طَوِيلُ عِذَارُ الرَّسَن. وَفِي حَدِيثِ
عُثْمَانَ: وأَجْرَرْتُ المَرْسُونَ رَسَنَه
؛ المَرْسُون: الَّذِي جُعِلَ عَلَيْهِ الرَّسَن وَهُوَ الْحَبَلُ الَّذِي يُقَادُ بِهِ الْبَعِيرُ وَغَيْرُهُ؛ وَيُقَالُ: رَسَنْت الدَّابَّةَ وأَرْسَنْتها؛ وأَجررته أَي جَعَلْتُهُ يَجُرُّهُ، يُرِيدُ خَلَّيْتُهُ وأَهملته يَرْعَى كَيْفَ شَاءَ، الْمَعْنَى أَنه أَخبر عَنْ مُسامَحته وسَجَاحَةِ أَخلاقه وَتَرْكِهِ التَّضْيِيقَ عَلَى أَصحابه؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: قَالَتْ لِيَزِيدَ بْنِ الأَصم ابْنِ أُخت مَيْمونة وَهِيَ تُعاتِبه: ذَهَبَتْ وَاللَّهِ مَيْمونَةُ ورُمِي برَسَنِك عَلَى غَارِبِكَ
أَي خُلِّيَ سَبِيلُكَ فَلَيْسَ لَكَ أَحد يَمْنَعُكَ مِمَّا تُرِيدُ. والمَرْسِنُ والمَرْسَنُ: الأَنف، وَجَمْعُهُ المَراسِنُ، وأَصله فِي ذَوَاتِ الْحَافِرِ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ للإِنسان. الْجَوْهَرِيُّ: المَرْسِنُ، بِكَسْرِ السِّينِ، موضعُ الرَّسَنِ مِنْ أَنف الْفَرَسِ، ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى قِيلَ مَرْسِن الإِنسان. يُقَالُ: فَعَلْتُ ذَلِكَ عَلَى رَغْمِ مَرْسِنه ومِرْسَنه، بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ السِّينِ أَيضاً؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
وجَبْهةً وحاجِباً مزَجَّجا، ... وفَاحِماً ومَرْسِناً مُسَرَّجا
وَقَوْلُ الجَعْدِيّ:
سلِس المَرْسَن [المِرْسَن] كالسِّيدِ الأَزَلّ
أَراد هُوَ سَلِس القِياد لَيْسَ بِصَلِبِ الرأْس، وَهُوَ الخُرْطوم. والرَّاسَن: نَبَاتٌ يُشْبِهُ نَبَاتَ الزَّنْجَبِيلِ. وَبَنُو رَسْن: حَيٌّ.
رسطن: الرَّساطون: شَرَابٌ يُتَّخَذُ مِنَ الْخَمْرِ وَالْعَسَلِ، أَعجمية لأَن فَعالُولًا وفَعالُوناً لَيْسَا مِنْ أَبنية كَلَامِهِمْ. قَالَ اللَّيْثُ: الرَّساطُونُ شَرَابٌ يَتَّخِذُهُ أَهل الشأْم مِنَ الْخَمْرِ وَالْعَسَلِ؛ قَالَ الأَزهري: الرَّسَاطُونُ بِلِسَانِ الرُّومِ، وَلَيْسَ بِعَرَبِيٍّ.
رشن: الرَّشْنُ، بِسُكُونِ الشِّينِ: الفُرْضَة مِنَ الْمَاءِ. والرَّاشِنُ: الدَّاخِلُ عَلَى الْقَوْمِ الْآتِي ليأْكل، رَشَنَ يَرْشُن رُشُوناً. أَبو زَيْدٍ: رَشَنَ الرجلُ يَرْشُنُ رُشوناً، فَهُوَ رَاشِنٌ، وَهُوَ الَّذِي يَتَعَهَّدُ مَوَاقِيتَ طَعَامِ الْقَوْمِ فيَغْتَرُّهم اغْتِرَارًا، وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الطُّفَيلي. الْجَوْهَرِيُّ: الرَّاشِن الَّذِي يأْتي الْوَلِيمَةَ وَلَمْ يُدْعَ إِلَيْهَا، وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى الطُّفَيْلي، وأَما الَّذِي يَتَحَيَّنُ وَقْتَ الطَّعَامِ فَيَدْخُلُ عَلَى الْقَوْمِ وَهُمْ(13/180)
يأْكلون فَهُوَ الوَارِشُ. وَيُقَالُ: رَشَنَ الرَّجُلُ إِذَا تَطَفَّل وَدَخَلَ بِغَيْرِ إِذْنٍ. وَيُقَالُ لِلْكَلْبِ إِذَا وَلَغَ فِي الإِناء: قَدْ رَشَنَ رُشُوناً؛ وأَنشد:
لَيْسَ بِقصْلٍ حَلِسٍ حِلْسَمِّ، ... عِنْدَ البيوتِ، راشِنٍ مِقَمِّ «2»
. ورَشَنَ الكلبُ فِي الإِناء يَرْشُنُ رَشْناً ورُشُوناً: أَدخل رأْسه فِيهِ ليأْكل وَيَشْرَبَ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
تَشْرَبُ مَا فِي وَطْبِها قَبْلَ العَيَنْ، ... تُعارِضُ الكلبَ إِذا الكلبُ رَشَنْ
والرَّوْشَنُ: الرَّفُّ. أَبو عَمْرٍو: الرَّفيفُ الرَّوْشَنُ، والرَّوْشَنُ الكُوَّة.
رصن: رَصُنَ الشيءُ، بِالضَّمِّ، رَصانَةً، فَهُوَ رَصِين: ثَبَتَ، وأَرصَنه: أَثبته وأَحكمه. ورَصَنه: أَكمله. الأَصمعي: رَصَنْتُ الشيءَ أَرْصُنه رَصْناً أَكْملته. والرَّصِين: الْمُحْكَمُ الثَّابِتُ. أَبو زَيْدٍ: رَصَنْتُ الشيءَ مَعْرِفَةً أَي عَلِمْتُهُ. وَرَجُلٌ رَصِينٌ: كرَزِينٍ، وَقَدْ رَصُنَ. ورَصَنْتُ الشيءَ: أَحكمته، فَهُوَ مَرْصُون؛ قَالَ لَبِيدٌ:
أَو مُسْلِم عَمِلَتْ لَهُ عُلْوِيَّةٌ، ... رَصَنَتْ ظهورَ رَواجِبٍ وبَنانِ
أَراد بِالْمُسْلِمِ غُلَامًا وشَمتْ يَدَهُ «3» امرأَة مِنْ أَهل الْعَالِيَةِ. وَفُلَانٌ رَصِينٌ بِحَاجَتِكَ أَي حَفِيٌّ بِهَا. ورَصَنْتُه بِلِسَانِي رَصْناً: شَتَمْتُهُ. وَرَجُلٌ رَصِين الْجَوْفِ أَي مُوجَع الْجَوْفِ؛ وَقَالَ:
يَقُولُ إِنِّي رَصِينُ الجوفِ فاسْقُوني
والرَّصِينانِ فِي رُكْبَةِ الْفَرَسِ: أَطرافُ القَصَب الْمُرَكَّبِ في الرَّضْفَة.
رضن: المَرْضونُ: شِبْه المَنْضُود مِنَ الْحِجَارَةِ وَنَحْوِهَا يُضَمُّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ فِي بِنَاءٍ أَو غَيْرِهِ. وَفِي نَوَادِرِ الأَعراب: رُضِنَ عَلَى قَبْرِهِ وضُمِدَ ونُضِدَ ورُثِدَ كله واحد.
رطن: رَطَنَ الْعَجَمِيُّ يَرْطُنُ رَطْناً: تَكَلَّمَ بِلُغَتِهِ. والرَّطَانة والرِّطَانة والمُراطَنة: التَّكَلُّمُ بِالْعَجَمِيَّةِ، وَقَدْ تَراطَنا. تَقُولُ: رأَيت أَعجمين يتراطَنان، وَهُوَ كَلَامٌ لَا يَفْهَمُهُ الْعَرَبُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
كَمَا تَراطَنَ فِي حافاتِها الرُّومُ
وَيُقَالُ: مَا رُطَّيْناك هَذِهِ أَي مَا كَلَامُكَ، وَمَا رُطَيْناكَ، بِالتَّخْفِيفِ أَيضاً. وَتَقُولُ: رَطَنْتُ لَهُ رَطانة ورَاطَنْته إِذَا كَلَّمْتُهُ بِالْعَجَمِيَّةِ. وتَراطَنَ القومُ فِيمَا بَيْنَهُمْ؛ وَقَالَ طَرَفة بْنُ الْعَبْدِ:
فأَثارَ فارِطُهم غَطَاطاً جُثَّماً ... أَصواتُهم كتَراطُنِ الفُرْسِ
. وَفِي حَدِيثِ
أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتت امرأَة فَارِسِيَّةٌ فَرَطَنَتْ لَهُ
؛ قَالَ: الرَّطانة، بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا، والتَّراطُنُ كَلَامٌ لَا يَفْهَمُهُ الْجُمْهُورُ، وَإِنَّمَا هُوَ مُواضَعةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَو جَمَاعَةٍ، وَالْعَرَبُ تَخُصُّ بِهَا غَالِبًا كَلَامَ الْعَجَمِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جعفَر وَالنَّجَاشِيِّ: قَالَ لَهُ عَمْرٌو أَما تَرَى كَيْفَ يَرْطُنون بِحزْب اللَّهِ
أَي يَكْنُونَ وَلَمْ يُصَرّحوا بأَسمائهم. والرَّطَّانة والرَّطُون، بِالْفَتْحِ: الإِبل إِذَا كَانَتْ رِفاقاً وَمَعَهَا أَهلوها، زَادَ الأَصمعي: إِذَا كَانَتْ كَثِيرًا؛ قَالَ: وَيُقَالُ لَهَا الطَّحّانة والطَّحُون أَيضاً، وَمَعْنَى الرِّفاق أَي نَهَضوا عَلَى الإِبل مُمتارين مِنَ القُرى كلُّ جَمَاعَةٍ رُفْقة؛ وأَنشد الجوهري:
__________
(2) . قوله [حلسم] كذا بضبط الأَصل هنا وكذلك في المحكم، وضبط في مادة ح ل س م بفتح اللام المشددة وسكون السين وتخفيف الميم عكس ما هنا ومثله في التكملة وغيرها
(3) . قوله [وشمت يده إلخ] ومنه ساعد مرصون أي موشوم كما في التكملة، قال: والمرصن كمنبر حديدة تكوى بها الدواب(13/181)
رَطَّانَة مَنْ يَلْقَها يُخَيَّب.
رعن: الأَرْعَنُ: الأَهْوَجُ فِي مَنْطِقِهِ المُسْتَرْخي. والرُّعُونة: الحُمْقُ والاسْتِرْخاء. رَجُلٌ أَرْعَنُ وامرأَة رَعْناء بَيِّنا الرُّعُونة والرَّعَن أَيضاً، وَمَا أَرْعَنه، وَقَدْ رَعُن، بِالضَّمِّ، يَرْعُن رُعُونة ورَعَناً. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: لَا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا
؛ قِيلَ: هِيَ كَلِمَةٌ كَانُوا يَذْهَبُونَ بِهَا إِلَى سَبِّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، اشْتَقُّوه مِنَ الرُّعُونة؛ قَالَ ثَعْلَبٌ: إِنَّمَا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ لأَن الْيَهُودَ كَانَتْ تَقُولُ لِلنَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَاعِنَا أَو رَاعُونَا، وَهُوَ مِنْ كَلَامِهِمْ سَبٌّ، فأَنزل اللَّهُ تَعَالَى: لَا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا
مَكَانَهَا انْظُرْنا؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي أَن فِي لُغَةِ الْيَهُودِ راعُونا عَلَى هَذِهِ الصِّيغَةِ، يُرِيدُونَ الرُّعُونة أَو الأَرْعَن، وُقَدْ قدَّمت أَن راعُونا فاعِلُونا مِنْ قَوْلِكَ أَرْعِنِي سَمْعَك.
وقرأَ الْحَسَنُ: لَا تَقُولُوا راعِناً
، بِالتَّنْوِينِ؛ قَالَ ثَعْلَبٌ: مَعْنَاهُ لَا تَقُولُوا كَذِباً وسُخْريّاً وحُمْقاً، وَالَّذِي عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ رَاعِنَا، غَيْرُ منوَّن؛ قَالَ الأَزهري: قِيلَ فِي رَاعِنَا غَيْرَ منوَّن ثَلَاثَةُ أَقوال، ذُكِرَ أَنه يُفَسِّرُهَا فِي الْمُعْتَلِّ عِنْدَ ذِكْرِ الْمُرَاعَاةِ وَمَا يُشْتَقُّ مِنْهَا، وَهُوَ أَحق بِهِ مِنْ هَاهُنَا، وَقِيلَ: إِن رَاعِنَا كَلِمَةٌ كَانَتْ تُجْرَى مُجْرَى الهُزءِ، فَنُهِيَ الْمُسْلِمُونَ أَن يَلْفِظُوا بِهَا بِحَضْرَةِ النبي، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ أَن الْيَهُودَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ كَانُوا اغْتَنَمُوهَا فَكَانُوا يَسُبُّونَ بِهَا النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي نُفُوسِهِمْ وَيَتَسَتَّرُونَ مِنْ ذَلِكَ بِظَاهِرِ المُراعاة مِنْهَا، فأُمروا أَن يُخَاطِبُوهُ بِالتَّعْزِيزِ وَالتَّوْقِيرِ، وَقِيلَ لَهُمْ: لَا تَقُولُوا رَاعِنَا، كَمَا يَقُولُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ، وَقُولُوا انْظُرْنَا. والرَّعَنُ: الِاسْتِرْخَاءُ. ورَعَنُ الرحلِ: اسْتِرْخَاؤُهُ إِذَا لَمْ يُحْكَمْ شَدُّهُ؛ قَالَ خِطَامٌ المُجاشِعيّ، وَوَجَدَ بِخَطِّ النَّيْسَابُورِيِّ أَنه للأَغْلَب العِجْلي:
إِنَّا عَلَى التَّشواقِ مِنَّا والحَزَنْ ... مِمَّا نَمُدُّ للمَطِيِّ المُسْتَفِنْ
نسُوقُها سَنّاً، وبعضُ السَّوْقِ سَنّ، ... حَتَّى تَراها وكأَنَّ وكأَنْ
أَعْناقها مَلَزَّزاتٌ فِي قَرَنْ، ... حَتَّى إِذَا قَضَّوْا لُباناتِ الشجَنْ
وكلَّ حاجٍ لفُلانٍ أَو لِهَنْ، ... قَامُوا فشَدُّوها لِمَا يُشقي الأَرِنْ
ورَحَلُوها رِحْلَةً فِيهَا رَعَنْ، ... حَتَّى أَنَخْناها إِلَى مَنٍّ وَمَنْ.
قَوْلُهُ: رِحْلَةٌ فِيهَا رَعَنٌ أَي استرخاءٌ لَمْ يُحْكَمْ شَدُّهَا مِنَ الْخَوْفِ وَالْعَجَلَةِ. وَرَعَنَتْهُ الشمسُ: آلَمَتْ دِمَاغَهُ فَاسْتَرْخَى لِذَلِكَ وغُشِيَ عَلَيْهِ. ورُعِنَ الرجلُ، فَهُوَ مَرْعُون إِذَا غُشِيَ عَلَيْهِ؛ وأَنشد:
باكَرَهُ قانِصٌ يَسْعَى بأَكْلُبِه، ... كأَنه مِنْ أُوارِ الشمسِ مَرْعونُ
. أَي مَغْشِيٌّ عَلَيْهِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الصَّحِيحُ فِي إِنْشَادِهِ مَمْلُول عِوَضًا عَنْ مَرْعُون، وَكَذَا هُوَ فِي شِعْرِ عَبْدة بْنِ الطَّبِيبِ. والرَّعنُ: الأَنف الْعَظِيمُ مِنَ الْجَبَلِ تَرَاهُ مُتَقَدِّماً، وَقِيلَ: الرَّعْنُ أَنف يَتَقَدَّمُ الْجَبَلَ، وَالْجَمْعُ رِعانٌ ورُعُون، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْجَيْشِ الْعَظِيمِ أَرْعَنُ. وَجَيْشٌ أَرْعَنُ: لَهُ فُضول كرِعانِ الْجِبَالِ، شُبِّهَ بالرَّعْن مِنَ الْجَبَلِ. وَيُقَالُ: الجيشُ الأَرْعَنُ هو الْمُضْطَرِبُ لِكَثْرَتِهِ؛ وَقَدْ جَعَلَ الطِّرِمّاحُ ظلمةَ اللَّيْلِ رَعُوناً، شَبَّهَهَا بِجَبَلٍ مِنَ الظَّلَامِ فِي قَوْلِهِ يَصِفُ نَاقَةً تَشُقُّ بِهِ ظلمةَ اللَّيْلِ:(13/182)
تَشُقُّ مُغَمِّضاتِ الليلِ عَنْهَا، ... إذا طَرَقَتْ بمِرْداسٍ رَعُونِ
وَمُغَمِّضَاتُ اللَّيْلِ: دَياجير ظُلَمِها. بِمِرْدَاسِ رَعُونٍ: بِجَبَلٍ مِنَ الظَّلَامِ عَظِيمٍ، وَقِيلَ: الرَّعُون الْكَثِيرَةُ الْحَرَكَةِ. وَجَبَلٌ رَعْنٌ: طَوِيلٌ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
يَعْدِلُ عَنْهُ رَعْنُ كُلِّ صُدِّ
. وَقَالَ اللَّيْثُ: الرَّعْنُ مِنَ الْجِبَالِ لَيْسَ بِطَوِيلٍ، وَجَمْعُهُ رُعُون. والرَّعْناء: البَصْرة، قَالَ: وَسُمِّيَتِ الْبَصْرَةُ رَعْناء تَشْبِيهًا برَعْنِ الْجَبَلِ؛ قَالَ الْفَرَزْدَقُ:
لَوْلَا أَبو مالِكِ المَرْجُوُّ نائِلُه، ... مَا كَانَتِ البصرةُ الرَّعْناء لِي وَطنا
. ورُعَيْنٌ: اسْمُ جَبَلٍ بِالْيَمَنِ فِيهِ حِصْنٌ. وَذُو رُعَيْن: مَلِكٌ يُنْسَبُ إِلَى ذَلِكَ الْجَبَلِ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: ذُو رُعَين مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ حِمْيَر، ورُعَيْن حِصْنٌ لَهُ، وَهُوَ من ولد الحرث بْنِ عَمْرِو بْنِ حِمْيَر بْنِ سبَإ وَهُمْ آلُ ذِي رُعَيْن وشَعْبُ ذِي رُعَيْن؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
جاريةٌ مِنْ شَعْبِ ذِي رُعَيْنِ، ... حَيّاكةٌ تَمْشِي بعُلْطَتَيْنِ
. والرَّعْناء: عِنَبٌ بِالطَّائِفِ أَبيض طَوِيلُ الْحَبِّ. ورُعَين: قَبِيلَةٌ. والرَّعْن: مَوْضِعٌ؛ قَالَ:
غَداةَ الرَّعْنِ والخَرْقاءِ نَدْعُو، ... وصَرَّحَ باطلُ الظَّنِّ الكذوبِ
خَرْقاء: مَوْضِعٌ أَيضاً. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ جُبَير فِي قَوْلِهِ عزَّ وَجَلَّ: أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ؛ أَي رَغَنَ. يُقَالُ: رَغَنَ إِلَيْهِ وأَرْغَنَ إِذَا مَالَ إِلَيْهِ ورَكَنَ؛ قَالَ الخَطَّابي: الَّذِي جاءَ فِي الرِّوَايَةِ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، وَهُوَ غَلَطٌ.
رعثن: الأَزهري فِي الرُّبَاعِيِّ: قَالَ اللَّيْثُ وَغَيْرُهُ الرَّعْثَنَةُ التَّلْتَلَة تُتَّخَذُ مِنْ جُفّ الطَّلْعة فيشرب منها.
رغن: رَغَنَ إِليه وأَرْغنَ: أَصْغَى إِليه قَابِلًا رَاضِيًا بِقَوْلِهِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ
وأُخْرَى تُصَفِّقُها كلُّ ريحٍ ... سريعٍ لَدَى الحَوْرِ إِرْغانُها
وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ؛ أَي رَغَنَ.
يُقَالُ رَغَن إِليه وأَرْغَنَ إِذا مَالَ ورَكنَ؛ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الَّذِي جاءَ فِي الرِّوَايَةِ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ غَلَطٌ. وأَرْغَنَ إِلى الأَمر وَالصُّلْحِ: مَالَ إِليه وَسَكَنَ؛ قَالَ الطِّرِمَّاحُ:
مُرغِناتٌ لأَخلج الشِّدْقِ سِلْعامٍ ... مُمَرٍّ مفتولةٍ عَضُدُهْ
قَالَ: مُرغِنات مُطِيعَاتٍ، يَصِفُ كِلَابَ الصَّيْدِ. والرَّغْنُ: الإِصغاءُ إِلى الْقَوْلِ وَقَبُولُهُ، والإِرغانُ مِثْلُهُ. والرَّغْنَة: السَّهْلة، يَمَانِيَّةٌ. ابْنُ الأَعرابي: يومُ رَغْنٍ إِذا كَانَ ذَا أَكلٍ وشربٍ وَنَعِيمٍ، ويومُ مُزْنٍ إِذا كَانَ ذَا فِرارٍ مِنَ العَدُوّ، وَيَوْمٌ سَعْنٍ إِذا كَانَ ذَا شرابٍ صافٍ. قَالَ الْفَرَّاءُ: لَا تُرْغِنَنَّ لَهُ فِي ذَلِكَ أَي لَا تُطِعْهُ فِيهِ. اللِّحْيَانِيُّ: تقول العرب لعلك لَعَنَّك ورَعَنَّك ورَغَنَّك بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: لَعَنَّ ولَغَنَّ ورَعَنَّ ورَغَنَّ بِمَعْنَى لعلَّ. ويقال: رَعَنَّه عِنْدَ اللَّهِ، قَالَ: يُرِيدُ لَعَلَّهُ عِنْدَ اللَّهِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: لَوَنَّ بِمَعْنَى لعلَّ، قَالَ وَسَمِعْتُهُمْ يَقُولُونَ لَونَّها تَرْكَبُ يُرِيدُونَ لعلَّها تَرْكَبُ.
رفن: فَرَسٌ رِفَنٌّ، كرِفَلٍّ: طَوِيلُ الذَّنَبِ، بِتَشْدِيدِ النُّونِ. وَبَعِيرٌ رِفَنٌّ: سَابِغُ الذَّنَبِ ذَيَّالُه؛ قَالَ النَّابِغَةُ الجَعْدي:(13/183)
وَهُمْ دَلَفُوا بِهُجْرٍ فِي خَميسٍ ... رَحِيبِ السِّربِ [السَّربِ] ، أَرْعَن مُرْجَحِنّ
بكلِّ مُجَرِّبٍ كالليثِ يَسْمُو ... إِلَى أَوصالِ ذَيَّالٍ رِفَنِّ «4»
. أَراد رِفَلًّا، فَحوَّل اللَّامَ نُونًا. ابْنُ الأَعرابي: الرَّفْنُ النَّبض. والرَّافِنَة: الْمُتَبَخْتِرَةُ فِي بَطَرٍ. الأَصمعي: المُرْفَئِنُّ الَّذِي نَفَرَ ثُمَّ سَكَنَ؛ وأَنشد:
ضَرْباً وِلاءً غيرَ مُرْثَعِنِّ ... حَتَّى تَرِنِّي، ثُمَّ تَرْفَئِنِّي
وارْفأَنَّ الرجلُ، عَلَى وَزْنِ اطْمَأَنَّ، أَي نَفَرَ ثُمَّ سَكَنَ. يُقَالُ: ارفَأَنَّ غَضَبِي؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِلْعَجَّاجِ:
حَتَّى ارْفَأَنَّ الناسُ بَعْدَ المَجْوَلِ
. المَجْوَلُ، مَفْعَل: مِنَ الجَوَلان. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنَّ رَجُلًا شَكَا إِلَيْهِ التَّعَزُّبَ فَقَالَ: عَفِّ شعرَك، فَفَعَلَ فارْفَأَنَ
أَي سَكَنَ مَا كَانَ بِهِ. يُقَالُ: ارْفَأَنَّ عَنِ الأَمر وارْفَهَنَّ. قَالَ ابْنُ الأَثير: ذَكَرَهُ الْهَرَوِيُّ فِي رفأَ عَلَى أَن النُّونَ زَائِدَةٌ، وَذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي حَرْفِ النُّونِ عَلَى أَنها أَصلية، وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: حَقُّ رُفَهْنِية أَن تُذْكَرَ فِي فَصْلِ رَفَهَ فِي بَابِ الْهَاءِ، لأَنَّ الأَلف وَالنُّونَ زَائِدَتَانِ، وَهِيَ مُلْحَقَةٌ بخُبَعْثِنَة، قَالَ: وَلَيْسَ لِرَفْهَنَ هُنَا وَجْهٌ وَذَكَرَهَا فِي فَصْلِ رَفَهَ، وَقَالَ: هِيَ ملحقة بالخماسي.
رفغن: الأَزهري فِي الرُّبَاعِيِّ: البُلَهْنِيَة والرُّفَهنِيَة سَعَةُ العَيش وكثرة الرُّفَغنِية.
رفهن: قَالَ الأَزهري فِي الرُّبَاعِيِّ: البُلَهْنِيَةُ والرُّفَهنِيَةُ سَعَةُ الْعَيْشِ وَكَثْرَةُ الرُّفَغْنِية. يُقَالُ: هُوَ فِي رُفَهنِية مِنَ الْعَيْشِ أَي فِي سَعَةٍ ورَفَاغِية، وَهُوَ مُلْحَقٌ بِالْخُمَاسِيِّ بأَلف فِي آخِرِهِ، وَإِنَّمَا صَارَتْ يَاءً لِلْكَسْرَةِ قَبْلَهَا.
رقن: الرِّقَانُ والرَّقُونُ والإِرْقانُ: الحِنَّاء، وَقِيلَ: الرَّقُون والرِّقَانُ الزَّعْفَرَانُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
ومُسْمِعَة إِذَا مَا شئتَ غَنَّتْ ... مُضَمَّخَة الترائِب بالرِّقَانِ
. قَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: الرِّقانُ والرَّقُونُ الزَّعْفَرَانُ والحنَّاء. وَفِي الْحَدِيثِ:
ثَلَاثَةٌ لَا تَقْرَبُهم الْمَلَائِكَةُ، مِنْهُمُ المُتَرَقِّن بِالزَّعْفَرَانِ
أَي الْمُتَلَطِّخُ بِهِ. والرَّقْنُ والتَّرَقُّنُ والارْتِقانُ: التَّلَطُّخُ بِهِمَا. وَقَدْ رَقَّنَ رأْسه وأَرْقَنه إِذَا خَضَّبَهُ بِالْحِنَّاءِ. والرَّاقِنَة: الْمُخْتَضِبَةُ، وَهِيَ الْحَسَنَةُ اللَّوْنِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
صَفْراءُ راقِنَةٌ كأَنَّ سُمُوطَها ... يَجْرِي بِهِنَّ، إِذَا سَلِسْنَ، جَدِيلُ
وَيُقَالُ: امرأَة رَاقِنَةٌ أَي مُخْتَضِبَةٌ بِالْحِنَّاءِ؛ قَالَ أَبو حَبِيبٍ الشَّيْباني:
جاءَت مكَمْثِرَةً تَسْعَى ببَهْكَنةٍ ... صَفْراءَ راقِنةٍ كالشَّمْسِ عُطْبُولِ
ورَقَنَتِ الجاريةُ ورَقَّنَتْ وتَرَقَّنَتْ إِذَا اخْتَضَبَتْ بِالْحِنَّاءِ؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:
غِياثُ، إِنْ مُتُّ وعِشْتَ بعدِي، ... وأَشْرَفَتْ أُمُّكَ للتَّصَدِّي،
وارْتَقَنتْ بالزَّعْفرانِ الوَرْدِي ... فاضْرِبْ، فِداكَ والدِي وجَدِّي،
بَيْنَ الرِّعاثِ ومَناطِ العِقْدِ، ... ضَرْبَةَ لَا وانٍ وَلَا ابْنِ عَبدِ
. وأَرْقَنَ الرجلُ لِحْيَتَهُ، والتَّرْقينُ مِثْلُهُ. وتَرَقَّنَ
__________
(4) . قوله [وهم دلفوا إلخ] مثله في الصحاح، قال الصاغاني: وهو تصحيف ومداخلة، والرواية:
وهم ساروا لحجر في خميس ... وكانوا يوم ذلك عند ظني
غَدَاةَ تَعَاوَرَتْهُ ثُمَّ بِيضٌ ... رفعن إِلَيْهِ فِي الرَّهْجِ الْمُكِنِّ
وهم زحفوا لغسان بزحف ... رَحِيبِ السَّرب أَرْعَنَ مُرْجَحِنِّ
ويروى: مرثعن وحجر بضم فسكون والمكن بضم فكسر(13/184)
بِالطِّيبِ واسْتَرْقَنَ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ: كَمَا تَقُولُ تَضَمَّخَ. ورَقَّنَ الْكِتَابَ: قَارَبَ بَيْنَ سُطُورِهِ، وَقِيلَ: رَقَّنَه نَقَّطَه وأَعجمه لِيَتَبَيَّنَ. والمَرْقُون: مِثْلُ المَرْقُوم. والتَّرْقِين فِي كِتَابِ الحُسْبانات: تَسْوِيدُ الْمَوْضِعِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنه بُيِّضَ كَيْلَا يَقَعَ فِيهِ حِسَابٌ. اللَّيْثُ: التَّرْقِين تَرْقِين الْكِتَابِ وَهُوَ تَزْيِينُهُ، وَكَذَلِكَ تَزْيِينُ الثَّوْبِ بِالزَّعْفَرَانِ وَالْوَرْسِ؛ وأَنشد:
دَارٌ كَرَقْمِ الْكَاتِبِ المُرَقِّنِ
والمُرَقِّنُ: الْكَاتِبُ، وَقِيلَ: المُرَقِّن الَّذِي يُحَلِّق حَلَقاً بَيْنَ السُّطور كتَرْقِين الْخِضَابِ. ورَقَّن الشيءَ: زَيَّنَهُ. والرُّقُون: النُّقوش. والرَّقِينُ، بِفَتْحِ الرَّاءِ وَرَفْعِ النُّونِ: الدِّرْهَمُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ للتَّرْقِين الَّذِي فِيهِ، يَعْنُونَ الخَطَّ؛ عَنْ كُرَاعٍ، قَالَ: وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ وِجْدَانُ الرَّقِين يُغَطِّي أَفْنَ الأَفِين. وأَما ابْنُ دُرَيْدٍ فَقَالَ: وِجْدانُ الرِّقِين يَعْنِي جَمْعَ رِقَةٍ، وَهِيَ الوَرِقُ.
ركن: رَكِنَ إِلَى الشيءِ ورَكَنَ يَرْكَنُ ويَرْكُنُ رَكْناً ورُكوناً فِيهِمَا ورَكانَةً ورَكانِيَةً أَي مَالَ إِلَيْهِ وَسَكَنَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: رَكَنَ يَرْكَن، بِفَتْحِ الْكَافِ فِي الْمَاضِي وَالْآتِي، وَهُوَ نَادِرٌ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَهُوَ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ اللُّغَتَيْنِ. قَالَ كُرَاعٌ: رَكِنَ يَرْكُنُ، وَهُوَ نَادِرٌ أَيضاً، وَنَظِيرُهُ فَضِلَ يَفْضُل وحَضِرَ يَحْضُر ونَعِمَ يَنْعُم؛ وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا
؛ قُرِئَ بِفَتْحِ الْكَافِ مِنْ رَكِنَ يَرْكَنُ رُكوناً إِذَا مَالَ إِلَى الشَّيْءِ واطمأَنَّ إِلَيْهِ، وَلُغَةٌ أُخرى رَكَنَ يَرْكُنُ، وَلَيْسَتْ بِفَصِيحَةٍ. ورَكِنَ إِلَى الدُّنْيَا إِذَا مَالَ إِلَيْهَا، وَكَانَ أَبو عَمْرٍو أَجاز رَكَنَ يَرْكَنُ، بِفَتْحِ الْكَافِ مِنَ الْمَاضِي وَالْغَابِرِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ «1» . الأَبنية فِي السَّالِمِ. ورَكِنَ فِي الْمَنْزِلِ يَركَنُ ركْناً: ضَنَّ بِهِ فَلَمْ يُفَارِقْهُ. ورُكْن الشَّيْءِ: جَانِبُهُ الأَقوى. والرُّكْنُ: النَّاحِيَةُ الْقَوِيَّةُ وَمَا تَقَوَّى بِهِ مِنْ مَلِكٍ وجُنْدٍ وَغَيْرِهِ، وَبِذَلِكَ فُسِّرَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ
، وَدَلِيلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ
؛ أَي أَخذناه ورُكْنَه الَّذِي تَوَلَّى بِهِ، وَالْجَمْعُ أَرْكان وأَرْكُنٌ؛ أَنشد سِيبَوَيْهِ لِرُؤْبَةَ:
وزَحْمُ رُكْنَيْكَ شدِيدَ الأَرْكُنِ
. ورُكْنُ الإِنسانِ: قُوَّتُهُ وَشِدَّتُهُ، وَكَذَلِكَ رُكْنُ الْجَبَلِ وَالْقَصْرِ، وَهُوَ جَانِبُهُ. ورُكْنُ الرَّجُل: قَوْمُهُ وعَدَدُه وَمَادَّتُهُ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ
؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأُراه عَلَى الْمَثَلِ. وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: الرُّكْنُ الْعَشِيرَةُ؛ والرُّكْنُ: الأَمر الْعَظِيمُ فِي بَيْتِ النَّابِغَةِ:
لَا تَقْذِفَنِّي برُكْنٍ لَا كِفاءَ لَهُ
. وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ
؛ إِنَّ الرُّكْن القُوَّة. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ الْكَثِيرِ الْعَدَدِ: إِنَّهُ ليأْوي إِلَى رُكْن شَدِيدٍ. وَفُلَانٌ رُكْنٌ مِنْ أَركان قَوْمِهِ أَي شَرِيفٌ مِنْ أَشرافهم، وَهُوَ يأْوي إِلَى رُكْن شَدِيدٍ أَي عِزٍّ ومَنَعة. وَفِي الْحَدِيثِ
أَنه قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ لُوطاً إن كان لَيأْوي إِلَى رُكْن شَدِيدٍ
أَي إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الَّذِي هُوَ أَشَدُّ الأَركان وأَقواها، وَإِنَّمَا تَرَحَّمَ عَلَيْهِ لِسَهْوِهِ حِينَ ضَاقَ صَدْرُهُ مِنْ قَوْمِهِ حَتَّى قَالَ: أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ
، أَراد عِزَّ الْعَشِيرَةِ الَّذِينَ يَسْتَنِدُ إِلَيْهِمْ كَمَا يَسْتَنِدُ إِلَى الرُّكْنِ مِنَ الْحَائِطِ. وَجَبَلٌ ركِينٌ: لَهُ أَركان عَالِيَةٌ، وَقِيلَ: جَبَل
__________
(1) . قوله [وَهُوَ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ إلخ] أي لأَن باب فعل يفعل بفتحتين أن يكون حلقيّ العين أَو اللام انتهى. مصباح(13/185)
رَكِينٌ شَدِيدٌ. وَفِي حَدِيثِ الْحِسَابِ:
وَيُقَالُ لأَرْكانه انْطقي
أَي لِجَوَارِحِهِ. وأَركانُ كُلِّ شَيْءٍ: جَوانبه الَّتِي يَسْتَنِدُ إِلَيْهَا وَيَقُومُ بِهَا. وَرَجُلٌ رَكِين: رَميز وَقُور رَزِينٌ بَيّنُ الرَّكانة، وَهِيَ الرَّكانة والرَّكانِيَةُ. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا كَانَ سَاكِنًا وَقُورًا: إِنَّهُ لرَكِينٌ، وَقَدْ رَكُنَ، بِالضَّمِّ، رَكانة. وَنَاقَةٌ مُرَكَّنَةُ الضَّرْع، والمُرَكَّنُ مِنَ الضُّرُوعِ: الْعَظِيمُ كأَنه ذُو الأَركان. وَضَرْعٌ مُرَكَّنٌ إِذَا انْتَفَخَ فِي مَوْضِعِهِ حَتَّى يَمْلأَ الأَرفاغ، وَلَيْسَ بحَدّ طويلٍ؛ قَالَ طَرَفَةُ:
وضَرَّتُها مُرَكَّنَةٌ دَرورُ
وقال أَبو عَمْرٍو: مُرَكَّنَة مُجَمَّعَة. والمِرْكَن: شِبْهُ تَوْرٍ مِنْ أَدَمٍ يُتَّخَذُ لِلْمَاءِ أَو شِبْهُ لَقَن. والمِرْكَنُ، بِالْكَسْرِ: الإِجَّانة الَّتِي تُغْسَلُ فِيهَا الثِّيَابُ وَنَحْوُهَا. وَمِنْهُ حَدِيثُ
حَمْنَةَ: أَنها كَانَتْ تَجْلِسُ فِي مِرْكَن لأُختها زَيْنَبَ وَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ
، وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ، وَهِيَ الَّتِي تَخُصُّ الْآلَاتِ. والرَّكْنُ: الفَأْرُ ويُسَمَّى رُكَيْناً عَلَى لَفْظِ التَّصْغِيرِ. والأُرْكُون: الْعَظِيمُ مِنَ الدَّهاقين. والأُرْكون: رَئِيسُ الْقَرْيَةِ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنه دَخَلَ الشَّامَ فأَتاه أُرْكُونُ قَرْيةٍ فَقَالَ لَهُ: قَدْ صنعتُ لَكَ طَعَامًا
؛ رواه محمد بن إسحق عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَسلم؛ أُرْكُون الْقَرْيَةِ: رَئِيسُهَا ودِهْقانها الأَعظم، وَهُوَ أُفْعُول مِنَ الرُّكُون السُّكُونُ إِلَى الشَّيْءِ وَالْمَيْلُ إِلَيْهِ، لأَن أَهلها يَرْكَنُون إِلَيْهِ أَي يَسْكُنُونَ وَيَمِيلُونَ. ورُكَيْنٌ ورُكَانٌ ورُكانَةُ: أَسماء. قَالَ:
ورُكانَة، بِالضَّمِّ، اسْمُ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، وَهُوَ الَّذِي طَلَّق امرأَته الْبَتَّةَ فَحَلَّفَهُ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنه لَمْ يُرِدِ الثلاثَ.
رمن: الرُّمَّانُ: حَمْلُ شَجَرَةٍ مَعْرُوفَةٍ مِنَ الْفَوَاكِهِ، وَاحِدَتُهُ رُمَّانة. الْجَوْهَرِيُّ: قَالَ سِيبَوَيْهِ سأَلته، يَعْنِي الْخَلِيلَ، عَنِ الرُّمان إِذَا سُمِّيَ بِهِ فَقَالَ: لَا أَصرفه فِي الْمَعْرِفَةِ وأَحمله عَلَى الأَكثر إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْنًى يُعْرَفُ بِهِ أَي لَا يُدْرَى مَنْ أَي شَيْءٍ اشْتِقَاقُهُ فَيَحْمِلُهُ عَلَى الأَكثر، والأَكثر زِيَادَةُ الأَلف وَالنُّونِ؛ وَقَالَ الأَخفش: نُونُهُ أَصلية مِثْلُ قُرَّاصٍ وحُمَّاض، وفُعَّال أَكثر مِنْ فُعْلانٍ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: لَمْ يَقُلْ أَبو الْحَسَنِ إِنَّ فُعَّالًا أَكثر مِنْ فُعْلان بَلِ الأَمر بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا قَالَ إِنَّ فُعَّالًا يَكْثُرُ فِي النَّبَاتِ نَحْوُ المُرَّان والحُمَّاض والعُلَّام، فَلِذَلِكَ جَعَلَ رُمَّاناً فُعَّالًا. وَفِي حَدِيثِ
أُم زَرْعٍ: يَلْعَبان مِنْ تَحْتِ خَصْرِها برُمَّانَتين
أَي أَنها ذاتُ رِدْفٍ كَبِيرٍ، فإِذا نَامَتْ عَلَى ظَهْرِهَا نَبا الكَفَلُ بِهَا حَتَّى يَصِيرَ تَحْتَهَا مُتَّسَعٌ يَجْرِي فِيهِ الرُّمان، وَذَلِكَ أَن وَلَدَيْهَا كَانَ مَعَهُمَا رُمَّانتان، فَكَانَ أَحدهما يَرْمِي بِرُمَّانَتِهِ إِلَى أَخيه، وَيَرْمِي أَخوه الأُخرى إِلَيْهِ مِنْ تَحْتِ خَصْرِهَا. ورُمَّانة الْفَرَسِ: الَّذِي فِيهِ عَلَفُهُ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَذَكَرْتُهُ هَاهُنَا لأَنه ثُلَاثِيٌّ عِنْدَ الأَخفش، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي رَمَمَ عَلَى ظَاهِرِ رأْي الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ، وَذَكَرَهُ الأَزهري هُنَا أَيضاً. وَقَوْلُهُ فِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ فِي صِفَةِ الْجِنَانِ: فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ
؛ دَلَّ بِالْوَاوِ عَلَى أَن الرُّمَّانَ وَالنَّخْلَ غَيْرُ الْفَاكِهَةِ لأَن الْوَاوَ تَعْطِفُ جُمْلَةً عَلَى جُمْلَةً، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: هَذَا جَهْلٌ بِكَلَامِ الْعَرَبِ وَالْوَاوُ دَخَلَتْ لِلِاخْتِصَاصِ، وَإِنْ عُطِفَ بِهَا، وَالْعَرَبُ تَذْكُرُ الشَّيْءَ جُمْلَةً ثُمَّ تَخُصُّ مِنَ الْجُمْلَةِ شَيْئًا تَفْصِيلًا لَهُ وَتَنْبِيهًا عَلَى مَا فِيهِ مِنَ الْفَضِيلَةِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى؛ فَقَدْ أَمرهم بِالصَّلَاةِ جُمْلَةً ثُمَّ أَعاد الْوُسْطَى تَخْصِيصًا لَهَا بِالتَّشْدِيدِ والتأْكيد، وَكَذَلِكَ أَعاد النَّخْلَ وَالرُّمَّانَ تَرْغِيبًا لأَهل الْجَنَّةِ فِيهِمَا،(13/186)
وَمِنْ هَذَا قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ؛ فَقَدْ عُلِمَ أَن جِبْرِيلَ وَمِيكَالَ دَخَلَا فِي الْجُمْلَةِ وأُعيد ذِكْرُهُمَا دَلَالَةً عَلَى فَضْلِهِمَا وَقُرْبِهِمَا مِنْ خَالِقِهِمَا. وَيُقَالُ لمَنْبِتِ الرُّمان مَرْمَنة إِذَا كَثُرَ فِيهِ أُصوله. والرُّمانة تُصَغَّرُ رُمَيْمينة. ورَمَّان، بِفَتْحِ الرَّاءِ: مَوْضِعٌ، وَفِي الصِّحَاحِ: جَبَلٌ لطيِء. وإِرْمينِيَةُ، بِالْكَسْرِ: كُورة بِنَاحِيَةِ الرُّوم، وَالنِّسْبَةُ إِلَيْهَا أَرْمَنِيّ، بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ قَوْلَ سَيَّارة بْنِ قَصِير:
فَلَوْ شَهِدَتْ أُمُّ القُدَيْدِ طِعانَنا، ... بمَرْعَشَ خَيْلَ الأَرْمَنِيِّ، أَرَنَّتِ «1» .
رمعن: ارْمَعَنَّ الشيءُ: كارْمَعلَّ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: يَجُوزُ أَن يَكُونَ لُغَةً فِيهِ، وأَن تَكُونَ النُّونُ بَدَلًا مِنَ اللَّامِ. الأَزهري: ارْمَعَلَّ الدمعُ وارْمَعَنَّ سَالَ، فَهُوَ مُرْمَعِلّ ومُرْمَعِنّ.
رنن: الرَّنَّةُ: الصَّيْحَةُ الحَزِينةُ. يُقَالُ: ذُو رَنَّةٍ. والرَّنِينُ: الصِّيَاحُ عِنْدَ الْبُكَاءِ. ابْنُ سِيدَهْ: الرَّنَّةُ والرَّنِينُ والإِرْنانُ الصَّيْحَةُ الشَّدِيدَةُ وَالصَّوْتُ الْحَزِينُ عِنْدَ الْغِنَاءِ أَو الْبُكَاءِ. رَنَّت تَرِنُّ رَنيناً ورَنَّنَتْ تَرْنيناً وتَرْنِيَة وأَرَنَّتْ: صَاحَتْ. وَفِي كَلَامِ أَبي زُبَيْدٍ الطَّائِيِّ: شَجْراؤُه مُغِنَّة، وأَطيارُه مُرِنَّة؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
عَمْداً فَعَلْتُ ذاكَ، بَيْدَ أَني ... أَخافُ إِنْ هَلَكْتُ لَمْ تُرِنِّي
وَقِيلَ: الرَّنِين الصَّوْتُ الشَّجِيُّ. والإِرْنانُ: الشَّدِيدُ. ابْنُ الأَعرابي: الرَّنَّة صَوْتٌ فِي فَرَحٍ أَو حُزْنٍ، وَجَمْعُهَا رَنَّات، قَالَ: والإِرْنان صوتُ الشَّهيقِ مَعَ الْبُكَاءِ. وأَرَنَّ فُلَانٌ لِكَذَا وأَرَمَّ لَهُ ورَنَّ لِكَذَا واسْتَرَنَّ لِكَذَا وأَرْناه كَذَا وَكَذَا «2» . أَي أَلْهَاهُ. وأَرَنَّت القوسُ فِي إنباضِها، والمرأَةُ فِي نَوْحِهَا، والنساءُ فِي مَناحَتها، والحمامةُ فِي سَجْعها، وَالْحِمَارُ فِي نَهيقه، وَالسَّحَابَةُ فِي رَعْدِهَا، وَالْمَاءُ فِي خَريره، وأَرَنَّتِ المرأَة تُرِنّ ورَنَّتْ تَرِنّ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
كلَّ يومٍ مَنَعُوا حامِلَهُم ... ومُرِنَّاتٍ كآرامٍ تُمَلّ
وَقَالَ الْعَجَّاجُ يَصِفُ قَوْسًا:
تُرِنُّ إرْناناً إِذَا مَا أُنْضِبا، ... إِرْنانَ مَحْزونٍ إِذَا تَحَوَّبا
أَراد أُنْبِضَ فَقَلَبَ. ورَنَّنْتها أَنا تَرْنيناً. والمُرِنَّة: القوسُ، والمِرْنان مِثْلُهُ. وَقَوْسٌ مُرِنٌّ ومِرْنانٌ، وَكَذَلِكَ السَّحَابَةُ، وَيُقَالُ لَهَا المِرْنانُ عَلَى أَنها صِفَةٌ غَلَبَتْ غَلَبَةَ الِاسْمِ. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: أَرَنَّتِ القَوْس وَهُوَ فَوْقَ الْحَنِينِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
فَتَلَقَّاني أَهلُ الْحَيِّ بالرَّنين
؛ الرَّنينُ: الصَّوْتُ، وَقَدْ رَنَّ يَرِنّ رَنِينًا. والرَّنَنُ: شَيْءٌ يَصِيحُ فِي الْمَاءِ أَيام الصَّيْفِ؛ وَقَالَ:
وَلَمْ يَصْدَحْ لَهُ الرَّنَنُ
والرَّنَنُ: الْمَاءُ الْقَلِيلُ، والرَّبَب: الْمَاءُ الْكَثِيرُ. والرُّنَّاءُ: الطَّرَبُ عَلَى بَدَلِ التَّضْعِيفِ، رَوَاهُ ثَعْلَبٌ بِالتَّشْدِيدِ، وأَبو عُبَيْدٍ بِالتَّخْفِيفِ، وَهُوَ أَقيس لِقَوْلِهِمْ رَنَوْتُ أَي طَرِبْتُ وَمَدَدْتُ صَوْتِي، وَمَنْ قَالَ رَنَوْتُ فالرُّنَّاءُ عِنْدَهُ مُعْتَلٌّ. وَيَوْمٌ أَرْوَنانٌ: شَدِيدٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ، أَفْوَعالٌ مِنَ الرَّنِين فِيمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ابْنُ الأَعرابي، وَهُوَ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ أَفْعَلانٌ مِنْ قَوْلِكَ: كَشَفَ اللَّهُ عَنْكَ رُونَةَ هذا
__________
(1) . قوله [بمرعش] اسم موضع كما أَنشده ياقوت فيه
(2) . قوله [وأرناه كذا وكذا إلخ] ذكره المجد وغيره في المعتل(13/187)
الأَمر أَي غُمَّته وَشِدَّتَهُ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ. أَبو عَمْرٍو: الرُّنَّى شَهْرُ جُمادى «3» . وَجَمْعُهَا رُنَنٌ. والرُّنَّى: الخَلْقُ. يُقَالُ: مَا فِي الرُّنَّى مِثْلُهُ. قَالَ أَبو عُمَرَ الزَّاهِدُ: يُقَالُ لِجُمَادَى الْآخِرَةِ رُنَّى، وَيُقَالُ رُنَةُ، بِالتَّخْفِيفِ؛ وأَنه قَالَ:
يَا آلَ زَيْدٍ، احْذَرُوا هَذِي السَّنَهْ ... مِنْ رُنَةٍ حَتَّى تُوافِيها رُنَهْ
قَالَ: وأَنكر رُبَّى، بِالْبَاءِ، وَقَالَ: هُوَ تَصْحِيفٌ إِنَّمَا الرُّبَّى الشَّاةُ النُّفَساء؛ وَقَالَ قطْرُبٌ وَابْنُ الأَنباري وأَبو الطَّيِّبِ عَبْدُ الْوَاحِدِ وأَبو الْقَاسِمِ الزَّجَّاجِيُّ: هُوَ بِالْبَاءِ لَا غَيْرُ؛ قَالَ أَبو القسم الزَّجَّاجِيُّ: لأَن فِيهِ يُعْلَمُ مَا نُتِجَتْ حُرُوبُهم إِذَا مَا انْجَلَتْ عَنْهُ، مأْخوذ مِنَ الشَّاةِ الرُّبَّى؛ وأَنشد أَبو الطَّيِّبِ:
أَتَيْتُك فِي الحَنِين فقلتَ: رُبَّى ... وَمَاذَا بَيْنَ رُبَّى والحَنِينِ؟
والحَنِينُ: اسم لجمادى الأُولى.
رهن: الرَّهْنُ: مَعْرُوفٌ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: الرَّهْنُ مَا وُضِعَ عِنْدَ الإِنسان مِمَّا يَنُوبُ مَنَابَ مَا أُخذ مِنْهُ. يُقَالُ: رَهَنْتُ فُلَانًا دَارًا رَهْناً وارْتَهنه إِذَا أَخذه رَهْناً، وَالْجَمْعُ رُهون ورِهان ورُهُنٌ، بِضَمِّ الْهَاءِ؛ قَالَ: وَلَيْسَ رُهُن جمعَ رِهان لأَن رِهاناً جَمْعٌ، وَلَيْسَ كُلُّ جَمْعٍ يُجْمَعُ إِلَّا أَن يُنَصَّ عَلَيْهِ بَعْدَ أَن لَا يَحْتَمِلَ غَيْرَ ذَلِكَ كأَكْلُب وأَكالِب وأَيْدٍ وأَيادٍ وأَسْقِية وأَساقٍ، وَحَكَى ابْنُ جِنِّي فِي جَمْعِهِ رَهين كعَبْدٍ وعَبيدٍ، قَالَ الأَخفش فِي جَمْعِهِ عَلَى رُهُنٍ قَالَ: وَهِيَ قَبِيحَةٌ لأَنه لَا يُجْمَعُ فَعْل عَلَى فُعُل إِلَّا قَلِيلًا شَاذًّا، قَالَ: وَذَكَرَ أَنهم يَقُولُونَ سَقْفٌ وسُقُفٌ، قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ رُهُنٌ جَمْعًا لِلرِّهَانِ كأَنه يُجْمَعُ رَهْن عَلَى رِهان، ثُمَّ يُجْمَعُ رِهان عَلَى رُهُن مِثْلُ فِراشٍ وفُرُش. والرَّهينة: وَاحِدَةُ الرَّهائن. وَفِي الْحَدِيثِ:
كُلُّ غُلَامٍ رَهينة بِعَقِيقَتِهِ
؛ الرَّهينة: الرَّهْنُ، وَالْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ كالشَّتيمة والشَّتْم، ثُمَّ اسْتُعْمِلَا فِي مَعْنَى المَرْهون فَقِيلَ: هُوَ رَهْن بِكَذَا ورَهِينة بِكَذَا، وَمَعْنَى قَوْلِهِ رَهِينَةٌ بِعَقِيقَتِهِ أَن الْعَقِيقَةَ لَازِمَةٌ لَهُ لَا بُدَّ مِنْهَا، فَشَبَّهَهُ فِي لُزُومِهَا لَهُ وَعَدَمِ انْفِكَاكِهِ مِنْهَا بالرَّهْن فِي يَدِ المُرْتَهِن. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي هَذَا وأَجود مَا قِيلَ فِيهِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَحمد بْنُ حَنْبَلٍ، قَالَ: هَذَا فِي الشَّفَاعَةِ، يُرِيدُ أَنه إِذَا لَمْ يُعَقَّ عَنْهُ فَمَاتَ طِفْلًا لَمْ يَشْفَعْ فِي وَالِدَيْهِ، وَقِيلَ: معناه أَنه مَرْهُونٌ بأَذى شَعْره، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ:
فأَمِيطُوا عَنْهُ الأَذى
، وَهُوَ مَا عَلِقَ بِهِ مِنْ دَمِ الرَّحِمِ. ورَهَنَه الشيءَ يَرْهَنه رَهْناً ورَهَنَه عِنْدَهُ، كِلَاهُمَا: جَعَلَهُ عِنْدَهُ رَهْناً. قَالَ الأَصمعي: وَلَا يُقَالُ أَرْهَنتُه. ورَهَنَه عَنْهُ: جَعَلَهُ رَهْناً بَدَلًا مِنْهُ؛ قَالَ:
ارْهَنْ بَنِيكَ عنهمُ أَرْهَنْ بَني
أَراد أَرْهَن أَنا بَنِيَّ كَمَا فَعَلْتَ أَنت، وَزَعَمَ ابْنُ جِنِّي أَن هَذَا الشِّعْرَ جَاهِلِيٌّ. وأَرْهَنته الشَّيْءَ: لُغَةٌ؛ قَالَ هَمَّام بْنُ مُرَّةَ، وَهُوَ فِي الصِّحَاحِ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنُ هَمَّامٍ السَّلُولي:
فَلَمَّا خَشِيتُ أَظافيرَهُمْ، ... نَجَوْتُ وأَرْهَنْتُهم مَالِكَا
غَريباً مُقِيماً بِدَارِ الهَوانِ، ... أَهْوِنْ علَيَّ بِهِ هالِكا
وأَحْضَرتُ عُذْرِي عليه الشُّهُودَ، ... إنْ عَاذِرًا لِي، وَإِنْ تَارِكَا
وَقَدْ شَهِدَ الناسُ، عند الإِمامِ، ... أَني عَدُوٌّ لأَعْدَائكا
__________
(3) . قوله [الرنى شهر جمادى] الذي في القاموس: ورنى، بلا لام، شهر جمادى(13/188)
وأَنكر بَعْضُهُمْ أَرهنته، وَرُوِيَ هَذَا الْبَيْتُ: وأَرْهَنُهُم مَالِكَا، كَمَا تَقُولُ: قُمْتُ وأَصُكُّ عَيْنَهُ؛ قَالَ ثَعْلَبٌ: الرُّواة كُلُّهُمْ عَلَى أَرْهَنْتُهم، عَلَى أَنه يَجُوزُ رَهَنْتُه وأَرْهَنْته، إلَّا الأَصمعي فَإِنَّهُ رَوَاهُ وأَرْهَنُهم مَالِكَا عَلَى أَنه عَطَفَ بِفِعْلٍ مُسْتَقْبَلٍ عَلَى فِعْلٍ مَاضٍ، وَشَبَّهَهُ بِقَوْلِهِمْ قمتُ وأَصُكُّ وجهَه، وَهُوَ مَذْهَبٌ حَسَنٌ لأَن الْوَاوَ واو حَالٌ، فَيَجْعَلُ أَصُك حَالًا لِلْفِعْلِ الأَول عَلَى مَعْنَى قُمْتُ صَاكًّا وَجْهَهُ أَي تَرَكْتُهُ مُقِيمًا عِنْدَهُمْ، لَيْسَ مِنْ طَرِيقِ الرَّهْنِ، لأَنه لَا يُقَالُ أَرْهَنْتُ الشَّيْءَ، وَإِنَّمَا يُقَالُ رَهَنْتُه، قَالَ: وَمَنْ رَوَى وأَرهنتهم مَالِكًا فَقَدْ أَخطأَ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَشَاهِدُ رَهَنْته الشيءَ بَيْتُ أُحَيْحة بْنِ الجُلاح:
يُراهِنُني فيَرْهَنُني بَنِيهِ، ... وأَرْهَنُه بَنِيَّ بِمَا أَقُولُ
. وَمِثْلُهُ للأَعشى:
آلَيْتُ لَا أُعطيه مِنْ أَبنائنا ... رُهُناً فيُفْسِدُهم كَمَنْ قَدْ أَفْسَدا
حَتَّى يُفِيدَك مِنْ بَنِيهِ رَهِينةً ... نَعْشٌ، ويَرْهَنك السِّماك الفَرْقدا
. وَفِي هَذَا الْبَيْتِ شَاهِدٌ عَلَى جَمْعِ رَهْنٍ عَلَى رُهُنٍ. وأَرْهَنْتُه الثوبَ: دَفَعْتُهُ إِلَيْهِ ليَرْهَنه. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: رَهَنْتُه لِسَانِي لَا غَيْرَ، وأَما الثَّوْبُ فرَهَنْتُه وأَرْهَنْتُه مَعْرُوفَتَانِ. وَكُلُّ شَيْءٍ يُحْتَبَس بِهِ شَيْءٌ فَهُوَ رَهِينه ومُرْتَهَنه. وارْتَهَن مِنْهُ رَهْناً: أَخذه. والرِّهانُ والمُراهَنة: المُخاطرة، وَقَدْ راهَنه وَهُمْ يَتَراهنُون، وأَرْهَنُوا بَيْنَهُمْ خَطَراً: بَدَلُوا مِنْهُ مَا يَرْضى بِهِ الْقَوْمُ بَالِغًا مَا بَلَغَ، فَيَكُونُ لَهُمْ سَبَقاً. وراهَنْتُ فُلَانًا عَلَى كَذَا مُراهنة: خَاطَرْتُهُ. التَّهْذِيبُ: وأَرْهَنْتُ ولَدي إِرْهَانًا أَخطرتهم خَطَراً. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ
؛ قرأَ نَافِعٌ وَعَاصِمٌ وأَبو جَعْفَرٍ وشَيْبةُ: فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ
، وقرأَ أَبو عَمْرٍو وَابْنُ كَثِيرٍ:
فرُهُنٌ مَقْبُوضَةٌ
، وَكَانَ أَبو عَمْرٍو يَقُولُ: الرِّهانُ فِي الْخَيْلِ؛ قَالَ قَعْنَب:
بَانَتْ سُعادُ، وأَمْسَى دُونها عَدَنُ، ... وغَلِقَتْ عندَها مِنْ قَبْلِكَ الرُّهُنُ
. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مَنْ قرأَ
فَرُهُن
فَهِيَ جَمْعُ رِهانٍ مِثْلُ ثُمُرٍ جَمْعِ ثِمارٍ، والرُّهُنُ فِي الرَّهْنِ أَكثر، والرِّهانُ فِي الْخَيْلِ أَكثر، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ
؛ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الرَّهْنُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ هُوَ الشَّيْءُ الْمُلْزَمُ. يُقَالُ: هَذَا راهِنُ لَكَ أَي دَائِمٌ مَحْبُوسٌ عَلَيْكَ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ
وكُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ
؛ أَي مُحْتَبَس بِعَمَلِهِ، ورَهِينة مَحْبُوسَةٌ بِكَسْبِهَا. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الرَّهْن يُجْمَعُ رِهاناً مِثْلُ نَعْلٍ ونِعال؛ ثُمَّ الرِّهانُ يُجْمَعُ رُهُناً. وَكُلُّ شَيْءٍ ثَبَتَ وَدَامَ فَقَدْ رَهَنَ. والمُراهَنَةُ والرهانُ: الْمُسَابَقَةُ عَلَى الْخَيْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وأَنا لَكَ رَهْنٌ بالرِّيّ وَغَيْرِهِ أَي كَفيل؛ قَالَ:
إِنِّي ودَلْوَيَّ لَهَا وصاحبِي، ... وحَوْضَها الأَفْيَحَ ذَا النصائبِ،
رَهْنٌ لَهَا بالرِّيّ غَيْرِ الكاذِبِ
وأَنشد الأَزهري:
إِنَّ كَفِّي لَكَ رَهْنٌ بالرِّضا
. أَي أَنا كَفِيلٌ لَكَ. وَيَدِي لَكَ رَهْنٌ: يُرِيدُونَ بِهِ الْكَفَالَةَ؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:
والمَرْءُ مَرْهُونٌ، فَمَنْ لَا يُخْتَرَمْ ... بعاجِلِ الحَتْفِ، يُعاجَلْ بالهَرَمْ
قَالَ: أَرْهَنَ أَدامَ لَهُمْ. أَرْهَنْتُ لَهُمْ طَعَامِي وأَرْهَيْته أَي أَدمته لَهُمْ. وأَرْهَى لَكَ الأَمر أَي(13/189)
أَمْكنك، وَكَذَلِكَ أَوْهَب. قَالَ: والمَهْوُ والرَّهْوُ والرخَفُ وَاحِدٌ، وَهُوَ اللِّينُ. وَقَدْ رَهَنَ فِي الْبَيْعِ وَالْقَرْضِ، بِغَيْرِ أَلف، وأَرْهَنَ بالسلْعة وَفِيهَا: غالَى بِهَا وَبَذَلَ فِيهَا مَالَهُ حَتَّى أَدركها؛ قَالَ: وَهُوَ مِنَ الْغَلَاءِ خَاصَّةً: قَالَ:
يَطْوي ابنُ سَلْمَى بِهَا مِنْ راكبٍ بُعُداً ... عِيديَّةً أُرْهِنَتْ فيه الدَّنانيرُ «1»
. وَيُرْوَى صَدْرُ الْبَيْتِ:
ظَلَّتْ تَجُوبُ بِهَا البُلْدانَ ناجيةٌ
. والعِيديّة: إِبِلٌ مَنْسُوبَةٌ إِلَى الْعِيدِ، والعيدُ: قَبِيلَةٌ مِنْ مَهْرة، وإِبلُ مَهْرة مَوْصُوفَةٌ بِالنَّجَابَةِ؛ وأَورد الأَزهري هَذَا الْبَيْتَ مُسْتَشْهِدًا عَلَى قوله أَرْهَنَ فِي كَذَا وَكَذَا يُرْهِنُ إِرْهاناً إِذَا أَسلف فِيهِ. وَيُقَالُ: أَرْهَنت فِي السِّلْعَةِ بِمَعْنَى أَسلفت. والمُرْتَهِنُ: الَّذِي يأْخذ الرَّهْنَ، وَالشَّيْءُ مَرْهُونٌ ورهِين، والأُنثى رَهِينة. والراهِنُ: الثَّابِتُ. وأَرْهَنه لِلْمَوْتِ: أَسلمه؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. وأَرْهَنَ الميتَ قَبْرًا: ضَمَّنه إِيَّاهُ، وَإِنَّهُ لرَهِينُ قبرٍ وبِلىً، والأُنثى رَهِينة. وَكُلُّ أَمر يُحْتبس بِهِ شَيْءٌ فَهُوَ رَهِينه ومُرْتَهَنه، كَمَا أَن الإِنسان رَهِينُ عَمَلِهِ. ورَهَنَ لَكَ الشيءُ: أَقام وَدَامَ. وَطَعَامٌ راهِنٌ: مُقِيمٌ؛ قَالَ:
الخُبْزُ واللَّحْمُ لَهُمْ راهِنٌ، ... وقَهْوَةٌ راوُوقُها ساكِبُ
. وأَرْهَنه لَهُمْ ورَهَنه: أَدامه، والأَول أَعلى. التَّهْذِيبُ: أَرْهَنْتُ لَهُمُ الطَّعَامَ والشرابَ إِرْهَانًا أَي أَدمته. وَهُوَ طَعَامٌ راهِنٌ أَي دَائِمٌ؛ قَالَهُ أَبو عَمْرٍو؛ وأَنشد للأَعشى يَصِفُ قَوْمًا يَشْرَبُونَ خَمْرًا لَا تَنْقَطِعُ:
لَا يَسْتَفِيقُونَ مِنْهَا، وَهِيَ راهِنَةٌ، ... إِلَّا بهاتِ، وَإِنْ عَلُّوا وَإِنْ نَهِلُوا
. ورَهَنَ الشيءُ رَهْناً: دَامَ وَثَبَتَ. وراهِنةٌ فِي الْبَيْتِ: دَائِمَةٌ ثَابِتَةٌ. وأَرْهَنَ لَهُ الشرَّ: أَدامه وأَثبته لَهُ حَتَّى كَفَّ عَنْهُ. وأَرْهَنَ لَهُمْ مَالَهُ: أَدامه لَهُمْ. وَهَذَا راهنٌ لَكَ أَي مُعَدٌّ. والراهِنُ: الْمَهْزُولُ المُعْيي مِنَ النَّاسِ والإِبل وَجَمِيعِ الدَّوَابِّ، رَهَنَ يَرْهَنُ رُهُوناً؛ وأَنشد الأُمَوِيّ:
إِمَّا تَرَيْ جِسْمِيَ خَلًّا قَدْ رَهَنْ ... هَزْلًا، وَمَا مَجْدُ الرِّجالِ فِي السِّمَنْ
. ابْنُ شُمَيْلٍ: الرَّاهِنُ الأَعْجَفُ مِنْ رُكُوبٍ أَو مَرَضٍ أَو حَدَث؛ يُقَالُ: رَكِبَ حَتَّى رَهَنَ. الأَزهري: رأَيت بِخَطِّ أَبي بَكْرٍ الإِيادي: جَارِيَةٌ أُرْهُونٌ أَي حَائِضٌ؛ قَالَ: وَلَمْ أَره لِغَيْرِهِ. والرَّاهنة مِنَ الْفَرَسِ: السُّرَّة وَمَا حَوْلَهَا. والرَّاهُونُ: اسْمُ جَبَلٍ بِالْهِنْدِ، وَهُوَ الَّذِي هَبَطَ عَلَيْهِ آدَمُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ. ورُهْنانُ: مَوْضِعٌ. ورُهَيْنٌ والرَّهِينُ: اسْمَانِ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
عَرَفْتُ الدِّيارَ لأُمِّ الرَّهِينِ ... بَيْنَ الظُّباءِ فَوادِي عُشَرْ.
رهدن: الرَّهْدَنُ: الرَّجُلُ الجَبانُ شبِّه بِالطَّائِرِ. ابْنُ سِيدَهْ: الرَّهْدَنُ والرَّهْدَنةُ والرُّهْدُونُ كالرَّهْدَلِ الَّذِي هُوَ الطَّائِرُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. والرَّهادِنُ: طَيْرٌ بِمَكَّةَ أَمثال الْعَصَافِيرِ، الْوَاحِدُ رَهْدَنٌ. الأَصمعي وَغَيْرُهُ: الرَّهادِنُ والرَّهادِلُ وَاحِدُهَا رَهْدَنَةٌ ورَهْدَلَةٌ، وَهُوَ طَائِرٌ شَبِيهٌ بالقُبَّرة إِلَّا أَنه لَيْسَتْ لَهُ قُنْزُعة، وَفِي الصِّحَاحِ: طَائِرٌ يُشْبِهُ الحُمَّر إِلَّا أَنه أَدْبَسُ، وَهُوَ أَكبر مِنَ الحُمَّر؛ وقال:
__________
(1) . قوله [من راكب] كذا في الأَصل، والذي في المحكم: في راكب، وفي التهذيب: عن(13/190)
تَذَرَّيْننا بالقولِ حَتَّى كأَنه ... تَذَرِّيَ وِلْدَانٍ يَصِدْنَ رَهادنا
والرَّهْدَنُ: الأَحمق كالرَّهْدَلِ؛ قَالَ:
قُلْتُ لَهَا: إياكِ أَن تَوَكَّنِي ... عنديَ فِي الجلْسةِ، أَوْ تَلَبَّنِي
عليكِ، مَا عشتِ، بذاكَ الرَّهْدَنِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الرَّهْدَنُ الأَحمق. والرَّهْدَنُ: الْعُصْفُورُ الصَّغِيرُ أَيضاً، وَقَدْ تُبْدَلُ النُّونُ لَامًا فَيُقَالُ الرَّهْدَلُ، كَمَا قَالُوا طَبَرْزَن وطَبَرْزَلٌ وطَبَرْزَذ، وجمعُ الرَّهْدَنِ الأَحمقِ الرَّهَادِنَةُ مِثْلُ الفَراعِنة. والرُّهْدُونُ: الْكَذَّابُ. والرَّهْدَنَة: الإِبْطاء، وَقَدْ رَهْدَنَ؛ وَرُوِيَ عَنْ ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي أَنه أَنشده لِرَجُلٍ فِي تَيْس اشْتَرَاهُ مِنْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ سَكَن:
رأَيتُ تَيْساً راقَنِي لسَكَنِ، ... مُخَرْفَجَ الغِذَاءِ غيرَ مُجْحَنِ،
أَهْدَبَ مَعْقُودَ القَرَا خُبَعْثِنِ، ... فقُلْتُ: بِعنيه، فَقَالَ: أَعْطِني
فقُلْتُ: نَقْدِي ناسئٌ فأَضْمَنِ، ... فنَدَّ حَتَّى قُلْتُ: مَا إِن يَنْثَنِي
فجئتُ بالنَّقْدِ وَلَمْ أُرَهْدِنِ
أَي لَمْ أُبْطِئْ وَلَمْ أَحْتَبِس بِهِ. التَّهْذِيبُ: والأَزْدُ تُرَهْدِنُ فِي مشْيتها كأَنها تستدير.
رون: الرُّونُ: الشِّدَّة، وَجَمْعُهَا رُوُون. والرُّونَة: الشِّدَّة. ابْنُ سِيدَهْ: رُونة الشَّيْءِ شِدَّته ومُعْظَمُه؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
إِنْ يُسْرِ عَنْكَ اللهُ رُونَتَها، ... فعَظِيمُ كُلِّ مُصيبةٍ جَلَلُ
وَكَشَفَ اللَّهُ عَنْكَ رُونَة هَذَا الأَمر أَي شدَّته وغُمَّته وَيُقَالُ: رُونَةُ الشَّيْءِ غَايَتُهُ فِي حَرٍّ أَو بَرْدٍ أَو غَيْرِهِ مِنْ حُزْنٍ أَو حَرْبٍ وَشَبَهَهُ؛ وَمِنْهُ يومٌ أَرْوَنانٌ «1» . وَيُقَالُ: مِنْهُ أُخذتِ الرُّنَةُ اسْمٌ لِجُمَادَى الْآخِرَةِ لِشِدَّةِ بَرْدِهِ. والرَّوْن: الصِّيَاحُ والجَلَبة، يُقَالُ مِنْهُ: يومٌ ذُو أَرْوَنان وزَجَلٍ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
فَهِيَ تُغَنِّيني بأَرْوَنانِ
أَي بصياحٍ وَجَلَبَةٍ. والرَّوْن أَيضاً: أَقصى المَشارَةِ؛ وأَنشد يُونُسُ:
والنَّقْبُ مِفْتَحُ مَائِهَا والرَّوْن
ويومٌ أَرْوَنانٌ وأَرْوَنانيٌّ: شَدِيدُ الْحَرِّ وَالْغَمِّ، وَفِي الْمُحْكَمِ: بَلَغَ الْغَايَةَ فِي فَرَحٍ أَو حُزْنٍ أَو حَرٍّ، وَقِيلَ: هُوَ الشَّدِيدُ فِي كُلِّ شيءٍ مِنْ حَرٍّ أَو بَرْدٍ أَو جَلَبَةٍ أَو صِيَاحٍ؛ قَالَ النَّابِغَةُ الجَعْديّ:
فظَلَّ لنِسوَةِ النُّعمانِ مِنَّا، ... عَلَى سَفَوانَ، يومٌ أَرْوَنانُ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَكَذَا أَنشده سِيبَوَيْهِ، وَالرِّوَايَةُ الْمَعْرُوفَةُ يومٌ أَرْوناني لأَنَّ الْقَوَافِيَ مَجْرُورَةٌ؛ وَبَعْدَهُ:
فأَرْدَفْنا حَليلتَه، وجِئْنا ... بِمَا قَدْ كَانَ جَمَّعَ مِنْ هِجانِ
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَرْوَناناً أَفْوَعَالٌ مِنَ الرَّنين؛ التَّهْذِيبُ: أَراد أَرْوَنانيّ بِتَشْدِيدِ يَاءِ النِّسْبَةَ كَمَا قَالَ الْآخَرُ:
لَمْ يَبْقَ مِنْ سُنَّة الفارُوق تعرفه ... إلَّا الدُّنَيْنيُّ وإلَّا الدِّرَّةُ الخَلَقُ «2»
. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: إِنَّمَا كَسَرَ النُّونَ عَلَى أَن أَصله أَرْونانيّ عَلَى النَّعْتِ فَحُذِفَتْ يَاءُ النسبة؛ قال الشاعر:
__________
(1) . قوله [أرونان] يجوز إضافة اليوم إليه أيضاً كما في القاموس، وسيشير إليه المؤلف فيما بعد
(2) . قوله [الدنيني] كذا بالأَصل(13/191)
وَلَمْ يَجِبْ وَلَمْ يَكَعْ وَلَمْ يَغِبْ ... عَنْ كلِّ يومٍ أَرْوَنانيّ عَصِبْ
وأَما قَوْلُ الشَّاعِرِ:
حَرَّقَها وارِسُ عُنْظُوانِ، ... فاليومُ مِنْهَا يومُ أَرْوَنانِ
فَيَحْتَمِلُ الإِضافة إِلَى صِفَتِهِ وَيَحْتَمِلُ مَا ذَكَرْنَا. وَلَيْلَةٌ أَرْوَنانة وأَرْوَنانيَّة: شَدِيدَةُ الْحَرِّ وَالْغَمِّ. وَحَكَى ثَعْلَبٌ: رَانَتْ ليلَتَنا اشتدَّ حَرُّهَا وَغَمُّهَا. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَإِنَّمَا حَمَلْنَاهُ عَلَى أَفَعَلان، كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ سِيبَوَيْهِ، دُونَ أَن يَكُونَ أَفْوَعالًا مِنَ الرَّنَّةِ الَّتِي هِيَ الصَّوْتُ، أَو فَعْوَلاناً مِنَ الأَرَنِ الَّذِي هُوَ النَّشَاط، لأَن أَفْوَعالًا عَدَمٌ وإِنَّ فَعْوَلاناً قَلِيلٌ، لأَن مِثْلَ جَحْوَش لَا يَلْحَقُهُ مِثْلُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ، فَلَمَّا عَدِمَ الأَول وقلَّ هَذَا الثَّانِي وصحَّ الِاشْتِقَاقُ حَمَلْنَاهُ عَلَى أَفْعَلان. التَّهْذِيبُ عَنْ شَمِرٍ قَالَ: يومٌ أَرْوَنان إِذَا كَانَ نَاعِمًا؛ وأَنشد فِيهِ بَيْتًا لِلنَّابِغَةِ الْجَعْدِيِّ:
هَذَا ويومٌ لَنَا قَصِيرٌ، ... جَمُّ المَلاهِي أَرْوَنانُ
صَوَابُهُ جمٌّ مَلَاهِيهِ؛ قَالَ: وَهَذَا مِنَ الأَضداد، فَهَذَا الْبَيْتُ فِي الْفَرَحِ، وَكَانَ أَبو الْهَيْثَمِ يُنْكِرُ أَن يَكُونَ الأَرْوَنان فِي غَيْرِ مَعْنَى الْغَمِّ والشدَّة، وأَنكر الْبَيْتُ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ شَمِرٌ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: يومٌ أَرْوَنانٌ مأْخوذ مِنَ الرَّوْنِ، وَهُوَ الشِّدَّةُ، وَجَمْعُهُ رُوُون. وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، طُبَّ أَي سُحِرَ ودُفِنَ سِحْرُه فِي بِئْرِ ذِي أَرْوانَ
؛ قَالَ الأَصمعي: هِيَ بِئْرٌ مَعْرُوفَةٌ؛ قَالَ: وَبَعْضُهُمْ يُخْطِئُ فَيَقُولُ ذَرْوَانَ. والأَرْوَنانُ: الصَّوْتُ؛ وَقَالَ:
بِهَا حاضِرٌ مِنْ غيرِ جِنٍّ يَرُوعُه؛ ... وَلَا أَنَسٍ ذُو أَرْونانٍ وذُو زَجَلْ
ويومٌ أَرْوَنان وَلَيْلَةٌ أَرْوَنانة: شَدِيدَةٌ صَعْبَةٌ. وأَرْوَنان مُشْتَقٌّ مِنَ الرَّون وَهُوَ الشِّدَّةُ. ورَانَ الأَمْرُ رَوْناً أَي اشتد.
رين: الرَّيْنُ: الطَّبَعُ والدَّنَسُ. والرَّيْن: الصَّدأُ الَّذِي يَعْلُو السيفَ والمِرآة. ورَانَ الثوبُ رَيْناً: تَطَبَّعَ. والرَّيْنُ: كالصَّدَإ يَغْشى الْقَلْبَ. ورَانَ الذَّنْبُ عَلَى قَلْبِهِ يَرِينُ رَيْناً ورُيُوناً: غَلَبَ عَلَيْهِ وَغَطَّاهُ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ مَا كانُوا يَكْسِبُونَ
؛ أَي غَلَبَ وطَبَعَ وخَتَم؛ وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ الذَّنْب عَلَى الذَّنْبِ حَتَّى يسوادَّ الْقَلْبُ؛ قَالَ الطِّرِمَّاحُ:
مخافَةَ أَن يَرِينَ النَّوْمُ فِيهِمْ، ... بسُكْرِ سِناتِهم، كلَّ الرُّيونِ
. ورِينَ عَلَى قَلْبِهِ: غُطِّي. وَكُلُّ مَا غَطَّى شَيْئًا فَقَدْ رانَ عَلَيْهِ. ورانَتْ عَلَيْهِ الْخَمْرُ: غَلَبَتْهُ وَغَشِيَتْهُ، وَكَذَلِكَ النُّعاس وَالْهَمُّ، وَهُوَ مَثَل بِذَلِكَ، وَقِيلَ: كُلُّ غَلَبَةٍ رَيْنٌ؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي الْآيَةِ: كَثُرَتِ الْمَعَاصِي مِنْهُمْ وَالذُّنُوبُ فأَحاطت بِقُلُوبِهِمْ فَذَلِكَ الرَّيْن عَلَيْهَا. وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ:
أَن عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ فِي أُسَيْفِع جُهَينة لَمَّا رَكِبَهُ الدَّيْن: قَدْ رِينَ بِهِ
؛ يَقُولُ قَدْ أَحاط بِمَالِهِ الدَّيْنُ وَعَلَّتْهُ الدُّيُونُ، وَفِي رِوَايَةٍ:
أَن عُمَرَ خَطَبَ فَقَالَ: أَلا إِنَّ الأُسَيْفِعَ أُسَيْفِعَ جُهَينة قَدْ رَضِيَ مِنْ دِينِهِ وأَمانته بأَن يُقَالَ سَبَقَ الْحَاجُّ فادَّانَ مُعْرِضاً وأَصْبَحَ قَدْ رِينَ بِهِ
؛ قَالَ أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ رِينَ بِالرَّجُلِ رَيْناً إِذَا وَقَعَ فِيمَا لَا يَسْتَطِيعُ الْخُرُوجَ مِنْهُ وَلَا قِبَل لَهُ بِهِ، وَقِيلَ: رِينَ به انقُطِعَ به، وَقَوْلُهُ فادَّان مُعْرِضاً أَي اسْتَدَانَ(13/192)
مُعْرِضاً عَنِ الأَداء، وَقِيلَ: اسْتَدَانَ مُعْتَرِضاً لِكُلِّ مَنْ يُقْرِضه، وأَصل الرَّيْن الطَّبْعُ وَالتَّغْطِيَةُ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَتَعْلَمُ أَيُّنا المَرِينُ عَلَى قَلْبِهِ والمُغَطَّى عَلَى بَصَرِهِ
؛ المَرِينُ: الْمَفْعُولُ بِهِ الرَّيْنُ، والرَّيْنُ سَوَادُ الْقَلْبِ، وَجَمْعُهُ رِيانٌ. وَرَوَى
أَبو هُرَيْرَةَ أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ
، قَالَ: هُوَ الْعَبْدُ يُذْنِبُ الذَّنْبَ فَتُنْكَتُ فِي قَلْبِهِ نُكَتْةٌ سوداءُ، فَإِنْ تَابَ مِنْهَا صُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ عَادَ نُكِتت أُخرى حتى يسودّ الْقَلْبُ، فَذَلِكَ الرَّيْنُ
؛ وَقَالَ أَبو مُعَاذٍ النَّحْوِيُّ: الرَّيْن أَن يَسْوَدَّ الْقَلْبُ مِنَ الذُّنُوبِ، والطَّبَع أَن يُطْبَع عَلَى الْقَلْبِ، وَهُوَ أَشد مِنَ الرَّيْن، قَالَ: وَهُوَ الْخَتْمُ، قَالَ: والإِقْفال أَشد مِنَ الطَّبْع، وَهُوَ أَن يُقْفَل عَلَى الْقَلْبِ؛ وَقَالَ الزَّجَّاجُ: رانَ بِمَعْنَى غَطَّى عَلَى قُلُوبِهِمْ. يُقَالُ: رَانَ عَلَى قَلْبِهِ الذنبُ إِذَا غُشِيَ عَلَى قَلْبِهِ. وَفِي حَدِيثِ
مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ؛ قَالَ: هُوَ الرَّانُ والرَّيْنُ سَوَاءٌ كالذَّامِ والذَّيْمِ والعابِ والعَيْبِ.
قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: كُلُّ مَا غَلَبَكَ وعَلاك فَقَدْ رانَ بِكَ وَرَانَكَ ورانَ عَلَيْكَ؛ وأَنشد لأَبي زُبَيْدٍ يَصِفُ سكرانَ غَلَبَتْ عَلَيْهِ الْخَمْرُ:
ثُمَّ لَمَّا رآه رانَتْ به الخمرُ، ... وأَن لَا تَرِينَه باتِّقاءِ
. قَالَ: رَانَتْ بِهِ الْخَمْرُ أَي غَلَبَتْ عَلَى قَلْبِهِ وَعَقْلِهِ. ورانتِ الخمرُ عَلَيْهِ: غَلَبَتْهُ. والرَّيْنَة: الْخَمْرَةُ، وَجَمْعُهَا رَيْناتٌ. ورانَ النُّعاسُ فِي الْعَيْنِ. وَرَانَتْ نَفْسُه: غَثَتْ. ورِينَ بِهِ: ماتَ. ورِينَ بِهِ رَيْناً: وَقَعَ فِي غَمٍّ، وَقِيلَ: رِينَ بِهِ انْقُطِع بِهِ وَهُوَ نَحْوُ ذَلِكَ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
ضَحَّيْتُ حَتَّى أَظْهَرَتْ ورِينَ بِي، ... ورِينَ بالسَّاقي الَّذِي كَانَ مَعِي
ورانَ عَلَيْهِ الموتُ ورانَ بِهِ: ذَهَبَ. وأَرانَ القومُ، فَهُمْ مُرِينُون: هَلَكَتْ مَوَاشِيهِمْ وهُزِلَتْ، وَفِي الْمُحْكَمِ: أَو هُزِلَتْ، وَهُمْ مُرِينُون؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَهَذَا مِنَ الأَمر الَّذِي أَتاهم مِمَّا يَغْلِبُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ احْتِمَالَهُ. ورانَتْ نَفْسُه تَرِين رَيْناً أَي خَبُثَتْ وغَثَت. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِن الصُّيَّام يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ مِنْ بَابِ الرَّيَّان
؛ قَالَ الحَرْبي: إِنْ كَانَ هَذَا اسْمًا لِلْبَابِ وَإِلَّا فَهُوَ مِنَ الرَّواء، وَهُوَ الْمَاءُ الَّذِي يُرْوِي، فَهُوَ رَيَّان، وامرأَة رَيَّا، فالرَّيَّان فَعْلان مِنَ الرِّيّ، والأَلف وَالنُّونُ زَائِدَتَانِ مِثْلُهُمَا فِي عَطْشَانُ، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ رَيّا لَا رَيْنَ، وَالْمَعْنَى أَن الصُّيَّام بِتَعْطِيشِهِمْ أَنفسهم فِي الدُّنْيَا يَدْخُلُونَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ ليأْمنوا مِنَ الْعَطَشِ قَبْلَ تمكنهم من الجنة.
فصل الزاي
زأن: الزُّؤَانُ: حَبٌّ يَكُونُ فِي الطَّعَامِ، وَاحِدَتُهُ زُؤَانة، وَقَدْ زُئِن. والزُّؤان أَيضاً: رَدِيءُ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ. والزُّؤان. الَّذِي يُخالط البُرَّ، وَهِيَ حَبَّةٌ تُسْكِرُ، وَهِيَ الدَّنْقة أَيضاً، وَفِيهِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ: زُؤَان وزُوان، بِغَيْرِ هَمْزٍ، وزِئان وزِوان، بِالْكَسْرِ فِيهِمَا. وَحَكَى ثَعْلَبٌ: كَلْبٌ زِئْنِيّ، بِالْهَمْزِ، قَصِيرٌ، وَلَا تَقُلْ صِينيّ. وَذُو يَزَنَ: مَلِكٍ مِنْ مُلوك حِمْير، أَصله يَزْأَنُ مِنْ لَفْظِ الزُّؤان، قَالَ: وَلَا يَجِبُ صَرْفُهُ لِلزِّيَادَةِ فِي أَوَّله وَالتَّعْرِيفِ. ورُمْح يَزَنِيّ وأَزَنِيّ ويَزْأَنِيّ وأَزْأَنِيّ وأَيْزَنِيّ عَلَى الْقَلْبِ، وآزَنِيّ عَلَى الْقَلْبِ أَيضاً.(13/193)
زبن: الزَّبْنُ: الدَّفْع. وزَبَنَتِ النَّاقَةُ إِذَا ضَرَبَتْ بثَفِناتِ رِجْلَيْهَا عِنْدَ الْحَلْبِ، فالزَّبْنُ بالثَّفِنات، وَالرَّكْضُ بالرجْل، والخَبْط بِالْيَدِ. ابْنُ سِيدَهْ وَغَيْرُهُ: الزَّبْنُ دَفْعُ الشَّيْءِ عَنِ الشَّيْءِ كَالنَّاقَةِ تَزْبِنُ وَلَدَهَا عَنْ ضَرْعِهَا بِرِجْلِهَا وتَزْبِنُ الْحَالِبَ. وزَبَن الشيءَ يَزْبِنُه زَبْناً وزَبَنَ بِهِ وزَبَنَت النَّاقَةُ بثَفناتِها عِنْدَ الْحَلْبِ: دَفَعَتْ بِهَا. وزَبَنَتْ وَلَدَهَا: دَفَعَتْهُ عَنْ ضَرْعِهَا بِرِجْلِهَا. وَنَاقَةٌ زبُون: دَفُوع، وزُبُنَّتاها رِجْلَاهَا لأَنها تَزْبِنُ بِهِمَا؛ قَالَ طُرَيْحٌ:
غُبْسٌ خَنابِسُ كلُّهنَّ مُصَدَّرٌ، ... نَهْدُ الزُّبُنَّةِ، كالعَرِيشِ، شَتِيمُ
. وَنَاقَةٌ زَفُون وزَبُونٌ: تَضْرِبُ حَالِبَهَا وَتَدْفَعُهُ، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي إِذَا دَنَا مِنْهَا حَالِبُهَا زَبَنَتْه بِرِجْلِهَا. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: كالنَّاب الضَّرُوسِ تَزْبِنُ بِرِجْلِهَا
أَي تَدْفَعُ. وَفِي حَدِيثِ
مُعَاوِيَةَ: وَرُبَّمَا زَبَنَتْ فَكَسَرَتْ أَنف حَالِبَهَا.
وَيُقَالُ لِلنَّاقَةِ إِذَا كَانَ مِنْ عَادَتِهَا أَن تَدْفَعَ حَالِبَهَا عَنْ حَلبها: زَبُون. وَالْحَرْبُ تَزْبِنُ الناسَ إِذَا صدَمتهم. وَحَرْبٌ زَبُون: تَزْبِنُ النَّاسَ أَي تَصْدِمِهُم وَتَدْفَعُهُمْ، عَلَى التَّشْبِيهِ بِالنَّاقَةِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَن بَعْضَ أَهلها يَدْفَعُ بَعْضَهَا لِكَثْرَتِهِمْ. وَإِنَّهُ لَذُو زَبُّونة أَي ذُو دَفْعٍ، وَقِيلَ أَي مانعٌ لِجَنْبِهِ؛ قَالَ سَوَّار بْنُ المُضَرِّب:
بِذَبِّي الذَّمَّ عَنْ أَحْسابِ قَوْمِي، ... وزَبُّوناتِ أَشْوَسَ تَيَّحانِ
والزَّبُّونَةُ مِنَ الرِّجَالِ: الشَّدِيدُ الْمَانِعُ لِمَا وَرَاءَ ظَهْرِهِ. وَرَجُلٌ فِيهِ زَبُّونة، بِتَشْدِيدِ الْبَاءِ، أَي كِبْر. وتَزابَن القومُ: تَدَافَعُوا. وزابَنَ الرجلَ: دَافَعَهُ؛ قَالَ:
بمِثْلِي زابَنِي حِلْماً ومَجْداً، ... إِذَا الْتَقَتِ المَجامعُ للخُطوبِ
وحَلَّ زَبْناً مِنْ قَوْمِهِ وزِبْناً أَي نَبْذَةً، كأَنه انْدَفَعَ عَنْ مَكَانِهِمْ، وَلَا يَكَادُ يُسْتَعْمَلُ إِلَّا ظَرْفًا أَو حَالًا. والزَّابِنَة: الأَكمة الَّتِي شَرَعَتْ فِي الْوَادِي وانعَرَج عَنْهَا كأَنها دَفَعَتْهُ. والزِّبْنِيَةُ: كُلُّ مُتَمَرِّدٍ مِنَ الْجِنِّ والإِنس. والزِّبْنِيَة: الشَّدِيدُ؛ عَنِ السِّيرَافِيِّ، وَكِلَاهُمَا مِنَ الدَّافِعِ. والزَّبانِية: الَّذِينَ يَزْبِنون الناسَ أَي يَدْفَعُونَهُمْ؛ قَالَ حَسَّانُ:
زَبانِيَةٌ حولَ أَبياتهم، ... وخُورٌ لَدَى الحربِ فِي المَعْمَعه
وَقَالَ قَتَادَةُ: الزَّبانِية عِنْدَ الْعَرَبِ الشُّرَطُ، وَكُلُّهُ مِنَ الدَّفْع، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ بَعْضُ الْمَلَائِكَةِ لِدَفْعِهِمْ أَهل النَّارِ إِلَيْهَا. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَلْيَدْعُ نادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ
؛ قَالَ قَتَادَةُ: فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ حَيَّه وَقَوْمَهُ، فَسَنَدْعُو الزَّبَانِيَةَ قَالَ: الزَّبانية فِي قَوْلِ الْعَرَبِ الشُّرَط؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ سندعو الزَّبَانِيَةَ وَهُمْ يَعْمَلُونَ بالأَيْدي والأَرجل فَهُمْ أَقوى؛ قَالَ الْكِسَائِيُّ: وَاحِدُ الزَّبانية زِبْنيٌّ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الزَّبانية الْغِلَاظُ الشِّدَادُ، وَاحِدُهُمْ زِبْنية، وَهُمْ هَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ، وَهُمُ الزَّبانية. وَرُوِيَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ
، قَالَ: قَالَ أَبو جَهْلٍ لَئِنْ رأَيت مُحَمَّدًا يُصَلِّي لأَطَأَنَّ عَلَى عُنُقِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ فَعَلَهُ لأَخذته الْمَلَائِكَةُ عِياناً
؛ وَقَالَ الأَخفش: قَالَ بَعْضُهُمْ وَاحِدُ الزَّبَانِيَةِ زَبانيّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: زابنٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: زِبْنِيَة مِثْلُ عِفْرية، قَالَ: وَالْعَرَبُ لَا تَكَادُ تَعْرِفُ هَذَا وَتَجْعَلُهُ مِنَ الْجَمْعِ الَّذِي لَا وَاحِدَ لَهُ مِثْلَ أَبابيلَ وعَبادِيد. والزِّبِّين: الدَّافِعُ للأَخْبَثَينِ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، وَقِيلَ: هُوَ الْمُمْسِكُ لَهُمَا عَلَى كُرْه. وَفِي الْحَدِيثِ:
خَمْسَةٌ لَا تُقْبَلُ لَهُمْ صَلَاةٌ: رجلٌ صَلَّى بِقَوْمٍ(13/194)
وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ، وامرأَةٌ تَبِيْتُ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا غَضْبَانُ، والجاريةُ البالغةُ تُصَلِّي بِغَيْرِ خِمار، والعبدُ الْآبِقُ حَتَّى يَعُودَ إِلَى مَوْلَاهُ، والزِّبِّينُ
؛ قَالَ الزِّبِّين الدَّافِعُ للأَخبثين وَهُوَ بِوَزْنِ السِّجِّيل، وَقِيلَ: بَلْ هُوَ الزِّنِّين، بِنُونَيْنِ، وَقَدْ رُوِيَ بِالْوَجْهَيْنِ فِي الْحَدِيثِ، وَالْمَشْهُورُ بِالنُّونِ. وزَبَنْتَ عَنَّا هَدِيَّتك تَزْبِنُها زَبْناً: دَفَعْتَهَا وَصَرَفْتَهَا؛ قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: حَقِيقَتُهَا صَرَفْتَ هَدِيَّتَكَ وَمَعْرُوفَكَ عَنْ جِيرَانِكَ وَمَعَارِفِكَ إِلَى غَيْرِهِمْ. وزُبانى الْعَقْرَبِ: قَرْنَاهَا، وَقِيلَ: طَرَفُ قَرْنِهَا، وَهُمَا زُبانَيانِ كأَنها تَدْفَعُ بِهِمَا. والزُّباني: كواكبُ مِنَ الْمَنَازِلِ عَلَى شَكْلِ زُبانى الْعَقْرَبِ. غَيْرُهُ: والزُّبانَيانِ كَوْكَبَانِ نَيِّرانِ، وَهُمَا قَرْنَا الْعَقْرَبِ يَنْزِلُهُمَا الْقَمَرُ. ابْنُ كُناسة: مِنْ كَوَاكِبِ الْعَقْرَبِ زُبانَيا الْعَقْرَبِ، وَهُمَا كَوْكَبَانِ مُتَفَرِّقَانِ أَمام الإِكليل بَيْنَهُمَا قِيدُ رُمْح أَكبر مِنْ قَامَةِ الرَّجُلِ، والإِكْليل ثَلَاثَةُ كَوَاكِبَ مُعْتَرِضَةٍ غَيْرِ مُسْتَطِيلَةٍ. قَالَ أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ زُباني وزُبانَيانِ وزُبَانيات لِلنَّجْمِ، وزُبانى الْعَقْرَبِ وزُبانَياها، وَهُمَا قَرْنَاهَا، وزُبانَيات؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:
فِداك نِكْسٌ لَا يَبِض حَجَرُهْ، ... مُخَرَّقُ العِرْضِ حديدٌ مِمْطَرُهْ،
فِي ليلِ كانونٍ شَديدٍ خَصَرُهْ
وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:
عَضَّ بأَطرافِ الزُّبانى قَمَرُهْ
يَقُولُ: هُوَ أَقْلف لَيْسَ بِمَخْتُونٍ إِلَّا مَا قَلَّص مِنْهُ القَمرُ، وَشَبَّهَ قلْفته بالزُّباني، قَالَ: وَيُقَالُ مَنْ وَلَدَ وَالْقَمَرُ فِي الْعَقْرَبِ فَهُوَ نَحْسٌ؛ قَالَ ثَعْلَبٌ: هَذَا الْقَوْلُ يُقَالُ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، وسأَلته عَنْهُ فأَبى هَذَا الْقَوْلَ وَقَالَ: لَا، وَلَكِنَّهُ اللَّئِيمُ الَّذِي لَا يُطْعِمُ فِي الشِّتَاءِ، وَإِذَا عَضَّ القمرُ بأَطرافِ الزُّبانَى كَانَ أَشد الْبَرْدِ؛ وأَنشد:
وَلَيْلَةُ إِحْدَى اللَّيالي العُرَّمِ، ... بَيْنَ الذِّراعَيْنِ وَبَيْنَ المِرْزَمِ،
تَهُمُّ فِيهَا العَنْزُ بالتَّكَلُّمِ
. وَفِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنه نَهَى عَنِ المُزابنة ورَخَّصَ فِي العَرايا
؛ والمُزابنة: بَيْعُ الرُّطَب على رؤوس النَّخْلِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا، وَكَذَلِكَ كَلُّ ثَمَرٍ بِيعَ عَلَى شَجَرِهِ بِثَمَرٍ كَيْلًا، وأَصله مِنَ الزَّبْنِ الَّذِي هُوَ الدَّفْعُ، وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهُ لأَن الثَّمَرَ بِالثَّمَرِ لَا يَجُوزُ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، فَهَذَا مَجْهُولٌ لَا يُعْلَمُ أَيهما أَكثر، ولأَنه بَيْعُ مُجازفة مِنْ غَيْرِ كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ، ولأَن البَيِّعَيْن إِذَا وَقَفَا فِيهِ عَلَى الغَبْن أَراد الْمَغْبُونُ أَن يَفْسَخَ الْبَيْعَ وأَراد الْغَابِنُ أَن يُمْضيه فتَزابَنا فَتَدَافَعَا وَاخْتَصَمَا، وَإِنَّ أَحدهما إِذَا نَدِمَ زَبَنَ صَاحِبَهُ عَمَّا عَقَدَ عَلَيْهِ أَي دَفَعَهُ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: كأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ يَزْبِنُ صاحبَه عَنْ حَقِّهِ بِمَا يَزْدَادُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهَا لِمَا يَقَعُ فِيهَا مِنَ الْغَبْنِ وَالْجَهَالَةِ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنه قَالَ: المُزابنة كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الجِزافِ الَّذِي لَا يُعْلَمُ كَيْلُهُ وَلَا عَدَدُهُ وَلَا وَزْنُهُ بِيعَ شَيْءٌ مُسَمًّى مِنَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَالْعَدَدِ. وأَخذت زِبْني مِنَ الطَّعَامِ أَي حَاجَتِي. ومَقام زَبْنٌ إِذَا كَانَ ضَيِّقًا لَا يَسْتَطِيعُ الإِنسان أَن يَقُومَ عَلَيْهِ فِي ضِيقِهِ وزَلَقِه؛ قَالَ:
ومَنْهَلٍ أَوْردَنيهِ لَزْنِ ... غيرِ نَميرٍ، ومَقامٍ زَبْنِ
كَفَيْتُه، وَلَمْ أَكُنْ ذَا وَهْنِ
. وَقَالَ مُرَقّش:
ومنزلِ زَبْنٍ مَا أُريد مَبيتَه، ... كأَني بِهِ، مِنْ شِدَّة الرَّوْعِ، آنِسُ(13/195)
ابْنُ شُبْرُمَة: مَا بِهَا زَبِينٌ أَي لَيْسَ بِهَا أَحد. والزَّبُّونة والزُّبُّونة، بِفَتْحِ الزَّايِ وَضَمِّهَا وَشَدِّ الْبَاءِ فِيهِمَا جَمِيعًا: العُنُق؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، قَالَ: وَيُقَالُ خُذْ بقَرْدنِه وبَزَبُّونَتِه أَي بعُنقه. وَبَنُو زَبِينَةَ: حَيٌّ، النَّسَبُ إِلَيْهِ زَباني عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ؛ حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ كأَنهم أَبدلوا الأَلف مَكَانَ الْيَاءِ فِي زَبِينِيٍّ. والحَزِيمَتانِ والزَّبينتانِ: مِنْ بَاهِلَةَ ابن عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ، وَهُمَا حَزِيمةُ وزَبِينَةُ؛ قَالَ أَبو مَعْدان الْبَاهِلِيُّ:
جَاءَ الحَزائمُ والزَّبائِنُ دُلْدُلًا، ... لَا سابقينَ وَلَا مَعَ القُطَّانِ
فعَجِبْتُ مِنْ عَوْفٍ وَمَاذَا كُلِّفَتْ، ... وتَجِيءُ عَوْفٌ آخِرَ الرُّكْبانِ
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وأَما الزَّبُون للغبيِّ والحَرِيف فَلَيْسَ مِنْ كَلَامِ أَهل الْبَادِيَةِ. وزَبَّانُ: اسْمُ رَجُلٍ.
زتن: الزَّيتون: مَعْرُوفٌ، وَالنُّونُ فِيهِ زَائِدَةٌ، وَهُوَ مِثْلُ قَيْعُون مِنَ الْقَاعِ، كَذَلِكَ الزَّيْتُونُ شَجَرُ الزَّيْتِ، وَهُوَ الدُّهْن، وأَرض كَثِيرَةُ الزَّيْتُونِ عَلَى هَذَا فَيْعُولٌ مَادَّةٌ عَلَى حِيالها، والأَكثر فَعْلون مِنَ الزَّيْتِ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي بَابِهِ.
زحن: زَحَنَ عَنْ مَكَانِهِ يَزْحَنُ زَحْناً: تَحَرَّكَ. وزَحَنه عَنْ مَكَانِهِ: أَزاله عَنْهُ. قَالَ الأَزهري: زَحَنَ وزَحَل وَاحِدٌ، وَالنُّونُ مُبْدَلَةٌ مِنَ اللَّامِ. ابْنُ دُرَيْدٍ: الزَّحْنُ الْحَرَكَةُ. وَرَجُلٌ زُحَنٌ: قَصِيرٌ بَطِينٌ، وامرأَة زُحَنة. وتَزحَّنَ عَنْ أَمره: أَبطأَ. وَلَهُمْ زَحْنة أَي شُغْل ببُطءٍ. وَرَجُلٌ زِيْحَنَّةٌ: مُتَبَاطِئٌ عِنْدَ الْحَاجَةِ تُطلب إِلَيْهِ؛ وأَنشد:
إِذَا مَا التَوَى الزِّيحَنَّةُ المُتآزِفُ
وزَحَنَ الرجلُ يَزْحَنُ وتزَحَّن تَزَحُّناً: وَهُوَ بُطؤُه عَنْ أَمره وَعَمَلِهِ، قَالَ: وَإِذَا أَراد رَحيلًا فعَرض لَهُ شُغْل فبَطَّأَ بِهِ قُلْتَ لَهُ زَحْنةٌ بعْدُ. والتَّزَحُّنُ: التَّقَبُّض. ابْنُ الأَعرابي: الزَّحْنة الْقَافِلَةُ بثَقَلِها وتُبَّاعها وحَشَمها. والزُّحْنة: مُنْعَطَفُ الْوَادِي. وَيُقَالُ: تزَحَّنَ عَنِ الشَّيْءِ إِذَا فَعَلَهُ مَعَ كَرَاهِيَةٍ له.
زخن: زَخِنَ الرجلُ زَخَناً: تَغَيَّرَ وجْهُه مِنْ حَزَنٍ أَو مَرَض.
زربن: زِرْبِينُ الْخَابِيَةِ: مَبْزَلها.
زرجن: الزَّرَجُون: الْمَاءُ الصَّافِي يَسْتَنقِع فِي الْجَبَلِ، عَرَبِيٌّ صَحِيحٌ. والزَّرَجُون، بِالتَّحْرِيكِ: الكرْم؛ قَالَ دُكَين بْنُ رجاءٍ، وَقِيلَ هِيَ لِمَنْظُورِ بْنِ حَبَّة:
كأَنَّ، باليُرَنَّإِ المَعْلولِ، ... ماءَ دَوالي زَرَجُونٍ ميلِ
. قَالَ الأَصمعي: هِيَ فَارِسِيَّةٌ مُعَرَّبَةٌ أَي لَوْنِ الذَّهَبِ، وَقِيلَ: هُوَ صَبْغٌ أَحمر؛ قَالَهُ الجَرْميُّ، وَقِيلَ: الزَّرَجون قُضْبان الْكَرْمِ، بِلُغَةِ أَهل الطَّائِفِ وأَهل الغَوْر؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
بُدِّلوا، مِنْ مَنابِتِ الشِّيحِ والإِذْخرِ، ... تِيناً ويانِعاً زَرَجُوناً «3»
. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الزَّرَجُون الْقَضِيبُ يُغْرَسُ مِنْ قُضْبَانِ الْكَرْمِ؛ وأَنشد:
إِلَيْكَ، أَميرَ المؤمنينَ، بَعَثْتُها ... مِنَ الرَّمل تَنْوي مَنبتَ الزَّرَجونِ
يَعْنِي بِمَنْبَتِ الزَّرَجون الشأْم لأَنها أَكثر الْبِلَادِ عِنَبًا؛ كُلُّ ذَلِكَ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ. والزَّرَجون: الْخَمْرُ. قَالَ السِّيرَافِيُّ: هُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرِّبٌ، شُبِّهَ لَوْنُهَا بِلَوْنِ الذَّهَبِ لأَن زَرْ بِالْفَارِسِيَّةِ الذَّهَبُ، وجُون اللَّون، وهم ما
__________
(3) . قوله [بدلوا من منابت إلخ] قال الصاغاني: يعني أنهم هاجروا إلى ريف الشام(13/196)
يَعْكِسُونَ الْمُضَافَ وَالْمُضَافَ إِلَيْهِ عَنْ وَضْعِ الْعَرَبِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
هَلْ تَعْرِفُ الدارَ لأُمِّ الخَزْرَجِ ... منها، فَظِلْتَ [فَظَلْتَ] اليومَ كالمُزَرَّجِ
فإِنه أَراد الَّذِي شَرِب الزَّرَجون، وَهِيَ الْخَمْرُ، فَاشْتَقَّ مِنَ الزَرجون فِعْلًا، وَكَانَ قِيَاسُهُ عَلَى هَذَا أَن يَقُولَ كالمُزَرْجَنِ، مِنْ حَيْثُ كَانَتِ النُّونُ فِي زَرَجُون قِيَاسُهَا أَن تَكُونَ أَصلًا، لأَنها بإِزاء السِّينِ مِنْ قرَبوس، وَلَكِنَّ الْعَرَبَ إِذَا اشْتَقَّتْ مِنَ الأَعجمي خَلَطَتْ فِيهِ. وَذَكَرَ الأَزهري فِي تَرْجَمَةِ زَرَجَ قَالَ: الزَّرَجُون الْخَمْرُ، وَيُقَالُ: شَجَرَتُهَا. ابْنُ شُمَيْلٍ: الزَّرَجُون شَجَرُ الْعِنَبِ، كُلُّ شَجَرَةٍ زَرَجونة؛ قَالَ شَمِرٌ: أُراها فَارِسِيَّةً مُعَرَّبَةَ ذردقون، قَالَ: وَلَيْسَتْ بِمَعْرُوفَةٍ فِي أَسماء الْخَمْرِ؛ غَيْرُهُ: زَرَكون «4» . فَصُيِّرَتِ الْكَافُ جِيمًا، يُرِيدُونَ لون الذهب.
زردن: التَّهْذِيبُ فِي الرُّبَاعِيِّ: ابْنُ الأَعرابي الكَيْنة لَحْمَةٌ دَاخِلُ الزَّرَدانِ، والزَّرْبَنةُ خَلْفَهَا لحمة أُخرى.
زرفن: الزُّرْفِينُ: جَمَاعَةُ النَّاسِ. والزِّرْفين والزَّرفين: حَلْقَةُ الْبَابِ، لُغَتَانِ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَالصَّوَابُ زِرْفين، بِالْكَسْرِ، عَلَى بِنَاءِ فِعْليل، وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ فُعْليل. الْجَوْهَرِيُّ: الزُّرْفين والزِّرْفين فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ. وَقَدْ زَرْفَن صُدْغه: كَلِمَةٌ مولَّدة. وَفِي الْحَدِيثِ:
كَانَتْ دِرْع رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ذاتَ زَرافِين إِذا عُلِّقت بزَرافينها سَتَرَتْ، وَإِذَا أُرْسلت مست الأَرض.
زرمن: التَّهْذِيبُ فِي الرُّبَاعِيِّ: ابْنُ شُمَيْلٍ الزَّرامين الحَلَق.
زعن: النِّهَايَةُ لِابْنِ الأَثير: فِي حَدِيثِ
عُثْمَانَ وَفِي رِوَايَةٍ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَردتَ أَن تُبَلِّغ النَّاسَ عَنِّي مَقَالَةً يَزْعَنون إِلَيْهَا
أَي يَمِيلُونَ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: يُقَالُ زَعَن إِلَى الشَّيْءِ إِذَا مَالَ إِلَيْهِ؛ قَالَ أَبو مُوسَى: أَظنه يركَنون إِلَيْهَا فَصَحَّفَ، قَالَ ابْنُ الأَثير: الأَقرب إِلَى التَّصْحِيفِ أَن يَكُونَ يُذْعِنون مِنَ الإِذعان، وَهُوَ الِانْقِيَادُ، فَعَدَّاهَا بإِلى بِمَعْنَى اللَّامِ، وأَما يَرْكَنُونَ فَمَا أَبعدها مِنْ يَزْعَنون.
زفن: الزَّفْنُ: الرَّقْصُ، زَفَنَ يَزْفِنُ زَفْناً، وَهُوَ شَبِيهٌ بِالرَّقْصِ «5» . وَفِي حَدِيثِ
فَاطِمَةَ، عَلَيْهَا السَّلَامُ: أَنها كَانَتْ تَزْفِنُ للحَسن
أَي تُرَقِّصُه، وأَصل الزَّفْن اللعِب والدَّفْع؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: قَدِمَ وفدُ الحبَشة فَجَعَلُوا يَزْفِنون وَيَلْعَبُونَ
أَي يَرْقُصُونَ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو: إِنَّ اللَّهَ أَنزل الْحَقَّ ليُذْهِب بِهِ الباطلَ ويُبْطِل بِهِ اللعبَ والزَّفْنَ والزَّمَّاراتِ والمَزاهِرَ والكِنَّارات
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: سَاقَ هَذِهِ الأَلفاظ سِيَاقًا وَاحِدًا. والزَّفْن والزِّفْن، بِلُغَةِ عُمان كِلَاهُمَا: ظُلَّة يَتَّخِذُونَهَا فَوْقَ سُطوحهم تَقِيهِمْ وَمَدَ الْبَحْرِ أَي حَرَّه وَنَدَاهُ. والزِّفْنُ: عَسيب مِنْ عُسُب النَّخْلِ يُضَمُّ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ شَبِيهٌ بِالْحَصِيرِ المَرْمول، قِيلَ: هِيَ لُغَةٌ أَزْدِيَّة. والزِّيْفَنُّ: الشَّدِيدُ. وَرَجُلٌ فِيهِ إِزْفَنَّة أَي حَرَكَةٌ. وَرَجُلٌ إِزْفَنَّة: مُتَحَرِّكٌ، مَثَّلَ بِهِ سِيبَوَيْهِ وَفَسَّرَهُ السِّيرَافِيُّ. وَرَجُلٌ زِيَفْنٌ إِذَا كَانَ شَدِيدًا خَفِيفًا؛ وأَنشد:
إِذَا رأَيتَ كَبْكَباً زِيَفْنا، ... فادْعُ الَّذِي مِنْهُمْ بعمروٍ يُكْنى
والكَبْكَبُ: الشَّدِيدُ. وَقَوْسٌ زَيزَفون: مُصَوِّتة عِنْدَ التَّحْرِيكِ؛ قَالَ أُمية بْنُ أَبي عَائِذٍ:
مَطاريحَ بالوَعْثِ مَرَّ الحُشُورِ، ... هاجَرْنَ رَمَّاحةً زَيزَفونا «6»
__________
(4) . قوله [غيره زر كون] عبارة التهذيب: وقال غيره. أي غير شمر، معربة زركون
(5) . قوله: وهو شبيه بالرقص، بعد قوله: الزّفْن: الرقص؛ هكذا في الأَصل
(6) . قوله [مطاريح بالوعث إلخ] تقدم في مادة حشر ضبطه بغير ذلك، وما هنا موافق لضبط نسخة من التكملة للصاغاني كتبت في حياته(13/197)
قَالَ ابْنُ جِنِّي: هِيَ فِي ظَاهِرِ الأَمر فَيْفَعول مِنَ الزَّفْن لأَنه ضَرْبٌ مِنَ الْحَرَكَةِ مَعَ صَوْتٍ، وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ زَيزَفون رُبَاعِيًّا قَرِيبًا مِنْ لَفْظِ الزَّفْن؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِثْلُهُ فِي الْوَزْنِ دَيْدَبون، قَالَ: وَوَزْنُهُ فَيْعَلَوْلٌ، الْيَاءُ زَائِدَةٌ. النَّضْرُ: نَاقَةٌ زَفُون وزَبُون، وَهِيَ الَّتِي إِذَا دَنَا مِنْهَا حَالِبُهَا زَبَنَتْه بِرِجْلِهَا، وَقَدْ زَفَنَت وزَبَنَتْ، وأَتيت فُلَانًا فزَفَنَني وزَبَنَني. وَيُقَالُ للرقَّاص زَفّان. وإِزْفَنَّةُ: اسْمُ رَجُلٍ؛ عَنْ كُرَاعٍ. وَرَجُلٌ زِيفَنُّ: طَوِيلٌ. وزَيْفَنٌ وزَوْفَنٌ: اسمان.
زقن: زَقَنَ الحِمْلَ يَزْقُنه زَقْناً: حمله. وأَزْقَنَه عَلَى الحِمْل: أَعانه. ابْنُ الأَعرابي: أَزْقَنَ زَيْدٌ عُمَرًا إِذَا أَعانه عَلَى حِمْله لِيَنْهَضَ، وَمِثْلُهُ أَبْطَغَه وأَبْدَغَه وعَدَّله وأَوَّنَه وأَسْمغَه وأَنّاه وبَوّاه وحَوَّله، كُلُّهُ بمعنى واحد.
زكن: زَكِنَ الخَبَرَ زَكَناً، بِالتَّحْرِيكِ، وأَزْكنه: عَلِمَهُ، وأَزْكَنه غَيْرُهُ، وَقِيلَ: هُوَ الظَّنُّ الَّذِي هُوَ عِنْدَكَ كَالْيَقِينِ، وَقِيلَ: الزَّكَنُ طَرَفٌ مِنَ الظَّنِّ. غَيْرُهُ: الزَّكَنُ، بِالتَّحْرِيكِ، التفرُّس وَالظَّنُّ. يُقَالُ: زَكِنْتُه صَالِحًا أَي ظَنَنْتُهُ، قَالَ: وَلَا يُقَالُ مِنْهُ رَجُلٌ زَكِنٌ وَقَدْ أَزْكنته، وإِن كَانَتِ الْعَامَّةُ قَدْ أُولِعَتْ بِهِ، وَإِنَّمَا يُقَالُ أَزْكنته شَيْئًا أَعلمته إِيَّاهُ وأَفهمته حَتَّى زَكِنَه؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: حَكَى الْخَلِيلُ أَزْكَنْتُ بِمَعْنَى ظَنَنْتُ فأَصبت، قَالَ: يُقَالُ رَجُلٌ مُزْكِنٌ إِذَا كَانَ يَظُنُّ فَيُصِيبُ، والأَفصح زَكِنت، بِغَيْرِ أَلف، وأَنكر ابْنُ قُتَيْبَةَ زَكِنْتُ بِمَعْنَى ظَنَنْتُ. وَحَكَى أَبو زَيْدٍ قَالَ: يُقَالُ زَكِنْتُ مِنْكَ مِثْلَ الَّذِي زَكِنْتَ مِنِّي، قَالَ: وَهُوَ الظَّنُّ الَّذِي يَكُونُ عِنْدَكَ كَالْيَقِينِ وَإِنْ لَمْ تُخْبِرْ بِهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: الزُّكَنُ الْحَافِظُ، وَقِيلَ: زَكِنْتُ به الأَمرَ وأَزْكَنْتُه قَارَبْتُ تَوَهُّمَه وَظَنَنْتُهُ. وَفِي نَوَادِرِ الأَعراب: هَذَا الْجَيْشُ يُزاكِنُ أَلفاً ويُناظِر أَلفاً أَي يُقارب. اللَّيْثُ: الإِزْكانُ أَن تُزْكِنَ شَيْئًا بِالظَّنِّ فتُصيب، تَقُولُ: أَزْكَنْتُه إِزْكاناً. اللِّحْيَانِيُّ: هِيَ الزَّكانةُ والزَّكانِيَة. أَبو زَيْدٍ: زَكِنْتُ الرجلَ أَزْكَنُه زَكَناً إِذَا ظَنَنْتُ بِهِ شَيْئًا، وأَزْكَنْتُه الْخَبَرَ إزْكاناً: أَفهمته حَتَّى زَكِنَه فَهِمَه فَهْماً. وأَزْكَنَ غَيْرَهُ: أَعلمه. يُقَالُ: زَكِنْته، بِالْكَسْرِ، أَزْكَنه زَكَناً، بِالتَّحْرِيكِ، أَي عَلِمْتُهُ. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: زَكِنَ الشيءَ عَلِمَه وأَزْكنه ظَنَّهُ، وَقِيلَ: زَكِنَه فَهِمَهُ، وأَزْكَنه غيرُه أَفهمه. الأَصمعي: يُقَالُ: زَكِنْتُ مِنْ فُلَانٍ كَذَا أَي عَلِمْتُهُ؛ وَقَوْلُ قَعْنَبُ بْنُ أُم صاحبٍ:
وَلَنْ يُراجِعَ قَلْبي وُدَّهم أَبداً، ... زَكِنْتُ مِنْهُمْ عَلَى مثلَ الَّذِي زَكِنُوا
عَدَّاهُ بِعَلَى لأَن فِيهِ مَعْنَى اطَّلَعْتُ كأَنه قَالَ اطَّلَعْتُ مِنْهُمْ عَلَى مِثْلِ الَّذِي اطَّلَعُوا عَلَيْهِ مِنِّي؛ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: قَوْلُهُ عَلَى مقحمةٌ. أَبو زَيْدٍ: زَكِنْت مِنْهُ مثلَ الَّذِي زَكِنَهُ مِنِّي وأَنا أَزْكَنُه زَكَناً، وَهُوَ الظَّنُّ الَّذِي يَكُونُ عِنْدَكَ بِمَنْزِلَةِ الْيَقِينِ، وَإِنْ لَمْ يُخْبِرْكَ بِهِ أَحد. قَالَ أَبو الصَّقْر: زَكِنْتُ مِنَ الرَّجُلِ مثلَ الَّذِي زَكِنَ، تَقُولُ عَلِمْتُ مِنْهُ مِثْلَ مَا عَلِمَ مِنِّي. قَالَ أَبو بَكْرٍ: التَّزْكِينُ التَّشْبِيهُ والظُّنون الَّتِي تَقَعُ فِي النُّفُوسِ؛ وأَنشد:
يَا أَيُّهذا الكاشِرُ المُزَكِّنُ، ... أَعْلِنْ بِمَا تُخْفي، فإِني مُعْلِنُ
اليَزيديُّ: زَكِنْتُ بفلانٍ كَذَا وأَزْكَنْتُ أَي ظَنَنْتُ. الأَصمعي: التَّزْكين التَّشْبِيهُ؛ يُقَالُ: زَكَّنَ عَلَيْهِمْ وزَكَّمَ أَي شَبَّه عَلَيْهِمْ ولَبَّسَ. وَفِي ذِكْرِ إِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْمُزَنِيِّ قَاضِي الْبَصْرَةِ يُضْرَبُ بِهِ الْمَثَلُ فِي الذَّكَاءِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أَزْكَنُ من إياس؛ الزَّكنُ(13/198)
والإِزْكانُ: الفِطْنة والحَدْسُ الصَّادِقُ. يُقَالُ: زَكِنْت مِنْهُ كَذَا زَكَناً وزَكانةً وأَزْكنته. وَبَنُو فُلَانٍ يُزاكِنُون بَنِي فُلَانٍ مُزاكنة أَي يُدانونهم ويُثافِنونهم إِذَا كَانُوا يَسْتَخِصُّونهم. ابْنُ شُمَيْلٍ: زَكِنَ فلانٌ إِلَى فُلَانٍ إِذَا مَا لجأَ إِلَيْهِ وَخَالَطَهُ وَكَانَ مَعَهُ، يَزْكَنُ زُكوناً. وزَكِن فُلَانٌ مِنْ فُلَانٍ زَكَناً أَي ظَنَّ بِهِ ظَنّاً. وزَكِنْتُ مِنْهُ عَدَاوَةً أَي عَرَفْتُهَا مِنْهُ. وَقَدْ زَكِنْتُ أَنه رَجُلُ سَوْء أَي عَلِمْتُ.
زمن: الزَّمَنُ والزَّمانُ: اسْمٌ لِقَلِيلِ الْوَقْتِ وَكَثِيرِهِ، وَفِي الْمُحْكَمِ: الزَّمَنُ والزَّمانُ العَصْرُ، وَالْجَمْعُ أَزْمُن وأَزْمان وأَزْمِنة. وزَمَنٌ زامِنٌ: شَدِيدٌ. وأَزْمَنَ الشيءُ: طَالَ عَلَيْهِ الزَّمان، وَالِاسْمُ مِنْ ذَلِكَ الزَّمَنُ والزُّمْنَة؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. وأَزْمَنَ بِالْمَكَانِ: أَقام بِهِ زَماناً، وَعَامَلَهُ مُزامنة وزَماناً مِنَ الزَّمَن؛ الأَخيرة عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. وَقَالَ شَمِرٌ: الدَّهْر والزَّمان وَاحِدٍ؛ قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: أَخطأَ شَمِرٌ، الزَّمانُ زمانُ الرُّطَب وَالْفَاكِهَةِ وزمانُ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، قَالَ: وَيَكُونُ الزمانُ شَهْرَيْنِ إِلَى سِتَّةِ أَشهر، قَالَ: والدَّهْرُ لَا يَنْقَطِعُ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: الدَّهْرُ عِنْدَ الْعَرَبِ يَقَعُ عَلَى وَقْتِ الزَّمَانِ مِنَ الأَزْمنة وَعَلَى مُدَّة الدُّنْيَا كُلِّهَا، قَالَ: وَسَمِعْتُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الْعَرَبِ يَقُولُ أَقمنا بِمَوْضِعِ كَذَا وَعَلَى مَاءِ كَذَا دَهْرًا، وَإِنَّ هَذَا الْبَلَدَ لَا يَحْمِلُنَا دَهْرًا طَوِيلًا، وَالزَّمَانُ يَقَعُ عَلَى الفَصْل مِنْ فُصُولِ السَّنَةِ وَعَلَى مُدّة وِلَايَةِ الرجل وما أشبهه. وَفِي الْحَدِيثِ عَنِ
النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنه قَالَ لعَجوزٍ تَحَفَّى بِهَا فِي السُّؤَالِ وَقَالَ: كَانَتْ تأْتينا أَزْمانَ خَدِيجَةَ؛ أَراد حَيَاتَهَا، ثُمَّ قَالَ: وإِنّ حُسْنَ الْعَهْدِ مِنَ الإِيمان.
واستأْجرته مُزامنة وزَماناً؛ عَنْهُ أَيضاً، كَمَا يُقَالُ مُشاهرة مِنَ الشَّهْرِ. وَمَا لَقِيتُهُ مُذ زَمَنةٍ أَي زَمان. والزَّمَنة: البُرْهة. وأَقام زَمْنة «1» .، بِفَتْحِ الزَّايِ؛ عَنِ اللِّحْيَانِي، أَي زَمَناً. وَلَقِيتُهُ ذاتَ الزُّمَيْن أَي فِي سَاعَةٍ لَهَا أَعداد، يُرِيدُ بِذَلِكَ تَراخي الْوَقْتِ، كَمَا يُقَالُ: لَقِيتُهُ ذاتَ العُوَيْم أَي بَيْنَ الأَعوام. والزَّمِنُ: ذُو الزَّمانة. والزَّمانةُ: آفَةٌ فِي الْحَيَوَانَاتِ. وَرَجُلٌ زَمِنٌ أَي مُبْتَلىً بَيِّنُ الزَّمانة. والزَّمانة: الْعَاهَةُ؛ زَمِنَ يَزْمَنُ زَمَناً وزُمْنة وزَمانة، فَهُوَ زَمِنٌ، وَالْجَمْعُ زَمِنونَ، وزَمِين، وَالْجَمْعُ زَمْنَى لأَنه جِنْسٌ لِلْبَلَايَا الَّتِي يُصَابُونَ بِهَا وَيَدْخُلُونَ فِيهَا وَهُمْ لَهَا كَارِهُونَ، فَطَابَقَ بَابَ فَعِيلٍ الَّذِي بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، وَتَكْسِيرُهُ عَلَى هَذَا الْبِنَاءِ نَحْوَ جَرِيحٍ وجَرْحَى وَكَلِيمٍ وكَلْمَى. والزَّمانة أَيضاً: الحُبُّ؛ وَقَدْ رُوِيَ بَيْتُ ابْنِ عُلْبَةَ.
وَلَكِنْ عَرَتْني مِنْ هَواك زَمانَةٌ، ... كَمَا كنتُ أَلْقَى مِنْكِ إذْ أَنا مُطْلَقُ
وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ:
إِذَا تَقارب الزمانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا المؤْمن تَكْذِبُ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: أَراد اسْتِوَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَاعْتِدَالَهُمَا، وَقِيلَ: أَراد قُرْبَ انْتِهَاءِ أَمَدِ الدُّنْيَا. وَالزَّمَانُ يَقَعُ عَلَى جَمِيعِ الدَّهْرِ وَبَعْضِهِ. وزِمّانُ، بِكَسْرِ الزَّايِ: أَبو حَيٍّ مِنْ بَكْرٍ، وَهُوَ زِمّان بْنُ تَيْمِ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُكَابة بْنِ صَعْب بْنِ عَلِيِّ بْنِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، وَمِنْهُمُ الفِنْدُ الزِّمّانيُّ «2» قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: زِمّان فِعْلان مِنْ زَمَمْتُ، قَالَ: وَحَمْلُهَا عَلَى الزِّيَادَةِ أَولى، فَيَنْبَغِي أَن تُذْكَرَ فِي فَصْلِ زَمَمَ، قَالَ: وَيَدُلُّكَ عَلَى زِيَادَةِ النُّونِ امْتِنَاعُ صَرْفِهِ فِي قَوْلِكَ مِنْ بَنِي زِمّان.
__________
(1) . قوله [وأقام إلخ] ضبطه المجد والصاغاني بالتحريك
(2) . قوله [ومنهم الفند الزماني] هذه عبارة الجوهري، وفي التكملة ومادة ش هـ ل من القاموس: أن اسمه شهل بالشين المعجمة، ابن شيبان بن ربيعة بن زمان بن مالك بْنِ صَعْبِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ. قَالَ الشارح وسياق نسب زِمَّانُ بْنُ تَيْمِ اللَّهِ صحيح في ذاته إنما كون الفند منهم سهو لأَن الفند من بني مازن.(13/199)
زمخن: الزِّمَخْنُ والزِّمَخْنَةُ: السَّيِءُ الخُلُق.
زنن: زَنَّه بِالْخَيْرِ زَنّاً وأَزَنّه: ظَنَّه بِهِ أَو اتَّهَمه. وأَزْنَنْتُه بِشَيْءٍ: اتَّهَمْتُه بِهِ؛ وَقَالَ حَضْرَميّ بْنُ عَامِرٍ:
إِنْ كنتَ أَزْنَنْتَني بِهَا كَذِباً ... جَزْءُ فلاقَيْتَ مثلَها عَجِلا
. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: أَزْنَنْتُه بِمَالٍ وبعلمٍ وَبِخَيْرٍ أَي ظننته به، قال: وَكَلَامُ الْعَامَّةِ زَنَنْتُه، وَهُوَ خطأٌ. وَيُقَالُ: فُلَانٌ يُزَنُّ بِكَذَا وَكَذَا أَي يُتَّهم بِهِ، وَقَدْ أَزْنَنْتُه بِكَذَا مِنَ الشرِّ، وَلَا يَكُونُ الإِزْنان فِي الْخَيْرِ، قَالَ: وَلَا يُقَالُ زَنَنْتُه بِكَذَا بِغَيْرِ أَلف. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ يَصِفُ عَلِيًّا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: مَا رأَيت رَئِيسًا مِحْرَباً يُزَنُّ بِهِ
، أَي يُتَّهَمُ بِمُشَاكَلَتِهِ. يقال: زَنَّه بكذا وأَزَنَّه إِذَا اتَّهمه وظنَّه فِيهِ. وَفِي حَدِيثِ الأَنصار وَتَسْوِيدِهِمْ جَدَّ بنَ قَيْس:
إِنَّا لنَزُنُّه بِالْبُخْلِ
أَي نَتَّهِمُه بِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ:
فَتًى مِنْ قُرَيْشٍ يُزَنُّ بِشُرْبِ الْخَمْرِ
؛ وَفِي شِعْرِ حَسَّانَ فِي عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا:
حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بريبةٍ
وَيُقَالُ: ماءٌ زَنَنٌ أَي ضَيِّقٌ قَلِيلٌ، وَمِيَاهٌ زَنَنٌ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
ثُمَّ اسْتغاثُوا بماءٍ لَا رِشاءَ لَهُ ... مِنْ مَاءِ لينَةَ، لَا مِلْحٌ وَلَا زَنَنُ
. وَيُقَالُ الماءُ الزَّنَنُ الظَّنُونُ الَّذِي لَا يُدْرَى أَفيه ماءٌ أَم لَا. والزَّنَنُ والزَّنِيءُ والزَّنَاء: الضَّيِّق. وزَنَّ عصَبُه إِذَا يَبِسَ؛ وأَنشد:
نَبَّهْتُ مَيْمُوناً لَهَا فأَنّا، ... وقامَ يَشْكُو عَصَباً قَدْ زَنّا
وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ هَذَا الْبَيْتُ مُسْتَشْهِدًا بِهِ عَلَى زَنَّ الرجلُ اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ. والزِّنُّ: الدَّوْسَرُ «1» . عَنْ أَبي حَنِيفَةَ. ابْنُ الأَعرابي: التَّزْنينُ الدوامُ عَلَى أَكل الزِّنِّ، وَهُوَ الخُلَّرُ؛ والخُلّرُ: الماشُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ الْعَبْدِ الْآبِقِ وَلَا صَلَاةَ الزِّنِّين
؛ قَالَ ابْنُ الأَعرابي: هُوَ الحاقنُ. يُقَالُ: زَنَّ فذَنَّ أَي حَقَنَ فقَطَر، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يُدَافِعُ الأَخْبَثَين، وَفِي رِوَايَةٍ:
لَا يُصَلِّ أَحدكم وَهُوَ زِنِّين.
وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ:
لَا يَؤُمَّنَّكُمْ أَنْصَرُ وَلَا أَزَنُّ وَلَا أَفْرَعُ.
وَيُقَالُ: زَنَّ الرجلُ اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
حَسَّبَه مِنَ اللّبَنْ ... إِذْ رَآهُ قَلَّ وزَنّ «2»
اللَّبَنُ: مَصْدَرُ لَبِنَتْ عُنُقه مِنَ الوِسادةِ، وحَسَّبَه: وَضَعَ تَحْتَ رأْسه مِحْسَبَةً، وَهِيَ وِسادة مِنْ أَدَم. وأَبو زَنَّةَ: كنية القرد.
زهدن: رَجُلٌ زَهْدَنٌ؛ عَنْ كراع: لئيم، بالزاي.
زون: الزُّوَانُ والزِّوَانُ: مَا يَخْرُجُ مِنَ الطَّعَامِ فَيُرْمَى بِهِ، وَهُوَ الرديءُ مِنْهُ، وَفِي الصِّحَاحِ: هُوَ حَبٌّ يُخَالِطُ البُرَّ، وَخَصَّ بَعْضَهُمْ بِهِ الدَّوْسَر، وَاحِدَتُهُ زُوَانة وزِوانة، وَلِمَ يُعِلُّوا الْوَاوَ فِي زَوَانٍ لأَنه لَيْسَ بِمَصْدَرٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الزُّؤان، بِالضَّمِّ، فِي الْهَمْزِ، فأَما الزِّوَانُ، بِالْكَسْرِ، فَلَا يُهْمَزُ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَذَا قَوْلُ اللِّحْيَانِيِّ. وَطَعَامٌ مَزُونٌ: فِيهِ زُوان، فإِما أَن يَكُونَ عَلَى التَّخْفِيفِ مِنَ الزُّؤان، وَإِمَّا أَن يَكُونَ مَوْضُوعُهُ الإِعلال مِنَ الزُّوان الَّذِي مَوْضُوعُهُ الْوَاوُ. اللَّيْثُ: الزُّوَانُ حبٌّ يَكُونُ فِي الْحِنْطَةِ تسمِّيه أَهل الشَّامِ الشَّيْلَمَ. وَرُوِيَ عَنِ الْفَرَّاءِ أَنه قَالَ: الأَزْناءُ الشَّيْلَمُ.
__________
(1) . قوله [الدوسر] هو نبت ينبت في أضعاف الزرع وهو في خلقته غَيْرَ أَنَّهُ يُجَاوِزُ الزَّرْعَ وله سنبل وحب ضاوي دقيق أسمر يختلط بالبر
(2) . قوله [إذ رآه إلخ] هكذا في الأَصل.(13/200)
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَبِيبٍ: قالت أَعرابية لابن الأَعرابي إنك تَزُونُنا إذا طَلَعَتْ كأَنك هِلَالٌ فِي غَيْرِ سِمَانٍ «3» . قَالَ: تَزُوننا وتَزِينُنا وَاحِدٌ. والزُّونَةُ: كالزِّينة فِي بَعْضِ اللُّغَاتِ. وَرَجُلٌ زَوْن وزُون: قَصِيرٌ، وَالْفَتْحُ أَعرف. وامرأَة زِوَنَّة: قَصِيرَةٌ. وَرَجُلٌ زِوَنّ، بِالتَّشْدِيدِ، أَي قَصِيرٌ. والزَّوَنْزَى: الْقَصِيرُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: زَوَنْزَى حقُّه أَن يُذْكَرَ فِي فَصْلِ زَوَزَ مِنْ بَابِ الزَّايِ لأَن وَزْنَهُ فَعَنْلَى، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِمُوَافَقَتِهِ معنى زِوَنَّة؛ وقال: وبَعْلُها زَوَنَّك زَوَنْزَى ابْنُ الأَعرابي: الزَّوَنْزَى الرَّجُلُ ذُو الأُبَّهَة والكِبْر الَّذِي يَرَى فِي نَفْسِهِ مَا لَا يَرَاهُ غَيْرُهُ، وَهُوَ الْمُتَكَبِّرُ. والزَّوَنَّكُ: المُختال فِي مِشْيَته النَّاظِرُ فِي عِطْفَيْه يَرَى أَن عِنْدَهُ خَيْرًا وَلَيْسَ عِنْدَهُ ذَلِكَ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَقَدْ شَدَّدَهُ بَعْضُهُمْ فَقَالَ رَجُلٌ زَوَنَّكٌ، والأَصل فِي هَذَا الزَّوَنُّ، فَزِيدَتِ الْكَافُ وَتُرِكَ التَّشْدِيدُ. ابْنُ الأَعرابي: الزُّونَةُ المرأَة الْعَاقِلَةُ «4» . والزِّوَنَّة: المرأَة الْقَصِيرَةُ. والزّانُ: البَشَمُ. وَرَوَى الْفَرَّاءُ عَنِ الدُّبَيرِيَّة قَالَتْ: الزّانُ التُّخَمة؛ وأَنشدت:
مُصَحَّحٌ لَيْسَ يَشكو الزّانَ خَثْلَتُهُ، ... وَلَا يُخافُ عَلَى أَمعائه العَرَبُ
وَرَوَى ثَعْلَبٌ أَن ابْنَ الأَعرابي أَنشده:
تَرَى الزَّوَنْزَى مِنْهُمُ ذَا البُرْدَين، ... يَرْمِيه سَوّارُ الكَرَى فِي العَيْنَين،
بَيْنَ الجِحاجَينِ وَبَيْنَ المَأْقَيْن
والزُّونُ: الصَّنم، وهو بالفارسية زون، بِشَمِّ الزَّايِ الشِّينَ «5» .؛ قَالَ حُمَيْدٌ: ذاتُ المَجُوسِ عَكَفَتْ للزُّونِ والزُّونُ: مَوْضِعٌ تُجْمَعُ فِيهِ الأَنْصاب وتُنْصَبُ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
وَهْنانة كالزُّونِ يُجْلى صَنَمُه
والزُّون: الصَّنَمُ، وَكُلُّ مَا عُبد مِنْ دُونِ اللَّهِ واتُّخذ إِلَهًا فَهُوَ زُونٌ وزُور؛ قَالَ جَرِيرٌ:
يَمْشي بِهَا البَقَرُ المَوْشِيُّ أَكْرُعُه، ... مَشْيَ الهَرابِذ تَبْغي بيعَةَ الزُّونِ
وَهُوَ مِثْلُ الزُّور، والله أَعلم.
زين: الزَّيْنُ: خلافُ الشَّيْن، وَجَمْعُهُ أَزْيانٌ؛ قَالَ حُمَيْدُ بْنُ ثَوْرٍ:
تَصِيدُ الجَلِيسَ بأَزْيَانِها ... ودَلٍّ أَجابتْ عَلَيْهِ الرُّقَى
زَانَهُ زَيْناً وأَزَانه وأَزْيَنَه، عَلَى الأَصل، وتَزَيَّنَ هُوَ وازْدانَ بِمَعْنًى، وَهُوَ افْتَعَلَ مِنَ الزِّينةِ إلَّا أَن التَّاءَ لمَّا لانَ مَخْرَجُهَا وَلَمْ تُوَافِقِ الزَّايَ لِشِدَّتِهَا، أَبدلوا مِنْهَا دَالًا، فَهُوَ مُزْدانٌ، وَإِنْ أَدغمت قُلْتَ مُزّان، وَتَصْغِيرُ مُزْدان مُزَيَّنٌ، مِثْلُ مُخَيَّر تَصْغِيرُ مُختار، ومُزَيِّين إِنْ عَوَّضْتَ كَمَا تَقُولُ فِي الْجَمْعِ مَزَاينُ ومَزَايِين، وَفِي حَدِيثِ
خُزَيمة: مَا مَنَعَنِي أَن لَا أَكون مُزْداناً بِإِعْلَانِكَ
أَي مُتَزَيِّناً بِإِعْلَانِ أَمرك، وَهُوَ مُفْتَعَلٌ مِنَ الزِّينَةِ، فأَبدل التَّاءُ دَالًا لأَجل الزَّايِ. قَالَ الأَزهري: سَمِعْتُ صَبِيًّا مِنْ بَنِي عُقَيلٍ يَقُولُ لِآخَرَ: وَجْهِي زَيْنٌ وَوَجْهُكَ شَيْنٌ؛ أَراد أَنه صَبِيحُ الْوَجْهِ وأَن الْآخَرَ قَبِيحُهُ، قَالَ: وَالتَّقْدِيرُ وَجْهِي ذُو زَيْنٍ وَوَجْهُكَ ذُو شَيْنٍ، فَنَعَتَهُمَا بِالْمَصْدَرِ كَمَا يُقَالُ رَجُلٌ صَوْمٌ وعَدْل أَي ذُو عَدْلٍ. وَيُقَالُ: زَانَهُ الحُسْنُ يَزِينه زَيْناً. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَبِيبٍ: قالت أَعرابية لابن الأَعرابي إنك تَزُونُنا إذا طلعت كأَنك هلال في
__________
(3) . قوله [في غير سمان] كذا بالأَصل من غير نقط هنا وفيما يأتي
(4) . قوله [الزونة إلخ] ضبطها المجد بالضم، ونص الصاغاني على أنها بالفتح
(5) . قوله: بشم الزاي الشين أي أن الزاي تلفظ وفي لفظها شيء من لفظ الشين(13/201)
غَيْرِ سِمَانٍ، قَالَ: تَزُونُنا وتَزِينُنا واحدٌ، وزانَه وزَيَّنَه بِمَعْنًى؛ وَقَالَ الْمَجْنُونُ:
فَيَا رَبِّ، إِذْ صَيَّرْتَ ليلَى لِيَ الهَوَى، ... فزِنِّي لِعَيْنَيْها كَمَا زِنْتَها لِيَا
وَفِي حَدِيثِ
شُرَيح: أَنه كَانَ يُجِيزُ مِنَ الزِّينة ويَرُدُّ مِنَ الْكَذِبِ
؛ يُرِيدُ تَزْيين السِّلْعَةِ لِلْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ تَدْلِيسٍ وَلَا كَذِبَ فِي نِسْبَتِهَا أَو فِي صِفَتِهَا. وَرَجُلٌ مُزَيَّن أَي مُقَذَّذُ الشَّعْرِ، والحَجَّامُ مُزَيِّن؛ وَقَوْلُ ابن عَبْدَلٍ الشاعر:
أَجِئْتَ عَلَى بَغْلٍ تَزُفُّكَ تِسْعَةٌ، ... كأَنك دِيكٌ مائِلُ الزَّيْنِ أَعْوَرُ؟
يَعْنِي عُرْفه. وتَزَيَّنَتِ الأَرضُ بِالنَّبَاتِ وازَّيَّنَتْ وازْدانتِ ازْدِياناً وتَزَيَّنت وازْيَنَّتْ وازْيَأَنَّتْ وأَزْيَنَتْ أَي حَسُنَتْ وبَهُجَتْ، وَقَدْ قرأَ الأَعرج بِهَذِهِ الأَخيرة. وَقَالُوا: إِذَا طَلَعَتِ الجَبْهة تَزَيَّنَتِ النَّخْلَةُ. التَّهْذِيبِ: الزِّينة اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ شَيْءٍ يُتَزَيَّن بِهِ. والزِّينَةُ: مَا يُتَزَيَّنُ بِهِ. ويومُ الزِّينةِ: العيدُ. وَتَقُولُ: أَزْيَنَتِ الأَرضُ بعُشبها وازَّيَّنَتْ مِثْلُهُ، وأَصله تَزَيَّنَت، فَسُكِّنَتِ التَّاءُ وأُدغمت فِي الزَّايِ وَاجْتُلِبَتِ الأَلف لِيَصِحَّ الِابْتِدَاءُ. وَفِي حَدِيثِ الِاسْتِسْقَاءِ قَالَ:
اللهم أَنزل علينا في أَرضنا زِينتَها
أَي نباتَها الَّذِي يُزَيّنها. وَفِي الْحَدِيثِ:
زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بأَصواتكم
؛ ابْنُ الأَثير: قِيلَ هُوَ مَقْلُوبٌ أَي زَيِّنُوا أَصواتكم بِالْقُرْآنِ، وَالْمَعْنَى الهَجُوا بِقِرَاءَتِهِ وتزَيَّنُوا بِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى تَطْرِيبِ الْقَوْلِ وَالتَّحْزِينِ كَقَوْلِهِ:
لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ
أَي يَلْهَجْ بِتِلَاوَتِهِ كَمَا يَلْهَج سَائِرُ النَّاسِ بالغِناء والطَّرب، قَالَ هَكَذَا قَالَ الهَرَوِيّ والخَطَّابي وَمَنْ تَقَدَّمهما، وَقَالَ آخَرُونَ: لَا حَاجَةَ إِلَى الْقَلْبِ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ الْحَثُّ عَلَى التَّرْتِيلِ الَّذِي أَمر بِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا؛ فكأَنَّ الزِّينَة للمُرَتِّل لَا لِلْقُرْآنِ، كَمَا يُقَالُ: وَيْلٌ لِلشِّعْرِ مِنْ رِوَايَةِ السَّوْءِ، فَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى الرَّاوِي لَا لِلشِّعْرِ، فكأَنه تَنْبِيهٌ لِلْمُقَصِّرِ فِي الرِّوَايَةِ عَلَى مَا يُعَابُ عَلَيْهِ مِنَ اللَّحْنِ وَالتَّصْحِيفِ وَسُوءِ الأَداء وَحَثٌّ لِغَيْرِهِ عَلَى التَّوَقِّي مِنْ ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ:
زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بأَصواتكم
، يَدُلُّ عَلَى مَا يُزَيّنُ مِنَ التَّرْتِيلِ وَالتَّدَبُّرِ وَمُرَاعَاةِ الإِعراب، وَقِيلَ: أَراد بِالْقُرْآنِ الْقِرَاءَةَ، وَهُوَ مَصْدَرُ قرأَ يقرأُ قِرَاءَةً وقُرْآناً أَي زَيِّنُوا قِرَاءَتَكُمُ الْقُرْآنَ بأَصواتكم، قَالَ: وَيَشْهَدُ لِصِحَّةِ هَذَا وأَن الْقَلْبَ لَا وَجْهَ لَهُ حَدِيثِ
أَبي مُوسَى: أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اسْتَمع إِلَى قِرَاءَتِهِ فَقَالَ: لَقَدْ أُوتِيت مِزْماراً مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ، فَقَالَ: لَوْ علمتُ أَنك تَسْمَعُ لحَبَّرْتُه لَكَ تَحْبِيرًا
أَي حسَّنت قِرَاءَتَهُ وزينتها، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ تأْييداً لَا شُبْهَةَ فِيهِ حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ: أَن رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لِكُلِّ شَيْءٍ حِلْيَةٌ وحِلْيَةُ الْقُرْآنِ حُسْنُ الصَّوْتِ.
والزِّيْنَةُ والزُّونَة: اسْمٌ جَامِعٌ لِمَا تُزُيِّنَ بِهِ، قُلِبَتِ الْكَسْرَةُ ضَمَّةً فَانْقَلَبَتِ الْيَاءُ وَاوًا. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْها
؛ مَعْنَاهُ لَا يُبْدِينَ الزِّينَةَ الْبَاطِنَةَ كالمِخْنقة والخَلْخال والدُّمْلُج والسِّوار وَالَّذِي يَظْهَرُ هُوَ الثِّيَابُ وَالْوَجْهُ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ
؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ أَنه خَرَجَ هُوَ وأَصحابه وَعَلَيْهِمْ وَعَلَى الْخَيْلِ الأُرْجُوَانُ، وَقِيلَ: كَانَ عَلَيْهِمْ وَعَلَى خَيْلِهِمُ الدِّيباجُ الأَحمر. وامرأَة زَائنٌ: مُتَزَيِّنَة. والزُّونُ: مَوْضِعٌ تُجْمَعُ فِيهِ الأَصنام وتُنْصَبُ وتُزَيَّنُ. والزُّونُ: كُلُّ شَيْءٍ يُتَّخَذُ رَبّاً وَيُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لأَنه يُزَيَّنُ، والله أَعلم.(13/202)
فصل السين المهملة
سبن: السَّبَنِيَّةُ: ضرْبٌ مِنَ الثِّيَابِ تُتَّخَذُ مِنْ مُشاقة الْكَتَّانِ أَغلظ مَا يَكُونُ، وَقِيلَ: مَنْسُوبَةٌ إِلَى مَوْضِعٍ بِنَاحِيَةِ الْمَغْرِبِ يُقَالُ لَهُ سَبَنٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَهْمِزُهَا فَيَقُولُ السَّبَنِيئة؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَبِالْجُمْلَةِ فإِني لَا أَحْسبها عَرَبِيَّةً. وأَسْبَنَ إِذَا دَامَ عَلَى السَّبَنِيَّات، وَهِيَ ضَرْبٌ مِنَ الثِّيَابِ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي بُرْدة فِي تَفْسِيرِ الثِّيَابِ القَسِّيَّة قَالَ: فَلَمَّا رأَيتُ السَّبَنيَّ عَرَفْتُ أَنها هِيَ.
ابْنُ الأَعرابي: الأَسْبَانُ المَقانِعُ الرِّقاقُ.
ستن: ابْنُ الأَعرابي: الأَسْتانُ أَصل الشَّجَرِ. ابْنُ سِيدَهْ: الأَسْتَنُ أُصول الشَّجَرِ الْبَالِي، وَاحِدَتُهُ أَسْتَنَة. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الأَسْتَنُ، عَلَى وَزْنِ أَحمر، شَجَرٌ يَفْشُو فِي مَنابته وَيَكْثُرُ، وَإِذَا نَظَرَ النَّاظِرُ إِلَيْهِ مِنْ بُعدٍ شَبَّهَهُ بشُخُوصِ النَّاسِ؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
تَحِيدُ عَنْ أَسْتَنٍ سُودٍ أَسافلُه، ... مِثْل الإِماء الغَوادِي تحْمِلُ الحُزَما
وَيُرْوَى: مَشْيُ الإِماء الْغَوَادِي. ابْنُ الأَعرابي: أَسْتَنَ الرجلُ وأَسْنَتَ إِذَا دَخَلَ فِي السَّنة. قَالَ: والأُبْنة فِي الْقَضِيبِ إِذَا كَانَتْ تَخْفَى فَهِيَ الأَسْتَنُ.
سجن: السِّجْنُ: الحَبْسُ. والسَّجْنُ، بِالْفَتْحِ: الْمَصْدَرُ. سَجَنَه يَسْجُنُه سَجْناً أَي حَبَسَهُ. وَفِي بَعْضِ الْقِرَاءَةِ: قَالَ
ربِّ السَّجْنُ أَحبّ إِلَيَّ.
والسِّجْنُ: المَحْبِسُ. وَفِي بَعْضِ الْقِرَاءَةِ: قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَ
، فَمَنْ كَسَرَ السِّينَ فهو المَحْبِس وَهُوَ اسْمٌ، وَمِنْ فَتْحِ السِّينِ فَهُوَ مَصْدَرُ سَجَنه سَجْناً. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَا شيءٌ أَحَقَّ بطُولِ سَجْنٍ مِنْ لسانٍ.
والسَّجَّانُ: صاحبُ السِّجْنِ. وَرَجُلٌ سَجِينٌ: مَسْجُون، وَكَذَلِكَ الأُنثى بِغَيْرِ هَاءٍ، وَالْجَمْعُ سُجَناء وسَجْنى. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: امرأَة سَجِينٌ وسَجِينة أَي مَسْجُونَةٌ مِنْ نِسْوَةٍ سَجْنى وسَجائن؛ وَرَجُلٌ سَجِين فِي قَوْمٍ سَجْنى؛ كُلُّ ذَلِكَ عَنْهُ. وسَجَنَ الهَمَّ يَسْجُنه إِذَا لَمْ يَبُثَّه، وَهُوَ مَثَلٌ بِذَلِكَ؛ قَالَ:
وَلَا تَسْجُنَنَّ الهَمَّ، إنَّ لسَجْنِه ... عَناءً، وحَمِّلْهُ المَهارى النَّواجِيا
وسِجِّين: فِعِّيل مِنَ السِّجْن. والسِّجِّين: السِّجْن. وسِجِّينٌ: وَادٍ فِي جَهَنَّمَ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْهَا، مُشْتَقٌّ مِنْ ذَلِكَ. والسِّجِّينُ: الصُّلب الشَّدِيدُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ
؛ قِيلَ: الْمَعْنَى أَن كِتَابَهُمْ فِي حَبْسٍ لِخَسَاسَةِ مَنْزِلَتِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقِيلَ: فِي سِجِّينٍ فِي حَجَر تَحْتَ الأَرض السَّابِعَةِ، وَقِيلَ: فِي سِجِّين فِي حِسَابٍ؛ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: هُوَ فِعِّيل مَنْ سَجَنْتُ أَي هُوَ مَحْبُوسٌ عَلَيْهِمْ كَيْ يُجازوا بِمَا فِيهِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَفِي سِجِّين فِي الأَرض السَّابِعَةِ. الْجَوْهَرِيُّ: سِجِّين مَوْضِعٌ فِيهِ كِتَابُ الْفُجَّارِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ودواوينُهم؛ وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: وَهُوَ فِعِّيل مِنَ السِّجْن الحبْس كالفِسِّيق مِنَ الفِسْق. وَفِي حَدِيثِ
أَبي سَعِيدٍ: ويُؤتى بِكِتَابِهِ مَخْتُومًا فَيُوضَعُ فِي السِّجِّين
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا جَاءَ بالأَلف وَاللَّامِ، وَهُوَ بِغَيْرِهِمَا اسْمُ عَلَمٍ لِلنَّارِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ
. وَيُقَالُ: فَعَل ذَلِكَ سِجِّيناً أَي عَلانية. والسَّاجُون: الْحَدِيدُ الأَنيثُ. وضَرْبٌ سِجِّينٌ أَي شَدِيدٌ؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
فإِنّ فِينَا صَبُوحاً، إنْ رأَيتَ بِهِ ... رَكْباً بَهِيّاً وَآلَافًا ثَمانينا
ورَجْلةً يَضْرِبون الهامَ عَنْ عُرُضٍ ... ضَرْباً، تواصَتْ بِهِ الأَبطالُ، سِجِّينا(13/203)
قَالَ الأَصمعي: السِّجِّين مِنَ النَّخْلِ السِّلْتِينُ، بِلُغَةِ أَهل الْبَحْرَيْنِ. يُقَالُ: سَجِّنْ جِذْعَك إِذَا أَردت أَن تَجْعَلَهُ سِلتيناً، وَالْعَرَبُ تَقُولُ سِجِّين مَكَانُ سِلْتين، وسِلتِينٌ لَيْسَ بِعَرَبِيٍّ. أَبو عَمْرٍو: السِّجِّينُ الشَّدِيدُ. غَيْرُهُ: هُوَ فِعّيل مِنَ السِّجْن كأَنه يُثْبِتُ مَنْ وَقَعَ بِهِ فَلَا يَبرح مكانَه، وَرَوَاهُ ابْنُ الأَعرابي سِخِّيناً أَي سُخْناً، يَعْنِي الضَّرْبَ، وَرُوِيَ عَنِ المؤَرِّج سِجِّيل وسِجِّين دَائِمٌ فِي قَوْلِ ابْنِ مُقْبِلٍ. والسِّلتِينُ مِنَ النَّخْلِ: مَا يحفر في أُصولها حُفَر تجْذِبُ الماءَ إِلَيْهَا إِذَا كَانَتْ لَا يَصِلُ إِلَيْهَا الماء.
سحن: السَّحْنة والسَّحَنةُ والسَّحْناء والسَّحَناء: لِينُ البَشَرة والنَّعْمة، وَقِيلَ: الهيئةُ واللونُ والحالُ. وَفِي الْحَدِيثِ ذَكَرَ السَّحْنة، وَهِيَ بَشَرَةُ الْوَجْهِ، وَهِيَ مَفْتُوحَةُ السِّينِ وَقَدْ تُكْسَرُ، وَيُقَالُ فِيهَا السَّحْناء، بِالْمَدِّ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: النَّعْمة، بِفَتْحِ النُّونِ، التَّنَعُّمُ، والنِّعْمة، بِكَسْرِ النُّونِ، إِنْعَامُ اللَّهِ عَلَى الْعَبْدِ. وَإِنَّهُ لحسَن السَّحْنة والسَّحناء. يُقَالُ: هَؤُلَاءِ قَوْمٌ حسَنٌ سَحْنَتُهم، وَكَانَ الْفَرَّاءُ يَقُولُ السَّحَناء والثَّأَداء، بِالتَّحْرِيكِ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَلَمْ أَسمع أَحداً يَقُولُهُمَا بِالتَّحْرِيكِ غَيْرُهُ؛ وَقَالَ ابْنُ كَيْسان: إِنَّمَا حُرِّكتا لِمَكَانِ حُرُوفِ الْحَلْقِ. قَالَ: وسَحْنة الرَّجُلِ حُسْن شَعْرِهِ وَدِيبَاجَتُهُ لوْنِه «1» . ولِيْطِه. وَإِنَّهُ لحَسَن سَحْناء الوَجْه. وَيُقَالُ: سَحَناء، مثقل، وسَحْناء أَجود. وَجَاءَ الْفَرَسُ مُسْحِناً أَي حَسَنَ الْحَالِ، والأُنثى بِالْهَاءِ. تَقُولُ: جاءَت فرسُ فُلَانٍ مُسْحِنةً إِذَا كَانَتْ حَسَنَةَ الْحَالِ حَسَنَةَ المَنْظر. وتَسَحَّنَ المالَ وساحَنه: نَظَرَ إِلَى سَحْنائه. وتسحَّنْتُ المالَ فرأَيت سَحْناءَه حسَنة. والمُساحَنة: المُلاقاة. وساحَنه الشيءَ مُساحَنةً: خَالَطَهُ فِيهِ وفاوَضَه. وساحَنْتُك خَالَطْتُكَ وفاوضْتُك. والمُساحنة: حُسْنُ الْمُعَاشَرَةِ وَالْمُخَالَطَةِ. والسَّحْنُ: أَن تَدْلُك خَشبة بمسْحَنٍ حَتَّى تَلين مِنْ غَيْرِ أَن تأْخذ مِنَ الْخَشَبَةِ شَيْئًا، وَقَدْ سَحَنها، وَاسْمُ الْآلَةِ المِسْحَن. والمَساحِنُ: حِجَارَةٌ تُدَقُّ بِهَا حِجَارَةُ الْفِضَّةِ، وَاحِدَتُهَا مِسْحَنة؛ قَالَ المُعطَّل الْهُذَلِيُّ:
وفَهْمُ بنُ عَمْرٍو يَعْلِكون ضَريسَهم، ... كَمَا صَرَفتْ فوْقَ الجُذاذِ المَساحِنُ
والجُذاذ: مَا جُذَّ مِنَ الْحِجَارَةِ أَي كُسِر فَصَارَ رُفاتاً. وسَحَنَ الشيءَ سَحْناً: دَقَّهُ. والمِسْحَنة: الصَّلاءَة. والمِسْحنة: الَّتِي تُكْسَرُ بِهَا الْحِجَارَةُ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والمَساحِنُ حِجَارَةٌ رِقاق يُمْهَى بِهَا الحديدُ نَحْوَ المِسَنِّ. وسَحَنتُ الحجر: كسرته.
سحتن: الأَزهري: ابْنُ الأَعرابي السَّحْتَنةُ الأُبْنة الْغَلِيظَةُ فِي الغُصن. أَبو عَمْرٍو: يُقَالُ سَحْتَنه إِذَا ذَبَحَهُ، وطَحْلبَه مثله.
سخن: السُّخْنُ، بِالضَّمِّ: الحارُّ ضِدَّ الْبَارِدِ، سَخُنَ الشيءُ والماءُ، بِالضَّمِّ، وسَخَنَ، بِالْفَتْحِ، وسَخِنَ؛ الأَخيرة لُغَةُ بَنِي عَامِرٍ، سُخونة وسَخانةً وسُخْنة وسُخْناً وسَخَناً وأَسْخَنَه إِسْخاناً وَسخَّنَه وسَخُنَتْ الأَرض وسَخِنَتْ وسَخُنَت عَلَيْهِ الشَّمْسُ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، قَالَ: وَبَنُو عَامِرٍ يَكْسِرون. وَفِي حَدِيثِ
مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرّة: شَرُّ الشِّتَاءِ السَّخينُ
أَي الْحَارُّ الَّذِي لَا بَرْدَ فِيهِ. قَالَ: وَالَّذِي جَاءَ فِي غَرِيبِ الحَرْبيّ:
شرُّ الشتاءِ السُّخَيْخِين
، وَشَرْحُهُ أَنه الْحَارُّ الَّذِي لَا بَرْدَ فِيهِ، قَالَ: وَلَعَلَّهُ مِنْ تَحْرِيفِ النَّقَلة. وَفِي حَدِيثِ
أَبي الطُّفَيْل: أَقبل رهْطٌ مَعَهُمُ امرأَة فَخَرَجُوا وَتَرَكُوهَا مَعَ أَحدهم فَشَهِدَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ: رأَيت سَخينَته تَضْرب اسْتَها
__________
(1) . قوله [وديباجته لونه إلخ] عبارة التهذيب: حسن شعره وديباجته، قال وديباجته لونه وليطه(13/204)
يَعْنِي بَيْضَتيه لِحَرَارَتِهِمَا. وَفِي حَدِيثِ
وَاثِلَةَ: أَنه، عَلَيْهِ السَّلَامُ، دَعا بقُرْصٍ فَكَسَرَهُ فِي صَحْفة ثُمَّ صَنَعَ فِيهَا مَاءً سُخْناً
؛ مَاءٌ سُخْن، بِضَمِّ السِّينِ وَسُكُونِ الْخَاءِ، أَي حَارٌّ. وَمَاءٌ سَخِينٌ ومُسَخَّنٌ وسِخِّين وسُخاخِينٌ: سُخْنٌ، وَكَذَلِكَ طَعَامٌ سُخاخِين. ابْنُ الأَعرابي: ماءٌ مُسْخَنٌ وسَخِين مِثْلَ مُتْرَص وتَريصٍ ومُبرَم وبَريمٍ؛ وأَنشد لِعَمْرِو بْنُ كُلْثُومٍ:
مُشَعْشَعة كأَنَّ الحُصَّ فِيهَا، ... إِذَا مَا الماءُ خالَطَها سَخِينا
. قَالَ: وَقَوْلُ مَنْ قَالَ جُدْنا بأَموالنا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يَعْنِي أَنّ الْمَاءَ الْحَارَّ إِذَا خَالَطَهَا اصْفَرَّت، قَالَ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ وَكَانَ الأَصمعي يَذْهَبُ إِلَى أَنه مِنَ السَّخاء لأَنه يَقُولُ بَعْدَ هَذَا الْبَيْتِ:
تَرَى اللَّحِزَ الشَّحِيحَ، إِذَا أُمِرَّتْ ... عَلَيْهِ لمالِهِ فِيهَا مُهِينا
. قَالَ: وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ لأَن ذَلِكَ لَقَبٌ لَهَا وَذَا نَعْتٍ لِفِعْلِهَا، قَالَ: وَهُوَ الَّذِي عَنَاهُ ابْنُ الأَعرابي بِقَوْلِهِ: وَقَوْلُ مَنْ قَالَ جُدْنا بأَموالنا لَيْسَ بِشَيْءٍ، لأَنه كَانَ يَنْكَرُ أَن يَكُونَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفْعَل، لِيُبْطِلَ بِهِ قَوْلَ ابْنِ الأَعرابي فِي صِفَتِهِ: الْمَلْدُوغُ سَلِيمٌ؛ إِنَّهُ بِمَعْنَى مُسْلَم لِمَا بِهِ. قَالَ: وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ كَثِيرًا، أَعني فَعَيْلًا بِمَعْنَى مُفْعَل مِثْلَ مُسْخَن وسَخِين ومُتْرَص وتَرِيص، وَهِيَ أَلفاظ كَثِيرَةٌ مَعْدُودَةٌ. يُقَالُ: أَعْقَدْتُ العسلَ فَهُوَ مُعْقَدُ وعَقِيد، وأَحْبَسْته فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ مُحْبَسٌ وحَبِيس، وأَسْخَنْتُ الماءَ فَهُوَ مُسْخَنٌ وسَخِين، وأَطْلَقْتُ الأَسيرَ فَهُوَ مُطْلَقٌ وطَلِيق، وأَعْتَقْت العبدَ فَهُوَ مُعْتَق وعَتِيق، وأَنْقَعْتُ الشرابَ فَهُوَ مُنْقَع ونَقِيع، وأَحْبَبْتُ الشيءَ فَهُوَ مُحَبٌّ وحَبِيبٌ، وأَطْرَدْتُه فَهُوَ مُطْرَد وطَرِيد أَي أَبعدته، وأَوْجَحْتُ الثوبَ إِذَا أَصْفَقْته فَهُوَ مُوجَحٌ ووَجِيحٌ، وأَتْرَصْتُ الثوبَ أَحْكمته فَهُوَ مُترَص وتَرِيص، وأَقْصَيْتُه فَهُوَ مُقْصىً وقَصِيٌّ، وأَهْدَيْت إِلَى الْبَيْتِ هَدْياً فَهُوَ مُهْدًى وهَدِيٌّ، وأَوصيت لَهُ فَهُوَ مُوصىً ووَصِيٌّ، وأَجْنَنْتُ الميتَ فَهُوَ مُجَنٌّ وجَنين، وَيُقَالُ لِوَلَدِ النَّاقَةِ النَّاقِصِ الخَلْق مُخْدَجٌ وخَديجٌ؛ قَالَ: ذَكَرَهُ الْهَرَوِيُّ، وَكَذَلِكَ مُجْهَضٌ وجَهِيض إِذَا أَلقته مِنْ شِدَّةِ السَّيْرِ، وأُبْرَمْتُ الأَمرَ فَهُوَ مُبْرَمٌ وبَرِيمٌ، وأَبْهَمْتُه فَهُوَ مُبْهَم وبَهِيمٌ، وأَيْتَمه اللَّهُ فَهُوَ مُوتَم ويَتِيم، وأَنْعَمه اللَّهُ فَهُوَ مُنعَمٌ ونَعِيم، وأُسْلِمَ الملْسُوعُ لِمَا بِهِ فَهُوَ مُسْلَم وسَلِيم، وأَحْكَمْتُ الشيءَ فَهُوَ مُحْكَم وحَكيم؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ*؛ وأَبْدَعْته فَهُوَ مُبْدَع وبَدِيع، وأَجْمَعْتُ الشَّيْءَ فَهُوَ مُجْمَع وجَمِيع، وأَعْتَدْتُه بِمَعْنَى أَعْدَدْته فَهُوَ مُعْتَد وعَتيد؛ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ؛ أَي مُعْتَدٌ مُعَدٌّ؛ يُقَالُ: أَعددته وأَعتدته وأَعتدته بِمَعْنَى، وأَحْنَقْتُ الرَّجُلَ أَغضبته فَهُوَ مُحْنَقٌ وحَنِيقٌ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
تَلاقَيْنا بغِينةِ ذِي طُرَيْفٍ، ... وبعضُهُم عَلَى بعضٍ حَنِيقُ
. وأَفْرَدْته فَهُوَ مُفْرَد وفَرِيد، وَكَذَلِكَ مُحْرَدٌ وحَرِيد بِمَعْنَى مُفْرد وفَريد، قَالَ: وأَما فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفْعِل فمُبْدِعٌ وبَدِيع، ومُسْمِع وسَمِيع، ومُونِقٌ وأَنيق، ومُؤْلِم وأَلِيم، ومُكِلٌّ وكَلِيل؛ قَالَ الْهُذَلِيُّ:
حَتَّى شَآها كَلِيلٌ مَوْهِناً عَمِلُ
غَيْرُهُ: وَمَاءٌ سُخَاخِينٌ عَلَى فُعاليل، بِالضَّمِّ، وَلَيْسَ فِي(13/205)
الْكَلَامِ غَيْرُهُ. أَبو عَمْرٍو: مَاءٌ سَخِيم وسَخِين لِلَّذِي لَيْسَ بحارٍّ وَلَا بَارِدٍ؛ وأَنشد:
إِنِّ سَخِيمَ الماءِ لَنْ يَضِيرا
. وتَسْخين الْمَاءِ وإِسْخانه بِمَعْنًى. ويومٌ سُخاخينٌ: مِثْلَ سُخْن؛ فأَما مَا أَنشده ابْنُ الأَعرابي مِنَ قَوْلِهِ:
أُحِبُّ أُمَّ خالِدٍ وخالِداً، ... حُبّاً سُخاخِيناً وحُبّاً بَارِدَا
. فإِنه فَسَّرَ السُّخاخين بأَنه الْمُؤْذِي المُوجِع، وَفَسَّرَ الْبَارِدَ بأَنه الَّذِي يَسْكُنُ إِلَيْهِ قَلْبُهُ، قَالَ كُرَاعٌ: وَلَا نَظِيرَ لسُخَاخِين. وَقَدْ سَخَنَ يومُنا وسَخُن يَسْخُن، وَبَعْضٌ يَقُولُ يَسْخَنُ، وسَخِنَ سُخْناً وسَخَناً. وَيَوْمٌ سُخْن وساخِن وسُخْنانٌ وسَخْنانٌ: حارٌّ. وَلَيْلَةٌ سُخْنة وَسَاخِنَةٌ وسُخْنانة وسَخْنانة وسَخَنَانة، وسَخُنَتِ النارُ والقِدْر تَسْخُنُ سُخْناً وسُخُونة، وَإِنِّي لأَجِدُ فِي نفْسي سُخْنة وسِخْنة وسَخْنة وسَخَنَةً، بِالتَّحْرِيكِ، وسَخْناءَ، مَمْدُودٌ، وسُخونة أَي حَرّاً أَو حُمَّى، وَقِيلَ: هِيَ فَضْلُ حَرَارَةٍ يَجِدُهَا مِنْ وَجَعٍ. وَيُقَالُ: عَلَيْكَ بالأَمر عِنْدَ سُخْنته أَي فِي أَوله قَبْلَ أَن يَبْرُد. وضَرْبٌ سِخِّين: حارٌّ مُؤْلِم شَدِيدٌ؛ قَالَ ابن مقبل:
ضَرْباً تَواصَتْ بِهِ الأَبْطالُ سِخِّينا
والسَّخينةُ: الَّتِي ارْتَفَعَتْ عَنِ الحَسَاء وثَقُلَتْ عَنْ أَن تُحْسَى، وَهِيَ طَعَامٌ يُتَّخَذُ مِنَ الدَّقِيقِ دُونَ الْعَصِيدَةِ فِي الرِّقَّةِ وفوقَ الحَساء، وَإِنَّمَا يأْكلون السَّخِينة والنَّفِيتَة فِي شدَّة الدَّهْرِ وغَلاءِ السِّعْرِ وعَجَفِ المالِ. قَالَ الأَزهري: وَهِيَ السَّخُونة أَيضاً. وَرُوِيَ عَنْ أَبي الهَيْثم أَنه كتب أَعْرَابِيٍّ قَالَ: السَّخِينة دَقِيقٌ يُلْقَى عَلَى ماءٍ أَو لَبَنٍ فَيُطْبَخُ ثُمَّ يؤْكل بِتَمْرٍ أَو يُحسَى، وَهُوَ الحَسَاءِ. غَيْرُهُ: السَّخِينة تُعْمَلُ مِنْ دَقِيقٍ وَسَمْنٍ. وَفِي حَدِيثِ
فَاطِمَةَ، عَلَيْهَا السَّلَامُ: أَنها جَاءَتِ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ببُرْمَةٍ فِيهَا سَخِينة
أَي طَعَامٌ حَارٌّ، وَقِيلَ: هِيَ طَعَامٌ يُتَّخَذُ مِنْ دَقِيقٍ وَسَمْنٍ، وَقِيلَ: دَقِيقٌ وَتَمْرٌ أَغلظ مِنَ الحَسَاء وأَرق مِنَ الْعَصِيدَةِ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تُكْثِرُ مِنْ أَكلها فعُيِّرَتْ بِهَا حَتَّى سُمُّوا سَخِينَة. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه دَخَلَ عَلَى عَمِّهِ حَمْزَةَ فصُنِعَتْ لَهُمْ سَخِينَةٌ فأَكلوا مِنْهَا.
وَفِي حَدِيثِ
مُعَاوِيَةَ: أَنه مازَحَ الأَحْنَفَ بنَ قَيْسٍ فَقَالَ: مَا الشيءُ المُلَفَّفُ فِي البِجَادِ؟ قَالَ: هُوَ السَّخِينة يَا أَمير الْمُؤْمِنِينَ
؛ المُلَفَّفُ فِي البِجاد: وَطْبُ اللَّبَنِ يُلَفُّ فِيهِ ليَحْمَى ويُدْرِكَ، وَكَانَتْ تَمِيمٌ تُعَيَّرُ بِهِ. والسَّخِينة: الحَساءِ الْمَذْكُورُ، يؤْكل فِي الجَدْب، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تُعَيَّرُ بِهَا، فَلَمَّا مَازَحَهُ مُعَاوِيَةُ بِمَا يُعَابُ بِهِ قَوْمُهُ مَازَحَهُ الأَحْنَفُ بِمِثْلِهِ. والسَّخُونُ مِنَ الْمَرَقِ: مَا يُسَخَّنُ؛ وَقَالَ:
يُعْجبُه السَّخُونُ والعَصِيدُ، ... والتَّمْرُ حُبّاً مَا لَهُ مَزِيدُ
. وَيُرْوَى: حَتَّى مَا لَهُ مَزِيدُ. وسَخِينةُ: لَقَبُ قُرَيْشٍ لأَنها كَانَتْ تُعاب بأَكْل السَّخينة؛ قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ «2» .:
زَعَمَتْ سَخِينَةُ أَن سَتَغْلِبُ رَبَّها، ... ولَيُغْلَبَنَّ مُغالِبُ الغَلَّابِ
. والمِسْخَنَةُ مِنَ البِرامِ: القِدْرُ الَّتِي كأَنها تَوْر؛ ابْنُ شُميل: هِيَ الصَّغِيرَةُ الَّتِي يطبخُ فِيهَا لِلصَّبِيِّ. وَفِي الْحَدِيثِ:
قَالَ لَهُ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ أُنزِل عَلَيْكَ طعامٌ مِنَ السَّمَاءِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ أُنزل عَلَيَّ طَعَامٌ فِي مِسْخَنة
؛ قَالَ: هِيَ قِدْر كالتَّوْرِ يُسَخَّن فِيهَا الطَّعَامُ. وسُخْنَةُ الْعَيْنِ: نقيضُ قُرَّتها، وَقَدْ سَخِنَت عينه،
__________
(2) . قوله [قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ] زاد الأَزهري الأَنصاري، والذي في المحكم: قال حسان(13/206)
بِالْكَسْرِ، تَسْخَنُ سَخَناً وسُخْنَةً وسُخُوناً وأَسْخَنها وأَسْخَنَ بِهَا؛ قَالَ:
أَوهِ أَدِيمَ عِرْضِه، وأَسْخِنِ ... بعَيْنِه بَعْدَ هُجوعِ الأَعْيُنِ «1»
. وَرَجُلٌ سَخِينُ الْعَيْنِ، وأَسْخَن اللَّهُ عينَه أَي أَبكاه. وَقَدْ سخُنَتْ عَيْنُهُ سُخْنَة وسُخُوناً، وَيُقَالُ: سَخِنَتْ وَهِيَ نَقِيضُ قَرّت، وَيُقَالُ: سَخِنَت عَيْنُهُ مِنْ حَرَارَةٍ تَسْخَن سُخْنَةً؛ وأَنشد:
إِذَا الماءُ مِنْ حالِبَيْه سَخِنْ
قَالَ: وسَخِنَت الأَرض وسَخُنت، وأَما الْعَيْنُ فَبِالْكَسْرِ لَا غَيْرَ. والتَّساخين: المَراجل، لَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا؛ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: إِلَّا أَنه قَدْ يُقَالُ تِسْخان، قَالَ: وَلَا أَعرف صِحَّةَ ذَلِكَ. وسَخُنَت الدَّابَّةُ إِذا أُجْرِيَت فسَخُنَ عِظامُها وخَفَّتْ فِي حُضْرِها؛ وَمِنْهُ قَوْلُ لَبِيدٍ:
رَفَّعْتُها طَرَدَ النَّعامِ وفوْقَهُ، ... حَتَّى إِذَا سَخُنَتْ وخَفَّ عِظامُها
. وَيُرْوَى سُخِّنَتْ، بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ. والتَّساخِينُ: الخِفافُ، لَا وَاحِدَ لَهَا مِثْلَ التَّعاشِيب. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: لَيْسَ للتَّساخين وَاحِدٌ مِنْ لَفْظِهَا كَالنِّسَاءِ لَا وَاحِدَ لَهَا، وَقِيلَ: الْوَاحِدُ تَسْخان وتَسْخَن. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعَثَ سَرِيَّةً فأَمَرهم أَن يَمْسَحُوا عَلَى المَشاوِذ والتَّساخين
؛ المَشاوذُ: الْعَمَائِمُ، والتَّساخِين: الخِفَاف. قَالَ ابْنُ الأَثير: وَقَالَ حَمْزَةُ الأَصبهاني فِي كِتَابِ المُوازنة: التَّسْخان تَعْرِيبُ تَشْكَن، وَهُوَ اسْمُ غِطاء مِنْ أَغطية الرأْس، كَانَ العلماءُ والمَوَابِذة يأْخذونه على رؤوسهم خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهِمْ، قَالَ: وَجَاءَ ذِكْرُ التَّساخين فِي الْحَدِيثِ فَقَالَ مَنْ تعاطَى تفسيرَه هُوَ الخُفُّ حَيْثُ لَمْ يَعْرِفُ فَارِسِيَّتَهُ وَالتَّاءُ فِيهِ زَائِدَةٌ. والسَّخاخِينُ المَساحِي، وَاحِدُهَا سِخِّينٌ، بِلُغَةِ عَبْدِ الْقَيْسِ، وَهِيَ مِسْحاة مُنْعَطِفة. والسِّخِّينُ: مَرُّ المِحْراث؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، يَعْنِي مَا يَقْبِضُ عَلَيْهِ الحَرَّاثُ مِنْهُ؛ ابْنُ الأَعرابي: هُوَ المِعْزَق والسِّخُّينُ، وَيُقَالُ للسِّكِّين السِّخِّينة والشِّلْقاء، قَالَ: والسَّخاخِين سَكاكين الجَزَّار.
سدن: السَّادِنُ: خَادِمُ الْكَعْبَةِ وبيتِ الأَصنام، وَالْجَمْعُ السَّدَنَةُ، وَقَدْ سَدَنَ يَسْدُنُ، بِالضَّمِّ، سَدْناً وسَدَانَةً، وَكَانَتِ السَّدَانَةُ واللِّواءِ لِبَنِي عَبْدِ الدَّارِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فأَقرّها النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَهُمْ فِي الإِسلام. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الْفَرْقُ بَيْنَ السَّادِنِ وَالْحَاجِبِ أَن الْحَاجِبَ يَحْجُبُ وإِذْنُه لِغَيْرِهِ، والسَّادِنُ يَحْجُبُ وَإِذْنُهُ لِنَفْسِهِ. والسَّدْنُ والسِّدانة: الحِجابة، سَدَنه يَسْدُنه. والسَّدَنة: حُجَّاب الْبَيْتِ وقَوَمةُ الأَصنام فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَهُوَ الأَصل، وَذَكَرَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سِدَانَة الْكَعْبَةِ وسِقَاية الحاجِّ فِي الْحَدِيثَ. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: سِدَانَة الْكَعْبَةِ خِدْمَتُها وتَوَلِّي أَمرها وَفَتْحُ بَابِهَا وإِغلاقُه، يُقَالُ مِنْهُ: سَدَنْتُ أَسْدُنُ سَدَانة. وَرَجُلٌ سَادِنٌ مِنْ قَوْمٍ سَدَنة وَهُمُ الخَدَم. والسَّدَنُ: السِّتْرُ، وَالْجَمْعُ أَسْدانٌ، وَقِيلَ: النُّونُ هُنَا بَدَلٌ مِنَ اللَّامِ فِي أَسْدال؛ قَالَ الزَّفَيانُ:
مَاذَا تَذَكَّرْت مِنَ الأَظْعانِ، ... طوالِعاً مِنْ نَحْوِ ذِي بُوانِ
كأَنما ناطُوا، عَلَى الأَسْدانِ، ... يانِعَ حُمَّاضٍ وأُقْحُوانِ
. ابْنُ السِّكِّيتِ: الأَسْدانُ والسُّدُونُ مَا جُلِّلَ بِهِ الهَوْدَجُ مِنَ الثِّيَابِ، وَاحِدُهَا سَدَنٌ. الْجَوْهَرِيُّ: الأَسْدانُ لُغَةٌ فِي الأَسْدالِ، وَهِيَ سُدُولُ الهوادج.
__________
(1) . حرك نون أسخن بالكسر وحقها السكون مراعاة للقافية(13/207)
أَبو عَمْرٍو: السَّدِينُ الشَّحْمُ، والسَّدينُ السِّتْرُ. وسَدَنَ الرجلُ ثوبه وسَدَنَ السِّتْرَ إذا أَرسله.
سرأن: إِسْرائين وإِسْرائيل، زَعَمَ يعقوب أَنه بَدَلٌ: اسم مَلَكٍ.
سربن: السِّرْبان: كالسِّرْبال، وَزَعَمَ يَعْقُوبُ أَن نُونَ سِرْبان بَدَلٌ مِنْ لَامِ سِرْبال. وتَسَرْبَنتُ: كتَسَرْبَلْتُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
تَصُدُّ عَنِّي كَمِيَّ القومِ مُنْقَبِضاً، ... إِذَا تَسَرْبَنْتُ تحتَ النَّقْعِ سِرْباناً
. قَالَ: وَرَوَاهُ أَبو عَمْرٍو سِربالًا.
سرجن: السِّرْجينُ والسَّرْجينُ: مَا تُدْمَلُ بِهِ الأَرضُ، وَقَدْ سَرْجَنَها. الْجَوْهَرِيُّ: السِّرْجين، بِالْكَسْرِ، معرَّب لأَنه لَيْسَ فِي الْكَلَامِ فَعْليل، بِالْفَتْحِ، وَيُقَالُ سِرْقين.
سرفن: إِسْرافينُ وإِسْرافيلُ، وَكَانَ القَنانِيُّ يَقُولُ سَرافينُ وسَرافِيلُ وإِسْرائِيلُ وإِسرائينُ، وَزَعَمَ يَعْقُوبُ أَنه بَدَلٌ: اسم مَلَك، وَقَدْ تَكُونُ هَمْزَةُ إِسرافِيلَ أَصلًا فَهُوَ عَلَى هَذَا خماسي.
سرقن: السِّرْقِين والسَّرقين: مَا تُدْمَلُ بِهِ الأَرضُ، وَقَدْ سَرْقَنَها. التَّهْذِيبِ: السَّرْقين مُعَرَّبٌ، ويقال سِرْجين.
سطن: الساطِنُ: الخَبيث. والأُسْطُوانُ: الرَّجلُ الطَّوِيلُ الرِّجْلينِ والظهرِ. وجَمَل أُسْطُوانٌ: طَوِيلُ العُنُق مُرْتَفِع، وَمِنْهُ الأُسْطُوانة؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
جَرَّبْنَ مِنِّي أُسْطواناً أَعْنَقا، ... يَعْدِلُ هَدْلاءَ بِشِدْقٍ أَشْدَقا
والأَعْنَق: الطَّوِيلُ العُنُق. والأُسْطُوانة: السارِيَة معروفَة، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ، وأُسْطُوان الْبَيْتِ مَعْرُوفٌ، وأَساطِينُ مُسَطَّنَةٌ، وَنُونُ الأُسْطُوانة مِنْ أَصل بَنَّاءِ الْكَلِمَةِ، وَهُوَ عَلَى تَقْدِيرٍ أُفْعُوالة، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنهم يَقُولُونَ أَساطينُ مُسَطَّنَةٌ؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: النُّونُ فِي الأُسْطوانة أَصلية، قَالَ: وَلَا نَظِيرَ لِهَذِهِ الْكَلِمَةِ فِي كَلَامِهِمْ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: النُّونُ أَصلية وَهُوَ أُفْعُوالةٌ مِثْلُ أُقْحوانةٍ، وَكَانَ الأَخفش يَقُولُ هُوَ فُعْلُوانة، قَالَ: وَهَذَا يُوجِب أَن تَكُونَ الْوَاوُ زَائِدَةً وَإِلَى جَنْبِها زَائِدَتَانِ الأَلف والنونُ، قَالَ: وَهَذَا لَا يَكَادُ يَكُونُ، قَالَ: وَقَالَ قَوْمٌ هُوَ أُفْعُلانةٌ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا جُمِعَ عَلَى أَسَاطِينَ، لأَنه لَا يَكُونُ فِي الْكَلَامِ أَفاعينُ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ عِنْدَ قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ إِنَّ أُسْطُوانة أُفْعُوالة مِثْلَ أُقْحُوانة، قَالَ: وَزَنَهَا أُفْعُلانة وَلَيْسَتْ أُفْعُوالة كَمَا ذكَر، يَدُلُّك عَلَى زِيَادَةِ النُّونِ قولُهم فِي الْجَمْعِ أَقاحِيُّ وأَقاحٍ، وقولُهم فِي التَّصْغِيرِ أُقَيْحية، قَالَ: وأَما أُسْطُوانة فَالصَّحِيحُ فِي وَزْنِهَا فُعْلُوانة لِقَوْلِهِمْ فِي التَّكْسِيرِ أَساطين كسَراحِين، وَفِي التَّصْغِيرِ أُسَيْطِينة كسُرَيْحِين، قَالَ: وَلَا يَجُوزُ أَن يَكُونَ وَزْنُهَا أُفْعُوالة لِقِلَّةٍ هَذَا الْوَزْنِ وَعَدَمِ نَظِيرِهِ، فأَمّا مُسَطَّنة ومُسَطَّن فإِنما هُوَ بِمَنْزِلَةٍ تَشَيْطَنَ فَهُوَ مُتَشَيْطِن، فِيمَنْ زَعَمَ أَنه مَنْ شَاطَ يَشيطُ، لأَن الْعَرَبَ قَدْ تَشْتقُّ مِنَ الْكَلِمَةِ وتُبقي زَوَائِدُهُ كَقَوْلِهِمْ تَمَسْكَنَ وتَمَدْرَعَ، قَالَ: وَمَا أَنكره بعدُ مِنْ زِيَادَةِ الأَلف وَالنُّونِ بَعْدَ الْوَاوِ الْمَزِيدَةِ فِي قَوْلِهِ وَهَذَا لَا يكادُ يَكُونُ، فَغَيْرُ مُنْكِرٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ عُنْظُوان وعُنْفُوان، ووزْنُهما فُعْلُوان بإِجماع، فَعَلى هَذَا يَجُوزُ أَن يَكُونَ أُسْطُوانة كعُنْظُوانة، قَالَ: وَنَظِيرُهُ مِنَ الْيَاءِ فِعْليان نَحْوَ صِلِّيان وبِلِّيان وعِنْظيان، قَالَ: فَهَذِهِ قَدِ اجْتَمَعَ فِيهَا زِيَادَةُ الأَلف وَالنُّونِ وَزِيَادَةُ الْيَاءِ قَبْلَهَا وَلَمْ يُنْكر ذَلِكَ أَحد. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ الطَّوِيلِ الرِّجْلَيْنِ وَالدَّابَّةِ الطَّوِيلُ الْقَوَائِمِ:(13/208)
مُسَطَّن، وَقَوَائِمُهُ أَساطينُه. والأَسْطان: آنِيَةُ الصُّفْر. قَالَ الأَزهري: الأُسْطُوانُ إِعراب «1» . أُستُون.
سعن: السَّعْنُ والسُّعْنُ: شَيْءٌ يُتَّخذ مِنْ أَدَمٍ شِبْهَ دَلوٍ إِلا أَنه مُستطيل مُسْتَدِيرٌ وَرُبَّمَا جُعِلَتْ لَهُ قَوَائِمُ يُنْتَبَذ فِيهِ، وَقَدْ يَكُونُ بعضُ الدِّلاءِ عَلَى تِلْكَ الصَّنْعَةِ. والسُّعْن: القِرْبة الْبَالِيَةُ المتَخَرِّقة العُنق يُبرَّد فِيهَا الْمَاءُ، وَقِيلَ: السُّعْن قِرْبة أَو إِداوة يُقْطع أَسفلُها ويُشَدُّ عُنُقها وتُعَلَّق إِلَى خَشَبَةٍ أَو جِذْع نَخْلَةٍ، ثُمَّ يُنْبَذ فِيهَا ثُمَّ يُبرَّد فِيهَا، وَهُوَ شَبِيهٌ بدَلو السَّقَّائين يَصُبُّونَ بِهِ فِي المَزائد. وَفِي حَدِيثِ
عُمر: وأَمَرْت بصاعٍ مِنْ زَبِيبٍ فجُعِل فِي سُعْنٍ
؛ هُوَ مِنْ ذَلِكَ. والسُّعْنة: الْقِرْبَةُ الصَّغِيرَةُ يُنْبَذ فِيهَا. وَقَالَ فِي السُّعْن: قِرْبة يُنبذ فِيهَا وَيُسْتَقَى بِهَا، وَرُبَّمَا جُعِلَتِ المرأَةُ فِيهَا غَزْلُهَا وَقَطَنُهَا، وَالْجَمْعُ سِعَنةٌ مِثْلَ غُصْن وغِصَنة. والسُّعْن: كالعُكَّة يَكُونُ فِيهَا الْعَسَلُ، وَالْجَمْعُ أَسْعانٌ وسِعَنةٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:
اشتريتُ سُعْناً مُطْبَقاً فذُكِر لأَبي جَعْفَرٍ فَقَالَ: كَانَ أَحَبَّ الْآنِيَةِ إِلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كلُّ إناءٍ مُطْبَقٍ
؛: قِيلَ: هُوَ القَدَح الْعَظِيمُ يُحْلب فِيهِ؛ قَالَ الْهُذَلِيُّ:
طَرَحْتُ بِذِي الجَنْبَين سُعْني وقِربتي، ... وَقَدْ أَلَّبُوا خَلْفِي وقَلَّ المَسارب
. المَذاهب. والمُسَعَّن: غَرْبٌ يُتَّخذ مِنْ أَديمين يُقابَل بَيْنَهُمَا فيُعْرَقان بِعِرَاقَيْنِ، وَلَهُ خُصْمان مِنْ جانبَين، لَوْ وُضِعَ قَامَ قَائِمًا مِنَ اسْتِوَاءٍ أَعلاه وأَسفله. والسُّعْن: ظُلَّة أَو كالظُّلَّة تُتَّخذ فَوْقَ السُّطُوحِ حَذَرَ نَدى الوَمَد، وَالْجَمْعُ سُعونٌ؛ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ عُمانيَّة لأَن مُتَّخذيها إِنما هُمْ أَهلُ عُمان. وأَسْعَنَ الرجلُ إِذَا اتخَذَ السُّعنة، وَهِيَ المِظَلَّة. وَمَا عِنْدَهُ سَعْنٌ وَلَا مَعْنٌ؛ السَّعْنُ: الوَدَك، والمَعْن: الْمَعْرُوفُ. وَمَا لَهُ سَعْنة وَلَا مَعْنةٌ، بِالْفَتْحِ، أَي قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ، وَقِيلَ: السَّعْنة المشؤُومة «2» . والمَعْنة الْمَيْمُونُ، وَكَانَ الأَصمعي لَا يَعْرِفُ أَصلها، وقيل: السَّعْنة من المِعْزى صِغَارُ الأَجسام فِي خَلْقها، والمَعْنُ الشَّيْءُ الهَيِّن. والسَّعْنة: الْكَثْرَةُ مِنَ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ، والمَعنة الْقِلَّةُ مِنَ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ. وَابْنُ سَعْنة، بِفَتْحِ السِّينِ: مِنْ شُعَرَائِهِمْ. وسُعْنة: اسْمُ رَجُلٍ. وَيَوْمُ السَّعانين: عِيدٌ لِلنَّصَارَى. وَفِي حَدِيثِ شَرْط النَّصَارَى:
وَلَا يُخْرِجوا سَعانينَ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ عِيدٌ لَهُمْ مَعْرُوفٌ قَبْلَ عِيدِهِمُ الْكَبِيرِ بأُسبوع، وَهُوَ سُرْياني مُعَرَّبٌ، وَقِيلَ: هُوَ جَمْعٌ، وَاحِدُهُ سَعْنُون.
سغن: ابْنُ الأَعرابي: الأَسْغانُ الأَغذية الرَّدِيئَةُ، وَيُقَالُ بِاللَّامِ أَيضاً.
سفن: السَّفْنُ: القَشْر. سَفَن الشيءَ يَسْفِنه سَفْناً: قَشَّرَهُ؛ قَالَ إمرؤُ الْقَيْسِ:
فجاءَ خَفِيَّاً يَسْفِنُ الأَرضَ بَطْنُه، ... تَرى التُّرْبَ مِنْهُ لَاصِقًا كلَّ مَلْصَق
. وَإِنَّمَا جَاءَ مُتَلَبِّدًا عَلَى الأَرض لِئَلَّا يَرَاهُ الصَّيْدُ فَيَنْفِرَ مِنْهُ. والسَّفِينة: الفُلْك لأَنها تَسْفِن وَجْهَ الْمَاءِ أَي تُقَشِّرُهُ، فَعِيلة بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ، وَقِيلَ لَهَا سَفِينَةٌ لأَنها تَسْفِنُ الرَّمْلَ إِذَا قَلَّ الْمَاءُ، قَالَ: وَيَكُونُ مأْخوذاً مِنَ السَّفَنِ، وَهُوَ الفأْس الَّتِي يَنْحَت بِهَا النجارُ، فَهِيَ فِي هَذِهِ الْحَالِ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ، وَقِيلَ: سُمِّيَتِ السَّفِينَةُ سَفِينَةً لأَنها تَسْفِنُ عَلَى وَجْهِ الأَرض أَي تَلزَق بِهَا، قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: سَفِينَةٌ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ كأَنها تَسْفِنُ الْمَاءَ أَي
__________
(1) . قوله [قَالَ الأَزهري الأُسطوان إِعْرَابُ إلخ] عبارته: لا أحسب الأَسطوان معرباً والفرس تقول أستون انتهى. زاد الصاغاني: الأسطوانة من أسماء الذكر
(2) . قوله [وقيل السعنة المشؤُومة إلخ] وقيل بالعكس كما في الصاعاني وغيره(13/209)
تَقْشِره، وَالْجَمْعُ سَفائن وسُفُن وسَفِين؛ قَالَ عَمْرُو بْنُ كُلْثُومٍ:
مَلأْنا البَرَّ حَتَّى ضاقَ عَنَّا، ... ومَوْجُ الْبَحْرِ نَمْلَؤُه سَفينا «3»
. وَقَالَ الْعَجَّاجُ:
وهَمَّ رَعْلُ الآلِ أَن يَكُونَا ... بحْراً يَكُبُّ الحُوتَ والسَّفِينا
وَقَالَ المَثقَّب العَبْدي:
كأَنَّ حُدوجَهُنَّ عَلَى سَفِين
. سِيبَوَيْهِ: أَما سَفائن فَعَلَى بَابِهِ، وفُعُلٌ دَاخِلٌ عَلَيْهِ لأَن فُعُلًا فِي مِثْلِ هَذَا قَلِيلٌ، وإِنما شَبَّهُوهُ بِقَليب وقُلُب كأَنهم جَمَعُوا سَفيناً حِينَ عَلِمُوا أَن الْهَاءَ سَاقِطَةٌ، شَبَّهُوهَا بجُفرةٍ وجِفارٍ حِينَ أَجرَوْها مُجرى جُمْد وجِماد. والسَّفَّانُ: صَانِعُ السُّفن وَسَائِسُهَا، وحِرْفَته السِّفانة. والسَّفَنُ: الفأْس الْعَظِيمَةُ؛ قَالَ بَعْضُهُمْ: لأَنها تَسْفِنُ أَي تَقْشر، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَيْسَ عِنْدِي بِقَوِيٍّ. ابْنُ السِّكِّيتِ: السَّفَن والمِسْفَن والشَّفْرُ أَيضاً قَدوم تُقْشر بِهِ الأَجذاع؛ وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ نَاقَةً أَنضاها السَّيْرُ:
تَخَوَّفَ السَّيْرُ مِنْهَا تَامِكًا قَرِداً، ... كَمَا تَخَوَّفَ عُودَ النَّبْعةِ السَّفَنُ «4»
. يَعْنِي تَنقَّص. الْجَوْهَرِيُّ: السَّفَنُ مَا يُنْحَت بِهِ الشَّيْءُ، والمِسْفَن مِثْلُهُ؛ وَقَالَ:
وأَنتَ فِي كَفِّكَ المِبْراةُ والسَّفَنُ
يَقُولُ: إِنك نجَّار؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِزُهَيْرٍ:
ضَرْباً كنَحتِ جُذوعِ الأَثْلِ بالسَّفَنِ
والسَّفَنُ: جِلدٌ أَخشَن غَلِيظٌ كَجُلُودِ التَّمَاسِيحِ يَكُونُ عَلَى قَوَائِمِ السُّيُوفِ، وَقِيلَ: هُوَ حجَرٌ يُنْحَت بِهِ ويُليَّن، وَقَدْ سَفَنَه سَفْناً وسَفَّنَه. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: السَّفَنُ قِطْعَةٌ خَشْنَاءُ مِنْ جِلْدِ ضَبٍّ أَو جِلْدِ سَمَكَةٍ يُسْحَج بِهَا القِدْح حَتَّى تَذْهَبَ عَنْهُ آثَارُ المِبراة، وَقِيلَ: السَّفَنُ جِلْدُ السَّمَكِ الَّذِي تُحَكُّ بِهِ السِّياط والقِدْحان والسِّهام والصِّحافُ، وَيَكُونُ عَلَى قَائِمِ السَّيْفِ؛ وَقَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ يَصِفُ قِدْحاً:
رَمَّه البارِي، فَسوَّى دَرْأَه ... غَمْزُ كَفَّيه، وتحْليقُ السَّفَنْ
وَقَالَ الأَعشى:
وَفِي كلِّ عامٍ لَهُ غَزْوَةٌ ... تَحُكّ الدوابِرَ حَكَّ السَّفَنْ
أَي تأْكل الحجارةُ دوابرَ لَهَا مِنْ بَعْدِ الْغَزْوِ. وَقَالَ اللَّيْثُ: وَقَدْ يُجْعَلُ مِنَ الْحَدِيدِ مَا يُسَفَّن بِهِ الخشبُ أَي يُحَك بِهِ حَتَّى يَلِينَ، وَقِيلَ: السَّفَنُ جِلْدُ الأَطومِ، وَهِيَ سَمَكَةٌ بَحْرِيَّةٌ تُسَوَّى قوائمُ السُّيُوفِ مِنْ جِلْدِهَا. وسَفَنَتِ الريحُ الترابَ تَسْفِنُه سَفْناً: جَعَلَتْهُ دُقاقاً؛ وأَنشد:
إِذَا مَساحِيجُ الرِّياحِ السُّفَّن
أَبو عُبَيْدٍ: السَّوافِنُ الرِّيَاحُ الَّتِي تَسْفِنُ وَجْهَ الأَرض كأَنها تَمْسحه، وَقَالَ غَيْرُهُ: تُقَشِّرُهُ، الْوَاحِدَةُ سافِنَة، وسَفَنَت الرِّيحُ التُّرَابَ عَنْ وَجْهِ الأَرض؛ وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: سَفَنَتِ الرِّيحُ تَسْفُنُ سُفُوناً وسَفِنَتْ إِذَا هَبَّتْ عَلَى وَجْهِ الأَرض، وَهِيَ رِيحٌ سَفُونٌ إِذَا كَانَتْ أَبداً هابَّةً؛ وأَنشد:
__________
(3) . قوله [وموج البحر] كذا بالأَصل، والذي في المحكم: ونحن البحر
(4) . قوله [تخوف السير إلخ] الذي في الصحاح: الرحل بدل السير، وظهر بدل عود. قال الصاغاني: وعزاه الأَزهري لابن مقبل وَهُوَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَجْلَانَ النَّهْدِيُّ، وذكر صاحب الأَغاني في ترجمة حماد الراوية أَنه لابن مزاحم الثمالي(13/210)
مَطاعِيمُ للأَضيافِ فِي كلِّ شَتْوَةٍ ... سَفُونِ الرِّياحِ، تَتْرُكُ الليطَ أَغْبرا
والسَّفِينَةُ: اسْمٌ، وَبِهِ سُمِّي عَبْدٌ أَو عَسِيف مُتكَهِّن كَانَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وأَخبرني أَبو العَلاء أَنه إِنما سُمِّيَ سفِينَة لأَنه كَانَ يَحْمِلُ الحسنَ وَالْحُسَيْنَ أَو متاعَهما، فشبِّه بالسَّفينة مِنَ الفُلْكِ. وسَفَّانة: بنت «1» . حاتم طَيِءٍ، وَبِهَا كَانَ يُكنى. وَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ سَفَوانَ، بِفَتْحِ السِّينِ وَالْفَاءِ، وادٍ مِنْ نَاحِيَةِ بَدْرٍ بَلَغَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي طَلَبِ كُرْزٍ الفِهْرِي لَمَّا أَغار عَلَى سَرْحِ الْمَدِينَةِ، وَهِيَ غَزْوَةُ بَدْرٍ الأُولى، والله أَعلم.
سقن: التَّهْذِيبِ خَاصَّةً عَنِ ابْنِ الأَعرابي: الأَسْقانُ الخَواصر الضامرة. وأَسْقَنَ الرجلُ إِذَا تَمَّمَ جِلاءَ سيفه.
سقلطن: السّقْلاطُونُ: ضَرْبٌ مِنَ الثِّيَابِ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: يَنْبَغِي أَن يَكُونَ خُمَاسِيًّا لِرَفْعِ النُّونِ وَجَرِّهَا مَعَ الْوَاوِ؛ قَالَ أَبو حَاتِمٍ: عَرَضْتُهُ عَلَى رُومِيَّةٍ وَقُلْتُ لَهَا مَا هَذَا؟ فَقَالَتْ: سِجِلَّاطُسْ.
سكن: السُّكُونُ: ضِدُّ الْحَرَكَةِ. سَكَنَ الشيءُ يَسْكُنُ سُكوناً إِذَا ذَهَبَتْ حَرَكَتُهُ، وأَسْكَنه هو وسَكَّنه غَيْرُهُ تَسْكيناً. وَكُلُّ مَا هَدَأَ فَقَدْ سَكَن كَالرِّيحِ والحَرّ وَالْبَرْدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وسَكَنَ الرَّجُلُ: سَكَتَ، وَقِيلَ: سَكَن فِي مَعْنَى سَكَتَ، وسَكَنتِ الرِّيحُ وسَكَن الْمَطَرُ وسَكَن الْغَضَبُ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ
؛ قَالَ ابْنُ الأَعرابي: مَعْنَاهُ وَلَهُ مَا حَلَّ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ؛ وَقَالَ الزَّجَّاجُ: هَذَا احْتِجَاجٌ عَلَى الْمُشْرِكِينَ لأَنهم لَمْ يُنْكِرُوا أَن مَا استقرَّ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لِلَّهِ أَي هُوَ خَالِقُهُ ومُدَبِّره، فَالَّذِي هُوَ كَذَلِكَ قَادِرٌ عَلَى إِحْيَاءِ الْمَوْتَى. وَقَالَ أَبو الْعَبَّاسِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ
، قَالَ: إِنَّمَا السَّاكِنُ مِنَ النَّاسِ والبهائم خاصة، قال: وسَكَنَ هَدَأَ بَعْدَ تَحَرُّك، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ، وَاللَّهُ أَعلم، الخَلْق. أَبو عُبَيْدٍ: الخَيْزُرَانَةُ السُّكّانُ، وَهُوَ الكَوْثَلُ أَيضاً. وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: الجَذَفُ السُّكّان فِي بَابِ السُّفُن. اللَّيْثُ: السُّكّانُ ذَنَب السَّفِينَةِ الَّتِي بِهِ تُعَدَّل؛ وَمِنْهُ قَوْلُ طَرَفَةَ:
كسُكّانِ بُوصِيٍّ بدَجْلَةَ مُصْعِدِ
. وسُكَّانُ السَّفِينَةِ عَرَبِيٌّ. والسُّكّانُ: مَا تُسَكَّنُ بِهِ السفينة تمنع به من الْحَرَكَةُ وَالِاضْطِرَابُ. والسِّكِّين: المُدْية، تُذَكَّرُ وتؤَنث؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
فعَيَّثَ فِي السَّنامِ، غَداةَ قُرٍّ، ... بِسِكِّينٍ مُوَثَّقَةِ النِّصابِ
وَقَالَ أَبو ذؤَيب:
يُرَى ناصِحاً فِيمَا بَدا، وَإِذَا خَلا ... فَذَلِكَ سِكِّينٌ، عَلَى الحَلْقِ، حاذقُ
قَالَ ابْنُ الأَعرابي: لَمْ أَسمع تأْنيث السِّكِّين، وَقَالَ ثَعْلَبٌ: قَدْ سَمِعَهُ الْفَرَّاءُ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالْغَالِبُ عَلَيْهِ التَّذْكِيرُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ أَبو حَاتِمٍ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ:
بسِكِّينٍ مُوَثَّقَة النِّصابِ
. هَذَا الْبَيْتُ لَا تَعْرِفُهُ أَصحابنا. وَفِي الْحَدِيثِ:
فَجَاءَ المَلَك بسِكِّين دَرَهْرَهَةٍ
أَي مُعْوَجَّة الرأْس؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: ذَكَرَهُ ابْنُ الجَوَالِيقي فِي المُعَرَّب فِي بَابِ الدَّالِ، وَذَكَرَهُ الْهَرَوِيُّ فِي الْغَرِيبَيْنِ. ابْنُ سِيدَهْ: السِّكِّينَة لُغَةٌ فِي السِّكِّين؛ قَالَ:
سِكِّينةٌ مِنْ طَبْعِ سَيْفِ عَمْرِو، ... نِصابُها مِنْ قَرْنِ تَيْسٍ بَرِّي
وَفِي حَدِيثِ المَبْعَثِ:
قَالَ المَلَكُ لَمَّا شَقَّ بَطْنَه
__________
(1) . قوله [وسفانة بنت إلخ] أصل السفانة اللؤلؤة كما في القاموس(13/211)
إيتِني بالسِّكِّينة
؛ هِيَ لُغَةٌ فِي السِّكِّين، وَالْمَشْهُورُ بِلَا هَاءٍ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ سَمِعْتُ بالسِّكِّين إلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، مَا كُنَّا نُسَمِّيهَا إلَّا المُدْيَةَ
؛ وَقَوْلُهُ أَنشده يَعْقُوبُ:
قَدْ زَمَّلُوا سَلْمَى عَلَى تِكِّين، ... وأَوْلَعُوها بدَمِ المِسْكِينِ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أَراد عَلَى سِكِّين فأَبدل التَّاءَ مَكَانَ السِّينِ، وَقَوْلُهُ: بِدَمِ الْمِسْكِينِ أَي بإِنسان يأْمرونها بِقَتْلِهِ، وصانِعُه سَكّانٌ وسَكَاكِينيٌّ؛ قَالَ: الأَخيرة عِنْدِي مولَّدة لأَنك إِذَا نَسَبْتَ إِلَى الْجَمْعِ فَالْقِيَاسُ أَن تَردّه إِلَى الْوَاحِدِ. ابْنُ دُرَيْدٍ: السِّكِّين فِعِّيل مِنْ ذَبَحْتُ الشيءَ حَتَّى سَكَنَ اضْطِرَابُهُ؛ وَقَالَ الأَزهري: سُمِّيَتْ سِكِّيناً لأَنها تُسَكَّنُ الذَّبِيحَةَ أَي تُسَكنها بِالْمَوْتِ. وَكُلُّ شَيْءٍ مَاتَ فَقَدْ سَكَنَ، وَمِثْلُهُ غِرِّيد لِلْمُغَنِّي لِتَغْرِيدِهِ بِالصَّوْتِ. وَرَجُلٌ شِمِّير: لتَشْمِيره إِذَا جَدَّ فِي الأَمر وَانْكَمَشَ. وسَكَنَ بِالْمَكَانِ يَسْكُنُ سُكْنَى وسُكُوناً: أَقام؛ قَالَ كثيِّر عَزَّةَ:
وَإِنْ كَانَ لَا سُعْدَى أَطالتْ سُكُونَهُ، ... وَلَا أَهْلُ سُعْدَى آخِرَ الدَّهْرِ نازِلُهْ.
فَهُوَ سَاكِنٌ مِنْ قَوْمٍ سُكّان وسَكْنٍ؛ الأَخيرة اسْمٌ لِلْجَمْعِ، وَقِيلَ: جَمْعٌ عَلَى قول الأَخفش. وأَسْكَنه إياه وسَكَنْتُ داري وأَسْكَنْتها غَيْرِي، وَالِاسْمُ مِنْهُ السُّكْنَى كَمَا أَن العُتْبَى اسْمٌ مِنَ الإِعْتاب، وَهُمْ سُكّان فُلَانٍ، والسُّكْنَى أَن يُسْكِنَ الرجلَ مَوْضِعًا بِلَا كِرْوَة كالعُمْرَى. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: والسَّكَن أَيضاً سُكْنَى الرَّجُلِ فِي الدَّارِ. يُقَالُ: لَكَ فِيهَا سَكَنٌ. أَي سُكْنَى. والسَّكَنُ والمَسْكَنُ والمَسْكِن: الْمَنْزِلُ وَالْبَيْتُ؛ الأَخيرة نَادِرَةٌ، وأَهل الْحِجَازِ يَقُولُونَ مَسْكنٌ، بِالْفَتْحِ. والسَّكْنُ: أَهل الدَّارِ، اسْمٌ لِجَمْعِ ساكِنٍ كَشَارِبٍ وشَرْبٍ؛ قَالَ سَلامة بْنُ جَنْدَل:
لَيْسَ بأَسْفَى وَلَا أَقْنَى وَلَا سَغِلٍ، ... يُسْقَى دواءَ قَفِيِّ السَّكْنِ مَرْبُوبِ
وأَنشد الْجَوْهَرِيُّ لِذِي الرُّمَّةِ:
فَيَا كَرَمَ السَّكْنِ الَّذِينَ تَحَمَّلوا ... عَنِ الدارِ، والمُسْتَخْلَفِ المُتَبَدَّلِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَي صَارَ خَلَفاً وبَدَلًا للظباءِ وَالْبَقَرِ، وَقَوْلُهُ: فَيَا كَرَمَ يَتَعَجَّب مِنْ كَرَمِهِمْ. والسَّكْنُ: جَمْعُ سَاكِنٌ كصَحْب وَصَاحِبٍ. وَفِي حَدِيثِ
يأْجوج ومأْجوج: حَتَّى إِنَّ الرُّمَّانة لتُشْبِعُ السَّكْنَ
؛ هو بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِ الْكَافِ لأَهل الْبَيْتِ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: السَّكْنُ أَيضاً جِمَاعُ أَهل الْقَبِيلَةِ. يُقَالُ: تَحَمَّلَ السَّكْنُ فَذَهَبُوا. والسَّكَنُ: كُلُّ مَا سَكَنْتَ إِلَيْهِ واطمأْنَنت بِهِ مِنْ أَهل وَغَيْرِهِ، وَرُبَّمَا قَالَتِ الْعَرَبُ السَّكَنُ لِمَا يُسْكَنُ إِلَيْهِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: جَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً
. والسَّكَنُ: المرأَة لأَنها يُسْكَنُ إِلَيْهَا. والسَّكَنُ: الساكِنُ؛ قال الراجز:
لِيَلْجَؤُوا مِنْ هَدَفٍ إِلَى فَنَنْ، ... إِلَى ذَرَى دِفْءٍ وظِلٍّ ذِي سَكَنْ
وَفِي الْحَدِيثِ:
اللهم أَنْزِلْ علينا في أَرضنا سَكَنَها
أَي غِيَاثَ أَهلها الَّذِي تَسْكُن أَنفسهم إِلَيْهِ، وَهُوَ بِفَتْحِ السِّينِ وَالْكَافِ. اللَّيْثُ: السَّكْنُ السُّكّانُ. والسُّكْنُ: أَن تُسْكِنَ إِنْسَانًا مَنْزِلًا بِلَا كِرَاءٍ، قَالَ: والسَّكْنُ الْعِيَالُ أَهلُ الْبَيْتِ، الْوَاحِدُ ساكِنٌ. وَفِي حَدِيثِ
الدَّجَّالِ: السُّكْنُ القُوتُ.
وَفِي حَدِيثِ
الْمَهْدِيِّ: حَتَّى إنَّ العُنْقود لَيَكُونُ سُكْنَ أَهل الدَّارِ
أَي قُوتَهم مِنْ بَرَكَتِهِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ النُّزْل، وَهُوَ طَعَامُ(13/212)
الْقَوْمِ الَّذِينَ يَنْزِلُونَ عَلَيْهِ. والأَسْكانُ: الأَقْواتُ، وَقِيلَ للقُوتِ سُكْنٌ لأَن الْمَكَانَ بِهِ يُسْكَنُ، وَهَذَا كَمَا يُقَالُ نُزْلُ الْعَسْكَرِ لأَرزاقهم الْمُقَدِّرَةِ لَهُمْ إِذَا أُنزِلوا مَنْزِلًا. وَيُقَالُ: مَرْعًى مُسْكِنٌ إِذَا كَانَ كَثِيرًا لَا يُحْوج إِلَى الظَّعْن، كَذَلِكَ مَرْعًى مُرْبِعٌ ومُنْزِلٌ. قَالَ: والسُّكْنُ المَسْكَن. يُقَالُ: لَكَ فِيهَا سُكْنٌ وسُكْنَى بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وسُكْنى المرأَة: المَسْكَنُ الَّذِي يُسْكنها الزَّوْجُ إِيَّاهُ. يُقَالُ: لَكَ دَارِي هَذِهِ سُكْنَى إِذَا أَعاره مَسْكناً يَسْكُنه. وسُكّانُ الدَّارِ: هُمُ الْجِنُّ الْمُقِيمُونَ بِهَا، وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا اطَّرَفَ دَارًا ذَبَحَ فِيهَا ذَبيحة يَتَّقي بِهَا أَذَى الْجِنِّ فَنَهَى النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ ذَبَائِحِ الْجِنِّ. والسَّكَنُ، بِالتَّحْرِيكِ: النَّارُ؛ قَالَ يَصِفُ قَنَاةً ثَقَّفَها بِالنَّارِ والدُّهن:
أَقامها بسَكَنٍ وأَدْهان
وَقَالَ آخَرُ:
أَلْجَأَني الليلُ وريحٌ بَلَّهْ ... إِلَى سَوادِ إِبلٍ وثَلَّهْ،
وسَكَنٍ تُوقَدُ فِي مِظَلَّهْ
ابْنُ الأَعرابي: التَّسْكِينُ تَقْوِيمُ الصَّعْدَةِ بالسَّكَنِ، وَهُوَ النَّارُ. والتَّسْكين: أَن يَدُومَ الرَّجُلُ عَلَى رُكُوبِ السُّكَيْنِ، وَهُوَ الْحِمَارُ الْخَفِيفُ السَّرِيعُ، والأَتانُ إِذَا كَانَتْ كَذَلِكَ سُكَيْنة، وَبِهِ سُمِّيَتِ الْجَارِيَةُ الْخَفِيفَةُ الرُّوح سُكَيْنة. قَالَ: والسُّكَيْنة أَيضاً اسْمُ البَقَّة الَّتِي دَخَلَتْ فِي أَنف نُمْروذَ بْنِ كَنْعان الْخَاطِئِ فأَكلت دماغَه. والسُّكَيْنُ: الْحِمَارُ الْوَحْشِيُّ؛ قَالَ أَبو دُواد:
دَعَرْتُ السُّكَيْنَ بِهِ آيِلًا، ... وعَيْنَ نِعاجٍ تُراعي السِّخالا
والسَّكينة: الوَدَاعة والوَقار. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ
؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ فِيهِ مَا تَسْكُنُون بِهِ إِذَا أَتاكم؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: قَالُوا إِنَّهُ كَانَ فِيهِ مِيرَاثُ الأَنبياء وعصا موسى وعمامة هرون الصَّفْرَاءُ، وَقِيلَ: إِنَّهُ كَانَ فِيهِ رأْس كرأْس الهِرِّ إِذَا صَاحَ كَانَ الظَّفَرُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَقِيلَ: إِنَّ السَّكينة لَهَا رأْس كرأْس الهِرَّة مِنْ زَبَرْجَدٍ وَيَاقُوتٍ ولها جناحان. قال الْحَسَنُ:
جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ فِي التَّابُوتِ سَكِينة لَا يَفِرُّون عَنْهُ أَبداً وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ إِلَيْهِ.
الْفَرَّاءُ: مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ أَنزل اللَّهُ عَلَيْهِمُ السَّكينة للسَّكينة. وَفِي حَدِيثِ
قَيْلَةَ: أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهَا: يَا مِسْكِينة عَلَيْكِ السَّكِينةَ
؛ أَراد عَلَيْكِ الوَقارَ والوَداعَة والأَمْنَ. يُقَالُ: رَجُلٌ وَدِيعَ وقُور سَاكِنٌ هَادِئٌ. وَرُوِيَ عَنِ
ابْنِ مَسْعُودٍ أَنه قَالَ: السَّكِينةَ مَغْنَم وَتَرْكُهَا مَغْرَم
، وَقِيلَ: أَراد بِهَا هَاهُنَا الرَّحْمَةَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينة تَحْمِلُهَا الْمَلَائِكَةُ.
وَقَالَ شَمِرٌ: قَالَ بَعْضُهُمْ السَّكِينة الرَّحْمَةُ، وَقِيلَ: هِيَ الطمأْنينة، وَقِيلَ: هِيَ النَّصْرُ، وَقِيلَ: هِيَ الوَقار وَمَا يَسْكُن بِهِ الإِنسان. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ
مَا تَسْكُنُ بِهِ قلوبُهم. وَتَقُولُ للوَقُور: عَلَيْهِ السُّكون والسَّكِينة؛ أَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لأَبي عُرَيْف الكُلَيبي:
للهِ قَبْرٌ غالَها، ماذا يُجِنْنَ، ... لَقَدْ أَجَنَّ سَكِينةً ووَقَارا
وَفِي حَدِيثِ الدَّفْع مِنْ عَرَفَةَ:
عَلَيْكُمُ السَّكِينةَ والوَقارَ والتَّأَنِّيَ فِي الْحَرَكَةِ وَالسَّيْرِ.
وَفِي حَدِيثِ الْخُرُوجِ إِلَى الصَّلَاةِ:
فلْيأْتِ وَعَلَيْهِ السَّكِينة.
وَفِي حَدِيثِ
زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: كُنْتُ إِلَى جَنْبِ رسول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فغَشِيَتْه السَّكِينةُ
؛ يُرِيدُ مَا(13/213)
كَانَ يَعْرِضُ لَهُ مِنَ السُّكُونِ والغَيْبة عِنْدَ نُزُولِ الْوَحْيِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَا كُنَّا نُبْعِدُ أَن السَّكينة تَكَلَّمُ عَلَى لسانِ عُمَرَ
؛ قِيلَ: هُوَ مِنَ الْوَقَارِ وَالسُّكُونِ، وَقِيلَ: الرَّحْمَةُ، وَقِيلَ: أَراد السَّكِينَة الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ، قِيلَ فِي تَفْسِيرِهَا: إِنَّهَا حَيَوَانٌ لَهُ وَجْهٌ كَوَجْهِ الإِنسان مُجتَمِع، وسائِرُها خَلْقٌ رَقِيقٌ كَالرِّيحِ والهواء، وقيل: هي صُورة كالهِرَّة كَانَتْ مَعَهُمْ فِي جُيوشهم، فإِذا ظَهَرَتِ انْهَزَمَ أَعداؤُهم، وَقِيلَ: هِيَ مَا كَانُوا يَسْكُنُونَ إِلَيْهِ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي أُعطيها مُوسَى، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، قَالَ: والأَشْبه بِحَدِيثِ عُمَرَ أَن يَكُونَ مِنَ الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَبِنَاءِ الْكَعْبَةِ: فأَرسل اللَّهُ إِلَيْهِ السَّكينة
؛ وَهِيَ رِيحٌ خَجُوجٌ أَي سَرِيعَةُ المَمَرِّ. والسَّكِّينة: لُغَةٌ فِي السَّكينة؛ عَنْ أَبي زَيْدٍ، وَلَا نَظِيرَ لَهَا وَلَا يُعْلَمُ فِي الْكَلَامِ فَعِّيلة. والسِّكِّينةُ، بِالْكَسْرِ: لُغَةٌ عَنِ الْكِسَائِيِّ مِنْ تَذْكِرَةِ أَبي عَلِيٍّ. وتَسَكَّنَ الرَّجُلُ: مِنَ السَّكِينة والسَّكِّينة. وَتَرَكْتُهُمْ عَلَى سَكِناتِهم ومَكِناتِهم ونَزِلاتِهم ورَباعَتهم ورَبَعاتهم أَي عَلَى اسْتِقَامَتِهِمْ وحُسْن حَالِهِمْ، وَقَالَ ثَعْلَبٌ: عَلَى مَسَاكِنِهِمْ، وَفِي الْمُحْكَمِ: عَلَى مَنازلهم، قَالَ: وَهَذَا هُوَ الْجَيِّدُ لأَن الأَول لَا يُطَابِقُ فِيهِ الِاسْمُ الْخَبَرَ، إِذ الْمُبْتَدَأُ اسْمٌ وَالْخَبَرُ مَصْدَرٌ، فَافْهَمْ. وَقَالُوا: تَرَكْنَا الناسَ عَلَى مُصاباتهم أَي عَلَى طَبَقَاتِهِمْ وَمَنَازِلِهِمْ. والسَّكِنة، بِكَسْرِ الْكَافِ: مَقَرُّ الرأْس مِنَ الْعُنُقِ؛ وَقَالَ حَنْظَلَةُ بْنُ شَرْقيّ وَكُنْيَتُهُ أَبو الطَّحَّان:
بِضَرْبٍ يُزِيلُ الهامَ عَنْ سَكِناتِه، ... وطَعْنٍ كتَشْهاقِ العَفا هَمَّ بالنَّهْقِ
وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه قَالَ يَوْمَ الْفَتْحِ: اسْتَقِرُّوا عَلَى سَكِناتكم فَقَدِ انْقَطَعَتِ الْهِجْرَةُ
أَي عَلَى مَوَاضِعِكُمْ وَفِي مسَاكنكم، وَيُقَالُ: وَاحِدَتُهَا سَكِنة مِثْلُ مَكِنة ومَكِنات، يَعْنِي أَن اللَّهَ قَدْ أَعز الإِسلام، وأَغنى عَنِ الْهِجْرَةِ والفِرار عَنِ الْوَطَنِ خَوْفَ الْمُشْرِكِينَ. وَيُقَالُ: النَّاسُ عَلَى سَكِناتهم أَي عَلَى اسْتِقَامَتِهِمْ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَالَ زامِل بْنُ مُصاد العَيْني:
بِضَرْبٍ يُزِيلُ الهامَ عَنْ سَكِناته، ... وطَعْنٍ كأَفواه المَزاد المُخَرَّق
قَالَ: وَقَالَ طُفَيل:
بضرْبٍ يُزيل الهامَ عَنْ سَكِناته، ... ويَنْقَعُ مِنْ هامِ الرِّجَالِ المُشَرَّب
قَالَ: وَقَالَ النَّابِغَةُ:
بضربٍ يُزيلُ الهامَ عَنْ سَكِناته، ... وطعن كإِيزاغِ الْمَخَاضِ الضَّوارب
. والمِسْكينُ والمَسْكِين؛ الأَخيرة نَادِرَةٌ لأَنه لَيْسَ فِي الْكَلَامِ مَفْعيل: الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ، وَقِيلَ: الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ يَكْفِي عِيَالَهُ، قَالَ أَبو إسحق: الْمِسْكِينُ الَّذِي أَسْكَنه الفقرُ أَي قَلَّلَ حركتَه، وَهَذَا بِعِيدٍ لأَن مِسْكيناً فِي مَعْنَى فَاعِلٍ، وَقَوْلُهُ الَّذِي أَسْكَنه الفقرُ يُخْرجه إِلى مَعْنَى مَفْعُولٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ المِسْكين وَالْفَقِيرِ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ، وَسَنَذْكُرُ مِنْهُ هُنَا شَيْئًا، وَهُوَ مِفْعيل مِنَ السُّكُونِ، مِثْلُ المِنْطيق مِنَ النُّطْق. قَالَ ابْنُ الأَنباري: قَالَ يُونُسُ الْفَقِيرُ أَحسن حَالًا مِنَ الْمِسْكِينِ، وَالْفَقِيرُ الَّذِي لَهُ بَعْضُ مَا يُقيمه، وَالْمِسْكِينُ أَسوأُ حَالًا مِنَ الْفَقِيرِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنُ السِّكِّيتِ؛ قَالَ يُونُسُ: وَقُلْتُ لأَعرابي أَفقير أَنت أَم مِسْكِينٌ؟ فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ بَلْ مِسْكِينٌ، فأَعلم أَنه أَسوأُ حَالًا مِنَ الْفَقِيرِ؛ وَاحْتَجُّوا عَلَى أَن الْمِسْكِينَ أَسوأُ حَالًا مِنَ الْفَقِيرِ بِقَوْلِ الرَّاعِي:(13/214)
أَما الفقيرُ الَّذِي كانَتْ حَلوبَتُه ... وَفْق العِيال، فَلَمْ يُترَك لَهُ سَبَدُ
فأَثبت أَن لِلْفَقِيرِ حَلوبة وَجَعَلَهَا وفْقاً لِعِيَالِهِ؛ قَالَ: وَقَوْلُ مَالِكٍ فِي هَذَا كَقَوْلِ يُونُسَ. وَرُوِيَ عَنِ الأَصمعي أَنه قَالَ: الْمِسْكِينُ أَحسن حَالًا مِنَ الْفَقِيرِ، وإِليه ذَهَبَ أَحمد بْنُ عُبَيْد، قَالَ: وَهُوَ الْقَوْلُ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا لأَن اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ
؛ فأَخبر أَنهم مَسَاكِينُ وأَن لَهُمْ سَفينة تُساوي جُمْلة، وَقَالَ لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ: يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً؛ فَهَذِهِ الْحَالُ الَّتِي أَخبر بِهَا عَنِ الْفُقَرَاءِ هِيَ دُونَ الْحَالِ الَّتِي أَخبر بِهَا عَنِ الْمَسَاكِينِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وإِلى هَذَا الْقَوْلِ ذَهَبَ عليُّ بْنُ حَمْزَةَ الأَصبهاني اللُّغَوِيُّ، ويَرى أَنه الصَّوَابُ وَمَا سِوَاهُ خطأٌ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ
؛ فأَكد عَزَّ وَجَلَّ سُوءَ حَالِهِ بِصِفَةِ الفقر لأَن المَتْربَة الْفَقْرُ، وَلَا يُؤَكَّدُ الشَّيْءُ إِلا بِمَا هُوَ أَوكد مِنْهُ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ
؛ فأَثبت أَن لَهُمْ سَفِينَةً يَعْمَلُونَ عَلَيْهَا فِي الْبَحْرِ؛ وَاسْتَدَلَّ أَيضاً بِقَوْلِ الرَّاجِزِ:
هَلْ لَكَ فِي أَجْرٍ عَظِيمٍ تُؤْجَرُهْ، ... تُغِيثُ مِسْكيناً قَلِيلًا عَسْكَرُهْ،
عَشْرُ شِياهٍ سَمْعُه وبَصَرُهْ، ... قَدْ حَدَّثَ النَّفْسَ بِمِصْرٍ يَحْضُرُهْ
. فأَثبت أَن لَهُ عَشْرَ شِيَاهٍ، وأَراد بِقَوْلِهِ عَسْكَرُهُ غَنَمُهُ وأَنها قَلِيلَةٌ، وَاسْتَدَلَّ أَيضاً بِبَيْتِ الرَّاعِي وَزَعَمَ أَنه أَعدل شَاهِدٍ عَلَى صِحَّةٍ ذَلِكَ؛ وَهُوَ قَوْلُهُ:
أَما الفقيرُ الَّذِي كَانَتْ حَلوبَتُه
لأَنه قَالَ: أَما الْفَقِيرُ الَّذِي كَانَتْ حَلوبتُه وَلَمْ يَقُلِ الَّذِي حَلُوبَتُهُ، وَقَالَ: فَلَمْ يُترك لَهُ سَبَدٌ، فأَعلمك أَنه كَانَتْ لَهُ حَلوبة تَقُوت عِيَالَهُ، وَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ حَالُهُ فَلَيْسَ بِفَقِيرٍ وَلَكِنْ مِسْكِينٍ، ثُمَّ أَعلمك أَنها أُخِذَتْ مِنْهُ فَصَارَ إِذ ذَاكَ فَقِيرًا، يَعْنِي ابنُ حمْزة بِهَذَا الْقَوْلِ أَن الشَّاعِرَ لَمْ يُثْبِتْ أَن لِلْفَقِيرِ حَلُوبَةً لأَنه قَالَ: الَّذِي كَانَتْ حَلُوبَتُهُ، وَلَمْ يَقُلِ الَّذِي حَلُوبَتُهُ، وَهَذَا كَمَا تَقُولُ أَما الْفَقِيرُ الَّذِي كَانَ لَهُ مَالٌ وثرْوة فإِنه لَمْ يُترَكْ لَهُ سَبَدٌ، فَلَمْ يُثْبت بِهَذَا أَن لِلْفَقِيرِ مَالًا وثرْوَة، وإِنما أَثبَت سُوءَ حَالِهِ الَّذِي به صارفقيراً، بَعْدَ أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَثَرْوَةٍ، وَكَذَلِكَ يَكُونَ الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ:
أَما الْفَقِيرُ الَّذِي كَانَتْ حَلُوبَتُهُ
. أَنه أَثبت فَقْرَهُ لِعَدَمِ حَلوبته بَعْدَ أَن كَانَ مِسْكِينًا قَبْلَ عَدَمِ حَلوبته، وَلَمْ يُرِد أَنه فَقِيرٌ مَعَ وُجُودِهَا فإِن ذَلِكَ لَا يَصِحُّ كَمَا لَا يَصِحُّ أَن يَكُونَ لِلْفَقِيرِ مَالٌ وَثَرْوَةٌ فِي قَوْلِكَ: أَما الْفَقِيرُ الَّذِي كَانَ لَهُ مَالٌ وَثَرْوَةٌ، لأَنه لَا يَكُونُ فَقِيرًا مَعَ ثَرْوَتِهِ وَمَالِهِ فَحَصَلَ بِهَذَا أَن الْفَقِيرَ فِي الْبَيْتِ هُوَ الَّذِي لَمْ يُتركْ لَهُ سَبَدٌ بأَخذ حَلُوبَتِهِ، وَكَانَ قَبْلَ أَخذ حَلُوبَتِهِ مِسْكِينًا لأَن مَنْ كَانَتْ لَهُ حَلُوبَةٌ فَلَيْسَ فَقِيرًا، لأَنه قَدْ أَثبت أَن الْفَقِيرَ الَّذِي لَمْ يُترَكْ لَهُ سَبَدٌ، وإِذا لَمْ يَكُنْ فَقِيرًا فَهُوَ إِمّا غَنِيٌّ وإِما مِسْكِينٌ، وَمَنْ لَهُ حَلُوبَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَيْسَ بِغَنِيٍّ، وإِذا لَمْ يَكُنْ غَنِيًّا لَمْ يَبْقَ إِلّا أَن يَكُونَ فَقِيرًا أَو مِسْكِينًا، وَلَا يَصِحُّ أَن يَكُونَ فَقِيرًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، فَلَمْ يبقَ أَن يَكُونَ إِلا مِسْكِينًا، فَثَبَتَ بِهَذَا أَن الْمِسْكِينَ أَصلح حَالًا مِنَ الْفَقِيرِ؛ قَالَ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ: وَلِذَلِكَ بدأَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْفَقِيرِ قَبْلَ مَنْ يَسْتَحِقُّ الصَّدَقَةَ مِنَ الْمِسْكِينِ وَغَيْرِهِ، وأَنت إِذا تأَملت قَوْلَهُ تَعَالَى: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ
، وَجَدْتَهُ سُبْحَانَهُ قَدْ(13/215)
رَتَّبَهُمْ فَجَعَلَ الثَّانِي أَصلح حَالًا مِنَ الأَول، وَالثَّالِثَ أَصلح حَالًا مِنَ الثَّانِي، وَكَذَلِكَ الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ وَالسَّادِسُ وَالسَّابِعُ وَالثَّامِنُ، قَالَ: وَمِمَّا يَدُلُّكَ عَلَى أَن الْمِسْكِينَ أَصلح حَالًا مِنَ الْفَقِيرِ أَن الْعَرَبَ قَدْ تَسَمَّتْ بِهِ وَلَمْ تَتَسَمَّ بِفَقِيرٍ لِتَنَاهِي الْفَقْرِ فِي سُوءِ الْحَالِ، أَلا تَرَى أَنهم قَالُوا تَمَسْكَن الرَّجُلُ فَبَنَوْا مِنْهُ فِعْلًا عَلَى مَعْنَى التَّشْبِيهِ بِالْمِسْكِينِ فِي زِيِّه، وَلَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ فِي الْفَقِيرِ إِذ كَانَتْ حَالُهُ لَا يَتَزَيّا بِهَا أَحدٌ؟ قَالَ: وَلِهَذَا رَغِبَ الأَعرابيُّ الَّذِي سأَله يُونُسُ عَنِ اسْمِ الْفَقِيرِ لِتَنَاهِيهِ فِي سُوءِ الْحَالِ، فَآثَرَ التَّسْمِيَةَ بالمَسْكَنة أَو أَراد أَنه ذَلِيلٌ لِبُعْدِهِ عَنْ قَوْمِهِ وَوَطَنِهِ، قَالَ: وَلَا أَظنه أَراد إِلا ذَلِكَ، وَوَافَقَ قولُ الأَصمعي وَابْنِ حَمْزَةَ فِي هَذَا قولَ الشَّافِعِيِّ؛ وَقَالَ قَتَادَةُ: الْفَقِيرُ الَّذِي بِهِ زَمانة، والمِسْكين الصَّحِيحُ الْمُحْتَاجُ. وَقَالَ زِيَادَةُ اللَّهِ بْنُ أَحمد: الْفَقِيرُ الْقَاعِدُ فِي بَيْتِهِ لَا يسأَل، وَالْمِسْكِينُ الَّذِي يسأَل، فَمِنْ هَاهُنَا ذَهَبَ مَنْ ذَهَبَ إِلى أَن الْمِسْكِينَ أَصلح حَالًا مِنَ الْفَقِيرِ لأَنه يسأَل فيُعْطَى، وَالْفَقِيرُ لَا يسأَل وَلَا يُشْعَرُ بِهِ فيُعْطَى لِلُزُومِهِ بَيْتِهِ أَو لِامْتِنَاعِ سُؤَالِهِ، فَهُوَ يَتَقَنَّع بأَيْسَرِ شَيْءٍ كَالَّذِي يتقوَّت فِي يَوْمِهِ بِالتَّمْرَةِ وَالتَّمْرَتَيْنِ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَلَا يسأَل مُحَافَظَةً عَلَى مَاءِ وَجْهِهِ وإِراقته عند السُّؤَالِ، فَحَالُهُ إِذاً أَشدّ مِنْ حَالِ الْمِسْكِينِ الَّذِي لَا يَعْدَمُ مَنْ يُعْطِيهِ، وَيَشْهَدُ بِصِحَّةِ ذَلِكَ
قَوْلُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ المسكينُ الَّذِي تَرُدُّه اللُّقْمةُ واللُّقْمتانِ، وإِنما الْمِسْكِينُ الَّذِي لَا يسأَل وَلَا يُفْطَنُ لَهُ فيُعْطَى
، فأَعْلَمَ أَن الَّذِي لَا يسأَل أَسوأُ حَالًا مِنَ السَّائِلِ، وإِذا ثَبَتَ أَن الْفَقِيرَ هُوَ الَّذِي لَا يسأَل وأَن الْمِسْكِينَ هُوَ السَّائِلُ فَالْمِسْكِينُ إِذاً أَصلح حَالًا مِنَ الْفَقِيرِ، وَالْفَقِيرُ أَشدّ مِنْهُ فَاقَةً وَضُرًّا، إِلَّا أَن الْفَقِيرَ أَشرف نَفْسًا مِنَ الْمِسْكِينِ لِعَدَمِ الْخُضُوعِ الَّذِي فِي الْمِسْكِينِ، لأَن الْمِسْكِينَ قَدْ جَمَعَ فَقْرًا وَمَسْكَنَةً، فَحَالُهُ فِي هَذَا أَسوأُ حَالًا مِنَ الْفَقِيرِ، وَلِهَذَا قَالَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ الْمِسْكِينُ «2» فأَبانَ أَن لَفْظَةَ الْمِسْكِينِ فِي اسْتِعْمَالِ النَّاسِ أَشدّ قُبحاً مِنْ لَفْظَةِ الْفَقِيرِ، وَكَانَ الأَولى بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ أَن تَكُونَ لِمَنْ لَا يسأَل لِذُلِّ الْفَقْرِ الَّذِي أَصابه، فَلَفْظَةُ الْمِسْكِينِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ أَشد بُؤْسًا مِنْ لَفْظَةِ الْفَقِيرِ، وإِن كَانَ حَالُ الْفَقِيرِ فِي الْقِلَّةِ وَالْفَاقَةِ أَشد مِنْ حَالِ الْمِسْكِينِ، وأَصل الْمِسْكِينِ فِي اللُّغَةِ الْخَاضِعُ، وأَصل الْفَقِيرِ الْمُحْتَاجُ، وَلِهَذَا
قَالَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ أَحْيِني مِسْكيناً وأَمِتْني مِسْكِينًا واحْشُرْني فِي زُمْرةِ الْمَسَاكِينِ
؛ أَراد بِهِ التَّوَاضُعَ والإِخْبات وأَن لَا يَكُونَ مِنَ الْجَبَّارِينَ الْمُتَكَبِّرِينَ أَي خَاضِعًا لَكَ يَا رَبِّ ذَلِيلًا غَيْرَ مُتَكَبِّرٍ، وَلَيْسَ يُرَادُ بِالْمِسْكِينِ هُنَا الْفَقِيرُ الْمُحْتَاجُ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُكَرَّمِ: وَقَدِ اسْتَعَاذَ سَيِّدُنَا رسول الله، صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ الْفَقْرِ؛ قَالَ: وَقَدْ يُمْكِنُ أَن يَكُونَ مِنْ هَذَا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ حِكَايَةً عَنِ الخِضْرِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ
، فَسَمَّاهُمْ مَسَاكِينَ لِخُضُوعِهِمْ وَذُلِّهِمْ مِنْ جَوْرِ الْمَلِكِ الَّذِي يأْخذ كُلَّ سَفِينَةٍ وَجَدَهَا فِي الْبَحْرِ غَصْباً، وَقَدْ يَكُونُ الْمِسْكِينُ مُقِلًّا ومُكْثِراً، إِذ الأَصل فِي المسكين أَنه من المَسْكَنة، وَهُوَ الْخُضُوعُ وَالذُّلُّ، وَلِهَذَا وَصَفَ اللَّهُ الْمِسْكِينَ بِالْفَقْرِ لَمَّا أَراد أَن يُعْلِمَ أَن خُضُوعَهُ لِفَقْرٍ لَا لأَمر غَيْرِهِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ
؛ والمَتْرَبةُ: الْفَقْرُ، وَفِي هَذَا حُجَّةٌ لِمَنْ جَعَلَ الْمِسْكِينَ أَسوأَ حَالًا لِقَوْلِهِ ذَا مَتْرَبَةٍ، وَهُوَ الَّذِي لَصِقَ بِالتُّرَابِ لشدَّة فَقْرِهِ، وَفِيهِ أَيضاً حُجَّةٌ لِمَنْ جَعَلَ الْمِسْكِينَ أَصلح حَالًا مِنَ الْفَقِيرِ لأَنه أَكد حَالَهُ بِالْفَقْرِ، وَلَا يؤكَّد الشَّيْءُ إِلا بِمَا هُوَ أَوكد مِنْهُ. قَالَ ابْنُ الأَثير: وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ المِسْكين والمَساكين والمَسْكَنة والتَّمَسْكُنِ، قَالَ: وَكُلُّهَا يَدُورُ مَعْنَاهَا على الخضوع
__________
(2) . الحديث(13/216)
والذِّلَّة وَقِلَّةِ الْمَالِ وَالْحَالِ السَّيِّئَةِ، واسْتَكانَ إِذا خَضَعَ. والمَسْكَنة: فَقْرُ النَّفْسِ. وتَمَسْكَنَ إِذا تَشَبَّه بِالْمَسَاكِينِ، وَهُمْ جَمْعُ المِسْكين، وَهُوَ الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي لَهُ بَعْضُ الشَّيْءِ، قَالَ: وَقَدْ تَقَعُ المَسْكَنة عَلَى الضَّعف؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
قَيْلة: قَالَ لَهَا صَدَقَت المِسْكِينةُ
؛ أَراد الضَّعف وَلَمْ يُرِدِ الْفَقْرَ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: المِسْكين مِنَ الأَلفاظ المُتَرَحَّمِ بِهَا، تَقُولُ: مَرَرْتُ بِهِ المِسْكين، تَنْصِبُهُ عَلَى أَعني، وَقَدْ يَجُوزُ الْجَرُّ عَلَى الْبَدَلِ، وَالرَّفْعُ عَلَى إِضمار هُوَ، وَفِيهِ مَعْنَى التَّرَحُّمِ مَعَ ذَلِكَ، كَمَا أَن رحمةُ اللَّهِ عَلَيْهِ وإِن كَانَ لَفْظُهُ لَفْظَ الْخَبَرِ فَمَعْنَاهُ مَعْنَى الدُّعَاءِ؛ قَالَ: وَكَانَ يُونُسُ يَقُولُ مَرَرْتُ بِهِ المسكينَ، عَلَى الْحَالِ، وَيَتَوَهَّمُ سُقُوطَ الأَلف وَاللَّامِ، وَهَذَا خطأٌ لأَنه لَا يَجُوزُ أَن يَكُونَ حَالًا وَفِيهِ الأَلف وَاللَّامُ، وَلَوْ قُلْتُ هَذَا لَقُلْتُ مَرَرْتُ بِعَبْدِ اللَّهِ الظريفَ تُرِيدُ ظَرِيفًا، وَلَكِنْ إِنْ شِئْتَ حَمَلْتَهُ عَلَى الْفِعْلِ كأَنه قَالَ لَقِيتُ الْمِسْكِينَ، لأَنه إِذا قَالَ مَرَرْتُ بِهِ فكأَنه قَالَ لَقِيِتُهُ، وَحُكِيَ أَيضاً: إِنه المسكينُ أَحْمَقُ وتقديرُه: إِنه أَحمق، وَقَوْلُهُ المسكينُ أَي هُوَ المسكينُ، وَذَلِكَ اعتراضٌ بَيْنَ اسْمِ إِن وَخَبَرِهَا، والأُنثى مِسْكينة؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: شُبِّهَتْ بِفَقِيرَةٍ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ فِي مَعْنَى الإِكْثار، وَقَدْ جَاءَ مِسْكين أَيضاً للأُنثى؛ قَالَ تأَبط شَرًّا:
قَدْ أَطْعَنُ الطَّعْنةَ النَّجْلاءَ عَنْ عُرُضٍ، ... كفَرْجِ خَرْقاءَ وَسْطَ الدارِ مِسْكينِ
عَنَى بِالْفَرَجِ مَا انْشَقَّ مِنْ ثِيَابِهَا، وَالْجَمْعُ مَساكين، وإِن شِئْتَ قُلْتَ مِسْكينون كَمَا تَقُولُ فَقِيرُونَ؛ قَالَ أَبو الْحَسَنِ: يَعْنِي أَن مِفْعيلًا يَقَعُ لِلْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ نَحْوَ مِحْضِير ومِئْشير، وإِنما يَكُونُ ذَلِكَ مَا دَامَتِ الصِّيغَةُ لِلْمُبَالَغَةِ، فَلَمَّا قَالُوا مِسْكينة يَعْنُونَ الْمُؤَنَّثَ وَلَمْ يَقْصِدُوا بِهِ الْمُبَالَغَةَ شَبَّهُوهَا بِفَقِيرَةٍ، وَلِذَلِكَ سَاغَ جَمْعُ مُذَكَّرِهِ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ. وَقَوْمٌ مَساكينُ ومِسْكِينون أَيضاً، وإِنما قَالُوا ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ قِيلَ للإِناث مِسْكينات لأَجل دُخُولِ الْهَاءِ، وَالِاسْمُ المَسْكَنة. اللَّيْثُ: المَسْكَنة مَصْدَرُ فِعْل المِسْكين، وإِذا اشْتَقُّوا مِنْهُ فِعْلًا قَالُوا تَمَسْكَنَ الرجلُ أَي صَارَ مِسكيناً. وَيُقَالُ: أَسْكَنه اللَّهُ وأَسْكَنَ جَوْفَه أَي جَعَلَهُ مِسْكيناً. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْمِسْكِينُ الْفَقِيرُ، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الذِّلَّة وَالضَّعْفِ. يقال: تَسَكَّن الرجل وتَمَسْكَن، كَمَا قَالُوا تَمَدْرَعَ وتَمَنْدَلَ مِنَ المِدْرَعَة والمِنْديل، عَلَى تَمَفْعَل، قَالَ: وَهُوَ شَاذٌّ، وَقِيَاسُهُ تَسَكَّنَ وتَدرَّعَ مِثْلَ تشَجَّع وتحَلَّم. وسَكَن الرجلُ وأَسْكَن وتمَسْكَنَ إِذا صَارَ مِسكيناً، أَثبتوا الزَّائِدَ، كَمَا قَالُوا تَمَدْرَع فِي المِدرعة. قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: تَسَكَّن كتَمَسْكَن، وأَصبح القومُ مُسْكِنين أَي ذَوِي مَسْكنة. وَحُكِيَ: مَا كَانَ مِسْكِينًا وَمَا كُنْتُ مِسْكِينًا وَلَقَدْ أَسكَنْتُ. وتمسكَنَ لِرَبِّهِ: تضَرَّع؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ. وَتَمَسْكَنَ إِذا خَضَعَ لِلَّهِ. والمَسْكَنة: الذِّلَّة. وَفِي الْحَدِيثِ
عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنه قَالَ لِلْمُصَلِّي: تَبْأَسُ وتمسْكَنُ وتُقْنِع يَدَيْكَ
؛ وَقَوْلُهُ تمسْكَنُ أَي تذَلَّل وتَخْضَع، وَهُوَ تَمَفْعَل مِنَ السُّكُونِ؛ وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ: أَصل الْحَرْفِ السُّكون، والمَسْكَنة مَفْعلة مِنْهُ، وَكَانَ الْقِيَاسُ تسَكَّن، وَهُوَ الأَكثر الأَفصح إِلا أَنه جاءَ فِي هَذَا الْحَرْفِ تَمَفْعَل، وَمِثْلُهُ تمَدْرَع وأَصله تَدرَّع؛ وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: كُلُّ مِيمٍ كَانَتْ فِي أَول حَرْفٍ فَهِيَ مَزِيدَةٌ إِلا مِيمَ مِعْزى وَمِيمَ مَعَدٍّ، تَقُولُ: تمَعْدَد، وَمِيمَ مَنْجَنِيق وَمِيمَ مَأْجَج وَمِيمَ مَهْدَد؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذَا فِيمَا جَاءَ عَلَى بِنَاءِ مَفْعَل أَو مِفْعَل أَو مِفْعيل، فأَما مَا جَاءَ عَلَى بِنَاءِ فَعْلٍ(13/217)
أَو فِعالٍ فَالْمِيمُ تَكُونُ أَصلية مِثْلُ المَهْدِ والمِهاد والمَرد وَمَا أَشبهه. وَحَكَى الْكِسَائِيُّ عَنْ بَعْضِ بَنِي أَسد: المَسْكين، بِفَتْحِ الْمِيمِ، المِسْكين. والمِسْكينة: اسْمُ مَدِينَةِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: لَا أَدري لمَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ إِلا أَن يَكُونَ لِفَقْدِهَا النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. واستَكان الرَّجُلُ: خَضَع وذلَّ، وَهُوَ افتَعَل مِنَ المَسْكَنة، أُشبعت حَرَكَةُ عَيْنِهِ فَجَاءَتْ أَلفاً. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ
؛ وَهَذَا نَادِرٌ، وَقَوْلُهُ: فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ
؛ أَي فَمَا خَضَعُوا، كَانَ فِي الأَصل فَمَا استَكَنُوا فَمُدَّتْ فَتْحَةُ الْكَافِ بأَلف كَقَوْلِهِ: لَهَا مَتْنتان خَظاتا، أَراد خَظَتا فَمَدَّ فَتْحَةَ الظَّاءِ بأَلف. يُقَالُ: سَكَنَ وأَسكَنَ واسْتَكَنَ وتَمَسْكَنَ واسْتَكان أَي خَضَعَ وَذَلَّ. وَفِي حَدِيثِ
تَوْبَةِ كَعْبٍ: أَما صَاحِبَايَ فاستَكانا وقَعَدا فِي بُيُوتِهِمَا
أَي خَضَعَا وذلَّا. والاسْتِكانة: اسْتِفْعال مِنَ السُّكون؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَكثر مَا جاءَ إِشباع حَرَكَةِ الْعَيْنِ فِي الشِّعْرِ كَقَوْلِهِ يَنْباعُ مِنْ ذِفْرَى غَضُوب أَي يَنْبَع، مُدَّتْ فَتْحَةُ الْبَاءِ بأَلف، وَكَقَوْلِهِ: أَدْنو فأَنْظُورُ، وَجَعَلَهُ أَبو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ مِنَ الكَيْنِ الَّذِي هُوَ لَحْمُ بَاطِنِ الْفَرْجِ لأَن الْخَاضِعَ الذَّلِيلَ خَفِيٌّ، فَشَبَّهَهُ بِذَلِكَ لأَنه أَخفى مَا يَكُونُ مِنَ الإِنسان، وَهُوَ يَتَعَدَّى بِحَرْفِ الْجَرِّ وَدُونِهِ؛ قَالَ كثيِّر عَزَّةَ:
فَمَا وَجدوا فِيكَ ابنَ مَرْوان سَقْطةً، ... وَلَا جَهْلةً فِي مازِقٍ تَسْتَكِينُها
الزَّجَّاجُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ
؛ أَي يَسْكُنون بِهَا. والسَّكُون، بِالْفَتْحِ: حَيٌّ مِنَ الْيَمَنِ. والسَّكون: مَوْضِعٌ، وَكَذَلِكَ مَسْكِنٌ، بِكَسْرِ الْكَافِ، وَقِيلَ: مَوْضِعٌ مِنْ أَرض الْكُوفَةِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
إِنَّ الرَّزِيَّة، يَوْمَ مَسْكِنَ، ... والمُصِيبةَ والفَجيعه
. جَعَلَهُ اسْمًا لِلْبُقْعَةِ فَلَمْ يَصْرِفْهُ. وأَما المُسْكان، بِمَعْنَى العَرَبون، فَهُوَ فُعْلال، وَالْمِيمُ أَصلية، وَجَمْعُهُ المَساكين؛ قَالَهُ ابْنُ الأَعرابي. ابْنُ شُمَيْلٍ: تَغْطِيَةُ الْوَجْهِ عِنْدَ النَّوْمِ سُكْنة كأَنه يأْمن الْوَحْشَةَ، وَفُلَانُ بنُ السَّكَن. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَكَانَ الأَصمعي يَقُولُهُ بِجَزْمِ الْكَافِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُقَالُ سَكَنٌ وسَكْنٌ؛ قَالَ جَرِيرٌ فِي الإِسكان:
ونُبِّئْتُ جَوَّاباً وسَكْناً يَسُبُّني، ... وعَمْرو بنُ عَفْرا، لَا سلامَ عَلَى عَمْرِو
وسَكْنٌ وسُكَنٌ وسُكَينٌ: أَسماء. وسُكَينٌ: اسْمُ مَوْضِعٍ؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
وَعَلَى الرُّمَيْثة مِنْ سُكَينٍ حاضرٌ، ... وَعَلَى الدُّثَيْنةِ مِنْ بَنِي سَيَّارِ
. وسُكَينٌ، مُصَغَّرٌ: حَيٌّ مِنَ الْعَرَبِ فِي شِعْرِ النَّابِغَةِ الذُّبياني. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يَعْنِي هَذَا الْبَيْتَ: وَعَلَى الرُّميثة مِنْ سُكين. وسُكَيْنة: بِنْتُ الحُسَين بْنِ عَلِيٍّ، عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، والطُّرَّة السُّكَيْنِيَّة مَنْسُوبَةٌ إِليها.
سلن: التَّهْذِيبِ فِي الثُّلَاثِيِّ: ابْنُ الأَعرابي الأَسْلانُ الرِّماح الذُّبَّل.
سلعن: سَلْعَنَ فِي عدْوه: عَدا عَدْواً شديداً.
سمن: السِّمَنُ: نَقِيضُ الهُزال. والسَّمِينُ: خِلَافُ المَهْزول، سَمِنَ يَسْمَنُ سِمَناً وسَمانةً؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
رَكِبْناها سَمانَتَها، فَلَمَّا ... بَدَتْ مِنْهَا السَّناسِنُ والضُّلوعُ(13/218)
أَراد: رَكِبْنَاهَا طُولَ سَمانتِها. وَشَيْءٌ سامِنٌ وَسَمِينٌ، وَالْجَمْعُ سِمانٌ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَلَمْ يَقُولُوا سُمَناء، اسْتَغنَوْا عَنْهُ بسِمانٍ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: إِذا كَانَ السِّمَنُ خِلْقة قِيلَ هَذَا رَجُلٌ مُسْمِن وَقَدْ أَسْمَن. وسَمَّنه: جَعَلَهُ سَمِينًا، وتسَمَّنَ وسَمَّنه غيرُه. وَفِي الْمَثَلِ: سَمِّنْ كلْبَك يأْكُلْك. وَقَالُوا: اليَنَمةُ تُسْمِن وَلَا تُغْزر أَي أَنها تَجْعَلُ الإِبل سَمينة وَلَا تَجْعَلُهَا غِزاراً. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: امرأَة مُسْمَنة سَمينة ومُسَمَّنة بالأَدْوية. وأَسْمَن الرجلُ: مَلَكَ سَميناً أَو اشْتَرَاهُ أَو وُهِبَهُ. وأَسْمَنَ القومُ: سَمِنَتْ مَوَاشِيهِمْ ونَعَمُهم، فَهُمْ مُسْمِنون. واسْتَسْمَنتُ اللحمَ أَي وَجَدْتُهُ سَميناً. واسْتَسْمَن الشيءَ: طَلَبَهُ سَمِينًا أَو وَجَدَهُ كَذَلِكَ. واسْتَسْمَنه: عَدَّه سَميناً، وَطَعَامٌ مَسْمَنة لِلْجِسْمِ. والسُّمنة: دَوَاءٌ يُتَّخَذُ للسِّمَن. وَفِي التَّهْذِيبِ: السُّمْنة دَوَاءٌ تُسَمَّن بِهِ المرأَةُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
وَيلٌ للمُسَمَّنات يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ فَترة فِي الْعِظَامِ
أَي اللَّاتِي يَسْتَعْمِلْنَ السُّمْنةَ، وَهُوَ دَوَاءٌ يَتَسَمَّنُ بِهِ النِّسَاءُ، وَقَدْ سُمِّنَتْ، فَهِيَ مُسَمَّنة. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ يتَسَمَّنون
أَي يتَكثَّرون بِمَا لَيْسَ فِيهِمْ مِنَ الْخَيْرِ ويَدَّعون مَا لَيْسَ فِيهِمْ مِنَ الشَّرَفِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ جَمْعُهم المالَ ليُلْحَقُوا بذَوي الشَّرَف، وَقِيلَ: مَعْنَى يَتَسَمَّنُون يحِبون التَّوَسُّعَ فِي المَآكل والمَشارِب، وَهِيَ أَسباب السِّمَنِ. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ:
ويَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ.
وَوَضَعَ محمد بن إِسحق حَدِيثًا: ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ يَتَسَمَّنُون
، فِي بَابِ كَثْرَةِ الأَكل وَمَا يُذَمُّ مِنْهُ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَيْرُ أُمتي القَرْنُ الَّذِي أَنا فِيهِمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونهم ثُمَّ يظهَر فِيهِمْ قومٌ يُحِبُّون السَّمَانةَ يَشْهَدُونَ قبل أَن يُسْتَشْهَدُوا
؛ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ
عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ لرجلٍ سَمِينٍ ويُومِئُ بِإِصْبَعِهِ إِلى بَطْنِهِ: لَوْ كَانَ هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا لَكَانَ خَيْرًا لَكَ.
وأَرضٌ سَمِينة: جَيِّدة التُّرْب قَلِيلَةُ الْحِجَارَةِ قَوِيَّةٌ عَلَى ترشيح النَّبْتِ. والسَّمْنُ: سِلاءُ اللَّبَنِ. والسَّمْنُ: سِلاءُ الزُّبْد، والسَّمْنُ لِلْبَقَرِ، وَقَدْ يَكُونُ للمِعْزَى؛ قَالَ إِمرؤ الْقَيْسِ وَذَكَرَ مِعْزًى لَهُ:
فتَمْلأُ بَيْتَنا أَقِطاً وسَمْناً، ... وحَسْبُكَ مِنْ غِنًى شِبَعٌ ورِيُ
وَالْجَمْعُ أَسْمُن وسُمُون وسُمْنان مِثْلَ عَبْدٍ وعُبْدانٍ وظَهْرٍ وظُهْرانٍ. وسَمَنَ الطعامَ يَسْمُنُه سَمْناً، فَهُوَ مَسْمُون: عَمَلَهُ بالسَّمْن ولَتَّهُ بِهِ؛ وَقَالَ:
عَظِيمُ القَفا رِخْوُ الخَواصِرِ، أَوْهَبَتْ ... لَهُ عَجْوَةٌ مَسْمُونَةٌ وخَمِيرُ
. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ إِنما هُوَ أُرْهِنَتْ لَهُ عَجْوَةٌ أَي أُعِدَّتْ وأُدِيمت كَقَوْلِهِ:
عِيديَّةٌ أُرْهِنَتْ فِيهَا الدَّنَانِيرُ
. يريد أَنه منقول بالهمزة مِنْ رَهَنَ الشيءُ إِذا دَامَ؛ قَالَ الشَّاعِرَ:
الخُبْزُ واللَّحْمُ لَهُمْ راهِنٌ، ... وقَهْوَةٌ راوُوقُها ساكِبُ
وسَمَنَ الخبزَ وسَمَّنَه وأَسْمنَه: لَتَّه بالسَّمْنِ. وسَمَنْتُ لَهُ إِذا أَدَمْتَ لَهُ بالسَّمْن. وأَسْمَنَ الرَّجُلُ: اشْتَرَى سَمْناً. وَرَجُلٌ سامِنٌ: ذُو سَمْن، كَمَا يُقَالُ رَجُلٌ تامِرٌ ولابِنٌ أَي ذُو تَمْرٍ وَلَبَنٍ. وأَسْمَنَ القومُ: كثرَ عِنْدَهُمُ السَّمْنُ. وسَمَّنَهم تَسْمِيناً: زَوَّدَهم السَّمْنَ. وجاؤُوا يَسْتَسمِنُون أَي يَطْلُبُونَ السَّمْنَ أَن يُوهَبَ لَهُمْ.(13/219)
والسَّمّانُ: بَائِعُ السَّمْن. الْجَوْهَرِيُّ: السَّمّان إِن جَعَلْتَهُ بَائِعَ السَّمْن انْصَرَفَ، وإِن جَعَلْتَهُ مِنَ السَّمِّ لَمْ يَنْصَرِفْ فِي الْمَعْرِفَةِ. وَيُقَالُ: سَمَّنْته وأَسْمَنتُه إِذا أَطعمته السَّمْنَ؛ وَقَالَ الرَّاجِزُ:
لَمَّا نزَلْنا حاضِرَ المَدينة، ... بعدَ سِياقِ عُقْبةٍ مَتِينه،
صِرْنا إِلى جاريَةٍ مَكِينه، ... ذاتِ سُرورٍ عَيْنُها سَخِينه
فباكَرَتْنا جَفْنةٌ بَطِينه، ... لحْمَ جَزُورٍ عَثَّةٍ سَمِينه
أَي مَسْمونة مِنَ السَّمْن لَا مِنَ السِّمَنِ، وَقَوْلُهُ: جَارِيَةً، يُرِيدُ عَيْنًا تَجْرِي بِالْمَاءِ، مَكِينَةٌ: مُتَمَكِّنَةٌ فِي الأَرض، ذَاتَ سُرورٍ: يُسَرُّ بِهَا النَّازِلُ. والتَّسْمِينُ: التَّبْرِيدُ، طَائِفِيَّةٌ. وَفِي حَدِيثِ
الْحَجَّاجِ: أَنه أُتِيَ بِسَمَكَةٍ مَشْوِيَّةٍ فَقَالَ لِلَّذِي حَمَلَهَا سَمِّنْها، فَلَمْ يَدْرِ مَا يُرِيدُ، فَقَالَ عَنْبَسَة بْنُ سَعِيدٍ: إِنه يَقُولُ لَكَ بَرِّدْها قليلًا.
والسُّمَانَى: طَائِرٌ، وَاحِدَتُهُ سُمَاناةٌ، وَقَدْ يَكُونُ السُّمَانَى وَاحِدًا. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَلَا تَقُلْ سُمّانَى، بِالتَّشْدِيدِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
نفْسِي تَمَقَّسُ مِنْ سُمانَى الأَقبُر
ابن الأَعرابي: الأَسْمالُ والأَسْمانُ الأُزُر الخُلْقانُ. والسَّمّانُ: أَصْباغ يُزَخْرَفُ بِهَا، اسْمٌ كالجَبّان. وسَمْنٌ وسَمْنان وسُمْنان وسُمَيْنة: مواضع. والسُّمَنِيَّة: قَوْمٌ مِنْ أَهل الْهِنْدِ دُهْرِيُّونَ. الْجَوْهَرِيُّ: السُّمَنِيَّة، بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ الْمِيمِ، فِرْقَةٌ مِنْ عَبَدَةِ الأَصنام تَقُولُ بالتَّناسُخ وَتُنْكِرُ وقوعَ الْعِلْمِ بالإِخبار. والسُّمْنة: عُشْبة ذَاتُ وَرَقٍ وقُضُب دَقِيقَةُ الْعِيدَانِ لَهَا نَوْرة بَيْضَاءَ، وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: السُّمْنةُ مِنَ الجَنْبَة تَنْبُتُ بنُجُوم الصَّيْفِ وتَدُوم خُضْرتها.
سنن: السِّنُّ: وَاحِدَةُ الأَسنان. ابْنُ سِيدَهْ: السِّنُّ الضِّرْسُ، أُنْثَى. وَمِنَ الأَبَدِيّاتِ: لَا آتِيكَ سِنَّ الحِسْلِ أَي أَبداً، وَفِي الْمُحْكَمِ: أَي مَا بَقِيَتْ سِنُّه، يَعْنِي وَلَدَ الضَّبِّ، وسِنُّه لَا تَسْقُطُ أَبداً؛ وَقَوْلُ أَبي جَرْوَلٍ الجُشَمِيّ، وَاسْمُهُ هِنْدٌ، رَثَى رَجُلًا قُتِلَ مِنْ أَهل الْعَالِيَةِ فَحَكَمَ أَولياؤُه فِي دِيَتِهِ فأَخذوها كُلَّهَا إِبلًا ثُنْياناً، فَقَالَ فِي وَصْفِ إِبل أُخذت فِي الدِّيَةِ:
فجاءتْ كسِنِّ الظَّبْيِ، لَمْ أَرَ مِثْلَها ... سَنَاءَ قَتِيلٍ أَو حَلُوبَةَ جائِعِ
مُضاعَفَةً شُمَّ الحَوَارِكِ والذُّرَى، ... عِظامَ مَقِيلِ الرأْسِ جُرْدَ المَذارِعِ
كسِنِّ الظَّبْيِ أَي هِيَ ثُنْيانٌ لأَن الثَّنِيَّ هُوَ الَّذِي يُلقي ثَنِيَّتَه، والظَّبْيُ لَا تَنْبُتُ لَهُ ثَنِيَّة قَطُّ فَهُوَ ثَنِيٌّ أَبداً. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ عَنِ الْمُفَضَّلِ: لَا آتِيكَ سِنِي حِسْلٍ. قَالَ: وَزَعَمُوا أَن الضب يعيش ثلثمائة سَنَةٍ، وَهُوَ أَطول دَابَّةٍ فِي الأَرض عُمْرًا، وَالْجُمْعُ أَسْنانٌ وأَسِنَّةٌ؛ الأَخيرة نَادِرَةٌ، مِثْلُ قِنٍّ وأَقْنانٍ وأَقِنَّة. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِذا سَافَرْتُمْ فِي خِصْبٍ فأَعْطُوا الرُّكُبَ أَسِنَّتَها، وإِذا سَافَرْتُمْ فِي الْجَدْبِ فاسْتَنْجُوا.
وَحَكَى الأَزهري فِي التَّهْذِيبِ عَنْ أَبي عُبَيْدٍ أَنه قَالَ: لَا أَعرف الأَسِنَّة إِلَّا جَمْع سِنان لِلرُّمْحِ، فإِن كَانَ الْحَدِيثُ مَحْفُوظًا فكأَنها جَمْعُ الأَسْنان، يُقَالُ لِمَا تأْكله الإِبل وَتَرْعَاهُ مِنَ العُشْب سِنٌّ، وَجَمْعُ أَسْنان أَسِنَّة، يُقَالُ سِنّ وأَسْنان مِنَ المَرْعَى، ثُمَّ أَسِنَّة جَمْعُ الْجَمْعِ. وَقَالَ أَبو سَعِيدٍ: الأَسِنَّة جَمْعُ السِّنان لَا جَمْعُ الأَسنان، قَالَ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ الحَمْضُ يَسُنُّ الإِبلَ عَلَى الخُلَّةِ أَي يقوِّيها كَمَا يقوِّي السِّنُّ حدَّ السِّكِّينِ، فالحَمْضُ سِنانٌ لَهَا عَلَى رَعْيِ الخُلَّة، وَذَلِكَ أَنها تَصْدُق الأَكلَ(13/220)
بَعْدَ الحَمْضِ، وَكَذَلِكَ الرِّكابُ إِذا سُنَّت فِي المَرْتَع عِنْدَ إِراحة السَّفْرِ ونُزُولهم، وَذَلِكَ إِذا أَصابت سِنّاً مِنَ الرِّعْيِ يَكُونُ ذَلِكَ سِناناً عَلَى السَّيْرِ، ويُجْمَع السِّنَانُ أَسِنَّةً، قَالَ: وَهُوَ وَجْهُ الْعَرَبِيَّةِ، قَالَ: وَمَعْنَى يَسُنُّها أَي يقوِّيها عَلَى الخُلَّة. والسِّنانُ: الِاسْمُ مِنْ يَسُنُّ وَهُوَ القُوَّة. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: ذَهَبَ أَبو سَعِيدٍ مَذْهَبًا حَسَنًا فِيمَا فَسَّرَ، قَالَ: وَالَّذِي قَالَهُ أَبو عُبَيْدٍ عِنْدِي صَحِيحٌ بيِّن «3» .، وَرُوِيَ عَنِ الْفَرَّاءِ: السِّنُّ الأَكل الشَّدِيدُ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَسَمِعْتُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الْعَرَبِ يَقُولُ أَصابت الإِبلُ اليومَ سِنّاً مِنَ الرَّعْي إِذا مَشَقَتْ مِنْهُ مَشْقاً صَالِحًا، وَيُجْمَعُ السِّنّ بِهَذَا الْمَعْنَى أَسْناناً، ثُمَّ يُجْمَعُ الأَسْنانُ أَسِنَّةً كَمَا يُقَالُ كِنٌّ وأَكنانٌ، ثُمَّ أَكِنَّة جَمْعُ الْجَمْعِ، فَهَذَا صَحِيحٌ مِنْ جِهَةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَيُقَوِّيهِ حَدِيثُ
جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَن رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِذا سِرْتم فِي الخِصْب فأَمْكِنوا الرِّكابَ أَسْنانَها
؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذَا اللَّفْظُ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا قَالَ أَبو عُبَيْدٍ فِي الأَسِنَّة إِنها جَمْعُ الأَسْنان، والأَسْنان جَمْعُ السِّنِّ، وَهُوَ الأَكل والرَّعْي، وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ فِي جَمْعِهِ أُسُنّاً، وَهُوَ نَادِرٌ أَيضاً. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مَعْنَى قَوْلِهِ أَعطوا الرُّكُبَ أَسِنَّتَها أَعطوها مَا تَمْتَنِعُ بِهِ مِنَ النَّحْرِ لأَن صَاحِبَهَا إِذا أَحسن رَعْيَها سَمِنت وحَسُنت فِي عَيْنِهِ فَيَبْخَلُ بِهَا مِنْ أَن تُنْحَر، فَشَّبَهَ ذَلِكَ بالأَسِنَّة فِي وُقُوعِ الِامْتِنَاعِ بِهَا، هَذَا عَلَى أَن الْمُرَادَ بالأَسنَّة جَمْعُ سِنَانٍ، وإِن أُريد بِهَا جَمْعُ سِنٍّ فَالْمَعْنَى أَمْكنوها مِنَ الرَّعي؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
أَعْطُوا السِّنَّ حظَّها مِنَ السّنِ
أَي أَعطوا ذَوَاتَ السِّنِّ حَظَّهَا مِنَ السِّنِّ وَهُوَ الرِّعْيُ. وَفِي حَدِيثِ
جَابِرٍ: فأَمْكِنُوا الرِّكابَ أَسْناناً
أَي تَرْعَى أَسْناناً. وَيُقَالُ: هَذِهِ سِنٌّ، وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ، وَتَصْغِيرُهَا سُنَيْنة، وَتُجْمَعُ أُسُنّاً وأَسْناناً. وَقَالَ القَنَاني: يقال له بُنَيٌّ سَنِينَةُ ابْنِك. ابْنُ السِّكِّيتِ: يُقَالُ هُوَ أَشبه شَيْءٍ بِهِ سُنَّة وأُمَّةً، فالسُّنَّة الصُّورة وَالْوَجْهُ، والأُمَّةُ الْقَامَةُ. وَالْحَدِيدَةُ الَّتِي تُحْرَثُ بِهَا الأَرض يُقَالُ لَهَا: السِّنَّة والسِّكَّة، وَجَمْعُهَا السِّنَنُ والسِّكَكُ. وَيُقَالُ للفُؤُوس أَيضاً: السِّنَنُ. وسِنُّ الْقَلَمِ: مَوْضِعُ البَرْيِ مِنْهُ. يُقَالُ: أَطِلْ سِنَّ قَلَمِكَ وسَمِّنْها وحَرِّفْ قَطَّتَك وأَيْمِنْها. وسَنَنْتُ الرَّجُلَ سَنّاً: عَضَضْتُه بأَسناني، كَمَا تَقُولُ ضَرَسْتُه. وسَنَنْتُ الرجلَ أَسُنُّه سَنّاً: كَسَرْتُ أَسنانه. وسِنُّ المِنْجَل: شُعْبَة تَحْزِيزِهِ. والسِّنُّ مِنَ الثُّوم: حَبَّةٌ مِنْ رأْسه، عَلَى التَّشْبِيهِ. يُقَالُ: سِنَّةٌ مِنْ ثُوم أَي حبَّة مِنْ رأْس الثُّومِ، وسِنَّة مِنْ ثومٍ فِصَّةٌ مِنْهُ، وَقَدْ يُعَبَّرُ بالسِّنّ عَنِ العُمُر، قَالَ: والسِّنُّ مِنَ الْعُمُرِ أُنْثى، تَكُونُ فِي النَّاسِ وَغَيْرِهِمْ؛ قَالَ الأَعور الشَّنِّيُّ يَصِفُ بَعِيرًا:
قَرَّبْتُ مثلَ العَلَم المُبَنَّى، ... لَا فانِيَ السِّنِّ وَقَدْ أَسَنّا
أَراد: وَقَدْ أَسنَّ بعضَ الإِسنان غَيْرَ أَن سِنَّه لَمْ تَفْنَ بعدُ، وَذَلِكَ أَشدّ مَا يَكُونُ الْبَعِيرُ، أَعني إِذا اجْتَمَعَ وَتَمَّ؛ وَلِهَذَا قَالَ أَبو جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ:
مَا تُنْكِرُ الحَرْبُ العَوانُ مِنِّي؟ ... بازِلُ عامَيْنِ حَديثُ سِنِّي «4»
. إِنما عَنى شدَّته واحْتناكه، وإِنما قَالَ سِنّي لأَنه أَراد أَنه مُحْتَنِك، وَلَمْ يَذْهَبْ فِي السِّنّ، وَجَمْعُهَا أَسْنان لَا غَيْرَ؛ وَفِي النِّهَايَةِ لِابْنِ الأَثير قَالَ: فِي حَدِيثِ
علي،
__________
(3) . قوله [صحيح بين] الذي بنسخة التهذيب التي بأيدينا: أَصح وأَبين
(4) . قوله [بازل عامين إِلخ] كذا برفع بازل في جميع الأُصول كالتهذيب والتكملة والنهاية وبإضافة حديث سني إِلا في نسخة من النهاية ضبط حديث بالتنوين مع الرفع وفي أُخرى كالجماعة(13/221)
عَلَيْهِ السَّلَامُ:
بَازِلُ عَامَيْنِ حديثُ سِنِّي.
قَالَ: أَي إِني شَابٌّ حَدَثٌ فِي العُمر كَبِيرٌ قَوِيٌّ فِي الْعَقْلِ وَالْعِلْمِ. وَفِي حَدِيثِ
عُثْمَانَ: وجاوزتُ أَسْنانَ أَهل بَيْتِي
أَي أَعمارهم. يُقَالُ: فُلَانٌ سِنُّ فُلَانٍ إِذا كَانَ مِثْلَهُ فِي السِّنِّ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ ذِي يَزَنَ: لأُوطِئَنَّ أَسْنانَ الْعَرَبِ كَعْبَه
؛ يُرِيدُ ذَوِي أَسنانهم وَهُمُ الأَكابر والأَشراف. وأَسَنَّ الرجلُ: كَبِرَ، وَفِي الْمُحْكَمِ: كَبِرَتْ سِنُّه يُسِنُّ إِسْناناً، فَهُوَ مُسِنٌّ. وَهَذَا أَسَنُّ مِنْ هَذَا أَي أَكبر سِنّاً مِنْهُ، عَرَبِيَّةٌ صَحِيحَةٌ. قَالَ ثَعْلَبٌ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عِيسَى بْنِ أَبي جَهْمَة اللَّيْثِيُّ وأَدركته أَسَنَّ أَهل الْبَلَدِ. وَبَعِيرٌ مُسِنّ، وَالْجُمَعُ مَسانُّ ثَقِيلَةٌ. وَيُقَالُ: أَسَنَّ إِذا نَبَتَتْ سِنُّه الَّتِي يَصِيرُ بِهَا مُسِنًّا مِنَ الدَّوَابِّ. وَفِي حَدِيثِ
مُعَاذٍ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلى الْيَمَنِ فأَمرني أَن آخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ مِنَ الْبَقَرِ تَبِيعاً، وَمِنْ كُلِّ أَربعين مُسِنَّةً
، والبقرَةُ والشاةُ يَقَعُ عَلَيْهِمَا اسْمُ المُسِنّ إِذا أَثْنَتا، فإِذا سَقَطَتْ ثَنِيَّتُهما بَعْدَ طُلُوعِهَا فَقَدْ أَسَنَّتْ، وَلَيْسَ مَعْنَى إِسْنانها كِبَرَها كَالرَّجُلِ، وَلَكِنَّ مَعْنَاهُ طُلوع ثَنِيَّتها، وتُثْني البقرةُ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ، وَكَذَلِكَ المِعْزَى تُثْني فِي الثَّالِثَةِ، ثُمَّ تَكُونُ رَباعِيَة فِي الرَّابِعَةِ ثُمَّ سِدْساً فِي الْخَامِسَةِ ثُمَّ سَالِغاً فِي السَّادِسَةِ، وَكَذَلِكَ الْبَقَرُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ. وَرَوَى
مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنه قَالَ: يُتَّقَى مِنَ الضَّحَايَا الَّتِي لَمْ تُسْنَنْ
، بِفَتْحِ النُّونِ الأُولى، وَفَسَّرَهُ الَّتِي لَمْ تَنْبُتْ أَسنانها كأَنها لَمْ تُعْطَ أَسْناناً، كَقَوْلِكَ: لَمْ يُلْبَنْ أَي لَمْ يُعْطَ لَبَناً، وَلَمْ يُسْمَنْ أَي لَمْ يُعْطَ سَمْناً، وَكَذَلِكَ يُقَالُ: سُنَّتِ البَدَنة إِذا نَبَتَتْ أَسنانها، وسَنَّها اللَّهُ؛ وَقَوْلُ الأَعشى:
بحِقَّتِها رُبِطَتْ في اللَّجِينِ، ... حَتَّى السَّدِيسُ لَهَا قَدْ أَسَنّ
. أَي نَبت وَصَارَ سِنّاً؛ قَالَ: هَذَا كُلُّهُ قَوْلُ الْقُتَيْبِيِّ، قَالَ: وَقَدْ وَهِمَ فِي الرِّوَايَةِ وَالتَّفْسِيرِ لأَنه رَوَى الْحَدِيثَ
لَمْ تُسْنَنْ
، بِفَتْحِ النُّونِ الأُولى، وإِنما حَفِظَهُ عَنْ مُحَدِّث لَمْ يَضْبِطْه، وأَهل الثَّبْتِ والضَّبْطِ رَوَوْهُ
لَمْ تُسْنِنْ
، بِكَسْرِ النُّونِ، قَالَ: وَهُوَ الصَّوَابُ فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَالْمَعْنَى لَمْ تُسِنَّ، فأَظهر التَّضْعِيفَ لِسُكُونِ النُّونِ الأَخيرة، كَمَا يُقَالُ لَمْ يُجْلِلْ، وإِنما أَراد ابْنُ عُمَرَ أَنه لَا يُضَحَّى بأُضحية لَمْ تُثْنِ أَي لَمْ تَصِرْ ثَنِيَّة، وإِذا أَثْنَتْ فَقَدْ أَسَنَّتْ، وَعَلَى هَذَا قَوْلُ الْفُقَهَاءِ. وأَدنى الأَسْنان: الإِثْناءُ، وَهُوَ أَن تَنْبُتَ ثَنِيَّتاها، وأَقصاها فِي الإِبل: البُزُول، وَفِي الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ السُّلُوغ، قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرْنَا مَا رُوِيَ
عَنْ جَبَلة بْنِ سُحَيْم قَالَ: سأَل رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ: أَأُضَحِّي بالجَدَعِ؟ فَقَالَ: ضَحّ بالثَّنِيِّ فَصَاعِدًا
، فَهَذَا يُفَسِّرُ لَكَ أَن مَعْنَى قَوْلِهِ يُتَّقَى مِنَ الضَّحَايَا التي لم تُسْنِنْ، أَراد بِهِ الإِثْناءَ. قَالَ: وأَما خَطَأُ القُتَيْبيّ مِنَ الْجِهَةِ الأُخرى فَقَوْلُهُ سُنِّنَتِ الْبَدَنَةُ إِذا نَبَتَتْ أَسْنانُها وسَنَّها اللَّهُ غيرُ صَحِيحٍ، وَلَا يَقُولُهُ ذُو الْمَعْرِفَةِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ، وَقَوْلُهُ: لَمْ يُلْبَنْ وَلَمْ يُسْمَنْ أَي لَمْ يُعْطَ لَبَناً وسَمْناً خطأٌ أَيضاً، إِنما مَعْنَاهُمَا لَمْ يُطْعَمْ سَمْنًا وَلَمْ يُسْقَ لَبَنًا. والمَسَانُّ مِنَ الإِبل: خلافُ الأَفْتاءِ. وأَسَنَّ سَدِيسُ النَّاقَةِ أَي نَبَتَ، وَذَلِكَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ؛ وأَنشد بَيْتَ الأَعشى:
بِحِقَّتِها رُبِطَت في اللَّجِينِ، ... حَتَّى السَّدِيسُ لَهَا قَدْ أَسَنّ
يَقُولُ: قيمَ عَلَيْهَا مُنْذُ كانتِ حِقَّةً إِلى أَن أَسْدَسَتْ فِي إِطعامها وإِكرامها؛ وَقَالَ القُلاخُ:(13/222)
بِحِقِّه رُبِّطَ فِي خَبْطِ اللُّجُنْ ... يُقْفَى بِهِ، حَتَّى السَّدِيسُ قَدْ أَسَنّ
وأَسَنَّها اللهُ أَي أَنْبَتها. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: أَنه خَطَبَ فَذَكَرَ الرِّبَا فَقَالَ: إِن فِيهِ أَبواباً لَا تَخْفى عَلَى أَحدٍ مِنْهَا السَّلَمُ فِي السِّنِ
، يَعْنِي الرقيقَ والدوابَّ وَغَيْرَهُمَا مِنَ الْحَيَوَانِ، أَراد ذَوَاتَ السِّنّ. وسِنُّ الْجَارِحَةِ، مؤَنثة ثُمَّ اسْتُعِيرَتْ للعُمُر اسْتِدْلَالًا بِهَا عَلَى طُولِهِ وَقِصَرِهِ، وَبَقِيَتْ عَلَى التأْنيث. وسِنُّ الرَّجُلِ وسَنينُه وسَنينَتُه: لِدَتُه، يُقَالُ: هُوَ سِنُّه وتِنُّه وحِتْنُه إِذا كَانَ قِرْنَه فِي السِّنّ. وسَنَّ الشيءَ يَسُنُّه سَنّاً، فهو مَسْنون وسَنين وسَنَّته: أَحَدَّه وصَقَله. ابْنُ الأَعرابي: السَّنّ مَصْدَرُ سَنَّ الحديدَ سَنّاً. وسَنَّ لِلْقَوْمِ سُنَّةً وسَنَناً. وسَنَّ عَلَيْهِ الدِّرْعَ يَسُنُّها سَنّاً إِذا صَبَّها. وسَنَّ الإِبلَ يسُنُّها سَنّاً إِذا أَحْسَن رِعْيَتها حَتَّى كأَنه صَقَلَهَا. والسَّنَنُ: اسْتِنان الإِبل وَالْخَيْلِ. وَيُقَالُ: تَنَحَّ عَنْ سَننِ الْخَيْلِ. وسَنَّنَ المَنْطِقَ: حَسَّنه فكأَنه صقَله وَزَيَّنَهُ؛ قَالَ الْعَجَّاجِ:
دَعْ ذَا، وبَهّجْ حَسَباً مُبَهَّجا ... فَخْماً، وسَنِّنْ مَنْطِقاً مُزَوَّجاً
والمِسَنُّ والسِّنانُ: الحجَر الَّذِي يُسَنُّ بِهِ أَو يُسنُّ عَلَيْهِ، وَفِي الصِّحَاحِ: حجَر يُحدَّد بِهِ؛ قَالَ إِمرؤُ الْقَيْسِ:
يُباري شَباةَ الرُّمْحِ خَدٌّ مُذَلَّقٌ، ... كَصَفْحِ السِّنانِ الصُّلَّبيِّ النَّحِيضِ
قَالَ: وَمِثْلُهُ لِلرَّاعِي:
وبيضٍ كسَتْهنَّ الأَسِنَّةُ هَفْوَةً، ... يُداوى بِهَا الصادُ الَّذِي فِي النّواظِرِ
. وأَراد بالصادِ الصَّيَدَ، وأَصله فِي الإِبل داء يُصيبها في رؤوسها وأَعينها؛ وَمِثْلُهُ لِلَبِيدٍ:
يَطْرُدُ الزُّجَّ، يُباري ظِلَّهُ ... بأَسِيلٍ، كالسِّنانِ المُنْتَحَلْ
والزُّجُّ: جَمْعُ أَزَجَّ، وأَراد النعامَ، والأَزَجُّ: الْبَعِيدُ الخَطو، يُقَالُ: ظَلِيمٌ أَزجُّ وَنَعَامَةٌ زَجَّاء. والسِّنانُ: سِنانُ الرُّمْحِ، وَجَمْعُهُ أَسِنَّة. ابْنُ سِيدَهْ: سِنانُ الرُّمْحِ حَدِيدَتُهُ لصَقالتها ومَلاستها. وسَنَّنَه: رَكَّبَ فيه السِّنان. وأَسَنْت الرمحَ: جَعَلْتَ لَهُ سِناناً، وَهُوَ رُمح مُسَنٌّ. وسَنَنْتُ السِّنانَ أَسُنُّه سَنّاً، فَهُوَ مَسنون إِذا أَحدَدْته عَلَى المِسنِّ، بِغَيْرِ أَلف. وسَنَنتُ فُلَانًا بِالرُّمْحِ إِذا طَعَنْتُهُ بِهِ. وسَنَّه يَسُنُّه سَنّاً: طَعَنَهُ بالسِّنان. وسَنَّنَ إِليه الرُّمْحَ تسْنيناً: وَجَّهه إِليه. وسَننْت السِّكِّينَ: أَحددته. وسَنَّ أَضراسَه سَنّاً: سَوَّكها كأَنه صَقَلها. واسْتَنَّ: اسْتَاكَ. والسَّنُونُ: مَا استَكْتَ بِهِ. والسَّنين: مَا يَسقُط مِنَ الْحَجَرِ إِذا حَكَكْتَهُ. والسَّنُونُ: مَا تَسْتنُّ بِهِ مِنْ دَوَاءٍ مؤَلف لِتَقْوِيَةِ الأَسنان وتَطريتها. وَفِي حَدِيثِ السِّوَاكِ:
أَنه كَانَ يَستنُّ بعودٍ مِنْ أَراك
؛ الاستِنان: استعمالُ السِّوَاكِ، وَهُوَ افتِعال مِنَ الإِسْنان، أَي يُمِرُّه عَلَيْهَا. وَمِنْهُ حَدِيثُ الْجُمُعَةِ:
وأَن يَدَّهِن ويَسْتنَّ.
وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فِي وَفَاةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فأَخذتُ الجَريدة فسَننْتُه بِهَا
أَي سَوَّكته بِهَا. ابْنُ السِّكِّيتِ: سَنَّ الرجلُ إِبله إِذا أَحسن رِعْيتها والقيامَ عَلَيْهَا حَتَّى كأَنه صَقَلَهَا؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
نُبِّئْتُ حِصْناً وحَيّاً مِنْ بَنِي أَسَدٍ ... قَامُوا فَقَالُوا: حِمانا غيرُ مقْروبِ
ضَلَّتْ حُلومُهُمُ عَنْهُمْ، وغَرَّهُمُ ... سَنُّ المُعَيديِّ فِي رَعْيٍ وتَعْزيبِ «5» .
__________
(5) . قوله [وتعزيب] التعزيب بالعين المهملة والزاي المعجمة أَن يبيت الرجل بماشيته كما في الصحاح وغيره في المرعى لا يريحها إِلى أَهلها(13/223)
يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ مَعَدٍّ لَا يغُرَّنكم عزُّكم وأَنَّ أَصغر رَجُلٍ مِنْكُمْ يَرْعَى إِبله كَيْفَ شَاءَ، فإِن الحرث بْنَ حِصْن الغَسّاني قَدْ عَتب عَلَيْكُمْ وَعَلَى حِصْن بْنِ حُذيفة فَلَا تأْمنوا سَطوَته. وَقَالَ الْمُؤَرِّجُ: سَنُّوا المالَ إِذا أَرسلوه فِي الرِّعْي. ابْنُ سِيدَهْ: سَنَّ الإِبلَ يَسُنُّها سَنّاً إِذا رَعَاهَا فأَسْمنها. والسُّنّة: الْوَجْهُ لصَقالتِه ومَلاسته، وَقِيلَ: هُوَ حُرُّ الْوَجْهِ، وَقِيلَ: دَائِرَتُهُ. وَقِيلَ: الصُّورة، وَقِيلَ: الْجَبْهَةُ وَالْجَبِينَانِ، وَكُلُّهُ مِنَ الصَّقالة والأَسالة. وَوَجْهٌ مَسْنون: مَخروطٌ أَسيلٌ كأَنه قَدْ سُنَّ عَنْهُ اللَّحْمَ، وَفِي الصِّحَاحِ: رَجُلٌ مَسْنون: الْوَجْهِ إِذَا كَانَ فِي أَنفه وَوَجْهِهِ طولٌ والمَسْنون الْمَصْقُولُ، مِنْ سَننْتُه بالمِسَنِّ سَنّاً إِذا أَمررته عَلَى المِسنِّ. وَرَجُلٌ مُسْنُونُ الْوَجْهِ: حَسَنُه سهْله؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. وسُنَّة الْوَجْهِ: دَوَائِرُهُ. وسُنَّةُ الْوَجْهِ: صُورته؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
تُريك سُنَّةَ وَجْهٍ غيرَ مُقْرِفةٍ ... مَلساءَ، لَيْسَ بِهَا خالٌ وَلَا نَدَبُ
وَمِثْلُهُ للأَعشى:
كَريماً شَمائِلُه مِنْ بَنِي ... مُعاويةَ الأَكْرَمِينَ السُّنَنْ
وأَنشد ثَعْلَبٌ:
بَيْضاءُ فِي المِرْآةِ، سُنَّتُها ... فِي الْبَيْتِ تحتَ مَواضعِ اللّمْسِ
وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه حَضَّ عَلَى الصَّدَقَةِ فَقَامَ رَجُلٌ قَبِيحُ السُّنَّة
؛ السُّنَّةُ: الصُّورَةُ وَمَا أَقبل عَلَيْكَ مِنَ الْوَجْهِ، وَقِيلَ: سُنّة الْخَدِّ صَفْحَتُهُ. والمَسْنونُ: المُصوَّر. وَقَدْ سَنَنْتُه أَسُنُّه سَنّاً إِذا صَوَّرْتُهُ. والمَسْنون: المُمَلَّس. وَحُكِيَ أَن يَزيد بْنَ مُعَاوِيَةَ قَالَ لأَبيه: أَلا تَرَى إِلى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَسَّانَ يُشَبّبُ بِابْنَتِكَ؟ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: مَا قَالَ؟ فَقَالَ: قَالَ:
هِيَ زَهْراءُ، مثلُ لُؤلؤةِ الغَوَّاص، ... مِيزَتْ مِنْ جوهرٍ مكنونِ
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: صَدَقَ؛ فَقَالَ يَزِيدُ: إِنه يَقُولُ:
وإِذا مَا نَسَبْتَها لَمْ تَجِدْها ... فِي سَناءٍ، مِنَ المَكارم، دُونِ
قَالَ: وَصَدَقَ؛ قَالَ: فأَين قَوْلُهُ:
ثُمَّ خاصَرْتُها إِلى القُبَّةِ الخَضْراءِ، ... تَمْشي فِي مَرْمَرٍ مَسنونِ
قَالَ مُعَاوِيَةُ: كَذَبَ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وتُرْوَى هَذِهِ الأَبيات لأَبي دَهْبَلٍ، وَهِيَ فِي شِعْرِهِ يَقُولُهَا فِي رَمْلة بِنْتِ مُعَاوِيَةَ؛ وأَول الْقَصِيدِ:
طالَ لَيْلي، وبِتُّ كالمَحْزونِ، ... ومَلِلْتُ الثَّواءَ بالماطِرُونِ
منها:
عَنْ يَساري، إِذا دخَلتُ من الباب، ... وإِن كنتُ خَارِجًا عَنْ يَميني
فلذاكَ اغْترَبْتُ فِي الشَّأْم، حَتَّى ... ظَنَّ أَهلي مُرَجَّماتِ الظُّنونِ
منها:
تَجْعَلُ المِسْكَ واليَلَنْجُوج والنَّدَّ ... صِلَاءً لَهَا عَلَى الكانُونِ
منها:
قُبَّةٌ منْ مَراجِلٍ ضَرَّبَتْها، ... عندَ حدِّ الشِّتاءِ فِي قَيْطُونِ
القَيْطُون: المُخْدَع، وَهُوَ بَيْتٌ فِي بَيْتٍ.
ثُمَّ فارَقْتُها عَلَى خَيْرِ مَا كانَ ... قَرينٌ مُفارِقاً لقَرِينِ(13/224)
فبَكَتْ، خَشْيَةَ التَّفَرُّق للبَينِ، ... بُكاءَ الحَزينِ إِثرَ الحَزِينِ
فاسْأَلي عن تَذَكُّري واطِّبائيَ، ... لَا تَأْبَيْ إِنْ هُمُ عَذَلُوني
اطِّبائي: دُعائي، وَيُرْوَى: واكْتِئابي. وسُنَّةُ اللَّهِ: أَحكامه وأَمره وَنَهْيُهُ؛ هَذِهِ عَنِ اللحياني. وسَنَّها اللَّهُ لِلنَّاسِ: بَيَّنها. وسَنَّ اللَّهُ سُنَّة أَي بَيَّن طَرِيقًا قَوِيمًا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ؛*
نَصَبَ سُنَّةَ اللَّهِ عَلَى إِرادة الْفِعْلِ أَي سَنَّ اللَّهُ ذَلِكَ فِي الَّذِينَ نَافَقُوا الأَنبياءَ وأَرْجَفُوا بِهِمْ أَن يُقْتَلُوا أَين ثُقِفُوا أَي وُجِدُوا. والسُّنَّة: السِّيرَةُ، حَسَنَةً كَانَتْ أَو قَبِيحَةً؛ قَالَ خَالِدُ بْنُ عُتْبة الْهُذَلِيُّ:
فَلَا تَجْزَعَنْ مِنْ سِيرةٍ أَنتَ سِرْتَها، ... فأَوَّلُ راضٍ سُنَّةً مَنْ يَسِيرُها
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ
؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: سُنَّةُ الأَوَّلين أَنهم عَايَنُوا الْعَذَابَ فَطَلَبَ الْمُشْرِكُونَ أَن قَالُوا: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ. وسَنَنْتُها سَنّاً واسْتَنَنْتُها: سِرْتُها، وسَنَنْتُ لَكُمْ سُنَّةً فَاتَّبِعُوهَا. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنةً فَلَهُ أَجْرُها وأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سيّئَةً
يُرِيدُ مَنْ عَمِلَهَا ليُقْتَدَى بِهِ فِيهَا، وَكُلُّ مَنِ ابتدأَ أَمراً عَمِلَ بِهِ قَوْمٌ بَعْدَهُ قِيلَ: هُوَ الَّذِي سَنَّه؛ قَالَ نُصَيْبٌ:
كأَني سَنَنتُ الحُبَّ، أَوَّلَ عاشِقٍ ... مِنَ الناسِ، إِذ أَحْبَبْتُ مِنْ بَيْنِهم وَحْدِي «1»
. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ السُّنَّة وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهَا، والأَصل فِيهِ الطَّرِيقَةُ والسِّيرَة، وإِذا أُطْلِقَت فِي الشَّرْعِ فإِنما يُرَادُ بِهَا مَا أَمَرَ بِهِ النبيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونَهى عَنْهُ ونَدَب إِليه قَوْلًا وَفِعْلًا مِمَّا لَمْ يَنْطق بِهِ الكتابُ الْعَزِيزُ، وَلِهَذَا يُقَالُ فِي أَدلة الشَّرْعِ: الكتابُ والسُّنَّةُ أَي الْقُرْآنُ وَالْحَدِيثُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِنما أُنَسَّى لِأَسُنَ
أَي إِنما أُدْفَعُ إِلى النِّسْيانُ لأَسُوقَ الناسَ بِالْهِدَايَةِ إِلى الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ، وأُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَحْتَاجُونَ أَن يَفْعَلُوا إِذا عَرَضَ لَهُمُ النسيانُ، قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مِنْ سَنَنْتُ الإِبلَ إِذا أَحْسنت رِعْيتَها وَالْقِيَامَ عَلَيْهَا. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه نَزَلَ المُحَصَّبَ وَلَمْ يَسُنَّهُ
أَي لَمْ يَجْعَلْهُ سُنَّة يُعْمَلُ بِهَا، قَالَ: وَقَدْ يَفْعل الشَّيْءَ لِسَبَبٍ خَاصٍّ فَلَا يَعُمُّ غَيْرَهُ، وَقَدْ يَفْعل لِمَعْنًى فَيَزُولُ ذَلِكَ الْمَعْنَى وَيَبْقَى الْفِعْلُ عَلَى حَالِهِ مُتَّبَعاً كقَصْرِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ لِلْخَوْفِ، ثُمَّ اسْتَمَرَّ الْقَصْرُ مَعَ عَدَمِ الْخَوْفِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
ابْنِ عَبَّاسٍ: رَمَلَ رسولُ الله، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ بسُنَّة
أَي أَنه لَمْ يَسُنَّ فِعْلَه لِكَافَّةِ الأُمّة وَلَكِنْ لِسَبَبٍ خَاصٍّ، وَهُوَ أَن يُرِيَ الْمُشْرِكِينَ قُوَّةَ أَصحابه، وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَغَيْرُهُ يَرَى أَن الرَّمَلَ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ سنَّة. وَفِي حَدِيثِ
مُحَلِّمِ بْنِ جَثَّامة: اسْنُنِ اليومَ وغَيِّرْ غَدًا
أَي اعْمَلْ بسُنَّتك الَّتِي سَنَنْتها فِي القِصاصِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ إِذا شِئْتَ أَن تُغَيِّرَ فَغَيِّرْ أَي تُغَيِّرَ مَا سَننْتَ، وَقِيلَ: تُغَيِّر مِنْ أَخذ الغِيَر وَهِيَ الدِّيَةِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِن أَكبر الْكَبَائِرِ أَن تُقاتل أَهل صَفْقَتِك وتُبَدِّلَ سُنَّتَك
؛ أَراد بِتَبْدِيلِ السُّنة أَن يَرْجِعَ أَعرابيّاً بَعْدَ هِجْرَتِهِ. وَفِي حَدِيثِ
الْمَجُوسِ: سُنُّوا بِهِمْ سُنَّة أَهل الْكِتَابِ
أَي خُذُوهُمْ عَلَى طَرِيقَتِهِمْ وأَجْرُوهم فِي قَبُولِ الْجِزْيَةِ مُجْراهم. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا يُنْقَضُ عَهْدُهم
__________
(1) . قوله [إِذ أَحببت إِلخ] كذا في الأَصل، وفي بعض الأَمهات: أَو بدل إِذ(13/225)
عَنْ سُنَّةِ ماحِلٍ
أَي لَا يُنْقَضُ بسَعْيِ سَاعٍ بِالنَّمِيمَةِ والإِفساد، كَمَا يُقَالُ لَا أُفْسِدُ مَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ بِمَذَاهِبِ الأَشرار وطُرُقهم فِي الْفَسَادِ. والسُّنَّة: الطَّرِيقَةُ، والسَّنن أَيضاً. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَلا رجلٌ يَرُدُّ عَنَّا مِنْ سَنَنِ هَؤُلَاءِ.
التَّهْذِيبُ: السُّنَّةُ الطَّرِيقَةُ الْمَحْمُودَةُ الْمُسْتَقِيمَةُ، وَلِذَلِكَ قِيلَ: فُلَانٌ مِنْ أَهل السُّنَّة؛ مَعْنَاهُ مِنْ أَهل الطَّرِيقَةِ الْمُسْتَقِيمَةِ الْمَحْمُودَةِ، وَهِيَ مأْخوذة مِنَ السَّنَنِ وَهُوَ الطَّرِيقُ. وَيُقَالُ للخَطّ الأَسود عَلَى مَتْنِ الْحِمَارِ: سُنَّة. والسُّنَّة: الطَّبِيعَةُ؛ وَبِهِ فَسَّرَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ الأَعشى:
كَرِيمٌ شَمَائِلُه مِنْ بَنِي ... مُعاويةَ الأَكْرَمينَ السُّنَنْ
. وامْضِ عَلَى سَنَنِك أَي وَجْهك وقَصْدك. وَلِلطَّرِيقِ سَنَنٌ أَيضاً، وسَنَنُ الطَّرِيقِ وسُنَنُه وسِنَنُه وسُنُنُه: نَهْجُه. يُقَالُ: خَدَعَك سَنَنُ الطَّرِيقِ وسُنَّتُه. والسُّنَّة أَيضاً: سُنَّة الْوَجْهِ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: تَرَك فلانٌ لَكَ سَنَنَ الطَّرِيقِ وسُنَنَه وسِنَنَه أَي جِهَتَه؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَعرف سِنَناً عَنْ غَيْرِ اللِّحْيَانِيِّ. شَمِرٌ: السُّنَّة فِي الأَصل سُنَّة الطَّرِيقِ، وَهُوَ طَرِيقٌ سَنَّه أَوائل النَّاسِ فصارَ مَسْلَكاً لِمَنْ بَعْدَهُمْ. وسَنَّ فلانٌ طَرِيقًا مِنَ الْخَيْرِ يَسُنُّه إِذا ابتدأَ أَمراً مِنَ البِرِّ لَمْ يَعْرِفْهُ قومُه فاسْتَسَنُّوا بِهِ وسَلَكُوه، وَهُوَ سَنِين. وَيُقَالُ: سَنَّ الطريقَ سَنّاً وسَنَناً، فالسَّنُّ الْمَصْدَرُ، والسَّنَنُ الِاسْمُ بِمَعْنَى المَسْنون. وَيُقَالُ: تَنَحَّ عَنْ سَنَنِ الطَّرِيقِ وسُنَنه وسِنَنِه، ثَلَاثُ لُغَاتٍ. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: سَنَنُ الطَّرِيقِ وسُنُنُه مَحَجَّتُه. وتَنَحَّ عَنْ سَنَنِ الْجَبَلِ أَي عَنْ وَجْهِهِ. الْجَوْهَرِيُّ: السَّنَنُ الطَّرِيقَةُ. يُقَالُ: اسْتَقَامَ فُلَانٌ عَلَى سَنَنٍ وَاحِدٍ. وَيُقَالُ: امْضِ عَلَى سَنَنِك وسُنَنِك أَي على وجهك. والمُسَنْسَنُ [المُسَنْسِنُ] : الطَّرِيقُ الْمَسْلُوكُ، وَفِي التَّهْذِيبِ: طَرِيقٌ يُسْلَكُ. وتَسَنَّنَ الرجلُ فِي عَدْوِه واسْتَنَّ: مَضَى عَلَى وَجْهِهِ؛ وَقَوْلُ جَرِيرٍ:
ظَلِلْنا بمُسْتَنِّ الحَرُورِ، كأَننا ... لَدى فَرَسٍ مُسْتَقْبِلِ الريحِ صائِم
عَنَى بمُسْتَنِّها موضعَ جَرْي السَّرابِ، وَقِيلَ: مَوْضِعُ اشْتِدَادِ حَرِّهَا كأَنها تَسْتَنُّ فِيهِ عَدْواً، وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ «1» . مَخْرَجَ الرِّيحِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهُوَ عِنْدِي أَحسن إِلَّا أَن الأَول قَوْلُ المتقدِّمين، وَالِاسْمُ مِنْهُ السَّنَنُ. أَبو زَيْدٍ: اسْتَنَّت الدابةُ عَلَى وَجْهِ الأَرض. واسْتَنَّ دَمُ الطَّعْنَةِ إِذا جَاءَتْ دُفْعةٌ مِنْهَا؛ قَالَ أَبو كَبِيرٍ الْهُذَلِيُّ:
مُسْتَنَّة سَنَنَ الفُلُوِّ مُرِشَّة، ... تَنْفي الترابَ بقاحِزٍ مُعْرَوْرِفِ
وَطَعَنه طَعْنةً فَجَاءَ مِنْهَا سَنَنٌ يَدْفَعُ كلَّ شيءٍ إِذا خَرَجَ الدمُ بحَمْوَتِه؛ وَقَوْلُ الأَعشى:
وَقَدْ نَطْعُنُ الفَرْجَ، يومَ اللِّقاءِ، ... بالرُّمْحِ نحْبِسُ أُولى السَّنَنْ
قَالَ شَمِرٌ: يريدُ أُولى القومِ الَّذِينَ يُسرعون إِلى الْقِتَالِ، والسَّنَنُ الْقَصْدُ. ابْنُ شُمَيْلٍ: سَنَنُ الرَّجُلِ قَصْدُهُ وهِمَّتُه. واسْتَنَّ السَّرابُ: اضطرب. وسَنَّ الإِبلَ سَنّاً: سَاقَهَا سَوْقاً سَرِيعًا، وَقِيلَ: السَّنُّ السَّيْرُ الشَّدِيدُ. والسَّنَنُ: الَّذِي يُلِحُّ فِي عَدْوِه وإِقْباله وإِدْباره. وَجَاءَ سَنَنٌ مِنَ الْخَيْلِ أَي شَوْطٌ. وَجَاءَتِ الرياحُ سَنائِنَ إِذا جَاءَتْ عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ وَطَرِيقَةٍ وَاحِدَةٍ لَا تَخْتَلِفُ. وَيُقَالُ: جَاءَ مِنَ الْخَيْلِ والإِبل سَنَنٌ مَا يُرَدُّ وجْهُه. وَيُقَالُ: اسْنُنْ قُرونَ فرسك
__________
(1) . قوله [وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ إِلخ] نص عبارة المحكم: وَقَدْ يَجُوزُ أَن يُعْنِي مجرى الريح(13/226)
أَي بُدَّهُ حَتَّى يَسِيلَ عَرَقُه فيَضْمُرَ، وَقَدْ سُنَّ لَهُ قَرْنٌ وقُرون وَهِيَ الدُّفَعُ مِنَ العَرَق؛ وَقَالَ زُهَيْرُ بْنُ أَبي سُلْمى:
نُعَوِّدُها الطِّرادَ فكلَّ يوْمٍ ... تُسَنُّ، عَلَى سَنابِكِها، القُرونُ
. والسَّنينة: الرِّيحُ؛ قَالَ مَالِكُ بْنُ خَالِدٍ «1» . الخُنَعِيُّ فِي السَّنَائن الرِّياحِ: وَاحِدَتُهَا سَنِينةٌ، والرِّجَاعُ جَمْعُ الرَّجْعِ، وَهُوَ ماءُ السَّمَاءِ فِي الغَدير. وَفِي النَّوَادِرِ: رِيحٌ نَسْناسة وسَنْسانَةٌ بَارِدَةٌ، وَقَدْ نَسْنَسَتْ وسَنْسَنَتْ إِذا هَبَّتْ هُبُوباً بَارِدًا. وَيَقُولُ: نَسْناسٌ مِنْ دُخان وسَنْسانٌ، يُرِيدُ دُخَانَ نَارٍ. وبَنى الْقَوْمُ بُيُوتَهُمْ عَلَى سَنَنٍ وَاحِدٍ أَي عَلَى مِثَالٍ وَاحِدٍ. وسَنَّ الطينَ: طَيَّنَ بِهِ فَخَّاراً أَو اتَّخَذَهُ مِنْهُ. والمَسْنون: المُصَوَّرُ. والمَسْنون: المُنْتِن. وَقَوْلُهُ تعالى: مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ*
؛ قَالَ أَبو عَمْرٍو: أَي مُتَغَيِّرٍ مُنْتِنٍ؛ وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: سُنَّ الماءُ فَهُوَ مَسْنُون أَي تَغَيَّرَ؛ وَقَالَ الزَّجَّاجُ: مَسْنون مَصْبوب عَلَى سُنَّةِ الطَّرِيقِ؛ قَالَ الأَخفش: وإِنما يَتَغَيَّرُ إِذا أَقام بِغَيْرِ مَاءٍ جَارٍ، قَالَ: وَيَدُلُّكَ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِ أَن مَسْنُونَ اسْمُ مَفْعُولٍ جارٍ عَلَى سُنَّ وَلَيْسَ بِمَعْرُوفٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَسْنُونٌ طَوَّلَهُ، جعله طويلًا مستوياً. يُقَالُ: رَجُلٌ مَسنون الْوَجْهِ أَي حَسَنُ الْوَجْهِ طَوِيلُهُ؛ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ الرَّطْبُ، وَيُقَالُ المُنْتِنُ. وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: المَسنونُ المَصبوب. وَيُقَالُ: الْمَسْنُونُ المَصْبوب عَلَى صُورَةٍ، وَقَالَ: الْوَجْهُ المَسنون سمِّي مَسنوناً لأَنه كَالْمَخْرُوطِ. الْفَرَّاءُ: سُمِّيَ المِسَنُّ مِسَنّاً لأَن الْحَدِيدَ يُسَنُّ عَلَيْهِ أَي يُحَكُّ عَلَيْهِ. وَيُقَالُ لِلَّذِي يَسِيلُ عِنْدَ الْحَكِّ: سَنِينٌ، قَالَ: وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ السَّائِلُ إِلا مُنْتِناً، وَقَالَ فِي قَوْلِهِ: مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ*
؛ يُقَالُ الْمَحْكُوكُ، وَيُقَالُ: هُوَ الْمُتَغَيِّرُ كأَنه أُخذ مِنْ سَنَنْتُ الْحَجَرَ عَلَى الحجَر، وَالَّذِي يَخْرُجُ بَيْنَهُمَا يُقَالُ لَهُ السَّنِينُ، وَاللَّهُ أَعلم بِمَا أَراد. وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ
بَرْوَعَ بنتِ واشِقٍ: وَكَانَ زَوْجُهَا سُنَّ فِي بِئْرٍ
أَي تَغَيَّرَ وأَنْتنَ، مِنْ قَوْلِهِ تعالى: مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ*
؛ أَي مُتَغَيِّرٍ، وَقِيلَ: أَراد بسُنَّ أَسِنَ بِوَزْنِ سَمِعَ، وَهُوَ أَن يَدُورَ رأْسه مِنْ رِيحٍ كَرِيهَةٍ شَمَّهَا وَيُغْشَى عَلَيْهِ. وسَنَّتِ العينُ الدمعَ تَسُنُّه سَنّاً: صَبَّتْهُ، واسْتَنَّتْ هِيَ: انْصَبَّ دَمْعُهَا. وسَنَّ عَلَيْهِ الماءَ: صَبَّه، وَقِيلَ: أَرسله إِرسالًا لَيِّنًا، وسَنَّ عَلَيْهِ الدرعَ يَسُنُّها سَنّاً كَذَلِكَ إِذا صَبَّهَا عَلَيْهِ، وَلَا يُقَالُ شَنَّ. وَيُقَالُ: شَنَّ عَلَيْهِمُ الغارةَ إِذا فَرَّقَهَا. وَقَدْ شَنَّ الماءَ عَلَى شَرَابِهِ أَي فرَّقه عَلَيْهِ. وسَنَّ الماءَ عَلَى وَجْهِهِ أَي صبَّه عَلَيْهِ صَبًّا سَهْلًا. الْجَوْهَرِيُّ: سَنَنْتُ الماءَ عَلَى وَجْهِي أَي أَرسلته إِرسالًا مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ، فإِذا فَرَّقْتَهُ بِالصَّبِّ قُلْتَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ. وَفِي حَدِيثِ بَوْلِ الأَعرابي فِي الْمَسْجِدِ:
فَدَعَا بدلوٍ مِنْ مَاءٍ فسَنَّه عَلَيْهِ
أَي صَبَّهُ. والسَّنُّ. الصبُّ فِي سُهولة، وَيُرْوَى بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، وسيأْتي ذِكْرُهُ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ الْخَمْرِ:
سُنَّها فِي البَطْحاء.
وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ: كَانَ يَسُنُّ الماءَ عَلَى وَجْهِهِ وَلَا يَشُنُّه
أَي كَانَ يَصُبُّهُ وَلَا يُفَرِّقُهُ عَلَيْهِ. وسَنَنْتُ الترابَ: صَبَبْتُهُ عَلَى وَجْهِ الأَرض صَبًّا سَهْلًا حَتَّى صَارَ كالمُسَنّاة. وَفِي حَدِيثِ
عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عِنْدَ مَوْتِهِ: فسُنُّوا عليَّ الترابَ سَنّاً
أَي ضَعُوهُ وَضْعًا سَهْلًا. وسُنَّت الأَرض فَهِيَ مَسنونة وسَنِينٌ إِذا أُكل نَبَاتُهَا؛ قَالَ الطِّرِمّاحُ:
بمُنْخَرَقٍ تَحِنُّ الريحُ فِيهِ، ... حَنِينَ الجِلْبِ [الجُلْبِ] في البلدِ السَّنِينِ
. يَعْنِي المَحْلَ. وأَسْنان المنْجَل: أُشَرُهُ. والسَّنُونُ
__________
(1) . قوله [قَالَ مَالِكُ بْنُ خَالِدٍ إِلخ] سقط الشعر من الأَصل بعد قوله الرياح كما هو في التهذيب:
أَبين الديان غير بيض كأَنها ... فصول رجاع زفزفتها السنائن(13/227)
والسَّنِينة: رِمالٌ مُرْتَفِعَةٌ تَسْتَطِيلُ عَلَى وَجْهُ الأَرض، وَقِيلَ: هِيَ كَهَيْئَةِ الحِبال مِنَ الرمل. التهذيب: والسَّنائن رِمَالٌ مُرْتَفِعَةٌ تَسْتَطِيلُ عَلَى وَجْهِ الأَرض، وَاحِدَتُهَا سَنِينة؛ قَالَ الطِّرِمَّاحُ:
وأَرْطاةِ حِقْفٍ بَيْنَ كِسْرَيْ سَنائن
وَرَوَى المؤرِّج: السِّنانُ الذِّبّانُ؛ وأَنشد:
أَيَأْكُلُ تَأْزِيزاً ويَحْسُو خَزِيرَةً، ... وَمَا بَيْنَ عَيْنَيهِ وَنِيمُ سِنانِ؟
قَالَ: تأْزِيزاً مَا رَمَتْه القدْر إِذا فَارَتْ. وسَانَّ البعيرُ الناقةَ يُسانُّها مُسانَّةً وسِناناً: عَارَضَهَا للتَّنَوُّخ، وَذَلِكَ أَن يَطْرُدَها حَتَّى تَبْرُكَ، وَفِي الصِّحَاحِ: إِذا طَرَدَها حَتَّى يُنَوِّخَها ليَسْفِدَها؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ يَصِفُ نَاقَتَهُ:
وتُصْبِحُ عَنْ غِبِّ السُّرَى، وكأَنها ... فَنِيقٌ ثَناها عَنْ سِنانٍ فأَرْقَلا
يَقُولُ: سانَّ ناقتَه ثُمَّ انْتَهَى إِلى العَدْوِ الشَّدِيدِ فأَرْقَلَ، وَهُوَ أَن يَرْتَفِعَ عَنِ الذَّمِيلِ، وَيُرْوَى هَذَا الْبَيْتُ أَيضاً لضابئِ بن الحرث البُرْجُمِيِّ؛ وَقَالَ الأَسدِيُّ يَصِفُ فَحْلًا:
للبَكَراتِ العِيطِ مِنْهَا ضاهِدا، ... طَوْعَ السِّنانِ ذارِعاً وعاضِدَا
. ذَارِعًا: يُقَالُ ذَرَعَ لَهُ إِذا وَضَعَ يَدَهُ تَحْتَ عنقِه ثُمَّ خَنَقه، والعاضِدُ: الَّذِي يأْخذ بالعَضُدِ طَوْعَ السِّنانِ؛ يَقُولُ: يُطاوعه السِّنانُ كَيْفَ شَاءَ. وَيُقَالُ: سَنَّ الفَحْلُ النَّاقَةَ يَسُنُّها إِذا كبَّها عَلَى وَجْهِهَا؛ قَالَ:
فاندَفَعَتْ تأْفِرُ واسْتَقْفاها، ... فسَنَّها للوَجْهِ أَو دَرْباها
أَي دَفَعَهَا. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: المُسانَّةُ أَن يَبْتَسِرَ الفحلُ الناقةَ قَهْراً؛ قَالَ مَالِكُ بْنُ الرَّيْبِ:
وأَنت إِذا مَا كنتَ فاعِلَ هَذِهِ ... سِنَاناً، فَمَا يُلْقَى لِحَيْنك مَصْرَعُ
أَي فاعلَ هَذِهِ قَهْرًا وابْتِساراً؛ وَقَالَ آخَرُ:
كالفَحْل أَرْقَلَ بَعْدَ طُولِ سِنَانِ
وَيُقَالُ: سَانَّ الفحلُ الناقَةَ يُسانُّها إِذا كَدَمَها. وتَسانَّتِ الفُحُولِ إِذا تَكادَمت. وسَنَنْتُ الناقةَ: سَيَّرتُها سَيْرًا شَدِيدًا. وَوَقَعَ فُلَانٌ فِي سِنِّ رأْسِهِ أَي فِي عَدَدِ شَعْرِهِ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَقِيلَ: فِيمَا شَاءَ واحْتَكَم؛ قَالَ أَبو زَيْدٍ: وَقَدْ يُفَسَّرُ سنُّ رأْسه عَدَدُ شعره من الْخَيْرِ. وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: وَقَعَ فُلَانٌ فِي سِنِّ رأْسِه وَفِي سِيِّ رأْسه وسَواءِ رأْسِه بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَرَوَى أَبو عُبَيْدٍ هَذَا الْحَرْفَ فِي الأَمثال: فِي سِنِّ رأْسه، وَرَوَاهُ فِي المؤلَّف: فِي سِيِّ رأْسه؛ قَالَ الأَزهري: وَالصَّوَابُ بِالْيَاءِ أَي فِيمَا سَاوَى رَأْسَه مِنَ الخِصْبِ. والسِّنُّ: الثَّوْرُ الْوَحْشِيُّ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
حَنَّتْ حَنِيناً، كثُؤَاجِ السّنِّ، ... فِي قَصَبٍ أَجْوَفَ مُرْثَعِنِ
اللَّيْثُ: السَّنَّةُ اسْمُ الدُّبَّة أَو الفَهْدَةِ. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَمِنْ أَمثالهم فِي الصادِقِ فِي حَدِيثِهِ وَخَبَرِهِ: صَدَقَني سِنَّ بَكْرِه؛ وَيَقُولُهُ الإِنسانُ عَلَى نَفْسِهِ وإِن كَانَ ضَارًّا لَهُ؛ قَالَ الأَصمعي: أَصله أَن رَجُلًا ساوَمَ رَجُلًا ببَكْرٍ أَراد شراءَه فسأَل البائعَ عَنْ سِنِّه فأَخبره بِالْحَقِّ، فَقَالَ الْمُشْتَرِي:
صَدَقَني سِنَّ بِكْرِهِ، فَذَهَبَ مَثَلًا، وَهَذَا الْمَثَلُ يُرْوَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبي طَالِبٍ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، أَنه تَكَلَّمَ بِهِ فِي الْكُوفَةِ.
وَمِنْ أَمثالهم: اسْتَنَّتِ الفِصالُ حَتَّى القَرْعَى؛ يضرب مَثَلًا لِلرَّجُلِ يُدْخِلُ نَفْسَهُ فِي قَوْمٍ لَيْسَ مِنْهُمْ، والقَرْعى مِنَ الفِصَال: الَّتِي أَصابها قَرَعٌ، وَهُوَ بَثْرٌ، فإِذا اسْتَنَّتِ الْفِصَالُ الصِّحَاحُ مَرَحاً نَزَتِ القَرْعَى(13/228)
نَزْوَها تَشَبَّهُ بِهَا وَقَدْ أَضعفها القَرَعُ عَنِ النَّزَوانِ. واسْتَنَّ الفَرَسُ: قَمَصَ. واسْتَنَّ الفرسُ في المِضْمارِ إِذا جرى فين نَشاطه عَلَى سَنَنه فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ. والاسْتنانُ: النَّشَاطُ؛ وَمِنْهُ الْمَثَلُ الْمَذْكُورُ: اسْتَنَّتِ الفِصَالُ حَتَّى القَرْعى، وَقِيلَ: اسْتَنَّتِ الفِصال أَي سَمِنَتْ وصَارَتْ جُلُودها كالمَسَانِّ، قَالَ: والأَول أَصح. وَفِي حَدِيثِ الْخَيْلِ:
اسْتَنَّت شَرَفاً أَو شَرَفَيْنِ
؛ اسْتَنَّ الفَرَسُ يَسْتَنُّ اسْتِناناً أَي عَدَا لَمَرحه ونَشاطه شَوْطاً أَو شَوْطَيْنِ وَلَا راكِبَ عَلَيْهِ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
إِنّ فَرَسَ المُجاهِد ليَسْتَنُّ فِي طِوَله.
وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ الله عَنْهُ: رأَيت أَباه يَسْتَنُّ بسَيْفِه كَمَا يَسْتَنُّ الجملُ
أَي يَمْرَحُ ويَخْطُرُ بِهِ. والسِّنُّ والسِّنْسِنُ والسِّنْسِنَةُ: حَرْفُ فَقْرةِ الظَّهْرِ، وَقِيلَ: السَّنَاسِنُ رؤوس أَطراف عِظَامِ الصَّدْرِ، وَهِيَ مُشَاش الزَّوْرِ، وَقِيلَ: هِيَ أَطراف الضُّلُوعِ الَّتِي فِي الصَّدْرِ. ابْنُ الأَعرابي: السَّنَاسِنُ والشَّنَاشِنُ العِظامُ؛ وَقَالَ الجَرَنْفَشُ:
كَيْفَ تَرَى الغزْوة أَبْقَتْ مِنِّي ... سَناسِناً، كحَلَقِ المِجَنِ
أَبو عَمْرٍو وَغَيْرُهُ: السَّنَاسِنُ رؤوس المَحالِ وحُروفُ فَقَارِ الظَّهْرِ، وَاحِدُهَا سِنْسِنٌ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
يَنْقَعْنَ بالعَذْبِ مُشاشَ السِّنْسِنِ
قَالَ الأَزهري: ولحمُ سَناسِنِ الْبَعِيرِ مِنْ أَطيب اللُّحْمَانِ لأَنها تَكُونُ بَيْنَ شَطَّي السَّنَام، ولحمُها يَكُونُ أَشْمَطَ طَيّباً، وَقِيلَ: هِيَ مِنَ الْفَرَسِ جَوانِحُه الشاخِصَةُ شِبْهُ الضُّلُوعِ ثُمَّ تَنْقَطِعُ دُونَ الضُّلُوعِ. وسُنْسُنُ: اسْمٌ أَعجمي يُسَمِّي بِهِ السَّوَادِيُّونَ. والسُّنَّةُ: ضَرْبٌ مِنْ تَمْرِ الْمَدِينَةِ معروفة.
سهن: ابْنُ الأَعرابي: الأَسْهان الرِّمالُ اللَّيِّنة؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: أُبدلت النُّونُ مِنَ اللام، والله أَعلم.
سون: سُوَانُ: مَوْضِعٌ. ابْنُ الأَعرابي: التسَوُّنُ اسْتِرْخَاءُ الْبَطْنِ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: كأَنه ذَهَبَ بِهِ إِلى التَّسَوُّل مِنْ سَوِلَ يَسْوَلُ إِذا اسْتَرْخَى، فأَبدل مِنَ اللَّامِ النون.
سوسن: السَّوْسَن: نَبت، أَعجمي مُعَرَّبٌ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ وَقَدْ جَرَى فِي كَلَامِ الْعَرَبِ؛ قَالَ الأَعشى:
وآسٌ وخَيْرِيٌّ ومَرْوٌ وسَوْسَنٌ، ... إِذا كَانَ هيزَمْنٌ ورُحْتُ مُخَشَّما
وأَجناسه كثيرة وأَطيبه الأَبيض.
سين: السينُ: حَرْفُ هِجَاءٍ مِنْ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ وَهُوَ حَرْفٌ مَهْمُوسٌ، يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، هَذِهِ سِينٌ وَهَذَا سِينٌ، فَمَنْ أَنث فَعَلَى تَوَهُّمِ الْكَلِمَةِ، وَمَنْ ذَكَّرَ فَعَلَى تَوَهُّمِ الْحَرْفِ، وَالسِّينُ مِنْ حَرْفِ الزِّيَادَاتِ، وَقَدْ تُخَلِّص الفعلَ لِلِاسْتِقْبَالِ تَقُولُ سَيَفْعَلُ، وَزَعَمَ الْخَلِيلُ أَنها جَوَابُ لَنْ. أَبو زَيْدٍ: مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَجْعَلُ السِّينَ تَاءً، وأَنشد لعِلْباء بْنِ أَرقم:
يَا قَبَّحَ اللَّهُ بَنِي السعْلاةِ، ... عَمْرو بْنَ يَرْبُوعٍ شِرارَ الناتِ،
لَيْسُوا أَعِفَّاء وَلَا أَكْياتِ
يُرِيدُ: النَّاسَ والأَكياس، قَالَ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَجْعَلُ التَّاءَ كَافًا، وَسَنَذْكُرُهَا فِي الأَلف اللَّيِّنَةِ. قَالَ أَبو سَعِيدٍ: وَقَوْلُهُمْ فُلَانٌ لَا يُحْسِنُ سِينَهُ، يُرِيدُونَ شُعْبَةً مِنْ شُعَبه وَهُوَ ذُو ثَلَاثِ شُعَب. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: يس
، كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: الم*، حم*، وأَوائل السُّوَرِ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: مَعْنَاهُ يَا إِنسان لأَنه قَالَ: إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. وطُورُ سِينِينَ وسِينَا وسَيْنَاءَ جَبَلٌ بِالشَّامِ، قَالَ(13/229)
الزجاج: إِن سَيناء [سِيناء] حِجَارَةٌ وَهُوَ، واللَّه أَعلم، اسْمُ الْمَكَانِ، فَمَنْ قرأَ سَيْناء عَلَى وَزْنِ صَحْرَاءَ فإِنها لَا تَنْصَرِفُ، وَمَنْ قرأَ سِيناء فَهُوَ عَلَى وَزْنِ عِلْباء إِلا أَنه اسْمٌ لِلْبُقْعَةِ فَلَا يَنْصَرِفُ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فِعْلاء بِالْكَسْرِ مَمْدُودٌ. والسِّينينيَّة: شَجَرَةٌ، حَكَاهُ أَبو حَنِيفَةَ عَنْ الأَخفش، وَجَمْعُهَا سِينِين، قَالَ: وَزَعَمَ الأَخفش أَنَّ طُورَ سِينِينَ مُضَافٌ إِليه، قَالَ: وَلَمْ يَبْلُغْنِي هَذَا عَنْ أَحد غَيْرَهُ، الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ طُور أُضيف إِلى سِينَا، وَهِيَ شَجَرٌ، قَالَ الأَخفش: السِّينِينُ وَاحِدَتُهَا سِينِينِيّة، قال: وقرىء طور سَينَاء وسِينَاءَ، بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ، وَالْفَتْحُ أَجود فِي النَّحْوِ لأَنه بُنِيَ عَلَى فَعْلاء، وَالْكَسْرُ رَدِيءٌ فِي النَّحْوِ لأَنه لَيْسَ فِي أَبنية الْعَرَبِ فِعْلاء مَمْدُودٌ بِكَسْرِ الأَول غَيْرُ مَصْرُوفٍ، إِلا أَن تَجْعَلَهُ أَعجميّاً، قَالَ أَبو عَلِيٍّ: إِنما لَمْ يُصْرَفْ لأَنه جُعِلَ اسْمًا لِلْبُقْعَةِ. التَّهْذِيبُ: وسِينِينُ اسْمُ جَبَلٍ بالشأْم.
فصل الشين المعجمة
شأن: الشَّأْنُ: الخَطْبُ والأَمْرُ والحال، وجمعه شُؤونٌ وشِئانٌ؛ عَنِ ابْنِ جِنِّي عَنْ أَبي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ
؛ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: مِنْ شأْنه أَن يُعِزَّ ذَلِيلًا ويُذِلَّ عَزِيزًا، ويُغْنيَ فَقِيرًا ويُفْقر غَنِيًّا، وَلَا يَشْغَلُه شَأْنٌ عَنْ شأْنٍ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَفِي حَدِيثِ المُلاعنة:
لَكَانَ لِي وَلَهَا شأْنٌ
أَي لَوْلَا مَا حَكَمَ اللَّهُ بِهِ مِنْ آيَاتِ الملاعَنة وأَنه أَسقط عَنْهَا الحَدَّ لأَقَمْتُه عَلَيْهَا حَيْثُ جاءَت بِالْوَلَدِ شَبِيهًا بِالَّذِي رُمِيَتْ بِهِ. وَفِي حَدِيثِ
الحَكَم بْنِ حَزْن: والشَّأْنُ إِذ ذَاكَ دُونٌ
أَي الحالُ ضَعِيفَةٌ لَمْ تَرْتَفِعْ وَلَمْ يَحصل الغِنى؛ وأَما قَوْلُ جَوْذابةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الجَرَّاح لأَبيه:
وشَرُّنا أَظْلَمُنا فِي الشُّونِ، ... أَرَيْتَ إِذ أَسْلَمْتني وشُوني
فإِنما أَراد: فِي الشُّؤون، وإِذ أَسلمتني وشُؤوني، فَحَذَفَ، وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ، وَقَدْ يَجُوزُ أَن يُرِيدَ جَمْعَهُ عَلَى فُعْلٍ كجَوْنٍ وجُونٍ، إِلا أَنه خَفَّفَ أَو أَبدل لِلْوَزْنِ وَالْقَافِيَةِ، وَلَيْسَ هَذَا عِنْدَهُمْ بإِيطاء لِاخْتِلَافِ وَجْهَيِ التَّعْرِيفِ، أَلا تَرَى أَن الأَول مَعْرِفَةٌ بالأَلف وَاللَّامِ وَالثَّانِي مَعْرِفَةٌ بالإِضافة؟ ولأَشْأَنَنَّ خَبَره أَي لأَخْبُرَنَّهُ. وَمَا شَأَنَ شَأْنَه أَي مَا أَراد. وَمَا شَأَنَ شَأْنَه؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، أَي مَا شَعَر بِهِ، واشْأَنْ شَأْنَك؛ عَنْهُ أَيضاً، أَي عَلَيْكَ بِهِ. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: أَتاني ذَلِكَ وَمَا شَأَنْتُ شَأْنَه أَي مَا عَلِمتُ بِهِ. قَالَ: وَيُقَالُ أَقبل فلانٌ وَمَا يَشْأَنُ شَأْنَ فُلَانٍ شَأْناً إِذا عَمِلَ فِيمَا يُحِبُّ أَو فِيمَا يَكْرَهُ. وَقَالَ: إِنه لَمِشْآنُ شأْنٍ أَن يُفْسِدَك أَي أَن يَعْمَلَ فِي فَسَادِكَ. وَيُقَالُ: لأَشْأَنَنَّ شَأْنَهم أَي لأُفْسِدَنَّ أَمرَهم، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لأَخْبُرَنَّ أَمرَهم. التَّهْذِيبُ: أَتاني فُلَانٌ وَمَا شَأَنْتُ شَأْنَه، وَمَا مَأَنْتُ مَأْنَه، وَلَا انْتَبَلْتُ نَبْلَه أَي لَمْ أَكترِثْ بِهِ وَلَا عَبَأْتُ بِهِ. وَيُقَالُ: اشْأَنْ شَأْنَك أَي اعْمَلْ مَا تُحْسِنه. وشَأَنْتُ شَأْنَه: قَصَدْتُ قَصْدَه. والشَّأْنُ: مَجْرى الدَّمْع إِلى الْعَيْنِ، وَالْجَمْعُ أَشْؤُن وشُؤون. وَالشُّؤُونُ: نَمانِمُ فِي الجَبْهة شِبْهُ لِحام النُّحاس يَكُونُ بَيْنَ الْقَبَائِلِ، وَقِيلَ: هِيَ مواصِل قبَائِل الرأْس إِلى الْعَيْنِ، وَقِيلَ: هِيَ السَّلاسِلُ الَّتِي تَجْمَع بَيْنَ الْقَبَائِلِ. اللَّيْثُ: الشُّؤُونُ عُروق الدُّموع مِنَ الرأْس إِلى الْعَيْنِ، قَالَ: والشُّؤُونُ نمانِمُ فِي الجُمْجُمة بَيْنَ الْقَبَائِلِ. وَقَالَ أَحمد بْنُ يَحْيَى: الشُّؤُون عُروق فَوْقَ الْقَبَائِلِ، فَكُلَّمَا أَسَنَّ الرجلُ قَوِيَتْ واشتدَّت.(13/230)
وَقَالَ الأَصمعي: الشُّؤون مَواصِل الْقَبَائِلِ بَيْنَ كُلِّ قَبِيلَتَيْنِ شَأْنٌ، وَالدُّمُوعُ تَخْرُجُ مِنَ الشُّؤُون، وَهِيَ أَربع بَعْضُهَا إِلى بَعْضٍ. ابْنُ الأَعرابي: للنساءِ ثلاثُ قبَائل. أَبو عَمْرٍو وَغَيْرُهُ: الشَّأْنانِ عِرْقان يَنحدِران مِنَ الرأْسِ إِلى الْحَاجِبَيْنِ ثُمَّ إِلى الْعَيْنَيْنِ؛ قَالَ عَبِيدُ بْنُ الأَبرص:
عَيْناك دَمْعُها سَرُوبُ، ... كأَنَّ شَأْنَيْهِما شَعِيبُ
. قَالَ: وَحُجَّةُ الأَصمعي قَوْلُهُ:
لَا تُحْزِنيني بالفِراقِ، فإِنَّني ... لَا تسْتَهِلُّ مِنَ الفِراقِ شُؤوني
. الْجَوْهَرِيُّ: والشأْنُ واحدُ الشُّؤُون، وَهِيَ مواصلُ قَبَائِلِ الرأْس ومُلتَقاها، وَمِنْهَا تَجِيءُ الدُّمُوعُ. وَيُقَالُ: اسْتَهَلَّتْ شُؤُونه، والاسْتِهْلالُ قَطْرٌ لَهُ صوْت؛ قَالَ أَوسُ بْنُ حَجَرٍ: لا تحزنيني بالفراق «2» . قَالَ أَبو حَاتِمٍ: الشُّؤُون الشُّعَب الَّتِي تَجْمَعُ بَيْنَ قَبَائِلِ الرأْس وَهِيَ أَربعة أَشْؤُنٍ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وأَما قَوْلُ الرَّاعِي:
وطُنْبُور أَجَشّ وَرِيحٍ ضِغْثٍ، ... مِنَ الرَّيْحانِ، يَتَّبِعُ الشُّؤُونا
. فَمَعْنَاهُ أَنه تَطِيرُ الرَّائِحَةُ حَتَّى تَبْلُغَ إِلى شُؤُون رأْسه. وَفِي حَدِيثِ الْغُسْلِ:
حَتَّى تَبْلُغ بِهِ شُؤُونَ رأْسِها
؛ هِيَ عِظامُه وَطَرَائِقُهُ ومَواصِلُ قَبائله، وَهِيَ أَربعة بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، وَقِيلَ: الشُّؤُون عُروق فِي الْجَبَلِ يَنْبُت فِيهَا النَّبْع، وَاحِدُهَا شَأْنٌ. وَيُقَالُ: رأَيت نَخِيلًا نَابِتَةً فِي شَأْنٍ مِنْ شُؤُون الْجَبَلِ، وَقِيلَ: إِنها عُروق مِنَ التُّرَابِ فِي شُقوق الْجِبَالِ يُغْرَس فِيهَا النَّخْلُ. وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: الشُّؤُون خُطوط فِي الْجَبَلِ، وَقِيلَ: صُدوع؛ قَالَ قيسُ بْنُ ذَريح:
وأَهْجُرُكُم هَجْرَ البَغِيض، وحُبُّكم ... عَلَى كَبِدي مِنْهُ شُؤُونٌ صَوادِعُ
شَبَّهَ شُقوق كَبِدِهِ بالشُّقوق الَّتِي تَكُونُ فِي الْجِبَالِ. وَفِي حَدِيثِ
أَيوب المعَلِّم: لَمَّا انهَزَمْنا رَكِبْتُ شَأْناً مِنْ قَصَب فإِذا الحَسَنُ عَلَى شَاطِئِ دِجْلَة فأَدْنَيْتُ الشَّأْنَ فحملتُه مَعِي
؛ قِيلَ: الشَّأْن عِرْقٌ فِي الْجَبَلِ فِيهِ تُرَابٌ يُنْبِتُ، وَالْجَمْعُ شُؤونٌ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: قَالَ أَبو مُوسَى وَلَا أَرى هَذَا تَفْسِيرًا لَهُ؛ وَقَوْلُ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤَيَّة:
كأَنَّ شُؤُونَه لَبَّاتُ بُدْنٍ، ... خِلافَ الوَبْلِ، أَو سُبَدٌ غَسيلُ
. شَبَّهَ تَحَدُّرَ الْمَاءِ عَنْ هَذَا الْجَبَلِ بتَحَدُّرِه عَنْ هَذَا الطَّائِرِ أَو تَحَدُّرِ الدَّمِ عَنْ لَبّات البُدْن. وشُؤُون الْخَمْرِ: مَا دبَّ مِنْهَا فِي عُروق الْجَسَدِ؛ قَالَ البَعيث:
بأَطْيَبَ مِنْ فِيهَا، وَلَا طَعْمَ قَرْقَفٍ ... عُقارٍ تَمَشَّى فِي العِظامِ شُؤونُها «3» .
شبن: الشَّابِل والشَّابِنُ: الْغُلَامُ التَّارُّ النَّاعِمُ، وَقَدْ شَبَنَ وشَبَلَ.
شتن: الشَّتْنُ: النَّسْجُ. والشَّاتِن والشَّتون: النَّاسِجُ. يُقَالُ: شَتَنَ الشّاتِن ثَوْبَهُ أَي نَسَجَهُ، وَهِيَ هُذَلِيَّةٌ؛ وأَنشد:
نَسَجَتْ بِهَا الزُّوَعُ الشَّتُونُ سَبائباً، ... لَمْ يَطْوِها كَفُّ البِيَنْطِ المَجْفَلِ
قَالَ: الزُّوَعُ الْعَنْكَبُوتُ، والمَجْفَل: الْعَظِيمُ الْبَطْنِ، والبِيَنْطُ: الْحَائِكُ، وَفَسَّرَهُ ابْنُ الأَعرابي كَذَلِكَ. وَفِي حَدِيثِ حَجَّةِ الوَدَاعِ ذكرُ شَتَانٍ، وَهُوَ بِفَتْحِ الشِّينِ وَتَخْفِيفِ التَّاءِ جَبَلٌ عِنْدَ مَكَّةَ، يُقَالُ بَاتَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ،
__________
(2) . البيت
(3) . قوله [تمشى في العظام] كذا بالأَصل والتهذيب بالميم، وفي التكملة: تفشى بالفاء(13/231)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ دَخَلَ مَكَّةُ، شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى.
شثن: الشَّثْنُ مِنَ الرِّجَالِ: كالشَّثْل، وَهُوَ الْغَلِيظُ، وَقَدْ شَثُنَتْ [شَثِنَتْ] كفُّه وقَدَمُه شَثَناً وشُثُونةً وَهِيَ شَثْنَة.
وَفِي صِفَتِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: شَثْنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ
أَي أَنهما تَمِيلَانِ إِلى الغِلَظِ والقِصَر، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي فِي أَنامله غِلَظٌ بِلَا قَصْرٍ، وَيُحْمَدُ ذَلِكَ فِي الرِّجَالِ لأَنه أَشدُّ لقَبْضِهم، وَيُذَمُّ فِي النِّسَاءِ. وَمِنْهُ حَدِيثُ
الْمُغِيرَةِ: شَثْنة الْكَفِّ
أَي غَلِيظَتُهَا. والشُّثُونة: غِلَظُ الْكَفِّ وجُسُوءُ الْمَفَاصِلِ. وأَسد شَثْنُ البراثِن: خَشِنُها، وَهُوَ منه. وشَثُنَ [شَثِنَ] الْبَعِيرُ شَثَناً: رَعَى الشَّوْك مِنَ العِضاهِ فغَلُظت عَلَيْهِ مَشَافِرُهُ. قَالَ خَالِدٌ العِتْريفِيُّ: الشُّثُونةُ لَا تَعِيبُ الرجالَ بَلْ هِيَ أَشد لقَبْضِهم وأَصْبَرُ لَهُمْ عَلَى المِراسِ، وَلَكِنَّهَا تَعِيبُ النِّسَاءَ. قَالَ خَالِدٌ: وأَنا شَثْنٌ. الْفَرَّاءُ: رَجُلٌ مَكْبُونُ الأَصابع مِثْلُ الشَّثْنِ. اللَّيْثُ: الشَّثْنُ الَّذِي فِي أَنامله غِلظٌ، وَالْفِعْلُ شَثُنَ وشَثِنَ شَثَناً وشُثُونةً؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَفِيهِ لُغَةٌ أُخرى شَنِثَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. الْجَوْهَرِيُّ: الشَّثَنُ، بِالتَّحْرِيكِ، مَصْدَرُ شَثِنَتْ كَفُّهُ، بِالْكَسْرِ، أَي خَشُنَتْ وغَلُظَتْ. وَرَجُلٌ شَثْنُ الأَصابع، بِالتَّسْكِينِ، وَكَذَلِكَ العِضْو؛ وَقَالَ إِمرؤ الْقَيْسِ:
وتَعْطُو بِرَخْصٍ غَيْرِ شَثْنٍ، كأَنه ... أَسارِيعُ ظَبْيٍ، أَو مَساوِيكُ إِسْحِلِ
وشَثِنَت [شَثُنَت] مَشافر الإِبل مِنْ أَكل الشوك.
شجن: الشَّجَنُ: الْهَمُّ والحُزْن، وَالْجَمْعُ أَشْجانٌ وشُجُونٌ. شَجِنَ، بِالْكَسْرِ، شَجَناً وشُجُوناً، فَهُوَ شاجِنٌ، وشَجُنَ وتشَجَّنَ، وشَجَنَه الأَمرُ يَشْجُنُه شَجْناً وشُجُوناً وأَشْجَنهُ: أَحزنه؛ وَقَوْلُهُ:
يُوَدِّعُ بالأَمرَاسِ كلَّ عَمَلَّسٍ، ... مِنَ المُطعِماتِ اللَّحْمَ غَيْرِ الشَّواجِنِ
إِنما يُرِيدُ أَنهن لَا يُحْزِنَّ مُرْسِليها وأَصحابَها لخَيْبَتِها مِنَ الصَّيْدِ بَلْ يَصِدْنَه مَا شَاءَ. وشَجَنتِ الْحَمَامَةُ تشْجُنُ شُجُوناً: نَاحَتْ وتَحَزَّنتْ. والشَّجَنُ: هَوَى النَّفْس. والشَّجَنُ: الْحَاجَةُ، وَالْجَمْعُ أَشْجان، والشَّجَنُ، بِالتَّحْرِيكِ: الْحَاجَةُ أَينما كَانَتْ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
إِني سأُبْدي لكَ فِيمَا أُبْدي ... لِي شَجَنانِ: شَجَنٌ بنَجْدِ،
وشَجَنٌ لِي ببِلادِ الهِنْدِ «1»
. وَالْجَمْعُ أَشْجانٌ وشُجُونٌ؛ قَالَ:
ذَكَرْتُكِ حيثُ اسْتَأْمَنَ الوَحشُ، والتَقَتْ ... رِفاقٌ مِنَ الآفاقِ شَتَّى شُجُونُها
وَيُرْوَى: لُحونُها أَي لُغَاتُهَا، وأَراد أَرضاً كَانَتْ لَهُ شَجَناً لَا وَطَناً أَي حَاجَةً، وَهَذَا الْبَيْتُ اسْتَشْهَدَ الْجَوْهَرِيُّ بِعَجُزِهِ وَتَمَّمَهُ ابْنُ بَرِّيِّ وَذَكَرَ عَجُزَهُ:
ذَكَرتُكِ حيثُ استأْمَن الوحشُ، والْتَقَتْ ... رِفاقٌ بِهِ، والنفسُ شَتَّى شُجُونُها
قَالَ: وَمِنْ هَذِهِ الْقَصِيدَةِ:
رَغا صَاحِبِي، عندَ البكاءِ، كَمَا رَغَتْ ... مُوَشَّمَةُ الأَطرافِ رَخْصٌ عَرينُها
وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ أَيضاً:
حَتَّى إِذا قَضُّوا لُباناتِ الشَّجَنْ، ... وكُلَّ حاجٍ لفُلانٍ أَو لِهَنْ
قَالَ: فُلَانٌ كِنَايَةٌ عَنِ الْمَعْرِفَةِ، وهَنٌ كِنَايَةٌ عَنِ النَّكِرَةِ. وشَجَنَتْه الحاجةُ تشْجُنه شَجْناً: حَبَسَتْه، وشَجَنَتْني تشْجُنُني. وَمَا شَجَنَكَ عَنَّا أَي مَا حَبَسك، وَرَوَاهُ أَبو عُبَيْدٍ: مَا شَجَرَكَ. وَقَالُوا: شاجِنَتي
__________
(1) . قوله [ببلاد الهند] مثله في المحكم، والذي في الصحاح: ببلاد السند(13/232)
شُجُونٌ كَقَوْلِهِمْ عابِلَتي عُبُول. وَقَدْ أَشْجَنني الأَمرُ فشَجُنْتُ أَشْجُنُ شُجُوناً. اللَّيْثُ: شَجُنْتُ شَجَناً أَي صَارَ الشَّجَنُ فيَّ، وأَما تشَجَّنْتُ فكأَنه بِمَعْنَى تذَكَّرْت، وَهُوَ كَقَوْلِكَ فَطُنْتُ فَطَناً، وفَطِنْتُ لِلشَّيْءِ فِطْنةً وفَطَناً؛ وأَنشد:
هَيَّجْنَ أَشْجاناً لِمَنْ تشَجَّنا
والشَّجَنُ والشِّجْنةُ والشُّجْنةُ والشَّجْنةُ: الغُصْنُ الْمُشْتَبِكُ. ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ شُجْنة وشِجْنٌ وشُجْنٌ للغُصن، وشُجْنَة وشُجَنٌ وشِجْنةٌ وشِجَنٌ وشُجْناتٌ وشِجْناتٌ وشُجُناتٌ وشِجِناتٌ. الْجَوْهَرِيُّ: والشِّجْنةُ والشَّجْنةُ عُرُوقُ الشَّجَرِ الْمُشْتَبِكَةُ. وَبَيْنِي وَبَيْنَهُ شِجْنَةُ رَحِمٍ وشُجْنةُ رَحِمٍ أَي قرابةٌ مُشتبكة. والشَّجَنُ والشُّجْنة والشِّجْنة: الشُّعْبة مِنَ الشَّيْءِ. والشِّجْنة: الشُّعبة مِنَ العُنقود تُدْرِكُ كُلُّهَا، وَقَدْ أَشْجَنَ الكَرْمُ وتشَجَّنَ الشَّجَرُ: الْتَفَّ. وَفِي الْمَثَلِ: الْحَدِيثُ ذُو شُجُون أَي فُنُونٍ وأَغراض، وَقِيلَ: أَي يَدْخُلُ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ أَي ذُو شُعَب وامْتِساك بعضُه بِبَعْضٍ؛ وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: يُراد أَن الْحَدِيثَ يتفرَّق بالإِنسان شُعَبُه ووَجْهُه؛ وَقَالَ أَبو طَالِبٍ: مَعْنَاهُ ذُو فُنُونٍ وتشَبُّث بَعْضِهِ بِبَعْضٍ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: يُضْرَبُ هَذَا مَثَلًا لِلْحَدِيثِ يَسْتَذْكِرُ بِهِ غَيْرَهُ؛ قَالَ: وَكَانَ المُفَضَّلُ الضَّبِّي يُحَدِّث عَنْ ضَبَّة بْنِ أُدٍّ بِهَذَا الْمَثَلِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ غَيْرُهُ؛ قَالَ: كَانَ قَدْ خَرَجَ لضبَّة بْنِ أُدٍّ ابْنَانِ: سَعْدٌ وسَعِيد فِي طَلَبِ إِبل، فَرَجَعَ سَعْدٌ وَلَمْ يَرْجِعْ سَعِيدٌ، فَبَيْنَا هُوَ يُسايِرُ الحرثَ بْنَ كَعْبٍ إِذ قَالَ لَهُ: فِي هَذَا الْمَوْضِعِ قَتَلْتُ فَتًى، وَوَصَفَ صِفَةَ ابْنِهِ، وَقَالَ هَذَا سَيْفُهُ، فَقَالَ ضَبَّةُ: أَرِني أَنْظُرْ إِليه، فَلَمَّا أَخذه عَرَفَ أَنه سَيْفُ ابْنِهِ، فَقَالَ: الْحَدِيثُ ذُو شُجُونٍ، ثُمَّ ضرب به الحرث فَقَتَلَهُ؛ وَفِيهِ يَقُولُ الْفَرَزْدَقُ:
فَلَا تأْمَنَنَّ الحَرْبَ، إِنّ اسْتِعارَها ... كضَبَّةَ إِذْ قَالَ: الحديثُ شُجُونُ
ثُمَّ إِن ضَبَّةَ لَامَهُ النَّاسُ فِي قتل الحرث فِي الأَشهر الْحُرُمِ فَقَالَ: سَبَقَ السيفُ العَذَلَ. وَيُقَالُ: إِنَّ سَبَقَ السيفُ العَذَلَ لخُرَيْمٍ الهُذَليِّ. والشُّجْنة والشِّجْنة: الرَّحِمُ الْمُشْتَبِكَةُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
الرَّحِمِ شِجْنة مِنَ اللَّهِ مُعَلَّقة بِالْعَرْشِ تَقُولُ: اللَّهُمَّ صِلْ مَنْ وَصَلَني واقْطع مَنْ قَطَعَنِي
، أَي الرَّحِمُ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الرَّحْمن تَعَالَى؛ قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: يَعْنِي قَرابةٌ مِنَ اللَّهِ مُشْتَبِكَةٌ كَاشْتِبَاكِ الْعُرُوقِ، شَبَّهَهُ بِذَلِكَ مَجَازًا أَو اتِّسَاعًا، وأَصل الشُّجْنة، بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ، شُعْبة مِنْ غُصْن مِنْ غُصُونِ الشَّجَرَةِ، والشَّجْنةُ لُغَةٌ فِيهِ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، وَقِيلَ: الشُّجْنةُ الصِّهْرُ. وَنَاقَةٌ شَجَنٌ: مُتَداخِلَة الخَلْق مُشْتَبِكٌ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ كَمَا تَشْتَبِكُ الشَّجَرَةُ؛ وَفِي حَدِيثِ
سَطِيح الكاهنِ:
تجُوبُ بِي الأَرضَ عَلَنْداةٌ شَجَنْ
أَي نَاقَةٌ مُتَداخِلَةُ الخَلْق كأَنها شَجَرَةٌ مُتَشَجِّنَة أَي مُتَّصِلَةُ الأَغصان بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، وَيُرْوَى: شَزِنَ، وَسَيَجِيءُ، والشِّجْنة، بِكَسْرِ الشِّينِ: الصَّدْعُ فِي الْجَبَلِ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. والشاجِنَةُ: ضَرْبٌ مِنَ الأَوْدية يُنْبت نَبَاتًا حَسَنًا، وَقِيلَ: الشَّواجِنُ والشُّجُون أَعالي الْوَادِي، وَاحِدُهَا شَجْن؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وإِنما قُلْتُ إِن وَاحِدَهَا شَجْن لأَن أَبا عُبَيْدَةَ حَكَى ذَلِكَ، وَلَيْسَ بِالْقِيَاسِ لأَن فَعْلًا لَا يكسَّر عَلَى فَواعل، لَا سِيَّمَا وَقَدْ وَجَدْنَا الشاجِنة، فأَنْ يَكُونَ الشَّواجِنُ جَمْعَ شاجِنَةٍ أَولى؛ قَالَ الطِّرِمَّاحُ:
كظَهرِ اللأَى لَوْ تُبْتَغَى رِيَّةٌ بِهِ ... نَهاراً، لعَيَّتْ فِي بُطُونِ الشَّواجِنِ(13/233)
وَكَذَلِكَ رَوَى الأَزهري عَنْ أَبي عَمْرٍو: الشَّواجِنُ أَعالي الْوَادِي، وَاحِدَتُهَا شاجِنَة. وَقَالَ شمِرٌ: جَمْعُ شَجْنٍ أَشْجان. قَالَ الأَزهري: وَفِي دِيَارِ ضبَّة وادٍ يُقَالُ لَهُ الشَّواجِنُ فِي بَطْنِهِ أَطْواء كَثِيرَةٌ، مِنْهَا لَصافِ واللِّهَابَةُ وثَبْرَةُ، ومياهُها عَذْبَةٌ. الْجَوْهَرِيُّ: الشَّجْنُ، بِالتَّسْكِينِ، واحدُ شُجُون الأَودية وَهِيَ طُرُقُها. والشاجِنة: وَاحِدَةُ الشواجِنِ، وَهِيَ أَودية كَثِيرَةُ الشَّجَرِ؛ وَقَالَ مَالِكُ بْنُ خَالِدٍ الخُناعي:
لَمَّا رأَيتُ عَدِيَّ القوْمِ يَسْلُبُهُمْ ... طَلْحُ الشَّواجِنِ والطَّرْفاءُ والسَّلَمُ
كَفَتُّ ثَوْبيَ لَا أُلْوِي عَلَى أَحَدٍ، ... إِني شَنِئْتُ الفَتى كالبَكْرِ يُخْتَطَمُ
عَدِيٌّ: جَمْعُ عَادٍ كغَزِيٍّ جَمْعُ غازٍ، وَقَوْلُهُ: يَسلبُهم طَلْحُ الشَّواجن أَي لَمَّا هَرَبُوا تَعَلَّقَتْ ثيابُهم بالطَّلْح فَتَرَكُوهَا؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِلطِّرِمَّاحِ فِي شَاجِنَةٍ لِلْوَاحِدَةِ:
أَمِنْ دِمَنٍ، بشاجِنَةِ الحَجُونِ، ... عَفَتْ مِنْهَا المنازِلُ مُنْذُ حِينِ
وَقَوْلُ الحَذْلَمِيِّ:
فضارِبَ الضَّبْه وَذِي الشُّجُونِ
يَجُوزُ أَن يَعْنِيَ بِهِ وَادِيًا ذَا الشُّجون، وأَن يَعْنِيَ بِهِ مَوْضِعًا. وشِجْنَة، بِالْكَسْرِ: اسْمُ رَجُلٍ، وَهُوَ شِجْنة بْنُ عُطارِد بْنِ عَوْف بْنُ كَعْب بْنِ سَعْد بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
كَرِبُ بنُ صَفْوانَ بنِ شِجْنةَ لَمْ يَدَعْ ... مِنْ دَارِمٍ أَحَداً، ولا من نَهْشَلِ.
شحن: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ*
؛ أَي الْمَمْلُوءِ. الشَّحْنُ: مَلْؤُكَ السَّفِينَةَ وإِتْمامُك جِهازَها كُلَّهُ. شَحَنَ السَّفِينَةَ يَشْحَنُها شَحْناً: مَلأَها، وشَحَنَها مَا فِيهَا كَذَلِكَ. والشِّحْنَةُ: مَا شَحَنها. وشَحَنَ البلدَ بِالْخَيْلِ: ملأَه. وَبِالْبَلَدِ شِحْنةٌ مِنَ الْخَيْلِ أَي رَابِطَةٌ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَوْلُ العامَّة فِي الشِّحْنةِ إِنه الأَمير غَلَطٌ. وَقَالَ الأَزهري: شِحْنةُ الكورَة مَنْ فِيهِمُ الْكِفَايَةُ لِضَبْطِهَا مِنْ أَولياء السُّلْطَانِ؛ وَقَوْلُهُ:
تأَطَّرْنَ بالميناءِ ثُمَّ تَرَكْنَه، ... وَقَدْ لَجَّ مِنْ أَحْمالِهِنَّ شُحُونُ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: يَجُوزُ أَن يَكُونَ مَصْدَرَ شَحَنَ، وأَن يَكُونَ جَمْعَ شِحْنة نَادِرًا. ومَرْكَبٌ شاحِنٌ أَي مَشْحُون؛ عَنْ كُرَاعٍ، كَمَا قَالُوا سِرٌّ كاتِمٌ أَي مَكْتُومٌ. وشَحَنَ القومَ يَشْحَنُهم شَحْناً: طَرَدَهُمْ. ومَرَّ يَشْحَنُهم أَي يَطْرُدهم ويَشُلُّهم ويَكسَؤُهم، وَقَدْ شَحَنه إِذا طَرَدَهُ. الأَزهري: سَمِعْتُ أَعرابياً يَقُولُ لِآخَرَ: اشْحَنْ عَنْكَ فُلَانًا أَي نَحِّه وأَبْعِدْه. والشَّحْنُ: العَدْوُ الشَّدِيدُ. وشَحَنَتِ الكلابُ تَشْحَنُ وتَشْحُنُ شُحُوناً: أَبْعَدتِ الطَّرَد وَلَمْ تَصِد شَيْئًا؛ قَالَ الطِّرِمَّاحُ يَصِفُ الصَّيْدَ وَالْكِلَابَ:
يُوَدِّعُ بالأَمْراسِ كلَّ عَمَلَّسٍ ... مِنَ المُطْعِماتِ الصَّيْدَ، غيرِ الشَّواحِنِ
. والشاحِنُ مِنَ الْكِلَابِ: الَّذِي يُبْعِدُ الطَّرِيدَ وَلَا يَصِيدُ. الأَزهري: الشِّحْنة مَا يُقامُ لِلدَّوَابِّ مِنَ العَلَف الَّذِي يَكْفِيهَا يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا هُوَ شِحْنَتها. والشَّحْناء: الْحِقْدُ. والشَّحْناء: الْعَدَاوَةُ، وَكَذَلِكَ الشِّحْنة، بِالْكَسْرِ، وَقَدْ شَحِنَ عَلَيْهِ شَحْنَاً وشاحَنَه، وعَدُوٌّ مُشاحِنٌ. وشاحَنَه مُشاحنةً: مِنَ الشَّحْناء، وآحَنَه مُؤَاحَنة: مِنَ الإِحْنةِ، وَهُوَ مُشاحِنٌ لَكَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
يَغْفِرُ اللَّهُ لِكُلِّ بَشَرٍ مَا خَلَا مُشْرِكاً أَو مُشاحِناً
؛ المُشاحِنُ: المُعادي. والتَّشاحُنُ: تَفَاعُلٌ مِنَ الشَّحْناء الْعَدَاوَةِ؛ وَقَالَ الأَوزاعي: أَراد(13/234)
بالمُشاحن هاهنا صاحِبَ البِدْعة والمُفارِقَ لِجَمَاعَةِ الأُمَّة، وَقِيلَ: المُشاحَنةُ مَا دُونَ الْقِتَالِ مِنَ السَّبِّ، والتَّعايُر مِنَ الشَّحْناءِ مأْخوذ، وَهِيَ الْعَدَاوَةُ، وَمِنَ الأَول: إِلا رَجُلًا كَانَ بَيْنَهَ وَبَيْنَ أَخيه شَحْناء أَي عَدَاوَةٌ. وأَشْحَنَ الصبيُّ، وَقِيلَ: الرجلُ، إِشْحاناً وأَجْهَشَ إِجْهاشاً: تَهيأَ لِلْبُكَاءِ، وَقِيلَ: هُوَ الاسْتِعْبارُ عِنْدَ اسْتِقْبَالِ الْبُكَاءِ؛ قَالَ الْهُذَلِيُّ:
وَقَدْ هَمَّتْ بإِشْحانِ
الأَزهري: ابْنُ الأَعرابي سُيُوفٌ مُشْحَنة فِي أَغمادِها؛ وأَنشد:
إِذ عارَتِ النَّبْلُ والتَفَّ اللُّفُوفُ، وإِذْ ... سَلُّوا السُّيُوفَ عُراةً بعدَ إِشْحانِ
وَهَذَا الْبَيْتُ أَورده ابْنُ بَرِّيٍّ فِي أَماليه مُتَمِّمًا لِمَا أَورده الْجَوْهَرِيُّ فِي قَوْلِهِ: وَقَدْ هَمَّتْ بإِشْحانِ، مُسْتَشْهِدًا بِهِ عَلَى أَجْهَشَ الصَّبيُّ إِذا تهيأَ لِلْبُكَاءِ، فَقَالَ الهُذَلي: هُوَ أَبو قِلابَة؛ وَالْبَيْتُ بِكَمَالِهِ:
إِذ عارَتِ النَّبْلُ والتَفَّ اللُّفوفُ، وإِذْ ... سلُّوا السُّيُوفَ، وَقَدْ هَمَّت بإشْحانِ
وَقَدْ أَورده الأَزهري:
إِذا عارَتِ النَّبلُ والتَّفَّ اللُّفوفُ، وإِذْ ... سَلُّوا السُّيُوفَ عُرَاةً بَعْدَ إِشحانِ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والشِّيحان والشَّيْحان الطَّوِيلُ، وَقَدْ يَكُونُ فَعْلاناً فَيَكُونُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْبَابِ، وسيُذْكر.
شخن: شَخَّنَ: تهيأَ لِلْبُكَاءِ، وقد يخفف.
شدن: شَدَنَ الصبيُّ والخِشْفُ وجميعُ ولدِ الظِّلْفِ والخُفِّ والحافِر يَشْدُنُ شُدُوناً: قَوِيَ وَصَلَحَ جِسْمُهُ وتَرَعْرَعَ ومَلَكَ أُمَّه فَمَشَى مَعَهَا. وَيُقَالُ للمُهْر أَيضاً: قَدْ شَدَن، فإِذا أَفردت الشادِنَ فَهُوَ وَلَدُ الظَّبْيَةِ. أَبو عُبَيْدٍ: الشادِنُ مِنْ أَولاد الظِّبَاءِ الَّذِي قَدْ قَوِيَ وَطَلَعَ قَرْنَاهُ وَاسْتَغْنَى عَنْ أُمه؛ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَحمد العُرَيْتي:
يَا مَا أُحَيْسِنَ غِزْلاناً شَدَنَّ لَنَا
وَيُقَالُ: إِن عَلِيَّ بْنَ حَمْزَةَ هَذَا حَضَرِيّ لَا بدَوِيّ لأَنه مَدَحَ عَلِيَّ بْنَ عِيسَى. وأَشْدَنَتِ الظبيةُ وظَبية مُشْدِنٌ إِذا شَدَنَ ولَدُها، وَظَبْيَةٌ مُشْدِن: ذَاتُ شادِنٍ يَتْبَعُهَا، وَكَذَلِكَ غَيْرُهَا مِنَ الظَّلْف وَالْخُفِّ وَالْحَافِرِ، وَالْجَمْعُ مَشادِنُ عَلَى الْقِيَاسِ، ومَشادِين عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ مِثْلُ مَطَافِلَ ومَطافيل. ابْنُ الأَعرابي: امرأَة مَشْدُونة وَهِيَ العاتِقُ مِنَ الجَوارِي. وشَدَنٌ: مَوْضِعٌ بِالْيَمَنِ، والإِبل الشَّدَنية مَنْسُوبَةٌ إِليه؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
والشَّدَنِيّات يُساقِطْنَ النُّعَرْ
وَقِيلَ: شَدَنٌ فَحْل بِالْيَمَنِ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، قَالَ: وإِليه تُنْسَبُ هَذِهِ الإِبل. والشَّدْنُ، بِسُكُونِ الدَّالِ: شَجَرٌ لَهُ سِيقانٌ خَوَّارةٌ غِلاظ ونَوْرٌ شَبِيهٌ بنَوْر اليَاسَمِينِ فِي الْخِلْقَةِ، إِلا أَنه أَحمر مُشْرَب، وَهُوَ أَطيب مِنَ اليَاسَمين؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَهُوَ طَيِّبُ الرِّيحِ؛ وأَنشد:
كأَنَّ فاها، بعدَ ما تُعانِقُ، ... الشَّدْنُ والشِّرْيانُ والشَّبارِقُ.
شرن: ابْنُ الأَعرابي: الشَّرْنُ الشَّقُّ فِي الصَّخْرَةِ. أَبو عَمْرٍو: فِي الصَّخْرَةِ شَرْمٌ وشَرْنٌ وثَتٌّ وفَتٌّ وشِيقٌ وشِرْيانٌ. وَقَدْ شَرِمَ وشَرِنَ إِذا انْشَقَّ، وَذَكَرَ ابْنُ بَرِّيٍّ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ الشِّرْيانَ، وَهُوَ شَجَرٌ صُلْب تُتَّخَذُ مِنْهُ القِسِيُّ، وَاحِدَتُهُ شِرْيانة، وَهُوَ كجِرْيالٍ مُلْحَق بسِرْداحٍ؛ قَالَ:
وقَوْسُك شِرْيانةٌ، ... ونَبْلُك جَمْرُ الغَضى(13/235)
قَالَ: والشُّورَانُ العُصْفُر، قَالَ: وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّ شِرْيان فِعْلانٌ لأَنه أَكثر مِنْ فِعْيال، قَالَ: وَلِهَذَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي شَرِيَ، ورأَيت هُنَا حَاشِيَةً قَالَ: لَمْ يَذْكُرِ الْجَوْهَرِيُّ الشِّرْيانَ هَذَا لِلشَّجَرِ أَصلًا فِي كِتَابِهِ، وإِنما ذَكَرَ فِي فَصْلِ شَرِيَ: الشِّرْيان وَاحِدُ الشَّرايين وَهِيَ العُروق النَّابِضَةُ. وتَشْرِينُ: اسْمُ شَهْرٍ مِنْ شُهُورِ الْخَرِيفِ، وَهُوَ أَعجمي، وَهُوَ إِلى وَزْنِ تَفْعِيلٍ أَقرب مِنْهُ إِلى وَزْنِ غَيْرِهِ مِنَ الأَمثلة؛ قَالَ: وَلَمْ يذكره صاحب الكتاب.
شرحن: شَراحيلُ وشَراحينُ: اسْمُ رَجُلٍ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي تَرْجَمَةِ شَرْحَلَ فِي بَابِ اللام.
شزن: الشَّزَنُ، بِالتَّحْرِيكِ، والشُّزُونة: الغِلَظُ مِنَ الأَرض؛ قَالَ الأَعشى:
تَيمَّمْتُ قَيْساً، وَكَمْ دُونَهُ ... مِنَ الأَرض مِنْ مَهْمَهٍ ذِي شَزَنْ «1»
وَفِي حديث الذي اختطفته الجنُّ:
كُنْتُ إِذا هَبَطْتُ شَزَناً أَجده بَيْنَ ثَنْدُوَتَيَ
؛ الشَّزَن، بِالتَّحْرِيكُ: الْغَلِيظُ مِنَ الأَرض، وَالْجَمْعُ شُزُنٌ وشُزونٌ، وَقَدْ شَزُنَ شُزُونة. وَرَجُلٌ شَزَن [شَزِن] : فِي خُلُقه عَسَرٌ. وتَشَزَّنَ فِي الأَمر: تَصَعَّبَ. وَفِي حَدِيثِ
لُقْمانَ بْنِ عادٍ: ووَلَّاهم شَزَنَه
، يُرْوَى بِفَتْحِ الشِّينِ وَالزَّايِ وَبِضَمِّهِمَا وَبِضَمِّ الشِّينِ وَسُكُونِ الزَّايِ، وَهِيَ لُغَاتٌ فِي الشِّدَّة والغِلْظة، وَقِيلَ: هُوَ الْجَانِبُ، أَي يُوَلِّي أَعداءَه شِدَّته وبأْسه أَو جَانِبَهُ أَي إِذا دَهَمَهم أَمر وَلَّاهم جَانِبَهُ فحَاطَهم بِنَفْسِهِ. يُقَالُ: وَلَّيته ظَهْرِي إِذا جَعَلَهُ وَرَاءَهُ وأَخذَ يَذُبُّ عَنْهُ. وشَزِنَت الإِبل شَزَناً: عَيِيَتْ مِنَ الْحَفَا. والشَّزَنُ: شِدَّةُ الإِعياء مِنَ الْحَفَا، وَقَدْ شَزِنت الإِبل.
وَرَوَى أَبو سُفْيَانَ حَدِيثِ لُقْمَانَ بْنِ عَادٍ: شُزُنَه
، قَالَ: وسأَلت الأَصمعي عَنْهُ فَقَالَ: الشُّزُنُ عُرْضُه وَجَانِبُهُ، وَهُوَ لُغَةٌ؛ وأَنشد لِابْنِ أَحمر:
أَلا لَيْتَ المَنازِلَ قَدْ بَلِينا، ... فَلَا يَرْمِينَ عَنْ شُزُنٍ حَزِيناً
. يُرِيدُ أَنهم حِينَ دَهَمَهم الأَمر أَقبل عَلَيْهِمْ وولَّاهم جَانِبَهُ. قَالَ الأَزهري: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الأَصمعي حَسَنٌ؛ وَقَالَ الهُذَليّ:
كِلَانَا، وَلَوْ طالَ أَيَّامُه، ... سَيَنْدُرُ عَنْ شَزَنٍ مُدْحِضِ
. قَالَ: الشَّزَنُ الحَرْف يَعْنِي بِهِ الْمَوْتَ وأَن كُلَّ أَحد سَتَزْلَقُ قَدَمُهُ بِالْمَوْتِ وإِن طَالَ عُمُرُهُ؛ وَقَالَ ابْنُ مُقْبِل:
إِن تُؤْنِسَا نارَ حَيّ قَدْ فُجِعْتُ بِهِمْ، ... أَمْسَتْ عَلَى شَزَنٍ مِنْ دارِهم دَارِي
والشُّزُنُ: الكَعْبُ الَّذِي يُلْعَبُ بِهِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
كأَنه شُزُنٌ بالدَّوِّ مَحْكوكُ
وَقَالَ الأَجْدَعُ بْنُ مَالِكِ بْنِ مَسْروق:
وكأَنَّ صِرْعَيْها كِعابُ مُقامِرٍ ... ضُرِبَتْ عَلَى شُزُنٍ، فَهُنَّ شَواعِي
والشَّزَنُ والشُّزُنُ: نَاحِيَةُ الشَّيْءِ وَجَانِبُهُ. والشُّزُن: الْحَرْفُ وَالْجَانِبُ والناحية مثال الطُّنُب. وَيُقَالُ: عَنْ شُزُنٍ أَي عَنْ بُعْدٍ وَاعْتِرَاضٍ وتَحَرُّف. وَفِي حَدِيثِ
الخُدْرِيّ: أَنه أَتى جَنازة فَلَمَّا رَآهُ الْقَوْمُ تَشَزَّنُوا لَهُ ليُوَسِّعُوا لَهُ
؛ قَالَ شَمِرٌ: أَي تَحَرَّفُوا. يُقَالُ: تَشَزَّنَ الرجلُ للرَّمْي إِذا تَحَرَّفَ واعْتَرض. وَرَمَاهُ عَنْ شُزُنٍ أَي تَحَرَّف لَهُ، وَهُوَ أَشد لِلرَّمْيِ؛ وَفِي حَدِيثِ
سَطيح:
__________
(1) . قوله [تيممت قيساً إِلخ] الصاغاني الرواية: تيمم قيساً إِلخ. على الفعل المضارع أَي تتيمم ناقتي أَي تقصد، وقبله:
فأفنيتها وتعاللتها ... على صحصح كرداء الردن.(13/236)
تَجُوبُ بِي الأَرضَ عَلَنْداةٌ شَزَنْ
أَي تَمْشِي مِنْ نَشَاطِهَا عَلَى جَانِبٍ. وشَزِنَ فلانٌ إِذا نَشِطَ. والشَّزَنُ: النَّشاط، وَقِيلَ: الشَّزَن المُعْيَى مِنَ الحَفا. والتَّشَزُّن فِي الصِّراع: أَن يَضَعه عَلَى وَركه فيَصْرَعه، وَهُوَ التَّوَرُّك. وَيُقَالُ: مَا أُبالي عَلَى أَيّ قُطْرَيْهِ وَعَلَى أَيّ شُزْنَيْه وَقَعَ، بِمَعْنًى وَاحِدٍ أَي جانِبيه. وتَشَزَّنَ الرجلُ صاحبَه تَشَزُّناً وتَشْزِيناً، عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ: صَرَعَهُ؛ وَنَظِيرُهُ: وتَبَتَّل إِليه تَبْتِيلًا. وتَشَزَّنَ الشاةَ: أَضجعها لِيَذْبَحَهَا. وتَشَزَّن للرَّمْي وللأَمر وَغَيْرِهِ إِذا اسْتَعَدَّ لَهُ. وَفِي حَدِيثِ
عُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حِينَ سُئلَ حُضُورَ مَجْلِسٍ لِلْمُذَاكَرَةِ أَنه قَالَ: حَتَّى أَتَشَزَّنَ.
وتَشَزَّن لَهُ أَي انْتَصَبَ لَهُ فِي الْخُصُومَةِ وَغَيْرِهَا. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه قرأَ سُورَةَ ص، فَلَمَّا بَلَغَ السَّجْدَةَ تَشَزَّنَ الناسُ لِلسُّجُودِ، فَقَالَ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: إِنما هِيَ تَوْبَةُ نَبِيٍّ وَلَكِنِّي رأَيتكم تَشَزَّنْتُم، فَنَزَلَ وَسَجَدَ وَسَجَدُوا
؛ التَّشَزُّنُ: التأَهُّب والتَّهَيُّؤ لِلشَّيْءِ وَالِاسْتِعْدَادُ لَهُ، مأْخوذ مِنْ عُرْض الشَّيْءِ وَجَانِبِهِ كأَنَّ المُتَشَزِّنَ يَدَعُ الطمأْنينة فِي جُلُوسِهِ ويقعُدُ مُسْتَوْفِزًا عَلَى جَانِبٍ. وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَن عُمَرَ دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَوْمًا فقَطَّبَ وتَشَزَّنَ لَهُ
أَي تأَهب. وَفِي حَدِيثِ
عُثْمَانَ: قَالَ لسَعْد وعَمّار ميعادُكم يومُ كَذَا حَتَّى أَتَشَزَّنَ
أَي أَسْتَعِدَّ لِلْجَوَابِ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ زِيَادٍ: نِعْمَ الشَّيْءُ الإِمارةُ لَوْلَا قَعْقَعةُ البُرُدِ والتَّشَزُّنُ للخُطَب.
وَفِي حَدِيثِ
ظَبْيان: فترامَتْ مَذْحِجُ بأَسِنَّتِها وتَشَزَّنَتْ بأَعِنَّتها.
شصن: أَهمله اللَّيْثُ. أَبو عَمْرٍو: الشَّواصِينُ البَراني، الْوَاحِدَةُ شاصُونة. قَالَ الأَزهري: البَراني تَكُونُ القواريرَ وَتَكُونُ الدِّيَكة، قال: ولا أَدري أَراد بها.
شطن: الشَّطَنُ: الحَبْل، وَقِيلَ: الْحَبْلُ الطَّوِيلُ الشديدُ الفَتْل يُسْتَقى بِهِ وتُشَدُّ بِهِ الخَيْل، وَالْجَمْعُ أَشْطان؛ قَالَ عَنْتَرَةَ:
يَدْعُونَ عَنْتَر، والرِّماحُ كأَنها ... أَشْطانُ بئرٍ فِي لَبانِ الأَدْهَمِ
. وَوَصَفَ أَعرابي فَرَسًا لَا يَحْفى فَقَالَ: كأَنه شَيْطانٌ فِي أَشْطان. وشَطَنْتُه أَشْطُنه إِذا شَدَدْته بالشَّطَن. وَفِي حَدِيثِ
الْبَرَاءِ: وَعِنْدَهُ فَرَسٌ مَرْبوطة بشَطَنَين
؛ الشَّطَنُ: الْحَبْلُ، وَقِيلَ: هُوَ الطَّوِيلُ مِنْهُ، وإِنما شَدَّه بشَطَنَيْن لِقُوَّتِهِ وَشِدَّتِهِ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السلام: وَذَكَرَ الْحَيَاةَ فَقَالَ: إِن اللَّهَ جَعَلَ الموتَ خالِجاً لأَشْطانها
؛ هِيَ جَمْعُ شَطَن، والخالِجُ المُسْرِع فِي الأَخذ، فَاسْتَعَارَ الأَشْطانَ لِلْحَيَاةِ لِامْتِدَادِهَا وَطُولِهَا. والشَّطَنُ: الْحَبْلُ الَّذِي يُشْطَن بِهِ الدَّلْوُ. والمُشاطِنُ: الَّذِي يَنزِعُ الدَّلْوَ مِنَ الْبِئْرِ بِحَبْلَيْنِ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
ونَشْوانَ مِنْ طُولِ النُّعاسِ كأَنه، ... بحَبْلينِ فِي مَشْطونةٍ، يَتَطَوَّحُ
وَقَالَ الطِّرِمَّاحُ:
أَخُو قَنَصٍ يَهْفُو، كأَنَّ سَراتَهُ ... ورِجلَيه سَلْمٌ بَيْنَ حَبَلي مُشاطن
وَيُقَالُ لِلْفَرَسِ الْعَزِيزِ النَّفْس: إِنه ليَنْزُو بَيْنَ شَطَنَين؛ يُضْرَبُ مَثَلًا للإِنسان الأَشِر الْقَوِيِّ، وَذَلِكَ أَن الفرسَ إِذا اسْتَعْصَى عَلَى صَاحِبِهِ شَدَّه بحَبلين مِنْ جَانِبَيْنِ، يُقَالُ: فَرَسٌ مَشْطون. والشَّطون مِنَ الْآبَارِ: الَّتِي تُنْزَع بحَبْلين مِنْ جَانِبَيْهَا، وَهِيَ مُتَّسِعَةُ الأَعلى ضَيِّقَةُ الأَسفل، فإِن نزَعَها بِحَبْلٍ وَاحِدٍ جَرَّها عَلَى الطَّيِّ فتخرَّقت.(13/237)
وَبِئْرٌ شَطُونٌ: مُلتَوية عَوْجاء. وحربٌ شَطُونٌ: عَسِرةٌ شَدِيدَةٌ؛ قَالَ الرَّاعِي:
لَنَا جُبَبٌ وأَرْماحٌ طِوالٌ، ... بِهنَّ نُمارِسُ الحَرْبَ الشَّطونا
وَبِئْرٌ شَطون: بَعِيدَةُ الْقَعْرِ فِي جِرابها عِوَجٌ. وَرُمْحٌ شَطونٌ: طَوِيلٌ أَعوج. وشَطَنَ عَنْهُ: بَعُدَ. وأَشْطَنَه: أَبعده. وَفِي الْحَدِيثِ:
كُلُّ هَوًى شاطنٌ فِي النَّارِ
؛ الشاطِنُ: الْبَعِيدُ عَنِ الْحَقِّ، وَفِي الْكَلَامِ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ كُلُّ ذِي هَوًى، وَقَدْ رُوِيَ كَذَلِكَ. وشَطَنَتِ الدارُ تَشْطُنُ شُطوناً: بَعُدَت. وَنِيَّةٌ شَطونٌ: بَعِيدَةٌ، وغزْوة شَطونٌ كَذَلِكَ. والشَّطِينُ: الْبَعِيدُ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: كَذَلِكَ وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ المُصَنِّف، وَالْمَعْرُوفُ الشَّطِير، بِالرَّاءِ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ. ونَوًى شَطون: بَعِيدَةٌ شَاقَّةٌ؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
نَأَتْ بِسُعاد عَنْكَ نَوًى شَطونُ ... فبانَتْ، والفُؤَادُ بِهَا رَهينُ
. وإِلْيَة شطونٌ إِذا كَانَتْ مَائِلَةً فِي شِقّ. والشَّطْنُ: مَصْدَرُ شَطَنَه يَشْطُنُه شَطْناً خَالَفَهُ عَنْ وجْهه وَنِيَّتِهِ. والشيطانُ: حَيَّةٌ لَهُ عُرْفٌ. والشاطِنُ: الْخَبِيثُ. والشَّيْطانُ: فَيْعال مِنْ شَطَنَ إِذا بَعُدَ فِيمَنْ جَعَلَ النُّونَ أَصلًا، وَقَوْلُهُمُ الشَّيَاطِينُ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ. وَالشَّيْطَانُ: مَعْرُوفٌ، وَكُلُّ عَاتٍ مُتَمَرِّدٍ مِنَ الْجِنِّ والإِنس وَالدَّوَابِّ شَيْطَانٌ؛ قَالَ جَرِيرٌ:
أَيامَ يَدْعُونَني الشيطانَ مِنْ غَزَلٍ، ... وهُنَّ يَهْوَيْنَني، إِذ كنتُ شَيْطاناً
وتَشَيْطَنَ الرَّجُلُ وشَيْطَن إِذا صَارَ كالشَّيْطان وفَعَل فِعْله؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
شافٍ لبَغْيِ الكَلِبِ المُشَيْطِن
وَقِيلَ: الشَّيْطَانُ فَعْلان مِنْ شاطَ يَشيط إِذا هَلَكَ وَاحْتَرَقَ مِثْلُ هَيْمان وغَيمان مِنْ هامَ وغامَ؛ قَالَ الأَزهري: الأَول أَكثر، قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنه مِنْ شَطَنَ قَوْلُ أُمية بْنُ أَبي الصَّلْتِ يَذْكُرُ سُلَيْمَانَ النبي، صلى الله عليه وَسَلَّمَ:
أَيُّما شاطِنٍ عَصَاهُ عَكاه
. أَراد: أَيما شَيْطَانٍ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ
، وقرأَ الحسنُ:
وَمَا تنزَّلت بِهِ الشَّياطون
؛ قَالَ ثَعْلَبٌ: هُوَ غَلَطٌ مِنْهُ، وَقَالَ فِي تَرْجَمَةِ جَنَنَ: والمَجانينُ جَمْعٌ لمَجْنون، وأَما مَجانون فَشَاذٌّ كَمَا شَذَّ شَياطون فِي شَيَاطِينَ، وَقُرِئَ: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّياطِينُ
. وتشَيْطَنَ الرَّجُلُ: فَعَل فِعْل الشَّيَاطِينِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ
؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: وَجْهُهُ أَن الشَّيْءَ إِذا اسْتُقْبح شُبِّه بِالشَّيَاطِينِ فَيُقَالُ كأَنه وَجْهُ شَيْطَانٍ وكأَنه رأْس شَيْطَانٍ، وَالشَّيْطَانُ لَا يُرى، وَلَكِنَّهُ يُسْتَشْعَر أَنه أَقبَح مَا يَكُونُ مِنَ الأَشياء، ولو رُؤِيَ لَرُؤِيَ فِي أَقبح صُورَةٍ؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُ إِمرئِ الْقَيْسِ:
أَيَقْتُلُني، والمَشْرَفِيُّ مُضاجِعي، ... ومَسْنونةٌ زُرْقٌ كأَنيابِ أَغوالِ؟
وَلَمْ تُرَ الغُولُ وَلَا أَنيابها، وَلَكِنَّهُمْ بَالَغُوا فِي تَمْثِيلِ مَا يُسْتَقْبَحُ مِنَ الْمُذَكَّرِ بِالشَّيْطَانِ وَفِيمَا يُسْتَقْبَح مِنَ الْمُؤَنَّثِ بِالتَّشْبِيهِ لَهُ بِالْغُولِ، وَقِيلَ: كأَنه رؤوس الشياطين كأَنه رؤوس حَيَّات، فإِن الْعَرَبَ تُسَمِّي بَعْضَ الْحَيَّاتِ شَيْطَانًا، وَقِيلَ: هُوَ حَيَّةٌ لَهُ عُرْفٌ قَبِيحُ المَنْظَر؛ وأَنشد لِرَجُلٍ يَذُمُّ امرأَة لَهُ:
عَنْجَرِدٌ تَحْلِفُ حِينَ أَحْلِفُ، ... كمِثْلِ شَيْطانِ الحَماطِ أَعْرَفُ(13/238)
وَقَالَ الشَّاعِرُ يَصِفُ نَاقَتَهُ:
تُلاعِبُ مَثْنَى حَضْرَميٍّ، كأَنه ... تَعَمُّجُ شَيْطانٍ بِذِي خِرْوَعٍ قَفْرِ
وقيل: رُؤُوس الشَّيَاطِينِ نَبْتٌ مَعْرُوفٌ قَبِيحٌ، يسمى رؤوس الشَّيَاطِينِ، شُبِّهَ بِهِ طَلْع هَذِهِ الشَّجَرَةِ، وَاللَّهُ أَعلم. وَفِي حَدِيثِ قَتْلِ الحَيّاتِ:
حَرِّجُوا عَلَيْهِ، فإِن امْتَنَعَ وإِلّا فَاقْتُلُوهُ فإِنه شَيْطَانٌ
؛ أَراد أَحد شَيَاطِينِ الْجِنِّ، قَالَ: وَقَدْ تُسَمَّى الْحَيَّةُ الدَّقِيقَةُ الْخَفِيفَةُ شَيْطَانًا وَجَانًّا عَلَى التَّشْبِيهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِنَّ الشَّمْسَ تَطْلُع بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطان
؛ قَالَ الحَرْبيُّ: هَذَا مَثَلٌ، يَقُولُ حينئذٍ يَتَحَرَّك الشَّيْطَانُ ويتَسلَّط فَيَكُونُ كالمُعِين لَهَا، قَالَ: وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ إِن الشَّيْطَانَ يَجْري مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ إِنما هُوَ مَثَلٌ أَي يَتَسَلَّطُ عَلَيْهِ فَيُوَسْوِسُ لَهُ، لَا أَنه يَدْخُلُ فِي جَوْفِهِ، وَالشَّيْطَانُ نُونُهُ أَصلية؛ قَالَ أُمية «2» . يَصِفُ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ، عَلَيْهِمَا السلام:
أَيُّمَا شاطِنٍ عَصاهُ عَكَاهُ، ... ثُمَّ يُلْقَى فِي السِّجْنِ والأَغْلالِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْآخَرِ:
أَكُلَّ يومٍ لَكَ شاطِنَانِ ... عَلَى إِزاءِ البِئْرِ مِلْهَزَانِ؟
وَيُقَالُ أَيضاً: إِنها زَائِدَةٌ، فإِن جَعَلَتْهُ فَيْعالًا مِنْ قَوْلِهِمْ تَشَيْطن الرَّجُلُ صَرَفْتَهُ، وإِن جَعَلَتْهُ مِنْ شَيَطَ لَمْ تَصْرِفْهُ لأَنه فَعْلان؛ وَفِي النِّهَايَةِ: إِن جَعَلْتَ نُونَ الشَّيْطَانِ أَصلية كَانَ مِنَ الشَّطْنِ البُعْدِ أَي بَعُدَ عَنِ الْخَيْرِ أَو مِنَ الْحَبْلِ الطَّوِيلِ كأَنه طَالَ فِي الشَّرِّ، وإِن جَعَلْتَهَا زَائِدَةً كَانَ مِنْ شاطَ يَشِيطُ إِذا هَلَك، أَو مِنِ اسْتَشاط غَضَباً إِذا احْتَدَّ فِي غَضَبِهِ والْتَهَبَ قَالَ: والأَول أَصح. وَقَالَ الخَطَّابي: قَوْلُهُ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ مِنْ أَلفاظ الشَّرْعِ الَّتِي أَكثرها يَنْفَرِدُ هُوَ بِمَعَانِيهَا، وَيَجِبُ عَلَيْنَا التَّصْدِيقُ بِهَا وَالْوُقُوفُ عِنْدَ الإِقرار بأَحكامها وَالْعَمَلُ بِهَا. وَفِي الْحَدِيثِ:
الراكبُ شيطانٌ وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ والثلاثةُ رَكْبٌ
؛ يَعْنِي أَن الانفرادَ والذهابَ فِي الأَرض عَلَى سَبِيلِ الوَحْدَة مِنْ فِعْلِ الشَّيْطَانِ أَو شيءٌ يَحْمِلُهُ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ، وَكَذَلِكَ الرَّاكِبَانِ، وَهُوَ حَثٌّ عَلَى اجْتِمَاعِ الرُّفْقَة فِي السَّفَرِ. وَرُوِيَ
عَنْ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنه قَالَ فِي رَجُلٍ سَافَرَ وَحْدَهُ: أَرأَيتم إِن مَاتَ مَنْ أَسأَل عَنْهُ؟
والشَّيْطانُ: مِنْ سِمَاتِ الإِبل، وَسْمٌ يَكُونُ فِي أَعلى الْوَرِكِ مُنْتَصِبًا عَلَى الْفَخِذِ إِلى العُرْقُوب مُلْتوياً؛ عَنِ ابْنِ حَبِيبٍ مِنْ تَذْكِرَةِ أَبي عَلِيٍّ. أَبو زَيْدٍ: مِنَ السمَات الفِرْتاجُ والصَّلِيبُ والشّجَارُ والمُشَيْطَنة. ابْنُ بَرِّيٍّ: وشَيْطان بْنِ الحَكَم بْنِ جاهِمَة الغَنَويّ؛ قَالَ طُفَيْلٌ:
وَقَدْ مَنَّتِ الخَذْواءُ مَنّاً عليهمُ، ... وشَيْطانُ إِذْ يَدْعُوهُم ويُثَوِّبُ
والخَذْواء: فَرَسُهُ. قَالَ ابْنُ بري: وجاهِمُ قبيلة، وخَثْعَمُ أَخْوالُها، وشيطانٌ فِي الْبَيْتِ مَصْرُوفٌ، قَالَ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَن شَيْطَانَ فَعْلانٌ، ونونه زائدة.
شعن: اشْعَنَّ الشِّعْرُ: انْتَفَشَ. واشْعانَّ اشْعِيناناً: تَفَرَّق، وَكَذَلِكَ مَشْعُونٌ؛ قَالَ:
وَلَا شَوَعٌ بخَدَّيْها، ... وَلَا مُشْعَنَّة قَهْدا
. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: رأَيت فُلَانًا مُشْعانَّ الرأْس إِذا رأَيته شَعِثاً مُنْتَفِشَ الرأْس مُغْبَرّاً أَشْعَث. وفي الحديث:
__________
(2) . قوله [قال أَمية] هو ابن أَبي الصلت، قال الصاغاني والرواية: والأكبال، والأَغلال في بيت بعده بسبعة عشر بيتاً في قوله: واتقى الله وهو في الأَغلال(13/239)
فَجَاءَ رَجُلٌ مُشْعانٌّ بِغَنَمٍ يسوقها
؛ هو المُنْتَفِش الشَّعَرِ الثَّائِرُ الرأْس. يُقَالُ: شَعَر مُشْعانّ وَرَجُلٌ مُشْعانٌّ ومُشْعانُّ الرأْس، وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ. وأَشْعَنَ الرجلُ إِذا ناصَى عدوَّه فاشْعانَّ شعرُه. والشَّعَنُ: مَا تَنَاثَرَ مِنْ وَرَقِ العُشْب بَعْدَ هَيْجِه ويُبْسِه، وَرَوَى
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَة: أَن رَجُلًا جَاءَ شَعِثاً مُشْعانَّ الرأْس فَقَالَ لَهُ: مَا لِي أَراك شَعِثاً؟ فَقَالَ: إِن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَهَى عَنِ الإِرْفاهِ
؛ قَالَ الرَّاوِي: قُلْتُ لِابْنِ بُرَيْدَةَ مَا الإِرْفاهُ؟ فَقَالَ: التَّرَجُّل كل يوم.
شغن: الشُّغْنة: الْحَالُ، وَهِيَ الَّتِي يُسَمِّيهَا الناسُ الكارَةَ. وشُغْنَةُ القَصّار: كارَتُه وَمَا يَجْمَعُهُ مِنَ الثِّيَابِ. والشُّغْنَة: الغُصْنُ الرَّطْبُ، وَجَمْعُهَا شُغَنٌ.
شغزن: رُبَاعِيٌّ. الأَزهري: أَبو سَعِيدٍ يُقَالُ شَغْزَبَ الرجلَ وشَغْزَنه بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ إِذا أَخذه العُقَّيْلى.
شفن: شَفَنَه يَشْفِنه، بِالْكَسْرِ، شَفْناً وشُفُوناً وشَفِنَه يَشْفَنه شَفْناً، كِلَاهُمَا: نَظَرَ إِليه بمُؤْخِرِ عَيْنَيْهِ بِغْضَةً أَو تَعَجُّبًا، وَقِيلَ: نَظَرَهُ نَظَرًا فِيهِ اعْتِرَاضٌ. الْكِسَائِيُّ: شَفِنْتُ إِلى الشَّيْءِ وشَنِفْت إِذا نَظَرْتَ إِليه؛ قَالَ الأَخطل:
وإِذا شَفَنَّ إِلى الطريقِ رأَيْنَه ... لَهِقاً، كشاكِلَةِ الحصانِ الأَبْلَقِ
وَفِي حَدِيثِ
مُجالد بْنِ مَسْعُودٍ: أَنه نَظَرَ إِلى الأَسوَدِ بْنِ سُرَيْعٍ يَقُصُّ فِي ناحيةِ الْمَسْجِدِ فشَفَنَ الناسُ إِليهم
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: قَالَ أَبو زيد الشَّفْنُ أَن يرفع الإِنسان طرفه ناظرا إِلى الشيءِ كالمتعجب منه أَو كالكاره لَهُ أَو المُبْغِضِ، وَمِثْلُهُ شنِفَ. وَفِي رِوَايَةُ أَبي عُبَيْدٍ عَنْ مُجالِدٍ: رأَيتكم صَنَعْتُمْ شَيْئُا فشَفَنَ الناسُ إِليكم فإِياكم وَمَا أَنكر الْمُسْلِمُونَ. أَبو سَعِيدٍ: الشَّفْنُ النَّظَرُ بمُؤْخِرِ الْعَيْنِ، وَهُوَ شافِنٌ وشَفُون؛ وأَنشد الْجَوْهَرِيُّ للقَطَاميّ:
يُسارِقْنَ الكلامَ إِليَّ لَمّا ... حَسِسْنَ حِذَارَ مُرتَقِبٍ شَفُونِ
قَالَ: وَهُوَ الغَيُور. ابْنُ السِّكِّيتِ: شَفِنْت إِليه وشَنِفْت بِمَعْنًى، وَهُوَ نَظَرٌ فِي اعْتِرَاضٍ؛ وَقَالَ رُؤْبَةُ:
يَقْتُلْنَ، بالأَطرافِ والجُفُونِ، ... كُلَّ فَتًى مُرْتَقِبٍ شَفُونِ
ونَظَرٌ شَفُونٌ وَرَجُلٌ شَفُون وشُفَنٌ؛ وَقَالَ جَنْدَل بْنُ المُثَنَّى الْحَارِثِيُّ:
ذِي خُنْزُواناتٍ ولَمَّاحٍ شُفَنْ
وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ: ولَمَّاحٍ شُفا؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَدري مَا هَذَا. والشَّفُونُ: الغَيُور الَّذِي لَا يَفْتُر طَرَفُهُ عَنِ النَّظَرِ مِنْ شِدَّة الغَيْرة والحَذَرِ. والشَّفْنُ والشَّفِنُ: الكَيِّسُ الْعَاقِلُ. والشَّفْنُ: البُغْض. والشَّفَّانُ: القُرُّ والمَطر؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
ولَيْلَةٍ شَفَّانُها عَرِيُّ، ... تُحَجِّرُ الكلبَ لَهُ صَئِيُ
وَقَالَ آخَرُ:
فِي كِناسٍ ظاهرٍ يَسْتُره، ... مِنْ عَلُ الشَّفَّان، هُدَّابُ الفَنَنْ
. والشَّفْنُ: رَقُوبُ الْمِيرَاثِ «1» . أَبو عَمْرٍو: الشَّفْنُ الِانْتِظَارُ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
الْحَسَنِ: تَموتُ وتَتْرُكُ مَالَكَ للشَّافِنِ
أَي لِلَّذِي يَنْتَظِرُ مَوْتَكَ، اسْتَعَارَ النَّظَرَ لِلِانْتِظَارِ كَمَا اسْتَعْمَلَ فِيهِ النَّظَرَ، وَيَجُوزُ أَن يُرِيدَ بِهِ العَدُوّ لأَن الشُّفُون نَظَرُ المُبْغِضِ.
شفتن: ابْنُ الأَعرابي: أَرَّ فلانٌ إِذا شَفْتَنَ وآرَ إِذا شَفْتَنَ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: كأَن مَعْنَى شَفْتَنَ إِذا نَاكَحَ وَجَامَعَ مِثْلُ أَرَّ وآرَ. قَالَ ابْنُ بري: الشَّفْتَنة
__________
(1) . قوله [رقوب الميراث] عبارة غيره: رقيب الميراث(13/240)
يُكْنى بِهَا عَنِ النِّكَاحِ. قَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: سأَل الأَحْدَبُ المؤدِّبُ أَبا عُمَرَ الزَّاهِدَ عَنِ الشَّفْتَنة فَقَالَ: هِيَ عَفْجُك الصبيانَ فِي الكُتَّاب.
شقن: الأَزهري فِي تَرْجَمَةِ زله: أَنشد:
وَقَدْ زَلِهَتْ نَفْسي مِنَ الجَهدِ، وَالَّذِي ... أُطالِبُه شَقْنٌ، وَلَكِنَّهُ نَذْلُ
قَالَ: الشَّقْنُ القليل الوَتْحُ [الوَتِحُ] مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. وَشَيْءٌ شَقْنٌ وشَقِنٌ وشَقِين: قَلِيلٌ. الْكِسَائِيُّ: قَلِيلٌ شَقْنٌ ووَتِحٌ [وَتْحٌ] وبَيّنُ الشُّقُونة والوُتُوحةِ، وَقَدْ قَلَّتْ عطيتُه وشَقُنَتْ، بِالضَّمِّ، شُقُونة وأَشْقَنْتُها وشَقَنْتها أَنا شَقْناً وأَشْقَنَ الرجلُ: قَلَّ مَالُهُ. وَقَلِيلٌ شَقْنٌ: إِتباعٌ لَهُ مِثْلُ وَتْحٍ وَعْرٍ، وَهِيَ الشُّقُونة؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ لَا وَجْهَ للإِتباع فِي شَقْن لأَن لَهُ مَعْنًى مَعْرُوفًا فِي حَالِ انْفِرَادِهِ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
قَدْ دَلِهَتْ نَفْسِي مِنَ الشَّقْنِ.
شكن: انْشَكَنَ: تَعامَسَ وَتَجَاهَلَ؛ قَالَ الأَصمعي: وَلَا أَحسبه عربيّاً.
شنن: الشَّنُّ والشَّنَّةُ: الخَلَقُ مِنْ كُلِّ آنِيَةٍ صُنِعَتْ مِنْ جِلْدٍ، وَجَمْعُهَا شِنَانٌ. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: قِرْبةٌ أَشْنانٌ، كأَنهم جَعَلُوا كُلَّ جُزْءٍ مِنْهَا شَنًّا ثُمَّ جَمَعُوا عَلَى هَذَا، قَالَ: وَلَمْ أَسمع أَشْناناً فِي جَمْعِ شنٍّ إِلّا هُنا. وتَشَنَّنَ السّقَاءُ واشْتَنَّ واسْتَشَنَّ: أَخلَق. والشَّنُّ: الْقِرْبَةُ الخَلَق، والشَّنَّةُ أَيضاً، وكأَنها صَغِيرَةٌ، وَالْجَمْعُ الشِّنانُ. وَفِي الْمَثَلِ: لَا يُقَعْقَعُ لِي بالشِّنان؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
كأَنك مِنْ جمالِ بَني أُقَيْش، ... يُقَعْقَعُ خَلْفَ رِجْلَيه بشَنِ
. وتَشَنَّنَتِ القربةُ وتَشَانَّتْ: أَخْلَقَتْ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه أَمر بِالْمَاءِ فقُرِّسَ فِي الشِّنَانِ
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: يَعْنِي الأَسْقِية والقِرَبَ الخُلْقانَ. وَيُقَالُ لِلسِّقَاءِ شَنٌّ وَلِلْقِرْبَةِ شَنٌّ، وإِنما ذُكِرَ الشِّنَانَ دُونَ الجُدُدِ لأَنها أَشَدُّ تَبْرِيدًا لِلْمَاءِ مِنَ الجُدُدِ. وَفِي حَدِيثِ قِيَامِ اللَّيْلِ:
فَقَامَ إِلى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ
أَي قِرْبَةٍ؛ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ:
هَلْ عِنْدَكُمْ ماءٌ بَاتَ فِي شَنَّةٍ؟
وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ مَسْعُودٍ أَنه ذَكَرَ الْقُرْآنَ فَقَالَ: لَا يَتْفَهُ وَلَا يَتَشَانُ
؛ مَعْنَاهُ أَنه لَا يَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ الْقِرَاءَةِ والتَّرْداد. وَقَدِ اسْتَشَنَّ السقاءُ وشَنَّنَ إِذا صارَ خَلَقاً «2» . وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: إِذا اسْتَشَنّ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللَّهِ فابْلُلْه بالإِحسان إِلى عِبَادِهِ
، أَي إِذا أَخْلَقَ. وَيُقَالُ: شَنَّ الجَمَلُ مِنَ العَطش يَشِنُّ إِذا يَبِس. وشَنَّتِ القربةُ تَشِنُّ إِذا يَبِسَت. وَحَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ عَنِ ابْنِ خَالَوَيْهِ قَالَ: يُقَالُ رَفَع فلانٌ الشَّنَّ إِذا اعْتَمَدَ عَلَى رَاحَتِهِ عِنْدَ الْقِيَامِ، وعَجَنَ وخبَزَ إِذا كرَره. والتَّشَنُّن: التَّشَنُّجُ واليُبْسُ فِي جِلْدِ الإِنسان عِنْدَ الهَرَم؛ وأَنشد لرُؤْبة:
وانْعاجَ عُودِي كالشَّظِيفِ الأَخْشَنِ، ... بَعْدَ اقْوِرارِ الجِلْدِ والتَّشَنُّنِ
. وَهَذَا الرَّجَزُ أَنشده الْجَوْهَرِيُّ: عِنْدَ اقْوِرارِ الجِلْدِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَصَوَابُهُ بَعْدَ اقْوِرَارٍ، كَمَا أَوردناه عَنْ غَيْرِهِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلِ أَبي حَيَّةَ النُّمَيْرِيّ:
هُرِيقَ شَبابي واسْتَشَنَّ أَدِيمي.
وتشَانَّ الْجِلْدُ: يَبِسَ وتَشَنَّجَ وَلَيْسَ بخَلَقٍ. ومَرَةٌ شَنَّةٌ: خَلَا مِنْ سِنِّها؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، أَرادَ ذَهَبَ مِنْ عُمْرِهَا كَثِيرٌ فبَلِيَتْ، وَقِيلَ: هي
__________
(2) . قوله [وَشَنَّنَ إِذا صَارَ خَلَقًا] كذا بالأَصل والتهذيب والتكملة وفي القاموس: وتشنن(13/241)
الْعَجُوزُ المُسِنَّة الْبَالِيَةُ. وَقَوْسٌ شَنَّة: قَدِيمَةٌ؛ عَنْهُ أَيضاً؛ وأَنشد:
فَلَا صَرِيخَ اليَوْمَ إِلا هُنَّهْ، ... مَعابِلٌ خُوصٌ وقَوْسٌ شَنَّهْ
. والشَّنُّ: الضَّعْفُ، وأَصله مِنْ ذَلِكَ. وتَشَنَّنَ جِلْدُ الإِنسان: تَغَضَّنَ عِنْدَ الهَرَم. والشَّنُونُ: الْمَهْزُولُ مِنَ الدَّوَابِّ، وَقِيلَ: الَّذِي لَيْسَ بِمَهْزُولٍ وَلَا سَمِينٍ، وَقِيلَ: السَّمِينُ، وَخَصَّ بِهِ الْجَوْهَرِيُّ الإِبل. وَذِئْبٌ شَنُونٌ: جَائِعٌ؛ قَالَ الطِّرِمَّاح:
يَظَلُّ غُرابُها ضَرِماً شَذَاه، ... شَجٍ بخُصُومةِ الذئبِ الشَّنُونِ
. وَفِي الصِّحَاحِ: الْجَائِعُ لأَنه لَا يُوصَفُ بالسِّمَن والهُزال؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَشَاهِدُ الشَّنُونِ مِنَ الإِبل قَوْلُ زُهَيْرٍ:
مِنْهَا الشَّنُونُ وَمِنْهَا الزاهِقُ الزَّهِمُ
. ورأَيت هُنَا حَاشِيَةً: إِن زُهَيْرًا وَصَفَ بِهَذَا الْبَيْتِ خَيْلًا لَا إِبلًا؛ وَقَالَ أَبو خَيْرَة: إِنما قِيلَ لَهُ شَنُون لأَنه قَدْ ذَهَبَ بعضُ سِمَنِه، فَقَدِ اسْتَشَنَّ كَمَا تَسْتَشِنُّ الْقِرْبَةُ. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ وَالْبَعِيرِ إِذا هُزِلَ: قَدِ اسْتَشَنَّ. اللِّحْيَانِيُّ: مَهْزُول ثُمَّ مُنْقٍ إِذا سَمِنَ قَلِيلًا، ثُمَّ شَنُون ثُمَّ سَمِين ثُمَّ ساحٌّ ثُمَّ مُتَرَطِّم إِذا انْتَهَى سِمَناً. والشَّنِينُ والتَّشْنِينُ والتَّشْنانُ: قَطَرانُ الْمَاءِ مِنَ الشَّنَّةِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ؛ وأَنشد:
يَا مَنْ لدَمْعٍ دائِم الشَّنِين
. وَقَالَ الشَّاعِرُ فِي التَّشْنَانِ:
عَيْنَيَّ جُودا بالدُّموعِ التوائِم ... سِجاماً، كتَشْنانِ الشِّنانِ الهَزائم
. وشَنَّ الماءَ عَلَى شَرَابِهِ يَشُنُّه شَنّاً: صَبَّه صَبّاً وَفَرَّقَهُ، وَقِيلَ: هُوَ صَبٌّ شَبِيهٌ بالنَّضْحِ. وسَنَّ الماءَ عَلَى وَجْهِهِ أَي صَبَّهُ عَلَيْهِ صَبًّا سَهْلًا. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِذا حُمَّ أَحدُكم فَلْيَشُنَّ عَلَيْهِ الماءَ فَلْيَرُشَّه عَلَيْهِ رَشّاً مُتَفَرِّقًا
؛ الشَّنُّ: الصَّبُّ المُتَقَطِّع، والسَّنُّ: الصَّبُّ الْمُتَّصِلُ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
ابْنِ عُمَرَ: كَانَ يَسُنُّ الماءَ عَلَى وَجْهِهِ وَلَا يَشُنُّه
أَي يُجْرِيه عَلَيْهِ وَلَا يُفَرِّقه. وَفِي حَدِيثِ بَوْلِ الأَعرابي فِي الْمَسْجِدِ:
فَدَعَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فشَنَّه عَلَيْهِ
أَي صَبَّهَا، وَيُرْوَى بِالسِّينِ. وَفِي حَدِيثِ
رُقَيْقَةَ: فلْيَشُنُّوا الماءَ ولْيَمَسُّوا الطيبَ.
وعَلَقٌ شَنِينٌ: مَصْبُوبٌ؛ قَالَ عَبْدُ مَنَافِ بْنُ رِبْعِيٍّ الْهُذَلِيُّ:
وإِنَّ، بعُقْدَةِ الأَنصابِ مِنْكُمْ، ... غُلاماً خَرَّ فِي عَلَقٍ شَنِينِ
وشَنَّتِ العينُ دَمْعَها كَذَلِكَ. والشَّنِينُ: اللَّبَنُ يُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ، حَليباً كَانَ أَو حَقِيناً. وشَنَّ عَلَيْهِ دِرْعَه يَشُنُّها شَنّاً: صَبَّهَا، وَلَا يُقَالُ سَنّها. وشَنَّ عَلَيْهِمُ الغارةَ يَشُنُّها شَنّاً وأَشَنَّ: صَبَّها وبَثَّها وفَرَّقها مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ قَالَتْ لَيْلَى الأَخْيَلِيَّة:
شَنَنّا عَلَيْهِمْ كُلَّ جَرْداءَ شَطْبَةٍ ... لَجُوجٍ تُبارِي كلَّ أَجْرَدَ شَرْحَبِ
وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه أَمره أَن يَشُنَّ الغارَةَ عَلَى بَنِي المُلَوِّحِ
أَي يُفَرِّقَها عَلَيْهِمْ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهِمْ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ: اتَّخَذْتُموه وراءَكم ظِهْرِيّاً حَتَّى شُنَّت عَلَيْكُمُ الغاراتُ.
وَفِي الْجَبِينِ الشَّانَّانِ: وَهُمَا عِرْقَانِ يَنْحَدِرَانِ مِنَ الرأْس إِلى الْحَاجِبَيْنِ ثُمَّ إِلى الْعَيْنَيْنِ؛ وَرَوَى الأَزهري بِسَنَدِهِ عَنْ أَبي عَمْرٍو قَالَ: هُمَا الشَّأْنَانِ، بِالْهَمْزِ، وَهُمَا عِرْقَانِ؛ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ:
كأَنَّ شَأْنَيْهِما شَعِيبُ
والشَّانَّةُ مِنَ الْمَسَايِلِ: كالرَّحَبَةِ، وَقِيلَ: هِيَ مَدْفَعُ الْوَادِي الصَّغِيرِ. أَبو عَمْرٍو: الشَّوَانُّ مِنْ مَسايل الْجِبَالِ الَّتِي تَصُبُّ فِي الأَوْدِيةِ مِنَ الْمَكَانِ الْغَلِيظِ، وَاحِدَتُهَا(13/242)
شانَّة. والشُّنانُ: الْمَاءُ الْبَارِدُ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
بماءٍ شُنانٍ زَعْزَعَتْ مَتْنَه الصَّبَا، ... وجادَتْ عَلَيْهِ دِيمةٌ بَعْدَ وابِلِ
. وَيُرْوَى: وَمَاءٌ شُنانٌ، وَهَذَا الْبَيْتُ اسْتُشْهِدَ بِهِ الْجَوْهَرِيُّ عَلَى قَوْلِهِ مَاءٌ شُنانٌ، بِالضَّمِّ، متفرِّق، وَالْمَاءُ الَّذِي يُقَطَّرُ مِنْ قِرْبَةٍ أَو شَجَرَةٍ شُنَانة أَيضاً. وَلَبَنٌ شَنينٌ: مَحْضٌ صُبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ بَارِدٌ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. أَبو عَمْرٍو: شَنَّ بسَلْحِه إِذا رَمَى بِهِ رَقِيقًا، والحُبَارَى تَشُنُّ بذَرْقِها؛ وأَنشد لمُدْرِك بْنِ حِصْن الأَسَدِيِّ:
فشَنَّ بالسَّلْح، فَلَمَّا شَنّا ... بَلَّ الذُّنابَى عَبَساً مُبِنَّا
. وشَنٌّ: قَبِيلَةٌ. وَفِي الْمَثَلِ: وافَقَ شَنٌّ طَبَقَه، وَفِي الصِّحَاحِ: وشَنٌّ حيٌّ مِنْ عَبْد القَيْس، وَمِنْهُمُ الأَعْوَرُ الشَّنِّيُّ؛ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: هُوَ شَنُّ بنُ أَفْصى بْنِ عَبْدِ القَيْس بْنِ أَفْصى بْنِ دُعْمِيّ بْنِ جَدِيلَةَ بْنِ أَسَدِ بْنُ رَبيعة بْنِ نِزارٍ، وطَبَقٌ: حيٌّ مِنْ إِياد، وَكَانَتْ شَنٌّ لَا يُقامُ لَهَا، فواقَعَتْها طَبَقٌ فانْتَصَفَتْ مِنْهَا، فَقِيلَ: وافَقَ شَنٌّ طَبَقَه، وافَقَه فاعْتَنَقَه؛ قَالَ:
لَقِيَتْ شَنٌّ إِياداً بالقَنَا ... طَبَقاً، وافَقَ شَنٌّ طَبَقهْ
. وَقِيلَ: شَنٌّ قَبِيلَةٌ كَانَتْ تُكْثِرُ الْغَارَاتِ، فَوَافَقَهُمْ طَبَقٌ مِنَ الناسِ فأَبارُوهم وأَبادُوهم، وَرُوِيَ عَنِ الأَصمعي: كَانَ لَهُمْ وِعَاءٌ مِنْ أَدَم فتَشَنَّن عَلَيْهِمْ فَجَعَلُوا لَهُ طَبَقاً فَوَافَقَهُ، فَقِيلَ: وَافَقَ شَنٌّ طَبَقَهُ. وشَنٌّ: اسْمُ رَجُلٍ. وَفِي الْمَثَلِ: يَحْملُ شَنٌّ ويُفَدَّى لُكَيْزٌ. والشِّنْشِنَة: الطَّبِيعَةُ والخَلِيقَة والسَّجِيَّة. وَفِي الْمَثَلَ: شِنْشِنَةٌ أَعْرِفُها مِنْ أَخْزَم. التَّهْذِيبُ: وَرُوِيَ عَنْ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنه قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي شَيْءٍ شاوَرَه فِيهِ فأَعجبه كَلَامُهُ فَقَالَ: نِشْنِشَة أَعْرِفُها مِنْ أَخْشَن
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: هَكَذَا حَدَّثَ بِهِ سُفْيان، وأَما أَهل الْعَرَبِيَّةِ فَيَقُولُونَ غَيْرَهُ. قَالَ الأَصمعي: إِنما هُوَ شِنْشِنَة أَعْرِفُها مِنْ أَخْزم، قَالَ: وَهَذَا بَيْتُ رَجَزٍ تَمَثَّلَ بِهِ لأَبي أَخْزَمَ الطَّائِيِّ وَهُوَ:
إِنَّ بَنِيَّ زَمَّلُوني بالدَّمِ، ... شِنْشِنَةٌ أَعْرِفُها مِنْ أَخْزَمِ،
مَنْ يَلْقَ آسادَ الرِّجالِ يُكْلَمِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: كَانَ أَخْزَمُ عَاقًّا لأَبيه، فَمَاتَ وَتَرَكَ بَنِينَ عَقُّوا جَدَّهم وَضَرَبُوهُ وأَدْمَوْه، فَقَالَ ذَلِكَ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: شِنْشِنة ونِشْنِشَة، والنِّشْنِشَة قَدْ تَكُونُ كالمُضْغَة أَو كالقطْعة تُقْطَعُ مِنَ اللَّحْمِ، وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: الشِّنْشِنةُ الطَّبِيعَةُ والسَّجِيَّةُ، فأَراد عُمَرُ إِني أَعرف فِيكَ مَشَابِهَ مِنْ أَبيك فِي رأْيِه وعَقْله وحَزْمه وذَكائه. وَيُقَالُ: إِنه لَمْ يَكُنْ لِقُرَشِيٍّ مثلُ رأْي الْعَبَّاسِ. والشِّنْشِنة: الْقِطْعَةُ مِنَ اللَّحْمِ. الْجَوْهَرِيُّ: والشَّنَان، بِالْفَتْحِ، لُغَةٌ فِي الشَّنَآنِ؛ قَالَ الأَحْوَصُ:
وَمَا العَيْشُ إِلا مَا تَلَذُّ وتَشْتَهي، ... وإِنْ لامَ فِيهِ ذُو الشَّنانِ وفَنَّدا
. التَّهْذِيبُ فِي تَرْجَمَةِ فَقَعَ: الشَّنْشَنَةُ والنَّشْنَشة حَرَكَةُ القِرْطاسِ وَالثَّوْبِ الْجَدِيدِ.
شهن: الشاهِينُ: مِنْ سِبَاعِ الطَّيْرِ، لَيْسَ بِعَرَبِيٍّ مَحْضٍ.
شون: التَّهْذِيبُ: ابْنُ الأَعرابي: التَّوَشُّن قِلَّةُ الْمَاءِ، والتَّشَوُّن خِفَّةُ الْعَقْلِ، قَالَ: والشَّوْنة المرأَة الحمقاء «1»
__________
(1) . قوله [والشونة المرأَة الحمقاء] وأَيضاً مخزن الغلة والمركب المعد للجهاد في الحرب كما في القاموس(13/243)
وَقَالَ ابْنُ بُزُرْج: قَالَ الْكِلَابِيُّ كَانَ فِينَا رَجُلٌ يَشُون الرؤوس، يريد يَفْرِجُ شُؤُونَ الرأْس ويُخْرِجُ مِنْهَا دَابَّةً تَكُونُ عَلَى الدِّمَاغِ؛ فَتَرَكَ الْهَمْزَ وأَخرجه عَلَى حَدٍّ يَقُولُ كَقَوْلِهِ:
قُلْتُ لِرجْلَيَّ اعْمَلا ودُوبَا
فأَخرجها مِنْ دَأَبْتُ إِلى دُبْتُ، كَذَلِكَ أَراد الآخر شُنْتُ.
شين: الشَّيْنُ: مَعْرُوفٌ خِلَافُ الزَّيْن، وَقَدْ شانَهُ يَشِينُه شَيْناً. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ وَجْهُ فُلَانٍ زَيْنٌ أَي حَسَنٌ ذُو زَيْنٍ، وَوَجْهُ فُلَانٍ شَيْنٌ أَي قَبِيحٌ ذُو شَيْنٍ. الْفَرَّاءُ: العَيْنُ والشَّيْنُ والشَّنَارُ العَيْبُ، والمَشَاين المَعايب والمَقابح، وَقَوْلُ لَبِيدٍ:
نَشِينُ صِحاحَ البِيدِ كلَّ عَشِيَّةٍ ... بعُوجِ السَّراءِ، عِنْدَ بابٍ مُحَجَّبِ
يُرِيدُ أَنهم يَتَفَاخَرُونَ ويخطوُّن بقِسيِّهم عَلَى الأَرض فكأَنهم شَانُوهَا بِتِلْكَ الْخُطُوطِ. وَفِي حَدِيثِ
أَنس يَصِفُ شَعْرَ النبي، صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ: مَا شَانَهُ اللَّهُ ببَيْضاءَ
، الشَّيْنُ: العيبُ، قَالَ ابْنُ الأَثير: جَعَلَ الشَّيْبَ هاهنا عَيْبًا، وَلَيْسَ بِعَيْبٍ، فإِنه قَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ:
أَنه وَقار وأَنه نُورٌ
، قَالَ: وَوَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَنه، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم، لَمَّا رأَى أَبا قُحافَة ورأْسه كالثَّغَامة أَمرهم بِتَغْيِيرِهِ وَكُرْهِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ غَيِّرُوا الشَّيْبَ، فَلَمَّا عَلِمَ أَنس ذَلِكَ مِنْ عَادَتِهِ قَالَ: مَا شَانَهُ اللَّه بِبَيْضَاءَ، بِنَاءً عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَحَمْلًا لَهُ عَلَى هَذَا الرأْي، وَلَمْ يَسْمَعِ الْحَدِيثَ الْآخَرَ، قَالَ: وَلَعَلَّ أَحدهما نَاسِخٌ لِلْآخَرِ. والشِّين: حَرْفُ هِجَاءٍ مِنْ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ، وَهُوَ حَرْفٌ مَهْمُوسٌ يَكُونُ أَصلًا لَا غَيْرُ. وشَيَّنَ شِيناً: عَمِلَها، عَنْ ثَعْلَبٍ. التَّهْذِيبُ: وَقَدْ شَيَّنْتُ شِيناً حَسَنة.
فصل الصاد المهملة
صبن: صَبَنَ الرجلُ: خَبَأَ شَيْئًا كالدِّرْهم وَغَيْرِهِ فِي كَفِّهِ وَلَا يُفْطَنُ بِهِ. وصَبَنَ السَّاقِي الكأْسَ مِمَّنْ هُوَ أَحق بِهَا: صَرَفَها؛ وأَنشد لِعَمْرِو بْنِ كُلْثُومٍ:
صَبَنْتِ الكأْسَ عَنَّا، أُمَّ عمروٍ، ... وكانَ الكأْسُ مَجْراها اليَمِينا
. الأَصمعي: صَبَنْتَ عَنَّا الْهَدِيَّةَ، بِالصَّادِ، تَصْبِنُ صَبْناً، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَعْرُوفٍ بِمَعْنَى كَفَفْتَ، وَقِيلَ: هُوَ إِذا صَرَفْتَهُ إِلى غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ كَبَنْتَ وحَضَنْتَ؛ قَالَ الأَصمعي: تأْويلُ هَذَا الحرْف صرفُ الْهَدِيَّةِ أَو الْمَعْرُوفِ عَنْ جِيرَانِكَ وَمَعَارِفِكَ إِلى غَيْرِهِمْ. وصَبَنَ القِدْحَيْنِ يَصْبِنهما صَبْناً: سَوَّاهما فِي كَفِّهِ ثُمَّ ضَرَبَ بِهِمَا، وإِذا سَوَّى المُقامرُ الكَعبين فِي الْكَفِّ ثُمَّ ضَرَبَ بِهِمَا فَقَدْ صَبَنَ. يُقَالُ: أَجِلْ وَلَا تَصْبِنْ. ابْنُ الأَعرابي: الصَّبْناء كَفُّ المُقامِر إِذا أَمالها ليَغْدُرَ بِصَاحِبِهِ، يَقُولُ لَهُ شَيْخُ الْبَيْرِ «1» . وَهُوَ رَئِيسُ المُقامِرين: لَا تَصْبِنْ لَا تَصْبِنْ فَإِنَّهُ طَرَفٌ مِنَ الضَّغْو؛ قَالَ الأَزهري: لَا أَدري هُوَ الصَّغْو أَو الضَّغْو، قَالَ: وَقِيلَ إِن الضَّغْو مَعْرُوفٌ عِنْدَ المُقامرين، بِالضَّادِ، يُقَالُ: ضَغا إِذا لَمْ يَعْدِلْ. وَالصَّابُونُ: الَّذِي تُغْسَلُ بِهِ الثِّيَابُ مَعْرُوفٌ، قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: لَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ.
صتن: التَّهْذِيبِ: الأُمَوِيّ يُقَالُ لِلْبَخِيلِ الصُّوْتَنُ؛ قَالَ الأَزهري: لَا أَعرفه لِغَيْرِهِ، وَهُوَ بِكَسْرِ التَّاءِ أَشبه عَلَى فُعَلِلٍ، قَالَ: وَلَا أَعرف حَرْفًا عَلَى فُعَلَلٍ، والأُمَوِيّ صاحب نوادر.
صحن: الصَّحْنُ: ساحةُ وَسْطِ الدَّارِ، وساحةُ وَسْطِ الفَلاةِ وَنَحْوَهُمَا مِنْ مُتُون الأَرض وسَعَةِ بُطونِها،
__________
(1) . قوله [يَقُولُ لَهُ شَيْخُ الْبَيْرِ] كذا بالأَصل والتهذيب(13/244)
وَالْجَمْعُ صُحُون، لَا يُكَسَّرُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ؛ قَالَ:
ومَهْمَهٍ أَغْبَرَ ذِي صُحُونٍ
. والصَّحْنُ: الْمُسْتَوِي مِنَ الأَرض. والصَّحْنُ: صَحْنُ الْوَادِي، وَهُوَ سَنَدُه وَفِيهِ شَيْءٌ مِنْ إِشْرافٍ عَنِ الأَرض، يُشْرِفُ الأَوَّلَ فالأَوَّل كأَنه مُسْنَدٌ إِسْناداً، وصَحْنُ الجَبَل وصَحْنُ الأَكمة مِثْلُهُ. وصُحُونُ الأَرض: دُفُوفها، وَهُوَ مُنْجَرِدٌ يَسِيلُ، وإِن لَمْ يَكُنْ مُنْجَرِداً فَلَيْسَ بصَحْنٍ، وإِن كَانَ فِيهِ شَجَرٌ فَلَيْسَ بصَحْنٍ حَتَّى يَسْتَويَ، قَالَ: والأَرض المُستَوية أَيضاً مِثْلُ عَرْصَة المَرْبَد صَحْنٌ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الصَحْنُ والصَّرْحَة سَاحَةُ الدَّارِ وأَوسَعُها. والصَّحْنُ: شِبْهُ العُسِّ الْعَظِيمِ إِلا أَن فِيهِ عِرَضاً وقُرْبَ قَعْرٍ. يُقَالُ: صَحَنْتُه إِذا أَعطيته شَيْئًا فِيهِ. والصَّحْنُ: الْعَطِيَّةُ. يُقَالُ: صَحَنَه دِينَارًا أَي أَعطاه، وَقِيلَ: الصَّحْنُ القدَحُ لَا بِالْكَبِيرِ وَلَا بِالصَّغِيرِ؛ قَالَ عَمْرُو بْنُ كُلْثُومٍ:
أَلا هُبِّي بِصَحْنِكِ فاصْبَحِينا، ... وَلَا تُبْقِنَّ خَمْر الأَنْدَرِينَا
. وَيُرْوَى: وَلَا تُبْقي خُمورَ، وَالْجَمْعُ أَصْحُنٌ وصِحَان؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
مِنَ العِلابِ وَمِنَ الصِّحَانِ
. ابْنُ الأَعرابي: أَوَّل الأَقداحِ الغُمْرُ، وَهُوَ الَّذِي لَا يُرْوِي الواحدَ، ثُمَّ القَعْب يُرْوِي الرجلَ، ثُمَّ العُسُّ يُرْوِي الرَّفْدَ، ثُمَّ الصَّحْنُ، ثُمَّ التِّبْنُ. والصَّحْنُ: باطِنُ الْحَافِرِ. وصَحْنُ الأُذُن: دَاخِلُهَا، وَقِيلَ: مَحارَتُها. وصَحْنا أُذُني الْفَرَسِ: مُتَّسَعُ مُسْتَقَرِّ دَاخِلِهِمَا، وَالْجَمْعُ أَصْحان. والمِصْحَنَة: إِناء نَحْوَ القَصْعة. وتَصَحَّنَ السائلُ الناسَ: سأَلهم فِي قَصْعَةٍ وَغَيْرِهَا. قَالَ أَبو زَيْدٍ: خَرَجَ فُلَانٌ يَتَصَحَّنُ الناسَ أَي يسأَلهم، وَلَمْ يَقُلْ فِي قَصْعَةٍ وَلَا فِي غَيْرِهَا. وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: الصَّحْنُ الضَّرْبُ. يُقَالُ: صَحَنَه عِشْرِينَ سَوْطاً أَي ضَرَبَهُ. وصَحَنْتُه صَحَناتٍ أَي ضَرْبَتُهُ. الأَصمعي: الصَّحْنُ الرَّمْحُ، يُقَالُ: صَحَنَه بِرِجْلِهِ إِذا رمَحَه بِهَا؛ وأَنشد قَوْلَهُ يَصِفُ عَيراً وأَتانه:
قَوْداءُ لَا تَضْغَنُ أَو ضَغُونُ، ... مُلِحَّةٌ لِنَحْرِه صَحُونُ
. يَقُولُ: كُلَّمَا دَنَا الْحِمَارُ مِنْهَا صَحَنَتْه أَي رَمَحَتْه. وَنَاقَةٌ صَحُون أَي رَمُوح. وصَحَنَتْه الفرسُ صَحْناً: رَكَضَتْه بِرِجْلِهَا. وَفَرَسٌ صَحُون: رَامِحَةٌ. وأَتانٌ صَحُون: فِيهَا بَيَاضٌ وَحُمْرَةٌ. والصَّحْنُ: طُسَيْتٌ، وَهُمَا صَحْنانِ يُضْرَبُ أَحدهما عَلَى الْآخَرِ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
سامرَني أَصْواتُ صَنْجٍ مُلْمِيَهْ، ... وصَوْتُ صَحْنَي قَيْنَةٍ مُغَنِّيَهْ
وصَحَنَ بَيْنَ القومِ صَحْناً: أَصلح. والصَّحْنَة، بِسُكُونِ الْحَاءِ: خَرَزَةٌ تُؤَخِّذُ بِهَا النساءُ الرِّجَالَ. اللِّحْيَانِيُّ: والصِّحْناءُ، بِالْكَسْرِ، إِدام يُتَّخذُ مِنَ السُّمْكِ، يُمَدُّ وَيُقْصَرُ، والصِّحْناةُ أَخص مِنْهُ. وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: الصِّحْنا والصِّحْناةُ الصِّيرُ. الأَزهري: الصِّحْناةُ، بِوَزْنِ فِعْلاة، إِذا ذَهَبَتْ عَنْهَا الْهَاءُ دَخَلَهَا التَّنْوِينُ، وَتُجْمَعُ عَلَى الصِّحْنَا، بِطَرْحِ الْهَاءِ. وَحُكِيَ عَنْ أَبي زَيْدٍ: الصِّحْناة فَارِسِيَّةٌ وَتُسَمِّيهَا العربُ الصِّيرَ، قَالَ: وسأَل رَجُلٌ الْحَسَنَ عَنِ الصَّحْنَاةِ فَقَالَ: وَهَلْ يأْكل الْمُسْلِمُونَ الصِّحْناةَ؟ قَالَ: وَلَمْ يَعْرِفْهَا الْحَسَنُ لأَنها فَارِسِيَّةٌ، وَلَوْ سأَله عَنِ الصِّيرِ لأَجابه. وأَورد ابْنُ الأَثير هَذَا الْفَصْلَ وَقَالَ فِيهِ: الصِّحْناةُ هِيَ الَّتِي يُقَالُ لَهَا الصِّيرُ، قَالَ: وَكِلَا اللَّفْظَيْنِ غَيْرُ عَرَبِيٍّ.(13/245)
صخن: مَاءٌ صُخْنٌ: لُغَةٌ في سُخْن مضارعة.
صخدن: الصَّيْخَدُونُ: الصُّلْبة.
صدن: الصَّيْدَن: الثَّعْلَبُ، وَقِيلَ: مِنْ أَسماء الثَّعَالِبِ؛ وأَنشد الأَعشى يَصِفُ جَمَلًا:
وزَوْراً تَرَى فِي مِرْفَقَيْه تَجانُفاً ... نَبيلًا، كدُوكِ الصَّيْدَنانيِّ، تامِكا
. أَي عَظِيمُ السَّنَامِ. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: أَراد بالصَّيدَنانِيّ الثَّعْلَبَ، وَقَالَ كُثَيِّرٌ فِي مِثْلِهِ يَصِفُ نَاقَةً:
كأَنَّ خَليفَيْ زَوْرِها ورَحَاهما ... بُنَى مَكَوَيْنِ ثُلِّمَا بَعْدَ صَيْدَنِ «2»
. فالصَّيْدَنُ والصَّيْدَنانيّ وَاحِدٌ. وأَورد الْجَوْهَرِيُّ هَذَا الْبَيْتَ، بَيْتَ كُثَيِّرٍ، شَاهِدًا عَلَى الصَّيْدَن دُوَيْبَّةٍ تَعْمَلُ لِنَفْسِهَا بَيْتًا فِي الأَرض وتُعَمّيه. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الصَّيْدَنُ هُنَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ الثَّعْلَبُ كَمَا أَوردناه عَنِ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: لَمْ يَجِئِ الصَّيْدَنُ إِلا فِي شِعْرٍ كَثِيرٍ يَعْنِي فِي هَذَا الْبَيْتِ. قَالَ الأَصمعي: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. قَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: والصّيْدَنُ أَيضاً نَوْعٌ مِنَ الذُّباب يُطَنْطِنُ فَوْقَ العُشْب. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: والصَّيْدَنُ الْبَنَّاءُ المُحْكَم، قَالَ: وَمِنْهُ سُمِّي المَلِك صَيْدناً لإِحكامه أَمره. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: والصَّيْدَنُ الْعَطَّارُ؛ وأَنشد بَيْتَ الأَعشى:
كدُوِك الصَّيْدنانيّ دَامِكا
وَقَالَ عَبْدُ بَنِي الحَسْحاس فِي صِفَةِ ثَوْرٍ:
يُنَحِّي تُراباً عَنْ مَبِيتٍ ومَكْنِسٍ ... رُكاماً، كبيتِ الصَّيْدنانيِّ، دَانِيَا
. والدُّوكُ والمِدْوَكُ: حَجَرٌ يُدَقُّ بِهِ الطِّيبُ. وَفِي الْمُحْكَمِ: والصَّيْدَنُ الْبِنَاءُ الْمُحْكَمُ وَالثَّوْبُ الْمُحْكَمُ. والصَّيْدَن: الكِسَاء الصَّفيق، لَيْسَ بِذَلِكَ الْعَظِيمِ، وَلَكِنَّهُ وَثِيقُ العَمَل. والصَّيْدَنُ والصَّيْدنانِيُّ والصَّيْدَلانِيُّ: المَلِكُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لإِحكام أَمره؛ قَالَ رُؤبة:
إِني إِذا اسْتَغْلَقَ بابُ الصَّيْدَنِ، ... لَمْ أَنْسَهُ إِذ قُلْتَ يَوْمًا وصِّني
. وَقَالَ حُمَيْد بْنُ ثَوْرٍ يَصِفُ صَائِدًا وَبَيْتَهُ:
ظَلِيل كبيتِ الصَّيْدَنانِيِّ، قُضْبُهُ ... مِنَ النَّبْعِ والضَّالِ السَّليمِ المُثَقَّفِ
. والصَّيْدَناني: دَابَّةٌ تَعْمَلُ لِنَفْسِهَا بَيْتًا فِي جَوْفِ الأَرض وتُعَمِّيه أَي تُغَطِّيهِ، وَيُقَالُ لَهُ الصَّيْدَنُ أَيضاً. ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ لِدَابَّةٍ كَثِيرَةِ الأَرجل لَا تُعَدُّ أَرْجُلُها مِنْ كَثْرَتِهَا وَهِيَ قِصار وطِوالٌ صَيْدَنانيّ، وَبِهِ شُبِّه الصَّيْدَنانِيّ لِكَثْرَةِ مَا عِنْدَهُ مِنَ الأَدوية. وَقَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: الصَّيْدَنُ دُوَيْبَّة تَجْمَعُ عِيدَاناً مِنَ النَّبَاتِ فَشُبِّهَ بِهِ الصَّيْدَنانيّ لِجَمْعِهِ الْعَقَاقِيرَ. والصَّيْدانُ: قِطَعُ الْفِضَّةِ إِذا ضُرِبَ مِنْ حَجر الْفِضَّةِ، وَاحِدَتُهُ صَيْدَانة. والصَّيْدانَة: أَرض غَلِيظَةٌ صُلْبة ذَاتُ حَجَرٍ دَقِيقٍ. والصَّيْدانُ: بِرامُ الْحِجَارَةِ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
وسُود مِنَ الصَّيْدانِ فِيهَا مَذانِبٌ ... نُضَارٌ، إِذا لَمْ يَسْتفدْها نُعارُها
. والصَّيْدَانُ: الحَصَى الصِّغَارُ. وَحَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ عَنِ ابْنِ دُرُسْتَوَيْهِ قَالَ: الصَّيْدَنُ والصَّيْدَلُ حِجَارَةُ الْفِضَّةِ، شُبِّهَ بِهَا حِجَارَةُ الْعَقَاقِيرِ فَنُسِبَ إِليها الصَّيْدنانيّ والصَّيْدلانيُّ، وَهُوَ الْعَطَّارُ. والصَّيْدَانَةُ مِنَ النِّسَاءِ: السَّيِّئَةُ الخُلُق الْكَثِيرَةُ الْكَلَامِ. والصَّيدانة: الغُول؛ وأَنشد:
صَيْدَانَةٌ تُوقِدُ نارَ الجِنِ.
__________
(2) . قال الصاغاني: المكوان الحجران، وخليفاها إبطاها(13/246)
قَالَ الأَزهري: الصَّيْدانُ إِن جَعَلْتَهُ فَعْلاناً «1» . فَالنُّونُ زَائِدَةٌ كنُون السكران والسكرانة.
صعن: الصِّعْوَنُّ، بِكَسْرِ الصَّادِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ: الدَّقِيقُ العُنق الصَّغِيرُ الرأَس مِنْ أَيّ شَيْءٍ كَانَ، وَقَدْ غَلَبَ عَلَى النَّعَامِ، والأُنثى صِعْوَنَّة. وأَصْعَنَ الرجلُ إِذا صَغُر رأْسُه ونَقَصَ عَقْلُهُ. والاصْعِنانُ: الدِّقَّة واللَّطافة. وأُذُنٌ مُصَعَّنَة: لَطِيفَةٌ دَقيقة؛ قَالَ عَدي بْنُ زَيْدٍ:
لَهُ عُنُقٌ مثلُ جِذْعِ السَّحُوقْ، ... وأُذْنٌ مُصَعَّنَةٌ كالقَلَمْ
. وَفِي التَّهْذِيبِ:
والأُذْنُ مُصْعَنَّةٌ كالقَلَمْ.
صفن: الصَّفْنُ والصَّفَنُ والصَّفْنَة والصَّفَنَةُ: وِعاء الخُصْية. وَفِي الصِّحَاحِ: الصَّفَنُ، بِالتَّحْرِيكِ، جِلْدَةُ بَيْضَةِ الإِنسان، وَالْجَمْعُ أَصْفانٌ. وصَفَنَه يَصْفِنُه صَفْناً: شَقَّ صَفَنَه. والصُّفْنُ: كالسُّفْرة بَيْنَ العَيْبةِ والقِرْبة يَكُونُ فِيهَا الْمَتَاعُ، وَقِيلَ: الصُّفْنُ مِنْ أَدَم كالسُّفْرة لأَهل الْبَادِيَةِ يَجْعَلُونَ فِيهَا زَادَهُمْ، وَرُبَّمَا اسْتَقَوْا بِهِ الماءَ كالدَّلْوِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ أَبي دُواد:
هَرَقْتُ فِي حَوْضِه صُفْناً ليَشْرَبَه ... فِي داثِرٍ خَلَقِ الأَعْضادِ أَهْدامِ
. وَيُقَالُ: الصُّفْنُ هُنَا الْمَاءُ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَئِنْ بقيتُ لأُسَوِّيَنَّ بَيْنَ الناسِ حَتَّى يأْتِيَ الراعِيَ حقُّه فِي صُفْنِه لَمْ يَعْرَقْ فِيهِ جَبينُه
؛ أَبو عَمْرٍو: الصُّفْنُ، بِالضَّمِّ، خَرِيطَةٌ يَكُونُ لِلرَّاعِي فِيهَا طَعَامُهُ وزِنادُه وَمَا يَحْتَاجُ إِليه؛ قَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤَيَّة:
مَعَهُ سِقاءٌ لَا يُفَرِّطُ حَمْلَهُ ... صُفْنٌ، وأَخْراصٌ يَلُحْنَ، ومِسْأَبُ
وَقِيلَ: هِيَ السُّفْرة الَّتِي تُجْمَعُ بِالْخَيْطِ، وَتُضَمُّ صَادُهَا وَتُفْتَحُ؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ شَيْءٌ مِثْلُ الدَّلْوِ أَو الرَّكْوَة يتوضأُ فِيهِ؛ وأَنشد لأَبي صَخْرٍ الْهُذَلِيِّ يَصِفُ مَاءً ورَدَه:
فَخَضْخَضْتُ صُفْنِيَ فِي جَمِّهِ، ... خِياضَ المُدابِرِ قِدْحاً عَطُوفا
قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَيُمْكِنُ أَن يَكُونَ كَمَا قَالَ أَبو عَمْرٍو وَالْفَرَّاءُ جَمِيعًا أَن يُسْتَعْمَلَ الصُّفْنُ فِي هَذَا وَفِي هَذَا، قَالَ: وَسَمِعْتُ مَنْ يَقُولُ الصَّفْنُ، بِفَتْحِ الصَّادِ، والصَّفْنة أَيضاً بالتأْنيث. ابْنُ الأَعرابي: الصَّفْنَةُ، بِفَتْحِ الصَّادِ، هِيَ السُّفْرة الَّتِي تُجْمَع بِالْخَيْطِ؛ وَمِنْهُ يُقَالُ: صَفَنَ ثيابَه فِي سَرْجه إِذا جَمَعَهَا. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَوَّذَ عَلِيًّا حِينَ رَكبَ وصَفَنَ ثيابَه فِي سَرْجه
أَي جَمَعَهَا فِيهِ. أَبو عُبَيْدٍ: الصَّفْنَةُ كالعَيْبَة يَكُونُ فِيهَا مَتَاعُ الرَّجُلِ وأَداتُه، فإِذا طَرَحْتَ الْهَاءَ ضَمَمْتَ الصَّادَ وَقُلْتَ صُفْنٌ، والصُّفْنُ، بِضَمِّ الصَّادِ: الرَّكْوَةُ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: الْحَقْنِي بالصُّفْنِ
أَي بالرَّكْوَة. والصَّفَنُ: جِلْدُ الأُنثيين، بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالصَّادِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ جَرِيرٍ:
يَتْرُكْنَ أَصْفانَ الخُصَى جَلاجِلا
. والصَّفْنَةُ: دَلْوٌ صَغِيرَةٌ لَهَا حَلقة وَاحِدَةٌ، فإِذا عَظُمَتْ فَاسْمُهَا الصُّفْنُ، وَالْجَمْعُ أَصْفُنٌ؛ قَالَ:
غَمَرْتُها أَصْفُناً مِنْ آجِنٍ سُدُمٍ، ... كأَنَّ مَا ماصَ مِنْهُ فِي الفَمِ الصَّبِرُ
. عَدَّى غَمَرت إِلى مَفْعُولَيْنِ لأَنها بِمَعْنَى سَقَيْتُ. والصَّافِنُ: عِرْق يَنْغَمِسُ فِي الذِّراع فِي عَصَبِ الوَظِيفِ. والصَّافِنانِ: عِرْقَانِ فِي الرِّجْلَيْنِ، وَقِيلَ: شُعْبَتان فِي الْفَخِذَيْنِ. والصَّافِنُ: عِرْق فِي بَاطِنِ الصُّلْبِ طُولًا مُتَّصِلٌ بِهِ نِياطُ الْقَلْبِ، وَيُسَمَّى الأَكْحل.
__________
(1) . قوله [إِن جعلته فعلاناً إِلخ] عبارة الأَزهري: إِن جعلته فيعالًا فالنون أَصلية وإِن جعلته إِلخ(13/247)
غَيْرَهُ: وَيُسَمَّى الأَكحلُ مِنَ الْبَعِيرِ الصافنُ، وَقِيلَ: الأَكحلُ مِنَ الدَّوَابِّ الأَبْجَلُ. وَقَالَ أَبو الهيثم: الأَكْحَل والأَبْجَلُ والصافِنُ هِيَ الْعُرُوقُ الَّتِي تُفصد، وَهِيَ فِي الرِّجْلِ صافِنٌ، وَفِي الْيَدِ أَكْحَلُ. الْجَوْهَرِيُّ: الصَّافِنُ عِرْقُ السَّاقِ. ابْنُ شُمَيْلٍ: الصَّافِنُ عِرْقٌ ضَخْمٌ فِي بَاطِنِ السَّاقِ حَتَّى يَدْخُلَ الفخذَ، فَذَلِكَ الصافنُ. وصَفَنَ الطائرُ الحشيشَ والوَرَقَ يَصْفِنُه صَفْناً وصَفَّنَه: نَضَّدَه لِفراخه، والصَّفَنُ: مَا نَضَّدَه مِنْ ذَلِكَ. اللَّيْثُ: كُلُّ دَابَّةٍ وخَلْق شِبْه زُنْبُورٍ يُنَضِّدُ حولَ مَدْخَله ورَقاً أَو حَشِيشًا أَو نَحْوَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُبَيِّتُ فِي وَسَطِهِ بَيْتًا لِنَفْسِهِ أَو لِفراخه فَذَلِكَ الصَّفَنُ، وَفِعْلُهُ التَّصْفِينُ. وصَفَنَتِ الدابةُ تَصْفِنُ صُفُوناً: قَامَتْ عَلَى ثلاثٍ وثَنَتْ سُنْبُكَ يدِها الرابعَ. أَبو زَيْدٍ: صَفَنَ الفرسُ إِذا قَامَ عَلَى طُرَفِ الرَّابِعَةِ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ.
وصَفَنَ يَصْفِنُ صُفُوناً: صَفَّ قَدَمَيْهِ. وَخَيْلٌ صُفُونٌ: كَقَاعِدٍ وقُعُود؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي فِي صِفَةِ فَرَسٍ:
أَلِفَ الصُّفُونَ، فَلَا يَزالُ كأَنه ... مِمَّا يَقُومُ عَلَى الثلاثِ كَسِيرَا
قَوْلُهُ: مِمَّا يَقُومُ، لَمْ يُرِدْ مِنْ قِيَامِهِ وإِنما أَراد مِنَ الْجِنْسِ الَّذِي يَقُومُ عَلَى الثَّلَاثِ، وَجَعَلَ كَسِيرًا حَالًا مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ الزَّمِنِ لَا مِنَ الْفَرَسِ الْمَذْكُورِ فِي أَول الْبَيْتِ؛ قَالَ الشَّيْخُ: جَعَلَ مَا اسْمًا مَنْكُورًا. أَبو عَمْرٍو: صَفَنَ الرجلُ بِرِجْلِهِ وبَيْقَرَ بِيَدِهِ إِذا قَامَ عَلَى طَرَفِ حَافِرِهِ. وَمِنْهُ حَدِيثِ
البَرَاءِ بْنِ عازِبٍ: كُنَّا إِذا صَلَّيْنا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فرفَع رأْسَه مِنَ الرُّكُوعِ قُمْنَا خَلْفَه صُفُوناً، وإِذا سَجَدَ تَبِعْناه
، أَي وَاقِفِينَ قَدْ صَفَنَّا أَقدامنا؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: قَوْلُهُ صُفُوناً يُفَسَّرُ الصافنُ تَفْسِيرَيْنِ: فَبَعْضُ النَّاسِ يَقُولُ كُلُّ صافٍّ قَدَمَيْهِ قَائِمًا فَهُوَ صافِنٌ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَن الصَّافِنَ مِنَ الْخَيْلِ الَّذِي قَدْ قَلَب أَحدَ حَوَافِرِهِ وَقَامَ عَلَى ثَلَاثِ قَوَائِمَ. وَفِي الصِّحَاحِ: الصَّافِنُ مِنَ الْخَيْلِ الْقَائِمُ عَلَى ثَلَاثِ قَوَائِمَ وَقَدْ أَقام الرَّابِعَةَ عَلَى طَرَفِ الْحَافِرِ، وَقَدْ قِيلَ: الصافِنُ الْقَائِمُ عَلَى الإِطلاق؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:
نُعَلّمُهم بِهَا مَا عَلَّمَتْنا ... أُبُوَّتُنا جوارِيَ، أَو صُفُونا
وَفِي الْحَدِيثِ:
مَنْ سَرَّه أَن يَقُومَ لَهُ الناسُ صُفُوناً
أَي وَاقِفِينَ. والصُّفُون: الْمَصْدَرُ أَيضاً؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
فَلَمَّا دَنا القومُ صافَنَّاهُم
أَي واقَفْناهم وقُمْنا حِذاءَهم. وَفِي الْحَدِيثِ:
نَهَى عَنْ صلاةِ الصَّافِنِ
أَي الَّذِي يَجْمَعُ بَيْنَ قَدَمَيْهِ، وَقِيلَ: هُوَ أَن يَثْنِيَ قَدَمَهُ إِلى وَرَائِهِ كَمَا يَفْعَلُ الفرسُ إِذا ثَنى حَافِرَهُ. وَفِي حَدِيثِ
مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ: رأَيتُ عِكْرِمَةَ يُصَلِّي وَقَدْ صَفَنَ بَيْنَ قَدَمَيْهِ.
وَكَانَ
ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ يقرآن: فَاذْكُرُوا اسمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوافِنَ
، بِالنُّونِ، فأَما ابْنُ عَبَّاسٍ فَفَسَّرَهَا مَعْقُولةً إِحْدى يَدَيْها عَلَى ثَلَاثِ قَوَائِمَ، وَالْبَعِيرُ إِذا نُحِرَ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ، وأَما ابْنُ مَسْعُودٍ فَقَالَ: يَعْنِي قِياماً. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: رأَيت الْعَرَبَ تَجْعَلُ الصَّافِنَ القائمَ عَلَى ثَلَاثٍ وَعَلَى غَيْرِ ثَلَاثٍ، قَالَ: وأَشعارهم تَدُلُّ عَلَى أَن الصُّفُونَ القيامُ خَاصَّةً؛ وأَنشد:
وقامَ المَها يُقْفِلْنَ كُلَّ مُكَبَّلٍ، ... كَمَا رُصَّ أَيْقا مُذْهَبِ اللَّوْنِ صافِنِ
. المَها: الْبَقَرُ يَعْنِي النِّسَاءَ، والمُكَبَّلُ: أَراد الْهَوْدَجَ، يُقْفِلْنَ: يَسْدُدْنَ، كَمَا رُصَّ: كَمَا قُيِّد وأُلْزِق، والأَيْقُ: الرُّسْغُ، مُذْهَبِ اللَّوْنِ: أَراد فَرَسًا يَعْلُوهُ صُفْرَة، صافِن: قَائِمٌ عَلَى ثَلَاثِ قَوَائِمَ، قَالَ: وأَما(13/248)
الصَّائِنُ فَهُوَ الْقَائِمُ عَلَى طَرَفِ حَافِرِهِ مِنَ الحَفا، وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِجَمْعِ الصافِنِ صَوافِن وصافِنَات وصُفُونٌ. وتَصَافَنَ القومُ الماءَ إِذا كَانُوا فِي سَفَرٍ فقلَّ عِنْدَهُمْ فَاقْتَسَمُوهُ عَلَى الحَصاةِ. أَبو عَمْرٍو: تَصَافَنَ القومُ تَصَافُناً، وَذَلِكَ إِذا كَانُوا فِي سَفَرٍ وَلَا مَاءَ مَعَهُمْ وَلَا شَيْءَ، يَقْتَسِمُونَهُ عَلَى حَصاةٍ يُلْقونها فِي الإِناء، يُصَبُّ فِيهِ مِنَ الْمَاءِ بِقَدْرِ مَا يَغْمُر الْحَصَاةَ فَيُعْطَاهُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ؛ وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ:
فَلَمَّا تَصَافَنَّا الإِدَاوةَ، أَجْهَشَتْ ... إِليَّ غُضُونُ العَنْبَرِيِّ الجُراضِمِ
الْجَوْهَرِيُّ: تَصَافَنَ القومُ الْمَاءَ اقْتَسَمُوهُ بالحِصَص، وَذَلِكَ إِنما يَكُونُ بالمَقْلَةِ تَسْقي الرجلَ قَدْرَ مَا يَغْمُرها، فإِن كَانَتْ مِنْ ذَهَبٍ أَو فِضَّةٍ فَهِيَ البَلَدُ. وصُفَيْنة: قَرْيَةٌ كَثِيرَةُ النَّخْلِ غَنَّاءُ فِي سَوادِ الحَرَّةِ؛ قَالَتِ الخَنْساء:
طَرَقَ النَّعِيُّ عَلَى صُفَيْنَةَ غُدْوَةً، ... ونَعَى المُعَمَّمَ مِنْ بَني عَمْرِو
. أَبو عَمْرٍو: الصَّفْنُ والصَّفْنة الشِّقْشِقَة. وصِفِّينُ: مَوْضِعٌ كَانَتْ بِهِ وَقْعَةٌ بَيْنَ عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَمُعَاوِيَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَحَقُّهُ أَن يُذْكَرَ فِي بَابِ الْفَاءِ فِي تَرْجَمَةِ صَفَفَ، لأَن نُونَهُ زَائِدَةٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ صِفُّون، فِيمَنْ أَعربه بِالْحُرُوفِ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي وَائِلٍ: شَهِدْتُ صِفِّينَ وبِئْسَتِ الصِّفُّونَ
، وَفِيهَا وَفِي أَمثالها لُغَتَانِ: إِحداهما إِجراء الإِعراب عَلَى مَا قَبْلَ النُّونِ وَتَرْكُهَا مَفْتُوحَةً كَجَمْعِ السَّلَامَةِ كَمَا قَالَ أَبو وَائِلٍ، وَالثَّانِيَةُ أَن تَجْعَلَ النُّونَ حَرْفَ الإِعراب وَتُقِرَّ الْيَاءَ بِحَالِهَا فنقول: هَذِهِ صِفِّينُ ورأَيت صِفِّينَ وَمَرَرْتُ بصفِّينَ، وَكَذَلِكَ تَقُولُ فِي قِنَّسْرِينَ وفِلَسْطِينَ ويَبْرِينَ.
صنن: المُصِنُّ: الشَّامِخُ بأَنفه تَكَبُّرًا أَو غَضَبًا؛ قَالَ:
قَدْ أَخَذَتْني نَعْسَةٌ أُرْدُنُّ، ... ومَوْهَبٌ مُبْزٍ بِهَا مُصِنُ
. ابْنُ السِّكِّيتِ: المُصِنُّ الرَّافِعُ رأْسه تَكَبُّرًا؛ وأَنشد لمُدْرِكِ بْنِ حِصْنٍ:
يَا كَرَوَاناً صُكَّ فاكْبَأَنَّا، ... فَشَنَّ بالسَّلْحِ، فَلَمَّا شَنّا
بلَّ الذُّنابى عَبَساً مُبِنَّا ... أَإِبِلِي تأْكلُها مُصِنَّا،
خافِضَ سِنٍّ ومُشِيلًا سِنّا؟
أَبو عَمْرٍو: أَتانا فُلَانٌ مُصِنّاً بأَنفه إِذا رَفَعَ أَنفه مِنَ العَظَمة. وأَصَنَّ إِذا شَمَخَ بأَنفه تَكَبُّرًا. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: أَصَنَّتِ الناقةُ إِذا حَمَلَتْ فَاسْتَكْبَرَتْ عَلَى الْفَحْلِ. الأَصمعي: فُلَانٌ مُصِنٌّ غَضَبًا أَي مُمْتَلِئٌ غَضَبًا. وأَصَنَّتِ الناقةُ: مَخِضَتْ فَوَقَعَ رِجْلُ الْوَلَدِ فِي صَلاها. التَّهْذِيبُ: وإِذا تأَخر وَلَدُ النَّاقَةِ حَتَّى يَقَعَ فِي الصَّلا فَهُوَ مُصِنٌّ، وَهُنَّ مُصِنَّات ومَصَانُّ. ابْنُ شُمَيْلٍ: المُصِنُّ مِنَ النُّوق الَّتِي يَدْفَعُ وَلَدُها بكُراعه وأَنفه فِي دُبرها إِذا نَشِبَ فِي بَطْنِهَا ودَنا نَتاجُها. وَقَدْ أَصنَّتْ إِذا دفَع ولدُها برأْسه فِي خَوْرانها. قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: إِذا دَنَا نَتاج الْفَرَسِ وارْتَكَضَ وَلَدُهَا وَتَحَرَّكَ فِي صَلاها فَهِيَ حِينَئِذٍ مُصِنَّة وَقَدْ أَصَنَّتِ الفَرَسُ، وَرُبَّمَا وَقَعَ السَّقْيُ فِي بَعْضِ حَرَكَتِهِ حَتَّى يُرَى سَوادُه مِنْ ظَبْيَتِها، والسَّقْيُ طَرَفُ السَّابياء، قَالَ: وقَلَّما تَكُونُ الْفَرَسُ مُصِنَّة إِذا كَانَتْ مُذْكِراً تَلِدُ الذُّكُورَ. وأَصَنَّتِ المرأَةُ وَهِيَ مُصِنٌّ: عَجُزَتْ وَفِيهَا بَقِيَّةٌ. والصَّنُّ، بِالْفَتْحِ: زَبِيلٌ كَبِيرٌ مِثْلُ السَّلَّةِ المُطْبَقَة(13/249)
يُجْعَلُ فِيهَا الطَّعَامُ والخُبْز. وَفِي الْحَدِيثِ:
فأُتي بِعَرَقٍ
، يَعْنِي الصِّنَّ. والصِّنُّ، بِالْكَسْرِ: بَوْلُ الوَبْرِ يُخَثَّرُ للأَدْوية، وَهُوَ مُنْتِنٌ جِدًّا؛ قَالَ جَرِيرٌ:
تَطَلَّى، وَهِيَ سَيئَةُ المُعَرَّى، ... بِصِنِّ الوَبْرِ تَحْسَبُه مَلابَا
وصِنٌّ: يومٌ مِنْ أَيام الْعَجُوزِ، وَقِيلَ: هُوَ أَول أَيامها، وَذَكَرَهُ الأَزهري وَالْجَوْهَرِيُّ مُعَرِّفاً فَقَالَا: والصِّنُّ؛ وأَنشد:
فإِذا انْقَضَتْ أَيامُ شَهْلَتِنا: ... صِنٌّ وصِنَّبْرٌ مَعَ الوَبْرِ
ابْنُ بَرِّيٍّ عَنِ ابْنِ خَالَوَيْهِ قَالَ: المُصِنُّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ سَبْعَةُ أَشياء: المُصِنُّ الْحَيَّةُ إِذا عَضَّ قَتَلَ مكانَه، تَقُولُ الْعَرَبُ رَمَاهُ اللَّهِ بالمُصِنّ المُسْكِتِ، والمُصِنُّ الْمُتَكَبِّرُ، والمُصِنُّ المُنْتِن، أَصَنَّ اللحمُ أَنْتَنَ، والمُصِنُّ الَّذِي لَهُ صُنان؛ قَالَ جَرِيرٌ:
لَا تُوعدُوني يَا بَنِي المُصِنَّه
. أَي الْمُنْتِنَةِ الرِّيحِ مِنَ الصُّنانِ، والمُصِنُّ السَّاكِتُ، والمُصِنُّ الْمُمْتَلِئُ غَضَبًا، والمُصِنُّ الشَّامِخُ بأَنفه. والصُّنَان: رِيحُ الذَّفَر، وَقِيلَ: هِيَ الرِّيحُ الطَّيِّبَةُ؛ قَالَ:
يَا رِيَّها، وَقَدْ بَدَا صُناني، ... كأَنني جَانِي عَبَيْثَرانِ
وصَنَّ اللحمُ: كصَلَّ، إِمَّا لُغَةٌ وَإِمَّا بَدَلٌ. وأَصَنَّ إِذَا سَكَتَ، فَهُوَ مُصِنٌّ سَاكِتٌ. وَعَنْ عَطِيَّةَ بْنِ قَيْسٍ الكُلاعِي: أَن أَبا الدرداءِ كَانَ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ فَيَقُولُ نِعْمَ البيتُ الحمامُ يَذْهَبُ بالصِّنَّة ويُذَكِّرُ النارَ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: أَراد بالصِّنَّة الصُّنان، وَهُوَ رَائِحَةُ المَغَابِنِ ومَعاطِفِ الْجِسْمِ إِذَا فَسَدَ وَتَغَيَّرَ فعُولِجَ بالمَرْتَك وَمَا أَشبهه. نُصَيْرٌ الرَّازِيُّ: وَيُقَالُ للتَّيْسِ إِذَا هَاجَ قَدْ أَصَنَّ، فَهُوَ مُصِنٌّ، وصُنانه رِيحُهُ عِنْدَ هِيَاجِه. والصُّنَانُ: ذَفَرُ الإِبِطِ. وأَصَنَّ الرجلُ: صَارَ لَهُ صُنَان. وَيُقَالُ للبَغْلة إِذَا أَمسكتها فِي يَدِكَ فأَنتنت: قَدْ أَصَنَّتْ. وَيُقَالُ لِلرَّجُلٍ المُطِيخ المُخْفِي كَلَامَهُ: مُصِنٌّ. والصِّنِّينُ: بَلَدٌ: قَالَ:
ليتَ شِعْرِي مَتَى تَخُبُّ بيَ الناقةُ ... بين العُذَيْبِ فالصِّنِّينِ؟
صون: الصَّوْنُ: أَن تَقِيَ شَيْئًا أَو ثَوْبًا، وصانَ الشيءَ صَوْناً وصِيانَةً وصِيَاناً واصْطانه؛ قَالَ أُمية بْنُ أَبي عَائِذٍ الْهُذَلِيُّ:
أَبْلِغْ إِياساً أَنَّ عِرْضَ ابنِ أُخْتِكُمْ ... رِداؤُكَ، فاصْطَنْ حُسْنَه أَو تَبَذَّلِ
أَراد: فاصْطَنْ حَسَنه، فَوَضَعَ الْمَصْدَرَ مَوْضِعَ الصِّفَةِ. وَيُقَالُ: صُنْتُ الشيءَ أَصُونه، وَلَا تَقُلْ أَصَنْتُه، فَهُوَ مَصُون، وَلَا تَقُلْ مُصانٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: بِذْلَةُ كلامِنا صَوْنُ غَيْرِنا. وجعلتُ الثَّوْبَ فِي صُوَانه وصِوَانه، بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ، وصِيَانه أَيضاً: وَهُوَ وِعَاؤُهُ الَّذِي يُصان فِيهِ. ابْنُ الأَعرابي: الصَّوْنَةُ العَتِيدَة. وَثَوْبٌ مَصُونٌ، عَلَى النَّقْصِ، ومَصْوُون، عَلَى التَّمَامِ؛ الأَخيرة نَادِرَةٌ، وَهِيَ تَمِيمِيَّةٌ، وصَوْنٌ وَصْفٌ بِالْمَصْدَرِ. والصِّوَانُ والصُّوانُ: مَا صُنْتَ بِهِ الشَّيْءَ. والصِّينَةُ: الصَّوْنُ، يُقَالُ: هَذِهِ ثِيَابُ الصِّينَةِ أَي الصَّوْنِ. وصَانَ عِرْضَه صِيَانة وصَوْناً، عَلَى المَثل؛ قَالَ أَوْس بْنُ حَجَر:
فإِنا رَأَيْنَا العِرْضَ أَحْوَجَ، سَاعَةً، ... إِلَى الصَّوْنِ مِنْ رَيْطٍ يَمانٍ مُسَهَّمِ
وَقَدْ تَصَاوَنَ الرجلُ وتَصَوَّنَ؛ الأَخيرة عَنِ ابْنِ جِنِّي، والحُرُّ يَصُونُ عِرْضَه كَمَا يَصُونُ الإِنسان(13/250)
ثَوْبَهُ. وصَانَ الفرسُ عَدْوَه وجَرْيَه صَوْناً: ذَخَرَ مِنْهُ ذَخيرة لأَوانِ الحاجةِ إِلَيْهِ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
يُراوِحُ بَيْنَ صَوْنٍ وابْتذالِ
أَي يَصُونُ جَرْيه مَرَّةً فيُبْقِي مِنْهُ، ويَبْتَذِلُه مَرَّةً فيَجْتهدُ فِيهِ. وصَانَ صَوْناً: ظَلَعَ ظَلْعاً شَدِيدًا؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
فأَوْرَدَهُنَّ بَطْنَ الأَتْم شُعْثاً، ... يَصُنَّ المَشْيَ كالحِدَإ التُّؤَامِ
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي هَذَا الْبَيْتِ: لَمْ يَعْرِفْهُ الأَصمعي، وَقَالَ غَيْرُهُ: يُبْقِين بعضَ المَشْيِ، وَقَالَ: يَتَوَجيْنَ مِنْ حَفاً. وَذَكَرَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صانَ الفَرَسُ يَصُونُ صَوْناً إِذَا ظَلَعَ ظَلْعاً خَفِيفًا، فَمَعْنَى يَصُنَّ المَشْي أَي يَظْلَعْنَ وَيَتَوَجَّيْنَ مِنَ التَّعَبِ. وصانَ الفرسُ يَصُونُ صَوْناً: صَفَّ بَيْنَ رِجْلَيْهِ، وَقِيلَ: قَامَ عَلَى طَرَفِ حَافِرِهِ؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
وَمَا حاوَلْتُما بقيادِ خَيْل، ... يَصُونُ الوَرْدُ فِيهَا والكُمَيْتُ
أَبو عُبَيْدٍ: الصَّائِنُ مِنَ الْخَيْلِ الْقَائِمُ عَلَى طَرَفِ حَافِرِهِ مِنَ الحَفَا أَو الوَجَى، وأَما الصَّائِمُ فَهُوَ الْقَائِمُ عَلَى قَوَائِمِهِ الأَربع مِنْ غَيْرِ حَفاً. والصَّوَّانُ، بِالتَّشْدِيدِ: حِجَارَةٌ يُقْدَحُ بِهَا، وَقِيلَ: هِيَ حِجَارَةٌ سُود لَيْسَتْ بِصُلْبَةٍ، وَاحِدَتُهَا صَوَّانة. الأَزهري: الصَّوَّان حِجَارَةٌ صُلْبة إِذَا مَسَّتْهُ النَّارُ فَقَّع تَفْقِيعاً وَتَشَقَّقَ، وَرُبَّمَا كَانَ قَدَّاحاً تُقْتَدَحُ بِهِ النَّارُ، وَلَا يَصْلُحُ للنُّورَةِ وَلَا للرِّضافِ؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
بَرَى وَقَعُ الصَّوّانِ حَدَّ نُسُورِها، ... فهُنَّ لِطافٌ كالصِّعَادِ الذَّوابِلِ.
صين: الصين: بلد معروف. والصَّواني: الأَواني منسوبة إليه، وإليه ينسب الدارصيني، ودارصِيني. وصِينين: عِقِّيرٌ معروف.
فصل الضاد المعجمة
ضأن: الضّائنُ مِنَ الْغَنَمِ: ذُو الصوفِ، ويُوصَفُ بِهِ فَيُقَالُ: كَبْش ضائنٌ، والأُنثى ضَائِنَةٌ. والضّائنُ: خلافُ الْمَاعِزِ، وَالْجَمْعُ الضّأْنُ والضّأَنُ مِثْلُ المَعْزِ والمَعَزِ. والضَّئِينُ والضِّئينُ: تَمِيمِيَّةٌ. والضَّيْن والضِّينُ، غَيْرُ مَهْمُوزَيْنِ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي: كُلُّهَا أَسماء لِجَمْعِهِمَا، فالضأْن كالرَّكْب، والضَّأَنُ كالقَعَد، والضَّئِين كالغَزِيّ والقَطِين، والضِّئِين دَاخِلٌ عَلَى الضَّئِين، أَتبعوا الْكَسْرَ الْكَسْرَ، يَطَّرِدُ هَذَا فِي جَمِيعِ حُرُوفِ الْحَلْقِ إِذَا كَانَ الْمِثَالُ فَعِلَا أَو فَعِيلَا، وأَما الضِّينُ والضَّيْنُ فَشَاذٌّ نَادِرٌ، لأَن ضَائِنًا صَحِيحٌ مَهْمُوزٌ، والضِّين والضَّين مُعْتَلٌّ غَيْرُ مَهْمُوزٍ، وَقَدْ حُكِيَ فِي جَمْعِ الضّأْنِ أَضْؤُنٌ؛ وَقَوْلُهُ أَنشده يَعْقُوبُ فِي الْمَقْلُوبِ:
إِذَا مَا دَعا نَعْمانُ آضُنَ سالِمٍ، ... عَلَنَّ، وَإِنْ كَانَتْ مَذانِبُه حُمْرَا «2»
. أَراد: أَضْؤُناً، فَقَلَبَ، ودُعاؤه أَن يَكْثُرَ الْحَشِيشُ فِيهِ فَيَصِيرَ فِيهِ الذُّبابُ، فإِذا تَرَنَّم سَمِعَ الرِّعاءُ صوْتَه فَعَلِمُوا أَن هُنَاكَ رَوْضة فَسَاقُوا إِبلهم وَمَوَاشِيَهُمْ إِلَيْهَا فَرَعَوْا مِنْهَا، فَذَلِكَ دُعاء نَعْمَانَ إِيَّاهُمْ. قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: جَمْعُ الضَّائِنِ ضَأَنٌ، كَمَا يُقَالُ ماعِزٌ ومَعَز، وخادِم وخَدَم، وَغَائِبٌ وغَيَب، وَحَارِسٌ وحَرَس، وناهِل ونَهَلٌ. قَالَ: والضّانُ أَصله ضَأْن، فَخُفِّفَ. والضّأْنُ: جَمْعُ الضَّائِنِ، ويُجْمَع الضَّئِينَ، والأُنثى ضَائِنَةٌ، وَالْجَمْعُ ضَوائن. وَفِي حَدِيثِ
شَقيق: مَثَلُ قُرّاءِ هَذَا الزَّمَانِ كَمَثل غَنَمٍ ضَوائِنَ ذاتِ صُوف عِجاف
؛ الضَّوَائِنُ جَمْعُ ضَائِنَةٍ وَهِيَ الشَّاةُ مِنَ الْغَنَمِ خِلَافُ الْمَعَزِ. ومِعْزَى ضِئْنيَّةٌ: تأْلف الضّأْنَ، وسِقاءٌ ضِئْنِيٌّ عَلَى ذلك اللفظ إِذا
__________
(2) . قوله [علنّ] الذي في المحكم: عليّ(13/251)
كَانَ مِنْ مَسْكِ ضائنةٍ وَكَانَ وَاسِعًا، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ نَادِرِ مَعْدُولِ النَّسَبِ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
إِذَا مَا مَشَى وَرْدانُ واهْتَزَّتِ اسْتُه، ... كَمَا اهْتَزَّ ضِئْنِيٌّ لفَرْعاء يُؤْدَلُ
. عَنَى بالضِّئْنِيِّ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الأَسْقية. التَّهْذِيبَ: الضِّئْنيّ السِّقَاءُ الَّذِي يُمْخَضُ بِهِ الرَّائِبُ، يُسَمَّى ضِئْنِيّاً إِذَا كَانَ ضَخْماً مِنْ جِلْدِ الضّأْن؛ قَالَ حُميد:
وجاءتْ بضِئْنِيٍّ، كأَنَّ دَوِيّهُ ... تَرَنُّمُ رَعْدٍ جاوَبَتْه الرَّواعِدُ
. وأَضْأَنَ القومُ: كثرَ ضأْنهم. وَيُقَالُ: اضْأَنْ ضأْنك وامْعَزْ مَعَزَك أَي اعْزِلْ ذَا مِنْ ذَا. وَقَدْ ضأَنْتُها أَي عزَلْتها. وَرَجُلٌ ضائنٌ إِذَا كَانَ ضَعِيفًا، وَرَجُلٌ ماعِزٌ إِذَا كَانَ حَازِمًا مَانِعًا مَا وَرَاءَهُ. وَرَجُلٌ ضائنٌ: لَيِّنٌ كأَنه نَعْجَةٌ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي لَا يَزَالُ حَسَنَ الْجِسْمِ مَعَ قِلَّةِ طُعْمٍ، وَقِيلَ: هُوَ اللَّيِّنُ الْبَطْنِ المُسْترْخِيه. وَيُقَالُ: رَمْلَةٌ ضائنةٌ، وَهِيَ الْبَيْضَاءُ الْعَرِيضَةُ؛ وَقَالَ الجَعْدِي:
إِلَى نَعَجٍ مِنْ ضائِنِ الرَّمْلِ أَعْفَرَا «1»
وَفِي حَدِيثِ
أَبي هُرَيْرَةَ: قَالَ لَهُ أَبانُ بْنُ سَعِيدٍ وَبْرٌ تدَلَّى مِنْ رأْسِ ضالٍ
؛ ضالٌ، بِالتَّخْفِيفِ: مَكَانٌ أَو جَبَلٌ بِعَيْنِهِ، يُرِيدُ بِهِ تَوْهِينَ أَمره وَتَحْقِيرَ قَدْرِهِ، وَيُرْوَى بِالنُّونِ، وَهُوَ أَيضاً جَبَلٌ فِي أَرض دَوْسٍ، وَقِيلَ: أَراد بِهِ الضأْن مِنَ الْغَنَمِ، فَتَكُونُ أَلفه همزة.
ضبن: الضِّبْنُ: الإِبْطُ وَمَا يَلِيهِ. وَقِيلَ: الضِّبْنُ، بِالْكَسْرِ، مَا بَيْنَ الإِبط والكَشْح، وَقِيلَ: مَا تَحْتَ الإِبط والكَشْح، وَقِيلَ: مَا بَيْنَ الْخَاصِرَةِ ورأْس الْوَرِكِ، وَقِيلَ: أَعلى الجَنْب. وضَبَنَ الرجلَ وَغَيْرَهُ يَضْبُنُه ضَبْناً: جَعَلَهُ فَوْقَ ضِبْنِه. واضْطَبَنَ الشيءَ: حَمَلَهُ فِي ضِبْنِه أَو عَلَيْهِ، وَرُبَّمَا أَخذه بِيَدِهِ فَرَفَعَهُ إِلَى فُوَيْقِ سُرَّته، قَالَ: فأَوّل الحَمْلِ الأَبْطُ ثُمَّ الضَّبْنُ ثُمَّ الحَضْنُ؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي لِلْكُمَيْتِ:
لَمَّا تفَلَّقَ عَنْهُ قَيْضُ بَيْضَتِه، ... آوَاهُ فِي ضِبْنِ مَضْبُوٍّ بِهِ نَصَبُ «2»
. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: أَي تفَلَّق عَنْ فَرْخِ الظَّلِيمِ قَيْضُ بَيْضَتِهِ آوَاهُ الظليمُ ضِبْنَ جَنَاحِهِ. وضَبَأَ الظليمُ عَلَى فَرْخِهِ إِذَا جَثَمَ عَلَيْهِ؛ وَقَالَ غَيْرُهُ: ضِبْنه الَّذِي يَكُونُ فِيهِ؛ وَقَالَ:
ثُمَّ اضْطَبَنْتُ سِلَاحِي تَحْتَ مَغْرضِها، ... ومِرْفَقٍ كرِئاسِ السَّيفِ إِذَا شَسَفَا
أَي احتَضَنْتُ سِلَاحِي. وأَضْبَنْتُ الشيءَ واضْطبَنتُه: جَعَلْتُهُ فِي ضِبْني. أَبو عُبَيْدٍ: أَخذه تَحْتَ ضِبْنِه إِذَا أَخذه تَحْتَ حِضْنِه. وَفِي الْحَدِيثِ:
فَدَعَا بمِيضأَة فَجَعَلَهَا فِي ضِبْنِه
أَي حِضْنه. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: أَن الْكَعْبَةَ تَفِيءُ عَلَى دَارِ فُلَانٍ بالغَداة وتَفيءُ عَلَى الْكَعْبَةِ بالعَشِيِّ، وَكَانَ يُقَالُ لَهَا رَضِيعة الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: إِنَّ دَارَكُمْ قَدْ ضَبَنتِ الكعبةَ وَلَا بُدَّ لِي مِنْ هَدْمها
أَي أَنها لَمَّا صَارَتِ الْكَعْبَةُ فِي فَيْئها بالعَشِيِّ كَانَتْ كأَنها قَدْ ضَبَنَتْها، كَمَا يَحْمِل الإِنسانُ الشيءَ فِي ضِبْنه. وأَخذَ فِي ضِبْنٍ مِنَ الطَّرِيقِ أَي فِي نَاحِيَةٍ مِنْهُ؛ وأَنشد:
فجاءَ بخُبْزٍ دَسَّه تحتَ ضِبْنِه، ... كَمَا دَسَّ رَاعِي الذَّوْدِ فِي حِضْنِه وَطبَا
وَقَالَ أَوس:
أُحَيْمِرَ جَعْداً عليه النُّسُورُ، ... فِي ضِبْنِه ثعلبٌ مُنْكَسِرْ
__________
(1) . قوله [وقال الجعدي إلخ] صدره كما في التكملة:
فباتت كأن بطنها طي ريطة
وزاد: والضأنة، بفتح فسكون، الْخِزَامَةُ إِذَا كَانَتْ مِنْ عقب.
(2) . قوله [في ضبن مضبوّ] الذي في التهذيب: مضبيّ(13/252)
أَي فِي جَنْبه. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ: يَقُولُ القبرُ يَا ابنَ آدَمَ قَدْ حُذِّرتَ ضِيقي ونَتْني وضِبْني
أَي جَنْبِي وَنَاحِيَتِي، وَجَمْعُ الضِّبْن أَضبان؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
شُمَيط: لَا يَدْعُوني وَالْخَطَايَا بَيْنَ أَضبانهم
أَي يَحْمِلون الأَوزار عَلَى جُنُوبهم، وَيُرْوَى بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ. وَفُلَانٌ فِي ضِبْنِ فُلَانٍ وضَبينته أَي نَاحِيَتِهِ وكنَفِه. والضُّبْنة: أَهل الرَّجُلِ لأَنه يَضْبِنُها فِي كنَفِه، مَعْنَاهُ يُعانقها؛ وَفِي التَّهْذِيبِ: لأَنه يَضْطَبِنُها فِي كنَفِه. وضَبِنَةُ الرَّجُلِ: حَشَمُه. وَعَلَيْهِ ضِبْنةٌ مِنْ عِيَالٍ، بِكَسْرِ الضَّادِ وَسُكُونِ الْبَاءِ، أَي جَمَاعَةٌ. ابْنُ الأَعرابي: ضُبْنة [ضِبْنة] الرَّجُلِ وضَبْنَتُه وضَبِنَتُه خاصَّتُه وبِطانَتُه وزافِرَتُه، وَكَذَلِكَ ظاهِرَته وظِهارتُه. قَالَ الْفَرَّاءُ: نَحْنُ فِي ضُبْنه وَفِي حَريمه وظِلِّه وذِمَّتِه وخُفارته وخُفْرته وذَراه وحِماه وكَنَفِه وكَنَفَتِه بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ إِذَا سَافَرَ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعوذ بِكَ مِنَ الضُّبْنة [الضِّبْنة] فِي السَّفَر وَالْكَآبَةِ فِي المُنْقَلَب، اللَّهُمَّ اقْبِضْ لَنَا الأَرضَ وهَوِّنْ عَلَيْنَا السَّفَر، اللَّهُمَّ أَنت الصاحبُ فِي السَّفر والخليفةُ فِي الأَهل
؛ الضُّبْنةُ [الضِّبْنةُ] : مَا تَحْتَ يَدِك مِنْ مالٍ وعيالٍ تَهْتَمُّ بِهِ وَمَنْ تَلْزَمُكَ نَفَقَتُهُ، سُمُّوا ضُبْنةً لأَنهم فِي ضِبن مَنْ يَعُولهم، تَعَوَّذَ بِاللَّهِ مِنَ الضِّبْنة كَثْرَةِ الْعِيَالِ والحَشَم فِي مَظِنَّة الْحَاجَةِ، وَهُوَ السَّفَرُ، وَقِيلَ: تَعوَّذ مِنْ صُحْبة مَنْ لَا غَناء فِيهِ وَلَا كِفاية مِنَ الرِّفاق، إِنَّمَا هُوَ كَلٌّ وعِيالٌ عَلَى مَنْ يُرافِقُه. وضِبْنةُ الرَّجُلِ: خَاصَّتُهُ وبِطانتُه وَعِيَالُهُ، وَكَذَلِكَ الضَّبِنة، بِفَتْحِ الضَّادِ وَكَسْرِ الْبَاءِ. والضَّبَنُ: الوَكْسُ؛ قَالَ نُوحُ بْنُ جَرِيرٍ:
وَهُوَ إِلَى الخَيراتِ مُنْبَتُّ القَرَنْ، ... يَجْري إِلَيْهَا سابِقاً لَا ذَا ضَبَنْ
والضَّبْنةُ: الزَّمانة. وَرَجُلٌ ضَبِنٌ: زَمِنٌ. وَقَدْ أَضْبَنَه الدَّاءُ: أَزمنه؛ قَالَ طُرَيْحٌ:
وُلاةٌ حُماة، يَحْسِمُ اللهُ ذُو القُوَى ... بِهِمْ كُلَّ داءٍ يُضْبِنُ الدِّينَ مُعْضِلِ
والمضْبُون: الزَّمِنُ، وَيُشْبِهُ قَلْبَ الْبَاءِ مِنَ الْمِيمِ. وضَبَنَه يَضْبِنُه ضَبْناً: ضَرَبَهُ بِسَيْفٍ أَو عَصًا أَو حَجَر فَقَطَعَ يَدَهُ أَو رِجْلَهُ أَو فقأَ عَيْنَهُ. قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَحَكَى لِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَعْدٍ عَنْ أَبي هِلال ضَبَنْت عَنَّا هَدِيَّتَك وعادَتك أَو مَا كَانَ مِنْ مَعْرُوفٍ تَضْبِنها ضَبْناً كَصَبَنْتَها، وَالصَّادُ أَعلى، وَهُوَ قَوْلُ الأَصمعي. قَالَ: وَحَقِيقَةُ هَذَا صَرَفْتَ هديَّتَك وَمَعْرُوفَكَ عَنْ جِيرَانِكَ وَمَعَارِفِكَ إِلَى غَيْرِهِمْ، وَفِي النَّوَادِرِ: مَاءٌ ضَبْنٌ ومَضْبون ولَزْنٌ ومَلزون ولَزِنٌ وضَبِنٌ إِذَا كَانَ مَشْفوهاً لَا فَضْلَ فِيهِ. وَمَكَانٌ ضَبْن أَي ضَيِّقٌ. وضَبِينةُ: اسْمٌ. وَبَنُو ضابِنٍ وَبَنُو مُضابِنِ: حيَّان. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: ضَبِينةُ حَيٌّ مِنْ قَيْسٍ؛ وأَنشد سِيبَوَيْهِ لِلَبِيدٍ:
فَلَتَصْلُقَنَّ بَنِي ضَبِينةَ صَلْقةً ... تُلْصِقْنَهُمْ بخَوالِفِ الأَطنابِ
. وَذَكَرَ الأَزهري فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ: الضَّوْبانُ الجَمل المُسنّ الْقَوِيُّ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ضُوبانُ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: مَنْ قَالَ ضُوبان جعله من ضابَ يَضُوبُ.
ضجن: الضَّجَنُ، بِالْجِيمِ: جَبَلٌ معروف؛ قَالَ الأَعشى:
وطالَ السَّنامُ عَلَى جِبْلَةٍ، ... كخَلْقاءَ مِنْ هَضَبات الضَّجَنْ
وَكَذَلِكَ قَوْلُ ابْنُ مُقْبِلٍ:
فِي نِسْوةٍ مِنْ بَنِي دَهْيٍ مُصَعِّدةٍ، ... أَو مِنْ قَنَانٍ تَؤُمُّ السَّيْرَ للضَّجَنِ
. قَالَ: وَالْحَاءُ تَصْحِيفٌ. وضَجْنانُ: جُبَيْل بِنَاحِيَةِ(13/253)
مَكَّةَ. قَالَ الأَزهري: أَما ضَجَنَ فَلَمْ أَسمع فِيهِ شَيْئًا غَيْرَ جَبَلٍ بِنَاحِيَةِ تِهَامَةَ يُقَالُ لَهُ ضَجْنانُ. وَرُوِيَ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: أَنه أَقبل حَتَّى إِذَا كَانَ بضَجْنانَ
؛ قَالَ: هُوَ مَوْضِعٌ أَو جَبَلٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، قَالَ: وَلَسْتُ أَدري مِمَا أُخِذَ.
ضحن: الضَّحَنُ: اسْمُ بَلَدٍ؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
فِي نسوةٍ مِنْ بَنِي دَهْيٍ مُصَعِّدة، ... أَو مِنْ قَنانٍ تَؤُمُّ السيرَ للضَّحَن
. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَرْجَمَةٍ ضجن، بِالْجِيمِ الْمُعْجَمَةِ، مَا اخْتُلِفَ فيه من ذلك.
ضدن: ضَدَنْتُ الشيءَ أَضْدِنُه ضَدْناً: سَهَّلْتُه وأَصلحته، لُغَةٌ يَمَانِيَةٌ، وضَدَنَى، عَلَى مِثَالِ جَمَزى: موضع.
ضزن: الضَّيْزَنُ: النِّخاسُ، والضَّيْزَنُ: الشَّرِيكُ، وَقِيلَ: الشَّرِيكُ فِي المرأَة. والضَّيْزَنُ: الَّذِي يُزَاحِمُ أَباه فِي امرأَته؛ قَالَ أَوس بْنُ حَجَرٍ:
والفارِسيَّةُ فِيهِمْ غيرُ مُنكَرةٍ، ... فكُلُّهم لأَبيه ضَيْزَنٌ سَلِفُ «1»
. يَقُولُ: هُمْ مِثْلُ الْمَجُوسِ يتزوَّج الرَّجُلُ مِنْهُمُ امرأَة أَبيه وامرأَة ابْنِهِ. والضَّيْزَنُ أَيضاً: وَلَدُ الرَّجُلِ وَعِيَالُهُ وَشُرَكَاؤُهُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ زَاحَمَ رَجُلًا فِي أَمر فَهُوَ ضَيْزَنٌ، وَالْجَمْعُ الضَّيازِنُ. ابْنُ الأَعرابي: الضَّيزَنُ الَّذِي يتزوَّجُ امرأَة أَبيه إِذَا طَلَّقَهَا أَو مَاتَ عَنْهَا. والضَّيزَنُ: خَدُّ بَكَرةِ السَّقْيِ الَّتِي سَائِبُهَا هَاهُنَا وَهَاهُنَا. وَيُقَالُ للنِّخاس الَّذِي يُنْخَس بِهِ البَكَرةُ إِذَا اتَّسَعَ خَرْقُها: الضَّيزَنُ؛ وأَنشد:
عَلَى دَمُوكٍ تَرْكَبُ الضَّيازِنا
وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: الضَّيْزَنُ يَكُونُ بَيْنَ قَبِّ البَكرة والساعِد، والساعدُ خَشَبَةٌ تُعَلَّقَ عَلَيْهَا الْبَكَرَةُ، وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: يُقَالُ لِلْفَرَسِ إِذَا كَانَ لَمْ يتَبطَّنِ الإِناث وَلَمْ يَنْزُ قطُّ الضَّيزانُ. والضَّيزَنان: السَّلِفان. والضَّيزَن: الَّذِي يُزَاحِمُكَ عِنْدَ الِاسْتِقَاءِ فِي الْبِئْرِ. وَفِي الْمُحْكَمِ: الضَّيزَنُ الَّذِي يُزاحم عَلَى الْحَوْضِ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
إِنَّ شَرِيبَيْكَ لَضَيْزنانِهْ، ... وَعَنْ إِزاءِ الحَوْضِ مِلْهَزانِهْ،
خالفْ فأَصْدِرْ يومَ يُورِدانِهْ
. وَقِيلَ: الضَّيْزَنانِ المُستَقيان مِنْ بِئْرٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ مِنَ التزاحُم. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: كُلُّ رَجُلٍ زاحَمَ رَجُلًا فَهُوَ ضَيْزَنٌ لَهُ. والضَّيْزَنُ: السَّاقِي الجَلْدُ. والضَّيْزَنُ: الْحَافِظُ الثِّقَةُ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: بَعَثَ بِعَامِلٍ ثُمَّ عَزَله فَانْصَرَفَ إِلَى مَنْزِلِهِ بِلَا شَيْءٍ، فَقَالَتْ لَهُ امرأَته: أَينَ مَرافِقُ العَمَل؟ فَقَالَ لَهَا: كَانَ مَعِي ضَيْزنانِ يَحْفَظَانِ وَيَعْلَمَانِ
؛ يَعْنِي الْمَلَكَيْنِ الْكَاتِبَيْنِ، أَرْضَى أَهلَه بِهَذَا الْقَوْلِ وعَرَّضَ بِالْمَلَكَيْنِ، وَهُوَ مِنْ مَعَارِيضِ الْكَلَامِ وَمَحَاسِنِهِ، وَالْيَاءُ فِي الضَّيْزَن زَائِدَةٌ. والضَّيْزنُ: ضِدُّ الشَّيْءِ: قَالَ:
فِي كلِّ يومٍ لَكَ ضَيْزَنانِ
. وضَيْزَنُ: اسْمُ صَنَمٍ، والضَّيْزَنانِ: صَنمانِ للمُنْذِر الأَكبر كَانَ اتَّخَذَهُمَا بِبَابِ الحِيرَة لِيَسْجُدَ لَهُمَا مَنْ دَخَلَ الْحِيرَةَ امْتِحاناً لِلطَّاعَةِ. والضَّيْزنُ: الَّذِي يُسَمِّيهِ أَهل الْعِرَاقِ البُنْدارَ، يَكُونُ مَعَ عَامِلِ الخَراج. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: جَعَلْتُهُ ضَيْزَناً عَلَيْهِ أَي بُنْدَاراً عَلَيْهِ، قَالَ: وأَرسلته مُضْغِطاً عَلَيْهِ، وأَهل مكة والمدينة يَقُولُونَ: أَرسلته ضاغِطاً عَلَيْهِ.
ضطن: التَّهْذِيبَ: اللَّيْثُ الضَّيطَنُ والضَّيْطَانُ الَّذِي يُحَرِّكُ مَنْكِبَيْه وَجَسَدَهُ حِينَ يَمْشِي مَعَ كَثْرَةِ لَحْمٍ.
__________
(1) . قوله [والفارسية فيهم إلخ] كذا في الأَصل والجوهري والمحكم، والذي في التهذيب: فيكم، وفكلكم بالكاف، قال الصاغاني: الرواية بالكاف لا غير(13/254)
يُقَالُ: ضَيْطَنَ الرجلُ ضَيْطَنةً وضِيْطاناً إِذا مَشَى تِلْكَ المِشْية؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: هَذَا حَرْفٌ مُرِيبٌ «2» . وَالَّذِي نَعْرِفُهُ مَا رَوَى أَبو عُبَيْدٍ عَنْ أَبي زَيْدٍ: الضَّيَطَانُ، بِتَحْرِيكِ الْيَاءِ، أَن يحرِّك مَنْكِبَيْهِ وَجَسَدَهُ حِينَ يَمْشِي مَعَ كَثْرَةِ لَحْمٍ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذَا مِنْ ضَاط يَضِيطُ ضَيَطَاناً، وَالنُّونُ مِنَ الضَّيَطَانِ نُونُ فَعَلان كَمَا يُقَالُ مِنْ هَامَ يهيمُ هَيَمَاناً، وأَما قَوْلُ اللَّيْثِ ضَيْطَنَ الرجلُ ضَيْطَنةً إِذا مَشَى تِلْكَ المشية فغير محفوظ.
ضغن: الضِّغْنُ والضَّغَنُ: الحِقْد، وَالْجَمْعُ أَضْغانٌ، وَكَذَلِكَ الضَّغينَةُ، وجَمْعُها الضَّغائن؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
الْعَبَّاسِ: إِنا لنَعْرفُ الضَّغَائن فِي وُجُوه أَقوام.
وَيُقَالُ: سَلَلْتُ ضِغْنَ فُلَانٍ وضَغِينَتَه إِذا طَلَبْتَ مَرْضاته. وَفِي الْحَدِيثِ:
فَتَكُونُ دِماء فِي عَمْيَاءَ فِي غَيْرِ ضَغِينة وحملِ سِلَاحٍ
؛ الضِّغْنُ: الْحِقْدُ وَالْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ الله عنه: أَيما قَوْمٍ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بحَدٍّ وَلَمْ يَكُنْ بِحَضْرَةِ صَاحِبِ الحَدِّ فإِنما شَهِدُوا عَنْ ضِغْنٍ
أَي حِقْدٍ وَعَدَاوَةٍ، يُرِيدُ فِيمَا كَانَ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ الْعِبَادِ كَالزِّنَا وَالشُّرْبِ وَنَحْوِهِمَا؛ وأَما قَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:
بَلْ أَيُّها المُحْتَمِل الضَّغِينَا، ... إِنك زَحَّارٌ لَنَا كِثِينَا،
إِنَّ القَرِينَ يُورِدُ القَرِينا
فَقَدْ يَكُونُ الضَّغِينُ جَمْعُ ضَغِينة كشَعِير وشَعِيرة، وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ حَذَفَ الْهَاءَ لِضَرُورَةِ الرَّوِيّ، فإنَّ ذَلِكَ كَثِيرٌ، قَالَ: وَعَسَى أَن يَكُونَ الضَّغينُ والضَّغِينة مِنْ بَابِ حُقٍّ وحُقَّةٍ وبَياضٍ وبَياضَةٍ، فَيَكُونُ الضَّغِينُ والضَّغِينة لُغَتَيْنِ بِمَعْنًى. وَقَدْ ضَغِنَ عَلَيْهِ، بِالْكَسْرِ، ضِغْناً وضَغَناً واضْطَغَنَ. وَقَالَ اللَّهُ عزَّ وَجَلَّ: إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ؛ أَي يَجْهَدْكم ويُخْرِجْ أَضْغانكم؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: أَي يُخْرِجْ ذَلِكَ البخلُ عَداوتَكم وَيَكُونُ ويُخْرِجِ اللَّهُ أَضْغانَكم؛ وأَحْفيتُ الرجلَ: أَجْهَدْته. واضْطَغَنَ فلانٌ عَلَى فُلَانٍ ضَغِينةً إِذا اضْطَمَرها. أَبو زَيْدٍ: ضَغِنَ الرجلُ يَضْغَنُ ضَغَناً وضِغْناً إِذا وَغِرَ صَدْرُه ودَوِيَ. وامرأَة ذَاتُ ضِغْنٍ عَلَى زَوْجِهَا إِذا أَبغضته. وضَغِنُوا عَلَيْهِ: مَالُوا عَلَيْهِ وَاعْتَمَدُوهُ بالجَوْر. وتَضَاغَنَ الْقَوْمُ واضْطَغَنُوا: انْطَوَوْا عَلَى الأَحْقاد. وضِغْني إِلى فُلَانٍ أَي مَيْلي إِليه. وضِغْنُ الدَّابة: عَسَرُه والتواؤُه؛ قَالَ بِشْر بْنُ أَبي خَازِمٍ:
فإِنَّك، والشَّكاةَ منَ آلِ لأْمٍ، ... كذاتِ الضِّغْنِ تَمشي فِي الرِّفاقِ
. وَقَالَ الشَّاعِرُ:
والضِّغْنُ مِنْ تتابُعِ الأَسْواطِ
وفرسٌ ضاغِنٌ وضَغِنٌ: لَا يُعْطِي كلَّ مَا عِنْدَهُ مِنَ الجَرْيِ حَتَّى يُضْرَبَ؛ قَالَ الشَّمَّاخُ:
أَقامَ الثِّقافُ والطَّرِيدَة دَرْأَها، ... كَمَا قَوَّمَتْ ضِغْنَ الشَّمُوسِ المَهامِزُ
. وَالطَّرِيدَةُ: قَصَبةٌ فِيهَا ثلاثُ فُرُوضٍ تُبْرى بها المَغازلُ وغيرها. أَبو عُبَيْدَةَ: فَرَسٌ ضَغُون، الذَّكَرُ والأُنثى فِيهِ سَوَاءٌ، وَهُوَ الَّذِي يَجْرِي كأَنما يَرْجِعُ الْقَهْقَرَى. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ: والرجلُ يَكُونُ فِي دَابَّتِهِ الضِّغْنُ فَيُقَوِّمُها جُهْدَه وَيَكُونُ فِي نَفْسِهِ الضِّغْنُ فَلَا يُقَوِّمُها
؛ الضِّغْن فِي الدَّابَّةِ: هُوَ أَن تَكُونَ عَسِرَة الِانْقِيَادِ، وإِذا قِيلَ فِي النَّاقَةِ هِيَ ذاتُ ضِغْن فإِنما يُراد نِزاعها إِلى وَطَنِهَا. وَدَابَّةٌ ضَغِنَة: نَازِعَةٌ إِلى وَطَنِهَا، وَقَدْ ضَغِنَتْ ضِغْناً وضَغْناً، وَكَذَلِكَ البعير،
__________
(2) . قوله [هذا حرف مريب] أَي ضبطاناً بكسر فسكون كما هو مضبوط في التهذيب والتكملة(13/255)
وَرُبَّمَا اسْتُعِيرَ ذَلِكَ فِي الإِنسان؛ قَالَ:
تُعارِضُ أَسْماءُ الرِّفاقَ عَشِيَّةً، ... تُسائلُ عَنْ ضِغْنِ النِّسَاءِ النَّواكِحِ
. وضَغِنَ إِليه: نَزَع إِليه وأَراده. قَالَ الْخَلِيلُ: يُقَالُ للنَّحُوصِ إِذا وَحِمَتْ فاسْتَصْعَبَتْ عَلَى الجَأْبِ: إِنها ذاتُ شَغْبٍ وضِغْنٍ. ابْنُ الأَعرابي: ضَغِنْتُ إِلى فُلَانٍ مِلْت إِليه كَمَا يَضْغَنُ الْبَعِيرُ إِلى وَطَنِهِ. وضَغِنَ إِلى الدُّنْيَا، بِالْكَسْرِ: رَكَنَ وَمَالَ إِليها؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
إِنَّ الَّذِينَ إِلى لَذَّاتِها ضَغِنُوا، ... وَكَانَ فِيهَا لَهُمْ عيشٌ ومُرْتَفَقُ
وضَغِنَ فلانٌ إِلى الصُّلْحِ إِذا مَالَ إِليه. والاضْطِغانُ: الِاشْتِمَالُ. والاضْطِغانُ: أَخذ الشيءِ تَحْتَ حِضْنِك، تَقُولُ مِنْهُ: اضْطَغَنْتُ الشيءَ؛ وأَنشد الأَحمر لِلْعَامِرِيَّةِ:
لَقَدْ رأَيت رَجُلًا دُهْرياً، ... يَمْشي وراءَ القومِ سَيْتَهِيَّا،
كأَنه مُضْطَغِنٌ صَبِيّاً
. أَي حَامِلُهُ فِي حِجْرِهِ. والدُّهْري: مَنْسُوبٌ إِلى بَنِي دَهْرٍ بَطْنٌ مِنْ كِلَابٍ، والسَّيْتَهِيُّ: الَّذِي يَتَخَلَّفُ خَلْفَ الْقَوْمِ؛ وَقَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
إِذا اضْطَغَنْتُ سِلاحِي عِنْدَ مَغْرِضِها، ... ومِرْفَقٍ كرِئاسِ السَّيْفِ إِذ شَسَفا «1»
. وَقِيلَ: هُوَ أَن يُدْخل الثوبَ مِنْ تَحْتِ يَدِهِ الْيُمْنَى وَطَرَفَهُ الْآخَرَ مِنْ تَحْتِ يَدِهِ الْيُسْرَى، ثُمَّ يَضُمُّهُمَا بِيَدِهِ الْيُسْرَى، وَقِيلَ: هُوَ التَّثَبُّنُ: التَّهْذِيبَ: الاضطِغانُ الدَّوْكُ بالكَلْكَلِ؛ وأَنشد:
وأَضْطَغِنُ الأَقوامَ، حَتَّى كأَنهم ... ضَغابيسُ تشْكُو الهَمَّ تَحْتَ لَبانِيَا
. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: هَذَا التَّفْسِيرُ للاضْطِغانِ خطأٌ، وَالصَّوَابُ مَا حَكَى أَبو عُبَيْدٍ عَنْ الأَحمر أَن الاضطِغانَ الِاشْتِمَالُ؛ وأَنشد:
كأَنه مُضْطَغِنٌ صَبِيّا
وَفِي النَّوَادِرِ: هَذَا ضِغْنُ الجَبَل وإِبْطُه. وقَناةٌ ضَغِنَة أَي عَوْجَاءُ. والضَّغَنُ: العَوَجُ؛ وأَنشد:
إِنَّ قَنَاتِيَ مِنْ صَلِيبات القَنا، ... ما زادَها التَّثْقِيفُ إِلا ضَغَنا.
ضفن: ضَفَن إِلى الْقَوْمِ يَضْفِنُ ضَفْناً إِذا جَاءَ إِليهم حَتَّى يَجْلِسَ مَعَهُمْ. وضَفَنَ مَعَ الضَّيْفِ يَضْفِنُ ضَفْناً جَاءَ مَعَهُ، وَهُوَ الضَّيْفَنُ. والضَّيْفَنُ: الَّذِي يجيءُ مَعَ الضَّيْف، كَذَا حَكَاهُ أَبو عُبَيْدٍ فِي الأَجناس مَعَ ضفنَ؛ وأَنشد:
إِذا جَاءَ ضَيْفٌ جَاءَ للضَّيْف ضَيْفَنٌ، ... فأَوْدَى، بِمَا تُقْرَى الضُّيوفُ،
الضَّيافِنُ. وَقَالَ النَّحْوِيُّونَ: نُونُ ضَيْفَن زَائِدَةٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَقَدْ أَخذ أَبو عُبَيْدٍ بِهَذَا أَيضاً فِي بَابِ الزِّيَادَةِ فَقَالَ: زَادَتِ الْعَرَبُ النُّونَ فِي أَربعة أَسماء، قَالُوا ضَيْفَنٌ للضَّيْفِ فَجَعَلَهُ الضَّيفَ نَفْسَهُ، والضَّيْفَن الطُّفَيْليُّ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي ضَيْفٍ أَيضاً، والضِّفْنِينُ: تَابِعُ الرُّكبان «2» . عَنْ كُرَاعٍ وَحْدَهُ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَحُقُّه. وضَفَنْتُ إِليه إِذا نَزعتَ إِليه وأَردته. والضَّفْنُ: ضَمُّ الرَّجُلُ ضَرْع الشَّاةِ حِينَ يَحْلُبها ابْنُ الأَعرابي: ضَفَنُوا عَلَيْهِ مَالُوا عَلَيْهِ وَاعْتَمَدُوهُ بالجَوْر. وضَفَنَ بِغَائِطِهِ يَضْفِنُ ضَفْناً: رَمَى بِهِ.
__________
(1) . قوله [إِذا اضطغنت] كذا للجوهري، وقال الصاغاني الرواية: ثم اضطغنت
(2) . قوله [والضفنين تابع الركبان] كذا بالأَصل والتهذيب، والذي في المحكم: تابع الضيفن(13/256)
والضَّفْنُ: ضَرْبُكَ اسْتَ الشَّاةِ وَنَحْوِهَا بِظَهْرِ رِجْلِكَ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: ضَفَنَه بِرِجْلِهِ ضَرَبَهُ عَلَى اسْتِهِ؛ قَالَ:
ويَكْتَسعْ بنَدَم ويَضْفِن
والاضْطِفانُ: أَن تَضْرِبَ بِهِ اسْتَ نَفْسِكَ. وضَفَنْتُ الرَّجُلَ إِذا ضربتَ بِرِجْلِكَ عَلَى عَجُزه. واضْطَفَنَ هُوَ إِذا ضَرَبَ بِقَدَمِهِ مُؤَخَّرَ نَفْسِهِ، وَفِي الْمُحْكَمِ: اضْطَفَنَ ضرَبَ اسْتَه نَفْسَهُ بِرِجْلِهِ. وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ: أَنها ضَفَنَتْ جَارِيَةً لَهَا بِرِجْلِهَا
؛ الضَّفْنُ: ضَربك استَ الإِنسان بِظَهْرِ قَدَمِكَ. وضَفَنَ البعيرُ بِرِجْلِهِ: خَبَطَ بِهَا. وضَفَنه البعيرُ بِرِجْلِهِ يَضْفِنه ضَفْناً، فَهُوَ مَضْفُون وضَفِين: ضَرَبَهُ. وضَفَنَ بِهِ الأَرضَ ضَفْناً: ضَرَبَهَا بِهِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
قَفَنْتُه بالسَّوْطِ أَيَّ قَفْنِ، ... وبالعَصا مِنْ طُولِ سُوءِ الضَّفْنِ
. أَبو زَيْدٍ: ضَفَنَ الرجلُ المرأَة ضَفْناً إِذا نَكَحَهَا. قَالَ: وأَصل الضَّفْن أَن يَضُمَّ بِيَدِهِ ضَرْعَ النَّاقَةِ حِينَ يَحلُبها. وضَفَنَ الشيءَ عَلَى نَاقَتِهِ: حَمَلَهُ عَلَيْهَا. والضِّفَنُّ، عَلَى وَزْنِ الهِجَفِّ: الأَحمق مِنَ الرِّجَالِ مَعَ عِظَمِ خَلْقٍ، وَيُقَالُ: امرأَة ضِفَنَّة؛ قَالَ:
وضِفَنَّةٌ مثلُ الأَتانِ ضِبِرَّةٌ، ... ثَجْلاءُ ذاتُ خواصِرٍ مَا تَشْبَعُ
والضِّفِنُّ والضِّفَنُّ والضِّفَنّانُ: الأَحمق الْكَثِيرُ اللَّحْمِ الثَّقِيلُ، وَالْجَمْعُ ضِفْنانٌ نَادِرٌ، والأُنثى ضِفِنَّة وضِفَنَّة، وَكَسْرُ الْفَاءِ، عِنْدَ ابْنِ الأَعرابي، أَحسن. الْفَرَّاءُ: إِذا كَانَ الرَّجُلُ أَحمق وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ كَثِيرَ اللَّحْمِ ثَقِيلًا فَهُوَ ضِفَنٌّ وضَفَنْدَدٌ. وامرأَة ضِفَنَّة إِذا كانت رِخْوة ضَخْمة.
ضمن: الضَّمِينُ: الْكَفِيلُ. ضَمِنَ الشيءَ وَبِهِ ضَمْناً وضَمَاناً: كَفَل بِهِ. وضَمَّنَه إِياه: كَفَّلَه. ابْنُ الأَعرابي: فُلَانٌ ضامِنٌ وضَمِينٌ وسامِنٌ وسَمِين وناضِرٌ ونَضِير وَكَافِلٌ وكَفِيلٌ. يُقَالُ: ضَمِنْتُ الشيءَ أَضْمَنُه ضَماناً، فأَنا ضامِنٌ، وَهُوَ مَضْمون. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَنْ مَاتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ ضامِنٌ عَلَى اللَّهِ أَن يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ
أَي ذُو ضَمَانٍ عَلَى اللَّهِ؛ قَالَ الأَزهري: وَهَذَا مَذْهَبُ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ؛ قَالَ: هَكَذَا خَرَّجَ الْهَرَوِيُّ وَالزَّمَخْشَرِيُّ مِنْ كَلَامِ عَلِيٍّ، وَالْحَدِيثُ مَرْفُوعٌ فِي الصِّحاح عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ بِمَعْنَاهُ، فَمِنْ طُرُقه تَضَمَّنَ اللهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ لَا يُخْرِجُهُ إِلا جِهَادًا فِي سَبِيلِي وإِيماناً بِي وَتَصْدِيقًا بِرُسُلِي فَهُوَ عليَّ ضامنٌ أَنْ أُدْخِلَه الجنةَ أَو أُرْجِعَه إِلى مسكنه الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ نَائِلًا مَا نالَ مِنْ أَجر أَو غَنِيمَةٍ. وضَمَّنته الشيءَ تَضْمِيناً فتَضَمَّنه عَنِّي: مِثْلُ غَرَّمْتُه؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:
ضَوامِنُ مَا جارَ الدليلُ ضُحَى غَدٍ، ... مِنَ البُعْدِ، مَا يَضْمَنَّ فَهُوَ أَداءُ
. فَسَّرَهُ ثَعْلَبٌ فَقَالَ: مَعْنَاهُ إِن جَارَ الدَّلِيلُ فأَخطأَ الطريقَ ضَمِنَتْ أَن تَلْحَقَ ذَلِكَ فِي غَدِها وتَبْلُغَه، ثُمَّ قَالَ: مَا يَضْمَنَّ فَهُوَ أَداء أَي مَا ضَمِنَّه مِنْ ذَلِكَ لرَكْبِها وفَيْنَ بِهِ وأَدَّيْنَه. وضَمَّنَ الشيءَ الشيءَ: أَوْدَعه إِياه كَمَا تُودِعُ الوعاءَ المتاعَ والميتَ القبرَ، وَقَدْ تضَمَّنه هُوَ؛ قَالَ ابْنُ الرِّقَاعِ يَصِفُ نَاقَةً حَامِلًا:
أَوْكَتْ عَلَيْهِ مَضِيقاً مِنْ عَواهِنِها، ... كَمَا تضَمَّنَ كَشْحُ الحُرَّةِ الحَبَلا
. عَلَيْهِ: عَلَى الْجَنِينِ. وَكُلُّ شَيْءٍ جَعَلْتَهُ فِي وِعَاءٍ فَقَدْ(13/257)
ضمَّنتَه إِياه. اللَّيْثُ: كُلُّ شيءٍ أُحرِزَ فِيهِ شَيْءٌ فَقَدْ ضُمِّنَه؛ وأَنشد:
لَيْسَ لِمَنْ ضُمِّنَه تَرْبِيتُ «1»
. ضُمِّنَه: أُودِعَ فِيهِ وأُحرِزَ يَعْنِي الْقَبْرَ الَّذِي دُفِنَتْ فِيهِ المَوْؤُودَةُ. وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنه قَالَ: لَا تَشْتَرِ لَبَنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ مُضَمَّناً لأَن اللَّبَنَ يَزِيدُ فِي الضَّرْعِ وَيَنْقُصُ، وَلَكِنِ اشْترِه كَيْلًا مُسَمًّى؛ قَالَ شَمِرٌ: قَالَ أَبو مُعَاذٍ يَقُولُ لَا تَشْتَرِهِ وَهُوَ فِي الضَّرْعِ لأَنه فِي ضِمْنِه، يُقَالُ: شَرَابُك مُضَمَّنٌ إِذا كَانَ فِي كُوزٍ أَو إِناء. والمَضامِينُ: مَا فِي بُطُونِ الْحَوَامِلِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ كأَنهن تضَمَّنَّه؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثِ:
أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَهَى عَنْ بَيْعِ المَلاقيح والمَضامين
، وَقَدْ مَضَى تَفْسِيرُ المَلاقيح، وأَما المَضامِين فإِن أَبا عُبَيْدٍ قَالَ: هِيَ مَا فِي أَصلاب الْفُحُولِ، وَهِيَ جَمْعُ مَضْمُون؛ وأَنشد غَيْرُهُ:
إِنَّ المضامينَ الَّتِي فِي الصُّلْبِ ... ماءُ الفُحولِ فِي الظُّهورِ الحُدْبِ.
وَيُقَالُ: ضَمِنَ الشيءَ بِمَعْنَى تَضَمَّنَه؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: مَضْمُونُ الْكِتَابِ كَذَا وَكَذَا، والمَلاقِيحُ: جَمْعُ مَلْقُوح، وَهُوَ مَا فِي بَطْنِ النَّاقَةِ. قَالَ ابْنُ الأَثير: وَفَسَّرَهُمَا مَالِكٌ فِي الموطأِ بِالْعَكْسِ؛ حَكَاهُ الأَزهري عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، وَحَكَاهُ أَيضاً عَنْ ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، قَالَ: إِذا كَانَ فِي بَطْنِ النَّاقَةِ حَمْلٌ فَهِيَ ضامِنٌ ومِضْمانٌ، وهنَّ ضَوَامِنُ ومَضامِينُ، وَالَّذِي فِي بَطْنِهَا مَلْقوح ومَلْقُوحة. وَنَاقَةٌ ضامِنٌ ومِضْمان: حَامِلٌ، مِنْ ذَلِكَ أَيضاً. ابْنُ الأَعرابي: مَا أَغْنى فلانٌ عَنِّي ضِمْناً وَهُوَ الشِّسْعُ أَي مَا أَغنى شَيْئًا وَلَا قَدْرَ شِسْعٍ. والضَّامِنَةُ مِنْ كُلِّ بَلَدٍ: مَا تَضَمَّنَ وسَطَه. والضامِنَةُ: مَا تَضَمَّنَتْه القُرَى والأَمْصارُ مِنَ النَّخْلِ، فَاعِلَةٌ بِمَعْنَى مُفْعُولَةٍ؛ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: وَفِي كِتَابِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأُكَيْدِرِ بن عبد الْمَلِكِ، وَفِي التَّهْذِيبِ: لأُكَيْدِر دُومةِ الجَنْدَل، وَفِي الصِّحَاحِ:
أَنه، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَتَبَ لِحَارِثَةَ بْنِ قَطَنٍ وَمَنْ بدُومَةِ الجَنْدَلِ مِنْ كَلْبٍ: إِن لَنَا الضَّاحيَةَ مِنَ البَعْلِ «2» . والبُورَ والمَعامِيَ، وَلَكُمُ الضَّامِنةُ مِنَ النَّخْلِ والمَعِينُ.
قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الضَّاحية مِنَ الضَّحْل مَا ظَهر وبَرَزَ وَكَانَ خَارِجًا مِنَ العِمارة فِي البَرِّ مِنَ النَّخْلِ، والبَعْلُ الَّذِي يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ مِنْ غَيْرِ سقْيٍ. والضَّامِنَة مِنَ النخل: مَا تَضَمَّنَها أَمْصارُهم وَكَانَ دَاخِلًا فِي العِمَارة وأَطاف بِهِ سُورُ الْمَدِينَةِ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: سُمِّيَتْ ضَامِنَةً لأَن أَربابها قَدْ ضَمِنُوا عمارَتَها وَحَفِظَهَا، فَهِيَ ذاتُ ضَمانٍ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ*؛ أَي ذاتِ رِضاً، والضَّامِنَةُ فَاعِلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ. وَفِي الْحَدِيثِ:
الإِمام ضامِنٌ والمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ
؛ أَراد بالضَّمَان هَاهُنَا الحِفْظَ وَالرِّعَايَةَ لَا ضَمان الْغَرَامَةِ لأَنه يَحْفَظُ عَلَى الْقَوْمِ صَلَاتَهُمْ، وَقِيلَ: إِن صَلَاةَ الْمُقْتَدِينَ بِهِ فِي عُهْدَتِهِ وَصِحَّتِهَا مَقْرُونَةٌ بِصِحَّةِ صَلَاتِهِ، فَهُوَ كَالْمُتَكَفِّلِ لَهُمْ صِحَّةَ صَلَاتِهِمْ. والمُضَمَّنُ مِنَ الشِّعْرِ: مَا ضَمَّنْتَهُ بَيْتًا، وَقِيلَ مَا لَمْ تَتِمَّ مَعَانِي قَوَافِيهِ إِلا بِالْبَيْتِ الَّذِي يَلِيهِ كَقَوْلِهِ:
يَا ذَا الَّذِي فِي الحُبِّ يَلْحَى، أَما ... واللهِ لَوْ عُلِّقْتَ مِنْهُ كَمَا
عُلِّقْتُ مِنْ حُبِّ رَخِيمٍ، لَمَا ... لُمْتَ عَلَى الحُبِّ، فَدَعْني وما
__________
(1) . قوله [تربيت] أَي تربية أَي لا يربيه القبر، كما في التهذيب
(2) . قوله [إِن لَنَا الضَّاحِيَةَ مِنَ البعل] كذا في الصحاح، والذي في التهذيب: من الضحل، وهما روايتان كما في النهاية. ولو قال كما في النهاية: إِن لَنَا الضَّاحِيَةَ مِنَ الضحل، ويروي من البعل، لكان أولى لأَجل قوله بعد والبعل الذي إِلخ(13/258)
قَالَ: وَهِيَ أَيضاً مَشْطُورَةٌ مُضَمَّنَة أَي أُلْقِيَ مِنْ كُلِّ بَيْتٍ نِصْفٌ وبُنِيَ عَلَى نِصْفٍ؛ وَفِي الْمُحْكَمِ: المُضَمَّنُ مِنْ أَبيات الشِّعْرِ مَا لَمْ يَتِمَّ مَعْنَاهُ إِلا فِي الْبَيْتِ الَّذِي بَعْدَهُ، قَالَ: وَلَيْسَ بِعَيْبٍ عِنْدَ الأَخفش، وأَن لَا يكونَ تَضْمِينٌ أَحْسَنُ؛ قَالَ الأَخفش: وَلَوْ كَانَ كُلُّ مَا يُوجَدُ مَا هُوَ أَحسن مِنْهُ قَبِيحًا كَانَ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
سَتُبْدي لَكَ الأَيامُ مَا كُنْتَ جَاهِلًا، ... ويأْتيك بالأَخْبارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ
رَدِيئًا إِذا وَجَدْتَ مَا هُوَ أَشْعر مِنْهُ، قَالَ: فَلَيْسَ التَّضْمِينُ بِعَيْبٍ كَمَا أَن هَذَا لَيْسَ بِرَدِيءٍ، وَقَالَ ابْنُ جِنِّي: هَذَا الَّذِي رَآهُ أَبو الْحَسَنِ مِنْ أَن التَّضْمِينَ لَيْسَ بِعَيْبٍ مَذْهَبٌ تَرَاهُ الْعَرَبُ وَتَسْتَجِيزُهُ، وَلَمْ يَعْدُ فِيهِ مذهبَهم مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحدهما السَّمَاعُ، وَالْآخَرُ الْقِيَاسُ، أَما السَّمَاعُ فَلِكَثْرَةِ مَا يَرِدُ عَنْهُمْ مِنَ التَّضْمِينِ، وأَما الْقِيَاسُ فلأَن الْعَرَبَ قَدْ وَضَعَتِ الشِّعْرَ وَضْعًا دَلَّتْ بِهِ عَلَى جَوَازِ التَّضْمِينِ عِنْدَهُمْ؛ وَذَلِكَ مَا أَنشده صَاحِبُ الْكِتَابِ وأَبو زَيْدٍ وَغَيْرُهُمَا مِنْ قَوْلِ الرَّبيعِ بْنِ ضَبُعٍ الفَزَاري:
أَصْبَحْتُ لَا أَحْمِلُ السلاحَ، وَلَا ... أَملك رأْس البعيرِ، إِن نَفَرا
والذئبَ أَخْشاه، إِن مَرَرْتُ بِهِ ... وَحْدِي، وأَخْشَى الرياحَ والمَطَرا
. فنَصْبُ الْعَرَبِ الذِّئْبَ هُنَا، واختيارُ النَّحْوِيِّينَ لَهُ مِنْ حَيْثُ كَانَتْ قَبْلَهُ جُمْلَةٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ فِعْلٍ وَفَاعِلٍ، وَهِيَ قَوْلُهُ لَا أَملك، يَدُلُّكَ عَلَى جَرْيِهِ عِنْدَ الْعَرَبِ وَالنَّحْوِيِّينَ جَمِيعًا مَجْرَى قَوْلِهِمْ: ضَرَبْتُ زَيْدًا وَعَمْرًا لَقِيتُهُ، فكأَنه قَالَ: وَلَقِيتُ عَمْرًا لِتَتَجَانَسَ الْجُمْلَتَانِ فِي التَّرْكِيبِ، فَلَوْلَا أَن الْبَيْتَيْنِ جَمِيعًا عِنْدَ الْعَرَبِ يَجْرِيَانِ مَجْرَى الْجُمْلَةِ الْوَاحِدَةِ لَمَا اخْتَارَتِ الْعَرَبُ وَالنَّحْوِيُّونَ جَمِيعًا نَصْبَ الذِّئْبِ، وَلَكِنْ دَلَّ عَلَى اتِّصَالِ أَحد الْبَيْتَيْنِ بِصَاحِبِهِ وَكَوْنِهِمَا مَعًا كَالْجُمْلَةِ الْمَعْطُوفِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ، وَحُكْمُ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ أَن يَجْرِيَا مَجْرَى الْعُقْدَةِ الْوَاحِدَةِ، هَذَا وَجْهُ الْقِيَاسِ فِي حُسْنِ التَّضْمِينِ، إِلا أَن بإِزائه شَيْئًا آخَرَ يَقْبُحُ التَّضْمِينُ لأَجله، وَهُوَ أَن أَبا الْحَسَنِ وَغَيْرَهُ قَدْ قَالُوا: إِن كُلَّ بَيْتٍ مِنَ الْقَصِيدَةِ شِعْرٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ، فَمِنْ هُنَا قَبُحَ التَّضْمِينُ شَيْئًا، وَمِنْ حَيْثُ ذَكَرْنَا مِنِ اخْتِيَارِ النَّصْبِ فِي بَيْتِ الرَّبِيعِ حَسُنَ، وإِذا كَانَتِ الْحَالُ عَلَى هَذَا فَكُلَّمَا ازْدَادَتْ حَاجَةُ الْبَيْتِ الأَول إِلى الثَّانِي وَاتَّصَلَ بِهِ اتِّصَالًا شَدِيدًا كَانَ أَقبح مِمَّا لَمْ يَحْتَجِ الأَول فِيهِ إِلى الثَّانِي هَذِهِ الْحَاجَةَ؛ قَالَ: فَمِنْ أَشدّ التَّضْمِينِ قَوْلُ الشَّاعِرِ رُوِيَ عَنْ قُطْرُب وَغَيْرِهِ:
وَلَيْسَ المالُ، فاعْلَمْهُ، بمالٍ ... مِنَ الأَقْوامِ إِلا للَّذِيِ
يُرِيدُ بِهِ العَلاءَ ويَمْتَهِنْهُ ... لأَقْرَبِ أَقْرَبِيه، وللقَصِيِ
. فضَمَّنَ بِالْمَوْصُولِ وَالصِّلَةِ عَلَى شِدَّةِ اتِّصَالِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ؛ وَقَالَ النَّابِغَةُ:
وَهُمْ وَرَدُوا الجِفارَ عَلَى تميمٍ، ... وَهُمْ أَصحابُ يومِ عُكاظَ،
إِنِّي شَهِدْتُ لَهُمْ مَواطِنَ صادِقاتٍ، ... أَتَيْتُهُمُ بِوُدِّ الصَّدْرِ مِنِّي
وَهَذَا دُونَ الأَول لأَنه لَيْسَ اتصالُ الْمُخْبَرِ عَنْهُ بِخَبَرِهِ فِي شِدَّةِ اتِّصَالِ الْمَوْصُولِ بِصِلَتِهِ؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُ القُلاخ لسَوَّار بْنِ حَيّان المَنْقَريّ:
وَمِثْلُ سَوَّارٍ ردَدْناه إِلى ... إِدْرَوْنِه ولُؤْمِ إِصِّه عَلَى
أَلرَّغْمِ مَوْطوءَ الحِمى مُذَلَّلا(13/259)
والمُضَمَّنُ مِنَ الأَصوات: مَا لَا يُسْتَطَاعُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ حَتَّى يُوصَلَ بِآخَرَ. قَالَ الأَزهري: و [المُضَمَّنُ] مِنَ الأَصوات أَن يَقُولَ الإِنسان قِفْ فُلَ بإِشمام اللَّامِ إِلى الْحَرَكَةِ. والضَّمانةُ والضَّمانُ: الزَّمانة وَالْعَاهَةُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
بعَيْنَينِ نَجْلاوَينِ لَمْ يَجْرِ فِيهِمَا ... ضمانٌ، وجِيدٍ حُلِّيَ الشذْرَ شامِس
. والضَّمَنُ والضَّمانُ والضُّمْنة والضَّمانة: الدَّاءُ فِي الْجَسَدِ مِنْ بَلَاءٍ أَو كِبر؛ رَجُلٌ ضَمَنٌ، لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ وَلَا يُؤَنَّثُ: مَرِيضٌ، وَكَذَلِكَ ضَمِنٌ، وَالْجَمْعُ ضَمِنُون، وضَمِينٌ وَالْجَمْعُ ضَمْنى، كُسِّر عَلَى فَعْلى وإِن كَانَتْ إِنما يُكَسَّرُ بِهَا الْمَفْعُولُ نَحْوَ قَتْلى وأَسْرَى، لَكِنَّهُمْ تَجَوَّزُوهُ عَلَى لَفْظِ فاعِل أَو فَعِلٍ عَلَى تَصَوُّرِ مَعْنَى مَفْعُولٍ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: كُسِّر هَذَا النَّحْوُ عَلَى فَعْلى لأَنها مِنَ الأَشياء الَّتِي أُصيبوا بِهَا وأُدْخلوا فِيهَا وَهُمْ لَهَا كَارِهُونَ. وَقَدْ ضَمِنَ بِالْكَسْرِ، ضَمَناً: كمَرِض وزَمِن، فَهُوَ ضَمِنٌ أَي مُبْتَلًى. والضَّمانة: الزَّمانة. وَفِي حَدِيثِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: مَنِ اكْتَتَب ضَمِناً بَعَثَهُ اللَّهُ ضَمِناً يَوْمِ الْقِيَامَةِ
أَي مَنْ سأَل أَن يَكْتُبَ نَفْسَهُ فِي جُمْلَةِ الزَّمْنى، ليُعْذَرَ عَنِ الْجِهَادِ وَلَا زَمانة بِهِ، بَعَثَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ زَمِناً، وَاكْتَتَبَ: سأَل أَن يُكْتَبَ فِي جُمْلَةِ الْمَعْذُورِينَ، وخرَّجه بَعْضُهُمْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بْنِ الْعَاصِ، وإِذا أَخذ الرجلُ مِنْ أَمير جُنْدِه خَطًّا بزَمانته. والمُؤَدِّي الْخَرَاجَ يَكْتَتبُ البراءَة بِهِ. والضَّمِنُ: الَّذِي بِهِ ضَمانة فِي جَسَدِهِ مِنْ زَمَانَةٍ أَو بلاءٍ أَو كَسْر وَغَيْرِهِ، تَقُولُ مِنْهُ: رَجُلٌ ضَمِنٌ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
مَا خِلْتُني زِلْتُ بعْدَكمْ ضَمِناً، ... أَشكو إِليكم حُمُوَّة الأَلَمِ
. وَالِاسْمُ الضَّمَن، بِفَتْحِ الْمِيمِ، والضَّمان؛ وَقَالَ ابْنُ أَحمر وَقَدْ كَانَ سُقِيَ بطنُه:
إِليك، إِلهَ الخَلْقِ، أَرْفَعُ رَغْبتي ... عِياذاً وخَوْفاً أَن تُطيلَ ضَمانِيا
. وَكَانَ قَدْ أَصابه بَعْضُ ذَلِكَ، فالضَّمان هُوَ الدَّاءُ نَفْسُهُ، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ: أَن يَكْتَتِبَ الرجلُ أَنَّ بِهِ زَمَانَةً لِيَتَخَلَّفَ عَنِ الْغَزْوِ وَلَا زَمَانَةَ بِهِ، وإِنما يَفْعَلُ ذَلِكَ اعْتِلَالًا، وَمَعْنَى يَكتتِب يأْخذ لِنَفْسِهِ خَطًّا مِنْ أَمير جَيْشِهِ لِيَكُونَ عُذْرًا عِنْدَ وَالِيهِ. الْفَرَّاءُ: ضَمِنَتْ يدُه ضَمانة بِمَنْزِلَةِ الزَّمَانَةِ. وَرَجُلٌ مَضْمون الْيَدِ: مِثْلُ مَخْبون الْيَدِ. وَقَوْمٌ ضَمْنى أَي زَمْنى. الْجَوْهَرِيُّ: والضُّمْنة، بِالضَّمِّ، مِنْ قَوْلِكَ كَانَتْ ضُمْنةُ فُلَانٍ أَربعة أَشهر أَي مَرَضُه. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَير: مَعْبوطةٌ غيرُ ضَمِنةٍ
أَي أَنها ذُبِحَتْ لِغَيْرِ عِلَّةٍ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه كَانَ لِعَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ ابْنٌ أَصابته رَمْيةٌ يومَ الطَّائِفِ فضَمِنَ مِنْهَا
أَي زَمِنَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
كَانُوا يَدْفعون الْمَفَاتِيحَ إِلى ضَمْناهم وَيَقُولُونَ: إِن احْتَجْتُمْ فكُلوا
؛ الضَّمْنى: الزَّمْنى، جَمْعُ ضَمِنٍ. والضَّمانةُ: الحُبُّ؛ قَالَ ابْنِ عُلَّبة:
وَلَكِنْ عَرتْني مِنْ هَواكِ ضَمانةٌ، ... كَمَا كنتُ أَلقى منكِ إِذ أَنا مُطْلقُ
. وَرَجُلٌ ضَمِنٌ: عَاشِقٌ. وَفُلَانٌ ضَمِنٌ عَلَى أَهله وأَصحابه أَي كلٌّ؛ أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ فُلَانٌ ضَمِنٌ عَلَى أَصحابه وكَلٌّ عَلَيْهِمْ وَهُمَا وَاحِدٌ. وإِني لَفِي غَفَلٍ عَنْ هَذَا وغُفُولٍ وغَفْلة بِمَعْنًى واحد؛ قال لبيد:
يُعْطي حُقوقاً عَلَى الأَحساب ضامِنةً، ... حَتَّى يُنَوِّرَ فِي قُرْيانِه الزَّهَرُ
. كأَنه قَالَ مَضْمُونَةً؛ وَمِثْلُهُ:
أَناشِرَ لَا زالَتْ يَمينُك آشِرَه.(13/260)
يُرِيدُ مأْشورة أَي مَقْطُوعَةً. وَمِثْلُهُ: أَمْرٌ عارفٌ أَي مَعْرُوفٌ، والراحلةُ: بِمَعْنَى المَرْحولة، وَتَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ أَي مُبانة. وفَهِمْت مَا تضَمَّنه كِتَابُكَ أَي مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ وَكَانَ فِي ضِمْنه. وأَنفَذْتُه ضِمْن كِتَابِي أَي فِي طَيّه.
ضمحن: اضْمَحَلَّ الشيءُ واضْمَحَنَّ: عَلَى الْبَدَلِ عَنْ يَعْقُوبَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَرْفِ اللام.
ضنن: الضِّنَّة والضِّنُّ والمَضَنَّة والمَضِنَّة، كُلُّ ذَلِكَ. مِنَ الإِمساك والبُخْل، وَرَجُلٌ ضَنينٌ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ
؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: قرأَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَعَاصِمٌ وأَهل الْحِجَازِ بضَنِينٍ، وَهُوَ حَسَن، يَقُولُ: يأْتيه غَيْبٌ وَهُوَ مَنْفوس فِيهِ فَلَا يَبْخَلُ بِهِ عَلَيْكُمْ وَلَا يَضِنُّ بِهِ عَنْكُمْ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ عَلَى عَنْ صَلَح أَو الْبَاءُ كَمَا تَقُولُ: مَا هُوَ بِضَنِينٍ بِالْغَيْبِ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: مَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِبَخِيلٍ أَي هُوَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُؤَدِّي عَنِ اللَّهِ ويُعَلِّم كتابَ اللَّهِ أَي مَا هُوَ بِبَخِيلٍ كَتُومٍ لِمَا أُوحي إِليه، وقرئَ:
بظَنينٍ
، وَتَفْسِيرُهُ فِي مَكَانِهِ. ابْنُ سِيدَهْ: ضَنِنْتُ بِالشَّيْءِ أَضَنُّ، وَهِيَ اللُّغَةُ الْعَالِيَةُ، وضَنَنْتُ أَضِنُّ ضَنّاً وضِنّاً وضِنَّةً ومَضَنَّة ومَضِنَّة وضَنانة بَخِلْت بِهِ، وَهُوَ ضَنين بِهِ. قَالَ ثَعْلَبٌ: قَالَ الْفَرَّاءُ سَمِعْتُ ضَنَنْتُ وَلَمْ أَسمع أَضِنُّ، وَقَدْ حَكَاهُ يَعْقُوبُ، وَمَعْلُومٌ أَن مَنْ رَوَى حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَرْوِ؛ وَقَوْلُ قَعْنَب بْنُ أُمِّ صَاحِبٍ:
مَهْلًا أَعاذِلَ، قَدْ جَرَّبْتِ مِنْ خُلُقي ... أَني أَجُودُ لأَقوامٍ، وإِن ضَنِنُوا
. فأَظهر التَّضْعِيفَ ضَرُورَةً. وعِلْقُ مَضِنَّةٍ ومَضَنَّة، بِكَسْرِ الضَّادِ وَفَتْحِهَا، أَي هُوَ شَيْءٌ نَفِيسٌ مَضْنون بِهِ ويُتَنافَس فِيهِ. والضّنُّ: الشَّيْءُ النَّفِيسُ المَضْنُون بِهِ؛ عَنِ الزَّجَّاجِيِّ. وَرَجُلٌ ضَنِينٌ: بَخِيلٌ؛ وَقَوْلُ الْبَعِيثِ:
أَلا أَصْبَحَتْ أَسماءُ جاذِمةَ الحَبْلِ، ... وضَنَّتْ عَلَيْنَا، والضَّنِينُ مِنَ البُخْلِ
. أَراد: الضَّنينُ مخلوقٌ مِنَ الْبُخْلِ، كَقَوْلِهِمْ مَجْبُولٌ مِنَ الْكَرَمِ، ومَطينٌ مِنَ الْخَيْرِ، وَهِيَ مَخْلُوقَةٌ مِنَ الْبُخْلِ، وَكُلُّ ذَلِكَ عَلَى الْمَجَازِ لأَن المرأَة جَوْهَرٌ وَالْبُخْلُ عَرَض، والجوهرُ لَا يَكُونُ مِنَ العَرض، إِنما أَراد تَمْكِينَ الْبُخْلِ فِيهَا حَتَّى كأَنها مَخْلُوقَةٌ مِنْهُ، وَمِثْلُهُ مَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ مِنْ قَوْلِهِمْ: مَا زَيْدٌ إِلَّا أَكْلٌ وشُرْبٌ، وَلَا يَكُونُ أَكلًا وَشُرْبًا لِاخْتِلَافِ الْجِهَتَيْنِ، وَهَذَا أَوفق مِنْ أَن يُحْمَلَ عَلَى الْقَلْبِ وأَن يُرَادَ بِهِ والبخلُ مِنَ الضَّنِين لأَن فِيهِ مِنَ الإِعْظام وَالْمُبَالَغَةِ مَا لَيْسَ فِي الْقَلْبِ؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ:
وهُنَّ مِنَ الإِخْلافِ والوَلَعانِ
وَهُوَ كَثِيرٌ. وَيُقَالُ: فُلَانٌ ضِنَّتي مِنْ بَيْنِ إِخواني وضِنِّي أَي أَختص بِهِ وأَضِنُّ بمودَّته. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِن لِلَّهِ ضنائنَ «3» . مِنْ خَلْقِه
، وَفِي رِوَايَةٍ:
ضِنّاً مِنْ خَلْقِهِ يُحْيِيهِمْ فِي عَافِيَةٍ وَيُمِيتُهُمْ فِي عَافِيَةٍ
أَي خَصَائِصَ، وَاحِدُهُمْ ضَنِينَة، فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ، مِنَ الضِّنِّ وَهُوَ مَا تَخْتَصُّهُ وتَضَنُّ بِهِ أَي تَبْخَلُ لِمَكَانِهِ مِنْكَ ومَوْقِعِه عِنْدَكَ؛ وَفِي الصِّحَاحِ: فُلَانٌ ضِنِّي مِنْ بَيْنِ إِخواني، وَهُوَ شِبْه الِاخْتِصَاصِ. وَفِي حَدِيثِ الأَنصار:
لَمْ نَقُلْ إِلّا ضِنّاً بِرَسُولِ اللَّهِ
أَي بُخْلًا وشُحّاً أَن يُشارِكنا فِيهِ غيرُنا. وَفِي حَدِيثِ سَاعَةِ الْجُمُعَةِ:
فَقُلْتُ أَخْبِرني بِهَا وَلَا تَضْنَنْ عليَ
أَي لَا تَبْخَل. وَيُقَالُ اضْطَنَّ يَضْطَنُّ أَي بَخِلَ يبْخَلُ، وَهُوَ افْتِعال مِنَ الضَّنِّ، وَكَانَ فِي الأَصل اضْتَنَّ، فَقُلِبَتِ التَّاءُ طَاءً. وضَنِنْتُ بِالْمَنْزِلِ ضِنّاً وضَنَانَةً: لَمْ أَبْرَحْه، والاضْطِنانُ افْتِعال مِنْ ذَلِكَ.
__________
(3) . قوله [وَفِي الْحَدِيثِ إِن لِلَّهِ ضنائن إِلخ] قال الصاغاني: هذا من الأَحاديث التي لا طرق لها(13/261)
وأَخَذْتُ الأَمْر بضَنانَتِه أَي بطَراوَتِه لَمْ يَتَغَيَّرْ، وهَجَمْتُ عَلَى الْقَوْمِ وَهُمْ بضَنانَتِهم لَمْ يتفرَّقوا. وَرَجُلٌ ضَنَنٌ: شُجَاعٌ؛ قَالَ:
إِني إِذا ضَنَنٌ يَمْشي إِلى ضَنَنٍ، ... أَيْقَنْتُ أَنَّ الفَتى مُودٍ بِهِ الموتُ
. والمَضْنُون: الْغَالِيَةُ، وَفِي الْمُحْكَمِ: المَضْنُونُ دُهْنُ البانِ: قَالَ الرَّاجِزُ:
قَدْ أَكْنَبَتْ يَداكَ بَعْدَ لِينِ، ... وبَعْدَ دُهْنِ البانِ والمَضْنُونِ،
وهَمَّتا بالصَّبْرِ والمُرُونِ
. والمَضْنون والمَضْنونة: الغالِيةُ؛ عَنِ الزَّجَّاجِ. الأَصمعي: المَضْنُونةُ ضَرْبٌ مِنَ الغِسْلَةِ والطِّيب؛ قَالَ الرَّاعِي:
تَضُمُّ عَلَى مَضْمُونَةٍ فارِسيَّةٍ ... ضَفَائِرَ لَا ضَاحِي القُرُونِ، وَلَا جَعْدِ
وتُضْحي، وَمَا ضَمَّتْ فُضُولَ ثِيابِها ... إِلى كَتِفَيْها بائْتِزَارٍ، وَلَا عَقْدِ
كأَنَّ الخُزامى خالَطَتْ، فِي ثِيَابِهَا، ... جَنِيّاً مِنَ الرَّيْحانِ، أَو قُضُبِ الرَّنْدِ
. والمَضْنونة: اسْمٌ لِزَمْزَمَ، وَابْنُ خَالَوَيْهِ يَقُولُ فِي بِئْرِ زَمْزَمَ المَضنُون، بِغَيْرِ هَاءٍ. وَفِي حَدِيثِ زَمْزَمَ:
قِيلَ لَهُ احْفِرِ المَضْنُونة
أَي الَّتِي يُضَنُّ بِهَا لنَفاستها وعِزَّتِها، وَقِيلَ للخَلُوقِ والطِّيبِ المَضْنُونة لأَنه يُضَنُّ بِهِمَا. وضِنَّةُ: اسْمُ أَبي قَبِيلَةٍ، وَفِي الْعَرَبِ قَبِيلَتَانِ: إِحداهما تُنْسَبُ إِلى ضِنَّة بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، وَالثَّانِيَةُ ضِنَّة بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَبِيرِ «1» . بْنِ عُذْرَة، والله أَعلم.
ضون: الضَّيْوَنُ: السِّنَّوْرُ الذَّكَرُ، وَقِيلَ: هُوَ دُوَيْبَّة تُشْبِهُهُ، نَادِرٌ خَرَجَ عَلَى الأَصل كَمَا قَالُوا رجاء بن حَيْوَة، وضَيْوَنٌ أَنْدَرُ لأَن ذَلِكَ جِنْسٌ وَهَذَا عَلَمٌ، وَالْعَلَمُ يَجُوزُ فِيهِ مَا لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهِ، وَالْجَمْعُ الضَّياوِن؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُهُ مَا أَنشده الْفَرَّاءُ:
ثَرِيدٌ كأَنَّ السَّمْنَ فِي حَجَراتِه ... نُجومُ الثُّرَيَّا، أَو عُيُونُ الضَّياوِنِ
وَصَحَّتِ الْوَاوُ فِي جَمْعِهَا لِصِحَّتِهَا فِي الْوَاحِدِ، وإِنما لَمْ تُدْغَمْ فِي الْوَاحِدِ لأَنه اسْمٌ مَوْضُوعٌ وَلَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْفِعْلِ، وَكَذَلِكَ حَيْوَةُ اسْمُ رَجُلٍ، وَفَارَقَ هَيِّناً ومَيِّتاً وسَيِّداً وجَيِّداً، وَقَالَ سِيبَوَيْهِ فِي تَصْغِيرِهِ ضُبَيِّنٌ، فأَعَلَّه وَجَعَلَهُ مِثْلَ أُسَيِّد، وإِن كَانَ جَمْعُهُ أَساود، وَمَنْ قَالَ أُسَيْوِد فِي التَّصْغِيرِ لَمْ يَمْتَنِعْ أَن يَقُولَ ضُيَيْوِنٌ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَضَيْوَنٌ فَيْعَلٌ لَا فَعُوَلٌ، لأَن بَابَ ضَيْغَم أَكثر مِنْ بَابِ جَهْوَر. والضَّانَة، غَيْرُ مَهْمُوزٍ: البُرَة الَّتِي يُبْرَى بِهَا البعيرُ إِذا كَانَتْ مِنْ صُفْرٍ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَضَيْنَا أَن أَلفها وَاوٌ لأَنها عَيْنٌ. والتَّضَوُّنُ: كَثْرَةُ الوَلَد. والضَّوْنُ: الإِنْفَحة؛ الأَزهري فِي تَرْجَمَةِ خَزَمَ: قَالَ شَمِرٌ الخِزَامة إِذا كَانَتْ مِنْ عَقَبٍ فَهِيَ ضانَةٌ؛ وأَنشد لِابْنِ مَيَّادَة:
قطعتُ بمِصْلالِ الخِشاشِ يَرُدُّها، ... عَلَى الكُرْهِ مِنْهَا، ضانَةٌ وجَدِيلُ
سَلَمَةُ عَنِ الْفَرَّاءِ: المِيضانة القُفَّة، وَهِيَ المَرْجُونة والقَفْعَة؛ وأَنشد:
لَا تَنْكِحَنَّ بَعْدَهَا حَنَّانه ... ذاتَ قَتارِيدَ، لَهَا مِيضانه
قَالَ: حَنَّ وهَنَّ أَي بَكى، وَفِي الْمُحْكَمِ فِي ترجمة
__________
(1) . قوله [ضِنَّةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كبير إِلخ] كذا بالأَصل والمحكم والقاموس، والذي في التكملة: ضنة بن عبد بن كبير إِلخ وصوّبه شارح القاموس ولم يبين وجهه(13/262)
وَضَن: المِيضَنَة كالجُوَالِق.
ضين: الضِّينُ والضَّيْنُ: لُغَتَانِ فِي الضأْن، فإِما أَن يَكُونَ شَاذًّا، وإِما أَن يَكُونَ مِنْ لَفْظِ آخَرَ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهُوَ الصحيح عندي.
فصل الطاء المهملة
طبن: الطَّبَنُ، بِالتَّحْرِيكِ: الفِطْنَةُ. طَبِنَ الشيءَ وطَبِنَ لَهُ وطَبَنَ، بِالْفَتْحِ، يَطْبَنُ طَبَناً وطَبانةً وطبَانية وطُبُونة: فطِنَ لَهُ. وَرَجُلٌ طَبِنٌ: فَطِنٌ حاذِقٌ عَالِمٌ بِكُلِّ شَيْءٍ؛ قَالَ الأَعشى:
واسْمَعْ فإِني طَبِنٌ عالمٌ، ... أَقْطَعُ مِنْ شِقْشِقَة الهَادِرِ
. وَكَذَلِكَ طابنٌ وطُبُنَّةٌ؛ قِيلَ: الطَّبَنُ الفِطْنَةُ لِلْخَيْرِ، والتَّبَنُ للشَّرِّ. أَبو زَيْدٍ: طَبِنْتُ بِهِ أَطْبَنُ طَبَناً وطَبَنْتُ أَطْبِنُ طَبَانَة، وَهُوَ الخَدْعُ. وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: الطَّبَانَةُ والتَّبانة وَاحِدٌ، وَهُمَا شدَّة الفِطْنة. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: الطَّبانة والطَّبانيَة والتَّبانَة والتَّبانِيَةُ واللَّقانَة واللَّقانِيَة واللَّحانة واللَّحانِية، مَعْنَى هَذِهِ الْحُرُوفِ وَاحِدٌ. وَرَجُلٌ طَبِنٌ تَبِنٌ: لَقِنٌ لَحِنٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن حَبَشِيّاً زُوِّجَ رُومِيَّةً فَطَبِنَ لَهَا غُلامٌ رُوميٌّ، فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ كأَنه وَزَغَة
؛ قَالَ شَمِرٌ: طَبَنَ لَهَا غلام أَي خَيَّبَها وخَدَعها؛ وأَنشد:
فقُلْتُ لَهَا: بَلْ أَنتِ حَنَّةُ حَوْقَلٍ، ... جَرى بالفِرَى، بَيْنِي وَبَيْنَكِ، طابِنُ
. أَي رفيقٌ داهٍ خَبٌّ عَالِمٌ بِهِ. قَالَ ابْنُ الأَثير: الطَّبانَةُ الفِطْنة. طَبِنَ لِكَذَا طَبانَةً فَهُوَ طَبِنٌ أَي هَجَمَ عَلَى بَاطِنِهَا وخَبَرَ أَمرها وأَنها مِمَّنْ تُوَاتيه عَلَى المُراوَدة، قَالَ: هَذَا إِذا رُوِيَ بِكَسْرِ الْبَاءِ، وإِن رُوِيَ بِالْفَتْحِ كَانَ مَعْنَاهُ خَيَّبَهَا وأَفسدها. والطَّبْنُ: الْجَمْعُ الْكَثِيرُ مِنَ النَّاسِ. والطَّبْنُ: الخَلْقُ. يُقَالُ: مَا أَدري أَيُّ الطَّبْنِ هُوَ، بِالتَّسْكِينِ، كَقَوْلِكَ: مَا أَدري أَيّ النَّاسِ هُوَ، وَاخْتَارَ ابْنُ الأَعرابي مَا أَدري أَيُّ الطَّبَنِ هُوَ، بِالْفَتْحِ. وَجَاءَ بالطَّبْنِ أَي الْكَثِيرِ. والطِّبْنُ: البيتُ. والطِّبْنُ: مَا جَاءَتْ بِهِ الرِّيحُ مِنَ الْحَطَبِ والقَمْشِ، فإِذا بُنِيَ مِنْهُ بَيْتٌ فَلَا قوَّة لَهُ. والطِّبْنُ: القِرْقُ. والطُّبْنُ والطِّبْنُ والطَّبْنُ: خَطٌّ مُسْتَدِيرٌ يَلْعَبُ بِهِ الصِّبْيَانُ يُسَمُّونَهُ الرَّحَى؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
مِنْ ذِكْرِ أَطْلالٍ ورَسْمٍ ضَاحِي، ... كالطِّبْنِ فِي مُخْتَلَفِ الرِّياحِ
. وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ: كالطَّبْلِ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: الطَّبْنُ والطِّبْنُ هَذِهِ اللُّعْبَةُ الَّتِي تُسَمَّى السُّدَّرَ؛ وأَنشد:
يَبِتْنَ يَلْعَبنَ حَوالَيَّ الطَّبَنْ
الطَّبَنُ هُنَا: مَصْدَرٌ لأَنه ضَرْبٌ مِنَ اللَّعِبِ، فَهُوَ مِنْ بَابِ اشْتَمَلَ الصَّمّاء. والطُّبَنُ: اللُّعَبُ. الْجَوْهَرِيُّ: والطُّبْنَةُ لُعْبَةٌ يُقَالُ لَهَا بِالْفَارِسِيَّةِ سِدَرَهْ، وَالْجَمْعُ طُبَنٌ مِثْلُ صُبْرَة وصُبَرٍ؛ وأَنشد أَبو عَمْرٍو:
تَدَكَّلَتْ بَعْدِي وأَلْهَتْها الطُّبَنْ، ... ونَحْنُ نَعْدُو فِي الخَبَارِ والجَرَنْ
. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: كَذَا أَنشده أَبو عَمْرٍو تَدَكَّلَتْ، بِالْكَافِ؛ قَالَ: والتَّدَكُّلُ ارتفاعُ الرَّجُلِ فِي نَفْسِهِ، والطُّبَنُ وَاحِدَتُهَا طُبْنَةٌ. ابنُ بَرِّيٍّ: والطَّبَانةُ أَن يَنْظُرَ الرَّجُلُ إِلى حَلِيلَتِهِ، فإِما أَن يَحْظُلَ أَي يَكُفَّهَا عَنِ الظُّهُورِ، وإِما أَن يَغْضَبَ ويَغارَ؛ وأَنشد لِلْجَعْدِيِّ:
فَمَا يُعْدِمْكِ لَا يُعْدِمْكِ مِنْهُ ... طَبانيةٌ، فيَحْظُلُ أَو يَغارُ.(13/263)
وَطَبَنَ النارَ يَطْبِنُها طَبْناً: دَفَنَهَا كَيْ لَا تَطْفَأ، والطّابُون: مَدْفِنُها. وَيُقَالُ: طابِنْ هَذِهِ الحَفِيرَة وطامِنْها. واطْبَأَنَّ قَلْبُهُ واطْبَأَنَّ الرَّجُلُ: سَكَنَ، لُغَةٌ فِي اطْمَأَنَّ. وطأْبَنَ ظَهرَه: كطأْمَنَهُ، وَهِيَ الطُّمَأْنينة والطُّبَأْنِينة، والمُطْبَئِنُّ مِثْلُ المُطْمَئِنِّ. ابْنُ الأَعرابي: الطُّبْنَةُ صوتُ الطُّنْبُور، وَيُقَالُ للطنْبُور: طُبْنٌ؛ وأَنشد:
فإِنَّكَ مِنّا، بينَ خَيْلٍ مُغِيرَةٍ ... وخَصْمٍ، كعُودِ الطُّبْنِ لا يَتَغَيَّبُ.
طبرزن: قَالَ فِي تَرْجَمَةِ طبرزذ: الطَّبَرْزَذُ السُّكَّرُ، فارسي مُعَرَّبٌ، وَحَكَى الأَصمعي طَبْرزَل وطبرْزَن لهذا السكر، بالنون وَاللَّامِ. وَقَالَ يَعْقُوبُ: طَبَرْزُل وطَبَرْزُن، قَالَ: وَهُوَ مِثَالٌ لَا أَعرفه. قَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: قَوْلُهُمْ طَبَرْزَل وطَبَرْزَن لستَ بأَن تَجْعَلَ أَحدَهما أَصلًا لِصَاحِبِهِ بأَوْلى مِنْكَ بِحَمْلِهِ عَلَى ضِدِّه، لِاسْتِوَائِهِمَا في الاستعمال.
طجن: الطاجِنُ: المِقْلَى، وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ تَابَهْ. والطَّجْنُ: قَلْوُك عَلَيْهِ، دَخيل. قَالَ اللَّيْثُ: أُهملت الْجِيمُ وَالطَّاءُ فِي الثُّلَاثِيِّ الصَّحِيحِ، وَوَجَدْنَاهَا مُسْتَعْمَلَةً بَعْضُهَا عَرَبِيَّةٌ وَبَعْضُهَا معرَّبة، فَمِنَ الْمُعَرَّبِ قَوْلُهُمْ طَجْنَةُ بَلَدٌ مَعْرُوفٌ، وَقَوْلُهُمْ للطابِقِ الَّذِي يُقْلَى عَلَيْهِ اللَّحْمُ الطاجِنُ، وقَلِيَّةٌ مُطَجَّنة، وَالْعَامَّةُ تَقُولُ مُطَنْجنة. الْجَوْهَرِيُّ: الطَّيْجَنُ والطاجِنُ يُقْلى فِيهِ، وَكِلَاهُمَا معرَّب لأَن الطَّاءَ وَالْجِيمَ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي أَصل كلام العرب.
طحن: الأَزهري: الطِّحْنُ الطَّحِينُ المَطْحُونُ، والطَّحْنُ الْفِعْلُ، والطِّحَانةُ فِعْلُ الطَّحّانِ. وَفِي إِسلام عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
فأَخرَجَنا رسولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي صَفَّينِ لَهُ كَدِيدٌ ككَدِيدِ الطَّحِينِ
؛ ابْنُ الأَثير: الكَدِيدُ الترابُ النَّاعِمُ، والطَّحينُ المَطْحُون، فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ. ابْنُ سِيدَهْ: طَحَنَه يَطْحَنُه طَحْناً، فَهُوَ مَطْحُون وطَحِينٌ، وطَحَّنَه؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
عَيْشُها العِلْهزُ المُطَحَّنُ بالفَثِّ ... ، وإِيضاعُها القَعُودَ الوَسَاعا
والطِّحْنُ، بِالْكَسْرِ: الدَّقِيقُ. والطَّاحُونة والطَّحّانة: الَّتِي تَدُورُ بِالْمَاءِ، وَالْجَمْعُ الطَّواحِينُ. والطَّحّان: الَّذِي يَلي الطَّحِينَ، وحِرْفته الطِّحانةُ. الْجَوْهَرِيُّ: طَحَنَتِ الرَّحَى تَطْحَنُ وطَحَنْتُ أَنا البُرَّ، والطَّحْنُ الْمَصْدَرُ، والطَّاحونة الرَّحَى. وَفِي الْمَثَلِ: أَسمَعُ جَعْجَعَةً وَلَا أَرى طِحْناً. والطَّواحِنُ: الأَضراسُ كُلُّهَا مِنَ الإِنسان وَغَيْرِهِ عَلَى التَّشْبِيهِ، وَاحِدَتُهَا طاحِنَة. الأَزهري: كُلُّ سنٍّ مِنَ الأَضراس طاحِنَة. وكَتِيبة طَحُون: تَطْحَنُ كُلَّ شَيْءٍ. والطُّحَنُ: عَلَى هَيْئَةِ أُم حُبَيْن، إِلا أَنَّها أَلطف مِنْهَا، تَشْتَالُ بذَنَبِها كَمَا تَفْعَلُ الخَلِفَة مِنَ الإِبل، يَقُولُ لَهَا الصِّبْيَانُ: اطْحَني لَنَا جِرَابنا، فتَطْحَنُ بِنَفْسِهَا فِي الأَرض حَتَّى تَغِيبَ فِيهَا فِي السَّهْلِ وَلَا تَراها إِلا فِي بَلُّوقَةٍ مِنَ الأَرض. والطُّحَنُ: لَيْثُ عِفِرِّينَ؛ وَقَوْلُهُ:
إِذا رَآنِي وَاحِدًا، أَو فِي عَيَنْ ... يَعْرِفُني، أَطْرَقَ إِطْراقَ الطُّحَنْ
. إِنما عَنَى إِحدى هَاتَيْنِ الْحَشَرَتَيْنِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الرَّجَزُ لجَندَلِ بْنِ المُثَنَّى الطُّهَوِيِّ. الأَزهري: الطُّحَنة دُويبة كالجُعَل، وَالْجَمْعُ الطُّحَنُ. قَالَ: والطُّحَنُ(13/264)
يَكُونُ فِي الرَّمْلِ، وَيُقَالُ إِنه الحُلَكُ وَلَا يُشْبِهُ الجُعَلَ، وَقَالَ: قَالَ أَبو خَيْرَةَ الطُّحَنُ هُوَ لَيْثُ عِفِرِّين مِثْلُ الفُستُقة، لَوْنُهُ لَوْنُ التُّرَابِ يَندَسُّ فِي التُّرَابِ؛ وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ عَلَى هَيْئَةِ العِظَاية يَشتالُ بِذَنَبِهِ كَمَا تفعلُ الخَلِفَة مِنَ الإِبل، وَحَكَى الأَزهري عَنِ الأَصمعي قَالَ: الطُّحَنة دَابَّةٌ دُونَ القُنفُذ، تَكُونُ فِي الرَّمْلِ تَظْهَرُ أَحياناً وَتَدُورُ كأَنها تَطْحَنُ، ثُمَّ تَغُوص، وَتَجْتَمِعُ صِبْيَانُ الأَعراب لَهَا إِذا ظَهَرَتْ فَيَصِيحُونَ بِهَا: اطْحَني جِراباً أَو جِرابَين. ابنُ سِيدَهْ: والطُّحَنَة دُوَيْبَّةٌ صُفيراءُ طرفِ الذَّنَبِ حَمراء، لَيْسَتْ بِخَالِصَةِ اللَّوْنِ، أَصغر رأْساً وجَسَداً مِنَ الحِرْباءِ، ذَنَبُهَا طُول إِصبع، لَا تَعَضُّ. وطَحَنَتِ الأَفْعَى الرملَ إِذا رَقَّقَته وَدَخَلَتْ فِيهِ فَغَيَّبَتْ نَفْسَهَا وأَخرجت عَيْنَهَا، وتسمَّى الطَّحُون. والطّاحِنُ: الثَّوْرُ الْقَلِيلُ الدَّوَران الَّذِي فِي وَسَطِ الكُدْسِ. والطَّحّانةُ والطَّحُونُ: الإِبل إِذا كَانَتْ رِفاقاً وَمَعَهَا أَهلها؛ قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: الطَّحُون مِنَ الْغَنَمِ ثَلَثُمِائَةٍ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَعلم أَحداً حَكَى الطَّحُونَ فِي الْغَنَمِ غَيْرَهُ. الْجَوْهَرِيُّ: الطَّحَّانة والطَّحُون الإِبل الْكَثِيرَةُ. والطُّحَنَةُ: الْقَصِيرُ فِيهِ لُوثة؛ عَنِ الزَّجَّاجِيِّ. الأَزهري عَنِ ابْنِ الأَعرابي: إِذا كَانَ الرَّجُلُ نِهَايَةً فِي القِصَرِ فَهُوَ الطُّحَنة؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وأَما الطَّوِيلُ الَّذِي فِيهِ لُوثَةٌ فَيُقَالُ لَهُ عُسْقُدٌ. قَالَ: وَقَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ أَقْصَرُ القِصَارِ الطُّحَنَةُ، وأَطول الطِّوالِ السَّمَرْطُولُ. وَحَرْبٌ طَحُونٌ: تَطْحَنُ كُلَّ شَيْءٍ. الأَزهري: والطَّحُون اسْمٌ لِلْحَرْبِ، وَقِيلَ: هِيَ الْكَتِيبَةُ مِنْ كَتَائِبِ الْخَيْلِ إِذا كَانَتْ ذَاتَ شَوْكَةٍ وَكَثْرَةٍ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
حَواه حاوٍ، طالَ مَا اسْتَبَاثَا ... ذُكورَها والطُّحَّنَ الإِناثا «2»
. الْجَوْهَرِيُّ: الطَّحُون الْكَتِيبَةُ تَطْحَنُ مَا لَقِيَتْ، قَالَ: وَحَكَى النَّضْرُ عَنِ الجَعْدِي قَالَ: الطاحِنُ هُوَ الراكِسُ مِنَ الدَّقُوقَة الَّتِي تَقُومُ فِي وَسَطِ الكُدْسِ. الْجَوْهَرِيُّ: طَحَنَتِ الأَفْعَى تَرَحَّتْ وَاسْتَدَارَتْ، فَهِيَ مِطْحانٌ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
بخَرْشاءَ مِطْحانٍ كأَنَّ فَحِيحَها، ... إِذا فَزِعَتْ، ماءٌ هُرِيقَ عَلَى جَمْرِ
. والطَّحَّانُ إِن جَعَلْتَهُ مِنَ الطَّحْن أَجريته، وإِن جَعَلْتَهُ مِنَ الطَّحِّ أَو الطَّحاءِ، وَهُوَ الْمُنْبَسِطُ مِنَ الأَرض، لَمْ تُجْره؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: لَا يَكُونُ الطَّحَّان مَصْرُوفًا إِلا مِنَ الطَّحْنِ، وَوَزْنُهُ فَعَّال، وَلَوْ جَعَلْتَهُ مِنَ الطَّحاءِ لَكَانَ قياسُه طَحْوان لَا طَحَّان، فإِن جَعَلْتَهُ مِنَ الطَّحِّ كَانَ وَزْنُهُ فَعْلان لا فَعَّال.
طرن: الطُّرْنُ والطَّارُونِيُّ: ضَرْبٌ مِنَ الخَزِّ. اللَّيْثُ: الطُّرْنُ الْخَزُّ، والطَّارُونيُّ ضَرْبٌ مِنْهُ. وَفِي النَّوَادِرِ: طَرْيَنَ الشَّرْبُ وطَرْيَمُوا إِذا اخْتَلَطُوا مِنَ السُّكْرِ، والله أَعلم.
طرخن: الطَّرْخُون: بَقْلٌ طَيِّبٌ يطبخ باللحم.
طسن: قَالَ أَبو حَاتِمٍ: قَالَتِ العامَّة فِي جَمْعِ طس وحم طَواسِينُ وحَوامِيم، قَالَ: وَالصَّوَابُ ذَواتُ طس وَذَوَاتُ حم وَذَوَاتُ الم؛ وأَنشد بَيْتَ الْكُمَيْتُ:
وجَدْنا لَكُمْ فِي آلِ حم آيَةً، ... تَأَوَّلها مِنَّا تَقِيٌّ ومَعْرِبُ
طعن: طَعَنه بالرُّمْحِ يَطْعُنه ويَطْعَنُه طَعْناً، فَهُوَ مَطْعُون وطَعِينٌ، مِنْ قَوْمٍ طُعْنٍ: وخَزَه بحربة
__________
(2) . قوله [والطحن الإِناثا] كذا بالأَصل مضبوطاً، ولم نجد الرجز في عبارة الأَزهري ولذلك لم ينطبق الشاهد على ما قبله(13/265)
وَنَحْوِهَا، الْجَمْعُ عَنْ أَبي زَيْدٍ وَلَمْ يَقُلْ طَعْنى. والطَّعْنة: أَثر الطَّعْنِ؛ وَقَوْلُ الْهُذَلِيِّ:
فإِنَّ ابنَ عَبْسٍ، قَدْ عَلِمْتُمْ مَكَانَهُ، ... أَذاعَ بِهِ ضَرْبٌ وطَعْنٌ جَوائِفُ
الطَّعْنُ هَاهُنَا: جَمْعُ طَعْنة بِدَلِيلِ قَوْلِهِ جَوَائِفُ. وَرَجُلٌ مِطْعَنٌ ومِطْعانٌ: كَثِيرُ الطَّعْنِ للعَدُوِّ، وَهُمْ مطاعينُ؛ قَالَ:
مَطاعِينُ فِي الهَيْجا مَكاشِيفُ للدُّجَى، ... إِذا اغْبَرَّ آفاقُ السَّمَاءِ مِنَ القَرْصِ
. وطاعَنه مُطاعَنةً وطِعاناً؛ قَالَ:
كأَنه وَجْهُ تُرْكِيَّيْنِ قَدْ غَضِبا، ... مُسْتَهْدِفٌ لطِعَان فِيهِ تَذْبِيبُ
وتَطَاعَنَ القومُ فِي الْحُرُوبِ تَطَاعُناً وطِعِنَّاناً، الأَخيرة نَادِرَةٌ، واطَّعَنُوا عَلَى افْتَعَلوا، أَبدلت تَاءَ اطْتَعَنَ طَاءً البتةَ ثُمَّ أَدغمتها. قَالَ الأَزهري: التَّفاعلُ وَالِافْتِعَالُ لَا يَكَادُ يَكُونُ إِلا بِالِاشْتِرَاكِ مِنَ الفاعلين منه مِثْلَ التَّخَاصم والاخْتِصام والتَّعاوُرِ والاعْتِوارِ. وَرَجُلٌ طِعِّينٌ: حَاذِقٌ بالطِّعَانِ فِي الْحَرْبِ. وطَعَنَه بِلِسَانِهِ وطَعَنَ عَلَيْهِ يَطْعُنُ ويَطَعَنُ طَعْناً وطَعَنَاناً: ثَلَبَهُ، عَلَى المَثَل، وَقِيلَ: الطَّعْن بِالرُّمْحِ، والطَّعَنَانُ بِالْقَوْلِ؛ قَالَ أَبو زُبيد:
وأَبى المُظْهِرُ العَدَاوةِ إِلا، ... طَعَناناً وقولَ مَا لَا يُقَالُ «1»
ففرَق بَيْنَ الْمَصْدَرَيْنِ، وَغَيْرُ اللَّيْثِ لَمْ يَفْرِقْ بَيْنَهُمَا، وأَجاز لِلشَّاعِرِ طَعَناناً فِي الْبَيْتِ لأَنه أَراد أَنهم طَعَنُوا فأَكْثَرُوا فِيهِ وتطاوَل ذَلِكَ مِنْهُمْ، وفَعَلانٌ يَجِيءُ فِي مَصَادِرِ مَا يُتَطَاوَلُ فِيهِ ويُتَمادَى وَيَكُونُ مُنَاسِبًا للمَيْل والجَوْر؛ قَالَ اللَّيْثُ: وَالْعَيْنُ مِنْ يَطْعُنُ مَضْمُومَةٌ. قَالَ: وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ يَطْعُن بِالرُّمْحِ، ويَطْعَن بِالْقَوْلِ، فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ قَالَ اللَّيْثُ: وَكِلَاهُمَا يَطْعُنُ؛ وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: لَمْ أَسمع أَحداً مِنَ الْعَرَبِ يَقُولُ يَطْعَنُ بِالرُّمْحِ وَلَا فِي الحَسَب إِنما سَمِعْتُ يَطْعُن، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: سَمِعْتُ أَنا يَطْعَنُ بِالرُّمْحِ، وَرَجُلٌ طَعَّانٌ بِالْقَوْلِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا يَكُونُ المؤمنُ طَعَّاناً
أَي وَقَّاعاً فِي أَعراض النَّاسِ بِالذَّمِّ وَالْغَيْبَةِ وَنَحْوِهِمَا، وَهُوَ فَعَّال مَنْ طَعَن فِيهِ وَعَلَيْهِ بِالْقَوْلِ يَطْعَن، بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ، إِذا عَابَهُ، وَمِنْهُ الطَّعْنُ فِي النَّسَب؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
رَجَاء بْنِ حَيْوَة: لَا تُحَدِّثْنا عَنْ مُتَهارِتٍ وَلَا طَعَّانٍ.
وطَعَنَ فِي الْمَفَازَةِ وَنَحْوِهَا يَطْعُن: مَضَى فِيهَا وأَمْعَنَ، وَقِيلَ: ويَطْعَنُ أَيضاً ذَهَبَ وَمَضَى؛ قَالَ دِرْهَمُ بْنُ زَيْدٍ الأَنصاري:
وأَطْعَنُ بالقَوْمِ شَطْرَ الملُوكِ، ... حَتَّى إِذا خَفَقَ المِجْدَحُ،
أَمَرْتُ صِحَابِي بأَن يَنْزِلُوا، ... فباتُوا قَلِيلًا، وَقَدْ أَصْبَحُوا
. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَرَوَاهُ الْقَالِي وأَظْعَنُ، بِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ؛ وَقَالَ حُمَيْدُ بْنُ ثَوْرٍ:
وطَعْني إِليك الليلَ حِضْنَيْه إِنني ... لِتِلك، إِذا هابَ الهِدَانُ، فَعُولُ
. قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: أَراد وطَعْني حِضْنَيِ اللَّيْلِ إِليك. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُقَالُ طَعَنَ فِي جَنَازَتِهِ إِذا أَشرف عَلَى الْمَوْتِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
ويْلُ امِّ قومٍ طَعَنْتُم فِي جَنازَتِهم، ... بَنِي كِلابٍ، غَدَاةَ الرَّوْعِ والرَّهَقِ
__________
(1) . قوله [وأَبى المظهر إِلخ] كذا في الأَصل والجوهري والمحكم، والذي في التهذيب:
وأَبى الكاشحون يا هند إِلا، ... طَعَنَانًا وَقَوْلَ مَا لا يقال.(13/266)
وَيُرْوَى: والرَّهَب أَي عَمِلْتُمْ لَهُمْ فِي شَبِيهٍ بِالْمَوْتِ وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: وَاللَّهِ لوَدَّ معاويةُ أَنه مَا بَقِيَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ نافِخُ ضَرَمةٍ إِلا طَعَنَ فِي نَيْطِه
؛ يُقَالُ: طَعَنَ فِي نَيْطِه أَي فِي جَنَازَتِهِ. وَمَنِ ابتدأَ بِشَيْءٍ أَو دَخَلَهُ فَقَدْ طَعَنَ فِيهِ، وَيُرْوَى طُعِنَ، عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ؛ والنَّيْطُ: نِياطُ القَلْبِ وَهُوَ عِلاقَتُه. وطَعَن الليلَ: سَارَ فِيهِ، كُلِّهِ عَلَى الْمَثَلِ. قَالَ الأَزهري: وطَعَنَ غُصْنٌ مِنْ أَغصان هَذِهِ الشَّجَرَةِ فِي دَارِ فُلَانٍ إِذا مَالَ فِيهَا شَاخِصًا؛ وأَنشد لمُدْرِك بْنِ حِصْنٍ يُعَاتِبُ قَوْمَهُ:
وَكُنْتُمْ كأُمٍّ لَبَّةٍ طَعَنَ ابْنُها ... إِليها، فَمَا دَرَّتْ عَلَيْهِ بساعِدِ
. قَالَ: طَعَنَ ابنُها إِليها أَي نَهَضَ إِليها وشَخَص برأْسه إِلى ثَدْيِهَا كَمَا يَطْعَنُ الحائطُ فِي دَارِ فُلَانٍ إِذا شَخَص فِيهَا، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْبَيْتُ ظَعَنَ، بِالظَّاءِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي تَرْجَمَةِ سَعَدَ. وَيُقَالُ: طَعَنَتِ المرأَة فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ أَي دَخَلَتْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الطَّعْنُ الدخولُ فِي الشيءِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
كَانَ إِذا خُطِبَ إِليه بعضُ بَنَاتِهِ أَتى الخِدْرَ فَقَالَ: إِن فَلَانًا يَذْكُرُ فُلَانَةً، فإِن طَعَنَتْ فِي الخِدْرِ لَمْ يُزَوِّجْها
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: أَي طَعَنَتْ بإِصبعها وَيَدِهَا عَلَى السِّتْرِ المَرْخِيِّ عَلَى الخِدْرِ، وَقِيلَ: طَعَنَتْ فِيهِ أَي دَخَلَتْهُ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي الراءِ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
أَنه طَعَنَ بإِصبعه فِي بَطْنِه
أَي ضَرْبَهُ برأْسها. وطَعَن فلانٌ فِي السِّنِّ يَطْعُنُ، بِالضَّمِّ، طَعْناً إِذا شَخَص فِيهَا. وَالْفَرَسُ يَطْعُنُ فِي العِنانِ إِذا مَدَّه وتَبَسَّط فِي السَّيْرِ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
تَرْقى وتَطْعُنُ فِي العِنانِ وتَنْتَحي ... وِرْدَ الحَمامةِ، إِذْ أَجَدَّ حَمامُها
أَي كوِرْدِ الحَمامة، وَالْفَرَّاءُ يُجِيزُ الْفَتْحَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ والطاعُون: دَاءٌ مَعْرُوفٌ، وَالْجَمْعُ الطَّواعِينُ. وطُعِنَ الرجلُ وَالْبَعِيرُ، فَهُوَ مَطْعون وطَعِين: أَصابه الطاعُون. وَفِي الْحَدِيثِ:
نزلتُ عَلَى أَبي هَاشِمِ بْنِ عُتْبة وَهُوَ طَعين.
وَفِي الْحَدِيثِ:
فَنَاءُ أُمتي بالطَّعْنِ والطاعُون
؛ الطَّعْنُ: الْقَتْلُ بِالرِّمَاحِ، والطَّاعُون: الْمَرَضُ الْعَامُّ والوَباء الَّذِي يَفْسُد لَهُ الْهَوَاءُ فَتَفْسُدُ بِهِ الأَمْزِجة والأَبدان؛ أَراد أَن الْغَالِبَ عَلَى فَناء الأُمة بِالْفِتَنِ الَّتِي تُسْفَك فِيهَا الدِّماءُ وبالوباء.
طعثن: ابْنُ الأَعرابي: الطَّعْثَنَة المرأَة السَّيِّئَةُ الخُلُق؛ وأَنشد:
يَا رَبّ، مَنْ كَتَّمَني الصِّعادَا، ... فهَبْ لَهُ حَليلَةً مِغْدادَا،
طَعْثَنَةً تَبَلَّعُ الأَجْلادا.
أَي تَلْتَهِمُ الأُيُورَ بهَنها.
طفن: الطَّفانِيَة: نعتُ سَوْء فِي الرَّجُلِ والمرأَة، وَقِيلَ: والمرأَة الْعَجُوزُ. ابْنُ الأَعرابي: الطَّفْنُ الحَبْس. يُقَالُ: خَلَّ عَنْ ذَلِكَ المَطْفُون، قَالَ: والطَّفانينُ الحَبْسُ والتَّخَلُّف. وَقَالَ المُفَضَّلُ: الطَّفْنُ الْمَوْتُ، يُقَالُ: طَفَنَ إِذا مَاتَ؛ وأَنشد:
أَلْقى رَحى الزَّوْرِ عَلَيْهِ فَطَحَنْ ... قَذْفاً وفَرْثاً تَحْتَهُ حَتَّى طَفَنْ
ابْنُ بَرِّيٍّ: الطَّفانِينُ الْكَذِبُ وَالْبَاطِلُ؛ قَالَ أَبو زُبَيد:
طَفانِينُ قَوْلٍ فِي مَكانٍ مُخَنَّقِ.
طلحن: الطَّلْحَنَة: التَّلَطُّخُ بِمَا يكره، طَلْحَنَهُ وطَلْخَنَهُ.
طلخن: الطَّلْخَنة: التَّلَطُّخُ بِمَا يُكْرَهُ، طَلْخَنه وطَلْحَنَه، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيضاً.(13/267)
طمن: طَأْمَنَ الشيءَ: سَكَّنه. والطُّمَأْنِينَةُ: السُّكونُ. واطْمَأَنَّ الرَّجُلُ اطْمِئناناً وطُمَأْنينة أَي سَكَن، ذَهَبَ سِيبَوَيْهِ إِلى أَن اطْمَأَنَّ مَقْلُوبٌ، وأَن أَصله مِنْ طَأْمَنَ، وَخَالَفَهُ أَبو عَمْرٍو فرأَى ضِدَّ ذَلِكَ، وَحُجَّةُ سِيبَوَيْهِ أَن طَأْمَن غَيْرُ ذِي زِيَادَةٍ، واطْمَأَنَّ ذُو زِيَادَةِ، والزيادةُ إِذا لَحِقَتِ الْكَلِمَةَ لَحِقَهَا ضَرْبٌ مِنَ الوَهْنِ لِذَلِكَ، وَذَلِكَ أَن مخالطتها شيء لَيْسَ مِنْ أَصلها مُزاحَمةٌ لَهَا وَتَسْوِيَةٌ فِي الْتِزَامِهِ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ، وَهُوَ وإِن تبلغ الزيادةُ على الأُصول فَحُشَ الحذفُ مِنْهَا، فإِنه عَلَى كُلِّ حَالٍ عَلَى صَدَدٍ مِنَ التَّوْهين لَهَا، إِذ كَانَ زِيَادَةً عَلَيْهَا يَحْتَاجُ إِلى تَحَمُّلِهَا كَمَا تَتَحَامَلُ بِحَذْفِ مَا حُذِفَ مِنْهَا، وإِذا كَانَ فِي الزِّيَادَةِ حَرْفٌ مِنَ الإِعلال كَانَ «1» ... أَن يَكُونَ الْقَلْبُ مَعَ الزِّيَادَةِ أَولى، وَذَلِكَ أَن الْكَلِمَةَ إِذا لَحِقَهَا ضَرْبٌ مِنَ الضَّعْفِ أَسرع إِليها ضَعْفٌ آخَرُ، وَذَلِكَ كَحَذْفِهِمْ يَاءَ حَنِيفَةَ فِي الإِضافة إِليها لِحَذْفِ يَائِهَا فِي قَوْلِهِمْ حَنَفِيّ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي حَنِيفٍ تَاءٌ تُحْذَفُ فَتُحْذَفُ ياؤُها، جَاءَ فِي الإِضافة إِليها عَلَى أَصله فَقَالُوا حَنِيفِيٌّ، فإِن قَالَ أَبو عَمْرٍو جَرْيُ المصدرِ عَلَى اطْمَأَنَّ يَدُلُّ عَلَى أَنه هُوَ الأَصل، وَذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ الاطْمئنان، قِيلَ قَوْلُهُمْ الطَّأْمَنة بإِزاء قَوْلِكَ الِاطْمِئْنَانُ، فمَصْدَرٌ بمصدرٍ، وَبَقِيَ عَلَى أَبي عَمْرٍو أَن الزِّيَادَةَ جَرَتْ فِي الْمَصْدَرِ جَرْيَهَا فِي الْفِعْلِ، فَالْعِلَّةُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَاحِدَةٌ، وَكَذَلِكَ الطُّمَأْنينة ذَاتُ زِيَادَةٍ، فَهِيَ إِلى الِاعْتِلَالِ أَقرب، وَلَمْ يُقْنِع أَبا عَمْرٍو أَن قَالَ إِنهما أَصلان مُتَقَارِبَانِ كجَذَبَ وجَبَذَ حَتَّى مَكَّنَ خلافَه لِصَاحِبِ الْكِتَابِ بأَن عَكَسَ عَلَيْهِ الأَمْرَ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ
؛ مَعْنَاهُ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ بِوَحْدَانِيَّتِهِ آمَنُوا بِهِ غَيْرَ شاكِّين. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ
؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ مُسْتَوْطِنين فِي الأَرض. واطْمَأَنَّت الأَرضُ وتَطَأْمَنَتْ: انْخَفَضَتْ. وطَمْأَنَ ظَهْرُهُ وطَأْمَنَ بِمَعْنًى، عَلَى الْقَلْبِ. التَّهْذِيبُ فِي الثُّلَاثِيِّ: اطْمَأَنَّ قَلْبُهُ إِذا سَكَنَ، واطْمَأَنَّتْ نَفْسُهُ، وَهُوَ مُطْمَئِنّ إِلى كَذَا، وَذَلِكَ مُطْمَأَنٌّ، واطْبَأَنَّ مِثْلُهُ عَلَى الإِبدال، وَتَصْغِيرُ مُطْمَئِنٍّ طُمَيْئِنٌ، بِحَذْفِ الْمِيمِ مِنْ أَوله وإِحدى النُّونَيْنِ مِنْ آخِرِهِ. وَتَصْغِيرُ طُمَأْنِينَةُ طُمَيْئِنَةٌ بِحَذْفِ إِحدى النُّونَيْنِ مِنْ آخِرِهِ لأَنها زَائِدَةٌ. وَقِيلَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ
؛ هِيَ الَّتِي قَدِ اطمَأَنَّتْ بالإِيمانِ وأَخْبَتَتْ لِرَبِّهَا. وقولُه عَزَّ وَجَلَّ: وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي
؛ أَي لِيَسْكُنَ إِلى الْمُعَايَنَةِ بَعْدَ الإِيمان بِالْغَيْبِ، وَالِاسْمُ الطمَأْنينة. وَيُقَالُ: طَامَنَ ظَهْرَهُ إِذا حَنى ظَهْرَهُ، بِغَيْرِ هَمْزٍ لأَن الْهَمْزَةَ الَّتِي فِي اطْمَأَنَّ أُدخلت فِيهَا حِذَارَ الْجَمْعِ بَيْنَ السَّاكِنَيْنِ. قَالَ أَبو إِسحق فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ
؛ أَي إِذا سَكَنَتْ قُلُوبُكُمْ، يُقَالُ: اطْمَأَنَّ الشيءُ إِذا سَكَنَ، وطَأْمَنْتُه وطَمْأَنْتُه إِذا سكَّنْته، وَقَدْ رُوِيَ اطْبَأَنَّ. وطَأْمَنْتُ مِنْهُ: سَكَّنْت. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: اطْمَأَنَّ، الْهَمْزَةُ فِيهَا مُجْتَلَبة لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ إِذا قُلْتَ اطْمَأَنَّ، فإِذا قُلْتَ طامَنْتُ عَلَى فاعَلْتُ فَلَا هَمْزَ فِيهِ، وَاللَّهُ أَعلم، إِلَّا أَن يَقُولَ قَائِلٌ: إِن الْهَمْزَةَ لَمَّا لَزِمَتِ اطْمَأَنَّ، وهمزوا الطُّمَأْنينةَ، همزوا كُلَّ فِعْلٍ فِيهِ، وطَمَنَ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ فِي الْكَلَامِ، والله أَعلم.
طنن: الإِطْنانُ: سُرْعة القَطْع. يُقَالُ: ضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ فأَطْنَنْتُ بِهِ ذِراعَه، وَقَدْ طَنَّت، تَحْكِي بِذَلِكَ صَوْتَهَا حِينَ سَقَطَتْ. وَيُقَالُ: ضَرَبَ رجلَه فأَطَنَّ ساقَه وأَطَرَّها وأَتَنَّها وأَتَرَّها بمعنى واحد
__________
(1) . كذا بياض بالأَصل(13/268)
أَي قَطَعَهَا. وَيُقَالُ: يُرَادُ بِذَلِكَ صَوْتُ الْقَطْعِ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ: ضَرَبَهُ فأَطَنَّ قِحْفَه
أَي جَعَلَهُ يَطِنُّ مِنْ صَوْتِ الْقَطْعِ، وأَصله مِنَ الطَّنين، وَهُوَ صَوْتُ الشيءِ الصُّلْب. وَفِي حَدِيثِ
مُعَاذِ بْنِ الجَموح قَالَ: صَمَدْتُ يَوْمَ بدْرٍ نحوَ أَبي جَهْلٍ، فَلَمَّا أَمكَنَني حَمَلْتُ عَلَيْهِ وَضَرَبْتُهُ ضَرْبَةً أَطنَنْتُ قدَمَه بِنِصْفِ سَاقِهِ، فَوَاللَّهِ مَا أُشَبِّهُها حِينَ طاحتْ إِلَّا النَّواةَ تَطيحُ مِنْ مِرْضَخةِ النَّوى
؛ أَطنَنْتُها أَي قَطَعْتُهَا اسْتِعَارَةٌ مِنَ الطَّنين صوْت الْقَطْعِ، والمِرْضَخة الَّتِي يُرْضَخ بِهَا النَّوَى أَي يُكْسَر. وأَطَنَّ ذِرَاعَهُ بِالسَّيْفِ فطَنَّت: ضَرَبَهَا بِهِ فأَسرع قَطْعَهَا. والطَّنِينُ: صَوْتُ الأُذن والطَّسّ وَالذُّبَابِ وَالْجَبَلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، طَنَّ يَطِنُّ طَنّاً وطَنِيناً؛ قَالَ:
وَيْلٌ لبَرْنِيِّ الجِرابِ مِنِّي؛ ... إِذا الْتَقَتْ نَواتُها وسِنِّي
تَقولُ سِنِّي للنَّوَاةِ: طِنِّي.
قَالَ ابْنُ جِنِّي: الرَّوِيُّ فِي هَذِهِ الأَبيات الْيَاءُ وَلَا تَكُونُ النُّونُ أَلْبَتَّةَ، لأَنه لَا يُمْكِنُ إِطلاقها، وإِذا لَمْ يَجُزْ إِطلاق هَذِهِ الْيَاءِ لَمْ يَمْتَنِعْ سِنِّي أَن يَكُونَ رَوِيًّا. والبَطَّةُ تَطِنُّ إِذا صَوَّتَتْ. وأَطنَنْتُ الطَّسْتَ فَطَنَّتْ. والطَّنْطَنة: صَوْتُ الطُّنْبور وَضَرْبِ الْعُودِ ذِي الأَوتار، وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي الذُّبَابِ وَغَيْرِهِ. وطَنين الذُّبَابِ: صَوْتُهُ. وَيُقَالُ: طَنْطَنَ طَنْطَنة ودَندَنَ دَنْدَنة بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وطَنَّ الذبابُ إِذا مَرِجَ فَسَمِعْتُ لِطَيَرَانِهِ صَوْتًا. وَرَجُلٌ ذُو طَنْطانٍ أَي ذُو صَخَبٍ؛ وأَنشد:
إِنَّ شَرِيبَيْك ذَوا طَنْطانِ، ... خاوِذْ فأَصْدِرْ يومَ يُورِدانِ
والطَّنْطَنة: كَثْرَةُ الكلام والتصويت بِهِ. والطَّنْطنة: الْكَلَامُ الْخَفِيُّ. وطَنَّ الرجلُ: مَاتَ، وَكَذَلِكَ لَعِقَ إِصْبعَه. والطُّنُّ: الْقَامَةُ. ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ لِبَدَنِ الإِنسان وَغَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانِ طُنٌّ وأَطنانٌ وطِنان، قَالَ: وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ فُلَانٌ لَا يَقُومُ بطُنِّ نَفْسِهِ فَكَيْفَ بِغَيْرِهِ؟ والطُّنُّ، بِالضَّمِّ: الحُزْمة مِنَ الْحَطَبِ والقَصَب؛ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: لَا أَحسبها عَرَبِيَّةً صَحِيحَةً، قَالَ: وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْعَامَّةِ قَامَ بطُنِّ نَفْسِهِ، لَا أَحسبها عَرَبِيَّةً. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الطُّنُّ مِنَ الْقَصَبِ وَمِنَ الأَغصان الرَّطْبةُ الوَريقةُ تُجْمع وتحزَم وَيُجْعَلُ فِي جَوْفِهَا النَّوْرُ أَو الجَنى. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالْقَصَبَةُ الْوَاحِدَةُ مِنَ الحُزْمة طُنَّة. والطُّنُّ: العِدْل مِنَ القُطن الْمَحْلُوجِ؛ عَنِ الهَجَريِّ؛ وأَنشد:
لَمْ يَدْرِ نَوَّامُ الضُّحى مَا أَسْرَيْنْ، ... وَلَا هِدانٌ نَامَ بَيْنَ الطُّنَّيْنْ
أَبو الْهَيْثَمِ: الطُّنُّ العِلاوة بَيْنَ العِدْلَين؛ وأَنشد:
بَرَّحَ بالصِّينيِّ طُولُ المَنِّ، ... وسَيْرُ كُلِّ راكِبٍ أَدَنِ
مُعْتَرِضٍ مِثْلِ اعْتراض الطُّنِ
والطُّنِّيُّ مِنَ الرِّجَالِ: الْعَظِيمُ الْجِسْمِ. والطُّنُّ والطَّنُّ: ضَرْبٌ مِنَ التَّمْرِ أَحمر شَدِيدُ الْحَلَاوَةِ كَثِيرُ الصَّقَر «2» . وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ سِيرِينَ: لَمْ يَكُنْ عليٌّ يُطَّنُّ فِي قَتْلِ عُثْمَانَ
أَي يُتَّهَم، وَيُرْوَى بِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ، وسيأْتي ذِكْرُهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
فَمَنْ تَطَّنُ
أَي مَنْ تتَّهمُ، وأَصله تَظْتَنُّ مِنَ الظِّنَّة التُّهَمة، فأَدغم الظاء في التَّاءِ ثُمَّ أَبدل مِنْهَا طَاءً مُشَدَّدَةً كَمَا يُقَالُ مُطّلم فِي مُظطلم، وَاللَّهُ أَعلم.
طهن: الطَّهَنانُ: البَرَّادةُ.
__________
(2) . قوله [كثير الصقر] يقال لصقره السيلان، بكسر السين، لأَنه إِذا جمع سال سيلًا من غير اعتصار لرطوبته(13/269)
طون: التَّهْذِيبُ: ابْنُ الأَعرابي الطُّونَةُ كثرة الماء.
طين: الطِّينُ: مَعْرُوفٌ الوَحَلُ، وَاحِدَتُهُ طِينةٌ، وَهُوَ مِنَ الْجَوَاهِرِ الْمَوْصُوفِ بِهَا؛ حَكَى سِيبَوَيْهِ عن العرب: ممرت بصحيفةٍ طينٍ خاتَمُها، جَعَلَهُ صِفَةً لأَنه فِي مَعْنَى الْفِعْلِ، كأَنه قَالَ لَيّنٍ خَاتَمُهَا، وَالطَّانُ لُغَةٌ فِيهِ؛ قَالَ المُتَلمِّس:
بِطانٍ عَلَى صُمّ الصُّفي وبِكِلِّسِ
وَيُرْوَى:
يُطانُ بآجُرٍّ عَلَيْهِ ويُكْلَسُ
وَيَوْمٌ طانٌ: كَثِيرُ الطِّينِ، وَمَوْضِعٌ طانٌ كَذَلِكَ، يَصْلُحُ أَن يَكُونَ فَاعِلًا ذَهَبَتْ عَيْنُهُ وأَن يَكُونَ فَعَلًا. الْجَوْهَرِيُّ: يَوْمٌ طانٌ وَمَكَانٌ طانٌ وأَرض طانَةٌ كَثِيرَةُ الطِّينِ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً
؛ قال أَبو إِسحق: نَصَبَ طِيناً عَلَى الْحَالِ أَي خَلَقْتَهُ فِي حَالِ طِينَتِهِ. والطِّينة: قِطْعَةٌ مِنَ الطِّينِ يُخْتَمُ بِهَا الصَّكُّ وَنَحْوُهُ. وطِنْتُ الكتابَ طَيْناً: جعلتُ عَلَيْهِ طِيناً لأَخْتِمَه بِهِ. وطانَ الكتابَ طَيْناً وطيَّنه: خَتَمَهُ بِالطِّينِ، هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ. وَقَالَ يَعْقُوبُ: وَسَمِعْتُ مَنْ يَقُولُ أَطِنِ الكتابَ أَي اخْتِمْهُ، وطِينَتُه خَاتَمُهُ الَّذِي يُطَيَّن بِهِ. وطانَ الحائطَ والبيتَ والسطحَ طَيْناً وطَيَّنه: طَلَاهُ بِالطِّينِ. الْجَوْهَرِيُّ: طَيَّنْتُ السطحَ، وَبَعْضُهُمْ يُنْكِرُهُ وَيَقُولُ: طِنْتُ السطحَ، فَهُوَ مَطِينٌ؛ وأَنشد للمُثَقّب العبْدي:
فأَبْقَى باطِلي والجِدُّ مِنْهَا ... كدُكَّانِ الدَّرابِنةِ المَطِينِ
. والطَّيَّانُ: صَانِعُ الطِّينِ، وَحِرْفَتُهُ الطِّيانةُ، وأَما الطَّيّانُ مِنَ الطَّوَى وَهُوَ الْجُوعُ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ. والطِّينة: الخِلْقة والجِبِلَّة. يُقَالُ: فُلَانٌ مِنَ الطِّينة الأُولى. وطانَهُ اللهُ عَلَى
الْخَيْرِ وطامَهُ أَي جَبَله عَلَيْهِ، وَهُوَ يَطِينُه؛ قَالَ:
أَلا تِلْكَ نفْسٌ طِينَ فِيهَا حَياؤُها
وَيُرْوَى طِيمَ؛ كَذَا أَنشده ابْنُ سِيدَهْ وَالْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُ إِنشاده إِلى تِلْكَ بإِلى الجارَّة، قَالَ: وَالشِّعْرُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ؛ وأَنشد الأَحمر:
لَئِنْ كَانَتِ الدُّنْيا لَهُ قَدْ تزَيَّنَتْ ... عَلَى الأَرضِ، حَتَّى ضاقَ عَنْهَا فَضاؤُها
لَقَدْ كانَ حُرّاً يَسْتَحي أَن تَضُمَّه، ... إِلى تِلْكَ، نَفْسٌ طِينَ فِيهَا حَياؤُها
. يُرِيدُ أَن الْحَيَاءَ مِنْ جِبِلَّتها وسَجِيَّتِها. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَا مِنْ نفْسٍ مَنْفُوسةٍ تَمُوتُ فِيهَا مِثْقالُ نَمْلَةٍ مِنْ خَيْرٍ إِلَّا طِينَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ طَيْناً
أَي جُبِلَ عَلَيْهِ. يُقَالُ طانَه اللَّهُ عَلَى طِينَتِه أَي خَلَقه عَلَى جِبِلَّتِه. وطِينةُ الرَّجُلِ: خِلْقَتُه وأَصله، وطَيْناً مَصْدَرٌ مِنْ طانَ، وَيُرْوَى طِيمَ عَلَيْهِ، بِالْمِيمِ، وَهُوَ بِمَعْنَاهُ. وَيُقَالُ لَقَدْ طانَني اللهُ عَلَى غَيْرِ طِينَتِك. ابْنُ الأَعرابي: طانَ فلانٌ وطامَ إِذا حَسُنَ عَمَلُه. وَيُقَالُ: مَا أَحسَنَ مَا طامَهُ وطانَه. وإِنه ليَابِس الطِّينةِ إِذا لَمْ يَكُنْ وَطِيئاً سَهْلًا. وَذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ هُنَا فِلَسْطِين، بِكَسْرِ الْفَاءِ: بَلَدٌ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: فِلَسْطِين حَقُّهُ أَن يُذْكَرَ فِي فَصْلِ الْفَاءِ مِنْ حَرْفِ الطَّاءِ لِقَوْلِهِمْ فِلَسْطُون.
فصل الظاء المعجمة
ظعن: ظَعَنَ يَظْعَنُ ظَعْناً وظَعَناً، بِالتَّحْرِيكِ، وظُعوناً: ذَهَبَ وَسَارَ. وَقُرِئَ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَوْمَ ظَعْنِكُمْ
،
وظَعَنِكم.
وأَظْعَنه هُوَ: سَيَّرَه؛ وأَنشد سِيبَوَيْهِ:
الظاعِنُونَ ولمَّا يُظْعِنُوا أَحداً، ... والقائِلونَ: لِمَنْ دارٌ نُخَلِّيها(13/270)
والظَّعْنُ: سَيْرُ الْبَادِيَةِ لنُجْعَةٍ أَو حُضُورِ ماءٍ أَو طَلَبِ مَرْبَعٍ أَو تَحَوُّلٍ مِنْ مَاءٍ إِلى مَاءٍ أَو مِنْ بَلَدٍ إِلى بَلَدٍ؛ وَقَدْ يُقَالُ لِكُلِّ شَاخِصٍ لِسَفَرٍ فِي حَجٍّ أَو غَزْوٍ أَو مَسير مِنْ مَدِينَةٍ إِلى أُخرى ظاعِنٌ، وَهُوَ ضِدُّ الخافِضِ، وَيُقَالُ: أَظاعِنٌ أَنت أَم مُقيم؟ والظُّعْنة: السَّفْرَة الْقَصِيرَةُ. والظَّعِينَة: الْجُمَلُ يُظْعَنُ عَلَيْهِ. والظَّعِينة: الهَوْدج تَكُونُ فِيهِ المرأَة، وَقِيلَ: هُوَ الْهَوْدَجُ، كَانَتْ فِيهِ أَو لَمْ تَكُنْ. والظَّعِينة: المرأَة فِي الْهَوْدَجِ، سُمِّيَتْ بِهِ عَلَى حَدِّ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ الشَّيْءِ لِقُرْبِهِ مِنْهُ، وَقِيلَ: سُمِّيَتِ المرأَة ظَعِينة لأَنها تَظْعَنُ مَعَ زَوْجِهَا وَتُقِيمُ بإِقامته كَالْجَلِيسَةِ، وَلَا تُسَمَّى ظَعِينَة إِلا وَهِيَ فِي هَوْدَجٍ. وَعَنِ ابْنِ السِّكِّيتِ: كُلُّ امرأَة ظَعِينَةٌ فِي هَوْدَجٍ أَو غَيْرِهِ، وَالْجَمْعُ ظَعائنُ وظُعْنٌ وظُعُنٌ وأَظْعانٌ وظُعُناتٌ؛ الأَخيرتان جَمْعُ الْجَمْعِ؛ قَالَ بِشْرُ بْنُ أَبي خَازِمٍ:
لَهُمْ ظُعُناتٌ يَهْتَدِينَ برايةٍ، ... كَمَا يَستَقِلُّ الطائرُ المُتَقَلِّبُ
وَقِيلَ: كُلُّ بَعِيرٍ يُوَطَّأُ لِلنِّسَاءِ فَهُوَ ظَعِينة، وإِنما سُمِّيَتِ النِّسَاءُ ظَعَائِن لأَنَّهنَّ يَكُنَّ فِي الهَوْادج. يُقَالُ: هِيَ ظَعينته وزَوْجُه وقَعِيدته وعِرْسه. وَقَالَ اللَّيْثُ: الظَّعِينة الجَمَل الَّذِي يُرْكَب، وَتُسَمَّى المرأَة ظَعينة لأَنها تَرْكَبُهُ. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: لَا يُقَالُ حُمُول وَلَا ظُعُنٌ إِلَّا للإِبل الَّتِي عَلَيْهَا الْهَوَادِجُ، كَانَ فِيهَا نِسَاءٌ أَو لَمْ يَكُنْ. والظَّعينة: المرأَة فِي الْهَوْدَجِ، وإِذا لَمْ تَكُنْ فِيهِ فَلَيْسَتْ بظَعِينة؛ قَالَ عَمْرُو بْنُ كُلْثوم:
قِفِي قبلَ التَّفَرُّقِ يَا ظَعِينا، ... نُخَبِّرْكِ اليَقينَ وتُخْبِرينا
قَالَ ابْنُ الأَنباري: الأَصل فِي الظَّعِينَةِ المرأَة تَكُونُ فِي هَوْدَجها، ثُمَّ كَثُرَ ذَلِكَ حَتَّى سَمَّوْا زَوْجَةَ الرَّجُلِ ظَعِينة. وَقَالَ غَيْرُهُ: أَكثر مَا يُقَالُ الظَّعينة للمرأَة الرَّاكِبَةِ؛ وأَنشد قَوْلَهُ:
تَبَصَّرْ خلِيلي، هَلْ تَرَى مِنْ ظَعائنٍ ... لِمَيَّةَ أَمثالِ النَّخيلِ المَخارِفِ؟
قَالَ: شَبَّهَ الْجِمَالَ عَلَيْهَا هَوَادِجُ النِّسَاءِ بِالنَّخِيلِ. وَفِي حَدِيثِ حُنين:
فإِذا بهَوازِنَ عَلَى بَكْرَةِ آبَائِهِمْ بظُعُنِهم وَشَائِهِمْ ونَعَمِهم
؛ الظُّعُنُ: النِّسَاءُ، وَاحِدَتُهَا ظَعينة؛ قَالَ: وأَصل الظَّعِينة الراحلةُ الَّتِي يُرْحَلُ ويُظْعَنُ عَلَيْهَا أَي يُسارُ، وَقِيلَ: الظَّعِينة المرأَة فِي الْهَوْدَجِ، ثُمَّ قِيلَ لِلْهَوْدَجِ بِلَا امرأَة وللمرأَة بِلَا هَوْدَجٍ ظَعينة. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه أَعطى حَلِيمَةَ السَّعْدِيَّةَ بَعِيرًا مُوَقَّعاً للظَّعينة
أَي لِلْهَوْدَجِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثِ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر: لَيْسَ فِي جَمَل ظَعِينَةٍ صدقةٌ
؛ إِن رُوِيَ بالإِضافة فالظَّعينة المرأَة، وإِن رُوِيَ بِالتَّنْوِينِ فَهُوَ الْجَمَلُ الَّذِي يُظْعَنُ عَلَيْهِ، والتاءُ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ. واظَّعَنَتِ المرأَة الْبَعِيرَ: رَكِبَتْهُ. وَهَذَا بَعِيرٌ تَظَّعِنُه المرأَة أَي تَرْكَبُهُ فِي سَفَرِهَا وَفِي يَوْمِ ظَعْنِها، وَهِيَ تَفْتَعِلُه. والظَّعُون مِنَ الإِبل: الَّذِي تَرْكَبُهُ المرأَة خَاصَّةً، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يُعْتَمَلُ ويُحْتَمَل عَلَيْهِ. والظِّعَانُ والظَّعُون: الحَبْل يُشَدُّ بِهِ الْهَوْدَجُ، وَفِي التَّهْذِيبِ: يُشَدُّ بِهِ الْحِمْلُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
لَهُ عُنُقٌ تُلْوَى بِمَا وُصِلَتْ به، ... ودَفّانِ يَسْتاقانِ كلَّ ظِعَانِ
وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِلنَّابِغَةِ:
أَثَرْتُ الغَيَّ ثُمَّ نَزَعْت عَنْهُ، ... كَمَا حادَ الأَزَبُّ عَنِ الظِّعَانِ
والظَعُنُ والظَّعَنُ: الظّاعِنُون، فالظُّعُن جَمْعُ ظاعِنٍ، والظَّعَنُ اسْمُ الْجَمْعِ؛ فأَما قَوْلُهُ:(13/271)
أَو تُصْبِحي فِي الظَّاعِنِ المُوَلِّي
. فَعَلَى إِرادة الْجِنْسِ. والظِّعْنَة: الْحَالُ، كالرِّحْلة. وَفَرَسٌ مِظْعانٌ: سَهْلة السَّير، وَكَذَلِكَ النَّاقَةُ. وظاعِنَةُ بْنُ مُرٍّ: أَخو تَمِيمٍ، غَلَبَهُمْ قَوْمُهُمْ فرَحَلُوا عَنْهُمْ. وَفِي الْمَثَلِ: عَلَى كُرْه ظَعَنَتْ ظاعِنَةٌ. وَذُو الظُّعَيْنَةِ: مَوْضِعٌ. وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ: صَاحِبُ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ظنن: الْمُحْكَمُ: الظَّنُّ شَكٌّ وَيَقِينٌ إِلَّا أَنه لَيْسَ بيقينِ عِيانٍ، إِنما هُوَ يقينُ تَدَبُّرٍ، فأَما يَقِينُ العِيَانِ فَلَا يُقَالُ فِيهِ إِلَّا عَلِمَ، وَهُوَ يَكُونُ اسْمًا وَمَصْدَرًا، وجمعُ الظَّنِّ الَّذِي هُوَ الِاسْمُ ظُنُون، وأَما قِرَاءَةُ مَنْ قرأَ: وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا
، بِالْوَقْفِ وَتَرْكِ الْوَصْلِ، فإِنما فعلوا ذلك لأَن رؤُوس الآيات عندهم فواصل، ورؤُوس الْآيِ وَفَوَاصِلُهَا يَجْرِي فِيهَا مَا يَجْرِي فِي أَواخِرِ الأَبياتِ وَالْفَوَاصِلِ، لأَنه إِنما خُوطِبَ الْعَرَبُ بِمَا يَعْقِلُونَهُ فِي الْكَلَامِ المؤَلف، فيُدَلُّ بِالْوَقْفِ فِي هَذِهِ الأَشياء وَزِيَادَةِ الْحُرُوفِ فِيهَا نَحْوِ الظُّنُونا والسَّبيلا والرَّسولا، عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْكَلَامَ قَدْ تمَّ وَانْقَطَعَ، وأَنَّ مَا بَعْدَهُ مستأْنف، وَيَكْرَهُونَ أَن يَصلُوا فيَدْعُوهم ذَلِكَ إِلى مُخَالَفَةِ الْمُصْحَفِ. وأَظَانِينُ، عَلَى غَيْرِ الْقِيَاسِ؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:
لأَصْبَحَنْ ظَالِماً حَرْباً رَباعيةً، ... فاقْعُد لَهَا ودَعَنْ عَنْكَ الأَظَانِينا
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ الأَظَانين جَمْعَ أُظْنُونة إِلَّا أَني لَا أَعرفها. التَّهْذِيبُ: الظَّنُّ يقينٌ وشَكّ؛ وأَنشد أَبو عُبَيْدَةَ:
ظَنِّي بِهِمْ كعَسَى، وَهُمْ بتَنُوفَةٍ ... يَتَنازَعُون جَوائزَ الأَمْثالِ
يَقُولُ: الْيَقِينَ مِنْهُمْ كَعَسَى، وَعَسَى شَكٌّ؛ وَقَالَ شِمْرٌ: قَالَ أَبو عَمْرٍو مَعْنَاهُ مَا يُظَنُّ بِهِمْ مِنَ الْخَيْرِ فَهُوَ وَاجِبٌ وَعَسَى مِنَ اللَّهِ وَاجِبٌ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ
؛ أَي عَلِمْتُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عزَّ وَجَلَّ: وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا
؛ أَي عَلِمُوا، يَعْنِي الرُّسُلَ، أَنَّ قَوْمَهُمْ قَدْ كَذَّبُوهُمْ فَلَا يَصْدُقُونَهُمْ، وَهِيَ قِرَاءَةُ أَبي عَمْرٍو وَابْنِ كَثِيرٍ وَنَافِعٍ وَابْنِ عَامِرٍ بِالتَّشْدِيدِ، وَبِهِ قرأَت عَائِشَةُ وَفَسَّرَتْهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ. الْجَوْهَرِيُّ: الظَّنُّ مَعْرُوفٌ، قَالَ: وَقَدْ يُوضَعُ مَوْضِعَ الْعِلْمِ، قَالَ دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّة:
فَقُلْتُ لَهُمْ: ظُنُّوا بأَلْفَيْ مُدَجَّج، ... سَرَاتُهُمُ فِي الفارِسِيِّ المُسَرَّدِ
. أَي اسْتَيْقِنُوا، وإِنما يخوِّف عَدُوَّهُ بِالْيَقِينِ لَا بِالشَّكِّ. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِياكم والظَّنَّ فإنَّ الظَّنَّ أَكذبُ الْحَدِيثِ
؛ أَراد الشكَّ يَعْرِضُ لَكَ فِي الشَّيْءِ فَتُحَقِّقُهُ وَتَحْكُمُ بِهِ، وَقِيلَ: أَراد إِياكم وَسُوءَ الظَّن وتحقيقَه دُونَ مَبَادِي الظُّنُون الَّتِي لَا تُمْلَكُ وَخَوَاطِرِ الْقُلُوبِ الَّتِي لَا تُدْفع؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
وإِذا ظَنَنْتَ فَلَا تُحَقِّقْ
؛ قَالَ: وَقَدْ يَجِيءُ الظَّن بِمَعْنَى الْعِلْمِ؛ وَفِي حَدِيثِ
أُسَيْد بْنِ حُضَيْر: وظَنَنَّا أَنْ لَمْ يَجُدْ عَلَيْهِمَا
أَي عَلِمْنا. وَفِي حَدِيثِ
عُبَيدة: قَالَ أَنس سأَلته عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ*؛ فأَشار بِيَدِهِ فظَنَنْتُ مَا قَالَ
أَي عَلِمْتُ. وظَنَنْتُ الشيءَ أَظُنُّه ظَنّاً واظَّنَنْتُه واظْطَنَنْتُه وتَظَنَّنْته وتَظَنَّيْتُه عَلَى التَّحْوِيلِ؛ قَالَ:
كالذِّئْبِ وَسْطَ العُنَّه، ... إِلَّا تَرَهْ تَظَنَّهْ
أَراد تَظَنَّنْه، ثمَّ حَوَّلَ إِحدى النُّونَيْنِ يَاءً، ثُمَّ حَذَفَ لِلْجَزْمِ، وَيُرْوَى تَطَنَّه. وَقَوْلُهُ: تَرَه أَراد(13/272)
إِلَّا تَرَ، ثُمَّ بيَّن الْحَرَكَةَ فِي الْوَقْفِ بِالْهَاءِ فَقَالَ تَرَهْ، ثُمَّ أَجرى الْوَصْلَ مُجْرَى الْوَقْفِ. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ عَنْ بَنِي سُلَيْم: لَقَدْ ظَنْتُ ذَلِكَ أَي ظَنَنْتُ، فَحَذَفُوا كَمَا حَذَفُوا ظَلْتُ ومَسْتُ وَمَا أَحَسْتُ ذَاكَ، وَهِيَ سُلَمِيَّةٌ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: أَما قَوْلُهُمْ ظَنَنْتُ بِهِ فَمَعْنَاهُ جَعَلْتُهُ مَوْضِعَ ظَنِّي، وَلَيْسَتِ الْبَاءُ هُنَا بمنزلتها فِي: كَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا، إِذ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزِ السَّكْتُ عَلَيْهِ كأَنك قُلْتَ ظَنَنْتُ فِي الدَّارِ، وَمِثْلُهُ شَككت فِيهِ، وأَما ظَنَنْتُ ذَلِكَ فَعَلَى الْمَصْدَرِ. وظَنَنْتُه ظَنّاً وأَظْنَنْتُه واظْطَنَنْتُه: اتَّهَمْتُه. والظِّنَّة: التُّهَمَة. ابْنُ سِيدَهْ: وَهِيَ الظِّنَّة والطِّنَّة، قَلَبُوا الظَّاءَ طَاءً هَاهُنَا قَلْبًا، وإِن لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ إِدغام لِاعْتِيَادِهِمُ اطَّنَّ ومُطَّنٌ واطِّنانٌ، كَمَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ مِنْ قَوْلِهِمْ الدِّكرَ، حَمْلًا عَلَى ادَّكَر. والظَّنِينُ: المُتَّهم الَّذِي تُظَنُّ بِهِ التُّهْمَةُ، وَمَصْدَرُهُ الظِّنَّة، وَالْجَمْعُ الظِّنَنُ؛ يُقَالُ مِنْهُ: اظَّنَّه واطَّنَّه، بِالطَّاءِ وَالظَّاءِ، إِذا اتَّهَمَهُ. وَرَجُلٌ ظَنِين: مُتَّهم مِنْ قَوْمٍ أَظِنَّاء بَيِّنِي الظِّنَّة والظِّنَانَةِ. وَقَوْلُهُ عزَّ وَجَلَّ: وَمَا هُوَ عَلَى الغَيْبِ بِظَنِينٍ، أَي بمُتَّهَمٍ؛ وَفِي التَّهْذِيبِ: مَعْنَاهُ مَا هُوَ عَلَى مَا يُنْبِئُ عَنِ اللَّهِ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ بِمُتَّهَمٍ، قَالَ: وَهَذَا يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: وَيُقَالُ وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بظَنِين أَي بِضَعِيفٍ، يَقُولُ: هُوَ مُحْتَمِلٌ لَهُ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِلرَّجُلِ الضَّعِيفِ أَو الْقَلِيلِ الْحِيلَةِ: هُوَ ظَنُون؛ قَالَ: وَسَمِعْتُ بعضَ قُضَاعة يَقُولُ: رُبَّمَا دَلَّكَ عَلَى الرَّأْي الظَّنُونُ؛ يُرِيدُ الضَّعِيفَ مِنَ الرِّجَالِ، فإِن يَكُنْ مَعْنَى ظَنِين ضَعِيفًا فَهُوَ كَمَا قِيلَ مَاءٌ شَروبٌ وشَرِيبٌ وقَرُوني وقَرِيني وقَرُونَتي وقَرِينَتي، وَهِيَ النَّفْسُ والعَزِيمة. وَقَالَ
ابْنُ سِيرِينَ: مَا كَانَ عليٌّ يُظَّنُّ فِي قَتْلِ عُثْمَانَ وَكَانَ الَّذِي يُظَّنُّ فِي قَتْلِهِ غَيْرِهِ
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: قَوْلُهُ يُظَّنُّ يَعْنِي يُتَّهم، وأَصله مِنَ الظَّنِّ، إِنما هُوَ يُفْتَعل مِنْهُ، وَكَانَ فِي الأَصل يُظْتَنُّ، فَثَقُلَتِ الظَّاءُ مَعَ التَّاءِ فَقُلِبَتْ ظَاءً مُعْجَمَةً، ثُمَّ أُدْغِمَتْ، وَيُرْوَى بِالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَقَدْ تقدَّم؛ وأَنشد:
وَمَا كلُّ مَنْ يَظَّنُّني أَنا مُعْتِبٌ، ... وَلَا كُلُّ مَا يُرْوى عَلَيَّ أَقُولُ
. وَمِثْلُهُ:
هُوَ الجَوادُ الَّذِي يُعْطِيك نائلَه ... عَفْواً، ويُظْلَمُ أَحياناً فَيَظَّلِمُ
. كَانَ فِي الأَصل فيَظْتَلِمُ، فَقُلِبَتِ التَّاءُ ظَاءً وأُدغمت فِي الظَّاءِ فَشُدِّدَتْ. أَبو عُبَيْدَةَ: تَظَنَّيْت مِنْ ظَننْتُ، وأَصله تَظَنَنَّتْ، فَكَثُرَتِ النُّونَاتُ فَقُلِبَتْ إِحداها يَاءً كَمَا قالو قَصَّيْتُ أَظفاري، والأَصل قصَّصتُ أَظفاري، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: حَكَى ابْنُ السِّكِّيتِ عَنِ الْفَرَّاءِ: مَا كُلُّ مَنْ يَظْتَنُّنِي. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: الظَّنِينُ المُتَّهَم، وأَصله المَظْنُون، وَهُوَ مِنْ ظَنَنْتُ الَّذِي يَتَعَدَّى إِلى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ. تَقُولُ: ظَنَنْتُ بِزَيْدٍ وَظَنَنْتُ زَيْدًا أَي اتَّهَمْتُ؛ وأَنشد لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَّانَ:
فَلَا ويَمينُ اللَّهِ، لَا عَنْ جِنايةٍ ... هُجِرْتُ، ولكِنَّ الظَّنِينَ ظَنِينُ
. وَنَسَبَ ابْنُ بَرِّيٍّ هَذَا الْبَيْتُ لنَهارِ بْنِ تَوْسِعَة. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ ظَنِين
أَي مُتَّهَم فِي دِينِهِ، فَعِيلٍ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ مِنَ الظِّنَّة التُّهَمَةِ. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الآخَر:
وَلَا ظَنِينَ فِي وَلاءٍ
، هُوَ الَّذِي يَنْتَمِي إِلى غَيْرِ مَوَالِيهِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِلتُّهْمَةِ. وَتَقُولُ ظَنَنْتُك زَيْدًا وظَنَنْتُ زَيْدًا إِياك؛ تَضَعُ الْمُنْفَصِلَ مَوْضِعَ الْمُتَّصِلَ فِي الْكِنَايَةِ عَنْ الِاسْمِ وَالْخَبَرِ لأَنهما مُنْفَصِلَانِ فِي الأَصل(13/273)
لأَنهما مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ. والمَظِنَّةُ والمِظَنَّة: بيتٌ يُظَنُّ فِيهِ الشَّيْءُ. وَفُلَانٌ مَظِنَّةٌ مِنْ كَذَا ومَئِنَّة أَي مَعْلَمٌ؛ وأَنشد أَبو عُبَيْدٍ:
يَسِطُ البُيوتَ لِكَيْ يكونَ مَظِنَّةً، ... مِنْ حَيْثُ تُوضعُ جَفْنَةُ المُسْتَرْفِدِ
الْجَوْهَرِيُّ: مَظِنَّةُ الشَّيْءِ مَوْضِعه ومأْلَفُه الَّذِي يُظَنُّ كَوْنُهُ فِيهِ، وَالْجَمْعُ المَظانُّ. يُقَالُ: مَوْضِعُ كَذَا مَظِنَّة مِنْ فُلَانٍ أَي مَعْلَم مِنْهُ؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
فإِنْ يكُ عامِرٌ قَدْ قالَ جَهْلًا، ... فإِنَّ مَظِنَّةَ الجَهْلِ الشَّبَابُ
وَيُرْوَى: السِّبَابُ، وَيُرْوَى: مَطِيَّة، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ الأَصمعي أَنشدني أَبو عُلْبة بْنُ أَبي عُلْبة الفَزارِي بمَحْضَرٍ مِنْ خَلَفٍ الأَحْمرِ:
فإِن مَطِيَّةَ الْجَهْلِ الشَّبَابُ
. لأَنه يَسْتَوْطِئه كَمَا تُسْتَوطأُ المَطِيَّةُ. وَفِي حَدِيثِ
صِلَةَ بْنِ أُشَيْمٍ: طلبتُ الدُّنْيَا مِنْ مَظانِّ حَلَالِهَا
؛ المَظانُّ جَمْعُ مَظِنَّة، بِكَسْرِ الظَّاءِ، وَهِيَ مَوْضِعُ الشَّيْءِ ومَعْدِنه، مَفْعِلَةٌ مِنَ الظَّنِّ بِمَعْنَى الْعِلْمِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَكَانَ الْقِيَاسُ فَتْحَ الظَّاءِ وإِنما كُسِرَتْ لأَجل الْهَاءِ، الْمَعْنَى طَلَبْتُهَا فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُعْلَمُ فِيهَا الْحَلَالُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
خَيْرُ النَّاسِ رجلٌ يَطْلُبُ الموتَ مَظَانَّهُ
أَي مَعْدِنَه وَمَكَانَهُ الْمَعْرُوفَ بِهِ أَي إِذا طُلِبَ وَجِدَ فِيهِ، وَاحِدَتُهَا مَظِنَّة، بِالْكَسْرِ، وَهِيَ مَفْعِلَة مِنَ الظَّنِّ أَي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُظَّنُّ بِهِ الشَّيْءُ؛ قَالَ: وَيَجُوزُ أَن تَكُونَ مِنْ الظَّنِّ بِمَعْنَى الْعِلْمِ وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:
فَمَنْ تَظَنُ
أَي مَنْ تَتَّهِمُ، وأَصله تَظْتَنُّ مِنَ الظِّنَّة التُّهَمَةِ، فأَدغم الظاء فِي التَّاءِ ثُمَّ أَبدل مِنْهَا طَاءً مُشَدَّدَةً كَمَا يُقَالُ مُطَّلِم فِي مُظَّلِم؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: أَورده أَبو مُوسَى فِي بَابِ الطَّاءِ وَذَكَرَ أَن صَاحِبَ التَّتِمَّةِ أَورده فِيهِ لِظَاهِرِ لَفْظِهِ، قَالَ: وَلَوْ رُوِيَ بِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ لِجَازَ. يُقَالُ: مُطَّلِم ومُظَّلِم ومُظْطَلِم كَمَا يُقَالُ مُدَّكر ومُذَّكر ومُذْدَكر. وإِنه لمَظِنَّةٌ أَن يَفْعَلَ ذَاكَ أَي خَلِيقٌ مِنْ أَن يُظَنَّ بِهِ فِعْلُه، وَكَذَلِكَ الِاثْنَانِ وَالْجَمْعُ وَالْمُؤَنَّثُ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. وَنَظَرْتُ إِلى أَظَنّهم أَن يَفْعَلَ ذَلِكَ أَي إِلى أَخْلَقِهم أَن أَظُنَّ بِهِ ذَلِكَ. وأَظْنَنْتُه الشيءَ: أَوْهَمْتُه إِياه. وأَظْنَنْتُ بِهِ الناسَ: عَرَّضْتُه لِلتُّهْمَةِ. والظَّنِينُ: المُعادِي لِسُوءِ ظَنِّه وسُوءِ الظَّنِّ بِهِ. والظَّنُونُ: الرجل السَّيِءِ الظَّنِّ، وقيل: السَّيّءِ الظَّنِّ بِكُلِّ أَحد. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ الله عَنْهُ: احْتَجِزُوا مِنَ النَّاسِ بسوءِ الظَّنِ
أَي لَا تَثِقُوا بِكُلِّ أَحد فإِنه أَسلم لَكُمْ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: الحَزْمُ سُوءُ الظَّنِّ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، كرَّم الله وَجْهُهُ: إِن الْمُؤْمِنَ لَا يُمْسي ولا يُصْبِحُ إِلّا ونَفْسُه ظَنُونٌ عِنْدَهُ
أَي مُتَّهَمَة لَدَيْهِ. وَفِي حَدِيثُ
عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ عُمَير: السَّوْآءُ بِنْتُ السَّيِّدِ أَحَبُّ إِليّ مِنَ الحسْناء بِنْتِ الظَّنُونِ
أَي المُتَّهَمة. والظَّنُونُ: الرَّجُلُ الْقَلِيلُ الْخَيْرِ. ابْنُ سِيدَهْ: الظَّنينُ الْقَلِيلُ الْخَيْرِ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي تسأَله وتَظُنُّ بِهِ الْمَنْعَ فَيَكُونُ كَمَا ظَنَنْتَ. وَرَجُلٌ ظَنُونٌ: لَا يُوثَق بِخَبَرِهِ؛ قَالَ زُهَيْرٌ:
أَلا أَبْلِغْ لدَيْكَ بَنِي تَميمٍ، ... وَقَدْ يأْتيك بالخَبَرِ الظَّنُونُ
. أَبو طَالِبٍ: الظَّنُونُ المُتَّهَمُ فِي عَقْلِهِ، والظَّنُونُ كُلُّ مَا لَا يُوثَقُ بِهِ مِنْ مَاءٍ أَو غَيْرِهِ. يُقَالُ: عِلْمُه بِالشَّيْءِ ظَنونٌ إِذا لَمْ يُوْثَقُ بِهِ؛ قَالَ:
كصَخْرَةَ إِذ تُسائِلُ فِي مَرَاحٍ ... وَفِي حَزْمٍ، وعِلْمُهما ظَنُونُ(13/274)
وَالْمَاءُ الظَّنُونُ: الَّذِي تَتَوَهَّمُهُ وَلَسْتُ عَلَى ثِقَةٍ مِنْهُ. والظِّنَّةُ: الْقَلِيلُ مِنَ الشَّيْءِ، وَمِنْهُ بِئْرٌ ظَنُون: قَلِيلَةُ الْمَاءِ؛ قَالَ أَوس بْنُ حَجَرٍ:
يَجُودُ ويُعْطِي المالَ مِنْ غَيْرِ ظِنّة، ... ويَحْطِمُ أَنْفَ الأَبْلَجِ المُتَظَلِّمِ
. وَفِي الْمُحْكَمِ: بِئْرٌ ظَنُون قَلِيلَةُ الْمَاءِ لَا يُوثَقُ بِمَائِهَا. وَقَالَ الأَعشى فِي الظَّنُون، وَهِيَ الْبِئْرُ الَّتِي لَا يُدْرَى أَفيها مَاءٌ أَم لَا:
مَا جُعِلَ الجُدُّ الظَّنُونُ الَّذِي ... جُنِّبَ صَوْبَ اللَّجِبِ المَاطِرِ
مِثْلَ الفُراتِيِّ، إِذا مَا طَما ... يَقْذِفُ بالبُوصِيِّ والماهِرِ
وَفِي الْحَدِيثِ:
فَنَزَلَ عَلَى ثَمَدٍ بوادِي الحُدَيْبية ظَنُون الْمَاءِ يَتَبَرَّضُه تَبَرُّضاً
؛ الْمَاءُ الظَّنُون: الذي تتوهمه وَلَسْتُ مِنْهُ عَلَى ثِقَةٍ، فَعُولٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، وَهِيَ الْبِئْرُ الَّتِي يُظَنُّ أَن فِيهَا مَاءً. وَفِي حَدِيثِ
شَهْرٍ: حَجَّ رجلٌ فَمَرَّ بماءِ ظَنُونٍ
، قَالَ: وَهُوَ رَاجِعٌ إِلى الظَّنِّ وَالشَّكِّ والتُّهَمَةِ. ومَشْرَبٌ ظَنُون: لَا يُدْرَى أَبِهِ مَاءٌ أَم لَا؛ قَالَ:
مُقَحَّمُ السَّيرِ ظَنُونُ الشِّرْبِ
ودَيْن ظَنُون: لَا يَدْرِي صاحبُه أَيأْخذه أَم لَا. وَكُلُّ مَا لَا يُوثَقُ بِهِ فَهُوَ ظَنُونٌ وظَنِينٌ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنه قَالَ: فِي الدَّيْنِ الظَّنُونِ يُزَكِّيهِ لِمَا مَضَى إِذا قَبَضَهُ
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الظَّنُون الَّذِي لَا يُدْرَى صَاحِبُهُ أَيَقْضيه الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَم لَا، كأَنه الَّذِي لَا يَرْجُوهُ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ الله عنه: لَا زَكَاةَ فِي الدَّيْنِ الظَّنُونِ
؛ هُوَ الَّذِي لَا يَدْرِي صَاحِبُهُ أَيصل إِليه أَم لَا، وَكَذَلِكَ كَلُّ أَمر تُطالبه وَلَا تَدْرِي عَلَى أَيِّ شَيْءٍ أَنت مِنْهُ فَهُوَ ظَنونٌ. والتَّظَنِّي: إِعمال الظَّنِّ، وأَصله التَّظَنُّنُ، أُبدل مِنْ إِحدى النُّونَاتِ يَاءً. والظَّنُون مِنَ النِّسَاءِ: الَّتِي لَهَا شَرَفٌ تُتَزَوَّجُ طَمَعًا فِي وَلَدِهَا وَقَدْ أَسَنَّتْ، سُمِّيَتْ ظَنُوناً لأَن الْوَلَدَ يُرْتَجى مِنْهَا. وَقَوْلُ أَبي بِلَالِ بنِ مِرْداسٍ وَقَدْ حَضَرَ جِنَازَةً فَلَمَّا دُفِنَتْ جَلَسَ عَلَى مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ ثُمَّ تَنَفَّسَ الصُّعَدَاءَ وَقَالَ: كلُّ مَنِيَّةٍ ظَنُونٌ إِلا القتلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؛ لَمْ يُفَسِّرِ ابْنُ الأَعرابي ظَنُوناً هَاهُنَا، قَالَ: وَعِنْدِي أَنها الْقَلِيلَةُ الْخَيْرِ والجَدْوَى. وطَلَبَه مَظانَّةً أَي ليلًا ونهاراً.
ظين: أَديم مُظَيَّنٌ: مَدْبُوغٌ بالظَّيَّانِ؛ حَكَاهُ أَبو حَنِيفَةَ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ. والظَّيَّانُ: ياسَمِينُ البَرِّ، وَهُوَ نَبْتٌ يُشْبِه النِّسْرينَ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
بمُشْمَخِرٍّ بِهِ الظَّيَّانُ والآسُ.
فصل العين المهملة
عبن: جَمَلٌ عَبَنٌّ وعَبَنَّى وعَبَنَّاةٌ: ضَخْمُ الْجِسْمِ عَظِيمٌ، وَنَاقَةٌ عَبَنَّةٌ وعَبَنَّاةٌ، وَالْجَمْعُ عَبَنَّياتٌ؛ قَالَ حُميد:
أَمِينٌ عَبَنُّ الخَلْقِ مُخْتلِفُ الشَّبا، ... يقولُ المُماري طالَ مَا كانَ مُقْرَما
. وأَعْبَنَ الرجلُ: اتَّخَذَ جَمَلًا عَبَنَّى، وَهُوَ القَويُّ. والعُبْنةُ: قُوَّةُ الْجَمَلِ وَالنَّاقَةِ. والعُبُنُ مِنَ النَّاسِ: السِّمان المِلاح. وَرَجُلٌ عَبَنَّى: عَظِيمٌ. وَنَسْرٌ عَبَنَّى: عَظِيمٌ، وَقِيلَ: عَظِيمٌ قَدِيمٌ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: نسْرٌ عَبَنٌّ، مُشَدَّدُ النُّونِ، عَظِيمٌ. والعُبْنُ مِنَ الدَّوَابِّ: القَويّاتُ عَلَى السَّيْرِ، الْوَاحِدُ عَبَنَّى. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: جَمَلٌ عَبَنٌّ وعَبَنَّى مُلْحَقٌ بفَعَلَّى إِذا وَصَلْتَهُ يُؤنث؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ مُلْحَقٌ بفَعَلَّلٍ وَوَزْنُهَا فعَنْلى؛ وأَنشد الْجَوْهَرِيُّ:(13/275)
هَانَ عَلَى عَزَّة بنْتِ الشَّحَّاحْ، ... مَهْوَى جِمالِ مالكٍ فِي الإِدْلاجْ،
بالسَّير أَرْزاءُ وجِيفُ الحُجَّاجْ ... كلَّ عَبَنَّى بالعَلاوَى هَجَّاجْ،
بحيثُ لَا مُسْتَوْدَعٌ وَلَا ناجْ
. والعَبْنُ: الغِلَظُ فِي الْجِسْمِ والخُشونة، ورجل عَبَنُّ الخَلْق.
عتن: عَتَلَه إِلى السجْن وعَتَنَه يَعْتِنُه ويَعْتُنه عَتْناً إِذا دَفَعَهُ دَفْعًا عَنِيفًا، وَقِيلَ: حَمَلَهُ حَمْلًا عَنِيفًا وَرَجُلٌ عَتِنٌ: شَدِيدُ الْحَمْلَةِ. وَحَكَى يَعْقُوبُ: أَن نُونَ عتَن بَدَلٌ مِنْ لَامِ عَتَل. ابْنُ الأَعرابي: العُتُن الأَشِدَّاء، جَمْعُ عَتُون وعاتِن. وأَعْتَنَ إِذا تَشَدَّدَ عَلَى غريمه وآذاه.
عثن: العُثانُ والعَثَن: الدُّخان، وَالْجَمْعُ عَواثِن عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَكَذَلِكَ جَمْعُ الدُّخان دَواخِنُ، والعَواثِنُ والدَّواخِنُ لَا يُعْرَفُ لَهُمَا نَظِيرٌ، وَقَدْ عَثَنَ يَعْثُن عَثْناً وعُثاناً. وَفِي حَدِيثِ الْهِجْرَةِ
وسُراقة بْنِ مَالِكٍ: أَنه طَلَبَ النبي، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، وأَبا بَكْرٍ حِينَ خَرَجَا مُهاجِرَين، فَلَمَّا بَصُرَ به دعا إِليه النبي، صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ، فساختْ قوائمُ فَرَسِهِ فِي الأَرض، فسأَلهما أَن يُخَلِّيَا عَنْهُ فَخَرَجَتْ قَوَائِمُهَا وَلَهَا عُثانٌ
، قَالَ ابْنُ. الأَثير: أَي دُخان، قَالَ الأَزهري: وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ العُثانُ أَصله الدُّخَانُ، وأَراد بالعُثان هَاهُنَا الغُبار شَبَّهَهُ بالدُّخان، قَالَ: كَذَلِكَ قَالَ أَبو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَرُبَّمَا سَمَّوُا الْغُبَارَ عُثاناً. وعَثَنَتِ النارُ تَعْثُنُ، بِالضَّمِّ، عُثاناً وعُثوناً وعثَّنَت إِذا دَخَّنَت. وعَثَّنَ الشيءَ: دَخَّنه بِرِيحِ الدُّخْنة. وعَثِنَ هُوَ: عَبِقَ. وَطَعَامٌ مَعْثُون وعَثِنٌ ومَدْخونٌ ودَخِنٌ إِذا فَسَدَ لِدُخَّانٍ خَالَطَهُ. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذا اسْتَوْقد بِحَطَبٍ رَدِيءٍ ذِي دُخان: لَا تُعَثِّنْ عَلَيْنَا. وعَثَنَ فِي الْجَبَلِ يَعْثُنُ عَثْناً: صَعَّدَ مِثْلُ عَفَنَ، أَنشد يَعْقُوبُ:
حَلَفْتُ بِمَنْ أَرْسى ثَبيراً مكانَه ... أَزُورُكُم، مَا دَامَ للطَّوْد عاثِنُ
يُرِيدُ: لَا أَزورُكُم مَا دَامَ لِلْجَبَلِ صاعدٌ فِيهِ، وَرُوِيَ: مَا دَامَ للطَّوْد عَافِنٌ. يُقَالُ: عَثَنَ وعَفَن بِمَعْنًى، قَالَ يَعْقُوبُ: هُوَ عَلَى الْبَدَلِ. وعَثَّنْتُ ثَوْبِي بالبَخور تَعْثيناً. والعُثْنُونُ مِنَ اللِّحْيَةِ: مَا نَبَتَ عَلَى الذَّقَن وَتَحْتِهِ سِفْلًا، وَقِيلَ: هُوَ كُلُّ مَا فَضَل مِنَ اللِّحْيَةِ بَعْدَ العارِضَين مِنْ بَاطِنِهِمَا، وَيُقَالُ لِمَا ظَهَرَ مِنْهَا السَّبَلة، وَقَدْ يُجْمَعُ بَيْنَ السبَلة والعُثْنون فَيُقَالُ لَهُمَا عُثْنُونٌ وسَبَلة، وَقِيلَ: اللِّحْيَةُ كُلُّهَا، وَقِيلَ: عُثْنون اللِّحْيَةِ طُولها وَمَا تَحْتَهَا مِنْ شَعْرِهَا، عَنْ كُرَاعٍ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا يُعْجِبُنِي، وَقِيلَ: عُثْنون اللِّحْيَةِ طَرَفُهَا. وَرَجُلٌ مُعَثَّنٌ: ضَخْمُ العُثْنون. وَفِي الْحَدِيثِ:
وَفِّروا العَثانِين
، هِيَ جَمْعُ عُثْنون، وَهُوَ اللِّحْيَةُ. والعُثْنون: شُعَيرات عِنْدَ مَذْبَحِ الْبَعِيرِ والتَّيْسِ، وَيُقَالُ لِلْبَعِيرِ ذُو عَثانِينَ عَلَى قَوْلِهِ: «3» قَالَ العواذِلُ: مَا لِجَهْلِكَ بعدَ ما شابَ المَفارِقُ، واكْتَسَينَ قَتِيرا؟ والعُثْنون: شُعَيرات طِوالٌ تَحْتَ حَنَكِ الْبَعِيرِ. يُقَالُ: بَعِيرٌ ذُو عَثانِينَ، كَمَا قَالُوا لمَفْرِق الرأْس مَفارِق. أَبو زَيْدٍ: العَثانِينَ المَطر بَيْنَ السَّحَابِ والأَرض مِثْلُ السَّبَل، وَاحِدُهَا عُثْنون، وعُثْنون السَّحَابِ: مَا وَقَعَ عَلَى الأَرض منها، قال
__________
(3) . 1 قوله" على قوله" أي على حد قوله حيث جمع المفرق الذي هو وسط الرأس كأنه جعل كُلَّ مَوْضِعٍ مِنْهُ مَفْرِقًا فجمعه وكذلك العثنون كأنه جعل كل شعرة منه عثنوناً.(13/276)
:
بِتْنا نُراقِبُه وباتَ يَلُفُّنا، ... عِنْدَ السَّنامِ، مُقَدِّماً عُثْنونا
يَصِفُ سَحَابًا. وعَثانين السَّحَابِ: مَا تَدَلَّى مِنْ هَيْدَبها. وعُثْنون الرِّيح: هَيْدَبُهَا إِذا أَقبلت تَجُرُّ الْغُبَارَ جَرًّا، قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: وعُثْنُونُ الرِّيحِ وَالْمَطَرِ أَولهما، وعَثانينها أَوائلها، وَمِنْهُ قَوْلُ جِرَانِ الْعَوْدِ:
وبالخَطِّ نَضَّاحُ العَثانين وَاسِعٌ
وَيُقَالُ: عَثَنَتِ المرأَةُ بدُخْنتِها إِذا اسْتَجْمَرَتْ. وعَثَنْتُ الثوبَ بالطِّيب إِذا دَخَّنْتَه عَلَيْهِ حَتَّى عَبِق بِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن مُسَيلمة لَمَّا أَراد الإِعْراسَ بسَجاح قَالَ عَثِّنوا لَهَا
أَي بَخِّروا لَهَا البَخُور. والعَثَنُ: الصَّنَمُ الصَّغِيرُ والوَثَنُ الْكَبِيرُ، وَالْجَمَاعَةُ الأَعثانُ والأَوْثانُ. وعَثَّنَ فلانٌ تَعْثيناً أَي خَلَّط وأَثار الْفَسَادَ. وَقَالَ أَبو تُرَابٍ: سَمِعْتُ زَائِدَةَ البكريَّ يَقُولُ: الْعَرَبُ تدعُو أَلوانَ الصُّوفِ العِهْنَ غَيْرَ بَنِي جَعْفَرٍ فإِنهم يَدْعُونَهُ العِثْنَ، بِالثَّاءِ، قَالَ: وَسَمِعْتُ مُدْرِك بْنَ غَزْوان الجعْفريَّ وأَخاه يَقُولَانِ: العِثْنُ ضَرْبٌ مِنَ الخُوصة يَرْعَاهُ الْمَالُ إِذا كَانَ رَطْباً، فإِذا يَبِسَ لَمْ يَنْفَعْ، وَقَالَ مُبْتكِرٌ: هِيَ العِهْنة، وَهِيَ شَجَرَةٌ غَبْرَاءُ ذَاتُ زَهَرٍ أَحمر.
عجن: عَجَنَ الشيءَ يَعْجِنُه عَجْناً، فَهُوَ مَعْجُونٌ وعَجِين، واعْتَجَنه: اعْتَمَدَ عَلَيْهِ بجُمْعه يَغْمِزُه؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:
يَكْفيك مِنْ سَوْداءَ واعْتِجانِها، ... وكَرِّكَ الطَّرْفَ إِلى بَنانِها،
ناتِئةُ الجَبْهةِ فِي مكانِها، ... صَلْعاءُ لَوْ يُطْرَحُ فِي مِيزانِها
رِطْلُ حديدٍ، شالَ مِنْ رُجْحانها
. والعاجِنُ مِنَ الرِّجَالِ: المُعْتَمِدُ عَلَى الأَرض بجُمْعه إِذا أَراد النُّهوضَ مِنْ كِبَرٍ أَو بُدْنٍ؛ قَالَ كُثَيِّرٌ:
رأَتْني كأَشْلاءِ اللِّجامِ، وبَعْلُها ... مِنَ المَلْءِ أَبْزَى عاجنٌ مُتَباطِنُ
وَرَوَاهُ أَبو عُبَيْدٍ:
مِنَ الْقَوْمِ أَبْزَى مُنْحَنٍ مُتَباطِنُ
. وعَجَنتِ الناقةُ. وناقةٌ عاجِنٌ: تضْرِبُ بِيَدَيْهَا إِلى الأَرض فِي سَيْرِهَا. ابْنُ الأَعرابي: العُجُنُ أَهل الرَّخاوة مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. يُقَالُ لِلرَّجُلِ عَجِينة وعَجِينٌ، وللمرأَة عَجِينة لَا غَيْرَ، وَهُوَ الضَّعِيفُ فِي بَدَنِهِ وَعَقْلِهِ. والعُجُنُ: جَمْعُ عاجِنٍ، وَهُوَ الَّذِي أَسَنَّ، فإِذا قَامَ عَجَنَ بِيَدَيْهِ. يُقَالُ: خَبَز وعَجَنَ وثَنَّى وثَلَّثَ ووَرَّصَ كُلُّهُ مِنْ نَعْتِ الْكَبِيرِ. وعَجَنَ وأَعْجَنَ إِذا أَسَنَّ فَلَمْ يَقُمْ إِلَّا عاجِناً؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
فأَصْبَحْتُ كُنْتيّاً، وهَيَّجْتُ عاجِناً، ... وشَرُّ خِصَالِ المرءِ كُنْتٌ وعاجِنُ «4»
. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ: أَنه كَانَ يَعْجِنُ فِي الصَّلَاةِ فَقِيلَ لَهُ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: رأَيت رسولَ اللَّهِ، صَلَّى الله عليه وسلم، يَعْجِنُ فِي الصَّلَاةِ
أَي يَعْتَمِدُ عَلَى يَدَيْهِ إِذا قَامَ كَمَا يَفْعَلُ الَّذِي يَعْجِنُ العَجينَ. قَالَ اللَّيْثُ: والعَجّانُ الأَحمق، وَكَذَلِكَ العَجِينة. وَيُقَالُ: إِن فُلَانًا ليَعْجِنُ بمِرْفَقَيْه حُمْقاً. قَالَ الأَزهري: سَمِعْتُ أَعرابياً يَقُولُ لِآخَرَ يَا عَجّان إِنك لتَعْجِنُه، فَقُلْتُ لَهُ: مَا يَعْجِنُ وَيْحَكَ فَقَالَ: سَلْحه، فأَجابه الْآخَرُ: أَنا أَعْجِنُه وأَنت تَلْقَمُه، فأَفْحَمه. وأَعْجَنَ إِذا جَاءَ بولدٍ عَجِينةٍ، وَهُوَ الأَحمق. والعَجِينُ: المَجْبُوسُ مِنَ الرجال.
__________
(4) . قوله [كنت وعاجن] بتنوين كنت بالأَصل والصحاح في موضعين، ونونها الصاغاني مرة وترك التنوين أَخرى، والبيت روي بروايات مختلفة(13/277)
وعَاجِنةُ المكانِ: وسَطُه؛ وأَنشد الأَخطل:
بعاجنةِ الرَّحُوبِ فَلَمْ يَسيروا «1»
. وعَجِنَتِ النَّاقَةُ تَعْجَنُ عَجَناً وَهِيَ عَجْناء: كَثُرَ لَحْمُ ضَرْعها وسَمِنَتْ، وَقِيلَ: هُوَ إِذا صَعِدَ نَحْوَ حَيائها، وَكَذَلِكَ الشَّاةُ وَالْبَقَرَةُ. والعَجَنُ أَيضاً: عَيْبٌ، وَهُوَ وَرِمَ حَيَاءُ النَّاقَةِ مِنَ الضَّبَعَة، وَقِيلَ: هُوَ وَرَمٌ يُصِيبُهَا فِي حَيائها وَدُبُرُهَا، وَرُبَّمَا اتَّصَلَا، وَقِيلَ: هُوَ وَرَمٌ فِي حَيَائِهَا كالثُّؤْلول، وَهُوَ شَبِيهٌ بالعَفَل يَمْنَعُهَا اللِّقاحَ، عَجِنَتْ عَجَناً، فَهِيَ عَجِنة وعَجْناء، وَقِيلَ: العَجْناء النَّاقَةُ الْكَثِيرَةُ لَحْمِ الضَّرْع مَعَ قِلَّةِ لَبَنِهَا بَيِّنةُ العَجَن. والعَجْناء أَيضاً: الْقَلِيلَةُ اللَّبَنِ. والعَجْناء والمُعْتَجِنةُ: المُنْتَهيةُ فِي السِّمَنِ. والمُتَعَجِّنُ: البعيرُ المُكْتَنِزُ سِمَناً كأَنه لَحَمٌ بِلَا عَظْمٍ. وَبَعِيرٌ عَجِنٌ: مُكْتَنِز سِمَناً. وأَعْجَنَ الرجلُ إِذا رَكِبَ العَجْناء، وَهِيَ السَّمِينَةُ، وَمِنَ الضُّرُوع الأَعْجَنُ. والعَجَنُ: لُحْمَةٌ غَلِيظَةٌ مِثْلُ جُمْع الرَّجُلِ حِيالَ فِرْقَتَي الضَّرَّة، وَهُوَ أَقلها لبَناً وأَحسنها مَرْآةً. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَكُونُ العَجْناء غَزِيرة وَتَكُونُ بَكيئة. والعَجْنُ: مَصْدَرُ عَجَنْتُ العَجينَ. والعجينُ مَعْرُوفٌ. وَقَدْ عَجَنَتِ المرأَةُ، بِالْفَتْحِ، تَعْجِنُ عَجِيناً واعْتَجَنتْ بِمَعْنًى أَي اتَّخَذَتْ عَجِيناً. والعِجَانُ: الاسْتُ، وَقِيلَ: هُوَ الْقَضِيبُ الْمَمْدُودُ مِنَ الخُصْيَةِ إِلى الدُّبُرِ، وَقِيلَ: هُوَ آخِرُ الذَّكَرِ مَمْدُودٌ فِي الْجِلْدِ، وَقِيلَ: هُوَ مَا بَيْنَ الخُصية والفَقْحَة. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِن الشيطانَ يأْتي أَحدكم فيَنْقُرُ عِنْدَ عِجانه
؛ العِجان: الدُّبُرُ، وَقِيلَ: هُوَ مَا بَيْنَ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَن أَعجميّاً عَارَضَهُ فَقَالَ: اسكتْ يَا ابنَ حَمْرَاءِ العِجان
هُوَ سَبٌّ كَانَ يَجْرِي عَلَى أَلسنة الْعَرَبِ؛ قَالَ جَرِيرٌ:
يَمُدُّ الحَبْلَ مُعْتَمِداً عَلَيْهِ، ... كأَنَّ عِجَانَه وتَرٌ جَدِيدُ
. وَالْجَمْعُ أَعْجِنةٌ وعُجُنٌ. وعَجَنه عَجْناً: ضربَ عِجَانه. وعِجانُ المرأَة: الوَتَرَةُ الَّتِي بَيْنَ قُبُلِها وثَعْلَبَتِها. وأَعْجَنَ: وَرِمَ عِجانُه. والعِجان، بِلُغَةِ أَهل الْيَمَنِ: العُنق؛ قَالَ شَاعِرُهُمْ يَرْثِي أُمه وأَكلها الذئبُ:
فَلَمْ يبْقَ مِنْهَا غيرُ نِصْفِ عِجانِها، ... وشُنْتُرَةٌ مِنْهَا، وإِحدى الذَّوائبِ
. وَقَالَ الشَّاعِرُ:
يَا رُبَّ خَوْدٍ ضَلْعَةِ العِجانِ، ... عِجانُها أَطْوَلُ مِنْ سِنانِ
. وأُمُّ عَجِينَةَ: الرَّخَمةُ.
عجهن: الأَزهري: العُجاهِنُ صَدِيقُ الرَّجُلِ المُعْرِس الَّذِي يَجْرِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهله فِي إِعْراسه بالرَّسائل، فإِذا بَنى بِهَا فَلَا عُجاهنَ لَهُ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
ارْجِعْ إِلى بيتِكَ يَا عُجاهِنُ، ... فَقَدْ مَضَى العُرْسُ، وأَنتَ واهِنُ
. والأُنثى بِالْهَاءِ. وتَعَجْهَنَ الرجلُ يَتَعَجْهَنُ تَعَجْهُناً إِذا لزِمَها حَتَّى يُبْنَى عَلَيْهَا. والعُجاهِنة: الماشِطة إِذا لَمْ تُفَارِقِ العَرُوسَ حَتَّى يُبْنَى بِهَا. والعُجاهِنُ، بِالضَّمِّ: الطَّبّاخ. والعُجاهِنُ: الْخَادِمُ، وَالْجَمْعُ العَجاهِنة، بِالْفَتْحِ؛ وَقَالَ الْكُمَيْتُ:
ويَنْصِبْنَ القُدُورَ مُشَمِّراتٍ، ... يُنازِعْنَ العَجاهِنةَ الرِّئينا
. الرِّئين: جمعُ الرِّئة، جَمَعَهَا عَلَى النُّونِ كَقَوْلِهِمْ عِزِينَ
__________
(1) . صدره كما في التكملة: وسير غيرهم عنها فساروا(13/278)
وثُبِينَ وكُرِينَ، والمرأَة عُجاهِنة؛ قَالَ: وَهِيَ صَديقة العَرُوسِ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَدْ تعَجْهَنَ الرَّجُلُ لفلانٍ إِذا صَارَ لَهُ عُجاهِناً؛ وَقَالَ تأَبط شَرًّا:
ولكنَّني أَكْرَهْتُ رَهْطاً وأَهْلَه، ... وأَرْضاً يكونُ العُوصُ فِيهَا عُجاهِنا
. وَيُرْوَى:
وكَرِّي إِذا أَكْرَهْتُ رَهْطاً وأَهله
. والعُجاهِنُ: الْقُنْفُذُ؛ حَكَاهُ أَبو حَاتِمٍ؛ وأَنشد:
فباتَ يُقاسي ليلَ أَنْقَدَ دَائِبًا، ... ويَحْدُرُ بالقُفِّ اخْتِلافَ العُجاهِنِ
وَذَلِكَ لأَن الْقُنْفُذَ يَسْرِي لَيْلَهُ كُلَّهُ، وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ الطَّبَّاخ لأَن الطباخ يختلف أَيضاً.
عدن: عَدَنَ فُلَانٌ بِالْمَكَانِ يَعْدِنُ ويَعْدُنُ عَدْناً وعُدُوناً: أَقام. وعَدَنْتُ البلدَ: تَوَطَّنْتُه. ومرْكَزُ كُلِّ شَيْءٍ مَعْدِنُه، وجنّاتُ عَدْنٍ مِنْهُ أَي جَنَّاتُ إِقامة لِمَكَانِ الخُلْد، وجناتُ عَدْنٍ بُطْنانُها، وبُطْنانها وسَطُها. وبُطْنانُ الأَودية: المواضعُ الَّتِي يَسْتَرْيضُ فِيهَا ماءُ السَّيْلِ فيَكْرُمُ نباتُها، وَاحِدُهَا بَطْنٌ. وَاسْمُ عَدْنان مُشْتَقٌّ مِنَ العَدْنِ، وَهُوَ أَن تَلْزَمَ الإِبلُ المكانَ فتأْلَفَه وَلَا تَبْرَحَه. تَقُولُ: تَرَكْتُ إِبل بَنِي فُلَانٍ عَوادِنَ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا؛ قَالَ: وَمِنْهُ المَعْدِن، بِكَسْرِ الدَّالِ، وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يَثْبُتُ فِيهِ النَّاسُ لأَن أَهله يُقِيمُونَ فِيهِ وَلَا يتحوَّلون عَنْهُ شِتَاءً وَلَا صَيْفًا، ومَعْدِنُ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، ومَعْدِنُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ سُمِّيَ مَعْدِناً لإِنْبات اللَّهِ فِيهِ جَوْهَرَهُمَا وإِثباته إِياه فِي الأَرض حَتَّى عَدَنَ أَي ثَبَتَ فِيهَا. وَقَالَ اللَّيْثُ: المَعْدِنُ مَكَانُ كُلِّ شَيْءٍ يَكُونُ فِيهِ أَصله ومَبْدَؤه نَحْوُ مَعْدِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ والأَشياء. وَفِي الْحَدِيثِ:
فَعَنْ معادِنِ الْعَرَبِ تسأَلوني؟ قَالُوا: نَعَمْ
، أَي أُصولها الَّتِي يُنْسَبُونَ إِليها وَيَتَفَاخَرُونَ بِهَا. وَفُلَانٌ مَعْدِنٌ لِلْخَيْرِ وَالْكَرْمِ إِذا جُبِل عَلَيْهِمَا، عَلَى المَثَل؛ وَقَالَ أَبو سَعِيدٍ فِي قَوْلِ المُخَبَّل:
خَوَامِسُ تَنْشقُّ العَصا عَنْ رُؤوسها، ... كَمَا صَدَعَ الصَّخْرَ الثِّقالَ المُعَدِّنُ
قَالَ: المُعَدِّنُ الَّذِي يُخْرِجُ مِنَ المَعْدنِ الصخرَ ثُمَّ يَكْسِرُها يَبْتَغِي فِيهَا الذَّهَبَ. وَفِي حَدِيثِ
بِلَالِ بْنِ الحرث: أَنه أَقطعه مَعادِن القَبَلِيَّةِ
؛ المَعادِنُ: الْمَوَاضِعُ الَّتِي يُسْتَخْرَجُ مِنْهَا جَوَاهِرُ الأَرض. والعَدَانُ: مَوْضِعُ العُدُونِ. وعَدَنَتِ الإِبل بِمَكَانِ كَذَا تَعْدِنُ وتَعْدُنُ عَدْناً وعُدُوناً: أَقامت فِي المَرْعَى، وَخَصَّ بَعْضُهُمْ بِهِ الإِقامة فِي الحَمْضِ، وَقِيلَ: صَلَحَتْ واسْتَمْرأَت المكانَ ونَمَتْ عَلَيْهِ؛ قَالَ أَبو زَيْدٍ: وَلَا تَعْدِنُ إِلا فِي الحَمْضِ، وَقِيلَ: يَكُونُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَهِيَ نَاقَةٌ عادِنٌ، بِغَيْرِ هَاءٍ. والعَدَنُ: مَوْضِعٌ بِالْيَمَنِ، وَيُقَالُ لَهُ أَيضاً عَدَنُ أَبْيَنَ، نُسِبَ إِلى أَبْيَنَ رجلٍ مِنْ حِمْير لأَنه عَدَنَ بِهِ أَي أَقام؛ قَالَ الأَزهري: وَهِيَ بَلَدٌ عَلَى سِيف الْبَحْرِ فِي أَقصى بِلَادِ الْيَمَنِ؛ وَفِي الْحَدِيثِ
ذِكْرُ عَدَنِ أَبْيَنَ
؛ هِيَ مَدِينَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِالْيَمَنِ أُضيفت إِلى أَبْيَنَ بِوَزْنِ أَبيض، وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ حِمْيَرَ. أَبو عُبَيْدٍ: العِدَّانُ الزَّمَانُ؛ وأَنشد بَيْتَ الْفَرَزْدَقِ يُخَاطِبُ مِسْكيناً الدَّارِمِيَّ لَمَّا رَثَى زِيَادًا:
أَتَبْكي عَلَى عِلْجٍ، بِمَيْسانَ، كافِرٍ ... ككِسْرَى عَلَى عِدّانِه، أَو كَقَيْصَرا؟
وَفِيهِ يَقُولُ هَذَا الْبَيْتَ:
أَقولُ لَهُ لما أَتاني نَعِيُّه: ... بِهِ لَا بِظَبْيٍ بالصَّرِيمةِ أَعْفَرا.(13/279)
وَقَالَ أَبو عَمْرٍو فِي قَوْلِهِ:
وَلَا عَلَى عِدّانِ مُلْكٍ مُحْتَضَرْ
أَي عَلَى زَمَانِهِ وإِبَّانِه. قَالَ الأَزهري: وَسَمِعْتُ أَعرابياً مِنْ بَنِي سَعْدٍ بالأَحْساءِ يَقُولُ: كَانَ أَمْرُ كَذَا وَكَذَا عَلَى عِدَّانِ ابن بُور؛ وابنُ بُور كَانَ وَالِيًا بالبَحْرَيْن قَبْلَ اسْتِيلَاءِ القَرامِطَة عَلَيْهَا، يُرِيدُ كَانَ ذَلِكَ أَيام وِلَايَتِهِ عَلَيْهَا. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: كَانَ ذَلِكَ عَلَى عِدَّانِ فِرْعَوْنَ، قَالَ الأَزهري: مَنْ جَعَلَ عِدَّانَ فِعْلاناً فَهُوَ مِنَ العَدِّ والعِدَادِ، وَمَنْ جَعَلَهُ فِعلالًا فَهُوَ مِنْ عَدَنَ، قَالَ: والأَقرب عِنْدِي أَنه مِنَ العَدِّ لأَنه جُعِلَ بِمَعْنَى الْوَقْتِ. والعَدَان، بِفَتْحِ الْعَيْنِ: سَبْعُ سِنِينَ، يُقَالُ: مَكَثْنا فِي غَلاء السِّعْرِ عَدَانَيْنِ، وَهُمَا أَربع عَشْرَةَ سَنَةً، الْوَاحِدُ عَدَانٌ، وَهُوَ سَبْعُ سِنِينَ. والعَدَانُ: موضعُ كُلِّ ساحلٍ، وَقِيلَ: عَدَان الْبَحْرِ، بِالْفَتْحِ، سَاحِلُهُ؛ قَالَ يَزيدُ بنُ الصَّعِقِ:
جَلَبْنَ الخيلَ مِنْ تَثْلِيثَ، حَتَّى ... وَرَدْنَ عَلَى أُوَارةَ فالعَدَانِ
. والعدانُ: أَرض بِعَيْنِهَا مِنْ ذَلِكَ؛ وأَما قَوْلُ لَبِيدِ بْنِ رَبِيعَةَ الْعَامِرِيِّ:
وَلَقَدْ يَعْلَمُ صَحْبي كُلُّهُمْ، ... بعَدَانِ السِّيفِ صَبْرِي ونَقَلْ
. فإِن شَمِرًا رَوَاهُ: بعَدَانِ السِّيفِ، وَقَالَ: عَدَانُ مَوْضِعٌ عَلَى سِيفِ الْبَحْرِ، وَرَوَاهُ أَبو الْهَيْثَمِ: بعِدان السِّيفِ، بِكَسْرِ الْعَيْنِ، قَالَ: وَيُرْوَى بعَدَاني السِّيفِ، وَقَالَ: أَراد جَمْعَ العَدِينَة، فَقَلَبَ الأَصل بعَدَائِن السِّيفِ فأَخَّرَ الْيَاءَ وَقَالَ: عَداني، وَقِيلَ: أَراد عَدَنَ فَزَادَ فِيهِ الأَلف لِلضَّرُورَةِ، وَيُقَالُ: هُوَ مَوْضِعٌ آخَرُ: ابْنُ الأَعرابي: عَدَانُ النَّهَرِ، بِفَتْحِ الْعَيْنِ، ضَفَّتُه، وَكَذَلِكَ. عَبْرَتُه [عِبْرَتُه] ومَعْبَرُه وبِرْغِيلُه. وعَدَنَ الأَرضَ يَعْدِنُها عَدْناً وعَدَّنَها: زبَّلَها. والمِعْدَنُ: الصاقُورُ. والعَدِينَة: الزِّيَادَةُ الَّتِي تُزادُ فِي الغَرْبِ، وَجَمْعُ العَدِينَة عدَائن. يُقَالُ: غَرْبٌ مُعَدَّنٌ إِذا قُطِعَ أَسفله ثُمَّ خُرِزَ بِرُقْعَةٍ؛ وَقَالَ:
والغَرْبَ ذَا العَدِينَة المُوَعَّبا
. المُوَعَّبُ: المُوَسَّعُ الموَفَّر. أَبو عَمْرٍو: العَدِينُ عُرًى مُنَقَّشَة تَكُونُ فِي أَطراف عُرَى المَزادة، وَقِيلَ: رُقْعَة مُنَقَّشَة تَكُونُ فِي عُرْوة الْمَزَادَةِ. وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: الغَرْب يُعَدَّنُ إِذا صَغُر الأَديم وأَرادوا تَوْفِيرَه زَادُوا لَهُ عَدِينَةً أَي زَادُوا لَهُ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهُ رُقْعَة. والخُفُّ يُعَدَّنُ: يُزَادُ فِي مُؤَخَّرِ السَّاقِ مِنْهُ زِيَادَةً حَتَّى يَتَّسِعَ، قَالَ: وَكُلُّ رُقْعة تُزاد فِي الْغَرْبِ فَهِيَ عَدِينَة، وَهِيَ كالبَنِيقَةِ فِي الْقَمِيصِ. وَيُقَالُ: عَدَّنَ بِهِ الأَرض وعَدَّنه ضَرَبَهَا بِهِ. يُقَالُ: عَدَّنْتُ بِهِ الأَرضَ ووَجَنْتُ بِهِ الأَرضَ ومَرَّنْتُ بِهِ الأَرضَ إِذا ضَرَبت بِهِ الأَرض. وعَدَّنَ الشاربُ إِذا امتلأَ، مِثْلُ أَوَّنَ وعَدَّلَ. والعَيْدانُ: النَّخْلُ الطِّوال؛ وأَنشد أَبو عُبَيْدَةَ لِابْنِ مُقْبل قَالَ:
يَهْزُزْنَ للمَشْيِ أَوْصالًا مُنَعَّمَةً، ... هَزَّ الجَنُوبِ، ضُحًى، عَيْدانَ يَبْرِينَا
. قَالَ أَبو عَمْرٍو: العَدَانَة الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ، وَجَمْعُهُ عَدانات؛ وأَنشد:
بَنِي مالكٍ لَدَّ الحُضَيْنُ، ورَاءكُمْ، ... رِجالًا عَدَاناتٍ وخَيْلًا أَكاسِما
. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: رِجَالٌ عَدَاناتٌ مُقيمون، وَقَالَ: رَوْضَةٌ أُكْسُومٌ إِذا كَانَتْ مُلْتَفَّةً بِكَثْرَةِ النَّبَاتِ.(13/280)
والعَدَان: قَبِيلَةٌ مِنْ أَسد؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
بَكِّي عَلَى قَتْلى العَدانِ، فإِنهم ... طالتْ إِقامَتُهم ببَطْنِ بَرَامِ [بِرَامِ] «1»
. والعَدَانات: الفِرَق مِنَ النَّاسِ. وعَدْنانُ بْنُ أُدٍّ: أَبو مَعَدٍّ. وعَدَانُ وعُدَيْنَة: من أَسماء النساء.
عدشن: العَيْدَشُونُ: دُوَيْبَّة.
عذن: العَذَّانَة: الاسْتُ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: كَذَبَتْ عَذَّانَتُه وكَدَّانَتُه بِمَعْنًى وَاحِدٍ. ابْنُ الأَعرابي: أَعْذَنَ الرَّجُلُ إِذا آذَى إِنساناً بالمخالفة.
عرن: العَرَنُ والعُرْنَةُ: دَاءٌ يأْخُذُ الدَّابَّةَ فِي أُخُرِ رِجْلِهَا كالسَّحَج فِي الْجِلْدِ يُذْهِبُ الشَّعر، وَقِيلَ: هُوَ تَشَقُّق يُصِيبُ الخَيْل فِي أَيديها وأَرجلها، وَقِيلَ: هُوَ جُسُوء يَحْدُثُ فِي رُسْغِ رِجْلِ الْفَرَسِ وَالدَّابَّةِ وَمَوْضِعِ ثُنَّتِها مِنْ أُخُرٍ لِلشَّيْءِ يُصِيبُهُ فِيهِ مِنَ الشُّقاقِ أَو المَشَقَّة مِنْ أَن يَرْمَحَ جَبَلًا أَو حَجَرًا، وَقَدْ عَرِنَتْ تَعْرَنُ عَرَناً، فَهِيَ عَرِنة وعَرُونٌ، وَهُوَ عَرِنٌ؛ وعَرِنَتْ رجلُ الدَّابَّةِ، بِالْكَسْرِ، والعَرَنُ أَيضاً: شَبِيهٌ بالبَثْرِ يَخْرُجُ بالفِصال فِي أَعناقها تَحْتكُّ مِنْهُ، وَقِيلَ: قَرْحٌ يَخْرُجُ فِي قَوَائِمِهَا وأَعناقها، وَهُوَ غَيْرُ عَرَنِ الدَّوَابِّ، وَالْفِعْلُ كَالْفِعْلِ. وأَعْرَنَ الرجلُ إِذا تشَقَّقتْ سيقانُ فُصْلانه، وأَعْرَنَ إِذا وقَعَتِ الحِكَّة فِي إِبله؛ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: هُوَ قَرْحٌ يأْخذه فِي عُنُقِهِ فَيَحْتَكُّ مِنْهُ وَرُبَّمَا بَرَكَ إِلى أَصل شَجَرَةٍ واحْتَكَّ بِهَا، قَالَ: وَدَوَاؤُهُ أَن يُحْرَقَ عَلَيْهِ الشحمُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُ رُؤْبَةَ:
يَحُكُّ ذِفْراهُ لأَصحابِ الضَّفَنْ، ... تَحَكُّكَ الأَجرَبِ يأْذَى بالعَرَنْ
والعَرَنُ: أَثرُ المَرَقة فِي يَدِ الْآكِلِ؛ عَنِ الهَجريِّ. والعِرَانُ: خَشَبَةٌ تُجْعَلُ فِي وَتَرةِ أَنف الْبَعِيرِ وَهُوَ مَا بَيْنَ المَنْخِرَين، وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ للبَخاتيِّ، وَالْجَمْعُ أَعْرِنة. وعَرَنَه يَعْرُنُه ويَعْرِنُه عَرْناً: وَضَعَ فِي أَنفه العِرَانَ، فَهُوَ مَعْرُونٌ. وعُرِنَ عَرْناً: شَكَا أَنفه مِنَ العِرَان. الأَصمعي: الخِشاشُ مَا يَكُونُ مِنْ عُود أَو غَيْرِهِ يُجْعَلُ فِي عَظْمِ أَنف الْبَعِيرِ، والعِرانُ مَا كَانَ فِي اللَّحْمِ فَوْقَ الأَنف؛ قَالَ الأَزهري: وأَصل هَذَا مِنَ العَرَنِ والعَرِين، وَهُوَ اللَّحْمُ. والعِرانُ: المِسْمارُ الَّذِي يَضُمُّ بَيْنَ السِّنانِ والقَناة؛ عَنِ الهَجريِّ. والعَرِينُ: اللَّحْمُ؛ قَالَتْ غادِيَةُ الدُّبيريَّةُ:
مُوَشَّمةُ الأَطرافِ رَخْصٌ عَرِينُها
. وَهَذَا الْعَجُزُ أَورده ابْنُ سِيدَة والأَزهري مَنْسُوبًا لغاديةَ الدُّبيرية كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وأَورده الْجَوْهَرِيُّ مُهْمَلًا لَمْ يَنْسُبْهُ إِلى أَحد، وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هُوَ لمُدْرِكِ بْنِ حِصْنٍ، قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ وَجُمْلَةُ الْبَيْتِ:
رَغا صاحِبي، عندَ البُكاءِ، كَمَا رَغَتْ ... مُوَشَّمَةُ الأَطرافِ رَخْصٌ عَرِينُها
. قَالَ: وأَنشده أَبو عُبَيْدَةَ فِي نَوَادِرِ الأَسماء؛ وأَنشد بَعْدَهُ:
مِنَ المُلْحِ لَا يُدْرَى أَرجْلُ شِمالِها، ... بِهَا الظَّلْعُ لَمَّا هَرْوَلتْ، أَم يمينُها
. وَفِي شِعْرِهِ: مُوَشَّمَةُ الْجَنْبَيْنِ؛ وأَراد بالمُوشَّمة الصَّبْغَ، والأَمْلَحُ: بَيْنَ الأَبيض والأَسود، والتَّوشُّمُ: بياضٌ وَسَوَادٌ يَكُونُ فِيهِ كَهَيْئَةِ الوَشْمِ فِي يَدِ المرأَة، والرَّخْصُ: الرَّطْبُ النَّاعِمُ، وَقِيلَ: العَرِينُ اللَّحْمُ
__________
(1) . قوله [قال الشاعر بكي إِلخ] عبارة ياقوت: عدان السيف، بالفتح، ضفته؛ قال الشاعر: بكي إِلخ. وبعده:
كانوا على الأَعداء نار محرّق ... ولقومهم حرماً من الأَحرام
لا تهلكي جزعاً فإني واثق ... برماحنا وعواقب الأَيام(13/281)
المَطْبُوخ. ابْنُ الأَعرابي: أَعْرَنَ إِذا دَامَ عَلَى أَكل العَرَنِ، قَالَ: وَهُوَ اللَّحْمُ الْمَطْبُوخُ. والعَرِينُ والعَرِينَةُ: مأْوى الأَسد الَّذِي يأْلفه. يُقَالُ: ليثُ عرينَةٍ وليْثُ غابةٍ، وأَصلُ العَرين جَمَاعَةُ الشَّجر؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: العَرينة مأْوى الأَسد وَالضَّبْعِ وَالذِّئْبِ وَالْحَيَّةِ؛ قَالَ الطِّرِمَّاحُ يَصِفُ رَحْلًا:
أَحَمَّ سَراةِ أَعْلى اللَّوْنِ مِنْهُ، ... كلَوْنِ سَرَاةِ ثُعْبانِ العَرينِ
. وَقِيلَ: العَرينُ الأَجَمةُ هَاهُنَا؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
ومُسَرْبلٍ حَلَقَ الحديدِ مُدَجِّجٍ، ... كاللَّيْثِ بَيْنَ عَرينَةِ الأَشْبالِ
. هَكَذَا أَنشده أَبو حَنِيفَةَ: مُدَجِّجٍ، بِالْكَسْرِ، وَالْجَمْعُ عُرُنٌ. والعَرينُ: هَشيمُ العِضاهِ. والعرينُ: جَمَاعَةُ الشَّجر والشَّوْكِ والعِضاهِ، كَانَ فِيهِ أَسد أَو لَمْ يَكُنْ. والعَرينُ والعِرَانُ: الشَّجر المُنْقاد المُسْتطيل. والعَرين: الفِناء. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن بَعْضَ الخُلفاء دُفِنَ بعَرينِ مَكَّةَ
أَي بِفِنَائِهَا، وَكَانَ دُفِنَ عِنْدَ بِئْرِ مَيْمُون. والعَرينُ فِي الأَصل: مأْوى الأَسد، شُبِّهَتْ بِهِ لِعِزِّهَا ومَنَعتِها، زَادَهَا اللَّهُ عِزًّا ومَنَعةً. والعَرينُ: صياحُ الْفَاخِتَةِ؛ أَنشد الأَزهري فِي تَرْجَمَةِ عزهل:
إِذا سَعْدانةُ السَعفاتِ ناحَتْ ... عَزَاهِلُها، سَمِعْتَ لَهَا عَرِينا
. العَرينُ: الصوتُ. والعِرَانُ: القِتالُ. والعِرانُ: الدَّارُ الْبَعِيدَةُ. والعِرانُ: البُعْدُ وبُعْدُ الدَّارِ. يُقَالُ: دَارُهُمْ عارِنَة أَي بَعِيدَةٌ. وعَرَنَتِ الدارُ عِراناً: بَعُدَتْ وَذَهَبَتْ جِهَةً لَا يُرِيدُهَا مَنْ يُحِبُّهُ. ودِيارٌ عِرَانٌ: بَعِيدَةٌ، وُصِفَتْ بِالْمَصْدَرِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَيْسَتْ عِنْدِي بِجَمْعٍ كَمَا ذَهَبَ إِليه أَهل اللُّغَةِ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
أَلا أَيُّها القلْبُ الَّذِي بَرَّحَتْ بِهِ ... منازِلُ مَيٍّ، والعِرانُ الشَّواسِعُ
. وَقِيلَ: العِرَان فِي بَيْتِ ذِي الرُّمَّةِ هَذَا الطُّرُقُ لَا وَاحِدَ لَهَا. وَرَجُلٌ عِرْنةٌ: شَدِيدٌ لَا يُطَاقُ، وَقِيلَ: هُوَ الصِّرِّيعُ. الْفَرَّاءُ: إِذا كَانَ الرَّجُلُ صِرِّيعاً خَبِيثًا قِيلَ: هُوَ عِرْنةٌ لَا يُطاق؛ قَالَ ابْنُ أَحمر يَصِفُ ضَعْفَه:
ولسْتُ بِعِرْنةٍ عَرِكٍ، سِلَاحِي ... عَصاً مَثْقُوفَةٌ تَقِصُ الحِمارَا
. يَقُولُ: لَسْتُ بقَوِيٍّ، ثُمَّ ابتدأَ فَقَالَ: سِلَاحِي عَصًا أَسوق بِهَا حِمَارِي وَلَسْتُ بمُقْرِنٍ لقِرْني. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ فِي العِرْنةِ الصِّرِّيعِ، قَالَ: هُوَ مِمَّا يُمْدَحُ بِهِ، وَقَدْ تَكُونُ العِرْنةُ مِمَّا يُذَم بِهِ، وَهُوَ الْجَافِي الكَزّ. وَقَالَ أَبو عَمْرٍو الشَّيْبانيّ: هُوَ الَّذِي يَخْدُمُ البيوتَ. ورُمْحٌ مُعَرَّنٌ: مُسَمَّرُ السِّنانِ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: رُمْحٌ مُعَرَّنٌ إِذا سُمِّر سِنانُه بالعِرانِ، وَهُوَ المِسمارُ. والعَرَنُ: الغَمَرُ. والعَرَنُ: رَائِحَةُ لَحْمٍ لَهُ غَمَرٌ؛ حَكَى ابْنُ الأَعرابي: أَجِدُ رَائِحَةَ عَرَنِ يَدَيْكَ أَي غَمَرَهما، وَهُوَ العَرَمُ أَيضاً. والعَرَنَ والعِرْنُ: رِيحُ الطَّبِيخِ؛ الأُولى عَنْ كُرَاعٍ. وَرَجُلٌ عَرِنٌ: يلزَم الياسِرَ حَتَّى يَطْعَمَ مِنَ الجَزُورِ. وعِرْنَينُ كُلِّ شَيْءٍ: أَوَّله. وعِرْنينُ الأَنف: تَحْتَ مُجْتَمَع الْحَاجِبَيْنِ، وَهُوَ أَول الأَنف حَيْثُ يَكُونُ فِيهِ الشَّمَمُ. يُقَالُ: هُمْ شُمُّ العَرانينِ، والعِرْنينُ الأَنف كُلُّهُ؛ وَقِيلَ: هُوَ مَا صَلُبَ مِنْ عَظْمِه؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
تَثْني النِّقابَ عَلَى عِرْنِينِ أَرْنَبةٍ ... شَمّاءَ، مارِنُها بالمِسْكِ مَرْثُومُ(13/282)
وَفِي صِفَتِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَقْنى العِرْنينِ
أَي الأَنف، وَقِيلَ: رأْس الأَنف. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: مِنْ عَرانين أُنوفها
؛ وَفِي قَصِيدِ كَعْبٍ:
شُمُّ العَرانينِ أَبْطالٌ لَبُوسُهُمُ
وَاسْتَعَارَهُ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ لِلدَّهْرِ فَقَالَ:
وأَصبَحَ الدهرُ ذُو العِرْنين قَدْ جُدِعا
. وَجَمْعُهُ عَرانينُ. وعَرانِينُ النَّاسِ: وُجوهُهم. وعَرانِينُ الْقَوْمِ: سَادَتُهُمْ وأَشرافُهم عَلَى المَثل؛ قَالَ الْعَجَّاجُ يَذْكُرُ جَيْشًا:
تَهْدي قُداماهُ عَرانِينُ مُضَرْ
. والعُرانية: مَدُّ السَّيْلِ: قَالَ عَديُّ بْنُ زَيْدٍ الْعَبَّادِيُّ:
كانتْ رياحٌ، وماءٌ ذُو عُرانيةٍ، ... وظُلْمةٌ لَمْ تَدَعْ فَتْقاً وَلَا خَلَلا
وَمَاءٌ ذُو عُرانية إِذا كَثُرَ وَارْتَفَعَ عُبابُه. والعُرانية، بِالضَّمِّ: مَا يرْتفع فِي أَعالي الْمَاءِ مِنْ غَوارِب المَوْج. وعَرانينُ السَّحَابِ: أَوائلُ مَطَرِهِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ يَصِفُ غَيْثًا:
كأَنَّ ثَبِيراً فِي عَرانِينَ وَدْقِه، ... مِنَ السَّيل والغُثَّاءِ، فلكةُ مِغْزل «2»
. والعِرْنةُ: عُروق العَرَتُنِ، وَفِي الصِّحَاحِ: عُروق العَرَنْتُنِ. والعِرْنة: شجرُ الظِّمْخِ يَجِيءُ أَديمه أَحمر. وسِقاءٌ معْرون ومُعَرَّنٌ: دُبِغَ بالعِرْنة، وَهُوَ خَشَبُ الظِّمخ؛ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: هُوَ شَجَرٌ يُشْبِهُ الْعَوْسَجَ إِلا أَنه أَضخم مِنْهُ، وَهُوَ أَثِيثُ الفَرْعِ وَلَيْسَ لَهُ سُوقٌ طِوالٌ، يُدَقُّ ثُمَّ يُطبَخ فَيَجِيءُ أَديمه أَحمر. وَقَالَ شَمِرٌ: العَرَتُنُ، بِضَمِّ التَّاءِ، شَجَرٌ، وَاحِدَتُهَا عَرَتُنة. وَيُقَالُ: أَديم مُعَرْتَنٌ. قَالَ الأَزهري: الظِّمْخُ وَاحِدَتُهَا ظِمْخةٌ، وَهُوَ العِرْنُ، وَاحِدَتُهَا عِرْنة، شَجَرَةٌ عَلَى صُورَةِ الدُّلْب تُقْطع مِنْهُ خُشُب القصَّارين الَّتِي تُدْفن، وَيُقَالُ لِبَائِعِهَا: عَرَّانٌ. وَحَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ عَنِ ابْنِ خَالَوَيْهِ: العِرْنة الْخَشَبَةُ الْمَدْفُونَةُ فِي الأَرض الَّتِي يَدُقُّ عَلَيْهَا الْقَصَّارُ، وأَما الَّتِي يَدُقُّ بِهَا فَاسْمُهَا المِئجَنة والكِدْنُ. وعُرَيْنة وعَرينٌ: حَيَّانِ. قَالَ الأَزهري: عُرَينة حيٌّ مِنَ الْيَمَنِ. وعَرين: حَيٌّ مِنْ تَمِيمٍ؛ وَلَهُمْ يَقُولُ جَرِيرٌ:
عَرِينٌ مِنْ عُرَيْنةَ لَيْسَ مِنَّا، ... بَرِئْتُ إِلى عُرَيْنَةَ مِنْ عَرينِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: عَرينُ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنُ يَرْبوع بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَناةَ بْنِ تَمِيمٍ، قَالَ: وَقَالَ القَزّاز عَرين فِي بَيْتِ جَرِيرٍ هَذَا اسْمُ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ. وَقَالَ الأَخفش: عَرينٌ فِي الْبَيْتِ هُوَ ثَعْلَبَةُ بْنُ يَرْبُوعٍ، ومَعْرونٌ اسْمٌ، وَكَذَلِكَ عُرَّان. وَبَنُو عَرين: بَطْنٌ مِنْ تَمِيمٍ. وعُرَينة، مُصَغَّرٌ: بَطْنٌ مِنْ بَجيلة. وعُرونة وعُرَنة: مَوْضِعَانِ. وعُرَنات: مَوْضِعٌ دُونَ عَرَفَاتٍ إِلى أَنصاب الحرَم؛ قَالَ لَبِيدٌ:
والفِيلُ يومَ عُرَناتٍ كَعْكَعا، ... إِذ أَزْمَعَ العُجْمُ بِهِ مَا أَزْمَعا
. وعِرْنانُ: غَائِطٌ وَاسِعٌ مُنْخَفِضٌ مِنَ الأَرض؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
كأَني ورَحْلي فوقَ أَحْقَبَ قارحٍ ... بشُرْبةَ، أَوْ طاوٍ بعِرْنان مُوجِسِ.
وعِرانُ البَكْرة: عُودها ويُشَدُّ فِيهِ الخُطَّافُ. ورَهْطٌ مِنَ العُرَنِيِّين، مِثَالُ الجُهَنِيِّين: ارْتَدُّوا فَقَتَلَهُمُ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعِرْنانُ: اسْمُ جَبَلٍ بالجَناب دُونَ وَادِي القُرى إِلى فَيْدٍ. وعِرْنان:
__________
(2) . ويروى: وبله بدل ودقه والمعنى واحد(13/283)
اسْمُ وَادٍ مَعْرُوفٍ. وبطْنُ عُرَنة: وَادٍ بِحِذَاءِ عَرَفَاتٍ. وَفِي حَدِيثِ الْحَجِّ:
وارْتفعُوا عَنْ بطنِ عُرَنة
؛ هُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الرَّاءِ، مَوْضِعٌ عِنْدَ الْمَوْقِفِ بِعَرَفَاتٍ. وَفِي الْحَدِيثِ:
اقْتُلوا مِنَ الْكِلَابِ كلَّ أَسوَدَ بَهِيمٍ ذِي عُرْنَتين
؛ العُرْنَتان: النُّكْتتان اللَّتَانِ تُكُونَانِ فَوْقَ عَيْنِ الكلب.
عربن: العُرْبُون والعَرَبُونُ والعُرْبانُ: الَّذِي تُسَمِّيهِ الْعَامَّةُ الأَرَبُون، تَقُولُ مِنْهُ: عَرْبَنْتُه إِذا أَعطيته ذَلِكَ. وَيُقَالُ: رمَى فلانٌ بالعَرَبُون إِذا سَلَح.
عرتن: العَرَنْتُنُ والعَرَنْتَنُ والعَرَنْتِنُ والعَرَتُنُ والعَرَتَنُ مَحْذُوفَانِ مِنَ العَرَنْتُنِ والعَرَنْتَنِ والعَرْتَنُ والعَرَتْنُ، كُلُّ ذَلِكَ: شَجَرٌ يُدبغ بِعُرُوقِهِ، وَالْوَاحِدَةُ عَرْتُنةٌ. والعِرْنةُ عُروق العرَتَن، وَهُوَ شَجَرٌ خشِنٌ يُشْبِهُ العوْسج إِلا أَنه أَضخم، وَهُوَ أَثِيثُ الفرْع، وَلَيْسَ لَهُ سُوقٌ طِوالٌ، يُدَقُّ ثُمَّ يُطبخ فَيَجِيءُ أَديمه أَحمر. وعَرْتَنَ الأَديمَ: دَبغه بالعَرَتُن. وأَديم مُعرْتَن: مَدْبُوغٌ بالعَرْتَن. وعُرَيْتِناتٌ: مَوْضِعٌ، وَقَدْ ذكِر صرْفه. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ فِي تَرْجَمَةِ عَثْلَطَ: جَاءَ فَعَلُلٌ مثالٌ واحدٌ عَرَتُنٌ مَحْذُوفٌ مِنْ عَرَنْتُنٍ؛ قَالَ الْخَلِيلُ: أَصله عَرَنْتُنٌ مِثْلُ قَرَنْفُل، حُذِفَتْ مِنْهُ النُّونُ وتُرِكَ عَلَى صُورَتِهِ. وَيُقَالُ: عَرْتَنٌ مثل عَرْفج.
عرجن: أَبو عَمْرٍو: العُرْهونُ والعُرْجُونُ والعُرْجُد كلُّه الإِهانُ، والعُرْجُون العِذْقُ عامَّة، وَقِيلَ: هُوَ العِذْقُ إِذا يَبس واعْوجَّ، وَقِيلَ: هُوَ أَصل العِذْق الَّذِي يعْوَجُّ وتُقْطع مِنْهُ الشَّمَارِيخُ فَيُبْقَى عَلَى النَّخْلِ يَابِسًا، وَقَالَ ثَعْلَبٌ: هُوَ عُود الكِباسة. قَالَ الأَزهري: الْعُرْجُونُ أَصْفرُ عَرِيضٌ شَبَّهَ اللَّهُ بِهِ الهلالَ لَمَّا عَادَ دَقِيقًا فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ
؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: فِي دِقَّتِه واعْوِجاجِه؛ وَقَوْلُ رُؤْبَةَ:
فِي خِدْرِ مَيَّاسِ الدُّمَى مُعَرْجَنِ
يَشْهَدُ بِكَوْنِ نُونِ عُرْجون أَصلًا، وإِن كَانَ فِيهِ مَعْنَى الِانْعِرَاجِ، فَقَدْ كَانَ الْقِيَاسُ عَلَى هَذَا أَن تَكُونَ نُونُ عُرْجون زَائِدَةً كَزِيَادَتِهَا فِي زَيتون، غَيْرَ أَن بَيْتَ رُؤْبَةَ هَذَا مَنَعَ ذَلِكَ وأَعلم أَنه أَصل رُباعي قَرِيبٌ مِنْ لَفْظِ الثُّلَاثِيِّ كسِبَطْرٍ مِنْ سَبِطٍ ودِمَثْرٍ مِنْ دَمِثٍ، أَلا تَرَى أَنه لَيْسَ فِي الأَفعال فَعْلَنَ، وإِنما هُوَ فِي الأَسماء نَحْوَ عَلْجَنٍ وخَلْبَنٍ؟ وعَرْجَنه بِالْعَصَا: ضَرَبَهُ. وعَرْجَنه: ضَرَبَهُ بالعُرْجون. والعُرْجون: نَبْتٌ أَبيض. والعُرْجون أَيضاً: ضَرْبٌ مِنَ الكمأَة قدْرُ شِبْرٍ أَو دُوَينُ ذَلِكَ، وَهُوَ طيِّبٌ مَا دَامَ غَضّاً، وَجَمْعُهُ العَراجِينُ. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: العُرْجون كالفُطر يَيْبَس وَهُوَ مُسْتَدِيرٌ؛ قَالَ:
لتَشْبَعَنَّ العامَ، إِن شيءٌ شَبِعْ ... مِنَ العَراجِين، وَمِنْ فَسْو الضَّبُعْ
. الأَزهري: العَراهِين والعَراجينُ وَاحِدُهَا عُرْهون وعُرْجون، وَهِيَ العَقائلُ، وَهِيَ الكمأَة الَّتِي يُقَالُ لَهَا الفُطْرُ. الأَزهري: العَرْجَنةُ تَصْوِيرُ عَراجِين النَّخْلِ. وعَرْجَنَ الثوبَ: صَوَّر فِيهِ صُوَرَ العَراجين؛ وأَنشد بَيْتَ رُؤْبَةَ:
فِي خِدْرِ مَيَّاسِ الدُّمَى مُعَرْجَنِ
أَي مُصوَّرٍ فِيهِ صُوَرُ النخل والدُّمى.
عرضن: الأَزهري فِي رُبَاعِيِّ الْعَيْنِ: اللَّيْثُ العِرَضْنة والعِرَضْنى عَدْوٌ فِي اشْتِقَاقٍ؛ وأَنشد:
تَعْدُو العِرَضْنى خَيْلُهم حَراجِلا
. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: العِرَضْنى فِي اعْتِرَاضٍ ونَشاط، وحَراجِلَ وعَرَاجِلَ: جماعاتٍ. أَبو عُبَيْدٍ: العِرَضْنةُ(13/284)
الاعتراضُ فِي السَّيْرِ مِنَ النَّشاطِ، وَلَا يُقَالُ نَاقَةٌ عِرَضْنة. وامرأَة عِرَضْنة: ضَخْمَةٌ قَدْ ذَهَبَتْ عَرْضاً مِنْ سِمَنِها.
عرهن: العُراهِنُ: الضَّخْمُ مِنَ الإِبل. الْفَرَّاءُ: بَعِيرٌ عُراهِنٌ وعُراهِمٌ وجُرَاهِمٌ عَظِيمٌ. أَبو عَمْرٍو: العُرْهُون والعُرْجُون والعُرْجُدُ كُلُّه الإِهانُ. ابْنُ بَرِّيٍّ: العُرْهُونُ، وَجَمْعُهُ عَراهِينُ، شيءٌ يُشْبِهُ الكمأَةَ فِي الطَّعْم. قال: وعُرْهانُ موضع.
عزن: ابْنُ الأَعرابي: أَعْزَنَ الرجلُ الرجلَ إِذا قَاسَمَ نَصِيبَهُ، فأَخذ هَذَا نَصِيبَهُ، وَهَذَا نَصِيبَهُ؛ قَالَ الأَزهري: وكأَن النُّونَ مُبْدَلَةً مِنَ اللَّامِ فِي هَذَا الْحَرْفِ.
عسن: العَسَنُ: نُجُوعُ العَلَف والرِّعْي فِي الدَّوَابِّ. عَسِنتِ الدابةُ، بِالْكَسْرِ، عَسَناً: نَجَعَ فِيهَا العَلَف والرِّعْيُ، وَكَذَلِكَ الإِبل إِذا نَجَعَ فِيهَا الكلأُ وسَمِنتْ. أَبو عَمْرٍو: أَعْسَنَ إِذا سَمِنَ سِمَناً حَسَنًا. وَدَابَّةٌ عَسِنٌ: شَكُورٌ، وَكَذَلِكَ نَاقَةٌ عَسِنة وعاسِنةٌ. والعُسُنُ: الشَّحْمُ الْقَدِيمُ مِثْلُ الأُسُنِ؛ قَالَ القُلاخُ:
عُراهِماً خَاظِي البَضِيع ذَا عُسُن
. وَقَالَ قَعْنبُ بْنُ أُمِّ صَاحِبٍ:
عَلَيْهِ مُزْنِيُّ عامٍ قَدْ مَضَى عُسُنُ
. وسَمِنتِ النَّاقَةُ عَلَى عُسْنٍ وعِسْنٍ وعُسُنٍ وأُسُنٍ؛ الأَخيرة عَنْ يَعْقُوبَ حَكَاهَا فِي الْبَدَلِ، أَي عَلَى سِمَنٍ وشَحْمٍ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: العُسُنُ أَن يَبْقَى الشحمُ إِلى قَابِلٍ ويَعْتُقَ. والأُسُنُ والعُسُنُ والعُسْنُ: أَثرٌ يَبْقَى مِنْ شَحْمِ النَّاقَةِ وَلَحْمِهَا، وَالْجَمْعُ أَعْسانٌ وآسانٌ، وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الثَّوْبِ؛ قَالَ العُجَيرُ السَّلوليُّ:
يَا أَخَوَيَّ مِنْ تميمٍ، عَرِّجا ... نَسْتَخْبِرِ الرَّبْعَ كأَعْسانِ الخَلَقْ
. ونوقٌ مُعْسِناتٌ: ذَواتُ عُسُنٍ؛ قَالَ الْفَرَزْدَقُ:
فخُضْتُ إِلى الأَنْقاءِ مِنْهَا، وَقَدْ يَرى ... ذَواتُ النَّقايا المُعْسِناتِ مَكانيا
. والعُسُنُ: جَمْعُ أَعْسَنَ وعَسُونٍ، وَهُوَ السَّمِينُ، وَيُقَالُ للشَّحْمةِ عُسْنةٌ، وَجَمْعُهَا عُسَنٌ. والتَّعْسِينُ: قِلَّةُ الشَّحْمِ فِي الشَّاةِ. والتَّعْسِينُ أَيضاً: قِلَّةُ الْمَطَرِ. وكلأٌ مُعَسَّنٌ ومُعَسِّنٌ: الْكَسْرُ عَنْ ثَعْلَبٍ: لَمْ يُصِبْهُ مَطَرٌ، ومكانٌ عاسِنٌ: ضَيِّقٌ؛ قَالَ:
فإنَّ لَكُمْ مآقِطَ عاسِناتٍ، ... كيوْمَ أَضَرَّ بالرُّؤَساءِ إِيرُ
. أَبو عَمْرٍو: العَسْنُ الطُّولُ مَعَ حُسْن الشَّعْرِ وَالْبَيَاضِ، وَهُوَ عَلَى أَعْسانٍ مِنْ أَبيه أَي طَرَائِقَ، وَاحِدُهَا عِسْنٌ. وتعَسَّنَ أَباه وتأَسَّنهُ وتأَسَّلَه: نَزَعَ إِليه فِي الشَّبَه. والعِسْنُ: العُرْجُون الرَّدِيءُ، وَهِيَ لُغَةٌ رَدِيئَةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنه العِسْقُ، وَهِيَ رَدِيئَةٌ أَيضاً. وعَسْنٌ: مَوْضِعٌ؛ قَالَ:
كأَنَّ عليهمُ، بجَنُوبِ عَسْنٍ، ... غَماماً يَسْتَهِلُّ ويسْتَطِيرُ
. وَرَجُلٌ عَوْسَنٌ: طَوِيلٌ فِيهِ جَنَأٌ. وأَعْسانُ الشَّيْءِ: آثَارُهُ وَمَكَانُهُ. وتعَسَّنْتُه: طَلَبْتُ أَثرَه وَمَكَانَهُ. قَالَ أَبو تُرَابٍ: سَمِعْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنَ الأَعراب يَقُولُ: فُلَانٌ عِسْلُ مالٍ وعِسْنُ مَالٍ إِذا كَانَ حَسَنَ الْقِيَامِ عَلَيْهِ.
عشن: عَشَنَ واعْتَشَنَ: قَالَ برأْيه، وَفِي التَّهْذِيبِ: أَعْشَنَ واعْتَشَنَ؛ عَنِ الْفَرَّاءِ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: العاشِنُ المُخمِّنُ، والعُشانة الكَرَبَةُ، عُمانية، وَحَكَاهَا كُرَاعٌ بِالْغَيْنِ مُعْجَمَةً، وَنَسَبَهَا إِلى الْيَمَنِ. والعُشانةُ: مَا يَبْقَى فِي أُصول السَّعَفِ مِنَ التَّمْرِ. وتعَشَّنَ النخلةَ: أَخذَ عُشانتَها. يُقَالُ: تعَشَّنْتُ النَّخْلَةَ واعْتَشَنْتُها إِذا تتبَّعْتَ كُرابتَها فأَخذته.(13/285)
والعُشانة: اللُّقاطة مِنَ التَّمْرِ. قَالَ أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ لِمَا بَقِيَ فِي الكِباسَة مِنَ الرُّطَبِ إِذا لُقِطت النَّخْلَةُ العُشانُ والعُشانةُ، والغُشانُ والبُذَارُ مِثْلُهُ، والعُشانة: أَصلُ السَّعَفة، وَبِهَا كُنِّيَ أَبو عُشانة.
عشزن: العَشْزَنةُ: الْخِلَافُ. والعَشَوْزَنُ: الشَّدِيدُ الخَلْق كالعَشَنْزَر. والعَشَوْزَنُ: العَسِرُ الخُلُق مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَقِيلَ: هُوَ المُلْتوي العَسِر مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. وعَشْزَنَتُه: خِلافُه، والأُنثى عَشَوْزَنة، وَجَمْعُ العَشَوْزَنِ عَشاوِزُ، وَنَاقَةٌ عَشَوْزنة؛ وأَنشد:
أَخْذَكَ بالمَيْسُورِ والعَشَوْزَنِ
. وَيَجُوزُ أَن يُجمع عَشوْزَنٌ عَلَى عَشازِنَ، بِالنُّونِ. الْجَوْهَرِيُّ: العَشَوْزنُ الصُّلْبُ الشَّدِيدُ الْغَلِيظُ؛ قَالَ عَمْرُو بْنُ كلثُوم يَصِفُ قَنَاةً صُلْبة:
إِذا عَضَّ الثِّقافُ بِهَا اشْمأَزَّتْ، ... ووَلَّتْهُمْ عَشَوْزَنَةً زَبُونا
عَشوْزَنَةً إِذا غُمِزَتْ أَرَنَّتْ، ... تشُجُّ قَفَا المُثَقِّفِ والجَبِينا
. وَحَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ عَنِ أَبي عَمْرٍو: العَشوْزَنُ الأَعْسَرُ، وَهُوَ عَشوْزَنُ المِشْية إِذا كان يَهُزُّ عَضُدَيه.
عصن: أَعْصَنَ الرجلُ إِذا شَدَّدَ عَلَى غَرِيمِهِ وتمكَّكَه، وَقِيلَ: أَعْصَنَ الأَمرُ إِذا اعْوَجَّ وعَسُر.
عطن: العَطَنُ للإِبل: كالوَطَنِ لِلنَّاسِ، وَقَدْ غَلَبَ عَلَى مَبْرَكِها حولَ الْحَوْضِ، والمَعْطَنُ كَذَلِكَ، وَالْجَمْعُ أَعْطانٌ. وعَطَنتِ الإِبلُ عَنِ الماءِ تَعْطِنُ وتعْطُنُ عُطُوناً، فَهِيَ عَواطِنُ وعُطُونٌ إِذا رَوِيَتْ ثُمَّ بَرَكتْ، فَهِيَ إِبل عَاطِنَةٌ وعَوَاطن، وَلَا يُقَالُ إِبل عُطّانٌ. وعَطَّنتْ أَيضاً وأَعْطَنَها: سَقَاهَا ثُمَّ أَناخها وَحَبَسَهَا عِنْدَ الْمَاءِ فَبَرَكَتْ بَعْدَ الْوُرُودِ لِتَعُودَ فَتَشْرَبَ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
عافَتا الماءَ فَلَمْ نُعْطِنْهما، ... إِنما يُعْطِنُ أَصحابُ العَلَلْ
. وَالِاسْمُ العَطَنةُ. وأَعْطَنَ القومُ: عَطَنتْ إِبلُهم. وَقَوْمٌ عُطّانٌ وعُطُونٌ وعَطَنةٌ وعاطِنونَ إِذا نَزَلُوا فِي أَعْطان الإِبل. وَفِي حَدِيثِ الرُّؤْيَا:
رَأَيْتُني أَنْزِعُ عَلَى قَلِيب فجاءَ أَبو بَكْرٍ فاسْتَقَى وَفِي نَزْعِه ضعْفٌ وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ، فجاءَ عُمَرُ فَنَزَعَ فاسْتحالَتِ الدَّلْوُ فِي يَدِهِ غَرْباً، فأَرْوَى الظَّمِئةَ حَتَّى ضَرَبَتْ بعَطَنٍ
؛ يُقَالُ: ضَرَبَتِ الإِبلُ بعطَنٍ إِذا رَوِيَتْ ثمَّ بَرَكَتْ حَوْلَ الْمَاءِ، أَو عِنْدَ الْحِيَاضِ، لتُعادَ إِلى الشُّرْبِ مَرَّةً أُخرى لِتَشْرَبَ عَلَلًا بَعْدَ نَهَلٍ، فَإِذَا اسْتَوْفَتْ ردَّت إِلى الْمَرَاعِي والأَظْماءِ؛ ضَرَب ذلكَ مَثَلًا لِاتِّسَاعِ النَّاسِ فِي زَمَنِ عُمَرَ وَمَا فُتِحَ عَلَيْهِمْ مِنَ الأَمصار. وَفِي حَدِيثِ الاستِسقَاء:
فَمَا مَضَتْ سَابِعَةٌ حَتَّى أَعْطَنَ الناسُ فِي العُشْب
؛ أَراد أَن الْمَطَرَ طَبَّقَ وعَمَّ البُطونَ والظُّهورَ حَتَّى أَعْطَنَ الناسُ إِبلَهم فِي الْمَرَاعِي؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
أُسامة: وَقَدْ عَطَّنُوا مَواشِيَهُم
أَي أَراحوها؛ سُمِّي المُراحُ، وَهُوَ مأْواها، عَطَناً؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
اسْتَوْصُوا بالمِعْزَى خَيْرًا وانْقُشُوا لَهُ عَطَنَه
أَي مُرَاحَه. وَقَالَ اللَّيْثُ: كُلُّ مَبْرَكٍ يَكُونُ مَأْلَفاً للإِبل فَهُوَ عَطَنٌ لَهُ بِمَنْزِلَةِ الوَطَن لِلْغَنَمِ وَالْبَقَرِ، قَالَ: وَمَعْنَى مَعاطِنِ الإِبل فِي الْحَدِيثِ مواضعُها؛ وأَنشد:
وَلَا تُكَلِّفُني نَفْسي، وَلَا هَلَعِي، ... حِرْصاً أُقِيمُ به في مَعْطَنِ [مَعْطِنِ] الهُونِ
. وَرُوِيَ
عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنه نَهَى عَنِ الصَّلاة فِي أَعْطان الإِبل.
وَفِي الْحَدِيثِ:
صَلُّوا فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ وَلَا تُصَّلُوا فِي أَعْطان الإِبل
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: لَمْ يَنْهَ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهَا مِنْ جِهَةِ النَّجَاسَةِ فإِنها(13/286)
مَوْجُودَةٌ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ، وَقَدْ أَمر بِالصَّلَاةِ فِيهَا وَالصَّلَاةُ مَعَ النَّجَاسَةِ لَا تَجُوزُ، وإِنما أَراد أَن الإِبل تَزْدَحِمُ فِي المَنْهَل، فإِذا شَرِبَتْ رَفَعَتْ رؤُوسها، وَلَا يُؤْمَنُ مِنْ نِفارها وتَفَرُّقها فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، فتُؤْذي المُصَلِّيَ عِنْدَهَا أَو تُلْهيه عَنْ صَلَاتِهِ أَو تَنَجِّسُهُ برَشَاشِ أَبوالها. قَالَ الأَزهري: أَعْطان الإِبل ومَعاطِنُها لَا تَكُونُ إِلَّا مَبارِكَها عَلَى الْمَاءِ، وإِنما تُعْطِنُ العربُ الإِبلَ عَلَى الماءِ حِينَ تَطْلُع الثُّرَيَّا وَيَرْجِعُ النَّاسُ مِنَ النُّجَعِ إِلى المَحاضِرِ، وإِنما يُعْطِنُونَ النَّعَم يَوْمَ وِرْدِها، فَلَا يَزَالُونَ كَذَلِكَ إِلى وَقْتِ مَطْلَع سُهَيْل فِي الْخَرِيفِ، ثُمَّ لَا يُعْطِنُونها بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهَا تَرِدُ الماءَ فَتَشْرَبُ شَرْبَتها وتَصْدُر مِنْ فَوْرِهَا؛ وَقَوْلُ أَبي مُحَمَّدٍ الحَذلَمِيّ:
وعَطَّنَ الذِّبَّانُ فِي قَمْقَامِها
. لَمْ يُفَسِّرْهُ ثَعْلَبٌ، وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ عَطَّنَ اتَّخَذَ عَطَناً كَقَوْلِكَ: عَشَّش الطَّائِرُ اتَّخَذَ عُشّاً. والعُطُونُ: أَن تُراحَ النَّاقَةُ بَعْدَ شُرْبِهَا ثُمَّ يَعْرِضُ عَلَيْهَا الْمَاءَ ثَانِيَةً، وَقِيلَ: هُوَ إِذا رَوِيَتْ ثمَّ بَرَكَتْ؛ قَالَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ يَصِفُ الحُمُرَ:
ويَشْرَبْنَ مِنْ بارِدٍ قَدْ عَلِمْنَ ... بأَن لَا دِخَالَ، وأَنْ لَا عُطونا
. وَقَدْ ضَرَبَتْ بعَطَنٍ أَي بَرَكَتْ؛ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ لَجَأٍ:
تَمْشِي إِلى رِوَاءِ عاطِنَاتِها
. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: وَتَقُولُ هَذَا عَطَنُ الغَنم ومَعطِنُها لمَرابضها حولَ الْمَاءِ. وأَعْطَنَ الرجلُ بعيرَه: وَذَلِكَ إِذا لَمْ يَشْرَبْ فَرَدَّه إِلى العَطَن يَنْتَظِرُ بِهِ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
فَهَرَقْنا لَهُمَا فِي دَاثِرٍ، ... لضَواحِيه نَشِيشٌ بالبَلَلْ
راسِخ الدِّمْنِ عَلَى أَعضادِهِ، ... ثَلَمَتْهُ كُلُّ رِيحٍ وسبَلْ
عافَتا الماءَ فَلَمْ نُعْطِنْهما، ... إِنما يُعْطِنُ مَنْ يَرْجُو العَلَلْ
. وَرَجُلٌ رَحْبُ العَطَنِ وَوَاسِعُ العَطَن أَي رَحْبُ الذِّراعِ كَثِيرُ الْمَالِ وَاسِعُ الرَّحْل. والعَطَنُ: العِرْضُ؛ وأَنشد شَمِرٌ لعَدِيِّ بْنُ زَيْدٍ:
طاهِرُ الأَثوابِ يَحْمِي عِرْضَه ... مِنْ خَنَى الذِّمَّةِ، أَو طَمثِ العَطَنْ
. الطَّمْث: الفَسادُ. والعَطَنُ: العِرْض، وَيُقَالُ: مَنْزِلُهُ وَنَاحِيَتُهُ. وعَطِنَ الْجِلْدُ، بِالْكَسْرِ، يَعْطَنُ عَطَناً، فَهُوَ عَطِنٌ وانْعَطَنَ: وُضِعَ فِي الدِّبَاغِ وتُرِكَ حَتَّى فَسَدَ وأَنْتَنَ، وَقِيلَ: هُوَ أَن يُنضح عَلَيْهِ الْمَاءُ ويُلَفَّ وَيُدْفَنَ يَوْمًا وَلَيْلَةً لِيَسْتَرْخِيَ صُوفُهُ أَو شَعْرُهُ فَيُنْتَفَ وَيَلْقَى بَعْدَ ذَلِكَ فِي الدِّبَاغِ، وَهُوَ حِينَئِذٍ أَنتن مَا يَكُونُ، وَقِيلَ: العَطْنُ، بِسُكُونِ الطَّاءِ، فِي الْجِلْدِ أَن تُؤخذ غَلْقَةٌ، وَهُوَ نَبْتٌ، أَو فَرْثٌ أَو مِلْحٌ فَيُلْقَى الْجِلْدُ فِيهِ حَتَّى يُنْتِنَ ثمَّ يُلْقَى بَعْدَ ذَلِكَ فِي الدِّباغ، وَالَّذِي ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ قَالَ: أَن يؤْخذ الغَلْقَى فَيُلْقَى الْجِلْدُ فِيهِ ويُغَمَّ لِيَنْفَسِخَ صُوفُهُ وَيَسْتَرْخِيَ، ثُمَّ يَلْقَى فِي الدِّبَاغِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ الغَلْقَى لَا يُعْطَنُ بِهِ الْجِلْدُ، وإِنما يُعْطَنُ بالغَلْقَة نبتٍ مَعْرُوفٌ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: أَخذت إِهاباً مَعْطُوناً فأَدخلته عُنُقي
؛ المَعْطُون: المُنْتِنُ المَنْمَرِقُ الشعرِ، وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي الْبَيْتِ أُهُبٌ عَطِنة
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: العَطِنَةُ المُنْتِنة الرِّيحِ. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ الَّذِي يُسْتَقْذَر: مَا هُوَ إِلَّا عَطِنَةٌ(13/287)
مِنْ نَتْنِه. قَالَ أَبو زَيْدٍ: عَطِنَ الأَديمُ إِذا أَنتن وَسَقَطَ صُوفُهُ فِي العَطْنِ، والعَطْنُ: أَن يُجْعَلَ فِي الدِّبَاغِ. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: مَوْضِعُ العَطْنِ العَطَنَةُ. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: انْعَطَنَ الْجِلْدُ اسْتَرْخَى شَعْرُهُ وَصُوفُهُ مِنْ غَيْرِ أَن يَفْسُدَ، وعَطَنه يَعْطُنُه عَطْناً، فَهُوَ مَعْطُون وعَطِين، وعَطَّنه: فَعَل بِهِ ذَلِكَ. والعِطَانُ: فَرْثٌ أَو مِلْحٌ يُجْعَلُ فِي الإِهاب كَيْلَا يُنْتِنَ. وَرَجُلٌ عَطِينٌ: مُنْتِنُ الْبَشَرَةِ. وَيُقَالُ: إِنما هُوَ عَطِينة إِذا ذُمَّ فِي أَمر أَي مُنْتِنٌ كالإِهابِ المَعْطُون.
عظن: ابْنُ الأَعرابي: أَعْظَنَ الرجلُ إِذا غَلُظَ جِسْمُهُ.
عفن: عَفِنَ الشيءُ يَعْفَنُ عَفَناً وعُفُونةً، فَهُوَ عَفِنٌ بَيِّنُ العُفونة، وتَعَفَّنَ: فَسَد مِنْ نُدُوَّةٍ وَغَيْرِهَا فَتَفَتَّتَ عِنْدَ مَسِّه. قَالَ الأَزهري: هُوَ الشيءُ الَّذِي فِيهِ نُدُوَّةٌ ويُحْبَس فِي مَوْضِعٍ مَغْمُومٍ فَيَعْفَنُ ويَفْسُد. وعَفِنَ الحَبْلُ، بِالْكَسْرِ، عَفَناً: بَلِيَ مِنَ الْمَاءِ. وَفِي
قِصَّةِ أَيوب، عَلَيْهِ السَّلَامُ: عَفِنَ مِنَ الْقَيْحِ وَالدَّمِ جَوْفِي
أَي فَسَدَ مِنِ احْتِبَاسِهِمَا فِيهِ. وعَفَنَ فِي الجَبَل عَفْناً كعَثَنَ: صَعَّد؛ كِلْتَاهُمَا عَنْ كُرَاعٍ؛ أَنشد يَعْقُوبُ:
حَلَفْتُ بِمَنْ أَرْسَى ثَبيراً مكانَه ... أَزُورُكُمُ، مَا دامَ للطَّوْدِ عافِنُ.
عفهن: ناقةُ عُفاهِنٌ: قَوِيَّةٌ، في بعض اللغات.
عقن: قَالَ الأَزهري: أَما عَقَنَ فإِني لَمْ أَسمع مِنْ مُشْتقاته شَيْئًا مُسْتَعْمَلًا إِلا أَن يَكُونَ العِقْيَانُ فِعْيالًا مِنْهُ، وَهُوَ الذَّهَبُ، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ فِعْلاناً مِنْ عَقَى يَعْقِي، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي بَابِهِ.
عكن: العُكَنُ والأَعْكان: الأَطْواء فِي البَطْن مِنَ السِّمَن. وَجَارِيَةٌ عَكْناءُ ومُعَكَّنَة: ذَاتُ عُكَنٍ، وَاحِدَةُ العُكَنِ عُكْنَة. وتَعَكَّنَ البطنُ: صَارَ ذَا عُكَن. وَيُقَالُ: تَعَكَّنَ الشيءُ تَعَكُّناً إِذا رُكِمَ بعضُه عَلَى بَعْضٍ وانْثَنى. وعُكَنُ الدِّرْع: مَا تثَنِّى مِنْهَا. يُقَالُ: دِرْعٌ ذَاتُ عُكَنٍ إِذا كَانَتْ وَاسِعَةً تَنْثَنِي عَلَى اللَّابِسِ مِنْ سَعَتها؛ قَالَ يَصِفُ دِرْعًا:
لَهَا عُكَنٌ تَرُدُّ النَّبْلَ خُنْساً، ... وتَهْزأُ بالمعابِلِ والقِطاعِ
. أَي تَسْتَخِفُّها. وَنَاقَةٌ عَكْناءُ: غَلِيظَةُ لَحْمِ الضَّرَّة والخِلْفِ، وَكَذَلِكَ الشَّاةُ. والعَكَنانُ والعَكْنانُ: الإِبلُ الْكَثِيرَةُ الْعَظِيمَةُ. ونَعَمٌ عَكْنانٌ وعَكَنانٌ أَي كَثِيرَةٌ؛ قَالَ أَبو نُخَيْلَة السَّعْدِيّ:
هَلْ باللِّوَى مِنْ عَكَرٍ عَكْنانِ، ... أَم هَلْ تَرَى بالخَلِّ مِنْ أَظْعانِ؟
وأَنشد الْجَوْهَرِيُّ:
وصَبَّحَ الماءَ بِورْدٍ عَكَنان.
علن: العِلانُ والمُعالَنة والإِعْلانُ: المُجاهرة. عَلَن الأَمْرُ يَعْلُنُ عُلُوناً ويَعْلِنُ وعَلِنَ يَعْلَنُ عَلَناً وعَلانية فِيهِمَا إِذا شَاعَ وَظَهَرَ، واعْتَلَنَ؛ وعَلَّنه وأَعْلَنه وأَعْلَن بِهِ؛ وأَنشد ثَعْلَبٌ:
حَتَّى يَشُكَّ وُشاةٌ قَدْ رَمَوْك بِنَا، ... وأَعْلَنُوا بِكَ فِينَا أَيَّ إِعْلانِ
وَفِي حَدِيثِ المُلاعنة:
تِلْكَ امرأَة أَعْلَنَتْ
؛ الإِعْلانُ فِي الأَصل: إِظهار الشَّيْءِ، وَالْمُرَادُ بِهِ أَنها كَانَتْ قَدْ أَظهرت الْفَاحِشَةَ. وَفِي حَدِيثِ الْهِجْرَةِ:
لَا يَسْتَعْلِنُ بِهِ وَلَسْنَا بمُقِرِّين لَهُ
؛ الاسْتِعْلانُ أَي الْجَهْرُ بدِينه وقِراءته. واسْتَسَرَّ الرجلُ ثُمَّ اسْتَعْلَنَ أَي تَعَرَّض لأَنْ يُعْلَنَ بِهِ. وعالَنَه: أَعْلَنَ إِليه الأَمْرَ؛ قَالَ قَعْنَبُ بْنُ أُمِّ صَاحِبٍ:(13/288)
كلٌّ يُداجِي عَلَى البَغْضاءِ صاحِبَه، ... ولَنْ أُعالِنَهُمْ إِلا كَمَا عَلَنُوا
. والعِلانُ والمُعالَنة إِذا أَعْلَن كُلُّ وَاحِدٍ لِصَاحِبِهِ مَا فِي نَفْسِهِ؛ وأَنشد:
وكَفِّي عَنْ أَذَى الجِيرانِ نَفْسِي، ... وإِعْلاني لِمَنْ يَبْغِي عِلاني
وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ للطّرِمّاحِ:
أَلا مَنْ مُبْلِغٌ عَنِّي بَشِيراً ... عَلانِيةً، ونِعْمَ أَخُو العِلانِ
وَيُقَالُ: يَا رَجُلُ اسْتَعْلِنْ أَي أَظْهِرْ. واعْتَلَنَ الأَمرُ إِذا اشْتُهِرَ. والعَلانية، عَلَى مِثال الكَراهِيَة والفَرَاهِية: خلافُ السِّر، وَهُوَ ظُهُورُ الأَمر. وَرَجُلٌ عُلَنَةٌ: لَا يَكْتُم سِرَّه ويَبُوح بِهِ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: رَجُلٌ عَلانِيَة وَقَوْمٌ عَلانُونَ، وَرَجُلٌ عَلانيٌّ وَقَوْمٌ عَلانِيُّونَ، وَهُوَ الظَّاهِرُ الأَمر الَّذِي أَمره عَلانيَة. وعُلْوَانُ الْكِتَابِ: يَجُوزُ أَن يَكُونَ فِعْلُه فَعْوَلْتُ مِنَ العَلانِيَة. يُقَالُ: عَلْوَنْتُ الْكِتَابَ إِذا عَنْوَنْته. وعُلْوَانُ الكتاب: عُنْوانُه.
علجن: نَاقَةٌ عَلْجَنٌ: صُلْبَةٌ كِنَازُ اللَّحْمِ؛ قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجَّاجِ:
وخَلَّطَتْ كُلُّ دِلاثٍ عَلْجَنِ ... تَخْلِيطَ خَرْقاءِ اليَدَيْن خَلْبَنِ
وامرأَة عَلْجَنٌ: ماجِنَة؛ قَالَ:
يَا رُبَّ أُمٍّ لصَغِيرٍ عَلْجَنِ ... تَسْرِقُ بالليلِ، إِذا لَمْ تَبْطَنِ
يَنْبُعُ، مِنْ ذَعْرَتِها والمَغْبِنِ، ... كَرَزَغِ الحَمْأَةِ فوقَ المَعْطِنِ
ذُعْرَتُها: اسْتُها. الأَزهري فِي بَابِ مَا زَادَتْ فِيهِ الْعَرَبُ النُّونَ مِنَ الْحُرُوفِ: نَاقَةٌ عَلْجَنٌ، وَهِيَ الْغَلِيظَةُ الْمُسْتَعْلِيَةُ الْخُلُقِ الْمُكْتَنِزَةُ اللَّحْمِ، وَنُونُهُ زَائِدَةٌ. الأَزهري: نَاقَةٌ عُلْجُومٌ وعُلْجُونٌ أَي شَدِيدَةٌ، وَهِيَ العَلْجَنُ. قَالَ: وَقَالَ أَبو مَالِكٍ نَاقَةٌ عَلْجَنٌ غَلِيظَةٌ. الْجَوْهَرِيُّ: العَلْجَنُ المرأَة الحمقاء، واللام زائدة.
عمن: عَمَنَ يَعْمِنُ وعَمِنَ: أَقام. والعُمُنُ: الْمُقِيمُونَ فِي مَكَانٍ. يُقَالُ: رَجُلٌ عَامِنٌ وعَمُونٌ؛ وَمِنْهُ اشْتُقَّ عُمَان. أَبو عَمْرٍو: أَعْمَنَ دَامَ عَلَى المُقامِ بعُمان؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وأَعْمَنَ صَارَ إِلى عُمَان؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
مِنْ مُعْرِقٍ أَو مُشْئِمٍ أَو مُعْمِنِ
. والعَمِينَة: أَرض سَهْلَة، يَمَانِيَةٌ. وعُمان: اسْمُ كُورة، عربيةٌ. وعُمانُ، مُخَفَّفٌ: بَلَدٌ؛ وأَما الَّذِي فِي الشَّامِ فَهُوَ عَمَّان، بِالْفَتْحِ وَالتَّشْدِيدِ. وَفِي الْحَدِيثِ حَدِيثِ الحَوْض:
عِرَضُه مِنْ مَقامِي إِلى عَمَّان
؛ هِيَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ، مَدِينَةٌ قَدِيمَةٌ بِالشَّامِ مِنْ أَرض البَلْقاء، وأَما بِالضَّمِّ وَالتَّخْفِيفِ فَهُوَ مَوْضِعٌ عِنْدَ الْبَحْرِينِ، وَلَهُ ذِكْرٌ فِي الْحَدِيثِ. وعُمَان: مَدِينَةٌ؛ قَالَ الأَزهري: عُمَانُ يُصْرَفُ وَلَا يُصْرَفُ، فَمَنْ جَعَلَهُ بَلَدًا صَرَفَهُ فِي حَالَتِي الْمُعَرَّفَةِ وَالنَّكِرَةِ، وَمَنْ جَعَلَهُ بَلْدَةً أَلحقه بِطَلْحَةٍ؛ وأَما عَمَّانُ بِنَاحِيَةِ الشَّامِ مَوْضِعٌ، يَجُوزُ أَن يَكُونَ فِعْلَانِ مِنْ عَمَّ يَعُمّ، لَا يَنْصَرِفُ مَعْرِفَةً، وَيَنْصَرِفُ نَكِرَةً، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ فَعَّالًا مِنْ عَمَنَ فَيَنْصَرِفُ فِي الْحَالَتَيْنِ إِذا عُنِيَ بِهِ البلدُ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: لَمْ يَقَعْ فِي كَلَامِهِمُ اسْمًا إِلا لِمُؤَنَّثٍ، وَقِيلَ: عُمَان اسْمُ رَجُلٍ، وَبِهِ سُمِّيَ الْبَلَدُ. وأَعْمَنَ وعَمَّنَ: أَتى عُمَان؛ قَالَ العَبْدِي:
فَإِنْ تُتْهِمُوا أُنْجِدْ خِلَافًا عليكُم، ... وإِن تُعْمِنُوا مُسْتَحْقِبي الحَرْبِ أُعْرِقِ.(13/289)
وَقَالَ رُؤْبَةُ:
نَوَى شآمٍ بانَ أَو مُعَمِّنِ «3»
. والعُمانيَّة: نَخْلَةٌ بِالْبَصْرَةِ لَا يَزَالُ عَلَيْهَا السَّنَةَ كُلَّهَا طَلْعٌ جديدٌ وكَبائسُ مُثْمرة وأُخَرُ مُرْطِبَةٌ.
عنن: عَنَّ الشيءُ يَعِنُّ ويَعُنُّ عَنَناً وعُنُوناً: ظَهَرَ أَمامك؛ وعَنَّ يَعِنُّ ويَعُنُّ عَنّاً وعُنوناً واعْتَنَّ: اعتَرَضَ وعَرَض؛ وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:
فعَنَّ لَنَا سِرْبٌ كأَنَّ نِعاجه
. وَالِاسْمُ العَنَن والعِنانُ؛ قَالَ ابْنُ حِلزة:
عَنَناً باطِلًا وظُلْماً، كَمَا تُعْتَرُ ... عَنْ حَجْرةِ الرَّبيضِ الظِّباءُ «4»
. وأَنشد ثَعْلَبٌ:
وَمَا بَدَلٌ مِنْ أُمِّ عُثمانَ سَلْفَعٌ، ... مِنَ السُّود، وَرْهاءُ العِنان عَرُوبُ
. مَعْنَى قَوْلِهِ وَرْهاءِ العِنان أَنها تَعْتنُّ فِي كُلِّ كَلَامٍ أَي تعْترض. وَلَا أَفعله مَا عَنَّ فِي السَّمَاءِ نجمٌ أَي عَرَض مِنْ ذَلِكَ. والعِنَّة والعُنَّة: الِاعْتِرَاضُ بالفُضول. والاعْتِنانُ: الِاعْتِرَاضُ. والعُنُنُ: الْمُعْتَرِضُونَ بالفُضول، الْوَاحِدُ عانٌّ وعَنونٌ، قَالَ: والعُنُن جَمْعُ العَنين وَجَمْعُ المَعْنون. يُقَالُ: عُنَّ الرجلُ وعُنِّنَ وعُنِنَ وأُعْنِنَ «5» .، فَهُوَ عَنِينَ مَعْنونٌ مُعَنٌّ مُعَنَّنٌ، وأَعْنَنْتُ بعُنَّةٍ مَا أَدري مَا هِيَ أَي تعَرَّضتُ لِشَيْءٍ لَا أَعرفه. وَفِي الْمَثَلِ: مُعْرِضٌ لعَنَنٍ لَمْ يَعْنِه. والعَنَنُ: اعتراضُ الْمَوْتِ؛ وَفِي حَدِيثِ
سَطِيحٍ:
أَم فازَ فازْلَمَّ بِهِ شَأْوُ العَننْ.
وَرَجُلٌ مِعَنٌّ: يعْرِض فِي شَيْءٍ وَيَدْخُلُ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ، والأُنثى بِالْهَاءِ. وَيُقَالُ: امرأَة مِعَنَّة إِذا كَانَتْ مَجْدُولَةً جَدْلَ العِنان غَيْرَ مُسْتَرْخِيَةِ الْبَطْنِ. وَرَجُلٌ مِعَنٌّ إِذا كَانَ عِرِّيضاً مِتْيَحاً. وامرأَة مِعَنَّة: تَعْتنُّ وتعْترض فِي كُلِّ شَيْءٍ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
إِنَّ لَنَا لَكَنَّه ... مِعَنَّةً مِفَنَّه،
كَالرِّيحِ حَوْلَ القُنَّه
. مِفَنَّة: تَفْتَنُّ عَنِ الشَّيْءِ، وَقِيلَ: تَعْتَنُّ وتَفْتنُّ فِي كُلِّ شيءٍ. والمِعَنُّ: الْخَطِيبُ. وَفِي حَدِيثِ
طَهْفَةَ: بَرِئنا إِليك مِنَ الوَثَن والعَنن
؛ الوَثَنُ: الصَّنَمُ، والعَنن: الِاعْتِرَاضُ، مِنْ عَنَّ الشَّيْءُ أَي اعْتَرَضَ كأَنه قَالَ: بَرِئْنَا إِليك مِنَ الشِّرْكِ وَالظُّلْمِ، وَقِيلَ: أَراد بِهِ الخلافَ وَالْبَاطِلَ؛ وَمِنْهُ حَدِيثِ
سَطِيحٍ:
أَم فازَ فازْلَمَّ بِهِ شَأْوُ العَننْ.
يُرِيدُ اعْتِرَاضَ الْمَوْتِ وسَبْقَه. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ: دَهَمتْه المنيَّةُ فِي عَنَن جِماحه
؛ هُوَ مَا لَيْسَ بِقَصْدٍ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُهُ أَيضاً يذُمُّ الدُّنْيَا:
أَلا وَهِيَ المُتَصدِّيةُ العَنُونُ
أَي الَّتِي تَتَعَرَّضُ لِلنَّاسِ، وفَعول لِلْمُبَالَغَةِ. وَيُقَالُ: عَنَّ الرَّجُلُ يَعِنُّ عَنّاً وعَنَناً إِذا اعْتَرَضَ لَكَ مِنْ أَحد جَانِبَيْكَ مِنْ عَنْ يَمِينِكَ أَو مِنْ عَنْ شِمَالِكَ بِمَكْرُوهٍ. والعَنُّ: الْمَصْدَرُ، والعَنَنُ: الِاسْمُ، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَعُنُّ فِيهِ العانُّ؛ وَمِنْهُ سُمِّيَ العِنانُ مِنَ اللِّجَامِ عِناناً لأَنه يَعْتَرِضُهُ مِنْ نَاحِيَتَيْهِ لَا يَدْخُلُ فمه منه شيء.
__________
(3) . قوله [وَقَالَ رُؤْبَةُ نَوَى شَآمٍ إِلخ] قبله كما في التكملة:
فهاج من وجدي حنين الحنن ... وهم مهموم ضنين الأَضنن
بالدار لو عاجت قناة المقتني ... نَوَى شَآمٍ بَانَ أَو معمِّن
القناة: عصا البين، والمقتني: المتخذ قناة
(4) . قوله [عنناً باطلًا] تقدم إِنشاده في مادة حجر وربض وعتر: عنتا بنون فمثناة فوقية وكذلك في نسخ من الصحاح لكن في تلك المواد من المحكم والتهذيب عنناً بنونين كما أَنشداه هنا
(5) . قوله [وأَعنن] كذا في التهذيب، والذي في التكملة والقاموس: وأَعنّ بالإِدغام(13/290)
وَلَقِيَهُ عَيْنَ عُنَّة «1» . أَي اعْتِرَاضًا فِي السَّاعَةِ مِنْ غَيْرِ أَن يَطْلُبَهُ. وأَعطاه ذَلِكَ عَيْنَ عُنَّة أَي خَاصَّةً مِنْ بَيْنِ أَصحابه، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ. والعِنان: المُعانَّة. والمُعانَّة: الْمُعَارَضَةُ. وعُناناك أَن تَفْعَلَ ذَاكَ، عَلَى وَزْنِ قُصاراك أَي جُهْدُكَ وَغَايَتُكَ كأَنه مِنَ المُعانَّة، وَذَلِكَ أَن تُرِيدَ أَمراً فيَعْرِضَ دُونَهُ عارِضٌ يَمْنَعُكَ مِنْهُ وَيَحْبِسُكَ عَنْهُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ الأَخفش هُوَ غُناماك، وأَنكر عَلَى أَبي عُبَيْدٍ عُناناك. وَقَالَ النَّجِيرَميُّ: الصَّوَابُ قَوْلُ أَبي عُبَيْدٍ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ: الصَّوَابُ قَوْلُ الأَخفش؛ وَالشَّاهِدُ عَلَيْهِ بَيْتُ رَبِيعَةُ بْنُ مَقْرُومٍ الضَّبَّيُّ:
وخَصْمٍ يَرْكَبُ العَوصاءِ طاطٍ ... عَنِ المُثْلى، غُناماهُ القِذاعُ
. وَهُوَ بِمَعْنَى الْغَنِيمَةِ. والقِذاعُ: المُقاذَعة. وَيُقَالُ: هُوَ لَكَ بَيْنَ الأَوْبِ والعَنَن إِمّا أَن يَؤُوبَ إِليك، وإِما أَن يعْرِضَ عَلَيْكَ؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
تُبْدي صُدوداً، وتُخْفي بَيْنَنَا لَطَفاً ... يأْتي محارِمَ بينَ الأَوْبِ والعَنَن
. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ بَيْنَ الطَّاعَةِ وَالْعِصْيَانِ. والعانُّ مِنَ السَّحَابِ: الَّذِي يَعْتَرِضُ فِي الأُفُقِ؛ قَالَ الأَزهري: وأَما قَوْلُهُ:
جَرَى فِي عِنان الشِّعْرَيَيْنِ الأَماعِزُ
. فَمَعْنَاهُ جَرَى فِي عِراضِهما سَرابُ الأَماعِز حِينَ يشتدُّ الحرُّ بالسَّراب؛ وَقَالَ الْهُذَلِيُّ:
كأَنَّ مُلاءَتَيَّ عَلَى هِزَفٍّ، ... يعُنُّ مَعَ العَشِيَّةِ لِلرِّئالِ
. يَعُنُّ: يَعْرِض، وَهُمَا لُغَتَانِ: يَعِنُّ ويَعُنُّ. والتَّعْنِين: الحبْس، وَقِيلَ: الْحَبْسُ فِي المُطْبَق الطَّوِيلِ. وَيُقَالُ لِلْمَجْنُونِ: مَعْنون ومَهْرُوع وَمَخْفُوعٌ ومعتُوه وَمَمْتُوهٌ ومُمْتَهٌ إِذا كَانَ مَجْنُونًا. وَفُلَانٌ عَنَّانٌ عَنِ الْخَيْرِ وخَنَّاسٌ وكَزَّامٌ أَي بَطِيءٌ عَنْهُ. والعِنِّينُ: الَّذِي لَا يأْتي النِّسَاءَ وَلَا يُرِيدُهُنَّ بَيِّنُ العَنَانة والعِنِّينة والعِنِّينيَّة. وعُنِّنَ عَنِ امرأَته إِذا حَكَمَ الْقَاضِي عَلَيْهِ بِذَلِكَ أَو مُنعَ عَنْهَا بِالسِّحْرِ، وَالِاسْمُ مِنْهُ العُنَّة، وَهُوَ مِمَّا تَقَدَّمَ كأَنه اعْتَرَضَهُ مَا يَحْبِسُه عَنِ النِّسَاءِ، وامرأَة عِنِّينة كَذَلِكَ، لَا تُرِيدُ الرِّجَالَ وَلَا تَشْتَهِيهِمْ، وَهُوَ فِعِّيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ مِثْلُ خِرِّيج؛ قَالَ: وسُمِّيَ عِنِّيناً لأَنه يَعِنُّ ذكَرُه لقُبُل المرأَة مِنْ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ فَلَا يَقْصِدُهُ. وَيُقَالُ: تَعَنَّنَ الرَّجُلُ إِذا تَرَكَ النِّسَاءَ مِنْ غَيْرِ أَن يَكُونَ عِنِّيناً لثأْر يَطْلُبُهُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ وَرْقَاءَ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ جَذِيمَةَ قَالَهُ فِي خَالِدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ كِلَابٍ:
تعَنَّنْتُ لِلْمَوْتِ الَّذِي هُوَ واقِعٌ، ... وأَدركتُ ثأْري فِي نُمَيْرٍ وعامِرِ
. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ الشَّرِيفِ الْعَظِيمِ السُّودَد: إِنه لَطَوِيلُ العِنان. وَيُقَالُ: إِنه ليأْخذ فِي كُلِّ فَنٍّ وعَنٍّ وسَنٍّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وعِنانُ اللِّجَامِ: السَّيْرُ الَّذِي تُمسَك بِهِ الدَّابَّةُ، وَالْجَمْعُ أَعِنَّة، وعُنُنٌ نَادِرٌ، فأَما سِيبَوَيْهِ فَقَالَ: لَمْ يُكسَّر عَلَى غَيْرِ أَعِنَّة، لأَنهم إِن كسَّرُوه عَلَى بِنَاءِ الأَكثر لَزِمَهُمُ التَّضْعِيفُ وَكَانُوا فِي هَذَا أَحرى؛ يُرِيدُ إِذ كَانُوا قَدْ يَقْتَصِرُونَ عَلَى أَبنية أَدنى الْعَدَدِ فِي غَيْرِ الْمُعْتَلِّ، يَعْنِي بِالْمُعْتَلِّ الْمُدْغَمَ، وَلَوْ كَسَرُوهُ عَلَى فُعُل فَلَزِمَهُمُ التَّضْعِيفُ لأَدغموا، كَمَا حَكَى هُوَ أَن مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ فِي جَمْعِ ذُباب ذُبٌّ. وَفَرَسٌ قَصِيرُ العِنان إِذا ذُمَّ بِقصَر عُنُقِه، فَإِذَا قَالُوا قَصِيرُ العِذار فَهُوَ مَدْحٌ، لأَنه وُصِفَ حِينَئِذٍ بِسِعَةِ جَحْفلته. وأَعَنَّ اللجامَ: جَعَلَ له عِناناً،
__________
(1) . قوله [عين عنة] بصرف عنة وعدمه كما في القاموس(13/291)
والتَّعْنينُ مِثْلُهُ. وعَنَّن الفرسَ وأَعَنَّه: حَبَسَهُ بِعِنَانِهِ. وَفِي التَّهْذِيبِ: أَعَنَّ الفارسُ إِذا مَدَّ عِنانَ دَابَّتِهِ ليَثْنِيَه عَنِ السَّيْرِ، فَهُوَ مُعِنٌّ. وعَنَّ دَابَّتَهُ عَنّاً: جَعَلَ لَهُ عِناناً، وسُمِي عِنانُ اللِّجَامِ عِناناً لِاعْتِرَاضِ سَيْرَيه عَلَى صَفْحَتيْ عُنق الدَّابَّةِ مِنْ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ. وَيُقَالُ: مَلأَ فلانٌ عِنانَ دَابَّتِهِ إِذا أَعْداه وحَمَلَهُ عَلَى الحُضْر الشَّدِيدِ؛ وأَنشد ابْنُ السِّكِّيتِ:
حَرْفٌ بعيدٌ مِنَ الْحَادِي، إِذا مَلأَتْ ... شَمْسُ النهارِ عِنانَ الأَبْرَقِ الصَّخِبِ
. قَالَ: أَراد بالأَبْرَقِ الصَّخِبِ الجُنْدُبَ، وعِنانُه جَهْدُه. يَقُولُ: يَرْمَضُ فَيَسْتَغِيثُ بِالطَّيَرَانِ فَتَقَعُ رِجْلَاهُ فِي جَنَاحَيْهِ فَتَسْمَعُ لَهُمَا صَوْتًا وَلَيْسَ صَوْتَهُ مِنْ فِيهِ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ صَرَّ الجُنْدُب. وَلِلْعَرَبِ فِي العِنانِ أَمثال سَائِرَةٌ: يُقَالُ ذَلَّ عِنانُ فُلَانٍ إِذا انْقَادَ؛ وفُلانٌ أَبيُّ العِنانِ إِذا كَانَ مُمتنعاً؛ وَيُقَالُ: أَرْخِ مِنْ عنانِه أَي رَفِّه عَنْهُ؛ وَهُمَا يَجْريان فِي عِنانٍ إِذا اسْتَوَيَا فِي فَضْلٍ أَو غَيْرِهِ؛ وَقَالَ الطِّرِمَّاحُ:
سَيَعْلَمُ كُلُّهم أَني مُسِنٌّ، ... إِذا رَفَعُوا عِناناً عن عِنانِ
. الْمَعْنَى: سَيَعْلَمُ الشُّعَرَاءُ أَني قَارِحٌ. وجَرى الفرسُ عِناناً إِذا جَرَى شَوْطًا؛ وَقَوْلُ الطِّرِمَّاحِ:
إِذا رَفَعُوا عِنَانًا عَنْ عَنَانِ
. أَي شَوْطًا بَعْدَ شَوْطٍ. وَيُقَالُ: اثْنِ عَليَّ عِنانَهُ أَي رُدَّه عليَّ. وثَنَيْتُ عَلَى الفرسِ عِنانه إِذا أَلجمته؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ يَذْكُرُ فَرَسًا:
وحاوَطَني حَتَّى ثَنَيْتُ عِنانَهُ، ... عَلَى مُدْبِرِ العِلْباءِ رَيّانَ كاهِلُهْ
حاوَطَني أَي داوَرَني وعالَجَني، ومُدْبِرِ عِلْبائه: عُنُقُه أَراد أَنه طَوِيلُ الْعُنُقِ فِي عِلْبائِه إِدبار. ابْنُ الأَعرابي: رُبَّ جَوادٍ قَدْ عَثَرَ فِي اسْتِنانِه وَكَبَا فِي عِنانه وقَصَّرَ فِي مَيْدانه [مِيْدانه] . وَقَالَ: الْفَرَسُ يَجْري بعِتْقِه وعِرْقِه، فإِذا وُضِعَ فِي المِقْوَس جَرى بجَدِّ صَاحِبِهِ؛ كَبَا أَي عَثَر، وَهِيَ الكَبْوَةُ. يُقَالُ: لِكُلِّ جَوَادٍ كَبْوَة، وَلِكُلِّ عَالِمٍ هَفْوة، وَلِكُلِّ صَارِمٍ نَبْوَة؛ كَبَا فِي عِنانِه أَي عَثَرَ فِي شَوْطه. والعِنان: الْحَبْلُ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
إِلى عِنانَيْ ضامِرٍ لَطيفِ
. عَنَى بالعِنانين هُنَا المَتْنَين، وَالضَّامِرُ هُنَا المَتْنُ. وعِنانا الْمَتْنِ: حَبْلاه. والعِنانُ والعانُّ: مِنْ صِفَةِ الْحِبَالِ الَّتِي تَعْتَنُّ مِنْ صَوْبك وَتَقْطَعُ عَلَيْكَ طَرِيقَكَ. يُقَالُ: بِمَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا عانٌّ يَسْتَنُّ السَّابلَة. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ: إِنه طَرِفُ العِنان إِذا كَانَ خَفِيفًا. وعَنَّنَتِ المرأَةُ شعرَها: شَكَّلَتْ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ. وشِرْكَةُ عِنانٍ وشِرْكُ عِنانٍ: شَرِكَةٌ فِي شَيْءٍ خَاصٍّ دُونَ سَائِرِ أَموالهما كأَنه عَنَّ لَهُمَا شَيْءٌ أَي عَرَضَ فَاشْتَرَيَاهُ وَاشْتَرَكَا فِيهِ؛ قَالَ النَّابِغَةُ الْجَعْدِيُّ:
وشارَكْنا قُرَيْشاً فِي تُقاها، ... وَفِي أَحْسابها شِرْكَ العِنانِ
بِمَا وَلَدَتْ نساءُ بَنِي هِلالٍ، ... وَمَا وَلَدَتْ نساءُ بَنِي أَبانِ
. وَقِيلَ: هُوَ إِذا اشْتَرَكَا فِي مَالٍ مَخْصُوصٍ، وبانَ كلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِسَائِرِ مَالِهِ دُونَ صَاحِبِهِ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: الشِّرْكَة شِرْكَتانِ: شِرْكَةُ العِنان، وشَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ، فأَما شَرِكَةُ العِنان فَهُوَ أَن يَخْرُجُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ دَنَانِيرَ أَو دَرَاهِمَ مِثْلَ مَا يُخْرج صَاحِبُهُ ويَخْلِطاها، ويأْذَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ بأَن يَتَّجِرَ فِيهِ، وَلَمْ تَخْتَلِفِ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِهِ وأَنهما إِن(13/292)
رَبِحا فِي الْمَالَيْنِ فَبَيْنَهُمَا، وإِنْ وُضِعا فَعَلَى رأْس مَالِ كُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وأَما شِرْكَةُ المُفاوضة فأَن يَشْتَرِكا فِي كُلِّ شَيْءٍ فِي أَيديهما أَو يَسْتَفيداه مِنْ بَعْدُ، وَهَذِهِ الشِّرْكَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ بَاطِلَةٌ، وَعِنْدَ النُّعْمَانِ وَصَاحِبَيْهِ جَائِزَةٌ، وَقِيلَ: هُوَ أَن يُعَارِضَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عِنْدَ الشِّرَاءِ فَيَقُولَ لَهُ: أَشْرِكني مَعَكَ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَن يَستوجب العَلَقَ، وَقِيلَ: شَرِكة العِنانِ أَن يَكُونَا سَوَاءً فِي الغَلَق وأَن يَتَسَاوَى الشَّرِيكَانِ فِيمَا أَخرجاه مِنْ عَيْنٍ أَو وَرِقٍ، مأْخوذ مِنْ عِنانِ الدَّابَّةِ لأَن عِنانَ الدَّابَّةِ طَاقَتَانِ مُتَسَاوِيَتَانِ؛ قَالَ الْجَعْدِيُّ يَمْدَحُ قَوْمَهُ وَيَفْتَخِرُ:
وَشَارَكْنَا قُرَيْشًا فِي تُقاها «2» ...
. أَي سَاوَيْنَاهُمْ، وَلَوْ كَانَ مِنَ الِاعْتِرَاضِ لَكَانَ هِجَاءً، وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الشركةُ شَرِكَةَ عِنانٍ لِمُعَارَضَةِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ بِمَالٍ مِثْلِ مَالِهِ، وَعَمَلُهُ فِيهِ مِثْلُ عَمَلِهِ بَيْعًا وَشِرَاءً. يُقَالُ: عانَّهُ عِناناً ومُعانَّةً، كَمَا يُقَالُ: عارَضَه يُعارضه مُعارَضةً وعِراضاً. وَفُلَانٌ قَصِيرُ العِنانِ: قَلِيلُ الْخَيْرِ، عَلَى الْمَثَلِ. والعُنَّة: الحَظِيرة مِنَ الخَشَبِ أَو الشَّجَرِ تُجْعَلُ للإِبل وَالْغَنَمِ تُحْبَسُ فِيهَا، وَقَيَّدَ فِي الصِّحَاحِ فَقَالَ: لتَتَدَرَّأَ بِهَا مِنْ بَرْدِ الشَّمال. قَالَ ثَعْلَبٌ: العُنَّة الحَظِيرَةُ تَكُونُ عَلَى بَابِ الرَّجُلِ فَيَكُونُ فِيهَا إِبله وَغَنَمُهُ. وَمِنْ كَلَامِهِمْ: لَا يَجْتَمِعُ اثْنَانِ فِي عُنَّةٍ، وَجَمْعُهَا عُنَنٌ؛ قَالَ الأَعشى:
تَرَى اللَّحْمَ مِنْ ذابِلٍ قَدْ ذَوَى، ... ورَطْبٍ يُرَفَّعُ فَوْقَ العُنَنْ
. وعِنانٌ أَيضاً: مِثْلُ قُبَّةٍ وقِبابٍ. وَقَالَ البُشْتِيُّ: العُنَنُ فِي بَيْتِ الأَعشى حِبال تُشَدُّ ويُلْقَى عَلَيْهَا القَدِيدُ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: الصَّوَابُ فِي العُنَّة والعُنَنِ مَا قَالَهُ الْخَلِيلُ وَهُوَ الْحَظِيرَةُ، وَقَالَ: ورأَيت حُظُراتِ الإِبل فِي الْبَادِيَةِ يُسَمُّونَهَا عُنَناً لاعْتِنانِها فِي مَهَبِّ الشَّمالِ مُعْتَرِضة لِتَقِيهَا بَرْدَ الشَّمالِ، قَالَ: ورأَيتهم يَشُرُّون اللَّحْمَ المُقَدَّدَ فَوْقَهَا إِذا أَرادوا تَجْفِيفَهُ؛ قَالَ: وَلَسْتُ أَدري عَمَّنْ أَخذ البُشْتِيُّ مَا قَالَ فِي العُنَّة إِنه الْحَبْلُ الَّذِي يُمَدُّ، ومَدُّ الْحَبْلِ مِنْ فِعْلِ الْحَاضِرَةِ، قَالَ: وأُرى قائلَه رأَى فقراءَ الْحَرَمِ يَمُدُّون الْحِبَالَ بمِنًى فيُلْقُون عَلَيْهَا لُحومَ الأَضاحي والهَدْي الَّتِي يُعْطَوْنَها، فَفَسَّرَ قَوْلَ الأَعشى بِمَا رأَى، وَلَوْ شَاهَدَ الْعَرَبَ فِي بَادِيَتِهَا لَعَلِمَ أَن العُنَّة هِيَ الحِظَارُ مِنَ الشَّجَرِ. وَفِي الْمَثَلِ: كالمُهَدِّرِ فِي العُنَّةِ؛ يُضْرَبُ مَثَلًا لِمَنْ يَتَهَدَّدُ وَلَا يُنَفِّذُ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: والعُنَّةُ، بِالضَّمِّ أَيضاً، خَيْمة تُجْعَلُ مِنْ ثُمامٍ أَو أَغصان شَجَرٍ يُسْتَظَلُّ بِهَا. والعُنَّة: مَا يَجْمَعُهُ الرَّجُلُ مِنْ قَصَبٍ وَنَبْتٍ ليَعْلِفَه غَنَمه. يُقَالُ: جَاءَ بعُنَّةٍ عَظِيمَةٍ. والعَنَّةُ، بِفَتْحِ الْعَيْنِ: العَطْفَة؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
إِذا انصَرَفَتْ مِنْ عَنَّةٍ بَعْدَ عَنَّةٍ، ... وجَرْسٍ عَلَى آثارِها كالمُؤَلَّبِ
والعُنَّةُ: مَا تُنْصَبُ عَلَيْهِ القِدْرُ. وعُنَّةُ القِدْر: الدِّقْدانُ؛ قَالَ:
عَفَتْ غيرَ أَنْآءٍ ومَنْصَبِ عُنَّةٍ، ... وأَوْرَقَ مِنْ تحتِ الخُصاصَةِ هامِدُ
. والعَنُونُ مِنَ الدَّوَابِّ: الَّتِي تُباري فِي سَيْرِهَا الدوابَّ فتَقْدُمُها، وَذَلِكَ مِنْ حُمُر الْوَحْشِ؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
كأَنَّ الرَّحْلَ شُدَّ بِهِ خَنُوفٌ، ... مِنَ الجَوْناتِ، هادِيةٌ عَنُونُ
. وَيُرْوَى: خَذُوفٌ، وَهِيَ السَّمِينَةُ مِنْ بَقَرِ الْوَحْشِ. وَيُقَالُ: فُلَانٌ عَنَّانٌ عَلَى آنُفِ الْقَوْمِ إِذا كَانَ سَبَّاقاً لهم.
__________
(2) . البيتان(13/293)
وَفِي حَدِيثِ
طَهْفة: وَذُو العِنانِ الرَّكُوبُ
؛ يُرِيدُ الْفَرَسَ الذَّلُولَ، نَسَبَهُ إِلى العِنانِ والرَّكوب لأَنه يُلْجَم ويُرْكَب. والعِنانُ: سَيْرُ اللِّجام. وَفِي حَدِيثِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: كَانَ رجلٌ فِي أَرض لَهُ إِذ مَرَّتْ بِهِ عَنَانةٌ تَرَهْيَأُ
؛ العانَّة والعَنَانةُ: السَّحابة، وَجَمْعُهَا عَنَانٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَوْ بَلَغتْ خَطيئتُه عَنانَ السَّمَاءِ
؛ العَنَان، بِالْفَتْحِ: السَّحَابُ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ أَعْنان، بالأَلف، فإِن كَانَ الْمَحْفُوظُ أَعْنان فَهِيَ النَّوَاحِي؛ قَالَهُ أَبو عُبَيْدٍ؛ قَالَ يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ: أَعْنانُ كُلِّ شَيْءٍ نَوَاحِيهِ، فأَما الَّذِي نَحْكِيهِ نَحْنُ فأَعْناءُ السَّمَاءِ نَوَاحِيهَا؛ قَالَهُ أَبو عَمْرٍو وَغَيْرُهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَرَّتْ بِهِ سحابةٌ فَقَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا اسْمُ هَذِهِ؟ قَالُوا: هَذِهِ السحابُ، قَالَ: والمُزْنُ، قَالُوا: وَالْمُزْنُ، قال: والعَنان، قالوا: والعَنانُ
؛ وَقِيلَ: العَنان الَّتِي تُمْسِكُ الماءَ، وأَعْنانُ السَّمَاءِ نَوَاحِيهَا، وَاحِدُهَا عَنَنٌ وعَنٌّ. وأَعْنان السَّمَاءِ: صَفائحُها وَمَا اعترَضَ مِنْ أَقطارها كأَنه جَمْعُ عَنَنٍ. قَالَ يُونُسُ: لَيْسَ لمَنْقُوصِ الْبَيَانِ بَهاءٌ وَلَوْ حَكَّ بِيافُوخِه أَعْنان السَّمَاءِ، وَالْعَامَّةُ تَقُولُ: عَنان السَّمَاءِ، وَقِيلَ: عَنانُ السَّمَاءِ مَا عَنَّ لَكَ مِنْهَا إِذا نَظَرْتَ إِليها أَي مَا بَدَا لَكَ مِنْهَا. وأَعْنانُ الشَّجَرِ: أَطرافُه وَنَوَاحِيهِ. وعَنانُ الدَّارِ: جَانِبُهَا الَّذِي يَعُنُّ لَكَ أَي يَعْرِضُ. وأَما مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ
أَنه، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سُئِلَ عَنِ الإِبل فَقَالَ: أَعْنانُ الشَّياطين لَا تُقْبِلُ إِلَّا مُوَلِّية وَلَا تُدْبِرُ إِلَّا مُوَلِّية
، فإِنه أَراد أَنها عَلَى أَخلاق الشَّيَاطِينِ، وحقيقةُ الأَعْنانِ النَّوَاحِي؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: كأَنه قَالَ كأَنها لِكَثْرَةِ آفَاتِهَا مِنْ نَوَاحِي الشَّيَاطِينِ فِي أَخلاقها وَطَبَائِعِهَا. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ:
لَا تصلوا في أَعْطانِ الإِبل لأَنها خُلِقَتْ مِنْ أَعْنانِ الشَّيَاطِينِ.
وعَنَنْتُ الكتابَ وأَعْنَنْتُه لِكَذَا أَي عَرَّضْتُه لَهُ وصرَفْته إِليه. وعَنَّ الكِتابَ يَعُنُّه عَنّاً وعَنَّنه: كَعَنْوَنَه، وعَنْوَنْتُه وعَلْوَنْتُه بِمَعْنًى وَاحِدٍ، مُشْتَقٌّ مِنَ المَعْنى. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: عَنَّنْتُ الكتابَ تَعْنيناً وعَنَّيْتُه تَعْنِيَةً إِذا عَنْوَنْتَه، أَبدلوا مِنْ إِحدى النُّونَاتِ يَاءً، وسمي عُنْواناً [عِنْواناً] لأَنه يَعُنُّ الكِتابَ مِنْ ناحِيتيه، وأَصله عُنَّانٌ، فَلَمَّا كَثُرَتِ النُّونَاتُ قُلِبَتْ إِحداها وَاوًا، وَمَنْ قَالَ عُلْوانُ الْكِتَابِ جَعَلَ النُّونَ لَامًا لأَنه أَخف وأَظهر مِنَ النُّونِ. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ الَّذِي يُعَرِّض وَلَا يُصرِّحُ: قَدْ جَعَلَ كَذَا وَكَذَا عُنْواناً [عِنْواناً] لِحَاجَتِهِ؛ وأَنشد:
وتَعْرِفُ فِي عُنْوانِها بعضَ لَحْنِها، ... وَفِي جَوْفِها صَمْعاءُ تَحْكي الدَّواهِيا
. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: والعُنْوانُ الأَثر؛ قَالَ سَوَّارُ بْنُ المُضرِّب:
وحاجةٍ دُونَ أُخرى قَدْ سنَحْتُ بِهَا، ... جعلتُها لِلَّتِي أَخْفَيْتُ عُنْواناً
قَالَ: وَكُلَّمَا اسْتَدْلَلْتَ بشيءٍ تُظهره عَلَى غَيْرِهِ فَهُوَ عُنوانٌ لَهُ كَمَا قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَرْثِي عُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ:
ضَحّوا بأَشْمطَ عُنوانُ السُّجودِ بِهِ، ... يُقَطِّعُ الليلَ تَسْبِيحاً وقُرْآناً
. قَالَ اللَّيْثُ: العُلْوانُ لُغَةٌ فِي العُنْوان غَيْرُ جَيِّدَةٍ، والعُنوان، بِالضَّمِّ، هِيَ اللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ؛ وَقَالَ أَبو دُوَادَ الرُّوَاسِيّ:
لِمَنْ طَلَلٌ كعُنْوانِ الكِتابِ، ... ببَطْنِ أُواقَ، أَو قَرَنِ الذُّهابِ؟
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِثْلُهُ لأَبي الأَسود الدُّؤَليّ:(13/294)
نظَرْتُ إِلى عُنْوانِه [عِنْوانِه] فنبَذتُه، ... كنَبْذِكَ نَعلًا أَخلقَتْ مِنْ نِعالكا
. وَقَدْ يُكْسَرُ فَيُقَالُ عِنوانٌ وعِنيانٌ. واعْتَنَّ مَا عِنْدَ الْقَوْمِ أَي أُعْلِمَ خَبَرَهم. وعَنْعَنةُ تَمِيمٍ: إِبدالُهم الْعَيْنَ مِنَ الْهَمْزَةِ كَقَوْلِهِمْ عَنْ يُرِيدُونَ أَنْ؛ وأَنشد يَعْقُوبُ:
فَلَا تُلْهِكَ الدُّنْيَا عَنِ الدِّينِ، واعْتَمِلْ ... لآخرةٍ لَا بُدّ عنْ سَتَصِيرُها
. وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
أَعَنْ تَرَسَّمْتَ مِنْ خَرْقَاءَ منْزِلةً، ... ماءُ الصَّبَابةِ مِنْ عَينيكَ مَسْجُومُ
. أَراد أَأَن ترَسَّمْتَ؛ وَقَالَ جِرانُ العَوْدِ:
فَمَا أُبْنَ حَتَّى قُلْنَ يَا ليْتَ عَنَّنا ... تُرابٌ، وعَنَّ الأَرضَ بالناسِ تُخْسَفُ
. قَالَ الْفَرَّاءُ: لُغَةُ قُرَيْشٍ وَمَنْ جَاوَرَهُمْ أَنَّ، وتميمٌ وقَيْس وأَسَدٌ وَمَنْ جَاوَرَهُمْ يَجْعَلُونَ أَلف أَن إِذا كَانَتْ مَفْتُوحَةً عَيْنًا، يَقُولُونَ: أَشهد عَنَّك رَسُولُ اللَّهِ، فإِذا كَسَرُوا رَجَعُوا إِلى الأَلف؛ وَفِي حَدِيثِ
قَيْلةَ: تَحْسَبُ عَنِّي نَائِمَةٌ
أَي تَحْسَبُ أَني نَائِمَةٌ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
حُصَين بْنِ مُشَمِّت: أَخبرنا فُلَانٌ عَنَّ فُلَانًا حَدَّثه
أَي أَن فُلَانًا؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: كأَنَّهم يفعلون لبَحَحٍ فِي أَصواتهم، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: لأَنَّكَ ولعَنَّك، تَقُولُ ذَاكَ بِمَعْنَى لَعَلَّك. ابْنُ الأَعرابي: لعنَّكَ لِبَنِي تَمِيمٍ، وَبَنُو تَيْم اللَّهِ بْنُ ثَعْلبة يَقُولُونَ: رَعَنَّك، يُرِيدُونَ لَعَلَّكَ. وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ: رَعَنَّكَ ولغَنَّك، بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، بِمَعْنَى لعَلَّكَ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: كُنَّا فِي عُنَّةٍ مِنَ الكَلإِ وفُنَّةٍ وثُنَّةٍ وعانِكَةٍ مِنَ الكلإِ واحدٌ أَي كُنَّا فِي كَلاءٍ كَثِيرٍ وخِصْبٍ. وَعَنْ: مَعْنَاهَا مَا عَدَا الشيءَ، تَقُولُ: رَمَيْتُ عَنِ القوسْ لأَنه بِهَا قَذَفَ سَهْمَهُ عَنْهَا وعدَّاها، وأَطعمته عَنْ جُوعٍ، جَعَلَ الْجُوعَ مُنْصَرِفًا بِهِ تَارِكًا لَهُ وَقَدْ جَاوَزَهُ، وَتَقَعُ مِنْ مَوْقِعَهَا، وَهِيَ تَكُونُ حَرْفًا وَاسْمًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ مِنْ عَنْه؛ قَالَ القُطَامِيّ:
فقُلْتُ للرَّكْبِ، لِمَا أَنْ عَلا بهمُ، ... مِنْ عَنْ يمينِ الحُبَيّا، نظرةٌ قَبَلُ
. قَالَ: وإِنما بُنِيَتْ لِمُضَارَعَتِهَا لِلْحَرْفِ؛ وَقَدْ تُوضَعُ عَنْ مَوْضِعَ بَعْدُ كَمَا قال الحرث بْنُ عُبَاد:
قَرِّبا مَرْبَطَ النَّعامةِ مِنِّي، ... لقِحَتْ حَرْبُ وائلٍ عَنْ حيالِ
. أَي بَعْدَ حِيَالِ؛ وَقَالَ إِمرؤ الْقَيْسِ:
وتُضْحي فَتيتُ المِسكِ فوقَ فِراشِها، ... نَؤُوم الضُّحَى لَمْ تَنْتَطِقْ عَنْ تَفَضُّلِ
. وَرُبَّمَا وُضِعَتْ مَوْضِعَ عَلَى كَمَا قَالَ ذُو الإِصبع الْعَدْوَانِيُّ:
لَاهِ ابنُ عمِّكَ لَا أَفْضَلْتَ فِي حَسَبٍ ... عَني، وَلَا أَنتَ دَيّاني فتَخْزُوني
. قَالَ النَّحْوِيُّونَ: عَنْ سَاكِنَةَ النُّونِ حَرْفٌ وُضِعَ لمَعْنى مَا عَدَاكَ وَتَرَاخَى عَنْكَ. يُقَالُ: انصَرِفْ عنِّي وتنحَّ عَنِّي. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: الْعَرَبُ تزيدُ عَنْكَ، يُقَالُ: خُذْ ذَا عَنْكَ، وَالْمَعْنَى: خُذْ ذَا، وَعَنْكَ زِيَادَةٌ؛ قَالَ النَّابِغَةُ الْجَعْدِيُّ يُخَاطِبُ لَيْلَى الأَخيلية:
دَعي عنكِ تَشْتامَ الرجالِ، وأَقبِلي ... عَلَى أَذْلَعِيٍّ يَملأُ اسْتَكِ فَيْشَلا
. أَراد يملأُ اسْتَكِ فَيْشلُه فَخَرَجَ نَصْبًا عَلَى التَّفْسِيرِ، وَيَجُوزُ حَذْفُ النُّونِ مِنْ عَنْ لِلشَّاعِرِ كَمَا يَجُوزُ لَهُ حَذْفُ نُونِ مِنْ، وكأَنَّ حذْفَه إِنَّمَا هُوَ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، إِلا أَن حَذْفَ نُونِ مِنْ فِي الشِّعْرِ أَكثر مِنْ حَذْفِ نُونِ عَنْ، لأَن دُخُولَ مِنْ فِي الْكَلَامِ أَكثر مِنْ دُخُولِ عَنْ.(13/295)
وعَنِّي: بِمَعْنَى عَلِّي أَي لَعَلِّي؛ قَالَ القُلاخُ:
يَا صاحِبَيَّ، عَرِّجا قَلِيلا، ... عَنَّا نُحَيِّي الطَّلَلَ المُحِيلا
. وَقَالَ الأَزهري فِي تَرْجَمَةِ عَنَّا، قَالَ: قَالَ الْمُبَرِّدُ مِنْ وَإِلَى وَرُبَّ وَفِي وَالْكَافُ الزَّائِدَةُ وَالْبَاءُ الزَّائِدَةُ وَاللَّامُ الزَّائِدَةُ هِيَ حُرُوفُ الإِضافة الَّتِي يُضَافُ بِهَا الأَسماء والأَفعال إِلَى مَا بَعْدَهَا، قَالَ: فأَما مَا وَضَعَهُ النَّحْوِيُّونَ نَحْوُ عَلَى وَعَنْ وَقَبْلُ وبَعْدُ وبَيْن وَمَا كَانَ مثلَ ذَلِكَ فإِنما هِيَ أَسماء؛ يُقَالُ: جِئْتُ مِنْ عِنْدِه، وَمِنْ عَلَيْهِ، وَمِنْ عَنْ يَسَارِهِ، وَمِنْ عَنْ يَمِينِهِ؛ وأَنشد بَيْتَ الْقَطَامِيُّ:
مِنْ عَنْ يَمِينِ الحُبَيّا نظْرَةٌ قَبَلُ.
قَالَ: وَمِمَّا يَقَعُ الْفَرْقُ فِيهِ بَيْنَ مِنْ وَعَنْ أَن مِنْ يُضَافُ بِهَا مَا قَرُبَ مِنَ الأَسماء، وَعَنْ يُوصَل بِهَا مَا تَراخى، كَقَوْلِكَ: سَمِعْتُ مِنْ فُلَانٍ حَدِيثًا، وَحَدَّثَنَا عَنْ فُلَانٍ حَدِيثًا. وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ
؛ أَي مِنْ عِبَادِهِ. الأَصمعي: حدَّثني فُلَانٌ مِنْ فُلَانٍ، يُرِيدُ عَنْهُ. ولَهِيتُ مِنْ فُلَانٍ وَعَنْهُ، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: لَهِيتُ عَنْهُ لَا غَيْرُ، وَقَالَ: الْهَ مِنْه وَعَنْهُ، وَقَالَ: عَنْكَ جَاءَ هَذَا، يُرِيدُ مِنْكَ؛ وَقَالَ ساعدةُ بْنُ جُؤَيّةَ:
أَفَعنْك لَا بَرْقٌ، كأَنَّ ومِيضَهُ ... غابٌ تَسَنَّمهُ ضِرامٌ مُوقَدُ؟
قَالَ: يُرِيدُ أَمِنْكَ بَرْقٌ، وَلَا صِلَةٌ؛ رَوَى جميعَ ذَلِكَ أَبو عُبَيْدٍ عَنْهُمْ، قَالَ: وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ تَكُونُ عَنْ بِمَعْنَى عَلَى؛ وأَنشد بَيْتَ ذِي الإِصبع الْعَدْوَانِيِّ:
لَا أَفضلْتَ فِي حَسَبٍ عَنِّي.
قَالَ: عَنِّي فِي مَعْنَى عَليَّ أَي لَمْ تُفْضِلْ فِي حَسَبٍ عَلَيَّ، قَالَ: وَقَدْ جَاءَ عَنْ بِمَعْنَى بَعْدُ؛ وأَنشد:
وَلَقَدْ شُبَّتِ الحُرُوبُ، فَمَا غَمَّرْتَ ... فِيهَا، إِذْ قَلَّصَتْ عَنْ حِيالِ
أَيْ قلَّصَتْ بَعْدَ حِيالها؛ وَقَالَ فِي قَوْلِ لَبِيَدٍ:
لِورْدٍ تَقْلِصُ الغِيطانُ عَنْهُ، ... يَبُكُّ مسافَةَ الخِمْسِ الكَمالِ «3»
. قَالَ: قَوْلُهُ عَنْهُ أَي مِنْ أَجله. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: سِرْ عَنْكَ وانْفُذْ عَنْكَ أَي امضِ وجُزْ، لَا مَعْنَى لعَنْك. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ الله عَنْهُ: أَنه طَافَ بِالْبَيْتِ مَعَ يَعْلَى بْنِ أُميَّة، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى الرُّكْنِ الغرْبيِّ الَّذِي يَلِي الأَسْودَ قَالَ لَهُ: أَلا تسْتَلِمُ؟ فَقَالَ لَهُ: انْفُذْ عَنْكَ فإِن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمْ يسْتَلِمْه
؛ وَفِي الْحَدِيثِ: تَفْسِيرُهُ أَي دَعْه. وَيُقَالُ: جَاءَنَا الْخَبَرُ عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَخْفِضُ النُّونَ. وَيُقَالُ: جَاءَنَا مِنَ الْخَيْرِ مَا أَوجب الشُّكْرَ فَتَفْتَحُ النُّونَ، لأَن عَنْ كَانَتْ فِي الأَصل عَنِي وَمِنْ أَصلها مِنَا، فَدَلَّتِ الْفُتْحَةُ عَلَى سُقُوطِ الأَلف كَمَا دَلَّتِ الْكَسْرَةُ فِي عَنْ عَلَى سُقُوطِ الْيَاءِ؛ وأَنشد بَعْضُهُمْ:
مِنَا أَنْ ذَرَّ قَرْنُ الشَّمْسِ، حَتَّى ... أَغاثَ شَرِيدَهمْ مَلَثُ الظَّلامِ
. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: فِي إِعراب مِنَ الوقفُ إِلا أَنها فُتِحَتْ مَعَ الأَسماء الَّتِي تَدْخُلُهَا الأَلف وَاللَّامُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ كَقَوْلِكَ مِنَ النَّاسِ، النُّونُ مِنْ مِنْ سَاكِنَةٌ وَالنُّونُ مِنَ النَّاسِ سَاكِنَةٌ، وَكَانَ فِي الأَصل أَن تُكْسَرَ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَلَكِنَّهَا فُتِحَتْ لِثِقَلِ اجْتِمَاعِ كَسْرَتَيْنِ لَوْ كَانَ مِنِ النَّاسِ لثَقُلَ ذَلِكَ، وأَما إِعراب عَنِ النَّاسِ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ إِلا الْكَسْرُ لأَن أَول عَنْ مَفْتُوحٌ، قَالَ: وَالْقَوْلُ مَا قَالَ الزَّجَّاجُ فِي الفرق بينهما.
__________
(3) . قوله [يبك مسافة إلخ] كذا أَنشده هنا كالتهذيب، وأَنشده في مادة قلص كالمحكم: يبذ مفازة الخمس الكلالا(13/296)
عهن: العِهْنُ: الصُّوفُ المَصْبُوغُ أَلواناً؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ
. وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنها فتَلَتْ قلائدَ هَدْيِ رسول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ عِهْنٍ
؛ قَالُوا: العِهْنُ الصُّوفُ المُلَوَّنُ، وَقِيلَ: العِهْنُ الصُّوفُ الْمَصْبُوغُ أَيَّ لَوْنٍ كَانَ، وَقِيلَ: كلُّ صُوفٍ عِهْنٌ، والقِطْعةُ مِنْهُ عِهْنةٌ، وَالْجَمْعُ عُهُونٌ؛ وأَنشد أَبو عُبَيْدٍ:
فاضَ مِنْهُ مِثْلُ العُهونِ مِنَ الرَّوْضِ، ... وَمَا ضَنّ بالإِخاذِ غُدُرْ
. ابْنُ الأَعرابي: فُلَانٌ عاهِنٌ أَي مُسْترخٍ كَسْلان؛ قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: أَصلُ العاهِن أَن يَتَقَصَّفَ القضيبُ مِنَ الشَّجَرَةِ وَلَا يَبينَ فَيَبْقَى مُتَعَلِّقًا مُسْتَرْخِيًا. والعُهْنة: انكسارٌ فِي الْقَضِيبِ مِنْ غَيْرِ بَيْنونة، إِذَا نظرتَ إِلَيْهِ حَسِبْتَهُ صَحِيحًا، فَإِذَا هَزَزْتَهُ انْثَنَى، وَقَدْ عَهَن. والعاهِنُ: الْفَقِيرُ لِانْكِسَارِهِ. وعَهَن الشيءُ: دَامَ وَثَبَتَ. وعَهَن أَيضاً: حَضَرَ. ومالٌ عاهِن: حَاضِرٌ ثَابِتٌ، وَكَذَلِكَ نَقْدٌ عاهِنٌ. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: إِنَّهُ لَعاهِنُ الْمَالِ أَي حَاضِرُ النَّقْد؛ وَقَوْلُ كُثَيِّرٍ:
ديارُ ابنةِ الضَّمْريِّ إِذْ حَبْلُ وَصْلِها ... مَتِينٌ، وإِذ مَعْرُوفُها لَكَ عاهِنُ
. يَكُونُ الْحَاضِرُ وَالثَّابِتُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِثْلُهُ لتأَبط شَرًّا:
أَلا تِلْكُمو عِرْسي مُنَيْعةُ ضُمّنتْ، ... مِنَ اللَّهِ، أَيْماً مُسْتَسِرّاً وعاهِنا
. أَي مُقِيمًا حَاضِرًا. والعاهِنُ: الطَّعَامُ الْحَاضِرُ وَالشَّرَابُ الْحَاضِرُ. والعاهنُ: الْحَاضِرُ الْمُقِيمُ الثَّابِتُ. وَيُقَالُ: إِنه لَعِهْنُ مالٍ إِذَا كَانَ حَسَنَ الْقِيَامِ عَلَيْهِ. وعَهَن بِالْمَكَانِ: أَقام بِهِ. وأَعطاه مِنْ عاهِنِ مَالِهِ وآهِنه مُبْدَلٌ أَي مِنْ تِلاده. وَيُقَالُ: خُذْ مِنْ عاهِنِ الْمَالِ وآهِنه أَي مِنْ عَاجِلِهِ وَحَاضِرِهِ. والعَواهِنُ: جَرَائِدُ النَّخْلِ إِذَا يَبستْ، وَقَدْ عَهَنتْ تَعْهِنُ وتَعْهُنُ، بِالضَّمِّ، عُهوناً؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ، وَقِيلَ: العَواهِنُ السَّعَفاتُ اللَّوَاتِي يَلِينَ القِلَبَة، فِي لُغَةِ أَهل الْحِجَازِ، وَهِيَ الَّتِي يُسَمِّيهَا أَهل نَجْدٍ الخَوافي، وَمِنْهُ سُمِّيَتْ جوارحُ الإِنسان عَواهِنَ؛ وَمِنْهُ حَدِيثِ
عُمَرَ: ائْتِنِي بِجَرِيدَةٍ واتَّقِ العَواهِنَ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هِيَ جَمْعُ عاهِنةٍ وَهِيَ السَّعفات الَّتِي يَلِينَ قُلْبَ النَّخْلَةِ، وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهَا إِشفاقاً عَلَى قُلْب النَّخْلَةِ أَن يَضُرَّ بِهِ قطعُ مَا قرُبَ مِنْهَا. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: العَواهِن السَّعَفات اللَّوَاتِي دُونَ القِلَبة، مَدَنيَّةٌ، وَالْوَاحِدُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ عاهِنٌ وعاهِنة. ابْنُ الأَعرابي: العِهان والإِهان والعُرْهونُ والعُرْجونُ والفِتاقُ والعَسَقُ والطَّرِيدة واللَّعِينُ والضِّلَعُ والعُرْجُدُ وَاحِدٌ؛ قَالَ الأَزهري: كُلُّهُ أَصل الكِباسة. والعَواهِنُ: عُرُوقٌ فِي رحِمِ النَّاقَةِ؛ قَالَ ابنُ الرِّقاع:
أَوْكَتْ عَلَيْهِ مَضِيقاً مِنْ عَواهِنها، ... كَمَا تَضَمَّنَ كشْحُ الحُرَّة الحَبَلا
. عَلَيْهِ: يَعْنِي الْجَنِينَ. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: عَواهِنُها مَوْضِعُ رَحِمِهَا مِنْ بَاطِنٍ كعَواهِن النَّخْلِ. وأَلْقى الْكَلَامَ عَلَى عَواهِنه: لَمْ يَتَدَبَّرْهُ، وَقِيلَ: هُوَ إِذَا لَمْ يُبَلْ أَصاب أَم أَخطأَ، وَقِيلَ: هُوَ إِذَا تَهَاوَنَ بِهِ، وَقِيلَ: هُوَ إِذَا قَالَهُ مِنْ قَبِيحِهِ وَحَسَنِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِنَّ السَّلَفَ كَانُوا يُرْسِلون الْكَلِمَةَ عَلَى عَواهِنها
أَي لَا يَزُمُّونها وَلَا يَخطِمونها؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: العَواهِنُ أَن تأْخذ غيرَ الطَّرِيقِ فِي السَّيْرِ أَو الْكَلَامِ، جَمْعُ عاهِنة، وَقِيلَ: هُوَ مِنْ قَوْلِكَ عَهِنَ لَهُ كَذَا أَي عجِلَ. وعَهِنَ الشيءُ إِذَا حَضَر أَي أَرسل الْكَلَامَ عَلَى مَا حضَر مِنْهُ وعَجِلَ مِنْ خطأٍ وَصَوَابٍ. ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ إِنَّهُ ليَحْدِسُ الكلامَ عَلَى عَواهنه،(13/297)
وَهُوَ أَن يتعسَّف الكلامَ وَلَا يتأَنى. يُقَالُ: عَهَنتُ عَلَى كَذَا وَكَذَا أَعْهُنُ؛ الْمَعْنَى أَي أُثَبِّي مِنْهُ مَعْرِفَةً؛ وَيُقَالُ: أُثبِّي أُثْبِتُ مِنْ قَوْلِ لَبِيدٌ:
يُثَبِّي ثَناءً مِنْ كريمٍ
. وَقَوْلُهُ:
أَلا انْعَمْ عَلَى حُسْنِ التَّحيَّة واشْرب
. وعَهَنَ مِنْهُ خَيْرٌ يَعْهُنُ عُهوناً: خَرَجَ، وَقِيلَ: كُلُّ خَارِجٍ عاهِنٌ. والعِهْنة: بَقْلَةٌ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: والعِهْنة مِنْ ذُكُورِ البَقْل. قَالَ الأَزهري: ورأَيت فِي الْبَادِيَةِ شَجَرَةً لَهَا وَرْدَةٌ حَمْرَاءُ يُسَمُّونَهَا العِهْنة. وعُهَيْنة: قَبِيلَةٌ دَرَجَتْ. وعاهِنٌ: وَادٍ مَعْرُوفٌ. وعاهانُ بْنُ كَعْبٍ: مِنْ شُعَرَائِهِمْ، فِيمَنْ أَخذه مِنَ العِهْن، وَمَنْ أَخذه مِنَ الْعَاهَةِ فَبَابُهُ غير هذا الباب.
عون: العَوْنُ: الظَّهير عَلَى الأَمر، الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ وَالْجَمْعُ وَالْمُؤَنَّثُ فِيهِ سَوَاءٌ، وَقَدْ حُكِيَ فِي تَكْسِيرِهِ أَعْوان، وَالْعَرَبُ تَقُولُ إِذَا جاءَتْ السَّنة: جَاءَ مَعَهَا أَعْوانها؛ يَعْنون بِالسَّنَةِ الجَدْبَ، وبالأَعوان الْجَرَادَ والذِّئاب والأَمراض، والعَوِينُ اسْمٌ لِلْجَمْعِ. أَبو عَمْرٍو: العَوينُ الأَعْوانُ. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَمِثْلُهُ طَسيسٌ جَمْعُ طَسٍّ. وَتَقُولُ: أَعَنْتُه إِعَانَةً واسْتَعَنْتُه واستَعَنْتُ بِهِ فأَعانَني، وإنِما أُعِلَّ اسْتَعانَ وإِن لَمْ يَكُنْ تَحْتَهُ ثُلَاثِيٌّ مُعْتَلٌّ، أَعني أَنه لَا يُقَالُ عانَ يَعُونُ كَقام يَقُومُ لأَنه، وَإِنْ لَمْ يُنْطَق بثُلاثِيِّه، فإِنه فِي حُكْمِ الْمَنْطُوقِ بِهِ، وَعَلَيْهِ جاءَ أَعانَ يُعِين، وَقَدْ شَاعَ الإِعلال فِي هَذَا الأَصل، فَلَمَّا اطَّرَدَ الإِعلال فِي جَمِيعِ ذَلِكَ دَلَّ أَن ثُلَاثِيَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَعْمَلًا فإِنه فِي حُكْمِ ذَلِكَ، والإِسم العَوْن والمَعانة والمَعُونة والمَعْوُنة والمَعُون؛ قَالَ الأَزهري: والمَعُونة مَفْعُلة فِي قِيَاسِ مَنْ جَعَلَهُ مِنَ العَوْن؛ وَقَالَ ناسٌ: هِيَ فَعُولة مِنَ الماعُون، وَالْمَاعُونُ فَاعُولٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ مِنَ النَّحْوِيِّينَ: المَعُونة مَفْعُلة مِنَ العَوْن مِثْلُ المَغُوثة مِنَ الغَوْث، وَالْمَضُوفَةُ مِنْ أَضافَ إِذَا أَشفق، والمَشُورة مِنْ أَشارَ يُشير، وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَحْذِفُ الْهَاءَ فَيَقُولُ مَعُونٌ، وَهُوَ شَاذٌّ لأَنه لَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مَفْعُل بِغَيْرِ هَاءٍ. قَالَ الْكِسَائِيُّ: لَا يأْتي فِي الْمُذَكَّرِ مَفْعُلٌ، بِضَمِّ الْعَيْنِ، إلَّا حَرْفَانِ جاءَا نَادِرَيْنِ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِمَا: المَعُون، والمَكْرُم؛ قَالَ جميلٌ:
بُثَيْنَ الْزَمي لَا، إنَّ لَا إنْ لزِمْتِه، ... عَلَى كَثْرة الواشِينَ، أَيُّ مَعُونِ
يَقُولُ: نِعْمَ العَوْنُ قَوْلُكِ لَا فِي رَدِّ الوُشاة، وَإِنْ كَثُرُوا؛ وَقَالَ آخَرُ:
ليَوْم مَجْدٍ أَو فِعالِ مَكْرُمِ «1»
. وَقِيلَ: مَعُونٌ جَمْعُ مَعونة، ومَكْرُم جَمْعُ مَكْرُمة؛ قَالَهُ الْفَرَّاءُ. وتعاوَنوا عليَّ واعْتَوَنوا: أَعان بَعْضُهُمْ بَعْضًا. سِيبَوَيْهِ: صحَّت واوُ اعْتَوَنوا لأَنها فِي مَعْنَى تعاوَنوا، فَجَعَلُوا تَرْكَ الإِعلال دَلِيلًا عَلَى أَنه فِي مَعْنَى مَا لَا بُدَّ مِنْ صِحَّتِهِ، وَهُوَ تَعَاوَنُوا؛ وَقَالُوا: عاوَنْتُه مُعاوَنة وعِواناً، صَحَّتِ الْوَاوُ فِي الْمَصْدَرِ لِصِحَّتِهَا فِي الْفِعْلِ لِوُقُوعِ الأَلف قَبْلَهَا. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يُقَالُ اعْتَوَنوا واعْتانوا إِذَا عاوَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
فكيفَ لَنَا بالشُّرْبِ، إنْ لَمْ يكنْ لَنَا ... دَوانِيقُ عندَ الحانَوِيِّ، وَلَا نَقْدُ؟
أَنَعْتانُ أَمْ نَدَّانُ، أَم يَنْبَري لَنَا ... فَتًى مثلُ نَصْلِ السَّيفِ، شِيمَتُه الحَمْدُ؟
__________
(1) . قوله [ليوم مجد إلخ] كذا بالأَصل والمحكم، والذي في التهذيب: ليوم هيجا(13/298)
وتَعاوَنَّا: أَعان بَعْضُنَا بَعْضًا. والمَعُونة: الإِعانَة. وَرَجُلٌ مِعْوانٌ: حَسَنُ المَعُونة. وَتَقُولُ: مَا أَخلاني فُلَانٌ مِنْ مَعاوِنه، وَهُوَ جَمْعُ مَعُونة. وَرَجُلٌ مِعْوان: كَثِيرُ المَعُونة لِلنَّاسِ. واسْتَعَنْتُ بِفُلَانٍ فأَعانَني وعاونَني. وَفِي الدُّعَاءِ: رَبِّ أَعنِّي وَلَا تُعِنْ عَليَّ. والمُتَعاوِنة مِنَ النِّسَاءِ: الَّتِي طَعَنت فِي السِّنِّ وَلَا تَكُونُ إِلَّا مَعَ كَثْرَةِ اللَّحْمِ؛ قَالَ الأَزهري: امرأَة مُتَعاوِنة إِذَا اعْتَدَلَ خَلْقُها فَلَمْ يَبْدُ حَجْمُها. وَالنَّحْوِيُّونَ يُسَمُّونَ الْبَاءَ حَرْفَ الِاسْتِعَانَةِ، وَذَلِكَ أَنك إِذَا قُلْتَ ضَرَبْتُ بِالسَّيْفِ وَكَتَبْتُ بِالْقَلَمِ وبَرَيْتُ بالمُدْيَة، فكأَنك قُلْتَ اسْتَعَنْتُ بِهَذِهِ الأَدوات عَلَى هَذِهِ الأَفعال. قَالَ اللَّيْثُ: كُلُّ شَيْءٍ أَعانك فَهُوَ عَوْنٌ لَكَ، كَالصَّوْمِ عَوْنٌ عَلَى الْعِبَادَةِ، وَالْجَمْعُ الأَعْوانُ. والعَوانُ مِنَ الْبَقَرِ وَغَيْرِهَا: النَّصَفُ فِي سنِّها. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: لَا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ
؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: انْقَطَعَ الْكَلَامُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلا بِكْرٌ، ثُمَّ استأْنف فَقَالَ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ
، وَقِيلَ: الْعَوَانُ مِنَ الْبَقْرِ وَالْخَيْلِ الَّتِي نُتِجَتْ بَعْدَ بَطْنِهَا البِكْرِ. أَبو زَيْدٍ: عانَتِ الْبَقَرَةُ تَعُون عُؤُوناً إِذَا صَارَتْ عَواناً؛ والعَوان: النَّصَفُ الَّتِي بَيْنَ الفارِضِ، وَهِيَ المُسِنَّة، وَبَيْنَ الْبِكْرِ، وَهِيَ الصَّغِيرَةُ. وَيُقَالُ: فَرَسٌ عَوانٌ وَخَيْلٌ عُونٌ، عَلَى فُعْلٍ، والأَصل عُوُن فَكَرِهُوا إِلْقَاءَ ضَمَّةٍ عَلَى الْوَاوِ فَسَكَّنُوهَا، وَكَذَلِكَ يُقَالُ رَجُلٌ جَوادٌ وَقَوْمٌ جُود؛ وَقَالَ زُهَيْرٌ:
تَحُلُّ سُهُولَها، فإِذا فَزَعْنا، ... جَرَى منهنَّ بِالْآصَالِ عُونُ.
فَزَعْنا: أَغَثْنا مُسْتَغيثاً؛ يَقُولُ: إِذَا أَغَثْنا رَكِبْنَا خَيْلًا، قَالَ: وَمَنْ زَعَمَ أَن العُونَ هَاهُنَا جَمْعُ العانَةِ فَقَدْ أَبطل، وأَراد أَنهم شُجْعان، فإِذا اسْتُغيث بِهِمْ رَكِبُوا الْخَيْلَ وأَغاثُوا. أَبو زَيْدٍ: بَقَرة عَوانٌ بَيْنَ المُسِنَّةِ وَالشَّابَّةِ. ابْنُ الأَعرابي: العَوَانُ مِنَ الْحَيَوَانِ السِّنُّ بَيْنَ السِّنَّيْنِ لَا صَغِيرٌ وَلَا كَبِيرٌ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: العَوَان النَّصَفُ فِي سِنِّها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. وَفِي الْمَثَلِ: لَا تُعَلَّمُ العَوانُ الخِمْرَةَ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَي المُجَرِّبُ عَارِفٌ بأَمره كَمَا أَن المرأَة الَّتِي تَزَوَّجَتْ تُحْسِنُ القِناعَ بالخِمار. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: العَوانُ مِنَ النِّسَاءِ التَّيِ قَدْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ، وَقِيلَ: هِيَ الثيِّب، وَالْجَمْعُ عُونٌ؛ قَالَ:
نَواعِم بَيْنَ أَبْكارٍ وعُونٍ، ... طِوال مَشَكِّ أَعْقادِ الهَوادِي.
تَقُولُ مِنْهُ: عَوَّنَتِ المِرأَةُ تَعْوِيناً إِذَا صَارَتْ عَواناً، وَعَانَتْ تَعُونُ عَوْناً. وحربٌ عَوان: قُوتِل فِيهَا مَرَّةً «1» . كأَنهم جَعَلُوا الأُولى بِكْرًا، قَالَ: وَهُوَ عَلَى المَثَل؛ قَالَ:
حَرْباً عَوَانًا لَقِحَتْ عَنْ حُولَلٍ، ... خَطَرتْ وَكَانَتْ قَبْلَهَا لَمْ تَخْطُرِ
وحَرْبٌ عَوَان: كَانَ قبلها حرب؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لأَبي جَهْلٍ:
مَا تَنْقِمُ الحربُ العَوانُ مِنِّي؟ ... بازِلُ عَامَيْنِ حَدِيثٌ سِنِّي،
لمِثْل هَذَا وَلَدَتْني أُمّي.
وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: كَانَتْ ضَرَباتُه مُبْتَكَراتٍ لَا عُوناً
؛ العُونُ: جَمْعُ العَوان، وَهِيَ الَّتِي وَقَعَتْ مُخْتَلَسَةً فأَحْوَجَتْ إِلَى المُراجَعة؛ وَمِنْهُ الْحَرْبُ العَوانُ أَي المُتَردّدة، والمرأَة العَوان وَهِيَ الثَّيِّبُ، يَعْنِي أَن ضَرَبَاتِهِ كَانَتْ قاطعة ماضية لا
__________
(1) . قوله: مرة، أي مرّةً بعد الأَخرى(13/299)
تَحْتَاجُ إِلَى الْمُعَاوَدَةِ وَالتَّثْنِيَةِ. وَنَخْلَةٌ عَوانٌ: طَوِيلَةٌ، أَزْدِيَّة. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: العَوَانَةُ النَّخْلَةُ، فِي لُغَةِ أَهل عُمانَ. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: العَوانَة النَّخْلَةُ الطَّوِيلَةُ، وَبِهَا سُمِّيَ الرَّجُلُ، وَهِيَ الْمُنْفَرِدَةُ، وَيُقَالُ لَهَا القِرْواحُ والعُلْبَة. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: والعَوَانة الباسِقَة مِنَ النَّخْلِ، قَالَ: والعَوَانة أَيضاً دُودَةٌ تَخْرُجُ مِنَ الرَّمْلِ فَتَدُورُ أَشواطاً كَثِيرَةً. قَالَ الأَصمعي: العَوانة دَابَّةٌ دُونَ القُنْفُذ تَكُونُ فِي وَسَطِ الرَّمْلة الْيَتِيمَةِ، وَهِيَ الْمُنْفَرِدَةُ مِنَ الرَّمْلَاتِ، فَتَظْهَرُ أَحياناً وَتَدُورُ كأَنها تَطْحَنُ ثُمَّ تَغُوصُ، قَالَ: وَيُقَالُ لِهَذِهِ الدَّابَّةِ الطُّحَنُ، قَالَ: والعَوانة الدَّابَّةُ، سُمِّيَ الرَّجُلُ بِهَا. وبِرْذَوْنٌ مُتَعاوِنٌ ومُتَدارِك ومُتَلاحِك إِذَا لَحِقَتْ قُوَّتُه وسِنُّه. والعَانة: الْقَطِيعُ مِنْ حُمُر الْوَحْشِ. وَالْعَانَةُ: الأَتان، وَالْجَمْعُ مِنْهُمَا عُون، وَقِيلَ: وَعَانَاتٌ. ابْنُ الأَعرابي: التَّعْوِينُ كثرةُ بَوْكِ الْحِمَارِ لِعَانَتِهِ. والتَّوْعِينُ: السِّمَن. وَعَانَةُ الإِنسان: إِسْبُه، الشعرُ النابتُ عَلَى فَرْجِهِ، وَقِيلَ: هِيَ مَنْبِتُ الشَّعَرِ هُنَالِكَ. واسْتَعان الرجلُ: حَلَقَ عانَتَه؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
مِثْل البُرام غَدا فِي أُصْدَةٍ خَلَقٍ، ... لَمْ يَسْتَعِنْ، وحَوامي الموتِ تَغْشاهُ
. البُرام: القُرادُ، لَمْ يَسْتَعِنْ أَي لَمْ يَحْلِقْ عَانَتَهُ، وحَوامي الموتِ: حوائِمُه فَقَلَبَهُ، وَهِيَ أَسباب الْمَوْتِ. وَقَالَ بَعْضُ الْعَرَبِ وَقَدْ عرَضَه رَجُلٌ عَلَى القَتْل: أَجِرْ لِي سَراويلي فإِني لَمْ أَسْتَعِنْ. وتَعَيَّنَ: كاسْتَعان؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَصله الْوَاوُ، فإِما أَن يَكُونَ تَعَيَّنَ تَفَيْعَلَ، وإِما أَن يَكُونَ عَلَى الْمُعَاقَبَةِ كالصَّيَّاغ فِي الصَّوَّاغ، وَهُوَ أَضعف الْقَوْلَيْنِ إِذْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لِوَجَدْنَا تَعَوَّنَ، فعَدَمُنا إِياه يَدُلُّ عَلَى أَن تَعَيَّنَ تَفَيْعَل. الْجَوْهَرِيُّ: العانَة شعرُ الركَبِ. قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: الْعَانَةُ مَنْبِت الشَّعَرِ فَوْقَ القُبُل مِنَ المرأَة، وَفَوْقَ الذَّكَرِ مِنَ الرَّجُلِ، والشَّعَر النابتُ عَلَيْهِمَا يُقَالُ لَهُ الشِّعْرَةُ والإِسْبُ؛ قَالَ الأَزهري: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ. وَفُلَانٌ عَلَى عانَة بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ أَي جَمَاعَتِهِمْ وحُرْمَتِهم؛ هَذِهِ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وَقِيلَ: هُوَ قَائِمٌ بأَمرهم. والعانَةُ: الحَظُّ مِنَ الْمَاءِ للأَرض، بِلُغَةِ عَبْدِ الْقَيْسِ. وعانَةُ: قَرْيَةٌ مِنْ قُرى الْجَزِيرَةِ، وَفِي الصِّحَاحِ: قَرْيَةٌ عَلَى الفُرات، وَتَصْغِيرُ كُلِّ ذَلِكَ عُوَيْنة. وأَما قَوْلُهُمْ فِيهَا عاناتٌ فَعَلَى قَوْلِهِمْ رامَتانِ، جَمَعُوا كَمَا ثَنَّوْا. والعانِيَّة: الخَمْر، مَنْسُوبَةٌ إِلَيْهَا. اللَّيْثُ: عاناتُ مَوْضِعٌ بِالْجَزِيرَةِ تُنْسَبُ إِلَيْهَا الْخَمْرُ العانِيَّة؛ قَالَ زُهَيْرٌ:
كأَنَّ رِيقَتَها بَعْدَ الكَرى اغْتَبَقَتْ ... مِنْ خَمْرِ عانَةَ، لَمَّا يَعْدُ أَن عَتَقا
. وَرُبَّمَا قَالُوا عاناتٌ كَمَا قَالُوا عَرَفَةُ وعَرَفات، وَالْقَوْلُ فِي صَرْفِ عَانَاتٍ كَالْقَوْلِ فِي عَرَفات وأَذْرِعات؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُ عَانَاتِ قَوْلُ الأَعشى:
تَخَيَّرَها أَخُو عاناتِ شَهْراً، ... ورَجَّى خَيرَها عَامًا فَعَامَا
. قَالَ: وَذَكَرَ الهرويُّ أَنه يُرْوَى بَيْتُ إِمرئ الْقَيْسِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوجه: تَنَوَّرتُها مِنْ أَذرِعاتٍ بِالتَّنْوِينِ، وأَذرعاتِ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ، وأَذرعاتَ بِفَتْحِ التَّاءِ؛ قَالَ: وَذَكَرَ أَبو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ أَنه لَا يَجُوزُ فَتْحُ التَّاءِ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ. وعَوْنٌ وعُوَيْنٌ وعَوانةُ: أَسماء. وعَوانة وعوائنُ: مَوْضِعَانِ؛ قَالَ تأبَّط شَرًّا:
وَلَمَّا سمعتُ العُوصَ تَدْعو، تنَفَّرَتْ ... عصافيرُ رأْسي مِنْ بَرًى فعَوائنا.(13/300)
ومَعانُ: مَوْضِعٌ بِالشَّامِ عَلَى قُرب مُوتة؛ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَواحة:
أَقامتْ ليلَتين عَلَى مَعانٍ، ... وأَعْقَبَ بعد فَتَرتها جُمومُ.
عين: العَيْنُ: حَاسَّةُ الْبَصَرِ وَالرُّؤْيَةِ، أُنثى، تَكُونُ للإِنسان وَغَيْرِهِ مِنَ الْحَيَوَانِ. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: العَينُ الَّتِي يُبْصِرُ بِهَا النَّاظِرُ، وَالْجَمْعُ أَعْيان وأَعْيُن وأَعْيُنات، الأَخيرة جَمْعُ الْجَمْعِ وَالْكَثِيرُ عُيون، قَالَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ المَدان:
ولكِنَّني أَغْدُو، عَليَّ مُفاضةٌ ... دِلاصٌ، كأَعْيانِ الْجَرَادِ المُنظَّمِ
وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
بأَعْيُنات لَمْ يُخالِطْها القَذى
وَتَصْغِيرُ الْعَيْنِ عُيَيْنةٌ، وَمِنْهُ قِيلُ ذُو العُيَيْنَتَين لِلْجَاسُوسِ، وَلَا تَقُلْ ذُو العُوَيْنَتين. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والعَيْنُ الَّذِي يُبْعث ليَتجسَّس الخبرَ، وَيُسَمَّى ذَا العَيْنَين، وَيُقَالُ تُسَمِّيهِ الْعَرَبُ ذَا الْعَيْنَيْنِ وَذَا العُوَينتين، كُلُّهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَزَعَمَ اللِّحْيَانِيُّ أَن أَعْيُناً قَدْ يَكُونُ جَمْعَ الْكَثِيرِ أَيضاً، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها
وإِنما أَراد الْكَثِيرَ وَقَوْلُهُمْ: بعَيْنٍ مَا أَرَيَنَّك، مَعْنَاهُ عَجِّل حَتَّى أَكون كأَني أَنظر إِليك بعَيْني. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَأَ عَينَ مَلَك الْمَوْتِ بصكَّةٍ صَكَّهُ
، قِيلَ: أَراد أَنه أَغلظ لَهُ فِي الْقَوْلِ، يُقَالُ: أَتيته فلَطَمَ وَجْهِي بِكَلَامٍ غَلِيظٍ، وَالْكَلَامُ الَّذِي قَالَهُ لَهُ مُوسَى قَالَ: أُحَرِّجُ عَلَيْكَ أَن تدْنوَ مِنِّي فإِني أُحرِّجُ دَارِي وَمَنْزِلِي، فَجَعَلَ هَذَا تَغْلِيظًا مِنْ مُوسَى لَهُ تَشْبِيهًا بفَقْء العَين، وَقِيلَ: هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا يُؤمَنُ بِهِ وبأَمثاله وَلَا يُدخَل فِي كَيْفِيَّتِهِ. وَقَوْلُ الْعَرَبِ: إِذا سَقطت الجبْهةُ نظرتِ الأَرضَ بإِحدى عَيْنيْها، فإِذا سَقَطَتِ الصَّرْفةُ نَظَرَتْ بِهِمَا جَمِيعًا، إِنما جَعَلُوا لَهَا عَيْنين عَلَى الْمَثَلِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي
، فَسَّرَهُ ثَعْلَبٌ فَقَالَ: لتُرَبَّى مِنْ حَيْثُ أَراك. وَفِي التَّنْزِيلِ: وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا
، قَالَ ابْنُ الأَنباري: قَالَ أَصحاب النَّقْلِ والأَخذ بالأَثر الأَعْيُنُ يُرِيدُ بِهِ العَينَ، قَالَ: وعَينُ اللَّهِ لَا تُفَسَّرُ بأَكثر مِنْ ظَاهِرِهَا، وَلَا يَسَعُ أَحداً أَن يَقُولَ: كَيْفَ هِيَ، أَو مَا صِفَتُهَا؟ وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: بِأَعْيُنِنا
بإِبصارنا إِليك، وَقَالَ غَيْرُهُ: بإِشفاقنا عَلَيْكَ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ: وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي
، أَي لِتُغذَّى بإِشفاقي. وَتَقُولُ الْعَرَبُ: عَلَى عَيْني قصدْتُ زَيْدًا، يُرِيدُونَ الإِشفاق. والعَيْنُ: أَن تصِيبَ الإِنسانَ بعينٍ. وعانَ الرجلَ يَعِينُه عَيْناً، فَهُوَ عَائِنٌ، وَالْمُصَابُ مَعِينٌ، عَلَى النَّقْصِ، ومَعْيونٌ، عَلَى التَّمَامِ: أَصابه بِالْعَيْنِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: المَعِينُ المُصابُ بِالْعَيْنِ، والمعْيون الَّذِي فِيهِ عينٌ، قَالَ عَبَّاسُ بْنُ مِرداس:
قَدْ كَانَ قوْمُك يحْسَبونك سيِّداً، ... وإِخالُ أَنك سَيِّدٌ مَعْيونُ
وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: إِنك لَجَمِيلٌ وَلَا أَعِنْكَ وَلَا أَعِينُك، الْجَزْمُ عَلَى الدُّعَاءِ، وَالرَّفْعُ عَلَى الإِخبار، أَي لَا أُصيبك بِعَيْنٍ. وَرَجُلٌ مِعْيانٌ وعَيونٌ: شَدِيدُ الإِصابة بِالْعَيْنِ، وَالْجَمْعُ عُيُنٌ وعِينٌ، وَمَا أَعْيَنه. وَفِي الْحَدِيثِ:
الْعَيْنُ حَقٌّ وإِذا اسْتُغْسِلتم فاغْسِلوا.
يُقَالُ: أَصابت فُلَانًا عينٌ إِذا نَظَرَ إِليه عَدُوٌّ أَو حَسُودٌ فأَثرت فِيهِ فَمَرِضَ بِسَبَبِهَا. وَفِي الْحَدِيثِ:
كَانَ يُؤمَرُ العائنُ فيتوضأُ ثُمَّ يَغْتسِل مِنْهُ المَعِين.
وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَينٍ أَو حُمَةٍ
، تَخْصِيصُهُ الْعَيْنَ وَالْحُمَةَ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الرُّقْيَةِ فِي غَيْرِهِمَا مِنَ الأَمراض لأَنه أَمر بِالرُّقْيَةِ مُطْلَقًا، ورَقى بَعْضَ أَصحابه مِنْ غَيْرِهِمَا، وإِنما(13/301)
مَعْنَاهُ لَا رُقْية أَولى وأَنفعُ مِنْ رُقية الْعَيْنِ والحُمَة. وتعَيَّنَ الإِبلَ واعْتانها: اسْتَشْرَفها ليَعِينها، وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:
يَزِينُها للناظِرِ المُعْتانِ ... خَيْفٌ قريبُ العهْدِ بالحَيْرانِ
أَي إِذا كَانَ عَهْدُهَا قَرِيبًا بِالْوِلَادَةِ كَانَ أَضخم لِضَرْعِهَا وأَحسن وأَشدّ امْتِلَاءً. وتعَيَّنَ الرجلُ إِذا تشَوَّهَ وتأَنى لِيُصِيبَ شَيْئًا بِعَيْنِهِ. وأَعلنها كاعْتانها. وَرَجُلٌ عَيونٌ إِذا كَانَ نَجيءَ الْعَيْنِ، يُقَالُ: أَتيت فُلَانًا فَمَا عَيَّنَ لِي بِشَيْءٍ وَمَا عَيَّنَني بِشَيْءٍ أَي مَا أَعطاني شَيْئًا. والعَيْنُ والمُعاينة: النَّظَرُ، وَقَدْ عايَنهُ مُعاينة وعِياناً. وَرَآهُ عِياناً: لَمْ يَشُكَّ فِي رُؤْيَتِهِ إِياه. ورأَيت فُلَانًا عِياناً أَي مُوَاجَهَةً. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَقِيَهُ عِياناً أَي مُعاينة، وَلَيْسَ فِي كُلِّ شَيْءٍ قِيلَ مِثْلُ هَذَا، لَوْ قُلْتَ لِحاظاً لَمْ يَجُزْ، إِنما يُحكى مِنْ ذَلِكَ مَا سُمِع. وتعَيَّنْتُ الشَّيْءَ: أَبصرته، قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
تُخَلَّى فَلَا تَنْبُو إِذا مَا تعَيَّنَتْ ... بِهَا شَبَحاً، أَعْناقُها كالسَّبائك
ورأَيتُ عَائِنَةً مِنْ أَصحابه أَي قَوْمًا عايَنوني. وَهُوَ عبدُ عَيْنٍ أَي مَا دُمْتَ تَرَاهُ فَهُوَ كالعَبد لَكَ، وَقِيلَ: أَي مَا دَامَ مَوْلَاهُ يَرَاهُ فَهُوَ فارِهٌ وأَما بَعْدَهُ فَلَا، عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، قَالَ: وَكَذَلِكَ تُصَرِّفه فِي كُلُّ شيءٍ مِنْ هَذَا كَقَوْلِكَ هُوَ صديقُ عَيْنٍ. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ يُظهِر لَكَ مِنْ نَفْسِهِ مَا لَا يَفِي بِهِ إِذا غَابَ: هُوَ عَبْد عَينٍ وصديقُ عَيْنٍ، قَالَ الشَّاعِرُ:
ومَنْ هُوَ عبْدُ العَينِ، أَما لِقاؤه ... فَحُلْوٌ، وأَما غَيْبُه فظَنُونُ
ونَعِمَ اللَّهُ بِكَ عَيْناً أَي أَنْعَمها. وَلَقِيتُهُ أَدْنَى عائنةٍ أَي أَدْنى شَيْءٍ تدْركه العينُ. والعَيَنُ: عِظَمُ سوادِ الْعَيْنِ وسَعَتُها. عَيِنَ يَعْيَنُ عَيَناً وعِيْنَةً حَسَنَةً، الأَخيرة عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وَهُوَ أَعْيَنُ وإِنه لبَيِّنُ العِينةِ، عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وإِنه لأَعْيَنُ إِذا كَانَ ضَخْمَ الْعَيْنِ واسعَها، والأُنثى عَيْناء، وَالْجَمْعُ مِنْهَا عِينٌ، وأَصله فُعْل بِالضَّمِّ، وَمِنْهُ قِيلَ لِبَقَرِ الْوَحْشِ عِينٌ، صِفَةٌ غَالِبَةٌ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَحُورٌ عِينٌ
. وَرَجُلٌ أَعْيَنُ: وَاسِعُ العَين بَيِّنُ العَيَنِ، والعِينُ: جَمْعُ عَيْناء، وَهِيَ الْوَاسِعَةُ الْعَيْنِ. وَفِي الْحَدِيثِ
إِن فِي الْجَنَّةِ لمُجْتَمَعاً لِلْحُورِ الْعِينِ.
وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن رَسُولَ اللَّه، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمر بِقَتْلِ الْكِلَابِ العِينِ
، هِيَ جَمْعُ أَعْيَنَ. وَحَدِيثُ اللِّعَانِ:
إِن جَاءَتْ بِهِ أَعْيَنَ أَدْعَج.
والثورُ أَعْيَنُ وَالْبَقَرَةُ عَيْناء. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا يُقَالُ ثَوْرٌ أَعْيَنُ وَلَكِنْ يُقَالُ الأَعْيَنُ، غَيْرُ مَوْصُوفٍ بِهِ، كأَنه نُقِلَ إِلى حَدِّ الِاسْمِيَّةِ. وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يُقَالُ عَيِنَ الرجلُ يَعْيَنُ عَيَناً وعِينةً، وَهُوَ أَعْيَنُ. وعُيُون الْبَقَرِ: ضَرْبٌ مِنَ الْعِنَبِ بِالشَّامِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَخُصَّ بِالشَّامِ وَلَا بِغَيْرِهِ، عَلَى التَّشْبِيهِ بعُيون الْبَقَرِ مِنَ الْحَيَوَانِ، وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: هُوَ عِنَبٌ أَسود لَيْسَ بالحالِكِ، عِظامُ الحَبِّ مُدَحْرَجٌ يُزَبَّبُ، وَلَيْسَ بِصَادِقِ الْحَلَاوَةِ. وَثَوْبٌ مُعَيَّنٌ: فِي وَشْيِه ترابيعُ صِغار تُشَبَّه بعُيون الْوَحْشِ. وثوْرٌ مُعَيَّنٌ: بَيْنَ عَيْنَيْهِ سَوَادٌ، أَنشد سِيبَوَيْهِ:
فكأَنَّه لَهِقُ السَّراةِ، كأَنه ... مَا حاجِبَيْهِ مُعَيَّنٌ بسَوَادِ «2»
والعِينةُ لِلشَّاةِ: كالمَحْجِرِ للإِنسانِ، وَهُوَ مَا حَوْلَ الْعَيْنِ. وَشَاةٌ عَيْناء إِذا اسوَدَّ عِينَتُها وابيضَّ سَائِرُهَا، وَقِيلَ: أَو كَانَ بِعَكْسِ ذَلِكَ. وعَيْنُ الرجل:
__________
(2) . قوله" ما حاجبيه إلخ" هكذا في الأصل والتهذيب.(13/302)
مَنْظَرُه. والعَيْنُ: الَّذِي يَنْظُرُ لِلْقَوْمِ، يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَنه إِنَّمَا يَنْظُرُ بِعَيْنِهِ، وكأَنَّ نقْلَهُ مِنَ الْجُزْءِ إِلى الْكُلِّ وهو الَّذِي حَمَلَهُمْ عَلَى تَذْكِيرِهِ، وإِلا فإِن حُكْمَهُ التأْنيثُ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقِيَاسُ هَذَا عِنْدِي أَن مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْجُزْءِ فَحُكْمُهُ أَن يُؤَنِّثَهُ، وَمَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْكُلِّ فَحُكْمُهُ أَن يُذَكِّرَهُ، وَكِلَاهُمَا قَدْ حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ، وَقَوْلُ أَبي ذُؤَيْبٍ:
وَلَوْ أَنَّني استَوْدَعْتُه الشمسَ لارْتقَتْ ... إِليه المَنايا عَيْنُها ورَسُولُها
أَراد نَفْسَهَا. وَكَانَ يَجِبُ أَن يَقُولَ أَعينها وَرُسُلَهَا لأَن الْمَنَايَا جَمْعٌ، فَوَضَعَ الْوَاحِدَ مَوْضِعَ الْجَمْعِ، وَبَيْتُ أَبي ذُؤَيْبٍ هَذَا اسْتَشْهَدَ بِهِ الأَزهري عَلَى قَوْلِهِ العَيْنُ الرَّقيب، وَقَالَ بَعْدَ إِيراد الْبَيْتِ: يُرِيدُ رَقِيبَهَا، وأَنشد أَيضاً لِجَمِيلٍ:
رَمى اللَّهُ فِي عَيْنَيْ بُثَيْنةَ بالقَذَى، ... وَفِي الغُرّ مِنْ أَنْيابها بالقَوادح
وَقَالَ: مَعْنَاهُ فِي رَقيبيها اللَّذَيْنِ يَرْقُبانها وَيَحُولَانِ بَيْنِي وَبَيْنَهَا، وَهَذَا مَكَانٌ يَحْتَاجُ إِلى محاقَقة «1» الأَزهري عَلَيْهِ، وإِلا فَمَا الْجَمْعُ بَيْنَ الدُّعَاءِ عَلَى رَقِيبَيْهَا وَعَلَى أَنيابها، وَفِيمَا ذَكَرَهُ تَكَلُّفٌ ظَاهِرٌ. وفلانٌ عَيْنُ الْجَيْشِ: يُرِيدُونَ رَئِيسَهُ. والاعْتِيانُ: الارْتِيادُ. وَبَعَثْنَا عَيْناً أَي طَلِيعَةً يَعْتانُنا ويَعْتانُ لَنَا أَي يأْتينا بِالْخَبَرِ. والمُعْتانُ: الَّذِي يَبْعَثُهُ الْقَوْمُ رَائِدًا. حَكَى اللِّحْيَانِيُّ: ذَهَبَ فُلَانٌ فاعْتانَ لَنَا منْزِلًا مُكْلِئاً فعَدَّاه أَي ارْتادَ لَنَا مَنْزِلًا ذَا كَلَإٍ. وعانَ لَهُمْ: كاعْتانَ، عَنِ الهَجريّ، وأَنشد لِنَاهِضِ بن ثُومة الْكِلَابِيِّ:
يُقاتِلُ مَرَّةً ويَعِينُ أُخْرَى، ... ففَرَّتْ بالصَّغارِ وبالهَوَانِ
واعْتانَ لَنَا فلانٌ أَي صَارَ عَيْناً أَي رَبيئةً، وَرُبَّمَا قَالُوا عانَ عَلَيْنَا فلانٌ يَعِينُ عِيانةً أَي صَارَ لَهُمْ عَيناً. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه بَعَثَ بسْبَسَةَ عَيْناً يومَ بَدْرٍ
أَي جَاسُوسًا. واعْتانَ لَهُ إِذا أَتاه بالخير. وَمِنْهُ حَدِيثِ الحُدَيْبية:
كانَ اللَّهُ قَدْ قطَعَ عَيْناً مِنَ الْمُشْرِكِينَ
أَي كَفَى اللَّه مِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَرْصُدُنا ويتَجَسَّسُ عَلَيْنَا أَخبارَنا. وَيُقَالُ: اذْهَبْ واعْتَنْ لِي مَنْزِلًا أَي ارْتَدْهُ. والعَيْنُ: الدَّيْدَبانُ والجاسوسُ. وأَعْيانُ الْقَوْمِ: أَشرافهم وأَفاضلهم، عَلَى المَثَل بشَرَفِ العَيْنِ الْحَاسَّةِ. وابْنا عِيانٍ: طَائِرَانِ يَزْجُرُ بِهِمَا العربُ كأَنهم يَرَوْنَ مَا يُتَوَقَّع أَو يُنْتَظَرُ بِهِمَا عِياناً، وَقِيلَ: ابْنا عِيانٍ خَطَّانِ يُخَطَّانِ فِي الأَرض يُزْجَرُ بِهِمَا الطَّيْرُ، وَقِيلَ: هُمَا خَطَّانِ يَخُطُّونهما للعِيافة ثُمَّ يَقُولُ الَّذِي يَخُطُّهما: ابْنَيْ عِيانْ، «2» أَسْرِعا البَيان، وَقَالَ الرَّاعِي:
وأَصْفَرَ عَطَّافٍ، إِذا راحَ رَبُّه ... جَرَى ابْنا عِيانٍ بالشِّواء المُضَهَّبِ
وإِنما سُمِّيَا ابْنَيْ عِيَانٍ لأَنهم يُعايِنُونَ الفَوْزَ والطعامَ بِهِمَا، وَقِيلَ: ابْنَا عِيانٍ قِدْحانِ مَعْرُوفَانِ، وَقِيلَ: هُمَا طَائِرَانِ يُزْجَرُ بِهِمَا يَكُونَانِ فِي خَطِّ الأَرض، وإِذا عَلِمَ أَن الْقَامِرَ يَفُوزُ قِدْحُه قِيلَ: جرَى ابْنا عِيانٍ. والعَيْنُ: عَيْنُ الْمَاءِ. والعَيْنُ: التي يخرج منه الْمَاءُ. والعَيْنُ: يَنْبُوع الْمَاءِ الَّذِي يَنْبُع مِنَ الأَرض وَيَجْرِي، أُنْثى، وَالْجَمْعُ أَعْيُنٌ وعُيُونٌ. وَيُقَالُ: غارَتْ عَيْنُ الْمَاءِ. وعَينُ الرَّكِيَّة: مَفْجَرُ مَائِهَا ومَنْبَعُها. وَفِي الْحَدِيثِ:
خيرُ المالِ عَيْنٌ سَاهِرَةٌ لعَيْنٍ نائمةٍ
، أَراد عَينَ
__________
(1) . قوله: محاققة، هكذا في الأَصل، والأَفصح مُحاقَّة.
(2) . قوله [ابني عيان إِلخ] كذا بالأصل، والذي في القاموس والمحكم: ابنا، بالألف.(13/303)
الْمَاءِ الَّتِي تَجْرِي وَلَا تَنْقَطِعُ لَيْلًا وَنَهَارًا، وعَينُ صَاحِبِهَا نَائِمَةٌ فَجَعَلَ السَّهَرَ مَثَلًا لِجَرْيِهَا، وَقَوْلُهُ أَنشده ثَعْلَبٌ:
أُولئك عَيْنُ الماءِ فِيهِمْ، وعِنْدَهمْ، ... مِنَ الخِيفَةِ، المَنْجاةُ والمُتحَوَّلُ
فَسَّرَهُ فَقَالَ: عينُ الْمَاءِ الْحَيَاةُ لِلنَّاسِ. وحفَرْتُ حَتَّى عِنْتُ وأَعْيَنْتُ: بلغْتُ العُيونَ، وَكَذَلِكَ أَعانَ وأَعْيَنَ: حَفَرَ فَبَلَغَ العُيونَ. وَقَالَ الأَزهري حفَرَ الحافرُ فأَعْيَنَ وأَعانَ أَي بَلَغَ العُيون. وعَيْنُ القَناةِ: مَصَبُّ مَائِهَا. وماءٌ مَعْيُونٌ: ظَاهِرٌ، تَرَاهُ العَينُ جَارِيًا عَلَى وَجْهِ الأَرض، وَقَوْلُ بَدْرِ بْنِ عَامِرٍ الْهُذَلِيُّ:
ماءٌ يَجِمُّ لحافِرٍ مَعْيُون
قَالَ بَعْضُهُمْ: جَرَّه عَلَى الجِوارِ، وإِنما حُكْمُهُ مَعْيُونٌ بِالرَّفْعِ لأَنه نَعْتُ لِمَاءٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ مَفْعُولٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ. وَمَاءٌ مَعِينٌ: كَمعْيُونٍ، وَقَدِ اختُلِفَ فِي وَزْنِهِ فَقِيلَ: هُوَ مَفْعُول وإِن لَمْ يَكُنْ لَهُ فِعْلٌ، وَقِيلَ: هُوَ فَعِيلٌ مِنَ المَعْنِ، وَهُوَ الِاسْتِقَاءُ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الصَّحِيحِ. أَبو سَعِيدٍ: عَيْنٌ مَعْيُونة لَهَا مَادَّةٌ مِنَ الْمَاءِ، وَقَالَ الطِّرمَّاحُ:
ثُمَّ آلَتْ، وَهْيَ مَعْيُونَةٌ، ... مِنْ بَطِيءِ الضَّهْلِ نُكْزِ المَهامي
أَراد أَنها طَمَتْ ثُمَّ آلَتْ أَي رَجَعَتْ. وعانَتِ البئرُ عَيْناً: كَثُرَ مَاؤُهَا. وعانَ الماءُ والدَّمْعُ يَعينُ عَيْناً وعَيَناناً، بِالتَّحْرِيكِ: جَرى وَسَالَ. وسِقاء عَيَّنٌ وعَيِّنٌ، وَالْكَسْرُ أَكثر، كِلَاهُمَا إِذا سَالَ مَاؤُهُ، عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وَقِيلَ: العَيِّنُ والعَيَّنُ الْجَدِيدُ، طَائِيَّةٌ، قَالَ الطِّرِمَّاحُ:
قَدِ اخْضَلَّ مِنْهَا كلُّ بالٍ وعَيِّنِ، ... وجَفَّ الرَّوايا بالمَلا المُتَباطِنِ
وَكَذَلِكَ قِرْبَةٌ عَيَّنٌ: جَدِيدَةٌ، طَائِيَّةٌ أَيضاً، قَالَ:
مَا بالُ عَيْنِيَ كالشَّعِيبِ العَيَّنِ
وَحَمَلَ سِيبَوَيْهِ عَيَّناً عَلَى أَنه فَيْعَل مِمَّا عَيْنُهُ يَاءٌ، وَقَدْ كَانَ يُمْكِنُ أَن يَكُونَ فَوْعَلًا وفَعْوَلًا مِنْ لَفْظِ الْعَيْنِ وَمَعْنَاهَا، وَلَوْ حَكَمَ بأَحد هَذَيْنِ الْمِثَالَيْنِ لَحَمَلَ عَلَى مأْلوف غَيْرَ مُنْكَرٍ، أَلا تَرَى أَن فَعْوَلًا وفَوْعَلًا لَا مَانِعَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَن يَكُونَ فِي الْمُعْتَلِّ كَمَا يَكُونُ فِي الصَّحِيحِ؟ وأَما فَيْعَلُ، بِفَتْحِ الْعَيْنِ، مِمَّا عَيْنُهُ يَاءٌ فَعَزِيزٌ، ثُمَّ لَمْ تَمْنَعْهُ عِزَّةُ ذَلِكَ أَن حَكَمَ بِذَلِكَ عَلَى عَيَّنٍ، وعَدَلَ عَنْ أَن يَحْمِلَهُ عَلَى أَحد الْمِثَالَيْنِ اللَّذَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا مَانِعَ لَهُ مِنْ كَوْنِهِ فِي الْمُعْتَلِّ الْعَيْنِ كونُه فِي الصَّحِيحِهَا، فَلَا نَظِيرَ لعَيَّنٍ، وَالْجَمْعُ عَيائن، هَمَزُوا لِقُرْبِهَا مِنَ الطَّرَف. الأَصمعي: عَيَّنْتُ الْقِرْبَةَ إِذا صَبَبْتَ فِيهَا مَاءً لِيَخْرُجَ مِنْ مَخارزها فَتَنْسَدَّ آثَارُ الخَرْزِ وَهِيَ جَدِيدَةٌ، وسَرَّبْتُها كَذَلِكَ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: التَّعَيُّنُ أَن يكونَ فِي الْجِلْدِ دَوَائِرُ رَقِيقَةٌ، قَالَ القَطاميّ:
ولكنَّ الأَدِيمَ إِذا تَفَرَّى ... بِلًى وتَعَيُّناً، غَلَبَ الصَّناعا
الْجَوْهَرِيُّ: عَيَّنْتُ القِرْبةَ صَبَبْتُ فيها ماءً لتنفتح عُيُونُ الخُرَز فَتَنْسَدَّ، قَالَ جَرِيرٌ:
بَلَى فارْفَضَّ دَمْعُك غيرَ نَزْرٍ، ... كَمَا عَيَّنْتَ بالسَّرَب الطِّبابا
ابْنُ الأَعرابي: تَعَيَّنتْ أَخْفافُ الإِبل إِذا نَقِبَت مِثْلَ تَعَيُّنِ القِرْبة. وتَعَيَّنْتُ الشخصَ تَعَيُّناً إِذا رأَيته. وعَيْنُ القِبلة: حَقِيقَتُهَا. والعَيْنُ مِنَ السَّحَابِ: مَا أَقبل مِنْ نَاحِيَةِ القِبلة وَعَنْ يَمِينِهَا، يَعْنِي قِبْلَةَ الْعِرَاقِ. يُقَالُ: هَذَا مَطَرُ العَيْنِ، وَلَا يُقَالُ مُطِرْنا بالعَيْنِ. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: إِذا كَانَ الْمَطَرُ مِنْ نَاحِيَةِ الْقِبْلَةِ فَهُوَ مَطَرُ العَيْنِ، والعَيْنُ: اسْمٌ لِمَا عَنْ يَمِينِ قِبْلَةِ أَهل الْعِرَاقِ،(13/304)
وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَقُولُ: إِذا نَشَأَتِ السَّحَابَةُ مِنْ قِبَلِ العَين فإِنها لَا تكادُ تُخْلِفُ أَي مِنْ قِبَلِ قِبْلَةِ أَهل الْعِرَاقِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِذا نَشَأَتْ بَحْرِيَّةً ثُمَّ تَشاءمت فتِلْك عَيْنٌ غُدَيْقةٌ
، هُوَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: وَذَلِكَ أَخْلَقُ لِلْمَطَرِ فِي الْعَادَةِ، وَقَالَ: تَقُولُ الْعَرَبُ مُطِرْنا بالعَيْنِ، وَقِيلَ: العَيْنُ مِنَ السَّحَابِ مَا أَقبل عَنِ القِبْلة، وَذَلِكَ الصُّقْعُ يُسَمَّى العَيْنَ، وَقَوْلُهُ: تَشَاءَمَتْ أَي أَخذت نَحْوَ الشأْم، وَالضَّمِيرُ فِي تَشَاءَمَتْ لِلسَّحَابَةِ فَتَكُونُ بَحْرِيَّةٌ مَنْصُوبَةً، أَو لِلْبَحْرِيَّةِ فَتَكُونُ مَرْفُوعَةً «3» . والعَيْنُ: مَطَرُ أَيام لَا يُقْلِعُ، وَقِيلَ: هُوَ الْمَطَرُ يَدُوم خَمْسَةَ أَيام أَو سِتَّةً أَو أَكثر لَا يُقْلِعُ، قَالَ الرَّاعِي:
وأَنْآءُ حَيٍّ تحتَ عَيْنٍ مَطِيرَةٍ ... عِظامِ البُيوتِ يَنزلُون الرَّوابيا
يَعْنِي حَيْثُ لَا تَخْفى بيوتُهم، «4» يُرِيدُونَ أَن تأْتيهم الأَضياف. والعَيْن: النَّاحِيَةُ. والعَيْنُ: عَيْنُ الرُّكْبة. وعَيْنُ الرُّكْبَةِ: نُقْرة فِي مُقَدَّمها، وَلِكُلِّ رُكْبَةٍ عَيْنَانِ، وَهُمَا نُقْرَتَانِ فِي مُقَدَّمها عِنْدَ السَّاقِ. والعَيْنُ: عَيْنُ الشَّمْسِ، وعَيْنُ الشَّمْسِ: شُعاعها الَّذِي لَا تَثْبُتُ عَلَيْهِ العَيْن، وَقِيلَ: العَينُ الشَّمْسُ نَفْسُهَا. يُقَالُ: طَلَعَتِ العَيْنُ وَغَابَتِ العَيْن، حَكَاهُ اللِّحْيَانِيُّ. والعَينُ: المالُ العَتيدُ الْحَاضِرُ الناضُّ. وَمِنْ كَلَامِهِمْ: عَيْنٌ غَيْرُ دَيْنٍ. والعَيْن: النَّقْدُ، يُقَالُ: اشْتَرَيْتُ الْعَبْدَ بِالدَّيْنِ أَو بالعَيْنِ، والعَيْنُ الدِّينَارُ كَقَوْلِ أَبي المِقْدام:
حَبَشيٌّ لَهُ ثَمانون عَيْنًا، ... بَيْنَ عَيْنَيْهِ قَدْ يَسُوق إِفالا
أَراد عَبْدًا حَبَشِيًّا لَهُ ثَمَانُونَ دِينَارًا، بَيْنَ عَيْنَيْهِ: بَيْنَ عَيْنَيْ رأْسه. والعَيْنُ: الذَّهَبُ عامَّةً. قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَقَالُوا عَلَيْهِ مائةٌ عَيْناً، وَالرَّفْعُ الْوَجْهُ لأَنه يَكُونُ مِنَ اسْمِ مَا قَبْلَهُ، وَهُوَ هُوَ. الأَزهري: والعَيْنُ الدِّينَارُ. والعَيْنُ فِي الْمِيزَانِ: المَيْلُ، قِيلَ: هُوَ أَن تَرْجَحَ إِحدى كفَّتيه عَلَى الأُخْرى، وَهِيَ أُنثى. يُقَالُ: مَا فِي الْمِيزَانِ عَيْنٌ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: فِي هَذَا الْمِيزَانِ عَيْنٌ أَي فِي لِسَانِهِ مَيْلٌ قَلِيلٌ أَو لَمْ يَكُنْ مُسْتَوِيًا. وَيَقُولُونَ: هَذَا دينارٌ عَيْنٌ إِذا كَانَ مَيَّالًا أَرْجَحَ بِمِقْدَارِ مَا يَمِيلُ بِهِ لِسَانُ الْمِيزَانِ. قَالَ الأَزهري: وعَيْنُ سبعةِ دنانيرَ نصفُ دانِقٍ. والعَيْنُ عِنْدَ الْعَرَبِ: حَقِيقَةُ الشَّيْءِ. يُقَالُ: جَاءَ بالأَمر مِنْ عَيْنٍ صافِيةٍ أَي مِنْ فَصِّه وَحَقِيقَتِهِ. وَجَاءَ بِالْحَقِّ بعَيْنه أَي خَالِصًا وَاضِحًا. وعَيْنُ كُلِّ شَيْءٍ: خِيَارُهُ. وعَيْنُ الْمَتَاعِ وَالْمَالِ وعِينَتُه: خِيارُه، وَقَدِ اعْتانَهُ. وخَرجَ فِي عِينَةِ ثيابهِ أَي فِي خِيَارِهَا. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وعِينَةُ المالِ خيارُه مِثْلُ العِيمَةِ. وَهَذَا ثوبُ عِينَةٍ إِذا كَانَ حَسَناً فِي مَرْآةِ العَيْن. واعْتانَ فلانٌ الشيءَ إِذا أَخذ عِينَتَه وخِيارَه. والعِينَةُ: خِيَارُ الشَّيْءِ، جَمْعُهَا عِيَنٌ، قَالَ الرَّاجِزُ:
فاعْتانَ مِنْهَا عِينَةً فاخْتارَها، ... حَتَّى اشْتَرى بعَيْنِه خِيارَها
واعْتانَ الرجلُ إِذا اشْتَرَى الشَّيْءَ بنَسِيئة. وعِينةُ الْخَيْلِ: جيادُها، عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. وعَيْنُ الشَّيْءِ: نَفْسُهُ وَشَخْصُهُ وأَصله، وَالْجَمْعُ أَعْيانٌ. وعَيْنُ كُلِّ شَيْءٍ: نَفْسُهُ وَحَاضِرُهُ وَشَاهِدُهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَوَّهْ عَيْنُ الرِّبا
أَي ذَاتُهُ وَنَفْسُهُ. وَيُقَالُ: هُوَ هُوَ عَيناً، وَهُوَ هُوَ بِعَيْنِه، وَهَذِهِ أَعْيانُ دراهمِك ودراهِمُك بأَعْيانِها، عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وَلَا يُقَالُ فِيهَا أَعْيُنٌ ولا
__________
(3) . 1 قوله: أَوْ لِلْبَحْرِيَّةِ فَتَكُونُ مَرْفُوعَةً، هكذا أيضاً في النهاية.
(4) . 2 قوله" حَيْثُ لَا تَخْفَى بُيُوتُهُمْ" الذي في المحكم: حيث لا تخفى نيرانهم.(13/305)
عَيُون. وَيُقَالُ: لَا أَقبل إِلا دِرْهَمِي بعَيْنِه، وَهَؤُلَاءِ إِخوتك بأَعيانهم، وَلَا يُقَالُ فِيهِ بأَعينهم وَلَا عُيونهم. وعَيْنُ الرَّجُلِ: شاهِدُه، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: الفَرَسُ الجوَاد عَيْنُه فِرارُه [فُرارُه] ، وفِرارُه [فُرارُه] إِذا رأَيته تفَرَّسْتَ فِيهِ الجَوْدَة مِنْ غَيْرِ أَن تَفِرَّه عَنْ عَدْوٍ أَو غَيْرِ ذَلِكَ. وَفِي الْمَثَلِ: إِن الجوادَ عَيْنُه فِرارُه [فُرارُه] . وَيُقَالُ: إِن فُلَانًا لكريمٌ عَيْنُ الْكَرَمِ. وَلَا أَطلُبُ أَثراً بَعْدَ عَيْنٍ أَي بَعْدَ مُعاينة، مَعْنَاهُ أَي لَا أَترك الشَّيْءَ وأَنا أُعاينه وأَطلب أَثره بَعْدَ أَن يَغِيبَ عَنِّي، وأَصله أَن رَجُلًا رأَى قاتلَ أَخيه، فَلَمَّا أَراد قَتْلَهُ قَالَ أَفْتَدي بِمِائَةِ نَاقَةٍ، فَقَالَ: لَسْتُ أَطلب أَثراً بعدَ عَيْنٍ، وَقَتَلَهُ. وَمَا بِهَا عَيْنٌ وعَيَنٌ، بِنَصْبِ الْيَاءِ، وَالْعَيْنُ وعائنٌ وعائِنةٌ أَي أَحد، وَقِيلَ: العَيَنُ أَهل الدَّارِ، قَالَ أَبو النَّجْمِ:
تَشْرَبُ مَا فِي وَطْبِها قَبْلَ العَيَنْ، ... تُعارِضُ الكلبَ إِذا الكلبُ رَشَنْ
والأَعيانُ: الإِخوة يَكُونُونَ لأَب وأُم وَلَهُمْ إِخْوَة لعَلَّاتٍ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّه وَجْهَهُ: أَن أَعيان بَنِي الأُم يَتَوَارَثُونَ دُونَ بَنِي العَلَّاتِ
، قَالَ: الأَعيانُ وَلَدُ الرَّجُلِ مِنَ امرأَة وَاحِدَةٍ، مأْخوذ مِنْ عَيْنِ الشَّيْءِ وَهُوَ النَّفِيسُ مِنْهُ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَهَذِهِ الأُخوَّة تُسَمَّى المُعايَنة. والأَقْرانُ: بَنُو أُمٍّ مِنْ رجالٍ شَتَّى، وَبَنُو العَلَّاتِ: بَنُو رَجُل مِنْ أُمهات شَتَّى، وَفِي النِّهَايَةِ: فإِذا كَانُوا لأُم وَاحِدَةٍ وآباءٍ شَتى فَهُمُ الأَخْياف، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ: أَن الإِخوة مِنَ الأَب والأُم يَتَوَارَثُونَ دُونَ الإِخوة للأَب. وعَيْنُ الْقَوْسِ: الَّتِي يَقَعُ فِيهَا البُنْدُقُ. وعَيَّنَ عَلَيْهِ: أَخبر السلطانَ بمسَاويه، شَاهِدًا كَانَ أَو غَائِبًا. وعَيَّنَ فُلَانًا: أَخبره بِمَسَاوِيهِ فِي وَجْهِهِ، عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. والعَيْنُ والعِينةُ: الرِّبا. وعَيَّنَ التاجرُ: أَخذ بالعِينةِ أَو أَعطى بِهَا. والعِينةُ: السَّلَفُ، تعَيَّنَ عِينةً وعَيَّنه إِياها. والعَيَنُ: الْجَمَاعَةُ، قَالَ جندلُ بْنُ المُثنَّى:
إِذا رَآنِي وَاحِدًا أَو فِي عَيَنْ ... يَعْرِفُني، أَطرَق إِطراقَ الطُّحَنْ
الأَزهري: يُقَالُ عَيَّنَ التاجرُ يُعَيَّنُ تَعْييناً وعِينةً قَبيحة، وَهِيَ الِاسْمُ، وَذَلِكَ إِذا بَاعَ مِنْ رَجُلٍ سِلعةً بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ إِلى أَجل مَعْلُومٍ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُ بأَقل مِنَ الثَّمَنِ الَّذِي بَاعَهَا بِهِ، وَقَدْ كَرِهَ العِينةَ أَكثر الْفُقَهَاءِ ورُويَ فِيهَا النهيُ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنه كَرِهَ العِينةَ
، قَالَ: فإِن اشْتَرَى التَّاجِرُ بحَضْرَةِ طالبِ العِينةِ سِلْعة مِنْ آخَرَ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَقَبَضَهَا، ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ طَالِبِ العِينة بِثَمَنٍ أَكثر مِمَّا اشْتَرَاهُ إِلى أَجل مُسَمَّى، ثُمَّ بَاعَهَا الْمُشْتَرِي مِنَ الْبَائِعِ الأَول بالنَّقد بأَقل مِنَ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ، فَهَذِهِ أَيضاً عِينةٌ، وَهِيَ أَهون مِنَ الأُولى، وأَكثر الْفُقَهَاءِ عَلَى إِجازتها عَلَى كَرَاهَةٍ مِنْ بَعْضِهِمْ لَهَا، وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِيهَا أَنها إِذا تعَرَّت مِنْ شَرْطٍ يُفْسِدُهَا فَهِيَ جَائِزَةٌ، وإِن اشْتَرَاهَا المُتَعيِّنُ بِشَرْطِ أَن يَبِيعَهَا مِنْ بَائِعِهَا الأَول فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ، وَسُمِّيَتْ عِينةً لِحُصُولِ النَّقْدِ لِطَالِبِ العِينةِ، وَذَلِكَ أَن العِينةَ اشْتِقاقُها مِنَ العَيْنِ، وَهُوَ النَّقدُ الْحَاضِرُ ويحْصُلُ لَهُ مِنْ فَوْرِه، وَالْمُشْتَرِي إِنما يَشْتَرِيهَا لِيَبِيعَهَا بعَيْنٍ حَاضِرَةٍ تَصِلُ إِليه مُعَجَّلة، وَقَالَ الراجز:
وعَيْنُه كالْكَالِىء الضِّمَارِ
يُرِيدُ بعَيْنه حاضِرَ عَطِيَّتِه، يَقُولُ: فَهُوَ كَالضِّمَارِ، وَهُوَ الْغَائِبُ الَّذِي لَا يُرْجَى. وصَنَع ذَلِكَ عَلَى عَيْنٍ وَعَلَى عَيْنينِ وَعَلَى عَمْدِ عَينٍ(13/306)
وَعَلَى عَمْدِ عَيْنين كُلُّ ذَلِكَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ أَي عَمْداً، عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. وَلَقِيتُهُ قبلَ كلِّ عائِنةٍ وعَيْنٍ أَي قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ. وَلَقِيتُهُ أَولَ ذِي عَيْنٍ وعائنةٍ وأَوَّلَ عينٍ وأَوَّلَ عائنةٍ وأَدْنى عائِنةٍ أَي قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ أَو أَول كُلِّ شَيْءٍ. وَلَقِيتُهُ مُعاينةً وَلَقِيتُهُ عَينَ عُنَّةَ ومُعاينةٍ، كُلُّ ذَلِكَ بِمَعْنًى أَي مُوَاجَهَةً، وَقِيلَ: لَقِيتُهُ عَينَ عُنَّةٍ [عُنَّةَ] إِذا رأَيته عِياناً وَلَمْ يَرَك. وأَعطاه ذَلِكَ عَينَ عُنَّةٍ [عُنَّةَ] أَي خَاصَّةً مِنْ بَيْنِ أَصحابه. وَفَعَلْتُ ذَلِكَ عَمْدَ عَيْنٍ إِذا تعمَّدْته بِجِدٍّ ويقِين، قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
أَبْلِغا عَنِّي الشُّوَيْعِرَ أَني، ... عَمْدَ عَينٍ، قَلَّدْتُهُنَّ حَريما
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الشُّوَيْعِرُ يَعْنِي بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ حُمْرانَ، وَكَذَلِكَ فَعَلْتُهُ عَمْدًا عَلَى عَيْنٍ، قَالَ خُفَافُ بْنُ نُدْبة السُّلميّ:
فإِن تَكُ خَيْلي قَدْ أُصِيبَ صميمُها، ... فَعَمْدًا، عَلَى عَيْنٍ، تيَمَّمْتُ مَالِكَا
والعَينُ: طَائِرٌ أَصفر الْبَطْنِ أَخضر الظَّهْرِ بعِظَم القُمْرِيِّ. والعِيانُ: حَلْقةُ السِّنَّة، وَجَمْعُهَا عُيُنٌ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والعِيانُ حَلْقة عَلَى طَرَف اللُّومَة والسِّلْبِ والدُّجْرَينِ، وَالْجَمْعُ أَعْيِنةٌ وعُيُنٌ، سِيبَوَيْهِ: ثَقَّلُوا لأَن الْيَاءُ أَخف عَلَيْهِمْ مِنَ الْوَاوِ، يَعْنِي أَنه لَا يُحْمَلُ بَابُ عُيُنٍ عَلَى بَابِ خُونٍ بالإِجماع لِخِفَّةِ الْيَاءِ وَثِقَلِ الْوَاوِ، وَمَنْ قَالَ أُزْرٌ فَخَفَّفَ، وَهِيَ التَّمِيمِيَّةُ، لَزِمَهُ أَن يَقُولَ عِينٌ فَيَكْسِرَ فَتَصِحَّ الْيَاءُ، وَلَمْ يَقُولُوا عُيْنٌ كَرَاهِيَةَ الْيَاءِ السَّاكِنَةِ بَعْدَ الضَّمَّةِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: والعِيَانُ حَدِيدَةٌ تكون في مَتاعِ الفَدَّانِ، وَالْجَمْعُ عِينٌ، وَهُوَ فُعْلٌ، فَنَقَلُوا لأَن الْيَاءَ أَخف مِنَ الْوَاوِ. قَالَ أَبو عَمْرٍو: اللُّومَةُ السِّنَّةُ الَّتِي تُحْرَثُ بِهَا الأَرض، فإِذا كَانَتْ عَلَى الفَدَّان فَهِيَ العِيانُ، وَجَمْعُهُ عُيُنٌ لَا غَيْرَ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: تكون في مَتاعِ الفَدَانِ بِالتَّخْفِيفِ، وَالْجَمْعُ عُيُنٌ، بِضَمَّتَيْنِ، وإِن أَسكنت قُلْتَ عُيْنٌ مِثْلُ رُسْلٍ، قَالَ: وَقَالَ أَبو الْحَسَنِ الصِّقَلِّي الفَدَانُ، بالتخفيف، الآلة التي يحرث بِهَا، والفَدَّانُ، بِالتَّشْدِيدِ، المَبْلَغُ الْمَعْرُوفُ. وَيُقَالُ: عَيَّنَ فلانٌ الحربَ بَيْنَنَا إِذَا أَدَرَّها. وعِينةُ الْحَرْبِ: مادَّتُها، قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
لَا تَحْلُبُ الحربُ مِني، بَعْدَ عِينتِها، ... إِلَّا عُلالَةَ سِيدٍ ماردٍ سَدِمِ
ورأَيته بِعَائِنَةِ العَدُوِّ أَيْ بِحَيْثُ تَرَاهُ عُيُونُ العَدُوِّ. وَمَا رأَيت ثَمَّ عَائِنَةً أَي إِنساناً. وَرَجُلٌ عَيِّنٌ: سَرِيعُ الْبُكَاءِ. والمَعانُ: المَنْزِل، يُقَالُ: الْكُوفَةُ مَعانٌ مِنَّا أَي مَنْزِلٌ ومَعْلَم، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ ذَكَرَ فِي الصَّحِيحِ لأَنه يَكُونُ فَعَالًا ومَفْعَلًا. وتعَيَّنَ السِّقاءُ: رَقَّ مِنَ القِدَم، وَقِيلَ: التَّعَيُّنُ فِي الْجِلْدِ أَن يَكُونَ فِيهِ دَوَائِرُ رَقِيقَةٌ مِثْلُ الأَعْيُن، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَوِيٍّ. وسِقاءٌ عَيَّنٌ ومُتَعَيِّنٌ إِذا رَقَّ فَلَمْ يُمْسك الماءَ. يُقَالُ: بِالْجِلْدِ عَيَنٌ، وَهُوَ عَيْبٌ فِيهِ، تَقُولُ مِنْهُ: تعَيَّنَ الْجِلْدُ، وأَنشد لِرُؤْبَةَ:
مَا بالُ عَيْنِيَ كالشَّعِيبِ العَيَّنِ، ... وبعضُ أَعراضِ الشُّجون الشُّجَّنِ
دارٌ، كرَقْمِ الكاتبِ المُرَقِّنِ
وشَعِيبٌ عَيِّنٌ وعَيَّنٌ: يَسِيلُ مِنْهَا الْمَاءُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي السِّقَاءِ. والمُعَيَّنُ مِنَ الْجَرَادِ: الَّذِي يُسْلخ فَتَرَاهُ أَبيض وأَحمر، وَذَكَرَ الأَزهري فِي تَرْجَمَةِ يَنَعَ قَالَ: قَالَ: أَبو الدُّقيش ضُرُوبُ الجَراد الحَرْشَفُ والمُعَيَّنُ(13/307)
والمُرَجَّلُ والخَيْفانُ، قَالَ: فالمُعَيَّنُ الَّذِي يَنسَلخُ فَيَكُونُ أَبيض وأَحمر، والخَيْفانُ نَحْوُهُ، والمُرَجَّلُ الَّذِي تُرَى آثارُ أَجنحته، قَالَ: وغَزَالُ شَعْبانَ وراعِيةُ الأُتْنِ والكُدَمُ مِنْ ضُرُوبِ الْجَرَادِ، وَيُقَالُ لَهُ كُدَمُ السَّمُرِ، وَهُوَ الحَجَلُ والسُّرْمانُ والشُّقَيْرُ واليَعْسوب، وَهُوَ حَجَلٌ أَحمر عَظِيمٌ. وأَتيت فُلَانًا وَمَا عَيَّنَ لِي بِشَيْءٍ وَمَا عَيَّنَني بِشَيْءٍ أَي مَا أَعطاني شَيْئًا، عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَمْ يدُلَّني عَلَى شَيْءٍ. وعَيْنٌ: مَوْضِعٌ، قَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤَيّة: فالسِّدْرُ مُخْتَلَجٌ وغُودِرَ طافِياً، مَا بَينَ عَيْنَ إِلى نَباتَى، الأَثْأَبُ وعَيْنُونة: مَوْضِعٌ. وَرَوَى بَعْضُهُمْ فِي الْحَدِيثِ: عِينَيْن، بِكَسْرِ الأَول، جَبَلٌ بأُحُد، وَرُوِيَ
عَينَين
، بِفَتْحِهِ، وَهُوَ الْجَبَلُ الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ إِبليس يَوْمَ أُحُد فَنَادَى أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ قُتِلَ. وَفِي حَدِيثِ
عُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ لَهُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ يُعَرِّض بِهِ إِني لَمْ أَفِرَّ يومَ عَيْنَينِ، قَالَ عُثْمَانُ: فلِمَ تُعَيِّرني بِذَنْبٍ قَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ؟
حَكَى الحديثَ الهَرَوِيُّ فِي الْغَرِيبَيْنِ. وَيُقَالُ لِيَوْمِ أُحُد: يَوْمُ عَيْنَين، وَهُوَ الْجَبَلُ الَّذِي أَقام عَلَيْهِ الرُّماة يَوْمَئِذٍ، قَالَ الأَزهري: وَبِالْبَحْرَيْنِ قَرْيَةٌ تُعْرَفُ بعَيْنَين، قَالَ: وَقَدْ دَخَلْتُهَا أَنا، وإِليها يُنْسَبُ خُلَيْدُ عَيْنَين، وَهُوَ رَجُلٌ يُهاجي جَرِيرًا، وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
ونحْنُ مَنَعْنا يومَ عَيْنينِ مِنْقَراً، ... ويومَ جَدُودٍ لَمْ نُواكِلْ عَنِ الأَصْلِ «1»
وعَيْنُ التَّمْرِ: مَوْضِعٌ. ورأْسُ عينٍ ورأْس العَينِ: مَوْضِعٌ بَيْنَ حَرَّانَ ونَصِيبين، وَقِيلَ: بَيْنَ رَبِيعَةَ ومُضَرَ، قَالَ المُخَبَّلُ:
وأَنكحْتَ هَزَّالًا خُليْدَة، بعد ما ... زَعمْتَ برأْسِ العَينِ أَنك قاتِلُهْ
ابْنُ السِّكِّيتِ: يُقَالُ قَدِمَ فلانٌ مِنْ رأْس عَيْنٍ، وَلَا يُقَالُ مِنْ رأْس العَيْنِ. وَحَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ عَنِ ابْنِ دَرَسْتَوَيْه: رأْس عَينٍ قَرْيَةٌ فَوْقَ نَصِيبين، وأَنشد:
نَصِيبينُ بِهَا إِخْوانُ صِدْقٍ، ... وَلَمْ أَنْسَ الَّذِينَ برأْسِ عَيْنِ
وَقَالَ ابْنُ حَمْزَةَ: لَا يُقَالُ فِيهَا إِلّا رأْس العَين، بالأَلف وَاللَّامِ، وأَنشد بَيْتَ المُخبَّل، وَقَدْ تَقَدَّمَ آنِفًا، وأَنشد أَيضاً لامرأَة قَتَلَ الزِّبْرقانُ زوجَها:
تَجَلَّلَ خِزْيَها عوفُ بْنُ كعبٍ، ... فَلَيْسَ لخُلْفِها مِنْهُ اعْتِذارُ
برأْس العَينِ قَاتِلُ مَنْ أَجَرْتم ... مِنَ الخابُورِ، مَرْتَعُه السِّرارُ
وعُيَيْنةُ: اسْمُ مَوْضِعٍ. وعَيْنان: اسْمُ مَوْضِعٍ بشِقِّ الْبَحْرَيْنِ كَثِيرُ النَّخْلِ، قَالَ الرَّاعِي:
يَحُثُّ بِهِنَّ الحادِيانِ، كأَنما ... يَحُثَّانِ جَبّاراً، بعَيْنَينِ، مُكْرَعا
والعَيْنُ: حَرْفُ هِجَاءٍ، وَهُوَ حَرْفٌ مَجْهُورٌ، يَكُونُ أَصلًا وَيَكُونُ بَدَلًا كَقَوْلِ ذِي الرُّمَّةِ:
أَعَنْ ترَسَّمْتَ مِنْ خَرْقاءَ مَنزِلَةً، ... ماءُ الصَّبابةِ مِنْ عَيْنَيْكَ مَسْجُومُ
يُرِيدُ: أَن، قَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: وَزْنُ عَيْنٍ فَعْل، وَلَا يَجُوزُ أَن يَكُونَ فَيْعِلًا كَمَيِّتٍ وهَيِّنٍ ولَيِّنٍ، ثُمَّ حُذِفَتْ عَيْنُ الْفِعْلِ مِنْهُ، لأَن ذَلِكَ هُنَا لَا يَحْسُن مِنْ قِبَلِ أَن هَذِهِ حُرُوفٌ جَوَامِدُ بَعِيدَةٌ عن الحذف
__________
(1) . 1 قوله" ونحن منعنا إلخ" الشعر للبعيث على ما في التكملة وياقوت لكن الشطر الثاني في ياقوت هكذا: ولم ننب في يومي جدود عن الأسل وذكر أنه وقع به وقعتان وقد ينسب إِلى الأولى منهما فيقال يوم جدود.(13/308)
وَالتَّصَرُّفِ، وَكَذَلِكَ الغَين. وعَيَّنَ عَيْناً حَسَنَةً: عَمِلَهَا، عَنْ ثَعْلَبٍ. وعائنةُ بَنِي فُلَانٍ: أَموالُهم ورُعْيانُهم. وَبَلَدٌ قَلِيلُ العَيْنِ أَي قَلِيلُ النَّاسِ. وأَسْوَدُ العَيْنِ: جَبَلٌ، قَالَ الْفَرَزْدَقُ:
إِذَا زالَ عَنْكُمْ أَسْوَدُ الْعَيْنِ كنتُمُ ... كِراماً، وأَنتم مَا أَقامَ أَلائمُ
وَفِي حَدِيثِ
الْحَجَّاجِ: قَالَ لِلْحَسَنِ وَاللَّهِ لَعَيْنُك أَكبر مِنْ أَمَدِك
، يَعْنِي شاهدُك ومَنْظَرُكَ أَكبر مِنْ سِنِّك وأَكثر فِي أَمد عُمْرِكَ. وعَينُ كُلِّ شَيْءٍ: شَاهِدُهُ وَحَاضِرُهُ. وَيُقَالُ: أَنت عَلَى عَيْني فِي الإِكرام وَالْحِفْظِ جَمِيعًا، قَالَ تَعَالَى: وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي
. وَرَوَى المُنْذِرِيُّ عَنْ أَحمد بْنِ يَحْيَى قَالَ: يُقَالُ أَصابته مِنَ اللَّهِ عَيْنٌ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: أَن رَجُلًا كَانَ يَنْظُرُ فِي الطَّوَافِ إِلَى حُرَم الْمُسْلِمِينَ فلَطَمَه عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، فاسْتَعْدى عَلَيْهِ عُمرَ فَقَالَ: ضرَبك بِحَقٍّ أَصابته عَينٌ مِنْ عُيون اللَّه عَزَّ وَجَلَّ
، أَراد خَاصَّةً مِنْ خَوَاصِّ اللَّه وَوَلِيًّا مِنْ أَوليائه، وأَنشدنا:
فَمَا الناسُ أَرْدَوْهُ، ولكنْ أَصابه ... يَدُ اللَّهِ، والمُسْتَنْصِرُ اللَّهَ غالِبُ
وأَما حَدِيثُ
عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّه عَنْهَا: اللَّهُمَّ عَيِّنْ عَلَى سارقِ أَبي بَكْرٍ
أَي أَظْهِرْ عَلَيْهِ سَرِقَته. يُقَالُ: عَيَّنْتُ عَلَى السَّارِقِ تَعْييناً إِذا خَصَصْته مِنْ بَيْنِ المُتَّهَمين مِنْ عَيْنِ الشَّيْءِ نفْسِه وَذَاتِهِ، وأَما حَدِيثِ
عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّه وَجْهَهُ: أَنه قَاسَ العَيْنَ بِبَيْضَةٍ جَعَلَ عَلَيْهَا خُطوطاً وأَراها إِياه
، وَذَلِكَ فِي الْعَيْنِ تُضْرَبُ بِشَيْءٍ يَضْعُفُ مِنْهُ بَصَرُها فَيُعْرَف مَا نَقَصَ مِنْهَا بِبَيْضَةٍ تُخَطُّ عَلَيْهَا خُطوط سُودٌ أَو غَيْرُهَا، وتُنْصَبُ عَلَى مَسَافَةٍ تُدْرِكُهَا الْعَيْنُ الصَّحِيحَةُ، ثُمَّ تُنْصَبُ عَلَى مَسَافَةٍ تُدْرِكُهَا العَيْنُ الْعَلِيلَةُ، وَيُعْرَفُ مَا بَيْنَ الْمَسَافَتَيْنِ فَيَكُونُ مَا يَلْزَمُ الْجَانِي بِنِسْبَةِ ذَلِكَ مِنَ الدِّيَةِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا تُقاس العَينُ فِي يَوْمِ غَيْمٍ لأَن الضَّوْءَ يَخْتَلِفُ يَوْمَ الْغَيْمِ فِي السَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ وَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ. وتَعَيَّنَ عَلَيْهِ الشَّيْءُ: لَزِمَهُ بعَيْنه. وشِرْبٌ مِنْ عائنٍ أَي مِنْ مَاءٍ سَائِلٍ. وتَعْيينُ الشَّيْءِ: تَخْصِيصُهُ مِنَ الجُمْلة. والمُعَيَّنُ: فحلُ ثَوْرٍ، قَالَ جَابِرُ بْنُ حُرَيْشٍ:
ومُعَيَّناً يَحْوِي الصِّوارَ، كأَنه ... مُتَخَمِّطٌ قَطِمٌ، إِذا مَا بَرْبَرا
وعَيَّنْتُ اللؤلؤةَ ثَقَبْتُها، واللَّه تعالى أَعلم.
فصل الغين المعجمة
غبن: الغَبْنُ، بِالتَّسْكِينِ، فِي الْبَيْعِ، والغَبَنُ، بِالتَّحْرِيكِ، فِي الرأْي. وغَبِنْتَ رأْيَك أَي نَسِيته وضَيَّعْته. غَبِنَ الشيءَ وغَبِنَ فِيهِ غَبْناً وغَبَناً: نَسِيَهُ وأَغفله وَجَهِلَهُ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
غَبِنْتُمْ تَتابُعَ آلائِنا، ... وحُسْنَ الجِوارِ، وقُرْبَ النَّسَب.
والغَبْنُ: النِّسيان. غَبِنْتُ كَذَا مِنْ حَقِّي عِنْدَ فُلَانٍ أَي نَسِيتُهُ وغَلِطْتُ فِيهِ. وغَبَنَ الرجلَ يَغْبِنُه غَبْناً: مَرَّ بِهِ وَهُوَ ماثلٌ فَلَمْ يَرَهُ وَلَمْ يَفْطُنْ لَهُ. والغَبْنُ: ضَعْفُ الرأْي، يُقَالُ فِي رأْيه غَبْنٌ. وغَبِنَ رَأْيَه، بِالْكَسْرِ، إِذَا نُقِصَه، فَهُوَ غَبِين أَي ضَعِيفُ الرأْي، وَفِيهِ غَبانَة. وغَبِنَ رأْيُه، بِالْكَسْرِ، غَبَناً وغَبَانة: ضَعُف. وَقَالُوا: غَبنَ رأْيَه، فَنَصَبُوهُ عَلَى مَعْنَى فَعَّلَ، وَإِنْ لَمْ يُلْفَظْ بِهِ، أَو عَلَى مَعْنَى غَبِنَ فِي رأْيه، أَو عَلَى التَّمْيِيزِ النَّادِرِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: قَوْلُهُمْ سَفِهَ نَفْسَه وغَبِنَ رَأْيَه وبَطِرَ عَيْشَه وأَلِمَ(13/309)
بَطْنَه ووَفِقَ أَمْرَه ورَشِدَ أَمْرَه كَانَ الأَصلُ سَفِهَتْ نَفسُ زَيْدٍ ورَشِدَ أَمْرُه، فَلَمَّا حُوِّلَ الْفِعْلُ إِلَى الرَّجُلِ انْتَصَبَ مَا بَعْدَهُ بِوُقُوعِ الْفِعْلِ عَلَيْهِ، لأَنه صَارَ فِي مَعْنَى سَفَّهَ نَفْسَه، بِالتَّشْدِيدِ؛ هَذَا قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ وَالْكِسَائِيِّ، وَيَجُوزُ عِنْدَهُمْ تَقْدِيمُ هَذَا الْمَنْصُوبِ كَمَا يَجُوزُ غلامَه ضَرَبَ زيدٌ؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: لَمَّا حوَّل الْفِعْلُ مِنَ النَّفْسِ إِلَى صَاحِبِهَا خَرَجَ مَا بَعْدَهُ مُفَسِّراً ليَدُلَّ عَلَى أَن السَّفَه فِيهِ، وَكَانَ حُكْمُهُ أَن يَكُونَ سَفِهَ زَيدٌ نَفْساً لأَن المُفَسِّر لَا يَكُونُ إِلَّا نَكِرَةً، وَلَكِنَّهُ تُرِكَ عَلَى إِضَافَتِهِ وَنُصِبَ كَنَصْبِ النَّكِرَةِ تَشْبِيهًا بِهَا، وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ تَقْدِيمُهُ لأَن المُفَسِّرَ لَا يَتَقَدَّم؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: ضِقْتُ بِهِ ذَرْعاً وطِبْتُ بِهِ نَفْساً، وَالْمَعْنَى ضَاقَ ذَرْعِي بِهِ وطابَتْ نَفْسِي بِهِ. وَرَجُلٌ غَبِينٌ ومَغْبُونٌ فِي الرأْي وَالْعَقْلِ والدِّين. والغَبْنُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ: الوَكْسُ، غَبَنَه يَغْبِنُه غَبْناً هَذَا الأَكثر أَي خدَعه، وَقَدْ غُبِنَ فَهُوَ مَغْبُونٌ، وَقَدْ حُكِيَ بِفَتْحِ الْبَاءِ «2» . وغَبِنْتُ فِي الْبَيْعِ غَبْناً إِذَا غَفَلْتَ عَنْهُ، بَيْعًا كَانَ أَو شِرَاء. وغَبَيْتُ الرجلَ أغْباه أَشَدَّ الغِباء، وَهُوَ مِثْلُ الغَبْنِ. ابْنُ بُزُرْج: غَبِنَ الرجلُ غَبَناناً شَدِيدًا وغُبِنَ أَشدّ الغَبَنانِ، وَلَا يَقُولُونَ فِي الرِّبْح إِلَّا رَبِحَ أَشدّ الرِّبح والرَّباحة والرَّباح؛ وَقَوْلُهُ:
قَدْ كانَ، فِي أَكل الكَرِيصِ المَوْضُون، ... وأَكْلكِ التَّمْرَ بخُبْزٍ مَسْمُون،
لِحَضَنٍ فِي ذَاكَ عَيْشٌ مَغْبُون
. قَوْلُهُ: مَغْبُونٌ أَي أَن غَيْرَهُمْ فِيهِ «3» ، وَهُمْ يَجِدُونَهُ كأَنه يَقُولُ هُمْ يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ إِلَّا أَنهم لَا يَعِيشونه، وَقِيلَ: غَبَنُوا الناسَ إِذا لَمْ يَنَلْه غيرُهم. وحَضَنٌ هُنَا؛: حيٌّ. والغَبِينَة مِنَ الغَبْنِ: كالشَّتِيمَة مِنَ الشَّتْم. وَيُقَالُ: أَرَى هَذَا الأَمر عَلَيْكَ غَبْناً؛ وأَنشد:
أجُولُ فِي الدارِ لَا أَراك، وفي الدّار ... أُناسٌ جِوارُهم غَبْنُ
. والمَغْبِنُ: الإِبِطُ والرُّفْغُ وَمَا أَطاف بِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
كَانَ إِذَا اطَّلى بدأَ بِمَغَابِنِهِ
؛ المَغابِنُ: الأَرْفاغُ، وَهِيَ بَواطِنُ الأَفْخاذ عِنْدَ الحَوالِب، جَمْعُ مَغْبِنٍ مِنْ غَبَنَ الثوبَ إِذَا ثَنَاهُ وَعَطَفَهُ، وَهِيَ مَعاطِفُ الْجِلْدِ أَيضاً. وَفِي حَدِيثِ
عِكْرِمَةَ: مَنْ مَسَّ مَغابِنَه فلْيَتَوضأْ
؛ أَمره بِذَلِكَ اسْتِظْهَارًا وَاحْتِيَاطًا، فإِن الْغَالِبَ عَلَى مَنْ يَلْمَسُ ذَلِكَ الموضعَ أَن تَقَعَ يَدُهُ عَلَى ذَكَرِهِ، وقيل: المغابِنُ الأَرْفاغُ وَالْآبَاطُ، وَاحِدُهَا مَغْبِنٌ. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: كلُّ مَا ثَنَيْتَ عَلَيْهِ فخذَك فَهُوَ مَغْبِن. وغَبَنْتُ الشيءَ إِذَا خَبَأْته فِي المَغْبِنِ. وغَبنْتُ الثوبَ والطعامَ: مِثْلُ خَبَنْتُ. والغابِنُ: الفاتِرُ عَنِ الْعَمَلِ. والتَّغَابُن: أَن يَغْبِنَ القومُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. ويَوْمُ التَّغابُنِ
: يَوْمُ الْبَعْثِ، مِنْ ذَلِكَ، وَقِيلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَن أَهل الْجَنَّةِ يَغْبِنُ فِيهِ أَهلَ النَّارِ بِمَا يَصِيرُ إِلَيْهِ أَهل الْجَنَّةِ مِنَ النَّعِيمِ ويَلْقَى فِيهِ أَهلُ النَّارِ من العذاب الْجَحِيمِ، ويَغْبِنُ مَنِ ارْتَفَعَتْ منزلتُه فِي الْجَنَّةِ مَنْ كَانَ دُونَ مَنْزِلَتِهِ، وَضَرَبَ اللَّهُ ذَلِكَ مَثَلًا لِلشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ؟
وَسُئِلَ الْحَسَنُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ
؛ فَقَالَ: غَبَنَ أَهلُ الْجَنَّةِ أَهلَ النَّارِ
أَي اسْتَنْقَصُوا عقولَهم بِاخْتِيَارِهِمُ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمان.
ونَظَر الحَسَنُ إِلَى رَجُلٍ غَبَنَ آخَرَ فِي بَيْعٍ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا يَغْبِنُ عقلَك
أَي يَنْقُصه. وغَبَنَ الثوبَ
__________
(2) . قوله [وَقَدْ حُكِيَ بِفَتْحِ الْبَاءِ] أي حكي الغبن في البيع والشراء كما هو نص المحكم والقاموس
(3) . قوله [أَيْ أَنَّ غَيْرَهُمْ فِيهِ] كذا بالأَصل والمحكم أي أن غيرهم يغبنهم فيه. وقوله [إِلَّا أَنَّهُمْ لَا يَعِيشُونَهُ] أي لا يعيشون به(13/310)
يَغْبِنُه غَبْناً: كَفَّهُ، وَفِي التَّهْذِيبِ: طالَ فَثَناه، وَكَذَلِكَ كَبَنه، وَمَا قُطِعَ مِنْ أَطرافِ الثَّوْبِ فأُسقِطَ غَبَنٌ؛ وَقَالَ الأَعشى:
يُساقِطُها كسِقاطِ الغَبَنْ
. والغَبْنُ: ثَنْيُ الشَّيْءِ مِنْ دَلْو أَو ثَوْبٍ ليَنْقُصَ مِنْ طُولِهِ. ابْنُ شُمَيْلٍ: يُقَالُ هَذِهِ النَّاقَةُ مَا شِئْتَ مِنْ ناقةٍ ظَهْراً وكَرَماً غَيْرَ أَنها مَغْبُونة لَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهَا، وَقَدْ غَبَنُوا خَبَرها وغَبِنُوها أَي لَمْ يَعْلَمُوا عِلْمَها.
غدن: الغَدَنُ: سَعَةُ الْعَيْشِ والنَّعْمةُ، وَفِي الْمُحْكَمِ: الاسْتِرْخاء وَالْفُتُورُ؛ وَقَالَ القُلاخُ «1» :
وَلَمْ تُضِعْ أَولادَها مِنَ البَطَنْ، ... وَلَمْ تُصِبْهُ نَعْسَةٌ عَلَى غَدَنْ
. أَي عَلَى فَتْرَةٍ وَاسْتِرْخَاءٍ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ وَالَّذِي أَنشده الأَصمعي فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ جِنِّي:
أَحْمَرُ لَمْ يُعْرَفْ بِبُؤْسٍ مُذْ مَهَنْ، ... وَلَمْ تُصِبْه نَعْسَةٌ عَلَى غَدَنْ
. والغَدَنُ: النَّعْمة واللِّينُ. وَإِنَّ فِي بَنِي فُلَانٍ لغَدَناً أَي نَعْمةً ولِيناً، وَكَذَلِكَ الغُدُنَّة. وَإِنَّهُمْ لَفِي عَيْشٍ غُدْنَةٍ وغُدُنَّةٍ أَي رَغْدٍ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَشك فِي الأُولى. وَفُلَانٌ فِي غُدُنَّةٍ مِنْ عَيْشِهِ أَي فِي نَعْمَةٍ ورَفاهيَة. والغُدَانيُّ والمُغْدَوْدِنُ: الشابُّ النَّاعِمُ. وَشَجَرٌ مُغْدَوْدِنٌ: نَاعِمٌ مُتَثَنٍّ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
أَرْضٌ بِهَا التِّينُ مَعَ الرُّمّانِ، ... وعِنَبٌ مُغْدَوْدِنُ الأَفنانِ.
واغْدَوْدَنَ النَّبْتُ إِذَا اخْضَرَّ حَتَّى يَضْرِبَ إِلَى السوادِ مِنْ شِدَّةِ رِيِّه. وحَرَجَةٌ مُغْدَوْدِنةٌ: وَذَلِكَ إِذَا كَانَتْ فِي الرِّمالِ حِبَالٌ يَنْبُتُ فِيهَا سَبَطٌ وثُمَامٌ وصَبْغاءُ وثُدّاءُ، وَيَكُونُ وسَطَ ذَلِكَ أَرْطَى وعَلْقى، وَيَكُونُ أُخَرُ مِنْهَا بُلْقاً تراهنَّ بِيضًا، وَفِيهَا مَعَ ذَلِكَ حُمْرَةٌ وَلَا تُنْبِتُ مِنَ العِيدانِ شَيْئًا، فَيُقَالُ لِذَلِكَ الحَبْل الأَشْعَرُ مِنْ جَرَّى نباتِه. شَمِرٌ: المُغْدَوْدِنةُ الأَرض الْكَثِيرَةُ الكلإِ المُلتَفَّةُ؛ يُقَالُ: كلأٌ مُغْدَوْدِنٌ أَي مُلتَفٌّ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
مُغْدَوْدِنُ الأَرْطَى غُدَانيُّ الضَّال
. غُدَانيُّ الضَّالِ أَي كَثِيرٌ رَيّانُ مُسْترْخٍ؛ قَالَ رُؤْبَةَ:
ودَغْيَةٌ مِنْ خَطِلٍ مُغْدَوْدِنِ
. وَهُوَ الْمُسْتَرْخِي الْمُتَسَاقِطُ، وَهُوَ عَيْبٌ فِي الرَّجُلِ. وأَرض مُغْدَوْدِنةٌ إِذَا كَانَتْ مُعْشبةً. وشابٌّ غَدَوْدَنٌ: نَاعِمٌ؛ عَنِ السِّيرَافِيِّ. والشَّبابُ الغُدَانيُّ: الغَضُّ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
لَمَّا رَأَتْني خَلَقَ المُمَوَّهِ، ... بَرَّاقَ أَصْلادِ الجبنِ الأَجْلَهِ،
بَعْدَ غُدَانيُّ الشَّبابِ الأَبْلَهِ.
غُدَانيُّ الشَّبَابِ: نَعْمَتُه. وَشَعَرٌ غَدَوْدَنٌ ومُغْدَوْدِنٌ: كَثِيرٌ مُلْتَفٌّ طَوِيلٌ. واغْدَوْدَنَ الشَّعَرُ: طَالَ وَتَمَّ؛ قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ:
وقامتْ تُرائيكَ مُغْدَوْدِناً، ... إِذَا مَا تَنُوءُ بِهِ آدَها.
أَبو عُبَيْدٍ: المُغْدَوْدِنُ الشَّعَرُ الطَّوِيلُ. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: شَعَرٌ مُغْدَوْدِنٌ شَدِيدُ السَّوَادِ نَاعِمٌ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: وأَحسبُ أَن الغُدُنَّة لُحْمَةٌ غَلِيظَةٌ فِي اللَّهازم. والغِدَانُ: الْقَضِيبُ الَّذِي تُعَلَّقُ عَلَيْهِ الثِّيَابُ، يَمَانِيَّةٌ.
__________
(1) . قوله [وقال القلاخ] كذا في الصحاح، قال الصاغاني في التكملة وقال الجوهري: قَالَ الْقُلَاخُ وَلَمْ تَضَعْ إلخ. وللقلاخ بن حزن أرجوزة على هذه القافية ولم أجد ما ذكره الجوهري فيها انتهى. وفي التَّهْذِيبُ قَالَ عُمَرُ بْنُ لجإٍ: ولم تضع إلخ(13/311)
وَبَنُو غُدْنٍ وَبَنُو غُدَانة: قَبِيلَتَانِ. وغُدانة: حيٌّ مِنْ يَرْبوع؛ قَالَ الأَخطل:
واذْكُرْ غُدَانَة عِدَّاناً مُزَنَّمةً، ... مِنَ الحَبَلَّقِ، تُبْنَى حولَها الصِّيَرُ
. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: عِدَّاناً جَمْعُ عَتُودٍ أَي مِثْلَ عِدَّان، قَالَ: وَإِنْ شِئْتَ نَصَبْتَهُ عَلَى الذَّمِّ، والحَبَلَّقُ: غَنمٌ لِطاف الأَجسام لَا تَكْبَرُ.
غرن: الغِرْيَنُ والغِرْيَلُ: مَا بَقِيَ فِي أَسفل الْقَارُورَةِ مِنَ الدُّهْن، وَقِيلَ: هُوَ ثُفْلُ مَا صُبِغَ بِهِ. والغِرْيَنُ: مَا بَقِيَ فِي أَسفل الْحَوْضِ وَالْغَدِيرِ مِنَ الْمَاءِ أَو الطين كالغِرْبَل، وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: الغِرْيَنُ مَا يَبْقَى مِنَ الْمَاءِ فِي الْحَوْضِ وَالْغَدِيرِ الَّذِي تُبْقى فِيهِ الدَّعاميصُ لَا يُقْدَرُ عَلَى شُرْبِهِ، وَقِيلَ: هُوَ الطِّينُ الَّذِي يَبْقَى هُنَالِكَ، وَقِيلَ: الغِرْيَنُ، مِثْلُ الدِّرْهمِ، الطِّينُ الَّذِي يَحْمِلُهُ السَّيْلُ فَيَبْقَى عَلَى وَجْهِ الأَرض رَطْبًا أَو يَابِسًا، وَكَذَلِكَ الغِرْيَل وَهُوَ مُبْدَلٌ مِنْهُ، وَقَالَ يَعْقُوبُ: قَالَ الأَصمعي الغِرْيَنُ أَن يجيء السَّيلُ فَيَثْبُتَ على الأَرض، فإِذا جَفَّ رأَيت الطِّينَ رَقِيقًا عَلَى وَجْهِ الأَرض قَدْ تشَقَّقَ؛ فأَما قَوْلُهُ:
تَشَقَّقَتْ تَشَقُّقَ الغِرْيَنِّ ... غُضُونُها، إِذَا تَدانَتْ مِنِّي.
إِنَّمَا أَراد الغِرْيَنَ فشَدَّدَ لِلضَّرُورَةِ، وَالطَّائِفَةُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ غِرْيَنةٌ. وغَرَّانُ: اسْمُ وادٍ، فَعّالٌ مِنْهُ كأَنَّ ذَلِكَ يَكْثُرُ فِيهِ. التَّهْذِيبُ: غُرانُ مَوْضِعٌ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
بغُرَانَ أَو وَادِي القُرَى اضطربَتْ بِهِ ... نَكْباءُ، بينَ صَباً وبينَ شمالِ
. وَفِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ غُرانَ: هُوَ بِضَمِّ الْغَيْنِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَادٍ قَرِيبٌ مِنَ الحُدَيْبِية، نَزَلَ بِهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي مَسِيرِهِ. وأَما غُرابٌ، بِالْبَاءِ، فَجَبَلٌ بِالْمَدِينَةِ عَلَى طَرِيقِ الشَّامِ. والغَرَنُ: ذكرُ الغِرْبانِ، وَقِيلَ: هُوَ ذكرُ العَقاعِق، وَقِيلَ: هُوَ شَبِيهٌ بِذَلِكَ، وَالْجَمْعُ أَغْرانٌ. وَقَالَ أَبو حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الطَّيْرِ: الغَرَنُ العُقابُ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الغَرَنُ ذَكَرُ العِقْبانِ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
لَقَدْ عَجِبْتُ مِنْ سَهُومٍ وغَرَنْ
. والسَّهُومُ: الأُنثى منها.
غسن: الغُسْنَةُ: الخُصْلةُ مِنَ الشَّعَر، وَكَذَلِكَ الغُسْناةُ؛ وَقَالَ حُمَيْدٌ الأَرْقطُ:
بَيْنَا الفَتى يَخْبِطُ فِي غُسْناتِه، ... إِذْ صَعِدَ الدَّهْرُ إِلَى عِفْراتِه،
فاجْتاحَها بشَفْرَتَيْ مِبْراتِه.
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُرْوَى هَذَا الرَّجَزُ لجَنْدَلٍ الطُّهَوِيّ، قَالَ: وَالَّذِي رَوَاهُ ثَعْلَبٌ وأَبو عَمْرٍو: فِي غَيْساتِه، قَالَا: والغَيْسةُ النَّعْمةُ والنَّضارة. وَيُقَالُ لِلْفَرَسِ الْجَمِيلِ: ذُو غُسَنٍ. الأَصمعي: الغُسَنُ خُصَلُ الشَّعَرِ مِنَ المرأَة وَالْفَرَسِ، وَهِيَ الغَدائر. وَقَالَ غَيْرُهُ: الغُسَنُ شَعَرُ النَّاصِيَةِ، فَرَسٌ ذُو غُسَن؛ قَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ يَصِفُ فَرَسًا:
مُشْرِفُ الْهَادِي لَهُ غُسَنٌ، ... يُعْرِقُ العِلْجَيْنِ إِحْضارا «1»
. أَي يَسْبِقُهَا إِذَا أَحْضَرَ. والغُسَنُ: خُصَلُ الشَّعَرِ مِنَ العُرْفِ وَالنَّاصِيَةِ وَالذَّوَائِبِ، وَفِي الْمُحْكَمِ وَغَيْرِهِ: الغُسَنُ شعرُ العُرْفِ وَالنَّاصِيَةِ والذوائب؛ قال الأَعشى:
__________
(1) . قوله [يعرق العلجين] كذا بالأَصل يعرق بالعين المهملة، والعلجين بالتثنية، ومثله في التهذيب إلا أن يعرق فيه بالغين المعجمة(13/312)
غَدا بتَليلٍ، كجِذْعِ الخِضابِ ... حُرِّ القَذالِ، طويلِ الغُسَنْ.
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الْخِضَابُ جَمْعُ خَضْبةٍ وَهِيَ الدَّقْلَةُ مِنَ النَّخْلِ؛ وَمِثْلُهُ لعَدِيّ:
وأَحْوَرُ الْعَيْنِ مَرْبُوبٌ لَهُ غُسَنٌ، ... مُقَلَّدٌ مِنْ جيادِ الدُّرِّ أَقْصابا
. وَرَجُلٌ غَسّانيٌّ: جميلٌ جِدًّا. والغَيْسان: حِدَّة الشَّبَابِ، وَقِيلَ: الشبابُ، إِنْ جَعَلْتَهُ فَيْعالًا فَهُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِلرَّاجِزِ:
لَا يَبْعُدَنْ عَهْدُ الشَّبابِ الأَنْضَرِ، ... والخَبْطُ فِي غَيْسانِه الغَمَيْدَرِ
. والغَمَيْدَرُ: النَّاعِمُ. وَيُقَالُ: لستَ مِنْ غَسَّانه وَلَا غَيْسَانِه أَي مِنْ ضَرْبِه. ولستَ مِنْ غَسَّانِ فُلَانٍ وغَيْسانِه أَي لَسْتَ مِنْ رِجَالِهِ. وَيُقَالُ: كَانَ ذَلِكَ فِي غَيْسانِ شَبَابِهِ أَي فِي نَعْمَةِ شَبَابِهِ وطَراءتِه. وَقَالَ شَمِرٌ: كَانَ ذَلِكَ فِي غَيْسَاتِ شَبَابِهِ وغَيْسانِه بِمَعْنًى واحدٍ أَي فِي حِينه. وَيُقَالُ فِي جَمْعِ الغُسْنَة أَيضاً غُسْناتٌ وغُسُنات؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
فَرُبَّ فَيْنانٍ طَويلٍ أَمَمُهْ، ... ذِي غُسُناتٍ قَدْ دَعاني أَحْزُمُهْ
. السُّلَميُّ: فُلَانٌ عَلَى أَغْسانٍ مِنْ أَبيه وأَعْسَانٍ أَي أَخلاق. وَيُقَالُ: امرأَة غَيْسَة وَرَجُلٌ غَيْسٌ أَي حَسَنٌ، قَالَ: فَهَذَا يَقْضِي بِزِيَادَةِ النُّونِ. وَيُقَالُ: هُوَ فِي غَيْسان شَبابه أَي فِي حُسْنه، وَمَنْ جَعَلَهُ مِنَ الغُسْنة، وَهِيَ الخُصْلةُ مِنَ الشَّعَرِ، لأَنه فِي نَعْمَةِ شَبابه وَاسْتِرْخَائِهِ كالغُسْنَةِ، فَالنُّونُ عِنْدَهُ أَصلية. أَبو زَيْدٍ: لَقَدْ علمتُ أَنَّ ذَاكَ مِنْ غَسَّانِ قَلْبِكَ أَي مِنْ أَقصى نَفْسِكَ. والغَيْسَانة: النَّاعِمَةُ. والغَيْسانُ: النَّاعِمُ؛ قَالَ أَبو وَجْزَة:
غَيْسَانَةٌ ذَلِكَ مِنْ غَيْسانِها
. وغَسَّانُ: اسْمُ مَاءٍ نَزَلَ عَلَيْهِ قَوْمٌ مِنَ الأَزْدِ فنُسِبُوا إِلَيْهِ، وَمِنْهُمْ بَنُو جَفْنَة رَهْطُ المُلوكِ؛ قَالَ حَسَّانُ:
إِمَّا سأَلتَ، فإِنا مَعْشَرٌ نُجُبٌ، ... الأَزْدُ نِسْبَتُنا، وَالْمَاءُ غَسَّانُ
. وَيُقَالُ: غَسَّان اسْمُ قبيلة.
غشن: تَغَشَّنَ الماءُ: رَكِبَه البَعَرُ فِي غَدير وَنَحْوِهِ. والغُشانة: الكُرَابة، وَقَدْ ذُكِرَتْ بِالْعَيْنِ أَيضاً، قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ لِمَا يَبْقَى فِي الكِبَاسَة مِنَ الرُّطَب إِذَا لُقِطَتْ النَّخْلَةُ الكُرَابة والغُشانة والبُذارة والشَّمَلُ والشُّماشِمُ، والعُشانة بِالْعَيْنِ.
غصن: الغُصْنُ: غُصْنُ الشَّجَرِ، وَفِي الْمُحْكَمِ: الغُصْنُ مَا تَشَعَّبَ عَنْ سَاقِ الشَّجَرَةِ دِقاقُها وغِلاظُها، وَالْجَمْعُ أَغْصانٌ وغُصُون وغِصَنة، مِثْلَ قُرْطٍ وقِرَطَةٍ، والغُصْنة: الشُّعْبة الصَّغِيرَةُ مِنْهُ. يُقَالُ: غُصْنَة وَاحِدَةٌ، وَالْجَمْعُ غُصْنٌ، وَتَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ الغُصْنِ والأَغْصانِ. وغَصَنَ الغُصْنَ يَغْصِنُه غَصْناً: قَطَعه وأَخَذَه. وَقَالَ القَنانيُّ: غَصَنْتُ الغُصْنَ غَصْناً إِذَا مَدَدْتُهُ إِلَيْكَ، فَهُوَ مَغْصُون. ابْنُ الأَعرابي: غَصَنني فُلَانٌ عَنْ حَاجَتِي يَغْصِنُني أَي ثَنَانِي عَنْهَا وَكَفَّنِي؛ قَالَ الأَزهري: هَكَذَا أَقْرأَنيه المُنْذري فِي النَّوَادِرِ، وَغَيْرُهُ يَقُولُ غَضَنَني، بِالضَّادِ، يَغْضِنُني، وَهُوَ شَمِرٌ، قَالَ: وَهُوَ صَحِيحٌ. وَمَا غَصَنك عَنِّي أَي مَا شَغَلك، مُشْتَقٌّ مِنَ الغُصْنَة، كَمَا قَالُوا فِي هَذَا الْمَعْنَى: مَا شَعَبك عَنِّي أَي مَا شَغَلك، فَاشْتَقُّوهُ مِنَ الشُّعْبَةِ، والأَعرف مَا غَضَنك عَنِّي. وغَصَّنَ العُنْقُودُ وأَغْصَنَ: كَبُر حَبُّه شَيْئًا. وَثَوْرٌ(13/313)
أَغْصَن: فِي ذَنَبِهِ بَيَاضٌ. وغُصْنٌ وغُصَيْن: اسْمَانِ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: وأَحْسِبُ أَن بَنِي غُصَيْن بَطْنٌ. وأَبو الغُصْن: كُنْيَة جُحَى.
غضن: الغَضْنُ والغَضَنُ: الكَسْرُ فِي الجِلْد وَالثَّوْبِ وَالدِّرْعِ وَغَيْرِهَا، وَجَمْعُهُ غُضُون؛ قَالَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ:
إِذَا مَا انْتَحاهُنَّ شُؤْبُوبُه، ... رأَيتَ لجاعِرَتَيْه غُضُونا
. التَّهْذِيبُ: الغُضُون مكاسِرُ الْجِلْدِ فِي الجَبين والنَّصِيلِ، وَكَذَلِكَ غُضُون الكُمِّ وغُضُونُ دِرْعِ الْحَدِيدِ؛ وأَنشد:
تَرَى فوقَ النِّطاقِ لَهَا غُضُونا
. وغُضُونُ الأُذُنِ: مَثانِيها، وَكُلُّ تَثَنٍّ فِي ثَوْبٍ أَو جِلْدٍ غَضْنٌ وغَضَنٌ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: الغُضُون والتَّغْضِينُ التَّشَنُّجُ؛ وأَنشد:
خَريعَ النَّعْوِ مُضْطَرِبَ النَّواحي، ... كأَخلاقِ الغَرِيفَةِ، ذَا غُضُونِ.
وَاحِدُهَا غَضْنٌ وغَضَنٌ؛ قَالَ: وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لأَنه عَبَّرَ عَنِ الغُضُون بالتَّشَنُّج الَّذِي هُوَ الْمَصْدَرُ، وَالْمَصْدَرُ لَيْسَ يُجْمع فَيَكُونُ لَهُ وَاحِدٌ. وَقَدْ تَغَضَّنَ، وغَضَّنْتُه فتَغَضَّنَ. والتَّغْضِينُ أَيضاً: الرِّجاعُ. والمُغاضَنَة: المُكاسَرة بِالْعَيْنَيْنِ للرِّيبة. والأَغْضَنُ: الكاسِرُ عَيْنَه خِلْقةً أَو عَدَاوَةً أَو كِبْراً؛ قَالَ:
يَا أَيُّها الكاسِرُ عَيْنَ الأَغْضَنِ
. والغَضَنُ: تَثَنِّي العُود وتَلَوِّيه. وغَضَنُ العَيْنِ: جِلْدَتُها الظَّاهِرَةُ. وَيُقَالُ للمَجْدُور إِذَا أَلْبَسَ الجُدْرِيُّ جلدَه: أَصبح جِلْدُهُ غَضْنَة وَاحِدَةً، وَقَدْ يُقَالُ بِالْبَاءِ. ولأُطِيلَنَّ غَضَنَك أَي عَناءَك. الأَزهري: أَبو زَيْدٍ تَقُولُ الْعَرَبُ لِلرَّجُلِ تُوعِدُه لأَمُدَّنَّ غَضَنك أَي لأُطيلَنَّ عَنَاءَكَ، وَيُقَالُ غَضْنك؛ وأَنشد:
أَرَيْتَ إِنْ سُقْنا سِياقاً حَسَنا، ... نَمُدُّ مِنْ آباطِهِنَّ الغَضَنا
. وغَضَنَه يَغْضِنُه ويَغْضُنُه غَضْناً: حَبَسَهُ. وَيُقَالُ: مَا غَضَنك عَنَّا أَي مَا عَاقَكَ عَنَّا. ابْنُ الأَعرابي: غَصَننِي عَنْ حَاجَتِي يَغْصِنُني، بِالصَّادِ، وَهُوَ غَلَطٌ، وَالصَّوَابُ غَضَنَني يَغْضِنُني لَا غَيْرُ. وغَضَنَتِ النَّاقَةُ بِوَلَدِهَا وغَضَّنَتْ: أَلقتْه لِغَيْرِ تَمَامٍ قَبْلَ أَن يَنْبُتَ الشَّعَرُ عَلَيْهِ ويَسْتَبِينَ خَلْقُه. قَالَ أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ لِذَلِكَ الْوَلَدِ غَضِينٌ، وَالِاسْمُ الغِضانُ. وغَضَّنَتِ السماءُ وأَغْضَنَت السَّمَاءُ إِغْضاناً: دَامَ مَطَرُهَا. وأَغْضَنَتْ عَلَيْهِ الحُمَّى: دَامَتْ وأَلَحَّتْ؛ عَنِ ابن الأَعرابي.
غفن: التَّهْذِيبُ: قَالَ أَبو عمرو وأَتيته عَلَى إِفَّانِ ذَلِكَ وقِفَّانِ ذَلِكَ وغِفَّانِ ذَلِكَ، قَالَ: وَالْغَيْنُ فِي بَنِي كِلَابٍ.
غلن: بِعْتُه بالغَلانية أَي بالغَلاء، قَالَ: هَذَا مَعْنَاهُ «2» . وَلَيْسَ مِنْ لَفْظِهِ؛ وَقَوْلُ الأَعشى:
وَذَا الشَّنْءِ فاشْنَأْهُ، وَذَا الوُدّ فاجْزِه ... عَلَى وُدِّه، أَو زِدْ عَلَيْهِ الغَلانيا
. هُوَ مِنْ هَذَا، إِنما أَراد الغلاءَ أَو الْغَالِي. فإِن قُلْتَ: فإِنّ وَزْنَ الغَلانيا هُنَا الفَعالي وَقَدْ قَالَ سِيبَوَيْهِ إِن الْهَاءَ لَازِمَةٌ لفَعالية، قِيلَ لَهُ: قَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ هَذَا مِمَّا لَمْ يَرْوِهِ سِيبَوَيْهِ، وَقَدْ يَكُونُ أَن يُرِيدَ الأَعشى الغَلانية فَحَذَفَ الْهَاءَ ضَرُورَةً لِيَسْلَمَ الرَّوِيّ مِنَ الْوَصْلِ، لأَن هَذَا الشِّعْرَ غَيْرُ مَوْصُولٍ، أَلا تَرَى أَن قَبْلَ هَذَا:
مَتى كُنْتُ زَرَّاعاً أَجُرُّ السَّوانيا
. وَالْقِطْعَةُ مَعْرُوفَةٌ مِنْ شِعْرِهِ، وَقَدْ يَكُونُ الْغَلَانِيَا جَمْعُ غَلَانِيَةٍ، وَإِنْ كَانَ هَذَا فِي الْمَصَادِرِ قليلًا.
غمن: غَمَنَ الجِلْدَ يَغْمُنُه، بِالضَّمِّ، وغَمَلَهُ إِذَا جَمَعه بَعْدَ سَلْخِه وَتَرْكِهِ مَغْموماً حتى يَسْتَرْخِيَ
__________
(2) . قوله [هذا معناه] أَي قَالَ ابْنُ سِيدَهْ هَذَا إلخ لأَنها عبارته(13/314)
صُوفُه؛ وَقِيلَ: غَمَّه لِيَلِينَ لِلدَّبَّاغِ ويَنْفَسِخَ عَنْهُ صُوفه، فَهُوَ غَمِينٌ وغَميل. وغَمَنَ البُسْرَ: غَمَّه ليُدْرِكَ. وغَمنَ الرجلَ: أَلْقى عَلَيْهِ الثِّيَابَ ليَعْرَق. ونَخْل مَغْمُونٌ: تَقارَبَ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ وَلَمْ يَنْفَسِخ كمَغْمول. والغُمْنَة: الغُمْرَة الَّتِي تَطْلِي بِهَا المرأَة وجْهَها؛ قَالَ الأَغلب:
لَيْسَتْ مِنَ اللَّائي تُسَوَّى بالغُمَنْ
. ويقال: الغُمْنة السَّبيذاجُ.
غنن: الغُنَّة: صَوْتٌ فِي الخَيْشُوم، وَقِيلَ: صَوْتٌ فِيهِ ترخيمٌ نحوَ الْخَيَاشِيمِ تَكُونُ مِنْ نَفَسِ الأَنف، وَقِيلَ: الغُنَّة أَن يَجْرِيَ الكلامُ فِي اللَّهاةِ، وَهِيَ أَقل مِنَ الخُنَّة. الْمُبَرِّدُ: الغُنَّة أَن يُشْرَبَ الحرفُ صوتَ الْخَيْشُومِ، والخُنَّة أَشد مِنْهَا، وَالتَّرْخِيمُ حَذْفُ الْكَلَامِ، غَنَّ يَغَنُّ، وَهُوَ أغنُّ، وَقِيلَ: الأَغَنُّ الَّذِي يُخْرِجُ كَلَامَهُ مِنْ خَيَاشِيمِهِ. وَظَبْيٌ أَغَنُّ: يُخْرِجُ صَوْتَهُ مِنْ خَيْشومه؛ قَالَ:
فَقَدَ أَرَنِّي وَلَقَدْ أَرَنِّي ... غُرّاً، كأَرْآم الصَّرِيمِ الغُنِ
. وَمَا أَدري مَا غَنَّنَهُ أَي جَعَلَهُ أَغَنَّ. قَالَ أَبو زَيْدٍ: الأَغَنُّ الَّذِي يَجْرِي كَلَامُهُ فِي لَهاته، والأَخَنُّ السادُّ الْخَيَاشِيمِ؛ وَفِي قَصِيدِ كَعْبٍ:
إِلَّا أَغَنّ غَضِيض الطَّرْفِ مكحولُ.
الأَغَنُّ مِنَ الغِزْلانِ وَغَيْرِهَا: الَّذِي فِي صَوْتِهِ غُنَّة؛ وَقَوْلُهُ:
وجَعَلَتْ لَخَّتُها تُغَنِّيه
. أَراد: تُغَنِّنُه، فحوَّل إِحْدَى النُّونَيْنِ يَاءً كَمَا قَالُوا تَظَنَّيْتُ فِي تَظَنَّنَتْ. وَقَالَ ابْنُ جِنِّي وَذَكَرَ النُّونَ فَقَالَ: إِنَّمَا زِيدَتِ النُّونُ هَاهُنَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَرْفَ مَدٍّ، مِنْ قَبْلِ أَنها حَرْفٌ أَغنّ، وإِنما عنى به أَن حَرْفٌ تَحْدُثُ عَنْهُ الغُنَّة، فَنُسِبَ ذَلِكَ إِلَى الْحَرْفِ. وَقَالَ الْخَلِيلُ: النُّونُ أَشَدُّ الْحُرُوفِ غُنَّةً؛ وَاسْتَعْمَلَ يزيدُ بنُ الأَعْور الشَّنِّيُّ الغُنَّةَ فِي تَصْوِيتِ الْحِجَارَةِ فَقَالَ:
إِذَا عَلا صَوَّانُهُ أَرَنَّا ... يَرْمَعَها، والجَنْدَلَ الأَغَنَّا.
وأَغَنَّتِ الأَرضُ: اكْتَهل عُشْبُها؛ وَقَوْلُهُ:
فظَلْنَ يَخْبِطْنَ هَشِيمَ الثِّنِّ، ... بعدَ عَمِيمِ الرَّوْضَةِ المُغِنِ
. يَجُوزُ أَن يَكُونَ المُغِنُّ مِنْ نَعْتِ العَميم، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مِنَ نَعْتِ الرَّوْضَةِ، كَمَا قَالُوا امرأَة مُرْضِعٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَيْسَ هَذَا بِقَوِيٍّ. وأَغَنَّ الذُّبابُ: صَوَّت، وَالِاسْمُ الغُنانُ؛ قَالَ:
حَتَّى إِذَا الْوَادِي أَغَنَّ غُنانُه
. وَرَوْضَةٌ غَنَّاءُ: تَمُرُّ الرِّيحُ فِيهَا غَيْرَ صافيةِ الصَّوْت مِنْ كَثافةِ عُشْبِها والتفافِه؛ وطيرٌ أَغَنُّ، ووادٍ أَغَنُّ كَذَلِكَ أَي كَثِيرُ العُشْبِ، لأَنه إِذَا كَانَ كَذَلِكَ أَلفه الذِّبَّانُ، وَفِي أَصواتها غُنَّة. ووادٍ مُغِنٌّ إِذَا كَثُرَ ذُبَابُهُ لِالْتِفَافِ عُشبه حَتَّى تَسْمَعَ لِطَيَرَانِهَا غُنَّة، وَقَدْ أَغَنَّ إِغْناناً. وأَما قَوْلُهُمْ وادٍ مُغِنٌّ فَهُوَ الَّذِي صَارَ فِيهِ صوتُ الذُّبَابِ، وَلَا يَكُونُ الذُّبَابُ إِلَّا فِي وادٍ مُخْصِبٍ مُعْشِبٍ، وإِنما يُقَالُ وادٍ مُغِنٌّ إِذا أَعْشَبَ فَكَثُرَ ذُبابه حَتَّى تَسْمَعَ لأَصواتها غُنَّة، وَهُوَ شَبِيهٌ بالبُحَّة. وأَرض غَنَّاءُ: قَدِ الْتَجَّ عُشْبُها واغْتَمَّ، وعُشْبٌ أَغَنُّ. وَيُقَالُ لِلْقَرْيَةِ الْكَثِيرَةِ الأَهل: غَنَّاء. وَفِي حَدِيثِ
أَبي هُرَيْرَةَ: أَن رَجُلًا أَتى عَلَى وادٍ مُغِنٍ
؛ يُقَالُ: أَغَنَّ الْوَادِي، فَهُوَ مُغِنٌّ أَي كَثُرَتْ أَصواتُ ذُبابه، جُعِلَ الْوَصْفُ لَهُ، وَهُوَ(13/315)
لِلذُّبَابِ. وغَنَّ الْوَادِي وأَغَنَّ، فَهُوَ مُغِنٌّ: كَثُرَ شَجَرُهُ. وَقَرْيَةٌ غَنَّاء: جَمَّةُ الأَهل والبُنْيان والعُشْب، وَكُلُّهُ مِنَ الغُنَّةِ فِي الأَنف. وغَنَّ النَّخْلُ وأَغَنَّ: أَدْرك. وأَغَنَّ اللهُ غُصْنَه أَي جَعَلَ غُصْنَه ناضِراً أَغَنَّ. وأَغَنَّ السِّقاءُ إِذَا امتلأَ مَاءً.
غون: ابْنُ الأَعرابي: التَّغَوُّنُ الإِصرارُ عَلَى الْمَعَاصِي، والتَّوَغُّنُ الإِقدامُ في الحرب.
غين: الْغَيْنُ: حَرْفُ تَهَجٍّ، وَهُوَ حَرْفٌ مَجْهُورٌ مُسْتَعْلٍ، يَكُونُ أَصلًا لَا بَدَلًا وَلَا زَائِدًا، وَالْغَيْنُ لُغَةٌ فِي الْغَيْمِ، وَهُوَ السَّحَابُ، وَقِيلَ: النُّونُ بَدَلٌ مِنَ الميمي؛ أَنشد يَعْقُوبُ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ يَصِفُ فَرَسًا:
فِداءٌ خالَتِي وفِداً صَدِيقي، ... وأَهْلي كُلُّهم لبَني قُعَيْنِ
فأَنْتَ حَبَوْتَنِي بِعِنانِ طِرْفٍ، ... شديدِ الشَّدّ ذِي بَذْلٍ وصَوْنِ
كأَنِّي بَيْنَ خافِيَتَيْ عُقابٍ، ... تُرِيدُ حَمَامَةً فِي يَوْمِ غَيْنِ.
أَي فِي يَوْمِ غَيْمٍ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الَّذِي أَنشده الْجَوْهَرِيُّ:
أَصاب حَمَامَةً فِي يَوْمِ غَيْنِ
. وَالَّذِي رَوَاهُ ابْنُ جِنِّي وَغَيْرُهُ: يُرِيدُ حَمَامَةً، كَمَا أَورده ابْنُ سِيدَهْ وَغَيْرُهُ، قَالَ: وَهُوَ أَصح مِنْ رِوَايَةِ الْجَوْهَرِيِّ أَصاب حَمَامَةً. وغانَتِ السماءُ غَيْناً وغِينَتْ غَيْناً: طَبَّقَها الغَيمُ. وأَغانَ الغَينُ السَّمَاءَ أَي أَلْبَسها؛ قَالَ رُؤبة:
أَمْسَى بِلالٌ كالربيعِ المُدْجِنِ، ... أَمْطَرَ فِي أَكْنافِ غَيْنٍ مُغْيِنِ
. قَالَ الأَزهري: أَراد بِالْغَيْنِ السَّحَابَ، وَهُوَ الْغَيْمُ، فأَخرجه عَلَى الأَصل. والأَغْيَنُ: الأَخْضَرُ. وَشَجَرَةٌ غَيْناءِ أَي خَضْراءِ كَثِيرَةُ الْوَرَقِ مُلْتَفَّةُ الأَغصان نَاعِمَةٌ، وَقَدْ يُقَالُ ذَلِكَ فِي العُشْب، وَالْجَمْعُ غِينٌ، وأَشجار غِينٌ؛ وأَنشد الْفَرَّاءُ:
لَعِرْضٌ مِنَ الأَعْراضِ يُمْسِي حَمامُه، ... ويُضْحِي عَلَى أَفْنانِه الغِينِ يَهْتِفُ
والغِيْنةُ: الأَجَمَةُ. والغِينُ مِنَ الأَراك والسِّدْر: كَثْرَتُهُ وَاجْتِمَاعُهُ وَحُسْنُهُ؛ عَنْ كُرَاعٍ، وَالْمَعْرُوفُ أَنه جَمْعُ شَجَرَةٍ غَيْناءِ، وَكَذَلِكَ حُكِيَ أَيضاً الغِينة جَمْعُ شَجَرَةٍ غَيْناء؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي اللُّغَةِ وَلَا فِي قِيَاسِ الْعَرَبِيَّةِ، إِنَّمَا الغِينَةُ الأَجَمَةُ كَمَا قُلْنَا، أَلا تَرَى أَنك لَا تَقُولُ البِيضَةُ فِي جَمْعُ البَيْضاءِ وَلَا العِيسَةُ فِي جَمْعِ العَيْساء؟ فَكَذَلِكَ لَا يُقَالُ الغِينَةُ فِي جَمْعِ الغَيْناء، اللَّهُمَّ إِلا أَن يَكُونَ لِتَمْكِينِ التأْنيث أَو يَكُونُ اسْمًا لِلْجَمْعِ. والغَيْنة الشَّجْراءُ: مِثْلُ الغَيْضة الْخَضْرَاءِ. وَقَالَ أَبو العَمَيْثل: الغَيْنة الأَشجارُ الْمُلْتَفَّةُ فِي الْجِبَالِ وَفِي السَّهْل بِلَا مَاءٍ، فإِذا كَانَتْ بِمَاءٍ فَهِيَ غَيْضة. والغَيْنُ: شَجَرٌ مُلْتَفٌّ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَمِمَّا يَضَعُ بِهِ مِنِ ابْنِ السِّكِّيتِ وَمِنِ اعْتِقَادِهِ أَن الغينَ هُوَ جَمْعُ شَجَرَةٍ غَيْناء، وأَن الشِّيَم جَمْعُ أَشْيَمَ وشَيْماء وزْنُه فِعْل، وَذَهَبَ عَنْهُ أَنه فُعْلٌ، غُومٌ وشُومٌ، ثُمَّ كُسِرَتِ الْفَاءُ لِتَسْلَمَ الْيَاءُ كَمَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي بِيضٍ. وغِينَ عَلَى قَلْبِهِ غَيْناً: تغَشَّتْه الشَّهْوةُ، وَقِيلَ: غِينَ عَلَى قَلْبِهِ غُطِّيَ عَلَيْهِ وأُلْبِسَ. وغِينَ عَلَى الرَّجُلِ كَذَا أَي غُطِّيَ عَلَيْهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِنه ليُغانُ عَلَى قَلْبِي حَتَّى أَستغفرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً
؛ الغَيْنُ: الغَيْمُ، وَقِيلَ: الغَيْنُ شَجَرٌ مُلْتَفٌّ، أَراد مَا يَغْشَاهُ مِنَ السَّهْوِ الَّذِي لَا يَخْلُو مِنْهُ الْبَشَرُ، لأَن قَلْبَهُ أَبداً كَانَ مَشْغُولًا بِاللَّهِ تَعَالَى، فإِن عَرَضَ لَهُ وَقْتاً مَا(13/316)
عَارِضٌ بَشَرِيُّ يَشْغَلُه مِنْ أُمور الأُمّة والملَّة وَمَصَالِحِهِمَا عَدَّ ذَلِكَ ذَنْبًا وَتَقْصِيرًا، فيَفْزَعُ إِلَى الِاسْتِغْفَارِ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: يَعْنِي أَنه يتَغَشَّى القلبَ مَا يُلْبِسُه؛ وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ يَغْشَى شَيْئًا حَتَّى يُلْبِسَه فَقَدَ غِينَ عَلَيْهِ. وغانَتْ نفْسُه تَغِينُ غَيْناً: غَثَتْ. والغَيْنُ: الْعَطَشُ، غانَ يَغِينُ. وغانتِ الإِبلُ: مثلُ غامَتْ. والغِينة، بِالْكَسْرِ: الصَّدِيدُ، وَقِيلَ: مَا سَالَ مِنَ الْمَيِّتِ، وَقِيلَ: مَا سَالَ مِنَ الْجِيفَةِ. والغَيْنةُ، بِالْفَتْحِ: اسْمُ أَرض؛ قَالَ الرَّاعِي:
ونَكَّبْنَ زُوراً عن مُحَيَّاةَ بعد ما ... بَدَا الأَثْلُ، أَثْلُ الغَيْنةِ المُتَجاوِرُ.
وَيُرْوَى الغِينة «1» . الْفَرَّاءُ: يُقَالُ هُوَ آنَسُ مِنْ حُمَّى الغِينِ. والغِينُ: مَوْضِعٌ لأَن أَهلها يُحَمُّون كَثِيرًا.
فصل الفاء
فتن: الأَزهري وَغَيْرُهُ: جِماعُ مَعْنَى الفِتْنة الِابْتِلَاءُ والامْتِحانُ وَالِاخْتِبَارُ، وأَصلها مأْخوذ مِنْ قَوْلِكَ فتَنْتُ الْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ إِذا أَذبتهما بِالنَّارِ لِتُمَيِّزَ الرَّدِيءَ مِنَ الجيِّدِ، وَفِي الصِّحَاحِ: إِذا أَدخلته النَّارَ لِتَنْظُرَ مَا جَوْدَتُه، وَدِينَارٌ مَفْتُون. والفَتْنُ: الإِحْراقُ، وَمِنْ هَذَا قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ
؛ أَي يُحْرَقون بِالنَّارِ. وَيُسَمَّى الصَّائِغُ الفَتَّان، وَكَذَلِكَ الشَّيْطَانُ، وَمِنْ هَذَا قِيلَ لِلْحِجَارَةِ السُّود الَّتِي كأَنها أُحْرِقَتْ بِالنَّارِ: الفَتِينُ، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ: يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ
، قَالَ: يُقَرَّرونَ وَاللَّهِ بِذُنُوبِهِمْ. ووَرِقٌ فَتِينٌ أَي فِضَّة مُحْرَقَة. ابْنُ الأَعرابي: الفِتْنة الِاخْتِبَارُ، والفِتْنة المِحْنة، والفِتْنة الْمَالُ، والفِتْنة الأَوْلادُ، والفِتْنة الكُفْرُ، والفِتْنةُ اختلافُ النَّاسِ بِالْآرَاءِ، والفِتْنةُ الإِحراق بِالنَّارِ؛ وَقِيلَ: الفِتْنة فِي التأْويل الظُّلْم. يُقَالُ: فُلَانٌ مَفْتُونٌ بِطَلَبِ الدُّنْيَا قَدْ غَلا فِي طَلَبِهَا. ابْنُ سِيدَهْ: الفِتْنة الخِبْرَةُ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ
؛ أَيْ خِبْرَةً، وَمَعْنَاهُ أَنهم أُفْتِنوا بِشَجَرَةِ الزَّقُّوم وكذَّبوا بِكَوْنِهَا، وَذَلِكَ أَنهم لَمَّا سَمِعُوا أَنها تَخْرُجُ فِي أَصل الْجَحِيمِ قَالُوا: الشَّجَرُ يَحْتَرِقُ فِي النَّارِ فَكَيْفَ يَنْبُت الشجرُ فِي النَّارِ؟ فَصَارَتْ فِتْنَةً لَهُمْ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: رَبَّنا لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ
، يَقُولُ: لَا تُظْهِرْهُم عَلَيْنَا فيُعْجبُوا وَيَظُنُّوا أَنهم خَيْرٌ مِنَّا، فالفِتْنة هَاهُنَا إِعجاب الْكُفَّارِ بِكُفْرِهِمْ. وَيُقَالُ: فَتَنَ الرجلُ بالمرأَة وافْتَتَنَ، وأَهل الْحِجَازِ يَقُولُونَ: فتَنَتْه المرأَةُ إِذا وَلَّهَتْه وأَحبها، وأَهل نَجْدٍ يَقُولُونَ: أَفْتَنَتْه؛ قَالَ أَعْشى هَمْدانَ فَجَاءَ بِاللُّغَتَيْنِ:
لئِنْ فتَنَتْني لَهْيَ بالأَمْسِ أَفْتَنَتْ ... سَعِيداً، فأَمْسَى قَدْ قَلا كلَّ مُسْلِم
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ ابْنُ جِنِّي وَيُقَالُ هَذَا الْبَيْتُ لِابْنِ قيسٍ، وَقَالَ الأَصمعي: هَذَا سَمِعْنَاهُ مِنْ مُخَنَّثٍ وَلَيْسَ بثَبَتٍ، لأَنه كَانَ يُنْكِرُ أَفْتَنَ، وأَجازه أَبو زَيْدٍ؛ وَقَالَ هُوَ فِي رَجَزِ رُؤْبَةَ يَعْنِي قَوْلَهُ:
يُعْرِضْنَ إِعْراضاً لدِينِ المُفْتِنِ
وَقَوْلُهُ أَيضاً:
إِني وبعضَ المُفْتِنِينَ داوُدْ، ... ويوسُفٌ كادَتْ بِهِ المَكايِيدْ
قَالَ: وَحَكَى
أَبو الْقَاسِمِ الزَّجَّاجُ فِي أَماليه بِسَنَدِهِ عَنِ الأَصمعي قَالَ: حدَّثنا عُمر بْنُ أَبي زَائِدَةَ قَالَ حَدَّثَتْنِي أُم عَمْرٍو بِنْتُ الأَهْتم قَالَتْ: مَرَرْنا وَنَحْنُ جَوَارٍ بِمَجْلِسٍ فِيهِ سَعِيدُ بْنُ جُبير، وَمَعَنَا جَارِيَةٌ تُغَنِّي بِدُفٍ
__________
(1) . قوله [ويروى الغينة] أي بكسر الغين كما صرح به ياقوت(13/317)
مَعَهَا وَتَقُولُ:
لَئِنْ فَتَنَتْنِي لَهْيَ بالأَمس أَفتنت ... سَعِيدًا، فأَمسى قَدْ قَلَا كُلَّ مُسْلِمِ
وأَلْقى مَصابيحَ القِراءةِ، واشْترى ... وِصالَ الغَواني بالكتابِ المُتَمَّمِ
فَقَالَ سَعِيدٌ: كَذَبْتُنَّ كذَبْتنَّ.
والفِتْنةُ: إِعجابُك بِالشَّيْءِ، فتَنَه يَفْتِنُه فَتْناً وفُتُوناً، فَهُوَ فاتِنٌ، وأَفْتَنَه؛ وأَباها الأَصمعي بالأَلف فأَنشد بَيْتَ رُؤْبَةَ:
يُعْرِضْنَ إِعْراضاً لدِينِ المُفْتِنِ
فَلَمْ يُعْرَفِ الْبَيْتُ فِي الأُرجوزة؛ وأَنشد الأَصمعي أَيضاً:
لَئِنْ فتَنَتْني لَهْيَ بالأَمسِ أَفتنتْ
فَلَمْ يَعْبأْ بِهِ، وَلَكِنَّ أَهل اللُّغَةِ أَجازوا اللُّغَتَيْنِ. وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: فتَنَه جَعْلَ فِيهِ فِتْنةً، وأَفْتَنه أَوْصَلَ الفِتْنة إِلَيْهِ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: إِذا قَالَ أَفْتَنْتُه فَقَدْ تَعَرَّضَ لفُتِنَ، وإِذا قَالَ فتَنْتُه فَلَمْ يتعرَّض لفُتِنَ. وَحَكَى أَبو زَيْدٍ: أُفْتِنَ الرجلُ، بِصِيغَةِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، أَي فُتِنَ. وَحَكَى الأَزهري عَنِ ابْنِ شُمَيْلٍ: افْتَتَنَ الرجلُ وافْتُتِنَ لُغَتَانِ، قَالَ: وَهَذَا صَحِيحٌ، قَالَ: وأَما فتَنْتُه ففَتَنَ فَهِيَ لُغَةٌ ضَعِيفَةٌ. قَالَ أَبو زَيْدٍ: فُتِنَ الرجلُ يُفْتَنُ فُتُوناً إِذا أَراد الْفُجُورَ، وَقَدْ فتَنْته فِتْنةً وفُتُوناً، وَقَالَ أَبو السَّفَر: أَفْتَنْتُه إِفْتاناً، فَهُوَ مُفْتَنٌ، وأُفْتِنَ الرَّجُلُ وفُتِنَ، فَهُوَ مَفْتُون إِذا أَصابته فِتْنة فَذَهَبَ مَالُهُ أَو عَقْلُهُ، وَكَذَلِكَ إِذا اخْتُبِرَ. قَالَ تَعَالَى: وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً
. وَقَدْ فتَنَ وافْتَتَنَ، جَعَلَهُ لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا، وفتَّنْتُه تَفْتِيناً فَهُوَ مُفَتَّنٌ أَي مَفْتُون جِدًّا. والفُتُون أَيضاً: الافْتِتانُ، يتعدَّى وَلَا يتعدَّى؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: قَلْبٌ فاتِنٌ أَي مُفْتَتِنٌ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
رَخِيمُ الكلامِ قَطِيعُ القِيامِ، ... أَمْسى فُؤادي بِهَا فاتِنا
والمَفْتُونُ: الفِتْنة، صِيغَ الْمَصْدَرُ عَلَى لَفْظِ الْمَفْعُولِ كالمَعْقُول والمَجْلُودِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ
؛ قَالَ أَبو إِسحق: مَعْنَى المَفْتُونِ الَّذِي فُتِنَ بِالْجُنُونِ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: مَعْنَى الْبَاءِ الطَّرْحُ كأَنه قَالَ أَيُّكم المَفْتُونُ؛ قَالَ أَبو إِسحق: وَلَا يَجُوزُ أَن تَكُونَ الْبَاءُ لَغْواً، وَلَا ذَلِكَ جَائِزٌ فِي العربِية، وَفِيهِ قَوْلَانِ لِلنَّحْوِيِّينَ: أَحدهما أَن المفْتُونَ هَاهُنَا بِمَعْنَى الفُتُونِ، مَصْدَرٌ عَلَى الْمَفْعُولِ، كَمَا قَالُوا مَا لَهُ مَعْقُولٌ وَلَا مَعْقُودٌ رَأْيٌ، وَلَيْسَ لِفُلَانٍ مَجْلُودٌ أَي لَيْسَ لَهُ جَلَدٌ وَمِثْلُهُ المَيْسُورُ والمَعْسُورُ كأَنه قَالَ بأَيِّكم الفُتون، وَهُوَ الجُنون، وَالْقَوْلُ الثَّانِي فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ فِي أَيِّ الفَريقينِ المَجْنونُ أَي فِي فِرْقَةِ الإِسلام أَو فِي فِرْقَةِ الْكُفْرِ، أَقامَ الْبَاءَ مُقَامَ فِي؛ وَفِي الصِّحَاحِ: إِن الْبَاءَ فِي قَوْلِهِ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ
زَائِدَةٌ كَمَا زِيدَتْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً*؛ قَالَ: والمَفْتُون الفِتْنةُ، وَهُوَ مَصْدَرٌ كالمَحْلُوفِ والمَعْقول، وَيَكُونُ أَيُّكم الِابْتِدَاءَ وَالْمَفْتُونُ خَبَرُهُ؛ قَالَ: وَقَالَ الْمَازِنِيُّ المَفتون هُوَ رَفْعٌ بِالِابْتِدَاءِ وَمَا قَبْلَهُ خَبَرُهُ كَقَوْلِهِمْ بِمَنْ مُرورُك وَعَلَى أَيِّهم نُزُولُك، لأَن الأَول فِي مَعْنَى الظَّرْفِ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: إِذا كَانَتِ الْبَاءُ زَائِدَةً فَالْمَفْتُونُ الإِنسان، وَلَيْسَ بِمَصْدَرٍ، فإِن جُعِلَتِ الْبَاءُ غَيْرَ زَائِدَةٍ فَالْمَفْتُونُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الفُتُونِ. وافْتَتَنَ فِي الشَّيْءِ: فُتِن فِيهِ. وفتَنَ إِلى النساءِ فُتُوناً وفُتِنَ إِليهن: أَراد الفُجُور بهنَّ. والفِتْنة: الضَّلَالُ والإِثم. والفاتِنُ: المُضِلُّ عَنِ الْحَقِّ. والفاتِنُ: الشَّيْطَانُ لأَنه يُضِلُّ العِبادَ، صِفَةٌ غَالِبَةٌ. وَفِي حَدِيثِ
قَيْلَة: المُسْلم أَخو المُسْلم يَسَعُهُما الماءُ والشجرُ وَيَتَعَاوَنَانِ عَلَى الفَتَّانِ
؛ الفَتَّانُ: الشيطانُ الَّذِي يَفْتِنُ النَّاسَ بِخداعِه وَغُرُورِهِ وتَزْيينه الْمَعَاصِي، فإِذا نَهَى الرجلُ أَخاه عَنْ ذَلِكَ فَقَدْ(13/318)
أَعانه عَلَى الشَّيْطَانِ. قَالَ: والفَتَّانُ أَيضاً اللِّصُّ الَّذِي يَعْرِضُ للرُّفْقَةِ فِي طَرِيقِهِمْ فَيَنْبَغِي لَهُمْ أَن يَتَعَاوَنُوا عَلَى اللِّصِّ، وَجَمْعُ الفَتَّان فُتَّان، وَالْحَدِيثُ يُرْوَى بِفَتْحِ الْفَاءِ وَضَمِّهَا، فَمَنْ رَوَاهُ بِالْفَتْحِ فَهُوَ وَاحِدٌ وَهُوَ الشَّيْطَانُ لأَنه يَفْتِنُ الناسَ عَنِ الدِّينِ، وَمَنْ رَوَاهُ بِالضَّمِّ فَهُوَ جَمْعُ فاتِنٍ أَي يُعاوِنُ أَحدُهما الآخرَ عَلَى الَّذِينَ يُضِلُّون الناسَ عَنِ الْحَقِّ ويَفْتِنونهم، وفَتَّانٌ مِنْ أَبنية الْمُبَالَغَةِ فِي الفِتْنة، وَمِنَ الأَول قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ:
أَفَتَّانٌ أَنت يَا مُعَاذُ؟
وَرَوَى الزَّجَّاجُ عَنِ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ
؛ اسْتَعْمَلْتُمُوهَا فِي الفِتْنة، وَقِيلَ: أَنَمْتُموها. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً
؛ أَي أَخلَصناكَ إِخلاصاً. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي
؛ أَي لَا تُؤْثِمْني بأَمرك إِيايَ بِالْخُرُوجِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُتَيَسِّرٍ لِي فآثَمُ؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: وقيل إِن المنافقين هَزَؤُوا بِالْمُسْلِمِينَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَقَالُوا يُرِيدُونَ بَنَاتِ الأَصفر فَقَالَ: لَا تَفْتِنِّي أَي لَا تَفْتِنِّي بِبَنَاتِ الأَصفر، فأَعلم اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنهم قَدْ سقَطوا فِي الفِتْنةِ أَي فِي الإِثم. وفتَنَ الرجلَ أَي أَزاله عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ
؛ أَي يُمِيلُونك ويُزِيلُونك. ابْنُ الأَنباري: وَقَوْلُهُمْ فتَنَتْ فُلَانَةُ فُلاناً، قَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ أَمالته عَنِ الْقَصْدِ، والفِتْنة فِي كَلَامِهِمْ مَعْنَاهُ المُمِيلَةُ عَنِ الْحَقِّ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ
: فَسَّرَهُ ثَعْلَبٌ فَقَالَ: لَا تَقْدِرون أَن تَفْتِنُوا إِلا مَنْ قُضِيَ عَلَيْهِ أَن يَدْخُلَ النَّارَ، وعَدَّى بفاتِنين بِعَلَى لأَن فِيهِ مَعْنَى قَادِرِينَ فعدَّاه بِمَا كَانَ يُعَدَّى بِهِ قَادِرِينَ لَوْ لفِظَ بِهِ، وَقِيلَ: الفِتْنةُ الإِضلال فِي قَوْلِهِ: مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ
؛ يَقُولُ مَا أَنتم بِمُضِلِّين إِلا مَنْ أَضَلَّه اللَّهُ أَي لَسْتُمْ تُضِلُّونَ إِلا أَهلَ النَّارِ الَّذِينَ سَبَقَ عِلْمُ اللَّهِ فِي ضَلَالِهِمْ؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: أَهل الْحِجَازِ يَقُولُونَ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ
، وأَهل نَجْدٍ يَقُولُونَ
بمُفْتِنينَ
مِنْ أَفْتَنْتُ والفِتْنةُ: الجُنون، وَكَذَلِكَ الفُتُون. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ
؛ مَعْنَى الفِتْنة هَاهُنَا الْكُفْرُ، كَذَلِكَ قَالَ أَهل التَّفْسِيرِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والفِتْنةُ الكُفْر. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ*
. والفِتْنةُ: الفَضِيحة. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ
؛ قِيلَ: مَعْنَاهُ فَضِيحَتَهُ، وَقِيلَ: كُفْرَهُ، قال أَبو إِسحق: وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ اختِبارَه بِمَا يَظْهَرُ بِهِ أَمرُه. والفِتْنة: الْعَذَابُ نَحْوُ تَعْذِيبِ الْكُفَّارِ ضَعْفَى الْمُؤْمِنِينَ فِي أَول الإِسلام ليَصُدُّوهم عَنِ الإِيمان، كَمَا مُطِّيَ بلالٌ عَلَى الرَّمْضاء يُعَذَّبُ حَتَّى افْتَكَّه أَبو بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، فأَعتقه. والفِتْنةُ: مَا يَقَعُ بَيْنَ النَّاسِ مِنَ الْقِتَالِ. والفِتْنةُ: الْقَتْلُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا
؛ قَالَ: وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي سُورَةِ يُونُسَ: عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ
؛ أَي يَقْتُلَهُمْ؛ وأَما قَوْلُ
النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِني أَرى الفِتَنَ خِلالَ بُيوتِكم
، فإِنه يَكُونُ الْقَتْلُ وَالْحُرُوبُ وَالِاخْتِلَافُ الَّذِي يَكُونُ بَيْنَ فِرَقِ الْمُسْلِمِينَ إِذا تَحَزَّبوا، وَيَكُونُ مَا يُبْلَوْنَ بِهِ مِنْ زِينَةِ الدُّنْيَا وَشَهَوَاتِهَا فيُفْتَنُونَ بِذَلِكَ عَنِ الْآخِرَةِ وَالْعَمَلِ لَهَا.
وَقَوْلُهُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: مَا تَرَكْتُ فِتْنةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ
؛ يَقُولُ: أَخاف أَن يُعْجُبوا بهنَّ فَيَشْتَغِلُوا عَنِ الْآخِرَةِ وَالْعَمَلِ لَهَا. والفِتْنةُ: الاختِبارُ. وفتَنَه يَفْتِنُه: اختَبَره. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ
: قِيلَ: مَعْنَاهُ يُخْتَبَرُونَ بِالدُّعَاءِ إِلى الْجِهَادِ، وَقِيلَ: يُفْتَنُونَ بإِنزال الْعَذَابِ وَالْمَكْرُوهِ.(13/319)
والفَتْنُ: الإِحرَاق بِالنَّارِ. وفتَنَ الشيءَ فِي النَّارِ يَفْتِنُه: أَحرقه. والفَتِينُ مِنَ الأَرض: الحَرَّةُ الَّتِي قَدْ أَلْبَسَتْها كُلَّها حجارةٌ سُودٌ كأَنها مُحْرَقة، وَالْجَمْعُ فُتُنٌ. وَقَالَ شَمِرٌ: كُلُّ مَا غَيَّرَتْهُ النارُ عَنْ حَالِهِ فَهُوَ مَفْتُون، وَيُقَالُ للأَمة السَّوْدَاءِ مَفْتونة لأَنها كالحَرَّةِ فِي السَّوَادِ كأَنها مُحْترقَة؛ وَقَالَ أَبو قَيْسِ بنُ الأَسْلَتِ:
غِراسٌ كالفَتائِنِ مُعْرَضاتٌ، ... عَلَى آبارِها، أَبداً عُطُونُ
وكأَنَّ وَاحِدَةَ الفَتائن فَتينة، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْوَاحِدَةُ فَتِينة، وَجَمْعُهَا فَتِين؛ قَالَ الكميتُ:
ظَعَائِنُ مِنْ بَنِي الحُلَّافِ، تَأْوي ... إِلى خُرْسٍ نَواطِقَ، كالفَتِينا «2»
. فَحَذَفَ الْهَاءَ وَتَرَكَ النُّونَ مَنْصُوبَةً، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ: كالفِتِينَا. وَيُقَالُ: وَاحِدَةُ الفِتِينَ فِتْنَةٌ مِثْلُ عِزَةٍ وعِزِينَ. وَحَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ: يُقَالُ فِتُونَ فِي الرَّفْعِ، وفِتِين فِي النَّصْبِ وَالْجَرِّ، وأَنشد بَيْتَ الْكُمَيْتِ. والفِتْنَةُ: الإِحْراقُ. وفَتَنْتُ الرغيفَ فِي النَّارِ إِذا أَحْرَقْته. وفِتْنَةُ الصَّدْرِ: الوَسْواسُ. وفِتْنة المَحْيا: أَن يَعْدِلَ عَنِ الطَّرِيقِ. وفِتْنَةُ المَمات: أَنْ يُسْأَلَ فِي الْقَبْرِ. وَقَوْلُهُ عزَّ وَجَلَّ: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا
؛ أَي أَحرقوهم بِالنَّارِ المُوقَدَةِ فِي الأُخْدُود يُلْقُون المؤْمنين فِيهَا ليَصُدُّوهم عَنِ الإِيمان. وَفِي حَدِيثِ
الْحَسَنِ: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ
؛ قَالَ: فَتَنُوهم بِالنَّارِ
أَي امْتَحَنُوهم وَعَذَّبُوهُمْ، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى امْتِحانَ عَبِيدِهِ الْمُؤْمِنِينَ باللَّأْواءِ ليَبْلُوَ صَبْرَهم فيُثيبهم، أَو جَزَعَهم عَلَى مَا ابْتلاهم بِهِ فَيَجْزِيهم، جَزاؤُهم فِتْنةٌ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَلَمْ، أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ
؛ جاءَ فِي التَّفْسِيرِ: وَهُمْ لَا يُبْتَلَوْنَ فِي أَنفسهم وأَموالهم فيُعْلَمُ بِالصَّبْرِ عَلَى الْبَلَاءِ الصادقُ الإِيمان مِنْ غَيْرِهِ، وَقِيلَ: وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ
وَهُمْ لَا يُمْتَحَنُون بِمَا يَبِينُ بِهِ حَقِيقَةُ إِيمانهم؛ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
؛ أَي اخْتَبَرْنا وابْتَلَيْنا. وَقَوْلُهُ تَعَالَى مُخْبِراً عَنِ المَلَكَيْنِ هارُوتَ ومارُوتَ: إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ
؛ مَعْنَاهُ إِنما نَحْنُ ابتلاءٌ واختبارٌ لَكُمْ. وَفِي الْحَدِيثِ:
الْمُؤْمِنُ خُلِقَ مُفَتَّناً
أَي مُمْتَحَناً يمتَحِنُه اللَّهُ بِالذَّنْبِ ثُمَّ يَتُوبُ ثُمَّ يَعُودُ ثُمَّ يَتُوبُ، مِنْ فَتَنْتُه إِذا امْتَحنْتَه. وَيُقَالُ فِيهِمَا أَفْتَنْتُه أَيضاً، وَهُوَ قَلِيلٌ: قَالَ ابْنُ الأَثير: وَقَدْ كَثُرَ اسْتِعْمَالُهَا فِيمَا أَخرجه الاخْتِبَار لِلْمَكْرُوهِ، ثمَّ كَثُر حَتَّى اسْتُعْمِلَ بِمَعْنَى الإِثم وَالْكُفْرِ وَالْقِتَالِ والإِحراق والإِزالة والصَّرْفِ عَنِ الشَّيْءِ. وفَتَّانَا القَبْرِ: مُنْكَرٌ ونَكِيرٌ. وَفِي حَدِيثِ الْكُسُوفِ:
وإِنكم تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ
؛ يُرِيدُ مُساءَلة مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ، مِنَ الفتنةِ الِامْتِحَانِ، وَقَدْ كَثُرَتِ اسْتِعَاذَتُهُ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَفِتْنَةِ الدَّجَّالِ وَفِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
فَبِي تُفْتَنونَ وعنِّي تُسْأَلونَ
أَي تُمْتَحَنُون بِي فِي قُبُورِكُمْ ويُتَعَرَّف إِيمانُكم بنبوَّتي. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنه سَمِعَ رَجُلًا يتعوَّذ مِنَ الفِتَنِ فَقَالَ: أَتَسْأَلُ رَبَّك أَن لَا يَرْزُقَك أَهْلًا وَلَا مَالًا؟
تَأَوَّلَ قَوْلَهُ عزَّ وَجَلَّ: أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ*
، وَلَمْ يُرِدْ فِتَنَ القِتالِ والاختلافِ. وَهُمَا فَتْنَانِ أَي ضَرْبانِ ولَوْنانِ؛ قَالَ نَابِغَةُ بَنِي جَعْدة:
هُمَا فَتْنَانِ مَقْضِيٌّ عَلَيْهِ ... لِسَاعَتِه، فآذَنَ بالوَداعِ
__________
(2) . قوله [من الحلاف] كذا بالأصل بهذا الضبط، وضبط في نسخة من التهذيب بفتح الحاء المهملة(13/320)
الْوَاحِدُ: فَتْنٌ؛ وَرَوَى أَبو عَمْرٍو الشَّيْبانيّ قَوْلَ عُمَرَ بْنِ أَحمر الْبَاهِلِيِّ:
إِمّا عَلَى نَفْسِي وإِما لَهَا، ... والعَيْشُ فِتْنَان: فَحُلْوٌ ومُرّ
قَالَ أَبو عَمْرٍو: الفِتْنُ النَّاحِيَةُ، وَرَوَاهُ غَيْرُهُ: فَتْنانِ، بِفَتْحِ الْفَاءِ، أَي حَالَانِ وفَنَّانِ، قَالَ ذَلِكَ أَبو سَعِيدٍ قَالَ: وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ فَنَّانِ أَي ضَرْبانِ. والفِتانُ، بِكَسْرِ الْفَاءِ: غِشاء يَكُونُ للرَّحْل مِنْ أَدَمٍ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
فثَنَيْت كَفِّي والفِتانَ ونُمْرُقي، ... ومَكانُهنَّ الكُورُ والنِّسْعانِ
والجمع فُتُنٌ.
فجن: الفَيْجَنُ والفَيْجَلُ: السَّذاب؛ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: وَلَا أَحسبها عَرَبِيَّةً صَحِيحَةً. وَقَدْ أَفْجَنَ الرجلُ إِذا دَامَ عَلَى أَكل السَّذاب.
فحن: الأَزهري: أَمَّا فَحَنَ فأَهمله اللَّيْثُ: قَالَ: وفَيْحانُ اسْمُ مَوْضِعٍ، قَالَ: وأَظنه فَيْعالٌ مِنْ فَحَنَ. والأَكثر أَنه فَعْلان مِنَ الأَفْيَح، وَهُوَ الواسِعُ، وسمَّت الْعَرَبُ المرأَة فَيْحُونة.
فدن: الفَدَنُ: القَصْرُ المَشِيدُ؛ قَالَ المُثَقِّبُ العَبْديّ:
يُنْبِي تَجاليدِي وأَقْتادَها ... ناوٍ، كرأْسِ الفَدَنِ المُؤْيَدِ
وَالْجَمْعُ أَفْدانٌ؛ وأَنشد
كَمَا تَرَاطَنَ فِي أَفْدانِها الرُّومُ
وَبِنَاءٌ مُفَدَّنٌ: طَوِيلٌ. والفَدانُ، بِتَخْفِيفِ الدَّالِ: الَّذِي يَجْمَعُ أَداةَ الثَّوْرَيْنِ فِي القِرانِ للحَرْثِ، وَالْجَمْعُ أَفْدِنَةٌ وفُدُنٌ. والفَدَّانُ: كالفَدَانِ، فَعَّال بِالتَّشْدِيدِ، وَقِيلَ: الفَدَّانُ الثَّوْرُ، وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الفَداَّنُ الثَّوْرَانِ اللَّذَانِ يُقْرَنَانِ فَيُحْرَثُ عَلَيْهِمَا، قَالَ: وَلَا يُقَالُ لِلْوَاحِدِ مِنْهُمَا فدانٌ. أَبو عَمْرٍو: الفَدَّانُ وَاحِدُ الفَدَادِينِ، وَهِيَ الْبَقَرُ الَّتِي يُحْرَثُ بِهَا؛ قَالَ أَبو تُرَابٍ: أَنشدني أَبو خَلِيفَةَ الحُصَيْنِيُّ لِرَجُلٍ يَصِفُ الجُعَل:
أَسْوَدُ كَاللَّيْلِ، وَلَيْسَ بِاللَّيْلِ، ... لَهُ جناحانِ، وَلَيْسَ بالطَّيْر،
يَجُرُّ فَداَّناً، وَلَيْسَ بالثَّوْر
فَجَمَعَ بَيْنَ الرَّاءِ وَاللَّامِ فِي الْقَافِيَةِ وَشَدَّدَ الفَدَّانَ؛ قَالَ ابْنُ الأَعرابي: هُوَ الفَدَان، بِتَخْفِيفِ الدَّالِ. وَقَالَ أَبو حَاتِمٍ: تَقُولُ الْعَامَّةُ الفَدَّان، وَالصَّوَابُ الفَدَان، بِالتَّخْفِيفِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: ذَكَرَهُ سِيبَوَيْهِ فِي كِتَابِهِ وَرَوَاهُ عَنْهُ أَصحابه فَدَان، بِالتَّخْفِيفِ، وَجَمَعَهُ عَلَى أَفْدِنة وَقَالَ: العِيَانُ حَدِيدَةٌ تَكُونُ فِي مَتَاعِ الفَدَان، وَضَبَطُوا الفَدَان بِالتَّخْفِيفِ. قَالَ: وأَما الفَدَّان، بِالتَّشْدِيدِ، فَهُوَ الْمَبْلَغُ الْمُتَعَارَفُ، وَهُوَ أَيضاً الثَّوْرُ الَّذِي يُحْرَثُ بِهِ، وَحَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ عَنِ أَبي الْحَسَنِ الصِّقِلِّي فِي تَرْجَمَةِ عَيْنٍ قَالَ: الفدَان، بِالتَّخْفِيفِ، الْآلَةُ التي يحرث بها. والفَدَّان أَيضاً: المَزْرَعة. وفُدَيْنٌ والفُدَيْنُ: مَوْضِعٌ. والفَدَنُ صِبْغ أَحمر.
فرن: الفُرْنُ: الَّذِي يُخْبَزُ عَلَيْهِ الفُرْنيُّ، وَهُوَ خُبْز غَلِيظٌ نُسِبَ إِلى مَوْضِعِهِ، وَهُوَ غَيْرُ التَّنُّورِ؛ قَالَ أَبو خِراشٍ الهُذَلِيُّ يَمْدَحُ دُبَيَّة السُّلَمِيّ:
نُقاتِلُ جُوعَهمْ بمُكَلَّلاتٍ ... مِنَ الفُرْنِيِّ، يَرْعَبُها الجَميلُ
وَيُرْوَى: نُقابل، بِالْبَاءِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ(13/321)
يُقَابَلُ بِالْيَاءِ وَالْبَاءِ، وَالضَّمِيرُ يَعُودُ إِلى دُبَيَّة؛ وَقَبْلَهُ:
فنِعْمَ مُعَرَّسُ الأَضْيافِ تَذْحى، ... رِحالَهُمُ، شآمِيَةٌ بَلِيلُ
يُقَالُ: ذَحاه يَذْحُوه ويَذْحَاه طَرَدَهُ، بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ. وَقَالَ الخليلُ: الفُرنيّ طَعَامٌ، وَاحِدَتُهُ فُرْنِيَّةٌ. وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: الفُرْن شَيْءٌ يُخْتَبَز فِيهِ، قَالَ: وَلَا أَحسبه عَرَبِيًّا. غَيْرُهُ: الفُرْنُ المَخْبَز، شَامِيَّةٌ، وَالْجَمْعُ أَفْرانٌ. والفُرنْيَّةُ: الخُبْزَة المُسْتديرة الْعَظِيمَةُ، مَنْسُوبَةٌ إِلى الفُرْنِ. والفُرْنِيُّ: طَعَامٌ يُتَّخَذُ، وَهِيَ خُبْزَة مُسَلَّكَة مُصَعْنَبَة مَضْمُومَةُ الْجَوَانِبِ إِلى الْوَسَطِ، يُسَلَّكُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ ثُمَّ تُرَوَّى لَبَنًا وَسَمْنًا وسُكَّراً، وَاحِدَتُهُ فُرْنِيَّة. والفارِنَة: خَبَّازة هَذَا الفُرْنِيّ الْمَذْكُورِ، وَيُسَمَّى ذَلِكَ المُخْتَبَزُ فُرْناً. وَفِي كَلَامِ بَعْضِ الْعَرَبِ: فإِذا هِيَ مِثْلُ الفُرْنِيَّة الْحَمْرَاءِ. والفُرْنِيُّ: الرَّجُلُ الغليظُ الضخمُ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
وطاحَ، فِي المَعْرَكةِ، الفُرْنِيُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: والفُرْنِيُّ أَيضاً الضَّخْمُ مِنَ الْكِلَابِ، وأَنشد بَيْتَ العجاج هذا.
فرتن: أَبو سَعِيدٍ: الفَرْتَنَةُ عِنْدَ الْعَرَبِ «1» . تَشْقِيقُ الْكَلَامِ والاهْتِماشُ فِيهِ. يُقَالُ: فُلَانٌ يُفَرْتِنُ فَرْتَنةً. وفَرْتَنَى: الأَمَةُ والزانيةُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنه ثُلَاثِيٌّ عَلَى رأْي ابْنِ حَبِيبٍ، وأَن نُونَهُ زَائِدَةٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ بَرِّيٍّ: الفَرْتَنى معرَّفاً بالأَلف وَاللَّامِ، قَالَ: وَكَذَلِكَ الهَلُوكُ والمُومِسَة. وفَرَتَ الرجلُ يَ 9 فْرُتُ فَرْتاً: فَجَر؛ قَالَ: وأَما سِيبَوَيْهِ فَجَعَلَهُ رُبَاعِيًّا. ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ للأَمة الفَرْتَنَى. وَابْنُ الفَرْتَنَى: وَهُوَ ابْنُ الأَمةِ البَغِيِّ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الأَمة فَرْتَنَى. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَالَ الأَحْوَلُ ابْنُ فَرْتَنَى وَابْنُ تُرْنَى يُقَالَانِ لِلَّئِيمِ. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: فَرْتَنَى الأَمةُ، وَكَذَلِكَ تُرْنَى؛ قَالَ الأَشهب بْنُ رُمَيْلَةَ.
أَتانِيَ مَا قَالَ البَعِيثُ ابنُ فَرْتَنَى، ... أَلم تَخْشَ، إِذ أَوْعَدْتَها، أَن تُكَذّبا؟
وَقَالَ جَرِيرٌ:
أَلم تَرَ أَنِّي، إِذ رَمَيْتُ ابْنَ فَرْتَنَى ... بصَمَّاءَ، لَا يَرْجُو الحياةَ أَمِيمُها
وَقَالَ أَيضاً:
مَهْلًا بَعِيثُ، فإِنَّ أُمَّكَ فَرْتَنَى ... حَمْراءُ، أَثْخَنَتِ العُلُوجَ رُداما
قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: أَراد الأَمة، وَكَانَتْ أُمُّ البَعِيثِ حمراءَ مِنْ سَبْي أَصْفَهان، وَابْنُ تُرْنَى ذَكَرَهُ فِي تَرَنَ. وفَرْتَنَى، مَقْصُورٌ: اسْمُ امرأَة؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
عَفا ذُو حُساً مِنْ فَرْتَنَى فالفَوارِعُ، ... فَجَنْبا أَرِيكٍ، فالتِّلاعُ الدَّوافِعُ
وفَرْتَنَى أَيضاً: قَصْرٌ بمَرْوِ الرُّوذِ كَانَ ابْنُ خَازِمٍ قَدْ حَاصَرَ فِيهِ زُهَيْرَ بْنُ ذُؤَيْبٍ العَدَوِيّ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الهَزَارْمَرْدُ.
فرجن: الفِرْجَونُ: المِحَسَّةُ. وَقَدْ فَرْجَنَ الدابةَ بالفِرْجَوْن أَي بالمِحَسَّة أَي حَسَّها، وَاللَّهُ تعالى أَعلم.
فرزن: الفِرْزانُ: مِنْ لُعَبِ الشِّطْرَنْج، أَعجمي مُعَرَّبٌ، وَجَمْعُهُ فَرَازِينُ «2» .
فرسن: الفُرَاسِنُ والفِرْسَانُ مِنَ الأُسْد، واعْتَدَّ سِيبَوَيْهِ الفِرْناسَ ثُلَاثِيًّا، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ. والفِرْسِنُ: فِرْسِنُ الْبَعِيرِ، وهي مؤنثة، وجمعها
__________
(1) . قوله [الفرتنة عند العرب إلخ] وهي أيضاً بهذا الضبط: التقارب في المشي كما في القاموس والتكملة
(2) . الفرزان، في الشطرنج، الملَكَة(13/322)
فَراسِنُ. وَفِي الفَراسِنِ السُّلامَى: وَهِيَ عِظَامُ الفِرْسِن وقَصَبُها، ثُمَّ الرُّسْغ فَوْقَ ذَلِكَ، ثُمَّ الوَظِيفُ، ثُمَّ فَوْقَ الوَظِيفِ مِنْ يَدِ الْبَعِيرِ الذِّراعُ، ثُمَّ فَوْقَ الذِّرَاعِ العَضُدُ، ثُمَّ فَوْقَ العَضُدِ الكتفُ، وَفِي رِجْلِهِ بَعْدَ الفِرْسِنِ الرُّسغُ ثُمَّ الوظيفُ ثُمَّ السَّاقُ ثُمَّ الْفَخْذُ ثُمَّ الوَرِكُ، وَيُقَالُ لِمَوْضِعِ الفِرْسِن مِنَ الْخَيْلِ الحافرُ ثُمَّ الرُّسْغُ. والفِرْسِنُ مِنَ الْبَعِيرِ: بِمَنْزِلَةِ الْحَافِرِ مِنَ الدَّابَّةِ، قَالَ: وَرُبَّمَا اسْتُعِيرَ فِي الشَّاةِ. قَالَ ابْنُ السَّرَّاجِ: النُّونُ زَائِدَةٌ لأَنها مِنْ فَرسْتُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَالَّذِي لِلشَّاةِ هُوَ الظِّلْفُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ فِرسِنَ شَاةٍ
؛ الفِرْسِنُ: عَظْمٌ قَلِيلُ اللَّحْمِ، وَهُوَ خُفَّ البعير كالحافر للدابة.
فرصن: فَرْصَنَ الشيءَ: قَطَعَهُ؛ عن كراع.
فرعن: الفَرْعَنَةُ: الكِبْرُ والتَّجَبُّر. وفِرْعَوْنُ كُلِّ نَبِيٍّ مَلِكُ دَهْره؛ قَالَ القَطامِي:
وشُقَّ البَحْرُ عَنْ أَصحابِ مُوسَى، ... وغُرِّقَتِ الفَراعِنَةُ الكِفارُ
الكِفارُ: جَمْعُ كَافِرٍ كَصَاحِبٍ وَصِحَابٍ، وَفِرْعَوْنُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ مِنْ هَذَا، وإِنما تَرَكَ صَرْفَهُ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ لأَنه لَا سَمِيَّ لَهُ كإِبليس فِيمَنْ أَخذه مِنْ أَبْلَسَ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي أَن فِرْعَوْنَ هَذَا العَلَم أَعجميٌّ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُصْرَفْ. الْجَوْهَرِيُّ: فِرْعَوْنُ لَقَبُ الْوَلِيدِ بْنِ مُصْعَبٍ مَلِكِ مِصْرَ. وكلُّ عاتٍ فِرْعَوْنٌ، والعُتاةُ: الْفَرَاعِنَةُ. وَقَدْ تَفَرْعَنَ وَهُوَ ذُو فَرْعَنَة أَي دَهاءٍ وتَكَبُّر. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَخَذَنا فِرْعَوْنُ هَذِهِ الأُمة.
الأَزهري: مِنَ الدُّرُوع الفِرْعَوْنِيَّةُ؛ قَالَ شَمِرٌ: هِيَ مَنْسُوبَةٌ إِلى فِرْعَوْنِ مُوسَى، وَقِيلَ: الفِرْعَوْنُ بِلُغَةِ القِبْط التّمسَاح، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: حَكَى ابْنُ خَالَوِيهْ عَنِ الْفَرَّاءِ فُرْعُون، بِضَمِّ الْفَاءِ، لُغَةٌ نَادِرَةٌ.
فشن: فَيْشُونُ: اسْمُ نَهَرٍ؛ حَكَاهُ صاحبُ الْعَيْنِ عَلَى أَنه قَدْ يَكُونُ فَعْلُوناً، وإِن لَمْ يَحْكِ سِيبَوَيْهِ هَذَا الْبِنَاءَ. اللَّيْثُ: فَيْشُون اسْمُ نَهَرٍ، وأَفْشِيُونُ أَعجمي.
فطن: الفِطْنَةُ: كَالْفَهْمِ. والفِطْنَة: ضِدُّ الغَباوة. وَرَجُلٌ فَطِنٌ بَيِّنُ الفِطْنة والفَطَنِ وَقَدْ فَطَنَ لِهَذَا الأَمر، بِالْفَتْحِ، يَفْطُنُ فِطْنَة وفَطُنَ فَطْناً وفَطَناً، وفُطُناً وفُطُونة وفَطانة وفَطَانية، فَهُوَ فاطِنٌ لَهُ وفَطُون وفَطِين وفَطِنٌ وفَطُنٌ وفَطْنٌ وفَطُونة، وَقَدْ فَطِنَ، بِالْكَسْرِ، فِطْنة وفَطَانة وفَطَانيةً، وَالْجَمْعُ فُطْنٌ، والأُنثى فَطِنَة؛ قَالَ الْقُطَامِيُّ:
إِلى خِدَبٍّ سَبِطٍ ستِّيني، ... طَبٍّ بذاتِ قَرْعِها فَطُونِ
وَقَالَ الْآخَرُ:
قالتْ، وكنتُ رَجُلًا فَطِينَا: ... هَذَا لَعَمْرُ اللهِ إِسْرائينا
وَقَالَ قَيْسُ بنُ عاصمٍ فِي الْجَمْعِ
لَا يَفْطُنُونَ لعَيْبِ جارِهِمِ، ... وهُمُ لِحِفْظِ جِوارِه فُطْنُ
والمُفاطَنَةُ: مُفَاعلة مِنْهُ. اللَّيْثُ: وأَما الفَطِنُ فَذُو فِطْنَةٍ للأَشياء، قَالَ: وَلَا يَمْتَنِعُ كُلُّ فِعْلٍ مِنَ النُّعُوتِ مِنْ أَن يُقَالَ قَدْ فَعُلَ وفَطُنَ أَي صَارَ فَطِناً إِلَّا الْقَلِيلُ. وفَطَّنه لِهَذَا الأَمر تَفْطِيناً: فَهَّمَه. وَفِي الْمَثَلِ: لَا يُفطِّنُ القارَةَ إِلا الحِجارة؛ القارةُ: أُنثى الذِّئبَةِ. وفاطَنَةُ فِي الْحَدِيثِ: راجَعَه؛ قَالَ الرَّاعِي:(13/323)
إِذا فاطَنَتْنا فِي الحديثِ تَهَزْهَزَتْ ... إِليها قلوبٌ، دُونَهُنَّ الجَوانِحُ
وَيُقَالُ: فَطِنْتُ إِليه وَلَهُ وَبِهِ فِطْنَةً وفَطانة. وَيُقَالُ: لَيْسَ لَهُ فُطْنٌ أَي فِطْنةٌ.
فكن: فَكَنَ فِي الْكَذِبِ: لَجَّ ومَضى. وتَفَكَّنَ: تأَسَّفَ وتَلَهَّفَ، وَقِيلَ: هُوَ التَّلَهُّفُ على الشيءِ يفوتك بعد ما ظَنَنْتَ أَنك ظَفِرْتَ بِهِ، وَقِيلَ: هُوَ التَّنَدُّمُ، قَالَ الشَّاعِرُ:
وَلَا خارِب، إِن فَاتَهُ زادُ ضَيْفِه ... يَعَضُّ عَلَى إِبْهامه، يَتَفَكَّنُ «1»
ابْنُ الأَعرابي: الفُكْنَةُ النَّدَامَةُ، وَقِيلَ: النَّدَامَةُ عَلَى الْفَائِتِ، والتَّفَكُّنُ: التَّنَدُّمُ عَلَى مَا فَاتَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَثَلُ العالِم مَثلُ الحَمَّةِ مِنَ الْمَاءِ يأْتيها البُعَداءُ وَيَتْرُكُهَا القُرَباءُ، حَتَّى إِذا غَاضَ ماؤُها بَقِيَ قَوْمُهُ يَتَفَكَّنُونَ
، قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: يَتَفَكَّنُونَ أَي يَتَنَدَّمُون «2» . اللِّحْيَانِيُّ: أَزْدُ شَنُوأَةَ يَقُولُونَ يَتَفَكَّهُون، وَتَمِيمٌ تَقُولُ يَتَفَكَّنُون، وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ: فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ أَي تَعَجَّبُونَ، وَقَالَ عِكْرِمة: تَنَدَّمُونَ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: تَفَكَّهْتُ وتَفَكَّنْتُ أَي تَنَدَّمْتُ، قَالَ رُؤْبَةُ:
أَما جَزاءُ العارِفِ المُسْتَيْقِنِ ... عندَك، إِلا حاجةُ التَّفَكُّنِ
أَبو تُرَابٍ: سَمِعْتُ مُزاحِماً يَقُولُ تَفَكَّنَ وتَفَكَّرَ وَاحِدٌ، واللَّه أَعلم.
فلن: فُلانٌ وفُلانَةُ: كِنَايَةٌ عَنْ أَسماء الْآدَمِيِّينَ. والفُلانُ والفُلانَةُ: كِنَايَةٌ عَنْ غَيْرِ الْآدَمِيِّينَ. تَقُولُ الْعَرَبُ: رَكِبْتُ الفُلانَ وحَلَبْتُ الفُلانة. ابْنُ السَّرَّاج: فُلانٌ كِنَايَةٌ عَنِ اسْمٍ سُمِّيَ بِهِ المُحَدَّثُ عَنْهُ، خَاصٌّ غَالِبٌ. وَيُقَالُ فِي النِّدَاءِ: يَا فُلُ فَتُحْذَفُ مِنْهُ الأَلف وَالنُّونُ لِغَيْرِ تَرْخِيمٍ، وَلَوْ كَانَ تَرْخِيمًا لَقَالُوا يَا فُلا، قَالَ: وَرُبَّمَا جَاءَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ النِّدَاءِ ضَرُورَةً؛ قَالَ أَبو النَّجْمِ:
فِي لَجَّةٍ، أَمْسِكْ فُلَانًا عَنْ فُلِ
وَاللُّجَّةُ: كَثْرَةُ الأَصوات، وَمَعْنَاهُ أَمسك فُلَانًا عَنْ فُلَانٍ. وفلانٌ وفلانةُ: كِنَايَةٌ عَنِ الذَّكَرِ والأُنثى مِنَ النَّاسِ، قَالَ: وَيُقَالُ فِي غَيْرِ النَّاسِ الفُلانُ والفُلانَةُ بالأَلف وَاللَّامِ. اللَّيْثُ: إِذا سُمِّيَ بِهِ إِنسان لَمْ يَحْسُنْ فِيهِ الأَلف وَاللَّامُ. يُقَالُ: هَذَا فلانٌ آخَرُ لأَنه لَا نَكِرَةَ لَهُ، ولكن العرب إِذا سَمَّوْابه الإِبلَ قَالُوا هَذَا الفُلانُ وَهَذِهِ الفُلانة، فإِذا نُسِبْتَ قُلْتَ فلانٌ الفُلانِيُّ، لأَن كُلَّ اسْمٍ يُنْسَبُ إِليه فإِن الْيَاءَ الَّتِي تَلْحَقُهُ تُصَيِّرُهُ نَكِرَةً، وبالأَلف وَاللَّامِ يَصِيرُ مَعْرِفَةً فِي كُلِّ شَيْءٍ. ابْنُ السِّكِّيتِ: تَقُولُ لَقِيتُ فُلَانًا، إِذا كَنَيْت عَنِ الْآدَمِيِّينَ قُلْتَهُ بِغَيْرِ أَلف وَلَامٍ، وإِذا كَنَيْتَ عَنِ الْبَهَائِمِ قُلْتَهُ بالأَلف وَاللَّامِ؛ وأَنشد فِي تَرْخِيمِ فُلَانٍ:
وهْوَ إِذا قِيلَ لَهُ: وَيْهاً، فُلُ ... فإِنه أَحْجِ بِه أَن يَنْكَلُ
وهْو إِذا قِيلَ لَهُ: وَيْهاً، كُلُ ... فإِنه مُوَاشِكٌ مُسْتَعْجِلُ
وَقَالَ الأَصمعي فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ أَبو تُرَابٍ: يُقَالُ قُمْ يَا فُلُ وَيَا فُلاه، فَمَنْ قَالَ يَا فُلُ فَمَضَى فَرَفَعَ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ فَقَالَ قُمْ يَا فُلُ؛ وَقَالَ الْكُمَيْتُ:
يقالُ لمِثْلِي: وَيْهاً فُلُ
وَمَنْ قَالَ يَا فُلاه فسكن أَثبت الْهَاءَ فَقَالَ قُلْ ذَلِكَ يَا فُلاه، وإِذا مَضَى قَالَ يَا فُلا قُلْ ذَلِكَ، فَطَرَحَ وَنَصَبَ. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: قَوْلُهُمْ يَا فُلُ ليس بترخيم
__________
(1) . 1 قوله «ولا خارب» الذي في نسخة من التهذيب: ولا خائب.
(2) . 2 في النهاية:
حَتَّى إِذَا غَاضَ مَاؤُهَا بقي قوم يتفكَّنون
أي يتندمون والفكنة الندامة على الفائت.(13/324)
وَلَكِنَّهَا كَلِمَةٌ عَلَى حِدَةٍ. ابْنُ بُزُرْج: يَقُولُ بَعْضُ بَنِي أَسدٍ يَا فُلُ أَقبل وَيَا فُلُ أَقبلا وَيَا فُلُ أَقبلوا، وَقَالُوا للمرأَة فِيمَنْ قَالَ يَا فُلُ أَقْبِلْ: يَا فُلانَ أَقبلي، وَبَعْضُ بَنِي تَمِيمٍ يَقُولُ يَا فُلانَةُ أَقبلي، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ يَا فُلاةُ أَقبلي. وَقَالَ غَيْرُهُمْ: يُقَالُ لِلرَّجُلِ يَا فُلُ أَقبل، وَلِلِاثْنَيْنِ يَا فُلانِ، وَيَا فُلُونَ لِلْجَمْعِ أَقبلوا، وللمرأَة يَا فُلَ أَقْبِلي، وَيَا فُلَتانِ، وَيَا فُلاتُ أَقْبِلْنَ، نَصَبَ فِي الْوَاحِدَةِ لأَنه أَراد يَا فُلَة، فَنَصَبُوا الْهَاءَ. وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: فلانٌ لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ. وَفِي حَدِيثِ الْقِيَامَةِ:
يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَي فُلْ أَلم أُكْرِمْكَ وأُسَوِّدْكَ؟
مَعْنَاهُ يَا فلانُ، قَالَ: وَلَيْسَ تَرْخِيمًا لأَنه لَا يُقَالُ إِلا بِسُكُونِ اللَّامِ، وَلَوْ كَانَ تَرْخِيمًا لَفَتَحُوهَا أَو ضَمُّوهَا؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: لَيْسَتْ تَرْخِيمًا وإِنما هِيَ صِيغَةٌ ارْتُجِلَتْ فِي بَابِ النِّدَاءِ، وَقَدْ جَاءَ فِي غَيْرِ النِّدَاءِ؛ وأَنشد:
فِي لَجَّةٍ أَمْسِكْ فُلَانًا عَنْ فُلِ
فَكَسَرَ اللَّامَ لِلْقَافِيَّةِ. قَالَ الأَزهري: لَيْسَ بِتَرْخِيمِ فُلانٍ، وَلَكِنَّهَا كَلِمَةٌ عَلَى حِدَةٍ، فَبَنُو أَسد يُوقِعُونَها عَلَى الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعُ وَالْمُؤَنَّثُ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، وَغَيْرُهُمْ يُثَنِّي وَيَجْمَعُ وَيُؤَنِّثُ؛ وَقَالَ قَوْمٌ: إِنه تَرْخِيمُ فُلَانٍ، فَحُذِفَتِ النُّونُ لِلتَّرْخِيمِ والأَلف لِسُكُونِهَا، وَتُفْتَحُ اللَّامُ وَتُضَمُّ عَلَى مَذْهَبَيِ التَّرْخِيمِ. وَفِي حَدِيثِ
أُسامة فِي الْوَالِي الْجَائِرِ: يُلْقى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتابُه فَيُقَالُ لَهُ أَي فُلْ أَين مَا كُنْتَ تَصِفُ.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا
؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: لَمْ أَتخذ فُلَانًا الشيطانَ خَلِيلًا، قَالَ: وتصديقُه: وَكَانَ الشَّيْطَانُ للإِنسان خَذُولًا؛ قَالَ: وَيُرْوَى أَن عُقْبة بْنِ أَبي مُعَيْطٍ هُوَ الظَّالِمُ هَاهُنَا، وأَنه كَانَ يأْكل يَدَيْهِ نَدَماً، وأَنه كَانَ عَزْمٌ عَلَى الإِسلام فَبَلَغَ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ فَقَالَ لَهُ أُميةُ: وَجْهِي مِنْ وَجْهِك حرامٌ إِن أَسلمت وإِن كَلَّمْتُكَ أَبداً فَامْتَنَعَ عُقْبَةُ مِنَ الإِسلام، فإِذا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَكل يَدَيْهِ نَدَمًا، وَتَمَنَّى أَنه آمَنَ وَاتَّخَذَ مَعَ الرَّسُولِ إِلى الْجَنَّةِ سَبِيلًا وَلَمْ يَتَّخِذْ أُمية بْنِ خَلَفٍ خَلِيلًا، وَلَا يَمْتَنِعُ أَن يَكُونَ قَبُولُهُ مِنْ أُمية مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ وإِغوائه. وفُلُ بْنُ فُلٍ: مَحْذُوفٌ، فأَما سِيبَوَيْهِ فَقَالَ: لَا يُقَالُ فُل يَعْنِي بِهِ فُلَانٌ إِلا فِي الشِّعْرِ كَقَوْلِهِ:
فِي لَجَّةٍ، أَمسك فُلَانًا عَنْ فُلِ
وأَما يَا فُلْ الَّتِي لَمْ تُحْذَفُ مِنْ فُلَانٍ فَلَا يُسْتَعْمَلُ إِلا فِي النِّدَاءِ، قَالَ: وإِنما هُوَ كَقَوْلِكَ يَا هَناه، وَمَعْنَاهُ يَا رَجُلُ. وفلانٌ: اسْمُ رَجُلٍ. وَبَنُو فُلان: بَطنٌ نَسَبُوا إِليه، وَقَالُوا فِي النَّسَبِ الفُلانيّ كَمَا قَالُوا الهَنِيّ، يَكْنُونَ بِهِ عَنْ كُلِّ إِضافة. الخليلُ: فلانٌ تَقْدِيرُهُ فُعال وَتَصْغِيرُهُ فُلَيِّنٌ، قَالَ: وَبَعْضٌ يَقُولُ هُوَ فِي الأَصل فُعْلانٌ حُذِفَتْ مِنْهُ وَاوٌ، قَالَ: وَتَصْغِيرُهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فُلَيَّانٌ، وكالإِنسان حُذِفَتْ مِنْهُ الْيَاءُ أَصله إِنْسِيان، وَتَصْغِيرُهُ أُنَيْسِيانُ، قَالَ: وَحُجَّةُ قولهم فُلُ بن فُلٍ كَقَوْلِهِمْ هَيُّ بْنُ بَيٍّ وهَيَّانُ بنُ بَيَّانَ. وَرُوِيَ عَنِ الْخَلِيلِ أَنه قَالَ: فلانٌ نُقْصانُه يَاءٌ أَو وَاوٌ مِنْ آخِرِهِ، وَالنُّونُ زَائِدَةٌ، لأَنك تَقُولُ فِي تَصْغِيرِهِ فُلَيَّانٌ، فَيَرْجِعُ إِليه مَا نَقَصَ وَسَقَطَ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ فلانٌ مِثْلَ دُخانٍ لَكَانَ تَصْغِيرُهُ فُلَيِّنٌ مِثْلُ دُخَيِّنٍ، وَلَكِنَّهُمْ زَادُوا أَلفاً وَنُونًا عَلَى فُلَ؛ وأَنشد لأَبي النَّجْمِ:
إِذْ غَضِبَتْ بالعَطَنِ المُغَرْبَلِ، ... تُدافِعُ الشِّيبَ وَلَمْ تُقَتَّلِ،
فِي لَجَّةٍ، أَمْسِكْ فُلَانًا عن فُلِ
فلسطن: فِلَسْطِينُ، بِكَسْرِ الْفَاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ: الكورَةُ الْمَعْرُوفَةُ فيما بين الأُرْدُنّ وديار مِصْرَ، حَمَاهَا اللَّهُ(13/325)
تَعَالَى، وأُمُّ بِلَادِهَا بيتُ المَقْدِسِ.
فلكن: قَوْسٌ فَيْلَكُونٌ: عَظِيمَةٌ؛ قال الأَسوَدُ ابنُ يَعفُرَ:
وكائِنْ كَسَرْنا مِنْ هَتُوفٍ مُرِنَّةٍ، ... عَلَى القومِ، كانتْ فَيْلكُونَ المَعابِلِ
وَذَلِكَ أَنه لَا تُرْمى المعابلُ وَهِيَ النِّصال المُطَوَّلة إِلا عَلَى قَوْسٍ عَظِيمَةٍ. الْجَوْهَرِيُّ: الفَيْلَكُونُ البَرْدِيُّ «1» ، هُوَ فَيعَلُول.
فنن: الفَنُّ: وَاحِدُ الفُنُون، وَهِيَ الأَنواع، والفَنُّ الحالُ. والفَنُّ: الضَّرْبُ مِنَ الشَّيْءِ، وَالْجَمْعُ أَفنان وفُنونٌ، وَهُوَ الأُفْنُون. يُقَالُ: رَعَيْنا فُنُونَ النَّباتِ، وأَصَبْنا فُنُونَ الأَموال؛ وأَنشد:
قَدْ لَبِسْتُ الدَّهْرَ مِنْ أَفْنانِه، ... كُلَّ فَنٍّ ناعِمٍ مِنْهُ حَبِرْ
والرجلُ يُفَنِّنُ الْكَلَامَ أَي يَشْتَقُّ فِي فَنٍّ بَعْدَ فنٍّ، والتَّفَنُّنُ فِعْلك. وَرَجُلٌ مِفَنٌّ: يأْتي بِالْعَجَائِبِ، وامرأَة مِفَنَّة. وَرَجُلٌ مِعَنٌّ مِفَنٌّ: ذُو عَنَنٍ وَاعْتِرَاضٍ وَذُو فُنُون مِنَ الْكَلَامِ؛ وأَنشد أَبو زَيْدٍ:
إِنَّ لَنَا لكَنَّه مِعَنَّةً مِفَنَّه
وافْتَنَّ الرَّجُلُ فِي حَدِيثِهِ وَفِي خُطْبته إِذا جَاءَ بالأَفانين، وَهُوَ مثلُ اشْتَقَّ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
فافْتَنَّ، بَعْدَ تَمامِ الوِرْدِ، ناجِيةً، ... مثْلَ الهِرَاوَةِ ثِنْياً بِكْرُها أَبِدُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: فَسَّرَ الْجَوْهَرِيُّ افْتَنَّ فِي هَذَا الْبَيْتِ بِقَوْلِهِمُ افْتَنَّ الرَّجُلُ فِي حَدِيثِهِ وخُطْبته إِذا جَاءَ بالأَفانين، قَالَ: وَهُوَ مثلُ اشْتَقَّ، يُرِيدُ أَن افْتَنَّ فِي الْبَيْتِ مُسْتَعَارٌ مِنْ قَوْلِهِمُ افْتَنَّ الرَّجُلُ فِي كَلَامِهِ وَخُصُومَتِهِ إِذا تَوَسَّعَ وَتَصَرَّفَ، لأَنه يُقَالُ افْتَنَّ الحمارُ بأُتُنه واشْتَقَّ بِهَا إِذا أَخذ فِي طَرْدِها وسَوْقها يَمِينًا وَشِمَالًا وَعَلَى اسْتِقَامَةٍ وَعَلَى غَيْرِ اسْتِقَامَةٍ؛ فَهُوَ يَفْتَنُّ فِي طَرْدِها أَفانينَ الطَّرْدِ؛ قَالَ: وَفِيهِ تَفْسِيرٌ آخَرُ وَهُوَ أَن يَكُونَ افْتَنَّ فِي الْبَيْتِ مِنْ فَنَنْتُ الإِبلَ إِذا طَرَدْتَهَا، فَيَكُونُ مِثْلَ كسَبْته واكتَسَبْته فِي كَوْنِهِمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَيَنْتَصِبُ نَاجِيَةً بأَنه مَفْعُولٌ لافْتَنَّ مِنْ غَيْرِ إِسقاط حَرْفِ جَرٍّ، لأَن افْتَنَّ الرَّجُلُ فِي كَلَامِهِ لَا يتعدَّى إِلا بِحَرْفِ جَرٍّ؛ وَقَوْلُهُ: ثِنياً بِكْرُهَا أَبِدُ أَي وَلَدَت بَطْنَين، وَمَعْنَى بِكْرُها أَبِدٌ أَي وَلَدُها الأَول قَدْ تَوَحَّشَ مَعَهَا. وافْتَنَّ: أَخذ فِي فُنُونٍ مِنَ الْقَوْلِ. والفُنُونُ: الأَخلاطُ مِنَ النَّاسِ. وإِن الْمَجْلِسَ لَيَجْمَعُ فُنُوناً مِنَ النَّاسِ أَي نَاسًا لَيْسُوا مِنْ قَبِيلَةٍ وَاحِدَةٍ. وفَنَّنَ الناسَ: جَعَلَهُمْ فُنُوناً. والتَّفْنينُ: التَّخْلِيطُ؛ يُقَالُ: ثوبٌ فِيهِ تَفْنين إِذا كَانَ فِيهِ طَرَائِقُ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسه. والفَنَّانُ فِي شِعْرِ الأَعشى: الحمارُ؛ قَالَ: الْوَحْشِيُّ الَّذِي يأْتي بفُنُونٍ مِنَ العَدْوِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ وَبَيْتُ الأَعشى الَّذِي أَشار إِليه هُوَ قَوْلُهُ:
وإِنْ يَكُ تَقْرِيبٌ مِنَ الشَّدِّ غالَها ... بمَيْعَةِ فَنَّانِ الأَجارِيِّ، مُجْذِمِ
والأَجارِيُّ: ضُروبٌ مِنْ جَرْيه، وَاحِدُهَا إِجْرِيّا، والفَنُّ: الطَّرْدُ. وفَنَّ الإِبلَ يَفُنُّها فَنّاً إِذا طَرَدَهَا؛ قَالَ الأَعشى:
والبِيضُ قَدْ عَنَسَتْ وَطَالَ جِرَاؤُها، ... ونَشَأْنَ فِي فَنٍّ وَفِي أَذْوادِ
وفَنَّه يَفُنُّه فَنّاً إِذا طَرَدَهُ. والفَنُّ: العَناء. فنَنْتُ الرجلَ أَفُنُّه فَنّاً إِذا عَنَّيْتَه، وفنَّه يَفُنُّه فَنّاً:
__________
(1) . قوله [الفيلكون البردي] وأيضاً القار أو الزفت كما في القاموس والتكملة(13/326)
عَنَّاه؛ قَالَ:
لأَجْعَلَنْ لِابْنَةٍ عَمْروٍ فَنَّا، ... حَتَّى يَكُونَ مَهْرُها دُهْدُنَّا
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: فَنًّا أَيْ أَمْرًا عَجَباً، وَيُقَالُ: عَناءً أَيْ آخُذُ عَلَيْهَا بالعَناء حَتَّى تَهَبَ لِي مَهْرَها. والفَنُّ: المَطْلُ. والفَنُّ: الغَبْنُ، وَالْفِعْلُ كَالْفِعْلِ، وَالْمَصْدَرُ كَالْمَصْدَرِ. وامرأَة مِفَنَّة: يَكُونُ مِنَ الغَبْنِ وَيَكُونُ مِنَ الطَّرْدِ والتَّغْبِيَة. وأُفْنُونُ الشَّبابِ: أوَّله، وَكَذَلِكَ أُفْنُونُ السَّحَابِ. والفَنَنُ: الغُصْنُ الْمُسْتَقِيمُ طُولًا وعَرْضاً؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
والفَنَنُ الشَّارِقُ والغَرْبيُ
والفَنَنُ: الغُصْنُ، وَقِيلَ: الغُصْنُ القَضِيب يَعْنِي الْمَقْضُوبَ، والفَنَنُ: مَا تشَعَّبَ مِنْهُ، وَالْجَمْعُ أَفْنان. قَالَ سِيبَوَيْهِ: لَمْ يُجاوِزُوا بِهِ هَذَا الْبِنَاءَ. والفَنَنُ: جَمْعُهُ أَفْنانٌ، ثُمَّ الأَفانِينُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ يَصِفُ رَحىً:
لَهَا زِمامٌ مِنْ أَفانِينِ الشَّجَرْ
وَأَمَّا قَوْلُ الشَّاعِرِ:
مِنَا أَنْ ذَرَّ قَرْنُ الشمسِ، حَتَّى ... أغاثَ شَرِيدَهمْ فَنَنُ الظَّلام
فَإِنَّهُ اسْتَعَارَ لِلظُّلْمَةِ أَفْناناً، لأَنها تسْتُر الناسَ بأَستارها وأَوراقِها كَمَا تَسْتُرُ الْغُصُونَ بأَفنانها وأَوراقها. وَشَجَرَةٌ فَنْواءُ: طَوِيلَةُ الأَفْنانِ، عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ذَواتا أَفْنانٍ
؛ قَالَ: ظِلُّ الأَغصانِ عَلَى الحِيطانِ؛ وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: فَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ ذَواتا أغصانٍ، وَفَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ ذَوَاتَا أَلوان، وَاحِدُهَا حِينَئِذٍ فَنّ وفَنَنٌ، كَمَا قَالُوا سَنٌّ وسَنَنٌ وعَنٌّ وعَنَنٌ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: واحدُ الأَفنان إِذَا أَردت بِهَا الأَلوان فَنٌّ، وَإِذَا أردْتَ بِهَا الأَغصان فَوَاحِدُهَا فَنَنٌ. أَبو عَمْرٍو: شَجَرَةٌ فَنْواء ذَاتُ أَفنان. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَانَ يَنْبَغِي فِي التَّقْدِيرِ فَنَّاء. ثَعْلَبٌ: شَجَرَةٌ فَنَّاء وفَنْواء ذَاتُ أَفْنانٍ، وأَما قَنْواء، بِالْقَافِ، فَهِيَ الطَّوِيلَةُ. قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: الفُنُون تَكُونُ فِي الأَغصان، والأَغصان تَكُونُ فِي الشُّعَبِ، والشُّعَبُ تَكُونُ فِي السُّوق، وَتُسَمَّى هَذِهِ الفُروعُ، يَعْنِي فروعَ الشَّجَرِ، الشَّذَبَ، والشَّذَبُ العِيدانُ الَّتِي تَكُونُ فِي الفُنون. وَيُقَالُ للجِذعِ إِذَا قُطِعَ عِنْدَ الشَّذَب: جِذْعٌ مُشَذَّبٌ؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
يُرادَا عَلَى مِرْقاةِ جِذْعٍ مُشَذَّبِ
يُرادا أَيْ يُدارا. يُقَالُ: رادَيْتُه ودارَيْتُه. والفَنَنُ: الفَرْع مِنَ الشَّجَرِ، وَالْجَمْعُ كَالْجَمْعِ. وَفِي حَدِيثِ سِدْرة المُنْتَهَى:
يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّ الفَنَنِ مائةَ سَنةٍ.
وامرأَة فَنْواء: كَثِيرَةُ الشَّعَرِ، وَالْقِيَاسُ فِي كُلِّ ذَلِكَ فَنَّاء، وشعَر فَيْنان؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: مَعْنَاهُ أَن لَهُ فُنُونًا كأَفنانِ الشَّجَرِ، وَلِذَلِكَ صُرِفَ، وَرَجُلٌ فَيْنان وامرأَة فَينانة؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ لأَن الْمُذَكَّرَ فَيْنان مَصْرُوفٌ مُشْتَقٌّ مِنْ أَفنان الشَّجَرِ. وَحَكَى ابْنُ الأَعرابي: امرأَة فَيْنَى كَثِيرَةُ الشَّعَرِ، مَقْصُورٌ، قَالَ: فَإِنْ كَانَ هَذَا كَمَا حَكَاهُ فَحُكْمُ فَيْنان أَنْ لَا يَنْصَرِفَ، قَالَ: وأُرى ذَلِكَ وهَماً مِنِ ابْنِ الأَعرابي. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَهلُ الْجَنَّةِ مُرْدٌ مُكَحَّلون أُولو أَفانِين
؛ يُرِيدُ أُولو شُعور وجُمَم. وأَفانِينُ: جَمْعُ أَفنان، وأَفنانٌ: جَمْعُ فَنَنٍ، وَهُوَ الخُصلة مِنَ الشَّعَرِ، شُبِّهَ بِالْغُصْنِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
يَنْفُضْنَ أَفنانَ السَّبيبِ والعُذَرْ
يَصِفُ الخيلَ ونَفْضَها خُصَل شَعَرِ نَوَاصِيهَا وأَذنابها؛ وَقَالَ المَرَّار:
أَعَلاقَةً أُمَّ الوُلَيِّد، بعدَ ما ... أَفْنانُ رأْسِك كالثَّغام المُخْلِسِ؟(13/327)
يَعْنِي خُصَلَ جُمَّة رأْسِه حِينَ شَابَ. أَبو زَيْدٍ: الفَينان الشَّعَرُ الطَّوِيلُ الحسَنُ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: فَيْنانٌ فَيعال مِنَ الفَنَن، وَالْيَاءِ زَائِدَةٌ. التَّهْذِيبُ: وَإِنْ أَخذت قَوْلَهُمْ شَعَرٌ فَيْنانٌ مِنَ الفَنَن وَهُوَ الْغُصْنُ صَرَفْتَهُ فِي حَالَيِ النَّكِرَةِ وَالْمَعْرِفَةِ، وَإِنْ أَخذته مِنَ الفَيْنة وَهُوَ الْوَقْتُ مِنَ الزَّمَانِ أَلحقته بِبَابِ فَعْلان وفَعْلانة، فَصَرَفْتَهُ فِي النَّكِرَةِ وَلَمْ تَصْرِفْهُ فِي الْمَعْرِفَةِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
جاءَت امرأَةٌ تَشْكُو زوجَها فَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تُرِيدينَ أَنْ تزَوَّجِي ذَا جُمَّةٍ فَينانة عَلَى كُلِّ خُصلة مِنْهَا شَيْطَانٌ
؛ الشَّعَرُ الفَيْنانُ: الطَّوِيلُ الْحَسَنُ، وَالْيَاءُ زَائِدَةٌ. وَيُقَالُ: فَنَّنَ فلانٌ رأْيه إِذَا لَوَّنه وَلَمْ يَثْبُتُ عَلَى رأْي وَاحِدٍ. والأَفانِينُ: الأَساليب، وَهِيَ أَجناس الْكَلَامِ وطُرُقه. وَرَجُلٌ مُتفَنِّنٌ أَيْ ذُو فُنون. وتَفنَّنَ: اضْطَرَبَ كالفَنَن. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَفنَّن اضْطَرَبَ وَلَمْ يَشْتقَّه مِنَ الفَنن، والأَول أَولى؛ قَالَ:
لَوْ أَن عُوداً سَمْهَريّاً مِنْ قَنا، ... أَوْ مِنْ جِيادِ الأَرْزَناتِ أَرْزَنا،
لَاقَى الَّذِي لاقَيْتُه تَفنَّنا
والأُفْنونُ: الْحَيَّةُ، وَقِيلَ: الْعَجُوزُ، وَقِيلَ: الْعَجُوزُ المُسِنَّة، وَقِيلَ: الدَّاهِيَةُ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِابْنِ أَحمر فِي الأُفْنون الْعَجُوزِ:
شَيْخٌ شآمٍ وأُفْنونٌ يَمانِيةٌ، ... مِنْ دُونِها الهَوْلُ والمَوْماة والعِلَلُ
وَقَالَ الأَصمعي: الأُفْنون مِنَ التَّفَنُّن؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَبَيْتُ ابْنِ أَحمر شَاهِدٌ لِقَوْلِ الأَصمعي، وقولُ يَعْقُوبَ إنَّ الأُفْنون الْعَجُوزُ بعِيدٌ جِدًّا، لأَنَّ ابنَ أَحمر قَدْ ذَكَرَ قَبْلَ هَذَا الْبَيْتِ مَا يَشْهَد بأَنها مَحْبُوبَتُهُ، وَقَدْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا القَفْرُ والعِلل. والأُفْنون مِنَ الغُصن: المُلتفُّ. والأُفنون: الجَرْيُ الْمُخْتَلِطُ مِنْ جَرْي الْفَرَسِ وَالنَّاقَةِ. والأُفنون: الْكَلَامُ المُثبَّجُ مِنْ كَلَامِ الهِلْباجة. وأُفْنون: اسْمُ امرأَة، وَهُوَ أَيضاً اسْمُ شَاعِرٍ سُمِّيَ بأَحد هَذِهِ الأَشياء. والمُفَنَّنة مِنَ النِّسَاءِ: الْكَبِيرَةُ السَّيِّئَةُ الخُلُق؛ وَرَجُلٌ مُفَنَّنٌ كَذَلِكَ. والتَّفْنِينُ: فِعْلُ الثَّوْب إِذَا بَلِيَ فتفَزَّرَ بعضُه مِنْ بَعْضٍ، وَفِي الْمُحْكَمِ: التَّفْنِينُ تفَزُّر الثَّوْبِ إِذَا بَليَ مِنْ غَيْرِ تَشَقُّقٍ شَدِيدٍ، وَقِيلَ: هُوَ اخْتِلَافُ عمَله برِقَّة فِي مَكَانٍ وَكَثَافَةٍ فِي آخَرَ؛ وَبِهِ فَسَّرَ ابْنُ الأَعرابي قَوْلَ أَبانَ بْنِ عُثْمَانَ: مَثَلُ اللَّحْن فِي الرَّجُلِ السَّريِّ ذِي الْهَيْئَةِ كالتَّفنِين فِي الثَّوْبِ الجيِّد. وَثَوْبٌ مُفَنَّنٌ: مُخْتَلِفٌ. ابْنُ الأَعرابي: التَّفْنِينُ البُقعة السَّخيفة السَّمِجة الرَّقِيقَةُ فِي الثَّوْبِ الصَّفِيقِ وَهُوَ عَيْبٌ، والسَّريُّ الشَّرِيفُ النَّفِيسُ مِنَ النَّاسِ. والعربُ تَقُولُ كنتُ بِحَالِ كَذَا وَكَذَا فَنَّةً مِنَ الدَّهْرِ وفَيْنةً مِنَ الدَّهْرِ وضَرْبة مِنَ الدَّهْرِ أَيْ طرَفاً مِنَ الدَّهْرِ. والفَنِينُ: وَرَمٌ فِي الإِبط وَوَجَعٌ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
فَلَا تَنْكِحي، يَا أَسْمَ، إِنْ كنتِ حُرَّةً ... عُنَيْنةَ نَابًا نُجَّ عَنْهَا فَنِينُها
نَصَبَ نَابًا عَلَى الذَّمِّ أَوْ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ عُنَينة أَيْ هُوَ فِي الضَّعْفِ كَهَذِهِ النَّابِ الَّتِي هَذِهِ صِفَتُها؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَكَذَا وَجَدْنَاهُ بِضَبْطِ الحامِض نُجَّ، بِضَمِّ النُّونِ، وَالْمَعْرُوفُ نَجَّ. وَبَعِيرٌ فَنِينٌ ومَفْنون: بِهِ وَرَمٌ فِي إِبِطِهِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
إِذَا مارَسْت ضِغْناً لابنِ عَمّ، ... مِراسَ البَكْر فِي الإِبِطِ الفَنِينا
أَبو عُبَيْدٍ: اليَفَنُ، بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْفَاءِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ،(13/328)
الْكَبِيرُ، وَقِيلَ: الشَّيْخُ الْفَانِي، وَالْيَاءُ فِيهِ أَصلية؛ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ هُوَ عَلَى تَقْدِيرِ يَفْعَلُ لأَن الدَّهْرَ فَنَّه وأَبلاه، وَسَنَذْكُرُهُ فِي يفن. والفَيْنانُ: فرس قرانة بْنِ عُوَيَّة الضَّبّيّ، وَاللَّهُ أَعلم.
فنفن: فَنْفَنَ الرجلُ إِذَا فَرَّقَ إِبِلَهُ كَسَلًا وتوانِياً.
فهكن: تَفَهْكَن الرجلُ: تنَدَّم؛ حَكَاهُ ابْنُ دُرَيْدٍ، وَلَيْسَ بثَبت.
فون: التَّهْذِيبُ: التَّفَوُّن الْبَرَكَةُ وحُسْن النَّماء.
فين: الفَيْنةُ: الحينُ. حَكَى الْفَارِسِيُّ عَنْ أَبي زَيْدٍ: لَقِيتُهُ فَيْنةَ، والفَيْنةَ بَعْدَ الفَيْنة، وَفِي الفَيْنة، قَالَ: فَهَذَا مِمَّا اعْتَقب عَلَيْهِ تَعْرِيفَانِ: تَعْرِيفُ الْعَلَمِيَّةِ، والأَلف وَاللَّامُ، كَقَوْلِكَ شَعوب والشَّعُوب لِلْمَنِيَّةِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَا مِنْ مَوْلُودٍ إلَّا وَلَهُ ذَنْبٌ قَدِ اعْتاده الفَيْنة بَعْدَ الفَيْنَة
أَي الْحِينَ بَعْدَ الْحِينِ وَالسَّاعَةَ بَعْدَ السَّاعَةِ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: فِي فَيْنة الارْتِياد وَرَاحَةِ الأَجساد.
الْكِسَائِيُّ وَغَيْرُهُ: الفَيْنة الْوَقْتُ مِنَ الزَّمَانِ، قَالَ: وَإِنْ أَخذتَ قَوْلَهُمْ شَعَرٌ فَيْنانٌ مِنَ الفَنَن، وَهُوَ الْغُصْنُ، صَرَفْتَهُ فِي حَالَيِ النَّكِرَةِ وَالْمَعْرِفَةِ، وَإِنْ أَخذته مِنَ الفَيْنة، وَهُوَ الْوَقْتُ مِنَ الزَّمَانِ، أَلحقته بِبَابِ فَعْلان وفَعْلانة فَصَرَفْتَهُ فِي النَّكِرَةِ وَلَمْ تَصْرِفْهُ فِي الْمَعْرِفَةِ. وَرَجُلٌ فَيْنانٌ: حَسَنُ الشَّعَرِ طَوِيلُهُ، وَهُوَ فَعْلان؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِلْعَجَّاجِ:
إِذْ أَنا فَيْنانٌ أُناغِي الكُعَّبا
وَقَالَ آخَرُ:
فرُبَّ فَيْنانٍ طويلٍ أَمَمُه، ... ذِي غُسُناتٍ قَدْ دَعاني أَحْزُمُه
وَقَالَ الشَّاعِرُ:
وأَحْوَى، كأَيْمِ الضالِ أَطرقَ بعد ما حَبا، ... تحتَ فَيْنانٍ مِنَ الظِّلِّ وارفِ
يُقَالُ: ظِلٌّ وارِفٌ أَي واسعٌ ممتدٌّ؛ قَالَ: وَقَالَ آخَرُ:
أَمَا تَرَى شَمَطاً فِي الرأْسِ لاحَ بِهِ، ... مِنْ بَعْدِ أَسْودَ داجِي اللَّوْنِ فَيْنانِ
والفَيْناتُ: الساعاتُ. أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ إِنِّي لِآتِي فُلَانًا الفَيْنَةَ بَعْدَ الفَيْنَةِ أَيِ آتِيهِ الحِينَ بَعْدَ الْحِينِ، وَالْوَقْتَ بَعْدَ الْوَقْتِ وَلَا أُدِيمُ الاختلافَ إِلَيْهِ. ابْنُ السِّكِّيتِ: مَا أَلْقَاهُ إلَّا الفَيْنَةَ بعد القَيْنَة أَيِ المرَّةَ بعدَ المرَّة، وإنْ شِئْتَ حَذَفْتَ الأَلف وَاللَّامَ فَقُلْتَ لَقيته فَيْنَةَ، كَمَا يُقَالُ لَقِيتُهُ النَّدَرَى وَفِي نَدَرَى، وَاللَّهُ أَعلم.
فصل القاف
قأن: القَأْنُ: شَجَرٌ، يُهْمَزُ وَلَا يُهْمَزُ، وَتَرْكُ الْهَمْزِ فيه أَعرف.
قَبَنَ: قَبَنَ الرجلُ يَقْبِنُ قُبُوناً: ذَهَبَ فِي الأَرض. واقْبأَنَّ اقْبِئناناً: انْقَبَضَ كاكْبَأَنَّ. ابْنُ بُزُرْج: المُقْبَئِنُّ الْمُنْقَبِضُ المُنْخَنِسُ. وأَقْبَنَ إِذَا انْهَزَمَ مِنْ عدوِّه. وأَقْبَنَ إِذَا أَسرع عَدْواً فِي أَمان. والقَبِينُ: المُنْكمِش فِي أُموره. والقَمينُ: السَّرِيعُ. والقَبَّانُ: الَّذِي يُوزَنُ بِهِ، لَا أَدري أَعربيّ أَم معرَّب. الْجَوْهَرِيُّ: القَبَّانُ القُسْطاسُ، مُعَرَّب. وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عنه: إِنِّي أَسْتَعِينُ بقُوَّةِ الْفَاجِرِ ثُمَّ أَكون عَلَى قَفَّانه
، قَالَ: يَقُولُ أَكُونُ عَلَى تَتَبُّعِ أَمره حَتَّى أَسْتَقْصِيَ عِلْمَه وأَعْرِفَه؛ قَالَ: وَقَالَ الأَصمعي قَفَّانُ كلِّ شَيْءٍ جِماعُه وَاسْتِقْصَاءُ مَعْرِفَتِهِ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَلَا أَحْسَبُ هذه الكلمة عربية إنما أَصلها قَبَّان، وَمِنْهُ قَوْلُ العامة: فلان قَبَّانٌ عَلَى فُلَانٍ إِذَا كَانَ بِمَنْزِلَةِ الأَمين عَلَيْهِ(13/329)
وَالرَّئِيسِ الَّذِي يَتَتَبَّعُ أَمره وَيُحَاسِبُهُ، وَبِهَذَا سُمِّيَ المِيزانُ، الَّذِي يُقَالُ لَهُ القَبَّانُ، القبَّانَ. وحِمارُ قَبَّانَ: دُوَيْبَّةٌ مَعْرُوفَةٌ؛ وأَنشد الْفَرَّاءُ:
يَا عَجَباً لَقَدْ رأَيتُ عَجبا: ... حِمارَ قَبَّانَ يَسُوقُ أَرْنَبا،
خاطِمَها زَأَمَّهَا أَنْ تَذْهَبا
الْجَوْهَرِيُّ: وَيُقَالُ هُوَ فَعَّالٌ،. وَالْوَجْهُ أَن يَكُونَ فَعْلانَ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هُوَ فَعْلانُ وَلَيْسَ بفَعَّالٍ؛ قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنه فَعْلَانُ امتناعُه مِنَ الصَّرْف بِدَلِيلِ قَوْلِ الرَّاجِزِ:
حِمارَ قَبَّانَ يَسُوقُ أَرنبا
وَلَوْ كَانَ فَعَّالًا لانصرف.
قتن: رَجُلٌ قَتِينٌ: قَلِيلُ الطُّعْم وَاللَّحْمِ، وَكَذَلِكَ الأُنثى بِغَيْرِ هَاءٍ. وجاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنِ
النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ زوَّجَ ابْنَةَ نُعَيْمٍ النَّحَّامِ قَالَ: مَنْ أَدُلُّه عَلَى القَتِينِ
؛ يَعْنِي الْقَلِيلَةَ الطُّعْمِ. قَتُنَ، بِالضَّمِّ، يَقْتُنُ قَتَانة: صَارَ قَلِيلَ الطُّعْم، فَهُوَ قَتِين، وَالِاسْمُ القَتَنُ. وَفِي الْحَدِيثِ أَيضاً عَنِ
النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنه قَالَ فِي امرأَة: إِنَّهَا وَضِيئة قَتِينٌ
؛ القَتِينُ: الْقَلِيلَةُ الطُّعْمِ؛ يُقَالُ مِنْهُ: امرأَة قَتِينٌ بَيِّنَةُ القَتَانة والقَتَنِ؛ قَالَ أَبو زَيْدٍ: وَكَذَلِكَ الرجلُ. وَرَجُلٌ قَتَنٌ أَيضاً: قَلِيلُ اللَّحْمِ. وقُرادٌ قَتِينٌ: قَلِيلُ الدَّمِ: قَالَ الشَّمَّاخ فِي نَاقَتِهِ:
وَقَدْ عَرِقَتْ مَغابِنُها، وجادَتْ ... بدِرَّتها قِرَى حَجِنٍ قَتِينِ
الْجَوْهَرِيُّ: وَيُسَمَّى القُرادُ قَتِيناً لِقِلَّةِ دَمِهِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُ القَتينِ المرأَةِ الْقَلِيلَةِ الطُّعْم مَا رُوِيَ:
أَن رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَزَوَّجْتُ فلانةَ، فَقَالَ: بَخٍ تَزَوَّجْتَ بِكْراً قَتِيناً
أَيْ قَلِيلَةَ الطُّعْم؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَيُحْتَمَلُ أَن يُرَادَ بِذَلِكَ قِلَّةُ الجِماعِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
عَلَيْكُمْ بالأَبْكارِ فإنهنَّ أَرْضَى بِالْيَسِيرِ
، قَالَ: وَالصَّوَابُ أَن يُقَالَ سُمِّيَ القُراد قَتِيناً لِقِلَّةِ طُعْمه لأَنه يُقِيمُ المدَّة الطَّوِيلَةَ مِنَ الزَّمَانِ لَا يَطْعَمُ شَيْئًا. وَقَوْلُهُ: قِرَى حَجِنٍ؛ الحَجِنُ الْقَلِيلُ الطُّعْم، وقِرَى بَدَلٌ مِنْ دِرَّتها، جَعَلَ عَرَقَ هَذِهِ النَّاقَةِ قُوتًا للقُراد، قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ قِرَى مَفْعُولًا مِنْ أَجله. والقَتِينُ والقَنِيتُ واحدٌ مِنَ النِّسَاءِ: وَهِيَ الْقَلِيلَةُ الطُّعْم النَّحِيفَةُ، وَقِيلَ: القَتُون مِنْ أَسماء القُراد، وَلَيْسَ بصفةٍ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِقِلَّةِ دَمِهِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: والقَتِينُ السِّنَانُ اليابِسُ الَّذِي لَا يَنْشَفُ دَماً؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ:
يُحاوِلُ أَنْ يَقُومَ، وَقَدْ مَضَتْهُ ... مُغابِنةٌ بِذِي خُرُصٍ قَتِينِ
المُغابِنَةُ: تَغْبِنُ مِنْ لَحْمِهِ أَي تَثْنيه. والقاتنُ: الشَّدِيدُ السَّوَادِ. وسِنَانٌ قَتِينٌ: دَقِيقٌ، ومَسْكٌ قاتنٌ. وقَتَنَ المَسْكُ قُتُوناً: يَبِسَ وَلَا نَدَى فِيهِ. وأَسْوَدُ قاتنٌ: كقاتِمٍ؛ قَالَ الطِّرمَّاحُ:
كطَوْفِ مُتَلِّي حَجَّةٍ بين عَبْعَبٍ ... وقُرَّة، مُسْوَدّ مِنَ النَّسْكِ قاتِنِ
عَبْعَبُ وقُرَّةُ: صَنمان. قَالَ ابْنُ جِنِّي: ذَهَبَ أَبو عَمْرٍو الشَّيْباني إِلَى أَنه أَراد قاتِمٍ أَي أَسْودَ، فأَبدل الْمِيمَ نُونًا، قَالَ: وَقَدْ يُمْكِنُ غيرُ مَا قَالَ؛ وَذَلِكَ أَنه يَجُوزُ أَن يَكُونَ أَراد بِقَوْلِهِ قاتِن فَاعِلًا مِنْ قَوْلِ الشَّمَّاخ:
قِرَى حَجِنٍ قَتِينِ
وَدَمٌ قاتِنٌ وقاتِمٌ: وَذَلِكَ إِذَا يَبِسَ واسْوَدَّ، وأَنشد بَيْتَ الطِّرِمَّاحِ. والقَتِينُ: الرُّمْح. والقَتَين:(13/330)
الْحَقِيرُ الضَّئِيلُ، وَكَذَلِكَ يَكُونُ بَيْتُ الطِّرِمَّاحِ أَيْ مُسْوَدّ مِنَ النَّسْكِ، حَقيرٍ للضَّرِّ والجَهْدِ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بَدَلًا. والقَتانُ: الغُبار كالقَتام؛ أَنشد يَعْقُوبُ:
عادَتُنا الجلادُ والطِّعانُ، ... إِذَا عَلَا فِي المَأْزِقِ القَتَانُ
وَزَعَمَ فِيهِ مثلَ مَا زعم في قَاتِنٍ.
قحزن: ضَرَبَهُ فقَحْزَنه، بِالزَّايِ، أَي صَرَعه. ابْنُ الأَعرابي: قَحْزَنه وقَحْزَله وَضَرَبَهُ حَتَّى تَقَحْزَنَ وتَقَحْزَل أَي حَتَّى وَقَعَ. الأَزهري: القَحْزَنَة الْعَصَا. غَيْرُهُ: القَحْزَنة ضَرْبٌ مِنَ الخَشَبِ طُولُهَا ذِرَاعٌ أَو شِبْرٌ نَحْوَ الْعَصَا. حَكَى اللِّحْيَانِيُّ: ضَرَبْناهم بقَحازِننا فارْجَعَنُّوا أَي بِعِصِيِّنا فاضْطَجَعُوا. والقَحْزَنَة: الهراوَةُ؛ وأَنشد:
جَلَدْتُ جَعارِ، عندَ بَابِ وِجارِها، ... بقَحْزَنَتي عن جَنْبِها جَلَداتِ
قدن: التَّهْذِيبَ: ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي القَدْنُ الْكِفَايَةُ والحَسْبُ؛ قَالَ الأَزهري: جَعَلَ القَدْنَ اسْمًا وَاحِدًا مِنْ قَوْلِهِمْ قَدْنِي كَذَا وَكَذَا أَي حَسْبي، وَرُبَّمَا حَذَفُوا النُّونَ فَقَالُوا قَدِي، وَكَذَلِكَ قَطْني، والله أَعلم.
قرن: القَرْنُ للثَّوْر وَغَيْرِهِ: الرَّوْقُ، وَالْجَمْعُ قُرون، لَا يكسَّر عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَمَوْضِعُهُ مِنْ رأْس الإِنسان قَرْنٌ أَيضاً، وَجَمْعُهُ قُرون. وكَبْشٌ أَقْرَنُ: كَبِيرُ القَرْنَين، وَكَذَلِكَ التَّيْسُ، والأُنثى قَرْناء؛ والقَرَنُ مَصْدَرُ. كَبْشٌ أَقْرَنُ بَيِّنُ القَرَن. ورُمْح مَقْرُون: سِنانُه مِنْ قَرْن؛ وَذَلِكَ أَنهم رُبَّمَا جَعَلُوا أَسِنَّةَ رِمَاحِهِمْ مِنْ قُرُون الظِّبَاءِ وَالْبَقْرِ الْوَحْشِيِّ؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:
وكنَّا إِذَا جَبَّارُ قومٍ أَرادنا ... بكَيْدٍ، حَمَلْناه عَلَى قَرْنِ أَعْفَرا
وَقَوْلُهُ:
ورامِحٍ قَدْ رَفَعْتُ هادِيَهُ ... مِنْ فوقِ رُمْحٍ، فظَلَّ مَقْرُونا
فَسَّرَهُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ. والقَرْنُ: الذُّؤابة، وَخَصَّ بَعْضُهُمْ بِهِ ذُؤابة المرأَة وَضَفِيرَتَهَا، وَالْجَمْعُ قُرون. وقَرْنا الجَرادةِ: شَعرتانِ فِي رأْسها. وقَرْنُ الرجلِ: حَدُّ رأْسه وجانِبُه. وقَرْنُ الأَكمة: رأْسها. وقَرْنُ الْجَبَلِ: أَعلاه، وجمعها قِرانٌ؛ أَنشد سِيبَوَيْهِ:
ومِعْزًى هَدِياً تَعْلُو ... قِرانَ الأَرضِ سُودانا «2»
. وَفِي حَدِيثِ
قَيْلة: فأَصابتْ ظُبَتُه طَائِفَةً مِنْ قُرونِ رأْسِيَهْ
أَي بعضَ نَوَاحِي رأْسي. وحَيَّةٌ قَرْناءُ: لَهَا لَحْمَتَانِ فِي رأْسها كأَنهما قَرْنانِ، وَأَكْثَرُ ذَلِكَ فِي الأَفاعي. الأَصمعي: القَرْناء الْحَيَّةُ لأَن لَهَا قَرْنًا؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ الصَّائِدَ وقُتْرتَه:
يُبايِتُه فِيهَا أَحَمُّ، كأَنه ... إباضُ قَلُوصٍ أَسْلَمَتْها حِبالُها
وقَرْناءُ يَدْعُو باسْمِها، وَهُوَ مُظْلِمٌ، ... لَهُ صَوْتُها: إرْنانُها وزَمالُها
يَقُولُ: يُبيِّنُ لِهَذَا الصَّائِدِ صَوْتُها أَنها أَفْعَى، ويُبَيِّنُ لَهُ مَشْيُها وَهُوَ زَمَالها أَنها أَفعى، وَهُوَ مُظْلِمٌ يَعْنِي الصَّائِدَ أَنه فِي ظُلْمَةِ القُتْرَة؛ وَذُكِرَ فِي تَرْجَمَةِ عرزل للأَعشى:
تَحْكِي لَهُ القَرْناءُ، فِي عِرْزَالِها، ... أُمَّ الرَّحَى تَجْرِي على ثِفالِها
__________
(2) . قوله: هَدِيا؛ هكذا في الأَصل، ولعله خفف هَدِيّاً مراعاة لوزن الشعر(13/331)
قَالَ: أَراد بالقَرْناء الْحَيَّةَ. والقَرْنانِ: مَنارَتانِ تُبْنَيَانِ عَلَى رأْس الْبِئْرِ تُوضَعُ عَلَيْهِمَا الْخَشَبَةُ الَّتِي يَدُورُ عَلَيْهَا المِحْوَرُ، وتُعَلَّق مِنْهَا البَكَرةُ، وَقِيلَ: هُمَا مِيلانِ عَلَى فَمِ الْبِئْرِ تُعَلَّقُ بِهِمَا الْبَكَرَةُ، وَإِنَّمَا يُسَمَّيَانِ بِذَلِكَ إِذَا كَانَا مِنْ حِجَارَةٍ، فَإِذَا كَانَا مِنْ خَشَبٍ فَهُمَا دِعامتانِ. وقَرْنا البئرِ: هُمَا مَا بُنِيَ فعُرِّض فَيُجْعَلُ عَلَيْهِ الخَشَبُ تُعَلَّقُ الْبَكَرَةُ مِنْهُ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
تَبَيَّنِ القَرْنَيْنِ، فانْظُرْ مَا هُمَا، ... أَمَدَراً أَم حَجَراً تَراهُما؟
وَفِي حَدِيثِ
أَبي أَيوب: فَوَجَدَهُ الرسولُ يَغْتَسِلُ بَيْنَ القَرْنَيْنِ
؛ هُمَا قَرْنا الْبِئْرِ الْمَبْنِيَّانِ عَلَى جَانِبَيْهَا، فإن كَانَتَا مِنْ خَشَبٍ فَهُمَا زُرْنُوقان. والقَرْنُ أَيضاً: البَكَرَةُ، وَالْجَمْعُ أَقْرُنٌ وقُرُونٌ. وقَرْنُ الْفَلَاةِ: أَوّلها. وقَرْنُ الشَّمْسِ: أَوّلها عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وأَعلاها، وَقِيلَ: أَوَّلُ شُعَاعِهَا، وَقِيلَ: ناحيتها. وفي الحديث حَدِيثِ الشَّمْسَ:
تَطْلُع بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطانٍ، فَإِذَا طَلَعَتْ قارَنَها، فَإِذَا ارْتَفَعَتْ فَارَقَهَا؛ وَنَهَى النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ الصَّلَاةِ فِي هَذَا الْوَقْتِ
، وَقِيلَ: قَرْنا الشَّيْطَانِ نَاحِيَتَا رأْسه، وَقِيلَ: قَرْناه جَمْعاهُ اللَّذَانِ يُغْريهما بِإِضْلَالِ الْبَشَرِ. وَيُقَالُ: إِنَّ الأَشِعَّةَ «3» . الَّتِي تَتَقَضَّبُ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ويُتَراءَى للعيون أَنها تُشْرِف عَلَيْهِمْ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
فَصَبَّحَتْ، والشمسُ لَمْ تُقَضِّبِ، ... عَيْناً بغَضْيانَ ثَجُوجِ العُنْبُب
قِيلَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ وقَرْنَيْه يُدْحَرُونَ عَنْ مَقامهم مُرَاعِين طلوعَ الشَّمْسِ لَيْلَةَ القَدر، فَلِذَلِكَ تَطْلُع الشمسُ لَا شُعاعَ لَهَا، وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي حَدِيثِ أُبيّ بْنِ كَعْبٍ وَذِكْرِهِ آيةَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَقِيلَ: القَرْنُ القُوَّة أَيْ حِينَ تَطْلُع يَتَحَرَّكُ الشَّيْطَانُ وَيَتَسَلَّطُ فَيَكُونُ كالمُعِينِ لَهَا، وَقِيلَ: بَيْنَ قَرْنَيْه أَيْ أُمَّتَيْه الأَوّلين وَالْآخِرَيْنِ، وَكُلُّ هَذَا تَمْثِيلٌ لِمَنْ يَسْجُدُ لِلشَّمْسِ عِنْدَ طُلُوعِهَا، فكأَنَّ الشَّيْطَانَ سَوَّل لَهُ ذَلِكَ، فَإِذَا سَجَدَ لَهَا كَانَ كأَن الشَّيْطَانَ مُقْتَرِنٌ بِهَا. وَذُو القَرْنَيْنِ الموصوفُ فِي التَّنْزِيلِ: لَقَبٌ لإِسْكَنْدَرَ الرُّوميّ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَنه قَبَضَ عَلَى قُرون الشَّمْسِ، وَقِيلَ: سُمِّيَ بِهِ لأَنه دَعَا قَوْمَهُ إِلَى الْعِبَادَةِ فَقَرَنُوه أَي ضَرَبُوهُ عَلَى قَرْنَيْ رأْسه، وَقِيلَ: لأَنه كَانَتْ لَهُ ضَفيرتان، وَقِيلَ: لأَنه بَلَغَ قُطْرَي الأَرض مَشْرِقَهَا وَمَغْرِبَهَا،
وَقَوْلُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِعَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِنَّ لَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَإِنَّكَ لَذُو قَرْنَيْها
؛ قِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ: ذُو قَرْنَي الْجَنَّةِ أَي طَرَفَيْهَا؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَلَا أَحسبه أَراد هَذَا، وَلَكِنَّهُ أَراد بِقَوْلِهِ ذُو قَرْنَيْهَا أَي ذُو قَرْنَيِ الأُمة، فأَضمر الأُمة وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ؛ أَراد الشَّمْسَ وَلَا ذِكْرَ لَهَا. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ؛ وَكَقَوْلِ حَاتِمٍ:
أَماوِيَّ، مَا يُغْني الثَّراءُ عَنِ الفَتَى، ... إِذَا حَشْرَجَتْ يَوْمًا، وَضَاقَ بِهَا الصَّدْرُ
يَعْنِي النفْسَ، وَلَمْ يَذْكُرْهَا. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وأَنا أَختار هَذَا التَّفْسِيرَ الأَخير عَلَى الأَول لِحَدِيثٍ يُرْوَى
عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَذَلِكَ أَنه ذَكَرَ ذَا القَرْنَيْنِ فَقَالَ: دَعَا قَوْمَهُ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ فَضَرَبُوهُ عَلَى قَرْنَيه ضَرْبَتَيْنِ وَفِيكُمْ مِثْلُه
؛ فنُرَى أَنه أَراد نَفْسه، يَعْنِي أَدعو إِلَى الْحَقِّ حَتَّى يُضرب رأْسي ضَرْبَتَيْنِ يكون
__________
(3) . قوله [ويقال إن الأَشعة إلخ] كذا بالأَصل ونسخة من التهذيب، والذي في التكملة بعد قوله تشرف عليهم: هي قرنا الشيطان(13/332)
فِيهِمَا قَتْلِي، لأَنه ضُرِبَ عَلَى رأْسه ضَرْبَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا يَوْمَ الخَنْدَقِ، والأُخرى ضَرْبَةُ ابن مُلْجَمٍ. وذو الْقَرْنَيْنِ: هُوَ الإِسكندرُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَنه مَلَكَ الشَّرْقَ وَالْغَرْبَ، وَقِيلَ: لأَنه كَانَ فِي رأْسه شِبْهُ قَرْنَين، وَقِيلَ: رأَى فِي النَّوْمِ أَنه أَخَذَ بقَرْنَيِ الشمسِ. وَرُوِيَ عَنْ أَحمد بْنِ يَحْيَى أَنه قَالَ فِي
قَوْلِهِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِنَّكَ لَذُو قَرْنَيْها
؛ يَعْنِي جَبَليها، وهما الحسن والحسين؛ وأَنشد:
أَثوْرَ مَا أَصِيدُكم أَم ثورَيْنْ، ... أَم هَذِهِ الجَمّاءَ ذاتَ القَرْنَيْنْ
قال: قَرْناها هاهنا قَرْناها، وكانا قَدْ شَدَنا، فَإِذَا آذَاهَا شَيْءٌ دَفَعا عَنْهَا. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ فِي قَوْلِهِ الْجَمَّاءُ ذَاتُ الْقَرْنَيْنِ، قَالَ: كَانَ قَرْنَاهَا صَغِيرَيْنِ فَشَبَّهَهَا بالجَمّاءِ، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ: إِنَّكَ ذُو قَرْنَيْها؛ أَيْ إِنَّكَ ذُو قَرنَيْ أُمَّتي كَمَا أَن ذَا الْقَرْنَيْنِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ كَانَ ذَا قَرْنيْ أُمَّته الَّتِي كَانَ فِيهِمْ.
وَقَالَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَدري ذُو الْقَرْنَيْنِ أَنبيّاً كَانَ أَم لَا.
وذو القَرْنينِ: المُنْذِرُ الأَكبرُ بنُ ماءِ السَّمَاءِ جَدُّ النُّعمان بْنِ الْمُنْذِرِ، قِيلَ لَهُ ذَلِكَ لأَنه كَانَتْ لَهُ ذُؤَابَتَانِ يَضْفِرُهما فِي قَرْنيْ رأْسه فيُرْسِلُهما، وَلَيْسَ هُوَ الْمَوْصُوفُ فِي التَّنْزِيلِ، وَبِهِ فَسَرَّ ابْنُ دُرَيْدٍ قَوْلَ امْرِئِ الْقَيْسِ:
أَشَذَّ نَشاصَ ذِي القَرْنينِ، حَتَّى ... توَلَّى عارِضُ المَلِكِ الهُمامِ
وقَرْنُ الْقَوْمِ: سيدُهم. وَيُقَالُ: لِلرَّجُلِ قَرْنانِ أَي ضَفِيرَتَانِ؛ وَقَالَ الأَسَدِيُّ:
كَذَبْتُم، وبيتِ اللهِ، لَا تَنْكِحونها ... بَنِي شابَ قَرْناها تُصَرُّ وتُحْلَبُ
أَراد يَا بَنِي الَّتِي شابَ قَرْناها، فأَضمره. وقَرْنُ الكلإِ: أَنفه الَّذِي لَمْ يوطأْ، وَقِيلَ: خَيْرُهُ، وَقِيلَ: آخِرُهُ. وأَصاب قَرْنَ الكلإِ إِذَا أَصاب مَالًا وَافِرًا. والقَرْنُ: حَلْبَة مِنْ عَرَق. يُقَالُ: حَلَبنا الفرسَ قَرْناً أَو قَرْنينِ أَيْ عَرَّقناه. والقَرْنُ: الدُّفعة مِنَ العَرَق. يُقَالُ: عَصَرْنا الفرسَ قَرْناً أَوْ قَرْنين، وَالْجَمْعُ قُرون؛ قَالَ زُهَيْرٌ:
تُضَمَّرُ بالأَصائِل كلَّ يوْمٍ، ... تُسَنُّ عَلَى سَنابِكِها القُرُونُ
وَكَذَلِكَ عَدَا الفرسُ قَرْناً أَو قَرْنَيْنِ. أَبو عَمْرٍو: القُرونُ العَرَقُ. قَالَ الأَزهري: كأَنه جَمْعُ قَرْن. والقَرُونُ: الَّذِي يَعْرَقُ سَرِيعًا، وَقِيلَ: الَّذِي يَعْرَق سَرِيعًا إِذَا جَرَى، وَقِيلَ: الْفَرَسُ الَّذِي يَعْرَقُ سَرِيعًا، فَخُصَّ. والقَرْنُ: الطَّلَقُ مِنَ الجَرْي. وقُروُنُ الْمَطَرِ: دُفَعُه المُتَفرِّقة. والقَرْنُ: الأُمَّةُ تأْتي بَعْدَ الأُمَّة، قِيلَ: مُدَّتُه عَشْرُ سِنِينَ، وَقِيلَ: عِشْرُونَ سَنَةً، وَقِيلَ: ثَلَاثُونَ، وَقِيلَ: سِتُّونَ، وَقِيلَ: سَبْعُونَ، وَقِيلَ: ثَمَانُونَ وَهُوَ مِقْدَارُ التَّوَسُّطِ فِي أَعمار أَهْلِ الزَّمَانِ، وَفِي النِّهَايَةِ: أَهل كلِّ زَمَانٍ، مأْخوذ مِنَ الاقْتِران، فكأَنه الْمِقْدَارُ الَّذِي يَقْترِنُ فِيهِ أهلُ ذَلِكَ الزَّمَانِ فِي أَعمارهم وأَحوالهم. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن رَجُلًا أَتاه فَقَالَ عَلِّمْني دُعاءً، ثُمَّ أَتاه عِنْدَ قَرْنِ الحَوْلِ
أَي عِنْدَ آخِرِ الْحَوْلِ الأَول وأَول الثَّانِي. والقَرْنُ فِي قَوْمِ نُوحٍ: عَلَى مِقْدَارِ أَعمارهم؛ وَقِيلَ: القَرْنُ أَربعون سَنَةً بِدَلِيلِ قَوْلِ الجَعْدِي:
ثَلاثةَ أَهْلِينَ أَفْنَيْتُهُم، ... وكانَ الإِلَهُ هُوَ المُسْتَآسا
وَقَالَ هَذَا وَهُوَ ابْنُ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَقِيلَ: القَرْن(13/333)
مِائَةُ سَنَةٍ، وَجَمْعُهُ قُرُون. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه مَسَحَ رأْس غُلَامٍ وَقَالَ عِشْ قَرْناً، فَعَاشَ مِائَةَ سَنَةٍ.
والقَرْنُ مِنَ النَّاسِ: أَهلُ زَمَانٍ وَاحِدٌ؛ وَقَالَ:
إِذَا ذَهَبَ القَرْنُ الَّذِي أَنتَ فيهمُ، ... وخُلِّفْتَ فِي قَرْنٍ، فأَنتَ غَرِيبُ
ابْنُ الأَعرابي: القَرْنُ الْوَقْتُ مِنَ الزَّمَانِ يُقَالُ هُوَ أَربعون سَنَةً، وَقَالُوا: هُوَ ثَمَانُونَ سَنَةً، وَقَالُوا: مِائَةُ سَنَةٍ؛ قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: وَهُوَ الِاخْتِيَارُ لِمَا تقدَّم مِنَ الْحَدِيثِ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ
؛ قَالَ أَبو إِسْحَقَ: القَرْنُ ثَمَانُونَ سَنَةً، وَقِيلَ: سَبْعُونَ سَنَةً، وَقِيلَ: هُوَ مُطْلَقٌ مِنَ الزَّمَانِ، وَهُوَ مَصْدَرُ قَرَنَ يَقْرُنُ؛ قَالَ الأَزهري: وَالَّذِي يَقَعُ عِنْدِي، وَاللَّهُ أَعلم، أَنَّ القَرْنَ أَهل كُلِّ مُدَّةٍ كَانَ فِيهَا نَبِيٌّ أَو كَانَ فِيهَا طَبَقَةٌ مِنْ أَهل الْعِلْمِ، قَلَّتْ السِّنُون أَو كَثُرَتْ، وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا قَوْلُ
النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَيْرُكم قَرْنِي، يَعْنِي أَصحابي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهم، يَعْنِي التابعين، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونهم
، يَعْنِي الَّذِينَ أَخذوا عَنِ التَّابِعِينَ، قَالَ: وَجَائِزٌ أَن يَكُونَ القَرْنُ لِجُمْلَةِ الأُمة وَهَؤُلَاءِ قُرُون فِيهَا، وَإِنَّمَا اشْتِقَاقُ القَرْن مِنَ الاقْتِران، فتأَويله أَن القَرْنَ الَّذِينَ كَانُوا مُقْتَرِنين فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَالَّذِينَ يأْتون مِنْ بَعْدِهِمْ ذَوُو اقْتِرانٍ آخَرَ. وَفِي حَدِيثِ
خَبّابٍ: هَذَا قَرْنٌ قَدْ طَلَعَ
؛ أَراد قَوْمًا أَحداثاً نَبَغُوا بَعْدَ أَن لَمْ يَكُونُوا، يَعْنِي القُصّاص، وَقِيلَ: أَراد بِدْعَةً حَدثت لَمْ تَكُنْ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ أَبو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلَبِ حِينَ رأَى الْمُسْلِمِينَ وَطَاعَتَهُمْ لِرَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واتباعَهم إِيَّاهُ حِينَ صلَّى بِهِمْ: مَا رأَيت كَالْيَوْمِ طاعةَ قومٍ، وَلَا فارِسَ الأَكارِمَ، وَلَا الرومَ ذاتَ القُرُون؛ قِيلَ لَهُمْ ذاتُ القُرُون لِتَوَارُثِهِمُ الْمُلْكَ قَرْناً بَعْدَ قَرْنٍ، وَقِيلَ: سُمُّوا بِذَلِكَ لقُرُونِ شُعُورهم وَتَوْفِيرِهِمْ إِيَّاهَا وأَنهم لَا يَجُزُّونها. وَكُلُّ ضَفِيرَةٍ مِنْ ضَفَائِرِ الشَّعْرِ قَرْنٌ؛ قَالَ المُرَقِّشُ:
لاتَ هَنَّا، وليْتَني طَرَفَ الزُّجِّ، ... وأَهلي بالشأْم ذاتُ القُرونِ
أَراد الرُّومَ، وَكَانُوا يَنْزِلُونَ الشَّامَ. والقَرْنُ: الجُبَيْلُ الْمُنْفَرِدُ، وَقِيلَ: هُوَ قِطْعَةٌ تَنْفَرِدُ مِنَ الجَبَل، وَقِيلَ: هُوَ الْجَبَلُ الصَّغِيرُ، وَقِيلَ: الْجُبَيْلُ الصَّغِيرُ الْمُنْفَرِدُ، وَالْجَمْعُ قُرُونٌ وقِرانٌ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
تَوَقَّى بأَطْرافِ القِرانِ، وطَرْفُها ... كطَرْفِ الحُبَارَى أَخطأَتْها الأَجادِلُ
والقَرْنُ: شَيْءٌ مِنْ لِحَاء شَجر يُفْتَلُ مِنْهُ حَبْل. والقَرْن: الحَبْل مِنَ اللِّحاءِ؛ حَكَاهُ أَبو حَنِيفَةَ. والقَرْنُ أَيضاً: الخُصْلة الْمَفْتُولَةُ مِنَ العِهْن. والقَرْنُ: الخُصْلة مِنَ الشَّعْرِ وَالصُّوفِ، جمعُ كُلِّ ذَلِكَ قُروُنٌ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ أَبي سُفْيَانَ فِي الرُّومِ: ذاتِ القُرُون؛ قَالَ الأَصمعي: أَراد قُرون شعُورهم، وَكَانُوا يُطوِّلون ذَلِكَ يُعْرَفُون بِهِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ غُسْلِ الْمَيِّتِ:
ومَشَطناها ثلاثَ قُرون.
وَفِي حَدِيثِ
الْحَجَّاجِ: قَالَ لأَسماءَ لَتَأْتِيَنِّي أَوْ لأَبعَثنَّ إليكِ مَنْ يسَحبُك بقرونكِ.
وَفِي الْحَدِيثِ:
فارِسُ نَطْحةً أَو نَطْحتَين «1» . ثُمَّ لَا فَارِسَ بَعْدَهَا أَبداً.
والرُّوم ذاتُ القُرون كُلَّمَا هلَك قَرْنٌ خَلَفه قَرْنٌ، فالقُرون جَمْعُ قَرْنٍ؛ وَقَوْلُ الأَخطل يَصِفُ النِّسَاءَ:
وَإِذَا نَصَبْنَ قُرونَهنَّ لغَدْرةٍ، ... فكأَنما حَلَّت لهنَّ نُذُورُ
قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: القُرون هَاهُنَا حبائلُ الصَّيّاد يُجْعَل فيها
__________
(1) . قوله [فَارِسُ نَطْحَةً أَوْ نَطْحَتَيْنِ] كذا بالأَصل ونسختين من النهاية بنصب نطحة أو نطحتين، وتقدم في مادة نطح رفعهما تبعاً للأَصل ونسخة من النهاية وفسره بما يؤيد بالنصب حيث قال هناك: قَالَ أَبُو بَكْرٍ مَعْنَاهُ فَارِسُ تُقَاتِلُ الْمُسْلِمِينَ مَرَّةً أو مرتين فحذف الفعل وقيل تَنْطَحُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فحذف الفعل لبيان معناه(13/334)
قُرونٌ يَصْطَادُ بِهَا، وَهِيَ هَذِهِ الفُخوخ الَّتِي يُصْطَادُ بِهَا الصِّعاءُ والحمامُ، يَقُولُ: فَهَؤُلَاءِ النِّسَاءُ إِذا صِرْنا فِي قُرونهنَّ فاصْطَدْننا فكأَنهن كَانَتْ عَلَيْهِنَّ نُذُور أَن يَقْتُلننا فحَلَّتْ؛ وَقَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ فِي لُغْزِيَّتِهِ:
وشِعْبٍ أَبى أَن يَسْلُكَ الغُفْرُ بَيْنَهُ، ... سَلَكْتُ قُرانى مِنْ قَياسِرةٍ سُمْرا
قِيلَ: أَراد بالشِّعْب شِعْب الْجَبَلِ، وَقِيلَ: أَراد بِالشِّعْبِ فُوقَ السَّهْمِ، وبالقُرانى وَتراً فُتِل مِنْ جِلْدِ إِبل قَياسرةٍ. وإِبلٌ قُرانى أَي ذَاتُ قَرَائِنَ؛ وَقَوْلُ أَبي النَّجْمِ يَذْكُرُ شَعرَه حِينَ صَلِعَ:
أَفناه قولُ اللهِ للشمسِ: اطلُعِي ... قَرْناً أَشِيبِيه، وقَرْناً فانزِعي
أَي أَفنى شَعْرِي غروبُ الشَّمْسِ وَطُلُوعُهَا، وَهُوَ مَرُّ الدَّهْرِ. والقَرينُ: الْعَيْنُ الكَحِيل. والقَرْنُ: شبيةٌ بالعَفَلة، وَقِيلَ: هُوَ كالنُّتوء فِي الرَّحِمِ، يَكُونُ فِي النَّاسِ وَالشَّاءِ وَالْبَقَرِ. والقَرْناء: العَفْلاء. وقُرْنةُ الرَّحِم: مَا نتأَ مِنْهُ، وَقِيلَ: القُرْنتان رأْس الرَّحِمِ، وَقِيلَ: زَاوِيَتَاهُ، وَقِيلَ: شُعْبَتاه، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا قُرْنةٌ، وَكَذَلِكَ هُمَا مِنْ رَحِم الضَّبَّة. والقَرْنُ: العَفَلة الصَّغِيرَةُ؛ عَنِ الأَصمعي. واخْتُصِم إِلى شُرَيْح فِي جَارِيَةٍ بِهَا قَرَنٌ فَقَالَ: أَقعِدوها، فإِن أَصابَ الأَرض فَهُوَ عَيبٌ، وإِن لَمْ يُصِبِ الأَرض فَلَيْسَ بِعَيْبٍ. الأَصمعي: القَرَنُ فِي المرأَة كالأُدْرة فِي الرَّجُلِ. التَّهْذِيبُ: القَرْناءُ مِنَ النِّسَاءِ الَّتِي فِي فَرْجِهَا مَانِعٌ يَمْنَعُ مِنْ سُلوك الذَّكَرِ فِيهِ، إِما غُدَّة غَلِيظَةٌ أَو لَحْمَةٌ مُرْتَتِقة أَو عَظْمٌ، يُقَالُ لِذَلِكَ كُلِّهِ القَرَنُ؛ وَكَانَ عُمَرُ يَجْعَلُ لِلرَّجُلِ إِذا وَجَدَ امرأَته قَرْناءَ الخيارَ فِي مُفَارَقَتِهَا مِنْ غَيْرِ أَن يُوجِبَ عَلَيْهِ الْمَهْرَ وَحَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ عَنِ القَزّاز قَالَ: واختُصِم إِلى شُريح فِي قَرَن، فَجَعَلَ القَرَن هُوَ الْعَيْبُ، وَهُوَ مِنْ قَوْلِكَ امرأَة قَرْناءُ بَيِّنة القَرَن، فأَما القَرْنُ، بِالسُّكُونِ، فَاسْمُ العَفَلة، والقَرَنُ، بِالْفَتْحِ، فَاسْمُ الْعَيْبِ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، كَرَّمَ الله وجهه: إِذا تَزَوَّجَ المرأَة وَبِهَا قَرْنٌ، فإِن شاءَ أَمسك، وإِن شاءَ طَلَّقَ
؛ القَرْنُ، بِسُكُونِ الرَّاءِ: شَيْءٌ يَكُونُ فِي فَرْجِ المرأَة كالسنِّ يَمْنَعُ مِنَ الوطءِ، وَيُقَالُ لَهُ العَفَلةُ. وقُرْنةُ السَّيْفِ والسِّنان وقَرْنهما: حدُّهما. وقُرْنةُ النَّصْلِ: طرَفه، وَقِيلَ: قُرْنتاه نَاحِيَتَاهُ مِنْ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ. والقُرْنة، بِالضَّمِّ: الطرَف الشَّاخِصُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ؛ يُقَالُ: قُرْنة الجبَل وقُرْنة النَّصْلِ وقُرْنة الرَّحِمِ لإِحدى شُعْبتَيه. التَّهْذِيبُ: والقُرْنة حَدُّ السَّيْفِ وَالرُّمْحِ وَالسَّهْمِ، وَجَمْعُ القُرْنة قُرَنٌ. اللَّيْثُ: القَرْنُ حَدُّ رَابِيَةٍ مُشْرِفة عَلَى وَهْدَةٍ صَغِيرَةٍ، والمُقَرَّنة الْجِبَالُ الصِّغَارُ يَدْنُو بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لتَقارُبها؛ قَالَ الْهُذَلِيُّ «1» :
دَلَجِي، إِذا مَا الليلُ جَنَّ، ... عَلَى المُقَرَّنةِ الحَباحِبْ
أَراد بالمُقَرَّنة إِكاماً صِغَارًا مُقْترِنة. وأَقرَنَ الرُّمحَ إِليه: رَفَعَهُ. الأَصمعي: الإِقْرانُ رَفْعُ الرَّجُلِ رأْس رُمحِه لئلَّا يُصِيبَ مَنْ قُدّامه. يُقَالُ: أَقرِنْ رُمْحَكَ. وأَقرَن الرجلُ إِذا رَفَعَ رأْسَ رمحِهِ لِئَلَّا يُصِيبَ مَنْ قدَّامه. وقَرَن الشيءَ بالشيءِ وقَرَنَه إِليه يَقْرِنه قَرْناً: شَدَّه إِليه. وقُرِّنتِ الأُسارَى بِالْحِبَالِ، شُدِّد لِلْكَثْرَةِ. والقَرينُ: الأَسير. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مَرَّ برَجلين مُقترنين فَقَالَ: مَا بالُ القِران؟ قَالَا:
__________
(1) . قوله [قال الهذلي] اسمه حبيب، مصغراً، ابن عبد الله(13/335)
نذَرْنا
، أَي مَشْدُودَيْنِ أَحدهما إِلى الْآخَرِ بِحَبْلٍ. والقَرَنُ، بِالتَّحْرِيكِ: الْحَبْلُ الَّذِي يُشدّان بِهِ، وَالْجَمْعُ نَفْسُهُ قَرَنٌ أَيضاً. والقِرانُ: الْمَصْدَرُ وَالْحَبْلُ. وَمِنْهُ حَدِيثُ
ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: الحياءُ والإِيمانُ فِي قَرَنٍ
أَي مَجْمُوعَانِ فِي حَبْلٍ أَو قِرانٍ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ
، إِما أَن يَكُونَ أَراد بِهِ مَا أَراد بِقَوْلِهِ مَقرُونين، وإِما أَن يَكُونَ شُدِّد لِلتَّكْثِيرِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا هُوَ السَّابِقُ إِلينا مِنْ أَول وَهْلة. والقِرانُ: الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وقَرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ والعمْرة قِراناً، بِالْكَسْرِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه قَرَن بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ
أَي جَمَعَ بَيْنَهُمَا بنيَّة وَاحِدَةٍ وَتَلْبِيَةٍ وَاحِدَةٍ وإِحرام وَاحِدٍ وَطَوَافٍ وَاحِدٍ وَسَعْيٍ وَاحِدٍ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، وَهُوَ عِنْدَ أَبي حَنِيفَةَ أَفضل مِنَ الإِفراد وَالتَّمَتُّعِ. وقَرَنَ الحجَّ بِالْعُمْرَةِ قِراناً: وَصَلها. وَجَاءَ فُلَانٌ قارِناً، وَهُوَ القِرانُ. والقَرْنُ: مِثْلُكَ فِي السنِّ، تَقُولُ: هُوَ عَلَى قَرْني أَي عَلَى سِنِّي. الأَصمعي: هُوَ قَرْنُه فِي السِّنِّ، بِالْفَتْحِ، وَهُوَ قِرْنه، بِالْكَسْرِ، إِذا كَانَ مِثْلَهُ فِي الشَّجَاعَةِ وَالشِّدَّةِ. وَفِي حَدِيثِ
كَرْدَم: وبِقَرْنِ أَيِّ النِّسَاءِ هِيَ
أَي بسنِّ أَيهنَّ. وَفِي حَدِيثِ الضَّالَّةِ:
إِذا كتَمها آخِذُها فَفِيهَا قَرينتها مِثْلَهَا
أَي إِذا وَجَدَ الرجلُ ضَالَّةً مِنَ الْحَيَوَانِ وَكَتَمَهَا وَلَمْ يُنْشِدْها ثُمَّ تُوجَدُ عِنْدَهُ فإِن صَاحِبَهَا يأْخذها وَمِثْلَهَا مَعَهَا مِنْ كَاتِمِهَا؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَلَعَلَّ هَذَا فِي صَدْرِ الإِسلام ثُمَّ نُسِخَ، أَو هُوَ عَلَى جِهَةِ التأَديب حَيْثُ لَمْ يُعَرِّفها، وَقِيلَ: هُوَ فِي الْحَيَوَانِ خَاصَّةً كَالْعُقُوبَةِ لَهُ، وَهُوَ كَحَدِيثِ مانع الزكاة:
إِنا آخدُوها وشطرَ مَالِهِ.
والقَرينةُ: فَعِيلة بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ مِنَ الاقتِران، وَقَدِ اقْتَرَنَ الشَّيْئَانِ وتَقارَنا. وجاؤُوا قُرانى أَي مُقْتَرِنِين. التَّهْذِيبُ: والقُرانى تَثْنِيَةُ فُرادى، يُقَالُ: جاؤُوا قُرانى وجاؤوا فُرادى. وَفِي الْحَدِيثِ فِي أَكل التَّمْرِ:
لَا قِران وَلَا تَفْتِيشَ
أَي لَا تَقْرُنْ بَيْنَ تَمْرَتَيْنِ تأْكلهما مَعًا. وقارَنَ الشيءُ الشيءَ مُقارَنة وقِراناً: اقْتَرَن بِهِ وصاحَبَه. واقْتَرَن الشيءُ بِغَيْرِهِ وقارَنْتُه قِراناً: صاحَبْته، وَمِنْهُ قِرانُ الْكَوْكَبِ. وقَرَنْتُ الشيءَ بالشيءِ: وَصَلْتُهُ. والقَرِينُ: المُصاحِبُ. والقَرينانِ: أَبو بكر وطلحة، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، لأَن عُثْمَانَ بْنَ عَبَيْد اللَّهِ، أَخا طَلْحَةَ، أَخذهما فَقَرَنَهما بِحَبْلٍ فَلِذَلِكَ سُمِّيَا القَرِينَينِ. وَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ:
إِنَّ أَبا بَكْرٍ وَعُمَرَ يقال لهما القَرينانِ.
وَفِي الْحَدِيثِ:
مَا مِنْ أَحدٍ إِلا وكِّلَ بِهِ قَرِينُه
أَي مُصَاحِبُهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ والشَّياطين وكُلِّ إِنسان، فإِن مَعَهُ قَرِينًا مِنْهُمَا، فَقَرِينُهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يأْمره بِالْخَيْرِ ويَحُثه عَلَيْهِ. وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ:
فقاتِلْه فإِنَّ مَعَهُ القَرِينَ
، والقَرِينُ يَكُونُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ. وفي الحديث:
أَنه قُرِنَ بِنُبُوَّتِهِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، إِسرافيلُ ثلاثَ سِنِينَ، ثُمَّ قُرِنَ بِهِ جبريلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ
، أَي كَانَ يأْتيه بِالْوَحْيِ وَغَيْرِهِ. والقَرَنُ: الْحَبْلُ يُقْرَنُ بِهِ البعيرانِ، وَالْجَمْعُ أَقْرانٌ، وَهُوَ القِرَانُ وَجَمْعُهُ قُرُنٌ؛ وَقَالَ:
أَبْلِغْ أَبا مُسْمِعٍ، إِنْ كنْتَ لاقِيَهُ، ... إِنِّي، لَدَى البابِ، كالمَشْدُودِ فِي قَرَنِ
وأَورد الْجَوْهَرِيُّ عَجُزَهُ. وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُ إِنشاده أَنِّي، بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ. وقَرَنْتُ الْبَعِيرَيْنِ أَقْرُنُهما قَرْناً: جَمَعَتْهُمَا فِي حَبْلٍ وَاحِدٍ. والأَقْرانُ: الحِبَالُ. الأَصمعي: القَرْنُ جَمْعُكَ بَيْنَ دَابَّتَيْنِ فِي حَبْل، وَالْحَبْلُ الَّذِي يُلَزَّان بِهِ يُدْعَى قَرَناً. ابْنُ شُمَيْل: قَرَنْتُ بَيْنَ الْبَعِيرَيْنِ وقَرَنْتهما إِذا جَمَعْتُ(13/336)
بَيْنَهُمَا فِي حَبْلٍ قَرْناً. قَالَ الأَزهري: الْحَبْلُ الَّذِي يُقْرَنُ بِهِ بَعِيرَانِ يُقَالُ لَهُ القَرَن، وأَما القِرانُ فَهُوَ حَبْلٌ يُقَلَّدُ الْبَعِيرُ ويُقادُ بِهِ. وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ قَتَادة صَاحِبَ الحَمَالَةِ تَحَمَّل بحَمَالة، فَطَافَ فِي الْعَرَبِ يسأَلُ فِيهَا، فَانْتَهَى إِلى أَعرابي قَدْ أَوْرَدَ إِبلَه فسأَله فَقَالَ: أَمعك قُرُنٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: نَاوِلْني قِرَاناً، فَقَرَنَ لَهُ بَعِيرًا، ثُمَّ قَالَ: نَاوِلْنِي قِراناً، فَقَرَنَ لَهُ بَعِيرًا آخَرَ حَتَّى قَرَنَ لَهُ سَبْعِينَ بَعِيرًا، ثُمَّ قَالَ: هاتِ قِراناً، فَقَالَ: لَيْسَ مَعِي، فَقَالَ: أَوْلى لَكَ لَوْ كَانَتْ مَعَكَ قُرُنٌ لقَرَنْتُ لَكَ مِنْهَا حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهَا بَعِيرٌ، وَهُوَ إِياس بْنُ قَتَادَةَ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي مُوسَى: فَلَمَّا أَتيت رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ خُذْ هَذَيْنِ القَرِينَيْنِ
أَي الْجَمَلَيْنِ الْمَشْدُودَيْنِ أَحدهما إِلى الْآخَرِ. والقَرَنُ والقَرِينُ: الْبَعِيرُ المَقْرُون بِآخَرَ. والقَرينة: النَّاقَةُ تُشَدُّ إِلى أُخْرى، وَقَالَ الأَعور النَّبْهَانِيُّ يَهْجُو جَرِيرًا وَيَمْدَحُ غَسَّانَ السَّلِيطِي:
أَقُولُ لَهَا أُمِّي سَليطاً بأَرْضِها، ... فَبِئْسَ مُناخُ النَّازِلِينَ جَريرُ
وَلَوْ عِنْدَ غسَّان السَّليطيِّ عَرَّسَتْ، ... رَغَا قَرَنٌ مِنْهَا وكاسَ عَقيرُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَدْ اخْتُلِفَ فِي اسْمِ الأَعور النَّبْهانِي فَقَالَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ: اسْمُهُ سُحْمَةُ بْنُ نُعَيم بْنِ الأَخْنس بْنِ هَوْذَة، وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ فِي النَّقَائِضِ: يُقَالُ لَهُ العَنَّاب، وَاسْمُهُ سُحَيْم بْنُ شَريك؛ قَالَ: وَيُقَوِّي قَوْلُ أَبي عُبَيْدَةَ فِي العَنَّاب قَوْلُ جَرِيرٍ فِي هِجَائِهِ:
مَا أَنتَ، يَا عَنَّابُ، مِنْ رَهْطِ حاتِمٍ، ... وَلَا مِنْ رَوابي عُرْوَةَ بْنِ شَبيبِ
رأَينا قُرُوماً مِنْ جَدِيلةَ أَنْجَبُوا، ... وفحلُ بنِي نَبْهان غيرُ نَجيبِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وأَنكر عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ أَن يَكُونَ القَرَنُ البعيرَ المَقْرونَ بِآخَرَ، وَقَالَ: إِنما القَرَنُ الْحَبْلُ الَّذِي يُقْرَنُ بِهِ الْبَعِيرَانِ؛ وأَما قَوْلُ الأَعْور:
رَغَا قَرَنٌ مِنْهَا وكاسَ عَقِيرُ
فإِنه عَلَى حذف مضاف، مثل وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ. والقَرِينُ: صاحبُك الَّذِي يُقارِنُك، وقَرِينُك: الَّذِي يُقارنُك، وَالْجَمْعُ قُرَناءُ، وقُرانى الشَّيْءِ: كقَرِينه؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
يَمْطُو قُراناهُ بهادٍ مَرَّاد
وقِرْنُك: المُقاوِمُ لَكَ فِي أَي شَيْءٍ كَانَ، وَقِيلَ: هُوَ المُقاوم لَكَ فِي شِدَّةِ البأْس فَقَطْ. والقِرْنُ، بِالْكَسْرِ: كُفْؤك فِي الشَّجَاعَةِ. وَفِي حديث
عُمَر والأَسْقُفّ قَالَ: أَجِدُكَ قَرْناً، قَالَ: قَرْنَ مَهْ؟ قَالَ: قَرْنٌ مِنْ حَدِيدٍ
؛ القَرْنُ، بِفَتْحِ القافِ: الحِصْنُ، وَجَمْعُهُ قُرُون، وَكَذَلِكَ قِيلَ لَهَا الصَّياصِي؛ وَفِي قَصِيدِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ:
إِذا يُساوِرُ قِرْناً، لَا يَحِلُّ لَهُ ... أَن يَتْرُك القِرن إِلا وَهْوَ مَجْدول
القِرْنُ، بِالْكَسْرِ: الكُفْء وَالنَّظِيرُ فِي الشَّجَاعَةِ وَالْحَرْبِ، وَيُجْمَعُ عَلَى أَقران. وَفِي حَدِيثِ
ثَابِتِ بْنِ قَيس: بِئْسَمَا عَوَّدْتم أَقْرانَكم
أَي نُظَراءَكم وأَكْفاءَكم فِي الْقِتَالِ، وَالْجَمْعُ أَقران، وامرأَة قِرنٌ وقَرْنٌ كَذَلِكَ. أَبو سَعِيدٍ: اسْتَقْرَنَ فلانٌ لِفُلَانٍ إِذا عازَّهُ وَصَارَ عِنْدَ نَفْسِهِ مِنْ أَقرانه. والقَرَنُ: مَصْدَرُ قَوْلِكَ رَجُلٌ أَقْرَنُ بَيِّنُ القَرَنِ، وَهُوَ المَقْرُون الْحَاجِبَيْنِ. والقَرَنُ: الْتِقَاءُ طَرَفَيِ الْحَاجِبَيْنِ وَقَدْ قَرِنَ وَهُوَ أَقْرَنُ، ومَقْرُون الْحَاجِبَيْنِ، وَحَاجِبٌ مَقْرُون: كأَنه قُرِن بِصَاحِبِهِ، وَقِيلَ: لَا يُقَالُ أَقْرَنُ وَلَا قَرْناء حَتَّى يُضَافَ إِلى الْحَاجِبَيْنِ.(13/337)
وَفِي
صِفَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَوابِغَ فِي غَيْرِ قَرَنٍ
؛ القَرَن، بِالتَّحْرِيكِ: الْتِقَاءُ الْحَاجِبَيْنِ. قَالَ ابْنُ الأَثير: وَهَذَا خِلَافُ مَا رَوَتْهُ
أُم معبد فإِنها قَالَتْ فِي صِفَتِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَزَجُّ أَقْرَنُ
أَي مَقْرُون الْحَاجِبَيْنِ، قَالَ: والأَول الصَّحِيحُ فِي صِفَتِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَوَابِغَ حَالٌ مِنَ الْمَجْرُورِ، وَهُوَ الْحَوَاجِبُ، أَي أَنها دَقَّتْ فِي حَالِ سُبُوغِهَا، وَوَضَعَ الْحَوَاجِبَ موضع الحاجبين لأَن الثنية جَمْعٌ. والقَرَنُ: اقْتِرانُ الرُّكْبَتَيْنِ، وَرَجُلٌ أَقْرَنُ. والقَرَنُ: تَباعُدُ مَا بَيْنَ رأْسَي الثَّنِيَّتَيْن وإِن تَدَانَتْ أُصولهما. والقِران: أَن يَقْرُن بينَ تَمْرَتَيْنِ يأْكلهما. والقَرُون: الَّذِي يَجْمَعُ بَيْنَ تَمْرَتَيْنِ فِي الأَكل، يُقَالُ: أَبَرَماً قَرُوناً. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه نَهَى عن القِران إِلا أَن يستأْذن أَحدُكم صاحبَه
، ويُرْوى الإِقْران
، والأَول أَصح، وَهُوَ أَن يَقْرِن بَيْنَ التَّمْرَتَيْنِ فِي الأَكل، وإِنما نَهَى عَنْهُ لأَن فِيهِ شَرَهًا، وَذَلِكَ يُزْري بِفَاعِلِهِ، أَو لأَن فِيهِ غَبْناً بِرَفِيقِهِ، وَقِيلَ: إِنما نَهَى عَنْهُ لِمَا كَانُوا فِيهِ مِنْ شِدَّةِ الْعَيْشِ وَقِلَّةِ الطَّعَامِ، وَكَانُوا مَعَ هَذَا يُواسُونَ مِنَ الْقَلِيلِ، فإِذا اجْتَمَعُوا عَلَى الأَكل آثَرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى نَفْسِهِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي الْقَوْمِ مِنْ قَدِ اشْتَدَّ جُوعُهُ، فَرُبَّمَا قَرَنَ بَيْنَ التَّمْرَتَيْنِ أَو عظَّم اللُّقْمة فأَرشدهم إِلى الإِذن فِيهِ لِتَطِيبَ بِهِ أَنْفُسُ الْبَاقِينَ. وَمِنْهُ حَدِيثُ
جَبَلَة قَالَ: كُنَّا فِي الْمَدِينَةِ فِي بَعْثِ الْعِرَاقِ، فَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَرْزُقُنا التَّمْرَ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَمُرُّ فَيَقُولُ: لَا تُقَارِنُوا إِلا أَن يستأْذن الرجلُ أَخاه
، هَذَا لأَجل مَا فِيهِ مِنَ الغَبْنِ ولأَن مِلْكَهم فِيهِ سَوَاءٌ؛ وَرُوِيَ نَحْوُهُ
عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ فِي أَصحاب الصُّفَّةِ؛ وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: قارِنُوا بَيْنَ أَبنائكم
أَي سَوُّوا بَيْنَهُمْ وَلَا تُفَضلوا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَيُرْوَى بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ مِنَ الْمُقَارَبَةِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مَوْضِعِهِ. والقَرُونُ مِنَ الرِّجَالِ: الَّذِي يأْكل لُقْمَتَيْنِ لُقْمَتَيْنِ أَو تَمْرَتَيْنِ تَمْرَتَيْنِ، وَهُوَ القِرانُ. وَقَالَتِ امرأَة لِبَعْلِهَا ورأَته يأْكل كَذَلِكَ: أَبَرَماً قَرُوناً؟ والقَرُون مِنَ الإِبل: الَّتِي تَجْمَع بَيْنَ مِحلَبَيْنِ فِي حَلْبَةٍ، وَقِيلَ: هِيَ المُقْتَرِنَة القادِمَيْن والآخِرَيْنِ، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي إِذا بَعَرَتْ قَارَنَتْ بَيْنَ بَعَرِها، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي تَضَعُ خُفَّ رِجْلِهَا مَوْضِعَ خُفِّ يَدِهَا، وَكَذَلِكَ هُوَ مِنَ الْخَيْلِ. وقَرَنَ الفرسُ يَقْرُنُ، بِالضَّمِّ، إِذا وَقَعَتْ حَوَافِرُ رِجْلَيْهِ مواقعَ حَوَافِرِ يَدَيْهِ. والقَرُون: النَّاقَةُ الَّتِي تَقْرُنُ رُكْبَتَيْهَا إِذا بَرَكَتْ؛ عَنِ الأَصمعي. والقَرُون: الَّتِي يَجْتَمِعُ خِلْفاها القادِمان والآخِرانِ فيَتَدانَيانِ. والقَرون: الَّذِي يَضَعُ حَوافرَ رِجْلَيْهِ مَواقعَ حَوافر يَدَيْهِ. والمَقْرُونُ مِنْ أَسباب الشِّعْر: مَا اقْتَرنت فِيهِ ثلاثُ حَرَكَاتٍ بَعْدَهَا سَاكِنٌ كمُتَفا مِنْ مُتَفَاعِلُنْ وَعَلَتُنْ مِنْ مُفَاعَلَتُنْ، فَمُتَفَا قَدْ قَرَنَتِ السَّبَبَيْنِ بِالْحَرَكَةِ، وَقَدْ يَجُوزُ إِسقاطها فِي الشِّعْرِ حَتَّى يَصِيرَ السَّبَبَانِ مَفْرُوقَيْنِ نَحْوَ عِيلُنْ مِنْ مَفَاعِيلُنْ، وَقَدْ ذُكِرَ الْمَفْرُوقَانِ فِي مَوْضِعِهِ. والمِقْرَنُ: الْخَشَبَةُ الَّتِي تُشَدُّ عَلَى رأْسَي الثَّوْرَيْنِ. والقِران والقَرَنُ: خَيْطٌ مِنْ سَلَب، وَهُوَ قِشْرٌ يُفتل يُوثَقُ عَلَى عُنُق كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الثَّوْرَيْنِ، ثُمَّ يُوُثَقُ فِي وَسَطِهِمَا اللُّوَمَةُ. والقَرْنانُ: الَّذِي يُشارك فِي امرأَته كأَنه يَقْرُن بِهِ غيرَه، عَرَبِيٌّ صَحِيحٌ حَكَاهُ كُرَاعٌ. التَّهْذِيبُ: القَرْنانُ نَعْتُ سَوْءٍ فِي الرَّجُلِ الَّذِي لَا غَيْرَة لَهُ؛ قَالَ الأَزهري: هَذَا مِنْ كَلَامِ الْحَاضِرَةِ وَلَمْ أَرَ البَوادِيَ لَفَظُوا بِهِ وَلَا عَرَفُوهُ.(13/338)
والقَرُون والقَرُونة والقَرينة والقَرينُ: النَّفْسُ. وَيُقَالُ: أَسْمَحَتْ قَرُونُه وقَرِينُه وقَرُونَتُه وقَرِينَتُه أَي ذَلَّتْ نَفْسُهُ وتابَعَتْه عَلَى الأَمر؛ قَالَ أَوس بْنُ حَجَر:
فَلاقى امْرَأً مِنْ مَيْدَعانَ، وأَسْمَحَتْ ... قَرُونَتُه باليَأْسِ مِنْهَا فعجَّلا
أَي طَابَتْ نَفْسُه بِتَرْكِهَا، وَقِيلَ: سامَحَتْ؛ قَرُونُه وقَرُونَتُه وقَرينَتُه كُلُّه واحدٌ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُ قَرُونه قَوْلُ الشَّاعِرِ:
فإِنِّي مِثْلُ مَا بِكَ كَانَ مَا بِي، ... ولكنْ أَسْمَحَتْ عَنْهُمْ قَرُونِي
وَقَوْلُ ابْنِ كُلْثوم:
مَتى نَعْقِدْ قَرِينَتَنا بِحَبْلٍ، ... نَجُذُّ الحبلَ أَو نَقِصُ القَرينا
قَرِينته: نَفْسُه هَاهُنَا. يَقُولُ: إِذا أَقْرَنَّا لِقرْنٍ غَلَبْنَاهُ. وقَرِينة الرَّجُلِ: امرأَته لمُقارنته إِياها. وَرَوَى
ابْنِ عَبَّاسٍ أَن رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذا أَتى يومُ الْجُمُعَةَ قَالَ: يَا عَائِشَةُ اليَوْمُ يَوْمُ تَبَعُّلٍ وقِرانٍ
؛ قِيلَ: عَنى بالمُقارنة التَّزْوِيجَ. وَفُلَانٌ إِذا جاذَبَتْه قَرِينَتُه وقَرِينُه قَهَرَهَا أَي إِذا قُرِنَتْ بِهِ الشَّدِيدَةُ أَطاقها وَغَلَبَهَا، وَفِي الْمُحْكَمِ: إِذا ضُمَّ إِليه أَمر أَطاقه. وأَخَذْتُ قَرُونِي مِنَ الأَمر أَي حَاجَتِي. والقَرَنُ: السَّيف والنَّبْلُ، وَجَمْعُهُ قِرانٌ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
عَلَيْهِ وُرْقانُ القِرانِ النُّصَّلِ
والقَرَن، بِالتَّحْرِيكِ: الجَعْبة مِنْ جُلود تَكُونُ مَشْقُوقَةً ثُمَّ تُخْرَزُ، وإِنما تُشَقُّ لِتَصِلَ الرِّيحُ إِلى الرِّيشِ فَلَا يَفْسُد؛ وَقَالَ:
يَا ابنَ هِشامٍ، أَهْلَكَ الناسَ اللَّبَنْ، ... فكُلُّهم يَغْدُو بقَوْسٍ وقَرَنْ
وَقِيلَ: هِيَ الجَعْبَةُ مَا كَانَتْ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ الأَكْوَعِ: سأَلت رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ الصَّلَاةِ فِي القَوْسِ والقَرَن، فَقَالَ: صَلِّ فِي الْقَوْسِ واطْرَحِ القَرَنَ
؛ القَرَنُ: الجَعْبَةُ، وإِنما أَمره بِنَزْعِهِ لأَنه قَدْ كَانَ مِنْ جِلْدٍ غَيْرِ ذَكِيّ وَلَا مَدْبُوغٍ. وَفِي الْحَدِيثِ:
النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كالنَّبْلِ فِي القَرَنِ
أَي مُجْتَمِعُونَ مِثْلَهَا. وَفِي حَدِيثِ
عُميَر بْنِ الحُمام: فأَخرج تَمْرًا مِنْ قَرَنِهِ
أَي جَعْبَتِه، وَيُجْمَعُ عَلَى أَقْرُن وأَقْرانٍ كجَبَلٍ وأَجْبُلٍ وأَجْبالٍ. وَفِي الْحَدِيثِ:
تَعَاهَدُوا أَقْرانَكم
أَي انْظُرُوا هَلْ هِيَ مِنْ ذَكِيَّة أَو مَيْتَةٍ لأَجل حَمْلِهَا فِي الصَّلَاةِ. ابْنُ شُمَيْلٍ: القَرَنُ مِنْ خَشَبٍ وَعَلَيْهِ أَديم قَدْ غُرِّي بِهِ، وَفِي أَعلاه وعَرْضِ مُقدَّمِه فَرْجٌ فِيهِ وَشْجٌ قَدْ وُشِجَ بَيْنَهُ قِلاتٌ، وَهِيَ خَشَبات مَعْروضات عَلَى فَمِ الجَفير جُعِلْنَ قِواماً لَهُ أَن يَرْتَطِمَ يُشْرَج ويُفْتَح. وَرَجُلٌ قَارِنٌ: ذُو سَيْفٍ ونَبْل أَو ذُو سَيْفٍ وَرُمْحٍ وجَعْبَة قَدْ قَرَنها. والقِران: النَّبْلُ الْمُسْتَوِيَةُ مِنْ عَمَلِ رَجُلٍ وَاحِدٍ. قَالَ: وَيُقَالُ لِلْقَوْمِ إِذا تَنَاضلوا اذْكُروا القِرانَ أَي والُوا بَيْنَ سَهْمَيْنِ سَهْمَيْنِ. وبُسْرٌ قارِنٌ: قَرَنَ الإِبْسارَ بالإِرْطاب، أَزدية. والقَرائن: جِبَالٌ مَعْرُوفَةٌ مُقْتَرِنَةٌ؛ قَالَ تأَبط شَرًّا:
وحَثْحَثْتُ مَشْعوفَ النَّجاءِ، وراعَني ... أُناسٌ بفَيْفانٍ، فَمِزْتُ القَرائِنَا
ودُورٌ قَرائنُ إِذا كَانَتْ يَسْتَقْبِلُ بَعْضُهَا بَعْضًا. أَبو زَيْدٍ: أَقْرَنَتِ السَّمَاءُ أَياماً تُمْطِرُ وَلَا تُقْلِع، وأَغْضَنَتْ وأَغْيَنَتْ الْمَعْنَى وَاحِدٌ، وَكَذَلِكَ(13/339)
بَجَّدَتْ ورَثَّمَتْ. وقَرَنَتِ السماءُ وأَقْرَنَتْ: دَامَ مَطَرُهَا؛ والقُرْآنُ مَنْ لَمْ يَهْمِزْهُ جَعَلَهُ مِنْ هَذَا لاقترانِ آيِهِ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي أَنه عَلَى تَخْفِيفِ الْهَمْزِ. وأَقْرَنَ لَهُ وَعَلَيْهِ: أَطاق وقوِيَ عَلَيْهِ واعْتَلى. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ
؛ أَي مُطِيقينَ؛ قَالَ: وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ قَوْلِكَ أَنا لِفُلَانٍ مُقْرِن؛ أَي مُطيق. وأَقْرَنْتُ فُلَانًا أَي قَدْ صِرْت لَهُ قِرْناً. وَفِي حَدِيثِ
سُلَيْمَانَ بْنَ يَسار: أَما أَنا فإِني لِهَذِهِ مُقْرِن
أَي مُطِيق قَادِرٌ عَلَيْهَا، يَعْنِي نَاقَتَهُ. يُقَالُ: أَقْرَنْتُ لِلشَّيْءِ فأَنا مُقْرِن إِذا أَطاقه وَقَوِيَ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ هَانِئٍ: المُقْرِن المُطِيقُ والمُقْرِنُ الضَّعِيفُ؛ وأَنشد:
وداهِيَةٍ داهَى بِهَا القومَ مُفْلِقٌ ... بَصِيرٌ بعَوْراتِ الخُصومِ لَزُومُها
أَصَخْتُ لَهَا، حَتَّى إِذا ما وَعَيْتُها، ... رُمِيتُ بأُخرى يَستَدِيمُ خَصيمُها
تَرَى القومَ مِنْهَا مُقْرِنينَ، كأَنما ... تَساقَوْا عُقَاراً لَا يَبِلُّ سَليمُها
فَلَمْ تُلْفِني فَهّاً، وَلَمْ تُلْفِ حُجَّتي ... مُلَجْلَجَةً أَبْغي لَهَا مَنْ يُقيمُها
قَالَ: وَقَالَ أَبو الأَحْوَصِ الرِّياحي:
وَلَوْ أَدْرَكَتْه الخيلُ، والخيلُ تُدَّعَى، ... بذِي نَجَبٍ، مَا أَقْرَنَتْ وأَجَلَّت
أَي مَا ضَعُفتْ. والإِقْرانُ: قُوَّة الرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ. يُقَالُ: أَقْرَنَ لَهُ إِذا قَوِيَ عَلَيْهِ. وأَقْرَنَ عَنِ الشَّيْءِ: ضَعُفَ؛ حَكَاهُ ثَعْلَبٌ؛ وأَنشد:
تَرَى الْقَوْمَ مِنْهَا مُقْرِنِينَ، كأَنما ... تَسَاقَوْا عُقاراً لَا يَبِلُّ سَلِيمُهَا
وأَقْرَنَ عَنِ الطَّرِيقِ: عَدَلَ عَنْهَا؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أُراه لِضَعْفِهِ عَنْ سُلُوكِهَا. وأَقْرَنَ الرجلُ: غَلَبَتْهُ ضَيْعتُه، وَهُوَ مُقْرِنٌ، وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ لَهُ إِبل وَغَنَمٌ وَلَا مُعِينَ لَهُ عَلَيْهَا، أَو يَكُونُ يَسْقي إِبلَه وَلَا ذَائِدَ لَهُ يَذُودُها يَوْمَ وُرُودِهَا. وأَقْرَنَ الرَّجُلُ إِذا أَطاق أَمرَ ضَيْعته، مِنَ الأَضداد. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ الله عنه: قِيلَ لِرَجُلٍ «2» مَا مالُك؟ قَالَ: أَقْرُنٌ لِي وآدِمةٌ فِي المَنِيئة، فَقَالَ: قَوِّمْها وزَكِّها.
وأَقْرَنَ إِذا ضَيَّقَ عَلَى غَرِيمِهِ. وأَقْرَنَ الدُّمَّلُ: حَانَ أَن يتفَقَّأَ. وأَقْرَنَ الدمُ فِي العِرْق واستقْرَنَ: كَثُرَ. وقَرْنُ الرَّمْلِ: أَسفلُه كقِنْعِهِ. وأَبو حَنِيفَةَ قَالَ: قُرُونة، بِضَمِّ الْقَافِ، نَبْتةٌ تُشْبِهُ نَبَاتَ اللُّوبِياء، فِيهَا حبٌّ أَكبر مِنَ الحِمَّصِ مُدَحْرَج أَبْرَشُ فِي سَواد، فإِذا جُشَّتْ خَرَجَتْ صَفْرَاءُ كالوَرْسِ، قَالَ: وَهِيَ فَرِيكُ أَهل الْبَادِيَةِ لِكَثْرَتِهَا والقُرَيْناء: اللُّوبياء، وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: القُرَيْناء عُشْبَةٌ نحو الذراع لها أَقنانٌ وسِنْفَة كسِنفة الجُلْبانِ، وَهِيَ جُلْبانة بَرِّيَّة يُجْمع حَبُّهَا فتُعْلَفُه الدَّوَابُّ وَلَا يأْكله النَّاسُ لِمَرَارَةٍ فِيهِ. والقَرْنُوَةُ: نَبَاتٌ عَرِيضُ الْوَرَقِ يَنْبُتُ فِي أَلْوِيَةِ الرَّمْلِ ودَكادِكِه، ورَقُها أَغْبَرُ يُشبه ورَقَ الحَنْدَقُوق، وَلَمْ يَجِئْ عَلَى هَذَا الْوَزْنِ إِلا تَرْقُوَةٌ وعَرْقُوَة وعَنْصُوَة وثَنْدُوَةٌ. قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: قَالَ أَبو زِيَادٍ مِنَ العُشْب القَرْنُوَة، وَهِيَ خَضْرَاءُ غَبْرَاءُ عَلَى سَاقٍ يَضرِبُ ورَقُها إِلى الْحُمْرَةِ، وَلَهَا ثَمَرَةٌ كالسُّنبلة، وَهِيَ مُرَّة يُدْبَغُ بِهَا الأَساقي، وَالْوَاوُ فِيهَا زَائِدَةٌ لِلتَّكْثِيرِ وَالصِّيغَةِ لَا لِلْمَعْنَى وَلَا للإِلحاق، أَلا تَرَى
__________
(2) . [وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قِيلَ لِرَجُلٍ إلخ] حق هذا الحديث أن يذكر عقب حَدِيثِ عُمَيْرِ بْنِ الْحُمَامِ كما هو سياق النهاية لأَن الأقرن فيه بمعنى الجعاب(13/340)
أَنه لَيْسَ فِي الْكَلَامِ مِثْلَ فَرَزْدُقة «3» ؟. وجِلد مُقَرْنىً: مَدْبُوغٌ بالقَرْنُوَة، وَقَدْ قَرْنَيْتُه، أَثبتوا الْوَاوَ كَمَا أَثبتوا بَقِيَّةَ حُرُوفِ الأَصل مِنَ الْقَافِ وَالرَّاءِ وَالنُّونِ، ثُمَّ قَلَبُوهَا يَاءً لِلْمُجَاوَرَةِ، وَحَكَى يَعْقُوبُ: أَديم مَقْرُونٌ بِهَذَا عَلَى طَرْحِ الزَّائِدِ. وسِقاءٌ قَرْنَوِيٌّ ومُقَرْنىً: دُبِغَ بالقَرْنُوَة. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: القَرْنُوَة قُرُونٌ تَنْبُتُ أَكبر مِنْ قُروُن الدُّجْرِ، فِيهَا حَبٌّ أَكبر مِنَ الحمَّص، فإِذا جُشَّ خَرَجَ أَصفر فَيُطْبَخُ كَمَا تُطْبَخُ الْهَرِيسَةُ فَيُؤْكَلُ ويُدَّخر لِلشِّتَاءِ، وأَراد أَبو حَنِيفَةَ بِقَوْلِهِ قُرُون تَنْبُتُ مثلَ قُرُون. قَالَ الأَزهري فِي القَرْنُوَةِ: رأَيت الْعَرَبَ يَدْبُغون بِوَرَقِهِ الأُهُبَ؛ يُقَالُ: إِهابٌ مُقَرْنىً بِغَيْرِ هَمْزٍ، وَقَدْ هَمَزَهُ ابْنُ الأَعرابي. وَيُقَالُ: مَا جَعَلْتُ فِي عَيْنِي قَرْناً مِنْ كُحْل أَي مِيلًا وَاحِدًا، مِنْ قَوْلِهِمْ أَتيته قَرْناً أَو قَرْنين أَي مَرَّةً أَو مَرَّتَيْنِ، وقَرْنُ الثُّمَامِ شَبِيهٌ الباقِلَّى. والقارُون: الوَجُّ. ابْنُ شُمَيْلٍ: أَهل الْحِجَازِ يُسَمُّونَ الْقَارُورَةَ القَرَّانَ، الراء شديدة، وأَهل الْيَمَامَةِ يُسَمُّونَهَا الحُنْجُورة. ويومُ أَقْرُنَ: يومٌ لغَطَفانَ عَلَى بَنِي عَامِرٍ. والقَرَنُ: مَوْضِعٌ، وَهُوَ مِيقَاتُ أَهل نَجْدٍ، وَمِنْهُ أُوَيْسٌ القَرَنيُّ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ ابْنُ الْقَطَّاعِ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ فِي كِتَابِهِ فِي الْجَمْهَرَةِ، والقَزَّازُ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ: وقَرْنٌ اسم موضع. وبنو قَرَنٍ: قَبِيلَةٌ مِنَ الأَزْد. وقَرَنٌ: حَيٌّ مِنْ مُرَادٍ مِنَ الْيَمَنِ، مِنْهُمْ أُوَيْسٌ القَرَنيُّ مَنْسُوبٌ إِليهم. وَفِي حَدِيثِ الْمَوَاقِيتِ:
أَنه وَقَّتَ لأَهلِ نجْد قَرْناً
، وَفِي رِوَايَةٍ:
قَرْنَ المَنازل
؛ هُوَ اسْمُ مَوْضِعٍ يُحْرِمُ مِنْهُ أَهلُ نجْد، وَكَثِيرٌ مِمَّنْ لَا يَعْرِفُ يَفْتَحُ رَاءَهُ، وإِنما هُوَ بِالسُّكُونِ، وَيُسَمَّى أَيضاً قَرْنَ الثَّعَالِبِ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثِ:
أَنه احْتَجَمَ عَلَى رأْسه بقَرْنٍ حِينَ طُبَ
؛ هُوَ اسْمُ مَوْضِعٍ، فإِما هُوَ الْمِيقَاتُ أَو غَيْرِهِ، وَقِيلَ: هُوَ قَرْنُ ثوْر جُعِلَ كالمِحْجَمة. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه وَقَفَ عَلَى طَرَفِ القَرْنِ الأَسود
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ بِالسُّكُونِ، جُبَيْل صغيرٌ. والقَرِينة. وَادٍ مَعْرُوفٌ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
تَحُلُّ اللِّوَى أَو جُدَّةَ الرَّمْلِ كُلَّمَا ... جرَى الرِّمْثُ فِي مَاءِ القَرِينة والسِّدْرُ
وَقَالَ آخَرُ:
أَلا ليَتَني بَيْنَ القَرِينَة والحَبْلِ، ... عَلَى ظَهْرِ حُرْجُوجٍ يُبَلِّغُني أَهْلي
وَقِيلَ: القَرِينة اسْمُ روضة بالصَّمّان. ومُقَرِّن: اسْمٌ. وقَرْنٌ: جبَلٌ مَعْرُوفٌ. والقَرينة: مَوْضِعٌ وَمِنْ أَمثال الْعَرَبِ: تَرَكَ فلانٌ فُلَانًا عَلَى مِثْلِ مَقَصِّ قَرْنٍ ومَقَطِّ قَرْن؛ قَالَ الأَصمعي: القَرْنُ جَبَلٌ مُطِلٌّ عَلَى عَرَفَاتٍ؛ وأَنشد:
فأَصَبَحَ عَهْدُهم كمقَصِّ قَرْنٍ، ... فَلَا عينٌ تُحَسُّ وَلَا إِثارُ
وَيُقَالُ: القَرْنُ هَاهُنَا الْحَجَرُ الأَمْلَسُ النَّقِيُّ الَّذِي لَا أَثر فِيهِ، يُضْرَبُ هَذَا الْمَثَلُ لِمَنْ يُسْتَأْصَلُ ويُصْطلَمُ، والقَرْنُ إِذا قُصَّ أَو قُطَّ بَقِيَ ذلك الموضع أَملس. وقارونُ: اسْمُ رَجُلٍ، وَهُوَ أَعجمي، يُضْرَبُ بِهِ الْمَثَلُ فِي الغِنَى وَلَا يَنْصَرِفُ لِلْعُجْمَةِ والتعريف. وقارُون: اسْمُ رَجُلٍ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى، وَكَانَ كَافِرًا فَخَسَفَ اللَّهُ بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرض. والقَيْرَوَانُ: معرَّب، وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ كارْوان، وَقَدْ تَكَلَّمَتْ بِهِ الْعَرَبُ؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
__________
(3) . قوله [فرزدقة] كذا بالأصل بهذا الضبط، وسقطت من نسخة المحكم التي بأيدينا، ولعله مثل فرزقة بحذف الدال المهملة(13/341)
وغارةٍ ذاتِ قَيْرَوانٍ، ... كأَنَّ أَسْرَابَها الرِّعالُ
والقَرْنُ: قَرْنُ الهَوْدج؛ قَالَ حاجِبٌ المازِنِيّ:
صَحا قَلْبِي وأَقْصرَ، غَيْرَ أَنِّي ... أَهَشُّ، إِذا مَرَرْتُ عَلَى الحُمولِ
كَسَوْنَ الفارِسيَّةَ كُلَّ قَرْنٍ، ... وزَيَّنَّ الأَشِلَّةَ بالسُّدُولِ
قردن: التَّهْذِيبِ فِي الرُّبَاعِيِّ: خُذْ بقَرْدَنهِ وكَرْدَنِه وكَرْدِه أَي بقَفاه.
قرصطن: القَرَصْطُونُ: القَفارُ، أَعجمي لأَن فَعَلُّولًا وفَعَلُّوناً لَيْسَا من أَبنيتهم.
قرطن: فِي الْحَدِيثِ:
أَنه دَخَلَ عَلَى سَلْمان فإِذا إِكافٌ وقِرْطَانٌ
؛ القِرْطَانُ: كالبَرْذَعة لِذَوَاتِ الْحَافِرِ، وَيُقَالُ قِرْطاطٌ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْخَطَابِيُّ بِالطَّاءِ، وقِرْطاق بِالْقَافِ، وَهُوَ بِالنُّونِ أَشهر، وَقِيلَ: هُوَ ثُلَاثِيُّ الأَصل ملحق بقِرْطاسٍ.
قرطعن: القِرْطَعْن: الأَحمق.
قزن: ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ أَقْزَنَ زيدٌ ساقَ غلامِه إِذا كسرها.
قسن: قَسَنٌ: إِتباعٌ لحَسَن بَسَن. والقِسْيَنُّ: الشَّيْخ الْقَدِيمُ، وَكَذَلِكَ الْبَعِيرُ؛ وأَنشد:
وَهُمْ كمِثْلِ البازِلِ القِسْيَنّ
فإِذا اشْتَقُّوا مِنْهَا فِعْلًا عَلَى مِثْلِ افْعَالَّ هَمَزُوا فَقَالُوا: اقْسَأَنَّ. ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدِ اقْسأَنَّ، وَقِيلَ: المُقْسَئِنّ الَّذِي قَدِ انْتَهَى فِي سِنِّهِ، فَلَيْسَ بِهِ ضَعْفُ كِبَرٍ وَلَا قوّةُ شَباب، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي فِي آخِرِ شَبَابِهِ وأَوّل كِبَرِهِ. وَقَدِ اقْسَأَنَّ اقْسِئناناً: كَبِرَ وعَسِيَ؛ وَقَوْلُهُ:
يَا مَسَدَ الخُوصِ، تَعَوَّذْ منِّي، ... إِن تَكُ لَدْناً لَيِّناً، فإِنِّي
مَا شِئْتَ مِنْ أَشْمَطَ مُقْسَئِنِ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: يَكُونُ عَلَى أَحد الْوَجْهَيْنِ الآخَرَين. واقْسَأَنَّ الشيءُ: اشْتَدَّ، وَفِيهِ قُسَأْنِينة. والقُسَأْنينة مِنَ اقْسَأَنَّ العودُ وَغَيْرُهُ إِذا يَبِسَ وَاشْتَدَّ وعَسِيَ. ابْنُ الأَعرابي: أَقْسَنَ الرجلُ إِذا صَلُبت يَدُه عَلَى الْعَمَلِ والسَّقْي. واقْسأَنَّ الليلُ: اشْتَدَّ ظَلَامُهُ؛ وأَنشد:
بِتُّ لَهَا يَقْظَانَ واقْسَأَنَّتِ
قَالَ الأَزهري: هَذِهِ الْهَمْزَةُ اجْتُلِبَتْ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ سَاكِنَانِ، وَكَانَ فِي الأَصل اقْسَانَّ يَقْسَانُّ.
قسطن: اللَّيْثُ: القُسْطانِيَّة نُدْأَةُ قَوْسِ قُزَحَ أَي عَوَجُه «1» . وأَنشد:
ونُؤْي كقُسْطانِيَّة الدَّجْنِ مُلْبِد
ابْنُ الأَعرابي: القُسْطالة قَوْسُ قُزَحَ، وَهِيَ القُسْطانة. أَبو عَمْرٍو: القَسْطانُ والكَسْطان الغُبار؛ وأَنشد:
يُثِير قَسْطانَ غُبارٍ ذِي وهَجْ
قَالَ الأَزهري: جَعَلَ أَبو عمرو قَسْطان وَكَسْطَانَ بِفَتْحِ الْقَافِ فَعْلاناً لا فَعْلالًا، ولم يُجِزْ قَسْطالًا وَلَا كَسْطالًا لأَنه لَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فَعْلال مِنْ غَيْرِ الْمُضَاعَفِ غَيْرَ حَرْفٍ وَاحِدٍ جَاءَ نَادِرًا، وَهُوَ قَوْلُهُمْ: نَاقَةٌ بِهَا خَزْعالٌ؛ هَكَذَا قال الفراء.
قسطبن: التَّهْذِيبُ فِي الْخُمَاسِيِّ: قُسْطَبِينَته وقُسْطَبِيلته يعني الكَمَرة، والله أَعلم.
قطن: القُطُون: الإِقامة. قَطَنَ بالمكان يَقْطُنُ
__________
(1) . قوله [أي عوجه] كذا في الأَصل ونسخة من التهذيب، والذي في القاموس وغيره: إن الندأة هي قوس قزح(13/342)
قُطُوناً: أَقام بِهِ وتَوَطَّنَ، فَهُوَ قاطنٌ؛ وَقَالَ الْعَجَّاجِ:
ورَبِّ هَذَا البلدِ المُحَرَّمِ ... والقَاطِناتِ البَيْتَ غَيْرِ الرُّيَّمِ،
قَواطِناً مكةَ مِنْ وُرْقِ الحَمِي
والقُطَّانُ: الْمُقِيمُونَ. والقَطِينُ: جَمَاعَةُ القُطَّان، اسْمٌ لِلْجَمْعِ، وَكَذَلِكَ القَاطِنَةُ، وَقِيلَ: القَطِينُ السَّاكِنُ فِي الدَّارِ، وَالْجَمْعُ قُطُنٌ؛ عَنْ كُرَاعٍ. والقَطِينُ: الْمُقِيمُونَ فِي الْمَوْضِعِ لَا يَكَادُونَ يَبْرَحُونه. والقَطِينُ: السُّكَّان فِي الدَّارِ، ومُجاوِرُو مَكَّةَ قُطَّانُها. وَفِي حَدِيثِ الإِفاضة:
نَحْنُ قَطِينُ اللَّهِ
أَي سُكَّانُ حَرَمه. والقَطِينُ: جَمْعُ قَاطِنٍ كالقُطَّان، وَفِي الْكَلَامِ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: نَحْنُ قَطين بَيْتِ اللَّهِ وحَرَمِه، قَالَ: وَقَدْ يَجِيءُ القَطِينُ بِمَعْنَى القاطِنِ لِلْمُبَالَغَةِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثِ
زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ:
فإِني قَطِينُ الْبَيْتِ عِنْدَ المَشاعِر
وحَمامُ مَكَّةَ يُقَالُ لَهَا: قَواطِنُ مَكَّةَ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
فَلَا وَرَبِّ القاطِناتِ القُطَّنِ
والقَطِينُ: كالخَليط لَفْظُ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ فِيهِ سَوَاءٌ. والقَطِينُ: تبَّاع المَلِك ومَماليكه. والقَطِينُ: أَهل الدَّارِ. والقَطِينُ: الخَدَمُ والأَتْباع والحَشَمُ؛ وَفِي التَّهْذِيبِ: الحَشَمُ الأَحْرَارُ. والقَطِينُ: المَماليك. والقَطِينُ: الإِماءُ. والقاطِنُ: الْمُقِيمُ بِالْمَكَانِ. والقَطِين: تُبَّعُ الرَّجُلِ ومَماليكه وخَدَمُه، وَجَمْعُهَا القُطَّان. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: قَطِينُ الرَّجُلِ حَشَمُه وخَدَمه، قَالَ: وإِذا قَالَ الشَّاعِرُ خَفّ القَطِينُ فَهُمُ الْقَوْمُ القَاطِنُون أَي الْمُقِيمُونَ. وَرُوِيَ
عَنْ سَلْمَانَ أَنه قَالَ: كُنْتُ رَجُلًا مِنَ الْمَجُوسِ فَاجْتَهَدْتُ حَتَّى كنتُ قَطِنَ النَّارِ الَّذِي يُوقِدُهَا
؛ قَالَ شَمِرٌ: قَطِنُ النَّارِ خازِنُها وخادِمُها وَيَجُوزُ أَنه كَانَ مُقِيمًا عَلَيْهَا، رَوَاهُ بِكَسْرِ الطَّاءِ. وقَطَنَ يَقْطُنُ إِذا خَدَم. قَالَ ابْنُ الأَثير: أَراد أَنه كَانَ لَازِمًا لَهَا لَا يُفَارِقُهَا مِنْ قَطَنَ فِي الْمَكَانِ إِذا لَزِمَهُ، قَالَ: وَيُرْوَى بِفَتْحِ الطَّاءِ، جَمْعُ قَاطِنٍ كخَدَم وخادِمٍ، قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ بِمَعْنَى قاطِنٍ كفَرَطٍ وفارطٍ. وقَطَنُ الطَّائِرِ: زِمِكَّاه وأَصلُ ذَنَبِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ
أَن آمِنَةَ لَمَّا حَمَلَتْ بِالنَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: مَا وَجَدْتُه في القَطَنة والثُّنَّةِ وَلَكِنِّي كنتُ أَجِدُه فِي كَبِدِي
؛ القَطَنُ: أَسفل الظَّهْرِ، والثُّنَّة: أَسفل الْبَطْنِ. والقَطَن، بِالتَّحْرِيكِ: مَا بَيْنَ الْوَرِكَيْنِ إِلى عَجْبِ الذَّنَبِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
مُعَوَّدٌ ضَرْبَ أَقْطانِ البَهازِير
والقَطَنُ: مَا عَرُضَ مِنَ الثَّبَجِ. وَقَالَ اللَّيْثُ: القَطَنُ الْمَوْضِعُ الْعَرِيضُ بَيْنَ الثَّبَج والعَجُز، والقَطِينة سَكَنُ الدَّارِ. وَيُقَالُ: جَاءَ القومُ بِقَطِينهم؛ قَالَ زُهَيْرٌ:
رأَيتُ ذَوِي الحاجاتِ، حَوْلَ بُيوتِهم، ... قَطِيناً لَهُمْ، حَتَّى إِذا أَنبتَ البَقْلُ
وَقَالَ جَرِيرٌ:
هَذَا ابنُ عَمِّي فِي دِمَشْقَ خَلِيفَةً، ... لَوْ شِئْتُ ساقَكُمُ إِليَّ قَطِينَا
والقَطِنَة والقِطْنَة، مثْلُ المَعِدَةِ والمِعْدَة: مِثل الرُّمَّانة تَكُونُ عَلَى كَرِشِ الْبَعِيرِ، وَهِيَ ذاتُ الأَطبْاق، وَالْعَامَّةُ تُسَمِّيهَا الرُّمَّانة، وَكَسْرُ الطَّاءِ فِيهَا أَجود. التَّهْذِيبُ: والقَطِنَة هِيَ ذَاتُ الأَطبْاق الَّتِي تَكُونُ مَعَ الْكَرِشِ، وَهِيَ الفَحِثُ أَيضاً؛ الحَرَّاني عَنِ ابْنِ السِّكِّيتِ: هِيَ القَطِنة الَّتِي تَكُونُ مَعَ الْكَرِشِ، وَهِيَ(13/343)
ذَاتُ الأَطباق، وَهِيَ النَّقِمة [النِّقْمة] «1» . والمَعِدة [المِعْدة] والكَلِمة [الكِلْمة] والسَّفِلة [السِّفْلة] والوَسِمة [الوِسْمة] الَّتِي يُخْتَضَبُ بِهَا؛ قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: هِيَ القَطِنة [القِطْنة] وَهِيَ الرُّمانة فِي جَوْفِ الْبَقَرَةِ؛ وَفِي حَدِيثُ
سَطِيحٍ:
حَتَّى أَتى عارِي الجَآجي والقَطَنْ
وَقِيلَ: الصَّوَابُ قَطِنٌ، بِكَسْرِ الطَّاءِ، جَمْعُ قطِنة وَهِيَ مَا بَيْنَ الْفَخِذَيْنِ. والقَطِنة: اللَّحْمَةُ بَيْنَ الْوَرِكَيْنِ. والقُطْنُ والقُطُنُ والقُطُنُّ: مَعْرُوفٌ، وَاحِدَتُهُ قُطْنةٌ وقُطُنة وقُطُنَّة، وَقَدْ يَضْعُفُ فِي الشِّعْرِ «2» . قَالَ: يُقَالُ قُطْنٌ وقُطُنٌ مِثْلُ عُسْر وعُسُر؛ قَالَ قَارِبُ بْنُ سَالِمٍ المُرِّي، وَيُقَالُ دَهلب بْنُ قُرَيع:
كأَنَّ مَجْرى دَمْعِها المُسْتَنِّ ... قُطُنَّةٌ مِنْ أَجْوَد القُطْنُنِ
وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ: مِنْ أَجود القُطُنِّ؛ قَالَ: شدِّد لِلضَّرُورَةِ وَلَا يَجُوزُ مِثْلُهُ فِي الْكَلَامِ. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: القُطْنُ يَعْظُم عِنْدَهُمْ شَجَرُهُ حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ شَجَرِ المِشْمِش، وَيَبْقَى عِشْرِينَ سَنَةً، وأَجودُه الحديثُ؛ وَقَوْلُ لَبِيدٍ:
شاقَتْكَ ظُعْنُ الحيِّ، يَوْمَ تحَمَّلوا، ... فتَكنَّسوا قُطُناً تَصِرُّ خِيامُها
أَراد بِهِ ثِيَابَ القُطْن. والمَقْطَنة: الَّتِي تُزْرَعُ فِيهَا الأَقطان. وَقَدْ عَطَّبَ الكرمُ وقَطَّنَ الكرمُ تَقْطيناً: بَدَتْ زَمَعاته. وبزْرُ قَطُونا: حَبَّة يُسْتَشْفَى بِهَا، والمدُّ فِيهَا أَكثر؛ التَّهْذِيبُ: وحَبَّة يُسْتَشْفَى بِهَا يُسَمِّيهَا أَهل الْعِرَاقِ بزْرَ قَطُونا؛ قَالَ الأَزهري: وسأَلت عَنْهَا البَحْرانيين فَقَالُوا: نَحْنُ نُسَمِّيهَا حَبَّ الذُّرَقة، وَهِيَ الأَسْفِيوس، مُعَرَّبٌ. وبزْرُ قَطوناء. عَلَى وَزْنِ جَلولاء وحَرُوراء ودَبوقاء وكَشُوثاء. والقِطانُ: شِجار الْهَوْدَجِ، وَجَمْعُهُ قُطُنٌ؛ وأَنشد بَيْتَ لَبِيدٍ:
فَتَكَنَّسُوا قُطُنًا تَصِرُّ خِيَامُهَا
وقَطْني مِنْ كَذَا أَي حَسْبِي؛ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنما هُوَ قَطِي، وَدَخَلَتِ النُّونُ عَلَى حَالِ دُخُولِهَا فِي قَدْني، وَقَدْ تَقَدَّمَ. ابْنُ السِّكِّيتِ: القَطْنُ فِي مَعْنَى حَسْبُ. يُقَالُ: قَطْني كَذَا وَكَذَا؛ وأَنشد:
امْتَلأَ الحوضُ وقال: قَطْني، ... سلا رُوَيداً، قد مَلأْتَ بَطْني
قَالَ ابْنُ الأَنباري: مَنْ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ قَطْنَ عبدَ اللَّهِ درهمٌ، وقَطْنَ عبدِ اللَّهِ درهمٌ، فَيُزِيدُ نُونًا عَلَى قَطْ وَيَنْصِبُ بِهَا وَيَخْفِضُ وَيُضِيفُ إِلى نَفْسِهِ فَيَقُولُ قَطْني، قَالَ: وَلَمْ يُحْكَ ذَلِكَ فِي قَدْ، وَالْقِيَاسُ فِيهِمَا وَاحِدٌ؛ قَالَ: وَقَوْلُهُمْ لَا تَقُلْ إِلا كَذَا وَكَذَا قَطْ؛ مَعْنَاهُ حَسْبُ، فطاؤُها سَاكِنَةٌ لأَنها بِمَنْزِلَةِ بَلْ وَهَلْ وأَجَلْ، وَكَذَلِكَ قَدْ يُقَالُ قَدْ عبدَ اللَّهِ درهمٌ، وَمَعْنَى قَطْ عبدَ اللَّهِ درهمٌ أَي يَكْفِي عبدَ اللَّهِ دِرْهَمٌ. والقِطْنِيَة، بِالْكَسْرِ؛ حَكَاهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ بِالتَّخْفِيفِ وأَبو حَنِيفَةَ بِالتَّشْدِيدِ: وَاحِدَةُ القَطانيّ، وَهِيَ الْحُبُوبُ الَّتِي تُدَّخَرُ كالحِمَّص والعَدَس والباقِلَّى والتُّرْمُس والدُّخْن والأُرْز والجُلْبان. التَّهْذِيبُ: القِطْنِيَّة الثِّيَابُ، والقِطْنيَّة الْحُبُوبُ الَّتِي تَخْرُجُ مِنَ الأَرض، وَيُقَالُ لَهَا قُطْنيَّة مِثْلَ لُجِّيٍّ ولِجِّيّ، قَالَ: وإِنما
__________
(1) . قوله [وهي النقمة إلخ] هذه العبارة كالتي قبلها نظم عبارة التهذيب بالحرف وأتى بهذه النظائر للقطنة في الوزن فقط لا في المعنى كما هو ظاهر أي أن هذه سمع فيها أنها بكسر فسكون أو بفتح فكسر
(2) . قوله [وَقَدْ يَضْعُفُ فِي الشِّعْرِ قال قارب إلخ] هكذا نظم عبارة التهذيب بحذف الجملة المعترضة بينهما ونقلها المؤلف من الصحاح ووسطها في كلام التهذيب فصار غير منسجم، ولو قال والقطن والقطن مثل عسر وعسر والقطنّ إلخ وَقَدْ يَضْعُفُ فِي الشِّعْرِ قال قارب إلخ لانسجمت العبارة مع الاختصار، وكثيراً ما يقع له ذلك فيظن أن في الكلام سقطاً وليس كذلك(13/344)
سميت الحبوب قُطْنيَّة [قِطْنيَّة] لأَن مَخَارِجَهَا مِنَ الأَرض مِثْلَ مَخَارِجِ الثِّيَابِ القُطْنيَّة [القِطْنيَّة] ، وَيُقَالُ: لأَنها تُزْرَعُ كُلَّهَا فِي الصَّيْفِ وتُدْرِك فِي آخِرِ وَقْتِ الْحَرِّ، وَقَالَ أَبو مُعَاذٍ: القَطانِيُّ الخِلَفُ وخُضَر الصَّيْفِ. شَمِرٌ: القُطْنِيَّة مَا كَانَ سِوَى الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: القِطْنِيَّةُ اسْمٌ جَامِعٌ لِهَذِهِ الْحُبُوبِ الَّتِي تُطْبَخُ؛ قَالَ الأَزهري: هِيَ مِثْلُ العَدس والخُلَّر، وَهَوَ الماشُ، وَالْفُولُ والدُّجْر، وَهُوَ اللُّوبْيَاءُ، والحِمَّص وَمَا شَاكَلَهَا مِمَّا يُقْتات، سَمَّاهَا الشَّافِعِيُّ كُلَّهَا قُطْنيَّة فِيمَا رَوَى عَنْهُ الرَّبِيعُ، وَهُوَ قَوْلِ مَالِكِ بْنِ أَنس. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنه كَانَ يأْخذ مِنَ القِطنيَّة العُشْرَ
؛ هِيَ بِالْكَسْرِ وَالتَّشْدِيدِ وَاحِدَةُ القَطاني كَالْعَدَسِ وَالْحِمَّصِ وَاللُّوبْيَاءِ. والقَيْطونُ: المُخْدَع، أَعجمي، وَقِيلَ: بِلُغَةِ أَهل مِصْرَ وبَرْبَر. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: القَيْطون بَيْتٌ فِي بَيْتٍ؛ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَسَّانَ:
قُبَّة مِنْ مَراجِلٍ ضَرَبَتْها، ... عِنْدَ بَرْدِ الشتاءِ، فِي قَيْطونِ
وقَطَنٌ: اسْمُ رَجُلٍ. وقَطَنُ بْنُ نَهْشَل: مَعْرُوفٌ. وقَطَنٌ: جَبَلٌ بِنَجْدٍ فِي بِلَادِ بَنِي أَسد، وَفِي الصِّحَاحِ: جَبَلٌ لِبَنِي أَسد. وقُطَانُ: جَبَلٌ «3» ؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
غَيرَ أَن الحُدوجَ يرْفَعْنَ غِزْلانَ ... قُطانٍ عَلَى ظُهورِ الجِمالِ
واليَقْطِين: كُلُّ شَجَرٍ لَا يَقُومُ عَلَى سَاقٍ نَحْوَ الدُّبَّاء والقَرْع وَالْبِطِّيخِ وَالْحَنْظَلِ. ويَقْطِينُ: اسْمُ رَجُلٍ مِنْهُ. واليَقْطِينة: القَرْعة الرَّطبة. التَّهْذِيبُ: اليَقطين شَجَرُ القرْع. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ
؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: قِيلَ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ هُوَ وَرَقُ القرْع، فَقَالَ: وَمَا جعَلَ القَرْعَ مِنْ بَيْنِ الشَّجَرِ يَقْطِيناً، كُلُّ وَرَقَةٍ اتسعتْ وسترتْ فَهِيَ يَقْطينٌ. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَقَالَ مُجَاهِدٌ كُلُّ شَيْءٍ ذَهَبَ بَسْطاً فِي الأَرض يَقْطينٌ، وَنَحْوُ ذَلِكَ قَالَ الْكَلْبِيُّ، قَالَ: وَمِنْهُ القَرْع وَالْبِطِّيخُ والقِثَّاء والشِّرْيان، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: كُلُّ شَيْءٍ يَنْبُتُ ثُمَّ يَمُوتُ مِنْ عَامِهِ فَهُوَ يَقْطِينٌ. وقُطْنةُ: لَقَبُ رَجُلٍ، وَهُوَ ثابتُ قُطْنةَ العَتَكيّ، والأَسماء الْمَعَارِفُ تُضَافُ إِلى أَلقابها، وَتَكُونُ الأَلقاب مَعَارِفَ وتتعرَّف بِهَا الأَسماء كَمَا قِيلَ قَيْسُ قُفَّةَ وَزَيْدُ بَطَّةَ وسَعيد كُرْز؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ أَبو الْقَاسِمِ الزَّجَّاجِيُّ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ سَمِعْتُ أَبا حَاتِمٍ يَقُولُ أُصِيبتْ عَينُ ثابتِ قُطْنةَ بخُراسان فَكَانَ يَحْشُوهَا قُطْناً، فَسُمِّيَ ثابتَ قُطْنة؛ وَفِيهِ يَقُولُ حَاجِبُ الْفِيلِ:
لَا يَعْرفُ الناسُ مِنْهُ غيرَ قُطْنَتِه، ... وَمَا سِوَاهَا من الإِنسان مَجْهولُ
قعن: القَعَنُ: قِصَرٌ فِي الأَنف فَاحِشٌ. وقُعَيْنٌ: حيٌّ مُشْتَقٌّ مِنْهُ، وَهُمَا قُعَيْنانِ: قُعَيْنٌ فِي بَنِي أَسد، وقُعَيْنٌ فِي قيْس بْنِ عَيْلان. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: القَعَنُ والقَعَى ارتفاعٌ فِي الأَرْنَبةِ، قال: والقَعَنُ انفِحاجٌ فِي الرِّجْلِ. قَالَ الأَزهري: وَالَّذِي صَحَّ لِلثِّقَاتِ فِي عُيُوبِ الأَنف القَعَمُ، بِالْمِيمِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. قَالَ الأَزهري: وَالْعَرَبُ تُعَاقِبُ الْمِيمَ وَالنُّونَ فِي حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ لِقُرْبِ مَخْرَجَيْهِمَا مِثْلَ الأَيْمِ والأَيْنِ لِلْحَيَّةِ، والغَيْم والغَيْنِ لِلسَّحَابِ، وَلَا أُنكِرُ أَن يَكُونَ القَعَنُ والقَعَمُ مِنْهَا. وَسُئِلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: أَيُّ الْعَرَبِ أَفصح؟ فَقَالَ: نَصْرُ قُعَيْنٍ أَو قُعَيْنُ نَصْرٍ. والقَيْعُونُ: نَبْتٌ. والقَيْعُون، عَلَى بِنَاءِ فَيْعُول:
__________
(3) . قوله [وقطان جبل إلخ] كذا بالأَصل والمحكم مضبوطاً، والذي في ياقوت: قطان ككتاب جبل(13/345)
مَعْرُوفٌ وَهُوَ مَا طَالَ مِنَ العُشْبِ، قَالَ: وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ قَعَنَ، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ قَيْعُونٌ فَعْلُوناً مِنَ القَيْعِ عَلَى تقديرِ الزَّيْتُونِ مِنَ الزَّيْتِ، وَالنُّونُ زَائِدَةٌ. وقَعْوَنُ: اسم.
قفن: التَّهْذِيبُ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِني لأَسْتَعْمِلُ الرجلَ القَوِيَّ وغيرُه خيرٌ مِنْهُ، ثُمَّ أَكونُ عَلَى قَفَّانه، وَفِي طَرِيقٍ آخَرَ: إِني لأَسْتَعمِلُ الرجلَ الْفَاجِرَ لأَسْتَعِينَ بقوَّته ثُمَّ أَكونُ عَلَى قَفَّانه، يَعْنِي عَلَى قَفاه؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: قَفَّانُ كلِّ شيءٍ جِماعُه واسْتِقصاء مَعْرِفَتِهِ؛ يَقُولُ: أَكونُ عَلَى تتَبُّع أَمره حَتَّى أَستقصِيَ عِلْمَهُ وأَعرفه، وَالنُّونُ زَائِدَةٌ، قَالَ: وَلَا أَحْسِبُ هذه الكلمة عربية، إِنما أَصلها قَبّانٌ؛ وَقَالَ غَيْرُهُ: هو معرَّب قَبَّانَ الذي يُوزَنُ بِهِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ قَبّانٌ بِالصَّرْفِ، قَالَ: وأَما حِمارُ قَبّانَ لدُوَيْبَّة مَعْرُوفَةٌ فَغَيْرُ مَصْرُوفَةٍ؛ ومنه قول العامة: فلان قَبّانٌ عَلَى فُلَانٍ إِذا كَانَ بِمَنْزِلَةِ الأَمين وَالرَّئِيسِ الَّذِي يتتَبَّعُ أَمره ويُحاسبه، وَلِهَذَا سُمِّيَ الْمِيزَانُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ القَبَّانُ القَبّانَ. ابْنُ الأَعرابي: القَفّانُ عِنْدَ الْعَرَبِ الأَمين، وَهُوَ فَارِسِيٌّ عُرِّبَ. ابْنُ الأَعرابي: هَذَا يومُ قَفْنٍ أَي يَوْمُ قِتَالٍ، وَيَوْمُ غَضْنٍ إِذَا كَانَ ذَا حِصَار. وقَفَّنَ رأْسه وقَنَّفَه إِذا قَطَعَهُ وأَبانه. والقَفْنُ: الضَّرْبُ بِالْعَصَا والسَّوْطِ؛ قَالَ بَشِيرٌ الفَرِيريُّ:
قَفَنْتُه بالسَّوْطِ أَيَّ قَفْنِ، ... وَبِالْعَصَا مِنْ طُول سُوءِ الضَّفْنِ
وقَفَنَ الرجلَ يَقْفِنُه قَفْناً: ضَرَبَهُ عَلَى رأْسه بِالْعَصَا. وقَفَنَه يَقْفِنُه قَفْناً: ضَرَبَ قَفاه. وقَفَنَ الشاةَ يَقْفِنُها قَفْناً: ذَبَحَهَا مِنَ القَفا. والقَفِينة: الشَّاةُ تُذْبَحُ مِنْ قَفَاهَا، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. وَشَاةٌ قَفِينة: مَذْبُوحَةٌ مِنْ قَفاها، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي أُبِينَ رأْسُها مِنْ أيِّ جِهَةٍ ذُبِحَتْ. وَرُوِيَ عَنِ النَّخَعِيِّ أَنه قَالَ فِي حَدِيثِهِ فِيمَنْ ذَبح فأَبان الرأْسَ قَالَ: تِلْكَ الْقَفِينَةُ لَا بأْس بِهَا، وَيُقَالُ: النُّونُ زَائِدَةٌ لأَنها القَفِيَّة. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: القَفينة كَانَ بعضُ النَّاسِ يَرَى أَنها الَّتِي تُذْبَحُ مِنَ القَفا، وَلَيْسَتْ بِتِلْكَ، وَلَكِنَّ القَفينة الَّتِي يُبان رأْسها بِالذَّبْحِ، وإِن كَانَ مِنَ الحَلْق، قَالَ: وَلَعَلَّ الْمَعْنَى يَرْجِعُ إِلَى القَفا لأَنه إِذا أَبان لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ قَطْعِ القَفا؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَوْلُ الْجَوْهَرِيِّ النُّونُ زَائِدَةٌ لأَنها القَفِيَّة، قَالَ: النُّونُ فِي القَفِينَة لَامُ الْكَلِمَةِ، يُقَالُ: قَفَنَ الشَّاةَ قَفْناً، وَهِيَ قَفِينٌ، وَالشَّاةٌ قَفِينة مِثْلَ ذَبِيحَةٍ؛ قَالَ: وَلَوْ كَانَتِ النُّونُ زَائِدَةً لَبَقِيَتِ الْكَلِمَةُ بِغَيْرِ لَامٍ، وأَما أَبو زَيْدٍ فَلَمْ يَعْرِفْ فِيهَا إِلَّا القفِيَّة، بِالْيَاءِ. وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: القَفِينة التي يُبانُ رأْسها عِنْدَ الذَّبْحِ، وإِن كَانَ مِنَ الْحَلْقِ، وأَنكر قَوْلَ مَنْ يَقُولُ إِنها الَّتِي تُذْبَحُ مِنْ قَفَاهَا. وَحَكَى غَيْرُهُ: قَفَنَ رأْسه إِذا قَطَعَهُ فأَبانه. وَيُقَالُ للقَفا: القَفَنُّ والقَفِينة، فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ. يُقَالُ: قَفَنَ الشَّاةَ واقتَفَنها. وَقَدْ قَالُوا: القَفَنُّ للقَفَا، فَزَادُوا نُونًا مُشَدَّدَةً؛ وأَنشد الرَّاجِزُ فِي ابْنِهِ:
أُحِبُّ مِنكَ مَوضِعَ الوِشْحَنِّ [الوُشْحَنِ] ، ... وموْضِعَ الإِزارِ والقَفَنِّ «1»
. والقَفِينة: النَّاقَةُ الَّتِي تُنْحَرُ مِنْ قَفَاهَا؛ عَنْ ثَعْلَبٍ، وَلَيْسَ شَيْءٌ «2» : مِنْ ذَلِكَ مُشْتَقًّا مِنْ لَفْظِ الْقَفَا إِذ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَقِيلَ فِي كُلِّهِ قَفِيٌّ وقَفِيَّة. أَبو عَمْرٍو: القَفِين الْمَذْبُوحُ مِنْ قَفَاهُ. واقْتَفَنْتُ الشاةَ والطائر إِذا
__________
(1) . قوله [وموضع الإِزار إلخ] قال الصاغاني الرواية:
ومعقد الإِزار في القفنّ
والكاف في منك مفتوحة يخاطب ابنه لا امرأته
(2) . قوله [وليس شيء إلخ] قال ابن سيدة: الذي عندي أن النون أصل وإن كانت الكلمة معناها معنى القفا كما أن القدموس معناه القديم والسبطر معناه السبط وليست الميم ولا الراء زائدة(13/346)
ذَبحْتَ مِنْ قِبَل الْوَجْهِ فأَبَنْتَ الرأْسَ. والقَفْنُ: الموْتُ. وَيُقَالُ: قَفَنَ يَقْفِنُ قُفُوناً إِذا مَاتَ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
أَلْقَى رَحَى الزَّوْرِ عَلَيْهِ فطَحَنْ، ... فَقاءَ فَرْثاً تَحْتَه حَتَّى قَفَنْ
قَالَ: وقَفَنَ الكلبُ إِذا وَلَغَ. ابْنُ الأَعرابي: القَفْنُ الْمَوْتُ، والكَفْنُ التغطِيَة. ابْنُ الأَعرابي: القَفِينَة والقَنِيفةُ واحدٌ، وَهُوَ أَن يُبانَ الرأْسُ. التَّهْذِيبُ: أَتيته عَلَى إِفَّانِ ذَلِكَ وقِفَّانِ ذَلِكَ وغِفّان ذَلِكَ أَي عَلَى حِينِ ذلك.
قفزن: القُفَزْنِيَةُ: المرأَة الزَّرِيَّة القصيرة.
ققن: قِقِنْ قِقِنْ: حِكَايَةُ صوت الضحك.
قلن: الأَزهري:
رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنه سأَل شُرَيْحاً عَنِ امرأَة طُلِّقَتْ فذكَرَتْ أَنها حَاضَتْ ثلاثَ حِيَضٍ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ شُرَيْحٌ: إِن شَهِدَ ثلاثُ نِسْوَةٍ مِنْ بطانَةِ أَهلها أَنها كَانَتْ تَحِيضُ قَبْلَ أَن طُلِّقَتْ فِي كُلِّ شَهْرٍ كَذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا: فَقَالَ عَلِيٌّ: قالُونْ
؛ قَالَ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَهل الْعِلْمِ: قالُون بِالرُّومِيَّةِ مَعْنَاهَا أَصَبْتَ، ورأَيت فِي تَارِيخِ دِمَشْقَ لِابْنِ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: اشْتَرَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ جَارِيَةً رُومِيَّةً فأَحبها حُبًّا شَدِيدًا، فَوَقَعَتْ يَوْمًا عَنْ بَغْلَةٍ كَانَتْ عَلَيْهَا فَجَعَلَ ابْنُ عُمَرَ يَمْسَحُ التُّرَابَ عَنْهَا ويُفَدِّيها، قَالَ: فَكَانَتْ تَقُولُ لَهُ أَنت قالُونُ أَي رَجُلٌ صَالِحٌ، ثُمَّ هَرَبَتْ مِنْهُ؛ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ:
قَدْ كنتُ أَحسِبُني قالونَ، فانطلَقَتْ ... فاليومَ أَعْلَمُ أَني غَيْرُ قالُونِ
قلمون: القَلَمُونُ: مَطارِفُ كَثِيرَةُ الأَلوانِ، مثَّلَ بِهِ سِيبَوَيْهِ وَفَسَّرَهُ السِّيرَافِيُّ. التَّهْذِيبُ فِي الرُّبَاعِيِّ: الْفَرَّاءُ قَلَمُونٌ هُوَ فَعَلُونٌ مِثْلُ قَرَبوسٍ، وَهُوَ مَوْضِعٌ، قَالَ: وَقَالَ غَيْرُهُ أَبو قَلَمُون ثَوْبٌ يُتراءَى إِذا أَشْرَقتْ عَلَيْهِ الشمسُ بأَلوانٍ شَتَّى، قَالَ: وَلَا أَدري لَمْ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ؛ قَالَ: وَقَالَ لِي قَائِلٌ سَكَنَ مصْرَ أَبو قَلَمُون طَائِرٌ مِنْ طَيْرِ الْمَاءِ يُتراءَى بأَلوان شَتَّى فشُبِّه الثوبُ بِهِ؛ وَقَالَ:
بنَفْسِي حاضِرٌ ببَقِيعِ حَوْضَى، ... وأَبياتٌ عَلَى القَلَمُونِ جُونُ
جعل القَلَمُونَ موضعاً.
قمن: الأَزهري:
رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنه قَالَ: إِني قَدْ نُهيتُ عَنِ الْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، فأَما الركوعُ فعَظِّمُوا اللَّهَ فِيهِ، وأَما السُّجود فأَكثروا فِيهِ من الدُّعَاءِ، فإِنه قَمِنٌ أَن يُسْتَجابَ لَكُمْ
؛ يُقَالُ: هُوَ قَمَنٌ أَن يَفْعَلَ ذَلِكَ، بِالتَّحْرِيكِ، وقَمِنٌ أَن يَفْعَلَ ذَلِكَ، فَمَنْ قَالَ قَمَن أَراد الْمَصْدَرَ فَلَمْ يُثَنِّ وَلَمْ يُجْمَعْ وَلَمْ يُؤَنِّثْ، يُقَالُ: هُمَا قَمَنٌ أَن يَفْعَلَا ذَلِكَ وَهُمْ قَمَنٌ أَن يَفْعَلُوَا ذَلِكَ وهنَّ قَمَنٌ أَن يَفْعَلْنَ ذَلِكَ، وَمَنْ قَالَ قَمِنٌ أَراد النَّعْتَ فَثَنَّى وَجَمَعَ فَقَالَ هُمَا قَمِنانِ وَهُمْ قَمِنونَ، وَيُؤَنَّثُ عَلَى ذَلِكَ، وَفِيهِ لُغَتَانِ: هُوَ قَمِنٌ أَن يَفْعَلَ ذَلِكَ، وقَمِين أَن يَفْعَلَ ذَلِكَ، بِالْيَاءِ؛ قَالَ قَيْسُ بْنُ الخَطيم:
إِذا جاوَزَ الاثنينِ سِرٌّ فإِنه، ... بنَثّ وتَكْثيرِ الوُشاةِ، قَمِينُ
قَالَ ابْنُ كَيْسانَ: قمِينٌ بِمَعْنَى حَرِيّ، مأْخوذ مِنْ تَقَمَّنْتُ الشيءَ إِذا أَشْرَفتَ عَلَيْهِ أَن تأْخذه؛ غَيْرُهُ: هُوَ مأْخوذ مِنَ القَمِين بِمَعْنَى السَّرِيعِ وَالْقَرِيبِ. ابْنُ سِيدَهْ: هُوَ قَمَنٌ بِكَذَا وقَمَنٌ مِنْهُ وقَمِنٌ وقمِينٌ أَي حَرٍ وخَلِيقٌ وجَدِيرٌ، فَمَنْ فَتَحَ لَمْ يُثَنِّ وَلَا جَمَعَ وَلَا أَنَّث، وَمَنْ كَسَرَ الْمِيمَ أَو أَدخل الْيَاءَ فَقَالَ قمِينٌ ثَنَّى وَجَمَعَ وأَنَّث فَقَالَ قَمِنانِ وقَمِنُون وقمِنَة(13/347)
وقمِنتانِ وقمِناتٌ وقَمِينانِ وقَمِينونَ وقُمَناء وقمِينة وقمِينتانِ وقمِيناتٌ وقَمائِنُ. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: إِنه لمَقْمُون أَن يَفْعَلَ «1» : ذَلِكَ، وإِنه لمَقْمَنة أَن يَفْعَلَ ذَلِكَ، كَذَا لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ فِي الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ كَقَوْلِكَ مَخْلَقة ومَجْدَرة. وَهَذَا الأَمرُ مَقْمَنة لِذَلِكَ أَي مَحْراةٌ ومَخْلقة ومَجْدَرة؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُ قَمَنٍ، بالفتح، قولُ الحرث بْنِ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيِّ:
مَنْ كَانَ يَسأَلُ عَنَّا أَينَ منزِلُنا، ... فالأُقْحُوانةُ مِنَّا مَنزِلٌ قَمَنُ
قَالَ: وَشَاهِدُ قَمِنٍ بِالْكَسْرِ قَوْلُ الحُوَيْدِرة:
ومُناخ غيرِ تَئِيَّةٍ عَرَّسْتُه ... قَمِن مِنَ الحِدْثانِ نَابِي المَضْجَعِ
وَهَذَا المنزلُ لَكَ مَوْطِنٌ قَمِنٌ [قَمَنٌ] أَي جَديرٌ أَن تَسْكُنَهُ. وأَقْمِنْ بِهَذَا الأَمر أَي أَخْلِقْ بِهِ. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: مَا رأَيت مِنْ قَمَنِه وقَمَانته، كَذَا حَكَاهُ. وَدَارِي قَمَنٌ مِنْ دَارِكَ أَي قَرِيبٌ. ابْنُ الأَعرابي: القَمَنُ والقَمِنُ الْقَرِيبُ. والقَمَنُ والقَمِنُ: السَّرِيعُ. وتقَمَّنْتُ فِي هَذَا الأَمر مُوافَقَتَك أَي تَوَخَّيْتُها.
قنن: القِنُّ: الْعَبْدُ للتَّعْبيدَةِ. وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: الْعَبْدُ القِنُّ الَّذِي مُلِكَ هُوَ وأَبواه، وَكَذَلِكَ الِاثْنَانِ وَالْجَمْعُ وَالْمُؤَنَّثُ، هَذَا الأَعراف، وَقَدْ حُكِيَ فِي جَمْعِهِ أَقْنانٌ وأَقِنَّة؛ الأَخيرة نَادِرَةٌ؛ قَالَ جَرِيرٌ:
إِنَّ سَلِيطاً فِي الخَسارِ إِنَّهْ ... أَبْناءُ قَوْمٍ خُلِقُوا أَقِنَّهْ
والأُنثى قِنٌّ، بِغَيْرِ هَاءٍ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: الْعَبْدُ القِنُّ الَّذِي وُلِدَ عِنْدَكَ وَلَا يَسْتَطِيعُ أَن يَخْرُجَ عَنْكَ. وَحُكِيَ عَنِ الأَصمعي: لسْنا بعَبيدِ قِنٍّ وَلَكِنَّا عبيدُ مَمْلُكة، مُضَافَانِ جَمِيعًا. وَفِي حَدِيثِ
عَمْرِو بْنِ الأَشْعَثِ: لَمْ نَكن عبيدَ قِنٍّ إِنما كُنَّا عبيدَ مَمْلكة.
يُقَالُ: عبدٌ قِنٌّ وعَبْدانِ قِنٌّ وعبيدٌ قِنٌّ. وَقَالَ أَبو طَالِبٍ: قَوْلُهُمْ عبدٌ قِنٌّ، قَالَ الأَصمعي: القِنُّ الَّذِي كَانَ أَبوه مَمْلُوكًا لِمَوَالِيهِ، فإِذا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَهُوَ عبدُ مَمْلَكةٍ، وكأَنَّ القِنَّ مأْخوذٌ مِنَ القِنْيَة، وَهِيَ المِلْكُ؛ قَالَ الأَزهري: وَمِثْلُهُ الضِّحُّ وَهُوَ نُورُ الشَّمْسِ المُشْرِقُ عَلَى وَجْهِ الأَرض، وأَصله ضِحْيٌ، يُقَالُ: ضَحِيتُ لِلشَّمْسِ إِذا بَرَزْتَ لَهَا. قَالَ ثَعْلَبٌ: عبدٌ قِنٌّ مُلِكَ هُوَ وأَبواه، مِنَ القُنَانِ وَهُوَ الكُمُّ، يَقُولُ: كأَنه فِي كُمِّه هُوَ وأَبواه، وَقِيلَ: هُوَ مِنَ القِنْيَة إِلَّا أَنه يُبْدَلُ. ابْنُ الأَعرابي: عبدٌ قِنٌّ خالِصُ العُبودة، وقِنٌّ بَيِّنُ القُنُونةِ والقَنَانةِ وقِنٌّ وقِنَّانِ وأَقنانٌ، وغيرُه لَا يُثَنِّيهِ وَلَا يَجْمَعُهُ وَلَا يُؤَنِّثُهُ. واقْتَنَنَّا قِنّاً: اتَّخَذْنَاهُ. واقْتَنَّ قِنّاً: اتَّخَذَهُ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وَقَالَ: إِنه لقِنٌّ بَيِّنُ القَنانة أَو القِنانة. والقِنَّةُ: القُوَّةُ مِنْ قُوَى الحَبْلِ، وخَصَّ بَعْضُهُمْ بِهِ القُوَّة مِنْ قُوَى حَبْلِ اللِّيفِ؛ قَالَ الأَصمعي: وأَنشدنا أَبو القَعْقاعِ اليَشْكُري:
يَصْفَحُ للقِنِّةِ وَجْهاً جأْبَا، ... صَفحَ ذِراعَيْه لعَظْمٍ كَلْبا
وَجَمْعُهَا قِنَنٌ، وأَنشده ابْنُ بَرِّيٍّ مُسْتَشْهِدًا بِهِ عَلَى القِنَّةِ ضربٍ مِنَ الأَدْوية، قَالَ: وَقَوْلُهُ كَلْبًا ينتصِبُ عَلَى التَّمْيِيزِ كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: كَبُرَتْ كَلِمَةً؛ قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مِنَ الْمَقْلُوبِ. والقُنَّة: الْجَبَلُ الصَّغِيرُ، وَقِيلَ: الْجَبَلُ السَّهْلُ الْمُسْتَوِي الْمُنْبَسِطُ عَلَى الأَرض، وَقِيلَ: هُوَ الْجَبَلُ الْمُنْفَرِدُ الْمُسْتَطِيلُ فِي السَّمَاءِ، وَلَا تَكُونُ القُنَّة إِلا سَوْداء. وقُنَّةُ كلِّ شيءٍ: أَعلاه مثلُ القُلَّة؛ وَقَالَ:
__________
(1) . قوله [إِنَّهُ لَمَقْمُونٌ أَنْ يَفْعَلَ إلخ] كذا بالأَصل تبعاً لنسخة من المحكم، والذي في التهذيب: وقال اللحياني إنه لَمَقْمَنَةٌ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ وإنهم لمقمنة لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ إلخ(13/348)
أَما ودِماءٍ مائراتٍ تَخالُها، ... عَلَى قُنَّةِ العُزَّى وبالنَّسْرِ، عَنْدَما
وقُنَّةُ الْجَبَلِ وقُلَّتُه: أَعلاه، وَالْجَمْعُ القُنَنُ والقُلَلُ، وَقِيلَ: الْجَمْعُ قُنَنٌ وقِنانٌ وقُنَّاتٌ وقُنُونٌ؛ وأَنشد ثَعْلَبٌ:
وهَمَّ رَعْنُ الآلِ أَن يَكُونَا ... بَحْراً يَكُبُّ الحوتَ والسَّفِينا
تَخالُ فِيهِ القُنَّةَ القُنُونا، ... إِذا جَرَى، نُوتِيَّةً زَفُونا،
أَو قِرْمِلِيّاً هابِعاً ذَقُونا
قَالَ: وَنَظِيرُ قَوْلِهِمْ قُنَّة وقُنُون بَدْرَة وبُدُورٌ ومَأْنة ومُؤُون، إِلا أَن قَافَ قُنَّة مَضْمُومَةٌ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِذِي الرُّمة فِي جَمْعِهِ عَلَى قِنانٍ:
كأَنَّنا، والقِنانَ القُودَ يَحْمِلُنا، ... مَوْجُ الفُراتِ، إِذا الْتَجَّ الدَّيامِيمُ،
والاقْتِنانُ: الِانْتِصَابُ. يُقَالُ: اقْتَنَّ الوَعِلُ إِذا انْتَصَبَ عَلَى القُنَّة؛ أَنشد الأَصمعي لأَبي الأَخْزَرِ الحِمّانيِّ:
لَا تَحْسَبي عَضَّ النُّسُوعِ الأُزَّمِ، ... والرَّحْلَ يَقْتَنُّ اقْتِنانَ الأَعْصَمِ،
سَوْفَكِ أَطرافَ النَّصِيِّ الأَنْعَمِ
وأَنشده أَبو عُبَيْدٍ: والرَّحْلُ، بِالرَّفْعِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهُوَ خطأٌ إِلا أَن يُرِيدَ الْحَالَ؛ وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ الأَعْور الشَّنِّيّ:
كالصَّدَعِ الأَعْصمِ لَمَّا اقْتَنَّا
واقْتِنانُ الرَّحْلِ: لُزومُه ظهرَ الْبَعِيرِ. والمُسْتَقِنُّ الَّذِي يُقِيمُ فِي الإِبل يَشْرَبُ أَلبانَها؛ قَالَ الأَعْلَمُ الهُذَلِيّ:
فَشايعْ وَسْطَ ذَوْدِكَ مُسْتَقِنّاً، ... لتُحْسَب سَيِّداً ضَبُعاً تَنُولُ
الأَزهري: مُسْتَقِنّاً مِنَ القِنِّ، وَهُوَ الَّذِي يُقِيمُ مَعَ غَنَمِهِ يَشْرَبُ مِنْ أَلبانها وَيَكُونُ مَعَهَا حَيْثُ ذَهَبَتْ؛ وَقَالَ: مَعْنَى قَوْلِهِ مُسْتَقِنّاً ضَبُعاً تَنُولُ أَي مُسْتَخْدِماً امرأَة كأَنها ضَبُع، وَيُرْوَى: مُقْتَئِنّاً ومُقْبَئِنّاً، فأَما المُقْتَئِنُّ فالمُنْتَصِب وَالْهَمْزَةُ زَائِدَةٌ وَنَظِيرُهُ كَبَنَ واكْبَأَنَّ، وأَما المُقْبَئِنّ فَالْمُنْتَصِبُ أَيضاً، وَهُوَ بِنَاءٌ عَزِيزٌ لَمْ يَذْكُرْهُ صَاحِبُ الْكِتَابِ وَلَا اسْتُدْرِكَ عَلَيْهِ، وإِن كَانَ قَدِ استُدْرِكَ عَلَيْهِ أَخوه وَهُوَ المُهْوَئِنُّ. والمُقْتَنُّ: المُنْتَصِبُ أَيضاً. الأَصمعي: اقْتنَّ الشيءُ يَقْتَنُّ اقْتِناناً إِذا انْتَصَبَ. والقِنِّينَةُ: وِعاءٌ يُتَّخَذُ مِنْ خَيْزُرانٍ أَو قُضْبانٍ قَدْ فُصِلَ داخلُه بحَواجِزِ بَيْنَ مَوَاضِعِ الْآنِيَةِ عَلَى صِيغَةِ القَشْوة. والقِنِّينَةُ، بِالْكَسْرِ وَالتَّشْدِيدِ، مِنَ الزُّجَاجِ: الَّذِي يُجْعَل الشَّرابُ فِيهِ. وَفِي التَّهْذِيبِ: والقِنِّينةُ مِنَ الزُّجَاجِ مَعْرُوفَةٌ وَلَمْ يُذْكَرْ فِي الصِّحَاحِ مِنَ الزُّجاج، وَالْجَمْعُ قِنَانٌ، نَادِرٌ. والقِنِّينُ: طُنْبُور الحَبَشة؛ عَنِ الزَّجَّاجِيِّ: وَفِي الْحَدِيثِ:
إِن اللَّهَ حرَّم الخَمْرَ والكُوبةَ والقِنِّينَ
؛ قَالَ ابْنُ قُتَيْبة: القِنِّينُ لُعْبة لِلرُّومِ يَتَقامَرون بِهَا. قَالَ الأَزهري: وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ الأَعرابي قَالَ: التقْنِين الضَّرْبُ بالقِنِّينِ، وَهُوَ الطُّنْبورِ بالحَبَشِيَّة، والكُوبة الطَّبْل، وَيُقَالُ النَّرْدُ؛ قَالَ الأَزهري: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. وَوَرَدَ فِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: نُهِينا عَنِ الكُوبة والغُبَيْراء والقِنِّين
؛ قَالَ ابْنُ الأَعرابي: الْكُوبَةُ الطَّبْلُ، وَالْغُبَيْرَاءُ خَمْرَةٌ تُعْمَلُ مِنَ الغُبيراء، والقِنِّينُ طُنْبور الْحَبَشَةِ. وَقَانُونُ كُلِّ شَيْءٍ: طريقُه وَمِقْيَاسُهُ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأُراها دَخِيلَةً.(13/349)
وقُنَانُ الْقَمِيصِ وكُنُّه وقُنُّه: كُمُّه. والقُنانُ: رِيحُ الإِبِطِ عَامَّةً، وَقِيلَ: هُوَ أَشدّ مَا يَكُونُ مِنْهُ؛ قَالَ الأَزهري: هُوَ الصُّنَانُ عِنْدَ النَّاسِ وَلَا أَعْرِفُ القُنانَ. وقَنَانُ: اسْمُ مَلِكٍ كَانَ يأْخذ كلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً. وأَشرافُ اليَمن: بَنُو جُلُنْدَى بنِ قَنان. والقَنَانُ: اسْمُ جَبَلٍ بعينه لبني أَسد؛ قَالَ الشَّاعِرُ زُهَيْرٌ:
جَعَلْنا القَنانَ عَنْ يَمينٍ وحَزْنَهُ، ... وَكَمْ بالقَنانِ مِن مُحِلٍّ ومُحْرِمِ
وَقِيلَ: هُوَ جَبَلٌ وَلَمْ يُخَصَّصْ؛ قَالَ الأَزهري: وقَنانُ جَبَلٌ بأَعلى نَجْدٍ «2» . وَبَنُو قَنانٍ: بَطْنٌ مِنْ بَلْحرث بْنِ كَعْبٍ. وَبَنُو قُنَيْن: بَطْنٌ مِنْ بَنِي ثَعْلَب؛ حَكَاهُ ابْنُ الأَعرابي؛ وأَنشد:
جَهِلْتُ مِنْ دَيْنِ بَني قُنَيْنِ، ... وَمِنْ حِسابٍ بَيْنَهُمْ وبَيْني
وأَنشد أَيضاً:
كأَنْ لَمْ تُبَرَّكْ بالقُنَيْنيِّ نِيبُها، ... وَلَمْ يُرْتَكَبْ مِنْهَا لرَمْكاءَ حافِلُ
وَابْنُ قَنانٍ: رَجُلٌ مِنَ الأَعراب. والقِنْقِنُ والقُناقِنُ، بِالضَّمِّ: الْبَصِيرُ بِالْمَاءِ تَحْتَ الأَرض، وَهُوَ الدَّلِيلُ الْهَادِي والبَصيرُ بِالْمَاءِ فِي حَفْرِ القُنِيِّ، وَالْجَمْعُ القَناقِنُ، بِالْفَتْحِ. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: القُناقِنُ الْبَصِيرُ بِجَرِّ الْمِيَاهِ وَاسْتِخْرَاجِهَا، وَجَمْعُهَا قَناقِنُ؛ قَالَ الطِّرِمَّاحُ:
يُخافِتْنَ بعضَ المَضْغِ مِنْ خَشْيةِ الرَّدَى، ... ويُنْصِتْنَ للسَّمْعِ انْتِصاتَ القَناقِن
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: القِنْقِنُ والقُناقِنُ المُهَنْدِسُ الَّذِي يَعْرِفُ الْمَاءَ تَحْتَ الأَرض، قَالَ: وأَصلها بِالْفَارِسِيَّةِ، وَهُوَ مُعَرَّبٌ مُشْتَقٌّ مِنَ الحَفْر مِنْ قَوْلِهِمْ بِالْفَارِسِيَّةِ كِنْ كِنْ «3» . أَي احْفِرْ احْفِرْ. وَسُئِلَ
ابْنُ عَبَّاسٍ: لِمَ تَفَقَّدَ سُلَيْمانُ الهُدْهُدَ مِنْ بَيْنِ الطَّيْرِ؟ قَالَ: لأَنه كَانَ قُناقِناً
، يَعْرِفُ مَوَاضِعَ الْمَاءِ تَحْتَ الأَرض؛ وَقِيلَ: القُناقِنُ الَّذِي يَسْمَعُ فَيَعْرِفُ مقدارَ الْمَاءِ فِي الْبِئْرِ قَرِيبًا أَو بَعِيدًا. والقِنْقِنُ: ضَرْبٌ مِنْ صَدَف الْبَحْرِ «4» . والقِنَّة: ضَرْبٌ من الأَدْوِيَةِ، وبالفارسية پيرزَذ. والقِنْقِنُ: ضَرْبٌ مِنَ الجرْذانِ. والقَوانِينُ: الأُصُول، الْوَاحِدُ قانُونٌ، وَلَيْسَ بِعَرَبِيٍّ. والقُنَّةُ: نَحْوٌ مِنَ القارَة، وَجَمْعُهَا قِنانٌ؛ قَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: القُنَّة الأَكَمَةُ المُلَمْلَمَةُ الرأْسِ، وَهِيَ الْقَارَةُ لَا تُنْبِتُ شَيْئًا.
قون: ابْنُ الأَعرابي: القَوْنَةُ القِطْعَةُ مِنَ الْحَدِيدِ أَو الصُّفْر يُرْقَعُ بِهَا الإِناءُ. وَقَالَ اللَّيْثُ: قَوْنٌ وقُوَيْنٌ موضعان.
قين: القَيْنُ: الحَدَّادُ، وَقِيلَ: كُلُّ صَانِعٍ قَيْنٌ، وَالْجَمْعُ أَقْيانٌ وقُيُونٌ. وَفِي حَدِيثِ
الْعَبَّاسُ: إِلا الإِذْخِرَ فإِنه لقُيُونِنا
؛ القُيُونُ: جَمْعُ قَيْنٍ وَهُوَ الحَدَّاد والصَّانِعُ. التَّهْذِيبُ: كلُّ عَامِلِ الْحَدِيدِ عِنْدَ الْعَرَبِ قَيْنٌ. وَيُقَالُ للحَدَّاد: مَا كَانَ قَيْناً وَلَقَدْ قانَ. وَفِي حَدِيثِ
خَبَّابٍ: كنتُ قَيْناً فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
وقانَ يَقِينُ قِيانَةً وقَيْناً: صَارَ قَيْناً. وقانَ الْحَدِيدَةَ قَيْناً: عَمِلَها وسَوَّاها. وقانَ الإِناءَ يَقِينُه قَيْناً: أَصلحه؛ وأَنشد الكلابيُّ أَبو
__________
(2) . قوله [بأعلى نجد] الذي في التهذيب: بعالية نجد
(3) . قوله [مِنْ قَوْلِهِمْ بِالْفَارِسِيَّةِ كِنْ كن إلخ] كذا بالأَصل، والذي في المحكم: بكن أي احفر انتهى. وضبطت بكن فيه بكسر الموحدة وفتح الكاف
(4) . قوله [ضَرْبٌ مِنْ صَدَفِ الْبَحْرِ] عبارة التكملة ابن دريد: القنقنة، بالكسر، ضرب من دواب البحر شبيه بالصدف(13/350)
الغَمْرِ لِرَجُلٍ مِنْ أَهل الْحِجَازِ:
أَلا لَيْتَ شِعْري هَلْ تَغَيَّرَ بعدَنا ... ظِبَاءٌ، بِذِي الحَصْحاصِ، نُجْلٌ عُيُونُها؟
وَلِي كَبِدٌ مَجْرُوحَةٌ قَدْ بَدَتْ بِهَا ... صُدُوعُ الهَوَى، لَوْ أَنَّ قَيْناً يَقِينُها
وَكَيْفَ يَقِينُ القَيْنُ صَدْعاً فَتَشْتَفِي ... بِهِ كَبِدٌ أَبْتُ الجُرُوحِ أَنِينُها؟
وَيُقَالُ: قِنْ إِناءَك هَذَا عِنْدَ القَيْنِ. وقِنْتُ الشيءَ أَقِينُه قَيْناً: لَمَمْتُه؛ وَقَوْلُ زُهَيْرٍ:
خَرَجْنَ مِنَ السُّوبانِ ثُمَّ جَزَعْنَهُ ... عَلَى كُلِّ قَيْنِيٍّ قَشِيبٍ ومُفْأَمِ
يَعْنِي رَحْلًا قَيَّنَه النَّجَّارُ وعَمِلَه، وَيُقَالُ: نَسَبَهُ إِلَى بَنِي القَيْنِ. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: قُلْتُ لعُمارَةَ إِن بَعْضَ الرُّوَاةِ زَعَمَ أَن كُلَّ عَامِلٍ بِالْحَدِيدِ قَيْنٌ، فَقَالَ: كَذِبٌ، إِنما القَيْنُ الَّذِي يَعْمَلُ بِالْحَدِيدِ وَيَعْمَلُ بالكِير، وَلَا يُقَالُ لِلصَّائِغِ قَيْنٌ وَلَا لِلنَّجَّارِ قَيْنٌ، وَبَنُو أَسد يُقَالُ لَهُمُ القُيون لأَن أَوَّل مَنْ عَمِلَ عَمَلَ الْحَدِيدِ بِالْبَادِيَةِ الهالكُ بنُ أَسد بْنِ خُزَيمة. وَمِنْ أَمثالهم: إِذا سَمِعْتَ بسُرى القَيْنِ فإِنه مُصْبِحٌ وَهُوَ سَعدُ القَين؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: يُضْرَبُ لِلرَّجُلِ يُعْرَفُ بِالْكَذِبِ حَتَّى يُرَدُّ صِدْقُه؛ قَالَ الأَصمعي: وأَصله أَن القَيْنَ بِالْبَادِيَةِ يَنْتَقِلُ فِي مِيَاهِهِمْ فَيُقِيمُ بِالْمَوْضِعِ أَياماً فيَكْسُدُ عَلَيْهِ عمَله، فَيَقُولُ لأَهل الْمَاءِ إِني رَاحِلٌ عَنْكُمُ اللَّيْلَةَ، وإِن لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ يُشِيعُه ليَسْتعمِله مَنْ يُرِيدُ اسْتِعْمَالَهُ، فكَثُر ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ حَتَّى صَارَ لَا يُصَدَّق؛ وَقَالَ أَوْسٌ:
بَكَرَتْ أُميَّةُ غُدْوةً برَهِينِ ... خانَتْك، إِن القَينَ غَير أَمِينِ
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ مثَل فِي الْكَذِبِ. يُقَالُ: دُهْ دُرَّين سَعْدُ القَيْن. والتَّقَيُّنُ: التزَيُّن بأَلوان الزِّينَةِ. وتقَيَّنَ الرجلُ واقْتانَ: تَزَيَّن. وقانَتِ المرأَةُ المرأَةَ تَقِينُها قَيْناً وقَيَّنَتْها: زَيَّنَتْها. وتقَيَّن النبتُ واقتانَ اقتِياناً: حَسُن، وَمِنْهُ قِيلَ للمرأَة مُقَيِّنةٌ أَي أَنها تُزَيِّن؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لأَنها تزيِّن النِّسَاءَ، شُبِّهتْ بالأَمة لأَنها تُصْلِحُ الْبَيْتَ وَتُزَيِّنُهُ. وتقَيَّنتْ هِيَ: تزَيَّنتْ. وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: كَانَ لَهَا دِرْعٌ مَا كَانَتِ امرأَةٌ تُقَيَّنُ بِالْمَدِينَةِ إِلَّا أَرسلت تَسْتَعِيرُهُ
؛ تُقَيَّن أَي تُزَيَّن لِزِفَافِهَا. والتَّقْيينُ: التزْيينُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنا قَيَّنْتُ عَائشةَ.
واقتانَت الروضةُ إِذا ازْدانتْ بأَلوان زَهْرَتِهَا وأَخذَتْ زُخرُفها؛ وأَنشد لِكُثَيِّرٍ:
فهُنَّ مُناخاتٌ عليهنَّ زينةٌ، ... كَمَا اقْتانَ بالنَّبْت العِهادُ المُحوَّف
والقَيْنةُ: الأَمة المُغنّية، تَكُونُ مِنَ التزَيُّن لأَنها كَانَتْ تَزَيَّنُ، وَرُبَّمَا قَالُوا للمُتَزَيِّن بِاللِّبَاسِ مِنَ الرِّجَالِ قَيْنة؛ قَالَ: وَهِيَ كَلِمَةٌ هُذليّة، وَقِيلَ: القَيْنة الأَمة، مُغَنّية كَانَتْ أَو غَيْرَ مُغَنِّيَةٍ. قَالَ اللَّيْثُ: عَوامُّ النَّاسِ يَقُولُونَ القَيْنة الْمُغَنِّيَةٌ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: إِنما قِيلَ للمُغنّية قَيْنةٌ إِذا كَانَ الغناءُ صِنَاعَةً لَهَا، وَذَلِكَ مِنْ عَمَلِ الإِماء دُونَ الْحَرَائِرِ. والقَيْنةُ: الْجَارِيَةُ تخدُمُ حَسْبُ. والقَيْنُ: الْعَبْدُ، وَالْجَمْعُ قِيانٌ؛ وَقَوْلُ زُهَيْرٌ:
رَدَّ القِيانُ جِمالَ الحيِّ فاحْتَمَلوا ... إِلى الظَّهِيرة أَمرٌ بَيْنَهُمْ لَبِكُ
أَراد بالقِيان الإِماءَ أَنهنَّ ردَدْنَ الجِمالَ إِلى الحيِّ لشَدِّ أَقتابها عَلَيْهَا، وَقِيلَ: رَدَّ القِيانُ جمالَ الحيِّ العبيدُ والإِماءُ.(13/351)
وَبَنَاتُ قَيْنٍ: اسْمُ مَوْضِعٌ كَانَتْ بِهِ وَقْعَةٌ فِي زَمَانِ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانٍ؛ قَالَ عُوَيْف القَوافي:
صَبَحْناهم غَداةَ بناتِ قَيْنٍ ... مُلَمْلَمةً، لَهَا لَجَبٌ، طَحونا
وَيُقَالُ لِبَنِي القَيْن مِنْ بَنِي أَسد: بَلْقَيْنِ، كَمَا قَالُوا بَلْحرث وبَلْهُجَيم، وَهُوَ مِنْ شَوَاذِّ التَّخْفِيفِ، وإِذا نَسَبْتَ إِليهم قُلْتَ قَيْنيٌّ وَلَا تَقُلْ بَلْقَيْنِيٌّ. ابْنُ الأَعرابي: القَيْنةُ الفَقْرة مِنَ اللَّحْمِ، والقَيْنة الْمَاشِطَةُ، والقَيْنة المغَنّية. قَالَ الأَزهري: يُقَالُ لِلْمَاشِطَةِ مُقَيِّنة لأَنها تزَين الْعَرَائِسَ وَالنِّسَاءَ. قَالَ أَبو بَكْرٍ: قَوْلُهُمْ فُلَانَةُ قَيْنةٌ مَعْنَاهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الصَّانِعَةُ. والقَيْنُ: الصَّانِعُ. قَالَ خَبَّابُ بْنُ الأَرَتِّ: كنتُ قَيْناً فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَي صَانِعًا. والقَيْنةُ: هِيَ الأَمة، صَانِعَةً كَانَتْ أَو غَيْرَ صَانِعَةٍ. قَالَ أَبو عَمْرٍو: كُلُّ عَبْدٍ عِنْدَ الْعَرَبِ قَيْنٌ، والأَمة قَيْنة، قَالَ: وَبَعْضُ النَّاسِ يَظُنُّ القَيْنة الْمُغَنِّيَةَ خَاصَّةً، قَالَ: وَلَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
دَخَلَ أَبو بَكْرٍ وَعِنْدَ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَيْنَتان تُغَنّيان فِي أَيام مِنًى
؛ القَينة: الأَمة غَنَّتْ أَو لَمْ تُغَنِّ والماشطةُ، وَكَثِيرًا مَا يُطْلَقُ عَلَى الْمُغَنِّيَةِ فِي الإِماء، وَجَمْعُهَا قَيْناتٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:
نَهَى عَنْ بَيْعِ القَيْنات
أَي الإِماء المغَنّيات، وَتُجْمَعُ عَلَى قِيانٍ أَيضاً. وَفِي حَدِيثِ
سَلْمَانَ: لَوْ بَاتَ رجلٌ يُعْطي البِيضَ القِيانَ، وَفِي رِوَايَةٍ: يُعْطي القِيان البيضَ، وَبَاتَ آخَرُ يقرأُ الْقُرْآنَ لرأَيتُ أَن ذِكْرَ اللَّهِ أَفضلُ
؛ أَراد بالقِيان الإِماء أَو الْعَبِيدَ. والقَيْنة: الدُّبر، وَقِيلَ: هِيَ أَدنى فَقْرة مِنْ فِقَر الظَّهْرِ إِليه، وَقِيلَ: هِيَ القَطَنُ، وَهُوَ مَا بَيْنَ الْوِرْكَيْنِ، وَقِيلَ: هِيَ الهَزْمة الَّتِي هُنالك. وَفِي حَدِيثِ الزُّبَيْرِ:
وإِن فِي جَسَدِهِ أَمثال القُيون
؛ جَمْعُ قَيْنة وَهِيَ الفَقارة مِنْ فَقار الظَّهْرِ، والهَزْمة الَّتِي بَيْنَ غُراب الْفَرَسِ وعَجْب ذنَبه، يُرِيدُ آثَارَ الطَّعَنات وَضَرَبَاتِ السُّيُوفِ، يَصِفُهُ بِالشَّجَاعَةِ. ابْنُ سِيدَهْ: والقَيْنة مِنَ الْفَرَسِ نُقْرة بَيْنَ الغُراب والعَجُز فِيهَا هَزْمة. والقَيْنانِ: مَوْضِعُ الْقَيْدِ مِنَ الْفَرَسِ وَمِنْ كُلِّ ذِي أَربع يَكُونُ فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، وخَصَّ بَعْضُهُمْ بِهِ مَوْضِعَ القَيْد مِنْ قَوَائِمِ الْبَعِيرِ وَالنَّاقَةِ. وَفِي الصِّحَاحِ: القَيْنان مَوْضِعُ الْقَيْدِ مِنْ وَظِيفَيْ يَد الْبَعِيرِ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
دَانَى لَهُ القَيْدُ فِي دَيمومةٍ قُذُفٍ ... قَيْنَيْه، وانحسَرَتْ عَنْهُ الأَناعِيمُ
يُرِيدُ جَمْعَ الأَنعام وَهِيَ الإِبل. اللَّيْثُ: القَيْنان الوَظيفان لِكُلِّ ذِي أَربع، والقَين مِنَ الإِنسان كَذَلِكَ. وقانَني اللهُ عَلَى الشيءِ يَقِينُني: خَلَقني. والقانُ: شَجَرٌ مِنْ شَجَرِ الْجِبَالِ، زَادَ الأَزهري يَنْبُتُ فِي جِبَالِ تِهَامَةَ، تُتخذ مِنْهُ القِسِيُّ، اسْتَدَلَّ عَلَى أَنها يَاءٌ لِوُجُودِ ق ي ن وَعَدَمِ ق ون؛ قَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤَيَّةَ:
يأْوي إِلى مُشْمَخِرّاتٍ مُصَعِّدةٍ ... شُمٍّ، بهنَّ فُروعُ القانِ والنَّشَمِ
وَاحِدَتُهُ: قانةٌ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي وأَبي حنيفة.
فصل الكاف
كأن: كَأَنَ: اشتَدَّ. وكَأَنْتُ: اشْتَدَدْت وكأَنَّ، بِالتَّشْدِيدِ: ذُكِرَتْ في ترجمة أَنن.
كبن: الكَبْنُ: عَدْوٌ لَيِّنٌ فِي اسْترسال. كَبَن الرجلُ يَكْبِنُ كُبوناً وكَبْناً إِذا لَيَّن عَدْوَه؛ وأَنشد اللَّيْثُ «1» :
__________
(1) . قوله [وأنشد الليث] أي العجاج وعجزه كما في التكملة:
خزاية والخفر الخزيّ
الخزاية بفتح الخاء المعجمة: الاستحياء، والخفر ككتف: شديد الحياء، والخزيّ: فعيل(13/352)
يَمور وَهْوَ كابِنٌ حَيِيُ
وَقِيلَ: هُوَ أَن يُقَصِّر فِي العَدْو. قَالَ الأَزهري: الكَبْن فِي العَدْوِ أَن لَا يَجْهَدَ نَفْسَه ويَكُفَّ بعضَ عَدْوِه، كَبَنَ الفرسُ يَكْبِنُ كَبْناً وكُبُوناً. وَفِي حَدِيثِ الْمُنَافِقِ:
يَكْبِنُ فِي هَذِهِ مَرَّةً وَفِي هَذِهِ مَرَّةً
أَي يَعْدُو. يُقَالُ: كَبَنَ يَكْبِنُ كُبوناً إِذا عَدَا عَدْواً لَيِّناً. والكُبُونُ: السُّكُونُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ أَبَّاقٍ الدُّبَيْرِيّ:
واضِحَة الخَدِّ شَرُوب لِلَّبَنْ، ... كأَنَّها أُمُّ غَزَالٍ قَدْ كَبَنْ
أَي سَكَنَ. وكَبَنَ الثوبَ يَكْبِنُه ويَكْبُنُه كَبْناً: ثَنَاهُ إِلى دَاخِلٍ ثُمَّ خاطَه. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَرَّ بفُلانٍ وَهُوَ سَاجِدٌ وَقَدْ كَبَنَ ضَفِيرَتَيْه وشَدَّهما بنِصاح
أَي ثَنَاهُمَا وَلَوَاهُمَا. وَرَجُلٌ كُبُنٌّ وكُبُنَّة: مُنْقَبِضٌ بَخِيلٌ كَزٌّ لَئِيمٌ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي لَا يَرْفَعُ طَرْفه بُخْلًا، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يُنَكِّسُ رأْسه عَنْ فعل الخير والمعروف؛ قال الخنساء:
فَذَاكَ الرُّزْءُ عَمْرَكَ لَا كُبُنٌّ، ... ثَقيلُ الرأْسِ يَحْلُم بالنَّعِيقِ
وَقَالَ الْهُذَلِيُّ:
يَسَرٍ، إِذا كانَ الشِّتاءُ، ومُطْعِمٍ ... للَّحْمِ، غيرِ كُبُنَّةٍ عُلْفُوفِ
وَاسْتَشْهَدَ الْجَوْهَرِيُّ بِشِعْرِ عُمَير بْنُ الجَعْدِ الخُزاعي:
يَسَرٍ، إِذا هَبَّ الشتاءُ وأَمْحَلُوا ... فِي القَوْمِ، غيرِ كُبُنَّةٍ عُلْفُوفِ
التَّهْذِيبُ: الْكِسَائِيُّ رَجُلٌ كُبُنَّة وامرأَة كُبُنَّةٌ لِلَّذِي فِيهِ انْقِبَاضٌ، وأَنشد بَيْتَ الْهُذَلِيِّ: واكْبَأَنَّ اكبِئْناناً إِذا تَقَبَّضَ. والكُبُنَّة: الخُبْزة الْيَابِسَةُ. والكُبُنُّ: الخُبْز لأَن فِي الخُبْز تَقَبُّضاً وتَجَمُّعاً. وَرَجُلٌ مَكْبُون الأَصابع: مِثل الشَّثْنِ. وكَبَنَ الرجلُ كَبْناً: دَخَلَتْ ثَنَايَاهُ مِنْ أَسفلُ وَمِنْ فوقُ إِلى غارِ الفَم. وكَبَنَ هدِيَّتَه عنَّا يَكْبِنُها كَبْناً: كفَّها وصَرَفَها؛ قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: مَعْنَى هَذَا صَرَفَ هَدِيَّتَه وَمَعْرُوفَهُ عَنْ جِيرَانِهِ وَمَعَارِفِهِ إِلى غَيْرِهِمْ. وكلُّ كَفٍّ كَبْنٌ، وَفِي التَّهْذِيبِ: كلُّ كَبْنٍ كَفٌّ. يُقَالُ: كَبَنْتُ عَنْكَ لِسَانِي أَي كَفَفْتُهُ، وَفَرَسٌ كُبُنٌّ. ابْنُ سِيدَهْ: وَفَرَسٌ فِيهِ كُبْنَةٌ وكَبَنٌ لَيْسَ بِالْعَظِيمِ وَلَا القَمِيء. والكُبانُ: دَاءٌ «1» . يأْخذ الإِبل، يُقَالُ مِنْهُ: بَعِيرٌ مَكْبُونٌ. وكَبَنَ لَهُ الظَّبْيُ وكَبَنَ الظَّبْيُ واكْبَأَنَّ إِذا لَطَأَ بالأَرض. واكبَأَنَّ الرَّجُلُ: انْكَسَرَ، واكْبَأَنَّ: انْقَبَضَ؛ قَالَ مُدْرِكُ بنُ حِصْنٍ:
يَا كَرَواناً صُكَّ فاكْبَأَنَّا
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شاهدُه قَوْلُ أَبَّاقٍ الدُّبَيْرِيّ:
كأَنها أُمُّ غَزالٍ قَدْ كَبَنْ
أَي قَدْ تَثَنَّى وَنَامَ؛ وأَنشد لِآخَرَ:
فَلَمْ يَكْبَئِنُّوا، إِذ رَأَوْنِي، وأَقْبَلَتْ ... إِليَّ وُجُوهٌ كالسُّيُوفِ تَهَلَّلُ
وَفَسَّرَهُ أَبو عَمْرٍو الشَّيْباني فَقَالَ: كَبَنَ شَفَنَ. والكُبُونُ: الشُّفُونُ. ابْنُ بُزُرْج: المُكْبَئِنُّ الَّذِي قَدِ احْتَبى وأَدخل مِرْفَقَيْه فِي حُبْوَتِه ثُمَّ خَضَعَ بِرَقَبَتِهِ وبرأْسه عَلَى يَدَيْهِ، قَالَ: والمُكْبَئِنُّ والمُقْبَئِنُّ المُنْقَبِضُ المُنْخَنِسُ. والكُبْنَةُ:
__________
(1) . قوله [والكبان داء إلخ] وطعام لأَهل اليمن وهو سحيق الذرة المبلولة يجعل في مراكن صغار ويوضع في التنور فإذا نضج واحمرّ وجهه أُخرج(13/353)
لُعْبة للأَعراب، تُجْمَعُ كُبَناً؛ وأَنشد:
تَدَكَّلَتْ بَعْدِي وأَلْهَتْها الكُبَنْ «1»
. أَبو عُبَيْدَةَ: فَرَسٌ مَكْبُون، والأُنثى مَكْبُونة، وَالْجَمْعُ المَكابينُ، وَهُوَ الْقَصِيرُ القَوائمِ الرَّحِيبُ الجَوْفِ الشَّخْتُ العِظامِ، وَلَا يَكُونُ المَكبُون أَقْعَسَ. وكَبْنُ الدَّلْوِ: شَفَتُها، وَقِيلَ: مَا ثُنِيَ مِنَ الْجِلْدِ عِنْدَ شَفَةِ الدَّلْوِ فَخُرِزَ. الأَصمعي: الكَبْنُ مَا ثُنِيَ مِنَ الْجِلْدِ عِنْدَ شَفَةِ الدَّلْوِ. ابْنُ السِّكِّيتِ: هُوَ الكَبْنُ والكَبْلُ، بِاللَّامِ وَالنُّونِ؛ حَكَاهُ عَنِ الْفَرَّاءِ، تَقُولُ مِنْهُ: كَبَنْتُ الدَّلْوَ، بِالْفَتْحِ، أَكْبِنُها، بِالْكَسْرِ، إِذا كَفَفْتَ حَوْلَ شَفَتِها. وكَبَنْتُ عَنِ الشَّيْءِ: عَدَلْتُ. وكَبَنْتُ الشيءَ: غَيَّبْتُه، وَهُوَ مِثْلُ الخَبْنِ. وكَبَنَ فُلَانٌ سَمِنَ والكِبْنَةُ: السِّمَنُ قَالَ قَعْنَبُ بنُ أُم صَاحِبٍ يَصِفُ جَمَلًا
ذَا كِبْنَةٍ يَمْلأُ التَّصْدِيرَ مَحْزِمُه، ... كأَنه حينَ يُلْقَى رَحْلُه فَدَنُ
كتن: الكَتَنُ الدَّرَنُ والوَسَخُ وأَثر الدُّخان فِي الْبَيْتِ وكَتِنَ الوَسَخُ عَلَى الشَّيْءِ كَتَناً لَصِقَ بِهِ والكَتَنُ التَّلَزُّجُ والتَّوَسُّخُ التَّهْذِيبُ فِي كَتِلَ يُقَالُ كَتِنَتْ جَحافلُ الْخَيْلِ مِنْ أَكل العُشْب إِذا لَصِقَ بِهِ أَثَرُ خُضْرَته، وكَتِلَتْ، بِالنُّونِ وَاللَّامِ، إِذا لَزِجَتْ ولَكِزَ بِهَا مَاؤُهُ فتَلَبَّدَ وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ مُقْبِلٍ
والعَيْرُ يَنْفُخُ فِي المَكْنانِ قَدْ كَتِنَتْ ... مِنْهُ جَحافِلُه، والعَضْرَسِ [العِضْرِسِ] الثُّجَرِ «2»
المَكْنَانُ نَبْتٌ بأَرض قَيْسٍ، وَاحِدَتُهُ مَكْنانة، وَهِيَ شَجَرَةٌ غَبْراء صَغِيرَةٌ وَقَالَ الْقَزَّازُ المَكْنانُ نباتُ الرَّبِيعِ، وَيُقَالُ المَوْضِعُ الَّذِي يَنْبُتُ فِيهِ، والعِضْرِسُ شَجَرٌ، والثُّجَرُ جَمْعُ ثُجْرة، وَهِيَ القِطْعَة مِنْهُ وَيُقَالُ الثُّجَر للرَّيَّان، وَيُرْوَى الثَّجِرُ أَي المُجْتَمِعُ فِي نَبَاتِهِ وَفِي حَدِيثِ
الْحَجَّاجِ أَنه قَالَ لامرأَة إِنَّكِ لَكَتُونٌ لَفُوتٌ لَقُوفٌ
الكَتُونُ اللَّزُوقُ مِنْ كَتِنَ الْوَسَخُ عَلَيْهِ «3» إِذَا لَزِقَ بِهِ والكَتَنُ لَطْخُ الدُّخَانِ بِالْحَائِطِ أَي أَنها لَزُوق بِمَنْ يَمَسُّها أَو أَنها دَنِسةُ العِرْضِ اللَّيْثُ الكَتَنُ لَطْخ الدخانِ بِالْبَيْتِ والسَّوادِ بالشَّفَة وَنَحْوِهِ يُقَالُ لِلدَّابَّةِ إِذا أَكلت الدَّرِينَ قَدْ كَتِنَتْ جَحافِلُها أَي اسْوَدَّتْ قَالَ الأَزهري غَلِطَ اللَّيْثُ فِي قَوْلِهِ إِذا أَكلت الدَّرِينَ، لأَن الدَّرِينَ مَا يَبِسَ مِنَ الكَلإِ وأَتى عَلَيْهِ حَوْلٌ فاسْوَدَّ وَلَا لَزَجَ لَهُ حينئذٍ فَيَظْهَرُ لَوْنُهُ فِي الجَحافل، وإِنما تَكْتَنُ الجَحافل مِنْ مَرْعَى العُشْبِ الرَّطْبِ يَسِيلُ مَاؤُهُ فيَتَراكَبُ وَكَبُه ولَزَجُه عَلَى مَقَامِّ الشَّاءِ ومَشَافِرِ الإِبل وجَحافِل الْحَافِرِ، وإِنما يَعْرِف هَذَا مِنْ شَاهَدَهُ وثافَنَه، فأَما مَنْ يَعْتَبِرُ الأَلفاظ وَلَا مُشَاهَدَةَ لَهُ فإِنه يُخْطِئ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُ، قَالَ وَبَيْتُ ابْنِ مُقْبِلٍ يُبَيِّنُ لَكَ مَا قُلْتُهُ، وَذَلِكَ أَن المَكْنَانَ والعِضْرِسَ ضَرْبَانِ مِنَ البُقُول غَضَّان رَطْبانِ، وإِذا تَناثر وَرَقُهما بَعْدَ هَيْجهما اخْتَلَطَ بقَمِيمِ العُشْب غيرُهما فَلَمْ يَتَمَيَّزَا مِنْهَا وسِقاء كَتِنٌ إِذا تَلَزَّجَ بِهِ الدَّرَنُ وكَتِنَ الخِطْرُ [الخَطْرُ] تَراكَبَ عَلَى عَجُز الْفَحْلِ مِنَ الإِبل أَنشد يعقوب لابن مقبل:
__________
(1) . قوله [تدكلت إلخ] عجزه كما في التكملة:
وَنَحْنُ نَعْدُو فِي الْخَبَارِ والجرن
وتدكلت أي تدللت
(2) . قوله [في المكنان] بميم مفتوحة ونونين هذا هو الصواب وتقدم إنشاده في ثجر غير هذا والصحيح ما هنا
(3) . قوله [من كتن الوسخ إلخ] وقيل هي من كتن صدره إذا دوي أي دوية الصدر منطوية على ريبة وغش، وعن أبي حاتم ذاكرت به الأَصمعي فقال هو حديث موضوع ولا أعرف أصل الكتون، كذا بهامش النهاية(13/354)
ذَعَرْتُ بِهِ العَيْرَ مُسْتَوْزياً، ... شَكِيرُ، جَحافِلهِ قَدْ كَتِنْ
مُسْتَوْزِيًا مُنْتَصِبًا مُرْتَفِعًا، والشَّكِيرُ الشَّعَرُ الضَّعِيفُ، يَعْنِي أَن أَثر خُضرة العُشب قَدْ لَزِق بِهِ أَبو عَمْرٍو الكَتَنُ تُرَابُ أَصل النَّخْلَةِ والكَتَنُ الْتِزَاقُ العَلف بفَيْدَي جَحْفلَتي الْفَرَسِ، وَهُمَا صِمغاها والكَتَّان، بِالْفَتْحِ مَعْرُوفٌ، عَرَبِيٌّ سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَنه يُخَيَّس ويُلقى بعضُه عَلَى بَعْضٍ حَتَّى يَكْتَن وَحَذَفَ الأَعشى مِنْهُ الأَلف لِلضَّرُورَةِ وَسَمَّاهُ الكَتَن فَقَالَ
هُوَ الواهِبُ المُسْمِعات الشُّرُوبَ، ... بَيْنَ الحَرير وبَينَ الكَتَنْ
كَمَا حَذَفَهَا ابْنُ هَرْمة فِي قَوْلِهِ
بَيْنا أُحَبِّرُ مَدْحاً عادَ مَرْثِيةً، ... هَذَا لعَمْري شَرٌّ دِينُه عِدَدُ
دِينه دأْبه، والعِدَد العِداد، وَهُوَ اهْتياج وَجَعِ اللَّديغ وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ زَعَمَ بَعْضُ الرُّوَاةِ أَنها لُغَةٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنما حُذِفَ لِلْحَاجَةِ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ وَلَمْ أَسمع الكَتَن فِي الكَتَّان إِلَّا فِي شِعْرِ الأَعشى وَيُقَالُ لَبِسَ الماءُ كَتَّانه إِذا طَحلَب واخْضَرَّ رأْسُه قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ
أَسَفْنَ المَشافِرَ كَتَّانَهُ، ... فأَمْرَرْنَهُ مُستَدِرّاً فَجالا
أَسَفْنَ يَعْنِي الإِبل أَي أَشْمَمْنَ مَشافِرَهن كَتَّانَ الْمَاءِ، وَهُوَ طُحْلبه وَيُقَالُ أَراد بكَتَّانه غُثاءَه، وَيُقَالُ أَراد زَبَد الْمَاءِ، فأَمْرَرْنه أَي شَربْنه مِنَ المُرور، مُستدِرّاً أَي أَنه اسْتَدَرَّ إِلى حُلوقها فجَرى فِيهَا، وَقَوْلُهُ فَجَالَا أَي جَالَ إِليها والكِتْن والكَتِن القَدَحُ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ المصنَّف وَمِثْلُهَا مِنَ الرِّجَالِ المَكمور، وَهُوَ الَّذِي أَصاب الكاتِنُ كَمَرَتَه؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ وَلَا أَعرفه، وَالْمَعْرُوفُ الخاتِنُ وكتانة اسْمُ مَوْضِعٍ قَالَ كُثَيِّرٌ عَزَّةَ
أَجَرَّتْ خُفوفاً مِنْ جَنوبِ كُتانةٍ ... إِلى وَجْمةٍ، لَمَّا اسْجَهرَّتْ حَرورُها «1»
وكُتانة هَذِهِ كَانَتْ لِجَعْفَرَ بْنِ إِبراهيم بْنَ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ وَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ كُتانة، بِضَمِّ الْكَافِ وَتَخْفِيفِ التَّاءِ، نَاحِيَةٌ مِنْ أَعراض الْمَدِينَةِ لِآلِ جَعْفَرِ بْنِ أَبي طَالِبٍ.
كثن: الكُثْنة نَوَرْدَجة تُتَّخَذُ من آسٍ وأَغصان خِلافٍ، تُبْسَط وتُنضَّد عَلَيْهَا الرَّيَاحِينُ ثُمَّ تُطْوى، وإِعرابه كُنْثَجة، وبالنَّبَطيَّة الكُثْنى، مَضْمُومُ الأَول مَقْصُورٌ، وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ الكُثْنة مِنَ القَصب وَمِنَ الأَغصان الرَّطْبةِ الوَريقة، تُجْمَعُ وتُحْزَمُ وَيُجْعَلُ فِي جَوْفِهَا النَّوْرُ أَو الجَنى، قَالَ وأَصلها نبَطيَّةً كُثْنى
كدن: الكِدْنةُ السَّنامُ بَعِيرٌ كَدِنٌ عظيمُ السَّنام، وَنَاقَةٌ كَدِنةٌ والكِدْنةُ القُوَّة والكِدْنة والكُدْنة جَمِيعًا كَثْرَةُ الشَّحْمِ وَاللَّحْمِ، وَقِيلَ هُوَ الشَّحْمُ وَاللَّحْمُ أَنفسهما إِذا كَثُرا، وَقِيلَ هُوَ الشَّحْمُ وَحْدَهُ عَنْ كُرَاعٍ، وَقِيلَ هُوَ الشَّحْمُ الْعَتِيقُ يَكُونُ لِلدَّابَّةِ وَلِكُلِّ سَمِينٍ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، يَعْنِي بِالْعَتِيقِ الْقَدِيمِ وامرأَة ذاتُ كِدْنة [كُدْنة] أَي ذَاتُ لَحْمٍ قَالَ الأَزهري وَرَجُلٌ ذُو كِدْنة [كُدْنة] إِذا كَانَ سَمِينًا
__________
(1) . قوله [أجرت] كذا بالأصل والتكملة والمحكم والذي في ياقوت أجدّت، بالدال المهملة، بمعنى سلكت وعليه فخفوفاً جمع خف بضم الخاء المعجمة بمعنى الأَرض الغليظة ووجمة جانب فعرى بكسر فسكون مقصور جبل تدفع شعابه في غيقة من أرض ينبع(13/355)
غَلِيظًا أَبو عَمْرٍو إِذا كَثُرَ شَحْمُ النَّاقَةِ وَلَحْمُهَا فَهِيَ المُكْدَنة وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِنه لَحَسَنُ الكِدْنة [الكُدْنة] ، وبعر ذو كِدْنة [كُدْنة] ، وَرَجُلٌ كَدِنٌ وامرأَة كَدِنة ذَاتُ لَحْمٍ وَشَحْمٍ وفي حدث
سَالِمٍ أَنه دَخَلَ عَلَى هِشَامٍ فَقَالَ لَهُ إِنك لحَسنُ الكِدْنة، فَلَمَّا خَرَجَ أَخذته قَفْقَفة فَقَالَ لِصَاحِبِهِ أَترى الأَحوَلَ لَقَعَني بِعَيْنِهِ الكِدْنة
، بِالْكَسْرِ وَقَدْ تُضَمُّ غِلَظُ الْجِسْمِ وَكَثْرَةُ اللَّحْمِ وَنَاقَةٌ مُكْدَنة ذَاتُ كِدْنة والكِدْنُ والكَدْنُ الأَخيرة عَنْ كُرَاعٍ الثوبُ الَّذِي يَكُونُ على الخِدْر، وقل هُوَ مَا تُوَطِّئُ بِهِ المرأَة لِنَفْسِهَا فِي الْهَوْدَجِ مِنَ الثِّيَابِ، وَفِي الْمُحْكَمِ هُوَ الثَّوْبُ الَّذِي تُوَطِّئُ بِهِ المرأَةُ لِنَفْسِهَا فِي الْهَوْدَجِ، وَقِيلَ هُوَ عَباءَة أَو قَطِيفَةٌ تُلْقيها المرأَة عَلَى ظَهْرِ بَعِيرِهَا ثُمَّ تَشُدُّ هَوْدجها عَلَيْهِ وتَثْني طَرَفي العَباءَة مِنْ شِقَّي الْبَعِيرِ وتَخُلُّ مؤَخَّر الكِدْن ومُقدَّمه فَيَصِيرُ مِثْلَ الخُرْجَين تُلْقي فِيهَا بُرْمَتها وَغَيْرَهَا مِنْ مَتَاعِهَا وأَداتها مِمَّا تَحْتَاجُ إِلى حَمْلِهِ، وَالْجَمْعُ كُدُون أَبو عَمْرٍو الكُدُون الَّتِي توَطِّئُ بِهَا المرأَة لِنَفْسِهَا فِي الْهَوْدَجِ، قَالَ وَقَالَ الأَحمرُ هِيَ الثِّيَابُ الَّتِي تَكُونُ عَلَى الْخُدُورِ، وَاحِدُهَا كِدْنٌ والكَدْنُ والكِدْنُ مَرْكَب مِنْ مَراكب النِّسَاءِ والكَدْن والكِدْن الرَّحْل قَالَ الرَّاعِي
أَنَخْنَ جِمالهنَّ بذاتِ غِسْلٍ، ... سَراةَ اليومِ يَمْهَدْنَ الكُدونا
والكِدْنُ شَيْءٌ مِنْ جُلود يُدَقُّ فِيهِ كالهاوُن وَفِي الْمُحْكَمِ الكِدْنُ جلدُ كراعٍ يُسْلَخُ ويُدبَغ وَيُجْعَلُ فِيهِ الشيءُ فيُدَقُّ فِيهِ كَمَا يُدَقُّ فِي الهاوُن، وَالْجَمْعُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ كُدُونٌ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ
هُمُ أَطْعَمُونا ضَيْوَناً ثُمَّ فَرْتَنى، ... ومَشَّوْا بِمَا فِي الكِدْنِ شَرَّ الجَوازِلِ
الجَوْزَلُ السَّمُّ، ومَشَّوْا دَافُوا، والضَّيْوَنُ ذكَرُ السَّنانير والكَوْدانة النَّاقَةُ الْغَلِيظَةُ الشَّدِيدَةُ قَالَ ابْنُ الرِّقَاعِ
حَمَلَتْهُ بازِلٌ كَوْدانةٌ ... فِي مِلاطٍ ووِعاءٍ كالجِرابِ
وكَدِنَتْ شَفَتُه كَدَناً، فَهِيَ كَدِنةٌ اسْودَّت مِنْ شيءٍ أَكَله، لُغَةٌ فِي كَتِنَتْ، وَالتَّاءُ أَعلى ابْنُ السِّكِّيتِ كَدِنتْ مَشَافِرُ الإِبل وكَتِنَتْ إِذا رَعتِ العشبَ فاسْوَدَّت مشافرُها مِنْ مَائِهِ وغلُظَت وكَدِنُ النَّبَاتِ غَلِيظُهُ وأُصوله الصُّلبة وكَدِنَ النباتُ لَمْ يَبْقَ إِلا كَدِنُه والكَدَانةُ الهُجْنةُ والكَوْدَنُ والكَوْدَنِيُّ البِرْذَوْنُ الهَجِينُ، وَقِيلَ هُوَ الْبَغْلُ وَيُقَالُ للبِرْذَوْنِ الثَّقيلِ كَوْدَنٌ، تَشْبِيهًا بِالْبَغْلِ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ
فغادَرْتُها مِنْ بَعْدِ بُدْنٍ رَذِيَّةً، ... تُغالي عَلَى عُوجٍ لَهَا كَدِناتِ
تُغالي أَي تسيرُ مُسْرِعةً والكَدِناتُ الصِّلابُ، وَاحِدَتُهَا كَدِنةٌ وَقَالَ جَندل بْنُ الرَّاعِي
جُنادِبٌ لاحِقٌ بالرأْسِ مَنكِبُه، ... كأَنه كَوْدَنٌ يَمْشي بكَلَّابِ
الكَوْدَنُ البِرْذَوْنُ والكَوْدَنِيُّ مِنَ الفِيَلةِ أَيضاً، وَيُقَالُ للفِيلِ أَيضاً كَوْدَنٌ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ
خَلِيليَّ عُوجَا مِنْ صُدُورِ الكَوادِنِ ... إِلى قَصْعَةٍ، فِيهَا عُيُونُ الضيَّاوِنِ
قَالَ شبَّه الثَّرِيدة الزُّرَيْقاءَ بِعُيُونِ السَّنانير لِمَا فِيهَا مِنَ الزَّيْتِ الْجَوْهَرِيُّ الكَوْدَنُ البِرْذَوْنُ يُوكَفُ وَيُشَبَّهُ بِهِ الْبَلِيدُ يُقَالُ مَا أَبْيَنَ الكَدَانَة(13/356)
فِيهِ أَي الهُجْنَةَ والكَدَنُ أَن تُنْزحَ الْبِئْرُ فَيَبْقَى الكَدَرُ وَيُقَالُ أَدْرِكوا كَدَنَ مائِكم أَي كَدَرَه قَالَ أَبو مَنْصُورٍ الكَدَنُ والكَدَرُ والكَدَلُ وَاحِدٌ وَيُقَالُ كَدِنَ الصِّلِّيانُ إِذا رُعِيَ فُرُوعُه وبقِيَتْ أُصُولُه والكِدْيَوْنُ التُّرابُ الدُّقاقُ عَلَى وَجْهِ الأَرض قَالَ أَبو دُواد، وَقِيلَ لِلطِّرِمَّاحِ
تيَمَّمْتُ بالكِدْيَوْنِ كَيْ لَا يَفُوتَني، ... مِنَ المَقْلةِ البَيْضاء، تَقْرِيظُ باعِقِ
يَعْنِي بالمَقْلةِ الحصاةَ الَّتِي يُقْسَمُ بِهَا الْمَاءُ فِي المَفاوِزِ، وَبِالتَّقْرِيظِ مَا يُثْنَى بِهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وتقَدَّسَ، وَبِالْبَاعِقِ المُؤَذِّن، وَقِيلَ الكِدْيَوْنُ دُقاقُ السِّرْقين يُخْلَطُ بِالزَّيْتِ فتُجْلى بِهِ الدُّروع، وَقِيلَ هُوَ دُرْدِيُّ الزَّيْتِ، وَقِيلَ هُوَ كُلُّ مَا طُلِيَ بِهِ مِنْ دُهْن أَو دَسَم قَالَ النَّابِغَةُ يَصِفُ دُرُوعًا جُلِيَتْ بالكِدْيَوْنِ والبَعر
عُلِينَ بكِدْيَوْنٍ وأُبْطِنَّ كُرَّةً، ... فَهُنَّ وِضَاءٌ صافِياتُ الغَلائِل
وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ ضَافِيَاتِ الْغَلَائِلِ وَفِي الصِّحَاحِ الكِدْيَوْن مِثَالُ الفِرْجَوْنِ دُقاقُ التُّرَابِ عَلَيْهِ دُرْديُّ الزَّيْت تُجْلى بِهِ الدُّروع وأَنشد بَيْتَ النَّابِغَةِ وكُدَيْنٌ اسْمٌ. والكَوْدَنُ رَجُلٌ مِنْ هُذيْل والكِدَانُ خَيْطٌ يُشَدُّ فِي عُروةٍ فِي وسَطِ الغَرْبِ يُقَوِّمُه لِئَلَّا يضطربَ فِي أَرجاء الْبِئْرِ عَنِ الهجَري وأَنشد
بُوَيْزِلٌ أَحْمَرُ ذُو لحْمٍ زِيَمْ، ... إِذا قصَرْنا مِنْ كِدانِه بَغَمْ
والكِدانُ شُعْبةٌ مِنَ الْحَبْلِ يُمْسَكُ الْبَعِيرُ بِهِ أَنشد أَبو عَمْرٍو
إِن بَعِيريْك لَمُخْتَلَّانِ، ... أَمْكِنْهما مِنْ طَرَفِ الكِدَانِ
كذن: اللَّيْثُ الكَذَّانة حِجارة كأَنها المَدَرُ فِيهَا رَخاوة، وَرُبَّمَا كَانَتْ نخِرةً، وَجَمْعُهَا الكَذَّانُ، يُقَالُ إِنها فَعْلانة وَيُقَالُ فَعّالة أَبو عَمْرٍو الكَذَّانُ الْحِجَارَةُ الَّتِي لَيْسَتْ بصُلبة وَفِي حَدِيثِ
بِنَاءِ الْبَصْرَةِ فَوَجَدُوا هَذَا الكَذَّانَ فَقَالُوا مَا هَذِهِ البَصْرةُ الكَذَّانُ
والبَصْرة حِجَارَةٌ رِخْوَةٌ إِلى الْبَيَاضِ، وَهُوَ فَعّال وَالنُّونُ أَصلية، وَقِيلَ: فَعْلان والنون زائدة
كرن: الكِرَانُ العُودُ، وَقِيلَ الصَّنْجُ قَالَ لَبِيدٌ
صَعْلٌ كسافِلةِ القَناةِ وظِيفُه، ... وكأَنَّ جُؤْجُؤَه صَفِيحُ كِرانِ
وَفِي رِوَايَةٍ كسافِلةِ القَنا ظُنْبُوبُه، وَالْجَمْعُ أَكْرِنةٌ والكَرِينَةُ المُغَنِّيَةُ الضَّارِبَةُ بالعُود أَو الصَّنْجِ وَفِي حَدِيثِ
حَمْزَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فغَنَّتْه الكَرِينة
أَي المغنة الضَّارِبَةُ بالكِرانِ، والكِنَّارة نحوٌ منه والكِرْيَوْنُ وادٍ بِمِصْرَ، حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى قَالَ كُثَيِّرُ عَزَّةَ
تولَّتْ سِراعاً عِيرُها، وكأَنها ... دَوافِعُ بالكِريَوْن ذاتُ قُلوعِ
وَقِيلَ هُوَ خَلِيجٌ يُشَقُّ مِنْ نِيلِ مِصْرَ، صَانَهَا اللَّهُ تَعَالَى
كردن: الكِرْدِينُ الفأْسُ الْعَظِيمَةُ، لَهَا رأْس وَاحِدٌ، وَهُوَ الكَرْدَنُ [الكِرْدَنُ] أَيضاً وكِرْدينٌ لَقَبُ مُسْمِعِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ التَّهْذِيبُ ابْنُ الأَعرابي خُذْ بقَرْدَنِه وكَرْدَنِه وكَرْدِه أَي بِقَفَاهُ الأَصمعي يُقَالُ ضرَبَ كَرْدَنَه أَي عُنُقَه، وَبَعْضُهُمْ يقول ضرب قَرْدَنه.(13/357)
كرزن: الْجَوْهَرِيُّ الكِرْزِنُ والكِرْزِين، بِالْكَسْرِ، فأْس مِثْلُ الكِرْزِم والكِرْزِيم عَنِ الْفَرَّاءِ، وَفِي حَدِيثِ
أُمِّ سَلَمة مَا صَدَّقْتُ بِمَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى سمعْتُ وقْعَ الْكِرَازِينَ
ابْنُ سِيدَهْ الكَرْزَنُ والكِرْزِنُ والكِرْزِينُ الفأْس لَهَا رأْسٌ وَاحِدٌ، وَقِيلَ الكِرْزِينُ نحوُ المِطْرَقة، وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ الكَرْزَنُ، بِفَتْحِ الْكَافِ وَالزَّايِ جَمِيعًا، الفأْس لَهَا حَدٌّ قَالَ وأَحسِبُني قَدْ سَمِعْتُ الكِرْزَنَ، بِكَسْرِ الْكَافِ وَفَتْحِ الزَّايِ وَفِي الْحَدِيثِ
عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ أَبيه قَالَ كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَوْمَ الخَنْدَق فأَخذ الكِرْزِينَ يَحْفِرُ فِي حَجر إِذ ضَحِكَ، فسُئل مَا أَضْحَكَك؟ فَقَالَ مِنْ نَاسٍ يُؤْتَى بِهِمْ مِنْ قِبَلِ المَشْرِق فِي الكُبُول يُساقون إِلى الْجَنَّةِ وَهُمْ كَارِهُونَ
قَالَ الشَّاعِرُ
فَقَدْ جعَلَتْ أَكْبادُنا تَحْتَوِيكُمُ، ... كَمَا تَحْتَوي سُوقُ العِضاهِ الكَرازِنا
قَالَ أَبو عَمْرٍو إِذا كَانَ لَهَا حَدٌّ وَاحِدٌ فَهِيَ فأْس، وكَرْزَن وكِرْزِنٌ، وَالْجَمْعُ كَرازِينُ وكرازِنُ، وَقَالَ غَيْرُهُ الكَرازِنُ مَا تَحْتَ مِيرَكَةِ الرَّحْلِ وأَنشد
وقَفْتُ فِيهِ ذاتَ وجْهٍ ساهِمِ، ... تُنْبي الكَرازِينَ بصُلبٍ زاهِمِ
كركدن: ابْنُ الأَعرابي الكَرْكَدَّنُ دَابَّةٌ عَظِيمَةُ الخَلْقِ يُقَالُ إِنها تَحْمِلُ الفِيلَ عَلَى قرْنِها، ثَقَّلَ الدَّالَّ مِنَ الكَرْكَدَّنِ
كسطن: أَبو عَمْرٍو القَسْطانُ والكَسْطانُ الغُبار، وكَسْطَلٌ وقَسْطَلٌ وكَسْطَنٌ وأَنشد
حَتَّى إِذا مَا الشمسُ هَمَّتْ بعَرَجْ، ... أَهابَ راعِيها فثارَتْ برَهَجْ،
تُثير كَسْطانَ مَراغ ذِي وَهَجْ
كشن: الكُشْنَى، مَقْصُورٌ نَبْتٌ قَالَ أَبو حَنِيفَةَ هُوَ الكِرْسِنَّةُ «1»
كشخن: قَالَ فِي الكَشْمَخِ بقلة تكون في رمال بَنِي سَعْدٍ، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ أَقمْتُ فِي رِمَالِ بَنِي سَعْدٍ فَمَا رأَيت كَشْمَخةً وَلَا سَمِعْتُ بِهَا وَمَا أُراها عَرَبِيَّةً، وَكَذَلِكَ الكَشْخَنة مُوَلَّدة لَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي تَرْجَمَةِ كشخ
كعن: حَكَى الأَزهري عَنْ أَبي عَمْرٍو الإِكْعان فُتور النَّشَاطِ، وَقَدْ أَكْعَن إِكْعاناً وأَنشد لطَلْق بْنِ عَديٍّ يَصِفُ نَعَامَتَيْنِ شَدَّ عَلَيْهِمَا فارسٌ
والمُهْرُ فِي آثارِهِنَّ يَقْبِصُ ... قَبْصاً تَخالُ الهِقْلَ مِنْهُ يَنْكُصُ
حَتَّى اشْمَعلَّ مُكْعِناً مَا يَهْبَصُ
قَالَ وأَنا وَاقِفٌ فِي هَذَا الْحَرْفِ
كفن: الكَفَنُ مَعْرُوفٌ ابْنُ الأَعرابي الكَفْنُ التَّغْطِيَةُ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ وَمِنْهُ سُمِّيَ كَفَنُ الْمَيِّتِ لأَنه يَسْتُرُهُ ابْنُ سِيدَهْ الكَفَنُ لِبَاسُ الْمَيِّتِ مَعْرُوفٌ، وَالْجَمْعُ أَكفان، كَفَنه يكْفِنُه كَفْناً وكَفَّنه تَكْفِيناً وَيُقَالُ: مَيِّتٌ مَكْفونٌ ومُكَفَّنٌ؛ وَقَوْلُ إمرئِ الْقَيْسِ:
عَلَى حَرَجٍ كالقَرِّ يَحْمِلُ أَكفاني
أَراد بأَكْفانه ثِيَابَهُ الَّتِي تُواريه، وَوَرَدَ ذِكْرُ الكَفَن فِي الْحَدِيثِ كَثِيرًا، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ:
إِذا كَفَنَ أَحدُكم أَخاه فلْيُحْسِن كَفْنَه
، أَنه بِسُكُونِ
__________
(1) . قوله [هو الكرسنة] ضبطت في القاموس بكسر الكاف والسين وضبطها عاصم بفتحهما وضبطت في التكملة بالشكل بكسر الكاف وفتح السين(13/358)
الْفَاءِ عَلَى الْمَصْدَرِ أَي تَكْفِينَهُ، قَالَ: وَهُوَ الأَعم لأَنه يَشْتَمِلُ عَلَى الثَّوْبِ وَهَيْئَتِهِ وَعَمَلِهِ، قَالَ: وَالْمَعْرُوفُ فِيهِ الْفَتْحُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
فأَهدى لَنَا شَاةً وكَفَنَها
أَي مَا يُغَطِّيها مِنَ الرُّغْفان. وَيُقَالُ: كَفَنْتُ الخُبزةَ فِي المَلَّة إِذا وارَيْتَها بِهَا. والكَفْنُ: غزْل الصُّوف. وكَفَن الرجلُ الصوفَ: غَزَله. اللَّيْثُ: كَفَن الرجلُ يَكْفِنُ أَي غَزَلَ الصُّوفَ. والكَفْنةُ: شَجَرَةٌ مِنْ دِقِّ الشَّجَرِ صَغِيرَةٌ جَعْدة، إِذا يَبستْ صَلُبتْ عِيدانُها كأَنها قِطَعٌ شُقِّقتْ عَنِ القَنا، وَقِيلَ: هِيَ عُشْبة مُنْتَشِرَةُ النَبْتة عَلَى الأَرض تَنبُتُ بالقِيعان وبأَرض نجدٍ، وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الكَفْنة مِنْ نَبَاتِ القُفّ، لَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا وكَفَنَ يَكْفِنُ: اخْتلى الكَفْنة؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَما قَوْلُهُ:
يَظَلُّ فِي الشاءِ يَرْعاها ويَعْمِتُها، ... ويَكْفِن الدهرَ إِلَّا رَيْث يَهْتَبِد
فَقَدْ قِيلَ: مَعْنَاهُ يَخْتَلي مِنَ الكَفْنة لمَراضع الشَّاءِ؛ قَالَهُ أَبو الدُّقَيْش، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ يَغْزِلُ الصُّوفَ؛ رَوَاهُ اللَّيْثُ؛ وَرَوَى عَمْرٌو عَنْ أَبيه هَذَا الْبَيْتَ:
فَظَلَّ يَعْمِتُ فِي قَوْطٍ وراجِلةٍ، ... يُكَفِّتُ الدَّهْرَ إِلَّا رَيْثَ يَهْتَبِدُ
قَالَ: يُكَفِّتُ يَجْمع ويحْرص إِلا سَاعَةَ يَقْعُدُ يَطَّبِخُ الهَبيدَ، وَالرَّاجِلَةُ: كَبْش الرَّاعِي يحْملُ عَلَيْهِ مَتَاعَهُ، وَيُقَالُ لَهُ الكَرَّاز. وَطَعَامٌ كَفْنٌ: لَا مِلْح فِيهِ. وَقَوْمٌ مُكْفِنُون: لَا مِلح عِنْدَهُمْ؛ عَنِ الهَجَريّ. قَالَ: وَمِنْهُ
قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبي طَالِبٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِي كِتَابِهِ إِلى عَامِلِهِ مَصْقَلة بْنِ هُبَيرة: مَا كَانَ عَلَيْكَ أَن لَوْ صُمْتَ لِلَّهِ أَياماً، وتصدَّقْتَ بِطَائِفَةٍ مِنْ طَعَامِكَ مُحْتَسِباً، وأَكلت طَعامَكَ مِراراً كَفْناً، فإِن تِلْكَ سيرةُ الأَنبياء وآدابُ الصَّالِحِينَ.
والكَفْنة: شجر.
كمن: كَمَنَ كُمُوناً: اخْتَفى. وكَمَن لَهُ يَكْمُن كُموناً وكَمِن: استَخْفى. وكمنَ فلانٌ إِذا اسْتَخْفَى فِي مَكْمَنٍ لَا يُفْطَنُ لَهُ. وأَكْمَن غيرَه: أَخفاه. وَلِكُلِّ حَرْفٍ مَكْمَنٌ إِذا مَرَّ بِهِ الصوتُ أَثاره. وكلُّ شيءٍ اسْتَتَرَ بشيءٍ فَقَدْ كَمَن فِيهِ كُموناً. وَفِي الْحَدِيثِ:
جاءَ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأَبو بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فكَمَنا فِي بَعْضِ حِرار الْمَدِينَةِ
أَي اسْتَتَرَا وَاسْتَخْفَيَا؛ وَمِنْهُ الكَمِينُ فِي الْحَرْبِ مَعْرُوفٌ، والحِرار: جَمْعُ حَرَّة وَهِيَ الأَرض ذَاتُ الْحِجَارَةِ السُّود، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: الكَمينُ فِي الْحَرْبِ الذينَ يَكْمُنون. وأَمرٌ فِيهِ كَمِينٌ أَي فِيهِ دَغَلٌ لَا يُفْطَن لَهُ. قَالَ الأَزهري: كَمِينٌ بِمَعْنَى كامِن مِثْلَ عَليم وَعَالِمٍ. وَنَاقَةٌ كَمُونٌ: كَتُوم للِّقاح، وَذَلِكَ إِذا لَقِحَتْ، وَفِي الْمُحْكَمِ: إِذا لَمْ تُبَشِّر بذَنبها وَلَمْ تَشُل، وإِنما يُعْرَف حملُها بشَوَلان ذنَبِها. وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: نَاقَةٌ كَمُونٌ إِذا كَانَتْ فِي مُنْيَتِها وَزَادَتْ عَلَى عَشْرِ لَيَالٍ إِلى خَمْسَ عَشْرَةَ لَا يُسْتَيْقَنُ لِقاحُها. وحُزْنٌ مُكْتَمِنٌ فِي الْقَلْبِ: مُخْتَفٍ. والكُمْنةُ: جَرَبٌ وحُمْرة تَبقى فِي الْعَيْنِ مِنْ رَمَدٍ يُساء علاجُه فتُكْمَن، وَهِيَ مَكْمونة؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:
سِلاحُها مُقْلَةٌ تَرَقْرَقُ لَمْ ... تَحْذَلْ بِهَا كُمْنةٌ وَلَا رَمَدُ
وَفِي الْحَدِيثِ
عَنْ أَبي أُمامة الْبَاهِلِيِّ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ قَتْلِ عَوامر الْبُيُوتِ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ ذِي الطُّفْيَتَيْنِ والأَبْتَر، فإِنهما يُكْمِنان الأَبصارَ أَو يُكْمِهان وتَخْدِجُ مِنْهُ النِّسَاءُ.
قَالَ(13/359)
شَمِرٌ: الكُمْنةُ ورَمٌ فِي الأَجفان، وَقِيلَ: قَرْحٌ فِي الْمَآقِي، وَيُقَالُ: حِكَّة ويُبْسٌ وحُمْرة؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
تَأَوَّبَني الداءُ الَّذِي أَنا حاذِرُهْ، ... كما اعتاد «2» ... مِنَ الليلِ عائِرُهْ
. وَمَنْ رَوَاهُ بِالْهَاءِ يُكْمِهان، فَمَعْنَاهُ يُعْمِيان، مِنَ الأَكْمه وَهُوَ الأَعمى، وَقِيلَ: هُوَ وَرَمٌ فِي الجَفْن وغِلَظٌ، وَقِيلَ: هُوَ أُكالٌ يأْخذ فِي جَفْنِ الْعَيْنِ فتحمرُّ لَهُ فَتَصِيرُ كأَنها رَمْدَاءُ، وَقِيلَ: هِيَ ظُلْمَةٌ تأْخذ فِي الْبَصَرِ، وَقَدْ كَمِنَتْ عينُه تَكْمَنُ كُمْنة شَدِيدَةً وكُمِنَتْ. والمُكْتَمِنُ: الحَزينُ؛ قَالَ الطِّرِمَّاحُ:
عَواسِفُ أَوْساطِ الجُفونِ يَسُفْنَها ... بمُكْتَمِنٍ، مِنْ لاعِج الحُزْنِ، واتِنِ
المُكْتَمِنُ: الْخَافِي الْمُضْمِرُ، والواتِنُ: الْمُقِيمُ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي خَلَصَ إِلى الوَتِينِ. والكَمُّون، بِالتَّشْدِيدِ: مَعْرُوفٌ حَبٌّ أَدقُّ مِنَ السِّمْسِم، وَاحِدَتُهُ كَمُّونةٌ. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الكَمُّون عَرَبِيٌّ مَعْرُوفٌ يَزْعُمُ قَوْمٌ أَنه السَّنُّوتُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
فأَصبَحْتُ كالكَمُّون ماتَتْ عُروقُه، ... وأَغصانُه مِمَّا يُمَنُّونَه خُضْرُ
ودارَةُ مَكْمِنٍ «3» : مَوْضِعٌ؛ عَنْ كُرَاعٍ. ومَكْمِنٌ: اسْمُ رَمْلَةٍ فِي دِيَارِ قَيْسٍ؛ قَالَ الرَّاعِي:
بدارَةِ مَكْمِنٍ ساقتْ إِليها ... رِياحُ الصَّيْفِ أَرْآماً وعِينَا
كنن: الكِنُّ والكِنَّةُ والكِنَانُ: وِقاء كُلِّ شيءٍ وسِتْرُه. والكِنُّ: الْبَيْتُ أَيضاً، وَالْجَمْعُ أَكْنانٌ وأَكِنةٌ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَلَمْ يُكَسِّرُوهُ عَلَى فُعُلٍ كَرَاهِيَةَ التَّضْعِيفِ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً
. وَفِي حَدِيثِ الِاسْتِسْقَاءِ:
فَلَمَّا رأَى سُرْعَتَهم إِلى الكِنِّ ضَحِكَ
؛ الكِنُّ: مَا يَرُدُّ الحَرَّ والبرْدَ مِنَ الأَبنية وَالْمَسَاكِنِ، وَقَدْ كَننْتُه أَكُنُّه كَنّاً. وَفِي الْحَدِيثِ:
عَلَى مَا اسْتَكَنَ
أَي اسْتَتَر. والكِنُّ: كلُّ شيءٍ وَقَى شَيْئًا فَهُوَ كِنُّه وكِنانُه، وَالْفِعْلُ مِنْ ذَلِكَ كَنَنْتُ الشَّيْءَ أَي جَعَلْتُهُ فِي كِنٍّ. وكَنَّ الشيءَ يَكُنُّه كَنّاً وكُنوناً وأَكَنَّه وكَنَّنَه: سَتَرَهُ؛ قَالَ الأَعلم:
أَيَسْخَطُ غَزْوَنا رجلٌ سَمِينٌ ... تُكَنِّنُه السِّتارةُ والكنِيفُ؟
وَالِاسْمُ الكِنُّ، وكَنَّ الشيءَ فِي صَدْرِهِ يَكُنُّه كَنّاً وأَكَنَّه واكْتَنَّه كَذَلِكَ؛ وَقَالَ رُؤْبَةُ:
إِذا البَخِيلُ أَمَرَ الخُنُوسا ... شَيْطانُه وأَكْثَر التَّهْوِيسا
فِي صَدْرِهِ، واكتَنَّ أَن يَخِيسا
وكَنَّ أَمْرَه عَنْهُ كَنّاً: أَخفاه. واسْتَكَنَّ الشيءُ: استَتَر؛ قَالَتِ الْخَنْسَاءُ:
وَلَمْ يتَنوَّرْ نارَه الضيفُ مَوْهِناً ... إِلى عَلَمٍ لَا يستَكِنُّ مِنَ السَّفْرِ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَكَنَّ الشيءَ: سَتَره. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ
؛ أَي أَخفَيْتم. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَدْ جاءَ كنَنتُ فِي الأَمرين «4» . جميعاً؛ قال المُعَيْطِيُّ:
__________
(2) . كذا بياض بالأصل
(3) . قوله [ودارة مكمن] ضبطها المجد كمقعد، وضبطها ياقوت كالتكملة بكسر الميم
(4) . قوله [في الأمرين] أي الستر والصيانة من الشمس والإسرار في النفس كما يعلم من الوقوف على عبارة الصحاح الآتية في قوله: وَكَنَنْتُ الشَّيْءَ سَتَرْتُهُ وَصُنْتُهُ(13/360)
قَدْ يكْتُمُ الناسُ أَسراراً فأَعْلَمُها، ... وَمَا يَنالُون حَتَّى المَوْتِ مَكْنُوني
قَالَ الْفَرَّاءُ: لِلْعَرَبِ فِي أَكنَنْتُ الشيءَ إِذا ستَرْتَه لُغَتَانِ: كنَنْتُه وأَكنَنْتُه بِمَعْنًى؛ وأَنشَدُوني:
ثلاثٌ مِنْ ثَلاثِ قُدامَياتٍ، ... مِنَ اللَّائي تَكُنُّ مِنَ الصَّقِيعِ
وَبَعْضُهُمْ يَرْوِيهِ: تُكِنُّ مِنْ أَكنَنْتُ. وكَنَنْتُ الشيءَ: سَتْرتُه وصُنْتُه مِنَ الشَّمْسِ. وأَكنَنْتُه فِي نَفْسِي: أَسْرَرْتُه. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: كنَنْتُه وأَكنَنْتُه بِمَعْنًى فِي الكِنِّ وَفِي النَّفس جَمِيعًا، تَقُولُ: كَنَنْتُ الْعِلْمَ وأَكنَنْتُه، فَهُوَ مَكْنونٌ ومُكَنٌّ. وكَنَنْتُ الجاريةَ وأَكنَنْتُها، فَهِيَ مَكْنونة ومُكَنَّة؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ
؛ أَي مَسْتُورٌ مِنَ الشَّمْسِ وَغَيْرِهَا. والأَكِنَّةُ: الأَغطِيَةُ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ*
، وَالْوَاحِدُ كِنانٌ؛ قَالَ عُمَرُ بْنُ أَبي رَبِيعَةَ:
هاجَ ذَا القَلْبَ مَنْزِلُ ... دارِسُ العَهْدِ مُحْوِلُ
أَيُّنا باتَ لَيْلَةً ... بَيْنَ غُصْنَينِ يُوبَلُ
تحتَ عَيْنٍ كِنَانُنا، ... ظِلُّ بُرْدٍ مُرَحَّلُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُ إِنشاده:
بُرْدُ عَصْبٍ مُرَحَّلُ
قَالَ: وأَنشده ابْنُ دُرَيْدٍ:
تحتَ ظِلٍّ كِنانُنا، ... فَضْلُ بُرْدٍ يُهَلَّلُ «1»
. واكتَنَّ واسْتَكَنَّ: اسْتَتَر. والمُسْتَكِنَّةُ: الحِقْدُ؛ قَالَ زُهَيْرٌ:
وَكَانَ طَوى كَشْحاً عَلَى مُستكِنَّةٍ، ... فَلَا هُوَ أَبْداها وَلَمْ يتَجَمْجَمِ
وكَنَّه يَكُنُّه: صَانَهُ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ
؛ وأَما قَوْلُهُ: لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ
وبَيْضٌ مَكْنُونٌ
، فكأَنه مَذْهَبٌ لِلشَّيْءِ يُصانُ، وإِحداهما قَرِيبَةٌ مِنَ الأُخرى. ابْنُ الأَعرابي: كَنَنْتُ الشيءَ أَكُنُّه وأَكنَنْتُه أُكِنُّه، وَقَالَ غَيْرُهُ: أَكْنَنْتُ الشيءَ إِذا سَتْرتَه، وكنَنْتُه إِذا صُنتَه. أَبو عُبَيْدٍ عَنْ أَبي زَيْدٍ: كنَنْتُ الشيءَ وأَكنَنْتُه فِي الكِنِّ وَفِي النَّفْسِ مثلُها. وتَكَنَّى: لزِمَ الكِنَّ. وَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: رأَيت
عِلْجاً يَوْمَ القادِسية قَدْ تَكَنَّى وتحَجَّى فقَتلْتُه؛ تحجَّى أَي زَمزَمَ. والأَكنانُ: الغِيرانُ وَنَحْوُهَا يُسْتكَنُّ فِيهَا، وَاحِدُهَا كِنٌّ وتجْمَعُ أَكِنَّة، وَقِيلَ: كِنانٌ وأَكِنَّة. واسْتكَنَّ الرجلُ واكْتَنَّ: صَارَ فِي كِنٍّ. واكتَنَّتِ المرأَةُ: غطَّتْ وجْهَها وسَتَرَتْه حَياءً مِنَ النَّاسِ. أَبو عَمْرٍو: الكُنَّةُ والسُّدَّةُ كالصُّفَّةِ تَكُونُ بَيْنَ يَدَيِ الْبَيْتِ، والظُّلَّة تَكُونُ بِبَابِ الدَّارِ. وَقَالَ الأَصمعي: الكُنَّة هِيَ الشيءُ يُخْرِجُه الرجلُ مِنْ حَائِطِهِ كالجَناحِ وَنَحْوِهِ. ابْنُ سِيدَهْ: والكُنَّة، بِالضَّمِّ، جَنَاحٌ تُخْرِجُه مِنَ الْحَائِطِ، وَقِيلَ: هِيَ السَّقِيفة تُشْرَعُ فوقَ بَابِ الدَّارِ، وَقِيلَ: الظُّلَّة تَكُونُ هُنَالِكَ، وَقِيلَ: هُوَ مُخْدَع أَو رَفٌّ يُشْرَعُ فِي الْبَيْتِ، وَالْجَمْعُ كِنَانٌ وكُنّات. والكِنانة: جَعْبة السِّهام تُتَّخذُ مِنْ جُلود لَا خَشب فِيهَا أَو مِنْ خَشَبٍ لَا جُلُودَ فِيهَا. اللَّيْثُ: الكِنَانة كالجَعْبة غَيْرَ أَنها صَغِيرَةٌ تُتَّخَذُ للنَّبْل. ابْنُ دُرَيْدٍ: كِنانة النَّبْل إِذا كَانَتْ مِنْ أَدم، فإِن كانت من
__________
(1) . قوله [يهلل] كذا بالأصل مضبوطاً ولم نعثر عليه في غير هذا المحل ولعله مهلهل(13/361)
خَشَبٍ فَهُوَ جَفِير. الصِّحَاحُ: الكِنانةُ الَّتِي تُجْعَلُ فِيهَا السِّهَامُ.. والكَنَّةُ، بِالْفَتْحِ: امرأَة الِابْنِ أَو الأَخ، وَالْجَمْعُ كَنائِنُ، نَادِرٌ كأَنهم تَوَهَّمُوا فِيهِ فَعِيلة وَنَحْوَهَا مِمَّا يُكْسَرُ عَلَى فَعَائِلَ. التَّهْذِيبُ: كُلُّ فَعْلةٍ أَو فِعْلة أَو فُعْلة مِنْ بَابِ التَّضْعِيفِ فإِنها تُجْمَعُ عَلَى فَعائل، لأَن الْفِعْلَةَ إِذا كَانَتْ نَعْتًا صَارَتْ بَيْنَ الْفَاعِلَةِ والفَعيل وَالتَّصْرِيفُ يَضُمُّ فَعْلًا إِلى فَعِيلٍ، كَقَوْلِكَ جَلْدٌ وجَلِيد وصُلْبٌ وصَليب، فردُّوا الْمُؤَنَّثَ مِنْ هَذَا النَّعْتِ إِلى ذَلِكَ الأَصل؛ وأَنشد:
يَقُلْنَ كُنَّا مرَّةً شَبائِبا
قَصَرَ شابَّةً فَجَعَلَهَا شَبَّةً ثُمَّ جَمَعَهَا عَلَى الشَّبائب، وقال: هِيَ حَنَّتُه وكَنَّتُه وفِراشه وإِزاره ونهْضَتُه ولِحافه كُلُّهُ وَاحِدٌ. وَقَالَ الزِّبرقان بْنُ بدْر: أَبغَضُ كَنائني إِليَّ الطُّلَعةُ الخُبَأَة، وَيُرْوَى: الطُّلَعةُ القُبَعة، يَعْنِي الَّتِي تَطَلَّعُ ثُمَّ تُدْخِلُ رأْسَها فِي الكِنَّة. وَفِي حَدِيثِ
أُبَيٍّ أَنه قَالَ لعُمَر وَالْعَبَّاسِ وَقَدِ استأْذنا عَلَيْهِ: إِن كَنَّتكُما كَانَتْ تُرَجِّلُني
؛ الكَنَّةُ: امرأَة الِابْنِ وامرأَة الأَخ، أَراد امرأَته فَسَمَّاهَا كَنَّتَهُما لأَنه أَخوهما فِي الإِسلام؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
ابْنِ الْعَاصِ: فجاءَ يتَعاهدُ كَنَّتَه
أَي امرأَة ابْنِهِ. والكِنَّةُ والاكْتِنانُ: البَياضُ. والكانونُ: الثَّقيلُ الوَخِم ابْنُ الأَعرابي: الْكَانُونُ الثَّقِيلُ مِنَ النَّاسِ؛ وأَنشد لِلْحُطَيْئَةِ:
أَغِرْبالًا إِذا اسْتُودِعْت سِرّاً، ... وَكَانُونًا عَلَى المُتَحدِّثِينا؟
أَبو عَمْرٍو: الكَوانينُ الثُّقلاء مِنَ النَّاسِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقِيلَ الْكَانُونُ الَّذِي يَجْلِسُ حَتَّى يَتحَصَّى الأَخبارَ والأَحاديث ليَنقُلها؛ قَالَ أَبو دَهْبل:
وَقَدْ قَطَعَ الْوَاشُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا، ... ونحنُ إِلى أَن يُوصَل الحبْلُ أَحوَجُ
فَليْتَ كوانِينا مِنْ أهْلي وأَهلها، ... بأَجْمَعِهم فِي لُجَّة البحرِ، لَجَّجوا
الْجَوْهَرِيُّ: والكانونُ والكانونةُ المَوْقِدُ، والكانونُ المُصْطَلى. وَالْكَانُونَانِ: شَهْرَانِ فِي قَلْبِ الشِّتَاءِ، رُوميَّة: كَانُونُ الأَوَّل، وكانونُ الْآخَرُ؛ هَكَذَا يُسَمِّيهِمَا أَهل الرُّومِ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذَانِ الشَّهْرَانِ عِنْدَ الْعَرَبِ هُمَا الهَرَّاران والهَبَّاران، وَهُمَا شَهْرَا قُماحٍ وقِماحٍ. وَبَنُو كُنَّة: بطنٌ مِنَ الْعَرَبِ نُسِبُوا إِلى أُمِّهم، وَقَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ بِفَتْحِ الْكَافِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ بَنُو كُنَّة، بِضَمِّ الْكَافِ، قَالَ: وَكَذَا قَالَ أَبو زَكَرِيَّا؛ وأَنشد:
غَزالٌ ما رأَيتُ الْيَوْمَ ... فِي دارِ بَني كُنَّهْ
رَخِيمٌ يَصْرَعُ الأُسْدَ ... عَلَى ضَعْفٍ مِنَ المُنَّهْ
ابْنُ الأَعرابي: كَنْكَنَ إِذا هرَب. وكِنانة: قَبِيلَةٍ مِنْ مُضَر، وَهُوَ كِنانة بْنُ خُزَيمة بْنِ مُدْرِكة بْنِ إلياسِ بْنِ مُضَر. وَبَنُو كِنانة أَيضاً: من تَغْلِبَ بن وائلٍ وَهُم بَنُو عِكَبٍّ يُقَالُ لَهُمْ قُرَيْشُ تَغْلِبَ «1» .
كهن: الكاهنُ: مَعْرُوفٌ. كَهَنَ لَهُ يَكْهَنُ ويكهُنُ وكَهُنَ كَهانةً وتكَهَّنَ تكَهُّناً وتَكْهِيناً، الأَخير نَادِرٌ: قَضى لَهُ بِالْغَيْبِ. الأَزهري: قَلَّما يُقَالُ إِلا تكَهَّنَ الرجلُ. غَيْرُهُ: كَهَن كِهانةً مِثْلَ كَتَب يكتُب كِتابة إِذا تكَهَّنَ، وكَهُن كَهانة
__________
(1) . زاد المجد كالصاغاني: كنكن إذا كسل وقعد في البيت. ومن أسماء زمزم المكنونة، وقال الفراء: النسبة إلى بني كنة بالضم كني وكني بالضم والكسر(13/362)
إِذا صَارَ كاهِناً. وَرَجُلٌ كاهِنٌ مِنْ قَوْمٍ كَهَنةٍ وكُهَّان، وحِرْفتُه الكِهانةُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
نَهَى عَنْ حُلْوان الْكَاهِنِ
؛ قَالَ: الكاهِنُ الَّذِي يَتعاطي الخبرَ عَنِ الْكَائِنَاتِ فِي مُسْتَقْبَلِ الزَّمَانِ ويدَّعي مَعْرِفَةَ الأَسرار، وَقَدْ كَانَ فِي الْعَرَبِ كَهَنةٌ كشِقٍّ وَسَطِيحٍ وَغَيْرِهِمَا، فَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَزْعُم أَن لَهُ تَابِعًا مِنَ الْجِنِّ ورَئِيّاً يُلقي إِليه الأَخبار، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَزْعُمُ أَنه يَعْرِفُ الأُمور بمُقدِّمات أَسباب يَسْتَدِلُّ بِهَا عَلَى مَوَاقِعِهَا مِنْ كَلَامِ مَنْ يسأَله أَو فِعْلِهِ أَو حَالِهِ، وَهَذَا يخُصُّونه بِاسْمِ العَرَّاف كَالَّذِي يدَّعي مَعْرِفَةَ الشَّيْءِ الْمَسْرُوقِ وَمَكَانِ الضَّالَّةِ وَنَحْوِهِمَا. وَمَا كَانَ فلانٌ كاهِناً وَلَقَدْ كَهُنَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَنْ أَتى كاهِناً أَو عَرَّافاً فَقَدْ كَفَر بِمَا أُنزِل عَلَى مُحَمَّدٍ
أَي مَنْ صَدَّقهم. وَيُقَالُ: كَهَن لَهُمْ إِذا قَالَ لَهُمْ قولَ الكَهَنة. قَالَ الأَزهري: وَكَانَتِ الكَهانةُ فِي الْعَرَبِ قَبْلَ مَبْعَثِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا بُعث نَبِيّاً وحُرِسَت السَّمَاءُ بالشُّهُب ومُنِعت الجنُّ والشياطينُ مِنَ اسْتِرَاقِ السَّمْعِ وإِلقائه إِلى الكَهَنةِ بَطَلَ عِلْمُ الكَهانة، وأَزهق اللَّهُ أَباطيلَ الكُهَّان بالفُرْقان الَّذِي فَرَقَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وأَطلع اللَّهُ سُبْحَانَهُ نَبِيَّهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بالوَحْيِ عَلَى مَا شاءَ مِنْ عِلْمِ الغُيوب الَّتِي عَجَزت الكَهنةُ عَنِ الإِحاطة بِهِ، فَلَا كَهانةَ الْيَوْمَ بِحَمْدِ اللَّهِ ومَنِّه وإِغنائه بِالتَّنْزِيلِ عَنْهَا. قَالَ ابْنُ الأَثير: وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ
مِنْ أَتى كَاهِنًا
، يَشْتَمِلُ عَلَى إِتيان الْكَاهِنِ والعرَّاف والمُنَجِّم. وَفِي حَدِيثِ الجَنين:
إِنما هَذَا مِنْ إِخوان الكُهَّان
؛ إِنما قَالَ لَهُ ذَلِكَ مِنْ أَجل سَجْعِه الَّذِي سَجَع، وَلَمْ يَعِبْه بِمُجَرَّدِ السَّجْع دُونَ مَا تضمَّن سَجْعُه مِنَ الْبَاطِلِ، فإِنه قَالَ: كَيْفَ نَدِيَ مَنْ لَا أَكَلَ وَلَا شَرِب وَلَا اسْتَهلَّ وَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلّ، وإِنما ضرَب الْمَثَلَ بالكُهَّان لأَنهم كَانُوا يُرَوِّجون أَقاويلهم الْبَاطِلَةَ بأَسجاع تَرُوقُ السَّامِعِينَ، ويسْتَمِيلون بِهَا الْقُلُوبَ، ويَستصغون إِليها الأَسْماع، فأَما إِذا وَضَع السَّجع فِي مَوَاضِعِهِ مِنَ الْكَلَامِ فَلَا ذمَّ فِيهِ، وَكَيْفَ يُذَمُّ وَقَدْ جاءَ فِي كَلَامِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَثِيرًا، وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُهُ فِي الْحَدِيثِ مُفْرَدًا وَجَمْعًا وَاسْمًا وَفِعْلًا وَفِي الْحَدِيثِ:
إِن الشَّيَاطِينَ كَانَتْ تَسْترِقُ السمعَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وتُلقيه إِلى الكَهَنة، فتَزيدُ فِيهِ مَا تزيدُ وتَقْبلُه الكُفَّار منهم.
والكاهِنُ أَيضاً فِي كَلَامِ الْعَرَبِ»
: الَّذِي يَقُومُ بأَمر الرَّجُلِ ويَسْعى فِي حَاجَتِهِ وَالْقِيَامِ بأَسبابه وأَمر حُزانته. والكاهِنان: حَيَّان. الأَزهري: يُقَالُ لقُرَيْظة والنَّضير الكاهِنانِ، وَهُمَا قَبِيلا الْيَهُودِ بِالْمَدِينَةِ، وَهُمْ أَهل كِتَابٍ وفَهْمٍ وَعِلْمٍ. وَفِي حديثٍ مَرْفُوعٍ:
أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: يَخْرُجُ مِنَ الكاهِنَين رجلٌ يقرأُ الْقُرْآنَ قِرَاءَةً لَا يقرأُ أَحد قِرَاءَتَهُ
؛ قِيلَ: إِنه مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ القُرَظِيّ وَكَانَ مِنْ أَولادهم، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كل من تعاطى عِلْمًا دَقِيقًا كاهِناً، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يُسَمِّي الْمُنَجِّمَ والطبيبَ كاهناً.
كون: الكَوْنُ: الحَدَثُ، وَقَدْ كَانَ كَوْناً وكَيْنُونة؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ وَكُرَاعٍ، والكَيْنونة فِي مَصْدَرِ كانَ يكونُ أَحسنُ. قَالَ الْفَرَّاءُ: الْعَرَبُ تَقُولُ فِي ذَوَاتِ الْيَاءِ مِمَّا يُشْبِهُ زِغْتُ وسِرْتُ: طِرْتُ طَيْرُورَة وحِدْتُ حَيْدُودَة فِيمَا لَا يُحْصَى مِنْ هَذَا الضَّرْبِ، فأَما ذَوَاتُ الْوَاوِ مِثْلَ قُلْتُ ورُضْتُ، فإِنهم لَا يَقُولُونَ ذَلِكَ، وَقَدْ أَتى عَنْهُمْ فِي أَربعة أَحرف: مِنْهَا الكَيْنُونة مِنْ كُنْتُ، والدَّيْمُومة مِنْ دُمْتُ، والهَيْعُوعةُ مِنَ الهُواع، والسَّيْدُودَة مِنْ سُدْتُ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يَكُونَ كَوْنُونة،
__________
(2) . قوله [والكاهن أيضاً إلخ] ويقال فيه: الكاهل باللام كما في التكملة(13/363)
وَلَكِنَّهَا لَمَّا قَلَّتْ فِي مَصَادِرِ الْوَاوِ وَكَثُرَتْ فِي مَصَادِرِ الياءِ أَلحقوها بِالَّذِي هُوَ أَكثر مَجِيئًا مِنْهَا، إِذ كَانَتِ الْوَاوُ وَالْيَاءُ مَتَقَارِبَتَيِ الْمَخْرَجِ. قَالَ: وَكَانَ الْخَلِيلُ يَقُولُ كَيْنونة فَيْعولة هِيَ فِي الأَصل كَيْوَنونة، الْتَقَتْ مِنْهَا يَاءٌ وواوٌ والأُولى مِنْهُمَا سَاكِنَةٌ فَصَيَّرَتَا يَاءً مُشَدَّدَةً مِثْلَ مَا قَالُوا الهَيِّنُ مَنْ هُنْتُ، ثُمَّ خَفَّفُوهَا فَقَالُوا كَيْنونة كَمَا قَالُوا هَيْنٌ لَيْنٌ؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: وَقَدْ ذَهَبَ مَذْهباً إِلا أَن الْقَوْلَ عِندي هُوَ الأَول؛ وَقَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ عُرْفُطة، جَاهِلِيٌّ:
لَمْ يَكُ الحَقُّ سوَى أَنْ هاجَهُ ... رَسْمُ دارٍ قَدْ تَعَفَّى بالسَّرَرْ
إِنما أَراد: لَمْ يَكُنِ الْحَقُّ، فَحَذَفَ النُّونَ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَكَانَ حُكْمُهُ إِذا وَقَعَتِ النُّونُ مَوْقِعًا تُحَرَّكُ فِيهِ فتَقْوَى بِالْحَرَكَةِ أَن لَا يَحْذِفَها لأَنها بِحَرَكَتِهَا قَدْ فَارَقَتْ شِبْهَ حُرُوفِ اللِّينِ، إِذ كُنَّ لَا يَكُنَّ إِلا سَوَاكِنَ، وحذفُ النُّونِ مِنْ يَكُنْ أَقبح مِنْ حَذْفِ التَّنْوِينِ وَنُونِ التَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ، لأَن نُونَ يَكُنْ أَصل وَهِيَ لَامُ الْفِعْلِ، وَالتَّنْوِينُ وَالنُّونُ زَائِدَانِ، فَالْحَذْفُ مِنْهُمَا أَسهل مِنْهُ فِي لَامِ الْفِعْلِ، وَحَذْفُ النُّونِ أَيضاً مِنْ يَكُنْ أَقبح مِنْ حَذْفِ النُّونِ مِنْ قَوْلِهِ: غَيْرَ الَّذِي قَدْ يُقَالُ مِلْكذب، لأَن أَصله يَكُونُ قَدْ حُذِفَتْ مِنْهُ الْوَاوُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، فإِذا حَذَفْتَ مِنْهُ النُّونَ أَيضاً لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ أَجحفت بِهِ لِتَوَالِيَ الْحَذْفَيْنِ، لَا سِيَّمَا مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ، قَالَ: وَلَكَ أَيضاً أَن تَقُولَ إِن مِنْ حرفٌ، وَالْحَذْفُ فِي الْحَرْفِ ضَعِيفٌ إِلا مَعَ التَّضْعِيفِ، نَحْوَ إِنّ وربَّ، قَالَ: هَذَا قَوْلُ ابْنِ جِنِّي، قَالَ: وأَرى أَنا شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ، وَهُوَ أَن يَكُونَ جَاءَ بِالْحَقِّ بعد ما حَذْفِ النُّونِ مِنْ يَكُنْ، فَصَارَ يكُ مِثْلَ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَمْ يَكُ شَيْئاً
؛ فَلَمَّا قَدَّرَهُ يَك، جاء بالحق بعد ما جَازَ الْحَذْفُ فِي النُّونِ، وَهِيَ سَاكِنَةٌ تَخْفِيفًا، فَبَقِيَ مَحْذُوفًا بِحَالِهِ فَقَالَ: لَمْ يَكُ الحَقُّ، وَلَوْ قَدَّره يَكُنْ فَبَقِيَ مْحَذُوفًا، ثُمَّ جَاءَ بِالْحَقِّ لَوَجَبَ أَن يَكْسِرَ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ فيَقْوَى بِالْحَرَكَةِ، فَلَا يَجِدُ سَبِيلًا إِلى حَذْفِهَا إِلا مُسْتَكْرَهًا، فَكَانَ يَجِبُ أَن يَقُولَ لَمْ يَكُنِ الْحَقُّ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ الخَنْجَر بْنُ صَخْرٍ الأَسدي:
فإِنْ لَا تَكُ المِرآةُ أَبْدَتْ وَسامةً، ... فَقَدْ أَبْدَتِ المِرآةُ جَبْهةَ ضَيْغَمِ
يُرِيدُ: فإِن لَا تَكُنِ الْمِرْآةُ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: لَمْ يَكْ أَصله يَكُونُ، فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهَا لَمْ جَزَمَتْهَا فَالْتَقَى سَاكِنَانِ فَحُذِفَتِ الْوَاوُ فَبَقِيَ لَمْ يَكُنْ، فَلَمَّا كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ حَذَفُوا النُّونَ تَخْفِيفًا، فإِذا تَحَرَّكَتْ أَثبتوها، قَالُوا لَمْ يَكُنِ الرجلُ، وأَجاز يُونُسُ حَذْفَهَا مَعَ الْحَرَكَةِ؛ وأَنشد:
إِذا لَمْ تَكُ الحاجاتُ مِنْ همَّة الفَتى، ... فَلَيْسَ بمُغْنٍ عنكَ عَقْدُ الرَّتائِمِ
وَمِثْلُهُ مَا حَكَاهُ قُطْرُب: أَن يُونُسَ أَجاز لَمْ يكُ الرَّجُلُ مُنْطَلِقًا؛ وأَنشد بَيْتَ الْحَسَنِ بْنِ عُرْفُطة:
لَمْ يَكُ الحَقُّ سِوَى أَن هاجَه
والكائنة: الْحَادِثَةُ. وَحَكَى سِيبَوَيْهِ: أَنا أَعْرِفُكَ مُذْ كُنْتَ أَي مُذْ خُلِقْتَ، وَالْمَعْنَيَانِ مُتَقَارِبَانِ. ابْنُ الأَعرابي: التَّكَوُّنُ التَّحَرُّك، تَقُولُ الْعَرَبُ لِمَنْ تَشْنَؤُه: لَا كانَ وَلَا تَكَوَّنَ؛ لَا كَانَ: لَا خُلِقَ، وَلَا تَكَوَّن: لَا تَحَرَّك أَي مَاتَ. وَالْكَائِنَةُ: الأَمر الْحَادِثُ. وكَوَّنَه فتَكَوَّن: أَحدَثَه فَحَدَثَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي فإِن الشَّيْطَانَ لَا يتَكَوَّنُني
، وَفِي رِوَايَةٍ:
لَا يتَكَوَّنُ عَلَى صُورَتِي
«1» . وكَوَّنَ الشيءَ: أَحدثه.
__________
(1) . قوله [على صورتي] كذا بالأصل، والذي في نسخ النهاية:
في صورتي
، أَي يتشبه بي ويتصور بصورتي، وحقيقته يصير كائناً في صورتي(13/364)
وَاللَّهُ مُكَوِّنُ الأَشياء يُخْرِجُهَا مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ. وَبَاتَ فُلَانٌ بكِينةِ سَوْءٍ وبجِيبةِ سَوْءٍ أَي بِحَالَةِ سَوءٍ. وَالْمَكَانُ: الْمَوْضِعُ، وَالْجَمْعُ أَمْكِنة وأَماكِنُ، توهَّموا الْمِيمَ أَصلًا حَتَّى قَالُوا تَمَكَّن فِي الْمَكَانِ، وَهَذَا كَمَا قَالُوا فِي تَكْسِيرِ المَسِيل أَمْسِلة، وَقِيلَ: الْمِيمُ فِي الْمَكَانِ أَصل كأَنه مِنَ التَّمَكُّن دُونَ الكَوْنِ، وَهَذَا يُقَوِّيهُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَكْسِيرِهِ عَلَى أَفْعِلة؛ وَقَدْ حَكَى سِيبَوَيْهِ فِي جَمْعِهِ أَمْكُنٌ، وَهَذَا زَائِدٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى أَن وَزْنَ الْكَلِمَةِ فَعَال دُونَ مَفْعَل، فَإِنْ قُلْتَ فَإِنَّ فَعَالًا لَا يُكْسَرُ عَلَى أَفْعُل إِلَّا أَن يَكُونَ مُؤَنَّثًا كأَتانٍ وآتُنٍ. اللَّيْثُ: الْمَكَانُ اشتقاقُه مَنْ كَانَ يَكُونُ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَثُرَ فِي الْكَلَامِ صَارَتِ الْمِيمُ كأَنها أَصلية، والمكانُ مُذَكَّرٌ، قِيلَ: تَوَهَّمُوا «1» . فِيهِ طَرْحَ الزَّائِدِ كأَنهم كَسَّروا مَكَناً وأَمْكُنٌ، عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، مِمَّا كُسِّرَ عَلَى غَيْرِ مَا يُكَسَّرُ عَلَيْهِ مثلُه، ومَضَيْتُ مَكانتي ومَكِينَتي أَيْ عَلَى طِيَّتي. والاستِكانة: الْخُضُوعُ. الْجَوْهَرِيُّ: والمَكانة الْمَنْزِلَةُ. وفلانٌ مَكِينٌ عِنْدَ فُلَانٍ بَيِّنُ الْمَكَانَةِ. وَالْمَكَانَةُ: الْمَوْضِعُ. قَالَ تَعَالَى: وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ
؛ قَالَ: وَلَمَّا كَثُرَ لُزُومُ الْمِيمِ تُوُهِّمت أَصلية فَقِيلَ تَمَكَّن كَمَا قَالُوا مِنَ الْمِسْكِينِ تَمَسْكَنَ؛ ذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ ذَلِكَ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: مَكِينٌ فَعِيل ومَكان فَعال ومَكانةٌ فَعالة لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا مِنَ الكَوْن فَهَذَا سهوٌ، وأَمْكِنة أَفْعِلة، وأَما تَمَسْكَنَ فَهُوَ تَمَفْعل كتَمَدْرَع مُشْتَقًّا مِنَ المِدْرَعة بِزِيَادَتِهِ، فَعَلَى قِيَاسِهِ يَجِبُ فِي تمكَّنَ تمَكْونَ لأَنه تمفْعل عَلَى اشْتِقَاقِهِ لَا تمكَّنَ، وتمكَّنَ وَزْنُهُ تفَعَّلَ، وَهَذَا كُلُّهُ سَهْوٌ وَمَوْضِعُهُ فَصْلُ الْمِيمِ مِنْ بَابِ النُّونِ، وَسَنَذْكُرُهُ هُنَاكَ. وَكَانَ وَيَكُونُ: مِنَ الأَفعال الَّتِي تَرْفَعُ الأَسماء وَتَنْصِبُ الأَخبار، كَقَوْلِكَ كَانَ زَيْدٌ قَائِمًا وَيَكُونُ عَمْرٌو ذَاهِبًا، وَالْمَصْدَرُ كَوْناً وَكَيَانًا. قَالَ الأَخفش فِي كِتَابِهِ الْمَوْسُومِ بِالْقَوَافِي: وَيَقُولُونَ أَزَيْداً كُنْتَ لَهُ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: ظَاهِرُهُ أَنه مَحْكِيٌّ عَنِ الْعَرَبِ لأَن الأَخفش إِنَّمَا يَحْتَجُّ بِمَسْمُوعِ الْعَرَبِ لَا بِمَقِيسِ النَّحْوِيِّينَ، وَإِذَا كَانَ قَدْ سَمِعَ عَنْهُمْ أَزيداً كُنْتَ لَهُ، فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ تَقْدِيمِ خَبَرِ كَانَ عَلَيْهَا، قَالَ: وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُفَسِّرُ الْفِعْلَ النَّاصِبَ الْمُضْمَرَ إِلَّا بِمَا لَوْ حُذِفَ مَفْعُولُهُ لَتَسَلَّطَ عَلَى الِاسْمِ الأَول فَنَصَبَهُ، أَلا تَراكَ تَقُولُ أَزيداً ضَرَبْتَهُ، وَلَوْ شِئْتَ لَحَذَفْتَ الْمَفْعُولَ فتسلطتْ ضَرَبْتَ هَذِهِ الظَّاهِرَةُ عَلَى زَيْدٍ نَفْسِهِ فَقُلْتَ أَزيداً ضَرَبْتَ، فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُمْ أَزيداً كُنْتَ لَهُ يَجُوزُ فِي قِيَاسِهِ أَن تَقُولَ أَزيداً كُنْتَ، ومثَّل سِيبَوَيْهِ كَانَ بِالْفِعْلِ المتعدِّي فَقَالَ: وَتَقُولُ كُنّاهمْ كَمَا تَقُولُ ضَرَبْنَاهُمْ، وَقَالَ إِذَا لَمْ تَكُنْهم فَمَنْ ذَا يَكُونُهم كَمَا تَقُولُ إِذَا لَمْ تَضْرِبْهُمْ فَمَنْ ذَا يَضْرِبُهُمْ، قَالَ: وَتَقُولُ هُوَ كائِنٌ ومَكُونٌ كَمَا تَقُولُ ضَارِبٌ وَمَضْرُوبٌ. غَيْرُهُ: وَكَانَ تَدُلُّ عَلَى خَبَرٍ ماضٍ فِي وَسَطِ الْكَلَامِ وَآخِرِهِ، وَلَا تَكُونُ صلَةً فِي أَوَّله لأَن الصِّلَةَ تَابِعَةٌ لَا مَتْبُوعَةٌ؛ وَكَانَ فِي مَعْنَى جَاءَ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
إِذَا كانَ الشِّتاءُ فأَدْفئُوني، ... فإنَّ الشَّيْخَ يُهْرِمُه الشِّتاءُ
قَالَ: وَكَانَ تأْتي بِاسْمٍ وَخَبَرٍ، وتأْتي بِاسْمٍ وَاحِدٍ وَهُوَ خَبَرُهَا كَقَوْلِكَ كَانَ الأَمْرُ وَكَانَتِ الْقِصَّةُ أَيْ وَقَعَ الأَمر وَوَقَعَتِ الْقِصَّةُ، وَهَذِهِ تُسَمَّى التَّامَّةَ الْمُكْتَفِيَةَ؛ وَكَانَ تَكُونُ جَزَاءً، قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: اخْتُلِفَ النَّاسُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا
؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ هَاهُنَا صِلَةٌ، وَمَعْنَاهُ كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ هُوَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا، قَالَ: وَقَالَ الْفَرَّاءُ كَانَ هَاهُنَا شَرْطٌ وَفِي الْكَلَامِ تعَجبٌ، وَمَعْنَاهُ مَنْ يكن
__________
(1) . قوله [قيل توهموا إلخ] جواب قوله فإن قيل فهو من كلام ابن سيدة، وما بينهما اعتراض من عبارة الأزهري وحقها التأخر عن الجواب كما لا يخفى(13/365)
فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا فَكَيْفَ يُكَلَّمُ، وأَما قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً
، وَمَا أَشبهه فَإِنَّ أَبا إِسْحَاقَ الزَّجَّاجَ قَالَ: قَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي كَانَ فَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: كَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً لِعِبَادِهِ. وَعَنْ عِبَادِهِ قَبْلَ أَن يَخْلُقَهُمْ، وَقَالَ النَّحْوِيُّونَ الْبَصْرِيُّونَ: كأَنَّ الْقَوْمَ شاهَدُوا مِنَ اللَّهِ رَحْمَةً فأُعْلِمُوا أَن ذَلِكَ لَيْسَ بِحَادِثٍ وأَن اللَّهَ لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ، وَقَالَ قَوْمٌ مِنَ النَّحْوِيِّينَ: كانَ وفَعَل مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِمَنْزِلَةِ مَا فِي الْحَالِ، فَالْمَعْنَى، وَاللَّهُ أَعلم،. وَاللَّهُ عَفُوٌّ غَفُور؛ قَالَ أَبو إِسْحَاقَ: الَّذِي قَالَهُ الْحَسَنُ وَغَيْرُهُ أَدْخَلُ فِي الْعَرَبِيَّةِ وأَشْبَهُ بِكَلَامِ الْعَرَبِ، وأَما الْقَوْلُ الثَّالِثُ فَمَعْنَاهُ يؤُول إِلَى مَا قَالَهُ الْحَسَنُ وَسِيبَوَيْهِ، إلَّا أَنَّ كَوْنَ الْمَاضِي بِمَعْنَى الْحَالِ يَقِلُّ، وصاحبُ هَذَا الْقَوْلِ لَهُ مِنَ الْحُجَّةِ قَوْلُنَا غَفَر اللَّهُ لِفُلَانٍ بِمَعْنَى لِيَغْفِر اللَّهُ، فَلَمَّا كَانَ فِي الْحَالِ دَلِيلٌ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ وَقَعَ الْمَاضِي مؤدِّياً عَنْهَا اسْتِخْفَافًا لأَن اخْتِلَافَ أَلفاظ الأَفعال إِنَّمَا وَقَعَ لِاخْتِلَافِ الأَوقات. وَرَوِيَ عَنِ ابْنُ الأَعرابي فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ
؛ أَي أَنتم خَيْرُ أُمة، قَالَ: وَيُقَالُ مَعْنَاهُ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمة فِي عِلْمِ اللَّهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَعوذ بِكَ مِنَ الحَوْر بَعْدَ الكَوْنِ
، قَالَ ابْنُ الأَثير: الكَوْنُ مَصْدَرُ كَانَ التامَّة؛ يُقَالُ: كَانَ يَكُونُ كَوْناً أَي وُجِدَ واسْتَقَرَّ، يَعْنِي أَعوذ بِكَ مِنَ النَّقْصِ بَعْدَ الْوُجُودِ وَالثَّبَاتِ، وَيُرْوَى:
بَعْدَ الكَوْرِ
، بِالرَّاءِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مَوْضِعِهِ. الْجَوْهَرِيُّ: كَانَ إِذَا جَعَلْتَهُ عِبَارَةً عَمَّا مَضَى مِنَ الزَّمَانِ احْتَاجَ إِلَى خَبَرٍ لأَنه دَلَّ عَلَى الزَّمَانِ فَقَطْ، تَقُولُ: كَانَ زَيْدٌ عَالِمًا، وَإِذَا جَعَلْتَهُ عِبَارَةً عَنْ حُدُوثِ الشَّيْءِ وَوُقُوعِهِ اسْتُغْنَى عَنِ الْخَبَرِ لأَنه دَلَّ عَلَى مَعْنًى وَزَمَانٍ، تَقُولُ: كانَ الأَمْرُ وأَنا أَعْرفُه مُذْ كَانَ أَي مُذْ خُلِقَ؛ قَالَ مَقَّاسٌ الْعَائِذِيُّ:
فِداً لبَني ذُهْلِ بْنِ شَيْبانَ ناقَتي، ... إِذَا كَانَ يومٌ ذُو كواكبَ أَشْهَبُ
قَوْلُهُ: ذُو كَوَاكِبَ أَي قَدْ أَظلم فبَدَتْ كواكبُه لأَن شَمْسَهُ كَسَفَتْ بِارْتِفَاعِ الْغُبَارِ فِي الْحَرْبِ، وَإِذَا كَسَفَتِ الشَّمْسُ ظَهَرَتِ الْكَوَاكِبُ؛ قَالَ: وَقَدْ تَقَعُ زَائِدَةً لِلتَّوْكِيدِ كَقَوْلِكَ كَانَ زَيْدٌ مُنْطَلِقًا، وَمَعْنَاهُ زِيدٌ مُنْطَلِقٌ؛ قَالَ تَعَالَى: وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً*
؛ وَقَالَ أَبو جُندب الهُذَلي:
وكنتُ، إِذَا جَارِي دَعَا لمَضُوفةٍ، ... أُشَمِّرُ حَتَّى يَنْصُفَ الساقَ مِئْزَري
وَإِنَّمَا يُخْبِرُ عَنْ حَالِهِ وَلَيْسَ يُخْبِرُ بِكُنْتُ عمَّا مَضَى مِنْ فِعْلِهِ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ عِنْدَ انْقِضَاءِ كَلَامِ الْجَوْهَرِيِّ، رَحِمَهُمَا اللَّهُ: كَانَ تَكُونُ بِمَعْنَى مَضَى وتَقَضَّى، وَهِيَ التَّامَّةُ، وتأْتي بِمَعْنَى اتِّصَالِ الزَّمَانِ مِنْ غَيْرِ انْقِطَاعٍ، وَهِيَ النَّاقِصَةُ، وَيُعَبِّرُ عَنْهَا بِالزَّائِدَةِ أَيضاً، وتأْتي زَائِدَةً، وتأَتي بِمَعْنَى يَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مِنَ الزَّمَانِ، وَتَكُونُ بِمَعْنَى الْحُدُوثِ وَالْوُقُوعِ؛ فَمِنْ شَوَاهِدِهَا بِمَعْنَى مَضَى وَانْقَضَى قَوْلُ أَبي الْغُولِ:
عَسَى الأَيامُ أَن يَرْجِعنَ ... قَوْمًا كَالَّذِي كَانُوا
وَقَالَ ابْنُ الطَّثَرِيَّة:
فَلَوْ كنتُ أَدري أَنَّ مَا كانَ كائنٌ، ... وأَنَّ جَدِيدَ الوَصْلِ قَدْ جُدَّ غابِرُهْ
وَقَالَ أَبو الأَحوصِ:
كَمْ مِن ذَوِي خُلَّةٍ قبْلي وقبْلَكُمُ ... كَانُوا، فأَمْسَوْا إِلَى الهِجرانِ قَدْ صَارُوا
وَقَالَ أَبو زُبَيْدٍ:
ثُمَّ أَضْحَوْا كأَنهُم لَمْ يَكُونوا، ... ومُلُوكاً كَانُوا وأَهْلَ عَلاءِ(13/366)
وَقَالَ نَصْرُ بْنُ حَجَّاجٍ وأَدخل اللَّامَ عَلَى مَا النَّافِيَةِ:
ظَنَنتَ بيَ الأَمْرَ الَّذِي لَوْ أَتَيْتُه، ... لَمَا كَانَ لِي، فِي الصَّالِحِينَ، مَقامُ
وَقَالَ أَوْسُ بْنُ حجَر:
هِجاؤُكَ إلَّا أَنَّ مَا كَانَ قَدْ مَضَى ... عَليَّ كأَثْوابِ الْحَرَامِ المُهَيْنِم
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدٍ الأَعلى:
يَا لَيْتَ ذَا خَبَرٍ عَنْهُمْ يُخَبِّرُنا، ... بَلْ لَيْتَ شِعْرِيَ، مَاذَا بَعْدَنا فَعَلُوا؟
كُنَّا وَكَانُوا فَمَا نَدْرِي عَلَى وَهَمٍ، ... أَنَحْنُ فِيمَا لَبِثْنا أَم هُمُ عَجِلُوا؟
أَي نَحْنُ أَبطأْنا؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الْآخَرِ:
فَكَيْفَ إِذَا مَرَرْتَ بدارِ قَوْمٍ، ... وجيرانٍ لَنَا كانُوا كرامِ
وَتَقْدِيرُهُ: وجيرانٍ لَنَا كرامٍ انْقَضَوْا وَذَهَبَ جُودُهم؛ وَمِنْهُ مَا أَنشده ثَعْلَبٌ:
فَلَوْ كنتُ أَدري أَنَّ مَا كَانَ كائنٌ، ... حَذِرْتُكِ أَيامَ الفُؤادُ سَلِيمُ «1» .
ولكنْ حَسِبْتُ الصَّرْمَ شَيْئًا أُطِيقُه، ... إِذَا رُمْتُ أَو حاوَلْتُ أَمْرَ غَرِيمِ
وَمِنْهُ مَا أَنشده الْخَلِيلُ لِنَفْسِهِ:
بَلِّغا عنِّيَ المُنَجِّمَ أَني ... كافِرٌ بِالَّذِي قَضَتْه الكَواكِبْ،
عالِمٌ أَنَّ مَا يكُونُ وَمَا كانَ ... قَضاءٌ مِنَ المُهَيْمِنِ واجِبْ
وَمِنْ شَوَاهِدِهَا بِمَعْنَى اتصالِ الزمانِ مِنْ غَيْرِ انْقِطَاعٍ قولُه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً*
؛ أَيْ لَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ؛ وَقَالَ الْمُتَلَمِّسُ:
وكُنَّا إِذَا الجَبَّارُ صَعَّرَ خَدَّه، ... أَقَمْنا لَهُ مِنْ مَيْلِهِ فتَقَوَّما
وَقَوْلُ الْفَرَزْدَقِ:
وَكُنَّا إِذَا الجَبَّارُ صَعَّرَ خَدَّه، ... ضَرَبْناه تحتَ الأُنْثَيَينِ عَلَى الكَرْدِ
وَقَوْلُ قَيْسِ بْنِ الخَطِيم:
وكنتُ امْرَأً لَا أَسْمَعُ الدَّهْرَ سُبَّةً ... أُسَبُّ بِهَا، إلَّا كَشَفْتُ غِطاءَها
وَفِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ أَيضاً: إِنَّ هَذَا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً
؛ وَفِيهِ: إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً
؛ وَفِيهِ: كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلًا
. وَمِنْ أَقسام كَانَ النَّاقِصَةِ أَيضاً أَن تأْتي بِمَعْنَى صَارَ كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ
؛ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ
؛ وَفِيهِ: فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا
؛ وَفِيهِ: وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلًا
؛ وَفِيهِ: كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا
؛ وَفِيهِ: وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها
؛ أَي صِرْتَ إِلَيْهَا؛ وَقَالَ ابْنُ أَحمر:
بتَيْهاءَ قَفْرٍ، والمَطِيُّ كأَنَّها ... قَطا الحَزْنِ، قَدْ كانَتْ فِراخاً بُيوضُها
وَقَالَ شَمْعَلَةُ بْنُ الأَخْضَر يَصِفُ قَتْلَ بِسْطامِ بْنِ قَيْسٍ:
فَخَرَّ عَلَى الأَلاءَة لَمْ يُوَسَّدْ، ... وَقَدْ كانَ الدِّماءُ لَهُ خِمارَا
وَمِنْ أَقسام كَانَ النَّاقِصَةِ أَيضاً أَنْ يَكُونَ فِيهَا ضميرُ الشأْن والقِصَّة، وَتُفَارِقُهَا مِنَ اثْنَيْ عَشَرَ وجهاً لأَن
__________
(1) . قوله [أيام الفؤاد سليم] كذا بالأَصل برفع سليم وعليه ففيه مع قوله غريم أقواء(13/367)
اسْمَهَا لَا يَكُونُ إِلَّا مُضْمَرًا غَيْرَ ظَاهِرٍ، وَلَا يَرْجِعُ إِلَى مَذْكُورٍ، وَلَا يُقْصَدُ بِهِ شَيْءٌ بِعَيْنِهِ، وَلَا يؤَكد بِهِ، وَلَا يُعْطَفُ عَلَيْهِ، وَلَا يُبْدَلُ مِنْهُ، وَلَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي التَّفْخِيمِ، وَلَا يُخْبَرُ عَنْهُ إِلَّا بِجُمْلَةٍ، وَلَا يَكُونُ فِي الْجُمْلَةِ ضَمِيرٌ، وَلَا يتقدَّم عَلَى كَانَ؛ وَمِنْ شَوَاهِدِ كَانَ الزَّائِدَةِ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
باللهِ قُولُوا بأَجْمَعِكُمْ: ... يَا لَيْتَ مَا كانَ لَمْ يَكُنِ
وَكَانَ الزائدةُ لَا تُزادُ أَوَّلًا، وَإِنَّمَا تُزادُ حَشْواً، وَلَا يَكُونُ لَهَا اسْمٌ وَلَا خَبَرٌ، وَلَا عَمَلَ لَهَا؛ وَمِنْ شَوَاهِدِهَا بِمَعْنَى يَكُونُ لِلْمُسْتَقْبَلِ مِنَ الزَّمَانِ قَوْلُ الطِّرمَّاح بْنِ حَكِيمٍ:
وَإِنِّي لآتِيكُمْ تَشَكُّرَ مَا مَضَى ... مِنَ الأَمْرِ، واسْتِنْجازَ مَا كانَ فِي غَدِ
وَقَالَ سَلَمَةُ الجُعْفِيُّ:
وكُنْتُ أَرَى كالمَوْتِ مِنْ بَيْنِ سَاعَةٍ، ... فكيفَ بِبَيْنٍ كانَ مِيعادُه الحَشْرَا؟
وَقَدْ تأْتي تَكُونُ بِمَعْنَى كَانَ كقولِ زيادٍ الأَعْجَمِ:
وانْضَخْ جَوانِبَ قَبْرِهِ بدِمائها، ... ولَقَدْ يَكُونُ أَخا دَمٍ وذَبائِح
وَمِنْهُ قَوْلُ جَرِير:
وَلَقَدْ يَكُونُ عَلَى الشَّبابِ بَصِيرَا
قَالَ: وَقَدْ يَجِيءُ خَبَرُ كَانَ فِعْلًا مَاضِيًّا كَقَوْلِ حُمَيْدٍ الأَرْقَطِ:
وكُنْتُ خِلْتُ الشَّيْبَ والتَّبْدِينَا ... والهَمَّ مِمَّا يُذْهِلُ القَرِينَا
وَكَقَوْلِ الْفَرَزْدَقِ:
وكُنَّا وَرِثْناه عَلَى عَهْدِ تُبَّعٍ، ... طَوِيلًا سَوارِيه، شَديداً دَعائِمُهْ
وَقَالَ عَبْدَةُ بنُ الطَّبِيبِ:
وكانَ طَوَى كَشْحاً عَلَى مُسْتَكِنَّةٍ، ... فَلا هُوَ أَبْداها وَلَمْ يَتَجَمْجَمِ
وَهَذَا الْبَيْتُ أَنشده فِي تَرْجَمَةِ كَنَنَ وَنَسَبَهُ لِزُهَيْرٍ، قَالَ: وَتَقُولُ كانَ كَوْناً وكَيْنُونة أَيضاً، شَبَّهُوهُ بالحَيْدُودَة والطَّيْرُورة مِنْ ذَوَاتِ الْيَاءِ، قَالَ: ولم يجيء مِنَ الْوَاوِ عَلَى هَذَا إِلَّا أَحرف: كَيْنُونة وهَيْعُوعة ودَيْمُومة وقَيْدُودَة، وأَصله كَيّنُونة، بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ، فَحَذَفُوا كَمَا حَذَفُوا مِنْ هَيِّنٍ ومَيِّتٍ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَقَالُوا كَوْنُونة لأَنه لَيْسَ فِي الْكَلَامِ فَعْلُول، وأَما الْحَيْدُودَةُ فأَصله فَعَلُولة بِفَتْحِ الْعَيْنِ فَسَكَنَتْ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ:
أَصل كَيّنُونة كَيْوَنُونة، وَوَزْنُهَا فَيْعَلُولة، ثُمَّ قُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً فَصَارَ كَيّنُونة، ثُمَّ حُذِفَتِ الْيَاءُ تَخْفِيفًا فَصَارَ كَيْنُونة، وَقَدْ جَاءَتْ بِالتَّشْدِيدِ عَلَى الأَصل؛ قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ أَنشدني النَّهْشَلِيُّ:
قَدْ فارَقَتْ قَرِينَها القَرِينَه، ... وشَحَطَتْ عَنْ دارِها الظَّعِينه
يَا ليتَ أَنَّا ضَمَّنَا سَفِينه، ... حَتَّى يَعُودَ الوَصْل كَيّنُونه
قَالَ: والحَيْدُودَة أَصل وَزْنِهَا فَيْعَلُولة، وَهُوَ حَيْوَدُودَة، ثُمَّ فَعَلَ بِهَا مَا فَعَلَ بكَيْنونة. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَاعْلَمْ أَنه يُلْحَقُ بِبَابِ كَانَ وأَخواتها كُلُّ فِعْلٍ سُلِبَ الدِّلالةَ عَلَى الحَدَث، وجُرِّدَ لِلزَّمَانِ وَجَازَ فِي الْخَبَرِ عَنْهُ أَن يَكُونَ مَعْرِفَةً وَنَكِرَةً، وَلَا يَتِمُّ الْكَلَامُ دُونَهُ، وَذَلِكَ مِثْلُ عادَ ورَجَعَ وآضَ وأَتى وَجَاءَ وأَشباهها كَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: يَأْتِ بَصِيراً؛ وَكَقَوْلِ الخوارج لابن عَبَّاسٍ: مَا جَاءَتْ حاجَتُك أَي مَا صَارَتْ؛ يُقَالُ لِكُلِّ طَالِبِ أَمر يَجُوزُ أَن يَبْلُغَه وأَن لَا يَبْلُغَهُ. وَتَقُولُ: جَاءَ زيدٌ الشريفَ أَي صَارَ(13/368)
زيدٌ الشريفَ؛ وَمِنْهَا: طَفِق يَفْعَلُ، وأَخَذ يَكْتُب، وأَنشأَ يَقُولُ، وجَعَلَ يَقُولُ. وَفِي حَدِيثِ
تَوْبةِ كَعْبٍ: رأَى رَجُلًا لَا يَزُول بِهِ السَّرابُ فَقَالَ كُنْ أَبا خَيْثَمة
أَي صِرْهُ. يُقَالُ لِلرَّجُلِ يُرَى مِنْ بُعْدٍ: كُن فُلَانًا أَي أَنت فُلَانٌ أَو هُوَ فُلَانٌ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنه دَخَلَ الْمَسْجِدَ فرأَى رَجَلًا بَذَّ الْهَيْئَةِ، فَقَالَ: كُنْ أَبا مُسْلِمٍ
، يَعْنِي الخَوْلانِيَّ. وَرَجُلٌ كُنْتِيٌّ: كَبِيرٌ، نُسِبَ إِلَى كُنْتُ. وَقَدْ قَالُوا كُنْتُنِيٌّ، نُسِبَ إِلَى كُنْتُ أَيضاً، وَالنُّونُ الأَخيرة زَائِدَةٌ؛ قَالَ:
وَمَا أَنا كُنْتِيٌّ، وَلَا أَنا عاجِنُ، ... وشَرُّ الرِّجال الكُنْتُنِيُّ وعاجِنُ
وَزَعَمَ سِيبَوَيْهِ أَن إِخْرَاجَهُ عَلَى الأَصل أَقيس فَتَقُولُ كُونِيٌّ، عَلَى حَدِّ مَا يُوجِبُ النَّسَبَ إِلَى الْحِكَايَةِ. الْجَوْهَرِيُّ: يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا شَاخَ هُوَ كُنْتِيٌّ، كأَنه نُسِبَ إِلَى قَوْلِهِ كُنْتُ فِي شَبَابِي كَذَا؛ وأَنشد:
فأَصْبَحْتُ كُنْتِيّاً، وأَصْبَحْتُ عاجِناً، ... وشَرُّ خِصَالِ المَرْءِ كُنْتُ وعاجِنُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
إِذَا مَا كُنْتَ مُلْتَمِساً لِغَوْثٍ، ... فَلَا تَصْرُخْ بكُنْتِيٍّ كبيرِ
فَلَيْسَ بِمُدْرِكٍ شَيْئًا بَسَعْيٍ، ... وَلَا سَمْعٍ، وَلَا نَظَرٍ بَصِيرِ
وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه دَخَلَ المسجدَ وعامَّةُ أَهله الكُنْتِيُّونَ
؛ هُمُ الشُّيوخُ الَّذِينَ يَقُولُونَ كُنَّا كَذَا، وكانَ كَذَا، وَكُنْتُ كَذَا، فكأَنه مَنْسُوبٌ إِلَى كُنْتُ. يُقَالُ: كأَنك وَاللَّهِ قَدْ كُنْتَ وصِرْتَ إِلَى كانَ وكُنْتَ أَي صرتَ إِلَى أَن يُقَالَ عَنْكَ: كانَ فُلَانٌ، أَو يُقَالُ لك في حال الهَرَم: كُنْتَ مَرَّةً كَذَا، وَكُنْتَ مَرَّةً كَذَا. الأَزهري فِي تَرْجَمَةِ كَنَتَ: ابْنُ الأَعرابي كَنَتَ فلانٌ فِي خَلْقِه وَكَانَ فِي خَلْقِه، فَهُوَ كُنْتِيٌّ وكانِيٌّ. ابْنُ بُزُرْج: الكُنْتِيُّ الْقَوِيُّ الشَّدِيدُ؛ وأَنشد:
قَدْ كُنْتُ كُنْتِيّاً، فأَصْبَحْتُ عاجِناً، ... وشَرُّ رِجال الناسِ كُنْتُ وعاجِنُ
يَقُولُ: إِذَا قَامَ اعْتَجَن أَي عَمَدَ عَلَى كُرْسُوعه، وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: الكُنْتِيُّ الْكَبِيرُ؛ وأَنشد:
فَلَا تَصْرُخْ بكُنْتِيٍّ كَبِيرِ
وَقَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ:
فاكتَنِتْ، لَا تَكُ عَبْداً طائِراً، ... واحْذَرِ الأَقْتالَ مِنَّا والثُّؤَرْ
قَالَ أَبو نَصْرٍ: اكْتَنِتْ ارْضَ بِمَا أَنت فِيهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: الاكْتناتُ الْخُضُوعُ؛ قَالَ أَبو زُبَيْدٍ:
مُسْتَضْرِعٌ مَا دَنَا منهنَّ مُكْتَنِتٌ ... للعَظْمِ مُجْتَلِمٌ مَا فَوْقَهُ فَنَعُ
قَالَ الأَزهري: وأَخبرني الْمُنْذِرِيُّ عَنْ أَبي الْهَيْثَمِ أَنه قَالَ لَا يُقَالُ فَعَلْتُني إِلَّا مِنَ الْفِعْلِ الَّذِي يتعدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ، مِثْلَ ظَنَنْتُني ورأَيْتُني، ومُحالٌ أَن تَقُولَ ضَرَبْتُني وصَبَرْتُني لأَنه يُشْبِهُ إِضَافَةَ الْفِعْلِ إِلَى نِي، وَلَكِنْ تَقُولُ صَبَرْتُ نَفْسِي وضَرَبْتُ نَفْسِي، وَلَيْسَ يُضَافُ مِنَ الْفِعْلِ إِلَى نِي إِلَّا حَرْفٌ وَاحِدٌ وَهُوَ قَوْلُهُمْ كُنْتي وكُنْتُني؛ وأَنشد:
وَمَا كُنْتُ كُنْتِيّاً، وَمَا كُنْت عاجِناً، ... وشَرُّ الرجالِ الكُنْتُنِيُّ وعاجِنُ
فَجَمَعَ كُنْتِيّاً وكُنْتُنيّاً فِي الْبَيْتِ. ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي: قِيلَ لصَبِيَّةٍ مِنَ الْعَرَبِ مَا بَلَغَ الكِبَرُ مِنْ أَبيك؟ قَالَتْ: قَدْ عَجَنَ وخَبَزَ وثَنَّى وثَلَّثَ(13/369)
وأَلْصَقَ وأَوْرَصَ وكانَ وكَنَتَ. قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: وأَخبرني سَلَمَةُ عَنِ الْفَرَّاءِ قَالَ: الكُنْتُنِيُّ فِي الْجِسْمِ، والكَانِيُّ فِي الخُلُقِ. قَالَ: وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي إِذَا قَالَ كُنْتُ شَابًّا وَشُجَاعًا فَهُوَ كُنْتِيٌّ، وَإِذَا قَالَ كانَ لِي مَالٌ فكُنْتُ أُعطي مِنْهُ فَهُوَ كانِيٌّ. وَقَالَ ابْنُ هَانِئٍ فِي بَابِ الْمَجْمُوعِ مُثَلَّثاً: رَجُلٌ كِنْتَأْوٌ وَرَجُلَانِ كِنْتَأْوان وَرِجَالٌ كِنْتَأْوُونَ، وَهُوَ الْكَثِيرُ شَعَرِ اللِّحْيَةِ الكَثُّها؛ وَمِنْهُ: جَمَلٌ سِنْدَأْوٌ وسِنْدَأْوان وسِندَأْوُونَ، وَهُوَ الْفَسِيحُ مِنَ الإِبل فِي مِشْيَتِه، وَرَجُلٌ قِنْدَأْوٌ وَرَجُلَانِ قِنْدَأْوان وَرِجَالٌ قِنْدَأْوُون، مَهْمُوزَاتٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:
دَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ المسجدَ وَعَامَّةُ أَهله الكُنْتِيُّون، فقلتُ: مَا الكُنْتِيُّون؟ فَقَالَ: الشُّيُوخُ الَّذِينَ يَقُولُونَ كانَ كَذَا وَكَذَا وكُنْتُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: دارَتْ رَحَى الإِسلام عليَّ خَمْسَةً وثَلاثين، ولأَنْ تَمُوتَ أَهلُ دارِي أَحَبُّ إليَّ مِنْ عِدَّتِهم مِنَ الذِّبَّان والجِعْلانِ.
قَالَ شَمِرٌ: قَالَ الْفَرَّاءُ تَقُولُ كأَنَّك وَاللَّهِ قَدْ مُتَّ وصِرْتَ إِلَى كانَ، وكأَنكما مُتُّمَا وَصِرْتُمَا إِلَى كَانَا، وَالثَّلَاثَةُ كَانُوا؛ الْمَعْنَى صِرْتَ إِلَى أَن يُقَالَ كانَ وأَنت مَيِّتٌ لَا وأَنت حَيٌّ، قَالَ: وَالْمَعْنَى لَهُ الْحِكَايَةُ عَلَى كُنْت مَرَّةً للمُواجهة وَمَرَّةً لِلْغَائِبِ، كَمَا قَالَ عَزَّ مِنْ قائلٍ: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وسَيُغْلَبُون؛ هَذَا عَلَى مَعْنَى كُنْتَ وكُنْتَ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ: وكُلُّ أَمْرٍ يَوْمًا يَصِيرُ كَانَ. وَتَقُولُ لِلرَّجُلِ: كأَنِّي بِكَ وَقَدْ صِرْتَ كانِيّاً أَي يُقَالُ كَانَ وللمرأَة كانِيَّة، وَإِنْ أَردت أَنك صِرْتَ مِنَ الهَرَم إِلَى أَن يُقَالَ كُنْت مَرَّةً وكُنْت مَرَّةً، قِيلَ: أَصبحتَ كُنْتِيّاً وكُنْتُنِيّاً، وَإِنَّمَا قَالَ كُنْتُنِيّاً لأَنه أَحْدَثَ نُونًا مَعَ الْيَاءِ فِي النِّسْبَةِ لِيَتَبَيَّنَ الرَّفْعُ، كَمَا أَرادوا تَبين النَّصبِ فِي ضَرَبني، وَلَا يَكُونُ مِنْ حُرُوفِ الِاسْتِثْنَاءِ، تَقُولُ: جَاءَ الْقَوْمُ لَا يَكُونُ زيداً، ولا تستعمل إلى مُضْمَرًا فِيهَا، وكأَنه قَالَ لَا يَكُونُ الْآتِي زَيْدًا؛ وَتَجِيءُ كَانَ زَائِدَةً كَقَوْلِهِ:
سَراةُ بَني أَبي بَكْرٍ تَسامَوْا ... عَلَى كانَ المُسَوَّمةِ العِرابِ
أَي عَلَى المُسوَّمة العِراب. وَرَوَى الْكِسَائِيُّ عَنِ الْعَرَبِ: نَزَلَ فُلَانٌ عَلَى كَانَ خَتَنِه أَي نزَل عَلَى خَتَنِه؛ وأَنشد الْفَرَّاءُ:
جادَتْ بكَفَّيْ كانَ مِنْ أَرمى البَشَرْ
أَي جَادَتْ بكفَّي مَنْ هُوَ مِنْ أَرمى الْبَشَرِ؛ قَالَ: وَالْعَرَبُ تُدْخِلُ كَانَ فِي الْكَلَامِ لَغْوًا فَتَقُولُ مُرَّ عَلَى كَانَ زيدٍ؛ يُرِيدُونَ مُرَّ عَلَى زيدٍ فأَدخل كَانَ لَغْوًا؛ وأَما قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ:
فكيفَ وَلَوْ مَرَرْت بدارِ قومٍ، ... وجِيرانٍ لَنَا كَانُوا كِرامِ؟
ابْنُ سِيدَهْ: فَزَعَمَ سِيبَوَيْهِ أَن كَانَ هُنَا زائدة، وقال أَبو العباس: إِنَّ تَقْدِيرَهُ وجِيرانٍ كِرامٍ كَانُوا لَنَا، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا أَسوغ لأَن كَانَ قَدْ عَمِلَتْ هَاهُنَا فِي مَوْضِعِ الضَّمِيرِ وَفِي مَوْضِعٍ لَنَا، فَلَا مَعْنًى لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ سِيبَوَيْهِ مِنْ أَنها زَائِدَةٌ هُنَا، وَكَانَ عَلَيْهِ كَوْناً وكِياناً واكْتانَ: وَهُوَ مِنَ الكَفالة. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: قَالَ أَبو زَيْدٍ اكْتَنْتُ بِهِ اكْتِياناً وَالِاسْمُ مِنْهُ الكِيانةُ، وكنتُ عَلَيْهِمْ أَكُون كَوْناً مِثْلُهُ مِنَ الْكَفَالَةِ أَيضاً ابْنُ الأَعرابي: كَانَ إِذَا كَفَل. والكِيانةُ: الكَفالة، كُنْتُ عَلَى فلانٍ أكُونُ كَوْناً أَي تَكَفَّلْتُ بِهِ. وَتَقُولُ: كُنْتُكَ وكُنْتُ إِيَّاكَ كَمَا تَقُولُ ظَنَنْتُكَ زَيْدًا وظَنْنتُ زَيْدًا إِياك، تَضَعُ الْمُنْفَصِلَ مَوْضِعَ الْمُتَّصِلَ فِي الْكِنَايَةِ عَنْ الِاسْمِ وَالْخَبَرِ، لأَنهما مُنْفَصِلَانِ فِي الأَصل، لأَنهما مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ؛ قَالَ(13/370)
أَبو الأَسود الدُّؤَلِيِّ:
دَعِ الخمرَ تَشربْها الغُواةُ، فَإِنَّنِي ... رأيتُ أَخاها مُجْزِياً لمَكانِها
فَإِنْ لَا يَكُنها أَو تَكُنْه، فَإِنَّهُ ... أَخوها، غَذَتْهُ أُمُّهُ بلِبانِها
يَعْنِي الزَّبِيبَ. والكَوْنُ: وَاحِدُ الأَكْوان. وسَمْعُ الْكِيَانِ: كتابٌ لِلْعَجَمِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: سَمْعُ الْكِيَانِ بِمَعْنَى سَماعِ الكِيان، وسَمْعُ بِمَعْنَى ذِكْرُ الْكِيَانِ، وَهُوَ كِتَابٌ أَلفه أَرَسْطو. وكِيوانُ زُحَلُ: القولُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي خَيْوان، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ، وَالْمَانِعُ لَهُ مِنَ الصَّرْفِ الْعُجْمَةُ، كَمَا أَن الْمَانِعَ لخَيْوان مِنَ الصَّرْفِ إِنَّمَا هُوَ التأْنيث وَإِرَادَةُ البُقْعة أَو الأَرض أَو القَرْية. والكانونُ: إِنْ جَعَلْتَهُ مِنَ الكِنِّ فَهُوَ فاعُول، وَإِنْ جَعَلْتَهُ فَعَلُولًا عَلَى تَقْدِيرِ قَرَبُوس فالأَلف فِيهِ أَصلية، وَهِيَ مِنَ الْوَاوِ، سُمِّيَ بِهِ مَوْقِدُ النار.
كين: الكَيْنُ: لحمةُ داخلِ فرجِ المرأَة. ابْنُ سِيدَهْ: الكَيْنُ لَحْمُ باطنِ الْفَرْجِ، والرَّكَب ظَاهِرُهُ؛ قَالَ جَرِيرٌ:
غَمَزَ ابنُ مُرَّةَ، يَا فَرَزْدَقُ، كَيْنَها ... غَمْزَ الطَّبِيبِ نَغانِغَ المَعْذُورِ
يَعْنِي عمرانَ بْنَ مُرَّةَ المِنْقَريّ، وَكَانَ أَسَرَ جِعْثِنَ أُخت الْفَرَزْدَقِ يَوْمَ السِّيدان؛ وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ جَرِيرٌ أَيضاً:
هُمُ ترَكوها بعد ما طَالَتِ السُّرى ... عَواناً، ورَدُّوا حُمْرةَ الكَيْنِ أَسودا
وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ جَرِيرٌ أَيضاً:
يُفَرِّجُ عِمْرانُ بنُ مُرَّةَ كَيْنَها، ... ويَنْزُو نُزاءَ العَيْر أَعْلَقَ حائلُهْ
وَقِيلَ: الكَيْنُ الغُدَدُ الَّتِي هِيَ دَاخِلُ قُبُل المرأَة مثلُ أَطراف النَّوى، وَالْجَمْعُ كُيون. والكَيْنُ: البَظْرُ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. وكَيْنُ المرأَة: بُظارتها؛ وأَنشد اللِّحْيَانِيُّ:
يَكْوينَ أَطرافَ الأُيورِ بالكَيْن، ... إِذَا وَجَدْنَ حَرَّةً تَنَزَّيْن
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: فَهَذَا يَجُوزُ أَن يُفَسَّرَ بِجَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ. واسْتَكانَ الرَّجُلُ: خَضَعَ وذَلّ، جَعَلَهُ أَبو عَلِيٍّ اسْتَفْعَلَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، وَغَيْرُهُ يَجْعَلُهُ افْتَعَلَ مِنَ المَسْكَنة، وَلِكُلٍّ مِنْ ذَلِكَ تَعْلِيلٌ مَذْكُورٌ فِي بَابِهِ. وباتَ فلانٌ بكِينةِ سَوْءٍ، بِالْكَسْرِ، أَي بِحَالَةِ سَوْءِ. أَبو سَعِيدٍ: يُقَالُ أَكانَه اللَّهُ يُكِينُه إِكَانَةً أَي أَخضعه حَتَّى اسْتَكان وأَدخل عَلَيْهِ مِنَ الذُّلِّ مَا أَكانه؛ وأَنشد:
لعَمْرُك مَا يَشْفي جِراحٌ تُكينُه، ... ولكِنْ شِفائي أَن تَئِيمَ حَلائِلُهْ
قَالَ الأَزهري: وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ
؛ مِنْ هَذَا، أَي مَا خَضَعُوا لِرَبِّهِمْ. وَقَالَ ابْنُ الأَنباري فِي قَوْلِهِمْ اسْتَكانَ أَي خَضَعَ: فِيهِ قَوْلَانِ: أَحدهما أَنه مِنَ السَّكِينة وَكَانَ فِي الأَصل اسْتَكَنوا، افْتَعَلَ مِنْ سَكَن، فمُدَّتْ فَتْحَةُ الْكَافِ بالأَلف كَمَا يمدُّون الضَّمَّةَ بِالْوَاوِ وَالْكَسْرَةَ بِالْيَاءِ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ: فأَنْظُورُ أَي فأَنظُرُ، وشِيمال فِي مَوْضِعِ الشِّمال، وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنه اسْتِفْعَالٌ مِنْ كَانَ يَكُونُ. ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي: الكَيْنةُ النَّبِقةُ، والكَيْنة الكَفالة، والمُكْتانُ الكَفِيلُ. وكائِنْ مَعْنَاهَا مَعْنَى كَمْ فِي الْخَبَرِ وَالِاسْتِفْهَامِ، وَفِيهَا لُغَتَانِ: كَأيٍّ مثْلُ كَعَيِّنْ، وكائِنْ مِثْلُ كاعِنْ. قَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ لزِرِّ بْنِ حُبَيْش: كَأَيِّنْ تَعُدُّون سُورَةَ الأَحزاب أَي كَمْ تَعُدُّونها آيَةً؛ وَتُسْتَعْمَلُ فِي الْخَبَرِ وَالِاسْتِفْهَامِ مِثْلَ كَمْ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وأَشهر لُغَاتِهَا كأَيٍّ، بِالتَّشْدِيدِ، وَتَقُولُ فِي الْخَبَرِ(13/371)
كأَيٍّ مِنْ رَجُلٍ قَدْ رأَيت، تُرِيدُ بِهِ التكثيرَ فَتُخْفَضُ النَّكِرَةُ بَعْدَهَا بِمَنْ، وإدخالُ مِنْ بَعْدَ كأَيٍّ أَكثرُ مِنَ النَّصْبِ بِهَا وأَجود؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
وكائنْ ذَعَرْنا مِنْ مَهاةٍ ورامِحٍ ... بلادُ العِدَى لَيْسَتْ لَهُ ببلادِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ بَعْدَ انْقِضَاءِ كَلَامِ الْجَوْهَرِيِّ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَن كَائِنَ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ بَائِعٍ وَسَائِرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا وَزْنُه فَاعِلٌ، وَذَلِكَ غَلَطٌ، وَإِنَّمَا الأَصل فِيهَا كأَيٍّ، الْكَافُ لِلتَّشْبِيهِ دَخَلَتْ عَلَى أَيٍّ، ثُمَّ قُدِّمت الْيَاءُ الْمُشَدَّدَةُ ثُمَّ خُفِّفَتْ فَصَارَتْ كَيِيءٍ، ثُمَّ أُبدلت الْيَاءُ أَلفاً فَقَالُوا كاءٍ كَمَا قَالُوا فِي طَيِءٍ طاءٍ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ؛ قَالَ الأَزهري: أَخبرني الْمُنْذِرِيُّ عَنْ أَبي الْهَيْثَمِ أَنه قَالَ كأَيّ بِمَعْنَى كَمْ، وَكَمْ بِمَعْنَى الْكَثْرَةِ، وَتَعْمَلُ عَمَلَ رُبَّ فِي مَعْنَى القِلَّة، قَالَ: وَفِي كَأَيٍّ ثَلَاثُ لُغَاتٍ: كأَيٍّ بِوَزْنِ كَعَيِّنْ الأَصل أَيٌّ أُدخلت عَلَيْهَا كَافُ التَّشْبِيهِ، وكائِنْ بِوَزْنِ كاعِنْ، وَاللُّغَةُ الثَّالِثَةُ كايِنْ بِوَزْنِ ماينْ، لَا هَمْزَ فِيهِ؛ وأَنشد:
كايِنْ رَأَبْتُ وَهَايَا صَدْع أَعْظُمِه، ... ورُبَّهُ عَطِباً أَنْقَذْتُ مِ العَطَبِ
يُرِيدُ مِنَ الْعَطَبِ. وَقَوْلُهُ: وكايِنْ بِوَزْنِ فَاعِلْ مِنْ كِئْتُ أَكِيءُ أَي جبُنْتُ. قَالَ: وَمَنْ قَالَ كَأْي لَمْ يَمُدَّها وَلَمْ يحرِّك هَمْزَتَهَا الَّتِي هِيَ أَول أَيٍّ، فكأَنها لُغَةٌ، وَكُلُّهَا بِمَعْنَى كَمْ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: فِي كَائِنِ لُغَتَانِ جَيِّدتان يُقْرَأُ كَأَيّ، بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ، ويقرأُ كائِنْ عَلَى وَزْنِ فَاعِلْ، قَالَ: وأَكثر مَا جَاءَ فِي الشِّعْرِ عَلَى هَذِهِ اللُّغَةِ، وقرأَ ابْنُ كَثِيرٍ وكائِن بِوَزْنِ كَاعِنْ، وقرأَ سَائِرُ الْقُرَّاءِ وكأَيِّنْ، الْهَمْزَةَ بَيْنَ الْكَافِ وَالْيَاءِ، قَالَ: وأَصل كَائِنٍ كأَيٍّ مِثْلَ كَعَيٍّ، فَقُدِّمَتِ الْيَاءُ عَلَى الْهَمْزَةِ ثُمَّ خُفِّفَتْ فَصَارَتْ بِوَزْنِ كَيْعٍ، ثُمَّ قُلِبَتِ الْيَاءُ أَلفاً، وَفِيهَا لُغَاتٌ أَشهرها كأَيٍّ، بِالتَّشْدِيدِ، وَاللَّهُ أَعلم.
فصل اللام
لبن: اللَّبَنُ: مَعْرُوفٌ اسْمُ جِنْسٍ. اللَّيْثُ: اللَّبَنُ خُلاصُ الجَسَدِ ومُسْتَخْلَصُه مِنْ بَيْنِ الْفَرْثِ وَالدَّمِ، وَهُوَ كالعَرق يَجْرِي فِي العُروق، وَالْجَمْعُ أَلْبان، وَالطَّائِفَةُ الْقَلِيلَةُ لَبَنةٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن خَدِيجَةَ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهَا، بَكَتْ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا يُبْكِيكِ؟ فَقَالَتْ: دَرَّت لَبَنةُ الْقَاسِمِ فذَكَرْتُه؛ وَفِي رِوَايَةٍ: لُبَيْنةُ الْقَاسِمِ، فَقَالَ لَهَا: أَما تَرْضَيْنَ أَن تَكْفُلَهُ سَارَّةُ فِي الْجَنَّةِ؟ قَالَتْ: لوَدِدْتُ أَني عَلِمْتُ ذَلِكَ، فغضبَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومَدَّ إصْبَعَه فَقَالَ: إِنْ شئتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَن يُرِيَك ذَاكَ، فَقَالَتْ: بَلى أُصَدِّقُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
؛ اللَّبَنَةُ: الطَّائِفَةُ مِنَ اللَّبَنِ، واللُّبَيْنَةُ تَصْغِيرُهَا. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِنَّ لَبَنَ الْفَحْلِ يُحَرِّمُ
؛ يُرِيدُ بِالْفَحْلِ الرجلَ تَكُونُ لَهُ امرأَة وَلَدَتْ مِنْهُ وَلَدًا وَلَهَا لَبَنٌ، فَكُلُّ مَنْ أَرضعته مِنَ الأَطفال بِهَذَا فَهُوَ محرَّم عَلَى الزَّوْجِ وَإِخْوَتِهِ وأَولاده مِنْهَا وَمِنْ غَيْرِهَا، لأَن اللَّبَنَ لِلزَّوْجِ حَيْثُ هُوَ سَبَبُهُ، قَالَ: وَهَذَا مَذْهَبُ الْجَمَاعَةِ، وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ والنَّخَعِيُّ: لَا يُحَرِّم؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
ابْنِ عَبَّاسٍ وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ لَهُ امرأَتان أَرْضَعَتْ إِحْدَاهُمَا غُلَامًا والأُخرى جَارِيَةً: أَيَحِلُّ للغُلام أَن يتزوَّج بِالْجَارِيَةِ؟ قَالَ: لَا، اللِّقاحُ واحدٌ.
وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، واستأْذن عَلَيْهَا أَبو القُعَيْس فأَبَتْ أَن تأْذن لَهُ فَقَالَ: أَنا عَمُّكِ أَرضَعَتْكِ امرأَة أَخي، فأَبت عَلَيْهِ حَتَّى ذَكَرَتْهُ لِرَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: هُوَ عمكِ فلْيَلِجْ عَلَيْكِ.
وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن رَجُلًا قَتَلَ آخَرُ فَقَالَ خُذْ(13/372)
مِنْ أَخِيكَ اللُّبَّنَ
أَي إِبِلًا لَهَا لَبَنٌ يَعْنِي الدِّيَةَ. وَفِي حَدِيثِ
أُميَّةَ بْنِ خَلَفٍ: لَمَّا رَآهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ يَقْتُلُونَ قَالَ أَما لَكُمْ حاجةٌ فِي اللُّبَّنِ
أَي تأْسِرُون فتأْخذون فِدَاءَهم إِبِلًا لَهَا لَبَنٌ. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ:
سَيهْلِكُ مِنْ أُمتي أهلُ الكتابِ وأَهلُ اللَّبَن، فَسُئِلَ: مَنْ أَهلُ اللَّبَنِ؟ قَالَ: قَوْمٌ يتبعون الشَّهَواتِ ويُضِيعُون الصلوات.
قَالَ الحَرْبي: أَظنه أَراد يَتَبَاعَدُونَ عَنِ الأَمصار وَعَنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ ويَطْلُبون مواضعَ اللَّبَنِ فِي الْمَرَاعِي وَالْبَوَادِي، وأَراد بأَهل الْكِتَابِ قَوْمًا يَتَعَلَّمُونَ الْكِتَابَ لِيُجَادِلُوا بِهِ الناسَ. وَفِي حَدِيثُ
عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوان: وُلِدَ لَهُ وَلدٌ فَقِيلَ لَهُ اسْقِه لَبَنَ اللَّبَنِ
؛ هُوَ أَن يَسْقِيَ ظِئرَه اللَّبَنَ فيكونَ مَا يَشْرَبُه لَبَناً مُتَوَلِّدًا عَنِ اللَّبَنِ، فقُصِرَتْ عَلَيْهِ ناقةٌ فَقَالَ لِحَالِبِهَا: كَيْفَ تَحلُبُها أَخَنْفاً أَم مَصْراً أَم فَطْراً؟ فالخَنْفُ الحَلْبُ بأَربع أَصابع يَسْتَعِينُ مَعَهَا بالإِبهام، والمَصْرُ بِثَلَاثٍ، والفَطْرُ بالإِصبعين وَطَرَفِ الإِبهام. ولَبَنُ كلِّ شَجَرَةٍ: مَاؤُهَا عَلَى التَّشْبِيهِ. وشاةٌ لَبُونٌ ولَبِنةٌ ومُلْبِنَةٌ ومُلْبِنٌ: صَارَتْ ذاتَ لَبَنٍ، وَكَذَلِكَ النَّاقَةُ إِذَا كَانَتْ ذاتَ لَبَنٍ أَو نَزَلَ اللَّبَنُ فِي ضَرْعِهَا. ولَبِنتِ الشاةُ أَي غَزُرَتْ. وَنَاقَةٌ لَبِنةٌ: غَزِيرَةٌ. وَنَاقَةٌ لَبُونٌ: مُلْبِنٌ. وَقَدْ أَلْبَنتِ الناقةُ إِذَا نَزَلَ لَبَنُها فِي ضَرْعها، فَهِيَ مُلْبِنٌ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
أَعْجَبها إِذْ أَلْبَنَتْ لِبانُه
وَإِذَا كَانَتْ ذاتَ لَبَنٍ فِي كُلِّ أَحايينها فَهِيَ لَبُونٌ، وَوَلَدُهَا فِي تِلْكَ الْحَالِ ابنُ لَبُونٍ، وَقِيلَ: اللَّبُونُ مِنَ الشاءِ والإِبل ذاتُ اللَّبَنِ، غزيرَةً كَانَتْ أَو بَكِيئةً، وَفِي الْمُحْكَمِ: اللَّبُونُ، وَلَمْ يُخَصِّصْ، قَالَ: وَالْجَمْعُ لِبانٌ ولِبْنٌ؛ فأَما لِبْنٌ فَاسْمٌ لِلْجَمْعِ، فَإِذَا قَصَدُوا قَصْدَ الْغَزِيرَةِ قَالُوا لَبِنَة، وَجَمْعُهَا لَبِنٌ ولِبانٌ؛ الأَخيرة عَنْ أَبي زَيْدٍ، وَقَدْ لَبِنَتْ لَبَناً. قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: اللَّبُونُ واللَّبُونة مَا كَانَ بِهَا لَبَنٌ، فَلَمْ يَخُصَّ شَاةً وَلَا نَاقَةً، قَالَ: وَالْجَمْعُ لُبْنٌ ولَبائنُ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي أَن لُبْناً جَمْعُ لَبُون، ولَبائن جَمْعُ لَبُونة، وَإِنْ كَانَ الأَول لَا يَمْتَنِعُ أَن يُجْمَعَ هَذَا الْجَمْعَ؛ وَقَوْلُهُ:
مَنْ كَانَ أَشْرَك فِي تَفَرُّق فالِجٍ، ... فلَبُونُه جَرِبَتْ مَعًا وأَغَدَّتِ
قَالَ: عِنْدِي أَنه وَضَعَ اللَّبُونَ هَاهُنَا مَوْضِعَ اللُّبْن، وَلَا يَكُونُ هُنَا وَاحِدًا لأَنه قَالَ جَرِبَتْ مَعًا، وَمَعًا إِنَّمَا يَقَعُ عَلَى الْجَمْعِ. الأَصمعي: يُقَالُ كَمْ لُبْنُ شَائِكَ أَي كَمْ مِنْهَا ذاتُ لَبَنٍ. وَفِي الصِّحَاحِ عَنْ يُونُسَ: يُقَالُ كَمْ لُبْنُ غَنَمِك ولِبْنُ غَنَمِك أَي ذَواتُ الدَّرِّ مِنْهَا. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: إِنَّمَا سَمِعَ كَمْ لِبْنُ غَنَمِكَ أَي كَمْ رِسْلُ غَنمك. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: شاءٌ لَبِنَةٌ وغَنم لِبانٌ ولِبْنٌ ولُبْنٌ، قَالَ: وَزَعَمَ يُونُسُ أَنه جَمْعٌ، وشاءٌ لِبْنٌ بِمَنْزِلَةِ لُبْنٍ؛ وأَنشد الْكِسَائِيُّ:
رأيْتُكَ تَبْتاعُ الحِيالَ بِلُبْنِها ... وتأْوي بَطِيناً، وابنُ عَمِّكَ ساغِبُ
وقال: واللُّبْنُ جَمْعُ اللَّبُونِ. ابْنُ السِّكِّيتِ: الحَلُوبة مَا احْتُلِب مِنَ النُّوق، وَهَكَذَا الْوَاحِدَةُ مِنْهُنَّ حَلوبة وَاحِدَةٌ؛ وأَنشد:
مَا إنْ رأَينا فِي الزمانِ ذِي الكَلَبْ ... حَلُوبةً وَاحِدَةً فتُحْتَلَبْ
وَكَذَلِكَ اللَّبُونة مَا كَانَ بِهَا لَبَنٌ، وَكَذَلِكَ الْوَاحِدَةُ مِنْهُنَّ أَيضاً، فَإِذَا قَالُوا حَلُوبٌ ورَكُوبٌ ولَبُونٌ لَمْ يَكُنْ إِلَّا جَمْعًا؛ وَقَالَ الأَعشى:
لَبُون مُعَرَّاة أَصَبْنَ فأَصْبَحَتْ
أَراد الْجَمْعَ. وعُشْبٌ مَلْبنَة، بِالْفَتْحِ: تَغْزُر عَنْهُ(13/373)
أَلبانُ الْمَاشِيَةِ وتَكْثُر، وَكَذَلِكَ بَقْلٌ مَلْبنَة. واللَّبْنُ: مَصْدَرُ لَبَنَ القومَ يَلْبِنُهُم لَبْناً سَقَاهُمُ اللَّبَنَ. الصِّحَاحُ: لَبَنْتُه أَلْبُنه وأَلْبِنُه سَقَيْتُهُ اللَّبَنَ، فأَنا لابِنٌ. وَفَرَسٌ مَلْبُون: سُقِيَ اللَّبَنَ؛ وأَنشد:
مَلْبُونة شَدَّ المليكُ أَسْرَها
وَفَرَسٌ مَلْبون ولَبِين: رُبِّيَ باللَّبن مِثْلَ عَليف مِنَ العَلَف. وَقَوْمٌ مَلْبونون: أَصابهم مِنَ اللَّبَنِ سَفَهٌ وسُكْرٌ وجَهْل وخُيَلاءُ كَمَا يُصِيبُهُمْ مِنَ النَّبِيذِ، وَخَصَّصَهُ فِي الصِّحَاحِ فَقَالَ: قَوْمٌ مَلْبونون إِذَا ظَهَرَ مِنْهُمْ سَفَةٌ يُصِيبُهُمْ مِنْ أَلبان الإِبل مَا يُصِيبُ أَصحاب النَّبِيذِ. وَفَرَسٌ مَلْبُون: يُغَذَّى بِاللَّبَنِ قَالَ:
لَا يَحْمِلُ الفارسَ إِلَّا المَلْبُونْ، ... المَحْضُ مِنْ أَمامه وَمِنْ دُونْ
قَالَ الْفَارِسِيُّ: فعَدَّى المَلْبون لأَنه فِي مَعْنَى المسقِيِّ، والمَلْبون: الْجَمَلُ السَّمِينُ الْكَثِيرُ اللَّحْمِ. وَرَجُلٌ لَبِنٌ: شَرِبَ اللَّبَن «2» . وأَلْبَنَ القومُ، فَهُمْ لابِنُون؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ: كثُرَ لَبَنُهم؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي أَنَّ لابِناً عَلَى النَّسَب كَمَا تَقُولُ تامِرٌ وناعِلٌ. التَّهْذِيبُ: هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُلْبِنون إِذَا كَثُرَ لَبَنُهُمْ. وَيُقَالُ: نَحْنُ نَلْبِنُ [نَلْبُنُ] جِيرَانَنَا أَي نَسْقِيهِمْ. وَفِي حَدِيثِ
جَرِيرٍ: إِذَا سقَطَ كَانَ دَرِيناً، وَإِنْ أُكِلَ كَانَ لَبِيناً
أَي مُدِرّاً للَّبَن مُكْثِراً لَهُ، يَعْنِي أَن النَّعَم إِذَا رَعَتِ الأَراك والسَّلَم غَزُرَتْ أَلبانُها، وَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ كَقَدِيرٍ وَقَادِرٍ، كأَنه يُعْطِيهَا اللَّبَنَ، مِنْ لَبَنْتُ القومَ إِذَا سَقَيْتَهُمُ اللَّبَنَ. وَجَاؤُوا يَسْتَلْبِنون: يَطْلُبُونَ اللَّبنَ. الْجَوْهَرِيُّ: وَجَاءَ فُلَانٌ يسْتَلْبِنُ أَي يَطْلُبُ لبَناً لِعِيَالِهِ أَو لِضِيفَانِهِ. وَرَجُلٌ لابِنٌ: ذُو لَبَن، وتامِرٌ: ذُو تَمْرٍ؛ قَالَ الْحُطَيْئَةُ:
وغَرَرْتَني، وزَعَمْتَ أَنَّكَ ... لابنٌ، بالصَّيْفِ، تامِرْ «3»
. وبَناتُ اللَّبنِ: مِعىً فِي البَطْن مَعْرُوفَةٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وبناتُ لَبنٍ الأَمعاءُ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا اللَّبن. والمِلْبَنُ: المِحْلَبُ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِمَسْعُودِ بْنِ وَكِيعٍ:
مَا يَحْمِلُ المِلْبنَ إِلَّا الجُرْشُعُ، ... المُكْرَبُ الأَوْظِفَةِ المُوَقَّعُ
والمِلْبَنُ: شَيْءٌ يُصَفَّى بِهِ اللَّبنُ أَو يُحْقَنُ. واللَّوابنُ: الضُّروعُ؛ عَنْ ثَعْلَبٍ. والالْتِبانُ: الِارْتِضَاعُ؛ عَنْهُ أَيضاً. وَهُوَ أَخوه بلِبان أُمِّه، بِكَسْرِ اللَّامِ «4» . وَلَا يُقَالُ بلَبَنِ أُمِّه، إِنَّمَا اللَّبَنُ الَّذِي يُشْرَب مِنْ نَاقَةٍ أَو شَاةٍ أَو غَيْرِهِمَا مِنَ الْبَهَائِمِ؛ وأَنشد الأَزهري لأَبي الأَسْود:
فَإِنْ لَا يَكُنْها أَو تَكُنْه، فَإِنَّهُ ... أَخوها غَذَتْه أُمُّه بلِبانِها
وأَنشد ابْنُ سِيدَهْ:
وأُرْضِعُ حَاجَةً بلِبانِ أُخرَى، ... كذاكَ الحاجُ تُرْضَعُ باللِّبانِ
واللِّبانُ، بِالْكَسْرِ: كالرِّضاعِ؛ قال الكميت يمدح مَخْلَد بْنَ يَزِيدَ:
تَلْقَى النَّدَى ومَخْلَداً حَلِيفَينْ، ... كَانَا مَعًا فِي مَهْدِه رَضِيعَينْ،
تَنازعا فيه لِبانَ الثَّدْيَينْ «5» .
__________
(2) . قوله [وَرَجُلٌ لَبِنٌ شَرِبَ اللَّبَنَ، الذي في التكملة: واللبن الذي يحب اللبن
(3) . قوله [وغررتني إلخ] مثله في الصحاح، وقال في التكملة الرواية أغررتني، على الإِنكار
(4) . قوله [بكسر اللام] حكى الصاغاني فيه ضم اللام أيضاً
(5) . قوله [تنازعا فيه إلخ] قال الصاغاني الرواية: تنازعا منه، ويروى رضاع مكان لبان(13/374)
وَقَالَ الأَعشى:
رَضِيعَيْ لِبانٍ ثَدْيَ أُمٍّ تحالَفا ... بأَسْحَمَ داجٍ عَوْضُ لَا نتَفَرَّقُ
وَقَالَ أَبو الأَسود: غَذَته أُمُّه بلبانِها؛ وَقَالَ آخَرُ:
وَمَا حَلَبٌ وافَى حَرَمْتُكَ صَعْرَةً ... عَلَيَّ، وَلَا أُرْضِعْتَ لِي بلِبانِ
وابنُ لَبُون: وَلَدُ النَّاقَةُ إِذا كَانَ فِي الْعَامِ الثَّانِي وَصَارَ لَهَا لَبَنٌ. الأَصمعي وَحَمْزَةُ: يُقَالُ لِوَلَدِ النَّاقَةِ إِذا اسْتَكْمَلَ سَنَتَيْنِ وَطَعَنَ فِي الثَّالِثَةِ ابنُ لَبُون، والأُنثى ابنةُ لَبُونٍ، وَالْجَمَاعَاتُ بناتُ لَبونٍ لِلذَّكَرِ والأُنثى لأَن أُمَّه وَضَعَتْ غَيْرَهُ فَصَارَ لَهَا لَبَنٌ، وَهُوَ نَكِرَةٌ ويُعَرّف بالأَلف وَاللَّامِ؛ قَالَ جَرِيرٌ:
وابنُ اللَّبُونِ، إِذا مَا لُزَّ فِي قَرَنٍ، ... لَمْ يسْتَطِعْ صَوْلةَ البُزْلِ القَناعِيسِ
وَفِي حَدِيثِ الزَّكَاةِ ذِكْرُ بنتِ اللَّبونِ وَابْنِ اللَّبون، وَهُمَا مِنَ الإِبل مَا أَتى عَلَيْهِ سنَتان وَدَخْلَ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ فَصَارَتْ أُمه لَبُونًا أَي ذاتَ لَبَنٍ لأَنها تَكُونُ قَدْ حَمَلَتْ حَمْلًا آخَرَ وَوَضَعَتْهُ. قَالَ ابْنُ الأَثير: وَجَاءَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ ابْنُ لَبُون ذكَرٌ، وَقَدْ عَلِمَ أَن ابْنَ اللَّبُونِ لَا يَكُونُ إِلا ذَكَرًا، وإِنما ذَكَرَهُ تأْكيداً كَقَوْلِهِ: ورَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمادَى وَشَعْبَانَ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ؛ وَقِيلَ ذَكَرَ ذَلِكَ تَنْبِيهًا لِرَبِّ الْمَالِ وَعَامِلِ الزَّكَاةِ، فَقَالَ: ابنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ لتَطِيبَ نفسُ رَبِّ الْمَالِ بِالزِّيَادَةِ المأْخوذة مِنْهُ إِذا عَلِمَ أَنه قَدْ شُرِعَ لَهُ مِنَ الْحَقِّ، وأَسقط عَنْهُ مَا كَانَ بِإِزَائِهِ مِنْ فَضْلِ الأُنوثة فِي الْفَرِيضَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ، وَلِيَعْلَمَ العاملُ أَن سِنَّ الزَّكَاةِ فِي هَذَا النَّوْعِ مَقْبُولٌ مِنْ رَبِّ الْمَالِ، وَهُوَ أَمر نَادِرٌ خَارِجٌ عَنِ العُرْف فِي بَابِ الصَّدَقَاتِ، وَلَا يُنْكَرُ تَكْرَارُ اللَّفْظِ لِلْبَيَانِ وَتَقْرِيرِ مَعْرِفَتِهِ فِي النُّفُوسِ مَعَ الْغَرَابَةِ والنُّدُور: وبَناتُ لَبُونٍ: صِغارُ العُرْفُطِ، تُشَبَّه ببناتِ لَبونٍ مِنَ الإِبل. ولَبَّنَ الشيءَ: رَبَّعَه. واللَّبِنة واللِّبْنة: الَّتِي يُبْنَى بِهَا، وَهُوَ الْمَضْرُوبُ مِنَ الطِّينِ مُرَبَّعاً، وَالْجَمْعُ لَبِنٌ ولِبْنٌ، عَلَى فَعِلٍ وفِعْلٍ، مِثْلَ فَخِذٍ وفِخْذ وكَرِش وكِرْشٍ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
أَلَبِناً تُريد أَم أَروخا «1»
. وأَنشد ابْنُ سِيدَهْ:
إِذ لَا يَزالُ قائلٌ أَبِنْ أَبِنْ ... هَوْذَلةَ المِشْآةِ عَنْ ضَرْسِ اللَّبِنْ
قَوْلُهُ: أَبِنْ أَبِنْ أَي نَحِّها، والمِشْآةُ: زَبيل يُخرَجُ بِهِ الطِّينُ والحَمْأَةُ مِنَ الْبِئْرِ، وَرُبَّمَا كَانَ مِنْ أَدَمٍ، والضَّرْسُ: تَضْريسُ طَيّ الْبِئْرِ بِالْحِجَارَةِ، وإِنما أَراد الْحِجَارَةَ فاضطُرَّ وَسَمَّاهَا لَبِناً احتِياجاً إِلى الرَّوِيّ؛ وَالَّذِي أَنشده الْجَوْهَرِيُّ:
إِمّا يَزالُ قائلٌ أَبِنْ أَبِنْ ... دَلْوَكَ عَنْ حَدِّ الضُّروسِ واللَّبِنْ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هُوَ لِسَالِمِ بْنِ دَارَةَ، وَقِيلَ: لِابْنِ مَيّادَة؛ قَالَ: قَالَهُ ابْنُ دُرَيْدٍ. وَفِي الْحَدِيثِ:
وأَنا مَوْضِعُ تِلْكَ اللَّبِنَة
؛ هِيَ بِفَتْحِ اللَّامِ وكسر الباء وَاحِدَةُ اللَّبِنِ الَّتِي يُبْنَى بِهَا الْجِدَارُ، وَيُقَالُ بِكَسْرِ اللَّامِ «2» . وَسُكُونِ الْبَاءِ. ولَبَّنَ اللَّبِنَ: عَمِله. قَالَ الزَّجَّاجُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنا؛
__________
(1) . قوله [أم أروخا] كذا بالأصل
(2) . قوله [ويقال بكسر اللام إلخ] ويقال لبن، بكسرتين، نقله الصاغاني عن ابن عباد ثم قال: واللبنة كفرحة حديدة عريضة توضع على العبد إذا هرب. وألبنت المرأة اتخذت التلبينة، واللبنة بالضم اللقمة(13/375)
يُقَالُ إِنهم كَانُوا يَسْتَعْمِلُونَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي تَلْبِين اللَّبِنِ، فَلَمَّا بُعث مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَعْطَوْهم اللَّبِنَ يُلَبِّنونه وَمَنَعُوهُمُ التِّبْنَ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَشق عَلَيْهِمْ. ولَبَّنَ الرجلُ تَلْبيناً إِذا اتَّخَذَ اللَّبِنَ. والمِلْبَنُ: قالَبُ اللَّبِنِ، وَفِي الْمُحْكَمِ: والمِلْبَنُ الَّذِي يُضْرَبُ بِهِ اللَّبِنُ. أَبو الْعَبَّاسِ: ثَعْلَبٌ المِلْبَنُ المِحْمَلُ، قَالَ: وَهُوَ مطوَّل مُرَبَّع، وَكَانَتِ الْمَحَامِلُ مُرَبَّعة فَغَيَّرَهَا الْحَجَّاجُ لِيَنَامَ فِيهَا وَيَتَّسِعَ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تُسَمِّيهَا المِحْمَلَ والمِلْبَنَ والسّابِلَ. ابْنُ سِيدَهْ: والمِلْبَنُ شِبْهُ المِحْمَل يُنْقَل فِيهِ اللَّبِن. ولَبِنَةُ الْقَمِيصِ: جِرِبّانُه؛ وَفِي الْحَدِيثِ:
ولَبِنَتُها ديباجٌ
، وَهِيَ رُقعة تَعْمَلُ موضِعَ جَيْب الْقَمِيصِ والجُبَّة. ابْنُ سِيدَهْ: ولَبِنَةُ الْقَمِيصِ ولِبْنَتُهُ بَنِيقَتُه؛ وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: لَبِنُ الْقَمِيصِ ولَبِنَتُه لَيْسَ لَبِناً عِنْدَهُ جَمْعًا كنَبِقَة ونَبِقٍ، وَلَكِنَّهُ مِنْ بَابِ سَلٍّ وسَلَّة وبَياض وبَياضة. والتَّلْبِينُ: حَساً يُتَّخَذُ مِنْ مَاءِ النُّخالة فِيهِ لَبَنٌ، وَهُوَ اسْمٌ كالتَّمْتينِ. وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ التَّلْبِنة مَجَمَّةٌ لِفُؤَادِ الْمَرِيضِ تُذْهِبُ بَعْضَ الحُزْن
؛ الأَصمعي: التَّلْبينة حَساء يُعْمَلُ مِنْ دَقِيقٍ أَو نُخَالَةٍ وَيُجْعَلُ فِيهَا عَسَلٌ، سُمِّيَتْ تَلْبينة تَشْبِيهًا باللَّبَن لِبَيَاضِهَا وَرِقَّتِهَا، وَهِيَ تَسْمِيَةٌ بالمَرَّة مِنَ التَّلبين مُصْدَرُ لَبَنَ القومَ أَي سَقاهم اللَّبنَ، وَقَوْلُهُ مَجَمَّةٌ لِفُؤَادِ الْمَرِيضِ أَي تَسْرُو عَنْهُ هَمَّه أَي تَكْشِفُه. وَقَالَ الرِّياشي فِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ: عَلَيْكُمْ بالمَشْنِيئَة النافعةِ التَّلْبين
؛ قَالَ: يَعْنِي الحَسْوَ، قَالَ: وسأَلت الأَصمعي عَنِ المَشْنِيئَة فَقَالَ: يَعْنِي البَغِيضة، ثُمَّ فَسَّرَ التَّلْبينة كَمَا ذَكَرْنَاهُ. وَفِي حَدِيثِ
أُم كُلْثُومٍ بِنْتِ عَمْرِو بْنِ عَقْرَبٍ قَالَتْ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، تَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَيْكُمْ بالتَّلْبين البَغيض النَّافِعِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنه ليَغْسِلُ بطنَ أَحدكم كَمَا يَغْسِلُ أَحدُكم وجهه بالماء مِنَ الْوَسَخِ
؛
وَقَالَتْ: كَانَ إِذا اشْتَكَى أَحدٌ مِنْ أَهله لَا تزالُ البُرْمة عَلَى النَّارِ حَتَّى يأْتي عَلَى أَحد طَرَفَيْهِ
؛ قَالَ: أَراد بِقَوْلِهِ أَحد طَرَفَيْهِ يَعْنِي البُرْءَ أَو الْمَوْتَ؛ قَالَ عُثْمَانُ: التَّلْبينَة الَّذِي يُقَالُ لَهُ السَّيُوساب «1» . وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ: قَالَ سُوَيْد بْنُ غَفَلَةَ دخلتُ عَلَيْهِ فإِذا بَيْنَ يَدَيْهِ صحفةٌ فِيهَا خَطِيفة ومِلْبَنة
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هِيَ بِالْكَسْرِ المِلْعَقة، هَكَذَا شَرَحَ، قَالَ: وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ المِلْبَنة لَبَنٌ يُوضَعُ عَلَى النَّارِ ويُنَزَّلُ عَلَيْهِ دَقِيقٌ، قَالَ: والأَول أَشبه بِالْحَدِيثِ. واللَّبَانُ: الصَّدْرُ، وَقِيلَ: وسَطُه، وَقِيلَ: مَا بَيْنَ الثَّدْيَينِ، وَيَكُونُ للإِنسان وَغَيْرِهِ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ فِي صِفَةِ رَجُلٍ:
فَلَمَّا وَضَعْناها أَمامَ لَبَانِه، ... تبَسَّمَ عَنْ مَكْروهةِ الرِّيقِ عاصبِ
وأَنشد أَيضاً:
يَحُكُّ كُدُوحَ القَمْلِ تَحْتَ لَبَانِه ... ودَفَّيْهِ مِنْهَا دامِياتٌ وجالِبُ
وَقِيلَ: اللَّبانُ الصَّدْرُ مِنْ ذِي الْحَافِرِ خاصَّةً، وَفِي الصِّحَاحِ: اللَّبانُ، بِالْفَتْحِ، مَا جَرَى عَلَيْهِ اللَّبَبُ مِنَ الصدرِ؛ وَفِي حَدِيثِ الِاسْتِسْقَاءِ:
أَتَيْناكَ والعَذْراءُ يَدْمَى لَبانُها
أَي يَدْمَى صَدْرُها لامْتِهانِها نفْسَها فِي الْخِدْمَةِ حَيْثُ لَا تَجِدُ مَا تُعْطيه مَنْ يَخْدُمها من الجَدْبِ وشدَّة
__________
(1) . قوله [السيوساب] هو في الأصل بغير ضبط وهذا الضبط في هامش نسخة من النهاية معوّل عليها(13/376)
الزَّمَانِ. وأَصلُ اللَّبان فِي الْفَرَسِ موضعُ اللَّبَبِ، ثُمَّ اسْتُعِيرَ لِلنَّاسِ؛ وَفِي قَصِيدِ كَعْبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
تَرْمي اللَّبَانَ بكفَّيْها ومِدْرَعِها
وَفِي بَيْتٍ آخَرَ مِنْهَا:
ويُزْلِقُه مِنْهَا لَبانٌ
ولَبَنَه يَلْبِنُه لَبْناً: ضَرَبَ لَبانَه. واللَّبَنُ: وجَعُ العُنق مِنَ الوِسادَة، وَفِي الْمُحْكَمِ: وجَعُ العُنق حَتَّى لَا يَقْدِرَ أَن يَلْتَفِت، وَقَدْ لَبِنَ، بِالْكَسْرِ، لَبَناً. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: اللَّبِنُ الَّذِي اشْتَكَى عُنُقَه مِنْ وِسادٍ أَو غَيْرِهِ. أَبو عَمْرٍو: اللَّبْنُ الأَكل الْكَثِيرُ. ولَبَنَ مِنَ الطَّعَامِ لَبْناً صَالِحًا: أَكثر؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ثَعْلَبٌ:
ونحنُ أَثافي القِدْرِ، والأَكلُ سِتَّةٌ ... جَرَاضِمَةٌ جُوفٌ، وأَكْلَتُنا اللَّبْنُ
يَقُولُ: نَحْنُ ثَلَاثَةٌ ونأْكل أَكل سِتَّةٍ. واللَّبْنُ: الضربُ الشَّدِيدُ. ولَبَنَه بِالْعَصَا يَلْبِنُه، بِالْكَسْرِ، لَبْناً إِذا ضَرَبَهُ بِهَا. يُقَالُ: لَبَنَه ثَلَاثَ لَبَناتٍ. ولَبَنه بصخرةٍ: ضَرَبَهُ بِهَا. قَالَ الأَزهري: وَقَعَ لأَبي عَمْرٍو اللَّبْنُ، بِالنُّونِ، فِي الأَكل الشَّدِيدِ وَالضَّرْبِ الشَّدِيدِ، قَالَ: وَالصَّوَابُ اللَّبْزُ، بِالزَّايِ، وَالنُّونِ تَصْحِيفٌ. واللَّبْنُ: الاسْتِلابُ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَذَا تَفْسِيرِهِ، قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مِمَّا تَقَدَّمَ. ابْنُ الأَعرابي: المِلْبَنةُ المِلْعَقةُ. واللُّبْنَى: المَيْعَة. واللُّبْنَى واللُّبْنُ: شَجَرٌ. واللُّبانُ: ضَرْبٌ مِنَ الصَّمْغ. قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: اللُّبانُ شُجَيْرة شَوِكَة لَا تَسْمُو أَكثر مِنْ ذِرَاعَيْنِ، وَلَهَا وَرَقَةٌ مِثْلُ وَرَقَةِ الْآسِ وَثَمَرَةٌ مِثْلُ ثَمَرَتِهِ، وَلَهُ حَرارة فِي الْفَمِ. واللُّبانُ: الصَّنَوْبَرُ؛ حَكَاهُ السُّكَّرِيُّ وَابْنُ الأَعرابي، وَبِهِ فَسَّرَ السُّكَّرِيُّ قولَ امْرِئِ الْقَيْسِ:
لَهَا عُنُق كسَحُوقِ اللُّبانْ
فِيمَنْ رَوَاهُ كَذَلِكَ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا يَتَّجِهُ عَلَى غَيْرِهِ لأَن شَجَرَةَ اللُّبانِ مِنَ الصَّمْغ إِنما هِيَ قَدْرُ قَعْدَةِ إِنسان وعُنُقُ الْفَرَسِ أَطولُ مِنْ ذَلِكَ؛ ابْنُ الأَعرابي: اللُّبانُ شَجَرُ الصَّنَوْبَر فِي قَوْلِهِ:
وسالِفَة كسَحُوقِ اللُّبانْ
التَّهْذِيبُ: اللُّبْنَى شَجَرَةٌ لَهَا لَبَنٌ كَالْعَسَلِ، يُقَالُ لَهُ عَسَلُ لُبْنَى؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَرُبَّمَا يُتَبَخَّر بِهِ؛ قَالَ إمرؤُ الْقَيْسِ:
وبانا وأُلْوِيّاً من الهِنْدِ ذاكِياً، ... ورَنْداً ولُبْنَى والكِباءَ المُقَتَّرا
واللُّبانُ: الكُنْدرُ. واللُّبانة: الْحَاجَةُ مِنْ غَيْرِ فَاقَةٍ وَلَكِنَّ مِنْ هِمَّةٍ. يُقَالُ: قَضَى فُلَانٌ لُبانته، وَالْجَمْعُ لُبانٌ كحاجةٍ وحاجٍ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
غَداةَ امْتَرَتْ ماءَ العُيونِ ونغَّصتْ ... لُباناً مِنَ الحاجِ الخُدُورُ الرَّوافِعُ
ومَجْلِسٌ لَبِنٌ: تُقْضى فِيهِ اللُّبانة، وَهُوَ عَلَى النَّسَبِ؛ قَالَ الْحَرْثُ بْنُ خَالِدِ بْنِ الْعَاصِي:
إِذا اجتَمعْنا هَجرْنا كلَّ فاحِشةٍ، ... عِنْدَ اللِّقاء، وذاكُمْ مَجْلِسٌ لَبِنُ
والتَّلَبُّنُ: التَّلَدُّنُ والتَّمَكُّثُ والتَّلبُّثُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ:
قَالَ لَهَا: إِيّاكِ أَن تَوَكَّني ... فِي جَلْسةٍ عِنديَ، أَو تَلَبَّني
وتَلَبَّنَ؛ تمكَّثَ؛ وقول رؤبة «2» :
__________
(2) . قوله [وقول رؤبة فهل إلخ] عجزه كما في التكملة:
راجعة عهداً من التأسن(13/377)
فَهَلْ لُبَيْنَى مِنْ هَوَى التَّلبُّن
قَالَ أَبو عَمْرٍو: التَّلبُّن مِنَ اللُّبانة. يُقَالُ: لِي لُبانةٌ أَتَلبَّنُ عَلَيْهَا أَي أَتمكَّثُ. وتَلبَّنْتُ تَلبُّناً وتَلدَّنْتُ تَلدُّناً كِلَاهُمَا: بِمَعْنَى تَلبَّثْتُ وتمكَّثْتُ. الْجَوْهَرِيُّ: والمُلَبَّنُ، بِالتَّشْدِيدِ، الفَلاتَج؛ قَالَ: وأَظنه مولَّداً. وأَبو لُبَيْنٍ: الذَّكَرُ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ ابْنُ حَمْزَةَ ويُكَنَّى الذَّكَرُ أَبا لُبَيْنٍ؛ قَالَ: وَقَدْ كَنَّاهُ بِهِ المُفَجَّع فَقَالَ:
فَلَمَّا غابَ فِيهِ رَفَعْتُ صَوْتي ... أُنادي: يَا لِثاراتِ الحُسَيْنِ
ونادَتْ غلْمَتي: يَا خَيْلَ رَبِّي ... أَمامَكِ، وابْشِرِي بالجَنَّتَيْنِ
وأَفْزَعَه تَجاسُرُنا فأَقْعَى، ... وَقَدْ أَثْفَرْتُه بأَبي لُبَيْنِ
ولُبْنٌ ولُبْنَى ولُبْنانٌ: جِبَالٌ: وَقَوْلُ الرَّاعِي:
سيَكْفِيكَ الإِلهُ ومُسْنَماتٌ ... كجَنْدَلِ لُبْنَ تَطَّرِدُ الصِّلالا
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: يَجُوزُ أَن يَكُونَ ترخيمَ لُبْنانٍ فِي غَيْرِ النِّدَاءِ اضْطِرَارًا، وأَن تَكُونَ لُبْنٌ أَرضاً بِعَيْنِهَا؛ قَالَ أَبو قِلابةَ الهُذَليُّ:
يَا دارُ أَعْرِفُها وَحْشاً مَنازِلُها، ... بَينَ القَوائِم مِنْ رَهْطٍ فأَلْبانِ
قَالَ ابْنُ الأَعرابي: قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ لِرَجُلٍ آخَرَ لِي إِليك حُوَيِّجَة، قَالَ: لَا أَقْضِيها حَتَّى تكونَ لُبْنانِيَّة أَي عَظِيمَةً مِثْلَ لُبْنانٍ، وَهُوَ اسْمُ جَبَلٍ، قَالَ: ولُبْنانٌ فُعْلانٌ ينصرف. ولُبْنَى: اسْمُ امرأَة. ولُبَيْنَى: اسْمُ ابْنَةِ إِبليس، واسمُ ابْنِهِ لاقِيسُ، وَبِهَا كُنِيَ أَبا لُبَيْنَى؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
أَقْفَرَ مِنْهَا يَلْبَنٌ فأَفْلُس
قَالَ: هما موضعان.
لثن: رَوَى الأَزهري قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسحق السَّعْدي يَقُولُ سَمِعْتُ عليَّ بْنَ حرْبٍ المَوْصِليَّ يَقُولُ: شَيْءٌ لَثِنٌ أَي حُلْوٌ، بِلُغَةِ أَهل الْيَمَنِ؛ قَالَ الأَزهري: لَمْ أَسمعه لِغَيْرِ عَلِيِّ بْنِ حربٍ، وَهُوَ ثَبَت؛ وَفِي حَدِيثِ المَبْعَث:
بُغْضُكُمُ عِنْدَنَا مُرٌّ مَذاقَتُه، ... ، وبُغْضُنا عندَكم، يَا قوْمَنا، لَثِنُ
لجن: لَجَنَ الورَقَ يَلْجُنُه لَجْناً، فَهُوَ مَلْجُونٌ ولَجِينٌ: خبَطه وخلَطه بِدَقِيقٍ أَو شَعِيرٍ. وكلُّ مَا حِيسَ فِي الْمَاءِ فَقَدْ لُجِنَ. وتَلجَّنَ الشيءُ: تَلزَّجَ. وتلجَّنَ رأْسُه: اتَّسَخَ، وَهُوَ مِنْهُ. وتلجَّنَ ورقُ السِّدْرِ إِذا لُجِنَ مَدْقُوقًا؛ وأَنشد الشَّمَّاخُ:
وماءٍ قَدْ ورَدْتُ لوَصْلِ أَرْوَى، ... عَلَيْهِ الطَّيْرُ كالوَرَقِ اللَّجينِ
وَهُوَ ورقُ الخِطْمِيِّ [الخَطْمِيِ] إِذا أُوخِفَ. أَبو عُبَيْدَةَ: لَجَّنْتُ الخِطْمِيّ وَنَحْوَهُ تَلْجيناً وأَوخَفْتُه إِذا ضَرَبْتَهُ بِيَدِكَ ليَثْخُنَ، وَقِيلَ: تلجَّنَ الشيءُ إِذا غُسِلَ فَلَمْ يَنتَقِ مِنْ وسَخه. وَشَيْءٌ لَجِنٌ: وسِخ؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
يَعْلونَ بالمَرْدَقُوشِ الوَرْدَ ضاحِيةً ... عَلَى سَعابيب مَاءِ الضّالةِ اللَّجِنِ
اللَّيْثُ: اللَّجينُ ورقُ الشَّجر يُخْبَطُ ثُمَّ يُخْلطُ بِدَقِيقٍ أَو شَعِيرٍ فيُعْلفُ للإِبل، وَكُلُّ وَرَقٍ أَو نَحْوِهِ فَهُوَ مَلْجُون لجِينٌ حَتَّى آسُ الغِسْلَةِ. الْجَوْهَرِيُّ: واللَّجِينُ الخَبَطُ، وَهُوَ مَا سَقَطَ مِنَ الْوَرَقِ عِنْدَ الخَبْطِ، وأَنشد بَيْتَ الشَّمَّاخِ. وتَلجَّنَ القومُ إِذا أَخذوا الورقَ وَدَقُّوهُ وَخَلَّطُوهُ بِالنَّوَى للإِبل. وَفِي حَدِيثِ
جَرِيرٍ: إِذا أَخْلَفَ كَانَ لَجِيناً
؛ اللَّجينُ،(13/378)
بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِ الْجِيمِ: الخَبَطُ، وَذَلِكَ أَن وَرَقَ الأَراك والسَّلَم يُخْبَطُ حَتَّى يسقُط ويَجِفَّ ثُمَّ يُدَقُّ «1» . حَتَّى يتَلجَّن أَي يَتَلَزَّجَ وَيَصِيرُ كالخِطْمِي. وَكُلُّ شَيْءٍ تَلَزَّجَ فَقَدْ تَلجَّنَ، وَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ. وَنَاقَةٌ لَجُون: حَرُون؛ قَالَ أَوس:
وَلَقَدْ أَرِبْتُ عَلَى الهُمومِ بجَسْرَةٍ ... عَيْرانةٍ بالرِّدْفِ، غَيْرِ لَجُونِ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: اللِّجانُ فِي الإِبل كالحِرَانِ فِي الْخَيْلِ. وَقَدْ لَجَنَ لِجاناً ولُجوناً وَهِيَ نَاقَةٌ لَجُونٌ، وَنَاقَةٌ لَجُون أَيضاً: ثَقِيلَةُ الْمَشْيِ، وَفِي الصِّحَاحِ: ثَقِيلَةٌ فِي السَّيْرِ، وجمَلٌ لَجُونٌ كَذَلِكَ. قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يُقَالُ وجمَلٌ لَجُونٌ إِنما تُخَصُّ بِهِ الإِناثُ، وَقِيلَ: اللِّجانُ واللُّجُون فِي جَمِيعِ الدَّوَابِّ كالحِرَانِ فِي ذَوَاتِ الْحَافِرِ مِنْهَا. غَيْرُهُ: الحِرانُ فِي الْحَافِرِ خَاصَّةً، والخِلاء فِي الإِبل، وَقَدْ لَجَنت تَلْجُنُ لُجُوناً ولِجاناً. واللُّجَيْنُ: الْفِضَّةُ، لَا مُكَبَّرَ لَهُ جَاءَ مُصغَّراً مِثْلَ الثُّرَيّا والكُمَيْتِ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: يَنْبَغِي أَن يَكُونَ إِنما أَلزموا التَّحْقِيرَ هَذَا الِاسْمَ لِاسْتِصْغَارِ مَعْنَاهُ مَا دَامَ فِي تُرابِ مَعْدِنه فَلَزِمَهُ التَّخْلِيصُ. وَفِي حَدِيثِ
العِرْباض: بِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَكْراً فأَتيته أَتقاضاه ثمَنَه فَقَالَ: لَا أَقضيكها إِلَّا لُجَيْنِيَّةً
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: الضَّمِيرُ فِي أَقضيكها إِلى الدَّرَاهِمِ، واللُّجَيْنِيَّة مَنْسُوبَةٌ إِلى اللُّجَينِ، وَهُوَ الْفِضَّةُ. واللَّجِينُ: زَبَدُ أَفواه الإِبل؛ قَالَ أَبو وَجْزَةَ:
كأَنَّ الناصعاتِ الغُرَّ مِنْهَا، ... إِذا صَرَفَتْ وقَطَّعَتِ اللَّجِينا
شبَّه لُغامها بلَجِين الخَطْمِيّ، وأَراد بِالنَّاصِعَاتِ الْغُرِّ أَنيابها.
لحن: اللَّحْن: مِنَ الأَصوات الْمَصُوغَةِ الْمَوْضُوعَةِ، وَجَمْعُهُ أَلْحانٌ ولُحون. ولَحَّنَ فِي قِرَاءَتِهِ إِذا غرَّد وطرَّبَ فِيهَا بأَلْحان، وَفِي الْحَدِيثِ:
اقرؤُوا الْقُرْآنَ بلُحون الْعَرَبِ.
وَهُوَ أَلْحَنُ النَّاسِ إِذا كَانَ أَحسنهم قِرَاءَةً أَو غِنَاءً. واللَّحْنُ واللَّحَنُ واللَّحَانةُ واللَّحانِيَة: تركُ الصَّوَابِ فِي الْقِرَاءَةِ وَالنَّشِيدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، لَحَنَ يَلْحَنُ لَحْناً ولَحَناً ولُحوناً؛ الأَخيرة عَنْ أَبي زَيْدٍ قَالَ:
فُزْتُ بقِدْحَيْ مُعْرِب لَمْ يَلْحَنِ
وَرَجُلٌ لاحِنٌ ولَحّان ولَحّانة ولُحَنَة: يُخْطِئ، وَفِي الْمُحْكَمِ: كَثِيرُ اللَّحْن. ولَحَّنه: نَسَبَهُ إِلى اللَّحْن. واللُّحَنَةُ: الَّذِي يُلحِّنُ الناسَ. واللُّحْنةُ: الَّذِي يُلحَّنُ. والتَّلْحِينُ: التَّخْطِئة. ولَحَنَ الرجلُ يَلْحَنُ لَحْناً: تَكَلَّمَ بِلُغَتِهِ. ولَحَنَ لَهُ يَلْحَنُ لَحْناً: قَالَ لَهُ قَوْلًا يَفْهَمُهُ عَنْهُ ويَخْفى عَلَى غَيْرِهِ لأَنه يُميلُه بالتَّوْرية عَنِ الْوَاضِحِ الْمَفْهُومِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: لَحِنَ الرجلُ: فَهُوَ لَحِنٌ إِذا فَهمَ وفَطِنَ لِمَا لَا يَفْطنُ لَهُ غَيْرُهُ. ولَحِنَه هُوَ عَنِّي، بِالْكَسْرِ، يَلْحَنُه لَحْناً أَي فَهمَه؛ وَقَوْلُ الطِّرِمَّاحِ:
وأَدَّتْ إِليَّ القوْل عنهُنَّ زَوْلةٌ ... تُلاحِنُ أَو ترْنُو لقولِ المُلاحِنِ
أَي تَكلَّمُ بِمَعْنَى كَلَامٍ لَا يُفْطنُ لَهُ ويَخْفى عَلَى النَّاسِ غَيْرِي. وأَلْحَنَ فِي كَلَامِهِ أَي أَخطأَ. وأَلْحَنه القولَ: أَفهمه إيِاه، فلَحِنَه لَحْناً: فهِمَه. ولَحَنه عَنِّي لَحْناً؛ عَنْ كُرَاعٍ: فهِمَه؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهِيَ قَلِيلَةٌ، والأَول أَعرف. وَرَجُلٌ لَحِنٌ: عارفٌ بِعَوَاقِبِ الْكَلَامِ ظريفٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن النَّبِيَّ،
__________
(1) . قوله [حَتَّى يَسْقُطَ وَيَجِفَّ ثُمَّ يدق إلخ] كذا بالأصل والنهاية، وكتب بهامشها: هذا لَا يَصِحُّ فَإِنَّهُ لَا يتلزج إلا إذا كان رطباً انتهى. أي فالصواب حذف يجف(13/379)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنكم تَخْتصِمُون إِليَّ ولعلَّ بعضَكم أَن يكونَ أَلْحَنَ بحجَّته مِنْ بَعْضٍ أَي أَفْطنَ لَهَا وأَجْدَل، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخيه فإِنما أَقطعُ لَهُ قِطْعةً مِنَ النَّارِ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: اللَّحْنُ الْمَيْلُ عَنْ جِهَةِ الِاسْتِقَامَةِ؛ يُقَالُ: لَحَنَ فلانٌ فِي كَلَامِهِ إِذا مَالَ عَنْ صَحِيحِ المَنْطِق، وأَراد أَن بَعْضَكُمْ يَكُونُ أَعرفَ بِالْحُجَّةِ وأَفْطَنَ لَهَا مِنْ غَيْرِهِ. واللَّحَنُ، بِفَتْحِ الْحَاءِ: الفِطْنة. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: اللَّحْنُ، بِالسُّكُونِ، الفِطْنة والخطأُ سَوَاءٌ؛ قَالَ: وَعَامَّةُ أَهل اللُّغَةِ فِي هَذَا عَلَى خِلَافِهِ، قَالُوا: الفِطْنة، بِالْفَتْحِ، وَالْخَطَأُ، بِالسُّكُونِ. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: واللَّحَنُ أَيضاً، بِالتَّحْرِيكِ، اللُّغَةُ. وَقَدْ رُوِيَ أَن الْقُرْآنَ نزَل بلَحَنِ قُرَيْشٍ أَي بِلُغَتِهِمْ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: تعلَّمُوا الفرائضَ والسُّنَّةَ واللَّحَن
، بِالتَّحْرِيكِ، أَي اللُّغَةُ؛ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: تَعَلَّمُوا الغَريبَ واللَّحَنَ لأَن فِي ذَلِكَ عِلْم غَرِيب الْقُرْآنِ ومَعانيه وَمَعَانِي الْحَدِيثِ والسنَّة، وَمَنْ لَمْ يعْرِفْه لَمْ يَعْرِفْ أَكثرَ كِتَابِ اللَّهِ وَمَعَانِيهِ وَلَمْ يَعْرِفْ أَكثر السُّنن. وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ فِي قَوْلُ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: تعلَّمُوا اللَّحْنَ
أَي الخطأَ فِي الْكَلَامِ لِتَحْتَرِزُوا مِنْهُ. وَفِي حَدِيثِ
مُعَاوِيَةَ: أَنه سأَل عَنْ أَبي زيادٍ فَقِيلَ إِنه ظَرِيفٌ عَلَى أَنه يَلْحَنُ، فَقَالَ: أَوَليْسَ ذَلِكَ أَظرف لَهُ
؟ قَالَ القُتَيْبيُّ: ذَهَبَ معاويةُ إِلى اللَّحَن الَّذِي هُوَ الفِطنة، محرَّك الْحَاءِ. وَقَالَ غَيْرُهُ. إِنما أَراد اللَّحْنَ ضِدَّ الإِعراب، وَهُوَ يُسْتَمْلَحُ فِي الْكَلَامِ إِذا قَلَّ، ويُسْتَثْقَلُ الإِعرابُ والتشَدُّقُ. ولَحِنَ لَحَناً: فَطِنَ لِحُجَّتِهِ وَانْتَبَهَ لَهَا. ولاحَنَ النَّاسَ: فاطَنَهم؛ وَقَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَسماء بْنِ خارجةَ الفَزاريّ:
وحديثٍ أَلَذُّه هُوَ مِمَّا ... يَنْعَتُ النَّاعِتُون يُوزَنُ وَزْنا
مَنْطِقٌ رائِعٌ، وتَلْحَنُ أَحْياناً، ... وخيرُ الحديثِ مَا كانَ لَحْنا
يُرِيدُ أَنها تَتَكَلَّمُ بِشَيْءٍ وَهِيَ تُرِيدُ غَيْرَهُ، وتُعَرِّضُ فِي حَدِيثِهَا فتزيلُه عَنْ جِهَتِهِ مِنْ فِطنتِها كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ
، أَي فِي فَحْواهُ وَمَعْنَاهُ؛ وَقَالَ القَتَّال الكلابيُّ:
وَلَقَدْ لَحَنْتُ لَكُمْ لِكَيْما تَفْهمُوا، ... ولَحَنْتُ لَحْناً لَحْناً لَيْسَ بالمُرْتابِ
وكأَنَّ اللَّحْنَ فِي الْعَرَبِيَّةِ راجعٌ إِلى هَذَا لأَنه مِنَ العُدول عَنِ الصَّوَابِ. وَقَالَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: عَجِبْتُ لِمَنْ لاحَنَ الناسَ ولاحَنُوه كيفَ لَا يعرفُ جَوامعَ الكَلِم، أَي فاطَنَهم وفاطَنُوه وجادَلَهم؛ وَمِنْهُ قِيلَ: رَجُلٌ لَحِنٌ إِذا كَانَ فَطِناً؛ قَالَ لَبِيدٌ:
مُتَعوِّذٌ لَحِنٌ يُعِيدُ بكَفِّه ... قَلَماً عَلَى عُسُبٍ ذَبُلْنَ وبانِ
وأَما قَوْلُ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: تَعَلَّمُوا اللَّحْنَ والفرائضَ
، فَهُوَ بِتَسْكِينِ الْحَاءِ وَهُوَ الخطأُ فِي الْكَلَامِ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي الْعَالِيَةِ قَالَ: كنتُ أَطُوفُ مَعَ ابْنِ عباسٍ وَهُوَ يُعلِّمني لَحْنَ الكلامِ
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وإِنما سَمَّاهُ لَحْناً لأَنه إِذا بَصَّره بِالصَّوَابِ فَقَدْ بَصَّره اللَّحْنَ. قَالَ شَمِرٌ: قَالَ أَبو عَدْنَانَ سأَلت الكِلابيينَ عَنْ قَوْلِ عُمَرَ تَعَلَّمُوا اللَّحْنَ فِي الْقُرْآنِ كَمَا تَعَلَّمُونه فَقَالُوا: كُتِبَ هَذَا عَنْ قَوْمٍ لَيْسَ لَهُمْ لَغْوٌ كلَغْوِنا، قُلْتُ: مَا اللَّغْوُ؟ فَقَالَ: الْفَاسِدُ مِنَ الْكَلَامِ، وَقَالَ الكلابيُّون: اللَّحْنُ اللغةُ، فَالْمَعْنَى فِي قَوْلِ عُمَرَ تَعَلَّمُوا اللّحْنَ فِيهِ يَقُولُ تَعَلَّمُوا كَيْفَ لُغَةُ الْعَرَبِ فِيهِ الَّذِينَ نَزَلَ القرآنُ بِلُغَتِهِمْ؛ قَالَ أَبو عَدْنَانَ: وأَنشدتْني الكَلْبيَّة:
وقوْمٌ لَهُمْ لَحْنٌ سِوَى لَحْنِ قومِنا ... وشَكلٌ، وبيتِ اللهِ، لَسْنَا نُشاكِلُهْ(13/380)
قَالَ: وَقَالَ عُبيد بْنُ أَيوب:
وللهِ دَرُّ الغُولِ أَيُّ رَفِيقَةٍ ... لِصاحِبِ قَفْرٍ خائفٍ يتَقَتَّرُ
فَلَمَّا رأَتْ أَن لَا أُهَالَ، وأَنني ... شُجاعٌ، إِذا هُزَّ الجَبَانُ المُطيَّرُ
أَتَتني بلحْنٍ بَعْدَ لَحْنٍ، وأَوقدَتْ ... حَوَالَيَّ نِيراناً تَبُوخُ وتَزْهَرُ
وَرَجُلٌ لاحِنٌ لَا غَيْرَ إِذا صَرَفَ كلامَه عَنْ جِهَته، وَلَا يُقَالُ لَحّانٌ. اللَّيْثُ: قَوْلُ الناسِ قَدْ لَحَنَ فلانٌ تأْويلُه قَدْ أَخذ فِي نَاحِيَةٍ عَنِ الصَّوَابِ أَي عَدَل عَنِ الصَّوَابِ إِليها؛ وأَنشد قَوْلَ مَالِكِ بْنِ أَسماء:
مَنْطِقٌ صائِبٌ وتَلْحَنُ أَحْياناً، ... وخيرُ الحديثِ مَا كانَ لَحْناً
قَالَ: تأْويله وَخَيْرُ الْحَدِيثِ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ الْجَارِيَةِ مَا كَانَ لَا يَعْرِفُهُ كلُّ أَحد، إِنما يُعرفُ أَمرها فِي أَنحاء قَوْلِهَا، وَقِيلَ: مَعْنَى قَوْلِهِ وَتَلْحَنُ أَحياناً أَنها تُخْطِئُ فِي الإِعراب، وَذَلِكَ أَنه يُسْتملَحُ مِنَ الْجَوَارِي، ذَلِكَ إِذا كَانَ خَفِيفًا، ويُستثقل مِنْهُنَّ لُزوم حاقِّ الإِعراب. وعُرِف ذَلِكَ فِي لَحْن كَلَامِهِ أَي فِيمَا يَمِيلُ إِليه. الأَزهري: اللَّحْنُ مَا تَلْحَنُ إِليه بِلِسَانِكَ أَي تميلُ إِليه بِقَوْلِكَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ
؛ أَي نَحْوِ الْقَوْلِ، دَلَّ بِهَذَا أَن قولَ الْقَائِلِ وفِعْلَه يَدُلَّانِ عَلَى نِيَّتِهِ وَمَا فِي ضَمِيرِهِ، وَقِيلَ: فِي لَحْنِ الْقَوْلِ أَي فِي فَحْواه وَمَعْنَاهُ. ولَحَن إِليه يَلْحَنُ لَحْناً أَي نَواه وَمَالَ إِليه. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ وَغَيْرُهُ: للَّحْنِ سِتَّةُ مَعان: الخطأُ فِي الإِعراب واللغةُ والغِناءُ والفِطْنةُ والتَّعْريضُ والمَعْنى، فاللَّحْنُ الَّذِي هُوَ الخطأُ فِي الإِعراب يُقَالُ مِنْهُ لَحَنَ فِي كَلَامِهِ، بِفَتْحِ الْحَاءِ، يَلْحَنُ لَحْناً، فَهُوَ لَحَّانٌ ولَحّانة، وَقَدْ فُسِّرَ بِهِ بيتُ مَالِكِ بْنِ أَسماء بْنِ خَارِجَةَ الفَزَاري كَمَا تَقَدَّمَ، واللَّحْنُ الَّذِي هُوَ اللُّغَةُ كَقَوْلِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: تَعَلَّمُوا الفرائضَ والسُّنَنَ واللَّحْنَ كَمَا تعلَّمُون القرآنَ
، يُرِيدُ اللُّغَةَ؛ وَجَاءَ فِي رِوَايَةِ
تَعَلَّمُوا اللَّحْنَ فِي الْقُرْآنِ كَمَا تَتَعَلَّمُونَهُ
، يُرِيدُ تَعَلَّمُوا لغَةَ الْعَرَبِ بإِعرابها؛ وَقَالَ الأَزهري: مَعْنَاهُ تَعَلَّمُوا لُغَةَ الْعَرَبِ فِي الْقُرْآنِ واعرفُوا مَعَانِيَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ
؛ أَي مَعْنَاهُ وفَحْواه، فَقَوْلُ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: تَعَلَّمُوا اللَّحْن
، يُرِيدُ اللُّغَةَ؛ وكقوله أَيضاً:
أُبَيٌّ أَقْرَؤُنا وإِنَّا لنَرْغَبُ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ لَحْنِه
أَي مِنْ لُغَتِه وَكَانَ يَقْرأُ التابُوه؛ وَمِنْهُ قَوْلُ أَبي مَيْسَرَة فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ، قَالَ: العَرِمُ المُسَنَّاةُ بلَحْنِ الْيَمَنِ أَي بِلُغَةِ الْيَمَنِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ أَبي مَهْديٍّ: لَيْسَ هَذَا مِنْ لَحْني وَلَا لَحْنِ قَوْمِي؛ واللَّحْنُ الَّذِي هُوَ الغِناء وتَرْجيعُ الصَّوْتِ والتَّطْريبُ شاهدُه قَوْلُ يَزِيدَ ابن النُّعْمَانِ:
لَقَدْ تَرَكَتْ فُؤادَكَ مُسْتَجَنَّا ... مُطَوَّقَةٌ عَلَى فَنَنٍ تَغَنَّى
يَمِيلُ بِهَا، وتَرْكَبُه بلَحْنٍ، ... إِذا مَا عَنَّ للمَحْزُون أَنَّا
فَلَا يَحْزُنْكَ أَيامٌ تَوَلَّى ... تَذَكّرُها، وَلَا طَيْرٌ أَرَنَّا
وَقَالَ آخَرُ:
وهاتِفَينِ بشَجْوٍ، بعد ما سجَعَتْ ... وُرْقُ الحَمامِ بترجيعٍ وإِرْنانِ
بَاتَا عَلَى غُصْنِ بانٍ فِي ذُرَى فَننٍ، ... يُرَدِّدانِ لُحوناً ذاتَ أَلْوانِ
وَيُقَالُ: فُلَانٌ لَا يعرفُ لَحْنَ هَذَا الشِّعْرِ أَي لَا(13/381)
يَعْرِفُ كَيْفَ يُغَنيه. وَقَدْ لَحَّنَ فِي قِرَاءَتِهِ إِذا طَرَّب بِهَا. واللَّحْنُ الَّذِي هُوَ الفِطْنة يُقَالُ مِنْهُ لَحَنْتُ لَحْناً إِذا فَهِمته وفَطِنته، فَلَحَنَ هُوَ عَنِّي لَحْناً أَي فَهمَ وفَطِنَ، وَقَدْ حُمِلَ عَلَيْهِ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَسماء: وَخَيْرُ الحديث ما كان لحنا، وَقَدْ تَقَدَّمَ؛ قَالَهُ ابْنُ الأَعرابي وَجَعْلَهُ مُضارعَ لَحِنَ، بِالْكَسْرِ، وَمِنْهُ
قَوْلُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لعَلَّ بعضَكم أَن يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ
أَي أَفْطَنَ لَهَا وأَحسَنَ تصَرُّفاً. واللَّحْنُ الَّذِي هُوَ التَّعْريض والإِيماء؛ قَالَ القتَّالُ الْكِلَابِيُّ:
وَلَقَدْ لَحَنْتُ لَكُمْ لِكَيما تَفْهَموا، ... ووَحَيْتُ وَحْياً لَيْسَ بالمُرْتابِ
وَمِنْهُ
قَوْلُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ بَعَثَ قَوْمًا ليُخْبِرُوه خبَرَ قُرَيْشٍ: الْحَنُوا لِي لَحْناً، وَهُوَ مَا رُوِيَ أَنه بَعَثَ رَجُلَيْنِ إِلى بَعْضِ الثُّغُور عَيْناً فَقَالَ لَهُمَا: إِذا انْصَرَفْتُمَا فالْحَنا لِي لَحْناً
أَي أَشيرا إِليَّ وَلَا تُفْصِحا وعَرِّضا بِمَا رأَيتما، أَمرهما بِذَلِكَ لأَنهما رُبَّمَا أَخبرا عَنِ العَدُوِّ ببأْسٍ وقُوَّة، فأَحَبَّ أَن لَا يقفَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ. وَيُقَالُ: جعَلَ كَذَا لَحْناً لِحَاجَتِهِ إِذا عَرَّضَ وَلَمْ يُصَرِّح؛ وَمِنْهُ أَيضاً قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَسماء وَقَدْ تَقَدَّمَ شَاهِدًا عَلَى أَن اللَّحْنَ الفِطنة، وَالْفِعْلُ مِنْهُ لَحَنْتُ لَهُ لَحْناً، عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ عَنْ أَبي زَيْدٍ؛ وَالْبَيْتُ الَّذِي لِمَالِكٍ:
مَنطِقٌ صائبٌ وتَلْحَنُ أَحياناً، ... وخيرُ الحديثِ مَا كَانَ لَحْنا
وَمَعْنَى صَائِبٌ: قَاصِدٌ الصَّوَابِ وإِن لَمْ يُصِبْ، وتَلْحَن أَحياناً أَي تُصيب وتَفْطُنُ، وَقِيلَ: تريدُ حديثَها عَنْ جِهَتِهِ، وَقِيلَ: تُعَرِّض فِي حَدِيثِهَا، وَالْمَعْنَى فِيهِ متقاربٌ، قَالَ: وكأَنَّ اللَّحْن فِي الْعَرَبِيَّةِ رَاجِعٌ إِلى هَذَا لأَنه العُدول عَنِ الصَّوَابِ؛ قَالَ عثمان ابن جِنِّي: مَنْطِقٌ صَائِبٌ أَي تَارَةً تُورِدُ الْقَوْلَ صَائِبًا مُسَدَّداً وأُخرى تتَحَرَّفُ فِيهِ وتَلْحَنُ أَي تَعْدِلُه عَنِ الجهة الواضحة متعمدة بِذَلِكَ تلَعُّباً بِالْقَوْلِ، وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِ وَلَعَلَّ بعضَكم أَن يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ أَي أَنْهَضَ بِهَا وأَحسَنَ تصَرُّفاً، قَالَ: فَصَارَ تَفْسِيرُ اللَّحْنِ فِي الْبَيْتِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوجه: الفِطنة وَالْفَهْمُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبي زَيْدٍ وَابْنِ الأَعرابي وإِن اخْتَلَفَا فِي اللَّفْظِ، والتعريضُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ دُرَيْدٍ وَالْجَوْهَرِيِّ، والخطأُ فِي الإِعراب عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ تُزِيلُهُ عَنْ جِهَتِهِ وَتَعْدِلُهُ عَنِ الْجِهَةِ الْوَاضِحَةِ، لأَن اللَّحْنَ الَّذِي هُوَ الخطأُ فِي الإِعراب هُوَ الْعُدُولُ عَنِ الصَّوَابِ، واللَّحْن الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى والفَحْوَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ
؛ أَي فِي فَحْواه وَمَعْنَاهُ. وَرَوَى المنذريُّ عَنْ أَبي الْهَيْثَمِ أَنه قَالَ: العُنوان واللَّحْنُ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْعَلَامَةُ تُشِيرُ بِهَا إِلى الإِنسان ليَفْطُنَ بِهَا إِلى غَيْرِهِ، تَقُولُ: لَحَنَ لِي فلانٌ بلَحْنٍ ففطِنْتُ؛ وأَنشد:
وتَعْرِفُ فِي عُنوانِها بعضَ لَحْنِها، ... وَفِي جَوْفِها صَمْعاءُ تَحْكي الدَّواهيا
قَالَ: وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ الَّذِي يُعَرِّضُ وَلَا يُصَرِّحُ قَدْ جَعَلَ كَذَا وَكَذَا لَحْناً لِحَاجَتِهِ وعُنواناً. وَفِي الْحَدِيثِ:
وَكَانَ الْقَاسِمُ رَجُلًا لُحْنَةً
، يُرْوَى بِسُكُونِ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا، وَهُوَ الْكَثِيرُ اللَّحْنِ، وَقِيلَ: هُوَ بِالْفَتْحِ الَّذِي يُلَحِّنُ النَّاسَ أَي يُخَطِّئُهم، وَالْمَعْرُوفُ فِي هَذَا الْبِنَاءِ أَنه الَّذِي يَكْثُر مِنْهُ الْفِعْلُ كالهُمَزة واللُّمَزة والطُّلَعة والخُدَعة وَنَحْوِ ذَلِكَ. وقِدْحٌ لاحِنٌ إِذا لَمْ يَكُنْ صافيَ الصَّوْتِ عِنْدَ الإِفاضة، وَكَذَلِكَ قَوْسٌ لَاحِنَةٌ إِذا أُنْبِضَتْ. وسهمٌ لاحِنٌ عِنْدَ التَّنْفيز إِذا لَمْ يَكُنْ حَنَّاناً عِنْدَ الإِدامةِ عَلَى الإِصبع، والمُعْرِبُ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ عَلَى ضِدِّه. ومَلاحِنُ العُودِ: ضُروبُ دَسْتاناته. يُقَالُ: هَذَا لَحْنُ فلانٍ العَوَّاد،(13/382)
وَهُوَ الْوَجْهُ الَّذِي يَضْرِبُ بِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
اقرؤُوا القرآنَ بلُحُونِ الْعَرَبِ وأَصواتها، وإِياكم ولُحُونَ أَهل العِشْق
؛ اللَّحنُ: التَّطْرِيبُ وَتَرْجِيعُ الصَّوْتِ وَتَحْسِينُ الْقِرَاءَةِ والشِّعْرِ والغِناءِ، قَالَ: وَيُشْبِهُ أَن يَكُونَ أَراد هَذَا الَّذِي يَفْعَلُهُ قُرَّاء الزَّمَانِ مِنَ اللُّحون الَّتِي يَقْرَؤُونَ بِهَا النَّظَائِرَ فِي الْمَحَافِلِ، فإِن الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يَقْرَؤُونَ كتُبَهم نحْواً من ذلك.
لخن: اللَّخَنُ: نتْنُ الرِّيحِ عَامَّةً، وَقِيلَ: اللَّخَنُ نتْنٌ يَكُونُ فِي أَرْفاغ الإِنسان، وأَكثر مَا يَكُونُ فِي السُّودان، وَقَدْ لَخِنَ لَخَناً وَهُوَ أَلْخَنُ. ولَخِنَ السِّقَاءُ لَخَناً، فَهُوَ لَخِنٌ وأَلْخَنُ: تَغَيُّرُ طَعْمِهِ وَرَائِحَتِهِ، وَكَذَلِكَ الْجِلْدُ فِي الدِّباغ إِذا فَسَدَ فَلَمْ يَصْلُحْ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
والسَّبُّ تَخْريقُ الأَديمِ الأَلْخَنِ
اللَّيْثُ: لَخِنَ السِّقَاءُ، بِالْكَسْرِ، يَلْخَنُ لَخَناً أَي أَنْتَنَ، وَفِي التَّهْذِيبِ: إِذا أُدِيمَ فِيهِ صَبُّ اللَّبَن فَلَمْ يُغْسَلْ، وَصَارَ فِيهِ تَحْبيبٌ أَبيضُ قِطعٌ صغارٌ مثلُ السِّمْسِمِ وأَكبر مِنْهُ متغيرُ الرِّيحِ وَالطَّعْمِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ أَمة لَخْناءُ. ولَخِنَ الجوْزُ لَخَناً: تَغَيَّرَتْ رَائِحَتُهُ وَفَسَدَ. واللَّخَنُ: قُبْح رِيحِ الْفَرْجِ، وامرأَة لَخْناء. وَيُقَالُ: اللَّخْناء الَّتِي لَمْ تُخْتَنْ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ: يَا ابْنَ اللَّخْناء
؛ هِيَ الَّتِي لَمْ تُخْتَن، وَقِيلَ: اللَّخَنُ النَّتْنُ، والأَلْخَنُ الَّذِي لَمْ يُخْتن، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يُرَى فِي قُلفَته قَبْلَ الخِتان بياضٌ عِنْدَ انْقِلَابِ الجِلدة. واللَّخْنُ: البياضُ الَّذِي «2» . عَلَى جُرْدان الْحِمَارِ، وَهُوَ الحَلَقُ. أَبو عَمْرٍو: اللَّخَنُ الْقَبِيحُ مِنَ الْكَلَامِ.
لدن: اللَّدْنُ: اللّيِّنُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مِنَ عُودٍ أَو حَبْلٍ أَو خُلُقٍ، والأُنثى لَدْنة، وَالْجَمْعُ لِدانٌ ولُدْن وَقَدْ لَدُنَ لَدانةً ولُدُونةً. ولَدَّنه هُوَ: لَيَّنه. وَقَنَاةٌ لَدْنة: ليِّنة المهَزَّةِ، وَرُمْحٌ لَدْنٌ ورِماحٌ لُدْنٌ، بِالضَّمِّ، وامرأَة لَدْنة: رَيَّا الشّبابِ ناعمةٌ، وكلُّ رَطْبٍ مأْدٍ لَدْنٌ. وتَلدَّنَ فِي الأَمر: تَلبَّثَ وتمكَّثَ، ولدَّنه هُوَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن رَجُلًا مِنَ الأَنصار أَناخَ ناضِحاً فَرَكِبَهُ، ثُمَّ بَعَثَهُ فتَلَدَّنَ عَلَيْهِ بعضَ التَّلدُّن، فَقَالَ: شَأْ لعَنك اللَّهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَصْحبْنا بِمَلْعُونٍ
؛ التَّلدُّن: التَّمكُّثُ، مَعْنَى قَوْلِهِ تَلدَّنَ أَي تَلَكَّأَ وتمكَّثَ وتَلبَّثَ وَلَمْ يَثُرْ وَلَمْ يَنبَعِث. يُقَالُ: تَلدَّنَ عَلَيْهِ إِذا تَلكَّأَ عَلَيْهِ؛ قَالَ أَبو عَمْرٍو: تَلدَّنْتُ تَلدُّناً وتَلبَّثْتُ تَلبُّثاً وتمكَّثْتُ. وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ: فأَرسلَ إِليَّ نَاقَةً مُحَرَّمةً فتَلدَّنتْ عليَّ فَلَعَنْتَهَا.
ولَدُنْ ولُدْنٌ ولَدْنٌ ولَدِنٌ ولَدُ مَحْذُوفَةٌ مِنْهَا ولَدَى مُحَوَّلة، كُلُّهُ: ظَرْفٌ زَمَانِيٌّ وَمَكَانِيٌّ مَعْنَاهُ عِنْدَ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: لَدُنْ جُزمَتْ وَلَمْ تُجْعَلْ كعِنْدَ لأَنها لَمْ تَمَكَّنْ فِي الْكَلَامِ تَمَكُّنَ عِنْدَ، واعْتَقَبَ النونُ وحرفُ الْعِلَّةِ عَلَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ لَامًا، كَمَا اعتقبَ الهاءُ وَالْوَاوُ فِي سنَةٍ لَامًا وَكَمَا اعْتَقَبَتْ فِي عِضاهٍ. قَالَ أَبو إِسحق: لَدُنْ لَا تَمَكَّنُ تَمَكُّنَ عِنْدَ لأَنك تَقُولُ هَذَا الْقَوْلُ عِنْدِي صوابٌ، وَلَا تَقُولُ هُوَ لَدُني صَوَابٌ، وَتَقُولُ عِنْدِي مَالٌ عَظِيمٌ وَالْمَالُ غَائِبٌ عَنْكَ، ولَدُنْ لِمَا يَلِيكَ لَا غَيْرُ. قَالَ أَبو عَلِيٍّ: نَظِيرُ لَدُنْ ولَدَى ولَدُ، فِي اسْتِعْمَالِ اللَّامِ تَارَةً نُونًا، وَتَارَةً حَرْفَ عِلَّةٍ، وَتَارَةً مَحْذُوفَةً، دَدَنْ ودَدَى ودَدٌ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ. وَوَقَعَ فِي تَذْكِرَةِ أَبي عَلِيٍّ لَدَى فِي مَعْنَى هَلْ عَنِ المفضَّل؛ وأَنشد:
__________
(2) . قوله [البياض الذي إلخ] وكذلك البياض الذي على قلفة الصبي قبل الختان كما في التهذيب(13/383)
لَدَى مِنْ شبابٍ يُشْترَى بمَشِيبِ؟ ... وَكَيْفَ شَبابُ المرْء بعدَ دَبيبِ؟
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً
؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: وَقُرِئَ
مِنْ لَدُني
، بِتَخْفِيفِ النُّونِ، وَيَجُوزُ
مِنْ لَدْني
، بِتَسْكِينِ الدَّالِ، وأَجودها بِتَشْدِيدِ النُّونِ، لأَن أَصل لَدُنْ الإِسكانُ، فإِذا أَضفتها إِلى نَفْسِكَ زِدْتَ نُونًا ليَسْلَم سكونُ النونِ الأُولى، تَقُولُ مِنْ لَدُنْ زَيْدٍ، فَتَسْكُنُ النُّونُ، ثُمَّ تُضِيفُ إِلى نَفْسِكَ فَتَقُولُ لَدْني كَمَا تَقُولُ عَنْ زَيْدٍ وَعَنِّي، وَمَنْ حَذَفَ النونَ فلأَنَّ لَدُنْ اسْمٌ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَن الأَسماء يَجُوزُ فِيهَا حَذْفُ النُّونِ قَوْلُهُمْ قَدْني فِي مَعْنَى حَسْبي، وَيَجُوزُ قَدِي بِحَذْفِ النُّونِ لأَن قَدِ اسْمٌ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
قَدْنيَ مِنْ نصْرِ الخُبَيْبَينِ قَدِي
فَجَاءَ بِاللُّغَتَيْنِ. قَالَ: وأَما إِسكان دَالِ لَدُنٍ فَهُوَ كَقَوْلِهِمْ فِي عَضُدٍ عَضْد، فَيَحْذِفُونَ الضَّمَّةَ. وَحَكَى أَبو عَمْرٍو عَنْ أَحمد بْنِ يَحْيَى وَالْمُبَرِّدِ أَنهما قَالَا: الْعَرَبُ تَقُولُ لَدُنْ غُدْوَةٌ ولَدُنْ غُدْوَةً ولَدُنْ غُدْوَةٍ، فَمَنْ رَفَعَ أَراد لَدُنْ كَانَتْ غُدْوةٌ، وَمَنْ نَصَبَ أَراد لَدُنْ كَانَ الوقتُ غُدْوةً، وَمَنَ خَفَضَ أَراد مِنْ عِنْد غُدْوةِ. وَقَالَ ابنُ كيسانَ: لَدُنْ حَرْفٌ يَخْفِضُ، وَرُبَّمَا نُصِبَ بِهَا. قَالَ: وَحَكَى الْبَصْرِيُّونَ أَنها تَنْصِبُ غُدْوة خَاصَّةً مِنْ بَيْنِ الْكَلَامِ؛ وأَنشدوا:
مَا زالَ مُهْري مَزْجَرَ الكلبِ منهمُ، ... لَدُنْ غُدْوَةً حَتَّى دَنَتْ لغُروبِ
وأَجاز الْفَرَّاءُ فِي غُدْوةٍ الرَّفْعَ وَالنَّصْبَ وَالْخَفْضَ؛ قَالَ ابْنُ كيسانَ؛ مِنَ خَفَضَ بِهَا أَجراها مُجْرَى مِنْ وَعَنْ، وَمَنْ رَفَعَ أَجراها مُجْرى مُذْ، وَمَنْ نَصَبَ جَعَلَهَا وَقْتًا وَجَعَلَ مَا بَعْدَهَا تَرْجَمَةً عَنْهَا؛ وإِن شِئْتَ أَضمرت كَانَ كَمَا قَالَ:
مُذْ لَدُ شَوْلًا وإِلى إِتْلائِها
أَراد: أَن كَانَتْ شَوْلًا. وَقَالَ اللَّيْثُ: لَدُنْ فِي مَعْنَى مِنْ عِنْدِ، تَقُولُ: وَقَفَ الناسُ لَهُ مِنْ لَدُنْ كَذَا إِلى الْمَسْجِدِ وَنَحْوُ ذَلِكَ إِذا اتَّصَلَ مَا بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ، وَكَذَلِكَ فِي الزَّمَانِ مِنْ لَدُنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلى غُرُوبِهَا أَي مِنْ حِينِ. وَفِي حَدِيثِ الصَّدَقة:
عَلَيْهِمَا جُنَّتانِ مِنْ حَدِيدٍ مِنْ لَدُنْ ثُدِيِّهما إِلى ترَاقيهما
؛ لَدُنْ؛ ظَرْفُ مَكَانٍ بِمَعْنَى عِنْدَ إِلا أَنه أَقرب مَكَانًا مِنْ عِنْدَ وأَخصُّ مِنْهُ، فإِن عِنْدَ تَقَعُ عَلَى الْمَكَانِ وَغَيْرِهِ، تَقُولُ: لِي عِنْدَ فلانٍ مَالٌ أَي فِي ذِمَّتِهِ، وَلَا يُقَالُ ذَلِكَ فِي لَدُنْ. أَبو زَيْدٍ عَنِ الْكِلَابِيِّينَ أَجمعين: هَذَا مِنْ لَدُنِهِ، ضَمُّوا الدَّالَ وَفَتَحُوا اللَّامَ وَكَسَرُوا النُّونَ. الْجَوْهَرِيُّ: لَدُنْ الْمَوْضِعُ الَّذِي هُوَ الْغَايَةُ، وَهُوَ ظَرْفٌ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ بِمَنْزِلَةِ عِنْدَ، وَقَدْ أَدخلوا عَلَيْهَا مِنْ وَحْدَهَا مِنْ حُرُوفِ الْجَرِّ، قَالَ تَعَالَى: مِنْ لَدُنَّا*
، وَجَاءَتْ مُضَافَةً تَخْفِضُ مَا بَعْدَهَا؛ وأَنشد فِي لَدُ لغَيْلانَ بْنِ حُرَيث:
يَسْتَوْعِبُ النَّوْعينِ مِنْ خَريرِه، ... مِنْ لَدُ لَحْيَيْه إِلى مُنْخُورِه
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وأَنشده سِيبَوَيْهِ إِلى مَنْخُوره أَي مَنْخَره. قَالَ: قَالَ وَقَدْ حَمَلَ حَذْفَ النُّونِ بَعْضُهُمْ إِلى أَن قَالَ لَدُنْ غُدْوَةً، فَنَصَبَ غُدْوَةً بِالتَّنْوِينِ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
لَدُنْ غُدْوَةً، حَتَّى إِذا امتَدَّتِ الضُّحَى، ... وحَثَّ القَطِينَ الشَّحْشحانُ المُكَلَّفُ
لأَنه تَوَهَّمَ أَن هَذِهِ النُّونَ زَائِدَةٌ تَقُومُ مَقَامَ التَّنْوِينِ فَنَصَبَ، كَمَا تَقُولُ ضارِبٌ زَيْدًا، قَالَ: وَلَمْ يُعْمِلوا لَدُنْ إِلا فِي غُدْوة خَاصَّةً. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: ذَكَرَ(13/384)
أَبو عَلِيٍّ فِي لَدُنْ بِالنُّونِ أَربع لُغَاتٍ: لَدُنْ ولَدْنٌ، بإِسكان الدَّالِ، حَذْفُ الضَّمَّةِ مِنْهَا كَحَذْفِهَا مِنْ عَضُد، ولُدْنُ بإِلقاء ضَمَّةِ الدَّالِ عَلَى اللَّامِ، ولَدَنْ بِحَذْفِ الضَّمَّةِ مِنَ الدَّالِ، فَلَمَّا الْتَقَى سَاكِنَانِ فُتِحَتِ الدَّالُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَلَمْ يْذَكُرْ أَبو عَلِيٍّ تَحْرِيكَ النُّونِ بِكَسْرٍ وَلَا فَتْحٍ فِيمَنْ أَسكن الدَّالَ، قَالَ: وَيَنْبَغِي أَن تَكُونَ مَكْسُورَةً، قَالَ: وَكَذَا حَكَاهَا الحَوْفيُّ لَدْنِ، وَلَمْ يَذْكُرْ لُدْن الَّتِي حَكَاهَا أَبو عَلِيٍّ، وَالْقِيَاسُ يُوجِبُ أَن تَكُونَ لَدْنِ، ولَدْنِ عَلَى حدِّ لَمْ يَلْدَهُ أَبوان، وَحَكَى ابْنُ خَالَوَيْهِ فِي الْبَدِيعِ: وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ
، بِضَمِّ الدَّالِ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُقَالُ لِي إِليه لُدُنَّةٌ أَي حَاجَةٌ، وَاللَّهُ أَعلم.
لذن: اللَّاذَنُ واللَّاذَنةُ: مِنَ العُلُوك، وَقِيلَ: هُوَ دَوَاءٌ بِالْفَارِسِيَّةِ، وَقِيلَ: هُوَ نَدىً يسقُط عَلَى الْغَنَمِ فِي بعض جزائر البحر.
لزن: لَزَنَ القومُ يَلْزُنُونَ لَزْناً ولَزَناً ولَزِنوا وتَلازَنوا: تَزَاحَمُوا. اللَّيْثُ: اللَّزَنُ، بِالتَّحْرِيكِ، اجْتِمَاعُ الْقَوْمِ عَلَى الْبِئْرِ لِلِاسْتِقَاءِ حَتَّى ضَاقَتْ بِهِمْ وَعَجَزَتْ عَنْهُمْ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَكَذَلِكَ فِي كُلِّ أَمر. وَيُقَالُ مَاءٌ مَلْزُون؛ وأَنشد:
فِي مَشْرَبٍ لَا كَدِرٍ وَلَا لَزِنْ
وأَنشد غَيْرُهُ:
ومَعاذِراً كَذِباً ووَجْهاً باسِراً، ... وتَشَكِّياً عَضَّ الزمانِ الأَلْزَنِ
ومَشْرَبٌ لَزِنٌ ولَزْنٌ ومَلْزُون: مُزْدَحَمٌ عَلَيْهِ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. واللَّزْنُ: الشدَّة. وعَيْشٌ لَزْنٌ أَي ضَيِّقٌ. وَلَيْلَةٌ لَزْنة ولِزْنة: ضيِّقة، مِنْ جُوعٍ كَانَ أَو بَرْدٍ أَو خَوْفٍ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي أَيضاً؛ وَرُوِيَ بَيْتُ الأَعشى:
ويُقْبِلُ ذُو البَثِّ والرَّاغِبونَ ... فِي لَيْلةٍ هِيَ إِحْدَى اللَّزَنْ
وأَنشده اللَّزَنْ، بِفَتْحِ اللَّامِ، وَالْمَعْرُوفُ فِي شِعْرِهِ اللِّزَن، بِكَسْرِ اللَّامِ، فكأَنه أَراد هِيَ إِحدى لَيَالِي اللِّزَن. وأَصابهم لَزْنٌ مِنَ الْعَيْشِ أَي ضِيقٌ. واللَّزْنُ: جَمْعُ لَزْنة وَهِيَ السَّنَةُ الشَّدِيدَةُ. ابْنُ سِيدَهْ: اللِّزْنة السَّنَةُ الشَّدِيدَةُ الضَّيِّقَةُ. واللَّزْنَة: الشِّدَّة وَالضِّيقُ، وَجَمْعُهَا لِزَنٌ؛ قَالَ: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةٍ ذَلِكَ إِضافة إِحدى إِليها، وإِحدى لَا تُضَافُ إِلى مُفْرَدٍ، وَنَظِيرُ لَزْنة ولِزَنٍ حَلْقَة وحِلَقٌ وفَلْكَة وفِلَكٌ، وَقَدْ قِيلَ فِي الْوَاحِدِ لِزْنة، بِالْكَسْرِ أَيضاً، وَهِيَ الشِّدَّة، فأَما إِذا وَصَفْتَ بِهَا فَقُلْتَ لَيْلَةٌ لَزْنة فَبِالْفَتْحِ لَا غَيْرُ. وَتَقُولُ الْعَرَبُ فِي الدُّعَاءِ عَلَى الإِنسان: مَا لَه سُقِيَ فِي لَزْنٍ ضاحٍ أَي فِي ضِيقٍ مَعَ حَرِّ الشَّمْسِ، لأَن الضّاحِيَ مِنَ الأَرض البارِزُ الَّذِي لَيْسَ يَسْتُرُهُ شَيْءٌ عَنِ الشَّمْسِ. وَمَاءٌ لَزْنٌ: ضَيِّق لَا يُنال إِلا بَعْدَ مَشَقَّة.
لسن: اللِّسانُ: جَارِحَةُ الْكَلَامِ، وَقَدْ يُكْنَى بِهَا عَنِ الْكَلِمَةِ فَيُؤَنَّثُ حِينَئِذٍ؛ قَالَ أَعشى بَاهِلَةَ:
إِنِّي أَتَتْني لسانٌ لَا أُسَرُّ بِهَا ... مِنْ عَلْوَ، لَا عَجَبٌ مِنْهَا وَلَا سَخَرُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: اللِّسان هُنَا الرِّسالة وَالْمَقَالَةُ؛ وَمِثْلُهُ:
أَتَتْني لسانُ بَنِي عامِرٍ، ... أَحاديثُها بَعْد قوْلٍ نُكُرْ
قَالَ: وَقَدْ يُذَكَّر عَلَى مَعْنَى الْكَلَامِ: قَالَ الْحُطَيْئَةُ:
نَدِمْتُ عَلَى لسانٍ فاتَ مِنِّي، ... فلَيْتَ بأَنه فِي جَوْفِ عَكْمِ
وَشَاهِدُ أَلْسِنَةٍ الْجَمْعِ فِيمَنْ ذَكَّرَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ
؛ وشاهدُ أَلْسُنٍ(13/385)
الْجَمْعِ فِيمَنْ أَنث قَوْلُ الْعَجَّاجِ:
أَو تَلْحَجُ الأَلْسُنُ فِينَا مَلْحَجا
ابْنُ سِيدَهْ: واللِّسانُ المِقْوَلُ، يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، وَالْجَمْعُ أَلْسِنة فِيمَنْ ذَكَّرَ مِثْلَ حِمار وأَحْمرة، وأَلْسُن فِيمَنْ أَنث مِثْلَ ذِرَاعٍ وأَذْرُع، لأَن ذَلِكَ قِيَاسُ مَا جَاءَ عَلَى فِعالٍ مِنَ الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ، وإِن أَردت بِاللِّسَانِ اللُّغَةَ أَنثت. يُقَالُ: فُلَانٌ يَتَكَلَّمُ بلِسانِ قَوْمِهِ. قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: اللِّسَانُ فِي الْكَلَامِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ. يُقَالُ: إِن لسانَ النَّاسِ عَلَيْكَ لَحَسنة وحَسَنٌ أَي ثناؤُهم. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَذَا نَصُّ قَوْلِهِ وَاللِّسَانُ الثَّنَاءُ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ
؛ مَعْنَاهُ اجْعَلْ لِي ثَناءً حَسناً بَاقِيًا إِلى آخِرِ الدَّهْرِ؛ وَقَالَ كُثَيِّرٌ:
نَمَتْ لأَبي بكرٍ لسانٌ تتابعتْ، ... بعارفةٍ مِنْهُ، فخَصَّتْ وعَمَّتِ
وَقَالَ قَسَاس الكِنْدِيُّ:
أَلا أَبْلغْ لَدَيْكَ أَبا هُنَيٍّ، ... أَلا تَنْهَى لسانَك عَنْ رَداها
فأَنثها. وَيَقُولُونَ: إِن شَفَةَ النَّاسِ عَلَيْكَ لَحسَنة. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ
؛ أَي بِلُغَةِ قَوْمِهِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
أَتَتْني لسانُ بَنِي عامِرٍ
وَقَدْ تقدَّم، ذَهَبَ بِهَا إِلى الْكَلِمَةِ فأَنثها؛ وَقَالَ أَعشى بَاهِلَةَ:
إِنِّي أَتاني لسانٌ لَا أُسَرُّ بِهِ
ذَهَبَ إِلى الْخَبَرِ فَذَكَّرَهُ. ابْنُ سِيدَهْ: وَاللِّسَانُ اللُّغَةُ، مُؤَنَّثَةٌ لَا غَيْرُ. واللِّسْنُ، بِكَسْرِ اللَّامِ: اللُّغة. واللِّسانُ: الرِّسَالَةُ. وَحَكَى أَبو عَمْرٍو: لِكُلِّ قَوْمٍ لِسْنٌ أَي لُغَة يَتَكَلَّمُونَ بِهَا. وَيُقَالُ: رَجُلٌ لَسِنٌ بَيِّنُ اللَّسَن إِذا كَانَ ذَا بَيَانٍ وَفَصَاحَةٍ. والإِلْسان: إِبلاغ الرِّسَالَةِ. وأَلْسَنَه مَا يقول أَي أَبلغه. وأَلْسَنَ عَنْهُ: بَلَّغ. وَيُقَالُ: أَلْسِنِّي فُلَانًا وأَلْسِنْ لِي فُلَانًا كَذَا وَكَذَا أَي أَبْلغْ لِي، وَكَذَلِكَ أَلِكْني إِلى فُلَانٍ أَي أَلِكْ لِي؛ وَقَالَ عديُّ بْنُ زَيْدٍ:
بَلْ أَلسِنوا لِي سَراةَ العَمّ أَنكمُ ... لسْتُمْ مِنَ المُلْكِ، والأَبدال أَغْمار
أَي أَبْلِغوا لِي وَعَنِّي. واللِّسْنُ: الْكَلَامُ واللُّغة. ولاسَنه: ناطَقه. ولَسَنه يَلْسُنه لَسْناً: كَانَ أَجودَ لِسَانًا مِنْهُ. ولَسَنه لَسْناً: أَخذه بِلِسَانِهِ؛ قَالَ طَرَفَةُ:
وإِذا تَلْسُنُني أَلْسُنُها، ... إِنني لستُ بموْهُونٍ فَقِرْ
ولَسَنه أَيضاً: كَلَّمَهُ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ الله عَنْهُ، وذكَر امرأَةً فَقَالَ: إِن دَخَلَتْ عَلَيْكَ «1» . لَسَنتْكَ
أَي أَخذَتكَ بِلِسَانِهَا، يَصِفُهَا بالسَّلاطة وَكَثْرَةِ الْكَلَامِ والبَذَاءِ. واللَّسَنُ، بِالتَّحْرِيكِ: الْفَصَاحَةُ. وَقَدْ لَسِنَ، بِالْكَسْرِ، فَهُوَ لَسِنٌ وأَلسَنُ، وَقَوْمٌ لُسْنٌ. واللَّسنُ: جَوْدَة اللِّسَانِ وسَلاطَتُه، لَسِنَ لسَناً فَهُوَ لَسِنٌ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا
؛ أَي مُصَدِّقٌ لِلتَّوْرَاةِ، وَعَرَبِيًّا مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ، الْمَعْنَى مُصَدِّقٌ عَرَبِيًّا، وذكَرَ لِسَانًا تَوْكِيدًا كَمَا تَقُولُ جَاءَنِي زَيْدٌ رَجُلًا صَالِحًا، وَيَجُوزُ أَن يكون لساناً مفعولًا بمصدق، الْمَعْنَى مُصَدِّقٌ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَي مُصَدِّقٌ ذَا لِسَانٍ عَرَبِيٍّ. واللَّسِنُ والمُلَسَّنُ: مَا جُعِلَ طَرَفُه كَطَرَفِ اللِّسَانِ. ولَسَّنَ النعلَ: خَرَط صدرَها ودَقَّقها
__________
(1) . قوله [إن دخلت عليك إلخ] هكذا في الأصل، والذي في النهاية: إن دخلت عليها لسنتك، وفي هامشها: وإن غبت عنها لم تأمنها(13/386)
مِنْ أَعلاها. وَنَعْلٌ مُلسَّنة إِذا جُعلَ طَرفُ مُقَدَّمها كَطَرَفِ اللِّسَانِ. غَيْرُهُ: والمُلسَّنُ مِنَ النِّعال الَّذِي فِيهِ طُول ولَطافة عَلَى هَيْئَةِ اللِّسَانِ؛ قَالَ كُثَيِّرٌ:
لَهُمْ أُزُرٌ حُمْرُ الْحَوَاشِي يَطَوْنَها، ... بأَقدامِهم، فِي الحَضرَميِّ المِلسَّنِ
وَكَذَلِكَ امرأَة مُلسَّنةُ القَدَمين. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِن نَعْلَهُ كَانَتْ مُلسَّنة
أَي كَانَتْ دَقِيقَةً عَلَى شَكْلِ اللِّسَانِ، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي جُعلَ لَهَا لسانٌ، ولسانُها الهَنَةُ النَّاتِئَةُ فِي مُقَدَّمها. ولسانُ الْقَوْمِ: الْمُتَكَلِّمُ عَنْهُمْ. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ:
لِصَاحِبِ الحقِّ اليَدُ واللسانُ
؛ اليَدُ: اللُّزوم، واللسانُ: التَّقاضي. ولسانُ الْمِيزَانِ: عَذَبَتُه؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:
وَلَقَدْ رأَيتُ لسانَ أَعْدلِ حاكمٍ ... يُقْضَى الصَّوابُ بِهِ، وَلَا يتَكَلَّمُ
يَعْنِي بأَعدلِ حَاكِمٍ الْمِيزَانَ. ولسانُ النَّارِ: مَا يتشَكلُ مِنْهَا عَلَى شَكْلِ اللِّسَانِ. وأَلسَنه فَصيلًا: أَعاره إِياه ليُلْقيه عَلَى نَاقَتِهِ فتَدِرَّ عَلَيْهِ، فإِذا دَرَّتْ حَلَبَهَا فكأَنه أَعاره لسانَ فَصيله؛ وتَلسَّنَ الفَصيلَ: فعَلَ بِهِ ذَلِكَ؛ حَكَاهُ ثَعْلَبٌ؛ وأَنشد ابْنُ أَحمر يَصِفُ بَكْراً صَغِيرًا أَعطاه بَعْضُهُمْ فِي حَمالة فَلَمْ يَرْضَه:
تَلسَّنَ أَهْلُهُ رُبَعاً عَلَيْهِ ... رِماثاً، تحتَ مِقْلاةٍ نَيُوبِ «2»
. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: قَالَ يَعْقُوبُ هَذَا مَعْنًى غَرِيبٌ قلَّ مَنْ يَعْرِفُهُ. ابْنُ الأَعرابي: الخَلِيَّةُ مِنَ الإِبل يُقَالُ لَهَا المُتلسِّنة، قَالَ: والخَلِيَّة أَن تَلِدَ الناقةُ فيُنْحَرَ ولدُها عَمْداً لِيَدُومَ لَبَنُهَا وتُسْتَدَرَّ بحُوَارِ غَيْرِهَا، فإِذا أَدَرَّها الحُوارُ نَحَّوْه عَنْهَا واحْتَلبوها، وَرُبَّمَا خَلَّوْا ثلاثَ خَلايا أَو أَربعاً عَلَى حُوارٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ التَّلسُّن. وَيُقَالُ: لَسَنتُ اللّيفَ إِذا مَشَنتَه ثُمَّ جَعَلْتَهُ فتائلَ مُهَيَّأَةً للفَتْل، وَيُسَمَّى ذَلِكَ التَّلسِينَ. ابْنُ سِيدَهْ: والمَلْسُونُ الْكَذَّابُ؛ قَالَ الأَزهري: لَا أَعرفه. وتَلسَّنَ عَلَيْهِ: كذَبَ. وَرَجُلٌ مَلسون: حُلْوُ اللسانِ بعيدُ الفِعال. ولسانُ الحمَل ولسانُ الثَّوْر: نَبَاتٌ، سُمِّيَ بِذَلِكَ تَشْبِيهًا بِاللِّسَانِ. واللُّسَّانُ: عُشْبة مِنَ الجَنْبةِ، لَهَا وَرَقٌ متفَرِّشٌ أَخشنُ كأَنه الْمِسَاحِيُّ كخُشونة لسانِ الثَّوْرِ، يَسْمُو مِنْ وَسَطِهَا قضيبٌ كَالذِّرَاعِ طُولًا فِي رأْسه نَوْرة كَحْلاءُ، وَهِيَ دَوَاءٌ مِنْ أَوجاع اللسانِ أَلسِنةِ النَّاسِ وأَلسِنة الإِبل، والمِلْسَنُ: حجرٌ يَجْعَلُونَهُ فِي أَعلى بابِ بيتٍ، يَبْنونه مِنْ حِجَارَةٍ وَيَجْعَلُونَ لُحْمَةَ السَّبُع فِي مُؤخَّره، فإِذا دَخَلَ السَّبُعُ فَتَنَاوَلَ اللُّحمة سَقَطَ الْحَجْرُ عَلَى الْبَابِ فسَدَّه.
لطن: اللَّاطُونُ: الأَصْفَرُ مِنَ الصُّفْر.
لعن: أَبيتَ اللَّعْنَ: كلمةٌ كَانَتِ الْعَرَبُ تُحَيِّي بِهَا مُلوكها فِي الْجَاهِلِيَّةِ، تَقُولُ للملِك: أَبَيْتَ اللَّعْنَ؛ مَعْنَاهُ أَبيْتَ أَيُّها الملِك أَن تأْتي مَا تُلْعَنُ عَلَيْهِ. واللَّعْنُ: الإِبْعادُ والطَّرْد مِنَ الْخَيْرِ، وَقِيلَ: الطَّرْد والإِبعادُ مِنَ اللَّهِ، وَمِنَ الخَلْق السَّبُّ والدُّعاء، واللَّعْنةُ الِاسْمُ، وَالْجَمْعُ لِعانٌ ولَعَناتٌ. ولَعَنه يَلْعَنه لَعْناً: طَرَدَه وأَبعده. وَرَجُلٌ لَعِينٌ ومَلْعُونٌ، وَالْجُمَعُ مَلاعِين؛ عَنْ سِيبَوَيْهِ، قَالَ: إِنما أَذكُرُ «3» . مِثْلَ هَذَا الْجَمْعِ لأَن حُكْمَ مِثْلِ هَذَا أَن يُجْمَع بِالْوَاوِ وَالنُّونِ فِي الْمُذَكَّرِ، وبالأَلف وَالتَّاءِ فِي الْمُؤَنَّثِ، لَكِنَّهُمْ كَسَّرُوه تَشْبِيهًا بِمَا جَاءَ من الأَسماء
__________
(2) . قوله [ربعاً] كذا في الأصل والمحكم، والذي في التكملة: عاماً، قال: والرماث جمع رمثة بالضم وهي البقية تبقى فِي الضَّرْعِ مِنَ اللَّبَنِ
(3) . قوله [قال إنما أذكر إلخ] القائل هو ابن سيدة وعبارته عَنْ سِيبَوَيْهِ: قَالَ ابْنُ سِيدَهْ إِنَّمَا إلخ(13/387)
عَلَى هَذَا الْوَزْنِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ
؛ أَي أَبعَدهم. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ
؛ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اللَّاعِنُونَ كلُّ شَيْءٍ فِي الأَرض إِلا الثَّقَلَيْن، وَيُرْوَى
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنه قَالَ: اللَّاعِنون الِاثْنَانِ إِذا تَلاعَنَا لَحِقَتِ اللعْنة بمُسْتَحِقها مِنْهُمَا، فإِن لَمْ يَسْتَحقها واحدٌ رَجَعت عَلَى الْيَهُودِ
، وَقِيلَ: اللَّاعِنُون كلُّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ مِنَ الإِنس وَالْجِنِّ وَالْمَلَائِكَةِ. واللِّعَانُ والمُلاعَنة: اللَّعْنُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا. واللُّعَنة: الْكَثِيرُ اللَّعْن لِلنَّاسِ. واللُّعْنة: الَّذِي لَا يَزَالُ يُلْعَنُ لشَرارته، والأَوّل فَاعِلٌ، وَهُوَ اللُّعَنة، وَالثَّانِي مَفْعُولٌ، وَهُوَ اللُّعْنة، وَجَمْعُهُ اللُّعَن؛ قَالَ:
والضَّيْفَ أَكْرِمْه، فإِنَّ مَبِيتَه ... حَقٌّ، وَلَا تَكُ لُعْنَةً للنُّزَّلِ
وَيَطَّرِدُ عَلَيْهِمَا بَابٌ. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: لَا تَكُ لُعْنةً عَلَى أَهل بَيْتِكَ أَي لَا يُسَبَّنَّ أَهل بَيْتِكَ بِسَبَبِكَ. وامرأَة لَعِين، بِغَيْرِ هَاءٍ، فإِذا لَمْ تُذْكَرِ الْمَوْصُوفَةُ فَبِالْهَاءِ. واللَّعِين: الَّذِي يَلْعَنه كُلُّ أَحد. قَالَ الأَزهري: اللَّعِينُ المَشْتُوم المُسَبَّبُ، واللَّعِينُ: المَطْرود؛ قَالَ الشَّمَّاخُ:
ذَعَرْتُ بِهِ القَطَا، ونَفَيْتُ عَنْهُ ... مَقامَ الذئبِ، كالرَّجُلِ اللَّعينِ
أَراد مَقَامَ الذِّئْبِ اللَّعِين الطَّرِيد كَالرَّجُلِ؛ وَيُقَالُ: أَراد مَقَامَ الَّذِي هُوَ كَالرَّجُلِ اللَّعِينِ، وَهُوَ المَنْفِيّ، وَالرَّجُلُ اللَّعِينُ لَا يَزَالُ مُنْتَبِذاً عَنِ النَّاسِ، شبَّه الذئبَ بِهِ. وكلُّ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ فَقَدْ أَبعده عَنْ رَحْمَتِهِ وَاسْتَحَقَّ العذابَ فَصَارَ هَالِكًا. واللَّعْنُ: التَّعْذِيبُ، وَمَنْ أَبعده اللَّهُ لَمْ تَلْحَقْهُ رَحْمَتُهُ وخُلِّدَ فِي الْعَذَابِ. واللعينُ: الشَّيْطَانُ، صِفَةٌ غَالِبَةٌ لأَنه طُرِدَ مِنَ السَّمَاءِ، وَقِيلَ: لأَنه أُبْعِدَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ. واللَّعْنَة: الدُّعَاءُ عَلَيْهِ. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: أَصابته لَعْنَةٌ مِنَ السَّمَاءِ ولُعْنَةٌ. والْتَعَنَ الرجلُ: أَنصف فِي الدُّعَاءِ عَلَى نَفْسِهِ. وَرَجُلٌ مُلَعَّنٌ إِذا كَانَ يُلْعَنُ كَثِيرًا. قَالَ اللَّيْثُ: المُلَعَّنُ المُعَذَّبُ؛ وَبَيْتُ زُهَيْرٍ يَدُلُّ عَلَى غَيْرِ مَا قَالَ اللَّيْثُ:
ومُرَهَّقُ الضِّيفانِ، يُحْمَدُ فِي ... اللأْواءٍ، غيرُ مَلَعَّن القِدْرِ
أَراد: أَن قِدْرَهُ لَا تُلْعن لأَنه يُكْثِرُ لَحْمَهَا وَشَحْمَهَا. وتَلاعَنَ القومُ: لَعَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. ولاعَنَ امرأَته فِي الحُكم مُلاعنة ولِعاناً، ولاعَنَ الحاكمُ بَيْنَهُمَا لِعاناً: حَكَمَ. والمُلاعَنَة بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ إِذا قَذَفَ الرجلُ امرأَته أَو رَمَاهَا بِرَجُلٍ أَنه زَنَى بِهَا، فالإِمام يُلاعِنُ بَيْنَهُمَا ويبدأُ بِالرَّجُلِ ويَقِفُه حَتَّى يَقُولَ: أَشهد بِاللَّهِ أَنها زَنَتْ بِفُلَانٍ، وإِنه لَصَادِقٌ فِيمَا رَمَاهَا بِهِ، فإِذا قَالَ ذَلِكَ أَربع مَرَّاتٍ قَالَ فِي الْخَامِسَةِ: وَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَاهَا بِهِ، ثُمَّ تُقامُ المرأَة فَتَقُولُ أَيضاً أَربع مَرَّاتٍ: أَشهد بِاللَّهِ أَنه لَمِنَ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنَ الزِّنَا، ثُمَّ تَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ: وعليَّ غَضَبُ اللَّهِ إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ؛ فإِذا فَرَغَتْ مِنْ ذَلِكَ بَانَتْ مِنْهُ وَلَمْ تَحِلَّ لَهُ أَبداً، وإِن كَانَتْ حَامِلًا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَهُوَ وَلَدُهَا وَلَا يَلْحَقُ بِالزَّوْجِ، لأَن السُّنَّة نَفته عَنْهُ، سُمِّيَ ذَلِكَ كُلَّهُ لِعاناً لِقَوْلِ الزَّوْجِ: عَلَيْهِ لَعْنة اللَّهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ، وَقَوْلُ المرأَة: عَلَيْهَا غَضَبُ اللَّهِ إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ؛ وَجَائِزٌ أَن يُقَالَ لِلزَّوْجَيْنِ إِذا فَعَلَا ذَلِكَ: قَدْ تَلاعنا ولاعَنا والْتَعنا، وَجَائِزٌ أَن يُقَالَ لِلزَّوْجِ: قَدِ الْتَعَنَ وَلَمْ تَلْتَعِنِ المرأَةُ، وَقَدِ الْتَعَنتْ هِيَ وَلَمْ يَلْتَعِنِ الزوجُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
فالْتَعَنَ هُوَ
، افْتَعَلَ مِنَ اللَّعْن، أَي لَعَنَ نَفْسَهُ. والتَّلاعُنُ: كالتَّشاتُم فِي اللَّفْظِ، غَيْرَ أَن التَّشَاتُمَ يُسْتَعْمَلُ فِي وُقُوعِ فعل كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا(13/388)
بِصَاحِبِهِ، والتَّلاعُن رُبَّمَا اسْتُعْمِلَ فِي فِعْلِ أَحدهما. والتَّلاعُن: أَن يَقَعَ فِعْلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنَفْسِهِ. واللَّعْنَة فِي الْقُرْآنِ: العذابُ. ولَعَنه اللَّهُ يَلْعَنه لَعْناً: عَذَّبَهُ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ
؛ قَالَ ثَعْلَبٌ: يَعْنِي شَجَرَةَ الزَّقُّوم، قِيلَ: أَراد المَلْعُون آكلُها. واللَّعِينُ: المَمْسُوخ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: اللَّعْنُ المَسْخُ أَيضاً. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ
، أَي نَمْسَخَهم. قَالَ: واللَّعينُ المُخْزَى المُهْلَك. قَالَ الأَزهري: وَسَمِعْتُ الْعَرَبَ تَقُولُ فُلَانٌ يَتلاعَنُ عَلَيْنَا إِذا كَانَ يتَماجَنُ وَلَا يَرْتَدِعُ عَنْ سَوْءٍ وَيَفْعَلُ مَا يستحِقّ بِهِ اللَّعْنَ. والمُلاعَنة واللِّعانُ: المُباهَلَةُ. والمَلاعِنُ: مَوَاضِعُ التَّبَرُّز وَقَضَاءِ الْحَاجَةِ. والمَلْعَنة: قَارِعَةُ الطَّرِيقِ ومَنْزِل النَّاسِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
اتَّقُوا المَلاعِنَ وأَعِدُّوا النَّبْلَ
؛ المَلاعِنُ: جَوَادُّ الطَّرِيقِ وظِلالُ الشَّجَرِ ينزِلُها الناسُ، نَهَى أَن يُتَغوَّطَ تَحْتَهَا فتتَأَذَّى السَّابِلَةُ بأَقذارها ويَلْعَنُون مَنْ جَلَسَ لِلْغَائِطِ عَلَيْهَا. قَالَ ابْنُ الأَثير: وَفِي الْحَدِيثِ
اتَّقُوا المَلاعِنَ الثلاثَ
؛ قَالَ: هِيَ جَمْعُ مَلْعَنة، وَهِيَ الفَعْلة الَّتِي يُلْعَنُ بِهَا فَاعِلُهَا كأَنها مَظِنَّة للَّعْنِ ومحلٌّ لَهُ، وَهُوَ أَن يتَغوَّط الإِنسان عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ أَو ظِلِّ الشَّجَرَةِ أَو جَانِبِ النَّهْرِ، فإِذا مَرَّ بِهَا النَّاسُ لَعَنُوا فَاعِلَهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
اتَّقُوا اللَّاعِنَيْن
أَي الأَمرين الْجَالِبَيْنِ اللَّعْنَ الباعِثَيْن للناسِ عَلَيْهِ، فإِنه سَبَبٌ لِلَعْنِ مَنْ فَعَلَهُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ، وَلَيْسَ ذَا فِي كُلِّ ظلٍّ، وإِنما هُوَ الظِّلُّ الَّذِي يَسْتَظِلُّ بِهِ النَّاسُ وَيَتَّخِذُونَهُ مَقِيلًا ومُناخاً، واللاعِن اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ لَعَنَ، فَسُمِّيَتْ هَذِهِ الأَماكنُ لاعِنةً لأَنها سَبَبُ اللَّعْن. وَفِي الْحَدِيثِ:
ثلاثٌ لَعِيناتٌ
؛ اللَّعِينة: اسْمُ المَلْعون كالرَّهِينة فِي المَرْهُون، أَو هِيَ بِمَعْنَى اللَّعْن كالشَّتِيمةِ مِنَ الشَّتْم، وَلَا بُدَّ عَلَى هَذَا الثَّانِي مِنْ تَقْدِيرِ مُضَافٍ مَحْذُوفٍ. وَمِنْهُ حديثُ
المرأَة الَّتِي لَعَنَتْ ناقَتها فِي السَّفَرِ فَقَالَ: ضَعُوا عَنْهَا فإِنها مَلْعُونة
؛ قِيلَ؛ إِنما فَعَلَ ذَلِكَ لأَنه اسْتُجِيبَ دعاؤُها فِيهَا، وَقِيلَ: فعَلهُ عُقوبةً لِصَاحِبَتِهَا لِئَلَّا تَعُودَ إِلى مِثْلِهَا وَلِيَعْتَبِرَ بِهَا غَيْرُهَا. واللَّعِينُ: مَا يُتخذ فِي الْمَزَارِعِ كَهَيْئَةِ الرَّجُلِ أَو الْخَيَالِ تُذْعَرُ بِهِ السباعُ وَالطُّيُورُ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالرَّجُلُ اللَّعِينُ شَيْءٌ يُنْصَبُ وسَطَ الزَّرْعِ تُسْتَطْرَدُ بِهِ الْوُحُوشُ، وأَنشد بَيْتَ الشَّمَّاخِ: كَالرَّجُلِ اللَّعِين؛ قَالَ شَمِرٌ: أَقْرَأَنا ابنُ الأَعرابي لِعَنْتَرَةَ:
هَلْ تُبْلِغَنِّي دارَها شَدَنِيَّةٌ، ... لُعِنَتْ بمحرومِ الشَّرابِ مُصرَّمِ
وَفَسَّرَهُ فَقَالَ: سُبَّتْ بِذَلِكَ فَقِيلَ أَخزاها اللَّهُ فَمَا لَهَا دَرٌّ وَلَا بِهَا لَبَنٌ، قَالَ: وَرَوَاهُ أَبو عَدْنَانَ عَنِ الأَصمعي: لُعِنَتْ لِمَحْرُومِ الشَّرَابِ، وَقَالَ: يُرِيدُ بِقَوْلِهِ لِمَحْرُومِ الشَّرَابِ أَي قُذِفَت بِضَرْعٍ لَا لَبَنَ فِيهِ مُصَرَّم. واللَّعِينُ المِنْقَرِيّ «1» : مِنْ فُرسانهم وشُعرائهم.
لغن: اللُّغْنُ: الوَتَرة الَّتِي عِنْدَ بَاطِنِ الأُذن إِذا اسْتَقاءَ الإِنسانُ تَمَدَّدَتْ، وَقِيلَ: هِيَ نَاحِيَةٌ مِنَ اللَّهاةِ مُشْرِفَة عَلَى الحَلْق، وَالْجَمْعُ أَلغانٌ، وَهُوَ اللُّغْنُون. أَبو عُبَيْدٍ: النَّغانِغ لَحمات تَكُونُ عِنْدَ اللَّهَوات، وَاحِدُهَا نُغْنُغ، وَهِيَ اللَّغانينُ، وَاحِدُهَا لُغْنُون، واللَّغانِين: لحم بين النُّكْفَتين واللسانِ مِنْ بَاطِنُ، وَيُقَالُ لَهَا مِنْ ظاهرٍ لَغادِيدُ ووَدَجٌ ولُغْنُونٌ. وَيُقَالُ: جِئتَ بلُغْنِ غَيْرَكَ إِذا أَنكَرتَ مَا تَكلَّمَ بِهِ مِنَ اللُّغَةِ. وَفِي بَعْضِ الأَخبار:
إِنك لتتَكَلَّمُ
__________
(1) . قوله [واللعين المنقري إلخ] اسمه منازل بضم الميم وكسر الزاي ابن زمعة محركاً وكنيته أبو الأكيدر انتهى. تكملة(13/389)
بلُغْنِ ضالٍّ مُضِلٍّ.
وَفِي الْحَدِيثِ «1» :
أَن رَجُلًا قَالَ لِفُلَانٍ إِنك لتُفْتي بلُغْنِ ضالٍّ مُضِلٍ
؛ اللُّغْنُ: مَا تعَلَّقَ مِنْ لَحْمِ اللَّحْيَيْن، وَجَمْعُهُ لَغانينُ كلُغْدٍ ولَغاديد. وأَرض مُلْغَانَّة، والْغِينانُها كَثْرَةُ كَلَئِها. واللُّغْنُون أَيضاً: الخَيْشُوم؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. والغانَّ النَّبتُ: طَالَ والتَفَّ، فَهُوَ مُلْغانٌّ. ولَغَنَّ: لُغَةٌ فِي لَعَلَّ، وَبَعْضُ بَنِي تَمِيمٍ يَقُولُ: لَغَنَّكَ بِمَعْنَى لَعَلَّك؛ قَالَ الْفَرَزْدَقُ:
قِفَا يَا صاحِبَيَّ بِنَا لَغَنَّا ... نرَى العَرَصاتِ، أَو أَثرَ الخِيامِ «2»
. واللُّغْنُونُ: لُغَةٌ فِي اللُّغْدُودِ، والجمع اللَّغانين.
لغثن: التَّهْذِيبُ عَنِ ابْنِ الأَعرابي: اللَّغاثينُ الخَياشِيمُ، وَاحِدُهَا لُغْثون، قَالَ: هَكَذَا سَمِعْنَاهُ.
لقن: اللَّقْنُ: مَصْدَرُ لَقِنَ الشيءَ يَلْقَنُه لَقْناً، وَكَذَلِكَ الكلامَ، وتَلَقَّنه: فَهِمه. ولَقَّنَه إِياه: فَهَّمه. وتَلَقَّنته: أَخذته لَقانِيَةً. وَقَدْ لَقَّنَني فلانٌ كَلَامًا تَلْقِيناً أَي فهَّمَني مِنْهُ مَا لَمْ أَفْهَم. والتَّلْقِين: كالتَّفْهِيم. وغلامٌ لَقِنٌ: سريعُ الْفَهْمِ. وَفِي حَدِيثِ الْهِجْرَةِ:
ويَبيتُ عِنْدَهُمَا عبدُ اللَّهِ بْنُ أَبي بَكْرٍ وَهُوَ شابٌّ ثَقِفٌ لَقِنٌ
أَي فَهِمٌ حسَنُ التَّلْقِين لِمَا يسْمَعه. وَفِي حَدِيثِ الأُخْدُود:
انْظُرُوا لِي غُلَامًا فَطِناً لَقِناً.
وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ: إِنَّ هَاهُنَا عِلْماً، وأَشار إِلى صَدْرِهِ، لَوْ أَصَبْتُ لَهُ حَمَلَةً بَلَى أُصِيبُ لَقِناً غَيْرَ مأْمون
أَي فَهِماً غيرَ ثِقَةٍ؛ وَفِي الْمُحْكَمِ:
بَلى أَجد لَقِناً غَيْرَ مأْمون يَسْتَعْمِلُ آلةَ الدِّينِ فِي طَلَبِ الدُّنْيَا
، وَالِاسْمُ اللَّقانَةُ واللَّقانِيَة. اللِّحْيَانِيُّ: اللَّقانة واللَّقانية واللَّحَانة واللَّحانية والتَّبانة والتَّبانيَة والطَّبانة والطبَّانية مَعْنَى هَذِهِ الْحُرُوفِ وَاحِدٌ. واللَّقَنُ: إِعرابُ لَكَنٍ شِبْه طَسْتٍ من صُفْر. ومَلْقَنٌ: موضع.
لكن: اللُّكْنَة: عُجْمة فِي اللِّسَانِ وعِيٌّ. يُقَالُ: رَجُلٌ أَلْكَنُ بيِّنُ اللَّكَن. ابْنُ سِيدَهْ: الأَلْكَنُ الَّذِي لَا يُقِيمُ الْعَرَبِيَّةَ مِنْ عُجْمَةٍ فِي لِسَانِهِ، لَكِنَ لَكَناً ولُكْنَة ولُكُونة. وَيُقَالُ: بِهِ لُكْنة شَدِيدَةٌ ولُكُونةٌ ولُكْنُونة. ولُكانٌ: اسْمُ مَوْضِعٍ؛ قَالَ زُهَيْرٌ:
وَلَا لُكانٌ إِلى وَادِي الغِمارِ، وَلَا ... شَرْقيُّ سَلمى،. وَلَا فيْدٌ وَلَا رِهَمُ «3»
. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: كَذَا رَوَاهُ ثَعْلَبٌ، وخطَّأَ مَنْ رَوَى فالآلُكانُ، قَالَ: وَكَذَلِكَ رِوَايَةُ الطُّوسيِّ أَيضاً. المُبرّد: الُّكْنَةُ أَن تَعْترِضَ عَلَى كَلَامِ الْمُتَكَلِّمِ اللغةُ الأَعجمية. يُقَالُ: فُلَانٌ يَرْتَضِخُ لُكْنَةً رُومِيَّةً أَو حَبَشِيَّةً أَو سِنْدِية أَو مَا كَانَتْ مِنْ لُغَاتِ الْعَجَمِ. الْفَرَّاءُ: لِلْعَرَبِ فِي لَكِنَّ لُغَتَانِ: بِتَشْدِيدِ النُّونِ مَفْتُوحَةً، وَإِسْكَانِهَا خَفِيفَةً، فَمَنْ شدَّدها نَصَبَ بِهَا الأَسماء وَلَمْ يَلِها فَعَل وَلَا يَفْعَلُ، وَمَنْ خَفَّفَ نُونَهَا وأَسكنها لَمْ يُعْمِلْهَا فِي شَيْءٍ اسْمٍ وَلَا فِعْلٍ، وَكَانَ الَّذِي يَعْمَلُ فِي الِاسْمِ الَّذِي بَعْدَهَا مَا مَعَهُ مِمَّا يَنْصِبُهُ أَو يَرْفَعُهُ أَو يَخْفِضُهُ، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
، وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى،
وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا
؛
__________
(1) . قوله [وفي الحديث إلخ] عبارة التكملة: وفي الأحاديث التي لا طرق لها أن إلخ انتهى. ولغن ضال فيها بالإِضافة لكن في نسختين من النهاية تنوين لغن
(2) . قوله [قفا يا صاحبي إلخ] مثله في الصحاح، قال الصاغاني الرواية:
ألستم عائدين بنا لغنا
وزاد: اللغن بفتح فسكون شرّة الشباب
(3) . قوله [إلى وادي الغمار] كذا بالأَصل ونسخة من المحكم، والذي في ياقوت: ولا وادي الغمار. وقوله [ولا رهم] الذي في ياقوت: ولا رمم، وضبطه كعنب وسبب: اسم موضع، ولم نجد رهم بالهاء اسم موضع(13/390)
رُفِعَتْ هَذِهِ الأَحرفُ بالأَفاعيل الَّتِي بَعْدَهَا، وأَما قَوْلُهُ: مَا كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ
؛ فَإِنَّكَ أَضمرت كَانَ بَعْدَ وَلَكِنْ فَنُصِبَتْ بِهَا، وَلَوْ رَفَعْتَهُ عَلَى أَن تُضْمِرَ هُوَ فَتُرِيدُ وَلَكِنْ هُوَ رسولُ اللَّهِ كَانَ صُوَابًا؛ وَمِثْلُهُ: وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ
، وتصديقَ، فَإِذَا أُلقِيَت مِنْ لَكِنِ الواوُ الَّتِي فِي أَولها آثَرَتِ الْعَرَبُ تَخْفِيفَ نُونِهَا، وَإِذَا أَدخلوا الْوَاوَ آثَرُوا تَشْدِيدَهَا، وَإِنَّمَا فَعَلُوا ذَلِكَ لأَنها رُجُوعٌ عَمَّا أَصابَ أَول الْكَلَامِ، فَشُبِّهَتْ بِبَلْ إِذْ كَانَتْ رُجُوعًا مِثْلَهَا، أَلا تَرَى أَنك تَقُولُ لَمْ يَقُمْ أَخوك بَلْ أَبوك، ثُمَّ تَقُولُ لَمْ يَقُمْ أَخوك لَكِنْ أَبوك فَتَرَاهُمَا فِي مَعْنًى وَاحِدٍ، وَالْوَاوُ لَا تَصْلُحُ فِي بَلْ، فَإِذَا قَالُوا وَلَكِنْ فأَدخلوا الْوَاوَ تَبَاعَدَتْ مِنْ بَلْ إِذْ لَمْ تَصْلُحْ فِي بَلِ الْوَاوُ، فَآثَرُوا فِيهَا تَشْدِيدَ النُّونِ، وَجَعَلُوا الْوَاوَ كأَنها دَخَلَتْ لِعَطْفٍ لَا بِمَعْنَى بَلْ، وَإِنَّمَا نَصَبَتِ الْعَرَبُ بِهَا إِذَا شُدِّدَتْ نُونُهَا لأَن أَصلها إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ قَائِمٌ، زِيدَتْ عَلَى إنَّ لَامٌ وَكَافٌ فَصَارَتَا جَمِيعًا حَرْفًا وَاحِدًا؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: بَعْضُ النَّحَوِييِّنَ يَقُولُ أَصله إِنَّ وَاللَّامُ وَالْكَافُ زَوَائِدُ، قَالَ: يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَن الْعَرَبَ تُدْخِلُ اللَّامَ فِي خَبَرِهَا؛ وَأَنْشَدَ الْفَرَّاءُ:
ولَكِنَّني مِنْ حُبِّها لَعَمِيدُ
فَلَمْ يُدْخِلِ اللَّامَ إِلَّا أَن مَعْنَاهَا إنَّ، وَلَا تَجُوزُ الإِمالة فِي لَكِنْ وَصُورَةُ اللَّفْظِ بها لاكنّ، وَكُتِبَتْ فِي الْمَصَاحِفِ بِغَيْرِ أَلف وأَلفها غَيْرُ مُمَالَةٍ؛ قَالَ الْكِسَائِيُّ: حَرْفَانِ مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ لَا يَقَعَانِ أَكثر مَا يَقَعَانِ إِلَّا مَعَ الْجَحْدِ وَهُمَا بَلْ وَلَكِنْ، وَالْعَرَبُ تَجْعَلُهُمَا مِثْلَ وَاوِ النَّسَقِ. ابْنُ سِيدَهْ: وَلَكِنْ وَلَكِنَّ حَرْفٌ يُثْبَتُ بِهِ بَعْدَ النَّفْيِ. قَالَ ابْنُ جِنِّي: الْقَوْلُ فِي أَلف لَكِنَّ ولكنْ أَن يَكُونَا أَصلين لأَن الْكَلِمَةَ حَرْفَانِ وَلَا يَنْبَغِي أَن تُوجَدَ الزِّيَادَةُ فِي الْحُرُوفِ، قَالَ: فَإِنْ سَمَّيْتَ بِهِمَا. وَنَقَلْتَهُمَا إِلَى حُكْمِ الأَسماء حَكَمْتَ بِزِيَادَةِ الأَلف، وَكَانَ وَزْنُ الْمُثَقَّلَةِ فاعِلًّا وَوَزْنُ الْمُخَفَّفَةِ فاعِلًا، وأَما قِرَاءَتُهُمْ: لكنَّا هو اللهُ هو رَبِّي فأَصلها لَكِنْ أَنا، فَلَمَّا حُذِفَتِ الْهَمْزَةُ لِلتَّخْفِيفِ وأُلقيت حَرَكَتُهَا عَلَى نُونِ لَكِنْ صَارَ التَّقْدِيرُ لَكِنَّنَا، فَلَمَّا اجْتَمَعَ حَرْفَانِ مِثْلَانِ كُرِهَ ذَلِكَ، كَمَا كُرِهَ شَدَدَ وَجَلَلَ، فأَسكنوا النُّونَ الأُولى وأَدغموها فِي الثَّانِيَةِ فَصَارَتْ لكنَّا، كَمَا أَسكنوا الْحَرْفَ الأَول مِنْ شَدَدَ وَجَلَلَ فأَدغموه فِي الثَّانِي فَقَالُوا جَلَّ وشَدَّ، فاعْتَدُّوا بِالْحَرَكَةِ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ لَازِمَةٍ، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ: لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي
، يُقَالُ: أَصله لكنْ أَنا، فَحُذِفَتِ الأَلف فَالْتَقَتْ نُونَانِ فَجَاءَ التَّشْدِيدُ لِذَلِكَ؛ وَقَوْلُهُ:
ولَسْتُ بِآتِيهِ وَلَا أَسْتَطِيعُه، ... ولاكِ اسْقِني إِنْ كَانَ ماؤُكَ ذَا فَضْلِ
إِنَّمَا أَراد: وَلَكِنِ اسْقِنِي، فَحُذِفَتِ النُّونُ لِلضَّرُورَةِ، وَهُوَ قَبِيحٌ، وَشَبَّهَهَا بِمَا يُحْذَفُ مِنْ حُرُوفُ اللِّينِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ لِلْمُشَاكَلَةِ الَّتِي بَيْنَ النُّونِ السَّاكِنَةِ وَحَرْفِ الْعِلَّةِ. وَقَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: حَذْفُ النُّونِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ البَتَّةَ؛ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ أَقبح مِنْ حَذْفَ نُونِ مِنْ فِي قوله:
غيرُ الَّذِي قَدْ يقالُ مِ الكَذِبِ
مِنْ قِبَلِ أَن أَصل لَكِنِ الْمُخَفَّفَةِ لَكِنَّ الْمُشَدَّدَةَ، فَحُذِفَتْ إِحْدَى النُّونَيْنِ تَخْفِيفًا، فَإِذَا ذَهَبْتَ تَحْذِفُ النُّونَ الثَّانِيَةَ أَيضاً أَجحفت بِالْكَلِمَةِ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: لَكِنْ، خَفِيفَةً وَثَقِيلَةً، حرفُ عَطْفٍ لِلِاسْتِدْرَاكِ وَالتَّحْقِيقِ يُوجَبُ بِهَا بَعْدَ نَفْيٍ، إِلَّا أَن الثَّقِيلَةَ تَعْمَلُ عَمَلَ إِنَّ تَنْصِبُ الإِسم وَتَرْفَعُ الْخَبَرَ، وَيُسْتَدْرَكُ بِهَا بَعْدَ النَّفْيِ والإِيجاب، تَقُولُ: مَا جَاءَنِي زَيْدٌ لكنَّ عَمْرًا قَدْ جَاءَ، وَمَا تَكَلَّمَ زيدٌ لكنَّ عَمْرًا قَدْ تَكَلَّمَ، وَالْخَفِيفَةُ لَا تَعْمَلُ لأَنها(13/391)
تَقَعُ عَلَى الأَسماء، والأَفعال، وَتَقَعُ أَيضاً بَعْدَ النَّفْيِ إِذَا ابتدأَت بِمَا بَعْدَهَا، تَقُولُ: جَاءَنِي الْقَوْمُ لَكِنْ عَمْرٌو لَمْ يَجِئْ، فَتَرْفَعُ وَلَا يَجُوزُ أَن تَقُولَ لَكِنْ عَمْرٌو وَتَسْكُتَ حَتَّى تَأْتِيَ بِجُمْلَةٍ تَامَّةٍ، فأَما إِنْ كَانَتْ عَاطِفَةً اسْمًا مُفْرَدًا عَلَى اسْمٍ لَمْ يَجُزْ أَن تَقَعَ إِلَّا بَعْدَ نَفْيٍ، وتُلْزِم الثَّانِيَ مِثْلَ إِعْرَابِ الأَول، تَقُولُ: مَا رأَيتُ زَيْدًا لكنْ عَمْرًا، وَمَا جَاءَنِي زَيْدٌ لكنْ عمرو.
لن: لَنْ: حَرْفٌ نَاصِبٌ للأَفعال، وَهُوَ نَفْيٌ لِقَوْلِكَ سَيَفْعَلُ، وأَصلها عِنْدَ الْخَلِيلِ لَا أَنْ، فَكَثُرَ إِستعمالها فَحُذِفَتِ الْهَمْزَةُ تَخْفِيفًا، فَالْتَقَتْ أَلف لَا وَنُونُ أَن، وَهُمَا سَاكِنَانِ، فَحُذِفَتِ الأَلف مِنْ لَا لِسُكُونِهَا وَسُكُونِ النُّونِ بَعْدَهَا، فَخُلِطَتِ اللَّامُ بِالنُّونِ وَصَارَ لَهُمَا بالإِمتزاج وَالتَّرْكِيبِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِمَا حُكْمٌ آخَرُ، يَدُلُّكَ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الْعَرَبِ: زَيْدًا لَنْ أَضرب، فَلَوْ كَانَ حُكْمُ لَنِ الْمَحْذُوفَةِ الْهَمْزَةِ مُبَقّىً بَعْدَ حَذْفِهَا وَتَرْكِيبِ النُّونِ مَعَ لَامٍ لَا قَبْلَهَا، كَمَا كَانَ قَبْلَ الْحَذْفِ وَالتَّرْكِيبِ، لَمَا جَازَ لِزَيْدٍ أَن يَتَقَدَّمَ عَلَى أَن، لأَنه كَانَ يَكُونُ فِي التَّقْدِيرِ مِنْ صِلَةِ أَن الْمَحْذُوفَةِ الْهَمْزَةِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ صِلَتِهَا لَمَا جَازَ تَقَدُّمُهُ عَلَيْهَا عَلَى وَجْهٍ، فَهَذَا يُدُلُّكَ أَن الشَّيْئَيْنِ إِذَا خُلِطا حدَثَ لَهُمَا حكمٌ وَمَعْنًى لَمْ يَكُنْ لَهُمَا قَبْلَ أَن يتمزجا، أَلا تَرَى أَن لَوْلَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ لَوْ وَلَا، وَمَعْنَى لَوِ امْتِنَاعِ الشَّيْءِ لِامْتِنَاعِ غَيْرِهِ، وَمَعْنَى لَا النَّفْيُ وَالنَّهْيُ، فَلَمَّا رُكِّبَا مَعًا حَدَثَ مَعْنًى آخَرُ وَهُوَ امْتِنَاعُ الشَّيْءِ لِوُقُوعِ غَيْرِهِ؟ فَهَذَا فِي أَن بِمَنْزِلَةِ قَوْلِنَا كأَنَّ، وَمُصَحِّحٌ لَهُ ومُؤَنَّسٌ بِهِ ورادٌّ عَلَى سِيبَوَيْهِ مَا أَلزمه الْخَلِيلُ مِنْ أَنه لَوْ كَانَ الأَصل لَا أَن لَمَا جَازَ زَيْدًا لَنْ أَضرب، لِامْتِنَاعِ جَوَازِ تَقَدُّمِ الصِّلَةِ عَلَى الْمَوْصُولِ، وحِجاج الْخَلِيلِ فِي هَذَا مَا قَدَّمنا ذِكْرَهُ لأَن الْحَرْفَيْنِ حَدَثَ لَهُمَا بِالتَّرْكِيبِ نحوٌ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَعَ الِانْفِرَادِ. الْجَوْهَرِيُّ: لَنْ حَرْفٌ لِنَفْيِ الِاسْتِقْبَالِ، وَتَنْصِبُ بِهِ تَقُولُ: لَنْ يَقُومَ زَيْدٌ. التَّهْذِيبُ: قَالَ النَّحْوِيُّونَ لَنْ تَنْصِبَ الْمُسْتَقْبَلَ، وَاخْتَلَفُوا فِي عِلَّةِ نَصْبِهِ إِيَّاهُ، فَقَالَ أَبو إسحق النَّحْوِيُّ: رُوِيَ عَنِ الْخَلِيلِ فِيهِ قَوْلَانِ: أَحدهما أَنها نَصَبَتْ كَمَا نَصَبَتْ أَن وَلَيْسَ مَا بَعْدَهَا بِصِلَةٍ لَهَا لأَن لَنْ تَفْعَلَ نَفْيُ سَيَفْعَلُ فَيُقَدَّمُ مَا بَعْدَهَا عَلَيْهَا نَحْوَ قَوْلِكَ زَيْدًا لَنْ أَضرب كَمَا تَقُولُ زَيْدًا لَمْ أَضرب، وَرَوَى سِيبَوَيْهِ عَنْ بَعْضِ أَصحاب الْخَلِيلِ أَنه قَالَ الأَصل فِي لَنْ لَا أَن، وَلَكِنَّ الْحَذْفَ وَقَعَ اسْتِخْفَافًا، وَزَعَمَ سِيبَوَيْهِ أَن هَذَا لَيْسَ بِجَيِّدٍ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ زَيْدًا لَنْ أَضرب، وَهَذَا جَائِزٌ عَلَى مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ وَجَمِيعُ النَّحْوِيِّينَ الْبَصْرِيِّينَ؛ وَحَكَى هِشَامٌ عَنِ الْكِسَائِيِّ فِي لَنْ مِثْلَ هَذَا الْقَوْلِ الشَّاذِّ عَنِ الْخَلِيلِ وَلَمْ يأْخذ بِهِ سِيبَوَيْهِ وَلَا أَصحابه. وَقَالَ اللَّيْثُ: زَعَمَ الْخَلِيلُ فِي لَنْ أَنه لَا أَن فوُصِلَتْ لِكَثْرَتِهَا فِي الْكَلَامِ، أَلا تَرَى أَنها تُشْبِهُ فِي الْمَعْنَى لَا وَلَكِنَّهَا أَوكد؟ تَقُولُ: لَنْ يُكْرِمَك زَيْدٌ، مَعْنَاهُ كأَنه كَانَ يَطْمَعُ فِي إِكْرَامِهِ فَنَفَيْتَ ذَلِكَ ووَكَّدْتَ النَّفْيَ بِلَنْ، فَكَانَتْ أَوجب مِنْ لَا. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الأَصل فِي لَنْ وَلَمْ لَا، فأَبدلوا مِنْ أَلف لَا نُونًا وَجَحَدُوا بِهَا الْمُسْتَقْبَلَ مِنَ الأَفعال وَنَصَبُوهُ بِهَا، وأَبدلوا مِنْ أَلف لَا مِيمًا وَجَحَدُوا بِهَا الْمُسْتَقْبَلَ الَّذِي تأْويله المُضِيُّ وَجَزَمُوهُ بِهَا. قَالَ أَبو بَكْرٍ: وَقَالَ بَعْضِهِمْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ، فلَنْ يُؤْمنوا، فأُبدلت الأَلف مِنَ النُّونِ الْخَفِيفَةِ؛ قَالَ: وَهَذَا خطأٌ، لأَن لَنْ فَرْعٌ لِلَا، إِذْ كَانَتْ لَا تَجْحَدُ الماضيَ والمستقبلَ وَالدَّائِمَ والأَسماءَ، وَلَنْ لَا تَجْحَدُ إِلَّا الْمُسْتَقْبَلَ وَحْدَهُ.
لهن: اللُّهْنة مَا تُهْدِيه لِلرَّجُلِ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ. واللهْنة: السُّلْفَة وَهُوَ الطَّعَامُ الَّذِي يُتَعَلَّل بِهِ قَبْلَ الْغَدَاءِ، وَفِي الصِّحَاحِ: هُوَ مَا يتَعَلَّلُ بِهِ الإِنسانُ(13/392)
قَبْلَ إِدْرَاكِ الطَّعَامِ؛ قَالَ عَطِيَّةُ الدُّبيريّ:
طَعامُها اللُّهنةُ أَو أَقلّ
وَقَدْ لَهَّنَهم ولَهَّنَ لَهُمْ وسَلَّفَ لَهُمْ. وَيُقَالُ: سَلَّفْتُ القومَ أَيضاً، وَقَدْ تَلَهَّنت تَلَهُّناً. الْجَوْهَرِيُّ: لَهَّنته تَلْهيناً فتَلَهَّنَ أَي سَلَّفْتُه. وَيُقَالُ: أَلْهَنْتُه إِذَا أَهْدَيْتَ لَهُ شَيْئًا عِنْدَ قدومه من سفر. وبنو لَهانٍ: حيٌّ «4» . وَهُمْ إِخْوَةُ هَمْدَان. الْجَوْهَرِيُّ: وَقَوْلُهُمْ لَهِنَّك، بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِ الْهَاءِ، فَكَلِمَةٌ تُسْتَعْمَلُ عِنْدَ التَّوْكِيدِ، وأَصله لإِنَّك فأُبدلت الْهَمْزَةُ هَاءً كَمَا قَالُوا فِي إِيَّاكَ هِيّاك، وَإِنَّمَا جَازَ أَن يُجْمَعَ بَيْنَ اللَّامِ وإنَّ وَكِلَاهُمَا لِلتَّوْكِيدِ، لأَنه لَمَّا أُبدلت الْهَمْزَةُ هَاءً زَالَ لَفْظُ إِنَّ فَصَارَ كأَنه شَيْءٌ آخَرُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
لَهِنَّكِ مِنْ عَبْسِيَّةٍ لَوَسِيمةٌ ... عَلَى كاذبٍ، مِنْ وعْدِها ضَوْءُ صادقِ
اللَّامُ الأُولى لِلتَّوْكِيدِ وَالثَّانِيَةُ لَامُ إِنَّ؛ وأَنشد الْكِسَائِيُّ:
وَبِي مِنْ تَباريحِ الصَّبابة لَوْعةٌ ... قَتِيلةُ أَشواقي، وشَوْقي قَتيلُها
لَهِنِّكِ مِنْ عَبْسيَّةٍ لَوَسيمةٌ ... عَلَى هَنَواتٍ، كاذبٍ مَنْ يَقُولُها
وَقَالَ: أَراد لِلَّهِ إِنَّكَ مِنْ عَبْسِيَّة، فَحَذَفَ اللَّامَ الأُولى مِنْ لِلَّهِ والأَلف مِنْ إِنَّكَ؛ كَمَا قَالَ الْآخَرُ:
لاهِ ابنُ عَمِّكَ والنَّوَى تعْدُو
أَراد: للهِ ابنُ عَمِّكَ أَي وَاللَّهِ، والقولُ الأَول أَصح. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: ذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ لَهِنَّك فِي فَصْلِ لَهَنَ، وَلَيْسَ مِنْهُ لأَن اللَّامَ لَيْسَتْ بأَصل، وَإِنَّمَا هِيَ لَامُ الِابْتِدَاءِ وَالْهَاءُ بَدَلٌ مِنْ هَمْزَةِ إِنَّ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ هُنَا لِمَجِيئِهِ عَلَى مِثَالِهِ فِي اللَّفْظِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسلمة:
أَلا يَا سَنا بَرْقٍ عَلَى قُلَلِ الحِمَى، ... لَهِنَّك مِنْ بَرْقٍ عَلَيَّ كَريمُ
لمَعْتَ اقْتِذاءَ الطيرِ، والقوْمُ هُجَّعٌ، ... فهَيَّجْتَ أَسْقاماً وأَنتَ سَلِيمُ
واقْتِذاءُ الطائرِ: هُوَ أَن يَفْتَحَ عَيْنَيْهِ ثم يُغْمِضَهما إغْماضَةً.
لون: اللَّوْنُ: هيئةٌ كالسَّوَاد والحُمْرة، ولَوَّنْتُه فتَلَوَّنَ. ولَوْنُ كلِّ شَيْءٍ: مَا فَصَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَالْجَمْعُ أَلْوَان، وَقَدْ تَلَوَّنَ ولَوَّنَ ولَوَّنه. والأَلْوانُ: الضُّروبُ. واللَّوْنُ: النَّوْعُ. وَفُلَانٌ مُتَلَوِّنٌ إِذَا كَانَ لَا يَثْبُتُ عَلَى خُلُقٍ وَاحِدٍ. واللَّوْنُ: الدَّقَلُ، وَهُوَ ضَرْب مِنَ النَّخْلِ؛ قَالَ الأَخفش: هُوَ جَمَاعَةٌ وَاحِدَتُهَا لِينَة، وَلَكِنْ لَمَّا انْكَسَرَ مَا قَبْلَهَا انْقَلَبَتِ الْوَاوُ يَاءً؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ
، قَالَ: وتمرُها سَمِينُ العَجْوة. ابْنُ سِيدَهْ: الأَلْوانُ الدَّقَلُ، وَاحِدُهَا لَوْنٌ، واللِّينَةُ واللُّونَة: كُلُّ ضربٍ مِنَ النَّخْلِ مَا لَمْ يَكُنْ عَجْوَةً أَوْ بَرْنيّاً. قَالَ الْفَرَّاءُ: كُلُّ شَيْءٍ مِنَ النَّخْلِ سِوَى الْعَجْوَةِ فَهُوَ مِنَ الليِّنِ، وَاحِدَتُهُ لِينَةٌ، وَقِيلَ: هِيَ الأَلْوانُ، الْوَاحِدَةُ لُونَة فَقِيلَ لِينَةٌ، بِالْيَاءِ، لِانْكِسَارِ اللَّامِ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَالْجَمْعُ لِينٌ ولُونٌ ولِيَانٌ؛ قَالَ:
تَسْأَلُني اللِّينَ وهَمِّي فِي اللِّينْ، ... واللِّينُ لَا يَنْبُتُ إلَّا فِي الطينْ
وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
وسالفةٍ، كسَحوقِ اللِّيَانِ، ... أَضْرَمَ فِيهَا الغَوِيُّ السُّعُرْ
__________
(4) . قوله [وبنو لهان حي] كذا بالأصل والمحكم بلام مفتوحة أوله، والذي في التكملة: وبنو ألهان بالفتح حي من العرب، عَنِ ابْنِ دُرَيْدٍ(13/393)
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ وسالفةٌ، بِالرَّفْعِ؛ وَقَبْلَهُ:
لَهَا ذَنَبٌ مِثْلُ ذيْلِ العَرُوسِ، ... تَسُدُّ بِهِ فَرْجَها مِنْ دُبُرْ
وَرَوَاهُ قَوْمٌ مِنْ أَهل الْكُوفَةِ: كسَحُوق اللُّبَان، قَالَ: وَهُوَ غَلَطٌ لأَن شَجَرَ اللُّبان الكُنْدُرِ لَا يَطُولُ فَيَصِيرُ سَحُوقاً، والسَّحُوق: النَّخْلَةُ الطَّوِيلَةُ. واللَّيانُ، بِالْفَتْحِ: مَصْدَرٌ لَيِّنٌ بيِّنُ اللِّينَةِ واللَّيانِ؛ وَقَالَ الأَصمعي فِي قَوْلِ حُميدٍ الأَرْقط:
حَتَّى إِذَا أَغْسَتْ دُجَى الدُّجُونِ، ... وشُبِّه الأَلْوانُ بالتَّلْوينِ
يُقَالُ: كَيْفَ تَرَكْتُمُ النَّخْلَ؟ فَيُقَالُ: حِينَ لَوَّنَ، وَذَلِكَ مِنْ حِينِ أَخذ شَيْئًا مِنْ لَوْنِه الَّذِي يَصِيرُ إِلَيْهِ، فَشَبَّهَ أَلْوانَ الظَّلَامِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ يَكُونُ أَولًا أَصفر ثُمَّ يحمرُّ ثُمَّ يسودُّ بِتَلْوِينِ البُسْرِ يصفرُّ وَيَحْمَرُّ ثُمَّ يَسْوَدُّ. ولَوَّنَ البُسْرُ تَلْويناً إِذَا بَدَا فِيهِ أَثَرُ النُّضج. وَفِي حَدِيثِ
جَابِرٍ وغُرَمائه: اجْعَلِ اللَّوْنَ عَلَى حِدَته
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: اللَّوْنُ نَوْعٌ مِنَ النَّخْلِ قِيلَ هُوَ الدَّقَلُ، وَقِيلَ: النَّخْلُ كُلُّهُ مَا خَلَا البَرْنِيَّ والعجوةَ، تُسَمِّيهِ أَهل الْمَدِينَةِ الأَلوانَ، وَاحِدَتُهُ لِينَة وأَصله لِوْنَة، فقُلبت الْوَاوُ يَاءً لِكَسْرَةِ اللَّامِ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنه كَتَبَ فِي صَدَقَةِ التَّمْرِ أَن يؤْخذ فِي البَرْنِيِّ مِنَ البَرْنِيِّ، وَفِي اللَّوْنِ مِنَ اللَّوْنِ
، وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ. ولُوَيْنٌ اسم.
لين: اللِّينُ: ضِدُّ الخُشونة. يُقَالُ فِي فِعْل الشَّيْءِ اللَّيِّن: لانَ الشيءُ يَلِينُ لِيْناً ولَيَاناً وتَلَيَّن وشيءٌ لَيِّنٌ ولَيْنٌ، مُخَفَّفٌ مِنْهُ، وَالْجَمْعُ أَلْيِناءُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
يَتْلُونَ كتابَ اللَّهِ لَيِّناً
أَي سَهْلا عَلَى أَلسنتهم، وَيُرْوَى لَيْناً، بِالتَّخْفِيفِ، لُغَةٌ فِيهِ. وأَلانه هُوَ ولَيَّنه وأَلْيَنه: صَيَّرَه لَيِّناً. وَيُقَالُ: أَلَنْتُه وأَلْيَنتُه عَلَى النقْصان وَالتَّمَامِ مِثْلَ أَطَلْته وأَطْوَلْتُه. وَاسْتَلَانَهُ: عَدَّه ليِّناً، وَفِي الْمُحْكَمِ: رَآهُ ليِّناً، وَقِيلَ: وَجَدَهُ ليِّناً عَلَى مَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ فِي هَذَا النَّحْوِ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِي ذِكْرِ الْعُلَمَاءِ الأَتقياء: فباشَرُوا رُوحَ الْيَقِينِ، واسْتلانُوا مَا اسْتَخْشنَ المُترَفُون، واستَوْحَشُوا مِمَّا أَنِسَ بِهِ الْجَاهِلُونَ.
وتلَيَّنَ لَهُ: تملَّقَ. واللَّيانُ: نَعْمَةُ العيْشِ؛ وأَنشد الأَزهري:
بيضاءُ باكرَها النَّعِيمُ، فصاغَها ... بلَيَانِه، فأَدَقَّها وأَجَلَّها
يَقُولُ: أَدَقَّ خَصْرَها وأَجَلَّ كفَلَها أَي وَفَّرَه. واللَّيانُ، بِالْفَتْحِ: الْمَصْدَرُ مِنَ اللِّين، وَهُوَ فِي لَيانٍ مِنَ الْعَيْشِ أَي رَخاء وَنَعِيمٍ وخفْضٍ. وَإِنَّهُ لَذُو مَلْينَةٍ أَي ليِّنُ الْجَانِبِ. وَرَجُلٌ هَيْنٌ لَيْنٌ وهَيِّنٌ ليِّنٌ، الْعَرَبُ تَقُولُهُ؛ وَحَدِيثُ
عُثْمَانَ بْنِ زائدةَ قَالَ: قَالَتْ جَدَّةُ سُفْيَانَ لِسُفْيَانَ:
بُنَيَّ، إنَّ البِرَّ شيءٌ هَيِّنُ، ... المَفْرَشُ اللَّيِّنُ والطُّعَيِّمُ،
ومَنْطِقٌ، إذا نطَقْتَ، ليِّنُ
قَالَ: يأْتون بِالْمِيمِ مَعَ النُّونِ فِي الْقَافِيَةِ؛ وأَنشده أَبو زَيْدٍ:
بُنَيَّ، إنَّ البِرَّ شيءٌ هَيْنُ، ... المَفْرَشُ اللَّيِّنُ والطُّعَيْمُ،
ومَنْطِقٌ، إذا نطَقْتَ، لَيْنُ
وَقَالَ الْكُمَيْتُ:
هَيْنُونَ لَيْنُونَ فِي بُيوتِهم، ... سِنْخُ التُّقَى والفَضائلُ الرُّتَبُ(13/394)
وَقَوْمٌ لَيْنُون وأَلْيِناءُ: إِنَّمَا هُوَ جَمْعُ لَيِّن مُشَدَّدًا وَهُوَ فَيْعِل لأَن فَعْلًا لَا يُجْمع عَلَى أَفْعلاء. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: إِنَّهُمْ قَوْمٌ أَلْيِناءُ، قَالَ: وَهُوَ شَاذٌّ. واللِّيانُ، بِالْكَسْرِ: المُلايَنة. ولايَنَ الرجلَ مُلايَنة ولِياناً: لانَ لَهُ. وَقَوْلُ
ابْنِ عُمَرَ فِي حَدِيثِهِ: خيارُكم أَلايِنُكم مَناكِبَ فِي الصلاةِ
؛ هِيَ جَمْعُ أَلْيَنَ وَهُوَ بِمَعْنَى السُّكُون والوَقار والخُشوع. واللَّيْنَةُ: كالمِسْوَرةِ يُتَوَسَّدُ بِهَا؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أَرى ذَلِكَ للِينِها ووَثارَتها. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ إِذَا عَرَّس بِلَيْلٍ توَسَّدَ لَيْنةً، وَإِذَا عَرَّسَ عِنْدَ الصُّبح نصَبَ ساعدَه
؛ قَالَ: اللَّيْنة كالمِسْوَرة أَو الرِّفادة، سُمِّيَتْ لَيْنةً لِلِينِهَا؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
قطَعْتَ عَليَّ الدَّهرَ سوفَ وعَلَّهُ، ... ولانَ وزُرْنا وانْتَظِرْنا وأَبْشِرِ
غَدٌ عِلَّةٌ لِلْيَوْمِ، واليومُ عِلَّةٌ ... لأَمْسِ فَلَا يُقْضَى، وَلَيْسَ بمُنْظَرِ
أَراد أَلانَ، فَتَرَكَ الْهَمْزَ. وَقَوْلُهُ فِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ
؛ قَالَ: كلُّ شَيْءٍ مِنَ النَّخْلِ سِوَى الْعَجْوَةِ فَهُوَ مِنَ اللِّينِ، وَاحِدَتُهُ لِينةٌ. وَقَالَ أَبو إِسْحَاقَ: هِيَ الأَلوان، الْوَاحِدَةُ لُونَةٌ، فَقِيلَ لِينة، بِالْيَاءِ، لِانْكِسَارِ اللَّامِ. وَحُرُوفُ اللِّينِ: الأَلفُ وَالْيَاءُ وَالْوَاوُ، كَانَتْ حَرَكَةُ مَا قَبْلَهَا مِنْهَا أَو لَمْ تَكُنْ، فَالَّذِي حَرَكَةُ مَا قَبْلَهُ مِنْهُ كَنَارٍ وَدَارٍ وَفِيلٍ وقيلٍ وحُول وغُول، وَالَّذِي لَيْسَ حَرَكَةُ مَا قَبْلَهُ مِنْهُ إِنَّمَا هُوَ فِي الْيَاءِ وَالْوَاوِ كبَيْتٍ وثَوْبٍ، فأَما الأَلف فَلَا يَكُونُ مَا قَبْلَهَا إِلَّا مِنْهَا. ولِينة: مَاءٌ لِبَنِي أَسد احْتَفره سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَذَلِكَ أَنه كَانَ فِي بَعْضِ أَسفاره فَشَكَا جُنْدُه العَطش فنَظر إِلَى سِبَطْرٍ فَوَجَدَهُ يَضْحَكُ فَقَالَ: مَا أَضحكك؟ فَقَالَ: أَضحكني أَن الْعَطَشَ قَدْ أَضَرَّ بِكُمْ وَالْمَاءُ تَحْتَ أَقدامكم، فاحتَفَر لِينةَ؛ حَكَاهُ ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، وَقَدْ يُقَالُ لَهَا اللِّينة. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: ولِينَة مَوْضِعٌ بِالْبَادِيَةِ عَنْ يَسَارِ المُصْعِدِ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ بِحِذَاءِ الهَبِير؛ ذَكَرَهُ زُهَيْرٌ فَقَالَ:
مِنْ ماءِ لِينَةَ لَا طَرْقاً وَلَا رَنَقا
قَالَ: وَبِهَا رَكايا عَذْبة حُفِرَت فِي حَجَرٍ رخْوٍ، والله أَعلم.
فصل الميم
مأن: المَأْنُ والمَأْنةُ: الطِّفْطِفَةُ، والجمع مأْناتٌ ومُؤُونٌ أَيضاً، عَلَى فُعُول، مِثْلُ بَدْرَة وبُدُور عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ؛ وأَنشد أَبو زَيْدٍ:
إِذَا مَا كنتِ مُهْدِيةً، فأَهْدِي ... من المَأْناتِ أَو قِطَع السَّنامِ
وَقِيلَ: هِيَ شَحْمة لَازِقَةٌ بالصِّفاق مِنْ بَاطِنِهِ مُطِيفتُه كلَّه، وَقِيلَ: هِيَ السُّرَّة وَمَا حَوْلَهَا، وَقِيلَ: هِيَ لَحْمَةٌ تَحْتَ السُّرَّة إِلَى الْعَانَةِ، وَقِيلَ: المأْنة مِنَ الْفَرَسِ السُّرَّة وَمَا حَوْلَهَا، وَمِنَ الْبَقَرِ الطِّفْطِفة. والمأْنَةُ: شَحْمةُ قَصِّ الصَّدْرِ، وَقِيلَ: هِيَ باطنُ الكِرْكِرة، قَالَ سِيبَوَيْهِ: المأنةُ تَحْتَ الكِرْكِرة، كَذَا قَالَ تَحْتَ الكِرْكِرة وَلَمْ يَقُلْ مَا تَحْتَ، وَالْجَمْعُ مَأْناتٌ ومُؤُونٌ؛ وأَنشد:
يُشَبَّهْنَ السَّفِينَ، وهُنَّ بُخْتٌ ... عِراضاتُ الأَباهِرِ والمُؤُونِ
ومَأَنه يَمْأَنُه مَأْناً: أَصابَ مأْنَتَه، وَهُوَ مَا بَيْنَ سُرَّته وَعَانَتِهِ وشُرْسُوفه. وَقِيلَ: مَأْنة الصَّدْرِ لحمةٌ(13/395)
سمينةٌ أَسفلَ الصَّدْرِ كأَنها لحمةٌ فَضْلٌ، قَالَ: وَكَذَلِكَ مَأْنةُ الطِّفْطِفة. وَجَاءَهُ أَمرٌ مَا مأَنَ لَهُ أَي لَمْ يَشْعُرْ بِهِ. وَمَا مأَنَ مأْنَه؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، أَي مَا شعرَ بِهِ. وأَتاني أمرٌ مَا مأَنْتُ مأْنه وَمَا مأَلْتُ مأْلَه وَلَا شأَنْتُ شأْنه أَي مَا تهيَّأْتُ لَهُ؛ عَنْ يَعْقُوبَ، وَزَعَمَ أَن اللَّامَ مُبْدَلَةٌ مِنَ النُّونِ. قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: أَتاني ذَلِكَ وَمَا مأنْتُ مَأْنَهُ أَي مَا علِمْتُ عِلْمَه، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا انْتَبَهْتُ لَهُ وَلَا شعرْتُ بِهِ وَلَا تهَيَّأتُ لَهُ وَلَا أَخذْتُ أُهْبته وَلَا احتَفلْتُ بِهِ؛ وَيُقَالُ مِنْ ذَلِكَ: وَلَا هُؤْتُ هَوْأَهُ وَلَا رَبَأْتُ رَبْأَه. وَيُقَالُ: هُوَ يَمْأَنُه أَي يَعْلمه. الْفَرَّاءُ: أَتاني وَمَا مأَنْتُ مأْنه أَي لَمْ أَكترِثْ لَهُ، وَقِيلَ: مِنْ غَيْرِ أَن تَهيَّأْتُ لَهُ وَلَا أَعدَدْتُ وَلَا عَمِلْتُ فِيهِ؛ وَقَالَ أَعرابي مِنْ سُلَيْم: أَي مَا عَلِمْتُ بِذَلِكَ. والتَّمْئِنَةُ: الإِعلام. والمَئِنَّةُ: العَلامة. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ الأَزهري الْمِيمُ فِي مئِنَّة زَائِدَةٌ لأَن وَزْنَهَا مَفْعِلة، وأَما الْمِيمُ فِي تَمْئِنة فأَصْل لأَنها مِنْ مأَنْتُ أَي تهيأْت، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ التَّمئنة التَّهيئة. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: هَذَا أَمر مَا مأَنْتُ لَهُ أَي لَمْ أَشعُرْ بِهِ. أَبو سَعِيدٍ: امْأَنْ مأْنَك أَي اعمَلْ مَا تُحْسِنُ. وَيُقَالُ: أَنا أَمأَنُه أَي أُحْسنه، وَكَذَلِكَ اشْأَنْ شأْنَك؛ وأَنشد:
إِذَا مَا عَلِمتُ الأَمر أَقرَرْتُ عِلْمَه، ... وَلَا أَدَّعي مَا لستُ أَمْأَنُه جَهْلا
كَفَى بامرئٍ يَوْمًا يَقُولُ بعِلْمِه، ... وَيَسْكُتُ عَمَّا لَيْسَ يَعْلَمُه، فَضْلا
الأَصمعي: ماأَنْتُ فِي هَذَا الأَمر عَلَى وَزْنِ ماعَنْت أَي رَوَّأْتُ. والمَؤُونة: القُوتُ. مأَنَ القومَ وَمَانَهُمْ: قَامَ عَلَيْهِمْ؛ وَقَوْلُ الهذَليَّ:
رُوَيدَ علِيّاً جُدَّ مَا ثَدْيُ أُمِّهِمْ ... إِلَيْنَا، ولكنْ وُدُّهم مُتَمائنُ
مَعْنَاهُ قَدِيمٌ، وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ: جَاءَنِي الأَمر وَمَا مأَنْتُ فِيهِ مأْنةً أَي مَا طَلَبْتُهُ وَلَا أَطلتُ التعبَ فِيهِ، وَالْتِقَاؤُهُمَا إِذًا فِي مَعْنَى الطُّول والبُعد، وَهَذَا مَعْنَى القِدَم، وَقَدْ رُوِيَ مُتَمايِن، بِغَيْرِ هَمْزٍ، فَهُوَ حِينَئِذٍ مِنَ المَيْن، وَهُوَ الْكَذِبُ، ويروى مُتَيامِنٌ أَي مائل إِلَى الْيَمَنِ. الْفَرَّاءُ: أَتاني وَمَا مأَنْتُ مأْنَه أَي مِنْ غَيْرِ أَن تهيَّأْتُ وَلَا أَعدَدْتُ وَلَا عَمِلْتُ فِيهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَن المؤُونة فِي الأَصل مَهْمُوزَةٌ، وَقِيلَ: المَؤُونة فَعُولة مِنْ مُنْتُه أَمُونُه موْناً، وهمزةُ مَؤُونة لِانْضِمَامِ وَاوِهَا، قَالَ: وَهَذَا حَسَنٌ. وَقَالَ اللَّيْثُ: المائِنة اسمُ مَا يُمَوَّنُ أَي يُتكَلَّفُ من المَؤُونة. الجوهري: المَؤونة تُهْمَزُ وَلَا تُهْمَزُ، وَهِيَ فَعُولة؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هِيَ مَفعُلة مِنَ الأَيْن وَهُوَ التَّعَبُ والشِّدَّة. وَيُقَالُ: هُوَ مَفعُلةٌ مِنَ الأَوْن وَهُوَ الخُرْجُ والعِدْلُ لأَنه ثِقْلٌ عَلَى الإِنسان؛ قَالَ الْخَلِيلُ: وَلَوْ كَانَ مَفعُلة لَكَانَ مَئِينةً مِثْلَ معِيشة، قَالَ: وَعِنْدَ الأَخفش يَجُوزُ أَن تَكُونَ مَفعُلة. ومأَنْتُ القومَ أَمأَنُهم مأْناً إِذَا احتملت مَؤُونتَهم، وَمَنْ تَرَكَ الْهَمْزَ قَالَ مُنْتُهم أَمُونهم. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: إِنْ جَعلْتَ المَؤُونة مِنْ مانَهم يَمُونهم لَمْ تَهْمِزْ، وَإِنْ جَعَلْتَهَا مِنْ مأَنْتُ هَمَزْتَهَا؛ قَالَ: وَالَّذِي نَقَلَهُ الْجَوْهَرِيُّ مِنْ مَذْهَبِ الفراء أَن مَؤُونة مِنَ الأَيْن، وَهُوَ التَّعَبُ والشِّدَّة، صَحِيحٌ إِلَّا أَنه أَسقط تَمَامَ الْكَلَامِ، وَتَمَامُهُ وَالْمَعْنَى أَنه عَظِيمُ التَّعَبِ فِي الإِنفاق عَلَى مَنْ يَعُول، وَقَوْلُهُ: وَيُقَالُ هُوَ مَفعُلة مِنَ الأَوْنِ، وَهُوَ الخُرْج والعِدْل، هُوَ قَوْلُ الْمَازِنِيِّ إِلَّا أَنه غيَّر بعضَ الْكَلَامِ، فأَما الَّذِي غيَّره فَهُوَ قَوْلُهُ: إِنَّ الأَوْنَ الخُرْجُ وَلَيْسَ(13/396)
هُوَ الخُرْجَ، وإِنما قَالَ والأَوْنانِ جَانِبَا الخُرْجِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، لأَن أَوْنَ الْخُرْجِ جَانِبُهُ وَلَيْسَ إِياه، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ أَيضاً فِي فصل أَون، وَقَالَ الْمَازِنِيُّ: لأَنها ثِقْل على الإِنسان يعني المؤُونة، فغيَّره الْجَوْهَرِيُّ فَقَالَ: لأَنه، فذكَّر الضَّمِيرَ وأَعاده عَلَى الخُرْج، وأَما الَّذِي أَسقطه فَهُوَ قَوْلُهُ بَعْدَهُ: وَيُقَالُ للأَتان إِذا أَقْرَبَتْ وعَظُمَ بطنُها: قَدْ أَوَّنتْ، وإِذا أَكل الإِنسانُ وامتلأَ بطنُه وَانْتَفَخَتْ خاصِرَتاه قِيلَ: أَوَّنَ تأْوِيناً؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
سِرّاً وَقَدْ أَوَّنَ تأْوِينَ العُقُقْ
انْقَضَى كَلَامُ الْمَازِنِيُّ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وأَما قَوْلُ الْجَوْهَرِيِّ قَالَ الْخَلِيلُ لَوْ كَانَ مَفْعُلة لكان مَئينةً، قَالَ: صَوَابُهُ أَن يَقُولَ لَوْ كَانَ مَفْعُلة مِنَ الأَيْن دُونَ الأَوْن، لأَن قِيَاسَهَا مِنَ الأَيْنِ مَئينة ومن الأَوْن مَؤُونة، وَعَلَى قِيَاسِ مَذْهَبِ الأَخفش أَنَّ مَفْعُلة مِنَ الأَيْنِ مَؤُونة، خِلَافَ قَوْلِ الْخَلِيلِ، وأَصلها عَلَى مَذْهَبِ الأَخفش مأْيُنَة، فَنُقِلَتْ حَرَكَةُ الْيَاءِ إِلى الهمزة فصارت مَؤويْنَة، فَانْقَلَبَتِ الْيَاءُ وَاوًا لِسُكُونِهَا وَانْضِمَامِ مَا قَبْلِهَا، قَالَ: وَهَذَا مَذْهَبُ الأَخفش. وإِنه لَمَئِنَّة مِنْ كَذَا أَي خَلِيقٌ. ومأَنْتُ فَلَانًا تَمْئِنَة «5» . أَي أَعْلَمته؛ وأَنشد الأَصمعي للمَرَّار الفَقْعسيّ:
فتهامَسُوا شَيْئًا، فَقَالُوا عرّسُوا ... مِنْ غيرِ تَمْئِنَةٍ لِغَيْرِ مُعَرَّسِ
أَي مِنْ غَيْرِ تَعْرِيفٍ، وَلَا هُوَ فِي مَوْضِعِ التَّعْريسِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الَّذِي فِي شِعْرِ المَرَّار فتَناءَمُوا أَي تَكَلَّمُوا مِنَ النَّئِيم، وَهُوَ الصَّوْتُ؛ قَالَ: وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَفَسَّرَ ابنُ حَبِيبٍ التَّمْئِنة بالطُّمَأْنينة؛ يَقُولُ: عَرّسوا بِغَيْرِ مَوْضِعِ طُمَأْنينة، وَقِيلَ: يَجُوزُ أَن يَكُونَ مَفْعِلة مِنَ المَئِنَّة الَّتِي هِيَ الْمَوْضِعُ المَخْلَقُ لِلنُّزُولِ أَي فِي غَيْرِ مَوْضِعِ تَعْريسٍ وَلَا عَلَامَةٍ تَدُلُّهُمْ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: تَمْئِنة تَهْيِئة وَلَا فِكْر وَلَا نَظَرٍ؛ وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: هُوَ تَفْعِلة من المَؤُونة الَّتِي هِيَ القُوتُ، وَعَلَى ذَلِكَ اسْتَشْهَدَ بِالْقُوتِ؛ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنه مَفْعِلة، فَهُوَ عَلَى هَذَا ثُنَائِيُّ. والمَئنَّةُ: الْعَلَامَةُ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ مَسْعُودٍ: إِنَّ طولَ الصَّلَاةِ وقِصَرَ الخُطْبة مَئِنَّة مِنْ فِقه الرَّجُلِ
أَي أَن ذَلِكَ مِمَّا يُعْرَفُ بِهِ فِقْه الرَّجُلِ. قَالَ ابْنُ الأَثير: وكلُّ شَيْءٍ دَلَّ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ مَئِنَّة لَهُ كالمَخْلَقة والمَجْدرة؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَحَقِيقَتُهَا أَنها مَفْعِلة مِنْ مَعْنَى إِنَّ الَّتِي لِلتَّحْقِيقِ والتأْكيد غَيْرُ مُشْتَقَّةٍ مِنْ لَفْظِهَا، لأَن الْحُرُوفَ لَا يُشْتَقُّ مِنْهَا، وإِنما ضُمِّنَتْ حروفَها دَلَالَةً عَلَى أَن مَعْنَاهَا فِيهَا، قَالَ: وَلَوْ قِيلَ إِنها اشتقت من لفظها بعد ما جُعِلَتِ اسْمًا لَكَانَ قَوْلًا، قَالَ: وَمِنْ أَغرب مَا قِيلَ فِيهَا أَن الْهَمْزَةَ بَدَلٌ مِنْ ظَاءِ المَظِنَّة، وَالْمِيمُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ زَائِدَةٌ. قَالَ الأَصمعي: سأَلني شُعْبَةُ عَنْ هَذَا فَقُلْتُ مَئِنَّة أَي عَلَامَةٌ لِذَلِكَ وخَلِيقٌ لِذَلِكَ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
إِنَّ اكْتِحالًا بالنَّقِيِّ الأَبْلَجِ، ... ونَظَراً فِي الحاجِبِ المُزَجَّجِ،
مَئِنَّةٌ مِنَ الفَعالِ الأَعْوَجِ
قَالَ: وَهَذَا الْحَرْفُ هَكَذَا يُرْوَى فِي الْحَدِيثِ وَالشِّعْرِ بِتَشْدِيدِ النُّونِ، قَالَ: وَحَقُّهُ عِنْدِي أَن يُقَالَ مَئِينة مِثَالُ مَعِينة عَلَى فَعِيلة، لأَن الْمِيمَ أَصلية، إِلا أَن يَكُونَ أَصلُ هَذَا الْحَرْفِ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْبَابِ فيكون
__________
(5) . قوله [ومأنت فلاناً تمئنة] كذا بضبط الأَصل مأنت بالتخفيف ومثله ضبط فِي نُسْخَةٍ مِنَ الصِّحَاحِ بشكل القلم، وعليه فتمئنة مصدر جارٍ على غير فعله(13/397)
مَئِنَّة مَفْعِلة مِنْ إِنَّ الْمَكْسُورَةِ المشدَّدة، كَمَا يُقَالُ: هُوَ مَعْساةٌ مِنْ كَذَا أَي مَجْدَرة ومَظِنَّة، وَهُوَ مَبْنِيٌّ مِنْ عَسَى، وَكَانَ أَبو زَيْدٍ يَقُولُ مَئِتَّة، بِالتَّاءِ، أَي مَخْلَقة لِذَلِكَ ومَجْدَرة ومَحْراة وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَهُوَ مَفْعِلة مِنْ أَتَّه يَؤُتُّه أَتّاً إِذا غَلَبَهُ بِالْحُجَّةِ، وَجَعَلَ أَبو عُبَيْدٍ الْمِيمَ فِيهِ أَصلية، وَهِيَ مِيمُ مَفْعِلة. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: المَئِنَّة، عَلَى قَوْلِ الأَزهري، كَانَ يَجِبُ أَن تُذْكَرَ فِي فَصْلِ أَنن، وَكَذَا قَالَ أَبو عَلِيٍّ فِي التَّذْكِرَةِ وَفَسَّرَهُ فِي الرَّجَزِ الَّذِي أَنشده الْجَوْهَرِيُّ:
إِنَّ اكْتِحَالًا بالنقيِّ الأَبلج
قَالَ: وَالنَّقِيُّ الثَّغْر، ومَئِنَّة مَخْلَقة؛ وَقَوْلُهُ مِنَ الفَعالِ الأَعوج أَي هُوَ حَرَامٌ لَا يَنْبَغِي. والمأْنُ: الْخَشَبَةُ فِي رأْسها حَدِيدَةٌ تُثَارُ بِهَا الأَرض؛ عَنْ أَبي عمرو وابن الأَعرابي.
متن: المَتْنُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ: مَا صَلُبَ ظَهْرُه، وَالْجَمْعُ مُتُون ومِتَانٌ؛ قَالَ الْحَرِثُ بْنُ حِلِّزة:
أَنَّى اهتَدَيْتِ، وكُنتِ غيرَ رَجِيلةٍ، ... والقومُ قَدْ قطَعُوا مِتَانَ السَّجْسج
أَراد مِتانَ السَّجاسِج فَوَضَعَ الْوَاحِدَ مَوْضِعَ الْجَمْعِ، وَقَدْ يَجُوزُ أَن يُرِيدَ مَتْنَ السَّجْسَجِ فَجَمَعَ عَلَى أَنه جَعَلَ كلَّ جُزْءٍ مِنْهُ مَتْناً. ومَتْنُ كُلِّ شَيْءٍ: مَا ظَهَرَ مِنْهُ. ومَتْنُ المَزادة: وجهُها البارزُ. والمَتْنُ: مَا ارْتَفَعَ مِنَ الأَرض واستوَى، وَقِيلَ: مَا ارْتَفَعَ وصَلُبَ، وَالْجَمْعُ كَالْجَمْعِ. أَبو عَمْرٍو: المُتُونُ جَوَانِبُ الأَرض فِي إِشْراف. وَيُقَالُ: مَتْنُ الأَرض جَلَدُها. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: طَرَّقوا بَيْنَهُمْ تَطْريقاً ومَتَّنُوا بَيْنَهُمْ تَمْتِينًا، والتَّمْتِين: أَن يَجْعَلُوا بَيْنَ الطَّرَائِقِ مُتُناً مِنْ شَعَر، وَاحِدُهَا مِتانٌ. ومَتَّنُوا بَيْنَهُمْ: جَعَلُوا بَيْنَ الطَّرَائِقِ مُتُناً مِنْ شَعَرٍ لِئَلَّا تُخرّقه أَطرافُ الأَعمدة. والمَتْنُ والمِتانُ: مَا بَيْنَ كُلِّ عَمُودَيْنِ، وَالْجَمْعُ مُتُنٌ. والتَّمْتِينُ والتِّمْتِين والتِّمْتانُ: الخَيْط «1» الَّذِي يُضَرَّبُ بِهِ الفُسْطاطُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: التَّمْتِينُ، عَلَى وَزْنِ تَفْعِيل، خُيوط تُشدُّ بِهَا أَوْصالُ الخِيام. ابْنُ الأَعرابي: التَّمْتِينُ تَضريبُ المَظَالِّ والفَساطِيطِ بالخُيوطِ. يُقَالُ: مَتِّنْها تمتِيناً. وَيُقَالُ: مَتِّنْ خِباءَكَ تَمْتِينًا أَي أَجِدْ مَدَّ أَطْنابه، قَالَ: وَهَذَا غَيْرُ مَعْنَى الأَول. وَقَالَ الحِرْمازي: التَّمْتِين أَن تَقُولَ لِمَنْ سَابَقَكَ تقَدَّمني إِلى مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا ثُمَّ أَلْحَقك، فَذَلِكَ التَّمتين. يُقَالُ: مَتَّنَ فلانٌ لِفُلَانٍ كَذَا وَكَذَا ذِرَاعًا ثُمَّ لَحِقَه. والمَتْنُ: الظَّهْرُ، يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وَالْجَمْعُ مُتونٌ، وَقِيلَ: المَتْنُ والمَتْنةُ لُغَتَانِ، يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، لَحمتان مَعصُوبتان بَيْنَهُمَا صُلْبُ الظَّهْرِ مَعْلُوَّتان بعَقَب. الْجَوْهَرِيُّ: مَتْنا الظَّهْرِ مُكتَنَفا الصُّلْبِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ مِنْ عَصَبٍ وَلَحْمٍ، يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، وَقِيلَ: المَتْنانِ والمَتْنَتانِ جَنَبَتا الظَّهْرِ، وجمعُهما مُتُون، فمَتْنٌ ومُتُون كظهْرٍ وظُهُور، ومَتْنَة ومُتُونٌ كمَأْنةٍ ومُؤُون؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ يَصِفُ الْفَرَسَ فِي لُغَةِ مَنْ قَالَ مَتْنة:
لَهَا مَتْنَتانِ خَظَاتا، كَمَا ... أَكَبَّ عَلَى ساعِدَيْهِ النَّمِرْ
ومَتَنه مَتْناً: ضَرب مَتْنه. التَّهْذِيبِ: مَتَنْتُ الرَّجُلَ مَتْناً إِذا ضَرَبْتَهُ، ومَتَنه مَتْناً إِذا مَدَّه، ومَتَنَ بِهِ مَتْناً إِذا مَضَى بِهِ يَوْمَهُ أَجمع، وَهُوَ يَمْتُنُ بِهِ. ومَتْنُ الرُّمح وَالسَّهْمِ: وسطُهُما، وَقِيلَ: هُوَ مِنَ السَّهْمِ مَا دُونَ الزَّافِرة إِلى وَسَطِهِ، وَقِيلَ: مَا دُونَ الرِّيشِ إِلى وَسَطِهِ. والمَتْنُ: الوَتر. ومَتَنه بالسَّوْط مَتْناً: ضَرَبَهُ بِهِ أَيَّ مَوْضِعٍ كَانَ منه، وقيل: ضربه
__________
(1) . قوله [والتمتان الخيط] ضبطه المجد بكسر التاء والصاغاني بفتحها(13/398)
بِهِ ضَرْبًا شَدِيدًا. وجِلْدٌ لَهُ مَتْنٌ أَي صَلابة وأَكْلٌ وقُوَّة. وَرَجُلٌ مَتْنٌ: قَوِيٌّ صُلْب. ووَتَرٌ مَتِين: شَدِيدٌ. وَشَيْءٌ مَتِينٌ: صُلْب. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ
: مَعْنَاهُ ذُو الِاقْتِدَارِ والشِّدَّة، الْقِرَاءَةُ بِالرَّفْعِ، والمَتِينُ صِفَةٌ لِقَوْلِهِ ذُو الْقُوَّةِ، وَهُوَ اللَّهُ تَبَارَكَ وتقَدَّس، وَمَعْنَى ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ
ذُو الِاقْتِدَارِ الشَّدِيدِ، والمَتِينُ فِي صِفَةِ اللَّهِ القَوِيُّ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ الْقَوِيُّ الشَّدِيدُ الَّذِي لَا يَلْحَقُهُ فِي أَفعاله مشقةٌ وَلَا كُلْفة وَلَا تعَبٌ، والمَتانةُ: الشِّدَّة والقُوَّة، فَهُوَ مِنْ حَيْثُ أَنه بَالِغُ الْقُدْرَةِ تامُّها قَوِيّ، وَمِنْ حَيْثُ أَنه شَدِيدُ القُوَّة متِينٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقُرِئَ المَتينِ بِالْخَفْضِ عَلَى النَّعْتِ للقُوَّة، لأَن تأْنيث القُوَّة كتأْنيث الْمَوْعِظَةِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ؛ أَي وَعْظٌ. وَالْقُوَّةُ: اقْتدارٌ. والمَتِينُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ: القَوِيُّ. ومَتُنَ الشَّيْءُ، بِالضَّمِّ، مَتَانةً، فَهُوَ مَتِين أَي صُلْبٌ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ مَتُنَ مَتانة ومَتَّنه هُوَ. والمُماتَنة: المُباعدة فِي الْغَايَةِ. وَسَيْرٌ مُماتِنٌ: بَعِيدٌ. وَسَارَ سَيْرًا مُماتِناً أَي بَعِيدًا، وَفِي الصِّحَاحِ أَي شَدِيدًا. ومَتَن بِهِ مَتْناً: سَارَ بِهِ يَوْمَهُ أَجمع. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَتَنَ بِالنَّاسِ يَوْمَ كَذَا
أَي سَارَ بِهِمْ يَوْمَهُ أَجمع. ومَتَنَ فِي الأَرض إِذا ذَهَبَ. وتَمْتِينُ القَوْس بالعَقَب وَالسِّقَاءِ بالرُّبِّ: شَدُّه وإِصلاحُه بِذَلِكَ. ومَتَنَ أُنْثَيَي الدَّابَّةِ وَالشَّاةِ يَمْتُنُهما مَتْناً: شَقَّ الصَّفْنَ عَنْهُمَا فسلَّهما بِعُرُوقِهِمَا، وخصَّ أَبو عُبَيْدٍ بِهِ التَّيسَ. الْجَوْهَرِيُّ: ومَتَنْتُ الكَبشَ شَقَقْتَ صَفْنه وَاسْتَخْرَجْتَ بَيْضَتَهُ بِعُرُوقِهَا. أَبو زَيْدٍ: إِذا شققتَ الصَّفَنَ وَهُوَ جِلْدَةُ الخُصْيَتين فأَخرجتهما بِعُرُوقِهِمَا فَذَلِكَ المَتْنُ، وَهُوَ مَمْتُون، وَرَوَاهُ شَمِرٌ الصَّفْن، وَرَوَاهُ ابْنُ جَبَلة الصَّفَن. والمَتْنُ: أَن تُرَضَّ خُصْيتا الْكَبْشِ حَتَّى تَسْتَرْخِيَا. وماتَنَ الرجلَ: فعَلَ بِهِ مِثْلَ مَا يَفْعَلُ بِهِ، وَهِيَ المُطاولة والمُماطَلة. وماتَنه: ماطَله. الأُمَوِيّ: مَثَنْته بالأَمر مَثْناً، بِالثَّاءِ، أَي غَتَتُّه بِهِ غَتّاً؛ قَالَ شَمِرٌ: لَمْ أَسمع مَثَنْته بِهَذَا الْمَعْنَى لِغَيْرِ الأُموي؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: أَظنه مَتَنْته مَتْناً، بِالتَّاءِ لَا بِالثَّاءِ، مأْخوذ مِنَ الشَّيْءِ المَتينِ وَهُوَ الْقَوِيُّ الشَّدِيدُ، وَمِنَ المُماتنة فِي السَّيْرِ. وَيُقَالُ: ماتَنَ فلانٌ فُلَانًا إِذا عَارَضَهُ فِي جَدَلٍ أَو خُصُومَةٍ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: والمُماتَنة والمِتانُ هُوَ أَن تُباقيه «2» . فِي الجَرْي وَالْعَطِيَّةِ؛ وَقَالَ الطِّرِمَّاحُ:
أَبَوْا لِشَقائِهم إِلّا انْبِعاثي، ... ومِثْلي ذُو العُلالةِ والمِتانِ
ومَتَنَ بِالْمَكَانِ مُتُوناً: أَقام. ومَتَنَ المرأَةَ: نَكَحَهَا، وَاللَّهُ أَعلم.
مثن: المَثانة: مُسْتَقَرُّ الْبَوْلِ وَمَوْضِعُهُ مِنَ الرَّجُلِ والمرأَة مَعْرُوفَةٌ. ومَثِنَ، بِالْكَسْرِ، مَثَناً، فَهُوَ مَثِنٌ وأَمْثَنُ، والأُنثى مَثْناء: اشْتَكَى مَثانته، ومُثِنَ مَثْناً، فَهُوَ مَمْثُون ومَثِين كَذَلِكَ. وَفِي حَدِيثِ
عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ: أَنه صَلَّى فِي تُبّانٍ فَقَالَ إِني مَمْثُون
؛ قَالَ الْكِسَائِيُّ وَغَيْرُهُ: الْمَمْثُونُ الَّذِي يَشْتَكِي مَثانته، وهي العُضْوُ [العِضْوُ] الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ الْبَوْلُ دَاخِلَ الْجَوْفِ، يُقَالُ مِنْهُ: رَجُلٌ مَثِنٌ وممْثُون، فإِذا كَانَ لَا يُمْسِكُ بولَه فَهُوَ أَمْثَن. ومَثِنَ الرَّجُلُ، بِالْكَسْرِ، فَهُوَ أَمْثَن بَيِّنُ المَثَنِ إِذا كَانَ لَا يَسْتَمْسِكُ بَوْلُهُ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يُقَالُ فِي فِعْلِهِ مَثِنَ ومُثِنَ، فَمَنْ قال مَثِنَ فالاسم منه مَثِنٌ، وَمَنْ قَالَ مُثِن فَالِاسْمُ مِنْهُ مَمْثُون. ابْنُ سِيدَهْ: المَثنُ وَجَعُ المَثانة، وهو أَيضاً أَن لا يَسْتَمْسِكَ البولُ فِيهَا. أَبو زَيْدٍ: الأَمْثَنُ الَّذِي لَا يَسْتَمْسِكُ بولُه فِي مَثَانَتِهِ، والمرأَة مَثْناء، مَمْدُودٌ. ابْنُ الأَعرابي: يقال لمَهْبِل
__________
(2) . قوله: تباقيه؛ هكذا في الأَصل، ولم نجد فعل باقى في المعاجم التي بين أيدينا(13/399)
المرأَة المَحْمل والمُسْتَوْدَعُ وَهُوَ الْمَثَانَةُ أَيضاً؛ وأَنشد:
وحاملةٍ مَحْمولةٍ مُسْتَكِنَّةٍ، ... لَهَا كلُّ حافٍ فِي البِلادِ وناعِلِ
يَعْنِي المَثانة الَّتِي هِيَ المُسْتودَع. قَالَ الأَزهري: هَذَا لَفْظُهُ، قَالَ: والمَثانة عِنْدَ عَوَامِّ النَّاسِ مَوْضِعُ الْبَوْلِ، وَهِيَ عِنْدَهُ مَوْضِعُ الْوَلَدِ مِنَ الأُنثى. والمَثِنُ: الَّذِي يَحْبِسُ بولَه. وَقَالَتِ امرأَة مِنَ الْعَرَبِ لِزَوْجِهَا: إِنك لمَثِنٌ خَبِيثٌ، قِيلَ لَهَا: وَمَا المَثِنُ؟ قَالَتْ: الَّذِي يُجَامِعُ عِنْدَ السَّحَر عِنْدَ اجْتِمَاعِ الْبَوْلِ فِي مَثانته، قَالَ: والأَمْثَنُ مِثْلُ المَثِنِ فِي حَبْسِ الْبَوْلِ. أَبو بَكْرٍ الأَنباري: المَثْناءُ، بِالْمَدِّ، المرأَةُ إِذا اشْتَكَتْ مَثانتها. ومَثَنه يَمْثُنه، بِالضَّمِّ «1» . مَثْناً ومُثُوناً: أَصابَ مَثانته. الأَزهري: ومَثَنه بالأَمرِ مَثْناً غَتَّه بِهِ غَتّاً؛ قَالَ شَمِرٌ: لَمْ أَسمع مثَنْتُه بِهَذَا الْمَعْنَى لِغَيْرِ الأُموي؛ قَالَ الأَزهري: أَظنه مَتَنْتُه مَتْناً، بِالتَّاءِ لَا بِالثَّاءِ، مأْخوذ مِنَ المَتِين وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَرْجَمَةٍ متن، وَاللَّهُ أَعلم.
مجن: مَجَنَ الشيءُ يَمْجُنُ مُجُوناً إِذا صَلُبَ وغَلُظَ، وَمِنْهُ اشتقاقُ الماجِن لِصَلَابَةِ وَجْهِهِ وَقِلَّةِ اسْتِحْيَائِهِ. والمِجَنُّ: التُّرْسُ مِنْهُ، عَلَى مَا ذَهَبَ إِليه سِيبَوَيْهِ مِنْ أَن وَزْنَهُ فِعَلٌّ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي تَرْجَمَةِ جنن، وَوَرَدَ ذِكْرُ المجَنِّ والمِجانِّ فِي الْحَدِيثِ، وَهُوَ التُّرْسُ والتِّرَسَة، وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ لأَنه مِنَ الجُنَّةِ السُّتْرة. التَّهْذِيبِ: الماجِنُ والماجِنَةُ مَعْرُوفَانِ، والمَجانَةُ أَن لَا يُباليَ مَا صَنَع وَمَا قِيلَ لَهُ؛ وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ تمثَّلَتْ بِشِعْرِ لَبِيدٍ:
يتَحَدّثونَ مَخانةً ومَلاذةً
المَخانة: مَصْدَرٌ مِنَ الخِيَانَةِ، وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ، قَالَ: وَذَكَرَهُ أَبو مُوسَى فِي الْجِيمِ مِنَ المُجُون، فَتَكُونُ الْمِيمُ أَصلية، وَاللَّهُ أَعلم. والماجِنُ عِنْدَ الْعَرَبِ: الَّذِي يَرْتَكِبُ المَقابح المُرْدية وَالْفَضَائِحَ المُخْزِية، وَلَا يَمُضُّه عَذْلُ عاذِلِه وَلَا تَقْريعُ مَنْ يُقَرِّعُه. والمَجْنُ: خَلْطُ الجِدِّ بِالْهَزْلِ. يُقَالُ: قَدْ مَجَنْتَ فاسْكُتْ، وَكَذَلِكَ المَسْنُ هُوَ المُجُون أَيضاً، وَقَدْ مَسَنَ. والمُجون: أَن لَا يُبَالِيَ الإِنسانُ بِمَا صَنَعَ. ابْنُ سِيدَهْ: الماجِنُ مِنَ الرِّجَالِ الَّذِي لَا يُبَالِي بِمَا قَالَ وَلَا مَا قِيلَ لَهُ كأَنه مِنْ غِلَظِ الْوَجْهِ وَالصَّلَابَةِ؛ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: أَحسَبُه دَخِيلًا، وَالْجَمْعُ مُجّانٌ. مَجَنَ، بِالْفَتْحِ، يَمْجُنُ مُجوناً ومَجَانة ومُجْناً؛ حَكَى الأَخيرة سِيبَوَيْهِ، قَالَ: وَقَالُوا المُجْنُ كَمَا قَالُوا الشُّغْلُ، وَهُوَ ماجِنٌ. قَالَ الأَزهري: سَمِعْتُ أَعرابيّاً يَقُولُ لِخَادِمٍ لَهُ كَانَ يَعْذِلُه كَثِيرًا وَهُوَ لَا يَرِيعُ إِلى قَوْلِهِ: أَراك قَدْ مَجَنْتَ عَلَى الْكَلَامِ؛ أَراد أَنه مَرَنَ عَلَيْهِ لَا يَعْبأُ بِهِ، وَمِثْلُهُ مَرَدَ عَلَى الْكَلَامِ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ. اللَّيْثُ: المَجّانُ عَطِيَّةُ الشَّيْءِ بِلَا مِنَّة وَلَا ثَمَنٍ؛ قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: سَمِعْتُ ابْنَ الأَعرابي يَقُولُ المَجّان، عِنْدَ الْعَرَبِ، الباطلُ. وَقَالُوا: ماءٌ مَجّانٌ. قَالَ الأَزهري: الْعَرَبُ تَقُولُ تَمْرٌ مَجّانٌ وَمَاءٌ مَجّانٌ؛ يُرِيدُونَ أَنه كَثِيرٌ كافٍ، قَالَ: واستَطْعَمني أَعرابي تَمْرًا فأَطعمته كُتْلةً وَاعْتَذَرْتُ إِليه مِنْ قِلَّته، فَقَالَ: هَذَا وَاللَّهِ مَجّانٌ أَي كَثِيرٌ كافٍ. وَقَوْلُهُمْ: أَخذه مَجّاناً أَي بِلَا بَدَلٍ، وَهُوَ فَعّال لأَنه يَنْصَرِفُ. ومَجَنَّةُ: عَلَى أَميال مِنْ مَكَّةَ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: يَحْتَمِلُ أَن يَكُونَ مِنَ مَجَنَ وأَن يَكُونَ مِنْ جَنَّ، وَهُوَ الأَسبق، وَقَدْ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي تَرْجَمَةِ جنن أَيضاً؛ وَفِي حَدِيثِ
بلال:
__________
(1) . قوله [ومثنه يمثنه بالضم] نقل الصاغاني عن أبي عبيد الكسر أيضاً(13/400)
وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِياهَ مَجَنَّةٍ؟ ... وَهَلْ يَبْدُوَنْ لِي شامةٌ وطَفِيلُ؟
قَالَ ابْنُ الأَثير: مَجَنَّة مَوْضِعٌ بأَسفل مَكَّةَ عَلَى أَميال، وَكَانَ يُقام بِهَا لِلْعَرَبِ سُوق، قَالَ: وَبَعْضُهُمْ يَكْسِرُ مِيمَهَا، وَالْفَتْحُ أَكثر، وَهِيَ زَائِدَةٌ. والمُماجِنُ مِنَ النُّوقِ: الَّتِي يَنْزُو عَلَيْهَا غيرُ واحدٍ مِنَ الفُحولة فَلَا تَكَادُ تَلْقَح. وَطَرِيقٌ مُمَجَّنٌ أَي مَمْدُودٌ. والمِيجَنَة: المِدَقَّة، تُذْكَرُ فِي وجن، إِن شَاءَ الله عز وجل.
مجشن: ذَكَرَ ابْنُ سِيدَهْ فِي الرباع ما صورته: الماجُشُون [الماجِشُون] اسْمُ رَجُلٍ؛ حَكَاهُ ثعلب. وابن الماجُشُون [الماجِشُون] : الْفَقِيهُ المعروفُ مِنْهُ، والله أَعلم.
محن: المِحْنة: الخِبْرة، وَقَدِ امتَحنه. وامتَحن القولَ: نَظَرَ فِيهِ ودَبَّره. التَّهْذِيبِ:
إِن عُتْبة بْنِ عبدٍ السُّلَمي، وَكَانَ مِنْ أَصحاب سَيِّدِنَا رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَدَّث أَن رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: القَتْلى ثَلَاثَةٌ، رَجُلٌ مُؤْمِنٌ جاهَدَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى إِذا لَقِيَ العَدُوَّ قاتَلَهم حتى يُقْتَل، فذلك الشهيد المُمْتَحَن فِي جَنَّةِ اللَّهِ تَحْتَ عَرْشِهِ «1» . لَا يَفْضُله النَّبِيُّونَ إِلا بِدَرَجَةِ النبوَّة
؛ قَالَ شَمِرٌ: قَوْلُهُ فَذَلِكَ الشَّهِيدُ المُمْتحَن هُوَ المُصفَّى المُهذَّب المخلَّصُ مِنْ مَحَنتُ الفضةَ إِذا صَفَّيْتَهَا وَخَلَّصْتَهَا بِالنَّارِ.
وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ
، قَالَ: خَلَّصَ اللهُ قُلُوبَهَمْ
، وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ
صَفَّاها وهَذَّبها، وَقَالَ غَيْرُهُ: المُمْتحَنُ المُوَطَّأُ المُذَلَّلُ، وَقِيلَ: مَعْنَى قَوْلِهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى
شَرَحَ اللهُ قُلُوبَهُمْ، كأَنَّ مَعْنَاهُ وَسَّع اللَّهُ قلوبَهم لِلتَّقْوَى. ومَحَنْتُه وامتَحْنتُه: بِمَنْزِلَةِ خَبَرْتُه وَاخْتَبَرْتُهُ وبَلَوْتُه وابتَلَيْتُه. وأَصل المَحْنِ: الضَّرْبُ بالسَّوْط. وامتَحَنتُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ إِذا أَذبتهما لِتَخْتَبِرَهُمَا حَتَّى خَلَّصْتَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، وَالِاسْمُ المِحْنة. والمَحْنُ: الْعَطِيَّةُ. وأَتيتُ فُلَانًا فَمَا مَحَنَني شَيْئًا أَي مَا أَعطاني. والمِحْنة: وَاحِدَةُ المِحَنِ الَّتِي يُمتَحَنُ بِهَا الإِنسانُ مِنْ بَلِيَّةٍ، نَسْتَجِيرُ بِكَرَمِ اللَّهِ مِنْهَا. وَفِي حَدِيثِ
الشَّعْبي: المِحْنة بِدْعَة
، هِيَ أَن يأْخذ السلطانُ الرجلَ فيَمْتحِنه وَيَقُولَ: فَعَلْتَ كَذَا وَفَعَلْتَ كَذَا، فَلَا يَزَالُ بِهِ حَتَّى يَقُولَ مَا لَمْ يَفْعَلْهُ أَو مَا لَا يَجُوزُ قَوْلُهُ، يَعْنِي أَن هَذَا الْقَوْلَ بِدْعَةٌ؛ وقولُ مُليح الهُذَليِّ:
وحُبُّ لَيْلَى، وَلَا تَخْشى مَحُونتَه، ... صَدْعٌ لنَفْسِكَ مِمَّا لَيْسَ يُنْتقَدُ
قَالَ ابْنُ جِنِّي: مَحُونته عَارُهُ وتِباعَتُه، يَجُوزُ أَن يَكُونَ مُشْتَقًّا مِنَ المِحْنَة لأَن العارَ مِنْ أَشدِّ المِحْن، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مَفْعُلة مِنَ الحَيْنِ، وَذَلِكَ أَن الْعَارَ كَالْقَتْلِ أَو أَشد. اللَّيْثُ: المِحْنة مَعْنَى الْكَلَامِ الَّذِي يُمتحَنُ بِهِ لِيَعْرِفَ بِكَلَامِهِ ضَمِيرَ قَلْبِهِ، تَقُولُ امتحَنْتُه، وامتَحنْتُ الْكَلِمَةَ أَي نَظَرْتُ إِلى مَا يَصِيرُ إِليه صَيُّورُها. والمَحْنُ: النِّكَاحُ الشَّدِيدُ. يُقَالُ: مَحَنها ومَخَنها ومسَحَها إِذا نَكَحَهَا. ومَحَنه عِشْرِينَ سَوْطاً: ضَرَبَهُ. وَمَحَنَ السَّوْطَ: لَيَّنَه. المُفَضَّلُ: مَحَنْتُ الثوبَ مَحْناً إِذا لَبِسْتَهُ حَتَّى تُخْلِقه. ابْنُ الأَعرابي: مَحَنْته بالشَّدِّ والعَدْو وَهُوَ التَّلْيِينُ بالطَّرْد، والمُمْتحَن والمُمَحَّص وَاحِدٌ. أَبو سَعِيدٍ: مَحَنْتُ الأَديم مَحْناً إِذا مَدَدْتَهُ حَتَّى تُوَسِّعَهُ. ابْنُ الأَعرابي: المَحْنُ اللَّيِّنُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. ومَحْنت الْبِئْرَ مَحْناً إِذا أَخرجت تُرابها
__________
(1) . قوله [فِي جَنَّةِ اللَّهِ تَحْتَ عرشه] الذي في نسخة التهذيب: في خيمة الله(13/401)
وَطِينَهَا. الأَزهري عَنِ الْفَرَّاءِ: يُقَالُ مَحَنْتُه ومخنتُه، بِالْحَاءِ وَالْخَاءِ، ومحجْتُه ونقَجته ونقَخته وجَلَهْته وجَحَشته ومَشَنْته وعَرَمْتُه وحسَفته وحسَلْته وخسَلْته ولَتَحْتُه كُلُّهُ بِمَعْنَى قَشَرْتُه. وَجِلْدٌ مُمتحَنٌ: مَقْشُور، وَاللَّهُ أَعلم.
مخن: المَخْنُ والمَخِنُ والمِخَنُّ، كُلُّهُ: الطَّوِيلُ؛ قَالَ:
لَمَّا رَآهُ جَسْرَباً مِخَنَّا، ... أَقْصَر عَنْ حَسْناء وارْثَعَنَّا
وَقَدْ مَخَنَ مَخْناً ومُخُوناً. اللَّيْثُ: رَجُلٌ مَخْنٌ وامرأَة مَخْنة إِلى القِصَر مَا هُوَ، وَفِيهِ زَهْوٌ وخِفَّة؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: مَا عَلِمْتُ أَحداً قَالَ فِي المَخْن إِنه إِلى القِصَر مَا هُوَ غَيْرَ اللَّيْثِ، وَقَدْ رَوَى أَبو عُبَيْدٍ عَنِ الأَصمعي فِي بَابِ الطِّوالِ مِنَ النَّاسِ: وَمِنْهُمُ المَخْن واليَمْخُور والمُتماحِلُ. وَرَوِيَ عَنِ ابْنِ الأَعرابي أَنه قَالَ: المَخْنُ الطُّولُ، والمَخْنُ أَيضاً البُكاء، والمَخْنُ نزْحُ الْبِئْرِ؛ وأَنشد غَيْرُهُ:
قَدْ أَمرَ الْقَاضِي بأَمرٍ عَدْلِ، ... أَنْ تَمْخَنُوها بِثَمَانِي أَدْلِ
والمِخَنَّةُ: الفِناء؛ قَالَ:
ووَطِئْتَ مُعتَلِياً مِخَنَّتَنا، ... والغَدْرُ مِنْكَ عَلامةُ العَبْدِ
ومَخَنَ المرأَة مَخْناً: نَكَحَهَا. والمَخْنُ: النَّزْعُ مِنَ الْبِئْرِ. ومخَنَ الشيءَ مَخْناً: كمَخَجَه؛ قَالَ:
قَدْ أَمرَ الْقَاضِي بأَمرٍ عَدْلِ، ... أَنْ تَمْخَنُوها بِثَمَانِي أَدْلِ
ومخَنَ الأَديمَ: قَشَره، وَفِي الْمُحْكَمِ: مَخَنَ الأَديمَ والسَّوْطَ دَلَكه ومَرَنَه، وَالْحَاءُ الْمُهْمَلَةُ فِيهِ لغة. وطريق مُمَخَّنٌ: وُطِيءَ حَتَّى سَهُلَ؛ وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنها تَمَثَّلَتْ بِشِعْرِ لَبِيدٍ:
يتَحَدَّثونَ مَخانةً ومَلاذَة
قَالَ: المَخانَةُ مَصْدَرٌ مِنَ الخِيانة، وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ، قَالَ: وَذَكَرَهُ أَبو مُوسَى فِي الْجِيمِ مِنَ المُجون، فَتَكُونُ الْمِيمُ أَصلية، وقد تقدم.
مدن: مَدَنَ بِالْمَكَانِ: أَقام بِهِ، فِعْلٌ مُمات، وَمِنْهُ المَدِينة، وَهِيَ فَعِيلة، وَتُجْمَعُ عَلَى مَدَائن، بِالْهَمْزِ، ومُدْنٍ ومُدُن بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّثْقِيلِ؛ وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ: أَنه مَفْعِلة مِنْ دِنْتُ أَي مُلِكْتُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: لَوْ كَانَتِ الْمِيمُ فِي مَدِينَةٍ زَائِدَةً لَمْ يَجُزْ جَمْعُهَا عَلَى مُدْنٍ. وَفُلَانٌ مَدَّنَ المَدائنَ: كَمَا يُقَالُ مَصَّرَ الأَمصارَ. قَالَ وَسُئِلَ أَبو عَلِيٍّ الفَسَوِيُّ عَنْ هَمْزَةِ مَدَائِنَ فَقَالَ: فِيهِ قَوْلَانِ، مَنْ جَعَلَهُ فَعِيلة مِنْ قَوْلِكَ مَدَنَ بِالْمَكَانِ أَي أَقام بِهِ هَمَزَهُ، وَمَنْ جَعَلَهُ مَفْعِلة مِنْ قَوْلِكَ دِينَ أَي مُلِكَ لَمْ يَهْمِزْهُ كَمَا لَا يَهْمِزُ مَعَايِشَ. والمَدِينة: الحِصْنُ يُبْنَى فِي أُصطُمَّةِ الأَرض، مُشْتَقٌّ مِنْ ذَلِكَ. وكلُّ أَرض يُبْنَى بِهَا حِصْنٌ فِي أُصطُمَّتِها فَهِيَ مَدِينَةٌ، وَالنِّسْبَةُ إِليها مَدِينيّ، وَالْجَمْعُ مَدائنُ ومُدُنٌ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَمِنْ هُنَا حَكَمَ أَبو الْحَسَنِ فِيمَا حَكَاهُ الْفَارِسِيُّ أَن مَدِينة فَعِيلَةٌ. الْفَرَّاءُ وَغَيْرُهُ: الْمَدِينَةُ فَعِيلَةٌ، تُهْمَزُ فِي الْفَعَائِلِ لأَن الْيَاءَ زَائِدَةٌ، وَلَا تُهْمَزُ يَاءُ الْمَعَايِشِ لأَن الْيَاءَ أَصلية. وَالْمَدِينَةُ: اسْمُ مَدِينَةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَاصَّةً غَلَبَتْ عَلَيْهَا تَفْخِيمًا لَهَا، شرَّفها اللَّهُ وَصَانَهَا، وإِذا نَسَبْتَ إِلى الْمَدِينَةِ فَالرَّجُلُ وَالثَّوْبُ مَدَنيٌّ، وَالطَّيْرُ وَنَحْوُهُ مَدِينّي، لَا يُقَالُ غَيْرُ ذَلِكَ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: فأَما قَوْلُهُمُ مَدَائِني فإِنهم جَعَلُوا هَذَا الْبِنَاءَ اسْمًا لِلْبَلَدِ، وحمامةٌ مَدِينيَّة وَجَارِيَةٌ مَدِينيَّة. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ الْعَالِمِ بالأَمر الفَطِنِ: هُوَ ابْنُ بَجْدَتِها وابنُ مَدِينتها وَابْنُ بَلْدَتها وَابْنُ بُعْثُطها وَابْنُ سُرْسُورها؛ قَالَ الأَخطل:(13/402)
رَبَتْ ورَبا فِي كَرْمِها ابنُ مَدِينةٍ ... يَظَلُّ عَلَى مِسْحاته يتَرَكَّلُ
ابنُ مَدِينةٍ أَي الْعَالِمُ بأَمرها. وَيُقَالُ للأَمة: مَدِينة أَي مَمْلُوكَةٌ، وَالْمِيمُ مِيمُ مَفْعُول، وَذَكَرَ الأَحولُ أَنه يُقَالُ للأَمة ابنُ مَدِينة، وأَنشد بَيْتَ الأَخطل، قَالَ: وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الأَعرابي ابنُ مَدِينة ابنُ أَمة، قَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: يُقَالُ لِلْعَبْدِ مَدِينٌ وللأَمة مَدِينة، وَقَدْ فَسَّرَ قَوْلَهُ تَعَالَى: إِنَّا لَمَدِينُونَ
؛ أَي مَمْلُوكُونَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالَّذِي قَالَهُ أَهل التَّفْسِيرِ لمَجْزِيُّون. ومَدَنَ الرجلُ إِذا أَتى الْمَدِينَةِ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَن الْمِيمَ أَصلية. قَالَ: وَقَالَ بَعْضُ مَنْ لَا يُوثَقُ بِعِلْمِهِ مَدَن بِالْمَكَانِ أَي أَقام بِهِ. قَالَ: وَلَا أَدري مَا صِحَّتُهُ، وإِذا نَسَبْتَ إِلى مَدِينَةِ الرَّسُولِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، قُلْتَ مَدَنيٌّ، وإِلى مَدِينَةِ الْمَنْصُورِ مَدِينيّ، وإِلى مَدَائِنِ كِسْرَى مَدائِنيٌّ، لِلْفَرْقِ بَيْنَ النَّسَبِ لِئَلَّا يَخْتَلِطَ. ومَدْيَنُ: اسْمٌ أَعجمي، وإِن اشْتَقَقْتَهُ مِنَ الْعَرَبِيَّةِ فَالْيَاءُ زَائِدَةٌ، وَقَدْ يَكُونُ مَفْعَلًا وَهُوَ أَظهر. ومَدْيَنُ: اسْمُ قَرْيَةِ شُعَيْبٍ، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ أَفضل الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، وَالنَّسَبُ إِليها مَدْيَنِيٌّ. والمَدَانُ: صَنَمٌ. وبَنُو المَدَانِ: بطْنٌ، عَلَى أَن الْمِيمَ فِي المَدَان قَدْ تَكُونُ زَائِدَةً. وَفِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ مَدَان، بِفَتْحِ الْمِيمِ، لَهُ ذِكْرٌ فِي غَزْوَةِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ بَنِي جُذَام، وَيُقَالُ لَهُ فَيْفاءُ مَدَانَ؛ قَالَ: وَهُوَ وادٍ فِي بِلَادِ قُضاعَة.
مذن: النِّهَايَةُ فِي حَدِيثِ
رَافِعِ بْنِ خَدِيج: كُنَّا نَكْرِي الأَرض بِمَا عَلَى الماذِيانات وَالسَّوَاقِي
، قَالَ: هِيَ جَمْعُ ماذِيانٍ، وَهُوَ النَّهْرُ الْكَبِيرُ، قَالَ: وَلَيْسَتْ بِعَرَبِيَّةٍ، وَهِيَ سَوَاديَّة، وتكرَّر فِي الْحَدِيثِ مُفْرَدًا وَمَجْمُوعًا، وَاللَّهُ أَعلم.
مرن: مَرَنَ يَمْرُنُ مَرَانةً ومُرُونةً: وَهُوَ لِينٌ فِي صَلابة. ومَرَّنْتُه: أَلَنْتُه وصَلَّبْتُه. ومَرَنَ الشيءُ يَمْرُنُ مُرُوناً إِذا اسْتَمَرَّ، وَهُوَ لَيِّنٌ فِي صَلَابَةٍ. ومَرَنَتْ يَدُ فلانٍ عَلَى الْعَمَلِ أَي صَلُبتْ واستمَرَّتْ. والمَرَانةُ: اللِّينُ. والتَّمْرينُ: التَّلْيينُ. ومَرَنَ الشيءُ يَمْرُنُ مُرُوناً إِذا لانَ مِثْلَ جَرَنَ. ورمْحٌ مارِنٌ: صُلْبٌ لَيِّنٌ، وَكَذَلِكَ الثوبُ. والمُرّانُ، بِالضَّمِّ وَهُوَ فُعّالٌ: الرِّمَاحُ الصُّلْبة اللَّدْنةُ، واحدتُها مُرَّانة. وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: المُرّانُ نَبَاتُ الرِّمَاحِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَدري مَا عَنَى بِهِ المصدرَ أَم الجوهرَ النَّابِتَ. ابْنُ الأَعرابي: سُمِّي جماعةُ القَنَا المُرّانَ لِلِينِهِ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ قَنَاةٌ لَدْنَةٌ. وَرَجُلٌ مُمَرَّنُ الْوَجْهِ: أَسِيلُه. ومَرَنَ وجهُ الرَّجُلِ عَلَى هَذَا الأَمر. وإِنه لَمُمَرَّنُ الوجهِ أَي صُلْبُ الْوَجْهِ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
لِزَازُ خَصْمٍ مَعِلٍ مُمَرَّنِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ مَعِكٍ، بِالْكَافِ. يُقَالُ: رَجُلٌ مَعِكٌ أَي مُمَاطِلٌ؛ وَبَعْدَهُ:
أَلْيَسَ مَلْوِيِّ المَلاوِي مِثْفَنِ
وَالْمَصْدَرُ المُرُونة. ومَرَدَ فلانٌ عَلَى الْكَلَامِ ومَرَنَ إِذا استمَرّ فَلَمْ يَنْجَعْ فِيهِ. ومَرَنَ عَلَى الشَّيْءِ يَمْرُن مُرُوناً ومَرَانة: تعوَّده واستمرَّ عَلَيْهِ. ابْنُ سِيدَهْ: مَرَنَ عَلَى كَذَا يَمْرُنُ مُرُونة ومُرُوناً دَرَبَ؛ قَالَ:
قَدْ أَكْنَبَتْ يَداك بَعدَ لِينِ، ... وَبَعْدَ دُهْنِ الْبانِ والمَضْنُونِ،
وهَمَّتا بالصَّبْرِ والمُرُونِ
ومَرَّنه عَلَيْهِ فتمَرَّن: دَرَّبه فتدَرَّب. وَلَا أَدري أَيُّ مَنْ مَرَّنَ الجِلْدَ هُوَ أَي أَيُّ الوَرى هُوَ. والمَرْنُ: الأَديمُ المُلَيَّن المَدْلوك. ومَرَنْتُ(13/403)
الجلدَ أَمرُنه مَرْناً ومَرَّنْتُه تَمْرِينًا، وَقَدْ مَرَنَ الجِلدُ أَي لانَ. وأَمرَنْتُ الرجلَ بِالْقَوْلِ حَتَّى مَرَنَ أَي لانَ. وَقَدْ مَرَّنوه أَي لَيَّنُوه. والمَرْنُ: ضَرْبٌ مِنَ الثِّيَابِ؛ قَالَ ابْنُ الأَعرابي: هِيَ ثيابٌ قُوهِيَّة؛ وأَنشد لِلنَّمِرِ:
خفيفاتُ الشُّخُوصِ، وهُنَّ خُوصٌ، ... كأَنَّ جُلُودَهُنَّ ثيابُ مَرْنِ
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: المَرْنُ الفِرَاء فِي قَوْلِ النَّمِرِ:
كأَن جُلُودَهُنَّ ثيابُ مَرْنِ
ومَرَنَ بِهِ الأَرضَ مَرْناً ومَرَّنَها: ضَرَبَهَا بِهِ. وَمَا زالَ ذَلِكَ مَرِنَك أَي دَأْبَكَ. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: يُقَالُ مَا زَالَ ذَلِكَ دِينَك ودَأْبَك ومَرِنَك ودَيْدَنَك أَي عادَتَك. والقومُ عَلَى مَرِنٍ واحدٍ: عَلَى خُلُقٍ مُسْتوٍ، واسْتَوَتْ أَخلاقُهم. قَالَ ابْنُ جِنِّي: المَرِنُ مصدرٌ كالحَلِفِ والكَذِبِ، وَالْفِعْلُ مِنْهُ مَرَنَ عَلَى الشَّيْءِ إِذا أَلِفَه فدَرِبَ فِيهِ ولانَ لَهُ، وإِذا قَالَ لأَضْرِبَنَّ فُلَانًا ولأَقْتُلنه، قُلْتَ أَنت: أَو مَرِناً مَا أُخْرَى أَي عَسَى أَن يَكُونَ غَيْرَ مَا تَقُولُ أَو يَكُونُ أَجْرَأَ لَهُ عَلَيْكَ. الْجَوْهَرِيُّ: والمَرِنُ، بِكَسْرِ الرَّاءِ، الحالُ والخُلُق. يُقَالُ: مَا زَالَ ذَلِكَ مَرِني أَي حَالِي. والمارِن: الأَنف، وَقِيلَ: طَرفه، وَقِيلَ: المارِنُ مَا لَانَ مِنَ الأَنف، وَقِيلَ: مَا لَانَ مِنَ الأَنف مُنْحَدِراً عَنِ الْعَظْمِ وفَضَلَ عَنِ الْقَصَبَةِ، وَمَا لَانَ مِنَ الرُّمْح؛ قَالَ عُبيد يَذْكُرُ ناقتَه:
هاتِيكَ تحْمِلُني وأَبْيضَ صارِماً، ... ومُذَرَّباً فِي مارِنٍ مَخْموس
ومَرْنا الأَنفِ: جَانِبَاهُ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
لَمْ يُدْمِ مَرْنَيْهِ خِشاشُ الزَّمِ
أَراد زَمَّ الخِشاش فَقَلَبَ، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ خِشَاشُ ذِي الزَّمِّ فَحَذَفَ وَفِي حَدِيثِ
النَّخَعِيِّ: فِي المارِنِ الدِّيَةُ
؛ المارِنُ مِنَ الأَنف: مَا دُونَ القَصبة. وَالْمَارِنَانِ: المُنْخُران. ومارَنَتِ الناقةُ مُمَارَنَةً ومِراناً وَهِيَ ممارِنٌ: ظَهَرَ لَهُمْ أَنها قَدْ لَقِحَت وَلَمْ يَكُنْ بِهَا لِقاحٌ، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي يُكْثرُ الفحلُ ضِرابَها ثُمَّ لَا تَلْقَح، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي لَا تَلْقَح حَتَّى يُكرَّر عَلَيْهَا الْفَحْلُ. وَنَاقَةٌ مِمْرانٌ إِذا كَانَتْ لَا تَلْقَح. ومَرَنَ البعيرَ والناقةَ يمرُنهما مَرْناً: دَهَنَ أَسفل خُفِّهما بدُهْنٍ مِنْ حَفىً بِهِ. والتَّمْرين: أَن يَحْفَى الدابةُ فيَرِقَّ حافرُه فتَدْهَنَه بدُهْنٍ أَو تَطْليه بأَخْثاء الْبَقَرِ وَهِيَ حارَّة؛ وَقَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ يَصِفُ باطنَ مَنسِم الْبَعِيرِ:
فرُحْنا بَرَى كلُّ أَيديهما ... سَريحاً تَخَدَّم بعدَ المُرُون
وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: المَرْنُ العمَل بِمَا يُمَرِّنُها، وَهُوَ أَن يَدْهَنَ خُفَّها بالوَدك. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: المَرْنُ الحَفاءُ، وَجَمْعُهُ أَمْرانٌ؛ قَالَ جَرِيرٌ:
رَفَّعْتُ مائِرَةَ الدُّفُوفِ أَمَلَّها ... طُولُ الوَجِيفِ عَلَى وَجَى الأَمْران
وَنَاقَةٌ مُمارِنٌ: ذَلُولٌ مَرْكوبة. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: والمُمارِنُ مِنَ النُّوق مثلُ المُماجِنِ. يُقَالُ: مارَنَتِ الناقةُ إِذا ضُرِبَتْ فَلَمْ تَلْقَحْ. والمَرَنُ: عَصَبُ باطِن العَضُدَينِ مِنَ الْبَعِيرِ، وَجَمْعُهُ أَمرانٌ؛ وأَنشد أَبو عُبَيْدٍ قَوْلَ الْجَعْدِيِّ:
فأَدَلَّ العَيْرُ حتى خِلْته ... قَفَصَ [قَفِصَ] الأَمْرانِ يَعْدُو فِي شَكَلْ
قال صَحْبي، إِذْ رأَوْه مُقْبِلًا: ... مَا تَراه شَأْنَه؟ قُلْتُ: أَدَلّ
قَالَ: أَدلّ مِنَ الإِدلال؛ وأَنشد غَيْرُهُ لطَلْقِ بْنِ عَدِي:(13/404)
نَهْدُ التَّلِيل سالِمُ الأَمْرانِ
الْجَوْهَرِيُّ: أَمرانُ الذِّرَاعِ عَصَبٌ يَكُونُ فِيهَا؛ وَقَوْلُ ابْنِ مُقْبِلٍ:
يَا دَارَ سَلْمى خَلاء لَا أُكَلِّفُها ... إِلا المَرانَةَ حَتَّى تَعْرِفَ الدِّينا
قَالَ الْفَارِسِيُّ: المَرانَة اسْمُ نَاقَتِهِ وَهُوَ أَجودُ مَا فسِّرَ بِهِ، وَقِيلَ: هُوَ مَوْضِعٌ، وَقِيلَ: هِيَ هَضْبة مِنْ هضَبات بَنِي عَجْلانَ، يُرِيدُ لَا أُكَلِّفها أَن تَبْرَحَ ذَلِكَ الْمَكَانَ وَتَذْهَبَ إِلى مَوْضِعٍ آخَرَ. وَقَالَ الأَصمعي: الْمَرَانَةُ اسْمُ نَاقَةٍ كَانَتْ هَادِيَةً بِالطَّرِيقِ، وَقَالَ: الدِّينُ العَهْدُ والأَمرُ الَّذِي كَانَتْ تَعْهَدُهُ. وَيُقَالُ: المَرانة السُّكوتُ الَّذِي مَرَنَتْ عَلَيْهِ الدَّارُ، وَقِيلَ: الْمَرَانَةُ مَعْرِفتُها؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: أَراد المُرُون والعادَة أَي بِكَثْرَةِ وُقُوفي وسَلامي عَلَيْهَا لتَعْرِفَ طَاعَتِي لها. ومَرَّانُ شَنُوأَة: مَوْضِعٌ بِالْيَمَنِ. وَبَنُو مَرِينا: الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ امْرُؤُ الْقَيْسِ فَقَالَ:
فَلَوْ فِي يوْمِ مَعْرَكَةٍ أُصِيبُوا، ... ولكِنْ فِي دِيارِ بَنِي مَرِينا
هُمْ قَوْمٌ مِنْ أَهل الحِيرَة مِنَ العُبّاد، وَلَيْسَ مَرِينا بِكَلِمَةٍ عَرَبِيَّةٍ. وأَبو مَرينا: ضَرْبٌ مِنَ السَّمَكِ. ومُرَيْنةُ: اسْمُ مَوْضِعٍ؛ قَالَ الزَّارِيُّ:
تَعاطى كَباثاً مِنْ مُرَيْنةَ أَسْوَدا
والمَرانة: مَوْضِعٌ لِبَنِي عَقِيلٍ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
لِمَنْ طَلَلٌ تَضَمَّنهُ أُثالُ، ... فشَرْجَةُ فالمَرانةُ فالحِبالُ «2»
. وَهُوَ فِي الصِّحَاحِ مَرَانة، وأَنشد بَيْتَ لَبِيدٍ. ابْنُ الأَعرابي: يوْمُ مَرْنٍ إِذا كَانَ ذَا كِسْوَة وخِلَعٍ، وَيَوْمُ مَرْنٍ إِذا كَانَ ذَا فِرارٍ مِنَ الْعَدُوِّ. ومَرَّان، بِالْفَتْحِ: مَوْضِعٌ عَلَى لَيْلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةُ، شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى، عَلَى طَرِيقِ الْبَصْرَةِ، وَبِهِ قَبْرُ تَمِيمِ بْنِ مُرٍّ؛ قَالَ جَرِيرٌ:
إِني: إِذا الشاعِرُ المَغْرُورُ حَرَّبَني، ... جارٌ لقَبْر عَلَى مَرّانَ مَرْمُوسِ
أَي أَذُبُّ عَنْهُ الشُّعَرَاءَ: وَقَوْلُهُ حَرَّبَني أَغضبني؛ يَقُولُ: تَمِيمُ بْنُ مُرّ جَارِي الَّذِي أَعْتَزُّ بِهِ، فَتَمِيمٌ كُلُّهَا تَحْمِينِي فَلَا أُبالي بِمَنْ يُغْضِبُني مِنَ الشُّعَرَاءِ لِفَخْرِي بِتَمِيمٍ؛ وأَما قَوْلُ مَنْصُورٍ:
قَبْرٌ مَرَرْتُ بِهِ عَلَى مَرَّانِ
فإِنما يَعْنِي قَبْرَ عَمْرِو بْنِ عُبَيد، قَالَ
خَلَّادٌ الأَرْقَطُ: حَدَّثَنِي زَمِيلُ عَمْرِو بْنِ عُبيْد قَالَ سَمِعْتُهُ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلم أَنه لَمْ يَعْرِضْ لِي أَمرانِ قَطّ أَحدُهما لَكَ فِيهِ رِضاً والآخرُ لِي فِيهِ هَوىً إِلَّا قدَّمْتُ رِضَاكَ عَلَى هوايَ، فاغْفِرْ لِي
؛ وَمَرَّ أَبو جَعْفَرٍ المنصورُ عَلَى قَبْرِهِ بمَرّان، وَهُوَ مَوْضِعٍ عَلَى أَميالٍ مِنْ مَكَّةَ عَلَى طَرِيقِ الْبَصْرَةِ، فَقَالَ:
صَلَّى الإِلهُ عليكَ مِنْ مُتَوَسِّدٍ ... قَبْراً مَرَرْتُ بِهِ عَلَى مَرَّانِ
قَبْراً تضَمَّنَ مُؤْمِناً مُتخَشِّعاً، ... عَبَدَ الإِلهَ ودانَ بالقُرْآنِ
فإِذا الرجالُ تَنازَعوا فِي شُبْهةٍ، ... فصَلَ الخِطابَ بحِكْمَةٍ وبَيانِ
فَلَوَ انَّ هَذَا الدَّهْرَ أَبْقَى مُؤْمِناً، ... أَبْقَى لَنَا عَمْراً أَبا عُثْمانِ
قَالَ: وروى:
صلَّى الإِلهُ عَلَى شَخْصٍ تضَمَّنه ... قبرٌ مَرَرْتُ بِهِ على مَرَّانِ
__________
(2) . قوله [فشرجة فالحبال] كذا بالأصل، وهو ما صوّبه المجد تبعاً للصاغاني، وقال الرواية: فالحبال بكسر المهملة وبالباء الموحدة وشرجة بالشين المعجمة والجيم. وقول الجوهري: وَالْخَيَالُ أَرْضٌ لِبَنِي تَغْلِبَ صحيح والكلام في رواية البيت(13/405)
مرجن: التَّهْذِيبُ فِي الرُّبَاعِيِّ: فِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ
؛ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: الْمَرْجَانُ صِغَارُ اللُّؤْلُؤِ، وَاللُّؤْلُؤُ اسْمٌ جَامِعٌ للحبِّ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الصدَفة، والمَرْجانُ أَشدُّ بَيَاضًا، وَلِذَلِكَ خَصَّ الْيَاقُوتَ وَالْمَرْجَانَ فَشَبَّهَ الْحُورَ الْعِينَ بِهِمَا. قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: اخْتَلَفُوا فِي المَرْجانِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ البُسَّذُ، وَهُوَ جَوْهَرٌ أَحمر يُقَالُ إِن الْجِنَّ تُلْقيه فِي الْبَحْرِ؛ وَبَيْتُ الأَخطل حُجَّةٌ لِلْقَوْلِ الأَول:
كأَنما الفُطْرُ مَرْجان تساقِطُه، ... إِذا عَلا الرَّوْحقَ والمَتْنَينِ والكَفَلا.
مرزبان: فِي الْحَدِيثِ:
أَتيت الحِيرَة فرأَيتهم يسْجُدون لمَرْزُبانٍ لَهُمْ
؛ قَالَ: هُوَ بِضَمِّ الزَّايِ أَحد مَرازبة الفُرْس، وَهُوَ الْفَارِسُ الشُّجَاعُ المُقَدَّمُ عَلَى الْقَوْمِ دُونَ المَلِك، وَهُوَ مُعَرَّب.
مرفن: ذُكِرَ فِي الرُّبَاعِيِّ مِنْ حَرْفِ الرَّاءِ: المُرْفَئِنُّ الساكن بعد النِّفارِ.
مزن: المَزْنُ: الإِسراع فِي طَلَبِ الْحَاجَةِ. مَزَنَ يَمْزُنُ مَزْناً ومُزُوناً وتَمَزَّنَ: مَضَى لِوَجْهِهِ وَذَهَبَ وَيُقَالُ: هَذَا يومُ مَزْنٍ إِذا كَانَ يَوْمَ فِرَارٍ مِنَ الْعَدُوِّ. التَّهْذِيبُ: قُطْرُبٌ التَّمَزُّنُ التَّظَرُّف؛ وأَنشد:
بَعْدَ ارْقِدادِ العَزَب الجَمْوحِ ... فِي الجَهْلِ والتَّمَزُّنِ الرَّبِيحِ
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: التَّمَزُّنُ عِنْدِي هَاهُنَا تفَعُّل مِنْ مَزَن فِي الأَرض إِذا ذَهَبَ فِيهَا، كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ شاطِرٌ وَفُلَانٌ عَيّارٌ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
وكُنَّ بَعْدَ الضَّرْحِ والتَّمَزُّنِ، ... يَنْقَعْنَ بالعَذْبِ مُشَاشَ السِّنْسِنِ
قَالَ: هُوَ مِنَ المُزُونِ وَهُوَ الْبُعْدُ. وتَمَزَّنَ عَلَى أَصحابه: تفَضِّلَ وأَظهر أَكثر مِمَّا عِنْدَهُ، وَقِيلَ: التَّمَزُّنُ أَن تَرَى لِنَفْسِكَ فَضْلًا عَلَى غَيْرِكَ وَلَسْتَ هُنَاكَ؛ قَالَ رَكَّاضٌ الدُّبيريّ:
يَا عُرْوَ، إِنْ تَكْذِبْ عَليَّ تَمَزُّناً ... بِمَا لَمْ يَكُنْ، فاكْذِبْ فلستُ بكاذِبِ
قَالَ الْمُبَرِّدُ: مَزَّنْتُ الرجلَ تَمْزِيناً إِذا قَرَّظْته مِنْ وَرَائِهِ عِنْدَ خَلِيفَةٍ أَو وَالٍ. ومَزَنَهُ مَزْناً: مَدَحَهُ. والمُزْنُ: السَّحَابُ عامةٌ، وَقِيلَ: السَّحَابُ ذُو الْمَاءِ، وَاحِدَتُهُ مُزْنةٌ، وَقِيلَ: المُزْنَةُ السَّحَابَةُ الْبَيْضَاءُ، وَالْجَمْعُ مُزْنٌ، والبَرَدُ حَبُّ المُزْنِ، وَتَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ المزنِ. قَالَ ابْنُ الأَثير: المُزْنُ وَهُوَ الْغَيْمُ وَالسَّحَابُ، وَاحِدَتُهُ مُزْنَةٌ، ومُزَيْنة تَصْغِيرُ مُزْنةٍ، وَهِيَ السَّحَابَةُ الْبَيْضَاءُ، قَالَ: وَيَكُونُ تَصْغِيرَ مَزْنَةٍ. يُقَالُ: مَزَنَ فِي الأَرض مَزْنَةً وَاحِدَةً أَي سَارَ عُقْبَةً وَاحِدَةً، وَمَا أَحسن مُزْنَتَه، وَهُوَ الِاسْمُ مِثْلُ حُسْوةٍ وحَسْوةٍ. والمُزْنَةُ: المَطْرَةُ؛ قَالَ أَوْسُ بْنُ حجَرٍ:
أَلم تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مُزْنَةً، ... وعُفْرُ الظِّباء فِي الكِناسِ تَقَمَّعُ؟
وَابْنُ مُزْنةَ الْهِلَالُ؛ حُكِيَ ذَلِكَ عَنْ ثَعْلَبٍ؛ وأَنشد الْجَوْهَرِيُّ لِعَمْرِو بْنِ قَمِيئة:
كأَنَّ ابنَ مُزْنَتِها جَانِحًا ... فَسِيطٌ لدَى الأُفقِ مِنْ خِنْصِرِ
ومُزْنُ: اسْمُ امرأَة، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ. والمازِنُ: بَيْضُ النَّمْلِ؛ وأَنشد:
وتَرَى الذَّنِينَ عَلَى مَرَاسِنِهِمْ، ... يَوْمَ الهِياج، كمازِنِ الجَثْلِ
ومازِنُ ومُزَيْنةُ: حَيّان، وَقِيلَ: مازِن أَبو قَبِيلَةٍ مِنْ تَمِيمٍ، وَهُوَ مازِنُ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ، ومازِنُ فِي بَنِي صَعْصَعة بْنِ مُعَاوِيَةَ، ومازِنُ فِي بَنِي شَيْبَانَ.(13/406)
وَقَوْلُهُمْ: مازِ رأْسَكَ والسيفَ، إِنَّمَا هُوَ تَرْخِيمٌ مازِنٍ اسْمُ رَجُلٍ، لأَنه لَوْ كَانَ صِفَةً لَمْ يَجُزْ تَرْخِيمُهُ، وَكَانَ قَدْ قَتَلَهُ بُجَيْرٌ وَقَالَ لَهُ هَذَا الْقَوْلَ، ثُمَّ كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُمْ لَهُ فَقَالُوهُ لِكُلِّ مَنْ أَرادوا قَتْلَهُ يُرِيدُونَ بِهِ مُدَّ عُنُقَكَ. ومَزُون: اسْمٌ مِنْ أَسماء عُمَان بِالْفَارِسِيَّةِ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
فأَصْبَحَ العبدُ المَزُونِيُّ عَثِرْ
الْجَوْهَرِيُّ: كَانَتِ الْعَرَبُ تسمِّي عُمَانَ المَزُونَ؛ قَالَ الكُميتُ:
فأَما الأَزْدُ، أَزْدُ سَعِيدٍ، ... فأَكْرَهُ أَنْ أُسَمِّيها المَزُونَا
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَهُوَ أَبو سَعِيدٍ المُهَلَّبُ المَزُونيُّ أَي أَكره أَن أَنْسُبَه إِلَى المَزُونِ، وَهِيَ أَرض عُمَانَ، يَقُولُ: هُمْ مِنْ مُضَرَ. وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: يَعْنِي بالمَزونِ المَلَّاحين، وَكَانَ أَرْدَشِير بابْكان «1» . جَعَلَ الأَزْدَ مَلَّاحين بشِحْر عُمَان قَبْلَ الإِسلام بِسِتِّمِائَةِ سَنَةٍ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَزْدُ أَبي سَعِيدٍ هُمْ أَزد عُمَانَ، وَهُمْ رَهْطُ المُهَلَّبِ بْنَ أَبي صُفْرَةَ. والمَزُونُ: قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى عُمَان يُسْكُنُهَا اليهودُ والمَلّاحون لَيْسَ بِهَا غَيْرُهُمْ، وَكَانَتِ الفرْسُ يسمونَ عُمَانَ المَزُونَ فَقَالَ الْكُمَيْتُ: إِنَّ أَزْدَ عُمَان يَكْرَهُونَ أَن يُسَمَّوا المَزُونَ وأَنا أَكره ذَلِكَ أَيضاً؛ وَقَالَ جَرِيرٌ:
وأَطْفَأْتُ نِيرانَ المَزونِ وأَهْلِها، ... وَقَدْ حاوَلُوها فِتْنةً أَن تُسَعَّرا
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ الجَواليقي: المَزُونُ بِفَتْحِ الميم، لعُمان ولا نقل المُزُون، بِضَمِّ الْمِيمِ، قَالَ: وَكَذَا وَجَدْتُهُ فِي شِعْرِ البَعِيث بْنُ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ بْنِ وُدِّ بْنُ زَيْدِ بْنِ مُرَّةَ اليَشْكُرِيِّ يَهْجُو المُهَلَّبَ بْنَ أَبي صُفْرة لَمَّا قَدِمَ خُرَاسان:
تبَدَّلَتِ المَنابِرُ مِنْ قُرَيْشٍ ... مَزُونِيّاً، بفَقْحَتِه الصَّلِيبُ
فأَصْبَحَ قافِلًا كَرَمٌ ومَجْدٌ، ... وأَصْبَحَ قادِماً كَذِبٌ وحُوبُ
فَلَا تَعْجَبْ لكلِّ زمانِ سَوْءٍ ... رِجالٌ، والنوائبُ قَدْ تَنُوبُ
قَالَ: وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبي عُبَيْدَةَ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَنها المُزُون، بِضَمِّ الْمِيمِ، لأَنه جَعَلَ المُزُون المَلَّاحين فِي أَصل التَّسْمِيَةِ، ومُزَينة: قَبِيلَةٍ مِنْ مُضَرَ، وَهُوَ مُزَيْنة ابنُ أُدِّ بنِ طَابِخَةَ بْنِ إلْياس بْنِ مُضَر، وَالنِّسْبَةُ إِلَيْهِمْ مُزَنِيٌّ. وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ عِنْدَ قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ مُزَينة قَبِيلَةٌ مِنْ مُضَر، قَالَ: مُزَيْنةُ بنتُ كَلْبِ بْنِ وَبْرَةَ، وَهِيَ أُم عثمانَ وأَوْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُدِّ بْنِ طَابِخَةَ.
مسن: أَبو عَمْرٍو: المَسْنُ المُجون. يُقَالُ: مَسَنَ فُلَانٌ ومَجَنَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. والمَسْنُ: الضَّرْبُ بِالسَّوْطِ. مسَنَه بِالسَّوْطِ يَمْسُنه مَسْناً: ضَرَبَهُ. وَسِيَاطٌ مُسَّنٌ، بِالسِّينِ وَالشِّينِ، مِنْهُ، وسيأْتي ذِكْرُهُ فِي الشِّينِ أَيضاً؛ قَالَ الأَزهري: كَذَا رَوَاهُ اللَّيْثُ وَهُوَ تَصْحِيفٌ، وَصَوَابُهُ المُشَّنُ بِالشِّينِ؛ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ رُؤْبَةَ:
وَفِي أَخاديد السِّيَاطِ المُشَّنِ
فَرَوَاهُ بِالسِّينِ، وَالرُّوَاةُ رَوَوْهُ بِالشِّينِ، قَالَ: وَهُوَ الصَّوَابُ، وسيأْتي ذِكْرُهُ. ابْنُ بَرِّيٍّ: مَسَنَ الشَّيْءَ مِنَ الشيءَ اسْتَلَّهُ، وأَيضاً ضَرَبَهُ حَتَّى يَسْقُطَ. والمَيْسَنانِيُّ: ضَرْبٌ مِنَ الثِّيَابِ؛ قَالَ أَبو دُوادٍ:
ويَصُنَّ الوُجوهَ فِي المَيْسَنانيّ ... كَمَا صانَ قَرْنَ شَمْسٍ غَمَامُ
__________
(1) . قوله [أردشير بابكان] هكذا بالأصل والصحاح، والذي في ياقوت: أردشير بن بابك(13/407)
ومَيْسونُ: اسْمُ إمرأَة «1» . وَهِيَ مَيْسُونُ بِنْتُ بَحْدَلٍ الْكِلَابِيَّةُ؛ وَهِيَ الْقَائِلَةُ:
لَلُبْسُ عَباءَة، وتَقَرَّ عَيْني، ... أَحبُّ إلىَّ مِنْ لُبْسِ الشُّفُوفِ
لَبَيْتٌ تَخْفِقُ الأَرْواحُ فِيهِ ... أَحبُّ إلىَّ مِنَ قَصْرٍ مُنيفِ
لَكَلْبٌ يَنْبَحُ الأَضْيافَ وَهْناً ... أَحبُّ إليَّ مِنْ قِطًّ أَلُوفِ
لأَمْرَدُ مِنْ شَبابِ بَنِي تميمٍ ... أَحَبُّ إليَّ مِنْ شيْخٍ عَفيفِ «2»
. والمَيْسُونُ: فَرَسُ ظُهَيْر بْنِ رَافِعٍ شَهِدَ عَلَيْهِ يَوْمَ السَّرْج «3» .
مسكن: جَاءَ فِي الْخَبَرِ:
أَنه نَهَى عَنْ بَيْعِ المُسْكانِ
، رُوِيَ عَنْ أَبي عَمْرٍو أَنه قَالَ: المَساكِين العَرَابين، وَاحِدُهَا مُسْكان. والمَساكِين: الأَذلَّاء الْمَقْهُورُونَ، وَإِنْ كَانُوا أَغنياء.
مشن: المَشْنُ: ضَرْب مِنَ الضَّرْبِ بِالسِّيَاطِ. يُقَالُ: مشَنَه ومَتَنه مَشَناتٍ أَي ضَرَبَاتٍ. مَشَنه بِالسَّوْطِ يَمْشُنه مَشْناً: ضَرَبَهُ كمَشَقه. ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ مَشَقْتُه عِشْرِينَ سَوْطًا ومَتَخْته ومَشَنْتُه، وَقَالَ: زَلَعْتُه، بِالْعَيْنِ، وشَلَقْتُه. وَيُقَالُ: مَشَنَ مَا فِي ضرْعِ النَّاقَةِ ومَشَقه إِذَا حَلَبَ. أَبو تُرَابٍ عَنِ الْكِلَابِيِّ: امْتَشَلْتُ النَّاقَةَ وامتَشَنْتُها إِذَا حَلَبْتُهَا. ومَشَّنَتِ الناقةُ تَمْشِيناً دَرَّتْ كَارِهَةً. والمَشْنُ: الخَدْشُ. ومَشَنَني الشيءُ: سحَجَني وخَدَشني؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
وَفِي أَخادِيدِ السِّياط المَشْنِ
وَنَسَبَهُ ابْنُ بَرِّيٍّ لِرُؤْبَةَ؛ قَالَ وَصَوَابُهُ:
وَفِي أَخادِيدِ السِّياطِ المُشَّنِ ... شافٍ لبَغْيِ الكَلِب المُشَيْطَنِ
قَالَ: والمُشَّنُ جَمْعُ مَاشِنٍ، والمَشْنُ: القَشْرُ، يُرِيدُ: وَفِي الضَّرْبِ بِالسِّيَاطِ الَّتِي تَخُدُّ الْجِلْدَ أَي تَجْعَلُ فِيهِ كالأَخاديد. والكَلِبُ المُشَيْطَنُ: المُتَشَيْطِن. ابْنُ الأَعرابي: المَشْنُ مَسْحُ الْيَدِ بِالشَّيْءِ الْخَشِنِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: كأَن وَجْهَهُ مُشِنَ بقَتادةٍ أَي خُدِش بِهَا، وَذَلِكَ فِي الْكَرَاهَةِ والعُبوس وَالْغَضَبِ. ابْنُ الأَعرابي: مَرَّتْ بِي غِرارَةٌ فمَشَنَتْني، وأَصابتني مَشْنةٌ، وَهُوَ الشَّيْءُ لَهُ سِعَةٌ وَلَا غَوْرَ لَهُ، فَمِنْهُ مَا بَضَّ مِنْهُ دَمٌ، وَمِنْهُ مَا لَمْ يَجْرَحِ الْجِلْدَ. يُقَالُ مِنْهُ: مَشَنه بِالسَّيْفِ إِذَا ضَرَبَهُ فَقَشَّرَ الْجِلْدَ، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ أَهل هَجَرَ يَقُولُ لِآخَرَ: مَشِّنِ الليفَ أَي مَيِّشْه وانْفُشْه للتَّلْسين، وَالتَّلْسِينُ: أَن يُسَوَّى اللِّيفُ قِطْعَةً قِطْعَةً وَيُضَمَّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ. ومَشَنَ المرأَة: نَكَحَهَا. وامرأَة مِشَانٌ: سليطةٌ مشاتِمَةٌ؛ قَالَ:
وهَبْتَه مِنْ سَلْفَعٍ مِشَانِ، ... كذِئبَة تَنْبَحُ بالرُّكْبانِ
أَي وهَبْتَ يَا رَبِّ هَذَا الْوَلَدَ مِنَ امرأَة غَيْرِ مَرْضِيَّةٍ. والمِشانُ مِنَ النِّسَاءِ: السَّلِيطَةُ المُشاتمة. وتَماشَنا جِلْدَ الظَّرِبان إِذَا اسْتَبّا أَقْبح مَا يَكُونُ مِنَ السِّباب، حَتَّى كأَنهما تَنَازَعَا جِلْدَ الظَّرِبان وَتَجَاذَبَاهُ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. أَبو تُرَابٍ: إِنَّ فُلَانًا ليَمْتَشُّ مِنْ فُلَانٍ ويَمْتَشِنُ أَي يُصِيب مِنْهُ. وَيُقَالُ: امْتشِنْ مِنْهُ مَا مَشَنَ لك أَي
__________
(1) . قوله [وميسون اسم امرأة] أصل الميسون الحسن القد والوجه، عن أبي عمرو قاله في التكملة
(2) . قوله [من شيخ عفيف] كذا بالأَصل، ويروى: علج عنيف وعجل عليف
(3) . قوله [يوم السرج] كذا بالأَصل بالجيم، والذي في نسخة من التهذيب بالحاء محركاً(13/408)
خُذْ مَا وَجَدْتَ. وامتَشَنَ ثَوْبَهُ: انْتَزَعَهُ. وامتَشَنَ سَيْفَهُ: اخْتَرَطَهُ وامتَشَنْتُ الشَّيْءَ: اقْتَطَعْتُهُ واخْتَلسته. وامتَشَنَ الشَّيْءَ: اخْتَطَفَهُ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. والمِشَانُ [المُشَانُ] : نَوْعٌ مِنَ التَّمْرِ. وَرَوَى الأَزهري بِسَنَدِهِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفي قَالَ: اخْتَلَفَ أَبي وأَبو يُوسُفَ عِنْدَ هَارُونَ فَقَالَ أَبو يُوسُفَ: أَطْيَبُ الرُّطَبِ المُشانُ، وَقَالَ أَبي: أَطيب الرُّطَبِ السُّكَّرُ، فَقَالَ هَارُونُ: يُحْضَرانِ، فَلَمَّا حَضَرا تَنَاوَلَ أَبو يُوسُفَ السُّكَّرَ فَقُلْتُ لَهُ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: لَمَّا رأَيت الحقَّ لَمْ أَصبر عَنْهُ. وَمِنْ أَمثال أَهل الْعِرَاقِ: بِعلَّةِ الوَرَشانِ تأْكُلُ الرُّطَبَ المُشانَ، وَفِي الصِّحَاحِ: تأْكل رُطَبَ المُشانِ، بالإِضافة، قَالَ: وَلَا تَقُلْ تأْكل الرُّطَبَ المُشانَ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: المُشانُ نَوْعٌ مِنَ الرُّطَبِ إِلَى السَّوَادِ دَقِيقٌ، وَهُوَ أَعجمي، سَمَّاهُ أَهل الْكُوفَةِ بِهَذَا الِاسْمِ لأَن الفُرْسَ لَمَّا سَمِعَتْ بأُمِّ جِرْذان، وَهِيَ نَخْلَةٌ كَرِيمَةٌ صَفْرَاءُ البُسْرِ وَالتَّمْرِ؛ وَيُقَالُ:
أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَعَا لَهَا مَرَّتَيْنِ
، فَلَمَّا جَاءَ الفُرْسُ قَالُوا: أَين مُوشانُ؟ والمُوشُ: الجُرَذُ، يُرِيدُونَ أَين أُم الجِرْذانِ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لأَن الجِرْذان تأْكل مِنْ رطبها لأَنها تَلْقُطُهُ كَثِيرًا. والمِشَانُ: اسْمُ رَجُلٍ، وَاللَّهُ أَعلم.
مطن: مطَان: مَوْضِعٌ أَو «4» .... وأَنشد كُرَاعٌ:
كَمَا عادَ الزمانُ عَلَى مِطان
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَمْ يفسره.
مطرن: الماطِرُونُ والماطِرُونَ: مَوْضِعٌ؛ قَالَ الأَخطل:
وَلَهَا بالماطِرونِ إِذَا ... أَكَلَ النَّمْلُ الَّذِي جَمَعا
قَالَ ابْنُ جِنِّي: لَيْسَتِ النُّونُ فِيهِ بِزِيَادَةٍ لأَنها تعرب.
معن: مَعَنَ الفرسُ وَنَحْوُهُ يَمْعَنُ مَعْناً وأَمْعَنَ، كِلَاهُمَا: تَبَاعَدَ عَادِيًا. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَمْعَنْتُمْ فِي كَذَا
أَي بَالَغْتُمْ. وأَمْعَنُوا فِي بَلَدِ الْعَدُوِّ وَفِي الطَّلَبِ أَي جدُّوا وأَبعدوا. وأَمْعَنَ الرجلُ: هَرَبَ وَتَبَاعَدَ؛ قَالَ عَنْتَرَةُ:
ومُدَجَّجٍ كَرِهَ الكُماةُ نِزَالَه، ... لَا مُمْعِنٍ هَرَباً وَلَا مُسْتَسْلِم
والماعُونُ: الطَّاعَةُ. يُقَالُ: ضرَبَ النَّاقَةَ حَتَّى أَعطت مَاعُونَهَا وَانْقَادَتْ. والمَعْنُ: الإِقرار بِالْحَقِّ،
قَالَ أَنس لمُصْعَب بْنِ الزُّبَير: أَنْشُدُكَ اللَّهَ فِي وَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَ عَنْ فِرَاشِهِ وَقَعَدَ عَلَى بِسَاطِهِ وتمعَّنَ عَلَيْهِ وَقَالَ: أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى الرأْس وَالْعَيْنِ
، تَمَعَّنَ أَي تَصَاغَرَ وَتَذَلَّلَ انْقِيَادًا، مِنْ قَوْلِهِمْ أَمْعَنَ بِحَقِّي إِذَا أَذعن وَاعْتَرَفَ؛ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هُوَ مِنْ المَعانِ الْمَكَانِ؛ يُقَالُ: مَوْضِعُ كَذَا مَعَان مِنْ فُلَانٍ أَي نَزَلَ عَنْ دَسْتِه وَتَمَكَّنَ عَلَى بِسَاطِهِ تَوَاضُعًا. وَيُرْوَى: تَمَعَّكَ عَلَيْهِ أَي تَقَلَّبَ وتَمَرَّغ. وَحَكَى الأَخفش عَنْ أَعرابي فَصِيحٍ: لَوْ قَدْ نَزَلْنَا لَصَنَعْتُ بِنَاقَتِكَ صَنِيعًا تُعْطِيكَ الماعونَ أَي تَنْقَادُ لَكَ وَتُطِيعُكَ. وأَمْعَنَ بِحَقِّي: ذَهَبَ. وأَمْعَنَ لِي بِهِ: أَقَرَّ بَعْدَ جَحْد. والمَعْن: الْجُحُودُ وَالْكُفْرُ لِلنِّعَمِ. والمَعْنُ: الذُّلُّ. والمَعْنُ: الشَّيْءُ السَّهْلُ الْهَيِّنُ. والمَعْنُ: السَّهْلُ الْيَسِيرُ؛ قَالَ النِّمِرُ بْنُ توْلَب:
وَلَا ضَيَّعْتُه فأُلامَ فِيهِ، ... فإنَّ ضَياعَ مالِكَ غَيْرُ مَعْنِ
أَي غَيْرُ يَسِيرٍ وَلَا سَهْلٍ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: غَيْرُ حَزْمٍ وَلَا كَيْسٍ، مِنْ قَوْلِهِ أَمْعَن لِي بِحَقِّي أَي أَقرّ بِهِ وَانْقَادَ، وَلَيْسَ بِقَوِيٍّ. وفي التنزيل العزيز:
__________
(4) . كذا بياض بالأصل.(13/409)
وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ
؛ رُوِيَ
عَنْ عَلِيٍّ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ، أَنه قَالَ: الْمَاعُونُ الزَّكَاةُ.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: سَمِعْتُ بَعْضَ الْعَرَبِ يَقُولُ: الْمَاعُونُ هُوَ الْمَاءُ بِعَيْنِهِ؛ قَالَ: وأَنشدني فِيهِ:
يَمُجُّ صَبِيرُهُ الماعونَ صَبّاً
قَالَ الزَّجَّاجُ مَنْ جَعَلَ الماعُونَ الزَّكَاةَ فَهُوَ فاعولٌ مِنَ المَعْنِ، وَهُوَ الشَّيْءُ الْقَلِيلُ فَسُمِّيَتِ الزَّكَاةُ ماعُوناً بِالشَّيْءِ الْقَلِيلِ لأَنه يُؤْخَذُ مِنَ الْمَالِ رُبْعُ عُشْرِهِ، وَهُوَ قَلِيلٌ مِنْ كَثِيرٍ. والمَعْنُ وَالْمَاعُونُ: الْمَعْرُوفُ كُلُّهُ لِتَيَسُّرِهِ وَسُهُولَتِهِ لدَيْنا بِافْتِرَاضِ اللَّهِ تَعَالَى إِيَّاهُ عَلَيْنَا. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والماعونُ الطَّاعَةُ وَالزَّكَاةُ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَهُوَ مِنَ السُّهُولَةِ وَالْقِلَّةِ لأَنها جُزْءٌ مِنْ كُلٍّ؛ قَالَ الرَّاعِي:
قوْمٌ عَلَى التَّنْزيِلِ لَمَّا يَمْنَعُوا ... ماعونَهم، ويُبَدِّلُوا التَّنْزِيلا «1»
وَالْمَاعُونُ: أَسقاط الْبَيْتِ كالدَّلوِ والفأْس والقِدْرِ والقَصْعة، وَهُوَ مِنْهُ أَيضاً لأَنه لَا يكْرِثُ مُعْطِيَهُ وَلَا يُعَنِّي كاسبَه. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: الْمَاعُونُ مَا يُسْتَعَارُ مِنْ قَدُومٍ وسُفْرةٍ وشَفْرةٍ. وَفِي الْحَدِيثِ:
وحُسْنُ مُواساتهم بِالْمَاعُونِ
؛ قَالَ: هُوَ اسْمٌ جَامِعٌ لِمَنَافِعِ الْبَيْتِ كالقِدْرِ والفأْس وَغَيْرِهِمَا مِمَّا جَرَتِ الْعَادَةُ بعارِيته؛ قَالَ الأَعشى:
بأَجْوَدَ مِنْهُ بماعُونِه، ... إِذَا مَا سَمَاؤهم لَمْ تَغِمْ
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: الْمَاعُونُ أَصله مَعُونة، والأَلف عِوَضٍ مِنَ الْهَاءِ. وَالْمَاعُونُ: المَطَرُ لأَنه يأْتي مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ عَفْواً بِغَيْرِ عِلَاجٍ كَمَا تُعالجُ الأَبآرُ وَنَحْوُهَا مِنْ فُرَض المَشارب؛ وأَنشد أَيضاً:
أَقُولُ لِصَاحِبِي ببِراقِ نَجْدٍ: ... تبَصَّرْ، هَلْ تَرَى بَرْقاً أَراهُ؟
يَمُجُّ صَبِيرُهُ الماعُونَ مَجّاً، ... إِذَا نَسَمٌ مِنَ الهَيْفِ اعْتراهُ
وزَهرٌ مَمْعُونٌ: مَمْطُورٌ أُخذ مِنْ ذَلِكَ. ابْنُ الأَعرابي: رَوْضٌ مَمْعُونٌ يُسْقَى بِالْمَاءِ الْجَارِي، وَقَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ العَبّادي:
وَذِي تَنَاوِيرَ ممْعُونٍ، لَهُ صَبَحٌ ... يَغْذُو أَوابِدَ قَدْ أَفْلَيْنَ أَمْهارا
وَقَوْلُ الحَذْلَمِيّ:
يُصْرَعْنَ أَو يُعْطِينَ بالماعُونِ
فَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: الْمَاعُونُ مَا يَمْنَعْنَهُ مِنْهُ وَهُوَ يَطْلُبُهُ مِنْهُنَّ فكأَنه ضِدٌّ. وَالْمَاعُونُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ: الْمَنْفَعَةُ وَالْعَطِيَّةُ، وَفِي الإِسلام: الطَّاعَةُ وَالزَّكَاةُ وَالصَّدَقَةُ الْوَاجِبَةُ، وَكُلُّهُ مِنَ السُّهُولَةِ والتَّيَسُّر. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: المَعْنُ والماعُونُ كُلُّ مَا انْتَفَعْتَ بِهِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأُراه مَا انْتُفِع بِهِ مِمَّا يأْتي عَفْواً. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ
؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: ذاتِ قَرارٍ أَرضٍ مُنْبَسِطَةٍ، ومَعِينٍ
: الماءُ الظَّاهِرُ الْجَارِي، قَالَ: وَلَكَ أَن تَجْعَلَ المَعِينَ مفْعولًا مِنَ العُيُون، وَلَكَ أَن تَجْعَلَهُ فَعِيلًا مِنَ الْمَاعُونِ، يَكُونُ أَصله المَعْنَ. والماعُونُ: الفاعولُ؛ وَقَالَ عُبيدٌ:
واهيةٌ أَو مَعِينٌ مُمْعِنٌ، ... أَو هَضْبةٌ دُونَهَا لهُوبُ «2»
والمَعْنُ والمَعِينُ: الْمَاءُ السَّائِلُ، وَقِيلَ: الْجَارِي عَلَى وَجْهِ الأَرض، وَقِيلَ: الْمَاءُ الْعَذْبُ الْغَزِيرُ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنَ السُّهولة. والمَعْنُ: الْمَاءُ الظَّاهِرُ، والجمع مُعُنٌ
__________
(1) . قوله [على التنزيل] كذا بالأَصل، والذي في المحكم والتهذيب: على الإِسلام، وفي التهذيب وحده ويبدلوا التنزيلا ويبدلوا تبديلا.
(2) . قوله [واهية البيت] هو هكذا بهذا الضبط في التهذيب إلا أن فيه: دونها الهبوب بدل لهوب.(13/410)
ومُعُناتٌ، ومياهٌ مُعْنانٌ. وَمَاءٌ مَعِينٌ أَي جارٍ؛ وَيُقَالُ: هُوَ مفْعول مِنْ عِنْتُ الماءَ إِذَا اسْتَنْبَطْتَهُ. وكَلأٌ مَمْعون: جَرَى فِيهِ الماءُ. والمُعُناتُ والمُعْنانُ: المَسايل وَالْجَوَانِبُ، مِنَ السُّهولة أَيضاً. والمُعْنانُ: مَجاري الْمَاءِ فِي الْوَادِي. ومَعَنَ الْوَادِي: كَثُرَ فِيهِ الْمَاءُ فسَهُلَ مُتَناوَلُه. ومَعُنَ الماءُ ومَعَنَ يَمْعَنُ مُعوناً وأَمْعَنَ: سَهُلَ وَسَالَ، وَقِيلَ: جَرَى، وأَمْعَنَه هُوَ. ومَعِنَ الموضعُ والنبتُ: رَوِيَ مِنَ الْمَاءِ؛ قَالَ تَمِيمُ بْنُ مُقْبل:
يَمُجُّ بَرَاعِيمَ مِنْ عَضْرَسٍ، ... تَرَاوَحَه القَطْرُ حَتَّى مَعِنْ
أَبو زَيْدٍ: أَمْعَنَتِ الأَرضُ ومُعِنَتْ إِذَا رَوِيَتْ، وَقَدْ مَعَنها المطرُ إِذَا تَتَابَعَ عَلَيْهَا فأَرواها. وَفِي هَذَا الأَمر مَعْنةٌ أَي إِصْلَاحٌ ومَرَمَّةٌ. ومعَنَها يَمْعَنُها مَعْناً: نَكَحَهَا. والمَعْنُ: الأَديمُ: والمَعْنُ: الْجِلْدُ الأَحمر يُجْعَلُ عَلَى الأَسْفاط؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
بلاحِبٍ كمَقَدِّ المَعْنِ وَعَّسَه ... أَيدي المَراسِلِ فِي رَوْحاته خُنُفَا
وَيُقَالُ لِلَّذِي لَا مَالَ لَهُ: مَا لَهُ سَعْنةٌ وَلَا مَعْنةٌ أَي قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ؛ وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: مَعْنَاهُ مَا لَهُ شَيْءٌ وَلَا قَوْمٌ. وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ الْقَالِي السَّعْنُ الْكَثِيرُ، والمَعْنُ الْقَلِيلُ، قَالَ: وَبِذَلِكَ فَسَّرَ مَا لَهُ سَعْنةٌ وَلَا مَعْنةٌ. قَالَ اللَّيْثُ: المَعْنُ الْمَعْرُوفُ، والسَّعْنُ الوَدَكُ. قَالَ الأَزهري: والمَعْنُ الْقَلِيلُ، والمَعْنُ الْكَثِيرُ، والمَعْنُ الْقَصِيرُ، والمَعْنُ الطَّوِيلُ. والمَعْنِيُّ: الْقَلِيلُ الْمَالِ، والمَعْنِيُّ: الْكَثِيرُ الْمَالِ. وأَمْعَنَ الرجلُ إِذَا كَثُرَ مَالُهُ، وأَمْعَنَ إِذَا قلَّ مَالُهُ. وَحَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ عَنِ ابْنِ دُرَيْدٍ: مَاءٌ مَعْنٌ ومَعِينٌ، وَقَدْ مَعُنَ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَن الْمِيمَ أَصل وَوَزْنُهُ فَعيل، وَعِنْدَ الْفَرَّاءِ وَزْنُهُ مفْعول فِي الأَصل كمَنِيع. وَحَكَى الهَرَوِيُّ فِي فَصْلٍ عُيِّنَ عَنْ ثَعْلَبٍ أَنه قَالَ: عانَ الماءُ يَعِينُ إِذَا جَرَى ظَاهِرًا؛ وأَنشد للأَخطل:
حَبَسوا المَطِيَّ عَلَى قَدِيمٍ عَهْدُه ... طامٍ يَعِينُ، وغائِرٌ مَسْدُومُ
والمَعَانُ: المَباءَةُ والمَنزل. ومَعانُ الْقَوْمِ: مَنْزِلُهُمْ. يُقَالُ: الْكُوفَةُ مَعانٌ منَّا أَي مَنْزِلٌ مِنَّا. قَالَ الأَزهري: الْمِيمُ مِنْ مَعانٍ مِيمُ مَفْعَلٍ. ومَعانٌ: مَوْضِعٌ بِالشَّامِ. ومَعِينٌ: اسْمُ مَدِينَةٍ بِالْيَمَنِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: ومَعِينٌ مَوْضِعٍ؛ قَالَ عَمْرُو بْنُ مَعْديكرب:
دَعَانَا مِنْ بَراقِشَ أَو مَعينٍ، ... فأَسْمَعَ واتْلأَبَّ بِنَا مَلِيعُ
وَقَدْ يَكُونُ مَعِين هُنَا مَفْعُولًا مِنْ عِنْتُهُ. وَبَنُو مَعْنٍ: بَطْنٌ. ومَعْنٌ: فَرَسُ الخَمْخامِ بْنِ جَمَلَةَ. وَرَجُلٌ مَعْنٌ فِي حَاجَتِهِ، وَقَوْلُهُمْ: حَدِّثْ عَنْ مَعْنٍ وَلَا حَرَجَ؛ هُوَ مَعْنُ بْنُ زَائِدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَائِدَةَ بْنِ مَطَر بْنِ شَرِيكِ بْنِ عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ، وَهُوَ عَمُّ يزيدَ بْنِ مِزْيَد بْنِ زَائِدَةَ الشَّيْبَانِيِّ، وَكَانَ مَعْنٌ أَجود الْعَرَبِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ الْجَوْهَرِيُّ هُوَ مَعْنُ بْنُ زَائِدَةَ بْنِ مَطَرِ بْنِ شَرِيك، قَالَ: وَصَوَابُهُ مَعْنُ بْنُ زَائِدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَائِدَةَ بْنِ مَطر بْنِ شريكٍ، وَنُسْخَةُ الصِّحَاحِ الَّتِي نقَلْتُ مِنْهَا كَانَتْ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ بَرِّيٍّ مِنَ الصَّوَابِ، فَإِمَّا أَن تَكُونَ النُّسْخَةُ الَّتِي نقلْتُ مِنْهَا صُحِّحتْ مِنَ الأَمالي، وَإِمَّا أَن يَكُونَ الشَّيْخُ ابْنُ بَرِّيٍّ نَقَلَ مِنْ نُسْخَةٍ سَقَطَ مِنْهَا جَدّان. وَفِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ بِئْرِ مَعُونةَ، بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّ الْعَيْنِ، فِي أَرض بَنِي سُليمٍ فِيمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وأَما بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ فَمَوْضِعٌ قريب من المدينة.(13/411)
مغن: بئرُ مَغُونَة، بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ: مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنَ الْمَدِينَةِ، وأَما بِئْرُ مَعُونة، بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، فَقَدْ تَقَدَّمَ آنفاً، والله أَعلم.
مغدن: مَغْدانُ: اسْمٌ لبَغْدادَ مَدِينَةِ السَّلام، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا وَالِاخْتِلَافُ فِي اسْمِهَا فِي حَرْفِ الدَّالِ، فِي تَرْجَمَةِ بَغْدَدَ، وَاللَّهُ أَعلم.
مكن: المَكْنُ والمَكِنُ: بيضُ الضَّبَّةِ والجَرَادة وَنَحْوِهِمَا؛ قَالَ أَبو الهِنْديّ، وَاسْمُهُ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بْنُ عَبْدِ القُدُّوسِ:
ومَكْنُ الضِّبابِ طَعامُ العُرَيب، ... وَلَا تشْتَهِيه نفُوسُ العَجَمْ
وَاحِدَتُهُ مَكْنةٌ ومَكِنة، بِكَسْرِ الْكَافِ. وَقَدْ مَكِنَتِ الضَّبَّةُ وَهِيَ مَكُونٌ وأَمْكَنتْ وَهِيَ مُمْكِنٌ إِذَا جَمَعَتِ الْبَيْضَ فِي جَوْفِهَا، والجَرادةُ مِثْلُهَا. الْكِسَائِيُّ: أَمْكَنَتِ الضَّبَّةُ جَمَعَتْ بَيْضَهَا فِي بَطْنِهَا، فَهِيَ مَكُونٌ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي عُقيل:
أَراد رَفِيقي أَنْ أَصيدَهُ ضَبَّةً ... مَكُوناً، وَمِنْ خَيْرِ الضِّباب مَكُونُها
وَفِي حَدِيثِ
أَبي سَعِيدٍ: لَقَدْ كُنَّا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُهْدَى لأَحدنا الضَّبَّةُ المَكُونُ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَن يُهْدَى إِلَيْهِ دجاجةٌ سَمِينَةٌ
؛ المَكُونُ: الَّتِي جَمَعَتِ المَكْنَ، وَهُوَ بَيْضُهَا. يُقَالُ: ضَبَّةٌ مَكُونٌ وضَبٌّ مَكُونٌ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
أَبي رجاءٍ: أَيُّما أَحبُّ إِلَيْكَ ضَبٌّ مَكُون أَو كَذَا وَكَذَا؟
وَقِيلَ: الضبَّةُ المَكُونُ الَّتِي عَلَى بَيْضِهَا. وَيُقَالُ ضِبابٌ مِكانٌ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
وَقَالَ: تعَلَّمْ أَنها صَفَريَّةٌ، ... مِكانٌ بِمَا فِيهَا الدَّبَى وجَنادِبُهْ
الْجَوْهَرِيُّ: المَكِنَةُ، بِكَسْرِ الْكَافِ، وَاحِدَةُ المَكِنِ والمَكِناتِ.
وَقَوْلُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَقِرُّوا الطَّيْرَ عَلَى مَكِناتها ومَكُناتها
، بِالضَّمِّ، قِيلَ: يَعْنِي بَيْضَهَا عَلَى أَنه مُسْتَعَارٌ لَهَا مِنَ الضَّبَّةِ، لأَن المَكِنَ لَيْسَ لِلطَّيْرِ، وَقِيلَ: عَنى مَوَاضع الطَّيْرِ. وَالْمُكِنَّاتُ فِي الأَصل: بَيْضُ الضِّباب. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: سأَلت عِدَّةً مِنَ الأَعراب عَنْ مَكِناتِها فَقَالُوا: لَا نَعْرِفُ لِلطَّيْرِ مَكِناتٍ، وإِنما هِيَ وُكُنات، وَإِنَّمَا المَكِناتُ بَيْضُ الضِّبابِ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَجَائِزٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَن يُسْتَعَارَ مَكْنُ الضِّبابِ فَيُجْعَلُ لِلطَّيْرِ تَشْبِيهًا بِذَلِكَ، كَمَا قَالُوا مَشافر الحَبَشِ، وَإِنَّمَا المَشافر للإِبل؛ وَكَقَوْلِ زُهَيْرٍ يَصِفُ الأَسد:
لدَى أَسَدٍ شَاكِي السِّلاح مُقَذَّفٍ، ... لَهُ لِبَدٌ أَظفارُه لَمْ تُقَلَّمِ
وَإِنَّمَا لَهُ المَخالِبُ؛ قَالَ: وَقِيلَ فِي تَفْسِيرِ
قَوْلِهِ أَقِرُّوا الطَّيْرَ عَلَى مَكِناتها
، يُرِيدُ عَلَى أَمْكِنتها، وَمَعْنَاهُ الطَّيْرُ الَّتِي يَزْجُرُ بِهَا، يَقُولُ: لَا تَزْجُرُوا الطَّيْرَ وَلَا تَلْتَفِتُوا إِلَيْهَا، أَقِرُّوها عَلَى مَوَاضِعِهَا الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ لَهَا أَي لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَا تَعْدُوا ذَلِكَ إِلَى غَيْرِهِ؛ وَقَالَ شَمِرٌ: الصَّحِيحُ فِي قَوْلِهِ عَلَى مَكِناتِها أَنها جَمْعُ المَكِنَة، والمَكِنةُ التَّمَكُّنُ. تَقُولُ الْعَرَبُ: إِنَّ بَنِي فُلَانٍ لَذَوُو مَكِنةٍ مِنَ السُّلْطَانِ أَيْ تَمكُّنٍ، فَيَقُولُ: أَقِرُّوا الطَّيْرَ عَلَى كُلِّ مَكِنةٍ ترَوْنَها عَلَيْهَا ودَعُوا التَّطَيُّرَ مِنْهَا، وَهِيَ مِثْلُ التَّبِعةِ مِنَ التَّتبُّعِ، والطَّلِبةِ مِنَ التَّطلُّب. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَيُقَالُ النَّاسُ عَلَى مَكِناتِهم أَي عَلَى اسْتِقَامَتِهِمْ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ عِنْدَ قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ: وَيَجُوزُ أَن يُرَادَ بِهِ عَلَى أَمْكِنتها أَي عَلَى مَوَاضِعِهَا الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى لَهَا، قَالَ: لَا يَصِحُّ أَن يُقَالَ فِي المَكِنة إِنَّهُ الْمَكَانُ إِلَّا عَلَى التَّوَسُّعِ،(13/412)
لأَن المَكِنة إِنَّمَا هِيَ بِمَعْنَى التَّمكُّنِ مِثْلَ الطَّلِبَة بِمَعْنَى التَّطَلُّبِ والتَّبِعَةِ بِمَعْنَى التَّتبُّع. يُقَالُ: إنَّ فُلَانًا لَذُو مَكِنةٍ مِنَ السُّلْطَانِ، فَسُمِّيَ مَوْضِعُ الطَّيْرِ مَكِنةً لتمَكُّنه فِيهِ؛ يَقُولُ: دَعُوا الطَّيْرَ عَلَى أَمْكِنتها وَلَا تَطَيَّرُوا بِهَا؛ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَيُرْوَى مُكُناتها جَمْعُ مُكُنٍ، ومُكُنٌ جَمْعُ مَكانٍ كصُعُداتٍ فِي صُعُدٍ وحُمُراتٍ فِي حُمُرٍ. وَرَوَى
الأَزهري عَنْ يُونُسَ قَالَ: قَالَ لَنَا الشَّافِعِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ كَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا أَراد الْحَاجَةَ أَتى الطَّيْرَ سَاقِطًا أَو في وَكْرِه فنَفَّرَهُ، فَإِنْ أَخذ ذَاتَ الْيَمِينِ مضى لحاجته، وَإِنْ أَخذ ذَاتَ الشِّمَالِ رَجَعَ، فنَهى رسولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ ذَلِكَ
؛ قَالَ الأَزهري: وَالْقَوْلُ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَإِلَيْهِ كَانَ يَذْهَبُ ابْنُ عُيَيْنةَ. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: النَّاسُ عَلَى سَكِناتِهم ونَزِلاتِهم ومَكِناتِهم، وكلُّ ذِي ريشٍ وكلُّ أَجْرَدَ يَبِيضُ، وَمَا سِوَاهُمَا يَلِدُ، وَذُو الرِّيشِ كُلُّ طَائِرٍ، والأَجْرَدُ مِثْلُ الْحَيَّاتِ والأَوْزاغ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا لَا شَعَرَ عَلَيْهِ مِنْ الْحَشَرَاتِ. والمَكانةُ: التُّؤَدَةُ، وَقَدْ تَمَكَّنَ. ومَرَّ عَلَى مَكِينته أَي عَلَى تُؤَدَتِه. أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ امْشِ عَلَى مَكِينتِكَ ومَكانتك وهِينَتِكَ. قَالَ قُطْرُبٌ: يُقَالُ فُلَانٌ يَعْمَلُ عَلَى مَكِينتِه أَي عَلَى اتِّئاده. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ*
؛ أَي عَلَى حيالِكم وَنَاحِيَتِكُمْ؛ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَي عَلَى مَا أَنتم عَلَيْهِ مُسْتَمْكِنُونَ. الْفَرَّاءُ: لِي فِي قَلْبِهِ مَكانَةٌ ومَوْقِعة ومَحِلَّةٌ. أَبو زَيْدٍ: فُلَانٌ مَكين عِنْدَ فُلَانٍ بَيِّنُ المَكانَةِ، يَعْنِي الْمَنْزِلَةَ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَقَوْلُهُمْ مَا أَمكنه عِنْدَ الأَمير شَاذٌّ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَدْ جَاءَ مَكُنَ يَمْكُنُ؛ قَالَ القُلاخُ:
حَيْثُ تَثَنَّى الماءُ فِيهِ فمَكُنْ
قَالَ: فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَا أَمْكَنَه عَلَى الْقِيَاسِ. ابْنُ سِيدَهْ: والمَكانةُ المَنْزلة عِنْدَ الْمَلِكِ. وَالْجَمْعُ مَكاناتٌ، وَلَا يُجْمَعُ جَمْعَ التَّكْسِيرِ، وَقَدْ مَكُنَ مَكانَةً فَهُوَ مَكِينٌ، وَالْجَمْعُ مُكَناء. وتَمَكَّنَ كَمَكُنَ. والمُتَمَكِّنُ مِنَ الأَسماء: مَا قَبِلَ الرَّفْعَ وَالنَّصْبَ وَالْجَرَّ لَفْظًا، كَقَوْلِكَ زيدٌ وَزَيْدًا وزيدٍ، وَكَذَلِكَ غَيْرُ الْمُنْصَرِفِ كأَحمدَ وأَسْلَمَ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَمَعْنَى قَوْلِ النَّحْوِيِّينَ فِي الِاسْمِ إِنَّهُ مُتَمَكِّنٌ أَي أَنه مُعْرَبٌ كَعُمَرَ وَإِبْرَاهِيمَ، فَإِذَا انْصَرَفَ مَعَ ذَلِكَ فَهُوَ المُتَمَكِّنُ الأَمْكَنُ كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو، وَغَيْرُ الْمُتَمَكِّنِ هُوَ الْمَبْنِيُّ ككَيْفَ وأَيْنَ، قَالَ: وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ فِي الظَّرْفِ إِنَّهُ مُتَمَكِّنٌ أَنه يُسْتَعْمَلُ مَرَّةً ظَرْفًا وَمَرَّةً اسْمًا، كَقَوْلِكَ: جَلَسْتُ خلْفَكَ، فَتَنْصِبُ، وَمَجْلِسِي خَلْفُكَ، فَتَرْفَعُ فِي مَوْضِعٍ يَصْلُحُ أَن يَكُونَ ظَرْفاً، وَغَيْرُ المُتَمَكِّن هُوَ الَّذِي لَا يُسْتَعْمَلُ فِي مَوْضِعٍ يَصْلُحُ أَن يَكُونَ ظَرْفاً إِلَّا ظَرْفًا، كَقَوْلِكَ: لَقِيتُهُ صَبَاحًا وَمَوْعِدُكَ صَبَاحًا، فَتَنْصِبُ فِيهِمَا وَلَا يَجُوزُ الرَّفْعُ إِذَا أَردت صَبَاحَ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِعِلَّةٍ تُوجِبُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَكثر مِنَ اسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ لَهَا كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا يؤْخذ سَمَاعًا عَنْهُمْ، وَهِيَ صباحٌ وَذُو صباحٍ، ومَساء وَذُو مَساء، وعَشِيّة وعِشاءٌ، وضُحىً وضَحْوَة، وسَحَرٌ وبُكَرٌ وبُكْرَةٌ وعَتَمَةٌ، وذاتُ مَرَّةٍ، وذاتُ يَوْمٍ، وليلٌ ونهارٌ وبُعَيْداتُ بَيْنٍ؛ هَذَا إِذَا عَنَيْتَ بهذه الأَوقات يَوْمًا بِعَيْنِهِ، فأَما إِذَا كَانَتْ نَكِرَةً أَو أَدخلت عَلَيْهَا الأَلف وَاللَّامَ تَكَلَّمْتَ بِهَا رَفْعًا وَنَصْبًا وَجَرًّا؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: أَخبرنا بِذَلِكَ يُونُسُ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: كُلُّ مَا عُرِّفَ مِنَ الظُّرُوفِ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ التَّعْرِيفِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الظَّرْفِيَّةَ لأَنه ضُمِّنَ مَا لَيْسَ لَهُ فِي أَصل وَضْعِهِ، فَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ: سِيرَ عَلَيْهِ سَحَرٌ، لأَنه مَعْرِفَةٌ(13/413)
مِنْ غَيْرِ جِهَةِ التَّعْرِيفِ، فَإِنْ نَكَّرْتَهُ فَقُلْتَ سِيرَ عَلَيْهِ سَحَرٌ، جَازَ، وَكَذَلِكَ إِنْ عرَّفْتَه مِنْ غَيْرِ جِهَةِ التَّعْرِيفِ فَقُلْتَ: سِيرَ عَلَيْهِ السَّحَرُ، جَازَ. وأَما غُدْوَةٌ وبُكْرَة فَتَعْرِيفُهُمَا تَعْرِيفُ العَلميَّة، فَيَجُوزُ رَفْعُهُمَا كَقَوْلِكَ: سِيرَ عَلَيْهِ غُدْوَةٌ وبُكْرَةٌ، فأَما ذُو صَباحٍ وذاتُ مرَّةٍ وقبلُ وبعدُ فَلَيْسَتْ فِي الأَصل مِنْ أَسماء الزَّمَانِ، وَإِنَّمَا جُعِلَتِ اسْمًا لَهُ عَلَى تَوَسُّعٍ وَتَقْدِيرِ حَذْفٍ. أَبو مَنْصُورٍ: المَكانُ والمَكانةُ وَاحِدٌ. التَّهْذِيبُ: اللَّيْثُ: مكانٌ فِي أَصل تَقْدِيرِ الْفِعْلِ مَفْعَلٌ، لأَنه مَوْضِعٌ لكَيْنونةِ الشَّيْءِ فِيهِ، غَيْرَ أَنه لَمَّا كَثُرَ أَجْرَوْهُ فِي التَّصْرِيفِ مُجْرَى فَعال، فَقَالُوا: مَكْناً لَهُ وَقَدْ تَمَكَّنَ، وَلَيْسَ هَذَا بأَعْجَب مَنْ تَمَسْكَن مِنَ المَسْكَن، قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى أَن المَكانَ مَفْعَل أَن الْعَرَبَ لَا تَقُولُ فِي مَعْنَى هُوَ منِّي مَكانَ كَذَا وَكَذَا إِلَّا مَفْعَلَ كَذَا وَكَذَا، بِالنَّصْبِ. ابْنُ سِيدَهْ: والمكانُ الْمَوْضِعُ، وَالْجَمْعُ أَمْكِنة كقَذَال وأَقْذِلَةٍ، وأَماكِنُ جَمْعُ الْجَمْعِ. قَالَ ثَعْلَبٌ: يَبْطُل أَن يَكُونَ مَكانٌ فَعالًا لأَن الْعَرَبَ تَقُولُ: كُنْ مَكانَكَ، وقُم مكانَكَ، وَاقْعُدْ مَقْعَدَك؛ فَقَدْ دَلَّ هَذَا عَلَى أَنه مَصْدَرٌ مِنْ كَانَ أَو مَوْضِعٌ مِنْهُ؛ قَالَ: وَإِنَّمَا جُمِعَ أَمْكِنَةً فَعَامَلُوا الْمِيمَ الزَّائِدَةَ مُعَامَلَةَ الأَصلية لأَن الْعَرَبَ تشَبِّه الْحَرْفَ بِالْحَرْفِ، كَمَا قَالُوا مَنارة ومنائِر فَشَبَّهُوهَا بفَعالةٍ وَهِيَ مَفْعَلة مِنَ النُّورِ، وَكَانَ حُكْمُهُ مَنَاوِر، وَكَمَا قِيلَ مَسِيل وأَمْسِلة ومُسُل ومُسْلان وَإِنَّمَا مَسيلٌ مَفْعِلٌ مِنَ السَّيْلِ، فَكَانَ يَنبغي أَن لَا يُتَجاوز فِيهِ مَسَايِلُ، لَكِنَّهُمْ جَعَلُوا الْمِيمَ الزَّائِدَةَ فِي حُكْمِ الأَصلية، فصار معفْعِل فِي حُكْمِ فَعِيل، فكُسِّر تكسيرَه. وتَمَكَّنَ بِالْمَكَانِ وتَمَكَّنَه: عَلَى حَذْفِ الوَسِيط؛ وأَنشد سِيبَوَيْهِ:
لَمَّا تَمَكَّنَ دُنْياهُمْ أَطاعَهُمُ، ... فِي أَيّ نحْوٍ يُميلوا دِينَهُ يَمِلِ
قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ «3» تَمَكُّنُ دُنْيَاهُمْ عَلَى أَن الْفِعْلَ لِلدُّنْيَا، فَحَذَفَ التَّاءَ لأَنه تأْنيث غَيْرُ حَقِيقِيٍّ. وَقَالُوا: مَكانَك تُحَذِّره شَيْئًا مِنْ خَلْفه. الْجَوْهَرِيُّ: مَكَّنَه اللهُ مِنَ الشيءِ وأَمْكَنَه مِنْهُ بِمَعْنًى. وَفُلَانٌ لَا يُمْكِنُه النُّهُوضُ أَي لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ. ابْنُ سِيدَهْ: وتَمَكَّنَ مِنَ الشيءِ واسْتَمْكَنَ ظَفِر، وَالِاسْمُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ المكانَةُ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَيُقَالُ أَمْكَنني الأَمرُ، يمْكِنُني، فَهُوَ مُمْكِنٌ، وَلَا يُقَالُ أَنا أُمْكِنُه بِمَعْنَى أَستطيعه؛ وَيُقَالُ: لَا يُمْكِنُكَ الصُّعُودُ إِلَى هَذَا الْجَبَلِ، وَلَا يُقَالُ أَنت تُمْكِنُ الصُّعُودَ إِلَيْهِ. وأَبو مَكِينٍ: رجلٌ. والمَكْنانُ، بِالْفَتْحِ وَالتَّسْكِينِ: نَبْتٌ يَنْبُتُ عَلَى هَيْئَةِ وَرَقِ الهِنْدِباء بَعْضُ وَرَقِهِ فَوْقَ بَعْضٍ، وَهُوَ كَثِيفٌ وَزَهْرَتُهُ صَفْرَاءُ ومَنْبتُه القِنانُ وَلَا صَيُّورَ لَهُ، وَهُوَ أَبطأُ عُشْب الرَّبِيعِ، وَذَلِكَ لِمَكَانِ لِينِهِ، وَهُوَ عُشْبٌ لَيْسَ مِنَ الْبَقْلِ؛ وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: المَكْنانُ مِنَ الْعُشْبِ وَرَقَتُهُ صَفْرَاءُ وَهُوَ لَيِّنٌ كُلُّهُ، وَهُوَ مِنْ خَيْرِ العُشْبِ إِذَا أَكلته الْمَاشِيَةُ غَزُرَتْ عَلَيْهِ فَكَثُرَتْ أَلبانها وخَثُرتْ، وَاحِدَتُهُ مَكْنانةٌ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: المَكْنان مِنْ بُقُول الرَّبِيعِ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
وبالرَّوْضِ مَكْنانٌ كأَنَّ حَدِيقَهُ ... زَرَابيُّ وَشَّتْها أَكُفُّ الصَّوانِعِ
وأَمْكَنَ المكانُ: أَنبت المَكْنانَ؛ وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ رَوَاهُ أَبو الْعَبَّاسِ عَنْهُ:
ومَجَرّ مُنْتَحَرِ الطَّليّ تَناوَحَتْ ... فِيهِ الظِّباء ببطن وادٍ مْمْكِنِ
__________
(3) . قوله [قال وقد يكون إلخ] ضمير قال لابن سيدة لأَن هذه عبارته في المحكم.(13/414)
قَالَ: مُمْكِن يُنْبِت المَكْنانَ، وَهُوَ نَبْتٌ مِنْ أَحرار الْبُقُولِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ يَصِفُ ثَوْرًا أَنشده ابْنُ بَرِّيٍّ:
حَتَّى غَدا خَرِماً طَأَّى فَرائصَه، ... يَرْعى شَقائقَ مِنْ مَرْعىً ومَكْنان «1»
وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لأَبي وَجْزَةَ يَصِفُ حِمَارًا:
تَحَسَّرَ الماءُ عَنْهُ واسْتَجَنَّ بِهِ ... إلْفانِ جُنَّا مِنَ المَكْنانِ والقُطَبِ
جُمادَيَيْنِ حُسُوماً لَا يُعايِنُه ... رَعْيٌ مِنَ النَّاسِ فِي أَهْلٍ وَلَا غَرَبِ
وَقَالَ الرَّاجِزُ:
وأَنت إِنْ سَرَّحْتَها فِي مَكْنانْ ... وَجَدْتَها نِعْمَ غَبُوقُ الكَسْلانْ
منن: مَنَّهُ يَمُنُّه مَنّاً: قَطَعَهُ. والمَنِينُ: الْحَبْلُ الضَّعِيفُ. وحَبل مَنينٌ: مَقْطُوعٌ، وَفِي التَّهْذِيبِ: حَبْلٌ مَنينٌ إِذَا أخْلَقَ وَتَقَطَّعَ، وَالْجَمْعُ أَمِنَّةٌ ومُنُنٌ. وَكُلُّ حَبَلٍ نُزِحَ بِهِ أَو مُتِحَ مَنِينٌ، وَلَا يُقَالُ للرِّشاءِ مِنَ الْجِلْدِ مَنِينٌ. والمَنِينُ الْغُبَارُ، وَقِيلَ: الْغُبَارُ الضَّعِيفُ الْمُنْقَطِعُ، وَيُقَالُ لِلثَّوْبِ الخَلَقِ. والمَنُّ: الإِعْياء والفَتْرَةُ. ومَنَنْتُ النَّاقَةَ: حَسَرْتُها. ومَنَّ النَّاقَةَ يَمُنُّها مَنّاً ومَنَّنَها ومَنَّن بِهَا: هَزَلَهَا مِنَ السَّفَرِ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ فِي الإِنسان. وَفِي الْخَبَرِ: أَن أَبا كَبِيرٍ غَزَا مَعَ تأَبَّطَ شَرّاً فمَنَّنَ بِهِ ثلاثَ ليالٍ أَي أَجهده وأَتعبه. والمُنَّةُ، بِالضَّمِّ: القوَّة، وَخَصَّ بَعْضُهُمْ بِهِ قُوَّةَ الْقَلْبِ. يُقَالُ: هُوَ ضَعِيفُ المُنَّة، وَيُقَالُ: هُوَ طَوِيلُ الأُمَّة حَسَنُ السُّنَّة قَوِيُّ المُنّة؛ الأُمة: الْقَامَةُ، والسُّنّة: الْوَجْهُ، والمُنّة: الْقُوَّةُ. وَرَجُلٌ مَنِينٌ أَي ضَعِيفٌ، كأنَّ الدَّهْرَ مَنَّه أَي ذَهَبَ بمُنَّته أَي بِقُوَّتِهِ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
مَنَّهُ السَّيْرُ أَحْمقُ
أَي أَضعفه السَّيْرُ. والمَنينُ: الْقَوِيُّ. وَالمَنِينُ: الضَّعِيفُ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، مِنَ الأَضداد؛ وأَنشد:
يَا رِيَّها، إِنْ سَلِمَتْ يَميني، ... وَسَلِمَ السَّاقِي الَّذِي يَلِيني،
وَلَمْ تَخُنِّي عُقَدُ المَنِينِ
ومَنَّه السَّيْرُ يَمُنُّه مَنّاً: أَضعفه وأَعياه. ومَنَّه يَمُنُّه مَنّاً: نَقَصَهُ. أَبو عَمْرٍو: المَمْنون الضَّعِيفُ، والمَمْنون الْقَوِيُّ. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: المَنينُ الْحَبْلُ الْقَوِيُّ؛ وأَنشد لأَبي مُحَمَّدٍ الأَسدي:
إِذَا قَرَنْت أَرْبعاً بأَربعِ ... إِلَى اثْنَتَيْنِ فِي مَنين شَرْجَعِ
أَي أَربع آذَانٍ بأَربع وَذَماتٍ، وَالِاثْنَتَانِ عرْقُوتا الدَّلْوِ. والمَنينُ: الْحَبْلُ الْقَوِيُّ الَّذِي لَهُ مُنَّةٌ. والمَنِينُ أَيضاً: الضَّعِيفُ، وشَرْجَعٌ: طَوِيلٌ. والمَنُونُ: الْمَوْتُ لأَنه يَمُنُّ كلَّ شَيْءٍ يُضْعِفُهُ وَيُنْقِصُهُ وَيَقْطَعُهُ، وَقِيلَ: المَنُون الدَّهْرُ؛ وَجَعَلَهُ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ جَمْعًا فَقَالَ:
مَنْ رَأَيْتَ المَنُونَ عَزَّيْنَ أَمْ مَنْ ... ذَا عَلَيْه مِنْ أَنْ يُضامَ خَفِيرُ
وَهُوَ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، فَمَنْ أَنث حَمَلَ عَلَى الْمَنِيَّةِ، وَمَنْ ذَكَّرَ حَمَلَ عَلَى الْمَوْتِ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
أَمِنَ المَنُونِ ورَيْبه تَتَوَجَّعُ، ... والدهرُ لَيْسَ بمُعْتِبٍ مَنْ يَجْزَعُ؟
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ رُوِيَ ورَيْبها، حملًا على المنِيَّة،
__________
(1) . قوله [طأى فرائصه] هكذا في الأصل بهذا الضبط ولعله طيا فرائصه بمعنى مطوية.(13/415)
قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَن يَكُونَ التأْنيث رَاجِعًا إِلَى مَعْنَى الْجِنْسِيَّةِ وَالْكَثْرَةِ، وَذَلِكَ لأَن الدَّاهِيَةَ تُوصَفُ بِالْعُمُومِ وَالْكَثْرَةِ وَالِانْتِشَارِ؛ قَالَ الْفَارِسِيُّ: إِنَّمَا ذَكَّرَهُ لأَنه ذَهَبَ بِهِ إِلَى مَعْنَى الْجِنْسِ. التَّهْذِيبُ: مَنْ ذَكَّرَ الْمَنُونَ أَراد بِهِ الدَّهْرَ؛ وأَنشد بَيْتَ أَبي ذُؤَيْبٍ أَيضاً:
أَمِنَ المَنُون ورَيْبه تَتَوَجَّعُ
وأَنشد الْجَوْهَرِيُّ للأَعشى:
أَأَن رأَتْ رَجُلًا أَعْشى أَضرَّ بِهِ ... رَيْبُ المَنُونِ، ودهْرٌ مُتبلٌ خبِل
ابْنُ الأَعرابي: قَالَ الشَّرْقِيّ بْنُ القُطامِيِّ المَنايا الأَحداث، وَالْحِمَامُ الأَجَلُ، والحَتْفُ القَدَرُ، والمَنُون الزَّمَانُ. قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: والمَنُونُ يُحْمَلُ مَعْنَاهُ عَلَى المَنايا فَيُعَبَّرُ بِهَا عَنِ الْجَمْعِ؛ وأَنشد بَيْتَ عَدِيّ بْنُ زَيْدٍ:
مَن رأَيْتَ المَنونَ عَزَّيْنَ
أَراد الْمَنَايَا فَلِذَلِكَ جَمَعَ الْفِعْلَ. والمَنُونُ: الْمَنِيَّةُ لأَنها تَقْطَعُ المَدَدَ وَتُنْقِصُ العَدَد. قَالَ الْفَرَّاءُ: والمَنُون مُؤَنَّثَةٌ، وَتَكُونُ وَاحِدَةً وَجَمْعًا. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: المَنُون الدَّهْرُ، وَهُوَ اسْمٌ مُفْرَدٌ، وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ
؛ أَي حَوَادِثَ الدَّهْرِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ أَبي ذُؤَيْبٍ:
أَمِنَ المَنُونِ ورَيْبِه تَتَوَجَّعُ
قَالَ: أَي مِنَ الدَّهْرِ وَرَيْبِهِ؛ وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ قَوْلُهُ:
والدهرُ لَيْسَ بمُعْتِبٍ مَنْ يَجْزَعُ
فأَما مَنْ قَالَ: وَرَيْبُهَا فَإِنَّهُ أَنث عَلَى مَعْنَى الدُّهُورِ، وَرَدَّهُ عَلَى عُمُومِ الْجِنْسِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا؛ وَكَقَوْلِ أَبي ذُؤَيْبٍ:
فالعَيْن بعدهُمُ كأَنَّ حِدَاقَها
وَكَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ؛ وَكَقَوْلِ الهُذَليِّ:
تَراها الضَّبْعَ أَعْظَمَهُنَّ رأْسا
قَالَ: وَيَدُلُّكَ عَلَى أَن المَنُون يرادُ بِهَا الدُّهور قَوْلُ الجَعْديّ:
وعِشْتِ تعيشين إنَّ المَنُونَ ... كانَ المَعايشُ فِيهَا خِساسا
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: فَسَّرَ الأَصمعي المَنُون هُنَا بِالزَّمَانِ وأَراد بِهِ الأَزمنة؛ قَالَ: ويدُلّك عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ بَعْدَ الْبَيْتِ:
فَحِيناً أُصادِفُ غِرَّاتها، ... وَحِينًا أُصادِفُ فِيهَا شِماسا
أَي أُصادف فِي هَذِهِ الأَزمنة؛ قَالَ: وَمِثْلُهُ مَا أَنشده عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمِّهِ الأَصمعي:
غلامُ وَغىً تَقَحّمها فأَبْلى، ... فَخَانَ بلاءَه الدهرُ الخَؤُونُ
فَإِنَّ عَلَى الفَتى الإِقْدامَ فِيهَا، ... وَلَيْسَ عَلَيْهِ مَا جَنَتِ المَنُونُ
قَالَ: والمَنُون يُرِيدُ بِهَا الدُّهُورَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي الْبَيْتِ قَبْلَهُ:
فخانَ بلاءَه الدَّهْرُ الخَؤُونُ
قَالَ: وَمِنْ هَذَا قَوْلُ كَعْب بْنُ مَالِكٍ الأَنصاري:
أَنسيتمُ عَهْدَ النَّبِيِّ إليكمُ، ... وَلَقَدْ أَلَظَّ وأَكَّدَ الأَيْمانا
أَن لَا تَزالوا مَا تَغَرَّدَ طائرٌ ... أُخْرى المَنُونِ مَوالِياً إخْوانا(13/416)
أَي إِلى آخِرِ الدَّهْرِ؛ قَالَ: وأَما قَوْلُ النَّابِغَةِ:
وَكُلُّ فَتىً، وإِنْ أَمْشى وأَثْرَى، ... سَتَخْلِجُه عَنِ الدُّنْيَا المَنُونُ
قَالَ: فَالظَّاهِرُ أَنه الْمَنِيَّةُ؛ قَالَ: وَكَذَلِكَ قَوْلُ أَبي طَالِبٍ:
أَيّ شَيْءٍ دهاكَ أَو غال مَرْعاك، ... وَهَلْ أَقْدَمَتْ عَلَيْكَ المَنُون؟
قَالَ: المَنُونُ هُنَا الْمَنِيَّةُ لَا غَيْرَ؛ وَكَذَلِكَ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ حَسَّان:
تَمَخَّضَتِ المَنُونُ لَهُ بيَوْمٍ ... أَنَى، وَلِكُلِّ حاملةٍ تَمامُ
وَكَذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ أَحمر:
لَقُوا أُمَّ اللُّهَيْمِ فجَهَّزَتْهُمْ ... غَشُومَ الوِرْدِ نَكْنِيها المَنونا
أُم اللُّهَيمِ: اسْمٌ لِلْمَنِيَّةِ، والمنونُ هُنَا: الْمَنِيَّةُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ أَبي دُوَادٍ:
سُلِّطَ الموتُ والمَنُونُ عَلَيْهِمْ، ... فَهُمُ فِي صَدَى المَقابِرِ هامُ
ومَنَّ عَلَيْهِ يَمُنُّ مَنّاً: أَحسن وأَنعم، وَالِاسْمُ المِنَّةُ. ومَنَّ عَلَيْهِ وامْتَنَّ وتمَنَّنَ: قَرَّعَه بِمِنَّةٍ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:
أَعْطاكَ يَا زَيْدُ الَّذِي يُعْطي النِّعَمْ، ... مِنْ غيرِ مَا تمَنُّنٍ وَلَا عَدَمْ،
بَوائكاً لَمْ تَنْتَجِعْ مَعَ الغَنَم
وَفِي الْمَثَلِ: كَمَنِّ الغيثِ عَلَى العَرْفَجةِ، وَذَلِكَ أَنها سَرِيعَةُ الِانْتِفَاعِ بِالْغَيْثِ، فإِذا أَصابها يَابِسَةً اخضرَّت؛ يَقُولُ: أَتَمُنُّ عليَّ كمَنِّ الغيثِ عَلَى العرفجةِ؟ وَقَالُوا: مَنَّ خَيْرَهُ يمُنُّهُ مَنّاً فعَدَّوْه؛ قَالَ:
كأَني، إِذْ مَنَنْتُ عَلَيْكَ خَيري، ... مَنَنْتُ عَلَى مُقَطَّعَةِ النِّياطِ
ومَنَّ يَمُنُّ مَنّاً: اعْتَقَدَ عَلَيْهِ مَنّاً وحسَبَهُ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ
؛ جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ: غَيْرُ مَحْسُوبٍ، وَقِيلَ: معناهُ أَي لَا يَمُنُّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ «1» بِهِ فَاخِرًا أَو مُعَظِّماً كَمَا يَفْعَلُ بخلاءُ المُنْعِمِين، وَقِيلَ: غَيْرُ مَقْطُوعٍ مِنْ قَوْلِهِمْ حَبْلٌ مَنِين إِذا انْقَطَعَ وخَلَقَ، وَقِيلَ: أَي لَا يُمَنُّ بِهِ عَلَيْهِمْ. الْجَوْهَرِيُّ: والمَنُّ الْقَطْعُ، وَيُقَالُ النَّقْصُ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
غُبْساً كَوَاسبَ لَا يُمَنُّ طَعامُها
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَهَذَا الشِّعْرُ فِي نُسْخَةِ ابْنِ الْقَطَّاعِ مِنَ الصِّحَاحِ:
حَتَّى إِذا يَئِسَ الرُّماةُ، وأَرْسَلوا ... غُبْساً كَواسِبَ لَا يُمَنُّ طعامُها
قَالَ: وَهُوَ غَلَطٌ، وإِنما هُوَ فِي نُسْخَةِ الْجَوْهَرِيِّ عَجُزُ الْبَيْتِ لَا غَيْرَ، قَالَ: وَكَمَّلَهُ ابْنُ الْقَطَّاعِ بِصَدْرِ بَيْتٍ لَيْسَ هَذَا عجُزَه، وإِنما عجُزُهُ:
حَتَّى إِذا يَئسَ الرُّماةُ، وأَرسلوا ... غُضُفاً دَوَاجِنَ قَافِلًا أَعْصامُها
قَالَ: وأَما صَدْرُ الْبَيْتِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ فَهُوَ قَوْلُهُ:
لِمُعَفَّرٍ قَهْدٍ تنازَعَ شِلْوَه ... غُبْسٌ كوَاسِبُ لَا يُمَنُّ طعامُها
قَالَ: وَهَكَذَا هُوَ فِي شِعْرِ لَبِيدٍ، وإِنما غلط الجوهري
__________
(1) . قوله [أَيْ لَا يَمُنُّ اللَّهُ عليهم إلخ] المناسب فيه وفيما بعده عليك بكاف الخطاب، وكأنه انتقال نظر من تفسير آية: وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً، إلى تفسير آية: لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ*، هذه العبارة من التهذيب أو المحكم فإن هذه المادة ساقطة من نسختيهما اللتين بأيدينا للمراجعة.(13/417)
فِي نَصْبِ قَوْلِهِ غُبْساً، وَاللَّهُ أَعلم. والمِنِّينَى: مِنَ المَنِّ الَّذِي هُوَ اعْتِقَادُ المَنِّ عَلَى الرَّجُلِ. وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: المِنِّينى مِنَ المَنِّ والامْتنانِ. وَرَجُلٌ مَنُونَةٌ ومَنُونٌ: كَثِيرُ الِامْتِنَانِ؛ الأَخيرة عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. وَقَالَ أَبو بَكْرٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا*
؛ يَحْتَمِلُ المَنُّ تأْويلين: أَحدهما إِحسانُ المُحْسِن غيرَ مُعْتَدٍّ بالإِحسان، يُقَالُ لَحِقَتْ فُلَانًا مِنْ فُلَانٍ مِنَّةٌ إِذا لَحِقَتْه نعمةٌ بِاسْتِنْقَاذٍ مِنْ قَتْلٍ أَو مَا أَشبهه، وَالثَّانِي مَنَّ فلانٌ عَلَى فُلَانٍ إِذا عَظَّمَ الإِحسان وفخَرَ بِهِ وأَبدأَ فِيهِ وأَعاد حَتَّى يُفْسده ويُبَغِّضه، فالأَول حَسَنٌ، وَالثَّانِي قَبِيحٌ. وَفِي أَسماء اللَّهِ تَعَالَى: الحَنّانُ المَنّانُ أَي الَّذِي يُنْعِمُ غيرَ فاخِرٍ بالإِنعام؛ وأَنشد:
إِن الَّذِينَ يَسُوغُ فِي أَحْلاقِهِمْ ... زادٌ يُمَنُّ عليهمُ لَلِئامُ
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِي شَرْحِ المَنَّانِ، قَالَ: مَعْنَاهُ المُعْطِي ابْتِدَاءً، وَلِلَّهِ المِنَّة عَلَى عِبَادِهِ، وَلَا مِنَّة لأَحد مِنْهُمْ عَلَيْهِ، تَعَالَى اللَّهُ عُلُوًّا كَبِيرًا. وَقَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ الْمُنْعِمُ المُعْطي مِنَ المَنِّ فِي كَلَامِهِمْ بِمَعْنَى الإِحسان إِلى مَنْ لَا يَسْتَثِيبُهُ وَلَا يَطْلُبُ الْجَزَاءَ عَلَيْهِ. والمَنّانُ: مِنْ أَبنية الْمُبَالَغَةِ كالسَّفَّاكِ والوَهّابِ، والمِنِّينى مِنْهُ كالخِصِّيصَى؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ للقُطاميّ:
وَمَا دَهْري بمِنِّينَى، ولكنْ ... جَزَتْكم، يَا بَني جُشَمَ، الجَوَازي
ومَنَّ عَلَيْهِ مِنَّةً أَي امْتَنَّ عَلَيْهِ. يُقَالُ: المِنَّةُ تَهْدِمُ الصَّنيعة. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَا أَحدٌ أَمَنَّ عَلَيْنَا مِنِ ابْنِ أَبي قُحافَةَ
أَي مَا أَحدٌ أَجْوَدَ بِمَالِهِ وَذَاتِ يَدِهِ، وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى
؛ المَنُّ هَاهُنَا: أَن تَمُنَّ بِمَا أَعطيت وَتَعْتَدَّ بِهِ كأَنك إِنما تَقْصِدُ بِهِ الِاعْتِدَادَ، والأَذى: أَن تُوَبِّخَ المعطَى، فأَعلم اللَّهُ أَن المَنَّ والأَذى يُبْطِلان الصَّدَقَةَ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ
؛ أَي لَا تُعْطِ شَيْئًا مقدَّراً لتأْخذ بَدَلَهُ مَا هُوَ أَكثر مِنْهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
ثَلَاثَةٌ يشْنَؤُهُمُ اللَّهُ، مِنْهُمُ الْبَخِيلُ المَنّانُ.
وَقَدْ يَقَعُ المَنَّانُ عَلَى الَّذِي لَا يُعْطِي شَيْئًا إِلَّا مَنَّه واعتَدّ بِهِ عَلَى مَنْ أَعطاه، وَهُوَ مَذْمُومٌ، لأَن المِنَّة تُفْسِد الصنيعةَ. والمَنُون مِنَ النِّسَاءِ: الَّتِي تُزَوَّجُ لِمَالِهَا فَهِيَ أَبداً تَمُنُّ عَلَى زَوْجِهَا. والمَنَّانةُ: كالمَنُونِ. وَقَالَ بَعْضُ الْعَرَبِ: لَا تتزَوَّجَنَّ حَنَّانةً وَلَا مَنَّانةً. الْجَوْهَرِيُّ: المَنُّ كالطَّرَنْجَبينِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
الكَمْأَةُ مِنَ المَنِّ وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ.
ابْنُ سِيدَهْ: المَنُّ طَلٌّ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ، وَقِيلَ: هُوَ شِبْهُ الْعَسَلِ كَانَ يَنْزِلُ عَلَى بَنِي إِسرائيل. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى
؛ قَالَ اللَّيْثُ: المَنُّ كَانَ يَسْقُطُ عَلَى بَنِي إِسرائيل مِنَ السَّمَاءِ إِذْ هُمْ فِي التِّيه، وَكَانَ كَالْعَسَلِ الحامِسِ حَلَاوَةً. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: جُمْلَةُ المَنِّ فِي اللُّغَةِ مَا يَمُنُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ مِمَّا لَا تَعَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ، قَالَ: وأَهل التَّفْسِيرِ يَقُولُونَ إِن المَنَّ شَيْءٌ كَانَ يَسْقُطُ عَلَى الشَّجَرِ حُلْوٌ يُشرب، وَيُقَالُ: إِنه التَّرَنْجَبينُ، وَقِيلَ فِي
قَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الكَمْأَةُ مِنَ المَنِ
: إِنما شَبَّهَهَا بالمَنِّ الَّذِي كَانَ يَسْقُطُ عَلَى بَنِي إِسرائيل، لأَنه كَانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ عَفْوًا بِلَا عِلَاجٍ، إِنما يُصْبِحُونَ وَهُوَ بأَفْنِيَتهم فَيَتَنَاوَلُونَهُ، وَكَذَلِكَ الكَمْأَة لَا مؤُونة فِيهَا ببَذْرٍ وَلَا سَقْيٍ، وَقِيلَ: أَي هِيَ مِمَّا منَّ اللَّهُ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: فالمَنُّ الَّذِي يَسْقُطُ مِنَ السَّمَاءِ، والمَنُّ الِاعْتِدَادُ، والمَنُّ الْعَطَاءُ، والمَنُّ الْقَطْعُ، والمِنَّةُ الْعَطِيَّةُ، والمِنَّةُ الاعتدادُ، والمَنُّ لُغَةٌ فِي المَنَا الَّذِي(13/418)
يُوزَنُ بِهِ. الْجَوْهَرِيُّ: والمَنُّ المَنَا، وَهُوَ رِطْلَانِ، وَالْجَمْعُ أَمْنانٌ، وَجَمْعُ المَنا أَمْناءٌ. ابْنُ سِيدَه: المَنُّ كَيْلٌ أَو مِيزَانٌ، وَالْجَمْعُ أَمْنانٌ. والمُمَنُّ: الَّذِي لَمْ يَدَّعِه أَبٌ والمِنَنَةُ: الْقُنْفُذُ. التَّهْذِيبُ: والمِنَنةُ العَنْكبوت، وَيُقَالُ لَهُ مَنُونةٌ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: والمَنُّ أَيضاً الفَتْرَةُ؛ قَالَ:
قَدْ يَنْشَطُ الفِتْيانُ بَعْدَ المَنِ
التَّهْذِيبُ عَنِ الْكِسَائِيِّ قَالَ: مَنْ تَكُونُ اسْمًا، وَتَكُونُ جَحْداً، وَتَكُونُ اسْتِفْهَامًا، وَتَكُونُ شرْطاً، وَتَكُونُ مَعْرِفَةً، وَتَكُونُ نَكِرَةً، وَتَكُونُ لِلْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ، وَتَكُونُ خُصُوصًا، وَتَكُونُ للإِنْسِ وَالْمَلَائِكَةِ والجِنِّ، وَتَكُونُ لِلْبَهَائِمِ إِذا خَلَطْتَهَا بِغَيْرِهَا؛ وأَنشد الْفَرَّاءُ فِيمَنْ جَعَلَهَا اسْمًا هَذَا الْبَيْتَ:
فَضَلُوا الأَنامَ، ومَنْ بَرا عُبْدانَهُمْ، ... وبَنَوْا بمَكَّةَ زَمْزَماً وحَطِيما
قَالَ: مَوْضِعُ مَنْ خَفَضَ، لأَنه قَسَمٌ كأَنه قَالَ: فَضَلَ بَنُو هَاشِمٍ سَائِرَ النَّاسِ وَاللَّهُ الَّذِي بَرَأَ عُبْدانَهُم. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذِهِ الْوُجُوهُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْكِسَائِيُّ فِي تَفْسِيرِ مَنْ مَوْجُودَةٌ فِي الْكِتَابِ؛ أَما الِاسْمُ الْمَعْرِفَةُ فَكَقَوْلِكَ: والسماء ومَنْ بَنَاهَا؛ مَعْنَاهُ وَالَّذِي بَنَاهَا، والجَحْدُ كَقَوْلِهِ: وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ
؛ الْمَعْنَى لَا يَقْنَطُ. وَالِاسْتِفْهَامُ كَثِيرٌ وَهُوَ كَقَوْلِكَ: مَنْ تَعْني بِمَا تَقُولُ؟ وَالشَّرْطُ كَقَوْلِهِ: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ
، فَهَذَا شَرْطٌ وَهُوَ عَامٌّ. ومَنْ لِلْجَمَاعَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ
؛ وَكَقَوْلِهِ: وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ
. وأَما فِي الْوَاحِدِ فَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ*
، فوَحَّدَ؛ وَالِاثْنَيْنِ كَقَوْلِهِ:
تَعالَ فإِنْ عاهَدْتَني لَا تَخُونني، ... نَكُنْ مثلَ مَنْ يَا ذِئبُ يَصْطحبانِ
قَالَ الْفَرَّاءُ: ثنَّى يَصْطَحِبان وَهُوَ فِعْلٌ لمَنْ لأَنه نَوَاهُ ونَفْسَه. وقال فِي جَمْعِ النِّسَاءِ: وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ
. الْجَوْهَرِيُّ: مَنْ اسْمٌ لِمَنْ يَصْلُحُ أَن يخاطَبَ، وَهُوَ مُبْهَمٌ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ، وَهُوَ فِي اللَّفْظِ وَاحِدٌ وَيَكُونُ فِي مَعْنَى الْجَمَاعَةِ؛ قَالَ الأَعشى
لسْنا كمَنْ حَلَّتْ إِيادٍ دارَها ... تَكْريتَ تَنْظُرُ حَبَّها أَن يُحْصَدا
فأَنث فِعْلَ مَنْ لأَنه حَمَلَهُ عَلَى الْمَعْنَى لَا عَلَى اللَّفْظِ، قَالَ: وَالْبَيْتُ رَدِيءٌ لأَنه أَبدل مِنْ قَبْلِ أَن يَتِمَّ الِاسْمُ، قَالَ: وَلَهَا أَربعة مَوَاضِعَ: الِاسْتِفْهَامُ نَحْوُ مَنْ عِنْدَكَ؟ وَالْخَبَرُ نَحْوُ رأَيت مَنْ عِنْدَكَ، وَالْجَزَاءُ نَحْوُ مَنْ يكرمْني أُكْرِمْهُ، وَتَكُونُ نَكِرَةً نَحْوَ مَرَرْتُ بمَنْ محسنٍ أَي بإِنسان مُحْسِنٍ؛ قَالَ بَشِيرُ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ الأَنصاري:
وكفَى بِنَا فَضْلًا، عَلَى مَنْ غَيرِنا، ... حُبُّ النَّبِيِّ محمدٍ إِيّانا
خَفَضَ غَيْرَ عَلَى الإِتباع لمَنْ، وَيَجُوزُ فِيهِ الرَّفْعُ عَلَى أَن تُجْعَلَ مَنْ صِلَةً بإِضمار هُوَ، وَتُحْكَى بِهَا الأَعلام والكُنَى وَالنَّكِرَاتُ فِي لُغَةِ أَهل الْحِجَازِ إِذا قَالَ رأَيت زَيْدًا قُلْتُ مَنْ زَيْدًا، وإِذا قَالَ رأَيت رَجُلًا قُلْتَ مَنَا لأَنه نَكِرَةٌ، وإِن قَالَ جَاءَنِي رَجُلٌ قُلْتُ مَنُو، وإِن قَالَ مَرَرْتُ بِرَجُلٍ قُلْتَ مَنِي، وإِن قَالَ جَاءَنِي رَجُلَانِ قُلْتُ مَنَانْ، وإِن قَالَ مَرَرْتُ بِرَجُلَيْنِ قُلْتُ مَنَينْ، بِتَسْكِينِ النُّونِ فِيهِمَا؛ وَكَذَلِكَ فِي الْجَمْعِ إِن قَالَ جَاءَنِي رِجَالٌ قُلْتَ مَنُونْ، ومَنِينْ فِي النَّصْبِ وَالْجَرِّ، وَلَا يُحْكَى بِهَا غَيْرُ ذَلِكَ، لَوْ قَالَ رأَيت الرَّجُلَ قُلْتُ مَنِ الرجلُ، بِالرَّفْعِ، لأَنه لَيْسَ بِعَلَمٍ، وإِن قَالَ مَرَرْتُ بالأَمير قُلْتُ(13/419)
مَنِ الأَمِيرُ، وإِن قال رأَيت ابْنَ أَخيك قُلْتُ مَنِ ابنُ أَخيك، بِالرَّفْعِ لَا غَيْرَ، قَالَ: وَكَذَلِكَ إِن أَدخلت حَرْفَ الْعَطْفِ عَلَى مَنْ رَفَعْتَ لَا غَيْرَ قُلْتُ فمَنْ زيدٌ ومَنْ زيدٌ، وإِن وَصَلْتَ حُذِفَتِ الزِّيَادَاتُ قُلْتَ مَنْ يَا هَذَا، قَالَ: وَقَدْ جَاءَتِ الزِّيَادَةُ فِي الشِّعْرِ فِي حَالِ الْوَصْلِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
أَتَوْا نَارِي فقلتُ: مَنُونَ أَنْتُمْ؟ ... فَقَالُوا: الجِنُّ قلتُ: عِمُوا ظَلاما
وَتَقُولُ فِي المرأَة: مَنَهْ ومَنْتانْ ومَنَاتْ، كُلُّهُ بِالتَّسْكِينِ، وإِن وصلت قلت مَنَةً يا هَذَا ومناتٍ يَا هَؤُلَاءِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وإِن وَصَلْتَ قُلْتَ مَنةً يَا هَذَا، بِالتَّنْوِينِ، ومَناتٍ؛ قَالَ: صَوَابُهُ وإِن وَصَلْتَ قُلْتَ مَنْ يَا هَذَا فِي الْمُفْرَدِ وَالْمُثَنَّى وَالْمَجْمُوعِ وَالْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ، وإِن قَالَ: رأَيت رَجُلًا وَحِمَارًا، قُلْتُ مَنْ وأَيَّا، حَذَفْتَ الزِّيَادَةَ مِنَ الأَول لأَنك وَصَلْتَهُ، وإِن قَالَ مَرَرْتُ بِحِمَارٍ وَرَجُلٍ قُلْتُ أَيٍّ ومَنِي، فَقِسْ عَلَيْهِ، قَالَ: وَغَيْرُ أَهل الْحِجَازِ لَا يَرَوْنَ الْحِكَايَةَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ وَيَرْفَعُونَ الْمَعْرِفَةَ بَعْدَ مَنْ، اسْمًا كَانَ أَو كُنْيَةً أَو غَيْرُ ذَلِكَ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالنَّاسُ الْيَوْمَ فِي ذَلِكَ عَلَى لُغَةِ أَهل الْحِجَازِ؛ قَالَ: وإِذا جَعَلْتَ مَنْ اسْمًا مُتَمَكِّنًا شَدَدْتَهُ لأَنه عَلَى حَرْفَيْنِ كَقَوْلِ خِطامٍ المُجاشِعيّ:
فرَحلُوها رِحْلَةً فِيهَا رَعَنْ، ... حَتَّى أَنَخْناها إِلى مَنٍّ ومَنْ
أَي أَبْرَكْناها إِلى رَجُلٍ وأَيّ رَجُلٍ، يُرِيدُ بِذَلِكَ تَعْظِيمَ شأْنه، وإِذا سَمَّيْتَ بمَنْ لَمْ تُشَدِّدْ فَقُلْتَ هَذَا مَنٌ وَمَرَرْتُ بمَنٍ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وإِذا سأَلت الرَّجُلَ عَنْ نَسَبِهِ قُلْتَ المَنِّيُّ، وإِن سأَلته عَنْ بَلَدِهِ قُلْتَ الهَنِّيُّ؛ وَفِي حَدِيثِ
سَطِيح:
يَا فاصِلَ الخُطَّةِ أَعْيَتْ مَنْ ومَنْ
قَالَ ابْنُ الأَثير: هَذَا كَمَا يُقَالُ أَعيا هذا الأَمر فلاناً وَفُلَانًا عِنْدَ الْمُبَالَغَةِ وَالتَّعْظِيمِ أَي أَعيت كلَّ مَنْ جَلَّ قَدْرُه فَحَذَفَ، يَعْنِي أَن ذَلِكَ مِمَّا تَقْصُرُ الْعِبَارَةُ عَنْهُ لِعِظَمِهِ كَمَا حَذَفُوهَا مِنْ قَوْلِهِمْ: بَعْدَ اللَّتَيّا وَالَّتِي، اسْتِعْظَامًا لشأْن الْمَخْلُوقِ. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ:
مَنْ غَشَّنا فَلَيْسَ مِنَّا
أَي لَيْسَ عَلَى سِيرَتِنَا وَمَذْهَبِنَا وَالتَّمَسُّكِ بسُنَّتنا، كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ أَنا منْك وإِليك، يُرِيدُ الْمُتَابَعَةَ وَالْمُوَافَقَةَ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثِ:
لَيْسَ مِنَّا مَنْ حَلَقَ وخَرَقَ وصَلَقَ
، وَقَدْ تَكَرَّرَ أَمثاله فِي الْحَدِيثِ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَذَهَبُ بَعْضُهُمْ إِلى أَنه أَراد بِهِ النَّفْيَ عَنْ دِينِ الإِسلام، وَلَا يَصِحُّ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: مَنْ اسْمٌ بِمَعْنَى الَّذِي، وَتَكُونُ لِلشَّرْطِ وَهُوَ اسْمٌ مُغْنٍ عَنِ الْكَلَامِ الْكَثِيرِ الْمُتَنَاهِي فِي البِعادِ والطُّولِ، وَذَلِكَ أَنك إِذا قُلْتَ مَنْ يَقُمْ أَقُمْ مَعَهُ كَفَاكَ ذَلِكَ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ، وَلَوْلَا هُوَ لَاحْتَجْتَ أَن تَقُولَ إِن يَقُمْ زَيْدٌ أَو عَمْرٌو أَو جَعْفَرٌ أَو قَاسِمٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ، ثُمَّ تَقِفُ حَسِيرًا مَبْهُورًا ولَمّا تَجِدْ إِلى غَرَضِكَ سَبِيلًا، فإِذا قُلْتَ مَنْ عِنْدَكَ أَغناك ذَلِكَ عَنْ ذِكْرِ النَّاسِ، وَتَكُونُ لِلِاسْتِفْهَامِ الْمَحْضِ، وَتُثَنَّى وَتُجْمَعُ فِي الْحِكَايَةِ كَقَوْلِكَ: مَنَانْ ومَنُونْ ومَنْتانْ ومَناتْ، فإِذا وَصَلْتَ فَهُوَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ مُفْرَدٌ مُذَكَّرٌ؛ وأَما قَوْلُ شَمِرِ بن الحرث الضَّبِّيِّ:
أَتَوْا نَارِي فقلتُ: مَنُونَ؟ قَالُوا: ... سَرَاةُ الجِنِّ قُلْتُ: عِمُوا ظَلاما
قَالَ: فَمَنْ رَوَاهُ هَكَذَا فإِنه أَجرى الْوَصْلَ مُجْرَى الْوَقْفِ، فإِن قُلْتَ فإِنه فِي الْوَقْفِ إِنما يَكُونُ مَنُونْ سَاكِنَ النُّونِ، وأَنت فِي الْبَيْتِ قَدْ حَرَّكْتَهُ، فَهُوَ إِذاً لَيْسَ عَلَى نِيَّةِ الْوَصْلِ وَلَا عَلَى نِيَّةِ الْوَقْفِ؟ فَالْجَوَابُ أَنه(13/420)
لَمَّا أَجراه فِي الْوَصْلِ عَلَى حَدِّهِ فِي الْوَقْفِ فأَثبت الْوَاوَ وَالنُّونَ الْتَقَيَا سَاكِنَيْنِ، فَاضْطَرَّ حِينَئِذٍ إِلى أَن حَرَّكَ النُّونَ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ لإِقامة الْوَزْنِ، فَهَذِهِ الْحَرَكَةُ إِذاً إِنما هِيَ حَرَكَةٌ مُسْتَحْدَثَةٌ لَمْ تَكُنْ فِي الْوَقْفِ، وإِنما اضْطُرَّ إِليها لِلْوَصْلِ؛ قَالَ: فأَما مَنْ رَوَاهُ مَنُونَ أَنتم فأَمره مُشْكَلٌ، وَذَلِكَ أَنه شبَّه مَنْ بأَيٍّ فَقَالَ مَنُونَ أَنتم عَلَى قَوْلِهِ أَيُّونَ أَنتم، وَكَمَا جُعِلَ أَحدهما عَنِ الْآخَرِ هُنَا كَذَلِكَ جُمِعَ بَيْنَهُمَا فِي أَن جُرِّدَ مِنْ الِاسْتِفْهَامِ كلُّ واحدٍ مِنْهُمَا، أَلا تَرَى أَن حِكَايَةَ يُونُسَ عَنْهُمْ ضَرَبَ مَنٌ مَناً كَقَوْلِكَ ضَرَبَ رَجُلٌ رَجُلًا؟ فَنَظِيرُ هَذَا فِي التَّجْرِيدِ لَهُ مِنْ مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ ما أَنشدناه من قول الْآخَرِ:
وأَسْماءُ، مَا أَسْماءُ لَيْلةَ أَدْلَجَتْ ... إِليَّ، وأَصحابي بأَيَّ وأَيْنَما
فَجَعَلَ أَيّاً اسْمًا لِلْجِهَةِ، فَلَمَّا اجْتَمَعَ فِيهَا التَّعْرِيفُ والتأْنيث منَعَها الصَّرْفَ، وإِن شِئْتَ قُلْتَ كَانَ تَقْدِيرُهُ مَنُون كَالْقَوْلِ الأَول، ثُمَّ قَالَ أَنتم أَي أَنتم الْمَقْصُودُونَ بِهَذَا الِاسْتِثْبَاتِ، كَقَوْلِ عَدِيٍّ:
أَرَوَاحٌ مَوَدّعٌ أَم بُكورُ ... أَنتَ، فانْظُرْ لأَيِّ حالٍ تصيرُ
إِذا أَردت أَنتَ الهالكُ، وَكَذَلِكَ أَراد لأَي ذيْنِك. وَقَوْلُهُمْ فِي جَوَابِ مَنْ قَالَ رأَيت زَيْدًا المَنِّيُّ يَا هَذَا، فالمَنِّيُّ صِفَةٌ غَيْرُ مُفِيدَةٍ، وإِنما مَعْنَاهُ الإِضافة إِلى مَنْ، لَا يُخَصُّ بِذَلِكَ قبيلةٌ مَعْرُوفَةٌ كَمَا أَن مَن لَا يَخُصُّ عَيْنًا، وَكَذَلِكَ تَقُولُ المَنِّيّانِ والمَنِّيُّون والمَنِّيَّة والمَنِّيَّتان والمَنِّيَّات، فإِذا وَصَلْتَ أَفردت عَلَى مَا بَيَّنَهُ سِيبَوَيْهِ، قَالَ: وَتَكُونُ لِلِاسْتِفْهَامِ الَّذِي فِيهِ مَعْنَى التَّعَجُّب نَحْوَ مَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَنْ هُوَ وَمَا هُوَ؛ وأَما قَوْلُهُ:
جادَتْ بكَفَّيْ كَانَ مِنْ أَرْمى البَشَرْ
فَقَدْ رُوِيَ مَنْ أَرمى البَشر، بِفَتْحِ مِيمِ مَنْ، أَي بكفَّيْ مَنْ هُوَ أَرْمى البشرِ، وَكَانَ عَلَى هَذَا زَائِدَةً، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ هَذِهِ الرِّوَايَةُ لَمَا جَازَ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ لفُرُوده وَشُذُوذِهِ عَمَّا عَلَيْهِ عَقْدُ هَذَا الْمَوْضِعِ، أَلا تَرَاكَ لَا تَقُولُ مَرَرْتُ بوَجْهُه حسنٌ وَلَا نَظَرْتُ إِلى غلامُهُ سعيدٌ؟ قَالَ: هَذَا قَوْلُ ابْنِ جِنِّي، وَرِوَايَتُنَا كَانَ مِنْ أَرْمى الْبَشَرْ أَي بكفَّيْ رجلٍ كَانَ. الْفَرَّاءُ: تَكُونُ مِنْ ابتداءَ غَايَةٍ، وَتَكُونُ بَعْضًا، وَتَكُونُ صِلةً؛ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ
؛ أَي مَا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ وَزْنُ ذَرَّةٍ؛ وَلِدَايَةِ الأَحنف فِيهِ:
وَاللَّهِ لَوْلَا حَنَفٌ برجْلِهِ، ... مَا كَانَ فِي فِتْيَانِكُمْ مِنْ مِثْلِهِ
قَالَ: مِنْ صِلةٌ هَاهُنَا، قَالَ: وَالْعَرَبُ تُدْخِلُ مِنْ على جمع المَحالّ إِلا عَلَى اللَّامِ وَالْبَاءِ، وَتُدْخِلُ مِنْ عَلَى عَنْ وَلَا تُدْخِلُ عَنْ عَلَيْهَا، لأَن عَنِ اسْمٌ وَمِنْ مِنَ الْحُرُوفِ؛ قَالَ الْقَطَامِيُّ:
مِنْ عَنْ يَمِينِ الحُبَيّا نَظْرةٌ قَبَلُ
قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَالْعَرَبُ تضَعُ مِن مَوْضِعَ مُذْ، يُقَالُ: مَا رأَيته مِنْ سنةٍ أَي مُذْ سنةٍ؛ قَالَ زُهَيْرٍ:
لِمَنِ الدِّيارُ، بقُنَّةِ الحِجْرِ، ... أَقْوَيْنَ مِنْ حِجَجٍ وَمِنْ دَهْرِ؟
أَي مُذْ حِجَجٍ. الْجَوْهَرِيُّ: تَقُولُ الْعَرَبُ مَا رأَيته مِنْ سنةٍ أَي منذُ سَنَةٍ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ
؛ قَالَ: وَتَكُونُ مِنْ بِمَعْنَى عَلَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ
؛ أَي عَلَى الْقَوْمِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يُقَالُ نَصَرْتُهُ مِنْ فُلَانٍ أَي مَنَعْتُهُ مِنْهُ(13/421)
لأَن النَّاصِرَ لَكَ مَانِعٌ عَدُوَّكَ، فَلَمَّا كَانَ نَصَرْتُهُ بِمَعْنَى مَنَعْتُهُ جَازَ أَن يَتَعَدَّى بِمِنْ، وَمِثْلُهُ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ، فَعَدَّى الْفِعْلَ بعَنْ حَمْلًا عَلَى مَعْنَى يَخْرُجون عَنْ أَمره، لأَن الْمُخَالَفَةَ خُرُوجٌ عَنِ الطَّاعَةِ، وتكن مِنْ بِمَعْنَى الْبَدَلِ كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً
؛ مَعْنَاهُ: وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا بَدَلَكُم، وَتَكُونُ بِمَعْنَى اللَّامِ الزَّائِدَةِ كَقَوْلِهِ:
أَمِنْ آلِ لَيْلَى عَرَفْتَ الدِّيارا
أَراد أَلآلِ ليْلى عَرَفْتَ الدِّيَارَا. ومِنْ، بِالْكَسْرِ: حَرْفٌ خَافِضٌ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ فِي الأَماكن، وَذَلِكَ قَوْلُكَ مِنْ مَكَانِ كَذَا وَكَذَا إِلى مَكَانِ كَذَا وَكَذَا، وَخَرَجْتُ مِنْ بَغْداد إِلى الْكُوفَةِ، وَتَقُولُ إِذا كَتَبْتَ: مِنْ فلانٍ إِلى فُلَانٍ، فَهَذِهِ الأَسماء الَّتِي هِيَ سِوَى الأَماكن بِمَنْزِلَتِهَا؛ وَتَكُونُ أَيضاً لِلتَّبْعِيضِ، تَقُولُ: هَذَا مِنَ الثَّوْبِ، وَهَذَا الدِّرْهم مِنَ الدَّرَاهِمِ، وَهَذَا مِنْهُمْ كأَنك قُلْتَ بَعْضُهُ أَو بَعْضُهُمْ؛ وَتَكُونُ لِلْجِنْسِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً
. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَجُوزُ أَن يَقْبَلَ الرجلُ المَهْرَ كُلَّهُ وإِنما قَالَ مِنْهُ؟ فَالْجَوَابُ فِي ذَلِكَ أَنَّ مِنْ هُنَا لِلْجِنْسِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ
، وَلَمْ نُؤْمَرْ بِاجْتِنَابِ بَعْضِ الأَوثان، وَلَكِنَّ الْمَعْنَى فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ الَّذِي هُوَ وَثَنٌ، وكُلُوا الشَّيْءَ الَّذِي هُوَ مَهْرٌ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً
. قَالَ: وَقَدْ تَدْخُلُ فِي موضعٍ لَوْ لَمْ تَدْخُلْ فِيهِ كَانَ الْكَلَامُ مُسْتَقِيمًا وَلَكِنَّهَا تَوْكِيدٌ بِمَنْزِلَةِ مَا إِلا أَنها تَجُرُّ لأَنها حَرْفُ إِضافة، وَذَلِكَ قَوْلُكَ: مَا أَتاني مِنْ رجلٍ، وَمَا رأَيت مِنْ أَحد، لَوْ أَخرجت مِنْ كَانَ الْكَلَامُ مُسْتَقِيمًا، وَلَكِنَّهُ أُكِّدَ بمِنْ لأَن هَذَا مَوْضِعُ تَبْعِيضٍ، فأَراد أَنه لَمْ يأْته بَعْضُ الرِّجَالِ، وَكَذَلِكَ: ويْحَهُ مِنْ رَجُلٍ إِنما أَراد أَن يَجْعَلَ التَّعَجُّبَ مِنْ بَعْضٍ، وَكَذَلِكَ: لِي مِلْؤُهُ مِنْ عَسَل، وَهُوَ أَفضل مِنْ زَيْدٍ، إِنما أَراد أَن يُفَضِّلَهُ عَلَى بَعْضٍ وَلَا يَعُمَّ، وَكَذَلِكَ إِذا قُلْتَ أَخْزَى اللهُ الكاذِبَ مِنِّي ومِنْكَ إِلا أَن هَذَا وقولَكَ أَفضل مِنْكَ لَا يُسْتَغْنَى عَنْ مِنْ فِيهِمَا، لأَنها تُوصِلُ الأَمر إِلى مَا بَعْدَهَا. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَقَدْ تَدْخُلُ منْ تَوْكِيدًا لَغْواً، قَالَ: قَالَ الأَخفش وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ
؛ وَقَالَ: مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ
، إِنما أَدْخلَ مِنْ تَوْكِيدًا كَمَا تَقُولُ رأَيت زَيْدًا نَفْسَهُ. وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ فِي اسْتِشْهَادِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ
، قَالَ: مِنْ لِلْبَيَانِ وَالتَّفْسِيرِ وَلَيْسَتْ زَائِدَةً لِلتَّوْكِيدِ لأَنه لَا يَجُوزُ إِسْقَاطُهَا بِخِلَافِ وَيْحَهُ مِنْ رجلٍ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَقَدْ تَكُونُ مِنْ لِلْبَيَانِ وَالتَّفْسِيرِ كَقَوْلِكَ لِلَّهِ دَرُّكَ مِنْ رجلٍ، فَتَكُونُ مِنْ مُفَسِّرَةً لِلِاسْمِ المَكْنِيِّ فِي قَوْلِكَ دَرُّك وتَرْجَمةً عَنْهُ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ
؛ فالأُولى لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، وَالثَّانِيَةُ لِلتَّبْعِيضِ، وَالثَّالِثَةُ لِلْبَيَانِ. ابْنُ سِيدَهْ: قَالَ سِيبَوَيْهِ وأَما قَوْلُكَ رأَيته مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فإِنك جعلتَه غَايَةَ رؤْيتك كَمَا جَعَلْتَهُ غَايَةً حَيْثُ أَردت الِابْتِدَاءَ والمُنْتَهى. قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: فإِذا لَقِيَتِ النونُ أَلف الْوَصْلِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَخْفِضُ النُّونَ فَيَقُولُ مِنِ الْقَوْمِ ومِنِ ابْنِكَ. وَحُكِيَ عَنْ طَيِءٍ وكَلْبٍ: اطْلُبُوا مِنِ الرَّحْمَنِ، وَبَعْضُهُمْ يَفْتَحُ النُّونَ عِنْدَ اللَّامِ وأَلف الْوَصْلِ فَيَقُولُ مِنَ الْقَوْمِ ومِنَ ابْنِكَ، قَالَ: وأُراهم إِنما ذَهَبُوا فِي فَتْحِهَا إِلى الأَصل لأَن أَصلها إِنما هُوَ مِنَا، فَلَمَّا جُعِلَتْ أَداةً حُذِفَتِ الأَلف وَبَقِيَتِ النُّونُ مَفْتُوحَةً، قَالَ: وَهِيَ فِي قُضَاعَةَ؛ وأَنشد الْكِسَائِيُّ عَنْ بَعْضِ قُضاعَةَ:(13/422)
بَذَلْنا مارِنَ الخَطِّيِّ فيهِمْ، ... وكُلَّ مُهَنَّدٍ ذَكَرٍ حُسَامِ
مِنَا أَن ذَرَّ قَرْنُ الشَّمْسِ حَتَّى ... أَغاثَ شَرِيدَهمْ فَنَنُ الظلامِ
قَالَ ابْنُ جِنِّي: قَالَ الْكِسَائِيُّ أَراد مِنْ، وأَصلُها عِنْدَهُمْ مِنَا، وَاحْتَاجَ إِليها فأَظهرها عَلَى الصِّحَّةِ هُنَا. قَالَ ابْنُ جِنِّي: يَحْتَمِلُ عِنْدِي أَن يَكُونَ منَا فِعْلًا مِنْ مَنَى يَمْني إِذا قَدَّرَ كَقَوْلِهِ:
حَتَّى تُلاقي الَّذِي يَمْني لَكَ الْمَانِي
أَي يُقَدِّرُ لَكَ المُقَدِّرُ، فكأَنه تَقْدِيرُ ذَلِكَ الوقتِ وَمُوَازَنَتُهُ أَي مِنْ أَول النَّهَارِ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: قَالُوا مِنَ اللَّهِ ومِنَ الرَّسُولِ ومِنَ المؤْمنين فَفَتَحُوا، وشبَّهوها بأَيْنَ وكَيْفَ، يَعْنِي أَنه قَدْ كَانَ حُكْمُهَا أَن تُكْسَرَ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، لَكِنْ فَتَحُوا لِمَا ذُكِرَ، قَالَ: وَزَعَمُوا أَن نَاسًا يَقُولُونَ مِنِ اللهِ فَيَكْسِرُونَهُ ويُجْرُونه عَلَى الْقِيَاسِ، يَعْنِي أَن الأَصل فِي كُلِّ ذَلِكَ أَن تُكْسَرَ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ؛ قَالَ: وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْعَرَبُ فِي مِنْ إِذا كَانَ بَعْدَهَا أَلف وَصْلٍ غَيْرُ الأَلف وَاللَّامِ، فَكَسَرَهُ قَوْمٌ عَلَى الْقِيَاسِ، وَهِيَ أَكثر فِي كَلَامِهِمْ وَهِيَ الْجَيِّدَةُ، وَلَمْ يَكْسِروا فِي أَلف اللَّامِ لأَنها مَعَ أَلف اللَّامِ أَكثر، إِذ الأَلف وَاللَّامُ كَثِيرَةٌ فِي الْكَلَامِ تَدَخُلُ فِي كُلِّ اسْمٍ نَكِرَةٍ، فَفَتَحُوا اسْتِخْفَافًا فَصَارَ مِنِ اللَّهِ بِمَنْزِلَةِ الشَّاذِّ، وَكَذَلِكَ قَوْلُكَ مِنِ ابْنِكَ ومِنِ امْرِئٍ، قَالَ: وَقَدْ فَتَحَ قَوْمٌ فُصَحَاءُ فَقَالُوا مِنَ ابْنكَ فأَجْرَوْها مُجْرى قَوْلِكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ أَبو إِسحاق: وَيَجُوزُ حَذْفُ النُّونِ مِنْ مِنْ وعَنْ عِنْدِ الأَلف وَاللَّامُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَحَذْفُهَا مِنْ مِنْ أَكثر مِنْ حَذْفِهَا مِنْ عَنْ لأَن دُخُولَ مِن فِي الْكَلَامِ أَكثر مِنْ دُخُولِ عَنْ؛ وأَنشد:
أَبْلِغْ أَبا دَخْتَنُوسَ مأْلُكَةً ... غَيْر الَّذِي قَدْ يُقَالُ مِ الكَذِبِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَبو دَخْتَنُوس لَقِيطُ بنُ زُرَارَة ودَخْتَنُوسُ بِنْتُهُ. ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ مِنَ الْآنَ ومِ الْآنَ، يَحْذِفُونَ؛ وأَنشد:
أَلا أَبْلغْ بَني عَوْفٍ رَسولًا، ... فَمَا مِ الآنَ فِي الطَّيْرِ اعتذارُ
يَقُولُ لَا أَعتذر بالتَّطَيُّرِ، أَنا أُفارقكم عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَقَوْلُهُمْ فِي القَسَم: مِنْ رَبِّي مَا فَعَلْتُ، فمنْ حَرْفُ جَرٍّ وُضِعَتْ مَوْضِعَ الْبَاءِ هاهنا، لأَن حُرُوفَ الْجَرِّ يَنُوبُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ إِذا لم يلتبس المعنى.
منجنون: المَنْجَنُونُ: الدُّولَابُ الَّتِي يُسْتَقَى عَلَيْهَا. ابْنُ سِيدَهْ وَغَيْرُهُ: المَنْجَنُونُ أَداة السَّانِيَةِ الَّتِي تَدُورُ، جَعَلَهَا مُؤَنَّثَةً؛ أَنشد أَبو عَلِيٍّ:
كأَنَّ عَيْنَيَّ، وَقَدْ بانُوني، ... غَرْبانِ فِي مَنْحاةِ مَنْجَنُونِ
وَذَكَرَهُ الأَزهري فِي الرُّبَاعِيِّ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: المَنْجَنونُ بِمَنْزِلَةِ عَرْطَلِيل، يَذْهَبُ إِلى أَنه خُمَاسِيٌّ وأَنه لَيْسَ فِي الْكَلَامِ فَنْعَلُولٌ، وأَن النُّونُ لَا تُزَادُ ثَانِيَةً إِلا بثَبَتٍ. قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: المَنْجَنُون الَّتِي تَدُورُ مُؤَنَّثَةٌ، وَقِيلَ: المَنْجَنُونُ البَكَرَةُ؛ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: هِيَ المَحالة يُسْنَى عَلَيْهَا، وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ عَلَى فَعْلَلُول، وَالْمِيمُ مِنْ نَفْسِ الْحَرْفِ لِمَا ذُكِرَ فِي مَنْجَنيق لأَنه يُجْمَعُ عَلَى مَناجين؛ وأَنشد الأَصمعي لعُمَارَة بْنِ طَارِقٍ:
اعْجَلْ بغَرْبٍ مِثْلَ غَرْبِ طارِقِ، ... ومَنْجنُونٍ كالأَتانِ الفارِقِ،
مِنْ أَثْل ذاتِ العَرْضِ والمَضَايقِ
وَيُرْوَى: ومَنْجَنِين، وَهُمَا بِمَعْنًى؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ(13/423)
للمُتَلَمِّس فِي تأْنيث المَنْجَنُون:
هَلُمَّ إِليه قَدْ أُبيثَتْ زُرُوعُهُ، ... وعادَتْ عَلَيْهِ المَنْجَنُونُ تَكَدَّسُ
وَقَالَ ابْنُ مُفَرِّغ:
وإِذا المَنْجَنونُ بِاللَّيْلِ حَنَّتْ، ... حَنَّ قَلْبُ المُتَيَّمِ المَحْزونِ
قَالَ: وَقَوْلُ الْجَوْهَرِيِّ وَالْمِيمُ مِنْ نَفْسِ الْحَرْفِ لِمَا قُلْنَاهُ فِي مَنْجنيق لأَنه يُجْمَعُ عَلَى مَناجين يَحْتَاجُ إِلى بَيَانٍ، أَلا تَرَى أَنك تَقُولُ فِي جَمْعِ مَضْروب مَضارِيبُ؟ فَلَيْسَ ثَباتُ الْمِيمِ فِي مَضَارِيبِ مِمَّا يُكَوِّنُها أَصلًا فِي مَضْروبٍ، قَالَ: وإِنما اعْتَبَرَ النَّحْوِيُّونَ صِحَّةَ كَوْنِ الْمِيمِ فِيهَا أَصلًا بِقَوْلِهِمْ مَناجين، لأَن مَناجين يَشْهَدُ بِصِحَّةِ كَوْنِ النُّونِ أَصلًا، بِخِلَافِ النُّونِ فِي قَوْلِهِمْ مَنْجَنِيق فإِنها زَائِدَةٌ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ مَجانيق، وَإِذَا ثَبَتَ أَن النُّونَ فِي مَنْجَنُون أَصل ثَبَتَ أَن الِاسْمَ رُبَاعِيٌّ، وإِذا ثَبَتَ أَنه رُبَاعِيٌّ ثَبَتَ أَن الْمِيمَ أَصل، وَاسْتَحَالَ أَن تدخلَ عَلَيْهِ زَائِدَةً مَنْ أَوَّله، لأَن الأَسماء الرباعيةَ لَا تَدْخُلُهَا الزِّيَادَةُ مِنْ أَوَّلها، إِلا أَن تَكُونَ مِنَ الأَسماء الْجَارِيَةِ عَلَى أَفعالها نَحْوَ مُدَحْرِج ومُقَرْطِس، وَذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي جَنَنَ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَحَقُّهُ أَن يُذْكَرَ فِي مَنْجَنَ لأَنه رُبَاعِيٌّ، مِيمُهُ أَصلية وَنُونُهُ الَّتِي تَلِي الْمِيمَ، قَالَ: وَوَزْنُهُ فَعْللول مِثْلُ عَضْرَفُوطٍ، وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ؛ الأَزهري: وأَما قَوْلُ عَمْرِو بْنِ أَحمر:
ثَمِلٌ رَمَتْه المَنْجَنونُ بِسَهْمِهَا، ... ورَمى بسَهمِ جَريمةٍ لَمْ يَصْطَدِ
فإِن أَبا الْفَضْلِ حدَّث أَنه سَمِعَ أَبا سَعِيدٍ يَقُولُ هُوَ الدَّهْرُ، قَالَ أَبو الْفَضْلِ: هُوَ الدُّولاب الَّتِي يُسْتَقَى عَلَيْهَا، وَقِيلَ: هِيَ المَنْجَنِين أَيضاً، وَهِيَ أُنثى، وأَنشد بَيْتَ عُمارة بْنِ طارقٍ، وقد تقدَّم.
مهن: المَهْنَة والمِهْنَة والمَهَنَة والمَهِنَةُ كُلُّهُ: الحِذْق بِالْخِدْمَةِ وَالْعَمَلِ وَنَحْوِهِ، وأَنكر الأَصمعي الْكَسْرَ. وَقَدْ مَهَنَ يَمْهُنُ مَهْناً إِذا عَمِلَ فِي صَنْعَتِهِ. مَهَنَهُم يَمْهَنُهم ويَمْهُنُهم مَهْناً ومَهْنَةً ومِهْنَةً أَي خَدَمَهُمْ. والماهِنُ: الْعَبْدُ، وَفِي الصِّحَاحِ: الْخَادِمُ، والأُنثى ماهِنَة. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَا عَلَى أَحدِكم لَوِ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ لِيَوْمِ جُمُعَتِهِ سِوَى ثوبَيْ مَهْنَته
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: أَي بِذْلَته وخِدْمته، وَالرِّوَايَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَقَدْ تُكْسَرُ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَهُوَ عِنْدَ الأَثبات خَطَأٌ. قَالَ الأَصمعي: المَهْنة، بِفَتْحِ الْمِيمِ، هِيَ الخِدْمة، قَالَ: وَلَا يُقَالُ مِهْنة بِالْكَسْرِ، قَالَ: وَكَانَ القياسُ لَوْ قِيلَ مِثْلَ جِلْسة وخِدْمة، إِلا أَنه جَاءَ عَلَى فَعْلةٍ واحدةٍ. وأَمْهَنْتُه: أَضعفته. ومَهَنَ الإِبلَ يَمْهَنُها مَهْناً ومَهْنةً: حَلَبَهَا عِنْدَ الصَّدَر؛ وأَنشد شَمِرٌ:
فقُلْتُ لماهِنَيَّ: أَلا احْلُباها، ... فَقَامَا يَحلُبانِ ويَمْرِيانِ
وأَمة حَسَنَةُ المِهْنةِ والمَهْنَةِ أَي الْحَلْبِ. وَيُقَالُ: خَرْقاءُ لَا تُحْسِنُ المِهْنَةَ أَي لَا تُحْسِنُ الْخِدْمَةَ. قَالَ الْكِسَائِيُّ: المَهْنَةُ الْخِدْمَةُ. ومَهَنَهُم أَي خَدَمَهُمْ، وأَنكر أَبو زَيْدٍ المِهْنةَ، بِالْكَسْرِ، وفتَح الْمِيمَ. وامْتَهَنْتُ الشَّيْءَ: ابْتَذَلْتُهُ. وَيُقَالُ: هو في مِهْنةِ أَهله، وَهِيَ الْخِدْمَةُ وَالِابْتِذَالُ. قَالَ أَبو عَدْنَانَ: سَمِعْتُ أَبا زَيْدٍ يَقُولُ: هُوَ فِي مَهِنَةِ أَهله، فَتَحَ الْمِيمَ وكسَرَ الْهَاءَ، وَبَعْضُ الْعَرَبِ يَقُولُ: المَهْنة بِتَسْكِينِ الْهَاءِ؛ وَقَالَ الأَعشى يَصِفُ فَرَسًا:
فَلأْياً بلأْيٍ حَمَلْنَا الغُلامَ ... كَرْهاً، فأَرْسَلَه فامْتَهَنْ
أَي أَخرج مَا عِنْدَهُ مِنَ العَدْوِ وَابْتَذَلَهُ. وَفِي حَدِيثِ(13/424)
سَلْمَانَ: أَكره أَن أَجْمعَ عَلَى ماهِنِي مَهْنَتَينِ
؛ الماهِنُ: الْخَادِمُ أَي أَجْمَعَ عَلَى خادِمِي عَمَلَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ كالخَبْزِ والطَّحْن مَثَلًا. وَيُقَالُ: امْتَهَنُوني أَي ابْتَذَلُونِي فِي الْخِدْمَةِ. وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ: كَانَ الناسُ مُهّانَ أَنفُسِهم
، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ:
كَانَ النَّاسُ مَهَنَّةَ أَنفسهم
؛ هُمَا جَمْعُ ماهِنٍ ككاتِبٍ وكُتَّابٍ وكَتَبةٍ.
وَقَالَ أَبو مُوسَى فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: هُوَ مِهَانٌ، بِكَسْرِ الْمِيمِ وَالتَّخْفِيفِ
، كَصَائِمٍ وصِيامٍ، ثُمَّ قَالَ:
وَيَجُوزُ مُهَّانَ أَنفسهم
قِيَاسًا. ومَهَنَ الرجلُ مِهْنَتَه ومَهْنَتَه: فَرَغَ مِنْ ضَيْعَتِه. وَكُلُّ عَمَلٍ فِي الضَّيْعَةِ مِهْنةٌ: وامتَهَنه: اسْتَعْمَلَهُ للمِهْنَةِ. وامْتَهَنَ هُوَ: قَبِلَ ذَلِكَ. وامْتهَنَ نفسَه: ابْتَذَلَهَا؛ وأَنشد:
وصاحِبُ الدُّنْيا عُبَيْدٌ مُمْتَهَنْ
أَي مستخدَمٌ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ المُسَيَّبِ: السَّهْلُ يُوطَأُ ويُمْتَهَنُ
أَي يُدَاسُ وَيُبْتَذَلُ، مِنَ المِهْنةِ الخِدْمة. قَالَ أَبو زَيْدٍ العِتْريفيُّ: إِذا عَجَزَ الرَّجُلُ قُلْنَا هُوَ يَطْلَغُ المِهْنةَ، قَالَ: والطَّلَغانُ أَن يَعْيَا الرَّجُلُ ثُمَّ يعملَ عَلَى الإِعياء، قَالَ: وهو التَّلَغُّبُ. وَقَامَتِ المرأَة بِمَهْنةِ بَيْتِهَا أَي بإِصلاحه، وَكَذَلِكَ الرجل. وما مَهْنَتُك هاهنا ومِهْنَتُكَ ومَهَنَتُكَ ومَهِنَتُكَ أَي عَمَلُكَ. وَالْمَهِينُ مِنَ الرِّجَالِ: الضَّعِيفُ وَفِي صِفَتِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
لَيْسَ بِالْجَافِي وَلَا المَهينِ
؛ يُرْوَى بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا، فَالضَّمُّ مِنَ الإِهانة أَي لَا يُهينُ أَحداً مِنَ النَّاسِ فَتَكُونُ الْمِيمُ زَائِدَةً، وَالْفَتْحُ مِنَ المَهانة الحَقَارة والصُّغْر فَتَكُونُ الْمِيمُ أَصلية. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ
؛ قَالَ الفراء: المَهِينُ هاهنا الْفَاجِرُ؛ وَقَالَ أَبو إِسحاق: هُوَ فَعيل مِنَ المَهانةِ وَهِيَ القِلَّة، قَالَ: وَمَعْنَاهُ هاهنا الْقِلَّةُ فِي الرأْي وَالتَّمْيِيزِ. وَرَجُلٌ مَهِينٌ مِنْ قَوْمٍ مُهَناء أَي ضَعِيفٌ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: مِنْ ماءٍ مَهِينٍ*
؛ أَي مِنْ مَاءٍ قَلِيلٍ ضَعِيفٍ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ
؛ وَالْجَمْعُ مُهَناء، وَقَدْ مَهُنَ مَهانةً. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: المَهِينُ فِعْلُه مَهُنَ بِضَمِّ الْهَاءِ، وَالْمَصْدَرُ المَهانةُ. وَفَحْلٌ مَهِينٌ: لَا يُلْقَحُ مِنْ مَائِهِ، يَكُونُ فِي الإِبل وَالْغَنَمِ، والفعل كالفعل.
مون: مانَهُ يَمُونه مَوْناً إِذا احتمل مؤونته وَقَامَ بِكِفَايَتِهِ، فَهُوَ رَجُلٌ مَمُونٌ؛ عَنِ ابْنِ السِّكِّيتِ. ومانَ الرجلُ أَهله يَمُونُهُمْ مَوْناً ومَؤُونةً: كَفَاهُمْ وأَنفق عَلَيْهِمْ وَعَالَهُمْ. ومِينَ فلانٌ يُمانُ، فَهُوَ مَمُونٌ، وَالِاسْمُ المائِنةُ والمَوُونة بِغَيْرِ هَمْزٍ عَلَى الأَصل، ومن قال مَؤُونٌ قال مَؤُونةٌ. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: التَّمَوُّنُ كَثْرَةُ النَّفَقَةِ عَلَى الْعِيَالِ، والتَّوَمُّنُ كَثْرَةُ الأَولاد. والمانُ: الكَكُّ وَهُوَ السِّنُّ الَّذِي يُحْرَثُ بِهِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أُراه فَارِسِيًّا، وَكَذَلِكَ تَفْسِيرُهُ فَارِسِيٌّ أَيضاً؛ كُلُّهُ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ، قَالَ: وأَلِفه وَاوٌ لأَنها عَيْنٌ. ابْنُ الأَعرابي: مانَ إِذا شَقَّ الأَرض لِلزَّرْعِ. وماوانُ وَذُو ماوانَ: مَوْضِعٌ، وَقَدْ قِيلَ مَاوَانُ مِنَ الْمَاءَ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَدري كَيْفَ هَذَا. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: ماوانُ اسْمُ مَوْضِعٍ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
يَشْرَبنَ مِنْ ماوانَ مَاءً مُرَّا
قَالَ: وَوَزْنُهُ فَاعَالُ، وَلَا يَجُوزُ أَن يُهْمَزَ، لأَنه كَانَ يَلْزَمُهُ أَن يَكُونَ وَزْنُهُ مَفْعالًا إِن جَعَلْتَ الْمِيمَ زَائِدَةً، أَو فَعْوالًا إِن جَعَلْتَ الْوَاوَ زَائِدَةً، قَالَ: وَكِلَاهُمَا لَيْسَ مِنْ أَوزان كَلَامِ الْعَرَبِ، وَكَذَلِكَ المانُ السِّكَّة الَّتِي يُحْرَثُ بها غير مهموزة.
مين: المَيْنُ: الْكَذِبُ؛ قَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ:
فقَدَّدَتِ الأَدِيمَ لراهِشَيْهِ، ... وأَلْفَى قولَها كَذِبًا ومَيْنا(13/425)
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِثْلُ قَوْلِهِ كَذِبًا وَمَيْنًا قَوْلُ الأَفْوه الأَوْدِيّ:
وَفِينَا للقِرَى نارٌ يُرَى عندها ... للضَّيْفِ رُحْبُ وسَعَه
والرُّحْبُ والسَّعة وَاحِدٌ؛ وَكَقَوْلِ لَبِيدٍ:
فأَصْبِح طاوِياً حَرِصاً خَمِيصاً، ... كنَصْلِ السيفِ حُودِثَ بالصِّقالِ
وَقَالَ المُمزَّقُ العبدِيّ:
وهُنَّ عَلَى الرَّجائز واكِناتٌ، ... طَويلاتُ الذَّوائبِ والقُرونِ
وَالذَّوَائِبُ وَالْقُرُونُ وَاحِدٌ. وَمِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ: عَبَسَ وَبَسَرَ، وَفِيهِ: لَا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً، وَفِيهِ: فِجاجاً سُبُلًا، وفيه: غَرابِيبُ سُودٌ، وَقَوْلُهُ: فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً؛ وجمعُ المَيْنِ مُيُونٌ. ومانَ يَمينُ مَيْناً: كَذِبَ، فَهُوَ مَائِنٌ أَي كَاذِبٌ. وَرَجُلٌ مَيُونٌ ومَيّانٌ: كذَّاب. ووُدُّ فلانٍ مُتَمايِنٌ، وفلانٌ مُتماينُ الوُدِّ إِذا كَانَ غَيْرَ صَادِقِ الخُلَّةِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
رُوَيْدَ عَلِيّاً جُدَّ مَا ثَدْيُ أُمِّهِمْ ... إِلينا، ولكنْ وُدُّهم مُتَمايِنُ
وَيُرْوَى مُتيامِن أَي مَائِلٌ إِلى اليَمن. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، فِي ذَمِّ الدُّنْيَا: فَهِيَ الجامِحَةُ الحَرُونُ والمائنةُ الخَؤُون.
وَفِي حَدِيثِ بَعْضِهِمْ:
خرَجْتُ مُرابِطاً لَيْلَةً مَحْرَسي إِلى المِيناء
؛ هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تُرْفَأُ فِيهِ السفنُ أَي تُجْمع وتُرْبَطُ؛ قِيلَ: هُوَ مِفْعال مِنَ الوَنْيِ الفُتُورِ لأَن الريحَ يَقِلُّ فِيهِ هُبوبها، وَقَدْ يُقْصَرُ فَيَكُونُ عَلَى مِفْعَل، وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ.
ميسن: التَّهْذِيبُ فِي الرُّبَاعِيِّ: المَيْسُوسَنُ شَرَابٌ، وَهُوَ معرَّب. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ: رأَى فِي بَيْتِهِ المَيْسُوسَنَ فَقَالَ أَخْرِجُوه فإِنه رِجْسٌ
؛ هُوَ شَرَابٌ تَجْعَلُهُ النِّسَاءُ فِي شُعُورِهِنَّ، وَهُوَ معرَّب، وَذَكَرَهُ الأَزهري فِي أَسن مِنْ ثُلَاثِي الْمُعْتَلِّ، وَعَادَ أَخرجه في الرباعي.
ميكايين: مِيكايين وَمِيكَايِيلُ: مِنْ أَسماء الملائكة.
فصل النون
نتن: النَّتْنُ: الرَّائِحَةُ الْكَرِيهَةُ، نقيضُ الفَوْحِ، نَتَنَ نَتْناً ونَتُنَ نَتانَةً وأَنْتَنَ، فَهُوَ مُنْتِنٌ ومِنْتِنٌ ومُنْتُنٌ ومِنْتِينٌ. قَالَ ابْنُ جِنِّي: أَما مُنْتِنٌ فَهُوَ الأَصل ثُمَّ يَلِيهِ مِنْتِنٌ، وأَقلها مُنْتُنٌ، قَالَ: فأَما مَنْ قَالَ إِنَّ مُنْتِنٌ مِنْ قَوْلِهِمْ أَنْتَنَ ومِنْتِنٌ مِنْ قَوْلِهِمْ نَتُنَ الشيءُ فإِن ذَلِكَ لُكْنة مِنْهُ. وَقَالَ كُرَاعٌ: نَتُنَ فَهُوَ مُنْتِنٌ، لَمْ يأْت فِي الْكَلَامِ فَعُلَ فَهُوَ مُفْعِلٌ إِلا هَذَا، قَالَ: وَلَيْسَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي مِنْتِن: كُسِرَتِ الْمِيمُ إِتْبَاعًا لِلتَّاءِ لأَن مِفْعِلًا لَيْسَ مِنَ الأَبنية. ونَتّنه غَيْرُه تَنْتِيناً أَي جعله مُنْتِناً. قَالَ: وَيُقَالُ قَوْمٌ مَناتينُ؛ قَالَ ضَبُّ بنُ نُعْرَة:
قالتْ سُليْمى: لَا أُحِبُّ الجَعْدِينْ، ... وَلَا السِّباطَ، إِنهم مَناتِينْ
قَالَ: وَقَدْ قَالُوا مَا أَنْتَنه. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَا بالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ دَعُوها فإِنها مُنْتِنة
أَي مَذْمُومَةٌ فِي الشَّرْعِ مُجْتَنِبَةٌ مَكْرُوهَةٌ كَمَا يُجْتَنَبُ الشيءُ المُنْتِنُ؛ يُرِيدُ قَوْلَهُمْ: يَا لَفُلانٍ. وَفِي حَدِيثِ بَدْرٍ:
لَوْ كَانَ المُطْعِمُ بنُ عَدِيٍّ حَيّاً فَكَلَّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ النَّتْنَى لأَطْلَقْتُهم لَهُ
، يَعْنِي أُسارى بَدْرٍ، وَاحِدُهُمْ نَتِنٌ كزَمِنٍ وزَمْنَى، سَمَّاهُمْ نَتْنَى لِكُفْرِهِمْ كَقَوْلِهِ(13/426)
تَعَالَى: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ. أَبو عَمْرٍو: يُقَالُ نتَنَ اللَّحْمُ وَغَيْرُهُ يَنْتِنُ وأَنْتَن يُنْتِنُ، فَمَنْ قَالَ نَتَنَ قَالَ مِنْتِنٌ، وَمَنْ قَالَ أَنْتَنَ فَهُوَ مُنْتِنٌ، بِضَمِّ الْمِيمِ، وَقِيلَ: مِنْتِنٌ كَانَ فِي الأَصل مِنْتِينٌ، فَحَذَفُوا المدَّة، وَمِثْلُهُ مِنْخِر أَصله مِنْخِير، وَالْقِيَاسُ أَن يُقَالَ نَتَنَ فَهُوَ ناتِنٌ، فَتَرَكُوا طَرِيقَ الْفَاعِلِ وَبَنَوْا مِنْهُ نَعْتًا عَلَى مِفْعِيل، ثُمَّ حَذَفُوا المدَّة. والنَّيْتُونُ: شَجَرٌ مُنْتِنٌ؛ عَنْ أَبي عُبَيْدَةَ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: والنَّيْتُونُ شَجَرَةٌ خَبِيثَةٌ مُنْتِنة؛ قَالَ جَرِيرٌ:
حَلُّوا الأَجارِعَ مِنْ نَجْدٍ، وَمَا نزَلُوا ... أَرْضاً بِهَا يَنْبُتُ النَّيْتُونُ والسَّلَعُ
قال: ووزنه فَيْعُول.
نثن: نَثَنَ اللحمُ نَثْناً ونَثَناً: تغَيَّر.
نحن: نَحْنُ: ضَمِيرٌ يُعْنَى بِهِ الاثنانِ وَالْجَمِيعُ المُخْبرون عَنْ أَنفسهم، وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الضَّمِّ، لأَن نَحْنُ تَدُلُّ عَلَى الْجَمَاعَةِ وجماعةُ الْمُضْمَرَيْنِ تَدُلُّ عَلَيْهِمُ الْمِيمُ أَو الْوَاوُ نَحْوَ فَعَلُوا وأَنتم، وَالْوَاوُ مِنْ جِنْسِ الضَّمَّةِ، وَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ حَرَكَةِ نَحْنُ فحرِّكت بِالضَّمِّ لأَن الضَّمَّ مِنَ الْوَاوِ، فأَما قِرَاءَةُ مَنْ قرأَ: نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ، فَلَا بُدَّ أَن تَكُونَ النُّونُ الأُولى مُخْتَلَسَةَ الضَّمَّةِ تَخْفِيفًا وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَحَرِّكَةِ، فأَما أَن تَكُونَ سَاكِنَةً وَالْحَاءُ قَبْلَهَا سَاكِنَةً فخطأٌ. الْجَوْهَرِيُّ: نَحْنُ كَلِمَةٌ يُعْنَى بِهَا جَمْعُ أَنا مِنْ غَيْرِ لَفْظِهَا، وحرِّك آخِرُهُ بِالضَّمِّ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ لأَن الضَّمَّةَ مِنْ جِنْسِ الْوَاوِ الَّتِي هِيَ عَلَامَةُ الْجَمْعِ، وَنَحْنُ كِنَايَةٌ عَنْهُمْ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: لَا يَصِحُّ قَوْلُ الْجَوْهَرِيِّ إِن الْحَرَكَةَ فِي نَحْنُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ لأَن اخْتِلَافَ صِيَغِ الْمُضْمَرَاتِ يَقُومُ مَقَامَ الإِعراب، وَلِهَذَا بُنِيَتْ عَلَى حَرَكَةٍ مِنْ أَوّل الأَمر نَحْوَ هُوَ وَهِيَ وأَنا فعلتُ كَذَا، لِكَوْنِهَا قَدْ تَنَزَّلَتْ مَنْزِلَةَ مَا الأَصلُ فِي التَّمْكِينِ، قَالَ: وإِنما بُنِيَتْ نَحْنُ عَلَى الضَّمِّ لِئَلَّا يَظُنَّ بِهَا أَنها حَرَكَةُ الْتِقَاءِ سَاكِنَيْنِ، إِذ الْفَتْحُ وَالْكَسْرُ يُحَرَّكُ بِهِمَا مَا الْتَقَى فِيهِ سَاكِنَانِ نَحْوَ رَدَّ ومدّ وشدّ.
نرسن: التَّهْذِيبُ فِي الرُّبَاعِيِّ: أَبو حَاتِمٍ تَمْرَةٌ نِرْسِيانِية، النُّونُ مَكْسُورَةٌ، وَالْجَمْعُ نِرْسِيانٌ، والله أَعلم.
ننن: قَالَ الأَزهري فِي أَواخر بَابِ النُّونِ: النَّنُّ الشعَر الضعيف.
نون: النُّونُ: الْحُوتُ، وَالْجَمْعُ أَنْوانٌ ونِينانٌ، وأَصله نُونانٌ فَقُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً لِكَسْرَةِ النُّونِ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَعْلَمُ اختِلافَ النِّينانِ فِي الْبِحَارِ الغامِراتِ.
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ:
ن وَالْقَلَمِ
، قَالَ الْفَرَّاءُ: لَكَ أَن تُدْغِمَ النُّونَ الأَخيرة وَتُظْهِرَهَا، وإِظهارها أَعجب إِليَّ لأَنها هِجَاءٌ، وَالْهِجَاءُ كَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، وَإِنِ اتَّصَلَ، وَمَنْ أَخفاها بَنَاهَا عَلَى الِاتِّصَالِ، وَقَدْ قرأَ الْقُرَّاءُ بِالْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، وَكَانَ الأَعمش وَحَمْزَةُ يُبَيِّنَانِهَا وَبَعْضُهُمْ يَتْرُكُ الْبَيَانَ، وَقَالَ النَّحْوِيُّونَ: جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّ ن الحوتُ الَّذِي دُحِيَت عَلَيْهِ سبعُ الأَرضين، وَجَاءَ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّ ن الدَّواةُ، وَلَمْ يجىء فِي التَّفْسِيرِ كَمَا فُسِّرَتْ حُرُوفُ الْهِجَاءِ، فالإِدغام كَانَتْ مِنْ حُرُوفِ الْهِجَاءِ أَو لَمْ تَكُنْ جَائِزٌ وَالتَّبْيِينُ جَائِزٌ، والإِسكان لَا يَجُوزُ أَن يَكُونَ إِلَّا وَفِيهِ حَرْفُ الْهِجَاءِ، قَالَ الأَزهري: ن وَالْقَلَمِ
، لَا يَجُوزُ فِيهِ غَيْرُ الْهِجَاءِ، أَلا تَرَى أَن كُتَّاب الْمُصْحَفِ كَتَبُوهُ ن
؟ وَلَوْ أُريد بِهِ الدَّواةُ أَوِ الْحُوتُ لِكُتِبَ نُونٌ. الحسنُ وقتادةُ فِي قَوْلِهِ ن وَالْقَلَمِ
، قَالَا: الدواةُ وَالْقَلَمُ. وَما يَسْطُرُونَ، قَالَ: وَمَا يَكْتُبُونَ. وَرُوِيَ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنه قَالَ: أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ القَلَمُ فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ وَمَا أَكتب؟ قَالَ: القَدَر، قَالَ: فَكَتَبَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، ثُمَّ خَلَقَ النُّونَ ثُمَّ بَسَطَ الأَرضَ عَلَيْهَا،(13/427)
فَاضْطَرَبَتِ النُّونُ فَمَادَتِ الأَرض فَخَلَقَ الْجِبَالَ فأَثبتها بِهَا، ثُمَّ قرأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ
، قَالَ ابْنُ الأَنباري فِي بَابِ إِخفاء النُّونِ وإِظهارها: النونُ مَجْهُورَةٌ ذَاتُ غُنَّةٍ، وَهِيَ تُخْفَى مَعَ حُروُفِ الْفَمِ خَاصَّةً، وَتَبِينُ مَعَ حُرُوفِ الْحَلْقِ عامَّة، وإِنما خَفِيَتْ مَعَ حُرُوفِ الْفَمِ لِقُرْبِهَا مِنْهَا، وَبَانَتْ مَعَ حُرُوفِ الْحَلْقِ لِبُعْدِهَا مِنْهَا، وَكَانَ أَبو عَمْرٍو يُخْفِي النُّونَ عِنْدَ الْحُرُوفِ الَّتِي تُقَارِبُهَا وَذَلِكَ أَنها مِنْ حُرُوفِ الْفَمِ كَقَوْلِكَ: مَنْ قَالَ وَمَنْ كَانَ وَمَنْ جَاءَ. قَالَ اللَّه تَعَالَى: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ*، عَلَى الإِخفاء، فأَما بَيَانُهَا عِنْدَ حُرُوفِ الْحَلْقِ السِّتَّةِ فإِن هَذِهِ السِّتَّةَ تَبَاعَدَتْ مِنْ مَخْرَجِهَا، وَلَمْ تَكُنْ مِنْ قَبِيلِهَا وَلَا مِنْ حَيِّزِهَا فَلَمْ تخفَ فِيهَا، كَمَا أَنها لَمْ تُدْغَمْ فِيهَا، وَكَمَا أَنَّ حُرُوفَ اللِّسَانِ لَا تُدْغَمُ فِي حُرُوفِ الْحَلْقِ لِبُعْدِهَا مِنْهَا، وإِنما أُخفيت مَعَ حُرُوفِ الْفَمِ كَمَا أُدغمت فِي اللَّامِ وأَخواتها كَقَوْلِكَ: مِنْ أَجلك، مِنْ هُنَا، مَنْ خَافَ، مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ، مِنْ عليَّ، مِنْ عَلَيْكَ. قَالَ: مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُجْرِي الْغَيْنَ وَالْخَاءَ مَجْرَى الْقَافِ وَالْكَافِ فِي إِخفاء النُّونِ مَعَهُمَا، وَقَدْ حَكَاهُ النَّضِرُ عَنِ الْخَلِيلِ قَالَ: وإِليه ذَهَبَ سِيبَوَيْهِ. قَالَ اللَّه تَعَالَى: وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ، إِن شِئْتَ أَخفيت وإِن شِئْتَ أَبنت. وَقَالَ الأَزهري فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: النُّونُ حَرْفٌ فِيهِ نُونَانِ بَيْنَهُمَا وَاوٌ، وَهِيَ مَدَّةٌ، وَلَوْ قِيلَ فِي الشِّعْرِ نن كَانَ صَوَابًا. وقرأَ أَبو عَمْرٍو نُونْ جَزْمًا، وقرأَ أَبو إِسحاق نونِ جَرًّا، وَقَالَ النَّحْوِيُّونَ: النُّونُ تُزَادُ فِي الأَسماء والأَفعال، فأَما فِي الأَسماء فإِنها تُزَادُ أَوَّلًا فِي نَفْعَلُ إِذا سُمِّيَ بِهِ، وَتُزَادُ ثَانِيًا فِي جُنْدبٍ وجَنَعْدَلٍ، وَتُزَادُ ثَالِثَةً فِي حَبَنْطَى وسَرَنْدَى وَمَا أَشبهه، وَتُزَادُ رَابِعَةً فِي خَلْبَنٍ وضَيْفَنٍ وعَلْجَنٍ ورَعْشَنٍ، وَتُزَادُ خَامِسَةً فِي مِثْلِ عُثْمَانَ وَسُلْطَانٍ، وَتُزَادُ سَادِسَةً فِي زَعْفَران وكَيْذُبانٍ، وَتُزَادُ سَابِعَةً فِي مِثْلِ عَبَيْثَران، وَتُزَادُ عَلَامَةً لِلصَّرْفِ فِي كُلِّ اسْمٍ مُنْصَرِفٍ، وَتُزَادُ فِي الأَفعال ثَقِيلَةً وَخَفِيفَةً، وَتُزَادُ فِي التثنية والجمع وفي الأَمر فِي جَمَاعَةِ النِّسَاءِ، وَالنُّونُ حَرْفُ هِجَاءٍ مَجْهورٌ أَغَنُّ، يَكُونُ أَصلًا وَبَدَلًا وَزَائِدًا، فالأَصل نَحْوُ نُونِ نَعَمْ وَنُونِ جَنْبٍ، وأَما الْبَدَلُ فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلى أَن النُّونَ فِي فَعْلان فَعْلَى بَدَلٌ مِنْ هَمْزَةِ فَعْلاء، وَإِنَّمَا دَعَاهُمْ إِلى الْقَوْلِ بِذَلِكَ أَشياء: مِنْهَا أَن الْوَزْنَ فِي الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ فِي فَعْلانَ وفَعْلَى واحدٌ، وأَن فِي آخِرِ فَعْلان زَائِدَتَيْنِ زِيدَتَا مَعًا والأُولى مِنْهُمَا أَلف سَاكِنَةٌ، كَمَا أَن فَعْلَانَ كَذَلِكَ، وَمِنْهَا أَن مُؤَنَّثَ فَعْلَانَ عَلَى غَيْرِ بِنَائِهَا، وَمِنْهَا أَنَّ آخِرَ فَعْلاء هَمْزَةُ التأْنيث كَمَا أَن آخِرَ فَعْلَانَ نُونًا تَكُونُ فِي فَعَلْنَ نَحْوُ قُمْنَ وَقَعَدْنَ علامةَ تأْنيث، فَلَمَّا أَشبهت الْهَمْزَةُ النُّونَ هَذَا الِاشْتِبَاهَ وتقاربتا هذا التقارُبَ، لم يَخْلُ أَن تَكُونَا أَصليتين كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا قَائِمَةٌ غَيْرُ مُبْدَلَةٍ مِنْ صَاحِبَتِهَا، أَو تَكُونُ إِحداهما مُنْقَلِبَةً عَنِ الأُخرى، فَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنهما لَيْسَتَا بأَصلين بَلِ النُّونُ بَدَلٌ مِنَ الْهَمْزَةِ قَوْلُهُمْ فِي صَنْعاء وبَهْراء، يَدُلُّ عَلَى أَنها فِي بَابِ فَعْلان، فَعْلَى بَدَلُ هَمْزَةِ فَعْلاءَ، وَقَدْ يَنْضَافُ إِليه مقوِّياً لَهُ قَوْلَهُمْ فِي جَمْعِ إِنسان أَناسِيّ، وَفِي ظَرِبانَ ظَرابيّ، فَجَرَى هَذَا مَجْرَى قَوْلِهِمْ صَلْفاء وصَلافي وخَبْراء وخَبارِي، فردُّهم النُّونَ فِي إِنسان وظَرِبانٍ يَاءً فِي ظَرابيّ وأَناسيّ، وردُّهم هَمْزَةَ خَبْراء وصَلْفاء يَاءً، يَدُلُّ عَلَى أَن الْمَوْضِعَ لِلْهَمْزَةِ، وأَن النُّونَ دَاخِلَةٌ عَلَيْهَا. الْجَوْهَرِيُّ: النُّونُ حَرْفٌ مِنَ الْمُعْجَمِ، وَهُوَ مِنْ حُرُوفِ الزِّيَادَاتِ، وَقَدْ تَكُونُ للتأْكيد تَلْحَقُ الْفِعْلَ الْمُسْتَقْبَلَ بَعْدَ لَامِ الْقَسَمِ كَقَوْلِكَ: واللَّه لأَضربن زَيْدًا، وَتَلْحَقُ بَعْدَ ذَلِكَ الأَمر وَالنَّهْيَ تَقُولُ: اضْرِبْنَ زَيْدًا وَلَا تَضْرِبْنَ عَمْرًا، وَتَلْحَقُ فِي الِاسْتِفْهَامِ تَقُولُ: هَلْ تَضْرِبْنَ زَيْدًا؟ وَبَعْدَ الشَّرْطِ كَقَوْلِكَ: إِما تَضْرِبْنَ زيداً أَضربه، إِذا زِدْتَ عَلَى إِن مَا زِدْتَ عَلَى فِعْلِ الشَّرْطِ(13/428)
نُونَ التَّوْكِيدِ. قَالَ تَعَالَى: فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ. وَتَقُولُ فِي فِعْلِ الِاثْنَيْنِ: لَتَضْرِبانِّ زَيْدًا يَا رَجُلَانِ، وَفِي فِعْلِ الْجَمَاعَةِ: يَا رجالُ اضْرِبُنَّ زَيْدًا، بِضَمِّ الْبَاءِ، وَيَا امرأَةُ اضْرِبِنَّ زَيْدًا، بِكَسْرِ الْبَاءِ، وَيَا نِسْوَةُ اضْرِبنانّ زَيْدًا، وأَصله اضربْنِنّ، بِثَلَاثِ نُونَاتٍ، فَتَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بأَلف وَتُكْسَرُ النُّونُ تَشْبِيهًا بِنُونِ التَّثْنِيَةِ، قَالَ: وَقَدْ تَكُونُ نُونُ التَّوْكِيدِ خَفِيفَةً كَمَا تَكُونُ مُشَدَّدَةً، إِلا أَن الْخَفِيفَةَ إِذا اسْتَقْبَلَهَا سَاكِنٌ سَقَطَتْ، وإِذا وَقَفْتَ عَلَيْهَا وَقَبْلَهَا فَتْحَةً أَبدلتها أَلفاً كَمَا قَالَ الأَعشى:
وَذَا النُّصُبِ المَنْصُوبَ لَا تَنْسُكَنَّه، ... وَلَا تَعْبُدَ الشَّيطانَ واللَّهَ فاعْبُدَا
قَالَ: وَرُبَّمَا حُذِفَتْ فِي الْوَصْلِ كَقَوْلِ طَرَفة:
اضْرِبَ عَنْكَ الهُمومَ طارقَها، ... ضَرْبَكَ بالسَّوْطِ قَوْنسَ الفَرسِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الْبَيْتُ مَصْنُوعٌ عَلَى طَرَفَةَ، وَالْمُخَفَّفَةُ تَصْلُحُ فِي مَكَانِ المشدَّدة إِلا فِي مَوْضِعَيْنِ: فِي فِعْلِ الِاثْنَيْنِ يَا رَجُلَانِ اضْرِبانّ زَيْدًا، وَفِي فِعْلِ جَمَاعَةِ الْمُؤَنَّثِ يَا نِسْوَةُ اضْرِبْنانِّ زَيْدًا، فإِنه لَا يَصْلُحُ فِيهِمَا إِلا الْمُشَدَّدَةُ لِئَلَّا يَلْتَبِسَ بِنُونِ التَّثْنِيَةِ، قَالَ: وَيُونُسُ يُجِيزُ الْخَفِيفَةَ هَاهُنَا أَيضاً، قَالَ: والأَول أَجوَد. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: إِنما لَمْ يَجُزْ وُقُوعُ النُّونِ الْخَفِيفَةِ بَعْدَ الأَلف لأَجل اجْتِمَاعِ السَّاكِنَيْنِ عَلَى غَيْرِ حَدِّه، وَجَازَ ذَلِكَ فِي الْمُشَدَّدَةِ لِجَوَازِ اجْتِمَاعِ السَّاكِنِيْنِ إِذا كَانَ الثَّانِي مُدْغَمًا والأَول حَرْفَ لِينٍ. والتَّنْوين والتَّنْوينة: معروف. ونوّن الاسم: أَلحقه التَّنْوِينَ. وَالتَّنْوِينُ: أَن تُنَوِّنَ الِاسْمَ إِذا أَجريته، تَقُولُ: نَوَّنْتُ الِاسْمَ تَنْوِينًا، وَالتَّنْوِينُ لَا يَكُونُ إِلا فِي الأَسماء. والنُّونة: الْكَلِمَةُ مِنَ الصَّوَابِ. والنُّونة: النُّقْبة فِي ذَقَن الصَّبِيِّ الصَّغِيرِ. وَفِي حَدِيثِ
عُثْمَانَ: أَنه رأَى صَبِيًّا مَلِيحًا فَقَالَ: دَسِّمُوا نُونَته
أَي سَوِّدوها لِئَلَّا تُصِيبَهُ الْعَيْنُ، قَالَ: حَكَاهُ الْهَرَوِيُّ فِي الْغَرِيبَيْنِ. الأَزهري: هِيَ الخُنْعُبة والنُّونة والثُّومةُ والهَزْمة والوَهْدَة والقَلْدَة والهَرْتَمَة والعَرْتَمَة والحَثْرَمة، قَالَ اللَّيْثُ: الخُنْعُبة مَشَقُّ مَا بَيْنَ الشاربينِ بحِيال الوَتَرة، الأَزهري: قَالَ أَبو تُرَابٍ: أَنشدني جَمَاعَةٌ مِنْ فُصَحَاءَ قَيْسٍ وأَهلِ الصدْق مِنْهُمْ:
حامِلةٌ دَلْوُك لَا مَحْمُولَهْ، ... مَلأَى مِنَ الْمَاءِ كَعَيْنِ النُّونَهْ
فَقُلْتُ لَهُمْ: رَوَاهَا الأَصمعي كعَيْنِ المُولَه فَلَمْ يَعْرِفُوهَا، وَقَالُوا: النُّونة السَّمَكَةُ. وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: المُولَهُ الْعَنْكَبُوتُ. وَيُقَالُ لِلسَّيْفِ الْعَرِيضِ الْمَعْطُوفِ طَرَفَي الظُّبَةِ: ذُو النُّونَيْنِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
قَرَيْتُك فِي الشَّرِيطِ إِذا التَقَينا، ... وَذُو النُّونَيْنِ يومَ الحَرْبِ زَيْني
الْجَوْهَرِيُّ: والنُّونُ شَفْرةُ السَّيفِ، قَالَ الشَّاعِرُ:
بذِي نُونينِ فَصَّالٍ مِقَطِّ
وَالنُّونُ: اسْمُ سَيْفٍ لِبَعْضِ الْعَرَبِ، وأَنشد:
سأَجْعَلُه مكانَ النُّونِ مِنِّي
وَقَالَ: يَقُولُ سأَجعل هَذَا السَّيْفَ الَّذِي اسْتَفَدْتَهُ مَكَانَ ذَلِكَ السَّيْفِ الْآخَرِ. وَذُو النُّونِ: سيفٌ كَانَ لِمَالِكِ ابن زُهَيْرٍ أَخِي قَيْسِ بْنِ زُهَيْر، فَقَتَلَهُ حَمَلُ بنُ بَدْرٍ وأَخذ مِنْهُ سيفَه ذَا النُّونِ، فَلَمَّا كَانَ يومُ الهَباءة قَتَلَ الحرثُ بْنُ زُهَيْرٍ حَمَلَ بْنَ بَدْرٍ وأَخذ مِنْهُ ذَا النون، وفيه يقول الحرث بْنُ زُهَيْرٍ:
ويُخْبرُهم مكانُ النُّونِ مِنِّي، ... وَمَا أُعْطِيتُه عَرَقَ الخِلالِ(13/429)
أَي مَا أُعْطيته مكافأَة وَلَا مَوَدَّةً وَلَكِنِّي قَتَلْتُ حَمَلًا وأَخذته مِنْهُ قَسْراً. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: النُّونُ سَيْفُ حنَشِ بْنِ عَمْرٍو، وَقِيلَ: هُوَ سَيْفِ مَالِكِ بْنِ زُهَيْرٍ، وَكَانَ حَمَلُ بنُ بَدْرٍ أَخذه مِنْ مَالِكٍ يومَ قَتَلَه وأَخذه الحرثُ مِنْ حَمَل بْنِ بَدْرٍ يوم قتله، وهو الحرث بْنُ زُهَيْرٍ العَبْسِيُّ، وَصَوَابُ إِنشاده:
وَيُخْبِرُهُمْ مكانَ النُّونِ مِنِّي
لأَن قَبْلَهُ:
سَيُخْبرُ قومَه حَنَشُ بنُ عَمْرٍو ... بِمَا لاقاهُمُ وابْنا بِلالِ «2»
وَذُو النُّونِ: لقبُ يُونسَ بْنِ مَتَّى، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ أَفضل الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً، هُوَ يُونُسُ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَمَّاهُ اللَّه ذَا النُّونِ لأَنه حَبَسَهُ فِي جَوْفِ الحُوت الَّذِي الْتَقَمَهُ، والنُّون الحوتُ. وَفِي حَدِيثِ
مُوسَى وَالْخَضِرِ: خُذْ نُوناً مَيّتاً
أَي حُوتًا. وَفِي حَدِيثِ
إِدام أَهل الْجَنَّةِ: هُوَ بالامٌ ونونٌ
، واللَّه أَعلم.
نين: نَيَّانُ: مَوْضِعٌ، قَالَ أَنشده يَعْقُوبُ فِي الأَلفاظ:
قَرَّبهَا، وَلَمْ تَكَدْ تُقَرَّبُ، ... مِنْ أَهلِ نَيَّانَ، وَسِيقٌ أَحْدَبُ
وأَما قَوْلُ عَطَّاف بْنُ أَبي شَعْفَرة الْكَلْبِيِّ:
فَمَا ذَرَّ قَرْنُ الشمسِ حَتَّى كأَنهم، ... بِذِي الرِّمْثِ مِنْ نَيَّا، نَعامٌ نَوافِرُ
فإِنما أَراد مِنْ نَيّانَ فَحَذَفَ. ونِينَوَى: اسْمُ قَرْيَةٍ مَعْرُوفَةٍ بِحذاء كَرْبلاء. ابْنُ بَرِّيٍّ النِّينَةُ مِنْ أَسماء الدُّبُر، واللَّه أَعلم.
فصل الهاء
هأن: المُهْوَأَنُّ: المكانُ الْبَعِيدُ، وَهُوَ مِثَالٌ لَمْ يَذْكُرْهُ سِيبَوَيْهِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: لَمْ يَذْكُرِ الْجَوْهَرِيُّ تَرْجَمَةَ هأَن. وَقَدْ جَاءَ مِنْهُ مُهْوَأَنٌّ: لِلصَّحْرَاءِ الْوَاسِعَةِ، وَوَزْنُهُ مُفْوَعَلٌّ؛ قَالَ: وَذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي فَصْلٍ هوأَ، وَهُوَ غَلَطٌ. شَمِرٌ: يُقَالُ مُهْوَئِنّ ومُهْوَأَنّ؛ وأَنشد:
فِي مُهْوَأَنّ بالدَّبى مَدْبُوشِ
قَالَ الأَزهري: والوَهْدَةُ مُهْوَأَنّ. قَالَ: وَهِيَ بُطُونُ الأَرض وقَرارُها، وَلَا تُعَدُّ الشِّعابُ والمِيْثُ مِنَ المُهْوَأَنّ، وَلَا يَكُونُ المُهْوَأَنُّ فِي الْجِبَالِ وَلَا فِي القِفافِ وَلَا فِي الرِّمَالِ، لَيْسَ المُهْوَئِنّ إِلا مِنْ جَلَد الأَرض وَبُطُونِهَا. والمُهْوَأَنّ والخَبْتُ وَاحِدٌ. وخُبُوت الأَرضِ: بطونُها؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:
لِمَا تَحَرّمَ عَنْهُ الناسُ، رَبْرَبه ... بالمُهْوَئِنِّ، فَمَرْمِيٌّ ومُحْتَبَلُ
وَقَالَ: المُهْوَأَنُّ مَا اطْمَأَنَّ مِنَ الأَرض وَاتَّسَعَ. واهْوَأَنَّتِ المغازةُ إِذا اطمأَنت فِي سَعة؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
مَا زالَ سَوْءُ الرَّعْيِ والنَّتاجِ ... بمُهْوَأَنٍّ غَيْرُ ذِي لَمَاجِ
وطُولُ زَجْرٍ بِحَلٍ وعاجِ
وَاللَّهُ أَعلم.
هبن: أَبو عَمْرٍو: الهَبُونُ الْعَنْكَبُوتُ، وَيُقَالُ: الهَبُورُ، بِالرَّاءِ، العنكبوت.
هتن: هَتَنَتِ السَّمَاءُ تَهْتِنُ هَتْناً وَهُتُونًا وهَتناناً وتَهْتاناً وتَهاتَنَتْ: صَبَّتْ، وَقِيلَ: هُوَ مِنَ الْمَطَرِ فَوْقَ الهَطْلِ، وَقِيلَ: الهَتَنان الْمَطَرُ الضَّعِيفُ الدَّائِمُ. وَمَطَرٌ هَتُون: هَطُولٌ. وسحابة هَتُون
__________
(2) . 1 قوله" حنش بن عمرو" الذي في التكملة:
سيخبر قومه حسن بن وهب ... إِذَا لَاقَاهُمْ وَابْنَا بِلَالِ.(13/430)
وَسَحَابٌ هاتنٌ وَسَحَابٌ هَتُون، وَالْجَمْعُ هُتُن مِثْلَ عَمُود وعُمُد. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ مِثْلُ صَبُور وصُبُر لأَن عَمُوداً اسْمٌ وهَتُوناً صِفَةٌ. وَسَحَائِبُ هُتُنٌ وهُتَّنٌ، وكأَنَّ هُتَّناً عَلَى هاتِنٍ أَو هاتِنَة، لأَن فُعَّلًا لَا يَكُونُ جَمْعَ فَعُول. والتَّهْتانُ: نَحْوٌ مِنَ الدِّيمَةِ؛ وأَنشد أَبو زَيْدٍ:
يَا حَبَّذا نَضْحُكَ بالمَشافِرِ، ... كأَنه تَهْتانُ يومٍ ماطِرِ
وَقَالَ النَّضْرُ: التَّهْتانُ مطرُ ساعةٍ ثُمَّ يَفْتُرُ ثُمَّ يَعُودُ؛ وأَنشد لِلشَّمَّاخِ:
أَرْسلَ يَوْمًا دِيمةً تَهْتانا، ... سَيْلَ المِتانِ يَمْلأُ القُرْيانا
وَيُقَالُ: هَتَنَ المطرُ وَالدَّمْعُ يَهْتِنُ هَتْناً وهُتُوناً وتَهْتاناً قَطر؛ وَعَيْنٌ هَتُونُ الدَّمْع.
هجن: الهُجْنة مِنَ الْكَلَامِ: مَا يَعِيبُك. والهَجِينُ: الْعَرَبِيُّ ابنُ الأَمة لأَنه مَعِيبٌ، وَقِيلَ: هُوَ ابْنُ الأَمة الرَّاعِيةِ مَا لَمْ تُحَصَّنْ، فإِذا حُصِّنَتْ فَلَيْسَ الْوَلَدُ بهَجينٍ، وَالْجَمْعُ هُجُنٌ وهُجَناء وهُجْنانٌ ومَهاجِينُ ومَهاجِنَةٌ؛ قَالَ حَسَّانُ:
مَهاجِنةٌ، إِذا نُسِبوا، عَبيدٌ ... عَضَارِيطٌ مَغالِثةُ الزِّنادِ
أَي مُؤْتَشِبُو الزِّنَادِ، وَقِيلَ: رِخْوُو الزِّنَادِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وإِنما قُلْتُ فِي مَهاجِن ومَهاجنة إِنهما جَمْعُ هَجِين مُسامحةً، وَحَقِيقَتُهُ أَنه مِنْ بَابِ مَحاسِنَ ومَلامح، والأُنثى هَجينة مِنْ نِسْوَةٍ هُجْن وهَجائنَ وهِجانٍ، وَقَدْ هَجُنا هُجْنة وهَجانة وهِجانة وهُجُونة. أَبو الْعَبَّاسِ أَحمد بْنُ يَحْيَى قَالَ: الهَجِين الَّذِي أَبوه خَيْرٌ مِنْ أُمه؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ الْمُبَرِّدُ: قِيلَ لِوَلَدِ الْعَرَبِيِّ مِنْ غَيْرِ العَربية هَجين لأَن الْغَالِبَ عَلَى أَلوان الْعَرَبِ الأُدْمة، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تُسَمِّي العجمَ الحمراءَ ورقابَ المَزاوِد لِغَلَبَةِ الْبَيَاضِ عَلَى أَلوانهم، وَيَقُولُونَ لِمَنْ عَلَا لونَه البياضُ أَحمرُ؛ وَلِذَلِكَ
قَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِعَائِشَةَ: يَا حُمَيراء
، لِغَلَبَةِ الْبَيَاضِ عَلَى لَوْنِهَا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا.
وَقَالَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بُعِثْتُ إِلى الأَحمر والأَسود
، فأَسودهم الْعَرَبُ وأَحمرهم الْعَجَمُ. وَقَالَتِ الْعَرَبُ لأَولادها مِنَ الْعَجَمِيَّاتِ اللَّاتِي يَغْلِبُ عَلَى أَلوانهن الْبَيَاضُ: هُجْنٌ وهُجَناء، لِغَلَبَةِ الْبَيَاضِ عَلَى أَلوانهم وإِشباههم أُمهاتهم. وَفَرَسٌ هَجِين بَيّنُ الهُجْنة إِذا لَمْ يَكُنْ عَتِيقًا. وبِرْذَوْنَة هَجِين، بِغَيْرِ هَاءٍ. الأَزهري: الْهَجِينُ مِنَ الْخَيْلِ الَّذِي وَلَدَتْهُ بِرْذَوْنة مِنْ حِصَانٍ عَرَبِيٍّ، وَخَيْلٌ هُجْنٌ. والهِجانُ مِنَ الإِبل: البيضُ الْكِرَامُ؛ قَالَ عَمْرُو بْنُ كُلْثوم:
ذِرَاعَيْ عَيْطَلٍ أَدْماءَ بِكْرٍ، ... هِجانِ اللَّوْنِ لَمْ تَقْرأْ جَنينا
قَالَ: وَيَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ وَالْجَمْعُ. يُقَالُ: بَعِيرٌ هِجانٌ وَنَاقَةٌ هِجانٌ وَرُبَّمَا قَالُوا هَجائِنُ؛ قَالَ ابْنُ أَحمر:
كأَنَّ عَلَى الجِمالِ أَوانَ خَفَّتْ ... هَجائِنَ مِنْ نِعاجِ أُوارَعِينا
ابْنُ سِيدَهْ: والهِجانُ مِنَ الإِبل البيضاءُ الخالصةُ اللونِ والعِتْقِ مَنْ نُوقٍ هُجُنٍ وهَجائن وهِجانٍ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ مِنْ بَابِ جُنُب ورِضاً، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ تَكْسِيرًا، وَهُوَ مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ، وَذَلِكَ أَن الأَلف فِي هِجانٍ الْوَاحِدُ بِمَنْزِلَةِ أَلِفِ ناقةٍ كِنَازٍ ومرأَةٍ ضِنَاك، والأَلفُ فِي هِجانٍ فِي الْجَمْعِ بِمَنْزِلَةِ أَلِفِ ظِرافٍ وشِرافٍ، وَذَلِكَ لأَن الْعَرَبَ كَسَّرَتْ فِعَالًا عَلَى فِعَالٍ كَمَا كَسَّرَتْ فَعِيلًا عَلَى فِعَالٍ، وعُذْرُها فِي(13/431)
ذَلِكَ أَن فَعِيلًا أُخت فِعَالٍ، أَلا تَرَى أَن كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلَاثِيُّ الأَصل وَثَالِثُهُ حَرْفُ لَيِّنٍ؟ وَقَدِ اعْتَقَبا أَيضاً عَلَى الْمَعْنَى الْوَاحِدِ نَحْوُ كَلِيبٍ وكِلابٍ وعَبِيدٍ وعِبادٍ، فَلَمَّا كَانَا كَذَلِكَ وإِنما بَيْنُهُمَا اختلافٌ فِي حَرْفِ اللِّينِ لَا غَيْرَ، قَالَ: وَمَعْلُومٌ مَعَ ذَلِكَ قربُ الْيَاءِ مِنَ الأَلف، وأَنها إِلى الْيَاءِ أَقرب مِنْهَا إِلى الْوَاوِ، كُسِّرَ أَحدهما عَلَى مَا كُسِّرَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ فَقِيلَ نَاقَةٌ هِجانٌ وأَيْنُقٌ هِجانٌ، كَمَا قِيلَ ظَرِيفٌ وظِراف وَشَرِيفٌ وشِرَاف؛ فأَما قَوْلُهُ:
هِجانُ المُحَيَّا عَوْهَجُ الخَلْقِ، سُرْبِلَتْ ... مِنَ الحُسْنِ سِرْبالًا عَتِيقَ البَنائِق
فَقَدْ تكونُ النَّقِيَّةَ، وَقَدْ تَكُونُ الْبَيْضَاءَ. وأَهْجَنَ الرجلُ إِذا كَثُرَ هِجانُ إِبله، وَهِيَ كِرامها؛ وَقَالَ فِي قَوْلِ كَعْبٍ:
حَرْفٌ أَخوها أَبوها مِنْ مُهَجَّنةٍ، ... وعَمُّها خالُها قَوْداءُ شِمْليلُ
قَالَ: أَراد بمُهَجَّنة أَنها مَمْنُوعَةٌ مِنْ فُحُولِ النَّاسِ إِلا مِنْ فُحُولِ بِلَادِهَا لعِتْقِها وَكَرَمِهَا، وَقِيلَ: حُمِلَ عَلَيْهَا فِي صِغَرها، وَقِيلَ: أَراد بالمُهَجَّنةِ أَنها مِنْ إِبل كِرَامٍ. يُقَالُ: امرأَة هِجانٌ وَنَاقَةٌ هِجانٌ أَي كَرِيمَةٌ. وَقَالَ الأَزهري: هَذِهِ نَاقَةٌ ضَرَبَهَا أَبوها لَيْسَ أَخوها فجاءَت بِذَكَرٍ، ثُمَّ ضَرَبَهَا ثَانِيَةً فَجَاءَتْ بِذَكَرٍ آخَرَ، فَالْوَلَدَانِ ابْنَاهَا لأَنهما وُلِدَا مِنْهَا، وَهُمَا أَخواها أَيضاً لأَبيها لأَنهما وَلَدَا أَبيها، ثُمَّ ضَرَبَ أَحدُ الأَخوين الأُمَّ فَجَاءَتِ الأُم بِهَذِهِ النَّاقَةِ وَهِيَ الْحَرْفُ، فأَبوها أَخوها لأُمها لأَنه وُلِدَ مِنْ أُمها، والأَخ الْآخَرُ الَّذِي لَمْ يَضْرِب عمُّها لأَنه أَخو أَبيها، وَهُوَ خَالُهَا لأَنه أَخو أُمها لأَبيها لأَنه مِنْ أَبيها وأَبوه نَزَا عَلَى أُمه. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: أَنشدني أَبو نَصْرٍ عَنِ الأَصمعي بَيْتَ كَعْبٍ وَقَالَ فِي تَفْسِيرِهِ: إِنها نَاقَةٌ كَرِيمَةٌ مُداخَلة النَّسَبِ لِشَرَفِهَا. قَالَ ثَعْلَبٌ: عَرَضْتُ هَذَا الْقَوْلَ عَلَى ابْنِ الأَعرابي، فخطَّأَ الأَصمعي وَقَالَ: تداخُل النَّسَبِ يُضْوِي الولدَ؛ قَالَ: وَقَالَ الْمُفَضَّلُ هَذَا جَمَلٌ نَزَا عَلَى أُمه، وَلَهَا ابْنٌ آخَرُ هُوَ أَخو هَذَا الْجَمَلِ، فَوَضَعَتْ نَاقَةً فَهَذِهِ النَّاقَةُ الثَّانِيَةُ هِيَ الْمَوْصُوفَةُ، فَصَارَ أَحدهما أَباها لأَنه وَطِئَ أُمها، وَصَارَ هُوَ أَخاها لأَن أُمها وَضَعَتْهُ، وَصَارَ الْآخَرُ عمها لأَنه أَخو أَبيها، وَصَارَ هُوَ خَالَهَا «3» لأَنه أَخو أُمها؛ وَقَالَ ثَعْلَبٌ: وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ. والهِجانُ: الْخِيَارُ. وامرأَة هِجَانٌ: كَرِيمَةٌ مِنْ نِسْوَةٍ هَجائنَ، وَهِيَ الْكَرِيمَةُ الحَسَبِ الَّتِي لَمْ تُعَرِّق فِيهَا الإِماء تَعْرِيقاً. أَبو زَيْدٍ: رَجُلٌ هَجِينٌ بَيّنُ الهُجُونة مِنْ قَوْمٍ هُجَناءَ وهُجْنٍ، وامرأَة هِجان أَي كَرِيمَةٌ، وَتَكُونُ الْبَيْضَاءَ مِنْ نِسْوَةٍ هُجْنٍ بَيِّنات الْهِجَانَةِ. وَرَجُلٌ هِجانٌ: كريمُ الحَسَبِ نَقِيُّه. وَبَعِيرٌ هِجانٌ: كَرِيمٌ. وَقَالَ الأَصمعي فِي قَوْلِ
عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: هَذَا جَنايَ وهِجانُه فِيهْ إِذ كُلُّ جانٍ يَدُه إِلى فِيهِ
، يَعْنِي خِيَارَهُ وَخَالِصَهُ. اليزيديُّ: هُوَ هِجانٌ بَيِّنُ الهِجَانة، وَرَجُلٌ هَجِين بَيِّنُ الهُجْنةِ، والهُجْنةُ فِي النَّاسِ وَالْخَيْلُ إِنما تَكُونُ مِنْ قِبَلِ الأُم، فإِذا كَانَ الأَب عَتِيقًا والأُم لَيْسَتْ كَذَلِكَ كَانَ الْوَلَدُ هَجِينًا؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
العبدُ والهَجِينُ والفَلَنْقَسُ ... ثلاثةٌ، فأَيَّهُم تَلَمَّسُ
والإِقْرافُ: مِنْ قِبَلِ الأَب؛ الأَزهري: رَوَى الرواةُ أَن رَوْح بْنَ زِنْباع كَانَ تزوَّج هندَ بِنْتَ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِير فقالت وكانت شاعرة:
__________
(3) . قوله [وصار هو خالها] كذا في الأَصل والتهذيب، وهذا لا يتم على كلام المفضل إلا أن روعي أن جملًا نزا على ابنته فخلف منها هذين الجملين إلخ كما في عبارة التهذيب السابقة(13/432)
وَهَلْ هِنْدُ إِلَّا مُهْرَةٌ عربيةٌ، ... سَلِيلةُ أَفراسٍ تَجَلَّلَها بغْلُ
فَإِنْ نُتِجَتْ مُهْراً كَرِيمًا فبالحَرَى، ... وإِن يَكُ إقرافٌ فَمِنْ قِبَلِ الفَحْلِ «1»
. قَالَ: والإِقْرافُ مُداناةُ الهُجْنة مِنْ قِبَلِ الأَب. قَالَ ابْنُ حَمْزَةَ: الهَجِينْ مأْخوذ مِنَ الهُجْنَة، وَهِيَ الغِلَظُ، والهِجانُ الْكَرِيمُ مأْخوذ مِنَ الهِجَانِ، وَهُوَ الأَبيض. والهِجان: البِيضُ، وَهُوَ أَحسنُ الْبَيَاضِ وأَعتقه فِي الإِبل وَالرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَيُقَالُ: خِيارُ كلِّ شَيْءٍ هِجانُه. قَالَ: وإِنما أُخذ ذَلِكَ مِنَ الإِبل. وأَصلُ الهِجانِ البِيضُ، وكلُّ هِجان أَبيضُ. والهِجانُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ: الخالصُ؛ وأَنشد:
وَإِذَا قِيلَ: مَنْ هِجانُ قُرَيْشٍ؟ ... كنتَ أَنتَ الفَتى، وأَنتَ الهِجانُ
والعربُ تَعُدُّ البياضَ مِنَ الأَلوان هِجاناً وكَرَماً. وَفِي الْمَثَلِ: جَلَّتِ الهاجِنُ عَنِ الوَلد أَي صَغُرَتْ؛ يُضْرَبُ مَثَلًا لِلصَّغِيرِ يَتَزَيَّنُ بِزِينَةِ الْكَبِيرِ. وجَلَّتِ الهاجِنُ عَنِ الرِّفْدِ، وَهُوَ القَدَح الضَّخْمُ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: جَلَّتِ العُلْبَة عَنِ الْهَاجِنِ أَي كَبُرَتْ؛ قَالَ: وَهِيَ بنتُ اللَّبُونِ يُحْمَلُ عَلَيْهَا فتَلْقَحُ، ثُمَّ تُنْتَجُ وَهِيَ حِقَّة، قَالَ: وَلَا تَصْلُحُ أَن يَفْعَلَ بِهَا ذَلِكَ. ابْنُ شُمَيْلٍ: الهاجِنُ القَلُوصُ يَضْرِبُ بِهَا الجَمَلُ، وَهِيَ ابْنَةُ لَبُونٍ، فتَلْقَحُ وتُنْتَجُ، وَهِيَ حِقَّةٌ، وَلَا تَفْعَلُ ذَلِكَ إِلَّا فِي سَنَةٍ مُخْصِبَةٍ فَتِلْكَ الهاجنُ، وَقَدْ هَجَنَتْ تَهْجُنُ هِجاناً، وَقَدْ أَهْجَنَها الجملُ إِذَا ضَرَبَهَا فأَلقحها؛ وأَنشد:
ابْنُوا عَلَى ذِي صِهْركم وأَحْسِنُوا، ... أَلم تَرَوْا صُغْرَى اللِّقاحِ تَهْجُنُ؟ «2»
. قَالَهُ رَجُلٌ لأَهل امرأَته، واعْتَلُّوا عَلَيْهِ بِصِغَرِهَا عَنِ الْوَطْءِ؛ وَقَالَ:
هَجَنَتْ بأَكبرهم ولَمَّا تُقْطَبِ
يُقَالُ: قُطِبَتِ الْجَارِيَةُ أَي خُفِضَت. ابْنُ بُزُرْج: غِلْمَةٌ أُهَيْجنة، وَذَلِكَ أَن أَهلهم أَهْجَنُوهم أَي زَوَّجُوهم صِغَارًا، يُزَوَّجُ الغلامُ الصَّغِيرُ الجاريةَ الصَّغِيرَةَ فَيُقَالُ أَهْجَنَهم أَهْلُهم، قَالَ: والهاجِنُ عَلَى مَيْسُورها ابْنَةُ الحِقَّة، والهاجِنُ عَلَى مَعْسُورها ابْنَةُ اللَّبُون. وَنَاقَةٌ مُهَجَّنة: وَهِيَ المُعْتَسَرَة. وَيُقَالُ لِلْقَوْمِ الْكِرَامِ: إِنهم لَمِنْ سَرَاةِ الهِجَانِ؛ وَقَالَ الشَّمَّاخُ:
ومِثْل سَرَاةِ قَوْمِك لَمْ يُجارَوْا ... إِلَى الرُّبُعِ الهِجانِ، وَلَا الثَّمينِ
الأَزهري: وأُخْبرْتُ عَنْ أَبي الْهَيْثَمِ أَنه قَالَ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ فِي هَذَا الْبَيْتِ:
إِلَى رُبُعِ الرِّهانِ وَلَا الثَّمِينِ
يَقُولُ: لَمْ يُجارَوْا إِلَى رُبُع رِهانِهم وَلَا ثُمُنِه، قَالَ: والرِّهانُ الْغَايَةُ الَّتِي يُسْتَبَقُ إِلَيْهَا، يَقُولُ: مثلُ سَراةِ قَوْمِكَ لَمْ يُجارَوْا إِلَى رُبُع غَايَتِهِمُ الَّتِي بَلَغُوهَا وَنَالُوهَا مِنَ الْمَجْدِ وَالشَّرَفِ وَلَا إِلَى ثُمُنها؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
مِنْ سَراةِ الهِجانِ صَلَّبَها العُضُّ ... وَرَعْيُ الحِمَى وطُولُ الحِيالِ
قَالَ: الهِجانُ الخِيارُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. والهِجانُ مِنَ الإِبل: النَّاقَةُ الأَدْماء، وَهِيَ الخالصة اللون والعِتْقِ من نُوق هِجانٍ وهُجُن. والهِجَانةُ: البياضُ؛ وَمِنْهُ قِيلَ إِبِلٌ هِجانٌ أَي بِيضٌ، وَهِيَ أَكرم الإِبل، وَقَالَ لَبِيدٍ:
كأَنَّ هِجانَها مُتَأَبِّضاتٍ، ... وَفِي الأَقْرانِ أَصْوِرَةُ الرَّغامِ
مُتأَبِّضاتٍ: معقولاتٍ بالإِباضِ، وَهُوَ العِقالُ. وفي
__________
(1) . قوله [فمن قبل الفحل] كذا في التهذيب بكسر اللام وعليه ففيه إقواء. وفي رواية أخرى:
وإن يك إقرافٌ فجاء به الفَحلُ
وهكذا ينتفي الإقواء
(2) . قوله [صغرى اللقاح] الذي في التهذيب: صغرى القلاص(13/433)
الْحَدِيثِ
فِي ذِكْرِ الدَّجَّالِ: أَزْهَرُ هِجانٌ
؛ الهجانُ: الأَبيض. وَيُقَالُ: هَجَّنه أَي جَعْلَهُ هَجِينًا. والمُهَجَّنة: النَّاقَةُ أَوَّلَ مَا تَحْمِلُ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لأَوس:
حَرْفٌ أَخوها أَبوها مِنْ مُهَجَّنةٍ، ... وعَمُّها خالُها وَجْناءُ مِئْشِيرُ
وَفِي حَدِيثِ الهُجرة:
مَرَّا بِعَبْدٍ يَرْعَى غَنَمًا فَاسْتَسْقَيَاهُ مِنَ اللَّبَنِ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا لِي شاةٌ تحْلَبُ غَيْرَ عَناق حَمَلَتْ أَوَّل الشِّتَاءِ فَمَا بِهَا لبنٌ وَقَدِ اهْتُجِنَتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ائْتِنَا بِهَا
؛ اهْتُجِنَتْ أَي تَبَيَّنَ حملُها. والهاجنُ: الَّتِي حَمَلَتْ قَبْلَ وَقْتِ حَمْلِهَا. والهُجْنة فِي الْكَلَامِ: مَا يَلْزَمُك مِنْهُ العيبُ. تَقُولُ: لَا تَفْعَلْ كَذَا فَيَكُونُ عَلَيْكَ هُجْنةً. وَقَالُوا: إِنَّ لِلْعِلْمِ نَكَداً وَآفَةً وهُجنة؛ يعنون بالهُجْنَة هاهنا الإِضاعة؛ وَقَوْلُ الأَعلم:
ولَعَمْرُ مَحْبِلك الهَجينِ عَلَى ... رَحْبِ المَباءَةِ مُنْتِنِ الجِرْمِ
عَنَى بالهَجِين هُنَا اللَّئِيمَ: والهاجِنُ: الزَّنْدُ الَّذِي لَا يُورِي بقَدحةٍ وَاحِدَةٍ. يُقَالُ: هَجَنَتْ زَنْدَةُ فُلَانٍ، وإنَّ لَهَا لهُجْنَةً شَدِيدَةً؛ وَقَالَ بِشْرٌ:
لعَمْرُك لَوْ كانتْ زِنادُكَ هُجْنةً، ... لأَوْرَيْتَ إِذْ خَدِّي لخَدِّكَ ضارِعُ
وَقَالَ آخَرُ:
مَهاجِنة مَغالثة الزِّنادِ
وتَهْجينُ الأَمر: تقبيحُه. وأَرض هِجانٌ: بَيْضَاءُ لَيِّنَةُ التُّرْبِ مِرَبٌّ؛ قَالَ:
بأَرْضٍ هِجانِ اللَّوْنِ وَسْمِيَّةِ الثَّرَى ... عَذَاةٍ، نأَتْ عَنْهَا المُؤُوجةُ والبَحْرُ
وَيُرْوَى المُلُوحة. والهاجِنُ: العَناق الَّتِي تَحْمِلُ قَبْلَ أَن تَبْلُغَ أَوانَ السِّفَادِ، وَالْجَمْعُ الهِواجِنُ؛ قَالَ: وَلَمْ أَسمع لَهُ فِعْلًا، وَعَمَّ بَعْضُهُمْ بِهِ إناثَ نَوْعَيِ الْغَنَمِ. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: الْهَاجِنُ الَّتِي حُمل عَلَيْهَا قَبْلَ أَن تَبْلُغَ، فَلَمْ يَخُصَّ بِهَا شَيْئًا مِنْ شَيْءٍ. والهاجِنَةُ والمُهْتَجِنَةُ مِنَ النَّخْلِ: الَّتِي تَحْمِلُ صَغِيرَةً؛ قَالَ شَمِرٌ: وَكَذَلِكَ الهاجنُ. وَيُقَالُ لِلْجَارِيَةِ الصَّغِيرَةِ: هَاجِنٌ، وَقَدِ اهتُجِنَت الْجَارِيَةُ إِذَا افتُرِعَتْ قَبْلَ أَوانها. واهْتُجِنَتِ الْجَارِيَةُ إِذَا وُطِئت وَهِيَ صَغِيرَةٌ. والمُهْتَجِنة: النَّخْلَةُ أَوَّل مَا تُلْقَح. ابْنُ سِيدَهْ: الهاجِنُ «1» . والمُهْتَجِنة الصَّبِيَّةُ؛ وَفِي الْمُحْكَمِ: المرأَة الَّتِي تَتَزَوَّجُ قَبْلَ أَن تَبْلُغَ وَكَذَلِكَ الصَّغِيرَةُ مِنَ الْبَهَائِمِ؛ فأَما قَوْلُ الْعَرَبِ: جَلَّتِ الهاجِنُ عَنِ الولد، فعلى التفاؤل.
هدن: الأَزهري عَنِ الهَوَازنيّ: الهُدْنَة انتقاضُ عَزْم الرَّجُلِ بِخَبَرٍ يأْتيه فيَهْدِنُه عَمَّا كان عليه فَيُقَالُ انْهَدَنَ عَنْ ذَلِكَ، وهَدَنَه خَبَرٌ أَتاه هَدْناً شَدِيدًا. ابْنُ سِيدَهْ: الهُدْنة والهِدَانَةُ الْمُصَالَحَةُ بَعْدَ الْحَرْبِ؛ قَالَ أُسامة الْهُذَلِيُّ:
فَسَامُونَا الهِدانَةَ مِنْ قريبٍ، ... وهُنَّ مَعًا قيامٌ كالشُّجُوبِ
والمَهْدُون: الَّذِي يُطْمَعُ مِنْهُ فِي الصُّلْحِ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
وَلَمْ يُعَوَّدْ نَوْمَةَ المَهْدُونِ
وهَدَنَ يَهْدِنُ هُدُوناً: سَكَنَ. وهَدَنَه أَي سكَّنه، يتعدَّى وَلَا يتعدَّى. وهادَنه مُهادنَةً: صَالَحَهُ، وَالْاسْمُ مِنْهُمَا الهُدْنَة. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ذَكَرَ الفتَنَ فَقَالَ: يَكُونُ بَعْدَهَا هُدْنَةٌ عَلَى دَخَنٍ وجماعةٌ على أَقْذاءٍ
؛
__________
(1) . قوله [ابن سيدة الهاجن إلخ] كذا بالأصل، والمؤلف التزم من مؤلفات ابن سيدة المحكم وليست فيه هذه العبارة، فلعل قوله ابن سيدة محرف عن ابن دريد مثلًا بدليل قوله وفي المحكم(13/434)
وَتَفْسِيرُهُ فِي الْحَدِيثِ؛ لَا تَرْجِعُ قلوبُ قَوْمٍ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ، وأَصل الهُدْنةِ السكونُ بَعْدَ الهَيْج. وَيُقَالُ لِلصُّلْحِ بَعْدَ الْقِتَالِ والمُوادعة بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ وَبَيْنَ كُلِّ مُتَحَارِبَيْنِ: هُدْنَةٌ، وَرُبَّمَا جُعِلَتْ للهُدْنة مُدّة مَعْلُومَةً، فَإِذَا انْقَضَتِ الْمُدَّةُ عَادُوا إِلَى الْقِتَالِ، والدَّخَنُ قَدْ مَضَى تَفْسِيرُهُ؛ وَقَوْلُهُ هُدْنَة عَلَى دَخَنٍ أَي سكونٌ عَلَى غِلّ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السلام: عُمْياناً فِي غَيْبِ الهُدْنة
أَي لَا يَعْرِفُونَ مَا فِي الْفِتْنَةِ مِنَ الشَّرِّ وَلَا مَا فِي السُّكُونِ مِنَ الْخَيْرِ. وَفِي حَدِيثِ
سَلْمَانَ: مَلْغاةُ أَوّل اللَّيْلِ مَهْدَنَةٌ لِآخِرِهِ
؛ مَعْنَاهُ إِذَا سَهِر أَوّلَ اللَّيْلِ ولَغا فِي الْحَدِيثِ لَمْ يَسْتَيْقِظْ فِي آخِرِهِ لِلتَّهَجُّدِ وَالصَّلَاةِ أَي نَوْمُهُ فِي آخِرِ اللَّيْلِ بِسَبَبِ سَهَرِهِ فِي أَوّله. والمَلْغاة والمَهْدَنة: مَفْعَلة مِنَ اللَّغْو، والهُدُونُ: السُّكُونُ أَي مَظِنّة لَهُمَا «1» . والهُدْنَة والهُدُون والمَهْدَنة: الدَّعة وَالسُّكُونُ. هَدَنَ يَهْدِنُ هُدُوناً: سَكَنَ. اللِّيْثُ: المَهْدَنة مِنَ الهُدْنة وَهُوَ السُّكُونُ، يُقَالُ مِنْهُ: هَدَنْتُ أَهْدِنُ هُدُوناً إِذَا سَكَنْتَ فَلَمْ تَتَحَرَّكْ. شَمِرٌ: هَدَّنْتُ الرجلَ سَكَّنته وخَدَعْتُه كَمَا يُهْدَن الصَّبِيَّ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
ثُقِّفْتَ تَثْقِيفَ امْرِئٍ لَمْ يُهْدَنِ
أَي لَمْ يُخْدَعْ وَلَمْ يُسَكَّنْ فَيُطْمَعُ فِيهِ. وهادَنَ القومَ: وادَعهم. وهَدَنَهم يَهْدِنُهم هَدْناً رَبَّثَهم بِكَلَامٍ وأَعطاهم عَهْدًا لَا يَنْوِي أَن يَفِيَ بِهِ؛ قَالَ:
يَظَلُّ نَهارُ الوالِهين صَبابةً، ... وتَهْدِنُهم فِي النَّائِمِينَ المَضاجعُ
وَهُوَ مِنَ التَّسْكِينِ. وهَدَنَ الصبيَّ وَغَيْرَهُ يَهْدِنه وهَدَّنه: سكَّنه وأَرضاه. وهُدِنَ عَنْكَ فلانٌ: أَرضاه مِنْكَ الشيءُ الْيَسِيرُ. وَيُقَالُ: هَدَّنتِ المرأَةُ صبيَّها إِذَا أَهْدَأَته لِيَنَامَ، فَهُوَ مُهَدَّنٌ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: هَدَنَ عَدُوَّه إِذَا كافَّه، وهَدَنَ إِذَا حَمُقَ. وتَهْدِينُ المرأَة وَلَدَهَا: تَسْكِينُهَا لَهُ بِكَلَامٍ إِذَا أَرادت إِنَامَتَهُ. والتَّهْدِينُ البُطْءُ. وتَهادَنت الأُمورُ: اسْتَقَامَتْ. والهَوْدَناتُ: النُّوقُ. وَرَجُلٌ هِدانٌ، وَفِي التَّهْذِيبِ مَهْدُونٌ: بَلِيدٌ يُرْضِيهِ الْكَلَامُ، وَالْاسْمُ الهَدْنُ والهُدْنةُ. وَيُقَالُ: قَدْ هَدَنوه بِالْقَوْلِ دُونَ الْفِعْلِ. والهِدانُ: الأَحمقُ الْجَافِي الوَخِمُ الثَّقِيلُ فِي الْحَرْبِ، وَالْجَمْعُ الهُدونُ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
قَدْ يَجْمَعُ المالَ الهِدانُ الْجَافِي، ... مِنْ غَيْرِ مَا عَقْلٍ وَلَا اصْطِرافِ
وَفِي حَدِيثِ
عُثْمَانَ: جَباناً هِداناً
، الهِدانُ: الأَحمقُ الثَّقِيلُ، وَقِيلَ: الهِدان والمَهْدُون النَّوَّام الَّذِي لَا يُصَلِّي وَلَا يُبَكِّر فِي حَاجَةٍ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
هِدَانٌ كَشَحْمِ الأُرْنةِ المُتَرَجْرِج
وَقَدْ تَهَدَّنَ، وَيُقَالُ: هُوَ مَهْدُونٌ؛ وَقَالَ:
وَلَمْ يُعَوَّدْ نومةَ المَهْدُونِ
وَالِاسْمُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ الهَدْنُ؛ وأَنشد الأَزهري فِي المَهْدُون:
إنَّ العَواويرَ مأْكولٌ حظُوظَتُها، ... وَذُو الكَهامةِ بالأَقْوالِ مَهْدُونُ
والهَدِنُ المُسْتَرْخِي. وإنَّه عَنْكَ لَهَيْدانٌ إِذَا كانَ يَهَابُهُ. أَبو عُبَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ: الهَيْدانُ والهِدَانُ وَاحِدٌ، قَالَ: والأَصل الهِدانُ، فَزَادُوا الْيَاءَ؛ قَالَ الأَزهري: وَهُوَ فَيْعالٌ مِثْلَ عَيْدانِ النخل، النون
__________
(1) . قوله [لهما] هكذا في الأَصل والنهاية(13/435)
أَصلية وَالْيَاءُ زَائِدَةٌ. والهَدْنَةُ: الْقَلِيلُ الضَّعِيفُ مِنَ الْمَطَرِ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، وَقَالَ: هُوَ الرَّكُّ وَالْمَعْرُوفُ الدَّهْنَةُ.
هرن: الأَزهري: أَما هرن فإِني لَا أَحفظ فِيهِ شيئاً، وإسم هَرُون مُعَرَّب لَا اشْتِقَاقَ لَهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ. وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ: الهَيْرُون ضَرْبٌ مِنَ التَّمْرِ جَيِّدٌ لِعَمَلِ السِّلِّ. ابْنُ سِيدَهْ: الهَرْنَوَى نَبْتٌ، قَالَ: لَا أَعرف هَذِهِ الْكَلِمَةَ وَلَمْ أَرها فِي النَّبَاتِ، وأَنكرها جَمَاعَةٌ مِنْ أَهل اللُّغَةِ، قَالَ: ولستُ أَدري الهَرْنَوَى مَقْصُورٌ أَم الهَرْنَوِيُّ، على لفظ النسب.
هرشن: بَعِيرٌ هِرْشِنٌ: وَاسِعُ الشِّدْقَيْنِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ لَا أَدري ما صحته.
هزن: هَوْزَنُ: اسْمُ طَائِرٍ؛ قَالَ الأَزهري: جَمْعُهُ هَوَازِنُ، قَالَ: وَلَمْ أَسْمَعْهُ لِغَيْرِ ابْنِ دُرَيْدٍ. وَبَنُو هَوْزَنٍ: بطنٌ مِنْ ذِي الكُلاع، وَرَوَى الأَزهري عَنِ الأَصمعي فِي كِتَابِ الأَسماء قَالَ: هَوَازِنُ جَمْعُ هَوْزَنٍ، وَهُوَ حَيّ مِنَ الْيَمَنِ يُقَالُ لَهُمْ هَوْزَن؛ قَالَ: وأَبو عَامِرٍ الهَوْزَنيُّ مِنْهُمْ. وهَوازِنُ: قَبِيلَةٍ مَنْ قِيسٍ وَهُوَ هَوَازِنُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ عِكرمة بْنِ حَفْصةَ بْنِ قَيْسِ عَيْلانَ. قَالَ الأَزهري: هَوَازِنُ لَا أَدري مِمَّ اشْتقاقُه، وَالنَّسَبُ إِلَى هَوازِنَ الْقَبِيلَةِ هَوازِنيٌّ، لأَنه قَدْ صَارَ اسْمًا لِلْحَيِّ، وَلَوْ قِيلَ هَوْزَنِيٌّ لَكَانَ وَجْهًا؛ وأَنشد ثَعْلَبٌ:
إنَّ أَباك فَرَّ يومَ صِفِّينْ، ... لَمَّا رأَى عَكّاً والأَشْعَرِيِّينْ
وحابِساً يَسْتَنُّ بالطَّائِيِّينْ، ... وقَيْسِ عَيْلانَ الهَوَازِنِيّينْ
هفن: أَهمله اللَّيْثُ، وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: الهَفْنُ الْمَطَرُ الشديد.
هكن: تَهَكَّنَ الرَّجُلُ: تَنَدَّمَ.
هلن: الهِلْيَوْنُ: نَبْتٌ.
همن: المُهَيْمِنُ والمُهَيْمَنُ: اسْمٌ مِنْ أَسماء اللَّهِ تَعَالَى فِي الْكُتُبِ الْقَدِيمَةِ. وَفِي التَّنْزِيلِ: وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ
؛ قَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ الشَّاهِدُ يَعْنِي وشاهِداً عَلَيْهِ. والمُهَيْمِنُ: الشَّاهِدُ، وَهُوَ مَنْ آمَنُ غيرَه مِنَ الْخَوْفِ، وأَصله أَأْمَنَ فَهُوَ مُؤَأْمِنٌ، بِهَمْزَتَيْنِ، قُلِبَتِ الْهَمْزَةُ الثَّانِيَةُ يَاءً كَرَاهَةَ اجْتِمَاعِهِمَا فَصَارَ مُؤَيْمِنٌ، ثُمَّ صُيِّرت الأُولى هَاءً كَمَا قَالُوا هَراق وأَراق. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مُهَيْمِنٌ مَعْنَى مُؤَيْمِن، وَالْهَاءُ بَدَلٌ مِنَ الْهَمْزَةِ، كَمَا قَالُوا هَرَقْتُ وأَرَقْتُ، وَكَمَا قَالُوا إيَّاك وهِيَّاكَ؛ قَالَ الأَزهري: وَهَذَا عَلَى قِيَاسِ الْعَرَبِيَّةِ صَحِيحٌ مَعَ مَا جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ أَنه بِمَعْنَى الأَمين، وَقِيلَ: بِمَعْنَى مُؤتَمَن؛ وأَما قَوْلُ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِي شِعْرِهِ يَمْدَحُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حَتَّى احْتَوَى بَيْتُكَ المُهَيْمِنُ، مِنْ ... خِنْدِفَ، عَلْياءَ تحتَها النُّطُقُ
فإِن الْقُتَيْبِيَّ قَالَ: مَعْنَاهُ حَتَّى احتويتَ يَا مُهَيْمِنُ مِنْ خِنْدِفَ عَلْيَاءَ؛ يُرِيدُ بِهِ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأَقام الْبَيْتَ مَقَامَهُ لأَن الْبَيْتَ إِذَا حَلَّ بِهَذَا الْمَكَانِ فَقَدْ حَلَّ بِهِ صاحبُه؛ قَالَ الأَزهري: وأَراد بِبَيْتِهِ شَرَفَه، وَالْمُهَيْمِنُ مِنْ نَعْتِهِ كأَنه قَالَ: حَتَّى احْتَوى شَرَفُك الشاهدُ عَلَى فَضْلِكَ علياءَ الشَّرَفِ مِنْ نَسَبِ ذَوِي خِنْدِف أَي ذِرْوَةَ الشَّرَف مِنْ نَسَبِهِمُ الَّتِي تَحْتَهَا النُّطُقُ، وَهِيَ أَوساطُ الْجِبَالِ الْعَالِيَةِ، جَعَلَ خِنْدِفَ نُطُقاً لَهُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ بيتُك المهيمنُ قَالَ: أَي بيتُك الشاهدُ بِشَرَفِكَ، وَقِيلَ: أَراد بِالْبَيْتِ نَفْسَهُ لأَن الْبَيْتَ إِذَا حَلَّ فَقَدْ حلَّ بِهِ صَاحِبَهُ. وَفِي حَدِيثِ
عِكْرِمَةَ: كَانَ عَلِيٌّ، عَلَيْهِ(13/436)
السَّلَامُ، أَعْلَم بالمُهَيْمِناتِ
أَي القَضايا، مِنَ الهَيْمنَة وَهِيَ الْقِيَامُ عَلَى الشَّيْءِ، جَعَلَ الْفِعْلَ لَهَا وَهُوَ لأَربابها الْقَوَّامِينَ بالأُمور. وَرُوِيَ
عَنْ عُمَرَ أَنه قَالَ يَوْمًا: إنِّي داعٍ فَهَيْمِنُوا
أَي إِنِّي أَدْعُو اللَّهَ فأَمِّنُوا، قَلَبَ أَحد حَرْفَيِ التَّشْدِيدِ فِي أَمِّنُوا يَاءً فَصَارَ أَيْمِنُوا، ثُمَّ قَلَبَ الْهَمْزَةَ هَاءً وَإِحْدَى الْمِيمَيْنِ يَاءً فَقَالَ هَيْمِنُوا؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: أَي اشْهَدُوا. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: أَمَّا زَيْدٌ فَحَسَنٌ، وَيَقُولُونَ أَيْما بِمَعْنَى أَمَّا؛ وأَنشد الْمُبَرِّدُ فِي قَوْلِ جَمِيل:
عَلَى نَبْعةٍ زَوْراءَ أَيْما خِطامُها ... فَمَتْنٌ، وأَيْما عُودُها فعَتِيقُ
قَالَ: إِنَّمَا يُرِيدُ أَمَّا، فَاسْتَثْقَلَ التَّضْعِيفَ فأَبدل مِنْ إِحْدَى الْمِيمَيْنِ يَاءً، كَمَا فَعَلُوا بقِيراطٍ ودِينارٍ ودِيوانٍ. وَقَالَ ابْنُ الأَنباري فِي قَوْلِهِ: وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ
، قَالَ: المُهَيْمِنُ الْقَائِمُ عَلَى خَلْقِهِ؛ وأَنشد:
أَلا إنَّ خَيْرَ الناسِ، بَعْدَ نَبِيِّهِ، ... مُهَيْمِنُه التالِيه فِي العُرْفِ والنُّكْرِ
قَالَ: مَعْنَاهُ الْقَائِمُ عَلَى النَّاسِ بَعْدَهُ، وَقِيلَ: الْقَائِمُ بأُمور الْخَلْقِ، قَالَ: وَفِي المُهَيْمِن خَمْسَةُ أَقوال: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ المُهَيْمِن المُؤْتَمَنُ، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ المُهَيْمِنُ الشَّهِيدُ، وَقَالَ غَيْرُهُ هُوَ الرَّقِيبُ، يُقَالُ هَيْمَن يُهَيْمِنُ هَيْمنَة إِذَا كَانَ رَقِيبًا عَلَى الشَّيْءِ، وَقَالَ أَبو مَعْشَرٍ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ
مَعْنَاهُ وقَبَّاناً عَلَيْهِ، وَقِيلَ: وَقَائِمًا عَلَى الكُتُب، وَقِيلَ: مُهَيْمِنٌ فِي الأَصل مُؤيْمِنٌ، وَهُوَ مُفَيْعِلٌ مِنَ الأَمانة. وَفِي حَدِيثِ
وُهَيْبٍ: إِذَا وَقَعَ العَبْدُ فِي أُلْهانِيَّةِ الرَّبِّ ومُهَيْمِنِيَّةِ الصِّدِّيقين لَمْ يَجِدْ أَحَداً يأْخذُ بقَلْبه
؛ المُهَيْمِنِيَّة: مَنْسُوبٌ إِلَى المُهَيْمِن، يُرِيدُ أَمانة الصدِّيقين، يَعْنِي إدا حَصَلَ العبدُ فِي هَذِهِ الدَّرَجَةِ لَمْ يُعْجِبْهُ أَحد، وَلَمْ يُحِبَّ إِلَّا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. والهِمْيانُ: التِّكَّة، وَقِيلَ للمِنْطَقَةِ هِمْيانٌ، وَيُقَالُ لِلَّذِي يُجْعَلُ فِيهِ النَّفَقَةُ وَيُشَدُّ عَلَى الْوَسَطِ: هِمْيان؛ قَالَ: والهِمْيان دَخِيلٌ مُعَرَّبٌ، وَالْعَرَبُ قَدْ تَكَلَّمُوا بِهِ قَدِيمًا فأَعربوه. وَفِي حَدِيثِ
النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرّنٍ يَومَ نهاوَنْدَ: أَلا إنِّي هازٌّ لَكُمُ الرايةَ الثَّانِيَةَ فَلْيَثِب الرجالُ وليَشُدُّوا هَمَايِنَهم عَلَى أَحْقائهم
، يَعْنِي مَناطِقَهم ليَسْتَعِدُّوا عَلَى الْحَمْلَةِ، وَفِي النِّهَايَةِ فِي حَدِيثِ
النُّعمان يَوْمَ نَهَاوَنْدَ. تَعاهدُوا هَمايِنكم فِي أَحْقِيكُم وأَشْساعَكم فِي نِعَالِكُمْ
؛ قَالَ: الهَماينُ جَمْعُ هِمْيانٍ، وَهِيَ المِنْطَقة والتِّكَّة، والأَحْقِي جَمْعُ حِقْوٍ، وَهِيَ مَوْضِعُ شَدِّ الإِزار؛ وأَورد ابْنُ الأَثير حَدِيثًا آخَرَ عَنْ يُوسُفَ الصِّدِّيقِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مُسْتَشْهِدًا بِهِ عَلَى أَن الهِمْيَان تِكَّةُ السَّرَاوِيلِ لَمْ أَستحسن إيرادَه، غَفَرَ اللَّهُ لنا وله بكرمه.
هنن: الهانَّةُ والهُنانَة: الشَّحْمَةُ فِي بَاطِنِ الْعَيْنِ تَحْتَ المُقْلة. وَبَعِيرٌ مَا بِهِ هانَّةٌ وَلَا هُنانة أَي طِرْق. قَالَ أَبو حَاتِمٍ: حضرتُ الأَصمعي وسأَله إِنْسَانٌ عَنْ قَوْلِهِ مَا بِبَعِيرِي هَانَّة وَلَا هُنانَةٌ، فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ هُتَاتة، بِتَاءَيْنِ؛ قَالَ أَبو حَاتِمٍ: قُلْتُ إِنَّمَا هُوَ هانَّة وهُنانة، وَبِجَنْبِهِ أَعرابي فسأَله فَقَالَ: مَا الهُتاتة؟ فَقَالَ: لَعَلَّكَ تُرِيدُ الهُنَانَة، فَرَجَعَ إِلَى الصَّوَابِ؛ قَالَ الأَزهري: وَهَكَذَا سَمِعْتُهُ مِنَ الْعَرَبِ؛ الهُنَانَةُ، بِالنُّونِ: الشَّحْمُ. وَكُلُّ شَحْمَةٍ هُنَانة. والهُنَانة أَيضاً: بَقِيَّةُ الْمُخِّ. وَمَا بِهِ هانَّة أَي شَيْءٌ مِنْ خَيْرٍ، وَهُوَ عَلَى الْمِثْلِ. وَمَا بِالْبَعِيرِ هُنَانة، بِالضَّمِّ، أَي مَا بِهِ طِرْقٌ؛ قَالَ الْفَرَزْدَقُ:
أَيُفايِشُونَكَ، والعِظَامُ رقيقةٌ، ... والمُخُّ مُمْتَخَرُ الهُنانة رارُ؟(13/437)
وأَورد ابْنُ بَرِّيٍّ عَجُزَ هَذَا الْبَيْتِ وَنَسَبَهُ لِجَرِيرٍ. وأَهَنَّه اللهُ، فَهُوَ مَهْنُونٌ. والهِنَنَةُ: ضَرْبٌ مِنَ الْقَنَافِذِ. وهَنّ يَهِنُّ: بَكَى بُكَاءً مِثْلَ الْحَنِينِ؛ قَالَ:
لَمَّا رأَى الدارَ خَلاءً هَنَّا، ... وكادَ أَن يُظْهِرَ مَا أَجَنَّا
والهَنِينُ: مِثْلُ الأَنين. يُقَالُ: أَنَّ وهَنَّ، بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وهَنَّ يَهِنُّ هنِيناً أَي حَنَّ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
حَنَّتْ ولاتَ هَنَّتْ، ... وأَنِّي لكِ مَقْرُوعُ «2»
. قَالَ: وَقَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى بَكَى. التَّهْذِيبُ: هَنَّ وحَنَّ وأَنَّ، وَهُوَ الهَنِينُ والأَنينُ والحَنينُ قريبٌ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ؛ وأَنشد:
لَمَّا رأَى الدارَ خَلاءً هَنَّا
أَي حَنَّ وأَنَّ. وَيُقَالُ: الحَنِين أَرفعُ مِنَ الأَنين؛ وقال آخر:
لاتَنْكِحَنَّ أَبداً هَنَّانَهْ، ... عُجَيِّزاً كأَنَّها شَيْطَانَهْ
يُرِيدُ بالهَنّانة الَّتِي تَبْكِي وتَئِنّ؛ وَقَوْلُ الرَّاعِي:
أَفي أَثَرِ الأَظْعانِ عَيْنُكَ تَلْمَحُ؟ ... أَجَلْ لاتَ هَنَّا، إنَّ قلبَك متْيَحُ
يَقُولُ: ليس الأَمر حيث ذهبتَ. وَقَوْلُهُمْ: يَا هَناه أَي يَا رَجُلُ، وَلَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي النِّدَاءِ؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
وَقَدْ رابَني قولُها: يا هَناهُ، ... وَيْحَكَ أَلْحَقْتَ شَرّاً بشَرّ
هنزمن: الهِنْزَمْرُ والهِنْزَمْنُ والهِيْزَمْنُ، كلُّها: عيدٌ مِنْ أَعياد النَّصَارَى أَو سَائِرِ الْعَجَمِ، وَهِيَ أَعجمية؛ قَالَ الأَعشى:
إِذَا كَانَ هِنْزَمْنٌ ورُحْتُ مُخَشَّما
هون: الهُونُ: الخِزْيُ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ
؛ أَي ذِي الْخِزْيِ. والهُونُ، بِالضَّمِّ: الهَوَانُ. والهُونُ والهَوانُ: نَقِيضُ العِزِّ، هانَ يَهُونُ هَواناً، وَهُوَ هَيْنٌ وأَهْوَنُ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ
؛ أَي كُلُّ ذَلِكَ هَيِّنٌ عَلَى اللَّهِ، وَلَيْسَتْ لِلْمُفَاضَلَةِ لأَنه لَيْسَ شيءٌ أَيْسَرَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَقِيلَ: الْهَاءُ هُنَا رَاجِعَةٌ إِلَى الإِنسان، وَمَعْنَاهُ أَن الْبَعْثَ أَهونُ عَلَى الإِنسان مِنْ إِنْشَائِهِ، لأَنه يُقَاسِي فِي النَّشْءِ مَا لَا يُقَاسِيهِ فِي الإِعادة وَالْبَعْثِ؛ وَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
لَعَمْرُك مَا أَدْري، وَإِنِّي لأَوْجَلُ، ... عَلَى أَيِّنا تَعْدُو المَنِيَّةُ أَوَّلُ
وأَهانه وهَوَّنه واسْتَهانَ بِهِ وتَهاوَنَ بهِ: استخفَّ بِهِ، وَالِاسْمُ الهَوَانُ والمَهانة. وَرَجُلٌ فِيهِ مَهانة أَي ذُلٌّ وَضَعْفٌ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: المَهانةُ مِنْ الهَوانِ، مَفْعَلة مِنْهُ وَمِيمُهَا زَائِدَةٌ. والمَهانة مِنَ الحَقارة: فَعالة مَصْدَرُ مَهُنَ مَهانة إِذَا كَانَ حَقِيرًا. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَيْسَ بِالْجَافِي وَلَا المَهين
؛ يُرْوَى بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا، فَالْفَتْحُ مِنَ المَهانة، وَقَدْ تقدَّم فِي مَهَنَ، وَالضَّمُّ مِنَ الإِهانة الاستخفافِ بِالشَّيْءِ وَالِاسْتِحْقَارِ، وَالِاسْمُ الهَوانُ، وَهَذَا مَوْضِعُهُ. واسْتَهانَ بِهِ وتَهاوَنَ بِهِ: اسْتَحْقَرَهُ؛ وَقَوْلُهُ:
وَلَا تُهِينَ الفقيرَ، عَلَّكَ أَن ... تَرْكَعَ يَوْمًا، والدَّهْرُ قَدْ رَفَعَهْ
أَراد: لَا تُهِينَنْ، فَحَذَفَ النونَ الْخَفِيفَةَ لَمَّا استقبلها ساكنٌ.
__________
(2) . قوله
حنت ولات هنت
كذا بالأَصل والصحاح هنا وفي مادة قرع أيضاً بواو بعد حنت، والذي في التكملة بحذفها وهي أوثق الأَصول التي بأيدينا وعليها يتخرج هذا الشطر من الهزج وقد دخله الخرم والحذف(13/438)
والهَوْنُ: مَصْدَرُ هانَ عَلَيْهِ الشيءُ أَي خَفَّ. وهَوَّنه اللَّهُ عَلَيْهِ أَي سهَّله وَخَفَّفَهُ. وشيءٌ هَيِّنٌ، عَلَى فَيْعِلٍ أَي سَهْلٌ، وهَيْنٌ، مُخَفَّفٌ، وَالْجُمَعِ أَهْوِناءُ كَمَا قَالُوا شيءٌ وأَشيئاءُ عَلَى أَفْعِلاءَ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَشيئاء لَمْ تَنْطِقْ بِهَا الْعَرَبُ وَإِنَّمَا نَطَقَتْ بأَشياء فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَصله أَشيئاء، فَحُذِفَتِ الْهَمْزَةُ تَخْفِيفًا، وَقَالَ الْخَلِيلُ: أَصله شَيْئاء عَلَى فَعْلاء ثُمَّ قدِّمت الْهَمْزَةُ الَّتِي هِيَ لَامُ فَصَارَتْ أَشياء، وَوَزْنُهَا الْآنَ لَفْعاء؛ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الهَوْنُ والهُونُ وَاحِدٌ، وَقِيلَ: الهُونُ الهَوانُ والهَوْنُ الرِّفق؛ وأَنشد:
مررتُ عَلَى الوَدِيعةِ، ذاتَ يومٍ، ... تَهادَى فِي رِداء المِرْطِ هَوْنا
وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
تَمِيلُ عَلَيْهِ هُونَةٌ غيرُ مِعْطالِ
قَالَ: هُونة ضَعِيفَةٌ مِنْ خِلْقتها لَا تَكُونُ غَلِيظَةً كأَنها رَجُلٌ، وَرَوَى غَيْرُهُ: هَوْنة أَي مُطاوعة؛ وَقَالَ جَنْدَلٌ الطُّهَويّ:
داوَيْتُهم مِنْ زَمَنٍ إِلَى زَمَنْ، ... دَواءَ بُقْيا بالرُّقَى وبالهُوَنْ،
وبالهُوَيْنا دَائِبًا فَلَمْ أُوَنْ
بالهُوَن، يُرِيدُ: بِالتَّسْكِينِ وَالصُّلْحِ ابْنُ الأَعرابي: هَيِّنٌ بَيِّنُ الهُونِ. ابْنُ شُمَيْلٍ: إِنَّهُ ليَهُونُ عليَّ هَوْناً وهَواناً. الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ
؛ قَالَ: الهُونُ فِي لُغَةِ قُرَيْشٍ الهَوان، قَالَ: وَبَعْضُ بَنِي تَمِيمٍ يَجْعَلُ الهُونَ مَصْدَرًا لِلشَّيْءِ الهَيِّنِ، قَالَ: وَقَالَ الْكِسَائِيُّ سَمِعْتُ الْعَرَبَ تَقُولُ إِنْ كُنْت لَقَلِيلَ هَوْنِ المؤُونة مُذ الْيَوْمِ، قَالَ: وَقَدْ سَمِعْتُ الهَوانَ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى؛ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ لِبَعِيرٍ لَهُ: مَا بِهِ بأْسٌ غيرُ هَوانِه، يَقُولُ: إِنَّهُ خَفِيفُ الثَّمَنِ. وَإِذَا قَالَتِ الْعَرَبُ: أَقْبَلَ يَمْشي عَلَى هَوْنِه، لَمْ يَقُولُوهُ إِلَّا بِالْفَتْحِ؛ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً
؛ قَالَ عِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ: بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ؛ وَقَالَ الْكُمَيْتُ:
شُمٌّ مَهاوِينُ أَبْدانِ الجَزُورِ، مَخامِيصُ ... العَشيّات، لَا خُورٌ وَلَا قُزُمُ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: يَجُوزُ أَن يَكُونَ مَهَاوِينُ جَمْعَ مهْوَنٍ، وَمَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ أَنه جَمْعُ مِهْوانٍ. وَرَجُلٌ هَيِّنٌ وهَيْنٌ، وَالْجَمْعُ أَهْوِناءُ، وشيءٌ هَوْنٌ: حَقِيرٌ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الهَوْن هَوانُ الشيءِ الْحَقِيرِ الهَيِّنِ الَّذِي لَا كَرَامَةَ لَهُ. وَتَقُولُ: أَهَنْتُ فُلَانًا وتَهاوَنْتُ بِهِ واستَهنْتُ بِهِ. والهُونُ: الهَوانُ والشِّدَّة. أَصابه هُونٌ شَدِيدٌ أَي شِدَّةٌ ومضَرَّة وعَوَزٌ؛ قَالَتِ الْخَنْسَاءُ:
تُهِينُ النفوسَ وهُون النُّفوسْ
تُرِيدُ: إِهَانَةُ النُّفُوسِ: ابْنُ بَرِّيٍّ: الهُون، بِالضَّمِّ، الهَوان؛ قَالَ ذُو الإِصبع:
اذهَبْ إِلَيْكَ، فَمَا أُمِّي براعِيةٍ ... ترْعَى المَخاضَ، وَلَا أُغضِي عَلَى الهُونِ
وَيُقَالُ: إِنَّهُ لَهَوْنٌ مِنَ الْخَيْلِ، والأُنثى هَوْنة، إِذَا كَانَ مِطْواعاً سَلِساً. والهَوْنُ والهُوَيْنا: التُّؤَدة والرِّفْق وَالسَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ. رَجُلٌ هَيِّن وهَيْن، وَالْجَمْعُ هَيْنونَ؛ وَمِنْهُ: قَوْمٌ هَيْنُونَ لَيْنُونَ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَتَسْلِيمُهُ يَشْهَدُ أَنه فَيْعِلٌ. وَفُلَانٌ يَمْشِي عَلَى الأَرض هَوْناً؛ الهَوْن: مَصْدَرُ الهَيِّن فِي مَعْنَى السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الهَوْنُ الرِّفق؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
هَوْنَكُما لَا يَرُدُّ الدَّهْرُ مَا فَاتَا، ... لَا تَهْلِكا أَسَفاً فِي إثْرِ مَنْ مَاتَا(13/439)
وَفِي صِفَتِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَمْشي هَوْناً
؛ الهَوْن: الرِّفْق واللِّين وَالتَّثَبُّتُ، وَفِي رِوَايَةٍ:
كَانَ يَمْشِي الهُوَيْنا
، تَصْغِيرُ الهُونَى تَأْنِيثُ الأَهْوَن، وَهُوَ مِنَ الأَّوَّل، وفرَق بعضُهم بَيْنَ الهَيِّن والهَيْن فَقَالَ: الهَيِّن مِنَ الهَوان، والهَيْنُ مِنَ اللِّين. وامرأَة هَوْنة وهُونة؛ الأَخيرة عَنْ أَبي عُبَيْدَةَ: مُتَّئِدَة؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:
تَنُوءُ بمَتْنَيها الرَّوابي وهَوْنَةٌ، ... عَلَى الأَرضِ، جَمَّاءُ العظامِ لَعُوبُ
وتَكَلَّم عَلَى هِينَتِه أَي رِسْله. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه سَارَ على هِينَتِه
أَي على عَادَتِهِ فِي السُّكون والرِّفق. يُقَالُ: امْشِ عَلَى هَيْنَتِكَ أَي عَلَى رِسْلك. وَجَاءَ
عَنْ عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَحْبِبْ حَبيبك هَوْناً مَا
أَي حُبًّا مُقْتَصِداً لَا إِفْرَاطَ فِيهِ، وَإِضَافَةُ مَا إِلَيْهِ تُفيدُ التَّقْلِيلَ، يَعْنِي لَا تُسْرِف فِي الحُبّ والبُغْض، فَعَسَى أَن يصيرَ الْحَبِيبُ بَغيضاً والبَغِيض حَبِيبًا، فَلَا تَكُونُ قَدْ أَسرفت فِي الحُب فتندمَ، وَلَا فِي البُغْض فتستَحْيي. وَتَقُولُ: تكَلَّمْ عَلَى هِينَتك. وَرَجُلٌ هَيِّن لَيِّن وهَيْن لَيْن. شَمِرٌ: الهَوْن الرِّفْق والدَّعَة. وَقَالَ فِي تَفْسِيرِ حَدِيثِ عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَقُولُ لَا تُفْرِطْ فِي حُبّه وَلَا فِي بُغْضِهِ. وَيُقَالُ: أَخذ أَمرَه بالهُونى، تَأْنِيثُ الأَهْون، وأَخذ فِيهِ بالهُوَيْنا، وَإِنَّكَ لَتَعْمِد للهُوَيْنا مِنْ أَمرك لأَهْونه، وَإِنَّهُ ليَأْخذ فِي أَمره بالهَوْن أَي بالأَهْوَن. ابْنُ الأَعرابي: الْعَرَبُ تَمْدَحُ بالهَيْن اللَّيْن، مُخَفَّفٌ، وَتَذُمُّ بالهَيّن اللَّيّن، مُثَقَّلٌ. وَقَالَ
النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: المُسلِمُون هَيْنُونَ لَيْنُونَ
، جَعَلَهُ مَدْحًا لَهُمْ. وَقَالَ غَيْرُ ابْنِ الأَعرابي: هَيِّن وهَيْن ولَيِّن ولَيْن بِمَعْنًى وَاحِدٍ، والأَصل هَيِّن، فَخُفِّفَ فَقِيلَ هَيْن، وهَيّن، فَيْعِل مِنَ الهَوْن، وَهُوَ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ وَالسُّهُولَةُ، وَعَيْنُهُ وَاوٌ. وشيءٌ هَيِّن وهَيْن أَي سَهُلَ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ الله عنه: النِّسَاءُ ثَلَاثٌ فهَيْنة لَيْنة عفِيفة.
وَفِي النَّوَادِرِ: هُنْ عِنْدِي اليومَ، واخْفِض عِنْدِي اليومَ، وأَرِحْ عِنْدِي، وارْفَهْ عِنْدِي، واستَرْفِهْ عِنْدِي، ورَفِّهْ عِنْدِي، وأَنْفِهْ عِنْدِي، واسْتَنفِهْ عِنْدِي؛ وَتَفْسِيرُهُ أَقم عِنْدِي وَاسْتَرِحْ واسْتَجِمَّ؛ هُنْ مِنَ الهَوْن وَهُوَ الرِّفْقُ والدَّعة وَالسُّكُونُ. وأَهْوَنُ: اسمُ يومِ الِاثْنَيْنِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ؛ قَالَ بَعْضُ شُعَرَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ:
أُؤَمِّلُ أَن أَعِيشَ، وأَنَّ يَوْمِي ... بأَوَّلَ أَو بأَهْونَ أَو جُبارِ
أَو التَّالِي دُبارٍ أَم فيوْمي ... بمُؤنِسٍ أَو عَروُبة أَو شِيارِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُقَالُ لِيَوْمِ الِاثْنَيْنِ أَيضاً أَوْهَدُ مِنَ الوَهْدة، وَهِيَ الِانْحِطَاطُ لِانْخِفَاضِ الْعَدَدِ مِنَ الأَول إِلَى الثَّانِي. والأَهْوَنُ: اسْمُ رَجُلٍ. وَمَا أَدري أَيُّ الهُون هُوَ أَي أَيُّ الْخَلْقِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَالزَّايُ أَعْلَى. والهُونُ: أَبو قَبِيلَةَ، وَهُوَ الهُونُ بْنُ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكة بْنِ إلْياس بْنِ مُضَرَ أَخو الْقَارَةِ. وَقَالَ أَبو طَالِبٍ: الهَوْنُ والهُونُ جَمِيعًا ابْنُ خُزيمة بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ ذَاتِ الْقَارَةِ أَتْيَغَ بنِ الهُون بْنِ خُزَيْمَةَ «3» . سُمُّوا قارَة لأَن هَرير بن الحرث قَالَ لغوثِ بْنِ كَعْبٍ حِينَ أَراد أَن يُفَرِّقَ بَيْنَ أَتْيغ: دَعْنا قَارَةً وَاحِدَةً، فَمِنْ يَوْمَئِذٍ سُمُّوا قَارَةً؛ ابْنُ الْكَلْبِيِّ: أَراد يَعْمَرُ الشَّدَّاخُ أَن يُفَرِّقَ بُطونَ الهُون فِي بُطون كِنَانَةَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الهُون:
__________
(3) . قوله [مُدْرِكَةَ بْنِ ذَاتِ الْقَارَةِ أتيغ بن الهون إلخ] هكذا في الأصل(13/440)
دَعُونا قَارَةً لَا تُنْفِرُونا ... فنَجْفُلَ، مثلَما جفَلَ الظَّليمُ «1»
المُفَضَّلُ الضَّبِّيُّ: الْقَارَةُ بَنُو الهُون. والهاوَن «2» . والهاوُنُ والهاوُون، فَارِسِيٌّ مُعْرَّبٌ: هَذَا الَّذِي يُدَقُّ فِيهِ؛ قِيلَ: كَانَ أَصله هاوُون لأَن جَمْعَهُ هَوَاوينُ مِثْلُ قَانُونٍ وقَوَانين، فَحَذَفُوا مِنْهُ الْوَاوَ الثَّانِيَةَ اسْتِثْقَالًا وَفَتَحُوا الأُولى، لأَنه لَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ فاعُلٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ. والمُهْوَئِنُّ: الوَطِيءُ مِنَ الأَرض نَحْوُ الهَجْلِ وَالْغَائِطِ وَالْوَادِي، وَجَمْعُهُ مُهْوَئِنَّاتٌ.
هين: هانَ يَهِينُ: مِثْلُ لانَ يَلِين. وَفِي الْمَثَلِ: إِذَا عَزَّ أَخوك فهِنْ. وَمَا هَيَانُ هَذَا الأَمرِ أَي شأنُه. وهَيّانُ بْنُ بَيّانَ: لَا يُعْرَفُ وَلَا يُعْرَف أَبوه، وَقَدْ ذُكِرَ أَن نُونَهُ زَائِدَةٌ، وَاللَّهُ أَعلم.
هيزمن: الهِنْزَمْرُ والهِنْزَمْنُ والهِيْزَمْنُ، كُلُّهَا: عِيدٌ مِنْ أَعياد النَّصَارَى أَو سَائِرِ الْعَجَمِ، وَهِيَ أَعجمية، وَاللَّهُ أَعلم.
فصل الواو
وَأَنَ: رَجُلٌ وَأْنٌ: أَحمق كَثِيرُ اللَّحْمِ ثَقِيلٌ. وامرأَة وَأْنَةٌ: غَلِيظَةٌ. والوَأْنَة: الحَمْقاء وامرأَةٌ وَأْنَة إِذَا كَانَتْ مُقاربة الخَلْق. وَقَالَ أَبو مَنْصُورٍ: هِيَ وَأْبة، بِالْبَاءِ. وَقَالَ اللَّيْثُ: الوَأْنة سواءٌ فِيهِ الرجلُ والمرأَة، يَعْنِي المُقْتَدِرَ الخَلْق. ابْنُ الأَعرابي: التَّوْأَنُ ضَعْف البَدَنِ والرَّأْيِ، أَيّ ذَلِكَ كَانَ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: التَّوْأَن مأْخوذ مِنْ قَوْلِهِمْ رَجُلٌ وَأْنٌ، وَهُوَ الأَحمق. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ الأَحمق: وأْنٌ مِلْدَمٌ خُجَأَةٌ ضَوْكَعَةٌ.
وبن: اللِّحْيَانِيُّ: يُقَالُ مَا فِي الدَّارِ وابِرٌ وَلَا وابِنٌ أَي مَا فِيهَا أَحدٌ. ابْنُ الأَعرابي: الوَبْنَةُ الأَذى، والوَبْنة الجَوْعَةُ.
وتن: الوَتِينُ عِرْقٌ فِي الْقَلْبِ إِذَا انْقَطَعَ مَاتَ صَاحِبُهُ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
غُسْلِ النبي، صلى الله عليه وَسَلَّمَ: والفَضْل يَقُولُ أَرِحْني أَرِحْني قَطَعْتَ وَتِيني أَرى شَيْئًا يَنْزِلُ عليَ
؛ ابْنُ سِيدَهْ: الوَتِينُ عِرقٌ لاصِقٌ بالصُّلب مِنْ بَاطِنِهِ أَجمع، يَسْقي العُروقَ كلَّها الدمَ ويَسْقي اللَّحْمَ وَهُوَ نَهْرُ الجَسد، وَقِيلَ: هُوَ عِرْقٌ أَبيضُ مُسْتَبْطِنُ الفَقار، وَقِيلَ: الْوَتِينُ يَستَقي مِنَ الفُؤاد، وَفِيهِ الدَّمُ. والوَتينُ: الخِلْبُ، وَقِيلَ: هُوَ نياطُ الْقَلْبِ، وَقِيلَ: هُوَ عِرْقٌ أَبيض غَلِيظٌ كأَنه قَصَبَةٌ، وَالْجَمْعُ أوْتِنَةٌ ووُتْنٌ. ووَتَنَه وتْناً: أَصاب وَتِينَه؛ قَالَ حُميدٌ الأَرْقطُ:
شِرْيانَةٌ تَمْنَعُ بعدَ اللِّينِ، ... وصِيغَةٌ ضُرِّجْنَ بالتَّسْنينِ،
مِنْ عَلَقِ المَكْليِّ والمَوْتونِ
ووُتِنَ: شَكَا وَتِينَه. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ
؛ قَالَ أَبو إِسْحَاقَ: عرْق يَسْتَبْطِنُ الصُّلبَ يَجْتَمِعُ إِلَيْهِ البَطْنُ، وَإِلَيْهِ تُضَمُّ الْعُرُوقُ «3» . ووَتَنَ بالمكانِ وتْناً ووُتُوناً: ثَبَتَ وأَقام بِهِ. والواتِنُ: الماءُ المَعينُ الدَّائِمُ الَّذِي لَا يَذْهَبُ؛ عن أَبي زيد.
__________
(1) . قوله [فنجفل مثل ما جفل الظليم] هكذا في الأَصل، والذي أورده المصنف وصاحب الصحاح في مادة قول وكذا الميداني في مجمع الأَمثال:
فَنُجْفِلَ مِثْلَ إِجْفَالِ الظَّلِيمِ
(2) . قوله [والهاون إلخ] عبارة التكملة ابن دريد: الهاوون أي بواوين الأَولى مضمومة الذي يدق به عربي صحيح. ولا يقال هاون أي بفتح الْوَاوَ لأَنه لَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ إسم على فاعل بعد الأَلف واو. قَالَ أَبُو زَيْدٍ فِي الهاوون إنه سمعه من أناس وَلَمْ يَجِئْ بِهِ غَيْرُهُ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي كتابه البهي: وتقول لهذا الهاون الذي يدق به الهاوون بواوين
(3) . قوله [وإليه تضم العروق] الذي في التهذيب: وإليه تضرب العروق(13/441)
وَفِي الْحَدِيثِ:
أَمّا تَيْماءُ فعينٌ جاريةٌ، وأَما خَيْبر فماءٌ واتِنٌ
أَي دَائِمٌ. والواتِنُ: الثَّابِتُ. والماءُ الواتِن: الدَّائِمُ أَعني الَّذِي لَا يَجْرِي، وَقِيلَ: الَّذِي لَا يَنْقَطِعُ. أَبو زَيْدٍ: الواتِنُ مِنَ الْمِيَاهِ الدائمُ المَعينُ الَّذِي لَا يَذْهَبُ. اللَّيْثُ: الواتِنُ والواثِنُ لُغَتَانِ، وَهُوَ الشَّيْءُ الْمُقِيمُ الدَّائِمُ الرَّاكِدُ فِي مَكَانِهِ قَالَ رُؤْبَةُ:
أَمْطَرَ، فِي أَكْنافِ غَيْنٍ مُغْيِنِ، ... عَلَى أَخِلَّاءِ الصَّفاء الوُتَّنِ
قَالَ: يُرْوَى بِالثَّاءِ وَالتَّاءِ، وَمَعْنَاهُمَا الدَّوْمُ عَلَى العَهْد؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِكَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ:
وَهُوَ التَّرِيكَةُ بالمِكَرِّ وحارثٍ، ... فَقْعَ القَراقِر بالمكانِ الواتِنِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَالَ أَبو عَمْرٍو يُقَالُ وَتَنَ وأَتَنَ إِذَا ثَبَتَ فِي الْمَكَانِ؛ وأَنشد لأَبَّاق الدُّبَيْرِي:
أَتَنْتُ لَهَا، فَلَمْ أَزَلْ فِي خِبائِها ... مُقِيمًا إِلَى أَن أَنْجَزَتْ خِلَّتي وَعْدِي
وَقَدْ وَتَنَ ووَثَنَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: الْمَعْرُوفُ وَتَنَ يَتِنُ، بِالتَّاءِ، وُتُوناً، والوَتِينُ مِنْهُ مأْخوذ. والمُواتَنة: المُلازمة؛ وَفِي الصِّحَاحِ: المُلازَمة فِي قِلَّةِ التَّفَرُّقِ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَلَمْ أَسمع وَثَنَ، بِالثَّاءِ، بِهَذَا الْمَعْنَى لِغَيْرِ اللَّيْثِ، قَالَ: وَلَا أَدري أَحفِظَه عَنِ الْعَرَبِ أَم لَا. الْجَوْهَرِيُّ: وَتَنَ الماءُ وَغَيْرُهُ وُتُوناً وتِنَةً أَي دامَ وَلَمْ يَنْقَطِعْ. ووَاتَنَ القومُ دارَهم: أَطالوا الإِقامة فِيهَا. ووَاتَنَ الرجلَ مُوَاتَنَةً ووِتاناً: فعل مثل مَا يَفْعَلُ، وَهِيَ أَيضاً المُطاولة والمُماطلة. والوَتْنُ: أَن تَخْرُجَ رِجْلَا الْمَوْلُودِ قَبْل رأْسه، لُغَةٌ فِي اليَتْنِ، وَقِيلَ: الوَتْنُ الَّذِي وُلِدَ مَنْكُوسًا، فَهُوَ مَرَّةً اسْمٌ للوِلادِ، ومَرَّةً اسْمٌ لِلْوَلَدِ. وأَوْتَنَتِ المرأَةُ: وَلَدَتْ وَتْناً كأَيْتَنَتْ إِذَا وَلَدَتْ يَتْناً. ابْنُ الأَعرابي: امرأَة مَوْتُونة إِذَا كَانَتْ أَدِيبةً، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَسْناء. والوَتْنَةُ: مُلازمةُ الْغَرِيمِ. والوَتْنَة: الْمُخَالَفَةُ، هَاتَانِ بِالتَّاءِ. والوَثْنة، بِالثَّاءِ: الكَفْرَةُ.
وثن: الوَثْنُ والوَاثِنُ: الْمُقِيمُ الرَّاكِدُ الثَّابِتُ الدَّائِمُ، وَقَدْ وَثَنَ؛ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: وَلَيْسَ بثَبْتٍ؛ قَالَ: وَالَّذِي حَكَاهُ أَبو عُبَيْدٍ الْوَاتِنُ. وَقَدْ حَكَى ابْنُ الأَعرابي: وَثَنَ بِالْمَكَانِ، قَالَ: وَلَا أَدري مِنْ أَين أَنكره ابْنُ دُرَيْدٍ. اللَّيْثُ: الْوَاثِنُ وَالْوَاتِنُ لُغَتَانِ، وَهُوَ الشَّيْءُ الْمُقِيمُ الرَّاكِدُ فِي مَكَانِهِ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
عَلَى أَخِلَّاءِ الصَّفاء الوُثَّنِ
قَالَ اللَّيْثُ: يُرْوَى بِالثَّاءِ وَالتَّاءِ، وَمَعْنَاهُمَا الدّوْمُ عَلَى الْعَهْدِ، وَقَدْ وَتَنَ ووَثَنَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: الْمَعْرُوفُ وَتَنَ يَتِنُ، بِالتَّاءِ، وُتُوناً، وَلَمْ أَسمع وَثَنَ، بِالثَّاءِ، بِهَذَا الْمَعْنَى لِغَيْرِ اللَّيْثِ، قَالَ: وَلَا أَدري أَحفظه عَنِ الْعَرَبِ أَم لَا. والوَثْنة، بِالثَّاءِ: الكَفْرَةُ. والمَوْثُونة، بِالثَّاءِ: المرأَةُ الذَّلِيلَةُ. وامرأَة مَوْثُونَةٌ، بِالثَّاءِ، إِذَا كَانَتْ أَديبةً وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَسْناء. والوَثَنُ: الصَّنَمُ مَا كَانَ، وَقِيلَ: الصَّنَمُ الصَّغِيرُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
شاربُ الْخَمْرِ كعابدِ وَثَنٍ.
قَالَ ابْنُ الأَثير: الْفَرْقُ بَيْنَ الوَثَنِ والصَّنَم أَن الوَثَنَ كُلُّ مَا لَهُ جُثَّةٌ مَعْمُولَةٌ مِنْ جَوَاهِرِ الأَرض أَو مِنَ الْخَشَبِ وَالْحِجَارَةِ كَصُورَةِ الْآدَمِيِّ تُعمَلُ وتُنْصَبُ فتُعْبَدُ، والصَّنَمُ الصُّورَةُ بِلَا جُثَّةٍ؛ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا وأَطلقهما عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ. قَالَ: وَقَدْ يُطْلَقُ الوَثَنُ عَلَى غَيْرِ الصُّورَةِ، وَالْجَمْعُ أَوْثانٌ ووُثُنٌ ووُثْنٌ وأُثُنٌ، عَلَى إِبْدَالَ الْهَمْزَةِ مِنَ الْوَاوِ، وَقَدْ قُرِئَ:
إنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أُثُناً
؛ حَكَاهُ(13/442)
سِيبَوَيْهِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَهُوَ جَمْعُ الوَثَنِ، فَضَمَّ الْوَاوَ وَهَمَزَهَا، كَمَا قَالَ: وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ. الأَزهري: قَالَ شَمِرٌ فِيمَا قرأْت بِخَطِّهِ أَصل الأَوْثانِ عِنْدَ الْعَرَبِ كُلُّ تِمْثالٍ مِنْ خَشَبٍ أَو حِجَارَةٍ أَو ذَهَبٍ أَو فِضَّةٍ أَو نُحَاسٍ أَو نَحْوِهَا، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَنْصِبُهَا وَتَعْبُدُهَا وَكَانَتِ النَّصَارَى نَصَبَتِ الصَّليب وَهُوَ كالتِّمْثال تُعَظِّمُه وَتَعْبُدُهُ، وَلِذَلِكَ سَمَّاهُ الأَعشى وَثَناً؛ وَقَالَ:
تَطُوفُ العُفاةُ بأَبْوابِه، ... كطَوْفِ النَّصارى ببَيْتِ الوَثَنْ
أَراد بالوَثَنِ الصَّلِيبَ. قَالَ:
وَقَالَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، وَفِي عُنُقِي صَليب مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لِي: أَلْقِ هَذَا الوَثَنَ عَنْكَ
؛ أَراد بِهِ الصَّلِيبَ، كَمَا سَمَّاهُ الأَعشى وَثَناً. ووُثِنَتِ الأَرض: مُطِرَتْ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. وأَرض مَضْبوطةٌ مَمْطُورَةٌ وَقَدْ ضُبِطَتْ ووُثِنَتْ بِالْمَاءِ ونُصِرَتْ أَي مُطِرَتْ. واسْتَوْثَنَت الإِبلُ: نشأَت أَولادُها مَعَهَا. واسْتَوْثَنَ النَّحْلُ: صَارَ فِرْقَتَيْنِ كِبَارًا وَصِغَارًا. واسْتَوْثَنَ المالُ: كَثُرَ. واسْتَوثَنَ مِنَ الْمَالِ: اسْتَكْثَرَ مِنْهُ مِثْلَ اسْتَوثَجَ واسْتَوثَرَ، والله أَعلم.
وجن: الوَجْنَةُ: مَا ارْتَفَعَ مِنَ الخَدَّيْنِ للشِّدْق والمَحْجِرِ. ابْنُ سِيدَهْ: الوَجْنةُ والوِجْنَةُ والوُجْنةُ والوَجَنةُ والأُجْنة والإجْنةُ والأَجْنةُ؛ الأَخيرة عَنْ يَعْقُوبَ حَكَاهُ فِي الْمُبْدَلِ: مَا انْحَدَرَ مِنَ المَحْجِرِ ونتأَ مِنَ الْوَجْهِ، وَقِيلَ: مَا نتأَ مِنْ لَحْمِ الْخَدَّيْنِ بَيْنَ الصُّدْغين وكَنَفَي الأَنف، وَقِيلَ: هُوَ فَرَقُ مَا بَيْنَ الخَدَّيْنِ والمَدْمَعِ مِنَ الْعَظْمِ الشَّاخِصِ فِي الْوَجْهِ، إِذا وَضَعْتَ عَلَيْهِ يَدَك وَجَدْتَ حَجْمَه. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: إِنه لَحَسَن الوَجَناتِ كأَنه جَعَلَ كُلَّ جُزْءٍ مِنْهَا وَجْنةً، ثُمَّ جَمَعَ عَلَى هَذَا. وَرَجُلٌ أَوْجَنُ ومُوَجَّنٌ: عَظِيمُ الوَجَنات. والمُوَجَّنُ: الْكَثِيرُ اللَّحْمِ. ابْنُ الأَعرابي: إِنما سُمِّيَتِ الوَجْنَةُ وَجْنَةً لنُتُوئها وَغِلَظِهَا. وَفِي حَدِيثِ
الأَحْنَفِ: كَانَ ناتئَ الوَجْنةِ
؛ هِيَ أَعلى الْخَدِّ. والوَجْنُ والوَجَنُ والوَجين والوَاجِنُ؛ الأَخير كالكاهِل والغارِبِ: أَرض صُلْبةٌ ذَاتُ حِجَارَةٍ، وَقِيلَ: هُوَ الْعَارِضُ مِنَ الأَرض يَنْقَادُ وَيَرْتَفِعُ قَلِيلًا، وَهُوَ غَلِيظٌ، وَقِيلَ: الوَجِين الْحِجَارَةُ؛ وَفِي حَدِيثِ
سَطِيحٍ:
تَرْفَعُني وَجْناً وتَهْوِي بِي وَجَنْ
هِيَ الأَرض الْغَلِيظَةُ الصُّلْبة، وَيُرْوَى: وُجْناً، بِالضَّمِّ، جَمْعُ وَجِينٍ. وَنَاقَةٌ وَجْناءُ: تَامَّةُ الخَلْق غَلِيظَةُ لَحْمِ الوَجْنةِ صُلْبة شَدِيدَةٌ، مُشْتَقَّةٌ مِنَ الوَجِين الَّتِي هِيَ الأَرض الصُّلْبَةُ أَو الْحِجَارَةُ، وَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ الْعَظِيمَةُ الوَجْنَتَين. والأَوْجَنُ مِنَ الْجِمَالِ والوَجْناء مِنَ النُّوق: ذَاتُ الوَجْنةِ الضَّخْمَةِ، وَقَلَّمَا يُقَالُ جَمَلٌ أَوْجَنُ. وَيُقَالُ: الوَجْناء الضَّخْمَةُ، شُبِّهَتْ بالوَجِين الْعَارِضِ مِنَ الأَرض وَهُوَ مَتْنٌ ذُو حِجَارَةٍ صَغِيرَةٍ. وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: الوَجْناءُ تُشَبَّهُ بِالْوَجِينِ وَهِيَ العظيمةُ؛ وَفِي قَصِيدِ كَعْب بْنِ زُهَيْر:
وَجْناء فِي حُرَّتَيْها للبَصِير بِهَا
وَفِيهَا أَيضاً:
غَلْباء وَجْناء عُلكوم مُذَكَّرَة
الوَجْناءُ: الْغَلِيظَةُ الصُّلْبة. وَفِي حَدِيثِ
سَواد بْنِ مُطَرِّف: وَأْدَ الذِّعْلِب الوَجْناءِ
أَي صوت وطئها عَلَى الأَرض؛ ابْنُ الأَعرابي: الأَوْجَنُ الأَفْعَلُ مِنَ الوَجِين فِي قَوْلِ رُؤْبَةَ:(13/443)
أَعْيَسَ نَهَّاضٍ كحَيْدِ الأَوْجَنِ «1»
. قَالَ: والأَوْجَنُ الجبَلُ الْغَلِيظُ. ابْنُ شُمَيْلٍ: الوَجِينُ قُبُل الْجَبَلِ وسَنَده، وَلَا يَكُونُ الوَجينُ إِلا لِوَادٍ وَطِيءٍ تَعَارَضَ فِيهِ الْوَادِي الدَّاخِلُ فِي الأَرض الَّذِي لَهُ أَجْرافٌ كأَنها جُدُرٌ، فَتِلْكَ الوُجُنُ والأَسْنادُ. والوَجينُ: شَطُّ الْوَادِي. ووَجَنَ بِهِ الأَرضَ: ضَرَبَهَا بِهِ. وَمَا أَدري أَي مِنْ وَجَّنَ الجلدَ هُوَ؛ حَكَاهُ يَعْقُوبُ وَلَمْ يُفَسِّرْهُ؛ وَقَالَ فِي التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ: أَي أَيُّ النَّاسِ هُوَ. والوَجْنُ: الدَّقُّ. والمِيجَنةُ: مِدَقَّةُ القَصّارِ، وَالْجَمْعُ مَواجِنُ ومَياجِنُ عَلَى الْمُعَاقَبَةِ؛ قَالَ عَامِرُ بْنُ عُقَيْلٍ السَّعديّ:
رِقابٌ كالمَوَاجِن خاظِياتٌ، ... وأَسْتاهٌ عَلَى الأَكْوار كُومُ
قَوْلُهُ خَاظِيَاتٌ، بِالظَّاءِ، مِنْ قَوْلِهِمْ خَظاً بَظاً؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: اسْمُ هَذَا الشَّاعِرِ فِي نَوَادِرِ أَبي زَيْدٍ عليُّ بْنُ طُفيل السَّعْدِيُّ؛ وقبل الْبَيْتُ:
وأَهْلَكَني، لكُمْ فِي كُلِّ يومٍ، ... تَعَوُّجُكُمْ عَلَيَّ، وأَسْتَقِيمُ
وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: مَا شَبَّهْتُ وَقْعَ السُّيُوفِ عَلَى الهامِ إِلا بوَقْعِ البَيازِرِ عَلَى المَوَاجِنِ
؛ جَمْعُ مِيجَنةٍ وَهِيَ المِدَقَّةُ. يُقَالُ: وَجَنَ القصّارُ الثَّوْبَ يَجِنُه وَجْناً دَقَّه، وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ، وَهِيَ مِفْعَلةٌ، بِالْكَسْرِ. وَقَالَ أَبو الْقَاسِمِ الزَّجَّاجِيُّ: جَمْعُ مِيجَنةٍ عَلَى لَفْظِهَا مَياجن وَعَلَى أَصلها مَوَاجن. اللِّحْيَانِيُّ: المِيجَنةُ الَّتِي يُوجَّنُ بِهَا الأَديمُ أَي يُدَقُّ لِيَلِينَ عِنْدَ دِبَاغِهِ؛ وَقَالَ النَّابِغَةُ الْجَعْدِيُّ:
وَلَمْ أَرَ فيمَنْ وَجَّنَ الجِلدَ نِسْوةً ... أَسَبَّ لأَضْيافٍ، وأَقْبَحَ مَحْجِرا
ابْنُ الأَعرابي: والتَّوَجُّنُ الذُّلُّ وَالْخُضُوعُ. وامرأَة مَوْجُونةٌ: وَهِيَ الخَجِلَةُ مِنْ كثرة الذنوب.
وحن: الحِنَةُ: الحِقْدُ. وَحَنَ عَلَيْهِ حِنَةً: مِثْلُ وَعَدَ عِدَةً، وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَحِنَ عَلَيْهِمْ، بِالْكَسْرِ، حِنةً كَذَلِكَ. التَّهْذِيبُ: ابْنُ الأَعرابي التَّوَحُّنُ عِظَم الْبَطْنِ، والتَّحَوُّنُ الذُّل وَالْهَلَاكُ، والوَحْنةُ الطِّينُ المُزْلقُ.
وخن: ابْنُ الأَعرابي: التَّوَخُّنُ الْقَصْدُ إِلى خَيْرٍ أَو شَرٍّ، قَالَ: والوَخْنةُ الْفَسَادُ والنَّوْخَةُ الإِقامة.
ودن: ودَنَ الشيءَ يَدِنُه وَدْناً ووِداناً، فَهُوَ مَوْدون ووَدِينٌ أَي مَنْقُوعٌ، فاتَّدَنَ: بَلَّهُ فابْتَلَّ؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:
وراجٍ لِينَ تَغْلِبَ عَنْ شِظَافٍ، ... كمُتَّدِنِ الصَّفا حَتَّى يَلِينا «2»
. أَي يَبُلُّ الصَّفا لِكَيْ يَلِينَ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَذَا قَوْلِ أَبي عُبَيْدٍ، قَالَ: وَعِنْدِي أَنه إِنما فَسَّرَ عَلَى الْمَعْنَى، وَحَقِيقَتُهُ أَن الْمَعْنَى كَمِثْلِ الصَّفا، كأَن الصَّفَا جُعلَتْ فِيهِ إِرادةٌ لِذَلِكَ؛ وَقَوْلُ الطِّرمّاح:
عَقائل رَمْلَةٍ نازَعْنَ مِنْهَا ... دُفُوفَ أَقاحِ مَعْهودٍ وَدينِ
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: أَراد دُفوفَ رَمْلٍ أَو كَثيب أَقاح مَعْهودٍ أَي مَمْطُورٍ أَصابه عَهْدٌ مِنَ الْمَطَرِ بَعْدَ مَطَرٍ، وَقَوْلُهُ: وَدِين أَي مَوْدُونٍ مَبْلُولٍ مِنْ وَدَنْتُه أَدِنُه وَدْناً إِذا بَلَلْتَهُ. وَحَكَى الأَزهري فِي تَرْجَمَةِ دَيَنَ قَالَ: قَالَ اللَّيْثُ الدِّينُ مِنَ الأَمطار مَا تَعَاهَدَ مَوْضِعًا لَا يَزَالُ يَرُبُّ بِهِ وَيُصِيبُهُ؛ وأَنشد:
__________
(1) . قوله [أعيس نهاض إلخ] صدره:
فِي خِدْرِ مَيَّاسِ الدُّمَى معرجن
والمعرجن: المصفر، أي في خدر معرجن أي مصفر بالعهون
(2) . قوله [حتى يلينا] الذي في التهذيب والصحاح؛ كيما يلينا(13/444)
دُفُوف أَقاحِ مَعْهُودٍ ودِينِ
وَقَالَ: هَذَا خطأٌ، وَالْوَاوُ فِي وَدِين فَاءُ الْفِعْلِ، وَهِيَ أَصلية وَلَيْسَتْ بِوَاوِ الْعَطْفِ، قَالَ: وَلَا يُعْرَفُ الدِّينُ فِي بَابِ الأَمطار، قَالَ: وَهَذَا تَصْحِيفٌ مِنَ اللَّيْثِ أَو مِمَّنْ زَادَ فِي كِتَابِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ. الأَزهري: سَمِعْتُ الْعَرَبَ تَقُولُ وَدَنْتُ الْجِلْدَ إِذا دَفَنْتَهُ تَحْتَ الثَّرَى لِيَلِينَ، فَهُوَ مَوْدون. وَكُلُّ شَيْءٍ بَلَلْتَهُ فَقَدَ ودَنْتَه. ووَدنتُ الثَّوْبَ أَدِنُه وَدْناً إِذا بَلَلْتَهُ. وَجَاءَ قَوْمٌ إِلى بِنْتِ الخُسِّ بِحَجَرٍ وَقَالُوا: أَحْذي لَنَا مِنْ هَذَا نَعْلًا، فَقَالَتْ: دِنُوهُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ أَي رَطِّبُوه. يُقَالُ: جَاءَ مَطَرٌ ودَنَ الصخرَ. واتَّدَنَ الشيءُ أَي ابْتَلَّ، واتَّدَنه أَيضاً: بِمَعْنَى بلَّهُ. وَفِي حَدِيثِ
مُصْعَبِ بْنِ عُمير: وَعَلَيْهِ قِطْعَةُ نَمِرَةٍ قَدْ وَصَلَهَا بإِهاب قَدْ وَدَنه
أَي بَلَّهُ بِمَاءٍ لِيَخْضَعَ وَيَلِينَ. يُقَالُ: وَدَنْتُ القِدَّ وَالْجِلْدَ أَدِنُه إِذا بَلَلْتَهُ وَدْناً ووِداناً، فَهُوَ مَوْدون. وَفِي حَدِيثِ
ظَبْيانَ: أَن وَجّاً كَانَ لِبَنِي إِسرائيل غَرَسُوا وِدانه
؛ أَراد بالوِدانِ مَوَاضِعَ النَّدَى وَالْمَاءَ الَّتِي تَصْلُحُ للغِراس. ووَدَنُوه بِالْعَصَا: لَيَّنُوهُ كَمَا يُودَنُ الأَديمُ. قَالَ: وحدَّث رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَقِيلٍ ابْنَهُ فنَذِر بِهِ إِخوته فأَخذوه فوَدَنُوه بِالْعَصَا حَتَّى مَا يَشْتَكِي أَي حَتَّى مَا يَشْكُو مِنَ الضَّعْفِ لأَنه لَا كَلَامَ. وَرَوَى ابْنُ الأَعرابي: أَن رَجُلًا مِنَ الأَعراب دَخَلَ أَبيات قَوْمٍ فوَدَنُوه بِالْعَصَا؛ كأَنَّ مَعْنَاهُ دَقُّوه بِالْعَصَا. ابْنُ الأَعرابي: التَّوَدُّنُ لينُ الْجِلْدِ إِذا دُبِغَ؛ وَقَوْلُهُ:
وَلَقَدْ عَجِبتُ لكاعِبٍ مَوْدُونةٍ ... أَطْرافُها بالحَلْيِ والحِنَّاءِ
مَوْدُونةٍ: مُرَطَّبةٍ. ودنُوه: رَطَّبوه. والوَدْنَةُ: العَرْكَةُ بِكَلَامٍ أَو ضَرْبٍ. والوَدْنُ والوِدانُ: حُسْن الْقِيَامِ عَلَى العَرُوس، وَقَدْ ودَنوها. ابْنُ الأَعرابي: أَخذوا فِي وِدَانِ الْعَرُوسِ إِذا عَلَّلُوها بالسَّوِيق والتَّرَفُّه للسِّمَنِ. يُقَالُ: وَدنوه وأَخذوا فِي وِدَانهِ؛ وأَنشد:
بِئْسَ الوِدانُ للفَتى العَرُوسِ، ... ضَرْبُكَ بالمِنْقار والفُؤُوسِ
ووَدَنْتُ العَرُوس والفرسَ وِداناً أَي أَحسنت الْقِيَامَ عَلَيْهِمَا. التَّهْذِيبُ فِي تَرْجَمَةِ وَرَنَ: ابْنُ الأَعرابي: التَّوَرُّنُ كَثْرَةُ التَّدَهُّن وَالنَّعِيمِ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: التَّوَدُّنُ، بِالدَّالِ، أَشبه بِهَذَا الْمَعْنَى. ووَدَنَ الشيءَ وَدْناً وأَوْدَنَه ووَدَّنَه: قَصَّرَهُ. وودَنْتُه وأَودَنْتُه: نَقَّصته وصَغَّرته؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:
مَعي صاحبٌ غيرُ هِلواعَةٍ، ... وَلَا إِمَّعِيّ الهَوَى مُودَن
وَقَالَ آخَرُ:
لَمَّا رأَته مُودَناً عِظْيَرَّا، ... قَالَتْ: أُرِيدُ العُتْعُتَ الذِّفَرَّا
العُتْعُت: الرَّجُلُ الطَّوِيلُ. والمُودَنُ والمَوْدُون: الْقَصِيرُ العُنُقِ الضَّيِّقُ المَنْكِبين النَّاقِصُ الْخَلْقِ؛ قَالَ بَعْضُهُمْ: مَعَ قِصَرِ أَلواح الْيَدَيْنِ؛ وَفِي التَّهْذِيبِ: مَعَ قِصَرِ الأَلواح وَالْيَدَيْنِ. وامرأَةٌ مَوْدُونة: قَصِيرَةٌ صَغِيرَةٌ. وَفِي حَدِيثِ
ذِي الثُّدَيَّةِ: أَنه كَانَ مَوْدُونَ الْيَدِ
، وَفِي رِوَايَةٍ:
مُودَنَ الْيَدِ
، وَفِي أُخرى:
إِنه لَمُودَنُ الْيَدِ
أَي نَاقِصُ الْيَدِ صَغِيرُهَا. قَالَ الْكِسَائِيُّ وَغَيْرُهُ: المُودَنُ الْيَدِ الْقَصِيرُ الْيَدِ. يُقَالُ: أَوْدَنْتُ الشَّيْءَ قَصَّرْتُهُ. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَفِيهِ لُغَةٌ أُخرى وَدَنْتُه فَهُوَ مَوْدونٌ؛ قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَذُمُّ رَجُلًا:
وأُمُّكَ سَوْداءُ مَوْدُونَةٌ، ... كأَنَّ أَنامِلَها الحُنْظُبُ(13/445)
وأَورد الْجَوْهَرِيُّ هَذَا الْبَيْتَ شَاهِدًا عَلَى قَوْلِهِ: وَدَنَتِ المرأَةُ وأَوْدَنَتْ إِذا وَلَدَتْ وَلَدًا ضاوِيّاً، وَالْوَلَدُ مَوْدونٌ ومُودَنٌ، وأَنشد الْبَيْتَ؛ وَقَالَ آخَرُ:
وَقَدْ طُلِقَتْ لَيْلَةً كُلَّها، ... فَجَاءَتْ بِهِ مُودَناً خَنْفَقِيقا
أَي لَئِيمًا. وَيُقَالُ: وَدَنَتِ المرأَة وأَوْدَنَتْ وَلَدَتْ وَلَدًا قَصِيرَ الْعُنُقِ وَالْيَدَيْنِ ضَيِّقَ الْمَنْكِبَيْنِ، وَرُبَّمَا كَانَ مَعَ ذَلِكَ ضاوِيّاً، وَقِيلَ: المُودَنُ الْقَصِيرُ. وَيُقَالُ: وَدَنْت الشيءَ أَي دَقَقْتُهُ فَهُوَ مَوْدونٌ أَي مَدْقوق. والمَوْدُونَةُ: دُخَّلَةٌ مِنَ الدَّخاخيل قَصِيرَةُ الْعُنُقِ دَقِيقَةُ الجُثَّة. ومَوْدُون: اسْمُ فرسِ مِسْمَع بْنِ شِهَابٍ، وَقِيلَ: فَرَسُ شَيْبان بْنِ شِهاب؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
ونَحْنُ، غَدَاةَ بَطْنِ الجِزْعِ، فِئْنَا ... بمَوْدُونٍ وفارِسِه جهارَا
وذن: التَّهْذِيبُ: ابْنُ الأَعرابي التَّذَوُّنُ النَّعْمةُ، والتَّوَذُّنُ الضَّرْبُ «1» . والتَّوَذُّنُ أَيضاً الإِعْجابُ، وَاللَّهُ أَعلم.
ورن: وَرْنَةُ: ذُو القَعْدةِ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أَرى ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَجَمْعُهَا وَرْناتٌ، وَقَالَ ثَعْلَبٌ: هُوَ جُمَادَى الْآخِرَةِ، وأَنشدوا:
فأَعْدَدْتُ مَصْقُولًا لأَيَّامِ وَرْنَةٍ، ... إِذا لَمْ يَكُنْ للرَّمْيِ والطَّعْنِ مَسْلَكُ
قَالَ ثَعْلَبٌ: وَيُقَالُ لَهُ أَيضاً رِنَةُ، غَيْرُ مَصْرُوفٍ. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: أَخبرني أَبي عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ قَالَ كَانَتِ الْعَرَبُ تُسَمِّي جُمَادَى الْآخِرَةَ رُنَّى، وَذَا القَعْدة وَرْنَةَ، وَذَا الحِجَّة بُرَكَ. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: التَّوَرُّنُ كَثْرَةُ التَّدَهُّنِ وَالنَّعِيمِ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: التَّوَدُّنُ، بِالدَّالِ، أَشبه بِهَذَا الْمَعْنَى، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي مَوْضِعِهِ.
وزن: الوَزْنُ: رَوْزُ الثِّقَلِ والخِفَّةِ. اللَّيْثُ: الوَزْنُ ثَقْلُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ مثلِه كأَوزان الدَّرَاهِمِ، وَمِثْلُهُ الرَّزْنُ، وَزَنَ الشيءَ وَزْناً وزِنَةً. قَالَ سِيبَوَيْهِ: اتَّزَنَ يَكُونُ عَلَى الِاتِّخَاذِ وَعَلَى المُطاوعة، وإِنه لحَسَنُ الوِزْنَةِ أَي الوَزْنِ، جاؤوا بِهِ عَلَى الأَصل وَلَمْ يُعِلُّوه لأَنه لَيْسَ بِمَصْدَرٍ إِنما هُوَ هَيْئَةُ الْحَالِ، وَقَالُوا: هَذَا دِرْهَمٌ وَزْناً ووَزْنٌ، النَّصْبُ عَلَى الْمَصْدَرِ الْمَوْضُوعِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَالرَّفْعُ عَلَى الصِّفَةِ كأَنك قُلْتَ مَوْزُونٌ أَو وازِنٌ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: ورأَيت الْعَرَبَ يُسَمُّونَ الأَوْزانَ الَّتِي يُوزَنُ بِهَا التَّمْرُ وَغَيْرُهُ المُسَوَّاةَ مِنَ الْحِجَارَةِ وَالْحَدِيدِ المَوَازِينَ، وَاحِدُهَا مِيزان، وَهِيَ المَثَاقِيلُ وَاحِدُهَا مِثْقال، وَيُقَالُ لِلْآلَةِ الَّتِي يُوزَنُ بِهَا الأَشياء مِيزانٌ أَيضاً؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: أَصله مِوْزانٌ، انْقَلَبَتِ الْوَاوُ يَاءً لِكَسْرَةِ مَا قَبْلَهَا، وَجَمْعُهُ مَوَازين، وَجَائِزٌ أَن تَقُولَ للمِيزانِ الْوَاحِدِ بأَوْزانِه مَوازِينُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ
؛ يُرِيدُ نَضَعُ المِيزانَ القِسْطَ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ
وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ
؛ قَالَ ثَعْلَبٌ: إِنما أَرادَ مَنْ ثَقُلَ وَزْنُه أَو خَفّ وَزْنُه، فَوَضَعَ الِاسْمَ الَّذِي هُوَ الْمِيزَانُ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ. قَالَ الزُّجَاجُ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذِكْرِ الْمِيزَانِ فِي الْقِيَامَةِ، فَجَاءَ فِي التَّفْسِيرِ: أَنه مِيزانٌ لَهُ كِفَّتانِ، وأَن المِيزانَ أُنزل فِي الدُّنْيَا لِيَتَعَامَلَ النَّاسُ بالعَدْل وتُوزَنَ بِهِ الأَعمالُ، وَرَوَى جُوَيْبر عَنِ الضَّحَّاك: أَن الْمِيزَانَ العَدْلُ، قَالَ: وَذَهَبَ إِلى
__________
(1) . قوله [والتوذن الضرب] كذا بالأَصل، والذي في القاموس: الصرف بالصاد المهملة والفاء، قال شارحه وفي بعض النسخ: الضرب(13/446)