فَلَا تُوعِدَنِّي، إنَّني إنْ تُلاقِني ... مَعِي مَشْرَفِيٌّ فِي مَضارِبهِ قَضَمْ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَرَوَاهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ قَصَم، بِصَادٍّ غَيْرِ مُعْجَمَةٍ؛ وَيُرْوَى صَدْرُهُ:
مَتى تَلْقَني تَلْقَ امْرأً ذَا شَكِيمةٍ
والقَضِيم: الْجِلْدُ الأَبيض يُكْتَبُ فِيهِ، وَقِيلَ: هِيَ الصَّحِيفَةُ الْبَيْضَاءُ، وَقِيلَ: النِّطع، وَقِيلَ: هُوَ العَيبة، وَقِيلَ: هُوَ الأَديم مَا كَانَ، وَقِيلَ: هُوَ حَصِيرٌ مَنْسُوجٌ خُيُوطُهُ سيُور بِلُغَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
كأَنَّ مَجَرَّ الرَّامِساتِ ذُيولَها ... عَلَيْهِ قَضِيمٌ، نَمَّقَتْه الصَّوانِعُ
وَالْجَمْعُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ أَقضِمةٌ وقُضُم، فأَما القَضَمُ فَاسْمٌ لِلْجَمْعِ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ. وَفِي حَدِيثُ
الزُّهْرِيِّ: قُبض رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْقُرْآنُ فِي العُسُب والقُضُم
؛ هِيَ الْجُلُودُ الْبِيضُ، وَاحِدُهَا قَضِيم، وَيُجْمَعُ أَيضاً عَلَى قَضَم، بِفَتْحَتَيْنِ، كأَدَمٍ وأَدِيمٍ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثِ:
أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَهِيَ تَلْعَبُ بِبِنْتٍ مُقَضِّمة
؛ هِيَ لُعبة تُتَّخَذُ مِنْ جُلُودٍ بِيضٍ، وَيُقَالُ لَهَا بِنْتُ قُضَّامَة، بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيدِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَلِعْبَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ اسْمُهَا بِنْتُ قُضَّامَة، بِضَمِّ الْقَافِ غَيْرَ مَصْرُوفٍ، تُعْمَلُ مِنْ جُلُودٍ بِيضٍ. والقَضِيم: النَّطْعُ الأَبيض، وَقِيلَ: مِنْ صُحُفٍ بِيضٍ مِنَ القَضِيمَة وَهِيَ الصَّحِيفَةُ الْبَيْضَاءُ. ابْنُ سِيدَهْ: والقَضِيمة الصَّحِيفَةُ الْبَيْضَاءُ كالقَضِيم؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، قَالَ: وَجَمْعُهَا قُضُم كَصَحِيفَةٍ وَصُحُفٍ، وقَضَمٌ أَيضاً، قَالَ: وَعِنْدِي أَن قَضَماً اسْمٌ لِجَمْعِ قَضِيمة كَمَا كَانَ اسْمًا لِجَمْعِ قَضِيمٍ؛ وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ فِي القَضِيم بِمَعْنَى الْجِلْدِ الأَبيض:
كأَنَّ مَا أبْقَتِ الرَّوامِسُ مِنْهُ، ... والسِّنُونَ الذَّواهِبُ الأُوَلُ،
قَرْعُ قَضِيمٍ غَلا صَوانِعُه، ... فِي يَمَنِيِّ العَيَّاب، أَو كِلَلُ
غَلَا أَيْ تأَنَّق فِي صُنْعِهِ. اللَّيْثُ: والقَضِيم الْفِضَّةُ؛ وأَنشد:
وثُدِيٌّ ناهِداتٌ، ... وبَياضٌ كالقَضِيمِ
قَالَ الأَزهري: القَضِيم هَاهُنَا الرَّق الأَبيض الَّذِي يُكْتَبُ فِيهِ، قَالَ: وَلَا أَعرف الْقَضِيمَ بِمَعْنَى الْفِضَّةِ فَلَا أَدري مَا قَوْلُ اللَّيْثِ هَذَا. والقُضَامُ والقَضَاضِيمُ: النَّخْلُ الَّتِي تَطُولُ حَتَّى يَخِفّ ثَمَرُهَا، وَاحِدَتُهَا قُضَّامَة وقُضامةٌ. والقُضَّام: مِنْ نَجِيلِ السِّبَاخِ؛ قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: هُوَ مِنَ الْحَمْضِ، وَقَالَ مَرَّةً: هُوَ نَبْتٌ يُشْبِهُ الخِذْراف، فَإِذَا جَفَّ ابيضَّ، وَلَهُ وُرَيْقَةٌ صَغِيرَةٌ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ: كَانَتْ قُرَيْشٌ إِذَا رأَته قَالَتْ احْذَرُوا الحُطَمَ احْذَرُوا القُضَمَ
أَيِ الَّذِي يَقْضَمُ الناس فيُهْلِكُهم.
قضعم: القَضْعَم والقَعْضَم: هُوَ الشَّيْخُ الْمُسِنُّ الذَّاهِبُ الأَسنان. ابْنُ بَرِّيٍّ: القَضْعَم الأَدْرد؛ قَالَ خُلَيْدٌ الْيَشْكُرِيُّ:
دِرْحاية البطنِ يُناغي القَضْعَمَا
الأَزهري: يُقَالُ لِلنَّاقَةِ الْهَرِمَةِ قِضْعم وجِلْعِم.
قطم: القَطَمُ، بِالتَّحْرِيكِ: شَهْوَةُ اللَّحْمِ والضِّراب وَالنِّكَاحِ قَطِمَ يَقْطَم قَطَماً فَهُوَ قَطِمٌ بيِّن القَطَم أَيِ اهتاجَ وأَراد الضِّرَابَ وَهُوَ شِدَّةُ اغْتِلَامِهِ، وَرَجُلٌ قَطِم: شَهْوان لِلَّحْمِ. وقَطِمَ الصقْر إِلَى اللَّحْمِ: اشْتَهَاهُ، وَقِيلَ: كُلُّ مُشتهٍ شَيْئًا قَطِمٌ، وَالْجَمْعُ قُطُمٌ. والقَطِمُ: الْغَضْبَانُ. وَفَحْلٌ قَطِمٌ وقِطَمٌّ وقِطْيَمٌّ: ضَؤُولٌ؛ وأَنشد:
يَسوقُ قَرْماً قَطِماً قِطْيَمّا «2» .
__________
(2) . قوله [قرماً] كذا في النسخة المنقولة مما في وقف السلطان الأَشرف، والذي في التهذيب: قطماً(12/488)
والقُطامِيُّ: الصَّقْر، وَيُفْتَحُ. وصَقر قَطَام وقَطامِيٌّ وقُطامِيٌّ: لَحِمٌ، قَيْسٌ يَفْتَحُونَ وَسَائِرُ الْعَرَبِ يَضُمُّونَ وَقَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ اسْمًا، وَهُوَ مأْخوذ مِنَ القَطِم وَهُوَ الْمُشْتَهِي اللحْم وَغَيْرَهُ. اللَّيْثُ: الْقُطَامِيُّ مِنْ أَسماء الشَّاهِينَ؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ثَعْلَبٌ:
تأَمَّلُ مَا تقولُ، وكُنتَ قِدْماً ... قَطامِيّاً تَأَمُّلُه قَلِيلُ
فَسَّرَهُ فَقَالَ: مَعْنَاهُ كُنْتُ مَرَّةً «1» . تَرْكَبُ رأْسك فِي الأُمور فِي حَدَاثَتِكَ، فَالْيَوْمَ قَدْ كَبِرت وشِخت وَتَرَكْتَ ذَلِكَ؛ وَقَوْلُ أُم خَالِدٍ الْخَثْعَمِيَّةِ فِي جَحْوش العُقَيلي:
فَلَيْتَ سِماكِيّاً يَحارُ رَبابُه، ... يُقادُ إِلَى أَهلِ الغَضى بزِمامِ
لِيَشْرَبَ مِنْهُ جَحْوشٌ، ويَشيمُه ... بِعَيْنَيْ قَطامِيّ أَغَرَّ شآمِي
إِنَّمَا أَرادت بِعَيْنَيْ رَجُلٍ كأَنهما عَيْنَا قَطَامِيٍّ، وَإِنَّمَا وَجَّهْنَاهُ عَلَى هَذَا لأَن الرَّجُلَ نَوْعٌ والقطامي نَوْعٌ آخَرُ سِوَاهُ، فَمُحَالٌ أَنْ يَنْظُرَ نَوْعٌ بِعَيْنِ نَوْعٍ، أَلَا تَرَى أَن الرَّجُلَ لَا يَنْظُرُ بِعَيْنَيْ حِمَارٍ وَكَذَلِكَ الْحِمَارُ لَا ينظر بِعَيْنَيْ رَجُلٍ؟ هَذَا مُمْتَنِعٌ فِي الأَنواع، فَافْهَمْ. ومِقْطَمُ الْبَازِي: مِخْلبه. وقَطَم الشَّيْءَ يَقطِمُه قَطْماً: عَضَّه بأَطراف أَسنانه أَوْ ذَاقَهُ. الْفَرَّاءُ: قَطَمْتُ الشَّيْءَ بأَطراف أَسناني أَقْطِمُهُ إِذَا تَنَاوَلْتُهُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: قَطَمَ يَقْطِمُ إِذَا عضَّ بمقدَّم الأَسنان؛ قَالَ أَبو وجزة:
وخائفٍ لَحِمٍ شَاكًّا بَراثنُه، ... كأَنه قَاطِمٌ وَقْفَينِ مِن عاجِ
ابْنُ السِّكِّيتِ: القَطْم الْعَضُّ بأَطراف الأَسنان. يُقَالُ: اقْطِمْ هَذَا الْعُودَ فَانْظُرْ مَا طَعْمُهُ. وَالْخَمْرُ قُطاميّ، بِالضَّمِّ لَا غَيْرَ، أَيْ طَرِيٌّ «2» . وَقَطَمَ الشَّيْءَ يَقْطِمُهُ قَطْمًا: عَضَّهُ بِأَطْرَافِ أَسْنَانِهِ أَوْ ذَاقَهُ؛ قَالَ أَبو وَجْزَةَ:
وَإِذَا قَطَمْتَهمُ قَطَمْتَ عَلاقِماً ... وقَواضِيَ الذِّيفانِ فِيمَا تَقْطِمُ
والذِّيفان: السُّمُّ، بِكَسْرِ الذَّالِ: والقَطْمُ: تَنَاوُلُ الْحَشِيشِ بأَدنى الْفَمِ. والقُطَامَة: مَا قُطم بِالْفَمِ ثُمَّ أُلقي. وقَطَمَ الفَصِيلُ النبتَ: أَخَذَهُ بِمُقَدَّمِ فِيهِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَحْكِمَ أَكْلَهُ. وقَطَمَ الشيءَ قَطْمًا: قطَعَه. وقَطَّمَ الشاربُ: ذَاقَ الشَّرَابَ فكَرِهه وزَوَى وجهَه وقَطَّبَ. والقُطامي، بِالضَّمِّ: مِنْ شُعَرَائِهِمْ مِنْ تَغْلِب وَاسْمُهُ عُمير بْنُ شُيَيْم. وَقَطَامُ: مِنْ أَسْمَاءِ النِّسَاءِ. ابْنُ سِيدَهْ: وقَطَامِ وقَطَامُ اسْمُ امْرَأَةٍ، وأَهل الْحِجَازِ يَبْنُونَهُ عَلَى الْكَسْرِ فِي كُلِّ حَالٍ، وأَهل نَجْدٍ يُجرونه مُجرى مَا لَا يَنْصَرِفُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي رَقاشِ أَيضاً. وَابْنُ أُمّ قَطَامِ: مِنْ مُلُوكِ كِنْدَةَ. وقُطَامَةُ: اسْمٌ. والقُطَمِيّاتُ: مَوَاضِعُ؛ قَالَ عَبِيدٌ:
أَقْفَرَ مِنْ أَهْلِه مَلْحُوبُ، ... فالقُطَمِيَّاتُ فالذَّنُوبُ
وقُطْمان: اسْمُ جَبَلٍ؛ قَالَ الْمُخَبَّلُ السَّعْدِيُّ:
ولَما رأَتْ قُطْمَانَ منْ عَن شِمالِها، ... رأَت بَعْضَ مَا تَهْوَى وقَرَّتْ عُيونُها
والمُقَطَّم: جَبَلٌ بِمِصْرَ، صَانَهَا الله تعالى.
قعم: قُعِمَ الرَّجُلُ وأُقْعِمَ: أَصابه طَاعُونٌ أَو دَاءٌ فَمَاتَ مِنْ سَاعَتِهِ. وأَقْعَمَتْه الحيةُ: لَدَغَتْهُ فَمَاتَ مِنْ سَاعَتِهِ. والقَعَمُ: رِدَّةُ مَيَلٍ فِي الأَنف وطمأْنينة فِي
__________
(1) . قوله [كنت مرة] كذا في الأَصل والمحكم بالراء
(2) . قوله أي طري؛ لعله يعود إلى العود لا إلى الخمر(12/489)
وَسَطِهِ، وَقِيلَ: هُوَ ضِخَم الأَرنبة ونُتوءُها وَانْخِفَاضُ الْقَصَبَةِ فِي الْوَجْهِ، وَهُوَ أَحسن مِنَ الخَنَس والفَطَس، قَعِمَ قَعَماً، فَهُوَ أَقْعَم، والأُنثى قَعْمَاء. وَحَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ عَنِ ابْنِ الأَعرابي: القَعَمُ كالخَنَس أَو أَحسن مِنْهُ. وَيُقَالُ: فِي فَمِهِ قَعَمٌ أَيْ عَوَجٌ، وَفِي أَسنانه قَعَم: وَهُوَ دُخُولُ أَعلاها إِلَى فَمِهِ. وخُفٌّ أَقْعَمُ ومُقْعَمٌ ومُقَعَّمٌ: مُتَطَامِنُ الْوَسَطِ مُرْتَفِعُ الأَنف؛ قَالَ:
عَلَيَّ خُفّانِ مُهَدَّمانِ، ... مُشْتَبها الآنُفِ مُقْعَمَانِ
والقَيْعَمُ: السِّنَّور. والقَعْمُ: صُياح السِّنَّوْرِ. الأَصمعي: لَكَ قُعْمَةُ هَذَا الْمَالِ وقُمْعَتُه أي خِياره وأَجْوَدُه.
قعضم: العَعْضَمُ والقِعْضِمُ: الشَّيْخُ الْمُسِنُّ الذَّاهِبُ الأَسنان.
ققم: رَجُلٌ قَيْقَمٌ: وَاسِعُ الخُلُق؛ عن كراع.
قلم: القَلَم: الَّذِي يُكتب بِهِ، وَالْجَمْعُ أَقْلام وقِلام. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَجَمْعُ أَقْلام أَقَالِيم؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:
كأَنَّني، حِينَ آتِيها لتُخْبِرَني ... وَمَا تُبَيّنُ لِي شَيْئاً بِتَكْلِيمِ،
صَحِيفةٌ كُتِبَتْ سِرّاً إِلَى رَجُلٍ، ... لَمْ يَدْرِ مَا خُطَّ فِيهَا بالأَقَالِيم
والمِقْلَمَة: وِعَاءُ الأَقْلام. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والقَلَمُ الَّذِي فِي التَّنْزِيلِ لَا أَعْرِفُ كَيفيته؛ قَالَ أَبو زَيْدٍ: سَمِعْتُ أَعْرَابِيًّا مُحرِماً يَقُولُ:
سَبَقَ القَضاءُ وجَفَّتِ الأَقْلامُ
والقَلَمُ: الزَّلَمُ. والقَلَم: السَّهْم الَّذِي يُجال بَيْنَ القوم في القِمار، وجمعهما أَقْلام. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ
؛ قِيلَ: مَعْنَاهُ سِهَامُهُمْ، وَقِيلَ: أَقْلامهم الَّتِي كَانُوا يَكْتُبُونَ بِهَا التَّوْرَاةَ؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: الأَقْلام هَاهُنَا القِداح، وَهِيَ قِداح جَعَلُوا عَلَيْهَا عَلَامَاتٍ يَعْرِفُونَ بِهَا مَنْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ عَلَى جِهَةِ الْقَرْعَةِ، وَإِنَّمَا قِيلَ لِلسَّهْمِ القَلَم لأَنه يُقْلم أَيْ يُبْرى. وكلُّ مَا قطَعت مِنْهُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ فَقَدَ قَلَمْته؛ مِنْ ذَلِكَ القلم الذي يكتب به، وَإِنَّمَا سُمِّيَ قَلَماً لأَنه قلِمَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، وَمِنْ هَذَا قِيلَ: قَلَمت أَظفاري. وقَلَمت الشَّيْءَ: بَرَيْته وَفِيهِ عالَ قلمُ زَكَرِيَّا؛ هُوَ هَاهُنَا القِدْح وَالسَّهْمُ الَّذِي يُتقارَع بِهِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَنه يُبرى كبَرْي الْقَلَمِ. وَيُقَالُ للمِقْراض: المِقْلامُ. والقَلَمُ: الجَلَمُ. والقَلَمانِ: الجَلَمانِ لَا يُفْرَدُ لَهُ وَاحِدٌ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
لعَمْرِيَ لَوْ يُعْطِي الأَميرُ عَلَى اللِّحَى، ... لأُلْفِيتُ قَدْ أَيْسَرْتُ مُنْذُ زَمانِ
إِذَا كشَفَتْني لِحْيَتي مِنْ عِصابةٍ، ... لهُمُ عندَه ألفٌ وَلِي مائتانِ
لهَا دِرْهَمُ الرحمنِ فِي كلِّ جُمعةٍ، ... وآخَرُ للِخَناء يَبْتَدِرانِ
إِذَا نُشِرتْ فِي يَوْمِ عِيدٍ رأَيْتِها، ... عَلَى النَّحْرِ، مِرْماتيْنِ كالقَفَدانِ
ولوْلا أَيادٍ مِنْ يَزِيدَ تتابَعتْ، ... لَصَبَّحَ فِي حافاتِها القَلمانِ
والمِقْلَم: قَضِيب الْجَمَلِ وَالتَّيْسِ وَالثَّوْرِ، وَقِيلَ: هُوَ طرَفه. شَمِرٌ: المِقْلم طَرف قَضِيبِ الْبَعِيرِ، وَفِي طَرَفِهِ حَجَنةٌ فَتِلْكَ الحَجَنة المِقْلم، وَجَمْعُهُ مَقَالِمُ. والمِقْلَمة: وِعَاءُ قَضِيبِ الْبَعِيرِ. ومَقَالِم الرُّمْحِ: كُعوبه؛ قَالَ:
وعادِلًا مارِناً صُمّاً مَقَالِمُه، ... فِيهِ سِنانٌ حَلِيفُ الحَدِّ مَطْرُورُ(12/490)
وَيُرْوَى: وَعَامِلًا. وقَلَم الظُّفُر وَالْحَافِرَ والعُود يَقْلِمُه قَلْماً وقَلَّمَه: قطَعه بالقَلَمَيْن، وَاسْمُ مَا قُطِع مِنْهُ القُلامة. اللَّيْثُ: القَلْم قَطْعُ الظُّفُرِ بِالْقَلَمَيْنِ، وَهُوَ وَاحِدٌ كُلُّهُ. والقُلامة: هِيَ المَقْلومة عَنْ طَرَفِ الظُّفُرِ؛ وأَنشد:
لَمَّا أَتَيْتُم فَلَمْ تَنْجُوا بِمَظْلِمةٍ، ... قِيسَ القُلامةِ مِمَّا جَزَّه القَلَمُ
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: قَلَمْت ظُفري وقَلَّمت أَظْفَارِي، شُدِّدَ لِلْكَثْرَةِ. وَيُقَالُ لِلضَّعِيفِ: مَقْلُوم الظُّفُرِ وكَلِيل الظُّفُرِ. والقَلَمُ: طُولُ أَيْمةِ المرأَة. وامرأَة مُقَلَّمة أَيْ أَيّم. وَفِي الحديث:
اجتاز النبي، صلى الله عليه وسلم، بِنِسْوَةٍ فَقَالَ أَظنُّكُنَّ مُقَلَّماتٍ
أَيْ لَيْسَ عَلَيْكُنَّ حَافِظٌ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: كَذَا قَالَ ابْنُ الأَعرابي فِي نَوَادِرِهِ، قَالَ ابْنُ الأَعرابي وخَطَب رَجُلٌ إِلَى نِسْوَةٍ فَلَمْ يُزَوِّجنَه، فَقَالَ: أَظنكنّ مُقَلَّماتٍ أَيْ لَيْسَ لَكُنَّ رَجُلٌ وَلَا أَحَدٌ يَدْفَعُ عَنْكُنَّ. ابْنُ الأَعرابي: القَلَمة العُزّاب مِنَ الرِّجَالِ، الْوَاحِدُ قَالِمٌ. وَنِسَاءٌ مُقَلَّمات: بِغَيْرِ أَزواج. وأَلفٌ مُقَلَّمَةٌ: يَعْنِي الكَتِيبة الشاكَّة فِي السِّلَاحِ. والقُلَّام، بِالتَّشْدِيدِ: ضَرْبٌ مِنَ الحَمْض، يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، وَقِيلَ: هِيَ القاقُلَّى. التَّهْذِيبُ: القُلَّام القاقُلى؛ قَالَ لَبِيدٌ:
مَسْجُورةً متجاوِراً قُلَّامها
وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: قَالَ شُبَيل بْنُ عَزْرة القُلَّام مِثْلُ الأَشنان إِلَّا أَن الْقُلَّامَ أَعظم، قَالَ: وَقَالَ غَيْرُهُ وَرَقُهُ كَوَرَقِ الحُرْف؛ وأَنشد:
أَتوْني بِقُلَّامٍ فَقالوا: تَعَشَّهُ ... وَهَلْ يأْكُلُ القُلَّامَ إِلَّا الأَباعِرُ؟
والإِقْلِيمُ: وَاحِدُ أَقَالِيم الأَرض السَّبْعَةِ. وأَقَالِيمُ الأَرضِ: أَقْسامها، وَاحِدُهَا إِقْلِيم؛ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: لَا أَحسب الإِقْلِيم عَرَبِيًّا؛ قَالَ الأَزهري: وأَحسبه عَرَبِيًّا. وأَهل الحِساب يَزْعُمُونَ أَن الدُّنيا سَبْعَةُ أَقَالِيم كُلُّ إقْلِيم مَعْلُومٌ، كأَنه سُمِّيَ إِقْلِيماً لأَنه مَقْلوم مِنَ الإِقلِيم الَّذِي يُتاخِمه أَيْ مَقْطُوعٌ. وإِقْلِيم: مَوْضِعٌ بِمِصْرَ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. وأَبو قَلَمُون: ضَرْبٌ مِنْ ثِياب الرُّومِ يَتَلَوَّنُ أَلْوَانًا لِلْعُيُونِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَلَمُون، فَعَلُول، مِثْلُ قَرَبُوسٍ. وَقَالَ الأَزهري: قَلَمون ثَوْبٌ يُتراءى إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ عَلَيْهِ بأَلوان شَتَّى. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَبو قَلَمُون طَائِرٌ يُتراءى بأَلوان شَتَّى يشبَّه الثَّوْبُ به.
قلحم: القِلْحَمُّ: المُسِنُّ الضَّخْم مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَقِيلَ: هُوَ مِنَ الرِّجَالِ الْكَبِيرُ الْمُسِنُّ مِثْلُ القِلْعَمِّ، وَهُوَ مُلْحَقٌ بجِرْدَحْلٍ، بِزِيَادَةِ مِيمٍ؛ قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجَّاجِ:
قَدْ كنتُ قَبْلَ الكِبَر القِلْحَمِّ، ... وقَبْلَ نَخْصِ العَضَل الزِّيَمِ
وَقَالَ آخَرُ:
أَنا ابنُ أَوْسٍ حَيَّةً أَصَمّا، ... لَا ضَرَعَ السِّنِّ وَلَا قِلْحَمَّا
والقِلْحَمُّ: الَّذِي يَتَضَعْضَعُ لَحْمُهُ. والقِلَحْمُ عَلَى مِثَالِ سِبَطْرٍ. الْيَابِسُ الْجِلْدِ؛ عَنْ كُرَاعٍ. وقِلْحَمٌّ ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ مُخْتَصَرًا ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي بَابِ الْحَاءِ لأَن الْمِيمَ زَائِدَةٌ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُ قِلْحَمّ أَن يُذْكَرَ فِي بَابِ قَلْحَمَ لأَن فِي آخِرِهِ مِيمَيْنِ: إِحْدَاهُمَا أَصلية، والأُخرى زَائِدَةٌ للإِلحاق لأَنه يُقَالُ لِلْمُسِنِّ قِلْحَمٌّ، فَالْمِيمُ الأَخيرة فِي قَلْحَمَ زَائِدَةٌ للإِلحاق كَمَا كَانَتِ الْبَاءُ الثَّانِيَةُ فِي جَلْبَبَ زَائِدَةً للإِلحاق بدَحْرَجَ، وأُتي بِاللَّامِ فِي قِلحمّ لأَنه يُقَالُ رَجُلٌ قَحْل وقَحْم لِلْمُسِنِّ فَرَكَّبَ اللَّفْظَ مِنْهُمَا،(12/491)
وَكَذَلِكَ فِي الْفِعْلِ قَالُوا: اقْلَحَمَّ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
رأَيْنَ قَحْماً شابَ واقْلَحَمَّا، ... طالَ عليهِ الدَّهْرُ فاسْلَهَمَّا
قلحذم: الأَزهري: القَلَحْذَم: الْخَفِيفُ السريع.
قلخم: ابْنُ شُمَيْلٍ: القِلَّخْمُ والدِّلَّخْم اللَّامُ مِنْهُمَا شَدِيدَةٌ، وَهُمَا الْجَلِيلُ مِنَ الْجِمَالِ الضخْم العظيم.
قلدم: مَاءٌ قَلَيْدَمٌ: كَثِيرٌ.
قلذم: القَلَيْذَمُ: الْبِئْرُ الْغَزِيرَةُ الْكَثِيرَةُ الْمَاءِ، وَقَدْ تقدَّم بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ؛ قَالَ:
إنَّ لَنَا قَلَيْذَماً قَذُوما، ... يَزِيدُهُ مَخْجُ الدِّلا جُمُوما
وَيُرْوَى:
قَدْ صَبَّحَتْ قَلَيْذَماً قَذُوما،
وَيُرْوَى: قُلَيْزِماً، اشْتَقَّه مِنْ بَحْرِ القُلْزُم فَصَغَّرَهُ عَلَى جِهَةِ الْمَدْحِ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ.
قلزم: القَلْزَمَةُ: ابْتِلاع الشَّيْءِ، وَفِي الْمُحْكَمِ. الِابْتِلَاعُ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
وَلَا ذِي قَلازِمَ عِندَ الحِياض، ... إِذَا ما الشَّريبُ أَرادَ الشَّريبا
فأَما اشْتِقَاقُهُ مِنَ القَلْز الَّذِي هُوَ الشُّرْبُ الشَّدِيدُ فَبَعِيدٌ. يُقَالُ: تَقَلْزمَه إِذَا ابْتَلَعَهُ والْتَهَمَه، وَبَحْرُ القُلْزُم مُشْتَقٌّ مِنْهُ، وَبِهِ سُمِّيَ القُلْزُم لِالْتِهَامِهِ مَنْ رَكِبَهُ، وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي غَرِقَ فِيهِ فِرْعَوْنُ وآلُه؛ قَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: القُلْزُم مَقْلُوبٌ مِنَ الزُّلقُم وَهُوَ الْبَحْرُ. والزَّلْقمةُ: الِاتِّسَاعُ؛ وَقَوْلُهُ:
قَدْ صَبَّحَتْ قُلَيْزِماً قَذُومَا
إِنَّمَا أَخذه مِنْ بَحْرِ الْقُلْزُمِ شَبَّهَ الْبِئْرَ فِي غُزرها بِهِ وَصِغَرِهَا عَلَى جِهَةِ الْمَدْحِ كَقَوْلٍ أَوس:
فُوَيْقَ جُبَيْلٍ شامِخِ الرأسِ لَمْ يَكُنْ ... لِيُدْرِكَه، حتَّى يَكِلَّ ويَعْملا «3» .
قلعم: القِلْعَمُّ: الشَّيْخُ الْكَبِيرُ الْمُسِنُّ الهَرِم مِثْلُ القلْحَمِّ. ابْنُ الأَعرابي: القَلْعَمُ الْعَجُوزُ الْمُسِنَّةُ. الأَزهري: القَلْعَمَةُ المُسِنة مِنَ الإِبل، قَالَ: وَالْحَاءُ أَصْوَبُ اللُّغَتَيْنِ. واقْلَعَمَّ الرَّجُلُ: أَسنَّ، وَكَذَلِكَ الْبَعِيرُ. القِلْعَمُّ والقِلْعَمُ: الطَّوِيلُ، وَالتَّخْفِيفُ عَنْ كُرَاعٍ. وقِلْعَمٌ: مِنْ أَسماء الرِّجَالِ، مثَّل بِهِ سِيبَوَيْهِ وَفَسَّرَهُ السِّيرَافِيُّ. والقَلْعَمُ والقُمْعُلُ القَدَحُ الضَّخْمُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَهُوَ أَيْضًا اسْمُ جبل.
قلقم: القَلْقَمُ: الواسِعُ مِنَ الفُروج.
قلهم: القَلْهَم: الفَرج الواسِع. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن قَوْمًا افتَقَدُوا سِخابَ فَتاتِهم، فَاتَّهَمُوا امرأَة، فَجَاءَتْ عَجُوزٌ ففتشَت قَلْهَمَها
أَيْ فَرْجَهَا؛ التَّفْسِيرُ لِلْهَرَوِيِّ فِي الْغَرِيبَيْنِ وَرِوَايَتُهُ قَلْهَمَها، بِالْقَافِ، وَالْمَعْرُوفُ فَلْهَمَها، بِالْفَاءِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. قَالَ ابْنُ الأَثير: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ بِالْفَاءِ، وَقَدْ تقدَّم. وقَلْهَمٌ: اسْمٌ. والقَلْهَمَةُ: السُّرعةُ
قلهذم: القَلَهْذَم: الْقَصِيرُ. والقَلَهْذَم: الْبَحْرُ الْكَثِيرُ الْمَاءِ. وَبَحْرٌ قَلَهْذَمٌ: كَثِيرُ الْمَاءِ. الْجَوْهَرِيُّ: القَلَهْذَم الخفيف.
قلهزم: التَّهْذِيبُ: القَلَهْزَم الرَّجُلُ المُرتَبِعُ الْجِسْمِ الَّذِي لَيْسَ بفَرِجِ الرَّأْي وَلَا طَرير فِي المَنطق، وَلَيْسَ مِنْ عِظَم رأْسه وَلَا صِغره. ويقال: بل هو
__________
(3) . قوله [فويق جبيل إلى آخر البيت] ما بعده موجود في النسخة التي كانت في قف السلطان الأَشرف وهي العمدة، وتقدم في مادة ق ص م:
بَاتَتْ تُعَشَّى اللَّيْلَ بِالْقَصِيمِ ... لُبَابَةً مِنْ هَمِقٍ عَيْشُومِ
وفي المحكم والتهذيب: لباية، بلام مضمومة ومثناة تحتية، وفسرها في التهذيب فقال: اللباية شجر الأَمطى، وفيه: عيشوم، بالعين، وفي المحكم: هيشوم، بالهاء بدل العين(12/492)
ضَخْم الرأْس واللِّهْزِمَتَينِ. ابْنُ سِيدَهْ: القَلَهْزم الضَّيِّق الخُلُق المِلْحاح، وَقِيلَ: هُوَ الْقَصِيرُ؛ قَالَ عِيَاضُ بْنُ دُرَّةَ:
وَمَا يَجْعَلُ السَّاطِي السَّبُوحَ عِنانَه ... إِلَى المُجْنَحِ الجاذِي الأَنُوحِ القَلَهْزَمِ
المُجْنَحُ: الْمَائِلُ الخِلقة، والجاذِي الخَلْقِ: الَّذِي لَمْ يَطل خَلْقُه. والأَنُوحُ: الْقَصِيرُ مِنَ الْخَيْلِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ فِي مُخْتَصَرِ الْعَيْنِ: القَلَهْزَم الضيِّق الخُلُق؛ وَقَالَ حُمَيْدُ بْنُ ثَوْرٍ:
جِلادَ تخاطَتْها الرِّعاء، فأُهْمِلَتْ، ... وآلَفْنَ رَجَّافاً جُرازاً قَلَهْزَما
جِلادٌ: غِلاظ مِنَ الإِبل، وجُرازٌ: شَدِيدُ الأَكل، ورَجَّافٌ: يَرْجُف رأْسه. وقَلَهْزَمٌ: قَصِيرٌ غَلِيظٌ. وَامْرَأَةٌ قَلَهْزَمَة: قَصِيرَةٌ جِدًّا. والقَلَهْزَمُ مِنَ الْخَيْلِ: الجَعْدُ الخَلْق. الأَصمعي: إِذَا صَغُر خَلقه وجَعُد قِيلَ لَهُ قَلَهْزَم، وَنَحْوُ ذَلِكَ قَالَ اللَّيْثُ.
قمم: قَمَّ الشيءَ قَمّاً: كَنَسَهُ، حِجَازِيَّةٌ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ الله عنه: أَنَّهُ قَدِمَ مَكَّةَ فَكَانَ يَطُوفُ فِي سِكَكِها فَيَمُرُّ بِالْقَوْمِ فَيَقُولُ: قُمُّوا فِناءكم، حَتَّى مَرَّ بِدَارِ أَبي سُفْيَانَ فَقَالَ: قُمُّوا فِناءكم فَقَالَ: نَعَمْ يَا أَمير الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى يَجِيءَ مُهَّانُنا الْآنَ، ثُمَّ مرَّ بِهِ فَلَمْ يَصنع شَيْئًا، ثُمَّ مرَّ ثَالِثًا فَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا، فَوَضَعَ الدِّرَّة بَيْنَ أُذنيه ضَرْبًا، فَجَاءَتْ هِنْدٌ فَقَالَتْ: واللهِ لَرُبَّ يومٍ لَوْ ضَرَبْتَهُ لاقْشَعَرَّ بَطْنُ مَكَّةَ، فَقَالَ: أَجل.
والمِقَمَّة: المِكْنَسة. والقُمَامَة: الكُناسة، وَالْجَمْعُ قُمَام. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: قُمَامَة الْبَيْتِ مَا كُسِح مِنْهُ فأُلقي بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ. اللَّيْثُ القَمُّ مَا يُقَمُّ مِنْ قُمامات القُماش وَيُكْنَسُ. يُقَالُ: قَمَّ بَيْتَهُ يَقُمُّه قَمّاً إِذَا كَنَسَهُ. وَفِي حَدِيثِ
فَاطِمَةَ، عَلَيْهَا السَّلَامُ: أَنها قَمَّتِ الْبَيْتَ حَتَّى اغْبَرَّتْ ثِيَابُهَا
أَيْ كَنَسَتْهُ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ سِيرِينَ: أَنه كَتَبَ يسأَلهم عَنِ المُحاقَلة، فَقِيلَ: إِنَّهُمْ كَانُوا يَشْتَرِطُونَ لِرَبِّ الْمَاءِ قُمَامة الجُرُن
أَيِ الكُساحة، والجُرُن: جَمْعُ جَرِين وَهُوَ البَيْدَر. وَيُقَالُ: أَلقِ قُمَامة بَيْتِكَ عَلَى الطَّرِيقِ أَيْ كُناسة بَيْتِكَ. وتَقَمَّمَ أَيْ تَتَبَّعَ القُمامَ فِي الكُناسات. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: والقُمَّةُ، بِالضَّمِّ، المَزْبَلة؛ قَالَ أَوْس بْنُ مَغْراء: قَالُوا:
فَمَا حالُ مِسْكِينٍ؟ فَقُلْت لَهُمْ: ... أَضحى كَقُمَّةِ دارٍ بَيْنَ أَنْداء
وقَمَّ مَا عَلَى الْمَائِدَةِ يَقُمُّه قَمّاً: أَكله فَلَمْ يَدَع مِنْهُ شَيْئًا. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ كَانُوا يَقُمُّون شَوَارِبَهُمْ
أَيْ يَسْتأْصِلونها قَصّاً، تَشْبِيهًا بقَمِّ الْبَيْتَ وَكَنْسِهِ. وَفِي مَثَلٍ لَهُمْ: أَدْرِكي القُوَيْمَّة لَا تأْكله الهوَيْمَّة؛ يَعْنِي الصَّبِيَّ الَّذِي يَأْكُلُ الْبَعْرَ والقَصَب وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ، يَقُولُ لأُمه: أَدركيه لَا تأْكُلُه الهامَّةُ أَي الْحَيَّةُ؛ وَفِي التَّهْذِيبِ: أَراد بالقُوَيْمَّة الصَّبِيَّ الصَّغِيرَ يلقُط مَا تَقَعُ عَلَيْهِ يَدُهُ، فَرُبَّمَا وَقَعَتْ يَدُهُ عَلَى هامَّة مِنَ الهَوامِّ فتَلْسَعُه. وقَمَّتِ الشاةُ تَقُمُّ قَمّاً إِذَا ارْتَمَّت مِنَ الأَرض. واقْتَمَّت الشَّيْءَ: طلبَتْه لتأْكله، وَفِي الصِّحَاحِ: إِذَا أَكلت مِنَ المِقَمَّة، ثُمَّ يُسْتَعَارُ فَيُقَالُ: اقْتَمَّ الرَّجُلُ مَا عَلَى الخِوان إِذَا أَكَلَهُ كُلَّهُ، وقَمَّه فَهُوَ رَجُلٌ مِقَمّ. والمِقَمَّةُ: مِرَمَّة الشَّاةِ تَلُفُّ بِهَا مَا أَصابت عَلَى وَجْهِ الأَرض وَتَأْكُلُهُ. ابْنُ الأَعرابي: للغَنم مَقامُّ، وَاحِدَتُهَا مِقَمَّةٌ، وَلِلْخَيْلِ الجَحافِلُ، وَهِيَ الشَّفَةُ للإِنسان. الأَصمعي: يُقَالُ مِقَمَّة ومِرَمَّة لِفَمِ الشَّاةِ، قَالَ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ مَقَمَّة ومَرَمَّة، قَالَ: وَهِيَ مِنَ الْكَلْبِ الزُّلْقُوم، وَمِنَ السِّبَاعِ الخَطْمُ. والمِقَمَّةُ:(12/493)
مِقَمَّةُ الثَّوْرِ. ابْنُ سِيدَهْ: والمِقَمَّة والمَقَمَّةُ الشَّفة، وَقِيلَ: هِيَ مِنْ ذَوَاتِ الظِّلف خَاصَّةً، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لأَنها تَقْتَمُّ بِهِ مَا تأْكله أَيْ تَطلبه. والقَمِيمُ: مَا بَقِيَ مِنْ نَبَاتِ عَامِ أَوّل؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. وَيُقَالُ لِيَبِيسِ الْبَقْلِ: القَمِيم، وَقِيلَ: القَمِيم حُطام الطَّرِيفة وَمَا جَمعتْه الرِّيحُ مِنْ يَبيسها، وَالْجَمْعُ أَقِمَّة. والقَمِيم: السَّوِيقُ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ؛ وأَنشد:
تُعَلَّلُ بالنَّبيذةِ حِينَ تُمْسي، ... وبالمَعْوِ المُكَمَّمِ والقَمِيم «1»
. وقَمَّ الفحلُ الإِبل يَقُمُّها قَمًّا وأَقَمَّها إقْمَاماً: اشْتَمَلَ عَلَيْهَا وضرَبها كُلَّهَا فأَلقحها، وَكَذَلِكَ تَقَمَّمها واقْتَمَّها حَتَّى قَمَّتْ تَقِمُّ وتَقُمُّ قُموماً، وَإِنَّهُ لَمِقَمُّ ضِرابٍ؛ قَالَ:
إِذَا كَثُرَتْ رَجْعاً، تَقَمَّمَ حَوْلَها ... مِقَمُّ ضِرابٍ للطَّرُوقة مِغْسَلُ
وتَقَمَّم الفحلُ الناقةَ إِذَا عَلَاهَا وَهِيَ بَارِكَةٌ ليضْرِبها، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يَعْلُو قِرْنَه؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
يَقْتَسِرُ الأَقْرانَ بالتَّقَمُّمِ
وَيُقَالُ: شَدَّ الفرسُ عَلَى الحِجْر فَتَقَمَّمَها أَي تَسَنَّمها. وَجَاءَ القَومُ القِمَّة أَيْ جَمِيعًا، دَخَلَتِ الأَلف وَاللَّامُ فِيهِ كَمَا دَخَلَتْ فِي الجَمَّاء الغَفير. والقِمَّةُ: أَعْلَى الرأْسِ وأَعلى كلِّ شَيْءٍ. وقِمَّةُ النَّخْلَةِ: رأْسها. وتَقَمَّمَها: ارْتَقَى فِيهَا حَتَّى يَبْلُغَ رأسَها. وقِمَّةُ كُلِّ شَيْءٍ: أَعلاه وَوَسَطُهُ. وتَقْمِيم النَّجْمِ: أَن يَتَوَسَّطَ السَّمَاءَ فَتَرَاهُ عَلَى قِمَّة الرَّأْسِ. والقِمَّة، بِالْكَسْرِ: القامةُ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. وَهُوَ حَسن القِمَّة أَي اللِّبْسةِ وَالشَّخْصِ وَالْهَيْئَةِ، وَقِيلَ: القِمَّة شَخْص الإِنسان مَا دَامَ قَائِمًا، وَقِيلَ: مَا دَامَ رَاكِبًا. يُقَالُ: أَلقى عَلَيْهِ قِمَّتَه أَيْ بَدَنَهُ. وَيُقَالُ: فُلَانٌ حَسَنُ القامةِ والقِمَّةِ والقُومِيّةِ بِمَعْنًى. يُقَالُ: إِنَّهُ لَحَسَنُ القِمَّةِ عَلَى الرَّحْل. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه حَضّ عَلَى الصَّدَقَةِ فَقَامَ رَجُلٌ صَغِيرُ القِمَّة
؛ القِمَّةُ، بِالْكَسْرِ: شَخْصُ الإِنسان إِذَا كَانَ قَائِمًا، وَهِيَ القامةُ. والقِمَّةُ أَيْضًا: وَسَطُ الرأْس. والقِمَّة: رأْس الإِنسان؛ وأَنشد:
ضَخْم الفَرِيسةِ لَوْ أَبْصَرْت قِمَّتَه، ... بَيْنَ الرِّجالِ، إِذَا شَبَّهْتَه الجَبَلا
الأَصمعي: القِمّةُ قِمَّة الرأْس وَهُوَ أَعلاه. يُقَالُ: صَارَ القَمر عَلَى قِمَّة الرأْس إِذَا صَارَ عَلَى حِيال وَسَطِ الرأْس؛ وأَنشد:
عَلَى قِمَّةِ الرَّأْسِ ابنُ ماءٍ مُحَلِّقُ
والقِمَّة والقُمَامَةُ: جَمَاعَةُ القَوْم. وتَقَمَّمَ الفرَسُ الحِجْرَ: عَلَاهَا. والقَمْقَامُ والقُمَاقِمُ مِنَ الرِّجَالِ: السَّيِّدُ الْكَثِيرُ الْخَيْرِ الْوَاسِعُ الْفَضْلِ. وَيُقَالُ: سَيِّدٌ قُمَاقِمٌ، بِالضَّمِّ، لِكَثْرَةِ خَيْرِهِ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
أَوْرَثَها القُمَاقِمُ القُمَاقِما
وَوَقَعَ فِي قَمْقَام مِنَ الأَمر أَيْ وَقَعَ فِي أَمر عَظِيمٍ كَبِيرٍ. والقَمْقَامُ: الْمَاءُ الْكَثِيرُ. وقَمْقَام الْبَحْرِ: مُعْظَمه لِاجْتِمَاعِ مَائِهِ، وَقِيلَ: هُوَ الْبَحْرُ كُلُّهُ، وَالْبَحْرُ القَمْقام أَيضاً؛ قَالَ الْفَرَزْدَقُ:
وغَرِقْت حينَ وَقَعْت فِي القَمْقَام
والقَمْقام: الْبَحْرِ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السلام: يَحملها الأَخْضَرُ المُثْعَنْجَرُ، والقَمْقامُ المُسَخَّر
: هُوَ الْبَحْرُ «2» . والقَمْقَامُ: الْعَدَدُ الْكَثِيرُ، والقُمْقُمَانُ مِثْلُهُ. وَعَدَدٌ قَمْقَامٌ وقُمَاقِمٌ وقُمْقُمَانٌ؛ الأَخيرة عَنْ ثَعْلَبٍ: كَثِيرٌ؛ وأَنشد للعجاج:
__________
(1) . قوله [بالنبيذة] كذا في الأَصل والمحكم هنا، والذي في المحكم في كمم وفي معو: بالنهيدة؛ وفسر النهيدة بالزبدة
(2) . في النهاية: المثعنجر بكسر الجيم، والمسجِر بدل المسخر(12/494)
لَهُ نَواحٍ وَلَهُ أُسْطُمُّ، ... وقُمْقُمَانُ عَدَدٍ قُمْقُمُ
هُوَ مِنْ قَمْقَامٍ العدَدِ الْكَثِيرِ؛ قَالَ رَكَّاضُ بْنُ أَبَّاقٍ:
مِنْ نَوْفَلٍ فِي الحَسَبِ القَمْقَامِ
وَقَالَ رُؤْبَةُ:
مَنْ خَرَّ فِي قَمْقَامِنا تَقَمْقَمَا
أَي مَنْ خَرَّ فِي عَدَدِنَا غُمِر وغُلِب كَمَا يُغْمر الْوَاقِعُ فِي الْبَحْرِ الغَمْر. والقَمْقَام: صِغار القِرْدانِ وَضَرْبٌ مِنَ الْقَمْلِ شَدِيدُ التشبُّث بأُصول الشَّعْرِ، وَاحِدَتُهَا قَمْقَامَة، وَقِيلَ: هِيَ القُراد أوَّل مَا يَكُونُ صَغِيرًا لَا يَكَادُ يُرَى مِنْ صِغَرِهِ؛ وَقَوْلُهُ:
وعَطَّنَ الذِّبَّانُ فِي قَمْقَامِها
لَمْ يُفَسِّرْهُ ثَعْلَبٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَعْنِيَ الْكَثِيرَ أَو يَعْنِيَ القِرْدان. ابْنُ الأَعرابي: قَمَّ إِذَا جَمع وقَمَّ إِذَا جَفَّ. وقَمْقَمَ اللَّهُ عَصَبَه أَي جَفَّفَ عصَبه. وقَمْقَمَ اللَّهُ عَصَبَهُ أَي سلَّط اللَّهُ عَلَيْهِ القَمْقام، وَقِيلَ: قَمْقَمَ اللَّهُ عصَبه أَيْ جَمعه وقَبَضه، وَقَالَ ثَعْلَبٌ: شدَّده، وَيُقَالُ ذَلِكَ فِي الشَّتْمِ. والقُمْقُمُ: الجَرَّة؛ عَنْ كُرَاعٍ. والقُمْقُم: ضَرْبٌ مِنَ الأَواني؛ قَالَ عَنْتَرَةُ:
وكأَنَّ رُبّاً أَو كحِيلًا مُعْقَداً ... حَشَّ القيانُ بِهِ جوانِبَ قُمْقُمِ «1»
. والقُمْقُمُ: مَا يُسْتَقى بِهِ مِنْ نُحَاسٍ، وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: القُمْقُم بالرُّومية. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ الله عَنْهُ: لأَن أَشْربَ قُمْقُماً أَحْرَقَ مَا أَحرَقَ أَحبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَشرب نبيذَ جَرّ
؛ القُمْقُم: مَا يُسَخَّنُ فِيهِ الْمَاءُ مِنْ نُحَاسٍ وَغَيْرِهِ، وَيَكُونُ ضَيِّقَ الرأْس، أَراد شُرْبَ مَا يَكُونُ فِيهِ مِنَ الْمَاءِ الْحَارِّ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
كَمَا يَغْلي المِرْجَلُ بالقُمْقُم
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا رُوي، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ: كَمَا يَغْلي المِرْجَلُ القُمْقُم، قَالَ: وَهُوَ أَبين إِنْ سَاعَدَتْهُ صِحَّةُ الرِّوَايَةِ. والقُمْقُم: الحُلْقوم. وقُمَيْقِمٌ: مَاءٌ يَنْزِلُهُ مَنْ خَرَجَ مِنْ عانةَ يُرِيدُ سِنْجارَ؛ قَالَ الْقَطَّامِيُّ:
حَلَّتْ جَنُوبُ قُمَيْقِماً بِرِهانِها، ... فَمَتى الخَلاصُ بِذِي الرِّهانِ المُغْلَق؟
وَفِي الْمَثَلِ: عَلَى هَذَا دارَ القُمْقُم أَيْ إِلَى هَذَا صَارَ مَعْنَى الْخَبَرِ، يُضرب لِلرَّجُلِ إِذَا كَانَ خَبِيرًا بالأَمر، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: عَلَى يَديَّ دارَ الحديثُ، وَالْجَمْعُ قَمَاقِمُ. والقِمْقِم: البُسْر الْيَابِسُ، بِالْكَسْرِ، وَقِيلَ: هُوَ مَا يَبِسَ مِنَ البُسر إِذَا سَقَطَ اخْضَرَّ ولانَ؛ قَالَ مَعدان بْنُ عُبَيْدٍ:
وأَمةٍ أَكَّالةٍ للقِمْقِم
قنم: قَنِمَ الطَّعامُ واللحمُ والثَّرِيد والدُّهن والرُّطب يَقْنَم قَنَماً، فَهُوَ قَنِمٌ وأَقْنَمُ: فَسَد وَتَغَيَّرَتْ رَائِحَتُهُ؛ وأَنشد:
وَقَدْ قَنِمَتْ مِنْ صَرِّها واحْتِلابها ... أَنامِلُ كَفَّيْها، ولَلْوَطْبُ أَقْنَمُ
وَالِاسْمُ: القَنَمةُ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: جَعَلُوهُ اسْمًا لِلرَّائِحَةِ. التَّهْذِيبُ: وَيُقَالُ فِيهِ قَنَمَةٌ ونَمَقَةٌ إِذَا أَرْوَح وأَنْتَن. الْجَوْهَرِيُّ: القَنَمة، بِالتَّحْرِيكِ، خُبْث رِيحِ الأَدهان وَالزَّيْتِ وَنَحْوَ ذَلِكَ. وقَنِمت يَدِي مِنَ الزَّيْتِ قَنَماً، فَهِيَ قَنِمة: اتَّسخت. والقَنَمُ فِي الْخَيْلِ والإِبل: أَن يُصيب الشعرَ النَّدى ثُمَّ يُصِيبُهُ الغُبار فَيَرْكَبُهُ لِذَلِكَ وَسَخ. وَبَقَرَةٌ قَنِمَة: مُتَغَيِّرَةُ الرَّائِحَةِ؛ حَكَاهُ
__________
(1) . قوله [القيان] هذا ما في الأَصل وابن سيدة، والذي في المعلقات: الوقود(12/495)
ثَعْلَبٌ. وَقَدْ قَنِمَ سِقاؤه، بِالْكَسْرِ، قَنَماً أَيْ تَمِهَ. وقَنِمَ الجَوْزُ، فَهُوَ قَانِم أَيْ فَاسِدٌ. والأَقَانِيمُ: الأُصول، وَاحِدُهَا أُقْنُوم؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وأَحسبها رومية.
قهم: القَهِمُ: الْقَلِيلُ الأَكل مِنْ مَرَضٍ أَو غَيْرِهِ. وَقَدْ أَقْهَمَ عَنِ الطَّعَامِ وأَقْهى أَيْ أَمْسَكَ وَصَارَ لَا يَشْتَهِيهِ، وقَهِيَ لِبَعْضِ بَنِي أَسد. وَحَكَى ابْنُ الأَعرابي: أَقْهَمَ عَنِ الشَّرَابِ وَالْمَاءِ تَرَكَهُ. وَيُقَالُ لِلْقَلِيلِ الطُّعْم: قَدْ أَقْهَى وأَقْهَمَ. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ فِي نَوَادِرِهِ: المُقْهِمُ الَّذِي لَا يَطْعَمُ مِنْ مَرَضٍ أَو غَيْرِهِ، وَقِيلَ: الَّذِي لَا يَشْتَهِي الطَّعَامَ مِنْ مَرَضٍ أَو غَيْرِهِ. وَرَوَى ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي: أَقْهَمَ فُلَانٌ إِلَى الطَّعَامِ إقْهَاماً إِذَا اشْتَهَاهُ، وأَقْهَمَ عَنِ الطَّعَامِ إِذَا لَمْ يَشتَهِه؛ وأَنشد فِي الشَّهْوَةِ:
وهْو إِلَى الزّادِ شَدِيدُ الإِقْهَامْ
وأَقْهَمَتِ الإِبلُ عَنِ الْمَاءِ إِذَا لَمْ تُرِدْهُ؛ وأَنشد لجَهْم بْنِ سَبَل:
وَلَوْ أَنّ لُؤْمَ ابْنَيْ سُلَيمانَ فِي الغَضى ... أَو الصِّلِّيانِ، لَمْ تَذُقْه الأَباعِرُ
أَو الحَمْضِ لاقْوَرَّتْ، أَو الماءِ أَقْهَمَتْ ... عَنِ الْمَاءِ، حِمْضِيَّاتُهُنَّ الكَناعِرُ
قَالَ الأَزهري: مَنْ جَعَلَ الإِقْهام شهوة ذهب بِهِ إِلَى الهَقِمِ، وَهُوَ الْجَائِعُ، ثُمَّ قَلَبَهُ فَقَالَ قَهِم، ثُمَّ بَنى الإِقْهام مِنْهُ. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: أَقْهَمَتِ الحُمُرُ عَنِ الْيَبِيسِ إِذَا تَرَكَتْهُ بَعْدَ فِقدان الرَّطْب، وأَقْهَمَ الرجلُ عَنْكَ إِذَا كَرِهَك، وأَقْهَمَتِ السماءُ إِذَا انقَشَعَ الغَيمُ عَنْهَا.
قهرم: القَهْرَمَان: هُوَ المُسَيْطِرُ الحَفِيظ عَلَى مَنْ تَحْتَ يَدَيْهِ؛ قَالَ:
مَجْداً وعِزّاً قَهْرَمَاناً قَبْقَبا
قَالَ سِيبَوَيْهِ: هُوَ فَارِسِيٌّ. والقُهْرُمَان: لُغَةٌ فِي القَهْرمان؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. وتُرْجُمان وتَرْجُمان: لُغَتَانِ. قَالَ أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ قَهْرَمَانٌ وقَرْهَمانٌ مقلوب. ابْنُ بَرِّيٍّ: القَهْرَمَان مِنْ أُمناء الْمَلِكِ وَخَاصَّتِهِ، فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ. وَفِي الْحَدِيثِ: كتَب إِلَى قَهرمانِه، هُوَ كالخازِن والوكيل الحافظ لا تَحْتَ يَدِهِ وَالْقَائِمُ بأُمور الرجل بلغة الفرس.
قهقم: القِهْقَمُّ: الَّذِي يَبْتَلِعُ كُلَّ شَيْءٍ. الأَزهري: القَهْقَم الْفَحْلُ الضَّخْمُ الْمُغْتَلِمُ. أَبو عَمْرٍو: القَهْقَبُّ والقَهْقَمُّ الْجَمَلُ الضخم.
قوم: القِيَامُ: نَقِيضُ الْجُلُوسِ، قَامَ يَقُومُ قَوْماً وقِياماً وقَوْمَة وقَامَةً، والقَوْمَةُ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: قَالَ عَبْدٌ لِرَجُلٍ أَراد أَنْ يَشْتَرِيَهُ: لَا تَشْتَرِنِي فَإِنِّي إِذَا جُعْتُ أَبغضت قَوْماً، وَإِذَا شبِعت أَحببت نَوْماً، أَيْ أَبغضت قِيَامًا مِنْ مَوْضِعِي؛ قَالَ:
قَدْ صُمْتُ رَبِّي، فَتَقَبَّلْ صَامَتِي، ... وقُمْتُ لَيْلي، فتقَبَّل قَامَتي
أَدْعُوك يَا ربِّ مِنَ النارِ الَّتِي ... أَعْدَدْتَ للكُفَّارِ فِي القِيامةِ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا أَراد قَوْمَتي وصَوْمَتي فأَبدل مِنَ الْوَاوِ أَلفاً، وَجَاءَ بِهَذِهِ الأَبيات مؤسَّسة وَغَيْرَ مُؤَسَّسَةٍ، وأَراد مِنْ خَوْفِ النَّارِ الَّتِي أَعددت؛ وأَورد ابْنُ بَرِّيٍّ هَذَا الرَّجَزُ شَاهِدًا عَلَى القَوْمة فَقَالَ:
قَدْ قُمْتُ لَيْلِي، فتقبَّل قَوْمَتي، ... وَصُمْتُ يَوْمِي، فتقبَّل صَوْمَتي
وَرَجُلٌ قَائِمٌ مِنْ رِجَالٍ قُوَّمٍ وقُيَّمٍ وقِيَّمٍ وقُيَّامٍ وقِيَّامٍ. وقَوْمٌ: قِيلَ هُوَ اسْمٌ لِلْجَمْعِ، وَقِيلَ: جَمْعُ. التَّهْذِيبُ: وَنِسَاءٌ قُيَّمٌ وقَائِمَات أَعرف.(12/496)
والقَامَةُ: جَمْعُ قَائِم؛ عَنْ كُرَاعٍ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ: قَدْ تَرْتَجِلُ الْعَرَبُ لَفْظَةَ قَامَ بَيْنَ يَدَيِ الْجُمَلِ فَيَصِيرُ كَاللَّغْوِ؛ وَمَعْنَى القِيام العَزْمُ كَقَوْلِ العماني الراجز للرشيد عند ما همَّ بأَن يَعْهَدَ إِلَى ابْنِهِ قَاسِمٍ:
قُل للإِمامِ المُقْتَدَى بأَمِّه: ... مَا قاسِمٌ دُونَ مَدَى ابنِ أُمِّه،
فَقَدْ رَضِيناهُ فَقُمْ فسَمِّه
أَيْ فاعْزِمْ ونُصَّ عَلَيْهِ؛ وَكَقَوْلِ النَّابِغَةِ الذُّبْيَانِيِّ:
نُبِّئتُ حِصْناً وحَيّاً مِن بَني أَسَدٍ ... قامُوا فقالُوا؛ حِمانا غيرُ مَقْروبِ
أَي عَزَموا فَقَالُوا؛ وَكَقَوْلِ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ:
عَلَامَا قامَ يَشْتُمُني لَئِيمٌ، ... كخِنْزِيرٍ تَمَرَّغَ فِي رَمادِ «2»
. مَعْنَاهُ عَلَامَ يَعْزِمُ عَلَى شَتْمِي؛ وَكَقَوْلِ الْآخَرِ:
لَدَى بابِ هِنْدٍ إذْ تَجَرَّدَ قائِما
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ
؛ أَيْ لَمَّا عَزَمَ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
؛ أَيْ عزَموا فَقَالُوا، قَالَ: وَقَدْ يَجِيءُ الْقِيَامُ بِمَعْنَى الْمُحَافَظَةِ والإِصلاح؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ
، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً
؛ أَيْ مُلَازِمًا مُحَافِظًا. وَيَجِيءُ الْقِيَامُ بِمَعْنَى الْوُقُوفِ وَالثَّبَاتِ. يُقَالُ لِلْمَاشِي: قِفْ لِي أَيْ تحبَّس مكانَك حَتَّى آتِيَكَ، وَكَذَلِكَ قُم لِي بِمَعْنَى قِفْ لِي، وَعَلَيْهِ فَسَّرُوا قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ: وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا
؛ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَالتَّفْسِيرِ: قَامُوا هُنَا بِمَعْنَى وقَفُوا وَثَبَتُوا فِي مَكَانِهِمْ غَيْرَ مُتَقَدِّمِينَ وَلَا متأَخرين، وَمِنْهُ التَّوَقُّف فِي الأَمر وَهُوَ الوقُوف عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ مُجاوَزة لَهُ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
الْمُؤْمِنُ وَقَّافٌ متَأَنّ
، وَعَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الأَعشى:
كَانَتْ وَصاةٌ وحاجاتٌ لَهَا كَفَفُ، ... لَوْ أَنَّ صَحْبَكَ، إذْ نادَيْتَهم، وقَفُوا
أَيْ ثَبَتُوا وَلَمْ يتقدَّموا؛ وَمِنْهُ قَوْلُ هُدبة يَصِفُ فَلَاةً لَا يُهتدى فِيهَا:
يَظَلُّ بِهَا الْهَادِي يُقلِّبُ طَرْفَه، ... يَعَضُّ عَلَى إبْهامِه، وَهْوَ واقِفُ
أَي ثَابِتٌ بِمَكَانِهِ لَا يتقدَّم وَلَا يتأَخر؛ قَالَ: وَمِنْهُ قَوْلُ مُزَاحِمٍ:
أَتَعْرِفُ بالغَرَّيْنِ دَارًا تَأبَّدَتْ، ... منَ الحَيِّ، واستَنَّتْ عَليها العَواصِفُ
وقَفْتُ بِهَا لَا قاضِياً لِي لُبانةً، ... وَلَا أَنا عنْها مُسْتَمِرٌّ فَصارِفُ
قَالَ: فَثَبَتَ بِهَذَا مَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ. قَالَ: وَمِنْهُ قَامَتِ الدَّابَّةُ إِذَا وَقَفَتْ عَنِ السَّيْرِ. وقَامَ عِنْدَهُمُ الْحَقُّ أَيْ ثَبَتَ وَلَمْ يَبْرَحْ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: أَقَامَ بِالْمَكَانِ هُوَ بِمَعْنَى الثَّبَاتِ. وَيُقَالُ: قَامَ الْمَاءُ إِذَا ثَبَتَ متحيراً لا يجد مَنْفَذاً، وَإِذَا جَمد أَيْضًا؛ قَالَ: وَعَلَيْهِ فُسِّرَ بَيْتُ أَبِي الطِّيِّبِ:
وَكَذَا الكَريمُ إِذَا أَقام بِبَلدةٍ، ... سالَ النُّضارُ بِهَا وقَامَ الْمَاءُ
أَيْ ثَبَتَ مُتَحَيِّرًا جَامِدًا. وقَامَت السُّوق إِذَا نفَقت، وَنَامَتْ إِذَا كَسَدَتْ. وسُوق قَائِمَة: نافِقة. وسُوق نائِمة: كاسِدة. وقَاوَمْتُه قِوَاماً: قُمْت مَعَهُ، صحَّت الْوَاوُ فِي قِوام لِصِحَّتِهَا فِي قاوَم. والقَوْمَةُ: مَا بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ مِنَ القِيام. قَالَ أَبو الدُّقَيْش: أُصلي الغَداة قَوْمَتَيْنِ، وَالْمَغْرِبَ ثَلَاثَ قَوْمات، وَكَذَلِكَ قَالَ في الصلاة.
__________
(2) . قوله [علاما] ثبتت ألف ما في الإِستفهام مجرورة بعلى في الأَصل، وعليها فالجزء موفور وإن كان الأَكثر حذفها حينئذ(12/497)
والمَقَام: مَوْضِعُ الْقَدَمَيْنِ؛ قَالَ:
هَذَا مَقَامُ قَدَمَي رَباحِ، ... غُدْوَةَ حتَّى دَلَكَتْ بَراحِ
وَيُرْوَى: بِراحِ. والمُقَامُ والمُقَامَةُ: الْمَوْضِعُ الَّذِي تُقيم فِيهِ. والمُقَامَة، بِالضَّمِّ: الإِقامة. والمَقَامَة، بِالْفَتْحِ: الْمَجْلِسُ وَالْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ، قَالَ: وَأَمَّا المَقامُ والمُقامُ فَقَدْ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَعْنَى الإِقامة، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى مَوْضِعِ القِيام، لأَنك إِذَا جَعَلْتَهُ مِنْ قَامَ يَقُوم فَمَفْتُوحٌ، وَإِنْ جَعَلْتَهُ مِنْ أَقَامَ يُقِيمُ فَمضْموم، فَإِنَّ الْفِعْلَ إِذَا جَاوَزَ الثَّلَاثَةَ فَالْمَوْضِعُ مَضْمُومُ الْمِيمِ، لأَنه مُشَبَّه بِبَنَاتِ الأَربعة نَحْوُ دَحْرَجَ وَهَذَا مُدَحْرَجُنا. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: لَا مَقَامَ لَكُمْ، أَيْ لَا مَوْضِعَ لَكُمْ، وقُرئ لَا مُقامَ لَكُمْ
، بِالضَّمِّ، أَيْ لَا إِقَامَةَ لَكُمْ. وحَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً
؛ أَي مَوْضِعًا؛ وَقَوْلُ لَبِيدٍ:
عَفَتِ الدِّيارُ: مَحلُّها فَمُقامُها ... بِمنىً، تأَبَّدَ غَوْلُها فَرِجامُها
يَعْنِي الإِقامة. وَقَوْلُهُ عزَّ وَجَلَّ: كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ
؛ قِيلَ: المَقَامُ الْكَرِيمُ هُوَ المِنْبَر، وَقِيلَ: الْمَنْزِلَةُ الحسَنة. وقَامَتِ المرأَة تَنُوح أَي جعَلت تَنُوحُ، وَقَدْ يُعْنى بِهِ ضِدُّ القُعود لأَن أَكْثَرَ نَوائِحِ الْعَرَبِ قِيامٌ؛ قَالَ لَبِيدٍ:
قُوما تَجُوبانِ مَعَ الأَنْواح
وَقَوْلُهُ:
يَوْمُ أَدِيمِ بَقَّةَ الشَّرِيمِ ... أَفضَلُ مِنْ يومِ احْلِقِي وقُومِي
إِنَّمَا أَراد الشِّدَّةَ فَكَنَّى عَنْهُ باحْلِقي وقُومِي، لأَن المرأَة إِذَا مَاتَ حَمِيمها أَوْ زَوْجُهَا أَوْ قُتل حلَقَت رأْسها وقامَت تَنُوح عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُمْ: ضَرَبه ضَرْبَ ابنةِ اقْعُدي وقُومِي أَيْ ضَرْبَ أَمَةٍ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لقُعودها وقِيامها فِي خِدْمَةِ مَوَالِيهَا، وكأنَّ هَذَا جُعِلَ اسْمًا، وَإِنْ كَانَ فِعْلًا، لِكَوْنِهِ مِنْ عَادَتِهَا كَمَا قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ عَنْ قِيلٍ وقالٍ. وأَقَامَ بِالْمَكَانِ إِقَاماً وإقَامةً ومُقَاماً وقَامَةً؛ الأَخيرة عَنْ كُرَاعٍ: لَبِثَ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي أَنَّ قَامَة اسْمٌ كالطّاعةِ والطّاقَةِ. التَّهْذِيبُ: أَقَمْتُ إِقَامَةً، فَإِذَا أَضَفْت حَذَفْت الْهَاءَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ*
. الْجَوْهَرِيُّ: وأَقَامَ بِالْمَكَانِ إِقَامَةً، وَالْهَاءُ عِوَضٌ عَنْ عَيْنِ الْفِعْلِ لأَن أصلَه إقْواماً، وأَقَامَه مِنْ مَوْضِعِهِ. وأَقَامَ الشَّيْءَ: أَدامَه، مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ*
، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ
؛ أَرَادَ إِنَّ مَدِينَةَ قَوْمِ لُوطٍ لَبِطَرِيقٍ بيِّن وَاضِحٍ؛ هَذَا قَوْلُ الزَّجَّاجِ. والاسْتِقَامَةُ: الاعْتدالُ، يُقَالُ: اسْتَقَامَ لَهُ الأَمر. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ
أَيْ فِي التَّوَجُّه إِلَيْهِ دُونَ الآلهةِ. وقَامَ الشيءُ واسْتَقَامَ: اعْتدَل وَاسْتَوَى. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا*
؛ مَعْنَى قَوْلِهِ اسْتَقَامُوا عَمِلُوا بِطَاعَتِهِ ولَزِموا سُنة نَبِيَّهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ الأَسود بْنُ مَالِكٍ: ثُمَّ اسْتَقَاموا لَمْ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَقَالَ قَتَادَةُ: اسْتَقَامُوا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ؛ قَالَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ:
فَهُمْ صَرفُوكم، حينَ جُزْتُمْ عنِ الهُدَى، ... بأَسْيافِهِمْ حَتَّى اسْتَقَمْتُمْ عَلَى القِيَمْ
قَالَ: القِيَمُ الاسْتِقامةُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
قُلْ آمَنتُ بِاللَّهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ
؛ فُسِّرَ عَلَى وَجْهَيْنِ: قِيلَ هُوَ الاسْتقامة عَلَى الطَّاعَةِ، وَقِيلَ هُوَ تَرْكُ الشِّرك. أَبو زَيْدٍ: أَقَمْتُ الشَّيْءَ وقَوَّمْته فَقامَ بِمَعْنَى اسْتقام، قَالَ: والاسْتِقامة اعْتِدَالُ الشَّيْءِ واسْتِواؤه. واسْتَقامَ فُلَانٌ بِفُلَانٍ أَيْ مدَحه وأَثنى عَلَيْهِ. وقَامَ مِيزانُ النَّهَارِ إِذَا انْتَصفَ،(12/498)
وَقَامَ قائمُ الظَّهِيرة؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
وقَامَ مِيزانُ النَّهارِ فاعْتَدَلْ
والقَوامُ: العَدْل؛ قَالَ تَعَالَى: وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً
؛ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ
؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ لِلْحَالَةِ الَّتِي هِيَ أَقْوَمُ الحالاتِ وَهِيَ تَوْحِيدُ اللَّهِ، وشهادةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، والإِيمانُ برُسُله، وَالْعَمَلُ بِطَاعَتِهِ. وقَوَّمَه هُوَ؛ وَاسْتَعْمَلَ أَبُو إِسْحَاقَ ذَلِكَ فِي الشِّعر فَقَالَ: اسْتَقَامَ الشِّعر اتَّزَنَ. وقَوَّمَ دَرْأَه: أَزال عِوَجَه؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وَكَذَلِكَ أَقَامَه؛ قَالَ:
أَقِيمُوا، بَني النُّعْمانِ، عَنَّا صُدُورَكُم، ... وَإِلَّا تُقِيموا، صاغِرِينَ، الرُّؤوسا
عدَّى أَقِيمُوا بِعَنْ لأَن فِيهِ مَعْنَى نَحُّوا أَو أَزيلُوا، وأَما قَوْلُهُ: وإلَّا تُقِيموا صاغرين الرُّؤوسا فَقَدْ يَجُوزُ أَن يُعْنى بِهِ عُني بأَقِيموا أَيْ وَإِلَّا تُقيموا رؤوسكم عنا صاغرين، فالرُّؤوسُ عَلَى هَذَا مَفْعُولٌ بتُقيموا، وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَ أَقيموا هُنَا غَيْرَ مُتَعَدٍّ بِعَنْ فَلَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ حَرْفٌ ولا حذف، والرُّؤوسا حِينَئِذٍ مَنْصُوبٌ عَلَى التَّشْبِيهِ بِالْمَفْعُولِ. أَبو الْهَيْثَمِ: القَامَةُ جَمَاعَةُ النَّاسِ. والقَامَةُ أَيْضًا: قامةُ الرَّجُلِ. وقَامَةُ الإِنسان وقَيْمَتُه وقَوْمَتُه وقُومِيَّتُه وقَوامُه: شَطاطُه؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
أَما تَرَيني اليَوْمَ ذَا رَثِيَّهْ، ... فَقَدْ أَرُوحُ غيرَ ذِي رَذِيَّهْ
صُلْبَ القَناةِ سَلْهَبَ القُومِيَّهْ
وصَرَعَه مِنْ قَيْمَتِه وقَوْمَتِه وقَامَته بِمَعْنًى وَاحِدٍ؛ حَكَاهُ اللِّحْيَانِيُّ عَنِ الْكِسَائِيِّ. وَرَجُلٌ قَوِيمٌ وقَوَّامٌ: حَسَنُ الْقَامَةِ، وَجَمْعُهُمَا قِوَامٌ. وقَوَام الرَّجُلِ: قَامَتُهُ وحُسْنُ طُوله، والقُومِيَّةُ مِثْلُهُ؛ وَأَنْشَدَ ابْنُ بَرِّيٍّ رَجَزَ الْعَجَّاجِ:
أَيامَ كنتَ حسَنَ القُومِيَّهْ، ... صلبَ الْقَنَاةِ سَلهبَ القَوْسِيَّهْ
والقَوَامُ: حُسْنُ الطُّول. يُقَالُ: هُوَ حَسَنُ القَامَةِ والقُومِيَّة والقِمّةِ. الْجَوْهَرِيُّ: وقَامَةُ الإِنسان قَدْ تُجمَع عَلَى قاماتٍ وقِيَمٍ مِثْل تاراتٍ وتِيَر، قَالَ: وَهُوَ مَقْصُورُ قِيَامٍ وَلَحِقَهُ التَّغْيِيرُ لأَجل حَرْفِ الْعِلَّةِ وَفَارَقَ رَحَبة ورِحاباً حَيْثُ لَمْ يَقُولُوا رِحَبٌ كَمَا قَالُوا قِيَمٌ وتِيَرٌ. والقُومِيَّةُ: القَوام أَو القامةُ. الأَصمعي: فُلَانٌ حَسَنُ القامةِ والقِمّة والقُوميَّة بِمَعْنًى وَاحِدٍ؛ وأَنشد:
فَتَمَّ مِنْ قَوامِها قُومِيّ
وَيُقَالُ: فُلَانٌ ذُو قُومِيَّةٍ عَلَى مَالِهِ وأَمْره. وَتَقُولُ: هَذَا الأَمر لَا قُومِيَّة لَهُ أَيْ لَا قِوامَ لَهُ. والقُومُ: القصدُ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
واتَّخَذَ الشَّد لهنَّ قُوما
وقَاوَمَه فِي المُصارَعة وَغَيْرِهَا. وتَقَاوَمُوا فِي الْحَرْبِ أَيْ قَامَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ. وقِوَامُ الأَمر، بِالْكَسْرِ: نِظامُه وعِماده. أَبو عُبَيْدَةَ: هُوَ قِوَامُ أَهْلِ بَيْتِهِ وقِيامُ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ الَّذِي يُقيم شأْنهم مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً
. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: قُرِئَتْ
جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً
وقِيَماً.
وَيُقَالُ: هَذَا قِوامُ الأَمر ومِلاكُه الَّذِي يَقوم بِهِ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
أَفَتِلْكَ أمْ وَحْشِيّةٌ مَسْبُوعَةٌ ... خُذِلَتْ، وهادِيةُ الصِّوارِ قوامُها؟
قَالَ: وَقَدْ يُفْتَحُ، وَمَعْنَى الْآيَةِ أَيِ الَّتِي جعلَها اللَّهُ لَكُمْ قِياماً تُقِيمكم فتَقُومون بِهَا قِياماً، وَمَنْ قرأَ
قِيَماً
فَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى هَذَا، وَالْمَعْنَى جَعَلَهَا اللَّهُ قِيمةَ(12/499)
الأَشياء فَبِهَا تَقُوم أُمورُكم؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً
يَعْنِي الَّتِي بِهَا تَقُومون قِيَامًا وقِواماً، وقرأَ نَافِعٌ الْمَدَنِيُّ
قيَماً
، قَالَ: وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. ودِينارٌ قائِم إِذَا كَانَ مِثْقَالًا سَواء لَا يَرْجح، وَهُوَ عِنْدَ الصَّيَارِفَةِ نَاقِصٌ حَتَّى يَرْجَح بِشَيْءٍ فَيُسَمَّى مَيّالًا، وَالْجَمْعُ قُوَّمٌ وقِيَّمٌ. وقَوَّمَ السِّلْعة واسْتَقَامَها: قَدَّرها. وَفِي حَدِيثِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: إِذَا اسْتَقَمْت بنَقْد فبِعْتَ بِنَقْدٍ فَلَا بأْس بِهِ، وَإِذَا اسْتَقَمْت بِنَقْدٍ فَبِعْتَهُ بِنَسيئة فَلَا خَيْرَ فِيهِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: قَوْلُهُ إِذَا اسْتَقَمْتَ يَعْنِي قوَّمت، وَهَذَا كَلَامُ أَهْلِ مَكَّةَ، يَقُولُونَ: استَقَمْتُ المَتاع أَيْ قَوَّمْته، وَهُمَا بِمَعْنًى، قَالَ: وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنْ يدفَعَ الرجلُ إِلَى الرَّجُلِ الثَّوْبَ فَيُقَوِّمُهُ مَثَلًا بِثَلَاثِينَ دِرْهَمًا، ثُمَّ يَقُولُ: بِعْهُ فَمَا زَادَ عَلَيْهَا فَلَكَ، فَإِنْ بَاعَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ بِالنَّقْدِ فَهُوَ جَائِزٌ، ويأْخذ مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِينَ، وَإِنْ بَاعَهُ بِالنَّسِيئَةِ بأَكثر مِمَّا يَبِيعُهُ بِالنَّقْدِ فَالْبَيْعُ مَرْدُودٌ وَلَا يَجُوزُ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَهَذَا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بالرأْي لَا يَجُوزُ لأَنها إِجَارَةٌ مَجْهُولَةٌ، وَهِيَ عِنْدَنَا مَعْلُومَةٌ جَائِزَةٌ، لأَنه إِذَا وَقَّت لَهُ وَقْتاً فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ فَالْوَقْتُ يأْتي عَلَيْهِ، قَالَ: وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ بعد ما رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ يَسْتَقِيمه بِعَشَرَةٍ نَقْدًا فَيَبِيعُهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ نَسِيئَةً، فَيَقُولُ: أُعْطِي صَاحِبَ الثَّوْبِ مِنْ عِنْدِي عَشَرَةً فَتَكُونُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ لِي، فَهَذَا الَّذِي كُرِهَ. قَالَ إِسْحَاقُ: قُلْتُ لأَحمد قَوْلُ
ابْنِ عَبَّاسٍ إِذَا اسْتَقَمْتَ بِنَقْدٍ فَبِعْتَ بِنَقْدٍ
، الْحَدِيثَ، قَالَ: لأَنه يَتَعَجَّلُ شَيْئًا وَيَذْهَبُ عَناؤه بَاطِلًا، قَالَ إِسْحَاقُ: كَمَا قَالَ قُلْتُ فَمَا المُسْتَقِيم؟ قَالَ: الرَّجُلُ يَدْفَعُ إِلَى الرَّجُلِ الثَّوْبَ فَيَقُولُ بِعْهُ بِكَذَا، فَمَا ازْدَدْتَ فَهُوَ لَكَ، قُلْتُ: فَمَنْ يَدْفَعُ الثَّوْبَ إِلَى الرَّجُلِ فَيَقُولُ بِعْهُ بِكَذَا فَمَا زَادَ فَهُوَ لَكَ؟ قَالَ: لَا بأْس، قَالَ إِسْحَاقُ كَمَا قَالَ. والقِيمَةُ: وَاحِدَةُ القِيَم، وأَصله الْوَاوُ لأَنه يَقُومُ مَقَامَ الشَّيْءِ. والقِيمة: ثَمَنُ الشَّيْءِ بالتَّقْوِيم. تَقُولُ: تَقَاوَمُوه فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَإِذَا انْقادَ الشَّيْءُ وَاسْتَمَرَّتْ طَرِيقَتُهُ فَقَدِ اسْتَقَامَ لوجه. وَيُقَالُ: كَمْ قَامَتْ ناقتُك أَيْ كَمْ بَلَغَتْ. وَقَدْ قَامَتِ الأَمةُ مِائَةَ دِينَارٍ أَيْ بَلَغَ قِيمَتُهَا مِائَةَ دِينَارٍ، وَكَمْ قَامَتْ أَمَتُك أَيْ بَلَغَتْ. والاسْتِقَامة: التَّقْوِيمُ، لِقَوْلِ أَهْلِ مَكَّةَ اسْتَقَمْتُ الْمَتَاعَ أَيْ قوَّمته. وَفِي الْحَدِيثِ:
قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ قَوَّمْتَ لَنَا، فَقَالَ: اللَّهُ هُوَ المُقَوِّم
، أَيْ لَوْ سَعَّرْت لَنَا، وَهُوَ مِنْ قِيمَةِ الشَّيْءِ، أَيْ حَدَّدْت لَنَا قِيمَتَهَا. وَيُقَالُ: قَامَتْ بِفُلَانٍ دابتُهُ إِذَا كلَّتْ وأَعْيَتْ فَلَمْ تَسِر. وقَامَتِ الدَّابَّةُ: وَقَفَت. وَفِي الْحَدِيثِ:
حِينَ قَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ
أَيْ قِيَامُ الشَّمْسِ وَقْتَ الزَّوَالِ مِنْ قَوْلِهِمْ قَامَت بِهِ دَابَّتُهُ أَيْ وَقَفَتْ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الشَّمْسَ إِذَا بَلَغَتْ وسَط السَّمَاءِ أَبْطأَت حركةُ الظِّلِّ إِلَى أَنْ تَزُولَ، فَيَحْسَبُ النَّاظِرُ المتأَمل أَنَّهَا قَدْ وَقَفَتْ وَهِيَ سَائِرَةٌ لَكِنَّ سَيْرًا لَا يَظْهَرُ لَهُ أَثَرٌ سَرِيعٌ كَمَا يَظْهَرُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ، وَيُقَالُ لِذَلِكَ الْوُقُوفِ الْمُشَاهَدِ: قَامَ قَائِم الظَّهِيرَةِ، والقَائِمُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ. وَيُقَالُ: قَامَ مِيزَانُ النَّهَارِ فَهُوَ قَائِم أَيِ اعْتَدَل. ابْنُ سِيدَهْ: وقَامَ قَائِم الظَّهِيرَةِ إِذَا قَامَتِ الشَّمْسُ وعقَلَ الظلُّ، وَهُوَ مِنَ الْقِيَامِ. وعَيْنٌ قَائِمَة: ذَهَبَ بَصَرُهَا وحدَقَتها صَحِيحَةٌ سَالِمَةٌ. والقَائِم بالدِّين: المُسْتَمْسِك بِهِ الثَّابِتُ عَلَيْهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
إنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزام قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ لَا أخِرَّ إِلَّا قَائِماً؛ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا مِنْ قِبَلِنا فَلَا تَخِرُّ إِلَّا قَائِماً
أَيْ لَسْنَا نَدْعُوكَ وَلَا نُبَايِعُكَ إِلَّا قَائِماً أَيْ عَلَى الْحَقِّ؛ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: مَعْنَاهُ بَايَعْتُ أَنْ لَا أَمُوتَ إِلَّا ثَابِتًا عَلَى الإِسلام والتمسُّك بِهِ. وكلُ(12/500)
مَنْ ثَبَتَ عَلَى شَيْءٍ وَتَمَسَّكَ بِهِ فَهُوَ قَائِم عَلَيْهِ. وَقَالَ تَعَالَى: لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ
؛ إِنَّمَا هُوَ مِنَ المُواظبة عَلَى الدِّينِ وَالْقِيَامِ بِهِ؛ الْفَرَّاءُ: القَائِم الْمُتَمَسِّكُ بِدَيْنِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أُمَّة قَائِمَة أَيْ مُتَمَسِّكَةٌ بِدِينِهَا. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً
؛ أَيْ مُواظِباً مُلازِماً، وَمِنْهُ قِيلَ فِي الْكَلَامِ لِلْخَلِيفَةِ: هُوَ القائِمُ بالأَمر، وَكَذَلِكَ فُلَانٌ قَائِمٌ بِكَذَا إِذَا كَانَ حَافِظًا لَهُ مُتَمَسِّكًا بِهِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: والقَائِمُ عَلَى الشَّيْءِ الثَّابِتُ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ
؛ أَيْ مواظِبة عَلَى الدِّينِ ثَابِتَةٌ. يُقَالُ: قَامَ فُلَانٌ عَلَى الشَّيْءِ إِذَا ثَبَتَ عَلَيْهِ وَتَمَسَّكَ بِهِ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
اسْتَقِيموا لقُريش مَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ، فإنْ لَمْ يَفْعَلوا فضَعُوا سيُوفَكم عَلَى عَواتِقكم فأَبِيدُوا خضْراءهم
، أَيْ دُوموا لَهُمْ فِي الطَّاعَةِ واثْبُتوا عَلَيْهَا مَا دَامُوا عَلَى الدِّينِ وَثَبَتُوا عَلَى الإِسلام. يُقَالُ: قَامَ واسْتَقَامَ كَمَا يُقَالُ أَجابَ واسْتجابَ؛ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الخَوارِج وَمَنْ يَرى رأْيهم يتأَوَّلونه عَلَى الخُروج عَلَى الأَئمة وَيَحْمِلُونَ قَوْلَهُ مَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ عَلَى الْعَدْلِ فِي السِّيرة، وَإِنَّمَا الاسْتِقَامَة هَاهُنَا الإِقامة عَلَى الإِسلام، وَدَلِيلُهُ فِي حَدِيثٍ آخَرَ:
سيَلِيكم أُمَراءُ تَقْشَعِرُّ مِنْهُمُ الْجُلُودُ وتَشْمَئِزُّ مِنْهُمُ الْقُلُوبُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفلا نُقاتلهم؟ قَالَ: لَا مَا أَقَامُوا الصَّلَاةَ
، وَحَدِيثُهُ الْآخَرُ:
الأَئمة مِنْ قُرَيْشٍ أَبرارُها أُمَراءُ أَبرارِها وفُجَّارُها أُمَراءُ فُجَّارِها
؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
لَوْ لَمْ تَكِلْه لقَامَ لَكُمْ
أَيْ دَامَ وَثَبَتَ، وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ:
لَوْ تَرَكَتْه مَا زَالَ قَائِماً
، وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ:
مَا زَالَ يُقِيمُ لَهَا أُدْمَها.
وقَائِمُ السَّيْفِ: مَقْبِضُه، وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ قَائِمَة نَحْوُ قَائِمَةِ الخِوان وَالسَّرِيرِ وَالدَّابَّةِ. وقَوَائِم الخِوان وَنَحْوُهَا: مَا قَامَتْ عَلَيْهِ. الْجَوْهَرِيُّ: قَائِمُ السَّيْفِ وقَائِمَتُه مَقْبِضه. والقَائِمَةُ: وَاحِدَةُ قَوَائِم الدَّوابّ. وقَوَائِم الدَّابَّةِ: أربَعُها، وَقَدْ يُسْتَعَارُ ذَلِكَ فِي الإِنسان؛ وَقَوْلُ الْفَرَزْدَقِ يَصِفُ السُّيُوفَ:
إِذَا هِيَ شِيمتْ فالقَوَائِمُ تَحْتها، ... وإنْ لمْ تُشَمْ يَوْماً علَتْها القَوَائِمُ
أَراد سُلَّت. والقَوَائِم: مقَابِض السُّيُوفِ. والقُوَام: داءٌ يأْخذ الْغَنَمَ فِي قَوَائِمِهَا تَقُومُ مِنْهُ. ابْنُ السِّكِّيتِ: مَا فَعل قُوام كَانَ يَعتري هَذِهِ الدَّابَّةِ، بِالضَّمِّ، إِذَا كَانَ يَقُومُ فَلَا يَنْبَعث. الْكِسَائِيُّ: القُوَام داءٌ يأْخذ الشَّاةَ فِي قَوَائِمِهَا تَقُومُ مِنْهُ؛ وقَوَّمْتُ الْغَنَمُ: أَصابها ذَلِكَ فقامت. وقَامُوا بهم: جاؤوهم بأَعْدادهم وأَقرانِهم وأَطاقوهم. وَفُلَانٌ لَا يَقُوم بِهَذَا الأَمر أَيْ لَا يُطِيق عَلَيْهِ، وَإِذَا لَمْ يُطِق الإِنسان شَيْئًا قِيلَ: مَا قَامَ بِهِ. اللَّيْثُ: القَامَةُ مِقدار كَهَيْئَةِ رَجُلٍ يَبْنِي عَلَى شَفِير الْبِئْرِ يُوضَعُ عَلَيْهِ عُودُ البَكْرة، وَالْجَمْعُ القِيَم، وَكَذَلِكَ كَلُّ شَيْءٍ فَوْقَ سَطْحٍ وَنَحْوِهِ فَهُوَ قَامَة؛ قَالَ الأَزهري: الَّذِي قَالَهُ اللَّيْثُ فِي تَفْسِيرِ الْقَامَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ، والقَامَة عِنْدَ الْعَرَبِ الْبَكَرَةُ الَّتِي يُسْتَقَى بِهَا الْمَاءَ مِنَ الْبِئْرِ، وَرُويَ عَنْ أَبِي زَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ: النَّعامة الْخَشَبَةُ الْمُعْتَرِضَةُ عَلَى زُرْنُوقي الْبِئْرِ ثُمَّ تُعَلَّقُ الْقَامَةُ، وَهِيَ البَكْرة مِنَ النَّعَامَةِ. ابْنُ سِيدَهْ: والقامةُ الْبَكَرَةُ يُستقَى عَلَيْهَا، وَقِيلَ: الْبَكَرَةُ وَمَا عَلَيْهَا بأَداتِها، وَقِيلَ: هِيَ جُملة أَعْوادها؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
لَمّا رأَيْتُ أَنَّها لَا قامَهْ، ... وأَنَّني مُوفٍ عَلَى السَّآمَهْ،
نزَعْتُ نَزْعاً زَعْزَعَ الدِّعامهْ
وَالْجَمْعُ قِيَمٌ مِثْلُ تارةٍ وتِيَرٍ، وقَامٌ؛ قَالَ الطِّرِمّاح:
ومشَى تُشْبِهُ أَقْرابُه ... ثَوْبَ سَحْلٍ فوقَ أَعوادِ قَامِ(12/501)
وقال الرَّاجِزُ:
يَا سَعْدُ غَمَّ الماءَ وِرْدٌ يَدْهَمُه، ... يَوْمَ تَلاقى شاؤُه ونَعَمُهْ،
واخْتَلَفَتْ أَمْراسُه وقِيَمُهْ
وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:
لَمّا رأَيت أَنها لَا قَامَه
قَالَ: قَالَ أَبو عَلِيٍّ ذَهَبَ ثَعْلَبٌ إِلَى أَن قَامَة فِي الْبَيْتِ جَمْعُ قَائِم مِثْلُ بائِع وباعةٍ، كأَنه أَراد لَا قَائِمِينَ عَلَى هَذَا الْحَوْضِ يَسْقُون مِنْهُ، قَالَ: وَمِثْلُهُ فِيمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الأَصمعي:
وقَامَتي رَبِيعةُ بنُ كَعْبِ، ... حَسبُكَ أَخلاقُهمُ وحَسْبي
أَيْ رَبِيعة قَائِمُونَ بأَمري؛ قَالَ: وَقَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ:
وإنِّي لابنُ ساداتٍ ... كِرامٍ عنهمُ سُدْتُ
وإنِّي لابنُ قَامَاتٍ ... كِرامٍ عنهمُ قُمْتُ
أَراد بالقَامَاتِ الَّذِينَ يَقُومُونَ بالأُمور والأَحداث؛ وَمِمَّا يَشْهَدُ بِصِحَةِ قَوْلِ ثَعْلَبٍ أَنَّ القَامَة جَمْعُ قَائِمٍ لَا الْبَكَرَةِ قَوْلُهُ:
نَزَعْتُ نَزْعًا زَعْزَعَ الدِّعامه
والدِّعامة إِنَّمَا تَكُونُ لِلْبَكَرَةِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بكْرَةٌ فَلَا دِعَامَةَ وَلَا زعزعةَ لَهَا؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَشَاهِدُ القَامَة لِلْبَكَرَةِ قَوْلُ الرَّاجِزِ:
إنْ تَسْلَمِ القَامَةُ والمَنِينُ، ... تُمْسِ وكلُّ حائِمٍ عَطُونُ
وَقَالَ قَيْسُ بْنُ ثُمامة الأَرْحبي فِي قَامٍ جَمْعِ قامةِ الْبِئْرِ:
قَوْداءَ تَرْمَدُّ مِنْ غَمْزي لَهَا مَرَطَى، ... كأَن هادَيها قَامٌ عَلَى بِيرِ
والمِقْوَم: الخَشَبة الَّتِي يُمْسكها الْحَرَّاثُ. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ:
أَنَّهُ أَذِنَ فِي قَطْع المسَدِ والقائمَتينِ مِنْ شَجَرِ الحَرَم
، يُرِيدُ قَائِمَتَيِ الرَّحْل اللَّتَيْنِ تَكُونَانِ فِي مُقَدَّمِه ومُؤَخَّره. وقَيِّمُ الأَمر: مُقِيمهُ. وأمرٌ قَيِّمٌ: مُسْتقِيم. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَتَانِي مَلَك فَقَالَ: أَنت قُثَمٌ وخُلُقُكَ قَيِّم
أَيْ مُسْتَقِيم حسَن. وَفِي الْحَدِيثِ:
ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ
أَيْ الْمُسْتَقِيمُ الَّذِي لَا زَيْغ فِيهِ وَلَا مَيْل عَنِ الْحَقِّ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ
؛ أَي مُسْتَقِيمَةٌ تُبيّن الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ عَلَى اسْتِواء وبُرْهان؛ عَنِ الزَّجَّاجِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ
؛ أَي دِينُ الأُمةِ الْقَيِّمَةِ بِالْحَقِّ، ويجوز أَن يكن دِينَ المِلة الْمُسْتَقِيمَةِ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: إِنَّمَا أَنثه لأَنه أَراد المِلة الْحَنِيفِيَّةَ. والقَيِّمُ: السَّيِّدُ وسائسُ الأَمر. وقَيِّمُ القَوْم: الَّذِي يُقَوِّمُهم ويَسُوس أَمرهم. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَا أَفْلَحَ قَوْمٌ قَيِّمَتُهُم امْرَأَةٌ.
وقَيِّمُ المرأَةِ: زَوْجُهَا فِي بَعْضِ اللُّغَاتِ. وَقَالَ أَبو الْفَتْحِ ابْنُ جِنِّي فِي كِتَابِهِ الْمَوْسُومِ بالمُغْرِب. يُرْوَى أَن جَارِيَتَيْنِ مِنْ بَنِي جَعْفَرِ بْنِ كِلَابٍ تَزَوَّجَتَا أَخوين مِنْ بَنِي أَبي بَكْرٍ ابن كِلَابٍ فَلَمْ تَرْضَياهما فَقَالَتْ إِحْدَاهُمَا:
أَلا يَا ابْنَةَ الأَخْيار مِن آلِ جَعْفَرٍ ... لَقَدْ ساقَنا منْ حَيِّنا هَجْمَتاهُما
أُسَيْوِدُ مِثْلُ الهِرِّ لَا دَرَّ دَرُّه ... وآخَرُ مِثْلُ القِرْدِ لَا حَبَّذا هُما
يَشِينانِ وجْهَ الأَرْضِ إنْ يَمْشِيا بِها، ... ونَخْزَى إذَا مَا قِيلَ: مَنْ قَيِّماهُما؟
قَيِّمَاهما: بَعْلاهُما، ثَنَّتِ الهَجّمتين لأَنها أَرادت القِطْعَتَين أَو القَطيعَيْنِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امرأَة قَيِّمٌ وَاحِدٌ
؛ قَيِّمُ المرأَةِ: زَوْجُهَا لأَنه(12/502)
يَقُوم بأَمرها وَمَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ. وَقَامَ بأَمر كَذَا. وَقَامَ الرجلُ عَلَى المرأَة: مانَها. وَإِنَّهُ لَقَوّام عَلَيْهَا: مائنٌ لَهَا. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ
؛ وَلَيْسَ يُرَادُ هَاهُنَا، وَاللَّهُ أَعلم، القِيام الَّذِي هُوَ المُثُولُ والتَّنَصُّب وَضِدُّ القُعود، إِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ قُمْتُ بأَمرك، فَكَأَنَّهُ، وَاللَّهُ أَعلم، الرِّجَالُ مُتكفِّلون بأُمور النساء مَعْنِيُّون بشؤونهن، وَكَذَلِكَ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ
؛ أَي إِذَا هَمَمْتم بِالصَّلَاةِ وتَوَجّهْتم إِلَيْهَا بالعِناية وَكُنْتُمْ غَيْرَ مُتَطَهِّرِينَ فَافْعَلُوا كَذَا، لَا بُدَّ مِنْ هَذَا الشَّرْطِ لأَن كُلَّ مَنْ كَانَ عَلَى طُهر وأَراد الصَّلَاةَ لَمْ يَلْزَمْهُ غَسْل شَيْءٍ مِنْ أَعْضَائِهِ، لَا مرتَّباً وَلَا مُخيراً فِيهِ، فَيَصِيرُ هَذَا كَقَوْلِهِ: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا؛ وَقَالَ هَذَا، أَعني قَوْلَهُ إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ
فَافْعَلُوا كَذَا، وَهُوَ يُرِيدُ إِذَا قُمْتُمْ وَلَسْتُمْ عَلَى طَهَارَةٍ، فَحَذَفَ ذَلِكَ لِلدَّلَالَةِ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَحد الِاخْتِصَارَاتِ الَّتِي فِي الْقُرْآنِ وَهُوَ كَثِيرٌ جِدًّا؛ وَمِنْهُ قَوْلُ طَرَفَةَ:
إِذَا مُتُّ فانْعِينِي بِمَا أَنا أَهْلُه، ... وشُقِّي عَلَيَّ الجَيْبَ، يَا ابنةَ مَعْبَدِ
تأْويله: فَإِنْ مُتُّ قَبْلَكِ، لَا بُدَّ أَن يَكُونَ الْكَلَامُ مَعْقوداً عَلَى هَذَا لأَنه مَعْلُومٌ أَنه لَا يُكَلِّفُهَا نَعْيَه والبُكاء عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهَا، إِذِ التكليفُ لَا يَصِحُّ إِلَّا مَعَ الْقُدْرَةِ، وَالْمَيِّتُ لَا قُدْرَةَ فِيهِ بَلْ لَا حَياة عِنْدَهُ، وَهَذَا وَاضِحٌ. وأَقامَ الصَّلَاةَ إِقَامةً وإِقَاماً؛ فإِقَامةً عَلَى الْعِوَضِ، وإِقَاماً بِغَيْرِ عِوَضٍ. وَفِي التَّنْزِيلِ: وَأَقامَ الصَّلاةَ*
. وَمِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ: مَا أَدري أَأَذَّنَ أَو أَقَامَ؛ يَعْنُونَ أَنهم لَمْ يَعْتَدّوا أَذانَه أَذاناً وَلَا إقامَته إِقَامَةً، لأَنه لَمْ يُوفِّ ذَلِكَ حقَّه، فَلَمَّا وَنَى فِيهِ لَمْ يُثبت لَهُ شَيْئًا مِنْهُ إِذْ قَالُوهَا بأَو، وَلَوْ قَالُوهَا بأَم لأَثبتوا أَحدهما لَا مَحَالَةَ. وَقَالُوا: قَيِّمُ الْمَسْجِدِ وقَيِّمُ الحَمَّام. قَالَ ثَعْلَبٌ: قَالَ ابْنُ ماسَوَيْهِ يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَن يَكُونَ فِي الشِّتَاءِ كقَيِّم الحَمَّام، وأَما الصَّيْفُ فهو حَمَّام كله وَجَمْعُ قَيِّم عِنْدَ كُرَاعٍ قَامَة. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي أَن قَامَة إِنَّمَا هُوَ جَمْعُ قَائِم عَلَى مَا يَكْثُرُ فِي هَذَا الضَّرْبِ. والمِلَّة القَيِّمة: المُعتدلة، والأُمّة القَيِّمة كَذَلِكَ. وَفِي التَّنْزِيلِ: وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ
؛ أَيْ الأُمَّة الْقَيِّمَةُ. وَقَالَ أَبو العباس والمبرد: هَاهُنَا مُضْمَرٌ، أَراد ذَلِكَ دِينُ الملَّةِ الْقَيِّمَةِ، فَهُوَ نعت مضمرٍ محذوفٌ محذوقٌ؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هَذَا مِمَّا أُضيف إِلَى نَفْسِهِ لِاخْتِلَافِ لَفْظَيْهِ؛ قَالَ الأَزهري: وَالْقَوْلُ مَا قَالَا، وَقِيلَ: الْهَاءُ فِي القَيِّمَة لِلْمُبَالَغَةِ، وَدِينٌ قَيِّمٌ كَذَلِكَ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ:
دِينًا قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ.
وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ وَقَدْ قُرئ دِيناً قِيَماً
أَيْ مُسْتَقِيمًا. قَالَ أَبو إِسْحَاقَ: القَيِّمُ هُوَ المُسْتَقيم، والقِيَمُ: مَصْدَرٌ كالصِّغَر والكِبَر إِلَّا أَنه لَمْ يُقل قِوَمٌ مِثْلَ قَوْلِهِ: لَا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا؛ لأَن قِيَماً مِنْ قَوْلِكَ قَامَ قِيَماً، وقَامَ كَانَ فِي الأَصل قَوَمَ أَو قَوُمَ، فَصَارَ قَامَ فَاعْتَلَّ قِيَم، وأَما حِوَلٌ فَهُوَ عَلَى أَنه جَارٍ عَلَى غَيْرِ فِعْل؛ وَقَالَ الزَّجَّاجُ: قِيَماً مَصْدَرٌ كَالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ، وَكَذَلِكَ دِينٌ قَوِيم وقِوَامٌ. وَيُقَالُ: رُمْحٌ قَوِيمٌ وقَوَامٌ قَوِيمٌ أَي مُسْتَقِيمٌ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِكَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ:
فَهُمْ ضَرَبُوكُم حِينَ جُرْتم عَنِ الهُدَى ... بأَسْيافهم، حتَّى اسْتَقَمْتُمْ عَلَى القِيَمْ «3»
. وَقَالَ حَسَّانُ:
وأَشْهَدُ أَنَّكَ، عِنْد المَلِيكِ، ... أُرْسِلْتَ حَقّاً بِدِينٍ قِيَمْ
قَالَ: إِلَّا أَنَّ القِيَمَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الِاسْتِقَامَةِ. وَاللَّهُ
__________
(3) . قوله [ضربوكم حين جرتم] تقدم في هذه المادة تبعاً للأَصل: صرفوكم حين جزتم، ولعله مروي بهما(12/503)
تَعَالَى القَيُّوم والقَيَّامُ. ابْنُ الأَعرابي: القَيُّوم والقَيَّام والمُدبِّر وَاحِدٌ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: القَيُّوم والقَيَّام فِي صِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وأَسمائه الْحُسْنَى الْقَائِمُ بِتَدْبِيرِ أَمر خَلقه فِي إِنْشَائِهِمْ ورَزْقهم وَعِلْمِهِ بأَمْكِنتهم. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: صُورَةُ القَيُّوم مِنَ الفِعل الفَيْعُول، وَصُورَةُ القَيَّام الفَيْعال، وَهُمَا جَمِيعًا مَدْحٌ، قَالَ: وأَهل الْحِجَازِ أَكثر شَيْءٍ قَوْلًا للفَيْعال مِنْ ذَوَاتِ الثَّلَاثَةِ مِثْلُ الصَّوَّاغ، يَقُولُونَ الصَّيَّاغ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي القَيِّم: هُوَ مِنَ الْفِعْلِ فَعِيل، أَصله قَوِيم، وَكَذَلِكَ سَيّد سَوِيد وجَيِّد جَوِيد بِوَزْنِ ظَرِيف وكَرِيم، وَكَانَ يَلْزَمُهُمْ أَن يَجْعَلُوا الْوَاوُ أَلفاً لِانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا ثُمَّ يُسْقِطُوهَا لِسُكُونِهَا وَسُكُونِ الَّتِي بَعْدَهَا، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ صَارَتْ سَيْد عَلَى فَعْل، فَزَادُوا يَاءً عَلَى الْيَاءِ لِيَكْمُلَ بِنَاءُ الْحَرْفِ؛ وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: قَيِّم وَزْنُهُ فَيْعِل وأَصله قَيْوِم، فَلَمَّا اجْتَمَعَتِ الْيَاءُ وَالْوَاوُ وَالسَّابِقُ سَاكِنٌ أَبدلوا مِنَ الْوَاوِ يَاءً وأَدغموا فِيهَا الْيَاءَ الَّتِي قَبْلَهَا، فَصَارَتَا يَاءً مُشَدَّدَةً، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي سَيِّدٍ وَجَيِّدٍ وَمَيِّتٍ وَهَيِّنٍ وَلَيِّنٍ. قَالَ الْفَرَّاءُ: لَيْسَ فِي أَبنية الْعَرَبِ فَيْعِل، والحَيّ كَانَ فِي الأَصل حَيْواً، فَلَمَّا اجْتَمَعَتِ الْيَاءُ وَالْوَاوُ وَالسَّابِقُ سَاكِنٌ جعلتا يَاءً مُشَدَّدَةً. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: القَيُّوم الْقَائِمُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَقَالَ قَتَادَةُ: القَيُّوم الْقَائِمُ عَلَى خَلْقِهِ بِآجَالِهِمْ وأَعمالهم وأَرزاقهم. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: القَيُّومُ الَّذِي لَا بَدِيء لَهُ. وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: القَيُّوم الْقَائِمُ عَلَى الأَشياء. الْجَوْهَرِيُّ: وقرأَ عُمَرُ
الحيُّ القَيَّام
، وَهُوَ لُغَةٌ، والْحَيُّ الْقَيُّومُ*
أَي الْقَائِمُ بأَمر خَلْقِهِ فِي إِنْشَائِهِمْ وَرَزْقِهِمْ وَعِلْمِهِ بمُسْتَقرِّهم وَمُسْتَوْدَعِهِمْ. وَفِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ:
ولكَ الْحَمْدُ أَنت قَيَّام السماواتِ والأَرض
، وَفِي رِوَايَةٍ:
قَيِّم
، وَفِي أُخرى:
قَيُّوم
، وَهِيَ مِنْ أَبْنِيَةِ الْمُبَالَغَةِ، وَمَعْنَاهَا القَيّام بأُمور الْخَلْقِ وَتَدْبِيرِ الْعَالَمِ فِي جَمِيعِ أَحواله، وأَصلها مِنَ الْوَاوِ قَيْوامٌ وقَيْوَمٌ وقَيْوُومٌ، بِوَزْنِ فَيْعالٍ وفَيْعَلٍ وفَيْعُول. والقَيُّومُ: مِنْ أَسماء اللَّهِ الْمَعْدُودَةِ، وَهُوَ الْقَائِمُ بِنَفْسِهِ مُطْلَقًا لَا بِغَيْرِهِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَقُومُ بِهِ كُلُّ مَوْجُودٍ حَتَّى لَا يُتَصوَّر وُجُودُ شَيْءٍ وَلَا دَوَامُ وَجُودِهِ إِلَّا بِهِ. والقِوَامُ مِنَ الْعَيْشِ «1» : مَا يُقيمك. وَفِي حَدِيثِ الْمَسْأَلَةِ:
أَو لِذِي فَقْرٍ مُدْقِع حَتَّى يُصِيب قِوَاماً مِنْ عَيْشٍ
أَي مَا يَقُومُ بِحَاجَتِهِ الضَّرُورِيَّةِ. وقِوَامُ الْعَيْشِ: عِمَادُهُ الَّذِي يَقُومُ بِهِ. وقِوَامُ الجِسم: تَمَامُهُ. وقِوَام كُلِّ شَيْءٍ: مَا اسْتَقَامَ بِهِ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
رأْسُ قِوَامِ الدِّينِ وابنُ رَأْس
وإِذا أَصاب البردُ شَجَرًا أَو نَبْتًا فأَهلك بَعْضًا وَبَقِيَ بَعْضٌ قِيلَ: مِنْهَا هامِد وَمِنْهَا قَائِمٌ. الْجَوْهَرِيُّ: وقَوَّمْتُ الشَّيْءَ، فَهُوَ قَوِيم أَيْ مُسْتَقِيمٌ، وَقَوْلُهُمْ مَا أَقْوَمَه شَاذٌّ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يَعْنِي كَانَ قِيَاسُهُ أَن يُقَالَ فِيهِ مَا أَشدَّ تَقْويمه لأَن تَقْوِيمَهُ زَائِدٌ عَلَى الثَّلَاثَةِ، وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ لِقَوْلِهِمْ قَويم، كَمَا قَالُوا مَا أَشدَّه وَمَا أَفقَره وَهُوَ مَنِ اشْتَدَّ وَافْتَقَرَ لِقَوْلِهِمْ شَدِيدٌ وَفَقِيرٌ. قَالَ: وَيُقَالُ مَا زِلت أُقَاوِمُ فُلَانًا فِي هَذَا الأَمر أَيْ أُنازِله. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَن جالَسه أَو قَاوَمَه فِي حَاجَةٍ صابَره.
قَالَ ابْنُ الأَثير: قَاوَمَه فاعَله مِنَ القِيام أَي إِذَا قامَ مَعَهُ لِيَقْضِيَ حاجتَه صبَر عَلَيْهِ إِلَى أَنْ يقضِيها. وَفِي الْحَدِيثِ:
تَسْويةُ الصَّفِّ مِنْ إِقَامَة الصَّلَاةِ
أَيْ مِنْ تَمَامِهَا وَكَمَالِهَا، قَالَ: فأَمّا قَوْلُهُ قَدْ قَامَتِ الصلاة فمعناه
__________
(1) . قوله [والقِوَام من العيش] ضبط القوام في الأَصل بالكسر واقتصر عليه في المصباح، ونصه: والقِوَام، بالكسر، ما يقيم الإِنسان من القوت، وقال أيضاً في عماد الأَمر وملاكه أنه بالفتح والكسر، وقال صاحب القاموس: القوام كسحاب ما يعاش به، وبالكسر، نظام الأَمر وعماده(12/504)
قامَ أَهلُها أَو حَانَ قِيامهم. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ: فِي الْعَيْنِ القَائِمَة ثُلُث الدِّيَةِ
؛ هِيَ الْبَاقِيَةُ فِي مَوْضِعِهَا صَحِيحَةً وَإِنَّمَا ذَهَبَ نظرُها وإبصارُها. وَفِي حَدِيثِ
أَبي الدَّرْدَاءِ: رُبَّ قَائِمٍ مَشكورٌ لَهُ ونائمٍ مَغْفورٌ لَهُ
أَي رُبَّ مُتَهَجِّد يَستغفر لأَخيه النَّائِمِ فيُشكر لَهُ فِعله ويُغفر لِلنَّائِمِ بِدُعَائِهِ. وَفُلَانٌ أَقْوَمُ كَلَامًا مِنْ فُلَانٍ أَي أَعدَلُ كَلَامًا. والقَوْمُ: الْجَمَاعَةُ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا، وَقِيلَ: هُوَ لِلرِّجَالِ خَاصَّةً دُونَ النِّسَاءِ، ويُقوِّي ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَ
؛ أَي رِجَالٌ مِنْ رِجَالٍ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِساء، فَلَوْ كَانَتِ النِّسَاءُ مِنَ الْقَوْمِ لَمْ يَقُلْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ؛ وَكَذَلِكَ قَوْلُ زُهَيْرٍ:
وَمَا أَدرِي، وسوفَ إخالُ أَدري، ... أَقَوْمٌ آلُ حِصْنٍ أَمْ نِساء؟
وقَوْمُ كُلِّ رَجُلٍ: شِيعته وَعَشِيرَتُهُ. وَرُوِيَ عَنْ أَبي الْعَبَّاسِ: النَّفَرُ والقَوْم والرَّهط هؤُلاء مَعْنَاهُمُ الْجَمْعُ لَا وَاحِدَ لَهُمْ مِنْ لَفْظِهِمْ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِنْ نَسَّاني الشَّيْطَانُ شَيْئًا مِنْ صَلَاتِي فليُسبِّح القَوْمُ وليُصَفِّقِ النِّسَاءُ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: القَوْم فِي الأَصل مَصْدَرُ قَامَ ثُمَّ غَلَبَ عَلَى الرِّجَالِ دُونَ النساء، ولذلك قابلهن بِهِ، وَسُمُّوا بِذَلِكَ لأَنهم قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بالأُمور الَّتِي لَيْسَ لِلنِّسَاءِ أَن يُقِمْنَ بِهَا. الْجَوْهَرِيُّ: القَوْم الرِّجَالُ دُونَ النِّسَاءِ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ، قَالَ: وَرُبَّمَا دَخَلَ النِّسَاءُ فِيهِ عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِ لأَن قَوْمَ كُلِّ نَبِيٍّ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ، والقَوْم يُذَكَّرُ ويؤَنث، لأَن أَسماء الْجُمُوعِ الَّتِي لَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا إِذَا كَانَتْ لِلْآدَمِيِّينَ تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ مِثْلَ رَهْطٍ وَنَفَرٍ وقَوْم، قَالَ تَعَالَى: وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ
، فذكَّر، وَقَالَ تَعَالَى: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ
، فأَنَّث؛ قَالَ: فَإِنْ صَغَّرْتَ لَمْ تُدْخِلْ فِيهَا الْهَاءَ وَقُلْتَ قُوَيْم ورُهَيْط ونُفَير، وَإِنَّمَا يلحَقُ التأْنيثُ فِعْلَهُ، وَيَدْخُلُ الْهَاءُ فِيمَا يَكُونُ لِغَيْرِ الْآدَمِيِّينَ مِثْلُ الإِبل وَالْغَنَمِ لأَن التَّأْنِيثَ لَازِمٌ لَهُ، وأَما جَمْعُ التَّكْسِيرِ مِثْلَ جِمَالٍ وَمَسَاجِدَ، وَإِنْ ذُكِّرَ وأُنث، فَإِنَّمَا تُرِيدُ الْجَمْعَ إِذَا ذَكَّرْتَ، وَتُرِيدُ الْجَمَاعَةَ إِذَا أَنثت. ابْنُ سِيدَهْ: وَقَوْلُهُ تَعَالَى: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ
، إِنما أَنَّثَ عَلَى مَعْنَى كَذَّبَتْ جَمَاعَةُ قَوْمِ نُوحٍ، وَقَالَ الْمُرْسَلِينَ، وَإِنْ كَانُوا كَذَّبُوا نُوحًا وَحْدَهُ، لأَن مَنْ كَذَّبَ رَسُولًا وَاحِدًا مِنْ رُسُلِ اللَّهِ فَقَدْ كَذَّبَ الْجَمَاعَةَ وَخَالَفَهَا، لأَن كُلَّ رَسُولٍ يأْمر بِتَصْدِيقِ جَمِيعِ الرُّسُلِ، وَجَائِزٌ أَن يَكُونَ كَذَّبَتْ جَمَاعَةٌ الرُّسُلَ، وَحَكَى ثَعْلَبٌ: أَن الْعَرَبَ تَقُولُ يَا أَيها القَوْم كفُّوا عَنَّا وكُفّ عَنَّا، عَلَى اللَّفْظِ وَعَلَى الْمَعْنَى. وَقَالَ مَرَّةً: الْمُخَاطَبُ وَاحِدٌ، وَالْمَعْنَى الْجَمْعُ، وَالْجَمْعُ أَقْوام وأَقَاوِم وأَقَايِم؛ كِلَاهُمَا عَلَى الْحَذْفِ؛ قَالَ أَبو صَخْرٍ الْهُذَلِيُّ أَنشده يَعْقُوبُ:
فإنْ يَعْذِرِ القَلبُ العَشِيَّةَ فِي الصِّبا ... فُؤادَكَ، لَا يَعْذِرْكَ فِيهِ الأَقَاوِمُ
وَيُرْوَى: الأَقايِمُ، وَعَنَى بِالْقَلْبِ الْعَقْلَ؛ وأَنشد ابن بري لخُزَز بْنِ لَوْذان:
مَنْ مُبْلغٌ عَمْرَو بنَ لَأْيٍ، ... حَيْثُ كانَ مِن الأَقَاوِمْ
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ
؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: قِيلَ عَنَى بالقَوْم هُنَا الأَنبياء، عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، الَّذِينَ جَرَى ذِكْرُهُمْ، آمَنُوا بِمَا أَتى بِهِ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي وَقْتِ مَبْعثهم؛ وَقِيلَ: عَنَى بِهِ مَنْ آمَنَ مِنْ أَصحاب النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، وأَتباعه، وَقِيلَ: يُعنى بِهِ الْمَلَائِكَةُ فَجَعَلَ الْقَوْمَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ(12/505)
كَمَا جَعَلَ النَّفَرَ مِنَ الْجِنِّ حِينَ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ*
؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ: أَنَّ تَوَلَّى العِبادُ اسْتَبْدَلَ اللَّهُ بِهِمُ الْمَلَائِكَةَ، وَجَاءَ: إِنْ تَوَلَّى أهلُ مَكَّةَ اسْتَبْدَلَ اللَّهُ بِهِمْ أَهْلَ الْمَدِينَةِ، وَجَاءَ أَيْضًا: يَسْتَبْدِل قَوْماً غَيْرَكُمْ مِنْ أَهْلِ فَارِسَ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى إِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا أَطْوَعَ لَهُ مِنْكُمْ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُقَالُ قَوْمٌ مِنَ الْجِنِّ وناسٌ مِنَ الْجِنِّ وقَوْمٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ؛ قَالَ أُمية:
وَفِيهَا مِنْ عبادِ اللهِ قَوْمٌ، ... مَلائِكُ ذُلِّلوا، وهُمُ صِعابُ
والمَقامُ والمَقَامَة: الْمَجْلِسُ. ومَقَامَات النَّاسِ: مَجالِسُهم؛ قَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ أَنشده ابْنُ بَرِّيٍّ:
فأَيِّي مَا وأَيُّكَ كَانَ شَرّاً ... فَقِيدَ إِلَى المَقَامَةِ لَا يَراها
وَيُقَالُ لِلْجَمَاعَةِ يَجْتَمِعُونَ فِي مَجْلِسٍ: مَقَامَة؛ وَمِنْهُ قَوْلُ لَبِيدٍ:
ومَقَامَةٍ غُلْبِ الرِّقابِ كأَنَّهم ... جِنٌّ، لدَى بابِ الحَصِيرِ، قِيامُ
الحَصِير: المَلِك هَاهُنَا، وَالْجَمْعُ مَقَامَات؛ أَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِزُهَيْرٍ:
وفيهِمْ مَقَامَاتٌ حِسانٌ وجُوهُهُمْ، ... وأَنْدِيةٌ يَنْتابُها القَوْلُ والفِعْلُ
ومَقَامَاتُ الناسِ: مَجالِسهم أَيْضًا. والمَقَامَة والمَقَام: الْمَوْضِعُ الَّذِي تَقُوم فِيهِ. والمَقَامَةُ: السّادةُ. وَكُلُّ مَا أَوْجَعَك مِنْ جسَدِك فَقَدْ قَامَ بِكَ. أَبو زَيْدٍ فِي نَوَادِرِهِ: قَامَ بِي ظَهْري أَي أَوْجَعَني، وقَامَت بِي عَيْنَايَ. ويومُ القِيامة: يومُ البَعْث؛ وَفِي التَّهْذِيبِ: القِيامة يَوْمُ الْبَعْثِ يَقُوم فِيهِ الخَلْق بَيْنَ يَدَيِ الْحَيِّ الْقَيُّومِ. وَفِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ يَوْمِ القِيامة فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، قِيلَ: أَصله مَصْدَرُ قَامَ الخَلق مِنْ قُبورهم قِيَامَةً، وَقِيلَ: هُوَ تَعْرِيبُ قِيَمْثَا «2» ، وَهُوَ بِالسُّرْيَانِيَّةِ بِهَذَا الْمَعْنَى. ابْنُ سِيدَهْ: وَيَوْمُ القِيَامة يَوْمُ الْجُمُعَةُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ كَعْبٍ: أَتَظْلِم رجُلًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ ومَضَتْ قُوَيْمَةٌ مِنَ الليلِ أَي ساعةٌ أَو قِطْعة، وَلَمْ يَجِدْه أَبو عُبَيْدٍ، وَكَذَلِكَ مضَى قُوَيْمٌ مِنَ الليلِ، بِغَيْرِ هَاءٍ، أَي وَقْت غيرُ محدود.
فصل الكاف
كتم: الكِتْمانُ: نَقِيض الإِعْلانِ، كَتَمَ الشيءَ يَكْتُمُه كَتْماً وكِتْمَاناً واكْتَتَمَه وكَتَّمَه؛ قَالَ أَبو النَّجْمِ:
وكانَ فِي المَجْلِسِ جَمّ الهَذْرَمَهْ، ... لَيْثاً عَلَى الدَّاهِية المُكَتَّمَهْ
وكَتَمَه إِيَّاهُ؛ قَالَ النَّابِغَةِ:
كَتَمْتُكَ لَيْلًا بالجَمُومَينِ ساهِراً، ... وهمَّيْن: هَمّاً مُسْتَكِنّاً، وَظَاهِرًا
أَحادِيثَ نَفْسٍ تشْتَكي مَا يَرِيبُها، ... ووِرْدَ هُمُومٍ لَا يَجِدْنَ مَصادِرا
وكَاتَمَه إِيَّاهُ: ككَتَمَه؛ قَالَ:
تَعَلَّمْ، ولوْ كَاتَمْتُه الناسَ، أَنَّني ... عليْكَ، وَلَمْ أَظْلِمْ بذلكَ، عاتِبُ
وَقَوْلُهُ: وَلَمْ أَظلم بِذَلِكَ، اعْتِرَاضٌ بَيْنَ أَنّ وخبرِها، وَالِاسْمُ الكِتْمَةُ. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: إِنَّهُ لحَسن الكِتْمَةِ.
__________
(2) . قوله [تعريب قيمثا] كذا ضبط في نسخة صحيحة من النهاية، وفي أخرى بفتح القاف والميم وسكون المثناة بينهما. ووقع في التهذيب بدل المثلثة ياء مثناة ولم يضبط(12/506)
وَرَجُلٌ كُتَمَة، مِثَالُ هُمَزة، إِذَا كَانَ يَكْتُمُ سِرَّه. وكَاتَمَنِي سِرَّه: كتَمه عَنِّي. وَيُقَالُ للفرَس إِذَا ضَاقَ مَنْخِرهُ عَنْ نفَسِه: قَدْ كَتَمَ الرَّبْوَ؛ قَالَ بِشْرٌ:
كأَنَّ حَفِيفَ مَنْخِرِه، إِذَا مَا ... كَتَمْنَ الرَّبْوَ، كِيرٌ مُسْتَعارُ
يَقُولُ: مَنْخِره وَاسِعٌ لَا يَكْتُم الرَّبو إِذَا كتمَ غَيْرَهُ مِنَ الدَّوابِّ نفَسَه مِنْ ضِيق مَخْرَجه، وكَتَمَه عَنْهُ وكَتَمَه إِيَّاهُ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:
مُرَّةٌ، كالذُّعافِ، أَكْتُمُها النَّاسَ ... عَلَى حَرِّ مَلَّةٍ كالشِّهابِ
وَرَجُلٌ كَاتِمٌ لِلسِّرِّ وكَتُومٌ. وسِرٌّ كَاتِمٌ أَي مَكْتُومٌ؛ عَنْ كُرَاعٍ. ومُكَتَّمٌ، بِالتَّشْدِيدِ: بُولِغ فِي كِتْمانه. واسْتَكْتَمه الخَبَر والسِّرَّ: سأَله كَتْمَه. وَنَاقَةٌ كَتُوم ومِكتَامٌ: لَا تَشُول بِذَنَبِهَا عِنْدَ اللَّقاح وَلَا يُعلَم بِحَمْلِهَا، كَتَمَتْ تَكْتُمُ كُتُوماً؛ قَالَ الشَّاعِرُ فِي وَصْفِ فَحْلٍ:
فَهْوَ لجَولانِ القِلاصِ شَمّامْ، ... إِذَا سَما فوْقَ جَمُوحٍ مِكْتَامْ
ابْنُ الأَعرابي: الكَتِيمُ الجَمل الَّذِي لَا يَرغو. والكَتِيمُ: القَوْسُ الَّتِي لَا تَنشَقُّ. وَسَحَابٌ مَكْتُومٌ «1» : لَا رَعْد فِيهِ. والكَتُوم أَيضاً: النَّاقَةُ الَّتِي لَا تَرْغُو إِذَا رَكِبَهَا صَاحِبُهَا، وَالْجَمْعُ كُتُمٌ؛ قَالَ الأَعشى:
كَتُومُ الرُّغاءِ إِذَا هَجَّرَتْ، ... وكانتْ بَقِيَّةَ ذَوْدٍ كُتُمْ
وَقَالَ آخَرُ:
كَتُومُ الهَواجِرِ مَا تَنْبِسُ
وَقَالَ الطِّرِمّاح:
قَدْ تجاوَزْتُ بِهِلْواعةٍ ... عبْرِ أَسْفارٍ كَتُومِ البُغامِ «2»
. وَنَاقَةٌ كَتُوم: لَا تَرْغُو إِذَا رُكِبت. والكَتُومُ والكَاتِمُ مِنَ القِسِيِّ: الَّتِي لَا تُرِنُّ إِذَا أُنْبِضَتْ، وَرُبَّمَا جَاءَتْ فِي الشِّعْرِ كَاتِمَةً، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي لَا شَق فِيهَا، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي لَا صَدْعَ فِي نَبْعِها، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي لَا صَدْعَ فِيهَا كَانَتْ مِنْ نَبْع أَوْ غَيْرِهِ؛ وَقَالَ أَوس بْنُ حَجَرٍ:
كَتُومٌ طِلاعُ الكفِّ لَا دُونَ مِلْئِها، ... وَلَا عَجْسُها عَنْ مَوْضِعِ الكفِّ أَفْضَلا
قَوْلُهُ طِلاعُ الكَفِّ أَيْ مِلْءٌ الْكَفِّ، قَالَ: وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْحَسَنِ أَحَبُّ إليَّ مِنْ طِلاع الأَرض ذَهَبًا. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه كَانَ اسْمُ قَوْسِ سَيِّدِنَا رسول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الكَتُومَ
؛ سُمِّيَتْ بِهِ لانْخِفاضِ صوتِها إِذَا رُمي عَنْهَا، وَقَدْ كَتَمْت كُتُوماً. أَبو عَمْرٍو: كَتَمَتِ المَزادةُ تَكْتُمُ كُتُوماً إِذَا ذَهَبَ مَرَحُها وسَيَلانُ الماءِ مِنْ مَخارِزها أَوّل مَا تُسرَّب، وَهِيَ مَزادة كَتُوم. وسِقاءٌ كَتِيم، وكَتَمَ السِّقاءُ يَكْتُمُ كِتْمَاناً وكُتُوماً: أَمسك مَا فِيهِ مِنَ اللَّبَنِ وَالشَّرَابِ، وَذَلِكَ حِينَ تَذْهَبُ عِينته ثُمَّ يُدْهَنُ السقاءُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِذَا أَرادوا أَنْ يَسْتَقُوا فِيهِ سرَّبوه، وَالتَّسْرِيبُ: أَنْ يصُبُّوا فِيهِ الماءَ بَعْدَ الدُّهْنِ حَتَّى يَكْتُمَ خَرْزُه وَيَسْكُنَ الْمَاءُ ثُمَّ يُسْتَقَى فِيهِ. وخَرْز كَتِيم: لَا يَنْضَح الْمَاءَ وَلَا يُخْرِجُ مَا فِيهِ. والكَاتِم: الخارِز، مِنَ الْجَامِعِ لِابْنِ القَزاز، وأَنشد فِيهِ:
وسالَتْ دُموعُ العَينِ ثُمَّ تَحَدَّرَتْ، ... وللهِ دَمْعٌ ساكِبٌ ونَمُومُ
__________
(1) . قوله [وسحاب مكتوم] كذا في الأَصل وقد استدركها شارح القاموس على المجد، والذي في الصحاح والأَساس: مكتتم (2) . قوله [عبر أسفار] هو بالعين المهملة ووقع في هلع بالمعجمة كما وقع هنا في الأَصل وهو تصحيف(12/507)
فَمَا شَبَّهَتْ إلَّا مَزادة كَاتِمٍ ... وَهَتْ، أَو وَهَى مِنْ بَيْنِهنَّ كَتُومُ
وَهُوَ كُلُّهُ مِنَ الكَتم لأَن إِخْفَاءَ الْخَارِزِ لِلْمَخْرُوزِ بِمَنْزِلَةِ الْكَتْمِ لَهَا، وَحَكَى كُرَاعٌ: لَا تسأَلوني عَنْ كَتْمةٍ، بِسُكُونِ التَّاءِ، أَيْ كَلِمَةٍ. وَرَجُلٌ أَكْتَمُ: عَظِيمُ الْبَطْنِ، وَقِيلَ: شَبْعَانُ. والكَتَمُ، بِالتَّحْرِيكِ: نَبَاتٌ يُخْلَطُ مَعَ الوسْمة لِلْخِضَابِ الأَسود. الأَزهري: الكَتَم نَبْتٌ فِيهِ حُمرة. وَرُوِيَ عَنْ
أَبي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنه كَانَ يَخْتَضِب بالحِنَّاء والكَتَم
، وَفِي رِوَايَةٍ:
يصبُغ بالحِنَاء والكَتَم
؛ قَالَ أُمية بْنُ أَبي الصَّلْتِ:
وشَوَّذَتْ شَمْسُهمْ إِذَا طَلَعَتْ ... بالجِلْب [بالجُلْب] هِفّاً كأَنه كَتَمُ
قَالَ ابْنُ الأَثير فِي تَفْسِيرِ الْحَدِيثِ: يُشْبِهُ أَن يُرَادَ بِهِ اسْتِعْمَالُ الكَتَم مُفْرَدًا عَنِ الْحِنَّاءِ، فَإِنَّ الحِناء إِذَا خُضِب بِهِ مَعَ الْكَتْمِ جَاءَ أَسود وَقَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنِ السَّوَادِ، قَالَ: وَلَعَلَّ الْحَدِيثَ بِالْحِنَّاءِ أَو الكَتم عَلَى التَّخْيِيرِ، وَلَكِنَّ الرِّوَايَاتِ عَلَى اخْتِلَافِهَا بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الكَتَّم، مُشَدَّدُ التَّاءِ، وَالْمَشْهُورُ التَّخْفِيفُ. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: يُشَبَّب الْحِنَّاءُ بِالْكَتَمِ لِيَشْتَدَّ لَوْنُهُ، قَالَ: وَلَا يَنْبُتُ الْكَتَمُ إلَّا فِي الشَّوَاهِقِ وَلِذَلِكَ يَقِلُّ. وَقَالَ مُرَّةُ: الْكَتَمُ نَبَاتٌ لَا يَسْمُو صُعُداً وَيَنْبُتُ فِي أَصعب الصَّخْرِ فيَتَدلَّى تَدَلِّياً خِيطاناً لِطافاً، وَهُوَ أَخضر وَوَرَقُهُ كَوَرَقِ الْآسِ أَو أَصْغَرَ؛ قَالَ الْهُذَلِيُّ وَوَصَفَ وَعْلًا:
ثُمَّ يَنُوش إِذَا آدَ النَّهارُ لَهُ، ... بَعْدَ التَّرَقُّبِ مِن نِيمٍ ومِن كَتَمِ
وَفِي حَدِيثِ
فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ: كُنَّا نَمتشط مَعَ أَسماء قَبْلَ الإِحرام ونَدَّهِنُ بالمَكْتُومة
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هِيَ دُهن مِنْ أَدْهان الْعَرَبِ أَحمر يُجْعَلُ فِيهِ الزَّعْفَرَانُ، وَقِيلَ: يُجْعَلُ فِيهِ الكَتَم، وَهُوَ نَبْتٌ يُخْلَطُ مَعَ الوسْمة وَيُصْبَغُ بِهِ الشَّعْرُ أَسود، وَقِيلَ: هُوَ الوَسْمة. والأَكْثَم: الْعَظِيمُ الْبَطْنِ. والأَكثم: الشَّبْعَانُ، بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ، وَيُقَالُ ذَلِكَ فِيهِمَا بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ أَيضاً وسيأْتي ذِكْرُهُ. ومَكْتُوم وكَتِيمٌ وكُتَيْمَة: أَسماء؛ قَالَ:
وأَيَّمْتَ مِنَّا الَّتِي لَمْ تَلِدْ ... كُتَيْمَ بَنِيك، وكنتَ الْحَلِيلَا «1»
. أَراد كَتِيمَةً فَرَخَّمَ فِي غَيْرِ النِّدَاءِ اضْطِرَارًا. وابنُ أُم مَكْتُوم: مُؤَذِّنُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يُؤَذِّنُ بَعْدَ بِلَالٍ لأَنه كَانَ أَعمى فَكَانَ يَقْتَدِي بِبِلَالٍ. وَفِي حَدِيثِ زَمْزَمَ:
أَن عَبْدَ الْمَطَّلِبِ رأَى فِي الْمَنَامِ قِيلَ: احْفِر تُكْتَمَ بَيْنَ الفَرْث وَالدَّمِ
؛ تُكْتَمُ: اسْمُ بِئْرِ زَمْزَمَ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لأَنها كَانَتْ انْدَفَنَتْ بَعْدَ جُرْهُم فَصَارَتْ مَكْتُومَةً حَتَّى أَظهرها عَبْدُ الْمُطَّلِبِ. وبنو كُتَامَة: حَيٌّ مِنْ حِمْيَر صَارُوا إِلَى بَرْبَر حِينَ افْتَتَحَهَا افْرَيْقِسُ الْمَلِكُ، وَقِيلَ: كُتَامَة قَبِيلَةٌ مِنَ الْبَرْبَرِ. وكُتْمان، بِالضَّمِّ: مَوْضِعٌ، وَقِيلَ: اسْمُ جَبَلٍ؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
قَدْ صَرَّحَ السَّيرُ عَنْ كُتْمانَ، وابتُذِلَت ... وَقعُ المَحاجِنِ بالمَهْرِيّةِ الذُّقُنِ
وكُتْمانُ: اسْمُ ناقة.
كثم: الكَثَمة: المرأَة الرَّيَّا مِنْ شَرَابٍ أَو غَيْرِهِ. وَوَطْبٌ أَكْثَم أَي مَمْلُوءٌ، وأَنشد:
مُذَمَّمةٌ يُمْسِي ويُصْبِحُ وَطْبُها ... حَراماً عَلَى مُعتَرِّها، وهو أَكْثَمُ
__________
(1) . قوله [وأيمت] هذا ما في الأَصل، ووقع في نسخة المحكم التي بأيدينا: وأَيتمت، من اليتم(12/508)
وكَثَمَ آثارَهُم يَكْثِمُها كَثْماً: اقتَصَّها. والكَثْم أَكل القِثَّاء وَنَحْوِهِ مِمَّا تُدْخِلُهُ فِي فِيكَ ثُمَّ تَكْسِرُهُ، كَثَمَه يَكْثِمُه كَثْماً. وأَكْثَمَ الرجلُ فِي مَنْزِلِهِ: توارَى فِيهِ وتَغَيَّب، عَنِ ابْنِ الأَعرابي. والأَكْثَمُ: الْعَظِيمُ الْبَطْنِ، وَفِي الصِّحَاحِ: الْوَاسِعُ الْبَطْنِ. والأَكْثَم: الشَّبْعَانُ، وَيُقَالُ ذَلِكَ فِيهِمَا بِالتَّاءِ أَيضاً، وَقَدْ تَقَدَّمَ: عَنْ ثَعْلَبٍ. وَيُقَالُ: إِنه لأَيْهَمُ أَكْثَمُ، الأَيهم: الأَعمى. ابْنُ بَرِّيٍّ: يُقَالُ رَجُلٌ أَكْثَمُ إِذَا امتلأَ بَطْنُهُ مِنَ الشِّبَعِ، وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:
فَبات يُسَوِّي بَرْكَها وسَنامَها، ... كأَنْ لَمْ يَجُعْ منْ قَبْلِها وَهُوَ أَكْثَمُ
وَطَرِيقٌ أَكْثَمُ: وَاسْعٌ. وكَثَمُ الطَّرِيقِ: وجْهُه وظاهِره. وَيُقَالُ: انْكَثَمُوا عَنْ وَجْهِ كَذَا أَي انْصَرَفُوا عَنْهُ. والكَثَم: الْقُرْبُ كالكَثَب، وَقِيلَ: الْمِيمُ بَدَلٌ مِنَ الْبَاءِ. يُقَالُ: هُوَ يَرْمِي مِنْ كَثَمٍ وكَثَبٍ أَي قُرْب وتَمَكُّن. وأَكْثَمَ قربتَهُ: مَلأَها. وكَثَمَه عَنِ الأَمر: صَرَفه عَنْهُ. وحمأَةٌ كَاثِمَةٌ «1» وكَثِمَةٌ: غَلِيظَةٌ. وأَكْثَمُ: مِنْ أَسماء الرِّجَالِ. وأَكْثَمُ بْنُ صَيفِيٍّ: أَحَدُ حكام العرب
كثحم: رَجُلٌ كُثْحُمُ اللِّحْيَةِ، وَلِحْيَةٌ كُثْحُمَةٌ: وَهِيَ الَّتِي كَثُفَت وقَصُرَت وجَعُدت، وَمِثْلُهَا الكَثَّة.
كثعم: الكَعْثَمُ والكَثْعَم: الرَّكَبُ النَّاتِئُ الضَّخم كالكَعْثَبِ. وامرأَة كَعْثَمِ وكَثْعَمٌ إِذَا عظُم ذَلِكَ مِنْهَا كَكَعْثَبٍ وكَثْعَبٍ. وكَثْعَمٌ: الأَسد أَو النَّمر أَو الفَهْد.
كحم: الكَحْمُ: لُغَةٌ فِي الكَحْب، وَهُوَ الحِصْرِم، وَاحِدَتُهُ كَحْمَة، يمانية.
كحثم: رَجُلٌ كُحْثُمُ اللِّحْيَةِ: كَثِيفُهَا. وَلِحْيَةٌ كُحْثُمَة: قَصُرت وكثُفت وَجَعُدَتْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ في كثحم.
كخم: الإِكْخَام: لُغَةٌ فِي الإِكْماخ. ومُلْكٌ كَيْخَمٌ: عَظِيمٌ عَرِيضٌ، وَكَذَلِكَ سُلطان كَيْخَم. قَالَ اللَّيْثُ: الكَيْخَم يُوصَفُ بِهِ المُلك وَالسُّلْطَانُ؛ وأَنشد:
قُبَّةَ إسْلامٍ ومُلْكاً كَيْخَما
والكَخْمُ: المَنع والدَّفع. وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: الكَخْمُ دَفْعُكَ إِنْسَانًا عَنْ مَوْضِعِهِ. تَقُولُ: كخَمْتُه كَخْماً إِذَا دَفَعْتَهُ؛ وَقَالَ المَرَّار:
إِنِّي أَنا المَرَّارُ غَيْرُ الوَخْمِ، ... وَقَدْ كَخَمْتُ القومَ أَيَّ كَخْمِ
أَيْ دفَعْتهم ومنَعْتُهم، وَمِنْهُ قيل للملك: كَيْخم.
كدم: الكَدْم: تَمَشْمُشُ العَظم وتَعَرُّقُه، وَقِيلَ: هُوَ العَض بأَدنى الْفَمِ كَمَا يَكْدُمُ [يَكْدِمُ] الحِمار، وَقِيلَ: هُوَ العَض عَامَّةً، كَدَمَهُ يَكْدُمُه ويَكْدِمُه كَدْماً، وَكَذَلِكَ إِذَا أَثَّرْت فِيهِ بِحَدِيدَةٍ؛ وَقَالَ طَرَفَةُ:
سَقَتْهُ إياةُ الشمسِ إلَّا لِثاتِه ... أُسِفَّ، وَلَمْ تَكْدِمْ [تَكْدُمْ] عَلَيْهِ، بإثْمِدِ
وَإِنَّهُ لَكَدَّامٌ وكَدُوم أَيْ عَضُوض. والكَدْم والكَدَمُ؛ الأُولى عَنِ اللِّحْيَانِيِّ: أَثَرُ الْعَضِّ، وَجَمْعُهُ كُدُوم. والكَدْم: اسْمُ أَثر الكَدْم. يُقَالُ: بِهِ كُدُومٌ. والمُكَدَّمُ، بِالتَّشْدِيدِ: المُعضَّض. وَحِمَارٌ مُكَدَّم: مُعَضَّضٌ. وتَكَادَمَ الفرسانِ: كَدَم أَحدهما صَاحِبَهُ. والكُدَامَةُ: مَا يُكْدَم مِنَ الشَّيْءِ أَيْ يُعض فيُكْسَر، وَقِيلَ: هُوَ بَقِيَّةُ كُلِّ شَيْءٍ
__________
(1) . قوله" وحمأة كَاثِمَة" كذا في الأَصل بالحاء، والذي في المجد وتكملة الصاغاني وتهذيب الأَزهري: وكمأة بالكاف، واغتر السيد مرتضى بما في نسخة اللسان فخطَّأ المجد.(12/509)
أُكِل، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: بَقِي مِنْ مَرْعانا كُدَامَة أَيْ بَقِيَّةٌ تَكْدمها المالُ بأَسنانها وَلَا تَشبع مِنْهُ. وَفِي حَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ:
فَلَقَدْ رأَيتهم يَكْدِمُون الأَرض بأَفواههم
أَيْ يَقْبِضُونَ عَلَيْهَا ويَعَضُّونها، وَالدَّوَابُّ تُكادِمُ الحشيشَ بأَفواهها إِذَا لَمْ تَسْتَمْكِنْ مِنْهُ. والكُدَم: الْكَثِيرُ الكَدْم، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي عَض الجَراد وأَكلها لِلنَّبَاتِ. والكُدَمُ: مِنْ أَحْناش الأَرض. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أُراه سُمِّيَ بِذَلِكَ لِعَضِّهِ. والكُدَم والمِكْدَم: الشَّدِيدُ القِتال. وَرَجُلٌ مُكَدَّمٌ إِذَا لَقِيَ قِتالًا فأَثَّرت فِيهِ الْجِرَاحُ. وكَدَمَ الصيْدَ كَدْماً إِذَا جدَّ فِي طَلَبِهِ حَتَّى يَغْلِبَهُ. وكَدَمْتُ الصيدَ أَي طرَدْته. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا طَلَبَ حَاجَةً لَا يُطلب مَثَلُهَا: لَقَدْ كَدَمْتَ فِي غير مَكْدَمٍ [مَكْدِمٍ] . والكُدْمَة، بِضَمِّ الْكَافِ: الشَّدِيدُ الأَكل؛ وأَنشد أَبو عَمْرٍو:
يَا أَيُّها الحَرْشَف ذُو الأَكْلِ الكُدَمْ
والحَرْشفُ: الْجَرَادُ. وكَدَمْتَ غَيْرَ مَكْدَم أَيْ طَلَبْتَ غَيْرَ مَطْلَب. وَمَا بِالْبَعِيرِ كَدْمَة أَيْ أُثْرة وَلَا وَسْمٌ، والأُثرة أَنْ يُسْحَى بَاطِنُ الْخُفِّ بِحَدِيدَةٍ. وفَنِيقٌ مُكْدَمٌ أَيْ فَحْلٌ غَلِيظٌ، وَقِيلَ: صُلْب؛ قَالَ بِشْرٌ:
لَوْلا تُسَلِّي الهَمَّ عَنْكَ بِجَسْرةٍ ... عَيْرانةٍ، مثلِ الفَنِيقِ المُكْدَم
ابْنُ الأَعرابي: نَعْجَةٌ كَدِمَةٌ غَلِيظَةٌ كَثِيرَةُ اللَّحْمِ؛ وَقَوْلُ رُؤْبَةَ:
كأَنَّه شَلَّالُ عاناتٍ كُدُمْ
قَالَ: حِمَارٌ كَدِمٌ غَلِيظٌ شَدِيدٌ، وَالْجَمْعُ كُدُم. وعَير مُكْدَم: غَلِيظٌ شَدِيدٌ. وقَدَحٌ مُكْدَم: زُجاجه غَلِيظٌ. وأَسِير مُكْدَم: مَصْفُودٌ مَشْدُودٌ بالصِّفاد؛ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. وَفَحْلٌ مُكَدَّم ومُكْدَم إِذَا كَانَ قَوِيًّا قَدْ نُيِّب فِيهِ. وأُكْدِم الأَسير إِذَا اسْتُوثِق مِنْهُ. وكِساء مُكْدَم: شديد الفتل، وكذلك الحبْ. والكَدَمَة، بِفَتْحِ الدَّالِّ: الْحَرَكَةُ؛ عَنْ كُرَاعٍ وَلَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ فِي ذَلِكَ:
لَمَّا تَمَشَّيْتُ بُعَيْدَ العَتَمَهْ، ... سَمعتُ مِن فَوْق البُيوتِ كَدَمَهْ
وَقَدْ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي حَذَمَ. والكُدَام: رِيحٌ يأْخذ الإِنسان فِي بَعْضِ جَسَدِهِ فَيُسَخِّنُونَ خِرقة ثُمَّ يَضَعُونَهَا عَلَى الْمَكَانِ الَّذِي يَشْتَكِي. وكَدَمُ السَّمُرِ: ضَرْبٌ مِنَ الجَنادب. وكِدَامٌ ومُكَدَّمٌ وكُدَيْمٌ: أَسماء.
كرم: الكَريم: مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ وأَسمائه، وَهُوَ الْكَثِيرُ الْخَيْرِ الجَوادُ المُعطِي الَّذِي لَا يَنْفَدُ عَطاؤه، وَهُوَ الْكَرِيمُ الْمُطْلَقُ. والكَرِيم: الْجَامِعُ لأَنواع الْخَيْرِ والشرَف وَالْفَضَائِلِ. والكَريم. اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا يُحْمَد، فَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كَرِيمٌ حَمِيدُ الفِعال وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ الْعَظِيمِ. ابْنُ سِيدَهْ: الكَرَم نَقِيضُ اللُّؤْم يَكُونُ فِي الرَّجُلِ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ آبَاءٌ، وَيُسْتَعْمَلُ فِي الْخَيْلِ والإِبل وَالشَّجَرِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْجَوَاهِرِ إِذَا عَنَوُا العِتْق، وأَصله فِي النَّاسِ قَالَ ابْنُ الأَعرابي: كَرَمُ الفرَس أَنْ يَرِقَّ جِلْدُهُ ويَلِين شَعْرُهُ وتَطِيب رَائِحَتُهُ. وَقَدْ كَرُمَ الرَّجُلُ وَغَيْرُهُ، بِالضَّمِّ، كَرَماً وكَرَامَة، فَهُوَ كَرِيم وكَرِيمَةٌ وكِرْمَةٌ ومَكْرَم ومَكْرَمَة «2» . وكُرَامٌ وكُرَّامٌ وكُرَّامَةٌ، وَجَمْعُ الكَرِيم كُرَماء وكِرام، وَجَمْعُ الكُرَّام كُرَّامون؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: لَا يُكَسَّر كُرَّام
__________
(2) . قوله [ومَكْرَم ومَكْرَمَة] ضبط في الأَصل والمحكم بفتح أولهما وهو مقتضى إطلاق المجد، وقال السيد مرتضى فيهما بالضم(12/510)
اسْتَغْنَوْا عَنْ تَكْسِيرِهِ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ؛ وَإِنَّهُ لكَرِيم مِنْ كَرَائِم قَوْمِهِ، عَلَى غَيْرِ قياس؛ حكى ذَلِكَ أَبو زَيْدٍ. وَإِنَّهُ لَكَرِيمة مِنْ كَرائم قَوْمِهِ، وَهَذَا عَلَى الْقِيَاسِ. اللَّيْثُ: يُقَالُ رَجُلٌ كَرِيم وَقَوْمٌ كَرَمٌ كَمَا قَالُوا أَديمٌ وأَدَمٌ وعَمُود وعَمَدٌ، وَنِسْوَةٌ كَرَائِم. ابْنُ سِيدَهْ وَغَيْرُهُ: وَرَجُلٌ كَرَمٌ: كَرِيمٌ، وَكَذَلِكَ الِاثْنَانِ وَالْجَمْعُ وَالْمُؤَنَّثُ، تَقُولُ: امرأَة كَرمٌ وَنِسْوَةٌ كَرَمٌ لأَنه وَصْفٌ بِالْمَصْدَرِ؛ قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَسْحُوحٍ «1» الشَّيْبَانِيُّ: كَذَا ذَكَرَهُ السِّيرَافِيُّ، وَذَكَرَ أَيضاً أَنَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ تَيْم اللَّاتِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، اسْمُهُ عِيسَى، وَكَانَ يُلَوَّمُ فِي نُصرة أَبي بِلَالٍ مِرْدَاسِ بْنِ أُدَيَّةَ، وأَنه مَنَعَتْهُ الشَّفَقَةُ عَلَى بَنَاتِهِ، وَذَكَرَ الْمُبَرِّدُ فِي أَخبار الْخَوَارِجِ أَنه لأَبي خَالِدٍ القَناني فَقَالَ: وَمِنْ طَريف أَخبار الْخَوَارِجِ قَوْلُ قَطَرِيِّ بْنِ الفُجاءة المازِني لأَبي خَالِدٍ القَناني:
أَبا خالدٍ إنْفِرْ فلَسْتَ بِخالدٍ، ... وَما جَعَلَ الرحمنُ عُذْراً لقاعِدِ
أَتَزْعُم أَنَّ الخارِجيَّ عَلَى الهُدَى، ... وأنتَ مُقِيمٌ بَينَ راضٍ وجاحِدِ؟
فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبو خَالِدٍ:
لَقدْ زادَ الحَياةَ إليَّ حُبّاً ... بَناتي، أَنَّهُنَّ مِنَ الضِّعافِ
مخافةَ أنْ يَرَيْنَ البُؤسَ بَعْدِي، ... وأنْ يَشْرَبْنَ رَنْقاً بعدَ صافِ
وأنْ يَعْرَيْنَ، إنْ كُسِيَ الجَوارِي، ... فَتَنْبُو العينُ عَن كَرَمٍ عِجافِ
ولَوْلا ذاكَ قَدْ سَوَّمْتُ مُهْري، ... وَفِي الرَّحمن للضُّعفاءِ كافِ
أَبانا مَنْ لَنا إنْ غِبْتَ عَنَّا، ... وصارَ الحيُّ بَعدَك فِي اخْتِلافِ؟
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَالنَّحْوِيُّونَ يُنْكِرُونَ مَا قَالَ اللَّيْثُ، إِنَّمَا يُقَالُ رَجُلٌ كَرِيم وَقَوْمٌ كِرَام كَمَا يُقَالُ صَغِيرٌ وَصِغَارٌ وَكَبِيرٌ وكِبار، وَلَكِنْ يُقَالُ رَجُلٌ كَرَمٌ وَرِجَالٌ كَرَمٌ أَيْ ذَوُو كَرَم، وَنِسَاءٌ كَرَمٌ أَيْ ذَوَاتُ كرَم، كَمَا يُقَالُ رَجُلٌ عَدْل وَقَوْمٌ عَدْلٌ، وَرَجُلٌ دَنَفٌ وحَرَضٌ، وَقَوْمٌ حَرَضٌ ودَنَفٌ. وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: رَجُلٌ كَرِيم وكُرَامٌ وكُرَّامٌ بِمَعْنَى وَاحِدٍ، قَالَ: وكُرَام، بِالتَّخْفِيفِ، أَبْلَغُ فِي الْوَصْفِ وَأَكْثَرُ مِنْ كَرِيمٍ، وكُرَّام، بِالتَّشْدِيدِ، أَبلغ مِنْ كُرَام، ومثله ظَرِيف وظُراف وظُرَّاف، وَالْجَمْعُ الكُرَّامُون. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الكُرَام، بِالضَّمِّ، مِثْلُ الكَرِيم فَإِذَا أَفْرَطَ فِي الْكَرَمِ قُلْتَ كُرَّام، بِالتَّشْدِيدِ، والتَّكْرِيمُ والإِكْرَامُ بِمَعْنًى، وَالِاسْمُ مِنْهُ الكَرَامَة؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَالَ أَبو المُثَلم:
ومَنْ لَا يُكَرِّمْ نفْسَه لَا يُكَرَّم «2»
. ابْنُ سِيدَهْ: قَالَ سِيبَوَيْهِ وَمِمَّا جَاءَ مِنَ الْمَصَادِرِ عَلَى إِضْمَارِ الْفِعْلِ الْمَتْرُوكِ إِظْهَارُهُ وَلَكِنَّهُ فِي مَعْنَى التَّعَجُّبِ قَوْلُكَ كَرَماً وصَلَفاً، كأَنه يَقُولُ أَكْرَمَك اللَّهُ وأَدام لَكَ كَرَماً، وَلَكِنَّهُمْ خَزَلُوا الْفِعْلَ هُنَا لأَنه صَارَ بَدَلًا مِنْ قَوْلِكَ أَكْرِمْ بِهِ وأَصْلِف، وَمِمَّا يُخَصُّ بِهِ النِّدَاءُ قَوْلُهُمْ يَا مَكْرَمان؛ حَكَاهُ الزَّجَّاجِيُّ، وَقَدْ حُكِيَ فِي غَيْرِ النِّدَاءِ فَقِيلَ رَجُلٌ مَكْرَمَان؛ عَنْ أَبي الْعَمَيْثَلِ الأَعرابي؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ حَكَاهَا أَيضاً أَبو حَاتِمٍ. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ يَا مَكرَمَان، بِفَتْحِ الرَّاءِ، نَقِيضُ قَوْلِكَ يَا مَلأَمان مِنَ اللُّؤْم والكَرَم. وَرُوِيَ عَنِ
النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَن رَجُلًا أَهدى إِلَيْهِ رَاوِيَةَ خَمْرٍ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمها، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَفلا أُكارِمُ بِهَا يَهودَ؟ فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي حرَّمها حرَّم أَنْ يُكارَم بِهَا
؛ المُكارَمَةُ: أَن تُهْدِيَ لإِنسانٍ شيئاً
__________
(1) . قوله [مسحوح] كذا في الأَصل بمهملات وفي شرح القاموس بمعجمات
(2) . هذا الشطر لزهير من معلقته(12/511)
ليكافِئَك عَلَيْهِ، وَهِيَ مُفاعَلة مِنَ الكَرَم، وأَراد بِقَوْلِهِ أُكَارِمُ بِهَا يَهُودَ أَيْ أُهْديها إِلَيْهِمْ ليُثِيبوني عَلَيْهَا؛ وَمِنْهُ قَوْلُ دُكَيْنٍ:
يَا عُمَرَ الخَيراتِ والمَكارِمِ، ... إنِّي امْرُؤٌ مِنْ قَطَنِ بْنِ دارِمِ،
أَطْلُبُ دَيْني مِنْ أَخٍ مُكارِمِ
أَرَادَ مِنْ أَخٍ يُكافِئني عَلَى مَدْحي إِيَّاهُ، يَقُولُ: لَا أَطلب جَائِزَتَهُ بِغَيْرِ وَسِيلة. وكَارَمْتُ الرَّجُلَ إِذَا فاخَرْته فِي الْكَرَمِ، فكَرَمْته أَكْرُمُه، بِالضَّمِّ، إِذَا غَلَبْتَهُ فِيهِ. والكَرِيم: الصَّفُوح. وكَارَمَنِي فكَرَمْته أَكْرُمُه: كَنْتُ أَكْرَمَ مِنْهُ. وأَكْرَمَ الرجلَ وكَرَّمَه: أَعْظَمه ونزَّهه. وَرَجُلٌ مِكْرَام: مُكْرِمٌ وَهَذَا بِنَاءٌ يَخُصُّ الْكَثِيرَ. الْجَوْهَرِيُّ: أَكْرَمْتُ الرَّجُلَ أُكْرِمُه، وأَصله أُأَكْرمه مثل أُدَحْرِجُه، فاستثفلوا اجْتِمَاعَ الْهَمْزَتَيْنِ فَحَذَفُوا الثَّانِيَةَ، ثُمَّ أَتبعوا بَاقِيَ حُرُوفِ الْمُضَارَعَةِ الْهَمْزَةَ، وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ، أَلَا تَرَاهُمْ حَذَفُوا الْوَاوَ مِنْ يَعِد اسْتِثْقَالًا لِوُقُوعِهَا بَيْنَ يَاءٍ وَكَسْرَةٍ ثُمَّ أَسقطوا مَعَ الأَلف وَالتَّاءِ وَالنُّونِ؟ فَإِنِ اضْطَرَّ الشَّاعِرُ جَازَ لَهُ أَن يَرُدَّهُ إِلَى أَصله كَمَا قَالَ:
فَإِنَّهُ أَهل لأَن يُؤَكْرَما
فأَخرجه عَلَى الأَصل. وَيُقَالُ فِي التَّعَجُّبِ: مَا أَكْرَمَه لِي، وَهُوَ شَاذٌّ لَا يَطَّرِدُ فِي الرُّبَاعِيِّ؛ قَالَ الأَخفش: وقرأَ بَعْضُهُمْ ومَن يُهِن اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرَم، بِفَتْحِ الرَّاءِ، أَيْ إكْرام، وَهُوَ مَصْدَرٌ مِثْلُ مُخْرَج ومُدْخَل. وَلَهُ عليَّ كَرَامَةٌ أَي عَزازة. واسْتَكْرَمَ الشيءَ: طلَبه كَرِيماً أَو وَجَدَهُ كَذَلِكَ. وَلَا أَفْعلُ ذَلِكَ وَلَا حُبّاً وَلَا كُرْماً وَلَا كُرْمَةً وَلَا كَرَامَةً كُلُّ ذَلِكَ لَا تُظهر لَهُ فِعْلًا. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: أَفْعَلُ ذَلِكَ وكَرَامَةً لَكَ وكُرْمَى لَكَ وكُرْمَةً لَكَ وكُرْماً لَكَ، وكُرْمةَ عَيْن ونَعِيمَ عَيْنٍ ونَعْمَةَ عَينٍ ونُعامَى عَينٍ «1» . وَيُقَالُ: نَعَمْ وحُبّاً وكَرَامةً؛ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: نَعَمْ وحُبّاً وكُرْمَاناً، بِالضَّمِّ، وحُبّاً وكُرْمَة. وَحُكِيَ عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبي زِيَادٍ: لَيْسَ ذَلِكَ لَهُمْ وَلَا كُرْمَة. وتَكَرَّمَ عَنِ الشَّيْءِ وتَكَارَمَ: تَنزَّه. اللَّيْثُ: تَكَرَّمَ فُلَانٌ عَمَّا يَشِينه إِذَا تَنزَّه وأَكْرَمَ نفْسَه عَنِ الشَّائِنَاتِ، والكَرَامَةُ: اسْمٌ يُوضَعُ للإِكرام «2» ، كَمَا وُضِعَتِ الطَّاعةُ مَوْضِعَ الإِطاعة، والغارةُ مَوْضِعَ الإِغارة. والمُكَرَّمُ: الرَّجُلُ الكَرِيم عَلَى كُلِّ أَحد. وَيُقَالُ: كَرُمَ الشيءُ الكَرِيمُ كَرَماً، وكَرُمَ فُلَانٌ عَلَيْنَا كَرَامةً. والتَّكَرُّمُ: تَكَلَّفَ الكَرَم؛ وَقَالَ الْمُتَلَمِّسُ:
تكَرَّمْ لتَعْتادَ الجَمِيلَ، ولنْ تَرَى ... أَخَا كَرَمٍ إِلَّا بأَنْ يتَكَرَّمَا
والمَكْرُمةُ والمَكْرُمُ: فعلُ الكَرَمِ، وَفِي الصِّحَاحِ: وَاحِدَةُ المَكَارِمِ وَلَا نَظِيرَ لَهُ إلَّا مَعُونٌ مِنَ العَوْنِ، لأَنَّ كُلَّ مَفْعُلة فَالْهَاءُ لَهَا لَازِمَةٌ إِلَّا هَذَيْنِ؛ قَالَ أَبو الأَخْزَرِ الحِمّاني:
مَرْوانُ مَرْوانُ أَخُو اليَوْم اليَمِي، ... ليَوْمِ رَوْعٍ أَوْ فَعالِ مَكْرُمِ
وَيُرْوَى:
نَعَمْ أَخُو الهَيْجاء فِي الْيَوْمِ الْيَمِي
وَقَالَ جَمِيلٌ:
بُثَيْنَ الْزَمي لَا، إنَّ لَا، إنْ لَزِمْتِه، ... عَلَى كَثرةِ الواشِينَ، أَيُّ مَعُونِ
قَالَ الْفَرَّاءُ: مَكْرُمٌ جَمْعُ مَكْرُمَةٍ ومَعُونٌ جمع
__________
(1) . قوله [ونعامى عين] زاد في التهذيب قبلها: ونعم عين أي بالضم، وبعدها: نعام عين أي بالفتح
(2) . قوله [يوضع للإِكرام] كذا بالأَصل، والذي في التهذيب: يوضع موضع الإِكرام(12/512)
مَعُونةٍ. والأُكْرُومَة: المَكْرُمةُ. والأُكْرُومةُ مِنَ الكَرَم: كالأُعْجُوبة مِنَ العَجَب. وأَكْرَمَ الرَّجُلُ: أَتى بأَولاد كِرام. واستَكْرَمَ: استَحْدَث عِلْقاً كَرِيمًا. وَفِي الْمَثَلِ: استَكْرَمْتَ فارْبِطْ. وَرُوِيَ عَنِ
النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنه قَالَ: إنَّ اللهَ يقولُ إِذَا أَنا أَخَذْتُ مِنْ عَبْدِي كَرِيمته وَهُوَ بِهَا ضَنِين فصَبرَ لِي لَمْ أَرْض لَهُ بِهَا ثَوَابًا دُونَ الْجَنَّةِ
،
وَبَعْضُهُمْ رَوَاهُ: إِذَا أَخذت مِنْ عَبْدِي كَرِيمتَيْه
؛ قَالَ شمر: قال إسحق بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ بَعْضُهُمْ يُرِيدُ أَهْلَهُ، قَالَ: وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ يُرِيدُ عَيْنَهُ، قَالَ: وَمَنْ رَوَاهُ كَرِيمَتَيْهِ فَهُمَا الْعَيْنَانِ، يُرِيدُ جَارِحَتَيْهِ أَيِ الْكَرِيمَتَيْنِ عَلَيْهِ. وَكُلُّ شَيْءٍ يَكْرُمُ عَلَيْكَ فَهُوَ كَرِيمُكَ وكَرِيمَتُك. قَالَ شَمِرٌ: وكلُّ شَيْءٍ يَكْرُمُ عَلَيْكَ فَهُوَ كَرِيمُك وكَرِيمَتُك. والكَرِيمَةُ: الرَّجُلُ الحَسِيب؛ يُقَالُ: هُوَ كَرِيمَة قَوْمِهِ؛ وأَنشد:
وأَرَى كَرِيمَكَ لَا كَرِيمَةَ دُونَه، ... وأَرى بِلادَكَ مَنْقَعَ الأَجْوادِ «1»
. أَراد مَنْ يَكْرمُ عَلَيْكَ لَا تدَّخر عَنْهُ شَيْئًا يَكْرُم عَلَيْكَ. وأَما
قَوْلُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَيْرُ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ مُؤمن بَيْنَ كَرِيمَين
، فَقَالَ قَائِلٌ: هَمَّا الْجِهَادُ وَالْحَجُّ، وَقِيلَ: بَيْنَ فَرَسَيْنِ يَغْزُو عَلَيْهِمَا، وَقِيلَ: بَيْنَ أَبوين مؤْمنين كَرِيمَيْنِ، وَقِيلَ: بَيْنَ أَب مُؤْمن هُوَ أَصله وَابْنٍ مؤْمن هُوَ فَرْعُهُ، فَهُوَ بَيْنُ مُؤْمِنَيْنِ هُمَا طَرَفاه وَهُوَ مؤْمن. والكَرِيم: الَّذِي كَرَّم نفْسَه عَنِ التَّدَنُّس بشيءٍ مِنْ مُخَالَفَةِ رَبِّهِ. وَيُقَالُ: هَذَا رَجُلٌ كَرَمٌ أَبوه وكَرَمٌ آباؤُه. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ:
أَنه أَكْرَم جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ لَمَّا وَرَدَ عَلَيْهِ فبَسط لَهُ رداءَه وَعِمَمَهُ بِيَدِهِ، وَقَالَ: إِذَا أَتاكم كَرِيمَةُ قَوْمٍ فأَكْرِمُوه
أَيْ كَرِيمُ قَوْمٍ وشَريفُهم، وَالْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ؛ قَالَ صَخْرٌ:
أَبى الفَخْرَ أَنِّي قَدْ أَصابُوا كَرِيمَتِي، ... وأنْ ليسَ إهْداء الخَنَى مِنْ شِمالِيا
يعني بقوله كَرِيمَتِي أَخاه مُعَاوِيَةَ بْنَ عَمْرٍو. وأَرض مَكْرَمَةٌ «2» وكَرَمٌ: كَرِيمَةٌ طَيِّبَةٌ، وَقِيلَ: هِيَ المَعْدُونة المُثارة، وأَرْضان كَرَم وأَرَضُون كَرَم. والكَرَمُ: أَرض مُثَارَةٌ مُنَقَّاةٌ مِنَ الْحِجَارَةِ؛ قَالَ: وَسَمِعْتُ الْعَرَبَ تَقُولُ لِلْبُقْعَةِ الطَّيِّبَةِ التُّربةِ العَذاة المنبِت هَذِهِ بُقْعَة مَكْرَمة. الْجَوْهَرِيُّ: أَرض مَكْرَمة لِلنَّبَاتِ إِذَا كَانَتْ جَيِّدَةً لِلنَّبَاتِ. قَالَ الْكِسَائِيُّ: المَكْرُمُ المَكْرُمَة، قَالَ: وَلَمْ يَجِئْ مَفْعُل لِلْمُذَكَّرِ إِلَّا حَرْفَانِ نَادِرَانِ لَا يُقاس عَلَيْهِمَا: مَكْرُمٌ ومَعُون. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ جَمْعُ مَكْرُمَة ومَعُونة، قَالَ: وَعِنْدَهُ أَنَّ مفْعُلًا لَيْسَ مِنْ أَبنية الْكَلَامِ، وَيَقُولُونَ لِلرَّجُلِ الكَريم مَكْرَمَان إِذَا وَصَفُوهُ بِالسَّخَاءِ وَسِعَةِ الصَّدْرِ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ
؛ قَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ حَسَنٌ مَا فِيهِ، ثُمَّ بَيَّنَتْ مَا فِيهِ فَقَالَتْ: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ؛ وَقِيلَ: أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ
، عَنَتْ أَنه جَاءَ مِنْ عِنْدِ رَجُلٍ كَرِيمٍ، وَقِيلَ: كِتَابٌ كَريم أَيْ مَخْتُوم. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: لَا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ
؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: الْعَرَبُ تَجْعَلُ الكَرِيم تَابِعًا لِكُلِّ شَيْءٍ نَفَتْ عَنْهُ فِعْلًا تَنْوِي بِهِ الذَّم. يقال: أَسَمِين هَذَا؟ فَيُقَالُ: مَا هُوَ بسَمِين وَلَا كَرِيم وَمَا هَذِهِ الدَّارُ بِوَاسِعَةٍ وَلَا كَرِيمَةٍ. وَقَالَ: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ
؛ أَي قُرْآنٌ يُحمد مَا فِيهِ مِنَ الهُدى وَالْبَيَانِ وَالْعِلْمِ والحِكمة.
__________
(1) . قوله [منقع الأجواد] كذا بالأَصل والتهذيب، والذي في التكملة: منقعاً لجوادي، وضبط الجواد فيها بالضم وهو العطش
(2) . قوله [وأرض مَكْرَمَة] ضبطت الراء في الأَصل والصحاح بالفتح وفي القاموس بالضم وقال شارحه: هي بالضم والفتح(12/513)
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً
؛ أَي سَهْلًا ليِّناً. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً
؛ أَيْ كَثِيرًا. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً
؛ قَالُوا: حسَناً وَهُوَ الْجَنَّةُ. وَقَوْلُهُ: هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَ
؛ أَيْ فضَّلْت. وَقَوْلُهُ: رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ
؛ أَي الْعَظِيمِ. وَقَوْلُهُ: فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ
؛ أَيْ عَظِيمٌ مُفْضِل. والكَرْمُ: شَجَرَةُ الْعِنَبِ، وَاحِدَتُهَا كَرْمَة؛ قَالَ:
إِذَا مُتُّ فادْفِنِّي إِلَى جَنْبِ كَرْمَةٍ ... تُرَوِّي عِظامي، بَعْدَ مَوْتي، عُرُوقُها
وَقِيلَ: الكَرْمة الطَّاقَةُ الْوَاحِدَةُ مِنَ الكَرْم، وَجَمْعُهَا كُرُوم. وَيُقَالُ: هَذِهِ الْبَلْدَةُ إِنَّمَا هِيَ كَرْمَة وَنَخْلَةٌ، يُعنَى بِذَلِكَ الْكَثْرَةَ. وَتَقُولُ الْعَرَبُ: هِيَ أَكثر الأَرض سَمْنة وعَسَلة، قَالَ: وَإِذَا جادَت السماءُ بالقَطْر قِيلَ: كَرَّمَت. وَفِي حَدِيثِ
أَبي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: لَا تُسَمُّوا العِنب الكَرْم فَإِنَّمَا الكَرْمُ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ
؛ قَالَ الأَزهري: وَتَفْسِيرُ هَذَا، وَاللَّهُ أَعلم، أَنَّ الكَرَمَ الْحَقِيقِيَّ هُوَ مِنْ صِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ هُوَ مِنْ صِفَةِ مَنْ آمَنَ بِهِ وأَسلم لأَمره، وَهُوَ مَصْدَرٌ يُقام مُقام الْمَوْصُوفِ فَيُقَالُ: رَجُلٌ كَرَمٌ وَرَجُلَانِ كَرَمٌ وَرِجَالٌ كَرَمٌ وامرأَة كَرَمٌ، لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ وَلَا يؤَنث لأَنه مَصْدَرٌ أُقيمَ مُقام الْمَنْعُوتِ، فَخَفَّفَتِ الْعَرَبُ الكَرْم، وَهُمْ يُرِيدُونَ كَرَم شَجَرَةِ الْعِنَبِ، لِمَا ذُلِّل مِنْ قُطوفه عِنْدَ اليَنْع وكَثُرَ مِنْ خَيْرِهِ فِي كُلِّ حَالٍ وأَنه لَا شَوْكَ فِيهِ يُؤْذي الْقَاطِفَ، فَنَهَى النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ تَسْمِيَتِهِ بِهَذَا الِاسْمِ لأَنه يَعْتَصِرُ مِنْهُ الْمُسْكِرَ الْمَنْهِيَّ عَنْ شُرْبِهِ، وأَنه يُغَيِّرُ عَقْلَ شَارِبِهِ وَيُورِثُ شربُه العدواة والبَغْضاء وَتَبْذِيرَ الْمَالِ فِي غَيْرِ حَقِّهِ، وَقَالَ: الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ أَحق بِهَذِهِ الصِّفَةِ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ. قَالَ أَبو بَكْرٍ: يُسَمَّى الكَرْمُ كَرْماً لأَن الْخَمْرَ الْمُتَّخَذَةَ مِنْهُ تَحُثُّ عَلَى السَّخَاءِ والكَرَم وتأْمر بمَكارِم الأَخلاق، فَاشْتَقُّوا لَهُ اسْمًا مِنَ الكَرَم لِلْكَرَمِ الَّذِي يَتَوَلَّدُ مِنْهُ، فَكَرِهَ النَّبِيُّ، صَلَّى الله عليه وسلم، إن يُسَمَّى أَصل الْخَمْرِ بِاسْمٍ مأْخوذ مِنَ الكَرَم وَجَعَلَ المؤْمن أَوْلى بِهَذَا الِاسْمِ الحَسن؛ وأَنشد:
والخَمْرُ مُشتَقَّةُ المَعْنَى مِنَ الكَرَمِ
وَكَذَلِكَ سُمِّيَتِ الْخَمْرُ رَاحًا لأَنَّ شَارِبَهَا يَرْتاح للعَطاء أَي يَخِفُّ؛ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَراد أَنْ يُقَرِّرَ ويسدِّد مَا فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ
، بِطَرِيقَةٍ أَنِيقة ومَسْلَكٍ لَطِيف، وَلَيْسَ الْغَرَضُ حَقِيقَةَ النَّهْيِ عَنْ تَسْمِيَةِ الْعِنَبِ كَرْماً، وَلَكِنَّ الإِشارة إِلَى أَن الْمُسْلِمَ التَّقِيَّ جَدِيرٌ بأَن لَا يُشارَك فِيمَا سَمَّاهُ اللَّهُ بِهِ؛ وَقَوْلُهُ: فَإِنَّمَا الكَرْمُ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ أَي إِنَّمَا الْمُسْتَحِقُّ لِلِاسْمِ المشتقِّ مِنَ الكَرَمِ الرَّجلُ الْمُسْلِمُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
إنَّ الكَرِيمَ ابنَ الكريمِ ابنِ الْكَرِيمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ
لأَنه اجْتَمَعَ لَهُ شَرَف النُّبُوَّةِ والعِلم والجَمال والعِفَّة وكَرَم الأَخلاق والعَدل ورِياسة الدُّنْيَا وَالدِّينِ، فَهُوَ نبيٌّ ابْنُ نَبِيٍّ ابْنُ نبيٍّ ابْنُ نَبِيٍّ رَابِعُ أَرْبَعَةٍ فِي النُّبُوَّةِ. وَيُقَالُ للكَرْم: الجَفْنةُ والحَبَلةُ والزَّرَجُون. وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ الزَّكَاةِ:
واتَّقِ كَرَائِمَ أَموالهم
أَيْ نَفائِسها الَّتِي تتعلَّق بِهَا نفْسُ مَالِكِهَا، ويَخْتَصُّها لَهَا حَيْثُ هِيَ جَامِعَةٌ لِلْكَمَالِ المُمكِن فِي حَقِّهَا، وَوَاحِدَتُهَا كَرِيمة؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
وغَزْوٌ تُنْفَقُ فِيهِ الكَرِيمَةُ
أَيِ الْعَزِيزَةُ عَلَى صَاحِبِهَا. والكَرْمُ: القِلادة مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَقِيلَ: الكَرْم نَوْعٌ مِنَ الصِّياغة الَّتِي تُصاغُ فِي المَخانِق، وَجَمْعُهُ كُرُوم؛ قَالَ:
تُباهِي بصَوْغ مِنْ كُرُوم وفضَّة
يُقَالُ: رأَيت فِي عُنُقها كَرْماً حَسَنًا مِنْ لؤلؤٍ؛(12/514)
قَالَ الشَّاعِرُ:
ونَحْراً عَليْه الدُّر تُزْهِي كُرُومُه ... تَرائبَ لَا شُقْراً، يُعَبْنَ، وَلَا كُهْبا
وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِجَرِيرٍ:
لقَدْ وَلَدَتْ غَسّانَ ثالِبةُ الشَّوَى، ... عَدُوسُ السُّرَى لَا يَقْبَلُ الكَرْمَ جِيدُها
ثالبة الشوء: مُشَقَّقَةُ الْقَدَمَيْنِ؛ وأَنشد أَيضاً لَهُ فِي أُم البَعِيث:
إِذَا هَبَطَتْ جَوَّ المَراغِ فعَرَّسَتْ ... طُرُوقاً، وأَطرافُ التَّوادي كُرُومُها
والكَرْمُ: ضَرْب مِنَ الحُلِيِّ وَهُوَ قِلادة مِنْ فِضة تَلْبَسها نِسَاءُ الْعَرَبِ. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: الكَرْم شَيْءٌ يُصاغ مِنْ فِضَّةٍ يُلبس فِي الْقَلَائِدِ؛ وأَنشد غَيْرُهُ تَقْوِيَةً لِهَذَا:
فَيَا أَيُّها الظَّبْيُ المُحَلَّى لَبانُه ... بكَرْمَيْنِ: كَرْمَيْ فِضّةٍ وفَرِيدِ
وَقَالَ آخَرُ:
تُباهِي بِصَوغٍ منْ كُرُومٍ وفِضّةٍ، ... مُعَطَّفَة يَكْسونَها قَصَباً خَدْلا
وَفِي حَدِيثِ
أُم زَرْعٍ: كَرِيم الخِلِّ لَا تُخادِنُ أَحداً فِي السِّرِّ
؛ أَطْلَقَت كَرِيماً عَلَى المرأَة وَلَمْ تقُل كرِيمة الْخَلِّ ذِهَابًا بِهِ إِلَى الشَّخْصِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
وَلَا يُجلس عَلَى تَكْرِمَتِه إِلَّا بِإِذْنِهِ
؛ التَّكْرِمَةُ: الْمَوْضِعُ الخاصُّ لِجُلُوسِ الرَّجُلِ مِنْ فِرَاشٍ أَوْ سَرِير مِمَّا يُعدّ لإِكرامه، وَهِيَ تَفْعِلة مِنَ الْكَرَامَةِ. والكَرْمَةُ: رأْس الْفَخْذِ الْمُسْتَدِيرُ كأَنه جَوْزة وَمَوْضِعُهَا الَّذِي تَدُورُ فِيهِ مِنَ الوَرِك القَلْتُ؛ وَقَالَ فِي صِفَةِ فَرَسٍ:
أُمِرَّتْ عُزَيْزاه، ونِيطَتْ كُرُومُه ... إِلَى كَفَلٍ رابٍ وصُلْبٍ مُوَثَّقِ
وكَرَّمَ المَطَرُ وكُرِّم: كَثُرَ مَاؤُهُ؛ قَالَ أَبو ذؤَيب يَصِفُ سَحَابًا:
وَهَى خَرْجُه واسْتُجِيلَ الرَّبابُ ... مِنْه، وكُرِّمَ مَاءً صَرِيحا
وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ: وغُرِّم مَاءً صَرِيحا؛ قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: زَعَمَ بَعْضُ الرُّوَاةِ أَنَّ غُرِّم خَطَأٌ وَإِنَّمَا هُوَ وكُرِّم مَاءً صَريحا؛ وَقَالَ أَيضاً: يُقَالُ لِلسَّحَابِ إِذَا جَادَ بِمَائِهِ كُرِّم، وَالنَّاسُ عَلَى غُرِّم، وَهُوَ أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ: وَهَى خَرْجُه. الْجَوْهَرِيُّ: كَرُمَ السَّحابُ إِذَا جَاءَ بِالْغَيْثِ. والكَرَامَةُ: الطَّبَق الَّذِي يُوضَعُ عَلَى رأْس الحُبّ والقِدْر. وَيُقَالُ: حَمَلَ إِلَيْهِ الكرامةَ، وَهُوَ مِثْلُ النُّزُل، قَالَ: وسأَلت عَنْهُ فِي الْبَادِيَةِ فلم يُعرف. وكَرْمان وكِرْمان: مَوْضِعٌ بِفَارِسَ؛ قَالَ ابْنُ بري: وكَرْمَانُ اسْمُ بَلَدٍ، بِفَتْحِ الْكَافِ، وَقَدْ أُولِعت الْعَامَّةُ بِكَسْرِهَا، قَالَ: وَقَدْ كَسَرَهَا الْجَوْهَرِيُّ فِي فَصْلِ رَحَبَ فَقَالَ يَحكي قَوْلَ نَصر بْنِ سَيَّار: أَرَحُبَكُمُ الدُّخولُ فِي طاعة الكِرْمَانيّ؟ والكَرْمةُ: مَوْضِعٍ أَيْضًا؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: فأَما قَوْلُ أَبي خِراش:
وأَيْقَنْتُ أَنَّ الجُودَ مِنْكَ سَجِيَّةٌ، ... وَمَا عِشْتُ عَيْشاً مثْلَ عَيْشِكَ بالكَرْمِ
قِيلَ: أَراد الكَرْمة فَجَمَعَهَا بِمَا حَوْلَهَا؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَهَذَا بَعِيدٌ لأَن مِثْلَ هَذَا إِنَّمَا يُسَوَّغُ فِي الأَجناس الْمَخْلُوقَاتِ نَحْوَ بُسْرَة وبُسْر لَا فِي الأَعلام، وَلَكِنَّهُ حَذَفَ الْهَاءَ لِلضَّرُورَةِ وأَجْراه مُجْرى مَا لَا هَاءَ فِيهِ؛ التَّهْذِيبُ: قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ «3» فِي الكُرْم:
__________
(3) . قوله [أبو ذؤيب إلخ] انفرد الأزهري بنسبة البيت لأبي ذؤيب، إذ الذي في معجم ياقوت والمحكم والتكملة أنه لأبي خِرَاشٍ(12/515)
وأَيقنتُ أَن الْجُودَ مِنْكَ سَجِيَّةٌ، ... وَمَا عشتُ عَيْشًا مِثْلَ عيشكَ بالكُرْم
قَالَ: أَراد بالكُرْمِ الكَرامة. ابْنُ شُمَيْلٍ: يُقَالُ كَرُمَتْ أَرضُ فُلَانٍ العامَ، وَذَلِكَ إِذَا سَرْقَنَها فَزَكَا نَبْتُهَا. قَالَ: وَلَا يَكْرُم الحَب حَتَّى يَكُونَ كَثِيرَ العَصْف يَعْنِي التِّبْن وَالْوَرَقَ. والكُرْمةُ: مُنْقَطَع الْيَمَامَةِ فِي الدَّهناء؛ عَنِ ابن الأَعرابي.
كرتم: الكِرْتِيمُ: الفَأْس العَظيمة لَهَا رأْس وَاحِدٌ، وَقِيلَ: هِيَ نَحْوُ المِطْرقة. والكُرْتُوم: الصَّفا مِنَ الْحِجَارَةِ، وحَرَّةُ بَنِي عُذرة تُدعَى كُرْتُوم؛ وأَنشد:
أَسْقاكِ كلُّ رائِحٍ هَزِيمِ، ... يَتْرُكُ سَيْلًا جارِحَ الكُلُومِ،
وناقِعاً بالصَّفْصَفِ الكُرْتُومِ
كردم: الكَرْدَمُ والكُرْدُوم: الرَّجُلُ الْقَصِيرُ الضَّخم. والكَرْدَمَةُ: عَدْوُ القَصير. وكَرْدَمَ الحِمارُ وكَرْدَحَ إِذَا عَدا عَلَى جَنْبٍ وَاحِدٍ. والكَرْدَمَة: الشَّدُّ الْمُتَثَاقِلُ، وَقِيلَ: هُوَ دُوَيْن الكَرْدَحَة وَهِيَ الإِسراع. وتَكَرْدَمَ فِي مِشْيته: عَدَا مِن فَزَع. والكَرْدَمَة: عَدْوُ الْبَغْلِ، وَقِيلَ الإِسراع. الأَزهري: الكَرْمحة والكرْبَحة فِي العَدْو دُونَ الكَرْدَمَة وَلَا يُكَرْدِم إِلَّا الْحِمَارُ وَالْبَغْلُ. ابْنُ الأَعرابي: الكَرْدَم الشُّجَاعُ؛ وأَنشد:
وَلَوْ رَآهُ كَرْدَمٌ لكَرْدَما
أَيْ لَهَرَبَ. وَيُقَالُ: كَرْدَمْتُ القَومَ إِذَا جمعتَهم وعَبَّأْتَهم فَهُمْ مُكَرْدَمون؛ قَالَ:
إِذَا فَزِعُوا يَسْعَى إِلَى الرَّوْعِ مِنْهُمُ، ... بِجُرْدِ القَنا، سَبْعون أَلفاً مُكَرْدَما
قَالَ: وَقَوْلُ ابْنِ عَتَّابِ تِسْعُونَ أَلْفًا مُكَرْدَما أَيْ مُجْتمِعاً. وكَرْدَمَ الرجلُ إِذَا عَدا فأَمْعَن، وَهِيَ الكَرْدَمة. والمُكَرْدِمُ: النَّفُور. والمُكَرْدِم أَيضاً: المُتَذَلِّل المُتَصاغر. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: كَرْدَمَ ضَرط؛ وأَنشد:
ولَو رَآنا كردمٌ لَكَرْدَمَا، ... كَرْدَمةَ العَيْرِ أَحَسَّ ضَيْغَما
وكَرْدَم: اسْمُ رَجُلٍ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِشَاعِرٍ:
وَلَمَّا رأَيْنا أَنه عاتِمُ القِرَى ... بَخيلٌ، ذَكَرْنا لَيْلَة الهَضْب كَرْدَما
كرزم: رَجُلٌ مُكَرْزَم: قَصِيرٌ مُجْتَمِع. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الكَرْزَمُ القَصير الأَنف؛ قَالَ خُلَيْدٌ الْيَشْكُرِيُّ:
فتِلْكَ لَا تُشبِه أُخْرَى صِلْقِما ... صَهْصَلِقَ الصَّوْتِ دَرُوجاً كَرْزَما
والكَرْزَم: فأْس مَفْلُولة الْحَدِّ، وَقِيلَ: الَّتِي لَهَا حَدٌّ كالكَرْزَنِ، وَهِيَ الكِرْزِيمُ أَيضاً؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ؛ وأَنشد:
مَاذَا يَرِيبُكَ مَنْ خِلّ عَلِقْتُ بِهِ؟ ... إنَّ الدُّهُورَ عَلَينا ذاتُ كِرْزِيمِ «1»
. أَيْ تَنْحَتُنا بالنَّوائب والهُموم كَمَا يُنْحت الْخَشَبُ بِهَذِهِ القَدُوم، وَالْجَمْعُ الكَرازِم، وَقِيلَ: هُوَ الكَرْزَن؛ وَقَالَ جَرِيرٌ فِي الكَرازِم الفُؤوس يَهْجُو الْفَرَزْدَقَ:
عَنِيفٌ بِهَزِّ السيفِ قَيْنُ مُجاشِعٍ، ... رفِيقٌ بِأخْراتِ الفُؤوس الكَرازِم
وَأَنْشَدَ الْجَوْهَرِيُّ لِجَرِيرٍ:
وأَوْرَثَكَ القَيْنُ العَلاةَ ومِرْجَلًا، ... وتَقْوِيمَ إصْلاحِ الفُؤوس الكَرازِمِ «2» .
__________
(1) . قوله [من خل] في التكملة والأزهري: من خلم أي بالكسر أَيضاً وهو الصديق
(2) . قوله [وتقويم إصلاح الفؤوس] كذا بالأَصل، والذي في ديوان جرير وفي الصحاح للجوهري: وإصلاح أخرات الفؤوس(12/516)
والكَرْزَمُ والكَرْزَنُ: الفأْس. والكِرْزِم: الشِّدَّةُ مِنْ شَدَائِدِ الدَّهْرِ، وَهِيَ الكَرَازِم عَلَى الْقِيَاسِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ:
أَنْ الدُّهُورَ عَلَيْنَا ذَاتُ كِرْزِيم
أَراد بِهِ الشِّدَّةَ، فكَرَازِيمُ إِذَا جُمِعَ عَلَى الْقِيَاسِ. والكَرْزَمَةُ: أَكل نِصف النَّهَارِ. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: لَمْ أَسمعه لِغَيْرِ اللَّيْثِ. وكَرْزَمٌ: اسْمٌ. قَالَ الأَزهري: وَسَمِعْتُ الْعَرَبَ تَقُولُ لِلرَّجُلِ الْقَصِيرِ كَرْزَم، يُصَغَّرُ كُرَيْزِماً. ابْنُ الأَعرابي: الكَرْزَمُ الْكَثِيرُ «1» الأَكل.
كرشم: الكَرْشَمَةُ: الأَرض الْغَلِيظَةُ. وقَبَّحَ اللهُ كَرْشَمَتَه أَي وَجْهَهُ. والكُرْشُوم: القَبِيح الْوَجْهِ. وكِرْشِم: اسْمُ رَجُلٍ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ، لأَن يَعْقُوبَ زَعَمَ أَنَّ مِيمَهُ زَائِدَةٌ اشْتَقَّهُ مِنَ الكَرِش.
كركم: الكُرْكُمُ: نَبْت. وثَوب مُكَرْكَمٌ: مَصبوغ بالكُرْكُم، وَهُوَ شَبِيهٌ بالوَرْس، قَالَ: والكُرْكُم تُسَمِّيهِ الْعَرَبُ الزَّعْفَران؛ وأَنشد:
قامَ عَلَى المَركُوِّ ساقٍ يُفْعِمُهْ، ... يَرُدُّ فِيهِ سُؤْرَه ويَثْلِمُهْ
مُخْتَلِطاً عِشْرِقُه وكُرْكُمُهْ، ... فَرِيحُه يَدْعُو عَلَى مَنْ يَظْلِمُهْ
يَصِفُ عَرُوسًا ضعُف عَنِ السَّقْيِ فَاسْتَعَانَ بعِرْسِه. وَفِي الْحَدِيثِ:
فعادَ لَوْنُه كأَنه كُرْكُمة
، قَالَ اللَّيْثُ: هُوَ الزَّعْفَرَانُ. قَالَ: والكُرْكُمَانِيُّ دَوَاءٌ مَنْسُوبٌ إِلَى الكُرْكُم وَهُوَ نَبْت شَبِيهٌ بالكَمُّون يُخْلَط بالأَدْوِية؛ وتوهَّم الشَّاعِرُ أَنه الْكَمُّونُ فَقَالَ:
غَيْباً أُرَجِّيهِ ظُنونَ الأَظْننِ ... أَمانيَ الكُرْكُمِ، إذْ قَالَ اسْقِني
وَهَذَا كَمَا تَقُولُ أَماني الْكَمُّونِ. ابْنُ سِيدَهْ: وَالْكُرْكُمُ الزَّعْفَرَانُ، الْقِطْعَةُ مِنْهُ كُرْكُمة، بِالضَّمِّ، وَبِهِ سُمِّيَ دَواء الْكُرْكُمِ، وَقِيلَ: هُوَ فَارِسِيٌّ؛ أَنشد أَبو حَنِيفَةَ للبَعِيث يَصِفُ قَطاً:
سَماوِيّةٌ كدْرٌ، كأَنَّ عُيونها ... يُذافُ بِه وَرْسٌ حَدِيثٌ وكُرْكُمُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَالَ ابْنُ حَمْزَةَ الكُرْكُم عُروق صُفْرٌ مَعْرُوفَةٌ وَلَيْسَ مِنْ أَسماء الزَّعْفَرَانِ؛ وَقَالَ الأَغلب:
فبَصُرَتْ بِعَزَبٍ مُلَوَّمِ، ... فأَخَذَتْ مِنْ رادِنٍ وكُرْكُمِ
وَفِي الْحَدِيثِ:
بَيْنَا هُوَ وجبريل يَتَحادثانِ تغَيَّر وَجْهُ جِبْرِيلَ حَتَّى عَادَ كأَنه كُرْكُمَة
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هِيَ وَاحِدَةُ الكُرْكُم وَهُوَ الزَّعْفَرَانُ، وَقِيلَ: الْعُصْفُرُ، وَقِيلَ: شَيْءٌ كَالْوَرْسِ، وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الْمِيمُ مَزِيدَةٌ لِقَوْلِهِمْ للأَحمر كُرْكٌ. في الْحَدِيثِ حِينَ ذَكَرَ سَعْدَ بن معاذ:
فَعادَ ولونُه كالكُرْكُمة
، وَزَعَمَ السِّيرَافِيُّ أَن الكُرْكُم والكُرْكُمان الرِّزْقُ بِالْفَارِسِيَّةِ؛ وأَنشد:
كُلُّ امرِئٍ مُشَمِّرٌ لِشانِه، ... لِرِزْقِه الغادِي وكُرْكُمَانِه
وَبَيْتُ الِاسْتِشْهَادِ فِي التَّهْذِيبِ:
رَيْحانه الْغَادِي وكُرْكُمَانه
قَالَ الأَزهري: ورأَيت فِي نُسْخَةٍ الكُرْكُم اسم العِلْك.
كزم: كَزِمَ الرجُل كَزَماً، فَهُوَ كَزِمٌ: هَابَ التقَدُّمَ عَلَى الشَّيْءِ مَا كَانَ. وَفِي النَّوَادِرِ: أَكْزَمْتُ عَنِ الطَّعَامِ وأَقْهَمْتُ وأَزْهَمْت إِذَا أَكْثَرَ مِنْهُ حَتَّى لَا يَشْتَهِيَ أَن يَعُودَ فِيهِ. ورجل كَزْمان وزَهْمان
__________
(1) . قوله [الكَرْزَمُ الكثير إلخ] هكذا ضبط في التكملة والتهذيب وضبطه المجد بالضم(12/517)
وقَهْمان ودَقْيان. والكَزَمُ: قِصَر فِي الأَنف قَبِيحٌ وَقِصَرٌ فِي الأَصابع شَدِيدٌ. والكَزَمُ فِي الأُذن والأَنف وَالشَّفَةِ واللَّحْي وَالْيَدِ وَالْفَمِ وَالْقَدَمِ: القِصَرُ والتَّقَلُّص وَالِاجْتِمَاعُ. تَقُولُ: أَنْفٌ أَكْزَمُ وَيَدٌ كَزْماء. وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِلرَّجُلِ الْبَخِيلِ: أَكْزَمُ اليدِ، وَقَدْ كَزَّمَ العَملُ والقُرُّ بنانَه؛ قَالَ أَبو المُثَلَّمِ:
بِهَا يَدَعُ القُرُّ البنَانَ مُكَزَّماً، ... وَكَانَ أَسِيلًا قَبْلَها لَمْ يُكَزَّمِ
مُكَزَّم: مُقَفَّع. وَرَجُلٌ أَكْزَمُ الأَنف: قَصِيرُهُ، وَقِيلَ: لَا يَكُونُ الكَزَمُ قِصَر الأُذن إِلَّا مِنَ الْخَيْلِ، وَقِيلَ: الكَزَمُ قِصَرُ الأَنف كُلِّهِ وَانْفِتَاحُ المَنْخِرَيْنِ. والكَزَمُ: خُرُوجُ الذَّقَنِ مَعَ الشَّفَةِ السُّفْلَى وَدُخُولُ الشَّفَةِ الْعُلْيَا، كَزِمَ كَزَماً وَهُوَ أَكْزَم. وَيُقَالُ كَزَمَ فُلَانٌ يَكْزِمُ كَزْماً إِذَا ضَمَّ فَاهُ وَسَكَتَ، فَإِنْ ضَمَّ فَاهُ عَنِ الطَّعَامِ قِيلَ: أَزَمَ يأْزِمُ. وَوَصَفَ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَجُلًا يُذَمّ فَقَالَ: إِنْ أُفِيضَ فِي الْخَيْرِ كَزَمَ وضَعُف واسْتَسْلَم أَيْ إِنْ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي خَيْرٍ سَكَتَ فَلَمْ يُفِض مَعَهُمْ فِيهِ كأَنه ضَمَّ فَاهُ فَلَمْ يَنطِق. وَيُقَالُ: كَزَمَ الشيءَ الصُّلْبَ كَزْماً إِذَا عَضَّهُ عَضًّا شَدِيدًا. وكَزَمَ الشيءَ يَكْزِمُه كَزْماً: كَسَرَهُ بِمُقَدَّمِ فِيهِ. الْجَوْهَرِيُّ: كَزَمَ شَيْئًا بِمُقَدَّمِ فِيهِ أَيْ كَسَرَهُ وَاسْتَخْرَجَ مَا فيه ليأْكله. والكَزَمُ: غِلَظُ الجَحْفلة وَقِصَرُهَا. يُقَالُ: فَرَسٌ أَكْزَمُ بيِّن الكَزَم. والعَيْرُ يَكْزِمُ مِنَ الحَدَج: يَكْسِرُ فيأْكل. وَفِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنَ الكَزَم والقَزَمِ
؛ فالكَزَمُ، بِالتَّحْرِيكِ: شِدَّةُ الأَكل، وَالْمَصْدَرُ سَاكِنٌ مِنْ قَوْلِكَ كَزَمَ فُلَانٌ الشَّيْءَ بِفِيهِ كَزْماً إِذَا كَسَرَهُ، وَالِاسْمُ الكَزَمُ. وَقَدْ كَزَمَ الشَّيْءَ بِفِيهِ يَكْزِمُه كَزْماً إِذَا كَسَرَهُ وَضَمَّ فَمَهُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: الكَزَمُ الْبُخْلُ. يُقَالُ: هُوَ أَكْزَمُ البنانِ أَيْ قَصِيرُهَا، كَمَا يُقَالُ جَعْدُ الكَفِّ. ابْنُ الأَعرابي: الكَزَمُ أَنْ يُرِيدَ الرَّجُلُ الصَّدَقَةَ وَالْمَعْرُوفَ فَلَا يَقْدِر عَلَى دِينَارٍ وَلَا دِرْهَمٍ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ فِي صِفَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَمْ يَكُنْ بالكَزِّ وَلَا المُنْكَزِم
؛ فالكَزُّ: المُعَبِّس فِي وُجُوهِ السَّائِلِينَ، والمُنْكَزِم: الصغيرُ الْكَفِّ الصَّغِيرُ القَدَم؛ وقولُ ساعِدةَ بْنِ جُؤيَّةَ:
أُتِيحَ لَهَا شَثْنُ البَنانِ مُكَزَّمٌ، ... أَخُو حُزَنٍ قَدْ وقَّرَتْه كُلُومُها
عَنَى بالمُكَزَّم الَّذِي أَكلت أَظفارَه الصخْرُ. والكَزُوم مِنَ الإِبل: الهَرِمة مِنَ النُّوقِ الَّتِي لَمْ يَبْقَ فِي فِيهَا نَابٌ، وَقِيلَ: وَلَا سِنَّ مِنَ الهَرَم، نَعْتٌ لَهَا خَاصَّةً دُونَ الْبَعِيرِ. وَيُقَالُ: مَنْ يَشْتَرِي نَاقَةً كَزوُماً، وَقِيلَ: هِيَ المسنَّة فَقَطْ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
لَا قَرَّبَ اللهُ محَلَّ الفَيْلَمِ، ... والدِّلقِمِ النابِ الكَزُومِ الضِّرْزِم
وكُزَيْم وكُزْمان: اسمان.
كسم: ابْنُ الأَعرابي: الكَسْمُ الكَدُّ عَلَى الْعِيَالِ مِنْ حَرَامٍ أَو حَلَالٍ، وَقَالَ: كَسَمَ وكَسَبَ وَاحِدٌ. والكَسْم: البَقية تَبْقى فِي يَدِكَ مِنَ الشَّيْءِ الْيَابِسِ. والكَسْمُ: فَتُّك الشَّيْءَ بِيَدِكَ وَلَا يَكُونُ إِلَّا مِنَ شَيْءٍ يَابِسٍ، كَسَمَه يَكْسِمُه كَسْماً؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ: وحامِل القِدْر أَبو يَكْسُوم يُقَالُ: جَاءَ يَحْمِل القِدْر إِذَا جَاءَ بِالشَّرِّ. والكَيْسُوم: الْكَثِيرُ مِنَ الْحَشِيشِ، ولُمْعة أُكْسُوم وكَيْسُوم؛ أَنشد أَبُو حَنِيفَةَ:
باتَتْ تُعَشَّى الحَمْضَ بالقَصِيمِ، ... ومِنْ حَليّ وَسْطَه كَيْسُومِ
الأَصمعي: الأَكَاسِمُ اللُّمَعُ مِنَ النَّبْتِ الْمُتَرَاكِبَةِ.(12/518)
يُقَالُ: لُمْعةٌ أُكْسُومٌ أَي مُتراكِمة؛ وأَنشد:
أَكَاسِماً للِطَّرْفِ فِيهَا مُتَّسَعْ، ... ولِلأَيُولِ الآيلِ الطَّبّ فَنَعْ
وَقَالَ غَيْرُهُ: رَوْضَةٌ أُكْسُومٌ ويَكْسُوم أَي نَدِيَّة كَثِيرَةٌ، وأَبو يَكْسُوم مِنْ ذَلِكَ: صَاحِبُ الْفِيلِ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
لَوْ كَانَ حَيٌّ فِي الْحَيَاةِ مُخَلَّداً، ... فِي الدَّهْر، أَلْفاه أَبو يَكْسُوم
وكَيْسُوم، فَيْعُول: مِنْهُ. وخَيْل أَكَاسِمُ أَي كَثِيرَةٌ يَكَادُ يَرْكَبُ بَعْضُهَا بَعْضًا. وَكَيْسَمٌ: أَبو بَطْنٍ مِنَ الْعَرَبِ مُشْتَقٌّ مِنْ ذَلِكَ. وكَيْسُومٌ: اسْمٌ وَهُوَ أَيضاً مَوْضِعٌ، مُعَرَّب. ويَكْسُوم: اسْمٌ أَعجمي. ويَكْسُوم: موضع.
كسعم: الكُعْسُوم: الحِمار، بالحِمْيرية. وَيُقَالُ: بَلِ الكُسْعُوم، والأَصل فِيهِ الكُسْعة، وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ، وَجَمْعُ الكُسْعُوم كَسَاعِيم، سُمِّيَتْ كُسْعُوماً لأَنها تُكْسَع مِن خَلْفِها.
كشم: كَشَمَ أَنفَه: دَقَّه؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. وكَشَمَ أَنفَه يَكْشِمُهُ كَشْماً: جَدَعه. والكَشْم: قَطْع الأَنف بِاسْتِئْصَالٍ. وأَنْفٌ أَكْشَم وكَشِمٌ: مَقْطُوعٌ مِنْ أَصْلِهِ، وَقَدْ كَشِمَ كَشَماً. وحَنَكٌ أَكْشَم: كالأَكَسِّ. وأُذُنٌ كَشْمَاء: لَمْ يُبِنِ القطعُ مِنْهَا شَيْئًا، وَهِيَ كالصَّلْماء، وَالِاسْمُ الكَشْمَة «2» . والكَشَم: نُقْصَانُ الخَلْق والحَسَب. والأَكْشَم: النَّاقِصُ الخَلْق، وَرَجُلٌ أَكْشَم بَيِّن الكَشَم، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ النُّقْصَانُ أَيضاً فِي الحَسَب. ابْنُ سِيدَهْ: الأَكْشَم النَّاقِصُ فِي جِسْمِهِ وحَسَبه؛ قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَهْجُو ابْنَهُ الَّذِي كَانَ مِنَ الأَسلمية:
غلامٌ أَتَاهُ اللُّؤم مِنْ نَحْوِ خَالِهِ، ... لَهُ جانبٌ وافٍ وآخَرُ أَكْشَمُ
أَيْ أَبوه حُرٌّ وأُمُّه أَمَة، فَقَالَتِ امرأَته تُنَاقِضُهُ:
غُلَامٌ أَتاه اللُّؤمُ مِنْ نَحْو عَمِّه، ... وأَفضَلُ أَعْراقِ ابْنِ حَسَّانَ أَسْلَمُ
وكَشَمَ القِثَّاءَ والجَزَر: أَكله أَكلًا عَنِيفًا. والكَشْمُ: اسْمُ الفَهْد، وَرَوَى ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي أَنه قَالَ: الأَكْشَم الفَهْد، والأُنثى كَشْمَاء، وَالْجَمْعُ كُشْمٌ. وكَيْشَم: اسم.
كصم: الكَصْمُ: العَضُّ. وكَصَمَه كَصْماً: دفَعه بِشِدَّةٍ أَو ضَرَبَهُ بِيَدِهِ. وكَصَمَ يَكْصِمُ «3» كَصْماً: نَكَص وولَّى مُدْبِرًا؛ وأَنشد بَعْضُ الرُّوَاةِ لعَدِيّ:
وأَمَرْناهُ بِهِ مِنْ بَيْنِها، ... بَعْدَ ما انْصاعَ مُصِرّاً أَوْ كَصَمْ
أَيْ دَفَع بِشِدَّةٍ، وَقِيلَ: عَضَّ، وَقِيلَ: نَكَصَ. قَالَ أَبُو نَصْرٍ: كَصَمَ كُصُوماً إِذَا وَلَّى وأَدبرَ. وَرَوَى أَبو تُرَابٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: قَصَم رَاجِعًا وكَصَمَ رَاجِعًا إِذَا رَجَعَ مِنْ حَيْثُ شَاءَ وَلَمْ يتِمَّ إِلَى حَيْثُ قَصَد، وأَنشد بَيْتَ عَدِيٍّ. والمُكَاصَمَة: كِنَايَةٌ عَنِ النِّكَاحِ، وَاللَّهُ أَعلم.
كظم: اللَّيْثُ: كَظَمَ الرَّجُلُ غيظَه إِذَا اجْتَرَعَهُ. كَظَمَه يَكْظِمُه كَظْماً: ردَّه وحبَسَه، فَهُوَ رَجُلٌ كَظِيمٌ، وَالْغَيْظُ مَكْظُوم. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ
؛ فَسَّرَهُ ثَعْلَبٌ فَقَالَ: يَعْنِي الْحَابِسِينَ الْغَيْظَ لَا يُجازُون عَلَيْهِ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ أُعِدَّتِ الْجَنَّةُ لِلَّذِينِ جَرَى ذِكْرُهُمْ وَلِلَّذِينِ يَكْظِمُون الْغَيْظَ. وَرُوِيَ
عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: مَا
__________
(2) . قوله [والاسم الكَشْمَة] كذا ضبط في الأَصل، وبالتحريك ضبط في المحكم
(3) . قوله [وكَصَمَ يَكْصِمُ] ضبط في الأَصل كما ترى فهو من باب ضرب وأطلق في القاموس(12/519)
مِنْ جُرْعة يَتَجَرَّعُها الإِنسان أَعظم أَجراً مِنْ جُرْعة غَيْظٍ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَيُقَالُ: كَظَمْت الْغَيْظَ أَكْظِمُه كَظْماً إِذَا أَمسكت عَلَى مَا فِي نَفْسِكَ مِنْهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَنْ كَظَمَ غَيْظًا فَلَهُ كَذَا وَكَذَا
؛ كَظْمُ الْغَيْظِ: تجرُّعُه وَاحْتِمَالُ سَبَبِهِ وَالصَّبْرُ عَلَيْهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِذَا تَثَاءَبَ أَحدكم فليَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ
أَيْ ليحبسْه مَهْمَا أَمكنه. وَمِنْهُ حَدِيثُ
عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: لَهُ فَخْرٌ يَكْظِم عَلَيْهِ
أَيْ لَا يُبْديه وَيُظْهِرُهُ، وَهُوَ حَسَبُه. وَيُقَالُ: كَظَمَ البعيرُ عَلَى جِرَّته إِذَا ردَّدها فِي حَلْقِهِ. وكَظَمَ البعيرُ يَكْظِمُ كُظُوماً إِذَا أَمسك عَنِ الجِرّة، فَهُوَ كَاظِمٌ. وكَظَمَ البعيرُ إِذَا لَمْ يَجْتَرَّ؛ قَالَ الرَّاعِي:
فأَفَضْنَ بَعْدَ كُظومِهِنَّ بِجِرَّةٍ ... مِنْ ذِي الأَبارِقِ، إِذْ رَعَيْنَ حَقِيلا
ابْنُ الأَنباري فِي قَوْلِهِ:
فأَفضن بَعْدَ كُظُومِهِنَّ بجِرّة
أَيْ دَفَعَتِ الإِبل بِجِرَّتِهَا بَعْدَ كُظُومِهَا، قَالَ: والكَاظِم مِنْهَا الْعَطْشَانُ الْيَابِسُ الْجَوْفِ، قَالَ: والأَصل فِي الكَظْم الإِمساك عَلَى غَيْظٍ وَغَمٍّ، والجِرَّة مَا تُخْرِجُهُ مِنْ كُرُوشِهَا فتَجْتَرُّ، وَقَوْلُهُ: مِنْ ذِي الأَبارق مَعْنَاهُ أَنَّ هَذِهِ الجِرّة أَصلها مَا رَعَتْ بِهَذَا الْمَوْضِعِ، وحَقِيل: اسْمُ مَوْضِعٍ. ابْنُ سِيدَهْ: كَظَمَ الْبَعِيرُ جِرَّته ازْذَرَدَها وَكَفَّ عَنْ الِاجْتِرَارِ. وَنَاقَةٌ كَظُوم وَنُوقٌ كُظُوم: لَا تجتَرُّ، كَظَمَتْ تَكْظِمُ كُظُوماً، وإبل كُظُوم. تقول: أَرَى الإِبل كُظُوماً لَا تَجْتَرُّ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُ الكُظُوم جَمْعِ كَاظِم قَوْلُ المِلْقَطي:
فهُنَّ كُظُومٌ مَا يُفِضْنَ بجِرَّةٍ، ... لَهُنَّ بمُسْتَنِّ اللُّغام صَرِيف
والكَظَم: مَخْرَج النَّفَسِ. يُقَالُ: كَظَمَنِي فُلَانٌ وأَخذ بكَظَمِي. أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ أَخذت بكِظام الأَمر أَيْ بِالثِّقَةِ، وأَخذ بكَظَمِهِ أَيْ بِحَلْقِهِ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. وَيُقَالُ: أَخذت بكَظَمِهِ أَيْ بمَخْرجَ نَفَسه، وَالْجَمْعُ كِظَام. وَفِي الْحَدِيثِ:
لعلَّ اللَّهَ يُصْلِحُ أَمر هَذِهِ الأُمة وَلَا يُؤْخَذُ بأَكْظَامها
؛ هِيَ جَمْعُ كَظَم، بِالتَّحْرِيكِ، وَهُوَ مَخْرَجُ النفَس مِنَ الْحَلْقِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
النَّخَعِيِّ: لَهُ التَّوْبَةُ مَا لَمْ يُؤْخَذْ بكَظَمِهِ
أَيْ عِنْدَ خُرُوجِ نفْسه وَانْقِطَاعِ نَفَسه. وأَخَذَ الأَمرُ بكَظَمِه إِذَا غمَّه؛ وَقَوْلُ أَبي خِراش:
وكلُّ امْرِئٍ يَوْمًا إِلَى اللَّهِ صَائِرٌ ... قَضَاءً، إِذَا مَا كَانَ يُؤْخَذُ بالكَظْم
أَراد الكَظَم فَاضْطَرَّ، وَقَدْ دَفَعَ ذَلِكَ سِيبَوَيْهِ فَقَالَ: أَلَا تَرَى أَن الَّذِينَ يَقُولُونَ فِي فَخِذ فَخْذ وَفِي كَبِد كَبْد لَا يَقُولُونَ فِي جَمَل جَمْل؟ وَرَجُلٌ مَكْظُومٌ وكَظِيمٌ: مَكْرُوبٌ قَدْ أَخذ الغمُّ بكَظَمه. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ*
. والكُظُوم: السُّكوت. وَقَوْمٌ كُظَّمٌ أي ساكنون؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
ورَبِّ أَسرابِ حَجِيجٍ كُظَّمِ ... عنِ اللَّغا، ورَفَثِ التَّكَلُّمِ
وَقَدْ كُظِمَ وكَظَمَ عَلَى غَيْظِهِ يَكْظِمُ كَظْماً، فَهُوَ كَاظِمٌ وكَظِيم: سَكَتَ. وَفُلَانٌ لَا يَكْظِمُ عَلَى جِرَّتِه أَيْ لَا يَسْكُتُ عَلَى مَا فِي جَوْفِهِ حَتَّى يَتَكَلَّمَ بِهِ؛ وَقَوْلُ زِيَادِ بْنِ عُلْبة الْهُذَلِيِّ:
كَظِيمَ الحَجْلِ واضِحةَ المُحَيَّا، ... عَديلةَ حُسْنِ خَلْقٍ فِي تَمامِ
عَنى أَنَّ خَلخالها لَا يُسْمع لَهُ صَوْتٌ لِامْتِلَائِهِ. والكَظِيمُ: غَلَق الْبَابِ. وكَظَمَ البابَ يَكْظِمُهُ كَظْماً: قَامَ عَلَيْهِ فأَغلقَه بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِ نَفْسِهِ. وَفِي التَّهْذِيبِ: كَظَمْتُ البابَ أَكْظِمُهُ إِذَا قُمت عَلَيْهِ(12/520)
فَسَدَدْتَهُ بِنَفْسِكَ أَوْ سَدَدْتَهُ بِشَيْءٍ غَيْرِكَ. وكلُّ مَا سُدَّ مِنْ مَجْرى مَاءٍ أَوْ بَابٍ أَوْ طَريق كَظْمٌ، كأَنه سُمِّيَ بِالْمَصْدَرِ. والكِظَامَةُ والسِّدادةُ: مَا سُدَّ بِهِ. والكِظَامَةُ: القَناة الَّتِي تَكُونُ فِي حَوَائِطِ الأَعناب، وَقِيلَ: الكِظَامَة رَكايا الكَرْم وَقَدْ أَفضى بعضُها إِلَى بَعْضٍ وتَناسقَت كَأَنَّهَا نَهْرٌ. وكَظَمُوا الكِظَامَة: جَدَروها بجَدْرَين، والجَدْر طِين حافَتِها، وَقِيلَ: الكِظَامَة بِئْرٌ إِلَى جَنْبِهَا بِئْرٌ، وَبَيْنَهُمَا مَجْرَى فِي بَطْنِ الْوَادِي، وَفِي الْمُحْكَمِ: بَطْنُ الأَرض أَيْنَمَا كَانَتْ، وَهِيَ الكَظِيمَة. غَيْرُهُ: والكِظَامَة قَناة فِي بَاطِنِ الأَرض يَجْرِي فِيهَا الْمَاءُ. وَفِي الْحَدِيثِ: أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَتى كِظَامَةَ قَوْمٍ فتوضَّأَ مِنْهَا ومسَح عَلَى خُفَّيْه؛ الكِظَامَةُ: كالقَناة، وَجَمْعُهَا كَظَائِم. قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: سأَلت الأَصمعي عَنْهَا وَأَهْلَ الْعِلْمِ مِنْ أَهل الْحِجَازِ فَقَالُوا: هِيَ آبَارٌ مُتَنَاسِقَةٌ تُحْفَر ويُباعَد مَا بَيْنَهَا، ثُمَّ يُخْرق مَا بَيْنَ كُلِّ بِئْرَيْنِ بِقَنَاةٍ تؤَدِّي الْمَاءَ مِنَ الأُولى إِلَى الَّتِي تَلِيهَا تَحْتَ الأَرض فَتَجْتَمِعُ مِيَاهُهَا جَارِيَةً، ثُمَّ تَخْرُجُ عِنْدَ مُنْتَهَاهَا فتَسِحُّ عَلَى وَجْهِ الأَرض، وَفِي التَّهْذِيبِ: حَتَّى يَجْتَمِعَ الْمَاءُ إِلَى آخِرِهِنَّ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ عَوَزِ الْمَاءِ لِيَبْقَى فِي كُلِّ بِئْرٍ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ أَهلُها لِلشُّرْبِ وسَقْيِ الأَرض، ثُمَّ يَخْرُجُ فَضْلُهَا إِلَى الَّتِي تَلِيهَا، فَهَذَا مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَقِيلَ: الكِظَامَةُ السِقاية. وَفِي حَدِيثِ
عَبْدِ اللَّهِ بن عَمْرو: إِذَا رأَيت مَكَّةَ قَدْ بُعِجَتْ كَظَائِمَ وَسَاوَى بِناؤُها رؤوسَ الْجِبَالِ فَاعْلَمْ أَنَّ الأَمر قَدْ أَظَلَّك
؛ وَقَالَ أَبو إسحق: هِيَ الكَظِيمَة والكِظَامَةُ مَعْنَاهُ أَيْ حُفِرت قَنَوات. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ:
أَنَّهُ أَتى كِظَامَةَ قَوْمٍ فَبَالَ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَقِيلَ أَراد بالكِظَامَة فِي هَذَا الْحَدِيثِ الكُناسة. والكِظَامَةُ مِنَ الْمَرْأَةِ: مَخْرَجُ الْبَوْلِ. والكِظَامَةُ: فَمُ الْوَادِي الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ؛ حَكَاهُ ثَعْلَبٌ. والكِظَامَةُ: أَعلى الْوَادِي بِحَيْثُ يَنْقَطِعُ والكِظَامَةُ: سَيْرٌ يُوصَل بطرَف القَوْس الْعَرَبِيَّةِ ثُمَّ يُدار بطرَف السِّيةِ العُليا. والكِظَامَة: سَيْرٌ مَضفْور مَوْصُولٌ بِوَتَرِ الْقَوْسِ الْعَرَبِيَّةِ ثُمَّ يُدَارُ بِطَرَفِ السِّيَةِ. والكِظَامَة: حَبْلٌ يَكْظِمُون بِهِ خَطْمَ الْبَعِيرِ. والكِظَامَةُ: العَقَب الَّذِي عَلَى رؤُوس القُذَذ الْعُلْيَا مِنَ السَّهْمِ، وَقِيلَ: مَا يَلِي حَقْو السَّهم، وَهُوَ مُسْتَدَقُّه مِمَّا يَلِي الرِّيش، وَقِيلَ: هُوَ مَوْضِعُ الرِّيشِ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِشَاعِرٍ:
تَشُدُّ عَلَى حَزّ الكِظَامَة بالكُظْر «1»
. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الكِظَامَة العَقَبُ الَّذِي يُدْرَج عَلَى أَذناب الرِّيشِ يَضْبِطها عَلَى أَيِّ نَحوٍ مَا كَانَ التَّرْكِيبُ، كِلَاهُمَا عَبَّرَ فِيهِ بِلَفْظِ الْوَاحِدِ عَنِ الْجَمْعِ. والكِظَامَةُ: حبْل يُشدُّ بِهِ أَنف الْبَعِيرِ، وَقَدْ كَظَمُوه بِهَا. وكِظَامُةُ المِيزان: مسمارُه الَّذِي يَدُورُ فِيهِ اللِّسَانُ، وَقِيلَ: هِيَ الْحَلَقَةُ الَّتِي يَجْتَمِعُ فِيهَا خُيُوطُ الْمِيزَانِ فِي طَرَفي الحديدة من الْمِيزَانِ. وكَاظِمَةُ مَعرفة: مَوْضِعٌ؛ قَالَ إمرؤُ الْقَيْسِ:
إذْ هُنَّ أَقساطٌ كَرِجْلِ الدَّبى، ... أَو كَقَطا كَاظِمَةَ النّاهِلِ
وَقَوْلُ الْفَرَزْدَقُ:
فَيا لَيْتَ دارِي بالمدِينة أَصْبَحَتْ ... بأَعفارِ فَلْجٍ، أَوْ بسِيفِ الكَوَاظِمِ
فَإِنَّهُ أَراد كَاظِمَةَ وَمَا حَولها فَجَمَعَ لِذَلِكَ. الأَزهري: وكَاظِمَةُ جَوٌّ عَلَى سِيفِ الْبَحْرِ مِنَ الْبَصْرَةِ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ، وَفِيهَا رَكايا كَثِيرَةٌ وماؤُها شَرُوب؛ قَالَ: وأَنشدني
__________
(1) . قوله [بالكظر] كذا ضبط في الأَصل، والذي في القاموس: الكظر بالضم محز القوس تَقَعُ فِيهِ حَلَقَةُ الْوَتَرِ، والكظر بالكسر عقبة تشد في أصل فوق السهم(12/521)
أَعرابي مِنْ بَنِي كُلَيْب بْنِ يَرْبوع:
ضَمنْت لَكُنَّ أَن تَهْجُرْن نَجْداً، ... وأَن تَسْكُنَّ كَاظِمَةَ البُحورِ
وَفِي بَعْضِ الْحَدِيثِ ذِكْرُ كَاظِمَة، وَهُوَ اسْمُ مَوْضِعٍ، وَقِيلَ: بِئْرٌ عُرِف الْمَوْضِعُ بِهَا.
كعم: الكِعامُ: شَيْءٌ يُجعل عَلَى فَمِ الْبَعِيرِ. كَعَمَ الْبَعِيرُ يَكْعَمُه كَعْماً، فَهُوَ مَكْعُوم وكَعِيم: شدَّ فَاهُ، وَقِيلَ: شدَّ فَاهُ فِي هِياجه لِئَلَّا يَعَضَّ أَو يأْكل. والكِعَامُ: مَا كَعَمَه بِهِ، وَالْجَمْعُ كُعُمٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:
دَخَلَ إخوةُ يُوسُفَ، عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، مِصْرَ وَقَدْ كَعَمُوا أَفواهَ إِبِلِهِمْ.
وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، رَضِيَ الله عَنْهُ: فَهُمْ بَيْنَ خائفٍ مَقْمُوع وَسَاكِتٍ مَكْعُوم
؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَدْ يَجْعَلُ عَلَى فَمِ الْكَلْبِ لِئَلَّا يَنْبَحَ؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:
مَرَرْنا عَلَيْهِ وهْوَ يَكْعَمُ كَلْبَه؛ ... دَعِ الكَلبَ يَنبَحْ، إِنَّمَا الكلبُ نابحُ
وَقَالَ آخَرُ:
وتَكْعَمُ كلبَ الحيِّ مِن خَشْيةِ القِرى، ... ونارُكَ كالعَذْراء مِن دُونِهَا سِتْرُ
وكَعَمَه الخوفُ: أَمْسَكَ فَاهُ، عَلَى المثَل؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
بَيْنَ الرَّجا وَالرَّجَا مِن جَنْبِ واصِيةٍ ... يَهْماءُ، خابِطُها بالخَوْفِ مَكْعُومُ
وَهَذَا عَلَى الْمَثَلِ؛ يَقُولُ: قَدْ سَدّ الْخَوْفُ فمَه فَمَنَعَهُ مِنَ الْكَلَامِ. والمُكَاعَمَةُ: التقْبيل. وكَعَمَ المرأَةَ يَكْعَمُها كَعْماً وكُعُوماً: قَبَّلها، وَكَذَلِكَ كَاعَمَها. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنَّهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَهى عن المُكاعَمَة والمُكامَعةِ
؛ والمُكَاعَمَة: هُوَ أَنْ يَلْثِمَ الرجلُ صاحَبَه ويَضَع فمَه عَلَى فَمِه كَالتَّقْبِيلِ، أُخِذَ مِنْ كَعْمِ الْبَعِيرِ فَجَعَلَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَثْمه إِيَّاهُ بِمَنْزِلَةِ الكِعام، والمُكاعَمة مُفاعلة مِنْهُ. والكِعْمُ: وِعاء تُوعى فِيهِ السِّلَاحُ وَغَيْرُهَا، وَالْجَمْعُ كِعَام. والمُكَاعَمَة: مُضاجعةُ الرَّجُلِ صَاحِبَهُ فِي الثَّوْبِ، وَهُوَ مِنْهُ، وَقَدْ نُهِيَ عَنْهُ. وكَعَمْتُ الوعاءَ: سَدَدْتُ رأْسه. وكُعُوم الطَّرِيقِ: أَفواهُه؛ وأَنشد:
أَلَا نامَ الخَلِيُّ وبِتُّ حِلْساً، ... بظَهْرِ الغَيْبِ، سُدَّ بِهِ الكُعُومُ
قَالَ: باتَ هَذَا الشاعرُ حِلْساً لِمَا يَحْفَظُ وَيَرْعَى كأَنه حِلْس قَدْ سُدَّ بِهِ كُعُوم الطَّرِيقِ وَهِيَ أَفواهه. وكَيْعُومٌ: اسم.
كعثم: الكَعْثَمُ والكَثْعَمُ: الرَّكَب النَّاتِئُ الضَّخْمُ كالكَعْثَب. وامرأَة كَعْثَمٌ وكَثْعمٌ إِذَا عَظُمَ ذَلِكَ مِنْهَا ككَعْثَب وكَثْعَبٍ.
كعسم: الكَعْسَم والكُعْسُوم: الحِمار، حِمْيَرِيَّةٌ، كِلَاهُمَا كالعُكْسوم. وكَعْسَمَ الرجلُ وكَعْسَبَ: أَدْبَرَ هَارِبًا.
كلم: القرآنُ: كَلَامُ اللَّهِ وكَلِمُ اللَّهِ وكَلِمَاتُه وكَلِمَته، وكلامُ اللَّهِ لَا يُحدّ وَلَا يُعدّ، وَهُوَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ المُفْتَرُون علُوّاً كَبِيرًا. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَعوذ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التامّاتِ
؛ قِيلَ: هِيَ الْقُرْآنِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: إِنَّمَا وَصَف كَلَامَهُ بالتَّمام لأَنه لَا يَجُوزُ أَن يَكُونُ فِي شَيْءٍ مِنْ كَلَامِهِ نَقْص أَو عَيْب كَمَا يَكُونُ فِي كَلَامِ النَّاسِ، وَقِيلَ: مَعْنَى التَّمَامِ هاهنا أَنها تَنْفَعُ المُتَعَوِّذ بِهَا وَتَحْفَظُهُ مِنَ الْآفَاتِ وتَكْفِيه. وَفِي الْحَدِيثِ:
سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَد كَلِمَاتِه
؛ كَلِمَاتُ اللَّهِ أَيْ كلامُه، وَهُوَ صِفتُه وصِفاتُه لَا تَنْحَصِرُ بالعَدَد، فذِكر العدد هاهنا مَجَازٌ بِمَعْنَى الْمُبَالَغَةِ(12/522)
فِي الْكَثْرَةِ، وَقِيلَ: يَحْتَمِلُ أَن يُرِيدَ عَدَدَ الأَذْكار أَو عَدَدَ الأُجُور عَلَى ذَلِكَ، ونَصْبُ عَدَدٍ عَلَى الْمَصْدَرِ؛ وَفِي حَدِيثِ النِّسَاءِ:
اسْتَحْلَلْتم فُرُوجَهن بكَلِمَة اللَّهِ
؛ قيل: هِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ، وَقِيلَ: هِيَ إباحةُ اللَّهِ الزَّوَاجَ وَإِذْنُهُ فِيهِ. ابْنُ سِيدَهْ: الكَلَام القَوْل، مَعْرُوفٌ، وَقِيلَ: الكَلَام مَا كَانَ مُكْتَفِياً بِنَفْسِهِ وَهُوَ الْجُمْلَةُ، وَالْقَوْلُ مَا لَمْ يَكُنْ مُكْتَفِيًا بِنَفْسِهِ، وَهُوَ الجُزْء مِنَ الْجُمْلَةِ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: اعْلَمْ أَنّ قُلْت إِنَّمَا وَقَعَتْ فِي الْكَلَامِ عَلَى أَن يُحكى بِهَا مَا كَانَ كَلَامًا لَا قَوْلًا، ومِن أَدلّ الدَّلِيلِ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الكَلَام وَالْقَوْلِ إجماعُ النَّاسِ عَلَى أَن يَقُولُوا القُرآن كَلَامُ اللَّهِ وَلَا يَقُولُوا الْقُرْآنُ قَوْلُ اللَّهِ، وَذَلِكَ أَنّ هَذَا مَوْضِعٌ ضيِّق مُتَحَجِّرٌ لَا يُمْكِنُ تَحْرِيفُهُ وَلَا يَسُوغُ تَبْدِيلُ شَيْءٍ مِنْ حُرُوفِهِ، فَعُبِّر لِذَلِكَ عَنْهُ بالكَلَام الَّذِي لَا يَكُونُ إِلَّا أَصواتاً تَامَّةً مُفِيدَةً؛ قَالَ أَبو الْحَسَنِ: ثُمَّ إِنَّهُمْ قَدْ يَتَوَسَّعُونَ فَيَضَعُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَوْضِعَ الْآخَرِ؛ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَن الْكَلَامَ هُوَ الْجُمَلُ الْمُتَرَكِبَةُ فِي الْحَقِيقَةِ قَوْلُ كثيِّر:
لَوْ يَسْمَعُونَ كَمَا سَمِعتُ كَلَامَها، ... خَرُّوا لِعَزَّةَ رُكَّعاً وسُجُودا
فَمَعْلُومٌ أَن الْكَلِمَةَ الْوَاحِدَةَ لَا تُشجِي وَلَا تُحْزِنُ وَلَا تَتملَّك قَلْبَ السَّامِعِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِيمَا طَالَ مِنَ الْكَلَامِ وأَمْتَع سامِعِيه لعُذوبة مُسْتَمَعِه ورِقَّة حَوَاشِيهِ، وَقَدْ قَالَ سِيبَوَيْهِ: هَذَا بَابُ أَقل مَا يكون عليه الكَلِم، فدكر هناك حَرْفَ الْعَطْفِ وَفَاءَهُ وَلَامَ الِابْتِدَاءِ وَهَمْزَةَ الِاسْتِفْهَامِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ، وَسَمَّى كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ ذَلِكَ كَلِمَة. الْجَوْهَرِيُّ: الكَلَام اسْمُ جِنْسٍ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، والكَلِمُ لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِ كَلِمَاتٍ لأَنه جَمْعُ كَلِمَة مِثْلَ نَبِقة ونَبِق، وَلِهَذَا قَالَ سِيبَوَيْهِ: هَذَا بَابُ عِلْمِ مَا الكلِمُ مِنَ الْعَرَبِيَّةِ، وَلَمْ يَقُلْ مَا الْكَلَامُ لأَنه أَراد نَفْسَ ثَلَاثَةِ أَشياء: الِاسْمِ والفِعْل والحَرف، فَجَاءَ بِمَا لَا يَكُونُ إِلَّا جَمْعًا وَتَرَكَ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْجَمَاعَةِ، وَتَمِيمٌ تَقُولُ: هِيَ كِلْمَة، بِكَسْرِ الْكَافِ، وَحَكَى الْفَرَّاءُ فِيهَا ثَلَاثَ لُغات: كَلِمَة وكِلْمَة وكَلْمَة، مِثْلَ كَبِدٍ وكِبْدٍ وكَبْدٍ، ووَرِقٍ ووِرْقٍ ووَرْقٍ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ الكَلَام فِي غَيْرِ الإِنسان؛ قَالَ:
فَصَبَّحَتْ، والطَّيْرُ لَمْ تَكَلَّمِ، ... جابِيةً حُفَّتْ بِسَيْلٍ مُفْعَمِ «2»
. وكأَنّ الْكَلَامَ فِي هَذَا الِاتِّسَاعِ إِنَّمَا هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْقَوْلِ، أَلا تَرَى إِلَى قِلَّةِ الْكَلَامِ هُنَا وَكَثْرَةِ الْقَوْلِ؟ والكِلْمَة: لغةٌ تَميمِيَّةٌ، والكَلِمَة: اللَّفْظَةُ، حجازيةٌ، وَجَمْعُهَا كَلِمٌ، تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ. يُقَالُ: هُوَ الكَلِمُ وَهِيَ الكَلِمُ. التَّهْذِيبُ: وَالْجَمْعُ فِي لُغَةِ تَمِيمٍ الكِلَمُ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
لَا يَسْمَعُ الرَّكْبُ بِهِ رَجْعَ الكِلَمْ
وَقَوْلُ سِيبَوَيْهِ: هَذَا بَابُ الْوَقْفِ فِي أَواخر الكَلِم الْمُتَحَرِّكَةِ فِي الْوَصْلِ، يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْمُتَحَرِّكَةَ مِنْ نَعْتِ الكَلِم فَتَكُونُ الكَلِم حِينَئِذٍ مُؤَنَّثَةً، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنْ نَعْتِ الأَواخر، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَلَيْسَ فِي كَلَامِ سِيبَوَيْهِ هُنَا دَلِيلٌ عَلَى تأْنيث الكَلِم بَلْ يَحْتَمِلُ الأَمرين جَمِيعًا؛ فأَما قَوْلُ مُزَاحِمٍ العُقَيليّ:
لَظَلّ رَهِيناً خاشِعَ الطَّرْفِ حَطَّه ... تَحَلُّبُ جَدْوَى والكَلام الطَّرائِف
فَوَصَفَهُ بِالْجَمْعِ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ وَصْفٌ عَلَى الْمَعْنَى كَمَا حَكَى أَبو الْحَسَنِ عَنْهُمْ مِنْ قَوْلِهِمْ: ذَهَبَ به الدِّينار الحُمْرُ
__________
(2) . قوله [مفعم] ضبط في الأَصل والمحكم هنا بصيغة اسم المفعول وبه أيضاً ضبط في مادة فعم من الصحاح(12/523)
والدِّرْهَمُ البِيضُ؛ وَكَمَا قَالَ:
تَراها الضَّبْع أَعْظَمهُنَّ رَأْسا
فأَعادَ الضَّمِيرَ عَلَى مَعْنَى الْجِنْسِيَّةِ لَا عَلَى لَفْظِ الْوَاحِدِ، لَمَّا كَانَتِ الضَّبْعُ هُنَا جِنْسًا، وَهِيَ الكِلْمَة، تَمِيمِيَّةٌ وَجَمْعُهَا كِلْم، وَلَمْ يَقُولُوا كِلَماً عَلَى اطِّرَادِ فِعَلٍ فِي جَمْعِ فِعْلة. وَأَمَّا ابْنُ جِنِّيٍّ فَقَالَ: بَنُو تَمِيمٍ يَقُولُونَ كِلْمَة وكِلَم كَكِسْرَة وكِسَر. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ
؛ قَالَ ثَعْلَبٌ: هِيَ الخِصال الْعَشْرُ الَّتِي فِي الْبَدَنِ والرأْس. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ
؛ قَالَ أَبو إِسْحَاقَ: الكَلِمات، وَاللَّهُ أَعلم، اعْتِراف آدَمَ وَحَوَّاءَ بالذَّنب لأَنهما قَالَا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَالْكَلِمَةُ تَقَعُ عَلَى الْحَرْفِ الْوَاحِدِ مِنْ حُرُوفِ الْهِجَاءِ، وَتَقَعُ عَلَى لَفْظَةٍ مُؤَلَّفَةٍ مِنْ جَمَاعَةِ حروفٍ ذَاتِ مَعْنىً، وَتَقَعُ عَلَى قَصِيدَةٍ بِكَمَالِهَا وَخُطْبَةٍ بأَسْرها. يُقَالُ: قَالَ الشَّاعِرُ فِي كَلِمته أَي فِي قَصِيدَتِهِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الكَلِمَة الْقَصِيدَةُ بطُولها. وتَكَلَّمَ الرَّجُلُ تَكَلُّماً وتِكِلَّاماً وكَلَّمَه كِلَّاماً، جاؤوا بِهِ عَلَى مُوازَنَة الأَفْعال، وكَالَمَه: ناطَقَه. وكَلِيمُك: الَّذِي يُكالِمُك. وَفِي التَّهْذِيبِ: الَّذِي تُكَلِّمه ويُكَلِّمُك يُقَالُ: كَلَّمْتُه تَكلِيماً وكِلَّاماً مِثْلَ كَذَّبْته تَكْذيباً وكِذَّاباً. وتَكَلَّمْت كَلِمَةً وبكَلِمة. وَمَا أَجد مُتَكَلَّماً، بِفَتْحِ اللَّامِ، أَيْ مَوْضِعَ كَلَامٍ. وكَالَمْتُهُ إِذَا حَادَثْتَهُ، وتَكَالَمْنا بَعْدَ التَّهاجُر. وَيُقَالُ: كَانَا مُتَصارِمَيْن فأَصبحا يَتَكَالَمَانِ وَلَا تَقُلْ يَتَكَلَّمانِ. ابْنُ سِيدَهْ: تَكَالَمَ المُتَقاطِعانِ كَلَّمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صاحِبَه، وَلَا يُقَالُ تَكَلَّما. وَقَالَ أَحمد بْنُ يَحْيَى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً
؛ لَوْ جَاءَتْ كَلَّمَ اللَّهُ مُوسى
مُجَرَّدَةً لَاحْتَمَلَ مَا قُلْنَا وَمَا قَالُوا، يَعْنِي الْمُعْتَزِلَةَ، فَلَمَّا جَاءَ تَكْلِيماً
خَرَجَ الشَّكُّ الَّذِي كَانَ يَدْخُلُ فِي الْكَلَامِ، وَخَرَجَ الِاحْتِمَالُ للشَّيْئين، وَالْعَرَبُ تَقُولُ إِذَا وُكِّد الكلامُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ التَّوْكِيدُ لَغْوًا، والتوكيدُ بِالْمَصْدَرِ دَخَلَ لإِخراج الشَّكِّ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ
؛ قَالَ الزَّجَّاجَ: عَنَى بالكَلِمَة هُنَا كَلِمَة التَّوْحِيدِ، وَهِيَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، جَعلَها باقِيةً فِي عَقِب إِبْرَاهِيمَ لَا يَزَالُ مِنْ وَلَدِهِ مَنْ يوحِّد اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَرَجُلٌ تِكْلامٌ وتِكْلامة وتِكِلَّامةٌ وكِلِّمانيٌّ: جَيِّدُ الْكَلَامِ فَصِيح حَسن الكلامِ مِنْطِيقٌ. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: رَجُلٌ كِلِّمَانِيٌّ كَثِيرُ الْكَلَامِ، فَعَبَّرَ عَنْهُ بِالْكَثْرَةِ، قَالَ: والأُنثى كِلِّمَانِيَّةٌ، قَالَ: وَلَا نَظِيرَ لِكِلِّمانيّ وَلَا لِتِكِلَّامةٍ. قَالَ أَبو الْحَسَنِ: وَلَهُ عِنْدِي نَظِيرٌ وَهُوَ قَوْلُهُمْ رَجُلٌ تِلِقَّاعةٌ كَثِيرُ الْكَلَامِ. والكَلْمُ: الجُرْح، وَالْجَمْعُ كُلُوم وكِلامٌ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
يَشْكُو، إِذَا شُدَّ لَهُ حِزامُه، ... شَكْوَى سَلِيم ذَرِبَتْ كِلامُه
سَمَّى مَوْضِعَ نَهْشة الْحَيَّةِ مِنَ السَّلِيمِ كَلْماً، وَإِنَّمَا حَقِيقَتُهُ الجُرْحُ، وَقَدْ يَكُونُ السَّلِيم هُنَا الجَرِيحَ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْكَلْمُ هُنَا أَصل لَا مُسْتَعَارٌ. وكَلَمَه يَكْلِمُه «1» كَلْماً وكَلَّمَه كَلْماً: جَرَحَهُ، وأَنا كَالِمٌ وَرَجُلٌ مَكْلُوم وكَلِيم؛ قَالَ:
عَلَيْهَا الشَّيخُ كالأَسَد الكَلِيمِ
والكَلِيمُ، فالجرُّ على قولك
__________
(1) . قوله [وكلمه يكلمه] قال في المصباح: وكَلمَهُ يَكْلمُهُ من باب قتل ومن باب ضرب لغة انتهى. وعلى الأَخيرة اقتصر المجد. وقوله [وكَلَّمَه كَلْماً جرحه] كذا في الأَصل وأصل العبارة للمحكم وليس فيها كلماً(12/524)
عَلَيْهَا الشَّيْخُ كالأَسدِ الْكَلِيمِ إِذَا جُرِح فَحَمِي أَنْفاً، وَالرَّفْعُ عَلَى قَوْلِكَ عَلَيْهَا الشيخُ الكلِيمُ كالأَسد، وَالْجَمْعُ كَلْمَى. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ
؛ قُرِئَتْ:
تَكْلِمُهم
وتُكَلِّمُهُمْ
، فتَكْلِمُهم: تَجْرَحُهُمْ وتَسِمهُم، وتُكَلِّمُهُمْ: مِنَ الْكَلَامِ، وَقِيلَ:
تَكْلِمُهُم
وتُكَلِّمُهُمْ
سَوَاءٌ كَمَا تَقُولُ تَجْرحهُم وتُجَرِّحهم، قَالَ الْفَرَّاءُ: اجْتَمَعَ الْقُرَّاءُ عَلَى تَشْدِيدِ تُكَلِّمُهم وَهُوَ مِنَ الْكَلَامِ، وَقَالَ أَبو حَاتِمٍ: قرأَ بَعْضُهُمْ
تَكْلِمهُم
وَفُسِّرَ تَجْرحهُم، والكِلام: الْجِرَاحُ، وَكَذَلِكَ إِنْ شَدَّدَ تُكَلِّمُهُم فَذَلِكَ الْمَعْنَى تُجَرِّحهم، وَفُسِّرَ فَقِيلَ: تَسِمهُم فِي وُجُوهِهِمْ، تَسِمُ الْمُؤْمِنَ بِنُقْطَةٍ بَيْضَاءَ فيبيضُّ وَجْهُهُ، وتَسِم الْكَافِرَ بِنُقْطَةٍ سَوْدَاءَ فَيَسْوَدُّ وَجْهُهُ. والتَّكْلِيمُ: التَّجْرِيح؛ قَالَ عَنْتَرَةُ:
إِذْ لَا أَزال عَلَى رِحالةِ سابِحٍ ... نَهْدٍ، تَعاوَرَه الكُماة، مُكَلَّمِ
وَفِي الْحَدِيثِ:
ذهَب الأَوَّلون لَمْ تَكْلِمْهم الدُّنْيَا مِنْ حَسَنَاتِهِمْ شَيْئًا
أَيْ لَمْ تؤثِّر فِيهِمْ وَلَمْ تَقْدح فِي أَديانهم، وأَصل الكَلْم الجُرْح. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِنَّا نَقُوم عَلَى المَرْضى ونُداوي الكَلْمَى
؛ جَمْعُ كَلِيم وَهُوَ الجَريح، فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُهُ اسْمًا وَفِعْلًا مُفْرَدًا وَمَجْمُوعًا. وَفِي التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَةِ مَسَحَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ
؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: سُمِّيَ اللَّهُ ابْتِدَاءً أَمره كَلِمَة لأَنه أَلْقَى إِلَيْهَا الكَلِمَة ثُمَّ كَوَّن الكَلِمَة بشَراً، وَمَعْنَى الكَلِمَة مَعْنَى الْوَلَدِ، وَالْمَعْنَى يُبَشِّرُك بِوَلَدٍ اسْمُهُ الْمَسِيحُ؛ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَعِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، كَلِمَة اللَّهِ لأَنه لَمَّا انتُفع بِهِ فِي الدِّينِ كَمَا انتُفع بِكَلَامِهِ سُمِّيَ بِهِ كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ سَيْفُ اللَّهِ وأَسَدُ اللَّهِ. والكُلام: أَرض غَليظة صَليبة أَوْ طِينٌ يَابِسٌ، قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: وَلَا أَدري مَا صِحَّتُهُ، والله أَعلم.
كلثم: الكُلْثُوم: الفِيلُ، وَهُوَ الزَّنْدَبِيل والكُلْثُوم: الْكَثِيرُ لَحْمِ الْخَدَّيْنِ وَالْوَجْهِ. والكَلْثمة: اجْتِمَاعُ لَحْمِ الْوَجْهِ. وَجَارِيَةٌ مُكَلْثَمة: حسنَة دَوَائِرِ الْوَجْهِ ذَاتُ وَجْنَتَيْنِ فاتَتْهما سُهولة الخدَّين وَلَمْ تَلْزَمْهُمَا جُهومة القُبْح. وَوَجْهٌ مُكَلْثَمٌ: مُستدير كَثِيرُ اللَّحْمِ وَفِيهِ كالجَوْز مِنَ اللَّحْمِ، وَقِيلَ: هُوَ المُتقارب الجَعْدُ المُدَوَّر، وَقِيلَ: هُوَ نَحْوُ الجَهْم غَيْرَ أَنه أَضيق مِنْهُ وأَملَح، وَالْمَصْدَرُ الكَلْثَمَة. قَالَ شَمِرٌ: قَالَ أَبو عُبَيْدٍ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بالمُكَلْثَم
؛ قَالَ: مَعْنَاهُ أَنه لَمْ يَكُنْ مُسْتَدِيرَ الْوَجْهِ وَلَكِنَّهُ كَانَ أَسِيلًا، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ شَمِرٌ: المُكَلْثَمُ مِنَ الْوُجُوهِ القَصِيرُ الحنكِ الدَّانِي الجَبهة الْمُسْتَدِيرُ الْوَجْهِ؛ وَفِي النِّهَايَةِ لِابْنِ الأَثير: مُسْتَدِيرُ الوجهِ مَعَ خِفَّةِ اللَّحْمِ، قَالَ: وَلَا تَكُونُ الكَلْثَمَة إلَّا مَعَ كَثْرَةِ اللَّحْمِ؛ وَقَالَ شَبِيب بْنُ البَرْصاء يَصِف أَخلاف نَاقَةٍ:
وأَخْلافٌ مُكَلْثَمَةٌ وثَجْرُ
صيَّر أَخْلافَها مُكَلْثَمَة لغلَظها وعِظَمها. وكُلْثُوم: رَجُلٌ. وأُمّ كُلْثُوم: امرأَة.
كلحم: الكِلْحِمُ والكِلْمِحُ: التُّرَابُ؛ كِلَاهُمَا عَنْ كُرَاعٍ وَاللِّحْيَانِيِّ. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: بِفِيهِ الكِلْحِمُ والكِلْمِحُ، فَاسْتُعْمِلَ فِي الدُّعَاءِ، كَقَوْلِكَ وأَنت تَدْعُو عَلَيْهِ: التُّرْب له.
كلدم: الكُلْدُوم: كالكُرْدُوم.
كلذم: الكَلْذَمُ: الصُّلْب.
كلسم: الكَلْسَمةُ: الذَّهاب فِي سُرْعة، وَهِيَ الكَلْمسة أَيضاً، تَقُولُ: كَلْمَسَ الرجلُ وكَلْسَمَ إِذَا ذَهَبَ ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ كَلْسَمَ فُلَانٌ إِذَا تَمَادَى كَسَلًا عَنْ قَضَاءِ الحُقوق.(12/525)
كلشم: الكَلْشَمَة: الذَّهَابُ فِي سُرْعَةٍ، وَالسِّينُ الْمُهْمَلَةُ أَعلى، وقد ذكر.
كلصم: التَّهْذِيبُ: ابْنُ السِّكِّيتِ بَلْصَمَ الرجُلُ وكَلْصَمَ إِذَا فرّ.
كمم: الكُمُّ: كمُّ القَمِيص. ابْنُ سِيدَهْ: الكُمُّ مِنَ الثَّوْبِ مَدْخَل الْيَدِ ومَخْرَجُها، وَالْجَمْعُ أَكْمَام، لَا يكسَّر عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَزَادَ الْجَوْهَرِيُّ فِي جَمْعِهِ كِمَمَة مِثْلَ حُبّ وحِبَبةٍ. وأَكَمَّ القَميص: جَعَلَ لَهُ كُمَّين. وكُمُّ السبُع: غِشاء مَخالِبه. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: كَمَّ الكَبائس يَكُمُّها كَمّاً وكَمَّمَها جَعَلَهَا فِي أَغْطِية تُكِنُّها كَمَا تُجعل العَناقيد فِي الأَغْطِية إِلَى حِينِ صِرامها، وَاسْمُ ذَلِكَ الغِطاء الكِمَام، والكُمُّ للطَّلْعِ «1» . وَقَدْ كُمَّتِ النَّخلة، عَلَى صِيغَةِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، كَمّاً وكُمُوماً. وكُمُّ كُلِّ نَوْر: وِعاؤه، وَالْجَمْعُ أَكْمَام وأَكَامِيم، وَهُوَ الكِمَام، وَجَمْعُهُ أَكِمَّةٌ. التَّهْذِيبُ: الكُمُّ كُمُّ الطَّلْعِ، وَلِكُلِّ شَجَرَةٍ مُثمرة كُمٌّ، وَهُوَ بُرْعُومته. وكِمامُ العُذوق: الَّتِي تُجْعَلُ عَلَيْهَا، وَاحِدُهَا كُمٌّ. وأَما قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ
، فَإِنَّ الْحَسَنَ قَالَ: أَراد سَبائبَ مِنْ لِيف تَزَيَّنَتْ بِهَا. والكُمَّةُ: كلُّ ظَرْف غطَّيت بِهِ شَيْئًا وأَلْبسته إِيَّاهُ فَصَارَ لَهُ كالغِلاف، وَمِنْ ذَلِكَ أَكْمَام الزَّرْعِ غُلُفها الَّتِي يَخرج مِنْهَا. وَقَالَ الزَّجَّاجُ فِي قَوْلِهِ: ذاتُ الْأَكْمامِ
، قَالَ: عَنَى بالأَكْمَام مَا غَطَّى. وَكُلُّ شَجَرَةٍ تُخْرِجُ مَا هُوَ مُكَمَّم فَهِيَ ذَاتُ أَكْمَام. وأَكْمَامُ النَّخْلَةِ: مَا غَطى جُمّارَها مِنَ السَّعَف وَاللِّيفِ والجِذْع. وكلُّ مَا أَخرجته النَّخْلَةُ فَهُوَ ذُو أَكْمَام، فالطَّلْعة كُمُّها قِشْرُهَا، وَمِنْ هَذَا قِيلَ للقَلَنْسُوة كُمَّة لأَنها تُغَطِّي الرأْس، وَمِنْ هَذَا كُمّا الْقَمِيصِ لأَنهما يُغَطِّيَانِ الْيَدَيْنِ؛ وَقَالَ شِمْرٌ فِي قَوْلِ الْفَرَزْدَقِ:
يُعَلِّقُ لَمّا أَعْجَبَتْه أَتانُه، ... بأَرْآدِ، لَحْيَيْها جِيادَ الكَمائِمِ
يُرِيدُ جَمْعَ الكِمَامة الَّتِي يَجْعَلُهَا عَلَى مَنْخِرها لِئَلَّا يُؤْذيها الذُّباب. الْجَوْهَرِيُّ: والكِمّ، بِالْكَسْرِ، والكِمامة وِعاءُ الطَّلْعِ وغِطاءُ النَّور، وَالْجَمْعُ كِمام وأَكِمَّة وأَكْمَام؛ قَالَ الشَّمَّاخُ:
قَضَيْتَ أُموراً ثُمَّ غادرتَ بَعدها ... بَوائِجَ فِي أَكْمَامِها، لَمْ تُفَتَّقِ
وَقَالَ الطِّرِمَّاحُ:
تَظَلُّ بالأَكْمَامِ مَحْفُوفةً، ... تَرْمُقُها أَعْيُنُ حُرّاسِها
والأَكامِيمُ أَيضاً؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
لَمَّا تَعالَتْ مِنَ البُهْمَى ذوائِبُها، ... بالصَّيْفِ، وانضَرَجَتْ عَنْهُ الأَكَامِيمُ «2»
. وكُمَّتِ النَّخْلَةُ، فَهِيَ مَكْمُومة؛ قَالَ لَبِيدٌ يَصِفُ نَخِيلًا:
عُصَبٌ كَوارِعُ فِي خليجِ مُحَلِّمٍ، ... حَمَلَت، فَمِنْهَا مُوقَرٌ مَكْمُومُ
وَفِي الْحَدِيثِ:
حَتَّى يَيْبَس فِي أَكْمَامه
، جَمْعُ كِمّ، وَهُوَ غِلافُ الثَّمَرِ وَالْحَبِّ قَبْلَ أَن يَظْهَرَ. وكُمَّ الفَصِيل «3» إِذَا أُشْفِقَ عَلَيْهِ فسُتِر حَتَّى يَقْوَى؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
بَل لَوْ شَهِدْتَ الناسَ إذْ تُكُمُّوا ... بِغُمَّةٍ، لَوْ لَمْ تُفَرَّج غُمُّوا
__________
(1) . قوله [والكُمُّ للطلع] ضبط في الأَصل والمحكم والتهذيب بالضم ككُمّ القميص، وقال في المصباح والقاموس والنهاية: كِمّ الطلع وكل نور بالكسر
(2) . قوله [لما تعالت] تقدم في مادة ضرج: مما
(3) . قوله [وكم الفصيل] كذا بالصاد في الأَصل، وفي بيت ابن مقبل الآتي والذي في الصحاح والقاموس: بالسين، وبها في المحكم أيضاً في بيت طفيل الآتي وياقوت فِي بَيْتِ ابْنِ مُقْبِلٍ: كالفسيل المكمم(12/526)
وتُكُمُّوا أَي أُغمِيَ عَلَيْهِمْ وغُطُّوا. وأَكَمَّتْ وكَمَّمَت أَي أَخرجت كِمامها. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُقَالُ كُمِّمَ الفَصِيل أَيضاً؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
أَمِنْ ظُعُنٍ هَبَّتْ بِلَيْل فأَصْبَحَتْ ... بِصَوْعةَ تُحْدَى، كالفَصِيل المُكَمَّمِ
والمِكَمُّ: الشَّوْفُ الَّذِي تُسَوَّى بِهِ الأَرض مِنْ بَعْدِ الْحَرْثِ. والكُمُّ: القِشرة أَسفل السَّفاة يَكُونُ فِيهَا الحَبة. والكُمَّة: القُلْفة. والكُمَّة: القَلَنسوة، وَفِي الصِّحَاحِ: الكُمَّة الْقَلَنْسُوَةُ المدوَّرة لأَنها تُغَطِّي الرأْس. وَيُرْوَى
عَنْ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنه رأَى جَارِيَةً مُتَكَمْكِمة فسأَل عَنْهَا فَقَالُوا: أَمةُ آلِ فُلَانٍ، فضرَبها بالدِّرّة وَقَالَ: يَا لَكْعاء أَتَشَبَّهِين بالحَرائر
؟ أَرادوا مُتَكَمِّمة فضاعَفوا، وأَصله مِنَ الكُمَّة وَهِيَ القَلَنْسُوة فَشَبَّهَ قِناعها بِهَا. قَالَ ابْنُ الأَثير: كَمْكَمْتُ الشيءَ إِذا أَخفيته. وتَكَمْكَمَ فِي ثَوْبِهِ تلَفَّف فِيهِ، وَقِيلَ: أَراد مُتَكَمِّمة مِنَ الكُمَّة الْقَلَنْسُوَةِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
كَانَتْ كِمامُ أَصحاب رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بُطْحاً
، وَفِي رِوَايَةٍ:
أَكِمَّةُ
، قَالَ: هُمَا جَمْعُ كَثْرَةٍ وقِلة للكُمَّة الْقَلَنْسُوَةِ، يَعْنِي أَنها كَانَتْ مُنْبطحة غَيْرَ مُنْتَصِبَةٍ. وإِنه لحَسن الكِمَّةِ أَي التكمُّم، كَمَا تَقُولُ: إِنه لَحَسَنُ الجِلسة، وكَمَّ الشيءَ يَكُمُّه كَمّاً: طيَّنه وسَدَّه؛ قَالَ الأَخطل يَصِفُ خَمْرًا:
كُمَّتْ ثَلاثةَ أَحْوالٍ بِطِينَتِها، ... حَتَّى اشْتَراها عِبادِيٌّ بدِينارِ
وَهَذَا الْبَيْتُ أَورده الْجَوْهَرِيُّ وأَورد عجزَه:
حَتَّى إِذا صَرَّحتْ مِن بَعْدِ تَهْدارِ
وَكَذَلِكَ كَمَّمَه؛ قَالَ طُفيل:
أَشاقَتْكَ أَظْعانٌ بِحَفْرِ أبَنْبَمِ ... أَجَلْ بَكَراً مثْلَ الفَسِيلِ المُكَمَّمِ
وتَكَمَّمَه وتَكَمَّاه: ككَمَّه؛ الأَخيرة عَلَى تَحْوِيلِ التَّضْعِيفِ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
بَلْ لَوْ رأَيتَ الناسَ إِذ تُكُمُّوا ... بِغُمَّةٍ، لَوْ لَمْ تُفَرَّجْ غُمُّوا «1»
. قِيلَ: أَراد تُكُمِّمُوا مِنْ كَمَّمْت الشَّيْءَ إِذا سَترْته، فأَبدل الْمِيمَ الأَخيرة يَاءً، فَصَارَ فِي التَّقْدِيرِ تُكُمِّيُوا. ابْنُ شُمَيْلٍ عَنِ الْيَمَامِيِّ: كَمَمْتُ الأَرض كَمّاً، وَذَلِكَ إِذا أَثارُوها ثُمَّ عَفَّوا آثارَ السِّنِّ فِي الأَرض بِالْخَشَبَةِ الْعَرِيضَةِ الَّتِي تُزَلِّقها، فَيُقَالُ: أَرض مَكْمُومَة. الأَصمعي: كَمَمْتُ رأْسَ الدَّنِّ أَي سَدَدْته. والمِغَمَّة والمِكَمَّة: شيءٌ يُوضع عَلَى أَنفِ الحِمار كالكِيس، وَكَذَلِكَ الغِمامةُ والكِمَامَةُ. والكِمامُ: مَا سُدَّ بِهِ. والكِمَام، بِالْكَسْرِ، والكِمَامَة: شيءٌ يُسدُّ بِهِ فَمُ الْبَعِيرِ وَالْفَرَسِ لِئَلَّا يَعَض. وكَمَّه: جَعَلَ عَلَى فِيهِ الكِمام، تَقُولُ مِنْهُ: بَعِيرٌ مَكْموم أَي مَحْجُوم. وَفِي حَدِيثِ
النُّعمان بْنِ مُقَرِّن أَنه قَالَ يَوْمَ نهاوَنْدَ: أَلا إِني هازٌّ لَكُمُ الرَّاية فإِذا هزَزْتُها فلْيَثِب الرِّجالُ إِلى أَكِمَّةِ خُيولها ويُقَرِّطُوها أَعِنَّتها
؛ أَراد بأَكِمَّة الْخُيُولِ مَخالِيَها الْمُعَلَّقَةَ على رؤوسها وَفِيهَا عَلَفُها يأْمرهم بأَن يَنزِعوها من رؤوسها ويُلْجِموها بلُجُمِها، وَذَلِكَ تَقْرِيطها، وَاحِدُهَا كِمَام، وَهُوَ مِنْ كِمَام الْبَعِيرِ الَّذِي يُكَمُّ بِهِ فمُه لِئَلَّا يَعَضَّ. وكَمَمْتُ الشيءَ: غَطَّيته. يُقَالُ: كَمَمْتُ الحُبَّ إِذا سدَدْت رأْسَهُ. وكَمَّمَ النخلةَ: غطَّاها لتُرْطِب؛ قَالَ:
تَعَلَّلُ بالنَّهِيدة حينَ تُمْسي، ... وبالمَعْوِ المُكَمَّمِ والقَمِيمِ
القَمِيمُ: السَّوِيقُ. والمَكْمُوم مِنَ العُذُوق: مَا غُطِّي
__________
(1) . قوله [بَلْ لَوْ رَأَيْتَ النَّاسَ إلخ] عبارة المحكم بعد البيت: تكموا من الثلاثي المعتل وزنه تفعلوا من تكميته إذا قصدته وعمدته وَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، وقيل أراد تكمموا إلخ(12/527)
بالزُّبْلانِ عِنْدَ الإِرطاب لِيَبْقَى ثمرها عضّاً وَلَا يُفْسِدَهَا الطَّيْرُ والحُرور؛ وَمِنْهُ قَوْلُ لَبِيدٍ:
حَمَلتْ فمِنْها مُوقَرٌ مَكْمُومُ
ابْنُ الأَعرابي: كُمَّ إِذا غُطِّي، وكُمَّ إِذا قَتَل «2» . الشُّجْعان؛ أَنشد الْفَرَّاءُ:
بَلْ لَوْ شهدتَ الناسَ إِذ تُكُمُّوا
قَوْلُهُ تُكُمُّوا أَي أُلبِسوا غُمَّةً كُمُّوا بِهَا. والكَمُّ: قَمْعُ الشَّيْءِ وَسَتْرُهُ، وَمِنْهُ كَمَمْتُ الشهادةَ إِذا قمَعْتَها وسَترْتها، والغُمَّة مَا غَطَّاك مِنْ شَيْءٍ؛ الْمَعْنَى بَلْ لَوْ «3» . شَهِدْتَ الأَصل تكَمَّمْت مِثْلَ تَقَمَّيْتُ، الأَصل تَقَمَّمْتُ. والكَمْكَمَةُ: التَّغَطي بِالثِّيَابِ. وتَكَمْكَمَ فِي ثِيَابِهِ: تغَطَّى بِهَا. وَرَجُلٌ كَمْكَام: غَلِيظٌ كَثِيرُ اللَّحْمِ. وامرأَة كَمْكَامَةٌ ومُتَكَمْكِمَة: غَلِيظَةٌ كَثِيرَةُ اللَّحْمِ. والكَمكَامُ: فِرْفُ شَجَرِ الضِّرْو، وَقِيلَ: لِحاؤُها وَهُوَ مِنْ أَفواه الطِّيبِ. والكَمكَام: الْمُجْتَمَعُ الخَلق. وكَمْ: اسْمٌ، وَهُوَ سؤَال عَنْ عَدَدٍ، وَهِيَ تَعمل فِي الْخَبَرِ عَملَ رُبَّ، إِلَّا أَن مَعْنَى كَم التَّكْثِيرُ وَمَعْنَى رُبَّ التَّقْلِيلُ وَالتَّكْثِيرُ، وَهِيَ مُغْنِيَةٌ عَنِ الْكَلَامِ الْكَثِيرِ الْمُتَنَاهِي فِي البُعد وَالطُّولِ، وَذَلِكَ أَنك إِذا قُلْتَ: كَمْ مالُك؟ أَغناك ذَلِكَ عَنْ قَوْلِكَ: أَعَشَرة مالُك أَم عِشرون أَم ثَلَاثُونَ أَم مِائَةٌ أَم أَلف؟ فَلَوْ ذَهَبْتَ تَسْتَوعب الأَعداد لَمْ تَبْلُغْ ذَلِكَ أَبداً لأَنه غَيْرُ مُتَناهٍ، فَلَمَّا قُلْتَ كَمْ، أَغنتك هَذِهِ اللَّفْظَةُ الْوَاحِدَةُ عَنِ الإِطالة غَيْرِ المُحاط بِآخِرِهَا وَلَا المُسْتَدْركة. التَّهْذِيبُ: كَمْ حَرْفُ مسأَلة عَنْ عَدَدٍ وَخَبَرٍ، وَتَكُونُ خَبَرًا بِمَعْنَى رُبَّ، فإِن عُنِي بِهَا رُبَّ جَرَّت مَا بَعْدَهَا، وإِن عُني بِهَا رُبَّمَا رفَعَت، وإِن تَبِعَهَا فِعْلٌ رَافع مَا بَعْدَهَا انْتَصَبَتْ، قَالَ: وَيُقَالُ إِنها فِي الأَصل مِنْ تأْليف كَافِ التَّشْبِيهِ ضُمت إِلى مَا، ثُمَّ قُصِرت مَا فأُسكنت الْمِيمُ، فإِذا عُنِيَتْ بِكَمْ غَيْرَ المسأَلة عَنِ الْعَدَدِ، قُلْتَ: كمْ هَذَا الشيءُ الَّذِي مَعَكَ؟ فَهُوَ مُجِيبُكَ: كَذَا وَكَذَا. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: كَمْ وكأَيِّن لُغَتَانِ وَتَصْحَبُهَا مِن، فإِذا أَلقيت مِنْ، كَانَ فِي الِاسْمِ النَّكِرَةِ النَّصْبُ وَالْخَفْضُ، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الْعَرَبِ: كَمْ رجلٍ كريمٍ قَدْ رأَيتَ، وكَمْ جَيْشاً جَرَّاراً قَدْ هَزَمْتَ، فَهَذَانَ وَجْهَانِ يُنصبان ويُخفضان، وَالْفِعْلُ فِي الْمَعْنَى وَاقِعٌ، فإِن كَانَ الْفِعْلُ لَيْسَ بِوَاقِعٍ وَكَانَ لِلِاسْمِ جَازَ النَّصْبُ أَيضاً وَالْخَفْضُ، وَجَازَ أَن تُعمل الْفِعْلَ فَتَرْفَعَ فِي النَّكِرَةِ فَتَقُولَ كَمْ رجلٌ كَرِيمٌ قَدْ أَتاني، تَرْفَعَهُ بِفِعْلِهِ، وتُعمل فِيهِ الْفِعْلَ إِن كَانَ وَاقِعًا عَلَيْهِ فَتَقُولُ: كَمْ جَيْشًا جَرَّارًا قَدْ هَزَمْت، فَتَنْصِبُهُ بهَزمْت؛ وأَنشدونا:
كَمْ عَمَّة لكَ يَا جَريرُ وَخَالَةٍ ... فَدْعاء، قَدْ حَلَبَتْ عَليَّ عِشاري
رَفْعًا وَنَصْبًا وَخَفْضًا، فَمَنْ نَصَبَ قَالَ: كَانَ أَصل كَمْ الِاسْتِفْهَامُ وَمَا بَعْدَهَا مِنَ النَّكِرَةِ مُفَسِّر كَتَفْسِيرِ الْعَدَدِ فَتَرَكْنَاهَا فِي الْخَبَرِ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي الِاسْتِفْهَامِ فَنَصَبْنَا مَا بَعْدَ كَمْ مِنَ النَّكِرَاتِ كَمَا تَقُولُ عِنْدِي كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا، وَمَنْ خَفَضَ قَالَ: طَالَتْ صُحْبَةٌ مِنَ النَّكِرَةِ فِي كَمْ فَلَمَّا حَذَفْنَاهَا أَعملنا إِرادَتَها؛ وأَما مَنْ رَفَعَ فأَعمَل الْفِعْلَ الْآخَرَ وَنَوَى تَقْدِيمَ الْفِعْلِ كأَنه قَالَ: كَمْ قَدْ أَتاني رَجُلٌ كَرِيمٌ. الْجَوْهَرِيُّ: كَمْ اسْمٌ نَاقِصٌ مُبْهَمٌ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكُونِ، وَلَهُ مَوْضِعَانِ: الِاسْتِفْهَامُ وَالْخَبَرُ، تَقُولُ إِذا اسْتَفْهَمْتَ: كَمْ رَجُلًا عِنْدَكَ؟ نَصَبْتَ مَا بَعْدَهُ عَلَى التَّمْيِيزِ، وَتَقُولُ إِذا أَخبرت: كَمْ درهمٍ أَنْفَقْتَ، تُرِيدُ التَّكْثِيرَ، وَخَفَضْتَ مَا بَعْدَهُ كَمَا تَخْفِضُ بِرُبَّ لأَنه فِي التَّكْثِيرِ نَقِيضُ رُبَّ فِي التَّقْلِيلِ، وإِن شئت نصبت،
__________
(2) . قوله [وكم إذا قتل] كذا ضبط في نسخة التهذيب
(3) . قوله [المعنى بل لو إلخ] كذا بالأصل وفيه سقط ظاهر، ولعل الأصل: الْمَعْنَى بَلْ لَوْ شَهِدْتِ النَّاسَ إذ تكميوا أي غطوا وستروا الأصل تكممت إلخ كما يؤخذ من سابق الكلام(12/528)
وإِن جَعَلْتَهُ اسْمًا تَامًّا شَدَّدْتَ آخِرَهُ وَصَرَفْتَهُ، فَقُلْتَ: أَكثرت مِنَ الكَمِّ، وَهُوَ الكَمِّيَّةُ.
كنم: التَّهْذِيبُ: أَهمل اللَّيْثُ نَكَمَ وَكَنَمَ وَاسْتَعْمَلَهُمَا ابْنُ الأَعرابي فِيمَا رَوَاهُ ثَعْلَبٌ عَنْهُ، قَالَ: النَّكْمةُ المُصيبة الفادِحة. والكَنْمَةُ: الجِراحة.
كهم: كَهُمَ الرجلُ وكَهَمَ يَكْهَمُ كَهَامَةً، فَهُوَ كَهَامٌ وكَهِيمٌ، وتكَهَّمَ: بَطُؤَ عَنِ النُّصرة وَالْحَرْبِ؛ قَالَ مِلْحة الْجَرْمِيُّ:
إِذا مَا رَمى أَصْحابَه بِجَنيبِه، ... سُرى اللَّيلةِ الظَّلْمَاءِ، لَمْ يَتَكَهَّمِ «1»
. وفَرَس كَهَام: بِطيء عَنِ الْغَايَةِ. وَرَجُلٌ كَهَام وكَهِيم: ثَقِيلٌ مُسِنٌّ دَثور لَا غَناء عِنْدَهُ، وَقَوْمٌ كَهَامٌ أَيضاً. وَسَيْفٌ كَهَام وكَهِيم: لَا يَقْطَعُ، كَلِيل عَنِ الضَّرْبَةِ.
وَفِي مَقتل أَبي جَهْلٍ: إِن سَيْفَكَ كَهَامٌ
أَي كَليل لَا يَقْطَعُ. وَلِسَانٌ كَهِيمٌ: كَليل عَنِ الْبَلَاغَةِ، وَفِي التَّهْذِيبِ: لِسَانٌ كَهَامٌ. الْجَوْهَرِيُّ: لِسَانٌ كَهَام عَيِيٌّ. وَيُقَالُ: أَكْهَمَ بَصَرُه إِذا كَلَّ ورَقَّ. وكَهَّمَتْه الشدائدُ: نكَّصَتْه عَنِ الإِقدام وجبَّنَتْه. وكَيْهَمٌ: اسْمٌ. وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ
أُسامة: فَجَعَلَ يتَكهَّمُ بِهِمْ
؛ التَّكَهُّم: التعرُّض لِلشَّرِّ وَالِاقْتِحَامُ بِهِ، وَرُبَّمَا يَجْري مَجرى السُّخرية، وَلَعَلَّهُ إِن كَانَ مَحْفُوظًا مَقْلُوبٌ مِنَ التَّهَكُّم، وَهُوَ الِاسْتِهْزَاءُ. الأَزهري فِي تَرْجَمَةِ كَهْكَهَ: الكَهْكاهةُ المُتَهَيِّب، قَالَ: وكَهْكَامَة، بِالْمِيمِ، مِثْلَ كَهْكاهةٍ المُتَهيِّبُ، وَكَذَلِكَ كَهْكَمٌ، قَالَ: وأَصله كَهامٌ فَزِيدَتِ الْكَافُ؛ وأَنشد:
يَا رُبَّ شَيْخٍ مِن عَدِيٍّ كَهْكَمِ «2»
. وأَنشد اللَّيْثُ قَوْلَ أَبي الْعِيَالِ الْهُذَلِيِّ:
وَلَا كَهْكَامَةٌ بَرَمٌ، ... إِذا مَا اشتَدَّتِ الحِقَبُ
وَرَوَاهُ أَبو عُبَيْدٍ:
وَلَا كَهكَاهةٌ بَرَمٌ
بِالْهَاءِ، وسيأْتي ذِكْرُهُ. ابْنُ الأَعرابي: الكَهْكَمُ والكَهْكَبُ الباذِنجان.
كوم: الكَوَمُ: العِظَم فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَقَدْ غلَب عَلَى السَّنام؛ سَنام أَكْوَمُ: عَظيم؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
وعَجُزٌ خَلْفَ السَّنامِ الأَكْوَمِ
وبَعير أَكْوَمُ، وَالْجَمْعُ كُوم؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
رِقابٌ كالمَواجن خاظِياتٌ، ... وأَسْتاهٌ عَلَى الأَكْوارِ كُومُ
والكُومُ: القِطعة مِنَ الإِبل. وَنَاقَةٌ كَوْمَاء: عَظيمة السَّنام طَوِيلَتُهُ. والكَوَمُ: عِظَم فِي السَّنَامِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رأَى فِي نَعَم الصَّدَقة نَاقَةً كَوْمَاء
، وَهِيَ الضَّخْمَةُ السَّنَامِ، أَي مُشْرِفَةَ السَّنام عالِيتَه؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
فيأْتي مِنْهُ بناقَتَينِ كَوْمَاوَينِ
، قَلَبَ الْهَمْزَةُ فِي التَّثْنِيَةِ وَاوًا. وجبَل أَكْوَمُ: مُرتفِع؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
وَمَا زالَ فَوْقَ الأَكْوَمِ الفَرْدِ ... واقِفاً عَلَيْهِنَّ، حَتَّى فارَقَ الأَرضَ نُورُها
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
أَنّ قَوْمًا مِنْ المُوَحِّدين يُحْبَسُون يَوْمَ القِيامة عَلَى الكَوْمِ إِلى أَن يُهَذَّبُوا
؛ هِيَ بِالْفَتْحِ المَواضع الْمُشْرِفَةُ، وَاحِدَتُهَا كَوْمَة، ويُهَذَّبوا أَي يُنَقَّوا مِنَ المَآثم؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
يَجِيء يومَ القيامة
__________
(1) . قوله [بجنيبه] كذا بالأصل مضبوطاً، والذي في نسخة المحكم: بحنيبه، بالحاء المهملة بدل الجيم
(2) . قوله [من عديّ] كذا في الأصل والتهذيب، والذي في التكملة على إصلاح بدل علي لكيز بصيغة التصغير(12/529)
عَلَى كَوْمٍ فوقَ الناسِ
؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحَثِّ عَلَى الصَّدَقَةِ:
حَتَّى رأَيتُ كَوْمَيْنِ مِن طَعام وثِياب.
وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: أَنه أُتيَ بِالْمَالِ فَكَوَّمَ كَوْمةً مِنْ ذَهَبٍ وكَوْمَة مِنْ فِضة وَقَالَ: يَا حَمْراء احْمَرِّي، وَيَا بَيْضاء ابْيَضِّي، غُرِّي غَيْرِي هَذَا جَنايَ وخِيارُه فِيهْ، إِذْ كلُّ جانٍ يَدُه إِلى فِيهِ
، أَي جَمَعَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صُبرة ورَفَعها وعَلَّاها، وَبَعْضُهُمْ يَضُمُّ الْكَافَ، وَقِيلَ: هُوَ بِالضَّمِّ اسْمٌ لِمَا كُوِّم، وَبِالْفَتْحِ اسْمُ الفَعْلة الْوَاحِدَةِ. والكَوْم: الفَرْج الْكَبِيرُ. وكَامَها كَوْماً: نَكَحها، وَقِيلَ: الكَوْم يَكُونُ للإِنسان والفَرس. وَيُقَالُ لِلْفَرَسِ فِي السِّفاد: كَامَ يَكُوم كَوْماً، يُقَالُ: كَامَ الفرَسُ أُنثاه يَكُومُها كَوْماً إِذا نَزا عَلَيْهَا. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَفضل الصدَقَةِ رِباطٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يُمْنَعُ كَوْمُه
؛ الكَوم، بِالْفَتْحِ: الضِّرَابُ، وأَصل الكَوْم مِنَ الِارْتِفَاعِ وَالْعُلُوِّ، وَكَذَلِكَ كَلُّ ذِي حَافِرٍ مِنْ بَغْلٍ أَو حِمَارٍ. الأَصمعي: يُقَالُ لِلْحِمَارِ باكَها وَلِلْفَرَسِ كَامَها، وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: كَامَ الحِمارُ أَيضاً. وامرأَة مُكَامَة: مَنْكُوحَةٌ، عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَقَدْ اسْتَعْمَلَهُ بَعْضُهُمْ فِي العُقْربان. يُقَالُ: كَامَ كَوْماً؛ قَالَ إِياس بْنُ الْأَرَتِّ:
كأَنَّ مَرْعى أُمِّكُمْ، إِذْ غَدَتْ، ... عَقْرَبةٌ يَكُومُها عُقْربان
يَكُومُها: يَنْكِحها. وكَوَّمَ الشيءَ: جَمَعَهُ وَرَفَعَهُ. وكَوَّمَ المَتاع: أَلقى بَعْضَهُ فَوْقَ بَعْضٍ. وَقَدْ كَوَّمَ الرَّجُلُ ثِيَابَهُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ إِذا جَمَعَهَا فِيهِ. يُقَالُ: كَوَّمْت كُومَةً، بِالضَّمِّ، إِذا جَمَعْتُ قِطعة مِنْ تُرَابٍ وَرَفَعْتُ رأْسها، وَهُوَ فِي الْكَلَامِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِكَ صُبْرة مِنْ طَعَامٍ. والكُومَة: الصُّبرة مِنَ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ. ابْنُ شُمَيْلٍ: الكُومَة تُرَابٌ مُجْتَمِعٌ طُولُهُ فِي السَّمَاءِ ذِرَاعَانِ وَثُلُثٌ وَيَكُونُ مِنَ الْحِجَارَةِ وَالرَّمْلِ، وَالْجَمْعُ الكُومُ. والأَكْومانِ: مَا تَحْتَ الثُّنْدُوَتَيْنِ. والكِيمِياءُ مَعْرُوفٌ مِثْلَ السِّيمِياء. وَفِي الْحَدِيثِ ذُكِرَ
كُوم عَلْقام
، وَفِي رِوَايَةٍ:
كُوم عَلْقَماء
، هُوَ بِضَمِّ الْكَافِ، مَوْضِعٌ بأَسفل دِيَارِ مِصْرَ، صَانَهَا اللَّهُ تَعَالَى. وكُومَةُ: اسْمُ امرأَة. التَّهْذِيبُ: هُنَا الاكْتِيَام القُعود عَلَى أَطْراف الأَصابع، تَقُولُ: اكتَمْتُ لَهُ وتَطالَلْتُ لَهُ، ورأَيته مُكْتَاماً عَلَى
أَطراف أَصابع رِجْلَيْهِ.
فصل اللام
لأم: اللُّؤْم: ضِدُّ العِتْقِ والكَرَمِ. واللَّئِيمُ: الدَّنيءُ الأَصلِ الشحيحُ النَّفْسِ، وَقَدْ لَؤُمَ الرجلُ، بِالضَّمِّ، يَلْؤُمُ لُؤْماً، عَلَى فُعْلٍ، ومَلأَمةً عَلَى مَفْعَلةٍ، وَلَآمَةً عَلَى فَعالةٍ، فَهُوَ لَئِيمٌ مِنْ قَوْمٍ لِئَامٍ ولُؤَماءَ، ومَلأَمانُ؛ وَقَدْ جَاءَ فِي الشِّعْرِ أَلائِمُ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ؛ قَالَ:
إِذا زالَ عنكمْ أَسْودُ العينِ كنتُمُ ... كِراماً، وأَنتم مَا أَقامَ أَلائِمُ
وأَسْودُ الْعَيْنِ: جَبَلٌ مَعْرُوفٌ، والأُنثى مَلأَمَانَةٌ. وَقَالُوا فِي النِّداء: يَا مَلأَمَانُ خِلَافَ قَوْلِكَ يَا مَكْرَمانُ. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذا سُبَّ: يَا لُؤْمانُ وَيَا مَلأَمَانُ وَيَا مَلأَمُ. وأَلْأَمَ: أَظْهَرَ خصالَ اللُّؤْم. وَيُقَالُ: قَدْ أَلْأَمَ الرجلُ إِلْآماً إِذا صَنَعَ مَا يَدْعُوهُ النَّاسُ عَلَيْهِ لَئيماً، فَهُوَ مُلْئِمٌ. وأَلْأَمَ: ولَدَ اللِّئامَ؛ هَذِهِ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، واسْتَلْأَمَ أَصْهاراً «1» . لِئاماً،
__________
(1) . قوله [واسْتَلْأَمَ أصهاراً لئاماً] هكذا في الأَصل، وعبارة القاموس: واستلأَم أصهاراً اتخذهم لِئَامًا(12/530)
واسْتَلْأَمَ أَباً إِذا كَانَ لَهُ أَبٌ سوءٌ لئيمٌ ولَأَّمَه: نسبَه «1» . إِلى اللُّؤْمِ؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:
يرومُ أَذَى الأَحرارِ كلُّ مُلأَّمٍ، ... ويَنْطِقُ بالعَوْراء مَن كانَ مُعْوِرا
والمِلأَمُ والمِلآمُ: الَّذِي يُعْذِرُ اللِّئامَ. والمُلْئِمُ: الَّذِي يأْتي اللِّئام. والمُلْئِمُ: الرَّجُلُ اللَّئيم. والمِلأَمُ والمِلْآمُ عَلَى مِفْعَل ومِفْعال: الَّذِي يَقُومُ يُعْذِرُ اللِّئَامَ. واللَّأْم: الاتفاقُ: وَقَدْ تَلَاءَمَ القومُ والْتَأَمُوا: اجْتَمَعُوا واتَّفقوا. وتَلاءَمَ الشَّيْئَانِ إِذا اجْتَمَعَا وَاتَّصَلَا. وَيُقَالُ: الْتَأَمَ الفَرِيقان وَالرَّجُلَانِ إِذا تَصالحا وَاجْتَمَعَا؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الأَعشى:
يَظُنُّ الناسُ بالمَلِكين ... أَنَّهما قَدِ الْتَأَمَا
فإِنْ تَسْمَعْ بِلأْمِهما، ... فإِنَّ الأَمْرَ قَدْ فَقِما
وَهَذَا طعامٌ يُلائِمُنِي أَي يُوَافِقُنِي، وَلَا تَقُلْ يُلاوِمني. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ أُمّ مَكْتُومٍ: لِي قائدٌ لَا يُلائِمُنِي
أَي يُوافِقني ويُساعدني، وَقَدْ تُخَفَّفُ الْهَمْزَةُ فَتَصِيرُ يَاءً، وَيُرْوَى
يُلاوِمني
، بِالْوَاوِ، وَلَا أَصل لَهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ مِنَ الرُّواة، لأَن المُلاوَمة مُفاعَلة مِنَ اللَّوْم. وَفِي حَدِيثِ
أَبي ذَرٍّ: مَن لَا يَمَسكم مِنْ مملوكِيكم فأَطْعِموه مِمَّا تأْكلون
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا يُرْوَى بِالْيَاءِ مُنْقَلِبَةً عَنِ الْهَمْزَةِ، والأَصل لاءَمكم. ولَأَمَ الشيءَ لَأْماً ولاءَمَه ولَأَّمَه وأَلْأَمَه: أَصلحه فالْتَأَمَ وتَلأَّمَ. واللِّئْمُ: الصُّلْحُ، مَهْمُوزٌ. ولاءَمْت بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ إِذا أَصلحت بَيْنَهُمَا. وَشَيْءٌ لأْمٌ أَي مُلْتئِم. ولَاءَمْت بَيْنَ الْقَوْمِ مُلاءَمَةً إِذا أَصلحتَ وَجَمَعْتَ، وإِذا اتَّفق الشَّيْئَانِ فَقَدِ التَأَمَا؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: هَذَا طعامٌ لَا يُلائِمُني، وَلَا تَقُلْ يُلاوِمُني، فإِنما هَذَا مِنَ اللَّوْم. واللِّئْم: الصُّلح والاتفاقُ بَيْنَ النَّاسِ؛ وأَنشد ثَعْلَبٌ:
إِذا دُعِيَتْ يَوْماً نُمَيْرُ بنُ غَالِبٍ، ... رأَيت وُجوهاً قَدْ تَبَيَّنَ لِيمُها
وليَّن الْهَمْزَ كَمَا يُلَيَّنُ فِي اللِّيام جَمْعُ اللَّئيم. واللِّئْم: فِعْلٌ مِنَ الملاءَمة، وَمَعْنَاهُ الصُّلْحُ. ولَاءَمَنِيَ الأَمرُ: وَافَقَنِي. وريشٌ لُؤَامٌ: يُلائم بعضُه بَعْضًا، وَهُوَ مَا كَانَ بَطْنُ القُذَّة مِنْهُ يَلِي ظَهْرَ الأُخرى، وَهُوَ أَجود مَا يَكُونُ، فإِذا الْتَقَى بَطْنان أَو ظَهْران فَهُوَ لُغاب ولَغْب؛ وَقَالَ أَوْس بْنُ حَجَر:
يُقَلِّبُ سَهْماً راشَه بمَناكبٍ ... ظُهارٍ لُؤامٍ، فَهُوَ أَعْجَفُ شاسِفُ
وَسَهْمٌ لَأْمٌ: عَلَيْهِ ريشٌ لُؤامٌ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ إِمْرِئِ الْقَيْسِ:
نَطْعَنهم سُلْكَى ومَخْلوجةً، ... لَفْتَكَ لَأْمَيْنِ عَلَى نابِل
وَيُرْوَى: كَرَّكَ لأْمَيْنِ. ولَأَمْتُ السَّهْمَ، مِثْلَ فَعَلْت: جَعَلْتُ لَهُ لُؤاماً. واللُّؤامُ: القُذَذُ الملتَئِمة، وَهِيَ الَّتِي يَلِي بطنُ القُذّة مِنْهَا ظهرَ الأُخرى، وَهُوَ أَجود مَا يَكُونُ ولَأَمَ السهمَ لَأْماً: جَعَلَ عَلَيْهِ رِيشًا لُؤاماً. والْتَأَمَ الجرحُ الْتِئَاماً إِذا بَرَأَ والتَحَمَ. اللَّيْثُ: أَلْأَمْتُ الجُرحَ بالدَّواء وأَلْأَمْتُ القُمْقُم إِذا سدَدْت صُدوعَه، ولَأَمْت الجرحَ والصَّدْعَ إِذا سَدَدْتَهُ فالْتَأَمَ. وَفِي حَدِيثِ
جَابِرٍ: أَنه أَمر الشَّجَرَتَين فَجَاءَتَا، فَلَمَّا كَانَتَا بالمَنْصَفِ لأَم بَيْنَهُمَا.
يُقَالُ: لَأَمَ ولَاءَمَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ إِذا جَمَعَ بَيْنَهُمَا وَوَافَقَ. وتَلاءَمَ الشَّيْئَانِ والْتَأَما بِمَعْنًى. وفلانٌ لِئْمُ فلانٍ ولِئَامُه أَي مثلُه وشِبهه، وَالْجَمْعُ أَلآمٌ ولِئَامٌ؛ عن ابن
__________
(1) . [ولَأَّمَه نسبه إلخ] عبارة شرح القاموس: ورجل مُلَأَّمٌ كمُعَظَّم منسوب إلى اللؤم وكذا مِلْآم، وَأَنْشَدَ ابْنُ الأَعرابي:
يَرُومُ أَذَى الأَحرار كُلُّ ملأَم(12/531)
الأَعرابي؛ وأَنشد:
أَنَقْعُد العامَ لَا نَجْني عَلَى أَحدٍ ... مُجَنَّدِينَ، وَهَذَا الناسُ أَلآمُ؟
وَقَالُوا: لَوْلَا الوِئام هَلَكَ اللِّئَام؛ قِيلَ: مَعْنَاهُ الأَمثال، وَقِيلَ: الْمُتَلَائِمُونَ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ: أَن شابَّة زُوِّجت شيخا فقتلته، فقال: أَيها النَّاسُ، ليَنْكِح الرجلُ لُمَتَه مِنَ النِّسَاءِ، ولتَنْكِح المرأَةُ لُمَتها مِنَ الرِّجَالِ
أَي شَكْلَهُ وتِرْبَه ومثلَه، وَالْهَاءُ عِوَضٌ مِنَ الْهَمْزَةِ الذَّاهِبَةِ مِنْ وَسَطِهِ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
فإِن نَعْبُرْ فإِنَّ لَنَا لُماتٍ، ... وإِن نَغْبُرْ فنحنُ على نُدورِ
أَي سَنَمُوتُ لَا مَحَالَةَ. وَقَوْلُهُ لُمَات أَي أَشباهاً. واللُّمَة أَيضاً: الْجَمَاعَةُ مِنَ الرِّجَالِ مَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ إِلى الْعَشَرَةِ. واللِّئْمُ: السيْف؛ قَالَ:
ولِئْمُك ذُو زِرَّيْنِ مَصْقولُ
واللَّأْمُ: الشَّدِيدُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. واللَّأْمَةُ واللُّؤْمَةُ: مَتَاعُ الرَّجُلِ مِنَ الأَشِلّةِ والوَلايا؛ قَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ:
حَتَّى تَعاوَنَ مُسْتَكٌّ لَهُ زَهَرٌ ... مِنَ التَناويرِ، شَكْل العِهْنِ فِي اللُّؤَمِ
واللَّأْمَةُ: الدِّرْعُ، وَجَمْعُهَا لُؤَم، مِثل فُعَل، وَهَذَا عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: كَانَ يُحرِّضُ أَصحابَه يَقُولُ تَجَلْبَبُوا السكِينةَ وأَكمِلُوا اللُّؤَمَ
؛ هُوَ جَمْعُ لَأْمة عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ فكأَنَّ واحدَته لُؤْمة. واسْتَلْأَمَ لأْمَتَه وتلأَّمَها؛ الأَخيرة عَنْ أَبي عُبَيْدَةَ: لَبِسَها. وَجَاءَ مُلَأَّماً عَلَيْهِ لَأْمَةٌ؛ قَالَ:
وعَنْتَرة الفَلْحاء جَاءَ مُلَأَّماً، ... كأَنَّكَ فِنْدٌ مِن عَمايةَ أَسْودُ «2»
قَالَ الفَلْحاء فأَنَّث حَمْلًا لَهُ عَلَى لَفْظِ عَنْتَرَةَ لِمَكَانِ الْهَاءِ، أَلا تَرَى أَنه لَمَّا اسْتَغْنَى عَنْ ذَلِكَ رَدَّهُ إِلى التَّذْكِيرِ فَقَالَ كأَنَّك؟ واللَّأْمَةُ: السِّلَاحُ؛ كُلُّهَا عَنِ ابْنِ الأَعرابي. وَقَدْ اسْتَلْأَمَ الرجلُ إِذا لبِس مَا عِنْدَهُ مِنْ عُدّةٍ رُمْحٍ وَبَيْضَةٍ ومِغْفَر وَسَيْفٍ ونَبْل؛ قَالَ عَنْتَرَةُ:
إِن تُغْدِفي دُوني القِناعَ، فإِنَّني ... طَبٌّ بأَخْذِ الفارِسِ المُسْتَلْئِمِ
الْجَوْهَرِيُّ: اللَّأْم جَمْعُ لَأْمَة وَهِيَ الدِّرْعُ، وَيَجْمَعُ أَيضاً عَلَى لُؤَم مِثْلَ نُغَر، عَلَى غير قياس أَنه جَمَعَ لُؤْمَة. غَيْرُهُ: اسْتَلْأَمَ الرجلُ لبِس اللأْمة. والمُلأَّم، بِالتَّشْدِيدِ: المُدَرَّع. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَمَّا انْصَرَفَ النَّبِيُّ، صَلَّى الله عليه وسلم، من الخَنْدقِ ووضَع لَأْمته أَتاه جبريلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فأَمره بالخروج إِلى بَنِي قُرَيْظة
؛ اللَّأْمة، مَهْمُوزَةً: الدرعُ، وَقِيلَ: السِّلَاحُ. ولَأْمَةُ الْحَرْبِ: أَداتها، وَقَدْ يُتْرَكُ الْهَمْزُ تَخْفِيفًا. وَيُقَالُ لِلسَّيْفِ لَأْمَة وَلِلرُّمْحِ لَأْمَة، وإِنما سُمِّيَ لَأْمةً لأَنها تُلائم الْجَسَدَ وَتُلَازِمُهُ؛ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: اللَّأْمة الدِّرْعُ الحصِينة، سُمِّيَتْ لَأْمة لإِحْكامِها وَجَوْدَةِ حلَقِها؛ قَالَ ابْنُ أَبي الحُقَيق فَجَعَلَ اللَّأْمَة البَيْضَ:
بفَيْلَقٍ تُسْقِطُ الأَحْبالَ رؤيتُها، ... مُسْتَلْئِمِي البَيْضِ مِنْ فَوْقِ السَّرابِيل
وَقَالَ الأَعشى فَجَعَلَ اللَّأْمَة السلاح كُلَّهُ:
وقُوفاً بِمَا كَانَ مِنْ لَأْمَةٍ، ... وهنَّ صِيامٌ يَلُكْنَ اللُّجُم
وَقَالَ غَيْرُهُ فَجَعَلَ اللَّأْمة الدِّرْعَ وَفُرُوجَهَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمِنْ خَلْفِهَا:
كأَنَّ فُروجَ اللَّأَمةِ السَّرْد شَكَّها، ... عَلَى نفسِه، عَبْلُ الذِّراعَيْن مُخْدِرُ
واسْتَلْأَمَ الحَجَر: مِنَ المُلاءَمة، عَنْهُ أَيضاً، وأَما يَعْقُوبُ فَقَالَ: هُوَ مِنَ السِّلام، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ.
__________
(2) . قوله [كأنك] تقدم له في مادة فلح: كأنه(12/532)
واللُّؤْمَة: جَمَاعَةُ أَداةِ الفدَّان؛ قَالَهُ أَبو حَنِيفَةَ، وَقَالَ مُرَّةُ: هِيَ جُمَّاعُ آلَةِ الْفَدَّانِ حَدِيدِهَا وَعِيدَانِهَا. الْجَوْهَرِيُّ: اللُّؤْمَة جماعةُ أَداة الْفَدَّانِ، وَكُلُّ مَا يَبْخَلُ بِهِ الإِنسان لِحُسْنِهِ مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ. ابْنُ الأَعرابي: اللُّؤْمَة السِّنَّة الَّتِي تُحْرَثُ بِهَا الأَرض، فإِذا كَانَتْ عَلَى الْفَدَّانِ فَهِيَ العِيانُ، وَجَمْعُهَا عُيُنٌ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: اللُّؤْمَة السِّكَّة؛ قَالَ:
كالثَّوْرِ تَحْتَ اللُّؤْمَةِ المُكَبِّس
أَي المُطأْطئ الرأْس. ولَأْم: اسْمُ رَجُلٍ؛ قَالَ:
إِلى أَوْسِ بنِ حارِثَةَ بنِ لَأْم، ... ليَقْضِيَ حاجَتي فِيمنْ قَضاها
فَمَا وَطِئَ الْحَصَى مثلُ ابْنِ سُعْدى، ... وَلَا لَبس النِّعالَ ولا احْتَذاها
لبم: ابْنُ الأَعرابي قَالَ: اللَّبْمُ «1» . اختلاج الكتف.
لتم: اللَّتْم: الطَّعْن فِي النَّحْرِ مِثْلُ اللَّتْب. لَتَمَ مَنْحر الْبَعِيرِ بالشَّفْرة، وَفِي مَنْحرِه لَتْماً: طَعَنه. ولَتَمَ نَحْرَهُ: كلطَمَ خَدَّه. الأَزهري: سَمِعْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنَ الأَعراب يَقُولُ لَتَمَ فُلَانٌ بشَفْرَتِه فِي لَبَّة بَعِيرِهِ إِذا طَعَنَ فِيهَا بِهَا. قَالَ أَبو تُرَابٍ: قَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ يُقَالُ خُذ الشَّفْرة فالْتُب بِهَا فِي لَبَّة الْجَزُورِ والْتُم بِهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَقَدْ لَتَمَ فِي لَبَّتها ولَتَبَ بِالشَّفْرَةِ إِذا طَعَنَ بِهَا فِيهَا. ولَتَمَ الشيءَ بِيَدِهِ: ضَرَبه. ولَتَمَتِ الحجارةُ رِجْلَ الْمَاشِي: عَقَرتْها. ولاتِمٌ ومِلْتَم ولُتَيْم: أَسماء. ومُلاتِمات: اسْمُ أَبي قَبِيلَةٍ مِنَ الأَزد، فإِذا سُئِلُوا عَنْ نَسبِهم قَالُوا نَحْنُ بَنُو مُلاتَم، بِفَتْحِ التاء.
لثم: اللِّثَامُ: رَدُّ المرأَة قِناعَها عَلَى أَنفها وردُّ الرَّجُلِ عمامَته عَلَى أَنفه، وَقَدْ لَثَمَتْ تَلْثِمُ «2» ، وَقِيلَ: اللِّثَامُ عَلَى الأَنف واللِّفامُ عَلَى الأَرْنبة. أَبو زَيْدٍ قَالَ: تَمِيمٌ تَقُولُ تَلَثَّمَت عَلَى الْفَمِ، وَغَيْرُهُمْ يَقُولُ تَلَفَّمَت؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: إِذا كَانَ عَلَى الْفَمِ فَهُوَ اللِّثام، وإِذا كَانَ عَلَى الأَنف فَهُوَ اللِّفام. وَيُقَالُ مِنَ اللِّثَام: لَثَمْتُ أَلْثِمُ، فإِذا أَراد التَّقْبِيلَ قُلْتُ: لَثِمْتُ أَلْثَمُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
فلَثِمْتُ فَاهَا آخِذاً بِقُرونِها، ... ولَثِمْتُ مِنْ شَفَتَيْهِ أَطْيَبَ مَلْثَم
ولَثِمْتُ فَاهَا، بِالْكَسْرِ، إِذا قبَّلتها، وَرُبَّمَا جَاءَ بِالْفَتْحِ؛ قَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: سَمِعْتُ الْمُبَرِّدَ يُنْشِدُ قَوْلَ جَمِيل:
فلَثَمْتُ فَاهَا آخِذاً بقرونِها، ... شُرْبَ النَّزِيف ببَرْدِ ماءِ الحَشْرَج
بِالْفَتْحِ، وَيُرْوَى البيت لِعُمَرَ بْنِ أَبي رَبِيعَةَ، أَبو زَيْدٍ: تَمِيمٌ تَقُولُ تَلَثَّمَت عَلَى الْفَمِ، وَغَيْرُهُمْ يَقُولُ تَلَفَّمَت، فإِذا كَانَ عَلَى طَرَفِ الأَنف فَهُوَ اللِّفام، وإِذا كَانَ عَلَى الْفَمِ فَهُوَ اللِّثَام. قَالَ الْفَرَّاءُ: اللِّثَام مَا كَانَ عَلَى الْفَمِ مِنَ النِّقَابِ، واللِّفام مَا كَانَ عَلَى الأَرْنبة. وَفِي حَدِيثِ
مَكْحُولٍ: أَنه كَرِهَ التَّلَثُّم مِنَ الْغُبَارِ فِي الغَزْوِ
، وَهُوَ شدُّ الْفَمِ بِاللِّثَامِ، وإِنما كَرِهَهُ رَغْبَةً فِي زِيَادَةِ الثَّوَابِ بِمَا يَنَالُهُ مِنَ الْغُبَارِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. والمَلْثَم: الأَنف وَمَا حَوْلَهُ وإِنها لحسنَةُ اللِّثْمَةِ: مِنَ اللِّثام؛ وَقَوْلُ الحَذْلميّ:
وتَكْشِف النُّقْبةَ عَنْ لِثَامِها
لَمْ يُفَسِّرْ ثَعْلَبٌ اللِّثام، قَالَ «3» : وَعِنْدِي أَنه جِلْدُهَا؛ وَقَوْلُ الأَخطل:
__________
(1) . قوله [اللبم] ضبط في الأصل بالفتح، وهو الذي في نوادر ابن الأعرابي، وضبطه المجد بالتحريك
(2) . قوله [وقد لَثَمَتْ تَلْثِمُ] هكذا ضبط في الصحاح والمحكم أيضاً، ومقتضى إطلاق القاموس أنه من باب قتل، وفي المصباح: ولَثِمَتِ المرأة من باب تعب لَثْماً مثل فلس. وتَلَثَّمَتْ والْتَثَمَتْ شدت اللثام.
(3) . قوله [قال] أي ابن سيدة(12/533)
آلَت إِلى النِّصف مِنْ كَلْفاء أَتْأَقَها ... عِلْجٌ، ولَثَّمَها بالجَفْنِ والغارِ
إِنما أَراد أَنه صَيَّرَ الجفنَ والغارَ لِهَذِهِ الْخَابِيَةِ كاللِّثام. ولَثِمَها ولَثَمَها يَلْثِمُها ويَلْثُمُها لَثْماً: قَبَّلَهَا. الْجَوْهَرِيُّ: واللُّثْم، بِالضَّمِّ، جَمْعُ لاثِمٍ. واللَّثْم: القُبْلة. يُقَالُ: لَثَمَت المرأَةُ تَلْثِمُ لَثْماً والْتَثَمَت وتَلَثَّمَت إِذا شدَّت اللِّثامَ، وَهِيَ حسنَة اللِّثْمَة. وخُفٌّ مَلْثُوم ومُلَثَّم: جَرَحَتْهُ الْحِجَارَةُ؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:
يَرْمِي الصُّوَى بمُجْمَراتٍ سُمْرِ ... مُلَثَّماتٍ، كمَرادِي الصَّخْرِ
الْجَوْهَرِيُّ: لَثَمَ الْبَعِيرُ الْحِجَارَةَ بخُفِّه يَلْثِمُها إِذا كسرَها. وخفٌّ مِلْثَم: يَصُكّ الْحِجَارَةَ. وَيُقَالُ أَيضاً: لَثَمَتِ الحجارةُ خُفَّ الْبَعِيرَ إِذا أَصابته وأَدْمته.
لجم: لِجامُ الدَّابَّةِ: مَعْرُوفٌ، وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: هُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ، وَالْجَمْعُ أَلْجِمَة ولُجُم ولُجْم، وَقَدْ أَلْجَمَ الْفَرَسَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَنْ سُئل عَمَّا يَعْلَمُه فكَتَمَه أَلْجَمَه اللهُ بلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
، قَالَ المُمْسِك عَنِ الْكَلَامِ مُمَثَّل بِمَنْ أَلْجَمَ نَفْسَه بلِجام، وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ مَا يَلْزَمُهُ تَعْلِيمُهُ وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ، كَمَنْ يَرَى رَجُلًا حديثَ عَهْدٍ بالإِسلام وَلَا يُحْسِن الصلاةَ وَقَدْ حَضَرَ وقتُها فَيَقُولُ عَلِّمُوني كيف أُصَلِّي، وكم جَاءَ مُسْتَفْتِياً فِي حَلَالٍ أَو حَرَامٍ فإِنه يَلْزَمُ فِي هَذَا وأَمثاله تَعْرِيفُ الْجَوَابِ. ومَن مَنَعَه اسْتَحَقَّ الْوَعِيدَ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
يَبْلُغ العَرَقُ مِنْهُمْ مَا يُلْجِمُهم
أَي يَصِل إِلى أَفواههم فَيَصِيرُ لَهُمْ بِمَنْزِلَةِ اللِّجام يَمْنَعُهُمْ عَنِ الْكَلَامِ، يَعْنِي فِي الْمَحْشَرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. والمُلَجَّم: مَوْضِعِ اللِّجام، وإِن لَمْ يَقُولُوا لَجَّمْتُه كأَنهم تَوَهَّمُوا ذَلِكَ واستأْنفوا هَذِهِ الصِّيغَةَ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:
وَقَدْ خاضَ أَعْدائي مِنَ الإِثْمِ حَوْمةً ... يغِيبون فِيهَا، أَو تَنال الْمُحَزِّمَا «1»
. ولَجَمَةُ الدابةِ: مَوْقِعُ اللِّجام مِنْ وَجْهِهَا. واللِّجام: حبْلٌ أَو عَصًا تُدْخَل فِي فَمِ الدَّابَّةِ وتُلْزق إِلى قَفَاهُ. وَجَاءَ وَقَدْ لفَظ لِجامَه أَي جَاءَ وَهُوَ مَجْهُودٌ مِنَ الْعَطَشِ والإِعْياء، كَمَا يُقَالُ: جَاءَ وَقَدْ قَرَضَ رِباطَه. واللِّجامُ: ضربٌ مِنْ سِمات الإِبل يَكُونُ مِنَ الْخَدَّيْنِ إِلى صَفْقَي الْعُنُقِ، وَالْجَمْعُ كَالْجَمْعِ. يُقَالُ: أَلْجَمْتُ الدابةَ، وَالْقِيَاسُ عَلَى الْآخَرِ مَلجوم، قَالَ: وَلَمْ يُسْمَعْ، وَأَحْسَنُ مِنْهُ أَن يُقَالَ بهِ سمَةُ لِجَام. وتَلَجَّمَتِ المرأَةُ إِذا استثْفَرت لِمَحِيضِهَا. واللِّجَامُ: مَا تشدُّه الْحَائِضُ. وَفِي حَدِيثِ المُسْتحاضة:
تَلَجَّمِي
أَي شُدِّي لِجَامًا، وَهُوَ شَبِيهٌ بِقَوْلِهِ: اسْتثْفِري أَي اجْعَلِي مَوْضِعَ خُرُوجِ الدَّمِ عِصابةً تَمْنَعُ الدَّمَ، تَشْبِيهًا بِوَضْعِ اللِّجَامَ فِي فَمِ الدَّابَّةِ. ولجَمَةُ الْوَادِي: فُوَّهَتُه. واللُّجْمَة: العلَمُ مِنْ أَعلام الأَرض. واللَّجَم: الصمْدُ الْمُرْتَفِعُ. أَبو عَمْرٍو: اللُّجْمَةُ الجَبل المسطَّح لَيْسَ بِالضَّخْمِ. واللُّجَم: دُوَيْبَّة؛ قَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ:
لَهُ مَنْخِرٌ مثْلُ جُحْر اللُّجَمْ «2»
. يَصِفُ فَرَسًا، وَقِيلَ: هِيَ دُوَيْبَّةٌ أَصغر مِنَ العَظاية. وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: اللُّجَم دَابَّةٌ أَكبر مِنْ شَحْمَةِ الأَرض وَدُونَ الحِرْباء؛ قَالَ أَدهم بْنُ أَبي الزَّعْرَاءِ:
لَا يَهْتدِي الغرابُ فِيهَا واللُّجَم
وَقِيلَ: هُوَ الوَزَغ؛ التَّهْذِيبُ: وَمِنْهُ قَوْلُ الأَخطل:
__________
(1) . قوله [حومة] هكذا في الأصل. وفي المحكم: خوضة. وقوله [المحزما] هكذا في الأصل أيضاً ولا شاهد فيه. وفي المحكم: الملحما، وفيه الشاهد
(2) . قوله [له منخر إلخ] هذه رواية المحكم، والذي في التكملة:
له ذَنَبٌ مِثْلُ ذَيْلِ الْعَرُوسِ ... إلى سبة مثل جحر اللُّجَم
وسبة بالفتح في خط المؤلف، وكذا في التهذيب(12/534)
ومَرَّت عَلَى الأَلْجَامِ، أَلْجَامِ حامرٍ، ... يُثِرْن قَطاً لَوْلَا سُراهن هُجَّدا «1»
أَراد جَمْعَ لُجْمَةِ الْوَادِي وَهِيَ نَاحِيَةٌ مِنْهُ؛ وَقَالَ رُؤْبَةُ:
إِذا ارْتَمَتْ أَصحانه ولُجَمُهْ
قَالَ ابْنُ الأَعرابي: وَاحِدَتُهَا لُجْمَة وَهِيَ نَوَاحِيهِ. ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ اللُّجَم العاطوسُ وَهِيَ سَمَكَةٌ فِي الْبَحْرِ وَالْعَرَبُ تَتَشَاءَمُ بِهَا؛ وأَنشد لرؤبة:
وَلَا أُحِبُّ اللُّجَمَ الْعَاطُوسَا
واللَّجَمُ: الشُّؤْم. واللَّجَم: مَا يُتَطَيَّرُ مِنْهُ، وَاحِدَتُهُ لَجَمَة. ومُلْجَم: اسْمُ رَجُلٍ. وَبَنُو لُجَيم: بطن.
لحم: اللَّحْم واللَّحَم، مُخَفَّفٌ وَمُثَقَّلٌ لُغَتَانِ: مَعْرُوفٌ، يَجُوزُ أَن يَكُونَ اللحَمُ لُغَةً فِيهِ، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ فُتح لِمَكَانِ حَرْفِ الْحَلْقِ؛ وَقَوْلُ الْعَجَّاجِ:
وَلَمْ يَضِعْ جارُكم لحمَ الوَضَم
إِنما أَراد ضَياعَ لَحْمِ الوَضم فَنَصَبَ لحمَ الْوَضْمِ عَلَى الْمَصْدَرِ، وَالْجَمْعُ أَلْحُمٌ ولُحُوم ولِحَامٌ ولُحْمَان، واللَّحْمة أَخصُّ مِنْهُ، واللَّحْمة: الطَّائِفَةُ مِنْهُ؛ وَقَالَ أَبو الْغُولِ الطُّهَوي يَهْجُو قَوْمًا:
رَأَيْتُكمُ، بَنِي الخَذْوَاء، لَمّا ... دَنا الأَضْحَى وصَلَّلتِ اللِّحَامُ،
توَلَّيْتُمْ بِوُدِّكُمُ، وقُلْتم: ... لَعَكٌّ مِنْكَ أَقْرَبُ أَو جُذامُ
يَقُولُ: لَمَّا أَنتَنت اللحومُ مِنْ كَثْرَتِهَا عِنْدَكُمْ أَعْرَضْتم عَنِّي. ولَحْمُ الشَّيْءِ: لُبُّه حَتَّى قَالُوا لَحْمُ الثَّمرِ للُبِّه. وأَلْحَمَ الزرعُ: صَارَ فِيهِ القمحُ، كأَنّ ذَلِكَ لَحْمُه. ابْنُ الأَعرابي: اسْتَلْحَمَ الزرعُ واستَكَّ وازدَجَّ أَي الْتَفَّ، وَهُوَ الطِّهْلئ، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: مَعْنَاهُ التفَّ. الأَزهري: ابْنُ السِّكِّيتِ رجلٌ شَحِيمٌ لَحِيمٌ أَي سَمِين، ورجلٌ شَحِمٌ لَحِمٌ إِذا كَانَ قَرِماً إِلى اللحْم والشَّحْمِ يَشْتهِيهما، ولَحِمَ، بِالْكَسْرِ: اشْتَهَى اللَّحْم. وَرَجُلٌ شَحَّامٌ لَحَّامٌ إِذا كَانَ يَبِيعُ الشحمَ وَاللَّحْمَ، ولَحُمَ الرجلُ وشَحُمَ فِي بَدَنِهِ، وإِذا أَكل كَثِيرًا فلَحُم عَلَيْهِ قِيلَ: لَحُمَ وشَحُم. وَرَجُلٌ لَحِيمٌ ولَحِمٌ: كَثِيرُ لَحْم الْجَسَدِ، وَقَدْ لَحُمَ لَحَامةً ولَحِمَ؛ الأَخيرة عَنِ اللِّحْيَانِيِّ: كُثرَ لَحْمُ بدنهِ. وَقَوْلُ
عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فَلَمَّا عَلِقْت اللَّحْمَ سَبَقني
أَي سَمِنْت فثقُلت. وَرَجُلٌ لَحِمٌ: أَكول للَّحم وقَرِمٌ إِليه، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي أَكل مِنْهُ كَثِيرًا فشكا منه، وَالْفِعْلُ كَالْفِعْلِ. واللَّحَّامُ: الَّذِي يَبِيعُ اللَّحْمَ. وَرَجُلٌ مُلْحِمٌ إِذا كَثُرَ عِنْدَهُ اللَّحْمُ، وَكَذَلِكَ مُشْحِم. وَفِي قَوْلِ
عُمَرَ: اتَّقوا هَذِهِ المَجازِرَ فإِن لَهَا ضَراوةً كضراوةِ الخَمْر
، وَفِي رِوَايَةٍ:
إِن لِلَّحم ضَراوةً كضراوةِ الخَمْر.
يُقَالُ: رَجُلٌ لَحِمٌ ومُلْحِمٌ ولاحِمٌ ولَحِيمٌ، فاللَّحِمُ: الَّذِي يُكْثِر أَكلَه، والمُلْحِم: الَّذِي يَكْثُرُ عِنْدَهُ اللَّحْمُ أَو يُطْعِمه، واللَّاحِمُ: الَّذِي يَكُونُ عِنْدَهُ لحمٌ، واللّحِيمُ: الكثيرُ لحمِ الْجَسَدِ. الأَصمعي: أَلْحَمْتُ القومَ، بالأَلف، أَطعمتهم اللحمَ؛ وَقَالَ مَالِكُ بْنُ نُوَيْرة يَصِفُ ضَبُعًا:
وتَظَلُّ تَنْشِطُني وتُلْحِمُ أَجْرِياً، ... وسْطَ العَرِينِ، وليسَ حَيٌّ يَمنعُ
قَالَ: جَعَلَ مأْواها لَهَا عَرِيناً. وَقَالَ غَيْرُ الأَصمعي: لَحَمْتُ القومَ، بِغَيْرِ أَلف؛ قَالَ شَمِرٌ: وَهُوَ الْقِيَاسُ. وبيْتٌ لَحِمٌ: كَثِيرُ اللحْم؛ وَقَالَ الأَصمعي فِي قَوْلِ الرَّاجِزِ يَصِفُ الْخَيْلَ:
نُطْعِمُها اللَّحْمَ، إِذا عَزَّ الشَّجَرْ، ... والخيْلُ فِي إِطْعامِها اللَّحْمَ ضَرَرْ
__________
(1) . قوله [ومرت إلخ] في التكملة بخط المؤلف:
عوامد للأَلْجَام أَلْجَام حَامِرٍ ... يُثِرْنَ قَطًا لولا سراهن هجدا(12/535)
قَالَ: أَراد نُطْعمها اللبنَ فَسَمَّى اللَّبَنَ لَحْماً لأَنها تسمَنُ عَلَى اللَّبَنَ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: كَانُوا إِذا أَجْدَبوا وقلَّ اللبنُ يَبَّسُوا اللحمَ وحمَلوه فِي أَسفارهم وأَطعَموه الخيلَ، وأَنكر مَا قَالَ الأَصمعي وَقَالَ: إِذا لَمْ يَكُنِ الشجرُ لَمْ يَكُنِ اللبنُ. وأَما قَوْلُهُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ:
إِن اللهَ يُبْغِضُ البيتَ اللَّحِمَ وأَهلَه
، فإِنه أَراد الَّذِي تؤْكل فِيهِ لُحومُ النَّاسِ أَخْذاً. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ:
يُبْغِضُ أَهلَ الْبَيْتِ اللَّحِمِين.
وسأَل رَجُلٌ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ: أَرأَيت هَذَا الْحَدِيثِ
إِن اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَيُبْغِضُ أَهلَ الْبَيْتِ اللَّحِمِين
؟ أَهُم الَّذِينَ يُكِثرون أَكل اللحْم؟ فَقَالَ سُفْيَانُ: هُمُ الَّذِينَ يُكْثِرُونَ أَكلَ لحومِ النَّاسِ. وأَما قَوْلُهُ
ليُبْغِضُ البيتَ اللَّحِمَ وأَهلَه
قِيلَ: هُمُ الَّذِينَ يأْكلون لُحُومَ النَّاسِ بالغِيبة، وَقِيلَ: هُمُ الَّذِينَ يُكْثِرُونَ أَكل اللَّحْمِ ويُدْمِنُونه، قَالَ: وَهُوَ أَشبَهُ. وفلانٌ يأْكل لُحومَ النَّاسِ أَي يَغْتَابُهُمْ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
وإِذا أَمْكَنَه لَحْمِي رَتَعْ
وَفِي الْحَدِيثِ:
إِنَّ أَرْبَى الرِّبَا استِطالةُ الرَّجُلُ فِي عِرْضِ أَخيه.
ولَحِمَ الصقرُ ونحوُه لَحَماً: اشْتَهَى اللحْم. وبازٍ لَحِمٌ: يأْكل اللحمَ أَو يَشْتَهِيهِ، وَكَذَلِكَ لاحِمٌ، وَالْجَمْعُ لَوَاحِمُ، ومُلْحِمٌ: مُطْعِم للَّحم، ومُلْحَمٌ: يُطْعَم اللحمَ. وَرَجُلٌ مُلْحَمٌ أَي مُطْعَم لِلصَّيْدِ مَرزوق مِنْهُ. ولَحْمَةُ الْبَازِي ولُحْمَته: مَا يُطْعَمُه مِمَّا يَصِيده، يُضَمُّ وَيُفْتَحُ، وَقِيلَ: لَحْمةُ الصقرِ الطائرُ يُطْرَح إِليه أَو يَصِيدُهُ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:
مِن صَقْع بازٍ لَا تُبِلُّ لُحَمُه
وأَلْحَمْتُ الطيرَ إِلحَاماً. وبازٍ لَحِمٌ: يأْكل اللَّحْمَ لأَن أَكله لَحْمٌ؛ قَالَ الأَعشى:
تدَلَّى حَثيثاً كأَنَّ الصِّوارَ ... يَتْبَعُه أَزرَقِيٌّ لَحِمْ
ولُحْمَةُ الأَسد: مَا يُلْحَمُه، وَالْفَتْحُ لُغَةٌ. ولَحَمَ القومَ يَلحَمُهم لَحْماً، بِالْفَتْحِ، وأَلْحَمَهم: أَطعمهم اللحمَ، فَهُوَ لَاحِمٌ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَلَا تَقُلْ أَلحَمْتُ، والأَصمعي يَقُولُهُ. وأَلْحَمَ الرجلُ: كثُر فِي بَيْتِهِ اللَّحْمُ، وأَلْحَمُوا: كثُر عِنْدَهُمُ اللَّحْمُ. ولَحَمَ العَظمَ يَلْحُمُه ويَلْحَمُه لَحْماً: نَزَعَ عَنْهُ اللَّحْمَ؛ قَالَ:
وعامُنا أَعْجَبَنا مُقَدَّمُهْ، ... يُدعى أَبا السَّمْحِ وقِرْضابٌ سُمُهْ،
مُبْتَرِكاً لِكُلِّ عَظْمٍ يَلحُمُهْ
وَرَجُلٌ لَاحِمٌ ولَحِيمٌ: ذُو لحمٍ عَلَى النَّسَبِ مِثْلُ تَامِرٍ وَلَابِنٍ، ولَحَّام: بَائِعُ اللَّحْمِ. ولَحِمَت النَّاقَةُ ولَحُمَتْ لَحَامَةً ولُحُوماً فِيهِمَا، فَهِيَ لَحِيمَةٌ: كَثُرَ لحمُها. ولُحْمة جِلْدَةِ الرأْس وَغَيْرِهَا: مَا بَطَن مِمَّا يَلِي اللَّحْمَ. وشجَّة مُتَلَاحِمَة: أَخذت فِي اللَّحْمِ وَلَمْ تبلُغ السِّمْحاق، وَلَا فِعْلَ لَهَا. الأَزهري: شَجَّةٌ مُتَلاحِمَة إِذا بَلَغَتِ اللَّحْمَ. وَيُقَالُ: تَلاحَمَتِ الشجّةُ إِذا أَخذت فِي اللَّحْمِ، وتَلَاحَمَت أَيضاً إِذا بَرأَتْ والتَحمتْ. وَقَالَ شَمِرٌ: قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ المُتلاحِمة مِنَ الشِّجاج الَّتِي تَشُقُّ اللحمَ كلَّه دُونَ الْعَظْمِ ثُمَّ تَتَلاحَمُ بَعْدَ شَقِّها، فَلَا يَجُوزُ فِيهَا المِسْبارُ بَعْدَ تَلاحُمِ اللَّحْمِ. قَالَ: وتَتَلاحَمُ مِنْ يومِها وَمِنْ غَدٍ. قَالَ ابْنُ الأَثير فِي حَدِيثِ: الشِّجاج
المتلاحِمة
هِيَ الَّتِي أَخذتْ فِي اللَّحْمِ، قَالَ: وَقَدْ تَكُونُ الَّتِي برأَتْ والتحَمتْ. وامرأَة مُتلاحِمة: ضيِّقةُ مَلاقي لَحْمِ الفَرْج وَهِيَ مآزِم الفَرج. والمُتلاحِمة مِنَ النِّسَاءِ: الرَّتقاء؛ قَالَ أَبو سَعِيدٍ: إِنما يُقَالُ لَهَا لاحِمةٌ كأَنَّ هُنَاكَ لَحْمًا يَمْنَعُ مِنَ الْجِمَاعِ، قَالَ: وَلَا يَصِحُّ مُتلاحِمة. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ: قَالَ لِرَجُلٍ لِمَ طَلَّقْتَ امرأَتَك؟ قَالَ: إِنها كَانَتْ مُتَلَاحِمَة، قَالَ: إِنّ ذَلِكَ مِنْهُنَّ لمُسْتَرادٌ
؛ قِيلَ: هِيَ الضيِّقة المَلاقي، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي بِهَا رَتَقٌ. والْتَحَمَ الجرحُ للبُرْء.(12/536)
وأَلْحَمَه عِرْضَ فُلَانٍ: سَبَعهُ إِيّاه، وَهُوَ عَلَى الْمَثَلِ. وَيُقَالُ: أَلْحَمْتُك عِرْضَ فُلَانٍ إِذا أَمكنْتك مِنْهُ تَشْتُمه، وأَلْحَمْتُه سَيفي. ولُحِمَ الرجلُ، فَهُوَ لَحِيمٌ، وأُلْحِمَ: قُتِل. وَفِي حَدِيثِ
أُسامة: أَنه لَحَمَ رَجُلًا مِنَ العَدُوِّ
أَي قتَله، وَقِيلَ: قَرُب مِنْهُ حَتَّى لَزِق بِهِ، مِنَ الْتَحَمَ الجرحُ إِذا الْتَزَق، وَقِيلَ: لَحَمَه أَي ضَرَبَهُ مِن أَصابَ لَحْمَه. واللَّحِيمُ: القَتيلُ؛ قَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤَيَّةَ أَورده ابْنُ سِيدَهْ:
ولكنْ تَرَكتُ القومَ قَدْ عَصَبوا بِهِ، ... فَلَا شَكَّ أَن قَدْ كَانَ ثَمَّ لَحِيمُ
وأَورده الْجَوْهَرِيُّ:
فَقَالُوا: تَرَكْنا القومَ قَدْ حَضَروا بِهِ، ... وَلَا غَرْوَ أَن قَدْ كَانَ ثَمَّ لَحِيمُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ صَوَابُ إِنشاده: فَقَالَ «2» تَرَكْنَاهُ؛ وَقَبْلَهُ:
وَجَاءَ خَلِيلاه إِليها كِلاهُما ... يُفِيض دُموعاً، غَرْبُهُنّ سَجُومُ
واسْتُلحِمَ: رُوهِقَ فِي الْقِتَالِ. واستُلْحِمَ الرجلُ إِذا احْتَوَشه العدوُّ فِي الْقِتَالِ؛ أَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ للعُجَير السَّلولي:
ومُسْتَلْحَمٍ قَدْ صَكَّه القومُ صَكَّة ... بَعِيد المَوالي، نِيلَ مَا كَانَ يَجْمَعُ
والمُلْحَم: الَّذِي أُسِر وظَفِر بِهِ أَعداؤُه؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
إِنَّا لَعَطَّافون خَلْف المُلْحَمِ
والمَلْحَمَة: الوَقْعةُ الْعَظِيمَةُ الْقَتْلِ، وَقِيلَ: مَوْضِعُ الْقِتَالِ. وأَلحَمْتُ القومَ إِذا قتلتَهم حَتَّى صَارُوا لَحْمًا. وأُلْحِمَ الرجلُ إِلْحَاماً واسْتُلحِمَ اسْتِلْحَاماً إِذا نَشِب فِي الْحَرْبِ فَلَمْ يَجِدْ مَخْلَصاً، وأَلْحَمَه غيرُه فِيهَا، وأَلْحَمَه القتالُ. وَفِي حَدِيثِ
جَعْفَرٍ الطَّيَّارِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، يَوْمَ مُؤْتةَ: أَنه أَخذ الرَّايَةَ بَعْدَ قتْل زيدٍ فقاتَلَ بِهَا حَتَّى أَلْحَمَه القتالُ فنزَلَ وعَقَرَ فرَسَه
؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي صِفَةِ الغُزاة: وَمِنْهُمْ مَن أَلْحَمَه القتالُ
؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
سُهيل: لَا يُرَدُّ الدعاءُ عِنْدَ البأْس حِينَ يُلْحِم بعضُهم بَعْضًا
أَي تشتَبكُ الْحَرْبُ بَيْنَهُمْ وَيَلْزَمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. وَفِي الْحَدِيثِ:
الْيَوْمُ يومُ المَلْحَمَة
، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ:
ويُجْمَعون للمَلْحَمَة
؛ هِيَ الْحَرْبُ وموضعُ الْقِتَالِ، وَالْجَمْعُ المَلاحِمُ مأْخوذ مِنِ اشْتِبَاكِ النَّاسِ واختلاطِهم فِيهَا كاشتِباك لُحْمةِ الثَّوْبِ بالسَّدى، وَقِيلَ: هُوَ مِنَ اللحْم لِكَثْرَةِ لُحوم الْقَتْلَى فِيهَا، وأَلْحَمْتُ الحربَ فالْتَحَمْتُ. والمَلْحَمَة: القتالُ فِي الْفِتْنَةِ، ابْنُ الأَعرابي: المَلْحَمَة حَيْثُ يُقاطِعون لُحومَهم بِالسُّيُوفِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُ المَلْحَمَة قَوْلُ الشَّاعِرِ:
بمَلْحَمَةٍ لَا يَسْتَقِلُّ غُرابُها ... دَفِيفاً، ويمْشي الذئبُ فِيهَا مَعَ النَّسْر
والمَلْحَمَة: الحربُ ذَاتُ الْقَتْلِ الشَّدِيدِ. والمَلْحَمَة: الوَقعة الْعَظِيمَةُ فِي الْفِتْنَةِ. وَفِي قَوْلِهِمْ نَبيُّ المَلْحَمَة قَوْلَانِ: أَحدهما نبيُّ الْقِتَالِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ
بُعِثْت بِالسَّيْفِ
، وَالثَّانِي نبيُّ الصَّلَاحِ وتأْليفِ النَّاسِ كَانَ يُؤَلِّف أَمرَ الأُمَّة. وَقَدْ لَحَمَ الأَمرَ إِذا أَحكمه وأَصلحَه؛ قَالَ ذَلِكَ الأَزهري عَنْ شَمِرٍ. ولَحِمَ بِالْمَكَانِ «3» يَلْحَمُ لَحْماً: نَشِب بِالْمَكَانِ. وأَلْحَمَ بِالْمَكَانِ: أَقامَ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، وَقِيلَ: لَزِم الأَرض، وأَنشد:
إِذا افْتَقَرا لَمْ يُلْحِمَا خَشْيةَ الرَّدى، ... وَلَمْ يَخْشَ رُزءاً مِنْهُمَا مَوْلَياهُما
__________
(2) . قوله [فقال إلخ] كذا بالأَصل ولعله فقالا كما يدل عليه قوله وجاء خليلاه
(3) . قوله [ولَحِمَ بالمكان] قال في التكملة بالكسر، وفي القاموس كعلم، ولم يتعرضا للمصدر، وضبط في المحكم بالتحريك(12/537)
وأَلْحَمَ الدابةُ إِذا وَقَفَ فَلَمْ يَبرح وَاحْتَاجَ إِلى الضَّرْبِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه قَالَ لِرَجُلٍ صُمْ يَوْمًا فِي الشَّهْرِ، قَالَ: إِني أَجد قوَّةً، قَالَ: فصُمْ يَوْمَيْنِ، قَالَ: إِني أَجد قوَّة، قال: فصُم ثلاثة أَيام فِي الشَّهْرِ، وأَلْحَمَ عِنْدَ الثَّالِثَةِ
أَي وقَف عِنْدَهَا فَلَمْ يَزِدْه عَلَيْهَا، مِنْ أَلْحَمَ بِالْمَكَانِ إِذا أَقام فَلَمْ يَبْرَحْ. وأَلْحَمَ الرجلَ: غَمَّه. ولَحَمَ الشيءَ يَلْحُمُه لَحْماً وأَلْحَمَه فالْتَحَمَ: لأَمَه. واللِّحَامُ: مَا يُلأَم بِهِ ويُلْحَم بِهِ الصَّدْعُ. ولاحَمَ الشيءَ بِالشَّيْءِ: أَلْزَقَه بِهِ، والْتَحَمَ الصَّدْعُ والْتَأَم بِمَعْنًى وَاحِدٍ. والمُلْحَم: الدَّعِيُّ المُلْزَقُ بِالْقَوْمِ لَيْسَ مِنْهُمْ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
حَتَّى إِذا مَا فَرَّ كلُّ مُلْحَم
ولَحْمةُ النَّسَبِ: الشابِكُ مِنْهُ. الأَزهري: لَحْمةُ النَّسَبِ، بِالْفَتْحِ، ولُحْمةُ الصَّيْدِ مَا يُصاد بِهِ، بِالضَّمِّ. واللُّحْمَةُ، بِالضَّمِّ: الْقَرَابَةُ. ولَحْمَةُ الثَّوْبِ ولُحْمَتُه: مَا سُدِّي بَيْنَ السَّدَيَيْن، يُضَمُّ وَيُفْتَحُ، وَقَدْ لَحَمَ الثَّوْبَ يَلْحَمُه وأَلْحَمُه. ابْنُ الأَعرابي: لَحْمَة الثَّوْبِ ولَحْمَة النَّسب، بِالْفَتْحِ. قَالَ الأَزهري: ولُحْمَةُ الثَّوْبِ الأَعْلى «1» ولَحْمَتهُ، والسَّدَى الأَسفل مِنَ الثَّوْبِ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
سَتاهُ قَزٌّ وحَرِيرٌ لَحْمَتُهْ
وأَلْحَمَ الناسجُ الثوبَ. وَفِي الْمَثَلِ: أَلْحِمْ مَا أَسْدَيْتَ أَي تَمِّمْ مَا ابْتَدَأْتَه مِنَ الإِحسان. وَفِي الْحَدِيثِ:
الوَلاءُ لُحْمَةٌ كلُحْمَةِ النَّسَبِ
، وَفِي رِوَايَةٍ:
كلُحْمَةِ الثَّوْبِ.
قَالَ ابْنُ الأَثير: قَدْ اخْتُلِفَ فِي ضَمِّ اللّحْمَة وَفَتْحِهَا فَقِيلَ: هِيَ فِي النَّسَبِ بِالضَّمِّ، وَفِي الثَّوْبِ بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ، وَقِيلَ: الثَّوْبُ بِالْفَتْحِ وَحْدَهُ، وَقِيلَ: النَّسَبُ وَالثَّوْبُ بِالْفَتْحِ، فأَما بِالضَّمِّ فَهُوَ مَا يُصاد بِهِ الصيدُ، قَالَ: وَمَعْنَى الْحَدِيثِ المُخالَطةُ فِي الوَلاءِ وأَنها تَجْرِي مَجْرَى النَّسَبِ فِي المِيراث كما تُخالِطُ اللُّحمةُ سَدَى الثوب حتى يَصِيرا كالشيء الواحد، لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ المُداخَلة الشَّدِيدَةِ. وَفِي حَدِيثِ
الْحَجَّاجِ وَالْمَطَرِ: صَارَ الصِّغار لُحْمةَ الكِبار
أَي أَن القَطْرَ انتسَج لتتَابُعه فَدَخَلَ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ واتَّصل. قَالَ أَبو سَعِيدٍ: وَيُقَالُ هَذَا الْكَلَامُ لَحِيمُ هَذَا الكلامِ وطَريدُه أَي وَفْقُه وشَكْلُه. واستَلْحَمَ الطريقُ: اتَّسَعَ. واسْتَلْحَمَ الرجلُ الطريقَ: رَكِبَ أَوْسَعَه واتَّبَعَه؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
ومَن أَرَيْناهُ الطريقَ استَلْحَمَا
وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
اسْتَلْحَمَ الوَحْشَ عَلَى أَكْسائِها ... أَهْوَجُ مِحْضِيرٌ، إِذا النَّقْعُ دَخَنْ
استَلْحَمَ: اتَّبَعَ. وَفِي حَدِيثِ
أُسامة: فاسْتَلْحَمَنا رجلٌ مِنَ العدُوّ
أَي تَبِعَنا يُقَالُ: استَلْحَمَ الطَّريدةَ والطريقَ أَي تَبع. وأَلْحَم بَيْنَ بَنِي فُلَانٍ شَرًّا: جَنَاهُ لَهُمْ. وأَلْحَمَه بصَرَه: حَدَّدَه نحوَه ورَماه بِهِ. وحَبْلٌ مُلاحَمٌ: شديدُ الْفَتْلِ؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ؛ وأَنشد:
مُلاحَمُ الغارةِ لَمْ يُغْتَلَبْ
والمُلْحَم: جِنْسٌ مِنَ الثِّيَابِ. وأَبو اللَّحَّام: كُنْيَةُ أَحد فُرْسان العرب.
لحجم: طريقٌ لَحْجَمٌ: واسعٌ وَاضِحٌ؛ حَكَاهُ اللِّحْيَانِيِّ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَرى حاءَه بَدَلًا مِنْ هَاءِ لَهْجَم.
لحسم: التَّهْذِيبُ فِي النَّوَادِرِ: اللَّهاسِمُ واللَّحاسِمُ مَجارِي الأَوْدِية الضيّقةُ، واحدها لُهْسُم ولُحْسُم، وهي اللَّخافيقُ.
لخم: اللَّخْم: القَطْعُ. وَقَدْ لَخَمَ الشيءَ لَخْماً: قطَعه. ولَخُمَ الرجلُ: كثُر لَحْمُ وَجْهِهِ وغلُظ. وَبِالرَّجُلِ لَخْمةٌ أَي ثِقَلُ نَفْسٍ وفَتْرةٌ. واللَّخَمَةُ:
__________
(1) . أي الأَعلى من الثوب(12/538)
العَقَبة الَّتِي مِنَ المَتْن. واللُّخَمَة: كلُّ مَا يُتطيَّرُ مِنْهُ. واللِّخَامُ: اللِّطامُ. يُقَالُ: لاخَمَه ولامَخَه أَي لطَمَه. واللُّخْمُ، بِالضَّمِّ «1» : ضَرْبٌ مِنْ سَمَكِ الْبَحْرِ، قَالَ رُؤْبَةُ:
كَثيرة حيتانُه ولُخُمهْ
قَالَ: والجَمَل سَمَكَةٌ تَكُونُ فِي الْبَحْرِ؛ وَرَوَاهُ ابْنُ الأَعرابي:
واعْتَلَجَتْ جِمالُه ولُخُمهْ
قَالَ: وَلَا يَكُونُ الجَمَل فِي العَذْب، وَقِيلَ: هُوَ سُمْكٌ ضَخْمٌ، قِيلَ: لَا يَمُرُّ بِشَيْءٍ إِلا قَطَعَهُ، وَهُوَ يأْكل النَّاسُ، وَيُقَالُ لَهُ الكَوْسَج. وَفِي حَدِيثِ
عِكْرِمَةَ: اللُّخُمُ حَلالٌ
؛ هُوَ ضَرْبٌ مِنْ سَمَكِ الْبَحْرِ، وَيُقَالُ لَهُ القِرْشُ؛ وَقَالَ المُخبَّل يَصِفُ دُرّة وغوَّاصاً:
بِلَبانهِ زَيْتٌ وأَخْرَجها ... منْ ذِي غَوارِبَ، وَسْطَه اللُّخُم
ولَخْمٌ: حَيٌّ مِنْ جُذام؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: لَخْم حيٌّ مِنَ الْيَمَنِ، وَمِنْهُمْ كَانَتْ مُلُوكُ الْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَهُمْ آلُ عَمْرِو بْنِ عَديّ بْنِ نَصْرِ اللَّخْمِيّ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: مُلوك لَخْمٍ كَانُوا نَزَلُوا الْحِيرَةَ، وهم آل المُنْذِر.
لخجم: اللَّخْجَمُ: البعيرُ المُجْفَر الْجَنْبَيْنِ، وَفِي التَّهْذِيبِ: اللَّخْجَم البعيرُ الواسع الجوف.
لدم: اللَّدْمُ: ضرْبُ المرأَةِ صَدْرَها. لَدَمَت المرأَة وجهَها: ضَرَبَتْهُ. ولَدَمَتْ خُبْزَ المَلَّة إِذا ضَرَبَتْهُ. وَفِي حَدِيثِ
الزُّبَيْرِ يَوْمَ أُحُد: فخرجْتُ أَسْعَى إِليها
، يَعْنِي أُمَّه،
فأَدْرَكْتُها قَبْلَ أَنْ تَنْتَهِيَ إِلى القَتْلى فلَدَمَتْ فِي صَدْري وَكَانَتِ امرأَة جَلْدةً
، أَي ضربَتْ وَدَفَعَتْ. ابْنُ سِيدَهْ: لَدَمَتِ المرأَةُ صدْرَها تَلْدِمُه لَدْماً ضَرَبَتْهُ، والْتَدَمَتْ هِيَ. واللَّدْمُ: ضرْبُ خُبْزِ الْمَلَّةِ إِذا أَخرجته مِنْهَا وضَرْبُ غيرهِ أَيضاً. واللَّدْمُ: صوتُ الشَّيْءِ يَقعُ فِي الأَرض مِنَ الحَجر وَنَحْوِهِ وَلَيْسَ بِالشَّدِيدِ؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
وللفُؤادِ وَجِيبٌ تَحْتَ أَبْهَرِه، ... لَدْمَ الغُلامِ وراءَ الغَيْبِ بالحَجَرِ
وَقِيلَ: اللَّدْمُ اللَّطْم والضربُ بِشَيْءٍ ثَقِيلٍ يُسْمَعُ وَقْعُه. والْتَدَمَ النساءُ إِذا ضربْنَ وُجوهَهُنَّ فِي الْمَآتِمِ. واللَّدْمُ: الضرْبُ، والتِدامُ النِّسَاءِ مِنْ هَذَا، واللَّدْمُ واللّطْمُ واحدٌ. والالْتِدَامُ: الاضْطراب. والْتِدَامُ النِّسَاءِ: ضَرْبهُنّ صُدورَهنّ ووجوهَهن فِي النِّياحة. وَرَجُلٌ مِلْدَمٌ: أَحمقُ ضَخْمٌ ثَقِيلٌ كَثِيرُ اللَّحْمِ. وفَدْمٌ لَدْمٌ: إِتباع. وَيُقَالُ: فُلَانٌ فَدْمٌ ثَدْمٌ لَدْمٌ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَرُوِيَ عَنْ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَن الْحَسَنَ قَالَ لَهُ فِي مَخْرجِه إِلى الْعِرَاقِ: إِنه غَيْرُ صَوَابٍ، فَقَالَ: وَاللَّهُ لَا أَكون مثلَ الضَّبُع تَسْمَعُ اللَّدْمَ فتخرُجُ فتُصاد
، وَذَلِكَ أَن الصَّيّاد يَجِيءُ إِلى جُحْرِهَا فَيَضْرِبُ بحجَر أَو بيدِه، فَتَخْرُجُ وتَحْسبه شَيْئًا تَصِيده لتأْخذَه فيأْخذها، وَهِيَ مِنْ أَحمق الدَّوابّ؛ أَراد أَني لَا أُخْدَع كَمَا تُخْدعُ الضَّبُعُ باللَّدْم، ويُسمَّى الضرْبُ لَدْماً. ولَدَمْتُ أَلْدِمُ لَدْماً، فأَنا لادِمٌ، وَقَوْمٌ لَدَمٌ مِثْلُ خادِمٍ وخَدَمٍ. وأُمُّ مِلْدَم: الحُمَّى، اللَّيْثُ: أُمّ مِلدَم كُنْيَةُ الحُمَّى، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: قَالَتِ الْحُمَّى أَنا أُمُّ مِلْدَم آكُل اللَّحْمَ وأَمَصُّ الدمَ، قَالَ: وَيُقَالُ
__________
(1) . قوله [واللخم بالضمّ إلخ] عبارة الصحاح: واللخم واللخم بالضم ضرب إلخ والأَولى بضمتين(12/539)
لَهَا أُمّ الهِبْرِزِيّ. وأَلْدَمَت عَلَيْهِ الحُمّى أَي دامَتْ. وَفِي الْحَدِيثِ:
جَاءَتْ أُمُّ مِلْدَمٍ تستأْذن
؛ هِيَ الحُمَّى، وَالْمِيمُ الأُولى مَكْسُورَةٌ زَائِدَةٌ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُهَا بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ. واللَّدِيمُ: الثَّوْبُ الخلَق. وَثَوْبٌ لَدِيم ومُلَدَّم: خَلَقٌ. ولَدَمَه: رَقَعَه. الأَصمعي: المُلَدَّم والمُرَدَّمُ مِنَ الثِّيَابِ المُرقَّعُ، وَهُوَ اللَّديم. ولَدَمْت الثَّوْبَ لَدْماً ولَدَّمتُه تَلْدِيماً أَي رَقَّعْتُه، فَهُوَ مُلَدَّم ولَدِيمٌ أَي مُرَقَّع مُصْلَح. واللِّدامُ: مِثْلُ الرِّقاع يُلْدَمُ بِهِ الْخُفُّ وَغَيْرُهُ. وتَلَدَّمَ الثوبُ أَي أَخْلَق واسْتَرْقَع. وتَلَدَّمَ الرجلُ ثوبَه أَي رَقعَه، يتعدَّى وَلَا يَتَعَدَّى، مِثْلُ تَرَدَّم. واللَّدَمُ، بِالتَّحْرِيكِ: الحُرَمُ فِي القَرابات. وَيُقَالُ: إِنما سُمِّيَتِ الحُرْمَةُ اللَّدَمَ لأَنها تَلْدِمُ القَرابةَ أَي تُصْلِح وتَصِل؛ تَقُولُ الْعَرَبُ: اللَّدَمُ اللَّدَمُ إِذا أَرادت تَوْكِيدَ المُحالفة أَي حُرْمَتُنا حُرْمَتُكم وَبَيْتُنَا بيتُكم لَا فَرْقَ بَيْنَنَا. وَفِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَن الأَنصار لَمَّا أَرادوا أَن يُبايعوه فِي بَيْعَةِ العَقَبة بِمَكَّةَ قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيِّهان: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ بينَنا وبينَ القَوم حِبالًا ونحنُ قاطِعوها، فَنَخْشَى إنِ اللهُ أَعَزَّك وأَظْهَرَكَ أَن تَرْجِعَ إِلى قَوْمِكَ، فتبسَّم النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: بَلِ الدَّمُ الدَّمُ والهَدَمُ الهَدَمُ أُحارِبُ مَنْ حارَبْتُم وأُسالمُ مَنْ سالَمْتُم
وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ:
بَلِ اللَّدَمُ اللَّدَمُ والهَدَمُ الهَدَمُ
، قَالَ: فَمَنْ رَوَاهُ
بَلِ الدَّم الدَّمُ والهَدَم الهَدَم
فإِن ابْنَ الأَعرابي قَالَ: الْعَرَبُ تَقُولُ: دَمِي دَمُك وهَدَمِي هَدَمُك فِي النُّصْرة أَي إِن ظُلِمْتَ فَقَدْ ظُلِمْتُ؛ قَالَ: وأَنشد الْعُقَيْلِيُّ:
دَماً طَيِّباً يَا حَبَّذا أَنتَ مِنْ دَمِ
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَقَالَ الْفَرَّاءُ الْعَرَبُ تُدْخِلُ الأَلف وَاللَّامَ اللَّتَيْنِ لِلتَّعْرِيفِ عَلَى الِاسْمِ فَتَقُومَانِ مَقَامَ الإِضافة كَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: فَأَمَّا مَنْ طَغى وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى؛ أَي الْجَحِيمَ مأْواه، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى؛ الْمَعْنَى فإِن الْجَنَّةَ مأْواه؛ وَقَالَ الزَّجَّاجُ؛ مَعْنَاهُ فإِن الْجَنَّةَ هِيَ المأْوى لَهُ، قَالَ: وَكَذَلِكَ هَذَا فِي كُلِّ اسْمٍ، يَدُلَّانِ عَلَى مِثْلِ هَذَا الإِضمار فَعَلَى قَوْلِ الْفَرَّاءِ قَوْلُهُ الدَّمُ الدَّمُ أَي دَمُكُمْ دَمِي وهَدَمكم هَدَمي؛ وَقَالَ ابْنُ الأَثير فِي رِوَايَةٍ:
الدَّمُ الدَّمُ
، قَالَ: هُوَ أَن يُهْدَرَ دَم الْقَتِيلِ، الْمَعْنَى إِن طلِب دمُكم فَقَدْ طُلب دَمِي، فَدَمِي ودمُكم شَيْءٌ وَاحِدٌ، وأَما مَنْ رَوَاهُ
بَلِ اللَّدَم اللَّدَم والهَدَم الهَدَم
فإِن ابْنِ الأَعرابي أَيضاً قَالَ: اللَّدَم الحُرَم جَمْعُ لادِمٍ والهدَم القَبر، فَالْمَعْنَى حُرَمكم حُرَمي وأُقْبَرُ حَيْثُ تُقْبَرون؛ وَهَذَا كَقَوْلِهِ: المَحْيا مَحْياكم والمَمات مماتُكم لَا أُفارقكم. وَذَكَرَ الْقُتَيْبِيُّ أَن أَبا عُبَيْدَةَ قَالَ فِي مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ: حُرْمَتي مَعَ حُرْمَتِكم وبَيْتي مَعَ بَيْتِكُمْ؛ وأَنشد:
ثُمَّ الْحَقي بهَدَمِي ولَدَمِي
أَي بأَصْلي وَمَوْضِعِي. واللَّدَمُ: الحُرَمُ جَمْعُ لادِم، سُمِّي نساءُ الرَّجُلِ وحُرَمُه لَدَماً لأَنهن يَلْتَدِمْنَ عَلَيْهِ إِذا مَاتَ. وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ: قُبِض رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ فِي حَجْري ثُمَّ وضَعْت رأْسَه عَلَى وِسادَةٍ وقُمْتُ أَلْتَدِمُ مع النِّساء وأَضْرِب وَجْهي.
والمِلْدَمُ والمِلْدَامُ: حَجَرٌ يُرْضَخُ بِهِ النَّوَى، وَهُوَ المِرْضاخُ أَيضاً. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ عِنْدَ قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ سُمِّيَت الحُرْمة اللَّدَمَ قَالَ: صَوَابُهُ أَن يَقُولَ سُمِّيَتِ الحُرَمُ اللَّدَم لأَن اللَّدَم جمعُ لادِمٍ. ولَدْمَانُ: مَاءٌ مَعْرُوفٌ. ومُلادِمٌ: اسْمٌ؛ وَفِي(12/540)
تَرْجَمَةِ دَعَعَ فِي التَّهْذِيبِ قَالَ: قرأْت بِخَطِّ شِمْرٍ للطِّرمَّاح:
لَمْ تُعالِجْ دَمْحَقاً بَائِتًا ... شُجَّ بالطَّخْفِ لِلَدْمِ الدَّعاعْ
قَالَ: اللَّدْمُ اللَّعْقُ.
لذم: لَذِمَ بِالْمَكَانِ، بِالْكَسْرِ، لَذْماً وأَلْذَمَ: ثَبَت ولَزِمَه وأَقام. وأَلذَمْتُ فُلَانًا بِفُلَانٍ إِلذاماً. ورجلٌ لُذَمَةٌ: لازمٌ لِلْبَيْتِ، يَطَّرِدُ عَلَى هَذَا بابٌ فِيمَا زَعَمَ ابْنُ دُرَيْدٍ فِي كِتَابِهِ الْمَوْسُومِ بِالْجَمْهَرَةِ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهُوَ عِنْدِي مَوْقُوفٌ. وَيُقَالُ للأَرْنب: حُذَمةٌ لُذَمة تَسبق الجَمْع بالأَكَمةِ؛ فحُذَمةٌ: حَدِيدَةٌ، وَقِيلَ: حُذَمة إِذا عَدَتْ أَسرعت، ولُذَمة: ثابتةُ العَدْو لَازِمَةٌ لَهُ، وَقِيلَ: إِتباع. واللُّذَمةُ: اللَّازِمُ لِلشَّيْءِ لَا يُفَارِقُهُ. واللُّذُومُ: لُزُومُ الْخَيْرِ أَو الشَّرِّ. ولَذِمَه الشيءُ: أَعجَبه، وَهُوَ فِي شِعْرِ الْهُذَلِيِّ. ولَذِمَ بِالشَّيْءِ لَذَماً: لَهِجَ بِهِ وأَلذَمَه إِيَّاه وَبِهِ وأَلهَجَه بِهِ؛ وأَنشد:
ثَبْت اللِّقاء فِي الحروبِ مُلْذَما
وأَنشد أَبو عَمْرٍو لأَبي الوَرْد الجعْديّ:
لَذِمْتَ أَبا حَسَّانَ أَنْبارَ مَعْشَرٍ ... جَنافَى عَلَيْكُمْ، يَطْلُبون الغَوائلا
وأُلْذِمَ بِهِ أَي أُولِعَ بِهِ، فَهُوَ مُلْذَم بِهِ. وَرَجُلٌ لَذُومٌ ولَذِمٌ ومِلْذَمٌ: مُولَع بِالشَّيْءِ؛ قَالَ:
قَصْرَ عَزِيز بالأَكالِ مِلْذَمِ
اللَّيْثُ: اللَّذِمُ المُولَع بِالشَّيْءِ، وَقَدْ لَذِمَ لَذَماً. وَيُقَالُ للشجاعِ: مِلْذَمٌ لعَلَثِه بِالْقِتَالِ، وَلِلذِّئْبِ مِلْذَم لعَلَثِه بالفَرْسِ. ولَذِمَ بِهِ لَذَماً؛ عَلِقَه؛ وأَما مَا أَنشده مِنْ قَوْلِ الشَّاعِرِ:
زَعَمَ ابْنُ سيِّئةِ الْبَنَانِ بأَنَّني ... لَذِمٌ لآخُذَ أَرْبَعاً بالأَشْقَرِ
فَقَدْ يَكُونُ العَلِقَ وَعَلَى العَلِق، اسْتَشْهَدَ بِهِ ابْنِ الأَعرابي، وَقَدْ يَكُونُ اللَّهِجَ الحَرِيص، وَالْمَعْنِيَانِ مُقتربان. وَيُقَالُ: أَلْذِمْ لفلانٍ كَرامتَك أَي أَدِمْها لَهُ. وأُمُّ مِلْذم: كُنْيَةُ الحُمَّى؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: بَعْضُهُمْ يقولها بالذال المعجمة.
لزم: اللُّزومُ: مَعْرُوفٌ. والفِعل لَزِمَ يَلْزَمُ، وَالْفَاعِلُ لازِمٌ وَالْمَفْعُولُ بِهِ ملزومٌ، لَزِمَ الشيءَ يَلْزَمُه لَزْماً ولُزوماً ولازَمَهُ مُلازَمَةً ولِزاماً والْتَزَمَه وأَلْزَمَه إِيَّاه فالْتَزَمَه. وَرَجُلٌ لُزَمَةٌ: يَلْزَم الشَّيْءَ فَلَا يفارِقه. واللِّزَامُ: الفَيْصل جِدًّا. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ؛ أَي مَا يَصْنَعُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُهُ إِيَّاكم إِلى الإِسلام، فَقَدْ كذَّبتم فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً
؛ أَي عَذَابًا لَازِمًا لَكُمْ؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ فَيْصلًا، قَالَ: وَجَاءَ فِي التَّفْسِيرِ عَنِ الْجَمَاعَةِ أَنه يَعْنِي يومَ بَدْرٍ وَمَا نَزَلَ بِهِمْ فِيهِ، فإِنه لُوزِمَ بَيْنَ القَتْلى لِزَاماً أَي فُصل؛ وأَنشد أَبو عُبَيْدَةَ لِصَخْرِ الغَيّ:
فإِمَّا يَنْجُوَا مِنْ حَتْفِ أَرْضٍ، ... فَقَدْ لَقِيا حُتوفَهما لِزاماً
وتأْويل هَذَا أَن الحَتْف إِذا كَانَ مُقَدَّراً فَهُوَ لازِمٌ، إِن نَجَا مِنْ حَتْفِ مكانٍ لَقِيَهُ الحَتْفُ فِي مَكَانٍ آخَرَ لِزاماً؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
لَا زِلْتَ مُحْتَمِلًا عليَّ ضَغِينَةً، ... حَتَّى المَماتِ يَكُونُ مِنْكَ لِزاماً
وقرئَ لَزاماً، وتأْويله فَسَوْفَ يَلْزمُكم تَكْذِيبُكُمْ لَزاماً وتَلْزمُكم بِهِ الْعُقُوبَةُ وَلَا تُعْطَوْن التَّوْبَةَ،(12/541)
وَيَدْخُلُ فِي هَذَا يومُ بَدْرٍ وَغَيْرُهُ مِمَّا يَلْزَمُهم مِنَ الْعَذَابِ. واللِّزام: مَصْدَرُ لَازَمَ. واللَّزَام، بِفَتْحِ اللَّامِ: مَصْدَرُ لَزِمَ كالسَّلام بِمَعْنَى سَلِمَ، وَقَدْ قُرِئَ بِهِمَا جَمِيعًا، فَمَنْ كَسَرَ أَوقعه مُوقَع مُلازِم، وَمَنْ فَتَحَ أَوقعه مَوْقَعَ لازِم. وَفِي حَدِيثِ أَشراط السَّاعَةِ ذكرُ
اللِّزام
، وفسِّر بأَنه يَوْمُ بَدْرٍ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ المُلازَمة لِلشَّيْءِ والدوامُ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَيضاً الفَصْل فِي الْقَضِيَّةِ، قَالَ: فكأَنه مِنَ الأَضداد. واللِّزامُ: الموتُ والحسابُ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً
؛ مَعْنَاهُ لَكَانَ الْعَذَابُ لازِماً لَهُمْ فأَخّرَهم إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. واللَّزَمُ: فَصْلُ الشيء، من قوله لَكانَ لِزاماً
فَيْصَلًا، وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ مِنْ اللُّزومِ. الْجَوْهَرِيُّ: لَزِمْت بِهِ ولَازَمْتُه. واللِّزامُ: المُلازِمُ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
فَلَمْ يرَ غيرَ عاديةٍ لِزاماً، ... كَمَا يَتَفَجَّر الحوضُ اللَّقِيفُ
والعاديةُ: الْقَوْمُ يَعْدُون عَلَى أَرجلهم أَي فحَمْلَتُهم لِزامٌ كأَنهم لَزِمُوه لَا يُفَارِقُونَ مَا هُمْ فِيهِ، واللَّقيفُ: المُتهوِّر مِنْ أَسفله. والالْتِزَامُ: الاعتِناقُ. قَالَ الْكِسَائِيُّ: تَقُولُ سَبَبْتُه سُبَّةً تَكُونُ لَزَامِ، مِثْلَ قَطامِ أَي لَازِمَةً. وَحَكَى ثَعْلَبٌ: لأَضْرِبَنَّك ضَرْبةً تَكُونُ لَزَامِ، كَمَا يُقَالُ دَراكِ ونَظارِ، أَي ضَرْبَةً يُذكر بِهَا فَتَكُونُ لَهُ لِزَاماً أَي لازِمةً. والمِلْزَم، بِالْكَسْرِ: خَشَبَتَانِ مشدودٌ أَوساطُهما بحديدة تُجْعَل فِي طَرَفِهَا قُنّاحة فتَلْزَم مَا فِيهَا لُزوماً شَدِيدًا، تَكُونُ مَعَ الصَّياقِلة والأَبَّارِين. وَصَارَ الشيءُ ضربةَ لازِمٍ، كلازِبٍ، وَالْبَاءُ أَعلى؛ قَالَ كُثيّر فِي مُحَمَّدِ بن الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ فِي حَبْسِ ابْنِ الزُّبَيْرِ:
سَمِيُّ النبيِّ المُصْطَفى وابنُ عَمِّه، ... وفَكّاك أَغْلالٍ ونَفّاع غارِمِ
أَبى فَهُوَ لَا يَشْرِي هُدىً بضَلالةٍ، ... وَلَا يَتَّقي فِي اللَّهِ لَوْمةَ لائمِ
ونحنُ، بحَمْدِ اللهِ، نَتْلُو كِتابَه ... حُلولًا بِهَذَا الخَيْفِ، خَيْفِ المَحارِم
بحيثُ الحمامُ آمِنُ الرَّوْعِ ساكِنٌ، ... وحيثُ العَدُوُّ كالصَّديقِ المُلازِم
فَمَا وَرِقُ الدُّنْيا بِباقٍ لأَهْلهِ، ... وَمَا شِدَّةُ البَلْوَى بضَرْبةِ لازِم
تُحَدِّثُ مَن لاقَيْت أَنك عائذٌ، ... بَل العائذُ الْمَظْلُومُ فِي سِجْنِ عادِم
والمُلازِمُ: المُغالِقُ. ولازِم: فَرَسُ وُثَيل بن عوف.
لسم: أَلْسَمَه حُجَّتُه: أَلزَمَه كَمَا يُلْسَم ولَدُ الْمَنْتُوجَةِ ضرْعَها. وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: الإِلْسامُ إِلْقامُ الفصيلِ الضرعَ أَوَّلَ مَا يُولد. وَيُقَالُ: أَلْسَمْته إِلْساماً، فَهُوَ مُلْسَمٌ. وَيُقَالُ: أَلْسَمْتُه حُجَّتَه إِلْسَاماً أَي لَقَّنْتُه إِياها؛ وأَنشد:
لَا يُلْسَمَنَّ أَبا عِمْرانَ حُجَّتَه، ... فَلَا تكونَنْ لَهُ عَوْناً عَلَى عُمرا
ابْنُ الأَعرابي: اللَّسْم السكوتُ حَيَاءً لا عَقْلًا.
لضم: التَّهْذِيبُ: اللَّضْمُ العُنْفُ والإِلْحاحُ عَلَى الرَّجُلِ، يُقَالُ: لَضَمْتُه أَلْضِمُه لَضْماً أَي عَنُفْتُ عَلَيْهِ وأَلْحَحْت؛ وأَنشد:
مَنَنْتَ بِنائلٍ ولَضَمْتَ أُخْرى ... بِرَدٍّ، مَا كَذَا فِعْلُ الكِرام
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَلَمْ أَسمع لَضَمَ لِغَيْرِ الليث.
لطم: اللَّطْمُ: ضَرْبُك الخدَّ وصَفْحةَ الْجَسَدِ ببَسْط الْيَدِ، وَفِي الْمُحْكَمِ: بِالْكَفِّ مَفْتُوحَةً، لَطَمَه يَلْطِمُه لَطْماً ولَاطَمَه مُلاطَمةً ولِطَاماً. والمَلْطِمانِ:(12/542)
الْخَدَّانِ؛ قَالَ:
نَابِي المَعَدَّيْنِ أَسِيل مَلْطِمُه «2»
. وَهُمَا المَلْطَمانِ نَادِرٌ. ابْنُ حَبِيبٍ: المَلاطِمُ الْخُدُودُ، وَاحِدُهَا مَلْطَمٌ؛ وأَنشد:
خَصِمُون نَفّاعُون بِيضُ المَلاطِم
ابْنُ الأَعرابي: اللَّطْمُ إِيضاحُ الْحُمْرَةِ. واللَّطْمُ: الضَّرْبُ عَلَى الْوَجْهِ بِبَاطِنِ الرَّاحَةِ. وَفِي الْمَثَلِ: لَوْ ذاتُ سِوارٍ لَطَمَتْني؛ قَالَتْهُ امرأَة لَطَمَتْها مَن لَيْسَتْ بكفءٍ لَهَا. اللَّيْثُ: اللَّطِيمُ، بِلَا فِعْلٍ، مِنَ الْخَيْلِ الَّذِي يأْخذ خدَّيه بياضٌ. وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: إِذا رَجَعَتْ غُرّةُ الْفَرَسِ مِنْ أَحد شِقّي وَجْهِهِ إِلى أَحد الْخَدَّيْنِ فَهُوَ لَطِيمٌ، وَقِيلَ: اللَّطِيمُ مِنَ الْخَيْلِ الَّذِي سَالَتْ غُرّتُه فِي أَحد شِقّي وَجْهِهِ، يُقَالُ مِنْهُ: لُطِمَ الْفَرَسُ، عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، فَهُوَ لَطِيمٌ؛ عَنِ الأَصمعي. واللَّطِيمُ مِنَ الْخَيْلِ: الأَبيضُ موضِع اللَّطْمةِ مِنَ الْخَدِّ، وَالْجَمْعُ لُطُمٌ، والأُنثى لَطِيمٌ أَيضاً، وَهُوَ مِنْ بَابِ مُدَرْهم أَي لَا فِعْل لَهُ، وَقِيلَ: اللَّطيمُ الَّذِي غُرّته فِي أَحد شِقّي وَجْهِهِ إِلى أَحد الْخَدَّيْنِ فِي مَوْضِعِ اللَّطْمة، وَقِيلَ: لَا يَكُونُ لَطيماً إِلا أَن تَكُونَ غُرّتُه أَعظمَ الغُررِ وأَفشاها حَتَّى تُصِيبَ عَيْنَيْهِ أَو إِحداهما، أَو تُصِيبَ خَدّيه أَو أَحدَهما. وخَدٌّ مُلَطَّمٌ: شُدِّد لِلْكَثْرَةِ. واللَّطيمُ مِنْ خَيْلِ الحَلْبة: هُوَ التَّاسِعُ مِنْ سَوَابِقِ الْخَيْلِ، وَذَلِكَ أَنه يُلْطَم وجهُه فَلَا يَدْخُلُ السُّرادِق. واللَّطِيمُ: الصغيرُ مِنَ الإِبل الَّذِي يُفْصَل عِنْدَ طُلُوعِ سُهَيْل، وَذَلِكَ أَن صَاحِبَهُ يأْخذ بأُذُنِه ثُمَّ يَلْطِمه عِنْدَ طُلُوعِ سُهَيْلٍ وَيَسْتَقْبِلُهُ بِهِ ويَحْلِف أَن لَا يَذُوقَ قَطْرَةَ لَبَن بَعْدَ يَوْمِهِ ذَلِكَ، ثُمَّ يَصُرُّ أَخلافَ أُمِّه كلَّها ويَفْصِله مِنْهَا، وَلِهَذَا قَالَتِ الْعَرَبُ: إِذا طَلَعَ سُهيلْ، بَرَدَ الليلْ، وَامْتَنَعَ القَيْلْ، وَلِلْفَصِيلِ الوَيْلْ؛ وَذَلِكَ لأَنه يُفْصَل عِنْدَ طُلُوعِهِ. الْجَوْهَرِيُّ: اللَّطِيمُ فَصيلٌ إِذا طَلَعَ سُهَيْلٌ أَخذه الرَّاعِي وَقَالَ لَهُ: أَتَرى سُهَيْلًا؟ وَاللَّهِ لَا تَذُوقُ عِنْدِي قَطْرَةً ثُمَّ لَطَمَه ونَحّاه. ابْنُ الأَعرابي: اللَّطِيمُ الْفَصِيلُ إِذا قَوِي عَلَى الرُّكُوبِ لُطِمَ خَدُّه عِنْدَ عَيْنِ الشَّمْسِ، ثُمَّ يُقَالُ اغْرُبْ، فَيَصِيرُ ذَلِكَ الفصيلُ مؤدَّباً وَيُسَمَّى لَطِيماً. واللَّطِيمُ: الَّذِي يَمُوتُ أَبواه. والعَجِيُّ: الَّذِي تَمُوتُ أُمُّه. واليتيمُ: الَّذِي يَمُوتُ أَبوه. واللَّطِيم واللَّطِيمةُ: المِسْكُ؛ الأُولى عَنْ كُرَاعٍ، قَالَ الْفَارِسِيُّ: قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ هِيَ كُلُّ ضربٍ مِنَ الطِّيب يُحمل عَلَى الصُّدْغ مِنَ المَلْطِم الَّذِي هُوَ الْخَدُّ، وَكَانَ يَسْتَحْسِنُهَا، وَقَالَ: مَا قَالَهَا إِلَّا بِطَالِعِ سَعْدٍ. واللَّطِيمةُ: وِعاءُ المِسْك، وَقِيلَ: هِيَ الْعِيرُ تَحْمِلُهُ، وَقِيلَ: سُوقُه، وَقِيلَ: كلُّ سُوقٍ يُجْلب إِليها غيرُ مَا يُؤْكَلُ مِنْ حُرِّ الطِّيب والمتاعِ غَيْرِ المِيرة لَطِيمةٌ، وَالْمِيرَةُ لِمَا يُؤْكَلُ؛ ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي: أَنه أَنشده لِعاهانَ بْنِ كَعْب بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدٍ:
إِذا اصْطَكَّتْ بضَيْقٍ حُجْرتاها، ... تَلاقِي العَسْجَدِيَّةِ واللَّطِيمِ
قَالَ: العَسْجَدِيّة إِبل مَنْسُوبَةٌ إِلى سُوق يَكُونُ فِيهَا العَسْجد وَهُوَ الذَّهَبُ؛ وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الْعَسْجَدِيَّةُ الَّتِي تَحْمِل الذَّهَبَ، واللَّطِيمُ: مَنْسُوبٌ إِلى سُوق يَكُونُ أَكثرُ بَزِّها اللَّطِيمَ، وَهُوَ جَمْعُ اللَّطِيمَة، وَهِيَ العيرُ الَّتِي تَحْمِلُ الْمِسْكَ. ابْنُ السِّكِّيتِ: اللَّطِيمَة عِيرٌ فِيهَا طِيبٌ، والعسجديةِ ركابُ المُلوكِ الَّتِي تَحْمِلُ الدِّقَّ، والدِّقُّ الْكَثِيرُ الثِّمَنِ الَّذِي لَيْسَ بجافٍ. الْجَوْهَرِيُّ: اللَّطِيمةُ العيرُ تَحْمِلُ الطِّيبَ وبَزَّ التِّجار، وَرُبَّمَا قِيلَ لسُوقِ العَطَّارِين لَطِيمَةٌ؛
__________
(2) . قوله [نابي] كذا في الأَصل وشرح القاموس بالباء، والذي في المحكم: نائي(12/543)
قَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصف أَرطأة تَكنَّسَ فِيهَا الثَّوْرُ الْوَحْشِيُّ:
كأَنَّها بيتُ عَطَّارٍ يُضَمِّنُه ... لَطَائِمَ المِسْكِ، يَحْويها وتُنْتَهَبُ
قَالَ أَبو عَمْرٍو: اللَّطِيمَةُ قِطْعةُ مِسْك، وَيُقَالُ فَارَّةُ مِسْك؛ قَالَ الشَّاعِرُ فِي اللَّطِيمَة الْمِسْكِ:
فَقُلْتُ: أَعَطَّاراً نَرى فِي رِحالِنا؟ ... وَمَا إِنْ بمَوْماةٍ تُباعُ اللَّطائِمُ
وَقَالَ آخَرُ فِي مِثْلِهِ:
عَرُفْتَ كإِتْبٍ عَرَّفَتْه اللَّطائِمُ
وَفِي حَدِيثِ بَدْرٍ:
قَالَ أَبو جَهْلٍ يَا قومِ اللَّطِيمَة اللَّطِيمَةَ
أَي أَدْرِكوها، وَهِيَ مَنْصُوبَةٌ بإِضمار هَذَا الْفِعْلِ. واللَّطِيمَة: الجِمالُ الَّتِي تَحْمِلُ العِطْرَ والبَزَّ غَيْرَ المِيرة. ولَطَائِمُ المِسْك: أَوْعِيتُه. ابْنُ الأَعرابي: اللَّطيمةُ سُوقُ الإِبل، واللَّطيمة والزَّوْمَلةُ مِنَ العِير الَّتِي عَلَيْهَا أَحمالها، قَالَ: وَيُقَالُ اللَّطيمةُ والعِيرُ والزَّوْملة، وَهِيَ الْعِيرُ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا «1» حِمْل أَو لَمْ يَكُنْ، وَلَا تُسَمَّى لَطِيمَةً وَلَا زَوْملة حَتَّى تَكُونَ عَلَيْهَا أَحمالها؛ وَقَوْلُ أَبي ذُؤَيْبٍ:
فجاءَ بِهَا مَا شِئتَ مِنْ لَطَمِيَّةٍ، ... تَدُورُ البحارُ فوقَها وتَمُوجُ
إِنما عَنَى دُرَّة. وَقَوْلُهُ: مَا شِئْتَ مِنْ لَطَمِيّة، فِي مَوْضِعِ الْحَالِ. وتَلَطَّمَ وجهُه: ارْبَدّ. والمُلَطَّم: اللَّئِيمُ. ولَطَّمَ الْكِتَابَ: ختَمه؛ وَقَوْلُهُ:
لَا يُلْطَمُ المصْبُورُ وَسْطَ بُيوتِنا، ... ونَحُجُّ أَهلَ الحقِّ بالتَّحْكِيم
يَقُولُ: لَا يُظْلَم فِينَا فيُلْطَم وَلَكِنْ نأْخذ الْحَقَّ مِنْهُ بِالْعَدْلِ عَلَيْهِ. اللَّيْثُ: اللَّطِيمَة سُوق فِيهَا أَوْعيةٌ مِنَ العِطْر وَنَحْوُهُ مِنَ البِياعات؛ وأَنشد:
يَطُوفُ بِهَا وَسْطَ اللَّطِيمة بائعُ
وَقَالَ فِي قَوْلِ ذِي الرُّمَّةِ:
لَطَائِم المِسْكِ يَحْوِيها وتُنْتَهَبُ
يَعْنِي أَوْعِيَة المسك. أَبو سعيد: اللَّطِيمَة العَنْبَرةُ الَّتِي لُطِمَت بِالْمِسْكِ فتَفَتَّقت بِهِ حَتَّى نَشِبَت رَائِحَتُهَا، وَهِيَ اللَّطَمِيَّة، وَيُقَالُ: بالةٌ لَطَمِيّةٌ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ أَبي ذُؤَيْبٍ:
كأَنَّ عَلَيْهَا بَالَةً لَطَمِيَّةً، ... لَهَا مِنْ خِلالِ الدَّأْيَتينِ أَرِيجُ
أَراد بِالْبَالَةِ الرَّائِحَةَ والشَّمّة، مأْخوذ مِنْ بَلْوته أَي شَمَمْته، وأَصلها بَلوة، فقدَّم الْوَاوَ وَصَيَّرَهَا أَلفاً كَقَوْلِهِمْ قاعَ وقَعا. وَيُقَالُ: أَعْطِني لَطِيمَةً مِنْ مِسك أَي قِطْعَةً. واللَّطِيمَة فِي قَوْلِ النَّابِغَةِ «2» : هِيَ الْغَوَالِي المُعَنْبَرة، وَلَا تُسَمَّى لَطِيمة حَتَّى تَكُونَ مَخْلُوطَةً بِغَيْرِهَا. الْفَرَّاءُ: اللَّطِيمَة سُوق الْعَطَّارِينَ، واللَّطِيمَة العِيرُ تَحْمِلُ البُرَّ والطِّيبَ. أَبو عَمْرٍو: اللَّطِيمَةُ سُوقٌ فِيهَا بَزٌّ وطِيب. ولاطَمَه فتَلاطَمَا؛ والْتَطَمَتِ الأَمْواجُ: ضَرَبَ بَعْضُهَا بَعْضًا؛ وَفِي حَدِيثِ
حَسَّانَ:
يُلَطِّمُهنّ بالخُمُرِ النساءُ
أَي يَنْفُضْن مَا عَلَيْهَا مِنَ الغُبار، فَاسْتَعَارَ لَهُ اللَّطْم، وَرَوِيَ يُطَلِّمُهنّ، وهو الضرب بالكف.
لعم: انْفَرَدَ بِهَا الأَزهري وَقَالَ: لَمْ أَسمع فِيهِ شَيْئًا غَيْرَ حَرْفٍ وَاحِدٍ وَجَدْتُهُ لِابْنِ الأَعرابي، قَالَ: اللَّعَمُ اللُّعابُ، بِالْعَيْنِ، قَالَ: وَيُقَالُ لَمْ يتَلعْثَمْ فِي كَذَا وَلِمَ يَتَلَعْلَمْ فِي كَذَا أَي لَمْ يتمكَّث وَلَمْ ينتظر.
__________
(1) . قوله [وَهِيَ الْعِيرُ الَّتِي كَانَ عليها إلخ] كذا في الأَصل، وعبارة التهذيب: وهي العير كَانَ عَلَيْهَا حِمْلٌ أَوْ لم يكن
(2) . قوله [واللَّطِيمَة فِي قَوْلِ النَّابِغَةِ إلخ] عبارة التهذيب: واللَّطِيمَة فِي قَوْلِ النَّابِغَةِ السوق، سميت لَطِيمَة لتصافق الأَيدي فيها، قال: وأما لَطَائِم المسك فِي قَوْلِ ذِي الرُّمَّةِ فهي الغوالي إلخ(12/544)
لعثم: تَلَعْثَمَ عَنِ الأَمر: نَكَل وتمكَّث وتأَنَّى وتبصَّر، وَقِيلَ: التَّلَعْثُم الِانْتِظَارُ. وَمَا تَلَعْثَمَ عَنْ شَيْءٍ أَي مَا تأَخَّر وَلَا كذَّب. وقرأَ فَمَا تَلَعْثَمَ وَمَا تَلَعْذَمَ أَي مَا توقَّف وَلَا تمكَّث وَلَا تَرَدَّدَ، وَقِيلَ: مَا تَلَعْثَمَ أَي لَمْ يُبْطِئ بِالْجَوَابِ. وَفِي الْحَدِيثِ
عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنه قَالَ: مَا عرَضْتُ الإِسْلامَ عَلَى أَحَدٍ إِلا كَانَتْ فِيهِ كَبْوةٌ إِلا أَن أَبا بَكْرٍ مَا تَلَعْثَمَ
أَي أَجاب مِنْ ساعتِه أَوَّلَ مَا دَعَوْتُهُ وَلَمْ يَنْتَظِرْ وَلَمْ يتمكَّث وصدَّق بالإِسلام وَلَمْ يتوقَّف. وَفِي حَدِيثِ
لُقْمَانَ بْنِ عَادٍ أَنه قَالَ فِي أَحدِ إِخْوتِه: فليسَت فِيهِ لَعْثَمَةٌ إِلا أَنه ابْنُ أَمَةٍ
؛ أَراد أَنه لَا توقُّفَ عَنْ ذِكْرِ مَناقبه إِلا عِنْدَ ذِكْرِ صَراحةِ نَسبِه فإِنه يُعاب بهُجْنته. وَيُقَالُ: سأَلته عَنْ شَيْءٍ فَلَمْ يَتَلَعْثَمْ وَلَمْ يتَلَعْذَمْ وَلَمْ يَتَتَمْتَمْ وَلَمْ يتمرَّغ وَلَمْ يتفكَّر أَي لَمْ يَتَوَقَّفْ حتى أَجابني.
لعذم: قرأَ فَمَا تَلَعْذَمَ أَي مَا تردَّد كتلَعْثَم، وَزَعَمَ يَعْقُوبُ أَن الذَّالَ بَدَلٌ مِنَ التَّاءِ، وَقَدْ تقدم.
لعظم: الْجَوْهَرِيُّ: يُقَالُ لَعْمَظْتُ اللحمَ أَي انتهَسْته عَنِ الْعَظْمِ، قَالَ: وَرُبَّمَا قَالُوا لَعْظَمْتُه على القلب.
لغم: لَغِمَ لَغَماً ولَغْماً: وَهُوَ استِخْبارُه عَنِ الشَّيْءِ لَا يَسْتَيْقِنُهُ وإِخبارُه عَنْهُ غَيْرُ مُسْتَيْقِنٍ أَيضاً. ولَغَمْتُ أَلْغَمُ لَغْماً إِذا أَخبَرْت صَاحِبَكَ بِشَيْءٍ لَا تَسْتَيْقِنُهُ. وَلَغَمَ لَغْماً: كنَغَم نَغْماً. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: قُلْتُ لأَعرابي مَتى المَسِير؟ فَقَالَ: تَلَغَّموا بيومِ السبْت، يَعْنِي ذكَروه، وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ أَنهم حرَّكوا مَلاغِمَهم بِهِ. واللَّغِيمُ: السِّرّ. واللُّغَامُ والمَرْغُ: اللُّعاب للإِنسان. ولُغَام الْبَعِيرِ: زَبَدُه. واللُّغَامُ: زَبَدُ أَفواهِ الإِبل، والرُّوالُ لِلْفَرَسِ. ابْنُ سِيدَهْ: واللُّغَام مِنَ الْبَعِيرِ بِمَنْزِلَةِ البُزاقِ أَو اللُّعاب مِنَ الإِنسان. ولَغَمَ البعيرُ يَلْغَمُ لُغَامه لَغْماً إِذا رَمَى بِهِ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمر: وأَنا تَحْتَ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُصِيبُني لُغَامُها
؛ لُغامُ الدَّابَّةِ: لُعابُها وزبدُها الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ فِيهَا مَعَهُ، وَقِيلَ: هُوَ الزَّبَدُ وَحْدَهُ، سُمِّيَ بالمَلاغِم، وَهِيَ مَا حَوْلَ الفَم مِمَّا يَبْلُغه اللِّسَانُ ويَصِل إِليه؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
يَستعمِل مَلاغِمَهُ
؛ هُوَ جَمْعُ مَلْغَم؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ: وَنَاقَةُ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَقْصَع بِجِرّتها ويَسِيل لُغَامُها بَيْنَ كَتِفَيَّ.
والمَلْغَمُ: الفمُ والأَنْف وَمَا حَوْلَهُمَا. وَقَالَ الْكِلَابِيُّ: المَلاغِمُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ الْفَمُ والأَنف والأَشْداق، وَذَلِكَ أَنها تُلَغَّم بِالطِّيبِ، وَمِنَ الإِبل بالزَّبَدِ واللُّغامِ. والمَلْغَمُ والمَلاغِم: مَا حَوْلَ الْفَمِ الَّذِي يَبْلُغُهُ اللِّسَانُ، وَيُشْبِهُ أَن يَكُونَ مَفْعَلًا مِنْ لُغامِ الْبَعِيرِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَنه مَوْضِعُ اللُّغامِ. الأَصمعي: مَلاغِمُ المرأَة مَا حَوْلَ فَمِهَا. الْكِسَائِيُّ: لَغَمْت أَلْغَمُ لَغْماً. وَيُقَالُ: لَغَمْتُ المرأَة أَلْغَمُها إِذا قبَّلْت مَلْغَمها؛ وَقَالَ:
خَشَّمَ مِنْهَا مَلْغَمُ المَلْغومِ ... بشَمَّةٍ مِنْ شارِفٍ مَزْكومِ
قدْ خَمَّ أَو قَدْ هَمَّ بالخُمومِ، ... ليسَ بمَعْشوقٍ ولا مَرْؤُومِ
خَشَّم مِنْهَا أَي نتُن مِنْهَا مَلْغُومُها بشَمَّة شَارِفٍ. وتَلَغَّمْت بالطِّيب إِذا جَعَلْتُهُ فِي المَلاغِم؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِرُؤْبَةَ:
تَزْدَج بالجادِيّ أَو تَلَغَّمُهْ «3»
. وَقَدْ تلَغَّمَتِ المرأَةُ بِالزَّعْفَرَانِ والطِّيب؛ وأَنشد:
__________
(3) . قوله [تزدج إلخ] هكذا في الأَصل(12/545)
مُلَغَّم بالزعفرانِ مُشْبَع
ولُغِمَ فلانٌ بالطِّيب، فَهُوَ مَلْغُوم إِذا جَعَلَ الطِّيب عَلَى مَلاغِمه. والمَلْغَم: طَرَفُ أَنفه. وتلَغَّمَتِ المرأَة بِالطِّيبِ تَلَغُّماً: وضَعَتْه عَلَى مَلاغمها. وكلُّ جَوْهَرٍ ذَوَّابٌ كَالذَّهَبِ وَنَحْوِهِ خُلِط بالزَّاوُوق مُلْغَمٌ، وَقَدْ أُلْغِمَ فالْتَغَمَ. والغنَمُ تَتَلَغَّمُ بالعُشْب وبالشِّرْب تَبُلُّ مَشافِرَها. واللَّغَم: الإِرْجافُ الحادُّ.
لغذم: تَلَغْذَمَ الرجلُ: اشتدَّ كَلَامُهُ. اللَّيْثُ: المُتَلَغْذِم الشَّدِيدُ الأَكل.
لفم: اللِّفَام: النِّقَابُ عَلَى طَرَفِ الأَنف، وَقَدْ لَفَمَ وتَلَفَّمَ. ولَفَمَتِ المرأَة فَاهَا بِلِفامِها: نَقَّبَته. ولَفَمَتْ وتَلَفَّمَت والْتَفَمَت إِذا شدَّت اللِّفام. أَبو زَيْدٍ: تَمِيمٌ تَقُولُ تلَثَّمت عَلَى الْفَمِ، وَغَيْرُهُمْ يَقُولُ تَلَفَّمَت. قَالَ الْفَرَّاءُ: يُقَالُ مِنَ اللِّفَام لَفَمْت أَلْفِمُ، فإِذا كَانَ عَلَى طَرَفِ الأَنف فَهُوَ اللِّفَام، وإِذا كَانَ عَلَى الْفَمِ فَهُوَ اللِّثام. الْجَوْهَرِيُّ: قَالَ الأَصمعي إِذا كَانَ النِّقاب عَلَى الْفَمِ فَهُوَ اللِّثام واللِّفام، كَمَا قَالُوا الدَّفَئِيُّ والدَّثَئِيُّ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
يُضِيءُ لَنَا كالبَدْر تَحْتَ غَمامةٍ، ... وَقَدْ زلَّ عَنْ غُرّ الثَّنايا لِفامُها
وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: تَلَفَّمْت تَلَفُّماً إِذا أَخذت عِمَامَةً فَجَعَلْتَهَا عَلَى فِيكَ شِبْه النِّقَابِ وَلَمْ تَبْلُغْ بِهَا أَرنبة الأَنف وَلَا مارِنَه، قَالَ: وَبَنُو تَمِيمٍ تَقُولُ فِي هَذَا الْمَعْنَى: تلَثَّمت تلَثُّماً، قَالَ: وإِذا انْتَهَى إِلى الأَنف فغشِيَه أَو بَعْضَهُ فَهُوَ النقاب.
لقم: اللَّقْمُ: سُرعة الأَكل والمُبادرةُ إِليه. لَقِمَه لَقْماً والْتَقَمَه وأَلْقَمَه إِياه، ولَقِمْت اللُّقْمةَ أَلْقَمُها لَقْماً إِذا أَخَذْتَها بِفِيك، وأَلْقَمْتُ غَيْرِي لُقْمةً فلَقِمَها. والْتَقَمْت اللُّقْمةَ أَلْتَقِمُها الْتِقَاماً إِذا ابْتَلَعْتها فِي مُهْلة، ولَقَّمْتها غَيْرِي تَلْقِيماً. وَفِي الْمَثَلِ: سَبَّه فكأَنما أَلْقَمَ فَاهُ حَجَراً. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن رَجُلًا أَلْقَمَ عينَه خَصاصةَ الْبَابَ
أَي جَعَلَ الشَّقَّ الَّذِي فِي الْبَابِ يُحاذي عينَه فكأَنه جَعَلَهُ لِلْعَيْنِ كاللُّقمة لِلْفَمِ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَهُوَ كالأَرْقم إِن يُتْرك يَلْقَم
أَي إِن تَتْرُكه يأْكلك. يُقَالُ: لَقِمْتُ الطعامَ أَلْقَمُه وتَلَقَّمْتُه والْتَقَمْتُه. ورجُل تِلْقَام وتِلْقَامَة: كَبِيرُ اللُّقَم، وَفِي الْمُحْكَمِ: عَظِيمُ اللُّقَم، وتِلْقَامَة مِنَ المُثُل الَّتِي لَمْ يَذْكُرْهَا صَاحِبُ الْكِتَابِ. واللَّقْمَة واللُّقْمَة: مَا تُهيِّئه لِلّقم؛ الأُولى عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. التَّهْذِيبُ: واللُّقْمَة اسْمٌ لِمَا يُهيِّئه الإِنسان لِلِالْتِقَامِ، واللَّقْمَةُ أَكلُها بِمَرَّةٍ، تَقُولُ: أَكلت لُقْمَة بلَقْمَتَيْنِ، وأَكلت لُقْمَتَيْنِ بلَقْمَة، وأَلْقَمْت فُلَانًا حجَراً. ولَقَّمَ البعيرَ إِذا لَمْ يأْكل حَتَّى يُناوِلَه بِيَدِهِ. ابْنُ شُمَيْلٍ: أَلْقَمَ البعيرُ عَدْواً بَيْنَا هُوَ يَمْشِي إِذْ عَدا فَذَلِكَ الإِلْقَام، وَقَدْ أَلْقَمَ عَدْواً وأَلْقَمْتُ عَدْواً. واللَّقَمُ، بِالتَّحْرِيكِ: وَسَطُ الطَّرِيقِ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِلْكُمَيْتِ:
وعبدُ الرحِيمِ جماعُ الأُمور، ... إِليه انتَهى اللَّقَمُ المُعْمَلُ
ولَقَمُ الطَّرِيقِ ولُقَمُه؛ الأَخيرة عَنْ كُرَاعٍ: مَتْنُه وَوَسَطُهُ؛ وَقَالَ الشَّاعِرُ يَصِفُ الأَسد:
غابَتْ حَلِيلتُه وأَخْطأَ صَيْده، ... فَلَهُ عَلَى لَقَمِ الطريقِ زَئِير «1»
. واللَّقْمُ، بِالتَّسْكِينِ: مَصْدَرُ قَوْلِكَ لَقَمَ الطريقَ وَغَيْرَ الطَّرِيقِ، بِالْفَتْحِ، يَلْقُمُه، بِالضَّمِّ، لَقْماً: سدَّ فَمَهُ. ولَقَمَ الطريقَ وغيرَ الطَّرِيقِ يَلْقُمُه لَقْماً:
__________
(1) . هذا البيت لبشار بن بُرد(12/546)
سدَّ فَمَهُ. واللَّقَمُ، محرَّك: مُعْظم الطَّرِيقِ. اللَّيْثُ: لَقَمُ الطَّرِيقِ مُنْفَرَجُه، تَقُولُ: عَلَيْكَ بلَقَمِ الطَّرِيقِ فالْزَمْه. ولُقْمَانُ: صَاحِبُ النُّسور تَنْسُبُهُ الشعراءُ إِلَى عَادٍ؛ وَقَالَ:
تَراه يُطوِّفُ الآفاقَ حِرْصاً ... ليأْكل رأْسَ لُقْمَانَ بنِ عادِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قِيلَ إِنَّ هَذَا الْبَيْتَ لأَبي الْمُهَوَّشِ الأَسَديّ، وَقِيلَ: لِيَزِيدَ بْنُ عَمْرِو بْنِ الصَّعِق، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ وَقَبْلَهُ:
إِذَا مَا ماتَ مَيْتٌ مِنْ تَميمٍ ... فسَرَّك أَن يَعِيش، فجِئْ بِزادِ
بخُبْزٍ أَو بسَمْنٍ أَو بتَمْرٍ، ... أَو الشَّيْءُ المُلَفَّفِ فِي البِجادِ
وَقَالَ أَوس بْنُ غَلْفاء يَرُدُّ عَلَيْهِ:
فإنَّكَ، فِي هِجاء بَنِي تَميمٍ، ... كمُزْدادِ الغَرامِ إِلَى الغَرامِ
هُمُ ضَرَبوكَ أُمَّ الرأْسِ، حَتَّى ... بَدَتْ أُمُّ الشُّؤُونِ مِنَ العِظام
وهمْ ترَكوكَ أَسْلَح مِن حُبارَى ... رأَت صَقْراً، وأَشْرَدَ مِنْ نَعامِ
ابْنُ سِيدَهْ: ولُقْمَان اسْمٌ؛ فأَما لُقْمَان الَّذِي أَثنى عَلَيْهِ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ فَقِيلَ فِي التَّفْسِيرِ: أَنَّهُ كَانَ نَبِيًّا، وَقِيلَ: كَانَ حَكِيمًا لِقَوْلِ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ
؛ وَقِيلَ: كَانَ رَجُلًا صَالِحًا، وَقِيلَ: كَانَ خَيّاطاً، وَقِيلَ: كَانَ نَجَّارًا، وَقِيلَ: كَانَ رَاعِيًا؛ وَرُوِيَ فِي التَّفْسِيرِ
أَن إِنْسَانًا وَقَفَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَجْلِسِهِ قال: أَلَسْتَ الَّذِي كنتَ تَرْعَى مَعِي فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا؟ قال: بلى، فقال: فَمَا بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى؟ قَالَ: صِدْقُ الْحَدِيثِ وأَداءُ الأَمانةِ والصَّمْتُ عَمَّا لَا يَعْنِيني
، وَقِيلَ: كَانَ حَبَشِيّاً غَلِيظَ المَشافر مشقَّق الرِّجْلَيْنِ؛ هَذَا كُلُّهُ قَوْلُ الزَّجَّاجِ، وَلَيْسَ يَضُرُّهُ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لأَن اللَّهَ شَرَّفَهُ بالحِكْمة. ولُقَيم: اسْمٌ، يَجُوزُ أَن يَكُونَ تَصْغِيرُ لُقْمَان عَلَى تَصْغِيرِ التَّرْخِيمِ، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ تَصْغِيرَ اللُّقَمِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: لُقَيم اسْمُ رَجُلٍ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
لُقَيم بْنُ لُقْمانَ مِنْ أُخْتِه، ... وَكَانَ ابنَ أُخْتٍ لَهُ وابْنَما
لكم: اللَّكْم: الضَّرْبُ بِالْيَدِ مَجْمُوعَةً، وَقِيلَ: هُوَ اللَّكْزُ فِي الصَّدْرِ والدفْعُ، لَكَمَه يَلْكُمُه لَكْماً؛ أَنشد الأَصمعي:
كأَن صوتَ ضَرْعِها تَشاجُلُ ... «1» . هاتِيك هَاتَا حَتنا تكايِلُ،
لَدْمُ العُجا تَلْكُمُها الجَنادِلُ
والمُلَكَّة: القُرْصة الْمَضْرُوبَةُ بِالْيَدِ. وخُفٌّ مِلْكَم ومُلَكَّم ولَكَّام: صُلْب شَدِيدٌ يَكْسِرُ الْحِجَارَةَ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:
ستأتِيك مِنْهَا، إِنْ عَمَرْتَ، عِصابةٌ ... وخُفَّانِ لَكَّامَانِ للقِلَعِ الكُبْدِ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَذَا شِعْرٌ لِلِصٍّ يتهزّأُ بِمَسْرُوقِهِ. وَيُقَالُ: جَاءَنَا فلانٌ فِي نِخافَيْنِ مُلَكَّمَيْنِ أَي فِي خُفَّيْنِ مُرقَّعَيْن. والمُلَكَّم: الَّذِي فِي جَانِبِهِ رِقاعٌ يَلْكُم بِهَا الأَرض. وجَبَلُ اللُّكَامِ: مَعْرُوفٌ؛ التَّهْذِيبُ: جبَل لُكامٍ مَعْرُوفٌ بِنَاحِيَةِ الشأْم. الْجَوْهَرِيُّ: اللُّكّام، بِالتَّشْدِيدِ، جَبَلٌ بالشأْم. ومُلْكُومٌ: اسْمُ مَاءٍ بِمَكَّةَ، شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى.
لمم: اللَّمُّ: الْجَمْعُ الْكَثِيرُ الشَّدِيدُ. واللَّمُّ: مَصْدَرُ لَمَّ الشَّيْءَ يَلُمُّه لَمّاً جَمَعَهُ وأصلحه. ولَمَّ اللهُ
__________
(1) . قوله: تشاجل: هكذا في الأَصل(12/547)
شَعَثَه يَلُمُّه لَمّاً: جمعَ مَا تَفَرَّقَ مِنْ أُموره وأَصلحه. وَفِي الدُّعَاءِ:
لَمَّ اللهُ شعثَك
أَيْ جَمَعَ اللهُ لَكَ مَا يُذْهب شَعَثَكَ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أَيْ جمعَ مُتَفَرِّقَك وقارَبَ بَيْنَ شَتِيت أَمرِك. وَفِي الْحَدِيثِ:
اللهمِّ الْمُمْ شَعَثَنا
، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ:
وتَلُمّ بِهَا شَعَثي
؛ هُوَ مِنَ اللَّمّ الْجَمْعِ أَي اجْمَعْ مَا تَشَتَّتَ مِنْ أَمْرِنا. ورجُل مِلَمٌّ: يَلُمُّ الْقَوْمَ أَيْ يَجْمَعُهُمْ. وَتَقُولُ: هُوَ الَّذِي يَلُمّ أَهل بَيْتِهِ وعشيرَته وَيَجْمَعُهُمْ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
فابْسُط عَلَيْنَا كَنَفَيْ مِلَمّ
أَي مُجَمِّع لِشَمْلِنا أَي يَلُمُّ أَمرَنا. وَرَجُلٌ مِلَمٌّ مِعَمٌّ إِذَا كَانَ يُصْلِح أُمور النَّاسِ ويَعُمّ النَّاسَ بِمَعْرُوفِهِ. وَقَوْلُهُمْ: إِنَّ دارَكُما لَمُومةٌ أَي تَلُمُّ النَّاسَ وتَرُبُّهم وتَجْمعهم؛ قَالَ فَدَكيّ بْنُ أَعْبد يَمْدَحُ عَلْقَمَةَ بْنَ سَيْفٍ:
لأَحَبَّني حُبَّ الصَّبيّ، ولَمَّني ... لَمَّ الهَدِيّ إِلَى الكريمِ الماجِدِ «1»
. ابْنُ شُمَيْلٍ: لُمَّة الرجلِ أَصحابُه إِذَا أَرادوا سَفَرًا فأَصاب مَن يَصْحَبُهُ فَقَدْ أَصاب لُمّةً، وَالْوَاحِدُ لُمَّة وَالْجَمْعُ لُمَّة. وكلُّ مَن لقِيَ فِي سَفَرِهِ مِمَّنْ يُؤنِسُه أَو يُرْفِدُه لُمَّة. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا تُسَافِرُوا حَتَّى تُصيبوا لُمَّة «2» .
أَي رُفْقة. وَفِي حَدِيثِ
فَاطِمَةَ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهَا، أَنها خَرَجَتْ فِي لُمَّةٍ مِنْ نِسَائِهَا تَتوطَّأ ذَيْلَها إِلَى أَبي بَكْرٍ فَعَاتَبَتْهُ
، أَي فِي جَمَاعَةٍ مِنْ نِسَائِهَا؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: قِيلَ هِيَ مَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ إِلَى الْعَشَرَةِ، وَقِيلَ: اللُّمَّة المِثْلُ فِي السِّنِّ والتِّرْبُ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْهَاءُ عِوَضٌ مِنَ الْهَمْزَةِ الذَّاهِبَةِ مِنْ وَسَطِهِ، وَهُوَ مِمَّا أَخذت عَيْنُهُ كَسَهٍ ومَهٍ، وأَصلها فُعْلة مِنَ المُلاءمة وَهِيَ المُوافقة. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: أَلَا وَإِنَّ مُعَاوِيَةَ قادَ لُمَّة من الْغُوَاةِ
أَيْ جَمَاعَةً. قَالَ: وَأَمَّا لُمَة الرَّجُلِ مِثْلُهُ فَهُوَ مُخَفَّفٌ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ شَابَّةً زُوِّجَت شَيْخًا فقتَلتْه فقال: أيها الناس لِيتزوَّج كلٌّ مِنْكُمْ لُمَتَه مِنَ النِّسَاءِ ولتَنْكح المرأةُ لُمَتَها مِنَ الرِّجَالِ
أَيْ شَكْلَهُ وتِرْبَه وقِرْنَه فِي السِّن. وَيُقَالُ: لَكَ فِيهِ لُمَةٌ أَيْ أُسْوة؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
فَإِنْ نَعْبُرْ فنحنُ لَنَا لُمَاتٌ، ... وَإِنْ نَغْبُرْ فَنَحْنُ عَلَى نُدورِ
وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: لُمَات أَي أَشباه وأَمثال، وَقَوْلُهُ: فَنَحْنُ على ندور أي سنموت لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلًا لَمًّا
؛ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: أَكلًا شَدِيدًا؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهُوَ عِنْدِي مِنْ هَذَا الْبَابِ، كَأَنَّهُ أَكلٌ يَجْمَعُ التُّراث ويستأْصله، والآكلُ يَلُمُّ الثَّريدَ فَيَجْعَلُهُ لُقَماً؛ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلًا لَمًّا
؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: أَيْ شَدِيدًا، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ تأْكلون تُراث الْيَتَامَى لَمّاً أَيْ تَلُمُّون بِجَمِيعِهِ. وَفِي الصِّحَاحِ: أَكْلًا لَمًّا
أَيْ نَصِيبَه وَنَصِيبَ صَاحِبِهِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: يُقَالُ لَمَمْتُه أَجمعَ حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى آخِرِهِ. وَفِي حَدِيثِ
الْمُغِيرَةِ: تأْكل لَمّاً وتُوسِع ذَمّاً
أَيْ تأْكل كَثِيرًا مُجْتَمَعًا. وَرَوَى الْفَرَّاءُ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قرأَ: وإنَّ كُلًا لَمّاً، مُنَوَّنٌ، ليُوَفِّيَنَّهم؛ قَالَ: يَجْعَلُ اللَّمَّ شَدِيدًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلًا لَمًّا
؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: أَرَادَ وَإِنَّ كُلًّا ليُوَفِّينهم جَمْعاً لأَن مَعْنَى اللَّمِّ الجمع، تقول:
__________
(1) . قوله [لأَحبني] أَنشده الجوهري: وأحبني
(2) . قوله [حتى تصيبوا لُمة] ضبط لُمة في الأَحاديث بالتشديد كما هو مقتضى سياقها في هذه المادة، لكن ابن الأَثير ضبطها بالتخفيف وهو مقتضى قوله: قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْهَاءُ عِوَضٌ إلخ وكذا قوله يقال لك فيه لمة إلخ البيت مخفف فمحل ذلك كله مادة لأَم(12/548)
لَمَمْت الشيء أَلُمُّه إِذَا جَمَعْتَهُ. الْجَوْهَرِيُّ:
وإنَّ كُلًّا لَمًّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ
، بِالتَّشْدِيدِ؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: أَصْلُهُ لَمَمًّا، فَلَمَّا كَثُرَتْ فِيهَا المِيماتُ حذفت منها واحد، وقرأَ
الزُّهْرِيُّ: لَمّاً
، بِالتَّنْوِينِ، أَيْ جَمِيعًا؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَنَّ صِلَةَ لَمِنْ مَنْ، فَحُذِفَتْ مِنْهَا إِحْدَى الْمِيمَاتِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُ لَمِن مَن، قَالَ: وَعَلَيْهِ يَصِحُّ الْكَلَامُ؛ يُرِيدُ أَنَّ لَمّاً فِي قِرَاءَةِ الزُّهْرِيِّ أَصْلُهَا لَمِنْ مَن فَحُذِفَتِ الْمِيمُ، قَالَ: وقولُ مَنْ قَالَ لَمّا بِمَعْنَى إلَّا، فَلَيْسَ يُعْرَفْ فِي اللُّغَةِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَحُكِيَ سِيبَوَيْهِ نَشدْتُك اللَّهَ لَمّا فَعَلْت بمعنى إلا فَعَلْتَ، وَقُرِئَ: إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ
؛ أَيْ مَا كَلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ، وَإِنَّ كُلَّ نَفْسٍ لَعَلَيْهَا «1» . حَافِظٌ. وَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ:
أنْشُدك اللَّهَ لَمّا فَعَلْتَ كَذَا
، وَتُخَفَّفُ الْمِيمُ وتكونُ مَا زَائِدَةً، وَقُرِئَ بِهِمَا
لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ.
والإِلْمامُ واللَّمَمُ: مُقاربَةُ الذَّنْبِ، وَقِيلَ: اللَّمَم مَا دُونَ الْكَبَائِرِ مِنَ الذُّنُوبِ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ
. وأَلَمَّ الرجلُ: مِنَ اللَّمَمِ وَهُوَ صِغَارُ الذُّنُوبِ؛ وَقَالَ أُمَيَّةُ:
إنْ تَغْفِر، اللَّهمَّ، تَغْفِرْ جَمّا ... وأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لَا أَلَمّا؟
وَيُقَالُ: هُوَ مقارَبة الْمَعْصِيَةِ مِنْ غَيْرِ مُوَاقَعَةٍ. وَقَالَ الأَخفش: اللَّمَمُ المُقارَبُ مِنَ الذُّنُوبِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الشِّعْرُ لأُميَّة بْنِ أَبي الصّلْت؛ قَالَ: وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمِّهِ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبي طَرْفَةَ الْهُذَلِيِّ قَالَ: مَرَّ أَبو خِراش يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَهُوَ يَقُولُ:
لاهُمَّ هَذَا خامِسٌ إِنْ تَمّا، ... أَتَمَّه اللهُ، وَقَدْ أَتَمَّا
إِنْ تَغْفِرِ، اللَّهُمَّ، تَغْفِرْ جَمَّا ... وأيُّ عبدٍ لَكَ لَا أَلَمَّا؟
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: قِيلَ اللَّمَمُ نَحْوُ القُبْلة والنظْرة وَمَا أَشبهها؛ وَذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ فِي فَصْلِ نَوْلٍ: إِنَّ اللَّمَم التقبيلُ فِي قَوْلِ وَضّاح اليَمَن:
فَمَا نَوّلَتْ حَتَّى تَضَرَّعْتُ عندَها، ... وأنْبأتُها مَا رَخّصَ اللهُ فِي اللَّمَمْ
وَقِيلَ: إِلَّا اللَّمَمَ: إِلَّا أَنْ يكونَ العبدُ ألَمَّ بفاحِشةٍ ثُمَّ تَابَ، قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ؛ غَيْرَ أَنَّ اللَّمَم أَنْ يكونَ الإِنسان قَدْ أَلَمَّ بِالْمَعْصِيَةِ وَلَمْ يُصِرَّ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا الإِلْمَامُ فِي اللُّغَةِ يُوجِبُ أَنَّكَ تأْتي فِي الْوَقْتِ وَلَا تُقيم عَلَى الشَّيْءِ، فَهَذَا مَعْنَى اللَّمَم؛ قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ: وَيَدُلُّ عَلَى صاحب قَوْلِهِ قولُ الْعَرَبِ: أَلْمَمْتُ بفلانٍ إلْمَاماً وَمَا تَزورُنا إلَّا لِمَاماً؛ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: مَعْنَاهُ الأَحيانَ عَلَى غَيْرِ مُواظبة، وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ إِلَّا اللَّمَم: يَقُولُ إِلَّا المُتقاربَ مِنَ الذُّنُوبِ الصَّغِيرَةِ، قَالَ: وَسَمِعْتُ بَعْضَ الْعَرَبِ يَقُولُ: ضَرَبْتُهُ مَا لَمَم القتلِ؛ يُرِيدُونَ ضَرْبًا مُتقارِباً لِلْقَتْلِ، قَالَ: وَسَمِعْتُ آخَرَ يَقُولُ: أَلَمَّ يَفْعَلُ كَذَا فِي مَعْنَى كَادَ يَفْعَلُ، قَالَ: وَذَكَرَ الْكَلْبِيُّ أَنَّهَا النَّظْرةُ مِنْ غَيْرِ تعمُّد، فَهِيَ لَمَمٌ وَهِيَ مَغْفُورَةٌ، فَإِنْ أَعادَ النظرَ فَلَيْسَ بلَمَمٍ، وَهُوَ ذَنْبٌ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: اللَّمَم مِنَ الذُّنُوبِ مَا دُون الْفَاحِشَةِ. وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: كَانَ ذَلِكَ مُنْذُ شَهْرَيْنِ أَوْ لَمَمِهما، ومُذ شَهْرٍ ولَمَمِه أَوْ قِرابِ شَهْرٍ. وَفِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَإِنَّ مما يُنْبِتُ
__________
(1) . قوله [وَإِنَّ كُلَّ نَفْسٍ لَعَلَيْهَا حافظ] هكذا في الأَصل وهو إنما يناسب قراءة لما يالتخفيف(12/549)
الربيعُ مَا يَقْتُلُ حَبَطاً أَوْ يُلِمُ
؛ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: مَعْنَاهُ أَوْ يَقْرُبُ مِنَ الْقَتْلِ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ:
فَلَوْلَا أَنَّهُ شَيْءٌ قَضَاهُ اللهُ لأَلَمَّ أَنْ يَذْهَبَ بصرُه
، يَعْنِي لِما يَرَى فِيهَا، أَيْ لَقَرُب أَنْ يَذْهَبَ بَصَرُهُ. وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: فِي أَرْضِ فُلَانٍ مِنَ الشَّجَرِ المُلِمّ كَذَا وَكَذَا، وَهُوَ الَّذِي قارَب أَنْ يَحمِل. وَفِي حَدِيثِ الإِفْكِ:
وَإِنْ كنتِ أَلْمَمْتِ بذَنْبٍ فاستغْفرِي اللَّهَ
، أَيْ قارَبْتِ، وَقِيلَ: اللَّمَمُ مُقارَبةُ الْمَعْصِيَةِ مِنْ غَيْرِ إِيقاعِ فِعْلٍ، وَقِيلَ: هُوَ مِنَ اللَّمَم صِغَارُ الذُّنُوبِ. وَفِي حَدِيثِ
أَبِي الْعَالِيَةِ: إِنَّ اللَّمَم مَا بَيْنَ الحَدَّين حدِّ الدُّنْيَا وحدِّ الْآخِرَةِ
أَيْ صغارُ الذُّنُوبِ الَّتِي ليس عَلَيْهَا حَدٌّ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ، والإِلْمَامُ: النزولُ. وقد أَلَمَّ أَي نَزَلَ بِهِ. ابْنُ سِيدَهْ: لَمَّ بِهِ وأَلَمَّ والْتَمَّ نَزَلَ. وأَلَمَّ بِهِ: زارَه غِبّاً. اللَّيْثُ: الإِلْمَامُ الزيارةُ غِبّا، وَالْفِعْلُ أَلْمَمْتُ بِهِ وأَلْمَمْتُ عَلَيْهِ. وَيُقَالُ: فلانٌ يَزُورُنَا لِمَاماً أَيْ فِي الأَحايِين. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: اللِّمَامُ اللِّقاءُ اليسيرُ، وَاحِدَتُهَا لَمَّة؛ عَنْ أَبِي عَمْرٍو. وَفِي حَدِيثِ
جَمِيلَةَ: أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ أَوس بْنِ الصَّامِتِ وَكَانَ رَجُلًا بِهِ لَمَمٌ، فَإِذَا اشْتَدَّ لَمَمُه ظَاهَرَ مِنِ امرأَته فأَنزل اللَّهُ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: اللَّمَمُ هَاهُنَا الإِلْمامُ بِالنِّسَاءِ وَشِدَّةُ الْحِرْصِ عَلَيْهِنَّ، وَلَيْسَ مِنَ الْجُنُونِ، فَإِنَّهُ لَوْ ظَاهَرَ فِي تِلْكَ الْحَالِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ. وَغُلَامٌ مُلِمٌّ: قارَب البلوغَ والاحتلامَ. ونَخْلةٌ مُلِمٌّ ومُلِمَّة: قارَبتِ الإِرْطابَ. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: هِيَ الَّتِي قَارَبَتْ أَنْ تُثْمِرَ. والمُلِمَّة: النَّازِلَةُ الشَّدِيدَةُ مِنْ شَدَائِدِ الدَّهْرِ ونوازِل الدُّنْيَا؛ وَأَمَّا قَوْلُ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ:
أُعِيذُه مِنْ حادِثات اللَّمَّهْ
فَيُقَالُ: هُوَ الدَّهْرُ. وَيُقَالُ: الشِّدَّةُ، ووافَق الرجَزَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ؛ وَبَعْدَهُ:
وَمِنْ مُريدٍ هَمَّه وغَمَّهْ
وَأَنْشَدَ الْفَرَّاءُ:
علَّ صُروفِ الدَّهْرِ أَو دُولاتِها ... تُدِيلُنا اللَّمَّةَ مِنْ لَمَّاتِها،
فتَسْتَرِيحَ النَّفْسُ مِنْ زَفْراتِها
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ وَحُكِيَ أَنَّ قَوْمًا مِنَ الْعَرَبِ يُخْفِضُونَ بِلَعَلَّ، وَأَنْشَدَ:
لعلَّ أَبي المِغْوارِ منكَ قريبُ
وجَمَلٌ مَلْمُومٌ ومُلَمْلَم: مُجْتَمَعٌ، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ، وَرَجُلٌ مُلَمْلَم: وَهُوَ الْمَجْمُوعُ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ. وحجَر مُلَمْلَم: مُدَمْلَك صُلْب مُسْتَدِيرٌ، وَقَدْ لَمْلَمَه إِذَا أَدارَه. وَحُكِيَ عَنْ أَعْرَابِيٍّ: جَعَلْنَا نُلَمْلِمُ مِثْلَ الْقَطَا الكُدْرِيّ مِنَ الثَّرِيدِ، وَكَذَلِكَ الطِّينُ، وَهِيَ اللَّمْلَمَة. ابْنُ شُمَيْلٍ: نَاقَةٌ مُلَمْلَمَة، وَهِيَ المُدارة الْغَلِيظَةُ الْكَثِيرَةُ اللَّحْمِ الْمُعْتَدِلَةُ الْخَلْقِ. وكَتيبة مَلْمُومَة ومُلَمْلَمَة: مُجْتَمِعَةٌ، وَحَجَرٌ مَلْموم وَطِينٌ مَلْموم؛ قَالَ أَبُو النَّجْمِ يَصِفُ هَامَةَ جَمَلٍ:
مَلْمُومة لَمًّا كَظَهْرِ الجُنْبُل
ومُلَمْلَمَة الفيلِ: خُرْطومُه. وَفِي حَدِيثِ
سُوَيْدِ بْنِ غَفلة: أَتَانَا مُصدِّقُ رسولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأَتاه رَجُلٌ بِنَاقَةٍ مُلَمْلَمَة فأَبى أَن يأْخذَها
؛ قَالَ: هِيَ المُسْتدِيرة سِمَناً، مِنَ اللَّمّ الضَّمِّ وَالْجَمْعِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَإِنَّمَا رَدَّهَا لأَنه نُهِي أَنْ يُؤْخَذَ فِي الزَّكَاةِ خيارُ الْمَالِ. وقَدح مَلْمُوم: مُسْتَدِيرٌ؛ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وجَيْش لَمْلَمٌ: كَثِيرٌ مُجْتَمِعٌ، وحَيٌّ لَمْلَمٌ كَذَلِكَ، قَالَ ابْنُ أَحمر:
منْ دُونِهم، إِنْ جِئْتَهم سَمَراً، ... حَيٌّ حِلالٌ لَمْلَمٌ عَسكَر(12/550)
وَكَتِيبَةٌ مُلَمْلَمَة ومَلْمُومَة أَيْضًا أَيْ مُجْتَمِعَةٌ مَضْمُومٌ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ. وَصَخْرَةٌ مَلْمُومة ومُلَمْلَمَة أَيْ مُسْتَدِيرَةٌ صُلْبَةٌ. واللِّمَّة: شَعْرُ الرأْس، بِالْكَسْرِ، إِذَا كَانَ فَوْقَ الوَفْرة، وَفِي الصِّحَاحِ؛ يُجاوِز شَحْمَةَ الأُذن، فَإِذَا بَلَغَتِ الْمَنْكِبَيْنِ فَهِيَ جُمّة. واللِّمَّة: الوَفْرة، وَقِيلَ: فوقَها، وَقِيلَ: إِذَا أَلَمَّ الشعرُ بِالْمَنْكِبِ فَهُوَ لِمَّة، وَقِيلَ: إِذَا جاوزَ شَحْمَةَ الأُذن، وَقِيلَ: هُوَ دُونَ الجُمّة، وَقِيلَ: أَكثرُ مِنْهَا، وَالْجَمْعُ لِمَمٌ ولِمَامٌ؛ قَالَ ابْنُ مُفَرِّغ:
شَدَخَتْ غُرّة السَّوابِق مِنْهُمْ ... فِي وُجوهٍ مَعَ اللِّمَامِ الجِعاد
وَفِي الْحَدِيثِ:
مَا رأَيتُ ذَا لِمَّةٍ أَحسَن مِنْ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
؛ اللِّمَّةُ مِنْ شَعْرِ الرأْس: دُونَ الجُمّة، سمِّيت بِذَلِكَ لأَنها أَلمّت بِالْمَنْكِبَيْنِ، فَإِذَا زَادَتْ فَهِيَ الجُمّة. وَفِي حَدِيثِ
رِمْثة: فَإِذَا رَجُلٌ لَهُ لِمَّةٌ
؛ يَعْنِي النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ. وَذُو اللِّمَّة: فَرَسِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَذُو اللِّمَّة أَيْضًا: فَرَسُ عُكاشة بْنِ مِحْصَن. ولِمَّةُ الوتِدِ: مَا تشَعَّثَ مِنْهُ؛ وَفِي التَّهْذِيبِ: مَا تشَعّث مِنْ رأْس المَوتود بالفِهْر؛ قَالَ:
وأَشْعَثَ فِي الدارِ ذِي لِمَّةٍ ... يُطيلُ الحُفوفَ، وَلَا يَقْمَلُ
وَشَعْرٌ مُلَمَّم ومُلَمْلَمٌ: مَدهون؛ قَالَ:
وَمَا التَّصابي للعُيونِ الحُلَّمِ ... بعدَ ابْيِضاض الشعَرِ المُلَمْلَمِ
العُيون هُنَا سادةُ الْقَوْمِ، وَلِذَلِكَ قَالَ الحُلَّم وَلَمْ يَقُلِ الحالِمة. واللَّمَّةُ: الشَّيْءُ الْمُجْتَمِعُ. واللَّمَّة واللَّمَم، كِلَاهُمَا: الطَّائِفُ مِنَ الْجِنِّ. وَرَجُلٌ مَلمُوم: بِهِ لَمَم، وَمَلْمُوسٌ وممسُوس أَيْ بِهِ لَمَم ومَسٌّ، وَهُوَ مِنَ الْجُنُونِ. واللَّمَمُ: الْجُنُونُ، وَقِيلَ طرَفٌ مِنَ الْجُنُونِ يُلِمُّ بالإِنسان، وَهَكَذَا كلُّ مَا ألمَّ بالإِنسان طَرَف مِنْهُ؛ وَقَالَ عُجَير السَّلُولِيُّ:
وخالَطَ مِثْل اللَّحْمِ واحتَلَّ قَيْدَه، ... بِحَيْثُ تَلاقَى عامِر وسَلولُ
وَإِذَا قِيلَ: بِفُلَانٍ لَمّةٌ، فَمَعْنَاهُ أَنَّ الْجِنَّ تَلُمّ الأَحْيان «2» . وَفِي حَدِيثِ
بُرَيدة: أَنَّ امْرَأَةً أَتت النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَشَكَتْ إِلَيْهِ لَمَماً بابنتِها
؛ قَالَ شَمِرٌ: هُوَ طرَف مِنَ الْجُنُونِ يُلِمُّ بالإِنسان أَيْ يَقْرُبُ مِنْهُ وَيَعْتَرِيهِ، فَوَصَفَ لَهَا الشُّونِيزَ وَقَالَ: سيَنْفَع مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إلَّا السامَ وَهُوَ الْمَوْتُ. وَيُقَالُ: أَصابتْ فُلَانًا مِنَ الْجِنِّ لَمَّةٌ، وَهُوَ المسُّ والشيءُ الْقَلِيلُ؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
فَإِذَا وَذَلِكَ، يَا كُبَيْشةُ، لَمْ يَكُنْ ... إِلَّا كَلِمَّة حالِمٍ بخَيالٍ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَوْلُهُ فَإِذَا وَذَلِكَ مُبْتَدَأٌ، وَالْوَاوُ زَائِدَةٌ؛ قَالَ: كَذَا ذَكَرَهُ الأَخفش وَلَمْ يَكُنْ خبرُه: وَأَنْشَدَ ابْنُ بَرِّيٍّ لِحَبَّابِ بْنِ عَمَّارٍ السُّحَيمي:
بَنو حَنيفة حَيٌّ حِينَ تُبْغِضُهم، ... كأنَّهم جِنَّةٌ أَوْ مَسَّهم لَمَمُ
واللَّامَّةُ: مَا تَخافه مِنْ مَسٍّ أَوْ فزَع. واللامَّة: الْعَيْنُ المُصيبة وَلَيْسَ لَهَا فِعْلٌ، هُوَ مِنْ بَابِ دارِعٍ. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: اللامَّة مَا أَلمَّ بِكَ ونظَر إِلَيْكَ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ. والعَين اللامَّة: الَّتِي تُصيب بِسُوءٍ. يُقَالُ: أُعِيذُه مِنْ كلِّ هامّةٍ ولامَّة. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُعَوِّذ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ
، وَفِي رِوَايَةٍ:
__________
(2) . قوله: تلم الأحيان؛ هكذا في الأصل، ولعله أراد تلمّ به بعض الأَحيان(12/551)
أَنَّهُ عَوَّذ ابْنَيْهِ، قَالَ: وَكَانَ أَبُوكُمْ إبراهيمُ يُعَوِّذ إسحاق ويعقوب بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ: أُعِيذُكُما بِكَلِمَةِ اللَّهِ التَّامَّهْ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ
، وَفِي رِوَايَةٍ:
مِنْ شرِّ كُلِّ سَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لامَّة
؛ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَالَ لامَّة وَلَمْ يَقُلْ مُلِمَّة، وَأَصْلُهَا مِنْ أَلْمَمْت بِالشَّيْءِ تأْتيه وتُلِمّ بِهِ ليُزاوِج قَوْلَهُ مِنْ شرِّ كُلِّ سَامَّةٍ، وَقِيلَ: لأَنه لَمْ يُرَد طريقُ الْفِعْلِ، وَلَكِنْ يُراد أَنَّهَا ذاتُ لَمَمٍ فَقِيلَ عَلَى هَذَا لامَّة كَمَا قَالَ النَّابِغَةُ:
كِلِيني لِهَمٍّ، يَا أُمَيْمة، ناصِب
وَلَوْ أَرَادَ الْفِعْلَ لَقَالَ مُنْصِب. وَقَالَ اللَّيْثُ: العينُ اللامَّة هِيَ الْعَيْنُ الَّتِي تُصيب الإِنسان، وَلَا يَقُولُونَ لَمَّتْه العينُ وَلَكِنْ حُمِلَ عَلَى النَّسَبِ بِذِي وَذَاتِ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لِابْنِ آدَمَ لَمَّتَان: لَمّة مِنَ المَلَك، ولَمّة مِنَ الشَّيْطَانِ، فَأَمَّا لَمَّة الْمَلَكِ فاتِّعادٌ بِالْخَيْرِ وتَصْديق بِالْحَقِّ وَتَطْيِيبٌ بِالنَّفْسِ، وَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ فاتِّعادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ وَتَخْبِيثٌ بِالنَّفْسِ.
وَفِي الْحَدِيثِ:
فَأَمَّا لَمَّة الملَك فيَحْمَد اللهَ عَلَيْهَا ويتعوَّذ مِنْ لَمَّة الشَّيْطَانِ
؛ قَالَ شَمِرٌ: اللَّمَّة الهَمّة والخَطرة تَقَعُ فِي الْقَلْبِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: أَرَادَ إلمامَ المَلَك أَوِ الشَّيْطَانِ بِهِ والقربَ مِنْهُ، فَمَا كَانَ مِنْ خَطَرات الْخَيْرِ فَهُوَ مِنَ المَلك، وَمَا كَانَ مِنْ خَطَرَاتِ الشَّرِّ فَهُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ. واللَّمَّة: كَالْخَطْرَةِ والزَّوْرة والأَتْية؛ قَالَ أَوس بْنُ حَجَرٍ:
وَكَانَ، إِذَا مَا الْتَمَّ مِنْهَا بحاجةٍ، ... يراجعُ هِتْراً مِنْ تُماضِرَ هاتِرا
يَعْنِي دَاهِيَةً، جَعَلَ تُماضِر، اسْمَ امْرَأَةٍ، دَاهِيَةً. قَالَ: والْتَمَّ مِنَ اللَّمّة أَيْ زَارَ، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةٌ أَيْ دُنُوٌّ، وَكَذَلِكَ للمَلك لَمَّة أَيْ دُنوّ. ويَلَمْلَم وأَلَمْلَم عَلَى الْبَدَلِ: جَبَلٌ، وَقِيلَ: مَوْضِعٌ، وَقَالَ ابْنُ جِنِّي: هُوَ مِيقاتٌ، وَفِي الصِّحَاحِ: مِيقاتُ أَهْلِ الْيَمَنِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ؛ وَلَا أَدْرِي مَا عَنى بِهَذَا اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمِيقَاتُ هُنَا مَعْلَماً مِنْ مَعالِم الْحَجِّ، التَّهْذِيبُ: هُوَ مِيقَاتُ أَهْلِ الْيَمَنِ للإِحرام بِالْحَجِّ مَوْضِعٌ بِعَيْنِهِ. التَّهْذِيبُ: وَأَمَّا لَمَّا، مُرْسَلة الأَلِف مشدَّدة الْمِيمِ غَيْرُ مُنَوَّنَةٍ، فَلَهَا معانٍ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: أَحَدُهَا أَنَّهَا تَكُونُ بِمَعْنَى الْحِينَ إِذَا ابْتُدِئَ بِهَا، أَوْ كَانَتْ مَعْطُوفَةً بِوَاوٍ أَوْ فاءٍ وأُجِيبت بِفِعْلٍ يَكُونُ جَوَابَهَا كَقَوْلِكَ: لَمَّا جَاءَ الْقَوْمُ قاتَلْناهم أي حينَ جاؤُوا كَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ
، وَقَالَ: فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَ
؛ مَعْنَاهُ كُلُّهُ حِينَ؛ وَقَدْ يُقَدَّمُ الجوابُ عَلَيْهَا فَيُقَالُ: اسْتَعَدَّ القومُ لِقِتَالِ العَدُوِّ لَمَّا أَحَسُّوا بِهِمْ أَيْ حِينَ أَحَسُّوا بِهِمْ، وَتَكُونُ لَمَّا بِمَعْنَى لَمِ الْجَازِمَةِ؛ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ
؛ أَيْ لَمْ يَذُوقُوهُ، وَتَكُونُ بِمَعْنَى إلَّا فِي قَوْلِكَ: سأَلتكَ لَمَّا فَعَلَتْ، بِمَعْنَى إِلَّا فَعَلْتَ، وَهِيَ لُغَةُ هُذَيْلٍ بِمَعْنَى إِلَّا إِذَا أُجيب بِهَا إِنَّ الَّتِي هِيَ جَحْد كَقَوْلِهِ عزَّ وَجَلَّ: إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ
، فِيمَنْ قرأَ بِهِ، مَعْنَاهُ مَا كَلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ
؛ شَدَّدَهَا عَاصِمٌ، وَالْمَعْنَى مَا كُلٌّ إِلَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: لَمَّا إِذَا وُضِعت فِي مَعْنَى إِلَّا فكأَنها لمْ ضُمَّت إِلَيْهَا مَا، فَصَارَا جَمِيعًا بِمَعْنَى إِنَّ الَّتِي تَكُونُ جَحداً، فَضَمُّوا إِلَيْهَا لَا فَصَارَا جَمِيعًا حَرْفًا وَاحِدًا وَخَرَجَا مِنْ حَدِّ الْجَحْدِ، وَكَذَلِكَ لَمَّا؛ قَالَ: وَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلِهِمْ: لَوْلَا، إِنَّمَا هِيَ لَوْ وَلَا جُمِعتا، فَخَرَجَتْ لَوْ مِنْ حدِّها وَلَا مِنَ الْجَحْدِ إِذْ جُمِعتا فصُيِّرتا حَرْفًا؛ قَالَ: وَكَانَ الْكِسَائِيُّ يَقُولُ لَا أَعرفَ وَجْهَ لَمَّا بِالتَّشْدِيدِ؛ قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ: وَمِمَّا يدُلُّك عَلَى أَنَّ لَمَّا(12/552)
تُكُونُ بِمَعْنَى إِلَّا مَعَ إِنَّ الَّتِي تَكُونُ جَحْدًا قولُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ؛ وَهِيَ قِرَاءَةُ قُرّاء الأَمْصار؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ:
إِنْ كلُّهم لَمَّا كَذَّبَ الرسلَ
، قَالَ: وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. وَقَالَ الْخَلِيلُ: لَمَّا تُكُونُ انتِظاراً لِشَيْءٍ متوقَّع، وَقَدْ تَكُونُ انْقِطَاعَةً لِشَيْءٍ قَدْ مَضَى؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذَا كَقَوْلِكَ: لَمَّا غابَ قُمْتُ. قَالَ الْكِسَائِيُّ: لَمَّا تَكُونُ جَحْدًا فِي مَكَانٍ، وَتَكُونُ وَقْتًا فِي مَكَانٍ، وَتَكُونُ انْتِظَارًا لِشَيْءٍ متوقَّع فِي مَكَانٍ، وَتَكُونُ بِمَعْنَى إِلَّا فِي مَكَانٍ، تَقُولُ: بِاللَّهِ لَمَّا قمتَ عَنَّا، بِمَعْنَى إِلَّا قمتَ عَنَّا؛ وَأَمَّا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ
، فَإِنَّهَا قُرِئَتْ مُخَفَّفَةً وَمُشَدَّدَةً، فَمَنْ خَفَّفَهَا جَعَلَ مَا صِلَةً، الْمَعْنَى وَإِنَّ كُلًّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ ربُّك أَعمالَهم، وَاللَّامُ فِي لَمَّا لَامُ إِنَّ، وَمَا زَائِدَةٌ مُؤَكَّدَةٌ لَمْ تُغيِّر الْمَعْنَى وَلَا العملَ؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي لَمَا هَاهُنَا، بِالتَّخْفِيفِ، قَوْلًا آخَرَ جَعَلَ مَا اسْماً لِلنَّاسِ، كَمَا جَازَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَانْكِحُوا مَا طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ؛ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى مَن طابَ لَكُمْ؛ الْمَعْنَى وَإِنْ كُلًّا لَما ليوفِّينَهم، وَأَمَّا اللَّامُ الَّتِي فِي قَوْلِهِ لَيُوَفِّيَنَّهُمْ فَإِنَّهَا لامٌ دَخَلَتْ عَلَى نِيَّةِ يمينٍ فِيمَا بَيْنَ مَا وَبَيْنَ صِلَتِهَا، كَمَا تَقُولُ هَذَا مَنْ لَيذْهبَنّ، وَعِنْدِي مَنْ لَغيرُه خيْرٌ مِنْهُ؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ؛ وَأَمَّا مَن شدَّد لَمَّا مِنْ قَوْلِهِ لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ
فَإِنَّ الزَّجَّاجَ جَعَلَهَا بِمَعْنَى إِلَّا، وَأَمَّا الْفَرَّاءُ فَإِنَّهُ زَعَمَ أَنَّ مَعْنَاهُ لَمَنْ مَا، ثُمَّ قُلِبَتِ النُّونُ مِيمًا فَاجْتَمَعَتْ ثَلَاثُ مِيمَاتٍ، فَحُذِفَتْ إِحْدَاهُنَّ وَهِيَ الْوُسْطَى فَبَقِيَتْ لمَّا؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: وَهَذَا الْقَوْلُ لَيْسَ بِشَيْءٍ أَيْضًا لأَن مَنْ «1» .... لَا يَجُوزُ حَذْفُهَا لأَنها اسْمٌ عَلَى حَرْفَيْنِ، قَالَ: وَزَعَمَ الْمَازِنِيُّ أَنَّ لَمَّا أَصْلُهَا لمَا، خَفِيفَةٌ، ثُمَّ شدِّدت الْمِيمُ؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: وَهَذَا الْقَوْلُ لَيْسَ بِشَيْءٍ أَيضاً لأَن الْحُرُوفَ نَحْوَ رُبَّ وَمَا أَشبهها يُخَفَّفُ، وَلَا يثَقّل مَا كَانَ خَفِيفًا فَهَذَا مُنْتَقِضٌ، قَالَ: وَهَذَا جَمِيعُ مَا قَالُوهُ فِي لمَّا مُشَدَّدَةً، وَمَا ولَما مُخَفَّفَتَانِ مَذْكُورَتَانِ فِي مَوْضِعِهِمَا. ابْنُ سِيدَهْ: ومِن خَفيفِه لَمْ وَهُوَ حَرْفٌ جَازِمٌ يُنْفَى بِهِ مَا قَدْ مَضَى، وَإِنْ لَمْ يَقَعْ بَعْدَه إِلَّا بِلَفْظِ الْآتِي. التَّهْذِيبُ: وَأَمَّا لَمْ فَإِنَّهُ لَا يَلِيهَا إِلَّا الْفِعْلُ الغابِرُ وَهِيَ تَجْزِمُه كَقَوْلِكَ: لَمْ يفعلْ ولَمْ يسمعْ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ
؛ قَالَ اللَّيْثُ: لَمْ عزيمةُ فِعْلٍ قَدْ مَضَى، فَلَمَّا جُعِلَ الْفِعْلُ مَعَهَا عَلَى جِهَةِ الْفِعْلِ الْغَابِرِ جُزِمَ، وَذَلِكَ قَوْلُكَ: لَمْ يخرُجْ زيدٌ إِنَّمَا مَعْنَاهُ لَا خرَجَ زَيْدٌ، فَاسْتَقْبَحُوا هَذَا اللَّفْظَ فِي الْكَلَامِ فحمَلوا الْفِعْلَ عَلَى بِنَاءِ الْغَابِرِ، فَإِذَا أُعِيدَت لَا وَلَا مَرَّتَيْنِ أَوْ أَكثرَ حَسُنَ حِينَئِذٍ، لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى؛ أَيْ لَمْ يُصَدِّق ولَمْ يُصَلِّ، قَالَ: وَإِذَا لَمْ يُعد لَا فَهُوَ فِي الْمَنْطِقِ قَبِيحٌ، وَقَدْ جَاءَ؛ قَالَ أُمَيَّةُ:
وأيُّ عَبدٍ لَكَ لَا أَلَمَّا؟
أَيْ لَمْ يُلِمَّ. الْجَوْهَرِيُّ: لمْ حرفُ نَفْيٍ لِما مَضَى، تَقُولُ: لَمْ يفعلْ ذَاكَ، تُرِيدُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْفِعْلُ مِنْهُ فِيمَا مَضَى مِنَ الزَّمَانِ، وَهِيَ جَازِمَةٌ، وَحُرُوفُ الْجَزْمِ: لَمْ ولَمَّا وأَلَمْ وأَلَمّا؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: لَمْ نفيٌ لِقَوْلِكَ هُوَ يَفْعَلُ إِذَا كَانَ فِي حَالِ الْفِعْلِ، ولَمَّا نفْيٌ لِقَوْلِكَ قَدْ فَعَلَ، يَقُولُ الرجلُ: قَدْ ماتَ فلانٌ، فَتَقُولُ: لَمَّا ولَمْ يَمُتْ، ولَمَّا أَصله لَمْ أُدخل عَلَيْهِ مَا، وَهُوَ يَقَعُ مَوْقِعَ لَمْ، تَقُولُ: أَتيتُك ولَمَّا أَصِلْ إِلَيْكَ أَيْ وَلَمْ أَصِلْ إِلَيْكَ، قَالَ: وَقَدْ يَتَغَيَّرُ مَعْنَاهُ عَنْ مَعْنَى لَمْ فَتَكُونُ جَوَابًا وَسَبَبًا لِما وقَع ولِما لَمْ يَقع، تَقُولُ: ضَرَبْتُهُ لَمَّا ذهبَ وَلَمَّا لَمْ يذهبْ، وَقَدْ يُخْتَزَلُ الْفِعْلُ بَعْدَهُ تَقُولُ: قاربْتُ المكانَ ولَمَّا، تُرِيدُ ولمَّا أَدخُلْه؛ وَأَنْشَدَ ابْنُ بري:
__________
(1) . هكذا بياض بالأصل(12/553)
فجئتُ قُبورَهم بَدْأً ولَمَّا، ... فنادَيْتُ القُبورَ فَلَمْ تُجِبْنَه
البَدْءُ: السيِّدُ أَيْ سُدْتُ بَعْدَ مَوْتِهِمْ، وَقَوْلُهُ: ولَمَّا أَيْ وَلَمَّا أَكن سيِّداً، قَالَ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخْتَزَلَ الفعلُ بَعْدَ لمْ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: لَمَّا جوابٌ لِقَوْلِ الْقَائِلِ قَدْ فعلَ فلانٌ، فَجَوَابُهُ: لَمَّا يفعلْ، وَإِذَا قَالَ فَعل فَجَوَابُهُ: لَمْ يَفعلْ، وَإِذَا قَالَ لَقَدْ فَعَلَ فَجَوَابُهُ: مَا فَعَلَ، كأَنه قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ فَعَلَ فَقَالَ الْمُجِيبُ وَاللَّهِ مَا فَعَلَ، وَإِذَا قَالَ: هُوَ يَفْعَلُ، يُرِيدُ مَا يُسْتَقْبَل، فَجَوَابُهُ: لَن يفعلَ وَلَا يفعلُ، قَالَ: وَهَذَا مَذْهَبُ النَّحْوِيِّينَ. قَالَ: ولِمَ، بِالْكَسْرِ، حَرْفٌ يُسْتَفْهَمُ بِهِ، تَقُولُ: لِمَ ذهبتَ؟ ولك أن تدخل عَلَيْهِ مَا ثُمَّ تَحْذِفَ مِنْهُ الأَلف، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ
؟ وَلَكَ أَنْ تُدْخِلَ عَلَيْهَا الْهَاءَ فِي الْوَقْفِ فَتَقُولُ لِمَهْ؛ وَقَوْلُ زِيَادٍ الأَعْجم؛
يَا عَجَبا والدَّهرُ جَمٌّ عَجَبُهْ، ... مِنْ عَنَزِيٍّ سبَّني لَمْ أَضْرِبُهْ
فَإِنَّهُ لَمَّا وَقَفَ عَلَى الْهَاءِ نَقَلَ حَرَكَتُهَا إِلَى مَا قَبْلَهَا، وَالْمَشْهُورُ فِي الْبَيْتِ الأَول:
عَجِبْتُ والدهرُ كثيرٌ عَجَبُهْ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قولُ الْجَوْهَرِيِّ لِمَ حرفٌ يُسْتَفْهَمُ بِهِ، تَقُولُ لِمَ ذهبتَ؟ وَلَكَ أن تدخل عليه ما، قَالَ: وَهَذَا كَلَامٌ فَاسِدٌ لأَن مَا هِيَ مَوْجُودَةٌ فِي لِمَ، وَاللَّامُ هِيَ الدَّاخِلَةُ عَلَيْهَا، وَحُذِفَتْ أَلفها فَرْقًا بَيْنَ الِاسْتِفْهَامِيَّةِ وَالْخَبَرِيَّةِ، وَأَمَّا أَلَمْ فالأَصل فِيهَا لَمْ، أُدْخِل عَلَيْهَا أَلفُ الِاسْتِفْهَامِ، قَالَ: وَأَمَّا لِمَ فَإِنَّهَا مَا الَّتِي تَكُونُ اسْتِفْهَامًا وُصِلَت بِلَامٍ، وَسَنَذْكُرُهَا مَعَ مَعَانِي اللَّامَاتِ وَوُجُوهِهَا، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
لهم: اللَّهْمُ: الابْتِلاعُ. اللَّيْثُ: يُقَالُ لَهِمْتُ الشيءَ وقَلَّما يُقَالُ إِلا الْتَهَمْت، وَهُوَ ابتلاعُكه بِمَرَّةٍ، قَالَ جَرِيرٌ:
مَا يُلْقَ فِي أَشْداقِه تَلَهَّما «2»
ولَهِمَ الشيءَ لَهْماً ولَهَماً وتَلَهَّمَه والْتَهَمَه: ابْتَلعَه بِمَرَّةٍ. وَرَجُلٌ لَهِمٌ ولُهَمٌ ولَهُومٌ: أَكولٌ. والمِلْهَمُ: الكثيرُ الأَكْلِ. والْتَهَمَ الفصيلُ مَا فِي الضَّرْعِ: اسْتَوْفاه. ولَهِمَ الماءَ لَهْماً: جرَعه، قَالَ:
جابَ لَهَا لُقْمانُ، فِي قِلاتِها، ... مَاءً نَقُوعاً لِصَدَى هاماتِها،
تَلْهَمُه لَهْماً بِجَحْفَلاتِها
وجَيْشٌ لُهامٌ: كَثِيرٌ يَلْتَهِم كُلَّ شَيْءٍ ويَغْتَمِر مَنْ دَخَلَ فِيهِ أَي يُغَيِّبُه ويَسْتَغْرِقُه. واللُّهَامُ: الْجَيْشُ الْكَثِيرُ كأَنه يَلْتَهِم كُلَّ شَيْءٍ. واللُّهَيْمُ وأُمُّ اللُّهَيم: الحمَّى، «3» كِلَاهُمَا عَلَى التَّشْبِيهِ بالمَنِيَّة. قَالَ شَمِرٌ: أُمُّ اللُّهَيْم كُنْيَةُ الْمَوْتِ لأَنه يَلْتَهِم كُلَّ أَحد. واللُّهَيْمُ: الدَّاهِيَةُ، وَكَذَلِكَ أُمُّ اللُّهَيْم، وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
لَقُوا أُمَّ اللُّهَيْم، فجَهَّزَتْهم ... غَشُوم الوِرْدِ نَكْنِيها المَنونا
واللِّهَمُّ مِنَ الرِّجَالِ: الرَّغِيبُ الرأْي الْكَافِي العظيمُ، وَقِيلَ: هُوَ الجوادُ، وَالْجَمْعُ لِهَمُّون، وَلَا توصَف بِهِ النِّسَاءُ. وفرسٌ لِهَمٌّ، عَلَى لَفْظِ مَا تَقَدَّمَ، ولِهْمِيمٌ ولُهْمُومٌ: جَوادٌ سَابِقٌ يَجْرِي أَمام الْخَيْلِ لالْتِهامِه الأَرض، وَالْجَمْعُ لَهامِيمُ. الْجَوْهَرِيُّ: اللُّهْمومُ
__________
(2) . قوله" قَالَ جَرِيرٌ مَا يُلْقَ إلخ" عبارة التهذيب: قال جرير:
كَذَاكَ اللَّيْثُ يَلْتَهِمُ الذُّبَابَا
وقال آخر: ما يلق إلخ. وفي التكملة: قال رؤبة يصف أسداً ما يلق إلخ.
(3) . قوله" واللُّهَيم وَأُمُّ اللُّهَيم الْحُمَّى" عبارة المحكم: واللُّهَيْم وأم اللُّهَيْم المنية لأَنها تلتهم كل أحد، واللُّهَيْم وَأُمُّ اللُّهَيْم الْحُمَّى كلاهما إلخ.(12/554)
الجوادُ مِنَ النَّاسِ وَالْخَيْلِ، وَقَالَ:
لَا تَحْسَبنَّ بَياضاً فِيَّ مَنْقَصةً، ... إِنّ اللَّهامِيمَ فِي أَقرابِها بَلَق
وَفَرَسٌ لِهَمٌّ، مِثْلُ هِجَفٍّ: سَبّاق كأَنه يَلْتَهِم الأَرض. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السلام: وأَنتم لَهامِيمُ الْعَرَبِ
، جَمْعُ لُهْمومٍ الْجَوَادُ مِنَ النَّاسِ والخيلِ، وَحَكَى سِيبَوَيْهِ لِهْمِم وَهُوَ مُلْحَقٌ بزِهْلِقٍ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُدْغَم، وَعَلَيْهِ وُجِّه قولُ غَيْلان:
شَأْو مُدِلّ سابِق اللَّهامِمِ
قَالَ: ظَهَرَ فِي الْجَمْعِ لأَنَّ مِثلَ وَاحِدِ هَذَا لَا يُدْغَم. واللُّهْمومُ مِنَ الأَحْراحِ: الواسعُ. وَنَاقَةٌ لُهْمُومٌ: غَزيرة القَطْرِ «1» . واللُّهُومُ مِنَ النُّوقِ: الغزيرةُ اللَّبَنِ. وإِبِلٌ لَهَامِيمُ إِذا كَانَتْ غَزِيرَةً، وَاحِدُهَا لُهْمُومٌ، وَكَذَلِكَ إِذا كَانَتْ كثيرةَ الْمَشْيِ، وأَنشد الرَّاعِي:
لَهَامِيمُ فِي الخَرْقِ البَعيدِ نِياطُه
واللِّهَمُّ: الْعَظِيمُ. وَرَجُلٌ لِهَمٌّ: كَثِيرُ الْعَطَاءِ، مِثْلُ خِضمّ. وعدَدٌ لُهْمُومٌ: كَثِيرٌ، وَكَذَلِكَ جَيْشٌ لُهْمُومٌ. وَجَمَلٌ لِهْمِيمٌ: عَظِيمُ الْجَوْفِ. وبَحْرٌ لِهَمٌّ: كَثِيرُ الْمَاءِ. وأَلْهَمَه اللَّهُ خَيْراً: لَقَّنَه إِيّاه. واسْتَلْهَمَه إِيّاه: سأَله أَن يُلْهِمَه إِيّاه. والإِلْهَامُ: مَا يُلْقى فِي الرُّوعِ. ويَسْتَلْهِمُ اللَّهَ الرَّشادَ، وأَلْهَمَ اللَّهُ فُلَانًا. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَسأَلك رَحْمَةً مِنْ عِنْدِكَ تُلْهِمُني بِهَا رُشْدي
، الإِلْهَامُ أَن يُلْقِيَ اللَّهُ فِي النَّفْسِ أَمراً يَبْعَثُه «2» عَلَى الْفِعْلِ أَو التَّرْكِ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الوَحْي، يَخُصُّ اللَّهُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِن عِبَادِهِ. واللِّهْمُ: المُسِنُّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَقِيلَ: اللِّهْمُ الثَّوْرُ المُسِنّ، وَالْجَمْعُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ لُهومٌ، قَالَ صخرُ الْغَيِّ يَصِفُ وَعِلًا:
بِهَا كَانَ طِفْلًا، ثُمَّ أَسْدَسَ فاسْتَوى، ... فأَصبَحَ لِهْماً فِي لُهومٍ قَراهِبِ
وَقَوْلُ الْعَجَّاجِ:
لاهُمَّ لَا أَدْرِي، وأَنْتَ الدَّارِي، ... كلُّ امْرىءٍ مِنْكَ عَلَى مِقْدارِ
يُرِيدُ اللَّهُمَّ، وَالْمِيمُ الْمُشَدَّدَةُ فِي آخِرِهِ عِوَضٌ مِنْ يَاءِ النِّدَاءِ لأَنّ مَعْنَاهُ يَا اللَّه. ابْنُ الأَعرابي: الهُلُمُ ظِباء الْجِبَالِ، وَيُقَالُ لَهَا اللُّهُم، وَاحِدُهَا لِهْمٌ، وَيُقَالُ فِي الْجَمْعِ لُهومٌ أَيضاً، قَالَ: وَيُقَالُ لَهُ الجُولان والثَّياتِل والأَبدانُ والعَنَبانُ والبَغابِغ. ابْنُ الأَعرابي: إِذا كَبِرَ الوَعِلُ فَهُوَ لِهْمٌ، وجمعُه لُهُومٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ: يُقَالُ ذَلِكَ لِبَقْرِ الْوَحْشِ أَيضاً، وأَنشد:
فأَصبح لِهْماً فِي لُهومٍ قَرَاهِبِ
ومَلْهَمٌ: أَرض: قَالَ طَرَفَةُ:
يَظَلُّ نِساءُ الحَيِّ يَعْكُفْنَ حَوْلَه، ... يَقُلْنَ عَسِيبٌ مِنْ سَرارةِ مَلْهَمَا
وَقَدْ ذَكَرَهُ التَّهْذِيبُ فِي الرُّبَاعِيِّ، وَسَنَذْكُرُهُ فِي فَصْلِ الميم.
لهجم: طريقٌ لَهْجَمٌ ولَهْمج: موطوءٌ بَيّنٌ مُذلّل مُنقاد وَاسِعٌ قَدْ أَثر فِيهِ السابلةُ حَتَّى اسْتَتَبَّ، وكأَن الْمِيمَ فِيهِ زَائِدَةٌ والأَصل فِيهِ لَهِجَ وَقَدْ تَلَهْجَم، وَيَكُونُ تَلَهْجُمُ الطَّرِيقِ سَعتَه واعتيادَ الْمَارَّةِ إِيَّاهُ. الْفَرَّاءُ: طريقٌ لَهْجَمٌ وَطَرِيقٌ مُذنَّبٌ وَطَرِيقٌ مُوقَّعٌ أَيْ مُذلَّل. وتَلَهْجَمَ لَحْيَا البعيرِ إِذَا تحرَّكا؛ قَالَ حُمَيْدُ بْنُ ثَوْرٍ الهلاليّ:
__________
(1) . قوله" غزيرة القطر" عبارة المحكم: وناقة لُهْمُوم غزيرة، ورجل لهم ولُهْمُوم غزير الخير، وسحابة لُهْمُوم غزيرة القطر.
(2) . قوله: يبعثه أي يبعث المُلهَمَ.(12/555)
كأَنّ وَحَى الصِّردانِ فِي جَوفِ ضالةٍ ... تَلَهْجُمُ لَحْيَيه، إِذَا مَا تَلَهْجَمَا
يَقُولُ: كأَنّ تَلَهْجُمَ لَحْيَيْ هَذَا الْبَعِيرِ وَحَى الصِّرْدانِ، قَالَ: وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْمِيمُ فِيهِ زَائِدَةً، وأَصله مِنَ اللَّهَج، وَهُوَ الوُلوعُ. والتَّلَهْجُمُ: الوُلوعُ بِالشَّيْءِ. واللَّهْجَمُ: العُسُّ الضَّخْمُ؛ وَأَنْشَدَ أَبُو زَيْدٍ:
ناقةُ شيخٍ للإِلهِ راهِبِ، ... تَصُفُّ فِي ثَلاثةِ المَحالِبِ:
فِي اللَّهْجَمَيْنِ والْهنِ المُقارِبِ
يَعْنِي بالمُقارِب العُسَّ بين العُسَّينِ.
لهذم: سيفٌ لَهْذمٌ: حادٌّ، وَكَذَلِكَ السِّنان والنابُ. ولَهْذَمَ الشَّيْءَ: قطَعه. واللَّهاذِمةُ: اللُّصوص؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَصله مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَعرف لَهُ وَاحِدًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ وَاحِدُهُ مُلَهْذِماً، وَتَكُونَ الْهَاءُ لتأْنيث الْجَمْعِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: اللَّهْذَمَةُ فِي كلِّ شَيْءٍ قاطعٍ. غَيْرُهُ: وَيُقَالُ اللُّصوصُ لَهَاذِمةٌ وقَراضِبةٌ، مِنْ لَهْذَمْتُه وقَرْضَبْتُه إِذَا قَطَعْتُهُ. اللَّيْثُ: اللَّهْذَمُ كلُّ شَيْءٍ مِنْ سِنانٍ أَوْ سَيْفٍ قاطِع، ولَهْذَمَتُه فِعْلُه. والتَّلَهْذُمُ: الأَكْلُ؛ قَالَ سُبَيْع:
لَولا الإِلهُ وَلَوْلَا حَزْمُ طالبِها ... تَلَهْذَمُوها،
كَمَا نالُوا مِنَ العِيرِ
لهزم: الأَزهري: اللِّهْزِمَتانِ مَضِيغتان عَليَّتان فِي أَصْلِ الحَنكين فِي أَسفل الشِّدْقَيْن، وَفِي الْمُحْكَمِ: مَضِيغَتَانِ فِي أَصل الحَنكِ، وَقِيلَ: عِنْدَ مُنْحَنَى اللَّحْيَين أَسْفَلَ مِنَ الأُذُنين وَهُمَا مُعْظَمُ اللَّحْيَيْن، وَقِيلَ: هُمَا مَا تَحْتَ الأُذنين مِنْ أَعْلَى اللَّحْيَيْنِ والخدَّين، وَقِيلَ: هُمَا مُجْتَمَعُ اللَّحْمِ بَيْنَ الْمَاضِغِ والأُذُن مِنَ اللَّحْي. وَفِي حَدِيثِ
أَبِي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، والنَّسَّابة: أَمِنْ هامِها أَوْ لَهَازِمها
أَيْ مِنْ أَشرافها أَنت أَو مِنْ أَوساطها؛ واللَّهَازِمُ: أُصولُ الْحَنَكَيْنِ، واحدتُها لِهْزِمة، بِالْكَسْرِ، فَاسْتَعَارَهَا لِوَسط النَّسَبِ والقبيلةِ. وَفِي حَدِيثِ الزَّكَاةِ:
ثُمَّ يأْخذ بِلِهْزِمَتَيه
؛ يَعْنِي شِدْقَيْهِ، وَقِيلَ: هُمَا عَظْمان ناتئانِ فِي اللَّحْيَيْنِ تَحْتَ الأَذنين، وَقِيلَ: هُمَا مَضِيغَتَانِ عَلِيّتان تَحْتَهُمَا، وَالْجَمْعُ اللَّهَازم؛ قَالَ:
يَا خازِ بازِ أرْسِل اللَّهَازِما، ... إِنِّي أخافُ أَنْ تكونَ لازِما
وقال آخَرُ:
أَزوحٌ أَنوحٌ مَا يَهَشُّ إِلَى النَّدَى، ... قَرَى مَا قَرَى للضِّرْس بينَ اللَّهَازِمِ
ولَهْزَمَه: أَصابَ لِهْزِمَته. ولَهْزَمَ الشيبُ خَدَّيْهِ أَيْ خالَطَهُما؛ وَأَنْشَدَ أَبُو زَيْدٍ لأَحد بَنِي فَزارة:
إمَّا تَرَيْ شَيْباً عَلاني أَغْثَمُهْ، ... لَهْزَمَ خَدَّيَّ بِهِ مُلَهْزِمُهْ
ولَهَزَه الشيبُ ولَهْزَمَه بِمَعْنًى. واللَّهَازِمُ عِجْلٌ، وتَيْم اللَّات، وقَيْس بْنُ ثَعْلَبَةَ، وعَنَزة. الْجَوْهَرِيُّ: وتَيْم اللَّهِ بْنُ ثَعْلبة بْنِ عُكابةَ يُقَالُ لَهُم اللَّهَازِم، وهم حُلَفاءُ بَنِي عِجْلٍ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ:
وَقَدْ ماتَ بِسْطامُ بنُ قَيْسٍ وعامِرٌ.، ... وماتَ أَبُو غَسَّانَ شيخُ اللَّهَازِمِ
لهسم: لَهْسَمَ مَا عَلَى الْمَائِدَةِ: أَكَلَه أَجمَعَ. وَفِي النَّوَادِرِ: اللَّهَاسِمُ واللَّحاسِمُ مَجَارِي الأَوْدية الضيِّقة، واحدُها لُهْسُمٌ ولُحْسُمٌ، وهي اللّخافِيقُ.(12/556)
لوم: اللّومُ واللّوْماءُ واللّوْمَى واللَّائِمَة: العَدْلُ. لَامَه عَلَى كَذَا يَلُومُه لَوْماً ومَلاماً وَمَلَامَةً ولَوْمةً، فَهُوَ مَلُوم ومَلِيمٌ: استحقَّ اللَّوْمَ؛ حَكَاهَا سِيبَوَيْهِ، قَالَ: وَإِنَّمَا عَدَلُوا إِلَى الْيَاءِ وَالْكَسْرَةِ اسْتِثْقَالًا لِلْوَاوِ مَعَ الضَّمَّة. وأَلامَه ولَوَّمَه وأَلَمْتُه: بِمَعْنَى لُمْتُه؛ قَالَ مَعْقِل بْنُ خُوَيلد الْهُذَلِيُّ:
حَمِدْتُ اللهَ أَنْ أَمسَى رَبِيعٌ، ... بدارِ الهُونِ، مَلْحِيّاً مُلامَا
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: لُمْتُ الرجلَ وأَلَمْتُه بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَأَنْشَدَ بَيْتَ مَعْقِل أَيْضًا؛ وَقَالَ عَنْتَرَةُ:
ربِذٍ يَداه بالقِداح إِذَا شَتَا، ... هتّاكِ غاياتِ التِّجارِ مُلَوِّمِ
أَيْ يُكْرَم كَرَماً يُلامُ مِنْ أَجله، ولَوَّمَه شَدَّدَ لِلْمُبَالَغَةِ. واللُّوَّمُ: جَمْعُ اللَّائِم مِثْلُ راكِعٍ ورُكَّعٍ. وَقَوْمٌ لُوَّامٌ ولُوَّمٌ ولُيَّمٌ: غُيِّرت الواوُ لِقُرْبِهَا مِنَ الطَّرَفِ. وأَلامَ الرجلُ: أَتى مَا يُلامُ عَلَيْهِ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: أَلَامَ صارَ ذَا لَائِمَةٍ. ولَامَه: أَخْبَرَ بِأَمْرِهِ. واسْتلامَ الرجلُ إِلَى النَّاسِ أَيْ استَذَمَّ. واستَلامَ إِلَيْهِمْ: أَتى إِلَيْهِمْ مَا يَلُومُونه عَلَيْهِ؛ قَالَ الْقُطَامِيُّ:
فمنْ يَكُنِ اسْتَلامَ إِلَى نَوِيٍّ، ... فَقَدْ أَكْرَمْتَ، يَا زُفَر، الْمُتَاعَا
التَّهْذِيبُ: أَلامَ الرجلُ، فَهُوَ مُليم إِذَا أَتى ذَنْباً يُلامُ عَلَيْهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ
. وَفِي النَّوَادِرِ: لَامَني فلانٌ فالْتَمْتُ، ومَعّضَني فامْتَعَضْت، وعَذَلَني فاعْتَذَلْتُ، وحَضَّني فاحْتَضَضت، وأَمَرني فأْتَمَرْت إِذَا قَبِلَ قولَه مِنْهُ. وَرَجُلٌ لُومَة: يَلُومُه النَّاسُ. ولُوَمَة: يَلُومُ النَّاسُ مِثْلُ هُزْأَة وهُزَأَة. وَرَجُلٌ لُوَمَة: لَوّام، يَطَّرِدُ عَلَيْهِ بابٌ «1» ... ولاوَمْتُه: لُمْته ولامَني. وتَلاوَمَ الرجُلان: لامَ كلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صاحبَه. وجاءَ بلَوْمَةٍ أَيْ مَا يُلامُ عَلَيْهِ. والمُلاوَمَة: أَنْ تَلُوم رَجُلًا ويَلُومَك. وتَلاوَمُوا: لَامَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا؛ وَفِي الْحَدِيثِ:
فتَلاوَموا بَيْنَهُمْ
أَيْ لامكَ بعضُهم بَعْضًا، وَهِيَ مُفاعلة مِنْ لامَه يَلومه لَوماً إِذَا عذَلَه وعنَّفَه. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ: فتَلاوَمْنا.
وتَلَوَّمَ فِي الأَمر: تمكَّث وَانْتَظَرَ. وَلِي فِيهِ لُومةٌ أَي تَلَوُّم، ابْنُ بُزُرْجَ: التَّلَوُّمُ التَّنَظُّر للأَمر تُريده. والتَّلَوُّم: الِانْتِظَارُ والتلبُّثُ. وَفِي حَدِيثِ
عَمْرِو بْنِ سَلَمة الجَرْميّ: وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَلَوّمُ بِإِسْلَامِهِمُ الْفَتْحَ
أَيْ تَنْتَظِرُ، وَأَرَادَ تَتَلَوّم فَحَذَفَ إِحْدَى التَّاءَيْنِ تَخْفِيفًا، وَهُوَ كَثِيرٌ فِي كَلَامِهِمْ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِذَا أجْنَبَ فِي السفَر تَلَوَّمَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخِرِ الْوَقْتِ
أَيِ انْتَظَرَ وتَلَوّمَ عَلَى الأَمر يُريده. وتَلَوَّمَ عَلَى لُوامَته أَيْ حَاجَتِهِ. وَيُقَالُ: قَضَى القومُ لُواماتٍ لَهُمْ وَهِيَ الْحَاجَاتُ، وَاحِدَتُهَا لُوَامة. وَفِي الْحَدِيثِ:
بِئسَ، لَعَمْرُ اللهِ، عَمَلُ الشَّيْخِ المتوسِّم والشابِّ المُتَلَوِّم
أَيِ المتعرِّض للأَئمةِ فِي الْفِعْلِ السيّء، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ اللُّومَة وَهِيَ الْحَاجَةُ أَيِ الْمُنْتَظِرِ لِقَضَائِهَا. ولِيمَ بِالرَّجُلِ: قُطع. واللَّوْمةُ: الشَّهْدة. واللامةُ واللامُ، بِغَيْرِ هَمْزٍ، واللَّوْمُ: الهَوْلُ؛ وَأَنْشَدَ لِلْمُتَلَمِّسِ:
ويكادُ مِنْ لامٍ يَطيرُ فُؤادُها
واللامُ: الشَّدِيدُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأُراه قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْهَمْزِ، قَالَ أَبُو الدَّقِيشِ: اللامُ القُرْبُ، وَقَالَ أَبو خَيْرَةَ: اللامُ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ لامٍ، كَمَا يَقُولُ الصائتُ أَيَا أَيَا إِذَا سَمِعَتِ النَّاقَةُ ذَلِكَ طَارَتْ مِنْ حِدّة قَلْبِهَا؛ قَالَ: وَقَوْلُ أَبِي الدَّقِيشِ أَوفقُ لِمَعْنَى الْمُتَنَكِّسِ فِي الْبَيْتِ لأَنه قال:
__________
(1) . هكذا بياض بالأصل(12/557)
ويكادُ مِنْ لامٍ يطيرُ فؤادُها، ... إِذْ مَرّ مُكّاءُ الضُّحى المُتَنَكِّسُ
قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ: وَحَكَى ابْنِ الأَعرابي أَنَّهُ قَالَ اللامُ الشَّخْصُ فِي بَيْتِ الْمُتَلَمِّسِ. يُقَالُ: رأَيت لامَه أَيْ شَخْصَهُ. ابْنُ الأَعرابي: اللَّوَمُ كَثْرَةُ اللَّوْم. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ المَلِيم بِمَعْنَى المَلوم؛ قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ: مَنْ قَالَ مَلِيم بَنَاهُ عَلَى لِيمَ. واللائِمةُ: المَلامة، وَكَذَلِكَ اللَّوْمى، عَلَى فَعْلى. يُقَالُ: مَا زِلْتُ أَتَجَرّعُ مِنْكَ اللَّوَائِمَ. والمَلاوِم: جَمْعُ المَلامة. واللّامةُ: الأَمر يُلام عَلَيْهِ. يُقَالُ: لامَ فلانٌ غيرَ مُليم. وَفِي الْمَثَلِ: رُبَّ لَائِمٍ مُليم؛ قَالَتْهُ أُم عُمَير بْنِ سَلْمَى الْحَنَفِيِّ تُخَاطِبُ وَلَدَهَا عُمَيراً، وَكَانَ أَسْلَمَ أَخَاهُ لِرَجُلٍ كلابيٍّ لَهُ عَلَيْهِ دَمٌ فَقَتَلَهُ، فَعَاتَبَتْهُ أُمُّه فِي ذَلِكَ وَقَالَتْ:
تَعُدُّ مَعاذِراً لَا عُذْرَ فِيهَا، ... وَمَنْ يَخْذُلْ أَخاه فَقَدْ أَلاما
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وعُذْره الَّذِي اعْتَذَرَ بِهِ أَنَّ الْكِلَابِيَّ التجأَ إِلَى قَبْرِ سَلْمَى أَبي عُمَيْرٍ، فَقَالَ لَهَا عُمَيْرٌ:
قَتَلْنا أَخانا للوَفاءِ بِجارِنا، ... وَكَانَ أَبونا قَدْ تُجِيرُ مَقابِرُهْ
وَقَالَ لَبِيَدٌ:
سَفَهاً عَذَلْتَ، ولُمْتَ غيرَ مُليم، ... وهَداك قبلَ اليومِ غيرُ حَكيم
ولامُ الإِنسان: شخصُه، غَيْرُ مَهْمُوزٍ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
مَهْرِيّة تَخظُر فِي زِمامِها، ... لَمْ يُبْقِ مِنْهَا السَّيْرُ غيرَ لامِها
وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ
ابْنِ أُم مَكْتُومٍ: وَلِي قَائِدٌ لَا يُلاوِمُني
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: كَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ بِالْوَاوِ، وأَصله الْهَمْزُ مِنَ المُلاءمة وَهِيَ المُوافقة؛ يُقَالُ: هُوَ يُلائمُني بِالْهَمْزِ ثُمَّ يُخَفَّف فَيَصِيرُ يَاءً، قَالَ: وَأَمَّا الْوَاوُ فَلَا وَجْهَ لَهَا إِلَّا أَنْ تَكُونَ يُفاعِلني مِنَ اللَّوْم وَلَا مَعْنَى لَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ. وَقَوْلُ عُمَرُ فِي حَدِيثِهِ:
لوْ ما أَبقَيْتَ
أَيْ هلَّا أَبقيت، وَهِيَ حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ الْمَعَانِي مَعْنَاهَا التَّحْضِيضُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَوْ مَا تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ. وَاللَّامُ: حَرْفُ هِجَاءٍ وَهُوَ حَرْفٌ مَجْهُورٌ، يَكُونُ أَصلًا وَبَدَلًا وَزَائِدًا؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَإِنَّمَا قَضَيْتُ عَلَى أَنَّ عَيْنَهَا مُنْقَلِبَةٌ عَنْ وَاوٍ لَمَّا تَقَدَّمَ فِي أَخَوَاتِهَا مِمَّا عَيْنُهُ أَلف؛ قَالَ الأَزهري: قَالَ النَّحْوِيُّونَ لَوّمْت لَامًا أَيْ كَتَبْتُهُ كَمَا يُقَالُ كَوَّفْت كَافًا. قَالَ الأَزهري فِي بَابِ لَفيف حَرْفِ اللَّامِ قَالَ: نَبْدَأُ بِالْحُرُوفِ الَّتِي جَاءَتْ لمعانٍ مِنْ بَابِ اللَّامِ لِحَاجَةِ النَّاسِ إِلَى مَعْرِفَتِهَا، فَمِنْهَا اللَّامُ الَّتِي تُوصَلُ بِهَا الأَسماء والأَفعال، وَلَهَا فِيهَا معانٍ كَثِيرَةٌ: فَمِنْهَا لامُ المِلْك كَقَوْلِكَ: هَذَا المالُ لِزَيْدٍ، وَهَذَا الْفَرَسُ لمحَمد، وَمِنَ النَّحْوِيِّينَ مَنْ يسمِّيها لامَ الإِضافة، سُمِّيَتْ لامَ المِلْك لأَنك إِذَا قُلْتَ إِنَّ هَذَا لِزيد عُلِمَ أَنَّهُ مِلْكُه، فَإِذَا اتَّصَلَتْ هَذِهِ اللَّامُ بالمَكْنيِّ عَنْهُ نُصِبَت كَقَوْلِكَ: هَذَا المالُ لَهُ وَلَنَا ولَك وَلَهَا وَلَهُمَا وَلَهُمْ، وَإِنَّمَا فُتِحَتْ مَعَ الْكِنَايَاتِ لأَن هَذِهِ اللامَ فِي الأَصل مَفْتُوحَةٌ، وَإِنَّمَا كُسِرَتْ مَعَ الأَسماء ليُفْصَل بَيْنَ لَامِ الْقَسَمِ وَبَيْنَ لَامِ الإِضافة، أَلَا تَرَى أَنَّكَ لَوْ قُلْتَ إِنَّ هَذَا المالَ لِزيدٍ عُلِم أَنَّهُ مِلكه؟ وَلَوْ قُلْتَ إِنَّ هَذَا لَزيدٌ عُلم أَنَّ الْمُشَارَ إِلَيْهِ هُوَ زَيْدٌ فكُسِرت ليُفرق بَيْنَهُمَا، وَإِذَا قُلْتَ: المالُ لَك، فَتَحْتَ لأَن اللَّبْسَ قَدْ زَالَ، قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ الْخَلِيلِ وَيُونُسَ وَالْبَصْرِيِّينَ. [لَامُ كَيْ] : كَقَوْلِكَ جئتُ لِتقومَ يَا هَذَا، سُمِّيَتْ لامَ كَيْ لأَن مَعْنَاهَا جئتُ لِكَيْ تَقُومَ، وَمَعْنَاهُ مَعْنَى لَامِ الإِضافة أَيْضًا، وَكَذَلِكَ كُسِرت لأَن الْمَعْنَى جئتُ لِقِيَامِكَ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي(12/558)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ؛ هِيَ لَامُ كَيْ، الْمَعْنَى يَا رَبِّ أَعْطيْتهم مَا أَعطَيتَهم لِيضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ؛ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى: الِاخْتِيَارُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ اللَّامُ وَمَا أَشبهها بتأْويل الْخَفْضِ، الْمَعْنَى آتيتَهم مَا آتيتَهم لِضَلَالِهِمْ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ؛ مَعْنَاهُ لِكَوْنِهِ لأَنه قَدْ آلَتِ الْحَالُ إِلَى ذَلِكَ، قَالَ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ لامُ كَيْ فِي مَعْنَى لَامِ الْخَفْضِ، وَلَامُ الْخَفْضِ فِي مَعْنَى لَامِ كَي لِتقارُب الْمَعْنَى؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ؛ الْمَعْنَى لإِعْراضِكم «2» . عَنْهُمْ وَهُمْ لَمْ يَحْلِفوا لِكَيْ تُعْرِضوا، وَإِنَّمَا حَلَفُوا لإِعراضِهم عَنْهُمْ؛ وَأَنْشَدَ:
سَمَوْتَ، وَلَمْ تَكُن أَهلًا لتَسْمو، ... ولكِنَّ المُضَيَّعَ قَدْ يُصابُ
أَراد: مَا كنتَ أَهلا للسُمُوِّ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
لِيَجْزِيَهم اللَّهُ أَحسنَ مَا كَانُوا يَعْملون
؛ اللَّامُ فِي لِيَجْزيَهم لامُ الْيَمِينِ كَأَنَّهُ قَالَ لَيَجْزِيَنّهم اللَّهُ، فَحَذَفَ النُّونَ، وَكَسَرُوا اللَّامَ وَكَانَتْ مَفْتُوحَةً، فأَشبهت فِي اللَّفْظِ لامَ كَيْ فَنَصَبُوا بِهَا كَمَا نَصَبُوا بِلَامِ كَيْ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ؛ الْمَعْنَى لَيَغْفِرنَّ اللهُ لَكَ؛ قَالَ ابْنُ الأَنباري: هَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو حَاتِمٍ غَلَطٌ لأَنَّ لامَ الْقَسَمِ لَا تُكسَر وَلَا يُنْصَبُ بِهَا، وَلَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ* لَيَجْزيَنَّهم اللَّهُ لقُلْنا: وَاللَّهِ ليقومَ زَيْدٌ، بتأْويل وَاللَّهِ لَيَقُومَنَّ زَيْدٌ، وَهَذَا مَعْدُومٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ فِي التَّعَجُّبِ: أَظْرِفْ بزَيْدٍ، فَيَجْزِمُونَهُ لشبَهِه بِلَفْظِ الأَمر، وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ ذَلِكَ لأَن التَّعَجُّبَ عُدِلَ إِلَى لَفْظِ الأَمر، وَلَامُ الْيَمِينِ لَمْ تُوجَدْ مَكْسُورَةً قَطُّ فِي حَالِ ظُهُورِ الْيَمِينِ وَلَا فِي حَالِ إِضْمَارِهَا؛ وَاحْتَجَّ مَن احْتَجَّ لأَبي حَاتِمٍ بِقَوْلِهِ:
إِذَا هُوَ آلَى حِلْفةً قلتُ مِثْلَها، ... لِتُغْنِيَ عنِّي ذَا أَتى بِك أَجْمَعا
قَالَ: أَراد لَتُغْنِيَنَّ، فأَسقط النُّونَ وَكَسَرَ اللَّامَ؛ قَالَ أَبو بَكْرٍ: وَهَذِهِ رِوَايَةٌ غَيْرُ مَعْرُوفَةٍ وَإِنَّمَا رَوَاهُ الرُّوَاةُ:
إِذَا هُوَ آلَى حِلْفَةً قلتُ مِثلَها، ... لِتُغْنِنَّ عنِّي ذَا أَتى بِك أَجمَعا
قَالَ: الْفَرَّاءُ: أَصْلُهُ لِتُغْنِيَنّ فَأَسْكَنَ الْيَاءَ عَلَى لُغَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَأَيْتُ قاضٍ ورامٍ، فَلَمَّا سَكَنَتْ سَقَطَتْ لِسُكُونِهَا وَسُكُونِ النُّونِ الأَولى، قَالَ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ اقْضِنَّ يَا رَجُلُ، وابْكِنَّ يَا رَجُلُ، وَالْكَلَامُ الْجَيِّدُ: اقْضِيَنَّ وابْكِيَنَّ؛ وأَنشد:
يَا عَمْرُو، أَحْسِنْ نَوالَ اللَّهِ بالرَّشَدِ، ... واقْرَأ سَلَامًا عَلَى الأَنقاءِ والثَّمدِ
وابْكِنَّ عَيْشاً تَوَلَّى بَعْدَ جِدَّتِه، ... طابَتْ أَصائِلُه في ذلك البَلدِ
قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ: وَالْقَوْلُ مَا قَالَ ابْنُ الأَنباري. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: سأَلت أَبَا الْعَبَّاسِ عَنِ اللَّامِ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ، قَالَ: هِيَ لَامُ كَيْ، مَعْنَاهَا إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِكَيْ يَجْتَمِعَ لَكَ مَعَ الْمَغْفِرَةِ تَمَامُ النِّعْمَةِ فِي الْفَتْحِ، فَلَمَّا انْضَمَّ إِلَى الْمَغْفِرَةِ شيءٌ حادثٌ واقعٌ حسُنَ مَعْنَى كَيْ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ*، هِيَ لامُ كَيْ تَتَّصِلُ بِقَوْلِهِ: لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ، إِلَى قَوْلِهِ: فِي كِتابٍ مُبِينٍ أَحصاه عَلَيْهِمْ لكيْ يَجْزِيَ المُحْسِنَ بِإِحْسَانِهِ والمُسِيءَ بإساءَته. [لَامُ الأَمر] : وَهُوَ كَقَوْلِكَ لِيَضْرِبْ زيدٌ عَمْرًا؛ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: أَصلها نَصْبٌ، وَإِنَّمَا كُسِرَتْ لِيُفَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ لَامِ التَّوْكِيدِ وَلَا يبالَى بشَبهِها بلام
__________
(2) . قوله [يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ؛ المعنى لإعراضكم إلخ] هكذا في الأصل(12/559)
الْجَرِّ، لأَن لَامَ الْجَرِّ لَا تَقَعُ فِي الأَفعال، وتقعُ لامُ التَّوْكِيدِ فِي الأَفعال، أَلَا تَرَى أَنَّكَ لَوْ قُلْتَ لِيضْرِبْ، وَأَنْتَ تأْمُر، لأَشبَهَ لامَ التَّوْكِيدِ إِذَا قُلْتَ إِنَّكَ لَتَضْرِبُ زَيْدًا؟ وَهَذِهِ اللَّامُ فِي الأَمر أَكثر مَا اسْتُعْملت فِي غَيْرِ الْمُخَاطَبِ، وَهِيَ تَجْزِمُ الْفِعْلَ، فَإِنْ جاءَت لِلْمُخَاطَبِ لَمْ يُنْكَر. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ؛ أكثرُ القُرّاء قرؤُوا: فَلْيَفْرَحُوا، بِالْيَاءِ. وَرُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ قرأَ:
فَبِذَلِكَ فلْتَفْرَحوا
؛ يُرِيدُ أَصحاب سَيِّدِنَا رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ؛ أَيْ مِمَّا يَجْمَعُ الكُفَّار؛ وقَوَّى قراءةَ زَيْدٍ قراءةُ أُبيّ
فَبِذَلِكَ فافْرَحوا
، وَهُوَ البِناء الَّذِي خُلق للأَمر إِذَا واجَهْتَ بِهِ؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: وَكَانَ الْكِسَائِيُّ يَعيب قولَهم
فلْتَفْرَحوا
لأَنه وَجَدَهُ قَلِيلًا فَجَعَلَهُ عَيْباً؛ قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ: وَقِرَاءَةُ يَعْقُوبَ الْحَضْرَمِيِّ بِالتَّاءِ
فلْتَفرَحوا
، وَهِيَ جَائِزَةٌ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: لامُ الأَمْرِ تأْمُر بِهَا الغائبَ، وَرُبَّمَا أَمرُوا بِهَا المخاطَبَ، وَقُرِئَ:
فَبِذَلِكَ فلْتَفْرَحوا
، بِالتَّاءِ؛ قَالَ: وَقَدْ يَجُوزُ حَذْفُ لامِ الأَمر فِي الشِّعْرِ فَتَعْمَلُ مضْمرة كَقَوْلِ مُتمِّم بْنِ نُوَيْرة:
عَلَى مِثْلِ أَصحابِ البَعوضةِ فاخْمُشِي [فاخْمِشِي] ، ... لكِ الوَيْلُ حُرَّ الوَجْهِ أَوْ يَبكِ مَنْ بَكى
أَرَادَ: لِيَبْكِ، فَحَذَفَ اللَّامَ، قَالَ: وَكَذَلِكَ لامُ أَمرِ المُواجَهِ؛ قَالَ الشَّاعِرِ:
قلتُ لبَوَّابٍ لَدَيْه دارُها: ... تِئْذَنْ، فَإِنِّي حَمْؤها وجارُها
أَرَادَ: لِتَأْذَن، فَحَذَفَ اللامَ وكسرَ التاءَ عَلَى لُغَةِ مَنْ يَقُولُ أَنتَ تِعْلَمُ؛ قَالَ الأَزهري: اللَّامُ الَّتِي للأَمْرِ فِي تأْويل الْجَزَاءِ، مِنْ ذَلِكَ قولُه عَزَّ وَجَلَّ: اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ أَمر فِيهِ تأْويلُ جَزاء كَمَا أَن قَوْلَهُ: ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ، نهيٌ فِي تأْويل الْجَزَاءِ، وَهُوَ كَثِيرٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ؛ وأَنشد:
فقلتُ: ادْعي وأدْعُ، فإنَّ أنْدَى ... لِصَوْتٍ أَنْ يُناديَ داعِيانِ
أَيْ ادْعِي ولأَدْعُ، فكأَنه قَالَ: إِنْ دَعَوْتِ دَعَوْتُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَزَادَ فَقَالَ: يُقْرأُ قَوْلُهُ وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ، بِسُكُونِ اللَّامِ وَكَسْرِهَا، وَهُوَ أَمر فِي تأْويل الشَّرْطِ، الْمَعْنَى إِن تتَّبعوا سَبيلَنا حمَلْنا خَطَايَاكُمْ. [لَامُ التَّوْكِيدِ] : وَهِيَ تَتَّصِلُ بالأَسماء والأَفعال الَّتِي هِيَ جواباتُ الْقَسَمِ وجَوابُ إنَّ، فالأَسماء كَقَوْلِكَ: إِنَّ زَيْدًا لَكَريمٌ وَإِنَّ عَمْرًا لَشُجاعٌ، والأَفعال كَقَوْلِكَ: إِنَّهُ لَيَذُبُّ عَنْكَ وَإِنَّهُ ليَرْغَبُ فِي الصَّلَاحِ، وَفِي القسَم: واللهِ لأُصَلِّيَنَّ وربِّي لأَصُومَنَّ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ؛ أَيْ مِمّنْ أَظهر الإِيمانَ لَمَنْ يُبَطِّئُ عَنِ الْقِتَالِ؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: اللامُ الأُولى الَّتِي فِي قَوْلِهِ لَمَنْ لامُ إِنَّ، وَاللَّامُ الَّتِي فِي قَوْلِهِ لَيُبَطِّئَنَّ لامُ القسَم، ومَنْ مَوْصُولَةٌ بِالْجَالِبِ لِلْقَسَمِ، كأَنّ هَذَا لَوْ كَانَ كَلَامًا لَقُلْتَ: إِنَّ مِنْكُمْ لَمنْ أَحْلِف بِاللَّهِ وَاللَّهِ ليُبَطِّئنّ، قَالَ: وَالنَّحْوِيُّونَ مُجْمِعون عَلَى أَنَّ مَا ومَنْ وَالَّذِي لَا يوصَلْنَ بالأَمر وَالنَّهْيِ إِلَّا بِمَا يُضْمَرُ مَعَهَا مِنْ ذِكْرِ الْخَبَرِ، وأَن لامَ القسَمِ إِذا جَاءَتْ مَعَ هَذِهِ الْحُرُوفِ فَلَفْظُ القَسم وَمَا أَشبَه لفظَه مضمرٌ مَعَهَا. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: أَمَّا لامُ التَّوْكِيدِ فَعَلَى خَمْسَةِ أَضرب، مِنْهَا لامُ الِابْتِدَاءِ كَقَوْلِكَ لَزيدٌ أَفضل مِنْ عمرٍو، وَمِنْهَا اللَّامُ الَّتِي تَدْخُلُ فِي خَبَرِ إِنَّ الْمُشَدَّدَةِ وَالْمُخَفَّفَةِ كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ، وَقَوْلُهُ عَزَّ مِنْ قائلٍ: وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً؛ وَمِنْهَا الَّتِي تَكُونُ جَوَابًا لِلَوْ ولَوْلا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَوْ تَزَيَّلُوا(12/560)
لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا؛ وَمِنْهَا الَّتِي فِي الْفِعْلِ الْمُسْتَقْبَلِ الْمُؤَكَّدِ بِالنُّونِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ؛ وَمِنْهَا لَامُ جَوَابِ الْقَسَمِ، وجميعُ لاماتِ التَّوْكِيدِ تَصْلُحُ أَن تَكُونَ جَوَابًا لِلْقَسَمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ؛ فَاللَّامُ الأُولى لِلتَّوْكِيدِ وَالثَّانِيَةُ جَوَابٌ، لأَنّ المُقْسَم جُمْلةٌ تُوصَلُ بِأُخْرَى، وَهِيَ المُقْسَم عَلَيْهِ لتؤكَّدَ الثانيةُ بالأُولى، وَيَرْبُطُونَ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ بِحُرُوفٍ يُسَمِّيهَا النَّحْوِيُّونَ جوابَ القسَم، وَهِيَ إنَّ الْمَكْسُورَةُ الْمُشَدَّدَةُ وَاللَّامُ الْمُعْتَرَضُ بِهَا، وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ كَقَوْلِكَ: وَاللَّهِ إِنَّ زَيْدًا خَيْرٌ منك، وو الله لَزَيْدٌ خيرٌ مِنْكَ، وَقَوْلُكَ: وَاللَّهِ ليَقومَنّ زيدٌ، إِذَا أَدْخَلُوا لَامَ الْقَسَمِ عَلَى فِعْلٍ مُسْتَقْبَلٍ أَدخلوا فِي آخِرِهِ النُّونَ شَدِيدَةً أَو خَفِيفَةً لتأْكيد الِاسْتِقْبَالِ وإِخراجه عَنِ الْحَالِ، لَا بدَّ مِنْ ذَلِكَ؛ وَمِنْهَا إِنِ الْخَفِيفَةُ الْمَكْسُورَةُ وَمَا، وَهُمَا بِمَعْنًى كَقَوْلِكَ: وَاللَّهِ مَا فعَلتُ، وو الله إنْ فعلتُ، بِمَعْنًى؛ وَمِنْهَا لَا كَقَوْلِكَ: واللهِ لَا أفعَلُ، لَا يَتَّصِلُ الحَلِف بِالْمَحْلُوفِ إِلَّا بأَحد هَذِهِ الْحُرُوفِ الْخَمْسَةِ، وَقَدْ تُحْذَفُ وَهِيَ مُرادةٌ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَاللَّامُ مِنْ حُرُوفِ الزِّيَادَاتِ، وَهِيَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: مُتَحَرِّكَةٌ وَسَاكِنَةٌ، فأَما السَّاكِنَةُ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحدهما لَامُ التَّعْرِيفِ ولسُكونِها أُدْخِلَتْ عَلَيْهَا ألفُ الْوَصْلِ لِيَصِحَّ الِابْتِدَاءُ بِهَا، فإِذا اتَّصَلَتْ بِمَا قَبْلَهَا سقَطت الأَلفُ كَقَوْلِكَ الرجُل، وَالثَّانِي لامُ الأَمرِ إِذا ابْتَدَأتَها كَانَتْ مَكْسُورَةً، وإِن أَدخلت عَلَيْهَا حَرْفًا مِنْ حُرُوفِ الْعَطْفِ جَازَ فِيهَا الكسرُ وَالتَّسْكِينُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ؛ وَأَمَّا اللاماتُ الْمُتَحَرِّكَةُ فَهِيَ ثلاثٌ: لامُ الأَمر ولامُ التَّوْكِيدِ ولامُ الإِضافة. وَقَالَ فِي أَثناء التَّرْجَمَةِ: فأَما لامُ الإِضافةِ فَعَلَى ثَمَانِيَةِ أضْرُبٍ: مِنْهَا لامُ المِلْك كَقَوْلِكَ المالُ لِزيدٍ، وَمِنْهَا لامُ الِاخْتِصَاصِ كَقَوْلِكَ أَخٌ لِزيدٍ، ومنها لام الاستغاثة كقولك الحرث بْنِ حِلِّزة:
يَا لَلرِّجالِ ليَوْمِ الأَرْبِعاء، أَمَا ... يَنْفَكُّ يُحْدِث لِي بَعْدَ النُّهَى طَرَبا؟
وَاللَّامَانِ جَمِيعًا لِلْجَرِّ، وَلَكِنَّهُمْ فَتَحُوا الأُولى وَكَسَرُوا الثَّانِيَةَ لِيُفَرِّقُوا بَيْنَ المستغاثِ بِهِ والمستغاثَ لَهُ، وَقَدْ يَحْذِفُونَ الْمُسْتَغَاثَ بِهِ ويُبْقُون المستغاثَ لَهُ، يَقُولُونَ: يَا لِلْماءِ، يُرِيدُونَ يَا قومِ لِلْماء أَي لِلْمَاءِ أَدعوكم، فَإِنْ عطفتَ عَلَى المستغاثِ بِهِ بلامٍ أُخْرَى كَسَرْتَهَا لأَنك قَدْ أمِنْتَ اللَّبْسَ بِالْعَطْفِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
يَا لَلرِّجالِ ولِلشُّبَّانِ للعَجَبِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُ إِنْشَادِهِ:
يَا لَلْكُهُولِ ولِلشُّبَّانِ لِلْعَجَبِ
وَالْبَيْتُ بِكَمَالِهِ:
يَبْكِيكَ ناءٍ بَعِيدُ الدارِ مُغْتَرِبٌ، ... يَا لَلْكهول وَلِلشُّبَّانِ لِلْعَجَبِ
وَقَوْلُ مُهَلْهِل بْنِ رَبِيعَةَ وَاسْمُهُ عَدِيٌّ:
يَا لَبَكْرٍ أنشِروا لِي كُلَيْباً، ... يَا لبَكرٍ أيْنَ أينَ الفِرارُ؟
اسْتِغَاثَةٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَصله يَا آلَ بكْرٍ فَخَفَّفَ بِحَذْفِ الْهَمْزَةِ كَمَا قَالَ جَرِيرٌ يُخَاطِبُ بِشْر بْنَ مَرْوانَ لَمَّا هَجَاهُ سُراقةُ البارِقيّ:
قَدْ كَانَ حَقّاً أَن نقولَ لبارِقٍ: ... يَا آلَ بارِقَ، فِيمَ سُبَّ جَرِيرُ؟
وَمِنْهَا لَامُ التَّعَجُّبِ مَفْتُوحَةً كَقَوْلِكَ يَا لَلْعَجَبِ، وَالْمَعْنَى يَا عجبُ احْضُرْ فَهَذَا أوانُك، وَمِنْهَا لامُ العلَّة بِمَعْنَى كَيْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ؛ وضَرَبْتُه لِيتَأدَّب أَي لِكَيْ يتَأدَّبَ لأَجل(12/561)
التأدُّبِ، وَمِنْهَا لامُ الْعَاقِبَةِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
فلِلْمَوْتِ تَغْذُو الوالِداتُ سِخالَها، ... كَمَا لِخَرابِ الدُّورِ تُبْنَى المَساكِنُ «1»
. أَيْ عَاقِبَتُهُ ذَلِكَ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْآخَرِ:
أموالُنا لِذَوِي المِيراثِ نَجْمَعُها، ... ودُورُنا لِخَرابِ الدَّهْر نَبْنِيها
وَهُمْ لَمْ يَبْنُوها لِلْخَرَابِ وَلَكِنْ مآلُها إِلَى ذَلِكَ؛ قَالَ: ومثلُه مَا قَالَهُ شُتَيْم بْنُ خُوَيْلِد الفَزاريّ يَرْثِي أَولاد خالِدَة الفَزارِيَّةِ، وَهُمْ كُرْدم وكُرَيْدِم ومُعَرِّض:
لَا يُبْعِد اللهُ رَبُّ البِلادِ ... والمِلْح مَا ولَدَتْ خالِدَهْ
«2» . فأُقْسِمُ لَوْ قَتَلوا خَالِدًا، ... لكُنْتُ لَهُمْ حَيَّةً راصِدَهْ
فَإِنْ يَكُنِ الموْتُ أفْناهُمُ، ... فلِلْمَوْتِ مَا تَلِدُ الوالِدَهْ
وَلَمْ تَلِدْهم أمُّهم لِلْمَوْتِ، وَإِنَّمَا مآلُهم وعاقبتُهم الموتُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقِيلَ إِنَّ هَذَا الشِّعْرَ لِسِمَاك أَخي مَالِكِ بْنِ عَمْرٍو الْعَامِلِيِّ، وَكَانَ مُعْتَقَلا هُوَ وَأَخُوهُ مَالِكٌ عِنْدَ بَعْضِ مُلُوكِ غَسَّانَ فَقَالَ:
فأبْلِغْ قُضاعةَ، إِنْ جِئْتَهم، ... وخُصَّ سَراةَ بَني ساعِدَهْ
وأبْلِغْ نِزاراً عَلَى نأْيِها، ... بأَنَّ الرِّماحَ هِيَ الهائدَهْ
فأُقسِمُ لَوْ قَتَلوا مالِكاً، ... لكنتُ لَهُمْ حَيَّةً راصِدَهْ
برَأسِ سَبيلٍ عَلَى مَرْقَبٍ، ... ويوْماً عَلَى طُرُقٍ وارِدَهْ
فأُمَّ سِمَاكٍ فَلَا تَجْزَعِي، ... فلِلْمَوتِ مَا تَلِدُ الوالِدَهْ
ثُمَّ قُتِل سِماكٌ فَقَالَتْ أمُّ سِمَاكٍ لأَخيه مالِكٍ: قبَّح اللَّهُ الْحَيَاةَ بَعْدَ سِمَاكٍ فاخْرُج فِي الطَّلَبِ بِأَخِيكَ، فَخَرَجَ فلَقِيَ قاتِلَ أَخيه فِي نَفَرٍ يَسيرٍ فَقَتَلَهُ. قَالَ وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً؛ وَلَمْ يَلْتَقِطُوهُ لِذَلِكَ وَإِنَّمَا مَآلُهُ العداوَة، وَفِيهِ: رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ؛ وَلَمْ يُؤْتِهم الزِّينةَ والأَموالَ لِلضَّلَالِ وإِنما مَآلُهُ الضَّلَالُ، قَالَ: وَمِثْلُهُ: إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً؛ وَمَعْلُومٌ أَنه لَمْ يَعْصِر الخمرَ، فَسَمَّاهُ خَمراً لأَنَّ مَآلَهُ إِلَى ذَلِكَ، قَالَ: وَمِنْهَا لَامُ الجَحْد بَعْدَ مَا كَانَ وَلَمْ يَكُنْ وَلَا تَصْحَب إِلَّا النَّفْيَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ، أَيْ لأَن يُعذِّبهم، وَمِنْهَا لامُ التَّارِيخِ كَقَوْلِهِمْ: كَتَبْتُ لِثلاث خَلَوْن أَيْ بَعْد ثَلَاثٍ؛ قَالَ الرَّاعِي:
حَتَّى وَرَدْنَ لِتِمِّ خِمْسٍ بائِصٍ ... جُدّاً، تَعَاوَره الرِّياحُ، وَبِيلا
البائصُ: الْبَعِيدُ الشاقُّ، والجُدّ: البئرْ وأَرادَ ماءَ جُدٍّ، قَالَ: وَمِنْهَا اللَّامَاتُ الَّتِي تؤكَّد بِهَا حروفُ المجازاة ويُجاب بِلَامٍ أُخرى تَوْكِيدًا كَقَوْلِكَ: لئنْ فَعَلْتَ كَذَا لَتَنْدَمَنَّ، وَلَئِنْ صَبَرْتَ لَترْبحنَّ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ [الْآيَةَ] ؛ رَوَى الْمُنْذِرِيُّ عَنْ أَبِي طَالِبٍ النَّحْوِيِّ أَنه قَالَ: الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ لَما آتَيْتُكُمْ لَمَهْما آتَيْتُكُمْ
__________
(1) . قوله [لخراب الدور] الذي في القاموس والجوهري: لخراب الدهر
(2) . قوله [رب البلاد] تقدم في مادة ملح: رب العباد(12/562)
أَي أَيُّ كِتابٍ آتيتُكم لتُؤمنُنَّ بِهِ ولَتَنْصُرُنَّه، قَالَ: وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ الأَخفش: اللَّامُ الَّتِي فِي لَمَا اسْمٌ «1» . وَالَّذِي بَعْدَهَا صلةٌ لَهَا، وَاللَّامُ الَّتِي فِي لتؤمِنُنّ بِهِ ولتنصرنَّه لامُ الْقَسَمِ كأَنه قَالَ وَاللَّهِ لتؤْمنن، يُؤَكّدُ فِي أَول الْكَلَامِ وَفِي آخِرِهِ، وَتَكُونُ مِنْ زَائِدَةً؛ وَقَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: هَذَا كُلُّهُ غَلَطٌ، اللَّامُ الَّتِي تدخل في أَوائل الْخَبَرِ تُجاب بِجَوَابَاتِ الأَيمان، تَقُولُ: لَمَنْ قامَ لآتِينَّه، وَإِذَا وَقَعَ فِي جَوَابِهَا مَا وَلَا عُلِم أَن اللَّامَ لَيْسَتْ بِتَوْكِيدٍ، لأَنك تضَع مَكَانَهَا مَا وَلَا وَلَيْسَتْ كالأُولى وَهِيَ جَوَابٌ للأُولى، قَالَ: وأَما قَوْلُهُ مِنْ كِتابٍ فأَسْقط مِنْ، فَهَذَا غلطٌ لأَنّ مِنَ الَّتِي تَدْخُلُ وَتَخْرُجُ لَا تَقَعُ إِلَّا مَوَاقِعَ الأَسماء، وَهَذَا خبرٌ، وَلَا تَقَعُ فِي الْخَبَرِ إِنما تَقَعُ فِي الجَحْد وَالِاسْتِفْهَامِ وَالْجَزَاءِ، وَهُوَ جَعَلَ لَما بِمَنْزِلَةِ لَعَبْدُ اللهِ واللهِ لَقائمٌ فَلَمْ يَجْعَلْهُ جَزَاءً، قَالَ: وَمِنَ اللَّامَاتِ الَّتِي تَصْحَبُ إنْ: فَمَرَّةً تَكُونُ بِمَعْنَى إِلَّا، وَمَرَّةً تَكُونُ صِلَةً وَتَوْكِيدًا كَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا؛ فمَنْ جَعَلَ إنْ جَحْدًا جَعَلَ اللَّامَ بِمَنْزِلَةِ إِلَّا، الْمَعْنَى مَا كَانَ وعدُ ربِّنا إِلا مَفْعُولًا، وَمَنْ جَعَلَ إِنَّ بِمَعْنَى قَدْ جَعَلَ اللَّامَ تَأْكِيدًا، الْمَعْنَى قَدْ كَانَ وعدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ، يَجُوزُ فِيهَا الْمَعْنَيَانِ؛ التَّهْذِيبُ: [لامُ التَّعَجُّبِ وَلَامُ الِاسْتِغَاثَةِ] رَوَى الْمُنْذِرِيُّ عَنِ الْمُبَرِّدِ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا اسْتُغِيث بواحدٍ أَوْ بِجَمَاعَةٍ فَاللَّامُ مَفْتُوحَةٌ، تَقُولُ: يَا لَلرجالِ يَا لَلْقوم يَا لَزَيْدٍ، قَالَ: وَكَذَلِكَ إِذَا كُنْتَ تَدْعُوهُمْ، فأَما لَامُ المدعوِّ إِلَيْهِ فإِنها تُكسَر، تَقُولُ: يَا لَلرِّجال لِلْعجب؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
تَكَنَّفَني الوُشاةُ فأزْعَجوني، ... فَيَا لَلنّاسِ لِلْواشي المُطاعِ
وَتَقُولُ: يَا لَلْعَجَبِ إِذَا دَعَوْتَ إِلَيْهِ كأَنك قُلْتَ يَا لَلنَّاس لِلعجب، وَلَا يَجُوزُ أَن تَقُولَ يَا لَزيدٍ وَهُوَ مُقْبل عَلَيْكَ، إِنما تَقُولُ ذَلِكَ لِلْبَعِيدِ، كَمَا لَا يَجُوزُ أَن تَقُولَ يَا قَوْماه وَهُمْ مُقبِلون، قَالَ: فَإِنْ قُلْتَ يَا لَزيدٍ ولِعَمْرو كسرْتَ اللَّامَ فِي عَمْرو، وَهُوَ مدعوٌ، لأَنك إِنما فَتَحْتَ اللَّامَ فِي زَيْدٍ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الْمَدْعُوِّ وَالْمَدْعُوِّ إِلَيْهِ، فَلَمَّا عَطَفْتَ عَلَى زَيْدٍ استَغْنَيْتَ عَنِ الْفَصْلِ لأَن الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ مِثْلُ حَالِهِ؛ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ:
يَا لَلكهولِ ولِلشُّبّانِ لِلعجب
وَالْعَرَبُ تَقُولُ: يَا لَلْعَضِيهةِ وَيَا لَلأَفيكة وَيَا لَلبَهيتة، وَفِي اللَّامِ الَّتِي فِيهَا وَجْهَانِ: فإِن أَرَدْتَ الِاسْتِغَاثَةَ نَصَبْتَهَا، وإِن أَردت أَن تَدْعُوَ إِلَيْهَا بِمَعْنَى التَّعَجُّبِ مِنْهُ كَسَرْتَهَا، كأَنك أَردت: يَا أَيها الرجلُ اعْجَبْ لِلْعَضيهة، وَيَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْجَبوا للأَفيكة. وَقَالَ ابْنُ الأَنباري: لامُ الِاسْتِغَاثَةِ مَفْتُوحَةٌ، وَهِيَ فِي الأَصل لَامُ خفْضٍ إِلا أَن الِاسْتِعْمَالَ فِيهَا قَدْ كَثُرَ مَعَ يَا، فجُعِلا حَرْفًا وَاحِدًا؛ وأَنشد:
يَا لَبَكرٍ أنشِروا لِي كُلَيباً
قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنهم جَعَلُوا اللَّامَ مَعَ يَا حَرْفًا وَاحِدًا قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ:
فخَيرٌ نَحْنُ عِنْدَ النَّاسِ منكمْ، ... إِذَا الدَّاعِي المُثَوِّبُ قال: يا لا
وَقَوْلُهُمْ: لِم فعلتَ، مَعْنَاهُ لأَيِّ شَيْءٍ فَعَلْتَهُ؟ والأَصل فِيهِ لِما فَعَلْتَ فَجَعَلُوا مَا فِي الِاسْتِفْهَامِ مَعَ الْخَافِضِ حَرْفًا وَاحِدًا واكتفَوْا بِفَتْحَةِ الْمِيمِ مِنَ الْأَلِفِ فأسْقطوها، وَكَذَلِكَ قَالُوا: عَلامَ تركتَ وعَمَّ تُعْرِض وإلامَ تَنْظُرُ وحَتَّامَ عَناؤُك؟ وَأَنْشَدَ:
فحَتَّامَ حَتَّام العَناءُ المُطَوَّل
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ؛ أَرَادَ لأَي علَّة
__________
(1) . قوله [اللَّامُ الَّتِي فِي لَمَا اسم إلخ] هكذا بالأصل، ولعل فيه سقطاً، والأصل اللَّامُ الَّتِي فِي لَمَا موطئة وما اسم موصول والذي بعدها إلخ(12/563)
وبأيِّ حُجّة، وَفِيهِ لُغَاتٌ: يُقَالُ لِمَ فعلتَ، ولِمْ فعلتَ، ولِما فَعَلْتَ، ولِمَهْ فَعَلْتَ، بِإِدْخَالِ الْهَاءِ لِلسَّكْتِ؛ وَأَنْشَدَ:
يَا فَقْعَسِيُّ، لِمْ أَكَلْتَه لِمَهْ؟ ... لَوْ خافَك اللهُ عَلَيْهِ حَرَّمَهْ
قَالَ: وَمِنَ اللَّامَاتِ لامُ التَّعْقِيبِ للإِضافة وَهِيَ تَدْخُلُ مَعَ الْفِعْلِ الَّذِي مَعْنَاهُ الِاسْمُ كَقَوْلِكَ: فلانٌ عابرُ الرُّؤْيا وعابرٌ لِلرؤْيا، وَفُلَانٌ راهِبُ رَبِّه وراهبٌ لرَبِّه. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ، وَفِيهِ: إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ؛ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ ثَعْلَبٌ: إِنَّمَا دَخَلَتِ اللَّامُ تَعْقِيباً للإِضافة، الْمَعْنَى هُمْ رَاهِبُونَ لِرَبِّهِمْ وراهِبُو ربِّهم، ثُمَّ أَدخلوا اللَّامَ عَلَى هَذَا، وَالْمَعْنَى لأَنها عَقَّبت للإِضافة، قَالَ: وَتَجِيءُ اللَّامُ بِمَعْنَى إِلَى وَبِمَعْنَى أَجْل، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها؛ أَيْ أَوحى إِلَيْهَا، وَقَالَ تَعَالَى: وَهُمْ لَها سابِقُونَ؛ أَيْ وَهُمْ إِلَيْهَا سَابِقُونَ، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً؛ أَيْ خَرُّوا مِنْ أَجلِه سُجَّداً كَقَوْلِكَ أَكرمت فُلَانًا لَكَ أَيْ مِنْ أَجْلِك. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ؛ مَعْنَاهُ فَإِلَى ذَلِكَ فادْعُ؛ قَالَهُ الزَّجَّاجُ وَغَيْرُهُ. وَرَوَى الْمُنْذِرِيُّ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها؛ أَيْ عَلَيْهَا «2» . جَعَلَ اللَّامَ بِمَعْنَى عَلَى؛ وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ فِي قَوْلِهِ:
فَلَمَّا تَفَرَّقْنا، كأنِّي ومالِكاً ... لطولِ اجْتماعٍ لَمْ نَبِتْ لَيْلةً مَعا
قَالَ: مَعْنَى لِطُولِ اجْتِمَاعٍ أَيْ مَعَ طُولِ اجْتِمَاعٍ، تَقُولُ: إِذَا مَضَى شَيْءٌ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ، قَالَ: وَتَجِيءُ اللَّامُ بِمَعْنَى بَعْد؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
حَتَّى وَرَدْنَ لِتِمِّ خِمْسٍ بائِص
أَيْ بعْد خِمْسٍ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: لِثَلَاثٍ خَلَوْن مِنَ الشَّهْرِ أَيْ بَعْدَ ثَلَاثٍ، قَالَ: وَمِنَ اللَّامَاتِ لَامُ التَّعْرِيفِ الَّتِي تَصْحَبُهَا الأَلف كَقَوْلِكَ: القومُ خَارِجُونَ وَالنَّاسُ طَاعِنُونَ الحمارَ وَالْفَرَسَ وَمَا أَشْبَهَهَا، وَمِنْهَا اللَّامُ الأَصلية كَقَوْلِكَ: لَحْمٌ لَعِسٌ لَوْمٌ وَمَا أَشبهها، وَمِنْهَا اللَّامُ الزَّائِدَةُ فِي الأَسماء وَفِي الأَفعال كَقَوْلِكَ: فَعْمَلٌ لِلْفَعْم، وَهُوَ الْمُمْتَلِئُ، وَنَاقَةٌ عَنْسَل للعَنْس الصُّلبة، وَفِي الأَفعال كَقَوْلِكَ قَصْمَله أَيْ كَسَّرَهُ، والأَصل قَصَمه، وَقَدْ زَادُوهَا فِي ذَاكَ فَقَالُوا ذَلِكَ، وَفِي أُولاك فَقَالُوا أُولالِك، وَأَمَّا اللَّامُ الَّتِي فِي لَقد فَإِنَّهَا دَخَلَتْ تأْكيداً لِقَدْ فَاتَّصَلَتْ بِهَا كأَنها مِنْهَا، وَكَذَلِكَ اللَّامُ الَّتِي فِي لَما مُخَفَّفَةً. قَالَ الأَزهري: وَمِنَ اللَّاماتِ مَا رَوى ابنُ هانِئٍ عَنْ أَبِي زَيْدٍ يُقَالُ: اليَضْرِبُك ورأَيت اليَضْرِبُك، يُريد الَّذِي يضرِبُك، وَهَذَا الوَضَع الشعرَ، يُرِيدُ الَّذِي وضَع الشِّعْرَ؛ قَالَ: وأَنشدني المُفضَّل:
يقولُ الخَنا وابْغَضُ العُجْمِ ناطِقاً، ... إِلَى ربِّنا، صَوتُ الحمارِ اليُجَدَّعُ
يُرِيدُ الَّذِي يُجدَّع؛ وَقَالَ أَيْضًا:
أَخِفْنَ اطِّنائي إن سَكَتُّ، وإنَّني ... لَفي شُغُلٍ عَنْ ذَحْلِها اليُتَتَبَّعُ «3»
. يُرِيدُ: الَّذِي يُتتبَّع؛ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي قَوْلِ مُتمِّم:
وعَمْراً وَحَوْنًا بالمُشَقَّرِ ألْمَعا «4»
. قَالَ: يَعْنِي اللَّذَيْنِ مَعًا فأَدْخل عَلَيْهِ الأَلف وَاللَّامَ صِلةً، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: هُوَ الحِصْنُ أَنْ يُرامَ، وَهُوَ العَزيز أَنْ يُضَامَ، والكريمُ أَنْ يُشتَمَ؛ معناه
__________
(2) . قوله [فلها أي عليها] هكذا بالأصل، ولعل فيه سقطاً، والأصل: فقال أي عليها
(3) . قوله [أخفن اطنائي إلخ] هكذا في الأَصل هنا، وفيه في مادة تبع: اطناني إن شكين، وذحلي بدل ذحلها
(4) . قوله [وحوناً] كذا بالأصل(12/564)
هُوَ أَحْصَنُ مِنْ أَنْ يُرامَ، وأعزُّ مِنْ أَنْ يُضامَ، وأَكرمُ مِنْ أَنْ يُشْتَم، وَكَذَلِكَ هُوَ البَخِيلُ أَنْ يُرْغَبَ إِلَيْهِ أَيْ هُوَ أَبْخلُ مِنْ أَن يُرْغَبَ إِلَيْهِ، وَهُوَ الشُّجاع أَنْ يَثْبُتَ لَهُ قِرْنٌ. وَيُقَالُ: هُوَ صَدْقُ المُبْتَذَلِ أَيْ صَدْقٌ عِنْدَ الابتِذال، وَهُوَ فَطِنُ الغَفْلةِ فَظِعُ المُشاهدة. وَقَالَ ابْنُ الأَنباري: الْعَرَبُ تُدْخِل الأَلف وَاللَّامَ عَلَى الفِعْل الْمُسْتَقْبَلِ عَلَى جِهَةِ الِاخْتِصَاصِ وَالْحِكَايَةِ؛ وَأَنْشَدَ لِلْفَرَزْدَقِ:
مَا أَنتَ بالحَكَمِ التُّرْضَى حْكُومَتُه، ... وَلَا الأَصِيلِ، وَلَا ذِي الرَّأْي والجَدَلِ
وأَنشد أَيضاً:
أَخفِنَ اطِّنائي إِنْ سكتُّ، وَإِنَّنِي ... لَفِي شُغْلٍ عَنْ ذَحْلِهَا اليُتَتَبَّع
فأَدخل الأَلف وَاللَّامَ عَلَى يُتتبّع، وَهُوَ فعلٌ مُسْتَقْبَلٌ لِما وَصَفْنا، قَالَ: وَيُدْخِلُونَ الأَلف وَاللَّامَ عَلَى أَمْسِ وأُلى، قَالَ: وَدُخُولُهَا عَلَى المَحْكِيّات لَا يُقاس عَلَيْهِ؛ وأَنشد:
وإنِّي جَلَسْتُ اليومَ والأَمْسِ قَبْلَه ... بِبابِك، حَتَّى كَادَتِ الشمسُ تَغْرُبُ
فأَدخلهما عَلَى أَمْسِ وَتَرَكَهَا عَلَى كَسْرِهَا، وأَصل أَمْسِ أَمرٌ مِنَ الإِمْساء، وَسُمِّيَ الوقتُ بالأَمرِ وَلَمْ يُغيَّر لفظُه، والله أَعلم.
فصل الميم
مرهم: اللَّيْثُ: هُوَ أَلْيَنُ مَا يَكُونُ مِنَ الدَّوَاءُ الَّذِي يُضَمَّدُ بِهِ الجرحُ، يقال: مَرْهَمْتُ الجُرْحَ.
ملهم: التَّهْذِيبُ فِي الرُّبَاعِيِّ: مَلْهَم قَرْية بِالْيَمَامَةِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هِيَ لبَني يَشْكُرَ وأَخلاطٍ مِنْ بَكْرِ وَائِلٍ. والمِلْهَمُ: الكثيرُ الأَكْلِ. الْجَوْهَرِيُّ فِي تَرْجَمَةٍ لَهَمَ: ومَلْهَم، بِالْفَتْحِ، مَوْضِعٌ وَهِيَ أَرْضٌ كَثِيرَةُ النَّخْلِ؛ قَالَ جَرِيرٌ وشبَّه مَا عَلَى الْهَوَادِجِ مِنَ الرَّقْم بالبُسْر اليانِع لِحُمْرَتِهِ وصُفْرته:
كأنَّ حُمولَ الحَيِّ زُلْنَ بِيانِعٍ ... مِنَ الوارِدِ البَطْحاءِ مِنْ نَخْلِ مَلْهَما
ويومُ مَلْهم: حَرْبٌ لِبَنِي تَمِيمٍ وَحَنِيفَةَ. ابْنُ سِيدَهْ: ومَلْهَم أَرض؛ قَالَ طَرَفَةُ:
يَظَلُّ نِساءُ الحَيّ يَعْكُفْنَ حَوْله، ... يَقُلْنَ عَسِيبٌ مِنْ سَرارَةِ مَلْهَمَا
ومَلْهَم وقُرّانُ: قَرْيَتَانِ مِنْ قُرَى اليمامة معروفتان.
مهم: النِّهَايَةُ لِابْنِ الأَثير: وَفِي حَدِيثِ
سَطيح:
أزْرَقُ مَهْمُ النابِ صَرّارُ الأُذُنْ.
قَالَ أَيْ حَدِيدُ النَّابِ؛ قَالَ الأَزهري: هَكَذَا رُوِيَ، قَالَ وأَظنه مَهْوُ النَّابِ، بِالْوَاوِ. يُقَالُ: سَيْفٌ مَهْوٌ أَيْ حديدٌ ماضٍ، قَالَ: وأَورده الزَّمَخْشَرِيُّ أزْرَقُ مُمْهى النابِ، وَقَالَ: المُمْهى المُحَدَّدُ، مِنْ أَمْهَيْتُ الحَديدةَ إِذَا حَدَّدْتَها، شبَّه بَعيرَه بالنَّمِر لزُرْقة عَيْنَيْهِ وَسُرْعَةِ سَيْرِهِ. وَفِي حَدِيثِ
زَيْدِ بْنِ عَمْرو؛ مَهْما تُجَشِّمْني تَجَشَّمْتُ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: مَهْمَا حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ الشَّرْطِ الَّتِي يُجازَى بِهَا، تَقُولُ: مَهْمَا تَفْعَلْ أَفْعَلْ؛ قِيلَ إِنَّ أَصلها مَامَا فَقُلِبَتِ الأَلف الأُولى هَاءً، وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
مهيم: فِي الْحَدِيثِ:
أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رأَى عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوف وضَراً مِنْ صُفْرةٍ فَقَالَ: مَهْيَمْ؟ قَالَ: قَدْ تَزَوَّجْتُ امرأَة مِنَ الأَنصار عَلَى نَواةٍ مِنْ ذهَبٍ، فَقَالَ: أَوْلِمْ وَلَوْ بشاةٍ
؛ أَبُو عُبَيْدٍ: قَوْلُهُ مَهْيَمْ، كَلِمَةٌ يَمَانِيَةٌ مَعْنَاهَا مَا أَمْرُك وَمَا هَذَا الَّذِي أَرى بكَ وَنَحْوُ هَذَا مِنَ الْكَلَامِ؛ قَالَ الأَزهري:(12/565)
وَلَا أَعلم عَلَى وَزْنِ مَهْيَمْ كَلِمَةً غَيْرَ مَرْيَمْ. الْجَوْهَرِيُّ: مَهْيَمْ كَلِمَةٌ يُسْتَفْهَمُ بِهَا، مَعْنَاهَا مَا حالُك وَمَا شأْنُك. وَفِي حَدِيثِ الدَّجَّالِ:
فأخَذَ بِلَجَفَتَيِ البابِ فَقَالَ: مَهْيَمْ
أَيْ مَا أمْرُكم وشأْنُكم؟ وَفِي حَدِيثِ
لَقيط: فيَسْتَوي جالِساً فَيَقُولُ رَبِّ مَهْيَمْ.
مَوَمَ: المَوْماةُ: المَفازةُ الْوَاسِعَةُ المَلْساء، وَقِيلَ: هِيَ الْفَلَاةُ الَّتِي لَا ماءَ بِهَا وَلَا أَنِيسَ بِهَا، قَالَ: وَهِيَ جِمَاعُ أَسماء الفَلَوات؛ يُقَالُ: عَلَوْنا مَوْماةً، وأرضٌ مَوْماةٌ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: هِيَ «1» ... وَلَا يَجْعَلُهَا بِمَنْزِلَةِ تَمَسْكَن لأَن مَا جَاءَ هَكَذَا والأَول مِنْ نَفْسِ الْحَرْفِ هُوَ الْكَلَامُ الْكَثِيرِ، يَعْنِي نَحْوَ الشَّوْشاةِ والدَّوْداةِ، وَالْجَمْعُ مَوامٍ، وَحَكَاهَا ابْنُ جِنِّي مَيامٍ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَالَّذِي عِنْدِي فِي ذَلِكَ أَنَّهَا مُعاقَبة لِغَيْرِ عِلَّةٍ إِلَّا طلبَ الخفَّة. التَّهْذِيبُ: والمَوامِي الجماعةُ، والمَوامِي مثلُ السَّباسِب، وَقَالَ أَبُو خَيْرة: هِيَ المَوْماءُ والمَوْماةُ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: الهَوْمةُ والهَوْماةُ، وَهُوَ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى جَمِيعِ الفَلَواتِ. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: يُقَالُ لَهَا المَوْماةُ والبَوْباةُ، بِالْبَاءِ وَالْمِيمِ. والمُومُ: الحُمَّى مَعَ البِرْسامِ، وَقِيلَ: المُومُ البِرْسامُ؛ يُقَالُ مِنْهُ: مِيمَ الرجلُ، فَهُوَ مَمُومٌ. وَرَجُلٌ مَمُومٌ وَقَدْ مِيمَ يُمَامُ مُوماً ومَوْماً، مِنَ المُومِ، وَلَا يَكُونُ يَمُومُ لأَنه مفعولٌ بِهِ مِثْلُ بُرْسِمَ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ صَائِدًا:
إِذَا تَوَجَّسَ رِكْزاً منْ سَنابِكِها، ... أَو كانَ صاحِبَ أَرضٍ، أَو بِهِ المُومُ
فالأَرض: الزُّكامُ، والمُومُ: البِرْسامُ، والمُومُ: الجُدَرِيُّ الكثيرُ المُتراكِبُ. وَقَالَ اللَّيْثُ: قِيلَ المُومُ أشدُّ الجُدَرِيّ يَكُونُ صاحبَ أرضٍ أَوْ بِهِ المُومُ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الصَّيَّادَ يُذْهِبُ نَفَسَه إِلَى السَّمَاءِ ويَفْغَر إِلَيْهَا أَبَدًا لِئَلَّا يَجِد الوحشُ نفسَه فَينْفُرَ [فَينْفِرَ] ، وشُبِّهَ بالمُبَرْسَم أَوِ المزكومِ لأَن البِرْسامَ مُفْغِر، وَالزُّكَامَ مُفْغِر. والمُومُ، بِالْفَارِسِيَّةِ: الجُدَرِيّ الَّذِي يَكُونُ كُلُّهُ قُرْحة وَاحِدَةً، وَقِيلَ هُوَ بِالْعَرَبِيَّةِ. ابْنُ بَرِّيٍّ: المُومُ الحُمَّى؛ قَالَ مُلَيح الْهُذَلِيُّ:
بهِ مِن هَواكِ اليومَ، قَدْ تَعْلَمِينَه، ... جَوًى مثلُ مُومِ الرِّبْع يَبرِي ويَلعَجُ
وَفِي حَدِيثِ العُرَنِيِّين:
وَقَدْ وَقَعَ بِالْمَدِينَةِ المُومُ
؛ هُوَ البِرْسامُ مَعَ الحُمَّى، وَقِيلَ: هُوَ بَثْرٌ أَصغَرُ مِنَ الجُدَرِيّ. والمُومُ: الشَّمَعُ، معرَّب، وَاحِدَتُهُ مُومَة؛ عَنْ ثَعْلَبٍ، قَالَ الأَزهري؛ وأَصله فَارِسِيٌّ. وَفِي صِفَةِ الْجَنَّةِ:
وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى مِنْ مُومِ العسَلِ
؛ المُومُ: الشَّمَعُ، مُعَرَّبٌ. والمِيمُ: حرفُ هجاءٍ، وَهُوَ حَرْفٌ مَجْهُورٌ يَكُونُ أَصْلًا وَبَدَلًا وَزَائِدًا؛ وَقَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:
كأَنَّها عَيْنَها مِنْهَا، وَقَدْ ضَمَرَتْ ... وضَمَّها السَّيْر في بعضِ الأَضامِيمُ
قِيلَ لَهُ: مِنْ أَين عَرَفْتَ المِيمَ؟ قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَعرفها إِلَّا أَني خَرَجْتُ إِلَى الْبَادِيَةِ فَكَتَبَ رجلٌ حَرْفًا، فسأَلتُه عَنْهُ فَقَالَ هَذَا المِيمُ، فشبَّهتُ بِهِ عينَ النَّاقَةِ. وَقَدْ مَوَّمَها: عَمِلَها. قَالَ الْخَلِيلُ: الميمُ حَرْفُ هجاءٍ مِنْ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ لَوْ قَصَرَتْ فِي اضْطِرَارِ الشِّعْرِ جَازَ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
تَخَالُ مِنْهُ الأَرْسُمَ الرَّواسِما ... كَافًا ومِيمَيْنِ وسِيناً طاسِما
وَزَعَمَ الْخَلِيلُ أَنه رأَى يَمَانِيًّا سُئِلَ عَنْ هِجَائِهِ فَقَالَ: بَابَا مِمْ مِمْ، قَالَ: وأَصاب الْحِكَايَةَ عَلَى اللَّفْظِ، وَلَكِنَّ الَّذِينَ مدُّوا أَحسنوا الْحِكَايَةَ بالمَدَّة، قَالَ: والمِيمانِ هُمَا بِمَنْزِلَةِ النُّونَيْنِ مِنَ الجَلَمَيْنِ. قال: وكان
__________
(1) . كذا بياض بالأَصل(12/566)
الْخَلِيلُ يُسَمِّي المِيمَ مُطْبَقة لأَنك إِذا تكلَّمت بِهَا أَطْبَقْت، قَالَ: وَالْمِيمُ مِنَ الحروفِ الصِّحاحِ الستَّةِ المُذْلَقة هِيَ الَّتِي فِي حَيِّزَيْنِ: حَيِّز الْفَاءِ، وَالْآخَرُ حيِّز اللَّامِ، وَجَعَلَهَا فِي التأْليف الحرفَ الثَّالِثَ لِلْفَاءِ وَالْبَاءِ، وَهِيَ آخِرُ الْحُرُوفِ مِنَ الحيِّز الأَول، قَالَ: وَهَذَا الحيِّز شفويٌّ. النِّهَايَةُ لِابْنِ الأَثير: وَفِي كِتَابِهِ لِوَائِلِ بْنِ حُجْر: مَنْ زَنَى مِمْ بِكْرٍ ومَنْ زَنى مِمْ ثَيِّب أَي مِنْ بِكْرٍ ومِنْ ثَيِّب، فَقَلَبَ النُّونَ مِيماً، أَما مَعَ بِكْر فلأَنَّ النُّونَ إِذا سَكَنَتْ قَبْلَ الْبَاءِ فإِنها تُقْلَبُ مِيمًا فِي النُّطْقِ نَحْوَ عَنْبر وشَنْباء، وأَما مَعَ غَيْرِ الْبَاءِ فإِنها لُغَةٌ يَمَانِيَّةٌ، كَمَا يُبَدِّلُونَ الْمِيمَ مِنْ لَامِ التَّعْرِيفِ. ومَامةُ: اسْمٌ؛ وَمِنْهُ كَعْبُ بْنُ مَامَة الإِيادِيّ؛ قَالَ:
أَرضٌ تخيَّرَها لِطِيبِ مَقيلِها ... كعبُ بنُ مَامَةَ، وابنُ أُمِّ دُوادِ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: قَضَيْنَا عَلَى أَلف مَامَةَ أَنها وَاوٌ لِكَوْنِهَا عَيْناً، وَحَكَى أَبو عَلِيٍّ فِي التَّذْكِرَةِ عَنْ أَبي الْعَبَّاسِ: مَامَة مِنْ قَوْلِهِمْ أَمْرٌ مُوَامٌ؛ كَذَا حَكَاهُ بِالتَّخْفِيفِ، قَالَ: وَهُوَ عِنْدَهُ فُعَال، قَالَ: فإِذا صَحَّتْ هَذِهِ الْحِكَايَةُ لَمْ يُحْتَجْ إِلى الِاسْتِدْلَالِ عَلَى مَادَّةِ الْكَلِمَةِ. ومَامَةُ: اسْمُ أُمّ عمرو بن مَامَةَ.
فصل النون
نأم: النّأْمةُ، بِالتَّسْكِينِ: الصوتُ. نَأَمَ الرجلُ يَنْئِمُ ويَنْأَمُ نَئِيماً، وَهُوَ كالأَنِينِ، وَقِيلَ: هُوَ كالزَّحِير، وَقِيلَ: هُوَ الصَّوْتُ الضَّعِيفُ الْخَفِيُّ أَيّاً كَانَ. ونَأَمَ الأَسدُ يَنْئِمُ نَئِيماً: وَهُوَ دُونَ الزَّئِير، وَسَمِعْتُ نَئِيمَ الأَسَد. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: نَأَمَ الظَّبْيُ يَنْئِمُ، وأَصله فِي الأَسد؛ وأَنشد:
أَلا إِنَّ سَلْمَى مُغْزِلٌ بتَبالةٍ، ... تُراعي غَزالًا بالضُّحَى غيرَ نَوْأَمِ
مَتى تَسْتَثِرْه مِنْ مَنامٍ يَنامُه ... لِتُرْضِعَه، يَنْئِمْ إِليها ويَبْغُمِ
والنَّئِيمُ: صَوْتُ البُوم؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
إِلَّا نَئِيمَ البُومِ والضُّوَعا
وَيُقَالُ: أَسْكَتَ اللهُ نَأْمَتَه، مَهْمُوزَةٌ مُخَفَّفَةُ الْمِيمِ، وَهُوَ مِنَ النَّئِيم الصَّوْتِ الضَّعِيفِ أَي نَغْمَتَه وصوتَه. وَيُقَالُ: نامَّتَه، بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ، فَيُجْعَلُ مِنَ الْمُضَاعَفِ، وَهُوَ مَا يَنِمُّ عَلَيْهِ مِن حركتِه يُدْعى بِذَلِكَ عَلَى الإِنسان. والنَّئِيمُ: صوتٌ فِيهِ ضَعْفٌ كالأَنينِ. يُقَالُ: نَأَمَ يَنْئِمُ. والنَّأْمَةُ والنَّئِيمُ: صَوتُ الْقَوْسِ؛ قَالَ أَوس:
إِذا مَا تَعاطَوْها سَمِعْتَ لِصَوْتِها، ... إِذا أَنْبَضوا فِيهَا، نَئِيماً وأَزْمَلا
ونَأَمَتِ القوسُ نَئِيماً؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
وسَماع مُدْجِنة تُعَلِّلُنا، ... حَتَّى نَؤُوبَ، تَنَؤُّمَ العُجْمِ
رَوَاهُ ابْنُ الأَعرابي: تَنَؤُّم، مَهْمُوزٌ، عَلَى أَنه مِنَ النَّئيم، وَقَالَ: يُرِيدُ صياحَ الدِّيَكة كأَنه قَالَ: وَقْتُ تَنَؤُّمِ العُجْم، وإِنما سمَّى الدِّيَكة عُجْماً لأَن كُلَّ حَيَوَانٍ غَيْرَ الإِنسان أَعْجم، وَرَوَاهُ غَيْرُهُ: تَناوُمَ العُجْم، فالعُجْمُ عَلَى هَذِهِ الروايةِ مُلُوكُ العجَم، والتَّناوُم: مِنَ النَّوْم، وَذَلِكَ أَن مَلُّوكَ الْعَجَمِ كَانَتْ تَناوَمُ عَلَى اللهْو، وَجَاءَ بِالْمَصْدَرِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي الْبَيْتِ عَلَى غَيْرِ الْفِعْلِ. والنَّأْمَةُ: الحركة.
نتم: الانْتِتَامُ: الانْفِجارُ بِالْقَبِيحِ والسبِّ. وانْتَتَمَ فلانٌ عَلَى فلانٍ بقولِ سوءٍ أَي انفَجَرَ بِالْقَوْلِ الْقَبِيحِ،(12/567)
كأَنه افْتَعَل مِنْ نَتَم، كَمَا تَقُولُ مِنْ نَتَل انتَتَل، ومِن نَتَقَ انتَتَقَ، عَلَى افْتَعَلَ؛ وأَنشد أَبو عَمْرٍو لِمَنْظُورٍ الأَسدي:
قَدِ انْتَتَمَتْ علَيَّ بقَوْلِ سُوءٍ ... بُهَيْصِلةٌ، لَهَا وَجْهٌ ذَمِيمُ
حَليلةُ فاحِشٍ وأْنٍ بَئِيلٍ، ... مُزَوْزِكَةٌ، لَهَا حَسَبٌ لَئِيمُ
يُقَالُ: ضَئيلٌ بَئِيلٌ أَي قَبيح، والمُزَوْزِكة: الَّتِي إِذا مشَتْ أَسْرَعت وَحَرَّكَتْ أَلْيَتَيْها، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: لَا أَدري انتَثَمتْ، بِالثَّاءِ، أَو انْتَتَمَتْ، بتاءَين، قَالَ: والأَقرب أَنه مِن نَثَمَ يَنْثِمُ لأَنه أَشبه بِالصَّوَابِ، قَالَ: وَلَا أَعرفُ وَاحِدًا مِنْهُمَا. وَقَالَ الأَصمعي: امرأَة وَأْنَةٌ إِذا كَانَتْ مُقَارَبَةَ الخَلْق.
نثم: لَمْ أَرَ فِيهَا غيرَ مَا قَالَ أَبو مَنْصُورٍ فِي تَرْجَمَةِ نَتَمَ قَبْلَهَا: لَا أَدري انْتَثَمَتْ، بِالثَّاءِ، أَو انتَتَمتْ، بتاءَين، فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:
قَدْ انتَتمتْ عليَّ بِقَوْلِ سوءٍ ... بُهَيْصِلةٌ، لَهَا وَجْهٌ ذَمِيمُ
قَالَ: والأَقرب أَنه مِنْ نَثَمَ يَنْثِمُ لأَنه أَشبه بِالصَّوَابِ، قَالَ: وَلَا أَعرف واحداً منهما.
نجم: نَجَمَ الشيءُ يَنْجُمُ، بِالضَّمِّ، نُجوماً: طَلَعَ وَظَهَرَ. ونَجَمَ النباتُ والنابُ والقَرْنُ والكوكبُ وغيرُ ذَلِكَ: طلَعَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ
. وَفِي الْحَدِيثِ:
هَذَا إِبَّانُ نُجومِه
أَي وقتُ ظهورِه، يَعْنِي النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. يُقَالُ: نَجَمَ النبتُ يَنْجُمُ إِذا طَلَعَ. وكلُّ مَا طَلَعَ وَظَهَرَ فَقَدْ نَجَمَ. وَقَدْ خُصَّ بالنَّجْم مِنْهُ مَا لَا يَقُومُ عَلَى ساقٍ، كَمَا خُصَّ القائمُ عَلَى السَّاقِ مِنْهُ بِالشَّجَرِ. وَفِي حَدِيثِ
حُذَيفة: سِراجٌ مِنَ النارِ يَظْهَرُ فِي أَكتافِهم حَتَّى يَنْجُم فِي صُدورِهم.
والنَّجْمُ مِنَ النباتِ: كلُّ مَا نبتَ عَلَى وَجْهِ الأَرض ونَجَمَ عَلَى غيرِ ساقٍ وتسطَّح فَلَمْ يَنْهَض، والشجرُ كلُّ مَا لَهُ ساقٌ: وَمَعْنَى سُجودِهما دَوَرانُ الظلِّ مَعَهُمَا. قَالَ أَبو إِسحاق: قَدْ قِيلَ إِن النَّجْمَ يُراد بِهِ النجومُ، قَالَ: وَجَائِزٌ أَن يَكُونَ النَّجْمُ هَاهُنَا مَا نَبَتَ عَلَى وَجْهِ الأَرض وَمَا طَلَعَ مِنْ نُجومِ السَّمَاءِ. وَيُقَالُ لِكُلِّ مَا طَلَعَ: قَدْ نَجَمَ، والنَّجِيمُ مِنْهُ الطَّرِيُّ حِينَ نَجَمَ فنبَت؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
يُصَعِّدْنَ رُقْشاً بَيْنَ عُوجٍ كأَنها ... زِجاجُ القَنا، مِنْهَا نَجِيمٌ وعارِدُ
والنُّجُومُ: مَا نَجَمَ مِنَ الْعُرُوقِ أَيامَ الربيع، ترى رؤوسها أَمثالَ المَسالِّ تَشُقُّ الأَرضَ شَقًّا. ابْنُ الأَعرابي: النَّجْمَةُ شجرةٌ، والنَّجْمَةُ الكَلِمةُ، والنَّجْمَةُ نَبْتةٌ صَغِيرَةٌ، وَجَمْعُهَا نَجْمٌ، فَمَا كَانَ لَهُ ساقٌ فَهُوَ شَجَرٌ، وَمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ساقٌ فَهُوَ نَجْمٌ. أَبو عُبَيْدٍ: السَّرادِيحُ أَماكنُ ليِّنةٌ تُنْبت النَّجَمةَ والنَّصِيَّ، قَالَ: والنَّجَمَة شَجَرَةٌ تَنْبُتُ مُمْتَدَّةٌ عَلَى وَجْهِ الأَرض، وَقَالَ شَمِرٌ: النَّجَمَة هَاهُنَا، بِالْفَتْحِ «2» ، قَالَ: وَقَدْ رأَيتها فِي الْبَادِيَةِ وَفَسَّرَهَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَهِيَ الثَّيِّلَةُ، وَهِيَ شَجَرَةٌ خَضْرَاءُ كأَنها أَوَّلُ بَذْر الْحَبِّ حِينَ يَخْرُجُ صِغاراً، قَالَ: وأَما النَّجْمَةُ فَهُوَ شيءٌ يَنْبُتُ فِي أُصول النَّخْلَةِ، وَفِي الصِّحَاحِ: ضرْبٌ مِنَ النبت؛ وأَنشد للحرث بْنِ ظَالِمٍ المُرّيّ يَهْجُو النُّعْمَانَ:
أَخُصْيَيْ حِمارٍ ظَلَّ يَكْدِمُ نَجْمَةً، ... أَتُؤْكَلُ جَارَاتِي وجارُك سالمُ؟
والنَّجْمُ هُنَا: نَبْتٌ بِعَيْنِهِ، واحدُه نَجْمَةٌ «3» وهو
__________
(2) . قوله [بالفتح] هكذا في التهذيب مع ضبطه بالتحريك، وعبارة الصاغاني: بفتح الجيم
(3) . قوله [وَاحِدُهُ نَجْمَة وَهُوَ الثَّيِّلُ] تقدم ضبطه عن شمر بالتحريك وضبط مَا يَنْبُتُ فِي أُصُولِ النخل بالفتح. ونقل الصاغاني عن الدينوري أنه لا فرق بينهما(12/568)
الثَّيِّلُ. قَالَ أَبو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ: الثَّيِّل يُقَالُ لَهُ النَّجْم، الْوَاحِدَةُ نَجْمَة. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الثَّيِّلُ والنَّجْمَة والعكْرِشُ كُلُّهُ شيءٌ وَاحِدٌ. قَالَ: وإِنما قَالَ ذَلِكَ لأَن الحمارَ إِذا أَراد أَن يَقْلَع النَّجْمةَ مِنَ الأَرض وكَدَمَها ارْتَدَّتْ خُصْيتاه إِلى مؤخَّرِه. قَالَ الأَزهري: النَّجْمَةُ لَهَا قضْبة تَفْتَرِشُ الأَرضَ افْتِراشاً. وَقَالَ أَبو نَصْرٍ: الثَّيِّلُ الَّذِي يَنْبُتُ عَلَى شُطُوطِ الأَنهارِ وَجَمْعُهُ نَجْمٌ؛ ومثلُ الْبَيْتِ فِي كَوْنِ النَّجْم فِيهِ هُوَ الثَّيِّل قولُ زُهَيْرٍ:
مُكَلَّلٌ بأُصولِ النَّجْمِ تَنسجُه ... ريحُ خَرِيقٌ، لِضاحي مَائِهِ حُبُكُ
وَفِي حَدِيثِ
جَرِيرٍ: بينَ نَخْلةٍ وضالةٍ ونَجْمَةٍ وأَثْلةٍ
؛ النَّجْمَةُ: أَخصُّ مِنَ النَّجْمِ وكأَنها واحدتُه كنَبْتَةٍ ونَبْت. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى؛ قَالَ أَبو إِسحاق: أَقْسَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِالنَّجْمِ، وَجَاءَ فِي التَّفْسِيرِ أَنه الثُّرَيّا، وَكَذَلِكَ سَمَّتْهَا الْعَرَبُ. وَمِنْهُ قَوْلُ سَاجِعِهِمْ: طَلَع النَّجْم غُدَيَّهْ، وابْتَغَى الرَّاعِي شُكَيَّهْ؛ وَقَالَ:
فَبَاتَتْ تَعُدُّ النَّجْم فِي مُسْتَحِيرة، ... سريعٍ بأَيدي الآكِلينَ جُمودُها
أَراد الثُّرَيا. قَالَ: وَجَاءَ فِي التَّفْسِيرِ أَيضاً أَن النَّجْم نُزول الْقُرْآنِ نَجْماً بَعْدَ نَجْمٍ، وَكَانَ تَنزل مِنْهُ الآيةُ وَالْآيَتَانِ، وَقَالَ أَهل اللُّغَةِ: النَّجْمُ بِمَعْنَى النُّجوم، والنُّجُوم تَجمع الْكَوَاكِبَ كُلَّهَا. ابْنِ سِيدَهْ: والنَّجْمُ الْكَوْكَبُ، وَقَدْ خَصَّ الثرَيا فَصَارَ لَهَا عَلَمًا، وَهُوَ مِنْ بَابِ الصَّعِق، وَكَذَلِكَ قَالَ سِيبَوَيْهِ فِي تَرْجَمَةِ هَذَا الْبَابِ: هَذَا بَابٌ يَكُونُ فِيهِ الشيءُ غَالِبًا عَلَيْهِ اسمٌ، يَكُونُ لِكُلِّ مَنْ كَانَ مِنْ أُمَّتِه أَو كَانَ فِي صِفتِه مِنَ الأَسماء الَّتِي تَدْخُلُهَا الأَلف وَاللَّامُ، وَتَكُونُ نَكِرتُه الجامعةَ لِمَا ذكرتْ مِنَ الْمَعَانِي ثُمَّ مثَّل بالصَّعِق والنَّجمِ، وَالْجَمْعُ أَنْجُمٌ وأَنْجَامٌ؛ قَالَ الطِّرِمَّاحُ:
وتجْتَلي غُرَّة مَجْهولِها ... بالرَّأْيِ مِنْهُ، قبلَ أَنْجَامِها
ونُجُومٌ ونُجُمٌ، وَمِنَ الشَّاذِّ قراءَةُ مَنْ قرأَ:
وعلاماتٍ وبالنُّجُم
؛ وَقَالَ الرَّاجِزُ:
إِن الفَقيرَ بينَنا قاضٍ حَكَمْ، ... أَنْ تَرِد الماءَ إِذا غابَ النُّجُمْ
وَقَالَ الأَخطل:
كلَمْعِ أَيْدي مَثاكِيلٍ مُسَلِّبةٍ، ... يَنْدُبْنَ ضَرْس بَناتِ الدَّهرِ والخُطُبِ
وَذَهَبَ ابْنُ جِنِّي إِلى أَنه جَمَعَ فَعْلًا عَلَى فُعْل ثُمَّ ثَقَّل، وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ حَذْفُ الْوَاوِ تَخْفِيفًا، فَقَدْ قرئَ:
وبالنُّجُم هُمْ يَهْتَدون
، قَالَ: وَهِيَ قِرَاءَةُ الْحَسَنِ وَهِيَ تَحْتَمِلُ التَّوْجِيهَيْنِ. والنَّجْمُ: الثُّرَيَّا، وَهُوَ اسْمٌ لَهَا عَلَمٌ مِثْلَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو، فإِذا قَالُوا طَلَعَ النَّجْمُ يُرِيدُونَ الثرَيا، وإِن أَخرجت مِنْهُ الأَلف وَاللَّامَ تنَكَّرَ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُ الْمَرَّارِ:
ويومٌ، مِن النَّجْم، مُسْتَوْقِد ... يَسوقُ إِلى الْمَوْتِ نُورَ الظُّبا
أَراد بالنَّجْم الثرَيا؛ وَقَالَ ابْنُ يَعْفَرَ:
وُلِدْتُ بِحادِي النَّجْمِ يَتْلُو قَرِينَه، ... وبالقَلْبِ قَلْبِ العَقْرَبِ المُتَوَقِّدِ
وَقَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
فوَرَدْنَ والعَيُّوقُ مَقْعَدَ رابئِ الضُّرَباءِ، ... خَلْفَ النَّجْمِ، لَا يَتَتلَّع
وَقَالَ الأَخطل:
فهلَّا زَجَرْتِ الطيرَ لَيْلةَ جِئتِه ... بضِيقةَ، بَيْنَ النَّجْمِ والدَّبَرانِ(12/569)
وَقَالَ الرَّاعِي:
فَبَاتَتْ تَعُدُّ النَّجْمَ فِي مُسْتَحيرةٍ، ... سَريعٍ بأَيدي الآكِلينَ جُمودُها
قَوْلُهُ: تَعُدُّ النَّجْم، يُرِيدُ الثريَّا لأَن فِيهَا سِتَّةَ أَنجم ظَاهِرَةٍ يَتَخَلَّلُهَا نُجُومٌ صِغَارٌ خَفِيَّةٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِذا طَلَعَ النَّجْمُ ارْتَفَعَتِ العاهةُ
، وَفِي رِوَايَةٍ:
مَا طلعَ النَّجْمُ وَفِي الأَرض مِنَ الْعَاهَةِ شيءٌ
، وَفِي رِوَايَةٍ:
مَا طلعَ النَّجْمُ قَط وَفِي الأَرض عاهةٌ إِلا رُفِعت
؛ النَّجْمُ فِي الأَصل: اسمٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ كَوَاكِبِ السَّمَاءِ، وَهُوَ بالثريَّا أَخصُّ، فإِذا أُطلق فإِنما يُرَادُ بِهِ هِيَ، وَهِيَ الْمُرَادَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وأَراد بِطُلُوعِهَا طُلوعَها عِنْدَ الصُّبْحِ، وَذَلِكَ فِي العَشْرِ الأَوْسَط مِنْ أَيَّارَ، وسقوطُها مَعَ الصُّبْحِ فِي العَشْر الأَوسط مِنْ تِشْرِينَ الآخِرِ، وَالْعَرَبُ تَزْعُمُ أَن بَيْنَ طُلُوعِهَا وَغُرُوبِهَا أَمْراضاً ووَباءً وعاهاتٍ فِي النَّاسِ والإِبلِ والثِّمارِ، ومُدَّةُ مغيبِها بِحَيْثُ لَا تُبْصَر فِي اللَّيْلِ نَيِّفٌ وَخَمْسُونَ لَيْلَةً لأَنها تَخْفَى بِقُرْبِهَا مِنَ الشَّمْسِ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا، فإِذا بَعُدَتْ عَنْهَا ظَهَرَتْ فِي الشَّرْق وَقْتَ الصُّبْحِ؛ قَالَ الْحَرْبِيُّ: إِنما أَراد بِهَذَا الْحَدِيثِ أَرضَ الْحِجَازِ لأَن فِي أَيَّارَ يَقَعُ الحَصادُ بِهَا وتُدْرِك الثمارُ، وَحِينَئِذٍ تُباعُ لأَنها قَدْ أُمِنَ عَلَيْهَا مِنَ الْعَاهَةِ؛ قَالَ الْقُتَيْبِيُّ: أَحْسَبُ أَن رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَرادَ عاهةَ الثِّمارِ خَاصَّةً. والمُنَجِّمُ والمُتَنَجِّمُ: الَّذِي يَنْظُرُ فِي النُّجوم يَحْسُب مَواقِيتَها وسيرَها. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: فأَما قَوْلُ بَعْضِ أَهل اللُّغَةِ: يَقُولُهُ النَّجَّامون، فأُراه مُولَّداً. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وابنُ خَالَوَيْهِ يَقُولُ فِي كَثِيرٍ مِنْ كَلَامِهِ وَقَالَ النَّجَّامُونَ وَلَا يَقُولُ المُنَجِّمون، قَالَ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَن فِعْلَهُ ثُلَاثِيٌّ. وتَنَجَّمَ: رَعَى النُّجومَ مِنْ سَهَرٍ. ونُجُومُ الأَشياء: وظائفُها. التَّهْذِيبُ: والنُّجُومُ وظائفُ الأَشياء، وكلُّ وظيفةٍ نَجْمٌ. والنَّجْمُ: الوقتُ الْمَضْرُوبُ، وَبِهِ سُمِّيَ المُنَجِّم. ونَجَّمْتُ المالَ إِذا أَدَّيته نُجوماً؛ قَالَ زُهَيْرٌ فِي دياتٍ جُعِلت نُجوماً عَلَى الْعَاقِلَةِ:
يُنَجِّمُها قومٌ لقَوْمٍ غَرامةً، ... وَلَمْ يُهَرِيقُوا بينَهم مِلءَ مِحْجَمِ
وَفِي حَدِيثِ
سَعْدٍ: واللهِ لَا أَزيدُك عَلَى أَربعة آلافٍ مُنَجَّمةٍ
؛ تَنْجِيمُ الدَّينِ: هُوَ أَن يُقَدَّرَ عَطَاؤُهُ فِي أَوقات مَعْلُومَةٍ متتابعةٍ مُشاهرةً أَو مُساناةً، وَمِنْهُ تَنْجِيمُ المُكاتَب ونُجُومُ الكتابةِ، وأَصله أَن الْعَرَبَ كَانَتْ تَجْعَلُ مطالعَ منازِل الْقَمَرِ ومساقِطَها مَواقيتَ حُلولِ دُيونِها وَغَيْرِهَا، فَتَقُولُ إِذا طَلَعَ النَّجْمُ: حلَّ عليك ما لي أَي الثُّرَيَّا، وَكَذَلِكَ بَاقِي الْمَنَازِلِ، فَلَمَّا جَاءَ الإِسلام جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى الأَهِلّةَ مَواقيتَ لِمَا يَحْتَاجُونَ إِليه مِنْ مَعْرِفَةِ أَوقات الْحَجِّ وَالصَّوْمِ ومَحِلِّ الدُّيون، وسَمَّوْها نُجوماً اعْتِبَارًا بالرَّسْمِ الْقَدِيمِ الَّذِي عَرَّفُوهُ واحْتِذاءً حَذْوَ مَا أَلفُوه وَكَتَبُوا فِي ذُكورِ حقوقِهم عَلَى النَّاسِ مُؤَجَّلة. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ
؛ عنَى نُجومَ الْقُرْآنِ لأَن الْقُرْآنَ أُنْزِل إِلى سَمَاءِ الدُّنْيَا جُمْلَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ أُنزل عَلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، آيَةً آيَةً، وَكَانَ بَيْنَ أَول مَا نَزَلَ مِنْهُ وَآخِرِهِ عِشْرُونَ سَنَةً. ونَجَّمَ عَلَيْهِ الدّيةَ: قطَّعها عَلَيْهِ نَجْماً نَجْمًا؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
وَلَا حَمالاتِ امْرِئٍ مُنَجِّم
ويقال: جعلت ما لي عَلَى فُلَانٍ نُجوماً مُنَجَّمةً يُؤَدِّي كلَّ نَجْمٍ فِي شَهْرِ كَذَا، وَقَدْ جَعَلَ فلانٌ ما لَه عَلَى فُلَانٍ نُجوماً مَعْدُودَةً يؤدِّي عِنْدَ انْقِضَاءِ كُلِّ شَهْرٍ مِنْهَا نَجْماً، وَقَدْ نَجَّمَها عليه تَنْجِيماً. نظر فِي النُّجوم:(12/570)
فَكَّر فِي أَمر يَنْظُرُ كَيْفَ يُدَبِّره. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ مُخْبِراً عَنْ إِبراهيم، عَلَيْهِ السَّلَامُ: فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ
؛ قِيلَ: مَعْنَاهُ فِيمَا نَجَمَ لَهُ مِنَ الرأْي. وَقَالَ أَبو الْعَبَّاسِ أَحمد بْنُ يَحْيَى: النُّجُومُ جَمْعُ نَجْم وَهُوَ مَا نَجَمَ مِنَ كَلَامِهِمْ لَمَّا سأَلوه أَن يَخْرُجَ مَعَهُمْ إِلى عِيدِهم، ونَظَرَ هَاهُنَا: تَفكّر ليُدَبِّرَ حُجَّة فَقَالَ: إِنِّي سَقِيمٌ، أَي منْ كُفْرِكم. وَقَالَ أَبو إِسحاق: إِنه قَالَ لِقَوْمِهِ وَقَدْ رأَى نَجْماً إِني سَقِيمٌ، أَوْهَمَهم أَن بِهِ طَاعُونًا فتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرين فِراراً مِنْ عَدْوَى الطَّاعُونِ. قَالَ اللَّيْثُ: يقال للإِنسان إِذا تَفَكَّرَ فِي أَمر لِيَنْظُرَ كَيْفَ يُدبِّره: نَظَرَ فِي النُّجوم، قَالَ: وَهَكَذَا جَاءَ عَنِ الْحَسَنِ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ أَي تَفَكَّرَ مَا الَّذِي يَصْرِفُهم عَنْهُ إِذا كلَّفوه الْخُرُوجَ مَعَهُمْ. والمِنْجَم: الْكَعْبُ والعرقوبُ وَكُلُّ مَا نَتأَ. والمِنْجَم أَيضاً: الَّذِي يُدَقّ بِهِ الْوَتَدُ. وَيُقَالُ: مَا نَجَمَ لَهُمْ مَنْجَمٌ مِمَّا يَطْلُبُونَ أَي مَخْرج. وَلَيْسَ لِهَذَا الأَمر نَجْمٌ أَي أَصلٌ، وَلَيْسَ لِهَذَا الْحَدِيثِ نَجْم أَي لَيْسَ لَهُ أَصلٌ. والمَنْجَمُ: الطَّرِيقُ الْوَاضِحُ؛ قَالَ الْبَعِيثُ:
لَهَا فِي أَقاصِي الأَرضِ شأْوٌ ومَنْجَمُ
وَقَوْلُ ابْنِ لَجَإٍ:
فصَبَّحَتْ، والشمسُ لَمَّا تُنْعِمِ ... أَن تَبْلغَ الجُدَّةَ فوقَ المَنْجَمِ
قَالَ: مَعْنَاهُ لَمْ تُرِدْ أَنْ تَبْلُغَ الجُدّة، وَهِيَ جُدّة الصُّبْحِ طريقتُه الْحَمْرَاءُ. والمَنْجَمُ: مَنْجَمُ النَّهَارِ حِينَ يَنْجُمُ. ونَجَمَ الْخَارِجِيُّ، ونَجَمَتْ ناجمةٌ بِمَوْضِعِ كَذَا أَي نَبَعت. وفلانٌ مَنْجَمُ الْبَاطِلِ وَالضَّلَالَةِ أَي معدنُه. والمَنْجِمان والمِنْجَمانِ: عَظْمَانِ شاخِصان فِي بَوَاطِنِ الْكَعْبَيْنِ يُقْبِل أَحدُهما عَلَى الْآخَرِ إِذا صُفَّت الْقَدَمَانِ. ومِنْجَما الرجْل: كَعْباها. والمِنْجَم، بِكَسْرِ الْمِيمِ، مِنَ الْمِيزَانِ: الْحَدِيدَةُ الْمُعْتَرِضَةُ الَّتِي فِيهَا اللِّسَانُ. وأَنْجَمَ المطرُ: أَقْلَع، وأَنْجَمَت عَنْهُ الحُمّى كَذَلِكَ، وَكَذَلِكَ أَفْصَمَ وأَفْصَى. وأَنْجَمَتِ السماءُ: أَقْشَعَتْ، وأَنْجَمَ البَرْد؛ وَقَالَ:
أَنْجَمَتْ قُرَّةُ السَّمَاءِ، وَكَانَتْ ... قَدْ أَقامَتْ بكُلْبة وقِطارِ
وضرَبه فَمَا أَنْجَمَ عَنْهُ حَتَّى قَتَلَهُ أَي مَا أَقْلَع، وَقِيلَ: كلُّ مَا أَقْلَع فَقَدْ أَنْجَمَ. والنِّجامُ: مَوْضِعٌ؛ قَالَ مَعْقِلُ بْنُ خُويلِد:
نَزِيعاً مُحْلِباً مِنْ أَهلِ لِفْتٍ ... لِحَيٍّ بَيْنَ أَثْلةَ والنِّجامِ
نحم: النَّحِيمُ: الزَّحِيرُ والتنحْنُح. وَفِي الْحَدِيثِ:
دخلتُ الجنةَ فسمعتُ نَحْمةً مِنْ نُعَيم
أَي صَوْتًا. والنَّحِيمُ: صوتٌ يَخْرُجُ مِنَ الْجَوْفِ، وَرَجُلٌ نَحِمٌ، وَرُبَّمَا سُمِّيَ نُعَيْمٌ النَّحَّامَ. نَحَمَ يَنْحِمُ، بِالْكَسْرِ، نَحْماً ونَحِيماً ونَحَمَاناً، فَهُوَ نَحَّام، وَهُوَ فَوْقَ الزَّحير، وَقِيلَ: هُوَ مِثْلُ الزَّحِيرِ: قَالَ رُؤْبَةُ:
مِنْ نَحَمَانِ الحَسَدِ النِّحَمِ
بالَغ بالنِّحَمِّ كشِعْر شَاعِرٍ وَنَحْوِهِ وإِلا فَلَا وَجْهَ لَهُ؛ وَقَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤَيَّةَ:
وشَرْحَب نَحْرُه دامٍ وصَفْحَتُه، ... يَصِيحُ مثلَ صِياحِ النَّسْرِ مُنْتَحَم
وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
مَا لَك لَا تَنْحِمُ يَا فلاحُ، ... إِنَّ النَّحِيمَ للسُّقاةِ راحُ
وأَنشده أَبو عَمْرٍو:
مَا لَكَ لَا تَنْحِمُ يَا فَلَاحَهْ، ... إِن النَّحِيم للسُّقاة راحه «1» .
__________
(1) . قوله [يا فلاحه] في التهذيب: يا رواحه(12/571)
وفَلاحة: اسْمُ رَجُلٍ. وَرَجُلٌ نَحَّام: بَخِيل إِذا طُلِبت إِليه حَاجَةٌ كَثُرَ سُعالُه عِنْدَهَا؛ قَالَ طَرَفَةُ:
أَرَى قَبْرَ نَحّامٍ بَخيلٍ بِمَالِهِ، ... كقَبْرِ غَوِيٍّ فِي البَطالةِ مُفْسِد
وَقَدْ نَحَمَ نَحِيماً. ابْنُ الأَعرابي: النَّحْمَة السَّعْلة، وَتَكُونُ الزحيرةَ. والنَّحِيمُ: صوتُ الفَهْدِ وَنَحْوِهِ مِنَ السِّبَاعِ، وَالْفِعْلُ كَالْفِعْلِ وَالْمَصْدَرُ كَالْمَصْدَرِ، ونَحَمَ الفَهْدُ يَنْحِمُ نَحِيماً وَنَحْوَهُ مِنَ السِّبَاعِ كَذَلِكَ، وَكَذَلِكَ النَّئِيمُ، وَهُوَ صَوْتٌ شَدِيدٌ. ونَحَمَ السَّوَّاقُ «1» والعاملُ يَنْحَمُ ويَنْحِمُ نَحِيماً إِذا اسْتَرَاحَ إِلى شِبْه أَنينٍ يُخرِجه مِنْ صَدْرِهِ. والنَّحِيمُ: صَوْتٌ مِنْ صَدْر الْفَرَسِ. والنُّحَامُ: طَائِرٌ أَحمر عَلَى خِلْقَةِ الإِوَزِّ، وَاحِدَتُهُ نُحَامَة، وَقِيلَ: يُقَالُ لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ سُرْخ آوَى؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: ذَكَرَهُ ابْنُ خَالَوَيْهِ النُّحام الطَّائِرُ، بِضَمِّ النُّونِ. والنَّحَّامُ: فَرَسٌ لِبَعْضِ فُرْسان الْعَرَبِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أُراه السُلَيْكَ بْنُ السُّلَكة السَّعْديّ عَنِ الأَصمعي فِي كِتَابِ الْفَرَسِ؛ قَالَ:
كأَنَّ قَوائِمَ النَّحَّامِ، لَمَّا ... تَرَحَّل صُحْبَتي أُصُلًا، مَحارُ
والنَّحَّامُ: اسمُ فَارِسٍ مِنْ فُرْسَانِهِمْ.
نخم: النُّخَامةُ، بِالضَّمِّ: النُّخاعةُ. نَخِمَ الرجلُ نَخَماً ونَخْماً وتَنَخَّمَ: دَفَعَ بِشَيْءٍ مِنْ صَدْرِه أَو أَنفِه، وَاسْمُ ذَلِكَ الشَّيْءِ النُّخامةُ، وَهِيَ النُّخاعةُ. وتَنَخَّمَ أَي نَخَع. ونَخْمَةُ الرَّجُلِ: حِسُّه، وَالْحَاءُ الْمُهْمَلَةُ فِيهِ لُغَةٌ. والنَّخَمُ: الإِعْياء، وَقَالَ غَيْرُهُ النَّخْمَةُ ضربٌ مِنْ خُشامِ الأَنفِ وَهُوَ ضِيقٌ فِي نَفْسِهِ. يُقَالُ: هُوَ يَنْخَمُ نَخْماً. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَقَالَ غَيْرُهُ النُّخَامَةُ مَا يُلْقِيه الرجلُ مِنْ خَراشيِّ صَدْرِهِ، والنُّخاعةُ مَا ينزِل مِنَ النُّخاعِ إِذْ مادّتُه مِنَ الدِّمَاغِ «2» . اللَّيْثُ: النُّخَامَةُ مَا يَخْرُجُ مِنَ الخَيْشوم عِنْدَ التَّنَخُّمِ. اللَّيْثُ: النَّخْمُ اللَّعِبُ والغِناءُ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: هَذَا صَحِيحٌ. ابْنُ الأَعرابي: النَّخْمُ أَجودُ الغِناء؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
الشَّعْبِيِّ: أَنه اجْتَمَعَ شَرْبٌ مِنْ أَهل الأَنْبارِ وَبَيْنَ أَيديهم ناجودٌ فغنَّى نَاخِمُهم
أَي مُغنِّيهم: أَلا فاسْقِياني قَبْلَ جَيْش أَبي بَكْرِ «3» أَي غَنَّى مُغَنِّيهم بِهَذَا. ابْنُ الأَعرابي: النَّخْمَةُ النخاعة. والنَّخْمَةُ: اللَّطْمةُ.
ندم: نَدِمَ عَلَى الشَّيْءِ ونَدِمَ عَلَى مَا فَعَلَ نَدَماً ونَدَامةً وتَنَدَّمَ: أَسِفَ. وَرَجُلٌ نادِمٌ سادِمٌ ونَدْمانُ سَدْمانُ أَي نادِمٌ مُهْتمٌّ. وَفِي الْحَدِيثِ:
النَّدَمُ تَوْبةٌ
، وَقَوْمٌ نُدَّامٌ سُدَّامٌ ونِدامٌ سِدامٌ ونَدَامَى سَدامى. والنَّدِيمُ: الشَّرِيبُ الَّذِي يُنادِمه، وَهُوَ نَدْمانُه أَيضاً. ونَادَمَني فلانٌ عَلَى الشَّرَابِ. فَهُوَ نَدِيمِي ونَدْمَاني؛ قَالَ النُّعْمان بْنُ نَضْلةَ الْعَدَوِيُّ، وَيُقَالُ لِلنُّعْمَانِ بْنِ عَدِيٍّ وَكَانَ عُمَرُ اسْتَعْمَلَهم عَلَى مَيْسانَ:
فإِن كنتَ نَدْماني فبالأَكْبَرِ اسْقِني، ... وَلَا تَسْقِني بالأَصْغَر المُتَثَلِّمِ
لَعَلَّ أَميرَ المؤمنينَ يَسُوءُه ... تَنَادُمُنَا فِي الجَوْسَقِ المُتَهَدِّمِ
قَالَ: وَمِثْلُهُ للبُرْجِ بْنُ مُسْهِرٍ:
ونَدْمانٍ يَزِيدُ الكأْسَ طِيباً، ... سقيْتُ إِذا تَغَوَّرتِ النُّجومُ
__________
(1) . قوله [نحم السواق] في التهذيب: الساقي
(2) . قوله [إِذْ مَادَّتُهُ مِنَ الدِّمَاغِ] في التهذيب: الذي مادته
(3) . قوله [ألا فاسقياني] في النهاية: سقياني(12/572)
قَالَ: وشاهدُ نَديمٍ قولُ البُرَيْق الْهُذَلِيِّ:
زُرنا أَبا زيدٍ، وَلَا حيَّ مِثْله، ... وَكَانَ أَبو زيدٍ أَخي ونَدِيمي
وجمعُ النَّدِيم نِدامٌ، وَجَمْعُ النِّدامِ نَدامَى. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَرْحَباً بِالْقَوْمِ غيرَ خَزايا وَلَا نَدامى
أَي نادِمِينَ، فأَخرجه عَلَى مَذْهَبِهِمْ فِي الإِتباع بِخَزايا، لأَن النَّدامى جَمْعُ نَدْمانٍ، وَهُوَ النَّدِيمُ الَّذِي يُرافِقُك ويُشارِبُك. وَيُقَالُ فِي النَّدَم: نَدْمان أَيضاً، فَلَا يَكُونُ إِتْباعاً لِخَزايا، بَلْ جَمْعًا برأْسه، والمرأَة نَدْمانةٌ، وَالنِّسْوَةُ نَدامَى. وَيُقَالُ: المُنادَمةُ مقلوبةٌ مِنَ المُدامَنةِ، لأَنه يُدْمِنُ شُرْبَ الشَّرَابِ مَعَ نَدِيمه، لأَن الْقَلْبَ فِي كَلَامِهِمْ كَثِيرٌ كالقِسيِّ مِنَ القُوُوسِ، وجَذَب وجَبَذَ، وَمَا أَطْيَبَه وأَيْطَبَه، وخَنِزَ اللحمُ وخَزِنَ، وواحِدٌ وحادٍ. ونادَمَ الرَّجُلَ مُنادَمةً ونِداماً: جالَسه عَلَى الشَّرَابِ. والنَّدِيمُ: المُنادِمُ، وَالْجَمْعُ نُدَماءُ، وَكَذَلِكَ النَّدْمانُ، وَالْجَمْعُ نَدامى ونِدامٌ، وَلَا يُجْمَعُ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ، وإِن أَدخلت الْهَاءَ فِي مُؤَنَّثِهِ؛ قَالَ أَبو الْحَسَنِ: إِنما ذَلِكَ لأَن الْغَالِبَ عَلَى فَعْلانَ أَن يَكُونَ أُنثاه بالأَلف نَحْوَ رَيَّان ورَيَّا وسَكْرانَ وسَكْرَى، وأَما بابُ نَدْمانةٍ وسَيْفانةٍ فِيمَنْ أَخَذه مِنَ السَّيْفِ ومَوْتانةٍ فعزيزٌ بالإِضافة إِلَى فَعْلان الَّذِي أُنثاه فَعْلى، والأُنثى نَدْمَانَةٌ، وَقَدْ يَكُونُ النَّدْمان وَاحِدًا وَجَمْعًا؛ وَقَوْلُ أَبي مُحَمَّدٍ الحذْلميِّ:
فذاكَ بعدَ ذاكَ مِنْ نِدَامِها
فَسَّرَهُ ثَعْلَبٌ فَقَالَ: نِدامُها سَقْيُها. والنَيْدَمانُ: نَبْتٌ. والنَّدَبُ والنَّدَمُ: الأَثرُ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِياكم ورَضاع السَّوْء فإِنه لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَنْتَدِمَ يَوْمًا مَا
أَي يَظْهَرَ أَثرُه. والنَّدَم: الأَثَر، وَهُوَ مِثْلُ النَّدَب، وَالْبَاءُ وَالْمِيمُ يَتَبَادَلَانِ، وَذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ بِسُكُونِ الدَّالِ مِنَ النَّدْمِ، وَهُوَ الغَمّ اللَّازِمُ إِذ يَنْدَم صاحبُه لِمَا يَعْثر عَلَيْهِ مِنْ سُوءِ آثَارِهِ. وَيُقَالُ: خُذْ مَا انْتَدَمَ وانتَدَب وأَوْهَف أَي خُذْ مَا تَيسَّر. والتَّنَدُّم: أَن يَتَّبع الإِنسان أَمراً نَدَماً. يُقَالُ: التقَدُّم قَبْلَ التنَدُّم؛ وَهَذَا يُرْوَى عَنْ أَكثم بْنِ صَيفي أَنه قَالَ: إِن أَردتَ المُحاجَزة فقبْل المُناجزة؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: مَعْنَاهُ انجُ بِنَفْسِكَ قَبْلَ لِقاء مَنْ لَا قِوامَ لَكَ بِهِ، قَالَ: وَقَالَ الَّذِي قتلَ محمدَ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ يَوْمَ الجمَل:
يُذَكِّرُني حاميمَ، والرُّمْحُ شاجرٌ، ... فهلَّا تَلا حاميمَ قبلَ التقدُّم
وأَنْدَمَه اللهُ فنَدِمَ. وَيُقَالُ: اليَمين حِنْثٌ أَو مَنْدَمة؛ قَالَ لَبِيدٌ:
وإِلا فَمَا بالمَوْتِ ضُرٌّ لأَهْلِه، ... وَلَمْ يُبْقِ هَذَا الأَمرُ في العَيْش مَنْدَما
نسم: النَّسَمُ والنَّسَمَةُ: نفَسُ الرُّوحِ. وَمَا بِهَا نَسَمَة أَي نفَس. يُقَالُ: مَا بِهَا ذُو نَسَمٍ أَي ذُو رُوح، وَالْجَمْعُ نَسَمٌ. والنَّسِيمُ: ابتداءُ كلِّ ريحٍ قَبْلَ أَن تَقْوى؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ. وتَنَسَّمَ: تنفَّس، يَمَانِيَةٌ. والنَّسَمُ والنَّسِيمُ: نفَس الرِّيح إِذا كَانَ ضَعِيفًا، وَقِيلَ: النَّسِيم مِنَ الرِّيَاحِ الَّتِي يَجِيءُ مِنْهَا نَفَسٌ ضَعِيفٌ، وَالْجَمْعُ مِنْهَا أَنْسَامٌ؛ قَالَ يَصِفُ الإِبل:
وجَعَلَتْ تَنْضَحُ مِنْ أَنْسَامِها، ... نَضْحَ العُلوجِ الحُمْرِ فِي حَمَّامِها
أَنْسَامُها: رَوَائِحُ عَرَقِها؛ يَقُولُ: لَهَا رِيحٌ طَيِّبَةٌ. والنَّسِيمُ: الرِّيحُ الطَّيِّبَةُ. يُقَالُ: نسَمت الريحُ نَسِيماً(12/573)
ونَسَماناً. والنَّيْسَمُ: كَالنَّسِيمِ، نَسَمَ يَنْسِمُ نَسْماً ونَسِيماً ونَسَماناً. وتَنَسَّمَ النسيمَ: تَشمَّمه. وتَنَسَّمَ مِنْهُ علْماً: عَلَى الْمَثَلِ، وَالشِّينُ لُغَةٌ عَنْ يَعْقُوبَ، وسيأْتي ذِكْرُهَا، وَلَيْسَتْ إِحداهما بَدَلًا مِنْ أُختها لأَن لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَجْهًا، فأَما تَنَسَّمت فكأَنه مِنَ النَّسيم كَقَوْلِكَ اسْتَرْوَحتُ خَبراً، فَمَعْنَاهُ أَنه تَلطَّف فِي التِماس الْعِلْمِ مِنْهُ شَيْئًا فَشَيْئًا كهُبوب النَّسِيمِ، وأَما تنَشَّمت فَمِنْ قَوْلِهِمْ نَشَّم فِي الأَمر أَي بَدأَ وَلَمْ يُوغِل فِيهِ أَي ابتدأْت بطَرَفٍ مِنَ الْعِلْمِ مِنْ عِنْدِهِ وَلَمْ أَتمكَّن فِيهِ. التَّهْذِيبُ: ونَسيم الرِّيحِ هُبوبها. قَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: النَّسِيم مِنَ الرِّيَاحِ الرُّويدُ، قَالَ: وتَنَسَّمَتْ ريحُها بِشَيْءٍ مِنْ نَسيمٍ أَي هبَّت هُبُوبًا رُويداً ذَاتَ نَسيمٍ، وَهُوَ الرُّوَيد. وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: النَّسِيم مِنَ الرِّيَاحِ الَّتِي تَجِيءُ بنفَسٍ ضَعِيفٍ. والنَّسَمُ: جَمْعُ نَسَمَة، وَهُوَ النَّفَس والرَّبْوُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
تَنكَّبُوا الغُبارَ فإِن مِنْهُ تَكُونُ النَّسَمةُ
؛ قِيلَ: النَّسَمَة هَاهُنَا الرَّبْوُ، وَلَا يَزَالُ صَاحِبُ هَذِهِ الْعِلَّةِ يتنَفَّس نَفَسًا ضَعِيفًا؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: النَّسَمَةُ فِي الْحَدِيثِ، بِالتَّحْرِيكِ، النفَس، وَاحِدُ الأَنفاس، أَراد تَواترَ النفَس والرَّبوَ والنَّهيجَ، فَسُمِّيَتِ الْعِلَّةُ نَسَمَة لِاسْتِرَاحَةِ صاحبِها إِلى تنفسِه، فإِن صَاحِبَ الرَّبوِ لَا يَزَالُ يتنفَّس كَثِيرًا. وَيُقَالُ: تَنَسَّمَتِ الريحُ وتَنَسَّمْتُها أَنا؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
فإِن الصَّبا رِيحٌ إِذا مَا تَنَسَّمَتْ ... على كِبْدِ مَخْزونٍ، تجَلَّتْ هُمومُها
وإِذا تَنَسَّمَ العليلُ وَالْمَحْزُونُ هبوبَ الرِّيحِ الطيِّبة وجَد لَهَا خَفّاً وفرَحاً. ونَسِيمُ الرِّيحِ: أَوَّلها حِينَ تُقْبل بلينٍ قَبْلَ أَن تَشْتَدَّ. وَفِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ أَنه قَالَ:
بُعِثْت فِي نَسَمِ السَّاعَةِ
، وَفِي تَفْسِيرِهِ قَوْلَانِ: أَحدهما بُعِثْت فِي ضَعْفِ هُبوبها وأَول أَشراطها وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الأَعرابي، قَالَ: والنَّسَم أَولُ هُبُوبِ الرِّيحِ، وَقِيلَ: هُوَ جَمْعُ نَسَمَةٍ أَي بُعِثت فِي ذَوِي أَرواح خَلَقَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي وَقْتِ اقْتِرَابِ السَّاعَةِ كأَنه قَالَ فِي آخِرِ النَّشْءِ مِنْ بَنِي آدَمَ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: أَي حِينَ ابتدأَت وأَقبَلت أَوائِلُها. وتَنَسَّمَ المكانُ بالطِّيب: أَرِجَ؛ قَالَ سَهْم بْنُ إِياس الْهُذَلِيُّ:
إِذا مَا مَشَتْ يَوْماً بوادٍ تَنَسَّمَتْ ... مَجالِسُها بالمَنْدَليِّ المُكَلَّلِ
وَمَا بِهَا ذُو نَسيم أَي ذُو رُوح. والنَّسَم والمَنْسَمُ مِنَ النَّسيم. والمَنْسِم، بِكَسْرِ السِّينِ: طَرَفُ خُفِّ الْبَعِيرِ وَالنَّعَامَةِ وَالْفِيلِ وَالْحَافِرِ، وَقِيلَ: مَنْسِما الْبَعِيرِ ظُفْراه اللَّذَانِ فِي يَدَيْهِ، وَقِيلَ: هُوَ لِلنَّاقَةِ كَالظُّفْرِ للإِنسان؛ قَالَ الْكِسَائِيُّ: هُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْفِعْلِ، يُقَالُ: نَسَمَ بِهِ يَنْسِمُ نَسْماً. قَالَ الأَصمعي: وَقَالُوا مَنسِمُ النَّعَامَةِ كَمَا قَالُوا لِلْبَعِيرِ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: وَطِئَتْهم بالمَناسِم
، جَمْعُ مَنْسِم، أَي بأَخفافِها؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَقَدْ تُطْلَقُ عَلَى مَفاصل الإِنسان اتِّسَاعًا؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
عَلَى كُلِّ مَنسِمٍ مِنَ الإِنسان صَدقةٌ
أَي كُلِّ مَفْصِل. ونَسَمَ بِهِ يَنْسِمُ نَسْماً: ضَرَبَ؛ وَاسْتَعَارَهُ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ للظَّبْي فَقَالَ:
تَذُبُّ بسَحْماوَيْنِ لَمْ يَتَفَلَّلا، ... وَحى الذِّئبِ عَنْ طَفْلٍ مَنَاسِمُه مُخْلي
ونَسِمَ نَسَماً: نَقِبَ مَنسِمُه. والنَّسَمَةُ: الإِنسان، وَالْجَمْعُ نَسَمٌ ونَسَمَاتٌ؛ قَالَ الأَعشى:
بأَعْظَمَ مِنْهُ تُقىً فِي الحِساب، ... إِذا النَّسَمَاتُ نَقَضْنَ الغُبارا
وتَنَسَّمَ أَي تَنَفَّسَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
لمَّا تَنَسَّموا رَوْحَ(12/574)
الْحَيَاةِ
أَي وَجدوا نَسيمَها. والتَّنَسُّم: طلبُ النَّسِيمِ واسْتِنشاقه. والنَّسَمَةُ فِي العِتْق: الْمَمْلُوكُ، ذَكَرًا كَانَ أَو أُنثى. ابْنُ خَالَوَيْهِ: تَنَسَّمْت مِنْهُ وتَنشَّمْت بِمَعْنًى. وَكَانَ فِي بَنِي أَسد رجلٌ ضمِن لَهُمْ رِزْقَ كلِّ بِنْتٍ تولَد فِيهِمْ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ المُنَسِّم أَي يُحْيي النَّسَمات؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الْكُمَيْتِ:
ومنَّا ابنُ كُوزٍ، والمُنَسِّمُ قَبْله، ... وفارِسُ يَوْمِ الفَيْلَقِ العَضْبُ ذُو العَضْبِ
والمُنَسِّمُ: مُحْيي النَّسَمات. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: مَنْ أَعتق نَسَمَةً مُؤمِنةً وَقَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْواً مِنَ النَّارِ
؛ قَالَ خَالِدٌ: النَّسَمَةُ النَّفْسُ والروحُ. وكلُّ دَابَّةٍ فِي جَوْفِهَا رُوح فَهِيَ نَسَمَةٌ. والنَّسَمُ: الرُّوح، وَكَذَلِكَ النَّسِيمُ؛ قَالَ الأَغلب:
ضَرْبَ القُدارِ نَقيعةَ القِدِّيمِ، ... يَفْرُقُ بينَ النَّفْسِ والنَّسِيمِ
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: أَراد بالنفْس هَاهُنَا جسمَ الإِنسان أَو دَمَه لَا الرُّوحَ، وأَراد بالنَّسِيم الروحَ، قَالَ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ:
مَنْ أَعْتَقَ نَسَمَةً
أَي مَنْ أَعتق ذَا نَسَمةٍ، وَقَالَ ابْنُ الأَثير: أَي مَنْ أَعْتَقَ ذَا رُوح؛ وكلُّ دابَّةٍ فِيهَا رُوحٌ فَهِيَ نَسَمَةٌ، وإِنما يُرِيدُ النَّاسَ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ: وَالَّذِي فَلَقَ الحَبَّةَ وبَرأَ النَّسَمَةَ
أَي خَلَقَ ذاتَ الرُّوحِ، وَكَثِيرًا مَا كَانَ يَقُولُهَا إِذا اجْتَهَدَ فِي يَمِينِهِ. وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: النَّسَمَةُ غُرَّةُ عَبْدٍ أَو أَمة. وَفِي الْحَدِيثِ عَنِ
الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: جَاءَ أَعرابي إِلى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: عَلِّمْني عَمَلًا يُدْخِلُني الْجَنَّةَ، قَالَ: لَئِنْ كُنْتَ أَقْصَرْت الخُطْبةَ لَقَدْ أَعْرَضْت المَسْأَلة، أَعْتِق النَّسَمَةَ وفُكَّ الرقبةَ، قَالَ: أَوَليسا وَاحِدًا؟ قَالَ: لَا، عِتْقُ النَّسَمَةِ أَن تَفَرَّدَ بِعِتْقِهَا، وَفَكُّ الرَّقَبَةِ أَن تُعينَ فِي ثَمَنِهَا، والمِنْحة الوَكوف، وأَبقِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ «1» الظَّالِمِ، فإِن لَمْ تُطِقْ ذَلِكَ فأَطْعِم الجائعَ، واسْقِ الظمْآنَ، وأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ، فإِن لَمْ تُطِقْ فكُفَّ لِسانَك إِلا مِنْ خَيرٍ.
وَيُقَالُ: نَسَّمْتُ نَسَمة إِذا أَحْيَيْتَها أَو أَعْتَقْتها. وَقَالَ بَعْضُهُمُ: النَّسَمَة الخَلْقُ، يَكُونُ ذَلِكَ لِلصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ والدوابِّ وَغَيْرِهَا وَلِكُلِّ مَنْ كَانَ فِي جوفِه رُوحٌ حَتَّى قَالُوا لِلطَّيْرِ؛ وأَنشد شَمِرٌ:
يَا زُفَرُ القَيْسِيّ ذُو الأَنْف الأَشَمّ ... هَيَّجْتَ مِنْ نخلةَ أَمثالَ النَّسَمْ
قَالَ: النَّسَمُ هَاهُنَا طيرٌ سِراعٌ خِفافٌ لَا يَسْتَبينُها الإِنسان مِنْ خفَّتِها وسرعتِها، قَالَ: وَهِيَ فَوْقَ الخَطاطيف غُبْرٌ تعلوهنَّ خُضرة، قَالَ: والنَّسَمُ كالنفَس، وَمِنْهُ يُقَالُ: نَاسَمْتُ فُلَانًا أَي وجَدْت ريحَه ووَجدَ رِيحي؛ وأَنشد:
لَا يَأْمَنَنَّ صُروف الدهرِ ذُو نَسَمٍ
أَي ذُو نفَسٍ، ونَاسَمَه أَي شامَّه؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَجَاءَ فِي شِعْرِ الْحَرْثُ بْنُ خَالِدِ بْنِ الْعَاصِ:
عُلَّتْ بِهِ الأَنْيابُ والنَّسَمُ
يُرِيدُ بِهِ الأَنفَ الَّذِي يُتَنَسَّمُ بِهِ. ونَسَمَ الشيءُ ونَسِمَ نَسَماً: تغيَّر، وَخَصَّ بَعْضُهُمْ بِهِ الدُّهن. والنَّسَمُ: ريحُ اللبَن والدسَم. والنَّسَمُ: أَثر الطَّرِيقِ الدارِس. والنَّيْسَمُ: الطَّرِيقُ المُستقيم، لُغَةٌ فِي النَّيْسَب. وَفِي حَدِيثِ
عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وإِسلامِه قَالَ: لقد
__________
(1) . قوله [وَالْمِنْحَةُ الْوَكُوفِ وأَبقِ عَلَى ذي الرحم] كذا بالأَصل، ولعله وأعط المنحة الوكوف وأبق إلخ(12/575)
اسْتقام المَنْسِمُ وإِن الرَّجُلَ لَنَبيٌّ، فأَسْلَمَ.
يُقَالُ: قَدِ استَقامَ المَنْسِمُ أَي تَبَيَّنَ الطريقُ. وَيُقَالُ: رأَيت مَنْسِماً مِنَ الأَمر أَعْرِفُ بِهِ وَجْهَه أَي أَثراً مِنْهُ وَعَلَامَةً؛ قَالَ أَوْس بْنُ حَجَر:
لَعَمْرِي لَقَدْ بَيَّنْت يومَ سُوَيْقةٍ ... لِمَنْ كَانَ ذَا رأْيٍ بِوِجْهةِ مَنْسِمِ
أَي بوجهِ بيانٍ، قَالَ: والأَصل فِيهِ مَنْسِما خُفِّ الْبَعِيرِ، وَهُمَا كالظُّفرين فِي مُقدَّمه بِهِمَا يُسْتبان أَثرُ الْبَعِيرِ الضَّالِّ، وَلِكُلِّ خُفٍّ مَنْسِمان، ولِخُفِّ الفِيل مَنْسِمٌ. وَقَالَ أَبو مَالِكٍ: المَنْسِمُ الطَّرِيقُ؛ وأَنشد للأَحْوَص:
وإِن أَظْلَمَتْ يَوْمًا عَلَى الناسِ غَسْمةٌ، ... أَضَاءَ بكُم، يَا آلَ مَرْوانَ، مَنْسِمُ
يَعْنِي الطَّرِيقَ، والغَسْمة: الظُّلْمة. ابْنُ السِّكِّيتِ: النَّيْسَمُ مَا وجدتَ مِنَ الْآثَارِ فِي الطَّرِيقِ، وَلَيْسَتْ بِجادّة بَيّنَةٍ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
باتَتْ عَلَى نَيْسَمِ خَلٍّ جَازِعِ، ... وَعْثِ النِّهاض قاطِع المَطالِع
والمَنْسِمُ: المَذْهب والوجهُ مِنْهُ. يُقَالُ: أَين مَنْسِمُك أَي أَين مذهبُك ومُتوجَّهُك. وَمِنْ أَين مَنْسِمُك أَي مِنْ أَين وِجْهتُك. وَحَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ: أَين مَنْسِمُك أَي بيتُك. والناسِمُ: المريضُ الَّذِي قَدْ أَشفى عَلَى الْمَوْتِ. يُقَالُ: فُلَانٌ يَنْسِمُ كنَسْم الرِّيحِ الضَّعِيفِ؛ وَقَالَ الْمَرَّارُ:
يمْشِينَ رَهْواً، وَبَعْدَ الجَهْدِ مِنْ نَسَمٍ، ... وَمِنْ حَياءِ غَضِيضِ الطَّرْفِ مَسْتورِ
ابْنُ الأَعرابي: النَّسِيم العرَقُ. والنَّسْمَة العرْقة فِي الْحَمَّامِ وَغَيْرِهِ، وَيُجْمَعُ النَّسَم بِمَعْنَى الخَلْق أَنَاسِم. وَيُقَالُ: مَا فِي الأَنَاسِم مثلُه، كأَنَّه جَمَعَ النَّسَم أَنْسَاماً، ثُمَّ أَنَاسِمُ جمعُ الْجَمْعِ.
نشم: النَّشَمُ، بِالتَّحْرِيكِ: شَجَرٌ جَبَلِيٌّ تُتَّخَذُ مِنْهُ الْقِسِيُّ، وَهُوَ مِنْ عُتُق العِيدان؛ قَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤَيَّة:
يأْوي إِلى مُشْمَخِرّاتٍ مُصَعِّدةٍ ... شُمٍّ، بِهِنّ فُروعُ القانِ والنَّشَم
واحدتُه نَشَمَةٌ. الأَصمعي: مِنْ أَشجار الْجِبَالِ النَّبْع والنَّشَمُ وَغَيْرُهُ تتَّخذ مِنَ النَّشَم القِسِيُّ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:
عارِضٍ زَوْراءَ مِنْ نَشَمٍ، ... غَيْرِ باناتٍ عَلَى وتَرِهْ
والنَّشَمُ أَيضاً: مِثْلُ النَّمَش عَلَى الْقَلْبِ؛ يُقَالُ مِنْهُ: نَشِمَ، بِالْكَسْرِ، فَهُوَ ثورٌ نَشِمٌ إِذا كَانَ فِيهِ نُقَطٌ بِيضٌ وَنُقَطٌ سُودٌ. ونَشَّمَ اللحمُ تَنْشِيماً: تغيَّر وابتدأَتْ فِيهِ رائحةٌ كَرِيهَةٌ، وَقِيلَ: تَغَيَّرَتْ ريحُه وَلَمْ يَبْلُغِ النَّتْنَ، وَفِي التَّهْذِيبِ: إِذا تَغَيَّرَتْ ريحُه لَا مِنْ نَتْنٍ وَلَكِنْ كَراهةً. يُقَالُ: يَدِي مِنَ الجُبْنِ ونحوِه نَشِمَةٌ. والمُنَشِّمُ: الَّذِي قَدِ ابتدأَ يتغيَّر؛ وأَنشد:
وَقَدْ أُصاحِبُ فِتْياناً شَرابُهُمُ ... خُضْرُ المَزاد، ولَحْمٌ فِيهِ تَنْشِيمُ
قَالَ: خَضِرُ المَزادِ الفَظُّ وَهُوَ ماءُ الكَرِش. وَيُقَالُ: إِن الْمَاءَ بَقِي فِي الأَداوي فاخْضَرَّت مِنَ القِدَم. وتَنَشَّمْتُ مِنْهُ علْماً إِذا استفَدْت مِنْهُ عِلْمًا. ونَشَّمَ القومُ فِي الأَمر تَنْشِيماً: نَشَبوا فِيهِ وأَخذوا فِيهِ. قَالَ: وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلا فِي الشَّرِّ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: نَشَّمَ الناسُ فِي عُثْمان. ونَشَّمَ فِي الأَمر: ابتدأَ فِيهِ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، هَكَذَا قَالَ فِيهِ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ. ونَشَّمَه ونَشَّمَ فِيهِ: نَالَ مِنْهُ وطَعَن عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ فِي حَدِيثِ مَقْتل عُثْمَانَ:
لَمَّا(12/576)
نَشَّمَ الناسُ فِي أَمره
؛ قَالَ: مَعْنَاهُ طَعَنُوا فِيهِ وَنَالُوا مِنْهُ، أَصلُه مِنْ تَنْشِيم اللَّحْمِ أَوَّلَ مَا يُنْتِن. وتَنَشَّمَ فِي الشَّيْءِ ونَشَّمَ فِيهِ إِذَا ابتدأَ فِيهِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
قَدْ أَغْتَدي، والليلُ فِي جَرِيمه، ... مُعَسْكِراً فِي الغُرِّ مِنْ نجُومِه
والصُّبْحُ قَدْ نَشَّمَ فِي أَديمِه، ... يَدُعُّه بِضَفَّتَيْ حَيْزُومِه،
دَعَّ الرَّبِيب لحْيَتَيْ يَتِيمِه
قَالَ: نَشَّم فِي أَديمِه يُرِيدُ تَبدَّى فِي أَول الصُّبْحِ، قَالَ: وأَديمُ اللَّيْلِ سَوَادُهُ، وجريمُه: نَفْسُهُ. والتَّنْشِيم: الابتداءُ فِي كُلِّ شَيْءٍ. وَفِي النَّوَادِرِ: نَشَمْتُ فِي الأَمر ونَشَّمْت ونَشَّبْت أَيِ ابتدأْت. ونَشَّمَتِ الأَرضُ: نَزَّتْ بِالْمَاءِ. والمَنْشِم: حبُّ «2» مِنَ العِطْر شاقٌّ الدَّقّ. والمَنْشَم والمَنْشِم: شَيْءٌ يَكُونُ فِي سُنْبُلِ العِطر يُسَمِّيه الْعَطَّارُونَ رَوْقاً، وَهُوَ سَمُّ ساعةٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ ثَمَرَةٌ سَوْدَاءُ مُنْتِنَة، وَقَدْ أَكثرت الشعراءُ ذِكْر مَنْشِمٍ فِي أَشعارهم؛ قَالَ الأَعشى:
أَراني وعَمْراً بَيْنَنَا دَقُّ مَنْشِمٍ، ... فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَن أُجَنَّ ويَكْلَبَا
ومَنْشِمُ، بِكَسْرِ الشِّينِ: امرأَة عَطَّارَةٌ مِنْ هَمْدان كَانُوا إِذَا تطيَّبوا مِنْ رِيحِهَا اشتدَّت الْحَرْبُ فَصَارَتْ مَثَلًا فِي الشَّرِّ؛ قَالَ زُهَيْرٌ:
تَدارَكْتُمُ عَبْساً وذُبْيانَ، بعد ما ... تَفانَوْا، ودَقُّوا بَيْنَهُمْ عِطْرَ مَنْشِمِ
صَرْفُهُ للشِّعر. وَقَالَ أَبو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: هُوَ مِنَ ابْتِدَاءِ الشَّرِّ، وَلَمْ يَكُنْ يَذْهَبُ إِلَى أَن مَنْشِمَ امرأَةٌ كَمَا يَقُولُ غَيْرُهُ؛ وَقَالَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ فِي عِطْرِ مَنْشِم: مَنْشِمُ امرأَةٌ مِنْ حِمْيَر، وَكَانَتْ تَبِيعُ الطِّيبَ، فَكَانُوا إِذَا تَطَيَّبُوا بطيبِها اشتدَّت حربُهم فَصَارَتْ مَثَلًا فِي الشَّرِّ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: مَنْشِمُ امرأَةٌ كَانَتْ بِمَكَّةَ عَطَّارَةٌ، وَكَانَتْ خُزاعةُ وجُرْهُم إِذَا أَرادوا الْقِتَالَ تطيَّبوا مِنْ طِيبِهَا، وَكَانُوا إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ كَثُرَ القَتْلى فِيمَا بَيْنَهُمْ فَكَانَ يُقَالُ: أَشْأَمُ مِنْ عِطْرِ مَنْشِم، فَصَارَ مَثَلًا: قَالَ: وَيُقَالُ هُوَ حبُّ بَلَسانٍ. وَحَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ قَالَ: يُقَالُ عطرُ مَنْشَم ومَنْشِم، قَالَ: وَقَالَ أَبو عَمْرٍو مَنْشَمٌ الشرُّ بِعَيْنِهِ، قَالَ: وَزَعَمَ آخَرُونَ أَنه شَيْءُ مِنْ قُرون السُّنْبُل يُقَالُ لَهُ البَيْش، وَهُوَ سَمُّ ساعةٍ؛ قَالَ: وَقَالَ الأَصمعي هُوَ اسْمُ امرأَة عطَّارة كَانُوا إِذَا قَصَدُوا الْحَرْبَ غَمَسوا أَيْدِيَهم فِي طِيبها، وَتَحَالَفُوا عَلَيْهِ بأَن يسْتَمِيتُوا فِي الْحَرْبِ وَلَا يُوَلُّوا أَوْ يُقْتَلوا، قَالَ: وَقَالَ أَبو عَمْرٍو الشَّيْباني: مَنْشِم امرأَة عَطَّارَةٌ تَبِيعُ الحَنُوط، وَهِيَ مِنْ خُزاعة، قَالَ: وَقَالَ هشامٌ الكَلْبيُّ مَنْ قَالَ مَنْشِم، بِكَسْرِ الشِّينِ، فَهِيَ مَنْشِم بِنْتُ الوَجيه مِنْ حِمْير، وَكَانَتْ تَبِيعُ العِطْرَ، وَيَتَشَاءَمُونَ بِعِطْرِهَا، وَمَنْ قَالَ مَنْشَم، بِفَتْحِ الشِّينِ، فَهِيَ امرأَة كَانَتْ تَنْتجع العربَ تبيعُهم عِطرها، فأَغار عَلَيْهَا قومٌ مِنَ الْعَرَبِ فأَخذوا عِطْرَها، فَبَلَغَ ذَلِكَ قومَها فاستأْصلوا كلَّ مَنْ شَمُّوا عَلَيْهِ ريحَ عِطْرِهَا؛ وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هِيَ امرأَة مِنْ جُرهُم، وَكَانَتْ جُرْهُم إِذَا خَرَجَتْ لِقِتَالِ خُزاعة خَرَجَتْ مَعَهُمْ فطيَّبتهم، فَلَا يَتَطَيَّبُ بِطِيبِهَا أَحد إِلا قاتلَ حَتَّى يُقتل أَو يُجْرَحَ، وَقِيلَ: مَنْشِمُ امرأَةٌ كَانَتْ صَنَعَتْ طِيبًا تُطَيِّب بِهِ زَوْجَهَا، ثُمَّ إِنَّهَا صَادَقَتْ رَجُلًا وَطَيَّبَتْهُ بطيبِها، فلقِيَه زوجُها فشمَّ ريحَ طِيبِهَا عَلَيْهِ فقتَله، فَاقْتَتَلَ الحيّانِ مِنْ أَجله.
__________
(2) . قوله [والمنشم حب إلخ] هو كمجلس ومقعد(12/577)
نصم: ابْنِ الأَعرابي: الصَّنَمةُ «1» والنَّصَمةُ الصورةُ الَّتِي تُعْبَدُ.
نضم: أَهمله اللَّيْثُ، وَرَوَى أَبو الْعَبَّاسِ عَنِ عَمْرٍو عَنْ أَبيه: النَّضْمُ الحنطةُ الحادرةُ السَّمِينَةُ، وَاحِدَتُهَا نَضْمَةٌ، وهو صحيح.
نطم: أَهمله اللَّيْثُ، ابْنُ الأَعرابي: النَّطْمَةُ النَّقْرةُ مِنَ الدِّيك وَغَيْرِهِ، وَهِيَ النَّطْبَةُ بالباء أَيضاً.
نظم: النَّظْمُ: التأْليفُ، نَظَمَه يَنْظِمُه نَظْماً ونِظاماً ونَظَّمَه فانْتَظَمَ وتَنَظَّمَ. ونَظَمْتُ اللؤْلؤَ أَيْ جَمَعْتُهُ فِي السِّلْك، والتَّنْظِيمُ مِثْلُهُ، وَمِنْهُ نَظَمْتُ الشِّعر ونَظَّمْته، ونَظَمَ الأَمرَ عَلَى المثَل. وكلُّ شَيْءٍ قَرَنْتَه بِآخَرَ أَوْ ضَمَمْتَ بعضَه إِلَى بَعْضٍ، فَقَدْ نَظَمْته. والنَّظْمُ: المَنْظومُ، وَصْفٌ بِالْمَصْدَرِ. والنَّظْمُ: مَا نظَمْته مِنْ لؤلؤٍ وخرزٍ وَغَيْرِهِمَا، وَاحِدَتُهُ نَظْمَة. ونَظْم الحَنْظل: حبُّه فِي صِيصائه. والنِّظَامُ: مَا نَظَمْتَ فِيهِ الشَّيْءَ مِنْ خَيْطٍ وَغَيْرِهِ، وكلُّ شعبةٍ مِنْهُ وأَصْلٍ نِظامٌ. ونِظامُ كُلِّ أَمر: مِلاكُه، وَالْجَمْعُ أَنْظِمَة وأَناظِيمُ ونُظُمٌ. اللَّيْثُ: النَّظْمُ نَظمُك الخرزَ بعضَه إِلَى بَعْضٍ فِي نِظامٍ وَاحِدٍ، كَذَلِكَ هُوَ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى يُقَالَ: لَيْسَ لأَمره نِظامٌ أَيْ لَا تَسْتَقِيمُ طريقتُه. والنِّظامُ: الخيطُ الَّذِي يُنْظمُ بِهِ اللؤلؤُ، وكلُّ خيطٍ يُنْظَم بِهِ لُؤْلُؤٌ أَوْ غيرهُ فَهُوَ نِظامٌ، وَجَمْعُهُ نُظُمٌ؛ وَقَالَ:
مِثْل الفَرِيدِ الَّذِي يَجري مَتَى النُّظُم
وفعلُك النَّظْمُ والتَّنْظِيمُ. ونَظْمٌ مِنْ لؤلؤٍ، قَالَ: وَهُوَ فِي الأَصل مَصْدَرٌ، والانْتِظام: الاتِّساق. وَفِي حَدِيثِ أَشراط السَّاعَةِ:
وَآيَاتٌ تَتابعُ كنِظامٍ بالٍ قُطِعَ سِلْكُه
؛ النِّظام: العِقْدُ مِنَ الْجَوْهَرِ وَالْخَرَزِ وَنَحْوِهِمَا، وسِلْكُه خَيْطُه. والنِّظامُ: الهَديَةُ والسِّيرة. وَلَيْسَ لأَمرهم نِظامٌ أَيْ لَيْسَ لَهُ هَدْيٌ وَلَا مُتَعَلَّق وَلَا اسْتِقَامَةٌ. وَمَا زالَ عَلَى نِظامٍ وَاحِدٍ أَيْ عادةٍ. وتَنَاظَمَتِ الصُّخورُ: تلاصَقَت. والنِّظَامَان مِنَ الضبِّ: كُشْيَتان مَنْظومتانِ مِنْ جَانِبَيْ كُلْيَتَيْه طَوِيلَتَانِ. ونِظَامَا الضبَّةِ وإِنْظَاماها: كُشْيَتاها، وَهُمَا خيْطانِ مُنْتَظِمانِ بَيْضاً، يَبْتَدَّان جَانِبَيْهَا مِنْ ذَنَبها إِلَى أُذُنها. وَيُقَالُ: فِي بَطْنِهَا إنْظامان مِنْ بَيْضٍ، وَكَذَلِكَ إِنْظاما السَّمَكَةِ. وَحُكِيَ عَنْ أَبي زَيْدٍ: أُنْظُومَتَا الضبِّ والسمكةِ، وَقَدْ نَظَمَت ونَظَّمَت وأَنْظَمَت، وَهِيَ نَاظِمٌ ومُنَظِّمٌ ومُنْظِم، وَذَلِكَ حِينَ تَمْتَلِئُ مِنْ أَصل ذَنَبِهَا إِلَى أُذنِها بَيْضاً. وَيُقَالُ: نَظَّمَت الضبَّةُ بَيْضَهَا تَنْظِيماً فِي بَطْنِهَا، ونَظَمَها نَظْماً، وَكَذَلِكَ الدَّجَاجَةُ أَنْظَمَت إِذَا صَارَ فِي بَطْنِهَا بَيْضٌ. والأَنْظَامُ: نَفْسُ الْبَيْضِ المُنَظَّم كأَنه مَنْظُومٌ فِي سِلْكٍ. والإِنْظَامُ مِنَ الْخَرَزِ: «2» خيطٌ قَدْ نُظِمَ خَرزاً، وَكَذَلِكَ أَنَاظِيمُ مَكْنِ الضبَّة. وَيُقَالُ: جَاءَنَا نَظْمٌ مِنْ جرادٍ، وَهُوَ الْكَثِيرُ. ونِظامُ الرَّمْلِ وأَنْظَامَتُه: ضَفِرتُه، وَهِيَ مَا تعقَّد مِنْهُ. ونَظَمَ الحبْلَ: شَكّه وعَقَدَه. ونَظَمَ الخَوّاصُ المُقْلَ يَنْظِمُه: شَكّه وضَفَرَه. والنَّظَائِمُ: شَكائِكُ الحَبْلِ وخَلَلُه. وطعَنَه بالرُّمح فانْتَظَمَه أَي اخْتَلَّه. وانْتَظَم سَاقَيْهِ وَجَانِبَيْهِ كَمَا قَالُوا اخْتَلَّ فؤادَه أَيْ ضَمَّهَا بالسِّنان؛ وَقَدْ روي:
__________
(1) . قوله [الصنمة] هو في الأَصل بهذا الضبط، وفي القاموس والتكملة بفتح فسكون
(2) . قوله [والإِنْظَام من الخرز] ضبط في الأَصل والتكملة بالكسر، وفي القاموس بالفتح(12/578)
لَمَّا انْتَظَمْتُ فُؤادَه بالمِطْرِد
وَالرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ: اخْتَلَلْتُ فُؤادَه؛ قَالَ أَبو زَيْدٍ: الانْتِظَامُ للجانِبَين والاخْتلالُ لِلْفُؤَادِ وَالْكَبِدِ. وَقَالَ الْحَسَنُ فِي بَعْضِ مَوَاعِظِهِ: يَا ابنَ آدَمَ عليكَ بنَصيبك مِنَ الْآخِرَةِ، فَإِنَّهُ يأْتي بِكَ عَلَى نَصِيبِكَ مِنَ الدُّنْيَا فيَنْتَظِمُهُ لَكَ انْتِظَاماً ثُمَّ يزولُ مَعَكَ حَيْثُمَا زُلْتَ. وانْتَظَمَ الصيدَ إِذَا طَعَنَهُ أَوْ رَمَاهُ حَتَّى يُنْفِذَه، وَقِيلَ: لَا يُقَالُ انْتَظَمَه حَتَّى يَجْمَعَ رَمْيَتَين بِسَهْمٍ أَوْ رُمْحٍ. والنَّظْمُ: الثُّريّا، عَلَى التَّشْبِيهِ بالنظْمِ مِنَ اللُّؤْلُؤِ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
فوَرَدْن، والعَيُّوقُ مَقْعَدَ رابئ الضُّرَباء ... فَوْقَ النَّظْمِ، لَا يَتَتَلَّع
وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ: فَوْقَ النَّجْمِ، وَهُمَا الثُّرَيَّا مَعًا. والنَّظْمُ أَيضاً: الدّبَرانُ الَّذِي يَلِي الثُّريا. ابْنُ الأَعرابي: النَّظْمةُ كواكبُ الثُّريا. الْجَوْهَرِيُّ: يُقَالُ لِثَلَاثَةِ كواكبَ مِنَ الجَوْزاء نَظْمٌ. ونَظْم: موضعٌ. والنظْمُ: ماءٌ بِنَجْدٍ. والنَّظِيمُ: موضعٌ؛ قَالَ ابْنُ هَرْمة:
فإنَّ الغَيْثَ قَدْ وَهِيَتْ كُلاهُ ... ببَطْحاء السَّيالة، فالنَّظِيمِ
ابْنُ شُمَيْلٍ: النَّظِيمُ شِعْبٌ فِيهِ غُدُرٌ أَوْ قِلاتٌ مُتواصلة بَعْضُهَا قَرِيبٌ مِنْ بَعْضٍ، فالشِّعْبُ حِينَئِذٍ نَظِيمٌ لأَنه نَظَم ذَلِكَ الْمَاءَ، والجماعةُ النُّظُمُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: النَّظِيمُ مِنَ الرُّكِيِّ مَا تَنَاسَقَ فُقُرُهُ عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ.
نعم: النَّعِيمُ والنُّعْمَى والنَّعْمَاء والنِّعْمَة، كُلُّهُ: الخَفْض والدَّعةُ والمالُ، وَهُوَ ضِدُّ البَأْساء والبُؤْسى. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْهُ
؛ يَعْنِي فِي هَذَا الْمَوْضِعِ حُجَجَ اللَّهِ الدالَّةَ عَلَى أَمر النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ
؛ أَيْ تُسْأَلون يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ كُلِّ مَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ فِي الدُّنْيَا، وجمعُ النِّعْمَةِ نِعَمٌ وأَنْعُمٌ كشِدَّةٍ وأَشُدّ؛ حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ؛ وَقَالَ النَّابِغَةُ:
فَلَنْ أَذْكُرَ النُّعْمان إِلَّا بصالحٍ، ... فإنَّ لَهُ عِنْدِي يُدِيّاً وأَنْعُما
والنُّعْم، بِالضَّمِّ: خلافُ البُؤْس. يُقَالُ: يومٌ نُعْمٌ ويومٌ بؤْسٌ، وَالْجَمْعُ أَنْعُمٌ وأَبْؤُسٌ. ونَعُمَ الشيءُ نُعُومَةً أَيْ صَارَ ناعِما لَيِّناً، وَكَذَلِكَ نَعِمَ يَنْعَمُ مِثْلَ حَذِرَ يَحْذَر، وَفِيهِ لُغَةٌ ثَالِثَةٌ مُرَكَّبَةٌ بَيْنَهُمَا: نَعِمَ يَنْعُمُ مِثْلَ فَضِلَ يَفْضُلُ، وَلُغَةٌ رَابِعَةٌ: نَعِمَ يَنْعِمُ، بِالْكَسْرِ فِيهِمَا، وَهُوَ شَاذٌّ. والتَّنَعُّم: الترفُّه، وَالِاسْمُ النَّعْمَة. ونَعِمَ الرَّجُلُ يَنْعَمُ نَعْمَةً، فَهُوَ نَعِمٌ بَيَّنُ المَنْعَم، وَيَجُوزُ تَنَعَّمَ، فَهُوَ نَاعِمٌ، ونَعِمَ يَنْعُمُ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: نَعِمَ فِي الأَصل مَاضِي يَنْعَمُ، ويَنْعُمُ فِي الأَصل مضارعُ نَعُمَ، ثُمَّ تَدَاخَلَتِ اللُّغَتَانِ فَاسْتَضَافَ مَنْ يَقُولُ نَعِمَ لُغَةَ مَنْ يَقُولُ يَنْعُمُ، فَحَدَثَ هُنَالِكَ لغةٌ ثَالِثَةٌ، فَإِنْ قُلْتَ: فَكَانَ يَجِبُ، عَلَى هَذَا، أَن يَسْتَضِيفَ مَنْ يَقُولُ نَعُمَ مضارعَ مَنْ يَقُولُ نَعِمَ فَيَتَرَكَّبُ مِنْ هَذَا لغةٌ ثَالِثَةٌ وَهِيَ نَعُمَ يَنْعَمُ، قِيلَ: مَنَعَ مِنْ هَذَا أَن فَعُل لَا يَخْتَلِفُ مضارعُه أَبداً، وَلَيْسَ كَذَلِكَ نَعِمَ، فَإِنَّ نَعِمَ قَدْ يأْتي فِيهِ يَنْعِمُ ويَنْعَمُ، فَاحْتَمَلَ خِلاف مضارعِه، وفَعُل لَا يَحْتَمِلُ مضارعُه الخلافَ، فَإِنْ قُلْتَ: فَمَا بالهُم كَسَرُوا عينَ يَنْعِمُ وَلَيْسَ فِي مَاضِيهِ إِلَّا نَعِمَ ونَعُمَ وكلُّ واحدٍ مِنْ فَعِل وفَعُل لَيْسَ لَهُ حَظٌّ فِي بَابِ يَفْعِل؟ قِيلَ: هَذَا طريقُه غَيْرُ طَرِيقِ مَا قَبْلَهُ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ يَنْعِمُ، بِكَسْرِ الْعَيْنِ، جَاءَ عَلَى ماضٍ وَزْنُهُ فعَل غَيْرَ أَنهم لَمْ يَنْطِقوا بِهِ اسْتِغْنَاءً عَنْهُ بنَعِم ونَعُم، كَمَا اسْتَغْنَوْا بتَرَك عَنْ وَذَرَ(12/579)
ووَدَعَ، وَكَمَا استغنَوْا بمَلامِحَ عَنْ تَكْسِيرِ لَمْحةٍ، أَو يَكُونَ فَعِل فِي هَذَا دَاخِلًا عَلَى فَعُل، أَعني أَن تُكسَر عينُ مُضَارِعِ نَعُمَ كَمَا ضُمَّت عينُ مُضَارِعِ فَعِل، وَكَذَلِكَ تَنَعَّمَ وتَنَاعَمَ ونَاعَمَ ونَعَّمَه ونَاعَمَه. ونَعَّمَ أَولادَه: رَفَّهَهم. والنَّعْمَةُ، بِالْفَتْحِ: التَّنْعِيمُ. يُقَالُ: نَعَّمَه اللَّهُ ونَاعَمَه فتَنَعَّمَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
كَيْفَ أَنْعَمُ وصاحبُ القَرْنِ قَدِ الْتَقَمه؟
أَيْ كَيْفَ أَتَنَعَّمُ، مِنَ النَّعْمة، بِالْفَتْحِ، وَهِيَ الْمَسَرَّةُ وَالْفَرَحُ والترفُّه. وَفِي حَدِيثِ
أَبي مَرْيَمَ: دخلتُ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ: مَا أَنْعَمَنا بِكَ؟
أَي مَا الَّذِي أَعْمَلَكَ إِلَيْنَا وأَقْدَمَك عَلَيْنَا، وَإِنَّمَا يُقَالُ ذَلِكَ لِمَنْ يُفرَح بِلِقَائِهِ، كَأَنَّهُ قَالَ: مَا الَّذِي أَسرّنا وأَفرَحَنا وأَقَرَّ أَعيُنَنا بلقائك ورؤيتك. والنَّاعِمَةُ والمُنَاعِمَةُ والمُنَعَّمَةُ: الحَسنةُ العيشِ والغِذاءِ المُتْرَفةُ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
إِنَّهَا لَطَيْرٌ نَاعِمةٌ
أَيْ سِمانٌ مُتْرَفةٌ؛ قَالَ وَقَوْلُهُ:
مَا أَنْعَمَ العَيْشَ، لَوْ أَنَّ الفَتى حَجَرٌ، ... تنْبُو الحوادِثُ عَنْهُ، وَهْوَ مَلْمومُ
إِنَّمَا هُوَ عَلَى النَّسَبِ لأَنا لَمْ نَسْمَعْهُمْ قَالُوا نَعِمَ العيشُ، وَنَظِيرُهُ مَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ مِنْ قَوْلِهِمْ: هُوَ أَحْنكُ الشَّاتَيْنِ وأَحْنَكُ البَعيرين فِي أَنه اسْتُعْمِلَ مِنْهُ فِعْلُ التَّعَجُّبِ، وَإِنْ لَمْ يَكُ مِنْهُ فِعْلٌ، فتَفهَّمْ. وَرَجُلٌ مِنْعَامٌ أَيْ مِفْضالٌ. ونَبْتٌ نَاعِمٌ ومُنَاعِمٌ ومُتنَاعِمٌ سَوَاءٌ؛ قَالَ الأَعشى:
وتَضْحَك عَنْ غُرِّ الثَّنايا، كأَنه ... ذُرَى أُقْحُوانٍ، نَبْتُه مُتَنَاعِمُ
والتَّنْعِيمَةُ: شجرةٌ نَاعِمَةُ الورَق ورقُها كوَرَق السِّلْق، وَلَا تَنْبُتُ إِلَّا عَلَى مَاءٍ، وَلَا ثمرَ لَهَا وَهِيَ خَضْرَاءُ غليظةُ الساقِ. وثوبٌ نَاعِمٌ: ليِّنٌ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ بَعْضِ الوُصَّاف: وَعَلَيْهِمُ الثيابُ النَّاعِمَةُ؛ وَقَالَ:
ونَحْمي بِهَا حَوْماً رُكاماً ونِسْوَةً، ... عليهنَّ قَزٌّ نَاعِمٌ وحَريرُ
وكلامٌ مُنَعَّمٌ كَذَلِكَ. والنِّعْمَةُ: اليدُ البَيْضاء الصاحلة والصَّنيعةُ والمِنَّة وَمَا أُنْعِم بِهِ عَلَيْكَ. ونِعْمَةُ اللَّهِ، بِكَسْرِ النُّونِ: مَنُّه وَمَا أَعطاه اللَّهُ العبدَ مِمَّا لَا يُمْكن غَيْرُهُ أَن يُعْطيَه إِيَّاهُ كالسَّمْع والبصَر، والجمعُ مِنْهُمَا نِعَمٌ وأَنْعُمٌ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: جَاءَ ذَلِكَ عَلَى حَذْفِ التَّاءِ فَصَارَ كَقَوْلِهِمْ ذِئْبٌ وأَذْؤب ونِطْع وأَنْطُع، وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ، ونِعِماتٌ ونِعَمَاتٌ، الإِتباعُ لأَهل الْحِجَازِ، وَحَكَاهُ اللِّحْيَانِيُّ قَالَ: وقرأَ بَعْضُهُمْ:
أَن الفُلْكَ تجرِي فِي البَحْرِ بنِعَمات اللَّهِ
، بِفَتْحِ الْعَيْنِ وكسرِها، قَالَ: وَيَجُوزُ بِنِعْمات اللَّهِ، بِإِسْكَانِ الْعَيْنِ، فأَما الكسرُ «1» فَعَلَى مَنْ جمعَ كِسْرَةً كِسِرات، ومَنْ قرأَ بِنِعَمات فَإِنَّ الْفَتْحَ أخفُّ الْحَرَكَاتِ، وَهُوَ أَكثر فِي الْكَلَامِ مِنْ نِعِمات اللَّهِ، بِالْكَسْرِ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً
«2» . قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: والنُّعْمَى كالنِّعْمة، فَإِنْ فتحتَ النُّونَ مددتَ فَقُلْتَ النَّعْماء، والنَّعِيمُ مثلُه. وفلانٌ واسعُ النِّعْمَةِ أَيْ واسعُ المالِ. وقرأَ بَعْضُهُمْ: وأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعْمَةً، فَمَنْ قرأَ نِعَمَهُ
أَراد جميعَ مَا أَنعم بِهِ عَلَيْهِمْ؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: قرأَها ابْنُ عَبَّاسٍ «3» نِعَمَهُ
، وَهُوَ وَجْهٌ جيِّد لأَنه قَدْ قَالَ شاكِراً لِأَنْعُمِهِ
، فَهَذَا جَمْعُ النِّعْم وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَن نِعَمَه جَائِزٌ، ومَنْ قرأَ
نِعْمَةً
أَراد مَا أُعطوه من
__________
(1) . قوله [فأما الكسر إلخ] عبارة التهذيب: فَأَمَّا الْكَسْرُ فَعَلَى مَنْ جَمَعَ كِسْرَةً كِسِرَاتٍ، وَمَنْ أسكن فهو أجود الأَوجه على من جمع الكسرة كسرات ومن قرأ إلخ
(2) . قوله وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً إلى قوله [وقرأ بعضهم] هكذا في الأَصل بتوسيط عبارة الجوهري بينهما
(3) . قوله [قرأها ابن عباس إلخ] كذا بالأَصل(12/580)
تَوْحِيدِهِ؛ هَذَا قَوْلُ الزَّجَّاجِ، وأَنْعَمَها اللهُ عَلَيْهِ وأَنْعَمَ بِهَا عَلَيْهِ؛
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: النِّعْمَةُ الظاهرةُ الإِسلامُ، والباطنةُ سَتْرُ الذُّنُوبِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ
؛ قَالَ الزَّجَّاجَ: مَعْنَى إنْعَامِ اللَّهِ عَلَيْهِ هِدايتُه إِلَى الإِسلام، وَمَعْنَى إنْعَامِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَيْهِ إعْتاقُه إِيَّاهُ مِنَ الرِّقِّ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ
؛ فَسَّرَهُ ثَعْلَبٌ فَقَالَ: اذْكُر الإِسلامَ وَاذْكُرْ مَا أَبْلاكَ بِهِ ربُّك. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ
؛ يَقُولُ: مَا أَنت بإنْعامِ اللَّهِ عَلَيْكَ وحَمْدِكَ إِيَّاهُ عَلَى نِعْمتِه بِمَجْنُونٍ. وَقَوْلُهُ تعالى: يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها
؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ يَعْرِفُونَ أَن أمرَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حقٌّ ثُمَّ يُنْكِرون ذَلِكَ. والنِّعْمَةُ، بِالْكَسْرِ: اسمٌ مِنْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ يُنْعِمُ إنْعَاماً ونِعْمَةً، أُقيم الاسمُ مُقامَ الإِنْعَام، كَقَوْلِكَ: أَنْفَقْتُ عَلَيْهِ إنْفاقاً ونَفَقَةً بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وأَنْعَمَ: أَفْضل وَزَادَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنَّ أَهلَ الْجَنَّةِ ليَتراءوْنَ أَهلَ عِلِّيِّين كَمَا تَرَوْنَ الكوكبَ الدُّرِّيَّ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ، وإنَّ أَبَا بَكْرٍ وعُمَر مِنْهُمْ وأَنْعَمَا
أَيْ زَادَا وفَضَلا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. وَيُقَالُ: قَدْ أَحْسَنْتَ إليَّ وأَنْعَمْتَ أَيْ زِدْتَ عليَّ الإِحسانَ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ صَارَا إِلَى النَّعِيمِ ودخَلا فِيهِ كَمَا يُقَالُ أَشْمَلَ إِذَا دَخَلَ فِي الشِّمالِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ: أَنْعَمْتَ عَلَى فلانٍ أَيْ أَصَرْتَ إِلَيْهِ نِعْمةً. وَتَقُولُ: أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْكَ، مِنَ النِّعْمة. وأَنْعَمَ اللهُ صَباحَك، مِنَ النُّعُومةِ. وقولهُم: عِمْ صَبَاحًا كلمةُ تحيّةٍ، كأَنه مَحْذُوفٌ مِنْ نَعِمَ يَنْعِمُ، بِالْكَسْرِ، كَمَا تَقُولُ: كُلْ مَنْ أَكلَ يأْكلُ، فَحَذَفَ مِنْهُ الأَلف والنونَ اسْتِخْفَافًا. ونَعِمَ اللهُ بِكَ عَيْناً، ونَعَمَ، ونَعِمَك اللهُ عَيْناً، وأَنْعَمَ اللهُ بِكَ عَيْناً: أَقرَّ بِكَ عينَ مَنْ تُحِبُّهُ، وَفِي الصِّحَاحِ: أَيْ أَقرَّ اللهُ عينَك بِمَنْ تحبُّه؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:
أَنْعَمَ اللهُ بالرسولِ وبالمُرْسِلِ، ... والحاملِ الرسالَة عَيْنا
الرسولُ هُنَا: الرسالةُ، وَلَا يَكُونُ الرسولَ لأَنه قَدْ قَالَ وَالْحَامِلُ الرِّسَالَةَ، وحاملُ الرسالةِ هُوَ الرسولُ، فَإِنْ لَمْ يُقَل هَذَا دَخَلَ فِي الْقِسْمَةِ تداخُلٌ، وَهُوَ عَيْبٌ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: ونَعِمَ اللهُ بكَ عَيْناً نُعْمةً مِثْلُ نَزِهَ نُزْهةً. وَفِي حَدِيثِ مُطَرِّفٍ: لَا تقُلْ نَعِمَ اللهُ بكَ عَيْناً فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَنْعَمُ بأَحدٍ عَيْناً، وَلَكِنْ قُلْ أَنْعَمَ اللهُ بِكَ عَيْناً؛ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الَّذِي منَع مِنْهُ مُطرّفٌ صحيحٌ فصيحٌ فِي كَلَامِهِمْ، وعَيْناً نصبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ مِنَ الْكَافِ، وَالْبَاءِ لِلتَّعْدِيَةِ، وَالْمَعْنَى نَعَّمَكَ اللهُ عَيْناً أَيْ نَعَّمَ عينَك وأَقَرَّها، وَقَدْ يَحْذِفُونَ الْجَارَّ ويُوصِلون الْفِعْلَ فَيَقُولُونَ نَعِمَك اللهُ عَيْناً، وأَمَّا أَنْعَمَ اللهُ بِكَ عَيْناً فَالْبَاءُ فِيهِ زَائِدَةٌ لأَن الْهَمْزَةَ كَافِيَةٌ فِي التَّعْدِيَةِ، تَقُولُ: نَعِمَ زيدٌ عَيْنًا وأَنْعَمَه اللهُ عَيْنًا، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مِنَ أَنْعَمَ إِذَا دَخَلَ فِي النَّعيم فيُعدَّى بِالْبَاءِ، قَالَ: وَلَعَلَّ مُطرِّفاً خُيِّلَ إِلَيْهِ أَنَّ انْتِصَابَ المميِّز فِي هَذَا الْكَلَامِ عَنِ الْفَاعِلِ فَاسْتَعْظَمَهُ، تَعَالَى اللهُ أَنْ يُوصَفَ بِالْحَوَاسِّ عُلُوًّا كَبِيرًا، كَمَا يَقُولُونَ نَعِمْتُ بِهَذَا الأَمرِ عَيْناً، وَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ، فحَسِبَ أَنَّ الأَمر فِي نَعِمَ اللهُ بِكَ عَيْنًا كَذَلِكَ، وَنَزَلُوا مَنْزِلًا يَنْعِمُهم ويَنْعَمُهم بِمَعْنًى وَاحِدٍ؛ عَنْ ثَعْلَبٍ، أَيْ يُقِرُّ أَعْيُنَهم ويَحْمَدونه، وَزَادَ اللِّحْيَانِيُّ: ويَنْعُمُهم عَيْنًا، وَزَادَ الأَزهري: ويُنْعمُهم، وَقَالَ أَربع لُغَاتٍ. ونُعْمةُ الْعَيْنِ: قُرَّتُها، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: نَعْمَ ونُعْمَ عينٍ ونُعْمَةَ عينٍ ونَعْمَةَ عينٍ ونِعْمَةَ عينٍ ونُعْمَى عينٍ ونَعَامَ عينٍ ونُعامَ [نِعامَ] عينٍ ونَعامةَ عينٍ ونَعِيمَ عينٍ ونُعَامَى عينٍ(12/581)
أَيْ أفعلُ ذَلِكَ كَرَامَةً لَكَ وإِنْعَاماً بعَينِك وَمَا أَشبهه؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: نَصَبُوا كلَّ ذَلِكَ عَلَى إِضْمَارِ الْفِعْلِ الْمَتْرُوكِ إظهارهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِذَا سَمِعتَ قَوْلًا حسَناً فَرُوَيْداً بِصَاحِبِهِ، فَإِنْ وافقَ قولٌ عَملًا فنَعْمَ ونُعْمَةَ عينٍ آخِه وأَوْدِدْه
أَيْ إِذَا سَمِعْتَ رجُلًا يَتَكَلَّمُ فِي الْعِلْمِ بِمَا تَسْتَحْسِنُهُ فَهُوَ كَالدَّاعِي لَكَ إِلَى مودّتِه وَإِخَائِهِ، فَلَا تَعْجَلْ حَتَّى تَخْتَبِرَ فعلَه، فَإِنْ رأَيته حسنَ الْعَمَلِ فأَجِبْه إِلَى إِخَائِهِ ومودّتهِ، وَقُلْ لَهُ نَعْمَ ونُعْمَة عَيْنٍ أَي قُرَّةَ عينٍ، يَعْنِي أُقِرُّ عينَك بِطَاعَتِكَ وَاتِّبَاعِ أَمْرِكَ. ونَعِمَ العُودُ: اخضرَّ ونَضَرَ؛ أَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ:
واعْوَجَّ عُودُك مِنْ لَحْوٍ وَمِنْ قِدَمٍ، ... لَا يَنْعَمُ العُودُ حَتَّى يَنْعَم الورَقُ «4»
. وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ:
وكُوم تَنْعَمُ الأَضيْاف عَيْناً، ... وتُصْبِحُ فِي مَبارِكِها ثِقالا
يُرْوَى الأَضيافُ والأَضيافَ، فَمَنْ قَالَ الأَضيافُ، بِالرَّفْعِ، أَرَادَ تَنْعَم الأَضيافُ عَيْنًا بِهِنَّ لأَنهم يَشْرَبُونَ مِنْ أَلبانِها، وَمَنْ قَالَ تَنْعَمُ الأَضيافَ، فَمَعْنَاهُ تَنْعَم هَذِهِ الكُومُ بالأَضيافِ عَيْنًا، فحذفَ وأَوصل فنَصب الأَضيافَ أَيْ أَنَّ هَذِهِ الكومَ تُسَرُّ بالأَضيافِ كسُرورِ الأَضيافِ بِهَا، لأَنها قَدْ جَرَتْ مِنْهُمْ عَلَى عَادَةٍ مأْلوفة مَعْرُوفَةٍ فَهِيَ تأْنَسُ بِالْعَادَةِ، وَقِيلَ: إِنَّمَا تأْنس بِهِمْ لِكَثْرَةِ الأَلبان، فَهِيَ لِذَلِكَ لَا تَخَافُ أَنْ تُعْقَر وَلَا تُنْحَر، وَلَوْ كَانَتْ قَلِيلَةَ الأَلبان لَمَا نَعِمَت بِهِمْ عَيْنًا لأَنها كَانَتْ تَخَافُ العَقْرَ وَالنَّحْرَ. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: يَا نُعْمَ عَيْني أَي يَا قُرَّة عَيْنِي؛ وأَنشد عَنِ الْكِسَائِيِّ:
صَبَّحكَ اللهُ بخَيْرٍ باكرِ، ... بنُعْمِ عينٍ وشَبابٍ فاخِرِ
قَالَ: ونَعْمَةُ الْعَيْشِ حُسْنُه وغَضارَتُه، وَالْمُذَكَّرُ مِنْهُ نَعْمٌ، وَيُجْمَعُ أَنْعُماً. والنَّعَامَةُ: معروفةٌ، هَذَا الطائرُ، تَكُونُ لِلذَّكَرِ والأُنثى، وَالْجَمْعُ نَعَامَاتٌ ونَعائِمُ ونَعامٌ، وَقَدْ يَقَعُ النَّعَامُ عَلَى الْوَاحِدِ؛ قَالَ أَبُو كَثْوة:
ولَّى نَعامُ بَنِي صَفْوانَ زَوْزَأَةً، ... لَمَّا رأَى أَسَداً بالغابِ قَدْ وَثَبَا
والنَّعَامُ أَيضاً، بِغَيْرِ هَاءِ، الذكرُ مِنْهَا الظليمُ، والنَّعامةُ الأُنثى. قَالَ الأَزهري: وَجَائِزٌ أَن يُقَالَ لِلذَّكَرِ نَعامة بِالْهَاءِ، وَقِيلَ النَّعام اسمُ جِنْسٍ مِثْلُ حَمامٍ وحَمامةٍ وجرادٍ وجرادةٍ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: أَصَمُّ مِن نَعَامةٍ، وَذَلِكَ أَنَّهَا لَا تَلْوي عَلَى شَيْءٍ إِذَا جفَلت، وَيَقُولُونَ: أَشمُّ مِن هَيْق لأَنه يَشُمّ الرِّيحَ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
أَشمُّ مِنْ هَيْقٍ وأَهْدَى مِنْ جَمَلْ
وَيَقُولُونَ: أَمْوَقُ مِنْ نعامةٍ وأَشْرَدُ مِنْ نَعامةٍ؛ ومُوقها: تركُها بيضَها وحَضْنُها بيضَ غَيْرِهَا، وَيَقُولُونَ: أَجبن مِنْ نَعامةٍ وأَعْدى مِنْ نَعامةٍ. وَيُقَالُ: رَكِبَ فلانٌ جَناحَيْ نَعامةٍ إِذَا جدَّ فِي أَمره. وَيُقَالُ للمُنْهزِمين: أَضْحَوْا نَعاماً؛ وَمِنْهُ قَوْلُ بِشْرٍ:
فأَما بَنُو عامرٍ بالنِّسار ... فَكَانُوا، غَداةَ لَقُونا، نَعامَا
وَتَقُولُ الْعَرَبُ لِلْقَوْمِ إِذَا ظَعَنوا مُسْرِعِينَ: خَفَّتْ نَعامَتُهم وشالَتْ نَعامَتُهم، وخَفَّتْ نَعَامَتُهم أَي استَمر بِهِمُ السيرُ. وَيُقَالُ للعَذارَى: كَأَنَّهُنَّ بَيْضُ نَعَامٍ. وَيُقَالُ للفَرَس: لَهُ سَاقَا نَعَامةٍ لِقِصَرِ ساقَيْه،
__________
(4) . قوله [من لحو] في المحكم: من لحق، واللحق الضمر(12/582)
وَلَهُ جُؤجُؤُ نَعامةٍ لِارْتِفَاعِ جُؤْجُؤها. وَمِنْ أَمثالهم: مَن يَجْمع بَيْنَ الأَرْوَى والنَّعام؟ وَذَلِكَ أَنَّ مَساكنَ الأَرْوَى شَعَفُ الْجِبَالِ وَمَسَاكِنُ النَّعَامِ السُّهولةُ، فَهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ أَبداً. وَيُقَالُ لِمَنْ يُكْثِرُ عِلَلَه عَلَيْكَ: مَا أَنت إِلَّا نَعامةٌ؛ يَعْنون قَوْلَهُ:
ومِثْلُ نَعامةٍ تُدْعَى بَعِيرًا، ... تُعاظِمُه إِذَا مَا قِيلَ: طِيري
وإنْ قِيلَ: احْمِلي، قَالَتْ: فإنِّي ... مِنَ الطَّيْر المُرِبَّة بالوُكور
وَيَقُولُونَ لِلَّذِي يَرْجِع خَائِبًا: جَاءَ كالنَّعامة، لأَن الأَعراب يَقُولُونَ إِنَّ النَّعَامَةَ ذهَبَتْ تَطْلُبُ قَرْنَينِ فَقَطَعُوا أُذُنيها فَجَاءَتْ بِلَا أُذُنين؛ وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ بعضهم:
أو كالنَّعامةِ، إذ غَدَتْ مِنْ بَيْتِها ... لتُصاغَ أُذْناها بِغَيْرِ أَذِينِ
فاجْتُثَّتِ الأُذُنان مِنْهَا، فانْتَهَتْ ... هَيْماءَ لَيْسَتْ مِنْ ذَوَاتِ قُرونِ
وَمِنْ أَمثالهم: أنْتَ كَصَاحِبَةِ النَّعامة، وَكَانَ مِنْ قِصَّتِهَا أَنها وجَدتْ نَعامةً قَدْ غَصَّتْ بصُعْرورٍ فأَخذتْها وربَطتْها بخِمارِها إِلَى شَجَرَةٍ، ثُمَّ دنَتْ مِنَ الْحَيِّ فهتَفَتْ: من كان يحُفُّنا ويَرُفُّنا فلْيَتَّرِكْ وقَوَّضَتْ بَيْتَها لتَحْمِل عَلَى النَّعامةِ، فانتَهتْ إِلَيْهَا وَقَدْ أَساغَتْ غُصَّتَها وأَفْلَتَتْ، وبَقِيَت المرأَةُ لَا صَيْدَها أَحْرَزَتْ وَلَا نصيبَها مِنَ الْحَيِّ حَفِظتْ؛ يُقَالُ ذَلِكَ عِنْدَ المَزْريَةِ عَلَى مَنْ يَثق بِغَيْرِ الثِّقةِ. والنَّعَامة: الْخَشَبَةُ الْمُعْتَرِضَةُ عَلَى الزُّرنُوقَيْنِ تُعَلَّق مِنْهُمَا الْقَامَةُ، وَهِيَ البَكَرة، فَإِنْ كَانَ الزَّرانيق مِنْ خَشَبٍ فَهِيَ دِعَمٌ؛ وَقَالَ أَبو الْوَلِيدِ الكِلابي: إِذَا كَانَتَا مِنْ خَشَب فَهُمَا النَّعامتان، قَالَ: وَالْمُعْتَرِضَةُ عَلَيْهِمَا هِيَ العَجَلة والغَرْب مُعَلَّقٌ بِهَا، قَالَ الأَزهري: وَتَكُونُ النَّعامتانِ خَشَبتين يُضَمُّ طرَفاهما الأَعْليان ويُرْكَز طَرَفَاهُمَا الأَسفلان فِي الأَرض، أَحَدُهُمَا مِنْ هَذَا الْجَانِبِ، والآخر من ذاك الجنب، يُصْقَعان بحَبْل يُمدّ طَرَفَا الْحَبْلِ إِلَى وتِدَيْنِ مُثْبَتيْنِ فِي الأَرض أَوْ حَجَرَيْنِ ضَخْمَيْنِ، وتُعَلَّقُ الْقَامَةُ بَيْنَ شُعْبتي النَّعامتين، والنَّعامتانِ: المَنارتانِ اللَّتَانِ عَلَيْهِمَا الْخَشَبَةُ المعترِضة؛ وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: النَّعامتان الْخَشَبَتَانِ اللَّتَانِ عَلَى زُرْنوقَي الْبِئْرِ، الْوَاحِدَةُ نَعامة، وَقِيلَ: النَّعامة خَشَبَةٌ تُجْعَلُ عَلَى فَمِ الْبِئْرِ تَقوم عَلَيْهَا السَّواقي. والنَّعامة: صَخْرَةٌ نَاشِزَةٌ فِي الْبِئْرِ. والنَّعامة: كلُّ بِنَاءٍ كالظُّلَّة، أَوْ عَلَم يُهْتَدَى بِهِ مِنْ أَعلام الْمَفَاوِزِ، وَقِيلَ: كُلُّ بِنَاءٍ عَلَى الْجَبَلِ كالظُّلَّة والعَلَم، وَالْجَمْعُ نَعامٌ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ يَصِفُ طُرُقَ الْمَفَازَةِ:
بِهنَّ نَعامٌ بَناها الرجالُ، ... تَحْسَب آرامَهُن الصُّروحا «1»
. وَرَوَى الْجَوْهَرِيُّ عَجُزَهُ:
تُلْقِي النَّفائِضُ فِيهِ السَّريحا
قَالَ: والنَّفائضُ مِنَ الإِبل؛ وَقَالَ آخَرُ:
لَا شيءَ فِي رَيْدِها إِلَّا نَعامَتُها، ... مِنْهَا هَزِيمٌ وَمِنْهَا قائمٌ باقِي
وَالْمَشْهُورُ مِنْ شِعْرِهِ:
لَا ظِلَّ فِي رَيْدِها
وَشَرَحَهُ ابْنُ بَرِّيٍّ فَقَالَ: النَّعَامة مَا نُصب مِنْ خَشَبٍ يَسْتَظِلُّ بِهِ الرَّبِيئَةُ، والهَزيم: الْمُتَكَسِّرُ؛ وبعد هذا البيت:
__________
(1) . قوله [بناها] هكذا بتأنيث الضمير في الأَصل ومثله في المحكم هنا، والذي في مادة نفض تذكيره، ومثله في الصحاح في هذه المادة وتلك(12/583)
بادَرْتُ قُلَّتَها صَحْبي، وَمَا كَسِلوا ... حَتَّى نَمَيْتُ إِلَيْهَا قَبْلَ إشْراق
والنَّعَامة: الجِلْدة الَّتِي تُغَطِّي الدِّمَاغَ، والنَّعَامة مِنَ الْفَرَسِ: دماغُه. والنَّعَامة: بَاطِنُ الْقَدَمِ. والنَّعَامة: الطَّرِيقُ. والنَّعَامة: جَمَاعَةُ الْقَوْمِ. وشالَتْ نَعَامَتُهم: تَفَرَّقَتْ كَلِمَتُهم وَذَهَبَ عزُّهم ودَرَسَتْ طريقتُهم وولَّوْا، وَقِيلَ: تَحَوَّلوا عَنْ دَارِهِمْ، وَقِيلَ: قَلَّ خَيْرُهم وولَّتْ أُمورُهم؛ قَالَ ذُو الإِصْبَع العَدْوانيّ:
أَزْرَى بِنَا أَننا شالَتْ نَعَامَتُنا، ... فَخَالَنِي دُونَهُ بَلْ خِلْتُه دُونِي
وَيُقَالُ لِلْقَوْمِ إِذَا ارْتَحَلوا عَنْ مَنْزِلِهِمْ أَوْ تَفَرَّقوا: قَدْ شَالَتْ نَعَامَتُهُمْ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ ذِي يَزَنَ: أَتَى هِرَقْلًا وَقَدْ شالَتْ نَعامَتُهم
: النَّعَامَةُ الْجَمَاعَةُ أَي تَفَرَّقُوا؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لأَبي الصَّلْت الثَّقَفِيِّ:
اشْرَبْ هنِيئاً فَقَدْ شالَتْ نَعامتُهم، ... وأَسْبِلِ اليَوْمَ فِي بُرْدَيْكَ إسْبالا
وأَنشد لِآخَرَ:
إِنِّي قَضَيْتُ قَضَاءً غيرَ ذِي جَنَفٍ، ... لَمَّا سَمِعْتُ وَلَمَّا جاءَني الخَبَرُ
أَنَّ الفَرَزْدَق قَدْ شالَتْ نعامَتُه، ... وعَضَّه حَيَّةٌ مِنْ قَومِهِ ذَكَرُ
والنَّعامة: الظُّلْمة. والنَّعامة: الْجَهْلُ، يُقَالُ: سكَنَتْ نَعامتُه؛ قَالَ المَرّار الفَقْعَسِيّ:
وَلَوْ أَنيّ حَدَوْتُ بِهِ ارْفَأَنَّتْ ... نَعامتُه، وأَبْغَضَ مَا أَقولُ
اللِّحْيَانِيُّ: يُقَالُ للإِنسان إِنَّهُ لخَفيفُ النَّعَامَةِ إِذَا كَانَ ضَعِيفَ الْعَقْلِ. وأَراكةٌ نَعامةٌ: طَوِيلَةٌ. وَابْنُ النَّعَامَةِ: الطَّرِيقُ، وَقِيلَ: عِرْقٌ فِي الرِّجْل؛ قَالَ الأَزهري: قَالَ الْفَرَّاءُ سَمِعْتُهُ مِنَ الْعَرَبِ، وَقِيلَ: ابْنُ النَّعامة عَظْم السَّاقِ، وَقِيلَ: صَدَرُ الْقَدَمِ، وَقِيلَ: مَا تَحْتَ الْقَدَمِ؛ قَالَ عَنْتَرَةُ:
فيكونُ مَرْكبَكِ القَعودُ ورَحْلُه، ... وابنُ النَّعَامةِ، عند ذلك، مَرْكَبِي
فُسِّر بِكُلِّ ذَلِكَ، وَقِيلَ: ابْنُ النَّعامة فَرَسُه، وَقِيلَ: رِجْلاه؛ قَالَ الأَزهري: زَعَمُوا أَن ابْنَ النَّعَامَةِ مِنَ الطُّرُقِ كأَنه مَرْكَبُ النَّعامة مِنْ قَوْلِهِ:
وَابْنُ النَّعَامَةِ، يَوْمَ ذَلِكَ، مَرْكَبي
وَابْنُ النَعامة: السَّاقِي الَّذِي يَكُونُ عَلَى الْبِئْرِ. وَالنَّعَامَةُ: الرجْل. وَالنَّعَامَةُ: السَّاقُ. والنَّعامة: الفَيْجُ المستعجِل. والنَّعامة: الفَرَح. والنَّعامة: الإِكرام. والنَّعامة: المحَجَّة الْوَاضِحَةُ. قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ:
وَابْنُ النَّعامة، عِنْدَ ذَلِكَ، مُرْكَبِي
قَالَ: هُوَ اسْمٌ لِشِدَّةِ الحَرْب وَلَيْسَ ثَمَّ امرأَة، وَإِنَّمَا ذَلِكَ كَقَوْلِهِمْ: بِهِ دَاءُ الظَّبْي، وجاؤوا عَلَى بَكْرة أَبيهم، وَلَيْسَ ثُمَّ دَاءٌ وَلَا بَكرة. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَهَذَا الْبَيْتُ، أَعني فَيَكُونُ مركبكِ، لِخُزَزَ بْنِ لَوْذان السَّدوسيّ؛ وَقَبْلَهُ:
كذَبَ العَتيقُ وماءُ شَنّ بارِدٍ، ... إنْ كنتِ سائلَتي غَبُوقاً فاذْهَبي
لَا تَذْكُرِي مُهْرِي وَمَا أَطعَمْتُه، ... فيكونَ لَوْنُكِ مِثلَ لَوْنِ الأَجْرَبِ
إِنِّي لأَخْشَى أَنْ تقولَ حَليلَتي: ... هَذَا غُبارٌ ساطِعٌ فَتَلَبَّبِ
إِنَّ الرجالَ لَهمْ إلَيْكِ وسيلَةٌ، ... إنْ يأْخذوكِ تَكَحِّلي وتَخَضِّبي
وَيَكُونُ مَرْكَبَكِ القَلوصُ ورَحلهُ، ... وابنُ النَّعامة، يَوْمَ ذَلِكَ، مَرْكَبِي(12/584)
وَقَالَ: هَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ خَالَوَيْهِ وأَبو مُحَمَّدٍ الأَسود، وَقَالَ: ابنُ النَّعامة فَرَسُ خُزَزَ بْنِ لَوْذان السَّدوسي، والنَّعامة أُمُّه فرس الحرث بْنِ عَبَّاد، قَالَ: وَتُرْوَى الأَبيات أَيضا لِعَنْتَرَةَ، قَالَ: والنَّعامة خَطٌّ فِي بَاطِنِ الرِّجْل، ورأَيت أَبَا الْفَرَجِ الأَصبهاني قَدْ شَرَحَ هَذَا الْبَيْتَ فِي كِتَابِهِ «1» ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْغَرَضُ فِي هَذَا الْكِتَابِ النَّقْلَ عَنْهُ لَكِنَّهُ أَقرب إِلَى الصِّحَّةِ لأَنه قَالَ: إِنَّ نِهَايَةَ غَرَضِ الرِّجَالِ منكِ إِذَا أَخذوك الكُحْل والخِضابُ لِلتَّمَتُّعِ بِكِ، وَمَتَى أَخذوك أَنت حَمَلُوكِ عَلَى الرَّحْلِ والقَعود وأَسَروني أَنا، فَيَكُونُ القَعود مَرْكَبك وَيَكُونُ ابْنُ النَّعامة مَرْكَبي أَنا، وَقَالَ: ابنُ النَّعامة رِجْلاه أَوْ ظلُّه الَّذِي يَمْشِي فِيهِ، وَهَذَا أَقرب إِلَى التَّفْسِيرِ مِنْ كَوْنِهِ يَصِفُ المرأَة برُكوب القَعود وَيَصِفُ نَفْسَهُ بِرُكُوبِ الْفَرَسِ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يَكُونَ رَاكِبُ الْفَرَسِ مُنْهَزِمًا مُوَلِّيًا هَارِبًا، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْفَخْرِ مَا يَقُولُهُ عَنْ نَفْسِهِ، فأَيُّ حَالَةٍ أَسوأُ مِنْ إِسْلَامِ حَلِيلَتِهِ وهرَبه عَنْهَا رَاكِبًا أَوْ رَاجِلًا؟ فكونُه يَسْتَهوِل أَخْذَها وحملَها وأَسْرَه هُوَ ومشيَه هُوَ الأَمر الَّذِي يَحْذَرُه ويَسْتهوِله. والنَّعَم: وَاحِدُ الأَنْعَام وَهِيَ الْمَالُ الرَّاعِيَةُ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: النَّعَم الإِبل وَالشَّاءُ، يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، والنَّعْم لُغَةٌ فِيهِ؛ عَنْ ثَعْلَبٍ؛ وأَنشد:
وأَشْطانُ النَّعَامِ مُرَكَّزاتٌ، ... وحَوْمُ النَّعْمِ والحَلَقُ الحُلول
وَالْجَمْعُ أَنعَامٌ، وأَنَاعِيمُ جَمْعُ الْجَمْعِ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
دَانَى لَهُ القيدُ فِي دَيْمومةٍ قُذُفٍ ... قَيْنَيْهِ، وانْحَسَرَتْ عَنْهُ الأَناعِيمُ
وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: النِّعَمُ الإِبل خَاصَّةً، والأَنعام الإِبل وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَجَزاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ
؛ قَالَ: يُنْظَرُ إِلَى الَّذِي قُتل مَا هُوَ فَتُؤْخَذُ قِيمَتُهُ دَرَاهِمَ فيُتصدق بِهَا؛ قَالَ الأَزهري: دَخَلَ فِي النِّعَمِ هَاهُنَا الإِبلُ والبقرُ وَالْغَنَمِ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ
؛ قَالَ ثَعْلَبٌ: لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى طَعَامِهِمْ وَلَا يُسمُّون كَمَا أَن الأَنْعام لَا تَفْعَلُ ذَلِكَ، وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وجَل: وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ
؛ فَإِنَّ الْفَرَّاءَ قَالَ: الأَنْعام هَاهُنَا بِمَعْنَى النَّعَم، والنَّعَم تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ، وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: مِمَّا فِي بُطُونِهِ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: مِمَّا فِي بُطُونِها، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: النَّعَم ذُكِّرَ لَا يؤَنث، وَيُجْمَعُ عَلَى نُعْمانٍ مِثْلُ حَمَل وحُمْلانٍ، وَالْعَرَبُ إِذَا أَفردت النَّعَم لَمْ يُرِيدُوا بِهَا إِلَّا الإِبل، فَإِذَا قَالُوا الأَنْعَام أَرادوا بِهَا الإِبل وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ
«2» ثُمَّ قَالَ: ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ؛ أَيْ خَلَقَ مِنْهَا ثَمَانِيَةَ أَزواج، وَكَانَ الْكِسَائِيُّ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ؛ قَالَ: أَراد فِي بُطُونِ مَا ذَكَرْنَا؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ:
مِثْل الْفِرَاخِ نُتِفَتْ حَواصِلُهْ
أَيْ حَوَاصِلَ مَا ذَكَرْنَا؛ وَقَالَ آخَرُ فِي تَذْكِيرِ النَّعَم:
فِي كُلِّ عامٍ نَعَمٌ يَحْوونَهُ، ... يُلْقِحُه قَوْمٌ ويَنْتِجونَهُ
وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ للإِبل إِذَا ذُكِرت «3» الأَنْعَام والأَنَاعِيم. والنُّعامى، بِالضَّمِّ عَلَى فُعالى: مِنْ أَسماء رِيحِ الْجَنُوبِ لأَنها أَبلُّ الرِّيَاحِ وأَرْطَبُها؛ قَالَ أَبو ذؤيب:
__________
(1) . قوله [في كتابه] هو الأَغاني كما بهامش الأَصل
(2) . الآية
(3) . قوله [إذا ذكرت] الذي في التهذيب: كثرت(12/585)
مَرَتْه النُّعَامَى فَلَمْ يَعْتَرِفْ، ... خِلافَ النُّعَامَى مِنَ الشَّأْمِ، رِيحَا
وَرَوَى اللِّحْيَانِيُّ عَنْ أَبي صَفْوان قَالَ: هِيَ رِيحٌ تَجِيءُ بَيْنَ الْجَنُوبِ والصَّبا. والنَّعَامُ والنَّعَائِمُ: مِنْ مَنَازِلِ الْقَمَرِ ثمانيةُ كواكبَ: أَربعة صادرٌ، وأَربعة واردٌ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: كَأَنَّهَا سَرِيرٌ مُعْوجّ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أَربعةٌ فِي الْمَجَرَّةِ وَتُسَمَّى الواردةَ وأَربعة خَارِجَةٌ تسمَّى الصادرةَ. قَالَ الأَزهري: النَعَائِمُ منزلةٌ مِنْ مَنَازِلِ الْقَمَرِ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّيهَا النَّعامَ الصادرَ، وَهِيَ أَربعة كَوَاكِبَ مُربَّعة فِي طَرَفِ المَجَرَّة وَهِيَ شَامِيَّةٌ، وَيُقَالُ لَهَا النَّعَام؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:
باضَ النَّعامُ بِهِ فنَفَّر أَهلَه، ... إِلَّا المُقِيمَ عَلَى الدّوَى المُتَأَفِّنِ
النَّعَامُ هَاهُنَا: النَّعَائِمُ مِنَ النُّجُومِ، وَقَدْ ذُكِرَ مُسْتَوْفًى فِي تَرْجَمَةِ بيض. ونُعَامَاكَ: بِمَعْنَى قُصاراكَ. وأَنْعَمَ أَنْ يُحْسِنَ أَو يُسِيءَ: زَادَ. وأَنْعَمَ فِيهِ: بالَغ؛ قَالَ:
سَمِين الضَّواحي لَمْ تَؤَرِّقْه، لَيْلةً، ... وأَنْعَمَ، أبكارُ الهُمومِ وعُونُها
الضَّواحي: مَا بَدَا مِنْ جَسدِه، لَمْ تُؤرّقْه لَيْلَةً أَبكارُ الْهُمُومِ وعُونُها، وأَنْعَمَ أَيْ وَزَادَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ، وأَبكار الْهُمُومِ: مَا فجَأَك، وعُونُها: مَا كَانَ هَمّاً بعدَ هَمّ، وحَرْبٌ عَوانٌ إِذَا كَانَتْ بَعْدَ حَرْب كَانَتْ قَبْلَهَا. وفَعَل كَذَا وأَنْعَمَ أَيْ زَادَ. وَفِي حَدِيثِ صَلَاةِ الظُّهْرِ:
فأَبردَ بالظُّهْرِ وأَنْعَمَ
أَيْ أَطال الإِبْرادَ وأَخَّر الصَّلَاةَ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: أَنْعَمَ النظرَ فِي الشيءِ إِذَا أَطالَ الفِكْرةَ فِيهِ؛ وَقَوْلُهُ:
فوَرَدَتْ والشمسُ لمَّا تُنْعِمِ
مِنْ ذَلِكَ أَيضاً أَي لَمْ تُبالِغْ فِي الطُّلُوعِ. ونِعْمَ: ضدُّ بِئْسَ وَلَا تَعْمَل مِنَ الأَسماء إِلَّا فِيمَا فِيهِ الأَلفُ وَاللَّامُ أَوْ مَا أُضيف إِلَى مَا فِيهِ الأَلف وَاللَّامُ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ دالٌّ عَلَى مَعْنَى الْجِنْسِ. قَالَ أَبو إِسْحَاقَ: إِذَا قُلْتَ نِعْمَ الرجلُ زيدٌ أَوْ نِعْمَ رَجُلًا زيدٌ، فَقَدْ قلتَ: اسْتَحَقَّ زيدٌ المدحَ الَّذِي يَكُونُ فِي سَائِرِ جِنْسِهِ، فَلَمْ يجُزْ إِذَا كَانَتْ تَسْتَوْفي مَدْحَ الأَجْناسِ أَنْ تَعْمَلَ فِي غَيْرِ لَفْظِ جنسٍ. وَحَكَى سِيبَوَيْهِ: أَن مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ نَعْمَ الرجلُ فِي نِعْمَ، كَانَ أَصْلُهُ نَعِم ثُمَّ خفَّف بِإِسْكَانِ الْكَسْرَةِ على لغة بكر بن وَائِلٍ، وَلَا تَدْخُلُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ إِلَّا عَلَى مَا فِيهِ الأَلف وَاللَّامُ مُظْهَراً أَوْ مُضْمَرًا، كَقَوْلِكَ نِعْم الرَّجُلُ زِيدٌ فَهَذَا هُوَ المُظهَر، ونِعْمَ رَجُلًا زيدٌ فَهَذَا هُوَ الْمُضْمَرُ. وَقَالَ ثَعْلَبٌ حِكَايَةً عَنِ الْعَرَبِ: نِعْم بزيدٍ رَجُلًا ونِعْمَ زيدٌ رَجُلًا، وَحَكَى أَيضاً: مررْت بقومٍ نِعْم قَوْمًا، ونِعْمَ بِهِمْ قَوْمًا، ونَعِمُوا قَوْمًا، وَلَا يَتَّصِلُ بِهَا الضَّمِيرُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ أَعني أَنَّك لَا تَقُولُ الزَّيْدَانِ نِعْما رَجُلَيْنِ، وَلَا الزَّيْدُونَ نِعْموا رِجَالًا؛ قَالَ الأَزهري: إِذَا كَانَ مَعَ نِعْم وبِئْسَ اسمُ جِنْسٍ بِغَيْرِ أَلف وَلَامٍ فَهُوَ نصبٌ أَبداً، وَإِنْ كَانَتْ فِيهِ الأَلفُ واللامُ فَهُوَ رفعٌ أَبداً، وَذَلِكَ قَوْلُكَ نِعْم رَجُلًا زيدٌ ونِعْم الرجلُ زيدٌ، ونَصَبتَ رَجُلًا عَلَى التَّمْيِيزِ، وَلَا تَعْملُ نِعْم وبئْس فِي اسمٍ علمٍ، إِنَّمَا تَعْمَلانِ فِي اسْمٍ منكورٍ دَالٍّ عَلَى جِنْسٍ، أَوِ اسْمٍ فِيهِ أَلف ولامٌ تَدُلُّ عَلَى جِنْسٍ. الْجَوْهَرِيُّ: نِعْم وَبِئْسَ فِعْلان مَاضِيَانِ لَا يتصرَّفان تصرُّفَ سَائِرِ الأَفعال لأَنهما استُعملا لِلْحَالِ بِمَعْنَى الْمَاضِي، فنِعْم مدحٌ وبئسَ ذمٌّ، وَفِيهِمَا أَربع لُغَاتٍ: نَعِمَ بِفَتْحِ أَوله وَكَسْرِ ثَانِيهِ، ثُمَّ تَقُولُ: نِعِمَ فتُتْبع الْكَسْرَةَ الكسرةَ، ثُمَّ تَطْرَحُ الْكَسْرَةَ الثَّانِيَةَ فَتَقُولُ: نِعْمَ(12/586)
بِكَسْرِ النُّونِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ، ولك أَن تَطْرَحَ الْكَسْرَةَ مِنَ الثَّانِي وَتَتْرُكَ الأَوَّل مَفْتُوحًا فَتَقُولَ: نَعْم الرجلُ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ، وَتَقُولُ: نِعْمَ الرجلُ زيدٌ ونِعْمَ المرأَةُ هندٌ، وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ: نِعْمَتِ المرأَةُ هِنْدٌ، فَالرَّجُلُ فاعلُ نِعْمَ، وزيدٌ يَرْتَفِعُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحدهما أَن يَكُونَ مُبْتَدَأً قدِّم عَلَيْهِ خبرُه، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ خَبَرَ مبتدإٍ محذوفٍ، وَذَلِكَ أَنَّك لَمَّا قُلْتَ نِعْم الرَّجُلُ، قِيلَ لَكَ: مَنْ هُوَ؟ أَوْ قدَّرت أَنه قِيلَ لَكَ ذَلِكَ فَقُلْتَ: هُوَ زَيْدٌ وَحَذَفْتَ هُوَ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي حَذْفِ الْمُبْتَدَأِ، وَالْخَبَرِ إِذَا عُرِفَ الْمَحْذُوفُ هُوَ زَيْدٌ، وَإِذَا قُلْتَ نِعْم رَجُلًا فَقَدْ أَضمرت فِي نِعْمَ الرجلَ بالأَلف وَاللَّامِ مَرْفُوعًا وَفَسَّرْتَهُ بِقَوْلِكَ رَجُلًا، لأَن فاعِلَ نِعْم وبِئْسَ لَا يَكُونُ إِلَّا مَعْرِفَةً بالأَلف وَاللَّامِ أَوْ مَا يُضَافُ إِلَى مَا فِيهِ الأَلف وَاللَّامُ، وَيُرَادُ بِهِ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ لَا تعريفُ الْعَهْدِ، أَوْ نَكِرَةً مَنْصُوبَةً وَلَا يَلِيهَا علَمٌ وَلَا غَيْرُهُ وَلَا يَتَّصِلُ بِهِمَا الضميرُ، لَا تَقُولُ نِعْمَ زيدٌ وَلَا الزَّيْدُونَ نِعْموا، وَإِنْ أَدخلت عَلَى نِعْم مَا قُلْتَ: نِعْمَّا يَعِظكم بِهِ، تَجْمَعُ بَيْنَ السَّاكِنِينَ، وَإِنْ شِئْتَ حَرَّكْتَ الْعَيْنَ بِالْكَسْرِ، وَإِنْ شِئْتَ فَتَحْتَ النُّونَ مَعَ كَسْرِ الْعَيْنِ، وَتَقُولُ غَسَلْت غَسْلًا نِعِمَّا، تَكْتَفِي بِمَا مَعَ نِعْم عَنْ صِلَتِهِ أَيْ نِعْم مَا غَسَلْته، وَقَالُوا: إِنْ فعلتَ ذَلِكَ فَبِها ونِعْمَتْ بتاءٍ سَاكِنَةٍ فِي الْوَقْفِ وَالْوَصْلِ لأَنها تَاءُ تأْنيث، كأَنَّهم أَرادوا نِعْمَتِ الفَعْلةُ أَوِ الخَصْلة. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَن توضَّأَ يومَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا ونِعْمَتْ، ومَن اغْتَسل فالغُسْل أَفضل
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: أَي ونِعْمَت الفَعْلةُ والخَصْلةُ هِيَ، فَحَذَفَ الْمَخْصُوصَ بِالْمَدْحِ، وَالْبَاءُ فِي فَبِهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ أَيْ فَبِهَذِهِ الخَصْلةِ أَوِ الفَعْلة، يَعْنِي الوضوءَ، يُنالُ الفضلُ، وَقِيلَ: هُوَ رَاجِعٌ إِلَى السُّنَّة أَيْ فبالسَّنَّة أَخَذ فأَضمر ذَلِكَ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: تاءُ نِعْمَتْ ثابتةٌ فِي الْوَقْفِ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
أَو حُرَّة عَيْطَل ثَبْجاء مُجْفَرة ... دَعائمَ الزَّوْرِ، نِعْمَتْ زَوْرَقُ البَلدِ
وَقَالُوا: نَعِمَ القومُ، كَقَوْلِكَ نِعْم القومُ؛ قَالَ طَرَفَةُ:
مَا أَقَلَّتْ قَدَمايَ إنَّهُمُ ... نَعِمَ السَّاعون فِي الأَمْرِ المُبِرّ
هَكَذَا أَنشدوه نَعِمَ، بفتم النون وكسر العين، جاؤوا بِهِ عَلَى الأَصل وَلَمْ يَكْثُرِ اسْتِعْمَالُهُ عَلَيْهِ، وَقَدْ رُوِيَ نِعِمَ، بِكَسْرَتَيْنِ عَلَى الإِتباع. ودقَقْتُه دَقّاً نِعِمّا أَيْ نِعْمَ الدقُّ. قَالَ الأَزهري: ودقَقْت دَوَاءً فأَنْعَمْت دَقَّه أَيْ بالَغْت وزِدت. وَيُقَالُ: نَاعِمْ حَبْلَك وغيرهَ أَي أَحْكِمْه. وَيُقَالُ: إِنَّهُ رَجُلٌ نِعِمّا الرجلُ وَإِنَّهُ لَنَعِيمٌ. وتَنَعَّمَه بِالْمَكَانِ: طلَبه. وَيُقَالُ: أَتيتُ أَرضاً فتَنَعَّمَتْني أَيْ وَافَقَتْنِي وأَقمتُ بِهَا. وتَنَعَّمَ: مَشَى حَافِيًا، قِيلَ: هُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ النَّعَامَة الَّتِي هِيَ الطَّرِيقُ وَلَيْسَ بِقَوِيٍّ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: تَنَعَّمَ الرجلُ قَدَمَيْهِ أَيِ ابتذَلَهما. وأَنْعَمَ القومَ ونَعَّمَهم: أَتَاهُمْ مُتَنَعِّماً عَلَى قَدَمَيْهِ حَافِيًا عَلَى غَيْرِ دَابَّةٍ؛ قَالَ:
تَنَعَّمَها مِنْ بَعْدِ يومٍ وليلةٍ، ... فأَصْبَحَ بَعْدَ الأُنْسِ وَهُوَ بَطِينُ
وأَنْعَمَ الرجلُ إِذَا شيَّع صَديقَه حَافِيًا خُطُوَاتٍ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ
، ومثلُه: إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ
؛ قرأَ أَبو جَعْفَرٍ وَشَيْبَةُ وَنَافِعٌ وَعَاصِمٌ وأَبو عَمْرٍو فنِعْمَّا، بِكَسْرِ النُّونِ وَجَزْمِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ، وقرأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ فنَعِمَّا، بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ، وَذَكَرَ(12/587)
أَبو عُبَيْدَةَ «4» حَدِيثَ
النَّبِيِّ، صلى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: نِعْمّا بالمالِ الصَّالِحِ لِلرَّجُلِ الصالِح
، وأَنه يَخْتَارُ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ لأَجل هَذِهِ الرِّوَايَةِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: أَصله نِعْمَ مَا فأَدْغم وشدَّد، وَمَا غيرُ موصوفةٍ وَلَا موصولةٍ كأَنه قَالَ نِعْمَ شَيْئًا المالُ، وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ مِثْلُ زِيَادَتِهَا فِي: كَفى بِاللَّهِ حَسِيباً* وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
نِعْمَ المالُ الصالحُ لِلرَّجُلِ الصالِح
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَفِي نِعْمَ لغاتٌ، أَشهرُها كسرُ النُّونِ وَسُكُونُ الْعَيْنِ، ثُمَّ فَتْحُ النُّونِ وَكَسْرُ الْعَيْنِ، ثُمَّ كسرُهما؛ وَقَالَ الزَّجَّاجُ: النَّحْوِيُّونَ لَا يُجِيزُونَ مَعَ إِدْغَامِ الْمِيمِ تسكينَ الْعَيْنِ وَيَقُولُونَ إِنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فِي نِعْمَّا لَيْسَتْ بِمَضْبُوطَةٍ، وَرُوِيَ عَنْ عَاصِمٍ أَنه قرأَ
فنِعِمَّا
، بِكَسْرِ النُّونِ وَالْعَيْنِ، وأَما أَبو عَمْرٍو فكأَنَّ مذهَبه فِي هَذَا كسرةٌ خفيفةٌ مُخْتَلَسة، والأَصل في نِعْمَ نَعِمَ نِعِمَ ثَلَاثُ لُغَاتٍ، وَمَا فِي تأْويل الشَّيْءِ فِي نِعِمّا، الْمَعْنَى نِعْمَ الشيءُ؛ قال الأَزهري: إذا قُلْتَ نِعْمَ مَا فَعل أَوْ بِئْسَ مَا فَعل، فَالْمَعْنَى نِعْمَ شَيْئًا وَبِئْسَ شَيْئًا فعَل، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ
؛ مَعْنَاهُ نِعْمَ شَيْئًا يَعِظكم بِهِ. والنُّعْمان: الدَّمُ، وَلِذَلِكَ قِيلَ للشَّقِر شَقائق النُّعْمان. وشقائقُ النُّعْمانِ: نباتٌ أَحمرُ يُشبَّه بِالدَّمِ. ونُعْمَانُ بنُ الْمُنْذِرِ: مَلكُ الْعَرَبِ نُسب إِليه الشَّقيق لأَنه حَماه؛ قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تُسَمِّي مُلوكَ الْحِيرَةِ النُّعْمانَ لأَنه كَانَ آخِرَهم. أَبو عَمْرٍو: مِنْ أَسماء الروضةِ الناعِمةُ والواضِعةُ والناصِفةُ والغَلْباء واللَّفّاءُ. الْفَرَّاءُ: قَالَتِ الدُّبَيْرِيّة حُقْتُ المَشْرَبةَ ونَعَمْتُها «5» ومَصَلْتها «6» أَيْ كَنسْتها، وَهِيَ المِحْوَقةُ. والمِنْعَمُ والمِصْوَلُ: المِكْنَسة. وأُنَيْعِمُ والأُنَيْعِمُ ونَاعِمَةُ ونَعْمَانُ، كُلُّهَا: مَوَاضِعُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَوْلُ الرَّاعِي:
صَبَا صَبْوةً مَن لَجَّ وَهُوَ لَجُوجُ، ... وزايَلَه بالأَنْعَمينِ حُدوجُ
الأَنْعَمِين: اسْمُ مَوْضِعٌ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والأَنْعَمَان موضعٌ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ، وأَنشد مَا نَسَبَهُ ابْنُ بَرِّيٍّ إِلَى الرَّاعِي:
صَبَا صَبْوَةً بَلْ لجَّ، وَهُوَ لجوجُ، ... وَزَالَتْ لَهُ بالأَنعمين حدوجُ
وَهُمَا نَعْمَانَانِ: نَعْمانُ الأَراكِ بِمَكَّةَ وَهُوَ نَعْمانُ الأَكبرُ وَهُوَ وَادِي عَرَفَةَ، ونَعْمَانُ الغَرْقَد بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ نَعْمانُ الأَصغرُ. ونَعْمَانُ: اسْمُ جَبَلٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ جُبَيْرٍ: خلقَ اللهُ آدمَ مِن دَحْنا ومَسحَ ظهرَ آدمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، بِنَعْمَان السَّحابِ
؛ نَعْمَانُ: جَبَلٌ بِقُرْبِ عَرَفَةَ وأَضافه إِلَى السَّحَابِ لأَنه رَكَد فَوْقَهُ لعُلُوِّه. ونَعْمَانُ، بِالْفَتْحِ: وادٍ فِي طَرِيقِ الطَّائِفِ يَخْرُجُ إِلَى عَرَفَاتٍ؛ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَير الثَّقَفِيّ:
تَضَوَّعَ مِسْكاً بَطْنُ نَعْمانَ، أنْ مَشَتْ ... بِهِ زَيْنَبٌ فِي نِسْوةٍ عَطرات
وَيُقَالُ لَهُ نَعْمانُ الأَراكِ؛ وَقَالَ خُلَيْد:
أَمَا والرَّاقِصاتِ بذاتِ عِرْقٍ، ... ومَن صَلَّى بِنَعْمانِ الأَراكِ
والتَّنْعِيمُ: مكانٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَفِي التَّهْذِيبِ: بِقُرْبٍ مِنْ مَكَّةَ. ومُسافِر بْنُ نِعْمَة بن كُرَير:
__________
(4) . قوله [وذكر أَبو عبيدة] هكذا في الأَصل بالتاء، وفي التهذيب وزاده على البيضاوي أبو عبيد بدونها
(5) . قوله [ونَعَمْتُها] كذا بالأَصل بالتخفيف، وفي الصاغاني بالتشديد
(6) . قوله [ومصلتها] كذا بالأَصل والتهذيب، ولعلها وصلتها كما يدل عليه قوله بعد والمصول(12/588)
مِنْ شُعرائهم؛ حَكَاهُ ابْنُ الأَعرابي. ونَاعِمٌ ونُعَيْمٌ ومُنَعَّم وأَنْعُمُ ونُعْمِيّ «1» ونُعْمانُ ونُعَيمانُ وتَنْعُمُ، كُلُّهُنَّ: أَسماءٌ. والتَّنَاعِمُ: بَطْنٌ مِنَ الْعَرَبِ يُنْسَبُونَ إِلَى تَنْعُم بْنِ عَتِيك. وبَنو نَعامٍ: بطنٌ. ونَعامٌ: مَوْضِعٌ. يُقَالُ: فلانٌ مِنْ أَهل بِرْكٍ ونَعامٍ، وَهُمَا مَوْضِعَانِ مِنْ أَطْرَافِ اليَمن. والنَّعامةُ: فرسٌ مَشْهُورَةٌ فارسُها الحرث بْنُ عَبَّادٍ؛ وَفِيهَا يَقُولُ:
قَرِّبا مَرْبِطِ النَّعامةِ مِنّي، ... لَقِحَتْ حَرْبُ وائلٍ عَنْ حِيالِ
أَيْ بَعْدَ حِيالٍ. والنَّعَامَةُ أَيضاً: فرسُ مُسافِع بْنِ عَبْدِ العُزّى. وناعِمَةُ: اسمُ امرأَةٍ طَبَخَت عُشْباً يُقَالُ لَهُ العُقّارُ رَجاءَ أَن يَذْهَبَ الطَّبْخُ بِغائلتِه فأَكلته فقَتلَها، فَسُمِّيَ العُقّارُ لِذَلِكَ عُقّار ناعِمةَ؛ رَوَاهُ ابْنُ سِيدَهْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. ويَنْعَمُ: حَيٌّ مِنَ الْيَمَنِ. ونَعَمْ ونَعِمْ: كَقَوْلِكَ بَلى، إِلَّا أَنَّ نَعَمْ فِي جَوَابِ الْوَاجِبِ، وَهِيَ مَوْقُوفَةُ الآخِر لأَنها حَرْفٌ جَاءَ لِمَعْنًى، وَفِي التَّنْزِيلِ: فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ
؛ قَالَ الأَزهري: إِنَّمَا يُجاب بِهِ الاستفهامُ الَّذِي لَا جَحْدَ فِيهِ، قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ نَعَمْ تَصْديقاً وَيَكُونُ عِدَةً، وَرُبَّمَا ناقَضَ بَلى إِذَا قَالَ: لَيْسَ لَكَ عِنْدِي ودِيعةٌ، فَتَقُولُ: نَعَمْ تَصْديقٌ لَهُ وبَلى تكذيبٌ. وَفِي حَدِيثِ
قَتَادَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ خثْعَم قَالَ: دَفَعتُ إِلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ بِمِنًى فَقُلْتُ: أنتَ الَّذِي تزعُم أَنَّكَ نَبيٌّ؟ فَقَالَ: نَعِمْ
، وَكَسَرَ الْعَيْنَ؛ هِيَ لُغَةٌ فِي نَعَمْ، بِالْفَتْحِ الَّتِي لِلْجَوَابِ، وَقَدْ قرئَ بِهِمَا.
وَقَالَ أَبو عُثْمَانَ النَّهْديّ: أمرَنا أميرُ الْمُؤْمِنِينَ عمرُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بِأَمْرٍ فَقُلْنَا: نَعَمْ، فَقَالَ: لَا تَقُولُوا نَعَمْ وَقُولُوا نَعِمْ
، بِكَسْرِ الْعَيْنِ. وَقَالَ بعضُ وَلَدِ الزُّبَيْرِ: مَا كُنْتُ أَسمع أشياخَ قرَيش يَقُولُونَ إلَّا نَعِمْ، بِكَسْرِ الْعَيْنِ. وَفِي حَدِيثِ
أَبِي سُفيان حِينَ أَراد الْخُرُوجَ إِلَى أُحد: كتبَ عَلَى سَهمٍ نَعَمْ، وَعَلَى آخَرَ لَا، وأَجالهما عِنْدَ هُبَل، فَخَرَجَ سهمُ نَعَمْ فَخَرَجَ إِلَى أُحُد، فَلَمَّا قَالَ لِعُمر: أُعْلُ هُبَلُ، وَقَالَ عُمَرُ: اللهُ أَعلى وأَجلُّ، قَالَ أَبو سُفْيَانَ: أَنْعَمَتْ فَعالِ عَنْهَا
أَيِ اتْرُكْ ذِكرَها فَقَدْ صَدَقَتْ فِي فَتْواها، وأَنعَمَتْ أَي أَجابت بنَعَمْ؛ وَقَوْلُ الطَّائِيِّ:
تَقُولُ إنْ قلتُمُ لَا: لَا مُسَلِّمةً ... لأَمرِكُمْ، ونَعَمْ إِنْ قلتُمُ نَعَما
قَالَ ابْنُ جِنِّي: لَا عَيْبَ فِيهِ كَمَا يَظنُّ قومٌ لأَنه لَمْ يُقِرَّ نَعَمْ عَلَى مَكَانِهَا مِنَ الْحَرْفِيَّةِ، لَكِنَّهُ نقَلها فَجَعَلَهَا اسْمًا فنصَبها، فَيَكُونُ عَلَى حَدِّ قَوْلِكَ قلتُ خَيراً أَوْ قُلْتُ ضَيراً، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قُلْتُمْ نَعَما عَلَى مَوْضِعِهِ مِنَ الْحَرْفِيَّةِ، فَيُفْتَحَ للإِطلاق، كَمَا حرَّك بعضُهم لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ بِالْفَتْحِ، فَقَالَ: قُمَ الليلَ وبِعَ الثوبَ؛ واشتقَّ ابنُ جِنِّي نَعَمْ مِنَ النِّعْمة، وَذَلِكَ أَنَّ نَعَمْ أَشرفُ الْجَوَابَيْنِ وأَسرُّهما للنفْس وأَجلَبُهما للحَمْد، وَلَا بضِدِّها؛ أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ:
وَإِذَا قلتَ نَعَمْ، فاصْبِرْ لَهَا ... بنَجاحِ الوَعْد، إنَّ الخُلْف ذَمْ
وَقَوْلُ الْآخَرِ أَنشده الْفَارِسِيُّ:
أَبَى جُودُه لَا البُخْلَ [البُخْلِ] واسْتَعْجَلتْ بِهِ ... نَعَمْ مِنْ فَتىً لَا يَمْنَع الجُوع قاتِله «2» .
__________
(1) . قوله [ومُنَعَّم] هكذا ضبط في الأَصل والمحكم، وقال القاموس كمحدّث، وضبط في الصاغاني كمكرم. وقوله [وأَنْعم] قال في القاموس بضم العين، وضبط في المحكم بفتحها. وقوله [ونعمى] قال في القاموس كحُبْلَى وضبط في الأَصل والمحكم ككُرْسِيّ
(2) . قوله [لَا يَمْنَعُ الْجُوعَ قَاتِلَهْ] هكذا في الأَصل والصحاح، وفي المحكم: الجوس قاتله، والجوس الجوع. والذي في مغني اللبيب: لا يمنع الجود قاتله، وكتب عليه الدسوقي ما نصه: قوله لا يمنع الجود، فاعل يمنع عائد على الممدوح؛ والجود مفعول ثان؛ وقاتله مفعول أول، ويحتمل أن الجود فاعل يمنع أي جوده لا يحرم قاتله أي فإذا أراد إنسان قتله فجوده لا يحرم ذلك الشخص بل يصله انتهى. تقرير دردير(12/589)
يُرْوَى بِنَصْبِ الْبُخْلِ وجرِّه، فَمَنْ نَصَبَهُ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ لَا لأَن لَا موضوعُها لِلْبُخْلِ فكأَنه قَالَ أَبى جودُه البخلَ، وَالْآخَرُ أَنْ تَكُونَ لَا زَائِدَةً، وَالْوَجْهُ الأَول أَعْنِي البدلَ أَحْسَن، لأَنه قَدْ ذُكِرَ بَعْدَهَا نَعَمْ، ونَعمْ لَا تُزَادُ، فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَن تَكُونَ لَا هَاهُنَا غَيْرَ زَائِدَةٍ، وَالْوَجْهُ الْآخَرُ عَلَى الزِّيَادَةِ صَحِيحٌ، ومَن جرَّه فَقَالَ لَا البُخْلِ فَبِإِضَافَةِ لَا إِلَيْهِ، لأَنَّ لَا كَمَا تَكُونُ للبُخْل فَقَدْ تَكُونُ للجُود أَيضاً، أَلَا تَرَى أَنه لَوْ قَالَ لَكَ الإِنسان: لَا تُطْعِمْ وَلَا تأْتِ المَكارمَ وَلَا تَقْرِ الضَّيْفَ، فقلتَ أَنت: لَا لَكَانَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ هُنَا للجُود، فَلَمَّا كَانَتْ لَا قَدْ تَصْلُحُ للأَمرين جَمِيعًا أُضيفَت إِلَى البُخْل لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّخْصِيصِ الْفَاصِلِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ. ونَعَّمَ الرجلَ: قَالَ لَهُ نعَمْ فنَعِمَ بِذَلِكَ بَالًا، كَمَا قَالُوا بَجَّلْتُه أَيْ قُلْتُ لَهُ بَجَلْ أَيْ حَسْبُك؛ حَكَاهُ ابْنُ جِنِّي. وأَنْعَمَ لَهُ أَيْ قَالَ لَهُ نعَمْ. ونَعَامَة: لَقَبُ بَيْهَسٍ؛ والنَّعَامَةُ: اسْمُ فَرَسٍ فِي قَوْلَ لَبِيدٍ:
تَكاثرَ قُرْزُلٌ والجَوْنُ فِيهَا، ... وتَحْجُل والنَّعَامةُ والخَبالُ «3»
. وأَبو نَعَامَة: كُنْيَةُ قَطَريّ بْنِ الفُجاءةِ، وَيُكَنَّى أَبا مُحَمَّدٍ أَيضاً؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَبو نَعَامَة كُنْيَتُه فِي الْحَرْبِ، وأَبو مُحَمَّدٍ كُنيته فِي السِّلم. ونُعْم، بِالضَّمِّ: اسْمُ امرأَة.
نغم: النَّغْمةُ: جَرْسُ الْكَلِمَةِ وحُسْن الصَّوْتِ فِي الْقِرَاءَةِ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ حسَنُ النَّغْمَةِ، وَالْجَمْعُ نَغْمٌ؛ قَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤَيّة:
وَلو انَّها ضَحِكت فتُسمِعَ نَغْمَها ... رَعِشَ المَفاصِلِ، صُلْبُه مُتَحنِّبُ
وَكَذَلِكَ نَغَمٌ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَذَا قَوْلُ اللُّغَوِيِّينَ، قَالَ: وَعِنْدِي أَن النَّغَم اسمٌ لِلْجَمْعِ كَمَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ مِنْ أَن حَلَقاً وفَلَكاً اسمٌ لِجَمْعِ حَلْقةٍ وفَلْكةٍ لَا جمعٌ لَهُمَا، وَقَدْ يَكُونُ نَغَمٌ مُتَحَرِّكًا مِنْ نَغْمٍ. وَقَدْ تنَغَّم بالغِناء وَنَحْوِهِ. وَإِنَّهُ لَيَتَنَغَّم بِشَيْءٍ ويتَنسَّمُ بِشَيْءٍ ويَنسِمُ بِشَيْءٍ أَيْ يَتَكَلَّمُ بِهِ. والنَّغَم: الْكَلَامُ الْخَفِيُّ. والنَّغْمَةُ: الْكَلَامُ الْحَسَنُ، وَقِيلَ: هُوَ الْكَلَامُ الْخَفِيُّ، نَغَمَ يَنْغَمُ ويَنْغِمُ؛ قَالَ: وأُرى الضمةَ لُغَةً، نَغْماً. وَسَكَتَ فُلَانٌ فَمَا نَغَمَ بِحَرْفٍ وَمَا تَنَغَّمَ مِثْلُهُ، وَمَا نَغَمَ بِكَلِمَةٍ. ونَغَمَ فِي الشَّرَابِ: شَرب مِنْهُ قَلِيلًا كنَغَب؛ حَكَاهُ أَبو حَنِيفَةَ، وَقَدْ يَكُونُ بَدَلًا. والنُّغْمَةُ: كالنُّغْبة؛ عَنْهُ أَيْضًا.
نقم: النَّقِمَةُ والنَّقْمَةُ: المكافأَة بِالْعُقُوبَةِ، وَالْجَمْعُ نَقِمٌ ونِقَمٌ، فنَقِمٌ لنَقِمَة، ونِقَمٌ لنِقْمةٍ، وأَما ابْنُ جِنِّيٍّ فَقَالَ: نَقِمَة ونِقَمٌ، قَالَ: وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَقُولُوا فِي جمعِ نَقِمَة نَقِم عَلَى جَمْعِ كَلِمة وكَلِمٍ فَعَدَلُوا عَنْهُ إِلَى أَن فَتَحُوا المكسورَ وَكَسَرُوا الْمَفْتُوحَ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ عَلِمْنَا أَن مِنْ شَرْطِ الْجَمْعِ بِخَلع الْهَاءِ أَن لَا يُغَيَّر مِنْ صِيغَةِ الْحُرُوفُ شَيْءٌ وَلَا يُزاد عَلَى طَرْحِ الْهَاءِ نَحْوَ تَمْرة وتَمْر، وَقَدْ بيَّنَّا ذَلِكَ جَمِيعَهُ فِيمَا حَكَاهُ هُوَ مِنْ مَعِدةٍ ومِعَدٍ. اللَّيْثُ: يُقَالُ لَمْ أَرْض مِنْهُ حَتَّى نَقِمْت وانْتَقَمْت إِذَا كافأَه عُقُوبَةً بِمَا صنَع. ابْنُ الأَعرابي: النِّقْمَةُ الْعُقُوبَةُ، والنِّقْمَةُ الإِنكار. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا
؛ أَي هَلْ تُنْكِرون. قَالَ الأَزهري: يُقَالُ النَّقْمَةُ والنِّقْمَةُ الْعُقُوبَةُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ
عَلِيِّ بْنِ أَبي طَالِبٍ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ:
مَا تَنْقِمُ الحَرْبُ العَوانُ مِنِّي، ... بازِل عامَيْنِ فَتِيّ سِنِّي
__________
(3) . قوله [وتحجل والخبال] هكذا في الأَصل والصحاح، وفي القاموس في مادة خبل بالموحدة، وأما اسم فرس لبيد المذكور في قوله:
تَكَاثَرَ قُرْزُلٌ وَالْجَوْنُ فِيهَا ... وعجلى والنَّعَامَة والخيال
فبالمثناة التحتية، ووهم الجوهري كما وهم في عجلى وجعلها تحجل(12/590)
وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنَّهُ مَا انْتَقَمَ لنفسِه قَطّ إِلَّا أَنْ تُنتَهَكَ مَحارِمُ اللَّهِ
أَي مَا عاقبَ أَحداً عَلَى مكروهٍ أَتَاهُ مِنْ قِبَله، وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ. الْجَوْهَرِيُّ: نَقَمْتُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْقِمُ، بِالْكَسْرِ، فأَنا نَاقِمٌ إِذَا عَتَبْت عَلَيْهِ. يُقَالُ: مَا نَقِمْتُ مِنْهُ إِلَّا الإِحسانَ. قَالَ الْكِسَائِيُّ: ونَقِمْت، بِالْكَسْرِ، لُغَةٌ. ونَقِمَ مِنْ فلانٍ الإِحسانَ إِذَا جَعَلَهُ مِمَّا يُؤَدِّيه إِلَى كُفر النِّعْمَةِ. وَفِي حَدِيثِ الزَّكَاةِ:
مَا يَنْقَمُ ابنُ جَميلٍ إِلَّا أَنه كَانَ فَقيراً فأَغناه اللَّهُ
أَي مَا يَنْقَمُ شَيْئًا مِنْ مَنْع الزَّكَاةِ إِلَّا أَنْ يَكفر النِّعْمة فكأَنَّ غِنَاهُ أَدَّاه إِلَى كُفْرِ نِعْمةِ اللَّهِ. ونَقَمْتُ الأَمرَ ونَقِمْتُه إِذَا كَرهته. وانْتَقَمَ اللهُ مِنْهُ أَيْ عاقَبَه، وَالِاسْمُ مِنْهُ النَّقْمَةُ، وَالْجَمْعُ نَقِمَات ونَقِمٌ مِثْلُ كَلِمةٍ وكلِمات وكَلِمٍ، وَإِنْ شئتَ سَكَّنْتَ الْقَافَ وَنُقِلَتْ حركتَها إِلَى النُّونِ فَقُلْتَ نِقْمَة، وَالْجَمْعُ نِقَمٌ مِثْلُ نِعْمة ونِعَم؛ وَقَدْ نَقَمَ مِنْهُ يَنْقِمُ ونَقِمَ نَقَماً. وانْتَقَمَ ونَقِمَ الشيءَ ونَقَمَه: أَنكره. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ
؛ قَالَ: وَمَعْنَى نَقَمْت بالَغْت فِي كَرَاهَةِ الشَّيْءِ؛ وأَنشد ابْنُ قَيْسِ الرُّقيّات:
ما نَقِمُوا [نَقَمُوا] مِنْ بَني أُمَيَّةَ إِلَّا ... أَنهم يَحْلُمون، إنْ غَضِبوا
يُروى بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ: نَقَمُوا ونَقِمُوا. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يُقَالُ نَقَمْتُ نَقْماً ونُقوماً ونَقِمَةً ونِقْمةً، ونَقِمْتُ: بالَغْتُ فِي كَرَاهَةِ الشَّيْءِ. وَفِي أَسماء اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: المُنْتَقِم، هُوَ الْبَالِغُ فِي الْعُقُوبَةِ لمنْ شاءَ، وَهُوَ مُفْتَعِل مِنْ نَقَمَ يَنْقِمُ إِذَا بَلَغَتْ بِهِ الكراهةُ حدَّ السَّخَطِ. وضرَبه ضَرْبة نَقَمٍ إِذَا ضرَبه عَدُوٌّ لَهُ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ
؛ قَالَ أَبو إِسْحَاقَ: يُقَالُ نَقَمْتُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْقِمُ ونَقِمْتُ عَلَيْهِ أَنْقَمُ، قَالَ: والأَجوَدُ نَقَمْتُ أَنْقِمُ، وَهُوَ الأَكثر فِي الْقِرَاءَةِ. وَيُقَالُ: نَقِمَ فلانٌ وَتْرَه أَيِ انْتَقَم. قَالَ أَبو سَعِيدٍ: مَعْنَى قَوْلِ الْقَائِلِ فِي الْمَثَلِ: مَثَلي مَثَلُ الأَرْقَم، إِنْ يُقْتَلْ يَنْقَمْ، وَإِنْ يُتْرَك يَلْقَمْ؛ قَوْلِهِ إِنْ يُقْتَلْ يَنْقَمْ أَيْ يُثْأَر بِهِ، قَالَ: والأَرْقَمُ الَّذِي يُشْبه الْجَانَّ، والناسُ يَتَّقونَ قَتْلَه لشَبهه بِالْجَانِّ، والأَرْقَم مَعَ ذَلِكَ مِنْ أَضعف الْحَيَّاتِ وأَقلِّها عَضّاً. قَالَ ابْنُ الأَثير: وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَهُوَ كالأَرْقَمِ إِنْ يُقْتَلْ يَنْقَمْ
أَيْ إِنْ قتَلَه كَانَ لَهُ مَنْ يَنْتَقِمُ مِنْهُ، قَالَ: والأَرْقَمُ الْحَيَّةُ، كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَزْعُمُونَ أَنَّ الجِنَّ تَطْلُبُ بثأْرِ الجانِّ، وَهِيَ الْحَيَّةُ الدَّقِيقَةُ، فَرُبَّمَا مَاتَ قاتِلُه، وَرُبَّمَا أَصابه خَبَلٌ. وَإِنَّهُ لمَيْمُونُ النَّقِيمَةِ إِذَا كَانَ مُظَفَّراً بِمَا يُحاوِل، وَقَالَ يَعْقُوبُ: مِيمُهُ بَدَلٌ مِنْ بَاءِ نَقِيبةٍ. يُقَالُ: فلانٌ مَيْمونُ العريكةِ وَالنَّقِيبَةِ والنَّقِيمَةِ والطَّبيعة بِمَعْنًى وَاحِدٍ. والنَّاقِمُ: ضَرْبٌ مِنْ تمرِ عُمانَ، وَفِي التَّهْذِيبِ: ونَاقِمٌ تمرٌ بعُمانَ. والنَّاقِمِيَّةُ: هِيَ رَقاشِ بنتُ عامرٍ. وَبَنُو النَّاقِمِيَّةِ: بَطْنٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسَ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: أَنشدنا الْفَرَّاءُ عَنِ المُفَضَّل لِسَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَناةَ:
أَجَدَّ فِراقُ النَّاقِمِيَّةِ غُدْوةً، ... أَمِ البَيْنُ يَحْلَوْ لِي لِمَنْ هُوَ مُولَعُ؟
لَقَدْ كنتُ أَهْوَى النَّاقِمِيَّةِ حِقْبةً، ... فَقَدْ جَعَلَتْ آسانُ بَيْنٍ تَقَطَّعُ
التَّهْذِيبُ: ونَاقِم حَيٌّ مِنَ الْيَمَنِ؛ قَالَ «1» .
__________
(1) . قوله [ونَاقِم حَيٌّ مِنَ الْيَمَنِ قَالَ إلخ] [كذا بالأَصل، وعبارة التهذيب: يُقَالُ لَمْ أَرْضَ مِنْهُ حَتَّى نَقِمْتُ وَانَتَقَمْتُ إِذَا كافأته عقوبة بما صنع، وقال يقود إلخ(12/591)
يَقودُ بأَرسان الجِيادِ سَراتُنا، ... لِيَنْقِمنَ وَتْرًا أَو ليدفَعْنَ مَدفَعا
ونَاقِمٌ: لقبُ عَامِرُ بْنُ سَعْدُ بْنُ عَدِيِّ بْنِ جَدَّانَ بنِ جَدِيلَةَ. ونَقَمَى: اسمُ موضع.
نكم: أَهمل اللَّيْثُ نَكَم وكَنم، وَاسْتَعْمَلَهُمَا ابْنُ الأَعرابي فِيمَا رَوَاهُ ثَعْلَبٌ عَنْهُ قَالَ: النَّكْمَة المُصيبة الفادِحةُ، والكَنْمة الجِراحةُ.
نمم: النَّمُّ: التوريشُ والإِغْراءُ ورَفْع الحديثِ عَلَى وَجْهَ الإِشاعةِ والإِفْسادِ، وَقِيلَ: تَزْيينُ الْكَلَامِ بِالْكَذِبِ، والفعلُ نَمَّ يَنِمُّ ويَنُمُّ، والأَصل الضَّمُّ، ونَمَّ بِهِ وَعَلَيْهِ نَمّاً ونَمِيمَةً ونَمِيماً، وَقِيلَ: النَّمِيمُ جمعُ نَمِيَمةٍ بعدَ أَنْ يَكُونَ اسْمًا. التَّهْذِيبُ: النَّمِيمةُ والنَّمِيمُ هُمَا الِاسْمُ، والنعتُ نَمَّامٌ؛ وأَنشد ثَعْلَبٌ فِي تَعْدِيَةِ نَمَّ بِعلى:
ونَمَّ عَلَيْكَ الكاشِحُونَ، وقَبْلَ ذَا ... عَلَيْكَ الهَوَى قَدْ نَمَّ، لَوْ نَفَعَ النَّمُ
وَرَجُلٌ نَمُومٌ ونَمَّامٌ ومِنَمٌّ ونَمٌّ أَي قَتّاتٌ مِنْ قومٍ نَمِّين وأَنِمَّاءَ ونُمَّ، وصرَّح اللِّحْيَانِيُّ بأَنَّ نُمّاً جَمْعُ نَمُومٍ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، وامرأَة نَمَّة. قَالَ أَبو بَكْرٍ: قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ النَّمَّام مَعْنَاهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الَّذِي لَا يُمْسِك الأَحاديثَ وَلَمْ يَحْفَظْها، مِنْ قَوْلِهِمْ جُلودٌ نَمَّةٌ إِذَا كَانَتْ لَا تُمْسِك الماءَ. يُقَالُ: نَمَّ فلانٌ يَنِمُّ نَمّاً إِذَا ضيَّعَ الأَحاديثَ وَلَمْ يَحْفَظْهَا؛ وأَنشد الْفَرَّاءُ:
بَكَتْ مِنْ حديثٍ نَمَّه وأَشاعَه، ... ولَصَّقَه واشٍ مِنَ القومِ واضِعُ
وَيُقَالُ للنَّمَّام: القَتّاتُ، يُقَالُ: قَتَّ إِذَا مَشَى بالنَّميمة. وَيُقَالُ للنَّمّام قَسّاسٌ ودَرَّاجٌ وغَمّازٌ وهَمّازٌ ومائسٌ ومِمْآسٌ، وَقَدْ ماسَ مِنَ الْقَوْمِ ونَمِلَ. الْجَوْهَرِيُّ: نَمَّ الحديثَ يَنِمُّه ويَنُمُّه نَمّاً أَيْ قَتَّه، وَالِاسْمُ النَّمِيمَةُ، وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذكرُ النَّمِيمَةِ، وَهُوَ نَقْلُ الْحَدِيثِ مِنْ قومٍ إِلَى قَوْمٍ عَلَى جِهَةِ الإِفْسادِ والشَّرِّ. ونَمَّ الحديثَ: نقَلَه. ونَمَّ الْحَدِيثُ: إِذَا ظَهَرَ، فَهُوَ مُتَعَدٍّ ولازمٌ. والنَّمِيمَةُ: صوتُ الكتابةِ والكتابةُ، وَقِيلَ: هُوَ وَسْواسُ هَمْسِ الْكَلَامِ؛ قَالَ أَبو ذؤَيب:
فشَربْنَ ثمَّ سَمِعْنَ حِسّاً دُونَه ... شَرَفُ الْحِجَابِ، وريبُ قَرْعٍ يَقْرع
ونَمِيمة مِنْ قانِصٍ مُتَلَبّبٍ، ... فِي كفِّه جَشْءٌ أَجَشّ وأَقْطَعُ
قَالَ الأَصمعي: مَعْنَاهُ أَنه سَمِعَ مَا نَمَّ عَلَى الْقَانِصِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: النَّمِيمَةُ الصَّوْتُ الْخَفِيُّ مِنْ حَرَكَةِ شَيْءٍ أَو وَطْءِ قدَمٍ، وَقَالَ الأَصمعي: أَراد بِهِ صَوْتَ وَتَرٍ أَوْ رِيحًا اسْتَرْوَحَته الحُمُرُ، وأَنكر: وهَماهِماً مِنْ قانِصٍ، قَالَ: لأَنه أَشد خَتْلًا فِي القَنِيص مِنْ أَن يُهَمْهِمَ لِلْوَحْشِ؛ أَلَا تَرَى لِقَوْلِ رُؤْبَةَ:
فباتَ والنَّفْسُ مِنَ الحِرْصِ الفَشَقْ ... فِي الزَّرْبِ، لو يُمْضَعُ شَرْياً مَا بَصَقْ
والفَشَقُ: الِانْتِشَارُ. والنَّامَّة: حَيَاةُ النَّفْسِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا تُمَثِّلوا بنَامَّةِ اللَّهِ
أَيْ بخَلْق اللَّهِ، وناميةِ اللَّهِ أَيضاً؛ هَذِهِ الأَخيرة عَلَى الْبَدَلِ. والنَّمِيمَة: الهَمس وَالْحَرَكَةُ. وأَسكت اللَّهُ نَامَّته أَيْ جَرْسَه، وَمَا يَنِمُّ عَلَيْهِ مِنْ حَرَكته؛ قَالَ: وَقَدْ يُهْمَزُ فَيُجْعَلُ مِنَ النَّئِيم. وسَمِعْتُ نَامَّتَه ونَمَّتَه أَيْ حِسَّه، والأَعرفُ فِي ذَلِكَ نأْمَتَه. ونَمَّ الشيءُ: سَطَعتْ رائحتُه. والنَّمَّام: نَبْتٌ طيِّب الرِّيحِ، صِفَةٌ غَالِبَةٌ. ونَمْنَمَت الريحُ الترابَ: خَطَّتْه وتَرَكَتْ عَلَيْهِ أَثراً شِبْه الْكِتَابَةِ، وَهُوَ النِّمْنِمُ والنِّمْنِيمُ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:(12/592)
فَيْفٌ عَلَيْهَا لذَيْلِ الريحِ نِمْنِيمُ
والنَّمْنَمَةُ: خُطوطٌ متقارِبة قِصارٌ شِبْهُ مَا تُنَمْنِمُ الريحُ دُقاقَ التُّرَابِ، وَلِكُلِّ وَشْيٍ نَمْنَمةٌ. وكتابٌ مُنَمْنَمٌ: مُنقَّش. ونَمْنَمَ الشيءَ نَمْنَمَةً أَيْ رَقَّشه وزَخْرفه. وثوبٌ مُنَمْنَمٌ: مَرْقُومٌ مُوَشّىً. والنِّمْنِمُ والنُّمْنُمُ: الْبَيَاضُ الَّذِي عَلَى أَظْفارِ الأَحداثِ، وَاحِدَتُهُ نِمْنِمَةٌ، بِالْكَسْرِ، ونُمْنُمَةٌ؛ قَالَ رُؤْبَةُ يَصِفُ قَوْسًا رُصِّع مَقْبِضُها بسُيورٍ مُنَمْنَمةٍ:
رصْعاً كَساها شِيَةً نَمِيما
أَيْ نقَشها. ابْنُ الأَعرابي: النَّمَّة اللُّمْعة مِنْ بياضٍ فِي سوادٍ وسوادٍ فِي بياضٍ. والنِّمَّةُ: القَمْلة. وَفِي حَدِيثِ
سُوَيْد بْنِ غَفَلة: أُتي بناقةٍ مُنَمْنَمَةٍ
أَي سَمِينةٍ مُلْتَفَّة. والنبتُ المُنَمْنَمُ: المُلْتَفّ المجتمِع. والنِّمَّةُ: النَّمْلة فِي بَعْضِ اللُّغَاتِ. والنُّمِّيُّ: فَلَوْسُ الرَّصاص، رُومِيَّةٌ؛ قَالَ أَوس بْنُ حَجَرٍ:
وقارَفَت، وَهِيَ لَمْ تَجْرَبْ، وباعَ لَهَا، ... مِنَ الفَصافِصِ بالنُّمِّيِّ، سِفْسِيرُ
وَاحِدَتُهُ نُمِّيَّة، وَنَسَبَ الْجَوْهَرِيُّ هَذَا الْبَيْتَ لِلنَّابِغَةِ يَصِفُ فَرَسًا «1» . والنُّمِّيُّ: الضَّنْجةُ. والنُّمِّيُّ: العَيْبُ؛ عَنِ ثَعْلَبٍ؛ وأَنشد لمِسْكينٍ الدارِميِّ:
وَلَوْ شِئْتُ أَبْدَيْتُ نُمِّيَّهم، ... وأَدخلْتُ تَحْتَ الثِّيابِ الإِبَرْ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ الْوَزِيرُ المَغْرِبيّ أَراد بالنُّمِّيّ هُنَا العيبَ وأَصله الرَّصاصُ. جَعَلَهُ فِي الْعَيْبِ بِمَنْزِلَةِ الرَّصاص فِي الفِضَّة. التَّهْذِيبُ: النُّمِّيُّ الفَلْسُ بِالرُّومِيَّةِ، بِالضَّمِّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا كَانَ مِنَ الدَّرَاهِمِ فِيهِ رَصاصٌ أَو نُحَاسٌ فَهُوَ نُمِّيٌّ، قَالَ: وَكَانَتْ بالحِيرة عَلَى عَهْدِ النُّعمانِ بْنِ الْمُنْذِرِ. وَمَا بِهَا نُمِّيٌّ أَي مَا بِهَا أَحدٌ. والنُّمِّيَّةُ: الطَّبِيعَةُ؛ قَالَ الطِّرِمَّاحُ:
بِلَا خَدَبٍ وَلَا خَوَرٍ، إِذَا مَا ... بَدَتْ نُمِّيَّةُ الخُدْبِ النُّفاةِ
ونُمِّيُّ الرجلِ: نُحاسُه وطَبْعُه؛ قَالَ أَبو وَجْزَةَ:
وَلَوْلَا غيرهُ لكشَفْتُ عَنْهُ، ... وَعَنْ نُمِّيَّةِ الطَّبْعِ اللَّعينِ
نهم: النَّهْمَةُ: بلوغُ الهِمَّة فِي الشَّيْءِ. ابْنُ سِيدَهْ: النَّهَمُ، بِالتَّحْرِيكِ، والنَّهَامَةُ: إفراطُ الشهوةِ فِي الطَّعَامِ وأَن لَا تَمْتَلِئَ عينُ الْآكِلِ وَلَا تَشْبَعَ، وَقَدْ نَهِمَ فِي الطَّعَامِ، بِالْكَسْرِ، يَنْهَمُ نَهَماً إِذَا كَانَ لَا يَشْبَعُ. وَرَجُلٌ نَهِمٌ ونَهِيمٌ ومَنْهُومٌ، وَقِيلَ: المَنْهُومُ الرَّغيب الَّذِي يَمْتَلِئُ بطنُه وَلَا تَنْتَهِي نفْسُه، وَقَدْ نُهِمَ بِكَذَا فَهُوَ مَنْهُوم أَيْ مُولَع بِهِ، وأَنكرها بَعْضُهُمْ. والنَّهْمَة: الْحَاجَةُ، وَقِيلَ: بلوغُ الهِمَّةِ والشهوةِ فِي الشَّيْءِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِذَا قَضى أَحدُكم نَهْمَتَه مِنْ سَفَرِه فلْيُعَجِّل إِلَى أَهله.
وَرَجُلٌ مَنْهُومٌ بِكَذَا أَيْ مُولَعٌ بِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَنْهومانِ لَا يَشْبعانِ: مَنْهومٌ بالمالِ، ومَنْهومٌ بالعِلمِ
، وَفِي رِوَايَةٍ:
طالبُ عِلمٍ وطالبُ دُنْيَا.
الأَزهري: النَّهِيمُ شِبْهُ الأَنِينِ والطَّحيرِ والنَّحيمِ؛ وأَنشد:
مَا لَكَ لَا تَنْهِمُ يَا فَلَّاحُ؟ ... إنَّ النَّهِيمَ للسُّقاةِ راحُ
ونَهَمَني فلانٌ أَيْ زَجَرني. ونَهَمَ يَنْهِم، بِالْكَسْرِ، نَهِيماً: وَهُوَ صوتٌ كأَنه زحيرٌ، وَقِيلَ: هُوَ صوتٌ فَوْقَ الزَّئيرِ، وَقِيلَ: نَهَمَ يَنْهِمُ لُغَةٌ فِي نَحمَ يَنْحِم أَيْ زحَرَ. والنَّهْمُ والنَّهِيم: صوتٌ وتَوَعُّدٌ وزَجْرٌ، وقد
__________
(1) . قوله [يصف فرساً] في التكملة ما نصه: هذا غلط، وليس يصف فرساً وإنما يصف ناقة، وقبل البيت: هل تبلغينهم حرف مصرمة أجد الفقار وإدلاج وتهدير قد عريت نصف حول أشهراً جدداً يسفي على رحلها بالحيرة المور والبيت لأَوس بْنِ حَجَرٍ لَا للنابغة(12/593)
نَهَمَ يَنْهِمُ. ونَهْمَةُ الرجلِ والأَسدِ: نأْمَتُهما، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَهْمَةُ الأَسد بَدَلٌ مِنْ نأْمَتِه. والنَّهَّامُ: الأَسدُ لِصَوْتِهِ. يُقَالُ: نَهَمَ يَنْهِمُ نَهِيماً. والنَّاهِمُ: الصارخُ. والنَّهِيمُ، مثلُ النَّحيمِ ومثلُ النَّئيمِ: وَهُوَ صوتُ الأَسد والفيلِ. يُقَالُ: نَهَمَ الفيلُ يَنْهِمُ نَهْماً ونَهِيماً؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
إِذَا سَمِعْتَ الزَّأْرَ والنَّهِيما، ... أَبأْت مِنْهَا هَرَباً عَزِيما
الإِباءُ: الفِرارُ. والنَّهْم، بِالتَّسْكِينِ: مَصْدَرُ قَوْلِكَ نَهَمْتُ الإِبلَ أَنْهَمُها، بِالْفَتْحِ فِيهِمَا، نَهْماً ونَهِيماً إِذَا زَجَرْتَها لِتَجِدَّ فِي سَيْرِهَا؛ وَمِنْهُ قَوْلُ زِيَادٍ المِلقطي:
يَا مَنْ لِقَلْبٍ قَدْ عَصاني أَنْهَمُهْ
أَيْ أَزْجرهُ. وَفِي حَدِيثِ إِسْلَامِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
قَالَ تَبِعْتُه فَلَمَّا سَمِع حِسِّي ظنَّ أَني إِنَّمَا تَبِعْتُه لأُوذِيَه، فنَهَمَني وَقَالَ: مَا جَاءَ بكَ هَذِهِ الساعةَ؟
أَيْ زَجَرَني وصاحَ بِي. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ أَيضاً، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قِيلَ لَهُ إِنَّ خالدَ بْنَ الْوَلِيدِ نَهَمَ ابْنَكَ فانْتَهَمَ
أَيْ زجَرَه فانْزَجَرَ. ونَهَم الإِبل يَنْهِمُها ويَنْهَمُها نَهْماً ونَهِيماً ونَهْمَةً؛ الأَخيرة عَنْ سِيبَوَيْهِ: زجرَها بصوتٍ لتَمْضيَ. والمِنْهَامُ مِنَ الإِبل: الَّتِي تُطيع عَلَى النَّهْم، وَهُوَ الزجرُ، وإبلٌ مَنَاهِيمُ: تُطيع عَلَى النَّهْمِ أَيِ الزجرِ؛ قَالَ:
أَلا انْهِمَاها، إِنَّهَا مَنَاهِيمْ، ... وَإِنَّمَا يَنْهِمُها القومُ الهيمْ،
وَإِنَّنَا مَناجِدٌ مَتاهيمْ
والنَّهْمُ: زجرُك الإِبلَ تَصِيحُ بِهَا لتَمْضيَ. نَهَمَ الإِبلَ يَنْهِمُها ويَنْهَمُها نَهْماً إِذَا زجرَها لتَجِدَّ فِي سَيْرِهَا. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الوَئيدُ الصوتُ، والنَّهِيمُ مثلُه. والنِّهَامِيُّ، بِكَسْرِ النُّونِ: الراهبُ لأَنه يَنْهَمُ [يَنْهِمُ] «1» أَيْ يَدْعُو. والنِّهامِيُّ: الحدَّادُ؛ وأَنشد:
نَفْخَ النِّهَامِيِّ بالكِيرَيْن فِي اللَّهَب
وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ للأَعشى:
سأَدْفعُ عَنْ أَعراضِكم وأُعِيرُكم ... لِساناً، كمِقْراضِ النِّهَامِيِّ، مِلْحَبا
وَقَالَ الأَسود بْنُ يَعْفُرَ:
وفاقِد مَوْلاه أَعارَتْ رِماحُنا ... سِناناً، كنِبراسِ النِّهَامِيِّ، مِنْجَلا
مِنْجَلًا: واسعَ الْجُرْحِ، وأَراد أَعارَتْه فَحَذَفَ الْهَاءَ، وَقِيلَ: النِّهَامِيُّ النَّجّارُ، وَالْفَتْحُ فِي كُلِّ ذَلِكَ «2» لُغَةٌ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. النَّضْرُ: النِّهَامِيُّ الطريقُ المَهْيَعُ الجَدَدُ، وَهُوَ النَّهَّامُ أَيضاً. والمَنْهَمَةُ: مَوْضِعٌ النَّجْر. وطريقٌ نِهَامِيٌّ ونَهَّامٌ: بيِّنٌ واضحٌ. والنَّهْمُ: الخَذْفُ بِالْحَصَى وَنَحْوِهُ. ونَهَمَ الحَصى ونحوَه يَنْهَمُه نَهْماً: قَذَفَهُ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
والهُوجُ يُدْرينَ الحَصى المَهْجوما، ... يَنْهَمْنَ فِي الدَّارِ الحَصى المَنْهُوما
لأَن السَّائِقَ قَدْ يَخْذِفُ بِالْحَصَى وَنَحْوِهُ، وَهُوَ النَّهْم. والنُّهَامُ: طائرٌ شِبْهُ الهامِ، وَقِيلَ: هُوَ البُومُ، وَقِيلَ: البومُ الذكَرُ؛ قَالَ الطِّرِمَّاحُ فِي بُومة تَصِيح:
تَبِيتُ إِذَا مَا دَعاها النُّهَام ... تُجِدُّ، وتَحْسِبها مازِحهْ
يَعْنِي أَنها تُجِدّ فِي صوتِها فكأَنها تُمازِحُ. وَقَالَ أَبو سَعِيدٍ: جَمْعُ النُّهامِ نُهُمٌ، قَالَ: وَهُوَ ذكَرُ
__________
(1) . قوله [لأنه يَنْهِمُ] ضبط في الصاغاني بالفتح والكسر وكتب عليه معاً إشارة إلى صحتهما
(2) . قوله [وَالْفَتْحُ فِي كُلِّ ذَلِكَ إلخ] الذي في القاموس أنه بمعنى الحدّاد والنجار والطريق مثلث، وبمعنى الراهب بالكسر والضم(12/594)
البُومِ؛ قَالَ: وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ فِي النُّهَامِ ذكرِ الْبُومِ لِعَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ:
يُؤْنِسُ فِيهَا صَوْتُ النُّهَامِ، إِذَا ... جاوَبَها بالعَشِيِّ قاصِبُها
ابْنُ سِيدَهْ: وَقِيلَ سُمِّيَ البومُ بِذَلِكَ لأَنه يَنْهِمُ بِاللَّيْلِ وَلَيْسَ هَذَا الِاشْتِقَاقُ بقَويّ؛ قَالَ الطِّرِمَّاحُ:
فتَلاقَتْه فلاثَتْ بِهِ ... لَعْوةٌ تَضْبَحُ ضَبْحَ النُّهَامْ
وَالْجَمْعُ نُهُمٌ. ونُهْمٌ: صنمٌ، وَبِهِ سُمِّي الرَّجُلُ عَبدَ نُهْمٍ. ونِهْمٌ: اسمُ رجلٍ، وَهُوَ أَبو بطنٍ مِنْهُمْ. ونُهْمٌ: اسمُ شيطانٍ،
وَوَفَدَ عَلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حيٌّ مِنَ الْعَرَبِ فَقَالَ: بَنُو مَنْ أَنتم؟ فَقَالُوا: بَنُو نُهْمٍ، فَقَالَ: نُهْمٌ شَيْطَانٌ، أَنْتُمْ بَنُو عَبْدِ اللَّهِ.
ونِهْمٌ: بَطْنٌ مِنْ هَمْدانَ، مِنْهُمْ عَمْرو بْنُ بَرَّاقة الهَمْداني ثُمَّ النِّهْمِيّ.
نوم: النَّوْم: مَعْرُوفٌ. ابْنُ سِيدَهْ: النَّوْمُ النُّعاسُ. نامَ يَنَامُ نَوْماً ونِياماً؛ عَنْ سِيبَوَيْهِ، والاسمُ النِّيمَةُ، وَهُوَ نَائِمٌ إِذَا رَقَدَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه قَالَ فِيمَا يَحْكي عَنْ ربِّه أَنْزَلْتُ عليكَ كِتَابًا لَا يَغْسِلُه الماءُ تَقْرَؤُه نَائِماً ويَقْظانَ
أَيْ تَقرؤه حِفْظاً فِي كُلِّ حَالٍ عَنْ قَلْبِكَ أَيْ فِي حَالَتَيِ النَّوْمِ وَالْيَقَظَةِ؛ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يُمْحى أَبداً بَلْ هُوَ مَحْفُوظٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتوا العِلْمَ، لَا يأْتِيه الباطلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، وَلَا مِنْ خَلْفِه، وَكَانَتِ الكتُبُ الْمُنَزَّلَةُ لَا تُجْمَع حِفْظاً، وَإِنَّمَا يُعْتَمَد فِي حِفْظِها عَلَى الصُّحُف، بخِلافِ الْقُرْآنِ فإنَّ حُفّاظَه أَضْعافُ صُحُفِه، وَقِيلَ: أَراد تَقْرَؤُهُ فِي يُسْرٍ وسُهولة. وَفِي حَدِيثِ
عِمْرانَ بْنِ حُصَيْن: صَلِّ قَائِماً، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فقاعِداً، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فنَائِماً
؛ أَراد بِهِ الاضْطِجاعَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الْآخَرُ:
فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ
، وَقِيلَ: نَائِمًا تَصْحِيفٌ، وإنَّما أَراد فَإِيمَاءً أَي بالإِشارة كَالصَّلَاةِ عِنْدَ الْتِحَامِ الْقِتَالِ وَعَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ. وَفِي حَدِيثِهِ الْآخَرِ:
مَنْ صَلَّى نَائِماً فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَا أَعلم أَني سَمِعْتُ صلاةَ النَّائِمِ إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ: وَلَا أَحفظ عَنْ أحدٍ مِنْ أَهل الْعِلْمِ أَنه رَخَّصَ فِي صلاةِ التَّطَوُّعِ نَائِمًا كَمَا رَخَّص فِيهَا قَاعِدًا، قَالَ: فَإِنْ صَحَّتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ وَلَمْ يَكُنْ أَحد الرُّواةِ أَدْرَجَه فِي الْحَدِيثِ وقاسَه عَلَى صلاةِ القاعِد وصلاةِ المريضِ إِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى القُعودِ، فَتَكُونُ صلاةُ المتطوِّع القادرِ نَائِمًا جَائِزَةً، وَاللَّهُ أَعلم، هَكَذَا قَالَ فِي مَعالم السُّنن، قَالَ: وَعَادَ قَالَ فِي أَعلام السُّنَّة: كنتُ تأَوْلت الحديثَ فِي كِتَابِ المَعالم عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ صلاةُ التَّطَوُّعِ، إِلَّا أَنَّ قَوْلَهُ نَائِمًا يُفْسِد هَذَا التأْويل لأَن المُضطجع لَا يصَلي التطوُّعَ كَمَا يُصَلِّي القاعدُ، قَالَ: فرأَيت الآنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ المريضُ المُفْتَرِضُ الَّذِي يُمْكِنُهُ أَنْ يَتحامَلَ فيقعُد مَعَ مَشَقَّة، فجعَل أَجْرَه ضِعْفَ أَجْرهِ إِذَا صلَّى نَائِمًا تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْقُعُودِ مَعَ جَوَازِ صَلَاتِهِ نَائِمًا، وَكَذَلِكَ جَعَلَ صلاتَه إِذَا تحامَل وقامَ مَعَ مشقةٍ ضِعْفَ صلاتِه إِذَا صَلَّى قَاعِدًا مَعَ الْجَوَازِ؛ وَقَوْلُهُ:
تاللهِ مَا زيدٌ بنَامَ صاحبُه، ... وَلَا مُخالِطِ اللِّيانِ جانِبُهْ
قِيلَ: إِنَّ نَامَ صاحبُه علمٌ اسْمُ رَجُلٍ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ جَرى مَجْرى بَني شابَ قَرناها؛ فَإِنْ قُلْتَ: فَإِنَّ قَوْلَهُ:
وَلَا مُخَالِطِ اللِّيَانِ جَانِبُهْ
لَيْسَ عَلَمًا وَإِنَّمَا هُوَ صِفَةٌ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى نامَ صاحبهُ، فَيَجِبُ أَن يَكُونُ قَوْلُهُ نَامَ صاحبُه صِفَةً أَيضاً؛ قِيلَ:(12/595)
قَدْ تَكُونُ فِي الجُمَل إِذَا سُمِّيَ بِهَا مَعَانِي الأَفعال؛ أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْلَهُ:
شابَ قَرْناها تُصَرُّ وتُحْلَبُ
هُوَ اسْمُ عَلم وَفِيهِ مَعَ ذَلِكَ مَعْنَى الذَّمِّ؟ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ جَازَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ:
وَلَا مُخالِطِ اللِّيانِ جانِبُه
مَعْطُوفًا عَلَى مَا فِي قَوْلِهِ نَامَ صَاحِبُهْ مِنْ مَعْنَى الْفِعْلِ. وَمَا لَهُ نِيمةُ ليلةٍ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أُراه يَعْنِي مَا يُنام عَلَيْهِ لَيْلَةً وَاحِدَةً. ورجلٌ نَائِمٌ ونَؤُومٌ ونُوَمَةٌ ونُوَمٌ؛ الأَخيرة عَنْ سِيبَوَيْهِ، مِنْ قومٍ نِيامٍ ونُوَّمٍ، عَلَى الأَصل، ونُيَّمٍ، عَلَى اللَّفْظِ، قَلَبُوا الْوَاوَ يَاءً لِقُرْبِهَا مِنَ الطرَف، ونِيَّم، عَنْ سِيبَوَيْهِ، كَسَرُوا لِمكان الْيَاءِ، ونُوَّامٍ ونُيَّامٍ، الأَخيرة نَادِرَةٌ لِبُعْدِهَا مِنَ الطَّرَفِ؛ قَالَ:
أَلَا طَرَقَتْنا مَيَّةُ ابنَةُ مُنْذِرٍ، ... فَمَا أَرَّقَ النُّيَّامَ إِلَّا سَلامُها
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: كَذَا سمع من أَبِي الْغَمْرِ. ونَوْم: اسْمٌ لِلْجَمْعِ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، وجمعٌ عِنْدَ غَيْرِهِ، وَقَدْ يَكُونُ النَّوْم لِلْوَاحِدِ. وَفِي حَدِيثِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ: قَالَ لِلْحُسَيْنِ ورأَى نَاقَتَهُ قَائِمَةً عَلَى زِمامِها بالعَرْج وَكَانَ مَرِيضًا: أَيها النَّوْمُ أَيها النَّوْمُ فَظَنَّ أَنه نَائِمٌ فَإِذَا هُوَ مُثْبَتٌ وَجعاً
، أَراد أَيُّهَا النَّائِمُ فوضَع المصدرَ موضعَه، كَمَا يُقَالُ رَجُلٌ صَوْمٌ أَيْ صَائِمٌ. التَّهْذِيبِ: رَجُلٌ نَوْمٌ وقومٌ نَوْمٌ وامرأَة نَوْمٌ وَرَجُلٌ نَوْمانُ كثيرُ النوْم. وَرَجُلٌ نُوَمَةٌ، بِالتَّحْرِيكِ: يَنامُ كَثِيرًا. وَرَجُلٌ نُوَمَةٌ إِذَا كَانَ خامِلَ الذِّكْر. وَفِي الْحَدِيثِ حَدِيثِ
عَلِيٍّ، كرَّم اللَّهُ وَجْهَهُ: أَنه ذَكَرَ آخرَ الزَّمَانِ والفِتَنَ ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا يَنْجو مِنْ شَرِّ ذَلِكَ الزَّمَانِ كلُّ مؤمنٍ نُوَمَةٍ أُولئك مصابيحُ العُلماء
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: النُّوَمَة، بِوَزْنِ الهُمَزة، الخاملُ الذِّكْرِ الْغَامِضُ فِي النَّاسِ الَّذِي لَا يَعْرِفُ الشَّرَّ وَلَا أَهلَه وَلَا يُؤْبَهُ لَهُ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنه قَالَ لِعَلِيٍّ: مَا النُّوَمَةُ؟ فَقَالَ: الَّذِي يَسْكُت فِي الْفِتْنَةِ فَلَا يَبْدو مِنْهُ شَيْءٌ
، وَقَالَ ابْنُ المبارَك: هُوَ الغافلُ عَنِ الشرِّ، وَقِيلَ: هُوَ العاجزُ عَنِ الأُمور، وَقِيلَ: هُوَ الخامِلُ الذِّكر الغامِضُ فِي النَّاسِ. وَيُقَالُ لِلَّذِي لَا يُؤْبَهُ لَهُ نُومةٌ، بِالتَّسْكِينِ. وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ
سَلَمَةَ: فنَوَّمُوا
، هُوَ مُبَالَغَةٌ فِي نامُوا. وامرأَة نَائِمَةٌ مِنْ نِسْوة نُوَّمٍ، عِنْدَ سِيبَوَيْهِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَكثرُ هَذَا الْجَمْعِ فِي فاعِلٍ دُونَ فاعلةٍ. وامرأَة نَؤُومُ الضُّحى: نائمتُها، قَالَ: وَإِنَّمَا حقيقتُه نَائِمَةٌ بالضُّحى أَوْ فِي الضُّحَى. واسْتَنَام وتَنَاوَمَ: طَلَبَ النَّوْم. واسْتَنَامَ الرجلُ: بِمَعْنَى تَناوَم شَهْوَةً لِلنَّوْمِ؛ وأَنشد لِلْعَجَّاجِ:
إِذَا اسْتَنَامَ راعَه النَّجِيُ
واسْتَنَامَ أَيضاً إِذَا سَكَن. وَيُقَالُ: أَخذه نُوَامٌ، وَهُوَ مثلُ السُّبات يَكُونُ مِنْ داءٍ بِهِ. ونَامَ الرجلُ إِذَا تواضَع لِلَّهِ. وَإِنَّهُ لَحَسنُ النِّيمةِ أَيِ النَّوْم. والمَنَامُ والمَنَامةُ: مَوْضِعُ النَّوْمِ؛ الأَخيرة عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلًا
؛ وَقِيلَ: هُوَ هُنَا العَينُ لأَن النَّوْم هُنَالِكَ يَكُونُ، وَقَالَ اللَّيْثُ: أَيْ فِي عينِك؛ وَقَالَ الزَّجَّاجُ: رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ أَن مَعْنَاهَا فِي عَيْنِكَ الَّتِي تَنامُ بِهَا، قَالَ: وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ النَّحْوِ ذَهَبُوا إِلَى هَذَا، وَمَعْنَاهُ عِنْدَهُمْ إذْ يُرِيكَهم اللهُ فِي مَوْضِعِ مَنَامِكَ أَيْ فِي عينِك، ثُمَّ حَذَفَ الموضعَ وأَقام المَنامَ مُقامَه، قَالَ: وَهَذَا مذهبٌ حَسَنٌ، وَلَكِنْ قَدْ جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ
أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَآهُمْ فِي النَّوْم قَلِيلًا وقَصَّ الرُّؤْيا(12/596)
عَلَى أَصْحابه فَقَالُوا صَدَقتْ رؤْياك يَا رَسُولَ اللَّهِ
، قَالَ: وَهَذَا المذهبُ أَسْوَغ فِي الْعَرَبِيَّةِ لأَنه قَدْ جَاءَ: وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ؛ فَدَلَّ بِهَا أَنَّ هَذِهِ رؤْية الِالْتِقَاءِ وأَن تِلْكَ رؤْية النَّوْم. الْجَوْهَرِيُّ: تَقُولُ نِمْت، وأَصله نَوِمْت بِكَسْرِ الْوَاوِ، فَلَمَّا سَكَنَتْ سَقَطَتْ لِاجْتِمَاعِ السَّاكِنَيْنِ ونُقِلتْ حركتُها إِلى مَا قَبْلَهَا، وَكَانَ حقُّ النُّونِ أَن تُضَمَّ لتَدُلَّ عَلَى الْوَاوِ السَّاقِطَةِ كَمَا ضَمَمْت الْقَافَ فِي قُلْتَ، إِلا أَنهم كَسَرُوهَا فَرْقاً بَيْنَ الْمَضْمُومِ وَالْمَفْتُوحِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَوْلُهُ وكانَ حَقُّ النُّونِ أَن تُضَمَّ لتدلَّ عَلَى الْوَاوِ السَّاقِطَةِ وَهَمٌ، لأَن المُراعى إِنما هُوَ حَرَكَةُ الْوَاوِ الَّتِي هِيَ الكسرةُ دُونَ الْوَاوِ بِمَنْزِلَةِ خِفْت، وأَصله خَوِفْت فنُقِلت حَرَكَةُ الْوَاوِ، وَهِيَ الْكَسْرَةُ، إِلى الْخَاءِ، وحُذفت الْوَاوُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، فأَما قُلت فإِنما ضُمَّت الْقَافُ أَيضاً لِحَرَكَةِ الْوَاوِ، وَهِيَ الضَّمَّةُ، وَكَانَ الأَصل فِيهَا قَوَلْت، نُقِلتْ إِلى قوُلت، ثُمَّ نقِلت الضَّمَّةُ إِلَى الْقَافِ وحُذِفَت الْوَاوُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وأَما كِلْتُ فإِنما كَسَرُوهَا لِتَدُلَّ عَلَى الْيَاءِ السَّاقِطَةِ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَهَذَا وَهَمٌ أَيضاً وإِنما كَسَرُوهَا لِلْكَسْرَةِ الَّتِي عَلَى الْيَاءِ أَيضاً، لَا لِلْيَاءِ، وأَصلها كَيِلْت مُغَيَّرة عَنْ كَيَلْتُ، وَذَلِكَ عِنْدَ اتِّصَالِ الضَّمِيرِ بِهَا أَعني التَّاءَ، عَلَى مَا بُيِّن فِي التَّصْرِيفِ، وَقَالَ: وَلَا يَصِحُّ أَن يَكُونَ كالَ فَعِل لِقَوْلِهِمْ فِي الْمُضَارِعِ يَكيلُ، وفَعِلَ يَفْعِلُ إِنما جَاءَ فِي أَفعال مَعْدُودَةٍ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وأَما عَلَى مَذْهَبِ الْكِسَائِيِّ فالقياسُ مستمرٌّ لأَنه يَقُولُ: أَصلُ قَالَ قَوُلَ، بِضَمِّ الْوَاوَ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: لَمْ يَذْهَبِ الْكِسَائِيُّ وَلَا غيرُه إِلى أَنَّ أَصلَ قَالَ قَوُل، لأَن قَالَ مُتَعدٍّ وفَعُل لَا يَتعدَّى وَاسْمُ الْفَاعِلِ مِنْهُ قائلٌ، وَلَوْ كَانَ فَعُل لَوَجَبَ أَن يَكُونَ اسْمَ الْفَاعِلِ مِنْهُ فَعيل، وإِنما ذَلِكَ إِذا اتَّصَلَتْ بِيَاءِ الْمُتَكَلِّمِ أَو الْمُخَاطَبِ نَحْوُ قُلْت، عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَكَذَلِكَ كِلْت؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وأَصل كالَ كَيِلَ، بِكَسْرِ الْيَاءِ، والأَمر مِنْهُ نَمْ، بِفَتْحِ النُّونِ، بِناءً عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ لأَن الْوَاوَ الْمُنْقَلِبَةَ أَلفاً سَقَطَتْ لِاجْتِمَاعِ السَّاكِنَيْنِ. وأَخَذه نُوَامٌ، بِالضَّمِّ، إِذا جعَل النَّوْمُ يَعْترِيه. وتَناوَمَ: أَرى مِنْ نفْسه أَنه نائمٌ وَلَيْسَ بِهِ، وَقَدْ يَكُونُ النَّوْم يُعْنى بِهِ المَنامُ. الأَزهري: المَنامُ مَصْدَرُ نَامَ يَنَامُ نَوْماً ومَنَاماً، وأَنَمْتُه ونَوَّمْتُه بِمَعَنًى، وَقَدْ أَنَامَه ونَوَّمَه. وَيُقَالُ فِي النِّدَاءِ خَاصَّةً: يَا نَوْمانُ أَي يَا كَثِيرَ النَّوْم، قَالَ: وَلَا تَقُل رَجُلٌ نَوْمانُ لأَنه يَخْتَصُّ بِالنِّدَاءِ. وَفِي حَدِيثِ
حُذَيْفَةَ وَغَزْوَةِ الخَنْدق: فَلَمَّا أَصْبَحتْ قَالَتْ: قُمْ يَا نَوْمانُ
؛ هُوَ الْكَثِيرُ النَّوْم، قَالَ: وأَكثر مَا يُسْتَعْمَلُ فِي النِّدَاءِ. قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَفِي المثَل أَصْبِحْ نَوْمانُ، فأَصْبِحْ عَلَى هَذَا مِنْ قَوْلِكَ أَصْبَحَ الرجلُ إِذا دَخَلَ فِي الصُّبح، وَرِوَايَةُ سِيبَوَيْهِ أَصْبِحْ ليْلُ لِتَزُلْ حَتَّى يُعاقِبَك الإِصباح؛ قَالَ الأَعشى:
يَقُولُونَ: أَصْبِحْ ليْلُ، والليلُ عاتِم
وَرُبَّمَا قَالُوا: يَا نَوْمُ، يُسَمُّون بِالْمَصْدَرِ. وأَصابَ الثَّأْرَ المُنِيم أَي الثأْر الَّذِي فِيهِ وَفاءُ طِلْبتِه. وَفُلَانٌ لَا يَنَامُ وَلَا يُنِيمُ أَي لَا يَدَعُ أَحداً يَنام؛ قَالَتِ الْخَنْسَاءُ:
كَمَا مِنْ هاشمٍ أَقرَرْت عَيْني، ... وكانَتْ لَا تَنَامُ وَلَا تُنِيمُ
وَقَوْلُهُ:
تَبُكُّ الحَوْضَ عَلَّاها ونَهْلا، ... وخَلْفَ ذِيادِها عَطَنٌ مُنِيمُ
مَعْنَاهُ تسكُن إِليها فتُنِيمُها. ونَاوَمَنِي فنُمْتُه أَي كنتُ أَشدَّ نَوْماً مِنْهُ. ونُمْتُ الرجلَ، بِالضَّمِّ، إِذا(12/597)
غَلَبْتَه بالنَّوْم، لأَنك تَقُولُ نَاوَمَه فنَامَه يَنُومُه. ونَامَ الخَلخالُ إِذا انقَطعَ صوتُه مِنِ امْتِلَاءِ السَّاقِ، تَشْبِيهًا بِالنَّائِمِ مِنَ الإِنسان وَغَيْرِهِ، كَمَا يُقَالُ اسْتَيْقَظَ إِذا صَوَّت؛ قَالَ طُرَيح:
نَامَتْ خَلاخِلُها وجالَ وِشاحُها، ... وجَرى الإِزارُ عَلَى كثِيبٍ أَهْيَلِ
فاسْتَيْقَظَتْ مِنْهَا قَلائدُها الَّتِي ... عُقِدَت عَلَى جِيدِ الغَزالِ الأَكْحَلِ
وَقَوْلُهُمْ: نامَ هَمُّه، مَعْنَاهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ هَمٌّ؛ حَكَاهُ ثَعْلَبٌ. وَرَجُلٌ نُوَمٌ ونُوَمَةٌ ونَوِيمٌ: مُغفَّل، ونُوَمَةٌ: خاملٌ، وَكُلُّهُ مِنَ النَّوْم، كأَنه نائمٌ لغَفْلَتِه وخُموله. الْجَوْهَرِيُّ: رَجُلٌ نُومة، بِالضَّمِّ سَاكِنَةَ الْوَاوِ، أَي لَا يُؤْبَه لَهُ. وَرَجُلٌ نُوَمَةٌ، بِفَتْحِ الْوَاوِ: نَؤُوم، وهو الكثير النَّوْم، إِنه لَحَسنُ النِّيمة، بِالْكَسْرِ. وَفِي حَدِيثِ
بِلالٍ والأَذان: أَلا إِن العبدَ نَام
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: أَراد بالنَّوْمِ الغفلةَ عَنْ وَقْتِ الأَذانِ، قَالَ: يُقَالُ نامَ فلانٌ عَنْ حَاجَتِي إِذا غفَل عَنْهَا وَلَمْ يَقُمْ بِهَا، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنه قَدْ عادَ لِنَوْمِه إِذا كَانَ عَلَيْهِ بَعْدُ وقتٌ مِنَ اللَّيْلِ، فأَراد أَن يُعْلِمَ النَّاسَ بِذَلِكَ لِئَلَّا يَنْزَعِجوا مِنْ نَوْمِهم بسماعِ أَذانهِ. وكلُّ شيءٍ سكَنَ فَقَدْ نامَ. وَمَا نَامَتِ السماءُ اللَّيلةَ مَطَرًا، وَهُوَ مَثَلٌ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ البَرْق؛ قَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤَيّة:
حَتَّى شَآهَا كَلِيلٌ مَوْهِناً عَمِلٌ ... باتَ اضْطِراباً، وباتَ اللَّيْلُ لَمْ يَنَم
ومُسْتَنَامُ الْمَاءِ: حَيْثُ يَنْقَع ثُمَّ يَنشَفُ؛ هَكَذَا قَالَ أَبو حَنِيفَةَ يَنْقَع، وَالْمَعْرُوفُ يَسْتَنْقِع، كأَنَّ الماءَ يَنامُ هُنَالِكَ. ونَامَ الماءُ إِذا دامَ وقامَ، ومَنامُه حَيْثُ يَقُوم. والمَنامَةُ: ثوبٌ يُنامُ فِيهِ، وَهُوَ القَطيفةُ؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:
عَلَيْهِ المَنَامَةُ ذاتُ الفُضول، ... مِنَ القِهْزِ، والقَرْطَفُ المُخْمَلُ
وَقَالَ آخَرُ:
لكلِّ مَنَامَةٍ هُدْبٌ أَصِيرُ
أَي متقارِب. وليلٌ نَائِمٌ أَي يُنامُ فِيهِ، كَقَوْلِهِمْ يومٌ عاصفٌ وهمٌّ ناصبٌ، وَهُوَ فاعلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ فِيهِ. والمَنَامَةُ: القَطِيفةُ، وَهِيَ النِّيمُ؛ وَقَوْلُ تأَبَّط شَرّاً:
نِياف القُرطِ غَرَّاء الثَّنايا، ... تَعَرَّضُ للشَّبابِ ونِعمَ نِيمُ
قِيلَ: عَنى بالنِّيمِ القَطِيفةَ، وَقِيلَ: عَنَى بِهِ الضَّجِيعَ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَحَكَى الْمُفَسِّرُ أَن الْعَرَبَ تَقُولُ هُوَ نِيمُ المرأَةِ وَهِيَ نِيمُهُ. والمَنَامَةُ: الدُّكّانُ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: دَخَلَ عَلَيَّ رسولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأَنا عَلَى المَنَامَةِ
؛ قَالَ يُحْتَمَلُ أَن يَكُونَ الدُّكّانَ وأَن يَكُونَ القطيفةَ؛ حَكَاهُ الْهَرَوِيُّ فِي الْغَرِيبَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ الأَثير: المَنَامَةُ هَاهُنَا الدُّكَّانُ الَّتِي يُنامُ عَلَيْهَا، وَفِي غَيْرِ هَذَا هِيَ الْقَطِيفَةُ، وَالْمِيمُ الأُولى زَائِدَةٌ. ونَامَ الثوبُ والفَرْوُ يَنَامُ نَوْماً: أَخْلَقَ وانْقَطَعَ. ونَامَت السُّوقُ وحَمُقت: كسَدَت. ونَامَت الريحُ: سكَنَت، كَمَا قَالُوا: ماتَتْ. ونَامَ البحرُ: هدَأَ؛ حَكَاهُ الْفَارِسِيُّ. ونَامَتِ النارُ: هَمَدَت، كلُّه مِنَ النَّوْم الَّذِي هُوَ ضدُّ اليَقظة. ونَامَتِ الشاةُ وغيرُها مِنَ الْحَيَوَانِ إِذا ماتَتْ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ أَنه حَثَّ عَلَى قِتال الْخَوَارِجِ فَقَالَ: إِذا رأَيتُموهم فأَنِيمُهوهم
أَي اقْتُلوهم. وَفِي حَدِيثِ غَزْوَةِ الْفَتْحِ:
فَمَا أَشْرَفَ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ أَحدٌ إِلا أَنَامُوه
أَي قَتلوه. يُقَالُ: نَامَتِ الشاةُ وغيرُها إِذا مَاتَتْ. والنَّائِمَةُ: المَيِّتَةُ. والنَّامِيَةُ: الجُثّةُ. واسْتَنَامَ إِلى(12/598)
الشَّيْءِ: اسْتَأْنَسَ بِهِ. واستَنَامَ فلانٌ إِلى فُلَانٍ إِذا أَنِسَ بِهِ واطْمَأَنَّ إِليه وسكَن، فَهُوَ مُسْتَنِيمٌ إِليه. ابْنُ بَرِّيٍّ: واسْتَنَامَ بِمَعْنَى نامَ؛ قَالَ حُميد بْنُ ثَوْر:
فقامَتْ بأَثْناءٍ مِنَ اللَّيْلِ سَاعَةً ... سَراها الدَّواهي، واسْتَنَامَ الخَرائدُ
أَي نَامَ الْخَرَائِدُ. والنَّامَةُ: قاعةُ الفَرْج. والنِّيمُ: الفَرْوُ، وَقِيلَ: الفَرْوُ القصيرُ إِلى الصَّدْر، وَقِيلَ لَهُ نِيمٌ أَي نِصفُ فَرْوٍ، بِالْفَارِسِيَّةِ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
وَقَدْ أَرى ذَاكَ فلَنْ يَدُوما، ... يُكْسَيْنَ مِنْ لِينِ الشَّبابِ نِيمَا
وفُسِّر أَنه الفَرْوُ، ونَسبَ ابْنُ بَرِّيٍّ هَذَا الرجزَ لأَبي النَّجْم، وَقِيلَ: النِّيم فَرْوٌ يُسَوَّى مِنْ جُلود الأَرانِب، وَهُوَ غَالِي الثَّمَنِ؛ وَفِي الصِّحَاحِ: النِّيم الفَرْوُ الخَلَقُ. والنِّيم: كلُّ لَيِّنٍ مِنْ ثوبٍ أَو عَيْشٍ. والنِّيم: الدَّرَجُ الَّذِي فِي الرِّمَالِ إِذا جَرَت عَلَيْهِ الرِّيحِ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
حَتَّى انْجَلى الليلُ عنَّا فِي مُلَمَّعة ... مِثْلِ الأَديمِ، لَهَا مِنْ هَبْوَةٍ نِيمُ «3»
. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: مَنْ فَتَحَ الْمِيمَ أَراد يَلْمَع فِيهَا السَّرابُ، ومَنْ كسَر أَراد تَلْمَعُ بِالسَّرَابِ، قَالَ: وفُسِّر النِّيمُ فِي هَذَا الْبَيْتِ بالفَرْوِ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِلْمَرَّارِ بْنِ سَعِيدٍ:
فِي لَيْلةٍ مِنْ لَيَالِي القُرِّ شاتِية، ... لَا يُدْفِئُ الشيخَ مِنْ صُرّداها النِّيمُ
وأَنشد لِعَمْرِو بْنِ الأَيْهَم «4» :
نَعِّماني بشَرْبةٍ مِنْ طِلاءٍ، ... نِعْمَت النِّيمُ مِنْ شَبا الزَّمْهَريرِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُرْوَى هَذَا الْبَيْتُ أَيضاً:
كأَنَّ فِداءَها، إِذ جَرَّدوه ... وَطَافُوا حَوْلَه، سُلَكٌ ينِيمُ
قَالَ: وَذَكَرَهُ ابْنُ وَلَّادٍ فِي الْمَقْصُورِ فِي بَابِ الْفَاءِ: سُلَك يَتيمُ. والنِّيمُ: النِّعْمةُ التامّةُ. والنِّيم: ضربٌ مِنَ العِضاهِ. والنِّيمُ والكَتَمُ: شَجَرَتَانِ مِنَ العِضاه. والنِّيمُ: شَجَرٌ تُعْمَل مِنْهُ القِداحُ. قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: النِّيمُ شجرٌ لَهُ شَوْكٌ ليِّنٌ وورَقٌ صِغارٌ، وَلَهُ حبٌّ كَثِيرٌ مُتَفَرِّقٌ أَمثال الحِمَّص حامِضٌ، فإِذا أَيْنَع اسْوَدَّ وحَلا، وَهُوَ يُؤْكَلُ، ومَنابِتُه الجبالُ؛ قَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤيّة الهذلي ووَصَف وَعِلًا فِي شَاهِقٍ:
ثُمَّ يَنُوش إِذا آدَ النهارُ لَهُ، ... بعدَ التَّرَقُّبِ مِنْ نِيمٍ وَمِنْ كَتَم
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نامَ إِليه بِمَعْنَى هُوَ مُستْنيِم إِليه. وَيُقَالُ: فلانٌ نِيمِي إِذا كُنْتَ تأْنَسُ بِهِ وتسْكُن إِليه؛ وَرَوَى ثَعْلَبٌ أَن ابْنَ الأَعرابي أَنشده:
فقلتُ: تَعَلَّمْ أَنَّني غيرُ نَائِم ... إِلى مُستَقِلٍّ بالخِيانةِ أَنْيَبا
قَالَ: غَيْرُ نَائِم أَي غيرُ واثقٍ بِهِ، والأَنْيبُ: الغليظُ النَّابِ، يُخَاطِبُ ذِئْبًا. والنِّيمُ، بِالْفَارِسِيَّةِ: نِصْفُ الشَّيْءِ، وَمِنْهُ قولُهم للقُبَّة الصَّغِيرَةِ: نِيمُ خَائِجَةٍ أَي نصفُ بَيْضةٍ، وَالْبَيْضَةُ عِنْدَهُمْ خَايَاهْ، فأُعربت فَقِيلَ خَائِجَةٌ. ونَوَّمان: نَبْتٌ؛ عَنِ السِّيرَافِيِّ، وَهَذِهِ التراجِمُ كُلِّهَا أَعني نوم ونيم ذَكَرَهَا ابْنُ سِيدَهْ فِي تَرْجَمَةِ نوم، قَالَ: وإِنما قَضَيْنَا عَلَى يَاءِ النِّيم فِي وُجُوهِهَا كُلِّهَا بالواو لوجود [ن وم] وَعَدَمِ [ن ي م] ، وَقَدْ تَرْجَمَ الْجَوْهَرِيُّ نيم، وَتَرْجَمَهَا أَيضاً ابْنُ بَرِّيٍّ.
__________
(3) . قوله [حتى انجلى إلخ] كذا في الصحاح، وفي التكملة ما نصه:
يجلي بها اللَّيْلُ عَنَّا فِي ملمعةٍ
ويروى: يجلو بها الليل عنها
(4) . قوله [ابن الأيهم] في التكملة في مادة هيم: ما نصه: وأعشى بني تغلب اسمه عمرو بن الأهيم(12/599)
فصل الهاء
هبرم: الهَبْرَمةُ: كثرةُ الْكَلَامِ.
هتم: هَتَمَ فَاهُ يَهْتِمُه هَتْماً: أَلْقى مُقدَّم أَسنانه. والهَتَمُ: انكسارُ الثَّنَايَا مِنْ أُصولها خَاصَّةً، وَقِيلَ: مِنْ أَطرْافِها، هَتِمَ هَتَماً وَهُوَ أَهْتَم بيِّن الهَتَم وهَتْمَاء. والهَتْمَاءُ مِنَ المِعْزى: الَّتِي انْكَسَرَتْ ثَنِيَّتُها. وأَهْتَمْتُه إِهْتَاماً إِذا كَسَرْت أَسنانه، وأَقْصَمْتُه إِذا كَسَرْتَ بَعْضَ سِنِّه، وأَشْتَرْتُه فِي العيْنِ، حَتَّى قَصِم وهَتِمَ وشَتِر، وَضَرَبَهُ فهَتَمَ فَاهُ. وتَهَتَّمَتْ أَسنانُه أَي تكسَّرَت. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن أَبا عُبَيْدَةَ كَانَ أَهْتَمَ الثَّنَايَا انْقَلَعَتْ ثَنَايَاهُ يَوْمَ أُحُد لَمَّا جَذَب بِهَا الزَّرَدَتَين اللَّتَيْنِ نَشِبتا فِي خَدِّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَفِي الْحَدِيثِ:
نَهى أَن يُضَحَّى بِهَتْمَاءَ
؛ هِيَ الَّتِي انْكَسَرَتْ ثَنَايَاهَا مِنْ أَصلها وَانْقَلَعَتْ. وتَهَتَّمَ الشيءُ: تَكَسَّرَ؛ قَالَ جَرِيرٌ:
إِن الأَراقِمَ لَنْ يَنال قَديمَها ... كلْبٌ عَوى، مُتَهَتِّمُ الأَسنان
والهُتَامَة: مَا تكَسّر مِنَ الشَّيْءِ. والهَيْتَم: شَجَرَةٌ مِنْ شَجَرِ الحَمْض جَعْدة؛ حَكَى ذَلِكَ أَبو حَنِيفَةَ وَقَالَ: ذُكر ذَلِكَ عَنْ شُبَيْل بْنِ عَزْرة وَكَانَ رَاوِيَةً؛ وأَنشد لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي يَرْبُوعٍ:
رَعَتْ بِقِران الحَزْنِ رَوْضاً مُواصِلًا ... عَمِيماً مِنَ الظِّلَّامِ، والهَيْتَمِ الجَعْدِ «1»
. والأَهْتَم: لَقَبُ سِنان بْنِ سُمَيّ بْنِ سِنَانِ بْنِ خَالِدِ بْنِ مِنْقَر لأَنه هُتِمَتْ ثَنِيَّتُه يَوْمَ الكُلاب. وهَاتِمٌ وهُتَيْمٌ: اسْمَانِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأُرى هُتَيْماً تَصْغِيرُ ترخيم.
هتلم: الهَتْلَمَة: الكَلام الخَفِيّ. والهَتْمَلة: كالهَتْلَمة. وهَتْلَمَ الرَّجُلَانِ: تكلَّما بِكَلَامٍ يسِرَّانه عَنْ غيرهما، وهي الهَتْمَلة.
هثم: هَثَمَ الشيءَ يَهْثِمُه: دَقَّه حَتَّى انْسَحَقَ. وهَثَمَ لَهُ مِنْ مالِه: كَمَا تَقُولُ قَثَم؛ حَكَاهُ ابْنُ الأَعرابي. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: الهُثُم القِيزانُ المُنْهالة. والهَيْثَم: الصَّقْر، وَقِيلَ: فَرْخ النَّسْر، وَقِيلَ: هُوَ فَرْخُ العُقاب، وَمِنْهُ سُمِّيَ الرَّجُلُ هَيْثَماً، وَقِيلَ: هُوَ صَيْدُ العُقاب؛ قَالَ:
تُنازِعُ كَفَّاه العِنانَ، كأَنَّه ... مُوَلَّعةٌ فَتْخاءُ تَطْلُب هَيْثَمَا
والهَيْثَم: الكَثيب السَّهَل، وَقِيلَ: الكَثيب الأَحْمر، وَقِيلَ: الهَيْثَم رَمَلَةٌ حَمْرَاءُ؛ قَالَ الطِّرِمَّاحُ يَصِفُ قِداحاً أُجِيلَتْ فَخَرَجَ لَهَا صَوْتٌ:
خُوارُ غِزْلانٍ لَدَى هَيْثَمٍ، ... تَذَكَّرَتْ فِيقةَ ارْآمِها
والهَيْثَم: ضَرْبٌ مِنَ الشَّجَرِ. والهيْثَمة: بَقْلة مِنَ النَّجيل. والهَيْثَم: ضَرْبٌ مِنَ الحِبَّة؛ عَنِ الزَّجَّاجِيِّ. وهَيْثَم: اسْمٌ، وَاللَّهُ أَعلم.
هجم: هَجَم عَلَى الْقَوْمِ يَهْجُمُ هُجُوماً: انْتَهَى إِليهم بَغْتة، وهَجَمَ عَلَيْهِ الخَيْلَ وهَجَمَ بِهَا. اللِّيْثُ: يُقَالُ: هَجَمْنا الخَيْلَ، قَالَ: وَلَمْ أَسمعهم يَقُولُونَ أَهْجَمْنا، وَاسْتَعَارَهُ عليٌّ، كرَّم اللَّهُ وَجْهَهُ، للعِلْم فَقَالَ: هَجَمَ بِهِمُ العِلْمُ عَلَى حَقَائِقِ الأُمور فباشَرُوا رَوْحَ الْيَقِينَ. وهَجَمَ عَلَيْهِمْ: دَخَلَ، وَقِيلَ: دَخَلَ بِغَيْرِ إِذن. وهَجَمَ غَيْرَه عَلَيْهِمْ وَهُوَ هَجُومٌ: أَدْخله؛ أَنشد سِيبَوَيْهِ:
هَجُومٌ عَلَيْنَا نَفْسَه، غيرَ أَنَّه ... مَتَى يُرْمَ فِي عَيْنَيه، بالشَّبْح، يَنْهَض «2» .
__________
(1) . قوله [بقران] كذا في الأَصل والمحكم، والذي في تكملة الصاغاني: بقرار
(2) . قوله [هَجُوم علينا] في المحكم: هجوم عليها(12/600)
يَعْنِي الظَّلِيمَ. الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ: وهَجَمْتُ أَنا عَلَى الشَّيْءِ بَغْتةً أَهْجُمُ هُجُوماً وهَجَمْتُ غَيْري، يتعدَّى وَلَا يَتَعَدَّى. وهَجَمَ الشتاءُ: دَخَل. ابْنُ سِيدَهْ: وهَجَمَ البيتَ يَهْجِمُه هَجْماً هَدَمه. وَبَيْتٌ مَهْجُومٌ: حُلَّتْ أَطْنابُه فانْضَمَّتْ سِقابُه أَي أَعْمِدتُه، وَكَذَلِكَ إِذا وَقَع؛ قَالَ عَلْقَمَةُ بْنُ عَبْدَةَ:
صَعْلٌ كأَنَّ جناحَيْه وجُؤْجُؤَه ... بَيْتٌ، أَطافَتْ بِهِ خَرْقاءُ، مَهْجُوم
الخَرْقاء هاهنا: الرِّيحُ. وهُجِمَ البيتُ إِذا قُوِّض. وَلَمَّا قُتِل بِسْطامُ بْنِ قَيْسٍ لَمْ يَبْقَ بَيْتٌ فِي رَبِيعَةَ إِلا هُجِمَ أَي قُوِّض. والهَجْم: الهَدْم. وهَجَمَ البيتُ وانْهَجَمَ: انْهَدَم. وانْهَجَمَ الخِباءُ: سَقَط. والهَجُوم: الريحُ الَّتِي تَشْتَدُّ حَتَّى تَقْلَع البيوتَ والثُّمامَ. وَرِيحٌ هَجُومٌ: تَقْلَعُ البيوتَ والثُّمامَ. والريحُ تَهْجُمُ الترابَ عَلَى الْمَوْضِعِ. تَجْرُفه فَتُلْقِيهِ عَلَيْهِ؛: قَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ عَجاجاً جَفَلَ مِنْ مَوْضِعِهِ فهَجَمَتْه الريحُ عَلَى هَذِهِ الدَّارِ:
أَوْدى بِهَا كلُّ عَرَّاصٍ أَلَثَّ بِهَا، ... وجافِلٌ مِنْ عَجاجِ الصَّيْف مَهْجُوم
وهَجَمَتْ عينُه تَهْجُمُ هَجْماً وهُجُوماً: غَارَتْ. وَفِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنه قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو حِينَ ذكَر قِيَامَهُ بِاللَّيْلِ وصيامَه بِالنَّهَارِ: إِنك إِذا فَعَلْتَ ذَلِكَ هَجَمَتْ عيناكَ
أَي غارَتا ودخَلَتا فِي مَوْضِعِهِمَا؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَمِنْهُ هَجَمْتُ عَلَى الْقَوْمِ إِذا دَخَلْتُ عَلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ هَجَمَ عَلَيْهِمُ البيتُ إِذا سَقَطَ عَلَيْهِمْ. وانْهَجَمَتْ عينُه: دمَعَت. قَالَ شَمِرٌ: لَمْ أَسمع انْهَجَمَتْ عينُه بِمَعْنَى دمَعَت إِلا هاهنا، قَالَ: وَهُوَ بِمَعْنَى غارَتْ، معروفٌ. وهَجَمَ مَا فِي ضَرْعِ النَّاقَةِ يَهْجُمُه هَجْماً واهْتَجَمَه: حَلَبه؛ وهَجَمْتُ مَا فِي ضَرْعِهَا إِذا حَلبْت كلَّ مَا فِيهِ؛ وأَنشد لرؤْبة:
إِذا التَقَتْ أَرْبَعُ أَيْدٍ تَهْجُمُهْ، ... حَفَّ حَفِيفَ الغيْثِ جادَتْ دِيَمُهْ
قَالَ: وَمِنْهُ قَوْلُ غَيْلان بْنِ حُرَيْث:
وامْتاح مِنِّي حَلَباتِ الهَاجِمِ
وهَجَمَ النَّاقَةَ نَفْسَها وأَهْجَمَها: حَلَبها. والهَجِيمَةُ: اللبنُ قَبْلَ أَن يُمْخَض، وَقِيلَ: هُوَ الخاثرُ مِنْ أَلبْان الشاءِ، وَقِيلَ: هُوَ اللَّبَنُ الَّذِي يُحْقَنُ فِي السِّقاء الْجَدِيدِ ثُمَّ يُشْرَب وَلَا يُمْخَض، وَقِيلَ هُوَ مَا لَمْ يَرُبْ أَي يَخْثُر وَقَدِ الْهَاجَّ لأَن يَروبَ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ. قَالَ أَبو الْجَرَّاحِ: إِذا ثَخُنَ اللبنُ وخَثُر فَهُوَ الهَجِيمَةُ. ابْنُ الأَعرابي: الهَجِيمَةُ مَا حَلَبْته مِنَ اللَّبَنِ فِي الإِناء، فإِذا سكَنتْ رَغْوتُه حَوَّلْتَه إِلى السِّقاء. وهاجِرةٌ هَجُومٌ: تَحْلُب العرَقَ؛ وأَنشد ابْنُ السِّكِّيتِ:
والعِيسُ تَهْجُمُها الحَرورُ كأَنَّها
أَي تَحْلُب عرَقَها؛ وَمِنْهُ هَجَمَ النَّاقَةَ إِذا حَطَّ مَا فِي ضَرْعِهَا مِنَ اللَّبَنِ. يُقَالُ: تَحَمَّمَ فإِنَّ الحَمَّام هَجُومٌ، أَي مُعَرِّقٌ يُسِيل العَرَقَ. والهَجْمُ: العَرَقُ، قَالَ: وَقَدْ هَجَمَتْه الهَواجِر. وانْهَجَمَ العرَقُ: سالَ. والهَجْم والهَجَمُ؛ الأَخيرة عَنْ كُرَاعٍ: القَدَحُ الضَّخْم يُحْلب فِيهِ، وَالْجَمْعُ أَهْجَامٌ؛ قَالَ الْشَّاعِرُ:
كَانَتْ إِذا حالِبُ الظَّلْماء أَسْمَعَها، ... جَاءَتْ إِلى حالِبِ الظَّلْماءِ تَهْتَزِمُ
فَتَمْلأُ الهَجْمَ عَفْواً وَهْيَ وادِعةٌ، ... حَتَّى تكادَ شِفاه الهَجْمِ تَنْثَلِمُ
ابْنُ الأَعرابي: هُوَ القدَحُ والهَجَمُ والعَسْفُ والأَجَمُ(12/601)
والعَتادُ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِشَاعِرٍ:
إِذا أُنِيخَتْ والْتَقَوْا بالأَهْجَامْ، ... أَوْفَت لَهُمْ كَيْلًا سَريع الإِعْذامْ
الأَصمعي: يُقَالُ هَجَمٌ وهَجْمٌ للقَدَحِ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
ناقةُ شيخٍ للإِلهِ راهِبِ، ... تَصُفُّ فِي ثلاثةِ المَحالِبِ:
فِي الهَجَمَيْنِ، والْهَنِ المُقارِبِ
قَالَ: الهَجَمُ العُسُّ الضَّخْمُ أَي تَجْمَعُ بَيْنَ مِحْلَبَيْنِ أَو ثَلَاثَةً نَاقَةٌ صَفوفٌ تَجْمَعُ بَيْنَ الْمَحَالِبِ، قَالَ: والفَرَق أَربعةُ أَرباع؛ وأَنشد:
تَرْفِد بعدَ الصَّفِّ فِي فُرْقانِ
جَمْعُ الفَرَق وَهُوَ أَربعة أَرباعٍ، والهنُ المُقارِبُ: الَّذِي بَيْنَ العُسَّين. والهَجْمةُ: القطْعة الضَّخْمة مِنَ الإِبل، وَقِيلَ: هِيَ مَا بَيْنَ الثَلَاثِينَ وَالْمِائَةِ؛ وَمِمَّا يَدلّك عَلَى كَثْرَتِهَا قَوْلُهُ:
هَلْ لكِ، والعارِضُ منكِ عائِضُ، ... فِي هَجْمَةٍ يُسْئِرُ مِنْهَا القابِضُ؟ «1»
. وَقِيلَ: الهَجْمَةُ أَوَّلُها الأَرْبَعون إِلى مَا زَادَتْ، وَقِيلَ: هِيَ مَا بَيْنَ السَّبْعِين إِلى دُوَيْن الْمِائَةِ، وَقِيلَ: هِيَ مَا بَيْنَ الْسَبْعِينَ إِلى الْمِائَةِ؛ قَالَ المعْلُوط:
أَعاذِل، مَا يُدْريك أَنْ رُبَّ هَجْمَةٍ ... لأَخْفافِها فَوْقَ المِتانِ فَدِيدُ؟
وَقِيلَ: هِيَ مَا بَيْنَ التِّسعين إِلى الْمِائَةِ، وَقِيلَ: مَا بَيْنَ الستِّين إِلى الْمِائَةِ؛ وأَنشد الأَزهري:
بهَجْمَةٍ تَمْلأُ عَيْنَ الحاسِدِ
وَقَالَ أَبو حَاتِمٍ: إِذا بَلَغَتِ الإِبلُ سِتِّين فَهِيَ عَجْرمة، ثُمَّ هِيَ هَجْمَةٌ حَتَّى تَبْلُغَ الْمِائَةَ، وَقِيلَ: الهَجْمَة مِنَ الإِبل أَولها الأَربعون إِلى مَا زادَت، والهُنَيدَةُ الْمِائَةُ فَقَطْ. وَفِي حَدِيثِ إِسلام أَبي ذَرٍّ:
فَضَمَمْنا صِرْمتَه إِلى صِرْمَتِنا فَكَانَتْ لَنَا هَجْمَةٌ
؛ الهَجْمَةُ مِنَ الإِبل: قريبٌ مِنَ الْمِائَةِ؛ وَاسْتَعَارَ بعضُ الشُّعراء الهَجْمَةَ للنَّخْل مُحاجِياً بِذَلِكَ فَقَالَ:
إِلى اللهِ أَشْكُو هَجْمَةً عَرَبيَّةً، ... أَضَرَّ بِهَا مَرُّ السِّنينَ الغوابِرِ
فأَضْحَتْ رَوايا تَحْمِل الطِّينَ، بعد ما ... تكونُ ثِمالَ المُقْتِرِينَ المَفاقِرِ
والهَجْمَةُ: النَّعْجةُ الهَرِمة. وهَجَمَ الشيءُ: سَكنَ وأَطْرَق؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
حَتَّى اسْتَبَنتُ الهُدى، والبيدُ هَاجِمَةٌ، ... يَخشَعْنَ فِي الآلِ غُلْفاً أَو يُصَلِّينا
والاهْتِجَامُ: آخِرُ اللَّيْلِ. والهَجْمُ: السَّوْق الشَّدِيدُ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
والليلُ يَنْجُو والنهارُ يَهْجُمُهْ
وهَجَمَ الرجلَ وَغَيْرَهُ يَهْجُمُه هَجْماً: سَاقَهُ وطرَده. وَيُقَالُ: هَجَمَ الفحلُ آتُنَه أَي طَرَدَها؛ قَالَ الْشَّاعِرُ:
وَرَدْتِ وأَرْدافُ النُّجومِ كأَنها، ... وَقَدْ غارَ تَالِيهَا، هَجَا أُتْن هاجِم «2»
. والهَجَائِمُ: الطرائدُ. والهَاجِمُ أَيضاً: السَّاكِنُ المُطْرِقُ. وهَجْمَةُ الشِّتاءِ: شِدَّةُ بَرْدِه. وهَجْمَة الصيْفِ: حَرُّه؛ وقولُ أَبي مُحَمَّدٍ الحذلَمِيّ أَنشده ثَعْلَبٌ:
فاهْتَجَمَ العيدانُ مِنْ أَخْصامها
__________
(1) . قوله [هل لك إلخ] صدره كما في مادة عرض:
يَا لَيْلُ أَسْقَاكِ الْبُرَيْقُ الوامض
هل لك إلخ وهو لأَبي محمد الفقعسي يخاطب امرأة يرغبها في أن تنكحه، وَالْمَعْنَى: هَلْ لَكِ فِي هجمة يبقي منها سائقها لكثرتها عليه، والعارض أي المعطي في نكاحك عرضاً، وعائض أَيْ آخِذٌ عِوَضًا مِنْكِ بالتزويج
(2) . قوله [هجا أتن] كذا بالأصل(12/602)
غَمامةً تَبْرُقَ مِنْ غَمامِها، ... وتُذْهِبُ العَيْمَة مِنْ عِيامِها
لَمْ يُفَسِّرْ ثَعْلَبٌ اهْتَجَمَ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: قَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ شَرِبَت كأَنَّ هَذِهِ الإِبل وَرَدَتْ بَعْدَ رَعْيها العيدانَ فَشَرِبَتْ عَلَيْهَا، وَيُرْوَى: واهْتَمَجَ العيدانُ، مِنْ قَوْلِهِمْ هَمَجَت الإِبلُ مِنَ الْمَاءِ. وَقَالَ الأَزهري فِي تَفْسِيرِ هَذَا الرَّجَزِ: اهْتَجَمَ أَي احْتَلب، وأَراد بأَخْصامِها جَوانِبَ ضَرْعِها. والهَيْجُمانةُ: الدُّرّةُ وَهِيَ الوَنِيِّةُ. وهَيجُمانةُ: اسمُ امرأَةٍ، وَهِيَ بِنْتُ العَنْبَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ. والهَيْجُمانُ: اسْمُ رَجُلٍ. والهَجْمُ: ماءٌ لَبَنِي فَزارة، وَيُقَالُ إِنه مِنْ حفرِ عادٍ. وَفِي النَّوَادِرِ: أَهْجَمَ اللهُ عَنْ فلانٍ المرضَ فهَجَمَ المرضُ عَنْهُ أَي أَقْلَعَ وفَتَر. وابْنا هُجَيْمَةَ: فارِسان مِنَ الْعَرَبِ؛ قَالَ:
وساقَ ابْنَيْ هُجَيْمَةَ يَوْمَ غَولٍ، ... إِلى أَسْيافِنا، قَدَرُ الحِمامِ
وبَنُو الهُجَيم: بَطْنانِ: الهُجَيم بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ، والهُجَيْم بْنُ عَلِيِّ بْنِ سودٍ مِنَ الأَزْدِ.
هجدم: هِجْدَمْ: زَجْرٌ للفَرَس، وَقَالَ كُرَاعٌ: إِنما هُوَ هِجْدُمّ. بِكَسْرِ الْهَاءِ وَسُكُونِ الْجِيمِ وَضَمِّ الدَّالِ وَشَدِّ الْمِيمِ، وَبَعْضُهُمْ يُخَفّف الميمَ. وإِجْدَمُ وهِجْدَمْ عَلَى الْبَدَلِ كِلَاهُمَا: مِنْ زَجْرِ الْخَيْلِ إِذا زُجَرت لتمضِي؛ قَالَ اللِّيْثُ: الهِجْدَمُ لُغَةٌ فِي إِجْدَمْ فِي إِقْدامِك الفَرس وزَجرِكَه. يُقَالُ: أَوَّلُ مَن ركبَ الفرسَ ابنُ آدمَ القاتِلُ حَمَلَ عَلَى أَخيه فزَجرَ فَرَسًا وَقَالَ: هِجِ الدَّمَ، فَلَمَّا كَثُرَ عَلَى الأَلسنة اقْتَصَرَ عَلَى هِجْدَمْ وإِجْدَمْ.
هدم: الهَدْمُ: نَقِيضُ الْبِنَاءِ، هَدَمَه يَهْدِمُه هَدْماً وهَدَّمَه فانْهَدَمَ وتَهَدَّمَ وهَدَّمُوا بُيوتهم، شُدِّدَ لِلْكَثْرَةِ. ابْنُ الأَعرابي: الهَدْمُ قَلْعُ المَدَرِ، يَعْنِي الْبُيُوتَ، وَهُوَ فِعْلٌ مُجاوزٌ، والفِعلُ اللَّازِمُ مِنْهُ الانْهِدامُ. وَيُقَالُ: هَدَمَه ودَهْدَمَه بِمَعْنًى وَاحِدٍ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
وَمَا سُؤالُ طَلَلٍ وأَرْسُمِ، ... والنُّؤْيِ بعدَ عَهْدِه المُدَهْدَمِ
يَعْنِي الحاجرَ حولَ الْبَيْتِ إِذا تَهَدَّم. والهَدَمُ، بِالتَّحْرِيكِ: مَا تَهدَّم مِنْ نَوَاحِي الْبِئْرِ فَسَقَطَ فِي جَوْفِها؛ قَالَ يَصِفُ امرأَة فَاجِرَةً:
تَمْضي، إِذا زُجِرَتْ عَنْ سَوْأَةٍ، قُدُماً، ... كأَنها هَدَمٌ فِي الجَفْرِ مُنْقاضُ
والأَهْدَمَانِ: أَن يَنْهارَ عليكَ بناءٌ أَو تقعَ فِي بئرٍ أَو أُهْوِيَّة. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ:
اللَّهُمَّ إِني أَعوذُ بِكَ منَ الأَهْدَمَيْنِ
؛ قِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ: هُوَ أَن يَنْهَدِمَ عَلَى الرَّجُلِ بناءٌ أَو يقعَ فِي بئرٍ؛ حَكَاهُ الْهَرَوِيُّ فِي الْغَرِيبَيْنِ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَدري مَا حقيقتُه؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ أَن ينهارَ عَلَيْهِ بناءٌ أَوْ يقعَ فِي بئرٍ أَو أُهْوِيّة. والأَهْدَمُ. أَفْعَلُ مِنَ الهَدَم: وَهُوَ مَا تَهَدَّمَ مِنْ نَوَاحِي الْبِئْرِ فَسَقَطَ فِيهَا. وَفِي حَدِيثِ الشُّهَدَاءِ:
وصاحبُ الهَدَمِ شهيدٌ
؛ الهَدَمُ، بِالتَّحْرِيكِ: البناءُ المَهْدُومُ، فَعَلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، وَبِالسُّكُونِ الفِعْلُ نفْسُه؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
مَن هَدَمَ بُنْيانَ رَبِّه فَهُوَ مَلْعونٌ
أَي مَنْ قَتَلَ النَّفْسَ المُحرَّمة لأَنها بُنيانُ اللهِ وتَرْكِيبُه. وَقَالُوا: دَمُنا دَمُكم وهَدَمُنا هَدَمُكم أَي نَحْنُ شيءٌ واحدٌ فِي النُّصْرة تَغْضَبون لَنَا ونغْضَبُ لَكُمْ. وَفِي الْحَدِيثِ.
أَن أَبا الْهَيْثَمِ بْنَ التَّيِّهان قَالَ لرسولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِن بَيْنَنَا وَبَيْنَ القومِ حِبَالًا وَنَحْنُ قاطِعوها فنخشَى إِنِ اللهُ أَعَزَّك وأَظْهَرَكَ أَن ترجعَ إِلى(12/603)
قومِك، فتبسَّم النبيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: بَلِ الدَّمُ الدَّمُ والهَدَمُ الهَدَمُ، أَنا مِنْكُمْ وأَنتم مِنِّي
؛ يُروى بِسُكُونِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا، فالهَدَم، بِالتَّحْرِيكِ: القَبْرُ يَعْنِي أُقْبَرُ حَيْثُ تُقْبَرون، وَقِيلَ: هُوَ المنزلُ أَي منزِلُكم مَنزِلي، كَحَدِيثِهِ الْآخَرِ:
المَحْيا مَحْياكم والمماتُ مماتُكم
أَي لَا أُفارِقُكم. والهَدْم، بِالسُّكُونِ وَبِالْفَتْحِ أَيضاً: هُوَ إِهدارُ دَمِ القتيلِ؛ يُقَالُ: دِماؤهم بَيْنَهُمْ هَدْمٌ أَي مُهْدَرةٌ، وَالْمَعْنَى إِن طُلِب دَمُكم فَقَدْ طُلِبَ دَمي، وإِن أُهْدِرَ دَمُكم فَقَدْ أُهْدِرَ دَمي لاستِحكام الأُلْفة بَيْنَنَا، وَهُوَ قولٌ مَعْرُوفٌ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: دَمي دَمُك وهَدَمِي هَدَمُك، وَذَلِكَ عِنْدَ المُعاهَدةِ والنُّصْرة. وَرَوَى الأَزهري عَنِ ابْنِ الأَعرابي قَالَ: العربُ تَقُولُ دَمي دمُك وهَدَمِي هَدَمُك؛ هَكَذَا رَوَاهُ بِالْفَتْحِ، قَالَ: وَهَذَا فِي النُّصْرة، والظُّلْم تَقُولُ: إِن ظُلِمْتَ فَقَدْ ظُلِمْتُ؛ قَالَ وأَنشدني العُقَيلي:
دَماً طَيِّباً يَا حَبَّذا أَنت مِنْ دَمِ
وَكَانَ أَبو عُبَيْدَةَ يَقُولُ: هُوَ الهَدَمُ الهَدَمُ واللَّدَمُ اللَّدَمُ أَي حُرْمتي مَعَ حُرْمتِكم وبَيتي مَعَ بَيْتِكم؛ وأَنشد:
ثُمَّ الْحَقي بِهَدَمي ولَدَمي
أَي بأَصلي ومَوْضِعي. وأَصل الهَدَم مَا انْهَدَم. يُقَالُ: هَدَمْت هَدْماً، والمَهْدومُ هَدَمٌ، وَسُمِّيَ منزلُ الرَّجُلِ هَدَماً لانْهِدامِه، وَقَالَ غَيْرُهُ: يَجُوزُ أَن يُسمَّى القبرُ هَدَماً لأَنه يُحْفَر تُرابُه ثُمَّ يُرَدُّ، تُرابه فِيهِ، فَهُوَ هَدَمٌ، فكأَنه قَالَ: مَقْبَرِي مَقْبَرُكم أَي لَا أَزالُ مَعَكُمْ حَتَّى أَموتَ عِنْدَكُمْ. وَرَوَى الأَزهري عَنْ أَبي الْهَيْثَمِ أَنه قَالَ فِي الحِلْف: دَمي دمُك إِن قَتَلني إِنسانٌ طَلَبْتَ بدَمي كَمَا تَطْلُبُ بدَمِ ولِيِّك أَي ابْنِ عَمِّك وأَخِيك، وهَدَمي هَدَمُك أَي مَنْ هَدَمَ لِي عِزّاً وشَرَفاً فَقَدْ هَدَمه مِنْكَ. وكلُّ مَنْ قَتل ولِيِّي، فَقَدْ قَتل ولِيَّك، ومَنْ أَراد هَدْمَك فَقَدْ قصَدني بِذَلِكَ. قَالَ الأَزهري: وَمَنْ رَوَاهُ الدَّمُ الدَّمُ والهَدْمُ الهَدْمُ، فَهُوَ عَلَى قَوْلِ الحَلِيف تَطْلُب بدَمي وأَنا أَطلبُ بدَمِك. وَمَا هَدَمْتَ مِنَ الدِّماء هَدَمْتُ أَي مَا عَفَوْتَ عَنْهُ وأَهْدَرْتَه فَقَدْ عفوتُ عَنْهُ وتركتُه. وَيُقَالُ: إِنهم إِذا احْتَلَفوا قَالُوا هَدَمي هَدَمُك ودَمي دَمُك وتَرِثُني وأَرِثُك، ثُمَّ نسَخ اللَّهُ بِآيَاتِ المَواريثِ مَا كَانُوا يَشْترِطونه مِنَ المِيراث فِي الحِلْف والهِدْمُ، بِالْكَسْرِ: الثوبُ الخلَقُ المُرَقَّعُ، وَقِيلَ: هُوَ الكِساءُ الَّذِي ضُوعِفت رِقاعُه، وخصَّ ابنُ الأَعرابي بِهِ الكِساءَ الباليَ مِنَ الصوفِ دُونَ الثوبِ، وَالْجَمْعُ أَهْدَامٌ وهِدَمٌ؛ الأَخيرة عَنْ أَبي حَنِيفَةَ، وَهِيَ نَادِرَةٌ؛ وَقَالَ أَوس بْنُ حَجَرٍ:
وَذَاتُ هِدْمٍ عارٍ نَواشِرُها، ... تُصْمِتُ بالماءِ تَوْلَباً جَدِعا
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ وذاتُ، بِالرَّفْعِ، لأَنه مَعْطُوفٌ عَلَى فَاعِلٍ قَبْلَهُ؛ وَهُوَ:
لِيُبْكِكَ الشَّرْبُ والمُدامةُ والفِتْيانُ، ... طُرّاً، وطامِعٌ طَمِعا
وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لأَبي دُواد:
هَرَقْتُ فِي صُفْنِه مَاءً لِيَشْرَبَه ... فِي داثِرٍ خَلَق الأَعْضادِ أَهْدَامِ
وَفِي حَدِيثِ عُمر:
وقَفَتْ عَلَيْهِ عجوزٌ عَشَمةٌ بأَهْدَامٍ
؛ الأَهْدامُ: الأَخْلاقُ مِنَ الثِّيَابِ. وهَدَمْتُ الثَّوْبَ إِذا رَقَعته. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ: لبِسْنا أَهْدَام البِلى
، وَرُوِيَ عَنِ الصَّمُوتيِّ الْكِلَابِيِّ وذكرَ حِبَّةَ الأَرض فَقَالَ: تَنْحَلُّ فيأُخُذُ بعضُها رِقابَ بعضٍ(12/604)
فَتَنْطَلِقُ هِدَماً كالبُسُطِ. وشيخٌ هِدْمٌ: عَلَى التَّشْبِيهِ بِالثَّوْبِ. أَبو عُبَيْدٍ: الهِدْمُ الشَّيْخُ الَّذِي قَدِ انْحَطَم مِثْلَ الهِمِّ. والعجوزُ المُتَهدِّمة: الفانيةُ الهَرِمة. وتَهَدَّم عَلَيْهِ مِنَ الْغَضَبِ إِذا اشتدَّ غضبُه. وخُفٌّ هِدْمٌ ومُهَدَّمٌ: مِثْلَ الثَّوْبِ؛ قَالَ:
عَليَّ خُفّانِ مُهَدَّمانِ، ... مُشْتَبِها الأَنْفِ مُقَعَّمانِ
أَبو سَعِيدٍ: هَدَّمَ فلانٌ ثوبَه ورَدَّمَه إِذا رَقَّعه؛ رَوَاهُ ابنُ الفَرج عَنْهُ. وَعَجُوزٌ مُتَهَدِّمةٌ: هَرِمةٌ فانيةٌ، ونابٌ مُتَهَدِّمَة كَذَلِكَ. والهَدَمُ: مَا بَقِيَ مِنْ نباتِ عامِ أَوّلَ، وَذَلِكَ لِقِدَمِه. وهَدِمَت الناقةُ تَهْدَمُ هَدَماً وهَدَمةً، فَهِيَ هَدِمَةٌ مِنْ إِبلٍ هَدَامَى وهَدِمَةٍ، وتَهَدَّمَت وأَهْدَمت وَهِيَ مُهْدِم، كِلَاهُمَا، إِذَا اشتدَّت ضبَعَتُها فياسَرت الفحلَ وَلَمْ تُعاسِرْه. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الهَدِمةُ النَّاقَةُ الَّتِي تَقَعُ مِنْ شِدَّةِ الضَّبَعةِ؛ قَالَ زَيْدُ بْنُ تُرْكِيٍّ الدُّبَيري:
يُوشِكُ أَن يُوجسَ فِي الأَوْجاسِ ... فِيهَا هَدِيمُ ضَبَعٍ هَوَّاسِ،
إِذا دَعا العُنَّدَ بالأَجْراسِ
قَالَ ابْنُ جِنِّي: فِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ، إِحداها:
فِيهَا هَدِيمُ ضَبَعٍ هَوَّاسُ
وَيَكُونُ الهَدِيم هُنا فَحْلًا وأَضافه إِلى الضَّبَع لأَنه يَهْدَمُ إِذا ضَبِعَتْ، وهَوَّاس: مِنْ نَعْتِ هَدِيمٍ؛ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: هَوَّاسِ، بِالْخَفْضِ عَلَى الجِوار؛ الرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ:
فِيهَا هَدِيمُ ضَبَعٍ هِوَاسِ
وَهُوَ الصَّحِيحُ لأَن الهَوَسَ يَكُونُ فِي النُّوق، وَعَلَيْهِ يصحُّ استِشْهادُ الْجَوْهَرِيِّ لأَنه جَعَلَ الهَدِيمَ الناقةَ الضَّبِعَةَ، وَيَكُونُ هِواسِ بَدَلًا مِنْ ضبَع، والضَّبَعُ والهِواسُ واحدٌ. وهَديمُ فِي هَذِهِ الأَوجه فاعلٌ ليُوجِسَ فِي الْبَيْتِ الَّذِي قَبْلَهُ أَي يُسْرِع أَن يَسمع صوتَ هَذَا الفحلِ ناقةٌ ضَبِعةٌ فتَشْتَدَّ ضَبَعَتُها؛ وأَول الأُرجوزة:
مِزْيدُ، يَا ابنَ النَّفَر الأَشْواسِ ... الشُّمْسِ، بَلْ زادُوا عَلَى الشِّماسِ
وفلانٌ يَتَهَدَّمُ عليكَ غَضَباً: مَثَلٌ بِذَلِكَ. وتَهَدَّمَ عَلَيْهِ: تَوَعَّدَه. ودِماؤهم هَدْمٌ بَيْنَهُمْ، بِالتَّسْكِينِ، وهَدَمٌ، بِالتَّحْرِيكِ، أَي هدَرٌ، وَذَلِكَ إِذا لَمْ يَوَدُّوا قاتلَه «3» . عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ: هَدْمٌ، بِسُكُونِ الدَّالِ. وتَهَادَمَ القومُ: تهادَرُوا. والهُدَامُ: الدُّوارُ يُصِيبُ الإِنسان فِي الْبَحْرِ؛ وهُدِم الرجلُ: أَصابه ذَلِكَ. والهَدْمُ: أَن تَضْرِبَه فتكسِرَ ظهرَه؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَدَمَه وسَدَمَه
أَي بُغْيَتَه وشَهْوَتَه. قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا رَوَاهُ بَعْضُهُمْ، وَالْمَحْفُوظُ هَمَّه وسَدَمَه، وَاللَّهُ أَعلم. ورجلٌ هَدِمٌ: أَحمقُ مُخنَّث. وَذُو مَهْدَمٍ ومِهْدَمٍ: قَيْلٌ مِنْ أَقيال حِمْير. والمَهْدُومُ مِنَ اللبَن: الرَّثِيئةُ. وَفِي التَّهْذِيبِ: المَهْدُومَةُ الرَّثيئة مِنَ اللَّبَنِ؛ قَالَ الْشَّاعِرُ:
شَفَيْتُ أَبا المُخْتارِ مِنْ داءِ بَطْنِه ... بمَهْدُومَةٍ، تُنْبي ضُلوعَ الشَّراسِف
قَالَ: المَهْدُومَةُ هِيَ الرثيئةُ. قَالَ شِهَابٌ: إِذا حُلِب الحَليبُ عَلَى الحَقِين جَاءَتْ رثيئةٌ مُذَكَّرة طيِّبة، لَا فَلَقٌ وَلَا مُمْذَقِرّة سَمْهَجَةٌ لَيِّنَةٌ. والهَدْمةُ: الدُّفْعةُ مِنَ الْمَالِ. ويقال: هذا شيءٌ
__________
(3) . قوله [إِذَا لَمْ يَوَدُّوا قَاتِلَهُ] كذا بالأصل، ولعله يؤذوا أو نحو ذلك(12/605)
مُهَنْدَمٌ أَي مُصْلَح عَلَى مِقْدَارٍ، وَهُوَ معرَّب، وأَصله بِالْفَارِسِيَّةِ أَنْدام، مِثْلَ مُهَنْدِس وأَصله انْدازه. وَفِي الْحَدِيثِ:
كلْ مِمَّا يَليك وإِياك والهَذْمَ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا رَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، وَهُوَ سُرْعةُ الأَكل، والهَيْدَامُ: الأَكولُ؛ قَالَ أَبو مُوسَى: أَظنّ الصحيحَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ يُريد بِهِ الأَكلَ مِنْ جَوَانِبِ القَصْعَةِ دُونَ وَسَطِها، وَهُوَ مِنَ الهَدَم مَا تَهدَّمَ مِنْ نَوَاحِي الْبِئْرِ. والهَدْمَةُ: المَطرةُ الْخَفِيفَةُ. وأَرض مَهْدُومَةٌ أَي مَمْطورةٌ.
هذم: هَذَمَ الشيءَ يَهْذِمُه هَذْماً: غَيَّبَهُ أَجمع؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
كِلَاهُمَا فِي فَلَكٍ يَسْتَلْحِمُهْ، ... واللِّهْبُ لِهْبُ الخافِقَيْنِ يَهْذِمُهْ
يَعْنِي تَغَيُّبَ القمرِ ونُقصانَه؛ وَقَالَ الأَزهري: كِلَاهُمَا يَعْنِي اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، فِي فَلَكٍ يَسْتَلْحِمه أَي يأْخذ قَصْدَه ويَرْكَبُه. واللِّهْبُ: المَهْواةُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ، يَعْنِي بِهِ مَا بَيْنَ الخافِقَين، وَهُمَا المَغْرِبانِ؛ وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: أَراد بالخافِقَين المَشْرِقَ والمغربَ، يَهْذِمُه: يُغَيِّبُه أَجمعَ؛ وَقَالَ شَمِرٌ: يَهْذِمُه فيأْكله ويُوعيه؛ وَقَالَ اللِّيْثُ: أَراد بِقَوْلِهِ يَهْذِمُه نُقْصانَ القَمر. والهَذْمُ: القَطْعُ. والهَذْمُ: الأَكلُ، كلُّ ذَلِكَ فِي سُرْعةٍ. وهَذَمَ يَهْذِمُ هَذْماً: وَهِيَ سُرْعة الأَكل والقطعِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
كلْ مِمَّا يَلِيكَ وإِياكَ والهَذْمَ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا رَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، وَهُوَ سُرْعَةُ الأَكل. والهَيْذَامُ: الأَكولُ؛ قَالَ أَبو مُوسَى: أَظنُّ الصَّحِيحَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، يُريد بِهِ الأَكلَ مِنْ جَوَانِبِ القَصْعة دُونَ وَسَطِها، وَهُوَ مِنَ الهَدَم مَا تَهدَّمَ مِنْ نَوَاحِي الْبِئْرِ. وسيْفٌ مِهْذَمٌ مِخْذَمٌ وهُذام: قاطعٌ حديدٌ. وسِنانُ هُذَامٌ: حديدٌ. ومُدية هُذَامٌ: كَمَا قَالُوا سيفٌ جُرازٌ، ومُدْية جُرازٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَذَا قَوْلُ سِيبَوَيْهِ، قَالَ: وَحَكَى غَيْرُهُ شَفْرةٌ هُذَمَة وهُذَامَةٌ؛ وأَنشد:
وَيْلٌ لبُعْرانِ بَنِي نَعَامَهْ ... منْكَ، وَمِنْ شَفْرتِك الهُذَامَهْ
وسِكِّينٌ هَذُومٌ: تَهْذِمُ اللحمَ أَي تُسْرِع قطْعه فتأْكله، وسِكِّين هُذامٌ ومُوسىً هُذامٌ. والهَيْذَام مِنَ الرِّجَالِ: الأَكول، وَهُوَ أَيضاً الشُّجاعُ. وهَيْذَامٌ: اسمُ رَجُلٍ. وسعدُ هُذَيْمٍ: أَبو قبيلة.
هذرم: الهَذْرَمَةُ كالهَذْرَبةِ، والهَذْرَمةُ: كثرةُ الكلامِ. وَرَجُلٌ هُذَارِمٌ وهُذارِمَةٌ: كثيرُ الْكَلَامِ. وهَذْرَمَ الرجلُ فِي كلامِه هَذْرَمَةً إِذا خلَّط فِيهِ، وَيُقَالُ لِلتَّخْلِيطِ الهَذْرَمَةُ، وَيُقَالُ: هُوَ السُّرْعَةُ فِي الْقِرَاءَةِ والكلامِ والمشْي، وأَخرج الْهَرَوِيُّ فِي حَدِيثِ
أَبي هُرَيْرَةَ: وقد أَصْبَحْتُم تُهَذْرِمُون الدُّنْيَا
، فَقَالَ أَي تَتَوَسَّعُونَ بِهَا، وَمِنْهُ هَذْرَمَةُ الْكَلَامِ، وَهُوَ الإِكثار والتوسُّع فِيهِ. ابْنُ شُمَيْلٍ: يُقَالُ للمرأَة إِنها لَهَذْرَمَى الصَّخَبِ أَي كثيرةُ الصَّخَب. ابن السيكت: إِذا أَسرَع الرجلُ فِي الْكَلَامِ وَلَمْ يُتَعْتِعْ فِيهِ قِيلَ هَذْرَمَ هَذْرَمَةً.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لأَنْ أَقرأَ القرآنَ فِي ثلاثٍ أَحبُّ إِليَّ مِنْ أَن أَقرأَه فِي ليلةٍ هَذْرَمَةً
، وَفِي رِوَايَةٍ:
قِيلَ لَهُ اقرإِ القرآنَ فِي ثلاثٍ، فَقَالَ: لأَنْ أَقرأَ الْبَقَرَةَ فِي لَيْلَةٍ فأَدَّبَّرَها أَحبُّ إِليَّ مِنْ أَن أَقرأَ كَمَا تَقُولُ هَذْرَمَةً
؛ الهَذْرَمَة: السُّرْعةُ فِي القِراءة. يُقَالُ: هَذْرَمَ وِرْدَه أَي هَذّه، وَكَذَلِكَ فِي الكلامِ؛ قَالَ أَبو النَّجْم يذُمّ رَجُلًا:
وكانَ فِي المَجْلِسِ جَمَّ الهَذْرَمَهْ، ... لَيْناً عَلَى الدّاهيةِ المُكَتَّمَهْ(12/606)
وهَذْرَمَ السَّيْفُ إِذَا قَطَع.
هذلم: الهَذْلَمَةُ: مَشْيٌ فِي سُرْعةٍ. والهَذْلَمَةُ: مِشْيَةٌ فِيهَا قَرْمَطةٌ وتَقارُبٌ؛ قَالَ:
قَدْ هَذْلَمَ السارِقُ بعدَ العَتَمَهْ، ... نحوَ بُيوتِ الحَيِّ، أَيَّ هَذْلَمَهْ
والهَذْمَلَةُ: كالهَذْلَمَةِ.
هرم: الهَرَم: أقْصى الكِبَر، هَرِمَ، بِالْكَسْرِ، يَهْرَمُ هَرَماً ومَهْرَماً وَقَدْ أَهْرَمَه اللهُ فهو هَرِمٌ، مِنْ رِجَالٍ هَرِمِينَ وهَرْمَى، كُسِّر عَلَى فَعْلى لأَنه مِنَ الأَسماء الَّتِي يُصابُون بِهَا وَهُمْ لَهَا كَارِهُونَ، فطابَقَ بابَ فَعِيلٍ الَّذِي بِمَعْنَى مَفْعُولٍ نَحْوَ قَتْلى وأسْرَى، فكُسِّرَ عَلَى مَا كُسِّرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، والأُنثى هَرِمَةٌ مِنْ نِسْوةٍ هَرِمَاتٍ وهَرْمَى، وَقَدْ أَهْرَمَه الدهرُ وهَرَّمَه؛ قَالَ:
إِذَا ليلةٌ هَرَّمَتْ يَوْمَها، ... أَتَى بَعْدَ ذَلِكَ يومٌ فَتي
والمَهْرَمَةُ: الهَرَمُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
تَرْكُ العَشاء مَهْرَمَةٌ
أَيْ مَظِنَّةٌ للهَرَمِ؛ قَالَ القُتَيبيّ: هَذِهِ الْكَلِمَةُ جاريةٌ عَلَى أَلْسِنة النَّاسِ، قَالَ: ولَسْتُ أَدرِي أَرسولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ابْتَدأَها أَمْ كَانَتْ تُقالُ قَبْلَه. وَفُلَانٌ يَتَهَارَم: يُرِي مِنْ نفْسِه أَنَّهُ هَرِمٌ وَلَيْسَ بِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
إنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وضَعَ لَهُ دَوَاءً إِلا الهَرَمَ
؛ الهَرَمُ: الكِبَرُ، جَعَلَ الهَرَمَ دَاءً تَشْبِيهًا بِهِ لأَن الْمَوْتَ يتعَقَّبُه كالأَدْواءِ. وابنُ هِرْمَة: آخرُ «1» وَلَد الشَّيْخِ وَالْعَجُوزِ، وَعَلَى مِثَالِهِ ابنُ عِجْزة. وَيُقَالُ: وُلِدَ لِهِرْمَةٍ. وَمَا عِنْدَهُ هُرْمَانَةٌ وَلَا مَهْرَمٌ أَي مَطْمعٌ. وقَدَحٌ هَرِمٌ: مُنْثَلِمٌ؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ؛ وأَنشد لِلْجَعْدِيِّ:
جَوْز كَجَوْزِ الحِمارِ جَرَّدَه الخَرَّاسُ، ... لَا ناقِسٌ وَلَا هَرِمُ «2»
. والهَرْمُ، بِالتَّسْكِينِ: ضربٌ مِنَ الحَمْض فِيهِ ملوحةٌ، وَهُوَ أَذلُّه وأَشدُّه انْبِساطاً عَلَى الأَرض واسْتِبْطاحاً؛ قَالَ زُهَيْرٌ:
ووَطِئْتَنا وَطْأً عَلَى حَنَقٍ، ... وَطْأَ المُقَيَّدِ يابسَ الهَرْمِ
واحدتُه هَرْمَةٌ، وَهِيَ الَّتِي يُقَالُ لَهَا حَيْهَلة. وَفِي الْمَثَلِ: أَذلُّ مِنْ هَرْمَة، وَقِيلَ: هِيَ البَقْلة الْحَمْقَاءُ؛ عَنْ كُرَاعٍ، وَقِيلَ: هُوَ شَجَرٌ؛ عَنْهُ أَيْضًا. وَيُقَالُ لِلْبَعِيرِ إِذَا صَارَ قَحْداً هَرِمٌ، والأُنثى هَرِمَةٌ. قَالَ الأَصمعي: والكَزُوم الهَرِمَةُ. وَكَانَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، يتعوَّذُ مِنَ الهَرَمِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعوذ بِكَ مِنَ الأَهْرَمَيْنِ
: الْبِنَاءِ وَالْبِئْرِ؛ قَالَ: هَكَذَا رُوِيَ بِالرَّاءِ، وَالْمَشْهُورُ الأَهْدَمَيْنِ، بِالدَّالِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. وبعيرٌ هَارِمٌ وإِبلٌ هَوَارِمُ: تَرْعَى الهَرْمَ، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي تأْكل الهَرْمَ فتَبْيَضُّ مِنْهُ عَثانِينُها وشعرُ وجْهِها؛ قَالَ:
أَكَلْنَ هَرْماً فالوجُوهُ شِيبُ
وَإِنَّكَ لَا تَدْرِي علامَ يُنْزأُ هَرِمُك وَإِنَّكَ لَا تَدْرِي بمَنْ يُولَع هَرِمُك؛ حَكَاهُ يَعْقُوبُ وَلَمْ يُفَسِّرْهُ. الْجَوْهَرِيُّ: يُقَالُ إِنَّكَ لَا تَدْرِي علامَ يُنْزَأُ هَرِمُك وَلَا تَدْرِي بِمَ يُولَع هَرِمُك أَي نفْسُك وعقْلُك. الأَزهري: سَمِعْتُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الْعَرَبِ يَقُولُ: هَرَّمْتُ اللحمَ تَهْرِيماً إِذَا قَطَّعْتَه قِطَعاً صغاراً
__________
(1) . قوله [هِرْمَة آخر إلخ] هو بهذا الضبط في الأصل والمحكم والتهذيب، وصوّبه شارح القاموس، وفي الصاغاني: قال الليث ابن هرمة بالفتح
(2) . قوله [جوز إلخ] هكذا في الأصل والمحكم والتهذيب، وتقدم في مادتي خرس ونقس محرفاً عما هنا(12/607)
مِثْلَ الحُزّة والوَذْرَة، ولحمٌ مُهَرَّمٌ. وهَرِمٌ وهَرَمِيٌّ وهِرْمٌ وهَرْمَةُ وهُرَيْمٌ وهَرَّام، كُلُّهَا: أَسماءٌ. وَيُقَالُ: مَا لَهُ هُرْمَانٌ؛ والهُرْمَانُ، بِالضَّمِّ: العَقْلُ والرأْي. وَابْنُ هَرْمَةَ: شاعرٌ. وهَرِمُ بنُ سِنانِ بنِ أَبي حارثةَ المُرِّيّ: مِنْ بَنِي مُرّة بْنِ عَوْفِ بْنِ سَعْدِ بْنِ دِينارٍ؛ وَهُوَ صَاحِبُ زُهَيْرٍ الَّذِي يَقُولُ فِيهِ:
إِنَّ البَخيلَ مَلُومٌ حيثُ كان، ولكنَّ ... الجَوادَ، عَلَى عِلَّاتِه، هَرِمُ
وأَما هَرِمُ بْنُ قُطْبةَ بْنِ سَيَّارٍ فَمِنْ بَنِي فَزارة، وَهُوَ الَّذِي تَنافَرَ إِلَيْهِ عامرٌ وعَلْقَمةُ والهَرَمانِ: بِنَاءَانِ بِمِصْرَ، حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى.
هرتم: الهَرْتَمَةُ: العَرْتَمةُ، وَهِيَ الدَّائِرَةُ الَّتِي وسَطَ الشفةِ الْعُلْيَا. الأَزهري عَنِ ابْنِ الأَعرابي: هِيَ الخُنْعُبةُ والنُّونةُ والثُّومةُ والهَزْمةُ والوَهْدةُ والقَلْدةُ والهَرْتَمَةُ والعَرْتَمَةُ والحِثْرِمة. وَقَالَ اللَّيْثُ: الخُنْعُبَةُ مَشَقُّ مَا بَيْنَ الشارِبَين بحِيالِ الوَتَرةِ.
هرثم: الهَرْثَمَةُ: مُقَدَّمُ الأَنف، وَهِيَ أَيضاً الوترةُ الَّتِي بَيْنَ مَنْخِرَي الكلبِ. وهَرْثَمَةُ: مِنْ أَسماء الأَسد، وَفِي الصِّحَاحِ: الهَرْثَمَةُ الأَسدُ، وَبِهِ سُمِّي الرَّجُلُ هَرْثَمَةً.
هردم: الهِرْدَمَّة: الْعَجُوزُ؛ عَنْ كراع، كالهِرْدَبّةِ.
هرشم: الهِرْشَمَّةُ: الغزيرةُ مِنَ الغنَم، وَخَصَّ بَعْضُهُمْ بِهِ المَعَزَ. وَيُقَالُ لِلنَّاقَةِ الخَوَّارةِ هِرْشَمَّة. والهِرْشَمُّ، بِكَسْرِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ: الحجرُ الرِّخْوُ، وَفِي الْمُحْكَمِ: الرِّخْوُ النَّخِرُ مِنَ الْجِبَالِ اللّيِّن المَحْفَر. قَالَ أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ للجبَل الليِّن المَحْفَرِ هِرْشَمٌّ؛ وأَنشد:
هِرْشَمَّة فِي جَبلٍ هِرْشَمِّ، ... تَبْذُلُ للجارِ ولابْنِ العَمِ
وجبلٌ هِرْشَمٌّ: رقيقٌ كَثِيرُ الْمَاءِ، وَقِيلَ: هُوَ الْحَجَرُ الصُّلْبُ، ضدٌّ؛ قَالَ:
عَادِيَّةُ الجُول طَمُوح الجَمِّ، ... جِيبَتْ بحَرْفِ حَجرٍ هِرْشَمِ
فالهِرْشَمُّ هاهنا: الصُّلْبُ لأَن الْبِئْرَ لَا تُجابُ إِلَّا بحجرٍ صُلْبٍ، وَيُرْوَى: جُوبَ لَهَا بجَبَلٍ؛ قَالَ ثَعْلَبٌ: مَعْنَاهُ رِخْوٌ غَزِيرٌ أَي فِي جَبَلٍ.
هزم: الهَزْمُ: غَمْزك الشَّيْءَ تَهْزِمُه بيَدِك فيَنْهَزِمُ فِي جَوْفِهِ كَمَا تَغْمِزُ القَناةَ فتَنْهَزِم، وَكَذَلِكَ القِربةُ تَنْهَزِمُ فِي جَوْفِهَا، وهَزَمَ الشيءَ يَهْزِمُه هَزْماً فانْهَزَمَ: غمَزه بِيَدِهِ فَصَارَتْ فِيهِ وَقْرةٌ كَمَا يُفْعل بالقِثّاء وَنَحْوِهِ، وكلُّ موضعٍ مُنْهَزِمٍ مِنْهُ هَزْمَةٌ، وَالْجَمْعُ هَزْمٌ وهُزُومٌ. وهُزُومُ الجوفِ: مواضعُ الطعامِ والشرابِ لتَطامُنِها؛ قَالَ:
حَتَّى إِذَا مَا بَلَّت العُكوما، ... مِنْ قَصَبِ الأَجْوافِ والهُزُوما
والهَزْمَةُ: مَا تَطامَن مِنَ الأَرض. اللِّيْثُ: الهَزْم مَا اطْمَأَنَّ مِنَ الأَرض. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِذَا عَرَّسْتُمْ فَاجْتَنِبُوا هَزْمَ الأَرضِ فَإِنَّهَا مأوَى الهوامِ
؛ هُوَ مَا تَهَزَّمَ مِنْهَا أَي تَشَقَّقَ، قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ جمعَ هَزْمَةٍ، وَهُوَ المُتطامِنُ مِنَ الأَرض، وَالْجَمْعُ هُزُومٌ؛ قَالَ:
كأَنَّها بالخَبْتِ ذِي الهُزُومِ، ... وَقَدْ تدَلَّى قائدُ النُّجومِ،
نَوَّاحةٌ تَبْكِي عَلَى حَميمِ
وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ فِي زَمْزَمَ:
إِنَّهَا هَزْمَةُ جبريلَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ
، أَي ضربَ برجلِه فَانْخَفَضَ الْمَكَانُ فنبَعَ الماءُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنه هَزَمَ الأَرضَ أَيْ كسَر وجهَها عَنْ عينِها حَتَّى فَاضَتْ بِالْمَاءِ الرَّواء. وبئرٌ(12/608)
هَزِيمَة إِذَا خُسِفَت وكُسِر جَبَلُها فَفَاضَ الماءُ الرَّواء، وَمِنْ هَذَا أُخذ هَزِيمَةُ الفَرسِ، وَهُوَ تصبُّبُ عرَقِه عِنْدَ شدَّة جَرْيِه؛ قَالَ الْجَعْدِيُّ:
فلمَّا جرَى الماءُ الحَمِيمُ، وأُدْركتْ ... هَزِيمَتُه الأُولى الَّتِي كنتُ أَطلُبُ
وكلُّ نُقْرةٍ فِي الْجَسَدِ هَزْمَةٌ، وَالْجَمْعُ كَالْجَمْعِ. والهَزْمَةُ: النُّقْرةُ فِي الصَّدْر، وَفِي التُّفَّاحة إِذَا غمزْتَها بيدِك وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَفِي حَدِيثِ
الْمُغِيرَةِ: مَخْزونُ الهَزْمَةِ
، يَعْنِي الوَهْدةَ الَّتِي فِي أَعلى الصَّدْرِ وَتَحْتَ العُنُقِ أَي أَن الْمَوْضِعَ مِنْهُ حَزْنٌ خَشِنٌ، أَو يُرِيدُ ثِقَلَ الصَّدْرِ مِنَ الحُزْنِ والكآبةِ. وهَزَمَ البئرَ: حفَرَها. والهَزِيمَةُ: الرَّكِيَّةُ، وَقِيلَ: الركيَّة الَّتِي خُسِفَتْ وقُطع حجرُها فَفَاضَ مَاؤُهَا. والهَزَائِمُ: البِئارُ الكثيرةُ الْمَاءِ، وَذَلِكَ لتَطامُنِها؛ قَالَ الطرمَّاح بْنِ عَدِيٍّ:
أَنا الطِّرِمّاحُ وعَمِّي حاتمُ، ... وَسْمي شَكِيٌّ وَلِسَانِي عارِمُ،
كالبَحْرِ حِينَ تَنْكَدُ الهَزَائِمُ
وسْمِي: مِنَ السِّمَة، وشَكِيٌّ أَي مُوجِعٌ، وتَنْكَدُ أَي يَقِلُّ مَاؤُهَا، وأَراد بالهَزَائِم آبَارًا كثيرةَ المِياه. وهُزُومُ اللَّيْلِ: صُدوعه للصُّبْحِ؛ وأَنشد لِلْفَرَزْدَقِ:
وسَوْداء مِنْ لَيْلِ التِّمامِ اعْتَسَفْتُها ... إِلَى أَن تَجَلَّى، عَنْ بياضٍ، هُزومُها
ابْنُ الأَعرابي: هِيَ الخُنْعُبة والنُّونة والثُّومةُ والهَزْمَةُ والوَهْدَةُ والقَلْدة والهَرتمةُ والعَرْتَمةُ والحِثْرِمة؛ قَالَ اللَّيْثُ: الخُنْعُبة مَشَقُّ مَا بَيْنَ الشاربَيْن بِحِيال الوتَرةِ. وهَزَمَه هَزْماً: ضَرَبَهُ فَدَخَلَ مَا بَيْنَ وَرِكَيْه وَخَرَجَتْ سُرَّتُه. والهَزْمَةُ والهَزَمُ والاهْتِزام والتهزُّم: الصَّوْتُ. واهْتِزَامُ الفرَس: صوتُ جَرْيِه؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
عَلَى الذَّبل جَيّاشٌ، كأَنَّ اهْتِزَامَه، ... إِذَا جاشَ فِيهِ حَمْيُه، غَلْيُ مِرْجَلِ
وهَزَمَت القوسُ تَهْزِمُ هَزْماً وتَهَزَّمَت: صوَّتَت؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ. وهَزِيمُ الرعدِ: صوتُه، تَهَزَّمَ الرعدُ تَهَزُّماً. والهَزِيمُ والمُتَهَزِّمُ: الرعدُ الَّذِي لَهُ صوتٌ شبيهٌ بالتكسُّرِ. وتَهَزَّمَتِ السحابةُ بِالْمَاءِ واهْتَزَمَت: تشقَّقَت مَعَ صَوْتٍ عَنْهُ؛ قَالَ:
كَانَتْ إِذَا حالِبُ الظَّلْماءِ نَبَّههَا، ... قَامَتْ إِلَى حالبِ الظَّلْماءِ تَهْتَزِمُ
أَي تَهْتَزِم بالحلَب لِكَثْرَتِهِ؛ وأَورد الأَزهري هَذَا الْبَيْتَ شَاهِدًا عَلَى جَاءَ فلانٌ يَهْتَزِمُ أَي يُسْرِع، وَفَسَّرَهُ فَقَالَ: جَاءَتْ حالبَ الظَّلْماءِ تَهْتَزِمُ أَي جَاءَتْ إِلَيْهِ مُسْرِعةً. الأَصمعي: السحابُ المُتَهَزِّمُ والهَزِيمُ وَهُوَ الَّذِي لِرَعْدِه صوتٌ، يُقَالُ مِنْهُ: سَمِعْتُ هَزْمَةَ الرَّعْدِ، قَالَ الأَصمعي: كأَنه صَوْتٌ فِيهِ تشقُّقٌ. والهَزِيمُ مِنَ الخَيْلِ: الشديدُ الصوتِ؛ قَالَ النَّجاشيّ:
ونَجَّى ابْنَ حَرْب سابحٌ ذُو عُلالةٍ، ... أَجَشُّ هَزِيمٌ، والرِّماحُ دَواني
وَقَالَ ابْنُ أُمِّ الْحَكَمِ:
أَجَشّ هَزيم جَرْيُه ذُو عُلالةٍ، ... وَذَلِكَ خيرٌ فِي العَناجِيج صالحُ
وفرسٌ هَزِمُ الصوتِ: يُشَبَّه صوتُه بِصَوْتِ الرَّعْدِ. وفرسٌ هَزِيمٌ: يتشقَّق بالجَرْيِ: والهَزِيمُ: صوتُ جَرْيِ الْفَرَسِ. وقِدْرٌ هَزِمَةٌ: شديدةُ الغَلَيانِ يُسْمَع لَهَا صوتٌ، وَقِيلَ لِابْنَةِ الخُسِّ: مَا أَطْيبُ شَيْءٍ؟ قَالَتْ: لحمُ جزورٍ سَنِمَة، فِي غَدَاةٍ شَبِمَه،(12/609)
بِشِفارٍ خَذِمَه، فِي قُدُورٍ هَزِمَه. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ: فِي قِدْرٍ هَزِمة
، مِنَ الهَزِيم وَهُوَ صوتُ الرَّعْدِ، يُرِيدُ صوتَ غَلَيانِها. وَقَوْسٌ هَزُومٌ: بَيِّنة الهَزَمِ مُرِنّة؛ قَالَ عَمْرُو ذُو الكَلْب:
وفي اليمينِ شَمْحةٌ ذاتُ هَزَمْ
وتَهَزَّمَتِ العَصا وانْهَزَمَت: تشقَّقت مَعَ صوتٍ، وَكَذَلِكَ القوسُ؛ قَالَ:
ارْمِ عَلَى قَوْسك مَا لَمْ تَنْهَزِم، ... رَمْيَ المَضاءِ وجوادِ بنِ عُتُمْ
وقَصبٌ متَهَزِّمٌ ومُهَزَّمٌ أَي قد كُسِّرَ وشُقِّق. وتَهَزَّمَتِ القِرْبَةُ: يَبِست وتكسَّرت فَصَوَّتَتْ. والهُزُومُ: الكُسورُ فِي القِربة وَغَيْرِهَا، وَاحِدُهَا هَزْم وهَزْمَةٌ. والهَزِيمَةُ فِي الْقِتَالِ: الكَسْرُ والفَلُّ، هَزَمَه يَهْزِمُه هَزْماً فانْهَزَمَ، وهُزِمَ القومُ فِي الْحَرْبِ، وَالِاسْمُ الهَزِيمَة والهِزِّيمَى، وهَزَمْتُ الجيشَ هَزْماً وهَزِيمَةً فانْهَزَمُوا؛ وَقَوْلُ قَيْس بْنَ عَيْزارةَ الهُذلي:
وحُبِسْنَ فِي هَزْمِ الضَّريعِ، فكلُّها ... حَدْباءُ باديةُ الضُّلوعِ حَرودُ
إِنَّمَا عَنَى بهَزْمِه يَبِيسَه المتكسِّرَ، فَإِمَّا أَن يَكُونَ ذَلِكَ وَاحِدًا، وإما أَن يكون جميعاً. وهَزمُ الضَّريعِ: مَا تَكَسَّرَ مِنْهُ. والهَزْم: مَا تكسّرَ مِنَ الضَّرِيعِ وَغَيْرِهِ. والتَّهَزُّمُ: التكسُّرُ. وتَهَزَّمَ السِّقَاءُ إِذَا يَبِس فَتَكَسَّرَ يُقَالُ: سِقاءٌ مُتَهَزِّمٌ ومُهَزَّمٌ إِذَا كَانَ بعضُه قَدْ ثُنِيَ عَلَى بَعْضٍ مَعَ جَفافٍ. الأَصمعي: الاهْتِزَام مِنْ شَيْئَينِ، يُقَالُ للقِرْبة إِذَا يَبِسَت وَتَكَسَّرَتْ: تَهَزَّمَت، وَمِنْهُ الهَزِيمة فِي الْقِتَالِ، إِنَّمَا هُوَ كسرٌ، والاهْتِزَامُ مِنَ الصَّوْتِ، يُقَالُ: سَمِعْتُ هَزِيمَ الرَّعْدِ. وغَيْثٌ هَزِيمٌ: لَا يَسْتَمْسِك كَأَنَّهُ مُنْهَزِمٌ عَنْ سَحَابَةٍ؛ قَالَ:
هَزِيمٌ كأَنَّ البُلْقَ مَجْنوبةٌ بِهِ، ... تَحامَيْنَ أَنهاراً فَهُنَّ ضَوارِح
والهَزِمُ مِنَ الْغَيْثِ: كالهَزِيم؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
تأْوِي إِلَى دِفْءِ أَرْطاةٍ، إِذَا عَطَفَتْ ... أَلْقَتْ بَوانِيَها عَنْ غَيِّثٍ هَزِمِ
قَوْلُهُ: عَنْ غَيِّث هَزِم، يَعْنِي غزارتَها وَكَثْرَةَ حلَبها. وغيثٌ هَزِمٌ: مُتَهَزِّم مُتَبعِّق لَا يستَمْسك كأَنه متهزِّم عَنْ مَائِهِ، وَكَذَلِكَ هَزِيمُ السَّحَابِ؛ وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ مُفرّغ:
سَقا هَزِمُ الأَوساطِ مُنْبَجِسُ العُرى ... مَنازِلَها مِنْ مَسْرُقانَ وسُرَّقا «3»
. وهَزَمَ لَهُ حقَّه: كهَضَمه، وَهُوَ مِنَ الْكَسْرِ. وأَصابتهم هَازِمَة مِنْ هَوَازِم الدَّهر أعني داهية كاسر. وَقَالَ أَبو إِسْحَاقَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ
؛ مَعْنَاهُ كسَروهم ورَدُّوهم. وأَصل الهَزْم كَسْر الشَّيْءِ وثَنْيُ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ. وهُزِمْتُ عَلَيْكَ: عُطِفت؛ قَالَ أَبو بَدْرٍ السُّلَمي:
هُزِمْتُ عليكِ اليومَ، يَا ابنةَ مالكٍ، ... فجُودِي عَلَيْنَا بالنَّوالِ وأَنْعِمي
قَالَ أَبو عَمْرٍو: وَهُوَ حَرْفٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ. والهَزَائِم: العَجائف مِنَ الدَّوَابِّ، وَاحِدَتُهَا هَزِيمَة. وَقَالَ غَيْرُهُ: هِيَ الهِزَمُ أَيضاً، وَاحِدَتُهَا هِزْمَة. ابْنُ السِّكِّيتِ: الهَزِيمُ السَّحَابُ المُتشقِّق بِالْمَطَرِ، والهَزْمُ سحابٌ رَقِيقٌ يَعترِض وَلَيْسَ فِيهِ مَاءٌ. واهْتَزَمَ الشاةَ: ذَبَحَهَا؛ قَالَ أَبّاقٌ الدُّبَيري:
إِنِّي لأَخْشَى، وَيْحَكمْ، أَن تُحْرَموا ... فاهْتَزِموا مِنْ قبلِ أَنْ تَنَدَّموا «4» .
__________
(3) . قوله [من مسرقان وسرقا] هكذا في الأصل والمحكم، وفي التكملة ما نصه: والإنشاد مداخل، والرواية: من مسرقان فشرقا، ثم قال: فشرقا أي أخذ جانب الشرق
(4) . قوله [فاعتزموا من قبل إلخ] في التهذيب والتكملة: فاهتزموها قبل(12/610)
واهْتزَمتُ الشاةَ: ذبحتُها. أَبو عَمْرٍو: مِنْ أَمثال الْعَرَبِ فِي انتِهاز الفُرَص: اهْتزِموا ذبيحتَكم مَا دَامَ بِهَا طِرْقٌ؛ يَقُولُ: إذْبَحوها مَا دَامَتْ سَمينةً قَبْلَ هُزالِها. والاهْتِزَامُ: المُبادرة إِلَى الأَمر والإِسراع. وَجَاءَ فُلَانٌ يَهْتَزِمُ أَي يُسرِع كأَنه يُبادِر شَيْئًا. ابْنُ الأَعرابي: هَزَمَه أَي قَتَله، وأَنْقَزَه مِثْلُهُ. والهَزَم: المَسانُّ مِنَ المِعْزى، وَاحِدَتُهَا هَزَمَةٌ؛ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ. والمِهْزَام: عُود يُجْعل فِي رأْسه نارٌ تَلعَب بِهِ صِبْيَانُ الأَعراب، وَهُوَ لُعبة لَهُمْ؛ قَالَ جَرِيرٌ يَهْجُو البَعيث ويُعَرِّض بأُمه:
كَانَتْ مُجَرِّئة تَروزُ بكَفِّها ... كَمَرَ الْعَبِيدِ، وتَلْعبُ المِهْزَامَا
أَي تَلْعَبُ بِالْمِهْزَامِ، فَحَذَفَ الجارَّ وأَوصلَ الفعلَ، وَقَدْ يَجُوزُ أَن تَجْعل المِهزامَ اسْمًا لِلُّعبة، فَيَكُونُ المِهْزَام هُنَا مَصْدَرًا لِتَلعب، كَمَا حُكِيَ مِنْ قَوْلِهِمُ: قعَد القُرْفصاء. الأَزهري: المِهزَام لُعْبَةٌ لَهُمْ يَلعبونها، يُغَطّى رأْسُ أَحدِهم ثُمَّ يُلطَم، وَفِي رِوَايَةٍ:
ثُمَّ تُضْرب استُه، وَيُقَالُ لَهُ: مَنْ لَطَمك
؟ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَهِيَ الْعُمَّيْضَا «1» ؛ وَقَالَ ابْنُ الْفَرَجِ: المِهْزَام عَصًا قَصِيرَةٌ، وَهِيَ المِرْزام؛ وأَنشد:
فشامَ فِيهَا مثلَ مِهْزَامِ العَصا
أَو الغَضى «2» ، وَيُرْوَى: مِثْلَ مِرْزام. وَفِي الحديث:
أول جُمُعةٍ جُمِّعتْ فِي الإِسلام بِالْمَدِينَةِ فِي هَزْم بَنِي بَياضة
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ مَوْضِعٌ بِالْمَدِينَةِ. وَبَنُو الهُزَم: بَطن. والهَيْزَم: لُغَةٌ فِي الهَيْصَم، وَهُوَ الصُّلب الشَّدِيدُ. وهَيْزَمٌ ومِهْزَمٌ ومُهَزَّم ومِهْزَام وهَزَّام، كلها: أَسماء.
هسم: هَسَمَ الشيءَ يَهْسِمُه هَسْماً: كَسَره. الأَزهري عَنِ ابْنِ الأَعرابي: الهُسُم الكاوُون. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: كأَنَّ الأَصلَ الحُسُم، وَهُمُ الَّذِينَ يُتابعون الكيَّ مَرَّةً بَعْدَ أُخرى، ثُمَّ قُلِبَتِ الْحَاءُ هاء.
هشم: الهَشْمُ: كَسْرُك الشَّيْءَ الأَجْوَف وَالْيَابِسَ، وَقِيلَ: هُوَ كسْرُ الْعِظَامِ والرأْس مِنْ بَيْنَ سَائِرِ الْجَسَدِ، وَقِيلَ: هُوَ كسْر الْوَجْهِ، وَقِيلَ: هُوَ كَسْرُ الأَنف؛ هَذِهِ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، تَقُولُ: هَشَمْتُ أَنفَه إِذَا كَسَرْتَ القَصَبة، وَقِيلَ: هُوَ كسْر القَيْض، وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ مَرَّةً: الهَشْم فِي كُلِّ شَيْءٍ، هَشَمَه يَهْشِمُه هَشْماً، فَهُوَ مَهْشُوم وهَشِيم، وهَشَّمَه وَقَدِ انْهَشَمَ وتَهَشَّمَ. وَفِي حَدِيثِ أُحُد:
جُرِحَ وجهُ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهُشِمَت البيضةُ عَلَى رأْسه
؛ الهَشْم: الكسْرُ، والبَيضةُ: الخَوْذةُ. وهَشَمَ الثرِيدَ؛ وَمِنْهُ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَناف أَبو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ جَدِّ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يُسمَّى عَمْراً وَهُوَ أَول مَنْ ثرَد الثَّريدَ وهَشَمَه فسُمّي هَاشِماً؛ فَقَالَتْ فِيهِ ابنتُه «3»
عَمرو العُلا هَشَمَ الثَّريدَ لِقَومه، ... ورِجالُ مكَّةَ مُسْنِتُونَ عِجاف
وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الشِّعْرُ لِابْنِ الزِّبَعْري؛ وأَنشد لِآخَرَ:
أَوْسَعَهُم رَفْدُ قُصَيّ شَحْما، ... ولَبَناً مَحْضاً وخُبزاً هَشْما
وَقَوْلُ أَبي خِراش الْهُذَلِيِّ:
فَلَا وأَبي، لَا تَأْكُلُ الطيرُ مِثْلَه، ... طَويل النِّجاد، غَيْرُ هارٍ وَلَا هَشْمِ
أَراد مَهْشومٍ، وَقَدْ يَكُونُ غيرَ ذِي هَشْم. والهَاشِمَة: شَجَّةٌ تَهشِم العَظم، وَقِيلَ: الهَاشِمَة مِنَ الشِّجاج التي
__________
(1) . قوله [العميضا] هكذا في الأصل
(2) . قوله [أو الغضى] عبارة التكملة: العصا أو الغضى على الشك
(3) . قوله [فقالت فيه ابنته] كذا بالأَصل والمحكم، وفي التهذيب ما نصه: وفيه يقول مطرود الخزاعي.(12/611)
هَشَمتِ العَظم وَلَمْ يَتبايَنْ فَراشُه، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي هَشَمت العظمَ فنُقِش وأُخْرِج فَراشُه فتَباينَ فَراشُه والريحُ تَهْشِم اليَبيسَ مِنَ الشَّجَرِ: تَكْسِرُه. يُقَالُ: هَشَمَتْه. والهَشيم: النَّبْتُ الْيَابِسُ المُتكسِّر، والشجرةُ الْبَالِيَةُ يأْخذها الْحَاطِبُ كَيْفَ يَشَاءُ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: فَأَصْبَحَ هَشِيماً
؛ وَقِيلَ: هُوَ يَابِسُ كلِّ كَلإٍ إلَّا يابسَ البُهْمى فَإِنَّهُ عَرِبٌ لَا هَشيم، وَقِيلَ: هُوَ الْيَابِسُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. والهَشِيمَةُ: الشَّجَرَةُ الْيَابِسَةُ الْبَالِيَةُ، وَالْجَمْعُ هَشِيمٌ. وَمَا فلانٌ إلَّا هَشِيمَةُ كَرْمٍ أَي لَا يَمْنع شَيْئًا، وَهُوَ مثَلٌ بِذَلِكَ، وأَصله مِنَ الهَشِيمَة مِنَ الشَّجَرِ يأْخذها الْحَاطِبُ كَيْفَ يَشَاءُ. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ الجَواد السَّمْح: مَا فلانٌ إِلَّا هَشِيمَةُ كَرْمٍ والهَشِيمةُ: الأَرضُ الَّتِي يَبِسَ شجرُها حَتَّى اسوَدَّ غَيْرَ أَنها قائمةٌ عَلَى يُبْسها. والهَشِيم: الَّذِي بَقي مِنْ عامِ أَوَّل. ابْنُ شُمَيْلٍ: أَرض هَشِيمَةٌ، وَهِيَ الَّتِي يَبِس شجرُها، قَائِمًا كَانَ أَو مُتَهَشِّماً. وَإِنَّ الأَرض الْبَالِيَةَ تَهَشَّمُ أَي تكسَّرُ إِذَا وَطِئْتَ عَلَيْهَا نَفْسِها لَا شَجرِها، وشجرُها أَيضاً إِذَا يَبِسَ يَتَهَشَّم أَي يتكسَّر. وكلأٌ هَيْشُومٌ: هَشٌّ لَيِّنٌ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ
؛ قَالَ: الهَشِيم مَا يَبِس مِنَ الوَرَقِ وَتَكَسَّرَ وتحطَّم، فَكَانُوا كالهَشِيم الَّذِي يَجمَعُه صاحبُ الحَظِيرة أَي قَدْ بَلَغَ الغايةَ فِي اليُبس حَتَّى بلَغ أَن يُجْمَع. أَبو قُتَيْبَةَ: اللِّحْيَانِيُّ يُقَالُ لِلنَّبْتِ الَّذِي بَقِيَ مِنْ عَامِ أَوّلَ هَذَا نَبْتٌ عاميٌّ وهَشِيمٌ وحَطِيمٌ، وَقَالَ فِي تَرْجَمَةِ حظر: الهَشِيم مَا يَبِس مِنَ الحَظِرات فارْفَتّ وتكسَّر، الْمَعْنَى أَنهم بادُوا وهلَكوا فَصَارُوا كَيَبِيسِ الشَّجَرِ إِذَا تَحَطَّمَ. وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ: مَعْنَى قَوْلِهِ كهَشِيم المحتظِر الَّذِي يَحْظُر عَلَى هَشيمه، أَراد أَنه حَظَر حِظاراً رَطباً عَلَى حِظارٍ قديمٍ قَدْ يَبِسَ. وتَهَشَّمَ الشجرُ تَهَشُّماً إِذَا تكسَّر مِنْ يُبْسِه. وَصَارَتِ الأَرض هَشِيماً أَي صَارَ مَا عَلَيْهَا مِنَ النَّبَاتِ وَالشَّجَرِ قَدْ يَبِس وتكسَّر. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: انْهَشَمَتِ الإِبلُ فتَهَشَّمَتْ خارتْ وضعُفت. وتَهَشَّمَ الرجلَ: اسْتَعْطَفَهُ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
حُلْوَ الشَّمائل مِكْراماً خَليقَتُه، ... إِذَا تَهَشَّمْته لِلنَّائِلِ اخْتالا «1»
. وَرَجُلٌ هَشِيمٌ: ضَعِيفُ الْبَدَنِ. وتَهَشَّمَ عَلَيْهِ فُلَانٌ إِذَا تعطَّف. أَبو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: تَهَشَّمْتُه لِلْمَعْرُوفِ وتهضَّمْتُه إِذَا طلَبْتَه عِنْدَهُ. أَبو زَيْدٍ: تَهَشَّمْتُ فُلَانًا أَي ترَضَّيْتُه؛ وأَنشد:
إِذَا أَغْضَبْتُكمْ فتَهَشَّمُونِي، ... وَلَا تَسْتَعْتِبوني بالوَعيد
أَي تَرَضَّوْني. وَتَقُولُ: اهْتَشَمْتُ نَفْسِي لفلانٍ واهْتَضَمْتُها لَهُ إِذَا رَضِيتَ مِنْهُ بِوَدْنِ النَّصفَة. وهَشَمَ الرجلَ: أكْرَمه وعظَّمه. وهَشَمَ الناقةَ هَشْماً: حلَبها؛ وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: هُوَ الحَلْب بِالْكَفِّ كُلِّهَا. وَيُقَالُ: هَشَمْتُ مَا فِي ضَرْع النَّاقَةِ واهْتَشَمْت أَي احتلبْت. والهُشُم: الجِبال الرِّخْوة. والهُشُمُ: الحَلَّابون اللبنَ الحُذَّاقُ، وَاحِدُهُمْ هَاشِمٌ. قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: وَمِنْ بواطِن الأَرض المُنْبِتة الهُشُومَ، وَاحِدُهَا هَشْم، وَهُوَ مَا تَصوَّب مِنْ لينِ وَرَقِهِ. ابْنُ شُمَيْلٍ: الهَشوم مِنَ الأَرض الْمَكَانُ المُتَنَقّر مِنْهَا الْمُتَصَوِّبُ مِنْ غِيطانها فِي لِينِ الأَرض وبُطونِها. وكلُّ غائطٍ يَكُونُ وطِيئاً فَهُوَ هَشْم. ابْنُ شُمَيْلٍ: الهُشُومُ مَا تَطامَن مِنَ الأَرض، وَاحِدُهَا هَشْم. أَبو عمرو:
__________
(1) . قوله [اختالا] كذا بالأصل والتهذيب والتكملة، وفي المحكم: احتالا، بالمهملة بدل المعجمة(12/612)
الهَشْمُ الأَرضُ المُجْدِبة. وَقَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً، قَالَ: تَراها غبراءَ مُتَهَشّمَةً، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وإِنما تَتَهَشَّمُ الأَرضُ إِذا طَالَ عَهْدُها بِالْمَطَرِ، فإِذا مُطِرتْ ذهَب تَهَشُّمُها، وأَنشد شَمِرٌ لِابْنِ سَماعةَ الذُّهْليّ فِي تَهَشُّمِ الأَرض:
وأَخْلَفَ أَنْواءٌ، فَفِي وجهِ أَرْضِها ... قُشَعْرِيرةٌ مِنْ جِلْدِها وتَهَشُّمُ
قَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: أَرضٌ جَرْباء لَمْ يُصِبْها مَطَرٌ وَلَا نبتٌ تَراها مُتَهَشِّمَةً، الأَزهري: أَنشد الْمُبَرِّدُ لِابْنِ مَيَّادَةَ قولَ ابْنِ عُثْمَانَ بْنِ حِبَّانَ المُرِّيّ فِي فِتْنة مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ، وَكَانَ أَشار عَلَيْهِ بأَن يَعْتزِل القومَ فَلَمْ يَفْعَلْ فقُتِل، فَقَالَ ابْنُ مَيَّادَةَ:
أَمَرْتُكَ، يَا رِياحُ، بأَمرِ حَزْمٍ ... فقُلْت: هَشِيمَةٌ مِنْ أَهْل نَجْدِ
نَهيْتُك عَنْ رجالٍ مِنْ قُرَيْشٍ، ... عَلَى مَحْبوكةِ الأَصْلابِ جُردِ
ووَجْداً مَا وَجَدتُ عَلَى رِياحٍ، ... وَمَا أَغْنَيْت شَيْئًا غيَر وَجْدِي
قَالَ: قَوْلُهُ هَشِيمَة تأْويله ضَعْف، وأَصلُ الهَشِيم النبتُ إِذا وَلّى وجفَّ فأَذْرَتْه الريحُ، قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ
. وناقةٌ مِهْشَامٌ: سريعةُ الهُزالِ، وَنَاقَةٌ مِشْياطٌ: سريعةُ السِّمَنِ. والهَشَمَةُ: الأُرْوِيّة، وَجَمْعُهَا هَشَمَاتٌ. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ الهَرِم: إِنه لَهَشمُ أَهْشامٍ. وهِشَامٌ وهَاشِمٌ وهُشَيم وهَيْشَم وهَيْشَمَانُ، كُلُّهَا: أَسماء، والأَصل فِيهَا كُلِّهَا الهَشْم، وَهُوَ الكسْر. والهَشْمُ أَيضاً: الحَلْبُ. ومُهَشَّمَةُ: مَوْضِعٌ، أَنشد ثَعْلَبٌ:
يَا رُبَّ بَيْضاءَ عَلَى مُهَشَّمَهْ، ... أَعْجَبها أَكلُ البَعيرِ اليَنَمهْ
أَعْجَبها أَي حملَها على التعجب.
هصم: الهَصْمُ: الكَسْرُ. نابٌ هَيْصَمٌ: يَكْسِر كلَّ شَيْءٍ. وأَسَدٌ هَيْصَمٌ: مِنَ الهَصْمِ، وَهُوَ الكسْر، وَقِيلَ: سُمِّيَ بِهِ لِشِدَّتِهِ، وَقِيلَ: الهَيْصَم اسمٌ للأَسد، والهَيْصَمُ مِنَ الرِّجَالِ: الْقَوِيُّ. الأَصمعي: الهَيْصَمُ الغليظُ الشديدُ الصُّلْبُ؛ وأَنشد:
أَهْوَنُ عَيْبِ المَرْءِ، إِن تَكلَّما، ... ثَنِيّةٌ تَتْرُكُ نَابًا هَيْصَمَا
والهَصَمْصَمُ: الأَسدُ لشدّتِه وصَوْلَتِه، وَقَالَ غَيْرُهُ: أُخِذ مِنَ الهَصْمِ، وَهُوَ الكَسْرُ. يُقَالُ هَصَمَه وهَزَمَه إِذَا كسَره. والهَيْصَمُ: حجرٌ أَمْلَسُ يُتّخذ من الحِقاقُ، وأَكثرُ مَا يَتكلَّم بِهِ بَنُو تَمِيمٍ، وَرُبَّمَا قُلِبَتْ فِيهِ الصَّادُ زَايًا. وهَيْصَمٌ: رجل.
هضم: هضَم الدواءُ الطعامَ يَهْضِمُه هَضْماً: نَهَكَه. والهَضَّامُ والهَضُوم والهَاضُومُ: كلُّ دَواءٍ هَضَمَ طَعَامًا كالجُوارِشْنِ «2» ، وَهَذَا طعامٌ سريعُ الانْهِضامِ وبَطيءُ الانْهِضامِ. وهَضَمَه يَهْضِمُه هَضْماً واهْتَضَمَه وتَهَضَّمَه: ظَلمه وغصَبه وقهرَه، وَالِاسْمُ الهَضِيمَةُ. وَرَجُلٌ هَضِيمٌ مُهْتَضَمٌ: مَظْلومٌ. وهَضَمَه حقَّه هَضْماً: نقصَه. وهَضَمَ لَهُ مِنْ حقِّه يَهْضِمُ هَضْماً: تركَ لَهُ مِنْهُ شَيْئًا عَنْ طِيبةِ نَفْسٍ. يُقَالُ: هَضَمْت لَهُ مِنْ حَظِّي طَائِفَةً أَي تركتُه. وَيُقَالُ: هَضَمَ لَهُ مِنْ حظِّه إِذَا كسَر لَهُ مِنْهُ. أَبو عُبَيْدٍ: المُتَهَضَّمُ والهَضِيمُ جَمِيعًا المظلومُ. والهَضِيمَةُ: أَن يَتَهَضَّمَك القومُ شَيْئًا أَي يَظْلِمُوكَ. وهَضَمَ الشيءَ يَهْضِمُه هَضْماً، فَهُوَ مَهْضُومٌ وهَضِيمٌ: كسَره. وهَضَمَ لَهُ مِنْ مالِه يَهْضِمُ هَضْماً: كسَر وأَعطى. والهَضَّامُ: المُنْفِقُ لِمالِه، وَهُوَ الهَضُوم أَيضاً،
__________
(2) . قوله [كالجوارشن] ضبط في بعض نسخ النهاية بضم الجيم، وفي بعض آخر منها بالفتح وكذا المحكم.(12/613)
وَالْجَمْعُ هُضُمٌ؛ قَالَ زِيَادُ بْنُ مُنْقِذ:
يَا حَبَّذا، حينَ تُمْسي الرِّيحُ بارِدةً، ... وَادِي أُشَيّ وفِتْيانٌ بِهِ هُضُمُ
ويدٌ هَضُومٌ: تَجُود بِمَا لدَيْها تُلْقِيه فَمَا تُبْقِيه، وَالْجَمْعُ كَالْجَمْعِ؛ قَالَ الأَعشى:
فأَمّا إِذَا قَعَدُوا فِي النَّدِيّ، ... فأَحْلامُ عادٍ وأَيْدٍ هُضُمْ
ورجلٌ أَهْضَمُ الكَشْحَيْنِ أَيْ مُنْضَمُّهُما. والهَضَمُ: خَمَصُ البطونِ ولُطْفُ الكَشْحِ. والهَضَمُ فِي الإِنسان: قِلَّةُ انْجِفارِ الجَنْبَين ولَطافَتُهما، وَرَجُلٌ أَهْضَمُ بيِّن الهَضَم وامرأَة هَضْمَاءُ وهَضِيمٌ، وَكَذَلِكَ بطنٌ هَضِيمٌ ومَهْضُومٌ وأَهْضَمُ؛ قَالَ طَرَفَةُ:
وَلَا خَيرَ فِيهِ غيرَ أَنَّ لَهُ غِنىً، ... وَأَنَّ لَهُ كَشْحاً، إِذَا قامَ، أَهْضَمَا
والهَضِيمُ: اللَّطيف. والهَضِيمُ: النَّضِيجُ. والهَضَمُ، بِالتَّحْرِيكِ: انضِمامُ الجَنْبينِ، وَهُوَ فِي الْفَرَسِ عيبٌ. يُقَالُ: لَا يَسْبِقُ أَهْضَمُ مِنْ غَايَةٍ بعيدةٍ أَبَدًا. والهَضَمُ: استقامةُ الضُّلُوعِ ودخولُ أَعالِيها، وَهُوَ مِنْ عُيُوبِ الْخَيْلِ الَّتِي تَكُونُ خِلْقةً، قَالَ النَّابِغَةُ الْجَعْدِيُّ:
خِيطَ عَلَى زَفْرَةٍ فتَمَّ، ولمْ ... يَرْجِع إِلَى دِقَّةٍ وَلَا هَضَمِ
يَقُولُ: إِنَّ هَذَا الفرسَ لِسَعةِ جوفهِ وإجْفارِ مَحْزِمهِ كأَنه زفَرَ، فَلَمَّا اغْترَقَ نفَسُه بُنِيَ عَلَى ذَلِكَ فلزِمته تِلْكَ الزَّفْرة، فصِيغَ عَلَيْهَا لَا يُفارِقُها؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْآخَرِ:
بُنِيَتْ مَعاقِمُها عَلَى مُطَوائها
أَيْ كأَنها تَمَطَّت، فَلَمَّا تناءَت أَطرافُها ورحُبَت شَحْوَتها صِيغَت عَلَى ذَلِكَ، وفرسٌ أَهْضَمُ، قَالَ الأَصمعي: لَمْ يَسْبِقْ فِي الحَلْبة قَطّ أَهْضَمُ، وَإِنَّمَا الفرسُ بعُنُقهِ وبَطْنهِ، والأُنثى هَضْمَاءُ. والهَضِيمُ مِنَ النِّسَاءِ: اللطيفةُ الكَشْحَينِ، وكَشْحٌ مَهْضُومٌ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِابْنِ أَحْمَرَ:
هُضُمٌ إِذَا حُبَّ الفُتارُ، وهُمْ ... نُصُرٌ، وَإِذَا مَا استُبْطِئَ النَّصْرُ
ورأَيت هُنَا جُزازة مُلْصقَة فِي الْكِتَابِ فِيهَا: هَذَا وَهَمٌ مِنَ الشَّيْخِ لأَن هُضُماً هُنَا جمعُ هَضُومٍ الجَوادُ المِتْلافُ لمالهِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ نُصُر جَمْعُ نَصِير، قَالَ: وَكِلَاهُمَا مِنْ أَوصاف الْمُذَكَّرِ؛ قَالَ: وَمِثْلُهُ قَوْلُ زِيَادِ بْنِ مُنقِذ:
وحَبَّذا، حِينَ تُمْسي الريحُ بارِدةً، ... وَادِي أُشَيٍّ وفِتْيانٌ بِهِ هُضُمُ
وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَقَوْلُهُ: حِينَ تُمْسِي الرِّيحُ بَارِدَةً مثلُ قَوْلُهُ إِذَا حُبَّ الفُتارُ، يَعْنِي أَنهم يَجُودون فِي وَقْتِ الجَدْب وضيقِ العيشِ، وأَضْيَقُ مَا كَانَ عيشُهم فِي زَمَنِ الشِّتَاءِ، وَهَذَا بيِّنٌ لَا خَفَاءَ بِهِ؛ قَالَ: وَأَمَّا شاهدُ الهَضِيم اللطيفةِ الكَشحين مِنَ النِّسَاءِ فَقَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:
إِذَا قلتُ: هَاتِي نَوِّلِيني، تَمايَلَتْ ... عليَّ هَضِيم الكَشحِ، رَيَّا المُخَلخَلِ
وَفِي الْحَدِيثِ:
: أَنَّ امرأَة رأَت سَعْداً مُتَجَرِّداً وَهُوَ أميرُ الكوفةِ، فَقَالَتْ: إِنَّ أَميرَكم هَذَا لأَهْضَمُ الكَشْحينِ
أَيْ مُنْضَمُّهما؛ الهَضَمُ، بِالتَّحْرِيكِ: انضمامُ الجنبينِ، وأصلُ الهَضْمِ الْكَسْرُ. وهَضْمُ الطعامِ: خِفَّتُه. والهَضْمُ: التواضُعُ. وَفِي حَدِيثِ
الْحَسَنِ: وذكَر أَبا بكرٍ فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّهُ لَخَيْرُهم وَلَكِنَّ المؤْمِن يَهْضِمُ نفْسَه
أَيْ يَضعُ مِنْ قَدْرهِ تَواضُعاً. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ
؛ أَي مُنْهَضِمٌ مُنْضَمٌّ فِي جَوْفِ الجُفِّ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هَضِيمٌ مَا دَامَ فِي كَوافيرهِ. والهَضِيمُ: اللَّيِّنُ. وَقَالَ ابْنُ(12/614)
الأَعرابي: طَلْعُها هَضِيمٌ
، قَالَ: مَرِيءٌ، وَقِيلَ: ناعِمٌ، وَقِيلَ: هَضِيمٌ مُنْهَضِم مُدْرِك، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الهَضِيم الداخلُ بعضُه فِي بَعْضٍ، وَقِيلَ: هُوَ مِمَّا قِيلَ إِنَّ رُطَبَه بِغَيْرِ نَوىً، وَقِيلَ: الهَضِيمُ الَّذِي يتَهَشَّم تَهَشُّماً، وَيُقَالُ لِلطَّلْعِ هَضِيم مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ كُفُرّاهُ لِدُخُولِ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ. وَقَالَ الأَثْرَمُ: يُقَالُ لِلطَّعَامِ الَّذِي يُعْمَل فِي وَفاةِ الرَّجُلِ الهَضِيمَة، وَالْجَمْعُ الهَضَائِم. والهَاضِمُ: الشادخُ لِمَا فِيهِ رخاوةٌ أَوْ لينٌ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: الهَاضِمُ مَا فِيهِ رخاوةٌ أَوْ لينٌ، صِفَةٌ غَالِبَةٌ، وَقَدْ هَضَمَه فانْهَضَمَ كالقَصَبة المَهْضومة، وقصبَةٌ مَهْضُومَةٌ ومُهَضَّمَةٌ وهَضِيم: لِلَّتِي يُزْمَرُ بِهَا. ومِزْمارٌ مُهَضَّمٌ لأَنه، فِيمَا يُقَالُ، أَكْسارٌ يُضمّ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ؛ قَالَ لَبِيدٌ يَصِفُ نَهِيقَ الْحِمَارِ:
يُرَجِّعُ فِي الصُّوَى بمُهَضَّماتٍ، ... يَجُبْنَ الصَّدْرَ مِنْ قَصَبِ العَوالي
شبَّه مخارجَ صوتِ حَلْقهِ بمُهَضَّماتِ المَزامير؛ قَالَ عَنْتَرَةُ:
بَرَكَتْ عَلَى ماءِ الرِّداعِ، كأَنما ... بركتْ عَلَى قَصَبٍ أَجَشَّ مُهَضَّم
وأَنشد ثَعْلَبٌ لِمَالِكِ بْنِ نُوَيرَةَ:
كأَن هَضِيماً مِنْ سَرارٍ مُعَيَّناً، ... تَعاوَرَه أَجْوافُها مَطْلَع الفَجْرِ
والهَضْمُ والهِضْمُ، بِالْكَسْرِ: المطمئنُّ من الأَرض، وقيل: بَطْنُ الْوَادِي، وَقِيلَ: غَمْضٌ، وَرُبَّمَا أَنْبَتَ، وَالْجَمْعُ أَهْضَامٌ وهُضُومٌ؛ قَالَ:
حَتَّى إِذَا الوَحْش فِي أَهْضَامِ مَوْرِدِها ... تغَيَّبَتْ، رابَها مِنْ خِيفةٍ رِيَبُ
ونحوَ ذَلِكَ قَالَ اللَّيْثُ فِي أَهْضَامٍ مِنَ الأَرض. أَبو عَمْرٍو: الهِضْمُ مَا تَطامَن مِنَ الأَرض، وَجَمْعُهُ أَهْضَامٌ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ فِي التَّحْذِيرِ مِنَ الأَمر المَخُوف: الليلَ وأَهْضامَ الْوَادِي؛ يَقُولُ: فاحْذَرْ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي لعلَّ هُنَاكَ مَن لَا يُؤْمَن اغْتِيالُه. وَفِي الْحَدِيثِ:
: العَدُوُّ بأَهْضَامِ الغِيطانِ
؛ هِيَ جَمْعُ هِضْمٍ، بِالْكَسْرِ، وَهُوَ الْمُطْمَئِنُّ مِنَ الأَرض، وَقِيلَ: هِيَ أَسافلُ الأَوْدِيةِ مِنَ الهَضْمِ الكسرِ، لأَنها مَكاسِرُ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: صَرْعَى بأَثناء هَذَا النَّهرِ وأَهْضَامِ هَذَا الغائِطِ. الْمُؤَرَّجُ
: الأَهْضَامُ الغُيوبُ، واحدها هِضْمٌ [هَضْمٌ] ، وَهُوَ مَا غيَّبها عَنِ النَّاظِرِ. ابْنُ شِمَيْلٍ: مَسْقِطُ الجَبل وَهُوَ مَا هَضَمَ عَلَيْهِ أَيْ دَنا مِنَ السهلِ مِنْ أَصلهِ، وَمَا هَضَمَ عَلَيْهِ أَيْ مَا دَنَا مِنْهُ. وَيُقَالُ: هَضَمَ فلانٌ عَلَى فلانٍ أَيْ هَبَطَ عَلَيْهِ، وَمَا شَعَرُوا بِنَا حَتَّى هَضَمْنا عَلَيْهِمْ. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: هُوَ الهِضْمُ، بِكَسْرِ الْهَاءِ، فِي غُيوبِ الأَرض. وتَهَضَّمْت لِلْقَوْمِ تَهَضُّماً إِذَا انْقَدتَ لَهُمْ وتَقاصَرْت. وَرَجُلٌ أَهْضَمُ: غليظُ الثَّنَايَا. وأَهْضَمَ المُهْرُ للإِرْباع: دَنا مِنْهُ، وَكَذَلِكَ الفَصيل، وَكَذَلِكَ الناقةُ والبَهْمةُ، إلّا أَنه في الفَصِيل والبَهْمة الإِرْباعُ والإِسداسُ جَمِيعًا. الْجَوْهَرِيُّ: وأَهْضَمَتِ الإِبلُ للإِجْذاعِ وللإِسْداسِ جَمِيعًا إِذَا ذَهَبَتْ رَواضِعُها وطلعَ غيرُها، قَالَ: وَكَذَلِكَ الْغَنَمُ. يُقَالُ: أَهْضَمت وأَدْرَمَت وأَفَرَّتْ. والمَهْضُومَةُ: ضَرْبٌ مِنَ الطِّيبِ يُخْلَطُ بالمِسْكِ والبانِ. والأَهْضَامُ: الطيبُ، وَقِيلَ: البَخورُ، وَقِيلَ: هُوَ كلُّ شَيْءٍ يُتبخر بِهِ غَيْرُ الْعُودِ واللُّبْنى، وَاحِدُهَا هِضْم وهَضْمٌ وهَضْمَةٌ، عَلَى توهُّم حَذْفِ الزَّائِدِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
كأَنَّ ريحَ خُزاماها وحَنْوَتِها، ... بِاللَّيْلِ، ريحُ يَلَنْجوجٍ وأَهْضَامِ(12/615)
وَقَالَ الأَعشى:
وَإِذَا مَا الدُّخانُ شُبّه بالآنُفِ، ... يَوْمًا، بشَتْوةٍ أَهْضَاما
يَعْنِي مِنْ شدَّة الزَّمَانِ؛ وأَنشد فِي الأَهْضَامِ البَخورِ لِلْعَجَّاجِ:
كأَنَّ ريحَ جَوْفِها المَزْبورِ ... مَثْواةُ عَطَّارين بالعُطورِ
أَهْضَامِها والمِسْكِ والقَفُّورِ القَفُّورُ
القَفُّورُ: الكافورُ، وَقِيلَ: نَبْتٌ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: أُراه يَصِفُ حُفْرة حَفَرَهَا الثَّوْرُ الْوَحْشِيُّ فكَنَسَ فِيهَا، شَبّه رَائِحَةَ بَعرِها بِرَائِحَةِ هَذِهِ العُطور. وأَهْضَامُ تَبالةَ: مَا اطمأَنَّ مِنَ الأَرض بَيْنَ جِبالها؛ قَالَ لَبِيدٌ:
فالضَّيْفُ والجارُ الجَنِيبُ، كأَنما ... هَبَطا تَبالةَ مُخْصِباً أَهْضَامُها
وتَبالةُ: بلدٌ مُخْضِبٌ مَعْرُوفٌ. وأَهْضَامُ تَبالة: قُراها. وَبَنُو مُهَضَّمَة: حيٌّ.
هطم: النِّهَايَةُ لِابْنِ الأَثير فِي حَدِيثِ
أَبي هُرَيْرَةَ فِي شَرابِ أَهل الْجَنَّةِ: إِذَا شَرِبوا مِنْهُ هَطَمَ طعامَهم
؛ الهَطْمُ: سرعةُ الهَضْم، وأَصله الحَطْمُ، وَهُوَ الكسرُ، فقلبت الحاءُ هاءً.
هقم: الهَقِمُ: الشديدُ الجوعِ والأَكل، وَقَدْ هَقِمَ، بِالْكَسْرِ، هَقَماً، وَقِيلَ: الهَقَمُ أَنْ يُكْثِرَ مِنَ الطَّعَامِ فَلَا يَتَّخِم. والهِقَمُّ، مِثْلُ الهِجَفّ: الرجلُ الْكَثِيرُ الأَكل. وتَهَقَّمَ الطعامَ: لَقِمَه لُقَماً عِظاماً مُتتابعة. والهِقَمُّ: الْبَحْرُ. وبحرٌ هِقَمٌّ وهَيْقَمٌ: واسعٌ بعيدُ القعرِ. والهَيْقَمُ: حِكَايَةُ صوتِ اضطرابِ الْبَحْرِ؛ قَالَ:
وَلَمْ يَزَلْ عِزُّ تَمِيمٍ مِدْعَما، ... كالبحرِ يَدْعُو هَيْقَماً فهَيْقَما
والهَيْقَمُ والهَيْقَمَانِيُّ: الظَّليمُ الطويلُ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَظن الضمَّ في قاف الهيْقامانيّ لُغَةً، الأَزهري: قَالَ بَعْضُهُمُ الهَيْقمانيُّ الطويلُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ؛ وأَنشد لِلْفَقْعَسِيِّ:
منَ الهَيْقَمانيَّاتِ هَيْقٌ، كأَنه ... مِنَ السِّنْدِ ذُو كَبْلَيْنِ أَفْلَتَ مِنْ تَبْلِ
وَذَكَرَهُ الأَزهري فِي الرُّبَاعِيِّ أَيضاً، شبَّه هَذَا الشاعرُ الظَّليمَ بِرَجُلٍ سِنْديّ أَفْلَتَ مِنْ وَثاقٍ. وَيُقَالُ: الهَيْقَمُ الرَّغيبُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. وَيُقَالُ فِي الهَيْقَمِ الظليمِ: إِنَّهُ الهَيْقُ، وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ. والهَيْقَمُ: صوتُ ابْتِلاع اللُّقمة. ابْنُ الأَعرابي: الهَقْمُ أَصواتُ شُرْبِ الإِبل الْمَاءَ؛ قَالَ الأَزهري: جَعَلَهُ جَمْعَ هَيْقَم وَهُوَ حكايةُ صوتِ جَرْعِها الماءَ، كَمَا قَالَ رُؤْبَةُ:
لِلنَّاسِ يَدْعُو هَيْقَماً وهَيقَما، ... كَالْبَحْرِ مَا لَقَّمْتَه تَلَقَّما
وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ:
لِلنَّاسِ يَدْعُو هَيْقَمًا وَهَيْقَمَا
أَنَّهُ شبَّهه بفَحْلٍ وضربَه مثَلًا. وهَيْقَم: حِكَايَةُ هَديره، ومَنْ رَوَاهُ:
كَالْبَحْرِ يَدْعُو هَيْقَمًا وَهَيْقَمَا
أَراد حِكَايَةَ أَمْواجِه؛ وَقَالَ أَبو عَمْرٍو فِي قَوْلِ رُؤْبَةَ:
يَكْفِيه مِحْرابَ العِدى تهَقُّمُهْ «1»
. قَالَ: وَهُوَ قَهْرُه مَنْ يُحارِبُه، قَالَ: وأَصله مِنَ الْجَائِعِ الهَقِم؛ وَقَوْلُهُ:
مِنْ طُولِ مَا هَقَّمَه تَهَقُّمُه
قَالَ: تَهَقُّمُه حِرْصُه وجوعُه.
__________
(1) . قوله [يكفيه إلخ] صدره كما في التكملة:
أحمس ورّاد شجاع مقدمه
والورّاد: الذي يرد حومة القتال يغشاها ويأتيها، ومقدمه: إقدامه، والمحراب: البصير بالحرب(12/616)
هكم: الهَكِمُ: المُتَقحِّم عَلَى مَا لَا يَعنيه الَّذِي يتعرَّض لِلنَّاسِ بشرِّه؛ وأَنشد:
تَهَكَّمَ حَرْبٌ عَلَى جارِنا، ... وأَلْقى عَلَيْهِ لَهُ كَلْكَلا
وَقَدْ تَهَكَّمَ عَلَى الأَمرِ وتَهَكَّمَ بِنَا: زَرى عَلَيْنَا وعَبِثَ بِنَا. وتَهَكَّمَ لَهُ وهَكَّمَه: غَنَّاه. والتَهَكُّمُ: التكبُّرُ. والمُسْتَهْكِمُ: المُتكبِّرُ. والمُتَهَكِّمُ: المتكبِّرُ، وَهُوَ أَيضاً الَّذِي يتهدَّمُ عَلَيْكَ مِنَ الغيْظ والحُمْق. وتَهَكَّمَ عَلَيْهِ إِذا اشْتَدَّ غضبُه. والتَهَكُّم: التبَخْتُر بطَراً. والتَهَكُّم: السيْلُ الَّذِي لَا يُطاق. والتَهَكُّم: تهوُّرُ الْبِئْرِ. وتَهَكَّمَتِ البئرُ: تهدَّمَت. والتَهَكُّم: الطَّعْنُ المُدارَك. وتَهَكَّمْتُ: تَغَنَّيْتُ. وهَكَّمْتُ غَيْرِي تَهْكِيماً: غنَّيْتُه، وَذَلِكَ إِذا انْبرَيْتَ تُغَنِّي لَهُ بِصَوْتٍ. والتَّهَكُّم: الِاسْتِهْزَاءُ. وَفِي حَدِيثِ
أُسامة: فَخَرَجْتُ فِي أَثرِ رَجُلٍ مِنْهُمْ جَعَلَ يَتَهَكَّمُ بِي أَي يَسْتَهْزِئُ وَيَسْتَخِفُّ.
وَفِي حَدِيثِ
عَبْدِ اللَّهِ بن أَبي حَدْرَدٍ: وَهُوَ يَمْشِي القَهْقَرى وَيَقُولُ هَلُمَّ إِلى الْجَنَّةِ، يَتَهَكَّمُ بِنَا.
وَقَوْلُ
سُكَيْنة لهِشام: يَا أَحْوَلُ لَقَدْ أَصبحتَ تَتَهَكَّمُ بِنَا.
وَحَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ عَنِ أَبي عَمْرٍو: التَهَكُّم حديثُ الرجلِ فِي نفسِه؛ وأَنشد لزيادٍ المِلْقَطيّ:
يَا مَنْ لِقَلْبٍ قَدْ عَصاني أَنْهَمُهْ ... أُفْهِمُه، لَوْ كَانَ عَنِّي يَفْهَمُهْ
مِنْ ذِكْرِ لَيْلَى دَلَّهم تَهَكُّمُهْ، ... والدَّهْرُ يَغْتالُ الفَتى ويَعْجُمُهْ
وَقَالَ: التَهَكُّمُ الوقوعُ فِي الْقَوْمِ؛ وأَنشد لِنَهِيك بْنِ قَعْنَب:
تَهَكَّمْتُما حَوْلَيْنِ ثُمَّ نَزَعْتُما، ... فَلَا إِنْ عَلا كَعْباكُما بالتَّهَكُّمِ
وإِن زَائِدَةٌ بَعْدَ لَا الَّتِي للدعاء.
هلم: الهَلِيمُ: اللاصِقُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ؛ عَنِ كُرَاعٍ. والهَلامُ «1» : طعامٌ يُتَّخَذ مِنْ لحمِ عِجْلةٍ بِجِلدِها. والهُلُمُ: ظِباءُ الْجِبَالِ، وَيُقَالُ لَهَا اللُّهُمُ، وَاحِدُهَا لِهْمٌ، وَيُقَالُ فِي الْجَمْعِ لُهُومٌ. والهِلِّمَانُ: الشيءُ الْكَثِيرُ، وَقِيلَ: هُوَ الْخَيْرُ الْكَثِيرُ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: إِنما هُوَ الهِلِمَّانُ عَلَى مِثَالِ فِرِكَّان. أَبو عَمْرٍو: الهِلِمَّانُ الْكَثِيرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ؛ وأَنشد لكَثِير المُحارِبيّ:
قَدْ مَنَعَتْني البُّرَّ وَهِيَ تَلْحانْ، ... وَهُوَ كثيرٌ عِنْدَهَا هِلِمَّانْ،
وَهِيَ تُخَنْذِي بالمَقالِ البَنْبانْ
الخَنْذاةُ: الْقَوْلُ القبيحُ، والبَنْبانُ: الرَّدِيءُ مِنَ المَنْطق. والهَيْلَمَان: المالُ الْكَثِيرُ، وَتَقُولُ: جَاءَنَا بالهَيْل والهَيْلَمانِ إِذا جَاءَ بِالْمَالِ الْكَثِيرِ، والهَيْلَمان، بِفَتْحِ اللَّامِ وَضَمِّهَا. قَالَ أَبو زَيْدٍ فِي بَابِ كَثْرَةِ الْمَالِ وَالْخَيْرِ يَقْدَم بِهِ الغائبُ أَو يَكُونُ لَهُ: جَاءَ فلانٌ بالهَيْل والهَيْلَمان، بِفَتْحِ اللَّامِ. وهَلُمَّ: بِمَعْنَى أَقْبِل، وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ تركيبيَّة مِنْ هَا الَّتِي لِلتَّنْبِيهِ، وَمِنْ لُمَّ، وَلَكِنَّهَا قَدِ اسْتُعْمِلَتِ اسْتِعْمَالَ الْكَلِمَةِ الْمُفْرَدَةِ الْبَسِيطَةِ؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: زَعَمَ سِيبَوَيْهِ أَن هَلُمَّ هَا ضُمَّتْ إِليها لُمّ وجُعِلتا كَالْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ، وأَكثرُ اللُّغَاتِ أَن يُقَالَ هَلُمَّ لِلْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمَاعَةِ، وَبِذَلِكَ نَزَلَ الْقُرْآنُ: هَلُمَّ إِلَيْنا
وهَلُمَّ شُهَداءَكُمُ
؛ وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: هَلُمَّ فِي لُغَةِ أَهل الْحِجَازِ يَكُونُ لِلْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ وَالذَّكَرِ والأُنثى بلفظٍ وَاحِدٍ، وأَهلُ نَجْدٍ يُصَرِّفُونَها، وأَما فِي لُغَةِ بَنِي تَمِيمٍ وأَهل
__________
(1) . قوله [والهلام] قال في القاموس: كغراب، وضبط في الأصل وفي نسخة من التكملة يوثق بضبطها بفتح الهاء ومثلها المحكم والتهذيب(12/617)
نَجْدٍ فإِنهم يُجْرونه مُجْرَى قَوْلِكَ رُدَّ، يَقُولُونَ لِلْوَاحِدِ هَلُمَّ كَقَوْلِكَ رُدَّ، وَلِلِاثْنَيْنِ هَلُمَّا كَقَوْلِكَ رُدَّا، وَلِلْجَمْعِ هَلُمُّوا كَقَوْلِكَ رُدُّوا، وللأُنثى هَلُمِّي كَقَوْلِكَ رُدِّي، وللثِّنْتَينِ كالاثْنَيْنِ، وَلِجَمَاعَةِ النِّسَاءِ هَلْمُمْنَ كَقَوْلِكَ ارْدُدْنَ، والأَوَّل أَفصَح. قَالَ الأَزهري: فُتحت هَلُمَّ أَنها مُدْغَمة كَمَا فُتحت رُدَّ فِي الأَمر فَلَا يَجُوزُ فِيهَا هَلُمُّ، بِالضَّمِّ، كَمَا يَجُوزُ رُدُّ لأَنها لَا تتصرَّف، قَالَ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ
، أَي هَاتُوا شُهداءكم وقَرِّبوا شُهَدَاءَكُمْ. الْجَوْهَرِيُّ: هَلُمَّ يَا رَجُلُ، بِفَتْحِ الْمِيمِ، بِمَعْنَى تَعَالَ؛ قَالَ الْخَلِيلُ: أَصله لُمّ من قَوْلِهِمْ لَمَّ اللهُ شَعْثه أَي جَمَعَهُ، كأَنه أَراد لُمَّ نَفْسَك إِلينا أَي اقْرُب، وَهَا لِلتَّنْبِيهِ، وإِنما حُذِفَتْ أَلِفُها لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ وجُعِلا اسْمًا وَاحِدًا، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: زَعَمَ الْخَلِيلُ أَنها لُمَّ لَحِقتها الْهَاءُ لِلتَّنْبِيهِ فِي اللُّغَتَيْنِ جَمِيعًا، قَالَ وَلَا تَدْخُلُ النُّونُ الْخَفِيفَةُ وَلَا الثقيلةُ عَلَيْهَا، لأَنها لَيْسَتْ بِفِعْلٍ وإِنما هِيَ اسمٌ لِلْفِعْلِ، يُرِيدُ أَن النُّونَ الثَّقِيلَةَ إِنما تدخلُ الأَفعال دُونَ الأَسماء، وأَما فِي لُغَةِ بَنِي تَمِيمٍ فَتَدْخُلُهَا الخفيفةُ وَالثَّقِيلَةُ لأَنهم قَدْ أَجْرَوْها مُجْرَى الْفِعْلِ، وَلَهَا تعليلٌ. الأَزهري: هَلُمَّ بِمَعْنَى أَعْطِ، يَدُلّ عَلَيْهِ مَا رُوِي
عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يأْتيها فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ شيءٍ؟ فَتَقُولُ: لَا، فَيَقُولُ: إِني صائِمٌ؛ قَالَتْ: ثُمَّ أَتاني يَوْمًا فَقَالَ: هَلْ مِنْ شَيْءٍ؟ قُلْتُ: حَيْسَةٌ، فَقَالَ: هَلُمِّيها
أَي هاتِيها أَعْطِينيها. وَقَالَ اللَّيْثُ: هَلُمَّ كلمةُ دَعْوةٍ إِلى شيءٍ، الواحدُ وَالِاثْنَانِ وَالْجَمْعُ والتأْنيث وَالتَّذْكِيرُ سواءٌ، إلَّا فِي لُغَةِ بَنِي سَعْدٍ فإِنهم يَحْمِلُونَهُ عَلَى تَصْرِيفِ الْفِعْلِ، تَقُولُ هَلُمَّ هَلُمَّا هَلُمُّوا، وَنَحْوُ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ، قَالَ: وإِذا قَالَ: هَلُمَّ إِلى كَذَا، قُلْتُ: إِلامَ أَهَلُمُّ؟ وإِذا قَالَ لَكَ هَلُمَّ كذا وكذا، قلت: لَا أَهَلُمُّه، بِفَتْحِ الأَلف وَالْهَاءِ، أَي لَا أُعْطيكَه. وَرَوَى
أَبو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ليُذادَنَّ رجالٌ عَنْ حَوْضي فأُناديهم أَلا هَلُمَّ أَلا هَلُمَّ فَيُقَالُ: إِنهم قَدْ بَدَّلوا، فأَقول فسُحْقاً
قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ هَلَمَّ، فَيَنْصِبُ اللَّامَ، قَالَ: وَمَنْ قَالَ هَلُمِّي وهَلُمُّوا فَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ، وَلَسْتُ مِنَ الأَخيرة عَلَى ثِقَةٍ، وَقَدْ هَلْمَمْتُ فَمَاذَا. وهَلْمَمْتُ بِالرَّجُلِ: قلتُ لَهُ هَلُمَّ. قَالَ ابْنُ جِنِّي: هَلْمَمْتُ كصَعْرَرْتَ وشَملَلْتَ، وأَصله قبْلُ غيرُ هَذَا، إِنما هُوَ أَوَّلُ هَا لِلتَّنْبِيهِ لَحِقَت مِثْلَ اللَّامِ، وخُلِطت هَا بلُمَّ تَوْكِيدًا لِلْمَعْنَى بِشِدَّةِ الِاتِّصَالِ، فَحُذِفَتِ الأَلف لِذَلِكَ، ولأَنَّ لامَ لُمَّ فِي الأَصل ساكنةٌ، أَلا تَرَى أَن تَقْدِيرَهَا أَوَّلُ أُلْمَمْ، وَكَذَلِكَ يَقُولُهَا أَهل الْحِجَازِ، ثُمَّ زَالَ هَذَا كُلُّهُ بِقَوْلِهِمْ هَلْمَمْتُ فَصَارَتْ كأَنها فَعْلَلْت مَنْ لَفْظِ الهِلِمَّان، وتُنُوسِيَت حالُ التَّرْكِيبِ. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ فلْيُهَلِمَّه أَي فليُؤْتِه. قَالَ الأَزهري: ورأَيت مِنَ الْعَرَبِ مَن يَدْعُو الرَّجُلَ إِلى طَعَامِهِ فَيَقُولُ: هَلُمَّ لَكَ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: هَيْتَ لَكَ؛ قَالَ المبرَّد: بَنُو تَمِيمٍ يَجْعَلُونَ هَلُمَّ فِعلًا صَحِيحًا وَيَجْعَلُونَ الْهَاءَ زَائِدَةً فَيَقُولُونَ هَلُمَّ يَا رَجُلُ، وَلِلِاثْنَيْنِ هَلُمَّا، وَلِلْجَمْعِ هَلُمُّوا، وَلِلنِّسَاءِ هَلْمُمْنَ لأَن الْمَعْنَى الْمُمْنَ، وَالْهَاءُ زَائِدَةٌ، قَالَ: وَمَعْنَى هَلُمَّ زَيْدًا هاتِ زَيْدًا. وَقَالَ ابْنُ الأَنباري: يُقَالُ لِلنِّسَاءِ هَلُمْنَ وهَلْمُمْنَ. وَحَكَى أَبو عَمْرٍو عَنْ الْعَرَبِ: هَلُمِّينَ يَا نِسوة، قَالَ: والحجةُ لأَصحاب هَذِهِ اللُّغَةِ أَن أَصل هَلُمَّ التصرفُ مِنْ أَمَمْتُ أَؤمُّ أَمّاً، فَعمِلوا عَلَى الأَصل وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إِلى الزِّيَادَةِ، وإِذا قَالَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ هَلُمَّ، فأَراد أَن يَقُولَ لَا أَفعل، قَالَ: لَا(12/618)
أُهَلِمُّ ولا أُهَلُمُّ ولا أُهَلَمُّ وَلَا أَهَلُمُّ، قَالَ: وَمَعْنَى هَلُمَّ أَقْبِلْ، وأَصله أُمَّ أَي اقصِدْ، فَضَمُّوا هَلْ إِلى أُمَّ وَجَعَلُوهُمَا حَرْفًا وَاحِدًا، وأَزالوا أُمَّ عَنِ التَّصْرِيفِ، وحوَّلوا ضَمَّةَ هَمْزَةِ أُمَّ إِلى اللَّامِ وأَسقطوا الْهَمْزَةَ، فَاتَّصَلَتِ الْمِيمُ بِاللَّامِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْفَرَّاءِ. يُقَالُ لِلرَّجُلَيْنِ وَلِلرِّجَالِ وَلِلْمُؤَنَّثِ هَلُمَّ، وُحِّدَ هَلُمَّ لأَنه مُزالٌ عَنْ تصرُّف الْفِعْلِ وشُبِّه بالأَدوات كَقَوْلِهِمْ صَهْ ومَهْ وإِيهٍ وإِيهاً، وَكُلُّ حَرْفٍ مِنْ هَذِهِ لَا يُثنَّى وَلَا يُجْمَعُ وَلَا يُؤَنَّثُ، قَالَ: وَقَدْ يُوصَلُ هَلُمَّ بِاللَّامِ فَيُقَالُ: هَلُمَّ لَكَ وهَلُمَّ لَكُمَا، كَمَا قَالُوا هَيْت لَكَ، وإِذا أَدخلت عَلَيْهِ النُّونَ الثَّقِيلَةَ قُلْتَ: هَلُمَّنَّ يَا رَجُلُ، وللمرأَة: هَلُمِّنَّ، بِكَسْرِ الْمِيمِ، وَفِي التَّثْنِيَةِ هَلُمّان، لِلْمُؤَنَّثِ وَالْمُذَكَّرِ جَمِيعًا، وهَلُمُّنَّ يَا رِجَالُ، بِضَمِّ الْمِيمِ، وهَلْمُمْنانِّ يَا نِسْوَةُ، وإِذا قِيلَ لَكَ هَلُمَّ إِلى كَذَا وَكَذَا، قَلْتَ: إِلامَ أَهَلُمُّ، مَفْتُوحَةَ الأَلف وَالْهَاءِ، كأَنك قُلْتَ إِلامَ أَلُمُّ، فترَكْتَ الْهَاءَ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ، وإِذا قِيلَ هَلُمَّ كذا وكذا، قلت: لا أَهَلُمُّه أَي لَا أُعطيه؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: حقُّ هَذَا أَن يُذْكَرَ فِي فَصْلِ لَمَمَ لأَن الْهَاءَ زائدة، وأَصله هالُمّ.
هلدم: الهِلْدِمُ: اللِّبْدُ الغليظُ الْجَافِي؛ قَالَ:
عَلَيْهِ مِنْ لِبْدِ الزَّمانِ هِلْدِمُهْ «2»
. لِبْد الزَّمَانِ: يَعْنِي الشيبَ. والهِلْدِمُ: العجوزُ.
هلقم: الهِلْقَامَةُ والهِلِقَّامَةُ: الأَكول. والهِلْقَامُ: الطَّوِيلُ، وَقِيلَ: الضخمُ الطويلُ، وَفِي التَّهْذِيبِ: الفرسُ الطويلُ؛ قَالَ مُدْرِك بْنُ حِصْن، وَقِيلَ هُوَ لِخذَام الأَسدي، قَالَ وَهُوَ الصَّحِيحُ:
أَبْناء كُلِّ نَجِيبة لنَجِيبة، ... ومُقَلِّصٍ بشَلِيله هِلْقامِ
يَقُولُ: هُوَ طَوِيلٌ يُقلِّص عَنْهُ شَليلُه لِطُولِهِ، والشَّلِيلُ: الدِّرْعُ. والهِلْقَامُ: السَّيِّدُ الضَّخْمُ الْقَائِمُ بالحَمالات، وَكَذَلِكَ الهِلْقَمُّ؛ قَالَ:
فإِنْ خَطِيبُ مَجْلِسٍ أَرَمَّا ... بِخُطْبةٍ، كنتُ لها هِلْقَمّا
«3» . بالحَمالاتِ لَهَا لِهَمّا
والهِلْقِمُ والهِلْقامُ: الواسعُ الشِّدْقَيْن مِنَ الإِبل خَاصَّةً، وَرُبَّمَا استُعْمِل لِغَيْرِهَا. وبحرٌ هِلْقِمٌ: كأَنه يَلْتَهِم مَا طُرِح فِيهِ. وهَلْقَمَ الشيءَ: ابْتَلَعه. والهِلْقَمُّ: المُبْتَلِع. وَرَجُلٌ هُلَقِمٌ وجُرَضِمٌ: كَثِيرُ الأَكل؛ قَالَ:
باتَتْ بلَيْلٍ ساهِد، وَقَدْ سَهِدْ ... هُلَقِمٌ يأْكل أَطْرافَ النُّجُدْ
وهِلْقامٌ وهِلْقَامَةٌ كَذَلِكَ. والهِلْقَامُ: الأَسد. وهِلْقَامٌ: اسم رجل.
همم: الهَمُّ: الحُزْن، وَجَمْعُهُ هُمُومٌ، وهَمَّه الأَمرُ هَمّاً ومَهَمَّةً وأَهَمَّه فاهْتَمَّ واهْتَمَّ بِهِ. وَلَا هَمَامِ لِي: مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْكَسْرِ مِثْلَ قَطامِ أَي لَا أَهُمُّ. وَيُقَالُ: لَا مَهَمّةَ لِي، بِالْفَتْحِ، وَلَا هَمامِ، أَي لَا أَهُمّ بِذَلِكَ وَلَا أَفْعَلُه؛ قَالَ الْكُمَيْتُ يَمْدَحُ أَهل الْبَيْتِ:
إِن أَمُتْ لا أَمُتْ، ونَفْسِيَ نَفْسانِ ... مِنَ الشَّكِّ فِي عَمىً أَو تَعامِ
عادِلًا غيرَهم مِنَ الناسِ طُرّاً ... بِهِمُ، لَا هَمامِ لِي لَا هَمامِ
أَي لَا أَهُمُّ بِذَلِكَ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْكَسْرِ مِثْلُ قَطامِ؛ يَقُولُ: لَا أَعْدِل بِهِمْ أَحداً، قَالَ: ومثلُ قَوْلِهِ لَا
__________
(2) . قوله [عليه إلخ] صدره كما في التكملة:
فَجَاءَ عَوْدٌ خِنْدِفِيٌّ قَشْعَمُهْ
(3) . قوله [أرما] كذا في الأَصل والتكملة، وفي المحكم والتهذيب ألما. وقوله [بخطبة] كذا في الأَصل، وفي التكملة والمحكم: بخطة. وقوله [لها] كذا بالأَصل والمحكم والتهذيب، وفي التكملة: له(12/619)
هَمامِ قراءةُ مَنْ قرأَ:
لَا مَساسِ
؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: هُوَ الْحِكَايَةُ كأَنه قَالَ مَساسِ فَقَالَ لَا مَساسِ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي هَمامِ إِنه عَلَى الْحِكَايَةِ لأَنه لَا يُبْنَى عَلَى الْكَسْرِ، وَهُوَ يُرِيدُ بِهِ الْخَبَرَ. وأَهَمَّني الأَمرُ إِذا أَقْلَقَك وحَزَنَك. والاهْتِمَامُ: الاغتمامُ، واهْتَمَّ لَهُ بأَمرِه. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ فِي بَابِ قِلَّةِ اهتِمامِ الرجلِ بشأْن صاحِبه: هَمُّك مَا هَمَّك، وَيُقَالُ: هَمُّك مَا أَهَمَّك؛ جعلَ مَا نَفْياً فِي قَوْلِهِ مَا أَهَمَّك أَي لَمْ يُهِمَّك هَمُّك، وَيُقَالُ: مَعْنَى مَا أَهَمَّكَ أَي مَا أَحْزَنَك، وَقِيلَ: مَا أَقْلَقَك، وَقِيلَ: مَا أَذابَك. والهِمَّةُ: واحدةُ الهِمَمِ. والمُهِمَّاتُ مِنَ الأُمور: الشدائِدُ المُحْرِقةُ. وهَمَّه السُّقْمُ يَهُمُّه هَمّاً أَذابَه وأَذْهَبَ لَحمه. وهَمَّني المرضُ: أَذابَني. وهَمَّ الشحمَ يَهُمُّه هَمّاً: أَذابَه؛ وانْهَمَّ هُوَ. والهَامُومُ: مَا أُذِيبَ مِنَ السَّنَامِ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ يصف بَعيرَه:
وانْهَمَّ هَامُومُ السَّدِيفِ الْهَارِي ... عَنْ جَرَزٍ مِنْهُ وجَوْزٍ عَارِي «1»
. أَي ذَهَبَ سِمَنُه. والهَامُومُ مِنَ الشحمِ: كثيرُ الإِهالةِ. والهَامُومُ: مَا يَسيل مِنَ الشَّحْمةِ إِذا شُوِيَت، وكلُّ شَيْءٍ ذائبٍ يُسمَّى هَامُوماً. ابْنُ الأَعرابي: هُمَّ إِذا أُغْلِيَ، وهَمَّ إِذا غَلى. اللَّيْثُ: الانْهِمامُ فِي ذَوَبانِ الشَّيْءِ واسْتِرْخائه بَعْدَ جُمودِه وصَلابتِه مِثْلُ الثَّلْجِ إِذا ذابَ، تَقُولُ: انْهَمَّ. وانْهَمَّتِ البقُولُ إِذا طُبِخَتْ فِي الْقِدْرِ. وهَمَّتِ الشمسُ الثلجَ: أَذابَتْه. وهَمَّ الغُزْرُ الناقةَ يَهُمُّها هَمّاً: جَهَدَها كأَنه أَذابَها. وانْهَمَّ الشحمُ والبَرَدُ: ذَابَا؛ قَالَ:
يَضْحَكْن عنْ كالبَرَد المُنْهَمِّ، ... تحتَ عَرَانِينِ أُنوفٍ شُمِ
والهُمَامُ: مَا ذابَ مِنْهُ، وَقِيلَ: كلُّ مُذابٍ مَهْمُومٌ؛ وَقَوْلُهُ:
يُهَمُّ فِيهَا القوْمُ هَمَّ الحَمِ
مَعْنَاهُ يَسيل عَرَقُهُمْ حَتَّى كأَنهم يَذُوبون. وهُمامُ الثَّلْجِ: مَا سالَ منْ مائِه إِذا ذابَ؛ وَقَالَ أَبو وَجْزَةَ:
نَوَاصِحٌ بَيْنَ حَمَّاوَيْنِ أَحْصَنَتا ... مُمَنَّعاً، كهُمَامِ الثَّلْج بالضَّرَبِ
أَراد بِالنَّوَاصِحِ الثَّنايا. وَيُقَالُ: هَمَّ اللبَنَ فِي الصحْنِ إِذ حَلَبَه، وانْهَمَّ العرَقُ فِي جَبينِه إِذا سالَ؛ وَقَالَ الرَّاعِي فِي الهَمَاهِمِ بِمَعْنَى الهُموم:
طَرَقا، فتِلكَ هَماهِمِي أَقْرِيهِما ... قُلُصاً لَواقحَ كالقِسيِّ وحُولا
وهَمَّ بالشيءَ يَهمُّ هَمّاً: نَوَاهُ وأَرادَه وعزَم عَلَيْهِ. وَسُئِلَ ثَعْلَبٌ عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ
؛ قَالَ: هَمَّتْ زَلِيخا بِالْمَعْصِيَةِ مُصِرّةً عَلَى ذَلِكَ، وهَمَّ يوسفُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، بِالْمَعْصِيَةِ وَلَمْ يأْتِها وَلَمْ يُصِرَّ عَلَيْهَا، فَبَيْن الهَمَّتَيْن فَرْقٌ. قَالَ أَبو حَاتِمٍ: وقرأْتُ غريبَ الْقُرْآنِ عَلَى أَبي عُبَيْدَةَ فَلَمَّا أَتيتُ عَلَى قولِه: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها
«2» قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: هَذَا عَلَى التَّقْدِيمِ والتأْخير كأَنه أَراد: وَلَقَدْ هَمَّت بِهِ، وَلَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهانَ رَبِّهِ لَهَمَّ بِهَا. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا
؛
كَانَ طائفةٌ عَزَمُوا عَلَى أَن يغْتالُوا سَيِّدَنَا رسولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي سفَرٍ وقَفُوا لَهُ عَلَى طريقِه، فَلَمَّا بَلغهم أَمَرَ بتَنْحيَتِهم عَنْ طريقِه وسَمّاهم رَجُلًا رَجُلًا
؛ وفي
__________
(1) . قوله [الهاري] أنشده في مادة جرز: الواري، وكذا المحكم والتهذيب
(2) . الآية(12/620)
حَدِيثِ
سَطِيح:
شَمِّرْ فإِنّك مَاضِي الهَمِّ شِمِّيرُ
أَي إِذَا عَزمت عَلَى أَمرٍ أَمْضَيْتَه. والهَمُّ: مَا هَمَّ بِهِ فِي نَفْسِه، تَقُولُ: أَهَمَّنِي هَذَا الأَمرُ. والهَمَّةُ والهِمَّةُ: مَا هَمَّ بِهِ مِنْ أَمر لِيَفْعَلَهُ. وَتَقُولُ: إِنه لَعظيمُ الهَمّ وإِنه لَصغيرُ الهِمَّة، وإِنه لَبَعيدُ الهِمَّةِ والهَمَّةِ، بِالْفَتْحِ. والهُمَامُ: الملكُ الْعَظِيمُ الهِمّة، وَفِي حَدِيثِ
قُسٍّ: أَيها الملكُ الهُمَامُ
، أَي العظيمُ الهِمَّة. ابْنُ سِيدَهْ: الهُمَام اسمٌ مِنْ أَسماء الْمَلِكِ لِعِظمِ هِمّته، وَقِيلَ: لأَنه إِذا هَمَّ بأَمر أَمْضاه لَا يُرَدُّ عَنْهُ بَلْ يَنْفُذ كَمَا أَراد، وَقِيلَ: الهُمَامُ السيِّدُ الشجاعُ السَّخيّ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي النِّسَاءِ. والهُمَامُ: الأَسدُ، عَلَى التَّشْبِيهِ، وَمَا يَكادُ وَلَا يَهُمُّ كَوْداً وَلَا مَكادَةً وهَمّاً وَلَا مَهَمَّةً. والهَمَّةُ والهِمَّةُ: الهَوى. وَهَذَا رجلٌ هَمُّك مِنْ رجلٍ وهِمَّتُك مِنْ رَجُلٍ أَي حسْبُك. والهِمُّ، بِالْكَسْرِ: الشَّيْخُ الكبيرُ الْبَالِي، وَجَمْعُهُ أَهْمامٌ. وَحَكَى كُرَاعٌ: شيخٌ هِمَّةٌ، بِالْهَاءِ، والأُنثى هِمَّةٌ بيِّنة الهَمَامَةِ، وَالْجَمْعُ هِمَّات وهَمَائِمُ، عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَالْمَصْدَرُ الهُمُومَةُ والهَمَامَةُ، وَقَدِ انْهَمَّ، وَقَدْ يَكُونُ الهِمُّ والهِمَّةُ مِنَ الإِبل؛ قَالَ:
ونابٌ هِمَّةٌ لَا خَيْرَ فِيهَا، ... مُشرَّمةُ الأَشاعِرِ بالمَدارِي
ابْنُ السِّكِّيتِ: الهَمُّ مِنَ الحُزْن، والهَمُّ مَصْدَرُ هَمَّ الشَّحمَ يَهُمُّه إِذا أَذابَه. والهَمُّ: مَصْدَرُ هَمَمْت بِالشَّيْءِ هَمّاً. والهِمُّ: الشَّيْخُ الْبَالِي؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
وَمَا أَنا بالهِمِّ الكبيرِ وَلَا الطِّفْلِ
وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه أُتِيَ بِرَجُلٍ هِمٍ
؛ الهِمُّ، بِالْكَسْرِ: الكبيرُ الْفَانِي. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ الله عَنْهُ: كَانَ يأْمرُ جُيُوشه أَن لَا يَقْتُلوا هِمّاً وَلَا امرأَةً
؛ وَفِي شِعْرِ حُميد:
فحَمَّلَ الهِمَّ كِنازاً جَلْعَدا «1»
والهَامَّةُ: الدابّةُ. ونِعْمَ الهامَّةُ هَذَا: يَعْنِي الفرسَ؛ وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: مَا رأَيتُ هامَّةً أَحسنَ مِنْهُ، يُقَالُ ذَلِكَ لِلْفَرَسِ وَالْبَعِيرِ وَلَا يُقَالُ لِغَيْرِهِمَا. وَيُقَالُ لِلدَّابَّةِ: نِعْمَ الهَامَّةُ هَذَا، وَمَا رأَيت هامَّةً أَكْرمَ مِنْ هَذِهِ الدَّابَّةِ، يَعْنِي الْفَرَسَ، الميمُ مشدَّدة. والهَمِيمُ: الدَّبِيبُ. وَقَدْ هَمَمْتُ أَهِمُّ، بِالْكَسْرِ، هَمِيماً. والهَمِيمُ: دوابُّ هوامِّ الأَرض. والهوامُّ: مَا كَانَ مِنْ خَشاش الأَرض نَحْوَ الْعَقَارِبِ وَمَا أَشبهها، الْوَاحِدَةُ هَامَّة، لأَنها تَهِمُّ أَي تَدِبّ، وهَمِيمُها دبِيبُها؛ قَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤَيَّة الْهُذَلِيُّ يَصِفُ سَيْفًا:
تَرى أَثْرَهُ فِي صَفْحَتَيْه، كأَنه ... مَدارِجُ شِبْثانٍ لَهُنَّ هَمِيمُ
وَقَدْ هَمَّتْ تَهِمُّ، وَلَا يَقَعُ هَذَا الِاسْمُ إِلَّا عَلَى المَخُوف مِنَ الأَحْناش. وَرَوَى
ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنه كَانَ يُعَوِّذ الحسنَ والحسَينَ فَيَقُولُ: أُعيذُكُما بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التامَّة، مِنْ شَرِّ كُلِّ شيطانٍ وهَامَّة، وَمِنْ شرِّ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ، وَيَقُولُ: هَكَذَا كَانَ إِبراهيمُ يعوّذ إِسمعيل وإِسحق، عَلَيْهِمُ السَّلَامُ
؛ قَالَ شَمِرٌ: هامَّة وَاحِدَةُ الهَوَامِّ، والهَوَامُّ: الحيَّاتُ وكلُّ ذِي سَمٍّ يَقْتُلُ سَمُّه، وأَما مَا لَا يَقْتُلُ ويَسُمُّ فَهُوَ السَّوامُّ، مشدَّدة الْمِيمِ، لأَنها تَسُمُّ وَلَا تبلُغ أَن تَقتل مِثْلَ الزُّنْبورِ وَالْعَقْرَبِ وأَشباهِها، قَالَ: وَمِنْهَا القَوامُّ، وَهِيَ أَمثال القَنافِذ والفأْرِ واليَرابيع والخَنافِس، فَهَذِهِ لَيْسَتْ بهَوامَّ ولا
__________
(1) . قوله [كنازاً إلخ] تَقَدَّمَ هَذَا الْبَيْتُ فِي مادة جلعد بلفظ كباراً والصواب ما هنا(12/621)
سَوامَّ، وَالْوَاحِدَةُ مِنْ هَذِهِ كُلِّهَا هامَّة وَسَامَّةٌ وَقَامَّةٌ. وَقَالَ ابْنُ بُزُرْج: الهامَّة الحيّةُ وَالسَّامَّةُ العقربُ. يُقَالُ لِلْحَيَّةِ: قَدْ هَمَّتِ الرجلَ، وَلِلْعَقْرَبِ: قَدْ سمَّتْه، وَتَقَعُ الهَامَّة عَلَى غَيْرِ ذواتِ السَّمِّ القاتِل، أَلا تَرَى
أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرة: أَيُؤْذِيكَ هَوامُّ رأْسِك؟
أَراد بِهَا القَمْل، سَمَّاهَا هَوامَّ لأَنها تَدِبُّ فِي الرأْس وتَهِمُّ فِيهِ. وَفِي التَّهْذِيبِ: وَتَقَعُ الهوامُّ عَلَى غَيْرِ مَا يَدِبُّ مِنَ الْحَيَوَانِ، وإِن لَمْ يَقْتُلْ كالحَشَرات. ابْنُ الأَعرابي: هُمَّ لنَفْسِك وَلَا تَهُمَّ لِهَؤُلَاءِ أَي اطْلُبْ لَهَا واحْتَل. الْفَرَّاءُ: ذهبْتُ أَتَهَمَّمُه أَنْظر أَينَ هُوَ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَيضاً: ذهبتُ أَتَهَمَّمُه أَي أَطلُبه. وتَهَمَّمَ الشيءَ: طلَبه. والهَمِيمَةُ: المطرُ الضَّعِيفُ، وَقِيلَ: الهَمِيمَةُ مِنَ الْمَطَرِ الشيءُ الهيِّنُ، والتَّهْمِيمُ نحوُه؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
مَهْطولة مِنْ رِيَاضِ الخُرْج هيَّجها، ... مِن لَفِّ سارِيَةٍ لَوْثاءَ، تَهْمِيمُ «1»
والهَمِيمَةُ: مطرٌ ليّنٌ دُقاقُ القَطْر. والهَمُومُ: الْبِئْرُ الْكَثِيرَةُ الْمَاءِ؛ وَقَالَ:
إِنَّ لَنَا قَلَيْذَماً هَمُوما، ... يَزيدُه مَخْجُ الدِّلا جُموما
وَسَحَابَةٌ هَمُومٌ: صَبوبٌ لِلْمَطَرِ. والهَمِيمَةُ مِنَ اللبَن: مَا حُقِن فِي السِّقاء الْجَدِيدِ ثُمَّ شُرب وَلَمْ يُمْخَض. وتَهَمَّمَ رأْسَه: فَلاه. وهَمَّمَت المرأَةُ فِي رأْس الصَّبِيِّ: وَذَلِكَ إِذا نوَّمَتْه بِصَوْتٍ تُرَقِّقُه لَهُ. وَيُقَالُ: هُوَ يَتَهَمَّمُ رأْسَه أَي يَفْلِيه. وهَمَّمَت المرأَةُ فِي رأْس الرَّجُلِ: فلَّتْه. وَهُوَ مِنْ هُمَّانِهِم أَي خُشارَتهم كَقَوْلِكَ مِنْ خُمَّانِهم. وهَمَّام: اسْمُ رَجُلٍ. والهَمْهَمَة: الْكَلَامُ الْخَفِيُّ، وَقِيلَ: الهَمْهَمَة تَرَدُّد الزَّئير فِي الصَّدْر مِنَ الْهَمِّ والحَزَن، وَقِيلَ: الهَمْهَمَة تَرْديد الصَّوْتِ فِي الصَّدْرِ؛ أَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِرَجُلٍ قَالَهُ يَوْمَ الْفَتْحِ يُخَاطِبُ امرأَته:
إِنَّكِ لَوْ شَهِدْتِنا بالحَنْدَمهْ، ... إِذْ فَرَّ صَفْوان وفَرَّ عِكْرِمَهْ،
وأَبو يَزيدَ قائمٌ كالمُؤْتِمَهْ، ... واسْتَقْبَلَتْهُم بِالسُّيُوفِ المُسْلِمَهْ،
يَقْطَعْنَ كلَّ ساعِدٍ وجُمْجُمَهْ ... ضَرْباً، فَمَا تَسْمع إِلا غَمْغَمهْ،
لهُمْ نَهيتٌ خَلْفَنا وهَمْهَمَهْ، ... لَمْ تَنْطِقي باللَّوْم أَدنى كلِمَهْ «2»
وأَنشد هَذَا الرَّجَزَ هُنَا الحَنْدَمة، بِالْحَاءِ الْمُهْمِلَةِ، وأَنشده فِي تَرْجَمَةِ خندم بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ. والهَمْهَمَة: نحوُ أَصوات الْبَقَرِ والفِيَلَة وأَشباه ذَلِكَ. والهَمَاهِم: مِنْ أَصوات الرَّعْدِ نَحْوُ الزَّمازِم. وهَمْهَمَ الرَّعْدُ إِذا سمعتَ لَهُ دَوِيّاً. وهَمْهَمَ الأَسدُ، وهَمْهَمَ الرجلُ إِذا لَمْ يُبَيِّن كَلَامَهُ. والهَمْهَمَة: الصَّوْتُ الْخَفِيُّ، وَقِيلَ: هُوَ صَوْتٌ مَعَهُ بحَحٌ. وَيُقَالُ للقصَب إِذا هزَّته الرِّيحُ: إِنه لَهُمْهوم. قَالَ ابن بري: الهُمْهُوم المُصَوِّت؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
هَزَّ الرياحِ القَصَبَ الهُمْهُوما
وَقِيلَ: الهَمْهَمَةُ تَرْدِيدُ الصَّوْتِ فِي الصَّدْرِ. وَفِي حَدِيثِ
ظبْيان: خَرَجَ فِي الظُّلمة فسَمِع هَمْهَمَةً
أَي كَلَامًا خَفِيًّا لَا يُفْهَم، قَالَ: وأَصل الهَمْهَمَة صَوْتُ الْبَقَرَةِ. وقَصَبٌ هُمْهُوم: مُصوِّت عِنْدَ تَهْزيز الرِّيحِ. وعَكَرٌ هُمْهُوم: كَثِيرُ الأَصوات: قال الحَكَم
__________
(1) . قوله [من لف] كذا في الأَصل والمحكم، وفي التهذيب: من لفح، وفي التكملة: من صوب
(2) . رواية هذه الأَبيات في مادة خندم تختلف عما هي عليه هنا(12/622)
الخُضْريّ وأَنشده ابْنُ بَرِّيٍّ مُسْتَشْهِدًا بِهِ عَلَى الهُمْهوم الْكَثِيرِ:
جاءَ يَسوقُ العَكَرَ الهُمْهوما ... السَّجْوَرِيُّ لَا رَعى مُسِيما
والهُمْهومة والهَمْهامة: العَكَرة الْعَظِيمَةُ. وحِمار هِمْهيم: يُهَمْهِم فِي صَوْتِهِ يُردِّد النَّهِيقَ فِي صَدْرِهِ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ الْحِمَارَ والأُتُن:
خَلَّى لَهَا سَرْبَ أُولاها وهَيَّجها، ... مِن خَلْفِها، لاحِقُ الصُّقْلَينِ هِمْهيمُ
والهِمْهِيم: الأَسد، وَقَدْ هَمْهَمَ. قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَسَمِعَ الْكِسَائِيُّ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَامِرٍ يَقُولُ إِذا قِيلَ لَنَا أَبَقِيَ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ قُلْنَا: هَمْهامْ وهَمْهامِ يَا هَذَا، أَي لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ؛ قَالَ:
أَوْلَمْتَ، يَا خِنَّوْتُ، شَرَّ إِيلامْ، ... فِي يومِ نَحْسٍ ذِي عجاجٍ مِظْلامْ
مَا كَانَ إِلّا كاصْطِفاقِ الأَقْدامْ، ... حَتَّى أَتيناهم فَقَالُوا: هَمْهَامْ
أَي لَمْ يَبْقَ شَيْءٍ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: رَوَاهُ ابْنُ خَالَوَيْهِ خِنَّوْت عَلَى مِثَالِ سِنَّوْرٍ، قَالَ: وسأَلت عَنْهُ أَبا عُمر الزَّاهِدَ فَقَالَ: هُوَ الخَسيس. وَقَالَ ابْنُ جِنِّي: هَمْهَامِ وحَمْحامِ ومَحْماحِ اسْمٌ لِفَتًى مِثْلُ سَرْعانِ [سِرْعانِ] ووَشْكان وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَسماء الأَفعال الَّتِي استُعْمِلت فِي الْخَبَرِ. وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ
: أَحبُّ الأَسماء إِلى اللَّهِ عبدُ اللَّهِ وهَمَّامٌ.
وَفِي رِوَايَةٍ:
أَصدقُ الأَسماء حَارِثَةُ وهَمَّام
، وَهُوَ فَعَّال مِنْ هَمَّ بالأَمر يَهُمُّ إِذا عزَم عَلَيْهِ، وإِنما كَانَ أَصدَقها لأَنه مَا مِنْ أَحد إِلا وَهُوَ يَهُمّ بأَمرٍ، رَشِدَ أَم غَوِيَ. أَبو عَمْرٍو: الهَموم النَّاقَةُ الحسَنة المِشْية، والقِرْواحُ الَّتِي تَعافُ الشُّربَ مَعَ الكِبار، فإِذا جَاءَتِ الدَّهْداهُ شرِبت مَعَهُنَّ، وَهِيَ الصِّغَارُ. والهَمُوم: النَّاقَةُ تُهَمِّم الأَرضَ بِفِيهَا وترتَع أَدنى شَيْءٍ تَجِدُهُ، قَالَ: وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنَةِ الْخُسِّ: خيرُ النُّوقِ الهَموم الرَّموم الَّتِي كأَنَّ عَينَيْها عَيْنا مَحْمُومٍ. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ
فِي أَولاد الْمُشْرِكِينَ: هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ
، وَفِي رِوَايَةٍ:
هُمْ مِنْهُمْ
، أَي حكمُهم حُكْمُ آبَائِهِمْ وأَهلِهم.
هنم: الهَنَمُ: ضربٌ مِنَ التَّمْرِ، وَقِيلَ: التَّمْرُ كُلُّهُ؛ وأَنشد أَبو حَاتِمٍ عَنْ أَبي زَيْدٍ:
مَا لَكَ لَا تُطْعِمُنا مِنَ الهَنَمْ، ... وَقَدْ أَتاكَ التَّمْرُ فِي الشَّهْرِ الأَصَمّ؟
وَيُرْوَى: وَقَدْ أَتَتْك العِيرُ. والهِنَّمَة مِثَالُ الهِلَّعة: الخَرَز الَّذِي تؤَخِّذ بِهِ النساءُ أَزواجَهنّ. حَكَى اللِّحْيَانِيُّ عَنِ الْعَامِرِيَّةِ أَنهنَّ يَقُلْنَ: أَخَّذْتُه بالهِنَّمَه، بِاللَّيْلِ زَوج وَبِالنَّهَارِ أَمَه؛ وَمِنْ أَسماء خَرَز الأَعراب العَطْفة والفَطْسة والكَحْلة والصَّرْفة والسَّلْوانة والهَبْرة والقَبَل والقَبْلة؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُقَالُ هَيْنُوم أَيضاً؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
ذاتَ الشَّمائلِ والأَيْمانِ هَيْنوم «1»
وهَانَمَه بحَديثٍ: نَاجَاهُ. الأَزهري: الهَيْنَمَة الصَّوْتُ، وَهُوَ شِبْه قِرَاءَةٍ غَيْرِ بيِّنة؛ وأَنشد لِرُؤْبَةَ:
لَمْ يَسْمَعِ الرَّكْبُ بِهَا رَجْعَ الكِلَمْ، ... إِلَّا وَساوِيسَ هَيانِيمِ الهَنَم
وَفِي حَدِيثِ إِسلام عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
قَالَ مَا هَذِهِ الهَيْنَمَةُ؟
قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: الهَيْنَمَة الْكَلَامُ الْخَفِيُّ لَا يُفْهَم، وَالْيَاءُ زَائِدَةٌ؛ وأَنشد قَوْلَ الْكُمَيْتِ:
وَلَا أَشهَدُ الهُجْرَ والقائِليهِ، ... إِذا هُمْ بِهَيْنَمةٍ هَتْمَلُوا
وَفِي حَدِيثِ
الطفَيل بْنِ عَمرو: هَيْنَمَ فِي المَقام
أَي
__________
(1) . صدره كما في التكملة: هَنَّا وَهَنَّا وَمِنْ هَنَّا لهن بها(12/623)
قرأَ فِيهِ قِرَاءَةً خَفِيَّةً؛ وَقَالَ اللَّيْثُ فِي قَوْلِهِ:
أَلَا يَا قَيْلُ، وَيحَكَ قُمْ فهَيْنِمْ
أَيْ فادعُ اللَّهَ. والهِنَّمة: الدَّندَنة. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ الضَّعِيفِ: هِنَّمة. والهَيْنَم والهَيْنَمَة والهَيْنَام والهَيْنُوم والهَيْنَمَان، كُلُّهُ: الْكَلَامُ الْخَفِيُّ، وَقِيلَ: الصَّوْتُ الْخَفِيُّ، وَقَدْ هَيْنَمَ. والمُهَيْنِمُ: النَّمَّام. وَبَنُو هِنَّامٍ: حيٌّ مِنَ الْجِنِّ، وَقَدْ جَاءَ فِي الشِّعْرِ الْفَصِيحِ.
هندم: الأَزهري: الهِندامُ الحسَن القَدِّ، معرَّب.
هوم: الهَوْم والتَّهَوُّم والتَّهْوِيم: النَّوْمُ الْخَفِيفُ؛ قَالَ الْفَرَزْدَقُ يَصِفُ صَائِدًا:
عَارِي الأَشاجِع مَشْفوهٌ أَخو قَنَصٍ، ... مَا تَطْعَمُ العَينُ نَوْماً غَيْرَ تَهْوِيم
وهَوَّم الرجلُ إِذَا هَزَّ رأْسَه مِنَ النُّعاس، وهَوَّمَ القومُ وتَهوَّمُوا كَذَلِكَ، وَقَدْ هَوَّمْنا. أَبو عُبَيْدٍ: إِذَا كَانَ النَّوْمُ قَلِيلًا فَهُوَ التَّهْوِيم. وَفِي حَدِيثِ
رُقَيقة: فبَينا أَنا نَائِمَةٌ أَو مُهَوِّمةٌ
؛ التَّهْوِيم: أَولُ النَّوْمِ وَهُوَ دُونَ النَّوْمِ الشَّدِيدِ. والهَامَةُ: رأْس كُلِّ شَيْءٍ مِنَ الرُّوحانيين؛ عَنِ اللَّيْثِ؛ قَالَ الأَزهري: أَرَادَ اللَّيْثُ بالرُّوحانيين ذَوِي الأَجسام الْقَائِمَةِ بِمَا جعَل اللهُ فِيهَا مِنَ الأَرْواح؛ وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: الرُّوحانيون هُمُ الْمَلَائِكَةُ وَالْجِنُّ الَّتِي لَيْسَ لَهَا أَجسام تُرى، قَالَ: وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا. الْجَوْهَرِيُّ: الهَامَة الرأْس، وَالْجَمْعُ هَامٌ، وَقِيلَ: الهَامَة مَا بَيْنَ حَرْفَي الرأْس، وَقِيلَ: هِيَ وسَطُ الرأْس ومُعظمه مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَقِيلَ: مِنْ ذَوَاتِ الأَرواح خَاصَّةً. أَبو زَيْدٍ: الهَامَة أَعلى الرأْس وَفِيهِ النَّاصِيَةُ والقُصَّة، وَهُمَا مَا أقَبَل عَلَى الْجَبْهَةِ مِنْ شَعْرِ الرأْس، وَفِيهِ المَفْرَق، وَهُوَ فَرْق الرأْسِ بَيْنَ الجَبينين إِلَى الدَّائِرَةِ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تزعُم أَنَّ رُوح الْقَتِيلِ الَّذِي لَمْ يُدْرَك بثأْره تصيرُ هامَة فتَزْقو عِنْدَ قَبْرِهِ، تَقُولُ: اسقُوني اسقُوني فَإِذَا أُدْرِك بثأْره طَارَتْ؛ وَهَذَا الْمَعْنَى أَراد جَرِيرٌ بِقَوْلِهِ:
ومِنَّا الَّذِي أَبكى صُدَيَّ بْنَ مالكٍ، ... ونَفَّرَ طَيراً عَنْ جُعادةَ وُقَّعا
يَقُولُ: قُتِلَ قاتِلُه فنَفَرَت الطيرُ عَنْ قَبْرِهِ. وأَزْقَيْت هامَة فُلَانٍ إِذَا قَتَلْتَهُ؛ قَالَ:
فإنْ تَكُ هَامَة بِهَراةَ تَزْقُو، ... فَقَدَ أَزْقَيْتُ بالمَرْوَيْنِ هَامَا
وَكَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ الْقَتِيلَ تخرُج هامةٌ مِنْ هامَته فَلَا تزالُ تَقُولُ اسْقوني اسقُوني حَتَّى يُقتل قاتِلُه؛ وَمِنْهُ قَوْلُ ذِي الإِصبع:
يَا عَمْرُو، إنْ لَا تَدَعْ شَتْمِي ومَنْقَصَتي، ... أَضْرِبْك حَتَّى تقولَ الهامةُ: اسْقُونِي
يُرِيدُ أَقْتُلْك. وَيُقَالُ: هَذَا هامةُ اليومِ أَوْ غدٍ، أَيْ يَمُوتُ اليومَ أو غدٍ؛ قَالَ كُثَيِّر:
وكلُّ خليلٍ رانيءٍ فَهُوَ قائلٌ ... مِنَ اجْلِكَ: هَذَا هامَةُ اليومِ أَوْ غَدِ
وَفِي الْحَدِيثِ
: وتَرَكَت المَطِيَّ هَامًا
؛ قِيلَ: هُوَ جَمْعُ هَامَة مِنْ عِظَامِ الْمَيِّتِ الَّتِي تصيرُ هَامَةً، أَو هُوَ جَمْعُ هَائِمٍ وَهُوَ الذَّاهِبُ عَلَى وَجْهِهِ؛ يُرِيدُ أَن الإِبل مِنْ قِلَّةِ المَرْعَى مَاتَتْ مِنَ الجَدْبِ أَو ذهَبَتْ عَلَى وَجْهِهَا. وَفِي الْحَدِيثِ
: أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا عَدْوَ وَلَا هَامَةَ وَلَا صَفَرَ
؛ الهامَة: الرأْس واسمُ طَائِرٌ، وَهُوَ الْمُرَادُ فِي الْحَدِيثِ، وَقِيلَ: هِيَ الْبُومَةُ. أَبو عُبَيْدَةَ: أَمَّا الهَامَةُ فَإِنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَقُولُ إِنَّ عِظَامَ الموتَى، وَقِيلَ أَرواحهم، تَصِيرُ هَامَةً فَتَطِيرُ، وَقِيلَ: كَانُوا يُسَمُّونَ ذَلِكَ الطائرَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ هامَة الْمَيِّتِ الصَّدَى، فنَفاه الإِسلامُ وَنَهَاهُمْ عَنْهُ؛(12/624)
ذَكَرَهُ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ فِي الْهَاءِ وَالْوَاوِ، وَذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي الْهَاءِ وَالْيَاءِ؛ وأَنشد أَبو عُبَيْدَةَ:
سُلِّطَ الموتُ والمَنونُ عليهمْ، ... فَلَهُمْ فِي صَدَى المقابِرِ هامُ
وَقَالَ لَبِيدٌ:
فَلَيْسَ الناسُ بَعْدَكَ فِي نَقيرٍ، ... وَلَا هُمْ غيرُ أَصْداءٍ وهامِ
ابْنُ الأَعرابي: مَعْنَى قَوْلِهِ لَا هامَةَ وَلَا صفَر؛ كَانُوا يَتَشَاءَمُونَ بِهِمَا، مَعْنَاهُ لَا تَتَشَاءَمُوا. وَيُقَالُ: أصبَحَ فلانٌ هَامَةً إِذَا مَاتَ. وبناتُ الهَامِ: مُخُّ الدِّماغ؛ قَالَ الرَّاعِي:
يُزِيلُ بَناتِ الهَام عَنْ سَكِناتِها، ... وَمَا يَلْقَهُ منْ ساعدٍ فَهُوَ طائحُ
والهامَةُ: تميمٌ، تَشْبِيهًا بِذَلِكَ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. وهَامَةُ القومِ: سيِّدُهم ورئيسُهم؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِلطِّرِمَّاحِ:
وَنَحْنُ أَجازَت بالأُقَيْصِر هامُنا ... طُهَيَّةَ، يومَ الفارِعَيْنِ، بِلَا عَقْدِ
وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
لَنَا الهَامَةُ الكُبْرى الَّتِي كلُّ هَامةٍ، ... وَإِنْ عُظِمت، مِنْهَا أَذَلُّ وأَصْغَرُ
وَفِي حَدِيثِ
أَبِي بَكْرٍ والنسَّابةِ: أَمِنْ هامِها أمْ مِن لَهازِمِها؟
أَيْ مِنْ أَشْرافِها أَنت أَوْ مِنْ أَوْساطِها، فَشَبَّهَ الأَشْرافَ بالهامِ، وَهُوَ جَمْعُ هامةِ الرأْس. والهامةُ: جماعةُ النَّاسِ، وَالْجَمْعُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ هامٌ؛ قَالَ جُرَيْبة بْنُ أَشْيم:
ولَقَلَّ لِي، مِمَّا جَعَلْتُ، مَطِيَّةٌ ... فِي الهامِ أَرْكَبُها، إِذَا مَا رُكِّبُوا
يَعْنِي بِذَلِكَ البَلِيَّةَ، وَهِيَ الناقةُ تُعْقَل عِنْدَ قبر صاحِبها تَبْلى، وَكَانَ أهلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَزْعُمُونَ أَن صاحَبها يركبُها يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَمْشِي إِلَى الْمَحْشَرِ. والهَامَة مِن طيرِ الليلِ: طائرٌ صَغِيرٌ يأْلَفُ المَقابِرَ، وَقِيلَ: هُوَ الصَّدى، وَالْجَمْعُ هامٌ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
قَدْ أَعْسِفُ النازحَ الْمَجْهُولُ مَعْسِفُه ... فِي ظِلِّ أَخْضَرَ يَدْعُو هامَه البُومُ
ابْنُ سِيدَهْ: والهَامَةُ طائرٌ يَخْرُجُ مِنْ رأْس الْمَيِّتِ إِذَا بَلِيَ، وَالْجَمْعُ أَيضاً هَامٌ. وَيُقَالُ: إِنَّمَا أَنتَ مِن الهَامِ. وَيُقَالُ لِلْفَرَسِ هَامَةٌ، بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ، وأَنكرها ابْنُ السِّكِّيتِ وَقَالَ: إِنَّمَا هِيَ الهَامَّة، بِالتَّشْدِيدِ. ابْنُ الأَثير فِي الْحَدِيثِ
: اجْتَنِبوا هَوْمَ الأَرض فَإِنَّهَا مأْوَى الهَوامِ
؛ قَالَ: هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ وَالْمَشْهُورُ هَزْم الأَرض، بِالزَّايِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ؛ وَقَالَ الْخَطَابِيُّ: لسْتُ أَدْري مَا هَوْمُ الأَرض، وَقَالَ غَيْرُهُ: هَوْمُ الأَرض بطنٌ مِنْهَا فِي بَعْضِ اللُّغَاتِ. والهامةُ: موضعٌ مِن دُونِ مِصر، حَمَاهَا اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ:
مارَسْنَ رَمْلَ الهامةِ الدَّهاسا
وهامَةُ: اسمُ حائطٍ بِالْمَدِينَةِ؛ أَنشد أَبو حَنِيفَةَ:
مِنَ الغُلْبِ مِنْ عِضْدان هامَةَ شرِّبت ... لِسَقْيٍ، وجُمَّتْ للنَّواضِح بئْرُها
الهَوْمَاةُ: الفَلاة، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ الهَوْمَة والهَوْمَاةُ، وَذَكَرَ ابْنُ الأَثير فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ قَالَ: وَفِي حَدِيثِ
صفوانَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي سَفَرٍ إِذْ نَادَاهُ أَعرابيّ بصوتٍ جَهْوَريّ يَا مُحَمَّدُ، فأَجابه رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بنَحْوٍ مَنْ صوتِه: هاؤُمْ
، بِمَعْنَى تعالَ وَبِمَعْنَى خُذْ، وَيُقَالُ لِلْجَمَاعَةِ كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ، وَإِنَّمَا رفَع صوتَه، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ طَرِيقِ الشَّفقة عَلَيْهِ لِئَلَّا يَحْبَطَ عملُه، مِنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ:(12/625)
لَا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ؛ فعَذَره بجَهْلِه ورَفع النبيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صوتَه حَتَّى كانَ مثلَ صوتِه أَوْ فوقَه لفَرْطِ رأْفتِه بِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا أَعْدَمَنا رأْفَتَه ورحمتَه يومَ ضَرورتِنا إِلَى شفاعتِه وفاقَتنا إِلَى رَحْمَتِهِ، إِنَّهُ رؤوف رحيم.
هيم: هامَتِ الناقةُ تَهِيمُ: ذهَبَت عَلَى وجهِها لرَعْيٍ كهَمَتْ، وَقِيلَ: هُوَ مَقْلُوبٌ عَنْهُ. والهُيامُ: كَالْجُنُونِ، وَفِي التَّهْذِيبِ: كَالْجُنُونِ مِنَ الْعِشْقِ. ابْنُ شُمَيْلٍ: الهُيامُ نَحْوُ الدُّوارِ جنونٌ يأْخذ البعيرَ حَتَّى يَهْلِك، يُقَالُ: بعيرٌ مَهْيُومٌ. والهَيمُ: داءٌ يأْخذ الإِبلَ فِي رؤوسها. والهَائِمُ: المتحيِّرُ. وَفِي حَدِيثِ
عِكْرِمَةَ: كَانَ عليٌّ أَعْلَمَ بالمُهَيِّماتِ
؛ يُقَالُ: هَامَ فِي الأَمر يَهِيمُ إِذَا تَحَيَّرَ فِيهِ، وَيُرْوَى
المُهَيْمِنات
، وَهُوَ أَيضاً الذاهبُ عَلَى وَجْهِهِ عِشْقاً، هَامَ بِهَا هَيْماً وهُيُوماً وهِياماً وهَيَماناً وتَهْيَاماً، وَهُوَ بناءٌ موضوعٌ لِلتَّكْثِيرِ؛ قَالَ أَبو الأَخْزر الحُمّاني:
فَقَدْ تَناهَيْتُ عَنِ التَّهْيام
قَالَ سِيبَوَيْهِ: هَذَا بابُ مَا تُكَثِّرُ فِيهِ المصدرَ مِنْ فَعَلْت فتُلْحِق الزوائدَ وَتَبْنِيهِ بِنَاءً آخَرَ، كَمَا أَنك قُلْتَ فِي فَعَلت فَعَّلْت حِينَ كَثَّرت الْفِعْلَ، ثُمَّ ذكرَ المصادرَ الَّتِي جَاءَتْ عَلَى التَّفْعال كالتَّهْذار وَنَحْوِهَا، وَلَيْسَ شيءٌ مِنْ هَذَا مصدرَ فَعَلْت، وَلَكِنْ لَمَّا أَرَدْتَ التَّكْثِيرَ بَنَيْتَ المصدرَ عَلَى هَذَا كَمَا بَنَيْتَ فَعَلْت عَلَى فَعَّلْت؛ وَقَوْلُ كُثَير:
وإنِّي، وتَهْيامِي بعَزَّةَ، بَعْدَ ما ... تَخَلَّيْتُ مِمَّا بَيْنَنا وتَخَلَّتِ
قَالَ ابْنُ جِنِّي: سأَلت أَبا عَلِيٍّ فَقُلْتُ لَهُ: مَا موضعُ تَهْيامي مِنَ الإِعراب؟ فأَفْتَى بأَنه مَرْفُوعٌ بِالِابْتِدَاءِ، وخبرُه قولُه بِعَزّة، وَجَعَلَ الْجُمْلَةَ الَّتِي هِيَ تَهْيامِي بِعَزَّةَ اعْتِرَاضًا بَيْنَ إِنَّ وخبرِها لأَن فِي هَذَا أَضْرُباً مِنَ التَّشْدِيدِ لِلْكَلَامِ، كَمَا تَقُولُ: إِنَّكَ، فاعْلَم، رجلُ سَوْءٍ وَإِنَّهُ، والحقَّ أَقولُ، جَمِيلُ المَذْهَب، وَهَذَا الفصلُ وَالِاعْتِرَاضُ الْجَارِي مَجْرى التَّوْكِيدِ كثيرٌ فِي كَلَامِهِمْ، قَالَ: وَإِذَا جازَ الِاعْتِرَاضُ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالْفَاعِلِ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ:
وَقَدْ أَدْرَكَتْني، والحَوادِثُ جَمّةٌ، ... أَسِنّةُ قَوْمٍ لَا ضِعافٍ، وَلَا عُزْلِ
كانَ الاعتراضُ بَيْنَ اسْمِ إِنَّ وَخَبَرِهَا أَسْوَغَ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ بيتُ كُثَيّر أَيضاً تأْويلًا آخرَ غَيْرُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبو عَلِيٍّ، وَهُوَ أَن يَكُونَ تَهْيامِي فِي مَوْضِعِ جَرٍّ عَلَى أَنه أَقْسَم بِهِ كَقَوْلِكَ: إِنِّي، وحُبِّك، لَضنِينٌ بِكَ، قَالَ ابْنُ جِنِّي: وعَرَضْتُ هَذَا الجوابَ عَلَى أَبي عَلِيٍّ فتقبَّله، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَهْيامي أَيضاً مُرْتَفِعاً بِالِابْتِدَاءِ، وَالْبَاءُ مُتَعَلِّقَةٌ فِيهِ بِنَفْسِ الْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ التَّهْيامُ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ كأَنّه قَالَ وتَهْيامِي بِعَزَّةَ كائنٌ أَوْ واقعٌ عَلَى مَا يُقَدَّر فِي هَذَا وَنَحْوِهِ، وَقَدْ هَيَّمَه الحُبُّ؛ قَالَ أَبو صَخْرٍ:
فَهَلْ لَكَ طَبٌّ نافعٌ مِنْ عَلاقةٍ ... تُهَيِّمُني بَيْنَ الحَشا والتَّرائِب؟
وَالِاسْمُ الهُيامُ. وَرَجُلٌ هَيْمانُ: مُحِبٌّ شديدُ الوَجْدِ. ابْنُ السِّكِّيتِ: الهَيْمُ مصدرُ هَامَ يَهِيمُ هَيْماً وهَيَماناً إِذَا أَحَبَّ المرأَةَ. والهُيَّامُ: العُشّاقُ. والهُيَّامُ: المُوَسْوِسُون، وَرَجُلٌ هَائِمٌ وهَيُومٌ. والهُيُومُ: أَن يذهبَ عَلَى وَجْهِه، وَقَدْ هَامَ يَهِيمُ هُياماً. واسْتُهِيمَ فُؤادُه، فَهُوَ مُسْتَهامُ الفُؤاد أَيْ مُذْهَبُه. والهَيْمُ: هَيَمانُ الْعَاشِقِ والشاعرِ إِذَا خَلَا فِي الصَّحْرَاءِ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ
؛ قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ وادِي الصَّحراء(12/626)
يَخْلو فِيهِ العاشقُ والشاعرُ؛ وَيُقَالُ: هُوَ وَادِي الْكَلَامِ، وَاللَّهُ أَعلم. الْجَوْهَرِيُّ: هَامَ عَلَى وَجْهِه يَهِيمُ هَيْماً وهَيَماناً ذهبَ مِنَ العِشْقِ وَغَيْرِهِ. وقلبٌ مُسْتَهَامٌ أَي هائمٌ. والهُيامُ: دَاءٌ يأْخذ الإِبلَ فتَهِيم فِي الأَرضِ لَا تَرْعَى، يُقَالُ: نَاقَةٌ هَيْمَاء؛ قَالَ كُثَيّر:
فَلَا يَحْسَب الْوَاشُونَ أَنّ صَبابَتي، ... بِعَزَّةَ، كَانَتْ غَمْرَةً فتَجَلَّتِ
وإِنِّيَ قَدْ أَبْلَلْتُ مِنْ دَنَفٍ بِهَا ... كَمَا أَدْنَفَتْ هَيْمَاءُ، ثُمَّ اسْتَبَلَّتِ
وَقَالُوا: هِمْ لنَفْسِك وَلَا تَهِمْ لِهَؤُلَاءِ أَي اطْلُبْ لَهَا واهْتَمَّ واحْتَلْ. وَفُلَانٌ لَا يَهْتامُ لنفسِه أَي لَا يَحْتالُ؛ قَالَ الأَخطل:
فاهْتَمْ لنَفْسِك، يَا جُمَيعُ، وَلَا تكنْ ... لَبني قُرَيْبَةَ والبطونِ تَهِيمُ «2»
. والهُيامُ، بِالضَّمِّ: أَشدُّ الْعَطَشِ؛ أَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
يَهِيمُ، وَلَيْسَ اللهُ شافٍ هُيامَه، ... بِغَرّاءَ، مَا غَنَّى الحَمامُ وأَنْجَدا
وشافٍ: فِي مَوْضِعِ نَصْبِ خَبَرِ لَيْسَ، وإِن شِئْتَ جعلتَه خبرَ اللهِ وَفِي لَيْسَ ضميرُ الشأْن. وَقَدْ هَامَ الرجلُ هُيَاماً، فَهُوَ هَائِمٌ وأَهْيَمُ، والأُنثى هَائِمَةٌ وهَيْمَاءُ، وهَيْمَانُ، عَنْ سِيبَوَيْهِ، والأَنثى هَيْمَى، وَالْجَمْعُ هِيَامٌ. وَرَجُلٌ مَهْيُومٌ وأَهْيَمُ: شديدُ العَطشِ، والأُنثى هَيْماءُ. الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ: والهِيامُ، بِالْكَسْرِ، الإِبلُ العِطاشُ، الْوَاحِدُ هَيْمَان. الأَزهري: الهَيْمَانُ العَطْشانُ، قَالَ: وَهُوَ مِنَ الدَّاءِ مَهْيُومٌ. وَفِي حَدِيثِ الِاسْتِسْقَاءِ:
إِذا اغْبَرَّت أَرضُنا وهَامَت دوابُّنا
أَي عَطِشت، وَقَدْ هَامَت تَهِيمُ هَيَماً، بِالتَّحْرِيكِ. وَنَاقَةٌ هَيْمَى: مِثْلُ عَطْشان وعَطْشَى. وقومٌ هِيمٌ أَيِ عِطاشٌ، وَقَدْ هَامُوا هُياماً. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ
، هِيَ الإِبلُ العِطاش، وَيُقَالُ: الرَّمْلُ؛ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَيَامُ الأَرض، وَقِيلَ: هَيَامُ الرَّمْل، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: شُرْبَ الهِيم، قَالَ: الهِيمُ الإِبلُ الَّتِي يُصيبها داءٌ فَلَا تَرْوَى مِنَ الْمَاءِ، واحدُها أَهْيَمُ، والأُنثى هَيْمَاء، قَالَ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ هَائِمٌ، والأُنثى هَيْمَاء، قَالَ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ هَائِمٌ، والأُنثى هَائِمَة، ثُمَّ يَجْمَعُونَهُ عَلَى هِيمٍ، كَمَا قَالُوا عائطٌ وعِيطٌ وَحَائِلٌ وحُول، وَهِيَ فِي مَعْنَى حائلٍ إِلا أَن الضَّمَّةَ تُرِكت فِي الهِيم لِئَلَّا تصيرَ الياءُ وَاوًا، وَيُقَالُ: إِن الهِيم الرَّمْلُ. يَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ:
يَشْرَبُ أَهلُ النَّارِ كَمَا تشربُ السِّهْلةُ
؛ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: شُرْبَ الْهِيمِ
، قَالَ: هَيامُ الأَرض؛ الهَيامُ: بِالْفَتْحِ: ترابٌ يخالِطُه رَمْلٌ يَنْشَفُ الماءَ نَشْفاً، وَفِي تَقْدِيرِهِ وَجْهَانِ: أَحدهما أَن الهِيم جَمعُ هَيَامٍ، جُمِعَ عَلَى فُعُلٍ ثُمَّ خفِّف وكُسرت الهاءُ لأَجل الْيَاءِ، وَالثَّانِي أَن تَذْهَبَ إِلى الْمَعْنَى وأَن الْمُرَادَ الرِّمال الهِيم، وَهِيَ الَّتِي لَا تَرْوَى. يُقَالُ: رَمْلٌ أَهْيَمُ؛ وَمِنْهُ حديث الخندق:
فعادتْ كَثِيباً أَهْيَمَ
؛ قَالَ: هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ، وَالْمَعْرُوفُ
أَهْيَل
، وَقَدْ تَقَدَّمَ. أَبو الْجَرَّاحِ: الهُيَامُ داءٌ يُصِيبُ الإِبل مِنَ ماءٍ تشرَبُه. يُقَالُ: بعيرٌ هَيْمانُ وناقةٌ هَيْمَى، وجمعُه هِيامٌ. والهُيَامُ والهِيامُ: داءٌ يُصِيبُ الإِبل عَنْ بعضِ المِياه بتهامةَ يُصيبها مِنْهُ مثلُ الحُمَّى؛ وَقَالَ الهَجَريّ: هُوَ داءٌ يصيبُها عَنْ شُرْبِ النَّجْلِ إِذا كثر طُحْلُبُه واكْتَنَفت الذِّيَّانُ بِهِ، بعيرٌ مَهْيُومٌ وهَيْمَانُ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ: أَن رَجُلًا باعَ مِنْهُ إِبلًا هِيماً
أَي مِرَاضًا، جَمْعُ أَهْيَم، وَهُوَ الَّذِي أَصابه الهُيَامُ، وَهُوَ دَاءٌ يُكْسِبُها العطشَ؛ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الهِيمُ الإِبلُ الظِّماءُ، وَقِيلَ: هي المراضُ
__________
(2) . قوله [لبني قريبة] ضبط في الأصل بضم القاف وفتح الراء، وضبط في التكملة بفتح القاف وكسر الراء(12/627)
الَّتِي تَمَصُّ الْمَاءَ مَصّاً وَلَا تَرْوى. الأَصمعي: الهُيَامُ للإِبل داءٌ شَبيهٌ بالحُمَّى تَسْخُن عَلَيْهِ جُلودُها، وَقِيلَ: إِنها لَا تَرْوَى إِذا كَانَتْ كَذَلِكَ. ومفازةٌ هَيْمَاءُ: لَا ماءَ بِهَا، وَفِي الصِّحَاحِ: الهَيْمَاءُ الْمَفَازَةُ لَا ماءَ بِهَا. والهَيَام، بِالْفَتْحِ، مِنَ الرَّمْلِ: مَا كَانَ تُراباً دُقاقاً يابِساً، وَقِيلَ: هُوَ التُّرَابُ أَو الرملُ الَّذِي لَا يَتمالك أَن يَسِيلَ مِنَ اليَدِ لِلِينِه، وَالْجَمْعُ هِيمٌ مِثْلُ قَذالٍ وقُذُل؛ وَمِنْهُ قَوْلُ لَبِيَدٌ:
يَجتابُ أَصْلًا قالِصاً مُتَنبِّذاً، ... بِعُجوب أَنْقاءٍ يَميلُ هَيامُها
الهَيامُ: الرَّمْلُ الَّذِي يَنْهارُ. والتَّهَيُّمُ: مِشْيةٌ حسنةٌ؛ قَالَ أَبو عَمْرٍو: التَّهيمُ أَحسَنُ المشيِ؛ وأَنشد لِخُلَيد اليَشْكُرِيّ:
أَحسَن مَن يَمْشِي كَذَا تَهَيُّما
والهُيَيْمَاء: مَوْضِعٌ، وَهُوَ ماءٌ لِبَنِي مُجاشِع، يُمَدّ ويُقْصر؛ قَالَ الْشَّاعِرُ مُجَمِّع بْنُ هِلَالٍ:
وعاثِرة، يومَ الهُيَيْمَا، رأَيتُها ... وَقَدْ ضمَّها مِن داخلِ الْحُبِّ مَجْزَع
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هُيَيْمَا قومٌ مِنْ بَنِي مُجَاشِعٍ، قَالَ: وَالسَّمَاعُ عِنْدَ ابْنِ الْقِطَاعِ. وهُيَيْما: مَاءٌ لَبَنِي مُجاشع، يُمَدُّ وَيُقْصَرُ. الأَزهري قَالَ: قَالَ عمارةُ: اليَهْماءُ الفلاةُ الَّتِي لَا ماءَ فِيهَا، وَيُقَالُ لَهَا هَيْمَاءُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
فدُفِنَ فِي هَيامٍ مِنَ الأَرض.
ولَيْلٌ أَهْيَمُ: لَا نُجوم فِيهِ.
فصل الواو
وَأَمَ: ابْنُ الأَعرابي: المُوَاءَمَةُ المُوافقةُ. وَاءَمَه وِئَاماً ومُوَاءَمةً: وافقَه. ووَاءَمْتُه مُوَاءَمَةً ووِئَاماً: وَهِيَ المُوافَقة أَن تَفْعَلَ كَمَا يَفْعَلُ. وَفِي حَدِيثِ الغِيبَةِ:
إِنه لَيُوَائِمُ
أَي يُوافِق؛ وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: هُوَ إِذا اتَّبَع أَثَره وفعَل فِعْلَه، قَالَ: وَمِنْ أَمثالهم فِي المُياسَرة: لَوْلَا الوِئامُ لهلَك الإِنسانُ؛ قَالَ السِّيرَافِيُّ: الْمَعْنَى أَن الإِنسانَ لَوْلَا نظرُه إِلى غَيْرِهِ مِمَّنْ يفعلُ الخيرَ وَاقْتِدَاؤُهُ بِهِ لهَلَك، وإِنما يعيشُ الناسُ بعضُهم مَعَ بَعْضٍ لأَن الصغيرَ يَقْتَدِي بِالْكَبِيرِ والجاهلِ بالعالِم، وَيُرْوَى:
لهلَك اللِّئامُ
أَي لَوْلَا أَنه يَجِد شَكْلًا يَتَأَسَّى بِهِ وَيَفْعَلُ فِعْلَه لهلَك. وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الوِئامُ المُباهاةُ، يَقُولُ: إِن اللِّئامَ لَيْسُوا يأْتون الجَمِيلَ مِنَ الأُمور عَلَى أَنها أَخلاقُهم، وَإِنَّمَا يَفْعَلُونَهَا مُباهاةً وَتَشْبِيهًا بِأَهْلِ الكَرَم، فَلَوْلَا ذَلِكَ لهَلكوا، وأَما غَيْرُ أَبي عُبَيْدٍ مِنْ عُلَمَائِنَا فيُفَسِّرون الوِئام المُوافَقةَ، وَقَالَ: لَوْلَا الوِئَام، هلَك الأَنام؛ يَقُولُونَ: لَوْلَا مُوافقةُ النَّاسُ بعضِهم بَعْضًا فِي الصُّحْبةِ والعِشْرة لَكَانَتِ الهَلَكةُ، قَالَ: وَلَا أَحْسَبُ الأَصْلَ كَانَ إِلا هَذَا، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَوَرَدَ أَيضاً لَوْلَا الوِئَام، هَلَكَتْ جُذام. وَيُقَالُ: فلانةُ تُوَائِمُ صواحِباتها إِذا تَكلَّفَت مَا يَتَكلَّفْن مِنَ الزِّينَةِ؛ وَقَالَ المرَّار:
يَتَوَاءَمْنَ بِنَوماتِ الضُّحى، ... حَسَنات الدَّلِّ والأُنْسِ الخَفِرْ
والمُوَأَّمُ: الْعَظِيمُ الرأْسِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أُراه مَقْلُوبًا عن المُؤَوَّمِ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ. والتَّوْأَمُ: أَصلُه وَوْأَمٌ، وَكَذَلِكَ التَّوْلَج أَصلُه وَوْلَجٌ، وَهُوَ الكِناسُ، وأَصل ذَلِكَ مِنَ الوِئَام وَهُوَ الوِفاقُ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي فَصْلِ التَّاءِ متقدِّماً؛ قَالَ الأَزهري: وأَعَدْتُ ذِكْرَه فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ لأُعَرِّفَك أَن التَّاءَ مبدلةٌ مِنَ الْوَاوِ، وأَنه وَوْأَمٌ. اللَّيْثُ: المُوَاءَمَةُ المُباراةُ. ويَوْأَمٌ: قبيلةٌ مِنَ الحَبشِ أَو جِنْسٌ مِنْهُ؛ عَنِ ابْنِ(12/628)
الأَعرابي؛ وأَنشد:
وأَنتُم قَبيلةٌ مِنْ يَوْأَمْ، ... جَاءَتْ بِكُمْ سَفينةٌ مِنَ اليَمْ
أَراد مِنْ يوأَمٍ واليمِّ فخفَّف، وَقَوْلُهُ مِنْ يَوْأَم أَي أَنكم سُودانٌ فخَلْقُكم مُشَوَّهٌ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَحُكِيَ حَمْزَةُ عَنْ يَعْقُوبَ أَنه يقال للبُعْد ابن يَوْأَمٍ؛ وأَنشد:
وإِنَّ الَّذِي كَلَّفْتَني أَن أَرُدَّه ... مَعَ ابْنِ عِبادٍ، أَو بأَرضِ ابْنِ يَوْأَما
عَلَى كُلِّ نَأْيِ المَحْزِمَيْنِ، تَرَى لَهُ ... شَراسِيفَ تَغْتالُ الوَضِينَ المُسمَّما
وتم: الوَتْمةُ: السَّيْرُ الشَّدِيدُ.
وثم: التَّهْذِيبُ: الْفَرَّاءُ: الوَثْمُ الضَّرْبُ، وَفِي الصِّحَاحِ: الدّقُّ والكَسرُ. والمَطرُ يَثِمُ الأَرض وَثْماً: يَضْرِبُها؛ قَالَ طَرَفَةُ:
جَعَلَتْه حَمَّ كَلْكَلِها، ... لِرَبيعٍ، دِيمة تَثِمُهْ
فأَما قَوْلُهُ:
فسقَى بلادَك، غيرَ مُفْسِدِها، ... صَوبُ الرَّبيع ودِيمةٌ تَثِم
فإِنه عَلَى إِرادة التعدِّي، أَرادَ تَثِمُها فَحَذَفَ، وَمَعْنَاهُ أَي تُؤَثِّرُ فِي الأَرض. وَوَثَمَتِ الحِجارةُ رِجْلَه وَثْماً ووِثَاماً: أَدْمَتْه. وَقَالَ الْمُزَنِيُّ: وَجَدْتُ كَلأً كَثِيفاً وَثِيمَةً؛ قَالَ: الوَثِيمَةُ جماعةٌ مِنَ الحَشِيش أَو الطعامِ. يُقَالُ: ثِمْ لَهَا أَي اجْمَعْ لَهَا. والوَثِيمُ: المُكتنزُ اللحمِ، وَقَدْ وَثُمَ يَوْثُمُ وثَامةً. وَيُقَالُ: وَثَمَ الفرسُ الحجارةَ بحافِره يَثِمُها وَثْماً إِذا كسَرها. ووَثَمَ الشيءَ وَثْماً: كسَره ودَقَّه. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه كَانَ لَا يَثِمُ التَّكْبيرَ
أَي لَا يكسِره بَلْ يأْتي بِهِ تَامًّا. والوَثْمُ الكسرُ والدَّقُّ أَي يُتِمُّ لَفْظه عَلَى جِهَةِ التَّعْظِيمِ مَعَ مُطابَقةِ اللِّسانِ والقلبِ. ووَثَمَ الفرسُ الأَرضَ بحافِره وَثْماً وثِمَةً: رَجَمَها ودَقَّها، وَكَذَلِكَ وَثْمُ الْحِجَارَةِ. والمُوَاثَمَةُ في العَدْوِ: والمُضابَرةُ كأَنه يَرْمِي بِنَفْسِهِ؛ وأَنشد:
وَفِي الدَّهاسِ مِضْبَرٌ مُوَاثِمُ
وَوَثَمَ يَثِمُ أَي عَدا. وخُفٌّ مِيثَمٌ: شديدُ الوطءِ، وكأَنه يَثِمُ الأَرضَ أَي يَدُقُّها؛ قَالَ عَنْتَرَةُ:
خَطَّارة، غِبَّ السُّرى، ... زَيَّافةٌ، تَطِسُ الإِكامَ بِكُلٍّ خُفٍّ مِيثَمِ
ابْنُ السِّكِّيتِ: الوَثِيمَةُ الجماعةُ مِنَ الْحَشِيشِ أَو الطعامِ. وَقَوْلُهُمْ: لَا وَالَّذِي أَخرجَ النارَ مِنَ الوَثِيمَةِ أَي مِنَ الصَّخْرَةِ. والوَثِيمَةُ: الحجرُ، وَقِيلَ: الْحَجَرُ الْمَكْسُورُ. وَحَكَى ثَعْلَبٌ: أَنه سَمِعَ رَجُلًا يَحْلِف لِرَجُلٍ وَهُوَ يَقُولُ: وَالَّذِي أَخْرج العَذْقَ مِنَ الجَرِيمَةِ والنارَ مِنَ الوَثِيمَةِ؛ والجَريمةُ: النَّوَاةُ؛ وَقَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: الجَريمةُ التَّمْرةُ لأَنها مَجْرُومَةٌ مِنَ النَّخْلَةِ فسَمَّى النَّواةَ جَريمةً بِاسْمِ سبَبِها لأَن النَّواةَ، مِنَ الجَريمة، والوَثِيمَةُ: حجرُ القَدَّاحة، قَالَ وَذَكَرَ ابْنُ سِيدَهْ قَالَ: الوَثِيمَةُ الحجارةُ، يَكُونُ فِي مَعْنَى فاعِلةٍ لأَنها تَثِمُ، وَفِي مَعْنَى مَفْعُولَةٍ لأَنها تُوثَم. وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ: أَنَّ أَوْسَ بْنَ حَارِثَةَ عاشَ دَهْراً وَلَيْسَ لَهُ ولدٌ إِلا مالِك، وَكَانَ لأَخيه الخَزْرَج خمسةُ أَولاد: عُمر وعَوْفٌ وجُشَمٌ والحرث وكعْب، فَلَمَّا حَضَرَهُ الموتُ قَالَ لَهُ قومُه: قَدْ كُنَّا نأْمرُك بِالتَّزْوِيجِ فِي شَبَابِكَ حَتَّى حَضَرَكَ الْمَوْتُ، فَقَالَ أَوْسٌ: لَمْ يَهْلِكْ هالِك، مَن ترَك مالِك، وإِن كَانَ الخَزْرَجُ ذَا عَدَدٍ، وَلَيْسَ لِمالكٍ، وَلَد، فلعلَّ الَّذِي اسْتَخْرَجَ النَّخْلَةَ مِنَ الْجَرِيمَةِ، والنارَ مِنَ الوَثِيمة، أَن يجعلَ لمالكٍ نَسْلًا، ورجالًا بُسْلًا.(12/629)
وجم: الوُجومُ: السكوتُ عَلَى غَيْظٍ، أَبو عُبَيْدٍ: إِذا اشتدَّ حُزْنُه حَتَّى يُمْسِك عَنِ الطَّعَامِ «1» . فَهُوَ الوَاجِمُ، والوَاجِمُ: الَّذِي اشتدَّ حُزْنه حَتَّى أَمْسَك عَنِ الْكَلَامِ. يُقَالُ: مَا لِي أَراكَ وَاجِماً؛ وَفِي حَدِيثِ
أَبي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنه لَقِيَ طَلْحةَ فَقَالَ: مَا لِي أَراك وَاجِماً؟
أَي مُهْتَمّاً. والوَاجِمُ: الَّذِي أَسْكتَه الهمُّ وعَلَتْه الكآبةُ، وَقِيلَ: الوُجُومُ الحُزْنُ. وَيُقَالُ: لَمْ أَجِمْ عَنْهُ أَي لَمْ أَسكُتْ عَنْهُ فَزَعاً. والوَاجِمُ والوَجِمُ: العَبوسُ المُطْرِقُ مِنْ شدَّةِ الحُزْن، وَقَدْ وَجَمَ يَجِمُ وَجْماً ووُجُوماً وأَجَمَ عَلَى الْبَدَلِ؛ حَكَاهَا سيبويه. ووَجَمَ الشيءَ وَجْماً ووُجُوماً: كرِهَه. ووَجَمَ الرجلَ وَجْماً: لكَزَه، يَمَانِيَةٌ. ورجلٌ وَجَمٌ: رديءٌ. وأَوْجَمُ الرملِ: مُعْظمُه؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
والحِجْرُ والصَّمّانُ يَحْبُو أَوْجَمُه
ووَجْمةُ: اسمُ مَوْضِعٍ؛ قَالَ كثيِّر:
أَجَدَّتْ خُفوفاً مِنْ جُنوبِ كُتانةٍ ... إِلى وَجْمَةٍ، لمَّا اسجَهَرَّتْ حَرورُها
ابْنُ الأَعرابي: الوَجَمُ جَبَلٌ صَغِيرٌ مِثْلُ الإِرَم. ابْنُ شُمَيْلٍ: الوَجَمُ حجارةٌ «2» . مركومةٌ بعضُها فَوْقَ بَعْضٍ عَلَى رؤوس القُورِ والأِكام، وَهِيَ أَغلظُ وأَطولُ فِي السَّمَاءِ مِنَ الأُرومِ، قَالَ: وحجارتُها عظامٌ كَحِجَارَةِ الصِّيرة والأَمَرَة، لَوِ اجْتَمَعَ عَلَى حجرٍ أَلفُ رَجُلٍ لَمْ يُحَرِّكوه، وَهِيَ أَيضاً مِنْ صَنْعة عَادٍ، وأَصلُ الوَجَمِ مُستدِيرٌ وأَعلاهُ مُحدَّد، وَالْجَمَاعَةُ الوُجُوم؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
وَهَامَّةٍ كالصَّمْدِ بَيْنَ الأَصْمادْ، ... أَو وَجَمِ العادِيّ بَيْنَ الأَجْمادْ
الْجَوْهَرِيُّ: والوَجَمُ، بِالتَّحْرِيكِ، وَاحِدُ الأَوْجَامِ، وَهِيَ علاماتٌ وأَبْنِيةٌ يُهْتَدى بِهَا فِي الصَّحارَى. ابْنُ الأَعرابي: بيتٌ وَجْمٌ ووَجَمٌ، والأَوْجَامُ: البيوتُ وَهِيَ العِظامُ مِنْهَا؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
لَوْ كَانَ مِنْ دُونِ رُكامِ المُرْتَكَمْ، ... وأَرْمُلِ الدَّهْنا وصَمّانِ الوَجَمْ
قَالَ: والوَجَمُ الصَّمّانُ نفْسُه، ويُجمع أَوْجَاماً؛ وَقَالَ رُؤْبَةُ:
كأَنَّ أَوْجَاماً وصَخْراً صاخِرا
ويومٌ وَجِيمٌ أَي شديدُ الحرِّ، وَهُوَ بِالْحَاءِ أَيضاً، وَيُقَالُ: يَكُونُ ذَلِكَ وَجَمَة أَي مَسَبَّةً. والوَجْمَةُ مِثْلُ الوَجْبة: وَهِيَ الأَكْلة الْوَاحِدَةُ.
وحم: وَحِمَت المرأَة تَوْحَمُ وَحَماً إِذا اشتَهت شَيْئًا عَلَى حَبَلِها، وَهِيَ تَحِمُ، وَالِاسْمُ الوِحَامُ والوَحَام، وَلَيْسَ الوِحَامُ إِلا فِي شَهْوة الحَبَل خاصَّة. وَقَدْ وَحَّمْنَاها تَوْحِيماً: أَطْعَمناها مَا تَشْتهيه. وَيُقَالُ أَيضاً: وَحَّمْنَا لَهَا أَي ذَبَحنا. وامرأَة وَحْمَى: بيِّنة الوِحامِ. وَفِي الْمَثَلِ فِي الشَّهْوان: وَحْمَى وَلَا حَبَل أَي أَنه لَا يُذْكر لَهُ شيءٌ إِلا اشْتَهَاهُ. وَفِي حَدِيثِ المَوْلِد:
فجعلَتْ آمنةُ أُمُّ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَوْحَمُ
أَي تَشْتهي اشْتِهاءَ الحامِل. وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: فِي الْمَثَلِ وَحْمَى فأَمّا حَبَل فَلَا؛ يُقَالُ ذَلِكَ لِمَنْ يَطْلُبُ مَا لَا حَاجَةَ لَهُ فِيهِ مِنْ حِرْصِه لأَن الوَحْمى الَّتِي تَوْحَمُ فَتَشْتَهِي كلَّ شَيْءٍ عَلَى حبَلِها، فَيُقَالُ هَذَا يَشْتَهِي كَمَا تَشْتَهِي الحُبْلى وَلَيْسَ بِهِ حَبَلٌ، قَالَ: وقيل لِحُبْلى ما تشتهي؛ فَقَالَتْ: التمرةَ وَوَاهًا بِيَهْ وأَنا وَحْمى للدِّكَة أَي للوَدَك؛ الوَحَمُ: شدَّةُ شهوةِ الحُبْلى لشيءٍ تأْكله، ثُمَّ يُقَالُ لِكُلِّ مَن أَفْرَطَت شهوتُه فِي شَيْءٍ: قَدْ وَحِمَ يَوْحَمُ وَحَماً
__________
(1) . قوله [عن الطعام] في التهذيب: عن الكلام
(2) . قوله [الوَجَم حجارة] هو بالفتح والتحريك(12/630)
ونسوةٌ وِحَامٌ ووَحَامَى. والوِحَامُ مِنَ الدوابِّ: أَن تَسْتَصعِب عِنْدَ الحَمْل، وَقَدْ وَحِمَت، بِالْكَسْرِ، قَالَ: والوَحَمُ فِي الدَّوابّ إِذا حَملَت واستَعْصتْ؛ وأَنشد:
قَدْ رابَه عِصْيانُها ووِحَامُها
التَّهْذِيبُ: أَما قَوْلُ اللَّيْثِ الوِحَامُ فِي الدَّوَابِّ استعصاؤُها إِذا حمَلتْ فَهُوَ غلَطٌ وإِنما غَرَّه قولُ لَبِيدٌ يَصِفُ عَيْراً وأُتُنَه:
قَدْ رَابَهُ عِصْيَانُهَا ووِحَامها
يَظُنُّ أَنه لَمَّا عَطَفَ قولَه ووِحَامُها عَلَى عصيانُها أَنهما شيءٌ وَاحِدٌ، وَالْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ وِحَامُها شهوةُ الأُتُنِ للعَير، أَراد أَنها تَرْمَحُه مرَّةً وَتَسْتَعْصِي عَلَيْهِ مَعَ شَهْوَتِهَا لضِرابِه إِياها، فَقَدْ رابَه ذَلِكَ مِنْهَا حِينَ أَظهرت شَيْئَيْنِ متضادَّين. والوَحَمُ: اسمُ الشَّيْءِ المُشتَهى؛ قال:
أَزْمان لَيلى عامَ لَيلى وَحَمِي
أَي شَهْوتي كَمَا يَكُونُ الشَّيْءُ شهوةَ الحُبْلى، لَا تُريدُ غيرَه وَلَا تَرْضى مِنْهُ ببدَلٍ، فَجَعَلَ شَهْوَتَهُ للِّقاء لَيلًا وَحَماً، وأَصلُ الوَحَمِ للحُبْلى. ووَحَّمَ المرأَةَ ووَحَّمَ لَهَا: ذبَح لَهَا مَا تَشهَّت. والوَحَمُ: شهوةُ النِّكَاحِ؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:
كتَمَ الحُبَّ فأَخْفاه، كَمَا ... تَكْتُم البِكْرُ مِنَ الناسِ الوَحَمْ
وَقِيلَ: الوَحَمُ الشهوةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ. ووَحَمْتُ وَحْمَه: قصدتُ قصدَه. والتَّوْحِيمُ: أَن يَنْطُفَ الماءُ مِنْ عُودِ النَّوامي إِذا كُسِرَ. ويومٌ وَحِيمٌ: حارٌّ؛ عَنْ كراع.
وخم: الوَخْمُ.، بِالتَّسْكِينِ، والوَخِمُ، بِكَسْرِ الْخَاءِ، والوَخِيمُ: الثقيلُ مِنَ الرِّجَالِ البَيِّن الوَخامةِ والوُخومةِ، وَالْجَمْعُ وَخَامى ووِخامٌ وأَوْخَامٌ، وَقَدْ وَخُمَ وَخَامةً ووُخُوماً. وَفِي حَدِيثِ
أُمِّ زَرْعٍ: لَا مَخافةَ وَلَا وَخَامَةَ
أَي لَا ثِقَلَ فِيهَا. يُقَالُ: وَخُمَ الطعامُ إِذا ثَقُل فَلَمْ يُستَمْرَأْ، فَهُوَ وَخِيمٌ، قَالَ: وَقَدْ تكونُ الوَخَامَةُ فِي الْمَعَانِي، يُقَالُ: هَذَا الأَمرُ وَخِيمُ العاقِبة أَي ثقيلٌ رديءٌ. وأَرض وَخَامٌ ووَخِيمٌ ووَخْمَةٌ ووَخِمَةٌ ووَخِيمَةٌ ومُوخِمَةٌ: لَا يَنْجَعُ كلأُها، وَكَذَلِكَ الوَبِيلُ. وطعامٌ وَخِيمٌ: غيرُ مُوافق، وَقَدْ وَخُمَ وَخَامةً. وتوَخَّمَه واستَوْخَمَه: لَمْ يَستَمْرِئْه وَلَا حَمِدَ مغَبَّتَه. واستَوْخَمْتُ الطعامَ وتَوَخَّمْتُه إِذا استَوْبلْته؛ قَالَ زُهَيْرٌ:
قضَوْا مَا قضَوْا مِنْ أَمرِهم، ثُمَّ أَوْرَدُوا ... إِلى كَلإٍ مُستَوْبَلٍ مُتَوَخَّمِ
وَمِنْهُ اشتُقَّت التُّخَمَةُ. وشيءٌ وَخِمٌ أَي وَبيءٌ. وبَلْدةٌ وَخِمَةٌ ووَخِيمَةٌ إِذا لَمْ يُوافِق سكَنُها، وَقَدِ اسْتَوْخَمْتُها. والتُّخَمَة، بِالتَّحْرِيكِ: الَّذِي يُصِيبك مِنَ الطَّعَامِ إِذا استوْخمْتَه، تَاؤُهُ مُبْدَلَةٌ مِنْ وَاوٍ. وَفِي حَدِيثِ العُرَنِيِّين:
واسْتَوْخَمُوا الْمَدِينَةَ
أَي اسْتَثْقَلُوهَا وَلَمْ يُوافِق هَوَاؤُهَا أَبدانَهُ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ:
فاسْتَوْخَمْنا هَذِهِ الأَرضَ.
ووَخِمَ الرجلُ، بِالْكَسْرِ، أَي اتَّخَمَ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَالْجَمْعُ تُخَمٌ، وَقَدْ تَخَمَ يَتْخِمُ وتَخِمَ واتَّخَمَ يَتَّخِمُ. وأَتْخَمَه الطعامُ، عَلَى أَفْعَله، وأَصله أَوْخَمَه، وأَصل التُّخَمَة وُخَمةٌ، فحُوِّلت الواوُ تَاءً، كَمَا قَالُوا تُقاةٌ، وأَصلها وُقاةٌ، وتَوْلَج وأَصلُه وَوْلَج. وطعامٌ مَتْخَمَةٌ، بِالْفَتْحِ: يُتَّخَمُ مِنْهُ، وأَصله مَوْخَمة لأَنهم توهَّموا التاءَ أَصلية لِكَثْرَةِ الاستعمال. ووَاخَمَني فوَخَمْتُه أَخِمُه: كنتُ أَشدَّ تُخَمةً مِنْهُ، وَقَدِ اتَّخَمْتُ مِنَ الطعامِ وَعَنِ الطَّعَامِ، وَالِاسْمُ التُّخَمَة، بِالتَّحْرِيكِ، كَمَا مَضَى فِي وُكَلةٍ وتُكَلةٍ، وَالْجَمْعُ تُخَمَاتٌ وتُخَمٌ،(12/631)
والعامَّة تَقُولُ التُّخْمَة، بِالتَّسْكِينِ؛ وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ فِي شِعْرٍ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:
وإِذا المِعْدَةُ جاشَتْ، ... فارْمِها بالمَنْجَنيقِ
بِثلاثٍ مِنْ نَبيذٍ، ... ليسَ بالحُلْوِ الرَّقيقِ
تَهْضِمُ التُّخْمَةَ هَضْماً، ... حِينَ تَجْري فِي العُروقِ
والوَخَمُ: داءٌ كالباسورِ، وَرُبَّمَا خَرَجَ فِي حَياءِ النَّاقَةِ عِنْدَ الْوِلَادَةِ فقُطِع، وَخِمَت الناقةُ، فَهِيَ وَخِمَةٌ إِذا كَانَ بِهَا ذَلِكَ، قَالَ: وَيُسَمَّى ذَلِكَ الباسورُ الوَذَمَ.
وذم: أَوْذَمَ الشيءَ: أَوْجَبه. وأَوْذَمَ عَلَى نَفْسِه حَجّاً أَو سَفَراً: أَوْجَبه. وأَوْذَمَ اليمينَ ووَذَّمَها وأَبْدَعها أَي أَوْجبها؛ قال الراجز:
لَا هُمَّ، إِن عامرَ بْنَ جَهْمِ ... أَوْذَمَ حَجّاً فِي ثِيابٍ دُسْمِ
أَي مُتَلطِّخة بِالذُّنُوبِ، يَعْنِي أَحْرم بِالْحَجِّ وَهُوَ مُدَنَّسٌ بِالذُّنُوبِ. أَبو عَمْرٍو: الوَذِيمَةُ الهَدْيُ، وَجَمْعُهَا الوَذَائِمُ. وَقَدْ أَوْذَمَ الهَدْيَ إِذا عَلَّق عَلَيْهِ سَيراً أَو شَيْئًا يُعَلَّم بِهِ فيُعْلَم أَنه هَدْيٌ فَلَا يُعْرَض لَهُ. ابْنُ سِيدَهْ: الوَذِيمَة الهدِيَّة. الْجَوْهَرِيُّ: الوَذِيمَةُ الهدِيَّة إِلى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، وَالْجَمْعُ الوَذَائِمُ، وَهِيَ الأَموالُ الَّتِي نُذِرَتْ فِيهَا النُّذورُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
فإِن كنتُ لَمْ أَذْكُرك، والقومُ بعضُهم ... غَضابَى عَلَى بعضٍ، فَمَالِي وَذَائِمُ
أَي مَالِي كلُّه فِي سَبِيلِ اللَّهِ. والوَذَمُ: الفَضْلُ والزيادةُ، وَقَدْ وَذَّمَ. والوَذَمةُ: زيادةٌ فِي حَيَاءِ النَّاقَةِ وَالشَّاةِ كالثُّؤْلول تَمْنَعُهَا مِنَ الولَد، والجمعُ وَذَمٌ ووِذَامٌ. ووَذَّمَها: قَطَعَ ذَلِكَ مِنْهَا وعالجَها مِنْهُ. الأَصمعي: المُوَذَّمَةُ مِنَ النُّوق الَّتِي يَخْرُجُ فِي حَيَائِهَا لحمٌ مِثْلُ الثَّآليل فيُقطَع ذَلِكَ مِنْهَا؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: سَمِعْتُ الْعَرَبَ تَقُولُ لأَشْباهِ الثَّآليل تخرُج فِي حَيَاءِ النَّاقَةِ فَلَا تَلْقَح مَعَهَا إِذا ضرَبها الفحلُ الوَذَم، فيَعْمِدُ رَجُلٌ رفيقٌ ويأْخذ مِبْضعاً لَطِيفًا ويُدْخِلُ يدَه فِي حَيَائِهَا فَيَقْطَعُ الوَذَمَ فَيُقَالُ: قَدْ وَذَّمَها تَوْذِيماً، وَالَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ مُوَذِّمٌ، ثُمَّ يَضْرِبُها الفحلُ بَعْدَ التَّوْذِيمِ فتَلْقَحُ. وامرأَة وَذْمَاء وفرسٌ وَذْمَاء: وَهِيَ العاقرُ، وَقِيلَ: الوَذَمَةُ فِي حَيَاءِ الناقةِ زيادةٌ فِي اللَّحْمِ تَنبتُ فِي أَعلى الْحَيَاءِ عِنْدَ قَرْءِ الناقةِ فَلَا تَلْقحُ الناقةُ إِذا ضربَها الْفَحْلُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الوَخم أَيضاً. وَيُقَالُ لِلْمَصِيرِ أَيضاً: وَذَمٌ، والوَذَمُ: الحُزَّة مِنَ الكَرِشِ والكَبِد والمَصارِين الْمَقْطُوعَةِ تُعْقَد وتُلْوَى ثُمَّ تُرْمى فِي القِدْر، وَالْجَمْعُ أَوْذُمٌ وأَوْذَامٌ ووُذُومٌ وأَوَاذِمُ؛ الأَخيرة جَمْعُ أَوْذُمٍ، وَلَيْسَ بِجَمْعِ أَوْذَامٍ، إِذ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَثَبَتَتِ الْيَاءُ، وَهِيَ الوَذَمَة وَالْجَمْعُ وِذَامٌ. أَبو زَيْدٍ وأَبو عُبَيْدَةَ: الوَذَمَةُ قُرْنةُ الكَرِش، وَهِيَ زاويةٌ فِي الْكَرِشِ شِبْه الْخَرِيطَةِ، قَالَ: وقُرْنةُ الرحمِ المكانُ الَّذِي يَنْتَهِي إِليه الماءُ فِي الرَّحِمِ. والوِذَامُ: الكَرِشُ والأَمْعاءُ، الْوَاحِدَةُ وَذَمَةٌ مِثْلُ ثمَرةٍ وثِمارٍ. وَقَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: الوَذَمُ قطعةُ كرشٍ تُطْبَخُ بِالْمَاءِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
وَمَا كَانَ إِلا نِصْفُ وَذْمٍ مُرَمَّدٍ ... أَتانا، وَقَدْ حُبَّتْ إِلينا المَضاجِعُ
وَفِي حَدِيثِ
عَلِيِّ بْنِ أَبي طَالِبٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: لئِنْ وَلِيتُ بَنِي أُميَّة لأَنْفُضَنَّهم نَفْضَ القَصّابِ الوِذَامَ التَّرِبةَ
، وَفِي رِوَايَةٍ:
التِّرابَ الوَذِمَةَ
؛ قَالَ الأَصمعي: سأَلني شُعْبَةُ عَنْ هَذَا الْحَرْفِ فَقُلْتُ: لَيْسَ(12/632)
هو هكذا، إِنما نَفْض القصاب الوِذَامَ التَّرِبة، والتَّرِبةُ الَّتِي قَدْ سَقَطَتْ فِي التُّرَابِ فتتَرَّبَت، فَالْقَصَّابُ يَنْفُضها، وأَراد بالوِذَامِ الحُزَزَ مِنَ الكَرِش والكبِد الساقطةَ فِي التُّراب وَالْقَصَّابُ يُبالغُ فِي نَفْضِها، قَالَ: وَمِنْ هَذَا قِيلَ لسيُور الدِّلاء الوَذمُ لأَنها مقدَّدةٌ طِوال، قَالَ: والتِّراب الَّتِي سَقَطَتْ فِي التُّراب فتتَرَّبَت، وواحدةُ الوِذَامِ وَذَمةٌ، وَهِيَ الْكَرِشُ لأَنها معلَّقة، وَقِيلَ: هِيَ غيرُ الْكَرِشِ أَيضاً مِنَ البطون. أَبو سعيد: الكُروشُ كُلُّهَا تسمَّى تَرِبةً لأَنها يَحْصُلُ فِيهَا التُّرابُ مِنَ المَرْتَع، والوَذَمَة الَّتِي أَخمل باطنُها، والكروشُ وَذَمَةٌ لأَنها مُخْمَلةٌ، وَيُقَالُ لِخَمْلِها الوَذَمُ، فَمَعْنَى قَوْلِهِ
لئنْ وَلِيتُهم
لأُطَهِّرَنَّهم مِنَ الدَّنَسِ ولأُطَيِّبَنَّهم بَعْدَ الخَبَث. وكلُّ سَيْرٍ قَدَدْتَه مُستطيلًا وَذَمٌ. والوَذَمَةُ: السيرُ الَّذِي بَيْنَ آذانِ الدَّلْوِ وعَراقِيها تُشَدُّ بِهَا، وَقِيلَ: هُوَ السَّيْرِ الَّذِي تُشدُّ بِهِ العَراقي فِي العُرى، وَقِيلَ: هُوَ الْخَيْطُ الَّذِي بَيْنَ العُرى الَّتِي فِي سُعْنَتها وَبَيْنَ العَراقي، وَالْجَمْعُ وَذَمٌ، وَجَمْعُ الْجَمْعِ أَوْذَامٌ. وَوَذَّمَها: جَعَلَ لَهَا أَوْذَاماً. وأَوْذَمَها: شَدَّ وَذَمها. ودَلْوٌ مَوْذُومَةٌ: ذَاتُ وَذَمٍ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِلدَّلْوِ إِذا انْقَطَعَ سيورُ آذانِها: قَدْ وَذِمَتِ الدلوُ تَوْذَمُ، فإِذا شَدُّوهَا إِليها قَالُوا: أَوْذَمْتُها. ووَذِمَت الدلوُ تَوْذَمُ، فَهِيَ وَذِمَةٌ: انْقَطَعَ وَذَمُها؛ قَالَ يَصِفُ الدَّلْوَ:
أَخَذِمَتْ أَمْ وَذِمَتْ أَمْ مَا لَها، ... أَم غالَها فِي بئرِها مَا غالَها؟
وَقَالَ:
أَرْسَلْتُ دَلْوي فأَتاني مُتْرَعا، ... لَا وَذِماً جاءَ، وَلَا مُقَنَّعا
ذكَّر عَلَى إِرادة السَّلْم أَو الغَرْب. وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ تَصِفُ أَباها، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: وأَوْذَمَ السِّقاءَ
أَي شَدَّه بالوَذَمةِ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخرى:
وأَوْذَمَ العَطِلَة
، تُريد الدَّلْوَ الَّتِي كَانَتْ مُعَطَّلة عَنِ الِاسْتِقَاءِ لِعَدَمِ عُراها وَانْقِطَاعِ سُيورِها. ووَذِمَ الوَذَمُ نفسُه: انْقَطَعَ. ووَذَّمَ عَلَى الخَمْسينَ تَوْذِيماً وأَوْذَمَ: زادَ عَلَيْهَا. ووَذَّمَ مالَه: قطَّعه، والوَذِيمَةُ: مَا وَذَّمَه مِنْهُ أَي قطَّعه؛ قَالَ:
إِن لَمْ أَكُنْ أَهْواك، والقومُ بَعضهمْ ... غِضابٌ عَلَى بعضٍ، فَمَا لِي وَذَائِمُ
والتَّوْذِيمُ: أَن تُوَذَّم الكلابُ بِقِلادة. ووَذِيمَةُ الْكَلْبِ: قِطعة تَكُونُ فِي عنُقِه؛ عَنْ ثَعْلَبٍ. وَرُوِيَ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنه سُئِل عَنْ صَيْدِ الْكَلْبِ فَقَالَ: إِذا وَذَّمْتَه وأَرْسَلْتَه وذكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فكُلْ مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ مَا لَمْ يأْكلْ؛ وتَوْذِيمُ الْكَلْبِ: أَن يُشد فِي عُنُقِهِ سيرٌ يُعْلَم بِهِ أَنه مُعلَّم مُؤدَّب، أَراد بِتَوْذِيمهِ أَن لَا يَطْلُب الصَّيْدَ بِغَيْرِ إِرسالٍ وَلَا تَسْميةٍ، مأْخوذٌ مِنَ الوَذَمِ السُّيورِ الَّتِي تُقدُّ طِوالًا. وَفِي الْحَدِيثِ:
أُريتُ الشَّيطانَ فوضعتُ يَدِي عَلَى وَذَمَتِه
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: الوَذَمَةُ، بِالتَّحْرِيكِ، سيرٌ يُقدُّ طُولًا، وَجَمْعُهُ وِذَامٌ، وتُعمل مِنْهُ قِلَادَةٌ تُوضَعُ فِي أَعناق الْكِلَابِ لتُرْبطَ فِيهَا، فَشَبَّهَ الشَّيطانَ بِالْكَلْبِ، وأَراد تَمكُّنه مِنْهُ كَمَا يَتمكَّنُ القابضُ عَلَى قِلادة الْكَلْبِ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فرَبَط كُمَّيْه بوَذَمَةٍ
أَي سَيْرٍ.
ورم: الوَرَمُ: أَخْذُ الأَورام النُّتوء وَالِانْتِفَاخُ، وَقَدْ وَرِمَ جلدُه، وَفِي الْمُحْكَمِ: وَرِمَ يَرِمُ، بِالْكَسْرِ، نَادِرٌ، وَقِيَاسُهُ يَوْرَم، قَالَ: وَلَمْ نَسْمَعْ بِهِ، وتَوَرَّمَ مثلُه، ووَرَّمْتُه أَنا تَوْرِيماً. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه قَامَ حَتَّى تَوَرَّمَت قَدَماه
أَي انْتَفَخَت مِنْ طُول قِيَامِهِ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ. وأَوْرَمَت(12/633)
الناقةُ: وَرِمَ ضَرْعُها. والمَوْرِمُ: مَنْبِتُ الأَضْراسِ. وأَوْرَمَ بالرجلِ وأَوْرَمَه: أَسْمَعه مَا يَغْضَبُ لَهُ، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ، وفعَلَ بِهِ مَا أَوْرَمَه أَي ساءَه وأَغْضَبه. ووَرِمَ أَنْفُه أَي غَضِب؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
وَلَا يُهاجُ إِذا مَا أَنفُه وَرِما
وَفِي حَدِيثِ
أَبي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَلَّيْتُ أُمورَكم خَيْرَكُم فكُلُّكم وَرِمَ أَنفُه عَلَى أَن يَكُونَ لَهُ الأَمْرُ مِنْ دُونِه
أَي امتلأَ وَانْتَفَخَ مِنْ ذَلِكَ غضَباً، وخصَّ الأَنْفَ بالذِّكر لأَنه موضعُ الأَنَفَةِ والكِبْرِ، كَمَا يُقَالُ شَمخَ بأَنفِه. ووَرَّمَ فلانٌ بأَنفِه تَوْرِيماً إِذا شَمَخَ بأَنْفِه وتجبَّر. وأَوْرَمَتِ الناقةُ إِذا وَرِمَ ضَرْعُها. والمُوَرَّمُ: الضخمُ مِنَ الرِّجَالِ؛ قَالَ طَرَفَةُ:
لَهُ شَرْبَتانِ بالعشيِّ وأَرْبَعٌ ... مِنَ الليلِ، حَتَّى عادَ صَخْداً مُوَرَّما
وَقَدْ يَكُونُ المُنَفَّخَ أَي صَخْداً منَفَّخاً. ووَرِمَ النَّبْتُ وَرَماً، وَهُوَ وَارِمٌ: سَمِنَ وَطَالَ؛ قَالَ الْجَعْدِيُّ:
فتَمَطَّى زَمْخَريٌّ وَارِمٌ ... مِنْ رَبيعٍ، كلَّما خَفَّ هَطَلْ
والأَوْرَم: الْجَمَاعَةُ؛ قَالَ البُرَيق:
بأَلْبٍ أَلُوبٍ وحَرَّابةٍ، ... لَدَى مَتْنِ وازِعِها الأَوْرَمُ
يُقَالُ: مَا أَدْري أَيُّ الأَوْرَمِ هُوَ، وخصَّ يَعْقُوبُ به الجَحْدَ.
ورغم: ساعِدٌ وَرْغَمِيٌّ: ممتلئٌ رَيَّان؛ وَقَوْلُ أَبي صَخْرٍ:
وباتَ وِسادي وَرْغَمِيٌّ يَزينُه ... جَبائرُ دُرٍّ، والبَنانُ المُخَضَّبُ
قَالَ: وَلَا يَكُونُ الْوَاوُ فِي وَرْغَمِيٍّ إِلَّا أَصلًا لأَنها أَوَّل، وَالْوَاوُ لَا تزاد أَوَّلًا البتة.
وزم: وَزَمَه بفِيه وَزْماً: عضَّه، وَقِيلَ: عَضَّه عَضَّةً خَفِيفَةً. والوَزْمُ: قَضَاءُ الدَّين. والوَزْمُ: جمعُ الشَّيْءِ الْقَلِيلِ إِلى مثْلِه. والوَزْمَةُ: الأَكْلةُ الواحدةُ فِي الْيَوْمِ إِلى مثلِها مِنَ الْغَدِ، يُقَالُ: هُوَ يأْكل وَزْمةً وبَزْمةً إِذا كَانَ يأْكلُ وَجْبةً فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، وَقَدْ وَزَّمَ نفْسَه. ابْنُ بَرِّيٍّ: الوَزِيمُ الوَجْبةُ الشَّدِيدَةُ؛ قَالَ أُميَّة:
أَلا يَا وَيْحَهمْ مِن حَرِّ نارٍ ... كصَرْخةِ أَرْبَعينَ لَهَا وَزِيمُ
والوَزِيمُ: اللحمُ المُقطَّع. والوَزِيمَةُ القطعةُ مِنَ اللحْم، وَالْجَمْعُ وَزِيمٌ. والوَزْمُ والوَزِيمَةُ والوَزِيمُ: الحُزْمةُ مِنَ البَقْلِ. والوَزِيمةُ: الخُوصةُ الَّتِي يُشدُّ بِهَا. والوَزِيمُ: مَا جُمع مِنَ البَقْلة؛ حَكَاهُ الْجَوْهَرِيُّ عَنْ أَبي سَعِيدٍ عَنِ أَبي الأَزهر عن بُنْدارٍ؛ وأَنشد:
وجاؤُوا ثائرينَ، فلم يَؤُوبوا ... بأَبْلُمة تُشَدُّ عَلَى وَزِيمِ
وَيُرْوَى: عَلَى بَزيم. وَيُقَالُ: هُوَ الطَّلْعُ يُشَقُّ لِيُلْقَح ثُمَّ يُشدُّ بخُوصةٍ، وَالْوَاحِدَةُ وَزِيمَةٌ. وَقَالَ اللَّيْثُ: الوَزْمُ والوَزِيمُ دَسْتَجَةٌ مِنْ بَقْلٍ. والوَزِيمُ: ما انْمارَ مِنْ لحمِ الفَخِذين، واحدتُه وَزِيمَةٌ. والوَزِيمُ: العَضَلُ، وَفِي التَّهْذِيبِ: لحمُ العَضَلِ. وَرَجُلٌ وَزَّامٌ: ذُو عَضلٍ وكثرةِ لحمٍ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
فقامَ وَزَّامٌ شَديدٌ مَحْزِمُه، ... لَمْ يَلْقَ بُؤْساً لَحْمُه وَلَا دَمُهْ
ورجلٌ وَزِيمٌ إِذا كَانَ مُكْتَنِزَ اللحمِ. وَيُقَالُ: رجلٌ ذُو وَزِيم إِذا تَعضَّل لحْمُه واشتدَّ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:(12/634)
إِنْ سَرَّكَ الرِّيُّ أَخا تَميمِ، ... فاعْجَل بعِلْجَيْنِ ذَوَيْ وَزِيمِ
بفارِسِيٍّ وأَخٍ للرُّومِ، ... كلاهُما كالجَمَلِ المَخْزُومِ
وَيُرْوَى: المَحْجوم؛ يَقُولُ إِذا اختلَف لِساناهُما لَمْ يَفْهَم أَحدُهما كَلَامَ صاحبِه فَلَمْ يَشْتَغِلا عَنْ عَمَلهِما؛ وَهَذَا الرَّجَزُ «3» . أَورده الْجَوْهَرِيُّ:
إِن كنتَ ساقِيّ أَخا تَميمِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هُوَ سَافِيَّ، بِالْفَاءِ، وَيُرْوَى جابيَّ، بِالْجِيمِ، أَي يَجْبي الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ، قَالَ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَيُرْوَى بِدَيْلمِيّ مَكَانَ فَارِسِيٍّ. ابْنُ الأَعرابي: الجرادُ إِذا جُفِّف وَهُوَ مَطْبُوخٌ فَهُوَ الوَزِيمة. والوَزِيمُ: اللحمُ المُجَفَّف. والوَزِيمَةُ: مَا تَجْمَعُه أَو تجعلُه العُقابُ فِي وَكْرِها مِنَ اللَّحْمِ. والوَزيمةُ مِنَ الضِّباب: أَن يُطْبَخ لحمُها ثُمَّ يُيَبَّس ثُمَّ يُدقّ فيُقْمَح أَو يُبْكَل بدَسَم؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَكَذَا حَكَاهُ أَهل اللُّغَةِ فَجَعَلُوا العَرَض خَبَراً عَنِ الْجَوْهَرِ، وَالصَّوَابُ الوَزِيمُ لحمٌ يُفْعَل بِهِ كَذَا؛ قَالَ أَبو سَعِيدٍ: سَمِعْتُ الكِلابيّ يَقُولُ الوَزْمَةُ مِنَ الضِّباب أَن يُطْبَخ لحمُها ثُمَّ يُيَبَّس ثُمَّ يُدقّ فَيُؤْكَلُ، قَالَ: وَهِيَ مِنَ الْجَرَادِ أَيضاً. ابْنُ دُرَيْدٍ: الوَزْمُ جَمْعُك الشيءَ القليلَ إِلى مثله، والوَزيمُ مَا يَبْقَى مِنَ المَرَق وَنَحْوِهِ فِي القِدْر، وَقِيلَ: بَاقِي كلِّ شَيْءٍ وَزِيمٌ؛ وَقَوْلُهُ:
فتُشْبِعُ مَجْلسَ الحَيَّيْنِ لَحماً، ... وتُلْقي للإِماءِ مِنَ الوَزِيمِ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: يَجُوزُ أَن يَكُونَ مَا انْمازَ مِنْ لَحْمِ الفَخِذِ، وأَن يَكُونَ العَضَل، وأَن يَكُونَ اللحمَ الباقيَ الَّذِي يَفْضُل عَنِ الْعِيَالِ. اللَّيْثُ: يُقَالُ اللحمُ «4» . يَتزيَّم ويَتَزَيَّب إِذا صَارَ زِيَماً، وَهُوَ شِدَّةُ اكْتِنَازِهِ وَانْضِمَامُ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ؛ وَقَالَ سَلَامَةُ بْنُ جَنْدَلٍ يَصِفُ فَرَسًا:
رَقاقُها ضَرِمٌ، وجَرْيُها خَذِمٌ، ... ولحمُها زِيَمٌ، والبَطْنُ مَقبوبُ
وناقةٌ وَزْماءُ: كَثِيرَةُ اللَّحْمِ؛ قَالَ قَيْسُ بْنُ الخَطيم:
مَن لَا يَزالُ يَكُبُّ كلَّ ثَقيلةٍ ... وَزْماءَ، غيرَ مُحاوِل الإِتْرافِ
والمتَوَزِّم: الشديدُ الوَطء. والوَزْمُ مِنَ الأُمور: الَّذِي يأْتي فِي حِينهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعَ ذِكْرِ الجَزْم الَّذِي هُوَ الأَمرُ الْآتِي قَبْلَ حِينهِ. ووُزِمَ فلانٌ وَزْمَةً فِي مَالِهِ إِذا ذَهَبَ شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ.
وسم: الوَسْمُ: أَثرُ الكَيّ، وَالْجَمْعُ وُسُومٌ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:
ظَلَّتْ تَلوذُ أَمْسِ بالصَّريمِ ... وصِلِّيانٍ كسِبالِ الرُّومِ،
تَرْشَحُ إِلَّا موضِعَ الوُسُومِ
يَقُولُ: تَرْشَحُ أَبدانُها كُلُّهَا إِلا «5» ... وَقَدْ وَسَمَه وَسْماً وسِمَةً إِذا أَثَّر فِيهِ بسِمةٍ وكيٍّ، وَالْهَاءُ عِوَضٌ عَنِ الْوَاوِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه كَانَ يَسِمُ إِبلَ الصدقةِ
أَي يُعلِّم عَلَيْهَا بِالْكَيِّ. واتَّسَمَ الرجلُ إِذا جَعَلَ لِنَفْسِهِ سِمَةً يُعْرَف بِهَا، وأَصلُ الْيَاءِ واوٌ. والسِّمَةُ
__________
(3) . قوله [وهذا الرجز إلخ] في التكملة بعد إِيراده ما في الجوهري ما نصه والإنشاد مغير من وجوه، والرواية:
إن كنت جاب يا أبا تميم ... فجئ بسان لهم علكوم
معاود مختلف الأَروم ... وجئ بعبدين ذَوَيْ وَزِيمِ
بِفَارِسِّيٍ وأَخ للرّوم ... كلاهما كالجمل المحجوم
ركب بعد الجهد والنحيم ... غرباً على صياحة دموم
والرجز لابن محمد الفقعسي. أراد بقوله: جاب جابياً أي جامعاً للماء في الجابية وهي الحوض
(4) . قوله [الليث يقال اللحم إلى قوله وناقة وزماء] هكذا في الأَصل
(5) . كذا بياض بالأَصل(12/635)
والوِسَامُ: مَا وُسِم بِهِ البعيرُ مِنْ ضُروبِ الصُّوَر. والمِيسَمُ: المِكْواة أَو الشيءُ الَّذِي يُوسَم بِهِ الدَّوَابُّ، وَالْجَمْعُ مَوَاسِمُ ومَيَاسِمُ، الأَخيرة مُعاقبة؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: أَصل الْيَاءِ وَاوٌ، فإِن شِئْتَ قُلْتَ فِي جَمْعِهِ مَياسِمُ عَلَى اللَّفْظِ، وإِن شِئْتَ مَوَاسِم عَلَى الأَصل. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: المِيسَمُ اسْمٌ لِلْآلَةِ الَّتِي يُوسَم بِهَا، واسْمٌ لأَثَرِ الوَسْمِ أَيضاً كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
وَلَوْ غيرُ أَخْوالي أرادُوا نَقِيصَتي، ... جَعَلْتُ لَهُمْ فَوْقَ العَرانِين مِيسَما
فَلَيْسَ يُرِيدُ جَعَلْتُ لَهُمْ حَديدةً وإِنما يُرِيدُ جَعَلْتُ أَثَر وَسْمٍ. وَفِي الْحَدِيثِ:
وَفِي يَدِهِ المِيسَمُ
؛ هِيَ الْحَدِيدَةُ الَّتِي يُكْوَى بِهَا، وأَصلُه مِوْسَمٌ، فقُلبت الواوُ يَاءً لِكَسْرَةِ الْمِيمِ. اللَّيْثُ: الوَسْمُ أَثرُ كيّةٍ، تَقُولُ مَوْسُومٌ أَي قَدْ وُسِمَ بِسِمةٍ يُعرفُ بِهَا، إِمّا كيّةٌ، وإِمّا قطعٌ فِي أُذنٍ أَوْ قَرْمةٌ تَكُونُ عَلَامَةً لَهُ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ
. وإِن فُلَانًا لدوابِّه مِيسَمٌ، ومِيسَمُها أَثرُ الجَمالِ والعِتْقِ، وإِنها لَوَسِيمَةُ قَسيمةٌ. شَمِرٌ: دِرْعٌ مَوْسُومَةٌ وَهِيَ المُزَيَّنة بالشِّبَةِ فِي أَسفلِها. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ:
عَلَى كلِّ مِيسَمٍ مِنَ الإِنسان صَدقةٌ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ فإِن كَانَ مَحْفُوظًا فالمرادُ بِهِ أَن عَلَى كُلِّ عُضْوٍ مَوْسومٍ بصُنْع اللَّهِ صَدَقَةً، قَالَ: هَكَذَا فُسِّرَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
بئْسَ، لَعَمْرُ اللَّهِ، عَمَلُ الشَّيْخِ المُتَوَسِّم والشابِّ المُتَلَوِّمِ
؛ المُتَوَسِّم: المُتَحَلِّي بِسمَةِ الشُّيُوخِ، وفلانٌ مَوْسُومٌ بِالْخَيْرِ. وَقَدْ تَوَسَّمْت فِيهِ الْخَيْرَ أَي تفرَّسْت. والوَسْمِيُّ: مطرُ أَوَّلِ الرَّبِيعِ، وَهُوَ بعدَ الْخَرِيفِ لأَنه يَسِمُ الأَرض بِالنَّبَاتِ فيُصَيِّر فِيهَا أَثراً فِي أَوَّل السَّنَةِ. وأَرضٌ مَوْسُومَةٌ: أَصابها الوَسْمِيُّ، وَهُوَ مطرٌ يَكُونُ بَعْدَ الخَرَفيّ فِي البَرْدِ، ثُمَّ يَتْبَعه الوَلْيُ فِي صَميم الشِّتَاءِ، ثُمَّ يَتْبَعه الرِّبْعيّ. الأَصمعي: أَوَّلُ مَا يَبْدُو المطرُ فِي إِقْبالِ الرَّبِيعُ ثُمَّ الصَّيْفِ ثُمَّ الحميمِ. ابْنُ الأَعرابي: نُجومُ الوَسْميّ أَوَّلُها فروعُ الدَّلْو المؤخَّر، ثُمَّ الحوتُ ثُمَّ الشَّرَطانِ ثُمَّ البُطَيْن ثُمَّ النَّجْم، وَهُوَ آخِرُ الصَّرْفة يَسْقُط فِي آخِرِ الشِّتَاءِ. الْجَوْهَرِيُّ: الوَسْمِيُّ مطرُ الرَّبِيعِ الأَوَّلُ لأَنه يَسِمُ الأَرض بِالنَّبَاتِ، نُسب إِلى الوسْم. وتوَسَّمَ الرجلُ: طلبَ كلأَ الوَسْمِيّ؛ وأَنشد:
وأَصْبَحْنَ كالدَّوْمِ النَّواعِم، غُدْوةً، ... عَلَى وِجْهَةٍ مِنْ ظاعِنٍ مُتَوَسِّم
ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ وُسِمَت الأَرض؛ وَقَوْلُ أَبي صَخْرٍ الهُذَليّ:
يَتْلُونَ مُرْتَجِزاً لَهُ نَجْمٌ ... جَوْنٌ تحيَّر بَرْقُه، يَسْمِي
أَراد يَسِمُ الأَرضَ بِالنَّبَاتِ فقَلَب. وَحَكَى ثَعْلَبٌ: أَسَمْتُه بِمَعْنَى وَسَمْتُه، فهمزتُه عَلَى هَذَا بدلٌ مِنْ واوٍ. وأَبْصِرْ وَسْمَ قِدْحِك أَي لَا تُجاوِزَنَّ قَدْرَك. وصدَقَني وَسْمَ قِدْحِه: كصَدَقَني سِنَّ بَكْرِه. ومَوْسِمُ الْحَجِّ والسُّوقِ: مُجْتَمعُهما؛ قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: ذُو مَجاز مَوْسِمٌ، وإِنما سُمّيت هَذِهِ كلُّها مَوَاسِمَ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ والأَسْواق فِيهَا «1» . ووَسَّمُوا: شَهِدوا المَوْسِمَ. اللَّيْثُ: مَوْسِمُ الْحَجِّ سُمِّيَ مَوْسِماً لأَنه مَعْلَم يُجْتَمع إِليه، وَكَذَلِكَ كَانَتْ مَواسِمُ أَسْواقِ الْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: كُلُّ مَجْمَع مِنَ النَّاسِ كَثِيرٍ هُوَ مَوْسِمٌ. وَمِنْهُ مَوْسِمُ مِنىً. وَيُقَالُ: وَسَّمْنا مَوْسمَنا أَي شَهِدْناه، وكذلك
__________
(1) . قوله [والأَسواق فيها] كذا بالأَصل(12/636)
عرَّفْنا أَيْ شَهْدِنَا عَرَفَة. وعَيَّدَ القومُ إِذَا شَهِدُوا عِيدَهم؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
حِياضُ عِراكٍ هَدَّمَتْها المَوَاسِمُ
يُرِيدُ أَهل المَواسِم، وَيُقَالُ أَراد الإِبلَ المَوْسومة. ووَسَّمَ الناسُ تَوْسِيماً: شَهِدُوا المَوْسِمَ كَمَا يُقَالُ فِي العيدِ عَيَّدوا. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه لَبِثَ عَشْرَ سنينَ يَتَّبِعُ الحاجَّ بالمَوَاسِم
؛ هِيَ جَمْعُ مَوْسِم وَهُوَ الوقتُ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ الحاجُّ كلَّ سَنةٍ، كأَنَّه وُسِمَ بِذَلِكَ الوَسْم، وَهُوَ مَفْعِلٌ مِنْهُ اسمٌ لِلزَّمَانِ لأَنه مَعْلَمٌ لَهُمْ. وتَوَسَّمَ فِيهِ الشيءَ: تَخَيَّلَه. يُقَالُ: تَوَسَّمْتُ فِي فُلَانٍ خَيْرًا أَيْ رأَيت فِيهِ أَثراً مِنْهُ. وتَوَسَّمْتُ فِيهِ الْخَيْرَ أَيْ تَفَرَّسْتُ، مأْخذه مِنَ الوَسْمِ أَيْ عرَفْت فِيهِ سِمَتَه وعلامتَه. والوَسْمَةُ، أَهْلُ الْحِجَازِ يُثَقِّلونها وَغَيْرُهُمْ يُخَفِّفُها، كِلَاهُمَا شجرٌ لَهُ ورقٌ يُخْتَضَبُ بِهِ، وَقِيلَ: هُوَ العِظْلِمُ. اللَّيْثُ: الوَسْمُ والوَسْمةُ شجرةٌ وَرَقُهَا خِضابٌ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: كَلَامُ الْعَرَبِ الوَسِمةُ، بِكَسْرِ السِّينِ، قَالَهُ الْفَرَّاءُ وَغَيْرُهُ مِنَ النَّحْوِيِّينَ. الْجَوْهَرِيُّ: الوَسِمةُ، بِكَسْرِ السِّينِ، العِظْلِمُ يُخْتَضَب بِهِ، وَتَسْكِينُهَا لُغَةٌ، قَالَ: وَلَا تَقُلْ وُسْمةٌ، بِضَمِّ الْوَاوِ، وَإِذَا أَمرْت مِنْهُ قُلْتَ: تَوَسَّمَ. وَفِي حَدِيثِ
الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ: أَنهما كَانَا يَخْضِبان بالوَسْمَة
؛ قِيلَ: هِيَ نبتٌ، وَقِيلَ: شجرٌ بِالْيَمَنِ يُخْتَضَبُ بوَرقه الشعرُ أَسودُ. والمِيسَمُ والوَسَامَةُ: أَثر الحُسْنِ؛ وَقَالَ ابْنُ كُلْثوم:
خَلَطْنَ بمِيسَمٍ حَسَباً وَدِينًا
ابْنُ الأَعرابي: الوَسِيمُ الثابتُ الحُسْنِ كأَنه قَدْ وُسِمَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
تُنْكَح المرأَة لمِيسَمِها
أَي لحُسْنها مِنَ الوَسامةِ، وَقَدْ وَسُمَ فَهُوَ وَسِيم، والمرأَةُ وَسِيمَةٌ؛ قَالَ: وَحُكْمُهَا فِي الْبِنَاءِ حِكَمُ مِيساعٍ، فَهِيَ مِفْعَلٌ مِنَ الوَسامةِ. والمِيسَمُ: الجمالُ. يُقَالُ: امرأَة ذَاتُ مِيسَمٍ إِذَا كَانَ عَلَيْهَا أثرُ الْجِمَالِ. وفلانٌ وَسِيمٌ أَي حَسَنُ الْوَجْهِ والسِّيما. وقومٌ وِسَامٌ ونسوةٌ وِسَامٌ أَيضاً: مِثْلُ ظَريفةً وظِرافٍ وصَبيحةٍ وصِباحٍ. ووَسُمَ الرجلُ، بِالضَّمِّ، وَسَامَةً ووَسَاماً، بِحَذْفِ الْهَاءِ، مِثْلُ جمُل جَمالًا، فَهُوَ وَسِيمٌ؛ قَالَ الْكُمَيْتُ يَمْدَحُ الحُسين بْنِ عَلِيٍّ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ:
وتُطِيلُ المُرَزَّآتُ المَقالِيتُ ... إِلَيْهِ القُعودَ بَعْدَ الْقِيَامِ
يَتَعَرَّفْنَ حُرَّ وَجْهٍ، عَلَيْهِ ... عِقْبةُ السَّرْوِ ظاهِراً والوِسَام
والوِسَامُ معطوفٌ عَلَى السَّرْوِ. وَفِي صِفَتِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
وَسِيمٌ قَسِيمٌ
؛ الوَسَامَةُ: الحُسْنُ الوَضيءُ الثابتُ، والأُنثى وَسِيمَةٌ؛ قَالَ:
لهِنّك مِنْ عَبْسِيّةٍ لَوَسِيمَةٌ ... عَلَى هَنواتٍ كاذبٍ مَن يَقُولُهَا
أَرَادَ «1» ..... ووَاسَمْتُ فُلَانًا فوَسَمْتُه إِذَا غَلبْتَه بالحُسن. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ الله عَنْهُ: قَالَ لِحَفْصة لَا يَغُرَّنَّكِ أَنْ كَانَتْ جارتُك أَوْسَمَ مِنْكِ
أَيْ أَحْسَنَ، يَعني عَائِشَةَ، والضَّرَّةُ تُسَمَّى جَارَةً. وأَسماءُ: اسمُ امرأَةٍ مشتقٌّ مِنْ الوَسامةِ، وَهَمْزَتُهُ مُبْدَلَةٌ مِنْ واوٍ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَإِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ أَن سِيبَوَيْهِ ذَكَرَ أَسْمَاء فِي التَّرْخِيمِ مَعَ فَعْلانَ كسَكْران مُعْتَدّاً بِهَا فَعْلاء، فَقَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: لَمْ يَكُنْ يَجِبُ أَن يَذْكُرَ هَذَا الِاسْمَ مَعَ سكْران مِنْ حيثُ كَانَ
__________
(1) . بياض بالأَصل بقد خمس كلمات(12/637)
وزْنه أَفْعالًا لأَنه جمعُ اسمٍ، قَالَ: وَإِنَّمَا مُنِع الصَّرْف فِي الْعَلَمِ الْمُذَكَّرِ مِنْ حيثُ غلَبت عَلَيْهِ تَسْمِيَةُ الْمُؤَنَّثِ لَهُ فلحِق عِنْدَهُ بِبَابِ سُعادَ وزَيْنَب، فقوَّى أَبو بَكْرٍ قَوْلَ سِيبَوَيْهِ إِنَّهُ فِي الأَصل وَسْماء، ثُمَّ قُلِبَتْ وَاوُهُ هَمْزَةً، وَإِنْ كَانَتْ مَفْتُوحَةً، حَمْلًا عَلَى بَابِ أحدٍ وأَناةٍ، وَإِنَّمَا شَجُع أَبُو بَكْرٍ عَلَى ارْتِكَابٍ هَذَا الْقَوْلِ لأَن سِيبَوَيْهِ شَرَعَ لَهُ ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنه لَمَّا رَآهُ قَدْ جَعَلَهُ فَعْلاء وَعَدَمُ تَرْكِيبِ [ي س م] تَطَلَّب لِذَلِكَ وَجْهاً، فذهب إلى البلد، وقياسُ قولِ سِيبَوَيْهِ أَنْ لَا ينصرفَ، وأَسْمَاءُ نكرةٌ لَا مَعْرِفَةٌ لأَنه عِنْدَهُ فَعْلاء، وَأَمَّا عَلَى غَيْرِ مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ فَإِنَّهَا تَنصرفُ نَكِرَةً وَمَعْرِفَةً لأَنها أَفعال كأَثمار، ومذهبُ سِيبَوَيْهِ وأَبي بَكْرٍ فِيهَا أَشبَهُ بِمَعْنَى أَسماء النِّسَاءِ، وَذَلِكَ لأَنها عِنْدَهُمَا مِنَ الوَسَامةِ، وَهِيَ الحُسْنُ، فَهَذَا أَشبَهُ فِي تسميةِ النِّسَاءِ مِنْ مَعْنَى كَوْنِهَا جمعَ اسمٍ، قَالَ: وَيَنْبَغِي لِسِيبَوَيْهَ أَنْ يعتقِدَ مَذهبَ أَبِي بَكْرٍ، إِذْ لَيْسَ مَعْنَى هَذَا التَّرْكِيبِ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَإِنْ كَانَ سِيبَوَيْهِ يتأَوّل عَيْنَ سَيِّدٍ عَلَى أَنها يَاءٌ، وَإِنْ عُدم هَذَا التَّرْكِيبُ لأَنه [س ي د] فَكَذَلِكَ يتوهم أسماء من [أس م] وَإِنْ عُدِمَ هَذَا التركيب إلا هاهنا. والوَسْمُ: الورَعُ، وَالشِّينُ لُغَةٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَسْتُ مِنْهَا عَلَى ثِقَةٍ.
وشم: ابْنُ شُمَيْلٍ: الوُسُومُ والوُشُومُ العلاماتُ. ابْنُ سِيدَهْ: الوَشْمُ مَا تَجْعَلُهُ المرأَة عَلَى ذراعِها بالإِبْرَةِ ثُمَّ تَحْشُوه بالنَّؤُور، وَهُوَ دُخان الشَّحْمِ، وَالْجَمْعُ وُشُومٌ ووِشَامٌ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
كِفَفٌ تَعَرَّضُ فوْقَهُنَّ وِشَامُها
وَيُرْوَى: تُعَرَّض، وَقَدْ وَشَمَتْ ذِراعَها وَشْماً ووَشَّمَتْه، وَكَذَلِكَ الثَّغْرُ؛ أَنْشَدَ ثَعْلَبٌ:
ذَكَرْتُ مِنْ فاطمةَ التبَسُّما، ... غَداةَ تَجْلو وَاضِحًا مُوَشَّما،
عَذْباً لَهَا تُجْري عَلَيْهِ البُرْشُما
وَيُرْوَى: عَذْب اللَّها. والبُرْشُمُ: البُرْقع. ووَشَمَ اليدَ وَشْماً: غَرَزها بإبْرة ثُمَّ ذَرَّ عليها النَّؤُور، وَهُوَ النِّيلجُ. والأَشْمُ أَيضاً: الوَشْمُ. واسْتَوْشَمَه: سأَله أَن يَشِمَه. واسْتَوْشَمَت المرأَةُ: أَرادت الوَشْمَ أَوْ طَلَبَتْه. وَفِي الْحَدِيثِ:
لُعِنت الوَاشِمَةُ والمُسْتَوْشِمَةُ
، وَبَعْضُهُمْ يَرْوِيهِ:
المُوتَشِمَةُ
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الوَشْمُ فِي الْيَدِ وَذَلِكَ أَن المرأَة كَانَتْ تَغْرِزُ ظهرَ كفِّها ومِعْصَمَها بإبْرةٍ أَوْ بمِسلَّة حَتَّى تُؤثر فِيهِ، ثُمَّ تَحشوه بالكُحل أَوِ النِّيل أَو بالنَّؤُور، والنَّؤُورُ دخانُ الشَّحْمِ، فيَزْرَقُّ أَثره أَوْ يَخْضَرُّ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي بَكْرٍ لَمَّا استَخْلف عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَشرَف مَنْ كَنيفٍ، وأَسماءُ بنتُ عُمَيس مَوْشُومَة اليدِ مُمْسِكَتُه
أَيْ مَنْقُوشَةُ الْيَدِ بالحِنَّاء. ابْنُ شُمَيْلٍ: يُقَالُ فلانٌ أَعظمُ فِي نفسِه مِنَ المُتَّشِمَة، وَهَذَا مَثَل، والمُتَّشِمةُ: امرأَةٌ وَشَمَت اسْتَها لِيَكُونَ أَحسَن لَهَا. وَقَالَ الْبَاهِلِيُّ: فِي أَمْثَالِهِمْ لَهُو أَخْيَل فِي نَفْسِهِ مِنَ الوَاشِمَة. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: والمُتَّشِمَةُ فِي الأَصل مُوتَشِمة، وَهُوَ مثلُ المُتَّصل، أَصله مُوتَصِل. ووُشُوم الظبْية والمَهاة: خطوطٌ فِي الذِّراعين؛ وَقَالَ النَّابِغَةُ:
أَوْ ذُو وُشُومٍ بِحَوْضَى
وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن دَاوُدَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَشَمَ خطيئتَه فِي كفِّه فَمَا رَفع إِلَى فِيهِ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا حَتَّى بَشَرَه بدُموعه
؛ مَعْنَاهُ نقَشها فِي كَفِّه نَقْشَ الوَشْمِ. والوَشْم: الشيءُ تَرَاهُ مِنَ النَّبَاتِ فِي أَول مَا يَنْبُتُ. وأَوْشَمت الأَرضُ إِذَا رأَيت فِيهَا شَيْئًا مِنَ النَّبَاتِ. وأَوْشَمت السماءُ: بَدَا مِنْهَا بَرْقٌ؛ قَالَ:(12/638)
حَتَّى إِذَا مَا أَوْشَمَ الرَّواعِدُ
وَمِنْهُ قِيلَ: أَوْشَمَ النبتُ إِذَا أَبصَرْتَ أَوَّله. وأَوْشَمَ البرْق: لمَعَ لَمْعاً خَفِيفًا؛ قَالَ أَبو زَيْدٍ: هُوَ أَوَّلُ الْبَرْقِ حِينَ يَبرُقُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
يَا مَن يَرى لِبارِقٍ قَدْ أَوْشَمَا
وَقَالَ اللَّيْثُ: أَوْشَمَتِ الأَرضُ إِذَا ظَهَرَ شَيْءٌ مِنْ نَبَاتِهَا؛ وأَوْشَمَ فُلَانٌ فِي ذَلِكَ الأَمر إِيشَاماً إِذَا نَظَرَ فِيهِ؛ قَالَ أَبو مُحَمَّدٍ الفَقْعسيّ:
إنَّ لَهَا رِيّاً إِذَا مَا أَوْشَما
وأَوْشَمَ يَفْعل ذَلِكَ أَيْ أَخذ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
أَوْشَمَ يَذْري وابِلًا رَوِيّا
وأَوْشَمَتِ المرأَةُ: بدأَ ثدْيُها يَنتَأُ كَمَا يُوشِم البرقُ. وأَوْشَمَ فِيهِ الشيبُ: كثُر وَانْتَشَرَ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. وأَوْشَمَ الكرْمُ: ابتدأَ يُلوِّن؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ. وَقَالَ مَرَّةً: أَوْشَمَ تَمَّ نُضْجُه. وأَوْشَمَت الأَعنابُ إِذَا لانَتْ وَطَابَتْ؛ وَقَوْلُهُ:
أقولُ وَفِي الأَكْفانِ أَبْيَضُ ماجِدٌ ... كغُصْنِ الأَراكِ وجهُه، حِينَ وَشَّما
يُرْوَى: وَشَّمَ ووَسَّمَ، فوَشَّمَ بَدَا وَرَقُهُ، ووَسَّم حسُن. وَمَا أَصابَتْنا العامَ وَشْمَةٌ أَيْ قَطْرَةُ مَطَرٍ. وَيُقَالُ: بَيْنَنَا وَشِيمَةٌ أَيْ كَلَامُ شَرٍّ أَوْ عَدَاوَةٌ. وَمَا عَصَاهُ وَشْمَةً أَيْ طَرْفة عَينٍ. وَمَا عصَيْتُه وَشْمَةً أَيْ كَلِمَةً. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: وَاللَّهِ مَا كتَمْتُ وَشْمَة
أَيْ كَلِمَةً حَكَاهَا. والوَشْمُ: مَوْضِعٌ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
رَدَدْتُهُمُ بالوَشْمِ تَدْمى لِثاتُهُمْ ... عَلَى شُعَبِ الأَكوار، مِيلَ العَمائم
أَيِ انصَرفوا خَزايا مَائِلَةً أَعناقُهم فَعَمَائِمُهُمْ قَدْ مَالَتْ، قَالَ: تَدْمى لِثاتُهم مِنَ الحَرَض، كَمَا يَقُولُونَ: جَاءَنَا تَضِبُّ لِثاتُه. والوَشْمُ: بَلَدٌ ذُو نَخْلٍ، بِهِ قَبَائِلُ مِنْ رَبيعة ومُضَر دُونَ الْيَمَامَةِ قَرِيبٌ مِنْهَا، يُقَالُ لَهُ وَشْمُ الْيَمَامَةِ. والوُشُوم: مَوْضِعٌ؛ والوَشْمُ فِي قَوْلِ جَرِيرٍ:
عَفَتْ قَرْقَرى والوَشْمُ، حَتَّى تنَكَّرَتْ ... أوارِيُّها، والخَيْلُ مِيلُ الدَّعائمِ
زَعَمَ أَبو عُثْمَانَ عَنِ الْحِرْمَازِيِّ أَنه ثَمَانُونَ قَرْيَةً، وَذَكَرَ ابْنُ الأَثير فِي تَرْجَمَةِ لَثَهَ فِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لعنَ الوَاشِمَة
؛ قَالَ نَافِعٌ: الوَشْمُ فِي اللِّثة، اللِّثة بِالْكَسْرِ وَالتَّخْفِيفِ، عُمور الأَسنان وَهُوَ مَغارِزُها، وَالْمَعْرُوفُ الْآنَ فِي الوَشْم أَنه عَلَى الجِلد والشِّفاه، والله أَعلم.
وصم: الوَصْمُ: الصَّدْعُ فِي العُود مِنْ غَيْرِ بَيْنونةٍ. يُقَالُ: بِهَذِهِ القَناة وَصْمٌ. وَقَدْ وَصَمْتُ الشيءَ إِذَا شَدَدته بِسُرْعَةٍ. وَصَمَه وَصْماً: صَدَعه. والوَصْمُ: الْعَيْبُ فِي الحَسَب، وَجَمْعُهُ وُصُومٌ؛ قَالَ:
أَرَى المالَ يَغْشى ذَا الوُصُومِ فَلَا تُرى، ... ويُدْعى مِنَ الأَشْراف أَنْ كَانَ غَانِيَا
وَرَجُلٌ مَوْصُومُ الحسَبِ إِذَا كَانَ مَعيباً. ووَصَمَ الشَّيْءَ: عَابَهُ. والوَصْمَةُ: الْعَيْبُ فِي الْكَلَامِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ خَالِدِ بْنِ صَفْوَانَ لِرَجُلٍ: رَحِم اللهُ أَباك فَمَا رأَيت رَجُلًا أَسْكَنَ فَوْراً، وَلَا أَبعَد غَوْراً، وَلَا آخَذَ بذَنَبِ حُجّةٍ، وَلَا أَعلمَ بوَصْمَةٍ وَلَا أُبْنةٍ فِي كَلَامِ مِنْهُ؛ الأُبْنة: الْعَيْبُ فِي الْكَلَامِ كالوَصْمة، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ. والوَصَمُ: المرَضُ. أَبو عُبَيْدٍ: الوَصْمُ الْعَيْبُ يَكُونُ فِي الإِنسان وَفِي كُلِّ شَيْءٍ والوَصْمُ: الْعَيْبُ وَالْعَارُ، يُقَالُ: مَا فِي فلانٍ وَصْمَة أَيْ عيبٌ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
فإنْ تكُ جَرْمٌ ذاتَ وَصْمٍ، فَإِنَّمَا ... دَلَفْنا إِلَى جَرْمٍ بأَلأَمَ مِن جَرْمِ(12/639)
الْفَرَّاءُ: الوَصْم الْعَيْبُ. وقَناةٌ فِيهَا وَصْمٌ أَيْ صَدع فِي أُنبوبها. والوَصْمَةُ: الفَتْرة فِي الْجَسَدِ. ووَصَّمَتْه الحُمَّى فتَوَصَّمَ: آلَمَتْه فتأَلَّم؛ أَنشد ثَعْلَبٌ لأَبي مُحَمَّدٍ الْفَقْعَسِيِّ:
لَمْ يَلْقَ بُؤْساً لحمُه وَلَا دَمُهْ، ... وَلَمْ تَبِتْ حُمَّى بِهِ تُوَصِّمُهْ
وَلَمْ يُجَشَّئْ عَنْ طعامٍ يُبْشِمُهْ، ... تَدُقُّ مِدْماكَ الطَّوِيِّ قَدَمُهْ
ووَصَّمَه: فتَّره وكسَّله؛ قَالَ لَبِيدٌ:
وَإِذَا رُمْتَ رَحِيلًا فارْتَحِلْ، ... واعْصِ مَا يأْمرُ تَوْصِيمُ الكَسِلْ
الْجَوْهَرِيُّ: التَّوْصِيمُ فِي الْجَسَدِ كالتَّكْسير والفَتْرة والكسَل. وَفِي الْحَدِيثِ:
وَإِنْ نامَ حَتَّى يُصْبِحَ أصبَح ثَقِيلًا مُوَصَّماً
؛ الوَصْمُ: الفَترة والكسَل وَالتَّوَانِي. وَفِي حَدِيثِ
فارِعة أُخت أُميَّة: قَالَتْ لَهُ هَلْ تجدُ شَيْئًا؟ قَالَ: لَا إِلَّا تَوْصِيماً فِي جَسَدِي
، وَيُرْوَى:
إِلَّا تَوْصِيباً
، بِالْبَاءِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. وَفِي كِتَابِ وَائِلِ بْنِ حُجْر: لَا تَوْصِيم فِي الدِّين أَيْ لَا تَفْتُروا فِي إقامةِ الحُدود ولا تُحابوا فيها.
وضم: الوَضَم: كلُّ شَيْءٍ يُوضَعُ عَلَيْهِ اللحمُ مِنْ خشبٍ أَوْ بارِيةٍ يُوقى بِهِ مِنَ الأَرض؛ قَالَ أَبو زُغْبة الْخَزْرَجِيُّ، وَقِيلَ: هُوَ للحُطَم الْقَيْسِيِّ، وَقِيلَ: هُوَ لرُشَيد بْنِ رُمَيض العَنزيّ:
لستُ بِراعي إبلٍ وَلَا غَنَمْ، ... وَلَا بِجَزَّارٍ عَلَى ظَهْرِ وَضَمْ
وَمَثَلُهُ قَوْلُ الْآخَرِ:
وفِتْيان صِدْقٍ حسان الوُجوهِ، ... لَا يجدونَ لشيءٍ أَلَمْ
مِنَ آلِ المُغيرةِ لَا يَشْهدون، ... عِنْدَ المَجازِرِ، لَحْمَ الوَضَمْ
وَالْجَمْعُ أَوْضَامٌ. وَفِي الْمَثَلِ: إِنَّ العَيْنَ تُدْني الرجالَ مِنْ أَكفانها والإِبل مِنْ أَوْضَامِها. وأَوْضَمَ اللحمَ وأَوْضَمَ لَهُ: وضَعَه عَلَى الوَضَم. ووَضَمَه يَضِمُه وَضْماً: عَمِلَ لَهُ وَضَماً، وَفِي الصِّحَاحِ: وضَعَه عَلَى الوَضَم. وترَكَهم لَحْماً عَلَى وَضَم: أَوْقَع بِهِمْ فذَلَّلَهم وأَوْجَعهم. والوَضَمُ: مَا وُضع عَلَيْهِ الطَّعَامُ فأُكِل؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
دَقّاً كدَقِّ الوَضَم المَرْفُوشِ
وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنه قَالَ: إِنَّمَا النِّسَاءُ لَحْمٌ عَلَى وَضَمٍ إلَّا مَا ذُبَّ عَنْهُ
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: قَالَ الأَصمعي الوَضَمُ الْخَشَبَةُ أَوِ الْبَارِيَةُ الَّتِي يوضعُ عَلَيْهَا اللحمُ، يَقُولُ: فهنَّ فِي الضَّعْفِ مِثْلُ ذَلِكَ اللحمِ لَا يمتنعُ مِنْ أَحد إلَّا أَن يُذَبَّ عَنْهُ ويُدْفَعَ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: إِنَّمَا خَصَّ اللحمَ الَّذِي عَلَى الوَضَم وشبَّه النساءَ بِهِ لأَن مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ فِي بَادِيَتِهَا إِذَا نُحر بعيرٌ لِجَمَاعَةِ الْحَيِّ يَقْتَسِمُونَهُ أَنْ يَقْلَعُوا شَجَرًا كَثِيرًا، ويوضمَ بعضُه عَلَى بَعْضٍ، ويُعَضَّى اللحمُ ويوضعَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُلْقى لحمُه عَنْ عُراقِه ويُقَطَّع عَلَى الوَضَمِ هَبْراً للقَسْمِ، وتُؤجَّج نارٌ، فَإِذَا سقطَ جَمْرُها اشْتَوى مَنْ شاءَ مِنَ الْحَيِّ شِواءَةً بَعْدَ أُخرى عَلَى جَمْرِ النَّارِ، لَا يُمْنع أَحدٌ مِنْ ذَلِكَ، فَإِذَا وَقعَت فِيهِ المَقاسِمُ وحازَ كلُّ شَريكٍ فِي الجَزورِ مَقْسِمَه حَوَّله عَنِ الوَضَمِ إِلَى بيتِه وَلَمْ يَعْرض لَهُ أَحد، فشبَّه النساءَ وقلَّةَ امتِناعِهِنَّ عَلَى طُلَّابِهِنَّ بِاللَّحْمِ مَا دَامَ عَلَى الوَضَمِ. قَالَ الْكِسَائِيُّ: إِذَا عَمِلْت لَهُ وَضَماً قُلْتَ وَضَمْتُه أَضِمُه، فَإِذَا وضَعْتَ اللحمَ عَلَيْهِ قُلْتَ أَوْضَمْتُه. والوَضِيمَةُ: طعامُ المَأْتَم، والوَضِيمَةُ، مِثْلُ(12/640)
الوَثيمةِ: الكلأُ الْمُجْتَمَعُ. والوَضِيمَةُ: القومُ يَنْزِلُونَ عَلَى الْقَوْمِ وَهُمْ قَلِيلٌ فيُحْسِنون إِلَيْهِمْ ويُكْرِمونهم. الْجَوْهَرِيُّ: قَالَ ابْنُ الأَعرابي الوَضْمَةُ والوَضِيمَةُ صِرْمٌ مِنَ النَّاسِ يَكُونُ فِيهِ مِائَتَا إنْسانٍ أَوْ ثلاثمائةٍ. والوَضِيمَةُ: القومُ يَقِلُّ عددُهم فَيَنْزِلُونَ عَلَى قَوْمٍ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ أَبَّاق الدُّبَيْريّ:
أَتَتْني مِنْ بَنِي كعْبِ بنِ عَمْرٍو ... وَضِيمَتُهم لكَيْما يسأَلوني
ووَضَمَ بَنُو فلانٍ عَلَى بَنِي فلانٍ إِذَا حَلُّوا عَلَيْهِمْ. ووَضَمَ القومُ وُضُوماً: تجمَّعوا وتقارَبوا. والقومُ وَضْمَةٌ وَاحِدَةٌ، بِالتَّسْكِينِ، أَيْ جَمَاعَةٌ مُتَقَارِبَةٌ. وَهُمْ فِي وَضْمَةٍ مِنَ النَّاسِ أَيْ جَمَاعَةٌ. وَإِنَّ فِي جَفِيرِه لَوَضْمةً مَنْ نَبْل أَيْ جَمَاعَةً. واسْتَوْضَمْتُ الرجلَ إِذَا ظَلمتَه واسْتَضَمْتَه. وتَوَضَّمَ الرجلُ المرأَةَ إِذَا وَقَعَ عَلَيْهَا. وَقَالَ أَبو الْخَطَّابِ الأَخفش: الوَضِيمُ مَا بَيْنَ الوُسْطى والبِنْصر. والأَوْضَمُ: موضع.
وطم: وَطَمَ السِّتْرَ: أَرْخاه. ووَطِمَ الرجلُ وَطْماً ووُطِمَ: احْتَبَسَ نَجْوُه، وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْهَمْزِ فِي تَرْجَمَةِ أَطم.
وظم: التَّهْذِيبُ: ابْنُ الأَعرابي الوَظْمَةُ التُّهَمة.
وعم: ذَكَرَ الأَزهري عَنْ يُونُسَ بْنِ حَبِيبٍ أَنه قَالَ: يُقَالُ وَعَمْتُ الدَّارَ أَعِمُ وَعْماً أَيْ قُلْتُ لَهَا انْعِمي؛ وأَنشد:
عِما طَلَلَيْ جُمْلٍ عَلَى النَّأْيِ واسْلَما
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَعَمَ الدارَ قَالَ لَهَا عِمِي صَباحاً؛ قَالَ يُونُسُ: وَسُئِلَ أَبو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ عَنْ قَوْلِ عَنْتَرَةَ:
وعِمِي صَباحاً دارَ عَبْلَة واسْلَمي
فَقَالَ: هُوَ كَمَا يَعْمِي المطرُ ويَعْمي البحرُ بزَبَدِه، وأَراد كثرةَ الدُّعَاءِ لَهَا بالاسْتِسْقاء؛ قَالَ الأَزهري: إِنْ كَانَ مِنْ عَمى يَعْمي إِذَا سَالَ فَحَقُّهُ أَنْ يُرْوى واعْمِي صَباحاً فَيَكُونُ أَمْراً مِنْ عَمى يَعْمي إِذَا سَالَ أَوْ رَمى، قَالَ: وَالَّذِي سَمِعْنَاهُ وحَفِظْناه فِي تَفْسِيرِ عِمْ صَباحاً أَن مَعْنَاهُ انْعِمْ صَباحاً، كَذَلِكَ رُوِيَ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، قَالَ: وَيُقَالُ انْعِمْ صَباحاً وعِمْ صَبَاحًا بِمَعْنًى وَاحِدٍ؛ قَالَ الأَزهري: كأَنه لَمَّا كَثُرَ هَذَا الْحَرْفُ فِي كَلَامِهِمْ حَذَفُوا بعضَ حُروفه لمَعرفةِ المُخاطَب بِهِ، وَهَذَا كَقَوْلِهِمْ: لاهُمَّ، وتمامُ الْكَلَامِ اللَّهم، وَكَقَوْلِكَ: لهِنَّك، والأَصل لِلَّهِ إِنَّكَ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعَمَ بالخَبَر وَعْماً أَخْبَرَ بِهِ وَلَمْ يَحُقَّه، وَالْغَيْنُ الْمُعْجَمَةُ أَعلى. والوَعْم: خُطَّةٌ فِي الْجَبَلِ تُخالف سَائِرَ لَونه، وَالْجَمْعُ وِعَامٌ.
وغم: الوَغْمُ: القَهْرُ. والوَغْمُ: الذَّحْلُ والتِّرَة. والأَوْغَامُ: التِّراتُ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لخَديج بْنِ حَبيب:
وَيَا ملِكٌ يُسابِقُنا بوَغْمٍ، ... إِذَا مَلِكٌ طلَبْناه بوَتْرِ
وَقَالَ رُؤْبَةُ:
يَمْطُو بِنَا مَنْ يَطْلُبُ الوُغوما
وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ: وَإِنَّ بَنِي تَمِيمٍ لَمْ يُسْبَقُوا بوَغْمٍ فِي جاهليةٍ وَلَا إسْلامٍ
؛ الوَغْمُ: التِّرَةُ. والوَغْمُ: الحِقْدُ الثابتُ فِي الصدورِ، وجَمعه أَوْغَامٌ؛ قَالَ:
لَا تَكُ نَوّاماً عَلَى الأَوْغَامِ
والوَغْمُ: الشَّحْناء والسَّخيمةُ. ووَغِمَ عَلَيْهِ، بِالْكَسْرِ، أَيْ حَقَدَ، وَقَدْ وَغِمَ صدرُه يَوْغَمُ وَغْماً ووَغَماً، ووَغَمَ وأَوْغَمَه هُوَ. ورجلٌ وَغْمٌ:(12/641)
حَقُودٌ. وتَوَغَّمَ إِذَا اغْتَاظَ. والوَغْمُ: القِتالُ وتَوَغَّمَ القومُ وتَوَاغَمُوا: تَقاتَلوا، وَقِيلَ: تَناظروا شَزْراً فِي الْقِتَالِ. وتَوَغَّمَت الأَبطالُ فِي الحرْب إِذَا تَناظَرت شَزْراً. ووَغَمَ بِهِ وَغْماً: أَخْبَره بخَبرٍ لَمْ يُحَقِّقْه. ووَغَمْتُ بالخبَر أَغِمُ وَغْماً إِذَا أَخْبَرْت بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَسْتَيْقِنَه أَيضاً، مِثْلُ لَغَمْتُه، بِالْغَيْنِ مُعْجَمَةً. التَّهْذِيبِ عَنْ أَبي زَيْدٍ: الوَغْمُ أَنْ تُخْبِرَ عَنِ الإِنسان بالخَبر مِنْ وَراء وَراء لَا تَحُقُّه. الْكِسَائِيُّ: إِذَا جَهِلَ الخبرَ قَالَ غَبَيْتُ عَنْهُ، فَإِنْ أَخْبَره بشيء لا يستيقنه قَالَ وَغَمْتُ أَغِمُ وَغْماً. ووَغَمَ إِلَى الشَّيْءِ: ذهَب وَهْمُه إِلَيْهِ كوَهَم. وَذَهَبَ إِلَيْهِ وَغْمِي أَيْ وَهْمي؛ كلُّ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. ابْنُ نَجْدَةَ عَنْ أَبي زَيْدٍ: الوَغْمُ النَّفَسُ؛ قَالَ أَبو تُرَابٍ: سَمِعْتُ أَبا الجَهْم الْجَعْفَرِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ مِنْهُ نَغْمَةً ووَغْمَةً عَرَفْتُها، قَالَ: والوَغْمُ النَّغْمةُ؛ وأَنشد:
سمِعْتُ وَغْماً منْكَ يَا بَا الهَيْثَمِ، ... فقلتُ: لَبَّيْهِ، وَلَمْ أَهْتَمِ
قَالَ: لَمْ أَهْتَمْ وَلَمْ أَعْتَمْ أَيْ لَمْ أُبطئ. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ:
كلُوا الوَغْمَ واطرَحوا الفَغْمَ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: الوَغْم مَا تَساقَط مِنَ الطَّعَامِ، وَقِيلَ: مَا أَخرجَه الخِلال، والفَغْمُ مَا أَخْرَجْتَه بطرفِ لسانِك مِنْ أَسنانك، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ.
وَقَمَ: الوَقْمُ: جَذْبُكَ العِنانَ. وَقَمَ الدابَّةَ وَقْماً: جَذبَ عِنانَها لتَكُفَّ. ووَقَمَ الرجلَ وَقْماً ووَقَّمَه: أَذلَّه وقهَره، وَقِيلَ: رَدَّه أَقبح الرَّدِّ؛ وأَنشد الْجَوْهَرِيُّ:
بِهِ أَقِمُ الشُّجاعَ، لَهُ حُصاصٌ ... مِنَ القَطِمِينَ، إذْ فَرَّ اللُّيوثُ
والقَطِمُ: الهائجُ. وَقَمْتُ الرَّجُلَ عَنْ حَاجَتِهِ: رَدَدْتُه أَقْبَحَ الردِّ. ووَقَمَه الأَمرُ وَقْماً: حَزَنَه أَشدَّ الحُزْنِ. والمَوْقُوم والمَوكوم: الشَّدِيدُ الحُزْنِ، وَقَدْ وَقَمَه الأَمرُ ووَكَمَهُ. الأَصمعي: المَوْقُومُ إِذَا رَدَدْتَه عَنْ حاجتِه أشدَّ الرَّدِّ؛ وأَنشد:
أَجاز مِنّا جائزٌ لَمْ يُوقَم
وَيُقَالُ: قِمْه عَنْ هَوَاهُ أَيْ ردَّه. ابْنُ السِّكِّيتِ: إِنَّكَ لَتَوَقَّمُني بِالْكَلَامِ أَيْ تَرْكَبُني وتَتَوثَّبُ عَلَيَّ، قَالَ: وَسَمِعْتُ أَعرابيّاً يَقُولُ التَّوَقُّمُ التَّهدُّدُ والزجرُ. الْجَوْهَرِيُّ: الوَقْمُ كسْرُ الرجُل وَتَذْلِيلُهُ. يُقَالُ: وَقَمَ اللَّهُ العَدوَّ إِذَا أَذَلَّه، ووُقِمَت الأَرض أَيْ وُطِئت وأُكِلَ نَباتُها، قَالَ: وَرُبَّمَا قَالُوا وُكِمَت، بِالْكَافِ، وَكَذَلِكَ المَوْكومُ. والوِقَامُ: السيفُ، وَقِيلَ: السوطُ، وَقِيلَ: الْعَصَا، وَقِيلَ: الحَبْلُ؛ قَالَ أَبو زَيْدٍ: رَوَاهُ ابْنُ دُرَيْدٍ فِي كِتَابِهِ؛ التَّهْذِيبُ: وَأَمَّا قَوْلُ الأَعشى:
بَناها مِنَ الشَّتْوِيِّ رامٍ يُعِدُّها، ... لِقَتْلِ الهَوادِي، داجنٌ بالتَّوَقُّمِ
قَالَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ معتادٌ للتَّوَلُّج فِي قُتْرَتِه. وتَوَقَّمْت الصيدَ: قَتَلْتُه. وفلانٌ يَتَوَقَّمُ كَلَامِي أَيْ يَتَحَفَّظُه ويَعِيه. ووَاقِمٌ: أُطُمٌ مِنْ آطامِ الْمَدِينَةِ. وحَرَّةُ وَاقِمٍ: معروفةٌ مُضَافَةٌ إِلَيْهِ، وَقَدْ وَرَدَ ذكرُها فِي الْحَدِيثِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
لَوَ انَّ الرَّدى يَزْوَرُّ عَنْ ذِي مَهابةٍ، ... لَهابَ خُضَيْراً يومَ أَغْلَقَ وَاقِما
وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ خَزرج يُقَالُ لَهُ خُضَير الْكَتَائِبُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنه حُضَير، بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ لَا غَيْرَ، ورأَيت هُنَا حَاشِيَةً بِخَطِّ الشَّيْخِ رَضِيِّ الدِّينِ(12/642)
الشَّاطِبِيِّ النَّحْوِيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: لَيْسَ حُضَير مِنَ الْخَزْرَجِ، وَإِنَّمَا هُوَ أَوْسِيّ أَشْهَليّ، وَحَاؤُهُ فِي أَوله مُهْمَلَةٌ، قَالَ: لَا أَعلم فِيهَا خِلَافًا، وَاللَّهُ أَعلم.
وَكَمَ: وَكَمَ الرجلَ وكْماً: ردَّه عَنْ حَاجَتِهِ أَشدَّ الردِّ. ووَكِمَ مِنَ الشَّيْءِ: جَزِعَ واغْتَمَّ لَهُ مِنْهُ. الْكِسَائِيُّ: المَوْقومُ والمَوْكُومُ الشديدُ الحُزْنِ. ووَقَمه الأَمرُ وَوَكَمَه أَيْ حَزَنه. ووُكِمَت الأَرضُ: وُطِئت وأُكِلَت ورُعِيَت فَلَمْ يَبْقَ فِيهَا مَا يَحْبِس النَّاسَ. ابْنُ الأَعرابي: الوَكْمَةُ الغَيْظةُ المُشْبَعةُ «2» والوَمْكةُ الفُسْحةُ.
وَلَمَ: الوَلْمُ والوَلَمُ: حِزامُ السَّرْج والرَّحْل. والوَلْمُ: الحَبْلُ الَّذِي يُشَدُّ مِنَ التصْدير إِلَى السِّناف لِئَلَّا يَقْلَقا. والوَلْمُ: القَيْدُ. والوَلِيمَةُ: طعامُ العُرس والإِمْلاكِ، وَقِيلَ: هِيَ كلُّ طعامٍ صُنِع لعُرْسٍ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ أَوْلَمَ. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: سَمِعْتُ أَبا زَيْدٍ يَقُولُ: يسمَّى الطعامُ الَّذِي يُصْنَع عِنْدَ العُرس الوَلِيمَةَ، وَالَّذِي عِنْدَ الإِمْلاكِ النَّقيعةَ؛
وَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَقَدْ جَمَعَ إِلَيْهِ أَهلَه: أَوْلِمْ وَلَوْ بشاةٍ
أَي اصْنَع وَليمةً، وَأَصْلُ هَذَا كلِّه مِنْ الِاجْتِمَاعِ، وتكرَّر ذِكْرُهَا فِي الْحَدِيثِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَا أَوْلَمَ عَلَى أَحد مِنْ نِسَائِهِ مَا أَوْلَمَ عَلَى زينبَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا.
أَبو الْعَبَّاسِ: الوَلْمَةُ تمامُ الشَّيْءِ واجتِماعُه. وأَوْلَمَ الرجلُ إِذَا اجتمعَ خَلْقُه وعقلُه. أَبو زَيْدٍ: رجلٌ وَيْلُمِّه داهيةٌ أَيُّ داهيةٍ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي:؛ إِنَّهُ لَوَيْلُمِّه مِنَ الرِّجَالِ مثلُه، والأَصل فِيهِ وَيْلٌ لأُمِّه، ثُمَّ أُضيف وَيْلٌ إِلَى الأُم.
وَنَمَ: الوَنِيمُ: خُرْءُ الذُّبَابِ، وَنَمَ الذُّبابُ وَنْماً ووَنِيماً وذَقَطَ. الْجَوْهَرِيُّ: وَنِيمُ الذُّبَابِ سَلْحه؛ وأَنشد الأَصمعي لِلْفَرَزْدَقِ:
لَقَدْ وَنَمَ الذُّبابُ عَلَيْهِ، حَتَّى ... كأَنَّ وَنِيمَه نُقَطُ المِدادِ
وَهَمَ: الوَهْمُ: مِنْ خَطَراتِ الْقَلْبِ، وَالْجَمْعُ أَوْهامٌ، وَلِلْقَلْبِ وَهْمٌ. وتَوَهَّمَ الشيءَ: تخيَّله وتمثَّلَه، كَانَ فِي الْوُجُودِ أَو لَمْ يَكُنْ. وَقَالَ: تَوهَّمْتُ الشيءَ وتفَرَّسْتُه وتَوسَّمْتُه وتَبَيَّنْتُه بِمَعْنَى وَاحِدٍ؛ قَالَ زُهَيْرٌ فِي مَعْنَى التَوَهُّم:
فَلأْياً عَرَفْتُ الدَّارَ بعدَ تَوهُّمِ «3»
. وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَا تُدْرِكُه أَوْهامُ العِبادِ. وَيُقَالُ: تَوَهَّمْت فيَّ كَذَا وَكَذَا. وأَوْهَمْت الشَّيْءَ إِذَا أَغفَلْته. وَيُقَالُ: وَهِمْتُ فِي كَذَا وَكَذَا أَيْ غلِطْتُ. ثَعْلَبٌ: وأَوْهَمْتُ الشيءَ تركتُه كلَّه أُوهِمُ. وَفِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنه صلَّى فأَوْهَمَ فِي صلاتِه، فَقِيلَ: كأَنك أَوْهَمْت فِي صلاتِك، فَقَالَ: كيف لَا أُوهِمُ ورُفغُ أَحدِكم بَيْنَ ظُفُره وأَنْمُلَتِه
؟ أَيْ أَسقَط مِنْ صِلَاتِهِ شَيْئًا. الأَصمعي: أَوْهَمَ إِذَا أَسقَط، وَوَهِمَ إِذَا غَلِط. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنَّهُ سجَد للوَهَمِ وَهُوَ جَالِسٌ
أَيْ لِلْغَلَطِ. وأَورد ابنُ الأَثير بعضَ هَذَا الْحَدِيثِ أَيضاً فَقَالَ:
قِيلَ لَهُ كأَنك وَهِمْتَ، قَالَ: وَكَيْفَ لَا أَيهَمُ
؟ قَالَ: هَذَا عَلَى لُغَةِ بَعْضِهِمْ، الأَصلُ أَوْهَمُ بِالْفَتْحِ والواوِ، فكُسِرت الهمزةُ لأَنَّ قَوْمًا مِنَ الْعَرَبِ يكسِرون مُسْتقبَل فَعِل فَيَقُولُونَ إعْلَمُ وتِعْلَم، فَلَمَّا كَسَرَ هَمْزَةَ أوْهَمُ انْقَلَبَتِ الواوُ يَاءً. ووَهَمَ إِلَيْهِ يَهِمُ وَهْماً: ذَهب وهْمُه إِلَيْهِ. ووَهَمَ في
__________
(2) . قوله [الغيظة المشبعة] هذا ما بالأَصل والتهذيب والتكملة وفيها جميعها المشبعة بالشين المعجمة كالقاموس
(3) . صدر البيت:
وقَفْتُ بها من بعدِ عشرين حِجَّةً(12/643)
الصَّلَاةِ وَهْماً ووَهِمَ، كِلَاهُمَا: سَهَا. ووَهِمْتُ فِي الصَّلَاةِ: سَهَوْتُ فأَنا أَوْهَمُ. الْفَرَّاءُ: أَوْهَمْتُ شَيْئًا ووَهَمْتُه، فَإِذَا ذَهَبَ وَهْمُك إِلَى الشَّيْءِ قُلْتَ وَهَمْت إِلَى كَذَا وَكَذَا أَهِمُ وَهْماً. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه وَهَمَ فِي تَزْوِيجِ ميمونةَ
أَيْ ذهَب وَهْمُه. ووَهَمْت إِلَى الشيءِ إِذَا ذَهَبَ قلبُك إِلَيْهِ وأَنت تُرِيدُ غيرَهُ أَهِمُ وَهْماً. الْجَوْهَرِيُّ: وَهَمْتُ فِي الشَّيْءِ، بِالْفَتْحِ، أَهِمُ وَهْماً إِذَا ذهَبَ وَهْمُك إِلَيْهِ وأَنت تُرِيدُ غَيْرَهُ، وتوَهَّمْتُ أَيْ ظَنَنْتُ، وأَوْهَمْتُ غَيْرِي إيهَاماً، والتَّوْهِيمُ مثلُه؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لحُميد الأَرْقط يَصِفُ صَقْراً:
بَعِيد تَوْهِيم الوِقاع والنَّظَرْ
وَوَهِمَ، بِكَسْرِ الْهَاءِ: غَلِط وسَهَا. وأَوْهَمَ مِنَ الْحِسَابِ كَذَا: أَسقط، وَكَذَلِكَ فِي الْكَلَامِ وَالْكِتَابِ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: أَوْهَمَ ووَهِمَ ووَهَمَ سَوَاءٌ؛ وأَنشد:
فَإِنْ أَخْطَأْتُ أَو أَوْهَمْتُ شَيْئًا، ... فَقَدْ يَهِمُ المُصافي بالحَبيبِ
قَوْلُهُ شَيْئًا مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ؛ وَقَالَ الزِّبْرِقان بْنُ بَدْر:
فبِتِلك أَقْضي الهَمَّ إِذْ وَهِمَتْ بِهِ ... نَفْسي، ولستُ بِنَأْنإٍ عَوّارِ
شَمِرٌ: أَوْهَمَ ووَهِمَ وَوَهَمَ بِمَعْنَى، قَالَ: وَلَا أَرى الصَّحِيحَ إلَّا هَذَا. الْجَوْهَرِيُّ: أَوْهَمْتُ الشيءَ إِذَا تَرَكْتُهُ كلَّه. يُقَالُ: أَوْهَمَ مِنَ الْحِسَابِ مِائَةً أَيْ أَسقَط، وأَوْهَمَ مِنْ صِلَاتِهِ رَكْعَةً، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَوْهَمْتُ أَسقطتُ مِنَ الْحِسَابِ شَيْئًا، فَلَمْ يُعَدِّ أَوْهَمْتُ. وأَوْهَمَ الرجلُ فِي كِتَابِهِ وَكَلَامِهِ إِذَا أَسقَط. ووَهِمْتُ فِي الْحِسَابِ وَغَيْرِهِ أَوْهَمُ وَهَماً إِذَا غَلِطت فِيهِ وسَهَوْت. وَيُقَالُ: لَا وَهْمَ مِنْ كَذَا أَيْ لَا بُدَّ مِنْهُ. والتُّهَمَةُ: أَصْلُهَا الوُهَمةُ مِنَ الوَهْم، وَيُقَالُ اتَّهَمْتُه افتِعال مِنْهُ. يُقَالُ: اتَّهَمْتُ فُلَانًا، عَلَى بِنَاءِ افتعَلْت، أَيْ أَدخلتُ عَلَيْهِ التُّهَمة. الجوهري: اتَّهَمْتُ فلاناً بكذا، وَالِاسْمُ التُّهَمَةُ، بِالتَّحْرِيكِ، وأَصل التَّاءِ فِيهِ واوٌ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي وَكلَ. ابْنُ سِيدَهْ: التُّهَمَةُ الظنُّ، تَاؤُهُ مبدلةٌ مِنْ واوٍ كَمَا أَبْدَلُوهَا فِي تُخَمةٍ؛ سِيبَوَيْهِ: الْجَمْعُ تُهَمٌ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنه جَمْعٌ مُكَسَّرٌ بِقَوْلِ الْعَرَبِ: هِيَ التُّهَمُ، وَلَمْ يَقُولُوا هُوَ التُّهمُ، كَمَا قَالُوا هُوَ الرُّطَبُ، حَيْثُ لَمْ يَجْعَلُوا الرُّطَبَ تَكْسِيرًا، أَنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ شَعيرة وشَعير. واتَّهَمَ الرجلَ وأَتْهَمَه وأَوْهَمَه: أَدخلَ عَلَيْهِ التُّهمةَ أَيْ مَا يُتَّهَم عَلَيْهِ، واتَّهَمَ هُوَ، فَهُوَ مُتَّهِمٌ وتَهِيمٌ؛ وأَنشد أَبو يَعْقُوبَ:
هُما سَقياني السُّمَّ مِنْ غيرِ بِغضةٍ، ... عَلَى غيرِ جُرْمٍ فِي إناءِ تَهِيمِ
وأَتْهَمَ الرجُل، عَلَى أَفْعَل، إِذَا صَارَتْ بِهِ الرِّيبةُ. أَبُو زَيْدٍ: يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا اتَّهَمْتَه: أَتْهَمْتُ إتْهَاماً، مِثْلَ أَدْوَأْتُ إدْواءً. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه حُبس فِي تُهْمةٍ
؛ التُّهْمةُ: فُعْلةٌ مِنَ الوَهْم، وَالتَّاءُ بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ وَقَدْ تُفْتَحُ الْهَاءُ. واتَّهَمْتُه: ظننتُ فِيهِ مَا نُسب إِلَيْهِ. والوَهْمُ: الطَّرِيقُ الْوَاسِعُ، وَقَالَ اللَّيْثُ: الوَهْمُ الطريقُ الْوَاضِحُ الَّذِي يَرِدُ المَوارِدَ ويَصْدُرُ المَصادِرَ؛ قَالَ لَبِيدٌ يَصِفُ بعيرَه وبعيرَ صَاحِبِهِ:
ثُمَّ أَصْدَرْناهُما فِي واردٍ ... صادرٍ، وَهْمٍ صُواهُ، كالمُثُلْ(12/644)
أَراد بالوَهْمِ طَرِيقًا وَاسِعًا؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ نَاقَتَهُ:
كأَنها جَمَلٌ وَهْمٌ، وَمَا بَقِيتْ ... إِلَّا النَّحيزةُ والأَلْواحُ والعَصَبُ
أَراد بالوَهْم جَمَلًا ضَخْماً، والأُنثى وَهْمَةٌ؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:
يَجْتابُ أَرْدِيَةَ السَّرابِ، وَتَارَةً ... قُمُصَ الظّلامِ، بوَهْمةٍ شِمْلالِ
والوَهْم: العظيمُ مِنَ الرِّجَالِ والجمالِ، وَقِيلَ: هُوَ مِنَ الإِبل الذَّلولُ المُنْقادُ مَعَ ضِخَمٍ وقوّةٍ، وَالْجَمْعُ أَوْهَامٌ ووُهُومٌ ووُهُمٌ. وَقَالَ اللَّيْثُ: الوَهْمُ الجملُ الضخم الذَّلُولُ.
وَيَمَ: قَالَ فِي تَرْجَمَةِ وأَم: ابْنُ الأَعرابي الوَأْمةُ المُوافقَةُ، والوَيْمَةُ التُّهْمَةُ، وَاللَّهُ أَعلم.
فصل الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتِهَا
يَتَمَ: اليُتْمُ: الانفرادُ؛ عَنْ يَعْقُوبَ. واليَتِيم: الفَرْدُ. واليُتْمُ واليَتَمُ: فِقْدانُ الأَب. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: اليُتْمُ فِي النَّاسِ مِنْ قِبَل الأَب، وَفِي الْبَهَائِمِ مِنْ قِبَل الأُم، وَلَا يُقَالُ لِمَنْ فَقَد الأُمَّ مِنَ النَّاسِ يَتِيمٌ، وَلَكِنْ مُنْقَطِعٌ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: اليَتِيمُ الَّذِي يَمُوتُ أَبوه، والعَجِيُّ الَّذِي تَمُوتُ أُمه، واللَّطيم الَّذِي يموتُ أَبَواه. وَقَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: يَنْبَغِي أَن يَكُونَ اليُتْمُ فِي الطَّيْرِ مِنْ قِبَل الأَب والأُمِّ لأَنهما كِلَيْهِما يَزُقَّانِ فِراخَهما، وَقَدْ يَتِمَ الصبيُّ، بالكسر، يَيْتَمُ يُتْماً ويَتْماً، بِالتَّسْكِينِ فِيهِمَا. وَيُقَالُ: يَتَمَ ويَتِمَ وأَيْتَمَه اللهُ، وَهُوَ يَتِيمٌ حَتَّى يبلغَ الحُلُم. اللَّيْثُ: اليَتِيمُ الَّذِي مَاتَ أَبوه فَهُوَ يَتِيمٌ حَتَّى يبلغَ، فإِذا بَلَغَ زَالَ عَنْهُ اسمُ اليُتْم، وَالْجَمْعُ أَيْتَامٌ ويَتَامَى ويَتَمَةٌ، فأَما يَتَامَى فَعَلَى بَابِ أَسارى، أَدخلوه فِي بَابِ مَا يَكْرَهُونَ لأَن فَعالى نظيرُه فَعْلى، وأَما أَيْتَام فإِنه كُسِّر عَلَى أَفعالٍ كَمَا كَسَّرُوا فَاعِلًا عَلَيْهِ حِينَ قَالُوا شَاهِدٌ وأَشْهاد، ونظيرُه شريفٌ وأَشْراف ونَصِيرٌ وأَنْصارٌ، وأَما يَتَمَةٌ فَعَلَى يَتَمَ فَهُوَ يَاتِمٌ، وإِن لَمْ يَسْمَعِ «4» . الْجَوْهَرِيُّ يَتَّمَهم اللَّهُ تَيْتِيماً جَعَلَهُمْ أَيْتَاماً؛ قَالَ الفِنْدُ الزِّمَّانيّ وَاسْمُهُ شَهْل بْنُ شَيْبان:
بضَرْبٍ فِيهِ تَأْيِيمُ، ... وتَيْتِيمٌ وإِرْنانُ
قَالَ الْمُفَضَّلُ: أَصل اليُتْم الغفْلةُ، وسمي اليَتِيمُ يَتِيماً لأَنه يُتَغافَلُ عَنْ بَرِّه. وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: اليُتْم الإِبطاء، وَمِنْهُ أُخذ اليَتيم لأَن البِرَّ يُبْطِئُ عَنْهُ. ابْنُ شُمَيْلٍ: هُوَ فِي مَيْتَمةٍ أَي فِي يَتامى، وَهَذَا جَمْعٌ عَلَى مَفْعَلةٍ كَمَا يُقَالُ مَشْيَخة للشُّيوخ ومَسْيَفَة للسُّيوف. وَقَالَ أَبو سَعِيدٍ: يُقَالُ لِلْمَرْأَةِ يَتِيمةٌ لَا يَزُولُ عَنْهَا اسمُ اليُتْمِ أَبداً؛ وأَنشدوا:
وينْكِح الأَرامِل اليَتَامَى
وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: تُدْعى يَتِيمَةً مَا لَمْ تَتزوج، فإِذا تَزوَّجت زَالَ عَنْهَا اسمُ اليُتْم؛ وَكَانَ المُفَضَّل يَنْشُدُ:
أَفاطِمَ، إِني هالكٌ فتثَبَّتي، ... وَلَا تَجْزَعي، كلُّ النِّسَاءِ يَتيمُ
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ
؛ أَي أَعطوهم أَموالَهُم إِذا آنَسْتم مِنْهُمْ رُشْداً، وسُمُّوا يَتَامَى بَعْدَ أَن أُونِسَ مِنْهُمُ الرُّشْدُ بِالِاسْمِ الأَول الَّذِي كَانَ لَهُمْ قَبْلَ إِيناسِه مِنْهُمْ، وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ اليُتْم واليَتِيمِ واليَتيمة والأَيْتام وَالْيَتَامَى وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُ. واليُتْمُ في الناس: فَقدُ
__________
(4) . قولهم: وإن لم يسمع؛ هكذا في الأصل، ولعلّ في الكلام سقطاً(12/645)
الصَّبِيِّ أَباه قَبْلَ الْبُلُوغِ، وَفِي الدَّوَابِّ: فَقْدُ الأُمّ، وأصلُ اليُتْم، بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ، الانفرادُ، وَقِيلَ: الغفْلةُ، والأُنثى يَتيمةٌ، وَإِذَا بَلَغا زَالَ عَنْهُمَا اسمُ اليُتْم حَقِيقَةً، وقد يطلق عليهما مَجَازًا بَعْدَ الْبُلُوغِ كَمَا كَانُوا يُسَمُّون النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ كبيرٌ يَتِيمَ أَبي طَالِبٍ لأَنه رَبَّاه بَعْدَ موتِ أَبيه. وَفِي الْحَدِيثِ:
تُسْتأْمَرُ اليَتِيمَة فِي نَفْسها، فإِن سَكَتَتْ فَهُوَ إِذْنُها
؛ أَراد باليَتِيمَة البِكْرَ البالغةَ الَّتِي مَاتَ أَبوها قَبْلَ بلوغِها فلَزِمَها اسْمُ اليُتْمِ، فدُعِيت بِهِ وَهِيَ بالغةٌ مَجَازًا. وَفِي حَدِيثِ
الشَّعْبِيِّ: أَن امرأَة جاءَت إِليه فَقَالَتْ إِني امرأَةٌ يَتِيمَةٌ، فضَحِك أَصحابُه فَقَالَ: النساءُ كلُّهنّ يَتَامَى
أَي ضَعائفُ. وَحَكَى ابْنُ الأَعرابي: صَبيٌّ يَتْمانُ؛ وأَنشد لأَبي العارِم الْكِلَابَيِّ:
فَبِتُّ أُشَوِّي صِبْيَتي وحَليلتي ... طَرِيّاً، وجَرْوُ الذِّئب يَتْمَانُ جائعُ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَحْرِ بيَتَامَى أَن يَكُونَ جمعَ يَتْمَانَ أَيضاً. وأَيْتَمَتِ المرأَةُ وَهِيَ مُوتِمٌ: صَارَ ولدُها يَتيماً أَو أَولادُها يَتَامَى، وَجَمْعُهَا مَيَاتِيمُ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَتْ لَهُ بنتُ خُفَافٍ الغِفاريّ: إِنَّي امرأَةٌ مُوتِمةٌ تُوُفِّي زَوْجِي وتَركَهم.
وَقَالُوا: الحَرْبُ مَيْتَمَةٌ يَيْتَمُ فِيهَا البَنونَ، وَقَالُوا: لَا يَحَا «1» ..... الْفَصِيلَ عَنْ أُمّه فإِن الذِّئْب عالمٌ بِمَكَانِ الفَصِيل اليَتِيم. واليَتَمُ: الغَفْلةُ. ويَتِمَ يَتَماً: قصَّر وفَتَر؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
وَلَا يَيْتَمُ الدَّهْرُ المُواصِل بينَه ... عَنِ الفَهِّ، حَتَّى يَسْتَدِير فيَضْرَعا
واليَتَمُ: الإِبْطاءُ وَيُقَالُ: فِي سَيْرِهِ يَتَمٌ؛ بِالتَّحْرِيكِ، أَي إِبْطاءٌ؛ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ شَأْسٍ:
وإِلا فسِيرِي مثْلَ مَا سارَ راكِبٌ ... تَيَمَّمَ خِمْساً، لَيْسَ فِي سَيْرِه يَتَمْ
يُرْوَى أَمَم. واليَتَمُ أَيضاً: الحاجةُ؛ قَالَ عِمْران بْنُ حِطّان:
وفِرَّ عنِّي مِنَ الدُّنْيا وعِيشَتها، ... فَلَا يكنْ لَكَ فِي حَاجَاتِهَا يَتَمُ
ويَتِمَ مِنْ هَذَا الأَمر يَتَماً: انْفَلَت. وكلُّ شَيْءٍ مُفْرَدٍ بِغَيْرِ نَظيرِه فَهُوَ يَتِيمٌ. يُقَالُ: دُرّةٌ يَتِيمَةٌ. الأَصمعي: اليَتِيمُ الرَّمْلةُ المُنْفردة، قَالَ: وكلُّ مُنْفردٍ ومنفردةٍ عِنْدَ الْعَرَبِ يَتِيمٌ ويَتِيمَةٌ؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي أَيضاً الْبَيْتَ الَّذِي أَنشده الْمُفَضَّلُ:
وَلَا تَجْزَعي، كلُّ النِّسَاءِ يَتِيمُ
وَقَالَ: أَي كلُّ مُنْفردٍ يَتِيمٌ. قَالَ: وَيَقُولُ النَّاسُ إِنّي صَحَّفت وإِنما يُصَحَّف مِنَ الصَّعْبِ إِلى الهيّنِ لَا مِنَ الْهَيِّنِ إِلى الصَّعْبِ «2» . ابْنُ الأَعرابي: المَيْتَمُ المُفْرَدُ «3» . مِنْ كُلِّ شيء.
يَسَمَ: الياسِمِينُ والياسَمِينُ: مَعْرُوفٌ، فارسيٌّ معرَّب، قَدْ جَرَى فِي كَلَامِ الْعَرَبِ؛ قَالَ الأَعشى:
وشاهِسْفَرَمْ واليَاسِمينُ ونَرْجِسٌ ... يُصَبِّحُنا فِي كلُّ دَجْنٍ تَغَيَّما
فَمَنْ قَالَ يَاسِمُونَ جَعَلَ واحدَه يَاسِماً، فكأَنه فِي التَّقْدِيرِ يَاسِمَة لأَنّهم ذَهَبُوا إِلى تأْنيث الرَّيْحانة والزَّهْرة، فَجَمَعُوهُ عَلَى هجاءَيْن، وَمَنْ قَالَ ياسِمينُ فَرَفَعَ النُّونَ جعَله وَاحِدًا وأَعرب نُونَه، وقد جاء
__________
(1) . كذا بياض بالأَصل
(2) . هذه الجملة من [قال ويقول الناس] لا تتعلق بما قبلها ولا بما بعدها
(3) . قوله [المَيْتَم المفرد] كذا بالأصل(12/646)
اليَاسِمُ فِي الشِّعْرِ فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى زِيَادَةِ يائِه ونونِه؛ قَالَ أَبو النَّجْمِ:
منْ ياسِمٍ بِيضٍ ووَرْدٍ أَحْمَرا ... يَخْرُج مِنْ أَكْمامِه مُعَصْفَرا
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يَاسِمٌ جمعُ يَاسِمَةٍ، فَلِهَذَا قَالَ بِيض، وَيُرْوَى: ووَرْدٍ أَزْهرا. الْجَوْهَرِيُّ: بَعْضُ الْعَرَبِ يَقُولُ شَمِمْت اليَاسِمِينَ وَهَذَا يَاسِمُونَ، فيُجْرِيه مُجْرى الْجَمْعِ كَمَا هُوَ مَقُولٌ فِي نَصيبينَ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِعُمَرَ بْنُ أَبي رَبِيعَةَ:
إِنَّ لِي عندَ كلِّ نَفْحةِ بُسْتانٍ ... منَ الوَرْدِ، أَو منَ الياسِمِينَا
نَظْرةً والتفاتَةً لكِ، أَرْجُو ... أَنْ تكُونِي حَلَلْتِ فِيمَا يَلِينَا
التَّهْذِيبُ: يَسُومُ اسمُ جبلٍ صخرهُ مَلْساء؛ قَالَ أَبو وَجْزَةَ:
وسِرْنا بمَطْلُولٍ مِنَ اللَّهْوِ لَيِّنٍ، ... يَحُطّ إِلى السَّهْلِ اليَسُومِيّ أَعْصَما
وَقِيلَ: يَسُوم جَبَلٌ بِعَيْنِهِ؛ قَالَتْ لَيْلَى الأَخيلِيَّة:
لَنْ تَسْتطِيعَ بأَن تُحَوِّلَ عِزّهُمْ، ... حَتَّى تُحَوِّلَ ذَا الهِضابِ يَسُومَا
وَيَقُولُونَ: اللَّهُ أَعلم مَنْ حَطَّها منْ رأْسِ يَسُومَ؛ يُرِيدُونَ شَاةً مَسْرُوقَةً «1» . فِي هَذَا الْجَبَلِ.
يُلِمُّ: مَا سَمِعْتُ لَهُ أَيْلَمَةً أَي حَرَكَةً؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
فَمَا سَمِعْتُ بعدَ تِلك النَّأَمَهْ ... مِنها، وَلَا مِنْهُ هُناكَ أَيْلَمَهْ
قَالَ أَبو عَلِيٍّ: وَهِيَ أَفْعَلَة دُونَ فَيْعَلة، وَذَلِكَ لأَن زيادةَ الْهَمْزَةِ أَوّلًا كَثِيرٌ ولأَن أَفْعَلة أَكثر من فَيْعَلة. الجوهري: يَلَمْلَم لُغَةٌ فِي أَلَمْلَم، وَهُوَ ميقاتُ أَهل الْيَمَنِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ أَبو عَلِيٍّ يَلَمْلَم فَعَلْعَل، الياءُ فاءُ الْكَلِمَةِ وَاللَّامُ عَيْنُهَا والميم لامها.
يَمَّمَ: اللَّيْثُ: اليَمُّ البحرُ الَّذِي لَا يُدْرَكُ قَعْرُه وَلَا شَطَّاه، وَيُقَالُ: اليَمُّ لُجَّتُه. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: اليَمُّ البحرُ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الْكِتَابِ، الأَول لَا يُثَنَّى وَلَا يُكَسَّر وَلَا يُجْمَع جمعَ السَّلَامَةِ، وزَعَم بعضُهم أَنها لُغَةٌ سُرْيانية فَعَرَّبَتْهُ الْعَرَبُ، وأَصله يَمَّا، ويَقَع اسمُ اليَمّ عَلَى مَا كَانَ مَاؤُهُ مِلْحاً زُعاقاً، وَعَلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ العَذْب الْمَاءِ، وأُمِرَتْ أُمُّ مُوسَى حينَ وَلَدَتْه وخافتْ عَلَيْهِ فِرْعَوْنَ أَن تجعلَه فِي تَابُوتٍ ثُمَّ تَقْذِفَه فِي اليَمِّ، وَهُوَ نَهَرُ النِّيلِ بِمِصْرَ، حَمَاهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَمَاؤُهُ عَذْبٌ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ
؛ فَجَعل لَهُ ساحِلًا، وَهَذَا كُلُّهُ دليلٌ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ اللَّيْثِ إِنه الْبَحْرُ الَّذِي لَا يُدْرَكُ قَعْرُه وَلَا شَطَّاه. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلا مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحدُكم إِصْبَعه فِي اليَمِّ فلْيَنْظُرْ بِمَ تَرْجِعُ
؛ اليَمُّ: البحرُ. ويُمَّ الرجلُ، فَهُوَ مَيْمُومٌ إِذا طُرِح فِي الْبَحْرِ، وَفِي الْمُحْكَمِ: إِذا غَرِقَ فِي اليَمِّ. ويُمَّ الساحلُ يَمّاً: غَطَّاه اليَمُّ وطَما عَلَيْهِ فغلَب عَلَيْهِ. ابْنُ بَرِّيٍّ: واليَمُّ الحيَّةُ. واليَمَامُ: طائرٌ، قِيلَ: هُوَ أَعمُّ مِنَ الحَمام، وَقِيلَ: هُوَ ضربٌ مِنْهُ، وَقِيلَ: اليَمَامُ الَّذِي يَسْتَفْرِخُ،
__________
(1) . قوله [شاة مسروقة إلخ] عبارة الميداني: أصله أَنَّ رَجُلًا نَذَرَ أَنْ يذبح شاة فمر بيَسُوم وهو جبل فرأى فيه راعياً فقال: أتبيعني شاة من غنمك؟ قال: نعم، فأنزل شاة فاشتراها وأمر بذبحها عنه ثم ولى، فذبحها الراعي عن نفسه وسمعه ابن الرجل يقول ذلك فقال لأَبيه: سمعت الراعي يقول كذا، فقال: يا بُنَيَّ الله أعلم إلخ. يضرب مثلًا في النية والضمير، ومثله لياقوت(12/647)
والحَمامُ هُوَ البرِّي الَّذِي لَا يأْلفُ الْبُيُوتَ. وَقِيلَ: اليَمَامُ الْبَرِّيُّ مِنَ الحَمام الَّذِي لَا طَوْقَ لَهُ. والحَمامُ: كلُّ مُطَوَّقٍ كالقُمْريّ والدُّبْسي والفاخِتَةِ؛ وَلِمَا فَسَّرَ ابْنُ دُرَيْدٍ قَوْلَهُ:
صُبَّة كاليَمَامِ تَهْوي سِراعاً، ... وعَدِيٌّ كمثْلِ سَيرِ الطريقِ
قَالَ: اليَمَامُ طائرٌ، فَلَا أَدري أَعَنى هَذَا النوعَ مِنَ الطَّيْرِ أَمْ نَوْعًا آخَرَ. الْجَوْهَرِيُّ: اليَمَامُ الحَمامُ الوَحْشيّ، الْوَاحِدَةُ يَمَامةٌ؛ قَالَ الْكِسَائِيُّ: هِيَ الَّتِي تأْلفُ الْبُيُوتَ. واليَامُومُ: فرخُ الحمامةِ كأَنه مِنَ اليمامةِ، وَقِيلَ: فرخُ النَّعَامَةِ. وأَما التَّيَمُّمُ الَّذِي هُوَ التَّوَخِّي، فَالْيَاءُ فِيهِ بدلٌ مِنَ الْهَمْزَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. الْجَوْهَرِيُّ: اليَمَامَةُ اسمُ جَارِيَةٍ زَرْقاء كَانَتْ تُبْصِرُ الرَّاكِبَ مِنْ مسيرةِ ثَلَاثَةِ أَيام، يُقَالُ: أَبْصَرُ مِنْ زَرْقاء اليَمَامَةِ. واليَمَامَةُ: القَرْيَةُ الَّتِي قصَبتُها حَجْرٌ كَانَ اسمُها فِيمَا خَلَا جَوّاً، وَفِي الصِّحَاحِ: كَانَ اسمُها الجَوَّ فسُمِّيت بِاسْمِ هَذِهِ الْجَارِيَةِ لِكَثْرَةِ مَا أُضيفَ إِليها، وَقِيلَ: جوُّ اليَمَامَة، والنِّسْبةُ إِلى اليمامةِ يَمَامِيٌّ. وَفِي الْحَدِيثِ ذَكَرُ اليَمَامَةِ، وَهِيَ الصُّقْعُ الْمَعْرُوفُ شرْقيَّ الحِجاز، ومدينتُها العُظْمى حَجْرُ اليَمَامَة، قَالَ: وإِنما سُمِّي اليَمَامَةَ بِاسْمِ امرأَة كَانَتْ فِيهِ تسْكُنه اسْمُهَا يَمَامَة صُلِبَت عَلَى بَابِهِ. وقولُ الْعَرَبِ: اجتَمعت اليَمَامَةُ، أَصله اجتمعَ أَهلُ اليمامةِ ثُمَّ حُذف الْمُضَافُ فأُنِّث الفعلُ فَصَارَ اجتمَعت اليمامةُ، ثُمَّ أُعيد الْمَحْذُوفُ فأُقرَّ التأْنيث الَّذِي هُوَ الْفَرْعُ بِذَاتِهِ، فَقِيلَ: اجْتَمَعَتْ أَهلُ اليمامةِ. وَقَالُوا: هُوَ يَمَامَتي ويَمَامِي كأَمامي. ابْنُ بَرِّيٍّ: ويَمَامَةُ كلِّ شَيْءٍ قَطَنُه، يُقَالُ: الْحَقْ بيَمَامَتِك؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
فقُلْ جابَتي لَبَّيْكَ واسْمَعْ يَمَامَتِي، ... وأَلْيِنْ فِراشي، إِنْ كَبِرْتُ، ومَطعَمي
يَنَمْ: اليَنَمَةُ: عُشبةٌ طَيِّبةٌ. واليَنَمَةُ: عشبةٌ إِذا رَعَتْها الماشيةُ كثُرَ رغوةُ أَلْبانها فِي قِلَّة. ابْنُ سِيدَهْ: اليَنَمَةُ نَبْتةٌ مِنْ أَحْرار الْبُقُولِ تَنْبت فِي السَّهل ودَكادِكِ الأَرض، لَهَا ورقٌ طِوالٌ لطافٌ محَدَّبُ الأَطرافِ، عَلَيْهِ وبَرٌ أَغْبَرُ كأَنه قِطَعَ الفِراءِ، وزَهْرَتُها مثلُ سُنْبلةِ الشَّعِيرِ وحبُّها صغيرٌ. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: اليَنَمةُ لَيْسَ لَهَا زهرٌ، وَفِيهَا حبٌّ كَثِيرٌ، يَسْمَن عَلَيْهَا الإِبلُ وَلَا تَغْزُرُ، قَالَ: وَمِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ: قَالَتِ اليَنَمَةُ أَنا اليَنَمه، أَغْبُقُ الصبيَّ بَعْدَ العَتَمه، وأَكُبُّ الثُّمالَ فَوْقَ الأَكَمَه؛ تَقُولُ: دَرِّي يُعَجّل لِلصَّبِيِّ وَذَلِكَ أَن الصَّبِيَّ لَا يَصْبر، وَالْجَمْعُ يَنَمٌ، قَالَ مُرَقِّش وَوَصَفَ ثورَ وَحْشٍ:
بَاتَ بغَيْثٍ مُعْشِبٍ نبْتُه، ... مُخْتَلِطٍ حُرْبُثُه واليَنَمْ
وَيُقَالُ: يَنَمَةٌ خذْواء إِذا استَرْخى وَرَقُهَا عِنْدَ تَمَامِهِ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
أَعْجَبَها أَكْلُ الْبَعِيرِ اليَنَمَهْ
يُهِمُّ: اليَهْمَاءُ: مفازةٌ لَا مَاءَ فِيهَا وَلَا يُسْمع فِيهَا صوتٌ. وَقَالَ عُمارة: الفَلاة الَّتِي لَا مَاءَ فِيهَا وَلَا عَلَمَ فِيهَا وَلَا يُهتدَى لطُرُقِها؛ وَفِي حَدِيثِ
قُسٍّ:
كلُّ يَهْمَاء يَقْصُرُ الطَّرْفُ عَنْهَا، ... أَرْقَلَتْها قِلاصُنا إِرْقالا
وَيُقَالُ لَهَا هَيْماء. وليلٌ أَيْهَمُ: لَا نجُومَ فِيهِ. واليَهْمَاء: فلاةٌ مَلْساء لَيْسَ بِهَا نبتٌ. والأَيْهَمُ: البلدُ الَّذِي لَا عَلَم بِهِ. واليَهْمَاءُ: العَمْياء، سُمِّيَتْ بِهِ لِعَمَى مَن يَسْلُكها كَمَا قِيلَ للسَّيْلِ وَالْبَعِيرِ الْهَائِجِ(12/648)
الأَيْهَمَانِ، لأَنهما يَتَجَرْثَمانِ كلَّ شَيْءٍ كتَجَرْثُم الأَعْمى، وَيُقَالُ لَهُمَا الأَعْمَيان. واليَهْمَاءُ: الَّتِي لَا مَرْتَع بِهَا، أَرضٌ يَهْمَاء. واليَهْمَاءُ: الأَرضُ الَّتِي لَا أَثر فِيهَا وَلَا طَرِيقَ وَلَا عَلَمَ، وَقِيلَ هِيَ الأَرض الَّتِي لَا يُهتَدى فِيهَا لطريقٍ، وَهِيَ أَكثر اسْتِعْمَالًا مِنَ الهَيْماء، وَلَيْسَ لَهَا مذَكَّر مِنْ نَوْعِهَا. وَقَدْ حَكَى ابْنُ جِنِّي: بَرٌّ أَيْهَمُ، فإِذا كَانَ ذَلِكَ فَلَهَا مُذكَّر. والأَيْهَمُ مِنَ الرِّجَالِ: الْجَرِيءُ الَّذِي لَا يُستطاعُ دَفْعُه. وَفِي التَّهْذِيبِ: الشجاعُ الَّذِي لَا يَنْحاشُ لِشَيْءٍ، وَقِيلَ: الأَيْهَمُ الَّذِي لَا يَعي شَيْئًا وَلَا يحفظُه، وَقِيلَ: هُوَ الثَّبْتُ العِناد جَهْلًا لَا يَزِيغُ إِلى حجّةٍ وَلَا يَتَّهِمُ رأْيَه إِعجاباً. والأَيْهَمُ: الأَصَمُّ، وَقِيلَ: الأَعْمى. الأَزهري: والأَيْهَمُ مِنَ النَّاسِ الأَصمُّ الَّذِي لَا يَسمع، بيِّنُ اليَهَمِ؛ وأَنشد:
كأَني أُنادي أَو أُكَلِّمُ أَيْهَمَا
وسَنَةٌ يَهْمَاء: ذَاتُ جُدوبةٍ. وسِنون يُهْمٌ: لَا كلأَ فِيهَا وَلَا ماءَ وَلَا شَجَرَ. أَبو زَيْدٍ: سَنةٌ يَهْمَاءُ شديدةٌ عَسِرَةٌ لَا فَرَحَ فِيهَا. والأَيْهَمُ: المُصابُ فِي عَقْلِهِ. والأَيْهَمُ: الرجلُ الَّذِي لَا عقلَ لَهُ وَلَا فَهْمَ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
إِلَّا تَضالِيلُ الفُؤادِ الأَيْهَمِ
أَراد الأَهْيم فَقَلَبَهُ؛ وَقَالَ رُؤْبَةُ:
كأَنما تَغْريدُه بَعْدَ العَتَمْ ... مُرْتَجِسٌ جَلْجَلَ، أَوحادٍ نَهَمْ
أَو راجزٌ فِيهِ لَجاجٌ ويَهَمْ
أَي لَا يَعْقِل. والأَيْهَمانِ عِنْدَ أَهل الحَضَر: السيلُ والحريقُ، وَعِنْدَ الأَعراب: الحريقُ والجملُ الهائجُ، لأَنه إِذا هاجَ لَمْ يُستَطَعْ دَفْعُه بِمَنْزِلَةِ الأَيهَمِ مِنَ الرِّجَالِ وإِنما سُمِّيَ أَيْهَمَ لأَنه ليسَ مِمَّا يُسْتطاعُ دَفْعُه، وَلَا يَنْطِق فيُكلَّم أَو يُسْتَعْتَب، وَلِهَذَا قِيلَ لِلْفَلَاةِ الَّتِي لَا يُهْتَدَى بِهَا لِلطَّرِيقِ: يَهْمَاء، والبَرُّ أَيْهَم؛ قَالَ الأَعشى:
ويَهْمَاء بِاللَّيْلِ عَطْشَى الفَلاةِ، ... يُؤْنِسُني صَوْتُ فَيّادِها
قَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: لَيْسَ أَيْهَم ويَهْمَاء كأَدْهَم ودَهْماء لأَمْرَين: أَحدهما أَن الأَيْهَمَ الجملُ الهائجُ أَو السيلُ واليَهْمَاءُ الْفَلَاةُ، وَالْآخِرُ: أَن أَيْهَم لَوْ كَانَ مُذَكَّرَ يَهْماء لَوَجَبَ أَن يأْتي فِيهِمَا يُهْمٌ مِثْلَ دُهْمٍ وَلَمْ يَسْمَعْ ذَلِكَ، فعُلم لِذَلِكَ أَن هَذَا تَلاقٍ بَيْنَ اللَّفْظِ، وأَن أَيْهَم لَا مؤنَّث لَهُ، وأَن يَهْمَاء لَا مذكَّر لَهُ. والأَيْهَمانِ عِنْدَ أَهل الأَمْصارِ: السيلُ والحَريقُ لأَنه لَا يُهْتَدى فِيهِمَا كَيْفَ العملُ كَمَا لَا يُهْتَدى فِي اليَهْمَاءِ، والسَّيلُ والجملُ الهائجُ الصَّؤُولُ يُتعوَّذُ مِنْهُمَا، وهُما الأَعْمَيانِ، يُقَالُ: نَعُوذ بِاللَّهِ مِنَ الأَيْهَمَيْنِ، وَهُمَا البعيرُ المُغْتَلِم الهائجُ والسيلُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
كَانَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَتعوَّذُ مِنَ الأَيْهَمَيْنِ
، قَالَ: وَهُمَا السيلُ وَالْحَرِيقُ. أَبو زَيْدٍ: أَنت أَشدُّ وأَشجعُ مِنَ الأَيْهَمَيْنِ، وَهُمَا الجملُ والسَّيْلُ، وَلَا يُقَالُ لأَحدِهما أَيْهَم. والأَيْهَمُ: الشامخُ مِنَ الجبالِ. والأَيْهَمُ مِنَ الْجِبَالِ: الصَّعْبُ الطويلُ الَّذِي لَا يُرْتَقَى، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي لَا نَبَاتَ فِيهِ. وأَيْهَم: اسمٌ. وجبلةُ بْنُ الأَيْهم: آخرُ مُلُوكِ غسّان.
يَوْم: اليَوْمُ: معروفٌ مِقدارُه مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلى غُرُوبِهَا، وَالْجَمْعُ أَيَّامٌ، لَا يكسَّر إِلا عَلَى ذَلِكَ، وأَصله أَيْوامٌ فأُدْغم وَلَمْ يَسْتَعْمِلُوا فِيهِ جمعَ الْكَثْرَةِ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ
؛ الْمَعْنَى ذكِّرْهم بِنِعَمِ اللَّهِ الَّتِي أَنْعَمَ فِيهَا عَلَيْهِمْ وبِنِقَمِ اللَّهِ(12/649)
الَّتِي انْتَقَم فِيهَا مِنْ نوحٍ وعادٍ وثمودَ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَاهُ خَوِّفْهم بِمَا نزلَ بعادٍ وَثَمُودَ وغيرِهم مِنَ الْعَذَابِ وَبِالْعَفْوِ عَنْ آخَرِينَ، وَهُوَ فِي الْمَعْنَى كَقَوْلِكَ: خُذْهُم بِالشِّدَّةِ واللِّين. وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ: لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ
، قَالَ: نِعَمَه، وَرَوِي عَنْ
أُبيّ بْنِ كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي قَوْلِهِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ
، قَالَ: أَيَّامُه نِعَمُه
؛ وَقَالَ شِمْرٌ فِي قَوْلِهِمْ:
يَوْماهُ: يَوْمُ نَدىً، ويَوْمُ طِعان
ويَوْمَاه: يَوْم نُعْمٍ ويَوْمُ بُؤْسٍ، فاليَوْمُ هاهنا بِمَعْنَى الدَّهْر أَي هُوَ دَهْرَه كَذَلِكَ. والأَيَّام فِي أَصلِ البِناء أَيْوامٌ، وَلَكِنَّ الْعَرَبَ إِذا وَجَدُوا فِي كَلِمَةٍ يَاءً وَوَاوًا فِي مَوْضِعٍ. والأُولى مِنْهُمَا ساكنةٌ، أَدْغَموا إِحداهما فِي الأُخرى وَجَعَلُوا الْيَاءَ هِيَ الغالبةَ، كَانَتْ قبلَ الْوَاوِ أَو بعدَها، إِلَّا فِي كلماتٍ شَواذَّ تُرْوَى مِثْلَ الفُتُوّة والهُوّة. وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ وسُئل عَنْ أَيَّامٍ: لمَ ذهبَتِ الواوُ؟ فأَجاب: أَن كُلَّ ياءٍ وواوٍ سبقَ أَحدُهما الآخرَ بسكونٍ فإِن الْوَاوَ تَصِيرُ يَاءً فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وتُدْغَم إِحداهما فِي الأُخرى، مِنْ ذَلِكَ أَيَّامٌ أَصلها أَيْوامٌ، ومثلُها سيّدٌ وَمَيِّتٌ، الأَصلُ سَيْوِدٌ ومَيْوِت، فَأَكْثَرُ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا إِلا حَرْفَيْنِ صَيْوِب وحَيْوة، وَلَوْ أَعلُّوهما لَقَالُوا صَيِّب وَحَيَّةٌ، وأَما الواوُ إِذا سبَقت فقولُك لَوَيْتُه لَيّاً وشَوَيْتُه شَيّاً، والأَصل شَوْياً ولَوْياً. وَسُئِلَ أَبو الْعَبَّاسِ أَحمد بْنُ يَحْيَى عَنْ قَوْلِ الْعَرَبِ اليَوْم اليَوْم، فَقَالَ: يُرِيدُونَ اليَوْم اليَوِمَ، ثُمَّ خَفَّفُوا الْوَاوَ فَقَالُوا اليَوْم اليَوْم، وَقَالُوا: أَنا اليَوْمَ أَفعلُ كَذَا، لَا يُرِيدُونَ يَوْمًا بِعَيْنِهِ وَلَكِنَّهُمْ يُرِيدُونَ الوقتَ الحاضرَ؛ حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
؛ وَقِيلَ: مَعْنَى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
أَي فَرَضْتُ مَا تَحْتَاجُونَ إِليه فِي دِينِكم، وَذَلِكَ حسَنٌ جَائِزٌ، فأَما أَن يكونَ دِينُ اللَّهِ فِي وقتٍ مِنَ الأَوقات غيرَ كَامِلٍ فَلَا. وَقَالُوا: اليَوْمُ يَوْمُك، يُرِيدُونَ التشنيعَ وَتَعْظِيمَ الأَمر. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: السَّائِبَةُ والصدَقةُ ليَوْمِهما
أَي ليومِ الْقِيَامَةِ، يَعْنِي يُراد بِهِمَا ثوابُ ذَلِكَ الْيَوْمِ. وَفِي حَدِيثِ
عَبْدِ المَلِك: قَالَ لِلْحَجَّاجِ سِرْ إِلى العِراق غِرارَ النَّوْمِ طَوِيلَ اليَوْم
؛ يُقَالُ ذَلِكَ لِمَنْ جَدَّ فِي عَملِه يومَه، وَقَدْ يُرادُ بِالْيَوْمِ الوقتُ مُطْلَقًا؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
تِلْكَ أَيَّامُ الهَرْج
أَي وقتُه، وَلَا يَخْتَصُّ بالنهارِ دُونَ اللَّيْلِ. واليَوْمُ الأَيْوَمُ: آخرُ يَوْمٍ فِي الشَّهْرِ. ويَوْمٌ أَيْوَمُ ويَوِمٌ ووَوِمٌ؛ الأَخيرة نَادِرَةٌ لأَن الْقِيَاسَ لَا يوجبُ قَلْبَ الياءِ وَاوًا، كلُّه: طويلٌ شديدٌ هائلٌ. ويومٌ ذُو أَيَاوِيمَ كَذَلِكَ؛ وَقَوْلُهُ:
مَرْوانُ يَا مَرْوانُ لليومِ اليَمِي
وَرَوَاهُ ابْنُ جِنِّي:
مَرْوَانُ مَرْوَانُ أَخُو الْيَوْمِ اليَمِي
وَقَالَ: أَراد أَخو اليومِ السهْلِ اليومُ الصعبُ، فَقَالَ: يومٌ أَيْوَمُ ويَوِمٌ كأَشْعَث وشَعِث، فقُلب فَصَارَ يَمِو، فَانْقَلَبَتِ العينُ لِانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا طرَفاً، ووجهٌ آخَرُ أَنه أَراد أَخو اليَوْمِ اليَوْمُ كَمَا يُقَالُ عِنْدَ الشِّدَّةِ والأَمرِ الْعَظِيمِ اليَوْمُ اليَوْمُ، فقُلب فَصَارَ اليَمْو ثُمَّ نقلَه مِنْ فَعْل إِلى فَعِل كَمَا أَنشده أَبو زَيْدٍ مِنْ قَوْلِهِ:
عَلامَ قَتْلُ مُسْلِمٍ تَعَبَّدا، ... مُذْ خَمْسة وخَمِسون عدَدا
يُرِيدُ خَمْسون، فَلَمَّا انكسرَ مَا قَبْلَ الْوَاوِ قُلِبَتْ يَاءً فَصَارَ اليَمِي؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَيَجُوزُ فِيهِ عِنْدِي وَجْهٌ(12/650)
ثَالِثٌ لَمْ يُقَلْ بِهِ، وَهُوَ أَن يَكُونَ أَصله عَلَى مَا قِيلَ فِي الْمَذْهَبِ الثَّانِي أَخُو اليَوْم اليَوْم ثُمَّ قَلَبَ فَصَارَ اليَمْوُ، ثُمَّ نُقِلَتِ الضمّةُ إِلى الْمِيمِ عَلَى حَدِّ قَوْلِكَ هَذَا بَكُر، فَصَارَ اليَمُو، فَلَمَّا وَقَعَتِ الْوَاوُ طَرَفًا بَعْدَ ضَمَّةٍ فِي الِاسْمِ أَبدلوا مِنَ الضَّمَّةِ كَسْرَةً، ثُمَّ مِنَ الْوَاوِ يَاءً فَصَارَتِ اليَمِي كأَحْقٍ وأَدْلٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ فَعِلٌ أَي الشَّدِيدِ؛ وَقِيلَ: أَراد اليَوْم اليَوْم كَقَوْلِهِ:
إِنَّ مَعَ اليَوْمِ أَخاه غَدْوَا
فاليَمِي، عَلَى الْقَوْلِ الأَول، نعتٌ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي اسمٌ مَرْفُوعٌ بِالِابْتِدَاءِ، وَكِلَاهُمَا مَقْلُوبٌ، وَرُبَّمَا عَبَّرُوا عَنِ الشِّدَّةِ باليَوْم، يُقَالُ يومٌ أَيْوَم، كَمَا يُقَالُ لَيْلة ليلاءُ، قَالَ أَبو الأَخزر الْحِمَّانِيُّ:
نِعْمَ أَخو الهَيْجاءِ فِي اليومِ اليَمِي، ... ليَوْمِ رَوْعٍ أَو فَعالِ مُكْرمِ
هُوَ مَقْلُوبٌ مِنْهُ، أَخَّر الواوَ وقدَّمَ الميمَ، ثُمَّ قُلِبَتِ الواوُ يَاءً حَيْثُ صَارَتْ طرَفاً كَمَا قَالُوا أَدْلٍ فِي جَمْعِ دَلْوٍ. واليَوْمُ: الكوْنُ. يُقَالُ: نِعْمَ الأَخُ فلانٌ فِي اليَوْم إِذا نزلَ بِنَا أَي فِي الْكَائِنَةِ مِنَ الكوْنِ إِذا حدَثتْ، وأَنشد:
نِعْمَ أَخو الْهَيْجَاءِ فِي اليَوْم اليَمِي
قَالَ: أَراد أَن يشتقَّ مِنَ الِاسْمِ نَعْتًا فَكَانَ حدُّه أَن يَقُولَ فِي اليَوْم اليَوْم فقلَبه، كَمَا قَالُوا القِسيّ والأَيْنُق، وَتَقُولُ الْعَرَبُ لليومِ الشديدِ: يومٌ ذُو أَيّامٍ ويومٌ ذُو أَيايِيمَ، لطولِ شرِّه عَلَى أَهله. الأَخفش فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ
، أَي مِنْ أَوَّل الأَيّام، كَمَا تَقُولُ لَقِيتُ كلَّ رجلٍ تُريد كلَّ الرِّجَالِ. ويَاوَمْتُ الرجلَ مُيَاوَمَةً ويِوَاماً أَي عاملتُه أَو استأْجَرْته اليومَ، الأَخيرة عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وعاملتُه مُيَاوَمَةً: كَمَا تَقُولُ مُشاهرةً، ولقيتُه يَوْمَ يَوْمَ، حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ وَقَالَ: مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَبْنِيه، وَمِنْهُمْ مَنْ يُضِيفُه إِلا فِي حَدِّ الْحَالِ أَو الظَّرْفِ. ابْنُ السِّكِّيتِ: الْعَرَبُ تَقُولُ الأَيَّام فِي مَعْنَى الْوَقَائِعِ، يُقَالُ: هُوَ عالمٌ بأَيَّام الْعَرَبِ، يُرِيدُ وقائعَها، وأَنشد:
وقائعُ فِي مُضَرٍ تِسْعةٌ، ... وَفِي وائلٍ كانتِ العاشِرهْ
فَقَالَ: تِسْعة وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُولَ تِسْع لأَن الوَقيعة أُنثى، وَلَكِنَّهُ ذَهَبَ إِلى الأَيّام. وَقَالَ شَمِرٌ: جَاءَتِ الأَيَّام بِمَعْنَى الْوَقَائِعِ والنِّعم. وَقَالَ: إِنما خصُّوا الأَيّام دُونَ ذِكْرِ اللَّيَالِي فِي الْوَقَائِعِ لأَنَّ حُروبهم كَانَتْ نَهَارًا، وإِذا كَانَتْ لَيْلًا ذكرُوها كَقَوْلِهِ:
ليَلة العُرْقوبِ، حَتَّى غامرَتْ ... جَعْفَر يُدْعى ورَهْط ابْنِ شَكَل
وأَما قَوْلُ عَمْرِو بْنِ كُلْثُومٍ:
وأَيَّام لَنَا غُرّ طِوال
فإِنه يُرِيدُ أَيّامَ الْوَقَائِعِ الَّتِي نُصِروا فِيهَا عَلَى أَعدائهم، وَقَوْلُهُ:
شَرَّ يَوْمَيْها وأَغْواه لَهَا ... رَكِبَتْ عَنْزُ بِحِدْجٍ جَمَلا
أَراد شَرَّ أَيّام دَهْرِها، كأَنه قَالَ: شَرّ يَوْمَيْ دَهْرِها الشَّرَّيْنِ، وَهَذَا كَمَا يُقَالُ إِن فِي الشَّرِّ خِياراً، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْبَيْتُ مَعَ بَقِيَّةِ الأَبيات وقصةُ عَنْز(12/651)
مُسْتَوْفاة فِي مَوْضِعِهَا. ويامٌ وخارفٌ: قَبِيلَتَانِ مِنَ الْيَمَنِ. ويامٌ: حَيٌّ مِنْ هَمْدانَ. ويامٌ: اسمُ ولدِ نُوحٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، الَّذِي غَرِق بالطُّوفانِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وإِنما قَضَيْنَا عَلَى أَلفه بِالْوَاوِ لأَنها عَيْنٌ مَعَ وجود «ي وم» .(12/652)
الجزء الثالث عشر
ن
حرف النون
ن: النونُ مِنَ الْحُرُوفِ المَجْهورةِ، وَمِنَ الحُروف الذُّلقْ، والراءُ واللامُ وَالنُّونُ فِي حَيِّز واحد.
فصل الألف
أبن: أَبَنَ الرجلَ يأْبُنُه ويأْبِنُه أَبْناً: اتَّهمَه وعابَه، وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: أَبَنْتُه بخَير وبشرٍّ آبُنُه وآبِنُه أَبْناً، وَهُوَ مأْبون بِخَيْرٍ أَو بشرٍّ؛ فَإِذَا أَضرَبْت عَنِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ قُلْتَ: هُوَ مأْبُونٌ لَمْ يَكُنْ إِلَّا الشَّرُّ، وَكَذَلِكَ ظَنَّه يظُنُّه. اللَّيْثُ: يُقَالُ فُلَانٌ يُؤْبَنُ بِخَيْرٍ وبشَرّ أَي يُزَنُّ بِهِ، فَهُوَ مأْبونٌ. أَبو عَمْرٍو: يُقَالُ فُلَانٌ يُؤْبَنُ بِخَيْرٍ ويُؤْبَنُ بِشَرٍّ، فَإِذَا قُلْتَ يُؤْبَنُ مُجَرَّداً فَهُوَ فِي الشَّرِّ لَا غيرُ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ أَبي هَالَةَ فِي صِفَةِ مَجْلِسِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: مجلِسُه مجلسُ حِلْمٍ وحيَاءٍ لَا تُرْفَعُ فِيهِ الأَصْواتُ وَلَا تُؤْبَنُ فِيهِ الحُرَمُ
أَي لَا تُذْكَر فِيهِ النساءُ بقَبيح، ويُصانُ مجلسُه عَنِ الرَّفَث وَمَا يَقْبُحُ ذِكْرُه. يُقَالُ: أَبَنْتُ الرجلَ آبُنُه إِذَا رَمَيْتَه بِخَلَّةِ سَوْء، فَهُوَ مأْبُونٌ، وَهُوَ مأْخوذ مِنَ الأُبَن، وَهِيَ العُقَدُ تكونُ فِي القِسيّ تُفْسِدُها وتُعابُ بِهَا. الْجَوْهَرِيُّ: أَبَنَه بشرٍّ يَأْبُنُه ويأْبِنه اتَّهَمَه بِهِ. وفلانٌ يُؤْبَنُ بِكَذَا أَيْ يُذْكَرُ بِقَبِيحٍ. وَفِي الْحَدِيثِ
عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنه نَهَى عَنِ الشِّعْر إِذَا أُبِنَتْ فِيهِ النساءُ
؛ قَالَ شَمِرٌ: أَبَنْتُ الرجلَ بِكَذَا وَكَذَا إِذَا أَزْنَنْته بِهِ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: أَبَنْتُ الرجلَ آبِنُه وآبُنُه إِذَا رَمَيْتَه بِقَبِيحٍ وقَذَفْتَه بِسُوءٍ، فَهُوَ مأْبُونٌ، وَقَوْلُهُ: لَا تُؤْبَنُ فِيهِ الحُرَمُ أَي لَا تُرْمى بسُوء وَلَا تُعابُ وَلَا يُذْكَرُ مِنْهَا القبيحُ وَمَا لَا يَنْبَغي مِمَّا يُسْتَحى مِنْهُ. وَفِي حَدِيثِ الإِفْك:
أَشِيروا عليَّ فِي أُناسٍ أَبَنُوا أَهْلي
أَي اتَّهَموها. والأَبْنُ: التهمَةُ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي الدَّرداء: إِنْ نُؤْبَنْ بِمَا لَيْسَ فِينَا فرُبَّما زُكِّينا بِمَا لَيْسَ فِينَا
؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
أَبي سَعِيدٍ: مَا كُنَّا نأْبِنُه بِرُقْية
أَي مَا كُنَّا نَعْلم أَنه يَرْقي فنَعيبَه بِذَلِكَ: وَفِي حَدِيثِ
أَبي ذرٍّ: أَنه دَخَل عَلَى عُثْمان بْنِ عَفَّانَ فَمَا سَبَّه وَلَا أَبَنه
أَي مَا عابَه، وَقِيلَ: هُوَ أَنَّبه، بِتَقْدِيمِ النُّونِ عَلَى الْبَاءِ، مِنَ التأْنيب اللَّومِ والتَّوبيخ.(13/3)
وأَبَّنَ الرجلَ: كأَبَنَه. وآبَنَ الرجلَ وأَبَّنَه، كِلَاهُمَا: عابَه فِي وَجْهِهِ وعَيَّره. والأُبْنة، بِالضَّمِّ: العُقْدة فِي العُود أَو فِي العَصا، وجمْعُها أُبَنٌ؛ قَالَ الأَعشى:
قَضيبَ سَرَاءٍ كَثِيرَ الأُبَنْ «2»
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهُوَ أَيضاً مَخْرَج الغُصْن فِي القَوْس. والأُبْنة: العَيْبُ فِي الخَشَب والعُود، وأَصلُه مِنْ ذَلِكَ. وَيُقَالُ: لَيْسَ فِي حَسَبِ فلانٍ أُبْنةٌ، كَقَوْلِكَ: لَيْسَ فِيهِ وَصْمةٌ. والأُبْنةُ: العَيْبُ فِي الْكَلَامِ، وَقَدْ تَقدَّم قولُ خالِد بْنِ صَفْوانَ فِي الأُبْنة والوَصْمة؛ وَقَوْلُ رُؤْبَةَ:
وامْدَحْ بِلالًا غَيْرَ مَا مُؤَبَّنِ، ... ترَاهُ كَالْبَازِي انْتَمَى للْمَوْكِنِ
انْتَمى: تَعَلَّى. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: مُؤَبَّنٌ مَعيبٌ، وخالَفَه غَيْرُهُ، وَقِيلَ: غَيْرُ هالكٍ أَي غَيْرُ مَبْكيٍّ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ لَبِيدٍ:
قُوما تجُوبانِ مَعَ الأَنْواحِ، ... «3» وأَبِّنَا مُلاعِبَ الرِّماحِ،
ومِدْرهَ الكَتيبةِ الرَّداحِ
. وَقِيلَ للمَجْبوس: مأْبونٌ لأَنه يُزَنُّ بِالْعَيْبِ الْقَبِيحِ، وكأَنَّ أَصلَه مِنْ أُبْنة العَصا لأَنها عيبٌ فِيهَا. وأُبْنة البعيرِ: غَلْصَمتُه؛ قَالَ ذُو الرُّمّة يَصِفُ عَيْراً وسَحيلَه:
تُغَنِّيه مِنْ بَيْنِ الصَّبيَّيْن أُبْنةٌ ... نَهُومٌ، إِذَا مَا ارتَدَّ فِيهَا سَحِيلُها
. تُغَنِّيه يَعْنِي العَيْر مِنْ بَيْنِ الصَّبيَّيْن، وَهُمَا طرَفا اللَّحْي. والأُبْنةُ: العُقْدةُ، وَعَنَى بِهَا هَاهُنَا الغَلْصمة، والنَّهُومُ: الَّذِي يَنْحِطُ أَي يَزْفر، يُقَالُ: نَهَمَ ونأَم فِيهَا فِي الأُبنة، والسَّحِيلُ: الصَّوْتُ. وَيُقَالُ: بَيْنَهُمْ أُبَنٌ أَي عداواتٌ. وإبَّانُ كلِّ شَيْءٍ، بِالْكَسْرِ وَالتَّشْدِيدِ: وقْتُه وحِينُه الَّذِي يَكُونُ فِيهِ. يُقَالُ: جِئْتُه عَلَى إبَّانِ ذَلِكَ أَي عَلَى زَمَنِهِ. وأَخَذَ الشيءَ بإبَّانِهِ أَي بِزَمَانِهِ، وَقِيلَ: بأَوَّله. يُقَالُ: أَتانا فلانٌ إبَّانَ الرُّطبِ، وإبّانَ اخْتِرافِ الثِّمار، وإبّانَ الحرِّ وَالْبَرْدِ أَي أَتانا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَيُقَالُ: كُلُّ الْفَوَاكِهِ فِي إبّانِها أَي فِي وَقْتها؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
أَيَّان تقْضي حَاجَتِي أَيّانا، ... أَما تَرى لِنُجْحها إِبَّانَا؟
وَفِي حَدِيثِ الْمَبْعَثِ:
هَذَا إبّانُ نُجُومِهِ
أَي وَقْتُ ظُهُورِهِ، وَالنُّونُ أَصلية فَيَكُونُ فِعَّالًا، وَقِيلَ: هِيَ زَائِدَةٌ، وَهُوَ فِعْلانُ مِنْ أَبَّ الشيءُ إِذَا تهَيَّأَ للذَّهاب، وَمِنْ كَلَامِ سِيبَوَيْهِ فِي قَوْلِهِمْ يَا لَلْعجَب أَي يَا عَجَبُ تعالَ فإِنه مِنْ إبّانِكَ وأَحْيانِك. وأَبَّنَ الرجلَ تأْبيناً وأَبَّله: مَدَحه بَعْدَ مَوْتِهِ وَبَكَاهُ؛ قَالَ مُتمِّم بْنُ نُوَيرة:
لعَمري وَمَا دَهري بتأْبين هالكٍ، ... وَلَا جَزِعاً مِمَّا أَصابَ فأَوْجعَا
. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: هُوَ إِذَا ذكَرْتَه بَعْدَ مَوْتِهِ بِخَيْرٍ؛ وَقَالَ مَرَّةً: هُوَ إِذَا ذَكَرْتَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَقَالَ شَمِرٌ: التَّأْبينُ الثَّناءُ عَلَى الرَّجُلِ فِي الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ جَاءَ فِي الشِّعْرِ مدْحاً للحَيّ، وَهُوَ قَوْلُ الرَّاعِي:
فرَفَّعَ أَصحابي المَطِيَّ وأَبَّنُوا ... هُنَيْدَة، فاشتاقَ العُيونُ اللَّوامِح.
__________
(2) . قوله [كثير الأُبَن] في التكملة ما نصه: والرواية قليل الأُبَن، وهو الصواب لأَن كثرة الأُبن عيب، وصدر البيت:
سَلَاجِمُ كَالنَّحْلِ أَنْحَى لَهَا.
(3) . قوله [قوما تجوبان إلخ] هكذا في الأَصل، وتقدم في مادة نوح: تنوحان.(13/4)
قَالَ: مَدحَها فاشْتاقوا أَن يَنْظروا إِلَيْهَا فأَسْرعوا السيرَ إِلَيْهَا شَوْقاً مِنْهُمْ أَن يَنْظُرُوا مِنْهَا. وأَبَنْتُ الشَّيْءَ: رَقَبْتُه؛ وَقَالَ أَوسٌ يَصِفُ الحمار:
يقولُ له الراؤُونَ: هذاكَ راكِبٌ ... يُؤَبِّنُ شَخْصاً فوقَ علياءَ واقِفُ
وَحَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ قَالَ: رَوَى ابنُ الأَعرابي يُوَبِّر، قَالَ: وَمَعْنَى يُوَبِّر شَخْصًا أَي يَنْظُرُ إِلَيْهِ ليَسْتَبينَه. وَيُقَالُ: إِنَّهُ لَيُوَبِّرُ أَثراً إِذَا اقتَصَّه، وَقِيلَ لِمَادِحِ الْمَيِّتِ مُؤَبِّنٌ لاتِّباعه آثَارَ فِعَالِهِ وَصَنَائِعِهِ. والتَّأْبينُ: اقتِفار الأَثر. الْجَوْهَرِيُّ: التأْبينُ أَن تقْفو أَثَرَ الشَّيْءِ. وأَبَّنَ الأَثر: وَهُوَ أَن يَقْتَفِره فَلَا يَضِح لَهُ وَلَا ينفَلِت مِنْهُ. والتأْبين: أَن يُفْصَدَ العِرْقُ ويُؤْخَذ دَمُه فيُشوى ويُؤكل؛ عَنْ كُرَاعٍ. ابْنُ الأَعرابي: الأَبِنُ، غَيْرُ مَمْدُودِ الأَلف عَلَى فَعِلٍ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، الْغَلِيظُ الثَّخين. وأَبَنُ الأَرض: نبتٌ يخرُج في رؤُوس الإِكام، لَهُ أَصل وَلَا يَطول، وكأَنه شَعَر يُؤْكل وَهُوَ سَرِيعُ الخُروج سَرِيعُ الهَيْج؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ. وأَبانانِ: جَبَلَانِ فِي الْبَادِيَةِ، وَقِيلَ: هُمَا جَبَلان أَحدهما أَسود وَالْآخَرُ أَبْيض، فالأَبيَض لِبَنِي أَسد، والأَسود لَبَنِي فَزارة، بَيْنَهُمَا نهرٌ يُقَالُ لَهُ الرُّمَةُ، بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ، وَبَيْنَهُمَا نَحْوٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَميال وَهُوَ اسْمُ عَلَمٍ لَهُمَا؛ قَالَ بِشْر يَصِفُ الظَّعَائِنَ:
يَؤُمُّ بِهَا الحُداةُ مِياهَ نَخْلٍ، ... وَفِيهَا عَنْ أَبانَيْنِ ازْوِرارُ
وَإِنَّمَا قِيلَ: أَبانانِ وأَبانٌ أَحدهما، وَالْآخَرُ مُتالِعٌ، كَمَا يُقَالُ القَمَران؛ قَالَ لَبِيدٌ:
دَرَسَ المَنا بِمُتالِعٍ وأَبانِ، ... فتقادَمَتْ بالحِبْسِ فالسُّوبانِ
قَالَ ابْنُ جِنِّي: وأَما قَوْلُهُمْ للجبَلين المُتقابلين أَبانانِ، فإنَّ أَبانانِ اسْمُ عَلَمٍ لَهُمَا بِمَنْزِلَةِ زيدٍ وَخَالِدٍ، قَالَ: فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ جَازَ أَن يَكُونَ بَعْضُ التَّثْنِيَةِ عَلَمًا وَإِنَّمَا عامَّتُها نَكِرَاتٌ؟ أَلا تَرَى أَن رجُلين وغُلامَين كلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَكِرَةٌ غَيْرُ عَلَمٍ فَمَا بَالُ أَبانَين صَارَا عَلَمًا؟ وَالْجَوَابُ: أَن زَيْدَيْنِ لَيْسَا فِي كُلِّ وَقْتٍ مُصْطحِبَين مُقْتَرِنَيْنِ بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُجامِع صاحبَه ويُفارِقه، فَلَمَّا اصطحَبا مَرَّةً وَافْتَرَقَا أُخرى لَمْ يُمْكِن أَن يُخَصَّا باسمٍ عَلَمٍ يُفيدُهما مِنْ غيرِهما، لأَنهما شَيْئَانِ، كلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بائنٌ مِنْ صاحِبه، وأَما أَبانانِ فجبَلان مُتقابلان لَا يُفارق واحدٌ مِنْهُمَا صاحبَه، فجَرَيا لاتِّصال بعضِهما بِبَعْضِ مَجْرى المسمَّى الْوَاحِدِ نَحْوَ بَكْرٍ وقاسِمٍ، فَكَمَا خُصَّ كلُّ واحدٍ مِنَ الأَعلام بِاسْمٍ يُفيدُه مِنْ أُمَّتِه، كَذَلِكَ خُصَّ هَذَانِ الجَبَلان بِاسْمٍ يُفيدهما مِنْ سَائِرِ الْجِبِالِ، لأَنهما قَدْ جَرَيا مَجْرَى الْجَبَلِ الْوَاحِدِ، فَكَمَا أَن ثَبيراً ويَذْبُل لمَّا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَبَلًا وَاحِدًا مُتَّصِلَةً أَجزاؤُه خُصَّ بِاسْمٍ لَا يُشارَك فِيهِ، فَكَذَلِكَ أَبانانِ لمَّا لَمْ يَفْتَرِقْ بَعْضُهُمَا مِنْ بَعْضٍ كَانَا لِذَلِكَ كالجَبَل الْوَاحِدِ، خُصّا باسمٍ عَلَمٍ كَمَا خُصَّ يَذْبُل ويَرَمْرَمُ وشمَامِ كلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا بَاسِمِ عَلَمٍ؛ قَالَ مُهَلهِل:
أَنْكَحَها فَقْدُها الأَراقِمَ فِي ... جَنْبٍ، وَكَانَ الخِباءُ مِنْ أَدَمِ
لَوْ بأَبانَيْنِ جَاءَ يَخْطُبها ... رُمِّلَ، مَا أَنْفُ خاطِبٍ بدَمِ
الْجَوْهَرِيُّ: وَتَقُولُ هَذَانِ أَبانان حَسَنَينِ، تَنْصِب النعتَ لأَنه نَكِرَةٌ وُصِفَتْ بِهِ مَعْرِفَةٌ، لأَن الأَماكن لَا تزولُ فَصَارَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ، وخالَف الحيوانَ، إِذَا قُلْتَ هَذَانِ زَيْدَانِ حسَنان، تَرْفَعُ النَّعْتَ هَاهُنَا لأَنه(13/5)
نكرةٌ وُصِفت بِهَا نَكِرَةٌ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَوْلُ الْجَوْهَرِيِّ تَنْصِبُ النَّعْتَ لأَنه نَكِرَةٌ وُصِفَتْ بِهِ مَعْرِفَةٌ، قَالَ: يَعْنِي بِالْوَصْفِ هُنَا الْحَالَ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَإِنَّمَا فَرَّقُوا بَيْنَ أَبانَين وعَرَفاتٍ وَبَيْنَ زَيدَينِ وزَيدين مِنْ قِبَل أَنهم لَمْ يَجْعَلُوا التَّثْنِيَةَ وَالْجَمْعَ عَلَمًا لرجُلينِ وَلَا لرِجال بأَعيانِهم، وَجَعَلُوا الِاسْمَ الْوَاحِدَ علَماً لِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ، كأَنهم قَالُوا إِذَا قُلْنَا ائْتِ بزَيْدٍ إِنَّمَا نُرِيدُ هَاتِ هَذَا الشَّخْصَ الَّذِي يسيرُ إِلَيْهِ، وَلَمْ يَقُولُوا إِذَا قُلْنَا جَاءَ زيدانِ فَإِنَّمَا نَعْنِي شَخْصَيْنِ بأَعيانهما قَدْ عُرِفا قَبْلَ ذَلِكَ وأُثْبِتا، وَلَكِنَّهُمْ قَالُوا إِذَا قُلْنَا جَاءَ زَيْدُ بْنُ فُلَانٍ وزيدُ بْنُ فلانٍ فَإِنَّمَا نَعْنِي شَيْئَيْنِ بأَعيانهما، فكأَنهم قَالُوا إِذَا قُلْنَا ائتِ أَبانَيْنِ فَإِنَّمَا نَعْنِي هذينِ الجبلَينِ بأَعيانهما اللَّذَيْنِ يَسِيرُ إِلَيْهِمَا، أَلا تَرَى أَنهم لَمْ يَقُولُوا امْرُرْ بأَبانِ كَذَا وأَبانِ كَذَا؟ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَهُمَا لأَنهم جَعَلُوا أَبانَيْنِ اسْمًا لَهُمَا يُعْرَفانِ بِهِ بأَعيانهما، وَلَيْسَ هَذَا فِي الأَناسيِّ وَلَا فِي الدَّوَابِّ، إِنَّمَا يَكُونُ هَذَا فِي الأَماكنِ وَالْجِبِالِ وَمَا أَشبه ذَلِكَ، مِنْ قِبَل أَنّ الأَماكِنَ لَا تَزُولُ فيصيرُ كُلُّ واحدٍ مِنَ الجبلَينِ دَاخِلًا عِنْدَهُمْ فِي مِثْلِ مَا دَخَلَ فِيهِ صاحبُه مِنَ الْحَالِ والثَّباتِ والخِصبِ والقَحْطِ، وَلَا يُشارُ إِلَى واحدٍ مِنْهُمَا بتعريفٍ دُونَ الْآخَرِ فَصَارَا كَالْوَاحِدِ الَّذِي لَا يُزايِله مِنْهُ شيءٌ حَيْثُ كَانَ فِي الأَناسيّ وَالدَّوَابِّ والإِنسانانِ وَالدَّابَّتَانِ لَا يَثْبُتانِ أَبداً، يزولانِ وَيَتَصَرَّفَانِ ويُشارُ إِلَى أَحدِهما والآخرُ عَنْهُ غائبٌ، وَقَدْ يُفرَد فَيُقَالُ أَبانٌ؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
كَأَنَّ أَباناً، فِي أَفانِينِ وَدْقِه، ... كبيرُ أُناسٍ فِي بِجادٍ مُزَمَّلِ «1»
. وأَبانٌ: اسْمُ رجلٍ. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ:
مِنْ كَذَا وَكَذَا إِلَى عَدَنِ أَبْيَنَ
، أَبْيَنُ بِوَزْنِ أَحْمر، قريةٌ عَلَى جَانِبِ الْبَحْرِ ناحيةَ الْيَمَنِ، وَقِيلَ: هُوَ اسمُ مَدِينَةِ عدَن. وَفِي حَدِيثِ
أُسامة: قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمَّا أَرسَله إِلَى الرُّوم: أَغِرْ عَلَى أُبْنَى صَبَاحًا
؛ هِيَ، بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْقَصْرِ، اسمُ موضعٍ مِنْ فِلَسْطينَ بَيْنَ عَسْقَلانَ والرَّمْلة، وَيُقَالُ لَهَا يُبْنَى، بِالْيَاءِ، وَاللَّهُ أَعلم.
أتن: الأَتانُ: الحِمارةُ، وَالْجَمْعُ آتُنٌ مِثْلُ عَناقٍ وأَعْنُقٍ وأُتْنٌ وأُتُنٌ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
وَمَا أُبَيِّنُ منهمُ، غيرَ أَنَّهمُ ... هُمُ الَّذِينَ غَذَتْ مِنْ خَلْفِها الأُتُنُ
وَإِنَّمَا قَالَ غَذَت مِنْ خَلْفِها الأُتُن لأَن ولدَ الأَتانِ إِنَّمَا يَرْضَع مِنْ خَلْف. والمَأْتوناءُ: الأُتُنُ اسمٌ لِلْجَمْعِ مِثْلَ المَعْيوراء. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ: جئتُ عَلَى حمارٍ أَتانٍ
؛ الحمارُ يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ والأُنثى، والأَتانُ والحِمارةُ الأُنثى خَاصَّةً، وَإِنَّمَا اسْتَدْرَكَ الحمارَ بالأَتانِ ليُعلَم أَن الأُنثَى مِنَ الحُمُرِ لَا تَقْطَعُ الصَّلَاةَ، فَكَذَلِكَ لَا تقطعُها المرأَة، وَلَا يُقَالُ فِيهَا أَتانة. قَالَ ابْنُ الأَثير: وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ واسْتَأْتَنَ الرجلُ اشْتَرى أَتاناً واتَّخَذَها لِنَفْسِهِ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
بَسَأْتَ، يَا عَمْرُو، بأَمرٍ مؤتِنِ ... واسْتَأْتَنَ الناسُ ولَمْ تَسْتَأْتِنِ
واسْتَأْتَنَ الحمارُ: صارَ أَتاناً. وَقَوْلُهُمْ: كَانَ حِمَارًا فاسْتَأْتَنَ أَي صارَ أَتاناً؛ يَضْرِبُ لِلرَّجُلِ يَهُون بَعْدَ العِزِّ. ابْنُ شُمَيْلٍ: الأَتان قاعدةُ الفَوْدَجِ، قَالَ أَبو وَهْبٍ «2» .: الحَمَائِرُ هِيَ القواعدُ والأُتن، الواحدةُ حِمارةٌ وأَتانٌ. والأَتانُ: المرأَةُ الرَّعناء، على التشبيه
__________
(1) . في رواية أخرى: كأنّ كبيراً، بدل أباناً
(2) . قوله [قال أبو وهب] كذا في الأَصل والتهذيب. وفي الصاغاني: أبو مرهب بدل أبو وهب(13/6)
بالأَتانِ، وَقِيلَ لِفَقيه العربِ: هَلْ يجوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يتزوَّج بأَتان؟ قَالَ: نَعَمْ؛ حَكَاهُ الْفَارِسِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ. والأَتانُ: الصخرةُ تَكُونُ فِي الْمَاءِ؛ قَالَ الأَعشى:
بِناجيةٍ، كأَتانِ الثَّميل، ... تُقَضِّي السُّرَى بَعْدَ أَيْنٍ عَسِيرَا
أَي تُصْبِحُ عاسِراً بذَنَبِها تَخْطُرُ بِهِ مِراحاً وَنَشَاطًا. وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: أَتانُ الثَّميل الصخرةُ فِي بَاطِنِ المَسيلِ الضَّخْمةُ الَّتِي لَا يرفعُها شيءٌ وَلَا يُحرّكُها وَلَا يأْخذُ فِيهَا، طولُها قامةٌ فِي عَرْضِ مثْلِه. أَبو الدُّقَيْش: القواعِدُ والأُتُنُ المرتفعةُ مِنَ الأَرض. وأَتانُ الضَّحْلِ: الصَّخْرَةُ العظيمةُ تَكُونُ فِي الْمَاءِ، وَقِيلَ: هِيَ الصخرةُ الَّتِي بَيْنَ أَسْفلِ طيِّ البئرِ، فَهِيَ تَلِي الماءَ. والأَتانُ: الصخرةُ الضخمةُ المُلَمْلَمةُ، فَإِذَا كَانَتْ فِي الْمَاءِ الضَّحْضاحِ قِيلَ: أَتانُ الضَّحْلِ، وتُشَبَّه بِهَا الناقةُ فِي صَلَابَتِها؛ وَقَالَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ:
عَيْرانةٌ كأَتان الضَّحل ناجِيةٌ، ... إِذَا ترَقَّصَ بالقُورِ العَساقِيلُ
وَقَالَ الأَخطل:
بِحُرّةٍ، كأَتانِ الضَّحْلِ، أَضْمَرَها، ... بَعْدَ الرَّبالةِ، تَرْحالي وتَسْياري
. وَقَالَ أَوس:
عَيرانةٌ، كأَتانِ الضَّحْلِ، صَلَّبها ... أَكلُ السَّواديّ رَضُّوهُ بِمِرْضاح
. ابْنُ سِيدَهْ: وأَتانُ الضَّحلِ صخرةٌ تَكُونُ عَلَى فَمِ الرَّكِيِّ، فيركبُها الطُّحْلُبُ حَتَّى تَمْلاسَّ فَتَكُونُ أَشَدَّ مَلَاسَةً مِنْ غَيْرِهَا، وَقِيلَ: هِيَ الصخرةُ بعضُها غامِرٌ وبعضُها ظاهِرٌ. والأَتانُ: مقامُ المُسْتَقي عَلَى فَمِ الْبِئْرِ، وَهُوَ صخرةٌ. والأَتانُ والإِتانُ: مقامُ الرَّكيّة. وأَتَنَ يأْتِنُ أَتْناً: خَطَبَ فِي غَضَب. وأَتَنَ الرجلُ يأْتِنُ أَتَناناً إِذَا قارَبَ الخَطْوَ فِي غَضَب، وأَتَلَ كَذَلِكَ، وَقَالَ فِي مَصْدَرِهِ: الأَتَنانُ والأَتَلانُ. وأَتَنَ بالمكانِ يأْتِنُ أَتْناً وأُتوناً: ثَبَتَ وأَقامَ بِهِ؛ قَالَ أَباقٌ الدُّبَيريّ:
أَتَنْتُ لَهَا وَلَمْ أَزَلْ فِي خِبائها ... مُقيماً، إِلَى أَنْ أَنْجَزَت خُلّتي وَعْدي
. والأَتْنُ: أَنْ تخْرجَ رجْلا الصَّبِيِّ قَبْل رأْسِه، لُغَةٌ فِي اليَتْنِ؛ حَكَاهُ ابْنُ الأَعرابي، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يُولَدُ مَنْكوساً، فَهُوَ مَرَّةً اسمٌ للوِلادِ، وَمَرَّةً اسمٌ للولَدِ. والمُوتَنُ: المنكوسُ، مِنَ اليَتْنِ. والأَتُّونُ، بِالتَّشْدِيدِ: المَوْقِدُ، وَالْعَامَّةُ تخفِّفه، وَالْجَمْعُ الأَتاتين، وَيُقَالُ: هُوَ مُولَّد؛ قَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: الأَتُونُ، مُخَفَّفٌ مِنَ الأَتُّون، والأَتُّونُ: أُخْدُودُ الجَبّارِ والجصَّاص، وأَتُون الحمّامِ، قَالَ: وَلَا أَحسبه عَرَبِيًّا. وجمعه أُتُنٌ. قال الفراء: هي الأَتاتينُ؛ قال ابن جني: كأَنه زاد على عَيْنُ أَتُونٍ عَيْنًا أُخرى، فَصَارَ فعُول مُخَفَّفَ الْعَيْنِ إِلَى فَعُّولٍ مُشَدَّدِ الْعَيْنِ فيُصوّره حِينَئِذٍ عَلَى أَتّونٍ فَقَالَ فِيهِ أَتانين كسَفّودٍ وسَفافيد وكَلّوب وكَلاليبَ؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: وَهَذَا كَمَا جَمَعُوا قُسًّا قَساوِسةً، أَرادوا أَن يَجْمَعُوهُ عَلَى مِثَالِ مهالِبة، فَكَثُرَتِ السِّينات وأَبدلوا إحداهنَّ وَاوًا، قَالَ: وَرُبَّمَا شَدَّدُوا الجمعَ وَلَمْ يُشدِّدوا واحدَه مثل أَتُونٍ وأَتاتِينَ.
أثن: الأُثْنةُ: منبِتُ الطَّلْحِ، وَقِيلَ: هِيَ القِطْعةُ مِنَ الطَّلْح والأَثْلِ. يُقَالُ: هبَطْنا أُثْنةً مِنْ طلحٍ وَمِنْ أَثْلٍ. ابْنُ الأَعرابي: عِيصٌ مِنْ سِدْرٍ، وأُثْنةٌ مِنْ طلحٍ، وسلِيلٌ مِنْ سَمُر. وَيُقَالُ لِلشَّيْءِ الأَصِيل: أَثِينٌ.(13/7)
أجن: الآجِنُ: الماءُ المتغيّرُ الطعمِ واللونِ، أَجَنَ الماءُ يأْجِنُ ويأْجُن أَجْناً وأُجوناً؛ قَالَ أَبو مُحَمَّدٍ الْفَقْعَسِيُّ:
ومَنْهل فِيهِ العُرابُ مَيْتُ ... «1» .، كأَنه مِنَ الأُجونِ زَيْتُ،
سَقَيْتُ مِنْهُ القومَ واسْتَقَيْتُ
وأَجِنَ يأْجَنُ أَجَناً فَهُوَ أَجِنٌ، عَلَى فَعِلٍ، وأَجُنَ، بِضَمِّ الْجِيمِ، هَذِهِ عَنْ ثَعْلَبٍ، إِذَا تغيَّر غَيْرَ أَنه شَروبٌ، وَخَصَّ ثَعْلَبٌ بِهِ تغيُّرَ رَائِحَتِهِ، وماءٌ أَجِنٌ وآجِنٌ وأَجِينٌ، وَالْجَمْعُ أُجونٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَظنه جمعَ أَجْنٍ أَو أَجِنٍ. اللَّيْثُ: الأَجْنُ أُجونُ الماءِ، وَهُوَ أَن يَغْشاه العِرْمِضُ والورقُ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
عَلَيْهِ، مِنْ سافِي الرِّياحِ الخُطَّطِ، ... أَجْنٌ كنِيِّ اللَّحْمِ لَمْ يُشَيَّطِ
. وَقَالَ عَلْقَمَةُ بْنُ عَبَدة:
فأَوْرَدَها مَاءً كأَنَّ جِمامَه، ... مِنَ الأَجْنِ، حِنَّاءٌ مَعًا وصَبِيبُ
وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، كَرَّمَ الله وَجْهَهُ: ارْتوَى مِنْ آجِنٍ
؛ هُوَ الماءُ المتغيِّرُ الطعمِ واللونِ. وَفِي حَدِيثِ
الْحَسَنِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَنه كَانَ لَا يَرى بأْساً بالوُضوء مِنَ الْمَاءِ الآجنِ.
والإِجّانَةُ والإِنْجانةُ والأَجّانةُ؛ الأَخيرة طَائِيَّةٌ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ: المِرْكَنُ، وأَفصحُها إجّانةٌ وَاحِدَةُ الأَجاجينِ، وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ إِكَّانه؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَلَا تَقُلْ إنْجانة. والمِئْجَنةُ: مِدقَّةُ القَصّارِ، وترْكُ الْهَمْزِ أَعلى لِقَوْلِهِمْ فِي جَمْعِهَا مَواجن؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: المِئْجَنةُ الخشبةُ الَّتِي يَدُقُّ بِهَا القصّارُ، والجمعُ مآجِنُ، وأَجَنَ الْقَصَّارُ الثوبَ أَي دَقَّه. والأُجْنةُ، بِالضَّمِّ: لُغَةٌ فِي الوُجْنةِ، وَهِيَ وَاحِدَةٌ الوُجَنات. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ مَسْعُودٍ: أَن امرأَته سأَلته أَن يَكْسُوَها جِلْباباً فَقَالَ: إِنِّي أَخشى أَن تَدَعي جِلْبابَ اللَّهِ الَّذِي جَلْبَبَكِ، قَالَتْ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: بيتُك، قالت: أَجَنَّك [أَجِنَّك] مِنْ أَصحابِ محمدٍ تَقُولُ هَذَا؟
تُرِيدُ أَمِنْ أَجلِ أَنك، فَحَذَفَتْ مِنْ واللامَ وَالْهَمْزَةَ وحرَّكت الْجِيمَ بالفتح والكسره والفتحُ أَكثر، وَلِلْعَرَبِ فِي الْحَذْفِ بابٌ وَاسِعٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي، تَقْدِيرُهُ لَكِنِّي أَنا هُوَ اللهُ رَبِّي، وَاللَّهُ أَعلم.
أحن: الإِحْنةُ: الحقْدُ فِي الصَّدْرِ، وأَحِنَ عَلَيْهِ أَحَناً وإحْنةً وأَحَنَ، الفتحُ عَنْ كُرَاعٍ، وَقَدْ آحَنَهُ. التَّهْذِيبُ: وَقَدْ أَحَنْتُ إِلَيْهِ آحَنُ أَحْناً وآحَنْتُه مُؤَاحنةً مِنَ الإِحْنةِ، وَرُبَّمَا قَالُوا حِنة؛ قَالَ الأَزهري: حِنَة لَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، وأَنكر الأَصمعي وَالْفَرَّاءُ حِنَةً. ابْنُ الْفَرَجِ: أَحِنَ عَلَيْهِ ووَحِنَ مِنَ الإِحْنة. وَيُقَالُ: فِي صَدْرِهِ عليَّ إِحْنةٌ أَي حِقْدٌ، وَلَا تَقُلْ حِنَة، وَالْجَمْعُ إِحَنٌ وإِحْناتٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:
وَفِي صَدْرِهِ عليَّ إحْنةٌ.
وَفِي حَدِيثِ
مازِنٍ: وَفِي قلُوبِكم الْبَغْضَاءُ والإِحَنُ.
وأَما حَدِيثُ
مُعَاوِيَةَ: لَقَدْ منَعتْني القدرةُ مِنْ ذَوِي الحِناتِ
، فَهِيَ جَمْعُ حِنَةٍ وَهِيَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ فِي الإِحْنة، وَقَدْ جَاءَتْ فِي بَعْضِ طُرُق حَدِيثِ
حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّب فِي الحُدود: مَا بَيْنِي وَبَيْنَ الْعَرَبِ حِنَةٌ.
وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا يَجُوزُ شهادةُ ذِي الظِّنَّةِ والحِنَةِ
؛ هُوَ مِنَ الْعَدَاوَةِ؛ وَفِيهِ:
إِلَّا رَجُلٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخيه حِنَةٌ
، وَقَدْ أَحِنْتُ عَلَيْهِ، بِالْكَسْرِ؛ قَالَ الأُقَيْبل القَينيّ:
مَتَّى مَا يَسُؤْ ظَنُّ امرِئٍ بِصَدِيقِه، ... يُصَدِّقْ بلاغاتٍ يَجِئْهُ يَقِينُها
__________
(1) . قوله: العراب؛ هكذا في الأَصل، ولم نجد هذه اللفظة فيما لدينا من المعاجم، ولعلها الغراب(13/8)
إِذَا كَانَ فِي صَدْرِ ابنِ عمِّكَ إِحْنةٌ، ... فَلَا تسْتَثِرْها سوفَ يَبْدُو دَفِينُها
يَقُولُ: لَا تطلبُ مِنْ عدوِّك كشْفَ مَا فِي قَلْبِهِ لَكَ فَإِنَّهُ سَيَظْهَرُ لَكَ مَا يُخْفِيهِ قلبُه عَلَى مرِّ الزَّمَانِ؛ وَقِيلَ: قَبْل قَوْلِهِ إِذَا كَانَ فِي صَدْرِ ابْنِ عَمِّكَ إِحْنَةٌ:
إِذَا صَفْحةُ المعروفِ وَلَّتْكَ جانِباً، ... فخُذْ صَفْوَها لَا يَخْتَلِطْ بِكَ طِينُهاً
والمُؤاحَنةُ: المُعاداة؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُقَالُ آحَنْتُه مُؤاحَنةً.
أخن: الآخِنيُّ: ثيابٌ مُخَطَّطةٌ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
عَلَيْهِ كَتَّانٌ وآخِنِيُ
والآخِنيَّةُ: القِسِيُّ؛ قَالَ الأَعشى:
مَنَعتْ قِياسُ الآخِنيَّةِ رأْسَه ... بسِهامِ يَثْرِبَ أَو سِهامِ الْوَادِي
أَضافَ الشيءَ إِلَى نَفْسِهِ لأَن القِياسَ هِيَ الآخِنيَّة، أَو يَكُونُ عَلَى أَنه أَراد قِياسَ الْقَوَّاسَةِ الآخنيَّة، وَيُرْوَى: أَو سِهامِ بلادِ. أَبو مَالِكٍ: الآخِنِيُّ أَكْسِيَةٌ سُودٌ ليِّنةٌ يَلبَسُها النَّصَارَى؛ قَالَ الْبُعَيْثُ:
فكَرَّ عَلَيْنَا ثمَّ ظلَّ يجُرُّها، ... كَمَا جَرَّ ثوبَ الآخِنِيِّ المقدَّس
وَقَالَ أَبو خِرَاشٍ:
كأَن المُلاءَ المَحْض خَلْفَ كُراعِه، ... إِذَا مَا تَمَطَّى الآخِنِيُّ المُخَذَّمُ.
أدن: المُؤْدَنُ مِنَ النَّاسِ: القصيرُ العنُقِ الضَّيِّقُ المَنْكِبين مَعَ قِصَر الأَلواحِ وَالْيَدَيْنِ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يُولَدُ ضاوِياً. والمُؤْدَنة: طُوَيِّرةٌ صغيرةٌ قصيرةُ العنُق نَحْوُ القُبَّرة. ابْنُ بَرِّيٍّ: المُؤدَنُ الفاحشُ القِصَر؛ قَالَ رِبْعِيّ الدُّبَيري:
لِمَا رَأَتْهُ مُؤْدَناً عِظْيَرَّا، ... قَالَتْ: أُريد العَتْعَتَ الذِّفِرّا
أذن: أَذِنَ بِالشَّيْءِ إذْناً وأَذَناً وأَذانةً: عَلِم. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ
؛ أَي كُونُوا عَلَى عِلْمٍ. وآذَنَه الأَمرَ وآذَنه بِهِ: أَعْلَمَه، وَقَدْ قُرئ:
فآذِنوا بحربٍ مِنَ اللَّهِ
؛ مَعْنَاهُ أَي أَعْلِمُوا كلَّ مَن لَمْ يَتْرُكِ الرِّبا بأَنه حربٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. وَيُقَالُ: قَدْ آذَنْتُه بِكَذَا وَكَذَا، أُوذِنُه إِيذَانًا وإذْناً إِذَا أَعْلَمْته، وَمَنْ قرأَ فَأْذَنُوا
أَي فانْصِتُوا. وَيُقَالُ: أَذِنْتُ لفلانٍ فِي أَمر كَذَا وَكَذَا آذَنُ لَهُ إِذْناً، بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وجزمِ الذَّالِ، واسْتَأْذَنْتُ فُلَانًا اسْتِئْذاناً. وأَذَّنْتُ: أَكْثرْتُ الإِعْلامَ بِالشَّيْءِ. والأَذانُ: الإِعْلامُ. وآذَنْتُكَ بِالشَّيْءِ: أَعْلمتُكه. وآذَنْتُه: أَعْلَمتُه. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ
؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
آذَنَتْنا ببَيْنِها أَسْماءُ
وأَذِنَ بِهِ إِذْناً: عَلِمَ بِهِ. وَحَكَى أَبو عُبَيْدٍ عَنِ الأَصمعي: كُونُوا عَلَى إِذْنِهِ أَي عَلَى عِلْمٍ بِهِ. وَيُقَالُ: أَذِنَ فلانٌ يأْذَنُ بِهِ إِذْناً إِذَا عَلِمَ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ
؛ أَي إعْلامٌ. والأَذانُ: اسمٌ يَقُومُ مقامَ الإِيذانِ، وَهُوَ الْمَصْدَرُ الْحَقِيقِيُّ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ
؛ مَعْنَاهُ وإِذ عَلِمَ ربُّكم، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ
؛ مَعْنَاهُ بِعلْمِ اللَّهِ، والإِذْنُ هاهنا لَا يَكُونُ إلَّا مِنَ اللَّهِ، لأَن اللَّهَ تَعَالَى وتقدَّس لَا يأْمر بِالْفَحْشَاءِ مِنَ السحْرِ وَمَا شاكَلَه. وَيُقَالُ: فَعلْتُ كَذَا وَكَذَا بإِذْنِه أَي فعلْتُ بعِلْمِه، وَيَكُونُ بإِذْنِه(13/9)
بأَمره. وَقَالَ قومٌ: الأَذينُ المكانُ يأْتيه الأَذانُ مِنْ كلِّ ناحيةٍ؛ وأَنشدوا:
طَهُورُ الحَصَى كَانَتْ أَذيناً، وَلَمْ تكُنْ ... بِهَا رِيبةٌ، مِمَّا يُخافُ، تَريبُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الأَذِينُ فِي الْبَيْتِ بِمَعْنَى المُؤْذَنِ، مِثْلُ عَقِيدٍ بِمَعْنَى مُعْقَدٍ، قَالَ: وأَنشده أَبو الجَرّاح شَاهِدًا عَلَى الأَذِينِ بِمَعْنَى الأَذانِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَبَيْتُ امْرِئِ الْقَيْسِ:
وَإِنِّي أَذِينٌ، إنْ رَجَعْتُ مُمَلَّكاً، ... بسَيْرٍ ترَى فِيهِ الفُرانِقَ أَزْوَرَا «1»
. أَذينٌ فِيهِ: بِمَعْنَى مُؤْذِنٍ، كَمَا قَالُوا أَليم ووَجيع بِمَعْنَى مُؤْلِم ومُوجِع. والأَذِين: الْكَفِيلُ. وَرَوَى أَبو عُبَيْدَةَ بَيْتَ امْرِئِ الْقَيْسِ هَذَا وَقَالَ: أَذِينٌ أَي زَعيم. وفَعَلَه بإِذْني وأَذَني أَي بِعلْمي. وأَذِنَ لَهُ فِي الشيءِ إِذْناً: أَباحَهُ لَهُ. واسْتَأْذَنَه: طَلَب مِنْهُ الإِذْنَ. وأَذِنَ لَهُ عَلَيْهِ: أَخَذَ لَهُ مِنْهُ الإِذْنَ. يُقَالُ: ائْذَنْ لِي عَلَى الأَمير؛ وَقَالَ الأَغَرّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الحرث:
وَإِنِّي إِذَا ضَنَّ الأَمِيرُ بإِذْنِه ... عَلَى الإِذْنِ مِنْ نفْسي، إِذَا شئتُ، قادِرُ
وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
قلتُ لبَوَّابٍ لَدَيْهِ دارُها ... تِيذَنْ، فَإِنِّي حَمْؤُها وجارُها
. قَالَ أَبو جَعْفَرٍ: أَراد لِتأْذَنْ، وَجَائِزٌ فِي الشِّعر حذفُ اللَّامِ وكسرُ التَّاءِ عَلَى لُغَةِ مَن يقولُ أَنتَ تِعْلَم، وَقُرِئَ:
فَبِذَلِكَ فَلْتِفْرَحوا.
والآذِنُ: الحاجِبُ؛ وَقَالَ:
تَبَدَّلْ بآذِنِكَ المُرْتَضَى
وأَذِنَ لَهُ أَذَناً: اسْتَمَعَ؛ قَالَ قَعْنَبُ بنُ أُمّ صاحِبٍ:
إِنْ يَسْمَعُوا رِيبةً طارُوا بِهَا فَرَحاً ... مِنِّي، وَمَا سَمعوا مِنْ صالِحٍ دَفَنُوا
صُمٌّ إِذَا سمِعوا خَيْراً ذُكِرْتُ بِهِ، ... وإنْ ذُكِرْتُ بشَرٍّ عنْدَهم أَذِنوا
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَذِنَ إِلَيْهِ أَذَناً اسْتَمَعَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَا أَذِنَ اللهُ لشيءٍ كأَذَنِهِ لِنَبيٍّ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: يَعْنِي مَا استمَعَ اللهُ لِشَيْءٍ كاستِماعِهِ لِنَبيٍّ يتغنَّى بِالْقُرْآنِ أَي يتْلوه يَجْهَرُ بِهِ. يُقَالُ: أَذِنْتُ لِلشَّيْءِ آذَنُ لَهُ أَذَناً إِذَا استمَعْتَ لَهُ؛ قَالَ عَدِيٌّ:
أَيُّها القَلْبُ تَعَلَّلْ بدَدَنْ، ... إنَّ همِّي فِي سماعٍ وأَذَنْ
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ*
؛ أَي اسْتَمعَتْ. وأَذِنَ إليهِ أَذَناً: اسْتَمَعَ إِلَيْهِ مُعْجباً؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِعَمْرِو بْنِ الأَهْيَم:
فلَمَّا أَنْ تسَايَرْنا قَليلًا، ... أَذِنَّ إِلَى الحديثِ، فهُنَّ صُورُ
وَقَالَ عَدِيٌّ:
فِي سَماعٍ يَأْذَنُ الشَّيخُ لَهُ، ... وحديثٍ مثْل ماذِيٍّ مُشار
وآذَنَني الشيءُ: أَعْجَبَنِي فاستَمعْتُ لَهُ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
فَلَا وأَبيك خَيْر منْك، إِنِّي ... لَيُؤْذِنُني التَّحَمْحُمُ والصَّهِيلُ
وأَذِنَ للَّهْو: اسْتَمع ومالَ.
__________
(1) . في رواية أخرى: وإني زعيمٌ(13/10)
والأُذْنُ والأُذُنُ، يخفَّف ويُثَقَّل: مِنَ الْحَوَاسِّ أُنثى، وَالَّذِي حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ أُذْن، بِالضَّمِّ، وَالْجَمْعُ آذانٌ لَا يُكسَّر عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَتَصْغِيرُهَا أُذَيْنة، وَلَوْ سَمَّيْت بِهَا رَجُلًا ثُمَّ صغَّرْته قُلْتَ أُذَيْن، فَلَمْ تؤَنِّث لزوالِ التأْنيث عَنْهُ بِالنَّقْلِ إِلَى الْمُذَكَّرِ، فأَما قَوْلُهُمْ أُذَيْنة فِي الِاسْمِ الْعَلَمِ فَإِنَّمَا سُمِّيَ بِهِ مصغَّراً. وَرَجُلٌ أُذْنٌ وأُذُنٌ: مُسْتَمِع لِمَا يُقال لَهُ قابلٌ لَهُ؛ وصَفُو بِهِ كَمَا قَالَ:
مِئْبَرة العُرْقُوبِ أَشْفَى المِرْفَق
فَوَصَفَ بِهِ لأَن فِي مِئْبَرةٍ وأَشْفى مَعْنَى الحِدَّة. قَالَ أَبو عَلِيٍّ: قَالَ أَبو زَيْدٍ رَجُلٌ أُذُنٌ وَرِجَالٌ أُذُنٌ، فأُذُنٌ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ إِذَا كَانَ يَسْمَعُ مقالَ كُلِّ أَحد. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُقَالُ رَجُلٌ أُذُنٌ وامرأَة أُذُنٌ، وَلَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ، قَالَ: وَإِنَّمَا سمَّوه بِاسْمِ العُضْو تَهْويلًا وَتَشْنِيعًا كَمَا قَالُوا للمرأَة: مَا أَنتِ إِلَّا بُطَين. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ
؛ أَكثرُ القرّاء يقرؤون قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ
، وَمَعْنَاهُ وتفْسيرُه أَن فِي المُنافِقينَ مَنْ كَانَ يَعيب النبي، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، وَيَقُولُ: إِنْ بَلَغَه عَنِّي شَيْءٌ حَلَفْت لَهُ وقَبِلَ مِنِّي لأَنه أُذُنٌ، فأَعْلَمه اللَّهُ تَعَالَى أَنه أُذُنُ خيرٍ لَا أُذُنُ شرٍّ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ
، أَي مُسْتَمِعُ خيرٍ لَكُمْ، ثُمَّ بَيَّنَ مِمَّنْ يَقْبَل فَقَالَ تَعَالَى: يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ؛ أَي يَسْمَعُ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ فيصدِّق بِهِ ويصدِّق الْمُؤْمِنِينَ فِيمَا يُخْبِرُونَهُ بِهِ. وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ
زَيْدِ بْنِ أَرْقَم: هَذَا الَّذِي أَوْفَى اللَّهُ بأُذُنِه
أَي أَظهرَ صِدْقَه فِي إِخْبارِه عَمَّا سمعَتْ أُذُنه. وَرَجُلٌ أُذانِيّ وآذَنُ: عظيمُ الأُذُنَيْنِ طويلُهما، وَكَذَلِكَ هُوَ مِنَ الإِبلِ وَالْغَنَمِ، ونَعْجةٌ أَذْناءُ وكَبْشٌ آذَنُ. وَفِي حَدِيثِ
أَنس: أَنه قَالَ لَهُ يَا ذَا الأُذُنَيْنِ
؛ قالَ ابْنُ الأَثير: قِيلَ مَعْنَاهُ الحضُّ عَلَى حُسْنِ الاستِماعِ والوَعْي لأَن السَّمْعَ بحاسَّة الأُذُنِ، ومَنْ خلَق اللَّهُ لَهُ أُذُنَيْنِ فأَغْفَلَ الاستِماع وَلَمْ يُحْسِن الوَعْيَ لَمْ يُعْذَرْ، وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا الْقَوْلَ مِنْ جُمْلَةِ مَزْحه، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولَطيف أَخلاقه كَمَا
قَالَ للمرأَة عَنْ زَوْجِهَا: أَذاك الَّذِي فِي عينِه بياضٌ؟
وأَذَنَه أَذْناً، فَهُوَ مأْذونٌ: أَصاب أُذُنَه، عَلَى مَا يَطَّرِد فِي الأَعضاء. وأَذَّنَه: كأَذَنَه أَي ضرَب أُذُنَه، وَمِنْ كَلَامِهِمْ: لِكُلِّ جابهٍ جَوْزةٌ ثُمَّ يُؤَذَّنُ؛ الجابهُ: الواردُ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يَرِدُ الْمَاءَ وَلَيْسَتْ عَلَيْهِ قامةٌ وَلَا أَداةٌ، والجَوْزةُ: السَّقْية مِنَ الْمَاءِ، يَعْنُون أَن الواردَ إِذَا ورَدَهم فسأَلهم أَن يَسْقوه مَاءً لأَهله وماشيتِه سَقَوْه سقْيةً وَاحِدَةً، ثُمَّ ضَرَبُوا أُذُنَه إعْلاماً أَنه لَيْسَ عِنْدَهُمْ أَكثرُ مِنْ ذَلِكَ. وأُذِنَ: شَكَا أُذُنَه؛ وأُذُنُ القلبِ والسهمِ والنَّصْلِ كلُّه عَلَى التَّشْبِيهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ المُحاجِين: مَا ذُو ثَلَاثِ آذَانٍ يَسْبِقُ الخَيْل بالرَّدَيان؟ يَعْنِي السَّهمَ. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: إِذَا رُكِّبت القُذَذُ عَلَى السَّهْمِ فَهِيَ آذانُه. وأُذُنُ كُلِّ شَيْءٍ مَقْبِضُه، كأُذُنِ الْكُوزِ والدَّلْو عَلَى التَّشْبِيهِ، وكلُّه مُؤَنَّثٌ. وأُذُنُ العَرفج والثُّمام: مَا يُخَدُّ مِنْهُ فيَنْدُرُ إِذَا أَخْوَصَ، وَذَلِكَ لِكَوْنِهِ عَلَى شَكْلِ الأُذُنِ. وآذانُ الكيزانِ: عُراها، واحدَتها أُذُنٌ. وأُذَيْنةُ: اسْمُ رَجُلٍ، لَيْسَتْ مُحَقَّرة عَلَى أُذُن فِي التَّسْمِيَةِ، إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ تَلْحَقِ الْهَاءُ وَإِنَّمَا سُمّيَ بِهَا مُحَقَّرة مِنَ العُضْو، وَقِيلَ: أُذَيْنة اسمُ ملِك مِنْ مُلُوكِ الْيَمَنِ. وَبَنُو أُذُنٍ: بطنٌ مِنْ هَوَازِنَ. وأُذُن النَّعْل: مَا أَطافَ مِنْهَا بالقِبال. وأَذَّنْتُها: جعلتُ لَهَا أُذُناً. وأَذَّنْتُ الصبيَّ: عرَكْتُ أُذُنَه. وأُذُنُ الحمارِ: نبتٌ لَهُ وَرَقٌ(13/11)
عَرْضُه مِثْلُ الشِّبْر، وَلَهُ أَصل يُؤْكَلُ أَعظم مِنَ الجَزرة مِثْلُ السَّاعِدِ، وَفِيهِ حَلَاوَةٌ؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ. والأَذانُ والأَذِينُ والتَّأْذِينُ: النّداءُ إِلَى الصَّلَاةِ، وَهُوَ الإِعْلام بِهَا وَبِوَقْتِهَا. قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَقَالُوا أَذَّنْت وآذَنْتُ، فَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَجْعَلُهُمَا بِمَعْنًى، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَذَّنْت لِلتَّصْوِيتِ بإعْلانٍ، وآذَنْتُ أَعلمْت. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِ
؛ رُوِيَ
أَنَّ أَذان إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، بِالْحَجِّ أَن وقَف بالمَقام فَنَادَى: أَيّها النَّاسُ، أَجيبُوا اللَّهَ، يَا عِبَادَ اللَّهِ، أَطيعوا اللَّهَ، يَا عِبَادَ اللَّهِ، اتَّقُوا اللَّهَ، فوَقَرَتْ فِي قَلْبِ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ وأَسْمَعَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ والأَرض، فأَجابه مَن فِي الأَصْلاب مِمَّنْ كُتِب لَهُ الْحَجُّ، فَكُلُّ مَنْ حَجَّ فَهُوَ مِمَّنْ أَجاب إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَرُوِيَ
أَن أَذانه بِالْحَجِّ كَانَ: يَا أَيها النَّاسُ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْحَجُّ.
والأَذِينُ: المُؤذِّنُ؛ قَالَ الحُصَينُ بْنُ بُكَيْر الرَّبَعيّ يَصِفُ حمارَ وَحْشٍ:
شَدَّ عَلَى أَمر الورُودِ مِئْزَرَهْ ... سَحْقاً، وَمَا نادَى أَذِينُ المَدَرَهْ
السَّحْقُ: الطَّرْدُ. والمِئْذنةُ: موضعُ الأَذانِ لِلصَّلَاةِ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هِيَ المنارةُ، يَعْنِي الصَّومعةَ. أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ لِلْمَنَارَةِ المِئْذَنة والمُؤْذَنة؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
سَمِعْتُ للأَذانِ فِي المِئْذَنَهْ
وأَذانُ الصَّلَاةِ: مَعْرُوفٌ، والأَذِينُ مِثْلُهُ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
حَتَّى إِذَا نُودِيَ بالأَذِين
وَقَدْ أذَّنَ أَذاناً وأَذَّنَ المُؤذِّن تأْذيناً؛ وَقَالَ جَرِيرٌ يَهْجُو الأَخطل:
إِنَّ الَّذِي حَرَمَ الخِلافَةَ تَغْلِباً، ... جعلَ الخِلافةَ والنُّبوَّةَ فِينَا
مُضَرٌ أَبي وأَبو الملوكِ، فَهَلْ لَكُمْ، ... يَا خُزْرَ تَغْلِبَ، مِنْ أَبٍ كأَبِينا؟
هَذَا ابنُ عمِّي فِي دِمَشْقَ خليفةٌ، ... لَوْ شِئْتُ ساقَكمُ إِلَيَّ قَطينا
إِنَّ الفَرَزْدَقَ، إِذْ تَحَنَّفَ كارِهاً، ... أَضْحَى لِتَغْلِبَ والصَّلِيبِ خَدِينا
وَلَقَدْ جَزِعْتُ عَلَى النَّصارى، بعد ما ... لَقِيَ الصَّليبُ مِنَ الْعَذَابِ معِينا
هَلْ تَشْهدون مِنَ المَشاعر مَشْعراً، ... أَو تسْمَعون مِنَ الأَذانِ أَذِينا؟
وَيُرْوَى هَذَا الْبَيْتُ:
هَلْ تَمْلِكون مِنَ المشاعِرِ مَشْعَرًا، ... أَو تَشْهدون مَعَ الأَذان أَذِينَا؟
ابن بري: والأَذِينُ هاهنا بِمَعْنَى الأَذانِ أَيضاً. قَالَ: وَقِيلَ الأَذينُ هُنَا المُؤَذِّن، قَالَ: والأَذينُ أَيْضًا المُؤذّن لِلصَّلَاةِ؛ وأَنشد رَجَزَ الحُصَين بْنِ بُكَير الرَّبعي:
سَحْقاً، وَمَا نادَى أَذينُ المَدَرَهْ
والأَذانُ: اسمُ التأْذين، كَالْعَذَابِ اسْمُ التَّعْذِيبِ. قَالَ ابْنُ الأَثير: وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ الأَذان، وَهُوَ الإِعلام بِالشَّيْءِ؛ يُقَالُ مِنْهُ: آذَنَ يُؤْذِن إِيذَانًا، وأَذّنَ يُؤذّن تأْذِيناً، والمشدّدُ مخصوصٌ فِي الِاسْتِعْمَالِ بِإِعْلَامِ وَقْتِ الصَّلَاةِ. والأَذانُ: الإِقامةُ. وَيُقَالُ: أَذَّنْتُ فُلَانًا تأْذيناً أَي رَدَدْتُه، قَالَ: وَهَذَا حرفٌ غَرِيبٌ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شاهدُ الأَذانِ قولُ الْفَرَزْدَقِ:
وَحَتَّى عَلَا فِي سُور كلِّ مدينةٍ ... مُنادٍ يُنادِي، فَوْقَها، بأَذان
وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنّ قَوْمًا أَكلوا مِنْ شجرةٍ فَحَمدوا(13/12)
فَقَالَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: قرِّسُوا الْمَاءَ فِي الشِّنانِ وصُبُّوه عَلَيْهِمْ فِيمَا بَيْنَ الأَذانَيْن
؛ أَراد بِهِمَا أَذانَ الْفَجْرِ والإِقامَة؛ التَّقْريسُ: التَّبْريدُ، والشِّنان: القِرَبْ الخُلْقانُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
بَيْنَ كُلِّ أَذانَيْن صلاةٌ
؛ يُرِيدُ بِهَا السُّنَن الرواتبَ الَّتِي تُصلَّى بَيْنَ الأَذانِ والإِقامةِ قَبْلَ الْفَرْضِ. وأَذَّنَ الرجلَ: ردَّه وَلَمْ يَسْقِه؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
أَذَّنَنا شُرابِثٌ رأْس الدَّبَرْ
أَي رَدَّنا فَلَمْ يَسْقِنا؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ، وَقِيلَ: أَذَّنه نَقَر أُذُنَه، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ. وتَأَذَّنَ لَيَفعَلنَّ أَي أَقسَم. وتَأَذَّنْ أَي اعْلم كَمَا تَقُولُ تَعَلَّم أَي اعْلَم؛ قَالَ:
فقلتُ: تَعَلَّمْ أَنَّ للصَّيْد غِرَّةً، ... وَإِلَّا تُضَيِّعْها فَإِنَّكَ قاتِلُهْ
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ
؛ قِيلَ: تَأَذَّن تأَلَّى، وَقِيلَ: تأَذَّنَ أَعْلَم؛ هَذَا قَوْلُ الزَّجَّاجِ. اللَّيْثُ: تأَذَّنْتُ لأَفعلنَّ كَذَا وَكَذَا يُرَادُ بِهِ إيجابُ الْفِعْلِ، وَقَدْ آذَنَ وتأَذَّنَ بِمَعْنًى، كَمَا يُقَالُ: أَيْقَن وتَيَقَّنَ. وَيُقَالُ: تأَذَّنَ الأَميرُ فِي النَّاسِ إِذَا نَادَى فِيهِمْ، يَكُونُ فِي التَّهْدِيدِ والنَّهيْ، أَي تقدَّم وأَعْلمَ. والمُؤْذِنُ: مِثْلُ الذَّاوِي، وَهُوَ العودُ الَّذِي جَفَّ وَفِيهِ رطوبةٌ. وآذَنَ العُشْبُ إِذَا بَدَأَ يجِفّ، فتَرى بعضَه رطْباً وَبَعْضَهُ قد جَفّ؛ قَالَ الرَّاعِي:
وحارَبَتِ الهَيْفُ الشَّمالَ وآذَنَتْ ... مَذانِبُ، مِنْهَا اللَّدْنُ والمُتَصَوِّحُ
التَّهْذِيبُ: والأَذَنُ التِّبْنُ، وَاحِدَتُهُ أَذَنةٌ. وَقَالَ ابْنُ شُميل: يُقَالُ هَذِهِ بقلةٌ تجِدُ بِهَا الإِبلُ أَذَنةً شَدِيدَةً أَي شَهْوةً شَدِيدَةً. والأَذَنَةُ: خُوصةُ الثُّمامِ، يُقَالُ: أَذَن الثُّمامُ إِذَا خَرَجَتْ أَذَنَتُه. ابْنُ شُمَيْلٍ: أَذِنْتُ لِحَدِيثِ فُلَانٍ أَي اشْتَهَيْتُهُ، وأَذِنْتُ لِرَائِحَةِ الطَّعَامِ أَي اشْتَهَيْتُهُ، وَهَذَا طعامٌ لَا أَذَنة لَهُ أَي لَا شَهْوَةَ لِرِيحِهِ، وأَذَّن بإرسالِ إبلِه أَي تَكَلَّمَ بِهِ، وأَذَّنُوا عنِّي أَوَّلها أَي أَرسلوا أَوَّلها، وَجَاءَ فلانٌ نَاشِرًا أُذُنَيْه أَي طَامِعًا، وَوَجَدْتُ فُلَانًا لَابِسًا أُذُنَيْه أَي مُتغافلًا. ابْنُ سِيدَهْ: وإِذَنْ جوابٌ وجزاءٌ، وتأْويلها إِنْ كَانَ الأَمر كَمَا ذُكِرَتْ أَو كَمَا جَرَى، وَقَالُوا: ذَنْ لَا أَفعلَ، فَحَذَفُوا هَمْزَةَ إذَنْ، وَإِذَا وَقَفْتَ عَلَى إذَنْ أَبْدَلْتَ مِنْ نُونِهِ أَلفاً، وَإِنَّمَا أُبْدِلَتْ الأَلفُ مِنْ نُونِ إِذَنْ هَذِهِ فِي الْوَقْفِ وَمِنْ نُونِ التَّوْكِيدِ لأَن حالَهما فِي ذَلِكَ حالُ النُّونِ الَّتِي هِيَ علَمُ الصَّرْفِ، وَإِنْ كَانَتْ نونُ إذنْ أَصْلًا وتانِك النونانِ زَائِدَتَيْنِ، فإنْ قُلْتَ: فَإِذَا كَانَتِ النُّونُ فِي إذَنْ أَصلًا وَقَدْ أُبدلت مِنْهَا الأَلف فَهَلْ تُجيز فِي نَحْوِ حَسَن ورَسَن وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا نُونُهُ أَصل فَيُقَالُ فِيهِ حَسَا ورسَا؟ فَالْجَوَابُ: إِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ إذَنْ مِمَّا نُونُهُ أَصلٌ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَدْ جَاءَ فِي إِذَنْ مِنْ قِبَل أَنّ إذنْ حرفٌ، فَالنُّونُ فِيهَا بعضُ حرفٍ، فَجَازَ ذَلِكَ فِي نُونِ إذَنْ لمضارَعةِ إذَنْ كلِّها نونَ التأْكيد وَنُونَ الصَّرْفِ، وأَما النونُ فِي حَسَن ورَسَن وَنَحْوِهِمَا فَهِيَ أَصلٌ مِنِ اسْمٍ مُتَمَكِّنٍ يَجْرِي عَلَيْهِ الإِعرابُ، فَالنُّونُ فِي ذَلِكَ كَالدَّالِ مِنْ زيدٍ وَالرَّاءِ مِنْ نكيرٍ، ونونُ إذَنْ ساكنةٌ كَمَا أَن نُونَ التأْكيد ونونَ الصَّرْفِ سَاكِنَتَانِ، فَهِيَ لِهَذَا ولِما قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَن كُلَّ واحدةٍ مِنْهُمَا حرفٌ كَمَا أَن النُّونَ مِنْ إذَنْ بعضُ حَرْفٍ أَشْبَهُ بِنُونِ الإِسم الْمُتَمَكِّنِ. الْجَوْهَرِيُّ: إذنْ حرفُ مُكافأَة وجوابٍ، إِنْ قدَّمْتَها عَلَى الْفِعْلِ الْمُسْتَقْبَلِ نَصَبْتَ بِهَا لَا غَيْرُ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ هُنَا(13/13)
لسَلْمى بْنِ عَوْنَةَ الضبِّيّ، قَالَ: وَقِيلَ هُوَ لَعَبْدِ الله ابن غَنَمة الضبِّيّ:
ارْدُدْ حِمارَكَ لَا يَنْزِعْ سوِيَّتَه، ... إذَنْ يُرَدَّ وقيدُ العَيْرِ مَكْروبُ
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: إِذَا قَالَ لَكَ قائلٌ الليلةَ أَزورُكَ، قلتَ: إذَنْ أُكْرمَك، وَإِنْ أَخَّرْتها أَلْغَيْتَ قلتَ: أُكْرِمُكَ إذنْ، فَإِنْ كَانَ الفعلُ الَّذِي بَعْدَهَا فعلَ الْحَالِ لَمْ تَعْمَلْ، لأَن الْحَالَ لَا تَعْمَلُ فِيهِ العواملُ النَّاصِبَةُ، وَإِذَا وقفتَ عَلَى إذَنْ قُلْتَ إِذًا، كَمَا تَقُولُ زيدَا، وَإِنْ وسَّطتها وجعلتَ الْفِعْلَ بَعْدَهَا مُعْتَمِدًا عَلَى مَا قَبْلَهَا أَلْغَيْتَ أَيضاً، كَقَوْلِكَ: أَنا إذَنْ أُكْرِمُكَ لأَنها فِي عَوَامِلِ الأَفعال مُشبَّهةٌ بِالظَّنِّ فِي عَوَامِلِ الأَسماء، وَإِنْ أَدخلت عَلَيْهَا حرفَ عطفٍ كَالْوَاوِ وَالْفَاءِ فأَنتَ بالخيارِ، إِنْ شِئْتَ أَلغَيْتَ وَإِنْ شِئْتَ أَعملْتَ.
أرن: الأَرَنُ: النشاطُ، أَرِنَ يأْرَنُ أَرَناً وإِراناً وأَرِيناً؛ أَنشد ثَعْلَبٌ للحَذْلميّ:
مَتى يُنازِعْهُنَّ فِي الأَرِينِ، ... يَذْرَعْنَ أَو يُعْطِينَ بالماعونِ
وَهُوَ أَرِنٌ وأَرُونٌ، مِثْلُ مَرِحٍ ومروحٍ؛ قَالَ حُميد الأَرْقَط:
أقَبَّ ميفاءٍ عَلَى الرُّزون، ... حَدَّ الرَّبيع أَرِنٍ أَرُونِ
وَالْجَمْعُ آرانٌ. التَّهْذِيبُ: الأَرَنُ البطَرُ، وَجَمْعُهُ آرانٌ. والإِرانُ: النَّشاطُ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِابْنِ أَحمر يَصِفُ ثَوْراً:
فانْقَضَّ مُنْحَدِباً، كأَنَّ إرانَه ... قَبَسٌ تَقَطَّع دُونَ كفِّ المُوقِد
وَجَمْعُهُ أُرُنٌ. وأَرِنَ البعيرُ، بِالْكَسْرِ، يأْرَنُ أَرَناً إِذَا مَرِحَ مَرَحاً، فَهُوَ أَرِنٌ أَي نشيطٌ. والإِرانُ: الثورُ، وَجَمْعُهُ أُرُنٌ. غَيْرُهُ: الإِرانُ الثورُ الوحشيُّ لأَنه يُؤارِنُ البقرةَ أَي يطلبُها؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
وَكَمْ مِنْ إرانٍ قَدْ سَلَبْتُ مقِيلَه، ... إِذَا ضَنَّ بالوَحْشِ العِتاقِ مَعاقِلُه
وآرَنَ الثورُ البقرةَ مُؤارَنَةً وَإِرَانًا: طلبَها، وَبِهِ سُمِّي الرَّجُلُ إِرَانًا، وشاةُ إرانٍ: الثورُ لِذَلِكَ؛ قَالَ لَبِيَدٌ:
فكأَنها هِيَ، بعدَ غِبِّ كلالِها ... أَو أَسْفعِ الخَدَّيْنِ، شاةُ إرانِ
وَقِيلَ: إرانٌ موضعٌ يُنْسَبُ إِلَيْهِ البقرُ كَمَا قَالُوا: ليْثُ خفيَّةٍ وجنُّ عَبْقَر. والمِئْرانُ: كِناسُ الثورِ الْوَحْشِيِّ، وجمعُه الميَارينُ والمآرينُ. الْجَوْهَرِيُّ: الإِرانُ كِناسُ الْوَحْشِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
كأَنه تَيْسُ إرانِ مُنْبَتِلْ
أَي مُنْبَتّ؛ وَشَاهِدُ الْجَمْعِ قَوْلُ جَرِيرٍ:
قَدْ بُدِّلَتْ سَاكِنَ الْآرَامِ بَعْدهم، ... والباقِر الخِيس يَنْحينَ المَآرِينا
وَقَالَ سُؤْرُ الذِّئب:
قَطَعْتُها، إِذَا المَها تَجَوَّفَتْ، ... مآرِناً إِلَى ذُراها أَهْدَفَتْ
. والإِرانُ: الجنازةُ، وَجَمْعُهُ أُرُنٌ. وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الإِرانُ خشبٌ يُشدُّ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ تُحْمَل فِيهِ الْمَوْتَى؛ قَالَ الأَعشى:
أثَّرَتْ فِي جَناجِنٍ كإرانِ المَيتِ ... عُولِينَ فوقَ عُوجٍ رِسالِ(13/14)
وَقِيلَ: الإِران تَابُوتُ الْمَوْتَى. أَبو عَمْرٍو: الإِرانُ تابوتُ خَشَبٍ؛ قَالَ طَرَفَةُ:
أَمُونٍ كأَلواحِ الإِرانِ نَسَأْتُها ... عَلَى لاحبٍ، كأَنه ظَهْرُ بُرْجُدِ
ابْنُ سِيدَهْ: الإِرانُ سَرِيرُ الْمَيِّتِ؛ وَقَوْلُ الرَّاجِزِ:
إِذَا ظُبَيُّ الكُنُساتِ انْغَلَّا ... تحتَ الإِرانِ، سَلَبَتْه الظِّلَّا
يَجُوزُ أَن يَعْنِيَ بِهِ شَجَرَةً شِبْه النعْش، وأَن يَعْنِيَ بِهِ النَّشَاطَ أَي أَن هَذِهِ المرأَة سَرِيعَةٌ خَفِيفَةٌ، وَذَلِكَ فِيهِنَّ مَذْمُومٌ. والأُرْنةُ: الجُبن الرَّطْب، وَجَمْعُهَا أُرَنٌ، وَقِيلَ: حبٌّ يُلقى فِي اللَّبَنِ فينتفخُ وَيُسَمَّى ذَلِكَ البياضُ الأُرْنةَ؛ وأَنشد:
هِدانٌ كشَحْمِ الأُرْنةِ المُتَرَجْرِج
وَحُكِيَ الأُرنى أَيضاً «2» . والأُرانى: الجُبن الرَّطبُ، عَلَى وَزْنِ فُعالى، وَجَمْعُهُ أَرانيّ. قَالَ: وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِنَّمَا أَنتَ كالأُرْنةِ وكالأُرْنى. والأُرانى: حبُّ بقْلٍ يُطرَح فِي اللَّبَنِ فيُجبِّنُه؛ وَقَوْلُ ابْنِ أَحمر:
وتَقَنَّعَ الحِرْباءُ أُرْنَتَه
قِيلَ: يَعْنِي السَّرابَ وَالشَّمْسَ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: يَعْنِي شعرَ رأْسه، وَفِي التَّهْذِيبِ: وتقنَّع الْحِرْبَاءُ أُرْتَته، بتاءَين، قَالَ: وَهِيَ الشَّعرات الَّتِي فِي رأْسه. وَقَوْلُهُ: هِدانٌ نَوَّامٌ لَا يُصلِّي وَلَا يُبكِّر لِحَاجَتِهِ وَقَدْ تَهَدَّن، وَيُقَالُ: هُوَ مَهْدونٌ؛ قَالَ:
وَلَمْ يُعَوَّدْ نَوْمةَ المَهْدُونِ
الْجَوْهَرِيُّ: وأُرْنةُ الحِرباء، بِالضَّمِّ، مَوْضِعُهُ مِنَ الْعَوْدِ إِذَا انْتَصَبَ عَلَيْهِ؛ وأَنشد بَيْتَ ابْنِ أَحمر:
وتَعَلَّلَ الحِرْباءُ أُرْنَتَه ... مُتَشاوِساً لِوَريدِهِ نَقْرُ
وَكَنَّى بالأُرْنة عَنِ السَّراب لأَنه أَبيض، وَيُرْوَى: أُرْبَته، بِالْبَاءِ، وأُرْبَتُه: قِلادته، وأَراد سَلْخَه لأَن الحِرْباء يُسْلَخ كَمَا يُسلخ الْحَيَّةُ، فَإِذَا سُلخ بَقِيَ فِي عُنُقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ كأَنه قِلَادَةٌ، وَقِيلَ: الأُرْنة مَا لُفَّ عَلَى الرأْس. والأَرُون: السّمُّ، وَقِيلَ: هُوَ دماغُ الْفِيلِ وَهُوَ سمٌّ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:
وأَنتَ الغَيْثُ ينفعُ مَا يَليه، ... وأَنتَ السَّمُّ خالَطه الأَرُونُ
أَي خَالَطَهُ دماغُ الْفِيلِ، وَجَمْعُهُ أُرُنٌ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: هُوَ حبُّ بقْلةٍ يُقَالُ لَهُ الأُرانى، والأُرانى أُصول ثَمَرِ الضَّعة؛ وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: هِيَ جناتُها. والأَرانيةُ: مَا يَطُولُ ساقُه مِنْ شَجَرِ
الحَمْض وَغَيْرِهِ، وَفِي نُسْخَةٍ: مَا لَا يَطُولُ ساقُه مِنْ شَجَرِ الْحَمْضِ وَغَيْرِهِ. وَفِي حَدِيثِ اسْتسقاء
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: حَتَّى رأَيت الأَرِينةَ تأْكلها صغارُ الإِبل
؛ الأَرينةُ: نبتٌ مَعْرُوفٌ يُشْبه الخِطميّ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ:
حَتَّى رأَيْتُ الأَرْنبةَ.
قَالَ شَمِرٌ: قَالَ بَعْضُهُمْ: سأَلت الأَصمعي عَنِ الأَرينة فَقَالَ: نبتٌ، قَالَ: وَهِيَ عِنْدِي الأَرْنبة، قَالَ: وَسَمِعْتُ فِي الْفَصِيحِ مِنْ أَعراب سَعْد بْنِ بَكْرٍ بِبَطْنِ مُرٍّ قَالَ: ورأَيتُه نَبَاتًا يُشبَّه بالخطميّ عَرِيضُ الْوَرَقِ. قَالَ شَمِرٌ: وَسَمِعْتُ غَيْرَهُ مِنْ أَعراب كِنَانَةَ يَقُولُونَ: هُوَ الأَرِين، وَقَالَتْ أَعرابيَّة مِنْ بَطْنِ مُرٍّ: هِيَ الأَرينةُ، وَهِيَ خِطْمِيُّنا وغَسولُ الرأْس؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَالَّذِي
__________
(2) . قوله [وحكي الأَرنى أيضاً] هكذا في الأَصل هنا وفيما بعد مع نقط النون، وفي القاموس بالباء مضبوطاً بضم الهمزة وفتح الراء والباء(13/15)
حَكَاهُ شَمِرٌ صحيحٌ وَالَّذِي رُوِيَ عَنِ الأَصمعي أَنه الأَرْنَبة مِنَ الأَرانب غيرُ صَحِيحٌ، وَشَمِرٌ مُتْقِن، وَقَدْ عُنِيَ بِهَذَا الْحَرْفِ وسأَل عَنْهُ غيرَ واحدٍ مِنَ الأَعراب حَتَّى أَحكمه، والرُّواة رُبَّمَا صحَّفوا وغيَّروا، قَالَ: وَلَمْ أَسمع الأَرينةَ فِي بَابِ النَّبَاتِ مِنْ وَاحِدٍ وَلَا رأَيته فِي نُبوت الْبَادِيَةِ، قَالَ: وَهُوَ خَطَأٌ عِنْدِي، قَالَ: وَأَحْسَبُ الْقُتَيْبِيَّ ذكرَ عَنِ الأَصمعي أَيضاً الأَرْنبة، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَحَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ: الأَرين، عَلَى فَعِيل، نبتٌ بِالْحِجَازِ لَهُ وَرَقٌ كالخِيريّ، قَالَ: وَيُقَالُ أَرَنَ يأْرُنُ أُروناً دَنَا لِلْحَجِّ. النِّهَايَةُ: وَفِي حَدِيثِ الذَّبِيحَةِ
أَرِنْ أَو اعْجَلْ مَا أَنَهَر الدمَ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَذِهِ اللَّفْظَةُ قَدِ اختُلف فِي ضَبْطِهَا وَمَعْنَاهَا، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذَا حَرْفٌ طال ما اسْتَثْبَتُّ فِيهِ الرُّواةَ وسأَلتُ عَنْهُ أَهلَ الْعِلْمِ فَلَمْ أَجدْ عِنْدَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَيْئًا يُقْطعُ بِصِحَّتِهِ، وَقَدْ طَلَبْتُ لَهُ مَخْرَجاً فرأَيته يَتَّجِهُ لِوُجُوهٍ: أَحدها أَن يَكُونَ مِنْ قَوْلِهِمْ أَرانَ الْقَوْمُ فَهُمْ مُرينون إِذَا هَلَكَتْ مَوَاشِيهِمْ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ أَهلِكْها ذَبحاً وأَزْهِقْ نفْسَها بِكُلِّ مَا أَنْهَرَ الدمَ غَيْرِ السَّنِّ وَالظُّفْرِ، عَلَى مَا رَوَاهُ أَبو دَاوُدَ فِي السُّنن، بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ النُّونِ، وَالثَّانِي أَن يَكُونَ إئْرَنْ، بِوَزْنِ اعْرَبْ، مِنْ أَرِنَ يأْرَنُ إِذَا نَشِط وخَفَّ، يَقُولُ: خِفَّ واعْجَلْ لِئَلَّا تقتُلَها خَنْقاً، وَذَلِكَ أَن غَيْرَ الْحَدِيدِ لَا يمورُ فِي الذَّكَاةِ مَوْرَه، وَالثَّالِثُ أَن يَكُونَ بِمَعْنَى أَدِمِ الحَزَّ وَلَا تَفْتُرْ مِنْ قَوْلِكَ رَنَوْتُ النظرَ إِلَى الشَّيْءِ إِذَا أَدَمْتَه، أَو يَكُونَ أَراد أَدِمِ النظرَ إِلَيْهِ وراعِه ببصرِك لِئَلَّا يَزلَّ عَنِ الْمَذْبَحِ، وَتَكُونَ الْكَلِمَةُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ «3» . وَالنُّونِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بِوَزْنِ ارْمِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: كلُّ مَن علاكَ وغَلَبكَ فَقَدْ رانَ بِكَ. ورِينَ بِفُلَانٍ: ذهبَ بِهِ الموتُ وأَرانَ القومُ إِذَا رِينَ بِمَوَاشِيهِمْ أَي هَلَكَتْ وَصَارُوا ذَوي رَيْنٍ فِي مَوَاشِيهِمْ، فَمَعْنَى أَرِنْ أَي صِرْ ذَا رَيْنٍ فِي ذَبِيحَتِكَ، قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ أَرانَ تَعْدِيةَ رانَ أَي أَزْهِقْ نَفْسَها؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
الشَّعْبِيِّ: اجْتَمَعَ جوارٍ فأَرِنَ
أَي نَشِطْنَ، مِنَ الأَرَنِ النَّشاطِ. وَذَكَرَ ابْنُ الأَثير فِي حَدِيثِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّخَعِيِّ: لَوْ كان رأْيُ الناسِ مثلَ رأْيك مَا أُدِّيَ الأَرْيانُ
، وَهُوَ الخراجُ والإِتاوةُ، وَهُوَ اسْمٌ واحدٌ كالشيْطان. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الأَشْبَهُ بِكَلَامِ الْعَرَبِ أَن يَكُونَ الأُرْبانَ، بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْبَاءِ الْمُعْجَمَةِ بِوَاحِدَةٍ، وَهُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى الْحَقِّ، يقال فيه أُرْبانٌ وعُرْبانٌ، فَإِنْ كَانَتْ مُعْجَمَةً بِاثْنَتَيْنِ فَهُوَ مِنَ التأْرية لأَنه شَيْءٌ قُرّر عَلَى النَّاسِ وأُلْزِموه.
أزن: الأَزَنِيّة: لغةٌ فِي اليَزَنِيّة يَعْنِي الرماحَ، وَالْيَاءُ أَصل. يُقَالُ: رُمْحٌ أَزَنيٌّ ويَزَنِيٌّ، مَنْسُوبٌ إِلَى ذِي يَزن أَحد مُلُوكِ الأَذْواءِ مِنَ اليَمن، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ يَزانيٌّ وأَزانيّ.
أسن: الآسِنُ مِنَ الْمَاءِ: مثلُ الآجِن. أَسَنَ الماءُ يأْسِنُ ويأْسُنُ أَسْناً وأُسوناً وأَسِنَ، بِالْكَسْرِ، يأْسَنُ أَسَناً: تغيَّر غَيْرَ أَنه شروبٌ، وَفِي نُسْخَةٍ: تغيَّرت ريحُه، ومياهٌ آسانٌ؛ قَالَ عوْفُ بْنُ الخَرِع:
وتشْربُ آسانَ الحِياضِ تَسوفُها، ... ولوْ ورَدَتْ ماءَ المُرَيرةِ آجِما
أَرادَ آجِناً، فقلبَ وأَبدلَ. التَّهْذِيبُ: أَسَنَ الماءُ يأْسِنُ أَسْناً وأُسوناً، وَهُوَ الَّذِي لَا يَشْرَبُهُ أَحدٌ مِنْ نَتْنِه. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ
؛ قَالَ
__________
(3) . قوله [وَتَكُونَ الْكَلِمَةُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ إلخ] كذا في الأَصل والنهاية وتأمله مع قولهما قبل مِنْ قَوْلِكَ رَنَوْتُ النَّظَرَ إلخ، فإن مقتضى ذلك أَنْ يَكُونَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ والنون مع سكون الراء بوزن اغز إلا أن يكون ورد يائياً أيضاً(13/16)
الْفَرَّاءُ: غَيْرُ متغيّرٍ وآجِنٍ، وروى
الأَعمش عَنْ شَقِيق قَالَ: قَالَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ نَهيك بْنُ سِنَانٍ: يَا أَبا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَياءً تجدُ هَذِهِ الْآيَةَ أَم أَلفاً مِنْ ماءٍ غيرِ آسِنٍ؟ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَقَدْ علمتُ القرآنَ كُلَّهُ غَيْرَ هَذِهِ، قَالَ: إِنِّي أَقرأُ المفصَّل فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: كهذِّ الشِّعْر
، قَالَ الشَّيْخُ: أَراد غيرَ آسِنٍ أَم ياسِنٍ، وَهِيَ لُغَةٌ لِبَعْضِ الْعَرَبِ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ: أَن قَبيصةَ بْنَ جَابِرٍ أَتاه فَقَالَ: إِنِّي دَمَّيْتُ ظَبياً وأَنا مُحْرِم فأَصَبْتُ خُشَشَاءَه فأَسِنَ فَمَاتَ
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: قَوْلُهُ فأَسِنَ فَمَاتَ يَعْنِي دِيرَ بِهِ فأَخذه دُوارٌ، وَهُوَ الغَشْيُ، وَلِهَذَا قِيلَ لِلرَّجُلِ إِذَا دَخَلَ بِئراً فاشتدَّت عَلَيْهِ ريحُها حَتَّى يُصيبَه دُوارٌ فَيَسْقُطَ: قَدْ أَسِنَ؛ وَقَالَ زُهَيْرٌ:
يُغادِرُ القِرْنَ مُصْفرَّا أَنامِلُه، ... يميدُ فِي الرُّمْحِ مَيْدَ المائحِ الأَسِنِ
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: هُوَ اليَسِنُ والأَسِنُ؛ قَالَ: سَمِعْتُهُ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الْعَرَبِ مثلَ اليَزَنِيِّ والأَزَنِيّ، واليَلَنْدَدِ والأَلَنْدَدِ، وَيُرْوَى الوَسِن. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَسِنَ الرجلُ مِنْ رِيحِ الْبِئْرِ، بِالْكَسْرِ، لَا غَيْرُ. قَالَ: وَالَّذِي فِي شِعْرِهِ يَمِيلُ فِي الرُّمْحِ مثلَ الْمَائِحِ، وأَورده الْجَوْهَرِيُّ: قَدْ أَترك الْقِرْنَ، وَصَوَابُهُ يُغَادِرُ الْقِرْنَ، وَكَذَا فِي شِعْرِهِ لأَنه مِنْ صِفَةِ الْمَمْدُوحِ؛ وَقَبْلَهُ:
أَلَمْ ترَ ابنَ سِنانٍ كيفَ فَضَّلَه، ... مَا يُشْتَرى فِيهِ حَمْدُ الناسِ بالثَّمن؟
قَالَ: وَإِنَّمَا غلَّط الجوهريَّ قولُ الْآخَرِ:
قَدْ أَتْرُكُ القِرْنَ مُصْفَرّاً أَنامِلُه، ... كأَنَّ أَثوابَه مُجَّت بفِرْصاد
وأَسِنَ الرجلُ أَسَناً، فَهُوَ أَسِنٌ، وأَسِنَ يأْسَنُ ووَسِنَ: غُشِيَ عَلَيْهِ مِنْ خُبْث ريحِ الْبِئْرِ. وأَسِنَ لَا غَيْرُ: استدارَ رأْسُه مِنْ رِيحٍ تُصيبه. أَبو زَيْدٍ: ركيّة مُوسِنةٌ يَوْسَنُ فِيهَا الإِنسانُ وَسَناً، وَهُوَ غَشْيٌ يأْخذه، وَبَعْضُهُمْ يَهْمِزُ فَيَقُولُ أَسِن. الْجَوْهَرِيُّ: أَسِنَ الرجلُ إِذَا دَخَلَ الْبِئْرَ فأَصابته ريحٌ مُنْتِنة مِنْ رِيحِ الْبِئْرِ أَو غَيْرِ ذَلِكَ فغُشِيَ عَلَيْهِ أَو دَارَ رأْسُه، وأَنشد بَيْتَ زُهَيْرٍ أَيضاً. وتأَسَّنَ الماءُ: تَغَيَّرَ. وتأَّسَّنَ عَلَيَّ فلانٌ تأَسناً: اعْتَلَّ وأَبْطَأَ، وَيُرْوَى تأَسَّرَ، بِالرَّاءِ. وتأَسَّنَ عَهْدُ فُلَانٍ ووُدُّه إِذَا تغيَّر؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
راجَعَه عَهْدًا عَنِ التأّسُّن
التَّهْذِيبُ: والأَسينةُ سَيْرٌ وَاحِدٌ مِنْ سُيور تُضْفَر جميعُها فتُجعل نِسعاً أَو عِناناً، وكلُّ قُوَّة مِنْ قُوَى الوَتَر أَسِينةٌ، وَالْجَمْعُ أَسائِنُ. والأُسونُ: وَهِيَ الآسانُ «1» . أَيضاً. الْجَوْهَرِيُّ: الأُسُن جَمْعُ الْآسَانِ، وَهِيَ طَاقَاتُ النِّسْع والحَبْل؛ عَنْ أَبي عَمْرٍو؛ وأَنشد الْفَرَّاءُ لِسَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ:
لَقَدْ كنتُ أَهْوَى الناقِميَّة حِقْبةً، ... وَقَدْ جعلَتْ آسانُ وَصْلٍ تَقطَّعُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: جَعَلَ قُوَى الوصْلِ بِمَنْزِلَةِ قُوى الحبْل، وَصَوَابُ قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ أَن يَقُولَ: وَالْآسَانُ جَمْعُ الأُسُن، والأُسُنُ جَمْعُ أَسينة، وَتُجْمَعُ أَسينة أَيضاً عَلَى أَسائنَ فَتَصِيرُ مِثْلَ سَفِينَةٍ وسُفُن وسَفائنَ، وَقِيلَ: الْوَاحِدُ إسْنٌ، وَالْجَمْعُ أُسُونٌ وآسانٌ؛ قَالَ: وَكَذَا فُسِّرَ بَيْتُ الطِّرِمَّاحِ:
كحلْقومِ القَطاة أُمِرَّ شَزْراً، ... كإمْرارِ المُحَدْرَجِ ذي الأُسونِ
__________
(1) . قوله [والأَسون وَهِيَ الْآسَانُ أَيْضًا] هذه الجملة ليست من عبارة التهذيب وهما جمعان لآسن كحمل لا لأَسينة(13/17)
وَيُقَالُ: أَعطِني إسْناً مِنْ عَقَبٍ. والإِسْنُ: العَقَبةُ، والجمعُ أُسونٌ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
وَلَا أَخا طريدةٍ وإسْنِ
وأَسَنَ الرجلُ لأَخيه يأْسِنُه ويأْسُنُه إِذَا كسَعَه برجلِه. أَبو عَمْرٍو: الأَسْنُ لُعْبة لَهُمْ يُسَمُّونَهَا الضَّبْطَة والمَسَّة. وآسانُ الرَّجُلِ: مَذاهبُه وأَخلاقُه؛ قَالَ ضابئٌ البُرْجُمِيّ فِي الآسانِ الأَخلاق:
وقائلةٍ لَا يُبْعِدُ اللهُ ضَابِئًا، ... وَلَا تبْعَدَنْ آسَانُهُ وَشَمَائِلُهُ
والآسانُ والإِسانُ: الْآثَارُ القديمةُ. والأُسُن: بقيَّة الشَّحْمِ الْقَدِيمِ. وسَمِنت عَلَى أُسُنٍ أَي عَلَى أَثارة شَحْمٍ قَدِيمٍ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ. وَقَالَ يَعْقُوبُ: الأُسُنُ الشحمُ الْقَدِيمُ وَالْجَمْعُ آسانٌ. الْفَرَّاءُ: إِذَا أَبقيتَ مِنْ شَحْمِ النَّاقَةِ وَلَحْمِهَا بَقِيَّةً فاسمُها الأُسُنُ والعُسُنُ، وَجَمْعُهَا آسانٌ وأَعْسانٌ. يقال: سَمِنَت ناقتُه عَنْ أُسُنٍ أَي عَنْ شحمٍ قَدِيمٍ. وآسانُ الثّيابِ: مَا تقطَّع مِنْهَا وبَلِيَ. يُقَالُ: مَا بَقِيَ مِنَ الثَّوْبِ إِلَّا آسانٌ أَي بَقَايَا، وَالْوَاحِدُ أُسُنٌ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
يَا أَخَوَيْنا مِنْ تَميمٍ، عَرِّجا ... نَسْتَخْبِر الرَّبْعَ كآسانِ الخَلَقْ
. وَهُوَ عَلَى آسانٍ مِنْ أَبيه أَي مَشابِهَ، واحدُها أُسُنٌ كعُسُنٍ. وَقَدْ تأَسَّنَ أَباه إِذَا تَقَيّله. أَبو عَمْرٍو: تأَسَّنَ الرجلُ أَباه إِذَا أَخذ أَخْلاقَه؛ قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: إِذَا نزَعَ إِلَيْهِ فِي الشَّبَه. يُقَالُ: هُوَ على آسانٍ من أَبيه أَي عَلَى شَمائلَ مِنْ أَبيه وأَخْلاقٍ مِنْ أَبيه، واحدُها أُسُنٌ مِثْلُ خُلُقٍ وأَخلاق؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُ تأَسَّنَ الرجلُ أَباه قَوْلُ بَشِيرٍ الْفَرِيرِيِّ:
تأَسَّنَ زيدٌ فِعْلَ عَمْرو وخالدٍ، ... أُبُوّة صِدْقٍ مِنْ فريرٍ وبُحْتُر
. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: الأُسُنُ الشبَهُ، وجمعُه آسانٌ؛ وأَنشد:
تعْرِفُ، فِي أَوْجُهِها البَشائِرِ، ... آسانَ كلِّ أَفِقٍ مُشاجِرِ
. وَفِي حَدِيثِ
الْعَبَّاسِ فِي مَوْتِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ لعُمَرَ خَلِّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ صَاحِبِنَا فَإِنَّهُ يأْسَنُ كَمَا يأْسَنُ الناسُ أَي يتغيَّر، وَذَلِكَ أَن عُمَرَ كَانَ قَدْ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمْ يَمُتْ وَلَكِنَّهُ صَعِقَ كَمَا صَعِقَ مُوسَى، وَمَنَعَهُمْ عَنْ دَفْنِه.
وَمَا أَسَنَ لِذَلِكَ يأْسُنُ أَسْناً أَي مَا فَطَنَ. والتأَسُّنُ: التوهُّم والنِّسْيانُ. وأَسَنَ الشيءَ: أَثْبَتَه. والمآسِنُ: منابتُ العَرْفجِ. وأُسُنٌ: ماءٌ لَبَنِيِّ تَمِيمٍ؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
قَالَتْ سُلَيْمَى ببَطْنِ القاعِ مِنْ أُسُنٍ: ... لَا خَيْرَ فِي العَيْشِ بعدَ الشَّيْبِ والكِبَر
وَرُوِيَ عَنِ
ابْنِ عُمَرَ: أَنه كَانَ فِي بيتِه الميْسُوسَنُ، فَقَالَ: أَخْرِجُوه فَإِنَّهُ رِجْسٌ
؛ قَالَ شَمِرٌ: قَالَ الْبَكْرَاوِيُّ المَيْسُوسَنُ شَيْءٌ تَجْعَلُهُ النساء في الغِسْلة لرؤوسهن.
أشن: الأُشْنةُ: شيءٌ مِنَ الطِّيبِ أَبيضُ كأَنه مقشورٌ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الأُشْنُ شَيْءٌ مِنَ الْعِطْرِ أبيضُ دَقِيقٌ كأَنه مقشورٌ مِنْ عِرْقٍ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: مَا أُراه عَرَبِيًّا. والأُشنانُ والإِشْنانُ مِنَ الْحَمْضِ: مَعْرُوفٌ الَّذِي يُغْسَل بِهِ الأَيْدِي، وَالضَّمُّ أَعلى. والأَوْشَنُ: الَّذِي يُزيّن الرجلَ وَيَقْعُدُ مَعَهُ عَلَى مَائِدَتِهِ يأْكل طعامَه، والله أَعلم.
أضن: إضانٌ: اسْمُ مَوْضِعٍ؛ قَالَ تَمِيمُ بْنُ مُقْبِلٍ:
تأَمَّلْ خلِيلي، هَلْ تَرَى مِنْ ظَعائنٍ ... تَحَمَّلْنَ بالعَلْياءِ فوقَ إضانِ؟
وَيُرْوَى بِالطَّاءِ والظاء.(13/18)
أطن: إطانٌ: اسْمُ مَوْضِعٍ؛ وأَنشد بَيْتَ ابْنِ مُقْبِلٍ:
تأَمل خَلِيلِي، هَلْ تَرَى مِنْ ظعائن ... تحملن بالعلياء فَوْقَ إِطَانِ؟
وَيُرْوَى إِظَانُ بالظاء المعجمة.
أطربن: الأَطْرَبونُ مِنَ الرُّومِ: الرئيسُ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: المُقدَّم فِي الْحَرْبِ؛ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَبْرة الحَرَشيّ:
فَإِنْ يَكُنْ أطْرَبونُ الرُّومِ قَطَّعها، ... فَإِنَّ فِيهَا، بحَمْدِ اللَّهِ، مُنْتَفَعا
قَالَ ابْنُ جِنِّي: هِيَ خُمَاسِيَّةٌ كَعَضْرَفوط.
أظن: إظانٌ: اسْمُ مَوْضِعٍ؛ قَالَ تَمِيمُ بْنُ مُقْبِلٍ:
تأَمل خَلِيلِي، هَلْ تَرَى مِنْ ظعائن ... تحملن بالعلياء فَوْقَ إِظَانِ؟
وَيُرْوَى بِالضَّادِ وبالطاء، وقد تقدم.
أفن: أَفَنَ الناقةَ والشاةَ يأْفِنُها أَفْناً: حلَبها فِي غَيْرِ حِينِهَا، وَقِيلَ: هُوَ استخراجُ جَمِيعِ مَا فِي ضَرْعِهَا. وأَفَنْتُ الإِبلَ إِذَا حلَبْتَ كلَّ مَا فِي ضَرْعِهَا. وأَفَنَ الحالبُ إِذَا لَمْ يدَعْ فِي الضَّرْع شَيْئًا. والأَفْنُ: الحَلْب خِلَافُ التَّحْيين، وَهُوَ أَن تَحْلُبَها أَنَّى شئتَ مِنْ غَيْرِ وَقْتٍ مَعْلُومٍ؛ قَالَ المُخبَّل:
إِذَا أُفِنَتْ أَرْوَى عِيالَك أَفْنُها، ... وَإِنْ حُيّنَت أَرْبى عَلَى الوَطْبِ حِينُها
. وَقِيلَ: هُوَ أَن يحتَلِبها فِي كُلِّ وَقْتٍ. والتَّحْيِينُ: أَن تُحْلَب كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مَرَّةً وَاحِدَةً. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: ومِن هَذَا قِيلَ للأَحمق مأْفونٌ، كأَنه نُزِع عَنْهُ عقلُه كلُّه. وأَفِنَت الناقةُ، بِالْكَسْرِ: قلَّ لبنُها، فَهِيَ أَفِنةٌ مَقْصُورَةٌ، وَقِيلَ: الأَفْنُ أَن تُحْلَبَ الناقةُ والشاةُ فِي غَيْرِ وَقْتِ حَلْبِها فَيُفْسِدُهَا ذَلِكَ. والأَفْنُ: النقصُ. والمُتأَفِّنُ المُتنقِّص. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ: إيّاكَ ومُشاوَرَةَ النِّسَاءِ فَإِنَّ رأْيَهنّ إِلَى أَفْنٍ
؛ الأَفْنُ: النقصُ. وَرَجُلٌ أَفينٌ ومأْفونٌ أَي ناقصُ العقلِ. وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ: قَالَتْ لِلْيَهُودِ عَلَيْكُمُ اللعنةُ والسامُ والأَفْنُ
؛ والأَفْنُ: نقصُ اللبَنِ. وأَفَنَ الفصيلُ مَا فِي ضَرْعِ أُمِّه إِذَا شرِبَه كلَّه. والمأْفونُ والمأْفوكُ جَمِيعًا مِنَ الرِّجَالِ: الَّذِي لَا زَوْرَ لَهُ وَلَا صَيُّورَ أَي لَا رأْيَ لَهُ يُرْجَعُ إِلَيْهِ. والأَفَنُ، بِالتَّحْرِيكِ: ضعفُ الرأْي، وَقَدْ أَفِنَ الرجلُ، بِالْكَسْرِ، وأُفِنَ، فَهُوَ مأْفونٌ وأَفينٌ. وَرَجُلٌ مأْفونٌ: ضعيفُ العقلِ والرأْيِ، وَقِيلَ: هُوَ المُتمدِّحُ بِمَا لَيْسَ عِنْدَهُ، والأَول أَصح، وَقَدْ أفِنَ أَفْناً وأَفَناً. والأَفينُ: كالمأْفونِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ فِي أَمثال الْعَرَبِ: كثرةُ الرِّقين تُعَفِّي عَلَى أَفْنِ الأَفِين أَي تُغطِّي حُمْقَ الأَحْمَق. وأَفَنَه اللَّهُ يأْفِنُه أَفْناً، فَهُوَ مأْفونٌ. وَيُقَالُ: مَا فِي فُلَانٍ آفِنةٌ أَي خَصْلَةٌ تأْفِنُ عقلَه؛ قَالَ الْكُمَيْتُ يَمْدَحُ زِيَادَ بْنَ مَعْقِل الأَسديّ:
مَا حَوَّلَتْك عَنِ اسْمِ الصِّدْقِ آفِنَةٌ ... من العُيوبِ، ما يبرى بِالسَّيْبِ «1»
. يَقُولُ: مَا حَوَّلَتْك عَنِ الزِّيَادَةِ خَصلةٌ تنْقُصُك، وَكَانَ اسْمُهُ زِياداً. أَبو زَيْدٍ: أُفِنَ الطعامُ يُؤْفَنُ أَفْناً، وَهُوَ مأْفونٌ، لِلَّذِي يُعْجِبُك وَلَا خَيْرَ فِيهِ. والجَوْزُ المأْفونُ: الحَشَف. وَمِنْ أَمثال الْعَرَبِ: البِطْنةُ تأْفِنُ الفِطْنَة؛ يُرِيدُ أَن الشِّبَعَ والامْتِلاءَ يُضْعف الفِطنةَ أَي الشَّبْعان لَا يَكُونُ فَطِناً عَاقِلًا. وأَخذَ الشيءَ بإِفّانِه أَي بِزَمَانِهِ وأَوَّله، وَقَدْ يَكُونُ فِعْلاناً. وجاءَه عَلَى إفَّان ذَلِكَ أَي إِبَّانِهِ وعلى حِينه.
__________
(1) . هكذا بالأَصل(13/19)
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: إفَّانٌ فِعْلانٌ، وَالنُّونُ زَائِدَةٌ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ أَتيتُه عَلَى إِفّانِ ذَلِكَ وأَفَفِ ذَلِكَ. قَالَ: والأَفينُ الفَصيل، ذَكَرًا كَانَ أَو أُنثى. والأَفانى: نبتٌ، وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: هُوَ شَجَرٌ بِيضٌ؛ وأَنشد:
كأَنّ الأَفانى سَبيبٌ لَهَا، ... إِذَا التَفَّ تحتَ عَناصي الوَبَرْ
وقال أَبو حَنِيفَةَ: الأَفانى مِنَ العُشْب وهو غَبْرَاءُ لَهَا زَهْرَةٌ حَمْرَاءُ وَهِيَ طيِّبةٌ تَكْثُرُ وَلَهَا كَلَأٌ يَابِسٌ، وَقِيلَ: الأَفانى شَيْءٌ يَنْبُتُ كأَنه حَمْضةٌ يُشَبَّه بِفِرَاخِ القَطا حِينَ يُشَوِّك تبدَأُ بَقْلَةً ثُمَّ تَصِيرُ شَجَرَةً خَضْرَاءَ غَبْرَاءَ؛ قَالَ النَّابِغَةُ فِي وَصْفِ حَمِير:
توالِبُ تَرْفَعُ الأَذْنابَ عَنْهَا، ... شَرَى أَسْتاههنَّ مِنَ الأَفانى
وَزَادَ أَبو الْمَكَارِمِ: أَن الصبْيان يَجْعَلُونَهَا كَالْخَوَاتِمِ فِي أَيديهم، وأَنها إِذَا يَبِسَت وابيضَّتْ شَوَّكت، وشوْكَها الحَماطُ، وَهُوَ لَا يَقَعُ فِي شَرَابٍ إِلَّا رِيحَ مَنْ شرِبه؛ وقال أَبو السَّمْح: هِيَ مِنَ الجَنْبة شَجَرَةٌ صَغِيرَةٌ، مُجْتَمِعٌ وَرَقُهَا كالكُبَّة، غُبَيراء مَلِيسٌ وَرَقَهَا، وَعِيدَانُهَا شِبْه الزَّغَب، لَهَا شُوَيكٌ لَا تَكَادُ تستَبينُه، فَإِذَا وَقَعَ عَلَى جِلْدِ الإِنسان وجَدَه كأَنه حريقُ نَارٍ، وَرُبَّمَا شَرِيَ مِنْهُ الجلدُ وَسَالَ مِنْهُ الدَّمُ. التهذيب: والأَفانى نَبْتٌ أَصفر وأَحمر، وَاحِدَتُهُ أَفانِية. الْجَوْهَرِيُّ: والأَفانى نبتٌ مَا دَامَ رَطْباً، فَإِذَا يَبِسَ فَهُوَ الحَماطُ، وَاحِدَتُهَا أَفانية مِثْلُ يمانيةٍ، وَيُقَالُ: هُوَ عِنَب الثَّعْلَبِ، ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي فَصْلِ فَنِيَ، وَذَكَرَهُ اللُّغَوِيُّ فِي فَصْلِ أَفن، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَهُوَ غلط.
أقن: الأُقْنةُ: الحُفرة فِي الأَرض، وَقِيلَ: فِي الْجَبَلِ، وَقِيلَ: هِيَ شِبْهُ حُفْرَةٍ تَكُونُ فِي ظُهُورِ القِفاف وأَعالي الْجِبَالِ، ضيِّقةُ الرأْس، قعْرُها قَدْرُ قَامَةٍ أَو قَامَتَيْنِ خِلْقةً، وَرُبَّمَا كَانَتْ مَهْواة بَيْنَ شَقَّين. قَالَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ: بُيُوتُ الْعَرَبِ سِتَّةٌ: قُبَّةٌ مِنْ أَدَمٍ، ومِظَلَّة مِنْ شعَر، وخِباءٌ مِنْ صوفٍ، وَبِجَادٌ مِنْ وَبَر، وَخَيْمَةٌ مِنْ شَجَرٍ، وأُقْنة مِنْ حَجَرٍ، وَجَمْعُهَا أُقَنٌ. ابْنُ الأَعرابي: أَوْقَنَ الرجلُ إِذَا اصْطَادَ الطيرَ مِنْ وُقْنَتِه، وَهِيَ مَحْضِنُه، وَكَذَلِكَ يُوقَنُ إِذَا اصْطَادَ الْحَمَامَ مِنْ مَحاضِنها فِي رؤُوس الْجِبَالِ. والتَّوَقُّن: التَّوَقُّل فِي الْجَبَلِ، وَهُوَ الصُّعُودُ فِيهِ. أَبو عُبَيْدَةَ: الوُقْنةُ والأُقْنةُ والوُكْنةُ مَوْضِعُ الطَّائِرِ فِي الْجَبَلِ، وَالْجَمْعُ الأُقَنات والوُقَنات والوُكَنات؛ قَالَ الطِّرِمَّاحُ:
فِي شَناظِي أُقَنٍ، بينَها ... عُرَّةُ الطيرِ كصَوم النَّعامِ
الْجَوْهَرِيُّ: الأُقْنةُ بَيْتٌ يُبْنى مِنْ حَجَرٍ، وَالْجَمْعُ أُقَنٌ مِثْلُ رُكْبة ورُكَب، وأَنشد بَيْتَ الطرماح.
ألن: فَرَسٌ أَلِنٌ: مُجْتَمِعٌ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ؛ قَالَ الْمَرَّارُ الْفَقْعَسِيُّ:
أَلِنٌ إذْ خَرَجَتْ سَلَّتُه، ... وهِلًا تَمْسَحُه، ما يَسْتَقِرّ.
ألبن: قَالَ ابْنُ الأَثير: أَلْبُونُ، بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، مَدِينَةٌ بِالْيَمَنِ زَعَمُوا أَنها ذاتُ الْبِئْرِ المُعطَّلة وَالْقَصْرِ المَشيد، قَالَ: وَقَدْ تُفْتَحُ الْبَاءُ.
ألين: فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ حصين أَلْيُون؛ هو بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَضَمِّ الْيَاءِ، اسْمُ مَدِينَةِ مِصْرَ قَدِيمًا فَتَحَهَا الْمُسْلِمُونَ وسمَّوْها الفُسْطاطَ؛ ذَكَرَهُ ابْنُ الأَثير،(13/20)
قَالَ: وأَلْبُونُ، بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، مدينةٌ بِالْيَمَنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذكرها، والله أَعلم.
أمن: الأَمانُ والأَمانةُ بِمَعْنًى. وَقَدْ أَمِنْتُ فأَنا أَمِنٌ، وآمَنْتُ غَيْرِي مِنَ الأَمْن والأَمان. والأَمْنُ: ضدُّ الْخَوْفِ. والأَمانةُ: ضدُّ الخِيانة. والإِيمانُ: ضدُّ الْكُفْرِ. والإِيمان: بِمَعْنَى التَّصْدِيقِ، ضدُّه التَّكْذِيبُ. يُقَالُ: آمَنَ بِهِ قومٌ وكذَّب بِهِ قومٌ، فأَما آمَنْتُه الْمُتَعَدِّي فَهُوَ ضدُّ أَخَفْتُه. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ
. ابْنُ سِيدَهْ: الأَمْنُ نَقِيضُ الْخَوْفِ، أَمِن فلانٌ يأْمَنُ أَمْناً وأَمَناً؛ حَكَى هَذِهِ الزَّجَّاجُ، وأَمَنةً وأَماناً فَهُوَ أَمِنٌ. والأَمَنةُ: الأَمْنُ؛ وَمِنْهُ: أَمَنَةً نُعاساً
، وإذ يَغْشاكم النعاسُ أَمَنةً مِنْهُ، نصَب أَمَنةً لأَنه مَفْعُولٌ لَهُ كَقَوْلِكَ فَعَلْتُ ذَلِكَ حَذَر الشَّرِّ؛ قَالَ ذَلِكَ الزَّجَّاجُ. وَفِي حَدِيثِ نُزُولِ الْمَسِيحِ، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:
وَتَقَعُ الأَمَنةُ فِي الأَرض
أَي الأَمْنُ، يُرِيدُ أَن الأَرض تَمْتَلِئُ بالأَمْن فَلَا يَخَافُ أَحدٌ مِنَ النَّاسِ وَالْحَيَوَانِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
النُّجومُ أَمَنةُ السَّمَاءَ، فَإِذَا ذَهَبَتِ النجومُ أَتى السماءَ مَا تُوعَد، وأَنا أَمَنةٌ لأَصحابي فَإِذَا ذهبتُ أَتى أَصحابي مَا يُوعَدون، وأَصحابي أَمَنةٌ لأُمَّتي فَإِذَا ذهبَ أَصْحَابِي أَتى الأُمَّةَ مَا تُوعَد
؛ أَراد بِوَعْد السَّمَاءِ انشقاقَها وذهابَها يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وذهابُ النُّجُومِ: تكوِيرُها وانكِدارُها وإعْدامُها، وأَراد بوَعْد أَصحابه مَا وَقَعَ بَيْنَهُمْ مِنَ الفِتَن، وَكَذَلِكَ أَراد بوعْد الأُمّة، والإِشارةُ فِي الْجُمْلَةِ إِلَى مَجِيءِ الشَّرِّ عِنْدَ ذهابِ أَهل الْخَيْرِ، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ بَيْنَ النَّاسِ كَانَ يُبَيِّن لَهُمْ مَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، فَلَمَّا تُوفِّي جَالَتِ الآراءُ وَاخْتَلَفَتِ الأَهْواء، فَكَانَ الصَّحابةُ يُسْنِدونَ الأَمرَ إِلَى الرَّسُولِ فِي قَوْلٍ أَو فِعْلٍ أَو دَلَالَةِ حَالٍ، فَلَمَّا فُقِدَ قَلَّت الأَنوارُ وقَويَت الظُّلَمُ، وَكَذَلِكَ حالُ السَّمَاءِ عِنْدَ ذَهَابِ النُّجُومِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: والأَمَنةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ جَمْعُ أَمينٍ وَهُوَ الْحَافِظُ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً
؛ قَالَ أَبو إسحق: أَراد ذَا أَمْنٍ، فَهُوَ آمِنٌ وأَمِنٌ وأَمِين؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وَرَجُلٌ أَمِن وأَمين بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ
؛ أَي الآمِن، يَعْنِي مَكَّةَ، وَهُوَ مِنَ الأَمْنِ؛ وَقَوْلُهُ:
أَلم تعْلمِي، يَا أَسْمَ، ويحَكِ أَنني ... حلَفْتُ يَمِينًا لَا أَخونُ يَميني
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: إِنَّمَا يُرِيدُ آمنِي. ابْنُ السِّكِّيتِ: والأَمينُ المؤتمِن. والأَمين: المؤتَمَن، مِنَ الأَضداد؛ وأَنشد ابْنُ اللَّيْثِ أَيضاً: لَا أَخونُ يَمِيني أَي الَّذِي يأْتَمِنُني. الْجَوْهَرِيُّ: وَقَدْ يُقَالُ الأَمينُ المأْمونُ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: لَا أَخون أَميني أَي مأْمونِي. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ
؛ أَي قَدْ أَمِنُوا فِيهِ الغِيَرَ. وأَنتَ فِي آمِنٍ أَي فِي أَمْنٍ كَالْفَاتِحِ. وَقَالَ أَبو زِيَادٍ: أَنت فِي أَمْنٍ مِنْ ذَلِكَ أَي فِي أَمانٍ. وَرَجُلٌ أُمَنَةٌ: يأْمَنُ كلَّ أَحد، وَقِيلَ: يأْمَنُه الناسُ وَلَا يَخَافُونَ غائلَته؛ وأُمَنَةٌ أَيضاً: موثوقٌ بِهِ مأْمونٌ، وَكَانَ قياسُه أُمْنةً، أَلا تَرَى أَنه لَمْ يعبَّر عَنْهُ هَاهُنَا إِلَّا بِمَفْعُولٍ؟ اللِّحْيَانِيُّ: يُقَالُ مَا آمَنْتُ أَن أَجِدَ صَحَابَةً إِيمَانًا أَي مَا وَثِقْت، والإِيمانُ عِنْدَهُ الثِّقةُ. وَرَجُلٌ أَمَنةٌ، بِالْفَتْحِ: لِلَّذِي يُصَدِّق بِكُلِّ مَا يَسْمَعُ وَلَا يُكَذِّب بِشَيْءٍ. وَرَجُلٌ أَمَنةٌ أَيضاً إِذَا كَانَ يَطْمَئِنُّ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ ويَثِقُ بِكُلِّ أَحد، وَكَذَلِكَ الأُمَنَةُ، مِثَالُ الهُمَزة. وَيُقَالُ: آمَنَ فلانٌ العدُوَّ إِيمَانًا، فأَمِنَ يأْمَنُ، والعدُوُّ مُؤْمَنٌ، وأَمِنْتُه عَلَى كَذَا وأْتَمَنْتُه بِمَعْنًى، وَقُرِئَ:
مَا لَك لَا تأَمَننا عَلَى يُوسُفَ
، بَيْنَ الإِدغامِ والإِظهارِ؛ قَالَ الأَخفش: والإِدغامُ أَحسنُ.(13/21)
وَتَقُولُ: اؤتُمِن فلانٌ، عَلَى مَا لَمْ يُسمَّ فاعلُه، فَإِنِ ابتدأْت بِهِ صيَّرْت الْهَمْزَةَ الثَّانِيَةَ وَاوًا، لأَن كلَّ كَلِمَةٍ اجْتَمَعَ فِي أَولها هَمزتانِ وَكَانَتِ الأُخرى مِنْهُمَا سَاكِنَةً، فَلَكَ أَن تُصَيِّرها وَاوًا إِذَا كَانَتِ الأُولى مَضْمُومَةً، أَو يَاءً إِنْ كَانَتِ الأُولى مَكْسُورَةً نَحْوَ إيتَمَنه، أَو أَلفاً إِنْ كَانَتِ الأُولى مَفْتُوحَةً نَحْوَ آمَنُ. وَحَدِيثُ
ابْنِ عُمَرَ: أَنه دَخَلَ عَلَيْهِ ابنُه فَقَالَ: إِنِّي لَا إيمَنُ أَن يَكُونَ بَيْنَ الناسِ قتالٌ
أَي لَا آمَنُ، فَجَاءَ بِهِ عَلَى لُغَةِ مَنْ يَكْسِرُ أَوائل الأَفعال الْمُسْتَقْبَلَةِ نَحْوَ يِعْلَم ونِعْلم، فَانْقَلَبَتِ الأَلف يَاءً لِلْكَسْرَةِ قَبْلَهَا. واسْتأْمَنَ إِلَيْهِ: دَخَلَ فِي أَمانِه، وَقَدْ أَمَّنَه وآمَنَه. وقرأَ أَبو جَعْفَرٍ الْمَدَنِيُّ: لستَ مُؤَمَّناً أَي لَا نُؤَمِّنك. والمَأْمَنُ: موضعُ الأَمْنِ. والأَمِنُ: المستجيرُ ليَأْمَنَ عَلَى نَفْسِهِ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
فأَحْسِبُوا لَا أَمْنَ مِنْ صِدْقٍ وبِرْ، ... وَسَحِّ أَيْمانٍ قَليلاتِ الأَشرْ
أَي لَا إِجَارَةَ، أَحْسِبُوه: أَعطُوه مَا يَكْفيه، وقرئَ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٍ:
إِنَّهُمْ لَا إِيمانَ لَهُمْ
؛ مَنْ قرأَه بِكَسْرِ الأَلف مَعْنَاهُ أَنهم إِنْ أَجارُوا وأَمَّنُوا الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَفُوا وغَدَروا، والإِيمانُ هَاهُنَا الإِجارةُ. والأَمانةُ والأَمَنةُ: نقيضُ الْخِيَانَةِ لأَنه يُؤْمَنُ أَذاه، وَقَدْ أَمِنَه وأَمَّنَه وأْتَمَنَهُ واتَّمَنه؛ عَنْ ثَعْلَبٍ، وَهِيَ نَادِرَةٌ، وعُذْرُ مَن قَالَ ذَلِكَ أَن لَفْظَهُ إِذَا لَمْ يُدْغم يَصِيرُ إِلَى صُورَةِ مَا أَصلُه حرفُ لِينٍ، فَذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي افْتَعَل مِنَ الأَكل إيتَكَلَ، وَمِنَ الإِزْرةِ إيتَزَرَ، فأَشْبه حينئذٍ إيتَعَدَ فِي لُغَةِ مَنْ لَمْ يُبْدِل الْفَاءَ يَاءً، فَقَالَ اتَّمَنَ لِقَوْلِ غَيْرِهِ إيتَمَنَ، وأَجود اللُّغَتَيْنِ إقرارُ الْهَمْزَةِ، كأَن تَقُولَ ائْتَمَنَ، وَقَدْ يُقَدِّر مثلُ هَذَا فِي قَوْلِهِمُ اتَّهَلَ، واسْتَأْمَنه كَذَلِكَ. وَتَقُولُ: اسْتَأْمَنني فلانٌ فآمَنْتُه أُومِنُهُ إِيمَانًا. وَفِي الْحَدِيثِ:
المُؤَذِّنُ مؤتَمَنٌ
؛ مُؤْتَمَنُ الْقَوْمِ: الَّذِي يثِقون إِلَيْهِ وَيَتَّخِذُونَهُ أَمِيناً حَافِظًا، تَقُولُ: اؤتُمِنَ الرَّجُلُ، فَهُوَ مُؤْتَمَن، يَعْنِي أَن المؤذِّنَ أَمينُ الناسِ عَلَى صَلَاتِهِمْ وَصِيَامِهِمْ. وَفِي الْحَدِيثِ:
المَجالِسُ بالأَمانةِ
؛ هَذَا ندْبٌ إِلى تركِ إعادةِ مَا يَجْرِي فِي الْمَجْلِسِ مِنْ قولٍ أَو فعلٍ، فكأَنَّ ذَلِكَ أَمانةٌ عِنْدَ مَن سَمِعه أَو رَآهُ، والأَمانةُ تَقَعُ عَلَى الطَّاعَةِ وَالْعِبَادَةِ وَالْوَدِيعَةِ والثِّقةِ والأَمان، وَقَدْ جَاءَ فِي كُلٍّ مِنْهَا حَدِيثٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:
الأَمانةُ غِنًى
أَي سَبَبُ الْغِنَى، وَمَعْنَاهُ أَن الرَّجُلَ إِذَا عُرِفَ بِهَا كثُر مُعاملوه فَصَارَ ذَلِكَ سَبَبًا لِغناه. وَفِي حَدِيثِ أَشْراطِ السَّاعَةِ:
والأَمانة مَغْنَماً
أَي يَرَى مَن فِي يَدِهِ أَمانةٌ أَن الخِيانَة فِيهَا غَنيمةٌ قَدْ غَنِمها. وَفِي الْحَدِيثِ:
الزَّرعُ أَمانةٌ والتاجِرُ فاجرٌ
؛ جَعَلَ الزَّرْعَ أَمانَةً لسلامتِه مِنَ الْآفَاتِ الَّتِي تَقَعُ فِي التِّجارة مِنَ التَّزَيُّدِ فِي الْقَوْلِ والحَلِف وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَيُقَالُ: مَا كَانَ فلانٌ أَميناً وَلَقَدْ أَمُنَ يأْمُنُ أَمانةً. ورجلٌ أَمينٌ وأُمّانٌ أَي لَهُ دينٌ، وَقِيلَ: مأْمونٌ بِهِ ثِقَةٌ؛ قَالَ الأَعشى:
ولَقَدْ شَهِدْتُ التّاجرَ الأُمّانَ ... مَوْروداً شرابُهْ
التاجِرُ الأُمّانُ، بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيدِ: هُوَ الأَمينُ، وَقِيلَ: هُوَ ذُو الدِّين والفضل، وقال بَعْضُهُمْ: الأُمّان الَّذِي لَا يكتب لأَنه أُمِّيٌّ، وقال بَعْضُهُمْ: الأُمّان الزُّرَّاعُ؛ وَقَوْلُ ابْنِ السِّكِّيتِ:
شَرِبْت مِنْ أَمْنِ دَواء المَشْي ... يُدْعى المَشُوَّ، طعْمُه كالشَّرْي
الأَزهري: قرأْت فِي نَوَادِرِ الأَعراب أَعطيت فُلَانًا مِنْ أَمْنِ مَالِي، وَلَمْ يُفَسِّرْ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: كأَنَّ مَعْنَاهُ مِنْ خالِص مَالِي ومِنْ خَالِصِ دَواءِ المَشْي. ابْنُ(13/22)
سِيدَهْ: مَا أَحْسَنَ أَمَنَتَك وإِمْنَك أَي دِينَكَ وخُلُقَكَ. وآمَنَ بِالشَّيْءِ: صَدَّقَ وأَمِنَ كَذِبَ مَنْ أَخبره. الْجَوْهَرِيُّ: أَصل آمَنَ أَأْمَنَ، بِهَمْزَتَيْنِ، لُيِّنَت الثَّانِيَةُ، وَمِنْهُ المُهَيْمِن، وأَصله مُؤَأْمِن، لُيِّنَتْ الثانيةُ وَقُلِبَتْ يَاءً وَقُلِبَتِ الأُولى هَاءً، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَوْلُهُ بِهَمْزَتَيْنِ لُيِّنَتْ الثَّانِيَةُ، صَوَابُهُ أَن يَقُولَ أُبدلت الثانية؛ وأَما مَا ذَكَرَهُ فِي مُهَيْمِن مِنْ أَن أَصلَه مُؤَأْمِن لُيِّنَتْ الهمزةُ الثَّانِيَةُ وَقُلِبَتْ يَاءً لَا يصحُّ، لأَنها سَاكِنَةٌ، وَإِنَّمَا تَخْفِيفُهَا أَن تُقْلَبَ أَلفاً لَا غَيْرُ، قَالَ: فَثَبَتَ بِهَذَا أَن مُهَيْمِناً منْ هَيْمَنَ فَهُوَ مُهَيْمِنٌ لَا غَيْرُ. وحدَّ الزجاجُ الإِيمانَ فَقَالَ: الإِيمانُ إظهارُ الْخُضُوعِ والقبولِ للشَّريعة ولِما أَتَى بِهِ النبيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واعتقادُه وتصديقُه بِالْقَلْبِ، فَمَنْ كَانَ عَلَى هَذِهِ الصِّفة فَهُوَ مُؤْمِنٌ مُسْلِم غَيْرُ مُرْتابٍ وَلَا شاكٍّ، وَهُوَ الَّذِي يَرَى أَن أَداء الْفَرَائِضِ واجبٌ عَلَيْهِ لَا يَدْخُلُهُ فِي ذَلِكَ ريبٌ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا
؛ أَي بمُصدِّقٍ. والإِيمانُ: التصديقُ. التَّهْذِيبُ: وأَما الإِيمانُ فَهُوَ مَصْدَرُ آمَنَ يُؤْمِنُ إِيمَانًا، فَهُوَ مُؤْمِنٌ. واتَّفق أَهلُ الْعِلْمِ مِنَ اللُّغَويّين وَغَيْرِهِمْ أَن الإِيمانَ مَعْنَاهُ التَّصْدِيقُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا
«2» قَالَ: وَهَذَا مَوْضِعٌ يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَى تَفْهيمه وأَين يَنْفَصِل المؤمِنُ مِنَ المُسْلِم وأَيْنَ يَسْتَويانِ، والإِسْلامُ إظهارُ الْخُضُوعِ وَالْقَبُولِ لِمَا أَتى بِهِ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِهِ يُحْقَنُ الدَّمُ، فَإِنْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ الإِظْهارِ اعتِقادٌ وَتَصْدِيقٌ بِالْقَلْبِ، فَذَلِكَ الإِيمانُ الَّذِي يُقَالُ لِلْمَوْصُوفِ بِهِ هُوَ مؤمنٌ مسلمٌ، وَهُوَ المؤمنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ غَيْرَ مُرْتابٍ وَلَا شاكٍّ، وَهُوَ الَّذِي يَرَى أَن أَداء الْفَرَائِضِ واجبٌ عَلَيْهِ، وأَن الجِهادَ بنفسِه وَمَالِهِ واجبٌ عَلَيْهِ لَا يَدْخُلُهُ فِي ذَلِكَ رَيْبٌ فَهُوَ المؤمنُ وَهُوَ المسلمُ حَقًّا، كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ
؛ أَي أُولئك الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا مُؤْمِنُونَ فَهُمُ الصَّادِقُونَ، فأَما مَنْ أَظهرَ قَبولَ الشَّرِيعَةِ واسْتَسْلَم لِدَفْعِ الْمَكْرُوهِ فَهُوَ فِي الظَّاهِرِ مُسْلمٌ وباطِنُه غيرُ مصدِّقٍ، فَذَلِكَ الَّذِي يَقُولُ أَسْلَمْتُ لأَن الإِيمان لَا بُدَّ مِنْ أَن يَكُونَ صاحبُه صِدِّيقاً، لأَن قولَكَ آمَنْتُ بِاللَّهِ، أَو قَالَ قَائِلٌ آمَنْتُ بِكَذَا وَكَذَا فَمَعْنَاهُ صَدَّقْت، فأَخْرج اللَّهُ هَؤُلَاءِ مِنَ الإِيمان فَقَالَ: ولَمّا يدْخل الإِيمانُ فِي قُلوبِكم؛ أَي لَمْ تُصدِّقوا إِنَّمَا أَسْلَمْتُمْ تَعَوُّذاً مِنَ الْقَتْلِ، فالمؤمنُ مُبْطِنٌ مِنَ التَّصْدِيقِ مثلَ مَا يُظْهِرُ، والمسلمُ التامُّ الإِسلامِ مُظْهرٌ لِلطَّاعَةِ مؤمنٌ بِهَا، والمسلمُ الَّذِي أَظهر الإِسلامَ تعوُّذاً غيرُ مؤمنٍ فِي الْحَقِيقَةِ، إِلَّا أَن حُكْمَه فِي الظَّاهِرِ حكمُ الْمُسْلِمِينَ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ إخْوة يوسف لأَبيهم: ما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ
؛ لَمْ يَخْتَلِفْ أَهل التَّفْسِيرِ أَنّ مَعْنَاهُ مَا أَنت بمُصدِّقٍ لَنَا، والأَصلُ فِي الإِيمان الدخولُ فِي صِدْقِ الأَمانةِ الَّتِي ائْتَمَنه اللَّهُ عَلَيْهَا، فَإِذَا اعْتَقَدَ التصديقَ بِقَلْبِهِ كَمَا صدَّقَ بلِسانِه فَقَدْ أَدّى الأَمانةَ وَهُوَ مؤمنٌ، وَمَنْ لَمْ يَعْتَقِدِ التَّصْدِيقَ بِقَلْبِهِ فَهُوَ غَيْرُ مؤدٍّ للأَمانة الَّتِي ائْتَمَنَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا، وَهُوَ مُنافِقٌ، ومَن زَعَمَ أَن الإِيمان هُوَ إِظْهَارُ الْقَوْلِ دُونَ التصديقِ بِالْقَلْبِ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ وَجْهَيْنِ أَحدهما أَن يَكُونَ مُنافِقاً يَنْضَحُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ تأْييداً لَهُمْ، أَو يَكُونَ جَاهِلًا لَا يَعْلَمُ مَا يَقُولُ وَمَا يُقالُ لَهُ، أَخْرَجَه الجَهلُ واللَّجاجُ إِلى عِنادِ الحقِّ وتَرْكِ قبولِ الصَّوابِ، أَعاذنا اللَّهُ مِنْ هَذِهِ الصِّفَةِ وَجَعَلَنَا مِمَّنْ عَلِم فاسْتَعْمل مَا عَلِم، أَو جَهِل
__________
(2) . الآية(13/23)
فَتَعَلَّمَ مِمَّنْ عَلِمَ، وسلَّمَنا مِنْ آفَاتِ أَهل الزَّيْغ والبِدَع بمنِّه وَكَرَمِهِ. وَفِي قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ
؛ مَا يُبَيّنُ لَكَ أَن المؤمنَ هُوَ الْمُتَضَمِّنُ لِهَذِهِ الصِّفَةِ، وأَن مَن لَمْ يتضمّنْ هَذِهِ الصِّفَةَ فَلَيْسَ بمؤمنٍ، لأَن إِنَّمَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ تَجِيءُ لِتَثْبيتِ شيءٍ ونَفْيِ مَا خالَفَه، وَلَا قوّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. وأَما قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا
؛ فَقَدْ رُوِيَ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنهما قَالَا: الأَمانةُ هَاهُنَا الفرائضُ الَّتِي افْتَرَضَها اللَّهُ تَعَالَى على عباده
؛ وقال
ابْنُ عُمَرَ: عُرِضَت عَلَى آدمَ الطاعةُ والمعصيةُ وعُرِّفَ ثوابَ الطَّاعَةِ وعِقَابَ المعْصية، قَالَ: وَالَّذِي عِنْدِي فِيهِ أَن الأَمانة هَاهُنَا النِّيّةُ الَّتِي يَعْتَقِدُهَا الإِنسان فِيمَا يُظْهِره بِاللِّسَانِ مِنَ الإِيمان ويؤَدِّيه مِنْ جَمِيعِ الْفَرَائِضِ فِي الظَّاهِرِ، لأَن اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ائْتَمَنَه عَلَيْهَا وَلَمْ يُظْهِر عَلَيْهَا أَحداً مِنْ خَلْقِه، فَمَنْ أَضْمر مِنَ التَّوْحِيدِ وَالتَّصْدِيقِ مثلَ مَا أَظهرَ فَقَدْ أَدَّى الأَمانةَ، وَمَنْ أَضمَر التكذيبَ وَهُوَ مُصَدِّقٌ بِاللِّسَانِ فِي الظَّاهِرِ فَقَدْ حَمَل الأَمانةَ وَلَمْ يؤدِّها، وكلُّ مَنْ خَانَ فِيمَا اؤتُمِنَ عَلَيْهِ فَهُوَ حامِلٌ، والإِنسان فِي قَوْلِهِ: وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ؛ هُوَ الْكَافِرُ الشاكُّ الَّذِي لَا يُصدِّق، وَهُوَ الظَّلُوم الجهُولُ، يَدُلُّك عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً.
وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الإِيمانُ أَمانةٌ وَلَا دِينَ لِمَنْ لا أَمانةَ لَهُ.
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ:
لَا إيمانَ لِمَنْ لا أَمانةَ لَهُ.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
؛ قَالَ ثَعْلَبٌ: المؤمِنُ بِالْقَلْبِ والمُسلِمُ بِاللِّسَانِ، قَالَ الزَّجَّاجُ: صفةُ الْمُؤْمِنِ بِاللَّهِ أَن يَكُونَ رَاجِيًا ثوابَه خَاشِيًا عِقَابَهُ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ
؛ قَالَ ثَعْلَبٌ: يُصَدِّق اللهَ ويُصدق الْمُؤْمِنِينَ، وأَدخل اللام للإِضافة، فأَما قول بَعْضُهُمْ: لَا تجِدُه مُؤْمِنًا حَتَّى تجِدَه مؤمنَ الرِّضا مؤمنَ الْغَضَبِ أَي مؤمِناً عندَ رِضَاهُ مُؤْمِنًا عِنْدَ غَضَبِهِ. وَفِي حَدِيثِ
أَنس: أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: المؤمنُ مَن أَمِنَه الناسُ، والمسلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسانه ويَدِه، والمُهاجِرُ مَنْ هَجَر السُّوءَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يدخلُ رجلٌ الْجَنَّةَ لَا يَأْمَنُ جارُهُ بوائقَه.
وَفِي الْحَدِيثِ
عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَتى رجلٌ رسولَ اللَّهِ، صَلَّى الله عليه وسلم، وقال: مَنِ المُهاجرُ؟ فَقَالَ: مَنْ هجَر السيئاتِ، قَالَ: فمَن المؤمنُ؟ قَالَ: مَنِ ائْتَمَنه النَّاسُ عَلَى أَموالِهم وأَنفسهم، قَالَ: فَمَن المُسلِم؟ قَالَ: مَن سلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لسانِه وَيَدِهِ، قَالَ: فمَن المجاهدُ؟ قَالَ: مَنْ جاهدَ نفسَه.
قَالَ النَّضْرُ: وَقَالُوا لِلْخَلِيلِ مَا الإِيمانُ؟ قَالَ: الطُّمأْنينةُ، قَالَ: وَقَالُوا لِلْخَلِيلِ تَقُولُ أَنا مؤمنٌ، قَالَ: لَا أَقوله، وَهَذَا تَزْكِيَةٌ. ابْنُ الأَنباري: رَجُلٌ مُؤمِنٌ مُصَدِّقٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ. وآمَنْت بِالشَّيْءِ إِذَا صَدَّقْت بِهِ؛ وقال الشَّاعِرُ:
ومِنْ قَبْل آمَنَّا، وَقَدْ كانَ قَوْمُنا ... يُصلّون للأَوثانِ قبلُ، مُحَمَّدًا
مَعْنَاهُ وَمِنْ قبلُ آمَنَّا مُحَمَّدًا أَي صدَّقناه، قَالَ: والمُسلِم المُخْلِصُ لله الْعِبَادَةَ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي قِصَّةِ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ: وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ
؛ أَراد أَنا أوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ بأَنّك لَا تُرَى فِي الدُّنْيَا. وَفِي الْحَدِيثِ:
نَهْرانِ مؤمنانِ ونَهْرانِ كافرانِ: أَما المؤمنانِ(13/24)
فالنيلُ والفراتُ، وأَما الْكَافِرَانِ فدِجْلةُ ونهْرُ بَلْخ
، جَعَلَهُمَا مؤمنَيْن عَلَى التَّشْبِيهِ لأَنهما يفيضانِ عَلَى الأَرضِ فيَسقِيانِ الحَرْثَ بلا مَؤُونةٍ، وَجَعَلَ الآخَرَيْنِ كافِرَيْن لأَنهما لَا يسقِيانِ وَلَا يُنْتَفَعُ بهما إلا بمؤونة وكُلفةٍ، فَهَذَانِ فِي الخيرِ والنفعِ كالمُؤْمِنَيْنِ، وَهَذَانِ فِي قلَّة النَّفْعِ كالكافِرَين. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا يَزْني الزَّانِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ
؛ قِيلَ: مَعْنَاهُ النَّهْي وَإِنْ كَانَ فِي صُورَةِ الْخَبَرِ، والأَصلُ حذْفُ الْيَاءِ مِنْ يَزْني أَي لَا يَزْنِ المؤمنُ وَلَا يَسْرِقْ وَلَا يَشْرَبْ، فَإِنَّ هَذِهِ الأَفعال لَا تليقُ بِالْمُؤْمِنِينَ، وَقِيلَ: هُوَ وعيدٌ يُقْصَدُ بِهِ الرَّدْع، كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ:
لَا إيمانَ لمنْ لا أمانة له
،
والمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الناسُ مِنْ لِسانِه ويدِه
، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا يَزْني وَهُوَ كاملُ الإِيمانِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَن الْهَوَى يُغطِّي الإِيمانَ، فصاحِبُ الهَوى لَا يَزني إِلَّا هَوَاهُ وَلَا ينْظُر إِلَى إِيمَانِهِ النَّاهِي لَهُ عَنِ ارتكابِ الْفَاحِشَةِ، فكأَنَّ الإِيمانَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ قد انْعَدم، قال: وَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: الإِيمانُ نَزِهٌ، فإِذا أَذْنَبَ العبدُ فارَقَه
؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
إِذَا زَنَى الرجلُ خرجَ مِنْهُ الإِيمانُ فَكَانَ فوقَ رأْسه كالظُّلَّةِ، فإِذا أَقْلَع رجَع إِلَيْهِ الإِيمانُ
، قَالَ: وكلُّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْمَجَازِ ونَفْي الكمالِ دُونَ الْحَقِيقَةِ وَرَفْعِ الإِيمان وإِبْطالِه. وَفِي حَدِيثِ الْجَارِيَةِ:
أَعْتِقْها فَإِنَّهَا مُؤمِنةٌ
؛ إِنَّمَا حكَمَ بإيمانِها بمُجرَّد سُؤاله إِيَّاهَا: أَين اللَّهُ؟ وإشارَتِها إِلَى السَّمَاءِ، وَبُقُولِهِ لَهَا: مَنْ أَنا؟ فأَشارت إِلَيْهِ وَإِلَى السَّمَاءِ، يَعْنِي أَنْتَ رسولُ اللَّهِ، وَهَذَا الْقَدْرُ لَا يَكْفِي فِي ثُبُوتِ الإِسلام والإِيمان دُونَ الإِقرار بالشهادَتَيْن والتبرِّي مِنْ سَائِرِ الأَديان، وَإِنَّمَا حَكَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِذَلِكَ لأَنه رَأَى مِنْهَا أَمارة الإِسلام وكوْنَها بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَتَحْتَ رِقِّ المُسْلِم، وَهَذَا الْقَدْرُ يَكْفِي علَماً لِذَلِكَ، فَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا عُرِضَ عَلَيْهِ الإِسلامُ لَمْ يُقْتَصَرْ مِنْهُ عَلَى قَوْلِهِ إِنِّي مُسْلِمٌ حَتَّى يَصِفَ الإِسلامَ بِكَمَالِهِ وشرائِطه، فَإِذَا جَاءَنَا مَنْ نَجْهَل حالَه فِي الْكُفْرِ والإِيمان فَقَالَ إِنِّي مُسْلِم قَبِلْناه، فَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ أَمارةُ الإِسلامِ مِنْ هَيْئَةٍ وشارةٍ ودارٍ كَانَ قبولُ قَوْلِهِ أَولى، بَلْ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بالإِسلام وإنْ لَمْ يَقُلْ شَيْئًا. وَفِي حَدِيثِ
عُقْبة بْنِ عَامِرٍ: أَسْلم الناسُ وآمَنَ عمرُو بْنُ الْعَاصِ
؛ كأَنَّ هَذَا إشارةٌ إِلَى جماعةٍ آمَنوا مَعَهُ خَوْفًا مِنَ السَّيْفِ وأنَّ عَمْراً كَانَ مُخْلِصاً فِي إِيمَانِهِ، وَهَذَا مِنَ الْعَامِّ الَّذِي يُرادُ بِهِ الْخَاصُّ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَا مِنْ نبيٍّ إلَّا أُعْطِيَ منَ الآياتِ مَا مثلُه آمَنَ عَلَيْهِ البَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُهُ وحْياً أَوْحاهُ اللهُ إِليَ
أَي آمَنوا عِنْدَ مُعايَنة مَا آتَاهُمْ مِنَ الآياتِ والمُعْجِزات، وأَراد بالوَحْيِ إعْجازَ الْقُرْآنِ الَّذِي خُصَّ بِهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ المُنزَّلة كَانَ مُعْجِزاً إِلَّا الْقُرْآنُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَنْ حَلَف بالأَمانةِ فَلَيْسَ مِنَّا
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: يُشْبِهُ أَن تَكُونَ الكراهةُ فِيهِ لأَجل أَنه أُمِر أَن يُحْلَفَ بأَسماءِ اللَّهِ وصفاتِه، والأَمانةُ أَمرٌ مِنْ أُمورِه، فنُهُوا عَنْهَا مِنْ أَجل التَّسْوِيَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَسماء اللَّهِ، كَمَا نُهوا أَن يحلِفوا بِآبَائِهِمْ. وَإِذَا قَالَ الحالفُ: وأَمانةِ اللَّهِ، كَانَتْ يَمِينًا عِنْدَ أَبي حَنِيفَةَ، والشافعيُّ لَا يعدُّها يَمِينًا. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ دينَكَ وأَمانتَكَ
أَي أَهلك ومَنْ تُخَلِّفُه بَعْدَكَ مِنْهُمْ، ومالَكَ الَّذِي تُودِعُه وتستَحْفِظُه أَمِينَك ووكِيلَكَ. والأَمينُ: القويُّ لأَنه يُوثَقُ بقوَّتِه. وناقةٌ أَمون: أَمينةٌ وثِيقةُ الخَلْقِ، قَدْ أُمِنَتْ أَن تَكُونَ ضَعِيفَةً، وَهِيَ الَّتِي أُمِنتْ العِثَارَ والإِعْياءَ، وَالْجَمْعُ أُمُنٌ، قَالَ: وَهَذَا فعولٌ جَاءَ فِي مَوْضِعِ(13/25)
مَفْعولةٍ، كَمَا يُقَالُ: نَاقَةٌ عَضوبٌ وحَلوبٌ. وآمِنُ المالِ: مَا قَدْ أَمِنَ لنفاسَتِه أَن يُنْحَرَ، عنَى بِالْمَالِ الإِبلَ، وَقِيلَ: هُوَ الشريفُ مِنْ أَيِّ مالٍ كانَ، كأَنه لَوْ عَقَلَ لأَمِنَ أَن يُبْذَل؛ قَالَ الحُوَيْدرة:
ونَقِي بآمِنِ مالِنا أَحْسابَنا، ... ونُجِرُّ فِي الهَيْجا الرِّماحَ وندَّعي
. قولُه: ونَقِي بآمِنِ مالِنا «3» . أَي ونَقِي بخالِصِ مالِنا، نَدَّعي نَدْعُو بأَسمائنا فَنَجْعَلُهَا شِعاراً لَنَا فِي الْحَرْبِ. وآمِنُ الحِلْم: وَثِيقُه الَّذِي قَدْ أَمِنَ اخْتِلاله وانْحِلاله؛ قَالَ:
والخَمْرُ لَيْسَتْ منْ أَخيكَ، ولكنْ ... قَدْ تَغُرُّ بآمِنِ الحِلْمِ
ويروى: تَخُون بثامِرِ الحِلْمِ أَي بتامِّه. التَّهْذِيبُ: والمُؤْمنُ مِن أَسماءِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي وَحَّدَ نفسَه بِقَوْلِهِ: وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ، وَبِقَوْلِهِ: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ، وَقِيلَ: المُؤْمِنُ فِي صِفَةِ اللَّهِ الَّذِي آمَنَ الخلقَ مِنْ ظُلْمِه، وَقِيلَ: المُؤْمن الَّذِي آمَنَ أَوْلياءَه عذابَه، قَالَ: قَالَ ابْنُ الأَعرابي قَالَ الْمُنْذِرِيُّ سَمِعْتُ أَبا الْعَبَّاسِ يَقُولُ: المُؤْمنُ عِنْدَ الْعَرَبِ المُصدِّقُ، يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُصدّق عبادَه الْمُسْلِمِينَ يومَ الْقِيَامَةِ إِذَا سُئلَ الأُمَمُ عَنْ تَبْلِيغِ رُسُلِهم، فَيَقُولُونَ: مَا جَاءَنَا مِنْ رسولٍ وَلَا نَذِيرٍ، ويكذِّبون أَنبياءَهم، ويُؤْتَى بأُمَّة مُحَمَّدٍ فيُسْأَلون عَنْ ذَلِكَ فيُصدِّقونَ الماضِينَ فيصدِّقُهم اللَّهُ، ويصدِّقهم النبيُّ مُحَمَّدٌ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَكَيْفَ إِذا ... جِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً، وَقَوْلُهُ: وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ
؛ أَي يصدِّقُ المؤْمنين؛ وَقِيلَ: المُؤْمن الَّذِي يَصْدُق عبادَه، مَا وَعَدَهم، وكلُّ هَذِهِ الصِّفَاتِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لأَنه صَدَّق بِقَوْلِهِ مَا دَعَا إِلَيْهِ عبادَه مِنْ تَوْحِيدٍ، وكأَنه آمَنَ الخلقَ مِنْ ظُلْمِه وَمَا وَعَدَنا مِنَ البَعْثِ والجنَّةِ لِمَنْ آمَنَ بِهِ، والنارِ لِمَنْ كفرَ بِهِ، فَإِنَّهُ مصدِّقٌ وعْدَه لَا شَرِيكَ لَهُ. قَالَ ابْنُ الأَثير: فِي أَسماء اللَّهِ تَعَالَى المُؤْمِنُ، هُوَ الَّذِي يَصْدُقُ عبادَه وعْدَه فَهُوَ مِنَ الإِيمانِ التصديقِ، أَو يُؤْمِنُهم فِي الْقِيَامَةِ عذابَه فَهُوَ مِنَ الأَمانِ ضِدِّ الْخَوْفِ. الْمُحْكَمِ: المُؤْمنُ اللهُ تَعَالَى يُؤْمِنُ عبادَه مِنْ عذابِه، وَهُوَ الْمُهَيْمِنُ؛ قَالَ الْفَارِسِيُّ: الهاءُ بدلٌ مِنَ الْهَمْزَةِ وَالْيَاءُ مُلْحِقةٌ ببناء مُدَحْرِج؛ وقال ثَعْلَبٌ: هُوَ المُؤْمِنُ المصدِّقُ لعبادِه، والمُهَيْمِنُ الشاهدُ عَلَى الشَّيْءِ القائمُ عَلَيْهِ. والإِيمانُ: الثِّقَةُ. وَمَا آمنَ أَن يَجِدَ صَحابةً أَي مَا وَثِقَ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ مَا كادَ. والمأْمونةُ مِنَ النِّسَاءِ: المُسْتراد لِمِثْلِهَا. قَالَ ثَعْلَبٌ: فِي الْحَدِيثِ الَّذِي جَاءَ
مَا آمَنَ بِي مَن باتَ شَبْعانَ وجارُه جائعٌ
؛ مَعْنَى مَا آمَنَ بِي شديدٌ أَي يَنْبَغِي لَهُ أَن يُواسيَه. وآمينَ وأَمينَ: كلمةٌ تُقَالُ فِي إثْرِ الدُّعاء؛ قَالَ الْفَارِسِيُّ: هِيَ جملةٌ مركَّبة مِنْ فعلٍ وَاسْمٍ، مَعْنَاهُ اللَّهُمَّ اسْتَجِبْ لِي، قَالَ: ودليلُ ذَلِكَ
أَن مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، لَمَّا دَعَا عَلَى فِرْعَوْنَ وأَتباعه فَقَالَ: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ، قَالَ هَارُونُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: آمِينَ
، فطبَّق الْجُمْلَةَ بِالْجُمْلَةِ، وَقِيلَ: مَعْنَى آمينَ كَذَلِكَ يكونُ، وَيُقَالُ: أَمَّنَ الإِمامُ تأْميناً إِذَا قَالَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ أُمِّ الكِتاب آمِينَ، وأَمَّنَ فلانٌ تأْميناً. الزَّجَّاجُ فِي قَوْلِ الْقَارِئِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ آمينَ: فِيهِ لُغَتَانِ: تَقُولُ الْعَرَبُ أَمِينَ بِقَصْرِ الأَلف، وآمينَ بِالْمَدِّ، والمدُّ أَكثرُ، وأَنشد فِي لغة مَنْ قَصَر:
__________
(3) . قَوْلُهُ [وَنَقِي بِآمِنِ مَالِنَا] ضبط في الأَصل بكسر الميم، وعليه جرى شارح القاموس حيث قال هو كصاحب، وضبط في متن القاموس والتكملة بفتح الميم(13/26)
تباعَدَ منِّي فُطْحُلٌ، إِذْ سأَلتُه ... أَمينَ، فزادَ اللهُ ما بيْننا بُعْدا
وروى ثَعْلَبٌ فُطْحُل، بِضَمِّ الْفَاءِ وَالْحَاءِ، أَرادَ زادَ اللهُ مَا بَيْنَنَا بُعْداً أَمين؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِشَاعِرٍ:
سَقَى اللَّهُ حَيّاً بَيْنَ صارةَ والحِمَى، ... حِمَى فَيْدَ صَوبَ المُدْجِناتِ المَواطرِ
أَمِينَ ورَدَّ اللهُ رَكْباً إليهمُ ... بِخَيْرٍ، ووَقَّاهُمْ حِمامَ المقادِرِ
وَقَالَ عُمَر بْنُ أَبي رَبِيعَةَ فِي لُغَةِ مَنْ مدَّ آمينَ:
يَا ربِّ لَا تَسْلُبَنِّي حُبَّها أَبَداً، ... ويرْحمُ اللهُ عَبْداً قَالَ: آمِينا
قَالَ: وَمَعْنَاهُمَا اللهمَّ اسْتَجِبْ، وَقِيلَ: هُوَ إيجابٌ ربِّ افْعَلْ قَالَ: وَهُمَا مَوْضُوعَانِ فِي مَوْضِعِ اسْمِ الاستحابةِ، كَمَا أَنَّ صَهْ موضوعٌ موضعَ سُكوتٍ، قَالَ: وحقُّهما مِنَ الإِعراب الوقفُ لأَنهما بِمَنْزِلَةِ الأَصْواتِ إِذَا كَانَا غيرَ مُشْتَقَّيْنِ مِنْ فعلٍ، إِلَّا أَن النُّونَ فُتِحت فِيهِمَا لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَلَمْ تُكسر النونُ لِثِقَلِ الْكَسْرَةِ بَعْدَ الْيَاءِ، كَمَا فَتَحُوا أَينَ وكيفَ، وتشديدُ الْمِيمِ خطأٌ، وَهُوَ مبنيٌّ عَلَى الْفَتْحِ مِثْلَ أَينَ وَكَيْفَ لِاجْتِمَاعِ السَّاكِنَيْنِ. قَالَ ابْنُ جِنِّي: قَالَ أَحمد بْنُ يَحْيَى قَوْلُهُمْ آمِينَ هُوَ عَلَى إشْباع فتحةِ الْهَمْزَةِ، ونشأَت بَعْدَهَا أَلفٌ، قَالَ: فأَما قَوْلُ أَبي الْعَبَّاسِ إنَّ آمِينَ بِمَنْزِلَةِ عاصِينَ فَإِنَّمَا يريدُ بِهِ أَن الْمِيمَ خَفِيفَةٌ كصادِ عاصِينَ، لَا يُريدُ بِهِ حقيقةَ الْجَمْعِ، وَكَيْفَ ذلك وقد حكي عن الْحَسَنِ، رَحِمَهُ اللَّهُ، أَنه قَالَ: آمِينَ اسمٌ مِنْ أَسماء اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وأَين لَكَ فِي اعْتِقَادِ مَعْنَى الْجَمْعِ مَعَ هَذَا التَّفْسِيرِ؟ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: آمِينَ اسْمٌ مِنْ أَسماء اللَّهِ؛ قَالَ الأَزهري: وَلَيْسَ يَصِحُّ كَمَا قَالَهُ عِنْدَ أَهل اللُّغَةِ أَنه بِمَنْزِلَةِ يَا اللَّهُ وأَضمر اسْتَجِبْ لِي، قَالَ: وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ لرُفِعَ إِذَا أُجْرِي وَلَمْ يَكُنْ مَنْصُوبًا. وَرَوَى
الأَزهري عَنْ حُمَيْد بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّه أُمِّ كُلْثومٍ بِنْتِ عُقبة فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ، قَالَتْ: غُشِيَ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عوفٍ غَشيةَ ظَنُّوا أَنَّ نفْسَه خَرَجَتْ فِيهَا، فَخَرَجَتِ امرأَته أُم كُلْثُومٍ إِلَى الْمَسْجِدِ تسْتَعين بِمَا أُمِرَتْ أَن تسْتَعينَ بِهِ مِنَ الصَّبْرِ والصَّلاةِ، فَلَمَّا أَفاقَ قَالَ: أَغُشِيَ عليَّ؟ قَالُوا: نعمْ، قَالَ: صدَقْتُمْ، إِنَّهُ أَتاني مَلَكانِ فِي غَشْيَتِي فَقَالَا: انْطلِقْ نحاكِمْكَ إِلَى الْعَزِيزِ الأَمين، قَالَ: فانطَلَقا بِي، فلقِيَهُما مَلَكٌ آخرُ فَقَالَ: وأَين تُرِيدانِ بِهِ؟ قَالَا: نُحَاكِمُهُ إِلَى الْعَزِيزِ الأَمين، قَالَ: فارْجِعاه فَإِنَّ هَذَا مِمَّنْ كتَب اللَّهُ لَهُمُ السعادةَ وَهُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتهم، وسَيُمَتِّعُ اللَّهُ بِهِ نبيَّه مَا شَاءَ اللَّهُ، قَالَ: فَعَاشَ شَهْرًا ثُمَّ ماتَ.
والتَّأْمينُ: قولُ آمينَ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي هُرَيْرَةَ: أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: آمِينَ خاتَمُ ربِّ الْعَالَمِينَ عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ
؛ قَالَ أَبو بَكْرٍ: مَعْنَاهُ أَنه طابَعُ اللَّهِ عَلَى عبادِه لأَنه يَدْفعُ بِهِ عَنْهُمُ الْآفَاتِ والبَلايا، فَكَانَ كخاتَم الْكِتَابِ الَّذِي يَصُونه وَيَمْنَعُ مِنْ فسادِه وإِظهارِ مَا فِيهِ لِمَنْ يُكْرَهُ عِلْمُهُ بِهِ ووُقوفَه عَلَى مَا فِيهِ.
وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنه قَالَ: آمينَ درجةٌ فِي الجنَّة
؛ قَالَ أَبو بَكْرٍ: مَعْنَاهُ أَنها كلمةٌ يكتَسِبُ بِهَا قائلُها دَرَجَةً فِي الْجَنَّةِ. وَفِي حَدِيثِ
بِلَالٍ: لَا تسْبِقْني بآمينَ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: يُشْبِهُ أَن يَكُونَ بلالٌ كَانَ يقرأُ الفاتحةَ فِي السَّكتةِ الأُولى مِنْ سكْتَتَي الإِمام، فَرُبَّمَا يَبْقَى عَلَيْهِ مِنْهَا شيءٌ وَرَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ فرَغ مِنْ قراءتِها، فاسْتَمْهَلَه بِلَالٌ فِي التأْمينِ بِقَدْرِ مَا يُتِمُّ فِيهِ قراءةَ بقيَّةِ السُّورَةِ حَتَّى يَنَالَ بركةَ موافَقتِه فِي التّأْمين.(13/27)
أنن: أَنَّ الرجلُ مِنَ الْوَجَعِ يَئِنُّ أَنيناً، قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
يَشْكو الخِشاشَ ومَجْرى النَّسْعَتَين، كَمَا ... أَنَّ المرِيضُ، إِلَى عُوَّادِه، الوَصِبُ
والأُنانُ، بِالضَّمِّ: مِثْلُ الأَنينِ؛ وَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ حَبْناء يُخَاطِبُ أَخاه صَخْرًا:
أَراكَ جَمَعْتَ مسْأَلةً وحِرْصاً، ... وَعِنْدَ الفَقْرِ زَحّاراً أُنانا
وَذَكَرَ السِّيرَافِيُّ أَن أُناناً هُنَا مِثْلُ خُفافٍ وَلَيْسَ بِمَصْدَرٍ فَيَكُونُ مِثْلَ زَحّار فِي كَوْنِهِ صِفَةً، قَالَ: والصِّفتان هُنَا واقِعتان مَوْقِعَ الْمَصْدَرِ، قال: وكذلك التأْنانُ؛ وقال:
إنَّا وجَدْنا طَرَدَ الهَوامِلِ ... خَيْرًا مِنَ التَّأْنانِ والمَسائِلِ
«1» . وعِدَةِ العامِ وعامٍ قابِلِ ... مَلْقوحةً فِي بَطْنِ نابٍ حائلِ
. مَلْقُوحَةً: منصوبةٌ بالعِدَة، وَهِيَ بِمَعْنَى مُلْقَحَةً، وَالْمَعْنَى أَنها عِدةٌ لَا تَصِحُّ لأَن بطنَ الْحَائِلِ لَا يَكُونُ فِيهِ سَقْبٌ مُلْقَحة. ابن سيدة: أَنَّ الرجلُ يَئِنُّ أَنّاً وأَنيناً وأُناناً وأَنَّةً تأَوَّه. التَّهْذِيبُ: أَنَّ الرجلُ يَئِنُّ أَنيناً وأَنَتَ يأْنِتُ أَنيتاً ونأَتَ يَنْئِتُ نَئِيتاً بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَرَجُلٌ أَنّانٌ وأُنانٌ وأُنَنةٌ: كثيرُ الأَنين، وَقِيلَ: الأُنَنةُ الكثيرُ الْكَلَامِ والبَثِّ والشَّكْوَى، وَلَا يُشْتَقُّ مِنْهُ فِعْلٌ، وَإِذَا أَمرت قُلْتَ: إينِنْ لأَن الْهَمْزَتَيْنِ إِذَا التَقَتا فَسَكَنَتِ الأَخيرة اجْتَمَعُوا عَلَى تَلْيينِها، فأَما فِي الأَمر الثَّانِي فَإِنَّهُ إِذَا سَكَنَتِ الْهَمْزَةُ بَقِيَ النونُ مَعَ الْهَمْزَةِ وَذَهَبَتِ الْهَمْزَةُ الأُولى. وَيُقَالُ للمرأَة: إنِّي، كَمَا يُقَالُ لِلرَّجُلِ اقْرِرْ، وللمرأَة قِرِّي، وامرأَة أنّانةٌ كَذَلِكَ. وَفِي بَعْضِ وَصَايَا الْعَرَبِ: لَا تَتّخِذْها حَنَّانةً وَلَا مَنّانةً وَلَا أَنّانةً. وَمَا لَهُ حانَّةٌ وَلَا آنّةٌ أَي مَا لَه ناقةٌ وَلَا شاةٌ، وَقِيلَ: الحانّةُ الناقةُ والآنّةُ الأَمَةُ تَئِنّ مِنَ التَّعَبِ. وأَنَّتِ القوسُ تَئِنُّ أَنيناً: أَلانت صوتَها ومَدّته؛ حَكَاهُ أَبو حَنِيفَةَ؛ وأَنشد قَوْلَ رُؤْبَةَ:
تِئِنُّ حينَ تجْذِبُ المَخْطوما، ... أَنين عَبْرَى أَسْلَمت حَميما
. والأُنَنُ: طائرٌ يَضْرِبُ إِلَى السَّواد، لَهُ طَوْقٌ كَهَيْئَةِ طَوْق الدُّبْسِيّ، أَحْمَرُ الرِّجْلين والمِنْقار، وَقِيلَ: هُوَ الوَرَشان، وَقِيلَ: هُوَ مِثْلُ الْحَمَامِ إِلَّا أَنه أَسود، وصوتُه أَنِينٌ: أُوهْ أُوهْ. وإنَّه لَمِئنّةٌ أَن يَفْعَلَ ذَلِكَ أَي خَليقٌ، وَقِيلَ: مَخْلَقة مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الإِثنان وَالْجَمْعُ وَالْمُؤَنَّثُ، وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ مَئِنّةٌ فَعِلَّةً، فَعَلَى هَذَا ثلاثيٌّ. وأَتاه عَلَى مَئِنّةِ ذَلِكَ أَي حينهِ ورُبّانِه. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ مَسْعُودٍ: إِنَّ طُولَ الصلاةِ وقِصَرَ الخُطْبةِ مَئِنّةٌ مِنْ فِقْهِ الرَّجُلِ
أَي بيانٌ مِنْهُ. أَبو زَيْدٍ: إِنَّهُ لَمَئِنّةٌ أَن يفعل ذلك، وأَنتما وَإِنَّهُنَّ لَمَئِنّةٌ أَن تَفْعَلُوا ذَلِكَ بِمَعْنَى إِنَّهُ لخَليق أَن يَفْعَلَ ذَلِكَ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
ومَنْزِل مِنْ هَوَى جُمْلٍ نَزَلْتُ بِهِ، ... مَئِنّة مِنْ مَراصيدِ المَئِنّاتِ
بِهِ تَجَاوَزَتُ عَنْ أُولى وكائِده، ... إِنِّي كَذَلِكَ رَكّابُ الحَشِيّات
. أَول حِكَايَةٍ «2» . أَبو عَمْرٍو: الأَنّةُ والمَئِنّة والعَدْقةُ
__________
(1) . قوله [إنا وجدنا إلخ] صوّب الصاغاني زيادة مشطور بين المشطورين وهو:
بين الرسيسين وبين عاقل
(2) . قوله [أول حكاية] هكذا في الأَصل(13/28)
والشَّوْزَب وَاحِدٌ؛ وَقَالَ دُكَيْن:
يَسْقِي عَلَى درّاجةٍ خَرُوسِ، ... مَعْصُوبةٍ بينَ رَكايا شُوسِ،
مَئِنّةٍ مِنْ قَلَتِ النُّفوسِ
يُقَالُ: مَكَانٍ مِنْ هلاكِ النُّفُوسِ، وقولُه مَكَانٍ مِنْ هَلَاكِ النُّفُوسِ تفسيرٌ لِمَئِنّةٍ، قَالَ: وكلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنه بِمَنْزِلَةِ مَظِنَّة، والخَروسُ: البَكْرةُ الَّتِي لَيْسَتْ بِصَافِيَةِ الصوتِ، والجَروسُ، بِالْجِيمِ: الَّتِي لَهَا صَوْتٌ. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: قَالَ الأَصمعي سأَلني شُعْبَةُ عَنْ مَئِنَّة فَقُلْتُ: هُوَ كَقَوْلِكَ عَلامة وخَليق، قَالَ أَبو زَيْدٍ: هُوَ كَقَوْلِكَ مَخْلَقة ومَجْدَرة؛ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَعْنِي أَن هَذَا مِمَّا يُعْرَف بِهِ فِقْهُ الرَّجُلِ ويُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَيْهِ، قَالَ: وكلُّ شيءٍ دلَّكَ عَلَى شيءٍ فَهُوَ مَئِنّةٌ لَهُ؛ وأَنشد لِلْمَرَّارِ:
فَتَهامَسوا سِرّاً فَقَالُوا: عَرِّسوا ... مِنْ غَيْر تَمْئِنَةٍ لِغَيْرِ مُعَرِّسِ
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَالَّذِي رَوَاهُ أَبو عُبَيْدٍ عَنِ الأَصمعي وأَبي زَيْدٍ فِي تَفْسِيرِ المَئِنّة صحيحٌ، وَأَمَّا احْتِجاجُه برأْيه ببَيْت الْمَرَّارِ فِي التَّمْئِنَة للمَئِنَّة فَهُوَ غَلَطٌ وسهوٌ، لأَن الميمَ فِي التَّمْئِنة أَصليةٌ، وَهِيَ فِي مَئِنّةٍ مَفْعِلةٌ لَيْسَتْ بأَصلية، وسيأْتي تَفْسِيرُ ذَلِكَ فِي تَرْجَمَةِ مأَن. اللِّحْيَانِيُّ: هُوَ مَئِنَّةٌ أَن يَفْعَلَ ذَلِكَ ومَظِنَّة أَن يَفْعَلَ ذَلِكَ؛ وأَنشد:
إنَّ اكتِحالًا بالنَّقِيّ الأَمْلَجِ، ... ونَظَراً فِي الحاجِبِ المُزَجَّجِ
مَئِنَّةٌ منَ الْفِعَالِ الأَعْوجِ
فكأَن مَئِنّةً، عِنْدَ اللِّحْيَانِيِّ، مبدلٌ الهمزةُ فِيهَا مِنَ الظَّاءِ فِي المَظِنَّة، لأَنه ذَكَرَ حُرُوفًا تُعاقِب فِيهَا الظاءُ الهمزةَ، مِنْهَا قولُهم: بيتٌ حسَنُ الأَهَرَةِ والظَّهَرةِ. وَقَدْ أَفَرَ وظَفَر أَي وثَب. وأَنَّ الماءَ يؤُنُّه أَنًّا إِذَا صبَّه. وَفِي كَلَامِ الأَوائل: أُنَّ مَاءً ثُمَّ أَغْلِه أَي صُبَّه وأَغْلِه؛ حَكَاهُ ابْنُ دُرَيْدٍ، قَالَ: وَكَانَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ يَرْوِيهِ أُزّ مَاءً ويزعُمُ أَنَّ أُنَّ تصحيفٌ. قَالَ الْخَلِيلُ فِيمَا رَوَى عَنْهُ اللَّيْثُ: إنَّ الثقيلةُ تَكُونُ منصوبةَ الأَلفِ، وتكونُ مكسورةَ الأَلف، وَهِيَ الَّتِي تَنْصِبُ الأَسماء، قَالَ: وَإِذَا كَانَتْ مُبتَدأَةً لَيْسَ قَبْلَهَا شيءٌ يُعْتمد عَلَيْهِ، أَو كَانَتْ مستأْنَفَةً بَعْدَ كَلَامٍ قَدِيمٍ ومَضَى، أَو جَاءَتْ بَعْدَهَا لامٌ مؤكِّدَةٌ يُعْتمد عَلَيْهَا كُسِرَتْ الأَلفُ، وَفِيمَا سِوَى ذَلِكَ تُنْصَب الأَلف. وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي إنَّ: إِذَا جَاءَتْ بَعْدَ الْقَوْلِ وَمَا تَصَرَّفَ مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَتْ حِكَايَةً لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا القولُ وَمَا تصرَّف مِنْهُ فَهِيَ مَكْسُورَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ تَفْسِيرًا لِلْقَوْلِ نَصَبَتْها وَذَلِكَ مِثْلَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً
؛ وَكَذَلِكَ الْمَعْنَى استئنافٌ كأَنه قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ العزَّة لله جَمِيعًا، وَكَذَلِكَ: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ
، كسَرْتَها لأَنها بَعْدَ الْقَوْلِ عَلَى الْحِكَايَةِ، قَالَ: وأَما قَوْلُهُ تَعَالَى: مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِنَّكَ فتحْتَ الأَلفَ لأَنها مفسِّرة لِمَا وَمَا قَدْ وَقَعَ عَلَيْهَا القولُ فنصبَها وموضعُها نصبٌ، وَمِثْلُهُ فِي الْكَلَامِ: قَدْ قُلْتُ لَكَ كَلَامًا حسَناً أَنَّ أَباكَ شريفٌ وأَنك عاقلٌ، فتحتَ أَنَّ لأَنها فسَّرت الْكَلَامَ والكلامُ منصوبٌ، وَلَوْ أَردْتَ تكريرَ الْقَوْلِ عَلَيْهَا كسَرْتَها، قَالَ: وَقَدْ تَكُونُ إنَّ بَعْدَ الْقَوْلِ مَفْتُوحَةً إِذَا كَانَ الْقَوْلُ يُرافِعُها، منْ ذَلِكَ أَن تَقُولَ: قولُ عَبْدِ اللَّهِ مُذُ اليومِ أَن النَّاسَ خَارِجُونَ، كَمَا تَقُولُ: قولُكَ مُذ اليومِ كلامٌ لَا يُفْهم. وَقَالَ اللَّيْثُ: إِذَا وَقَعَتْ إنَّ عَلَى الأَسماء وَالصِّفَاتِ فَهِيَ مُشَدِّدَةٌ، وَإِذَا(13/29)
وَقَعَتْ عَلَى فعلٍ أَو حرفٍ لَا يَتَمَكَّنُ فِي صِفةٍ أَو تصريفٍ فخفِّفْها، تَقُولُ: بَلَغَنِي أَن قَدْ كَانَ كَذَا وَكَذَا، تخفِّف مِنْ أَجل كَانَ لأَنها فِعْلٌ، وَلَوْلَا قَدْ لَمْ تَحْسُنْ عَلَى حَالٍ مِنَ الْفِعْلِ حَتَّى تَعْتَمِدَ عَلَى مَا أَو عَلَى الْهَاءِ كَقَوْلِكَ إِنَّمَا كَانَ زَيْدٌ غَائِبًا، وبلَغني أَنه كَانَ أَخو بَكْرٍ غَنِيّاً، قَالَ: وَكَذَلِكَ بَلَغَنِي أَنه كَانَ كَذَا وَكَذَا، تُشَدِّدُها إِذَا اعتمدَتْ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُكَ: إنْ رُبَّ رَجُلٍ، فَتُخَفِّفُ، فَإِذَا اعتمدَتْ قُلْتَ: إِنَّهُ رُبَّ رَجُلٍ، شدَّدْت وَهِيَ مَعَ الصِّفَاتِ مُشَدَّدَةٌ إنَّ لَكَ وإنَّ فِيهَا وإنَّ بِكَ وأَشباهها، قَالَ: وَلِلْعَرَبِ لُغَتَانِ فِي إنَّ المشدَّدة: إِحْدَاهُمَا التَّثْقِيلُ، والأُخرى التَّخْفِيفُ، فأَما مَن خفَّف فَإِنَّهُ يَرْفَعُ بِهَا إِلَّا أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهل الْحِجَازِ يخفِّفون وَيَنْصِبُونَ عَلَى توهُّم الثَّقِيلَةِ، وقرئَ:
وأنْ كُلًّا لَمَّا ليُوفّينّهم
؛ خَفَّفُوا وَنَصَبُوا؛ وأَنشد الْفَرَّاءُ فِي تَخْفِيفِهَا مَعَ الْمُضْمَرِ:
فلوْ أَنْكِ فِي يَوْمِ الرَّخاءِ سأَلْتِني ... فِراقَك، لَمْ أَبْخَلْ، وأَنتِ صديقُ
وأَنشد الْقَوْلَ الْآخَرَ:
لقد عَلِمَ الضَّيفُ والمُرْمِلون، ... إِذَا اغْبَرَّ أُفْقٌ وهَبَّتْ شَمَالًا،
بأَنَّكَ ربيعٌ وغَيْثٌ مَرِيعٌ، ... وقِدْماً هناكَ تكونُ الثِّمالا
قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: قَالَ الْكِسَائِيُّ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ
؛ كُسِرَتْ إِنَّ لِمكان اللَّامِ الَّتِي اسْتَقْبَلَتْهَا فِي قَوْلِهِ لَفي، وَكَذَلِكَ كلُّ مَا جاءَك مِنْ أَنَّ فَكَانَ قَبْلَهُ شيءٌ يَقَعُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَنْصُوبٌ، إِلَّا مَا استقبَله لامٌ فَإِنَّ اللَّامَ تُكْسِره، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ انَّ إِلَّا فَهِيَ مَكْسُورَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، اسْتَقبَلَتْها اللَّامُ أَو لَمْ تَسْتَقْبِلْهَا كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ
؛ فَهَذِهِ تُكْسر وَإِنْ لَمْ تَسْتَقْبِلْهَا لامٌ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَتْ جَوَابًا ليَمين كَقَوْلِكَ: وَاللَّهِ إِنَّهُ لقائمٌ، فَإِذَا لَمْ تأْتِ بِاللَّامِ فَهِيَ نصبٌ: واللهِ أَنَّكَ قَائِمٌ، قَالَ: هَكَذَا سَمِعْتُهُ مِنَ الْعَرَبِ، قَالَ: وَالنَّحْوِيُّونَ يَكْسِرُونَ وَإِنْ لَمْ تَسْتَقْبِلْهَا اللامُ. وَقَالَ أَبو طَالِبٍ النَّحْوِيُّ فِيمَا رَوَى عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ: أَهل الْبَصْرَةِ غَيْرَ سِيبَوَيْهِ وذَوِيه يَقُولُونَ الْعَرَبُ تُخَفِّف أَنَّ الشَّدِيدَةَ وتُعْمِلها؛ وأَنشدوا:
ووَجْهٍ مُشْرِقِ النَّحْر، ... كأَنْ ثَدْيَيْه حُقَّانِ
أَراد كأَنَّ فخفَّف وأَعْمَلَ، قَالَ: وَقَالَ الْفَرَّاءُ لَمْ نَسْمَعِ العربَ تخفِّف أَنَّ وتُعْمِلها إِلَّا مَعَ المَكْنيّ لأَنه لَا يتبيَّن فِيهِ إِعْرَابٌ، فأَما فِي الظَّاهِرِ فَلَا، وَلَكِنْ إِذَا خَفَّفوها رفَعُوا، وأَما مَنْ خفَّف
وإنْ كُلًّا لمَا ليُوَفِّيَنَّهم
، فإنهم نصبوا كُلًّا بِلَيُوَفِّيَنَّهم كأَنه قَالَ: وإنْ ليُوفِّينَّهم كُلًّا، قَالَ: وَلَوْ رُفِعت كلٌّ لصلَح ذَلِكَ، تَقُولُ: إنْ زيدٌ لقائمٌ. ابْنُ سِيدَهْ: إنَّ حَرْفُ تأْكيد. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ
، أَخبر أَبو عَلِيٍّ أَن أَبا إسحق ذَهَبَ فِيهِ إِلَى أَنَّ إنَّ هُنَا بِمَعْنَى نَعَمْ، وَهَذَانِ مرفوعٌ بِالِابْتِدَاءِ، وأَنَّ اللامَ فِي لَساحران داخلةٌ عَلَى غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وأَن تَقْدِيرَهُ نَعَمْ هَذَانِ هُمَا ساحِران، وَحُكِيَ عَنْ أَبي إسحق أَنه قَالَ: هَذَا هُوَ الَّذِي عِنْدِي فِيهِ، وَاللَّهُ أَعلم. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ بيَّن أَبو عليٍّ فسادَ ذَلِكَ فغَنِينا نَحْنُ عَنْ إِيضَاحِهِ هُنَا. وَفِي التَّهْذِيبِ: وأَما قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ
، فإنَّ أبا إسحق النَّحْوِيَّ اسْتَقْصى مَا قَالَ فِيهِ النَّحْوِيُّونَ فحَكَيْت كَلَامَهُ. قَالَ: قرأَ المدنيُّون وَالْكُوفِيُّونَ إِلَّا عَاصِمًا: إنَّ هَذَانِ لَساحِران، وَرُوِيَ
عَنْ عَاصِمٍ أَنه قرأَ: إنْ هَذَانِ
، بِتَخْفِيفِ إنْ، وَرُوِيَ
عَنِ الْخَلِيلِ: إنْ هَذَانِ(13/30)
لساحِران
، قَالَ: وقرأَ
أَبو عَمْرٍو إِنَّ هَذَيْنِ لَسَاحِرَانِ
، بِتَشْدِيدِ إِنَّ ونصْبِ هَذَيْنِ، قال أَبو إسحق: والحجةُ فِي إِنَّ هَذَانِ لساحِران، بِالتَّشْدِيدِ وَالرَّفْعِ، أَن أَبا عُبَيْدَةَ رَوَى عَنْ أَبي الْخَطَّابِ أَنه لغةٌ لكنانةَ، يَجْعَلُونَ أَلفَ الِاثْنَيْنِ فِي الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْخَفْضِ عَلَى لَفْظٍ وَاحِدٍ، يَقُولُونَ: رأَيت الزَّيْدَانَ، وَرَوَى أَهلُ الْكُوفَةِ وَالْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ: أَنها لغة لبني الحرث بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: وَقَالَ النَّحْوِيُّونَ القُدَماء: هَاهُنَا هاءٌ مُضْمَرَةٌ، الْمَعْنَى: إِنَّهُ هذانِ لساحِران، قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ فِي مَعْنَى نعَمْ كَمَا تَقَدَّمَ؛ وأَنشدوا لِابْنِ قَيْسِ الرُّقَيَّات:
بَكَرَتْ عليَّ عواذِلي ... يَلْحَيْنَنِي وأَلومُهُنَّهْ
ويَقُلْنَ: شَيْبٌ قدْ علّاكَ، ... وَقَدْ كَبِرْتَ، فقلتُ: إنَّهْ
. أَي إِنَّهُ قَدْ كَانَ كَمَا تَقُلْن؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَهَذَا اختصارٌ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ يُكتفى مِنْهُ بِالضَّمِيرِ لأَنه قَدْ عُلِم مَعْنَاهُ؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي هَذَا: إِنَّهُمْ زَادُوا فِيهَا النونَ فِي التَّثْنِيَةِ وَتَرَكُوهَا عَلَى حَالِهَا فِي الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْجَرِّ، كَمَا فعَلوا فِي الَّذِينَ فَقَالُوا الَّذِي، فِي الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْجَرِّ، قَالَ: فَهَذَا جَمِيعُ مَا قَالَ النَّحْوِيُّونَ فِي الْآيَةِ؛ قال أَبو إسحق: وأَجودُها عِنْدِي أَن إِنَّ وَقَعَتْ مَوْقِعَ نَعَمْ، وأَن اللَّامَ وَقَعتْ موقِعَها، وأَنّ الْمَعْنَى نعَمْ هَذَانِ لَهُمَا سَاحِرَانِ، قَالَ: وَالَّذِي يَلِي هَذَا فِي الجَوْدَة مذهبُ بني كنانة وبَلْحَرِث بن كَعْبٍ، فأَما قراءةُ أَبي عَمْرٍو فَلَا أُجيزُها لأَنها خلافُ الْمُصْحَفِ، قَالَ: وأَستحسن قراءةَ عَاصِمٍ وَالْخَلِيلِ إنْ هَذَانِ لَساحِران. وَقَالَ غيرُه: الْعَرَبُ تَجْعَلُ الْكَلَامَ مُخْتَصَرًا مَا بعْدَه عَلَى إنَّه، وَالْمُرَادُ إِنَّهُ لَكَذَلِكَ، وَإِنَّهُ عَلَى مَا تَقُولُ، قَالَ: وأَما قَوْلُ الأَخفش إنَّه بِمَعْنَى نَعَمْ فَإِنَّمَا يُراد تأْويله لَيْسَ أَنه مَوْضُوعٌ فِي اللُّغَةِ لِذَلِكَ، قَالَ: وَهَذِهِ الْهَاءُ أُدْخِلت لِلسُّكُوتِ. وَفِي حَدِيثِ
فَضالة بْنِ شَريك: أَنه لقِيَ ابنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ: إِنَّ نَاقَتِي قَدْ نَقِبَ خفُّها فاحْمِلْني، فَقَالَ: ارْقَعْها بجِلدٍ واخْصِفْها بهُلْبٍ وسِرْ بِهَا البَرْدَين، فَقَالَ فَضالةُ: إِنَّمَا أَتَيْتُك مُسْتَحْمِلًا لَا مُسْتَوْصِفاً، لَا حَمَلَ اللَّهُ نَاقَةً حمَلتْني إِليك فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: إِنَّ وراكِبَها
أَي نعَمْ مَعَ رَاكِبِهَا. وَفِي حَدِيثِ
لَقيط بْنِ عَامِرٍ: وَيَقُولُ رَبُّكَ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنَّهُ
أَي وَإِنَّهُ كَذَلِكَ، أَو إِنَّهُ عَلَى مَا تَقُولُ، وَقِيلَ: إنَّ بِمَعْنَى نَعَمْ وَالْهَاءُ لِلْوَقْفِ، فأَما قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ
، وإِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ
، وَنَحْوُ ذَلِكَ فأَصله إنَّنا وَلَكِنْ حُذِفَت إِحْدَى النُّونَين مِنْ إنَّ تَخْفِيفًا، وَيَنْبَغِي أَن تكونَ الثانيةَ مِنْهُمَا لأَنها طرَفٌ، وَهِيَ أَضعف، وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُبْدِلُ هَمْزَتَها هَاءً مَعَ اللَّامِ كَمَا أَبدلوها فِي هَرَقْت، فَتَقُولُ: لَهِنَّك لَرَجُلُ صِدْقٍ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَلَيْسَ كلُّ الْعَرَبِ تَتَكَلَّمُ بِهَا؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
أَلا يَا سَنا بَرْقٍ عَلَى قُنَنِ الحِمَى، ... لَهِنّكَ مِنْ بَرْقٍ عليَّ كَرِيمُ
وحِكى ابْنُ الأَعرابي: هِنّك وواهِنّك، وَذَلِكَ عَلَى الْبَدَلِ أَيضاً. التَّهْذِيبُ فِي إِنَّمَا: قَالَ النَّحْوِيُّونَ أَصلها مَا مَنَعت إنَّ مِنَ الْعَمَلِ، وَمَعْنَى إِنَّمَا إثباتٌ لِمَا يُذْكَرُ بَعْدَهَا ونفيٌ لِمَا سِوَاهُ كَقَوْلِهِ:
وَإِنَّمَا يُدافعُ عَنْ أَحسابهم أَنا ومِثْلي
الْمَعْنَى: مَا يُدافع عَنْ أَحسابِهم إِلَّا أَنا أَو مَنْ هُوَ مِثْلي، وأَنَّ: كَإِنَّ فِي التأْكيد، إِلَّا أَنها تَقَعُ مَوْقِعَ الأَسماء وَلَا تُبْدَل همزتُها هَاءً، وَلِذَلِكَ قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَلَيْسَ أَنَّ كإنَّ، إنَّ كالفِعْلِ، وأَنَ(13/31)
كالاسْمِ، وَلَا تَدْخُلُ اللامُ مَعَ الْمَفْتُوحَةِ؛ فأَما قِرَاءَةُ
سَعِيدِ بْنِ جُبيَر: إلَّا أَنهم ليأْكلون الطَّعَامَ
، بِالْفَتْحِ، فَإِنَّ اللَّامَ زَائِدَةٌ كَزِيَادَتِهَا فِي قَوْلِهِ:
لَهِنَّك فِي الدُّنْيَا لبَاقيةُ العُمْرِ
الْجَوْهَرِيُّ: إنَّ وأَنَّ حَرْفَانِ يَنْصِبَانِ الأَسماءَ وَيَرْفَعَانِ الأَخبارَ، فالمكسورةُ مِنْهُمَا يُؤكَّدُ بِهَا الخبرُ، وَالْمَفْتُوحَةُ وَمَا بَعْدَهَا فِي تأْويل الْمَصْدَرِ، وَقَدْ يُخَفَّفان، فَإِذَا خُفِّفتا فَإِنْ شئتَ أَعْمَلْتَ وَإِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْمِلْ، وَقَدْ تُزادُ عَلَى أَنَّ كافُ التَّشْبِيهِ، تَقُولُ: كأَنه شمسٌ، وَقَدْ تُخَفَّفُ أَيضاً فَلَا تعْمَل شَيْئًا؛ قَالَ:
كأَنْ ورِيداهُ رِشاءَا خُلُب
وَيُرْوَى: كأَنْ ورِيدَيْهِ؛ وَقَالَ آخَرُ:
ووَجْهٍ مُشْرِقِ النحرِ، ... كأَنْ ثَدْياه حُقَّانِ
وَيُرْوَى ثَدْيَيْه، عَلَى الإِعمال، وَكَذَلِكَ إِذَا حذفْتَها، فَإِنْ شِئْتَ نَصَبْتَ، وَإِنْ شِئْتَ رَفَعْتَ، قَالَ طَرَفَةُ:
أَلا أَيُّهَذا الزاجِرِي أَحْضُرَ الوغَى، ... وأَن أَشْهَدَ اللَّذَّاتِ، هَلْ أَنتَ مُخْلدي؟
يُرْوَى بِالنَّصْبِ عَلَى الإِعمال، والرفْعُ أَجود. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ، قَالَ النَّحْوِيُّونَ: كأَنَّ أَصلُها أَنَّ أُدخِلَ عَلَيْهَا كافُ التَّشْبِيهِ، وَهِيَ حرفُ تَشْبِيهٍ، والعربُ تَنْصِبُ بِهِ الاسمَ وَتَرْفَعُ خبرَه، وقال الْكِسَائِيُّ: قَدْ تَكُونُ كأَنَّ بِمَعْنَى الْجَحْدِ كَقَوْلِكَ كأَنك أميرُنا فتأْمُرُنا، مَعْنَاهُ لستَ أَميرَنا، قَالَ: وكأَنَّ أُخرى بِمَعْنَى التَّمَنِّي كَقَوْلِكَ كأَنك بِي قَدْ قلتُ الشِّعْرَ فأُجِيدَه، مَعْنَاهُ لَيْتَني قَدْ قلتُ الشِّعْرَ فأُجيدَه، وَلِذَلِكَ نُصِب فأُجيدَه، وَقِيلَ: تَجِيءُ كأَنَّ بِمَعْنَى الْعِلْمِ والظنِّ كَقَوْلِكَ كأَنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، وكأَنك خارجٌ؛ وَقَالَ أَبو سَعِيدٍ: سَمِعْتُ الْعَرَبَ تُنشِد هَذَا الْبَيْتَ:
ويومٍ تُوافينا بوَجْهٍ مُقَسَّمٍ، ... كأَنْ ظَبْيَةً تَعْطُو إِلَى ناضِرِ السَّلَمْ
وكأَنْ ظَبْيَةٍ وكأَنْ ظَبْيَةٌ، فَمَنْ نَصَبَ أَرادَ كأَنَّ ظَبْيَةً فَخَفَّفَ وأَعْمَل، ومَنْ خفَض أَراد كظَبْيَةٍ، ومَن رَفَعَ أَراد كأَنها ظبْيَةٌ فخفَّفَ وأَعْمَل مَعَ إضمارِ الكِناية؛ الْجَرَّارُ عَنِ ابْنِ الأَعرابي أَنه أَنشد:
كأمَّا يحْتَطِبْنَ عَلَى قَتادٍ، ... ويَسْتَضْحِكْنَ عَنْ حَبِّ الغَمامِ
. قَالَ: يُرِيدُ كأَنما فَقَالَ كأَمَّا، وَاللَّهُ أَعلم. وإنِّي وإنَّني بِمَعْنًى، وَكَذَلِكَ كأَنِّي وكأَنَّني ولكنِّي وَلَكِنَّنِي لأَنه كثُر اسْتِعْمَالُهُمْ لِهَذِهِ الْحُرُوفِ، وَهُمْ قَدْ يَسْتَثْقِلون التَّضْعِيفَ فَحَذَفُوا النُّونَ الَّتِي تَلي الْيَاءَ، وَكَذَلِكَ لَعَلِّي ولَعَلَّني لأَن اللَّامَ قَرِيبَةٌ مِنَ النُّونِ، وَإِنْ زِدْتَ عَلَى إنَّ مَا صارَ للتَّعيين كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ
، لأَنه يُوجِبُ إثْباتَ الْحُكْمِ لِلْمَذْكُورِ ونَفْيَه عَمَّا عَدَاهُ. وأَنْ قَدْ تَكُونُ مَعَ الْفِعْلِ الْمُسْتَقْبَلِ فِي مَعْنَى مصدرٍ فتَنْصِبُه، تَقُولُ: أُريد أَنْ تقومَ، وَالْمَعْنَى أُريد قيامَك، فَإِنْ دَخَلَتْ عَلَى فِعْلٍ ماضٍ كَانَتْ مَعَهُ بِمَعْنَى مصدرٍ قَدْ وقَع، إِلَّا أَنها لَا تَعْمَل، تَقُولُ: أَعْجَبَني أَن قُمْتَ وَالْمَعْنَى أَعجبني قيامُك الَّذِي مَضَى، وأَن قَدْ تَكُونُ مخفَّفة عَنِ المشدَّدة فَلَا تَعْمَلُ، تَقُولُ: بَلَغَني أَنْ زيدٌ خارجٌ؛ وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها
؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَوْلُهُ فَلَا(13/32)
تَعْمَلُ يريدُ فِي اللَّفْظِ، وأَما فِي التَّقْدِيرِ فَهِيَ عاملةٌ، وَاسْمُهَا مقدَّرٌ فِي النيَّة تَقْدِيرُهُ: أَنه تِلْكُمْ الْجَنَّةُ. ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَفعل كَذَا مَا أَنَّ فِي السَّمَاءِ نجْماً؛ حَكَاهُ يَعْقُوبُ وَلَا أَعرف مَا وجهُ فتْح أَنَّ، إِلَّا أَن يَكُونَ عَلَى توهُّم الْفِعْلِ كأَنه قَالَ: مَا ثَبَتَ أَنَّ فِي السَّمَاءِ نجْماً، أَو مَا وُجد أَنَّ فِي السَّمَاءِ نجْماً. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: مَا أَنَّ ذَلِكَ الجَبَل مكانَه، وَمَا أَنَّ حِراءً مكانَه، وَلَمْ يُفَسِّرْهُ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَقَالُوا لَا أَفْعَله مَا أَنَّ فِي السَّمَاءِ نجْمٌ، وَمَا عَنَّ فِي السَّمَاءِ نجْمٌ أَي مَا عَرَضَ، وَمَا أَنَّ فِي الفُرات قَطْرةٌ أَي مَا كَانَ فِي الفُراتِ قطرةٌ، قَالَ: وَقَدْ يُنْصَب، وَلَا أَفْعَله مَا أَنَّ فِي السَّمَاءِ سَمَاءً، قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: مَا كانَ وَإِنَّمَا فَسَّرَهُ عَلَى الْمَعْنَى. وكأَنَّ: حرفُ تشْبيهٍ إِنَّمَا هُوَ أَنَّ دَخَلَتْ عَلَيْهَا الْكَافُ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: إِنْ سأَل سائلٌ فَقَالَ: مَا وَجْهُ دُخُولِ الْكَافِ هَاهُنَا وَكَيْفَ أَصلُ وضْعِها وَتَرْتِيبِهَا؟ فالجوابُ أَن أَصلَ قَوْلِنَا كأَنَّ زَيْدًا عمرٌو إِنَّمَا هُوَ إنَّ زَيْدًا كعمْرو، فَالْكَافُ هُنَا تشبيهٌ صريحٌ، وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ فكأَنك قُلْتَ: إنَّ زَيْدًا كائنٌ كعمْرو، وَإِنَّهُمْ أَرادُوا الاهتمامَ بِالتَّشْبِيهِ الَّذِي عَلَيْهِ عقَدُوا الجملةَ، فأَزالُوا الْكَافَ مِنْ وسَط الْجُمْلَةِ وَقَدَّمُوهَا إِلَى أَوَّلها لإِفراطِ عنايَتهم بِالتَّشْبِيهِ، فَلَمَّا أَدخلوها عَلَى إنَّ مِنْ قَبْلِها وَجَبَ فتحُ إنَّ، لأَنَّ الْمَكْسُورَةَ لَا يتقدَّمُها حرفُ الْجَرِّ وَلَا تَقَعُ إلَّا أَولًا أَبداً، وبقِي مَعْنَى التَّشْبِيهِ الَّذِي كانَ فِيهَا، وَهِيَ مُتوسِّطة بحالِه فِيهَا، وَهِيَ مُتَقَدِّمَةٌ، وَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: كأَنَّ زَيْدًا عمرٌو، إِلَّا أَنَّ الكافَ الآنَ لمَّا تقدَّمت بطَل أَن تَكُونَ معلَّقةً بفعلٍ وَلَا بشيءٍ فِي مَعْنَى الْفِعْلِ، لأَنها فارَقَت الموضعَ الَّذِي يُمْكِنُ أَن تتعلَّق فِيهِ بِمَحْذُوفٍ، وَتَقَدَّمَتْ إِلَى أَوَّل الْجُمْلَةِ، وَزَالَتْ عَنِ الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ مُتَعَلِّقَةً بخبرِ إنَّ الْمَحْذُوفِ، فَزَالَ مَا كَانَ لَهَا مِنَ التعلُّق بِمَعَانِي الأَفعال، وَلَيْسَتْ هُنَا زَائِدَةٌ لأَن مَعْنَى التَّشْبِيهِ موجودٌ فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ تقدَّمت وأُزِيلت عَنْ مَكَانِهَا، وَإِذَا كَانَتْ غَيْرَ زَائِدَةٍ فَقَدْ بَقي النظرُ فِي أنَّ الَّتِي دَخَلَتْ عَلَيْهَا هَلْ هِيَ مَجْرُورَةٌ بِهَا أَو غَيْرُ مَجْرُورَةٍ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: فأَقوى الأَمرين عَلَيْهَا عِنْدِي أَن تَكُونَ أنَّ فِي قَوْلِكَ كأَنك زيدٌ مَجْرُورَةً بِالْكَافِ، وَإِنْ قُلْتَ إنَّ الكافَ فِي كأَنَّ الْآنَ لَيْسَتْ مُتَعَلِّقَةً بِفِعْلٍ فَلَيْسَ ذَلِكَ بمانعٍ مِنَ الجرِّ فِيهَا، أَلا تَرَى أَن الْكَافَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، لَيْسَتْ مُتَعَلِّقَةً بِفِعْلٍ وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ جَارَّةٌ؟ ويُؤَكِّد عِنْدَكَ أَيضاً هُنَا أَنها جَارَّةٌ فتْحُهم الْهَمْزَةَ بَعْدَهَا كَمَا يفْتحونها بَعْدَ العَوامِل الْجَارَّةِ وَغَيْرِهَا، وَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: عجِبتُ مِن أَنك قَائِمٌ، وأَظنُّ أَنك مُنْطَلِقٌ، وبلغَني أَنك كريمٌ، فَكَمَا فُتِحَتْ أَنَّ لوقوعِها بَعْدَ الْعَوَامِلِ قَبْلَهَا موقعَ الأَسماء كَذَلِكَ فُتِحَتْ أَيضاً فِي كأَنك قَائِمٌ، لأَن قَبْلَهَا عَامِلًا قَدْ جرَّها؛ وأَما قَوْلُ الرَّاجِزِ:
فبادَ حَتَّى لَكأَنْ لمْ يَسْكُنِ، ... فاليومَ أَبْكي ومَتى لمْ يُبْكنِي «3»
. فَإِنَّهُ أَكَّد الْحَرْفَ بِاللَّامِ؛ وَقَوْلُهُ:
كأَنَّ دَريئةً، لَمَّا التَقَيْنا ... لنَصْل السيفِ، مُجْتَمَعُ الصُّداعِ
أَعْمَلَ مَعْنَى التَّشْبِيهِ فِي كأَنَّ فِي الظَّرْفِ الزَّمانيّ الَّذِي هُوَ لَمَّا التَقَيْنا، وَجَازَ ذَلِكَ فِي كأَنَّ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى التَّشْبِيهِ، وَقَدْ تُخَفَّف أَنْ ويُرْفع مَا بَعْدَهَا؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
أَنْ تقْرآنِ عَلَى أَسْماءَ، وَيحَكُما ... منِّي السلامَ، وأَنْ لا تُعْلِما أَحَدا
__________
(3) . قوله [لكأن لم يسكن] هكذا في الأَصل بسين قبل الْكَافُ(13/33)
قَالَ ابْنُ جِنِّي: سأَلت أَبا عَلِيٍّ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، لِمَ رَفَع تَقْرآنِ؟ فَقَالَ: أَراد النُّونَ الثَّقِيلَةَ أَي أَنكما تقْرآن؛ قَالَ أَبو عَلِيٍّ: وأَوْلى أَنْ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ الْفِعْلَ بِلَا عِوَض ضَرُورَةً، قَالَ: وَهَذَا عَلَى كُلِّ حَالٍ وَإِنْ كَانَ فِيهِ بعضُ الصَّنعة فَهُوَ أَسهلُ مِمَّا ارْتَكَبَهُ الْكُوفِيُّونَ، قَالَ: وقرأْت عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَحمد بْنِ يَحْيَى فِي تَفْسِيرِ أَنْ تقْرآنِ، قَالَ: شبَّه أَنْ بِمَا فَلَمْ يُعْمِلها فِي صِلَتها، وَهَذَا مَذْهَبُ البَغْداديّين، قَالَ: وَفِي هَذَا بُعْدٌ، وَذَلِكَ أَنَّ أَنْ لَا تَقَعَ إِذَا وُصلت حَالًا أَبداً، إِنَّمَا هِيَ للمُضيّ أَو الِاسْتِقْبَالِ نَحْوَ سَرَّني أَن قَامَ، ويُسرُّني أَن تَقُومَ، وَلَا تَقُولُ سَرَّني أَن يَقُومَ، وَهُوَ فِي حَالِ قِيَامٍ، وَمَا إِذَا وُصِلت بِالْفِعْلِ وَكَانَتْ مَصْدَرًا فَهِيَ لِلْحَالِ أَبداً نَحْوَ قَوْلِكَ: مَا تقومُ حسَنٌ أَي قيامُك الَّذِي أَنت عَلَيْهِ حَسَنٌ، فيَبْعُد تشبيهُ واحدةٍ مِنْهُمَا بالأُخرى، ووُقوعُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَوْقِعَ صَاحِبَتِهَا، وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَنصب بِهَا مُخَفَّفَةً، وَتَكُونُ أَنْ فِي مَوْضِعِ أَجْل. غَيْرُهُ: وأَنَّ المفتوحةُ قَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى لَعَلَّ، وَحَكَى سِيبَوَيْهِ: إئتِ السوقَ أَنك تَشْتَرِي لَنَا سَويقاً أَي لَعَلَّكَ، وَعَلَيْهِ وُجِّه قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ
؛ إِذْ لَوْ كَانَتْ مَفْتُوحَةً عَنْهَا لَكَانَ ذَلِكَ عُذْرًا لَهُمْ، قَالَ الْفَارِسِيُّ: فسأَلتُ عَنْهَا أَبا بَكْرٍ أَوانَ الْقِرَاءَةِ فَقَالَ: هُوَ كَقَوْلِ الإِنسان إنَّ فُلَانًا يَقْرأُ فَلَا يَفْهم، فَتَقُولُ أَنتَ: وَمَا يُدْريك أَنه لَا يَفْهَمُ «1» . وَفِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ:
لَعَلَّهَا إِذَا جاءَت لَا يؤْمنون
؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَالَ حُطائِط بْنُ يعْفُر، وَيُقَالُ هُوَ لدُريد:
أَريني جَواداً مَاتَ هَزْلًا، لأَنَّني ... أَرى مَا تَرَيْنَ، أَو بَخيلًا مُخَلَّدا
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: أَنشده أَبو زَيْدٍ لِحَاتِمٍ قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ: وَقَدْ وَجَدْتُهُ فِي شِعْرِ مَعْن بْنِ أَوس المُزَني؛ وَقَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ:
أَعاذِلَ، مَا يُدريكِ أَنَّ مَنِيَّتي ... إِلَى ساعةٍ فِي الْيَوْمِ، أَو فِي ضُحى الغَدِ؟
أَي لَعَلَّ مَنِيَّتِي؛ وَيُرْوَى بَيْتُ جَرِيرٍ:
هَلَ انْتُمْ عَائِجُونَ بِنا لأَنَّا ... نَرَى العَرَصاتِ، أَو أَثَرَ الخِيامِ
قَالَ: ويدُلك عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرْتُ فِي أَنَّ فِي بَيْتِ عَدِيٍّ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ: وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى، وَمَا يُدْريك لَعَلَّ الساعةَ تَكُونُ قَرِيبًا. وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وتُبْدِل مِنْ هَمْزَةِ أَنَّ مَفْتُوحَةً عَيْنًا فَتَقُولُ: علمتُ عَنَّكَ مُنْطَلِقٌ. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ:
قَالَ الْمُهَاجِرُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ الأَنصارَ قَدْ فَضَلونا، إِنَّهُمْ آوَوْنا وفَعَلوا بِنَا وفَعَلوا، فَقَالَ: تَعْرفون ذَلِكَ لَهُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فإنَّ ذَلِكَ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا جَاءَ مَقْطُوعَ الْخَبَرِ وَمَعْنَاهُ إنَّ اعْتِرَافَكُمْ بِصَنِيعِهِمْ مُكافأَةٌ مِنْكُمْ لَهُمْ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُهُ الْآخَرُ:
مَنْ أُزِلَّتْ إِلَيْهِ نِعمةٌ فليُكافِئْ بِهَا، فَإِنْ لَمْ يجِدْ فَليُظهِر ثَنَاءً حسَناً، فإنَّ ذَلِكَ
؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
أَنه قَالَ لِابْنِ عُمَرَ فِي سِيَاقِ كلامٍ وَصَفه بِهِ: إنَّ عبدَ اللَّهِ، إنَّ عَبْدَ اللَّهِ
، قَالَ: وَهَذَا وأَمثاله مِنِ اخْتِصَارَاتِهِمُ الْبَلِيغَةِ وَكَلَامِهِمُ الْفَصِيحِ. وَأَنَّى
__________
أَنَّى: كَلِمَةٌ مَعْنَاهَا كَيْفَ وأَين. التَّهْذِيبُ: وأَما إنْ الخفيفةُ فَإِنَّ
الْمُنْذِرِيَّ رَوَى عَنِ ابْنِ الزَّيْدي عَنْ أَبي زَيْدٍ أَنه قَالَ: إنْ تَقَعُ فِي مَوْضِعٍ مِنَ الْقُرْآنِ مَوْضعَ مَا، ضَرْبُ قَوْلِهِ: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ
؛ مَعْنَاهُ: مَا مِن أَهل الْكِتَابِ، وَمِثْلُهُ: لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ
؛
__________
(1) . قوله [إِنَّ فُلَانًا يَقْرَأُ فَلَا يَفْهَمُ فَتَقُولُ أَنْتَ وَمَا يُدْرِيكَ أَنه لَا يَفْهَمُ] هكذا في الأَصل المعوَّل عليه بيدنا بثبوت لا في الكلمتين(13/34)
أَي مَا كُنَّا فَاعِلِينَ، قَالَ: وَتَجِيءُ إنْ فِي مَوْضِعِ لَقَدْ، ضَرْبُ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا
؛ الْمَعْنَى: لقَدْ كَانَ مِنْ غَيْرِ شكٍّ مِنَ الْقَوْمِ، وَمِثْلُهُ: وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ
، وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ
؛ وَتَجِيءُ إنْ بِمَعْنَى إذْ، ضَرْبُ قَوْلِهِ: اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ
؛ الْمَعْنَى إذْ كُنْتُمْ مُؤْمنين، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
؛ مَعْنَاهُ إذْ كُنْتُمْ، قَالَ: وأَنْ بِفَتْحِ الأَلف وَتَخْفِيفِ النُّونِ قَدْ تَكُونُ فِي مَوْضِعِ إذْ أَيضاً، وإنْ بخَفْض الأَلف تَكُونُ موضعَ إِذَا، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا
؛ مَنْ خَفضَها جعلَها فِي مَوْضِعِ إِذَا، ومَنْ فَتَحَهَا جَعَلَهَا فِي مَوْضِعِ إذْ عَلَى الْوَاجِبِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِ
؛ مَنْ خَفَضَهَا جَعَلَهَا فِي مَوْضِعِ إِذَا، وَمَنْ نَصَبَهَا فَفِي إِذْ. ابْنُ الأَعرابي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى
؛ قَالَ: إنْ فِي مَعْنَى قَدْ، وقال أَبو الْعَبَّاسِ: الْعَرَبُ تَقُولُ إنْ قَامَ زِيدٌ بِمَعْنَى قَدْ قَامَ زَيْدٌ، قَالَ: وَقَالَ الْكِسَائِيُّ سَمِعْتُهُمْ يَقُولُونَهُ فظَنَنْتُه شَرْطاً، فسأَلتهم فَقَالُوا: نُرِيدُ قَدْ قَامَ زَيْدٌ وَلَا نُرِيدُ مَا قَامَ زيد. وقال الْفَرَّاءُ: إِنِ الخفيفةُ أُمُّ الْجَزَاءِ، وَالْعَرَبُ تُجازِي بِحُرُوفِ الِاسْتِفْهَامِ كُلِّهَا وتَجْزمُ بِهَا الْفِعْلَيْنِ الشرطَ والجزاءَ إلَّا الأَلِفَ وهَلْ فَإِنَّهُمَا يَرْفعَانِ مَا يَلِيهِمَا. وَسُئِلَ ثعلبٌ: إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لامرأَته إِنْ دَخلتِ الدارَ إِنْ كَلَّمْتِ أَخاكِ فأَنتِ طالقٌ، مَتَى تَطْلُق؟ فَقَالَ: إِذَا فَعَلَتْهما جَمِيعًا، قِيلَ لَهُ: لِمَ؟ قَالَ: لأَنه قَدْ جَاءَ بِشَرْطَيْنِ، قِيلَ لَهُ: فَإِنْ قَالَ لَهَا أَنتِ طالقٌ إِنِ احْمَرّ البُسْرُ؟ فَقَالَ: هَذِهِ مسأَلةُ مُحَالٍ لأَن البُسْرَ لَا بُدّ مِنْ أَن يَحْمَرّ، قِيلَ لَهُ: فَإِنْ قَالَ أَنت طالِقٌ إِذَا احْمَرَّ البُسْرُ؟ قَالَ: هَذَا شَرْطٌ صَحِيحٌ تطلُقُ إِذَا احْمرَّ البُسْرُ، قَالَ الأَزهري: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِيمَا أُثْبِت لَنَا عَنْهُ: إِنْ قَالَ الرَّجُلُ لامرأَته أَنتِ طالقٌ إِنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يُعْلَم أَنه لَا يُطَلِّقُها بِمَوْتِهِ أَو بموتِها، قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ، وَلَوْ قَالَ إِذَا لَمْ أُطَلِّقْك وَمَتَى مَا لَمْ أُطَلِّقْك فأَنت طَالِقٌ، فسكتَ مدَّةً يُمْكِنُهُ فِيهَا الطَّلَاقُ، طَلُقَت؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: إنْ بِمَعْنَى مَا فِي النَّفْيِ ويُوصل بِهَا مَا زَائِدَةٌ؛ قَالَ زُهَيْرٌ:
مَا إنْ يَكادُ يُخلِّيهمْ لِوِجْهَتِهمْ ... تَخالُجُ الأَمْرِ، إنَّ الأَمْرَ مُشْتَرَكُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَدْ تُزَادُ إنْ بَعْدَ مَا الظَّرْفِيَّةِ كَقَوْلِ المَعْلوط بْنِ بَذْلٍ القُرَيْعيّ أَنشده سِيبَوَيْهِ:
ورجِّ الْفَتَى للْخَيْر، مَا إنْ رأَيْتَه ... عَلَى السِّنِّ خَيْرًا لَا يَزالُ يَزِيدُ
وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: إِنَّمَا دخَلت إنْ عَلَى مَا، وَإِنْ كَانَتْ مَا هَاهُنَا مَصْدَرِيَّةً، لِشَبَهَها لَفْظًا بِمَا النَّافِيَةِ الَّتِي تُؤكَّد بأَنْ، وشَبَهُ اللَّفْظِ بَيْنَهُمَا يُصَيِّر مَا المصدريةَ إِلَى أَنها كأَنها مَا الَّتِي مَعْنَاهَا النفيُ، أَلا تَرَى أَنك لَوْ لَمْ تَجْذِب إِحْدَاهُمَا إِلَى أَنها كأَنها بِمَعْنَى الأُخرى لَمْ يَجُزْ لَكَ إلحاقُ إنْ بِهَا؟ قَالَ سِيبَوَيْهِ: وقولُهم افْعَل كَذَا وَكَذَا إِمَّا لَا، أَلْزَموها مَا عِوَضًا، وَهَذَا أَحْرى إِذْ كَانُوا يَقُولُونَ آثِراً مَا، فيُلْزمون مَا، شبَّهوها بِمَا يَلْزَم مِنَ النُّونَاتِ فِي لأَفعلنّ، واللامِ فِي إِنْ كَانَ لَيَفْعل، وَإِنْ كَانَ ليْس مِثْلَه، وإنَّما هُوَ شَاذٌّ، ويكونُ الشرطَ نَحْوَ إنْ فعلتَ فعلتُ. وَفِي حَدِيثِ بَيْعِ الثَّمَرِ:
إِمَّا لَا فَلَا تبَايَعُوا حَتَّى يَبْدُوَ صلَاحُه
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَذِهِ كَلِمَةٌ تَرِدُ فِي(13/35)
المُحاورَات كَثِيرًا، وَقَدْ جاءَت فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الْحَدِيثِ، وأَصلها إنْ وَمَا وَلَا، فأُدْغِمت النونُ فِي الْمِيمِ، وَمَا زائدةٌ فِي اللَّفْظِ لَا حُكمَ لَهَا، وَقَدْ أَمالت العربُ لَا إِمَالَةً خَفِيفَةً، والعوامُّ يُشْبِعون إمالَتها فتَصيرُ أَلفُها يَاءً، وَهِيَ خطأٌ، وَمَعْنَاهَا إنْ لَمْ تَفعلْ هَذَا فلْيَكن هَذَا، وأَما إنْ الْمَكْسُورَةُ فَهُوَ حرفُ الْجَزَاءِ، يُوقِع الثانيَ مِنْ أَجْل وُقوع الأَوَّل كَقَوْلِكَ: إنْ تأْتني آتِك، وَإِنْ جِئْتني أَكْرَمْتُك، وَتَكُونُ بِمَعْنَى مَا فِي النَّفْيِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ
؛ ورُبَّما جُمِع بَيْنَهُمَا للتأْكيد كَمَا قَالَ الأَغْلَبُ العِجْليُّ:
مَا إنْ رَأَينا مَلِكاً أَغارا ... أَكْثَرَ مِنْهُ قِرَةً وقَارا
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: إنْ هنا زائدةٌ وليست نَفْيًا كَمَا ذَكَرَ، قَالَ: وَقَدْ تَكُونُ فِي جَوَابِ الْقَسَمِ، تَقُولُ: وَاللَّهِ إنْ فعلتُ أَي مَا فَعَلْتُ، قَالَ: وأَنْ قَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى أَي كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا
؛ قَالَ: وأَن قَدْ تَكُونُ صِلةً لِلَمَّا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ
؛ وَقَدْ تَكُونُ زَائِدَةً كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ
؛ يُرِيدُ وَمَا لهُم لَا يعذِّبُهُم اللَّهُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَوْلُ الْجَوْهَرِيِّ إنَّها تكونُ صِلَةً لِلَمّا وَقَدْ تَكُونُ زَائِدَةً، قَالَ: هَذَا كلامٌ مكرَّر لأَنَّ الصلةَ هِيَ الزائدةُ، وَلَوْ كَانَتْ زَائِدَةً فِي الْآيَةِ لَمْ تَنْصِب الفعلَ، قَالَ: وَقَدْ تكونُ زَائِدَةً مَعَ مَا كَقَوْلِكَ: مَا إنْ يقُومُ زَيْدٌ، وَقَدْ تَكُونُ مُخَفَّفَةً مِنَ الْمُشَدَّدَةِ فَهَذِهِ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يدخُلَ اللامُ فِي خَبَرِهَا عِوَضًا مِمَّا حُذِفَ مِنَ التَّشْدِيدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ
؛ وإنْ زيدٌ لأَخوك، لِئَلَّا يَلْتَبِسَ بإنْ الَّتِي بِمَعْنَى مَا لِلنَّفْيِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: اللامُ هُنَا دَخَلَتْ فَرْقًا بَيْنَ النَّفْيِ والإِيجاب، وإنْ هَذِهِ لَا يَكُونُ لَهَا اسمٌ وَلَا خَبَرٌ، فقولُه دَخَلَتِ اللامُ فِي خَبَرِهَا لَا مَعْنَى لَهُ، وَقَدْ تدخُلُ هَذِهِ اللامُ مَعَ المَفعول فِي نَحْوِ إنْ ضَرَبْتُ لزَيداً، وَمَعَ الْفَاعِلِ فِي قَوْلِكَ إِنْ قَامَ لزيدٌ، وَحَكَى ابْنُ جِنِّي عَنْ قُطْرُبٍ أَن طَيِّئاً تَقُولُ: هِنْ فَعَلْتَ فعلتُ، يُرِيدُونَ إنْ، فيُبْدِلون، وَتَكُونُ زَائِدَةً مَعَ النَّافِيَةِ. وَحَكَى ثَعْلَبٌ: أَعْطِه إنْ شَاءَ أَي إِذَا شَاءَ، وَلَا تُعْطِه إنْ شاءَ، مَعْنَاهُ إِذَا شَاءَ فَلَا تُعْطِه. وأَنْ تَنْصب الأَفعال المضارِعة مَا لَمْ تَكُنْ فِي مَعْنَى أَنَّ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: وقولُهم أَمَّا أَنت مُنْطلِقاً انْطلقْتُ مَعَك إِنَّمَا هِيَ أَنْ ضُمّت إِلَيْهَا مَا، وَهِيَ مَا لِلتَّوْكِيدِ، ولَزِمَت كَرَاهِيَةَ أَن يُجْحِفوا بِهَا لِتَكُونَ عِوَضًا مِنْ ذَهاب الْفِعْلِ، كَمَا كَانَتِ الهاءُ والأَلفُ عِوَضًا فِي الزّنادقةِ واليَماني مِنَ الْيَاءِ؛ فأَما قَوْلُ الشَّاعِرِ:
تعَرَّضَتْ لِي بمكانٍ حِلِّ، ... تَعَرُّضَ المُهْرَةِ فِي الطِّوَلِّ،
تَعَرُّضاً لَمْ تأْلُ عَنْ قَتْلًا لِي
فَإِنَّهُ أَراد لَمْ تأْلُ أَن قَتْلًا أَي أَنْ قَتَلَتْني، فأَبدل العينَ مَكَانَ الْهَمْزَةِ، وَهَذِهِ عَنْعنةُ تميمٍ، وَهِيَ مَذْكُورَةٌ فِي مَوْضِعِهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَراد الْحِكَايَةَ كأَنه حَكَى النصبَ الَّذِي كَانَ مُعْتَادًا فِي قَوْلِهَا فِي بَابِهِ أَي كَانَتْ تَقُولُ قَتْلًا قَتْلًا أَي أَنا أَقْتُلُه قَتْلًا، ثُمَّ حَكَى مَا كَانَتْ تَلَفَّظُ بِهِ؛ وَقَوْلُهُ:
إِنِّي زَعيمٌ يَا نُوَيْقَةُ، ... إنْ نجَوْتِ مِنَ الرَّزاح،
أَنْ تَهْبِطينَ بلادَ قَوْمٍ ... يَرْتَعُون مِنَ الطِّلاح
. قَالَ ثَعْلَبٌ: قَالَ الْفَرَّاءُ هَذِهِ أَن الدائرةُ يَلِيهَا الْمَاضِي(13/36)
وَالدَّائِمُ فتَبْطُل عَنْهُمَا، فَلَمَّا وَلِيها الْمُسْتَقْبَلُ بَطَلَتْ عَنْهُ كَمَا بَطَلَتْ عَنِ الْمَاضِي وَالدَّائِمِ، وَتَكُونُ زَائِدَةً مَعَ لَمَّا الَّتِي بِمَعْنَى حِينَ، وَتَكُونُ بِمَعْنَى أَي نَحْوَ قَوْلِهِ: وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا
؛ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا لأَنها تأْتي ليُعبَّر بِهَا وَبِمَا بَعْدَهَا عَنْ مَعْنَى الْفِعْلِ الَّذِي قَبْلُ، فالكلامُ شديدُ الحاجةِ إِلَى مَا بَعْدَهَا ليُفَسَّر بِهِ مَا قَبْلَهَا، فَبِحَسَبِ ذَلِكَ امْتَنَعَ الوقوفُ عَلَيْهَا، ورأَيت فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُحْكَمِ وأَنْ نِصْفُ اسمٍ تمامُه تَفْعَل، وَحَكَى ثَعْلَبٌ أَيْضًا: أَعْطِه إِلَّا أَن يشاءَ أَي لَا تُعْطِه إِذَا شَاءَ، وَلَا تُعْطِه إِلَّا أَن يشاءَ، مَعْنَاهُ إِذَا شَاءَ فأَعْطِه. وَفِي حَدِيثِ رُكوبِ الهَدْيِ:
قَالَ لَهُ ارْكَبْها، قَالَ: إِنَّهَا بَدنةٌ، فَكَرَّرَ عَلَيْهِ القولَ فَقَالَ: ارْكَبْها وإنْ
أَي وَإِنْ كَانَتْ بَدنةً. التَّهْذِيبُ: لِلْعَرَبِ فِي أَنا لغاتٌ، وأَجودها أَنَّك إِذَا وقفْتَ عَلَيْهَا قُلْتَ أَنا بِوَزْنِ عَنَا، وَإِذَا مضَيْتَ عَلَيْهَا قُلْتَ أَنَ فعلتُ ذَلِكَ، بِوَزْنِ عَنَ فَعَلْتُ، تُحَرِّكُ النُّونَ فِي الْوَصْلِ، وَهِيَ سَاكِنَةٌ منْ مثلِه فِي الأَسماء غَيْرِ الْمُتَمَكِّنَةِ مِثْلِ مَنْ وكَمْ إِذَا تحرَّك مَا قَبْلَهَا، وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ أَنا فَعَلْتُ ذَلِكَ فيُثْبِتُ الأَلفَ فِي الْوَصْلِ وَلَا يُنوِّن، وَمِنْهُمْ مَن يُسَكِّنُ النونَ، وَهِيَ قَلِيلَةٌ، فَيَقُولُ: أَنْ قلتُ ذَلِكَ، وقُضاعةُ تمُدُّ الأَلفَ الأُولى آنَ قلتُه؛ قَالَ عَدِيٌّ:
يَا لَيْتَ شِعْري آنَ ذُو عَجَّةٍ، ... مَتى أَرَى شَرْباً حَوالَيْ أَصيصْ؟
وَقَالَ العُدَيْل فِيمَنْ يُثْبِت الأَلفَ:
أَنا عَدْلُ الطِّعانِ لِمَنْ بَغاني، ... أَنا العَدْلُ المُبَيّنُ، فاعْرِفوني
وأَنا لَا تَثنيةَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ إِلَّا بنَحْن، وَيَصْلُحُ نحنُ فِي التَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ، فَإِنْ قِيلَ: لِمَ ثَنَّوا أَنْت فَقَالُوا أَنْتُما وَلَمْ يُثَنُّوا أَنا؟ فَقِيلَ: لمَّا لَمْ تُجِزْ أَنا وأَنا لرجلٍ آخرَ لَمْ يُثَنُّوا، وأَما أَنْتَ فَثَنَّوْه بأَنْتُما لأَنَّك تُجِيزُ أَن تَقُولَ لِرَجُلٍ أَنتَ وأَنتَ لآخرَ مَعَهُ، فَلِذَلِكَ ثُنِّيَ، وأَما إنِّي فتَثْنيتُه إنَّا، وَكَانَ فِي الأَصل إنَّنا فكثُرت النوناتُ فحُذِفت إِحْدَاهَا، وَقِيلَ إنَّا، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ
«1» الْمَعْنَى إنَّنا أَو إنَّكم، فَعُطِفَ إِيَّاكُمْ عَلَى الِاسْمِ فِي قَوْلِهِ إنَّا عَلَى النُّونِ والأَلف كَمَا تَقُولُ إِنِّي وإيَّاك، مَعْنَاهُ إِنِّي وإنك، فافْهمه؛ وقال: إِنَّا اقْتَسَمْنا خُطَّتَيْنا بَعْدَكم، فحَمَلْت بَرَّةَ واحْتَمَلت فَجارِ إنَّا تثنيةُ إِني فِي الْبَيْتِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وأَما قَوْلُهُمْ أَنا فَهُوَ اسمٌ مكنيٌّ، وَهُوَ للمتكَلِّم وحْدَه، وَإِنَّمَا يُبْنى عَلَى الْفَتْحِ فَرْقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَن الَّتِي هِيَ حرفٌ نَاصِبٌ لِلْفِعْلِ، والأَلفُ الأَخيرةُ إِنَّمَا هِيَ لِبَيَانِ الْحَرَكَةِ فِي الْوَقْفِ، فَإِنْ وُسِّطت سَقَطت إِلَّا فِي لُغَةٍ رديئةٍ كَمَا قَالَ:
أَنا سَيْفُ العَشيرةِ، فاعْرفوني ... جَمِيعًا، قَدْ تَذَرَّيْتُ السَّنامَا
وَاعْلَمْ أَنه قَدْ يُوصل بِهَا تاءُ الْخِطَابِ فيَصيرانِ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ مِنْ غَيْرِ أَن تَكُونَ مُضَافَةً إِلَيْهِ، تَقُولُ: أَنت، وَتَكْسِرُ للمؤَنث، وأَنْتُم وأَنْتُنَّ، وَقَدْ تدخلُ عَلَيْهِ كافُ التَّشْبِيهِ فَتَقُولُ: أَنتَ كأَنا وأَنا كأَنتَ؛ حُكِيَ ذَلِكَ عَنِ الْعَرَبِ، وكافُ التَّشْبِيهِ لَا تتَّصِلُ بِالْمُضْمَرِ، وَإِنَّمَا تَتَّصِلُ بالمُظهر، تَقُولُ: أَنتَ كزيدٍ، وَلَا تَقُولُ: أَنت كِي، إِلَّا أَن الضَّمِيرَ المُنْفَصل عِنْدَهُمْ كَانَ بِمَنْزِلَةِ المُظْهَر، فَلِذَلِكَ حَسُنَ وفارقَ المُتَّصِل. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَنَ اسْمُ الْمُتَكَلِّمِ، فَإِذَا وَقفْت أَلْحَقْتَ
__________
(1) . الآية(13/37)
أَلفاً لِلسُّكُوتِ، مَرْويّ عَنْ قُطْرُبٍ أَنه قَالَ: فِي أَنَ خمسُ لُغَاتٍ: أَنَ فعلتُ، وأَنا فعلْتُ، وآنَ فَعلتُ، وأَنْ فَعَلْتُ، وأَنَهْ فَعَلْتُ؛ حَكَى ذَلِكَ عَنْهُ ابْنُ جِنِّي، قَالَ: وَفِيهِ ضَعْفٌ كَمَا تَرَى، قَالَ ابْنُ جِنِّي: يَجُوزُ الْهَاءُ فِي أَنَهْ بَدَلًا مِنَ الأَلف فِي أَنا لأَن أَكثر الِاسْتِعْمَالِ إِنَّمَا هُوَ أَنا بالأَلف وَالْهَاءِ قِبَلَه، فَهِيَ بَدَلٌ مِنَ الأَلف، وَيَجُوزُ أَن تَكُونَ الهاءُ أُلْحِقَتْ لِبَيَانِ الْحَرَكَةِ كَمَا أُلحقت الأَلف، وَلَا تَكُونُ بَدَلًا مِنْهَا بَلْ قَائِمَةً بِنَفْسِهَا كَالَّتِي فِي كتابِيَة وحسابِيَة، ورأَيت فِي نُسْخَةٍ مِنَ الْمُحْكَمِ عَنِ الأَلف الَّتِي تَلْحَقُ فِي أَنا لِلسُّكُوتِ: وَقَدْ تحذفُ وإثباتُها أَحْسَنُ. وأَنْتَ: ضميرُ المخاطَب، الاسمُ أَنْ وَالتَّاءُ علامةُ المخاطَب، والأُنثى أَنْتِ، وَتَقُولُ فِي التَّثْنِيَةِ أَنْتُما، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَيْسَ بتثنيةِ أَنْتَ إِذْ لَوْ كَانَ تثنيتَه لَوَجَبَ أَن تَقُولَ فِي أَنْتَ أَنْتانِ، إِنَّمَا هُوَ اسمٌ مصوغٌ يَدُلُّ عَلَى التَّثْنِيَةِ كَمَا صيغَ هَذَانِ وَهَاتَانِ وكُما مِنْ ضرَبْتُكما وهُما، يدلُّ عَلَى التَّثْنِيَةِ وَهُوَ غيرُ مُثَنًّى، عَلَى حَدِّ زَيْدٍ وَزَيْدَانِ. وَيُقَالُ: رَجُلٌ أُنَنَةٌ قُنَنَةٌ أَي بليغ.
أنبجن: فِي الْحَدِيثِ:
ائْتُوني بأَنْبِجانِيَّةِ أَبي جَهْمٍ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: المحفوظُ بِكَسْرِ الْبَاءِ، وَيُرْوَى بِفَتْحِهَا، يُقَالُ: كساءٌ أَنْبِجانيّ، مَنْسُوبٌ إِلَى مَنْبِج الْمَدِينَةِ الْمَعْرُوفَةِ، وَهِيَ مَكْسُورَةُ الْبَاءِ ففُتحَت فِي النَّسَبِ، وأُبدلت الميمُ هَمْزَةً، وَقِيلَ: إِنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إِلَى مَوْضِعٍ اسْمُهُ أَنْبِجان، قَالَ: وَهُوَ أَشبه لأَن الأَولَ فِيهِ تعسُّف، وَهُوَ كِساءٌ مِنَ الصُّوف لَهُ خَمَلٌ وَلَا علمَ لَهُ، وَهِيَ مِنْ أَدْوَنِ الثِّيَابِ الْغَلِيظَةِ، وَإِنَّمَا بَعثَ الخميصةَ إِلَى أَبي جَهْمٍ لأَنه كَانَ أَهْدَى لِلنَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَمِيصَةً ذاتَ أَعلامٍ، فَلَمَّا شَغَلَتْه فِي الصَّلَاةِ قَالَ: رُدُّوها عَلَيْهِ وأْتُوني بأَنْبِجانيَّته، وَإِنَّمَا طَلَبها مِنْهُ لِئَلَّا يُؤَثِّرَ رَدُّ الهديَّةِ فِي قلْبِه، وَالْهَمْزَةُ فِيهَا زائدةٌ، فِي قَوْلٍ.
أنتن: الأَزهري: سَمِعْتُ بَعْضَ بَنِي سُلَيم يَقُولُ كَمَا انْتني «2» . يقولُ انْتَظِرْني فِي مكانك.
أهن: الإِهانُ: عُرْجُونُ الثَّمرةِ، وَالْجَمْعُ آهِنَة وأُهُنٌ. اللَّيْثُ: هُوَ العُرْجونُ، يَعْنِي مَا فَوْقَ الشَّمَارِيخِ، وَيُجْمَعُ أُهُناً، والعددُ ثلاثةُ آهِنةٍ؛ قَالَ الأَزهري: وأَنشدني أَعرابي:
مَنَحْتَني، يَا أَكرمَ الفِتْيان، ... جَبّارةً ليستْ مِنَ العَيْدان
حَتَّى إِذَا مَا قلتُ أَلآنَ الْآنْ، ... دَبَّ لَهَا أَسْودُ كالسِّرْحان،
بِمِخْلَبٍ، يَخْتَذِمُ الإِهان
وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِلْمُغِيرَةِ بْنِ حَبْناء:
فَمَا بَيْنَ الرَّدَى والأَمْن إِلَّا ... كَمَا بينَ الإِهانِ إِلَى العَسِيب.
أون: الأَوْنُ: الدَّعَةُ والسكينةُ والرِّفْقُ. أُنْتُ بِالشَّيْءِ أَوْناً وأُنْتُ عَلَيْهِ، كِلَاهُمَا: رَفَقْت. وأُنْتُ فِي السَّيْرِ أَوْناً إِذَا اتّدَعْت وَلَمْ تَعْجَل. وأُنْتُ أَوْناً: تَرَفّهْت وتوَدَّعْت: وَبَيْنِي وَبَيْنَ مَكَّةَ عشرُ ليالٍ آيناتٌ أَي وادعاتٌ، الياءُ قَبْلَ النُّونِ. ابْنُ الأَعرابي: آنَ يَؤُونُ أَوْناً إِذَا اسْتَراحَ؛ وأَنشد:
غَيَّر، يَا بنتَ الحُلَيْسِ، لَوْني ... مَرُّ اللَّيالي، واخْتِلافُ الجَوْنِ،
وسَفَرٌ كانَ قليلَ الأَوْنِ
أَبو زَيْدٍ: أُنْتُ أَؤُونُ أَوْناً، وَهِيَ الرَّفاهية والدَّعَةُ، وَهُوَ آئنٌ مِثَالُ فاعِلٍ أَي وادعٌ رافِهٌ. وَيُقَالُ: أُنْ
__________
(2) . قوله [كما انتني] هكذا بضبط الأَصل(13/38)
عَلَى نَفْسِكَ أَي ارْفُقْ بِهَا فِي السَّيْرِ واتَّدِعْ، وَتَقُولُ لَهُ أَيضاً إِذَا طاشَ: أُنْ عَلَى نفسِك أَي اتَّدِعْ. وَيُقَالُ: أَوِّنْ عَلَى قَدْرِك أَي اتَّئِدْ عَلَى نحوِك، وَقَدْ أَوَّنَ تأْويناً. والأَوْنُ: المَشْيُ الرُّوَيْدُ، مُبَدَّلٌ مِنَ الهَوْنِ. ابْنُ السِّكِّيتِ: أَوِّنُوا فِي سَيْرِكم أَي اقْتَصِدوا، مِنَ الأَوْنِ وَهُوَ الرِّفْقُ. وَقَدْ أَوَّنْتُ أَي اقْتَصَدْتُ. وَيُقَالُ: رِبْعٌ آئنٌ خيرٌ مِنْ عَبٍّ حَصْحاصٍ. وتأَوَّنَ فِي الأَمر: تَلَبَّث. والأَوْنُ: الإِعياءُ والتَّعَبُ كالأَيْنِ. والأَوْنُ: الجمَل. والأَوْنانِ: الخاصِرتان والعِدْلان يُعْكَمانِ وجانِبا الخُرج. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: الأَوْنُ العِدْل والخُرْجُ يُجْعل فِيهِ الزادُ؛ وأَنشد:
وَلَا أَتَحَرَّى وُدَّ مَنْ لَا يَوَدُّني، ... وَلَا أَقْتَفي بالأَوْنِ دُونَ رَفِيقي
. وَفَسَّرَهُ ثَعْلَبُ بأَنه الرِّفْقُ والدَّعَةُ هُنَا. الْجَوْهَرِيُّ: الأَوْنُ أَحدُ جانِبَي الخُرج. وَهَذَا خُرْجٌ ذُو أَوْنَين: وَهُمَا كالعِدْلَيْنِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ وَهُوَ مِنْ أَبيات الْمَعَانِي:
وخَيْفاء أَلْقَى الليثُ فِيهَا ذِراعَه، ... فَسَرَّتْ وساءتْ كلَّ ماشٍ ومُصْرِمِ
تَمَشَّى بِهَا الدَّرْماءُ تَسْحَبُ قُصْبَها، ... كأَنْ بطنُ حُبْلى ذاتِ أَوْنَينِ مُتْئِمِ
. خَيْفاء: يَعْنِي أَرضاً مُخْتَلِفَةَ أَلوان النباتِ قَدْ مُطِرت بِنَوْءِ الأَسدِ، فسَرَّت مَنْ لَهُ ماشِيةٌ وساءَت مَنْ كَانَ مُصْرِماً لَا إبِلَ لَهُ، والدَّرْماءُ: الأَرْنَب، يَقُولُ: سَمِنَت حَتَّى سَحَبَت قُصْبَها كأَنّ بَطْنَها بطنُ حُبْلى مُتْئِمٍ. وَيُقَالُ: آنَ يَؤُونُ إِذَا اسْتَرَاحَ. وخُرْجٌ ذُو أَوْنَينِ إِذَا احْتَشى جَنْباه بالمَتاعِ. والأَوانُ: العِدْلُ. والأَوانانِ: العِدْلانِ كالأَوْنَينِ؛ قَالَ الرَّاعِي:
تَبِيتُ، ورِجْلاها أَوانانِ لاسْتِها، ... عَصاها اسْتُها حَتَّى يكلَّ قَعودُها
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَدْ قِيلَ الأَوانُ عَمُودٌ مِنْ أَعْمِدة الخِباء. قَالَ الرَّاعِي: وأَنشد الْبَيْتَ، قَالَ الأَصمعي: أقامَ اسْتَها مُقامَ العَصا، تدفعُ البعيرَ باسْتِها لَيْسَ مَعَهَا عَصَا، فَهِيَ تُحرِّك اسْتَها عَلَى البعيرِ، فقولُه عَصَاهَا اسْتُها أَي تُحرِّك حِمارَها باسْتِها، وَقِيلَ: الأَوانانِ اللِّجامانِ، وَقِيلَ: إناءَانِ مَمْلُوءَانِ عَلَى الرَّحْل. وأَوَّنَ الرجلُ وتَأَوَّنَ: أَكَلَ وَشَرِبَ حَتَّى صَارَتْ خاصِرتاه كالأَوْنَيْنِ. ابْنُ الأَعرابي: شرِبَ حَتَّى أَوَّنَ وَحَتَّى عَدَّنَ وَحَتَّى كأَنَّه طِرافٌ. وأَوَّنَ الحِمارُ إِذَا أَكلَ وشربَ وامْتَلأَ بطنُه وامتدَّت خاصِرتاه فَصَارَ مِثْلَ الأَوْن. وأَوَّنَت الأَتانُ: أَقْرَبَت؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
وَسْوَسَ يَدْعُو مُخْلِصاً ربَّ الفَلَقْ ... سِرّاً، وَقَدْ أَوَّنَ تأْوِينَ العُقُقْ
. التَّهْذِيبُ: وصفَ أُتُناً وَرَدَتِ الْمَاءَ فشَرِبت حَتَّى امتلأَت خَواصِرُها، فَصَارَ الماءُ مثلَ الأَوْنَيْنِ إِذَا عُدلا عَلَى الدَّابَّةِ. والتَّأَوُّنُ: امْتِلاءُ البَطْنِ، ويُريدُ جمعَ العَقوقِ، وَهِيَ الحاملُ مِثْلُ رَسُولٍ ورُسُل. والأَوْنُ: التَّكَلُّفُ للنَّفَقة. والمَؤُونة عِنْدَ أَبي عَلِيٍّ مَفْعُلةٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنها فَعُولة مِنْ مأَنْت. والأَوانُ والإِوانُ: الحِينُ، وَلَمْ يُعلَّ الإِوانُ لأَنه لَيْسَ بِمَصْدَرٍ. اللَّيْثُ: الأَوانُ الحينُ والزمانُ، تَقُولُ: جَاءَ أَوانُ البَردِ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
هَذَا أَوانُ الجِدِّ إذْ جَدَّ عُمَرْ(13/39)
الكسائي قَالَ: أَبو جَامِعٍ هَذَا إوانُ ذَلِكَ، والكلامُ الفتحُ أَوانٌ. وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: أَتَيتُه آئِنةً بَعْدَ آئنةٍ «1» . بِمَعْنَى آوِنة؛ وأَما قَوْلُ أَبي زَيْدٍ:
طَلَبُوا صُلْحَنا، ولاتَ أَوانٍ، ... فأَجَبْنا: أَن لَيْسَ حينَ بَقَاءٍ
. فَإِنَّ أَبا الْعَبَّاسِ ذَهَبَ إِلَى أَن كسرة أَوان ليس إِعْرَابًا وَلَا عَلَماً لِلْجَرِّ، وَلَا أَن التَّنْوِينَ الَّذِي بَعْدَهَا هُوَ التَّابِعُ لِحَرَكَاتِ الإِعراب، وَإِنَّمَا تَقْدِيرُهُ أَنّ أَوانٍ بِمَنْزِلَةِ إِذْ فِي أَنَّ حُكْمَه أَن يُضاف إِلَى الْجُمْلَةِ نَحْوَ قَوْلِكَ جِئْتُ أَوانَ قَامَ زَيْدٍ، وأَوانَ الحَجّاجُ أَميرٌ أَي إِذْ ذاكَ كَذَلِكَ، فَلَمَّا حَذَفَ المضافَ إِلَيْهِ أَوانَ عَوّض مِنَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ تَنْوِينًا، وَالنُّونُ عِنْدَهُ كَانَتْ فِي التَّقْدِيرِ سَاكِنَةً كَسُكُونِ ذَالِ إذْ، فَلَمَّا لَقِيها التنوينُ سَاكِنًا كُسِرت النُّونُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ كَمَا كُسِرت الذالُ مِنْ إِذْ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَجَمْعُ الأَوان آوِنةٌ مِثْلَ زَمَانٍ وأَزْمِنة، وأَما سِيبَوَيْهِ فَقَالَ: أَوان وأَوانات، جَمَعُوهُ بِالتَّاءِ حِينَ لَمْ يُكسَّر هَذَا عَلَى شُهْرةٍ آوِنةً، وَقَدْ آنَ يَئينُ؛ قال سِيبَوَيْهِ: هُوَ فَعَلَ يَفْعِل، يَحْمِله عَلَى الأَوان؛ والأَوْنُ الأَوان يُقَالُ: قَدْ آنَ أَوْنُك أَي أَوانك. قال يَعْقُوبُ: يُقَالُ فلانٌ يصنعُ ذَلِكَ الأَمر آوِنةً إِذَا كَانَ يَصْنعه مِرَارًا ويدَعه مِرَارًا؛ قَالَ أَبو زُبيد:
حَمّال أثقالِ أَهلِ الوُدِّ، آوِنةً، ... أُعْطِيهمُ الجَهْدَ مِنِّي، بَلْهَ مَا أَسَعُ
وَفِي الْحَدِيثِ:
مَرَّ النبيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، برجُل يَحْتَلِب شَاةً آوِنةً فَقَالَ دعْ داعِيَ اللَّبَنِ
؛ يَعْنِي أَنه يحْتَلِبها مَرَّةً بَعْدَ أُخرى، وَدَاعِيَ اللَّبَنِ هُوَ مَا يَتْرُكُهُ الحالبُ مِنْهُ فِي الضَّرْعِ وَلَا يَسْتَقْصيه لِيَجْتَمِعَ اللبنُ فِي الضَّرع إِلَيْهِ، وَقِيلَ: إِنَّ آوِنة جَمْعُ أَوانٍ وَهُوَ الْحِينُ وَالزَّمَانُ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
هَذَا أَوانُ قطَعَتْ أَبْهَري.
والأَوانُ: السَّلاحِفُ؛ عَنْ كُرَاعٍ، قَالَ: وَلَمْ أَسمع لَهَا بِوَاحِدٍ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
وبَيَّتُوا الأَوانَ فِي الطِّيّاتِ
الطِّيّات: المنازِلُ. والإِوانُ والإِيوانُ: الصُّفَّةُ الْعَظِيمَةُ، وَفِي الْمُحْكَمِ: شِبْهُ أَزَجٍ غَيْرُ مسْدود الْوَجْهِ، وَهُوَ أَعجمي، وَمِنْهُ إيوانُ كِسْرى؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
إِيوَانُ كِسْرى ذِي القِرى والرَّيحان
. وَجَمَاعَةُ الإِوان أُوُنٌ مِثْلَ خِوان وخُوُن، وَجَمَاعَةُ الإِيوان أَواوِينُ وإيواناتٌ مِثْلَ دِيوان ودَواوين، لأَن أَصله إوّانٌ فأُبدل مِنْ إِحْدَى الواوَين يَاءٌ؛ وأَنشد:
شَطَّتْ نَوى مَنْ أَهْلُه بالإِيوان
. وجماعةُ إيوانِ اللِّجامِ إيواناتٌ. والإِوانُ: مِنْ أَعْمِدة الْخِبَاءِ؛ قَالَ: كلُّ شيءٍ عَمَدْتَ بِهِ شَيْئًا فَهُوَ إِوَانٌ لَهُ؛ وأَنشد بَيْتُ الرَّاعِي أَيضاً:
تبيتُ ورِجْلاها إِوانانِ لاسْتِها
. أَي رِجْلاها سَنَدان لاسْتها تَعْتَمِدُ عَلَيْهِمَا. والإِوانةُ: ركيَّةٌ مَعْرُوفَةٌ؛ عَنِ الْهِجْرِيِّ، قَالَ: هِيَ بالعُرْف قُرْبٌ وَشْحى والوَرْكاء والدَّخول؛ وأَنشد:
فإنَّ عَلَى الإِوانةِ، مِنْ عُقَيْلٍ، ... فَتًى، كِلْتا اليَدَين لَهُ يَمينُ.
أين: آنَ الشيءُ أَيناً: حانَ، لُغَةٌ فِي أَنى، وَلَيْسَ بِمَقْلُوبٍ عَنْهُ لِوُجُودِ المصدر؛ وقال:
أَلَمَّا يَئِنْ لِي أَنْ تُجَلَّى عمايَتي، ... وأُقْصِرَ عَنْ ليْلى؟ بَلى قَدْ أَنى لِيا
__________
(1) . قوله [آئنة بعد آئنة] هكذا بالهمز في التكملة، وفي القاموس بالياء(13/40)
فجاء باللغتين جميعاً. وقالوا: آنَ أَيْنُك وإينُك وَآنَ آنُك أَي حانَ حينُك، وآنَ لَكَ أَن تَفْعَلَ كَذَا يَئينُ أَيْناً؛ عَنْ أَبي زَيْدٍ، أَي حانَ، مِثْلَ أَنى لَكَ، قَالَ: وَهُوَ مقلوبٌ مِنْهُ. وَقَالُوا: الْآنَ فَجَعَلُوهُ اسْمًا لِزَمَانِ الْحَالِ، ثُمَّ وَصَفُوا للتوسُّع فَقَالُوا: أَنا الآنَ أَفعل كَذَا وَكَذَا، والأَلف وَاللَّامَ فِيهِ زَائِدَةٌ لأَنَّ الاسمَ مَعْرِفَةٌ بِغَيْرِهِمَا، وَإِنَّمَا هُوَ مَعْرِفَةٌ بِلَامٍ أُخرى مقدَّرة غَيْرِ هَذِهِ الظَّاهِرَةِ. ابْنُ سِيدَهْ: قَالَ ابْنُ جِنِّي قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ
؛ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَن اللَّامَ فِي الْآنَ زَائِدَةٌ أَنها لَا تَخْلُو مِنْ أَن تكونَ لِلتَّعْرِيفِ كَمَا يظنُّ مخالفُنا، أَو تَكُونَ زَائِدَةٌ لِغَيْرِ التَّعْرِيفِ كَمَا نَقُولُ نَحْنُ، فَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنها لِغَيْرِ التَّعْرِيفِ أَنَّا اعْتَبَرْنَا جميعَ مَا لامُه لِلتَّعْرِيفِ، فَإِذَا إسقاطُ لامِه جَائِزٌ فِيهِ، وَذَلِكَ نَحْوَ رَجُلٍ وَالرَّجُلِ وَغُلَامٍ وَالْغُلَامِ، وَلَمْ يَقُولُوا افْعَلْه آنَ كَمَا قَالُوا افعَلْه الآنَ، فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَن اللامَ فِيهِ لَيْسَتْ لِلتَّعْرِيفِ بَلْ هِيَ زَائِدَةٌ كَمَا يُزاد غيرُها مِنَ الْحُرُوفِ، قَالَ: فَإِذَا ثَبتَ أَنها زائدةٌ فَقَدْ وَجَبَ النظرُ فِيمَا يُعَرَّف بِهِ الْآنَ فَلَنْ يَخْلُوَ مِنْ أَحد وُجُوهِ التَّعْرِيفِ الْخَمْسَةِ: إِمَّا لأَنه مِنَ الأَسماء المُضْمَرة أَو مِنَ الأَسماء الأَعلام، أَو مِنَ الأَسماء المُبْهَمة، أَو مِنَ الأَسماء الْمُضَافَةِ، أَوْ مِنَ الأَسماء المُعَرَّفة بِاللَّامِ، فمُحالٌ أَن تَكُونَ مِنَ الأَسماء الْمُضْمَرَةِ لأَنها مَعْرُوفَةٌ مَحْدُودَةٌ وَلَيْسَتِ الْآنَ كَذَلِكَ، ومُحالٌ أَن تَكُونَ مِنَ الأَسماء الأَعْلام لأَن تِلْكَ تخُصُّ الْوَاحِدَ بعَيْنه، وَالْآنَ تقعَ عَلَى كلِّ وقتٍ حَاضِرٍ لَا يَخُصُّ بعضَ ذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ، وَلَمْ يَقُلْ أَحدٌ إِنَّ الْآنَ مِنَ الأَسماء الأَعلام، ومُحالٌ أَيضاً أَنْ تَكُونَ مِنْ أَسماء الإِشارة لأَن جَمِيعَ أَسماء الإِشارة لَا تَجِدُ فِي واحدٍ مِنْهَا لامَ التَّعْرِيفِ، وَذَلِكَ نَحْوَ هَذَا وَهَذِهِ وَذَلِكَ وَتِلْكَ وَهَؤُلَاءِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وذهب أَبو إسحق إِلَى أَن الْآنَ إِنَّمَا تَعَرُّفه بالإِشارة، وأَنه إِنَّمَا بُنِيَ لِمَا كَانَتِ الأَلف واللام فيه لغير عهد مُتَقَدِّمٍ، إِنَّمَا تقولُ الْآنَ كَذَا وَكَذَا لِمَنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَكَ مَعَهُ ذِكْر الْوَقْتِ الْحَاضِرِ، فأَما فَسَادُ كَوْنِهِ مِنْ أَسماء الإِشارة فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكرُه، وأَما مَا اعْتَلَّ بِهِ مِنْ أَنه إِنَّمَا بُنيَ لأَن الأَلف واللام فيه لغير عهدٍ متقَدِّمٍ ففاسدٌ أَيضاً، لأَنا قَدْ نَجِدُ الأَلف وَاللَّامَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَسماء عَلَى غَيْرِ تقدُّم عهْد، وَتِلْكَ الأَسماء مَعَ كَوْنِ اللَّامِ فِيهَا مَعارف، وَذَلِكَ قَوْلُكَ يَا أَيها الرجلُ، ونظَرْتُ إِلَى هَذَا الْغُلَامِ، قَالَ: فَقَدْ بطلَ بِمَا ذكَرْنا أَن يَكُونَ الآنَ مِنَ الأَسماء الْمُشَارِ بِهَا، ومحالٌ أَيضاً أَن تَكُونَ مِنَ الأَسماء المتعَرِّفة بالإِضافة لأَننا لَا نُشَاهِدُ بَعْدَهُ اسْمًا هُوَ مُضَافٌ إِلَيْهِ، فَإِذَا بَطَلَت واسْتَحالت الأَوجه الأَربعة المقَدَّم ذكرُها لَمْ يَبْقَ إِلَّا أَن يَكُونَ معرَّفاً بِاللَّامِ نَحْوَ الرَّجُلِ وَالْغُلَامِ، وَقَدْ دَلَّتِ الدلالةُ عَلَى أَن الْآنَ لَيْسَ مُعَرَّفاً بِاللَّامِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي فِيهِ، لأَنه لَوْ كَانَ مَعرَّفاً بِهَا لجازَ سُقوطُها مِنْهُ، فلزومُ هَذِهِ اللَّامِ لِلْآنَ دليلٌ عَلَى أَنها لَيْسَتْ لِلتَّعْرِيفِ، وَإِذَا كَانَ مُعَرَّفاً بِاللَّامِ لَا محالَةَ، واستَحال أَن تكونَ اللَّامُ فِيهِ هِيَ الَّتِي عَرَّفَتْه، وَجَبَ أَن يَكُونَ مُعَرَّفاً بِلَامٍ أُخرى غَيْرِ هَذِهِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي فِيهِ بِمَنْزِلَةِ أَمْسِ فِي أَنه تَعَرَّف بِلَامٍ مُرَادَّةٍ، وَالْقَوْلُ فِيهِمَا واحدٌ، وَلِذَلِكَ بُنِيَا لتضمُّنهما مَعْنَى حَرْفِ التَّعْرِيفِ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَهَذَا رأْيُ أَبي عَلِيٍّ وَعَنْهُ أَخَذْتُه، وَهُوَ الصوابُ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَقَالُوا الْآنَ آنُكَ، كَذَا قرأْناه فِي كِتَابِ سِيبَوَيْهِ بِنَصْبِ الآنَ ورفعِ آنُك، وَكَذَا الآنَ حدُّ الزمانَيْن، هَكَذَا قرأْناه أَيضاً بِالنَّصْبِ، وَقَالَ ابْنُ جِنِّي: اللَّامُ فِي قَوْلِهِمُ الآنَ حَدُّ الزَّمَانَيْنِ بِمَنْزِلَتِهَا فِي قَوْلِكَ الرجلُ أَفضلُ مِنَ المرأَة(13/41)
أَي هَذَا الجنسُ أَفضلُ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ، فَكَذَلِكَ الْآنَ، إِذَا رَفَعَه جَعَلَه جنسَ هَذَا المُسْتَعْمَلِ فِي قَوْلِهِمْ كنتُ الْآنَ عِنْدَهُ، فَهَذَا مَعْنَى كُنتُ فِي هَذَا الْوَقْتِ الْحَاضِرِ بعْضُه، وَقَدْ تَصَرَّمَتْ أَجزاءٌ مِنْهُ عِنْدَهُ، وبُنيت الْآنَ لتَضَمُّنها مَعْنَى الْحَرْفِ. وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: أَتَيْتُه آئِنَةً بَعْدَ آئِنَةٍ بِمَعْنَى آوِنةٍ. الْجَوْهَرِيُّ: الْآنَ اسمٌ لِلْوَقْتِ الَّذِي أَنت فِيهِ، وَهُوَ ظَرْف غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ، وَقَع مَعْرِفةً وَلِمَ تدخُل عَلَيْهِ الأَلفُ واللامُ لِلتَّعْرِيفِ، لأَنَّه لَيْس لَهُ مَا يَشْرَكُه، وربَّما فَتَحوا اللامَ وحَذَفوا الهمْزَتَيْنِ؛ وأَنشد الأَخفش:
وَقَدْ كُنْتَ تُخْفِي حُبَّ سَمْراءَ حِقْبَةً، ... فَبُحْ، لانَ منْها، بِالَّذِي أَنتَ بائِحُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قولُه حَذَفوا الهمزَتَين يَعْنِي الهمزةَ الَّتِي بَعْد اللامِ نَقَلَ حَرَكَتَهَا عَلَى اللامِ وحَذَفها، ولمَّا تَحَرَّكَت اللامُ سَقَطَتْ همزةُ الوَصْلِ الداخلةُ على اللام؛ وقال جَرِيرٌ:
أَلانَ وَقَدْ نَزَعْت إِلَى نُمَيْرٍ، ... فَهَذَا حينَ صِرْت لَهُمْ عَذابا
. قَالَ: ومثْلُ البيتِ الأَوَّل قولُ الآخَر:
أَلا يَا هِنْدُ، هِنْدَ بَني عُمَيْرٍ، ... أَرَثٌّ، لانَ، وَصْلُكِ أَم حَديدُ؟
وَقَالَ أَبو المِنْهالِ:
حَدَبْدَبَى بَدَبْدَبَى منْكُمْ، لانْ، ... إنَّ بَني فَزارَةَ بنِ ذُبيانْ
قَدْ طرقَتْ ناقَتُهُمْ بإنْسانْ ... مُشَنَّإٍ، سُبْحان رَبِّي الرحمنْ
أَنا أَبو المِنْهالِ بَعْضَ الأَحْيانْ، ... لَيْسَ عليَّ حَسَبي بِضُؤْلانْ
. التَّهْذِيبُ: الْفَرَّاءُ الْآنَ حرفٌ بُنِيَ عَلَى الأَلف وَاللَّامِ وَلَمْ يُخْلَعا مِنْهُ، وتُرِك عَلَى مَذْهَب الصفةِ لأَنَّه صفةٌ فِي الْمَعْنَى وَاللَّفْظِ كَمَا رأَيتهم فَعَلوا بِالَّذِي وَالَّذِينَ، فَتَرَكوهما عَلَى مَذْهَبِ الأَداةِ والأَلفُ واللامُ لَهُمَا غَيْرُ مفارِقَةٍ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
فإِن الأُلاء يَعْلَمُونَكَ مِنْهُمْ، ... كَعِلْمِ مَظْنُولٍ مَا دُمْتَ أَشعرا «2»
. فأَدْخلَ الأَلف وَاللَّامَ عَلَى أُولاء، ثُمَّ تَرَكَها مَخْفُوضَةً فِي مَوْضِعِ النَّصْبِ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ أَن تدخُلَها الأَلف وَاللَّامُ؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ:
وإنِّي حُبِسْتُ اليومَ والأَمْسِ قَبْلَه ... بِبابِكَ، حَتَّى كادَتِ الشمسُ تَغْربُ
فأَدخَلَ الأَلفَ وَاللَّامَ عَلَى أَمْسِ ثُمَّ تَرَكَهُ مَخْفُوضًا عَلَى جِهَةِ الأُلاء؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ:
وجُنَّ الخازِبازِ بِهِ جُنوناً
فمثلُ الْآنَ بأَنها كَانَتْ مَنْصُوبَةً قَبْلَ أَن تُدْخِلَ عَلَيْهَا الأَلفَ وَاللَّامَ، ثُمَّ أَدْخَلْتَهما فَلَمْ يُغَيِّراها، قَالَ: وأَصلُ الْآنَ إِنَّمَا كَانَ أَوَان، فحُذِفَت مِنْهَا الأَلف وغُيِّرت واوُها إِلَى الأَلف كَمَا قَالُوا فِي الرَّاحِ الرَّياح؛ قَالَ أَنشد أَبو القَمْقام:
كأَنَّ مكاكِيَّ الجِواءِ غُدَيَّةً، ... نَشاوَى تَساقَوْا بالرَّياحِ المُفَلْفَلِ
فَجَعَلَ الرَّياحَ والأَوانَ مرَّة عَلَى جِهَةٍ فَعَلٍ، وَمَرَّةً عَلَى جِهَةِ فَعالٍ، كَمَا قَالُوا زَمَن وزَمان، قَالُوا: وَإِنْ شِئْتَ جعلتَ الْآنَ أَصلها مِنْ قولِه آنَ لَكَ أَن تفعلَ، أَدخَلْتَ عَلَيْهَا الأَلفَ وَاللَّامَ ثُمَّ تركتَها عَلَى مَذْهَبِ فَعَلَ، فأَتاها النصبُ مِنْ نَصْبِ فعَل، وهو وجهٌ
__________
(2) . قوله [فان الألاء إلخ] هكذا في الأَصل(13/42)
جَيِّدٌ كَمَا قَالُوا:
نَهى رسولُ اللَّهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ قِيلَ وقالَ
، فَكَانَتَا كَالِاسْمَيْنِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ، وَلَوْ خَفَضْتَهما عَلَى أَنهما أُخْرِجتا مِنْ نِيَّةِ الْفِعْلِ إِلَى نِيَّةِ الأَسماء كَانَ صَوَابًا؛ قَالَ الأَزهري: سَمِعْتُ الْعَرَبَ يَقُولُونَ: مِنْ شُبَّ إِلَى دُبَّ، وبعضٌ: مِنْ شُبٍّ إِلَى دُبٍّ، وَمَعْنَاهُ فعَل مُذْ كَانَ صَغِيرًا إِلَى أَن دَبّ كَبِيرًا. وَقَالَ الْخَلِيلُ: الْآنَ مبنيٌّ عَلَى الْفَتْحِ، تَقُولُ نحنُ مِنَ الآنَ نَصِيرُ إِلَيْكَ، فَتُفْتَحُ الآنَ لأَنَّ الأَلفَ وَاللَّامَ إِنَّمَا يدخُلانِ لعَهْدٍ، والآنَ لَمْ تعْهَدْه قَبْلَ هَذَا الْوَقْتِ، فَدَخَلَتِ الأَلف وَاللَّامُ للإِشارة إِلَى الْوَقْتِ، وَالْمَعْنَى نحنُ مِنْ هَذَا الْوَقْتِ نفعلُ؛ فَلَمَّا تضمَّنَت مَعْنًى هَذَا وجَب أَن تَكُونَ مَوْقُوفَةً، ففُتِحَت لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَهُمَا الأَلف وَالنُّونُ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وأَنكر الزجاجُ مَا قَالَ الْفَرَّاءُ أَنَّ الآنَ إِنَّمَا كَانَ فِي الأَصل آنَ، وأَن الأَلف وَاللَّامَ دَخَلَتَا عَلَى جِهَةِ الْحِكَايَةِ وَقَالَ: مَا كَانَ عَلَى جِهَةِ الْحِكَايَةِ نَحْوَ قَوْلِكَ قَامَ، إِذَا سَمَّيْتَ بِهِ شَيْئًا، فجعلتَه مَبْنِيًّا عَلَى الْفَتْحِ لَمْ تدخُلْه الأَلفُ وَاللَّامُ، وَذَكَرَ قولَ الْخَلِيلِ: الآنَ مبنيٌّ عَلَى الْفَتْحِ، وَذَهَبَ إِلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ سِيبَوَيْهِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ
؛ فِيهِ ثلاثُ لُغاتٍ: قالُوا الْآنَ
، بِالْهَمْزِ وَاللَّامُ سَاكِنَةٌ،
وَقَالُوا أَلانَ
، مُتَحَرِّكَةُ اللَّامِ بِغَيْرِ هَمْزٍ وتُفْصَل، قَالُوا مِنْ لانَ، وَلُغَةٌ ثَالِثَةٌ
قَالُوا لانَ جئتَ بِالْحَقِّ
، قَالَ: والآنَ منصوبةُ النُّونِ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَهَا حرفٌ خافضٌ كَقَوْلِكَ مِنَ الآنَ، وَذَكَرَ ابْنُ الأَنباري الْآنَ فَقَالَ: وانتصابُ الْآنَ بِالْمُضْمَرِ، وعلامةُ النَّصْبِ فِيهِ فتحُ النُّونِ، وأَصلُه الأَوانُ فأُسقِطَت الأَلف الَّتِي بَعُدَ الْوَاوِ وجُعِلَت الواوُ أَلفاً لِانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا، قَالَ: وَقِيلَ أَصله آنَ لَكَ أَن تفعلَ، فسُمِّي الوقتُ بِالْفِعْلِ الْمَاضِي وتُرِك آخرُه عَلَى الْفَتْحِ، قَالَ: وَيُقَالُ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ أَنا لَا أُكلِّمُك مِنَ الآنَ يَا هَذَا، وَعَلَى الْجَوَابِ الأَول مِنَ الآنِ؛ وأَنشد ابْنُ صَخْرٍ:
كأَنهما ملآنِ لَمْ يَتَغَيَّرا، ... وَقَدْ مَرَّ للدارَين مِن بعدِنا عَصْرُ
وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: هَذَا أَوانُ الآنَ تَعْلم، وَمَا جئتُ إلَّا أَوانَ الآنَ أَي مَا جِئْتُ إِلَّا الْآنَ، بِنَصْبِ الْآنَ فِيهِمَا.
وسأَل رجلٌ ابنَ عُمَرَ عَنْ عُثْمَانَ قَالَ: أَنشُدك اللهَ هَلْ تعْلم أَنه فرَّ يَوْمَ أُحُد وَغَابَ عَنْ بدرٍ وَعَنْ بَيْعةِ الرِّضْوَانِ؟ فَقَالَ ابنُ عُمَرَ: أَما فِرارُه يَوْمَ أُحُد فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ؛ وأَما غَيْبَتُه عَنْ بدرٍ فَإِنَّهُ كَانَتْ عِنْدَهُ بنتُ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتْ مَرِيضَةً وَذَكَرَ عُذْرَه فِي ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: اذهبْ بِهَذِهِ تَلآنَ مَعَك
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: قَالَ الأُمَويّ قَوْلُهُ تَلآنَ يُرِيدُ الْآنَ، وَهِيَ لُغَةٌ مَعْرُوفَةٌ، يَزِيدُونَ التاءَ فِي الْآنِ وَفِي حينٍ وَيَحْذِفُونَ الْهَمْزَةَ الأُولى، يُقَالُ: تَلآن وتَحين؛ قَالَ أَبو وَجْزَةَ:
العاطِفون تحينَ مَا مِنْ عاطِفٍ، ... والمُطْعِمونَ زمانَ مَا مِنْ مُطْعِم
. وَقَالَ آخَرُ:
وصَلَّيْنا كَمَا زَعَمَت تَلانا
. قَالَ: وَكَانَ الْكِسَائِيُّ والأَحمر وغيرُهما يَذْهَبُونَ إِلَى أَن الرِّوَايَةَ العاطفونَة فَيَقُولُ: جَعَلَ الْهَاءَ صِلَةً وَهُوَ وَسَطُ الْكَلَامِ، وَهَذَا لَيْسَ يُوجد إِلَّا عَلَى السَّكْتِ، قَالَ: فحَدَّثتُ بِهِ الأُمَويَّ فأَنكره، قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَهُوَ عِنْدِي عَلَى مَا قَالَ الأُمَويُّ وَلَا حُجَّةَ لِمَنِ احْتَجَّ(13/43)
بالكتاب فِي قَوْلِهِ: وَلاتَ حِينَ مَناصٍ، لأَن التَّاءَ منفصلةٌ مِنْ حِينٍ لأَنهم كَتَبُوا مِثْلَهَا مُنْفَصِلًا أَيضاً مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَن يُفْصَل كقوله: يَا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ، واللامُ مُنْفَصِلَةٌ مِنْ هَذَا. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَالنَّحْوِيُّونَ عَلَى أَن التَّاءَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَلاتَ حِينَ فِي الأَصل هاءٌ، وَإِنَّمَا هِيَ وَلاهْ فَصَارَتْ تَاءً للمرورِ عَلَيْهَا كالتاءَاتِ المؤَنثة، وأَقاوِيلُهم مَذْكُورَةٌ فِي تَرْجَمَةٍ لَا بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ. قَالَ أَبو زَيْدٍ: سَمِعْتُ الْعَرَبَ تَقُولُ مَرَرْتُ بزيدِ اللَّانَ، ثقَّلَ اللامَ وَكَسَرَ الدَّالَّ وأَدْغم التَّنْوِينَ فِي اللَّامِ. وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ
أَبي ذَرٍّ: أَما آنَ لِلرَّجُلِ أَن يَعْرف مَنزِله
أَي أَما حانَ وقرُبَ، تَقُولُ مِنْهُ: آنَ يَئينُ أَيْناً، وَهُوَ مِثْلُ أَنَى يَأْني أَناً، مقلوبٌ مِنْهُ. وآنَ أَيْناً: أَعيا. أَبو زَيْدٍ: الأَيْنُ الإِعْياء وَالتَّعَبُ. قَالَ أَبو زَيْدٍ: لَا يُبْنى مِنْهُ فِعْلٌ وَقَدْ خُولِفَ فِيهِ، وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: لَا فِعْل لِلأَين الَّذِي هُوَ الإِعياء. ابْنُ الأَعرابي: آنَ يَئِينُ أَيْناً مِنَ الإِعياء؛ وأَنشد:
إنَّا ورَبِّ القُلُص الضَّوامِرِ
إِنَّا أَي أَعْيَينا. اللَّيْثُ: وَلَا يشتَقُّ مِنْهُ فِعْل إلَّا فِي الشِّعْر؛ وَفِي قَصِيدِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ:
فِيهَا عَلَى الأَيْنِ إِرْقالٌ وتَبْغيلُ
الأَيْنُ: الإِعياء وَالتَّعَبُ. ابْنُ السِّكِّيتِ: الأَيْنُ والأَيْمُ الذَّكَر مِنَ الْحَيَّاتِ، وَقِيلَ: الأَينُ الحيَّةُ مِثْلَ الأَيمِ، نُونُهُ بدلٌ مِنَ اللَّامِ. قَالَ أَبو خَيْرَةَ: الأُيونُ والأُيومُ جَمَاعَةٌ. قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: والأَينُ والأَيم أَيضاً الرَّجُلُ والحِمل. وأَيْنَ: سُؤَالٌ عَنْ مكانٍ، وَهِيَ مُغْنية عَنِ الْكَلَامِ الْكَثِيرِ وَالتَّطْوِيلِ، وَذَلِكَ أَنك إِذَا قُلْتَ أَيْنَ بَيْتُك أَغناك ذَلِكَ عَنْ ذِكْر الأَماكن كُلِّهَا، وَهُوَ اسمٌ لأَنك تَقُولُ مِنْ أَينَ؛ قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هِيَ مُؤَنثة وَإِنْ شِئْتَ ذكَّرْت، وَكَذَلِكَ كلُّ مَا جَعَلَهُ الكتابُ اسْمًا مِنَ الأَدوات والصِّفات، التأْنيثُ فِيهِ أَعْرَفُ والتذكيرُ جائز؛ فأَما قَوْلُ حُمَيد بْنِ ثَوْرٍ الْهِلَالِيِّ:
وأَسماء، مَا أَسماءُ لَيْلَةَ أَدْلَجَتْ ... إِلَيَّ، وأَصحابي بأَيْنَ وأَيْنَما
. فَإِنَّهُ جَعَلَ أَينَ عَلَمًا للبُقْعة مُجَرَّدًا مِنْ مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ، فمنَعَها الصَّرْفَ لِلتَّعْرِيفِ والتأْنيث كأُنَى، فتكونُ الفتحةُ فِي آخِرِ أَين عَلَى هَذَا فتحةَ الجرِّ وَإِعْرَابًا مِثْلَهَا فِي مررْتُ بأَحْمَدَ، وَتَكُونُ مَا عَلَى هَذَا زَائِدَةً وأَينَ وَحْدَهَا هِيَ الِاسْمُ، فَهَذَا وجهٌ، قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ ركَّب أَينَ مَعَ مَا، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ فَتَحَ الأُولى مِنْهَا كَفَتْحَةِ الْيَاءِ مِنْ حَيَّهَلْ لَمَّا ضُمَّ حَيَّ إِلَى هَلْ، والفتحةُ فِي النُّونِ عَلَى هَذَا حادثةٌ لِلتَّرْكِيبِ وَلَيْسَتْ بِالَّتِي كَانَتْ فِي أَيْنَ، وَهِيَ اسْتِفْهَامٌ، لأَن حَرَكَةَ التَّرْكِيبِ خَلَفَتْها ونابَتْ عَنْهَا، وَإِذَا كَانَتْ فتحةُ التَّرْكِيبِ تؤَثر فِي حَرَكَةِ الإِعراب فتزيلُها إِلَيْهَا نَحْوَ قَوْلِكَ هَذِهِ خمسةٌ، فتُعْرِب ثُمَّ تَقُولُ هَذِهِ خمْسةَ عشَر فتخلُف فتحةُ التَّرْكِيبِ ضمةَ الإِعراب عَلَى قُوَّةِ حَرَكَةِ الإِعراب، كَانَ إبدالُ حَرَكَةِ الْبِنَاءِ مِنْ حَرَكَةِ الْبِنَاءِ أَحرى بِالْجَوَازِ وأَقرَبَ فِي الْقِيَاسِ. الْجَوْهَرِيُّ: إِذَا قلتَ أَين زَيْدٌ فَإِنَّمَا تسأَلُ عَنْ مَكَانِهِ. اللَّيْثُ: الأَينُ وقتٌ مِنَ الأَمْكِنة «1» . تَقُولُ: أَينَ فلانٌ فَيَكُونُ مُنْتَصِبًا فِي الْحَالَاتِ كُلِّهَا مَا لَمْ تَدْخُلْه الأَلف وَاللَّامُ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: أَينَ وَكَيْفَ حَرْفَانِ يُسْتَفْهَم بِهِمَا، وَكَانَ حقُّهما أَن يَكُونَا مَوْقوفَين، فحُرِّكا لِاجْتِمَاعِ السَّاكِنَيْنِ ونُصِبا وَلَمْ يُخْفَضا مِنْ أَجل الْيَاءِ، لأَن الْكَسْرَةَ مَعَ الْيَاءِ تَثْقُل والفتحةُ أَخفُّ. وقال الأَخفش
__________
(1) . قوله [الأَين وَقْتٌ مِنَ الأَمكنة] كذا بالأَصل(13/44)
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى، فِي حِرَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ
أَينَ أَتى
، قَالَ: وَتَقُولُ العرب جئتُك مِنْ أَينَ لَا تَعْلَم؛ قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: أَما مَا حُكِيَ عَنِ الْعَرَبِ جئتُك مِنْ أَين لَا تعْلم فَإِنَّمَا هُوَ جَوَابُ مَنْ لَمْ يَفْهَمْ فَاسْتَفْهَمَ، كَمَا يَقُولُ قَائِلٌ أَينَ الماءُ والعُشْب. وَفِي حَدِيثِ خُطْبَةِ الْعِيدِ:
قَالَ أَبو سَعِيدٍ وَقَلْتُ أَيْنَ الابتداءُ بِالصَّلَاةِ أَي أَينَ تذْهَب، ثُمَّ قَالَ: الابْتِداءُ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ
، وَفِي رِوَايَةٍ:
أَين الِابْتِدَاءُ بِالصَّلَاةِ
أَي أَينَ يَذْهَبُ الإِبتداءُ بِالصَّلَاةِ، قَالَ: والأَول أَقوى. وأَيّانَ: مَعْنَاهُ أَيُّ حينٍ، وَهُوَ سُؤَالٌ عَنْ زمانٍ مِثْلَ مَتَى. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: أَيَّانَ مُرْساها*
. ابْنُ سِيدَهْ: أَيَّان بِمَعْنَى مَتى فَيَنْبَغِي أَن تَكُونَ شَرْطًا، قَالَ: وَلَمْ يَذْكُرْهَا أَصحابنا فِي الظُّرُوفِ الْمَشْرُوطِ بِهَا نَحْوَ مَتى وأَينَ وأَيٌّ وحِينَ، هذا هُوَ الْوَجْهُ، وَقَدْ يُمْكِنُ أَن يَكُونَ فِيهَا مَعْنَى الشَّرْطِ وَلَمْ يَكُنْ شَرْطًا صَحِيحًا كإِذا فِي غَالِبِ الأَمر؛ قَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤَيَّةَ يَهْجُو امرأَة شبَّه حِرَها بفُوق السَّهْمِ:
نفاثِيّة أَيّانَ مَا شاءَ أَهلُها، ... رَوِي فُوقُها فِي الحُصِّ لَمْ يَتَغَيّب
. وَحَكَى الزَّجَّاجُ فِيهِ إيَّانَ، بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ*
؛ أَي لَا يَعْلَمُونَ مَتَى البَعْث؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: قرأَ أَبو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمي إيّانَ يُبْعَثون، بِكَسْرِ الأَلف، وَهِيَ لُغَةٌ لِبَعْضِ الْعَرَبِ، يَقُولُونَ مَتَى إوانُ ذَلِكَ، وَالْكَلَامُ أَوان. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَلَا يَجُوزُ أَن تقولَ أَيّانَ فَعَلْتَ هَذَا. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ
، لَا يَكُونُ إِلَّا اسْتِفْهَامًا عَنِ الْوَقْتِ الَّذِي لَمْ يَجِئْ. والأَيْنُ: شجرٌ حِجَازِيٌّ، وَاحِدَتُهُ أَينةٌ؛ قَالَتِ الْخَنْسَاءُ:
تذَكَّرْتُ صَخْراً، أَنْ تَغَنَّتْ حمامةٌ ... هَتُوفٌ عَلَى غُصنٍ مِنَ الأَيْنِ تَسْجَعُ
والأَواينُ: بَلَدٌ؛ قَالَ مَالِكُ بْنُ خَالِدٍ الهُذليّ:
هَيْهاتَ ناسٌ مِنْ أُناسٍ ديارُهم ... دُفاقٌ، ودارُ الآخَرينَ الأَوايِنُ
قَالَ: وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ وَاوًا.
فصل الباء الموحدة
ببن: التَّهْذِيبِ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ الله عنه: لَئِنْ عِشْتُ إِلَى قَابِلٍ لأُلْحِقَنَّ آخِرَ النَّاسِ بأَوَّلهم حَتَّى يَكُونُوا بَبّاناً وَاحِدًا
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: قَالَ ابْنُ مَهديّ يَعْنِي شَيْئًا وَاحِدًا، قَالَ: وَذَلِكَ الَّذِي أَرادَ عمرُ، قَالَ: وَلَا أَحسب الْكَلِمَةَ عَرَبِيَّةً وَلَمْ أَسمعها إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: بَبّانٌ هُوَ فَعّالٌ لَا فَعْلانٌ، قَالَ: وَقَدْ نَصَّ عَلَى هَذَا أَبو عَلِيٍّ فِي التَّذْكِرَةِ، قَالَ: وَلَمْ تُحْمل الْكَلِمَةُ عَلَى أَن فاءَها وعينَها ولامَها مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي فَصْلٍ بَبَبَ. النِّهَايَةِ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ أَيضاً: لَوْلَا أَنْ أَتْرُكَ آخِرَ النَّاسِ بَبّاناً وَاحِدًا مَا فُتِحَت عَلَيَّ قريةٌ إِلَّا قَسَمْتُها
أَي أَتركُهم شَيْئًا وَاحِدًا، لأَنَّه إِذَا قَسَمَ البلادَ المفتوحةَ عَلَى الغانِمينَ بقيَ مَنْ لَمْ يحضُر الغنيمةَ، وَمَنْ يَجِيء بعدُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ شَيْءٍ مِنْهَا، فَلِذَلِكَ تَرَكَهَا لِتَكُونَ بَيْنَهُمْ جَمِيعِهِمْ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَلَا أَحسبه عَرَبِيًّا، وَقَالَ أَبو سَعِيدٍ الضَّرير: لَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ بَبّان، قَالَ: والصحيحُ عِنْدَنَا بَيّاناً وَاحِدًا، قَالَ: والعربُ إِذَا ذَكَرت مَنْ لَا يُعْرف قَالُوا هَذَا هَيَّانُ بْنُ بَيّان، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ: لأُسَوِّيَنَّ بَيْنَهُمْ فِي العَطاء حَتَّى يَكُونُوا شَيْئًا وَاحِدًا لَا فَضْلَ لأَحدٍ عَلَى غَيْرِهِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: قَالَ الأَزهري(13/45)
لَيْسَ الأَمرُ كَمَا ظنَّ، قَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ مَشْهُورٌ رَوَاهُ أَهْلُ الإِتقان، وكأَنَّها لُغَةٌ يَمَانِيَّةٌ وَلَمْ تَفْشُ فِي كَلَامِ مَعدٍّ، وَهُوَ البأْجُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: الكواكبُ الْبَابَانِيَاتُ هِيَ الَّتِي لَا يَنْزِل بِهَا شمسٌ وَلَا قمرٌ، إنَّما يُهْتَدى بِهَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَهِيَ شَامِيَّةٌ، ومهبُّ الشَّمالِ مِنْهَا، أَولُها الْقُطْبُ، وَهُوَ كوكبٌ لَا يزولُ، والجَدْيُ والفَرْقَدان، وَهُوَ بَيْنَ الْقُطْبِ «1» . وَفِيهِ بناتُ نَعْشٍ الصُّغْرى.
بثن: البَثْنَةُ والبِثْنَةُ: الأَرضُ السَّهْلَةُ اللَّينة، وَقِيلَ: الرَّملة، وَالْفَتْحُ أَعلى؛ وأَنشد ابْنُ بَري لِجَمِيلٍ:
بَدَتْ بَدْوةً لمَّا اسْتَقَلَّت حُمولُها ... بِبَثْنةَ، بَيْنَ الجُرْفِ وَالْحَاجِّ والنُّجْلِ
. وَبِهَا سُمِّيَتِ المرأَة بَثْنة، وَبِتَصْغِيرِهَا سُمِّيَتْ بُثَيْنة. والبَثَنِيّةُ: الزُّبْدةُ. والبَثَنِيَّةُ: ضَرْبٌ مِنَ الْحِنْطَةِ. والبَثَنِيَّةُ: بلادٌ بالشأْم. وَقَوْلُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ لمَّا عَزَلَه عمرُ عَنِ الشَّامِ حِينَ خطَبَ الناسَ فَقَالَ: إنَّ عُمَر اسْتَعْمَلني عَلَى الشَّامِ وَهُوَ لَهُ مُهِمٌّ، فَلَمَّا أَلْقَى الشامُ بَوانِيَه وصارَ بَثَنِيَّةً وَعَسَلًا عزَلني وَاسْتَعْمَلَ غَيْرِي؛ فِيهِ قَوْلَانِ: قِيلَ البَثَنِيَّة حِنْطَةٌ منسوبةٌ إِلَى بَلْدَةٍ معروفةٍ بِالشَّامِ مِنْ أَرض دِمَشق، قَالَ ابْنُ الأَثير: وَهِيَ نَاحِيَةٌ مِنْ رُسْتاقِ دِمشق يُقال لَهَا البَثَنِيَّة، وَالْآخِرُ أَنه أَراد البَثَنِيَّة النَّاعِمَةَ مِنَ الرَّمْلَةِ اللَّينة يُقَالُ لَهَا بَثْنة، وَتَصْغِيرُهَا بُثَيْنَة، فأَراد خالدٌ أَن الشأْم لمَّا سَكَنَ وَذَهَبَتْ شَوْكَتُه، وَصَارَ لَيِّنًا لَا مكْروهَ فِيهِ، خِصْباً كالحِنْطة والعسلِ، عَزَلَنِي، قَالَ: والبَثْنةُ الزُّبْدة النَّاعِمَةُ أَي لَمَّا صَارَ زُبْدة نَاعِمَةً وَعَسَلًا صِرْفَيْن لأَنها صَارَتْ تُجْبَى أَموالها مِنْ غَيْرِ تَعَبٍ، قَالَ: وَيَنْبَغِي أَن يَكُونَ بُثَيْنةُ اسْمَ المرأَة تصغيرَها أَعني الزُّبْدَةَ فَقَالَ جَمِيلٌ:
أُحِبُّكَ أَنْ نَزَلْتَ جِبال حِسْمَى، ... وأَنْ ناسَبْتَ بَثْنةَ مِنْ قريبٍ «2»
. البَثْنةُ هَاهُنَا: الزبدةُ. والبَثْنةُ: النَّعْمةُ فِي النِّعْمةِ. والبَثْنَةُ: الرَّملةُ اللَّيِّنة. والبَثْنةُ: المرأَةُ الحَسْناء الْبَضَّةُ؛ قَالَ الأَزهري: قرأْتُ بِخَطِّ شَمِرٌ وَتَقْيِيدُهُ: البِثْنة، بِكَسْرِ الْبَاءِ، الأَرض اللَّيِّنَةُ، وجمعُها بِثَنٌ؛ وَيُقَالُ: هِيَ الأَرض الطَّيِّبَةُ، وَقِيلَ: البُثُنُ الرِّيَاضُ؛ وأَنشد قَوْلَ الْكُمَيْتِ:
مباؤكَ فِي البُثُنِ النَّاعِمَاْتِ ... عَيْناً، إِذَا رَوَّحَ المؤْصِل
يَقُولُ: رِياضُك تَنْعَمُ أَعْيُنَ الناسِ أَي تُقِرُّ عيونَهم إِذَا أَراحَ الرَّاعِي نَعَمَه أَصيلًا، والمَباءُ والمَباءةُ: المنزلُ. قَالَ الْغَنَوِيُّ: بَثَنِيَّةُ الشَّامِ حنطةٌ أَو حَبَّةٌ مُدَحْرجَةٌ، قَالَ: وَلَمْ أَجد حَبّةً أَفضلَ مِنْهَا؛ وَقَالَ ابْنُ رُوَيشد الثَّقَفِيُّ:
فأَدْخَلْتُها لَا حِنْطةً بَثَنِيَّةً ... تُقَابِلُ أَطْرافَ البيوتِ، وَلَا حُرْفا
قَالَ: بَثَنِيّة منسوبةٌ إِلَى قَرْيَةٍ بِالشَّامِ بَيْنَ دِمَشْقَ وأَذْرِعات، وَقَالَ أَبو الْغَوْثِ: كلُّ حِنْطَةٍ تَنْبُت فِي الأَرض السَّهْلة فَهِيَ بَثَنيَّة خِلَافَ الجبَليَّة، فَجَعَلَهُ مِنَ الأَول.
بحن: بَحْنةُ: نخلةٌ مَعْرُوفَةٌ. وَبَنَاتُ بَحْنَةَ: ضربٌ مِنَ النَّخْلِ طِوالٌ، وَبِهَا سمِّي ابنُ بُحَينة. وابنُ بَحْنَة: السوطُ تَشْبيهاً بِذَلِكَ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: قِيلَ لِلسَّوْطِ ابنُ بَحْنةَ لأَنه يُسَوّى مِنْ قُلوس الْعَرَاجِينِ. وبَحْنَةُ: اسمُ امرأَةٍ نُسِبَ إِلَيْهَا نَخْلاتٌ كُنَّ عِنْدَ بَيْتِهَا كَانَتْ تَقُولُ: هُنَّ بَنَاتِي، فَقِيلَ: بناتُ بَحْنةَ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: حَكَى أَبو سهل عن التميمي
__________
(1) . قوله [وهو بين القطب] كذا في الأَصل
(2) . هنا جميل يخاطب أخا بثينة لا بثينة نفسها(13/46)
فِي قَوْلِهِمْ بِنْتُ بحْنة أَن البَحْنة نَخْلَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِالْمَدِينَةِ، وَبِهَا سُمِّيَتِ المرأَة بَحْنة، وَالْجَمْعُ بَنَاتُ بَحْنٍ. الْمُحْكَمُ: وبَحْنةُ وبُحَيْنَةُ اسمُ امرأَتين؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ. والبَحْونُ: رملٌ متراكبٌ؛ قَالَ:
مِنْ رَمْلِ تُرْنَى ذِي الرُّكامِ البَحْون
وَرَجُلٌ بَحْوَنٌ وبَحْوَنةٌ: عظيمُ الْبَطْنِ. والبَحْوَنةُ: القِرْبةُ الواسعةُ الْبَطْنِ؛ أَنشد ابْنَ بَرِّيٍّ للأَسود بْنِ يَعْفُر:
جَذْلان يَسَّرَ جُلَّةً مَكْنُوزَةً، ... حَبْناءَ بَحْوَنةً ووَطْباً مِجْزَما «3»
. أَبو عَمْرٍو: البَحْنانةُ الجُلَّة العظيمةُ البَحْرانية الَّتِي يُحْملُ فِيهَا الكَنْعَد المالحُ، وَهِيَ البَحْوَنةُ أَيضاً، وَيُقَالُ للجُلَّة الْعَظِيمَةِ البَحْناء. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِذَا كَانَ يومُ الْقِيَامَةِ تخرجُ بَحْنانةٌ مِنْ جَهَنَّمَ فتلْقُطُ الْمُنَافِقِينَ لَقْطَ الحَمامةِ القِرْطِمَ
؛ البَحْنانةُ: الشرارةُ مِنَ النَّارِ. ودلْوٌ بَحْوَنيٌّ: عظيمٌ كثيرُ الأَخْذِ لِلْمَاءِ. وجُلَّة بَحْوَنةٌ: عظيمةٌ، قَالَ: وَكَذَلِكَ الدَّلْوُ الْعَظِيمُ. والبَحْوَنُ: ضربٌ مِنَ التَّمْرِ؛ حَكَاهُ ابْنُ دُرَيْدٍ، قَالَ: فَلَا أَدري مَا حقيقتُه. وبَحْوَن وبَحْوَنةُ: اسمان.
بخن: رَجُلٌ بَخْنٌ: طويلٌ مِثْلُ مَخْن؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأُراه بَدَلًا. ابْنُ بَرِّيٍّ: بَخَنَ، فَهُوَ باخِنٌ، طَالَ؛: قَالَ الشَّاعِرُ:
فِي باخِنٍ منْ نهارِ الصَّيْفِ مُحْتَدِم
التَّهْذِيبُ: وَيُقَالُ لِلنَّاقَةِ إِذَا تمدَّدَت لِلْحَالِبِ قَدِ ابْخَأَنَّت، وَيُقَالُ لِلْمَيِّتِ أَيضاً ابْخَأَنَّ؛ قَالَ الرَّاجِزُ فَتَرَكَ الهمزة:
مُرِبَّة [مُرَبَّة] بالنَّقْرِ والإِبْساسِ، ... ولابْخِنانِ الدَّرِّ والنُّعاسِ
يُقَالُ: قَدِ ابْخأَنَّتْ وابْخانَّت، مَهْمُوزٌ وَغَيْرُ مهموز.
بخدن: امرأَة بَخْدَنٌ: رَخصةٌ نَاعِمَةٌ تارَّةً. وبَخْدَن وبِخْدِن والبِخْدِنُ، كلُّ ذَلِكَ: اسمُ امرأَة؛ قَالَ:
يَا دارَ عَفْراءَ ودارَ البِخْدِنِ.
بدن: بَدَنُ الإِنسان: جسدُه. والبدنُ مِنَ الجسدِ: مَا سِوَى الرأْس والشَّوَى، وَقِيلَ: هُوَ العضوُ؛ عَنْ كُرَاعٍ، وَخَصَّ مَرّةً بِهِ أَعضاءَ الجَزور، وَالْجَمْعُ أَبْدانٌ. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: إِنها لحَسنةُ الأَبدانِ؛ قَالَ أَبو الْحَسَنِ: كأَنهم جَعَلُوا كُلَّ جُزْءٍ مِنْهَا بَدَناً ثُمَّ جَمَعُوهُ عَلَى هَذَا؛ قَالَ حُمَيد بْنُ ثَوْرٍ الْهِلَالِيُّ:
إِنَّ سُلَيْمى واضِحٌ لَبَّاتُها، ... لَيِّنة الأَبدانِ مِنْ تحتِ السُّبَجْ
. وَرَجُلٌ بادنٌ: سِمِينٌ جَسِيمٌ، والأُنثى بادنٌ وبادنةٌ، والجمعُ بُدْنٌ وبُدَّنٌ؛ أَنشد ثَعْلَبُ:
فَلَا تَرْهَبي أَن يَقْطَع النَّأْيُ بَيْنَنَا، ... ولَمّا يُلَوِّحْ بُدْنَهُنَّ شُروبُ
وَقَالَ زُهَيْرٌ:
غَزَتْ سِماناً فآبَتْ ضُمَّراً خُدُجاً، ... مِنْ بَعْدِ مَا جَنَّبوها بُدَّناً عُقُقا
وَقَدْ بَدُنَتْ وبَدَنَتْ تَبْدُن بَدْناً وبُدْناً وبَداناً وَبَدَانَةً؛ قَالَ:
وانْضَمَّ بُدْنُ الشَّيْخِ واسمَأَلَّا
إِنَّمَا عَنَى بالبُدن هُنَا الجوهرَ الَّذِي هُوَ الشَّحْمُ، لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى هَذَا لأَنك إِنْ جَعَلْتَ البُدْنَ عرَضاً جَعَلْتَهُ مَحَلًّا لِلْعَرَضِ. والمُبَدَّنُ والمُبَدّنةُ: كالبادِنِ والبادنةِ، إِلَّا أَن المُبَدَّنةَ صيغةُ مفعول. والمِبْدانُ:
__________
(3) . قوله [جذلان] رواية ابن سيدة: ريان(13/47)
الشَّكورُ السَّريعُ السَّمَن؛ قَالَ:
وَإِنِّي لَمِبْدانٌ، إِذَا القومُ أَخْمصُوا، ... وفيٌّ، إِذَا اشتدَّ الزَّمانُ، شحُوب
. وبَدَّنَ الرجلُ: أَسَنَّ وَضَعُفَ. وَفِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنه قَالَ: لَا تُبادروني بِالرُّكُوعِ وَلَا بالسجودِ، فَإِنَّهُ مهْما أَسْبِقكم بِهِ إِذَا ركعتُ تُدْرِكوني إِذَا رَفَعْتُ، ومهما أَسْبقْكم إذا سَجَدْتُ تُدْرِكوني إِذَا رفعتُ، إِنِّي قَدْ بَدُنْتُ
؛ هَكَذَا رُوِيَ بِالتَّخْفِيفِ بَدُنْت؛ قَالَ الأُموي: إِنَّمَا هُوَ بَدَّنْت، بِالتَّشْدِيدِ، يَعْنِي كَبِرْتُ وأَسْنَنْتُ، والتخفيفُ مِنَ الْبَدَانَةِ، وَهِيَ كثرةُ اللَّحْمِ، وبَدُنْتُ أَي سَمِنْتُ وضَخُمْتُ. وَيُقَالُ: بَدَّنَ الرجلُ تَبْديناً إِذَا أَسَنَّ؛ قَالَ حُمَيد الأَرقط:
وكنْتُ خِلْتُ الشَّيْبَ والتَّبْدينا ... والهَمَّ مِمَّا يُذْهِلُ القَرينا
قَالَ: وأَما قولُه قَدْ بَدُنْتُ فَلَيْسَ لَهُ مَعْنًى إِلَّا كَثْرَةُ اللَّحْمِ وَلَمْ يَكُنْ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَميناً. قَالَ ابْنُ الأَثير: وَقَدْ جَاءَ فِي صِفَتِهِ فِي حَدِيثِ
ابْنِ أَبي هالةَ: بادِنٌ مُتمَاسِك
؛ والبادنُ: الضخمُ، فَلَمَّا قَالَ بادِنٌ أَرْدَفَه بمُتماسِكٍ وَهُوَ الَّذِي يُمْسِكُ بعضُ أَعْضائِه بَعْضًا، فَهُوَ مُعْتَدِلُ الخَلْقِ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
أَتُحِبُّ أَنّ رَجُلًا بادِناً فِي يَوْمٍ حارٍّ غَسَلَ مَا تَحتَ إزارِه ثُمَّ أَعْطاكَه فشَرِبْتَه؟
وبَدَنَ الرجلُ، بِالْفَتْحِ، يَبْدُنُ بُدْناً وبَدانةً، فَهُوَ بادِنٌ إِذَا ضخُمَ، وَكَذَلِكَ بَدُنَ، بِالضَّمِّ، يَبْدُن بَدانةً. وَرَجُلٌ بادِنٌ ومُبَدَّنٌ وامرأَة مُبَدَّنةٌ: وَهُمَا السَّمينانِ. والمُبَدِّنُ: المُسِنُّ. أَبو زَيْدٍ: بَدُنَت المرأَةُ وبَدَنَت بُدْناً؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُ: بُدْناً وبَدانةً عَلَى فَعالة، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وامرأَةٌ بادِنٌ أَيضاً وبَدين. وَرَجُلٌ بَدَنٌ: مُسِنٌّ كَبِيرٌ؛ قَالَ الأَسود بْنُ يَعْفُرَ:
هَلْ لِشَبابٍ فاتَ مِنْ مَطْلَبِ، ... أَمْ مَا بكاءُ البَدَنِ الأَشْيَبِ؟
والبَدَنُ: الوعِلُ المُسِنُّ؛ قَالَ يصفَ وعِلًا وكَلْبة:
قَدْ قُلْتُ لَمَّا بَدَتِ العُقابُ، ... وضَمّها والبَدَنَ الحِقابُ:
جِدِّي لكلِّ عاملٍ ثَوابُ، ... والرأْسُ والأَكْرُعُ والإِهابُ
. العُقابُ: اسمُ كَلْبَةٍ، والحِقابُ: جَبَلٌ بِعَيْنِهِ، والبَدَنُ: المُسِنُّ مِنَ الوُعول؛ يَقُولُ: اصْطادي هَذَا التيْسَ وأَجعلُ ثوابَك الرأْسَ والأَكْرُعَ والإِهابَ، وبيتُ الِاسْتِشْهَادِ أَورده الْجَوْهَرِيُّ: قَدْ ضمَّها، وَصَوَابُهُ وضمَّها كَمَا أَوردناه؛ ذَكَرَهُ ابْنُ بَرِّيٍّ، وَالْجَمْعُ أَبْدُنٌ؛ قَالَ كُثَيّر عَزَّةَ:
كأَنّ قُتودَ الرَّحْلِ مِنْهَا تُبِينُها ... قُرونٌ تَحَنَّتْ فِي جَماجِمِ أَبْدُنِ
وبُدونٌ، نَادِرٌ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. والبَدنةُ مِنَ الإِبلِ وَالْبَقَرِ: كالأُضْحِيَة مِنَ الْغَنَمِ تُهْدَى إِلَى مَكَّةَ، الذَّكَرُ والأُنثى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ؛ الْجَوْهَرِيُّ: البَدْنةُ ناقةٌ أَو بقرةٌ تُنْحَرُ بِمَكَّةَ، سُمِّيت بِذَلِكَ لأَنهم كَانُوا يُسَمِّنونَها، وَالْجَمْعُ بُدُنٌ وبُدْنٌ، وَلَا يُقَالُ فِي الْجَمْعِ بَدَنٌ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ قَالُوا خَشَبٌ وأَجَمٌ ورَخَمٌ وأَكَمٌ، اسْتَثْنَاهُ اللِّحْيَانِيُّ مِنْ هَذِهِ. وَقَالَ أَبو بَكْرٍ فِي قَوْلِهِمْ قَدْ ساقَ بَدَنةً: يَجُوزُ أَن تَكُونَ سُمِّيَتْ بَدَنةً لِعِظَمِها وضَخامتِها، وَيُقَالُ: سمِّيت بدَنةً لسِنِّها. والبُدْنُ: السِّمَنُ والاكتنازُ، وَكَذَلِكَ البُدُن مِثْلُ عُسْر وعُسُر؛ قَالَ شَبيب بْنُ البَرْصاء:(13/48)
كأَنها، مِنْ بُدُنٍ وإيفارْ، ... دَبَّت عَلَيْهَا ذَرِباتُ الأَنبارْ
وَرُوِيَ: مِنْ سِمَنٍ وَإِيغَارٍ. وَفِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنه أُتِيَ ببَدَناتٍ خَمْسٍ فطَفِقْنَ يَزْدَلِفْنَ إِليه بأَيَّتِهِنَّ يَبْدأُ
؛ البَدَنةُ، بِالْهَاءِ، تَقَعُ عَلَى النَّاقَةِ وَالْبَقَرَةِ وَالْبَعِيرِ الذَّكر مِمَّا يَجُوزُ فِي الهدْي والأَضاحي، وَهِيَ بالبُدْن أَشْبَه، وَلَا تَقَعُ عَلَى الشَّاةِ، سمِّيت بَدَنةً لِعِظَمِها وسِمَنِها، وَجَمْعُ البَدَنةِ البُدْن. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ
؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: بَدَنة وبُدْن، وَإِنَّمَا سُمِّيت بَدَنةً لأَنها تَبْدُنُ أَي تَسْمَنُ. وَفِي حَدِيثِ
الشَّعْبِيِّ: قِيلَ لَهُ إِنَّ أَهلَ العِراق يَقُولُونَ إِذا أَعْتَقَ الرجلُ أَمَتَه ثُمَّ تَزوَّجها كَانَ كمَنْ يَرْكَبُ بدَنتَه
؛ أَي مَنْ أَعْتَقَ أَمتَه فَقَدْ جَعَلَهَا مُحرَّرة لِلَّهِ، فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ البَدَنةِ الَّتِي تُهْدَى إِلَى بَيْتِ اللَّهِ فِي الْحَجِّ فَلَا تُرْكبُ إِلَّا عَنْ ضرورةٍ، فَإِذَا تزَوَّجَ أَمتَه المُعْتَقة كَانَ كَمَنْ قَدْ رَكِبَ بدَنتَه المُهْداةَ. والبَدَنُ: شِبْهُ دِرْعٍ إِلَّا أَنه قَصِيرٌ قَدْرُ مَا يَكُونُ عَلَى الْجَسَدِ فَقَطْ قَصِيرُ الكُمَّينِ. ابْنُ سِيدَهْ: البَدَنُ الدِّرعُ الْقَصِيرَةُ عَلَى قَدْرِ الْجَسَدِ، وَقِيلَ: هِيَ الدِّرْعُ عامَّة، وَبِهِ فَسَّرَ ثَعْلَبٌ قَوْلَهُ تَعَالَى: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ
؛ قَالَ: بِدِرْعِك، وَذَلِكَ أَنهم شكُّوا فِي غَرَقِه فأَمرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ البحرَ أَن يَقْذِفَه عَلَى دَكَّةٍ فِي الْبَحْرِ بِبَدنه أَي بِدرْعِهِ، فَاسْتَيْقَنُوا حِينَئِذٍ أَنه قَدْ غَرِقَ؛ الْجَوْهَرِيُّ: قَالُوا بجَسَدٍ لَا رُوحَ فِيهِ، قَالَ الأَخفش: وقولُ مَن قالَ بِدرْعِك فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَالْجَمْعُ أَبْدانٌ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، كَرَّمَ الله وجهَه: لَمَّا خطَب فاطمةَ، رضوانُ اللَّهِ عَلَيْهَا، قِيلَ: مَا عندكَ؟ قَالَ: فَرَسي وبَدَني
؛ البَدَنُ: الدِّرْع مِنَ الزَّرَدِ، وَقِيلَ: هِيَ القصيرةُ مِنْهَا. وَفِي حَدِيثِ
سَطيح: أَبْيَضُ فَضْفاضُ الرِّداءِ والبَدَنِ
أَي واسعُ الدِّرْعِ؛ يُرِيدُ كثرةَ الْعَطَاءِ. وَفِي حَدِيثِ مَسْح الخُفَّين:
فأَخْرجَ يدَه مِنْ تحتِ بدَنِه
؛ اسْتعارَ البَدَنَ هَاهُنَا للجُبَّةِ الصغيرةِ تَشْبِيهًا بالدِّرع، وَيُحْتَمَلُ أَن يُرِيدَ مِنْ أَسفَل بدَنِ الجُبَّة، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ الأُخرى: فأَخرجَ يَدَهُ مِنْ تحتِ البَدَنِ. وبدَنُ الرجلِ: نَسَبُه وحسبُه؛ قَالَ:
لَهَا بدَنٌ عاسٍ، ونارٌ كريمةٌ ... بمُعْتَركِ الآريّ، بين الضَّرائِم.
بذن: قَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ فِي المَنْطِق: بأْذَنَ فلانٌ مِنَ الشَّرِّ بأْذَنةً، وَهِيَ المُبَأْذَنةُ، مَصْدَرٌ، وَيُقَالُ: أَنائِلًا تريدُ ومُعَتْرَسةً، أَراد بالمُعَترسة الِاسْمَ يُرِيدُ بِهِ الفعلَ مثل المُجاهَدة «1» .
بذبن: باذَبِينُ: رسولٌ كَانَ لِلْحَجَّاجِ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي كِلَابٍ:
أَقولُ لِصَاحِبِي وجَرَى سَنيحٌ، ... وآخرُ بارِحٌ مِن عنْ يَميني
وَقَدْ جَعَلَتْ بَوائقُ مِنْ أُمورٍ ... تُوَقِّعُ دونَه، وتَكُفُّ دُوني:
نشدْتُك هلْ يَسُرُّك أَنّ سَرْجي ... وسَرْجَك فوقَ بَغْلٍ باذَبِيني؟
قَالَ: نَسَبَهُ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي كان رسولًا للحجاج.
برن: البَرْنيُّ: ضرْبٌ مِنَ التَّمْرِ أَصْفَرُ مُدَوّر، وَهُوَ أَجود التَّمْرِ، واحدتُه بَرْنِيّةٌ؛ قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: أَصله فَارِسِيٌّ، قَالَ: إِنَّمَا هُوَ بارِنيّ، فَالْبَارُ الحَمْلُ، ونِيّ تعظيمٌ وَمُبَالَغَةً؛ وَقَوْلُ الرَّاجِزِ:
خَالِيَ عُوَيْفٌ وأَبو عَلِجِّ، ... المُطْعِمانِ اللحْمَ بالعَشِجِ
__________
(1) . قوله: ويقال أنائلًا إلخ؛ فلا علاقة له بمادة بأذن(13/49)
وبالغَداةِ كِسَرَ البَرْنِجِّ، ... يُقْلَعُ بالوَدِّ وبالصِّيصِجِ
فَإِنَّهُ أَراد: أَبو عَلِيٍّ وَبِالْعَشِيِّ وَالْبَرْنِيِّ والصِّيصِيّ، فأَبدل مِنَ الْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ جِيمًا. التَّهْذِيبُ: البَرْنِيُّ ضربٌ مِنَ التَّمْرِ أَحمرُ مُشْرَب بصُفْرة كَثِيرُ اللِّحاء عَذْب الحَلاوة. يُقَالُ: نخلةٌ بَرْنِيَّة ونخلٌ بَرْنِيٌّ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
بَرْنِيّ عَيْدانٍ قَليل قشْرُهْ
ابْنُ الأَعرابي: البَرْنِيُّ الدِّيَكةُ، وَقِيلَ: البَرَانيُّ، بِلُغَةِ أَهل الْعِرَاقِ، الدِّيَكةُ الصِّغارُ حِينَ تُدْرِك، واحدتُها بَرْنِيّة. والبَرْنِيَّةُ: شبْهُ فخّارةٍ ضخمةٍ خَضْراء، وَرُبَّمَا كَانَتْ مِنَ القَواريرِ الثِّخانِ الواسعةِ الأَفْواه. غَيْرُهُ: والبَرْنيَّة إناءٌ مِنْ خَزَفٍ. ويَبْرينُ: مَوْضِعٌ، يُقَالُ: رملُ يَبْرينَ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: حقُّ يَبْرينَ أَنْ يُذْكَر فِي فَصْلِ بَرَى مِنْ بَابِ الْمُعْتَلِّ لأَنّ يبرينَ مِثْلُ يَرْمينَ، قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ يَبْرونَ فِي الرَّفْعِ وَيَبْرِينَ فِي النَّصْبِ وَالْجَرِّ، وَهَذَا قاطعٌ بِزِيَادَةِ النُّونِ؛ قَالَ: وَلَا يَجُوزُ أَن يَكُونَ يَبْرين فَعْلينَ، لأَنه لَمْ يأْتِ لَهُ نظيرٌ، وَإِنَّمَا فِي الْكَلَامِ فِعْلينٌ مثلُ غِسْلينٍ، قَالَ: وَهَذَا مَذْهَبُ أَبي الْعَبَّاسِ، أَعني أَن يَبْرين مثلُ يَرْمين، قال: وهو الصحيح.
برثن: البُرْثُنُ: مِخْلَبُ الأَسَد، وَقِيلَ: هُوَ للسبُع كالإِصْبَع للإِنسان، وَقِيلَ: البُرْثُنُ الكَفُّ بِكَمَالِهَا مَعَ الأَصابع. اللَّيْثُ: البَراثِن أَظْفار مَخالِب الأَسَد، يُقَالُ: كأَنّ بَراثِنَه الأَشافي. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: البُرْثُن مِثْلُ الإِصْبع، والمِخْلَبُ ظُفُر البُرْثُن؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسَ:
وتَرى الضّبَّ خَفِيفًا ماهِراً، ... رَافعاً بُرْثُنَه مَا يَنْعَفِرْ
وَالْمَشْهُورُ فِي شِعْرِ امْرِئِ الْقَيْسِ: ثَانِيًا بُرْثُنَهُ، يَصِفُ مَطَرًا كَثِيرًا أَخرجَ الضَّبَّ مِنْ جُحْره، فعامَ فِي الْمَاءِ مَاهِرًا فِي سباحَته يَبْسُطُ بَراثْنه ويَثْنيها فِي سِباحَته، وقولُه مَا يَنْعَفِر أَي لَا يُصِيبُ بَراثنَه الترابُ، وَهُوَ العَفَرُ، والبَراثن لِلسِّبَاعِ كُلِّهَا، وَهِيَ مِنَ السباعِ وَالطَّيْرِ بمَنْزلة الأَصابع مِنَ الإِنسان؛ وَقَدْ تُستعارُ البَراثِنُ لأَصابع الإِنسان كَمَا قال ساعدةُ ابنُ جُؤَيَّةَ يَذْكُرُ النَّحْلَ ومُشْتَار العَسَلِ:
حتَّى أُشِبَّ لَهَا، وَطَالَ أَبابُها، ... ذُو رُجْلَةٍ شَتْنُ البَراثِنِ جَحْنَبُ
والجَحْنَب: القَصير، وَلَيْسَ يَهْجوه وَإِنَّمَا أَراد أَنه مُجْتَمِعُ الخَلْق. وَفِي حَدِيثِ القبائِلِ:
سُئِلَ عَنْ مُضَرَ فَقَالَ: تَميمٌ بُرْثُمَتُها وجُرْثُمَتُها
؛ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: إِنَّمَا هُوَ بُرْثُنَتُها، بِالنُّونِ، أَي مَخالِبُها، يُرِيدُ شَوْكَتها وقُوَّتَها، والميمُ والنونُ يتَعاقبان، فَيَجُوزُ أَن تكونَ الميمُ لُغَةً، وَيَجُوزُ أَن تكونَ بَدَلًا لازْدِواج الْكَلَامِ فِي الجُرْثومة كَمَا قَالَ الغَدايا والعَشايا. والبُرْثُن لِمَا لَمْ يَكنْ مِنْ سِباعِ الطَّيْرِ مثلُ الْغُرَابِ وَالْحَمَامِ، وَقَدْ يكونُ للضَّبِّ والفأْر واليَرْبوع. وبُرْثُنُ: قَبِيلَةٌ؛ أَنشد سِيبَوَيْهِ لقَيْسِ بنِ المُلَوَّح:
لَخُطَّابُ لَيْلى، يالَ بُرْثُنَ منكُمُ، ... أَدَلُّ وأَمْضَى مِنْ سُلَيكِ المَقانِبِ
غَيْرُهُ: بُرْثُن حَيٌّ مِنْ بَنِي أَسد؛ قَالَ: وَقَالَ قُرّانٌ الأَسَديّ:
لَزُوّارُ لَيْلى، منكُمُ آلَ بُرْثُن، ... عَلَى الهَوْلِ أَمْضَى مِنْ سُلَيْكِ المَقانِب
تَزُورُونَها وَلَا أَزورُ نِساءَكم، ... أَلَهْفي لأَولاد الإِماءِ الحَواطِب(13/50)
قَالَ: وَالْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ الأَوّلُ، جَعَلَ اهتِداءَهم لِفَسادِ زوجتِه كاهْتِداء سُلَيْكِ بْنِ السُّلَكةِ فِي سَيْره فِي الفَلَوات. وَفِي النِّهَايَةِ لِابْنِ الأَثير: بَرْثان، بِفَتْحِ الْبَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ، وَادٍ فِي طَرِيقِ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى بَدْرٍ، قَالَ: وَقِيلَ فِي ضبطه غيرُ ذلك.
برذن: البِرْذَوْنُ: الدَّابَّةُ، مَعْرُوفٌ، وسَيْرَتُه البَرْذَنَةُ، والأُنثى بِرْذَوْنَةٌ، قال:
رأَيتُكَ، إذْ جالَتْ بكَ الخَيْلُ جَوْلةً، ... وأَنتَ عَلَى بِرْذَوْنةٍ غَيْرَ طائلِ
وجَمْعُه بَراذينُ. وَالْبَرَاذِينُ مِنَ الخَيْلِ: مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ نِتاج العِرابِ. وبَرذَنَ الفرسُ: مَشَى مشيَ البَراذينِ. وبَرْذَنَ الرجلُ: ثَقُلَ؛ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: وأَحسِبُ أَن البرْذَوْن مُشْتَقٌّ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، وحكي عَنِ الْمُؤَرِّجِ أَنه قَالَ: سأَلتُ فُلَانًا عَنْ كَذَا وَكَذَا فبَرْذَنَ لِي أَي أَعْيا وَلَمْ يُجِبْ فيه.
برزن: البِرْزينُ، بِالْكَسْرِ: إِنَاءٌ مِنْ قِشْرِ الطَّلْع يُشْرَب فِيهِ، فَارِسِيٌّ مُعرّب، وَهِيَ التَّلْتَلة. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: البِرْزِينُ قِشْرُ الطَّلْعةِ يُتَّخَذ مِنْ نِصْفِهِ تَلْتَلةٌ؛ وأَنشد لعَديّ بْنِ زَيْدٍ:
إنَّما لِقْحَتُنا باطيةٌ، ... جَوْنةٌ يَتْبَعُها بِرْزِينُها
فإِذا مَا حارَدتْ أَو بَكَأَتْ، ... فُكَّ عَنْ حاجِبِ أُخْرى طينُها
وَفِي التَّهْذِيبِ:
إِنَّمَا لِقْحتُنا خابيةٌ
شَبَّه خابيتَه بلِقْحةٍ جَوْنةٍ أَي سوداءَ، فإِذا قَلَّ مَا فِيهَا أَو انْقَطَعَ فُتِحَتْ أُخرى، قَالَ: وصوابُ برْزينٍ أَن يُذْكَر فِي فَصْلِ برَز، لأَنّ وَزْنه فِعْلينٌ مثل غِسْلين، قال: وَالْجَوْهَرِيُّ جَعَلَ وَزْنَهُ فِعْليلًا. النَّضْر: البِرزين كُوز يُحْمَلُ بِهِ الشَّرابُ مِنَ الخابِية. الْجَوْهَرِيُّ: البِرْزينُ، بِالْكَسْرِ، التَّلْتَلةُ، وَهِيَ مِشْرَبة تُتّخذ مِنْ قِشر الطَّلعة.
بركن: التَّهْذِيبُ فِي الرُّبَاعِيِّ: الْفَرَّاءُ يُقَالُ لِلْكِسَاءِ الأَسود بَرْكان وَلَا يُقَالُ بَرَنكان.
برهن: التَّهْذِيبُ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ*
؛ البُرْهان الحُجّة الْفَاصِلَةُ الْبَيِّنَةُ، يُقَالُ: بَرْهَنَ يُبَرْهِنُ بَرْهَنةً إِذَا جَاءَ بحُجّةٍ قَاطِعَةٍ لِلَدَد الخَصم، فَهُوَ مُبَرْهِنٌ. الزَّجَّاجُ: يُقَالُ لِلَّذِي لَا يُبَرْهِنُ حَقِيقَتَهُ إِنَّمَا أَنت متمنٍّ، فجعلَ يُبَرْهن بِمَعْنَى يُبَيِّن، وجَمْعُ البرهانِ براهينُ. وَقَدْ بَرْهَنَ عَلَيْهِ: أَقام الْحُجَّةَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
الصَّدَقةُ بُرْهانٌ
؛ البُرْهانُ: الحجّةُ وَالدَّلِيلُ أَي أَنها حُجَّةٌ لِطَالِبِ الأَجْر مِنْ أَجل أَنَّها فَرْضٌ يُجازِي اللهُ بِهِ وَعَلَيْهِ، وَقِيلَ: هِيَ دَليلٌ عَلَى صِحَّةِ إِيمَانِ صَاحِبِهَا لِطِيبِ نَفْسه بإخْراجها، وَذَلِكَ لعَلاقةٍ مَّا بَيْنَ النفْسِ والمال.
برهمن: البُرَهْمِنُ: العالِم، بالسُّمَنيَّة. التَّهْذِيبُ: البُرَهْمِنُ بالسُّمَنِيّة عالِمُهم وعابِدُهم.
بزن: الأَبْزَنُ: شيءٌ يُتَّخَذ مِنَ الصُّفْر لِلْمَاءِ وَلَهُ جَوْف، وَقَدْ أَهْمله اللَّيْثُ؛ وَجَاءَ فِي شعرٍ قَدِيمٍ: قَالَ أَبو دُوادٍ الإِياديّ يَصِفُ فَرَسًا وَصَفه بِانْتِفَاخِ جَنْبَيْه:
أَجْوَفُ الجَوْفِ، فَهُوَ مِنْهُ هواءٌ، ... مِثْلَ مَا جافَ، أَبْزَناً، نَجَّارُ
أَصله آبْزَنَ فَجَعَلَهُ الأَبْزَنَ حَوْض مِنْ نُحاسٍ يَسْتَنْقعُ فِيهِ الرجلُ، وَهُوَ مُعَرّب، وجعَل صانِعَه نَجَّارًا جافَ أَبَزْناً وسَّع جوفَه لِتَجْوِيدِهِ إِيَّاهُ. ابْنُ بَرِّيٍّ: الأَبْزَنُ شَيْءٌ يَعْمَله النَّجَّارُ مِثْلَ التَّابُوتِ؛(13/51)
وأَنشد بَيْتَ أَبي دُواد:
مِثل مَا جَافَ أَبزناً نجّارُ
أَبو عَمْرٍو الشّيْباني: يُقَالُ إبْزِيمٌ وإبْزِينٌ ويُجْمَع أَبازينَ؛ قَالَ أَبو دُوَادَ فِي صِفَةِ الْخَيْلِ:
إنْ لَم تَلِطْني بهمْ حَقًّا، أَتَيْتُكُمُ ... حُوّاً وكُمْتاً تَعادَى كَالسَّرَاحِينِ
مِنْ كُلِّ جَرْداءَ قَدْ طارَتْ عقيقتُها، ... وَكُلِّ أَجْرَدَ مُسْتَرْخِي الأَبازِينِ
جمعُ إبْزِين، وَيُقَالُ للقُفْل أَيضاً الإِبْزيمَ لأَنّ الإِبْزِيم إفْعيل مِنْ بَزَمَ إِذَا عَضَّ، وَيُقَالُ أَيضاً إبْزين، بِالنُّونِ. الْجَوْهَرِيُّ: البُزْيونُ، بِالضَّمِّ، السُّنْدُس؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هُوَ رَقيقُ الدِّيبَاجِ، قَالَ: والإِبْزين لغةٌ فِي الإِبزيم؛ وأَنشد:
وَكُلِّ أَجردَ مُسْترْخي الأَبازينِ
بسن: الباسِنةُ: كالْجُوالِقِ غَليظٌ يُتَّخذُ مِنْ مُشاقةِ الكَتَّان أَغْلظُ مَا يَكونُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَهْمِزها. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: البأْسِنةُ كِساء مَخيطٌ يُجْعلُ فِيهِ طَعَامٌ، والجمعُ البَآسِنُ. والبآسِنةُ: اسْمٌ لِآلَاتِ الصُّنَّاع، قَالَ: وَلَيْسَ بَعَرَبيّ مَحْضٍ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ: نَزَل آدمُ، عَلَيْهِ السلامُ، مَنْ الجَنة بالباسِنةِ
، التفسيرُ للهرَويّ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: قِيلَ إِنَّهَا آلاتُ الصُّنَّاع، وَقِيلَ: إِنَّهَا سِكّةُ الحَرْث، قَالَ: وَلَيْسَ بِعَرَبِيٍّ مَحْضٍ. ابْنُ بَرِّيٍّ: البَواسِنُ جمعُ باسِنةٍ سِلال الفُقّاع، قَالَ: حَكَاهُ ابنُ دَرَسْتَوَيْه عَنِ النَّضْر بنِ شُمَيْل. وحَسَنٌ بَسَنٌ إتْباعٌ. ابْنُ الأَعرابي: أَبْسَنَ الرجلُ إِذَا حَسُنَتْ سَحْنَتُه. وبَيْسانُ: مَوْضِعٌ بِنَوَاحِي الشَّامِ؛ قَالَ أَبو دُواد:
نَخَلاتٌ مِنْ نَخْلِ بَيْسانَ أَينَعْنَ ... جميعاً، ونَبْتُهنَّ تُؤامُ
بصن: بُصان: اسمُ رَبيعٍ الآخِرِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ؛ هَكَذَا حَكَاهُ قُطْربٌ عَلَى شَكْل غُرابٍ، قَالَ: وَالْجَمْعُ أَبْصِنَةٌ وبِصْنانٌ كأَغْربةٍ وغِرْبانٍ، وأَما غيرُه مِنَ اللغويِّين فَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَهُمْ وَبُصان، عَلَى مِثَالِ سَبُعان، ووَبِصان، عَلَى مِثال شَقِرانٍ، قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ أَبو إسحق: سُمّي بذلك لِوبيص السِّلَاحِ فِيهِ أَي بَريقه. التَّهْذِيبُ: بَصَنَّى «2» . قَرْيَةٌ فِيهَا السُّتور البَصَنِّيّة، وَلَيْسَتْ بِعَرَبِيَّةٍ.
بطن: البَطْنُ مِنَ الإِنسان وسائِر الْحَيَوَانِ: معروفٌ خِلَافَ الظَّهْر، مذكَّر، وَحَكَى أَبو عُبَيْدَةَ أَن تأْنيثه لغةٌ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شاهدُ التَّذْكِيرِ فِيهِ قولُ ميّةَ بنتِ ضِرار:
يَطْوي، إذا مَا الشُّحُّ أَبْهَمَ قُفْلَه، ... بَطْناً، مِنَ الزادِ الخبيثِ، خَميصا
وَقَدْ ذَكرْنا فِي تَرْجَمَةٍ ظَهَرَ فِي حَرْفِ الرَّاءِ وجهَ الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ فِيمَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ مِنْ قولِ الْعَرَبِ: ضُرِبَ عبدُ اللَّهُ بَطْنُه وظهرُه، وضُرِبَ زيدٌ البطنُ والظهرُ. وجمعُ البَطْنِ أَبطُنٌ وبُطُونٌ وبُطْنانٌ؛ التَّهْذِيبُ: وَهِيَ ثلاثةُ أَبْطُنٍ إِلَى العَشْرِ، وبُطونٌ كَثِيرَةٌ لِما فوْقَ العَشْرِ، وتصغيرُ البَطْنِ بُطَيْنٌ. والبِطْنةُ: امتلاءُ البَطْنِ مِنَ الطَّعَامِ، وَهِيَ الأَشَرُ مِنْ كَثْرةِ الْمَالِ أَيضاً. بَطِنَ يَبْطَنُ بَطَناً وبِطْنةً وبَطُنَ وَهُوَ بَطينٌ، وَذَلِكَ إِذَا عَظُمَ بطْنُه. وَيُقَالُ: ثَقُلَتْ عَلَيْهِ البِطْنةُ، وهي
__________
(2) . قوله [بصنى] كذا ضبط في الأَصل وهو موافق لقول القاموس: وبصنى محركة مشددة النون إلخ. والذي في ياقوت: إنه بفتح الباء وكسر الصاد وتشديد النون(13/52)
الكِظَّة، وَهِيَ أَن يَمْتلِئَ مِنَ الطَّعَامِ امْتِلَاءً شَدِيدًا. وَيُقَالُ: لَيْسَ للبِطْنةِ خيرٌ مِنْ خَمْصةٍ تَتْبَعُها؛ أَراد بالخَمْصَة الجوعَ. وَمِنْ أَمثالهم: البِطْنة تُذْهِبُ الفِطْنةَ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
يَا بَني المُنْذرِ بن عَبْدانَ، والبِطنةُ ... مِمَّا تُسَفِّهُ الأَحْلاما
وَيُقَالُ: مَاتَ فلانٌ بالبَطَنِ. الْجَوْهَرِيُّ: وبُطِنَ الرجلُ، عَلَى مَا لَمْ يسمَّ فَاعِلَهُ، اشْتَكَى بَطْنَه. وبَطِن، بِالْكَسْرِ، يَبْطَن بَطَناً: عَظُم بَطْنُه مِنَ الشِّبَعِ؛ قَالَ القُلاخ:
وَلَمْ تَضَعْ أَولادَها مِنَ البَطَنْ، ... وَلَمْ تُصِبْه نَعْسَةٌ عَلَى غَدَنْ
والغَدَنُ: الإِسْتِرخاءُ والفَتْرة. وَفِي الْحَدِيثِ:
المَبْطونُ شهيدٌ
أَي الَّذِي يموتُ بمَرَض بَطْنه كالاسْتِسْقاء وَنَحْوِهِ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
أَنَّ امرأَةً مَاتَتْ فِي بَطَن
، وَقِيلَ: أَراد بِهِ هَاهُنَا النِّفاسَ، قَالَ: وَهُوَ أَظهر لأَن الْبُخَارِيَّ ترْجَم عَلَيْهِ بَابَ الصَّلَاةِ عَلَى النُّفَساء. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ:
تَغْدُو خِماصاً وتَرُوحُ بِطاناً
أَي ممتَلِئةَ البُطونِ. وَفِي حَدِيثِ
مُوسَى وشعيبٍ، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وعَوْد غَنَمِه: حُفَّلًا بِطاناً
؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَبِيتُ مِبْطاناً وحَوْلي بُطونٌ غَرْثى
؛ المِبْطان: الكثيرُ الأَكل والعظيمُ البطنِ. وَفِي صِفَةِ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: البَطِينُ الأَنْزَعُ
أَي العظيمُ البطْنِ. ورجلٌ بَطِنٌ: لَا هَمَّ لَهُ إلَّا بَطْنُه، وَقِيلَ: هُوَ الرَّغيب الَّذِي لَا تَنْتَهِي نفسُه مِنَ الأَكل، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي لَا يَزَالُ عظيمَ البَطْنِ مِنْ كثرةِ الأَكل، وَقَالُوا: كِيسٌ بَطينٌ أَي مَلآنُ، عَلَى المَثَل؛ أَنشد ثعلبٌ لِبَعْضِ اللُّصوص:
فأَصْدَرْتُ مِنْهَا عَيْبةً ذاتَ حُلَّةٍ، ... وكِيسُ أَبي الجارُودِ غَيْرُ بَطينِ
وَرَجُلٌ مِبْطانٌ: كثيرُ الأَكل لَا يَهُمُّه إِلَّا بَطْنُه، وبَطينٌ: عظيمُ البَطْنِ، ومُبَطَّنٌ: ضامِر البَطْنِ خَميصُه، قَالَ: وَهَذَا عَلَى السَّلْب كأَنه سُلِبَ بَطْنَه فأُعْدِمَه، والأُنثى مُبَطَّنةٌ، ومَبْطونٌ: يَشْتَكي بَطْنَه؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
رَخِيمات الكلامِ مُبَطَّنات، ... جَواعِل فِي البُرَى قَصَباً خِدالا
وَمِنْ أَمثالهم: الذِّئْبُ يُغْبَط بِذي بَطْنه؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَذَلِكَ أَنه لَا يُظَنُّ بِهِ أَبداً الْجُوعُ إِنَّمَا يُظَنّ بِهِ البِطْنةُ لِعَدْوِه عَلَى النَّاسِ والماشِيَةِ، ولعلَّه يكونُ مَجْهوداً مِنَ الْجُوعِ؛ وأَنشد:
ومَنْ يَسْكُنِ البَحْرَيْنِ يَعْظُمْ طِحالُه، ... ويُغْبَطُ مَا فِي بَطْنه وهْو جائعُ
وَفِي
صِفَةِ عِيسَى، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ أَفضل الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ: فَإِذَا رجُل مُبَطَّنٌ مثلُ السَّيف
؛ المُبَطَّنُ: الضامِرُ البَطْن، وَيُقَالُ لِلَّذِي لَا يَزالُ ضَخْمَ البطنِ مِنْ كَثْرَةِ الأَكل مِبْطانٌ، فَإِذَا قَالُوا رَجُلٌ مُبَطَّنٌ فَمَعْنَاهُ أَنه خَميص البَطْن؛ قَالَ مُتمّم بْنُ نُوَيرة:
فَتًى غَيْرَ مِبْطانِ العَشِيَّةِ أَرْوعا
وَمِنْ أَمثال الْعَرَبِ الَّتِي تُضْرَب للأَمر إِذَا اشْتَدَّ: التَقَتْ حَلْقَتا البِطانِ، وأَما قَوْلُ الرَّاعِي يَصِفُ إِبَلًا وَحَالِبَهَا:
إِذَا سُرِّحَتْ مِنْ مَبْرَكٍ نامَ خلفَها، ... بمَيْثاءَ، مِبْطان الضُّحى غَيْرَ أَرْوعا
مِبْطانُ الضُّحى: يَعْنِي رَاعِيًا يُبادِر الصَّبوح فيشرَبُ حَتَّى يَميلَ مِنَ اللَّبَن. والبَطينُ: الَّذِي لَا يَهُمُّه إِلَّا(13/53)
بَطْنُه. والمَبْطُونُ: العَليل البَطْنِ. والمِبْطانُ: الَّذِي لَا يزالُ ضخْمَ البطنِ. والبَطَنُ: داءُ البَطْن. وَيُقَالُ: بَطَنَه الداءُ وَهُوَ يَبْطُنُه، إِذَا دَخَله، بُطوناً. وَرَجُلٌ مَبْطونٌ: يَشْتَكي بَطْنَه. وَفِي حَدِيثِ
عَطَاءٍ: بَطَنتْ بِكَ الحُمَّى
أَي أَثَّرَت فِي بَاطِنِكَ. يُقَالُ: بَطَنَه الداءُ يبطُنه. وَفِي الْحَدِيثِ:
رَجُلٌ ارْتَبَطَ فرَساً لِيَسْتبْطِنَها
أَي يَطْلُبَ مَا فِي بَطْنِهَا مِنَ النِّتاج. وبَطَنَه يبْطُنُه بَطْناً وبَطَنَ لَهُ، كِلاهما: ضرَب بَطْنَه. وضرَب فلانٌ البعيرَ فبَطَنَ لَهُ إِذَا ضرَب لَهُ تَحْتَ البَطْن؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
إِذَا ضرَبْتَ مُوقَراً فابْطُنْ لهْ، ... تحتَ قُصَيْراهُ ودُون الجُلَّهْ،
فإنَّ أَنْ تَبْطُنَهُ خَيرٌ لَهْ
أَراد فابطُنْه فَزَادَ لَامًا، وَقِيلَ: بَطَنَه وبَطَن لَهُ مِثْلَ شَكَره وشَكَرَ لَهُ ونصَحَه ونصحَ لَهُ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَإِنَّمَا أَسكن النُّونَ للإِدغام فِي اللَّامِ؛ يَقُولُ: إِذَا ضَرَبْتَ بَعِيرًا مُوقَراً بحِمْله فاضْرِبْه فِي مَوْضِعٍ لَا يَضُرُّ بِهِ الضربُ، فَإِنَّ ضرْبَه فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مِنْ بطْنه خَيْرٌ لَهُ مِنْ غَيْرِهِ. وأَلقَى الرجلُ ذَا بَطْنه: كِنَايَةٌ عَنِ الرَّجيع. وأَلْقَت الدَّجاجةُ ذَا بَطْنِها: يَعْنِي مَزْقَها إِذَا بَاضَتْ. ونثرَت المرأَةُ بَطْنَها وَلَدًا: كَثُر ولدُها. وأَلقت المرأَةُ ذَا بطنِها أَي وَلَدَت. وَفِي حَدِيثِ
الْقَاسِمِ بْنِ أَبي بَرَّةَ: أَمَرَ بعشَرَةٍ مِنَ الطَّهارة: الخِتانِ والاستِحدادِ وغَسْلِ البَطِنةِ ونَتْفِ الإِبْطِ وَتَقْلِيمِ الأَظفار وقصِّ الشَّارِبِ والاستِنْثار
؛ قَالَ بَعْضُهُمْ: البَطِنة هِيَ الدبُر، هَكَذَا رَوَاهَا بَطِنة، بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِ الطَّاءِ؛ قَالَ شَمِرٌ: والانتِضاحُ «1» . الاسْتِنجاءُ بِالْمَاءِ. والبَطْنُ: دُونَ الْقَبِيلَةِ، وَقِيلَ: هُوَ دُونَ الفَخِذِ وَفَوْقَ العِمارة، مُذَكَّر، وَالْجَمْعُ أَبْطُنٌ وبُطُونٌ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: كَتَب عَلَى كلِّ بطْنٍ عُقولَه
؛ قَالَ: البَطْنُ مَا دُونَ الْقَبِيلَةِ وَفَوْقَ الفخِذ، أَي كَتَب عَلَيْهِمْ مَا تَغْرَمُه الْعَاقِلَةُ مِنَ الدِّيات فبَيَّن مَا عَلَى كل قَوْمٍ مِنْهَا؛ فأَما قَوْلُهُ:
وإنَّ كِلاباً هَذِهِ عَشْرُ أَبْطُنٍ، ... وأَنتَ بريءٌ مِنْ قبَائِلِها العَشْر
فَإِنَّهُ أَنّث عَلَى مَعْنَى الْقَبِيلَةِ وأَبانَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ مِنْ قَبَائِلِهَا الْعَشْرِ. وفرسٌ مُبَطَّنٌ: أَبيضُ البَطْنِ وَالظَّهْرِ كَالثَّوْبِ المُبطَّن ولَوْنُ سائرِه مَا كَانَ. والبَطْنُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ: جَوْفُه، وَالْجَمْعُ كَالْجَمْعِ. وَفِي صِفَةِ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ:
لِكُلِّ آيَةٍ مِنْهَا ظَهْرٌ وبطْن
؛ أَراد بالظَّهْرِ مَا ظَهَرَ بيانُه، وبالبَطْن مَا احْتِيجَ إِلَى تَفْسِيرِهِ كالباطِن خِلَافَ الظَّاهِرِ، وَالْجَمْعُ بَواطِنُ؛ وَقَوْلُهُ:
وسُفْعاً ضِياهُنَّ الوَقودُ فأَصْبَحَت ... ظواهِرُها سُوداً، وباطِنُها حُمْرا
أَراد: وبواطِنُها حُمْراً فوَضع الواحدَ موضعَ الْجَمْعِ، ولذلك استَجاز أَن يَقُولَ حُمْراً، وَقَدْ بَطُنَ يَبْطُنُ. والباطِنُ: مِنْ أَسماء اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ
؛ وتأْويلُه مَا رُوِيَ
عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي تَمْجيد الرَّبِّ: اللَّهُمَّ أَنتَ الظاهِر فَلَيْسَ فوقَك شيءٌ، وأَنت الباطِنُ فَلَيْسَ دونَك شَيْءٌ
، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنه علِمَ السرائرَ والخفيَّاتِ كَمَا عَلِمَ كلَّ مَا هُوَ ظاهرُ الخَلْقِ، وَقِيلَ: الباطِن هُوَ المُحْتَجِب عَنْ أَبصار الخلائِق
__________
(1) . قوله [والانتضاح] هكذا بدون ذكره في الحديث(13/54)
وأَوْهامِهم فَلَا يُدرِكُه بَصَر وَلَا يُحيطُ بِهِ وَهْم، وَقِيلَ: هُوَ العالمُ بكلِّ مَا بَطَن. يُقَالُ: بَطَنْتُ الأَمرَ إِذَا عَرَفتَ باطنَه. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ
؛ فَسَّرَهُ ثَعْلَبٌ فَقَالَ: ظاهرُه المُخالَّة وباطنُه الزِّنا، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ. والباطِنةُ: خلافُ الظَّاهِرَةِ. والبِطانةُ: خلافُ الظِّهارة. وبِطانةُ الرَّجُلِ: خاصَّتُه، وَفِي الصِّحَاحِ: بِطانةُ الرَّجُلِ وَليجتُه. وأَبْطَنَه: اتَّخَذَه بِطانةً. وأَبْطَنْتُ الرجلَ إِذَا جَعَلْتَه مِنْ خَواصِّك. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ وَلَا استَخْلَفَ مِنْ خَلِيفَةٍ إِلَّا كَانَتْ لَهُ بِطانتانِ
؛ بِطانةُ الرَّجُلِ: صاحبُ سِرِّه وداخِلةُ أَمره الَّذِي يُشاوِرُه فِي أَحواله. وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ الِاسْتِسْقَاءِ:
وَجَاءَ أَهلُ البِطانةِ يَضِجُّون
؛ البِطانةُ: الخارجُ مِنَ الْمَدِينَةِ. والنِّعْمة الباطنةُ: الخاصَّةُ، والظاهرةُ: العامَّةُ. وَيُقَالُ: بَطْنُ الراحةِ وظَهْرُ الكَفّ. وَيُقَالُ: باطنُ الإِبْط، وَلَا يُقَالُ بطْن الإِبْط. وباطِنُ الخُفّ: الَّذِي تَليه الرجْلُ. وَفِي حَدِيثِ
النَّخَعي: أَنه كَانَ يُبَطِّنُ لِحْيتَه ويأْخُذُ مِنْ جَوانِبها
؛ قَالَ شَمِرٌ: مَعْنَى يُبَطِّن لحيتَه أَي يأْخذ الشَّعَر مِنْ تَحْتِ الحَنَك والذَّقَنِ، وَاللَّهُ أَعلم. وأَفْرَشَني ظَهْر أَمرِه وبَطْنَه أَي سِرَّه وعلانِيَتَه، وبَطَنَ خبرَه يَبْطُنُه، وأَفرَشَني بَطْنَ أَمره وظَهْرَه، ووَقَف عَلَى دَخْلَته. وبَطَن فلانٌ بِفُلَانٍ يَبْطُنُ بِهِ بُطوناً وَبِطَانَةً إِذَا كان خاصّاً به داخلًافي أَمره، وَقِيلَ: بَطَنَ بِهِ دَخَلَ فِي أَمره. وبَطَنتُ بِفُلَانٍ: صِرْتُ مِنْ خواصِّه. وإنَّ فُلَانًا لَذُو بِطانة بِفُلَانٍ أَي ذُو علمٍ بداخلةِ أَمره. وَيُقَالُ: أَنتَ أَبْطنْتَ فُلَانًا دُونِي أَي جَعلْتَه أَخَصَّ بِكَ مِنِّي، وَهُوَ مُبَطَّنٌ إِذَا أَدخَله فِي أَمره وخُصَّ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ وَصَارَ مِنْ أَهل دَخْلَتِه. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ
؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: البِطانة الدُّخَلاء الَّذِينَ يُنْبَسط إِلَيْهِمْ ويُسْتَبْطَنونَ؛ يُقَالُ: فُلَانٌ بِطانةٌ لِفُلَانٍ أَي مُداخِلٌ لَهُ مُؤانِس، وَالْمَعْنَى أَن الْمُؤْمِنِينَ نُهوا أَن يَتَّخِذوا الْمُنَافِقِينَ خاصَّتَهم وأَن يُفْضُوا إِلَيْهِمْ أَسرارَهم. وَيُقَالُ: أَنت أَبْطَنُ بِهَذَا الأَمر أَي أَخبَرُ بباطِنِه. وتبَطَّنْت الأَمرَ: عَلِمت باطنَه. وبَطَنْت الْوَادِي: دَخَلْته. وبَطَنْت هَذَا الأَمرَ: عَرَفْت باطنَه، وَمِنْهُ الباطِن فِي صِفَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. والبطانةُ: السريرةُ. وباطِنةُ الكُورة: وَسَطُها، وظاهرتُها: مَا تنَحَّى مِنْهَا. والباطنةُ مِنَ البَصْرةِ وَالْكُوفَةِ: مُجْتَمَعُ الدُّور والأَسواقِ فِي قَصَبتها، والضاحيةُ: مَا تنَحَّى عَنِ الْمَسَاكِنِ وَكَانَ بَارِزًا. وبَطْنُ الأَرض وباطنُها: مَا غَمَض مِنْهَا واطمأَنّ. والبَطْنُ مِنَ الأَرض: الغامضُ الداخلُ، والجمعُ الْقَلِيلُ أَبْطِنةٌ، نادرٌ، وَالْكَثِيرُ بُطْنان؛ وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: البُطْنانُ مِنَ الأَرض واحدٌ كالبَطْن. وأَتى فلانٌ الْوَادِيَ فتَبَطَّنه أَي دَخَلَ بطنَه. ابْنُ شُمَيْلٍ: بُطْنانُ الأَرض مَا تَوَطَّأَ فِي بُطُونِ الأَرض سَهْلِها وحَزْنها وَرِيَاضِهَا، وَهِيَ قَرار الْمَاءِ ومستَنْقَعُه، وَهِيَ البواطنُ والبُطون. وَيُقَالُ: أَخذ فلانٌ بَاطِنًا مِنَ الأَرض وَهِيَ أَبطأُ جُفُوفًا مِنْ غَيْرِهَا. وتبطَّنْتُ الْوَادِي: دخلْت بطْنه وجَوَّلْت فِيهِ. وبُطْنانُ الْجَنَّةِ: وسَطُها. وَفِي الْحَدِيثِ:
يُنَادِي مُنادٍ مِنْ بُطْنانُ الْعَرْشِ
أَي مِنْ وسَطه، وَقِيلَ: مِنْ أَصله، وَقِيلَ: البُطْنان جَمْعُ بَطْنٍ، وَهُوَ الْغَامِضُ مِنَ الأَرض، يُرِيدُ من دواخل العرش؛ ومنه كَلَامِ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِي الِاسْتِسْقَاءِ: تَرْوَى بِهِ القِيعانُ وَتَسِيلُ بِهِ البُطْنان.
والبُطْنُ: مسايلُ الْمَاءِ فِي الغَلْظ، وَاحِدُهَا باطنٌ؛ وَقَوْلُ مُلَيْح:(13/55)
مُنِيرٌ تَجُوزُ العِيسُ مِنْ بَطِناتِه نَوًى، ... مِثْلَ أَنْواءِ الرَّضيخِ المُفَلَّق
قَالَ: بَطِناتُه مَحاجُّه. والبَطْنُ: الْجَانِبُ الطويلُ مِنَ الرِّيشِ، وَالْجَمْعُ بُطْنانٌ مِثْلَ ظَهْرٍ وظُهْرانٍ وعَبْدٍ وعُبْدانٍ. والبَطْنُ: الشِّقُّ الأَطولُ مِنَ الرِّيشَةِ، وَجَمْعُهَا بُطْنان. والبُطْنانُ أَيضاً مِنَ الرِّيشِ: مَا كَانَ بطنُ القُذَّة مِنْهُ يَلي بطنَ الأُخرى، وَقِيلَ: البُطْنانُ مَا كَانَ مِنْ تَحْتِ العَسيب، وظُهْرانُه مَا كَانَ فَوْقَ الْعَسِيبِ؛ وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: البُطْنانُ مِنَ الرِّيشِ الَّذِي يَلي الأَرضَ إِذَا وقَع الطائرُ أَو سَفَعَ شَيْئًا أَو جَثَمَ عَلَى بَيْضه أَو فِراخه، والظُّهارُ والظُّهْرانُ مَا جُعِلَ مِنْ ظَهر عَسيب الرِّيشَةِ. وَيُقَالُ: راشَ سهمَه بظُهْرانٍ وَلَمْ يَرِشْه ببُطْنانٍ، لأَنَّ ظُهْرانَ الرِّيشِ أَوفَى وأَتَمُّ، وبُطْنانُ الرِّيشِ قِصار، وواحدُ البُطْنانِ بَطْنٌ، وواحدُ الظُّهْرانِ ظَهْرٌ، والعَسِيبُ قَضيبُ الرِّيشِ فِي وسَطِه. وأَبْطَن الرَّجُلُ كَشْحَه سَيفَه وَلِسَيْفِهِ: جَعَلَهُ بطانتَه. وأَبطنَ السيفَ كشْحَه إِذَا جَعَلَهُ تَحْتَ خَصْره. وبطَّنَ ثوبَه بثوبٍ آخَرَ: جَعَلَهُ تَحْتَهُ. وبِطانةُ الثَّوْبِ: خلافُ ظِهارته. وبطَّنَ فُلَانٌ ثَوْبَهُ تَبْطِينًا: جَعَلَ لَهُ بِطَانَةً، ولِحافٌ مَبْطُونٌ ومُبَطَّن، وَهِيَ البِطانة والظِّهارة. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ
. وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ
؛ قَالَ: قَدْ تكونُ البِطانةُ ظِهارةً والظهارةُ بِطَانَةً، وَذَلِكَ أَن كلَّ واحدٍ مِنْهَا قَدْ يكونُ وَجْهًا، قَالَ: وَقَدْ تَقُولُ العربُ هَذَا ظهرُ السَّمَاءِ وَهَذَا بطنُ السَّمَاءِ لِظَاهِرِهَا الَّذِي تَرَاهُ. وَقَالَ غَيْرُ الْفَرَّاءِ: البِطانةُ مَا بطَنَ مِنَ الثَّوْبِ وَكَانَ مِنْ شأْن النَّاسِ إخْفاؤه، وَالظِّهَارَةُ مَا ظَهَرَ وَكَانَ مِنْ شأْن النَّاسِ إِبْدَاؤُهُ. قَالَ: وَإِنَّمَا يَجُوزُ مَا قَالَ الْفَرَّاءُ فِي ذِي الْوَجْهَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ إِذَا وَلِيَ كلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قوْماً، كحائطٍ يَلِي أَحد صَفْحَيْه قَوْمًا، والصَّفْحُ الآخرُ قَوْمًا آخَرِينَ، فكلُّ وجهٍ مِنَ الْحَائِطِ ظَهْرٌ لِمَنْ يَلِيهِ، وكلُّ واحدٍ مِنَ الْوَجْهَيْنِ ظَهْر وبَطْن، وَكَذَلِكَ وجْها الْجَبَلِ وَمَا شاكلَه، فأَما الثوبُ فَلَا يَجُوزُ أَن تكونَ بطانتُه ظِهَارَةً وَلَا ظِهارتُه بِطانةً، وَيَجُوزُ أَن يُجْعَل مَا يَلينا مِنْ وَجْهِ السَّمَاءِ والكواكِب ظهْراً وبطْناً، وَكَذَلِكَ مَا يَلينا مِنْ سُقوف الْبَيْتِ. أَبو عُبَيْدَةَ: فِي باطِن وظِيفَيِ الْفَرَسِ أَبْطَنانِ، وَهُمَا عِرْقان اسْتَبْطَنا الذِّراعَ حَتَّى انغَمَسا فِي عَصَب الوَظيف. الْجَوْهَرِيُّ: الأَبْطَنُ فِي ذِراع الفرسِ عِرْق فِي بَاطِنِهَا، وَهُمَا أَبْطَنانِ. والأَبْطَنانِ: عِرْقان مُسْتَبْطِنا بَواطِن وظِيفَي الذراعَينِ حَتَّى يَنْغَمِسا فِي الكَفَّين. والبِطانُ: الحزامُ الَّذِي يَلي البَطْنَ. والبِطانُ: حِزامُ الرَّحْل والقَتَب، وَقِيلَ: هُوَ لِلْبَعِيرِ كالحِزام لِلدَّابَّةِ، وَالْجَمْعُ أَبطِنةٌ وبُطُن. وبَطَنَه يَبْطُنُه وأَبْطَنَه: شَدَّ بِطانه. قَالَ ابْنُ الأَعرابي وَحْدَهُ: أَبْطَنْتُ الْبَعِيرَ وَلَا يُقَالُ بَطَنْتُه، بِغَيْرِ أَلف؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ الظَّلِيمَ:
أَو مُقْحَم أَضْعَفَ الإِبْطانَ حادجُه، ... بالأَمسِ، فاستَأْخَرَ العِدْلانِ والقَتَبُ
شَبَّه الظَّليمَ بجَمَل أَضْعَفَ حادِجُهُ شَدَّ بِطانِه فاسترْخَى؛ فشبَّه استِرْخاء «2» . عِكْمَيْه بِاسْتِرْخَاءِ جَناحَيِ الظَّليم، وَقَدْ أَنكر أَبو الْهَيْثَمِ بَطَنْت، وَقَالَ: لَا يَجُوزُ إِلَّا أَبْطَنت، واحتجَّ بِبَيْتِ ذِي الرُّمَّةِ. قَالَ الأَزهري: وبَطَنْتُ لغةٌ أَيضاً.
__________
(2) . قوله [فشبه استرخاء إلخ] كذا بالأَصل والتهذيب أيضاً، ولعلها مقلوبة، والأَصل: فشبه استرخاء جناحي الظليم باسترخاء عكميه(13/56)
والبِطانُ للقَتَب خَاصَّةً، وَجَمْعُهُ أَبْطِنة، والحزامُ للسَّرْج. ابْنُ شُمَيْلٍ: يُقَالُ أَبْطَنَ حِمْلَ البعيرِ وواضَعَه حَتَّى يتَّضِع أَي حَتَّى يَسْترْخي عَلَى بَطْنه وَيَتَمَكَّنَ الحِمْل مِنْهُ. الْجَوْهَرِيُّ: البِطانُ للقَتَب الحزامُ الَّذِي يَجْعَلُ تَحْتَ بَطْنِ الْبَعِيرِ. يُقَالُ: التَقَتْ حَلْقَتا الْبَطَّانِ للأَمر إِذَا اشتدَّ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّصدير للرحْل، يُقَالُ مِنْهُ: أَبْطَنْتُ البعيرَ إِبْطاناً إِذَا شَدَدْتَ بِطانَه. وَإِنَّهُ لعريضُ البِطانِ أَي رَخِيُّ البالِ. وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ فِي بَابِ الْبَخِيلِ، يموتُ ومالُه وافِرٌ لَمْ يُنْفق مِنْهُ شَيْئًا: مَاتَ فلانٌ بِبِطْنَتِه لَمْ يتَغَضْغَضْ مِنْهَا شَيْءٌ، وَمِثْلُهُ: مَاتَ فلانٌ وَهُوَ عريضُ البِطانِ أَي مالُه جَمٌّ لَمْ يَذهَبْ مِنْهُ شيءٌ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: ويُضْرَب هَذَا المثلُ فِي أَمر الدِّين أَي خرَجَ مِنَ الدُّنْيَا سَلِيمًا لَمْ يَثْلِمْ دينَه شيءٌ، قَالَ ذَلِكَ عَمْرُو ابنُ الْعَاصِ فِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوف لَمَّا مَاتَ: هَنِيئًا لَكَ خرَجْتَ مِنَ الدُّنْيَا بِبِطْنَتِكَ لَمْ يتَغَضْغَضْ مِنْهَا شَيْءٌ؛ ضرَبَ البطْنةَ مَثَلًا فِي أَمر الدِّينِ، وتغضْغَضَ الماءُ: نَقَصَ، قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ ذمَّاً وَلَمْ يُرِدْ بِهِ هُنَا إلْا المَدْحَ. وَرَجُلٌ بَطِنٌ: كثيرُ الْمَالِ. والبَطِنُ: الأَشِرُ. والبِطْنةُ: الأَشَرُ. وَفِي المَثَل: البِطْنةُ تُذْهِبُ الفِطْنةَ، وَقَدْ بَطِنَ. وشأْوٌ بَطِينٌ: واسعٌ. والبَطين: الْبَعِيدُ، يُقَالُ: شأْوٌ بَطِينٌ أَي بَعِيدٌ؛ وأَنشد:
وبَصْبَصْنَ، بَيْنَ أَداني الغَضَا ... وَبَيْنَ عُنَيْزةَ، شأْواً بَطِيناً
قَالَ: وَفِي حَدِيثِ
سُلَيْمَانَ بْنَ صُرَد: الشَّوْطُ بَطِينٌ
أَي بَعِيدٌ. وتبطَّن الرجلُ جاريتَه إِذَا باشَرها ولمَسَها، وَقِيلَ: تبطَّنها إِذَا أَوْلَج ذكرَه فِيهَا؛ قَالَ إمرؤُ الْقَيْسِ:
كأَنِّي لَمْ أَرْكَبْ جَواداً لِلَذَّةٍ، ... وَلَمْ أَتَبطَّنْ كاعِباً ذاتَ خَلْخالِ
وَقَالَ شَمِرٌ: تبطَّنها إِذَا باشَرَ بطنُه بطنَها فِي قَوْلِهِ:
إِذَا أَخُو لذَّةِ الدُّنْيَا تبطَّنها
وَيُقَالُ: اسْتَبْطَن الفحلُ الشَّوْلَ إِذَا ضربَها فلُقحَت كلُّها كأَنه أَوْدع نطفتَه بُطُونَهَا؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الْكُمَيْتِ:
فَلَمَّا رأَى الجَوْزاءَ أَولُ صابِحٍ، ... وصَرَّتَها فِي الْفَجْرِ كالكاعِب الفُضُلْ،
وخَبَّ السَّفا، واسْتبطن الفحلُ، والتقتْ ... بأَمْعَزِها بُقْعُ الجَنادِبِ تَرْتَكِلْ
صرَّتُها: جماعة كَوَاكِبَهَا، والجَنادِب ترتَكِل مِنْ شِدَّةِ الرَّمْضاء. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ بَحْر: لَيْسَ مِنْ حَيَوانٍ يتبطَّنُ طَروقتَه غيرُ الإِنسان وَالتِّمْسَاحِ، قَالَ: وَالْبَهَائِمُ تأْتي إِنَاثُهَا مِنْ وَرَائِهَا، والطيرُ تُلْزِق الدُّبُرَ بِالدُّبُرِ، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَقَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ تبطَّنَها أَي عَلَا بطْنَها ليُجامِعَها. واسْتبطنْتُ الشيءَ وتبَطَّنْتُ الكلأَ: جَوَّلتُ فِيهِ. وابْتَطنْتُ الناقةَ عشرةَ أَبطن أَي نَتجْتُها عشرَ مَرَّاتٍ. وَرَجُلٌ بَطِين الكُرْز إِذَا كَانَ يَخبَأُ زادَه فِي السَّفَرِ ويأْكل زادَ صَاحِبِهِ؛ وَقَالَ رُؤْبَةُ يَذُمُّ رَجُلًا:
أَو كُرَّزٌ يَمْشِي بَطينَ الكُرْزِ
والبُطَيْن: نَجْمٌ مِنْ نُجُومِ السَّمَاءِ مِنْ مَنَازِلِ الْقَمَرِ بَيْنَ الشرَطَيْن والثُّرَيَّا، جَاءَ مصغَّراً عَنِ الْعَرَبِ، وَهُوَ ثلاثةُ كواكبَ صِغَارٍ مُسْتَوِيَةِ التَّثْلِيثِ كأَنها أَثافي، وَهُوَ بَطْنُ الحمَل، وصُغِّر لأَن الحمَل نجومٌ كَثِيرَةٌ عَلَى صُورَةِ الحَمَل، والشرَطان قَرْناه، والبُطَيْن بَطنُه، وَالثُّرَيَّا أَليتُه، وَالْعَرَبُ تزعُم أَن البُطَين لَا نَوْء لَهُ إِلَّا الريحُ. والبَطينُ: فَرَسٌ مَعْرُوفٌ مِنْ(13/57)
خَيْلِ الْعَرَبِ، وَكَذَلِكَ البِطان، وَهُوَ ابْنُ البَطين «1» . والبَطين: رَجُلٌ مِنَ الخَوارج. والبُطَين الحِمْضيّ: من شُعَرائهم.
بعكن: رَمْلة بَعْكنةٌ: غَلِيظَةٌ تشتدُّ عَلَى الْمَاشِي فِيهَا.
بغدن: بَغْداذ وبَغْذاد وبَغْذاذ وبَغْدانُ، بِالنُّونِ، وبَغْدينُ ومَغْدان: مَدِينَةُ السَّلَامِ، مُعَرَّبٌ، تذكَّر وتؤَنث؛ وأَنشد الْكِسَائِيُّ:
فَيَا لَيْلَةً خُرْسَ الدَّجاجِ طَوِيلَةً ... بِبَغْدانَ، مَا كادَتْ عَنِ الصُّبْحِ تَنْجَلي
قَالَ: يَعْنِي خرساً دَجاجُها.
بقن: الأَزهري: أَما بَقَنَ فَإِنَّ اللَّيْثَ أَهمله، وَرَوَى ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي: أَبْقَن إِذَا أَخصَبَ جَنابُه واخضرَّت نِعالُه. والنِّعالُ: الأَرضون الصُّلبة.
بلن: فِي الْحَدِيثِ:
ستَفْتَحون بِلَادًا فِيهَا بَلَّاناتٌ
أَي حَمَّامَاتٌ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: الأَصل بَلّالات، فأَبدل اللَّامَ نوناً.
بلسن: البُلْسُن: العَدَس، يَمَانِيَةٌ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
وَهَلْ كَانَتِ الأَعرابُ تَعْرِف بُلْسُنا
الْجَوْهَرِيُّ: البُلْسُن، بِالضَّمِّ، حَبٌّ كَالْعَدَسِ وليس به.
بلهن: البُلَهْنِية والرُّفَهْنِية: سَعَة الْعَيْشِ، وَكَذَلِكَ الرُّفَغْنِية. يُقَالُ: هُوَ فِي بُلَهْنِية مِنَ الْعَيْشِ أَي فِي سَعة ورَفاغِية، وَهُوَ مُلْحق بِالْخُمَاسِيِّ بأَلف فِي آخِرِهِ، وَإِنَّمَا صَارَتْ يَاءً لِكَسْرَةِ مَا قَبْلَهَا؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: بُلَهْنِية حَقُّهَا أَن تُذْكر فِي بَلَهَ فِي حَرْفِ الْهَاءِ لأَنها مُشتقة مِنَ البَلَه أَي عَيْش أَبْلَه قَدْ غَفَل «2» . والنونُ والياءُ فِيهِ زَائِدَتَانِ للإِلحاق بخُبَعْثِنةٍ، والإِلحاق هُوَ بِالْيَاءِ فِي الأَصل، فأَما أَلف مِعْزًى فَإِنَّهَا بَدَلٌ مِنْ يَاءِ الإِلحاق.
بنن: البَنَّة: الرِّيحُ الطيِّبة كَرَائِحَةِ التُّفّاح وَنَحْوِهَا، وجمعُها بِنانٌ، تَقُولُ: أَجِدُ لِهَذَا الثَّوْبِ بَنَّةً طيِّبة مِنْ عَرْف تُفَّاحٍ أَو سَفَرْجَل. قَالَ سِيبَوَيْهِ: جَعَلُوهُ اسْمًا لِلرَّائِحَةِ الطَّيِّبَةِ كالخَمْطة. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِنَّ لِلْمَدِينَةِ بَنَّةً
؛ البَنَّة: الرِّيحُ الطيِّبة، قَالَ: وَقَدْ يُطلق عَلَى الْمَكْرُوهَةِ. والبَنَّة: ريحُ مَرابِضِ الْغَنَمِ وَالظِّبَاءِ وَالْبَقَرِ، وَرُبَّمَا سُمِّيَتْ مرابضُ الْغَنَمِ بَنَّة؛ قَالَ:
أَتاني عَنْ أَبي أَنَسٍ وعيدٌ، ... ومَعْصُوبٌ تَخُبُّ بِهِ الرِّكابُ
وعيدٌ تَخْدُجُ الأَرآمُ مِنْهُ، ... وتَكره بَنَّةَ الغَنمِ الذِّئابُ
وَرَوَاهُ ابْنُ دُرَيْدٍ: تُخْدِجُ أَي تَطْرَح أَولادَها نُقَّصاً. وَقَوْلُهُ: معصوبٌ كتابٌ أَي هُوَ وَعِيدٌ لَا يكونُ أَبداً لأَن الأَرْآم لَا تُخْدِجُ أَبداً، وَالذِّئَابُ لَا تَكْرَهُ بَنَّة الْغَنَمِ أَبداً. الأَصمعي فِيمَا رَوَى عَنْهُ أَبو حَاتِمٍ: البَنَّة تُقَالُ فِي الرَّائِحَةِ الطَّيِّبَةِ وَغَيْرِ الطَّيِّبَةِ، وَالْجَمْعُ بِنانٌ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ الثورَ الْوَحْشِيَّ:
أَبَنَّ بِهَا عوْدُ المَباءَةِ، طَيِّبٌ ... نسيمَ البِنانِ فِي الكِناسِ المُظَلَّلِ
قَوْلُهُ: عَود المباءَة أَي ثَوْر قَدِيمُ الكِناس، وَإِنَّمَا نَصَب النسيمَ لَمَّا نَوَّنَ الطيِّبَ، وَكَانَ مِنْ حَقِّهِ الإِضافةُ فَضَارَعَ قولَهم هُوَ ضاربٌ زَيْدًا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً أَحْياءً وَأَمْواتاً؛ أَي كِفاتَ أَحياءٍ وأَمواتٍ، يَقُولُ: أَرِجَتْ ريحُ مُبَاءَتِنَا مِمَّا أَصاب أَبعارَه مِنَ الْمَطَرِ. والبَنَّة أَيضاً: الرَّائِحَةُ المُنْتِنة، قَالَ: وَالْجَمْعُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ بِنانٌ،
__________
(1) . قوله [وهو ابن البطين] عبارة القاموس: وهو أبو البطين
(2) . قوله [قد غفل] عبارة القاموس: وعيش أبله ناعم كأن صاحبه غافل عن الطوارق(13/58)
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَزَعَمَ أَبو عُبَيْدٍ أَن البَنَّة الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ فَقَطْ، قَالَ: وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ بِدَلِيلِ قَوْلِ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، للأَشْعث بْنِ قَيْس حِينَ خطَب إِلَيْهِ ابْنَتَه: قُمْ لَعَنَكَ اللَّهُ حَائِكًا فَلَكَأَنِّي أَجِدُ منكَ بَنَّةَ الغَزْلِ
، وَفِي رِوَايَةٍ
قَالَ لَهُ الأَشْعثُ بنُ قَيْس: مَا أَحْسِبُكَ عَرَفْتني يَا أَمير المؤْمنين، قَالَ: بَلَى وَإِنِّي لأَجِدُ بَنَّة الْغَزْلِ مِنْكَ
أَي رِيحَ الْغَزْلِ، رَمَاهُ بِالْحِيَاكَةِ، قِيلَ: كَانَ أَبو الأَشْعث يُولَع بالنِّساجة. والبِنُّ: الموضعُ المُنتِنُ الرَّائِحَةِ. الْجَوْهَرِيُّ: البَنَّةُ الرَّائِحَةُ، كَرِيهَةً كَانَتْ أَو طَيِّبَةً. وكِناسٌ مُبِنٌّ أَي ذُو بَنَّةٍ، وَهِيَ رَائِحَةُ بَعْر الظِّباء. التَّهْذِيبُ: وَرَوَى
شَمِرٌ فِي كِتَابِهِ أَن عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، سأَل رَجُلًا قَدِمَ مِنَ الثَّغْر فَقَالَ: هَلْ شَرِبَ الجَيْشُ في البُنيات الصغار «1» .؟ قَالَ: لَا، إِنَّ الْقَوْمَ لَيُؤْتَوْنَ بالإِناء فيَتداولُونه حَتَّى يَشْرَبُوهُ كلُّهم
؛ قَالَ بَعْضُهُمْ: البُنيات هاهنا الأَقداحُ الصِّغار. والإِبْنانُ: اللُّزومُ. وأَبْنَنْتُ بِالْمَكَانِ إِبْناناً إِذَا أَقمْت بِهِ. ابْنُ سِيدَهْ: وبَنَّ بِالْمَكَانِ يَبِنُّ بَنّاً وأَبَنَّ أَقام بِهِ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
أَبَنَّ بِهَا عَوْدُ المباءةِ طَيِّبٌ
وأَبى الأَصمعي إِلَّا أَبَنَّ. وأَبَنّتِ السحابةُ: دامَتْ ولزِمَتْ. وَيُقَالُ: رأَيت حَيًّا مُبِنًّا بِمَكَانِ كَذَا أَي مُقِيمًا. والتبنينُ: التَّثْبِيتُ فِي الأَمر. والبَنِينُ: المتثبِّت الْعَاقِلُ. وَفِي حَدِيثِ
شُرَيْحٍ: قَالَ لَهُ أَعرابيّ وأَراد أَن يَعْجَل عَلَيْهِ بِالْحُكُومَةِ.
تَبَنَّن، أَي تثَبَّتْ، مِنْ قَوْلِهِمْ أَبَنَّ بِالْمَكَانِ إِذَا أَقام فِيهِ؛ وَقَوْلُهُ:
بَلَّ الذُّنابا عَبَساً مُبِنّاً
يَجُوزُ أَن يَكُونَ اللازمَ اللَّازِقَ، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مِنَ البَنَّة الَّتِي هِيَ الرَّائِحَةُ الْمُنْتِنَةُ، فَإِمَّا أَن يَكُونَ عَلَى الْفِعْلِ، وَإِمَّا أَن يَكُونَ عَلَى النَّسَبِ. والبَنان: الأَصابع: وَقِيلَ: أَطرافها، واحدتها بَناتةٌ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ:
أَلا ليتَني قطَّعتُ مِنْهُ بَنانَه، ... ولاقَيْتُه يَقْظان فِي البيتِ حادِرا
وَفِي حَدِيثِ
جَابِرٍ وقتْل أَبيه يومَ أُحُد: مَا عَرَفْتُه إِلَّا ببَنانه.
والبَنانُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ
؛ يَعْنِي شَواهُ؛ قَالَ الْفَارِسِيُّ: نَجْعلُها كخُفّ الْبَعِيرِ فَلَا يَنْتَفِعُ بِهَا فِي صِنَاعَةٍ؛ فأَما مَا أَنشده سِيبَوَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ:
قَدْ جَعَلَت مَيٌّ، عَلَى الطِّرارِ، ... خَمْسَ بنانٍ قانِئ الأَظفارِ
فَإِنَّهُ أَضاف إِلَى الْمُفْرِدِ بِحَسَبِ إِضَافَةِ الْجِنْسِ، يَعْنِي بِالْمُفْرَدِ أَنه لَمْ يكسَّر عَلَيْهِ واحدُ الْجَمْعِ، إِنَّمَا هُوَ كسِدْرة وسِدَر، وجمعُ الْقِلَّةِ بناناتٌ. قَالَ: وَرُبَّمَا اسْتَعَارُوا بناءَ أَكثر الْعَدَدِ لأَقله؛ وَقَالَ:
خَمْسَ بنانٍ قانئِ الأَظفار
يُرِيدُ خَمْسًا مِنَ البَنان. وَيُقَالُ: بنانٌ مُخَضَّبٌ لأَن كُلَّ جَمْعٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَاحِدِهِ الهاءُ فإِنه يُوَحِّد ويذكَّرُ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ
؛ قال أَبو إسحق: البَنانُ هاهنا جميعُ أَعضاء الْبَدَنِ، وَحَكَى الأَزهري عَنِ الزَّجَّاجِ قَالَ: واحدُ الْبَنَانِ بَنانة، قَالَ: ومعناه هاهنا الأَصابعُ وغيرُها مِنْ جَمِيعِ الأَعضاء، قَالَ: وَإِنَّمَا اشتقاقُ الْبَنَانِ مِنْ قَوْلِهِمْ أَبَنَّ بِالْمَكَانِ، والبَنانُ بِهِ يُعْتَمل كلُّ مَا يَكُونُ للإِقامة وَالْحَيَاةِ. اللَّيْثُ: الْبَنَانُ أَطرافُ الأَصابع مِنَ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، قال: والبَنان
__________
(1) . قوله [في البنيات الصغار] وقوله [البنيات هاهنا الأَقداح إلخ] هكذا بالتاء آخره في الأَصل ونسخة من النهاية. وأورد الحديث في مادة بني وفي نسخة منها بنون آخره(13/59)
فِي كِتَابِ اللَّهِ هُوَ الشَّوى، وَهِيَ الأَيدي والأَرجُل، قَالَ: وَالْبَنَانَةُ الإِصْبَعُ الْوَاحِدَةُ؛ وأَنشد:
لاهُمَّ أَكْرَمْتَ بَنِي كنانهْ، ... لَيْسَ لحيٍّ فوقَهم بَنانهْ
أَي لَيْسَ لأَحدٍ عَلَيْهِمْ فَضْلٌ قِيسَ إِصبعٍ. أَبو الْهَيْثَمِ قَالَ: البَنانة الإِصبعُ كلُّها، قَالَ: وَتُقَالُ للعُقدة العُليا مِنَ الإِصبع؛ وأَنشد:
يُبَلِّغُنا مِنْهَا البَنانُ المُطرَّفُ
والمُطرَّفُ: الَّذِي طُرِّفَ بِالْحِنَّاءِ، قَالَ: وَكُلُّ مَفْصِل بَنانة. وبُنانةُ، بِالضَّمِّ: اسمُ امرأَة كَانَتْ تحتَ سَعْد بْنِ لُؤَيّ بْنِ غالبِ بن فِهْرٍ، ويُنسَبُ ولدُه إِلَيْهَا وَهُمْ رَهْط ثَابِتِ البُنانيّ. ابْنُ سِيدَهْ: وبُنانةُ حيٌّ مِنَ الْعَرَبِ، وَفِي الْحَدِيثِ ذكرُ بُنانة، وَهِيَ بِضَمِّ الْبَاءِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ الأُولى مَحِلة مِنَ المَحالّ الْقَدِيمَةِ بالبَصرة. والبَنانة والبُنانة: الرَّوْضة المُعْشِبة. أَبو عَمْرٍو: البَنْبَنة صوتُ الفُحْشِ والقَذَع. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: بَنْبَنَ الرجلُ إِذَا تكلَّم بِكَلَامِ الْفُحْشِ، وَهِيَ البَنْبنة؛ وأَنشد أَبو عَمْرٍو لِكَثِيرٍ الْمُحَارِبِيِّ:
قَدْ مَنَعَتْني البُرَّ وَهِيَ تَلْحانْ، ... وَهُوَ كَثيرٌ عندَها هِلِمّانْ،
وَهِيَ تُخَنْذي بالمَقالِ البَنْبانْ
قَالَ: البَنْبانُ الرَّدِيءُ مِنَ الْمَنْطِقِ والبِنُّ: الطِّرْق مِنَ الشَّحْمِ يُقَالُ لِلدَّابَّةِ إِذا سَمِنتْ: ركِبَها طِرْقٌ عَلَى طِرْقٍ «2» الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِمْ بَلْ بِمَعْنَى الِاسْتِدْرَاكِ: تَقُولُ بَلْ واللهِ لَا آتيكَ وبَنْ وَاللَّهِ، يَجْعَلُونَ اللَّامَ فِيهَا نُونًا، قَالَ: وَهِيَ لُغَةُ بَنِي سَعْدٍ وَلُغَةُ كَلْبٍ، قَالَ: وَسَمِعْتُ الباهِلِيين يَقُولُونَ لَا بَنْ بِمَعْنَى لَا بَلْ، قَالَ: وَمِنْ خَفيفِ هَذَا الْبَابِ بَنْ وَلَا بَنْ لغةٌ فِي بَلْ وَلَا بَلْ، وَقِيلَ: هُوَ عَلَى الْبَدَلِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: بَلْ كَلِمَةُ استدراكٍ وإِعلامٍ بالإِضْراب عَنِ الأَولِ، وَقَوْلُهُمْ: قَامَ زَيْدٌ بَلْ عَمْروٌ وبَنْ عَمْروٌ، فَإِنَّ النُّونَ بدلٌ مِنَ اللَّامِ، أَلا تَرَى إِلَى كَثْرَةِ اسْتِعْمَالِ بَلْ وقلَّة اسْتِعْمَالِ بَنْ والحُكْمُ عَلَى الأَكثر لَا الأَقلِّ؟ قَالَ: هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ أَمره قَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: ولسْتُ أَدفعُ مَعَ هَذَا أَن يَكُونَ بَنْ لُغَةً قَائِمَةً بِنَفْسِهَا، قَالَ: وَمِمَّا ضُوعِفَ مِنْ فائِه ولامِه بَنْبان، غَيْرُ مَصْرُوفٍ، مَوْضِعٌ؛ عَنْ ثَعْلَبٍ؛ وأَنشد شَمِرٌ:
فَصَارَ ثنَاها فِي تميمٍ وغيرِهم، ... عَشِيَّة يأْتيها بِبَنْبانَ عِيرُها
يَعْنِي مَاءً لِبَنِي تَمِيمٍ يُقَالُ لَهُ بَنْبان؛ وَفِي دِيَارِ تَمِيمٍ ماءٌ يُقَالُ لَهُ بَنْبان ذَكَرَهُ الحُطيئة فَقَالَ:
مُقِيمٌ عَلَى بَنْبانَ يَمْنَعُ ماءَه، ... وماءَ وَسِيعٍ ماءَ عَطْشان مُرْمل
يَعْنِي الزِّبْرِقان أَنه حَلَّأَه عَنِ الماء.
بهكن: إمرأَة بَهْكنةٌ وبُهاكِنة: تَارَّةٌ غضَّة وَهِيَ ذَاتُ شَبابٍ بَهْكَنٍ أَي غَضٍّ، وربما قالوا بَهْكَل؛ قال السَّلوليّ:
بُهاكِنةٌ غَضَّةٌ بَضَّة، ... بَرُودُ الثَّنايا خِلافَ الكَرى
التَّهْذِيبُ: جَارِيَةٌ بَهْكَنةٌ تَارَّةٌ غَريضة، وهُنَّ البَهْكَناتُ والبَهاكِن. ابْنُ الأَعرابي: البَهْكَنةُ الجاريةُ الخفيفةُ الرُّوحِ الطيِّبة الرائحةِ المليحةُ الحلوة.
بهنن: البَهْنانةُ: الضحَّاكة المُتهلِّلة؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
يَا رُبَّ بَهْنانةٍ مُخَبَّأَةٍ، ... تَفْتَرُّ عَنْ ناصعٍ من البَرَد
__________
(2) . قوله [رَكِبَهَا طِرْقٌ عَلَى طِرْقٍ] هكذا بالأَصل، وفي التكملة بعد هذه العبارة: وبنّ على بنّ وهي المناسبة للاستشهاد فلعلها ساقطة من الأَصل(13/60)
وَقِيلَ: البَهْنانةُ الطيِّبةُ الرِّيحِ، وَقِيلَ: الطيِّبة الرَّائِحَةِ الحسَنة الخُلقِ السَّمْحة لزَوْجِها، وَفِي الصِّحَاحِ: الطيِّبة النفَس والأَرَجِ، وَقِيلَ: هِيَ الليِّنة فِي عَمَلِهَا ومَنْطقها. وَفِي حَدِيثِ الأَنصار:
ابْهَنُوا مِنْهَا آخِرَ الدَّهْرِ
أَي افرَحوا وطيبُوا نفْساً بصُحْبَتي، مِنْ قَوْلِهِمُ امرأَةٌ بَهْنانةٌ أَي ضَاحِكَةٌ طَيِّبَةُ النفَس والأَرَج؛ فأَما قَوْلُ عَاهَانِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدٍ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:
أَلا قالتْ بَهانِ، ولمْ تأَبَّقْ: ... نَعِمْتَ وَلَا يَليقُ بكَ النَّعيمُ
بَنونَ وهَجْمَةٌ كأَشاءِ بُسٍّ، ... صَفايا كَثَّةُ الأَوْبارِ كُومُ
فَإِنَّهُ يُقَالُ بَهانِ أَراد بَهْنانةً، قَالَ: وَعِنْدِي أَنه اسْمُ عَلَمٍ كحَذامِ وقَطامِ، وَقَوْلُهُ: لَمْ تَأَبَّقْ أَي لَمْ تأْنفْ، وَقِيلَ: لَمْ تأَبَّقْ لَمْ تفِرّ، مأْخوذ مِنْ أَباقِ العبدِ، وَهَذَا الْبَيْتُ أَورده الْجَوْهَرِيُّ مَنْسُوبًا لعامانَ بِالْمِيمِ، وَلَمْ يُنبِّه عَلَيْهِ ابْنُ بَرِّيٍّ بَلْ أَقرّه عَلَى اسْمِهِ وزاد في نسَبه، وَهُوَ عَاهَانُ بِالْهَاءِ كَمَا أَورده ابْنُ سِيدَهْ، وَذَكَرَهُ أَيضاً فِي عَوَهَ وَقَالَ: هُوَ عَلَى هَذَا فَعْلانُ وَفَاعَالُ فِيمَنْ جَعَلَهُ مِنْ عَهنَ؛ وأَورده الْجَوْهَرِيُّ:
كبِرْتَ وَلَا يَلِيقُ بِكَ النَّعِيمُ
وَصَوَابُهُ نَعِمتَ كَمَا أَورده ابْنُ سِيدَهْ وَغَيْرُهُ. وبُسُّ: اسمُ مَوْضِعٍ كَثِيرِ النَّخْلِ. الْجَوْهَرِيُّ: وبَهانِ اسمُ امرأَة مِثْلُ قَطامِ. وَفِي حَدِيثِ هَوازن:
أَنهم خَرَجُوا بدُرَيْد بْنِ الصِّمَّةَ يتَبَهّنون بِهِ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: قِيلَ إِنَّ الرَّاوِيَ غَلِطَ وَإِنَّمَا هُوَ يَتَبَهْنَسون، والتَّبَهنُسُ كالتَّبَخْتر فِي الْمَشْيِ، وَهِيَ مِشْية الأَسد أَيضاً، وَقِيلَ: إِنَّمَا هُوَ تصحيفُ يتَيمَّنُون بِهِ، مِنَ اليُمْنِ ضِدّ الشُّؤْم. والباهِينُ: ضرْبٌ مِنَ التَّمْرِ؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ. وَقَالَ مُرة: أَخبرني بعضُ أَعراب عُمانَ أَنَّ بهَجَر نَخْلَةٌ يُقَالُ لَهَا الباهينُ، لَا يَزَالُ عَلَيْهَا السَّنةَ كلَّها طلعٌ جديدٌ وكبائسُ مُبْسِرة وأُخَرُ مُرْطِبة ومُتْمِرة. الأَزهري عَنْ أَبي يُوسُفَ: البَيْهَنُ النَّسْتَرَنُ مِنَ الرّياحِين، والبَهْنَوِيُّ مِنَ الإِبلِ: مَا بَيْنَ الكِرْمانيّة وَالْعَرَبِيَّةِ، وَهُوَ دَخِيل فِي الْعَرَبِيَّةِ.
بون: البَوْنُ والبُونُ: مسافةُ مَا بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ؛ قَالَ كُثيِّر عزَّة:
إِذَا جاوَزوا معروفَه أَسْلَمْتُهُمْ ... إِلَى غمرةٍ ... ينظرُ القومُ بُونَها «1»
. وَقَدْ بانَ صاحبُه بَوْناً. والبِوانُ، بِكَسْرِ الْبَاءِ: «2» . عَمُودٌ مِنْ أَعْمِدة الخِباء، وَالْجَمْعُ أَبْوِنةٌ وبُونٌ، بِالضَّمِّ، وبُوَنٌ، وأَباها سِيبَوَيْهِ. والبُونُ: موضعٌ؛ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: لَا أَدري مَا صحتُه. الْجَوْهَرِيُّ: البانُ ضربٌ مِنَ الشَّجَرِ، وَاحِدَتُهَا بانةٌ؛ قَالَ إمرؤُ الْقَيْسِ:
بَرَهْرهةٌ رُؤْدةٌ رَخْصةٌ، ... كخُرْعوبةِ البانةِ المنفطِرْ
وَمِنْهُ دُهْنُ البانِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ سِيدَهْ فِي بَيَنَ وَعَلَّلَهُ، وَسَنَذْكُرُهُ هُنَاكَ. وَفِي حَدِيثِ
خَالِدٍ: فَلَمَّا أَلْقى الشامُ بَوانِيَه عزلَني وَاسْتَعْمَلَ غَيْرِي
أَي خيرَه وَمَا فِيهِ مِنَ السَّعة والنّعْمة. وَيُقَالُ: أَلقى عَصاه وأَلقى بَوانِيَه. قَالَ ابْنُ الأَثير: البَواني فِي الأَصل أَضْلاعُ الصدْرِ، وَقِيلَ: الأَكتافُ والقوائمُ، الْوَاحِدَةُ بَانِيَةٌ، قَالَ: ومنْ حقِّ هَذِهِ الْكَلِمَةِ أَن تَجِيءَ فِي بَابِ الْبَاءِ وَالنُّونِ وَالْيَاءِ، قَالَ: وَذَكَرْنَاهَا فِي هَذَا الْبَابِ حَمْلًا عَلَى ظَاهِرِهَا، فَإِنَّهَا لَمْ تَرِدْ حَيْثُ وَرَدَتْ إِلَّا مَجْمُوعَةً. وَفِي
__________
(1) . قوله [إلى غمرة إلخ] هكذا فيه بياض بالأَصل
(2) . قوله [بكسر الباء] عبارة التكملة: والبوان بالضم عمود الخيمة لغة في البوان بالكسر، عن الفراء(13/61)
حَدِيثِ
عَلِيٍّ: أَلقَت السماءُ بَرْكَ بَوانيها
؛ يريدُ مَا فِيهَا مِنَ الْمَطَرِ. والبُوَيْن: مَوْضِعٌ؛ قَالَ مَعْقِل بْنُ خوَيلد:
لعَمْري لَقَدْ نَادَى المُنادي فراعَني، ... غَداةَ البُوَيْنِ، مِنْ قَرِيبٍ فأَسْمَعا
وبُوانات: مَوْضِعٌ؛ قَالَ مَعْن بْنُ أَوس:
سَرَتْ مِنْ بُواناتٍ فبَوْنٍ فأَصْبَحَتْ ... بقَوْرانَ، قَورانِ الرِّصاف تُواكِله
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: بُوانةُ، بِالضَّمِّ، اسمُ مَوْضِعٍ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
لَقَدْ لَقِيَتْ شَوْلٌ، بجَنْبَيْ بُوانةٍ، ... نَصِيّاً كأَعْرافِ الكَوادِنِ أَسْحَما
وَقَالَ وضَّاح الْيَمَنِ:
أَيا نَخْلَتَيْ وادِي بُوانةَ حَبَّذا، ... إِذَا نامَ حُرَّاسُ النخيلِ، جَناكما
قَالَ: وَرُبَّمَا جَاءَ بِحَذْفِ الْهَاءِ؛ قَالَ الزَّفَيان:
مَاذَا تَذَكَّرْتُ مِنَ الأَظْعان، ... طَوالِعاً مِنْ نحوِ ذِي بُوانِ
قَالَ: وأَما الَّذِي بِبِلَادِ فَارِسَ فَهُوَ شِعْب بَوَّان، بِالْفَتْحِ وَالتَّشْدِيدِ؛ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ المكرَّم: يُقَالُ إِنَّهُ مِنْ أَطْيب بِقَاعِ الأَرض وأَحسَن أَماكِنِها؛ وَإِيَّاهُ عَنى أَبو الطَّيِّبِ المتنَبِّي بِقَوْلِهِ:
يَقول بشِعْبِ بَوَّانٍ حِصاني: ... أَعَنْ هَذَا يُسارُ إِلَى الطِّعانِ؟
أَبوكُمْ آدَمٌ سَنَّ المَعاصي، ... وعَلَّمكُمْ مُفارَقةَ الجِنانِ
وَفِي حَدِيثِ النذْر:
أَن رَجُلًا نَذَرَ أَن يَنْحَر إِبِلًا بِبُوانَةَ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هِيَ بِضَمِّ الْبَاءِ، وَقِيلَ: بِفَتْحِهَا، هَضْبةٌ مِنْ وَراء يَنبُع. ابْنُ الأَعرابي: البَوْنة الْبِنْتُ الصَّغِيرَةُ. والبَوْنة: الفصيلة. والبَوْنة: الفراق.
بين: البَيْنُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ جَاءَ عَلَى وجْهَين: يَكُونُ البَينُ الفُرْقةَ، وَيَكُونُ الوَصْلَ، بانَ يَبِينُ بَيْناً وبَيْنُونةً، وَهُوَ مِنَ الأَضداد؛ وشاهدُ البَين الوَصل قَوْلُ الشَّاعِرِ:
لَقَدْ فَرَّقَ الواشِينَ بَيْنِي وبينَها، ... فقَرَّتْ بِذاكَ الوَصْلِ عَيْنِي وعينُها
وَقَالَ قيسُ بْنُ ذَريح:
لَعَمْرُك لَوْلَا البَيْنُ لَا يُقْطَعُ الهَوى، ... وَلَوْلَا الْهَوَى مَا حَنَّ لِلبَيْنِ آلِفُ
فالبَينُ هُنَا الوَصْلُ؛ وأَنشد أَبو عَمْرٍو فِي رَفْعِ بَيْنَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
كأَنَّ رِماحَنا أَشْطانُ بئْرٍ ... بَعيدٍ بينُ جالَيْها جَرُورِ
وأَنشد أَيضاً:
ويُشْرِقُ بَيْنُ اللِّيتِ مِنْهَا إِلَى الصُّقْل
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَيَكُونُ البَينُ اسْمًا وظَرْفاً مُتمكِّناً. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ؛ قرئَ بَيْنَكُمْ
بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ، فَالرَّفْعُ عَلَى الْفِعْلِ أَي تقَطَّع وَصْلُكم، والنصبُ عَلَى الْحَذْفِ، يريدُ مَا بَيْنَكُمْ، قرأَ نَافِعٌ وحفصٌ عَنْ عَاصِمٍ وَالْكِسَائِيِّ بَيْنَكُمْ
نَصْبًا، وقرأَ ابْنُ كَثير وأَبو عَمْروٍ وابنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ بينُكم رَفْعًا، وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: لَقَدْ تقطَّع بينُكم أَي وَصْلُكم، وَمَنْ قرأَ بَيْنَكُمْ
فَإِنَّ أَبا الْعَبَّاسِ رَوَى عَنِ ابْنِ الأَعرابي أَنه قَالَ: مَعْنَاهُ تقطَّع الَّذِي كانَ بينَكم؛ وَقَالَ الزَّجَّاجُ فيمَنْ فتَحَ الْمَعْنَى: لَقَدْ تقطَّع مَا كُنْتُمْ فِيهِ مِنَ الشَّركة بينَكم، ورُوي عَنِ ابْنِ مسعودٍ أَنه قرأَ لَقَدْ تقطَّع(13/62)
مَا بينَكم، وَاعْتَمَدَ الفراءُ وغيرُه مِنَ النَّحْوِيِّينَ قراءةَ ابْنِ مَسْعُودٍ لِمَنْ قرأَ بَيْنَكُمْ*
، وَكَانَ أَبو حَاتِمٍ يُنْكِر هَذِهِ القراءةَ وَيَقُولُ: مَنْ قرأَ بَيْنَكُمْ
لَمْ يُجِزْ إِلَّا بمَوْصول كَقَوْلِكَ مَا بينَكم، قَالَ: وَلَا يَجُوزُ حذفُ الْمَوْصُولِ وَبَقَاءُ الصلةِ، لَا تُجيزُ العربُ إِنْ قامَ زيدٌ بِمَعْنَى إِنَّ الَّذِي قَامَ زيدٌ، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبو حَاتِمٍ خَطَأٌ، لأَن اللَّهَ جَلّ ثَنَاؤُهُ خاطَبَ بِمَا أَنزَل فِي كِتَابِهِ قَوْمًا مُشْرِكِينَ فَقَالَ: وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ
؛ أَراد لَقَدْ تَقَطَّعَ الشِّرْكُ بَيْنَكُمْ أَي فِيمَا بينَكم، فأَضمرَ الشركَ لِمَا جرَى مِنْ ذِكْر الشُّركاء، فَافْهَمْهُ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: مَن قرأَ بِالنَّصْبِ احْتَمَلَ أَمرين: أَحدُهما أَن يكونَ الفاعلُ مضمَراً أَي لَقَدْ تقطَّع الأَمرُ أَو العَقْدُ أَو الودُّ بينَكم، والآخرُ مَا كَانَ يراهُ الأَخفشُ مِنْ أَن يكونَ بَيْنَكُمْ، وَإِنْ كَانَ منصوبَ اللَّفْظِ مرفوعَ الموضِع بِفِعْلِهِ، غيرَ أَنه أُقِرّتْ عَلَيْهِ نَصْبةُ الظَّرْفِ، وَإِنْ كَانَ مرفوعَ الْمَوْضِعِ لاطِّراد اسْتِعْمَالِهِمْ إِيَّاهُ ظَرْفًا، إِلَّا أَن استعمالَ الْجُمْلَةِ الَّتِي هِيَ صفةٌ لِلْمُبْتَدَإِ مكانَه أَسهلُ مِنِ استعمالِها فاعِلةً، لأَنه لَيْسَ يَلزمُ أَن يَكُونَ المبتدأُ اسْمًا مَحْضًا كَلُزُومِ ذَلِكَ فِي الْفَاعِلِ، أَلا تَرَى إِلَى قَوْلِهِمْ: تسمعُ بالمُعَيْدِيِّ خيرٌ مِنْ أَن تَرَاهُ؛ أَي سماعُك بِهِ خيرٌ مِنْ رؤْيتك إِيَّاهُ. وَقَدْ بانَ الحيُّ بَيْناً وبَيْنونةً؛ وأَنشد ثَعْلَبٌ:
فهاجَ جَوًى فِي القَلْب ضَمَّنه الهَوَى ... بِبَيْنُونةٍ، يَنْأَى بِهَا مَنْ يُوادِعُ
والمُبايَنة: المُفارَقَة. وتَبايَنَ القومُ: تَهاجَرُوا. وغُرابُ البَين: هُوَ الأَبْقَع؛ قَالَ عَنْتَرَةُ:
ظَعَنَ الَّذِينَ فِراقَهم أَتَوَقَّعُ، ... وجَرَى ببَيْنِهمُ الغُرابُ الأَبْقَعُ
حَرِقُ الجَناحِ كأَنَّ لحْيَيْ رأْسِه ... جَلَمانِ، بالأَخْبارِ هَشٌّ مُولَعُ
وَقَالَ أَبو الغَوث: غرابُ البَيْنِ هُوَ الأَحمرُ المِنْقارِ والرِّجْلينِ، فأَما الأَسْود فإِنه الحاتِمُ لأَنه يَحْتِمُ بِالْفِرَاقِ. وَتَقُولُ: ضربَه فأَبانَ رأْسَه مِنْ جسدِه وفَصَلَه، فَهُوَ مُبِينٌ. وَفِي حَدِيثِ الشُّرْب:
أَبِنِ القَدَحَ عَنْ فِيكَ
أَي افْصِلْه عَنْهُ عِنْدَ التنفُّس لِئَلَّا يَسْقُط فِيهِ شيءٌ مِنَ الرِّيق، وَهُوَ مِنَ البَينِ البُعْد والفِراق. وَفِي الْحَدِيثِ فِي صِفَتِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
لَيْسَ بِالطَّوِيلِ البائِن
أَي المُفْرِطِ طُولًا الَّذِي بَعُدَ عَنْ قَدِّ الرِّجَالِ الطِّوال، وبانَ الشيءُ بَيْناً وبُيوناً. وَحَكَى الفارسيُّ عَنْ أَبي زَيْدٍ: طَلَبَ إِلَى أَبَوَيْه البائنةَ، وَذَلِكَ إِذَا طَلَب إِلَيْهِمَا أَن يُبِيناهُ بِمَالٍ فيكونَ لَهُ عَلَى حِدَةٍ، وَلَا تكونُ البائنةُ إِلَّا مِنَ الأَبوين أَو أَحدِهما، وَلَا تكونُ مِنْ غَيْرِهِمَا، وَقَدْ أَبانَه أَبواه إِبانةً حَتَّى بانَ هُوَ بِذَلِكَ يَبينُ بُيُوناً. وَفِي حَدِيثِ
الشَّعْبي قَالَ: سمعتُ النُّعْمانَ بْنَ بَشيرٍ يَقُولُ: سمعتُ رسولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وطَلَبَتْ عَمْرةُ إِلَى بَشِيرِ بْنِ سعدٍ أَن يُنْحِلَني نَحْلًا مِنْ مَالِهِ وأَن يَنْطلِقَ بِي إِلى رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى الله عليه وسلم، فيُشْهدَه فَقَالَ: هَلْ لَكَ مَعَهُ ولدٌ غيرُه؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَهَلْ أَبَنْتَ كلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمِثْلِ الَّذِي أَبَنتَ هَذَا؟ فَقَالَ: لَا، قَالَ: فَإِنِّي لَا أَشهَدُ عَلَى هَذَا، هَذَا جَورٌ، أَشهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي، اعْدِلوا بَيْنَ أَولادكم في النِّحْل [النُّحْل] كَمَا تُحِبُّون أَن يَعْدلوا بَيْنَكُمْ فِي البرِّ واللُّطف
؛ قَوْلُهُ: هَلْ أَبَنْتَ كلَّ وَاحِدٍ أَي هَلْ أَعْطَيْتَ كلَّ واحدٍ مَالًا تُبِينُه بِهِ أَي تُفْرِدُه، وَالِاسْمُ البائنةُ. وَفِي حَدِيثِ
الصِّدِّيقِ: قَالَ لِعَائِشَةَ،(13/63)
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: إِنِّي كنتُ أَبَنْتكِ بنُحْل
أَي أَعطيتُكِ. وَحَكَى الْفَارِسِيُّ عَنْ أَبي زَيْدٍ: بانَ وبانَه؛ وأَنشد:
كأَنَّ عَيْنَيَّ، وَقَدْ بانُوني، ... غَرْبانِ فَوقَ جَدْوَلٍ مَجْنونِ
وتبَايَنَ الرجُلانِ: بانَ كلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ، وَكَذَلِكَ فِي الشَّرِكَةِ إِذَا انْفَصَلَا. وبانَت المرأَةُ عَنِ الرَّجُلِ، وَهِيَ بائنٌ: انْفَصَلَتْ عَنْهُ بِطَلَاقٍ. وتَطْليقةٌ بَائِنَةٌ، بِالْهَاءِ لَا غَيْرَ، وَهِيَ فَاعِلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ، أَي تَطْليقةٌ «1» . ذاتُ بَيْنونةٍ، وَمِثْلُهُ: عِيشةٌ راضيةٌ أَي ذاتُ رِضاً. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ مَسْعُودٍ فِيمَنْ طَلق امرأَتَه ثمانيَ تَطْلِيقاتٍ: فَقِيلَ لَهُ إِنَّهَا قَدْ بانَتْ مِنْكَ، فَقَالَ: صدَقُوا؛ بانَتِ المرأَةُ مِنْ زوجِها
أَي انْفَصَلَتْ عَنْهُ وَوَقَعَ عَلَيْهَا طلاقُه. والطَّلاقُ البائِنُ: هُوَ الَّذِي لَا يَمْلِك الزوجُ فِيهِ استِرْجاعَ المرأَةِ إِلَّا بعَقْدٍ جديدٍ، وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُهَا فِي الْحَدِيثِ. وَيُقَالُ: بانَتْ يدُ الناقةِ عَنْ جَنْبِها تَبِينُ بُيوناً، وبانَ الخلِيطُ يَبينُ بَيْناً وبَيْنونةً؛ قَالَ الطِّرِمَّاحُ:
أَآذَنَ الثَّاوِي بِبَيْنُونة
ابْنُ شُمَيْلٍ: يُقَالُ لِلْجَارِيَةِ إِذَا تزوَّجت قَدْ بانَت، وهُنّ قَدْ بِنَّ إِذَا تزوَّجْنَ. وبَيَّن فلانٌ بِنْتَه وأَبانَها إِذَا زوَّجَها وَصَارَتْ إِلَى زَوْجِهَا، وبانَت هِيَ إِذَا تَزَوَّجَتْ، وكأَنه مِنَ الْبِئْرِ الْبَعِيدَةِ أَي بَعُدَتْ عَنْ بَيْتِ أَبيها. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَنْ عالَ ثلاثَ بناتٍ حَتَّى يَبِنَّ أَو يَمُتْنَ
؛ يَبِنَّ، بِفَتْحِ الْيَاءِ، أَي يتزوَّجْنَ. وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ:
حَتَّى بانُوا أَو مَاتُوا.
وبئرٌ بَيُونٌ: واسعةُ مَا بَيْنَ الجالَيْنِ؛ وَقَالَ أَبو مَالِكٍ: هِيَ الَّتِي لَا يُصيبُها رِشاؤُها، وَذَلِكَ لأَن جِرابَ الْبِئْرِ مُسْتَقِيمٌ، وَقِيلَ: البَيُونُ البئرُ الْوَاسِعَةُ الرأْسِ الضَّيِّقَة الأَسْفَل؛ وأَنشد أَبو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ:
إِنَّك لَوْ دَعَوْتَني، ودُوني ... زَوْراءُ ذاتُ مَنْزعٍ بَيُونِ،
لقُلْتُ: لَبَّيْه لمنْ يَدْعوني
فَجَعَلَهَا زَوْراءَ، وَهِيَ الَّتِي فِي جِرابِها عَوَجٌ، والمَنْزَعُ: الموضعُ الَّذِي يَصْعَدُ فِيهِ الدَّلْوُ إِذَا نُزِع مِنَ الْبِئْرِ، فَذَلِكَ الْهَوَاءُ هُوَ المَنْزَعُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بئرٌ بَيُونٌ وَهِيَ الَّتِي يُبِينُ المُسْتَقي الْحَبْلَ فِي جِرابِها لِعَوَجٍ فِي جُولها؛ قَالَ جَرِيرٌ يَصِفُ خَيْلًا وصَهِيلَها:
يَشْنِفْنَ للنظرِ الْبَعِيدِ، كأَنما ... إرْنانُها ببَوائنُ الأَشْطانِ
أَراد كأَنها تَصْهَل فِي رَكَايَا تُبانُ أَشْطانُها عَنْ نَوَاحِيهَا لِعَوَجٍ فِيهَا إِرْنَانُهَا ذَوَاتُ «2» . الأَذنِ والنَّشاطِ مِنْهَا، أَراد أَن فِي صهيلِها خُشْنة وغِلَظاً كأَنها تَصْهَل فِي بئرٍ دَحُول، وَذَلِكَ أَغْلَظُ لِصَهيلِها. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ، رَحِمَهُ اللَّهُ: الْبَيْتُ لِلْفَرَزْدَقِ لَا لِجَرِيرٍ، قَالَ: وَالَّذِي فِي شِعْرِهِ يَصْهَلْنَ. والبائنةُ: البئرُ البعيدةُ الْقَعْرِ الْوَاسِعَةُ، والبَيونُ مثلُه لأَن الأَشْطانَ تَبِينُ عَنْ جرابِها كَثِيرًا. وأَبانَ الدَّلوَ عَنْ طَيِّ الْبِئْرِ: حادَ بِهَا عَنْهُ لِئَلَّا يُصيبَها فَتَنْخَرِقُ؛ قَالَ:
دَلْوُ عِراكٍ لَجَّ بِي مَنينُها، ... لَمْ تَرَ قَبْلي ماتِحاً يُبينُها
وَتَقُولُ: هُوَ بَيْني وبَيْنَه، وَلَا يُعْطَفُ عليه إلا
__________
(1) . قوله [وَهِيَ فَاعِلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ أي تطليقة إلخ] هكذا بالأَصل، ولعل فيه سقطاً
(2) . قوله [إرنانها ذوات إلخ] كذا بالأَصل. وفي التكملة: والبيت للفرزدق يهجو جريراً، والرواية إرنانها أي كَأَنَّهَا تَصْهِلُ مِنْ آبَارِ بوائن لسعة أجوافها إلخ. وقول الصاغاني: والرواية إرنانها يعني بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وبالنون كما هنا بخلاف رواية الجوهري فإنها أذنابها، وقد عزا الجوهري هذا البيت لجرير كما هنا فقد رد عليه الصاغاني من وجهين(13/64)
بِالْوَاوِ لأَنه لَا يَكُونُ إِلَّا مِنَ اثْنَيْنِ، وَقَالُوا: بَيْنا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ حَدَثَ كَذَا؛ قَالَ أَنشده سِيبَوَيْهِ:
فبَيْنا نَحْنُ نَرْقُبُه، أَتانا ... مُعَلّق وَفْضةٍ، وزِناد راعِ
إِنَّمَا أَراد بَيْنَ نَحْنُ نَرْقبُهُ أَتانا، فأَشْبَعَ الْفَتْحَةَ فحدَثتْ بَعْدَهَا أَلفٌ، فإِن قِيلَ: فلِمَ أَضافَ الظرفَ الَّذِي هُوَ بَيْن، وَقَدْ عَلِمْنَا أَن هَذَا الظرفَ لَا يُضَافُ مِنَ الأَسماء إِلَّا لِمَا يدلُّ عَلَى أَكثر مِنَ الْوَاحِدِ أَو مَا عُطف عَلَيْهِ غَيْرُهُ بِالْوَاوِ دُونَ سَائِرِ حُرُوفِ الْعَطْفِ نَحْوَ المالُ بينَ القومِ والمالُ بَيْنَ زيدٍ وَعَمْرٍو، وقولُه نَحْنُ نرقُبُه جملةٌ، وَالْجُمْلَةُ لَا يُذْهَب لَهَا بَعْدَ هَذَا الظرفِ؟ فالجواب: أَن هاهنا وَاسِطَةً محذوفةٌ وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ بينَ أَوقاتِ نَحْنُ نرْقُبُه أَتانا أَي أَتانا بَيْنَ أَوقات رَقْبَتِنا إِيَّاهُ، والجُمَلُ مِمَّا يُضافُ إِلَيْهَا أَسماءُ الزَّمَانِ نَحْوَ أَتيتك زمنَ الحجاجُ أَميرٌ، وأَوانَ الخليفةُ عبدُ المَلِك، ثُمَّ إِنَّهُ حُذِفَ المضافُ الَّذِي هُوَ أَوقاتٌ ووَليَ الظَّرْفُ الَّذِي كَانَ مُضَافًا إِلَى الْمَحْذُوفِ الْجُمْلَةُ الَّتِي أُقيمت مُقامَ الْمُضَافِ إِلَيْهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ؛ أَي أَهلَ الْقَرْيَةِ، وَكَانَ الأَصمعيُّ يَخْفِضُ بعدَ بَيْنا إِذَا صلَح فِي مَوْضِعِهِ بَيْنَ ويُنشِد قَوْلَ أَبي ذُؤَيْبٍ بِالْكَسْرِ:
بَيْنا تَعَنُّقِه الكُماةَ ورَوْغِه، ... يَوْمًا، أُتِيحَ لَهُ جَرِيءٌ سَلْفَعُ
وغيرُه يرفعُ مَا بعدَ بَيْنا وبَيْنَما عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرِ، وَالَّذِي يُنْشِدُ برَفع تَعنُّقِه وبخفْضِها «1» . قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: ومثلُه فِي جَوَازِ الرَّفْعِ وَالْخَفْضِ بَعْدَهَا قولُ الْآخَرِ:
كُنْ كيفَ شِئْتَ، فقَصْرُك الموتُ، ... لَا مَزْحَلٌ عَنْهُ وَلَا فَوْتُ
بَيْنا غِنَى بيتٍ وبَهْجَتِهِ، ... زالَ الغِنَى وتَقَوَّضَ البيتُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَدْ تأْتي إذْ فِي جَوَابِ بَيْنَا كَمَا قَالَ حُمَيْد الأَرقط:
بَيْنا الفَتى يَخْبِطُ فِي غَيْساتِه، ... إِذِ انْتَمَى الدَّهْرُ إِلَى عِفْراتِه
وَقَالَ آخَرُ:
بيْنا كَذَلِكَ، إذْ هاجَتْ هَمَرَّجةٌ ... تَسْبي وتَقْتُل، حَتَّى يَسْأَمَ الناسُ
وَقَالَ الْقُطَامِيُّ:
فبَيْنا عُمَيْرٌ طامحُ الطَّرف يَبْتَغي ... عُبادةَ، إذْ واجَهْت أَصحَم ذَا خَتْر
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَهَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ يدلُّ عَلَى فسادِ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ إنَّ إِذْ لَا تَكُونُ إِلَّا فِي جَوَابِ بَيْنما بِزِيَادَةِ مَا، وَهَذِهِ بعدَ بَيْنا كَمَا تَرَى؛ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ هَذَا الْقَوْلِ أَنه قَدْ جَاءَ بَيْنما وَلَيْسَ فِي جَوَابِهَا إِذْ كَقَوْلِ ابْنِ هَرْمة فِي بَابِ النَّسيبِ مِنَ الحَماسةِ:
بينما نحنُ بالبَلاكِثِ فالْقاعِ ... سِراعاً، والعِيسُ تَهْوي هُوِيّا
خطَرَتْ خَطْرةٌ عَلَى القلبِ من ذكراكِ ... وهْناً، فَمَا استَطَعتُ مُضِيّاً
وَمِثْلُهُ قَوْلُ الأَعشى:
بَيْنَما المرءُ كالرُّدَيْنيّ ذي الجُبَّةِ ... سَوَّاه مُصْلِحُ التَّثْقِيفِ،
رَدَّه دَهْرُه المُضَلّلُ، حَتَّى ... عادَ مِنْ بَعْدِ مَشْيِه التَّدْليفِ
وَمِثْلُهُ قَوْلُ أَبي دُوَادٍ:
بَيْنما المرءُ آمِنٌ، راعَهُ رائعُ ... حَتْفٍ لَمْ يَخْشَ مِنْهُ انْبِعاقَهْ
وَفِي الْحَدِيثِ:
بَيْنا نَحْنُ عِنْدَ رسولِ اللَّهِ، صَلَّى الله
__________
(1) . قوله: [والذي ينشد إلى وبخفضها؛ هكذا في الأَصل، ولعل في الكلام سقطاً(13/65)
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ جَاءَهُ رجلٌ
؛ أَصلُ بَيْنا بَيْنَ، فأُشبِعتْ الْفَتْحَةُ فَصَارَتْ أَلفاً، وَيُقَالُ بَيْنا وبَيْنما، وَهُمَا ظَرْفَا زمانٍ بِمَعْنَى المفاجأَة، ويُضافان إِلَى جُمْلَةٍ مِنْ فعلٍ وفاعلٍ ومبتدإٍ وَخَبَرٍ، ويحْتاجان إِلَى جَوَابٍ يَتِمُّ بِهِ الْمَعْنَى، قَالَ: والأَفصَح فِي جَوَابِهِمَا أَن لَا يكون فيه إذا وَإِذَا، وَقَدْ جَاءَا فِي الْجَوَابِ كَثِيرًا، تَقُولُ: بَينا زيدٌ جالسٌ دخَل عَلَيْهِ عمرٌو، وَإِذْ دخَل عَلَيْهِ، وَإِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الحُرَقة بِنْتِ النُّعمان:
بَيْنا نَسوسُ الناسَ، والأَمرُ أَمْرُنا، ... إِذَا نحنُ فِيهِمْ سُوقةٌ نَتَنَصَّفُ
وأَما قَوْلُهُ تَعَالَى: وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً
؛ فَإِنَّ الزَّجَّاجَ قَالَ: مَعْنَاهُ جَعَلَنَا بينَهم مِنَ الْعَذَابِ مَا يُوبِقُهم أَي يُهْلِكهم؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَاهُ جَعَلْنَا بَيْنَهُمْ أَي تواصُلهم فِي الدُّنْيَا مَوْبقاً لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَي هُلْكاً، وَتَكُونُ بَيْن صِفَةً بِمَنْزِلَةِ وسَط وخِلال. الْجَوْهَرِيُّ: وبَيْن بِمَعْنَى وسْط، تَقُولُ: جلستُ بينَ الْقَوْمِ، كَمَا تَقُولُ: وسْطَ الْقَوْمِ، بِالتَّخْفِيفِ، وَهُوَ ظرفٌ، وَإِنْ جَعَلْتَهُ اسْمًا أَعرَبْتَه؛ تَقُولُ: لَقَدْ تقطَّع بينُكم، بِرَفْعِ النُّونِ، كَمَا قَالَ أَبو خِراش الهُذلي يَصِفُ عُقاباً:
فلاقَتْه ببَلْقَعةٍ بَراحٍ، ... فصادَفَ بينَ عَينَيْه الجَبُوبا
الجبُوب: وَجْهُ الأَرض. الأَزهري فِي أَثناء هَذِهِ التَّرْجَمَةِ: رُوِيَ عَنْ أَبي الْهَيْثَمِ أَنه قَالَ الْكَوَاكِبُ البَبانيات «1» . هِيَ الَّتِي لَا يَنزِلها شمسٌ وَلَا قمرٌ إِنَّمَا يُهْتَدى بِهَا فِي البرِّ وَالْبَحْرِ، وَهِيَ شَامِيَّةٌ، ومَهَبُّ الشَّمالِ مِنْهَا، أَوَّلها القُطْب وَهُوَ كوكبٌ لَا يَزول، والجدْي والفَرْقَدان، وَهُوَ بَيْنَ القُطب، وَفِيهِ بَنات نعْشٍ الصُّغْرَى، وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: سَمِعْتُ المبرَّد يَقُولُ إِذَا كَانَ الِاسْمُ الَّذِي يَجِيءُ بَعْدَ بَيْنا اسْمًا حَقِيقِيًّا رفَعته بِالِابْتِدَاءِ، وَإِنْ كَانَ اسْمًا مَصْدَرِيًّا خفضْتَه، وَيَكُونُ بَيْنا فِي هَذَا الْحَالِ بِمَعْنَى بينَ، قَالَ: فسأَلت أَحمد بْنَ يَحْيَى عَنْهُ وَلَمْ أُعلِمْه قَائِلَهُ فَقَالَ: هَذَا الدرُّ، إِلَّا أَنَّ مِنَ الْفُصَحَاءِ مَنْ يَرْفَعُ الِاسْمَ الَّذِي بَعْدَ بَينا وَإِنْ كَانَ مَصْدَرِيًّا فيُلحقه بِالِاسْمِ الْحَقِيقِيِّ؛ وأَنشد بَيْتًا لِلْخَلِيلِ بْنِ أَحمد:
بَينا غِنَى بيتٍ وبَهْجَتِه، ... ذهَبَ الغِنى وتَقَوَّضَ البَيْتُ
وَجَائِزٌ: وبهْجَتُه، قَالَ: وأَما بَيْنما فالاسمُ الَّذِي بَعْدَهُ مرفوعٌ، وَكَذَلِكَ الْمَصْدَرُ. ابْنُ سِيدَهْ: وبَيْنا وَبَيْنَمَا مِنْ حُرُوفِ الِابْتِدَاءِ، وَلَيْسَتِ الأَلف فِي بَيْنا بصلةٍ، وبَينا فعْلى أُشبِعت الفتحةُ فَصَارَتْ أَلفاً، وَبَيْنَمَا بَين زِيدت عَلَيْهِ مَا، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، وَهَذَا الشَّيْءُ بَينَ بَينَ أَي بَيْنَ الجيِّد والرَّديء، وَهُمَا اسْمَانِ جُعِلا وَاحِدًا وبُنيا عَلَى الْفَتْحِ، وَالْهَمْزَةُ المخفَّفة تُسَمَّى هَمْزَةٌ بَيْنَ بَيْنَ؛ وَقَالُوا: بَين بَين، يُرِيدُونَ التَّوَسُّط كَمَا قَالَ عَبيد بْنُ الأَبرص:
نَحْمي حَقيقَتَنا، وَبَعْضُ ... القَوْم يَسْقُطُ بَينَ بَيْنا
وَكَمَا يَقُولُونَ: هَمْزَةٌ بَين بَين أَي أَنها همزةٌ بَيْنَ الهمزةِ وَبَيْنَ حَرْفِ اللِّينِ، وَهُوَ الْحَرْفِ الَّذِي مِنْهُ حركتُها إِنْ كَانَتْ مَفْتُوحَةً، فَهِيَ بَيْنَ الْهَمْزَةِ والأَلف مِثْلُ سأَل، وَإِنْ كَانَتْ مَكْسُورَةً فَهِيَ بَيْنَ الْهَمْزَةِ وَالْيَاءِ مِثْلُ سَئِمَ، وَإِنْ كَانَتْ مَضْمُومَةً فَهِيَ بَيْنَ الْهَمْزَةِ وَالْوَاوِ مِثْلُ لَؤُم، إِلَّا أَنها لَيْسَ لَهَا تمكينُ الْهَمْزَةِ الْمُحَقَّقَةِ، وَلَا تقَعُ الهمزةُ الْمُخَفَّفَةُ أَبداً أَوَّلًا لقُرْبِها بالضَّعْف مِنَ السَّاكِنِ، إِلَّا أَنها وَإِنْ كَانَتْ قَدْ قرُبَت مِنَ السَّاكِنِ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا تَمْكين الهمزةِ المحقَّقة فهي
__________
(1) . وردت في مادة بين [البابانيات] تبعاً للأَصل، والصواب ما هنا(13/66)
متحرِّكة فِي الْحَقِيقَةِ، فَالْمَفْتُوحَةُ نَحْوُ قَوْلِكَ فِي سأَل سأَلَ، والمكسورةُ نَحْوُ قَوْلِكَ فِي سَئِمَ سَئِمَ، وَالْمَضْمُومَةُ نَحْوُ قَوْلِكَ فِي لؤُم لؤُم، وَمَعْنَى قَوْلِ سِيبَوَيْهِ بَيْنَ بَيْنَ أَنها ضَعِيفَةٌ لَيْسَ لَهَا تمكينُ المحقَّقة وَلَا خُلوصُ الْحَرْفِ الَّذِي مِنْهُ حركتُها، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَسُمِّيَتْ بَينَ بينَ لضَعْفِها؛ وأَنشد بَيْتَ عَبِيدِ بْنِ الأَبرص:
وَبَعْضُ القومِ يَسْقُطُ بَيْنَ بَيْنَا
أَي يَتَسَاقَطُ ضَعيفاً غَيْرَ معتدٍّ بِهِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ السِّيرَافِيُّ كأَنه قَالَ بَينَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ، كأَنه رجلٌ يَدْخُلُ بينَ فَرِيقَيْنِ فِي أَمرٍ مِنَ الأُمور فيسقُطُ وَلَا يُذْكَر فِيهِ؛ قَالَ الشَّيْخُ: وَيَجُوزُ عِنْدِي أَن يُرِيدَ بينَ الدُّخُولِ فِي الْحَرْبِ والتأَخر عَنْهَا، كَمَا يُقَالُ: فُلَانُ يُقَدِّم رِجْلًا ويُؤَخر أُخرى. ولَقِيتُه بُعَيدات بَيْنٍ إذا لقِيتَه بعدَ حينٍ ثُمَّ أَمسكتَ عَنْهُ ثُمَّ أَتيته؛ وَقَوْلُهُ:
وَمَا خِفْتُ حَتَّى بَيَّنَ الشربُ والأَذى ... بِقانِئِه، إِنِّي مِنَ الحيِّ أَبْيَنُ
أَي بَائِنُ. والبَيانُ: مَا بُيِّنَ بِهِ الشيءُ مِنَ الدَّلَالَةِ وغيرِها. وبانَ الشيءُ بَياناً: اتَّضَح، فَهُوَ بَيِّنٌ، وَالْجَمْعُ أَبْيِناءُ، مِثْلُ هَيِّنٍ وأَهْيِناء، وَكَذَلِكَ أَبانَ الشيءُ فَهُوَ مُبينٌ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
لَوْ دَبَّ ذَرٌّ فوقَ ضاحِي جلدِها، ... لأَبانَ مِنْ آثارِهِنَّ حُدورُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ عِنْدَ قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ وَالْجَمْعُ أَبْيِناء مِثْلُ هيِّن وأَهْيِناء، قَالَ: صَوَابُهُ مِثْلُ هيِّنٍ وأَهْوِناء لأَنه مِنَ الهَوانِ. وأَبَنْتُه أَنا أَي أَوْضَحْتُه. واستَبانَ الشيءُ: ظهَر. واستَبَنْتُه أَنا: عرَفتُه. وتَبَيَّنَ الشيءُ: ظَهَر، وتَبيَّنْتهُ أَنا، تتعدَّى هَذِهِ الثلاثةُ وَلَا تَتَعَدَّى. وَقَالُوا: بانَ الشيءُ واسْتَبانَ وتَبيَّن وأَبانَ وبَيَّنَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: آياتٍ مُبَيِّناتٍ*
، بِكَسْرِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِهَا، بِمَعْنَى مُتبيِّنات، وَمَنْ قرأَ
مُبَيَّنات
بِفَتْحِ الْيَاءِ فَالْمَعْنَى أَن اللَّهَ بَيَّنَها. وَفِي الْمَثَلِ: قَدْ بَيَّنَ الصبحُ لذِي عينَين أَي تَبَيَّن؛ وَقَالَ ابْنُ ذَريح:
وللحُبِّ آياتٌ تُبَيَّنُ للفَتى ... شُحوباً، وتَعْرى مِنْ يَدَيه الأَشاحم «1»
. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَكَذَا أَنشده ثَعْلَبٌ، وَيُرْوَى: تُبَيِّن بِالْفَتَى شُحوب. والتَّبْيينُ: الإِيضاح. والتَّبْيين أَيضاً: الوُضوحُ؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
إلَّا الأَوارِيّ لأْياً مَا أُبَيِّنُها، ... والنُّؤْيُ كالحَوض بِالْمَظْلُومَةِ الجلَد
يَعْنِي أَتَبيَّنُها. والتِّبْيان: مصدرٌ، وَهُوَ شاذٌّ لأَن الْمَصَادِرَ إِنَّمَا تَجِيءُ عَلَى التَّفْعال، بِفَتْحِ التَّاءِ، مثال التَّذْكار والتَّكْرار والتَّوْكاف، وَلَمْ يجيءْ بِالْكَسْرِ إِلَّا حَرْفَانِ وَهْمَا التِّبْيان والتِّلقاء. وَمِنْهُ حَدِيثُ
آدَمَ وَمُوسَى، عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: أَعطاكَ اللهُ التوراةَ فِيهَا تِبْيانُ كلِّ شيءٍ
أَي كشْفُه وإيضاحُه، وَهُوَ مَصْدَرٌ قَلِيلٌ لأَن مصادرَ أَمثاله بِالْفَتْحِ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ
؛ يُرِيدُ النِّسَاءَ أَي الأُنثى لَا تَكَادُ تَسْتَوفي الحجةَ وَلَا تُبينُ، وَقِيلَ فِي التَّفْسِيرِ: إِنَّ المرأَة لَا تَكَادُ تحتجُّ بحُجّةٍ إِلا عَلَيْهَا، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ يَعْنِي بِهِ الأَصنام، والأَوّل أَجود. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ
؛ أَي ظَاهِرَةٍ مُتَبيِّنة. قَالَ ثَعْلَبٌ: يَقُولُ إِذَا طلَّقها لَمْ يحِلّ لَهَا أَن تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهِ، وَلَا أَن يُخْرجها هُوَ إِلَّا بحَدٍّ
__________
(1) . قوله [الأَشاحم] هكذا في الأَصل(13/67)
يُقام عَلَيْهَا، وَلَا تَبينُ عَنِ الْمَوْضِعِ الَّذِي طُلِّقت فِيهِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ ثُمَّ تخرُج حَيْثُ شَاءَتْ، وبِنْتُه أَنا وأَبَنتُه واسْتَبنْتُه وبَيَّنْتُه؛ وَرَوِيَ بَيْتُ ذِي الرُّمَّةِ:
تُبَيِّنُ نِسْبةَ المَرَئِيّ لُؤْماً، ... كَمَا بَيَّنْتَ فِي الأَدَم العَوارا
أَي تُبَيِّنُها، وَرَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ: تُبيِّن نِسبةُ، بِالرَّفْعِ، عَلَى قَوْلِهِ قَدْ بَيَّنَ الصبحُ لِذِي عَينين. وَيُقَالُ: بانَ الحقُّ يَبينُ بَياناً، فَهُوَ بائنٌ، وأَبانَ يُبينُ إِبَانَةً، فَهُوَ مُبينٌ، بِمَعْنَاهُ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ*
؛ أَي وَالْكِتَابِ البَيِّن، وَقِيلَ: مَعْنَى الْمُبِينِ*
الَّذِي أَبانَ طُرُقَ الْهُدَى مِنْ طُرُقِ الضَّلَالَةِ وأَبان كلَّ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ الأُمّة؛ وَقَالَ الزَّجَّاجُ: بانَ الشيءُ وأَبانَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَيُقَالُ: بانَ الشيءُ وأَبَنتُه، فَمَعْنَى مُبين أَنه مُبينٌ خيرَه وبرَكَته، أَو مُبين الحقَّ مِنَ الْبَاطِلِ والحلالَ مِنَ الْحَرَامِ، ومُبينٌ أَن نُبُوَّةَ سيدنا رسول الله، صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حقٌّ، ومُبين قِصَصَ الأَنبياء. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَيَكُونُ الْمُسْتَبِينُ أَيضاً بِمَعْنَى المُبين. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: والاسْتِبانةُ يَكُونُ واقعاً. يقال: اسْتَبنتُ الشيءَ إِذَا تأَملتَه حَتَّى تَبيَّن لَكَ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ
؛ الْمَعْنَى ولتستبينَ أَنت يَا مُحَمَّدُ سبيلَ الْمُجْرِمِينَ أَي لتزدادَ استِبانة، وإِذا بانَ سبيلُ الْمُجْرِمِينَ فَقَدْ بَانَ سَبِيلُ الْمُؤْمِنِينَ، وأَكثرُ القراء قرؤُوا: وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ
؛ والاسْتبانة حينئذٍ يَكُونُ غَيْرَ وَاقِعٍ. وَيُقَالُ: تبَيَّنْت الأَمر أَي تأَمَّلته وتوسَّمْتُه، وَقَدْ تبيَّنَ الأَمرُ يَكُونُ لازِماً وواقِعاً، وَكَذَلِكَ بَيَّنْته فبَيَّن أَي تَبَيَّن، لازمٌ وَمُتَعَدٍّ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ
؛ أَي بُيِّن لَكَ فِيهِ كلُّ ما تحتاج إليه أَنت وأُمتُك مِنْ أَمر الدِّين، وَهَذَا مِنَ اللَّفْظِ العامِّ الَّذِي أُريد بِهِ الخاصُّ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: بَيَّنْت الشيءَ تَبْييناً وتِبْياناً، بِكَسْرِ التَّاءِ، وتِفْعالٌ بِكَسْرِ التَّاءِ يَكُونُ اسْمًا، فأَما الْمَصْدَرُ فإِنه يَجِيءُ عَلَى تَفْعال بِفَتْحِ التَّاءِ، مِثْلُ التَّكْذاب والتَّصْداق وَمَا أَشبهه، وَفِي الْمَصَادِرِ حَرْفَانِ نَادِرَانِ: وَهُمَا تِلْقاء الشَّيْءِ والتِّبْيان، قَالَ: وَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِمَا. وَقَالَ
النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: أَلا إنَّ التَّبيين مِنَ اللَّهِ والعَجَلة مِنَ الشَّيْطَانِ فتبيَّنُوا
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: قَالَ الْكِسَائِيُّ وَغَيْرُهُ التَّبْيين التثبُّتُ فِي الأَمر والتَّأَني فِيهِ، وَقُرِئَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا
، وَقُرِئَ:
فتثبَّتوا
، وَالْمَعْنَيَانِ مُتَقَارِبَانِ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا
،
وفتَثبَّتُوا
؛ قُرِئَ بِالْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا. وَقَالَ سِيبَوَيْهِ فِي قَوْلِهِ: الْكِتابِ الْمُبِينِ*
، قَالَ: وَهُوَ التِّبيان، وَلَيْسَ عَلَى الْفِعْلِ إِنَّمَا هُوَ بناءٌ عَلَى حِدَةٍ، وَلَوْ كَانَ مَصْدَرًا لفُتِحتْ كالتَّقْتال، فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بيَّنْتُ كَالْغَارَةِ مِنْ أَغَرْت. وَقَالَ كُرَاعٍ: التِّبيان مصدرٌ وَلَا نَظِيرَ لَهُ إِلَّا التِّلقاء، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ. وَبَيْنَهُمَا بَينٌ أَي بُعْد، لُغَةٌ فِي بَوْنٍ، وَالْوَاوُ أَعلى، وَقَدْ بانَه بَيْناً. والبَيانُ: الْفَصَاحَةُ واللَّسَن، وكلامٌ بيِّن فَصيح. والبَيان: الإِفصاح مَعَ ذَكَاءٍ. والبَيِّن مِنَ الرِّجَالِ: الْفَصِيحُ. ابْنُ شُمَيْلٍ: البَيِّن مِنَ الرِّجَالِ السَّمْح اللِّسَانِ الْفَصِيحُ الظَّرِيفُ الْعَالِي الْكَلَامِ الْقَلِيلُ الرتَج. وفلانٌ أَبْيَن مِنْ فُلَانٍ أَي أَفصح مِنْهُ وأَوضح كَلَامًا. وَرَجُلٌ بَيِّنٌ: فَصِيحٌ، وَالْجَمْعُ أَبْيِناء، صحَّت الْيَاءُ لِسُكُونِ مَا قَبْلَهَا؛ وأَنشد شَمِرٌ:
قَدْ يَنْطِقُ الشِّعْرَ الغَبيُّ، ويَلْتَئي ... عَلَى البَيِّنِ السَّفّاكِ، وَهُوَ خَطيبُ
قَوْلُهُ يَلتئي أَي يُبْطئ، مِنَ اللأْي وَهُوَ الإِبطاء. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ فِي جَمْعِهِ أَبْيان وبُيَناء، فأَما أَبْيان(13/68)
فكميِّت وأَموات، قَالَ سِيبَوَيْهِ: شَبَّهوا فَيْعِلًا بِفَاعِلٍ حِينَ قَالُوا شَاهِدٌ وأَشهاد، قَالَ: وَمِثْلُهُ، يَعْنِي ميِّتاً وأَمواتاً، قيِّل وأَقيال وكَيِّس وأَكياس، وأَما بُيِّناء فَنَادِرٌ، والأَقيَس فِي ذَلِكَ جمعُه بِالْوَاوِ، وَهُوَ قَوْلُ سِيبَوَيْهِ. رَوَى
ابنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنه قَالَ: إِنّ مِنَ الْبَيَانِ لسِحْراً وإِنّ مِنَ الشِّعر لحِكَماً
؛ قَالَ: البَيان إِظْهَارُ الْمَقْصُودِ بأَبلغ لفظٍ، وهو من الفَهْم وذكاءِ القلْب مَعَ اللَّسَن، وأَصلُه الكَشْفُ والظهورُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ إِن الرجُلَ يكونُ عَلَيْهِ الحقُّ، وَهُوَ أَقْوَمُ بحُجَّتِه مِنْ خَصْمِه، فيَقْلِبُ الحقَّ بِبَيانِه إِلَى نَفْسِه، لأَن مَعْنَى السِّحْر قَلْبُ الشيءِ فِي عَيْنِ الإِنسانِ وَلَيْسَ بِقَلْبِ الأَعيانِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ إِنه يَبْلُغ مِنْ بَيانِ ذِي الْفَصَاحَةِ أَنه يَمْدَح الإِنسانَ فيُصدَّق فِيهِ حَتَّى يَصْرِفَ القلوبَ إِلَى قولِه وحُبِّه، ثُمَّ يذُمّه فيُصدّق فِيهِ حَتَّى يَصْرِفَ القلوبَ إِلَى قَوْلِهِ وبُغْضِهِ، فكأَنه سَحَرَ السَّامِعِينَ بِذَلِكَ، وَهُوَ وَجْهُ قَوْلِهِ:
إِن مِنَ البيانِ لسِحْراً.
وَفِي الْحَدِيثِ
عَنْ أَبي أُمامة: أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: الحياءُ والعِيُّ شُعْبتان مِنَ الإِيمانِ، والبَذاءُ والبيانُ شُعْبتانِ مِنَ النِّفاق
؛ أَراد أَنهما خَصْلتان مَنْشَؤهما النِّفاق، أَما البَذاءُ وَهُوَ الفُحْشُ فَظَاهِرٌ، وأَما البيانُ فَإِنَّمَا أَراد مِنْهُ بِالذَّمِّ التعمُّق فِي النُّطْق والتفاصُحَ وإظهارَ التقدُّم فِيهِ عَلَى النَّاسِ وكأَنه نوعٌ مِنَ العُجْب والكِبْرِ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرى:
البَذاءُ وبعضُ الْبَيَانِ
، لأَنه لَيْسَ كلُّ البيانِ مَذْمُومًا. وَقَالَ الزَّجَّاجُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ
؛ قِيلَ إِنه عنى بالإِنسان هاهنا النبيَّ، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، عَلَّمَهُ الْبَيانَ
أَي علَّمه القرآنَ الَّذِي فِيهِ بيانُ كلِّ شَيْءٍ، وَقِيلَ: الإِنسانُ هَنَا آدمُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَيَجُوزُ فِي اللُّغَةِ أَن يَكُونَ الإِنسانُ اسْمًا لِجِنْسِ النَّاسِ جَمِيعًا، وَيَكُونُ عَلَى هَذَا علَّمَه البيانَ جعَله مميِّزاً حَتَّى انْفَصَلَ الإِنسانُ ببيَانِه وَتَمْيِيزِهِ مِنْ جَمِيعِ الْحَيَوَانِ. وَيُقَالُ: بَيْنَ الرجُلَين بَيْنٌ بَعيدٌ وبَوْنٌ بَعِيدٌ؛ قَالَ أَبو مَالِكٍ: البَيْنُ الفصلُ «2» . بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ، يَكُونُ إِمَّا حَزْناً أَو بقُرْبه رَمْلٌ، وبينَهما شيءٌ لَيْسَ بحَزنٍ وَلَا سهلٍ. والبَوْنُ: الفضلُ والمزيّةُ. يُقَالُ: بَانَهُ يَبونُه ويَبينُه، والواوُ أَفصحُ، فأَما فِي البُعْد فَيُقَالُ: إِنَّ بَيْنَهُمَا لَبَيْناً لَا غَيْرَ. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ:
أَولُ مَا يُبِينُ عَلَى أَحدِكم فَخِذُه
أَي يُعْرب ويَشهد عَلَيْهِ. ونخلةٌ بائنةٌ: فاتَتْ كبائسُها الكوافيرَ وَامْتَدَّتْ عراجِينُها وَطَالَتْ؛ حَكَاهُ أَبو حَنِيفَةَ؛ وأَنشد لحَبيب القُشَيْري:
مِنْ كُلِّ بائنةٍ تَبينُ عُذوقَها ... عَنْهَا، وحاضنةٍ لَهَا مِيقارِ
قَوْلُهُ: تَبينُ عذوقَها يَعْنِي أَنها تَبين عذوقَها عَنْ نَفْسِهَا. والبائنُ والبائنةُ مِنَ القِسِيِّ: الَّتِي بانتْ مِنْ وتَرِها، وَهِيَ ضِدُّ البانِية، إِلَّا أَنها عَيْبٌ، والباناةُ مقلوبةٌ عَنِ البانِية. الْجَوْهَرِيُّ: البائنةُ القوسُ الَّتِي بَانَتْ عَنْ وَتَرِها كثيراً، وأَما التي قد قرُبَتْ مِنْ وَتَرِها حَتَّى كَادَتْ تلْصَق بِهِ فَهِيَ البانيةُ، بِتَقْدِيمِ النُّونِ؛ قَالَ: وَكِلَاهُمَا عَيْبٌ. والباناةُ: النَّبْلُ الصِّغارُ؛ حَكَاهُ السُّكَّريّ عَنْ أَبي الْخَطَّابِ. وَلِلنَّاقَةِ حالِبانِ: أَحدُهما يُمْسِك العُلْبة مِنَ الْجَانِبِ الأَيمن، والآخرُ يحلُب مِنَ الْجَانِبِ الأَيْسر، وَالَّذِي يَحْلُب يسمَّى المُسْتَعْلي والمُعَلِّي، وَالَّذِي يُمْسِك يسمَّى البائنَ. والبَيْنُ: الْفِرَاقُ. التَّهْذِيبُ: وَمِنْ أَمثال الْعَرَبِ: اسْتُ البائنِ أَعْرَفُ، وَقِيلَ: أَعلمُ، أَي مَنْ وَلِيَ أَمْراً ومارَسَه فَهُوَ أَعلم بِهِ مِمَّنْ لم يُمارِسْه، قال:
__________
(2) . قوله [البين الفصل إلخ] كذا بالأَصل(13/69)
وَالْبَائِنُ الَّذِي يقومُ عَلَى يَمِينِ النَّاقَةِ إِذَا حلبَها، وَالْجَمْعُ البُيَّنُ، وَقِيلَ: البائنُ والمُسْتَعْلي هُمَا الْحَالِبَانِ اللَّذَانِ يَحْلُبان الناقةَ أَحدُهما حالبٌ، وَالْآخَرُ مُحْلِب، والمُعينُ هُوَ المُحْلِب، وَالْبَائِنُ عَنْ يَمِينِ النَّاقَةِ يُمْسِك العُلْبةَ، والمُسْتَعْلي الَّذِي عَنْ شِمالها، وَهُوَ الحالبُ يَرْفع البائنُ العُلْبةَ إِلَيْهِ؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:
يُبَشِّرُ مُسْتعلِياً بائنٌ، ... مِنَ الحالبَيْنِ، بأَن لَا غِرارا
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: والبائنُ الَّذِي يأْتي الحلوبةَ مِنْ قِبَل شِمَالِهَا، والمُعَلِّي الَّذِي يأْتي مِنْ قِبل يَمِينِهَا. والبِينُ، بِالْكَسْرِ: القطعةُ مِنَ الأَرض قَدْرُ مَدِّ الْبَصَرِ مِنَ الطَّرِيقِ، وَقِيلَ: هُوَ ارتفاعٌ فِي غِلَظٍ، وَقِيلَ: هُوَ الْفَصْلُ بَيْنَ الأَرْضَيْن. والبِينُ أَيضاً: الناحيةُ، قَالَ الْبَاهِلِيُّ: المِيلُ قدرُ مَا يُدْرِكُ بَصَرُهُ مِنَ الأَرض، وفَصْلٌ بَيْنَ كُلِّ أَرْضَيْن يُقَالُ لَهُ بِينٌ، قَالَ: وَهِيَ التُّخومُ، والجمعُ بُيونٌ؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِل يُخاطِبُ الخيالَ:
لَمْ تَسْرِ لَيْلى وَلَمْ تَطْرُقْ لحاجتِها، ... مِنْ أَهلِ رَيْمانَ، إِلَّا حَاجَةً فِينَا
بِسَرْوِ حِمْيَر أَبْوالُ البِغالِ بِهِ، ... أَنَّى تَسَدَّيْتَ وَهْناً ذلكَ البِينا «1»
. ومَن كسَر التاءَ والكافَ ذهَب بالتأْنيث إِلَى ابْنَةِ الْبِكْرِيِّ صَاحِبَةِ الْخَيَالِ، قَالَ: وَالتَّذْكِيرُ أَصْوَبُ. وَيُقَالُ: سِرْنا مِيلًا أَي قَدْرَ مَدِّ البَصَرِ، وَهُوَ البِينُ. وبِينٌ: موضعٌ قَرِيبٌ مِنَ الْحِيرَةِ. ومُبِينٌ: مَوْضِعٌ أَيضاً، وَقِيلَ: اسمُ ماءٍ؛ قَالَ حَنْظلةُ بْنُ مُصَبَّحٍ:
يَا رِيَّها اليومَ عَلَى مُبِينِ، ... عَلَى مبينٍ جَرَدِ القَصيمِ
التَّارِكِ المَخاضَ كالأُرومِ، ... وفَحْلَها أَسود كالظَّليمِ
جَمَعَ بَيْنَ النُّونِ وَالْمِيمِ، وَهَذَا هُوَ الإِكْفاء؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَهُوَ جَائِزٌ للمطْبوع عَلَى قُبْحِه، يَقُولُ: يَا رِيَّ نَاقَتِي عَلَى هَذَا الْمَاءِ، فأَخرَجَ الكلامَ مُخْرَجَ النِّدَاءِ وَهُوَ تعجُّب. وبَيْنونةُ: مَوْضِعٌ؛ قَالَ:
يَا رِيحَ بَيْنونةَ لَا تَذْمِينا، ... جئْتِ بأَلوانِ المُصَفَّرِينا «2»
. وهُما بَيْنونَتانِ بَيْنونةُ القُصْوَى وبَينونة الدُّنيا، وكِلْتاهما فِي شِقِّ بَنِي سعدٍ بَيْنَ عُمانَ ويَبْرِين. التَّهْذِيبُ: بَيْنونة موضعٌ بينَ عُمان والبحرَيْن وبيءٌ. وعَدَنُ أَبْيَنَ وإِبْيَن: موضعٌ، وَحَكَى السِّيرَافِيُّ: عَدَن أَبْيَن، وَقَالَ: أَبْيَن مَوْضِعٌ، ومثَّل سِيبَوَيْهِ بأَبْيَن وَلَمْ يُفَسِّرْهُ، وَقِيلَ: عَدَن أَبْيَن اسمُ قريةٍ عَلَى سيفِ الْبَحْرِ ناحيةَ الْيَمَنِ. الْجَوْهَرِيُّ: أَبْيَنُ اسمُ رجلٍ يُنْسَبُ إِلَيْهِ عَدَن، يُقَالُ: عَدَنُ أَبْيَنَ. والبانُ: شجرٌ يَسْمُو ويَطُول فِي اسْتِواءٍ مِثْلُ نَبات الأَثْل، وورَقُه أَيضاً هدبٌ كهَدَب الأَثْل، وَلَيْسَ لخَشَبه صلابةٌ، واحدتُه بانةٌ؛ قَالَ أَبو زِيَادٍ: مِنَ العِضاه البانُ، وَلَهُ هَدَبٌ طُوالٌ شديدُ الخُضْرة، وَيَنْبُتُ فِي الهِضَبِ، وثمرتُه تُشبه قُرونَ اللُّوبياء إِلَّا أَن خُضْرَتَها شديدةٌ، وَلَهَا حبٌّ وَمِنْ ذَلِكَ الحبِّ يُسْتَخْرَج دُهْنُ البانِ. التَّهْذِيبُ: البانةُ شجرةٌ لَهَا ثَمَرَةٌ تُرَبَّبُ بأَفاوِيه الطِّيب، ثُمَّ يُعْتَصر دُهْنها طِيباً، وَجَمْعُهَا البانُ، ولاسْتِواءِ نباتِها ونباتِ أَفنانِها وطُولِها ونَعْمَتِها شَبَّه الشُّعَراءُ الجاريةَ النَّاعِمَةَ ذاتَ الشِّطاطِ بِهَا فَقِيلَ: كأَنها بانةٌ، وكأَنها غُصْنُ بانٍ؛ قَالَ قَيْسُ بْنُ الخَطيم:
__________
(1) . قوله [بسرو] قال الصاغاني، والرواية: من سرو حمير لا غير
(2) . قوله [بألوان] في ياقوت: بأرواح(13/70)
حَوْراءَ جَيداء يُسْتَضاءُ بِهَا، ... كأَنها خُوطُ بانةٍ قَصِفُ
ابْنُ سِيدَهْ: قَضَينا عَلَى أَلف البانِ بِالْيَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ عَيْنًا لغلبةِ (ب ي ن) عَلَى (ب ون) .
تأن: أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
أَغَرَّكَ يَا مَوْصولُ، مِنْهَا ثُمالةٌ ... وبَقْلٌ بأَكنافِ الغُرَيِّ تُؤَانُ
قَالَ: أَراد تُؤَامُ فأَبدل، هَذَا قَوْلَهُ، قَالَ: وأَحسن مِنْهُ أَن يَكُونَ وَضْعاً لَا بَدَلًا، قَالَ: وَلَمْ نَسْمَعْ هَذَا إِلَّا فِي هَذَا الْبَيْتِ، وَقَوْلُهُ: يَا موصولُ إِما أَن يَكُونَ شَبَّهه بِالْمَوْصُولِ مِنَ الْهَوَامِّ، وَإِمَّا أَن يَكُونَ اسمَ رَجُلٍ. وَحَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ قَالَ: تتَاءَنَ الرجلُ الصيدَ إذا جاءَه مِنْ هُنَا مَرَّةً وَمِنْ هُنَا مَرَّةً أُخرى، وَهُوَ ضرْبٌ مِنَ الْخَدِيعَةِ؛ قَالَ أَبو غَالِبٍ المَعْنِيّ:
تتَاءَنَ لِي بالأَمرِ مِنْ كُلِّ جانبٍ ... ليَصْرِفَني عَمَّا أُرِيدُ كَنود.
تبن: التِّبْنُ: عَصيفة الزَّرْع مِنَ البُرِّ وَنَحْوِهِ مَعْرُوفٌ، وَاحِدَتُهُ تِبْنة، والتَّبْنُ: لُغَةٌ فِيهِ. والتَّبْنُ، بِالْفَتْحِ: مَصْدَرُ تَبَنَ الدابةَ يَتْبِنُها تَبْناً عَلَفَها التِّبْنَ. وَرَجُلٌ تَبّانٌ: يَبيع التِّبْنَ، وَإِنْ جعلتَه فَعْلانَ مِنَ التَّبّ لَمْ تصْرِفْه. والتِّبْنُ، بِكَسْرِ التَّاءِ وَسُكُونِ الْبَاءِ: أَعظم الأَقْداحِ يكادُ يُرْوي الْعِشْرِينَ، وَقِيلَ: هُوَ الْغَلِيظُ الَّذِي لَمْ يُتَنَوَّق فِي صَنْعَتِه. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ وَغَيْرُهُ: ترتيبُ الأَقداحِ الغُمَر، ثُمَّ القَعْب يُرْوي الرَّجُلَ، ثُمَّ القَدَحُ يُرْوي الرَّجلين، ثُمَّ العُسُّ يُروي الثلاثةَ والأَربعة، ثُمَّ الرَّفْد، ثُمَّ الصَّحْن مُقَارِبُ التِّبْنِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَذَكَرَ حَمْزَةُ الأَصفهاني بَعْدَ الصَّحْن ثُمَّ المعْلَق، ثُمَّ العُلْبة، ثُمَّ الجَنْبَة، ثُمَّ الحَوْأَبةُ، قَالَ: وَهِيَ أَنْكَرُها، قَالَ: وَنَسَبَ هَذِهِ الْفُرُوقَ إِلَى الأَصمعي. وَفِي حَدِيثِ
عَمْرِو بْنِ مَعَدِيكَرِبَ: أَشْرَبُ التِّبْنَ مِنَ اللَّبَن.
والتَّبَانةُ: الطَّبانةُ والفِطْنة والذَّكاءُ. وتَبِنَ لَهُ تَبَناً وتَبانةً وتَبانِيَةً: طَبِنَ، وَقِيلَ: التَّبَانةُ فِي الشَّرِّ، والطَّبَانةُ فِي الْخَيْرِ. وَفِي حَدِيثِ
سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا نَقُولُ فِي الْحَامِلِ المتوفَّى عَنْهَا زوجُها إِنه يُنْفَقُ عَلَيْهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ حَتَّى تَبَّنْتُم مَا تَبَّنْتُم
؛ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أُراها خَلَّطْتُم، وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: هُوَ مِنَ التَّبانة والطَّبانةِ، وَمَعْنَاهُمَا شدَّةُ الفِطْنةِ ودِقَّةُ النَّظَرِ، وَمَعْنَى قَوْلِ سَالِمٍ تَبَّنْتُمْ أَي أَدْقَقْتُمْ النَّظَرَ فقُلْتُم إِنَّهُ يُنْفَقُ عَلَيْهَا مِنْ نَصِيبِهَا. وَقَالَ اللَّيْثُ: طَبِنَ لَهُ، بِالطَّاءِ، فِي الشرِّ، وتَبِنَ لَهُ فِي الْخَيْرِ؛ فجعَل الطَّبانة فِي الخَديعةِ والاغْتِيال، والتَّبانةَ فِي الْخَيْرِ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: هُمَا عِنْدَ الأَئمة واحدٌ، وَالْعَرَبُ تُبْدِلُ الطاءَ تَاءً لقُرْب مَخرَجِهما، قَالُوا: مَتَّ ومَطَّ إِذَا مَدَّ، وطَرَّ وتَرَّ إِذَا سَقَطَ، وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ. وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: التَّبَنُ إِنَّمَا هُوَ اللُّؤْمُ والدِّقَّة، والطَّبَنُ العِلْمُ بالأُمور والدَّهاءُ والفِطنة؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذَا ضدُّ الأَول. وَرُوِيَ عَنِ الْهَوَازِنِيِّ أَنه قَالَ: اللَّهُمَّ اشْغَلْ عَنَّا أَتبانَ الشُّعَرَاءِ، قَالَ: وَهُوَ فِطْنَتهم لِمَا لَا يُفطَنُ لَهُ. الْجَوْهَرِيُّ: وتَبِنَ الرجلُ، بِالْكَسْرِ، يَتْبَنُ تَبَناً، بِالتَّحْرِيكِ، أَي صارَ فَطِناً؛ فَهُوَ تَبِنٌ أَي فَطِنٌ دقيقُ النَّظَرِ فِي الأُمور، وَقَدْ تَبَّنَ تَتْبيناً إِذَا أَدَقَّ النظرَ. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَفِي الْحَدِيثِ
أَن الرجلَ لَيَتكلَّم بالكلمةِ يُتَبِّنُ فِيهَا يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: هُوَ عِنْدِي إِغْماضُ الْكَلَامِ وتَدقيقُه فِي الجدلِ وَالْخُصُومَاتِ(13/71)
فِي الدِّين؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
مُعاذٍ: إِياكم ومُغَمَّضاتِ [مُغَمِّضاتِ] «1» . الأُمور.
وَرَجُلٌ تَبِنٌ بَطِنٌ: دقيقُ النَّظَرِ فِي الأُمور فَطِنٌ كالطَّبِن، وَزَعَمَ يَعْقُوبُ أَن التَّاءَ بَدَلٌ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ أَبو سَعِيدِ السِّيرَافِيُّ تَبِنَ الرجلُ انْتفخ بَطْنُه، ذكَره عِنْدَ قَوْلِ سِيبَوَيْهِ. وبَطِنَ بَطَناً، فَهُوَ بَطِنٌ، وتَبِنَ تَبَناً فَهُوَ تَبِنٌ، فقرَنَ تَبِنَ ببَطِنَ، قَالَ: وَقَدْ يَجُوزُ أَن يُرِيدَ سِيبَوَيْهِ بتَبِنَ «2» امتَلأَ بطنُه لأَنه ذَكَرَهُ بَعْدَهُ، وبَطِنَ بَطَناً، وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا الْفِطْنَةَ، قَالَ: والتَّبِنُ الَّذِي يَعْبَثُ بيدِه فِي كُلِّ شَيْءٍ. وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنَّهُ كَانَ يَلْبَسُ رِدَاءً مُتَبَّناً بالزَّعْفَرانِ
أَي يُشْبه لَوْنُهُ لونَ التِّبْنِ. والتُّبَّان، بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيدِ: سَراويلُ صغيرٌ مقدارُ شبْر يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ المغلَّظة فَقَطْ، يَكُونُ للملَّاحينَ. وَفِي حَدِيثِ
عَمَّارٍ: أَنه صَلَّى فِي تُبّانٍ فَقَالَ إِنِّي مَمْثونٌ
أَي يَشْتَكِي مَثانَتَه، وَقِيلَ: التُّبّانُ شِبْهُ السَّراويلِ الصَّغِيرِ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ: صَلَّى رَجُلٌ فِي تُبّانٍ وَقَمِيصٍ
، تذكِّره الْعَرَبُ، وَالْجَمْعُ التَّبابِين. وتُبْنَى: مَوْضِعٌ؛ قَالَ كثيِّر عَزَّةَ:
عَفا رابغٌ مِنْ أَهلِه فالظَّواهِرُ، ... فأَكنافُ تُبْنَى قَدْ عَفَتْ، فالأَصافِرُ.
ترن: تُرْنَى: المرأَةُ الْفَاجِرَةُ، فِيمَنْ جَعَلَهَا فُعْلى، وَقَدْ قِيلَ: إِنها تُفْعَل مِنَ الرُّنُوّ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ؛ قَالَ أَبو ذؤَيب:
فإِنَّ ابنَ تُرْنَى، إِذَا جِئْتُكم، ... يُدافِعُ عَنِّيَ قَوْلًا بَرِيحا
قَوْلُهُ: قَوْلًا بَرِيحًا أَي يُسْمِعُنِي بمُشْتَقِّه «3» قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ الأَحْوَل ابْنُ تُرْنَى اللئيمُ، وَكَذَا قَالَ فِي ابْنِ فَرْتَنَى. قَالَ ثَعْلَبٌ: ابْنُ تُرْنَى وَابْنُ فَرْتَنَى أَي ابْنُ أَمة. ابْنُ الأَعرابي: الْعَرَبُ تَقُولُ للأَمةِ تُرْنَى وفَرْتَنَى، وَتَقُولُ لِوَلَدِ البَغيّ: ابْنُ تُرْنَى وَابْنُ فَرْتَنَى؛ قَالَ صَخْرٌ الْغَيُّ:
فإنَّ ابنَ تُرْنَى، إِذَا جِئتُكم، ... أَراه يُدافِعُ قوْلًا عَنِيفَا
أَي قَوْلًا غَيْرَ حسَنٍ؛ وَقَالَ عمروٌ ذُو الْكَلْبِ:
تمَنّاني ابنُ تُرْنَى أَن يَراني، ... فغيْري مَا يُمَنَّى مِنَ الرِّجالِ
. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: يَحْتَمِلُ أَن يَكُونَ تُرْنَى مأْخوذاً مِنْ رُنِيَتْ تُرْنَى إِذَا أُديمَ النظرُ إليها.
تعهن: فِي الْحَدِيثِ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِتُعُهِّنَ وَهُوَ قائلٌ السُّقْيا
؛ قَالَ أَبو مُوسَى: هُوَ بِضَمِّ التَّاءِ وَالْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْهَاءِ، موضعٌ فِيمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، قَالَ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَكْسِر التَّاءَ، قَالَ: وأَصحاب الْحَدِيثِ يَقُولُونَهُ بِكَسْرِ التَّاءِ وَسُكُونِ العين.
تفن: ابْنُ الأَعرابي: التَّفْنُ الوَسَخُ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: تَفَنَ الشيءَ طَرَدَه؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
حمَلَ فلانٌ عَلَى الْكَتِيبَةِ فَجَعَلَ يَتْفِنها
أَي يَطْرُدها، وَيُرْوَى
يَثْفِنُها
أَي يَطْرُدها أَيضاً.
تقن: التِّقْنُ: تُرْنوقُ البئرِ والدِّمَن، وَهُوَ الطينُ الرقيقُ يُخالطه حَمْأَة يخرُج مِنَ الْبِئْرِ، وَقَدْ تتَقَّنَتْ، وَاسْتَعْمَلَهُ بعضُ الأَوائل فِي تكَدُّر الدم ومُتكدِّره.
__________
(1) . قوله [ومغمضات] هكذا ضبط في بعض نسخ النهاية، وفي بعض آخر كمؤمنات وعليه القاموس وشرحه
(2) . قوله [وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ سيبويه بتبن إلخ] هكذا فيما بأيدينا من النسخ.
(3) . قوله [بمشتقه] أي بخصامه؛ كذا في بعض النسخ، وفي بعض آخر: بمشقة منه.(13/72)
والتِّقْنةُ: رُسابة الْمَاءِ وخُثارتُه. اللَّيْثُ: التِّقْنُ رُسابةُ الْمَاءِ فِي الرَّبيع، وَهُوَ الَّذِي يجيءُ بِهِ الماءُ مِنَ الخُثورةِ. والتِّقْنُ: الطِّينُ الَّذِي يذهَب عَنْهُ الْمَاءُ فيتشقَّقُ. وتَقَّنُوا أَرْضَهم: أَرْسَلوا فِيهَا الماءَ الخاثرَ لتجُودَ. والتَّقْنُ: بقيَّةُ الماءِ الكدِرِ فِي الْحَوْضِ. وَيُقَالُ: زَرَعْنا فِي تِقْنِ أَرضٍ طيِّبة أَو خبيثةٍ فِي تُرْبَتِها. والتِّقْنُ: الطبيعةُ. والفَصاحةُ مِنْ تِقْنِه أَي مِنْ سُوسِه وطَبْعِه. وأَتْقَنَ الشيءَ: أَحْكَمَه، وإتْقانُه إِحْكامُه. والإِتْقانُ: الإِحكامُ للأَشياء. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ
. وَرَجُلٌ تِقْنٌ وتَقِن: مُتْقِنٌ للأَشياء حاذِقٌ. وَرَجُلٌ تِقْنٌ: وَهُوَ الحاضرُ المَنْطِق وَالْجَوَابِ. وتِقْنٌ: رجلٌ مِنْ عادٍ. وابنُ تِقْنٍ: رجلٌ. وتِقْنٌ: اسْمُ رَجُلٍ كَانَ جيِّدَ الرَّمي، يُضْرَب بِهِ الْمَثَلُ، وَلَمْ يَكُنْ يَسْقُط لَهُ سَهْم؛ وأَنشد فَقَالَ:
لأَكْلةٌ مِنْ أَقِطٍ وسَمْنِ، ... وشَرْبتانِ مِنْ عَكيِّ الضأْنِ،
أَلْيَنُ مَسّاً فِي حَوايا البَطْنِ ... مِنْ يَثرَبيّاتٍ قِذاذٍ خُشْنِ،
يَرْمي بِهَا أَرْمى مِنِ ابْنِ تِقْنِ
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: الأَصل فِي التِّقْن ابنُ تِقْنٍ هَذَا، ثُمَّ قِيلَ لِكُلِّ حَاذِقٍ بالأَشياء تِقْنٌ، وَمِنْهُ يُقَالُ: أَتْقَنَ فلانٌ عمَله إذا أَحْكَمَه؛ وأَنشد شَمِرٌ لِسُلَيْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ دَبّاب «4» . بْنِ عَامِرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ السيِّد:
أَهلكن طَسماً، وبَعْدَهمُ غَذِيّ بهم وذا جُدون ... «5» وأَهْلُ جاشٍ، وأَهلُ مَأْرِب، وحيّ لقن والتُّقون
واليُسْر كَالْعُسْرِ، وَالْغِنَى كَالْعَدَمِ، وَالْحَيَاةُ كَالْمَنُونِ
فَجَمَعَهُ عَلَى تُقونٍ لأَنه أَراد تِقْناً، ومَن انْتَسَبَ إِلَيْهِ. والتُّقونُ: مِنْ بَني تِقْن بْنِ عَادٍ، مِنْهُمْ عُمر بْنُ تِقْن، وكعْب بنِ تِقْن، وَبِهِ ضُرب الْمَثَلُ فَقِيلَ: أَرْمى مِنِ ابْنِ تِقْن.
فصل التاء المثناة فوقها
تكن: الأَزهري: وتُكْنَى مِنْ أَسماء النِّسَاءِ فِي قَوْلِ الْعَجَّاجِ:
خَيال تُكْنَى وخَيال تُكْتمَا
قَالَ: أَحسبه مَنْ كُنيَتْ تُكْنَى وكُتِمَتْ تُكْتَم.
تلن: التَّلُونةُ «6» . والتُّلُنَّةُ: الحاجةُ. وَمَا فِيهِ تُلُنَّةٌ وتَلونةٌ أَي حَبْسٌ وَلَا تَرْدادٌ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. وَيُقَالُ: لَنَا قِبَلك تَلُنَّةٌ وتُلُنَّةٌ أَيضاً، بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّهَا. وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: لَنَا فِيهِ تَلونةٌ أَي حاجةٌ. أَبو حَبَّانِ: التُّلانةُ الحاجةُ، وَهِيَ التَّلونةُ والتَّلُونُ؛ وأَنشد:
فقلتُ لَهَا: لَا تَجْزَعي أَنَّ حاجَتي، ... بِجزْعِ الغَضَا، قَدْ كَادَ يُقْضى تَلونُها
. قَالَ: وَقَالَ أَبو رُغَيْبة هِيَ التُّلُنَّةُ. وَيُقَالُ: لَنَا تُلُنَّاتٌ نَقْضِيها أَي حاجاتٌ. وَيُقَالُ: مَتَى لَمْ نَقْضِ التُّلُنَّة أَخَذَتْنا اللُّثُنَّة؛ واللُّثُنَّة، بِتَقْدِيمِ اللَّامِ: القُنْفُذُ. والتَّلُونةُ: الإِقامةُ؛ وأَنشد:
فإِنَّكم لسْتمْ بِدارِ تَلُونةٍ، ... ولكنَّما أَنْتم بِهِنْدِ الأَحامِسِ
. وشَرْحُ هِنْدِ الأَحامس مذكورٌ فِي مَوْضِعِهِ؛ وَهَذَا الْبَيْتُ أَورده الأَزهري عَنِ ابْنِ الأَعرابي:
__________
(4) . قوله [ابن دباب] كذا في الأَصل، والذي في مادة د ب ب من شرح القاموس: ودباب بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عامر بن الحرث بن سعد بن تيم بن مرة من رَهْطُ أَبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وابنه الحويرث بن دباب وآخرون انتهى. وَفِي نُسْخَةٍ مِنَ التَّهْذِيبِ ابن ريان
(5) . قوله [أهلكن إلخ] كذا في الأَصل والتهذيب.
(6) . قوله [التلونة] هي والتلون مضبوطان في التكملة والتهذيب بفتح التاء في جميع المعاني الآتية وضبطا في القاموس بضمها(13/73)
فإِنكم لَسْتُم بدارِ تُلونةٍ، ... ولكِنَّكم أَنتم بدارِ الأَحامِسِ
. يُقَالُ: لَقِيَ هِنْدَ الأَحامِسِ إِذَا مَاتَ. الْفَرَّاءُ: لِي فِيهِمْ تُلُنَّةٌ وتَلُنَّةٌ وتَلُونَةٌ، عَلَى فَعولةٍ، أَي مُكْثٌ ولُبْثٌ. وَيُقَالُ: مَا هَذِهِ الدارُ بدارِ تُلُنَّةٍ وتَلُنَّةٍ أَي إقامةٍ ولُبْثٍ. الأَحمر: تَلانَ فِي مَعْنَى الآنَ؛ وأَنشد لِجَميل بْنِ مَعْمَرٍ فَقَالَ:
نَوِّلي قبْلَ نأْيِ دَارِي، جُمانا، ... وصِلِينا، كَمَا زَعَمْتِ، تَلانا
إنَّ خَيْرَ المُواصِلينَ، صَفَاءً، ... مَنْ يُوافي خليلَه حَيْثُ كَانَا
. وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي فَصْلِ الْهَمْزَةِ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ وسؤالِه عَنْ عُثْمَانَ وفِرارِه يَوْمَ أُحُدٍ وغَيْبَتِه عَنْ بَدْرٍ وبَيْعةِ الرِّضْوَانِ وذكْرِ عُذْرِه وَقَوْلِهِ: اذْهَبْ بِهَذَا تَلانَ معَك
؛ يُريد الْآنَ، وقد تقدم ذكره.
تمن: تَيْمَن: اسمُ مَوْضِعٍ؛ قَالَ عَبْدَةُ بْنُ الطَّبِيبِ:
سَمَوْتُ لَهُ بالرَّكْبِ، حَتَّى وجَدْتُه ... بتَيْمَنَ يَبْكِيه الحمامُ المُغَرِّدُ
وترَكَ صَرْفَهُ لَمَّا عَنَى بِهِ البُقْعة. وَفِي حَدِيثِ
سالمٍ سَبَلانَ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا، وَهِيَ بِمَكَانٍ مِنْ تَمَنِّ بسفْح هرْشى
، بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْمِيمِ وَكَسْرِ النُّونِ الْمُشَدَّدَةِ، اسْمُ ثنِيّة هَرْشى بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ.
تنن: التِّنُّ، بِالْكَسْرِ: التِّرْبُ والحِتْنُ، وَقِيلَ: الشِّبْه، وَقِيلَ: الصَّاحِبُ، وَالْجَمْعُ أَتْنان. يُقَالُ: صِبْوةٌ أَتنانٌ. ابْنُ الأَعرابي: هُوَ سِنُّه وتِنُّه وحِتْنُه، وَهُمْ أَسنان وأَتنان وأَتراب إِذَا كَانَ سِنُّهم وَاحِدًا، وَهُمَا تِنّان، قَالَ ابْنُ السَّكِّيتِ: هُمَا مُسْتَوَيَانِ فِي عَقْلٍ أَو ضَعْف أَو شِدّة أَو مروءَة. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: جَمْعُ تِنٍّ أَتنان وتَنِين؛ عَنِ الْفَرَّاءِ؛ وأَنشد فَقَالَ:
فأَصبح مُبْصِرًا نَهَارَهُ، ... وأَقصر مَا يَعُدُّ لَهُ التَّنِينا «1»
. وَفِي حَدِيثِ
عَمَّارٍ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تِنِّي وتِرْبي
؛ تِنُّ الرَّجُلِ: مِثْلُهُ فِي السّنِّ. والتَّنُّ والتِّنُّ: الصَّبِيُّ الَّذِي قصَعَه المرضُ فَلَا يَشِبّ، وَقَدْ أَتَنَّه المرضُ. أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ أَتَنَّه المرضُ إِذَا قصَعَه فَلَمْ يَلحقْ بأَتنانِه أَي بأَقرانه، فَهُوَ لَا يَشِبّ، قَالَ: والتِّنُّ الشخصُ والمِثال. وتَنَّ بِالْمَكَانِ: أَقام؛ عَنْ ثَعْلَبٍ. والتِّنِّينُ: ضرْب مِنَ الْحَيَّاتِ مِنْ أَعظمها كأَكبر مَا يَكُونُ مِنْهَا، وَرُبَّمَا بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ سَحَابَةً فَاحْتَمَلَتْهُ، وَذَلِكَ فِيمَا يُقَالُ، وَاللَّهُ أَعلم، أَن دَوَابَّ الْبَحْرِ يَشْكُونَهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فيرْفَعُه عَنْهَا؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وأَخبرني شَيْخٌ مِنْ ثِقاتِ الغُزاة أَنه كَانَ نَازِلًا عَلَى سِيف بَحْرِ الشَّامِ، فَنَظَرَ هُوَ وَجَمَاعَةُ أَهل العَسْكر إِلَى سحابةٍ انقَسَمت فِي الْبَحْرِ ثُمَّ ارْتَفَعَتْ، وَنَظَرْنَا إِلَى ذَنَبِ التِّنِّين يَضطرب فِي هَيْدب السَّحَابَةِ، وهَبَّت بِهَا الريحُ وَنَحْنُ نَنظر إِلَيْهَا إِلَى أَن غَابَتِ السحابةُ عَنْ أَبصارِنا. وَجَاءَ فِي بَعْضِ الأَخبار:
أَن السَّحَابَةَ تَحْمِلُ التِّنّين إِلَى بِلَادِ يَأْجوج ومَأْجوج فتَطرحه فِيهَا، وأَنهم يَجْتَمِعُونَ عَلَى لحمِه فيأْكلونه.
والتِّنّينُ: نجمٌ، وَهُوَ عَلَى التَّشْبِيهِ بِالْحَيَّةِ. اللَّيْثُ: التِّنّين نجمٌ مِنْ نُجُومِ السَّمَاءِ، وَقِيلَ: لَيْسَ بِكَوْكَبٍ، وَلَكِنَّهُ بياضٌ خفيٌّ يَكُونُ جسَده فِي سِتَّةِ بُرُوجٍ مِنَ السَّمَاءِ؛ وذنَبهُ دَقِيقٌ أَسود فِيهِ التِواء، يَكُونُ فِي الْبُرْجِ السَّابِعِ مِنْ رأْسه، وَهُوَ يَنتقل كتَنقُّل الْكَوَاكِبِ الْجَوَارِي، واسمه بالفارسية
__________
(1) . قوله [فأصبح] كذا في النسخ(13/74)
فِي حِسَابِ النُّجُومِ هُشْتُنْبُر «1» . وَهُوَ مِنَ النُّحوس؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وتُسمِّيه الفُرس الْجَوْزَهَرُ، وَقَالَ: هُوَ مِمَّا يُعدُّ مِنَ النُّحُوسِ؛ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُكَرَّمِ: الَّذِي عَلَيْهِ المُنجِّمون فِي هَذَا أَن الْجَوْزَهَرُ الَّذِي هُوَ رأْس التِّنِّين يُعدُّ مَعَ السُّعود، والذنَب يُعد مَعَ النُّحُوسِ. الْجَوْهَرِيُّ: والتِّنّين مَوْضِعٌ فِي السَّمَاءِ. ابْنُ الأَعرابي: تَنْتَن الرجلُ إِذَا تَرَكَ أَصدقاءه وَصَاحَبَ غَيْرَهَمْ. أَبو الْهَيْثَمِ فِيمَا قُرِئَ بِخَطِّهِ: سَيْفٌ كَهامٌ ودَدانٌ وَمَتْنُنٌ «2» . أَي كِليلٌ، وَسَيْفٌ كَهِيم مِثْلُهُ، وكلُّ مُتَنَّنٍ مَذْمُومٌ.
تهن: الأَزهري: أَهمله اللَّيْثُ. وَرَوَى ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي: تَهِنَ يَتْهَنُ تَهَناً، فَهُوَ تَهِنٌ إِذَا نَامَ. وَفِي حَدِيثِ
بِلَالٍ حِينَ أَذَّنَ قَبْلَ الْوَقْتِ: أَلا إِنَّ العبدَ تَهِنَ
، أَي نامَ، وَقِيلَ: النُّونُ بَدَلٌ فِيهِ مِنَ الْمِيمِ، يُقَالُ: تَهِمَ يَتْهَمُ إِذَا نَامَ، الْمَعْنَى أَنه أَشكَل عَلَيْهِ وقتُ الأَذان وتحَيَّر فِيهِ، فكأَنه قد نام.
تون: التَّهْذِيبُ: أَبو عَمْرٍو التَّتاوُن احْتيال وَخَدِيعَةٌ. وَالرَّجُلُ يَتتاوَنُ الصيدَ إِذَا جَاءَهُ مَرَّةً عَنْ يَمِينِهِ وَمَرَّةً عَنْ شِمَالِهِ؛ وأَنشد:
تَتاوَن لِي فِي الأَمر مِنْ كلِّ جانبٍ، ... لِيَصْرِفَني عَمَّا أُريدُ كَنُود
. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: التُّونُ «3» . الخَزَفة الَّتِي يُلعب عَلَيْهَا بالكُجّة؛ قَالَ الأَزهري: وَلَمْ أَرَ هَذَا الْحَرْفَ لِغَيْرِهِ، قَالَ: وأَنا واقفٌ فِيهِ إِنَّهُ بالنون أَو بالزاي.
تين: التِّينُ: الَّذِي يُؤكل، وَفِي الْمُحْكَمِ: والتينُ شَجَرُ البَلَس، وقيل: هو البَلَس نفْسُه، وَاحِدَتُهُ تِينة؛ قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: أَجناسُه كَثِيرَةٌ بَرِّيّة وَرِيفِيَّةٌ وسُهْليّة وجبَلِيّة، وَهُوَ كَثِيرٌ بأَرض الْعَرَبِ، قَالَ: وأَخبرني رَجُلٌ مِنْ أَعراب السَّراة، وَهُمْ أَهلُ تينٍ، قَالَ: التِّينُ بِالسَّرَاةِ كثيرٌ جِدًّا مُباح، قَالَ: وتأْكله رَطباً وتُزَبِّبه فتَدَّخِرُه، وَقَدْ يُكسَّر عَلَى التِّين. والتينةُ: الدُّبُرُ. وَالتِّينُ: جبَل بالشأْم؛ وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: هُوَ جَبَلٌ فِي بِلَادِ غَطَفان، وَلَيْسَ قَوْلُ مَنْ قَالَ هُوَ جَبَلٌ بالشأْم بِشَيْءٍ، لأَنه لَيْسَ بالشأْم جَبَلٌ يُقَالُ لَهُ التِّين، ثُمَّ قَالَ: وأَين الشأْم مِنْ بِلَادِ غَطَفان؛ قَالَ النَّابِغَةُ يَصِفُ سَحائب لَا ماءَ فِيهَا فَقَالَ:
صُهْب الشَّمَالِ أَتَينَ التِّينَ عَنْ عُرُضٍ، ... يُزْجِينَ غَيْماً قَلِيلًا ماؤُه شَبِما
. وَإِيَّاهَ عَنى الحَذْلمِيُّ بِقَوْلِهِ:
تَرْعى إلى جُدٍّ لها مَكِين، ... أَكْنافَ خَوٍّ فبِراقِ التِّين
. والتِّينةُ: مُوَيهة فِي أَصل هَذَا الْجَبَلِ؛ هَكَذَا حَكَاهُ أَبو حَنِيفَةَ، مُوَيهة كأَنه تصغيرُ الْمَاءِ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ
؛ قِيلَ: التِّينِ
دِمَشق، والزَّيْتُونِ بيتُ المَقْدس، وَقِيلَ: التِّينِ وَالزَّيْتُونِ
جَبَلان، وَقِيلَ: جَبَلان بالشأْم، وَقِيلَ: مَسجِدان بِالشَّامِ، وَقِيلَ: التِّينِ وَالزَّيْتُونِ
هُوَ الَّذِي نَعرفه. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ تِينُكم هَذَا وزَيتونكم؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: وَسَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ أَهل الشأْم، وَكَانَ صاحبَ تَفْسِيرٍ، قَالَ: التِّينُ جبالُ مَا بَيْنَ حُلوان إِلَى هَمَذان، والزيتونُ جِبَالُ الشأْم. وطُورُ تَيْنا وتَيْناء وتِيناء كَسِيناء. والتِّينانُ: الذئبُ؛ قال الأَخطل:
__________
(1) . قوله [هشتنبر] كذا ضبط في القاموس، وضبط في التكملة بفتح الهاء والتاء والباء
(2) . قوله [ومتنن] لم نقف على ضبطه
(3) . قوله [التون الخزفة] كذا بالأَصل والتكملة والتهذيب، والذي في القاموس: الخرقة(13/75)
يَعْتَفْنَه عِنْدَ تِينانٍ، يُدَمِّنُه ... بَادِي العُواءِ ضَئيل الشَّخْصِ مُكتَسِب
. وَقِيلَ: جَاءَ الأَخطل بحرْفَيْن لَمْ يجئْ بِهِمَا غيرُه، وَهُمَا التِّينانُ الذئبُ والعَيْثومُ أُنْثى الفِيَلةِ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ مَسْعُودٍ: تانِ كالمرّتانِ
؛ قَالَ أَبو مُوسَى: هَكَذَا وَرَدَ فِي الرِّوَايَةِ، وَهُوَ خطأٌ، وَالْمُرَادُ بِهِ خَصْلَتانِ مَرَّتانِ، وَالصَّوَابُ أَن يُقَالَ: تانِكَ المرَّتانِ، وتَصِل الكافَ بِالنُّونِ، وَهِيَ لِلْخِطَابِ أَي تانِك الخَصْلَتانِ اللَّتانِ أَذْكُرُهما لكَ، ومَنْ قَرَنَها بالمرَّتيْن احْتَاجَ أَن يَجُرَّهما، وَيَقُولُ كالمرَّتَيْن، وَمَعْنَاهُ هاتانِ الخَصْلَتان كخَصْلَتَيْن مَرَّتَيْن، والكافُ فيها للتشبيه.
فصل الثاء المثلثة
ثأن: التَّهْذِيبُ: التثاؤُن الاحْتيال والخَديعةُ؛ يُقَالُ: تَثاءَنَ لِلصَّيْدِ إِذَا خادَعَه: جَاءَهُ مرَّة عَنْ يمينِه، وَمَرَّةً عَنْ شمالِه. وَيُقَالُ: تَثاءنْت لَهُ لأَصْرِفَه عَنْ رأْيِه أَي خادَعْتُه واحْتَلْتُ لَهُ؛ وأَنشد:
تَثَاءَنَ لِي فِي الأَمْرِ مِنْ كلِّ جانِبٍ، ... لِيَصْرِفَني عما أُريدُ كَنُودُ.
ثبن: الثُّبْنة والثِّبانُ: الموضعُ الَّذِي تَحْمِلُ فِيهِ مِنَ الثَّوْبِ إِذَا تلَحَّفْتَ بِالثَّوْبِ أَو توَشَّحْتَ بِهِ، ثُمَّ ثنَيْتَ بَيْنَ يَدَيْكَ بعضَه فجعلتَ فِيهِ شَيْئًا، وَقَدِ اثْتَبَنْتُ فِي ثَوْبِي، وثَبَنْتُ أَثْبِنُ ثَبْناً وثِباناً وتَثَبَّنْتُ إِذَا جَعَلْتَ فِي الْوِعَاءِ شَيْئًا وحملتُه بَيْنَ يَدَيْكَ. وثَبَنْتُ الثوبَ أَثِبْنُه ثَبْناً وثِباناً إِذَا ثَنَيْتَ طرَفَه وخِطْتَه مِثْلَ خَبَنْته. قَالَ: والثِّبانُ، بِالْكَسْرِ، وعاءٌ نَحْوَ أَن تَعْطِفَ ذَيْلَ قَميصِك فتجعلَ فِيهِ شَيْئًا تَحْمِلُهُ، تَقُولُ مِنْهُ: تَثَبَّنْت الشيءَ إِذَا جعلتَه فِيهِ وحملتَه بَيْنَ يَدَيْكَ، وَكَذَلِكَ إِذَا لَفَفْتَ عَلَيْهِ حُجْزةَ سَراويلِك مِنْ قُدَّام، وَالِاسْمُ مِنْهُ الثُّبْنةُ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: واحدُ الثُّبانِ «1» . ثُبْنةٌ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنه قَالَ: إِذَا مَرَّ أَحدكم بحائطٍ فلْيأْكُلْ مِنْهُ وَلَا يَتخِذْ ثِباناً
؛ قَالَ أَبو عَمْرٍو: الثِّبانُ الوِعاءُ الَّذِي يُحْمَل فِيهِ الشيءُ ويوضعُ بَيْنَ يدَي الإِنسان، فَإِنْ حملتَه بَيْنَ يَدَيْكَ فَهُوَ ثِبانٌ، وَقَدْ ثَبَنْتُ ثِباناً، وَإِنْ جعلتَه فِي حِضْنِك فَهُوَ خُبْنةٌ، يَعْنِي بِالْحَدِيثِ المضْطرَّ الجائعَ يَمُرُّ بحائطٍ فيأْكل مِنْ ثمَرِ نَخْلِه مَا يَرُدُّ جَوْعَته. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي وأَبو زَيْدٍ: الثُّبانُ وَاحِدَتُهَا ثُبْنةٌ، وَهِيَ الحُجْزة تُحْمَل فِيهَا الفاكهةُ وَغَيْرُهَا؛ قَالَ الْفَرَزْدَقُ:
وَلَا نَثَرَ الْجَانِي ثِباناً أَمامَها، ... وَلَا انْتَقَلَتْ مِنْ رَهْنِه سَيْل مِذْنَب
. قَالَ أَبو سَعِيدٍ: لَيْسَ الثِّبانُ بالوِعاء، وَلَكِنْ مَا جُعل فِيهِ مِنَ التَّمْرِ فاحتُمل فِي وِعَاءٍ أَو غَيْرِهِ، فَهُوَ ثِبانٌ، وَقَدْ يَحْمِل الرجلُ فِي كُمِّه فَيَكُونُ ثِبانَه. وَيُقَالُ: قَدِمَ فلانٌ بِثبانٍ فِي ثَوْبِهِ. قَالَ الأَزهري: وَلَا أَدري مَا هُوَ الثِّبانُ، قَالَ: وَثَبَنَه فِي ثَوْبِهِ، قَالَ: وَلَا تَكُونُ ثُبْنةٌ إِلَّا مَا حَمَل قُدَّامَه وَكَانَ قَلِيلًا، فَإِذَا كثُر فَقَدْ خَرَجَ مِنْ حَدِّ الثِّبانِ، والثِّبانُ طرَفُ الرداءِ حِينَ تَثْبِنُه. والمَثْبَنةُ: كِيسٌ تَضَعُ فِيهِ المرأَة مِرْآتَها وأَداتَها، يمانية. وثَبِنةُ: موضعٌ.
ثتن: التَّهْذِيبِ: ثَتِنَ ثَتَناً إِذَا أَنْتَنَ مِثْلَ ثَنِتَ؛ قال الشاعر:
__________
(1) . قوله [واحد الثبان إلخ] عبارة شرح القاموس: الثبان، بالضم، جمع ثبنة إلخ(13/76)
وثَتِنٌ لَثاتُه تِئْبابةٌ
. تئْبايةٌ أَي يأْبى كلَّ شَيْءٍ. وَيُقَالُ: ثَتِنَتْ لِثَتُه؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
لَمَّا رأَتْ أَنْيابَه مُثَلَّمَهْ، ... ولِثةً قَدْ ثَتِنَتْ مُشَخَّمهْ.
ثجن: الثَّجْنُ والثَّجَنُ: طريقٌ فِي غِلَظٍ مِنَ الأَرض، يمانية، وليست بثَبْتٍ.
ثخن: ثَخُنَ الشيءُ ثُخونةً وثَخانةً وثِخَناً، فَهُوَ ثَخِينٌ: كثُفَ وغُلظ وصلُبَ. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ عَنِ الأَحمر: ثَخُنَ وثَخَنَ. وَثَوْبٌ ثخينٌ: جيّدُ النَّسْج والسَّدى كثيرُ اللُّحْمةِ. وَرَجُلٌ ثَخينٌ: حَليمٌ رَزِينٌ ثَقيلٌ فِي مَجْلِسِهِ. وَرَجُلٌ ثَخينُ السِّلاحِ أَي شاكٍ. والثَّخَنةُ والثَّخَنُ: الثِّقْلةُ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
حَتَّى يَعِجَّ ثَخَناً مَنْ عَجْعَجاً
. وَقَدْ أَثْخَنَه وأَثْقَله. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ
؛ قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: مَعْنَاهُ غلَبْتُموهم وكثُر فِيهِمِ الجِراحُ فأَعْطَوْا بأَيديهم. ابْنُ الأَعرابي: أَثخَنَ إِذَا غلَبَ وقهَرَ. أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ أَثْخَنْتُ فُلَانًا مَعْرِفَةً ورَصَّنْتُه مَعْرِفَةً، نحوُ الإِثْخان، واسْتَثْخَنَ الرجلُ: ثقُلَ مِنْ نَومٍ أَو إعْياءٍ. وأَثْخَنَ فِي العَدُوِّ: بالَغَ. وأَثْخَنَتْه الجِراحةُ: أَوْهَنَتْه. وَيُقَالُ: أَثْخَنَ فلانٌ فِي الأَرض قَتْلًا إِذَا أَكثره. وَقَالَ أَبو إِسحق فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ
؛ مَعْنَاهُ حَتَّى يُبالِغَ فِي قَتْلِ أَعدائه، وَيَجُوزَ أَن يَكُونَ حَتَّى يَتَمَكَّنَ فِي الأَرض. والإِثْخانُ فِي كُلِّ شَيْءٍ: قُوَّتُه وشدَّتُه. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ
ثُمَّ أَحَلَّ لَهُمُ الغنائمَ
؛ قَالَ: الإِثْخانُ فِي الشَّيْءِ المبالغةُ فِيهِ والإِكثارُ مِنْهُ. يُقَالُ: قَدْ أَثْخَنَه المرضُ إِذَا اشتدَّ قُوَّتُه عَلَيْهِ ووَهَنَه، وَالْمُرَادُ بِهِ هَاهُنَا المبالغةُ فِي قَتْل الْكُفَّارِ، وأَثْخَنَه الهَمُّ. وَيُقَالُ: اسْتُثْخِنَ مِنَ الْمَرَضِ والإِعْياءِ إذا غلَبَه الإِعْياءُ رالمرضُ، وَكَذَلِكَ اسْتُثْخن فِي النَّوْم. وَفِي حَدِيثِ
أَبي جَهْلٍ: وَكَانَ قَدْ أُثْخِنَ
أَي أُثْقِلَ بِالْجِرَاحِ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، كَرَّمَ الله وجهه: أَوْطأَكم إِثخانُ الجِراحةِ.
وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ وَزَيْنَبَ: لَمْ أَنْشَبْها حَتَّى أَثْخَنْتُ عَلَيْهَا
أَي بالَغْتُ فِي جَوابِها وأَفْحَمْتها؛ وقولُ الأَعشى:
عَلَيْهِ سِلاحُ امْرِئٍ حازِمٍ، ... تَمهَّلَ فِي الحربِ حَتَّى اثَّخَنْ
. أَصله اثْتَخَنَ فأَدْغم؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: اثَّخَنَ فِي الْبَيْتِ افْتَعَلَ مِنَ الثَّخانة أَي بالَغ فِي أَخذ العُدَّة، وَلَيْسَ هُوَ مِنَ الإِثْخانِ في القَتْل.
ثدن: ثَدِنَ اللحمُ، بِالْكَسْرِ: تغيَّرت رائحتُه. والثَّدِنُ: الرجلُ الْكَثِيرُ اللَّحْمِ، وَكَذَلِكَ المُثَدَّن، بِالتَّشْدِيدِ؛ قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يفضِّل مُحَمَّدَ بْنَ مَرْوان عَلَى عَبْدِ الْعَزِيزِ:
لَا تَجْعَلَنَّ مُثَدَّناً ذَا سُرَّةٍ، ... ضَخْماً سُرادقُه، وطيءَ المَركب
كأَغَرَّ يَتَّخِذ السُّيوفَ سُرادِقاً، ... يَمْشي برائشِه كمَشْيِ الأَنْكَبِ
. وثَدِنَ الرجلُ ثَدَناً: كثُر لحمُه وثقُل. وَرَجُلٌ مُثَدَّنٌ: كَثِيرُ اللَّحْمِ مُسترْخٍ؛ قَالَ:
فازتْ حَليلةُ نَوْدلٍ بِهَبَنْقَعٍ ... رِخْو العِظام، مُثَدَّنٍ عَبْلِ الشَّوَى
. وَقَدْ ثُدِّنَ تَثْديناً. وامرأَة مُثَدَّنة: لَحيمة فِي سماجةٍ، وَقِيلَ: مسمَّنة؛ وَبِهِ فَسَّرَ ابْنُ الأَعرابي(13/77)
قَوْلَ الشَّاعِرِ:
لَا أُحِبُّ المُثَدَّناتِ اللَّواتي، ... فِي المَصانيعِ، لَا يَنِينَ اطِّلاعا
. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَالَ كُرَاعٌ إِنَّ الثَّاءَ فِي مُثَدَّنٍ بَدَلٌ مِنَ الْفَاءِ فِي مُفَدَّن، مُشْتَقٌّ مِنَ الفَدَن، وَهُوَ القَصْر، قَالَ: وَهَذَا ضَعِيفٌ لأَنا لَمْ نَسْمَعْ مُفَدَّناً، وَقَالَ: قَالَ ابْنُ جِنِّي هُوَ مِنَ الثُّنْدُوةِ، مقلوبٌ مِنْهُ. قَالَ: وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ. وامرأَةٌ ثَدِنة: ناقصةُ الخَلْق؛ عَنْهُ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنه ذَكَرَ الْخَوَارِجَ فَقَالَ: فِيهِمْ رَجُلٌ مُثدَّن اليَدِ
أَي تُشْبه يدُه ثَدْيَ المرأَة، كأَنه كَانَ فِي الأَصل مُثَنَّد الْيَدِ فقُلب، وَفِي التَّهْذِيبِ وَالنِّهَايَةِ: مَثْدُونُ الْيَدِ أَي صغيرُ الْيَدِ مُجْتَمِعُهَا، وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: إِنْ كَانَ كَمَا قِيلَ إِنَّهُ مِنَ الثُّنْدُوة تَشْبِيهًا لَهُ بِهِ فِي القِصَر وَالِاجْتِمَاعِ، فَالْقِيَاسُ أَن يُقَالَ مُثَنَّد، إِلَّا أَن يَكُونَ مَقْلُوبًا، وَفِي رِوَايَةٍ:
مُثْدَن الْيَدِ
؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: مُثْدَن اسْمُ الْمَفْعُولِ مِنْ أَثدَنْتُ الشَّيْءَ إِذَا قصَّرْته. والمُثْدَن والمَثْدُون: الناقصُ الخَلْق، وَقِيلَ: مُثْدَن الْيَدِ مَعْنَاهُ مُخْدَج الْيَدِ، وَيُرْوَى: مُوتَن الْيَدِ، بِالتَّاءِ، مِنْ أَيْتَنَت المرأَة إِذَا وَلدَت يَتْناً، وَهُوَ أَن تخرُج رِجلا الْوَلَدِ فِي الأَول، وَقِيلَ: المُثْدَن مَقْلُوبُ ثَنَدَ، يُرِيدُ أَنه يُشْبه ثُندوة الثَّدْي، وَهِيَ رأْسه، فَقَدَّمَ الدَّالَ عَلَى النُّونِ مِثْلَ جَذَبَ وَجَبَذَ، وَاللَّهُ أَعلم.
ثرن: التَّهْذِيبِ: ابْنُ الأَعرابي ثَرِنَ الرجلُ إِذَا آذَى صَديقَه أَو جارَه.
ثفن: الثَّفِنةُ مِنَ الْبَعِيرِ وَالنَّاقَةِ: الرُّكْبة وَمَا مَسَّ الأَرضَ مِنْ كِرْكِرتِه وسَعْداناتِه وأُصول أَفخاذه، وَفِي الصِّحَاحِ: هُوَ مَا يَقَعُ عَلَى الأَرض مِنْ أَعضائه إِذَا اسْتَنَاخَ وغلُظ كالرُّكْبَتين وَغَيْرِهِمَا، وَقِيلَ: هُوَ كُلُّ مَا وَلِيَ الأَرض مِنْ كُلِّ ذِي أَربعٍ إِذَا بَرَك أَو رَبَض، وَالْجَمْعُ ثَفِنٌ وثَفِناتٌ، والكِرْكِرةُ إِحْدَى الثَّفِنات وَهِيَ خَمْسٌ بِهَا؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
خَوَى عَلَى مُسْتَوياتٍ خَمْسِ: ... كِرْكِرةٍ وثَفِناتٍ مُلْسِ
. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ فَجَعَلَ الكِرْكِرة مِنَ الثَّفِنات:
كأَنَّ مُخَوَّاها، عَلَى ثَفِناتِها، ... مُعَرَّسُ خَمْسٍ مِنْ قَطاً مُتجاوِر.
وقَعْنَ اثنتَينِ واثنتَينِ وفَرْدةً، ... جَرَائِدًا هِيَ الْوُسْطَى لِتَغْلِيسِ حائر «2»
كذا بالأَصل. قَالَ الشَّاعِرُ يَصِفُ نَاقَةً:
ذَاتُ انْتِباذٍ عَنِ الْحَادِي إِذَا بَرَكَت، ... خَوَّتْ عَلَى ثَفِناتٍ مُحْزَئِلّات
. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ أَبي رَبِيعَةَ يَصِفُ أَربعَ رَواحِلَ وبُروكَها:
عَلَى قلَوصَينِ مِن رِكابِهم، ... وعَنْتَرِيسَين فِيهِمَا شَجَعُ
كأَنَّما غادَرَتْ كَلاكِلُها، ... والثَّفِناتُ الخِفافُ، إِذْ وَقَعُوا
مَوْقِعَ عشرينَ مِنْ قَطاً زُمَرٍ، ... وَقعْنَ خَمْسًا خَمْسًا مَعًا شِبَعُ
. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: الثَّفينةُ مَوْصِل الْفَخِذِ فِي السَّاقِ مِنْ باطِنٍ ومَوْصل الوَظيف فِي الذِّرَاعِ، فشبَّه آبارَ كراكِرها وثَفِناتها بمَجاثِم القَطا، وَإِنَّمَا أَراد خِفَّةَ بُروكِهن. وثَفَنَتْه الناقةُ تَثْفِنُه، بِالْكَسْرِ، ثَفْناً: ضربَتْه بثَفِناتها، قَالَ: وَلَيْسَ الثَّفِناتُ مِمَّا يخُصُّ الْبَعِيرَ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْحَيَوَانِ، وَإِنَّمَا الثَّفِناتُ مِنْ كُلِّ
__________
(2) . قوله [جرائداً إلخ](13/78)
ذِي أَربع مَا يُصيب الأَرضَ مِنْهُ إِذَا بَرك، وَيَحْصُلُ فِيهِ غِلظٌ مِنْ أَثر البُروك، فالرُّكبتان مِنَ الثَّفِنات، وَكَذَلِكَ المِرْفَقان وكِركرة الْبَعِيرِ أَيْضًا، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ ثفِنات لأَنها تَغْلُظُ فِي الأَغلب مِنْ مُبَاشَرَةِ الأَرض وقتَ البُروك، وَمِنْهُ ثَفِنتْ يدُه إِذَا غَلُظت مِنَ الْعَمَلِ. وَفِي حَدِيثِ
أَنَس: أَنه كَانَ عِنْدَ ثَفِنة ناقةِ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عامَ حَجَّة الْوَدَاعِ.
وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذِكْرِ الْخَوَارِجِ وأَيديهم: كأَنها ثَفِنُ الإِبل
؛ هُوَ جَمْعُ ثَفِنة. والثَّفِنةُ مِنَ الإِبل: الَّتِي تَضْرِب بثَفِناتها عِنْدَ الْحَلْبِ، وَهِيَ أَيسر أَمراً مِنَ الضَّجُور. والثَّفِنةُ: رُكْبةُ الإِنسان، وَقِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ الرَّاسِبِيِّ رَئِيسِ الْخَوَارِجِ ذُو الثَّفِنات لِكَثْرَةِ صلاتِه، ولأَنَّ طولَ السُّجُودِ كَانَ أَثَّرَ فِي ثَفِناته. وَفِي حَدِيثِ
أَبي الدَّرْدَاءِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: رأَى رجُلًا بَيْنَ عينَيْه مثْل ثَفِنة الْبَعِيرِ، فَقَالَ: لَوْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ كَانَ خَيْرًا
؛ يَعْنِي كَانَ عَلَى جَبْهته أَثر السُّجُودِ، وَإِنَّمَا كرِهها خَوْفًا مِنَ الرِّيَاءِ بِهَا، وَقِيلَ: الثَّفِنةُ مُجْتَمع السَّاقِ وَالْفَخِذِ، وَقِيلَ: الثَّفِناتُ مِنَ الإِبل مَا تَقَدَّمَ، وَمِنَ الْخَيْلِ مَوْصِل الْفَخِذِ فِي السَّاقَيْنِ مِنْ باطنِها؛ وَقَوْلُ أُميَّة بْنُ أَبي عَائِذٍ:
فَذَلِكَ يومٌ لَنْ تُرى أُمُّ نافِعٍ ... عَلَى مُثْفَنٍ مِنْ وُلْدِ صَعْدة قَنْدَل
. قَالَ: يَجُوزُ أَن يَكُونَ أَراد بمُثْفَن عظيمَ الثَّفِنات أَو الشديدَها، يَعْنِي حِمَارًا، فاستَعار لَهُ الثَّفِنات، وَإِنَّمَا هِيَ لِلْبَعِيرِ. وثَفِنَتا الجُلَّة: حافَتا أَسفلِها مِنَ التَّمْرِ؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ. وثُفْنُ المَزادة: جوانبُها الْمَخْرُوزَةُ. وثَفَنَه ثَفْناً: دفعَه وضربَه. وثَفِنَت يدُه، بِالْكَسْرِ، تَثْفَنُ ثَفَناً: غَلُظت مِنَ الْعَمَلِ، وأَثْفَنَ العملُ يدَه. والثَّفِنةُ: العددُ والجماعةُ مِنَ النَّاسِ. قَالَ ابْنُ الأَعرابي فِي حَدِيثٍ لَهُ:
إِنَّ فِي الحِرْمازِ اليومَ الثَّفِنةَ أُثْفِيَة مِنْ أَثافي النَّاسِ صُلْبة
؛ ابْنُ الأَعرابي: الثَّفْنُ الثِّقَلُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: الثَّفْنُ الدَّفْعُ. وَقَدْ ثَفَنَه ثَفْناً إِذَا دَفَعَهُ. وَفِي حَدِيثِ بَعْضِهِمْ:
فحمَل عَلَى الكَتيبةِ فَجَعَلَ يَثْفِنُها
أَي يَطْردُها؛ قَالَ الْهَرَوِيُّ: وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ يَفُنُّها، والفَنُّ الطَّرْدُ. وثافَنْتُ الرجلَ مُثافنةً أَي صاحَبْتُه لَا يَخْفَى عَلَيَّ شيءٌ مِنْ أَمره، وَذَلِكَ أَن تَصْحَبه حَتَّى تَعْلَمَ أَمرَه. وثَفَنَ الشيءَ يَثْفِنُه ثَفْناً: لَزِمَه. وَرَجُلٌ مِثْفَنٌ لِخَصْمِه: مُلازِمٌ لَهُ؛ قَالَ رُؤْبَةُ فِي مَعْنَاهُ:
أَلَيْسَ مَلْوِيّ المَلاوَى مِثْفَن
. وثافَنَ الرجلَ إِذَا باطَنَه ولَزِمَه حَتَّى يَعْرِفَ دَخْلَته. والمُثافِنُ: المواظِب. وَيُقَالُ: ثافَنْتُ فُلَانًا إِذَا حابَبْتَه تُحادِثُه وتُلازِمُه وتُكَلِّمُه. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: المُثافِنُ والمُثابِر والمُواظِب واحدٌ. وثافَنْت فُلَانًا: جالسْته، وَيُقَالُ: اشْتِقاقُه مِنَ الأَوَّل كأَنك أَلْصَقْتَ ثَفِنَةَ رُكْبَتِك بثَفِنةِ ركْبَتِهِ، وَيُقَالُ أَيضاً ثافَنْتُ الرجلَ عَلَى الشَّيْءِ إِذَا أَعَنْتَه عَلَيْهِ. وجاء يَثْفِنُ يَثْفُنُ أَي يَطْرُد شَيْئًا مِنْ خَلْفِه قَدْ كَادَ يَلْحقُه. ومَرَّ يَثْفِنُهم ويَثْفُنُهم ثَفْناً أَي يَتْبَعُهم.
ثكن: الثُّكْنةُ: الجماعةُ مِنَ النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ، وَخَصَّ بَعْضُهُمْ بِهِ الْجَمَاعَةَ مِنَ الطَّيْرِ، قَالَ: الثُّكْنةُ السِّرْبُ مِنَ الحَمام وَغَيْرِهِ؛ قَالَ الأَعشى يَصِفُ صَقراً:
يُسافِعُ وَرْقاءَ غَوْرِيَّةً، ... لِيُدْرِكَها فِي حَمامٍ ثُكَنْ
. أَي فِي حَمام مُجْتَمِعَةٍ. والثُّكْنةُ: القِلادةُ. والثُّكْنةُ: الإِرةُ وَهِيَ بئرُ النارِ. والثُّكْنةُ: القبْرُ. والثُّكْنةُ:(13/79)
المحجّةُ. وثُكْنةُ الذئبِ أَيضاً: جمعُها ثُكَنٌ؛ قَالَ أُمية بْنُ أَبي عائذ:
عاقِدينَ النارَ في ثُكَنِ الأَذْنابِ ... مِنْهَا كَيْ تَهيجَ البُحورَا
. وثُكْنُ الطريقِ: سَنَنُه ومحجَّتُه. وَيُقَالُ: خَلِّ عَنْ ثُكْنِ الطَّرِيقِ أَي عَنْ سُجْحِه. وثُكَنُ الجُنْدِ: مَراكِزُهم، وَاحِدَتُهَا ثُكْنة، فَارِسِيَّةٌ. والثُّكْنةُ: الرايةُ والعلامةُ، وَجَمْعُهَا ثُكَنٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:
يُحْشَرُ الناسُ يومَ القيامةِ عَلَى ثُكَنِهم
؛ فَسَّرَهُ ابْنُ الأَعرابي فَقَالَ: عَلَى رَايَاتِهِمْ ومُجْتَمَعهم عَلَى لِواء صاحبِهم؛ حَكَاهُ الْهَرَوِيُّ فِي الغَريبين، وَقِيلَ: عَلَى رَايَاتِهِمْ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَقِيلَ: عَلَى مَا مَاتُوا عَلَيْهِ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَقِيلَ: عَلَى مَا مَاتُوا عَلَيْهِ فأُدْخِلوا قبورَهم مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ. اللَّيْثُ: الثُّكَنُ مَراكِزُ الأَجْنادِ عَلَى رَايَاتِهِمْ ومجتمعُهم عَلَى لِوَاءِ صَاحِبِهِمْ وعَلَمِهِم، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عَلَمٌ وَلَا لِواء، وواحدتُها ثُكْنةٌ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: يَدْخل البيتَ المعمورَ كلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلفَ مَلَكٍ عَلَى ثُكَنِهم
أَي بِالرَّايَاتِ وَالْعَلَامَاتِ؛ وَقَالَ طَرَفَةُ:
وَهَانِئًا هَانِئًا فِي الْحَيِّ مُومِسةً ... ناطَت سِخاباً، وَنَاطَتْ فوقَه ثُكَناً
. وَيُقَالُ للعُهون الَّتِي تُعَلَّق فِي أَعناق الإِبل: ثُكَن. والثُّكْنة: حُفْرَةٌ عَلَى قَدْرِ مَا يُواريه. والأُثْكُونُ للعِذق بِشَمَارِيخِهِ: لُغَةٌ فِي الأُثْكول، قَالَ: وَعَسَى أَن يَكُونَ بَدَلًا. وثَكَنٌ: جَبَلٌ مَعْرُوفٌ، وَقِيلَ: جَبَلٌ حِجَازِيٌّ، بِفَتْحِ الثَّاءِ وَالْكَافِ؛ قَالَ عَبْدُ الْمَسِيحِ ابْنُ أُخت سَطيح فِي مَعْنَاهُ:
تَلُفُّه فِي الرِّيحِ بَوْغاءُ الدِّمَنْ، ... كأَنَّما حُثْحِثَ مِنْ حِضْنَي ثَكَنْ.
ثمن: الثُّمُن والثُّمْن مِنَ الأَجزاء: مَعْرُوفٌ، يطِّرد ذَلِكَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ فِي هَذِهِ الْكُسُورِ، وَهِيَ الأَثمان. أَبو عُبَيْدٍ: الثُّمُنُ والثَّمينُ واحدٌ، وَهُوَ جُزْءٌ مِنَ الثَّمَانِيَةِ؛ وأَنشد أَبو الْجَرَّاحِ لِيَزِيدَ بْنِ الطَّثَرِيَّة فَقَالَ:
وأَلْقَيْتُ سَهْمِي وَسْطَهم حِينَ أَوْخَشُوا، ... فَمَا صارَ لِي فِي القَسْمِ إِلَّا ثَمينُها
. أَوْخَشُوا: رَدُّوا سِهامَهم فِي الرِّبابةِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ. وثَمَنَهم يَثْمُنُهم، بِالضَّمِّ، ثَمْناً: أَخذ ثمْنَ أَموالهم. والثَّمانيةُ مِنَ الْعَدَدِ: مَعْرُوفٌ أَيضاً، قَالَ: ثَمانٍ عَنْ لَفْظِ يَمانٍ، وَلَيْسَ بنَسبٍ، وَقَدْ جَاءَ فِي الشِّعْرِ غَيْرَ مَصْرُوفٍ؛ حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ عَنْ أَبي الْخَطَّابِ؛ وأَنشد لِابْنِ مَيَّادة:
يَخْدُو ثمانيَ مُولَعاً بِلِقاحها، ... حَتَّى هَمَمْنَ بزَيْغةِ الإِرْتاج
. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَمْ يَصْرِفْ ثَمانيَ لشبَهِها بجَوارِيَ لَفْظاً لَا مَعْنًى؛ أَلا تَرَى أَن أَبا عُثْمَانَ قَالَ فِي قَوْلِ الرَّاجِزِ:
وَلَاعِبِ بِالْعَشِيِّ بينَها، ... كفِعْل الهِرّ يَحْتَرِشُ العَظايا
فأَبْعَدَه الإِله وَلَا يُؤتَّى، ... وَلَا يُشْفَى مِنَ المَرضِ الشِّفايا «1»
. إِنَّهُ شبَّه أَلفَ النَّصْبِ فِي العظَايا والشِّفايا بَهَاءِ التأْنيث في نحو عَظاية وصَلاية، يُرِيدُ أَنه صحَّح الْيَاءَ وَإِنْ كَانَتْ طَرَفاً، لأَنه شبَّه الأَلف الَّتِي تحدُث عَنْ فَتْحَةِ النَّصْبِ بهاء التأْنيث في نحو عَظاية وعَباية، فَكَمَا أَنَّ الهاء فيها
__________
(1) . قوله [ولاعب إلخ] البيتين هَكَذَا فِي الأَصل الَّذِي بأيدينا والأَول ناقص(13/80)
صحَّحت الياءَ قَبْلَهَا، فَكَذَلِكَ أَلفُ النَّصْبِ الَّذِي فِي العَظايا وَالشِّفَايَا صحَّحت الْيَاءَ قَبْلَهَا، قَالَ: هَذَا قَوْلُ ابْنِ جِنِّي، قَالَ: وَقَالَ أَبو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ أَلفُ ثَمانٍ للنسَبِ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: فَقُلْتُ لَهُ: فلِمَ زَعَمْتَ أَن أَلِفَ ثَمانٍ لِلنَّسَبِ؟ فَقَالَ: لأَنها لَيْسَتْ بِجَمْعٍ مُكَسَّرٍ كصحارٍ، قُلْتُ لَهُ: نَعَمْ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ لِلنَّسَبِ لَلَزِمَتْهَا الهاءُ البتَّة نَحْوَ عَتاهية وكراهِية وسَباهية، فَقَالَ: نَعَمْ هُوَ كَذَلِكَ، وَحَكَى ثَعْلَبٌ ثمانٌ في حدّ الرفع؛ قَالَ:
لَهَا ثَنايا أَرْبَعٌ حِسانُ، ... وأَرْبَعٌ فثَغْرُها ثَمانُ
. وَقَدْ أَنكروا ذَلِكَ وَقَالُوا: هَذَا خَطَأٌ. الْجَوْهَرِيُّ: ثمانيةُ رجالٍ وَثَمَانِي نِسْوة، وَهُوَ فِي الأَصل مَنْسُوبٌ إِلَى الثُّمُن لأَنه الْجُزْءُ الَّذِي صيَّر السبعةَ ثَمَانِيَةً، فَهُوَ ثُمُنها، ثُمَّ فَتَحُوا أَوله لأَنهم يغيِّرون فِي النَّسَبِ كَمَا قَالُوا دُهْريٌّ وسُهْليٌّ، وَحَذَفُوا مِنْهُ إِحْدَى ياءَي النَّسَبِ، وعَوَّضوا مِنْهَا الأَلِفَ كَمَا فَعَلُوا فِي الْمَنْسُوبِ إِلَى الْيَمَنِ، فثَبَتتْ ياؤُه عِنْدَ الإِضافة، كَمَا ثَبَتَتْ ياءُ الْقَاضِي، فَتَقُولُ ثَمَانِي نِسْوةٍ وَثَمَانِي مِائَةٍ، كَمَا تَقُولُ قَاضِي عَبْدِ اللَّهِ، وتسقُط مَعَ التَّنْوِينِ عِنْدَ الرَّفْعِ وَالْجَرِّ، وتثبُت عِنْدَ النَّصْبِ لأَنه لَيْسَ بِجَمْعٍ، فيَجري مَجْرى جَوارٍ وسَوارٍ فِي تَرْكِ الصَّرْفِ، وَمَا جَاءَ فِي الشِّعْرِ غيرَ مصروفٍ فَهُوَ عَلَى تَوَهُّمِ أَنه جَمْعٌ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ يَعْنِي بِذَلِكَ قولَ ابْنِ مَيّادة:
يَحْدو ثمانِيَ مُولَعاً بلِقاحِها
. قَالَ: وَقَوْلُهُمْ الثوبُ سَبْعٌ فِي ثمانٍ، كَانَ حقُّه أَن يُقَالَ ثَمَانِيَةٌ لأَن الطُّول يُذْرَع بِالذِّرَاعِ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ، والعَرْضُ يُشْبَر بالشِّبر وَهُوَ مذكَّر، وَإِنَّمَا أَنثه لمَّا لَمْ يأْت بِذِكْرِ الأَشبار، وَهَذَا كَقَوْلِهِمْ: صُمْنا مِنَ الشَّهْرِ خَمْساً، وَإِنَّمَا يُرِيدُ بالصَّوْم الأَيام دُونَ اللَّيَالِيَ، وَلَوْ ذكَر الأَيام لَمْ يَجِدْ بُدّاً مِنَ التَّذْكِيرِ، وَإِنْ صغَّرت الثمانيةَ فأَنت بِالْخِيَارِ، إِنْ شِئْتَ حذَفْت الأَلِف وَهُوَ أَحسَن فَقُلْتَ ثُمَيْنِية، وَإِنْ شِئْتَ حَذَفْتَ الْيَاءَ فَقُلْتَ ثُمَيِّنة، قُلِبت الأَلف يَاءً وأُدغمت فِيهَا يَاءُ التَّصْغِيرِ، وَلَكَ أَن تُعَوِّضَ فِيهِمَا. وثَمَنَهم يَثْمِنُهم، بِالْكَسْرِ، ثَمْناً: كَانَ لَهُمْ ثامِناً. التَّهْذِيبِ: هُنَّ ثمانِيَ عَشْرة امرأَة، وَمَرَرْتُ بثمانيَ عَشْرَةَ امرأَة: قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَقَوْلُ الأَعشى:
وَلَقَدْ شَرِبْتُ ثَمانياً وَثَمَانِيًا، ... وثمانِ عَشْرةَ واثنَتَين وأَرْبَعا
. قَالَ: ووجْه الْكَلَامِ بثمانِ عشْرة، بِكَسْرِ النُّونِ، لِتَدُلَّ الكسرةُ عَلَى الْيَاءِ وتَرْكِ فَتْحَةِ الْيَاءِ عَلَى لُغَةِ مَنْ يَقُولُ رأَيت الْقَاضِيَ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
كأَنَّ أَيديهنّ بِالْقَاعِ القَرِق
. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: إِنَّمَا حَذَفَ الْيَاءَ فِي قَوْلِهِ وثمانِ عشْرة عَلَى لُغَةِ مَنْ يَقُولُ طِوالُ الأَيْدِ، كَمَا قَالَ مُضرِّس بْنُ رِبْعيٍّ الأَسَديّ:
فَطِرْتُ بِمُنْصُلي فِي يَعْمَلاتٍ، ... دَوامِي الأَيْدِ يَخْبِطْنَ السَّريحا
. قَالَ شِمْرٌ: ثَمَّنْت الشَّيْءَ إِذَا جَمَعْتَهُ، فَهُوَ مُثَمَّن. وَكِسَاءٌ ذُو ثمانٍ: عُمِل مِنْ ثمانِ جِزّات؛ قَالَ الشَّاعِرُ فِي مَعْنَاهُ:
سَيَكْفيكِ المُرَحَّلَ ذُو ثَمانٍ، ... خَصيفٌ تُبْرِمِين لَهُ جُفالا
. وأَثَمَنَ القومُ: صَارُوا ثَمَانِيَةً. وَشَيْءٌ مُثَمَّنٌ: جُعِلَ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَركان. والمُثَمَّن مِنَ العَروض: مَا بُنِيَ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَجزاء. والثِّمْنُ: اللَّيْلَةُ الثَّامِنَةُ مِنْ أَظماء الإِبل. وأَثمَنَ الرجلُ إِذَا ورَدت إبلُه ثِمْناً، وَهُوَ
ظِمءٌ مِنْ أَظمائها. والثمانونَ مِنَ الْعَدَدِ: معروفٌ،(13/81)
وَهُوَ مِنَ الأَسماء الَّتِي قَدْ يُوصَفُ بِهَا؛ أَنشد سِيبَوَيْهِ قَوْلَ الأَعشى:
لَئِنْ كنتُ فِي جُبٍّ ثمانينَ قَامَةً، ... ورُقِّيت أَسْبابَ السماءِ بسُلَّم
. وُصِفَ بِالثَّمَانِينَ وَإِنْ كَانَ اسْمًا لأَنه فِي مَعْنًى طَوِيلٍ. الْجَوْهَرِيُّ: وَقَوْلُهُمْ هُوَ أَحمقُ مِنْ صَاحِبِ ضأْنٍ ثَمَانِينَ، وَذَلِكَ أَن أَعرابيّاً بَشَّرَ كِسْرى ببُشْرى سُرَّ بِهَا، فَقَالَ: اسْأَلني مَا شئتَ، فَقَالَ: أَسأَلُك ضأْناً ثَمَانِينَ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الَّذِي رَوَاهُ أَبو عُبَيْدَةَ أَحمقُ مِنْ طَالِبِ ضأْن ثَمَانِينَ، وَفَسَّرَهُ بِمَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: وَالَّذِي رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ أَحمقُ مِنْ رَاعِي ضأْنٍ ثَمَانِينَ، وَفَسَّرَهُ بأَنَّ الضأْنَ تَنْفِرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فيَحتاج كلَّ وَقْتٍ إِلَى جَمْعِهَا، قَالَ: وَخَالَفَ الجاحظُ الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ: وَإِنَّمَا هُوَ أَشْقى مِنْ رَاعِي ضأْن ثَمَانِينَ، وَذُكِرَ فِي تَفْسِيرِهِ لأَن الإِبل تتَعشَّى وتربِضُ حَجْرةً تجْتَرُّ، وأَن الضأْن يَحْتَاجُ رَاعِيهَا إِلَى حِفْظها وَمَنْعِهَا مِنَ الِانْتِشَارِ وَمِنَ السِّباع الطَّالِبَةِ لَهَا، لأَنها لَا تَبرُك كبُروكِ الإِبل فَيَسْتَرِيحُ رَاعِيهَا، وَلِهَذَا يتحكَّمُ صَاحِبُ الإِبل عَلَى رَاعِيهَا مَا لَا يتحكَّم صاحبُ الضأْن عَلَى رَاعِيهَا، لأَن شَرْطَ صَاحِبِ الإِبل عَلَى الرَّاعِي أَن عَلَيْكَ أَن تَلوطَ حَوْضَها وترُدَّ نادَّها، ثُمَّ يَدُك مبسوطةٌ فِي الرِّسْل مَا لَمْ تَنْهَكْ حَلَباً أَو تَضُرَّ بنَسْلٍ، فَيَقُولُ: قَدِ الْتزَمْتُ شرْطك عَلَى أَن لا تَذْكُرَ أُمّي بِخَيْرٍ وَلَا شرٍّ، وَلَكَ حَذْفي بِالْعَصَا عِنْدَ غضَبِك، أَصَبْت أَم أَخْطَأْت، وَلِي مَقعدي مِنَ النَّارِ وَمَوْضِعُ يَدِي مِنَ الْحَارِّ وَالْقَارِّ، وأَما ابْنُ خَالَوَيْهِ فَقَالَ فِي قَوْلِهِمْ أَحمقُ مِنْ طَالِبِ ضأْنٍ ثَمَانِينَ:
إِنَّهُ رَجُلٌ قَضَى لِلنَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حاجَته فَقَالَ: ائتِني المدينةَ، فَجَاءَهُ فَقَالَ: أَيُّما أَحبُّ إِلَيْكَ: ثَمَانُونَ مِنَ الضأْنِ أَم أَسأَل اللَّهَ أَن يَجْعَلَكَ مَعِي فِي الْجَنَّةِ؟ فَقَالَ: بَلْ ثَمَانُونَ مِنَ الضأْن، فَقَالَ: أَعطوه إِيَّاهَا، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ صاحبةَ مُوسَى كَانْتَ أَعقلَ مِنْكَ، وَذَلِكَ أَن عَجُوزًا دلَّتْه عَلَى عِظَامِ يُوسُفَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ لَهَا مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَيُّما أَحبُّ إليكِ أَن أَسأَل اللَّهَ أَن تَكُونِي مَعِي فِي الْجَنَّةِ أَم مائةٌ مِنَ الْغَنَمِ؟ فَقَالَتْ: بَلِ الْجَنَّةُ.
والثَّماني: موضعٌ بِهِ هضَبات؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أُراها ثَمَانِيَةً؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
أَو أَخْدَرِيّاً بِالثَّمَانِي سُوقُها
وثَمينةُ: مَوْضِعٌ؛ قَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤيّة:
بأَصْدَقَ بأْساً مِنْ خليلِ ثَمينةٍ ... وأَمْضَى، إِذا مَا أَفْلَط القائمَ اليدُ
. والثَّمَنُ: مَا تَسْتَحِقُّ بِهِ الشيءَ. والثَّمَنُ: ثمنُ البيعِ، وثمَنُ كُلِّ شَيْءٍ قيمتُه. وَشَيْءٌ ثَمينٌ أَي مرتفعُ الثَّمَن. قَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا*
؛ قَالَ: كُلُّ مَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ هَذَا الَّذِي قَدْ نُصِب فِيهِ الثَّمَنُ وأُدخلت الْبَاءُ فِي المَبِيع أَو المُشْتَرَى فإِن ذَلِكَ أَكثر مَا يأْتي فِي الشَّيئين لَا يَكُونَانِ ثَمَناً مَعْلُومًا مِثْلَ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ، فَمِنْ ذَلِكَ اشْتَرَيْتُ ثَوْبًا بِكِسَاءٍ، أَيهما شِئْتَ تَجْعَلُهُ ثَمَنًا لِصَاحِبِهِ لأَنه لَيْسَ مِنَ الأَثمان، وَمَا كَانَ لَيْسَ مِنَ الأَثمان مِثْلَ الرَّقِيق والدُّور وجميعِ الْعُرُوضِ فَهُوَ عَلَى هَذَا، فَإِذَا جِئْتَ إِلَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَضَعْتَ الْبَاءَ فِي الثَّمَن، كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ يُوسُفَ: وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ
، لأَن الدَّرَاهِمَ ثَمَنٌ أَبداً، وَالْبَاءُ إِنَّمَا تَدْخُلُ فِي الأَثْمانِ، وكذلك قوله: لا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا*
، واشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ والْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ؛ فأَدْخِل الباءَ فِي أَيِّ هَذَيْنِ شِئْتَ حَتَّى تَصِيرَ إِلَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَإِنَّكَ تُدْخِل الْبَاءَ فِيهِنَّ مَعَ الْعُرُوضِ، فَإِذَا اشْتَرَيْتَ أَحدَ هَذَيْنِ،(13/82)
يَعْنِي الدنانيرَ وَالدَّرَاهِمَ، بِصَاحِبِهِ أَدخلت الْبَاءَ فِي أَيّهما شِئْتَ، لأَن كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَبِيعٌ وثَمَنٌ، فَإِذَا أَحْبَبْت أَن تَعْرِفَ فَرْقَ مَا بَيْنَ العُروض وَالدَّرَاهِمِ، فَإِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّ مَنِ اشْتَرَى عَبْدًا بأَلف دِينَارٍ أَو أَلفِ دِرْهَمٍ مَعْلُومَةٍ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَرَدَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُشْتَرِي أَن يأْخذ أَلْفَه بِعَيْنِهَا، وَلَكِنْ أَلْفاً، وَلَوِ اشْتَرَى عَبْدًا بِجَارِيَةٍ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا لَمْ يَرْجِعْ بِجَارِيَةٍ أُخرى مِثْلِهَا، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَن العُروض لَيْسَتْ بأَثمان. وَفِي حَدِيثِ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ:
ثامِنُوني بحائِطِكُم
أَي قَرِّرُوا مَعي ثَمَنَه وبِيعُونِيهِ بالثَّمَنِ. يُقَالُ: ثامَنْتُ الرجلَ فِي المَبيع أُثامِنُه إِذَا قاوَلْتَه فِي ثَمَنِه وساوَمْتَه عَلَى بَيْعِه واشْتِرائِه. وقولُه تَعَالَى: وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا
؛ قِيلَ مَعْنَاهُ قَبِلُوا عَلَى ذَلِكَ الرُّشى وَقَامَتْ لَهُمْ رِياسةٌ، وَالْجَمْعُ أَثْمانٌ وأَثْمُنٌ، لَا يُتَجاوَزُ بِهِ أَدْنى الْعَدَدِ؛ قَالَ زهيرفي ذَلِكَ:
مَنْ لَا يُذابُ لَهُ شَحْمُ السَّدِيفِ إِذَا ... زارَ الشِّتاءُ، وعَزَّتْ أَثْمُنُ البُدُنِ
. وَمَنْ رَوَى أَثْمَن البُدُنِ، بِالْفَتْحِ، أَراد أَكثَرها ثَمَناً وأَنَّث عَلَى الْمَعْنَى، وَمَنْ رَوَاهُ بِالضَّمِّ، فَهُوَ جَمْعُ ثَمَن مِثْلَ زَمَنٍ وأَزْمُنٍ، وَيُرْوَى: شحمُ النَّصيبِ؛ يُرِيدُ نَصِيبَهُ مِنَ اللَّحْمِ لأَنه لَا يَدَّخِرُ لَهُ مِنْهُ نَصيباً، وَإِنَّمَا يُطْعِمُه، وَقَدْ أَثْمَنَ لَهُ سِلْعَتَهُ وأَثْمَنَهُ. قَالَ الْكِسَائِيُّ: وأَثْمَنْتُ الرجلَ متاعَه وأَثْمَنْتُ لَهُ بِمَعْنًى واحدٍ. والمِثْمَنَة: المِخْلاةُ؛ حَكَاهَا اللِّحْيَانِيُّ عَنِ ابْنِ سُنْبُلٍ العُقَيْلي. والثَّماني: نَبْتٌ؛ لَمْ يَحْكِه غيرُ أَبي عُبَيْدٍ. الْجَوْهَرِيُّ: ثَمَانِيَةٌ اسْمُ موضع «2» .
ثنن: الثِّنُّ، بِالْكَسْرِ: يَبِيسُ الحَلِيِّ والبُهْمَى والحَمْض إِذَا كَثُرَ ورَكِبَ بعضُه بَعْضًا، وَقِيلَ: هُوَ مَا اسْوَدَّ مِنْ جَمِيعِ العِيدانِ وَلَا يَكُونُ مِنْ بَقْلٍ وَلَا عُشْبٍ. وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: الثِّنُّ حُطامُ اليَبِيس؛ وأَنشد:
فظَلْنَ يَخْبِطْنَ هَشِيم الثِّنِّ، ... بَعْدَ عَمِيمِ الرَّوْضةِ المُغِنِ
. الأَصمعي: إِذَا تَكَسَّرَ اليَبِيسُ فَهُوَ حُطامٌ، فَإِذَا ارْتَكَبَ بعضُه عَلَى بعضٍ فَهُوَ الثِّنُّ، فَإِذَا اسوَدَّ مِنَ القِدَمِ فَهُوَ الدِّنْدِنُ. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: الثِّنُّ الكَلأُ؛ وأَنشد الْبَاهِلِيُّ:
يَا أَيُّها الفَصِيلُ ذَا المُعَنِّي، ... إنَّكَ دَرْمانُ فصَمِّتْ عَنِّي،
تَكْفي اللَّقُوحَ أَكْلةٌ مِنْ ثِنِّ، ... ولَمْ تَكُنْ آثَرَ عِندِي مِنِّي
ولَمْ تَقُمْ فِي المَأْتَمِ المُرِنِ
. يَقُولُ: إِذَا شَرِبَ الأَضيافُ لَبَنَها عَلَفَها الثِّنَّ فعادَ لَبَنُها، وصَمِّت أَي اصْمُتْ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الشِّعْرُ للأَخوص بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرِّياحي، والأَخوص بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ، وَاسْمُهُ زَيْدُ بنُ عَمْرِو بْنِ قَيْسِ بْنِ عَتّاب بْنِ هَرَمِيِّ بْنِ رِيَاحٍ. ابْنُ الأَعرابي: الثِّنانُ النّباتُ الْكَثِيرُ المُلْتَفُّ. وَقَالَ: ثَنْثَنَ إِذَا رَعَى الثِّنَّ، ونَثْنَثَ إِذَا عَرِقَ عَرَقاً كَثِيرًا. الْجَوْهَرِيُّ: الثُّنّة الشَّعَراتُ الَّتِي فِي مُؤَخَّرِ رُسْغِ الدَّابَّةِ الَّتِي أُسْبِلَتْ عَلَى أُمِّ القِرْدانِ تَكادُ تَبْلُغُ الأَرْضَ، وَالْجَمْعُ الثُّنَنُ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ للأَغلب الْعِجْلِيِّ:
فبِتُّ أَمْريها وأَدنو للثُّنَنْ، ... بِقاسِحِ الجلْدِ مَتينٍ كالرِّسَنْ.
__________
(2) . قوله [ثمانية اسم موضع] في التكملة: هي تصحيف، والصواب ثمينة على فعيلة مثال دثينة(13/83)
والثُّنَّة مِنَ الفَرَس: مُؤَخَّر الرُّسْغ، وَهِيَ شَعَرَاتٌ مُدَلّاةٌ مُشْرِفات مِنْ خَلْف؛ قَالَ: وأَنشد الأَصمعي لِرَبِيعَةَ بْنِ جُشَم رَجُلٌ مِنَ النَّمِر بْنِ قاسِط، قَالَ: وَهُوَ الَّذِي يَخْلط بشعرِه شعرَ امْرِئِ الْقَيْسِ، وَقِيلَ هُوَ لِامْرِئِ الْقَيْسِ:
لَها ثُنَنٌ كخَوافي العُقَاب، ... سُودٌ يَفِينَ، إِذَا تَزْبَئِرّ
. قَوْلُهُ: يَفِين، غَيْرُ مَهْمُوزٍ، أَي يَكْثُرن. يُقَالُ: وَفَى شَعرُه، يَقُولُ: لَيْست بمُنْجَردة لَا شَعْرَ عَلَيْهَا. وَفِي حَدِيثِ فَتْحِ نُهاوَنْد:
وبلَغَ الدمُ ثُنَنَ الخَيْل
؛ قَالَ: الثُّنَنُ شعَرات فِي مُؤَخَّر الْحَافِرِ مِنَ اليَدِ والرِّجْل. وثَنَّن الفرسُ: رَفَع ثُنَّتَه أَن يَمَسَّ الأَرض فِي جَرْيه مِنْ خِفَّتِه. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: فِي وَظِيفَي الْفَرَسِ ثُنَّتان، وَهُوَ الشَّعْرُ الَّذِي يَكُونُ عَلَى مُؤخَّر الرُّسْغ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ شعرٌ فَهُوَ أَمْرَدُ وأَمْرَطُ. ابْنُ الأَعرابي: الثُّنَّة مِنَ الإِنسان مَا دُونُ السُّرَّةِ فَوْقَ الْعَانَةِ أَسفل الْبَطْنِ، وَمِنَ الدوابِّ الشَّعْرُ الَّذِي عَلَى مؤخَّر الحافِر فِي الرُّسْغ. قَالَ: وثَنَّنَ الفرسُ إِذَا رَكِبَه الثقيلُ حَتَّى تُصِيبَ ثُنَّتُه الأَرض، وَقِيلَ: الثُّنَّةُ شعرُ الْعَانَةِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن آمِنةَ قَالَتْ لمَّا حَمَلَتْ بِالنَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واللهِ مَا وَجَدْتُه فِي قَطَنٍ وَلَا ثُنَّة وَمَا وَجَدته إِلَّا عَلَى ظَهْرِ كَبِدي
؛ القَطَنُ: أَسفل الظَّهر، والثُّنَّة: أَسفل الْبَطْنِ. وَفِي
مَقْتَل حَمْزَةَ سَيِّدِ الشُّهَدَاءِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَن وَحْشياً قَالَ سَدَّدْتُ حَرْبَتي يَوْمَ أُحُدٍ لثُنَّته فَمَا أَخطأْتُها
، وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ «1» . يُقَوِّيان قَوْلَ اللَّيْثِ فِي الثُّنَّة. وَفِي حَدِيثِ
فارِعَة أُخْت أُمَيَّة: فشَقَّ مَا بَيْنَ صَدْره إِلَى ثُنَّتِه.
وثُنانُ: بُقْعة؛ عن ثعلب.
فصل الجيم
جأن: الجُؤنة: سَلَّة مُسْتَديرة مُغَشَّاة أَدَماً يُجْعَلُ فِيهَا الطِّيبُ والثِّياب.
جبن: الجَبانُ مِنَ الرِّجالِ: الَّذِي يَهاب التقدُّمَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، لَيْلًا كَانَ أَو نَهَارًا؛ سِيبَوَيْهِ: وَالْجَمْعُ جُبَناء، شَبَّهوه بفَعِيل لأَنه مثلُه فِي العِدَّة وَالزِّيَادَةِ، وَتَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذِكر الجُبْن والجَبان، وَهُوَ ضِدُّ الشَّجاعة والشُّجاع، والأُنثى جَبان مِثْلُ حَصان ورَزَانٍ وجَبانةٌ، ونِساء جَباناتٌ. وَقَدْ جَبَنَ يَجْبُن وجَبُنَ جُبْناً وجُبُناً وجَبانةً وأَجْبَنَه: وَجَدَهُ جَباناً أَو حَسِبَه إِيَّاهُ. قَالَ عَمْرُو بْنُ مَعْدِيكَرِبَ، وَكَانَ قَدْ زَارَ رَئِيسَ بَنِي سُلَيْمٍ فأَعطاه عِشْرِينَ أَلف دِرهم وسَيْفاً وفَرَساً وغُلاماً خبَّازاً وثِياباً وطِيباً: لِلَّهِ دَرُّكم يَا بَنِي سُلَيْمٍ قاتَلْتُها فَمَا أَجْبَنْتُها، وسأَلتُها فَمَا أَبخَلْتها، وهاجَيْتُها فَمَا أَفحَمْتُها. وَحَكَى سِيبَوَيْهِ: وَهُوَ يُجَبَّن أَي يُرْمَى بِذَلِكَ وَيُقَالُ لَهُ. وجَبَّنَه تَجْبِيناً: نسبَه إِلَى الجُبْن. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، احْتَضَنَ أَحَدَ ابْنَي ابنتِه وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ إِنَّكُمْ لَتُجَبِّنُون وتُبَخِّلون وتُجَهِّلون، وَإِنَّكُمْ لَمِنْ رَيْحان اللَّهِ.
يُقَالُ: جَبَّنْتُ الرَّجُلَ وبَخَّلْته وجهَّلْته إِذَا نسبْتَه إِلَى الجُبْنِ والبُخْلِ والجَهْل، وأَجْبَنْته وأَبْخَلْته وأَجْهَلْته إِذَا وجَدْته بَخِيلًا جَباناً جَاهِلًا، يُرِيدُ أَن الْوَلَدَ لَمَّا صَارَ سبَباً لجُبْن الأَب عَنِ الجِهاد وَإِنْفَاقِ الْمَالِ والافْتتان بِهِ، كَانَ كأَنه نسبَه إِلَى هَذِهِ الخِلال وَرَمَاهُ بِهَا. وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَقُولُ: الْوَلَدُ مَجْهَلَة مَجْبَنة مَبْخَلة. الْجَوْهَرِيُّ: يُقَالُ الْوَلَدُ مَجْبَنة مَبْخَلة
__________
(1) . قوله [وهذان الحديثان إلخ] هكذا في الأَصل بدون تقدم نسبة إلى الليث(13/84)
لأَنه يُحَب البقاءُ والمالُ لأَجله. وتَجَبَّنَ الرجلُ: غلُظ. ابْنُ الأَعرابي: الْمُفَضَّلُ قَالَ الْعَرَبُ تَقُولُ فلانٌ جبانُ الكَلْبِ إِذَا كَانَ نِهايةً فِي السَّخاءِ؛ وأَنشد:
وأَجْبَنُ مِنْ صافرٍ كَلْبُهم، ... وَإِنْ قَذَفَتْه حصاةٌ أَضافا
. قَذَفَتْه: أَصابتْه. أَضافَ أَي أَشْفَق وَفَرَّ. اللَّيْثُ: اجْتَبَنْتُه حَسِبْتُه جَباناً. والجَبِينُ: فَوْقَ الصدْغ، وهُما جَبِينان عَنْ يَمِينِ الْجَبْهَةِ وشِمالها. ابْنُ سِيدَهْ: والجَبِينان حَرْفان مُكْتَنِفا الجَبْهة مِنْ جانِبَيْها فِيمَا بَيْنَ الحاجِبَيْن مُصْعِداً إِلَى قُصاصِ الشَّعْرِ، وَقِيلَ: هُمَا مَا بَيْنُ القُصاصِ إِلَى الحِجاجَيْن، وَقِيلَ: حُرُوفُ الْجَبْهَةِ مَا بَيْنَ الصُّدغين مُتَّصِلًا عَدَا الناصِية، كلُّ ذَلِكَ جَبِينٌ واحدٌ، قَالَ: وَبَعْضٌ يَقُولُ هُما جَبينان، قَالَ الأَزهري: وَعَلَى هَذَا كلامُ الْعَرَبِ. والجَبْهَتان: الجَبِينان. قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: والجَبِينُ مذكَّر لَا غَيْرَ، وَالْجَمْعُ أَجْبُنٌ وأَجْبِنةٌ وجُبُن. والجُبْن والجُبُن والجُبُنُّ مُثَقَّلٌ: الَّذِي يؤكَل، وَالْوَاحِدَةُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ بِالْهَاءِ «1» . جُبُنَّة. وتَجَبَّن اللَّبَنُ: صَارَ كالجُبْن. قَالَ الأَزهري: وَهَكَذَا قَالَ أَبو عُبَيْدٍ فِي قَوْلِهِ كُلِ الجُبُنَّ عُرْضاً، بِتَشْدِيدِ النُّونِ. غَيْرُهُ: اجْتَبَنَ فلانٌ اللَّبَنَ إِذَا اتَّخَذَه جُبْناً. الْجَوْهَرِيُّ: الجُبْن هَذَا الَّذِي يُؤكَل، والجُبْنة أَخص مِنْهُ، والجُبْنُ أَيضاً: صِفة الجَبان. والجُبُن، بِضَمِّ الْجِيمِ وَالْبَاءِ: لُغَةٌ فِيهِمَا. وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: جُبُنٌّ وجُبُنَّة، بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيدِ. وَقَدْ جَبَن الرَّجُلُ، فَهُوَ جَبان، وجَبُنَ أَيضاً، بِالضَّمِّ، فَهُوَ جَبين. والجَبَّان والجَبَّانة، بِالتَّشْدِيدِ: الصَّحْرَاءُ، وَتُسَمَّى بِهِمَا الْمَقَابِرُ لأَنها تَكُونُ فِي الصَّحْرَاءِ تَسْمِيَةً لِلشَّيْءِ بِمَوْضِعِهِ. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الجَبابِينُ كِرامُ المَنابِت، وَهِيَ مُسْتَوِيَةٌ فِي ارْتِفَاعٍ، الْوَاحِدَةُ جَبَّانة. والجَبَّان: مَا اسْتَوَى مِنَ الأَرض فِي ارْتِفَاعٍ، وَيَكُونُ كَريمَ المَنْبت. وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: الجَبَّانة مَا اسْتَوَى مِنَ الأَرض ومَلُسَ وَلَا شَجَرَ فِيهِ، وَفِيهِ آكامٌ وجِلاهٌ وَقَدْ تَكُونُ مُسْتَوِيَةً لَا آكامَ فِيهَا وَلَا جِلاهَ، وَلَا تَكُونُ الجَبَّانة فِي الرَّمْل وَلَا فِي الجَبَل، وَقَدْ تَكُونُ فِي القِفاف والشَّقائق. وكلُّ صحراءَ جَبَّانة.
جبرن: جِبْرينُ جَبْرينُ وجِبْريل وجَبْرَئيل، كُلُّهُ: اسْمُ رُوحِ القُدس، عَلَيْهِ السلام.
جحن: الكسائي: الجَحِنُ السَّيِءُ الغِذاء، وَقَدْ أَجْحَنَتْه أُمُّه. وصبيٌّ جَحِنُ الغِذاء، وَقَدْ جَحِن، بِالْكَسْرِ، يَجْحَن جَحَناً وأَجْحَنَتْه؛ أَساءَت غِذاءه، وَقَالَ الأَصمعي فِي المُجْحَن مِثْلَهُ. والجَحِن: البَطِيءُ الشَّبَابِ؛ وَقَوْلُ الشَّمَّاخِ:
وَقَدْ عَرِقَتْ مَغابنُها وجادَتْ ... بِدِرَّتِها قِرَى جَحِنٍ قَتِينِ
. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أَراد قُراداً جعلَه جَحِناً لِسُوءِ غِذَائِهِ، يَعْنِي أَنها عَرِقَتْ فَصَارَ عَرَقُها قِرًى للقُراد، وَهَذَا الْبَيْتُ ذَكَرَهُ ابْنُ بَرِّيٍّ بِمُفْرَدِهِ فِي تَرْجَمَةِ حَجَنَ، بِالْحَاءِ قَبْلَ الْجِيمِ، قَالَ: والجَحِنُ المرأَةُ القليلةُ الطُّعْم، وأَورد الْبَيْتَ، وَقَدْ أَورده الأَزهري وَابْنُ سِيدَهْ وَالْجَوْهَرِيُّ هُنَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، فَإِمَّا أَن يَكُونَ ابْنُ بَرِّيٍّ صَحَّفه أَو وَجَدَ لَهُ وَجْهًا فِيمَا ذَكَرَهُ، قَالَ: والأُنثى جَحِنة وجَحْنة؛ وأَنشد ثَعْلَبٌ:
كَواحِدةِ الأُدْحِيِّ لَا مُشْمَعِلَّةٌ، ... وَلَا جَحْنة، تحتَ الثِّياب، جَشُوبُ.
وَقَدْ جَحِنَ جَحَناً وجَحانة. الأَزهري: ومَثَلٌ مِنَ
__________
(1) . قوله [وَالْوَاحِدَةُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ بالهاء] هذه عبارة ابن سيدة. وقوله [جبنة] هذه عبارة الأَزهري(13/85)
الأَمْثال: عَجَبٌ مِنْ أَن يَجِيءَ مِنْ جَحِنٍ خَيْرٌ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ وَقَوْلُ النَّمِرِ بْنِ تَوْلَبٍ:
فأَنْبَتها نَباتاً غَيْرَ جَحْن
. إِنَّمَا هُوَ عَلَى تَخْفِيفِ جَحِنٍ. ونَبْت جَحِن: زَميرٌ صَغِيرٌ مُعَطَّش. وكلُّ نَبْتٍ ضَعُفَ فَهُوَ جَحِنٌ. والمُجْحَن، بِضَمِّ الْمِيمِ، مِنَ النَّبَاتِ: القصيرُ الْقَلِيلُ الْمَاءِ. ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ جَحَنَ وأَجْحَن وجَحَّنَ وحَجَنَ وأَحْجَنَ وحَجَّنَ وجَحَدَ وأَجْحَدَ وجَحَّد كُلُّهُ مَعْنَاهُ إِذَا ضيَّق عَلَى عِيَالِهِ فَقْراً أَو بُخْلًا. الأَزهري: يُقَالُ جُحَيْناءُ قَلْبِي ولُوَيحاءُ قَلْبِي ولُوَيْذاء قَلْبِي، يَعْنِي مَا لزِم الْقَلْبَ. وجَيْحون وجَيْحان: اسْمُ نَهْرٍ جَاءَ فِيهِمَا حَدِيثٌ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ
سَيْحان وجَيْحان
، قَالَ: هُمَا نَهْرَانِ بِالْعَوَاصِمِ عِنْدَ أَرض المِصّيصة وطَرَسوس. الْجَوْهَرِيُّ: جَيْحون نَهْرُ بَلْخ، وَهُوَ فَيْعول. وجَيْحان: نَهْرٌ بِالشَّامِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يُحْتَمَلُ أَن يَكُونَ وزنُ جَيْحون فَعْلون مثل زَيتون وحَمْدون.
جحشن: جَحْشَنٌ: اسم.
جخن: الأَصمعي: الجُخُنَّةُ الرَّدِيئَةُ عِنْدَ الْجِمَاعِ مِنَ النِّسَاءِ؛ وأَنشد:
سأُنذِرُ نَفْسي وَصْلَ كلِّ جُخُنَّةٍ ... قِضافٍ، كبِرْذَوْنِ الشَّعير الفُرافِر.
جدن: جَدَنٌ: مَوْضِعٌ. وَذُو جَدَنٍ: قَيْلٌ مِنْ أَقيال حِمْير، وَقِيلَ: مِنْ مَقاوِلة اليَمَن، وَفِي التَّهْذِيبِ: اسْمُ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ حِمْيَر؛ قَالَ الأَصمعي: وأَنشد أَبو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ الْكِلَابِيُّ:
لَوْ أَنَّني كنتُ مِنْ عادٍ وَمِنْ إِرَمٍ ... غَذِيَّ بَهْم ولُقْماناً وَذَا جَدَنِ
. ابْنُ الأَعرابي: أَجْدَنَ الرجلُ إِذَا اسْتَغْنَى بَعْدَ فَقْرٍ.
جَرَنَ: الجِرانُ: بَاطِنُ العُنُق، وَقِيلَ: مُقدَّم الْعُنُقِ مِنْ مَذْبَحِ الْبَعِيرِ إِلَى مَنْحَرِهِ، فَإِذَا برَك البعيرُ وَمَدَّ عنُقَه عَلَى الأَرض قِيلَ: أَلقى جِرانَه بالأَرض. وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ، رَضِيَ الله عَنْهَا: حَتَّى ضرَب الحقُّ بجِرانِه
، أَرادت أَن الحقَّ اسْتَقَامَ وقَرَّ فِي قَراره، كَمَا أَن الْبَعِيرَ إِذَا بَرَك وَاسْتَرَاحَ مَدَّ جِرانَه عَلَى الأَرض أَي عُنُقَه. الْجَوْهَرِيُّ: جِرانُ الْبَعِيرِ مقدَّم عُنقه مِنْ مَذْبَحِهِ إِلَى مَنْحَرِهِ، وَالْجَمْعُ جُرُنٌ، وَكَذَلِكَ مِنَ الْفَرَسِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن ناقتَه، عَلَيْهِ السَّلَامُ، تَلَحْلحَتْ عِنْدَ بَيْتِ أَبي أَيوب وأَرْزَمتْ ووَضَعتْ جِرانَها
؛ الجِران: بَاطِنُ العُنق. اللِّحْيَانِيُّ: أَلقى فلانٌ عَلَى فُلَانٍ أَجْرانه وأَجرامَه وشَراشِره، الْوَاحِدُ جِرْمٌ وجِرْنٌ، إِنَّمَا سمعتُ فِي الْكَلَامِ أَلقى عَلَيْهِ جِرانَه، وَهُوَ بَاطِنُ العُنق، وَقِيلَ: الجِران هِيَ جِلْدَةٌ تَضْطرب عَلَى باطِن الْعُنُقِ مِنْ ثُغْرة النَّحْرِ إِلَى مُنْتَهَى العُنق فِي الرأْس؛ قَالَ:
فَقَدَّ سَراتَها والبَرْكَ مِنْهَا، ... فخَرَّتْ لليَدَيْنِ وللجِرانِ
. وَالْجَمْعُ أَجْرِنة وجُرنٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:
فَإِذَا جَمَلَانِ يَصْرفان فدَنا مِنْهُمَا فوَضَعا جُرُنهما عَلَى الأَرض
؛ وَاسْتَعَارَ الشَّاعِرُ الجِران للإِنسان؛ أَنشد سِيبَوَيْهِ:
مَتى تَرَ عَيْنَيْ مالكٍ وجِرانَه ... وجَنْبَيه، تَعْلمْ أَنه غيرُ ثائرِ
. وَقَوْلُ طرَفة فِي وَصْفِ نَاقَةٍ:
وأَجرِنةٍ لُزَّتْ بِدَأْيٍ مُنَضَّدِ
. إِنَّمَا عظَّم صدرَها فَجَعَلَ كلَّ جُزْءٍ مِنْهُ جِراناً كَمَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ مِنْ قَوْلِهِمْ لِلْبَعِيرِ ذُو عَثانين. وجِران الذكَر: باطنُه، وَالْجَمْعُ أَجرِنةٌ وجُرُنٌ. وجَرَنَ الثوبُ(13/86)
والأَديمُ يَجْرُن جُروناً، فَهُوَ جارِن وجَرين: لَانَ وَانْسَحَقَ، وَكَذَلِكَ الْجِلْدُ وَالدِّرْعُ وَالْكِتَابُ إِذَا درَس، وأَدِيم جارِن؛ وَقَالَ لَبِيدٌ يَصِفُ غَرْبَ السَّانِيَةِ:
بمُقابَلٍ سَرِبِ المَخارِزِ عِدْلُه، ... قَلِقُ المَحالةِ جارِنٌ مَسْلومُ
. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ يَصِفُ جِلداً عُمل مِنْهُ دَلوٌ. والجارِنُ: الليِّن، والمَسْلوم: الْمَدْبُوغُ بالسَّلَم. قَالَ الأَزهري: وكلُّ سِقاءٍ قَدْ أَخلَق أَو ثَوْبٍ فَقَدْ جَرَن جُروناً، فَهُوَ جارِن. وجَرَن فلانٌ عَلَى العَذْلِ ومَرَن ومَرَد بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ وَالدَّابَّةِ إِذَا تعَوَّد الأَمرَ ومَرَن عَلَيْهِ: قَدْ جَرَنَ يَجْرُن جُروناً؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
سَلاجِم يَثْرِبَ الأُولى، عَلَيْهَا ... بيَثْرِبَ كرَّةٌ بَعْدَ الجُرونِ
. أَي بَعْدَ المُرون. والجارِنة: الليِّنة مِنَ الدُّرُوعِ. أَبو عَمْرٍو: الجارِنة المارِنة. وكلُّ مَا مَرَن فَقَدْ جَرَن؛ قَالَ لَبِيدٌ يَصِفُ الدُّرُوعَ:
وجَوارِن بِيضٌ، وَكُلُّ طِمرَّةٍ ... يَعْدُو عَلَيْهَا القَرَّتَيْن غُلام
. يَعْنِي دُروعاً ليِّنة. والجارِن: الطَّرِيقُ الدارِس. والجَرَنُ: الأَرض الْغَلِيظَةُ؛ وأَنشد أَبو عَمْرٍو لأَبي حُبَيْبَةَ الشَّيْبَانِيِّ:
تَدَكَّلَتْ بَعْدي وأَلْهَتْها الطُّبَنْ، ... ونحنُ نَغْدو فِي الخَبار والجَرَنْ
وَيُقَالُ: هُوَ مُبْدَلٌ مِنَ الجَرَل. وجَرَنَت يدُه عَلَى الْعَمَلِ جُروناً: مرنَت. والجارِن مِنَ الْمَتَاعِ: مَا قَدِ اسْتُمْتِع بِهِ وبَلْيَ. وسِقاءٌ جارِن: يَبِس وغلُظ مِنَ الْعَمَلِ. وسَوْطٌ مُجَرَّن: قَدْ مَرَن قَدُّه. والجَرين: مَوْضِعُ البُرّ، وَقَدْ يَكُونُ لِلتَّمْرِ وَالْعِنَبِ، وَالْجَمْعُ أَجرِنة وجُرُن، بِضَمَّتَيْنِ، وَقَدْ أَجرَن العنبَ. والجَرينُ: بَيْدَر الحَرْث يُجْدَر أَو يُحْظَر عَلَيْهِ. والجُرْنُ والجَرين: مَوْضِعُ التَّمْرِ الَّذِي يُجَفَّف فِيهِ. وَفِي حَدِيثِ الْحُدُودِ:
لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ حتى يُؤْوِيَهُ الجَرينُ
؛ هُوَ مَوْضِعُ تَجْفِيفِ الثَّمَرِ، وَهُوَ لَهُ كالبَيدر لِلْحِنْطَةِ، وَفِي حَدِيثِ
أُبَيّ مَعَ الْغُولِ: أَنه كَانَ لَهُ جُرُنٌ مِنْ تَمْرٍ.
وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ سِيرِينَ فِي المُحاقَلة: كَانُوا يشترطُون قُمامةَ الجُرُنِ
، وَقِيلَ: الجَرينُ مَوْضِعُ البَيْدر بِلُغَةِ الْيَمَنِ. قَالَ: وعامَّتُهم يَكسِر الجيمَ، وَجَمْعُهُ جُرُنٌ. والجَرينُ: الطِّحْنُ، بِلُغَةِ هُذيل؛ وَقَالَ شَاعِرُهُمْ:
ولِسَوْطِه زَجَلٌ، إِذَا آنَسْتَه ... جَرَّ الرَّحى بجَرينِها المَطْحونِ
. الجَرين: مَا طَحَنتَه، وَقَدْ جُرِنَ الحبُّ جَرْناً شَدِيدًا. والجُرْنُ: حَجَرٌ مَنْقُورٌ يُصبُّ فِيهِ الْمَاءُ فيُتوضأُ بِهِ، وَتُسَمِّيهِ أَهلُ الْمَدِينَةِ المِهْراسَ الَّذِي يُتَطهَّر مِنْهُ. والجارِنُ: ولدُ الْحَيَّةِ مِنَ الأَفاعي. التَّهْذِيبُ: الْجَارِنُ مَا لانَ مِنْ أَولاد الأَفاعي. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والجِرْنُ الْجِسْمُ، لُغَةٌ فِي الجِرْم زَعَمُوا؛ قَالَ: وَقَدْ تَكُونُ نُونُهُ بَدَلًا مِنْ مِيمِ جِرْم، وَالْجَمْعُ أَجْران، قَالَ: وَهَذَا مِمَّا يُقَوِّي أَن النُّونَ غَيْرُ بَدَلٍ لأَنه لَا يَكَادُ يُتصرَّف فِي الْبَدَلِ هَذَا التَّصَرُّفَ. وأَلقى عَلَيْهِ أَجرانَه وجِرانه أَي أَثقاله. وجِرانُ العَوْدِ: لقَب لِبَعْضِ شُعَرَاءِ الْعَرَبِ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ مِنْ نُمير وَاسْمُهُ المُسْتورِد «2» . وَإِنَّمَا لقِّب بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ يخاطب امرأَتيه:
__________
(2) . قوله [واسمه المستورد] غلطه الصاغاني حيث قال وإنما اسم جِرَانِ الْعَوْدِ عَامِرُ بْنُ الحرث بن كلفة أي بالضم، وقيل كلفة بالفتح(13/87)
خُذا حَذَراً، يَا جارَتَيَّ، فإنَّني ... رأَيتُ جِرانَ العَوْدِ قَدْ كَادَ يَصْلَحُ
. أَراد بِجران العَوْد سَوْطًا قدَّه مِنْ جِران عَوْدٍ نَحَره وَهُوَ أَصلب مَا يَكُونُ. الأَزهري: ورأَيت الْعَرَبَ تسوِّي سِيَاطَهَا مَنْ جُرُن الجِمال البُزْل لصَلابتِها، وَإِنَّمَا حذَّر امرأَتيه سوطَه لنُشوزهما عَلَيْهِ، وَكَانَ قَدِ اتَّخَذَ مِنْ جِلْدِ الْبَعِيرِ سوْطاً لِيَضْرِبَ بِهِ نساءَه. وجَيرُون: بَابٌ مِنْ أَبواب دِمَشْقَ، صَانَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. والجِرْيانُ: لُغَةٌ فِي الجِرْيال، وَهُوَ صِبْغ أَحمر. وَالْمَجْرِينُ «1» .: الْمَيِّتُ؛ عَنْ كُرَاعٍ. وسفَر مِجْرَنٌ: بَعِيدٌ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
بَعْدَ أَطاوِيحِ السِّفار المِجْرن
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَمْ أَجد له اشتقاقاً.
جرشن: النِّهَايَةُ لِابْنِ الأَثير: أَهدى رَجُلٌ مِنَ الْعِرَاقِ إِلَى ابْنِ عُمر جَوارِشْنَ، قَالَ: هُوَ نَوْعٌ مِنَ الأَدوية الْمُرَكَّبَةِ يقوِّي الْمَعِدَةَ ويهضِم الطَّعَامَ، قَالَ: وَلَيْسَتِ اللفظة بعربية.
جرعن: اجْرَعَنَّ الرجلُ: صُرع عَنْ دابَّته وامتدَّ عَلَى وَجْهِ الأَرض، وضرَبْته حَتَّى اجْرَعنّ.
جَزَنَ: الْمُؤَرِّجُ: حطَبٌ جَزْن وجَزْل، وَجَمْعُهُ أَجْزُن وأَجْزُل، وَهُوَ الْخَشَبُ الْغِلَاظُ؛ قَالَ جَزْءُ بنُ الحَرِث:
حَمَى دُونَه بالشَّوكِ والتفَّ دُونه، ... مِنَ السِّدْر، سُوقٌ ذاتُ هَول وأَجزُن.
جَشَنَ: الجَشن: الْغَلِيظُ؛ عَنْ كُرَاعٍ، زَادَ غَيْرُهِ: أَو مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ. والجُشْنةُ: طائرةٌ سوداءُ تعَشِّش بِالْحَصَى. والجَوْشَنُ: الصدرُ، وَقِيلَ: مَا عَرُض مِنْ وَسَطِ الصَّدْرِ. وجَوْشَنُ الجَرادة: صَدْرُهَا. وجَوْشَنُ اللَّيْلِ: وسَطه وصَدْره. والجوْشَن: اسْمُ الْحَدِيدِ الَّذِي يُلبَس مِنَ السِّلَاحِ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ ثَوْرًا طَعَن كِلاباً بِرَوْقَيْه فِي صَدْرِهَا:
فكَرَّ يَمْشُق طَعْناً فِي جَواشِنِها، ... كأَنه، الأَجْرَ فِي الإِقبالِ، يَحْتَسِبُ
. الْجَوْهَرِيُّ: والجَوْشَن الدِّرْع وَاسْمُ الرَّجُلِ، وَقِيلَ: الجوْشَن مِنَ السِّلَاحِ زَرَدٌ يُلبَسه الصدرُ والحَيزوم. وَمَضَى جَوْشَنٌ مِنَ اللَّيْلِ أَي قِطْعَةٌ، لُغَةٌ فِي جَوْش، فَإِنْ كَانَ مَزِيدًا مِنْهُ فَحُكْمُهُ أَن يَكُونَ مَعَهُ؛ قَالَ ابْنُ أَحمر يَصِفُ سَحَابَةً:
يُضيء صَبيرُها، في ذي خَبِيٍّ، ... جَواشِن لَيْلها بِيناً فبِينا
. والبِينُ: الْقِطْعَةُ مِنَ الأَرض. ابْنُ الأَعرابي: المَجْشونةُ المرأَة الْكَثِيرَةُ الْعَمَلِ النَّشِيطَةُ. وجَواشِن التُّمام: بَقَايَاهُ؛ قَالَ:
كِرامٌ إِذَا لَمْ يَبْقَ إلَّا جَواشِن الثمامِ، ... وَمِنْ شَرّ الثُّمام جَواشِنُه.
جَعَنَ: جَعْوَنةُ: مِنْ أَسماء الْعَرَبِ. وَرَجُلٌ جَعْوَنة إِذَا كَانَ قَصِيرًا سَمِينًا. وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: الجَعْنُ فِعْلٌ مُمات، وَهُوَ التَّقَبُّضُ، قَالَ: وَمِنْهُ اشْتِقَاقُ جَعْوَنة، وَقَدْ وَجَدْتُ حَاشِيَةً قَالَ أَبو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ فِي كِتَابِ الإِشتقاق لَهُ: جَعْونةُ اسْمُ رَجُلٍ مُشْتَقٌّ مِنَ الجَعْن، وَهُوَ وَجَعُ الْجَسَدِ وتكسُّره، قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مُشْتَقًّا مِنَ الجَعْو، وَهُوَ جَمْعُ الشَّيْءِ، وَتَكُونُ النُّونُ زائدة.
جَعْثَنَ: الأَزهري: الجِعْثِنُ أُرومة الشَّجَرِ بِمَا عَلَيْهَا مِنَ الأَغصان إِذَا قُطِعَتْ. ابْنُ سِيدَهْ: الجِعْثِنةُ أُرومة كُلُّ
__________
(1) . قوله [والمجرين] هكذا في الأَصل بدون ضبط(13/88)
شَجَرَةٍ تَبقى عَلَى الشِّتَاءِ، وَالْجَمْعُ جِعْثِن؛ قَالَ:
تَقْفِزُ بِي الجِعْثِنَ، يَا ... مُرَّةُ زِدْها قَعْبا
. وَيُرْوَى: تُقَفِّز الجِعْثِنَ بِي، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ لِلْوَاحِدِ جِعْثِنٌ، وَالْجَمْعُ الجَعاثِن. قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الجِعْثِنُ أَصل كُلِّ شَجَرَةٍ إِلَّا شَجَرَةً لَهَا خَشَبَةٌ؛ وأَنشد:
تَرى الجِعْثنَ العامِيَّ تُذْري أُصولَه ... مَناسِمُ أَخْفافِ المَطِيِّ الرَّواتِكِ
. الأَزهري: كُلُّ شَجَرَةٍ تَبْقَى أُرومتُها فِي الشِّتَاءِ مِنْ عِظام الشَّجَرِ وَصِغَارِهَا فَلَهَا جِعْثِنٌ فِي الأَرض، وبعد ما يُنزَع فَهُوَ جِعْثن حَتَّى يُقَالَ لأُصول الشَّوْكِ جِعْثن. وَفَرَسٌ مُجَعْثَنُ الخَلْق: شبِّه بأَصل الشَّجَرَةِ فِي كِدْنتِه وغلَظه؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ فِي مَعْنَاهُ:
كانَ لَنا، وَهُوَ فَلُوٌّ نَرْبُبُهْ، ... مُجَعْثَنُ الخَلْق يَطيرُ زَغَبُهْ
. وَرَجُلٌ جِعْثِنةٌ: جَبان ثَقِيلٌ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
فَيَا فَتًى مَا قَتَلْتُمْ غيرَ جِعْثِنةٍ، ... وَلَا عَنِيفٍ بِكَرِّ الْخَيْلِ فِي الْوَادِي
. والجِعْثِمُ والجِعْثِنُ، بِالْكَسْرِ: أُصولُ الصِّلِّيان؛ وأَنشد لِلطِّرِمَّاحِ فَقَالَ:
أَو كمَجْلوحِ جِعْثنٍ بلَّهُ القطرُ، ... فأَضحى مُوَدِّسَ الأَعراضِ
. وَفِي حَدِيثِ
طَهْفةَ: ويَبِسَ الجِعْثنُ
؛ هُوَ أَصلُ النَّبَاتِ، وَقِيلَ: أَصل الصِّلِّيان خَاصَّةً، وَقَالَ أَبو زِيَادٍ: الجِعْثِنةُ أَصلُ كلِّ شَجَرَةٍ قَدْ ذَهبَتْ سِوَى العِضاهِ، وأَنشد بَيْتَ الطِّرِمَّاحِ. وتَجَعْثنَ الرجلُ إِذَا تَجَمَّعَ وتقَبَّضَ. وَيُقَالُ لأَرُومة الصِّلِّيان: جِعْثِنةٌ؛ قَالَ الطِّرِمَّاحُ:
ومَوْضع مَشْكوكين أَلقَتْهما مَعًا، ... كوَطْأَة ظَبْيِ القُفِّ بَيْنَ الجَعاثِن
. وجِعْثِنة: شَاعِرٌ مَعْرُوفٌ. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: هُوَ جِعْثِنة بْنُ جَوَّاسٍ الرِّبْعي. الأَزهري: جِعْثِن مِنْ أَسماء النِّسَاءِ، وعَيَّنه الْجَوْهَرِيُّ فَقَالَ: جعثْن أُختُ الفرزدق.
جَعْفَلَنْ: الجَعْفَلين: أُسْقُفُّ النَّصَارَى وكبيرُهم.
جَفَنَ: الجَفْنُ: جَفْنُ العَين، وَفِي الْمُحْكَمِ: الجَفْنُ غطاءُ الْعَيْنِ مِنْ أَعلى وأَسفل، وَالْجَمْعُ أَجْفُنٌ وأَجفان وجُفونٌ. والجَفْنُ: غِمْدُ السَّيْفِ. وجَفْنُ السَّيْفِ: غِمده؛ وَقَوْلُ حُذَيْفَةَ بْنِ أَنس الْهُذَلِيِّ:
نَجا سالمٌ، والنفسُ مِنْهُ بشِدْقِه، ... وَلَمْ يَنْجُ إِلَّا جَفْنَ سيفٍ ومِئْزَرا
. نصبَ جَفْنَ سَيْفٍ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ كأَنه قَالَ نَجَا وَلَمْ يَنْجُ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي أَنه أَراد ولم يَنْجُ إِلَّا بِجَفْنِ سَيْفٍ، ثُمَّ حذَف وأَوْصَل، وَقَدْ حُكِيَ بِالْكَسْرِ؛ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: وَلَا أَدري مَا صحتُه، وَفِي حَدِيثِ الْخَوَارِجِ:
سُلُّوا سُيُوفَكُمْ مِنْ جُفونها
؛ قَالَ: جفونُ السُّيُوفِ أَغمادُها، وَاحِدُهَا جَفْنٌ، وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ. والجَفْنة: مَعْرُوفَةٌ، أَعظمُ مَا يكونُ مِنَ القِصاع، وَالْجَمْعُ جِفانٌ وجِفَنٌ؛ عَنْ سِيبَوَيْهِ، كهَضْبةٍ وهِضَب، وَالْعَدَدُ جفَنات، بِالتَّحْرِيكِ، لأَن ثانيَ فَعْلةٍ يُحَرَّك فِي الْجَمْعِ إِذَا كَانَ اسْمًا، إِلَّا أَن يَكُونَ يَاءً أَو وَاوًا فيُسَكَّنُ حِينَئِذٍ. وَفِي الصِّحَاحِ: الجَفْنة كالقَصْعة. وجَفَنَ الجَزورَ: اتَّخَذَ مِنْهَا طَعَامًا. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنه انكسَرتْ قلوصٌ مِنْ نَعَمِ الصَّدَقة فجَفَنها
، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ لأَنه يمْلأُ مِنْهَا الجِفانَ، وَقِيلَ: مَعْنَى جَفَنَها أَي نَحرَها وطبَخَها وَاتَّخَذَ مِنْهَا(13/89)
طَعَامًا وَجَعَلَ لَحمها فِي الْجِفَانِ وَدَعَا عَلَيْهَا الناسَ حَتَّى أَكلوها. والجَفْنة: ضرْبٌ مِنَ الْعِنَبِ. والجَفْنة: الكَرْم، وَقِيلَ: الأَصلُ مِنْ أُصول الكَرْم، وَقِيلَ: قَضِيبٌ مِنْ قُضْبانه، وَقِيلَ: ورَقُه، وَالْجَمْعُ مِنْ ذَلِكَ جَفْنٌ؛ قَالَ الأَخطل يَصِفُ خَابِيَةَ خَمْرٍ:
آلَتْ إِلَى النِّصْفِ مِنْ كَلْفاءَ أَتْأَقها عِلْجٌ، ... وكتَّمَها بالجَفْنِ وَالْغَارِ
. وَقِيلَ: الجَفْن اسمٌ مُفْرَدٌ، وَهُوَ أَصل الكَرْم، وَقِيلَ: الجَفْن نَفْسُ الْكَرْمِ بِلُغَةِ أَهل الْيَمَنِ، وَفِي الصِّحَاحِ: قُضْبان الكَرْم؛ وَقَوْلُ النَّمِرِ بْنِ تَوْلَبٍ:
سُقَيَّةُ بَيْنَ أَنْهارٍ عِذابٍ، ... وزَرْعٍ نابِتٍ وكُرومِ جَفْنِ
. أَراد: وجَفْنِ كرومٍ، فقَلَب. والجَفْنُ «1» . هاهنا: الكَرْمُ وأَضافه إِلَى نَفْسِهِ. وجَفن الكرمُ وتَجَفَّن: صَارَ لَهُ أَصلٌ. ابْنُ الأَعرابي: الجَفْنُ قِشْرُ الْعِنَبِ الَّذِي فِيهِ الْمَاءُ، وَيُسَمَّى الْخَمْرُ ماءَ الجَفْنِ، والسحابُ جَفْنَ الْمَاءِ؛ وَقَالَ الشَّاعِرُ يَصِفُ ريقَ امرأَةٍ وشبَّهه بِالْخَمْرِ:
تُحْسي الضجيعَ ماءَ جفْنٍ شابَه، ... صَبيحةَ البارِقِ، مَثْلوج ثَلِج
. قَالَ الأَزهري: أَراد بِمَاءِ الجَفْنِ الخمرَ. والجَفْنُ: أَصلُ العنبِ شيبَ أَي مُزِجَ بماءٍ باردٍ. ابْنُ الأَعرابي: الجَفْنةُ الكَرْمة، والجَفْنةُ الخمرةُ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: لُبُّ الخُبْزِ مَا بَيْنَ جَفْنَيه. وجَفْنا الرغيفِ: وَجْهاه مِنْ فَوْقُ وَمِنْ تَحْتُ. والجَفْنُ: شجرٌ طَيِّبُ الرِّيحِ؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ، وَبِهِ فَسَّرَ بَيْتَ الأَخطل الْمُتَقَدِّمَ. قَالَ: وَهَذَا الجَفْنُ غَيْرُ الجَفْنِ مِنَ الكَرْمِ، ذَلِكَ مَا ارْتَقى مِنَ الحَبَلة فِي الشَّجَرَةِ فسُمِّيت الجَفْنَ لتجفُّنِه فِيهَا، والجَفْنُ أَيضاً مِنَ الأَحرارِ: نبْتةٌ تَنْبُتُ مُتَسَطِّحة، وَإِذَا يَبِسَتْ تقبَّضَت وَاجْتَمَعَتْ، وَلَهَا حبٌّ كأَنه الحُلْبَة، وأَكثر مَنْبِتها الإِكامُ، وَهِيَ تَبْقَى سِنين يَابِسَةً، وأَكثرُ راعيتِها الحُمُر والمِعْزَى، قَالَ: وَقَالَ بَعْضُ الأَعراب: هِيَ صُلْبة صَغِيرَةٌ مِثْلُ العَيْشوم، وَلَهَا عِيدانٌ صِلابٌ رِقاقٌ قِصار، وورقُها أَخضر أَغْبَرُ، ونَباتُها فِي غَلْظِ الأَرض، وَهِيَ أَسْرَعُ البَقْلِ نَبَاتًا إِذَا مُطِرَتْ وأَسرعُها هَيْجاً. وجَفَنَ نفسَه عَنِ الشَّيْءِ: ظَلَفَها؛ قَالَ:
وَفَّرَ مالَ اللهِ فِينَا، وجَفَنْ ... نفْساً عَنِ الدُّنيا، وَلِلدُّنْيَا زِيَنْ
. قَالَ الأَصمعي: الجَفْنُ ظَلْفُ النَّفْسِ عَنِ الشَّيْءِ الدَّنِيءِ. يُقَالُ: جَفَنَ الرجلُ نفسَه عَنْ كَذَا جَفْناً ظَلَفَها ومَنَعَها. وَقَالَ أَبو سَعِيدٍ: لَا أَعرف الجَفْنَ بِمَعْنَى ظَلْفِ النَّفْسِ. والتَّجْفينُ: كثرةُ الْجِمَاعِ. قَالَ: وَقَالَ أَعرابي: أَضْواني دوامُ التجفينِ. وأَجْفَنَ إِذَا أَكْثَر الجماعَ؛ وأَنشد أَحمد البُسْتيّ:
يَا رُبَّ شَيخ فِيهِمْ عِنِّينْ ... عَنِ الطِّعانِ وَعَنِ التَّجفينْ
. قَالَ أَحمد فِي قَوْلِهِ وَعَنِ التَّجْفين: هو الجِفانُ الَّتِي يُطْعَمُ فِيهَا. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: والتَّجْفين فِي هَذَا الْبَيْتِ مِنَ الجِفانِ والإِطعام فِيهَا خطأٌ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، إِنَّمَا التَّجفينُ هاهنا كثرةُ الْجِمَاعِ، قَالَ: رَوَاهُ أَبو الْعَبَّاسِ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. والجَفْنةُ: الرجلُ الْكَرِيمُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه قِيلَ لَهُ أَنت كَذَا وأَنتَ كَذَا وأَنت الجَفْنَةُ الغَرّاء
؛ كَانَتِ العربُ تَدْعُو السيدَ المِطْعامَ جَفْنةً لأَنه يضَعُها ويُطْعِم
__________
(1) . قوله [والجفن] لعله أو الجفن(13/90)
الناسَ فِيهَا، فسُمِّيَ بِاسْمِهَا، والغَرّاء: الْبَيْضَاءُ أَي أَنها مَمْلُوءةٌ بِالشَّحْمِ والدُّهْن. وَفِي حَدِيثِ
أَبي قَتَادَةَ: نادِيا جَفْنَةَ الرَّكْبِ
أَي الَّذِي يُطْعِمُهم ويُشْبِعُهم، وَقِيلَ: أَراد يَا صاحِبَ جَفْنةِ الرَّكْبِ فَحَذَفَ المضافَ للعِلْم بأَن الجَفْنةَ لَا تُنادى وَلَا تُجيبُ. وجَفْنةُ: قبيلةٌ مِنَ الأَزْد، وَفِي الصِّحَاحِ: قبيلةٌ من اليمن. وآلُ جَفْنةَ: مُلوكٌ مِنْ أَهل الْيَمَنِ كَانُوا اسْتَوْطَنُوا الشأْم؛ وَفِيهِمْ يَقُولُ حَسَّان بْنُ ثَابِتٍ:
أَوْلادِ جَفْنةَ حولَ قبْرِ أَبِيهمُ، ... قَبْر ابْنِ مارِيةَ الكَريمِ المِفْضَل
. وأَراد بِقَوْلِهِ عِنْدَ قَبْرِ أَبيهم أَنهم فِي مَسَاكِنَ آبَائِهِمْ ورِباعِهم الَّتِي كَانُوا ورِثُوها عَنْهُمْ. وجُفَيْنةُ: اسمُ خَمَّارٍ. وَفِي الْمَثَلِ: عِنْدَ جُفَيْنةَ الخبرُ الْيَقِينُ؛ كَذَا رَوَاهُ أَبو عُبَيْدٍ وَابْنُ السِّكِّيتِ. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: وَلَا تقُل جُهَيْنة، وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الأَمثال: هَذَا قَوْلُ الأَصمعي، وأَما هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَلْبِيُّ فإِنه أَخبر أَنه جُهَيْنة؛ وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهِ: أَن حُصَيْنَ بنَ عَمْرِو بنِ مُعاوية بْنِ عَمْرِو بْنِ كِلَابٍ خَرَجَ وَمَعَهُ رجلٌ مِنْ جُهَيْنةَ يُقَالُ لَهُ الأَخْنَسُ، فنزَلا مَنْزِلًا، فَقَامَ الجُهَنِيُّ إِلَى الكلابيِّ وَكَانَا فاتِكَيْنِ فقَتله وأَخذ مالَه، وَكَانَتْ صخرةُ بنتُ عمرِو بنِ مُعَاوِيَةَ تَبْكِيه فِي المَواسِم، فَقَالَ الأَخْنس:
كصَخْرةَ إِذْ تُسائل فِي مِرَاحٍ ... وَفِي جَرْمٍ، وعِلْمُهما ظُنونُ
«1» . تُسائلُ عَنْ حُصَيْنٍ كلَّ ركْبٍ، ... وَعِنْدَ جُهَيْنةَ الخبرُ اليَقينُ
. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: رَوَاهُ أَبو سَهْلٍ عَنْ خَصِيلٍ، وَكَانَ ابنُ الْكَلْبِيِّ بِهَذَا النَّوْعِ مِنَ الْعِلْمِ أَكبرَ مِنَ الأَصمعي؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صخرةُ أُخْتُه، قَالَ: وَهِيَ صُخَيرة بِالتَّصْغِيرِ أَكثرُ، وَمَرَاحٌ: حَيٌّ مِنْ قُضَاعَةَ، وَكَانَ أَبو عُبَيْدٍ يَرْوِيهِ حُفَيْنة، بِالْحَاءِ غَيْرَ مُعْجَمَةٍ؛ قَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: لَيْسَ أَحد مِنَ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ وَعِنْدَ حُفَيْنة بِالْحَاءِ إِلَّا أَبو عُبَيْدٍ، وسائرُ النَّاسِ يَقُولُ جُفَيْنة وجُهَيْنة، قَالَ: والأَكثرُ عَلَى جُفَيْنة؛ قَالَ: وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ
جُفَيْنة فِيمَا حدَّث بِهِ أَبو عُمَرَ الزَّاهِدُ عَنْ ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي قَالَ: كَانَ يهوديٌّ مِنْ أَهل تَيْماءَ خمَّار يُقَالُ لَهُ جُفَيْنة جارَ النبيِّ ضرَبَه ابنُ مُرَّة، وَكَانَ لبني سَهْمٍ جارٌ يهوديٌّ خمَّار أَيضاً يُقَالُ لَهُ غُصَين، وَكَانَ رجلٌ غَطَفانيٌّ أَتى جُفَيْنة فشَرِبَ عِنْدَهُ فنازَعه أَو نَازَعَ رَجُلًا عِنْدَهُ فقتلَه وخَفِيَ أَمرُه، وَكَانَتْ لَهُ أُختٌ تسأَل عَنْهُ فَمَرَّتْ يَوْمًا عَلَى غُصَيْن وَعِنْدَهُ أَخوها، وَهُوَ أَخو الْمَقْتُولِ، فسأَلته عَنْ أَخيها عَلَى عَادَتِهَا، فَقَالَ غُصَين:
تُسائل عَنْ أَخيها كلَّ رَكْب، ... وَعِنْدَ جُفينةَ الخبرُ اليقينُ
. فَلَمَّا سَمِعَ أَخوها وَكَانَ غُصَيْنٌ لَا يدْرِي أَنه أَخوها ذَهَبَ إِلى جُفَيْنة فسأَله عَنْهُ فناكَره فقَتله، ثُمَّ إِنَّ بَنِي صِرْمة شَدُّوا عَلَى غُصَين فَقَتَلُوهُ لأَنه كَانَ سببَ قَتْل جُفَينة، وَمَضَى قومُه إِلَى حُصين بْنِ الحُمام فشَكَوْا إِلَيْهِ ذَلِكَ فَقَالَ: قَتَلْتُمْ يهوديَّنا وجارَنا فَقَتْلَنَا يهوديَّكم وجارَكم، فأَبَوْا وَوَقَعَ بَيْنَهُمْ قتالٌ شَدِيدٌ.
والجَفْنُ: اسمُ موضعٍ.
جَلَنَ: التَّهْذِيبُ: اللَّيْثُ جَلَنْ حكايةُ صوتِ بابٍ ذِي مِصْراعَيْن، فيُرَدُّ أَحدهما فَيَقُولُ جَلَنْ، ويُرَدُّ الآخرُ فَيَقُولُ بَلَقْ؛ وأَنشد:
فتَسْمَع فِي الحالَيْن مِنْهُ جَلَنْ بَلَقْ.
__________
(1) . قوله [وفي جرم] كذا في النسخ، والذي في الميداني: وأنمار بدل وفي جرم(13/91)
وَقَدْ تَرْجَمَ عَلَيْهِ فِي حرف القاف جلنبلق.
جمن: الجُمانُ: هَنَواتٌ تُتَّخَذُ عَلَى أَشكال اللُّؤْلُؤِ مِنْ فضَّة، فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ، وَاحِدَتُهُ جُمانة؛ وتوهَّمَه لبيدٌ لُؤلُؤَ الصدفِ البَحْرِيِّ فَقَالَ يَصِفُ بَقَرَةً:
وتُضِيء فِي وَجْهِ الظَّلامِ، مُنِيرةً، ... كجُمانةِ البَحْريِّ سُلَّ نِظامُها
. الْجَوْهَرِيُّ: الجُمانةُ حَبَّةٌ تُعْمَل مِنَ الفِضّة كالدُّرّة؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَبِهِ سُمِّيَتِ المرأَة، وَرُبَّمَا سُمِّيَتِ الدُّرّة جُمانةً. وَفِي
صِفَتِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَتَحَدَّرُ مِنْهُ العَرَقُ مِثْل الجُمان،
قَالَ: هُوَ اللؤلؤُ الصِّغارُ، وَقِيلَ: حَبٌّ يُتَّخذ مِنِ الْفِضَّةِ أَمثال اللُّؤْلُؤِ. وَفِي حَدِيثِ
الْمَسِيحِ، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: إِذَا رفَع رأْسَه تحدَّر مِنْهُ جُمانُ اللُّؤْلُؤِ.
والجُمانُ: سَفيفةٌ مِنْ أَدَمٍ يُنْسَج فِيهَا الخَرَزُ مِنْ كُلِّ لَوْنٍ تَتَوَشَّحُ بِهِ المرأَة؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
أَسِيلة مُسْتَنِّ الدُّموعِ، وَمَا جَرَى ... عَلَيْهِ الجُمانُ الجائلُ المُتَوَشَّحُ
. وَقِيلَ: الجُمانُ خَرز يُبَيَّضُ بِمَاءِ الْفِضَّةِ. وجُمانٌ: اسمُ جملِ الْعَجَّاجِ؛ قَالَ:
أَمْسَى جُمانٌ كالرَّهينِ مُضْرعا
والجُمُن: اسْمُ جَبَلٍ؛ قَالَ تَمِيمُ بْنُ مُقْبِل:
فَقُلْتُ لِلْقَوْمِ قَدْ زالَتْ حَمائلُهم ... فَرْجَ الحَزِيزِ مِنَ القَرْعاءِ فالجُمُن «2» .
جنن: جَنَّ الشيءَ يَجُنُّه جَنّاً: سَتَره. وكلُّ شَيْءٍ سُتر عَنْكَ فَقَدْ جُنَّ عَنْكَ. وجَنَّه الليلُ يَجُنُّه جَنّاً وجُنوناً وجَنَّ عَلَيْهِ يَجُنُّ، بِالضَّمِّ، جُنوناً وأَجَنَّه: سَتَره؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شاهدُ جَنَّه قَوْلُ الْهُذَلِيِّ:
وَمَاءٍ ورَدْتُ عَلَى جِفْنِه، ... وَقَدْ جَنَّه السَّدَفُ الأَدْهَمُ
وَفِي الْحَدِيثِ:
جَنَّ عَلَيْهِ الليلُ
أَي ستَره، وَبِهِ سُمِّيَ الجِنُّ لاسْتِتارِهم واخْتِفائهم عَنِ الأَبصار، وَمِنْهُ سُمِّيَ الجَنينُ لاسْتِتارِه فِي بطنِ أُمِّه. وجِنُّ اللَّيْلِ وجُنونُه وجَنانُه: شدَّةُ ظُلْمتِه وادْلِهْمامُه، وَقِيلَ: اختلاطُ ظلامِه لأَن ذَلِكَ كلَّه ساترٌ؛ قَالَ الْهُذَلِيُّ:
حَتَّى يَجيء، وجِنُّ اللَّيْلُ يُوغِلُه، ... والشَّوْكُ فِي وَضَحِ الرِّجْلَيْن مَرْكوزُ
. وَيُرْوَى: وجُنْحُ اللَّيْلِ؛ وَقَالَ دُرَيْدُ بْنُ الصِمَّة بْنِ دَنْيَانَ «3» وَقِيلَ هُوَ لِخُفافِ بْنِ نُدْبة:
وَلَوْلَا جَنانُ الليلِ أَدْرَكَ خَيْلُنا، ... بِذِي الرِّمْثِ والأَرْطَى، عياضَ بنَ نَاشِبِ
فَتَكْنا بعبدِ اللهِ خَيْرِ لِداتِه، ... ذِئاب بْنَ أَسْماءَ بنِ بَدْرِ بْنِ قارِب
. وَيُرْوَى: وَلَوْلَا جُنونُ اللَّيْلِ أَي مَا سَتَر مِنْ ظُلْمَتِهِ. وعياضُ بْنُ جَبَل: مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْدٍ. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: عِيَاضُ بْنُ نَاشِبٍ فَزَارِيٌّ، وَيُرْوَى: أَدرَك رَكْضُنا؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِثْلُهُ لسَلامة بْنِ جَنْدَلٍ:
وَلَوْلَا جَنانُ الليلِ مَا آبَ عامرٌ ... إِلى جَعْفَرٍ، سِرْبالُه لَمْ تُمَزَّقِ
. وَحُكِيَ عَنْ ثَعْلَبٍ: الجَنانُ الليلُ. الزَّجَّاجُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً
؛ يُقَالُ جَنَّ عَلَيْهِ الليلُ وأَجَنَّه الليلُ إِذَا أَظلم حَتَّى يَسْتُرَه بظُلْمته. وَيُقَالُ لِكُلِّ مَا سَتر: جنَّ وأَجنَّ. وَيُقَالُ: جنَّه الليلُ، والاختيارُ جَنَّ عَلَيْهِ الليلُ
__________
(2) . قوله [من القرعاء] كذا في النسخ، والذي في معجم ياقوت: إلى القرعاء
(3) . قوله [دنيان] كذا في النسخ.(13/92)
وأَجَنَّه اللَّيْلُ: قَالَ ذَلِكَ أَبو إِسْحَاقَ. واسْتَجَنَّ فلانٌ إِذَا استَتَر بِشَيْءٍ. وجَنَّ المَيّتَ جَنّاً وأَجَنَّه: ستَره؛ قَالَ وَقَوْلُ الأَعشى:
وَلَا شَمْطاءَ لَمْ يَتْرُك شَفاها ... لَهَا مِنْ تِسْعةٍ، إِلّا جَنينا
. فَسَّرَهُ ابْنُ دُرَيْدٍ فَقَالَ: يَعْنِي مَدْفوناً أَي قَدْ مَاتُوا كُلُّهُمْ فَجُنُّوا. والجَنَنُ، بِالْفَتْحِ: هُوَ القبرُ لسَتْرِه الْمَيِّتَ. والجَنَنُ أَيضاً: الكفَنُ لِذَلِكَ. وأَجَنَّه: كفَّنَه؛ قَالَ:
مَا إنْ أُبالي، إِذَا مَا مُتُّ، مَا فعَلوا: ... أَأَحسنوا جَنَني أَم لَمْ يُجِنُّوني؟
أَبو عُبَيْدَةَ: جَنَنْتُه فِي الْقَبْرِ وأَجْنَنْتُه أَي وارَيتُه، وَقَدْ أَجنَّه إِذَا قبَره؛ قَالَ الأَعشى:
وهالِك أَهلٍ يُجِنُّونَه، ... كآخَرَ فِي أَهْلِه لَمْ يُجَنُ
. والجَنينُ: المقبورُ. وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: والجَنَنُ الْمَيِّتُ؛ قَالَ كُثَيّر:
وَيَا حَبَّذا الموتُ الكريهُ لِحُبِّها ... وَيَا حَبَّذا العيْشُ المُجمّلُ والجَنَنْ
قَالَ ابن بري: الجَنَنُ هاهنا يُحْتَمَلُ أَن يُرَادَ بِهِ الميتُ والقبرُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
وَليَ دَفْنَ سَيّدِنا رسولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإِجْنانَه عليٌّ والعباسُ،
أَي دَفْنه وسَتْرَه. وَيُقَالُ لِلْقَبْرِ الجَنَنُ، وَيُجْمَعُ عَلَى أَجْنانٍ؛ وَمِنْهُ حَدِيثِ
عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: جُعِل لَهُمْ مِنَ الصَّفِيحِ أَجْنانٌ.
والجَنانُ، بِالْفَتْحِ: القَلْبُ لاستِتاره فِي الصَّدْرِ، وَقِيلَ: لِوَعْيه الأَشْياء وجَمْعِه لَهَا، وَقِيلَ: الجَنانُ رُوعُ الْقَلْبِ، وَذَلِكَ أَذْهَبُ فِي الخَفاءِ، وَرُبَّمَا سُمِّيَ الرُّوحُ جَناناً لأَن الْجِسْمَ يُجِنُّه. وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: سُمِّيَتِ الرُّوح جَناناً لأَن الْجِسْمَ يُجِنُّها فأَنَّث الرُّوحَ، وَالْجَمْعُ أَجْنانٌ؛ عَنِ ابْنِ جِنِّي. وَيُقَالُ: مَا يستقرُّ جَنانُه مِنَ الفزَعِ. وأَجَنَّ عَنْهُ واسْتَجَنَّ: استَتَر. قَالَ شَمِرٌ: وَسُمِّيَ القلبُ جَناناً لأَن الصدْرَ أَجَنَّه؛ وأَنشد لِعَدِيّ:
كلُّ حَيٍّ تَقودُه كفُّ هادٍ ... جِنَّ عينٍ تُعْشِيه مَا هُوَ لاقي
. الهادي هاهنا: القَدَرُ. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: جِنَّ عينٍ أَي مَا جُنَّ عَنِ الْعَيْنِ فَلَمْ تَرَه، يَقُولُ: المَنيَّةُ مستورةٌ عَنْهُ حَتَّى يَقَعَ فِيهَا؛ قَالَ الأَزهري: الْهَادِي القَدَرُ هاهنا جَعَلَهُ هَادِيًا لأَنه تَقَدَّمَ المنيَّة وسبَقها، ونصبَ جِنَّ عينٍ بِفِعْلِهِ أَوْقَعَه عَلَيْهِ؛ وأَنشد:
وَلَا جِنَّ بالبَغْضاءِ والنَّظَرِ الشَّزْرِ «1»
. وَيُرْوَى: وَلَا جَنَّ، مَعْنَاهُمَا وَلَا سَتْر. وَالْهَادِي: الْمُتَقَدِّمُ، أَراد أَن القَدَر سابقُ المنيَّةِ المقدَّرة؛ وأَما قَوْلُ مُوسَى بْنُ جَابِرٍ الحَنفيّ:
فَمَا نَفَرتْ جِنِّي وَلَا فُلَّ مِبْرَدي، ... وَلَا أَصْبَحَتْ طَيْري مِنَ الخَوْفِ وُقَّعا
. فَإِنَّهُ أَراد بالجِنّ القَلْبَ، وبالمِبْرَدِ اللسانَ. والجَنينُ: الولدُ مَا دَامَ فِي بَطْنِ أُمّه لاسْتِتاره فِيهِ، وجمعُه أَجِنَّةٌ وأَجْنُنٌ، بِإِظْهَارِ التَّضْعِيفِ، وَقَدْ جَنَّ الجنينُ فِي الرَّحِمِ يَجِنُّ جَنّاً وأَجَنَّتْه الحاملُ؛ وَقَوْلُ الْفَرَزْدَقِ:
إِذَا غابَ نَصْرانِيُّه فِي جَنِينِها، ... أَهَلَّتْ بحَجٍّ فَوْقَ ظهْر العُجارِم
. عَنَى بِذَلِكَ رَحِمَها لأَنها مُسْتَتِرة، وَيُرْوَى: إِذَا غَابَ نَصْرانيه فِي جَنِيفِهَا، يَعْنِي بالنَّصْرانيّ، ذكَر
__________
(1) . قوله [ولا جن إلخ] صدره كما في تكملة الصاغاني: تحدثني عيناك ما القلب كاتم(13/93)
الْفَاعِلِ لَهَا مِنَ النَّصَارَى، وبجَنِيفِها: حِرَها، وَإِنَّمَا جَعَلَهُ جَنيفاً لأَنه جزءٌ مِنْهَا، وَهِيَ جَنيفة، وَقَدْ أَجَنَّت المرأَة وَلَدًا؛ وَقَوْلُهُ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
وجَهَرتْ أَجِنَّةً لَمْ تُجْهَرِ
. يَعْنِي الأَمْواهَ المُنْدَفِنةَ، يَقُولُ: وردَت هَذِهِ الإِبلُ الماءَ فكسَحَتْه حَتَّى لَمْ تدعْ مِنْهُ شَيْئًا لِقِلَّتِه. يُقَالُ: جهَرَ البئرَ نزحَها. والمِجَنُّ: الوِشاحُ. والمِجَنُّ: التُّرْسُ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأُرى اللِّحْيَانِيَّ قَدْ حَكَى فِيهِ المِجَنَّة وَجَعَلَهُ سِيبَوَيْهِ فِعَلًّا، وَسَنَذْكُرُهُ، وَالْجَمْعُ المَجانُّ، بِالْفَتْحِ. وَفِي حَدِيثِ السَّرِقَةِ:
القَطْعُ فِي ثَمَنِ المِجَنِ
، هُوَ التُّرْسُ لأَنه يُواري حاملَه أَي يَسْتُره، وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ: وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، كرَّم اللَّهُ وجهَه: كَتَبَ إليَّ ابنُ عباسٍ قلَبْتَ لابنِ عَمِّكَ ظَهْرَ المِجَنِ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَذِهِ كَلِمَةٌ تُضْرَب مَثَلًا لِمَنْ كَانَ لِصَاحِبِهِ عَلَى مودَّة أَو رعايةٍ ثُمَّ حالَ عَنْ ذَلِكَ. ابْنُ سِيدَهْ: وقَلَبْ فلانٌ مِجَنَّة أَي أَسقَط الحياءَ وفعَل مَا شاءَ. وقلَبَ أَيضاً مِجَنَّة: ملَك أَمرَه واستبدَّ بِهِ؛ قَالَ الْفَرَزْدَقُ:
كَيْفَ تَرَانِي قالِباً مِجَنِّي؟ ... أَقْلِبُ أَمْري ظَهْرَه للبَطْنِ
. وَفِي حَدِيثِ أَشراطِ الساعةِ:
وُجوهُهم كالمَجانِّ المُطْرَقة
، يَعْنِي التُّرْكَ. والجُنَّةُ، بِالضَّمِّ: مَا واراكَ مِنَ السِّلاح واسْتَتَرْتَ بِهِ مِنْهُ. والجُنَّةُ: السُّتْرة، وَالْجَمْعُ الجُنَنُ. يُقَالُ: اسْتَجَنَّ بجُنَّة أَي اسْتَتَر بسُتْرة، وَقِيلَ: كلُّ مستورٍ جَنِينٌ، حَتَّى إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ حِقْدٌ جَنينٌ وضِغْنٌ جَنينٌ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
يُزَمِّلونَ جَنِينَ الضِّغْن بينهمُ، ... والضِّغْنُ أَسْوَدُ، أَو فِي وجْهِه كَلَفُ
يُزَمِّلون: يَسْتُرون ويُخْفُون، والجَنينُ: المَسْتُورُ فِي نُفُوسِهِمْ، يَقُولُ: فَهُمْ يَجْتَهِدون فِي سَتْرِه وَلَيْسَ يَسْتَتِرُ، وَقَوْلُهُ الضِّغْنُ أَسْوَدُ، يَقُولُ: هُوَ بيِّنٌ ظاهرٌ فِي وُجُوهِهِمْ. وَيُقَالُ: مَا عليَّ جَنَنٌ إِلَّا مَا تَرى أَي مَا عليَّ شيءٌ يُواريني، وَفِي الصِّحَاحِ: مَا عليَّ جَنانٌ إِلَّا مَا تَرى أَي ثوبٌ يُوارِيني. والاجْتِنان؛ الاسْتِتار. والمَجَنَّة: الموضعُ الَّذِي يُسْتَتر فِيهِ. شَمِرٌ: الجَنانُ الأَمر الْخَفِيُّ؛ وأَنشد:
اللهُ يَعْلَمُ أَصحابي وقولَهمُ ... إِذْ يَرْكَبون جَناناً مُسْهَباً وَرِبا
. أَي يَرْكبون أَمْراً مُلْتَبِساً فَاسِدًا. وأَجْنَنْتُ الشَّيْءَ فِي صَدْرِي أَي أَكْنَنْتُه. وَفِي الْحَدِيثِ:
تُجِنُّ بَنانَه
أَي تُغَطِّيه وتَسْتُره. والجُّنَّةُ: الدِّرْعُ، وَكُلُّ مَا وَقاك جُنَّةٌ. والجُنَّةُ: خِرْقةٌ تَلْبسها المرأَة فتغطِّي رأْسَها مَا قبَلَ مِنْهُ وَمَا دَبَرَ غيرَ وسَطِه، وتغطِّي الوَجْهَ وحَلْيَ الصَّدْرِ، وَفِيهَا عَيْنانِ مَجُوبتانِ مِثْلَ عيْنَي البُرْقُع. وَفِي الْحَدِيثِ:
الصومُ جُنَّةٌ
أَي يَقي صاحبَه مَا يؤذِيه مِنَ الشَّهَوَاتِ. والجُنَّةُ: الوِقايةُ. وَفِي الْحَدِيثِ
الإِمامُ جُنَّةٌ
، لأَنه يَقِي المأْمومَ الزَّلَلَ والسَّهْوَ. وَفِي حَدِيثِ الصَّدَقَةِ:
كمِثْل رجُلين عَلَيْهِمَا جُنَّتانِ مِنْ حديدٍ
أَي وِقايَتانِ، وَيُرْوَى بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، تَثْنِية جُبَّةِ اللِّبَاسِ. وجِنُّ النَّاسِ وجَنانُهم: مُعْظمُهم لأَن الداخلَ فِيهِمْ يَسْتَتِر بِهِمْ؛ قَالَ ابْنُ أَحمر:
جَنانُ المُسْلِمين أَوَدُّ مَسّاً ... وَلَوْ جاوَرْت أَسْلَمَ أَو غِفارا
. وَرَوِيَ:
وَإِنْ لاقَيْت أَسْلَم أَو غِفَارَا.(13/94)
قَالَ الرِّياشي فِي مَعْنَى بَيْتِ ابْنِ أَحمر: قَوْلُهُ أَوَدُّ مَسّاً أَي أَسهل لَكَ، يَقُولُ: إِذَا نَزَلْتَ الْمَدِينَةَ فَهُوَ خيرٌ لَكَ مِنْ جِوار أَقارِبك، وَقَدْ أَورد بَعْضُهُمْ هَذَا الْبَيْتَ شَاهِدًا للجَنان السِّتْر؛ ابْنُ الأَعرابي: جَنانُهم جماعتُهم وسَوادُهم، وجَنانُ النَّاسِ دَهْماؤُهم؛ أَبو عَمْرٍو: جَنانُهم مَا سَتَرك مِنْ شَيْءٍ، يَقُولُ: أَكون بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ خيرٌ لِي، قَالَ: وأَسْلَمُ وَغِفَارُ خيرُ النَّاسِ جِواراً؛ وَقَالَ الرَّاعِي يَصِفُ العَيْرَ:
وهابَ جَنان مَسْحورٍ تردَّى ... بِهِ الحَلْفاء، وأْتَزَر ائْتِزارا
. قَالَ: جَنَانُهُ عَيْنُهُ وَمَا وَارَاهُ. والجِنُّ: ولدُ الْجَانِّ. ابْنُ سِيدَهْ: الجِنُّ نوعٌ مِنَ العالَم سمُّوا بِذَلِكَ لاجْتِنانِهم عَنِ الأَبصار ولأَنهم اسْتَجَنُّوا مِنَ النَّاسِ فَلَا يُرَوْن، وَالْجَمْعُ جِنانٌ، وَهُمُ الجِنَّة. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ
؛ قَالُوا: الجِنَّةُ هاهنا الملائكةُ عِنْدَ قَوْمٍ مِنَ الْعَرَبِ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً
، قَالَ: يقال الجِنَّةُ هاهنا الْمَلَائِكَةُ، يَقُولُ: جَعَلُوا بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ خَلْقِه نَسَباً فَقَالُوا الملائكةُ بناتُ اللَّهِ، وَلَقَدْ عَلِمَت الجِنَّةُ أَن الَّذِينَ قَالُوا هَذَا القولَ مُحْضَرون فِي النَّارِ. والجِنِّيُّ: منسوبٌ إِلَى الجِنِّ أَو الجِنَّةِ. والجِنَّةُ: الجِنُّ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ*
؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: التأْويلُ عِنْدِي قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلهِ النَّاسِ مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ
، الَّذِي هُوَ مِنِ الجِن، وَالنَّاسِ مَعْطُوفٌ عَلَى الوَسْوَاس، الْمَعْنَى مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ وَمِنْ شَرِّ النَّاسِ. الْجَوْهَرِيُّ: الجِنُّ خِلَافُ الإِنسِ، وَالْوَاحِدُ جنِّيٌّ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لأَنها تَخْفَى وَلَا تُرَى. جُنَّ الرجلُ جُنوناً وأَجنَّه اللهُ، فَهُوَ مجنونٌ، وَلَا تَقُلْ مُجَنٌّ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
رأَت نِضْوَ أَسْفار أُمَيَّةُ شاحِباً، ... عَلَى نِضْوِ أَسْفارٍ، فَجُنَّ جُنونُها،
فَقَالَتْ: مِنَ أَيِّ الناسِ أَنتَ ومَن تَكُنْ؟ ... فإِنك مَوْلى أُسْرةٍ لَا يَدِينُها
وَقَالَ مُدرك بْنُ حُصين:
كأَنَّ سُهَيْلًا رامَها، وكأَنها ... حَليلةُ وخْمٍ جُنَّ مِنْهُ جُنونها
. وَقَوْلُهُ:
ويَحَكِ يَا جِنِّيَّ، هَلْ بَدا لكِ ... أَن تَرْجِعِي عَقْلي، فَقَدْ أَنَى لكِ؟
إِنما أَراد مَرْأَة كالجِنِّيَّة إمَّا فِي جِمَالِهَا، وَإِمَّا فِي تلَوُّنِها وابتِدالها؛ وَلَا تَكُونُ الجِنِّيَّة هُنَا مَنْسُوبَةً إِلَى الجِنِّ الَّذِي هُوَ خِلَافُ الإِنس حَقِيقَةً، لأَن هَذَا الشَّاعِرَ المتغزِّلَ بِهَا إنْسيٌّ، والإِنسيُّ لَا يَتعشَّقُ جنِّيَّة؛ وَقَوْلُ بَدْرِ بْنِ عَامِرٍ:
وَلَقَدْ نطَقْتُ قَوافِياً إنْسِيّةً، ... وَلَقَدْ نَطقْتُ قَوافِيَ التَّجْنينِ
. أَراد بالإِنْسِيَّة الَّتِي تَقُولُهَا الإِنْسُ، وأَراد بالتَّجْنينِ مَا تقولُه الجِنُّ؛ وَقَالَ السُّكَّرِيُّ: أَراد الغريبَ الوَحْشِيّ. اللَّيْثُ: الجِنَّةُ الجُنونُ أَيضاً. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: أَمْ بِهِ جِنَّةٌ
؛ والاسمُ والمصدرُ عَلَى صُورَةٍ وَاحِدَةٍ، وَيُقَالُ: بِهِ جِنَّةٌ وجنونٌ ومَجَنَّة؛ وأَنشد:
مِنَ الدَّارِميّينَ الَّذِينَ دِماؤُهم ... شِفاءٌ مِنَ الداءِ المَجَنَّة والخَبْل
. والجِنَّةُ: طائفُ الجِنِّ، وَقَدْ جُنَّ جَنّاً وجُنوناً واسْتُجِنَّ؛ قَالَ مُلَيح الهُذَليّ:(13/95)
فلمْ أَرَ مِثْلي يُسْتَجَنُّ صَبابةً، ... مِنَ البَيْن، أَو يَبْكي إِلَى غَيْرِ واصِلِ
. وتَجَنَّن عَلَيْهِ وتَجانَّ وتجانَنَ: أَرَى مِنْ نفسِه أَنه مجنونٌ. وأَجَنَّه اللَّهُ، فَهُوَ مَجْنُونٌ، عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَذَلِكَ لأَنهم يَقُولُونَ جُنَّ، فبُني المفعولُ مِنْ أَجنَّه اللَّهُ عَلَى هَذَا، وَقَالُوا: مَا أَجنَّه؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَقَعَ التعجبُ مِنْهُ بِمَا أَفْعَلَه، وَإِنْ كَانَ كالخُلُق لأَنه لَيْسَ بِلَوْنٍ فِي الْجَسَدِ وَلَا بِخِلْقة فِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ نقْصان الْعَقْلِ. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: جُنَّ الرجلُ وَمَا أَجنَّه، فَجَاءَ بِالتَّعَجُّبِ مِنْ صِيغَةِ فِعل الْمَفْعُولِ، وَإِنَّمَا التَّعَجُّبُ مِنْ صِيغَةِ فِعْل الْفَاعِلِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا ونحوُه شاذٌّ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَقَوْلُهُمْ فِي المَجْنون مَا أَجَنَّه شاذٌّ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ، لأَنه لَا يُقَالُ فِي الْمَضْرُوبِ مَا أَضْرَبَه، وَلَا في المَسْؤول ما أَسْأَلَه. والجُنُنُ، بِالضَّمِّ: الجُنونُ، محذوفٌ مِنْهُ الواوُ؛ قَالَ يَصِفُ النَّاقَةَ:
مِثْل النَّعامةِ كَانَتْ، وَهْيَ سائمةٌ، ... أَذْناءَ حَتَّى زَهاها الحَيْنُ والجُنُنُ
جَاءَتْ لِتَشْرِيَ قَرْناً أَو تُعَوِّضَه، ... والدَّهْرُ فِيهِ رَباحُ البَيْع والغَبَنُ
فقيل، إذْ نال ظُلْمٌ ثُمَّتَ، اصْطُلِمَتْ ... إِلَى الصِّماخِ، فَلَا قَرْنٌ وَلَا أُذُنُ
. والمَجَنَّةُ: الجُنُونُ. والمَجَنَّةُ: الجِنُّ. وأَرضُ مَجَنَّةٌ: كثيرةُ الجِنِّ؛ وَقَوْلُهُ:
عَلَى مَا أَنَّها هَزِئت وَقَالَتْ ... هَنُون أَجَنَّ مَنْشاذا قَرِيبُ
. أَجَنَّ: وَقَعَ فِي مَجَنَّة، وَقَوْلُهُ هَنُون، أَراد يَا هَنُونُ، وَقَوْلُهُ مَنْشاذا قَرِيبُ، أَرادت أَنه صغيرُ السِّنّ تَهْزَأ به، وما زَائِدَةٌ أَي عَلَى أَنها هَزِئَت. ابْنُ الأَعرابي: باتَ فلانٌ ضَيْفَ جِنٍّ أَي بِمَكَانٍ خالٍ لَا أَنيس بِهِ؛ قَالَ الأَخطل فِي مَعْنَاهُ:
وبِتْنا كأَنَّا ضَيْفُ جِنٍّ بِلَيْلة
. والجانُّ: أَبو الجِنِّ خُلق مِنْ نَارٍ ثُمَّ خُلِقَ مِنْهُ نَسْلُه. والجانُّ: الجنُّ، وَهُوَ اسْمُ جَمْعٍ كالجامِل والباقِر. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ*
. وقرأَ
عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ: فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَل عَنْ ذَنْبِه إنْسٌ قَبْلَهم وَلَا جأَنٌ
، بِتَحْرِيكِ الأَلف وقَلْبِها هَمْزَةً، قَالَ: وَهَذَا عَلَى قراءة
أَيوب السَّخْتِيالي: وَلَا الضَّأَلِّين
، وَعَلَى مَا حَكَاهُ أَبو زَيْدٍ عَنْ أَبي الأَصبغ وَغَيْرِهِ: شأَبَّة ومأَدَّة؛ وَقَوْلُ الرَّاجِزِ:
خاطِمَها زأَمَّها أَن تَذْهَبا «2»
. وَقَوْلُهُ:
وجلَّه حَتَّى ابْيَأَضَّ مَلْبَبُهْ
وَعَلَى مَا أَنشده أَبو عَلِيٍّ لكُثيّر:
وأَنتَ، ابنَ لَيْلَى، خَيْرُ قَوْمِكَ مَشْهداً، ... إذا مَا احْمأَرَّت بالعَبِيطِ العَوامِلُ
. وَقَوْلُ عِمْران بْنِ حِطَّان الحَرُورِيّ:
قَدْ كنتُ عندَك حَوْلًا لَا تُرَوِّعُني ... فِيهِ رَوائع مِنْ إنْسٍ وَلَا جَانِي
. إِنَّمَا أَراد مِنْ إنسٍ وَلَا جانٍّ فأَبدل النونَ الثَّانِيَةَ يَاءً؛ وَقَالَ ابْنُ جِنِّي: بَلْ حَذَفَ النونَ الثَّانِيَةَ تَخْفِيفًا. وَقَالَ أَبو إِسْحَقَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ؛
رُوِيَ أَن خَلْقاً يُقَالُ لَهُمُ الجانُّ كَانُوا فِي الأَرض فأَفسَدوا فِيهَا وسفَكوا الدِّماء فَبَعَثَ
__________
(2) . قوله [خاطمها إلخ] ذكر في الصحاح:
يَا عَجَبًا وَقَدْ رَأَيْتُ عَجَبَا ... حِمَارَ قَبَّانٍ يَسُوقُ أَرْنَبَا
خَاطِمَهَا زأَّمها أَنْ تَذْهَبَا ... فَقُلْتُ أَرْدِفْنِي فَقَالَ مَرْحَبَا
. فَقِيلَ: أَراد بجِدِّي، وَذَلِكَ أَن لَفْظَ ج ن إِنَّمَا هُوَ مَوْضُوعٌ للتستُّر عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْهُ بجنِّي لأَن الجِدَّ مِمَّا يُلابِسُ الفِكْرَ ويُجِنُّه القلبُ، فكأَنَّ النَّفْسَ مُجِنَّةٌ لَهُ ومُنْطوية عَلَيْهِ. وَقَالَتِ امرأَة عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ لَهُ: أَجَنَّك مِنْ أَصحاب رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: قَالَ الْكِسَائِيُّ وَغَيْرُهُ مَعْنَاهُ مِنْ أَجْلِ أَنك فترَكَتْ مِنْ، وَالْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ تدَعُ مِن مَعَ أَجْل، كَمَا يُقَالُ فعلتُ ذَلِكَ أَجْلَك وإِجْلَك، بِمَعْنَى مِن أَجْلِك، قَالَ: وَقَوْلُهَا أَجَنَّك، حُذِفَتِ الأَلف وَاللَّامُ وأُلْقِيَت فتحةُ الْهَمْزَةِ عَلَى الْجِيمِ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي؛ يُقَالُ: إِنَّ مَعْنَاهُ لكنْ أَنا هُوَ اللَّهُ ربِّي فَحُذِفَ الأَلف، وَالْتَقَى نُونانِ فَجَاءَ التَّشْدِيدُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ أَنشده الْكِسَائِيُّ:
لَهِنَّكِ مِنْ عَبْسِيّة لَوَسيمةٌ ... عَلَى هَنَواتٍ كاذِبٍ مَنْ يَقُولُها
أَراد لِلَّهِ إنَّك، فَحَذَفَ إِحْدَى اللامَينِ مَنْ لِلَّهِ، وحذَفَ الأَلف مِنْ إنَّك، كَذَلِكَ حُذِفَتْ اللامُ مِنْ أَجل والهمزةُ مِنْ إنَّ؛ أَبو عُبَيْدٍ فِي قَوْلُ عَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ:
أَجْلَ أَنَّ اللهَ قَدْ فَضَّلَكم، ... فوقَ مَن أَحْكى بصُلْبٍ وَإِزَارْ
. الأَزهري قَالَ: وَيُقَالُ إجْل وَهُوَ أَحبُّ إِلَيَّ، أَراد مِنْ أَجْلِ؛ وَيُرْوَى:
فَوْقَ مَن أَحكأَ صُلْبًا بِإِزَارْ
. أَراد بالصلْب الحَسَبَ، وبالإِزارِ العِفَّةَ، وَقِيلَ: فِي قَوْلِهِمْ أَجِنَّك كَذَا أَي مِنْ أَجلِ أَنك فَحَذَفُوا الأَلف وَاللَّامَ اخْتِصَارًا، وَنَقَلُوا كَسْرَةَ اللَّامِ إِلَى الْجِيمِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
أَجِنَّكِ عنْدي أَحْسَنُ الناسِ كلِّهم، ... وأَنكِ ذاتُ الخالِ والحِبَراتِ
. وجِنُّ الشَّبابِ: أَوَّلُه، وَقِيلَ: جِدَّتُه ونشاطُه. وَيُقَالُ: كَانَ ذَلِكَ فِي جِنِّ صِباه أَي فِي حَدَاثَتِه، وَكَذَلِكَ جِنُّ كلِّ شَيْءٍ أَوَّلُ شِدّاته، وجنُّ المرَحِ كَذَلِكَ؛ فأَما قَوْلُهُ(13/96)
لَا يَنْفُخُ التَّقْريبُ مِنْهُ الأَبْهَرا، ... إِذَا عَرَتْه جِنُّه وأَبْطَرا
. قَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ جُنونَ مَرَحِه، وَقَدْ يكونُ الجِنُّ هُنَا هَذَا النَّوْعَ المُسْتَتِر عَنِ العَين أَي كأَنَّ الجِنَّ تَسْتَحِثُّه ويُقوِّيه قولُه عَرَتْه لأَن جنَّ المرَح لَا يؤَنَّث إِنَّمَا هُوَ كجُنونه، وَتَقُولُ: افْعَلْ ذَلِكَ الأَمرَ بجِنِّ ذَلِكَ وحِدْثانِه وجِدِّه؛ بجِنِّه أَي بحِدْثانِه؛ قَالَ الْمُتَنَخِّلُ الْهُذَلِيُّ:
كالسُّحُل البيضِ جَلا لَوْنَها ... سَحُّ نِجاءِ الحَمَلِ الأَسْوَلِ
أَرْوَى بجِنِّ العَهْدِ سَلْمَى، وَلَا ... يُنْصِبْكَ عَهْدُ المَلِقِ الحُوَّلِ
. يُرِيدُ الغيثَ الَّذِي ذَكَرَهُ قَبْلَ هَذَا الْبَيْتِ، يَقُولُ: سَقَى هَذَا الغيثُ سَلْمى بحِدْثانِ نُزولِه مِنَ السَّحَابِ قَبْل تغيُّره، ثُمَّ نَهَى نفسَه أَن يُنْصِبَه حُبُّ مَنْ هُوَ مَلِقٌ. يَقُولُ: مَنْ كَانَ مَلِقاً ذَا تَحوُّلٍ فَصَرَمَكَ فَلَا ينْصِبْكَ صَرْمُه. وَيُقَالُ: خُذ الأَمرَ بجِنِّه واتَّقِ الناقةَ فإِنها بجِنِّ ضِراسِها أَي بحِدْثانِ نتاجِها. وجِنُّ النَّبْتِ: زَهْرُه ونَوْرُه، وَقَدْ تجنَّنَتْ الأَرضُ وجُنَّتْ جُنوناً؛ قَالَ:
كُوم تَظاهرَ نِيُّها لَمَّا رَعَتْ ... رَوْضاً بِعَيْهَمَ والحِمَى مَجْنوناً
وَقِيلَ: جُنَّ النَّبْتُ جُنوناً غلُظ واكْتَهل. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: نَخْلَةٌ مَجْنونة إِذَا طَالَتْ؛ وأَنشد:
يَا رَبِّ أَرْسِلْ خارِفَ المَساكِينْ ... عَجاجةً ساطِعَةَ العَثانِينْ
تَنْفُضُ مَا فِي السُّحُقِ المَجانِينْ
. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يَعْنِي بخارفِ الْمَسَاكِينِ الريحَ الشديدةَ الَّتِي تنفُض لَهُمْ التَّمْرَ من رؤُوس النَّخْلِ؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْآخَرِ:
أَنا بارِحُ الجَوْزاءِ، مَا لَك لَا تَرى ... عِيالَكَ قَدْ أَمْسَوا مَرامِيلَ جُوَّعاً؟
الْفَرَّاءُ: جُنَّت الأَرض إِذَا قاءتْ بِشَيْءٍ مُعْجِبٍ؛ وَقَالَ الْهُذَلِيُّ:
أَلَمَّا يَسْلم الجِيرانُ مِنْهُمْ، ... وَقَدْ جُنَّ العِضاهُ مِنَ العَميم
. ومرَرْتُ عَلَى أَرضِ هادِرة مُتَجَنِّنة: وَهِيَ الَّتِي تُهال مِنْ عُشْبِهَا وَقَدْ ذَهَبَ عُشْبها كلَّ مَذْهَبٍ. وَيُقَالُ: جُنَّت الأَرضُ جُنوناً إِذَا اعْتَمَّ نَبْتُهَا؛ قَالَ ابْنُ أَحمر:
تَفَقَّأَ فوقَه القَلَعُ السَّواري، ... وجُنَّ الخازِبازِ بِهِ جُنونا.
جُنونُه: كثرةُ تَرَنُّمه فِي طَيَرانِه؛ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الخازِبازِ نَبْتٌ، وَقِيلَ: هُوَ ذُبابٌ. وَجُنُونُ الذُّباب: كثرةُ تَرَنُّمِه. وجُنَّ الذُّبابُ أَي كثُرَ صَوْتُهُ. وجُنونُ النَّبْت: التفافُه؛ قَالَ أَبو النَّجْمِ:
وطالَ جنُّ السَّنامِ الأَمْيَلِ.
أَراد تُمُوكَ السَّنامِ وطولَه. وجُنَّ النبتُ جُنوناً أَي طالَ والْتَفَّ وَخَرَجَ زَهْرُهُ؛ وَقَوْلُهُ:
وجُنَّ الخازِبازِ بِهِ جُنونا.
يَحْتَمِلُ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ. أَبو خَيْرَةَ: أَرضٌ مجنونةٌ مُعْشِبة لَمْ يَرْعَها أَحدٌ. وَفِي التَّهْذِيبِ: شَمِرٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي: يُقَالُ لِلنَّخْلِ الْمُرْتَفِعُ طُولًا مجنونٌ، وللنبتِ الملتَفّ الْكَثِيفِ الَّذِي قَدْ تأَزَّرَ بعضُه فِي بَعْضٍ مجنونٌ. والجَنَّةُ: البُسْتانُ، وَمِنْهُ الجَنّات، والعربُ تسمِّي النخيلَ جنَّةً؛ قَالَ زُهَيْرٌ:
كأَنَّ عينيَّ فِي غَرْبَيْ مُقَتَّلةٍ، ... مِنَ النَّواضِح، تَسْقي جَنَّةً سُحُقاً.(13/99)
والجَنَّةُ: الحَديقةُ ذَاتُ الشَّجَرِ وَالنَّخْلِ، وَجَمْعُهَا جِنان، وَفِيهَا تَخْصِيصٌ، وَيُقَالُ لِلنَّخْلِ وَغَيْرِهَا. وَقَالَ أَبو عَلِيٍّ فِي التَّذْكِرَةِ: لَا تَكُونُ الجَنَّة فِي كَلَامِ الْعَرَبِ إِلَّا وَفِيهَا نخلٌ وعنبٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا ذَلِكَ وَكَانَتْ ذَاتَ شَجَرٍ فَهِيَ حَدِيقَةٌ وَلَيْسَتْ بجَنَّةٍ، وَقَدْ وَرَدَ ذكرُ الجَنَّة فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ وَالْحَدِيثِ الْكَرِيمِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ. والجَنَّةُ: هِيَ دارُ النَّعِيمِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، مِنَ الاجْتنان، وَهُوَ السَّتْر لتَكاثُفِ أَشْجارِها وَتَظْلِيلِهَا بالتِفافِ أَغصانِها، قَالَ: وَسُمِّيَتْ بالجَنَّة وَهِيَ المرَّة الْوَاحِدَةُ مِنَ مَصْدر جَنَّه جَنّاً إِذَا ستَرَه، فكأَنها ستْرةٌ واحدةٌ لشدَّةِ التِفافِها وإظْلالِها؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي وزعمَ أَنه لِلْبِيدٍ:
دَرَى باليَسَارَى جَنَّةً عَبْقَرِيَّةً، ... مُسَطَّعةَ الأَعْناق بُلْقَ القَوادِم.
قَالَ: يَعْنِي بالجَنَّة إِبِلًا كالبُسْتان، ومُسطَّعة: مِنَ السِّطاع وَهِيَ سِمةٌ فِي الْعُنُقِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي أَنه جِنَّة، بِالْكَسْرِ، لأَنه قَدْ وُصِفَ بِعَبْقَرِيَّةٍ أَي إِبِلًا مِثْلَ الجِنة فِي حِدَّتها وَنِفَارِهَا، عَلَى أَنه لَا يَبْعُدُ الأَول، وَإِنْ وَصَفَهَا بِالْعَبْقَرِيَّةِ، لأَنه لَمَّا جَعَلَهَا جَنَّة اسْتَجازَ أَن يَصِفَها بِالْعَبْقَرِيَّةِ، قَالَ: وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَعْنِيَ بِهِ مَا أَخرج الربيعُ مِنْ أَلوانِها وأَوبارها وَجَمِيلِ شارَتِها، وَقَدْ قِيلَ: كلُّ جَيِّدٍ عَبْقَرِيٌّ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَجَائِزٌ أَن يوصَف بِهِ الجِنَّة وأَن يُوصَفَ بِهِ الجَنَّة. والجِنِّيَّة: ثِيَابٌ مَعْرُوفَةٌ «1» . والجِنِّيّةُ: مِطْرَفٌ مُدَوَّرٌ عَلَى خِلْقة الطَّيْلَسان تَلْبَسُها النِّسَاءُ. ومَجَنَّةُ: موضعٌ؛ قَالَ فِي الصِّحَاحِ: المَجَنَّةُ اسمُ مَوْضِعٍ عَلَى أَميال مِنْ مَكَّةَ؛ وَكَانَ بِلالٌ يتمثَّل بِقَوْلِ الشَّاعِرِ:
أَلا ليْتَ شِعْري هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً ... بمكةَ حَوْلي إِذْخِرٌ وجَليلُ؟
وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِياهَ مَجَنَّةٍ؟ ... وَهَلْ يَبْدُوَنْ لِي شامةٌ وطَفيلُ؟
وَكَذَلِكَ مِجَنَّة؛ وَقَالَ أَبو ذؤَيب:
فوافَى بِهَا عُسْفانَ، ثُمَّ أَتى بِهَا ... مِجَنَّة، تَصْفُو فِي القِلال وَلَا تَغْلي
. قَالَ ابْنُ جِنِّي: يَحْتَمِلُ مَجَنَّةُ وَزْنَين: أَحدهما أَن يَكُونَ مَفْعَلة مِنَ الجُنون كأَنها سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِشَيْءٍ يَتَّصِلُ بالجِنِّ أَو بالجَنَّة أَعني البُسْتان أَو مَا هَذَا سَبيلُه، وَالْآخَرُ أَن يَكُونَ فَعَلَّةً مِنَ مَجَنَ يَمْجُن كأَنها سمِّيت بِذَلِكَ لأَن ضَرْباً مِنَ المُجون كَانَ بِهَا، هَذَا مَا توجبُه صنعةُ عِلْمِ الْعَرَبِ، قَالَ: فأَما لأَيِّ الأَمرَينِ وَقَعَتِ التَّسْمِيَةُ فَذَلِكَ أَمرٌ طَرِيقُهُ الْخَبَرُ، وَكَذَلِكَ الجُنَيْنة؛ قَالَ:
مِمَّا يَضُمُّ إِلَى عِمْرانَ حاطِبُه، ... مِنَ الجُنَيْنَةِ، جَزْلًا غيرَ مَوْزون
. وَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَانَتْ مَجَنَّةٌ وَذُو المَجاز وعُكاظ أَسواقاً فِي الجاهليَّة.
والاسْتِجْنانُ: الاسْتِطْراب. والجَناجِنُ: عِظامُ الصَّدْرِ، وقيل: رؤُوسُ الأَضْلاع، يَكُونُ ذَلِكَ لِلنَّاسِ وغيرهم؛ قال الأَسَقَرُ الجُعْفِيّ:
لَكِنْ قَعِيدةَ بَيْتِنا مَجْفُوَّةٌ، ... بادٍ جَناجِنُ صَدْرِها وَلَهَا غِنا
. وَقَالَ الأَعشى:
أَثَّرَتْ فِي جَناجِنٍ، كإِران المَيْت، ... عُولِينَ فوقَ عُوجٍ رِسالِ.
__________
(1) . قوله [والجنية ثياب معروفة] كذا في التهذيب. وقوله [والجنية مطرف إلخ] كذا في المحكم بهذا الضبط فيهما. وفي القاموس: والجنينة مطرف كالطيلسان انتهى. أي لسفينة كما في شرح القاموس(13/100)
وَاحِدُهَا جِنْجِنٌ وجَنْجَنٌ، وَحَكَاهُ الْفَارِسِيُّ بِالْهَاءِ وَغَيْرِ الْهَاءِ: جِنْجِن وجِنْجِنة؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَقَدْ يُفْتَحُ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
وَمِنْ عَجارِيهنَّ كلُّ جِنْجِن
. وَقِيلَ: وَاحِدُهَا جُنْجون، وَقِيلَ: الجَناجِنُ أَطرافُ الأَضلاع مِمَّا يَلِي قَصَّ الصَّدْرِ وعَظْمَ الصُّلْب. والمَنْجَنُونُ: الدُّولابُ الَّتِي يُسْتَقى عَلَيْهَا، نَذْكُرُهُ فِي مَنْجَنَ فإِن الْجَوْهَرِيَّ ذَكَرَهُ هُنَا، وردَّه عَلَيْهِ ابنُ الأَعرابي وَقَالَ: حقُّه أَن يُذْكَرَ فِي مَنْجَنَ لأَنه رباعي، وسنذكره هناك.
جهن: الجَهْنُ: غِلَظُ الْوَجْهِ. وجُهَينة: أَبو قَبِيلَةٍ مِنَ الْعَرَبِ مِنْهُ. وَفِي الْمَثَلِ: وَعِنْدَ جُهَينة الخبرُ الْيَقِينُ، وَهِيَ قَبِيلَةٌ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
تنادَوْا يالَ بُهْثةَ، إِذْ رَأَوْنا، ... فَقُلْنَا: أَحْسِني مَلأً جُهَيْنا
. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي والأَصمعي: وَعِنْدَ جُفَيْنة، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي جَفَنَ، قَالَ قُطْرُبٌ: جاريةٌ جُهانةٌ أَي شَابَّةٌ، وكأَنَّ جُهَيْنة ترخيمٌ مِنْ جُهانة. قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ أَحمد بْنُ يحيى: جُهَيْنة تَصْغِيرُ جُهْنة، وَهِيَ مِثْلُ جُهْمة الليلِ، أُبدلت الْمِيمُ نُونًا، وَهِيَ القِطْعةُ مِنْ سَوَادِ نِصْف اللَّيْلِ، فإِذا كَانَتْ بَيْنَ العِشاءَين فَهِيَ الفَحْمة والقَسْوَرة. وجَيْهانُ: اسم.
جهمن: جَهْمَن: اسم.
جون: الجَوْنُ: الأَسْوَدُ اليَحْمُوميُّ، والأُنثى جَوْنة. ابْنُ سِيدَهْ: الجَوْنُ الأَسْوَدُ المُشْرَبُ حُمْرَةً، وَقِيلَ: هُوَ النباتُ الَّذِي يَضْرِب إِلَى السَّوَادِ مِنْ شِدَّةِ خُضْرتِه؛ قَالَ جُبَيْهاءُ الأَشجعيّ:
فَجَاءَتْ كأَنَّ القَسْوَرَ الجَوْنَ بَجَّها ... عَسالِيجُه، والثامِرُ المُتناوِحُ
. القَسْوَرُ: نبتٌ، وبَجَّها عساليجُه أَي أَنها تَكَادُ تَنْفَتِق مِنَ السِّمَن. والجونُ أَيضاً: الأَحمَرُ الخالصُ. والجَوْنُ: الأَبيض، وَالْجَمْعُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ جُون، بِالضَّمِّ، ونظيرُه ورْدٌ ووُرْدٌ. وَيُقَالُ: كلُّ بعيرٍ جَوْنٌ مِنْ بعيدٍ، وكلُّ لَوْن سَوَادٍ مُشْرَبٍ حُمْرةً جَوْنٌ، أَو سوادٍ يُخالِط حُمْرَةَ كَلَوْنِ الْقَطَا؛ قَالَ الْفَرَزْدَقُ:
وجَوْن عَلَيْهِ الجِصُّ فِيهِ مَريضةٌ، ... تَطَلَّعُ مِنْهَا النَّفْسُ والموتُ حاضِرُه
. يعني الأَبيضَ هاهنا، يَصِفُ قَصْرَه الأَبيض؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَوْلُهُ فِيهِ مَرِيضَةٌ يَعْنِي امرأَة مُنَعَّمةً قَدْ أَضَرَّ بِهَا النَّعيم وثقَّل جِسْمَها وكسَّلَها، وَقَوْلُهُ: تَطَلَّعُ مِنْهَا النَّفْسُ أَي مِنْ أَجلِها تخرجُ النفسُ، والموتُ حاضرُه أَي حاضرُ الجَوْن؛ قَالَ: وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ شَاهِدًا عَلَى الجَوْن الأَبيض قولَ لَبِيَدٍ:
جَوْن بِصارةَ أَقْفَرَتْ لِمَزاده، ... وخَلا لَهُ السُّوبانُ فالبُرْعوم
. قَالَ: الجَوْنُ هُنَا حمارُ الوَحش، وَهُوَ يوصَفُ بِالْبَيَاضِ؛ قَالَ: وأَنشد أَبو عَلِيٍّ شَاهِدًا عَلَى الجَوْن الأَبيض قَوْلَ الشَّاعِرِ:
فبِتْنا نُعِيدُ المَشْرَفِيَّةَ فيهمُ، ... ونُبْدِئ حَتَّى أَصبحَ الجَوْنُ أَسْوَدا
قَالَ: وشاهدُ الجَوْنِ الأَسْود قولُ الشَّاعِرِ:
تقولُ خَليلَتي، لمَّا رأَتني ... شَرِيحاً، بَيْنَ مُبْيَضٍّ، وجَوْنِ
. وَقَالَ لَبِيدٌ:
جَوْن دجُوجِيّ وخَرْق مُعَسِّف(13/101)
وَذَهَبَ ابْنُ دُرَيْدٍ وحْدَه إِلَى أَن الجَوْن يَكُونُ الأَحْمَرَ أَيضاً، وأَنشد:
فِي جَوْنةٍ كقَفَدانِ العطَّارْ
. ابْنُ سِيدَهْ: والجَوْنةُ الشمسُ لاسْوِدادِها إِذَا غَابَتْ، قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ لبَياضِها وصَفائِها، وَهِيَ جَوْنة بَيِّنَةُ الجُونةِ فِيهِمَا. وعُرِضَت عَلَى الحجَّاج دِرْعٌ، وَكَانَتْ صَافِيَةً، فَجَعَلَ لَا يَرى صَفاءها، فَقَالَ لَهُ أُنَيْسٌ الجَرْمِيّ، وَكَانَ فَصِيحاً: إِنَّ الشمسَ لَجَوْنةٌ، يَعْنِي أَنها شديدةُ البريقِ والصَّفاءِ فَقَدْ غلبَ صفاؤُها بياضَ الدِّرع؛ وأَنشد الأَصمعي:
غيَّرَ، يَا بِنْتَ الحُلَيْسِ، لَوْني ... طُولُ اللَّيالي واخْتِلافُ الجَوْنِ،
وسَفَرٌ كانَ قلِيلَ الأَوْنِ
يُرِيدُ النَّهَارَ؛ وَقَالَ آخَرُ:
يُبادِرُ الجَوْنَة أَن تَغِيبا
. وَهُوَ مِنَ الأَضدادِ. والجُونةُ فِي الخَيْل: مِثْلَ الغُبْسة والوُرْدة، وَرُبَّمَا هُمز. والجَوْنةُ: عَيْنُ الشَّمْسِ، وَإِنَّمَا سُمّيَت جَوْنةً عِنْدَ مَغِيبِهَا لأَنها تَسْوَدُّ حِينَ تَغِيبُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
يُبادر الْجَوْنَةَ أَن تَغِيبَا
. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الشِّعْرُ للخَطيم الضَّبابيّ «2» . وَصَوَابُ إِنْشَادِهِ بِكَمَالِهِ كَمَا قَالَ:
لَا تَسْقِه حَزْراً وَلَا حَليبا، ... إِنْ لَمْ تَجِدْه سَابِحًا يَعْبوبا،
ذَا مَيْعةٍ يَلْتَهِمُ الجَبُوبا، ... يَتْرُكُ صَوَّان الصُّوَى رَكوبا
«3» بِزَلِقاتٍ قُعِّبَتْ تَقْعِيبا، ... يَتْرك فِي آثارِهِ لهُوبا
يُبادِرُ الأَثْآرَ أَن تَؤُوبا، ... وحاجبَ الجَوْنة أَن يَغِيبا،
كالذِّئْب يَتْلُو طَمَعاً قَرِيبَا «4»
يَصِفُ فَرَسًا يَقُولُ: لَا تَسْقِه شَيْئًا مِنَ اللَّبن إِنْ لَمْ تَجِدْ فِيهِ هَذِهِ الخصالَ، والحَزْرُ: الحازِرُ مِنَ اللَّبَنِ وَهُوَ الَّذِي أَخذ شَيْئًا مِنَ الحُموضة، والسابحُ: الشديدُ العَدْوِ، واليَعْبوبُ: الكثيرُ الجَرْي، والمَيْعةُ: النَّشاطُ والحدَّة، ويَلْتَهم: يَبْتلع، والجَبوبُ: وجهُ الأَرض، وَيُقَالُ ظاهرُ الأَرض، والصَّوَّانُ: الصُّمُّ مِنِ الْحِجَارَةِ، الْوَاحِدَةُ صَوَّانة، والصُّوَى: الأَعْلامُ، والرَّكوبُ: المذلَّلُ، وَعَنَى بالزالِقات حَوافِرَه، واللُّهوبُ: جمعُ لِهْبٍ؛ وَقَوْلُهُ:
يُبَادِرُ الأَثْآرَ أن تؤوبا
. الأَوْبُ: الرُّجُوعُ، يَقُولُ: يُبَادِرُ أَثْآرَ الَّذِينَ يطلبُهم ليُدْرِكَهم قَبْلَ أَن يَرْجِعُوا إِلَى قومِهم، وَيُبَادِرُ ذَلِكَ قبْل مَغِيبِ الشَّمْسِ، وشبَّه الفرسَ فِي عَدْوِه بذئبٍ طامِعٍ فِي شَيْءٍ يَصِيده عَنْ قُرْبٍ فَقَدْ تَنَاهَى طمَعُه، وَيُقَالُ لِلشَّمْسِ جَوْنة بَيِّنَةَ الجُونةِ. وَفِي حَدِيثِ
أَنس: جِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَيْهِ بُردةٌ جَوْنِيَّة
؛ مَنْسُوبَةٌ إِلَى الجَوْن، وَهُوَ مِنَ الأَلوان، وَيَقَعُ عَلَى الأَسْود والأَبيض، وَقِيلَ: الْيَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ كَمَا يُقَالُ فِي الأَحْمر أَحْمَرِيٌّ، وَقِيلَ: هِيَ مَنْسُوبَةٌ إِلَى بَنِي الجَوْنِ، قَبِيلَةٍ مِنَ الأَزْد. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَمَّا قَدِم الشأْم أَقْبَل عَلَى جَمَلٍ عَلَيْهِ جِلْدُ كَبْشٍ جُونيٍ
أَي أَسْود؛ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الكَبْشُ الجُونِيّ هُوَ الأَسود الَّذِي أُشْرِب حُمْرةً، فإذا نسبوا قالوا
__________
(2) . قوله [للخطيم الضبابي] في الصاغاني للأَجلح بن قاسط الضبابي
(3) . قوله [الصوى] رواية التكملة: الحصى
(4) . قوله [كالذئب إلخ] بعده كما في التكملة: على هراميت ترى العجيبا أن تدعو الشيخ فلا يجيبا.(13/102)
جُونِيّ، بِالضَّمِّ، كَمَا قَالُوا فِي الدَّهْري دُهْرِيّ، قَالَ ابْنُ الأَثير: وَفِي هَذَا نَظَرٌ إِلَّا أَن تَكُونَ الروايةُ كَذَلِكَ. والجُونِيّ: ضربٌ مِنِ القَطا، وَهِيَ أَضْخَمُها تُعْدَلُ جُونيَّةٌ بكُدْرِيَّتَيْن، وهنَّ سُودُ البطونِ، سُودُ بُطون الأَجْنِحة والقوادمِ، قصارُ الأَذناب، وأَرْجُلُها أَطْوَلُ مِنْ أَرْجُلِ الكُدْرِيّ، وَفِي الصِّحَاحِ: سُودُ البُطونِ والأَجْنِحة، وَهُوَ أَكبرُ مِنَ الكُدْرِيّ، ولَبانُ الجُونِيَّة أَبيضُ، بلَبانِها طَوْقانِ أَصْفَرُ وأَسْودُ، وظهْرُها أَرْقَطُ أَغْبَرُ، وَهُوَ كلَون ظَهْرِ الكُدْرِيَّة، إِلَّا أَنه أَحْسَنُ تَرْقِيشاً تَعْلوه صُفْرةٌ. والجُونِيَّة: غَتْماء لَا تُفْصِح بصَوْتِها إِذَا صَاحَتْ إِنَّمَا تُغَرْغِرُ بصوْت فِي حَلْقِها. قَالَ أَبو حَاتِمٍ: وَوَجَدْتُ بِخَطِّ الأَصمعي عَنِ الْعَرَبِ: قَطاً جُؤنيٌّ، مَهْمُوزٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهُوَ عِنْدِي عَلَى تَوَهُّمِ حَرَكَةِ الْجِيمِ مُلْقاة عَلَى الْوَاوِ، فكأَن الواوَ متحركةٌ بِالضَّمَّةِ، وَإِذَا كَانَتِ الواوُ مَضْمُومَةً كَانَ لَكَ فِيهَا الهمزُ وتركُه فِي لُغَةٍ لَيْسَتْ بِتِلْكَ الفاشِية، وَقَدْ قرأَ أَبو عَمْرٍو:
عَادًا لُّولَى
، وقرأَ ابْنُ كَثِيرٍ:
فاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُؤْقِه
، وَهَذَا النَّسَب إِنَّمَا هُوَ إِلَى الْجَمْعِ، وَهُوَ نادِرٌ، وَإِذَا وصَفوا قَالُوا قطاةٌ جَوْنةٌ، وَقَدْ مَرَّ تَفْسِيرُ الجُونيِّ مِنَ القَطا فِي تَرْجَمَةِ كَدَرَ. والجُونةُ: جُونةُ العطَّارِ، وَرُبَّمَا هُمِزَ، وَالْجَمْعُ جُوَنٌ، بِفَتْحِ الْوَاوِ؛ وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الْهَمْزُ فِي جؤْنة وجُؤَنٍ هُوَ الأَصل، والواوُ فِيهَا منقلبةٌ عَنِ الْهَمْزَةِ فِي لُغَةِ مَنْ خفَّفها، قَالَ: والجُوَن أَيضاً جمعُ جُونةٍ لِلْآكَامِ؛ قَالَ القُلاخ:
عَلَى مَصاميدٍ كأَمثالِ الجُون
. قَالَ: والمصاميدُ مِثْلُ المَقاحيد وَهِيَ الباقياتُ اللَّبَنِ. يُقَالُ: نَاقَةٌ مِصْمادٌ ومِقْحادٌ. والجُونةُ: سُلَيْلَةٌ مُسْتديرةٌ مُغَشَّاة أَدَماً تَكُونُ مَعَ العطَّارين، وَالْجَمْعُ جُوَن، وَهِيَ مَذْكُورَةٌ فِي الْهَمْزَةِ، وَكَانَ الفارسيُّ يَسْتَحسن تَرْكَ الْهَمْزَةِ؛ وَكَانَ يَقُولُ فِي قَوْلِ الأَعشى يَصِف نِسَاءً تَصَدَّين لِلرِّجَالِ حالِياتٍ:
إِذَا هُنَّ نازَلْنَ أقْرانَهُنَّ، ... وَكَانَ المِصاعُ بِمَا فِي الجُوَنْ
. مَا قَالَهُ إِلَّا بِطَالِعِ سَعْدٍ، قَالَ: وَلِذَلِكَ ذَكَرْتُهُ هُنَا. وَفِي حَدِيثِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
فوجدتُ لِيَدِه بَرْداً وَرِيحًا كأَنما أَخْرَجَها مِنْ جُونة عطَّارٍ
؛ الجُونة، بِالضَّمِّ: الَّتِي يُعدُّ فِيهَا الطيبُ ويُحْرز. ابْنُ الأَعرابي: الجَوْنةُ الفَحْمةُ. غَيْرُهُ: الجَوْنةُ الخابيةُ مطليَّة بِالْقَارِ: قَالَ الأَعشى:
فقُمْنا، ولمَّا يَصِحْ دِيكُنا، ... إِلَى جَوْنةٍ عِنْدَ حَدَّادِها
. وَيُقَالُ: لَا أَفعله حَتَّى تَبْيضَّ جُونةُ الْقَارِ؛ هَذَا إِذَا أَردت سوادَه، وجَوْنةُ الْقَارِ إِذَا أَردت الْخَابِيَةَ، وَيُقَالُ لِلْخَابِيَةِ جَوْنة، وللدَّلْو إِذَا اسودَّت جَوْنة، وللعرَق جَوْنٌ؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي لماتحٍ قَالَ لماتِحٍ فِي الْبِئْرِ:
إِنْ كانتِ أَمَّا امَّصَرت فصُرَّها، ... إِنَّ امِّصارَ الدَّلْو لَا يضُرُّها
أَهْيَ جُوَيْنٌ لاقِها فبِرَّها، ... أَنتَ بخَيْرٍ إِنْ وُقِيتَ شرَّها
فأَجابه:
وُدِّي أُوَقَّى خيرَها وَشَرَّهَا
. قَالَ: مَعْنَاهُ عَلَى وِدِّي فأَضمر الصِّفَة وأَعْمَلَها «1» . وَقَوْلُهُ: أَهي جُوَيْنٌ، أَرَادَ أَخِي وَكَانَ اسْمُهُ جُوَيناً، وَكُلُّ أَخ يُقَالُ لَهُ جُوَيْن وجَوْن. سَلَمَةُ عَنِ الفراء:
__________
(1) . قوله [فأَضمر الصفة وأعملها] هكذا في الأَصل والتهذيب، ولعل المراد بالصفة حرف الجر إن لم يكن في العبارة تحريف(13/103)
الجَوْنان طرَفا القَوْس. والجَوْنُ: اسمُ فَرْسٍ فِي شِعْرِ لَبِيدٍ:
تَكاثَرَ قُرْزُلٌ، والجَوْنُ فِيهَا، ... وعَجْلى والنَّعامةُ والخَيالُ.
وأَبو الجَوْن: كُنْية النَّمِرِ؛ قَالَ القَتَّال الْكِلَابَيُّ:
وَلِي صاحِبٌ فِي الْغَارِ هَدَّكَ صاحِباً، ... أَبو الجَوْن، إِلَّا أَنه لَا يُعَلَّل
. وَابْنَةُ الجَوْن: نَائِحَةٌ مِنْ كِنْدةَ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ؛ قَالَ المُثَقَّب العَبْدي:
نَوْح ابْنَةِ الجَوْنِ عَلَى هالِكٍ، ... تَنْدُبُه رَافِعَةَ المِجْلَدِ
. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَدْ ذَكَرَهَا الْمَعَرِّيُّ فِي قَصِيدَتِهِ الَّتِي رَثى فِيهَا الشَّرِيفَ الظَّاهِرَ المُوسَوِيّ فَقَالَ:
مِنْ شَاعِرٍ للبَيْن قَالَ قَصِيدَةً، ... يَرْثي الشَّرِيفَ عَلَى رَوِيّ القافِ
جَوْنٌ كبِنْتِ الجَوْن يَصْدَحُ دَائِبًا، ... ويَميسُ فِي بُرْدِ الجُوَيْن الضَّافي
عقرتْ رَكائبك ابنُ دَأْيةَ عَادِيًا، ... أَيّ امْرِئٍ نَطِقٍ وأَيّ قَوافِ
بُنِيَت عَلَى الإِيطاءِ، سَالِمَةً مِنَ الإِقْواءِ ... والإِكْفاءِ والإِصْرافِ
. والجَوْنانِ: مُعاوية وحسَّان بْنُ الجَوْن الكِنْدِيّان؛ وإيَّاهما عَنَى جريرٌ بِقَوْلِهِ:
أَلم تَشْهَد الجَوْنَين والشِّعْبَ والغَضى، ... وشَدَّاتِ قَيْسٍ، يومَ دَيْر الجَماجِم؟
ابْنُ الأَعرابي: التَّجَوُّن تَبْييضُ بابِ العَرُوس. والتَّجوُّنُ: تَسْويدُ بَابِ الْمَيِّتِ. والأَجْؤُن: أَرض مَعْرُوفَةٌ؛ قَالَ رُؤْبَةُ: بَيْنَ نَقَى المُلْقَى وَبَيْنَ الأَجْؤُنِ «1» .
فصل الحاء المهملة
حبن: الحَبَنُ: داءٌ يأْخذ فِي الْبَطْنِ فيعظُم مِنْهُ ويَرِمُ، وَقَدْ حَبِنَ، بِالْكَسْرِ، يَحْبَنُ حَبَناً، وحُبِن حَبْناً وَبِهِ حَبَنٌ. وَرَجُلٌ أَحْبَنُ، والأَحْبَنُ: الَّذِي بِهِ السِّقْيُ. والحَبَنُ: أَن يَكُونَ السِّقْيُ فِي شَحْم الْبَطْنِ فَيَعْظُمُ الْبَطْنُ لِذَلِكَ، وامرأَةٌ حَبْناء. وَيُقَالُ لِمَنْ سَقَى بطنُه: قَدْ حَبِنَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن رَجُلًا أَحْبَنَ أَصاب امرأَةً فَجُلِدَ بأُثْكُولِ النَّخْلِ
؛ الأَحْبَنُ: المُسْتَسْقي، مِنَ الحَبَن، بِالتَّحْرِيكِ، وَهُوَ عِظَمُ الْبَطْنِ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
تَجَشّأَ رجلٌ فِي مجلسٍ، فَقَالَ لَهُ رجلٌ: دَعَوْتَ عَلَى هَذَا الطعامِ أَحداً؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَجَعَلَهُ اللَّهُ حَبَناً وقُداداً
؛ القُدادُ وجعُ البَطْن. وَفِي حَدِيثِ
عُرْوَةَ: أَن وَفْدَ أَهل النَّارِ يَرْجِعُونَ زُبّاً حُبْناً
؛ الحُبْنُ: جمعُ الأَحْبَنِ؛ وَفِي شِعْرِ جَنْدَل الطُّهَويّ:
وعُرّ عَدْوَى مِنْ شُغافٍ وحَبَنْ
قَالَ: الحَبَنُ الماءُ الأَصْفَرُ. والحَبْناءُ مِنَ النِّساء: الضخمةُ البطنِ تَشْبِيهًا بِتِلْكَ. وحَبِنَ عَلَيْهِ: امتلأَ جوفُه غَضَبًا. الأَزهري: وَفِي نَوَادِرِ الأَعراب قَالَ: رأَيت فُلَانًا مُحْبَئِنّاً ومُقْطَئِرّاً ومُصْمَعِدّاً أَي ممتلِئاً غَضَبًا. والحِبْنُ: مَا يَعْتَري فِي الْجَسَدِ فيقِيحُ ويَرِمُ، وجمعُه حُبونٌ. والحِبْنُ: الدُّمَّلُ، وسمِّي الحِبْنُ دُمَّلًا عَلَى جِهَةِ التَّفَاؤُلِ، وَكَذَلِكَ سُمِّيَ السِّحْر طَبّاً. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنه رخَّصَ فِي دمِ الحُبونِ،
وَهِيَ الدَّمامِيل، واحدُها حِبْنٌ
__________
(1) . قوله [بين إلخ] صدره كما في التكملة: دَارٌ كَرَقْمِ الْكَاتِبِ الْمُرَقِّنِ. وضبط فيها دار بالرفع وقال فيها فتهمز الواو لأَن الضمة عليها تستثقل(13/104)
وحِبْنةٌ، بِالْكَسْرِ، أَي أَن دَمَها معفُوٌّ عَنْهُ إِذَا كَانَ فِي الثَّوْبِ حالةَ الصَّلَاةِ. قَالَ ابْنُ بُزُرْج: يُقَالُ فِي أَدْعية مِنَ الْقَوْمِ يَتَداعَوْن بِهَا صَبَّ اللَّهُ عليكَ أُمَّ حُبَيْنٍ ماخِضاً، يَعْنونَ الدماميلَ. والحِبْنُ والحِبْنةُ: كالدُّمَّل. وقَدَمٌ حَبْناءُ: كَثِيرَةُ لحمِ البَخَصةِ حَتَّى كأَنها وَرِمةٌ. والحِبْنُ: القِرْدُ؛ عَنْ كُرَاعٍ. وحَمامةٌ حَبْناءُ: لَا تَبيضُ. وَابْنُ حَبْناءَ: شاعرٌ مَعْرُوفٌ، سُمِّيَ بِذَلِكَ. وأُمُّ حُبَيْنٍ: دُوَيْبَّة عَلَى خِلْقةِ الحِرْباء عريضةُ الصَّدْرِ عظيمةُ الْبَطْنِ، وَقِيلَ: هِيَ أُنثى الحِرْباء. وَرُوِيَ عَنِ
النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنه رأَى بِلَالًا وَقَدْ خَرَجَ بطنُه فَقَالَ: أُمُّ حُبَيْنٍ
، تَشْبيهاً لَهُ بِهَا، وَهَذَا مِنْ مَزْحِه، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَراد ضِخَمَ بطنِه؛ قَالَ أَبو ليْلى: أُمُّ حُبَيْنٍ دُوَيْبَّة عَلَى قَدْرِ الخُنْفُساء يَلْعَبُ بِهَا الصِّبْيَانُ وَيَقُولُونَ لَهَا:
أُمَّ حُبَيْنٍ، انْشُرِي بُرْدَيْكِ، ... إنَّ الأَميرَ والجٌ عليكِ،
ومُوجِع بسَوْطِه جَنْبَيْكِ
فتنْشُر جَناحَيْها؛ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْجِنِّ فِيمَا رَوَاهُ ثَعْلَبٌ:
وأُمّ حُبَيْنٍ قَدْ رَحَلْتِ لحاجةٍ ... برَحْلٍ عِلافِيٍّ، وأَحْقَبْتِ مِزْوَداً
. وهُما أُمَّا حُبَيْنٍ، وَهُنَّ أُمَّهاتُ حُبَيْنٍ، بِإِفْرَادِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ؛ وَقَوْلُ جَرِيرٍ:
يقولُ المُجْتَلون عَروس تَيْم ... سَوىً أُمُّ الحُبَيْنِ ورأْسُ فِيلِ
. إِنَّمَا أَراد أُمّ حُبَيْن، وَهِيَ مَعْرِفَةٌ، فَزَادَ اللَّامَ فِيهَا ضَرُورَةً لإِقامة الْوَزْنِ، وأَراد سَوَاءً فَقَصَرَ ضَرُورَةً أَيضاً. وَيُقَالُ لَهَا أَيضاً حُبَيْنة؛ وأَنْشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
طَلَعْتُ عَلَى الحَرْبِيّ يَكْوي حُبَيْنةً ... بسَبْعةِ أَعْوادٍ مِنَ الشُّبُهانِ
. الْجَوْهَرِيُّ: أُمُّ حُبَيْنٍ دُوَيْبَّة، وَهِيَ مَعْرِفة مِثْلُ ابْنِ عِرْس وأُسامةَ وَابْنِ آوَى وسامِّ أَبْرَصَ وَابْنِ قِتْرة إِلَّا أَنه تعريفُ جنسٍ، وَرُبَّمَا أُدْخِل عَلَيْهِ الأَلفُ وَاللَّامَ، ثُمَّ لَا تَكُونُ بِحَذْفِ الأَلف وَاللَّامِ مِنْهَا نَكِرَةً، وَهُوَ شاذٌّ؛ وأَورد بَيْتَ جَرِيرٍ أَيضاً:
شَوى أُمِّ الحُبَيْنِ ورأْسُ فِيل
. وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ فِي تَفْسِيرِهِ: يَقُولُ: شَواها شَوى أُمِّ الحُبَيْنِ ورأْسُها رأْسُ فِيل، قَالَ: وأُمُّ حُبَيْنٍ وأُمُّ الحُبَيْن مِمَّا تَعاقَب عَلَيْهِ تعريفُ الْعَلَمِيَّةِ وتعريفُ اللَّامِ، وَمِثْلُهُ غُدْوة والغُدْوة، وفَيْنة والفَيْنة، وَهِيَ دابَّة عَلَى قَدْرِ كَفِّ الإِنسان؛ وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: هِيَ أَعْرَضُ من الغَطاء وَفِي رأْسِها عِرَضٌ؛ وَقَالَ ابْنُ زِيَادٍ: هِيَ دابَّة غَبْراء لَهَا قوائمُ أَربعٌ وَهِيَ بِقِدْرِ الضِّفْدَعة الَّتِي لَيْسَتْ بضَخْمة، فَإِذَا طَرَدها الصِّبْيان قَالُوا لَهَا:
أُمَّ الحُبَيْنِ، انْشُرِي بُرْدَيكِ، ... إِنَّ الأَميرَ ناظرٌ إليكِ.
فَيَطْرُدُونَهَا حَتَّى يُدْرِكها الإِعْياء، فَحِينَئِذٍ تَقِفُ عَلَى رِجْلَيْها مُنْتَصِبَةً وتَنْشُر لَهَا جَناحَيْن أَغْبَرَيْن عَلَى مِثْلِ لَوْنها، وَإِذَا زادُوا فِي طَرْدِها نَشَرَتْ أَجنحة كُنَّ تَحْتَ ذَيْنِك الْجَنَاحَيْنِ لَمْ يُرَ أَحسَنُ لَوْنًا مِنْهُنَّ، مَا بَيْنَ أَصْفَرَ وأَحْمَرَ وأَخْضَرَ وأَبْيَضَ وهنَّ طرائقُ بعضُهن فَوْقَ بَعْضٍ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَهِيَ فِي الرِّقَّة عَلَى قدرِ أَجْنِحة الفَراشِ، فَإِذَا رَآهَا الصِّبْيَانُ قَدْ فَعَلَتْ ذَلِكَ تَرَكُوهَا، وَلَا يُوجَدُ لَهَا وَلَدٌ وَلَا فَرْخ؛ قَالَ ابْنُ حَمْزَةَ: الصَّحِيحُ عِنْدِي أَن هَذِهِ الصِّفَةَ صِفَةُ أُمّ عُوَيْفٍ؛ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: أُمُ(13/105)
عُوَيْفٍ دابَّةٌ صغيرةٌ ضخمةُ الرأْسِ مخضرَّة، لَهَا ذنبٌ وَلَهَا أَربعةُ أَجْنِحةٍ، مِنْهَا جَنَاحَانِ أَخْضَران، إِذَا رأَت الإِنسان قَامَتْ عَلَى ذَنَبِهَا ونشَرت جَناحَيْها؛ قَالَ الْآخَرُ:
يَا أُمَّ عَوْفٍ انْشُري بُرْدَيْكِ، ... إنَّ الأَميرَ واقفٌ عليكِ،
وضاربٌ بالسَّوْطِ مَنْكِبَيْكِ
وَيُرْوَى: أُمَّ عُوَيْفٍ، قَالَ: وَهَذِهِ الأَسماء «1» . الَّتِي تُكْتبُ بِهَا هَذِهِ الْمَعَارِفُ وأُضيفت إِلَيْهَا غَيْرُ معرِّفة لَهَا؛ قَالَ الطِّرِمَّاحُ:
كأُمّ حُبَيْنٍ لَمْ ترَ الناسُ غيرَها، ... وغابَتْ حُبَيْنٌ حينَ غابَتْ بنُو سَعْد.
وَمِثْلُهُ لأَبي الْعَلَاءِ المعرِّي:
يَتَكَنَّى أَبَا الوَفاءِ رجالٌ ... مَا وجَدنا الوَفاءَ إلَّا طَرِيحا
وأَبو جَعْدة ذُؤالةُ، مَن جَعْدةُ؟ ... لَا زَالَ حَامِلًا تَتْرِيحَا
وابنَ عِرْس عَرَفْتُ، وابنَ بَريحٍ، ... ثُمَّ عِرْساً جَهِلْته وبَريحا
. وأَما ابنُ مَخاضٍ وابنُ لَبُونٍ فَنَكِرَتَانِ يتعرَّفان بالأَلف وَاللَّامِ تَعْرِيفَ جِنْسٍ. وَفِي حَدِيثِ
عُقْبَةَ: أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ وَلَا تصلُّوا صَلَاةَ أُمِّ حُبَيْنٍ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هِيَ دُوَيْبَّة كالحِرْباء عظيمةُ البطنِ، إِذَا مَشَتْ تُطَأْطِئ رأْسَها كَثِيرًا وترفعُه لعِظَم بَطْنِهَا، فَهِيَ تقعُ عَلَى رأْسها وتقومُ، فشبَّه بِهَا صلاتَهم فِي السُّجُودِ مِثْلَ الْحَدِيثِ الْآخَرِ:
فِي نَقْرة الْغُرَابِ.
والحَبْنُ: الدِّفْلى «2» . وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الحَبْنُ شَجَرَةُ الدِّفْلى، أَخْبر بِذَلِكَ بعضُ أَعراب عُمانَ. والحُبَيْنُ وحَبَوْنَنٌ وحِبَوْنَنٌ: أَسماء. وحَبَوْنَن: اسمُ وَادٍ؛ عَنِ السِّيرَافِيِّ، وَقِيلَ: هُوَ اسْمُ مَوْضِعٍ بِالْبَحْرَيْنِ، وَرَوَى ثَعْلَبٌ: حَبَوْنَى، بأَلف غَيْرِ مُنَوَّنَةٍ؛ وأَنشد:
خَلِيلَيَّ، لَا تسْتَعْجِلا وتَبَيَّنا ... بِوادِي حَبَوْنَى، هَلْ لهنَّ زَوالُ؟
وَلَا تَيْأَسا مِنْ رحمةِ اللَّهِ، وادْعُوَا ... بوادِي حَبَوْنَى أَن تَهُبَّ شَمالُ
. قَالَ: والأَصل حَبَوْنَنٌ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ، وَإِنَّمَا أَبدل النُّونَ أَلفاً لِضَرُورَةِ الشِّعْرِ فأَعلَّه؛ قَالَ وَعْلة الْجَرْمِيُّ:
وَلَقَدْ صَبَحتُكُم ببَطْنِ حَبَوْنَنٍ، ... وعلَيَّ إِنْ شَاءَ الإِلهُ ثَناءُ
. وَقَالَ أَبو الأَخْزَر الحُمَّاني:
بالثِّنْيِ مِنْ بِئْشةَ أَو حَبَوْنَن
وأَنشد ابْنُ خَالَوَيْهِ:
سَقى أَثْلَةٌ بالفِرْقِ فِرْقِ حَبَوْنَنٍ، ... مِنَ الصَّيفِ، زَمْزامُ العشِيّ صَدُوق.
حتن: الحَتْنُ والحِتْنُ: المِثْلُ والقِرْنُ والمُساوِي. وَيُقَالُ: هُمَا حَتْنانِ وحِتْنانِ أَي سِيَّانِ، وَذَلِكَ إِذَا تَساويا فِي الرَّمْي. وتَحاتَنُوا: تساوَوْا. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَفَحِتْنُه فلانٌ
؛ الحِتْنُ الحَتْنُ، بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ: المِثْلُ والقِرْنُ. والمُحاتَنةُ: المُساواةُ، وكلُّ اثْنَيْنِ لَا يَتخالفانِ فَهُمَا حَتْنانِ، وَهُمَا حَتْنان وتِرْبان مُسْتَوِيان، وَهُمْ أَحْتانٌ أَتْنانٌ. والمحاتَنةُ: المسُاواةُ. والتَّحاتُنُ: التساوِي والتَّبارِي. وَالْقَوْمُ حَتَنى وحَتْنى أَي مُسْتَوونَ أَو مُتشابِهُون؛ الأَخيرة عَنْ ثَعْلَبٍ. ووقَعَت النَّبْلُ حَتَنَى أَي
__________
(1) . قوله [وهذه الأَسماء إلخ] هكذا في الأَصل ولم نعثر عليها في المحكم ولا التهذيب والصحاح
(2) . قوله [والحبن الدفلى] في القاموس: والحبن بالفتح شجر الدفلى، وضبط في التكملة والمحكم بالتحريك(13/106)
مُتَسَاوِيَةً. وتحاتَنَ الرَّجُلان: تَرامَيا فَكَانَ رَمْيهُما وَاحِدًا، وَالِاسْمُ الحَتْنى؛ وَفِي الْمَثَلِ:
الحَتَنَى لَا خيرَ فِي سَهْم زَلَجْ
. وَهُوَ رَجَزٌ. وَالزَّالِجُ مِنَ السِّهَامِ: الَّذِي مَرَّ عَلَى وَجْهِ الأَرض حَتَّى وقَع فِي الهدَف وَلَمْ يُصب الْقِرْطَاسَ، وَهُوَ مثَلٌ فِي تَتْمِيمِ الإِحسان ومُوالاتِه. ووقَعَت السِّهامُ فِي الهدَف حَتَنَى أَي مُتقاربة المَواقع ومُتساويَتَها؛ أَنشد الأَصمعي:
كأَنَّ صَوْتَ ضَرْعِها تُساجِلُ، ... هاتِيك هَاتَا حَتَنَى تُكايِلُ،
لَدْمُ العُجَى تَلْكُمُها الجَنادِلُ
. والحَتَنُ: متابعةُ السِّهام المُقَرْطِسَة أَي الَّتِي تُصِيب القِرْطاس؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
وَهَلْ غَرَضٌ يَبْقَى عَلَى حَتَن النَّبْل؟
وحَتِنَ الحَرُّ: اشتدَّ. ويومٌ حاتِنٌ: اسْتَوَى أَوَّله وآخرُه فِي الْحَرِّ. وتحاتَنَ الدمعُ: وقَعَ دَمْعَتَيْن دَمعَتَيْن، وَقِيلَ: تتابَع مُتساوياً؛ قَالَ الطِّرماح:
كأَنَّ العُيونَ المُرْسَلاتِ، عَشِيَّةً، ... شَآبيبُ دَمْعِ العَبْرَة المُتَحاتِن
. والحَتَنُ: مِنْ قَوْلِكَ تحاتَنَت دُموعُه إِذَا تتابَعَت. وتحاتَنَت الخِصال فِي النِّصال: وَقَعَتْ فِي أَصل الْقِرْطَاسِ عَلَى تقَارُبٍ أَو تساوٍ. الأَزهري: الخَصْلةُ كُلُّ رَمِيَّةٍ لَزِمَت الْقِرْطَاسَ مِنْ غَيْرِ أَن تُصيبَه، قَالَ: إِذَا وَقَعَتْ خَصَلاتٌ فِي أَصل القِرْطاس قِيلَ تَحاتَنَت أَي تتابَعَت، قَالَ: وأَهلُ النِّضَال يَحْسَبُونَ كُلَّ خَصْلَتَيْن مُقَرْطِسةً، قَالَ: وَإِذَا تصارَع الرَّجُلان فصُرع أَحدُهما وَثَبَ ثُمَّ قَالَ:
الحَتَنَى لَا خَيْرَ فِي سَهْمٍ زَلَج
. وَقَوْلُهُ الحَتَنَى أَي عاوِدِ الصِّراع، والزّالجُ: السَّهمُ الَّذِي يَقَعُ بالأَرض ثُمَّ يُصِيبُ القِرْطاسَ، قَالَ: والتَّحاتُنُ التَّبارِي؛ قَالَ النَّابغة يَصِفُ الرِّياح واختلافَها:
شَمال تُجاذِبْها الجَنُوبُ بعَرْضِها، ... ونَزْعُ الصَّبَا مُورَ الدَّبُورِ يُحاتِنُ
. والمُحْتَتِنُ: الشيءُ الْمُسْتَوِي لَا يُخَالِفُ بعضُه بَعْضًا، وَقَدِ احْتَتَنَ؛ فأَما مَا أَنشده ابْنُ الأَعرابي مِنْ قَوْلِهِ:
كأَنَّ صَوْتَ شُخْبِها المُحْتانِ، ... تحتَ الصَّقِيعِ، جَرْشُ أُفْعُوانِ
. فَإِنَّهُ قَالَ: يَعْنِي اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَعرف كَيْفَ هَذَا إِنَّمَا مَعْنَاهُ عِنْدِي المُحْتَتِنُ أَي الْمُسْتَوِي، ثُمَّ حَذَفَ تَاءَ مُفْتَعل فَبَقِيَ المُحْتَن، ثُمَّ أَشبع الْفَتْحَةَ فَقَالَ المُحْتان كَقَوْلِهِ:
ومِن عَيْبِ الرِّجالِ بمُنتزَاحِ
. أَراد بمنتَزَحٍ فأَشْبَع. واحْتَتَنَ الشَّيءُ: استَوى؛ قَالَ الطِّرماح:
تِلْكَ أَحْسابُنا، إِذَا احْتَتَنَ الخَصْلُ، ... ومُدَّ المَدَى مَدَى الأَعْراضِ.
احْتَتَنَ الخَصْلُ أَي اسْتَوَى إصابةُ المُتَناضِلَيْن. والخَصْلةُ: الإِصابةُ. وَيُقَالُ: فُلَانٌ سِنُّ فلانٍ وتِنُّه وحِتْنُه إِذَا كَانَ لِدَتَه على سِنِّه. وجئْ بِهِ مِنْ حَتْنِك أَي مِنْ حَيْثُ كَانَ. وحَوْتَنان: موضعٌ، وَقِيلَ: حَوْتَنانان وادِيانِ فِي بِلَادِ قَيْس كلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُقَالُ لَهُ حَوْتَنان؛ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا تَمِيمُ بْنُ مُقْبِلٍ فَقَالَ:
ثُمَّ اسْتَغاثُوا بماءٍ لَا رِشاءَ لَهُ ... مِنْ حَوْتَنانَيْن، لَا مِلْح وَلَا زَنَن
. وَلَا زَنَن أَي لَا ضيِّق قَلِيلٌ. وَيُقَالُ: رَمَى القومُ(13/107)
فَوَقَعَتْ سِهامُهم حَتَنَى أَي مُسْتَوِيَةً لَمْ يَفْضُل واحدٌ مِنْهُمْ أَصحابَه. ابْنُ الأَعرابي: رَمَى فأَحْتَن إِذَا وَقَعَتْ سِهامُه كلُّها فِي مَوْضِعٍ واحد.
حثن: الحَثَنُ: حِصْرِمُ العِنَب، وَقِيلَ: هُوَ إِذَا كَانَ الحبُّ كرؤُوس الذَّرِّ، واحدتُه بِالْهَاءِ. وحُثُنٌ: موضعٌ جاءَ فِي شِعْرِ هُذَيْلٍ، وَهُوَ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ بِبِلَادِهِمْ؛ قَالَ قَيْسُ بْنُ خُوَيْلِدٍ الْهُذَلِيُّ:
أَرى حُثُناً أَمْسَى ذَليلًا كأَنه ... تُراثٌ، وخَلَّاه الصِّعاب الصَّعاتِر.
حجن: حَجَنَ العُودَ يَحْجِنُه حَجْناً وحَجَّنَه: عطَفَه. والحَجَنُ والحُجْنةُ والتحَجُّن: اعْوجاج الشَّيْءِ، وَفِي التَّهْذِيبِ: اعوِجاجُ الشَّيْءِ الأَحْجَنِ. والمِحْجَنُ والمِحْجَنَةُ: العَصَا المُعْوَجَّةُ. الْجَوْهَرِيُّ: المِحْجَنُ كالصَّوْلَجانِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه كَانَ يَسْتَلِم الرُّكْنَ بمِحْجَنَهِ
؛ المِحْجَنُ: عَصاً مُعَقَّفة الرأْس كالصَّوْلجان، قَالَ: وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ، وكلُّ مَعْطُوفٍ مُعْوجّ كَذَلِكَ؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
قَدْ صَرَّح السَّيْرُ عَنْ كُتْمانَ، وابتُذِلَت ... وَقْعُ المَحاجِنِ بالمَهْرِيَّةِ الذُّقُنِ
. أَراد: وابتُذِلَت المَحَاجِنُ، وأَنَّثَ الوَقْعَ لإِضافته إِلَى المَحاجِن. وفلانٌ لَا يَرْكُضُ المِحْجَن أَي لَا غَنَاءَ عِنْدِهِ، وأَصل ذَلِكَ أَن يُدْخَلَ مِحْجَن بَيْنَ رِجْلَي الْبَعِيرِ، فإنْ كَانَ البعيرُ بَليداً لَمْ يَرْكُض ذَلِكَ المِحْجَنَ، وَإِنْ كَانَ ذَكِيّاً رَكَض المِحْجَن ومضَى. والاحْتِجانُ: الفعلُ بالمِحْجَن. والصَّقْرُ أَحْجَنُ المِنْقارِ. وصقرٌ أَحْجَنُ المَخالِب: مُعَوَجُّها. ومِحْجَنُ الطائِرِ: مِنْقَارُه لاعْوِجاجِهِ. والتَّحْجِينُ: سِمةٌ مُعْوَجَّة، اسْمٌ كالتَّنْبيتِ والتَّمْتين. وَيُقَالُ: حَجَنْت البعيرَ فأَنا أَحْجِنُه، وَهُوَ بَعِيرٌ مَحْجون إِذَا وُسِمَ بِسِمَة المِحْجَن، وَهُوَ خَطٌّ فِي طرَفِهِ عَقْفة مِثْلُ مِحْجَنِ الْعَصَا. وأُذُنٌ حَجْنَاءُ: مائلةُ أَحد الطرَفين مِنْ قِبَل الْجَبْهَةِ سُفْلًا، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي أَقْبَل أَطراف إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخرى قِبَل الجَبْهة، وكلُّ ذَلِكَ مَعَ اعْوِجاج. الأَزهري: الحُجْنةُ مصدرٌ كالحَجَن، وَهُوَ الشعرُ الَّذِي جُعودته فِي أَطرافه. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَشَعْرٌ حَجِنٌ وأَحْجَنُ مُتَسَلْسِلٌ مُسْتَرْسِلٌ رَجِلٌ، فِي أَطْرافه شيءٌ مِنْ جُعودةٍ وتكسُّرٍ. وَقِيلَ: مُعَقّف متداخلٌ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ. قَالَ أَبو زَيْدٍ: الأَحْجَنُ الشعَرُ الرَّجِلُ. والحُجْنةُ: الرَّجَلُ. والسَّبِطُ: الَّذِي لَيْسَتْ فِيهِ حُجْنة. قَالَ الأَزهري: وَمِنَ الأُنوف أَحْجَنُ. وأَنْف أَحْجَنُ: مُقْبِل الرَّوْثةِ نحوَ الفمِ، زَادَ الأَزهري: واستأْخرت ناشِزتاه قُبْحاً. والحُجْنةُ: مَوْضِعٌ أَصابه اعْوِجاجٌ مِنَ الْعَصَا. والمِحْجَن: عَصًا فِي طرَفها عُقَّافة، وَالْفِعْلُ بِهَا الاحْتِجان. ابْنُ سِيدَهْ: الحُجْنةُ موضعُ الاعْوِجاج. وحُجْنةُ المِغْزَل، بِالضَّمِّ: هِيَ المُنْعَقِفةُ فِي رأْسه. وَفِي الْحَدِيثِ:
توضَع الرحِمُ يومَ الْقِيَامَةِ لَهَا حُجْنةٌ كحُجْنةِ المِغْزَل
أَي صِنّارتِه المُعْوَجَّة فِي رأْسه الَّتِي يُعَلَّق بِهَا الخيطُ يُفْتَلُ للغَزْل، وكلُّ مُتَعَقِّفٍ أَحْجَنُ. والحُجْنةُ: مَا اختَزَنْتَ مِنْ شَيْءٍ واخْتَصَصْتَ بِهِ نَفْسَكَ؛ الأَزهري: وَمِنْ ذَلِكَ يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا اختصَّ بِشَيْءٍ لِنَفْسِهِ قَدِ احْتَجَنه لِنَفْسِهِ دُونَ أَصحابه. والاحْتِجانُ: جمعُ الشَّيْءِ وضمُّه إِلَيْكَ، وَهُوَ افْتِعال مِنَ المِحْجَن. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَا أَقْطَعَك العَقيقَ لتَحْتَجنَه
أَي تتملَّكه دُونَ النَّاسِ. واحْتَجَن الشيءَ: احْتَوَى عَلَيْهِ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ ذِي يَزَن: واحْتَجَنّاه دُونَ غَيْرِنَا.
واحْتَجَنَ عَلَيْهِ: حَجَر. وحَجِنَ عَلَيْهِ حَجَناً: ضَنَّ. وحَجِنَ بِهِ: كحَجِيَ بِهِ، وَهُوَ نَحْوُ الأَول. وحَجِنَ(13/108)
بِالدَّارِ: أَقام. وحُجْنَةُ الثُّمامِ وحَجَنَتُه: خُوصتُه. وأَحْجَنَ الثُّمامُ: خَرَجَتْ حُجْنَتُه، وَهِيَ خُوصُهُ. وَفِي حَدِيثِ
أُصَيْل حِينَ قَدِمَ مِنْ مَكَّةَ: فسأَله رسول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: تركتُها قَدْ أَحْجَنَ ثُمامُها وأَعْذَقَ إذْخِرُها وأَمْشَرَ سَلَمُها، فَقَالَ: يَا أُصَيْل، دَعِ القلوبَ تَقِرُّ
، أَي بَدَا وَرَقُه «3» . والثُّمام نَبْتٌ مَعْرُوفٌ. والحَجَنُ: قَصَدٌ ينبُت فِي أَعراض عِيدان الثُّمام والضِّعةِ. والحَجَنُ: القُضْبانُ القِصَارُ الَّتِي فِيهَا الْعِنَبُ، واحدتُه حَجَنة. وَإِنَّهُ لمِحْجَنُ مالٍ: يَصْلُح المالُ عَلَى يَدَيْهِ ويُحْسِن رِعْيَته والقيامَ عَلَيْهِ؛ قَالَ نَافِعُ بْنُ لَقِيطٍ الأَسدي:
قَدْ عَنَّتَ الجَلْعَدُ شَيْخاً أَعْجَفا، ... مِحْجَنَ مالٍ أَينَمَا تَصَرَّفا
. واحْتِجانُ المالِ: إصْلاحُه وجَمْعُه وضَمُّ مَا انْتَشَرَ مِنْهُ. واحْتِجانُ مالِ غيرِك: اقتِطاعُه وسَرِقتُه. وصاحبُ المِحْجَن فِي الْجَاهِلِيَّةِ: رجلٌ كَانَ مَعَهُ محجَن، وَكَانَ يقْعُد فِي جادَّة الطَّرِيقِ فيأْخذ بمحْجنِه الشَّيْءَ بَعْدَ الشَّيْءِ مِنْ أَثاث المارَّة، فَإِنْ عُثِرَ عَلَيْهِ اعْتَلَّ بأَنه تَعَلَّقَ بمحْجنه، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ:
كَانَ يَسْرِقُ الحاجَّ بمحْجَنِه. فإِذا فُطِنَ بِهِ قَالَ تعلَّق بمِحْجَني
، وَالْجَمْعُ مَحاجِنُ. وَفِي حَدِيثِ الْقِيَامَةِ:
وجَعلَت المَحاجِنُ تُمْسِكُ رِجَالًا.
وحَجَنْت الشيءَ واحْتَجَنْتُه إِذَا جَذَبْتَه بالمِحْجَنِ إِلَى نَفْسِك؛ وَمِنْهُ قولُ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ فِي وصيَّتِه: عَلَيْكُمْ بِالْمَالِ واحْتِجانِه، وَهُوَ ضمُّكَه إِلَى نفْسِك وإِمساكُكَ إِيَّاهُ. وحَجَنَه عَنِ الشَّيْءِ: صَدَّه وصَرَفه؛ قَالَ:
وَلَا بُدَّ للمَشْعُوفِ مِنْ تَبَعِ الهَوى، ... إِذَا لَمْ يَزَعْه مِنْ هَوَى النَّفْسِ حاجِنُ
والغَزْوَةُ الحَجُونُ: الَّتِي تُظهر غَيْرَهَا ثُمَّ تُخَالِفُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ ويُقْصَدُ إِلَيْهَا، وَيُقَالُ: هِيَ الْبَعِيدَةُ قَالَ الأَعشى:
وَلَا بُدَّ مِنْ غَزوةٍ، فِي الرَّبيع، ... حَجُونٍ تُكِلُّ الوَقاحَ الشَّكورا
. وَيُقَالُ: سِرْنا عقَبةً حَجُوناً أَي بَعِيدَةً طَوِيلَةً. والحَجُونُ: موضعٌ بِمَكَّةَ نَاحِيَةٌ مِنَ الْبَيْتِ؛ قَالَ الأَعشى:
فَمَا أَنتَ مِنْ أَهل الحَجُونِ وَلَا الصَّفا، ... وَلَا لَكَ حَقُّ الشِّرْبِ فِي مَاءِ زَمْزَم
. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الحَجونُ، بِفَتْحِ الْحَاءِ، جبلٌ بِمَكَّةَ وَهِيَ مَقْبُرة. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الحرث بْنِ مُضاض بْنِ عَمْرٍو يتأَسَّف عَلَى الْبَيْتِ، وَقِيلَ هو للحرث الجُرْهمي:
كأَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الحَجونِ إِلَى الصَّفا ... أَنِيسٌ، وَلَمْ يَسْمُر بمكَّة سامِرُ
بَلى نَحْنُ كُنّا أَهلَها، فأَبادَنا ... صُروفُ اللَّيَالِي والجُدودُ العواثِرُ
. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه كَانَ عَلَى الحَجُون كَئيباً.
وَقَالَ ابْنُ الأَثير: الحَجُونُ الجبلُ المُشْرِف مِمَّا يَلي شِعْب الجَزَّارين بِمَكَّةَ، وَقِيلَ: هُوَ مَوْضِعٌ بِمَكَّةَ فِيهِ اعْوِجاج، قَالَ: وَالْمَشْهُورُ الأَوَّل، وَهُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ. والحَوْجَنُ، بِالنُّونِ: الوَرْدُ الأَحمر؛ عَنْ كُرَاعٍ. وَقَدْ سمَّوْا حَجْناً وحُجَيْناً وحَجْناءَ وأَحْجَنَ، وَهُوَ أَبو بَطْنٍ مِنْهُمْ، ومِحْجَناً، وَهُوَ مِحْجَن بْنُ عُطارِد العَنْبَريّ شَاعِرٌ مَعْرُوفٌ؛ وَذَكَرَ ابْنُ بَرِّيٍّ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ مَا صُورَتُهُ: والحَجِنُ المرأَةُ القليلةُ الطَّعْم؛ قَالَ الشَّمَّاخِ:
وَقَدْ عَرِقَتْ مَغابِنُها، وجادَتْ ... بِدرَّتِها قِرَى حَجِنٍ قَتِينِ
. قَالَ: والقَتِينُ مثل الحَجِين أَيضاً، أَراد بالحَجِن
__________
(3) . الضمير عائد إلى الثمام(13/109)
قُراداً، وَجَعَلَ عَرَق هَذِهِ النَّاقَةِ قُوتاً لَهُ، وَهَذَا الْبَيْتُ بِعَيْنِهِ ذَكَرَهُ الأَزهري وَابْنُ سِيدَهْ فِي تَرْجَمَةِ جحن، بِالْجِيمِ قَبْلَ الْحَاءِ، فإِما أَن يَكُونَ الشَّيْخُ ابْنُ بَرِّيٍّ وَجَدَ لَهُ وَجْهًا فَنَقَلَهُ أَو وَهم فيه.
حذن: الحُذُنَّتان: الأُذُنان، بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيدِ؛ قَالَ جَرِيرٌ:
يَا ابنَ الَّتِي حُذُنَّتاها باعُ
. وتُفْرَد فَيُقَالُ: حُذُنَّة. وَرَجُلٌ حُذُنَّة وحُذُنٌّ: صَغِيرُ الأُذنين خفيفُ الرأْسِ. وحُذْنُ الرجُلِ وحُذْلُه: حُجْزَتُه. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَن دخَل حَائِطًا فلْيأْكُلْ مِنْهُ غيرَ آخذٍ فِي حُذْنِه شَيْئًا
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ، وَهُوَ مِثْلُ الحُذْل، بِاللَّامِ، وَهُوَ طرفُ الإِزار أَو حُجْزةُ الْقَمِيصِ وطرَفُه. والحَوْذانةُ: بَقْلة مِنْ بُقول الرِّيَاضِ؛ قَالَ الأَزهري: رأَيتُها فِي رِياض الصَّمّان وقِيعانِها، وَلَهَا نَوْر أَصفرُ رائحتُه طيبة، وتجمع الحَوْذانَ.
حرن: حَرَنتِ الدابةُ تَحْرُن حِراناً وحُراناً وحَرُنَتْ، لُغَتَانِ، وَهِيَ حَرونٌ: وَهِيَ الَّتِي إِذا استُدِرَّ جَرْيُها وقَفَتْ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي ذَوَاتِ الْحَوَافِرِ خاصَّة، ونظيرُه فِي الإِبل اللِّجانُ والخِلاءُ، وَاسْتَعْمَلَ أَبو عُبَيْدٍ الحِرانَ فِي النَّاقَةِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَا خَلأَت وَلَا حَرَنَتْ وَلَكِنْ حَبَسَها حابِسُ الفِيل.
وَفَرَسٌ حَرُونٌ مِنْ خَيْل حُرُنٍ: لَا يَنْقادُ، إِذا اشْتَدَّ بِهِ الجَرْيُ وَقَف. وَقَدْ حَرَنَ يَحْرُنُ حُرُوناً وحَرُنَ، بِالضَّمِّ أَيضاً: صَارَ حَرُوناً، وَالِاسْمُ الحِرانُ. والحَرُونُ: اسْمُ فَرَسٍ كَانَ لباهِلَة، إِلَيْهِ تُنْسَبُ الْخَيْلُ الحَرُونِيَّة. والحَرُونُ: اسْمُ فَرَسِ مُسْلم بْنِ عمروٍ الباهليِّ فِي الإِسلام كَانَ يُسابِق الخيلَ، فإِذا اسْتُدرَّ جَرْيه وقَف حَتَّى تكادَ تسْبِقُه، ثُمَّ يَجْرِي فيسبِقها، وَفِي الصِّحَاحِ: حَرون اسمُ فرسِ أَبي صَالِحٍ مُسْلم بْنِ عمروٍ الْبَاهِلِيِّ وَالِدِ قُتَيْبة؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
إِذَا مَا قُريش خَلَا مُلْكُها، ... فإِنَّ الخِلافةَ فِي باهِلَهْ
لِرَبِّ الحَرونِ أَبي صَالِحٍ، ... وَمَا ذَاكَ بالسُّنَّة العادلَهْ
. وَقَالَ الأَصمعي: هُوَ مِنْ نَسْل أَعوج، وَهُوَ الحَرون بْنُ الأَثاثيّ بْنِ الخُزَز بْنِ ذِي الصُّوفة بْنِ أَعْوج، قَالَ: وَكَانَ يسبِق الخيلَ ثمَ يَحْرُن حَتَّى تَلْحَقَه، فإِذا لَحِقَتْه سبَقها ثُمَّ حرَن ثُمَّ سبَقَها، وَقِيلَ: الحَرونُ فرسُ عُقبة بْنِ مُدْلِجٍ، وَمِنْهُ قِيلَ لِحَبِيبِ بْنِ المهلَّب أَو مُحَمَّدِ بْنِ المُهلَّب الحَرُون، لأَنه كَانَ يَحْرُنُ فِي الْحَرْبِ فَلَا يَبْرَحُ، اسْتُعِيرَ ذَلِكَ لَهُ وإِنما أَصله فِي الْخَيْلِ، وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: حَرَنَت الناقةُ قَامَتْ فَلَمْ تَبْرَحْ، وخَلأَت بركَتْ فَلَمْ تَقُمْ؛ والحَرونُ فِي قَوْلِ الشَّمَّاخِ:
وَمَا أَرْوَى، وإِن كَرُمَتْ عَلَيْنَا، ... بأَدْنَى مِنْ مُوَقَّفةٍ حَرونِ
. هِيَ الَّتِي لَا تَبْرَحُ أَعلى الجَبل مِنَ الصَّيْد. وَيُقَالُ: حَرَن فِي الْبَيْعِ إِذَا لَمْ يَزِد وَلَمْ يَنْقُص. والمَحارينُ مِنَ النَّحْل: اللَّواتي يَلْصَقْنَ بالخَلِيَّة حَتَّى يُنْتزَعْنَ بالمَحابِض؛ وَقَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
كأَنَّ أَصْواتَها، مِنْ حَيْثُ نسمَعُها، ... نَبْضُ المَحابضِ يَنْزِعْنَ المَحارِينا
. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الهاءُ فِي أَصواتها تعودُ عَلَى النَّواقيس فِي بيتٍ قَبْله، والمَحابضُ: عِيدانٌ يُشارُ بِهَا العسلُ، قَالَ: والمَحارينُ جَمْعُ مِحْرانٍ، وَهُوَ مَا حَرُنَ عَلَى الشَّهْد مِنَ النَّحْلِ فَلَا يَبْرَح عَنْهُ؛ الأَزهري: المَحارينُ مَا يموتُ مِنَ النَّحْلِ فِي عَسَلِهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: المَحارينُ(13/110)
مِنَ الْعَسَلِ مَا لَزِقَ بالخلِيَّة فعَسُر نَزْعُه، أُخذ مِنْ قَوْلِكَ حَرُن بِالْمَكَانِ حُرونة إِذَا لَزِمَهُ فَلَمْ يُفارِقْه، وكأَنَّ العسلَ حَرُن فعسُر اشتِيارُه؛ قَالَ الرَّاعِي:
كِناس تَنوفةٍ ظَلَّت إِليها ... هِجانُ الوَحْشِ حَارِنَةً حُرونا
. وَقَالَ الأَصمعي فِي قَوْلِهِ حَارِنَةً: متأَخرة، وَغَيْرُهُ يَقُولُ: لازِمة. والمَحارينُ: الشِّهادُ، وَهِيَ أَيضاً حَبّات القُطن، واحدتُها مِحْرانٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ بَيْتِ ابْنِ مُقْبِلٍ: يَخْلِجْنَ المَحارينا. وحَرّان: اسْمُ بَلَدٍ، وَهُوَ فَعّال، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ فَعْلانَ، وَالنِّسْبَةُ إِليه حَرْنانيٌّ، كَمَا قَالُوا مَنانيّ فِي النِّسْبَةِ إِلَى مَانِي، وَالْقِيَاسُ مانَوِيّ، وحَرّاني عَلَى مَا عَلَيْهِ الْعَامَّةُ. وحُرَينٌ: اسمٌ. وَبَنُو حِرْنَة: بُطَين «1» .
حردن: الحِرْدَوْنُ: دُوَيْبَّة تُشبِه الحِرْباءَ تَكُونُ بِنَاحِيَةِ مصرَ، حَمَاهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَهِيَ مليحةٌ مُوشَّاة بأَلوانٍ ونُقَط، قَالَ: وَلَهُ نِزْكانِ كَمَا أَنَّ للضَّبِّ نِزْكَيْن.
حرذن: الحِرْذَوْنُ: العَظَاءَةُ، مَثَّلَ بِهِ سِيبَوَيْهِ وَفَسَّرَهُ السِّيرَافِيُّ عَنْ ثَعْلَبٍ، وَهِيَ غَيْرُ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ. والحِرْذَوْنُ مِنَ الإِبل: الَّذِي يُرْكَبُ حَتَّى لَا تَبقى فِيهِ بقيَّة. الْجَوْهَرِيُّ: الحِرْذَوْنُ دُوَيْبَّة، بِكَسْرِ الْحَاءِ، وَيُقَالُ: هُوَ ذكرُ الضَّبِّ.
حرسن: الحُرْسُونُ: البعيرُ الْمَهْزُولُ؛ عَنِ الْهَجَرِيِّ؛ وأَنشد لعَمّار بْنِ البَوْلانِيّة الْكَلْبِيِّ:
وَتَابِعٌ غَيْرُ مَتْبُوعٍ، حَلائلُه ... يُزْجِينَ أَقْعِدَةً حُدْباً حَراسِينا
. والقصيدةُ الَّتِي فِيهَا هَذَا الْبَيْتُ مجرورةُ الْقَوَافِي؛ وأَولها:
وَدَّعْتُ نَجْداً، وَمَا قلْبي بمَحْزونِ، ... وداعَ مَنْ قَدْ سَلا عَنْهَا إِلَى حينِ
. الأَزهري عَنْ أَبي عَمْرٍو: إبِلٌ حَراسِينُ عِجافٌ مَجْهُودَةٌ؛ وَقَالَ:
يَا أُمَّ عَمْروٍ، مَا هداكِ لِفِتْيةٍ ... وخُوصٍ حَراسينٍ شَديدٍ لُغوبُها
أَبو عَمْرٍو: الحراسيمُ والحراسينُ السِّنون المُقْحِطات.
حرشن: حَرْشَنٌ: اسْمٌ. والحُرْشونُ: جنسٌ مِنَ الْقُطْنِ لَا ينْتَفِشُ وَلَا تُدَيّثُه المَطارِقُ؛ حَكَاهُ أَبو حَنِيفَةَ؛ وأَنشد:
كَمَا تَطايَر مَنْدُوفُ الحَراشينِ
. والحُرْشونُ: حَسَكةٌ صَغِيرَةٌ صُلْبة تتعلَّق بِصُوفِ الشَّاةِ، وأَنشد البيت أَيضاً.
حزن: الحُزْنُ والحَزَنُ: نقيضُ الفرَح، وَهُوَ خلافُ السُّرور. قَالَ الأَخفش: وَالْمِثَالَانِ يَعْتَقِبان هَذَا الضَّرْبَ باطِّرادٍ، والجمعُ أَحْزانٌ، لَا يكسَّر عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَقَدْ حَزِنَ، بِالْكَسْرِ، حَزَناً وتحازَنَ وتحَزَّن. وَرَجُلٌ حَزْنانٌ ومِحْزانٌ: شَدِيدُ الحُزْنِ. وحَزَنَه الأَمرُ يَحْزُنُه حُزْناً وأَحْزَنَه، فَهُوَ مَحْزونٌ ومُحْزَنٌ وحَزِينٌ وحَزِنٌ؛ الأَخيرة عَلَى النَّسب، مِنْ قَوْمٍ حِزانٍ وحُزَناءَ. الْجَوْهَرِيُّ: حَزَنَه لغةُ قُرَيْشٍ، وأَحْزَنه لغةُ تَمِيمٍ، وَقَدْ قُرِئَ بِهِمَا. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه كَانَ إِذَا حَزَنه أَمرٌ صلَّى
أَي أَوْقَعه فِي الحُزْن، وَيُرْوَى بِالْبَاءِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مَوْضِعِهِ، واحْتزَنَ وتحَزَّنَ بِمَعْنًى؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
بَكَيْتُ والمُحْتَزَن البَكِيُّ، ... وإِنما يأْتي الصِّبا الصّبِيُ
. وفلانٌ يقرأُ بالتَّحْزين إِذَا أَرَقَّ صَوْتَه. وقال سيبويه:
__________
(1) . قوله [وبنو حرنة بطين] كذا في الأَصل والمحكم بكسر فسكون، وفي القاموس والتكملة بكسر الحاء والراء وشد النون(13/111)
أَحْزَنَه جَعَلَهُ حَزِيناً، وحَزَنَه جعلَ فِيهِ حُزْناً، كأَفْتَنَه جَعَلَهُ فاتِناً، وفَتَنه جعلَ فِيهِ فِتنَة. وعامُ الحُزْنِ «2» . العامُ الَّذِي مَاتَتْ فِيهِ خديجةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وأَبو طَالِبٍ فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عامَ الحُزْنِ؛ حَكَى ذَلِكَ ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، قَالَ: وَمَاتَا قَبْل الهِجرة بِثَلَاثِ سِنِينَ. اللَّيْثُ: لِلْعَرَبِ فِي الحُزْن لغتانِ، إِذَا فَتَحُوا ثَقَّلوا، وَإِذَا ضَمُّوا خَفَّفوا؛ يُقَالُ: أَصابَه حَزَنٌ شَدِيدٌ وحُزْنٌ شَدِيدٌ؛ أَبو عَمْرٍو: إِذَا جَاءَ الحزَن مَنْصُوبًا فتَحوه، وَإِذَا جَاءَ مَرْفُوعًا أَو مَكْسُورًا ضَمُّوا الْحَاءَ كَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ
؛ أَي أَنه فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً
؛ أَي أَنه فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ. وَقَالَ: شْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ
، ضمُّوا الْحَاءَ هَاهُنَا؛ قَالَ: وَفِي اسْتِعْمَالِ الْفِعْلِ مِنْهُ لُغَتَانِ: تَقُولُ حَزَنَني يَحْزُنُني حُزْناً فأَنا مَحْزونٌ، وَيَقُولُونَ أَحْزَنَني فأَنا مُحْزَنٌ وَهُوَ مُحْزِنٌ، وَيَقُولُونَ: صوْتٌ مُحْزِنٌ وأَمرٌ مُحْزِن، وَلَا يَقُولُونَ صَوْتٌ حازنٌ. وَقَالَ غَيْرُهُ: اللُّغَةُ الْعَالِيَةُ حَزَنه يَحْزُنه، وأَكثر القرَّاء قرؤوا: وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ
، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ
؛ وأَما الْفِعْلُ اللَّازِمُ فإِنه يُقَالُ فِيهِ حَزِنَ يَحْزَنُ حَزَناً لَا غَيْرُ. أَبو زَيْدٍ: لَا يَقُولُونَ قَدْ حَزَنَه الأَمْرُ، وَيَقُولُونَ يَحْزُنُه، فَإِذَا قَالُوا أَفْعَلَه اللَّهُ فَهُوَ بالأَلف. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ حِينَ ذَكَر الغَزْوَ وذَكَر مَنْ يَغْزو وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَقَالَ: إِنَّ الشيطانَ يُحَزِّنُه
أَي يُوَسْوِس إِلَيْهِ ويُندِّمُه وَيَقُولُ لَهُ لِمَ تَرَكْتَ أَهْلَكَ ومالَكَ؟ فَيَقَعُ فِي الحُزْنِ ويبْطلُ أَجْرُه. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ
؛ قَالُوا فِيهِ: الحَزَنُ هَمُّ الغَداءِ والعَشاءِ، وَقِيلَ: هُوَ كُلُّ مَا يَحْزُن مِنْ حَزَنِ معاشٍ أَو حَزَنِ عذابٍ أَو حَزَنِ موتٍ، فَقَدْ أَذهبَ اللهُ عَنْ أَهل الجنَّة كلَّ الأَحْزانِ. والحُزَانةُ، بِالضَّمِّ وَالتَّخْفِيفِ: عِيَالُ الرَّجُلِ الَّذِينَ يَتَجَزَّنُ بأَمْرهم وَلَهُمْ. اللَّيْثُ: يَقُولُ الرجلُ لِصَاحِبِهِ كَيْفَ حَشَمُك وحُزانَتُك أَي كَيْفَ مَنْ تَتَحَزَّن بأَمْرِهم. وَفِي قَلْبِهِ عَلَيْكَ حُزانةٌ أَي فِتْنةٌ «3» . قَالَ: وَتُسَمَّى سَفَنْجقانِيَّةُ الْعَرَبِ عَلَى الْعَجَمِ فِي أَول قُدومهم الَّذِي اسْتَحَقُّوا بِهِ مِنَ الدُّورِ وَالضِّيَاعِ مَا اسْتَحَقوا حُزانةً. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والحُزانةُ قَدْمةُ العربِ عَلَى الْعَجَمِ فِي أَوّل قُدُومِهِمُ الَّذِي اسْتَحَقُّوا بِهِ مَا اسْتَحقُّوا مِنَ الدُّورِ والضِّياع؛ قَالَ الأَزهري: وَهَذَا كُلُّهُ بِتَخْفِيفِ الزَّايِ عَلَى فُعَالة. والسَّفَنْجَقانيَّة: شَرْطٌ كَانَ لِلْعَرَبِ عَلَى الْعَجَمِ بِخُراسان إِذَا أَخذوا بَلَدًا صُلْحاً أَن يَكُونُوا إِذَا مرَّ بِهِمُ الْجُيُوشُ أَفذاذاً أَو جماعاتٍ أَن يُنْزلوهم ويَقْرُوهم، ثُمَّ يُزَوِّدوهم إِلَى ناحيةٍ أُخرى. والحَزْنُ: بلادٌ للعَربِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والحَزْنُ مَا غلُظَ مِنَ الأَرض، وَالْجَمْعُ حُزُونٌ وَفِيهَا حُزُونةٌ؛ وَقَوْلُهُ:
الحَزْنُ بَابًا والعَقورُ كَلْباً
. أَجرى فِيهِ الِاسْمَ مُجْرى الصِّفَةِ، لأَن قَوْلَهُ الحَزْنُ بَابًا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ الوَعْر بَابًا والمُمْتَنِع بَابًا. وَقَدْ حَزُنَ المكانُ حُزونةً، جاؤوا بِهِ عَلَى بِنَاءِ ضِدِّه وَهُوَ قَوْلُهُمْ: مكانٌ سَهْلٌ وَقَدْ سَهُل سُهولة. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ المُسَيَّب: أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَراد أَن يُغَيِّرَ اسمَ جدِّه حَزْنٍ ويُسَمِّيَه سَهْلًا
__________
(2) . قوله [وعام الحزن] ضبط في الأَصل والقاموس بضم فسكون وصرح بذلك شارح القاموس، وضبط في المحكم بالتحريك
(3) . قوله [حزانة أي فتنة] ضبط في الأَصل بضم الحاء وفي المحكم بفتحها(13/112)
فأَبى، وَقَالَ: لَا أُغيِّر اسْمًا سَمَّاني بِهِ أَبي، قَالَ: فَمَا زَالَتْ فِينَا تِلْكَ الحُزونةُ بَعْدُ.
والحَزْنُ: المكانُ الْغَلِيظُ، وَهُوَ الخَشِنُ. والحُزونةُ: الخُشونة؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
الْمُغِيرَةِ: مَحْزون اللِّهْزِمة
أَي خَشِنها أَو أَنَّ لِهْزِمَته تَدَلَّتْ مِنَ الْكَآبَةِ. وَمِنْهُ حَدِيثُ
الشَّعْبِيِّ: أَحْزَنَ بِنَا المنزلُ
أَي صَارَ ذَا حُزونةٍ كأَخْصَبَ وأَجْدَبَ، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مِنَ قولهم أَحْزَنَ وأَسْهَلَ إِذَا رَكِبَ الحَزْنَ والسَّهْلَ، كأَنَّ المنزلَ أَرْكَبَهم الحُزونةَ حَيْثُ نَزلوا فِيهِ. قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الحَزْنُ حَزْنُ بَنِي يربوعٍ، وَهُوَ قُفٌّ غَلِيظٌ مَسِيرُ ثلاثِ ليالٍ فِي مِثْلِها، وَهِيَ بعيدةٌ مِنَ الْمِيَاهِ فَلَيْسَ تَرْعاها الشاءُ وَلَا الحُمُر، فَلَيْسَ فِيهَا دِمَنٌ وَلَا أَرْواث. وبعيرٌ حَزْنِيٌّ: يَرْعَى الحَزْنَ مِنَ الأَرض. والحَزْنةُ: لُغَةٌ فِي الحَزْنِ؛ وقولُ أَبي ذُؤَيْبٍ يَصِفُ مَطَرًا:
فَحَطَّ، مِنَ الحُزَنِ، المُغْفِراتِ، ... والطَّيْرُ تَلْثَقُ حَتَّى تَصِيحا
. قَالَ الأَصمعي: الحُزَنُ الْجِبَالُ الغلاظُ، الْوَاحِدَةُ حُزْنة مِثْلُ صُبْرةٍ وصُبَر، والمُغْفِراتُ: ذواتُ الأَغفار، والغُفْرُ: وَلَدُ الأُرْوية، والمُغْفِرات مفعولٌ بِحَطَّ، وَمَنْ رَوَاهُ فأَنزلَ مِنْ حُزَنِ المُغْفِراتِ حُذِفَ التَّنْوِينُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وتَلْثَق حَتَّى تَصِيحَا أَي ممَّا بِهَا مِنَ الْمَاءِ؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْمُتَنَخِّلِ الهذلي:
وأَكْسُوا الحُلَّة الشَّوْكاءَ خِدْني، ... وبَعْضُ الخَيْرِ فِي حُزَنٍ وِراطِ «1»
. والحَزْنُ مِنَ الدوابِّ: مَا خَشُنَ، صفةٌ، والأُنْثَى حَزْنةٌ؛ والحَزْنُ: قبيلةٌ مِنْ غَسَّانَ وَهُمُ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ الأَخطل فِي قَوْلِهِ:
تَسْأَلُه الصُّبْرُ مِنْ غَسَّان، إذْ حَضروا، ... والحَزْنُ: كَيْفَ قَراكَ الغِلْمةُ الجَشَرُ؟
وأَورده الْجَوْهَرِيُّ: كَيْفَ قَرَاهُ الْغِلْمَةُ الْجَشَرُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الصَّوَابُ كَيْفَ قَراك كَمَا أَورده غَيْرُهُ أَي الصُّبْرُ تسأَل عُمَيْر بنَ الحُباب، وَكَانَ قَدْ قُتِل، فَتَقُولُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ: كَيْفَ قَراكَ الغِلمةُ الجشَر، وَإِنَّمَا قَالُوا لَهُ ذَلِكَ لأَنه كَانَ يَقُولُ لَهُمْ: إِنَّمَا أَنتم جَشَرٌ، والجَشَرُ: الَّذِينَ يَبِيتون مَعَ إِبِلِهِمْ فِي مَوْضِعِ رَعْيِها وَلَا يَرْجِعُونَ إِلى بُيُوتِهِمْ. والحَزْنُ: بلادُ بَنِي يربوعٍ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
وَمَا لِيَ ذَنْبٌ، إنْ جَنُوبٌ تَنَفَّسَتْ ... بِنَفْحةِ حَزْنِيٍّ مِنَ النَّبْتِ أَخضرا
. قَالَ هَذَا رَجُلٌ اتُّهم بِسَرَق بَعِير فَقَالَ: لَيْسَ هُوَ عِنْدِي إنَّما نَزَع إِلَى الحَزْن الَّذِي هُوَ هَذَا البَلَد، يَقُولُ: جَاءَتِ الجَنُوبُ بريحِ البَقْلِ فنَزَع إِلَيْهَا؛ والحَزْنُ فِي قَوْلَ الأَعشى:
مَا رَوْضَةٌ، مِنْ رِياضِ الحَزْن، مُعْشِبَةٌ ... خَضْراءَ جادَ عَلَيْهَا مُسْبِلٌ هَطِلُ
. موضعٌ مَعْرُوفٌ كَانَتْ تَرْعَى فِيهِ إِبِلُ المُلوك، وَهُوَ مِنْ أَرض بَنِي أَسَدٍ. قَالَ الأَزهري: فِي بِلَادِ العَرب حَزْنانِ: أَحدهما حَزْن بَنِي يَرْبوعٍ، وَهُوَ مَرْبَعٌ مِنْ مَرابعِ العرَب فِيهِ رياضٌ وقِيعانٌ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَقُولُ مَنْ تَرَبَّعَ الحَزْنَ وتَشَتَّى الصَّمَّانَ وتَقَيَّظَ الشَّرَفَ فَقَدْ أَخْصَبَ، والحَزْنُ الآخرُ مَا بَيْنَ زُبالة فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ مُصْعِداً فِي بِلَادِ نَجْد، وَفِيهِ غِلَظٌ وارتفاعٌ، وَكَانَ أَبو عَمْرٍو يَقُولُ: الحَزْنُ والحَزْمُ الغَليظُ مِنَ الأَرض، وَقَالَ غَيْرُهُ: الحَزْمُ مِنَ الأَرض مَا احْتَزم من السَّيْل من
__________
(1) . قوله [وبعض الخير] أنشده في مادة شوك: وبعض القوم(13/113)
نَجَوات المُتُون والظُّهور، وَالْجَمْعُ الحُزُوم. والحَزْنُ: مَا غَلُظ مِنَ الأَرض فِي ارْتفاعٍ، وَقَدْ ذُكِرَ الحَزْم فِي مَكَانِهِ. قَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: أَوَّلُ حُزُونِ الأَرض قِفافُها وجِبالُها وقَواقِيها وخَشِنُها ورَضْمُها، وَلَا تُعَدُّ أَرضٌ طَيِّبَةٌ، وَإِنْ جَلُدَتْ، حَزْناً، وجمعُها حُزُون، قَالَ: وَيُقَالُ حَزْنَةٌ وحَزْن. وأَحْزَن الرجلُ إِذَا صَارَ فِي الحَزْن. قَالَ: وَيُقَالُ للحَزْن حُزُن لُغَتان؛ وأَنشد قول ابنِ مُقْبل:
مَرَابِعُهُ الحُمْرُ مِنْ صَاحَةٍ، ... ومُصْطَافُهُ فِي الوُعُولِ الحُزُنْ
. الحُزُن: جَمْعُ حَزْن. وحُزَن: جَبَلٌ؛ وَرُوِيَ بَيْتُ أَبي ذُؤَيْبٍ الْمُتَقَدِّمُ:
فأَنْزَلَ مِنْ حُزَن المُغْفِرات
. وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ مِنْ حُزُن، بِضَمِّ الْحَاءِ وَالزَّايِ. والحَزُون: الشَّاةُ السيِّئة الخُلق. والحَزينُ: اسْمُ شَاعِرٍ، وَهُوَ الْحَزِينُ الكِنانيُّ، وَاسْمُهُ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُهَيب، وَهُوَ الْقَائِلُ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ ووفَد إِلَيْهِ إِلَى مِصْرَ وَهُوَ وَالِيهَا يمدحُه فِي أَبيات مِنْ جُمْلَتِهَا:
لمَّا وقَفْت عَلَيْهِمْ فِي الجُموع ضُحًى، ... وَقَدْ تَعَرَّضَتِ الحُجَّابُ والخَدَمُ،
حَيَّيْتُه بسَلامٍ وَهُوَ مُرْتَفِقٌ، ... وضَجَّةُ القَوْمِ عِنْدَ الْبَابِ تَزْدَحِمُ
فِي كَفِّه خَيزُرانٌ رِيحُه عَبِق، ... فِي كَفِّ أَرْوَعَ فِي عِرْنِينِه شَمَمُ
يُغْضِي حَياءً ويُغْضَى مِنْ مَهابَتِهِ، ... فَمَا يُكَلَّمُ إلَّا حِينَ يَبْتَسِمُ «1»
وَهُوَ الْقَائِلُ أَيضاً يَهْجُو إِنْسَانًا بالبُخل:
كأَنَّما خُلِقَتْ كَفَّاه منْ حَجَرٍ، ... فَلَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ والنَّدَى عَمَلُ،
يَرَى التَّيَمُّمَ فِي بَرٍّ وَفِي بَحَرٍ، ... مَخَافَةَ أَنْ يُرى فِي كَفِّه بَلَلُ.
حزبن: الحَيْزَبونُ: الْعَجُوزُ مِنَ النِّسَاءِ؛ قَالَ الْقَطَامِيُّ:
إِذَا حَيْزَبونٌ تُوقِدُ النار، بعدَ ما ... تَلفَّعتِ الظَّلْماء مِنْ كلِّ جانِبِ
وَنَاقَةٌ حَيزَبون: شَهْمة حَديدة؛ وَبِهِ فسَّر ثَعْلَبٌ قَوْلَ الْحَذْلَمِيِّ يَصِفُ إِبِلًا:
تَلْبِطُ فِيهَا كلُّ حَيْزَبونِ
قَالَ الْفَرَّاءُ: أَنشدني أَبو الْقَمْقَامِ:
يَذْهَب مِنْهَا كلُّ حَيزَبونِ ... مانِعة بِغَيْرِهَا زَبونِ
الحَيزَبون: الْعَجُوزُ. والحَيزَبون: السَّيِّئَةُ الْخُلُقِ، وَهُوَ هَاهُنَا السَّيِّئَةُ الخُلق أَيضاً.
حسن: الحُسْنُ: ضدُّ القُبْح وَنَقِيضُهُ. الأَزهري: الحُسْن نَعْت لِمَا حَسُن؛ حَسُنَ وحَسَن يَحْسُن حُسْناً فِيهِمَا، فَهُوَ حاسِنٌ وحَسَن؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالْجَمْعُ مَحاسِن، عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، كأَنه جَمْعُ مَحْسَن. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: احْسُنْ إِنْ كنتَ حاسِناً، فَهَذَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَإِنَّهُ لَحَسَن، يُرِيدُ فِعْل الْحَالِ، وَجَمْعُ الحَسَن حِسان. الْجَوْهَرِيُّ: تَقُولُ قَدْ حَسُن الشيءُ، وَإِنْ شِئْتَ خَفَّفْت الضَّمَّةَ فَقُلْتَ: حَسْنَ الشيءُ، وَلَا يَجُوزُ أَن تنقُل الضَّمَّةَ إِلَى الْحَاءِ لأَنه خبَرٌ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ النقْل إِذَا كَانَ بِمَعْنَى الْمَدْحِ أَو الذَّم لأَنه يُشبَّه فِي جَوَازِ النَّقْل بنِعْم وبِئْس، وَذَلِكَ أَن الأَصل فِيهِمَا نَعِم وبَئِس، فسُكِّن ثَانِيهِمَا ونقِلتْ حَرَكَتُهُ إِلَى مَا قَبْلَهُ، فَكَذَلِكَ كلُّ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُمَا؛ قَالَ سَهْمُ بْنُ
__________
(1) . روي البيتان الأَخيران للفرزدق من قصيدته في مدح زين العابدين: هذا الذي تعرف البطحاء وطأته.(13/114)
حَنْظَلَةَ الغَنَوي:
لَمْ يَمْنَعِ الناسُ مِنِّي مَا أَردتُ، وَمَا ... أُعْطِيهمُ مَا أَرادوا، حُسْنَ ذَا أَدَبا
. أَراد: حَسُن هَذَا أَدَباً، فخفَّف ونقَل. وَرَجُلٌ حَسَنٌ بَسَن: إِتْبَاعٌ لَهُ، وامرأَة حَسَنة، وَقَالُوا: امرأَة حَسْناء وَلَمْ يَقُولُوا رَجُلٌ أَحْسَن، قَالَ ثَعْلَبٌ: وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يُقَالَ لأَنَّ الْقِيَاسَ يُوجِبُ ذَلِكَ، وَهُوَ اسْمٌ أُنِّث مِنْ غَيْرِ تَذْكير، كَمَا قَالُوا غُلَامٌ أَمرَد وَلَمْ يَقُولُوا جَارِيَةٌ مَرْداء، فَهُوَ تَذْكِيرٌ مِنْ غَيْرِ تأْنيث. والحُسّان، بِالضَّمِّ: أَحسَن مِنَ الحَسَن. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَرَجُلٌ حُسَان، مخفَّف، كحَسَن، وحُسّان، وَالْجَمْعُ حُسّانونَ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَلَا يُكَسَّر، استغْنَوْا عَنْهُ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ، والأُنثى حَسَنة، وَالْجَمْعُ حِسان كَالْمُذَكَّرِ وحُسّانة؛ قَالَ الشَّمَّاخُ:
دارَ الفَتاةِ الَّتِي كُنّا نَقُولُ لَهَا: ... يَا ظَبْيةً عُطُلًا حُسّانةَ الجِيدِ
. وَالْجَمْعُ حُسّانات، قَالَ سِيبَوَيْهِ: إِنَّمَا نَصَبَ دارَ بِإِضْمَارِ أَعني، وَيُرْوَى بِالرَّفْعِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: حَسِين وحُسَان وحُسّان مِثْلُ كَبير وكُبَار وكُبَّار وعَجيب وعُجاب وعُجَّاب وَظَرِيفٍ وظُراف وظُرَّاف؛ وَقَالَ ذُو الإِصبع:
كأَنَّا يَوْمَ قُرَّى ... إِنَّما نَقْتُل إِيَّانَا
قِياماً بَيْنَهُمْ كلُّ ... فَتًى أَبْيَضَ حُسّانا
. وأَصل قَوْلِهِمْ شَيْءٌ حَسَن حَسِين لأَنه مِنْ حَسُن يَحْسُن كَمَا قَالُوا عَظُم فَهُوَ عَظِيم، وكَرُم فَهُوَ كَرِيمٌ، كَذَلِكَ حَسُن فَهُوَ حَسِين، إِلَّا أَنه جَاءَ نَادِرًا، ثُمَّ قُلِبَ الفَعِيل فُعالًا ثُمَّ فُعّالًا إِذَا بُولِغَ فِي نَعْته فَقَالُوا حَسَنٌ وحُسَان وحُسّان، وَكَذَلِكَ كَرِيمٌ وكُرام وكُرّام، وَجَمْعُ الحَسْناء مِنَ النِّسَاءِ حِسانٌ وَلَا نَظِيرَ لَهَا إِلَّا عَجْفاء وعِجاف، وَلَا يُقَالُ لِلذَّكَرِ أَحْسَن، إِنَّمَا تَقُولُ هُوَ الأَحْسن عَلَى إِرَادَةِ التَّفْضِيلِ، وَالْجَمْعُ الأَحاسِن. وأَحاسِنُ الْقَوْمِ: حِسانهم. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَحاسِنُكم أَخْلاقاً المُوَطَّؤُون أَكنافاً
، وَهِيَ الحُسْنَى. والحاسِنُ: القَمَر. وحسَّنْتُ الشيءَ تحْسيناً: زَيَّنتُه، وأَحسَنْتُ إِلَيْهِ وَبِهِ، وَرَوَى الأَزهري عَنْ أَبي الْهَيْثَمِ أَنه قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي قِصَّةِ يُوسُفَ، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ
؛ أَي قَدْ أَحسن إِلَيَّ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: أَحسَنْتُ بفلانٍ وأَسأْتُ بفلانٍ أَي أَحسنت إِلَيْهِ وأَسأْت إِلَيْهِ. وَتَقُولُ: أَحْسِنْ بِنَا أَي أَحسِنْ إِلَيْنَا وَلَا تُسِئْ بِنَا؛ قَالَ كُثيِّر:
أَسِيئي بِنَا أَو أَحْسِنِي، لَا مَلومةٌ ... لَدَيْنا، وَلَا مَقْلِيَّةٌ إنْ تَقَلَّتِ
. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى
؛ قِيلَ أَراد الْجَنَّةَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ
؛ فالحُسْنى هِيَ الْجَنَّةُ، والزِّيادة النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهُ تَعَالَى. ابْنُ سِيدَهْ: والحُسْنى هُنَا الْجَنَّةُ، وَعِنْدِي أَنها المُجازاة الحُسْنى. والحُسْنى: ضدُّ السُّوأَى. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً
. قَالَ أَبو حَاتِمٍ: قرأَ
الأَخفش وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنى
، فَقُلْتُ: هَذَا لَا يَجُوزُ، لأَن حُسْنى مِثْلُ فُعْلى، وَهَذَا لَا يَجُوزُ إِلَّا بالأَلف وَاللَّامِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَذَا نصُّ لَفْظِهِ، وَقَالَ قَالَ ابْنُ جِنِّي: هَذَا عِنْدِي غيرُ لَازِمٍ لأَبي الْحَسَنِ، لأَن حُسْنى هُنَا غَيْرُ صِفَةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مصدرٌ بِمَنْزِلَةِ الحُسْن كَقِرَاءَةِ غَيْرِهِ: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً
، وَمِثْلُهُ فِي الفِعْل والفِعْلى: الذِّكْرُ والذِّكْرى، وَكِلَاهُمَا مَصْدَرٌ، وَمِنَ الأَول البُؤسُ والبُؤسى والنُّعْم والنُّعْمى، وَلَا يُسْتَوْحَش مِنْ(13/115)
تَشْبِيهِ حُسْنى بذِكرى لِاخْتِلَافِ الحركات، فسيبويه قَدْ عَمل مثلَ هَذَا فَقَالَ: ومثلُ النَّضْرِ الحَسَن إلَّا أَن هَذَا مُسَكَّن الأَوْسَط، يَعْنِي النَّضْرَ، وَالْجَمْعُ الحُسْنَيات «1» . والحُسَنُ، لَا يَسْقُطُ مِنْهُمَا الأَلف وَاللَّامُ لأَنها مُعاقبة، فأَما قِرَاءَةُ مَنْ قرأَ:
وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنى
، فَزَعَمَ الْفَارِسِيُّ أَنه اسْمُ المصدر، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً
، أَي قَوْلًا ذَا حُسْنٍ والخِطاب لِلْيَهُودِ أَي اصْدُقوا فِي صِفَةِ مُحَمَّدٍ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَرَوَى الأَزهري عَنْ أَحمد بْنِ يَحْيَى أَنه قَالَ: قَالَ بَعْضُ أَصحابنا اخْترْنا حَسَناً لأَنه يُرِيدُ قَوْلًا حَسَناً، قَالَ: والأُخرى مَصْدَرُ حَسُنَ يَحسُن حُسْناً، قَالَ: وَنَحْنُ نَذْهَبُ إِلى أَن الحَسَن شيءٌ مِنَ الحُسْن، والحُسْن شيءٌ مِنَ الْكُلِّ، وَيَجُوزُ هَذَا وَهَذَا، قَالَ: واخْتار أَبو حَاتِمٍ حُسْناً، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: مَنْ قرأَ حُسْناً بِالتَّنْوِينِ فَفِيهِ قَوْلَانِ أَحدهما وَقُولُوا لِلنَّاسِ قَوْلًا ذَا حُسْنٍ، قَالَ: وَزَعَمَ الأَخفش أَنه يَجُوزُ أَن يَكُونَ حُسْناً فِي مَعْنَى حَسَناً، قَالَ: وَمَنْ قرأَ حُسْنى فَهُوَ خَطَأٌ لَا يَجُوزُ أَن يقرأَ بِهِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ
؛ فَسَّرَهُ ثَعْلَبٌ فَقَالَ: الحُسْنَيان الموتُ أَو الغَلَبة، يَعْنِي الظفَر أَو الشَّهَادَةُ، وأَنَّثَهُما لأَنه أَراد الخَصْلتَين، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ
؛ أَي بِاسْتِقَامَةٍ وسُلوك الطَّرِيقِ الَّذِي درَج السَّابِقُونَ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً
؛ يَعْنِي إِبراهيم، صَلَوَاتُ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ، آتَيناه لِسانَ صِدْقٍ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ
؛ الصلواتُ الْخَمْسُ تكفِّر مَا بَيْنَهَا. والحَسَنةُ: ضدُّ السيِّئة. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها
؛ وَالْجَمْعُ حَسَنات وَلَا يُكسَّر. والمَحاسنُ فِي الأَعمال: ضدُّ المَساوي. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ*
؛ الَّذِينَ يُحْسِنون التأْويلَ. وَيُقَالُ: إِنه كَانَ يَنْصر الضَّعِيفَ ويُعين الْمَظْلُومَ ويَعُود الْمَرِيضَ، فَذَلِكَ إِحْسانه. وقوله تعالى: وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ*
؛ أَي يَدْفَعُونَ بِالْكَلَامِ الحَسَن مَا وردَ عَلَيْهِمْ مِنْ سَيِءِ غَيْرِهِمْ. وَقَالَ أَبو إِسحق فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ
؛ قَالَ: يَكُونَ تَمَامًا عَلَى المُحْسِن، الْمَعْنَى تَمَامًا مِنَ اللَّهِ عَلَى المُحْسِنين، وَيَكُونُ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَن عَلَى الَّذِي أَحْسَنه مُوسَى مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ واتِّباع أَمره، وَقَالَ: يُجْعل الَّذِي فِي مَعْنَى مَا يُرِيدُ تَمَامًا عَلَى مَا أَحْسَنَ مُوسَى. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ*
؛ قِيلَ: هُوَ أَن يأْخذَ مِنْ مَالِهِ مَا سَتَرَ عَوْرَتَه وسَدَّ جَوعَتَه. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ
؛ فَسَّرَهُ ثَعْلَبٌ فَقَالَ: هُوَ الَّذِي يَتَّبع الرَّسُولَ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ
؛ أَحْسَنَ يَعْنِي حَسَّنَ، يَقُولُ حَسَّنَ خَلْقَ كلِّ شيءٍ، نَصَبَ خلقَه عَلَى الْبَدَلِ، وَمَنْ قرأَ خَلَقه فَهُوَ فِعْلٌ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى
، تأْنيث الأَحسن. يُقَالُ: الِاسْمُ الأَحْسَن والأَسماء الحُسْنى؛ وَلَوْ قِيلَ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ الحُسْن لَجاز؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى؛ لأَن الْجَمَاعَةَ مؤَنثة. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً
؛ أَي يَفْعَلُ بِهِمَا مَا يَحْسُنُ حُسْناً. وقوله تعالى: اتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ
؛ أَي اتَّبعوا الْقُرْآنَ، وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ: نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ
، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً
؛ أَي نِعْمةً، وَيُقَالُ حُظوظاً حسَنة. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ
، أَي نِعْمة، وَقَوْلُهُ: إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ
، أَي غَنيمة وخِصب،
__________
(1) . قوله [والجمع الحسنيات] عبارة ابن سيدة بعد أن ساق جميع ما تقدم: وقيل الحسنى العاقبة والجمع إلخ فهو راجع لقوله وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى(13/116)
وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ، أَي مَحْلٌ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها
؛ أَي يَعْمَلُوا بحَسَنِها، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ نَحْوَ مَا أَمَرنا بِهِ مِنَ الِانْتِصَارِ بَعْدَ الظُّلْمِ، والصبرُ أَحسَنُ مِنَ القِصاص والعَفْوُ أَحسَنُ. والمَحاسِنُ: الْمَوَاضِعُ الحسَنة مِنَ البَدن. يُقَالُ: فُلَانَةٌ كَثِيرَةُ المَحاسِن؛ قَالَ الأَزهري: لَا تَكَادُ الْعَرَبُ توحِّد المَحاسِن، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَاحِدُهَا مَحْسَن؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَيْسَ هَذَا بالقويِّ وَلَا بِذَلِكَ الْمَعْرُوفِ، إِنما المَحاسِنُ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ وَجُمْهُورِ اللُّغَوِيِّينَ جمعٌ لَا وَاحِدَ لَهُ، وَلِذَلِكَ قَالَ سِيبَوَيْهِ: إِذا نسبْتَ إِلى مَحَاسِنٍ قُلْتَ مَحاسِنيّ، فَلَوْ كَانَ لَهُ وَاحِدٌ لرَدَّه إِليه فِي النَّسَبِ، وإِنما يُقَالُ إِن واحدَه حَسَن عَلَى الْمُسَامَحَةِ، وَمِثْلُهُ المَفاقِر والمَشابِه والمَلامِح وَاللَّيَالِي. وَوَجْهٌ مُحَسَّن: حَسَنٌ، وحسَّنه اللَّهُ، لَيْسَ مِنْ بَابِ مُدَرْهَم ومفؤود كَمَا ذَهَبَ إِليه بَعْضُهُمْ فِيمَا ذُكِر. وطَعامٌ مَحْسَنةٌ لِلْجِسْمِ، بِالْفَتْحِ: يَحْسُن بِهِ. والإِحْسانُ: ضدُّ الإِساءة. وَرَجُلٌ مُحْسِن ومِحسان؛ الأَخيرة عَنْ سِيبَوَيْهِ، قَالَ: وَلَا يُقَالُ مَا أَحسَنَه؛ أَبو الْحَسَنِ: يَعْنِي منْ هَذِهِ، لأَن هَذِهِ الصِّيغَةَ قَدِ اقْتَضَتْ عِنْدَهُ التَّكْثِيرَ فأَغْنَتْ عَنْ صِيغَةِ التَّعَجُّبِ. وَيُقَالُ: أَحْسِنْ يَا هَذَا فإِنك مِحْسانٌ أَي لَا تَزَالُ مُحْسِناً.
وَفَسَّرَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الإِحسانَ حِينَ سأَله جِبْرِيلُ، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا وَسَلَامُهُ، فَقَالَ: هُوَ أَن تَعْبُدَ اللَّهَ كأَنك تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإِنه يَراك
، وَهُوَ تأْويلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ
؛ وأَراد بالإِحسان الإِخْلاص، وَهُوَ شرطٌ فِي صِحَّةِ الإِيمان والإِسلام مَعًا، وَذَلِكَ أَن مَنْ تلفَّظ بِالْكَلِمَةِ وَجَاءَ بِالْعَمَلِ مِنْ غَيْرِ إِخْلاص لَمْ يَكُنْ مُحْسِناً، وإِن كَانَ إِيمانُه صَحِيحًا، وَقِيلَ: أَراد بالإِحسان الإِشارةَ إِلى المُراقبة وحُسْن الطَّاعَةِ، فَإِنَّ مَنْ راقَبَ اللهَ أَحسَن عمَله، وَقَدْ أَشار إِليه فِي الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ:
فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإِنه يَرَاكَ
، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ
؛ أَي مَا جزاءُ مَنْ أَحْسَن فِي الدُّنيا إِلا أَن يُحْسَنَ إِليه فِي الْآخِرَةِ. وأَحسَنَ بِهِ الظنَّ: نقيضُ أَساءَه، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الإِحسان والإِنعام أَن الإِحسانَ يَكُونُ لنفسِ الإِنسان وَلِغَيْرِهِ، تَقُولُ: أَحْسَنْتُ إِلى نَفْسِي، والإِنعامُ لَا يَكُونُ إِلا لِغَيْرِهِ. وكتابُ التَّحاسين: خِلَافُ المَشْق، ونحوُ هَذَا يُجْعَل مَصْدَرًا ثُمَّ يُجْمَعُ كالتَّكاذِيب والتَّكاليف، وَلَيْسَ الجمعُ فِي الْمَصْدَرِ بفاشٍ، وَلَكِنَّهُمْ يُجْرُون بَعْضَهُ مُجْرى الأَسماء ثُمَّ يَجْمَعُونَهُ. والتَّحاسينُ: جمعُ التَّحْسِين، اسْمٌ بُنِيَ عَلَى تَفْعيل، ومثلُه تَكاليفُ الأُمور، وتَقاصيبُ الشَّعَرِ مَا جَعُدَ مِنْ ذَوائِبه. وَهُوَ يُحْسِنُ الشيءَ أَي يَعْمَله، ويَسْتَحْسِنُ الشيءَ أَي يَعُدُّه حَسَناً. وَيُقَالُ: إِني أُحاسِنُ بِكَ الناسَ. وَفِي النَّوَادِرِ: حُسَيْناؤُه أَن يَفْعَلَ كَذَا، وحُسَيْناه مِثْلُه، وَكَذَلِكَ غُنَيْماؤه وحُمَيْداؤه أَي جُهْدُه وغايتُه. وحَسَّان: اسْمُ رَجُلٍ، إِن جَعَلْتَهُ فعَّالًا مِنَ الحُسْنِ أَجْرَيْتَه، وإِن جَعَلْتَه فَعْلَانَ مِنَ الحَسِّ وَهُوَ القَتْل أَو الحِسِّ بِالشَّيْءِ لَمْ تُجْرِه؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنه مِنَ الحِسِّ أَو مِنَ الحَسِّ، وَقَالَ: ذَكَرَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ أَنه فَعَّالٌ مِنَ الحُسْنِ، قَالَ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وتصغيرُ فعَّالٍ حُسَيْسِين، وتصغيرُ فَعْلانَ حُسَيْسان. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وحَسَنٌ وحُسَيْن يقالانِ بِاللَّامِ فِي التَّسْمِيَةِ عَلَى إِرادة الصِّفَةِ، وَقَالَ قَالَ سِيبَوَيْهِ: أَما الَّذِينَ قَالُوا الحَسَن، فِي اسْمِ الرَّجُلِ، فَإِنَّمَا أَرادوا أَن يَجْعَلُوا الرجلَ هُوَ الشيءَ بِعَيْنِهِ وَلَمْ يَجْعلوه سُمِّيَ بِذَلِكَ،(13/117)
وَلَكِنَّهُمْ جَعَلُوهُ كأَنه وصفٌ لَهُ غَلَب عَلَيْهِ، وَمَنْ قَالَ حَسَن فَلَمْ يُدْخِل فِيهِ الأَلفَ واللامَ فَهُوَ يُجْريه مُجْرَى زيدٍ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي ليلةٍ ظَلْماءَ حِنْدِسٍ وعندَه الحَسَنُ والحُسَيْنُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فسَمِعَ تَوَلْوُلَ فاطمةَ، رضوانُ اللَّهِ عَلَيْهَا، وَهِيَ تُنادِيهما: يَا حَسَنانِ يَا حُسَيْنانِ فَقَالَ: الْحَقا بأُمّكما
؛ غَلَّبَت أَحدَ الِاسْمَيْنِ عَلَى الْآخَرِ كَمَا قَالُوا العُمَران لأَبي بَكْرٍ وَعُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، والقَمَران لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَيَحْتَمِلُ أَن يَكُونَ كَقَوْلِهِمُ الجَلَمانُ للجَلَم، والقَلَمانُ للمِقْلامِ، وَهُوَ المِقْراضُ، وَقَالَ: هَكَذَا رَوَى سَلَمَةُ عَنِ الْفَرَّاءِ، بِضَمِّ النُّونِ فِيهِمَا جَمِيعًا، كأَنه جَعَلَ الِاسْمَيْنِ اسْمًا وَاحِدًا فأَعطاهما حَظَّ الِاسْمِ الْوَاحِدِ مِنَ الإِعراب. وَذَكَرَ الْكَلْبِيُّ أَن فِي طيِء بَطْنَيْن يُقَالُ لَهُمَا الحسَن والحُسَيْن. والحَسَنُ: اسمُ رَمْلَةٍ لِبَنِي سَعْد؛ وَقَالَ الأَزهري: الحَسَنُ نَقاً فِي دِيَارِ بَنِي تَمِيمٍ مَعْرُوفٌ، وَجَاءَ فِي الشِّعْرِ الحَسَنانُ، يُرِيدُ الحَسَنَ وَهُوَ هَذَا الرملُ بِعَيْنِهِ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: قُتِل بِهَذِهِ الرَّمْلَةِ أَبو الصَّهْباء بِسْطامُ بنُ قيْس بنِ خالدٍ الشَّيْبانيِّ، يَوْمَ النَّقَا، قتَله عاصِمُ بْنُ خَلِيفةَ الضَّبِّي، قَالَ: وهما جَبَلانِ أَو نَقَوانِ، يُقَالُ لأَحد هذين الجَبَلَيْن الحَسَن؛ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَنَمة الضَّبّيّ فِي الحَسَن يَرْثِي بِسْطَامَ بنَ قَيْس:
لأُمِّ الأَرضِ وَيْلٌ مَا أَجَنَّتْ، ... بحيثُ أَضَرَّ بالحَسَنِ السَّبيلُ
. وَفِي حَدِيثِ
أَبي رَجاء العُطارِدِيِّ: وَقِيلَ لَهُ مَا تَذْكُر؟ فَقَالَ: أَذْكُرُ مَقْتَلَ بِسْطام بنِ قَيْسٍ على الحَسَنِ
؛ هو بِفَتْحَتَيْنِ: جَبَل مَعْرُوفٌ مِنْ رَمْلٍ، وَكَانَ أَبو رَجَاءٍ قَدْ عُمِّر مِائَةً وثمانِياً وَعِشْرِينَ سَنَةً، وإِذا ثُنِّيَتْ قُلْتَ الحَسَنانِ؛ وأَنشد ابْنُ سِيدَهْ فِي الحَسَنين لشَمْعَلة بْنِ الأَخْضَر الضَّبِّيّ:
ويوْمَ شَقيقةِ الحَسَنَيْنِ لاقَتْ ... بَنُو شَيْبان آجَالًا قِصارا
شَكَكْنا بالأَسِنَّة، وهْيَ زُورٌ، ... صِماخَيْ كَبْشِهم حَتَّى اسْتَدارا
فَخَرَّ عَلَى الأَلاءةِ لَمْ يُوَسَّدْ، ... وَقَدْ كَانَ الدِّماءُ لَهُ خِمارا
قَوْلُهُ: وَهِيَ زُورٌ يَعْنِي الخيلَ، وأَنشد فِيهِ ابنُ بَرِّيٍّ لِجَرِيرٍ:
أَبَتْ عيْناكِ بالحَسَنِ الرُّقادا، ... وأَنْكَرْتَ الأَصادِقَ والبِلادا
وأَنشد الْجَوْهَرِيُّ فِي حُسَيْن جَبَلٍ:
تَركْنَا، بالنَّواصِف مِنْ حُسَيْنٍ، ... نساءَ الحيِّ يَلْقُطْنَ الجُمانا.
فحُسَيْنٌ هَاهُنَا: جبلٌ. ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ أَحْسَنَ الرجلُ إِذا جَلَسَ عَلَى الحَسَنِ، وَهُوَ الكثيبُ النَّقِيّ الْعَالِي، قَالَ: وَبِهِ سُمِّيَ الْغُلَامُ حَسَناً. والحُسَيْنُ: الجبَلُ الْعَالِي، وَبِهِ سُمِّيَ الْغُلَامُ حُسَيْناً. والحَسَنانِ: جبلانِ، أَحدُهما بإِزاء الْآخَرِ. وحَسْنَى: مَوْضِعٌ. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: إِذا ذكَر كُثيِّر غَيْقةَ فَمَعَهَا حَسْنَى، وَقَالَ ثَعْلَبٌ: إِنما هُوَ حِسْيٌ، وإِذا لَمْ يَذْكُرْ غيْقةَ فحِسْمَى. وَحَكَى الأَزهري عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَمْزَةَ: الحَسَنُ شَجَرُ الأَلاء مُصْطفّاً بكَثيب رمْلٍ، فالحسَنُ هُوَ الشجرُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِحُسْنِه ونُسِبَ الكثيبُ إِليه فَقِيلَ نَقا الحَسَنِ، وَقِيلَ: الحَسَنةُ جبلٌ أَمْلَسُ شاهقٌ لَيْسَ بِهِ صَدْعٌ، والحَسَنُ جمعُه؛ قَالَ أَبو صعْتَرة البَوْلانِيُّ:(13/118)
فَمَا نُطْفةٌ مِنْ حَبِّ مُزْنٍ تَقاذَفَتْ ... بِهِ حَسَنُ الجُودِيّ، والليلُ دامِسُ
. وَيُرْوَى: بِهِ جَنْبَتا الجُودِيِّ، والجودِيُّ وادٍ، وأَعلاه بأَجَأَ فِي شواهِقها، وأَسفلُه أَباطحُ سهلةٌ، ويُسَمِّي الحَسَنةَ أَهلُ الْحِجَازِ المَلقَة.
حشن: الحَشَنُ: الوسَخُ؛ قَالَ:
بِرُغَثاوَيْهِ مُبِيناً حَشَنُه
والحَشَنُ أَيضاً: اللَّزِجُ مِنْ دَسَمِ البدَنِ، وَقِيلَ: هُوَ الوسخُ الَّذِي يتَراكَبُ فِي دَاخِلِ الوَطْبِ، وَقَدْ حشِنَ السِّقَاءُ يَحْشَنُ حَشَناً، فَهُوَ حَشِنٌ: أَنْتَنَ، وأَحْشَنْتُه أَنا إِحْشاناً إِذا أَكْثَرْتَ استِعْمالَه بِحَقْنِ اللَّبَنِ فِيهِ، وَلَمْ تَتَعَهَّدْه بالغَسْل، وَلَا بِمَا يُنَظِّفُه مِنَ الوَضَر والدَّرَن، فأَرْوَحَ وتغيَّر باطنُه ولَزِق بِهِ وَسَخُ اللَّبَنِ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
وإِن أَتاها ذُو فِلاقٍ وحَشَنْ، ... تُعارِض الكَلْبَ، إِذا الكلبُ رَشَنْ.
يَعْنِي وَطْباً تَفَلَّقَ لبنُه ووَسِخَ فَمُه. وحُشِنَ عَنِ الوطبِ: كَثُر وَسَخُ اللَّبن عَلَيْهِ فقُشِر عَنْهُ؛ هَذِهِ رِوَايَةُ ثَعْلَبٍ، وأَما ابْنُ الأَعرابي فَرَوَاهُ: حُشِرَ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي الْهَيْثَمِ بْنِ التَّيِّهان: مِنْ حِشَانةٍ
أَي سِقاءٍ مُتغيِّر الرِّيحِ. والحِشْنةُ: الحِقْدُ؛ أَنشد الأُمَوِيّ:
أَلا لَا أَرَى ذَا حِشْنةٍ فِي فؤادِه ... يُجَمْجِمُها، إِلَّا سيَبْدُو دَفينُها
. وَقَالَ شَمِرٌ: وَلَا أَعرف الحِشْنةَ، قَالَ: وأُراه مأْخوذاً مِنْ حَشِنَ السِّقاء إِذا لَزِق بِهِ وَضَرُ اللبَنِ. والمُحْشَئنُّ: الغَضْبان، وَالْخَاءُ لُغَةٌ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: والتَّحَشُّن الِاكْتِسَابُ؛ وأَنشد لأَبِي مَسْلَمَة المُحاربيِّ:
تَحشّنْتُ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ لَعَلَّنِي ... بعاقبةٍ أُغْني الضعيفَ الحَزَوَّرا
. قَالَ: وَقَالَ غَيْرُهُ التَّحَشُّنُ التوسُّخ. والحَشَنُ الوسَخُ، قَالَ: وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي هَذَا الْفَصْلِ. وَفِي الْحَدِيثِ ذكرُ حُشَّانٍ، وَهُوَ بِضَمِّ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الشِّينِ، أُطُمٌ مِنْ آطَامِ الْمَدِينَةِ عَلَى طريقِ قُبورِ الشُّهداء.
حصن: حَصُنَ المكانُ يَحْصُنُ حَصانةً، فَهُوَ حَصِين: مَنُع، وأَحْصَنَه صاحبُه وحَصَّنه. والحِصْنُ: كلُّ مَوْضِعٍ حَصِين لَا يُوصَل إِلى مَا فِي جَوْفِه، وَالْجَمْعُ حُصونٌ. وحِصْنٌ حَصِينٌ: مِنَ الحَصانة. وحَصَّنْتُ الْقَرْيَةَ إِذا بنيتَ حولَها، وتَحَصَّنَ العَدُوُّ. وَفِي حَدِيثِ
الأَشعث: تَحَصَّنَ فِي مِحْصَنٍ
«2» . المِحْصَنُ: القصرُ والحِصْنُ. وتَحَصَّنَ إِذا دَخَلَ الحِصْنَ واحْتَمى بِهِ. ودرْعٌ حَصِين وحَصِينة: مُحْكمَة؛ قَالَ ابْنُ أَحمر:
همُ كَانُوا اليَدَ اليُمْنى، وَكَانُوا ... قِوامَ الظَّهْرِ والدِّرعَ الحَصِينا.
وَيُرْوَى: اليدَ العُلْيا، وَيُرْوَى: الوُثْقَى؛ قَالَ الأَعشى:
وكلُّ دِلاصٍ، كالأَضاةِ، حَصِينةٍ، ... تَرَى فَضْلَها عَنْ رَبِّها يَتَذَبْذَبُ «3»
. وَقَالَ شَمِرٌ: الحَصِينة مِنَ الدُّرُوعِ الأَمينة المُتدانية الحِلَق الَّتِي لَا يَحِيكُ فِيهَا السِّلاح؛ قَالَ عَنْترة العَبْسيُّ:
فَلَقَّى أَلَّتي بَدَناً حَصِيناً، ... وعَطْعَطَ مَا أَعَدَّ مِنَ السِّهام
. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قِصَّةِ دَاوُدُ، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ
__________
(2) . قوله [في محصن] كذا ضبط في الأَصل، وقال شارح القاموس كمنبر، والذي في بعض نسخ النهاية كمقعد
(3) . قوله [عن ربها] كذا في الأَصل، وفي التهذيب والمحكم عن ريعها(13/119)
وَالسَّلَامُ: وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ
؛ قَالَ الْفَرَّاءُ:
قُرئ لِيُحْصِنَكم
ولِتُحْصِنَكم
وَلِنُحَصِّنَكُمْ
، فَمَنْ قرأَ ليُحْصِنكم فَالتَّذْكِيرُ لِلَّبُوس، وَمَنْ قرأَ لتُحْصِنَكم ذَهَبَ إِلى الصَّنْعَةِ، وإِن شِئْتَ جَعَلْتَهُ لِلدِّرْعِ لأَنها هِيَ اللبوسُ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ، وَمَعْنَى ليُحْصِنَكم لِيَمْنَعَكُمْ ويُحْرِزَكم، وَمَنْ قرأَ لِنُحْصِنَكم، بِالنُّونِ، فَمَعْنَى لنُحْصِنَكم نحنُ، الفعلُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وامرأَة حَصانٌ، بِفَتْحِ الْحَاءِ: عَفِيفَةٌ بَيِّنة الحَصانةِ والحُصْنِ ومتزوّجَةٌ أَيضاً مِنْ نِسْوَةٍ حُصُنٍ وحَصاناتٍ، وحاصِنٌ مِنْ نِسْوَةٍ حَواصِنَ وحاصِنات، وَقَدْ حَصُنَت تَحْصُنُ حِصْناً وحُصْناً وحَصْناً إِذا عَفَّتْ عَنِ الرِّيبة، فَهِيَ حَصانٌ؛ أَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
الحُصْنُ أَدْنى، لَوْ تآيَيْتهِ، ... مِنْ حَثْيِكِ التُّرْبَ عَلَى الرَّاكِبِ
. وحَصَّنَت المرأَةُ نفسَها وتَحَصَّنَتْ وأَحْصَنَها وحَصَّنها وأَحْصَنَت نَفْسَهَا. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها
. وَقَالَ شَمِرٌ: امرأَة حَصانٌ وحاصِنٌ وَهِيَ الْعَفِيفَةُ، وأَنشد:
وحاصِن منْ حاصِنات مُلْسِ ... مِنَ الأَذَى، وَمِنْ قِرافِ الوَقْسِ
. وَفِي الصِّحَاحِ: فَهِيَ حاصِنٌ وحَصانٌ وحَصْناء أَيضاً بَيِّنة الحَصانةِ. والمُحْصَنةُ: الَّتِي أَحصنها زَوْجُهَا، وَهُنَّ المُحْصَنات، فَالْمَعْنَى أَنهن أُحْصِنَّ بأَزْواجِهنَّ. والمُحْصَنات: العَفائِفُ مِنَ النِّسَاءِ. وَرَوَى الأَزهري عَنِ ابْنِ الأَعرابي أَنه قَالَ: كلامُ الْعَرَبِ كلُّه عَلَى أَفْعَلَ فَهُوَ مُفْعِل إِلا ثَلَاثَةَ أَحرف: أَحْصَنَ فَهُوَ مُحْصَنٌ، وأَلْفَجَ فَهُوَ مُلْفَجٌ، وأَسْهَبَ فِي كلامِهِ فَهُوَ مُسْهَب؛ زَادَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَسْهَمَ فَهُوَ مُسْهَم. وَفِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ الإِحْصان والمُحْصَناتِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وأَصل الإِحْصانِ المنعُ، والمرأَة تَكُونُ مُحْصَنة بالإِسلام والعَفافِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالتَّزْوِيجِ. يُقَالُ: أَحْصَنَت المرأَة، فَهِيَ مُحْصَنة ومُحْصِنَة، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ. والمُحْصَنُ، بِالْفَتْحِ: يَكُونُ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ؛ وَفِي شِعْرِ حسَّان يُثْني عَلَى عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا:
حَصَانٌ رَازانٌ مَا تُزَنُّ بِريبةٍ، ... وتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحومِ الغَوافِل
. وكلُّ امرأَةٍ عفيفةٍ مُحْصَنةٌ ومُحْصِنَةٌ، وكلُّ امرأَة متزوِّجة مُحْصَنةٌ، بِالْفَتْحِ لَا غَيْرَ؛ وَقَالَ:
أَحْصَنُوا أُمَّهُمُ مِنْ عَبْدِهم، ... تِلْكَ أَفْعالُ القِزام الوَكَعهْ
أَي زَوَّجُوا. والوَكَعة: جَمْعُ أَوْكَعَ. يُقَالُ: عبدٌ أَوْكَعُ، وَكَانَ قياسُهُ وُكع، فشُبِّه بفاعِل فجُمِع جَمْعَه، كَمَا قَالُوا أَعْزَل وعُزَّل كأَنه جَمْعُ عازِل؛ وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: أَجمع القرَّاء عَلَى نَصْبِ الصَّادِ فِي الْحَرْفِ الأَول مِنَ النِّسَاءِ، فَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي فَتْحِ هَذِهِ لأَن تأْويلها ذَوَاتُ الأَزواج يُسْبَيْنَ فيُحِلُّهنَّ السِّباء لِمَنْ وطِئها مِنَ المالِكين لَهَا، وَتَنْقَطِعُ العِصْمةُ بينهنَّ وَبَيْنَ أَزواجهن بأَن يَحِضْنَ حَيْضَةً ويَطْهُرْنَ مِنْهَا، فأَما سِوَى الْحَرْفِ الأَول فالقُرَّاءُ مُخْتَلِفُونَ: فَمِنْهُمْ مَنْ يَكْسِرُ الصَّادَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَفْتَحُهَا، فمَنْ نَصَبَ ذَهَبَ إِلى ذَوَاتِ الأَزواج اللَّاتِي قَدْ أَحْصَنَهُنَّ أَزواجُهن، ومَنْ كسَر ذهبَ إِلى أَنهن أَسْلَمْنَ فأَحْصَنَّ أَنفسهن فهنَّ مُحْصِنات. قَالَ الْفَرَّاءُ: والمُحْصَنات مِنَ النِّسَاءِ، بِنَصْب الصَّادِ، أَكثر فِي كَلَامِ الْعَرَبِ. وأَحْصَنَتْ المرأَةُ: عَفَّت، وأَحْصَنَها زَوْجُها، فَهِيَ مُحْصَنة ومُحْصِنة. وَرَجُلٌ مُحْصَنٌ: متزوِّج،(13/120)
وَقَدْ أَحْصَنَه التزوّجُ. وَحَكَى ابْنُ الأَعرابي: أَحْصَنَ الرجلُ تزوجَ، فَهُوَ مُحصَن، بِفَتْحِ الصَّادِ فِيهِمَا نَادِرٌ. قَالَ الأَزهري: وأَما قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ
؛ فَإِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قرأَ:
فَإِذَا أَحْصَنَ
، وَقَالَ: إِحْصانُ الأَمةِ إِسلامُها، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَؤُهَا: فَإِذا أُحْصِنَ
، عَلَى مَا لَمْ يسمَّ فَاعِلُهُ، وَيُفَسِّرُهُ:
فإِذا أُحْصِنَّ بِزَوْجٍ
، وَكَانَ لَا يرَى عَلَى الأَمة حَدًّا مَا لَمْ تُزَوَّجْ، وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَرَى عَلَيْهَا نِصْفَ حَدِّ الحرَّة إِذا أَسلمت وإِن لَمْ تُزَوَّجْ، وَبِقَوْلِهِ يقولُ فُقَهَاءُ الأَمصار، وَهُوَ الصَّوَابُ. وقرأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وأَبو عَمْرٍو وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ وَيَعْقُوبُ: فَإِذا أُحْصِنَ
، بِضَمِّ الأَلف، وقرأَ حَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ مثلَه، وأَما أَبو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ فَقَدْ فَتَحَ الأَلف، وقرأَ حمزة والكسائي
فإِذا أُحْصَنَ
، بِفَتْحِ الأَلف، وقالَ شَمِرٌ: أَصلُ الحَصانةِ المنعُ، وَلِذَلِكَ قِيلَ: مَدِينةَ حَصينة ودِرْعٌ حَصِينة؛ وأَنشد يُونُسُ:
زَوْجٌ حَصَانٌ حُصْنُها لَمْ يُعْقَم
. وَقَالَ: حُصْنُها تَحْصِينُها نفسَها. وَقَالَ الزَّجَّاجُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ*
؛ قَالَ: مُتَزَوِّجين غَيْرَ زُناةٍ، قَالَ: والإِحْصانُ إِحْصانُ الْفَرْجِ وَهُوَ إِعْفافُه؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَحْصَنَتْ فَرْجَها*
؛ أَي أَعفَّتْه. قَالَ الأَزهري: والأَمة إِذا زُوِّجَتْ جازَ أَن يُقَالَ قَدْ أُحْصِنَت لأَن تَزْوِيجَهَا قَدْ أَحْصَنَها، وَكَذَلِكَ إِذا أُعْتِقَتْ فَهِيَ مُحْصَنة، لأَن عِتْقَها قَدْ أَعَفَّها، وَكَذَلِكَ إِذا أَسْلَمت فإِن إِسْلامَها إِحْصانٌ لَهَا. قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَقَالُوا بناءٌ حَصِينٌ وامرأَة حَصَان، فَرقوا بَيْنَ البِنَاء والمرأَةِ حِينَ أَرادُوا أَن يُخْبِرُوا أَن الْبِنَاءَ مُحْرِز لِمَنْ لجأَ إِليه، وأَن المرأَة مُحْرِزة لفَرْجها. والحِصَانُ: الفحلُ مِنَ الْخَيْلِ، وَالْجَمْعُ حُصُنٌ. قَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: قَوْلُهُمْ فرَسٌ حِصانٌ بَيِّنُ التحصُّن هُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الحَصانةِ لأَنه مُحْرِز لِفَارِسِهِ، كَمَا قَالُوا فِي الأُنثى حِجْر، وَهُوَ مَنْ حَجَر عَلَيْهِ أَي مَنَعَهُ. وتَحَصَّنَ الفَرسُ: صارَ حِصاناً. وَقَالَ الأَزهري: تَحَصَّنَ إِذا تَكَلَّف ذَلِكَ، وخَيْلُ الْعَرَبِ حُصونها. قَالَ الأَزهري: وهُمْ إِلى الْيَوْمِ يُسَمُّونها حُصوناً ذُكورَها وإِناثَها، وَسُئِلَ بَعْضُ الحُكَّام عَنْ رجلٍ جَعَلَ مَالًا لَهُ فِي الحُصونِ فَقَالَ: اشْتَرُوا خَيْلًا واحْمِلوا عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ؛ ذَهَبَ إِلى قَوْلِ الْجُعْفِيِّ:
وَلَقَدْ عَلِمْتُ عَلَى تَوَقِّي الرَّدَى ... أَن الحُصونَ الخَيْلُ، لَا مَدَرُ القُرى
. وَقِيلَ: سُمِّيَ الفرسُ حِصاناً لأَنه ضُنَّ بِمَائِهِ فَلَمْ يُنْزَ إِلا عَلَى كَرِيمَةٍ، ثُمَّ كثُر ذَلِكَ حَتَّى سَمَّوا كلَّ ذَكَر مِنَ الْخَيْلِ حِصاناً، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي السِّلاحَ كلَّه حِصْناً؛ وَجَعَلَ ساعِدةُ الْهُذَلِيُّ النّصالَ أَحْصِنة فَقَالَ:
وأَحْصِنةٌ ثُجْرُ الظُّباتِ كأَنَّها، ... إِذا لَمْ يُغَيِّبْها الجفيرُ، جَحِيمُ
. الثُّجْرُ: العراضُ، وَيُرْوَى: وأَحصَنه ثجرُ الظُّبَاتِ أَي أَحْرَزَه؛ وَقَوْلُ زُهَيْرٍ:
وَمَا أَدْرِي، وسَوْفَ إِخالُ أَدْرِي، ... أَقومٌ آلُ حِصْنٍ أَم نِساءُ
يُرِيدُ حِصْنَ بنَ حُذَيْفَةَ الفزاريَّ. والحَواصِنُ مِنَ النِّسَاءِ: الحَبالى؛ قَالَ:
تُبِيل الحَواصِنُ أَبْوالَها
والمِحْصَنُ «4» .: القُفْلُ. والمِحْصَنُ أَيضاً: المِكْتلةُ
__________
(4) . زاد في المحكم: وأَحصنت المرأَة حملت وكذلك الأَتان، قال رؤبة:
قد أَحصنت مثل دعاميص الرفق ... أَجنة في مستكنات الحلق
عدّاه لما كان معناه حملت، والمحصن القفل إِلخ(13/121)
الَّتِي هِيَ الزَّبيلُ، وَلَا يُقَالُ مِحْصَنة. والحِصْنُ: الهِلالُ. وحُصَيْنٌ: مَوْضِعٌ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
أَقول، إِذا مَا أَقلعَ الغَيْثُ عَنْهُمُ: ... أَمَا عَيْشُنا يومَ الحُصَيْن بِعَائِدِ؟
والثعلبُ يُكْنى أَبا الحِصْنِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وأَبو الحُصَيْن كُنْيَةُ الثَّعْلَبِ؛ أَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
لِلَّهِ دَرُّ أَبي الحُصَيْنِ لقدْ بَدَتْ ... مِنْهُ مَكايِدُ حُوَّلِيٍّ قُلَّبِ
. قَالَ: وَيُقَالُ لَهُ أَبو الهِجْرِس وأَبو الحِنْبِص. والحِصْنانِ: موضعٌ، النَّسَبُ إِليه حِصْنيٌّ كَرَاهِيَةَ اجْتِمَاعِ إِعرابين، وَهُوَ قَوْلُ سِيبَوَيْهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَرَاهِيَةَ اجْتِمَاعِ النُّونَيْنِ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وحِصْنانِ بَلَدٌ. قَالَ اليَزِيديُّ: سأَلني والكسائيَّ المهديُّ عَنِ النِّسْبة إِلى الْبَحْرِينِ وإِلى حِصْنَين لِمَ قَالُوا حِصْنِيٌّ وبَحْرانِيٌّ فَقَالَ الْكِسَائِيُّ: كَرِهُوا أَن يَقُولُوا حِصْنانيٌّ لِاجْتِمَاعِ النُّونَيْنِ، وقلتُ أَنا: كَرِهُوا أَن يَقُولُوا بَحْرِيٌّ فيُشْبه النِّسبةَ إِلى البَحْر. وَبَنُو حِصْنٍ: حَيٌّ. والحِصْنُ: ثَعْلبة بْنِ عُكابَة وتَيْم اللاتِ وذُهْل. ومِحْصَن: اسمٌ. ودارةُ مِحْصَن: موضعٌ؛ عَنْ كُرَاعٍ. وحُصَيْنٌ: أَبو الرَّاعِي عُبَيْدُ بنُ حُصَيْنٍ النُّمَيْريّ الشَّاعِرُ. وَقَدْ سمَّت العربُ حِصْناً وحَصِيناً.
حضن: الحِضْنُ: مَا دُونُ الإِبْط إِلى الكَشح، وَقِيلَ: هُوَ الصَّدْرُ والعَضُدان وَمَا بَيْنَهُمَا، وَالْجَمْعُ أَحْضانٌ؛ وَمِنْهُ الاحْتِضانُ، وَهُوَ احتمالُك الشيءَ وجعلُه فِي حِضْنِك كَمَا تَحْتَضِنُ المرأَةُ وَلَدَهَا فَتَحْتَمِلُهُ فِي أَحد شِقَّيْها. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه خَرَجَ مُحْتَضِناً أَحَدَ ابْنَي ابْنَتِه
أَي حامِلًا لَهُ فِي حِضْنه. والحِضْنُ: الجَنْبُ، وَهُمَا حِضْنانِ. وَفِي حَدِيثِ
أُسيدِ بْنِ حُضَير: أَنه قَالَ لِعَامِرِ بْنِ الطُّفَيل اخْرُجْ بِذِمَّتِك لِئَلَّا أُنْفِذَ حِضْنَيْك.
والمُحْتَضَنُ: الحِضْنُ؛ قَالَ الأَعشى:
عَرِيضة بُوصٍ، إِذا أَدْبَرَتْ، ... هَضِيم الحَشا، شَخْتة المُحْتَضَنْ
البُوصُ: العَجُزُ. وحِضْنُ الضبُع: وِجارُه؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:
كَمَا خَامَرَتْ فِي حِضْنِها أُمُّ عامِرٍ، ... لَدَى الحَبْلِ، حَتَّى غالَ أَوْسٌ عِيالَها
. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: حِضْنُها الموضعُ الَّذِي تُصاد فِيهِ، ولَدى الحَبْل أَي عِنْدِ الحَبْل الَّذِي تصادُ بِهِ، وَيُرْوَى: لِذِي الحَبْلِ أَي لِصَاحِبِ الحَبْل، وَيُرْوَى عالَ، بِعَيْنٍ غَيْرِ مُعْجَمَةٍ، لأَنه يُحْكى أَن الضَّبُعَ إِذا ماتَتْ أَطْعَمَ الذِّئْبُ جِراءَها، ومَنْ رَوَى غالَ، بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، فَمَعْنَاهُ أَكَلَ جراءَها. وحَضَنَ الصبيَّ يَحْضُنُه حَضْناً وحَضانةً [حِضانةً] «1» .: جَعَلَهُ فِي حِضْنِه وحِضْنا المَفازه: شِقَّاها، وَالْفَلَاةِ نَاحِيَتَاهَا؛ قَالَ:
أَجَزْتُ حِضْنَيْها هِبَلًّا وغْما
. وحِضْنا اللَّيْلِ: جَانِبَاهُ «2» . وحِضْنُ الْجَبَلِ: مَا يُطيف بِهِ، وحِضْنُه وحُضْنُه أَيضاً: أَصْلُه. الأَزهري: حِضْنا الْجَبَلِ نَاحِيَتَاهُ. وحضْنا الرَّجُلِ: جَنْباه. وحِضْنا الشَّيْءِ: جَانِبَاهُ. وَنَوَاحِي كُلِّ شَيْءٍ أَحْضانُه. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، كَرَّمَ الله وجهه: عَلَيْكُم
__________
(1) . قوله [وحضانة] هو بفتح الحاء وكسرها كما في المصباح
(2) . قوله [وحضنا الليل جانباه] زاد في المحكم: والجمع حضون؛ قال:
وأَزمعت رحلة ماضي الهموم ... أَطعن من ظلمات حضونا
. وحضن الجبل إِلخ(13/122)
بالحِضْنَيْنِ
؛ يُرِيدُ بجَنْبَتَي العَسْكَر؛ وَفِي حَدِيثِ
سَطِيح:
كأَنَّما حَثْحَثَ مِنْ حِضْنَيْ ثَكَنْ.
وحَضَنَ الطائرُ أَيضاً بَيْضَه وَعَلَى بيضِه يَحْضُنُ حَضْناً وحِضانةً وحِضاناً وحُضوناً: رَجَنَ عَلَيْهِ للتَّفْرِيخِ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: حَضَنَ الطائرُ بَيْضَه إِذا ضَمَّه إِلى نَفْسِهِ تَحْتَ جَنَاحَيْهِ، وَكَذَلِكَ المرأَة إِذا حَضَنَتْ وَلَدَهَا. وحمامةٌ حاضِنٌ، بِغَيْرِ هَاءٍ، وَاسْمُ الْمَكَانِ المِحْضَن «1» . والمِحْضَنةُ: الْمَعْمُولَةُ لِلْحَمَامَةِ كالقَصْعة الرَّوْحاء مِنَ الطِّينِ. والحَضانةُ: مصدرُ الحاضِنِ وَالْحَاضِنَةِ. والمَحاضنُ: المواضعُ الَّتِي تَحْضُن فِيهَا الْحَمَامَةُ عَلَى بَيْضِهَا، والواحدُ مِحْضَن. وحضَنَ الصبيَّ يَحْضُنه حَضْناً: ربَّاه. والحاضِنُ والحاضِنةُ: المُوَكَّلانِ بالصبيِّ يَحْفَظانِهِ ويُرَبِّيانه. وَفِي حَدِيثِ
عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: عَجِبْتُ لقومٍ طلَبُوا الْعِلْمَ حَتَّى إِذا نَالُوا مِنْهُ صارُوا حُضّاناً لأَبْناء المُلوكِ
أَي مُرَبِّينَ وكافِلينَ، وحُضّانٌ: جمعُ حاضِنٍ لأَن المُرَبِّي والكافِلَ يَضُمُّ الطِّفْلَ إِلى حِضْنِه، وَبِهِ سُمِّيَتِ الحاضنةُ، وَهِيَ الَّتِي تُرَبِّي الطفلَ. والحَضانة، بِالْفَتْحِ: فِعلُها. ونخلةٌ حاضِنةٌ: خَرَجَتْ كَبائِسُها وفارَقتْ كَوافيرَها وقَصُرَت عَراجينُها؛ حَكَى ذَلِكَ أَبو حَنِيفَةَ؛ وأَنشد لِحَبِيبٍ الْقُشَيْرِيِّ:
مِنْ كُلِّ بائنةٍ تُبِينُ عُذُوقَها ... عَنْهَا، وحاضِنة لَهَا مِيقار
. وَقَالَ كُرَاعٌ: الحاضِنةُ النخلةُ القصيرةُ العُذوقِ فَهِيَ بائِنة. اللَّيْثُ: احْتَجَنَ فلانٌ بأَمرٍ دُونِي واحْتَضَنَني مِنْهُ وحَضَنَني أَي أَخْرَجَني مِنْهُ فِي نَاحِيَةٍ. وَفِي الْحَدِيثِ عَنِ
الأَنصارِ يَوْمَ السَّقيفة حَيْثُ أَرادوا أَن يَكُونَ لَهُمْ شركةٌ فِي الْخِلَافَةِ: فَقَالُوا لأَبي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَتُريدونَ أَن تَحْضُنونا مِنْ هَذَا الأَمرِ
أَي تُخرِجونا. يُقَالُ: حَضَنْتُ الرجلَ عَنْ هَذَا الأَمر حَضْناً وحَضانةً إِذا نَحَّيْتَه عَنْهُ واسْتَبدَدْتَ بِهِ وَانْفَرَدْتَ بِهِ دُونَهُ كأَنه جعلَه فِي حِضْنٍ مِنْهُ أَي جانبٍ. وحَضَنْتُه عَنْ حَاجَتِهِ أَحْضُنه، بِالضَّمِّ، أَي حَبَسْتُه عَنْهَا، واحتَضَنته عَنْ كَذَا مِثْلَهُ، وَالِاسْمُ الحَضْنُ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وحَضَنَ الرجلَ عن الأَمرِ يَحْضُنُه حَضْناً وحَضانةً واحْتَضَنه خَزَلَه دُونَهُ ومنَعَه مِنْهُ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
عُمَرَ أَيضاً يومَ أَتى سَقِيفةَ بَنِي سَاعِدَةَ للبَيْعة قَالَ: فَإِذَا إِخواننا مِنَ الأَنصار يُريدون أَن يَخْتَزِلوا الأَمرَ دونَنا ويَحْضُنونا عَنْهُ
؛ هَكَذَا رواه ابن جَبَلَةَ وعَليُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنِ أَبي عُبيد، بِفَتْحِ الْيَاءِ، وَهَذَا خِلَافُ مَا رَوَاهُ اللَّيْثُ، لأَن اللَّيْثَ جَعَلَ هَذَا الْكَلَامَ للأَنصار، وَجَاءَ بِهِ أَبو عُبيد لعُمَر، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الرِّوَايَاتُ الَّتِي دَارَ الحديثُ عَلَيْهَا. الْكِسَائِيُّ: حضَنْتُ فُلَانًا عَمَّا يُرِيد أَحْضُنُه حَضْناً وحَضانةً واحتَضَنْتُه إِذا منَعْتَه عَمَّا يُرِيدُ. قَالَ الأَزهري: قَالَ اللَّيْثَ يُقَالُ أَحْضَنَني مِنْ هَذَا الأَمر أَي أَخرَجني مِنْهُ، وَالصَّوَابُ حضَنَني. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ مَسْعُودٍ حِينَ أَوْصَى فَقَالَ: وَلَا تُحْضَنُ زَيْنَبُ عَنْ ذَلِكَ
، يَعْنِي امرأَتَه، أَي لَا تُحْجَبُ عَنِ النظرِ فِي وصِيَّتِه وإِنْفاذِها، وَقِيلَ: مَعْنَى لَا تُحْضَنُ لَا تُحْجَبُ عَنْهُ وَلَا يُقطَعُ أَمرٌ دُونها. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن امرأَة نُعَيْم أَتَتْ رسولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إِن نُعَيْماً يُريدُ أَن يَحْضُنَني أَمرَ ابْنَتِي، فَقَالَ: لَا تَحْضُنْها وشاوِرْها.
وحَضَنَ عَنَّا هدِيَّتَه يَحْضُنها حَضْناً: كَفَّها وصَرَفها؛ وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: حقيقتُه صَرَفَ معروفَه وهدِيَّته عَنْ جيرانِه ومعارِفه إِلى غَيْرِهِمْ، وَحُكِيَ: مَا حُضِنَت عَنْهُ المروءةُ إِلى غَيْرِهِ أَي مَا صُرِفَت.
__________
(1) . قوله [واسم المكان المحضن] ضبط في الأَصل والمحكم كمنبر، وقال في القاموس: واسم المكان كمقعد ومنزل(13/123)
وأَحْضَنَ بالرَّجُلِ إِحْضاناً وأَحضَنَه: أَزْرَى بِهِ. وأَحْضَنْتُ الرجلَ: أَبْذَيتُ بِهِ. والحِضانُ: أَن تَقْصُرَ إِحدى طُبْيَتَيِ العَنْزِ وتَطولَ الأُخرى جِدًّا، فَهِيَ حَضُونٌ بَيِّنة الحِضان، بِالْكَسْرِ. والحَضُون مِنَ الإِبلِ وَالْغَنَمِ وَالنِّسَاءِ: الشَّطُورُ، وَهِيَ الَّتِي أَحدُ خِلْفَيها أَو ثَدْيَيها أَكبرُ مِنَ الْآخَرِ، وَقَدْ حَضُنَت حِضاناً. والحَضونُ مِنَ الإِبلِ والمِعْزَى: الَّتِي قَدْ ذَهَبَ أَحدُ طُبْيَيها، والاسمُ الحِضانُ؛ هَذَا قَوْلُ أَبي عُبَيْدٍ، اسْتَعْمَلَ الطُّبْيَ مَكَانَ الخِلْف. والحِضانُ: أَن تكونَ إِحدى الخُصْيَتَينِ أَعظَمَ مِنَ الأُخرى، ورجلٌ حَضونٌ إِذا كَانَ كَذَلِكَ. والحَضون مِنَ الفروجِ: الَّذِي أَحدُ شُفْرَيه أَعظم مِنَ الْآخَرِ. وأَخذَ فلانٌ حقَّه عَلَى حَضْنِه أَي قَسْراً. والأَعنُزُ الحضَنِيَّةُ: ضرْبٌ شديدُ السوادِ، وضربٌ شديدُ الحُمْرة. قَالَ اللَّيْثُ: كأَنها نُسِبَت إِلى حَضَن، وَهُوَ جبَل بقُلَّةِ نجدٍ مَعْرُوفٌ؛ وَمِنْهُ حَدِيثِ
عِمْرانَ بْنِ حُصَينٍ: لَأَنْ أَكونَ عَبْدًا حَبَشِيّاً فِي أَعنُزٍ حضَنِيّاتٍ أَرْعاهُنَّ حَتَّى يُدْرِكَني أَجَلي، أَحَبُّ إِليَّ مِنْ أَن أَرميَ فِي أَحدِ الصَّفَّينِ بِسَهْمٍ، أَصبتُ أَم أَخطأْتُ.
والحَضَنُ: العاجُ، فِي بَعْضِ اللُّغَاتِ. الأَزهري: الحضَنُ نابُ الفِيل؛ وَيُنْشَدُ فِي ذَلِكَ:
تبَسَّمَت عَنْ وَمِيضِ البَرْقِ كاشِرةً، ... وأَبرَزَتْ عَنْ هِجانِ اللَّوْنِ كالحَضَنِ
. وَيُقَالُ للأَثافيِّ: سُفْعٌ [حواضِنُ] أَي جَواثِم؛ وَقَالَ النَّابِغَةُ:
وسُفْعٌ عَلَى مَا بينَهُنَّ حَواضِن
يَعْنِي الأَثافيَّ والرَّمادَ. وحَضَنٌ: اسمُ جَبَلٍ فِي أَعالي نَجْدٍ. وَفِي الْمَثَلِ السَّائِرِ: أَنْجَدَ منْ رأَى حَضَناً أَي مَن عايَنَ هَذَا الجَبَلَ فَقَدْ دَخل فِي نَاحِيَةِ نجدٍ. وحَضَنٌ: قبيلةٌ؛ أَنشد سِيبَوَيْهِ:
فَمَا جَمَّعْتَ مِنْ حَضَنٍ وعَمْروٍ، ... وَمَا حَضَنٌ وعَمروٌ والجِيادا «1»
. وحَضَنٌ: اسْمُ رَجُلٍ؛ قَالَ:
يَا حَضَنُ بنَ حَضَنٍ مَا تَبْغون
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وحُضَينٌ هُوَ الحُضَينُ بْنُ المُنذِرِ أَحد بَنِي عَمْرِو بْنِ شَيبان بْنِ ذُهْلٍ؛ وَقَالَ أَبو الْيَقْظَانِ: هُوَ حُضَيْنُ بْنُ المنذر بن الحرث بْنُ وَعلَة بْنِ المُجالِدِ بْنِ يَثْرَبيّ بْنِ رَيّان بْنُ الْحَرْثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ شَيبانَ بْنِ ذُهل أَحد بَنِي رَقَاشِ، وَكَانَ شَاعِرًا؛ وَهُوَ الْقَائِلُ لِابْنِهِ غَيّاظ:
وسُمِّيتَ غَيّاظاً، ولَستَ بغائِظٍ ... عَدُوّاً، ولكِنَّ الصَّدِيقَ تَغيظُ
عَدُوُّكَ مَسرورٌ، وَذُو الوُدِّ، بِالَّذِي ... يَرَى منكَ مِنْ غَيْظٍ، عليكَ كَظِيظُ.
وَكَانَتْ مَعَهُ رايةُ عَلِيِّ بْنِ أَبي طالبٍ، رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ، يَوْمَ صِفِّينَ دَفَعَهَا إِليه وعُمْرُهُ تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً؛ وَفِيهِ يَقُولُ:
لِمَنْ رايَةٌ سَوْداءُ يَخْفِقُ ظِلُّها، ... إِذا قِيلَ: قَدِّمْها حُضَينُ، تَقَدَّما؟
ويُورِدُها للطَّعْنِ حَتَّى يُزِيرَها ... حِياضَ المَنايا، تَقطُر الموتَ والدَّما.
حطن: التَّهْذِيبُ: أَهمله اللَّيْثُ. والحِطّانُ: التَّيْسُ، فإِن كَانَ فِعّالًا مِثْلَ كِذّابٍ مِنَ الكَذِب فَالنُّونُ أَصلية مِنْ حَطَنَ، وإِن جَعَلْتَهُ فِعْلاناً فَهُوَ مِنَ الحطِّ، وَاللَّهُ أَعلم.
__________
(1) . قوله [فما جمعت] في المحكم: بما جمعت. وقوله: والجيادا، لعله نُصب على جعله إِياه مفعولًا معه(13/124)
حفن: الحَفْنُ: أَخذُكَ الشيءَ بِرَاحَةِ كَفِّكَ والأَصابعُ مضمومةٌ، وَقَدْ حَفَنَ لَهُ بِيَدِهِ حَفْنةً. وحَفَنْتُ لِفُلَانٍ حَفْنَةً: أَعطيتُه قَلِيلًا، وملْءُ كلِّ كفٍّ حَفْنةٌ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ
أَبي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي حَدِيثِ الشَّفاعةِ: إِنما نَحْنُ حَفْنَةٌ مِنْ حَفَناتِ اللَّهِ
؛ أَراد إِنَّا عَلَى كَثرتِنا قليلٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ كالحَفْنةِ أَي يَسِيرٌ بالإِضافة إِلى مُلْكِه وَرَحْمَتِهِ، وَهِيَ مِلْءُ الكَفِّ عَلَى جِهَةِ الْمَجَازِ وَالتَّمْثِيلِ، تَعَالَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنِ التَّشْبِيهِ؛ وَهُوَ كَالْحَدِيثِ الْآخَرِ:
حَثْية مِنْ حَثَياتِ رَبِّنا.
الْجَوْهَرِيُّ: الحَفْنةُ مِلْءُ الكَفَّين مِنْ طَعَامٍ. وحَفَنْتُ الشَّيْءَ إِذَا جَرَفْتَه بكِلْتَا يَدَيْكَ، وَلَا يَكُونُ إِلَّا مِنَ الشَّيْءِ الْيَابِسِ كَالدَّقِيقِ وَنَحْوِهِ. وحَفَن الماءَ عَلَى رأْسه: أَلقاه بحَفْنَتِه؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. وحَفَنَ لَهُ مِنْ مَالِهِ حَفْنةً: أَعطاه إِيَّاهَا. وَرَجُلٌ مِحْفَنٌ: كَثِيرُ الحَفْنِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: يَجُوزُ أَن يَكُونَ مِنَ الأَول وَمِنَ الثَّانِي. واحتَفَنَ الشيءَ: أَخذَه لِنَفْسِهِ. وَيُقَالُ: حَفَنَ لِلْقَوْمِ وحَفَا المالَ إِذَا أَعطى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَفْنةً وحَفْوَةً. واحْتَفَنَ الرجلَ احتِفاناً: اقْتَلَعه مِنَ الأَرض. والحُفْنةُ، بِالضَّمِّ: الحُفْرَةُ يَحْفِرُها السيلُ فِي الغَلْظِ فِي مَجرَى الْمَاءِ، وَقِيلَ: هِيَ الحُفْرَةُ أَينما كَانَتْ، وَالْجَمْعُ الحُفَنُ؛ وأَنشد شَمِرٌ:
هَلْ تَعْرِفُ الدارَ تعَفَّتْ بالحُفَنْ
. قَالَ: وَهِيَ قَلْتاتٌ يَحْتَفِرُهَا الْمَاءُ كَهَيْئَةِ البِرَك. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: الحُفَنُ نُقَرٌ يَكُونُ الْمَاءُ فِيهَا، وَفِي أَسفلها حَصًى وترابٌ؛ قَالَ: وأَنشدني الإِياديُّ لِعَديِّ بْنِ الرِّقاعِ العامِليِّ:
بِكْر يُرَبِّثُها آثارُ مُنْبَعِقٍ، ... تَرَى بِهِ حُفَناً زُرْقاً وغُدْرانا
. وَكَانَ مِحْفَنٌ أَبا بَطْحاءَ، نُسِبَ إِلَيْهِ الدوابُّ البَطْحاوِيَّة. والحَفّانُ: فِراخُ النَّعَامِ، وَهُوَ مِنَ الْمُضَاعَفِ وَرُبَّمَا سَمَّوا صغارَ الإِبل حَفّاناً، وَالْوَاحِدَةُ حَفّانة لِلذَّكَرِ والأُنثى جَمِيعًا؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
والحَشْوُ مِنْ حَفّانِها كالحَنْظَلِ
وشاهدُه لفِراخِ النَّعَامِ قولُ الهُذَليِّ:
وإلَّا النَّعامَ وحَفَّانَه، ... وطُغْياً مَعَ اللَّهَقِ الناشِطِ
وبنو حُفَينٍ: بطن. وفي الحديث:
أَن المُقَوْقِسَ أَهدَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مارِيَةَ من حَفْنٍ
؛ هِيَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ الفاء والنون، قرية من صعيد مصر، ولها ذكر في حَدِيثُ الْحَسَنِ بْنِ عليٍّ مع معاوية.
حفتن: حَفَيْتَنٌ: اسْمُ مَوْضِعٍ؛ قَالَ كُثيِّر عَزَّةَ:
فَقَدْ فُتْنَني لمَّا وَرَدْنَ حَفَيْتَناً، ... وهُنَّ عَلَى ماءِ الحُراضَةِ أَبْعَدُ «2» .
حقن: حَقَنَ الشَّيءَ يَحْقُنُه ويَحْقِنُه حَقْناً، فَهُوَ مَحْقُونٌ وحَقِينٌ: حَبَسه. وَفِي الْمَثَلِ: أَبَى الحَقِينُ العِذْرةَ أَي العُذْر، يُضْرَبُ مَثَلًا لِلرَّجُلِ يَعْتَذِر وَلَا عُذْرَ لَهُ، وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: أَصل ذَلِكَ أَن رَجُلًا ضافَ قَوْمًا فاستَسْقاهم لَبَناً، وَعِنْدَهُمْ لبنٌ قَدْ حَقَنُوه فِي وَطْبٍ، فاعْتَلُّوا عَلَيْهِ واعْتَذَروا، فَقَالَ أَبَى الحَقينُ العِذْرةَ أَي أَن هَذَا الحقينَ يُكَذِّبُكم؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ فِي الحَقين للمُخبَّل:
وَفِي إبلٍ ستِّينَ حَسْبُ ظَعِينة، ... يَرُوحُ عَلَيْهَا مَخْضُها وحَقينُها
. وحَقَنَ اللبنَ فِي القِرْبة والماءَ فِي السِّقَاءِ كَذَلِكَ.
__________
(2) . قوله [الحراضة] في ياقوت هو بالفتح ثم التخفيف ماء لجشم، وقد روي بالضم(13/125)
وحقَنَ البَوْلَ يَحقُنُه ويَحْقِنُه: حَبَسه حَقْناً، وَلَا يُقَالُ أَحْقَنه وَلَا حَقَنَني هُوَ. وأَحْقَنَ الرجلُ إِذَا جَمَعَ أَنواع اللَّبَنِ حَتَّى يَطِيب. وأَحْقَنَ بولَه إِذَا حَبَسه. وبعيرٌ مِحْقانٌ: يَحْقِنُ البولَ، فَإِذَا بالَ أَكثرَ، وَقَدْ عَمَّ بِهِ الجوهريُّ فَقَالَ: والمِحْقانُ الَّذِي يَحْقِنُ بَوْلَهُ، فإِذا بالَ أَكثرَ مِنْهُ. واحْتَقَنَ المريضُ: احتبَسَ بَوْله. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا رأْيَ لحاقِبٍ وَلَا حاقِن
، فالحاقِنُ فِي الْبَوْلِ، والحاقِبُ فِي الْغَائِطِ، والحاقنُ الَّذِي لَهُ بولٌ شَدِيدٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا يُصَلِّيَنَّ أَحدُكم وَهُوَ حاقِنٌ
، وَفِي رِوَايَةٍ:
وَهُوَ حَقِنٌ
، حَتَّى يتخفَّفَ الحاقِنُ والحَقِنُ سواءٌ. والحُقْنةُ: دواءٌ يُحْقَنُ بِهِ المريضُ المُحْتَقِنُ، واحْتَقَنَ المريضُ بالحُقْنةِ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
أَنه كَرِه الحُقْنةَ
؛ هِيَ أَن يُعطى المريضُ الدواءَ مِنْ أَسفلِه وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ الأَطِبّاء. والحاقِنةُ: المَعِدة صِفَةٌ غَالِبَةٌ لأَنها تحْقِنُ الطعامَ. قَالَ الْمُفَضَّلُ: كلَّما مَلأْتَ شَيْئًا أَو دَسَسْتَه فِيهِ فَقَدْ حقَنْتَه؛ وَمِنْهُ سمِّيت الحُقْنة. والحاقِنةُ: مَا بَيْنَ التَّرْقُوة والعُنُق، وَقِيلَ: الحاقِنتانِ مَا بَيْنَ التَّرْقُوَتين وحَبْلَي العاتِق، وَفِي التَّهْذِيبِ: نُقْرَتا التَّرْقُوتين، وَالْجَمْعُ الحواقِنُ، وَفِي الصِّحَاحِ: الحاقِنةُ النُّقْرَةُ الَّتِي بَيْنَ التَّرْقُوَةِ وَحَبْلِ العاتِق، وَهُمَا حاقِنتان. وَفِي الْمَثَلِ: لأُلْزِقَنَّ حَواقِنَكَ بذَواقِنِك؛ حَواقِنُه: مَا حَقَن الطعامَ مِنْ بَطْنِه، وذواقِنُه: أَسفَل بَطْنه ورُكْبَتاه. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الحَواقِنُ مَا سَفُلَ مِنَ الْبَطْنِ، والذَّواقِنُ مَا عَلا. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُقَالُ الحاقِنَتان الهَزْمَتانِ تَحْتَ التَّرْقُوَتَيْنِ، وَقَالَ الأَزهري فِي هَذَا الْمَثَلِ: لأُلْحِقَنَّ حواقِنَك بذواقِنِك، وَرَوِيَ عَنِ ابْنِ الأَعرابي الحاقِنةُ المَعِدة، والذاقِنةُ الذَّقَنُ، وَقِيلَ: الذاقِنةُ طَرَفُ الحُلْقوم. وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: تُوفِّي رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَيْنَ سَحْرِي ونَحْري، وَبَيْنَ حَاقِنَتِي وَذَاقِنَتِي وَبَيْنَ شَجْري
، وَهُوَ مَا بَيْنَ اللَّحْيَين. الأَزهري: الحاقِنةُ الوَهْدة الْمُنْخَفِضَةُ بَيْنَ التَّرْقُوتين مِنَ الحَلْق. ابْنُ الأَعرابي: الحَقْلَةُ والحَقْنةُ وجعٌ يَكُونُ فِي الْبَطْنِ، وَالْجَمْعُ أَحْقالٌ وأَحْقانٌ. وحَقَنَ دَمَ الرجلِ: حَلَّ بِهِ القتلُ فأَنْقذَه. واحْتَقَنَ الدَّمُ: اجْتَمَعَ فِي الْجَوْفِ. قَالَ الْمُفَضَّلُ: وحقَنَ اللهُ دمَه حَبَسه فِي جِلْدِهِ ومَلأَه بِهِ؛ وأَنشد فِي نعتِ إِبِلٍ امتلأَتْ أَجوافُها:
جُرْداً تَحَقَّنَتْ النَّجِيلَ، كأَنما ... بجلُودِهِنَّ مدارجُ الأَنْبار
. قَالَ اللَّيْثُ: إِذَا اجْتَمَعَ الدمُ فِي الْجَوْفِ مِنْ طَعْنةٍ جائفةٍ تَقُولُ احْتَقَنَ الدمُ فِي جَوْفِهِ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
فحَقَنَ لَهُ دَمَه.
يُقَالُ: حَقَنْتُ لَهُ دَمَه إِذَا مَنَعْتَ مِنْ قَتْلِه وإراقَتِه أَي جَمعْتَه لَهُ وحبَسْتَه عَلَيْهِ. وحقَنْتُ دَمه: منعتُ أَن يُسْفَك. ابْنُ شُمَيْلٍ: المُحْتقِنُ مِنَ الضُّروع الْوَاسِعُ الفَسيحُ، وَهُوَ أَحسنُها قَدْرًا، كأَنما هُوَ قَلْتٌ مُجْتَمِعٌ مُتَصعِّد حسنٌ، وَإِنَّهَا لمُحْتقِنةُ الضرعِ. ابْنُ سِيدَهْ: وحقَن اللبنَ فِي السِّقاء يَحْقُنُه حَقْناً صبَّه فِيهِ ليُخرج زُبْدَتَه. والحَقينُ: اللبنُ الَّذِي قَدْ حُقِنَ فِي السِّقاء، حَقنْتُه أَحْقُنُه، بِالضَّمِّ: جَمَعْتُهُ فِي السِّقَاءِ وَصَبَبْتُ حليبَه عَلَى رائِبه، وَاسْمُ هَذَا اللَّبَنِ الحَقينُ. والمِحْقَنُ: الَّذِي يُجعل فِي فمِ السِّقاءِ والزِّقّ ثُمَّ يُصب فِيهِ الشَّرَابُ أَو الْمَاءُ. قَالَ الأَزهري: المِحْقن القِمَعُ الَّذِي يُحْقَن بِهِ اللبنُ فِي السِّقَاءِ، وَيَجُوزُ أَن يُقَالَ لِلسِّقَاءِ نَفْسِهِ مِحْقَن، كَمَا يُقَالُ لَهُ مِصْرَب ومِجزَم، قَالَ: وَكُلُّ ذَلِكَ مَحْفُوظٌ عَنِ الْعَرَبِ. واحْتَقنَتِ الرَّوْضةُ: أَشرفت جوانبُها عَلَى سَرارِها؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ.(13/126)
حلن: الحُلّانُ: الجدْي، وَقِيلَ: هُوَ الجَدْيُ الَّذِي يُشَقُّ عَلَيْهِ بَطْنُ أُمه فَيَخْرُجُ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ فُعّالٌ مُبْدَلٌ مِنْ حُلّام، وَهُمَا بِمَعْنًى؛ قَالَ ابْنُ أَحمر:
فِداكَ كلُّ ضَئِيلِ الجِسْمِ مُخْتَشِع ... وَسْطَ المَقامةِ، يَرْعى الضَّأْنَ أَحياناً
تُهْدَى إِلَيْهِ ذِراعُ الجَدْي تَكْرِمةً، ... إِمَّا ذَبِيحًا، وَإِمَّا كَانَ حُلّانا.
يُرِيدُ: أَن الذِّرَاعَ لَا تُهْدَى إِلَّا لِمَهينٍ ساقطٍ لقلَّتها وَحَقَارَتِهَا، وَرُوِيَ:
إِمَّا ذَكِيًّا، وَإِمَّا كَانَ حُلّانا.
والذَّبيحُ: الْكَبِيرُ الَّذِي قَدْ أَدرك أَن يُضَحَّى بِهِ وَصَلَحَ أَن يُذْبح للنُّسك. والحُلَّان: الجدْيُ الصَّغِيرُ وَلَا يَصْلُحُ للنُّسُك وَلَا للذَّبْح، وَقِيلَ: الذَّكيُّ الَّذِي ماتَ، وَإِنَّمَا جَازَ أَكْلُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لأَنه لَمَّا وُلِد جُعِل فِي أُذنه حَزٌّ، عَلَى مَا نَشْرَحُهُ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَإِنْ جَعَلْتَهُ مِنَ الْحَلَالِ فَهُوَ فُعْلان، وَالْمِيمُ مُبْدَلَةٌ مِنْهُ؛ وَقَالَ الأَصمعي: الحُلَّامُ والحُلَّان، بِالْمِيمِ وَالنُّونِ، صِغار الْغَنَمِ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: الحُلَّان الحَمَل الصَّغِيرُ يَعْنِي الْخَرُوفَ، وَقِيلَ: الحُلَّان لُغَةٌ فِي الحُلّام كأَنَّ أَحَدَ الْحَرْفَيْنِ بدلٌ مِنْ صَاحِبِهِ، قَالَ: فإِن كَانَ ذَلِكَ فَهُوَ ثلاثيٌّ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنه قَضى فِي فِداءِ الأَرنب، إِذَا قتلَه المُحْرِم، بِحُلَّان
، هُوَ الحُلَّام، وَقَدْ فُسِّر فِي الْحَدِيثِ أَنه الحَمَل. الأَصمعي: وَلد الْمِعْزَى حُلَّامٌ وحُلَّان. ابْنُ الأَعرابي: الحُلَّام والحُلَّان وَاحِدٌ، وَهُمَا مَا يُولد مِنَ الْغَنَمِ صَغِيرًا، وَهُوَ الَّذِي يَخُطُّون عَلَى أُذنه إِذَا وُلِدَ خَطّاً فَيَقُولُونَ ذَكَّيْناه، فَإِنْ مَاتَ أَكَلوه. وَقَالَ أَبو سَعِيدٍ: ذُكِرَ أَن أَهل الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا إِذَا وَلَّدوا شَاةً عَمَدوا إِلَى السَّخْلَةِ فشَرَطوا أُذنَها وَقَالُوا وَهُمْ يَشْرِطون: حُلَّان حُلَّان أَي حَلالٌ بِهَذَا الشَّرْط أَن تُؤْكَلَ، فَإِنْ مَاتَتْ كَانَ ذكاتُها عِنْدَهُمْ ذَلِكَ الشرْط الَّذِي تقدَّم، وَهُوَ مَعْنَى قول ابن أَحمر، قَالَ: وسُمّي حُلّاناً إِذَا حُلَّ مِنَ الرّبْق فأَقبَل وأَدْبر، وَنُونُهُ زَائِدَةٌ، وَوَزْنُهُ فُعْلان لَا فُعّال. وَفِي حَدِيثِ
عُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنه قَضَى فِي أُم حُبَينٍ يقتُلها المُحْرِم بحُلَّان
، وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ:
ذُبِح عثمانُ كَمَا يُذْبَح الحُلَّانُ
أَي أَن دَمَهُ أُبْطِل كَمَا يُبْطَل دمُ الحلَّان. الْجَوْهَرِيُّ: وَيُقَالُ فِي الضَّبِّ حُلَّانٌ، وَفِي اليَرْبُوع جَفْرة. وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ فِي الحُلَّان: إِنَّ أَهل الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ أَحدهم إِذَا وُلِد لَهُ جَدْيٌ حَزَّ فِي أُذنه حَزّاً وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ عَاشَ فقَنيٌّ، وَإِنْ مَاتَ فذَكِيٌّ، فَإِنْ عَاشَ فَهُوَ الَّذِي أَراد، وَإِنْ مَاتَ قَالَ قَدْ ذكيْتُه بالحُزِّ فَاسْتَجَازَ أَكله بِذَلِكَ؛ وَقَالَ مُهَلْهِل:
كلُّ قَتيلٍ فِي كُلَيبٍ حُلَّانْ، ... حَتَّى يَنالَ القَتْلُ آلَ شَيْبانْ.
وَيُرْوَى: حُلَّام وآلَ هَمَّام، وَمَعْنَى حُلَّان هَدَرٌ وفِرْغٌ. وحُلْوان الْكَاهِنُ: مِنَ الحَلاوة، نذكره في حلا.
حلزن: الحَلَزُون: دَابَّةٌ تَكُونُ فِي الرِّمْث، بِفَتْحِ الْحَاءِ واللام.
حلقن: الحُلْقانةُ والحُلْقانُ مِنَ البُسْر: مَا بَلَغَ الإِرْطابُ ثلُثَيه، وَقِيلَ: الحُلْقانةُ لِلْوَاحِدِ، والحُلْقان لِلْجَمْعِ، وَقَدْ حَلْقَن البُسْرُ، وَهُوَ مُحَلْقِن إِذَا بلغ الإِرْطابُ ثلثيه، وقيل: نُونُهُ زَائِدَةٌ. ورُطَبٌ مُحَلقِمٌ ومحَلقِنٌ، وَهِيَ الحُلقانةُ والحُلقامةُ، وَهِيَ الَّتِي بَدَا فِيهَا النضْجُ مِنْ قِبَل قِمَعها، فإِذا أَرطبتْ مِنْ قِبَل الذَّنَب فَهِيَ التَّذْنوبةُ. أَبو عُبَيْدٍ: يُقَالُ للبُسْر إِذَا بَدَا فِيهِ الإِرْطاب مِنْ قِبَل ذنَبه مُذَنّب، فإِذا(13/127)
بَلَغَ فِيهِ الإِرْطابُ نِصْفَهُ فهو مُجَزَّعٌ، فإِذا بلغ ثلثيه فهو حُلْقان ومُحَلقِن.
حمن: الحَمْن والحَمْنانُ: صِغَارُ القِرْدان، وَاحِدَتُهُ حَمْنة وحَمْنانة. وأَرض مُحْمِنة: كَثِيرَةُ الحَمْنان. والحَمْنانُ: ضربٌ مِنْ عِنَبِ الطَّائِفِ، أَسود إِلَى الْحُمْرَةِ «1» . قَلِيلُ الْحَبَّةِ، وَهُوَ أَصغر الْعِنَبِ حَبًّا، وَقِيلَ: الحَمْنان الحبُّ الصِّغَارُ الَّتِي بَيْنَ الْحَبِّ العِظام. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الحَمْنانةُ قُراد، وَفِي التَّهْذِيبِ: القُراد أَول مَا يَكُونُ وَهُوَ صَغِيرٌ لَا يَكَادُ يُرى مِنْ صِغَرِهِ، يُقَالُ لَهُ قَمْقامة، ثُمَّ يَصِيرُ حَمْنانة، ثُمَّ قُرَادًا، ثُمَّ حَلَمة، زَادَ الْجَوْهَرِيُّ: ثُمَّ علٌّ وطِلحٌ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: كَمْ قَتَلْتَ مِنْ حَمْنانةٍ
؛ هو من ذَلِكَ. وحَمْنةُ، بِالْفَتْحِ، اسْمُ امرأَة؛ قِيلَ: هِيَ أَحد الْجَائِينَ عَلَى عَائِشَةَ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهَا، بالإِفك. والحَوْمانةُ: وَاحِدَةُ الحَوامين، وَهِيَ أَماكن غِلَاظٌ مُنقادة؛ وَمِنْهُ قَوْلُ زُهَيْرٍ:
أَمِنْ آلِ أَوفى دِمْنةٌ لَمْ تَكَلَّمِ ... بحَوْمانةِ الدَّرَّاجِ، فالمُتَثَلَّم
. وَلَمْ يَرْوِ أَحدٌ بحَوْمانة الدُّرَّاج، بِضَمِّ الدَّالِّ، إلَّا أَبو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ، وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ بِفَتْحِ الدَّالِ. والدُّرّاج الَّذِي هُوَ الحَيْقُطان: مَضْمُومٌ عِنْدَ النَّاسِ كُلِّهِمْ إِلَّا ابْنَ دُرَيْدٍ، فإِنه فَتَحَهَا، قَالَ أَبو خَيرة: الحَوْمانُ وَاحِدَتُهَا حَوْمانة، وَجَمْعُهَا حوامِين، وَهِيَ شقائقُ بين الجبال، وهي أَطيبُ الحُزونة، وَلَكِنَّهَا جَلَدٌ لَيْسَ فيها آكام ولا أَبارِق. وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: الحَوْمان مَا كَانَ فَوْقَ الرَّمل وَدُونَهُ حِينَ تَصْعَدُهُ أَو تَهبطه، وحَمْنانُ مكّةُ؛ قَالَ يَعْلى بْنُ مُسْلم بْنِ قَيْسٍ الشَّكْريّ:
فَليْتَ لَنَا، مِنْ ماءِ حَمْنان، شَرْبةً ... مُبَرَّدةً باتَتْ عَلَى طَهَيان
. والطَّهيَان: خَشَبَةٌ يُبرَّد عَلَيْهَا الْمَاءُ. وشَكْرٌ: قَبِيلَةٌ مِنَ الأَزد.
حنن: الحَنّانُ: مِنْ أَسماء اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: الحَنّانُ، بِتَشْدِيدِ النُّونِ، بِمَعْنَى الرَّحِيمِ، قَالَ ابْنُ الأَثير: الحَنَّانُ الرَّحِيمُ بعبادِه، فعّالٌ مِنَ الرَّحْمَةِ لِلْمُبَالَغَةِ؛ الأَزهري: هُوَ بِتَشْدِيدِ النُّونِ صَحِيحٌ، قَالَ: وَكَانَ بعضُ مشايِخنا أَنكر التَّشْدِيدَ فِيهِ لأَنه ذهَب بِهِ إِلَى الحَنين، فاسْتَوحش أَن يَكُونَ الحَنين مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا مَعْنَى الحَنّان الرَّحِيمُ مِنَ الحَنان، وَهُوَ الرَّحْمَةُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا
؛ أَي رَحْمة منْ لَدُنّا؛ قال أَبو إسحق: الحَنَّانُ فِي صِفَةِ اللَّهِ، هُوَ بِالتَّشْدِيدِ، ذُو الرَّحمة والتعطُّفِ. وَفِي حَدِيثِ
بِلَالٍ: أَنه مَرَّ عَلَيْهِ ورقةُ بْنُ نوْفَل وَهُوَ يُعَذَّب فَقَالَ: وَاللَّهِ لَئِنْ قَتَلْتُموه لأَتَّخِذَنَّه حَناناً
؛ الحَنانُ: الرحمةُ والعطفُ، والحَنَانُ: الرِّزْقُ والبركةُ، أَراد لأَجْعَلَنَّ قَبْرَه موضعَ حَنانٍ أَي مَظِنَّةً منْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فأَتَمَسَّحُ بِهِ مُتَبَرِّكًا، كَمَا يُتمسَّح بِقُبُورِ الصَّالِحِينَ الَّذِينَ قُتلوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنَ الأُمَمِ الْمَاضِيَةِ، فَيَرْجِعُ ذَلِكَ عَارًا عَلَيْكُمْ وسُبَّةً عِنْدَ النَّاسِ،
وَكَانَ ورقةُ عَلَى دِينِ عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهَلَكَ قُبَيْل مَبْعَثِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأَنه قَالَ لِلنَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، إِن يُدْرِكْنِي يَوْمُك لأَنْصُرَنَّكَ نَصْراً مُؤَزَّراً
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير. وَفِي هَذَا نظرٌ فَإِنَّ بِلَالًا مَا عُذِّب إِلَّا بَعْدَ أَن أَسْلَمَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمة وَعِنْدَهَا غلامٌ يُسَمَّى الوليدَ، فَقَالَ: اتَّخَذْتُمْ الوليدَ حَناناً غَيِّرُوا اسمَه
أَي تَتَعَطَّفُون عَلَى هَذَا الِاسْمِ فَتُحِبُّونه، وَفِي رِوَايَةٍ:
__________
(1) . قوله [إلى الحمرة] في المحكم: إلى الغبرة(13/128)
أَنه مِنْ أَسماء الفَراعِنة، فكَرِه أَن يُسَمَّى بِهِ.
والحَنانُ، بِالتَّخْفِيفِ: الرَّحْمَةُ. تَقُولُ: حَنَّ عَلَيْهِ يَحِنُّ حَناناً؛ قَالَ أَبو إِسْحَقَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا
؛ أَي وآتَيْناه حَناناً؛ قَالَ: الحَنانُ العَطْفُ وَالرَّحْمَةُ؛ وأَنشد سِيبَوَيْهِ: فَقَالَتْ:
حَنانٌ مَا أَتى بِكِ هَاهُنا؟ ... أَذُو نَسَبٍ أَمْ أَنْتَ بالحَيِّ عارِفُ؟
أَي أَمْرِي حَنانٌ أَو مَا يُصيبُنا حَنانٌ أَي عَطْفٌ وَرَحْمَةٌ، وَالَّذِي يُرْفَع عَلَيْهِ غَيْرُ مستعمَل إظهارُه. وَقَالَ الفَراء فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: وحَناناً مِنْ لَدُنَّا الرحمةُ؛ أَي وَفِعْلُنَا ذَلِكَ رَحْمةً لأَبَوَيْك. وَذَكَرَ
عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنه قَالَ: مَا أَدْري مَا الحَنانُ.
والحَنينُ: الشديدُ مِنَ البُكاءِ والطَّرَبِ، وَقِيلَ: هُوَ صوتُ الطَّرَبِ كَانَ ذَلِكَ عَنْ حُزْنٍ أَو فَرَحٍ. والحَنِينُ: الشَّوْقُ وتَوَقانُ النَّفس، والمَعْنَيان مُتَقَارِبَانِ، حَنَّ إِلَيْهِ يَحِنُّ حَنِيناً فَهُوَ حانٌّ. والاسْتِحْنانُ: الاسْتِطْرابُ. واسْتَحَنَّ: اسْتَطْرَبَ: وحَنَّت الإِبلُ: نَزَعَتْ إِلَى أَوْطانِها أَو أَوْلادِها، والناقةُ تَحِنُّ فِي إِثْرِ ولَدِها حَنِيناً تَطْرَب مَعَ صَوْت، وَقِيلَ: حَنِينُها نِزَاعُها بصوتٍ وبغير يصوتٍ والأَكثر أَن الحَنين بالصَّوْتِ. وتَحَنَّنَت النّاقةُ عَلَى ولدِها: تَعَطَّفَت، وَكَذَلِكَ الشَّاةُ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. الأَزهري عَنِ اللَّيْثِ: حنينُ النَّاقَةِ عَلَى مَعْنَيَيْنِ: حَنِينُها صوْتُها إِذَا اشْتَاقَتْ إِلَى وَلَدِها، وحَنينُها نِزَاعُها إِلَى وَلَدِهَا مِنْ غَيْرِ صَوْتٍ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
حَنَّت قَلُوصِي أَمْسِ بالأُرْدُنِّ، ... حِنِّي فَمَا ظُلِّمْتِ أَن تَحِنِّي
. يُقَالُ: حَنَّ قَلْبي إِليه فَهَذَا نِزاعٌ واشْتِياق مِنْ غَيْرِ صَوْتٍ، وحَنَّت النّاقةُ إِلى أُلَّافِها فَهَذَا صوتٌ مَعَ نِزاعٍ، وَكَذَلِكَ حَنَّتْ إِلى وَلَدِهَا؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
يُعارِضْنَ مِلْواحاً كأَنَّ حَنِينَها، ... قُبَيْلَ انْفِتاقِ الصُّبْحِ، تَرْجِيعُ زامِرِ
. وَيُقَالُ: حَنَّ عَلَيْهِ أَي عَطَف. وحَنَّ إِليه أَي نزَعَ إِليه. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يُصَلِّي فِي أَصل أُسْطُوانةِ جِذْعٍ فِي مَسْجِدِهِ، ثُمَّ تحوَّلَ إِلى أَصلِ أُخرى، فحنَّتْ إِليه الأُولى وَمَالَتْ نحوَه حَتَّى رجَع إِليها فاحْتَضَنها فَسَكَنَتْ.
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ:
أَنه كَانَ يصلِّي إِلى جذْعٍ فِي مَسْجِدِهِ، فَلَمَّا عُمِلَ لَهُ المِنْبَرُ صَعِدَ عَلَيْهِ فحَنَّ الجِذْعُ إِليه
أَي نَزَع وَاشْتَاقَ، قَالَ: وأَصلُ الحَنِينِ ترجيعُ النَّاقَةِ صوْتَها إِثْرَ وَلَدِهَا. وتحانَّت: كحنَّتْ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: حَكَاهُ يعقوبُ فِي بَعْضِ شُرُوحِهِ، وَكَذَلِكَ الحَمامَةُ والرجلُ؛
وَسَمِعَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِلالًا يُنشِد:
أَلا لَيْتَ شِعْري هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً ... بوادٍ وحَوْلي إِذْخِرٌ وجَليلُ؟
فَقَالَ لَهُ: حَنَنْتَ يَا ابنَ السَّوْداء.
والحَنَّانُ: الَّذِي يَحِنُّ إِلى الشَّيْءِ. والحِنَّةُ، بِالْكَسْرِ: رقَّةُ القلبِ؛ عَنْ كُرَاعٍ. وَفِي حَدِيثِ
زَيْدِ بْنِ عَمْرو بْنِ نُفَيل: حَنانَيْكَ يَا رَبِ
أَي ارْحَمْني رَحْمَةً بَعْدَ رَحْمَةٍ، وَهُوَ مِنَ الْمَصَادِرِ المُثنَّاة الَّتِي لَا يَظْهر فعْلُها كلَبَّيْكَ وسَعْدَيْكَ، وَقَالُوا: حَنانَك وحَنانَيْك أَي تَحَنُّناً عليَّ بَعْدَ تَحَنُّن، فَمَعْنَى حَنانَيْك تَحَنَّنْ عليَّ مرَّة بعد أُخرى وحَنانٍ بعد حَناناٍ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: يَقُولُ كلَّما كنْتُ فِي رحمةٍ مِنْكَ وخيرٍ فَلَا يَنْقَطِعنَّ،(13/129)
ولْيَكُنْ مَوْصُولًا بآخرَ مِنْ رحمتِك، هَذَا مَعْنَى التَّثْنِيَةِ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ فِي هَذَا الضَّرْبِ؛ قَالَ طَرَفَةُ:
أَبا مُنْذِرٍ، أَفْنَيْتَ فاسْتَبْقِ بَعْضَنا، ... حَنانَيْكَ، بعضُ الشَّرِّ أَهْوَنُ مِنْ بعضِ
. قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَلَا يُسْتَعْمل مُثَنًّى إِلا فِي حَدِّ الإِضافة. وَحَكَى الأَزهري عَنِ اللَّيْثِ: حَنانَيْكَ يَا فُلَانُ افْعَلْ كَذَا وَلَا تَفْعَلْ كَذَا، يذكِّرُه الرَّحمةَ والبِرَّ، وأَنشد بَيْتَ طَرَفَةَ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ قَالُوا حَناناً فصَلُوه مِنَ الإِضافة فِي حَدِّ الإِفْراد، وكلُّ ذَلِكَ بدلٌ مِنَ اللَّفْظِ بِالْفِعْلِ، وَالَّذِي يَنْتَصِبُ عَلَيْهِ غيرُ مستعمَلٍ إِظهارُه، كَمَا أَنَّ الَّذِي يَرْتَفِعُ عَلَيْهِ كَذَلِكَ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: حَنانَك يَا رَبِّ وحَنانَيْك بِمَعْنًى وَاحِدٍ أَي رحمتَك، وَقَالُوا: سبحانَ اللَّهِ وَحَنانَيْه أَي واسْتِرْحامَه، كَمَا قَالُوا: سبحانَ اللَّهِ ورَيْحانَه أَي اسْتِرْزاقَه؛ وَقَوْلُ إِمرئ الْقَيْسِ:
ويَمْنَعُها بَنُو شَمَجَى بنِ جَرْم ... مَعِيزَهُمُ، حَنانَك ذَا الحَنانِ
. فَسَّرَهُ ابْنُ الأَعرابي فَقَالَ: مَعْنَاهُ رَحمتَك يا رحمنُ فأَغْنِني عَنْهُمْ، وَرَوَاهُ الأَصمعي: ويَمْنَحُها أَي يُعْطِيها، وفسَّر حَنانَك بِرَحْمَتِكَ أَيضاً أَي أَنْزِلْ عَلَيْهِمْ رحمتَك وَرِزْقَكَ، فروايةُ ابْنِ الأَعرابي تَسَخُّطٌ وذمٌّ، وَكَذَلِكَ تَفْسِيرُهُ، وروايةُ الأَصمعي تَشكُّرٌ وحمدٌ ودعاءٌ لَهُمْ، وَكَذَلِكَ تَفْسِيرُهُ، وَالْفِعْلُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ تَحَنَّنَ عَلَيْهِ، وَهُوَ التحنُّنُ. وتَحَنَّنْ عَلَيْهِ: ترحَّمْ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ للحُطَيْئة:
تَحَنَّنْ عليَّ، هَداك المَلِيك، ... فإِن لكلِّ مقامٍ مَقَالَا
. والحَنانُ: الرحمةُ، والحَنانُ: الرِّزق. والحَنانُ: الْبَرَكَةُ. والحَنانُ: الهَيْبَةُ. والحَنانُ: الوَقار. الأُمَوِيُّ: مَا نَرَى لَهُ حَناناً أَي هَيْبَةً. والتَّحنُّنُ: كالحَنانِ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لَمَّا قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبةَ بنِ أَبي مُعَيْطٍ: أُقْتَلُ مِنْ بَيْنِ قُرَيش، فَقَالَ عُمَرُ: حَنَّ قِدْحٌ لَيْسَ مِنْهَا
؛ هُوَ مَثَلٌ يُضْرَبُ لِلرَّجُلِ يَنْتَمي إِلى نسبٍ لَيْسَ مِنْهُ أَو يَدَّعي مَا لَيْسَ مِنْهُ فِي شَيْءٍ، والقِدْحُ، بِالْكَسْرِ: أَحدُ سِهام المَيْسِر، فإِذا كَانَ مِنْ غَيْرِ جَوْهَرِ أَخَواتِه ثُمَّ حرَّكها المُفيض بِهَا خَرَجَ لَهُ صوتٌ يخالِف أَصواتَها فعُرِفَ بِهِ؛ وَمِنْهُ
كِتَابُ عليٍّ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ، إِلى مُعَاوِيَةَ: وأَما قَوْلُكَ كَيْتَ وكَيْتَ فَقَدْ حَنَّ قِدْحٌ لَيْسَ مِنْهَا.
والحَنُونُ مِنَ الرِّيَاحِ: الَّتِي لَهَا حَنِينٌ كحَنِين الإِبِل أَي صَوْتٌ يُشْبِه صَوْتَها عِنْدَ الحَنِين؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
غَشِيتُ لَهَا مَنازِلَ مُقْفِراتٍ، ... تُذَعْذِعُها مُذَعْذعَةٌ حَنُونٌ
وَقَدْ حَنَّتْ واسْتَحَنَّتْ؛ أَنشد سِيبَوَيْهِ لأَبي زُبَيد:
مُسْتَحِنٌّ بِهَا الرِّياحُ، فمَا ... يَجْتابُها فِي الظَّلامِ كلُّ هَجُودِ
. وسحابٌ حَنَّانٌ كَذَلِكَ؛ وَقَوْلُهُ:
فاسْتَقْبَلَتْ لَيْلَةَ خِمْسٍ حَنَّانْ
. جَعَلَ الحَنَّان للخِمْس، وإِنما هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ لِلنَّاقَةِ، لَكِنْ لَمَّا بَعُد عَلَيْهِ أَمدُ الوِرْد فحنَّت نسَب ذَلِكَ إِلى الخِمْسِ حَيْثُ كَانَ مِنْ أَجْلِه. وخِمْسٌ حَنَّانٌ أَي بائصٌ؛ الأَصمعي: أَي لَهُ حَنِينٌ مِن سُرْعَتِه. وامْرأَةٌ حَنَّانةٌ: تَحِنُّ إِلى زَوْجِهَا الأَول وتعطِفُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي تَحِنُّ عَلَى وَلَدِهَا الَّذِي مِنْ زَوْجِهَا المُفارِقِها. والحَنونُ مِنَ النِّسَاءِ: الَّتِي تَتَزوَّج رِقَّةً عَلَى وَلَدِها إِذا كَانُوا صِغَارًا ليقومَ الزوجُ بأَمرهم، وَفِي بَعْضِ الأَخْبار: أَنَّ رَجُلًا أَوْصى ابْنَهُ(13/130)
فَقَالَ: لَا تَتَزَوَّجَنَّ حَنَّانةً وَلَا مَنَّانة. وَقَالَ رَجُلٌ لِابْنِهِ: يَا بُنيَّ إِيَّاكَ والرَّقُوبَ الغَضُوبَ الأَنَّانةَ الحَنَّانَةَ المنَّانةَ؛ الحَنَّانةُ الَّتِي كَانَ لَهَا زوجٌ قَبْلَهُ فَهِيَ تَذْكُره بالتَّحَزُّنِ والأَنينِ والحَنينِ إِليه. الحرَّاني عَنِ ابْنِ السِّكِّيتِ قَالَ: الحَنونُ مِنَ النساءِ الَّتِي تَتَزَوَّج رِقَّةً عَلَى وَلَدِهَا إِذا كَانُوا صِغَارًا ليقومَ الزوجُ بأَمْرِهم. وحَنَّةُ الرَّجل: امرأَتُه؛ قَالَ أَبو مُحَمَّدٍ الفَقْعَسِيّ:
ولَيْلة ذَاتَ دُجًى سَرَيْتُ، ... وَلَمْ يَلِتْنِي عَنْ سُراها لَيْتُ،
ولم تَضِرْني حَنَّةٌ وبَيْتُ.
وَهِيَ طَلَّتُه وكَنِينتُه ونَهضَتُه وحاصِنته وحاضِنتُه. وَمَا لَهُ حانَّةٌ وَلَا آنَّةٌ أَي نَاقَةٌ وَلَا شاةٌ؛ والحَانَّةُ: الناقةُ، والآنَّةُ: الشاةُ، وَقِيلَ: هِيَ الأَمَةُ لأَنها تَئِنُّ مِنَ التَّعَب. الأَزهري: الحَنِينُ لِلنَّاقَةِ والأَنينُ للشاةِ. يُقَالُ: مَا لَهُ حانَّةٌ وَلَا آنَّةٌ أَي مَا لَه شاةٌ وَلَا بَعِيرٌ. أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ مَا لَهُ حانَّة وَلَا جارَّة، فالحانَّةُ: الإِبلُ الَّتِي تَحِنُّ، والجارَّةُ: الحَمُولةُ تَحْمِلُ المتاعَ والطعامَ. وحَنَّةُ البعيرِ: رُغاؤُه. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَمَا لَهُ حانَّةٌ وَلَا آنَّةٌ أَي ناقةٌ وَلَا شاةٌ، قَالَ: والمُسْتَحِنُّ مِثْله؛ قَالَ الأَعشى:
تَرَى الشَّيخَ مِنْهَا يُحِبُّ الإِيابَ، ... يَرْجُفُ كالشارِف المُستَحِنّ.
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الضميرُ فِي مِنْهَا يَعُودُ عَلَى غَزْوَةٍ فِي بَيْتٍ مُتَقَدِّمٍ؛ وَهُوَ:
وَفِي كلِّ عامٍ لَهُ غزْوةٌ ... تَحُتُّ الدَّوابِرَ حَتَّ السَّفَنْ.
قَالَ: والمُسْتَحِنُّ الَّذِي اسْتَحَنَّه الشوقُ إِلى وَطَنِه؛ قَالَ: ومثلُه ليزيدَ بنِ النُّعمانِ الأَشعري:
لَقَدْ تَرَكَتْ فُؤَادَك، مُسْتَحِناً، ... مُطَوَّقَةٌ عَلَى غُصْنٍ تَغَنَّى.
وَقَالُوا: لَا أَفْعلُ ذَلِكَ حَتَّى يَحِنَّ الضبُّ فِي إِثْرِ الإِبلِ الصَّادرة، وَلَيْسَ للضبِّ حَنِينٌ إِنما هُوَ مَثَلٌ، وَذَلِكَ لأَنَّ الضبَّ لَا يَرِدُ أَبداً. والطَّسْتُ تَحِنُّ إِذا نُقِرَت، عَلَى التَّشْبِيهِ. وحَنَّت القوسُ حَنيناً: صَوَّتَت، وأَحَنَّها صاحِبُها. وقوسٌ حَنَّانة: تَحِنُّ عِنْدَ الإِنْباضِ؛ وَقَالَ:
وَفِي مَنْكِبَيْ حَنَّانةٍ عُودُ نَبْعَةٍ، ... تَخَيَّرَها لِي، سُوقَ مَكَّةَ، بائعُ.
أَي فِي سُوقِ مَكَّةَ؛ وأَنشد أَبو حَنِيفَةَ:
حَنَّانةٌ مِنْ نَشَمٍ أَو تأْلَبِ.
قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: وَلِذَلِكَ سُمِّيَتِ الْقَوْسُ حَنَّانةً اسْمٌ لَهَا عَلَمٌ؛ قَالَ: هَذَا قَوْلُ أَبي حَنِيفَةَ وَحْدَه، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ أَنَّ الْقَوْسَ تُسَمَّى حَنَّانةً، إِنما هُوَ صِفَةٌ تَغْلِب عَلَيْهَا غَلَبة الِاسْمِ، فإِن كَانَ أَبو حَنِيفَةَ أَراد هَذَا، وإِلَّا فَقَدْ أَساءَ التعبيرَ. وعُودٌ حَنَّانٌ: مُطَرِّب. والحَنَّانُ مِنَ السِّهَامِ: الَّذِي إِذا أُديرَ بالأَناملِ عَلَى الأَباهِيم حَنّ لِعِتْقِ عُودِه والْتئامِهِ. قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: يُقَالُ لِلسَّهْمِ الَّذِي يُصَوِّت إِذا نَفَّزْته بَيْنَ إِصْبعيك حَنَّان؛ وأَنشد قَوْلَ الْكُمَيْتِ يَصِف السَّهم:
فاسْتَلَّ أَهْزَعَ حَنَّاناً يُعَلِّله، ... عِنْدَ الإِدامةِ حَتَّى يَرْنُوَ الطَّرِبُ
. إِدامتُه: تْنفِيزُه، يُعَلِّلُه: يُغَنِّيه بِصَوْتِهِ حَتَّى يَرْنُوَ لَهُ الطَّرِب يَسْتَمِعُ إِليه وَيَنْظُرُ متعجِّباً مِنْ حُسْنِه. وطريقٌ حَنَّانٌ: بَيِّنٌ وَاضِحٌ مُنْبَسِط. وَطَرِيقٌ يَحِنُّ فِيهِ العَوْدُ: يَنْبَسِط. الأَزهري:(13/131)
اللَّيْثُ الحَنَّةُ خِرْقَةٌ تَلْبَسُهَا المرأَةُ فَتُغَطِّي رأْسها؛ قَالَ الأَزهري: هَذَا حاقُّ التَّصْحِيفِ، وَالَّذِي أَراد الخْبَّة، بِالْخَاءِ وَالْبَاءِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي مَوْضِعِهِ، وأَما الحَنَّةُ، بِالْحَاءِ وَالنُّونِ، فَلَا أَصل لَهُ فِي بَابِ الثِّياب. والحَنِينُ والحَنَّةُ: الشَّبَهُ. وَفِي الْمَثَلِ: لَا تَعْدَمُ ناقةٌ مِنْ أُمِّها حَنِيناً وحَنَّةً أَي شَبَهاً. وَفِي التَّهْذِيبِ: لَا تَعْدَمُ أَدْماءُ مِنْ أُمِّها حنَّةً؛ يُضْرَبُ مَثَلًا للرجُل يُشْبِهُ الرَّجُلَ، وَيُقَالُ ذَلِكَ لِكُلِّ مَنْ أَشْبَه أَباه وأُمَّه؛ قَالَ الأَزهري: والحَنَّةُ فِي هَذَا المَثَلِ العَطْفَةُ والشَّفَقةُ والحِيطةُ. وحَنَّ عَلَيْهِ يَحُنُّ، بِالضَّمِّ، أَي صَدَّ. وَمَا تَحُنُّني شَيْئًا مِنْ شَرِّكَ أَي مَا تَرُدُّه وَمَا تَصْرِفه عَنِّي. وَمَا حَنَّنَ عَنِّي أَي مَا انْثَنَى وَلَا قَصَّرَ؛ حَكَاهُ ابْنُ الأَعرابي، قَالَ شَمِرٌ: وَلَمْ أَسمع تَحنُنُّي بِهَذَا الْمَعْنَى لِغَيْرِ الأَصمعي. وَيُقَالُ: حُنَّ عَنَّا شَرَّكَ أَي اصْرِفْه. وَيُقَالُ: حَمَلَ فَحَنَّنَ كَقَوْلِكَ حَمَلَ فَهَلَّلَ إِذا جَبُنَ. وأَثَرٌ لَا يُحِنُّ عَنِ الجِلْدِ أَي لَا يَزُولُ؛ وأَنشد:
وإِنَّ لَهَا قَتْلَى فَعَلَّكَ مِنْهُمُ، ... وإِلَّا فجُرْحٌ لَا يُحِنُّ عَنِ العَظْمِ
وَقَالَ ثَعْلَبٌ: إِنما هُوَ يَحِنُّ، وَهَكَذَا أَنشد الْبَيْتَ وَلَمْ يُفَسِّرْهُ. والمَحْنُون مِنَ الحقِّ: المنقوصُ. يُقَالُ: مَا حَنَنْتُك شَيْئًا مِنْ حقِّك أَي مَا نَقَصْتُكَ. والحَنُّونُ: نَوْرُ كلِّ شَجَرَةٍ ونَبْتٍ، واحدتُه حَنُّونةٌ. وحَنَّنَ الشجرُ والعُشْبُ: أَخرج ذَلِكَ. والحِنَّانُ: لُغَةٌ فِي الحِنَّاء؛ عَنْ ثَعْلَبٍ. وَزَيْتٌ حَنِينٌ: مُتَغَيِّرُ الرِّيحِ، وجَوْزٌ حَنِينٌ كَذَلِكَ؛ قَالَ عَبِيدُ بْنُ الأَبرَصِ:
كأَنَّها لِقْوَةٌ طَلُوبُ، ... تَحِنُّ فِي وَكْرِهَا القُلُوبُ.
وَبَنُو حُنٍّ: حيٌّ؛ قَالَ ابْنُ دُرَيْد: هُمْ بطنٌ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ؛ وَقَالَ النَّابِغَةُ:
تَجَنَّبْ بَنِي حُنٍّ، فإِن لقاءَهُمْ ... كَرِيهٌ، وإِن لَمْ تَلْقَ إِلَّا بِصابِرِ
. والحِنُّ، بِالْكَسْرِ: حيٌّ مِنَ الْجِنِّ، يُقَالُ: مِنْهُمُ الكلابُ السُّودُ البُهْمُ، يُقَالُ: كَلْبٌ حِنِّيٌّ، وَقِيلَ: الحِنُّ ضَرْبٌ مِنَ الْجِنِّ؛ وأَنشد:
يَلْعَبْنَ أَحْواليَ مِنْ حِنٍّ وجِنٌّ.
والحِنُّ: سَفِلَةُ الجِنِّ أَيضاً وضُعَفاؤُهم؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد لمُهاصِرِ بنِ المُحِلِّ:
أَبيتُ أَهْوِي فِي شيَاطين تُرِنّ، ... مُخْتلفٍ نَجْواهُمُ جِنٍّ وحِنّ.
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَيْسَ فِي هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَن الحِنَّ سَفِلَةُ الجِنِّ، وَلَا عَلَى أَنهم حَيٌّ مِنَ الْجِنِّ، إِنما يَدُلُّ عَلَى أَن الحِنَّ نوعٌ آخَرُ غَيْرُ الْجِنِّ. وَيُقَالُ: الحِنُّ خَلْقٌ بَيْنَ الْجِنِّ والإِنس. الْفَرَّاءُ: الحِنُّ كِلابُ الجِنِّ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ: إِنَّ هَذِهِ الْكِلَابَ الَّتِي لَهَا أَربعُ أَعْيُنٍ مِنَ الحِنِ
؛ فُسِّرَ هَذَا الْحَدِيثُ الحِنُّ حيٌّ مِنَ الجِنِّ. وَيُقَالُ: مَجْنونٌ مَحْنونٌ، ورجلٌ مَحْنونٌ أَي مجنون، وبه حِنَّةٌ حَنَّةٌ أَي جِنَّةٌ. أَبو عَمْرٍو: المَحْنون الَّذِي يُصْرعُ ثُمَّ يُفيق زَمَانًا. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ الحِنُّ الكلابُ السُّود المُعَيَّنة. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ: الكِلابُ مِنَ الحِنِّ، وَهِيَ ضَعَفَةُ الجِنِّ، فَإِذَا غَشِيَتْكُم عِنْدَ طَعامِكم فأَلْقُوا لَهُنَّ، فإِنَّ لَهُنَّ أَنْفُساً
؛ جمعُ نَفْسٍ أَي أَنها تُصِيبُ بأَعْيُنِها. وحَنَّةُ وحَنُّونةُ: اسمُ امرأَة، قَالَ اللَّيْثُ: بَلَغَنَا أَن أُمَّ مَرْيَمَ كَانَتْ تُسَمَّى حَنَّةَ. وحُنَيْنٌ: اسمُ وادٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ. قَالَ الأَزهري: حُنَيْنٌ اسمُ وادٍ(13/132)
بِهِ كَانَتْ وَقْعَةُ أَوْطاسٍ، ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ فَقَالَ: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ
؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: حُنَيْنٌ مَوْضِعٌ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، فَإِذَا قَصَدْتَ بِهِ الْمَوْضِعَ والبلَد ذكَّرْتَه وصَرفْتَه كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ
، وإِن قصدْتَ بِهِ البلدةَ والبُقْعةَ أَنَّثْته وَلَمْ تَصْرِفْهُ كَمَا قَالَ حَسَّان بْنُ ثَابِتٍ:
نَصَرُوا نَبِيَّهُم وشَدُّوا أَزْرَه بِحُنَيْنَ، ... يومَ تَواكُلِ الأَبْطال
. وحُنَيْنٌ: اسمُ رَجُلٍ. وقولُهم لِلرَّجُلِ إِذا رُدَّ عَنْ حاجتِه ورجَعَ بالخَيْبةِ: رَجَعَ بخُفَّيْ حُنَيْنٍ؛ أَصله أَن حُنَيْناً كَانَ رَجُلًا شَرِيفًا ادَّعَى إِلى أَسدِ بنِ هاشمِ بْنُ عبدِ منافٍ، فأَتى إِلى عبدِ المُطَّلب وَعَلَيْهِ خُفَّانِ أَحْمرانِ فَقَالَ: يَا عَمِّ أَنا ابنُ أَسدِ بْنِ هاشمٍ، فَقَالَ لَهُ عبدُ الْمُطَّلِبِ: لَا وثيابِ هاشمٍ مَا أَعْرِفُ شمائلَ هَاشِمٍ فِيكَ فارْجِعْ رَاشِدًا، فانْصَرَف خَائِبًا فَقَالُوا: رجعَ حُنَيْنٌ بِخُفَّيه، فَصَارَ مَثَلًا؛ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ اسْمُ إِسْكافٍ مِنْ أَهل الحيرةِ، ساوَمه أَعْرابيٌّ بخُفَّيْن فَلَمْ يَشتَرِهما، فغاظَه ذَلِكَ وعلَّقَ أَحَدَ الخُفَّيْنِ فِي طَرِيقِهِ، وتقدَّم وطرَحَ الآخَرَ وكَمَن لَهُ، وجاءَ الأَعرابيُّ فرأَى أَحَدَ الخُفَّيْن فَقَالَ: مَا أَشْبَه هَذَا بِخُفِّ حُنَيْنٍ لَوْ كَانَ مَعَهُ آخرُ اشْتَرَيْتُه فتقدَّم ورأَى الخُفَّ الآخرَ مَطْرُوحًا فِي الطَّرِيقِ، فنزلَ وعَقَلَ بعيرَه وَرَجَعَ إِلى الأَوّل، فَذَهَبَ الإِسكافُ براحِلتِه، وجاءَ إِلى الحَيِّ بِخُفَّيْ حُنَيْنٍ. والحَنَّانُ: موضعٌ يُنْسَبُ إِليه أَبْرَقُ الحَنَّانِ. الْجَوْهَرِيُّ: وأَبْرَقُ الحَنَّانِ موضعٌ. قَالَ ابْنُ الأَثير: الحَنَّانُ رمْلٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ لَهُ ذِكْرٌ فِي مَسِير النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلى بَدْرٍ؛ وحَنَانةُ: اسمُ راعٍ فِي قَوْلِ طَرَفَةَ:
نَعاني حَنَانةُ طُوبالةً، ... تسفُّ يَبِيساً مِنَ العِشرِقِ.
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: رَوَاهُ ابْنُ الْقُطَاعِ بَغاني حَنَانةُ، بِالْبَاءِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، وَالصَّحِيحُ بِالنُّونِ وَالْعَيْنِ غَيْرِ مُعْجَمَةٍ كَمَا وَقَعَ فِي الأُصول، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَ هَذَا الْبَيْتِ:
فنَفْسَك فانْعَ وَلَا تَنْعَني، ... وداوِ الكُلُومَ وَلَا تَبْرَقِ
. والحَنَّانُ: اسمُ فحْلٍ مِنْ خُيولِ الْعَرَبِ مَعْرُوفٌ. وحُنٌّ، بِالضَّمِّ: اسْمُ رَجُلٍ. وحَنِينٌ والحَنِينُ «2» . جَمِيعًا: جُمادَى الأُولى اسمٌ لَهُ كالعَلَم؛ وَقَالَ:
وَذُو النَّحْبِ نُؤْمِنْه فيَقْضي نُذورَه، ... لَدَى البِيضِ مِنْ نِصْفِ الحَنِين المُقَدَّرِ
وجمعُه أَحِنَّةٌ وحُنُونٌ وحَنَائِنُ. وَفِي التَّهْذِيبِ عَنِ الْفَرَّاءِ وَالْمُفَضَّلِ أَنهما قَالَا: كَانَتِ الْعَرَبُ تَقُولُ لِجُمادَى الآخِرة حَنِينٌ، وصُرِفَ لأَنه عُني بِهِ الشَّهْرُ.
حنحن: الأَزهري: ابْنُ الأَعرابي حَنْحَنَ إِذا أَشفق.
حون: الحانةُ: موضعُ بَيْعِ الخَمْر؛ قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: أَظُنُّها فَارِسِيَّةً وأَن أَصلها خَانَةٌ. والتَّحَوُّنُ: الذُّلُّ والهَلاكُ.
حين: الحِينُ: الدهرُ، وَقِيلَ: وَقْتٌ مِنَ الدَّهر مُبْهَمٌ يَصْلُحُ لِجَمِيعِ الأَزمان كُلِّهَا، طَالَتْ أَو قَصُرَتْ، يَكُونُ سَنَةً وأَكثر مِنْ ذَلِكَ، وَخَصَّ بَعْضُهُمْ بِهِ أَربعين سَنَةً أَو سَبْعَ سِنِينَ أَو سَنَتَيْنِ أَو سِتَّةَ أَشهر أَو شَهْرَيْنِ. والحِينُ: الوقتُ، يُقَالُ: حِينَئِذٍ؛ قَالَ خُوَيْلِدٌ:
كَابِي الرَّمادِ عظيمُ القِدْرِ جَفْنَتُه، ... حينَ الشتاءِ، كَحَوْضِ المَنْهَلِ اللَّقِفِ.
والحِينُ: المُدَّة؛ ومنه قوله تعالى:
__________
(2) . قوله [وحنين والحنين إِلخ] بوزن أَمير وسكيت فيهما كما في القاموس(13/133)
هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ
. التَّهْذِيبِ: الحِينُ وَقْتٌ مِنَ الزَّمَانِ، تَقُولُ: حانَ أَن يَكُونَ ذَلِكَ، وَهُوَ يَحِين، وَيُجْمَعُ عَلَى الأَحيانِ، ثُمَّ تُجْمَعُ الأَحيانُ أَحايينَ، وإِذا بَاعَدُوا بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ بَاعَدُوا بإِذ فَقَالُوا: حِينَئذٍ، وَرُبَّمَا خَفَّفُوا هَمْزَةَ إِذ فأَبدلوها يَاءً وَكَتَبُوهَا بِالْيَاءِ. وحانَ لَهُ أَن يَفْعَلَ كَذَا يَحِينُ حِينًا أَي آنَ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها
؛ قِيلَ: كلَّ سنةٍ، وَقِيلَ: كُلَّ سِتَّةِ أَشهر، وَقِيلَ: كُلَّ غُدْوةٍ وعَشِيَّة. قَالَ الأَزهري: وَجَمِيعُ مَنْ شاهدتُه مِنْ أَهل اللُّغَةِ يَذْهَبُ إِلى أَن الحِينَ اسْمٌ كَالْوَقْتِ يَصْلُحُ لِجَمِيعِ الأَزمان، قَالَ: فَالْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ
، أَنه يُنْتَفَعُ بِهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ لَا يَنْقَطِعُ نَفْعُهَا أَلْبَتَّةَ؛ قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى أَن الحِينَ بِمَنْزِلَةِ الْوَقْتِ قَوْلُ النَّابِغَةِ أَنشده الأَصمعي:
تَناذَرَها الراقونَ مِنْ سَوْءِ سَمِّها، ... تُطَلِّقه حِيناً، وحِيناً تُراجِعُ
. الْمَعْنَى: أَن السَّمَّ يَخِفُّ أَلَمُه وقْتاً وَيَعُودُ وَقْتًا. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ زِمْلٍ: أَكَبُّوا رَواحِلَهم فِي الطَّرِيقِ وَقَالُوا هَذَا حِينُ المَنْزِلِ
أَي وَقْتَ الرُّكُونِ إِلى النُّزُولِ، وَيُرْوَى خَيْرُ الْمَنْزِلِ، بِالْخَاءِ وَالرَّاءِ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ
؛ أَي بَعْدَ قِيَامِ الْقِيَامَةِ، وَفِي الْمُحْكَمِ أَي بَعْدَ مَوْتٍ؛ عَنِ الزَّجَّاجِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ
؛ أَي حَتَّى تَنْقَضِيَ المُدَّةُ الَّتِي أُمْهِلوا فِيهَا، وَالْجَمْعُ أَحْيانٌ، وأَحايينُ جَمْعُ الْجَمْعِ، وَرُبَّمَا أَدخلوا عَلَيْهِ التَّاءَ وَقَالُوا لاتَ حِينَ بِمَعْنَى لَيْسَ حِينَ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَلاتَ حِينَ مَناصٍ
؛ وأَما قَوْلُ أَبي وَجْزة:
العاطِفُونَ تَحِينَ مَا مِنْ عاطفٍ، ... والمُفْضِلونَ يَداً، إِذا مَا أَنْعَمُوا
. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: قِيلَ إِنه أَراد العاطِفُونَ مِثْلَ الْقَائِمُونَ وَالْقَاعِدُونَ، ثُمَّ إِنه زَادَ التَّاءَ فِي حِينَ كَمَا زَادَهَا الْآخَرُ فِي قَوْلِهِ:
نَوِّلِي قَبْلَ نَأْي دَارِي جُمانَا، ... وصِلِينا كَمَا زَعَمْتِ تَلانا
. أَراد الْآنَ، فَزَادَ التَّاءَ وأَلقى حَرَكَةَ الْهَمْزَةِ عَلَى مَا قَبْلَهَا. قَالَ أَبو زَيْدٍ: سَمِعْتُ مَنْ يَقُولُ حَسْبُكَ تَلانَ، يُرِيدُ الْآنَ، فَزَادَ التَّاءَ، وَقِيلَ: أَراد العاطفونَهْ، فأَجراه فِي الْوَصْلِ عَلَى حَدِّ مَا يَكُونُ عَلَيْهِ فِي الْوَقْفِ، وَذَلِكَ أَنه يُقَالُ فِي الْوَقْفِ: هَؤُلَاءِ مسلمونهْ وضاربونَهْ فَتَلْحَقُ الْهَاءُ لِبَيَانِ حَرَكَةِ النُّونِ، كَمَا أَنشدوا:
أَهكذَا يَا طيْب تَفْعَلُونَهْ، ... أَعَلَلَا وَنَحْنُ مُنْهِلُونَهْ؟
فَصَارَ التَّقْدِيرُ الْعَاطِفُونَهْ، ثُمَّ إِنه شَبَّهَ هَاءَ الْوَقْفِ بِهَاءِ التأْنيث، فَلَمَّا احْتَاجَ لإِقامة الْوَزْنِ إِلى حَرَكَةِ الْهَاءِ قَلَبَهَا تَاءً كَمَا تَقُولُ هَذَا طَلْحَهْ، فَإِذَا وَصَلْتَ صَارَتِ الْهَاءُ تَاءً فَقُلْتَ: هَذَا طَلْحَتُنَا، فَعَلَى هَذَا قَالَ الْعَاطِفُونَهْ، وَفُتِحَتِ التَّاءُ كَمَا فُتِحَتْ فِي آخِرِ رُبَّتَ وثُمَّتَ وذَيْتَ وكَيْتَ؛ وأَنشد الْجَوْهَرِيُّ «3» . بَيْتَ أَبي وَجْزَةَ:
العاطِفُونَ تَحِينَ مَا مِنْ عاطفٍ، ... والمُطْعِمونَ زمانَ أَيْنَ المُطْعِمُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَنشد ابْنُ السِّيرَافِيِّ:
فإِلَى ذَرَى آلِ الزُّبَيْرِ بفَضْلِهم، ... نِعْمَ الذَّرَى فِي النائباتِ لَنَا هُمُ
الْعَاطِفُونَ تَحِينَ مَا مِنْ عاطِفٍ، ... والمُسْبِغُونَ يَدًا إِذا مَا أَنْعَمُوا
__________
(3) . قوله [وأَنشد الجوهري إِلخ] عبارة الصاغاني هو إِنشاد مداخل والرواية:
الْعَاطِفُونَ تَحِينَ مَا مِنْ عَاطِفٍ، ... وَالْمُسْبِغُونَ يَدًا إِذا مَا أَنعموا
والمانعون من الهضيمة جارهم، ... والحاملون إِذا العشيرة تغرم
وَاللَّاحِقُونَ جِفَانَهُمْ قَمْعَ الذُّرَى ... وَالْمُطْعِمُونَ زَمَانَ أَين الْمُطْعِمُ.(13/134)
قَالَ: هَذِهِ الْهَاءُ هِيَ هَاءُ السَّكْتِ اضْطَرَّ إِلى تَحْرِيكِهَا؛ قَالَ وَمِثْلُهُ:
همُ القائلونَ الخيرَ والآمِرُونَهُ، ... إِذا مَا خَشُوا مِنْ مُحْدَثِ الأَمْرِ مُعْظَما.
وحينئذٍ: تَبْعيدٌ لِقَوْلِكَ الْآنَ. وَمَا أَلقاه إِلا الحَيْنَة الحِيْنَة بعد الحَيْنَةِ [الحِيْنَةِ] أَي الحِينَ بَعْدَ الحِينِ. وَعَامَلَهُ مُحايَنَةً وحِياناً: مِنَ الحينِ؛ الأَخيرة عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وَكَذَلِكَ استأْجره مُحايَنَةً وحِياناً؛ عَنْهُ أَيضاً. وأَحانَ مِنَ الحِين: أَزْمَنَ. وحَيَّنَ الشيءَ: جَعَلَ لَهُ حِيناً. وحانَ حِينُه أَي قَرُبَ وَقْتُه. والنَّفْسُ قَدْ حانَ حِينُها إِذا هَلَكَتْ؛ وَقَالَتْ بُثَيْنة:
وإِنَّ سُلُوِّي عَنْ جَميلٍ لساعَةٌ، ... مِنَ الدَّهْرِ، مَا حانَتْ وَلَا حانَ حِينُها
. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: لَمْ يُحْفَظْ لِبُثَيْنَةَ غَيْرُ هَذَا الْبَيْتِ؛ قَالَ: وَمِثْلُهُ لمُدْرِك بْنِ حِصْنٍ:
وليسَ ابنُ أُنْثى مائِتاً دُونَ يَوْمِهِ، ... وَلَا مُفْلِتاً مِنْ مِيتَةٍ حانَ حِينُها
. وَفِي تَرْجَمَةِ حَيْثُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى الْمَكَانِ، لأَنه ظَرْفٌ في الأَمكنة بمنزلة حِينٍ فِي الأَزمنة. قَالَ الأَصمعي: وَمِمَّا تُخْطِئُ فِيهِ العامَّةُ وَالْخَاصَّةُ بَابُ حِينَ وَحَيْثُ، غَلِطَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ مِثْلُ أَبي عُبَيْدَةَ وَسِيبَوَيْهِ؛ قَالَ أَبو حَاتِمٍ: رأَيت فِي كِتَابِ سِيبَوَيْهِ أَشياء كَثِيرَةً يَجْعَلُ حِينَ حَيْثُ، وَكَذَلِكَ فِي كِتَابِ أَبي عُبَيْدَةَ بِخَطِّهِ؛ قَالَ أَبو حَاتِمٍ: وَاعْلَمْ أَن حِينَ وَحَيْثُ ظَرْفَانِ، فَحِينَ ظَرْفٌ مِنَ الزَّمَانِ، وَحَيْثُ ظَرْفٌ مِنَ الْمَكَانِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدٌّ لَا يُجَاوِزُهُ، قَالَ: وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ جَعَلُوهُمَا مَعًا حَيْثُ، قَالَ: وَالصَّوَابُ أَن تَقُولَ رأَيت حَيْثُ كُنْتَ أَي فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كُنْتَ فِيهِ، واذْهَب حَيْثُ شِئْتَ أَي إِلى أَي مَوْضِعٍ شِئْتَ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما. وَتَقُولُ: رأَيتك حينَ خَرَجَ الحاجُّ أَي فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَهَذَا ظَرْفٌ مِنَ الزَّمَانِ، وَلَا تَقُلْ حَيْثُ خَرَجَ الْحَاجُّ. وَتَقُولُ: ائتِني حينَ مَقْدَمِ الحاجِّ، ولا يجوز حيثُ مَقْدَم الْحَاجِّ، وَقَدْ صَيَّرَ النَّاسُ هَذَا كُلَّهُ حَيْثُ، فلْيَتَعَهَّدِ الرجلُ كَلَامَهُ، فإِذا كَانَ موضعٌ يَحْسُنُ فِيهِ أَيْنَ وأَيُّ موضع فهو حيثُ، لأَن أَيْنَ مَعْنَاهُ حَيْثُ، وَقَوْلُهُمْ حَيْثُ كَانُوا وأَين كَانُوا مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، وَلَكِنْ أَجازوا الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا لِاخْتِلَافِ اللَّفْظَيْنِ، وَاعْلَمْ أَنه يَحْسُن فِي مَوْضِعِ حينَ لَمَّا وإِذ وإِذا ووقت ويوم وساعة ومتى، تقول: رأَيتك لَمَّا جِئْتَ، وحينَ جِئْتَ، وإِذْ جِئْتَ، وَقَدْ ذُكِرَ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي تَرْجَمَةِ حَيْثُ. وعَامَلْته مُحايَنة: مِثْلَ مُساوَعة. وأَحْيَنْتُ بِالْمَكَانِ إِذا أَقمت بِهِ حِيناً. أَبو عَمْرٍو: أَحْيَنَتِ الإِبلُ إِذا حانَ لَهَا أَن تُحْلَب أَو يُعْكَم عَلَيْهَا. وَفُلَانٌ يَفْعَلُ كَذَا أَحياناً وَفِي الأَحايِينِ. وتَحَيَّنْتُ رُؤْيَةَ فُلَانٍ أَي تَنَظَّرْتُه. وتَحيَّنَ الوارِشُ إِذا انْتَظَرَ وَقْتَ الأَكل لِيَدْخُلَ. وحَيَّنْتُ النَّاقَةَ إِذا جَعَلْتَ لَهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَقْتًا تَحْلِبُهَا فِيهِ. وحَيَّنَ الناقةَ وتَحَيَّنها: حَلَبها مَرَّةً فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، وَالِاسْمُ الحِينَةُ؛ قَالَ المُخَبَّلُ يَصِفُ إِبلًا:
إِذا أُفِنَتْ أَرْوَى عِيالَكَ أَفْنُها، ... وإِن حُيِّنَتْ أَرْبَى عَلَى الوَطْبِ حَينُها.
وَفِي حَدِيثِ الأَذان:
كَانُوا يَتَحَيَّنُون وقتَ الصَّلَاةِ
أَي يَطْلُبُونَ حِينَها. والحينُ: الوقتُ. وَفِي حَدِيثِ الجِمارِ:
كُنَّا نَتَحَيَّنُ زوالَ الشَّمْسِ.
وَفِي الْحَدِيثِ:
تَحَيَّنُوا نُوقَكم
؛ هُوَ أَن تَحْلُبها مَرَّةً وَاحِدَةً وَفِي وَقْتٍ مَعْلُومٍ. الأَصمعي: التَّحْيينُ أَن تحْلُبَ النَّاقَةَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً، قَالَ: والتَّوْجِيبُ مِثْلُهُ وَهُوَ كَلَامُ الْعَرَبِ. وإِبل مُحَيَّنةٌ إِذا كَانَتْ لَا(13/135)
تُحْلَبُ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ إِلا مَرَّةً وَاحِدَةً، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا بعد ما تَشُولُ وتَقِلُّ أَلبانُها. وَهُوَ يأْكل الحِينةَ والحَيْنة أَي الْمَرَّةَ الْوَاحِدَةَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، وَفِي بَعْضِ الأُصول أَي وَجْبَةً فِي الْيَوْمِ لأَهل الْحِجَازِ، يَعْنِي الْفَتْحَ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: فَرَّقَ أَبو عَمْرٍو الزَّاهِدُ بَيْنَ الحَيْنةِ وَالْوَجْبَةِ فَقَالَ: الحَيْنة فِي النُّوقِ والوَجْبة فِي النَّاسِ، وكِلاهما لِلْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ، فالوَجْبة: أَن يأْكل الإِنسان فِي الْيَوْمِ مَرَّةً وَاحِدَةً، والحَيْنة: أَن تَحْلُبَ النَّاقَةَ فِي الْيَوْمِ مَرَّةً. والحِينُ: يومُ الْقِيَامَةِ. والحَيْنُ، بِالْفَتْحِ: الْهَلَاكُ؛ قَالَ:
وَمَا كانَ إِلا الحَيْنُ يومَ لِقائِها، ... وقَطْعُ جَديدِ حَبْلِها مِنْ حِبالكا
. وَقَدْ حانَ الرجلُ: هَلَك، وأَحانه اللَّهُ. وَفِي الْمَثَلِ: أَتَتْكَ بحائنٍ رِجْلاه. وَكُلُّ شَيْءٍ لَمْ يُوَفَّق للرَّشاد فَقَدْ حانَ. الأَزهري: يُقَالُ حانَ يَحِينُ حَيْناً، وحَيَّنَه اللَّهُ فتَحَيَّنَ. والحائنةُ: النَّازِلَةُ ذاتُ الحَين، وَالْجَمْعُ الحَوائنُ؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
بِتَبْلٍ غَيْرِ مُطَّلَبٍ لَدَيْها، ... ولكِنَّ الحَوائنَ قَدْ تَحِينُ
وَقَوْلُ مُلَيح:
وحُبُّ لَيْلى وَلَا تَخْشى مَحُونَتَهُ ... صَدْعٌ بنَفْسِكَ مِمَّا لَيْسَ يُنْتَقَدُ
. يَكُونُ مِنَ الحَيْنِ، وَيَكُونُ مِنَ المِحْنةِ. وحانَ الشيءُ: قَرُبَ. وحانَتِ الصلاةُ: دَنَتْ، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ. وحانَ سنْبُلُ الزَّرْعِ: يَبِسَ فآنَ حصادُه. وأَحْيَنَ القومُ: حانَ لَهُمْ مَا حَاوَلُوهُ أَو حَانَ لَهُمْ أَن يَبْلُغُوا مَا أَمَّلوه؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
كيفَ تَنام بعدَ ما أَحْيَنَّا
. أَي حانَ لَنَا أَن نَبْلُغَ. والحانَةُ: الحانُوتُ؛ عَنْ كُرَاعٍ. الْجَوْهَرِيُّ: والحاناتُ الْمَوَاضِعُ الَّتِي فِيهَا تُبَاعُ الْخَمْرُ. والحانِيَّةُ: الْخَمْرُ مَنْسُوبَةٌ إِلى الْحَانَةِ، وَهُوَ حانوتُ الخَمَّارِ، والحانوتُ مَعْرُوفٌ، يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، وأَصله حانُوَةٌ مِثْلُ تَرْقُوَةٍ، فَلَمَّا أُسكنت الْوَاوُ انْقَلَبَتْ هَاءُ التأْنيث تَاءً، وَالْجَمْعُ الحَوانيتُ لأَن الرَّابِعَ مِنْهُ حَرْفُ لِينٍ، وإِنما يُرَدُّ الاسمُ الَّذِي جَاوَزَ أَربعة أَحرف إِلى الرُّبَاعِيِّ فِي الْجَمْعِ وَالتَّصْغِيرِ، إِذا لَمْ يَكُنِ الْحَرْفُ الرَّابِعُ مِنْهُ أَحد حُرُوفِ الْمَدِّ وَاللِّينِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: حانوتٌ أَصله حَنَوُوت، فقُدِّمت اللَّامُ عَلَى الْعَيْنِ فَصَارَتْ حَوَنُوتٌ، ثُمَّ قُلِبَتِ الْوَاوُ أَلفاً لتحرُّكها وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا فَصَارَتْ حانُوتٍ، وَمِثْلُ حانُوت طاغُوتٌ، وأَصله طَغَيُوتٌ، والله أَعلم.
فصل الخاء المعجمة
خبن: خَبَنَ الثوبَ وغَيرَه يَخْبِنُه خَبْناً وخِباناً وخُباناً: قلَّصَه بِالْخِيَاطَةِ. قَالَ اللَّيْثُ: خَبَنْتُ الثوبَ خَبْناً إِذا رفعتَ ذُلْذُلَ الثوبِ فخِطْتَه أَرْفَعَ مِنْ مَوْضِعِهِ كَيْ يَتَقَلَّصَ ويَقْصُر كَمَا يُفْعَلُ بِثَوْبِ الصَّبِيِّ، قَالَ: والخُبْنةُ ثيابُ الرَّجُلِ، وَهُوَ ذُلْذُلُ ثَوْبِهِ الْمَرْفُوعِ. يُقَالُ: رَفَعَ فِي خُبْنَتِه شَيْئًا، وَقَدْ خَبَنَ خَبْناً. والخُبْنةُ: الحُجْزة يَتَّخِذُهَا الرَّجُلُ فِي إِزاره لأَنه يُقَلِّصُها. والخُبْنة: الوعاءُ يُجْعَلُ فِيهِ الشَّيْءُ ثُمَّ يُحْمَلُ كَذَلِكَ أَيضاً، فإِن جَعَلْتَهُ أَمامك فَهُوَ ثِبانٌ، وإِن حَمَلْتَهُ عَلَى ظَهْرِكَ فَهُوَ حالٌ. والخُبْنَةُ: مَا تَحْمِلُهُ فِي حِضْنِك. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ الله عنه: إِذا مَرَّ أَحدُكم بحائطٍ فلْيأْكُلْ مِنْهُ وَلَا يتخذْ خُبْنةً
؛ قَالَ: الخُبْنةُ والحُبْكةُ فِي الحُجْزَة حُجْزَةِ السَّراويل، والثُّبْنةُ فِي الإِزارِ. وَيُقَالُ لِلثَّوْبِ إِذا(13/136)
طَالَ فَثَنَيْتَه: قَدْ خَبَنْته وغبَنْته وكَبَنْته. ابْنُ الأَعرابي: أَخْبَنَ الرجلُ إِذا خَبَأَ فِي خُبْنة سَراويلِه مِمَّا يَلِي الصُّلْبَ، وأَثْبَنَ إِذا خَبَأَ فِي ثُبْنَتِه مِمَّا يَلِي البَطْنَ، وعَنى بثُبْنَتِه إِزارَه. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ:
مَنْ أَصابَ بفِيه مِنْ ذِي حاجةٍ غيرَ مُتَّخِذٍ خُبْنةَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ
أَي لَا يأْخذ مِنْهُ فِي ثَوْبِهِ. وخَبَنَ الشِّعْرَ يخْبِنه خَبْناً: حذَف ثَانِيَهُ مِنْ غَيْرِ أَن يَسْكُنَ لَهُ شَيْءٌ إِذا كَانَ مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ الزحافُ، كحذْف السِّينِ مِنْ مُسْتَفعِلُن، وَالْفَاءِ مِنْ مَفْعولات، والأَلف مِنْ فاعِلاتن، وَكُلُّهُ مِنَ الخَبْنِ الَّذِي هُوَ التَّقْليصُ. قال أَبو إِسحق: إِنما سُمِّيَ مَخْبُوناً لأَنك كأَنك عطَفتَ الجُزْءَ، وإِن شِئْتَ أَتممتَ، كَمَا أَنَّ كلَّ مَا خَبَنْتَه مِنْ ثوبٍ أَمكَنَكَ إِرْسالُه، وإِنما سُمِّيَ خَبْناً لأَن حَذْفَه مَعَ أَوَّله؛ هَذَا قَوْلُ أَبي إِسحق، وَقَوْلُ المُخبَّل أَنشده ابْنُ الأَعرابي:
وكانَ لَهَا مِنَ حوْضِ سَيْحانَ فُرْصةٌ، ... أَراغَ لَهَا نَجْمٌ مِنَ القَيْظِ خابنُ
. أَي خَبَنَها القيظُ، وَفَسَّرَهُ ابْنُ الأَعرابي فَقَالَ: خابِنٌ خَبَنَ مِنْ طُولِ ظِمئها أَي قَصَّر، يَقُولُ: اشتَدَّ القيظُ ويَبِسَ البَقْلُ فقَصُر الظِّمءُ. ورجلٌ خُبُنٌّ: مُتقَبِّضٌ ككُبُنٍّ. وخَبَنَ الشَّيْءَ يَخْبِنُه خَبْناً: أَخفاه. وخَبَنَ الطَّعامَ إِذا غَيَّبَه واستَعَدَّه للشِّدَّة. والخُبْنُ فِي الْمَزَادَةِ: مَا بَيْنَ الخَرَبِ «1» . والفَمِ، وَهُوَ دُونَ المِسْمَع، وَلِكُلِّ مِسْمَع خُبْنان. وَيُقَالُ: خَبَنَتْه خَبُونُ مِثْلَ شَعَبَتْه شَعُوبُ إِذا مَاتَ. والخُبْنة: موضعٌ. وإِنه لَذُو خَبَناتٍ وخَنَباتٍ: وَهُوَ الَّذِي يَصْلُحُ مَرَّةً ويَفْسُد أُخرى.
خبعثن: الخُبَعْثِنة: الناقةُ الحَريزة. وتَيسٌ خُبَعْثِنٌ: غَلِيظٌ شَدِيدٌ؛ قَالَ:
رأَيتُ تَيْساً راقَني لسَكَني، ... ذَا مَنْبِتٍ يَرْغَبُ فِيهِ المُقْتَني،
أَهْدَبَ مَعْقودَ القَرَى خُبَعْثِن
. والخُبَعْثِنُ أَيضاً مِنَ الرِّجَالِ: القويُّ الشَّدِيدُ. أَبو عُبَيْدَةَ: الخُبَعْثِنة مِنَ الرِّجَالِ الشديدُ الخَلْق الْعَظِيمُهُ، وَقِيلَ: هُوَ الْعَظِيمُ الشَّدِيدُ مِنَ الأُسد. الْجَوْهَرِيُّ: الخُبَعْثِنة الضَّخْمُ الشَّدِيدُ مِثْلُ القُذَعْمِلَة؛ وأَنشد أَبو عَمْرٍو:
خُبَعْثِنُ الخَلْقِ فِي أَخلاقه زَعَرٌ
وَقَالَ أَبو زُبيدٍ الطَّائِيُّ فِي وَصْفِ الأَسد:
خُبَعْثِنةٌ فِي ساعِدَيهِ تَزايُلٌ، ... تقولَ وعَى مِنْ بعدِ مَا قَدْ تكَسَّرا
. وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ يَصِفُ إِبِلًا:
حُوَاساتُ العَشاءِ خُبَعْثناتٌ، ... إِذا النَّكْباءُ عارَضَتِ الشَّمَالا
. حُواسات: أَكُولات. يُقَالُ: حاسَ يَحُوسَ حَوْساً أَكل، والعَشاء، بِفَتْحِ الْعَيْنِ: الطَّعَامُ بِعَيْنِهِ، أَي هِيَ أَكولاتٌ مستوفياتٌ لِعَشَائِهِنَّ، وَمَنْ رَوَى العِشاء، بِكَسْرِ الْعَيْنِ، فَمَعْنَى حُواسات مُجْتَمِعَاتٌ؛ وَقَالَ اللَّيْثُ: الخُبَعْثِنُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ التارُّ البَدَنِ، وَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ ذَكَرَهَا الْجَوْهَرِيُّ بَعْدَ تَرْجَمَةِ خَتَنَ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ ابْنُ بَرِّيٍّ أَيضاً وَلَمْ يَنْتَقِدْهُ على الجوهري.
ختن: خَتَنَ الغلامَ وَالْجَارِيَةَ يَخْتِنُهما ويَخْتُنهما خَتْناً، وَالِاسْمُ الخِتانُ والخِتانةُ، وَهُوَ مَخْتون، وَقِيلَ: الخَتْن لِلرِّجَالِ، والخَفْضُ لِلنِّسَاءِ. والخَتِين: المَخْتُونُ، الذَّكَرُ والأُنثى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. والخِتانة: صِنَاعَةُ الْخَاتِنِ. والخَتْنُ: فِعْل الْخَاتِنِ الغُلامَ، والخِتان ذَلِكَ الأَمْرُ كُلُّه وعِلاجُه. والخِتانُ:
__________
(1) . قوله [ما بين الخرب] بالتحريك آخره باء موحدة كما في المحكم والتكملة(13/137)
مَوْضِعُ الخَتْنِ مِنَ الذَّكَرِ، وَمَوْضِعُ الْقَطْعِ مِنْ نَواة الْجَارِيَةِ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: هُوَ مَوْضِعُ الْقَطْعِ مِنَ الذَّكَرِ والأُنثى؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ المرويُّ:
إِذا الْتَقَى الخِتانان فَقَدْ وَجَبَ الغسلُ
، وَهُمَا مَوْضِعُ الْقَطْعِ مِنْ ذَكَرِ الْغُلَامِ وَفَرْجِ الْجَارِيَةِ. وَيُقَالُ لقَطْعهما الإِعْذارُ والخَفْضُ، وَمَعْنَى الْتِقَائِهِمَا غُيُوبُ الْحَشَفَةِ فِي فَرْجِ المرأَة حَتَّى يَصِيرَ خِتانه بِحِذَاءِ خِتَانِها، وَذَلِكَ أَن مَدْخَلَ الذَّكَرِ مِنَ المرأَة سَافِلٌ عَنْ خِتانِها لأَن خِتَانَهَا مستعلٍ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَن يَمَاسَّ خِتانُه خِتَانَهَا؛ هَكَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِهِ. وأَصل الخَتْن: القطعُ. وَيُقَالُ: أُطْحِرَتْ خِتانَتُه إِذا اسْتُقْصِيَتْ فِي القَطْعِ، وَتُسَمَّى الدَّعْوةُ لِذَلِكَ خِتاناً، وخَتَنُ الرجلِ المُتزوِّجُ بِابْنَتِهِ أَو بأُخته؛ قَالَ الأَصمعي: ابْنُ الأَعرابي: الخَتَنُ أَبو امرأَة الرَّجُلِ وأَخو امرأَته وَكُلُّ مَنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ امرأَته، وَالْجَمْعُ أَخْتانٌ، والأُنثى خَتَنَة. وخاتَنَ الرجلُ الرجلَ إِذا تَزَوَّجَ إِليه. وَفِي الْحَدِيثِ:
عليٌّ خَتَنُ رسول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
، أَي زوجُ ابْنَتِهِ، وَالِاسْمُ الخُتُونة. التَّهْذِيبُ: الأَحْماءُ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ، والأَخْتانُ مِنْ قِبَلِ المرأَة، والصِّهْرُ يَجْمَعُهُمَا. والخَتَنة: أُمُّ المرأَة وَعَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ. غَيْرُهُ: الخَتَنُ كُلُّ مَنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ المرأَة مِثْلَ الأَب والأَخ، وَهُمُ الأَخْتانُ، هَكَذَا عِنْدَ الْعَرَبِ، وأَما العامَّةُ فخَتَنُ الرَّجُلِ زوجُ ابْنَتِهِ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِلرَّاجِزِ:
وَمَا عَلَيَّ أَن تكونَ جارِيهْ، ... حَتَّى إِذا مَا بَلَغَتْ ثَمانِيَهْ
زَوَّجْتُها عُتْبَةَ أَو مُعاوِيهْ، ... أَخْتانُ صدقٍ ومُهورٌ عالِيَهْ
. وأَبو بَكْرٍ وَعُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، خَتَنا رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَسُئِلَ
سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَيَنْظُر الرَّجُلُ إِلى شَعَرِ خَتَنَتِه؟ فقرأَ هَذِهِ الْآيَةَ: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ، حَتَّى قرأَ الْآيَةَ فَقَالَ: لَا أَراه فِيهِمْ وَلَا أَراها فيهنَ
، أَراد بخَتَنَتِه أُمَّ امرأَته. وَرَوَى الأَزهري أَيضاً قَالَ: سُئِلَ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ الرَّجُلِ يَرَى رأْس أُم امرأَته فَتَلَا: لَا جُناحَ عَلَيْهِنَّ، إِلى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَ: لَا أَراها فِيهِنَّ.
ابْنُ المظفَّر: الخَتَن الصِّهْر. يُقَالُ: خاتَنْتُ فُلَانًا مُخاتَنةً، وَهُوَ الرَّجُلُ الْمُتَزَوِّجُ فِي الْقَوْمِ، قَالَ: والأَبوانِ أَيضاً خَتَنا ذَلِكَ الزَّوْجِ. والخَتَنُ: زوجُ فَتَاةِ الْقَوْمِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ قِبَلِه مِنْ رَجُلٍ أَو امرأَة فَهُمْ كُلُّهُمْ أَخْتانٌ لأَهل المرأَة. وأُمّ المرأَة وأَبوها: خَتَنانِ لِلزَّوْجِ، الرجلُ خَتَنٌ والمرأَة خَتَنة. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: الخُتُونة المُصاهرة وَكَذَلِكَ الخُتون، بِغَيْرِ هَاءٍ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
رأَيتُ خُتونَ العامِ، والعامِ قَبْلَهُ، ... كحائضةٍ يُزْنى بِهَا غيرَ طاهِر
. أَراد رأَيت مُصَاهَرَةَ الْعَامِ وَالْعَامِ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ كامرأَة حَائِضٍ زُنِيَ بِهَا، وَذَلِكَ أَنهما كَانَا عامَيْ جَدْبٍ، فَكَانَ الرَّجُلُ الهَجِينُ إِذا كَثُرَ مَالُهُ يَخْطُبُ إِلى الرَّجُلِ الشَّرِيفِ الْحَسِيبِ الصَّرِيحِ النَّسَبِ إِذا قَلَّ مالُه حَريمتَه فَيُزَوِّجُهُ إِياها لِيَكْفِيَهُ مَؤُونَتَهَا فِي جُدُوبَةِ السَّنَةِ، فَيَتَشَرَّفُ الهَجِينُ بِهَا لِشَرَفِ نَسَبِهَا عَلَى نَسَبِهِ، وَتَعِيشُ هِيَ بِمَالِهِ، غَيْرَ أَنها تُورِثُ أَهلها عَارًا كَحَائِضَةٍ فُجِرَ بِهَا فَجَاءَهَا الْعَارُ مِنْ جِهَتَيْنِ: إِحداهما أَنها أُتيت حَائِضًا، وَالثَّانِيَةُ أَن الوطءَ كَانَ حَرَامًا وإِن لَمْ تكُن حَائِضًا. والخُتونة أَيضاً: تَزَوُّجُ الرَّجُلِ المرأَةَ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ جَرِيرٍ:
وَمَا اسْتَعْهَدَ الأَقوامُ مِنْ ذِي خُتُونةٍ ... مِنَ الناسِ، إِلا مِنكَ أَو مِنْ مُحاربِ
. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: والخُتُونة تَجْمَعُ المُصاهرةَ بَيْنَ(13/138)
الرَّجُلِ والمرأَة، فأَهلُ بَيْتِهَا أَخْتانُ أَهل بَيْتِ الزَّوْجِ وأَهلُ بيتِ الزَّوْجِ أَخْتانُ المرأَةِ وأَهلِها. ابْنُ شُمَيْلٍ: سُمِّيَتِ المُخاتَنَة مُخاتنةً، وَهِيَ الْمُصَاهَرَةُ، لِالْتِقَاءِ الخِتانَيْنِ مِنْهُمَا. وَرُوِيَ عَنْ
عُيَيْنة بْنِ حِصْنٍ: أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِن مُوسَى أَجَرَ نَفْسَه بعِفَّةِ فَرْجِهِ وشِبَعِ بَطْنِه، فَقَالَ لَهُ خَتَنُه: إِن لَكَ فِي غَنَمِي مَا جَاءَتْ بِهِ قالِبَ لَوْنٍ
؛ قالِبَ لَوْنٍ: عَلَى غَيْرِ أَلوان أُمهاتها، أَراد بالخَتَنِ أَبا المرأَة، وَاللَّهُ أَعلم.
خدن: الخِدْنُ والخَدِين: الصديقُ، وَفِي الْمُحْكَمِ: الصاحبُ المُحدِّثُ، وَالْجَمْعُ أَخْدانٌ وخُدَناء. والخِدْنُ والخَدِينُ: الَّذِي يُخَادِنُك فَيَكُونُ مَعَكَ فِي كُلِّ أَمر ظَاهِرٍ وَبَاطِنٍ. وخِدْنُ الْجَارِيَةِ: مُحَدِّثُها، وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَمْتَنِعُونَ مِنْ خِدْنٍ يُحَدِّثُ الْجَارِيَةَ فَجَاءَ الإِسلامُ بِهَدْمِهِ. والمُخادَنة: المُصاحبة، يُقَالُ: خادَنْتُ الرجلَ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِن احْتاجَ إِلى مَعُونتهم فشَرُّ خليلٍ وأَلأَمُ خَدِينٍ
؛ الخِدْنُ والخَدِينُ: الصَّدِيقُ. والأَخْدَنُ: ذُو الأَخْدانِ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
وانْصَعْنَ أَخْداناً لذاكَ الأَخْدَنِ.
وَمِنْ ذَلِكَ خِدْنُ الْجَارِيَةِ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ
؛ يَعْنِي أَن يَتِّخِذْنَ أَصدقاء. وَرَجُلٌ خُدَنةٌ: يُخادِنُ الناسَ كثيراً.
خذن: اللَّيْثُ: الخُذُنَّتانِ الأُذُنانِ؛ وأَنشد:
يَا ابْنَ الَّتِي خُذُنَّتاها باعُ
. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: هَذَا تَصْحِيفٌ، وَالصَّوَابُ الحُذُنَّتان، هَكَذَا رُوِيَ لَنَا عَنْ أَبي عُبَيْدٍ وَغَيْرِهِ، والخاء وهم.
خذعن: الخُذْعُونة: القِطْعَةُ مِنَ القَرْعة والقِثَّاءةِ أَو الشَّحْمِ.
خرطن: الخَراطِينُ: دِيدانٌ طِوالٌ تَكُونُ فِي طِينِ الأَنهار؛ قَالَ الأَزهري: وَلَا أَحْسَبُها عَرَبِيَّةً مَحْضَةً، وَاللَّهُ أَعلم.
خزن: خَزَنَ الشَّيءَ يَخْزُنه خَزْناً واخْتَزَنه: أَحْرَزه وَجَعَلَهُ فِي خِزانة وَاخْتَزَنَهُ لِنَفْسِهِ. والخِزانةُ: اسْمُ الْمَوْضِعِ الَّذِي يُخْزَن فِيهِ الشَّيْءِ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ
. والخِزانةُ: عَملُ الخازِن. والمَخْزَن، بِفَتْحِ الزَّايِ: مَا يُخْزَن فِيهِ الشَّيْءُ. والخِزانةُ: وَاحِدَةُ الخَزائن. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ
؛ قَالَ ابْنُ الأَنباري: مَعْنَاهُ غُيوب عِلْمِ اللَّهِ الَّتِي لَا يَعْلَمُهَا إِلا اللَّهُ، وَقِيلَ للغُيوب خَزائنُ لِغُمُوضِهَا عَلَى النَّاسِ وَاسْتِتَارِهَا عَنْهُمْ. وخَزَن المالَ إِذا غيَّبه. وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: إِنما آياتُ الْقُرْآنِ خَزَائِنُ، فإِذا دخلتَ خِزَانَةً فَاجْتَهِدْ أَن لَا تَخْرُجَ مِنْهَا حَتَّى تَعْرِفَ مَا فِيهَا، قَالَ: شبَّه الْآيَةَ مِنَ الْقُرْآنِ بِالْوِعَاءِ الَّذِي يُجْمَعُ فِيهِ الْمَالُ الْمَخْزُونُ، وَسُمِّيَ الْوِعَاءُ خِزَانَةً لأَنه مِنْ سَبَبِ الْمَخْزُونِ فِيهِ. وخِزانة الإِنسان: قَلْبُهُ. وخازِنه وخَزّانه: لِسَانُهُ، كِلَاهُمَا عَلَى الْمِثْلِ. وَقَالَ
لُقْمَانُ لِابْنِهِ: إِذا كَانَ خازِنك حَفِيظًا وخِزانتك أَمينةً رَشدْتَ فِي أَمرَيْكَ دُنْيَاكَ وَآخِرَتِكَ
، يَعْنِي اللِّسَانَ وَالْقَلْبَ؛ وَقَالَ:
إِذا المَرْءُ لَمْ يَخْزُنْ عَلَيْهِ لسانُه، ... فَلَيْسَ عَلَى شيءٍ سِواه بخازِنِ
. وخَزَنتُ السِّرَّ واختزَنْتُه: كتَمْتُه. وخَزِنَ اللحمُ، بِالْكَسْرِ، يَخْزَنُ وخَزَنَ يَخْزُن خَزْناً وخُزوناً وخَزُنَ، فَهُوَ خَزينٌ: تَغَيَّرَ وأَنتن مِثْلَ خَنِزَ مَقْلُوبٌ مِنْهُ؛ قالَ طَرَفَةُ:(13/139)
ثُمَّ لا يَحْزَنُ فِينَا لَحْمُها، ... إِنما يَخْزَنُ لحمُ المُدَّخِر
. وعمَّ بَعْضُهُمْ بِهِ تَغَيُّرَ الطَّعَامِ كُلِّهِ. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الخَزَّانُ الرُّطَب تسْوَدُّ أَجوافه مِنْ آفَةٍ تُصِيبُهُ، اسْمٌ كالجَبّان والقَذّاف، وَاحِدَتُهُ خَزّانة. واختَزَنتُ الطريقَ واخْتَصرْتُه، وأَخذنا مخازِنَ الطَّرِيقِ ومَخاصِرَها أَي أَخذنا أَقرَبها.
خسن: أَهمله اللَّيْثُ، وَرَوَى ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي: أَخسَنَ الرجلُ: إِذا ذَلَّ بَعْدَ عِزٍّ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ.
خشن: الخَشِنُ والأَخشَنُ: الأَحرشُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ؛ قَالَ:
والحجرَ الأَخْشَن والثِّنايه
. وَجَمْعُهُ خِشانٌ والأُنثى خَشِنة وخَشْناء؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي يَعْنِي جُلَّة التَّمْرِ: وَقَدْ
لَفَّفا خَشْناءَ ليْسَتْ بوَخشةٍ، ... تُوارِي سماءَ البيتِ، مُشْرِفةَ القُتْرِ
. خَشُنَ خُشْنةً وخَشانة وخُشونة ومَخْشَنة، فَهُوَ خَشِنَ أَخشَن، والمُخاشنة فِي الْكَلَامِ وَنَحْوِهِ. وَرَجُلٌ أَخشن: خَشِن. والخُشونة: ضِدُّ اللِّينِ، وَقَدْ خَشُن، بِالضَّمِّ، فَهُوَ خَشِن. واخشَوْشنَ الشيءُ: اشتَدَّت خُشونتُه، وَهُوَ لِلْمُبَالَغَةِ كَقَوْلِهِمْ أَعشَبت الأَرضُ واعْشَوْشَبتْ، وَالْجَمْعُ خُشْنٌ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
تعَلَّمَنْ يَا زَيْدُ، يَا ابنَ زَينِ، ... لأُكْلَةٌ مِنْ أَقِطٍ وسَمْنِ،
وشَرْبتان مِنْ عكِيِّ الضَّأْنِ، ... أَلْيَنُ مَسّاً فِي حَوايا البَطْنِ.
مِنْ يَثْرَبِيّاتٍ قِذاذٍ خُشْنٍ، ... يَرْمي بِهَا أَرْمى مِنِ ابنِ تِقْنِ
. يَعْنِي بِهِ الجُدُد. وَفِي الْحَدِيثِ:
أُخَيْشِنُ فِي ذَاتِ اللَّهِ
؛ هُوَ تَصْغِيرُ الأَخشَنِ للخَشِن. وتخَشَّنَ واخشَوْشَن الرجلُ: لَبِسَ الخَشِن وَتَعَوَّدَهُ أَو أَكله أَو تَكَلَّمَ بِهِ أَو عَاشَ عَيشاً خَشِناً، وَقَالَ قَوْلًا فِيهِ خُشونة. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ الله عنه: اخشَوْشنوا
، فِي إِحدى رِوَايَاتِهِ، وفي حديث الْآخَرِ أَنه
قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: نِشْنِشة مِنْ أَخشَن
أَي حجرٌ مِنْ جبَل، وَالْجِبَالُ تُوصَفُ بالخُشونة. وَفِي حَدِيثِ
ظَبْيان: ذَنِّبوا خِشانَه
؛ الخِشانُ: مَا خَشُن مِنَ الأَرض، وَمَعْنَى خَشُن دُونَ مَعْنَى اخْشَوْشَنَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْرِيرِ الْعَيْنِ وَزِيَادَةِ الْوَاوِ، وَكَذَلِكَ كَلُّ مَا كَانَ مِنْ هَذَا كاعشَوْشَبَ وَنَحْوِهِ. واستَخْشَنه: وَجَدَهُ خَشِناً، وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَذْكُرُ الْعُلَمَاءَ الأَتقياء: واستَلانوا مَا اسْتَخْشَنَ المُتْرَفُون.
وخاشَنَه: خَشُن عَلَيْهِ، يَكُونُ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ. وَفُلَانٌ خَشِن الْجَانِبِ أَي صَعْب لَا يُطاق. وإِنه لَذُو خُشْنةٍ وخُشونة ومَخْشَنة إِذا كَانَ خَشِن الْجَانِبِ. وَفِي الثَّوْبِ وَغَيْرِهِ خُشونة، ومُلاءَة خشْناء: فِيهَا خُشونة إِما مِنَ الجِدَّة، وإِما مِنَ الْعَمَلِ. والخَشْناء: الأَرض الْغَلِيظَةُ. وأَرض خَشْناء: فِيهَا حِجَارَةٌ وَرَمْلٌ كخَشّاء. وكَتيبة خَشْناء: كَثِيرَةُ السِّلَاحِ. وَفِي حَدِيثِ الْخُرُوجِ إِلى أُحُد:
فإِذا بكَتيبة خَشْناء
أَي كَثِيرَةِ السِّلَاحِ خَشِنته، ومعشَر خُشْنٌ، وَيَجُوزُ تَحْرِيكُهُ فِي الشِّعْرِ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
إِذاً لَقامَ بنَصْري مَعْشَرٌ خُشُنٌ، ... عندَ الحفيظةِ، إِنْ ذُو لُوثةٍ لَانَا
. قَالَ: هُوَ مِثْلَ فَطِنٍ وفُطُن؛ قَالَ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ فِي فُطُنٍ:
لَا يَفْطِنُون لَعَيْبِ جارِهِم، ... وهُمُ لحِفْظِ جِوارِه فُطُنُ.(13/140)
وخاشَنْتُه: خِلَافُ لايَنْته. وخَشَّنْت صدرَه تَخْشيناً: أَوْغَرْتُ؛ قَالَ عَنْتَرَةُ:
لعَمري لَقَدْ أَعْذَرْت لَوْ تَعْذُرينني، ... وخَشَّنْتُ صَدْراً جَيْبُه لَكِ ناصِحُ.
والخُشْنة: الخُشونة؛ قَالَ حَكِيمُ بْنُ مُصعَب:
تشَكَّى إِليَّ الكلبُ خُشْنةَ عَيْشِه، ... وَبِي مثلُ مَا بِالْكَلْبِ أَوْ بِيَ أَكثر.
وَقَالَ شَمِرٌ: اخْشَوْشَنَ عَلَيْهِ صدْرُه وخَشُن عَلَيْهِ صدْرُه إِذا وَجَد عَلَيْهِ. والخَشْناء والخُشَيْناء: بَقْلَةٌ خَضْرَاءُ وَرَقُهَا قَصِيرٌ مِثْلُ الرَّمْرام، غَيْرُ أَنها أَشد اجْتِمَاعًا، وَلَهَا حبٌّ تَكُونُ فِي الرَّوْض والقِيعان، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لخُشونتها؛ وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الخُشَيناء بَقْلَةٌ تَنفَرش عَلَى الأَرض، خَشْناء فِي المَسِّ لَيِّنَةٌ فِي الْفَمِ، لَهَا تَلزُّج كتَلزُّج الرِّجْلة، ونَوْرتها صَفْرَاءُ كنَوْرة المُرّة، وَتُؤْكَلُ وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ مَرْعًى. وخُشَيْنة: بَطْنٌ مِنْ بُطُونِ الْعَرَبِ، وَالنِّسْبَةُ إِليهم خُشَنيٌّ. وَبَنُو خَشْناء وخُشَين: حَيّان، وَقَدْ سَمَّوْا أَخْشَنَ ومُخاشِناً وخُشَيْناً وخَشِناً. وأَخْشَنُ: جَبَلٌ. وَرَوَى ابْنُ الأَعرابي هَذَا الْمَثَلُ: شِنْشِنة أَعرفها مِنْ أَخْشَنَ، وَفَسَّرَهُ بأَنه اسْمُ جَبَلٍ، قَالَ: وَمَنْ قَالَ أَعرفها مِنْ أَخْزَم، فَهُوَ اسم رجل.
خصن: ابْنُ الأَعرابي: مِنْ أَسماء الفأْس الخَصِينُ والحَدَثانُ والمِكْشاح. ابْنُ سِيدَهْ: الخَصِينُ فأْسٌ ذاتُ خَلْفٍ وَاحِدٍ، تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ، وَالْجَمْعُ أَخْصُنٌ، وثلاثُ أَخْصُنٍ لتأْنيثه، وَهُوَ النَّاجَخُ «2» . أَيضاً؛ قَالَ إِمرؤ الْقَيْسِ:
يَقْطَعُ الغافَ بالخَصِينِ ويُشْلي، ... قَدْ عَلِمْنا بمَنْ يُدِير الرَّبابا.
خضن: خاضَنَ المرأَةَ خِضَاناً ومُخاضَنةً: غازَلها. والمُخاضَنَةُ: التَّرامي بِقَوْلِ الفُحْشِ. والمُخاضَنَةُ: المُغازَلة؛ قَالَ الطِّرِمَّاحُ:
وأَلقتْ إِليَّ القولَ منهنَّ زَوْلَةٌ، ... تُخاضِنُ أَو تَرْنُو لقَوْلِ المُخاضِنِ «3»
. وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:
وبَيْضاءَ مِثْل الرِّيم، لَوْ شِئْتُ قَدْ صَبَتْ ... إِليَّ، وَفِيهَا للمُخاضِنِ مَلْعَبُ
الأَصمعي وَغَيْرُهُ: يُقَالُ خَضَنْت الهديةَ والمعروفَ إِذا صَرَفها، وَكَذَلِكَ إِذا خَبَنها، اللِّحْيَانِيُّ: مَا خُضِنَتْ عَنْهُ المُروءَةُ إِلى غَيْرِهِ أَي مَا صُرِفَتْ. وَيُقَالُ: خَضنَه وخَبَنَه إِذا كَفَّه؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
تَعتَزُّ أَعْناقَ الصِّعابِ اللُّجَّنِ ... مِنَ الأَوابي بالرِّياضِ المِخْضَنِ
. اللُّجَّنُ: جَمْعُ اللَّجُونِ «4» . وَهُوَ الَّذِي لَا يَحْرُن وَلَا يَبْرَحُ مَكَانَهُ وإِن ضُرب، مِنَ الأَوابي: صِلَةٌ لِلصِّعَابِ، والمِخْضَنُ: المُذِلُّ. يُقَالُ: خَضَنَه خَضْناً إِذا أَذله. ابْنُ الأَعرابي: المِخْضَن الذي يُذَلِّلُ الدوابَّ.
خفن: اللَّيْثُ: الخَفَّانُ رِئالُ النَّعامِ، الْوَاحِدَةُ خَفَّانَة، وَهُوَ فَرْخُها؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: هَذَا تَصْحِيفٌ، وَالَّذِي أَراد اللَّيْثُ: الحَفَّان، بِالْحَاءِ، وَهِيَ رِئالُ النَّعام، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي حَرْفِ الْفَاءِ، قَالَ: وَالْخَاءُ فِيهِ خَطَأٌ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وخَفَّانُ مأْسدة بَيْنَ الثِّنْي وعُذَيْبٍ، فِيهِ غِياضٌ ونُزُوزٌ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ.
__________
(2) . قوله [وهو الناجخ] كذا بالتهذيب والتكملة كهاجر ولم نرها في مادتها
(3) . قوله [وأَلقت إِليّ الْقَوْلَ مِنْهُنَّ] كذا في الصحاح، وقال الصاغاني الرواية: وأَدّت إِليّ الْقَوْلَ عَنْهُنَّ إِلخ
(4) . قوله [اللجن جمع اللجون إِلخ] عبارة التكملة: اللجن البطاء(13/141)
ابْنُ الأَعرابي: الخَفْنُ اسْتِرخاء البَطْن، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: هُوَ حَرْفٌ غَرِيبٌ لَمْ أَسمعه لِغَيْرِهِ، اللَّيْثُ: الخَيْفانُ الجَراد أَوَّلَ مَا يَطِيرُ، جَرادةٌ خَيْفانة، وَكَذَلِكَ النَّاقَةُ السَّرِيعَةُ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: جَعَلَ خَيْفاناً فَيْعالًا مِنَ الخَفْنِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إِنما الخَيْفان مِنَ الْجَرَادِ الَّذِي صَارَ فِيهِ خُطوطٌ مُخْتَلِفَةٌ، وأَصله مِنَ الأَخْيَفِ، والنُّون فِي خَيْفان نُونُ فَعْلان، وَالْيَاءُ أَصلية. وخَفَيْنَنٌ: اسْمُ مَوْضِعٍ قَرِيبٍ مِنْ يَنْبُعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ؛ قَالَ كثيِّر:
فَقَدْ فُتْنَني لمَّا وردنَ خَفَيْنَناً، ... وهُنَّ عَلَى ماء الخُراضَةِ أَبعدُ.
خقن: خاقانُ: اسْمٌ لِكُلِّ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ التُّرْكِ. وخَقَّنُوه عَلَى أَنفسهم: رأَّسوهُ. اللَّيْثُ: خَاقانُ اسْمٌ يُسَمَّى بِهِ مَنْ يُخَقِّنُه التركُ عَلَى أَنفسهم؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَلَيْسَ مِنَ الْعَرَبِيَّةِ في شيء.
خمن: خَمَنَ الشيءَ يَخْمِنه خَمْناً وخَمَنَ يَخْمُنُ خَمْناً: قَالَ فِيهِ بالحَدْسِ والتخمينِ أَي بِالْوَهْمِ وَالظَّنِّ؛ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: أَحْسِبه مولَّداً. والتَّخْمِينُ: القولُ بالحَدْسِ. قَالَ أَبو حَاتِمٍ: هَذِهِ كَلِمَةٌ أَصلها فَارِسِيَّةٌ عُرِّبَتْ، وأَصلها مِنْ قَوْلِهِمْ خُمَاناً عَلَى الظَّنِّ «1» . والحَدْسِ. وخَمَّانُ الناسِ: خُشارَتُهم. وخَمَّانُ المَتاعِ: رَدِيئُهُ. والخَمَّانُ مِنَ الرُّمْح: الضَّعِيفُ. وَرُمْحٌ خَمَّانٌ: ضَعِيفٌ. وقَناة خَمَّانة كَذَلِكَ. وَهُوَ خامِنُ الذِّكْرِ: كَقَوْلِكَ خامِلُ الذِّكْرِ، عَلَى الْبَدَلِ؛ وأَنشد:
أَتاني، ودُوني مِنْ عَتَادي مَعاقِلٌ، ... وعيدُ مَلِيكٍ ذِكْرُه غيرُ خامِنِ.
فَعَلَّ أَبا قابُوسَ يَمْلِكُ غَرْبَهُ، ... ويَرْدَعُه عِلْمٌ بِمَا فِي الكَنَائِنِ
. وَيُرْوَى: عِلْماً، قَالَ: وَالرَّفْعُ أَحسن وأَجود.
خنن: الخَنِينُ مِنْ بُكَاءِ النِّسَاءِ: دُونَ الانْتِحابِ، وَقِيلَ: هُوَ تَرَدُّد الْبُكَاءِ حَتَّى يَصِيرَ فِي الصَّوْتِ غُنَّةٌ، وَقِيلَ: هُوَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالْبُكَاءِ، وَقِيلَ: هُوَ صَوْتٌ يَخْرُجُ مِنْ الأَنف، خَنَّ يَخِنُّ خَنِيناً، وَهُوَ بُكَاءُ المرأَةُ تَخِنُّ فِي بُكَائِهَا. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ: أَنه قَالَ لِابْنِهِ الحَسَن، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: إِنك تَخِنُّ خَنِينَ الْجَارِيَةِ
؛ قَالَ شَمِرٌ: خَنَّ خَنِيناً فِي الْبُكَاءِ إِذا رَدَّد الْبُكَاءَ فِي الخَياشيم، والخَنينُ يَكُونُ مِنَ الضَّحِكِ الْخَافِي أَيضاً. الْجَوْهَرِيُّ: الخَنِينُ كالبكاء في الأَنف وَالضَّحِكِ فِي الأَنف؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِنَ الخَنينِ كَالْبُكَاءِ فِي الأَنف قولُ مُدْرِكِ بْنِ حِصْنٍ الأَسَديّ:
بَكَى جَزَعاً مِنْ أَن يَمُوتَ، ... وأَجْهَشَتْ إِليه الجِرِشَّى، وارمَعَلَّ خَنِينُها
. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه كَانَ يُسْمَع خَنينُه فِي الصَّلَاةِ
؛ الخَنِينُ: ضَرْبٌ مِنَ الْبُكَاءِ دُونَ الِانْتِحَابِ، وأَصلُ الخَنِين خروجُ الصَّوْتِ مِنَ الأَنف كالحَنين مِنَ الْفَمِ. وَفِي حَدِيثِ
أَنس: فَغَطَّى أَصحابُ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجُوهَهم لَهُمْ خَنِينٌ.
وَفِي حَدِيثِ
خَالِدٍ: فأَخْبَرهم الخبرَ فَخَنُّوا يَبْكُونَ.
وَفِي حَدِيثِ
فَاطِمَةَ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهَا: قَامَ بِالْبَابِ لَهُ خَنِينٌ.
والخَنِينُ: الضَّحِكُ إِذا أَظهره الإِنسان فَخَرَجَ خَافِيًا، وَالْفِعْلُ كَالْفِعْلِ، خَنَّ يَخِنُّ خَنِيناً، فَإِذَا أَخرج صَوْتًا رَقِيقًا فَهُوَ الرَّنينُ، فإِذا أَخفاه فَهُوَ الهَنينُ، وَقِيلَ: الهَنِينُ مِثْلُ الأَنِينِ، يُقال: أَنَّ وهَنَّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والخَنَنُ والخُنَّةُ والمَخَنَّة كالغُنَّةِ، وَقِيلَ: هُوَ فَوْقَ الغُنَّة وأَقبح مِنْهَا، قال
__________
(1) . قوله [مِنْ قَوْلِهِمْ خُمَانًا عَلَى الظن إِلخ] هي عبارة التكملة بهذا الضبط(13/142)
المُبَرَّدُ: الغُنَّة أَن يُشْرَبَ الحرفُ صَوْتَ الخَيْشوم، والخُنَّة أَشدُّ مِنْهَا. التَّهْذِيبُ: الخُنَّة ضَرْبٌ مِنَ الْغُنَّةِ، كأَنَّ الْكَلَامَ يَرْجِعُ إِلَى الْخَيَاشِيمِ، يُقَالُ: امرأَة خَنَّاء وغَنَّاء وَفِيهَا مَخَنَّةٌ. وَرَجُلٌ أَخَنُّ أَي أَغَنُّ مسدودُ الْخَيَاشِيمِ، وَقِيلَ: هُوَ السَّاقِطُ الخَياشيم، والأُنثى خَنَّاء، وَقَدْ خَنَّ، وَالْجَمْعُ خُنٌّ؛ قَالَ دَهْلَبُ بْنُ قُرَيْعٍ:
جَارِيَةٌ ليستْ مِنَ الوَخْشَنِّ، ... وَلَا مِنَ السُّودِ القِصارِ الخُنِ
. ابْنُ الأَعرابي: النَّشِيجُ مِنَ الْفَمِ، والخَنِينُ مِنَ الأَنف، وَكَذَلِكَ النَّخِير، وَقَالَ الفَصِيحُ مِنْ أَعراب بَنِي كِلَابٍ: الخَنين سُدَدٌ فِي الخَياشيم، والخُنانُ مِنْهُ. وَقَدْ خَنْخَن إِذَا أَخرج الْكَلَامَ مِنْ أَنفه. والخُنانُ: دَاءٌ يأْخذ فِي الأَنف. والخَنْخَنة: أَن لَا يُبَيِّنَ الْكَلَامَ فيُخَنْخِن فِي خَياشيمه؛ وأَنشد:
خَنْخَنَ لِي فِي قَوْلِهِ سَاعَةً، ... فَقَالَ لِي شَيْئًا وَلَمْ أَسْمَعِ.
ابْنُ الأَعرابي: الرُّبّاحُ القِردُ، وَهُوَ الحَوْدَلُ، وَيُقَالُ لِصَوْتِهِ الخَنْخَنةُ، وَلِضَحِكِهِ القَحْقَحةُ. والخُنَنةُ: الثورُ المُسِنُّ الضَّخم. والخُنَانُ فِي الإِبل: كالزُّكام فِي النَّاسِ. يُقَالُ: خُنَّ الْبَعِيرُ، فَهُوَ مَخْنُون. وَزَمَنُ الخُنَانِ: زَمَنٌ مَاتَتْ فِيهِ الإِبل؛ عَنْهُ؛ وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: هُوَ زَمَنٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْعَرَبِ قَدْ ذَكَرُوهُ فِي أَشعارهم، قَالَ: وَلَمْ نَسْمَعْ فِيهِ مِنْ عُلَمَائِنَا تَفْسِيرًا شَافِيًا، قَالَ: والأَوَّل أَصح؛ قَالَ النَّابِغَةُ الْجَعْدِيُّ فِي الخُنَانِ للإِبل:
فَمَنْ يَحْرِصْ عَلَى كِبَري، فإِني ... مِنَ الشُّبّانِ أَيّامَ الخُنانِ
. قَالَ الأَصمعي: كَانَ الخُنَانُ دَاءً يأْخذ الإِبلَ فِي مَنَاخِرِهَا وَتَمُوتُ مِنْهُ فَصَارَ ذَلِكَ تَارِيخًا لَهُمْ، قَالَ والخُنانُ داءٌ يأْخذ النَّاسَ، وَقِيلَ: هُوَ داءٌ يأْخذ فِي الأَنف. ابْنُ سِيدَهْ: والخُنانُ داءٌ يَأْخُذُ الطَّيْرَ فِي حُلُوقها. يُقَالُ: طَائِرٌ مَخْنُون، وَهُوَ أَيضاً داءٌ يأْخذ الْعَيْنَ؛ قَالَ جَرِيرٌ:
وأَشْفِي مِنْ تَخَلُّج كلِّ داءٍ، ... وأَكْوي الناظِرَيْنِ مِنَ الخُنانِ
. والمَخَنَّةُ: الأَنف. التَّهْذِيبُ: قَالَ بَعْضُهُمْ خَنَنْتُ الجِذْعَ بالفأْس خَنّاً إِذَا قَطَعْتَهُ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذَا حَرْفٌ مُريبٌ، قَالَ: وَصَوَابُهُ عِنْدِي وجثَثْتُ العودَ جَثًّا، فأَما خَنَنْتُ بِمَعْنَى قَطَعْتُ فَمَا سَمِعْتُهُ. اللِّحْيَانِيُّ: رَجُلٌ مَجْنُون مَخْنُونٌ مَحْنُونٌ، وَقَدْ أَجَنَّه اللهُ وأَحَنَّه وأَخنَّه بِمَعْنًى وَاحِدٍ. أَبو عَمْرٍو: الخِنُّ السَّفِينَةُ الْفَارِغَةُ. ووَطِئَ مِخَنَّتَهم ومَخَنَّتَهم أَي حَرِيمُهُمْ. والمِخَنُّ: الرجلُ الطَّوِيلُ، وَالصَّحِيحُ المَخْنُ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ؛ وأَنشد الأَزهري:
لَمَّا رَآهُ جَسْرَباً مِخَنَّا ... أَقْصَرَ عَنْ حَسْناءَ وارْثَعَنَّا
. أَي استَرْخَى عَنْهَا. قَالَ: وَيُقَالُ لِلطَّوِيلِ مَخْنٌ، بِفَتْحِ الْمِيمِ وَجَزْمِ الْخَاءِ. وَفُلَانٌ مَخَنَّة لِفُلَانٍ أَي مأْكَلة. ومَخَنَّةُ الْقَوْمِ: حَرِيمُهُمْ. وخَنَنْتُ الجُلَّة إِذَا استخرجتَ مِنْهَا شَيْئًا بَعْدَ شيءٍ. التَّهْذِيبُ: المَخَنَّة وَسَطُ الدَّارِ، والمَخَنَّة الفِناءُ، والمَخَنَّةُ الْحَرَمُ، والمَخَنَّة مَضِيقُ الْوَادِي، والمَخَنَّةُ مَصَبُّ الْمَاءِ مِنَ التَّلْعَةِ إِلَى الْوَادِي، والمَخَنَّةُ فُوَّهَةُ الطَّرِيقِ، والمَخَنَّة المَحجَّة الْبَيِّنَةُ، والمَخَنَّة طَرَفُ الأَنف، قَالَ: وَرَوَى
الشَّعْبي أَن النَّاسَ لَمَّا قَدِمُوا الْبَصْرَةَ قَالَ بَنُو تَمِيمٍ لِعَائِشَةَ: هَلْ لَكِ فِي الأَحْنَفِ؟ قَالَتْ: لَا،(13/143)
وَلَكِنْ كُونُوا عَلَى مَخَنَّتِه أَي طَرِيقَتِهِ، وَذَلِكَ أَن الأَحْنَف تَكَلَّمَ فِيهَا بِكَلِمَاتٍ، وَقَالَ أَبياتاً يَلُومُهَا فِيهَا فِي وَقْعَةِ الْجَمَلِ؛ مِنْهَا:
فَلَوْ كانتِ الأَكْنانُ دُونَكِ، ... لَمْ يَجِدْ عَليكِ مَقَالًا ذُو أَداةٍ يَقُولُها
. فَبَلَغَهَا كلامُه وشِعْرُه فَقَالَتْ: أَلِي كَانَ يَسْتَجِمُّ مَثابَةَ سَفَهِه؟ وَمَا للأَحْنفِ وَالْعَرَبِيَّةِ، وَإِنَّمَا هُمْ عُلُوجٌ لآلِ عُبَيْدِ اللَّهِ سَكنوا الرِّيفَ، إِلَى اللَّهِ أَشكو عقوقَ أَبنائي؛ ثُمَّ قَالَتْ:
بُنَيَّ اتَّعِظْ، إنَّ المَواعِظَ سَهْلةٌ، ... ويُوشِكُ أَن تَكْتانَ وَعْراً سَبيلُها.
وَلَا تَنْسَينْ فِي اللهِ حَقَّ أُمُومَتي، ... فإِنك أَوْلى الناسِ أَن لَا تَقُولُها
وَلَا تَنْطِقَنْ فِي أُمَّةٍ ليَ بالخَنا ... حَنِيفيَّة، قَدْ كان بَعْلي رَسْولُها.
خون: المَخانَةُ: خَوْنُ النُّصْحِ وخَوْنُ الوُدِّ، والخَوْنُ عَلَى مِحَنٍ شَتَّى «2» . وَفِي الْحَدِيثِ:
المُؤْمِنُ يُطْبَع عَلَى كلِّ خُلُقٍ إِلَّا الخِيانَةَ والكَذِب.
ابْنُ سِيدَهْ: الخَوْنُ أَن يُؤْتَمن الإِنسانُ فَلَا يَنْصَحَ، خَانَهُ يَخُونُه خَوْناً وخِيانةً وخانَةً ومَخانَةً؛ وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَقَدْ تَمَثَّلَتْ بِبَيْتِ لَبِيدِ بْنِ رَبِيعَةَ:
يتَحَدَّثونَ مَخانَةً ومَلاذَةً، ... ويُعابُ قائلُهم، وَإِنْ لَمْ يَشْغَبِ.
المَخانة: مَصْدَرٌ مِنَ الخِيَانَةِ، وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ، وَقَدْ ذَكَرَهُ أَبو مُوسَى فِي الْجِيمِ مِنَ المُجُونِ، فَتَكُونُ الْمِيمُ أَصلية، وخانَهُ واخْتانه. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ
؛ أَي بعضُكم بَعْضًا. وَرَجُلٌ خائنٌ وَخَائِنَةٌ أَيضاً، وَالْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ، مِثْلُ عَلَّامة ونَسّابة؛ وأَنشد أَبو عُبَيْدٍ لِلْكِلَّابِيِّ يُخَاطِبُ قُرَيْناً أَخا عُمَيْرٍ الحَنَفِيِّ، وَكَانَ لَهُ عِنْدَهُ دَمٌ:
أَقُرَيْنُ، إِنَّكَ لَوْ رأَيْتَ فَوارِسِي ... نَعَماً يَبِتْنَ إِلى جَوانِبِ صَلْقَعِ
«3» حَدَّثْتَ نَفْسَكَ بالوَفاءِ، وَلَمْ تَكُنْ ... للغَدْرِ خائِنةً مُغِلَّ الإِصْبَعِ
. وخَؤُونٌ وخَوَّانٌ، وَالْجَمْعُ خانةٌ وخَوَنةٌ؛ الأَخيرة شَاذَّةٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَمْ يأْت شَيْءٌ مِنْ هَذَا فِي الْيَاءِ، أَعني لَمْ يَجِئْ مِثْلُ سَائِرٍ وسَيَرة، قَالَ: وإِنما شَذَّ مِنْ هَذَا مَا عَيْنُهُ وَاوٌ لَا يَاءٌ. وقومٌ خَوَنةٌ كَمَا قَالُوا حَوَكَة، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ وَجْهِ ثُبُوتِ الْوَاوِ، وخُوَّانٌ، وَقَدْ خَانَهُ العَهْدَ والأَمانةَ؛ قَالَ: فقالَ مُجِيباً:
وَالَّذِي حَجَّ حاتِمٌ ... أَخُونُكَ عَهْدًا، إِنني غَيرُ خَوَّانِ
وخَوَّنَ الرجلَ: نَسَبه إِلى الخَوْنِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
نَهَى أَن يَطْرُق الرجلُ أَهلَه لَيْلًا لِئَلَّا يَتَخَوَّنهم
أَي يَطْلُبَ خِيانتَهم وعَثَراتِهم ويَتَّهِمَهُمْ. وَخَانَهُ سيفُه: نَبا، كَقَوْلِهِ: السيفُ أَخوك وَرُبَّمَا خانَكَ. وَخَانَهُ الدَّهْرُ: غَيَّرَ حالَه مِنَ اللِّين إِلى الشِّدَّةِ؛ قَالَ الأَعشى:
وخانَ الزمانُ أَبا مالِكٍ، ... وأَيُّ امرئٍ لَمْ يخُنْه الزّمَنْ؟
وَكَذَلِكَ تَخَوَّنه. التَّهْذِيبُ: خَانَهُ الدهرُ والنعيمُ خَوْناً، وَهُوَ تَغَيُّرُ حَالِهِ إِلى شرٍّ مِنْهَا، وَإِذَا نَبا سيفُك عَنِ الضَّريبة فَقَدْ خَانَكَ. وَسُئِلَ بَعْضُهُمْ عَنِ السَّيْفِ فَقَالَ: أَخوك وَرُبَّمَا خَانَكَ. وكلُّ مَا غيَّرك عَنْ حَالِكَ فَقَدْ تَخَوَّنَك؛ وأَنشد لِذِي الرُّمَّةِ:
__________
(2) . قوله [على محن شتى] كذا بالأَصل بالتهذيب
(3) . قوله [صلقع] هكذا في الأَصل.(13/144)